فصول في الإمامة والبيعة للشيخ أبي المنذر الشنقيطي حفظه الله

Page 1

‫فصول في اإلمامة والبيعة‬

‫للشيخ‬

‫أبي المنذر الشنقيطي‬ ‫حفظه اهلل‬

‫‪1435‬ه | ‪2013‬م‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫محتويات الكتاب‬ ‫املقدمة‬ ‫فصل يف وجوب نصب اإلمام‬ ‫فصل وجوب نصب اإلمام على الفور ال على الرتاخي‬ ‫فصل وجوب نصب اإلمام منوط بوجود اجلماعة ال مبظنة اخلالف‬ ‫فصل التمكني والشوكة ليس شرطا لصحة البيعة‬ ‫فصل أهل احلل والعقد ال يشرتط أن يكونوا هم أهل الشوكة‬ ‫فصل ال تتعني مشورة من غاب عن جملس العقد‬ ‫فصل جيب الدخول يف بيعة من كان جامعا للشروط وحيرم االعرتاض عليها‬ ‫فصل ال يشرتط للبيعة عدد حمدود‬ ‫فصل إذا دار األمر بني انعدام اإلمام وجهالة عينه ثبتت البيعة ولو مع اجلهالة‬ ‫اخلامتة‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)1‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫المقدمة‬ ‫احلمد هلل رب العاملني وصلى اهلل على نبيه الكرمي وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬ ‫وبعد‪ :‬فقد ثارت يف الفرتة املاضية بعض النقاشات وترددت بعض الشبهات حول‬ ‫موضوع البيعة واإلمامة وما يلزم فيه من شروط ويتعني من أركان ‪..‬‬ ‫وقد كتب بعض اإلخوة يف هذا الباب فأفادوا وأجادوا وأحسنوا ما بنوه وشادوا‪.‬‬ ‫لكن رأينا من ركب املوج العباب وأفرغ بدلوه يف هذا الباب إال أنه أطال يف غري طائل‬ ‫وعاد بغري نائل ‪..‬‬ ‫فأحببت أن أكتب يف املسألة خمتصرا معدودا وضابطا حمدودا يبني ما التبس من‬ ‫مشكالت وجيمع ما تناثر من مهمات يكون ساملا من الطول املمجوج والقصر املخدوج فال‬ ‫السَرعان وال يستقله الظمآن ‪..‬‬ ‫ميلّه ّ‬ ‫واجتهدت قدر املستطاع أن أحتاشى ما ال يدخل يف مسائل النزاع ‪.‬‬ ‫وقد جعلته على شكل فصول وقواعد‪ ،‬ينطلق منها الشارد ويعود إليها الوارد‪.‬‬ ‫وال بد من التنبيه إىل أن باب " اإلمامة وبيعة األمراء " من األبواب اليت ضاقت فيه‬ ‫النصوص واتسعت اآلراء ‪.‬‬ ‫ونرى أن العصمة فيه من ولوج األخطاء‪ ،‬وركوب األهواء‪ ،‬ال تكون إال باتباع النصوص‬ ‫الظاهرة‪ ،‬واقتفاء اجلماعة الوافرة‪ ،‬واالعتماد على دقة االستنباط واالستدالل‪ ،‬ال جمرد‬ ‫حكايات األقوال ‪.‬‬ ‫فنسأل اهلل تعاىل أن يرزقنا التوفيق واإلصابة يف األقوال واألعمال ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)2‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فصل‬

‫في وجوب نصب اإلمام‬ ‫ال بد للناس من أمام جيمع الكلمة ويسوس الرعية ويدفع العادية ‪.‬‬ ‫وبانعدام اإلمام ختتل مصاحل األنام وتتعطل مجلة من األحكام ‪.‬‬ ‫وقد قيل أنه كان من عادة الفرس وشؤوهنم كلما مات ملك من ملوكهم أن يرتكوا الناس‬ ‫مخسة أيام بال سلطان وال زمام‪ ،‬وال رادع يردع الطغاة أو يقمع اجلناة‪ ،‬حىت تضطرب األمور‬ ‫وتعم الشرور‪ ،‬فيدرك الناس ضرورة السلطان وينقادوا له بالطاعة واإلذعان ‪.‬‬ ‫قال اإلمام اخلطايب‪( :‬ال بد للناس من إمام يقوم بأمر الناس وميضي فيهم أحكام اهلل‬ ‫ويردعهم عن الشر ومينعهم من التظامل والتفاسد) معامل السنن‪6/3 ،‬‬ ‫وقال حممد بن عمر بن مبارك احلمريي " حبرق " ‪:‬‬ ‫الضرر‪ ،‬أل ّن النّاس إذا كان هلم رئيس قاهر انتظمت‬ ‫يتضمن دفع ّ‬ ‫( فإ ّن نصب اإلمام ّ‬ ‫الشريف فيما شرع اهلل ورسوله فيه من األحكام‬ ‫الشرع ّ‬ ‫مصاحل دينهم ودنياهم‪ ،‬أل ّن مقاصد ّ‬ ‫وإما آجال‪،‬‬ ‫واحلدود‪ ،‬وإظهار شعائر ال ّدين‪ ،‬إّ​ّنا هي مصاحل عائدة إىل اخللق‪ّ ،‬إما عاجال ّ‬ ‫وإال ألفضى ذلك إىل اهلالك‪.‬‬ ‫يتم ّإال بإمام يرجعون إليه عند اختالفهم‪ّ ،‬‬ ‫ومعلوم أ ّن ذلك ال ّ‬ ‫األئمة‪ ،‬حبي يقطع بأ ّهنا لو متادت لتعطّلت أمور‬ ‫ويشهد لذلك ما يثور من الفنت عند موت ّ‬ ‫املعاش واملعاد) حدائق األنوار لبحرق‪( ،‬ص‪)393-393 :‬‬ ‫وقال الغزايل‪:‬‬ ‫( ال يتمارى العاقل يف أن اخللق على اختالف طبقاهتم وما هم عليه من تشتت األهواء‬ ‫وتباين اآلراء لو خلوا وآراءهم ومل يكن رأي مطاع جيمع شتاهتم هللكوا من عند آخرهم‪،‬‬ ‫وهذا داء ال عالج له إال بسلطان قاهر مطاع جيمع شتات اآلراء‪ ،‬فبان أن السلطان ضروري‬ ‫يف نظام الدنيا‪ ،‬ونظام الدنيا ضروري يف نظام الدين‪ ،‬ونظام الدين ضروري يف الفوز بسعادة‬ ‫اآلخرة وهو مقصود األنبياء قطعا‪ ،‬فكان وجوب نصب اإلمام من ضروريات الشرع الذي ال‬ ‫سبيل إىل تركه) االقتصاد يف االعتقاد للغزايل‪ ،‬ص‪.823:‬‬ ‫وما أحسن قول عبد اهلل بن املبارك‪ -‬رمحه اهلل‪:‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)3‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫بالسلطان معضلة ‪..‬عن ديننا وبه إصالح دنيانا‬ ‫اهلل يدفع ّ‬ ‫األئمة مل تأمن لنا سبل ‪..‬وكان أضعفنا هنبا ألقوانا‬ ‫لوال ّ‬ ‫وقد دلت النصوص الصرحية من األحادي‬ ‫يف الدوام على وجه اإللزام‪ ،‬ومن هذه النصوص‪:‬‬

‫الصحيحة على وجوب بيعة اإلمام ’ونصبه‬

‫‪ -8‬حدي عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال‪:‬‬ ‫« من مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية »رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪ -2‬حدي أيب سعيد اخلدري‪ ،‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬إذا خرج ثالثة‬ ‫يف سفر فليؤمروا أحدهم»رواه أبو داود‪.‬‬ ‫‪ -3‬حدي عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪ ...« :‬وال حيل‬ ‫لثالثة نفر يكونون بأرض فالة إال أمروا عليهم أحدهم»‪.‬رواه أمحد والطرباين يف املعجم‬ ‫الكبري ‪.‬‬ ‫وهذا دال باألحرى على وجوب نصب اإلمام األعظم ‪.‬‬ ‫ويف ذالك يقول الشوكاين ‪:‬‬ ‫( وإذا شرع هذا لثالثة يكونون يف فالة من األرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكثر‬ ‫يسكنون القرى واألمصار وحيتاجون لدفع التظامل وفصل التخاصم أوىل وأحرى‪ ،‬ويف ذلك‬ ‫دليل لقول من قال‪ :‬إنه جيب على املسلمني نصب األئمة والوالة واحلكام‪ )..‬نيل األوطار‪:‬‬ ‫‪. 292/3‬‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪:‬‬ ‫أقل اجلماعات وأقصر االجتماعات‪ ،‬أن يويل أحدهم‪ ،‬كان‬ ‫( فإذا كان قد أوجب يف ِّ‬ ‫هذا تنبيها على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك ) احلسبة يف اإلسالم‪ ،‬أو وظيفة‬ ‫احلكومة اإلسالمية ص‪9 :‬‬ ‫وقد نقل اإلمجاع على وجوب نصب اإلمام غري واحد من األئمة األعالم ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)4‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫قال النووي رمحه اهلل‪ ( :‬وأمجعوا على أنه جيب على املسلمني نصب خليفة ‪ .)..‬شرح‬ ‫النووي على مسلم‪202 /82 ،‬‬ ‫وقال ابن حزم ‪:‬‬ ‫( اتفق مجيع أهل السنة ومجيع املرجئة ومجيع الشيعة ومجيع اخلوارج على وجوب اإلمامة‬ ‫وأن األمة واجب علي ها االنقياد إلمام عادل يقيم فيهم أحكام اهلل ويسوسهم بأحكام‬ ‫الشريعة اليت أتى هبا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم) الفصل يف امللل واألهواء والنحل‪،‬‬ ‫‪32/2‬‬ ‫وقال حبرق‪:‬‬ ‫الصحابة رضي‬ ‫األمة‪ ،‬إلمجاع ّ‬ ‫السنّة أ ّن نصب اإلمام واجب على ّ‬ ‫(اعلم أ ّن مذهب أهل ّ‬ ‫خلو الوقت عن خليفة له‬ ‫اهلل عنهم بعد وفاة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على امتناع ّ‬ ‫وإمام‬ ‫الص ّديق رضي اهلل عنه يف خطبته يف سقيفة بين ساعدة بني املهاجرين واألنصار‪:‬‬ ‫وقد قال ّ‬ ‫الكل إىل قبول‬ ‫"أال وإ ّن ّ‬ ‫حممدا قد مات‪ ،‬وأنّه ال ب ّد هلذا ال ّدين من إمام يقوم به" ‪ .‬فبادر ّ‬ ‫قوله‪ ،‬ومل يقل أحد ال حاجة يل إىل ذلك‪ ،‬بل اتّفقوا عليه‪ ،‬واجتمعوا له) حدائق األنوار‪،‬‬ ‫ص‪393 :‬‬ ‫وإذا كان وجوب نصب اإلمام دلت عليه النصوص وأمجع عليه أهل اإلسالم‪ ،‬فهو‬ ‫واجب على املسلمني يف كل مصر ومكان وال خيتص به زمان عن زمان ‪.‬‬ ‫ومن زعم أن نصب اإلمام غري واجب يف هذه األيام فقد افرتى على اهلل ألنه عارض‬ ‫االئتالف وزعم أن الشرع أقر الناس على التفرق واالختالف‪.‬‬ ‫وإذا مل يتيسر نصب اإلمام إال لطائفة من املسلمني تعني األمر عليها وحتتم على سائر‬ ‫املسلمني متابعتها والدخول يف بيعتها ‪.‬‬ ‫تنبيه‪:‬‬ ‫ومن املهم التنبيه إىل أن البيعة املقصودة يف قوله‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم –‪ « :‬من مات‬ ‫وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » ليست كل بيعة على اإلطالق وإّنا هي بيعة اإلمام‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)5‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫العام على السمع والطاعة‪ ،‬وال تنوب عنها أي بيعة أخرى كبيعة أمري يف احلرب على جهاد‬ ‫العدو الصائل‪ ،‬أو بيعة شيخ أو مجاعة على األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪.‬‬ ‫فهذه البيعات وإن كانت مشروعة فهي ال تنوب عن بيعة اإلمام الواجبة‪.‬‬ ‫فال يشرع تأخري نصب اإلمام إن عدم‪ ،‬أو التأخر عن بيعته إن وجد‪ ،‬حبجة وجود مثل‬ ‫هذه البيعات‪ ،‬بل مىت كانت هذه البيعات مانعة من بيعة اإلمام أو مزامحة هلا فهي غري‬ ‫مشروعة ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)6‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فصل‬ ‫وجوب نصب اإلمام على الفور ال على التراخي‬ ‫إذا تقرر وجوب نصب اإلمام فاعلم أنه واجب على الفور ال على الرتاخي ؛ ألن ما‬ ‫يتعلق به من مهمة وأحكام ال حيتمل التأخري ‪.‬‬ ‫فإذا كان املسلمون بال إمام حيكمهم وال خليفة جيمعهم فمن أهم ما جتب املبادرة إليه‬ ‫هو السعي إىل نصب اإلمام ملا يتوقف على غياب بيعته من تعطل مصاحل األنام وغياب‬ ‫الشريعة واألحكام ‪.‬‬ ‫قال اجلويين‪:‬‬ ‫(الغرض من نصب اإلمام حفظ احلوزة‪ ،‬واالهتمام مبهمات اإلسالم‪ ،‬ومعظم األمور‬ ‫اخلطرية ال يقبل الري واملك ‪ ،‬ولو أخر النظر فيه جلر ذالك خلال ال يُتالفا‪ ،‬وخبال متفاقما‬ ‫ال يستدرك ‪).‬غياث األمم ص‪.63 :‬‬ ‫وهلذا بادر الصحابة رضي اهلل عنهم إىل عقد البيعة أليب بكر رضي اهلل عنه قبل دفن‬ ‫النيب صلى اهلل عليه وسلم حىت اضطرهم ذالك إىل تأخري دفنه ألكثر من ‪22‬ساعة ! ‪.‬‬ ‫قال النووي رمحة اهلل عليه‪:‬‬ ‫( وإّنا أخروا دفنه صلى اهلل عليه وسلم من يوم االثنني إىل ليلة األربعاء أواخر هنار‬ ‫الثالثاء لالشتغال بأمر البيعة ليكون هلم إمام يرجعون إىل قوله إن اختلفوا يف شيء من أمور‬ ‫جتهيزه ودفنه وينقادون ألمره لئال يؤدي إىل النزاع واختالف الكلمة وكان هذا أهم األمور‬ ‫واهلل أعلم) شرح النووي على مسلم ‪36 /3‬‬ ‫وقال الغزايل ‪:‬‬ ‫( فليال حظ العصر االول كيف تسارع الصحابة بعد وفاة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫اىل نصب االمام وعقد البيعة وكيف اعتقدوا ذلك فرضا حمتوما وحقا واجبا على الفور‬ ‫والبدار وكيف اجتنبوا فيه التواين واالستئخار حىت تركوا بسبب االشتغال به جتهيز رسول اهلل‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم وع لموا انه لو تصرم عليهم حلظة ال إمام هلم فرمبا هجم عليهم حادثة‬ ‫ملمة‪ ،‬وارتبكوا يف حادثة عظيمة تتشتت فيها اآلراء‪ ،‬وختلف متبوع مطاع‪ ،‬جيمع شتات‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)7‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫اآلراء‪ ،‬ال خنرم النظام وبطل العصام وتداعت باالنفصام عرى األحكام فألجل ذلك آثروا‬ ‫البدار إليه ومل يعرجوا يف احلال إال عليه) فضائح الباطنية‪ ،‬ص‪.838:‬‬ ‫وليت شعري إذا كان الرسول صلى اهلل عليه وسلم وهو أشرف خملوق واألوىل بأداء ما له‬ ‫من حقوق يشرع تأخري دفنه تالفيا لتعطيل منصب اإلمامة وغياب السلطة والزعامة ‪..‬‬ ‫أو يسوغ بعد هذا أن يزعم زاعم مشروعية تأخري نصب اإلمام أو يدعي أن املبادرة إىل‬ ‫نصبه ليست على وجه اإللزام ؟‬ ‫بل إن فعل الصحابة هذا فيه دليل قاطع وبرهان ساطع على وجوب املبادرة إىل عقد‬ ‫الوالية الشرعية وتقدميها على سائر املهمات الدينية والدنيوية ‪.‬‬ ‫أما تأخريها فهو معصية يأمث هبا املسلمون مجيعا ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)8‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فصل‬ ‫وجوب نصب اإلمام منوط بوجود الجماعة ال بمظنة الخالف‬ ‫قال بعض اإلخوة الفاضلني‪ :‬ال مشاحة يف وجوب االجتماع واالنضواء حتت راية أمري‬ ‫مطاع‪ ،‬لكن احلكمة من االجتماع هي حصول األلفة واالتفاق والفرار من اخلالف‬ ‫واالفرتاق‪ ،‬فمىت كان االجتماع سببا يف الفرقة‪ ،‬عاد األمر إىل عكسه وانقلب احلكم إىل‬ ‫ضده ومل يعد االجتماع مأمورا به !‬ ‫قلت‪ :‬واجلواب على هذا يف مسألتني‪:‬‬ ‫المسألة األولى‪:‬‬ ‫أن اهلل سبحانه وتعاىل جعل نصب اإلمام سببا من أسباب األلفة واالتفاق فمن زعم أنه‬ ‫سبيل إىل التنازع والشقاق وبريد إىل التباغض واالفرتاق‪ ،‬فقد كذب خرب اهلل تعاىل‪ ،‬وحذر مما‬ ‫هنى عنه وزعم أن ما أنزل اهلل من الدواء قد يكون سببا إىل زيادة الداء !!‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ين فَ َّرقُوا ِدينَ ُه ْم َوَكانُوا ِشيَعاً‬ ‫وهل يكون يف التفرق خري بعد أن قال اهلل تعاىل‪{ :‬إ َّن الذ َ‬ ‫ت ِم ْن ُه ْم فِي َش ْيء}‪...‬؟‬ ‫لَ ْس َ‬ ‫وقال تعاىل‪{ :‬وا ْعتَ ِ‬ ‫ص ُموا بِ َح ْب ِل اللَّ ِه َج ِم ًيعا َوَال تَ َف َّرقُوا ‪.} ...‬‬ ‫َ‬ ‫قال ابن كثري ‪:‬‬ ‫(وقوله‪{ :‬وال تفرقوا} أمرهم باجلماعة وهناهم عن التفرقة‪ ،‬وقد وردت األحادي‬ ‫املتعددة بالنهي عن التفرق‪ ،‬واألمر باالجتماع واالئتالف‪ .... ،‬وقد ضمنت هلم العصمة‬ ‫عند اتفاقهم من اخلطأ‪ ،‬كما وردت بذلك األحادي املتعددة أيضا‪ ،‬وخيف عليهم االفرتاق‬ ‫واالختالف‪ ) ،‬تفسري ابن كثري ‪33 /2:‬‬ ‫وقد أخرب النيب صلى اهلل عليه وسلم يف مجلة من أحاديثه بأن يد اهلل مع اجلماعة‪..‬‬ ‫عن عرفجة بن ضريح األشجعي‪ ،‬قال رأيت النيب صلى اهلل عليه وسلم وهو على املنرب‬ ‫خيطب الناس‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)9‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫(إنه سيكون بعدي هنات وهنات‪ ،‬فمن رأيتموه فارق اجلماعة أو يريد أن يفرق أمر أمة‬ ‫حممد صلى اهلل عليه وسلم كائنا من كان فاقتلوه‪ ،‬فإن يد اهلل على اجلماعة‪ ،‬وإن الشيطان‬ ‫مع من فارق اجلماعة يركض)رواه النسائي‪.‬‬ ‫وعن أسامة بن شريك‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫(يد اهلل على اجلماعة‪ ،‬فإذا شذ الشاذ منهم اختطفه الشيطان كما خيتطف الذئب الشاة‬ ‫من الغنم)رواه الطرباين يف املعجم الكبري‪.‬‬ ‫المسألة الثانية‪:‬‬ ‫أن قائل هذا الكالم التبست عليه األمور يف قواعد األحكام ‪.‬‬ ‫فال بد من التفريق بني العلة واحلكمة ‪.‬‬ ‫فالعلة هي الوصف الذي يدور معه احلكم وجودا وعدما‪ ،‬فمىت عدم ذالك الوصف عدم‬ ‫احلكم ‪.‬‬ ‫كاإلسكار بالنسبة للخمر فمىت كان الشراب مسكرا فهو حرام ومىت كان غري مسكر‬ ‫فهو حالل ‪.‬‬ ‫أما احلكمة فهي املعىن الذي من أجله صار الوصف علة ‪.‬‬ ‫قال سيدي عبد اهلل يف مراقي السعود يف تعريف احلكمة‪:‬‬ ‫وهي اليت من أجلها الوصف جرى ‪ ...‬علة حكم عند كل من درى ‪.‬‬ ‫فعلة حرمة اخلمر هي اإلسكار واحلكمة من ذالك هي احلفاظ على العقل ‪.‬‬ ‫واحلكم يدور وجودا وعدما مع العلة ال مع احلكمة ‪.‬‬ ‫فإذا وجد اإلسكار وجدت احلرمة وإذا عدم اإلسكار عدمت احلرمة ‪.‬‬ ‫فإن حدث يف بعض احلاالت أن وجد شخص ال يغلب على عقله اخلمر وال يسكره‪،‬‬ ‫فال يقال إن اخلمر بالنسبة له حالل ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)11‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫ألن احلكم منوط باملظنة والغالب‪ ،‬وختلفهما يف بعض اجلزئيات ال يؤثر على احلكم ‪.‬‬ ‫فالصوم أبيح يف السفر ألنه مظنة للمشقة‪ ،‬فإذا كان السفر يف بعض احلاالت ال توجد‬ ‫فيه مشقة فال تأثري لذالك على احلكم بل يبقى الفطر مشروعا وإن كان السفر غري شاق ‪.‬‬ ‫والقاعدة أن " املعلل باملظان ال يتخلف فيه احلكم بتخلف احلكمة " ‪.‬‬ ‫يقول ابن القيم رمحه اهلل‪:‬‬ ‫( شأن الشرائع الكلية أن تراعي األمور العامة املنضبطة‪ ،‬وال ينقضها ختلف احلكمة يف‬ ‫أفراد الصور‪ ،‬كما هذا شأن اخللق؛ فهو موجب حكمة اهلل يف خلقه وأمره يف قضائه وشرعه‪،‬‬ ‫) إعالم املوقعني عن رب العاملني ‪63/2:‬‬ ‫وهلذا فإن علة الرخصة يف الفطر اليت يدور معها احلكم وجودا وعدما هي "السفر" ال‬ ‫وجود املشقة ‪.‬‬ ‫وأما التعليل باحلكمة فقد أشار إىل اخلالف فيه صاحب املراقي بقوله‪:‬‬ ‫ويف ثبوت احلكم عند االنتفا ‪...‬للظن والنفي خالف عرفا‪.‬‬ ‫وأصح األقوال يف هذه املسألة هو عدم مشروعية التعليل باحلكمة‪ ،‬ومن األدلة على‬ ‫ذالك‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬أن احلكمة الغالب فيها اخلفاء‪ ،‬وعدم االنضباط‪ ،‬واالختالف حبسب األحوال‬ ‫واألشخاص واألزمان‪.‬‬ ‫فخشية املشقة هي احلكمة من مشروعية الفطر يف السفر‪ ،‬وهذه املشقة ختتلف من‬ ‫شخص آلخر حسب جلد الشخص وقوته ومن وقت آلخر حسب فصول السنة برودة وحرا‬ ‫وظروفا مناخية‪ ،‬وحسب تفاوت وسائل النقل من الدابة إىل الطائرة ‪.‬‬ ‫فلو جعلنا العلة يف الفطر يف السفر هي "خشية املشقة" فقلنا " (ال حيل الفطر إال ملن‬ ‫كان سفره شاقا) لرتتب على ذالك اضطراب احلكم وتغريه من حالة حلالة‪ ،‬ومن شخص‬ ‫آلخر‪ ،‬ومن وقت آلخر ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)11‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫وأما لو جعلنا العلة جمرد السفر فقلنا‪ " :‬كل مسافر حيل له الفطر" فهذا وصف ظاهر‬ ‫منضبط ال يتغري حبسب األشخاص واألحوال واألزمان وبذالك يندفع االضطراب عن‬ ‫احلكم‪.‬‬ ‫ثانيا‪:‬‬ ‫أن التعليل باحلكمة يؤدي على ختلف احلكم عن علته (أي وجود العلة مع عدم وجود‬ ‫احلكم) ‪.‬‬ ‫مثال ذالك ‪:‬‬ ‫العلة يف وجوب حد الزنا هي اإليالج احملرم‪ ،‬واحلكمة يف حرمة الزنا هي خشية اختالط‬ ‫النسب ‪.‬‬ ‫فإذا عللنا باحلكمة يف هذه املسألة كان احلد واجبا على كل من تسبب يف اختالط‬ ‫النسب (كقابلة استبدلت مولود امرأة بغريه عمدا)‬ ‫وإن مل حنكم عليها باحلد كان ذالك خالف األصل ألن احلكم يدور مع علته وجودا‬ ‫وعدما‪ ،‬فمىت وجد اختالط النسب تعني أن يوجد احلد ‪.‬‬ ‫وإّنا جعلت العلة هي مناط احلكم ألهنا مكان نوطه أي تعليقه فحيثما وجدت وجد‪.‬‬ ‫كما قال أبو متام ‪:‬‬ ‫بالد هبا نيطت على متائمي ‪ ... ...‬وأول أرض مس جلدي تراهبا‬ ‫***‬ ‫إذا تقرر هذا الكالم‪ ،‬واطمأنت له القرائح واألفهام‪ ،‬فاعلم بأن اهلل تعاىل أوجب على‬ ‫عباده التوحد واالعتصام واالنضواء حتت راية اإلمام ‪.‬‬ ‫وأن علة هذا الوجوب اليت يدور معها وجودا وعدما هي وجود اجلماعة اليت ال يستقيم‬ ‫أمرها إال بالسمع والطاعة‪ ،‬لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم يف حدي عبد اهلل بن عمرو‪:‬‬ ‫«‪ ...‬وال حيل لثالثة نفر يكونون بأرض فالة إال أمروا عليهم أحدهم»‪.‬رواه أمحد والطرباين‬ ‫يف املعجم الكبري ‪.‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)12‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫وأما " خشية التفرق واالختالف " فهي حكمة هذا الوجوب ال علته ‪.‬‬ ‫واحلكم يدور مع العلة ال مع احلكمة ‪.‬‬ ‫ولو جعلنا احلكمة ه ي مناط احلكم يف هذه املسألة لكان بإمكان البعض أن يقول‪" :‬ال‬ ‫جيب علينا نصب اإلمام ألنا ال خنشى من الفرقة واالنقسام " !!‬ ‫وهذا من أشنع ما تتفتق عنه القرائح واألفهام ‪!..‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)13‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فصل‬ ‫التمكين والشوكة ليس شرطا لصحة البيعة‬ ‫إذا بايع املسلمون إماما هلم وهم يف حالة ضعف وعدم متكني فال يقدح ذالك يف أمري‬ ‫املؤمنني‪ ،‬وال يوهن عقد بيعة املبايعني ‪..‬‬ ‫ولنا يف رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أسوة حسنة فقد بايع من وفد إليه من األنصار‬ ‫ليلة العقبة ومل يكن آنذاك له قوة أو شوكة ‪.‬‬ ‫قال جابر‪ ،‬رضي اهلل عنه يف ذكر بيعة األنصار للنيب صلى اهلل عليه وسلم يف العقبة‬ ‫الثانية‪ ( :‬فرحل إليه منا سبعون رجال‪ ،‬حىت قدموا عليه يف املوسم فواعدناه بيعة العقبة‪،‬‬ ‫فاجتمعنا عندها من رجل ورجلني‪ ،‬حىت توافينا‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل عالم نبايعك؟ قال‪:‬‬ ‫«تبايعوين على السمع والطاعة يف النشاط والكسل‪ ،‬والنفقة يف العسر واليسر‪ ،‬وعلى األمر‬ ‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وأن يقوهلا ال يبايل يف اهلل لومة الئم‪ ،‬وعلى أن تنصروين‪،‬‬ ‫ومتنعوين إذا قدمت عليكم مما متنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم‪ ،‬ولكم اجلنة»‪ ،‬فقمنا‬ ‫إليه فبايعناه‪) ،‬رواه ابن حبان ‪.‬‬ ‫ففي هذا احلدي صرح جابر رضي اهلل عنه أهنم بايعوا النيب صلى اهلل عليه وسلم على‬ ‫السمع والطاعة يف النشاط والكسل وتلك بيعة على اإلمامة ‪.‬‬ ‫وقد كان صلى اهلل عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل يف موسم احلج ويدعوهم إىل‬ ‫نصرته وإيوائه‪ ،‬وروى ابن كثري يف سريته أنه عرض نفسه على بين عامر ابن صعصعة‪ ،‬فقال‬ ‫رجل منهم يقال له حبرية ابن فارس ‪ ":‬واهلل لو أين أخذت هذا الفىت من قريش ألكلت به‬ ‫العرب"‪ ..‬مث قال للنيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫( أرأيت إن حنن تابعناك على أمرك‪ ،‬مث أظهرك اهلل على من خيالفك أيكون لنا األمر من‬ ‫بعدك؟ قال‪ :‬األمر هلل يضعه حي يشاء" ‪..‬‬ ‫فقال له‪ :‬أفنهدف حنورنا للعرب دونك‪ ،‬فإذا أظهرك اهلل كان األمر لغرينا! ال حاجة لنا‬ ‫بأمرك) السرية النبوية البن كثري ‪823 /2:‬‬ ‫والشاهد من القصة أن النصرة اليت كان يطلبها النيب صلى اهلل عليه وسلم كانت متضمنة‬ ‫بيعته على اإلمرة واإلمامة ومل تكن منفصلة عنها ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)14‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫ومن ذالك أيضا حدي عبادة بن الصامت‪ ،‬قال‪« :‬بايعنا رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم على السمع والطاعة يف املنشط واملكره‪ ،‬وأن ال ننازع األمر أهله‪ ،‬وأن نقوم أو نقول‬ ‫باحلق حيثما كنا‪ ،‬ال خناف يف اهلل لومة الئم» رواه البخاري‪.‬‬ ‫وقد بوب البخاري هلذا احلدي بقوله‪( :‬باب‪ :‬كيف يبايع اإلمام الناس)‪ ،‬أي أن البيعة‬ ‫الواردة يف احلدي بيعة على اإلمامة العظمى ‪.‬‬ ‫وقد كانت هذه البيعة ليلة العقبة الثانية‪ ،‬وقد ورد يف بعض ألفاظها البيعة على نصرة‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا قدم املدينة‪ ،‬كما يف رواية أمحد يف املسند‪:‬‬ ‫(فقال‪ :‬عبادة أليب هريرة‪ :‬يا أبا هريرة إنك مل تكن معنا إذ بايعنا رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم إنا بايعناه على السمع والطاعة يف النشاط والكسل‪ ،‬وعلى النفقة يف اليسر‬ ‫والعسر‪ ،‬وعلى األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وعلى أن نقول يف اهلل تبارك وتعاىل وال‬ ‫خناف لومة الئم فيه‪ ،‬وعلى أن ننصر النيب صلى اهلل عليه وسلم إذا قدم علينا يثرب فنمنعه‬ ‫مما ّننع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا‪ ،‬ولنا اجلنة ‪..)...‬‬ ‫وقال احلافظ ابن رجب تعليقا على هذا احلدي ‪:‬‬ ‫(وقد خرجه اهليثم بن كليب يف " مسنده " من رواية ابن إدريس‪ ،‬عن ابن إسحاق وحيي‬ ‫بن سعيد وعبيد اهلل بن عمر‪ ،‬عن عبادة بن الوليد أن أباه حدثه‪ ،‬عن جده قال‪ :‬بايعنا‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يف العقبة اآلخرة على السمع والطاعة‪ ،‬فذكره‪......‬وهذا‬ ‫رسول اهلل َ‬ ‫يدل على أن هذه البيعة كانت قبل اهلجرة وذلك ليلة العقبة‪ )..‬فتح الباري البن رجب ‪/8‬‬ ‫‪30‬‬ ‫فأنت ترى أن حدي جابر وحدي عبادة ابن الصامت كالمها ورد فيه البيعة على‬ ‫السمع والطاعة يف املنشط واملكره وهذا هو الذي تنعقد به اإلمامة وتلزم به املتابعة وأن البيعة‬ ‫الواردة فيهما كانت يف ليلة العقبة وأن الصحابة كانوا يف حالة ضعف وعدم متكني حىت أهنم‬ ‫كانوا خيفون هذا االجتماع الذي عقدت فيه البيعة‪ ،‬ويشهد لذالك قول جابر يف حديثه‬ ‫السابق‪( :‬فواعدناه بيعة العقبة‪ ،‬فاجتمعنا عندها من رجل ورجلني) ‪.‬‬ ‫وإّنا حصل التمكني بعد جميء النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل املدينة ‪.‬‬ ‫كما قال ابن هشام يف سريته‪:‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)15‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫(قال ابن إسحاق‪ :‬فلما اطمأن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬باملدينة‪ ،‬واجتمع‬ ‫إليه إخوانه من املهاجرين‪ ،‬واجتمع أمر األنصار‪ ،‬استحكم أمر اإلسالم‪ ،‬فقامت الصالة‪،‬‬ ‫وفرضت الزكاة والصيام‪ ،‬وقامت احلدود‪ ،‬وفرض احلالل واحلرام‪ ،‬وتبوأ اإلسالم بني أظهرهم‪،‬‬ ‫) سرية ابن هشام ‪.888 /2‬‬ ‫فهل يسوغ بعد هذا أن يقول قائل‪" :‬ال عربة بالبيعة يف حال عدم التمكني" ؟‬ ‫وكما أنه ال عربة هبذا القول من جهة األثر فال عربة له أيضا من جهة النظر‪،‬‬ ‫وذالك من وجوه ‪:‬‬ ‫‪ -8‬أن القول باشرتاط التمكني لعقد البيعة ابتداء يفضي إىل القول ببطالن البيعة وانعزال‬ ‫اإلمام كلما عدمت القوة والشوكة بعد وجودها ‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن هذا القول يفضي إىل التشكيك يف إمامة علي رضي اهلل عنه فقد انعقدت له‬ ‫البيعة يف أيام فتنة وغياب شوكة‪ ،‬ومل يستطع القصاص من قتلة عثمان رضي اهلل عنه لعدم‬ ‫القدرة ‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن األمور اليت ندب الشرع إليها وحض املسلمني عليها مل جيعل هلا شروطا مانعة وال‬ ‫حدودا رادعة‪ ،‬ومن ذالك االجتماع والتوحد فإن الشرع أمر به أمرا مطلقا ومل جيعل دونه بابا‬ ‫مغلقا ‪.‬‬ ‫فمن قال ال يشرع االجتماع حتت راية أمري إال يف حالة التمكني فقد قيد ما أطلقه‬ ‫الشرع‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن اإلمامة معقودة الجتماع الكلمة وجمانبة الفرقة واألخذ بأسباب القوة‪ ،‬ولعمري‬ ‫إن أهل الضعف أشد حاجة إىل هذا من أهل القوة ‪..‬‬ ‫ومىت يبلغ املسلمون ما يرجونه من القوة والتمكني إن بقوا على حاهلم متفرقني ؟‬ ‫وإن من املنايف ملقاصد الشرع وقرائح الطبع أن يقال‪ :‬تفرقوا فإنكم ضعفاء !‬ ‫بل إن الشرعة احلكيمة والفطرة السليمة جعلتا وجود الضعف داعيا إىل االجتماع أمال يف‬ ‫حصول القوة والظفر واالتساع ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)16‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فصل‬ ‫أهل الحل والعقد ال يشترط أن يكونوا هم أهل الشوكة‬ ‫ذهب بعض أهل العلم كشيخ اإلسالم ابن تيمية والغزايل واجلويين وغريهم إىل أن أهل‬ ‫احلل والعقد الذين تنعقد هبم البيعة هم الذين تتحقق هبم الشوكة ‪..‬‬ ‫والرد على هذا القول من وجوه‪:‬‬ ‫الوجه األول‪ :‬أن ما ذكرناه يف الفصل السابق من األدلة على عدم اشرتاط القوة والشوكة‬ ‫لعقد البيعة‪ ،‬يدل باللزوم على عدم اشرتاط الشوكة يف من تنعقد هبم البيعة ‪.‬‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬أن أهل الشوكة املذكورين ليس هلم نصاب حمدود وال قدر معدود ‪.‬‬ ‫والشروط اليت من خالهلا حيكم بالعدم والوجود ال بد أن تكون مقدرة احلدود‪.‬‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬أن اشرتاط القوة والشوكة يفضي إىل مفسدة كربى وهي مشروعية نقض‬ ‫البيعة بعد إبرامها كلما عدمت الشوكة وأرباهبا !‬ ‫الوجه الرابع‪ :‬إذا كانت اإلمامة ال تثبت أركاهنا وال يستقر حاهلا إال بعد حصول الشوكة‬ ‫فلك أن تتخيل أن الزمن الفاصل بني عقد البيعة وحصول الشوكة قد يتسع فيه اجملال ويقتتل‬ ‫الرجال ألن البيعة مل تتأكد يف احلال !‬ ‫وهذا خمالف للحكمة من وجوب نصب اإلمام على الفور واالستعجال ‪.‬‬ ‫الوجه الخامس‪ :‬مؤدى هذا القول هو أن البيعة الشرعية ال تتحقق إال ملن له القوة‬ ‫والشوكة ‪..‬‬ ‫وهذا يضعنا أمام إشكال ظاهر وخلل سائر ألن الشوكة والقوة كثريا ما تكون مع فاقد‬ ‫األهلية !‬ ‫فإذا بايع بعض أهل احلل والعقد ملن كان جامعا لألوصاف ومل تكن له شوكة مانعة وال‬ ‫قوة رادعة وبايع آخرون فاقد األهلية ذا املال الغزير واجلمع الوفري ‪..‬‬ ‫فأيهما أعظم ميزة ؟‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)17‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫ومن منهما أعلى ركيزة ؟‬ ‫هل تقدم الشوكة والغلبة وتلغى سائر األوصاف اليت هلا السبق يف احللبة ؟‬ ‫وهل جتب طاعة املتغلب الغاصب وتشرع معصية املبايَع الراتب ؟‬ ‫كان شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحة اهلل عليه ممن يعترب الغلبة ووقوع التمكني شرطا لإلمامة‬ ‫وركنا للبيعة ويغلب جانب القوة على جانب الشرعية وهلذا فإنه يصف أهل احلل والعقد‬ ‫بأهنم أهل القوة والشوكة ‪.‬‬ ‫فاإلمامة عند شيخ اإلسالم ال تتحقق إال بالتغلب والقوة بغض النظر عن مدى شرعية‬ ‫هذا املتغلب ‪!..‬‬ ‫يقول شيخ اإلسالم رمحة اهلل عليه‪:‬‬ ‫( فاحلل واحلرمة متعلق باألفعال‪ ،‬وأما نفس الوالية والسلطان فهو عبارة عن القدرة‬ ‫احلاصلة‪ ،‬مث قد حتصل على وجه حيبه اهلل ورسوله‪ ،‬كسلطان اخللفاء الراشدين‪ ،‬وقد حتصل‬ ‫على وجه فيه معصية‪ ،‬كسلطان الظاملني‪ )..‬منهاج السنة النبوية (‪)230 /8‬‬ ‫وكالمه يعين أن االستيالء على اإلمامة بالغلبة مع فقد أركان البيعة وشروط اإلمامة يفيد‬ ‫احلرمة وال يقدح يف شرعية إمامة املتغلب ‪!..‬‬ ‫فكأنه رمحه اهلل جعل لشرعية اإلمامة شرطا واحدا هو القوة‪ ،‬وأما بقية األركان فهي‬ ‫بالنسبة له واجبة غري شرط يف صحة اإلمامة !!‬ ‫وانطالقه من هذا املبدأ هو الذي جعله دائما يصف أهل احلل والعقد بأهنم " أهل‬ ‫القدرة والشوكةّ " دون ذكر لسائر األوصاف اليت اتفق أهل العلم على ذكرها كالعلم والعدالة‬ ‫‪..‬‬ ‫بل ذهب رمحه اهلل إىل أن اإلمام ال يصري إماما إال مببايعة أهل القدرة والشوكة له ‪.‬‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫(‪..‬مىت صار إماما‪ ،‬فذلك مببايعة أهل القدرة له‪ ).‬منهاج السنة النبوية ‪230 /8‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)18‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫و يرى أن كل بيعة ال حتدث من طرف أهل الشوكة والقدرة فهي باطلة غري نافذة‪:‬‬ ‫(وال يصري الرجل إماما حىت يوافقه أهل الشوكة عليها الذين حيصل بطاعتهم له مقصود‬ ‫اإلمامة‪ ،‬فإن املقصود من اإلمامة إّنا حيصل بالقدرة والسلطان‪ ،‬فإذا بويع بيعة حصلت هبا‬ ‫القدرة والسلطان صار إماما‪ )..‬منهاج السنة النبوية ‪223 /8‬‬ ‫ويرى أن بيعة أيب بكر رضي اهلل عنه إّنا متت مببايعة أهل القدرة والشوكة ال مبجرد بيعة‬ ‫أهل السقيفة ‪!..‬‬ ‫قال رمحه اهلل‪:‬‬ ‫(ولو قدر أن عمر وطائفة معه بايعوه‪ ،‬وامتنع سائر الصحابة عن البيعة‪ ،‬مل يصر إماما‬ ‫بذلك‪ ،‬وإّنا صار إماما مببايعة مجهور الصحابة‪ ،‬الذين هم أهل القدرة والشوكة‪ )...‬منهاج‬ ‫السنة النبوية ‪230 /8‬‬ ‫وهو أيضا يرى أن الوصية بالعهد ال تنفذ حىت يرضى هبا أهل القدرة والشوكة ويقبلوها !‬ ‫يقول رمحه اهلل‪( :‬وكذلك عمر ملا عهد إليه أبو بكر‪ ،‬إّنا صار إماما ملا بايعوه وأطاعوه‪،‬‬ ‫ولو قدر أهنم مل ينفذوا عهد أيب بكر ومل يبايعوه مل يصر إماما‪ ،‬سواء كان ذلك جائزا أو غري‬ ‫جائز) منهاج السنة النبوية ‪230 /8‬‬ ‫قلت‪ :‬وهذه العبارة األخرية من كالمه وهي قوله‪( :‬سواء كان ذلك جائزا أو غري جائز)‪،‬‬ ‫دالة على أنه رمحة اهلل عليه يغلب جانب القوة على جانب الشرعية ‪..‬‬ ‫إذ كيف يكون هذا املتغلب وصل لإلمامة بطريقة غري شرعية ومع ذالك نعترب إمامته‬ ‫شرعية ‪..‬؟‬ ‫فهذا خمالف للقاعدة املعلومة عند أهل األصول‪ " :‬املعدوم شرعا كاملعدوم حسا " ‪.‬‬ ‫والعربة من الناحية الشرعية إّنا تكون ملن حاز أوصاف اإلمامة ومجع الشروط املعتربة ‪.‬‬ ‫وأما من هجم على اإلمامة بالقوة وانتزعها بطريق الغلبة فال يعترب إماما شرعيا‪ ،‬ألن‬ ‫املعدوم شرعا كاملعدوم حسا ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)19‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فوطء الزوجة وهي حائض ال حيلل املبتوتة‪ ،‬وال يعترب به الزوج حمصنا‪ ،‬وال حتصل به‬ ‫الرجعة يف العدة للمطلقة‪ ،‬وال حتصل به الفيئة من الزوج املويل‪ ،‬ألن الوطء حمرم شرعا‪،‬‬ ‫حسا‪ ،‬فكأنه مل يكن ‪.‬‬ ‫واملعدوم شرعا كاملعدوم ًّ‬ ‫وإّنا أفىت أهل العلم بطاعة املتغلب اضطرارا إذا مل يوجد غريه أو كان يف إزاحته فتنة‬ ‫تدوم‪.‬‬ ‫كما قال ابن مجاعة‪:‬‬ ‫(إن خال الوقت من إمام فتصدى هلا من ليس من أهلها‪ ،‬وقهر الناس بشوكته وجنوده‬ ‫بغري بيعة أو استخالف‪ ،‬انعقدت بيعته‪ ،‬ولزمت طاعته؛ لينتظم مشل املسلمني‪ ،‬وال يقدح يف‬ ‫إمامته كونه فاسقا أو جاهال‪ ،‬ما دام قد متت له الغلبة)‪.‬‬ ‫وفرق بني القول بأن املتغلب يطاع اضطرارا‪ ،‬والقول بأن له الشرعية ابتداء ‪.‬‬ ‫الوجه السادس‪ :‬القول بأن اإلمامة ال تنعقد إال ملن له الغلبة يوهن عقد البيعة وجيعله‬ ‫إجراء شكليا ال أثر له‪ ،‬ألنه ال يؤخر من قدمته القوة ’ وال يقدم من أخره الضعف !‬ ‫قال اإلمام اجلويين‪:‬‬ ‫( فالوجه عندي يف ذلك أن يعترب يف البيعة حصول مبلغ من األتباع واألنصار واألشياع‪،‬‬ ‫حتصل هبم شوكة ظاهرة‪ ،‬ومنعة قاهرة‪ ،‬حبي لو فرض ثوران خالف‪ ،‬ملا غلب على الظن أن‬ ‫يصطلم أتباع اإلمام‪ ،‬فإذا تأكدت البيعة‪ ،‬وتأطدت بالشوكة والعدد والعدد‪ ،‬واعتضدت‪،‬‬ ‫وتأيدت باملنة‪ ،‬واستظهرت بأسباب االستيالء واالستعالء‪ ،‬فإذا ذاك تثبت اإلمامة‪ ،‬وتستقر‪،‬‬ ‫وتتأكد الوالية وتستمر‪ ) ،‬غياث األمم يف التياث الظلم‪ ،‬ص‪.38-30 :‬‬ ‫وحاصل هذا الكالم أن البيعة ال تنعقد بعقد البيعة نفسه وإّنا تنعقد بظهور القوة وتأكد‬ ‫الشوكة !‬ ‫فمن عقدت له البيعة يف جملس عقد البيعة فال حق له يف اإلمامة حىت حيصل على "مبلغ‬ ‫من األتباع واألنصار واألشياع‪ ،‬حتصل هبم شوكة ظاهرة" !!‬ ‫فأين أثر العقد إذن ؟؟!‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)21‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫واحلق أن أهل االدين والرأي هم رؤوس الناس والقدوة واألساس‪ ،‬وسائر الناس هلم تبع‪،‬‬ ‫فمن اختاروه وبايعوه تعني على سائر الناس أن ينقادوا له ويطيعوه‪ ،‬فإن صادف ذالك أن‬ ‫الشوكة والقوة عند غريه ورام هبا نقض ما أبرموه فال يعطي على ذالك وال يتابع يف املهالك ‪.‬‬ ‫وإال كانت الشوكة والقوة راجحة على بيعة أهل العلم واملشورة ‪.‬‬ ‫وإذا تقرر هذا فليس من السائغ اشرتاط عقد البيعة من طرف أصحاب القوة والشوكة ‪..‬‬ ‫ألن انعقاد اإلمامة إما أن يكون بالبيعة نفسها وإما أن يكون بالقوة والغلبة ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)21‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فصل ‪:‬‬ ‫ال تتعين مشورة من غاب عن مجلس العقد‬ ‫يكفي يف انعقاد البيعة ولزومها مشورة من حضر من أهل احلل والعقد جمللسها وال يتعني‬ ‫مشورة من مل يتيسر حضوره ‪.‬‬ ‫فأهل السقيفة الذين بايعوا أبا بكر رضي اهلل عنه مل يستشريوا من غاب عن اجمللس‪ ،‬وقد‬ ‫كانت بيعتهم ملزمة وماضية ‪..‬‬ ‫ويف هذا دليل على أنه ال تشرتط مشورة من مل يتيسر حضوره جمللس البيعة ‪.‬‬ ‫وأما قول عمر رضي اهلل عنه‪ ...( :‬من بايع رجال عن غري مشورة من املسلمني فال يبايع‬ ‫هو وال الذي بايعه‪ ،‬تغرة أن يقتال‪.)..‬‬ ‫فقد برت عن سياقه وحاد به البعض عن نطاقه‪ ،‬ألنه رضي اهلل عنه قال ذالك ردا على من‬ ‫قال‪ ( :‬واهلل لو قد مات عمر بايعت فالنا )‪.‬‬ ‫ورد يف حدي ابن عباس أن عمر رضي اهلل عنه قال‪:‬‬ ‫( إنه بلغين أن قائال منكم يقول‪ :‬واهلل لو قد مات عمر بايعت فالنا‪ ،‬فال يغرتن امرؤ أن‬ ‫يقول‪ :‬إّنا كانت بيعة أيب بكر فلتة ومتت‪ ،‬أال وإهنا قد كانت كذلك‪ ،‬ولكن اهلل وقى شرها‪،‬‬ ‫وليس منكم من تقطع األعناق إليه مثل أيب بكر‪ ،‬من بايع رجال عن غري مشورة من‬ ‫املسلمني فال يبايع هو وال الذي بايعه‪ ،‬تغرة أن يقتال‪) ،‬رواه البخاري ‪.‬‬ ‫واحلق أن املشورة قبل البيعة ال بد منها لقوله تعاىل‪{ :‬وأمرهم شورى بينهم}‪.‬‬ ‫والبيعة من أهم املهمات وأعم العمومات فال ينبغي التقحم يف باهبا إال بعد املشورة‬ ‫والنظر يف مآهلا‪..‬‬ ‫وال يشرع للفرد الواحد أن يبادر إىل بيعة أحد قبل مشاورة من تيسر من أهل احلل‬ ‫والعقد‪ ،‬وهلذا اعتذر عمر رضي اهلل عنه عن مبايعته أليب بكر دون مشورة من أحد ملا كان‬ ‫يرجوه من قطع النزاع ومنع الصراع ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)22‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫قال عمر رضي اهلل عنه‪..( :‬فكثر اللغط‪ ،‬وارتفعت األصوات‪ ،‬حىت فرقت من‬ ‫االختالف‪ ،‬فقلت‪ :‬ابسط يدك يا أبا بكر‪ ،‬فبسط يده فبايعته‪ ،‬وبايعه املهاجرون مث بايعته‬ ‫األنصار‪)...‬رواه البخاري ‪.‬‬ ‫قال ابن حجر‪:‬‬ ‫( وقد بني عمر سبب إسراعهم ببيعة أيب بكر ملا خشوا أن يبايع األنصار سعد بن‬ ‫عبادة قال أبو عبيدة عاجلوا ببيعة أيب بكر خيفة انتشار األمر وأن يتعلق به من ال يستحقه‬ ‫فيقع الشر وقال الداودي معىن قوله كانت فلتة أهنا وقعت من غري مشورة مع مجيع من كان‬ ‫ينبغي أن يشاور) فتح الباري البن حجر ‪820 /82:‬‬ ‫ومنع الواحد من املبايعة لرجل دون مشورة من حضر من أهل احلل العقد ال تعين منع‬ ‫مجاعة من أهل احلل والعقد من املبادرة إىل البيعة قبل مشورة سائر أهل احلل والعقد بل‬ ‫يتعني عليهم فقط التشاور مع من تيسر حضوره جملس البيعة ‪.‬‬ ‫ومن فهم من كالم عمر رضي اهلل عنه أن البيعة اليت يعقدها احلاضرون ال تعد ملزمة حىت‬ ‫يرضى هبا الغائبون فقد جانب الصواب وأسس بنيانه على خراب ‪.‬‬ ‫ولو قلنا بأن البيعة ال تنعقد إال مبشورة كل من يوصفون بأهل احلل والعقد ممن ال‬ ‫يضمهم جملس واحد التسع اخلرق على الراقع واستمر األمر حىت تتوقف صحة البيعة على‬ ‫مشورة الرؤساء واألشراف يف املدن واألمصار القريبة مث النائية‪.‬‬ ‫وهو ما مل حيدث يف العهد األول بل كان األمر موقوفا على مشورة احلاضرين واملتابعة من‬ ‫طرف الغائبني ‪.‬‬ ‫وقد نص غري واحد من أهل العلم على أن مضي البيعة ال يتوقف على رضا الغائبني وال‬ ‫إمجاع مجيع املسلمني ‪.‬‬ ‫قال ابن حزم‪:‬‬ ‫( أما من قال أن اإلمامة ال تصح إال بعقد فضالء األمة يف أقطار البالد فباطل ألنه‬ ‫تكليف ما ال يطاق وما ليس يف الوسع‪ ......‬مع أنه لو كان ممكنا ملا لزم ألنه دعوى بال‬ ‫برهان) الفصل يف امللل واألهواء والنحل ‪829 /2:‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)23‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫وقال حممد بن عمر احلمريي "حبرق" ‪:‬‬ ‫احلل والعقد‪ ،‬فضال‬ ‫(وال يشرتط يف ّ‬ ‫صحة البيعة إمجاع احلاضرين منهم ببلدها‪ ،‬من أهل ّ‬ ‫علي‬ ‫عن إمجاع أهل األقطار‪ ،‬أل ّن ّ‬ ‫الصحابة مل يفتقروا يف عقدها أليب بكر إىل حضور ّ‬ ‫وعبّاس وسائر بين هاشم رضي اهلل عنهم أمجعني‪ ) ،‬حدائق األنوار‪ ،‬ص‪208 :‬‬ ‫وقال النووي‪:‬‬ ‫(األصح‪ :‬أن املعترب بيعة أهل احلل والعقد من العلماء والرؤساء وسائر وجوه الناس الذين‬ ‫يتيسر حضورهم‪ ،‬وال يشرتط اتفاق أهل احلل والعقد يف سائر البالد واألصقاع‪ ،‬بل إذا‬ ‫وصلهم خرب أهل البالد البعيدة‪ ،‬لزمهم املوافقة واملتابعة‪ ) ،‬روضة الطالبني وعمدة املفتني‬ ‫‪23 /80:‬‬ ‫وقال أيضا‪:‬‬ ‫(وتنعقد اإلمامة بالبيعة واألصح بيعة أهل احلل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس‬ ‫الذين يتيسر اجتماعهم‪ )..‬منهاج الطالبني وعمدة املفتني يف الفقه‪ :‬ص‪292 :‬‬ ‫وقال الغزايل‪:‬‬ ‫(وباطل أن يعترب إمجاع أهل احلل والعقد يف مجيع أقطار األرض‪ ،‬ألن ذالك مما ميتنع أو‬ ‫يتعذر ‪ ....‬وألنه ملا عقدت البيعة أليب بكر رضي اهلل عنه مل ينتظر انتشار األخبار إىل سائر‬ ‫األمصار‪ ،‬وال تواتر كتب البيعة من أقاصي األقطار بل اشتغل باإلمامة وخاض يف القيام‬ ‫مبوجب الزعامة) فضائح الباطنية ص‪.836 -832:‬‬ ‫وقال اجلويين‪:‬‬ ‫(مما يقطع به أن اإلمجاع ليس شرطا يف عقد اإلمامة باإلمجاع‬ ‫والذي يوضح ذلك أن أبا بكر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬صحت له البيعة ; فقضى وحكم‪،‬‬ ‫وأبرم وأمضى‪ ،‬وجهز اجليوش‪ ،‬وعقد األلوية‪ ،‬وجر العساكر إىل مانعي الزكاة‪ ،‬وجىب األموال‪،‬‬ ‫وفرق منها‪ ،‬ومل ينتظر يف تنفيذ األمور انتشار األخبار يف أقطار خطة اإلسالم‪ ،‬وتقرير البيعة‬ ‫من الذين مل يكونوا يف بلدة اهلجرة‪ ،‬وكذلك جرى األمر يف إمامة اخللفاء األربعة‪ ،‬فهذا مما ال‬ ‫يسرتيب فيه لبيب) غياث األمم يف التياث الظلم‪ ،‬ص‪63 :‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)24‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫وقال القلقشندي‪:‬‬ ‫(األصح عند أصحابنا الشافعية رضي اهلل عنهم أهنا تنعقد مبن تيسر حضوره وقت‬ ‫املبايعة يف ذالك املوضع من العلماء والرؤساء وسائر وجوه الناس املتصفني بصفات الشهود‬ ‫‪.....‬وال التفات إىل أهل البالد النائية‪ ،‬بل إذا بلغهم خرب البيعة وجب عليهم املوافقة‬ ‫واملتابعة) مآثر اإلنافة يف معامل اخلالفة‪.22 /8 :‬‬ ‫وإّنا ذهب إىل القول باشرتاط اإلمجاع يف البيعة من أراد الطعن يف إمامة علي رضي اهلل‬ ‫عنه ‪.‬‬ ‫قال ابن حزم‪:‬‬ ‫( هشام بن عمرو الفوطي‪ ،‬واألصم من أصحابه‪ ،‬قدحا يف إمامة علي رضي اهلل عنه‬ ‫بقوهلما‪:‬إن اإلمامة ال تنعقد إال بإمجاع األمة عن بكرة أبيهم) امللل والنحل‪.30 /8:‬‬ ‫ومما يدل على وجوب متابعة املبادرين إىل البيعة املعقودة‪ ،‬وعدم االكرتاث مبن عارضها‬ ‫مبزاعم مردودة‪ ،‬أن البيعة رمبا أبرمت من طرف أهلها وأصحاهبا‪ ،‬مث ال يستمر سرياهنا وال‬ ‫يدوم جرياهنا بسبب دعوة مضادة أو عصبية حادة !‬ ‫فهل يزعم ذو لب وبصرية ليس له شوى أن بيعة أهل احلل والعقد يف هذه احلالة تلغى‬ ‫وأن أمرها يطوى ؟‬ ‫وهب أنا غلبنا على عقولنا وقبلنا ذالك ‪ ..‬فما املخرج إن بايعت طائفة أخرى من‬ ‫الصفوة وذوي األلباب‪ ،‬مث مل تسر البيعة الرتياب مرتاب أوملا تقدم من أسباب ‪..‬؟‬ ‫َأو تربم البيعة من طرف احلاضرين مث يشرع نقضها من جهة الغائبني ؟!!‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)25‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فصل‬ ‫يجب الدخول في بيعة من كان جامعا للشروط ويحرم االعتراض عليها‬ ‫املبادرة إىل بيعة من اجتمعت فيه الشروط املعلومة وحاز السبق يف األوصاف املرقومة‪،‬‬ ‫توجب على من حضر من أهل احلل والعقد املسابقة إليها والتحريض عليها‪.‬‬ ‫وهذا هو املتواتر من فع ل الصحابة رضي اهلل عنهم فإنك ال ترى هلم إال االستجابة‬ ‫الفورية والدخول يف أول بيعة شرعية ‪.‬‬ ‫لعلمهم أن االعرتاض يف مثل هذه احلال يفضي إىل االختالف واالختالل ‪.‬‬ ‫وقد سارع عمر يوم السقيفة إىل البيعة للص ّديق دون مشورة‪ ،‬لدعاية احلال وإمالء‬ ‫الضرورة‪ ،‬خشية أن يسرع مبادر إىل بيعة غريه من احلضور‪ ،‬فتحدث الفتنة وتضطرب األمور‪.‬‬ ‫ولو مل تكن متابعة املبادر إىل البيعة واجبة متعينة‪ ،‬وحرمة اإلعراض عنها معلومة بينة‪ ،‬ملا‬ ‫كان لتخوفه مكان وال لتسرعه إىل البيعة برهان‪.‬‬ ‫وهلذا قال عمر رضي اهلل عنه‪( :‬وإنا واهلل ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة‬ ‫أيب بكر‪ ،‬خشينا إن فارقنا القوم ومل تكن بيعة‪ :‬أن يبايعوا رجال منهم بعدنا‪ ،‬فإما بايعناهم‬ ‫على ما ال نرضى‪ ،‬وإما خنالفهم فيكون فساد‪)..‬رواه البخاري‪.‬‬ ‫فكالم عمر رضي اهلل عنه مشعر بوجوب املتابعة ملن بادر إىل املبايعة ونصرته باملشايعة ملا‬ ‫يرتتب على خمالفته من الفساد الذي يشقي به العباد وختتل به أمور البالد‪.‬‬ ‫مث إن قول عمر رضي اهلل عنه لسعد "قتله اهلل" يشعر أنه يؤمثه لتخلفه عن البيعة وقد كان‬ ‫حاضرا اجمللس !‬ ‫وإذا كان احلضور جمللس البيعة قد يأمثون للتخلف عنها فكيف مبن غاب عنها ‪..‬‬ ‫بل يتعني عليهم املوافقة واالنقياد‪ ،‬وليس العرتاضهم بعد إبرام األمر حظ من السداد ‪.‬‬ ‫وقد نص ابن العريب املالكي على وجوب متابعة املبادرين إىل البيعة فقال‪:‬‬ ‫(ألن واحدا أو اثنني تنعقد البيعة هبما وتتم‪ ،‬ومن بايع بعد ذالك فهو الزم له‪ ،‬وهو مكره‬ ‫على ذالك شرعا ) العواصم من القواصم (ص‪.)822 :‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)26‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فقوله رمحه اهلل " ومن بايع بعد ذالك فهو الزم له ومكره على ذالك شرعا " صريح يف‬ ‫أنه ال خيار فيه وأنه ال يسع بقية الناس إال متابعة السابق إىل عقد البيعة ‪.‬‬ ‫وقال النووي‪:‬‬ ‫(‪ ،‬وال يشرتط اتفاق أهل احلل والعقد يف سائر البالد واألصقاع‪ ،‬بل إذا وصلهم خرب‬ ‫أهل البالد البعيدة‪ ،‬لزمهم املوافقة واملتابعة‪ ) ،‬روضة الطالبني‪23 /80:‬‬ ‫وكذالك قال القلقشندي يف كالمه السابق‪:‬‬ ‫(‪ .....‬بل إذا بلغهم خرب البيعة وجب عليهم املوافقة واملتابعة) مآثر اإلنافة يف معامل‬ ‫اخلالفة‪.22 /8 :‬‬ ‫والذي يظهر من خالل "السرب والتقسيم" أن البيعة إذا عقدت من طرف احلضور من‬ ‫أهل احلل والعقد وتوفرت الشروط يف املعقود له وجب الدخول فيها وحرم االعرتاض‪.‬‬ ‫ألن املعارض للبيعة ال خيرج عن ثالث احتماالت‪:‬‬ ‫‪ -8‬أن يكون اعرتاضه طلبا ملن هو أعلى مزية وأكمل مرتبة ‪.‬‬ ‫وهو غري مشروع بعد عقد البيعة لغريه ‪.‬‬ ‫لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬فوا ببيعة األول ‪.)..‬‬ ‫فإذا كانت البيعة للثاين تبطل وترد بعد إبرامها‪ ،‬فهذا يدل من باب أوىل على حرمة‬ ‫إنشائها ‪.‬‬ ‫‪-2‬أن يكون اعرتاضه ترجيحا للمساوي الذي رجح عليه املبايَع بأسبقية البيعة‪.‬‬ ‫وفساد ما قبله يدل على فساده ‪.‬‬ ‫‪-3‬أن يكون اعرتاضه ترجيحا ملن هو أدىن مرتبة من املبايَع وهذا االحتمال أشنع من‬ ‫غريه وأوىل باالضمحالل ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)27‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فبان من هذا "السرب والتقسيم" أن املعرتض على البيعة املسبوق إليها واقع ال حمالة يف‬ ‫احملظور وواجل باب فتنة من الشرور ‪.‬‬ ‫وفرق السلك بعد انتظامه ‪.‬‬ ‫ألنه نقض األمر بعد إبرامه ّ‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)28‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فصل‬ ‫ال يشترط للبيعة عدد محدود‬ ‫وأما من قال‪ :‬لو مل يبايع إال مخسة أو عشرة ومل يتابعهم الناس على ذالك مل متض‬ ‫البيعة‪ ،‬فال مستند له على قوله والنصوص أقرب إىل رد هذا من قبوله ‪.‬‬ ‫فإن الذين عقدوا البيعة أليب بكر رضي اهلل عنه يف السقيفة كانوا عددا حمصورا ال خلقا‬ ‫وفريا أو مجعا غفريا ‪..‬‬ ‫قال أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪( :‬وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك يف سقيفة‬ ‫بين ساعدة‪ ،‬وكانت بيعة العامة على املنرب‪ )..‬رواه البخاري ‪.‬‬ ‫وقد ورد يف كالم النيب صلى اهلل عليه وسلم ما يدل على أن والية األمر تنعقد حىت وإن‬ ‫كان عدد الرعية حمصورا حمدودا ‪.‬‬ ‫ومن ذالك حدي أيب أمامة رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫(ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك‪ ،‬إال أتى اهلل عز وجل مغلوال يوم القيامة يده‬ ‫إىل عنقه‪ ،‬ف ّكه ّبره‪ ،‬أو أ َْوبَقه إمثه‪ّ ،‬أوهلا مالمة‪ ،‬وأوسطها ندامة‪ ،‬وآخراه خزي يوم القيامة) ‪.‬‬ ‫أخرجه اإلمام أمحد يف "املسند" (‪. )263 / 2‬‬ ‫والطرباين يف الكبري (‪ 202 / 3‬رقم ‪. )3322‬‬ ‫ويف لفظ يف مسند احلارث‪( :‬ما من أمري عشرة إال أتى يوم القيامة مغلوال ال يطلقه إال‬ ‫العدل‪.)...‬‬ ‫وجه الداللة من احلدي ‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أخرب بأن املقصر يف أداء حقوق‬ ‫الرعية حياسب يوم القيامة على تقصريه حىت وإن كان من توىل أمرهم ال يزيدون على العشرة‪،‬‬ ‫وهذا على سبيل املبالغة‪ ،‬لكنه يدل على مشروعية عقد البيعة من طرف العشرة ‪.‬‬ ‫ومن ذالك أيضا ما فعله عمر رضي اهلل عنه من جعل األمر شورى بني ستة من الصحابة‬ ‫خيتارونه منهم ومل يعرتض عليه أحد من الصحابة فكان ذالك إمجاعا ‪.‬‬ ‫وهذا أيضا يدل على مشروعية عقد البيعة من طرف اخلمسة ‪.‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)29‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فإذا ثبت أن العدد القليل احملصور كاخلمسة والعشرة تنعقد به البيعة ومل يدل دليل على‬ ‫حتديد عدد معني فالصواب أن يقال بأن أقل ما تنعقد به البيعة هو أقل اجلمع ‪.‬‬ ‫وقد ذهب بعض أهل العلم إىل أن أقل اجلمع هو اثنان ‪.‬‬ ‫والصحيح أن أقل اجلمع من الناحية الشرعية ثالثة‪ ،‬ومن األدلة على ذالك‪:‬‬ ‫‪ -8‬حدي أيب سعيد اخلدري أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫(إذا خرج ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم‪)..‬‬ ‫قال ابن عبد الرب‪:‬‬ ‫( ويف هذا احلدي ما يدل على أن االثنني ليسا جبماعة فتدبره جتده كذلك إن شاء‬ ‫اهلل‪ )..‬التمهيد‪3 /20 :‬‬ ‫قلت‪ :‬ووجه الداللة من احلدي أن اإلثنني ال جيب عليهما تأمري أحدمها‪ ،‬فامتاز الثالثة‬ ‫عن االثنني بتعلق الوجوب هبم فدل ذالك على أن أقل اجلمع ثالثة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬حدي عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم‪( :‬الراكب شيطان‪ ،‬والراكبان شيطانان‪ ،‬والثالثة ركب)رواه مالك وأمحد وأبو داود ‪.‬‬ ‫وجه الداللة من احلدي ‪ :‬أن املقصد الشرعي املرجو من رفقة اجلماعة ال يتحقق إال مع‬ ‫وجود الثالثة فصاعدا‪ ،‬فدل ذالك على أن الثالثة هي أقل اجلمع‪.‬‬ ‫‪ -3‬ما رواه مالك مرسال عن سعيد ابن املسيب ووصله ابن عبد الرب يف التمهيد عن أيب‬ ‫هريرة ان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫(الشيطان يهم بالواحد واالثنني فإذا كانوا ثالثة مل يهم هبم)‪.‬‬ ‫قال ابن عبد الرب‪:‬‬ ‫( وهذا يف معىن ما ذكرنا أن االثنني ال حيكم هلما حبكم اجلماعة إال فيما خصته السنة‬ ‫ومل خيتلف العرب أن نون االثنني مكسورة ونون اجلمع مفتوحة ففرقت بني االثنني‬ ‫واجلماعة‪ )..‬التمهيد ‪.3 /20:‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)31‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫كذا قال رمحه اهلل ’ إال أنه رجح يف أكثر من موضع يف"االستذكار" أن أقل اجلمع اثنان!‬ ‫‪ -2‬حدي أيب الدرداء قال‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪ " :‬ما من‬ ‫ثالثة يف قرية ال يؤذن وال تقام فيهم الصالة إال استحوذ عليهم الشيطان‪ ،‬فعليك باجلماعة‪،‬‬ ‫فإن الذئب يأكل القاصية "‬ ‫رواه أمحد وأبو داود والنسائي وابن خزمية ‪.‬‬ ‫وجه الداللة من احلدي ‪ :‬أنه ملا تعلق وجوب صالة اجلماعة بالثالثة دون من دوهنم دل‬ ‫ذالك على أن الثالثة هي أقل اجلمع ‪.‬‬ ‫وحىت من الناحية اللغوية فقد ذهب بعض أهل العلم إىل أن أقل اجلمع ثالثة ‪.‬‬ ‫قال النووي‪:‬‬ ‫( اجلمهور يقولون أقل اجلمع ثالثة فجمع االثنني جماز وقالت طائفة أقله اثنان‪ )..‬شرح‬ ‫النووي على مسلم (‪(82 /86‬‬ ‫وقال احلافظ العراقي ‪:‬‬ ‫(قوله حافظوا على الصلوات يدل على ثالثة من الصلوات إذ أقل اجلمع ثالثة على‬ ‫األصح) طرح التثريب يف شرح التقريب (‪)838 /2‬‬ ‫وقد ذهب مجع من أهل العلم إىل أن البيعة تنعقد من طرف شخص واحد وجيب على‬ ‫الناس متابعته ‪.‬‬ ‫قال النووي‪:‬‬ ‫(ال يتعني لالعتبار عدد‪ ،‬بل ال يعترب العدد‪ ،‬حىت لو تعلق احلل والعقد بواحد مطاع‪،‬‬ ‫كفت بيعته ;) روضة الطالبني وعمدة املفتني (‪)23 /80‬‬ ‫وقال القرطيب‪:‬‬ ‫(فإن عقدها واحد من أهل احلل والعقد فذلك ثابت ويلزم الغري فعله‪ ،‬خالفا لبعض‬ ‫الناس حي قال‪ :‬ال تنعقد إال جبماعة من أهل احلل والعقد ودليلنا أن عمر رضي اهلل عنه‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)31‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫عقد البيعة أليب بكر ومل ينكر أحد من الصحابة ذلك‪ ،‬وألنه عقد فوجب أال يفتقر إىل عدد‬ ‫يعقدونه كسائر العقود) تفسري القرطيب ‪269 /8‬‬ ‫وقال القلقشندي‪:‬‬ ‫احلل والْعقد بِو ِ‬ ‫احد ُمطَاع كفى) مآثر اإلنافة يف معامل اخلالفة ‪22 /8:‬‬ ‫(لَو تعلق ْ َ‬ ‫َ‬ ‫وقال حممد بن عمر بن مبارك احلمريي " حبرق " ‪:‬‬ ‫( بل يكتفى ببيعة واحد منهم يف ثبوت اإلمامة ملن عقدها له‪ ،‬ووجوب اتّباع املعقود له‬ ‫الصحابة مع صالبتهم يف ال ّدين بعقد عمر أليب بكر كما‬ ‫على سائر أهل اإلسالم‪ ،‬الكتفاء ّ‬ ‫الرمحن بن عوف لعثمان كما سيأيت‪)..‬‬ ‫سبق‪ ،‬وعقد عبد ّ‬ ‫والصحيح أن البيعة ال تنعقد إال من طرف مجاعة‪ ،‬وذالك ألمور ‪:‬‬ ‫األول‪ :‬ألن األمر يتعلق مبسألة عامة ختص مجيع املسلمني فال يشرع أن يقضي فيها‬ ‫شخص واحد برأيه أو اجتهاده‪ ،‬وإّنا جيب أن يكون األمر صادرا عن شورى من املسلمني‬ ‫لقوله تعاىل‪{ :‬وأمرهم شورى بينهم}‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬حدي عمر الذي حيذر فيه أن يبايع أحد أمريا دون مشورة املسلمني ‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أن ويل األمر يعهد ملن بعده باألمر ويأمر الناس مببايعته كما فعل أبوبكر رضي‬ ‫اهلل عنه بالعهد باألمر من بعده لعمر وأمجع الصحابة على وجوب إنفاذ عهده ‪.‬‬ ‫وإذا قلنا بأن الناس ملزمون ببيعة صادرة من شخص واحد‪ ،‬فقد ألزمناهم باختياره ومل‬ ‫يكن للوالية بالعهد من طرف اإلمام مزية على بيعة سائر الناس ‪!..‬‬ ‫أي أنه ال فرق بني والية األمر بالعهد ووالية األمر بالبيعة ‪.‬‬ ‫تنبيه‪:‬‬ ‫جعل عمر رضي اهلل عنه األمر شورى بني ستة من الصحابة فيه دليل على مشروعية‬ ‫اختيار مجاعة حمدودة مكلفة بنصب اإلمام وبيعته ختتاره حسب اتفاقها إما باألغلبية أو مبا‬ ‫تتفق عليه من مرجحات ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)32‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فمع وجود هذه اهليئة وتعيينها فاإلمام الشرعي هو املبايع من طرفها ‪.‬‬ ‫وأما مع عدم وجودها فاإلمام الشرعي هو أول حائز على الشروط بايعته مجاعة من أهل‬ ‫احلل والعقد ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)33‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫فصل‬ ‫إذا دار األمر بين انعدام اإلمام وجهالة عينه ثبتت البيعة ولو مع الجهالة‬ ‫إذا كان إخفاء اسم اإلمام وعينه لغرض احلفاظ على منصب اإلمامة وأخذ احليطة‬ ‫للسالمة فال ينبغي أن يكون الشرتاط معرفته مكان وال لالعرتاض عليه وجه أو لسان‪.‬‬ ‫ألن نصب اإلمام عبادة‪ ،‬والعبادة ال يسقط كلها بتعذر بعضها ‪..‬‬ ‫لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬صل قائما فإن مل تستطع فقاعدا فإن مل تستطع فعلى‬ ‫جنب ) رواه البخاري‪.‬‬ ‫والقاعدة أن "امليسور ال يسقط باملعسور"‪،‬‬ ‫فإذا تعذر اإلعالن عن اسم الشخص املبايع بعينه فال يسقط وجوب نصب اإلمام‬ ‫جبملته ‪.‬‬ ‫فيسقط شرط اإلعالن وتثبت البيعة مع هذا النقصان ‪.‬‬ ‫ألن االجتماع حتت راية من مل جيمع األوصاف أوىل من التفرق وبقاء االختالف‬ ‫ويف مثل هذا يقول الغزايل‪:‬‬ ‫( فلو انتهض هلذا األمر من فيه الشروط كلها سوى شروط القضاء ولكنه مع ذلك يراجع‬ ‫العلماء ويعمل بقوهلم فماذا ترون فيه‪ ،‬أجيب خلعه وخمالفته أم جتب طاعته؟‬ ‫قلنا‪ :‬الذي نراه ونقطع أنه جيب خلعه إن قدر على أن يستبدل عنه من هو موصوف‬ ‫جبميع الشروط من غري إثارة فتنة وهتييج قتال‪ ،‬وإن مل يكن ذلك إال بتحريك قتال وجبت‬ ‫طاعته وحكم بإمامته ألن ما يفوتنا من املصارفة بني كونه عاملا بنفسه أو مستفتيا من غريه‬ ‫دون ما يفوتنا بتقليد غريه إذا افتقرنا إىل هتييج فتنة ال ندري عاقبتها‪ .‬ورمبا يؤدي ذلك إىل‬ ‫هالك النفوس واألموال‪ ،‬وزيادة صفة العلم إّنا تراعى مزية وتتمة للمصاحل فال جيوز أن يعطل‬ ‫أصل املصاحل يف التشوق إىل مزاياها وتكمالهتا‪.......‬فإن قيل فإن تساحمتم خبصلة العلم‬ ‫لزمكم التسامح خبصلة العدالة وغري ذلك من اخلصال‪ ،‬قلنا‪ :‬ليست هذه مساحمة عن‬ ‫االختيار ولكن الضرورات تبيح احملظوارت‪ ،‬فنحن نعلم أن تناول امليتة حمظور ولكن املوت‬ ‫أشد منه‪ ،‬فليت شعري من ال يساعد على هذا ويقضي ببطالن اإلمامة يف عصرنا لفوات‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)34‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫شروطها وهو عاجز عن االستبدال باملتصدي هلا بل هو فاقد للمتصف بشروطها‪ ،‬؟!!‬ ‫‪....‬ومعلوم أن البعيد مع األبعد قريب‪ ،‬وأهون الشرين خري باالضافة‪ ،‬وجيب على العاقل‬ ‫اختياره‪)... ،‬االقتصاد يف االعتقاد للغزايل‪ ،‬ص‪830-829 :‬‬ ‫والذي يظهر واهلل اعلم أن املتعني هو معرفة املبايَع بأوصافه وأحواله ال بامسه وومسه‪.‬‬ ‫ألن الشرع مل يشرتط لإلمام امسا معينا وال صورة ثابتة‪ ،‬وإّنا اشرتط له أوصافا حمددة‬ ‫فحيثما وجدت هذه األوصاف كان أهال لإلمامة سواء كان امسه عمرا أو زيدا وسواء كان‬ ‫أبيض او أسود أو طويال أو قصريا‪.‬‬ ‫فال يشرتط يف البيعة معرفة هيئة املبايع وال صفة شكله ‪.‬‬ ‫وقد كان مع النيب صلى اهلل عليه وسلم يف املدينة من ال يعرفه بعينه ‪..‬‬ ‫عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬مر النيب صلى اهلل عليه وسلم بامرأة تبكي عند‬ ‫قرب‪ ،‬فقال‪« :‬اتقي اهلل واصربي» قالت‪ :‬إليك عين‪ ،‬فإنك مل تصب مبصيبيت‪ ،‬ومل تعرفه‪ ،‬فقيل‬ ‫هلا‪ :‬إنه النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فأتت باب النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فلم جتد عنده‬ ‫بوابني‪ ،‬فقالت‪ :‬مل أعرفك‪ ،‬فقال‪" :‬إّنا الصرب عند الصدمة األوىل" رواه البخاري‪.‬‬ ‫وال شك أن كل من كان يبايع اإلمام يف األقطار النائية ال يعرف أوصافه إال بالسماع‪،‬‬ ‫ومع هذا مل يقل أحد منهم‪ :‬ال بيعة إال بعد املعاينة واالجتماع ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)35‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫الخاتمة‬ ‫تبني من خالل الفصول السابقة أن نصب اإلمام واجب على املسلمني وأن وجوبه على‬ ‫الفور‪ ،‬وأنه ال مانع مينع املسلمني اليوم من نصبه وال عذر هلم يف تركه ‪.‬‬ ‫أما من يقولون بتعطيل البيعة الواجبة وبقاء املسلمني على حال من الفرقة إىل أن يرضى‬ ‫بالبيعة جل املسلمني فال يدل لقوهلم نص صريح وال عقل صحيح‪.‬‬ ‫وق د عجبت من موقف بعض الشيوخ الفاضلني الذين قالوا بأن كل البيعات املوجودة‬ ‫اليوم ما هي إال بيعات على اجلهاد وليس فيها أي بيعة على اإلمامة !‬ ‫وكأهنم هبذا الكالم يستنكرون أن تقوم اجلماعات اجملاهدة بتنصيب اإلمام ومبايعته على‬ ‫تطبيق الشريعة واألحكام !‬ ‫وردا على ذالك نقول‪:‬‬ ‫‪ -8‬هذا الكالم بريد إىل وقوع النزاع وفيه حض على ترك فريضة نصب اإلمام الواجبة‬ ‫باإلمجاع ‪ ..‬وحتريض للجماعات اجملاهدة على أن تبقى بال راية مرفوعة وال قيادة متبوعه‪،‬‬ ‫وهذا هو عني ما حذر منه الشرع احلكيم‪ ،‬وجعله من أسباب اخلالف األثيم‪..‬‬ ‫قال اجلويين يف بيان ما يرتتب على تعدد األمراء من املفاسد ‪:‬‬ ‫( داعية التقاطع والتدابر والشقاق ربط األمور بنظر ناظرين‪ ،‬وتعليق التقدم بأمريين‪ ،‬وإّنا‬ ‫تستمر أكناف املمالك برجوع أمراء األطراف إىل رأي واحد ضابط‪ ،‬ونظر متحد رابط‪ ،‬وإذا‬ ‫مل يكن هلم موئل عنه يصدرون‪ ،‬ومطمح إليه يتشوفون‪ ،‬تنافسوا وتتطاولوا‪ ،‬وتغالبوا وتصاولوا‪،‬‬ ‫وتواثبوا على ابتغاء االستيالء واالستعالء‪ ،‬وتغالبوا غري مكرتثني باستئصال اجلماهري والدمهاء‪،‬‬ ‫فتكون الداهية الدهياء‪ ،‬وهذا مثار الباليا‪ ،‬ومهلكة الربايا‪ ،‬وفيه تنطحن السالطني والرعايا)‬ ‫غياث األمم يف التياث الظلم ص‪832 :‬‬ ‫فواجب ع لى أهل العلم أن يبينوا للناس وجوب هذه الفريضة ويدعوهم إىل العمل هبا ال‬ ‫أن ينفروهم منها ‪..‬‬ ‫‪ -2‬ما هو املانع من كون بعض البيعات املوجودة بيعة على اإلمامة الشرعية ؟‬ ‫أألن مبايعة اإلمام ونصبه يف زماننا غري واجب وغري مشروع ؟‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)36‬‬


‫فصول في اإلمامة‬ ‫والبيعة‬

‫أم ألن اجلماعات اجملاهدة كلها ليست أهال ألن يكون من ضمنها مجاعة من أهل احلل‬ ‫والعقد الذين تنعقد هبم بيعة اإلمامة ؟‬ ‫أال فليتق اهلل تعاىل من يروج هلذه الشبهات ‪..‬‬ ‫وليعلموا أن كل دعوة إىل ترك فريضة نصب اإلمام‪ ،‬فمآهلا إىل تفريق اجلماعة واالعرتاض‬ ‫على الواجب والطاعة ‪..‬‬ ‫ونسأل اهلل تعاىل أن يكون فيما ذكرناه جتلية للصواب وبيانا للحق يف هذا الباب ‪.‬‬ ‫ونسأله أن جيمع كلمة املسلمني ويوفقهم للتمسك بالسنة والكتاب ‪.‬‬ ‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬ ‫كتبه‪:‬‬ ‫أبو المنذر الشنقيطي‬ ‫الثالثاء ‪ 03‬صفر ‪ 8232‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ 80‬ديسمرب ‪ 2083‬م ‪.‬‬

‫منبر التوحيد والجهاد‬ ‫***‬ ‫‪//www.tawhed.ws‬‬ ‫‪//www.almaqdese.net‬‬ ‫‪//www.abu-qatada.com‬‬ ‫‪//www.mtj.tw‬‬

‫‪http:‬‬ ‫‪http:‬‬ ‫‪http:‬‬ ‫‪http:‬‬

‫ـ‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)37‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.