final edition.indd 1
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 2
02/12/11 5:43 PM
ت�أليف :عبداهلل ح�سني الزعابي ,من مواليد دبي 1982 للتوا�صل مع الكاتبa.h.alzaabi@hotmail.com : ر�سوم :نادية الكعبي �إخراج فني :حامت ال�شريف الطبعة الأوىل 2011 جميع احلقوق حمفوظة
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 3
المتصل الذي يعرف كل الفضائح
4
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 4
ـ �آلو نعم. ـ �صباح اخلري ،الأخت �سعاد؟ ـ نعم ،من املتكلم؟ ـ �أنا فاعل خري ،ا�سمعيني للنهاية وال تقفلي اخلط ،كي ال تندمي. �صمتت �سعاد ،حارت يف ما يجب �أن تفعل� ،أرادت �إغالق اخلط ،لكنها مل ت�ستطع ،رمبا هو اخلوف �أو الف�ضول� ،أ�ضاف املت�صل: ـ انا �أعلم كل �شيء عنك ،و�أعرف �أين كنت �أم�س ع�صراً. ـ ماذا تق�صد؟ من �أنت؟ قال ال�صوت بالنربة نف�سها اخلالية من �أي �إح�سا�س: ـ تعرفني ق�صدي ،ولي�س مهماً من �أكون ،املهم ما �أعرفه ،وما قد �أفعله. �صمت حلظة لت�ستوعب ما يحدث ،و�أ�ضاف: ـ �أعتقد �أنك فهمت ق�صدي؟ ابتلعت ريقها فجاء �صوتها �ضعيفاً مرتدداً ،ال كما يف البداية: ـ ال �أفهم. مر ببالها زوجها وطفالها ،ثم حبيبها الذي مل ت�ستطع الزواج به ومل يتقدم خلطبتها طوال �سنوات حبهما ،وعندما تقدم لها زوجها احلايل ،وهو من عائلة حمرتمة وكبرية ،مل ت�ستطع الرف�ض �أمام �إ�صرار �أهلها ،وعدم ا�ستعداد حبيبها م�صطفى للتقدم. بعد �شهور من زواجها ،و�أمام مالحقة و�إ�صرار حبيبها على ا�ستمرار عالقتهما التي �أ�صبحت �أ�سهل بعد زواجها ،ا�ست�سلمت له ولقلبها الذي مل ينجح زوجها يف احتالله. قال لها ال�صوت وقد بد�أ ميل من الإنكار و�إطالة احلوار: ـ �أم�س كنت مع حبيبك م�صطفى وح�صل بينكما ما ح�صل.
5
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 5
مل تنطق ب�شيء ،كان قلبها يخفق ب�شدة حتى خيل �إليها �أن املت�صل ي�ستطيع �سماعه ،و�سارعت قائلة لتخفي قلقها: ـ كيف علمت بذلك؟ ـ مل ت�س�أليني ال�س�ؤال ال�صحيح حتى الآن� ..س�ؤال املليون. ـ ا�سمع �إن كنت تريد املال ف�أنا م�ستعدة.. قاطعها ال�صوت ب�ضحكة بدت ك�أنها �صادقة: ـ ال �أريد مالك� ..أريدك �أنت. بعد �أن همت ب�إقفال اخلط ،مل جتر�ؤ� ،أ�ضاف ال�صوت: ـ ا�سمعي يا �سعاد� ،أنت جميلة ،و�أنا معجب بك منذ ر�أيتك �أول مرة ،كل ما �أريده �أن تكوين على عالقة بي. كانت لتكون �سعيدة بهذا الإطراء يف ظروف �أخرى� ،إمنا يف هذا املوقف فالأمر خمتلف، �أجابته: ـ لكن �أنا متزوجة و.. ـ �أمل تكوين متزوجة �أم�س؟! حاولت �سعاد جعله يرتكها ب�سالم ،تو�سلت �إليه باكية� ،أفهمته �أنها ال تريد �أن تدمر �أ�سرتها، و�أنها ال ت�ستطيع فعل ما يطلبه لأن ذلك �أ�شبه باالغت�صاب ،و�أنها فعلت ما فعلت لأنها حتب م�صطفى ،مبدي ًة ا�ستعدادها لرتكه الآن بعد هذه املكاملة. كان الطرف الآخر ين�صت دون �أن يقاطعها ،وحني ت�أكد من انتهاء مرافعتها ،قال: ـ كالمك كله مردود عليه. �شرح لها �أن العالقة معه لن تدمر �شيئاً ،بل على العك�س �ستنقذ كل �شيء ،لأنه �سيبقي فمه مقف ً ال حينها .و�أعلن �أنه �شاب و�سيم يقدر املر�أة ،ووعدها: ـ �ست�ستمتعني معي �أكرث مما ا�ستمتعت مع زوجك ،وحبيبك. �أما عن االغت�صاب فرف�ض الت�سمية نهائياً واحتج عليها ،وحجته �أنها انخرطت يف عالقة مع م�صطفى لأنها حتبه� ،إال �أنها دخلت عالقة مع زوجها دون �أن حتبه ،و�إال ملا خرجت مع حبيبها.
6
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 6
ماذا تفعل؟ ماذا تقول له؟ �إنه ال يعطيها الفر�صة لتفكر ،يريد جواباً الآن .البد �أن حتاول �إقناعه ،فهو برغم ما يطلبه يبدو طيباً نوعاً ما .قالت: ـ �أعلم �أنني �أخط�أت� ،أرجوك تفهم موقفي ،زوجي ال ي�ستحق ذلك. انتظرت �أن يرد عليها ،ظل �صامتاً حلظات كانت �أ�شبه بحياة كاملة ل�سعاد ،بدا �أنها �أثرت فيه ،لكنه تنحنح قلي ً ال ،ثم قال: ً ـ ح�سناً ،اتركي ال�سماعة واذهبي �إىل خزانة الأغطية الإ�ضافية ،ابحثي جيدا خلف الأغطية، و�أخربيني ماذا �ستجدين؟ لوهلة مل ت�ستوعب ما يقوله ،نه�ضت وهي مترر يدها على خديها لتم�سح بقايا دموعها، ت�ساءلت كيف يعرف هذه التفا�صيل ،هل يكون م�صطفى مل منها ويريد ت�سليمها ل�شخ�ص �آخر؟ ومن �أين ح�صل على رقم هاتف امللحق الذي ت�سكنه يف بيت �أهل زوجها؟ وماذا يريد �أن يريها يف اخلزانة؟ ات�سعت عيناها عندما ر�أت ما يوجد خلف الغطاء الأ�سود ،كانت هناك علبة واق ذكري. هي تعلم �أكرث من غريها �أن زوجها مل ي�ستخدم هذا ال�شيء معها .ازداد احمرار وجهها، وت�سارعت �أنفا�سها وفا�ضت دموعها مرة �أخرى ،وهي تفكر يف خيانة زوجها النذل ،وكيف عرف النذل الآخر بالأمر؟ عادت �إىل �سماعة الهاتف ،وقد بد�أت تتقبل فكرة �أن تقيم عالقة مع املت�صل ،رفعت ال�سماعة و�سمعته يقول: ـ ماذا وجدت؟ ـ �أنت تعلم ماذا يوجد هناك. قال وقد بدا فرحاً بانت�صاره: ـ �إين �أعلم حتى �أنه من احلجم الكبري ،لكني مل �أكن �أريد لك �أن تتعذبي. يف �سرها كانت تعلم �أن هذا الأمر �أراحها بطريقة ما ،رمبا من ت�أنيب ال�ضمري الذي كان يطرق بابها �أحياناً بعد لقاءاتها مع م�صطفى ،وقالت له ب�صوت �أكرث ثقة من ذي قبل: ـ ح�سناً �أنا موافقة على طلبك ،لكن ما �أدراين �أنك �سترتكني بحايل بعدها؟
7
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 7
�أكد بنربة فرح دون �إ�سراف �أنه لن يطاردها بعد املرة الأوىل ،مرجحاً فكرة �أن تقوم هي بهذا الدور .كان يتحدث بثقة خميفة جعلتها تقول: ـ لكن عليك �أن تخربين من �أين علمت بكل هذه الأ�شياء؟ ـ هذا ما ال �أ�ستطيع �إعالمك به. قالها بو�ضوح و�سرعة وك�أنه كان ينتظر �أن تقول ذلك. �صمت حلظة ثم �أ�ضاف: ـ افهمي يا �سعاد� ،أنا �أعلم �أكرث مما تتخيلني ،هناك فتيات �أخريات يف البيت ،و�أنا �أعلم �أن بع�ضهن على عالقات غرامية ببع�ض الرجال ،لكني مل �أفعل �شيئاً لهن� ،أتدرين ملاذا؟ لأين ل�ست خ�سي�ساً ،كل ما يف الأمر �أنني معجب بك �أنت ،و�صدقيني لو مل �أكن �أفكر بك كل ليلة، ملا ات�صلت بك �أ�ص ً ال. اتفقا على اللقاء ع�صراً ،يف املوعد نف�سه الذي كانت تذهب فيه ملقابلة حبيبها� ،سيلتقيان يف مواقف �أحد املراكز التجارية ،تركب معه ال�سيارة ،ويتجهان �إىل بيته. كانت �سعاد تعلم ما الذي �سيحدث هناك ،مل يكن ذلك ما ي�شغل بالها ،فقد كانت م�صممة على معرفة ال�شخ�ص الذي يقف خلف كل هذه املعلومات. بعد �ساعات عدة ،كان املت�صل يتناول طعام غدائه عندما رن هاتفه� ،إنه الرقم نف�سه ،خطر له �أنها تت�صل لتلغي املوعد ،وقرر �أن يكون قا�سياً معها هذه املرة ،ويجربها على احل�ضور يف املوعد متاماً و�إال الف�ضيحة. نه�ض متجهاً �إىل غرفته� ،أجاب على الهاتف ،فجاءه �صوت �أنثوي يقول بدالل وا�ضح: ـ مرحبا حبيبي. ـ �أه ً ال. ارتاح عندما �سمع ال�صوت ،مل يكن �صوت �سعاد ،قالت له: ـ هل �أ�ستطيع �أن �أراك اليوم؟ ـ ال� ،أنا م�شغول. ً ً حتدثت معه قليال ،ثم طلبت منه �أن ير�سل لها ر�صيدا لهاتفها املتحرك. �أقفل اخلط وقال لنف�سه ،وهو ير�سل �إليها ع�شرين درهماً:
8
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 8
ـ خادمة �شاطرة ..الدراهم لي�ست خ�سارة فيمن جتلب يل كل هذه الأ�سرار.
9
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 9
صاحب اإلصبع الطويل
10
final edition.indd 10
02/12/11 5:43 PM
�ضحك �ضحكة عالية �أ�صابتها بالق�شعريرة ،وقال وهو يبدل الـ«غري» �إىل و�ضعية احلركة: ـ ح�سناً ،ال ب�أ�س. غادر ب�سيارته التي ظلت عيون الن�ساء الثالث تالحقها حتى وارتها املباين .ثم �أخذت اثنتان منهن تنظران �إىل ذات البطن املنتفخة با�ستغراب. قبلها بدقائق ُكن ينتظرن �سيارة �أجرة ليذهنب �إىل امل�ست�شفى ،ف�أ�صغرهن حامل ولديها موعد مراجعة .جاء �إليهن �أحد جريانهن ،وهو رجل حليق الذقن �صبغ الزمن �شاربه وما تبقى من �شعره ،عار�ضاً �أن يو�صلهن �إىل وجهتهن. رحبت الأم والأخت الكربى بالعر�ض املغري كي يتخل�صن من انتظار «التاك�سي» الذي كان يدوم �ساعة ،بداية ت�سعينات القرن املا�ضي .رف�ضت الأخت ال�صغرى الركوب ،وابتعدت عن ال�سيارة ،قائلة يف �سرها: ـ لن �أركب حتى لو قتلتموين. مل تفلح حماوالت الأم والأخت يف ثنيها� ،إىل �أن غادرت ال�سيارة خملفة دخاناً �أ�سود يف املكان ،و�صدى �ضحكة �سائقها يف �أذن الأخت ال�صغرى. مل جتب على �أ�سئلتهما ،لو مل تكن حام ً ال رمبا لرف�ساها يف بطنها ،كما رف�ست هي النعمة و�أف�سدت عليهن «تو�صيلة» مريحة وجمانية .ا�ستمر �صمتها حتى عندما ركنب �سيارة «التاك�سي» التي ا�ستقبل �سائقها الباك�ستاين لعنات الأم و�صراخها بابت�سامة بلهاء ،لأنه مل يفهم �شيئاً منها. كانت احلامل �سارحة يف املا�ضي ،متذكرة هذا الرجل الذي كان يريدها .تذكرت ذلك اليوم حني كانت يف ال�صف الرابع االبتدائي ،تذكرت نظراته لها ،وكلماته التي كان يقولها بني
11
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 11
احلني والآخر ملن معها. كانت تتحا�شاه من حينها ،ترتع�ش وتعرق عندما تراه .حتى �أنها يف �أحد الأيام وهي عائدة من املدر�سة الإعدادية� ،سمعته يقول: ِ كربت يا فتاة. ـ �أح�ست بقلبها يدق يف حنجرتها ،مل جتبه ب�شيء ،كان مي�شي خلفها وحيدين يف «ال�سكة»، �شعرت �أنها طريدة يالحقها ذئب� ،أ�سرعت اخلطا حتى و�صلت بيتها� .أقفلت الباب ،جل�ست وا�ضعة حقيبتها على حجرها وبكت. ل�سنني كانت ت�ستيقظ من نومها فزعة ،ودائماً هو بطل كوابي�سها .كابو�س يتكرر با�ستمرار؛ يختبئ الرجل خلف جدار ،ال يظهر منه �سوى ن�صف وجهه ويده وكفها �إىل الأعلى ،وب�سبابته الطويلة يدعوها �إليه. ف�سرت احللم ب�أنه غري قادر على االقرتاب منها لأنها حماطة ب�أهلها ،ولكنه يحاول ا�ستدراجها ،لذلك هربت يف ذلك اليوم عندما كان جال�ساً �أمام بيته ور�آها ،فناداها ليعطيها «عيديتها» التي مل ت�أخذها قبل �أيام ،جميع �إخوانها ذهبوا مطالبني بـ«عيدياتهم» �إالها، فقد كانت تف�ضل �أن تقف �أمام �سيارة م�سرعة بدالً من �أن تقف �أمامه حتى و�إن �أعطاها مال قارون. مل تخرب �أحداً مبعاناتها ،رغم بكائها امل�ستمر .مل تكن تخاف الغرباء ،حتى �أنه مل يكن غريباً ،كان يزورهم �أحياناً ومعه زوجته و�أبنا�ؤه يف املنا�سبات ،وكانت يف هذه اللحظات ت�صبح فتاة �أخرى ،ال تتحدث مع �أحد ،حتى مع زوجته. مل تكن ت�ستطيع �أن تخرب �أحداً ،فماذا �ستقول؟ ومن �سي�صدقها؟ مل ت�ستبعد �أن ي�ضربها �أهلها �إن تكلمت يف هذه الأ�شياء .ظلت تعاين وحدها ،تكتم �سرها ومت�سح دموعها كي ال يراها �أحد. مل تتوقف الكوابي�س حتى حني تزوجت منذ عام ،الكابو�س نف�سه و«الإ�صبع» نف�سه ،لكن مالمح الرجل تغريت ،فقد �شاب قلي ً ال .كانت تراه بني فرتة و�أخرى ،كما حدث قبل دقائق عندما �أراد �إي�صالهن. ت�أكدت من �أنها �سرتاه يف املنام اليوم ،كانت مرتاحة لقرارها بعدم الركوب ،فمن يعلم ما الذي قد
12
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 12
يفعله هذا املجنون الذي يالحقها منذ �سنني؟ يف هذه الأثناء كان العجوز �صاحب ال�سيارة يغني فرحاً ،فقد ربح اليوم مبلغاً حمرتماً بعد �أن باع �سيارة م�ستعملة ا�شرتاها منذ �أيام. ً ً هذا هو عمله منذ �سنني ،عندما قدم �إىل الدولة �شابا ذكيا ،متكن بف�ضل «�شطارته» يف ال�شراء والبيع من �أن يفتتح بقالة ،لكنه كان يتاجر يف كل �شيء ،ي�شرتي من �أهل احلي �أي غر�ض يريدون بيعه ،ب�أبخ�س الأ�سعار بف�ضل خفة دمه وقدرته على الإقناع ،ويعيد بيعه لغريهم بعد �إ�صالحه �أو جمرد تنظيفه .ومن عنده ميكن �شراء :جالك�سي ،معكرونة ،كوال ،م�سجل ،تلفزيون� ،أتاري ،ثالجة، دراجة� ،سيارة ..وكل �شيء ميكن بيعه. يف «التاك�سي» منعت احلامل نف�سها من البكاء ،كانت الأم التزال تتحدث يف املو�ضوع عندما انتهت من خياالتها .وهي م�صرة على �أن تعرف �سبب رف�ض ابنتها ،ت�س�ألها قلي ً ال ومن ثم تلعنها وتتهمها بقلة الأدب قائلة: ـ يا خ�سارة تربيتي فيك. مل تتحمل احلامل �أكرث ،بد�أت دموعها ت�أخذ طريقها على خديها ،ك�أنه �أمل ال�سنني وجد ثغرة ليخرج منها ،وقالت وك�أنها تزيح جب ً ال عن �صدرها: ـ �أنتم ال تعرفون ما الذي يريده هذا الرجل. اجتهت الأنظار �إليها ،با�ستثناء �سائق التاك�سي الذي كان ي�ستمع �إىل �أغنية يف الراديو مت�سائ ً ال عن �سبب الغ�ضب والبكاء من حوله ،لكنه ا�ستغرب عندما �سمع الأم والأخت الكربى ت�ضحكان فج�أة ،حني �أكملت احلامل حديثها قائلة لأمها: ـ عندما كنت �صغرية كان يريد �شرائي� ،أال تذكرين ذلك؟ عادت الأم بذاكرتها وهي ت�ضحك �إىل ما قبل ع�شر �سنوات ،حتديداً ذلك اليوم عندما كان الرجل يف فناء بيتهم يريد حمل الغ�سالة بعد �أن دفع ثمنها ،ف�س�أل م�شرياً �إىل املطبخ: ـ هل تبيعونني الثالجة؟ رف�ضت الأم ذلك ،ف�س�أل عن الفرن ،وقوبل طلبه بالرف�ض �أي�ضاً .وعند هذه اللحظة �أقبلت فتاة مل يتجاوز عمرها ال�سنوات الثمان ،ف�أ�شار �إليها �سائ ً ال وهو يبت�سم: ـ وماذا عن هذه� ،أال تبيعونها؟
13
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 13
محششون بال حدود
14
final edition.indd 14
02/12/11 5:43 PM
هذا الكالم ال يجوز� ،أنا ال �أر�ضى بذلك� ،إنهم ي�شوهون �صورتنا ،ملاذا ال يلقون بالويهم على غرينا ،ملاذا ال ي�ؤلفون النكات على ال�سكارى �أو املدخنني �أو حتى متعاطي الهريوين واملاك�س والرتياق ..ملاذا ي�صرون علينا نحن امل�ساكني؟ هل لأننا فقراء ال منلك ثمن الهريوين والكوكايني؟ نحن �أف�ضل من ه�ؤالء ب�ألف مرة ،نحن �أ�صحاب كيف ومزاج ،هم يريدون الهرب من الدنيا ،يريدون �أن يغيبوا عن الوعي ،نحن نريد �أن نبقى فيها ونعي�شها حلظة بلحظة نفرف�ش ون�ضحك ونحب� ..أطول مدة ممكنة. نحن مع�شر احل�شا�شني يجب �أن نطالب اجلميع ب�أن يتوقفوا عن �إطالق النكات الكاذبة علينا. النا�س ال يعلمون �أن م�ؤلفي النكات كذابون يريدون �أن يظهرونا ب�صورة الأغبياء ،في�ؤلفون ً ً إعالنا يف جملة الو�سيط يقول فيه :للبيع «حم�ش�شا يتاجر يف املخدرات و�ضع � نكته تقول �إن طحني من اللي بايل بالك!». ويقولون �أي�ضاً �إن «حم�ش� ًشا �آخر وقف عند مركز ال�شرطة وظل ي�ضرب على الزمور ،فخرج له بع�ض رجال ال�شرطة ،فقال لهم :واحد بيب�سي واثنني �شاورما». هذا لي�س كالماً منطقياً باملرة ،فاملح�ش�ش يخاف حتى ظله ،ولن يغامر مثل هذه املغامرات، لأنه بب�ساطة يريد �أن يكون بعيداً عن امل�شاكل وكل ما يتعلق بها .هل ت�صدق �أنني خائف منك و�أنا �أكلمك ،ما �أدراين �أنك ل�ست خمرباً لل�شرطة؟ يا عزيزي هناك حماولة لإبعاد النا�س عن احل�شي�ش لأنه يجعلهم يفرف�شون ويفرحون ومن ثم يبدعون ،انظر �إىل ذلك البلد ،كم مبدعاً فيه� ،أعتقد �أنهم كلهم ح�شا�شون.
15
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 15
ذلك املمثل امل�ضحك ،ال �أعتقد �أنه وقف على امل�سرح يوماً دون �أن يدخن احل�شي�ش قبلها. وذلك املطرب �أكاد �أراه وهو يدخن �سيجارته امللغومة� ،إين �أعرف �أنه زميل من طريقة غنائه. ه�ؤالء كلهم لو �أ�س�سوا جمعية ت�ضم حتت جناحيها ح�شا�شي الأر�ض تدافع عنهم ملا حدث ما حدث. ماذا لو �أ�س�سوا نقابة للمح�ش�شني ،و�أ�سموها مث ً ال «حم�ش�شون بال حدود» وتكون مهمتها �أن تو�ضح للجماهري امل�ؤامرة التي حتاك �ضدنا. رمبا تكون م�ؤامرة ت�شبه �أختها التي حتيكها هوليوود �ضد امل�سلمني والعرب� ،أو �إنه جمرد ا�ست�سهال كما تفعل الأفالم امل�صرية التي ت�شوه �صورة ال�صعايدة. البد من نقابة متثلنا وتنقل �أ�صواتنا ،وت�صدر بيانات تنفي بها عالقة �أي من املنت�سبني �إليها بالنكات الكاذبة واملغر�ضة. لكنهم لن يفعلوا لأنهم جبناء ،املح�ش�شون م�ساملون بطبيعتهم ،وال يحبون امل�شاكل .ال يقولون �شيئاً حتى عندما يخرج �أحد ال�سكارى �أو احلمقى لين�شر نكتة تافهة تقول« :حم�ش�ش �أراد �أن يدلع زوجته فقال لها� :أنتي حمامة ..فقالت الزوجة :ال �أنا غزالة ،فقال :املهم حيوانة». هذا الكالم لي�س حقيقياً ،فلي�س املح�ش�ش فقط من يقول ذلك ،تقريباً كل الرجال ي�ؤمنون مبا قاله ،من �ألف هذه النكتة كان يريد �أن يقول لزوجته �إنها حيوانة ،لكنه مل يجر�ؤ ،فو�ضعها على ل�سان املح�ش�ش الربيء. ما هذا االفرتاء؟ هناك �أكرث من مليون نكتة على هذه ال�شاكلة .ملاذا ال تتحدث؟ ال جتد ما تقوله� ،صحيح؟ ا�سمح يل� ،أنا لن �أ�صمت بعد اليوم ،البد �أن �أفعل �شيئاً ،فقد �أ�صبح الأمر ال يطاق ،هل تعلم �أن املح�ش�ش ي�ضحك على �أي �شيء ،لكني مل �أعد �أ�ستطيع ال�ضحك على النكات التي ً ً مطعما و�س�أل :عندكم حلقات ب�صل؟ ف�أجابوه «حم�ش�شا دخل يطلقونها علينا ،فيقولون �إن بنعم ،فقال� :إذ ًا �أعطوين احللقة الأخرية»..
16
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 16
وهذا «حم�ش�ش �آخر ات�صل باخلطوط اجلوية و�س�أل :كم ت�ستغرق رحلة دبي بانكوك؟ قالو له :حلظة ،فقال :احجز يل تذكرة». ال �أقول �إن جميع ما يقال عنا كذب ،هناك بع�ض النكات التي �أ�شعر �أنها حقيقية ،مث ً ال ً «حم�ش�شا و�صديقه الأحول كانا ي�صنعان بع�ض احللويات ،الأحول ي�ضع عندما يقولون �إن قطع العجني خارج الزيت ،واملح�ش�ش يقول :ت�ش�ش�ش». هذه قد تكون حقيقية ،لأنني ب�صفتي حم�ش�شاً �أ�ستطيع �أن �أ�ؤكد لك �أنني ال �أحب �أن �أجرح �أحداً و�أ�شعره بالنق�ص. ً «حم�ش�شا فتح باب الثالجة ،ووجد اجليلي يهتز ،فقال له :ال تخف، وهناك نكتة تقول �إن �س�أ�شرب املاء!». قد يفعلها املح�ش�ش لأنه ربط بني اخلوف واالهتزاز ب�سرعة ،بينما ال ي�ستطيع �أن يفعلها ال�شخ�ص ال�سليم. ثم ها �أنا �أمامك الآن ،هل تراين غبياً �أو �ساذجاً �أو مفتع ً ال للم�شاكل؟ فها �أنت تقلدين منذ بد�أت احلديث معك يف جميع حركات يدي وج�سدي ،وتعابري وجهي ،حتى �أنك حترك �شفاهك كما �أفعل بال�ضبط. مل �أعترب ذلك قلة �أدب ومل �أغ�ضب ،لي�س فقط لأنك يف غرفة نومي ،بل لأين حم�ش�ش، واملح�ش�ش ال يت�صرف بغباء!
17
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 17
عارية في بيت اإلمام
18
final edition.indd 18
02/12/11 5:43 PM
يوم اجلمعة ،ا�ستيقظ �إمام امل�سجد يف الثالثة �صباحاً ،اعتاد ذلك منذ �أ�سابيع عدة، يقوم الليل ،ويقر�أ القر�آن ،ثم يذهب �إىل امل�سجد الذي يعمل به ،لي�ؤم امل�صلني ل�صالة الفجر. ذلك اليوم ،وعلى غري عادته اجته �إىل املطبخ حام ً ال دواءه الذي �صرف له �صباح �أم�س. وهو يف املمر امل�ؤدي �إىل املطبخ ،ملح �ضوءاً يت�سرب من فتحات باب غرفة ابنه عي�سى، وهو �آخر العنقود ،واملدلل يف البيت. حوقل احلاج يف نف�سه ،وعلم �أن ابنه نام دون �أن يطفئ الأنوار ،وهو ما ي�شكل هدراً لإحدى نعم اهلل. �أدار مقب�ض الباب وفتحه� ،صعق احلاج ملا ر�آه؛ كانت هناك فتاة عارية م�ستلقية على ال�سرير. ا�ستغفر احلاج ربه مما ر�أى ،و�أو�صد الباب ب�سرعة متاماً كمن ي�ضع �إ�صبعه على �إناء يغلي. وقف يفكر من دون �أن ترتك يده مقب�ض الباب� ،أح�س بحاجة �إىل دواء ال�ضغط يف يده الأخرى ،لكنه مل يتحرك. خطرت بباله �أ�سئلة عدة: ـ من هذه؟ وماذا تفعل هنا؟ و�أين عي�سى؟ �ألهذا ال�سبب ظل يطالب بغرفة خا�صة؟
19
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 19
كان عي�سى و�أخوه الكبري ينامان يف غرفة واحدة ،لكنه طالب منذ مدة بغرفة خا�صة به ،متعل ً ال بحاجته �إىل اخل�صو�صية بعد �أن كرب ،والهدوء للدرا�سة ،واقرتح �أن يبنوا له غرفة يف فناء البيت. رف�ضت الأم ذلك ل�سببني؛ �أولهما �أنها تريده قربها دائماً ،فمنحوه غرفة اخلادمة، والثاين �أنها خططت ل�شيء �آخر وجنحت فيه ،حيث بنوا يف اخلارج غرفة للخادمة �إ�ضافة �إىل مطبخ وخمزن ،لي�صبح هناك مطبخان يف البيت؛ داخلي وخارجي. �شيء �أف�ضل من ال �شيء ،لذلك قبل بغرفة اخلادمة ،و�أدخل تغيريات كثرية عليها، وفع ً ال �أ�صبحت غرفته املكان الأجمل يف البيت ،لكن هناك �شيئاً واحداً ناق�صاً ،هو احلمام ،لذلك ي�ضطر عي�سى �إىل اخلروج من غرفته للذهاب �إىل بيت الراحة. وحني فتح �أبوه باب الغرفة كان عي�سى هناك ،دون �أن يخطر له �أن �أباه قد يطل عليه يف هذه ال�ساعة. خرج عي�سى من احلمام ،كان الأب اليزال واقفاً ،تقابل االثنان ،و�سادت بينهما حلظة �صمت. تلعثم عي�سى ون�سي ما كان يخطط له حني يدخل مملكته ال�صغرية ،مل يعرف ماذا يجب �أن يقول؛ فهو يعلم �أن �أباه قد يت�ساهل يف كل الأمور� ،إال يف املحرمات. �شعر عي�سى بالدوار� ،أفاق ب�صفعة على خده �أ�صدرت �صوتاً �سمعته الفتاة داخل الغرفة ،والتي كانت بدورها ترتعد خوفاً وهي تبحث عن قطعة من مالب�سها الداخلية، خب�أها عي�سى كي ي�ضمن بقاءها عارية. قال احلاج ويده ترتفع ببطء: ـ كيف تفعل ذلك و�أبوك �إمام م�سجد ،ماذا تركت لأبناء ال�شوارع يا ابن الكلب؟ وكانت هناك �صفعة �أخرى على وجهه تزامنت مع الكلمة الأخرية. جل�س عي�سى على الأر�ض باكياً مت�شبثاً بطرف ثوب �أبيه ،لي�ؤكد ندمه على فعلته، وي�ضمن عدم تلقيه �صفعات جديدة ،ومي�سح دموعه �أي�ضاً.
20
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 20
ـ ال�شيطان �شاطر يا �أبي� ،أنت تعرفني يا �أبي� ،ساحمني �أرجوك. قالها عي�سى الذي كان ينتظر �أن ي�أمره �أبوه بطرد الفتاة حاالً ،ومن ثم ال يتحدث معه �شهراً �أو اثنني ،وتدريجياً تعود املياه �إىل جماريها. لكن ما حدث كان خمتلفاً ،حيث قال احلاج: ـ ا�سمع يا بني ،لقد �أخط�أت ،والبد من ت�صحيح اخلط�أ. �سكت برهة و�سمع ابنه ي�ؤكد كالمه قائ ً ال: ـ طبعاً يا �أبي� ،س�أخرجها الآن من املنزل ،واقتلني لو كررت فعلتي مرة �أخرى. �أ�شاح احلاج بوجهه �إىل اجلهة الأخرى لئال ينظر �إىل ابنه ،لربهة ظل يفكر ،ثم و�ضع يديه على كتفي ابنه طالباً منه الوقوف. قال الأب ب�صوت منخف�ض ،كمن يقول كالماً لي�س مقتنعاً به: ـ �سنذهب الآن مع الفتاة �إىل بيت �أهلها ،ونخربهم مبا حدث ،ويف ال�صباح تتزوجان على �سنة اهلل ور�سوله. �صدم عي�سى مبا �سمع ،فلأول مرة يف حياته ي�سمع ب�أب يجرب ابنه على الزواج بفتاة لأنه �أخط�أ معها ،فهذه الزيجات غالباً ما تكون ب�إ�صرار من عائلة الفتاة. ـ كيف �أتزوجها يا �أبي ،وقد �سبقني �إليها �آخرون. قالها عي�سى لأبيه الذي ظل م�صراً على موقفه ،م�ؤكد�أ لعي�سى �أنه لن يكون ابنه �إذا مل ينفذ ما يقول وي�صلح خط�أه. يف الوقت نف�سه ،كان عي�سى يتخيل ردة فعل والده لو علم �أنه �أخط�أ مع �أكرث من ع�شر فتيات. �أقنع عي�سى نف�سه ب�أن هذه �ضريبة �أن تكون ابناً لإمام امل�سجد ،وقرر �أن يتزوجها ويطلقها بعد �أيام ،وقال يف نف�سه: ـ لعنة اهلل عليها ،البد �أنها �ستطري فرحاً بهذا اخلرب. دخل االثنان الغرفة ،كانت الفتاة متدثرة بغطاء ال�سرير� ،أخربها الأب مبا ينويه .لكن
21
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 21
وجه الفتاة تغري ك�أنها �شاهدت جنياً �أمامها. �صمت اجلميع فرتة ،حتى قال احلاج: ـ كل ما نريده �أن ن�صلح اخلط�أ ون�سرت عليك. حتول هلع الفتاة �إىل ابت�سامة ال معنى لها ،وقالت: ـ لكنني ال �أريد الزواج بابنك. �صعق احلاج ،فقد توقع �أن ت�سرع الفتاة �إىل قدميه تقبلهما ملا يفعله لها. �أما عي�سى فكانت مفاج�أته خمتلطة ب�أحا�سي�س عدة مثل ال�سعادة واال�ستغراب والغ�ضب، فكيف ترف�ضه خ�صو�صاً بعد �أن �أخذ منها ما يريده الرجال عندما يتزوجون. ت�ساءل احلاج م�ستغرباً عن �سبب رف�ضها ،فعللت ذلك قائلة: ـ �أهلي �سيقتلونني ال حمالة ،ورمبا يقتلون را�شد �أي�ضاً. ت�ساءل الأب بعد �أن التفت �إىل ابنه: ـ ومن هو را�شد هذا؟ كان عي�سى ينظر �إىل �أ�سفل ،بينما كانت الفتاة حتدق فيه بنظرة مت�سائلة عن �سبب هذه الكذبة ،وقالت: ـ ما هو ا�سمك يا را�شد؟ فهم احلاج الأمر ،لكن ذلك لي�س مهماً الآن ،فقال بثقة وحما�س وك�أنه يلقي خطبة اجلمعة: ـ ال تخايف يا ابنتي� ،س�أ�شرح لهم الأمر ،و�س�أكون معكما ولن يح�صل �أي مكروه �إن.. لكن الفتاة قاطعته ،وقالت ما جعل عي�سى يقفز دون وعي ليحت�ضن �أباه� ،إال �أن الأخري �صده و�أخرج تنهيدة طويلة. توجه احلاج �إىل الباب وعبارة الفتاة الأخرية ترن يف �أذنيه من دون توقف حتى وهو يف املطبخ:
22
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 22
ـ لكنك ال تفهم يا عمي� ..أنا متزوجة.
23
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 23
الحوار الذي أبكى السجين النائم
24
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 24
فوجئ بر�ؤية خليل يف هذا املكان ..مل يكونا �صديقني ،لكنه مل يخطر له �أبداً �أن يراه يف توقيف املحكمة بدبي ،حيث ينتظر املتهمون �أدوارهم لدخول قاعة املحكمة. مل يكن �سبب ا�ستغرابه �أن خليل �إن�سان مهذب ال عالقة له باجلرائم وال�سجون ،فالأخري ترعرع يف هذه البيئة ،حتى �أنه الآن ميازح احلرا�س ك�أنهم �أ�صدقاء طفولة. لكنه يتذكر قبل �شهر فقط �أنه �سمع حديثاً يفطر القلب يدور بني �شخ�صني يف �سجن ملوقوفني ينتظرون �أحكامهم مبركز �شرطة الرا�شدية بدبي. كانت الدموع تبلل حوارهما� ،أح�س بذلك وهو م�ستلق يف الطابق العلوي لأحد ال�سريرين، وي�ستن�شق دخان ال�سجائر الذي مل يجد مكاناً يخرج منه ف�شكل �سحباً يف الزنزانة ،وكان كل منهما يجل�س على �سريره يدخن ،معتقدين �أن زميلهما نائم. ويذكر «امل�ستمع النائم» جيداً �أن خليل قال ل�صديقه يعقوب و�صوته يدل على وجود دموع على خديه: ـ ملاذا فعلنا ذلك ،ما ذنب زوجتينا و�أبنائنا ،ليحرموا منا �أربع �سنوات؟ فريد عليه يعقوب ب�صوت متقطع بعد تنهيدة طويلة: ـ لقد دمرنا عائلتينا ..نحن حيوانان� ،ضيعنا نف�سينا وعائلتينا ب�سبب املخدرات. ـ لي�ست هذه املرة الأوىل التي �أ�سجن فيها ،لكنها خمتلفة هذه املرة ..فطفلي عمره �سنة ،هل �سيكرب دون �أن يرى وجهي بو�ضوح ب�سبب الق�ضبان؟ كان احلديث م�ؤثراً ،وفيه ندم �صادق ،وعبارات عن �أن هذه املرة �ستكون الأخرية ،لكن �أربع �سنوات يف ال�سجن لن متر ك�شربة ماء� ،أو كما متر �أربع �سنوات من احلرية يف �أح�ضان العائلة والأ�صدقاء..
25
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 25
كان «النائم» على و�شك البكاء وهو ي�ستمع �إىل حديثهما ،فيعقوب �أي�ضاً متزوج حديثاً، وينتظر طفلة يف ال�شهور املقبلة ،والتحاليل التي ال تكذب وال جتامل �أو ترحم تثبت تعاطيهما املخدرات ،والقا�ضي �سينظر �إىل الأدلة ،ولن ي�أخذ عائالت املتهمني بعني االعتبار ،حتى و�إن كان لدى كل واحد منهما �أربع زوجات على و�شك الوالدة. بعد هذا احلوار ب�أيام حكمت املحكمة على االثنني بال�سجن �أربع �سنوات ،ومت نقلهما �إىل ال�سجن املركزي بدبي ،والذي ال يختلف عن توقيف مركز ال�شرطة �سوى يف �أن �سجناءه يعلمون حمكومياتهم. بانق�ضاء �أ�سبوعني فقط ،حدث �أمر غريب ،مت الإفراج عن خليل ويعقوب بعد �صدور عفو عام عن جميع ال�سجناء املحكومني يف هذه النوعية من الق�ضايا ،مهما كانت الفرتة التي �أم�ضوها ،حتى �أن هناك �أ�شخا�صاً �أطلق �سراحهم بعد ق�ضاء يوم واحد فقط يف ال�سجن املركزي. وها هو خليل يجل�س الآن يف توقيف املحكمة مرثثراً مع جميع من يعرفهم وك�أنه موظف عاد �إىل العمل بعد �إجازته ال�سنوية .اجته «الزميل النائم» �إىل خليل ،وبعد الأح�ضان وال�سالم، �س�أله: ـ ماذا ح�صل ،ملاذا عدت ب�سرعة؟ قال خليل وهو يزم �شفتيه ،ويطوح بر�أ�سه مييناً و�شماالً: ـ عندما كان «مايكروفون» ال�سجن املركزي يعلن �أ�سماء امل�شمولني يف العفو ،كنت يف احلمام �أ�ستعد حلقن نف�سي بــ«الـاجلرد». ـ هريوين يف ال�سجن املركزي؟! ـ �أحياناً يكون �سعره �أرخ�ص يف الداخل لوفرته. قالها خليل �ضاحكاً ،و�أكد �أنه خرج من ال�سجن وهو حتت ت�أثري املخدر ،ويف اليوم التايل، كان يعاين «اخلرمة» �أو الأعرا�ض االن�سحابية التي تفتك باجل�سم املحتاج �إىل هذا ال�سم، فلم يجد �إال �أن يتعاطى ،وكذلك فعل يف اليوم الثاين والثالث والرابع.. لكن بعد �أ�سبوع من احلرية� ،ألقي القب�ض عليه ،بينما كان يجل�س مع بع�ض «زمالء املهنة» يتعاطون ،وكان من بينهم �أحد املخربين. قال املتفاجئ يف نف�سه:
26
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 26
ـ كم هو خرب حمزن ،لكن احلمد هلل؛ فعلى الأقل يعقوب يجل�س مع عائلته الآن ،وبالإرادة ميكن ترك كل �شيء. و�س�أله عن �أخبار �صاحبه يعقوب ،فقال خليل وهو ي�ضحك مبا ي�شبه �ضحكة املنت�صر: ـ يعقوب حطم الرقم القيا�سي ،فقد مت القب�ض عليه بعد يومني من اخلروج فقط ،وهو نائم يف توقيف مركز بردبي الآن.
27
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 27
حب و«بالوي» أخرى
28
final edition.indd 28
02/12/11 5:43 PM
«ماذا �أفعل؟ �أحبها ،وال �أملك اجلر�أة مل�صارحتها» .قالها نا�صر البن خالته و�أعز �أ�صدقائه حممد، وهما يجل�سان يف «كويف �شوب» يف «مريكاتو مول» القريب من �سكنهما. حممد ال يعمل ،تخرج من الثانوية وقرر �أخذ «فرتة نقاهة» ملدة �سنة ،وبعدها ،ولأنه ال يريد العمل ،حتجج ب�أن موا�صلة الدرا�سة �أهم ،فلم يكن هناك �أف�ضل من �أن يكمل الدرا�سة يف جامعة خا�صة يف الفرتة امل�سائية ل�ساعتني �أو ثالث ،ما يتيح له �سهر الليل ،و�شخري النهار. �أما نا�صر فطالب بال�سنة الأخرية يف الثانوية العامة ،يح�ضر �إىل «مريكاتو» �أكرث من املوظفني، فهم يح�صلون على �إجازة �أ�سبوعية ،ال يحتاجها هو؛ فاحلب طاقة نووية بداخله. وي�ؤكد دائماً ل�صديقه الذي �أبدى رغبته يف تغيري املكان والذهاب �إىل «مول الإمارات» �أو «دبي مول» �أنه م�ستعد لأن يق�ضي ما تبقى من حياته يف حمامات «مريكاتو» ،ليحظى بنظرة من عيني فتاته التي ت�أتي �إىل هنا مع �أخواتها مرة �أو اثنتني يف الأ�سبوع ،دون �أن يخطر لها �أن هناك من ي�سجل ح�ضوره يف املكان يومياً ،لرياها فح�سب. م�شكلة نا�صر �أنه خجول ،بعك�س ابن خالته الذي ال يرتك فتاة متر �إال وينظر يف عينيها بتحد، وبعد �أن تتخطاه يتعقبها بنظراته رغم وجود ع�شرات النا�س حوله .حتى �أنه تربع ليذهب �إىل الفتاة ويعطيها رقم هاتف نا�صر ،لكن العا�شق الولهان رف�ض ب�شدة ،فمن ذا الذي ير�ضى �أن يبد�أ ق�صته مع حبيبته جباناً خجوالً ،ك�أنه هو الفتاة؟ يف ذلك اليوم ،وبعد �أن طفح الكيل مبحمد من «مريكاتو» ونا�صر وق�صة حبه والفتاة التي يحبها، فقد وهب نا�صر ل�سانه لهذا املو�ضوع ومل يعد يتحدث يف غريه ،اقرتح حممد بعد �أن ارت�شف من قهوته: ً ً ـ ا�سمع ،تعال عندي الليلة ،و�أنا �أ�ؤكد لك �أنك �ستكون كازانوفا غدا �صباحا ،بل ورمبا جيم�س بوند �أي�ضاً.
29
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 29
و�أبدى حممد ا�ستعداده لإح�ضار امل�شروبات الكحولية �إىل غرفته هذه الليلة فقط من �أجل عيني �صديقه وابن خالته ،و�أنهما �سيثمالن حتى ال�صباح ،بعد ذلك �سيتقدم نا�صر �إىل الفتاة وهي تنتظر حافلة املدر�سة ،ودون �شك �سيكون جريئاً ليف�صح عن حبه لها. نفخ نا�صر خديه قلي ً ال وزم �شفتيه وهز ر�أ�سه ومتتم بجملة دينية مل ي�سمعها حممد بو�ضوح، ف�أ�ضاف: ـ رمبا تدفعك جر�أتك بعد ال�شرب �إىل حتطيم �أبواب املدر�سة ،واقتحام طابور ال�صباح ،و�أخذ املايكرفون من املديرة ،واجللو�س على ركبتيك ،واالعرتاف �أمام اجلميع ب�أنك حتب فتاتك حتى النخاع. وافق نا�صر بعد حماوالت حممد الطويلة ،فهو يعلم �أنه لن ي�ستطيع فعلها وهو يف كامل قواه العقلية ،وقد �سبق �أن �سنحت له فر�ص عدة كان ي�ستطيع خاللها االنفراد بها والبوح مبا يحمله لها يف �صدره ،فكثرياً ما ترتك الفتاة �أخواتها وتتجه �إىل احلمام ،حتى �أنه قابلها مرات عدة وجهاَ لوجه ومل ي�ستطع حتى �أن ينظر يف عينيها ويبت�سم. قرر نا�صر �أن ي�شرب اليوم ،واليوم فقط ،لأنه م�ستعد ل�شرب ال�سم ال اخلمر فح�سب ،فدا ًء حلبه. وقال يف نف�سه: ـ قليل من اجلر�أة ،هو كل ما �أحتاجه ،واهلل غفور رحيم. ات�صل نا�صر ب�أمه يعلمها �أنه �سيبيت عند ابن خالته كي ال تقلق ،و�أخربها �أنه �سيو�صله �صباحاً �إىل املدر�سة. لي ً ال ويف غرفة حممد ،جل�س االثنان �أمام التلفزيون ،و�أمامهما طاولة �صغرية ،عليها زجاجتا «فودكا» و«تكيال» ،وعبوات عدة من م�شروب الطاقة «ريد بول» ،و�شيب�س امللح واخلل وبع�ض املك�سرات والليمون ..وكي�س كبري من الثلج ،وفنجانا قهوة فارغان! مل يتكلم نا�صر ،وك�أنه بنت يف ليلة دخلتها� .صب حممد الك�أ�س الأوىل وقال وك�أنه ابتد�أ �شرب اخلمر بر�ضاعته وهو طفل: ـ الفودكا ال يك�سر طعمها �إال الريد بول. وناول الك�أ�س لنا�صر الذي قال يف �سره كما تعود:
30
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 30
ـ ب�سم اهلل الرحمن الرحيم. وثم تذكر �أنه �سي�شرب خمراً ال ماء زمزم! بعد ك�ؤو�س عدة من الفودكا التي مل يكن طعمها بذلك ال�سوء ،و�ضع حممد �أمام نا�صر الفنجان وفيه «تيكيال» وبجانبه قطعة ليمون وقال: ـ ا�شربه دفعة واحدة ،ال حتاول �أن تتذوقه ،وم�ص الليمونة بعد �أن تنتهي مبا�شرة. اتبع نا�صر التعليمات ،لكن ما هذه احلرارة؟ هناك نار بداخله ،دفعته ليقول ،وهو ي�ضع الفنجان على املن�ضدة م�سنداً ظهره �إىل خلف وعيناه تتلألآن بالدموع: ـ �أال تكفيني نار احلب يا ولد اخلالة؟ يف ال�صباح ،لب�س «كندورته» وتعطر وو�ضع «علكة» يف فمه ،خرج ببطء حماوالً �أال يرتنح .احلركة عادية ،حافالت ذاهبة ومقبلة ،النا�س يتجهون �إىل �أعمالهم ،و�صل �إىل املكان املحدد ،وقف منتظراً ،وها هي حبيبته تخرج ،مت�شي قلي ً ال �إىل �أن ت�صل ال�سوبرماركت ال�صغري. من هذه اللحظة لي�س �أمامه �سوى دقيقتني �أو ثالث على �أف�ضل تقدير قبل و�صول احلافلة ،هو مت�أكد من ذلك ،فطاملا ت�أخر عن مدر�سته وهو يتحرى ظهور بدر البدور! �أ�سرع نا�صر �إليها ،مرت �سيارة �شرطة �أمامه ،مل يكرتث لها ،فقد كان يفكر يف ما �سيقول رغم �أنه كان ح�ضر منذ �أم�س �أ�شياء كثرية �سيقولها ،كان واثقاً من �أنه ي�ستطيع �أن يقول كل �شيء ،لأن لديه من اجلر�أة الآن ما يكفيه ليقفز مبظلة �شم�سية من فوق «برج العرب» الذي يراه �شاخماً يف هذه اللحظة وهو يتجه �إليها. بد�أ ي�شعر بالغثيان ،فقال يف نف�سه: ـ البد �أنها لوعة احلب. و�صل �إليها ،اقرتب منها حتى �شم رائحة «�شامبو» �شعرها .احمرت وجنتاها وابت�سمت وهي تلتفت حولها ،و�أخذت خطوة �أو اثنتني �إىل اخللف ،اقرتب منها �أكرث ،وقال ب�صوت مبحوح: ـ �أنا.. مل ي�ستطع نا�صر �أن يخرج ما يف قلبه ،فقد خرج كل ما يف بطنه قبل ذلك ..ومل تذهب هي �إىل املدر�سة.
31
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 31
الحقيقة ليست مرة فقط
32
final edition.indd 32
02/12/11 5:43 PM
�أخرياً وجد «طاقية الإخفاء» ،كان يحلم بها منذ �أن �سمع عنها ،ويتخيل ما الذي �سيتمكن من فعله لو ح�صل عليها. و�صلت �إليه م�صادفة� ،أمه �أح�ضرتها له هدية من الهند ،بدت ك�أنها قبعة م�ستعملة مت تنظيفها يف مغ�سلة خم�س جنوم .كان �شكلها غريباً ،ولطاملا �أحب القبعات الغريبة. مل ينتبه �إىل �أنها تخفيه �إال عندما ارتداها �أمام املر�آة .مل ي�صدق ذلك يف البداية ،ظن �أنه يحلم. ت�أكد من ذلك يف اليوم نف�سه عندما كان م�ستلقياً على ال�سرير وفتحت �أمه باب الغرفة و�أطلت بر�أ�سها ،ثم �أغلقت الباب وظلت تناديه وتبحث عنه يف �أرجاء البيت. كان �سعيداً جداً� ،سي�ستطيع �أن يعرف �أ�شياء كثرية ،لكن عليه �أن يكون حذراً ،و�أال يقوم ب�أ�شياء غبية قد ترعب الآخرين ،ك�أن يفتح الباب �أمامهم وهو خمتف. ع�صر ذلك اليوم ات�صل بالكافترييا وطلب ع�صري الربتقال مع املاجنا ،و�أخربهم �أنه �سيح�ضر لي�أخذه بنف�سه. خرج من غرفته خمتفياً ،كانت �أمه جتل�س يف ال�صالة ترثثر يف الهاتف مع �صديقتها كالعادة ،البد �أنها تخربها عن �سفرتها الأخرية. �أراد �إكمال طريقه لكن احلوار �شده ،رغم �أن ما ي�سمعه كان من طرف الأم فقط: ـ �أقول لك �إنه �أراد ممار�سة و�ضعيات جديدة يف ال�سرير �أم�س. ـ ... ـ نعم ،لكن يف هذه ال�سن؟
33
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 33
ـ ... ـ ح�سناً� ،س�أدعه يجرب يف املرة املقبلة. ـ ... ـ رمبا بعد �شهر �أو اثنني. ـ ... �ضحكت الأم �ضحكة جملجلة كراق�صة يف فيلم م�صري قدمي ،وقالت: ـ تعرفني الرجال يف هذه ال�سن ..يف ال�سنة ح�سنة. مل ي�ستطع اال�ستماع �أكرث ،ما هذا؟ �سقطت �أمه من عينيه ،تخيلها يف �أو�ضاع جن�سية لها �أرقام و�أ�سماء حيوانات وبلدان ..مل يخطر له ذلك �سابقاً .وك�أنه كان يعتقد �أن �أمه و�أباه ناما مع بع�ضهما ثالث مرات فقط ،عندما �أجنباه هو و�شقيقه الأكرب و�شقيقته الكربى املتزوجة .قال يف نف�سه: ـ �أمي داعرة. وبخ نف�سه ب�سرعة ،دون �أن تتغري �صورتها اجلديدة لديه ،بعد �أن اختفت �صورة املر�أة الطاهرة العفيفة التي ال تفكر �سوى ب�سعادة �أبنائها ،والتي لديها من احلنان ما يكفي لتوزعه على العامل كله ،وات�ضح الآن �أنها متنح �أكرث احلنان واحلب لأبيه� ،أو بالأحرى لأ�شياء �أبيه. ثم ماذا عن �أبيه الذي يريد ممار�سة الو�ضعيات� ،أال ي�ستحي وقد غزت ال�شعريات البي�ضاء ر�أ�سه وذقنه؟ مل يكن يرى �أباه راهباً ،وطاملا اعتقد �أن له عالقات غرامية خارج البيت ،مل يغظه ذلك. لكن عالقات وو�ضعيات داخل البيت ،ومع من؟ مع زوجته و�أم �أبنائه! غادر البيت ،وهو يلوم نف�سه على هذه الأفكار ال�سيئة ،و�أ�سئلة عدة تدور يف ر�أ�سه، منها :هل �ستعود �صورة �أمه �إىل ما كانت عليه ،وما هي الو�ضعية املف�ضلة لأبيه؟ يف ال�سكة امل�ؤدية �إىل ال�شارع حيث الكافرتيا ،ر�أى �صديقه يجل�س على دكة بيته مع �شاب �آخر ملقب بـ«�س ّعود حرامي».
34
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 34
وقف قربهما دون �أن ي�شعرا به ،كانا يتحدثان عن عملية �سيقومان بها ،يخططان لها منذ يومني؛ ال�سطو على خمزن البقالة الذي يبعد عن املحل �أمتاراً عدة ،ويف الليل نادراً ما مير �أحد يف املكان ،وحده �صاحب �أحد البيوت يف تلك ال�سكة ،يعود يومياً يف الثانية �صباحاً ،ينزل من �سيارة «التاك�سي» وهو يرتنح مغنياً ،حتى ي�صل الباب ،يقف دقائق قليلة يبحث عن املفتاح يف كل جيوبه ،وعندما يجده يكت�شف �أحياناً �أنه واقف عند باب اجلريان! كانت اخلطة ب�سيطة ،ينتظران ال�سكري حتى يجد بيته ،ثم يك�سران قفل الباب اخل�شبي القدمي ،ويحمالن ما قل حجمه وكربت قيمته ـ مثل ال�سجائر ـ يف �سيارة �سعود حرامي الـ«فورويل» والذي �سيقوم بدوره بت�صريف وبيع هذه الأغرا�ض م�ستغ ً ال عالقاته يف الو�سط. «�صديقي ل�ص؟» ت�ساءل مطوحاً ر�أ�سه مييناً و�شماالً وهو يرتكهما .و�صل �إىل الكافترييا وهو اليزال يفكر يف �صديقه الل�ص ،و�أمه و�أبيه وو�ضعياتهما. دخل الكافترييا� ،أراد �إلقاء التحية لكنه تذكر �أنه خمتف ،و�أنهم لن ي�سمعوه يف كل الأحوال .ل�سنوات طويلة ي�أكل من هذه الكافترييا� ،سندويت�شاتهم لذيذة وع�صائرهم طازجة. �سمع زموراً من اخلارج غطى على �صوت �آلة اخلالط التي ت�صنع الع�صري ،خرج كبري املوظفني عبدالرحمن �إىل ال�سائق الذي �صرخ قائ ً ال: ـ �إىل متى �ستظلون حمرياً ،كم مرة علي �أن �أكرر لكم :ال �أريد الطماطم واخل�ضار يف ال�سندويت�شات. عاد عبدالرحمن �إىل الداخل وهو يحمل �سندويت�شني متمتماً بلغة مل يفهمها املختفي، �إال �أنها كانت �شتائم ،غالباً بحق �أم ال�سائق. تخل�ص عبدالرحمن من �أوراق ال�ساندوي�شتني و�سحب منهما الطماطم واخل�ضار ب�أ�صابعه ،ومن ثم التفت �إىل �صاحبه الذي ي�صنع الع�صري وابت�سما معاً ،وبعدها ب�صق فيهما و�ضغط عليهما حتى اختلط اللعاب بالـ«مايونيز». خرج ليعيدهما �إىل �صاحبهما مبت�سماً ومعتذراً من غباء الذي �أعدهما .ظل املختفي
35
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 35
يراقب الرجل الذي انتهى من �صنع الع�صري ،البد �أنه ع�صري املاجنو والربتقال الذي يحبه. �صبه الرجل يف الكوب الورقي حتى فا�ض الكوب و�سال منه الع�صري ،فلم يجد �إال �أن ي�شرب قلي ً ال من الكوب ،ويلح�س الأطراف بل�سانه ،ثم ينظفها ب�أ�صابعه ،ويغلقه وي�ضعه يف كي�سه بانتظار قدوم �صاحبه ،الذي خرج من الكافترييا مقرراً �أال يعود �إليها جمدداً، وهو يت�ساءل عن كمية اللعاب التي دخلت جوفه طوال تلك ال�سنني. عاد �إىل املنزل ،كانت �أمه التزال تتحدث يف الهاتف ،وا�صل طريقه �إىل غرفته ب�سرعة حتى ال ي�ستمع �إىل تفا�صيل �أخرى عن حياتها اجلن�سية. بعد دقائق �سمع �صوت �أخيه الكبري وهو يتجه �إىل غرفته ،فلحقه ب�سرعة ودخل معه قبل �أن يقفل الباب. خلع الأخ ثيابه واكتفى بالإزار ،جل�س �أمام �شا�شة الكمبيوتر بعد �أن و�ضع الـ«يو ا�س بي»، وفتح امللفات حتى و�صل �إىل ما يريد؛ لقطات من �أفالم خليعة. �أراد �أن يخربه �أن لي�س من حقه �أن ي�ضربه مرة �أخرى ب�سبب الأفالم ،فمنذ مدة اكت�شف الأخ الكبري مقاطع خليعة يف هاتفه ،ف�ضربه ك�أن بينهما ث�أراً قدمياً ،ومن يومها وهو ال ي�شاهد هذه الأفالم� ،إال يف هواتف �أ�صدقائه. وها هي �أنفا�س الأخ الآن غري منتظمة ،وي�صدر ت�أوهات خفيفة م�ستخدماً الإزار ملداعبة ما حتته. كان املختفي يتفرج مع �أخيه م�ستثاراً �أي�ضاً رغم ا�ستغرابه؛ فجميع اللقطات التي عر�ضها الأخ ،كانت م�شاهد �سادية فيها جلود �سوداء و�سال�سل و«كلب�شات» و�أ�سواط.. ما جعله يقول يف نف�سه: ـ على الأقل �أنا �إن�سان طبيعي� ،أحب اجلن�س الطبيعي. ولتم�ضية الوقت بد�أ املختفي يداعب نف�سه �أي�ضاً ،كما يفعل �أخوه. علت ت�أوهات الأخ الكبري ،و�سحب بع�ض املناديل الورقية ،ومن ثم �أغلق اجلهاز ،فازداد
36
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 36
غيظ الأخ ال�صغري ،فقد ا�ضطر �أن ينهي ما بد�أه م�ستعيناً بخياله ،مفكراً يف حبيبته التي يحدثها يف الهاتف منذ �شهور عدة. �أول ما خطر له عندما علم بقدرة «الطاقية» �أنه ي�ستطيع اقتحام �أ�سوار عامل حبيبته، مل يكن قادراً على االنتظار ،هذه الفتاة �أ�سرته ب�أنوثتها ،لي�ست نحيفة وال �سمينة� ،إنها يف منطقة يف الو�سط ،مميزاتها كبرية ومثرية. يومياً يتخيلها عارية قبل �أن ينام ،فال يتمكن من النوم �إال بعد �أن ين ّوم كل �شيء م�ستيقظ فيه .لكن اليوم �سيزورها يف بيتها ويدخل غرفتها ،ولن يحتاج �إىل خياله بعد الآن. بعد الع�شاء تظاهر �أنه �سينام ودخل غرفته ،و�ضع «الطاقية» وخرج مرة �أخرى .كان يتحدث معها من هاتفه املتحرك حتى انتهى �إىل بيتها� ،أقفل اخلط متمنياً لها ليلة �سعيدة. بع�ض الأبواب كانت مفتوحة وبع�ضها الآخر وقف �أمامها منتظراً �أن يفتحها �أحد .وفع ً ال و�صل �إىل غرفة حبيبته التي كان بابها مفتوحاً وهي جتل�س �إىل «كمبيوترها» حتدث �صديقاتها عرب الـ«م�سنجر». ظل يقر�أ كل ما يكتب وهو ي�شم رائحتها ،كان وا�ضحاً �أنها خرجت من املطبخ للتو. انتظرها حتى دخلت احلمام لت�أخذ حمام ما قبل النوم .قال لنف�سه: ـ الآن �سيبد�أ امل�شهد الذي �سين�سيني كل ما ر�أيته اليوم. بد�أت الفتاة خلع مالب�سها ،كان م�ستثاراً قبل �أن تفعل ذلك .ها هي عارية الآن ،لكن فج�أة غابت عنه الإثارة! ت�ساءل: ـ ما هذا؟ �أين املوا�صفات الكبرية واملدورة� ،إن كر�شها �أكرب من كر�شه ،وثدياها متدليان وبعيدان عن بع�ضهما بع�ضاً وك�أنهما يف خ�صام ،ثم �أين التنا�سق؟ ق�سمها ال�سفلي �أ�صغر حجماً من ق�سمها العلوي ..كم هي ناجحة يف �إخفاء عيوبها و�إبراز مفاتنها مب�ساعدة كل ما
37
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 37
ترتديه .وفج�أة �صرخ دون �أن ت�سمعه: ـ ال �أرجوك ،ماذا تريدين �أن تفعلي ..انتظري. جل�ست الفتاة على الكر�سي «الإفرجني» ،وبد�أت تلبي نداء الطبيعة! �شعر بالغثيان، فغطى وجهه بيديه قائ ً ال: ـ ال لي�س �أنت� ،أريد �أن �أخرج من هنا ..مل �أكن �أعلم �أنك تتغوطني! ا�ستيقظ �صباح اليوم التايل يف غرفته ،كان مزاجه �سيئاً ،التفت �إىل «الطاقية» ،كانت ملقاة ب�إهمال على �أر�ضية الغرفة. خرج �إىل ال�صالة ،ر�أى �أمه و�أباه يجل�سان �إىل طاولة الطعام ،دعواه لالن�ضمام �إليهما، �س�أاله عن درا�سته ،وحثاه على االجتهاد �أكرث ،ثم �س�أله الأب بعتاب: ـ ملاذا ال �أراك يف امل�سجد كثرياً ،كما �أرى �أخاك؟ فقال الولد وك�أنه ا�ستيقظ من نومه للتو: ـ عفواً �أبي ،مل �أ�سمع ما قلت. واحلقيقة �أنه مل يرد الإجابة على �س�ؤال الأب ،فقد كانت الإجابة التي �ستخرج منه تقول: ـ هل حتدثني عن ال�صالة و�أنت تنتظر خروجي لتمار�س �إحدى الو�ضعيات على طاولة الطعام؟ قاطعهما �صوت الأخ الأكرب وهو ي�س�أل مبجرد دخوله: ـ هل علمتم مبا حدث؟ التفت �إليه اجلميع ،ف�أخربهم مبا وقع لذلك ال�سكري الذي وجدوه لي ً ال قرب منزله والدماء تنزف من ر�أ�سه ،فرتحم اجلميع ،با�ستثناء الأخ ال�صغري ،على �أيام زمان التي كان النا�س فيها يعي�شون يف �أمان لدرجة �أنهم مل يكونوا يف حاجة �إىل �إقفال �أبواب منازلهم ،حتى وهم يف اخلارج. علم �صاحب «الطاقية» �أن الرجل يرقد يف امل�ست�شفى ،و�أنه �أفاد ب�أنه عاد �إىل البيت يف ال�ساعة الثالثة ،ور�أى اثنني يحاوالن ك�سر باب م�ستودع البقالة ،فاجته �إليهما و�ألقى
38
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 38
عليهما التحية ،فعاجله �أحدهما ب�ضربة بعمود حديدي على ر�أ�سه ،ثم هربا. كان مت�أكداً �أنه الوحيد الذي يعلم ما حدث بال�ضبط .ظل يفكر هل يبلغ عنهما؟ لكن هل يدخل �صديقه ال�سجن؟ و�أي�ضاً كيف �سيف�سر معرفته بالأمر؟ ثم �ألن يعترب مت�سرتاً على جرمية؟ وماذا �إن مات الرجل� ..أ�سئلة كثرية مرت بباله. بعد دقائق عاد �إىل غرفته ،تناول القبعة واجته �إىل املطبخ ،ومن ثم �إىل خلف املنزل. �أ�شعل ناراً ،ووقف يحدق فيها قلي ً ال ،بينما ينقل نظراته بينها وبني «الطاقية».
39
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 39
»«حسون بوراس والوحش
40
final edition.indd 40
02/12/11 5:43 PM
«يا قليلة احلياء ،تريدين �أن تدفني ر�ؤو�سنا يف الطني» كان ح�سن يقولها وهو ي�ضرب �أخته يف �أي مكان تطاله يداه ،كان الطق�س حاراً يف فناء البيت ،والعرق يت�صبب من جبهته وين�ساب على وجهه حتى يختفي يف حليته التي �أطلقها منذ مدة طويلة ،حني تويف �أحد �أ�صدقائه يف حادث �سيارة. كانت �أخته حتاول �أن حتمي وجهها وهي تبكي� ،سائل ًة عن ال�سبب .توقف ح�سن عن ال�ضرب الهثاً وقال: ـ يا �سافرة ،تظهرين �شعرك �أمام الرجال، و�أكمل ما ميار�سه با�ستمرار على �أخواته و�إخوانه ،ظل ي�ضربها وهي تنفي التهمة عنها ،فقال وهو م�ستمر يف ال�ضرب: ـ �أمل يظهر �شعرك اليوم عندما نزلت من حافلة املدر�سة؟ ال تنكري� ،شاهدتك بعيني التي �سي�أكلهما الدود. تذكرت الأخت ما جرى ،فع ً ال كان الهواء قوياً حني ترجلت من احلافلة ،فانح�سر حجابها قلي ً ال �إىل الوراء وظهرت بع�ض خ�صالت �شعرها ،لكنها ب�سرعة �أ�صلحت و�ضع احلجاب، وعادت �إىل املنزل ،ول�سوء حظها كان ح�سن يغادر امل�سجد يف الوقت نف�سه ،ور�آها. �شرحت له كل �شيء ،فقال وهو ي�ضع يديه على خ�صره ناظراً �إليها: ـ ظهر �شعرك �أمام الرجال ،وهذا ال يجوز ،كان يجب عليك �أن تت�أكدي من �أن احلجاب لن يتحرك حتى و�إن كنت خارجة من �إع�صار. كانت الأم تراقب ما يحدث وهي حترك ر�أ�سها ميينا و�شماالً وحتوقل ب�صوت خافت. �أما الأخت الكربى فحاولت �أن تدافع عن �أختها وقالت: ـ ما حدث مل يكن مق�صوداً يا �أخي ،فال داعي �إىل كل هذا.
41
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 41
التفت ح�سن �إليها وهو يرفع حاجبيه وي�ضع و�سط وجهه ابت�سامة عري�ضة نادرة: ـ اهلل �أكرب ،منذ متى ظهر لك هذا الل�سان ،هل تريديني �أن �أقطعه لك الآن؟ دخلت الأخت املبنى ،تبعتها الأم ،ورتب ح�سن نف�سه و«كندورته» الق�صرية ونظر �إىل الأخت املتكورة على نف�سها يف الركن� ،أح�س �أنه م�سيطر على الو�ضع ،ف�أ�شعل �سيجارة وخرج. كان اجلميع يهابون ح�سن ،ف�إىل جانب ق�سوته وقوته ،هو رجل البيت بعد وفاة الوالد، وكانت �أعذاره و�أ�سبابه لالعتداء عليهم مدعمة بن�صو�ص دينية .لذلك يتحا�شاه جميع من يف البيت. ذهب ح�سن �إىل البقالة ل�شراء اللنب للغداء ،ر�أى �أربعة �شبان يهرولون نحوه ب�سرعة� ،أوقفوه قبل �أن يفكر يف الهرب ،وقال زعيمهم «�سامي الوح�ش» م�شرياً �إىل ر�أ�س ح�سن: ـ �صحيح �أن لقبك ح�سون بو را�س ،لكن ال تدع الألقاب تغرك ،فهذا الر�أ�س الكبري ي�سهل ك�سره. علم ح�سن �أنهم قادمون لينتقموا منه ب�سبب اعتدائه بال�ضرب على ِ�صبية «الفريج» ،فقال بعد �أن بلع ريقه ،وببطء �شديد ،ليمنح نف�سه فر�صة للتفكري: ـ وعليكم ال�سالم ورحمة اهلل وبركاته. �أ�صبحت مالمح «الوح�ش» �أكرث حدة و�أم�سك ح�سن من ياقته وجذبه �إليه حتى كاد �أنفاهما يتالم�سان ،وقال: ـ �إن �ضربت �أحد ال�صغار مرة �أخرى� ،س�أجعل منك حكاية الفريج يف ال�سنوات املقبلة. كان معروفاً عن «�سامي الوح�ش» �أنه من �أ�صحاب امل�شاكل ،وال يخرج من بيته �إال ويف جيوبه �أ�سلحته البي�ضاء التي ت�صبح حمراء بعد اال�ستعمال .ويذكر �أنه �أودع ال�سجن مرات عدة ،كانت �آخرها ملدة �ستة �أ�شهر ب�سبب م�شاجرة طعن فيها �أحدهم ،و�أدانوه بال�شروع يف القتل. قال ح�سن وقد بد�أ يفقد �أع�صابه و�إميانه: ـ لكنني فعلت ذلك مل�صلحتهم ،كانوا يلعبون وقت الأذان ،فكان البد من �إعطائهم در�ساً.
42
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 42
ترك «الوح�ش» ياقة ح�سن ،و�أم�سك بيده و�أخذ منه ال�سيجارة ،وقال: ـ �أخذتها منك للم�صلحة العامة ،فهذه ال�سيجارة ت�ضر ب�صحتك و�صحة الآخرين. و�أخذ «نف�ساً» من ال�سيجارة ،وتابع وهو ينفث الدخان من فمه �إىل �أعلى م�شك ً ال دوائر عدة: ـ وكذلك تفعل الأفالم اخلليعة التي ت�أخذها من خلود ُدبلكيت. ومن ثم مرر �سامي ال�سيجارة �إىل �أحد رفاقه وقال: ـ خذ دخن� ،أنت حتب هذا النوع. �أ�صبحت الأمور حقيقية ووا�ضحة �أمام اجلميع .لكن ح�سن قال وهو ي�ستنجد مب�سبحة من جيبه ليخفي توتره: ـ �أ�ستغفر اهلل ..عموماً لن �أتدخل يف �ش�ؤون ه�ؤالء مرة �أخرى. ظهرت عالمات الن�صر على وجه «الوح�ش» وقال وك�أنه يريد �أن يعمق جراح ح�سن: ً ـ ح�سناً ،ومع ذلك لو ر�أيتك تدخن مرة �أخرى ،فلن �أحتدث معك ،لأنني �س�أكون م�شغوال ب�أن �أجعلك ت�أكل الرتاب. يف هذه الأثناء ،كانت الأم و�أوالدها جمتمعني يف غرفتها ،يفكرون يف حل ينقذهم من بط�ش ح�سن ،واقرتحت الأخت الكربى �أن ي�أخذوه بغتة وهو نائم ويوثقوه وينهالوا عليه �ضرباً حتى يت�أدب ،وقالت: ـ ميكننا �أن ن�ستعني بخايل مبارك لي�ساعدنا. وكان اجلميع �صامتني يقلبون الفكرة يف ر�ؤو�سهم.
43
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 43
حيوان منوي لعين
44
final edition.indd 44
02/12/11 5:43 PM
«�أنا حامل ..ما العمل؟». �أ�شعل �سيجارته بعد �أن قر�أ «امل�سج» ،رغم �أنه مل يعتد التدخني حني ي�ستيقظ .جل�س على ال�سرير يفكر� ،أعاد قراءة الر�سالة ،فرمبا تكون هناك عالمة مزاح و�ضعتها �صديقته مل ينتبه �إليها ،لكن ال �شيء من هذا. مرت �أكرث من �سنة على عالقتهما ،وها قد حملت وحدث ما كان يخ�شاه ،لكن كيف؟ ظل يحاول �أن يتذكر الليلة التي مل يلتزما فيها بطرق الأمان. كان حذرا جداً ،رغم علمه �أن احلذر ال مينع القدر ،و�أنه ال يوجد و�سيلة �آمنة مئة باملئة ملنع احلمل ،فحيوان منوي واحد من بني ماليني احليوانات قد يختبئ ويت�سلل بطريقة ما �إىل «قناة فالوب» ،ويخرتق البوي�ضة ،فتقفل �أبواب الرحم ..ومن ثم «مربوك ،جالك ولد». قال يف نف�سه: ـ يا لهذا احليوان اللعني! �أ�شعل �سيجارة ثانية ،و�أخذ يفكر؛ ما الذي يجب �أن يفعله؟ خطر له �أن يتزوجها فهو يحبها، لأنها ذكية ومكافحة ،ر�شيقة وجميلة� ،شقراء وعيناها خ�ضراوان وخداها طاملا �شبههما بكعكة اجلنب ،تناق�شه يف ق�ضايا كثرية رغم �أنهما يتوا�صالن بالإنكليزية ،وهي لغة غريبة عن كليهما ،وال يكتفيان بذلك ،بل وي�ضحكان معظم الوقت.. لكن كيف يتزوجها وهي �أجنبية؟ منذ زمن عاهد نف�سه �أال يتزوج ب�أجنبية ،فالأجنبيات ع�شيقات فقط ،والزواج بهن كمحاولة طريان الإن�سان بجناحني فقط ،واملجتمع ال يه�ضمها وغالباً ما يتقي�ؤها ،خ�صو�صاً الزواج ببنات هذه البلدان ،لأنهن اكت�سنب �سمعة «�شوارعية» ب�سبب من قدمن �إىل اخلليج بعد ازدهار دوله ،وانهيار االحتاد ال�سوفييتي .ثم مباذا �سيربر هذا الزواج للنا�س ولأهله؟ قال يف نف�سه:
45
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 45
ـ الزواج منها انتحار اجتماعي. بقي جال�ساً على ال�سرير ،هم بالوقوف ،لكنه مل ي�ستطع حمل ر�أ�سه التي تزاحمت فيها الأفكار ،وكانت �إحداها فكرة الإجها�ض ،فهي احلل الأمثل .لكن �ألي�س هذا قت ً ال؟ ثم هل يعالج خط�أه بجرمية؟ تذكر �أنه قر�أ يف ال�صحف عن حاالت �إجها�ض ودفن للجثة� ..أُودع فيها املتهمون ال�سجن. تخيل �أي�ضاً �أن الإجها�ض مت ب�سالم ،ومل ينتبه �أحد ،كيف �سيقنع �ضمريه ب�أن ما فعله جمرد عملية خلع �ضر�س م�ؤملة؟! ت�أخر عن العمل ،حمل نف�سه و�أفكاره وذهب لي�ستحم .مل يهتم ب�ضبط درجة حرارة املاء� ،أو مل ينتبه �إىل ذلك .كان املاء احلار ين�سكب عليه وهو يفكر يف �إر�سال الفتاة �إىل بلدها ،حيث ميكنها �إجناب الطفل هناك ورعايته ،ويتكفل هو مب�صاريفه كلها حتى ي�صبح رج ً ال.. تخيل ذلك ،وتخيل �أنه يعي�ش �أحد الأفالم الهندية املكررة ،حيث يظهر لأبنائه �أخ �أكرب بعينني خ�ضراوين ليطالب بحقه يف املرياث ،رغم ثقته ب�أنه لن يورث �سوى الديون. كيف ميكن �أن يفعل ذلك؟ ما ذنب هذ الطفل ليرتعرع من دون �أب؟ ال يعلم ابن من هو ،وال من �أين؟ ثم ماذا �سيقول له �إن �صدف وتقابال م�ستقب ً ال .وهذا ما �سيحدث بالت�أكيد ،فالبد �أن تخربه �أمه ب�أ�صله وف�صله يف النهاية.. ال لن يكون مبقدوره �أن ي�سبب هذا العذاب البنه ولنف�سه �أي�ضاً ،وهو يعلم �أن هناك طف ً ال من �صلبه ،يتعذب يف مكان ما. تذكر حكاية الرجل الذي �أعجب بامر�أة فقرية و�أحبته ،فلما حملت منه ،تركها و�أخذ طفله ورماه عند باب �أحدهم ،وتزوج ب�أخرى غنية ،وكرب و�شاب وهو نادم على فعلته ،لأنه مل ي�ستطع �إجناب طفل �آخر. خرج من احلمام� ،أراد االت�صال بها ،لكنه مل يقرر �شيئاً بعد ،فماذا �سيقول لها؟ يف ال�سيارة ا�ستجمع قواه ،وكلمها تلفونياً لي�سمع اقرتاحاتها ،فلم يعد قادراً على التفكري.
46
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 46
قالت له بنربة ر�سمية: ـ �أنا يف اجتماع� ،س�أت�صل بك الحقاً. و�أقفلت اخلط ،قالتها ب�صوت ي�شبه �صوت الفتاة التي ترد عندما يكون الهاتف مغلقاً .ظل يفكر يف امل�س�ألة حتى تهي�أ له �أن �شعره �أبي�ض حتت «الغرتة». و�صل املكتب� ،ألقى التحية على ال�سكرتري الذي قال وابت�سامته العري�ضة تز ّم عينيه: ـ هل �سمعت �آخر خرب؟ هز ر�أ�سه نافياً ،وهو ال يريد �سماع �أي خرب �سواء كان �أخرياً �أو �أوالً ،ف�أكمل ال�سكرتري: ـ �صدام ح�سني مل ميت ،لقد �أعدموا �شبيهه� ،أعلنوا �أنه حي اليوم. لوهلة حدق يف ال�سكرتري ،حماوالً ربط الأحداث ،ت�ساءل: ـ ما الذي يحدث اليوم؟ �أخرج هاتفه ،نظر �إىل التاريخ� ،إنه الأول من �أبريل ،يوم الكذب العاملي!
47
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 47
مُحاصر بالخراء
48
final edition.indd 48
02/12/11 5:43 PM
يا ح�ضرة القا�ضي �أنا بريء ،ملاذا �أقف يف القف�ص واملجرمون احلقيقيون يجل�سون يف القاعة يرمقونني بنظرات اال�ستهجان؟ هذه لي�ست نكتة� ،إنهم ينظرون �إيل الآن وك�أنني اقتحمت بيوتهم وقتلت �أهاليهم ومن ثم �سرقتهم ولعبت ب�أموالهم يف الكازينوهات و�صاالت القمار! �سلهم يا �سيدي� ،أمل ي�أتوا �إ ّ يل ولعابهم ي�سيل �إىل الأر�ض لي�ضعوا �أموالهم يف يدي� ،أمل ينظروا �إيل باحرتام وتقدير حينها؟ ذلك الرجل الذي يرتدي قمي�صاً �أ�صفر ،كان �أول من منحني ماله .نعم �أنت ،ال تلتفت �إىل اخللف! �آ�سف يا ح�ضرة القا�ضي� ،أرجوك دعني �أوا�صل! �أمل �أدفع لك طوال تلك ال�سنني �أرباحاً مل تكن لتح�صل عليها حتى لو عملت �أربعاً وع�شرين �ساعة يومياً حتى �آخر حياتك؟ �أمل حت�صل يف تلك ال�سنوات على مبالغ تفوق املبلغ الذي منحتني �إياه يف البداية؟ �أمل ت�شكرين ومتدح �أخالقي وعملي حينها ،ما زاد توافد النا�س �إيل؟ ملاذا يقا�ضيني هذا الرجل يا ح�ضرة القا�ضي؟ كان الأوىل به �أن ي�صنع يل متثاالً وي�ضعه �أمام بيته ،فقد جعلته يلعب باملاليني �سريعاً ،و�إن كنت جمرماً ف�إنه �شريكي يف اجلرمية ،لي�س وحده فح�سب ،بل �أغلب احلا�ضرين هنا اليوم �شركائي فيها. مل هذه ال�ضجة يا ح�ضرة القا�ضي؟ ملاذا تنهال اللعنات على ر�أ�سي؟ �أمل يعجبهم كالمي؟ هذه املر�أة التي ت�صرخ وتولول مطالبة بحقوقها الآن� ،أ�س�ألوها: ـ �أمل تبك �أمامي لأقبل �أن �آخذ �أموالها و�أ�ستثمر فيها مقابل �أرباح �شهرية جمزية؟
49
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 49
كان املبلغ ب�سيطاً يا �سيدي ،لكني مل �أحتمل منظر دموعها وقبلته ،رغم �أن املبلغ ال ي�ساوي ال�صداع الذي �سي�سببه يل ،فهل يكون جزائي ال�سجن؟ يا ح�ضرة القا�ضي �أعرتف �أنني �أخط�أت ،لكنني ل�ست جمرماً .كانت البداية عندما �أخذت قر�ضاً من البنك ،كنت موظفاً حينها� ،أُع�سكر كل �أول �شهر عند ال�صراف الآيل. كانت الطريق مفرو�شة بالدراهم عندما دخلت �سوق الأ�سهم م�سلحاً بالقر�ض ،وربحت كثرياً، كانت �أيام الطفرة ،وادخرت مبلغاً حمرتماً يف �شهور عدة. اخلراء يجذب الذباب يا �سيدي ،والأموال جتذب النا�س .جاءين بع�ض �أفراد عائلتي و�أ�صدقائي ،منحوين �أموالهم لأ�ستثمرها لهم يف �سوق الأ�سهم والعقار ،كانت �سماء هذه الأ�سواق متطر نقوداً يف تلك الأيام. ا�ستقلت من وظيفتي ،وغامرت �أكرث و�أخذت م�ستحقات 14عاماً من خدمة احلكومة، وو�ضعتها مع �أموال �أ�صدقائي و�أهلي. كنت ناجحاً يا ح�ضرة القا�ضي ،حققت �أرباحاً طائلة ،نعم كنت �أمنحهم �أرباحاً �شهرية كبرية. كان كثريون منهم ال ي�صدقون ذلك ،لكنها احلقيقة ،كان احلظ معي� ،صفقاتي دائماً ناجحة، و�أرباحي ت�صل �إىل �أكرث من ال�ضعفني �أحياناً ،كان الو�ضع جنونياً ،وكان البد من تعيني م�ساعدين يل ،ومن ثم ت�أ�سيي�س �شركة ،خ�صو�صاً عندما بد�أت �أموال النا�س تتدفق. �صدقني يا ح�ضرة القا�ضي ،مل �أ�سع �إىل �أموالهم ،مل �أكن �أريدها ،لكن قل يل يا �سيدي كيف يل �أن �أرف�ض؟ وكل �شخ�ص منهم قادم بو�ساطة �صديق �أو قريب ،فكل واحد فيهم يريد اخلري لأ�صدقائه. مل �أ�ستطع �أن �أرف�ض ،كنت لأبدو كمن ميلك كعكة كبرية ويرف�ض �أن مينح فتاتها للآخرين .كنت م�ضطراً �إىل �أخذ �أموالهم حتى ال يتهموين بالطمع وب�أنني �أريد مال الدنيا يل وحدي. �أ�صبحت عائلتي من العائالت الغنية يف �أقل من �سنتني ،كنا نركب �أفخر ال�سيارات ،انتقلنا �إىل م�ساكن جديدة ،كنت �أعمل يف كل الأ�سواق :الأ�سهم والعقارات وال�سيارات ولوحاتها..
50
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 50
بد�أت الأمور تتغري� ،أ�صبحت �أخ�سر بع�ض ال�صفقات ،لكنني �أبقيت على �أرباح امل�ستثمرين ال�شهرية كما هي ،وذلك من خالل الأموال التي كانت تتدفق علي من امل�ستثمرين اجلدد. مل �أكن �أنوي �سرقتهم ،كنت �أعتقد �أنني �س�أ�ستطيع تعوي�ض اخل�سائر يف ال�صفقات املقبلة، لكن الو�ضع ازداد �سوءاً يا �سيدي. حاولت �إرجاع الأموال املتبقية �إىل امل�ستثمرين واالعتذار عن موا�صلة امل�شوار ،لكن كبار امل�ستثمرين رف�ضوا ،جتاهلوا الأزمة املالية التي �ضربت الغرب ،مل يتخيلوا �أنها �ست�ضربنا �أي�ضاً ،ومل ي�صدقوا �أن رجل �أعمال مثلي �سيخ�سر ،وجددوا ثقتهم بي. �أخذين احلما�س يا �سيدي وقبلت التحدي ،ف�أو�صلني �إىل هنا بني يدي ح�ضرتك. يا ح�ضرة القا�ضي لو كنت ل�صاً �أو ن�صاباً لهربت خارج البلد منذ مدة ،ومللكت �أمواالً يف بنوك �سوي�سراً وغريها ،لكني مل �أفعل. لقد تاجرت يف �أموال النا�س كما تاجرت يف �أموايل ،بع�ضهم ربح وبع�ضهم خ�سر ،مثلي متاماً ،ها�أنذا خ�سرت كل �شيء؛ �سمعتي ،حريتي ،عائلتي ،وظيفتي ..تخلى اجلميع عني، ومل يتبق يل �إال اخلراء يحيط بي من كل جانب ،ورغم ذلك حتى الذباب ال يريدين. �أال تعتقد �أنني بريء يا ح�ضرة القا�ضي؟
51
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 51
المالك المسطول
52
final edition.indd 52
02/12/11 5:43 PM
قبل ع�شرين عاماً ،يف بيت �شعبي قدمي ،يجل�س رجل �إىل طاولة مهرتئة وكر�سي بال�ستيكي �أبي�ض ،يرتدي معطفاً وقبعة �سوداء ت�شبه مالب�س رجال املخابرات ،ينظر �إىل �ساعة يده با�ستمرار ،ويراقب طفلني يلعبان �أمامه ،فرحني ب�ألعابهما ومالب�سهما الريا�ضية اجلديدة، فاختلطت �ضحكاتهما ب�صرخات امر�أة تلد ،والدة على الطريقة القدمية. ينتهي �صراخ املر�أة ،ويبد�أ �صراخ القادم اجلديد �إىل الدنيا .ت�صل امر�أة عجوز ،حتمل املولود بني يديها ،وت�أمر الطفلني بالدخول �إىل �أمهما. ت�سلم الطفل �إىل الرجل ،وت�أخذ منه مغلفاً يحوي مبلغاً مالياً كبرياً .تقول العجوز وهي تو�شك على البكاء: ـ ولد ا�سم النبي حار�سه ،خلي بالك منه ،مافي�ش �أم تفرط يف �ضناها� ،إمنا �ساعات الزم ت�ضحي بواحد ،ع�شان يعي�شوا اثنني. ً يقول الرجل دون �أن تظهر مالمح وجهه جيدا ب�سبب القبعة: ـ ال تخايف� ،س�أجعل منه مالكاً. ربى الرجل ذو املعطف الطفل يف مكان غريب ،كل �شيء فيه �أبي�ض ،كان الطفل يكرب ويكرب، متعلماً �أنه مالك ،و�أن هناك عاملاً �آخر ال ي�ستطيع ر�ؤيته الآن لأنه لي�س م�ستعداً. مرت ال�سنوات ،والطفل جال�س على كر�سيه واملعلم �أمامه يكتب له على ال�سبورة «�أنت مالك» .يكرب الولد قلي ً ال ،املعلم يكتب على ال�سبورة «الب�شر �أ�شرار» .يكرب الفتى �أكرث «يقتلون وي�سرقون وينافقون .»..يكرب ال�شاب �أكرث ،املعلم يكتب «نهايتنا �سعيدة ونهايتهم تعي�سة». كان الرجل ذو املعطف �أو املعلم ،يتذكر هذه الأحداث التي جرت يف ال�سنوات الع�شرين املا�ضية ،قبل �أن يح�ضر �إليه املالك ،ومي�شيان و�سط الأ�شجار والطيور والزهور والفرا�شات، ليخربه املعلم ب�أن وقته قد حان ليخو�ض املهمة التي طاملا انتظرها.
53
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 53
املهمة هي �أن يعي�ش مع الب�شر حماوالً �أال ي�صبح مثلهم .هو �شيء �سهل للمالك ،فقد تعلم وتدرب منذ طفولته على ذلك ،لكن املعلم �أخربه �أن هناك مهمة �أخرى يف انتظاره: ـ عليك �أن تهدي ب�شرياً واحداً على الأقل ،وحني تفعل �ستعود معه �إىل هنا ،و�إال فلن تعود �أبداً. ّ ليح�ضر نف�سه ملغادرة اجلنة التي تربى فيها ،ومل يغادرها �أبداً ،كان يتوق �إىل ذهب املالك ذلك ،وها قد حان املوعد. ينما وقف املعلم يراقبه وابت�سامة حزينة على �شفتيه ،ودمعة ترتاق�ص يف عينيه ب�صعوبة ا�ستطاع حب�سها يف مكانها ،و�صورة الطفل وهو يكرب يف خميلته. اليوم وبعد كل ذلك التعليم والرتبية املالئكية ،املالك مي�شي حام ً ال حقيبته ،حمالت على ميينه و�شماله ،يبحث عن مكان يقيم فيه ،يطوف بالبنايات ،ي�س�أل عن �شقة ي�ست�أجرها ،لكن ال يوجد �شاغر� ،إىل �أن ي�صل بناية يقول حار�سها الهندي: ـ �شقة مايف� ،سرير فا�ضي داخل غرفة يف. وبعد �أن ي�أخذ «البخ�شي�ش» الإجباري ،ي�صعد الهندي �إىل �شقة يف الأعلى ،بينما يلتقط املالك �إحدى ال�صحف من على من�صة قرب الباب ،ويت�صفحها ،فتقع عيناه على عنوان «حماكمة رجل اغت�صب طفلة وقتلها» ،فيهز ر�أ�سه قائ ً ال: ـ ب�شر. يف غرفة ب�سريرين ،ينام على �أحدهما �شاب ،وعلى املن�ضدة بقربه كمية من املحارم الورقية امل�ستعملة .يرن جر�س الباب مرات عدة وب�إ�صرار �شديد ،يفتح ال�شاب �إحدى عينيه ،ت�صل �إىل �سمعه عبارة من التلفزيون الذي مل يغلقه منذ �ساعات: ـ ات�صل علينا ،نحن ناطرينك على نار ،ما بدك جترب احلب يف التلفون. ينه�ض ال�شاب ،يرمي املحارم الورقية يف القمامة ،يغلق التلفاز ،ومن ثم يفتح الباب .يظهر الهندي قائ ً ال: ـ �أرباب� ،إذا �أنا يجيب �شاب مي�شان �سرير زيادة� ،أنت كم يدفع؟
54
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 54
يفرك ال�شاب عينيه ،وينظر �إىل الهندي بعتاب ويقول: ـ العمى� ،أنت ما بت�ساوي �شي ببال�ش؟ يرد الهندي وهو يبت�سم: ـ هذا رجل �أنت يخلي ي�سكن داخل غرفة بال�ش؟ يتفقان على مبلغ عمولة ،وافق الهندي على �أن ي�أخذه يف �أول ال�شهر. ي�صل البواب ومعه ال�شاب الذي نزل ليتفح�ص من �سي�سكن معه ،نظر �إليه من فوق �إىل حتت ،ومن ثم بد�أ با�ستجوابه: ـ �شو ا�سمك بال زغرة؟ ـ يو�سف. ـ ومنني ح�ضرتك؟ ـ من بالد اهلل الوا�سعة. قال ال�شاب العربي �سليم مبت�سماً: ـ وكمان بتحكي بالف�صحى ،ال تكون من �إخوان امل�سلمني ب�س؟ ـ ل�ست من �إخوانهم وال حتى �أقربائهم. ي�ضحك ال�شاب مع يو�سف ،ويقول: ـ ولك عجبتني ،دمك خفيف� ..شو فيها هاي ال�شنطة� ،إن �شا اهلل مو حزام نا�سف؟ ـ مالب�سي و�أغرا�ضي ال�شخ�صية فقط. ينهيان هذه الدرد�شة ويتجهان �إىل امل�صعد ،وقبل �أن يدخال ،يقول ال�شاب وهو ي�ضع يده على �صدر يو�سف ليوقفه: ـ يف �شي واحد ،راح تدفع � 1500أول كل �شهر وكا�ش ..وال�شقة �شقتي و�أنا اللي بيحدد قوانينها؟ وافق املالك وت�صافحا ودخال. يف ال�شقة ،املالك ي�ضع مالب�سه يف اخلزانة بعد �أن �سمح له �سليم بذلك .يبد�أ �سليم الذي يجل�س بجانب التلفزيون ويتفرج على «فيديو كليب» «بو�س الواوا» ،ب�سرد قوانني ال�سكن معه: ـ �أول �شي ،ممنوع جتيب رفيقتك هون� ..إال �إذا كانت رفيقتها معها. يقول يو�سف دون �أن يلتفت �إليه:
55
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 55
ـ لي�س لدي رفيقة. يبدي �سليم �إعجابه مبوقف املالك من الن�ساء ،ويكمل حديثه: ـ عموماً البنات ما وراهم �إال وجع القلب واجليب ..ثاين �شي� ،شرب الوي�سكي والبرية ممنوع. يبت�سم وهو يلتفت �إىل املالك وي�ضيف: ـ لكن �شوية ح�شي�ش ما بي�ضرو. يلتفت يو�سف �إىل حمدثه ويقول: ـ �أ�ستغفر اهلل� ..أنا ال �أتعاطى هذه الأ�شياء. يقول �سليم بعد �أن ي�ضرب جبهته بانفعال وا�ضح: ـ ولك ال بت�شرب وال بتح�ش�ش وال عندك ن�سوان ..ولك منني طلعتلي �أنته؟ ال يرد يو�سف مكتفياً باالبت�سام .بعد حلظة �صمت طويلة يدعو �سليم رفيق غرفته اجلديد �إىل �سهرة جميلة وخمتلفة. ثالثة �أ�شخا�ص يجل�سون يف غرفة� ،صوت «بوب ماريل» يعلو �أ�صواتهم ،ي�صل �إليهم �سليم ومعه املالك ،ي�سلمان ويجل�سان .يحدق زعيمهم وليد ـ وهو �شاب �ضخم مل ت�ستطع «الكندورة» �إخفاء كل ترهالته ـ باملالك ،وي�س�أل وهو يلف ورقة ملئت تبغاً خملوطاً باحل�شي�ش: ـ �سلومة هذا هو اللي خربتني عنه؟ ـ �أيه هو ..ل�ساتو بكر على هال�شغالت. يقول وليد بعد �أن ميرر ل�سانه على اللفافة: ـ كلنا كنا جداد قبل ،كل �شي له �أول مرة ،وال �شو رايك؟ يلتفت «يو�سف» يف كل االجتاهات ليت�أكد �إن كان ال�س�ؤال موجهاً �إليه ويقول: ـ �شكراً لكني ال �أريد هذه التجربة. تفلت �ضحكات مكتومة ت�صدر من الثالثة ،يقول �أحد ال�شابني اجلال�سني للآخر: ـ اليوم ليلتنا فيلم. ويقول وليد: ـ على راحتك ،لكن ال تخجل �إذا بغيت جترب ،اعتربين مثل �أخوك الكبري. وي�شري �إىل رفاقه وي�ضيف: ـ واعترب هاالثنني خواتك.
56
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 56
ي�ضحك اجلميع ،ويبت�سم املالك �أي�ضاً. بعد �ساعات ،الدخان ميلأ املكان ،بوب يغني« :قف ،انه�ض ،ونا�ضل لأجل حقوقك ،قف، انه�ض وال ت�ست�سلم يف املعركة» ،ال�ضحكات م�ستمرة� ،سجائر احل�شي�ش تدور على اجلميع با�ستثناء املالك ،لكنه بد�أ ي�شعر بالراحة وال�شجاعة ب�سبب الدخان وبوب. مل ي�ستطع يو�سف االنتظار �أكرث ،وقف فج�أة وقال ب�أعلى �صوته: ـ �أريد �أن �أخربكم �شيئاً. �أغلق �أحد ال�شابني امل�سجل ب�سرعة ،ف�أكمل يو�سف: ـ يا �شباب� ،أنا ل�ست �إن�ساناً مثلكم� ،أنا مالك. حدق اجلميع فيه وهم �صامتون ،التفتوا �إىل بع�ضهم بع�ضاً ،وفج�أة �ضحكوا ب�شكل ه�ستريي، وتخللت ال�ضحكات بع�ض التعليقات: ـ نحن نح�ش�ش ،وهو ين�سطل. ـ �شو ر�أيك تعطينا من ال�صنف اللي جايبو معاك من اجلنة. وي�ستمرون يف ال�ضحك وهم يرددون «مالك». انتظرهم املالك حتى هد�ؤوا ،وكرر عبارته مرة �أخرى وبت�صميم �أكرب ،فانخرطوا يف نوبة �ضحك �أخرى ،انتهت بوقوف وليد وهو ي�سعل متجهاً �إىل املالك الذي مل تتغري تعابري وجهه اجلادة ،ي�صافحه ويجعله يتحرك معه باجتاه الباب ،ويقول: ـ �أنا ما قلت لك تعتربين �أخوك الكبري؟ مب عيب تتم�صخر على �أخوك الكبري؟ ي�صالن �إىل الباب ،يفتحه وليد ،يقول املالك: ـ �أنا ال �أمزح� ،أنا مالك ،لو.. �أراد �أن يكمل كالمه لكن �صفعة على «قفاه» منعته من ذلك و�أخرجته من الباب ،و�سمع وليد يقول: ـ �إذا كنت �أنت مالك ،ترى �أنا ن�سيت �أعرفك بنف�سي� ،أنا �إبلي�س ،و�إن رجعت مرة ثانية بنتف جناحينك تنتيف. ارتفعت ال�ضحكات جمدداً ممزوجة ب�صوت بوب وهو يكمل الأغنية« :معظم النا�س يعتقدون� ..أن اهلل العظيم �سي�أتي من ال�سماء ..ي�أخذ كل �شيء ويجعل اجلميع ي�شعرون باالرتياح ..لكن �إن كنت
57
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 57
تعلم ما ت�ستحقه احلياة� ..ستبحث عن حياتك على الأر�ض.»... مي�شي املالك يف ال�شوارع وحيداً ،يقول يف نف�سه: ـ م�ساكني مل ي�ستطيعوا تقبل احلقيقة. ومن ثم يت�ساءل: ـ كيف �أ�ستطيع هداية ه�ؤالء؟ ي�سري من غري هدف وا�ضح .ي�سمع �صوت �أذان الفجر من �أماكن خمتلفة ،يقرر الذهاب �إىل امل�سجد ،وهو يتذكر �أنه يف �إحدى املرات �س�أل معلمه �إن كان كل الب�شر �سيئني ،فكانت �إجابة املعلم: ـ نعم كلهم �سيئون ..لكنهم �سيئون بتفاوت ،مث ً ال� ،أف�ضلهم يكونون يف دور العبادة حني يكون الآخرون نائمني. ي�صل املالك امل�سجد ،يدخل من الباب اخلارجي ،لكنه ينتظر يف امل�ساحة اخلالية بني املغا�سل وامل�صلني. يبد�أ امل�صلون باملغادرة .بع�ضهم مير �أمام املالك ويلقي عليه التحية ،وبع�ضهم مير بجانبه وك�أنه ال يراه� ،إىل �أن جاء �إليه امل�ؤذن ،و�ألقى عليه التحية ،طالباً منه احل�ضور مبكراً غداً ،قبل �أن يدور بينهما حوار طويل عندما �س�أله امل�ؤذن: ـ من وين �أنت؟ ـ جئت من بالد بعيدة ال تعرفها. ي�س�أل امل�ؤذن ممازحاً: ـ يعني �أبعد من �أمريكا؟ ـ لن ت�صدقني. ي�صر امل�ؤذن على معرفة ذلك ،فقال املالك: ـ ح�سناً ،جئت من �أر�ض املالئكة. �ضحك امل�ؤذن وعر�ض على يو�سف �أن يبات عنده اليوم لأنه يبدو متعباً. يف الطريق �إىل املنزل يفتح يو�سف املو�ضوع مرة �أخرى ،ي�سايره امل�ؤذن �إىل �أن يقول املالك: ـ �إن �صدقتني ف�ست�صبح مالكاً �أي�ضاً ،و�سنذهب �إىل مكان �آخر مليء باملالئكة. ي�ضحك امل�ؤذن وال يرد.
58
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 58
ي�صالن البيت ،ويدخالن غرفة النوم ،فيقول املالك وهو اليزال واقفاً: ـ ملاذا ال ت�صدقني؟ ـ لأن ما يف �شي يثبت كالمك. يقول يو�سف ب�سرعة: ـ كيف �أثبت لك �أنني مالك. يفكر امل�ؤذن طوي ً ال وهو ينظر �إىل يو�سف ،ومن ثم يقول: ـ يف اختبار ممكن يثبت �صحة كالمك ،لكن الزم تنفذ كالمي للنهاية. ـ موافق. يجل�س امل�ؤذن على الكر�سي مقابل ال�سرير وي�أمر يو�سف بخلع مالب�سه ،فيخلع مالب�سه اخلارجية فقط ،في�أمره بالتجرد من كل �شيء ،يرتدد يو�سف ،لكنه ينفذ الأمر ويقف منتظراً الأوامر .ينه�ض امل�ؤذن من كر�سيه ،وي�أمره باال�ستلقاء على ظهره يف ال�سرير. يفعل املالك ذلك ،فيتحرك امل�ؤذن ليطفئ النور .وبعد ثوان يقول املالك: ـ ملاذا تتح�س�س �أع�ضائي؟ ـ تق�صد هذا اللي وقف؟ قالها امل�ؤذن وقد بدا �صوته ناعماً قلي ً ال. يتذكر املالك معلمه مرة �أخرى ،وتظهر �أمامه ال�سبورة ،وقد كتب عليها «الب�شر ي�ؤتون القبائح: رجل ميار�س اجلن�س مع رجل مثله» .فيدفع املالك امل�ؤذن ويقفز من ال�سرير ،وي�أخذ ثيابه ويهرب. ظهر نور ال�صباح ،املالك مي�شي ببطء ،لكن اجلميع م�ستعجل ،فهو وقت العمل ،با�ستثناء رجل عجوز يجل�س �أمام بيته يقر�أ ال�صحيفة .يراقبه املالك قلي ً ال ،ويقول يف نف�سه: ـ يبدو طيباً. يقرتب منه �أكرث ،يرفع العجوز ر�أ�سه وينظر �إىل املالك ،ثم يوا�صل القراءة ،يقرتب املالك �أكرث، ويجل�س على الأر�ض قربه. ال يتكلمان ،حتى ي�س�أل العجوز من دون �أن يرفع ر�أ�سه: ـ لي�ش الهم واحلزن ماليني وجهك يا ولدي ،ترى الدنيا ما ت�سوى؟ يخربه املالك �أن ما حدث له اليوم مل يحدث له طوال حياته .يوا�سيه الرجل بعبارات قليلة
59
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 59
وي�شجعه على الإف�صاح عما بداخله ،لكن املالك يرف�ض ،فال �أحد ي�صدقه. يرمي الرجل ال�صحيفة من يده ،ويت�شوق ل�سماع الق�صة ،م�ؤكداً �أنه �سي�صدق كالمه ويقول: ـ كل �شي له مرة �أوىل. يقول املالك وهو يبت�سم ابت�سامة حزينة: ـ �سمعت العبارة نف�سها من �شخ�ص �آخر �أم�س ،ثم ح�صلت على �صفعة منه. قال العجوز وهو ي�شري �إىل وجهه: ـ احلمد هلل �أين �أقدر �أ�سمع للحني ،فكيف �أقدر �أ�ضرب.. قاطعه يو�سف قائ ً ال دون اكرتاث: ـ �أنا مالك. ينتظر الرجل �أن يكمل املالك حديثه ،لكنه ال يفعل ،فيقول: ـ �أ�صدقك. يرفع املالك ر�أ�سه وتت�سع عيناه وتظهر ابت�سامته العري�ضة في�ضيف الرجل: ـ كلنا مالئكة ،يوم ننخلق نكون مالئكة ،لكن بعدين نبد�أ ن�ستوي ب�شر خطائني. يبد�أ يو�سف �شرح الأمر كله ،ويخربه ما حدث له يف هذا اليوم الذي �أم�ضاه مع الب�شر .ا�ستمع العجوز �إليه ،و�أخذ يفكر طوي ً ال ،ثم قال: ـ كل النا�س يعتقدون �أن هم �صح و�أن هم على حق ،و�أن غريهم على خط�أ ،وهذا يف كل مكان ،هني ويف �أمريكا ويف �أوروبا ويف الأدغال. ي�صمت حلظة ،ثم ي�ضيف مبت�سماً: ـ حتى يف �أر�ض الـ ..مالئكة. �أ�صر يو�سف على موقفه م�ؤكداً �أنه خمتلف و�أنه مالك ،فقال الرجل العجوز: ـ هل بت�صدقني لو قلت لك �أين �أنا دينا�صور؟ هز املالك ر�أ�سه عالمة النفي ،ف�أ�ضاف العجوز: ـ عيل ال تزعل من النا�س يوم ما ي�صدقون �أنك مالك ،املو�ضوع بهذه الب�ساطة». �أم�سك بجريدته غري مبال باملالك الذي ظل �صامتاً ،ثم قام وغادر. مي�شي املالك متعباً وهو يت�ساءل: ـ البد �أن هناك �شخ�صاً يف مكان ما �سيقتنع بكالمي ،لكن �أين هو؟
60
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 60
بد�أ ب�إيقاف النا�س و�إخبارهم �أنه مالك� ،أحدهم قال له: ـ هذي م�شكلتك. و�آخر هرب من �أمامه ،وثالث قال: ـ بتعمل هنا �أيه طيب؟ ورابع قال: ـ �آي دونت �سبيك �أرابيك. وخام�س قال: ـ �أ�ستغفر اهلل. و�ساد�س �ضرب كفاً بكف وقال: ـ حتى املالئكة بت�شحت. ذهب املالك وا�ستظل ب�أحد املباين ،وجل�س يفكر .بعد دقائق وقفت �أمامه �سيارة �إ�سعاف ،نزل منها اثنان ،واجتها �إليه ،فوقف لهما وا�ضعاً يده على �صدره وقال: ـ �أنا مالك. فقال �أحدهما وهو يجره: ـ �سيب الدكتور يقرر احلكاية دي. �ألقيا القب�ض عليه ،و�أو�صاله �إىل م�ست�شفى الأمرا�ض العقلية. يف امل�ست�شفى ،يجل�س املالك مع رفاقه ،يخربهم ق�صته ،م�ؤكداً �أنه ي�ستطيع �إخراج من ي�صدقه من هذا املكان .فريفع �أحدهم يده قائ ً ال: ـ �أنا �أ�صدقك. بينما يقول �آخر: ـ �إذا �أنت مالك ،لي�ش ما عندك جناحني تطري بيهم. ويقول ثالث: ـ �أنت مالك ،لكن مالك جمنون. يقف اجلميع حوله با�ستثناء الذي �صدقه ،ويدورون حوله ،وهم ي�صفقون ويرددون «املالك املجنون �أهو» ..والذي �صدقه ي�صفق معهم.
61
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 61
النيسان األسود ..والعقال
62
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 62
دخل �سامل حو�ض ال�سباحة ،كان �أ�صدقا�ؤه وبع�ض الأ�شخا�ص يلعبون الكرة� .أحدهم يقف يف منت�صف الدائرة ،وعليه �أن يت�صدى للكرة التي يرميها الآخرون �إىل بع�ضهم بع�ضاً قبل �سقوطها يف املاء ،ومن يخطئ يدخل الدائرة بدالً منه. قال �سامل �شيئاً جعلهم يتوقفون عن اللعب ،ويحدقون فيه ،جميعهم ،حتى الذين ال يعرفونه. *** �سامل ذو الت�سعة ع�شر عاماَ ،تخرج من الثانوية العامة منذ �سنة ،كان يبحث عن وظيفة، لي�شرتي �سيارة «ني�سان برتول» طاملا حلم بها ،حتى �أنه كان يتخيل «الني�سان الأ�سود» وهي تلمع يف ال�شوارع وت�صهل ،يف الوقت الذي كان فيه رفاقه يتخيلون الن�ساء والعالقات ال�ساخنة. �سامل ذهب �إىل كل مكان ،تقدم �إىل الوظائف احلكومية وال�شركات اخلا�صة ،فلم يقبل به �أحد ،واجلميع ي�س�ألونه بعد �أن يروا �سريته الذاتية وخانة اجلن�سية الفارغة: ـ هل �أنت بدون؟ حتى خيل �إليه �أنه �سئل هذا ال�س�ؤال �أكرث من «كيف حالك؟» يف ال�سنة الأخرية. مل يكن �سامل نابغة ،كان طالباً عادياً ،لكنه مل ير�سب �أبداً ،مل تكن كلمة «بدون» تعنيه كثرياً، فقد تربى مع �أبناء الفريج ،وكانوا �إماراتيني يحملون كل الأوراق الثبوتية ،ويعاملونه على �أنه واحد منهم. ومل مينع ذلك بع�ضهم من �أن ميازحوه بهذا اخل�صو�ص ،فمث ً ال حني يفوز منتخب �إيران على املنتخب الإماراتي يقول �أحدهم ل�سامل: ـ مربوك ،دائماً تفوزون علينا.
63
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 63
وكانت ال�ضحكات تتعاىل بني الأ�صدقاء ،با�ستثناء �سامل الذي مل يكن ي�ضحك ،لي�س لأنهم �أ�شاروا �إىل �أنه ي�شجع املنتخب الإيراين ،بل لأنه حزين خل�سارة املنتخب الإماراتي. يف هذه الفرتة وبعد �أن تخرج ،وبعد ال�صفعات التي تلقاها وهو يبحث عن وظيفة ،يتذكر هذه املواقف مت�أملاً ،وهو يرى �أ�صدقاءه وقد ح�صلوا على وظائف منا�سبة ،حتى �أن �أحدهم ميلك «الني�سان الأ�سود» التي كان �سامل يحلم بها. و�صل الأمر ب�سامل �إىل درجة الغ�ضب على �أبيه الذي كان الهياً مع الن�ساء واخلمر عندما كانت الأوراق الثبوتية تمُ نح للم�ستحقني .ومل يعد الأب ي�س�أله عما �سيفعله ،بعد ما �أملح �سامل مرات عدة �إىل �أنه ال يحق ملن ت�سبب يف هذه امل�شكلة� ،أن يتفل�سف كثرياً. ا�ست�سلم �سامل للي�أ�س ع�صر ذلك اليوم الذي ذهب فيه �إىل حو�ض ال�سباحة ،ففي �صباح اليوم نف�سه ،كانت لديه مقابلة لوظيفة يف �شركة تابعة للحكومة. فرح لهذه املقابلة ،فبما �أنهم طلبوه فذلك يعني �أنهم يوظفون «البدون» �أي�ضاً ،وهو يعلم �أن هناك �شركات تعامل هذه الفئة كما تعامل املواطنني ،ويعرف بع�ض ه�ؤالء ،رغم �أنهم �أكرب منه �سناً ،وعملوا يف هذه الوظائف منذ زمن. يف املقابلة �سارت كل الأمور ب�سالم ،وحتدث �سامل بالإجنليزية عن نف�سه وعن طموحاته �أمام املدير الذي كانت عالمات الر�ضا تتقافز على وجهه ،ويف النهاية حيا �ساملاً وطلب منه موافاة ال�سكرترية يف اخلارج. رحبت ال�سكرترية العربية به مبت�سمة ،وقبل �أن يجل�س قالت له: ـ غداً �أح�ضر لنا �أوراقك كاملة. ً تغريت مالمح �سامل و�أراد �أن يخفي ذلك ،رفع ظرفا بحوزته وقال: ـ �شهادتي الدرا�سية و�شهادة امليالد هنا. ردت ال�سكرترية حمافظة على ابت�سامتها: ـ اتركها يل ،و�أح�ضر غداً اجلن�سية وجواز ال�سفر. حتطمت �آمال �سامل ،ومل يعرف ما يقول ،وقف مرتدداً للحظة ،م�سح جبينه وقال: ـ لكنني ال �أملك هذه الأوراق� ،أنا بدون.
64
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 64
اختفت ابت�سامة ال�سكرترية ،وطلبت منه اجللو�س ،ودلفت �إىل املدير� .سمع �سامل �صراخ املدير ،وعرف �أن ال�سكرترية وقعت يف خط�أ ،وخدعتها «الغرتة» والعقال يف ال�صورة ال�شخ�صية على ورقة ال�سرية الذاتية ،ومل تنتبه �إىل خانة اجلن�سية الفارغة. خرجت بعد دقيقة واعتذرت من �سامل ووجهها ك�إ�شارة �ضوئية حمراء قائلة: ـ نعتذر منك كثرياً ،مطلوب مواطن للوظيفة. غادر �سامل مقر ال�شركة مهموماً ،و�أم�ضى يومه دون �أن يكلم �أحداً ،وحتى و�صوله حو�ض ال�سباحة مل يكن قد فكر يف �شيء �سوى �أنه «بدون» ،و�أنه لن يجد وظيفة ،ولن يقود «الني�سان الأ�سود» ،ولن ي�سافر ،ولن يتزوج بابنة اجلريان التي يتبادل معها النظرات منذ مدة.. *** يف حو�ض ال�سباحة وقف �سامل ورفع �سبابته وك�أنه يريد الإجابة على �س�ؤال يف املدر�سة وقال للجميع: ـ �أنا بدون ..هل �أ�ستطيع �أن �ألعب معكم؟
65
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 65
حبيبتي صاحبة العضالت
66
final edition.indd 66
02/12/11 5:43 PM
توقف الزمن حني ر �أيتها �أول مرة ،وك�أنني يف فيلم «دي يف دي» و�ضغط �أحدهم على زر ا لإيقاف. مل �أ�ستطع �إكمال طريقي ،وقفت ثواين �أراقبها وهي متر .كانت �شيئاً خيالياً. لونها برونزي غريب ،وك�أنها ا�ستلقت على ال�شاطئ كثرياً يف الفرتة املا�ضية. �إين �أعرف رائحتها ،هذا العطر الذي فاح منها حني مرت بقربي �أدمنته. ر�شاقتها وهي مت�شي بدالل وغرور عارفة �أن اجلميع يراقبونها حتى تختفي عن ا لأنظار� .أراقبها معهم و�أقول يف نف�سي: ـ ا لأوغاد ملاذا ينظرون �إليها؟ �إنهم معذورون فخ�صرها الدقيق الريا�ضي يلفت انتباه �أكرب ال�شخ�صيات. �أنفها طويل قلي ً ال وينحني �إىل ا لأ�سفل يف نهايته ،وك�أنه ي�شري �إىل �شفاهها العري�ضة الداكنة عند ا لأطراف نوعاً ما ،رمبا ب�سبب الدخان. ردفاها فيهما «مغناطي�س» ال ميكن لرجل ينظر �إليهما رفع ناظريه عنهما ،فهما مدوران وبارزان ب�صورة م�ستفزة. �أ�سبوع و �أنا �أراقبها يف العمل ،كانت تتجول بغنج ودالل �أمام املوظفني وك�أنها تتعمد �إثارتهم. ترى الر�ؤو�س تلتفت معها �أينما حلت ،تذهب وتعود في�صبح امل�شهد يف املكان وك�أنه
67
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 67
ملعب للتن�س يتقاذف فيه العبان الكرة وحترك اجلماهري ر �ؤو�سها معها. اليوم �أراها تقف مع بع�ض املوظفني ،املالعني يقفون حولها ،كم كنت �أمتنى �أن �أكون معهم� ،أن �أ�شم رائحتها جمدد اً. يا لهذا ال�سافل ،ماذا يفعل؟ �إنه ي�ضع يديه القذرتني عليها ،وك�أنه �صديقها ،وهي ال متانع ،امل�سكينة ال يوجد �شيء ت�ستطيع فعله ،عليها �أن جتاملهم ،لكنهم قد يغت�صبونها بالتوايل �إذا �سمحت لهم بالتمادي �أكرث. البد �أن �أفعل �شيئاً ،مل �أ�ستطع النوم يف الأيام املا�ضية ،كانت جميع م�شاهدها متر علي و�أنا يف الفرا�ش� ،أعتقد �أنني وقعت يف غرامها. لكنها من الطبقة ا لأر�ستقراطية ،و �أنا من فئة العمال .حني �س�ألت عنها ،علمت �أنها �أمريكية ،جاءت �إىل �شركتنا لإنهاء بع�ض الأعمال العالقة ،يقال �إنها �صاحبة املدير. هذا ا لأخرق راتبه ال�شهري ي�ساوي راتبي ال�سنوي تقريباً .هل علي �إذا �أردت ا�ستمالتها �أن �أت�ساوى باملدير �أو الً؟ هل �أذهب �إليها و�أخطفها من بني �أيدي املوظفني املتحر�شني الآن ،ف�أنفرد بها و�أ�صارحها بحبي و�أعلن لها �إخال�صي التام؟ ماذا �إن قاومتني ،ماذا �إن �آذتني؟ علمت �أنهم ي�سمونها �صاحبة الع�ضالت ،ال �أعلم ملاذا ،رمبا لقوة �شخ�صيتها ،فاجلميع يهابها مبجرد ر �ؤيتها� ،أو رمبا لأن لديها ع�ضالت فع ً ال .. �أحبك يا �صاحبة الع�ضالت ا لأمريكية. البد �أنني �س�أح�صل عليها يوماً ما ،نعم �إنني �أعمل يف ور�شة لت�صليح ال�سيارات حالياً، ويداي ملطختان بالزيت ا لأ�سود..
68
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 68
لكن اعلمي يا «كورفيت» يا ابنة الـ«�شفروليه» �أنني �س�أركبك يف النهاية.
69
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 69
آينشتاين البخيل
70
final edition.indd 70
02/12/11 5:43 PM
«الليلة �سنتع�شى على ح�سابه ،رغماً عنه» قالها يون�س لزمالئه الذين �أعجبتهم الفكرة، ولكنهم علقوا قائلني: ـ لن ت�ستطيع �إجباره على �إخراج درهم واحد من جيبه. ـ لو تع�شينا على ح�سابه اليوم ،ف�ستتع�شون يف املرات ال�سبع القادمة على ح�سابي. ـ �صدقني ،يف ما يخ�ص املال ،هو �أذكى من �آين�شتاين. ـ �إذا مل تنجح اخلطة ف�سيكون الع�شاء على ح�سابك. كانوا يعملون بنظام املناوبات يف ال�شرطة� ،ستة زمالء اعتادوا تناول الع�شاء معاً يف املناوبة الليلية ،ويف كل مرة يتربع �أحدهم ب�إح�ضار الع�شاء� ،سواء من بيته� ،أو من �أي مطعم� ،إال �أن عبد الكرمي مل يجلب الع�شاء يوماً ،لكنه دائماً �أ�سد الغابة� ،أول امل�شمرين عن �سواعدهم على طاولة الع�شاء قائ ً ال: ـ تف�ضلوا يا �شباب ،ال تخجلوا ،البيت بيتكم. يف �أحد الأيام ،خا�ض �أحدهم هذا التحدي ،وكان حممود الذي اتفق مع رفاقه على �أن يدفعوا له مقابل الع�شاء ،بعد �أن يق�سموا قيمة الع�شاء على اجلميع �أمام عبدالكرمي� ،شرط �أن يكون املبلغ كبرياً بالن�سبة لع�شاء �شخ�ص واحد .قال �أحدهم يومها معلناً بدء التمثيلية: ـ حممود ،مبا �أن الع�شاء اليوم من مكان فاخر وثمنه غال ،يجب علينا �أن ن�شاركك دفع قيمته. فقال حممود بعد م�ضغ لقمة: ـ ال داعي لذلك ،املبلغ ما ي�سوى 500 ،درهم فقط. �أ�صر الرفاق على تقا�سم املبلغ� ،إال عبدالكرمي الذي كان ي�أكل ب�سرعة و«من �سكات» ،وكان اجلميع ي�شريون �إليه ويتغامزون دون �أن يراهم ،وعندما اتفقوا على �أن يدفع كل منهم ثمانني درهماً ،ر�ؤوا عبدالكرمي يغ�ص باللقمة وي�سعل ب�شدة ،ثم ي�ست�أذن ليذهب �إىل املطبخ.
71
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 71
عندما عاد ور�آهم يخرجون دراهمهم وي�سلمونها ملحمود ،قال مط�أطئاً ر�أ�سه: ـ ا�سمح يل يا حممود ،فقد ن�سيت �أن �أ�سحب املال من ال�صراف الآيل اليوم. �ضحك بع�ض الرفاق ،ف�أخرج عبدالكرمي حمفظته وفتحها �أمام حممود وقال: ـ انظر ال �أملك �سوى ع�شر دراهم. علم اجلميع �أنه ذهب �إىل املطبخ فقط ليفرغ حمفظته من املال� ،أو يخبئه بطريقة ما. والحظ عبدالكرمي �أن عيني حممود حتدقان يف الدراهم الع�شر ،ف�أكمل ب�سرعة: ـ و�أريد �أن �أ�شرتي بها ال�سجائر. وقرروا يومها �أن يكرروا التمثيلية نف�سها ،ولكن قبل بدء الع�شاء .وفع ً ال قاموا بذلك يف اليوم التايل ،فلم يكن من عبدالكرمي �إال �أن قال بعدها بلحظات وهو ي�ضرب بيده على بطنه: ـ �شباب بالهناء وال�شفاء لكم� ،أنا تع�شيت يف البيت قبل جميئي ،فقد كانت العائلة كلها متواجدة. ويق�سم �أحد الزمالء �أنه ر�أى عبدالكرمي الحقاً وهو ي�أكل «�سندويت�ش كيما» من املطعم الهندي، خمتبئاً يف املطبخ. يف هذا اليوم اتفقوا على �أن ي�ستخدموا �ضده خطة هجومية ،فلم يح�ضر � ٌأي منهم الع�شاء. وكان احلزن بادياً على وجه عبدالكرمي حني علم �أن ال وجود للع�شاء اليوم .وهم جال�سون قال يون�س �صاحب التحدي لعبدالكرمي: ـ ا�شرتيت �سيارة جديدة منذ مدة ،ومل تعزم ال�شباب حتى على «�سندويت�شات» �شاورما. قال �أحد الرفاق: ـ ال نريد «�شاورما» ،حني ا�شرتى حممود �سيارة �أح�ضر لنا م�أكوالت بحرية م�شكلة. قال عبدالكرمي وهو يخرج مفتاح �سيارته ويرميه على الطاولة: ـ ا�شرتيت �سيارة م�ستعملة ،ال ت�ستحق االحتفال ،بل على العك�س عليكم �أن توا�سوين وتعزموين �سنة كاملة على �شرف هذه ال�سيارة. �ضحك الرفاق ،وكل منهم يرى هزمية يون�س الذي مل ي�ست�سلم وقال: ـ لكنك مل تعزم ال�شباب حتى عندما ولدت ابنتك. قال �أحدهم بفخر: ـ عندما قدم ابني �إىل الدنيا� ،أح�ضرت لكم م�شاوي م�شكلة تكفي لإ�شباع ع�شر ذئاب. �ضحك اجلميع ومعهم عبدالكرمي الذي قال عندما انتهى ال�ضحك: ـ �أقمت عزومة فع ً ال يف البيت بهذه املنا�سبة ،لكنكم مل ت�أتوا. ـ مل ن�أت لأنك مل تدعنا يا عبدالكرمي الطائي!
72
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 72
قالها يون�س مبت�سماً ،ف�أجاب عبدالكرمي وهو ي�ضع �ساقاً على �أخرى: ـ ذلك لأنكم مل حت�ضروا عندما دعوتكم �إىل عر�س �شقيقي. ت�أكد اجلميع من �أن هزمية عبدالكرمي يف هذه املوا�ضيع م�ستحيلة ،رغم �أنهم يعلمون �أنهم مل يذهبوا �إىل زفاف �شقيقه لأنه �أقيم يف �إمارة �أخرى بعيدة ،ولأنهم جميعاً كانوا يف املناوبة التي تنتهي يف العا�شرة م�ساء .قال يون�س ب�إ�صرار املت�أكد من الفوز: ً ـ الليلة �ستعزمنا ،لأنك ُرقيت قبل �أ�سبوعني ،ومل حت�ضر لنا �شيئا حتى الآن. ـ �آه �صحيح رقيت ..ملاذا ال ترتكوها للأ�سبوع املقبل؟ ً قال يون�س وك�أنه مالكم نه�ض مناف�سه من �سقطته مرتنحا ،ف�أراد �إ�سقاطه ب�ضربة قا�ضية: ـ ح�سناً ،ولكن حينها �سيكون عليك �أن حت�ضر �شيئاً فاخراً. فكر عبدالكرمي حلظة وتغري لونه قلي ً ال ثم قال: ـ ال ب�أ�س� ،س�أعزمكم الليلة. اجته �إىل الهاتف قائ ً ال: ـ ماذا تريدون من الكافرتيا؟ ً �ساد االرتياح بني اجلميع ،خ�صو�صا يون�س الذي و�ضع عبدالكرمي يف الزاوية وهزمه. يف انتظار الطعام كان اجلميع �سعداء ،با�ستثناء عبد الكرمي الذي كان يقر أ� اجلريدة �أحياناً، ويلهو بهاتفه املتحرك �أحياناً �أخرى. بعد دقائق ح�ضر ال�سائق الهندي ،وهو يحمل الطعام وقال: ـ احل�ساب 55درهماً. ظل اجلميع يلتفتون باحثني عن عبدالكرمي ،ف�أكد �أحدهم �أنه ر�آه يخرج منذ دقائق عندما رن هاتفه ،فالبد �أنه يتحدث يف اخلارج .ذهبوا يبحثون عنه ،فلم يجدوه يف �أي مكان. عاد عبدالكرمي بعد مدة ،وحني ا�ستف�سروا عن مكانه ،قال: ـ كنت يف احلمام ،بعيد عنكم �أنا م�صاب بالإ�سهال منذ بداية اليوم. ثم �أ�ضاف وهو ينظر �إىل �أكيا�س الطعام: ـ من الذي دفع احل�ساب؟ �أ�شاروا �إىل يون�س �ضاحكني ،فلم ميهله ليقول �شيئاً� ،إمنا قال وهو يتجه �إىل الطعام: ـ دائماً يون�س ،لقد غرقنا يف خريك� ،أكرمك اهلل.
73
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 73
إلى زوجي الحمار بعد التحية..
74
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 74
بالها م�شغول وهي تقلب ما يف القدر بع�صبية ،منذ �أم�س مل يقرتب النوم من عينيها، واليوم منذ ال�صباح وهي يف املطبخ� ،إال �أن عقلها يف مكان �آخر ،وحتديداً عند نافذة غرفة ال�ضيوف املطلة على بيت اجلريان ،واجلدار الذي وجدت بقعة غريبة عليه ،ي�سيل منها �سائل لزج برائحة تعرفها. هل ت�صارح زوجها ب�أنها ر�أته وهو يطل على بيت اجلريان اجلدد .ماذا تقول له ،وهي تعلم �أنه �سينكر التهمة جملة وتف�صي ً ال ،بل ورمبا يدعي عدم معرفته بوجود نافذة تطل على بيت اجلريان من خلف ال�ستائر ،فهو بطل العامل يف الإنكار والكذب ،ما يعني �أي�ضاً �أنه قد ي�صدق نف�سه وي�شعر بالظلم ورمبا يتمادى وي�ضربها لأنها �شكت فيه واتهمته زوراً! �أ�سئلة كثرية مرت يف خاطرها مذ ر�أته واقفاً يف زاوية النافذة يراقب اجلريان وال�ستارة تتحرك ببطء وانتظام؛ ملاذا يفعل ذلك؟ �ألي�ست كافية بالن�سبة له؟ هل م ّل منها يف �سنتني فقط؟ �أم �أن نظرية «الرجل ال ميلأ عينيه �إال الرتاب» �صحيحة؟ وهل �صحيح �أن زوجة اجلار دائماً �أجمل بالن�سبة لأي رجل ،و�أنها لذيذة مثل اخلبزة التي يتقطر عليها دهن الكباب ،ال غنى عنها رغم وجود الكباب نف�سه. بعد طول تفكري ،وجدت ح ً ال رمبا ال ينهي امل�شكلة ،لكنه لن ي�ستطيع �أن ي�ضربها بهذه الطريقة. كتبت ر�سالة وو�ضعتها يف ظرف ،وتركتها عند حافة النافذة ،ال ي�ستطيع �أن يراها �إال من ينوي �أن يطل على بيت اجلريان ،ف�إذا ذهب ليمار�س هوايته� ،سريى الر�سالة ،وقد يخجل من نف�سه، �أما �إذا غ�ضب فلن يقدر على �أذيتها ،لأن ذلك يعني بب�ساطة اعرتافه بفعلته.
75
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 75
يف م�ساء اليوم نف�سه ،وبعد �أن ت�أكد من �أن زوجته م�شغولة بطفلها ،دخل غرفة ال�ضيوف كل�ص ،فهذا هو الوقت الذي جتل�س فيه الفتيات يف فناء البيت ،ثالث فتيات البد �أن اثنتني منهن �صديقات البنة اجلريان. امل�شهد ال يف ّوت ،حتى �إنه قال يف نف�سه: ـ �أنا م�ستعد لدفع الفلو�س مقابل هذا امل�سل�سل اليومي الرائع. حني وقف خلف ال�ستائر ،و�أخذ الزاوية املطلوبة كي ي�ستطيع املراقبة دون �أن يرينه، ورفع ر�أ�سه قلي ً ال ،ر�أى ر�سالة زوجته ،عقد حاجبيه وازدادت �سرعة خفقات قلبه ،كان يف داخله وهو ميد يده �إىل الر�سالة كثري من اخلوف وقليل من الأمل ،فرمبا تكون �إحدى البنات الثالث معجبة به ،وو�ضعت له هذه الر�سالة. مل يخطر بباله �أن فتح النافذة من اخلارج م�ستحيل ،فطاملا فكر الرجل يف �أع�ضائه ال�سفلية ف�إن �أع�ضا�ؤه العلوية ال تعمل. فتح الظرف املغلق بنزق وا�ضطراب ،وقر�أ التايل�« :إىل زوجي احلمار بعد التحية.. توقف عما تفعله ،وا�ستح على وجهك». �أول ما خطر له حلظتها هو كيف علمت ب�أمره؟ والتفت بعفوية �إىل اخللف ليت�أكد �أنه وحده ،وثم ت�صاعد الدم �إىل ر�أ�سه وك ّور الورقة يف يده بقوة؛ كيف تنعته باحلمار؟ نظر �إىل فناء اجلريان فازداد غ�ضبه: ـ ملاذا فتاتان فقط اليوم؟ ظل واقفاً يف غرفة ال�ضيوف� ،أ�شعل �سيجارته ،فكر طوي ً ال؛ هل يت�صرف وك�أن �شيئاً مل يكن؟ غري ممكن؛ فالظرف ممزق .هل ي�صارحها ويعرتف بـ«حموريته»؟ كيف �سيربر فعلته؟ �أخرياً وجد احلل الأن�سب. بعد دقائق ذهب �إليها ،جل�س قربها وهي تبدل «حفاظات» ابنه .قال وهو يداعب الطفل: ـ ما الع�شاء اليوم؟
76
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 76
�أجابت وهي تر�ش البودرة على ج�سد الطفل: ـ ال �شيء حتى الآن ..هل تريد �شيئاً معيناً؟ ـ ال داعي لذلك� ،سنتع�شى يف اخلارج اليوم. قالها ب�سرعة ،فقد كان �سيقولها يف كل الأحوال ومهما كانت �إجابتها .رفعت ر�أ�سها �إليه لتت�أكد من جديته وقالت: ـ ح�سناً. ا�ستغلت دخوله احلمام ،واجتهت �إىل غرفة اجللو�س .هناك �شيء غريب؛ الظرف اليزال موجوداً ،لكنه مفتوح. تناولته ببطء� ،أخرجت الورقة منه ،وقر�أت حتت ما كتبته هي كلمات �أخرى تقول�« :إىل زوجتي وحبيبتي ..ال �أعرف كيف �أعتذر عما بدر مني� ..أنا �آ�سف جد ًا� ..س�أم�ضي عمري ً حماوال تعوي�ض ما حدث عليك». كله تهلل وجه الزوجة ،وقفزت دمعة من عينها� ،إذاً فهو نادم على فعلته ،والأجمل �أنه اليزال يحبها ،حتى �أنه �أكد ذلك يف توقيعه على الر�سالة« :زوجك وحبيبك ووالد ابنك». �ساحمته من قلبها ،فهي حتبه ،وها هو قد اعتذر وجدد لها حبه و�إخال�صه ،وحتولت احلياة يف تلك اللحظة وردية. يف الليلة ذاتها ،طلب منها �إر�سال اخلادمة والطفل �إىل �شقيقتها حتى غد .و�أخربها �أنهما لن يعودا �إىل البيت بعد الع�شاء ،لأنهما �سيبيتان يف اخلارج. ملعت عينا الزوجة ،ما كل هذه الرومان�سية؟ و�س�ألته عن عمله غداً وهي تتمنى �أال تنبهه �إىل �شيء رمبا ن�سيه ،ف�أكد �أنه هاتف م�س�ؤوله وا�ست�أذنه بالتغيب غداً. يف الطابق العلوي من فندق «املرتوبليتان» ب�شارع ال�شيخ زايد ،كان �ضوء املدينة املتلألئة يف ظالم الليل يغازلهما وهما يجل�سان �إىل طاولة متطرفة يف املطعم الفاخر.
77
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 77
كان الطعام �أمامهما ،ويف منت�صف الطاولة �شمعة ترق�ص حزناً ،و�أنغام غيتار مع �إيقاعات خفيفة تنبعث يف املكان ،ومل يكن ينق�ص �إال �أن يدعوها �إىل رق�صة رومان�سية على املن�صة. هذا ما فكرت فيه وابت�سمت ،لكن ابت�سامتها ات�سعت وهي تفكر يف ما �سيحدث الحقاً يف غرفة بهذا الفندق. منذ زمن مل يتقابال يف جل�سة م�صارحة كهذه ،كان يتحدث عن حبه الكبري لها ،و�أنه لن يجرحها مرة �أخرى مهما حدث ،و�أنه ال يرى غريها �أنثى يف هذه الدنيا ،وكان يلعن �إبلي�س بعد كل جملة يقولها. مل يلتفت مييناً �أو �شماالً تلك الأم�سية ،حتى عندما نادى النادل ،كان يحدق يف زوجته، ونظراته تقول لها ما ال ي�صرح به ل�سانه. قاطعت حديثهما النادلة العربية لت�ضع �أمامهما �صحني الكراميل والفراولة بال�شيكوالته، ظل ينظر �إىل عيني زوجته وهو يجاهد نف�سه ويقول يف �سره: ـ ال تلتفت �إىل امل�صرية ،لي�س الآن ،لي�س الليلة. ال�ساعات التالية كانت ت�شبه �ساعاتهما الأوىل يف �شهر الع�سل ،وكانت الزوجة �سعيدة لدرجة �أنه خطر ببالها �أن فعلة زوجها كانت �ضرورية لر�ش البهارات على عالقتهما التي فرتت منذ قدوم طفلهما. كانت �أ�شعة ال�شم�س تت�سلل �إىل الغرفة من النافذة عندما �أوقظها الزوج بحنان ودالل، وهو يعد لها ال�شاي .جل�سا لتناول الفطور الذي متنت �أال ينتهي ،فقد كان الزوج حتت خدمتها يطعمها بيديه ويغازلها وي�سمعها الكالم اجلميل. دخلت احلمام لت�ستحم على مهلها بعد �أن �أعد لها زوجها «البانيو» املمتلئ رغوة وفقاقيعاً. بعد انتهائها من ا�ستخدام جمفف ال�شعر ،خرجت ترتمن ب�أغنية ،ا�ستقبلها زوجها بقبلة
78
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 78
ودخل بعدها لي�ستحم. وقفت الزوجة �أمام النافذة لتم�شط �شعرها وت�ستمتع ب�أ�شعة ال�شم�س .نظرت �إىل �أ�سفل، متنت لو �أنها ت�ستطيع �أن ترتدي الـ«بكيني» وتنزل حو�ض ال�سباحة مثل الن�ساء اللواتي ي�سبح بع�ضهن مبرح وي�ستلقي بع�ضهن الآخر على الكرا�سي لال�سرتخاء. وقف امل�شط يف �شعرها عندما الحظت وجود �سائل لزج تعرف رائحته جيداً ،ينزلق على النافذة.
79
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 79
اإلدارة بفن الزبالة
80
final edition.indd 80
02/12/11 5:43 PM
و�صل فهد مقر ال�شركة التي يعمل فيها� .سجل ح�ضوره بب�صمة �إ�صبعه ،وكالعادة ذهب لقراءة لوحة املالحظات التي يجب �أن يتابعها جميع املوظفني يومياً ،فرمبا تكون هناك تعليمات جديدة� ،أو ر�سائل �أخرى يود امل�س�ؤولون �إي�صالها �إىل املوظفني. كان هناك �شيء غريب معلق على اللوحة هذه املرة؛ كي�س قمامة ،مليء باملحارم الورقية والعلب الفارغة وخملفات �أخرى ،وبجانبها ورقة كتب عليها« :حت�ضروا ..لقد مت جمع هذه املخلفات من مواقع العمل اخلارجية خالل ثالثة �أيام فقط». وقف فهد �أمام هذا امل�شهد مت�أم ً ال ،ترك �أ�صابعه تعبث بلحيته ،حمدقاً يف الكي�س .التفت �إىل مكتب مدير فرع ال�شركة الذي كان توقيعه وا�ضحاً حتت العبارة ،فلم يكن موجوداً. �أخرج هاتفه املتحرك ،والتقط �صوراً للم�شهد. �إنه توفيق ،املدير الذكي ال�صارم ،ال يجر�ؤ على حتديه �أحد ،ويعترب بط ً ال من ي�ستطيع النظر يف عينيه عندما يكون غا�ضباً .بنظرة منه يهز �أف�ضل و�أقوى موظف. توفيق هو �أحد �أعمدة هذه ال�شركة� ،صعب �أن يحبه �أحد ،حتى �أن هناك �شائعة تقول �إن �أفراد �أ�سرته ال يحبونه ،لكن ما هو �أكيد �أن اجلميع يخ�شونه� ،أو على �أقل تقدير يحرتمونه. لديه �صالحيات مطلقة ،فهو ناجح يف حتقيق الأرباح وتقليل امل�صروفات ،وهذان ال�شيئان هما مقيا�س جناح املدير بالن�سبة ملجل�س �إدارة ال�شركة ،لذلك ،فمن يعمل يف املكان يفعل ذلك فقط لأن املدير را�ض عنه ،ومن يخرج عن طوعه �أو ال يعجبه مظهره ،يكون م�صريه الطرد �أو النقل �إىل �أحد الفروع البعيدة. غادر فهد �إىل ا�سرتاحة املوظفني ،جل�س �أمام الكمبيوتر ،بد�أ يكتب ر�سالة موجهة �إىل املدير العام الذي يدير الفروع جميعها.
81
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 81
كان جميع املوظفني يتحدثون ويبدون امتعا�ضهم يف ما بينهم مما حدث ،بالطبع لي�س �أمام اجلميع ،فهناك �أ�شخا�ص ُف�ضح �أمرهم وات�ضح �أنهم خمربون ل�صالح توفيق. مل يخرب فهد �أحداً ب�أمر هذه الر�سالة التي �أر�سلها �إىل املدير من عنوان بريد �إلكرتوين جديد �أن�ش�أه ،با�ستثناء زميله املقرب الذي طلب منه �أن ير�سل له الر�سالة ،وبالفعل هذا ما حدث بعد �أن قال فهد وهو يرفع حاجبيه و�سبابته: ـ ال تدع �أحداً يراها ..لأنهم �سريكلوين خارجاً. يف اليوم التايل كان جميع املوظفني يتحدثون عن الر�سالة ،كانوا فرحني بها ،رغم معرفتهم �أنها لن تهز �شعرة يف ج�سد توفيق� ،إال �أن حماولة حتدي توفيق بحد ذاتها �شيء ي�ستدعي االحتفال. كانت الأ�سئلة تدور عن هوية ال�شخ�ص الذي كتب الر�سالة ،و�إىل من �أر�سلها ،مل يعرف �أحد �شيئاً .فقد كانت الأوراق موجودة على مكاتبهم ب�شكل ع�شوائي حني قدموا يف ال�صباح نف�سه الذي اختفت فيه «القمامة» الحقاً. يف اليوم التايل ،ازداد احلديث يف الأمر ،فقد تربع �أحد الأ�شخا�ص و�أم�ضى �ساعات وهو يرتجم الر�سالة الطويلة �إىل الإجنليزية ،ليقر�أها الأجانب ،ووجدها املوظفون يف غرفة العمليات يف ال�صباح الباكر. كان اجلو العام يف ال�شركة يف اليومني املن�صرمني متفائ ً ال ،اجلميع �سعداء ي�ضحكون ،كانت الر�سالة بالن�سبة �إليهم كانتقام طفل يخرج ل�سانه وي�ضع يديه على ر�أ�سه �أمام كلب م�سعور لكنه مربوط ،ويكفي �أن توفيق �سي�شعر بالغيظ لأن هناك من يتحداه. وبالفعل كان توفيق يف قمة غيظه ،بعد �أن و�صلته الأوراق بفعل املخربين �أحياناً ،وبيد ال�شامتني �أحياناً �أخرى. كان ع�صبياً يف هذين اليومني لدرجة جعلت كل املوظفني يتحا�شون املرور �أمام مكتبه� ،أو التواجد يف مكان مير فيه. كان غ�ضبه وا�ضحاً للجميع ،خ�صو�صاً عندما قر�أ بنف�سه الر�سالة التي جاء فيها:
82
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 82
�إىل ال�سيد املدير العام ..ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته هذا ما ن�ستحقه؛ «كي�س زبالة» ُكتب فوقه باخلط العري�ض «حت�ضروا»! هل يعتقد مدير العمليات املحرتم ,توفيق� ,أننا قادمون للتو من الغابة؟ وهل هكذا ي�شكرنا على املجهود الذي نبذله يف �سبيل ال�شركة التي منحناها من وقتنا اخلا�ص ـ �ساعات عمل �إ�ضافية �إجبارية ـ �أكرث مما مننحه لأنف�سنا ولذوينا؟ علق مدير العمليات «زبالة» على لوحة املالحظات حتتوي مناديل م�ستعملة و� ً أكوابا وعلب مياه فارغة ،يقول �إنه جمعها من مواقع العمل.. الآن فهمنا ما هو عمل مديرنا املحرتم؛ مراقبة «الزبالة» وعدها وجمعها يف كي�س وتعليقه يف غرفة العمليات التي يدخلها �ضيوف يف كل الأوقات �سواء من ال�شركات املناف�سة �أو غريها. ترى ما الذي �سي�شعر به الزائر وهو يرى «زبالة» معلقة يف �صدر الغرفة؟ ب�صراحة مل يكن ينق�ص مديرنا العزيز �سوى �أن ي�ضع «الزبالة» يف برواز كي تكتمل ال�صورة اجلميلة التي �ستعلق ب�أذهان الزائرين كما عٌ ِلقت «الزبالة» يف غرفة عملياتنا.. �س�ؤال واحد مل �أجد �إجابته :هل يعقل �أن مديرنا النظيف ي�ضع «كي�س زبالة» يف غرفة جلو�س بيته عندما يو�سخ �أبنا�ؤه املكان؟! مل اال�ستغراب من وجود هذه الأ�شياء يف مواقع العمل؟ هل �شرب املاء حمرم؟ هل من�سح عرقنا الذي ت�ساقط لأ�سباب ال تخفى على �أحد مبالب�سنا املت�سخة بالزيت والغبار؟ كان الأوىل به توفري �أكيا�س قمامة فارغة يف مواقع العمل كي ي�ستخدمها املوظفون ً بدال من تعليقها يف غرفة العمليات. ً ً جميال ،لكنه يف املقابل لي�س فعال نعلم جيد ًا �أن و�ضع املخلفات يف مواقع العمل لي�س ً ً �سيئا مقارنة بالفعل الذي جعل املوظفني يبد�ؤون يوم فعال جرمية ،بل هو بكل ت�أكيد لي�س عملهم مب�شاهدة «زبالة» ً بدال من ابت�سامة مع حتية ال�صباح ،مع الأخذ بعني االعتبار �أنه لي�س اجلميع �شركاء يف جرمية القمامة النكراء!
83
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 83
اعذروين فثقافتي حمدودة ،وال علم يل �إن كان هذا ً فنا جديد ًا من فنون الإدارة ،مل �أ�سمع به من قبل.. ومن ثم يت�ساءلون ملاذا يتغيب املوظفون با�ستمرار؟ وملاذا تقدم كثريون با�ستقاالتهم؟ وملاذا كل تلك احلوادث ال�ساذجة يف املواقع؟ وملاذا وملاذا.. �إنها الإدارة بفن «الزبالة» يا �سيدي ..واملق�صود هنا ال هذه احلادثة فقط ،بل ال�شكل العام لطريقة الإدارة ،طريقة التلويح بالع�صا والزبالة يف وجه املوظفني. واعذروين � ً أي�ضا على ا�ستعمال كلمة «زبالة» بكرثة رغم علمي �أنها ثقيلة ككي�س الزبالة ً ب�شعا للغاية. املعلق ،فامل�شهد كان مالحظة :ال�صور املرفقة مع الر�سالة حقيقية ،ولي�ست من ن�سج «الفوتو �شوب».
التوقيع :موظف يفكر باال�ستقالة
يف اليوم الثالث زارهم عدد من ال�شخ�صيات املهمة يف ال�شركة ،على ر�أ�سهم رئي�س جمل�س الإدارة ،الرجل الأقوى يف ال�شركة ،وكانت زيارته الأوىل منذ �ست �سنوات ،ومعه املدير العام الذي مل يفعل �شيئاً حني تلقى ر�سالة فهد �سوى �أنه عاتب توفيق وقال له �ضاحكاً: ـ قمامة يا توفيق ،احلمدهلل �أنك مل تعلق م�شنقة على اللوحة وتعلق عليها الفاعلني واحداً تلو الآخر. ولهذا ال�سبب اختفى كي�س القمامة يف اليوم الأول. وما حدث �أنه بعد تناقل الر�سالة بني املوظفني ،قام �أحدهم ب�إر�سالها �إىل رئي�س جمل�س الإدارة ومعها تهديد بن�شر الر�سالة وال�صور يف ال�صحف لتكون ف�ضيحة كبرية يف حال مل يعاقب املدير ،لذلك فالرئي�س يقف الآن يف غرفة االجتماعات ويجل�س �أمامه �أغلب املوظفني ،يف غياب توفيق الذي ح�ضر �صباح هذا اليوم ،لكنه غادر بعد تلقيه مكاملة باكرة، كما �أكد �سكرتريه الذي �أبدى �سعادته بذلك �أمام بع�ض املوظفني على غري عادته. قال الرئي�س يف خطابه:
84
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 84
ـ �أتفهم متاماً �سبب غ�ضبكم ،نحن ل�سنا را�ضني عما حدث ،وال�شركة لي�ست �شخ�صاً واحداً، �أنتم عماد هذه ال�شركة ،ومن ال يهتم ويراعي �أ�سا�س ال�شركة فالأف�ضل له �أن يرحل ،و�إال ف�سيحا�سب� .أحزنني ما فعله مديركم ،لكن ما �أحزنني �أكرث �أن بع�ضكم فكروا يف االجتاه �إىل ال�صحف ..نحن ن�شكل عائلة هنا ،والبد من وجود م�شاكل يف �أي عائلة ،لكنها ال يجب �أن تظهر للآخرين. �صفق اجلميع ،وكان �أكرثهم حما�ساً فهد و�صديقه. بعد �أ�سبوع من العمل ال�سعيد ،عاد توفيق خمتلفاً ،يبت�سم للجميع ويلقي التحية قبلهم ،بل حتى وميد يده لي�سلم ومي�سك �أياديهم املت�سخة .وكان �أول �س�ؤال �س�أله لل�سكرتري حني دخال املكتب: ـ هل ا�ستطعت �أن تعرف من الذي كتب الر�سالة؟
85
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 85
من التي ستفوز برقم الوسيم؟
86
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 86
«�إنه و�سيم» ،هم�ست الأخت ل�شقيقتها التي �أكدت ذلك هام�سة �أي�ضاً كي ال ي�سمعهما �شقيقهما ال�صغري. كان ال�شاب طوي ً ال عري�ض الكتفني كالعبي كرة القدم الأمريكية ،حليته و�شاربه مت ربطهما بطريقة «القفل»� ،شعره طويل قلي ً ال ين�سدل على رقبته. يرتدي «كندورة» بنية ،يلف ر�أ�سه بـ«غرتة» حليبية خمططة بالبني ،و�سماعة الهاتف يف �أذنه ،يت�سلى باحلديث مع �صديقه ،فهو مي�شي وحيداً يف «مول الإمارات». كان يالحقهم يف كل مكان منذ نزولهم من «املرتو» الذي ي�ستخدمونه لأول مرة من باب التجربة ،ا�ستغربت الفتاتان �إ�صراره على تعقبهما بهذه ال�صورة ،ف�أخوهما املراهق معهما. لذلك ظلتا تتحدثان معه حتى ال ينتبه �إىل هذا الو�سيم ،وكان الأخ ي�ضحك معهما ويلتفت �أحياناً ناحيته ،ورغم ذلك مل يكف ال�شاب عن مطاردتهم. �أعجبت الفتاتان به ،مل تعتربا ما يفعله وقاحة� ،إنها �شجاعة .كانت كل واحدة منهما تتمنى �أن يعطيها هي الرقم� ،صحيح �أن االت�صال به �سيكون �صعباً ب�سبب رقابة الأهل، لكن البد �أن الفائزة بالرقم �أجمل من �أختها ،و�أن الرجال الو�سيمني يف�ضلونها هي. فهم�ست �إحداهما للأخرى: ـ �أعتقد �أنه يريدك �أنت. ـ ال� ،إنه ينظر �إليك. كانت كل واحدة تهيئ نف�سها للخ�سارة ،وتظهر المباالتها ،حتى �إذا ما منح رقمه للأخرى ،ال يكون موقفها حمرجاً.
87
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 87
وذلك ال مينع �أن �إحداهما ا�ستبدلت طريقة م�شيتها العادية بو�ضعية الدلع ،ف�أ�صبح �صوت الكعب الذي ترتديه �إيقاعاً مو�سيقياً يطرب له الرجال وترق�ص له قلوبهم. بينما ا�ستخدمت الأخرى تكتيكاً �أكرث فاعلية عندما �شدت عباءتها على م�ؤخرتها ،حتى ا�ستطاع ال�شاب �أن يلمح خطوط مالب�سها الداخلية ،فقد كان يحدق بها ،ومل يرفع ناظره عنها �إال عندما �أح�س ب�أن الأخ �سيلتفت �إليه. ذهبوا �إىل مقهى «كو�ستا» القريب من ال�سينما .حلقهم واختار طاولة قربهم. غيرّ الأخ مكانه وجل�س يف مو�ضع ميكنه من مراقبة ال�شاب الذي كان بدوره ي�ستطيع �أن يرى وجهي �إحدى الأختني والأخ ال�صغري. قاموا بطلب امل�شروبات واحللويات ،ف�شربوا و�أكلوا �ضاحكني ،كان ال�شاب يقر�أ جريدة، لكنه لن ينتهي منها ولو بعد �سنة ،فقد كان يرفع ر�أ�سه لينظر �إليهم بعد كل كلمة يقر �ؤها. نه�ض الولد و�س�أل �شقيقتيه وهو يعدل من و�ضعية القمي�ص واجلينز: ـ هل �ست�أتيان معي لنقطع تذاكر الفيلم؟ فقالتا معاً بحما�س وك�أنهما ترددان الن�شيد الوطني: ـ ال. ثم �أكملت �إحداهما: ـ ال نريد الوقوف يف الطابور املزدحم. ابت�سم الأخ لهما ،ورمق ال�شاب بنظرة ،واحمرت وجنتاه ،وحترك متجهاً �إىل ال�سينما. التفتت �إحداهما �إىل الوراء لتتمكن من ر�ؤية ال�شاب متظاهرة ب�أنها تبحث عن حقيبة يدها ،بينما كانت الأخرى تنظر �إليه ونظراتها تقول« :ها قد خال لك اجلو ،فتقدم». ت�ساءلتا عن الطريقة التي �سيمنحهما بها الرقم ،هل �سريميه على الطاولة� ،أم �سيقف ويعطيهما الرقم �شفاه ًة؟
88
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 88
نه�ض ال�شاب ب�سرعة ،ترك خم�سني درهماً على الطاولة دون �أن ينتظر ورقة احل�ساب. ثواين بعدها وات�سعت عيون الفتاتني وهما تنظران �إىل بع�ضهما؛ فقد خرج ال�شاب الو�سيم م�سرعاً ليلحق ب�شقيقهما.
89
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 89
استقالة أبناء إبليس
90
final edition.indd 90
02/12/11 5:43 PM
حتلقوا حول عر�ش �أبيهم �إبلي�س ،اتفق �أربعة منهم �أن يفاحتوه يف الأمر ،فلم يجر�ؤ �أي منهم على القيام باملهمة وحده. ا�ستغرب الأب من جتمع �أبنائه املقربني ،فيفرت�ض �أن ك ً ال منهم لديه م�س�ؤوليات و�أعمال كثرية عليه تنفيذها� .س�ألهم �ساخراً: ـ ما �سبب هذه املظاهرة؟ مل يجب �أحد؛ فاحرتام الأب واجب حتى و�إن كان �إبلي�س .حرك ر�أ�سه ببطء من جهة �إىل �أخرى لرياهم واحداً تلو الآخر قبل �أن ي�ستقر نظره يف النهاية على �ساعة احلائط ،قا�صداً �أن ينبههم �إىل الوقت الذي يهدرونه يف عمر معركتهم �ضد الب�شر. قال غا�ضباً رغم �أنه علم �سبب ح�ضورهم ،فهذه االجتماعات العائلية ال حتدث �إال يف امل�صائب: ـ ماذا تريدون يا ك�ساىل ،كل دقيقة متر يهتدي �أحد الأعداء �أو يقلع �آخر عن فعل �شيء �سيء؟ نظر الأ�شقاء �إىل بع�ضهم بع�ضاً مبت�سمني ،وقال �أحدهم بعد �أن لكزه �شقيقه: ـ بابا ،نريد �أن ن�ستقيل من عملنا. تغريت مالمح �إبلي�س� ،ضرب بع�صاه ذات ال�شوكة الأر�ض ،ما جعل املتحدث يرتعد ب�شكل ت�سربت معه �شرارات من ق�سمه ال�سفلي .التفت �إىل الآخرين ،لريى ت�أثري غ�ضبه فيهم، فهد�أت مالحمه و�أ�سند ظهره �إىل العر�ش ،عندما ر�أى ال�شرارات تتطاير منهم جميعاً. بعد �صمت �سمعهم يقولون: ـ منذ �آالف ال�سنني ونحن نعمل دون حتى �إجازة مر�ضية.
91
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 91
ـ �أ�صبح العمل روتينياً ،بال �إبداع �أو متعة. ـ ال يوجد ترقيات وال حتى بون�ص. ـ �أريد �أن �أتزوج و�أقعد يف البيت.. مل ي�ست�سلم �إبلي�س لهم ،ذلك لي�س من طبعه ،وتنبه �إىل �أنهم يلمحون �إىل �أنه عاطل عن العمل يف هذه املعركة. فكر يف طريقة لإقناعهم بالعدول عن هذه اال�ستقالة اجلماعية ،لكن عليه �أن ي�ستمع �إليهم �أوالً ليتمكن من مناق�شتهم يف قرارهم. طالب ب�أن يتحدث كل منهم عن �سبب ا�ستقالته ،فرفع «زملبور» �إ�صبعه ،وتقدم ملتفتاً يف كل اجتاه ،ك�أنه ل�ص خائف من �أن يتم �ضبطه ،م�سك ع�صاه التي تنتهي بعالمة الدوالر ،بني يديه ،وبد�أ كالمه: ـ النا�س مل يعودوا بحاجتي لي�سرقوا بع�ضهم� ،إنهم يفعلون ذلك دون �أن �أو�سو�س لهم� .أحياناً �أ�صل �إىل العمل مت�أخراً ب�سبب االزدحام ،ف�أجدهم قد بد�ؤوا حفلة ال�سرقة دوين. �سرقة وغ�ش ون�صب يف كل مكان؛ الـ«موالت» ،الأ�سواق ،املطاعم ..قليلون هم رجال الأعمال الذين ال ي�سرقون �أو يغ�شون ،ويف الأغلب لأنهم ال ميلكون الفر�صة� ،أو خلوفهم من �أن يك�شفوا، فقد ازدادت اجلهات القانونية التي تالحق الل�صو�ص ،لكنها ال تقب�ض على الل�صو�ص الكبار غالباً ،لأن �شياطني الر�شاوى والوا�سطات يقومون بعملهم ب�إخال�ص و�ضمري. قلة قليلة من الب�شر ال ي�سرقون ب�سبب �إميانهم ،وقد مللت الذهاب �إليهم كل يوم ..و�أنا مت�أكد �أن الباقني لن ي�شعروا بغيابي. التفت �إبلي�س �إىل «م�سوط» ،و�أوم�أ له بر�أ�سه حتى ظهر بو�ضوح قرناه الكبريان اللذان جعال االبن يت�أتئ ،فقال �إبلي�س مطمئناً: ـ تكلم ،وحاول �أال تكذب! ت�شجع م�سوط ،لكن فج�أة انطف�أت �أ�ضواء الق�صر ،وعادت �إىل العمل جمدداً ،فقال: ـ �أ�صبح الكذب يا �أبي هواية لدى الكثريين ،هل تعلم �أنني ا�ستغرب �أحياناً لكذباتهم ،كيف يبتدعونها ،ما كنت �أ�ستطيع �أن �أخرج ب�أف�ضل منها و�أنا ابنك ،فهذا يدعي �أنه ميلك �سيارة «فرياري» رغم �أنه يقود «هوندا» منذ تعلم القيادة ،و�آخر يق�سم �أنه تخرج من جامعة «هارفرد» ،وهو مل ينه درا�سته الثانوية.
92
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 92
لقد �صار للكذبة �ألوان ،فالذي ال يكذب مل�صلحته ال�شخ�صية يفعل مل�صلحة �أهله ورفاقه، ومن ال يكذب يكون عادة خائفاً من �أن تك�شف كذبته ،فقد تغري الزمان ،و�أ�صبح كل �شيء ميكن التحري عنه بف�ضل الإنرتنت وثورة االت�صاالت ،ومل يبق �إال قليلون لن يكذبوا حتى و�إن ظللت خلفهم مليون �سنة جديدة ..لقد �سئمتهم وكذباتهم امللونة. رفع «الأعور» �إ�صبعه قبل �أن يلتفت �إليه �أبوه ،كان الوحيد من بينهم الذي يرتدي «�شورتاً» يخفي �أع�ضاءه ،ما جعل �إخوته ميازحونه �سائلني: ـ متى �سرتتدي الكرفتة؟ �أذن �إبلي�س له باحلديث وهو يداعبه بجره بوا�سطة �شوكته من «ال�شورت» الدخيل ،فقال: ـ لو كنت �أ�ستطيع االنتحار لفعلتها ،مل �أعد قادراً على �إ�ضافة �شيء ،ال حاجة �إىل تزيني املر�أة ليقع الرجل يف حبائلها ،فهي تتزين من نف�سها لتوقعه ،وهو عالق يف حبائلها وال يريد اخلروج. ً هل ت�صدق �أنني �أحاول تخلي�صهم �أحيانا لكنهم ال ي�ستمعون �إيل؟ فبعد �أن ينتهي الرجل من فعلته يف ال�شوط الأول ،يقرر ممار�سة ال�شوط الثاين ،ف�أقول له: ـ �أنت متعب الآن ،تعال غداً و�أكمل ما بد�أت. �إال �أنه ي�ضرب بكالمي عر�ض ال�سرير .هذا �إذا وجد ال�سرير ،فاجلن�س �أ�صبح ميار�س يف كل مكان وزمان ،ولوال احلياء فقط لأنهوا �أمورهم يف ال�شوارع �أمام بع�ضهم بع�ضاً .وذلك ال مينع من �أن بع�ضهم يفعلونها يف ال�شوراع وال�شواطئ والأماكن العامة الآن. ب�صراحة يا �أبي بت �أعتقد �أن بع�ضهم لو ح�صلوا على فر�صة ملمار�سة اجلن�س معي ملا ترددوا! بع�ضهم ال يفعل هذه الأ�شياء ب�سبب الرقابة والتقاليد ،ولكنهم يفكرون يف الأمر �أكرث مني.. والذين ال يفعلون ب�سبب �إميانهم يعدون على �أ�صابع �أياديك اللعينة .انظر �إيل ،لقد زاد وزين ،مل �أعد �أعمل منذ مدة. اعتدل �إبلي�س و�أ�شار مبت�سماً �إىل «دا�سم» ب�أن يقرتب منه� ،أجل�سه على حجره ،و�أخذ مي�شط خ�صلة ال�شعر يف نهاية ذيله ،فقال االبن املدلل: ـ امل�شاجرات بني الزوج والزوجة �صارت �شبه يومية بني �أغلبهم ،ع�شرات الأزواج يقتلون زوجاتهم يومياً واحلجة جاهزة؛ ال�شرف .والعك�س �أي�ضاً �صحيح ،حتى �أخذ الباعة يف «ال�سوبرماركت» يت�ساءلون عندما ت�شرتي املر�أة �أكيا�ساً بال�ستيكية �إن كانت �ستقتل زوجها �أم ال؟
93
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 93
حتررت املر�أة ،و�أ�صبحت تعني زوجها يف كل �شيء ،فلم تعد جمربة على احتماله .والزوج بدوره ال يطيقها ،فهو يرى كل الن�ساء جميالت �إال زوجته ،ي�ضخم عيوبها دون م�ساعدتي، فرائحتها ب�صل يف �أنفه ،ورائحة زميلته يف العمل عطور فرن�سية .غ�ضب الطريق والعمل وخ�سارة مباريات كرة القدم ..يخرجه عليها. هناك بع�ض الأزواج الذين ال توجد بينهم م�شاكل ،لكن ذلك لأن الزوجة تعرف كيف متت�ص الغ�ضب وجتعل نف�سها خا�ضعة .هذه النتيجة التي انتهينا �إليها ال يوجد �أف�ضل منها بابا. وقف �إبلي�س و�أخذ مي�شي جيئة وذهاباً و�سطهم وجميعهم مط�أطئو الر�ؤو�س يراقبون ذيل �أبيهم العظيم. �س�ألهم عن باقي ال�شياطني واجلنود ،ف�أخربوه �أنهم ينتظرون نتيجة االجتماع خارج الق�صر. فقال �إبلي�س وهو يلوح بع�صاه كقائد ثوري انت�صب �أمام جي�شه لي�شحن عزائمهم: ـ املعركة مل تنته ،لقد �أكد كل منكم وجود قلة من الب�شر مل ن�ستطع هزميتهم بعد ،كيف نرتكهم؟ ثم ماذا عن الأجيال املقبلة؟ هل تعتقدون �أنهم �سيكونون على �شاكلة �آبائهم ،و�إذا افرت�ضنا حدوث ذلك ،من ي�ضمن �أن النا�س احلاليني لن يهتدوا يف غيابكم ،هل �سرنجع لنبني ما �صنعناه طوال تلك ال�سنني� ،إن ا�ستقالتكم تعني الهزمية.. بدا تعباً� ،صمت حلظة لريتاح ،و�أ�ضاف: ـ ثم هل تعتقدون �أنني �أق�ضي يومي هنا �أداعب �أمكم؟ �إين �أقوم باملهمة الأ�صعب؛ �أذهب يومياً �إىل رجال الدين� ،أغريهم ب�أن يقولوا كذا وكذا ليجنوا املال وال�شهرة ،و�أزين لهم القنوات الف�ضائية ليظهروا فيها ،في�صيبهم ال ُعجب ،وي�صبح ما يفعلون لأنف�سهم ،ال لربهم ودينهم ..من منكم ي�ستطيع �أن يقوم بذلك؟ توقف عن الكالم ،ر�أى عالمات الت�أثر على وجوههم وذيولهم التي تتحرك ببطء ،فعلم �أنه الوقت املنا�سب ليق�ضي على ما تبقى من �إرادتهم ،ف�أ�سال دموعه النارية ،و�أخذ مي�سحها وهو مي�شي ببطء ملتفتاً �إليهم. �أطرق �أبنا�ؤه ،فما �أ�صعب �أن ترى �أباك يبكي� .أردف �إبلي�س ب�صوت رجل مري�ض: ـ اذهبوا �إن �أردمت وخذوا معكم كل من يريد� ،س�أكمل مهامكم بنف�سي. قالها �ضارباً �صدره بقوة ،ف�سقط على الأر�ض.
94
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 94
حتلق الأبناء حوله لي�سعفوه ،و�سمعهم يقولون: ـ نحن �آ�سفون يا �أبي ،ال نريد �أي ترقيات. ـ �سنعمل بجد �أكرب. ـ �أرجوك ال تقبل ا�ستقالتنا. قال �إبلي�س يف نف�سه: ـ ح�سناً� ،أراكم بعد �ألف �سنة.
95
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 95
إصابة تحت الطائرة
96
final edition.indd 96
02/12/11 5:43 PM
كان �أحمد يتعرق بغزارة ،مل يكن ذلك يزعجه ،فقد اعتاد الأمر .يف نهار ذلك اليوم كان يزود الطائرة العمالقة بالوقود. �أو�شك على االنتهاء وهو يراقب امليكانيكي الفلبيني الق�صري الواقف حتت بطن الطائرة يتابع عدادات خزانات الوقود ،ويقفز �أحياناً لي�ستطيع الو�صول �إليها .و�ضع امليكانيكي يده قرب رقبته ومررها مرتني من ال�شمال �إىل اليمني ،معلناً االنتهاء. ف�صل �أحمد خرطومني من جناح الطائرة وهو يراقب امل�سافرين �أو بالأحرى امل�سافرات وهن مي�شني عرب اجل�سر املو�صول بالطائرة. ثم �أراد فك خرطوم عربته ال�ضخم املت�صل بفتحة يف �أر�ض املطار .لكنه فج�أة و�ضع يده �أ�سفل ظهره ،وجل�س لال�سرتخاء. وقد �سبق لبع�ض زمالء �أحمد �أن �أ�صيبوا يف ظهورهم ب�سبب الأوزان الكبرية التي يتعاملون معها. بوا�سطة جهاز االت�صال ال�سريع ،ات�صل �أحمد مب�ساعد امل�شرف ،و�أخربه �أنه �أ�صيب يف ظهره ،و�أنه بحاجة �إىل م�ساعدة فورية ،كي ال يت�سبب يف ت�أخر الطائرة عن موعد الإقالع. بعد �أقل من خم�س دقائق و�صل امل�شرف وم�ساعده وزميل �آخر ،اطم�أن اثنان على �أحمد الذي كان يت�أوه وهو يراقب امل�ضيفات وهن ينهني �أعمالهن .بينما بد�أ الثالث ف�صل بقايا العربة عن الأر�ض والطائرة ،و�أخرجها من املكان. �أو�صل االثنان �أحمد �إىل بوابة املطار املخ�ص�صة للموظفني ،و�أ�صر امل�شرف على �أن يو�صله �إىل �سيارته يف اخلارج ،لكن القانون وا�ضح ،يجب خروج املوظفني �سرياً على الأقدام ليعربوا
97
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 97
جهاز ك�شف املعادن ،با�ستثناء ال�سائق الذي �سيغادر من البوابة بعد تفتي�ش العربة. نزل امل�شرف وذهب ليكلم عنا�صر الأمن لل�سماح لهم ب�إي�صال �صديقهم امل�صاب لأن امل�سافة من البوابة �إىل مواقف ال�سيارات لي�ست ق�صرية ،وبعد حلظات �سمع �أحمد وهو يف ال�سيارة �صراخ امل�شرف و�أ�صوات �آخرين. عاد بعدها امل�شرف �إىل ال�سيارة وهو يلعن �أفراد الأمن وي�شتمهم ،مقرتحاً االت�صال بجهات عليا� ،أو االت�صال بالإ�سعاف لينقل �أحمد �إىل امل�ست�شفى� ،إال �أن امل�صاب رف�ض �إعطاء امل�س�ألة �أكرب من حجمها. مر �أحمد وامل�شرف ي�سنده ببطء من حتت اجلهاز قائ ً ال لرجال الأمن: ـ هل يعجبكم ما ترونه؟ ماذا ا�ستفدمت الآن؟ رد �أحدهم بهدوء: ـ لدينا ا�سمك ورقم بطاقتك ،و�ستدفع ثمن طول ل�سانك الحقاً. يف اخلارج كان م�ساعد امل�شرف ينتظرهم ليو�صل �أحمد �إىل �سيارته. قال امل�شرف وهو يلتفت �إىل �أحمد يف اخللف: ـ هل �أنت مت�أكد من �أنك ت�ستطيع قيادة �سيارتك �إىل امل�ست�شفى؟ قال �أحمد مت�أوهاً: ـ �أعتقد ذلك. �صدرت �ضحكة خفيفة عن م�ساعد امل�شرف� ،أثارت غ�ضب امل�شرف الذي قال له: ـ زميلك م�صاب و�أنت ت�ضحك يا قليل الأدب. مل يرد امل�ساعد ،ونظر �إىل �أحمد من خالل مر�آة املنت�صف ،نظرة ندم .فقال �أحمد معتذراً عما حدث: ـ �أنا �آ�سف� ،أوقعتك يف م�شاكل. ـ فليذهبوا �إىل اجلحيم� ..أهكذا يتعاملون مع �شخ�ص م�صاب؟ �أين روح القانون؟ بعد �ساعة رن هاتف م�ساعد امل�شرف ،وكان املت�صل �أحمد الذي قال ب�سرعة: ـ جنحت اخلطة. ـ نعم لكن «بوعلي» كاد يف�ضحنا. قال �أحمد معاتباً:
98
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 98
ـ ملاذا �أح�ضرته معك؟ ـ عندما علم �أنك امل�صاب �أ�صر على القدوم معي. ـ احلمدهلل �أنهم مل ي�ضعوا الأ�صفاد يف يديه وير�سلوه �إىل املركز ،كنت �س�أ�شعر بندم �أكرب. �ضحك م�ساعد امل�شرف وقال: ـ �أين �أنت الآن؟ ـ �أنا يف امل�ست�شفى ،البد من هذا الإجراء الروتيني للح�صول على �إجازة. بعد دقائق �أظهرت نتائج الفحو�ص �أن �أحمد يعاين بدايات الإ�صابة بالدي�سك.
99
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 99
البنات تافهات ..لكن هذه مختلفة
100
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 100
مل يتوقع ات�صالها� ،إنها خمتلفة عن جميع البنات الالتي عرفهن ،فهي �أكرب منه �سناً ،وتبدو جادة ،ت�ضع نظارة ،كانت جتل�س يف مكتبة «املجرودي» يف «دبي �سيتي �سنرت» ،تقر�أ كتاباً تريد �أن تت�أكد من جودته قبل �شرائه ،ال يبدو عليها �أنها خرجت لت�ستمتع بنظرات الرجال، فمالب�سها عادية ،وال تظهر من ر�أ�سها �شعرة. التقت عيناهما حلظة ،كانت هي ال�سبب يف �أن يرتك لها رقم هاتفه على الكر�سي قبل �أن يغادر. هي �أكرب منه بكل ت�أكيد ،وذلك كان �سبباً �إ�ضافياً ليتعرف �إليها ،فقد مل البنات ال�صغريات اللواتي كان ي�صفهن بالتافهات ،فجميعهن يتحدثن يف الأمور نف�سها :موا�ضيع املو�ضة واملكياج ،الأفالم والأغاين ..وجميعهن ي�أكدن يف �أول مكاملة �أنهن مل يكن يف �أبهى �صورهن عندما �أعطاهن الرقم ،في�ضطر �أن يقول العبارة نف�سها للجميع: ـ وهل يعقل �أن هناك �صورة �أجمل من تلك التي ر�أيتك فيها؟ كنت رائعة. و�صل �إىل درجة �أنه بد�أ ي�شعر �أنه ي�ستطيع اخلو�ض يف حوار كامل مع فتاة جديدة وهو نائم! والحظ �أن �أغلبهن ينقطعن عن االت�صال �أ�سبوعاً بعد املكاملة الأوىل ،رمبا لينهني عالقاتهن مع �آخرين� ،أو لأنهن يختربن �صربه� ،أو �أنهن يردن �إظهار الالمباالة. والحظ �أي�ضاً �أن �أغلبهن ي�صبح �صوتهن ناعماً �أكرث قبل النوم ،وتتخلله تنهيدات طويلة ،منتظرات منه �أن يبد�أ �أمراً يعرفه جيداً ،لكنه ال يفعل ،لأنه يريد �أن يقابلهن ويخرج معهن ال �أن يظل يغازلهن يف الهاتف ،وهذا ما تريده �أغلبهن. هو م�ؤمن ب�أن الأنثى ت�سكر من �أذنها ،والرجل يثمل من عينيه ،فهي تريد �أن ت�سمع العملية
101
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 101
اجلن�سية ،بينما هو يريد �أن يرى العملية ماثلة �أمامه ،وهو و�سطها ي�صول ويجول ..لذلك كانت �أكرث عالقاته تو�أد يف مهدها. قرر �أال يتعرف �إىل فتيات يف �سنه �أو �أ�صغر ب�سبب فتاة �س�ألته بعد الدقائق اخلم�س الأوىل من تعارفهما عن �أ�صله! ا�ست�سخف ال�س�ؤال ،ما هذه التفاهة؟ لكنه حاول تلطيف اجلو ب�إلقاء دعابة مفيدة عن جمزرة عرقية بني فئتي الـ«هوتو» والـ«توت�سي» �أ�سالت دماء مئات الألوف يف رواندا .فقال �ضاحكاً: ـ ملاذا ت�س�ألني ،هل نحن يف رواندا؟ مل تفهم ق�صده ،وا�ستغربت من �س�ؤاله ،وك�أنها مل ت�سمع باملجازر التي وقعت هناك ،بل و�أح�س ب�أنها ال تعرف ما هي «رواندا» هذه ،ف�س�ألها: ـ هل تعلمني �أين تقع رواندا؟ �أجابت بعد طول �صمت ،وكما يبدو بعد �أن بحثت يف الإنرتنت: ـ يف� ..إفريقيا. بعد �أيام قال لها عندما فا�ض به الكيل من غبائها وتفاهتها: ـ ال ن�ستطيع �أن نكمل معاً. ـ ملاذا حبيبي؟ �أثارت الكلمة الأخرية غيظه �أكرث ،فقال: ـ لأنك غبية جداً. ـ ك�أنك �أخط�أت يف حقي حبيبي. ودعها و�أغلق هاتفه دون �أن ينتظر جوابها ،كي ال ي�ضطر �إىل �سماع رد �أحمق جديد. كان يريد التعرف �إىل فتاة نا�ضجة ،ب�إمكانها �أن تخرج متى ت�شاء ،تفهم ما يقول ،وال تتحدث عن مالب�سها كثرياً ،فلم يكن ي�ستطيع تفويت فر�صة الفتاة يف املكتبة ،حتى و�إن مل تت�صل ،فيكفيه �شرف املحاولة ،ثم �إنه لن يغم�ض له جفن �إذا مل يحاول ،و�سيظل يتهم نف�سه باجلنب. كان م�ستلقياً على ال�سرير عندما رن الهاتف املتحرك وظهر رقم غريب ،البد �أنها هي، اعتدل جال�ساً ،تنحنح وك�أنه مطرب ي�ستعد للغناء: ـ �ألو ،مرحبا.
102
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 102
كانت هي ،فرح ب�سماع �صوتها ،الحظ ارتباكها� ،س�ألها �إن كانت هي فتاة املكتبة ،ف�أكدت ذلك .ودار بينهما حوار روتيني عرف خالله �أن ا�سمها هدى وهي طبيبة �أ�سنان ،وعمرها 38عاماً ،حتب القراءة يف خمتلف املجاالت. كان مبهوراً بطريقة حديثها ومالحظاتها الطريفة وثقافتها ،خطر بباله �أنه قد يكون هو الطرف التافه يف هذه العالقة� ،إىل �أن قالت: ـ ا�سمع ماجد� ،أو �أياً كان ا�سمك. ـ �أنا معك. ـ �إنها املرة الأوىل التي �أحتدث فيها مع �شاب خارج �إطار العمل �أو الدرا�سة. �صدم من عبارتها ،فقد كانت جملة كاللبانة التي علكت كثرياً� ،سمعها ع�شرات املرات .بد�أت �صورتها تتغري للحظة ،لكنها وا�صلت حديثها ب�سرعة: ـ البد �أنك �سمعت هذه العبارة �سابقاً ،ال �أطلب منك �أن ت�صدقني ،كل ما �أريده �أن ت�سمعني حتى �أنهي كالمي ،وبعدها افعل ما �شئت. ـ تف�ضلي. قالت بعد �أن �أخذت نف�ساً طوي ً ال ،ك�أنها �ستغو�ص يف بحر: ً ـ �أنا عان�س ،لو تزوجت يف بداية �شبابي لكان �أبنائي �أ�صغر منك قليال ،مل �أفكر بالزواج عندما كنت �صغرية ،كانت درا�ستي ت�أخذ جل وقتي� ،صدقني مل �أ�شعر ب�أنوثتي �إال يف ال�سنة الثانية من اجلامعة ،وكانت جمرد حلظات متر علي �أحياناً قبل النوم. تخرجت من اجلامعة ،ذهبت لأوا�صل درا�سة طب الأ�سنان يف اخلارج� ،سنوات مرت و�أنا ال �أفعل �شيئاً �سوى الدرا�سة والعمل والقراءة .فاتني قطار الزواج ،كان هناك بع�ض العر�سان، لكنني كنت �أرف�ضهم جميعاً ،فعملي وم�ستقبلي املهني و�أبي و�أمي كانوا ميل�ؤون حياتي� ،أمي ماتت منذ �سنتني ،و�أنا �أعي�ش وحيدة مع �أبي� ،إخوتي جميعهم تركوا املنزل لين�شئوا عائالت جديدة. الآن ال �أحد يتقدم خلطبتي ،فقد كربت يف ال�سن ،وكما الحظت ل�ست جميلة ،ويبدو �أن النا�س بد�ؤوا يعتقدون �أنني ال �أريد الزواج. منذ فرتة تراودين فكرة �أريد �أن ي�ساعدين �أحد فيها ،واليوم عندما تركت يل رقمك،
103
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 103
ت�ساءلت �إن كنت �أنت هذا ال�شخ�ص. �أنت �شاب و�سيم ويبدو �أنك مثقف وذكي� ،ألف فتاة �صغرية وجميلة تتمنى �أن ترتبط بك، لكن �أرجوك فكر يف املو�ضوع ،رمبا يبدو ما �س�أقوله غريباً ،لكن ال جتب الآن ،فكر �أ�سبوعاً و�أخربين بقرارك� ..أريد منك �أن تتزوجني! اعتربين حالة �إن�سانية تريد م�ساعدتها ،قم بتطليقي مبجرد �أن �أحمل منك ،ل�ست طماعة، ال �أريد �أن �أ�سرق �شبابك ،وال �أريد منك �شيئاً ،وال داعي لإخبار �أهلك ،فقط �ست�أتي لأبي وتطلبني ،ونتزوج يف املحكمة ب�سرعة ،ويكفي �أن ت�أتي �إىل بيتنا �أحياناً ،ال �أطالبك ب�أن تن�شئ �أ�سرة معي ،كل ما �أريده هو طفل �أعتني به ،طفل ي�سليني وين�سيني وحدتي ،ورمبا يعتني بي الحقاً. ال خريياً �ستقوم به� ،ستمنحني �شيئاً �أرغب فيه ،و�ست�أخذ �شيئاً �أنا �أقدر موقفك� ،أعتربه عم ً ترغب فيه ،و�إال ملا تركت الرقم يل. �أرجوك ال تخرب �أحداً بهذا الأمر ،و�إذا مل توافق على طلبي ان�س الأمر نهائياً ،ال تقل �شيئاً، �س�أقفل اخلط الآن ،و�إذا مل تت�صل بي خالل �أ�سبوع �س�أعرف اجلواب ،و�صدقني لن �أغ�ضب منك ،فال يحق للفقري �أن يغ�ضب �إن مل مينحه الغني من ماله ..مع ال�سالمة.
104
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 104
الفهرس
4
الفضائح املتصل الذي يعرف كل الطويل صاحب اإلصبع
10
محششون بال حدو د
16
اإلمام عارية في بيت
20
26
حب و«بالوي» أخر ى
30
احلقيقة ليست مرة فقط
36
والوحش» «حسون بوراس
44
منوي لعني حيوان
48
محاصر باخلراء
52
56
النيسان األسود ..والعقال
62
العضالت حبيبتي صاحبة
66
70
التحية.. إلى زوجي احلمار بعد
74
80
برقم الوسيم؟ من التي ستفوز
84
استقالة أبناء إبليس
90
إصابة حتت الطائر ة
96
100
النائم احلوار الذي أبكى السجني
املسطول املالك
آينشتاين البخيل بفن الزبالة اإلدارة
مختلفة البنات تافهات ..لكن هذه
105
02/12/11 5:43 PM
final edition.indd 105
106
final edition.indd 106
02/12/11 5:43 PM