حب وبلاوي أخرى

Page 1



final edition.indd 1

02/12/11 5:43 PM


final edition.indd 2

02/12/11 5:43 PM


‫ت�أليف ‪ :‬عبداهلل ح�سني الزعابي‪ ,‬من مواليد دبي ‪1982‬‬ ‫للتوا�صل مع الكاتب‪a.h.alzaabi@hotmail.com :‬‬ ‫ر�سوم ‪ :‬نادية الكعبي‬ ‫�إخراج فني ‪ :‬حامت ال�شريف‬ ‫الطبعة الأوىل‬ ‫‪2011‬‬ ‫جميع احلقوق حمفوظة‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 3‬‬


‫المتصل الذي يعرف كل الفضائح‬

‫‪4‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 4‬‬


‫ـ �آلو نعم‪.‬‬ ‫ـ �صباح اخلري‪ ،‬الأخت �سعاد؟‬ ‫ـ نعم‪ ،‬من املتكلم؟‬ ‫ـ �أنا فاعل خري‪ ،‬ا�سمعيني للنهاية وال تقفلي اخلط‪ ،‬كي ال تندمي‪.‬‬ ‫�صمتت �سعاد‪ ،‬حارت يف ما يجب �أن تفعل‪� ،‬أرادت �إغالق اخلط‪ ،‬لكنها مل ت�ستطع‪ ،‬رمبا هو‬ ‫اخلوف �أو الف�ضول‪� ،‬أ�ضاف املت�صل‪:‬‬ ‫ـ انا �أعلم كل �شيء عنك‪ ،‬و�أعرف �أين كنت �أم�س ع�صراً‪.‬‬ ‫ـ ماذا تق�صد؟ من �أنت؟‬ ‫قال ال�صوت بالنربة نف�سها اخلالية من �أي �إح�سا�س‪:‬‬ ‫ـ تعرفني ق�صدي‪ ،‬ولي�س مهماً من �أكون‪ ،‬املهم ما �أعرفه‪ ،‬وما قد �أفعله‪.‬‬ ‫�صمت حلظة لت�ستوعب ما يحدث‪ ،‬و�أ�ضاف‪:‬‬ ‫ـ �أعتقد �أنك فهمت ق�صدي؟‬ ‫ابتلعت ريقها فجاء �صوتها �ضعيفاً مرتدداً‪ ،‬ال كما يف البداية‪:‬‬ ‫ـ ال �أفهم‪.‬‬ ‫مر ببالها زوجها وطفالها‪ ،‬ثم حبيبها الذي مل ت�ستطع الزواج به ومل يتقدم خلطبتها طوال‬ ‫�سنوات حبهما‪ ،‬وعندما تقدم لها زوجها احلايل‪ ،‬وهو من عائلة حمرتمة وكبرية‪ ،‬مل ت�ستطع‬ ‫الرف�ض �أمام �إ�صرار �أهلها‪ ،‬وعدم ا�ستعداد حبيبها م�صطفى للتقدم‪.‬‬ ‫بعد �شهور من زواجها‪ ،‬و�أمام مالحقة و�إ�صرار حبيبها على ا�ستمرار عالقتهما التي �أ�صبحت‬ ‫�أ�سهل بعد زواجها‪ ،‬ا�ست�سلمت له ولقلبها الذي مل ينجح زوجها يف احتالله‪.‬‬ ‫قال لها ال�صوت وقد بد�أ ميل من الإنكار و�إطالة احلوار‪:‬‬ ‫ـ �أم�س كنت مع حبيبك م�صطفى وح�صل بينكما ما ح�صل‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 5‬‬


‫مل تنطق ب�شيء‪ ،‬كان قلبها يخفق ب�شدة حتى خيل �إليها �أن املت�صل ي�ستطيع �سماعه‪ ،‬و�سارعت‬ ‫قائلة لتخفي قلقها‪:‬‬ ‫ـ كيف علمت بذلك؟‬ ‫ـ مل ت�س�أليني ال�س�ؤال ال�صحيح حتى الآن‪� ..‬س�ؤال املليون‪.‬‬ ‫ـ ا�سمع �إن كنت تريد املال ف�أنا م�ستعدة‪..‬‬ ‫قاطعها ال�صوت ب�ضحكة بدت ك�أنها �صادقة‪:‬‬ ‫ـ ال �أريد مالك‪� ..‬أريدك �أنت‪.‬‬ ‫بعد �أن همت ب�إقفال اخلط‪ ،‬مل جتر�ؤ‪� ،‬أ�ضاف ال�صوت‪:‬‬ ‫ـ ا�سمعي يا �سعاد‪� ،‬أنت جميلة‪ ،‬و�أنا معجب بك منذ ر�أيتك �أول مرة‪ ،‬كل ما �أريده �أن تكوين‬ ‫على عالقة بي‪.‬‬ ‫كانت لتكون �سعيدة بهذا الإطراء يف ظروف �أخرى‪� ،‬إمنا يف هذا املوقف فالأمر خمتلف‪،‬‬ ‫�أجابته‪:‬‬ ‫ـ لكن �أنا متزوجة و‪..‬‬ ‫ـ �أمل تكوين متزوجة �أم�س؟!‬ ‫حاولت �سعاد جعله يرتكها ب�سالم‪ ،‬تو�سلت �إليه باكية‪� ،‬أفهمته �أنها ال تريد �أن تدمر �أ�سرتها‪،‬‬ ‫و�أنها ال ت�ستطيع فعل ما يطلبه لأن ذلك �أ�شبه باالغت�صاب‪ ،‬و�أنها فعلت ما فعلت لأنها حتب‬ ‫م�صطفى‪ ،‬مبدي ًة ا�ستعدادها لرتكه الآن بعد هذه املكاملة‪.‬‬ ‫كان الطرف الآخر ين�صت دون �أن يقاطعها‪ ،‬وحني ت�أكد من انتهاء مرافعتها‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ـ كالمك كله مردود عليه‪.‬‬ ‫�شرح لها �أن العالقة معه لن تدمر �شيئاً‪ ،‬بل على العك�س �ستنقذ كل �شيء‪ ،‬لأنه �سيبقي فمه‬ ‫مقف ً‬ ‫ال حينها‪ .‬و�أعلن �أنه �شاب و�سيم يقدر املر�أة‪ ،‬ووعدها‪:‬‬ ‫ـ �ست�ستمتعني معي �أكرث مما ا�ستمتعت مع زوجك‪ ،‬وحبيبك‪.‬‬ ‫�أما عن االغت�صاب فرف�ض الت�سمية نهائياً واحتج عليها‪ ،‬وحجته �أنها انخرطت يف عالقة‬ ‫مع م�صطفى لأنها حتبه‪� ،‬إال �أنها دخلت عالقة مع زوجها دون �أن حتبه‪ ،‬و�إال ملا خرجت مع‬ ‫حبيبها‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 6‬‬


‫ماذا تفعل؟ ماذا تقول له؟ �إنه ال يعطيها الفر�صة لتفكر‪ ،‬يريد جواباً الآن‪ .‬البد �أن حتاول‬ ‫�إقناعه‪ ،‬فهو برغم ما يطلبه يبدو طيباً نوعاً ما‪ .‬قالت‪:‬‬ ‫ـ �أعلم �أنني �أخط�أت‪� ،‬أرجوك تفهم موقفي‪ ،‬زوجي ال ي�ستحق ذلك‪.‬‬ ‫انتظرت �أن يرد عليها‪ ،‬ظل �صامتاً حلظات كانت �أ�شبه بحياة كاملة ل�سعاد‪ ،‬بدا �أنها �أثرت‬ ‫فيه‪ ،‬لكنه تنحنح قلي ً‬ ‫ال‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ـ ح�سناً‪ ،‬اتركي ال�سماعة واذهبي �إىل خزانة الأغطية الإ�ضافية‪ ،‬ابحثي جيدا خلف الأغطية‪،‬‬ ‫و�أخربيني ماذا �ستجدين؟‬ ‫لوهلة مل ت�ستوعب ما يقوله‪ ،‬نه�ضت وهي مترر يدها على خديها لتم�سح بقايا دموعها‪،‬‬ ‫ت�ساءلت كيف يعرف هذه التفا�صيل‪ ،‬هل يكون م�صطفى مل منها ويريد ت�سليمها ل�شخ�ص‬ ‫�آخر؟ ومن �أين ح�صل على رقم هاتف امللحق الذي ت�سكنه يف بيت �أهل زوجها؟ وماذا يريد‬ ‫�أن يريها يف اخلزانة؟‬ ‫ات�سعت عيناها عندما ر�أت ما يوجد خلف الغطاء الأ�سود‪ ،‬كانت هناك علبة واق ذكري‪.‬‬ ‫هي تعلم �أكرث من غريها �أن زوجها مل ي�ستخدم هذا ال�شيء معها‪ .‬ازداد احمرار وجهها‪،‬‬ ‫وت�سارعت �أنفا�سها وفا�ضت دموعها مرة �أخرى‪ ،‬وهي تفكر يف خيانة زوجها النذل‪ ،‬وكيف‬ ‫عرف النذل الآخر بالأمر؟‬ ‫عادت �إىل �سماعة الهاتف‪ ،‬وقد بد�أت تتقبل فكرة �أن تقيم عالقة مع املت�صل‪ ،‬رفعت‬ ‫ال�سماعة و�سمعته يقول‪:‬‬ ‫ـ ماذا وجدت؟‬ ‫ـ �أنت تعلم ماذا يوجد هناك‪.‬‬ ‫قال وقد بدا فرحاً بانت�صاره‪:‬‬ ‫ـ �إين �أعلم حتى �أنه من احلجم الكبري‪ ،‬لكني مل �أكن �أريد لك �أن تتعذبي‪.‬‬ ‫يف �سرها كانت تعلم �أن هذا الأمر �أراحها بطريقة ما‪ ،‬رمبا من ت�أنيب ال�ضمري الذي كان‬ ‫يطرق بابها �أحياناً بعد لقاءاتها مع م�صطفى‪ ،‬وقالت له ب�صوت �أكرث ثقة من ذي قبل‪:‬‬ ‫ـ ح�سناً �أنا موافقة على طلبك‪ ،‬لكن ما �أدراين �أنك �سترتكني بحايل بعدها؟‬

‫‪7‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 7‬‬


‫�أكد بنربة فرح دون �إ�سراف �أنه لن يطاردها بعد املرة الأوىل‪ ،‬مرجحاً فكرة �أن تقوم هي بهذا‬ ‫الدور‪ .‬كان يتحدث بثقة خميفة جعلتها تقول‪:‬‬ ‫ـ لكن عليك �أن تخربين من �أين علمت بكل هذه الأ�شياء؟‬ ‫ـ هذا ما ال �أ�ستطيع �إعالمك به‪.‬‬ ‫قالها بو�ضوح و�سرعة وك�أنه كان ينتظر �أن تقول ذلك‪.‬‬ ‫�صمت حلظة ثم �أ�ضاف‪:‬‬ ‫ـ افهمي يا �سعاد‪� ،‬أنا �أعلم �أكرث مما تتخيلني‪ ،‬هناك فتيات �أخريات يف البيت‪ ،‬و�أنا �أعلم �أن‬ ‫بع�ضهن على عالقات غرامية ببع�ض الرجال‪ ،‬لكني مل �أفعل �شيئاً لهن‪� ،‬أتدرين ملاذا؟ لأين‬ ‫ل�ست خ�سي�ساً‪ ،‬كل ما يف الأمر �أنني معجب بك �أنت‪ ،‬و�صدقيني لو مل �أكن �أفكر بك كل ليلة‪،‬‬ ‫ملا ات�صلت بك �أ�ص ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫اتفقا على اللقاء ع�صراً‪ ،‬يف املوعد نف�سه الذي كانت تذهب فيه ملقابلة حبيبها‪� ،‬سيلتقيان‬ ‫يف مواقف �أحد املراكز التجارية‪ ،‬تركب معه ال�سيارة‪ ،‬ويتجهان �إىل بيته‪.‬‬ ‫كانت �سعاد تعلم ما الذي �سيحدث هناك‪ ،‬مل يكن ذلك ما ي�شغل بالها‪ ،‬فقد كانت م�صممة‬ ‫على معرفة ال�شخ�ص الذي يقف خلف كل هذه املعلومات‪.‬‬ ‫بعد �ساعات عدة‪ ،‬كان املت�صل يتناول طعام غدائه عندما رن هاتفه‪� ،‬إنه الرقم نف�سه‪ ،‬خطر‬ ‫له �أنها تت�صل لتلغي املوعد‪ ،‬وقرر �أن يكون قا�سياً معها هذه املرة‪ ،‬ويجربها على احل�ضور‬ ‫يف املوعد متاماً و�إال الف�ضيحة‪.‬‬ ‫نه�ض متجهاً �إىل غرفته‪� ،‬أجاب على الهاتف‪ ،‬فجاءه �صوت �أنثوي يقول بدالل وا�ضح‪:‬‬ ‫ـ مرحبا حبيبي‪.‬‬ ‫ـ �أه ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫ارتاح عندما �سمع ال�صوت‪ ،‬مل يكن �صوت �سعاد‪ ،‬قالت له‪:‬‬ ‫ـ هل �أ�ستطيع �أن �أراك اليوم؟‬ ‫ـ ال‪� ،‬أنا م�شغول‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حتدثت معه قليال‪ ،‬ثم طلبت منه �أن ير�سل لها ر�صيدا لهاتفها املتحرك‪.‬‬ ‫�أقفل اخلط وقال لنف�سه‪ ،‬وهو ير�سل �إليها ع�شرين درهماً‪:‬‬

‫‪8‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 8‬‬


‫ـ خادمة �شاطرة‪ ..‬الدراهم لي�ست خ�سارة فيمن جتلب يل كل هذه الأ�سرار‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 9‬‬


‫صاحب اإلصبع الطويل‬

10

final edition.indd 10

02/12/11 5:43 PM


‫�ضحك �ضحكة عالية �أ�صابتها بالق�شعريرة‪ ،‬وقال وهو يبدل الـ«غري» �إىل و�ضعية احلركة‪:‬‬ ‫ـ ح�سناً‪ ،‬ال ب�أ�س‪.‬‬ ‫غادر ب�سيارته التي ظلت عيون الن�ساء الثالث تالحقها حتى وارتها املباين‪ .‬ثم �أخذت اثنتان‬ ‫منهن تنظران �إىل ذات البطن املنتفخة با�ستغراب‪.‬‬ ‫قبلها بدقائق ُكن ينتظرن �سيارة �أجرة ليذهنب �إىل امل�ست�شفى‪ ،‬ف�أ�صغرهن حامل ولديها‬ ‫موعد مراجعة‪ .‬جاء �إليهن �أحد جريانهن‪ ،‬وهو رجل حليق الذقن �صبغ الزمن �شاربه وما‬ ‫تبقى من �شعره‪ ،‬عار�ضاً �أن يو�صلهن �إىل وجهتهن‪.‬‬ ‫رحبت الأم والأخت الكربى بالعر�ض املغري كي يتخل�صن من انتظار «التاك�سي» الذي كان‬ ‫يدوم �ساعة‪ ،‬بداية ت�سعينات القرن املا�ضي‪ .‬رف�ضت الأخت ال�صغرى الركوب‪ ،‬وابتعدت عن‬ ‫ال�سيارة‪ ،‬قائلة يف �سرها‪:‬‬ ‫ـ لن �أركب حتى لو قتلتموين‪.‬‬ ‫مل تفلح حماوالت الأم والأخت يف ثنيها‪� ،‬إىل �أن غادرت ال�سيارة خملفة دخاناً �أ�سود يف‬ ‫املكان‪ ،‬و�صدى �ضحكة �سائقها يف �أذن الأخت ال�صغرى‪.‬‬ ‫مل جتب على �أ�سئلتهما‪ ،‬لو مل تكن حام ً‬ ‫ال رمبا لرف�ساها يف بطنها‪ ،‬كما رف�ست هي النعمة‬ ‫و�أف�سدت عليهن «تو�صيلة» مريحة وجمانية‪ .‬ا�ستمر �صمتها حتى عندما ركنب �سيارة‬ ‫«التاك�سي» التي ا�ستقبل �سائقها الباك�ستاين لعنات الأم و�صراخها بابت�سامة بلهاء‪ ،‬لأنه مل‬ ‫يفهم �شيئاً منها‪.‬‬ ‫كانت احلامل �سارحة يف املا�ضي‪ ،‬متذكرة هذا الرجل الذي كان يريدها‪ .‬تذكرت ذلك اليوم‬ ‫حني كانت يف ال�صف الرابع االبتدائي‪ ،‬تذكرت نظراته لها‪ ،‬وكلماته التي كان يقولها بني‬

‫‪11‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 11‬‬


‫احلني والآخر ملن معها‪.‬‬ ‫كانت تتحا�شاه من حينها‪ ،‬ترتع�ش وتعرق عندما تراه‪ .‬حتى �أنها يف �أحد الأيام وهي عائدة‬ ‫من املدر�سة الإعدادية‪� ،‬سمعته يقول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫كربت يا فتاة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫�أح�ست بقلبها يدق يف حنجرتها‪ ،‬مل جتبه ب�شيء‪ ،‬كان مي�شي خلفها وحيدين يف «ال�سكة»‪،‬‬ ‫�شعرت �أنها طريدة يالحقها ذئب‪� ،‬أ�سرعت اخلطا حتى و�صلت بيتها‪� .‬أقفلت الباب‪ ،‬جل�ست‬ ‫وا�ضعة حقيبتها على حجرها وبكت‪.‬‬ ‫ل�سنني كانت ت�ستيقظ من نومها فزعة‪ ،‬ودائماً هو بطل كوابي�سها‪ .‬كابو�س يتكرر با�ستمرار؛‬ ‫يختبئ الرجل خلف جدار‪ ،‬ال يظهر منه �سوى ن�صف وجهه ويده وكفها �إىل الأعلى‪ ،‬وب�سبابته‬ ‫الطويلة يدعوها �إليه‪.‬‬ ‫ف�سرت احللم ب�أنه غري قادر على االقرتاب منها لأنها حماطة ب�أهلها‪ ،‬ولكنه يحاول‬ ‫ا�ستدراجها‪ ،‬لذلك هربت يف ذلك اليوم عندما كان جال�ساً �أمام بيته ور�آها‪ ،‬فناداها ليعطيها‬ ‫«عيديتها» التي مل ت�أخذها قبل �أيام‪ ،‬جميع �إخوانها ذهبوا مطالبني بـ«عيدياتهم» �إالها‪،‬‬ ‫فقد كانت تف�ضل �أن تقف �أمام �سيارة م�سرعة بدالً من �أن تقف �أمامه حتى و�إن �أعطاها‬ ‫مال قارون‪.‬‬ ‫مل تخرب �أحداً مبعاناتها‪ ،‬رغم بكائها امل�ستمر‪ .‬مل تكن تخاف الغرباء‪ ،‬حتى �أنه مل يكن غريباً‪ ،‬كان‬ ‫يزورهم �أحياناً ومعه زوجته و�أبنا�ؤه يف املنا�سبات‪ ،‬وكانت يف هذه اللحظات ت�صبح فتاة �أخرى‪ ،‬ال‬ ‫تتحدث مع �أحد‪ ،‬حتى مع زوجته‪.‬‬ ‫مل تكن ت�ستطيع �أن تخرب �أحداً‪ ،‬فماذا �ستقول؟ ومن �سي�صدقها؟ مل ت�ستبعد �أن ي�ضربها �أهلها �إن‬ ‫تكلمت يف هذه الأ�شياء‪ .‬ظلت تعاين وحدها‪ ،‬تكتم �سرها ومت�سح دموعها كي ال يراها �أحد‪.‬‬ ‫مل تتوقف الكوابي�س حتى حني تزوجت منذ عام‪ ،‬الكابو�س نف�سه و«الإ�صبع» نف�سه‪ ،‬لكن مالمح‬ ‫الرجل تغريت‪ ،‬فقد �شاب قلي ً‬ ‫ال‪ .‬كانت تراه بني فرتة و�أخرى‪ ،‬كما حدث قبل دقائق عندما �أراد‬ ‫�إي�صالهن‪.‬‬ ‫ت�أكدت من �أنها �سرتاه يف املنام اليوم‪ ،‬كانت مرتاحة لقرارها بعدم الركوب‪ ،‬فمن يعلم ما الذي قد‬

‫‪12‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 12‬‬


‫يفعله هذا املجنون الذي يالحقها منذ �سنني؟‬ ‫يف هذه الأثناء كان العجوز �صاحب ال�سيارة يغني فرحاً‪ ،‬فقد ربح اليوم مبلغاً حمرتماً بعد �أن باع‬ ‫�سيارة م�ستعملة ا�شرتاها منذ �أيام‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هذا هو عمله منذ �سنني‪ ،‬عندما قدم �إىل الدولة �شابا ذكيا‪ ،‬متكن بف�ضل «�شطارته» يف ال�شراء‬ ‫والبيع من �أن يفتتح بقالة‪ ،‬لكنه كان يتاجر يف كل �شيء‪ ،‬ي�شرتي من �أهل احلي �أي غر�ض يريدون‬ ‫بيعه‪ ،‬ب�أبخ�س الأ�سعار بف�ضل خفة دمه وقدرته على الإقناع‪ ،‬ويعيد بيعه لغريهم بعد �إ�صالحه �أو‬ ‫جمرد تنظيفه‪ .‬ومن عنده ميكن �شراء‪ :‬جالك�سي‪ ،‬معكرونة‪ ،‬كوال‪ ،‬م�سجل‪ ،‬تلفزيون‪� ،‬أتاري‪ ،‬ثالجة‪،‬‬ ‫دراجة‪� ،‬سيارة‪ ..‬وكل �شيء ميكن بيعه‪.‬‬ ‫يف «التاك�سي» منعت احلامل نف�سها من البكاء‪ ،‬كانت الأم التزال تتحدث يف املو�ضوع عندما انتهت‬ ‫من خياالتها‪ .‬وهي م�صرة على �أن تعرف �سبب رف�ض ابنتها‪ ،‬ت�س�ألها قلي ً‬ ‫ال ومن ثم تلعنها وتتهمها‬ ‫بقلة الأدب قائلة‪:‬‬ ‫ـ يا خ�سارة تربيتي فيك‪.‬‬ ‫مل تتحمل احلامل �أكرث‪ ،‬بد�أت دموعها ت�أخذ طريقها على خديها‪ ،‬ك�أنه �أمل ال�سنني وجد ثغرة‬ ‫ليخرج منها‪ ،‬وقالت وك�أنها تزيح جب ً‬ ‫ال عن �صدرها‪:‬‬ ‫ـ �أنتم ال تعرفون ما الذي يريده هذا الرجل‪.‬‬ ‫اجتهت الأنظار �إليها‪ ،‬با�ستثناء �سائق التاك�سي الذي كان ي�ستمع �إىل �أغنية يف الراديو‬ ‫مت�سائ ً‬ ‫ال عن �سبب الغ�ضب والبكاء من حوله‪ ،‬لكنه ا�ستغرب عندما �سمع الأم والأخت‬ ‫الكربى ت�ضحكان فج�أة‪ ،‬حني �أكملت احلامل حديثها قائلة لأمها‪:‬‬ ‫ـ عندما كنت �صغرية كان يريد �شرائي‪� ،‬أال تذكرين ذلك؟‬ ‫عادت الأم بذاكرتها وهي ت�ضحك �إىل ما قبل ع�شر �سنوات‪ ،‬حتديداً ذلك اليوم عندما كان الرجل‬ ‫يف فناء بيتهم يريد حمل الغ�سالة بعد �أن دفع ثمنها‪ ،‬ف�س�أل م�شرياً �إىل املطبخ‪:‬‬ ‫ـ هل تبيعونني الثالجة؟‬ ‫رف�ضت الأم ذلك‪ ،‬ف�س�أل عن الفرن‪ ،‬وقوبل طلبه بالرف�ض �أي�ضاً‪ .‬وعند هذه اللحظة �أقبلت فتاة‬ ‫مل يتجاوز عمرها ال�سنوات الثمان‪ ،‬ف�أ�شار �إليها �سائ ً‬ ‫ال وهو يبت�سم‪:‬‬ ‫ـ وماذا عن هذه‪� ،‬أال تبيعونها؟‬

‫‪13‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 13‬‬


‫محششون بال حدود‬

14

final edition.indd 14

02/12/11 5:43 PM


‫هذا الكالم ال يجوز‪� ،‬أنا ال �أر�ضى بذلك‪� ،‬إنهم ي�شوهون �صورتنا‪ ،‬ملاذا ال يلقون بالويهم على‬ ‫غرينا‪ ،‬ملاذا ال ي�ؤلفون النكات على ال�سكارى �أو املدخنني �أو حتى متعاطي الهريوين واملاك�س‬ ‫والرتياق‪ ..‬ملاذا ي�صرون علينا نحن امل�ساكني؟‬ ‫هل لأننا فقراء ال منلك ثمن الهريوين والكوكايني؟ نحن �أف�ضل من ه�ؤالء ب�ألف مرة‪ ،‬نحن‬ ‫�أ�صحاب كيف ومزاج‪ ،‬هم يريدون الهرب من الدنيا‪ ،‬يريدون �أن يغيبوا عن الوعي‪ ،‬نحن نريد‬ ‫�أن نبقى فيها ونعي�شها حلظة بلحظة نفرف�ش ون�ضحك ونحب‪� ..‬أطول مدة ممكنة‪.‬‬ ‫نحن مع�شر احل�شا�شني يجب �أن نطالب اجلميع ب�أن يتوقفوا عن �إطالق النكات الكاذبة‬ ‫علينا‪.‬‬ ‫النا�س ال يعلمون �أن م�ؤلفي النكات كذابون يريدون �أن يظهرونا ب�صورة الأغبياء‪ ،‬في�ؤلفون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إعالنا يف جملة الو�سيط يقول فيه‪ :‬للبيع‬ ‫«حم�ش�شا يتاجر يف املخدرات و�ضع �‬ ‫نكته تقول �إن‬ ‫طحني من اللي بايل بالك!»‪.‬‬ ‫ويقولون �أي�ضاً �إن «حم�ش� ًشا �آخر وقف عند مركز ال�شرطة وظل ي�ضرب على الزمور‪ ،‬فخرج‬ ‫له بع�ض رجال ال�شرطة‪ ،‬فقال لهم‪ :‬واحد بيب�سي واثنني �شاورما»‪.‬‬ ‫هذا لي�س كالماً منطقياً باملرة‪ ،‬فاملح�ش�ش يخاف حتى ظله‪ ،‬ولن يغامر مثل هذه املغامرات‪،‬‬ ‫لأنه بب�ساطة يريد �أن يكون بعيداً عن امل�شاكل وكل ما يتعلق بها‪ .‬هل ت�صدق �أنني خائف منك‬ ‫و�أنا �أكلمك‪ ،‬ما �أدراين �أنك ل�ست خمرباً لل�شرطة؟‬ ‫يا عزيزي هناك حماولة لإبعاد النا�س عن احل�شي�ش لأنه يجعلهم يفرف�شون ويفرحون ومن‬ ‫ثم يبدعون‪ ،‬انظر �إىل ذلك البلد‪ ،‬كم مبدعاً فيه‪� ،‬أعتقد �أنهم كلهم ح�شا�شون‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 15‬‬


‫ذلك املمثل امل�ضحك‪ ،‬ال �أعتقد �أنه وقف على امل�سرح يوماً دون �أن يدخن احل�شي�ش قبلها‪.‬‬ ‫وذلك املطرب �أكاد �أراه وهو يدخن �سيجارته امللغومة‪� ،‬إين �أعرف �أنه زميل من طريقة‬ ‫غنائه‪.‬‬ ‫ه�ؤالء كلهم لو �أ�س�سوا جمعية ت�ضم حتت جناحيها ح�شا�شي الأر�ض تدافع عنهم ملا حدث‬ ‫ما حدث‪.‬‬ ‫ماذا لو �أ�س�سوا نقابة للمح�ش�شني‪ ،‬و�أ�سموها مث ً‬ ‫ال «حم�ش�شون بال حدود» وتكون مهمتها �أن‬ ‫تو�ضح للجماهري امل�ؤامرة التي حتاك �ضدنا‪.‬‬ ‫رمبا تكون م�ؤامرة ت�شبه �أختها التي حتيكها هوليوود �ضد امل�سلمني والعرب‪� ،‬أو �إنه جمرد‬ ‫ا�ست�سهال كما تفعل الأفالم امل�صرية التي ت�شوه �صورة ال�صعايدة‪.‬‬ ‫البد من نقابة متثلنا وتنقل �أ�صواتنا‪ ،‬وت�صدر بيانات تنفي بها عالقة �أي من املنت�سبني �إليها‬ ‫بالنكات الكاذبة واملغر�ضة‪.‬‬ ‫لكنهم لن يفعلوا لأنهم جبناء‪ ،‬املح�ش�شون م�ساملون بطبيعتهم‪ ،‬وال يحبون امل�شاكل‪ .‬ال يقولون‬ ‫�شيئاً حتى عندما يخرج �أحد ال�سكارى �أو احلمقى لين�شر نكتة تافهة تقول‪« :‬حم�ش�ش �أراد �أن‬ ‫يدلع زوجته فقال لها‪� :‬أنتي حمامة‪ ..‬فقالت الزوجة‪ :‬ال �أنا غزالة‪ ،‬فقال‪ :‬املهم حيوانة»‪.‬‬ ‫هذا الكالم لي�س حقيقياً‪ ،‬فلي�س املح�ش�ش فقط من يقول ذلك‪ ،‬تقريباً كل الرجال ي�ؤمنون مبا‬ ‫قاله‪ ،‬من �ألف هذه النكتة كان يريد �أن يقول لزوجته �إنها حيوانة‪ ،‬لكنه مل يجر�ؤ‪ ،‬فو�ضعها‬ ‫على ل�سان املح�ش�ش الربيء‪.‬‬ ‫ما هذا االفرتاء؟ هناك �أكرث من مليون نكتة على هذه ال�شاكلة‪ .‬ملاذا ال تتحدث؟ ال جتد ما‬ ‫تقوله‪� ،‬صحيح؟‬ ‫ا�سمح يل‪� ،‬أنا لن �أ�صمت بعد اليوم‪ ،‬البد �أن �أفعل �شيئاً‪ ،‬فقد �أ�صبح الأمر ال يطاق‪ ،‬هل‬ ‫تعلم �أن املح�ش�ش ي�ضحك على �أي �شيء‪ ،‬لكني مل �أعد �أ�ستطيع ال�ضحك على النكات التي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مطعما و�س�أل‪ :‬عندكم حلقات ب�صل؟ ف�أجابوه‬ ‫«حم�ش�شا دخل‬ ‫يطلقونها علينا‪ ،‬فيقولون �إن‬ ‫بنعم‪ ،‬فقال‪� :‬إذ ًا �أعطوين احللقة الأخرية»‪..‬‬

‫‪16‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 16‬‬


‫وهذا «حم�ش�ش �آخر ات�صل باخلطوط اجلوية و�س�أل‪ :‬كم ت�ستغرق رحلة دبي بانكوك؟ قالو‬ ‫له‪ :‬حلظة‪ ،‬فقال‪ :‬احجز يل تذكرة»‪.‬‬ ‫ال �أقول �إن جميع ما يقال عنا كذب‪ ،‬هناك بع�ض النكات التي �أ�شعر �أنها حقيقية‪ ،‬مث ً‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫«حم�ش�شا و�صديقه الأحول كانا ي�صنعان بع�ض احللويات‪ ،‬الأحول ي�ضع‬ ‫عندما يقولون �إن‬ ‫قطع العجني خارج الزيت‪ ،‬واملح�ش�ش يقول‪ :‬ت�ش�ش�ش»‪.‬‬ ‫هذه قد تكون حقيقية‪ ،‬لأنني ب�صفتي حم�ش�شاً �أ�ستطيع �أن �أ�ؤكد لك �أنني ال �أحب �أن �أجرح‬ ‫�أحداً و�أ�شعره بالنق�ص‪.‬‬ ‫ً‬ ‫«حم�ش�شا فتح باب الثالجة‪ ،‬ووجد اجليلي يهتز‪ ،‬فقال له‪ :‬ال تخف‪،‬‬ ‫وهناك نكتة تقول �إن‬ ‫�س�أ�شرب املاء!»‪.‬‬ ‫قد يفعلها املح�ش�ش لأنه ربط بني اخلوف واالهتزاز ب�سرعة‪ ،‬بينما ال ي�ستطيع �أن يفعلها‬ ‫ال�شخ�ص ال�سليم‪.‬‬ ‫ثم ها �أنا �أمامك الآن‪ ،‬هل تراين غبياً �أو �ساذجاً �أو مفتع ً‬ ‫ال للم�شاكل؟ فها �أنت تقلدين منذ‬ ‫بد�أت احلديث معك يف جميع حركات يدي وج�سدي‪ ،‬وتعابري وجهي‪ ،‬حتى �أنك حترك‬ ‫�شفاهك كما �أفعل بال�ضبط‪.‬‬ ‫مل �أعترب ذلك قلة �أدب ومل �أغ�ضب‪ ،‬لي�س فقط لأنك يف غرفة نومي‪ ،‬بل لأين حم�ش�ش‪،‬‬ ‫واملح�ش�ش ال يت�صرف بغباء!‬

‫‪17‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 17‬‬


‫عارية في بيت اإلمام‬

18

final edition.indd 18

02/12/11 5:43 PM


‫يوم اجلمعة‪ ،‬ا�ستيقظ �إمام امل�سجد يف الثالثة �صباحاً‪ ،‬اعتاد ذلك منذ �أ�سابيع عدة‪،‬‬ ‫يقوم الليل‪ ،‬ويقر�أ القر�آن‪ ،‬ثم يذهب �إىل امل�سجد الذي يعمل به‪ ،‬لي�ؤم امل�صلني ل�صالة‬ ‫الفجر‪.‬‬ ‫ذلك اليوم‪ ،‬وعلى غري عادته اجته �إىل املطبخ حام ً‬ ‫ال دواءه الذي �صرف له �صباح‬ ‫�أم�س‪.‬‬ ‫وهو يف املمر امل�ؤدي �إىل املطبخ‪ ،‬ملح �ضوءاً يت�سرب من فتحات باب غرفة ابنه عي�سى‪،‬‬ ‫وهو �آخر العنقود‪ ،‬واملدلل يف البيت‪.‬‬ ‫حوقل احلاج يف نف�سه‪ ،‬وعلم �أن ابنه نام دون �أن يطفئ الأنوار‪ ،‬وهو ما ي�شكل هدراً‬ ‫لإحدى نعم اهلل‪.‬‬ ‫�أدار مقب�ض الباب وفتحه‪� ،‬صعق احلاج ملا ر�آه؛ كانت هناك فتاة عارية م�ستلقية على‬ ‫ال�سرير‪.‬‬ ‫ا�ستغفر احلاج ربه مما ر�أى‪ ،‬و�أو�صد الباب ب�سرعة متاماً كمن ي�ضع �إ�صبعه على �إناء‬ ‫يغلي‪.‬‬ ‫وقف يفكر من دون �أن ترتك يده مقب�ض الباب‪� ،‬أح�س بحاجة �إىل دواء ال�ضغط يف يده‬ ‫الأخرى‪ ،‬لكنه مل يتحرك‪.‬‬ ‫خطرت بباله �أ�سئلة عدة‪:‬‬ ‫ـ من هذه؟ وماذا تفعل هنا؟ و�أين عي�سى؟ �ألهذا ال�سبب ظل يطالب بغرفة خا�صة؟‬

‫‪19‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 19‬‬


‫كان عي�سى و�أخوه الكبري ينامان يف غرفة واحدة‪ ،‬لكنه طالب منذ مدة بغرفة خا�صة‬ ‫به‪ ،‬متعل ً‬ ‫ال بحاجته �إىل اخل�صو�صية بعد �أن كرب‪ ،‬والهدوء للدرا�سة‪ ،‬واقرتح �أن يبنوا‬ ‫له غرفة يف فناء البيت‪.‬‬ ‫رف�ضت الأم ذلك ل�سببني؛ �أولهما �أنها تريده قربها دائماً‪ ،‬فمنحوه غرفة اخلادمة‪،‬‬ ‫والثاين �أنها خططت ل�شيء �آخر وجنحت فيه‪ ،‬حيث بنوا يف اخلارج غرفة للخادمة‬ ‫�إ�ضافة �إىل مطبخ وخمزن‪ ،‬لي�صبح هناك مطبخان يف البيت؛ داخلي وخارجي‪.‬‬ ‫�شيء �أف�ضل من ال �شيء‪ ،‬لذلك قبل بغرفة اخلادمة‪ ،‬و�أدخل تغيريات كثرية عليها‪،‬‬ ‫وفع ً‬ ‫ال �أ�صبحت غرفته املكان الأجمل يف البيت‪ ،‬لكن هناك �شيئاً واحداً ناق�صاً‪ ،‬هو‬ ‫احلمام‪ ،‬لذلك ي�ضطر عي�سى �إىل اخلروج من غرفته للذهاب �إىل بيت الراحة‪.‬‬ ‫وحني فتح �أبوه باب الغرفة كان عي�سى هناك‪ ،‬دون �أن يخطر له �أن �أباه قد يطل عليه‬ ‫يف هذه ال�ساعة‪.‬‬ ‫خرج عي�سى من احلمام‪ ،‬كان الأب اليزال واقفاً‪ ،‬تقابل االثنان‪ ،‬و�سادت بينهما حلظة‬ ‫�صمت‪.‬‬ ‫تلعثم عي�سى ون�سي ما كان يخطط له حني يدخل مملكته ال�صغرية‪ ،‬مل يعرف ماذا‬ ‫يجب �أن يقول؛ فهو يعلم �أن �أباه قد يت�ساهل يف كل الأمور‪� ،‬إال يف املحرمات‪.‬‬ ‫�شعر عي�سى بالدوار‪� ،‬أفاق ب�صفعة على خده �أ�صدرت �صوتاً �سمعته الفتاة داخل‬ ‫الغرفة‪ ،‬والتي كانت بدورها ترتعد خوفاً وهي تبحث عن قطعة من مالب�سها الداخلية‪،‬‬ ‫خب�أها عي�سى كي ي�ضمن بقاءها عارية‪.‬‬ ‫قال احلاج ويده ترتفع ببطء‪:‬‬ ‫ـ كيف تفعل ذلك و�أبوك �إمام م�سجد‪ ،‬ماذا تركت لأبناء ال�شوارع يا ابن الكلب؟‬ ‫وكانت هناك �صفعة �أخرى على وجهه تزامنت مع الكلمة الأخرية‪.‬‬ ‫جل�س عي�سى على الأر�ض باكياً مت�شبثاً بطرف ثوب �أبيه‪ ،‬لي�ؤكد ندمه على فعلته‪،‬‬ ‫وي�ضمن عدم تلقيه �صفعات جديدة‪ ،‬ومي�سح دموعه �أي�ضاً‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 20‬‬


‫ـ ال�شيطان �شاطر يا �أبي‪� ،‬أنت تعرفني يا �أبي‪� ،‬ساحمني �أرجوك‪.‬‬ ‫قالها عي�سى الذي كان ينتظر �أن ي�أمره �أبوه بطرد الفتاة حاالً‪ ،‬ومن ثم ال يتحدث معه‬ ‫�شهراً �أو اثنني‪ ،‬وتدريجياً تعود املياه �إىل جماريها‪.‬‬ ‫لكن ما حدث كان خمتلفاً‪ ،‬حيث قال احلاج‪:‬‬ ‫ـ ا�سمع يا بني‪ ،‬لقد �أخط�أت‪ ،‬والبد من ت�صحيح اخلط�أ‪.‬‬ ‫�سكت برهة و�سمع ابنه ي�ؤكد كالمه قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫ـ طبعاً يا �أبي‪� ،‬س�أخرجها الآن من املنزل‪ ،‬واقتلني لو كررت فعلتي مرة �أخرى‪.‬‬ ‫�أ�شاح احلاج بوجهه �إىل اجلهة الأخرى لئال ينظر �إىل ابنه‪ ،‬لربهة ظل يفكر‪ ،‬ثم و�ضع‬ ‫يديه على كتفي ابنه طالباً منه الوقوف‪.‬‬ ‫قال الأب ب�صوت منخف�ض‪ ،‬كمن يقول كالماً لي�س مقتنعاً به‪:‬‬ ‫ـ �سنذهب الآن مع الفتاة �إىل بيت �أهلها‪ ،‬ونخربهم مبا حدث‪ ،‬ويف ال�صباح تتزوجان‬ ‫على �سنة اهلل ور�سوله‪.‬‬ ‫�صدم عي�سى مبا �سمع‪ ،‬فلأول مرة يف حياته ي�سمع ب�أب يجرب ابنه على الزواج بفتاة‬ ‫لأنه �أخط�أ معها‪ ،‬فهذه الزيجات غالباً ما تكون ب�إ�صرار من عائلة الفتاة‪.‬‬ ‫ـ كيف �أتزوجها يا �أبي‪ ،‬وقد �سبقني �إليها �آخرون‪.‬‬ ‫قالها عي�سى لأبيه الذي ظل م�صراً على موقفه‪ ،‬م�ؤكد�أ لعي�سى �أنه لن يكون ابنه �إذا مل‬ ‫ينفذ ما يقول وي�صلح خط�أه‪.‬‬ ‫يف الوقت نف�سه‪ ،‬كان عي�سى يتخيل ردة فعل والده لو علم �أنه �أخط�أ مع �أكرث من ع�شر‬ ‫فتيات‪.‬‬ ‫�أقنع عي�سى نف�سه ب�أن هذه �ضريبة �أن تكون ابناً لإمام امل�سجد‪ ،‬وقرر �أن يتزوجها‬ ‫ويطلقها بعد �أيام‪ ،‬وقال يف نف�سه‪:‬‬ ‫ـ لعنة اهلل عليها‪ ،‬البد �أنها �ستطري فرحاً بهذا اخلرب‪.‬‬ ‫دخل االثنان الغرفة‪ ،‬كانت الفتاة متدثرة بغطاء ال�سرير‪� ،‬أخربها الأب مبا ينويه‪ .‬لكن‬

‫‪21‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 21‬‬


‫وجه الفتاة تغري ك�أنها �شاهدت جنياً �أمامها‪.‬‬ ‫�صمت اجلميع فرتة‪ ،‬حتى قال احلاج‪:‬‬ ‫ـ كل ما نريده �أن ن�صلح اخلط�أ ون�سرت عليك‪.‬‬ ‫حتول هلع الفتاة �إىل ابت�سامة ال معنى لها‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫ـ لكنني ال �أريد الزواج بابنك‪.‬‬ ‫�صعق احلاج‪ ،‬فقد توقع �أن ت�سرع الفتاة �إىل قدميه تقبلهما ملا يفعله لها‪.‬‬ ‫�أما عي�سى فكانت مفاج�أته خمتلطة ب�أحا�سي�س عدة مثل ال�سعادة واال�ستغراب والغ�ضب‪،‬‬ ‫فكيف ترف�ضه خ�صو�صاً بعد �أن �أخذ منها ما يريده الرجال عندما يتزوجون‪.‬‬ ‫ت�ساءل احلاج م�ستغرباً عن �سبب رف�ضها‪ ،‬فعللت ذلك قائلة‪:‬‬ ‫ـ �أهلي �سيقتلونني ال حمالة‪ ،‬ورمبا يقتلون را�شد �أي�ضاً‪.‬‬ ‫ت�ساءل الأب بعد �أن التفت �إىل ابنه‪:‬‬ ‫ـ ومن هو را�شد هذا؟‬ ‫كان عي�سى ينظر �إىل �أ�سفل‪ ،‬بينما كانت الفتاة حتدق فيه بنظرة مت�سائلة عن �سبب‬ ‫هذه الكذبة‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫ـ ما هو ا�سمك يا را�شد؟‬ ‫فهم احلاج الأمر‪ ،‬لكن ذلك لي�س مهماً الآن‪ ،‬فقال بثقة وحما�س وك�أنه يلقي خطبة‬ ‫اجلمعة‪:‬‬ ‫ـ ال تخايف يا ابنتي‪� ،‬س�أ�شرح لهم الأمر‪ ،‬و�س�أكون معكما ولن يح�صل �أي مكروه �إن‪..‬‬ ‫لكن الفتاة قاطعته‪ ،‬وقالت ما جعل عي�سى يقفز دون وعي ليحت�ضن �أباه‪� ،‬إال �أن الأخري‬ ‫�صده و�أخرج تنهيدة طويلة‪.‬‬ ‫توجه احلاج �إىل الباب وعبارة الفتاة الأخرية ترن يف �أذنيه من دون توقف حتى وهو‬ ‫يف املطبخ‪:‬‬

‫‪22‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 22‬‬


‫ـ لكنك ال تفهم يا عمي‪� ..‬أنا متزوجة‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 23‬‬


‫الحوار الذي أبكى السجين النائم‬

‫‪24‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 24‬‬


‫فوجئ بر�ؤية خليل يف هذا املكان‪ ..‬مل يكونا �صديقني‪ ،‬لكنه مل يخطر له �أبداً �أن يراه يف‬ ‫توقيف املحكمة بدبي‪ ،‬حيث ينتظر املتهمون �أدوارهم لدخول قاعة املحكمة‪.‬‬ ‫مل يكن �سبب ا�ستغرابه �أن خليل �إن�سان مهذب ال عالقة له باجلرائم وال�سجون‪ ،‬فالأخري‬ ‫ترعرع يف هذه البيئة‪ ،‬حتى �أنه الآن ميازح احلرا�س ك�أنهم �أ�صدقاء طفولة‪.‬‬ ‫لكنه يتذكر قبل �شهر فقط �أنه �سمع حديثاً يفطر القلب يدور بني �شخ�صني يف �سجن‬ ‫ملوقوفني ينتظرون �أحكامهم مبركز �شرطة الرا�شدية بدبي‪.‬‬ ‫كانت الدموع تبلل حوارهما‪� ،‬أح�س بذلك وهو م�ستلق يف الطابق العلوي لأحد ال�سريرين‪،‬‬ ‫وي�ستن�شق دخان ال�سجائر الذي مل يجد مكاناً يخرج منه ف�شكل �سحباً يف الزنزانة‪ ،‬وكان كل‬ ‫منهما يجل�س على �سريره يدخن‪ ،‬معتقدين �أن زميلهما نائم‪.‬‬ ‫ويذكر «امل�ستمع النائم» جيداً �أن خليل قال ل�صديقه يعقوب و�صوته يدل على وجود دموع‬ ‫على خديه‪:‬‬ ‫ـ ملاذا فعلنا ذلك‪ ،‬ما ذنب زوجتينا و�أبنائنا‪ ،‬ليحرموا منا �أربع �سنوات؟‬ ‫فريد عليه يعقوب ب�صوت متقطع بعد تنهيدة طويلة‪:‬‬ ‫ـ لقد دمرنا عائلتينا‪ ..‬نحن حيوانان‪� ،‬ضيعنا نف�سينا وعائلتينا ب�سبب املخدرات‪.‬‬ ‫ـ لي�ست هذه املرة الأوىل التي �أ�سجن فيها‪ ،‬لكنها خمتلفة هذه املرة‪ ..‬فطفلي عمره �سنة‪ ،‬هل‬ ‫�سيكرب دون �أن يرى وجهي بو�ضوح ب�سبب الق�ضبان؟‬ ‫كان احلديث م�ؤثراً‪ ،‬وفيه ندم �صادق‪ ،‬وعبارات عن �أن هذه املرة �ستكون الأخرية‪ ،‬لكن �أربع‬ ‫�سنوات يف ال�سجن لن متر ك�شربة ماء‪� ،‬أو كما متر �أربع �سنوات من احلرية يف �أح�ضان‬ ‫العائلة والأ�صدقاء‪..‬‬

‫‪25‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 25‬‬


‫كان «النائم» على و�شك البكاء وهو ي�ستمع �إىل حديثهما‪ ،‬فيعقوب �أي�ضاً متزوج حديثاً‪،‬‬ ‫وينتظر طفلة يف ال�شهور املقبلة‪ ،‬والتحاليل التي ال تكذب وال جتامل �أو ترحم تثبت تعاطيهما‬ ‫املخدرات‪ ،‬والقا�ضي �سينظر �إىل الأدلة‪ ،‬ولن ي�أخذ عائالت املتهمني بعني االعتبار‪ ،‬حتى و�إن‬ ‫كان لدى كل واحد منهما �أربع زوجات على و�شك الوالدة‪.‬‬ ‫بعد هذا احلوار ب�أيام حكمت املحكمة على االثنني بال�سجن �أربع �سنوات‪ ،‬ومت نقلهما �إىل‬ ‫ال�سجن املركزي بدبي‪ ،‬والذي ال يختلف عن توقيف مركز ال�شرطة �سوى يف �أن �سجناءه‬ ‫يعلمون حمكومياتهم‪.‬‬ ‫بانق�ضاء �أ�سبوعني فقط‪ ،‬حدث �أمر غريب‪ ،‬مت الإفراج عن خليل ويعقوب بعد �صدور عفو‬ ‫عام عن جميع ال�سجناء املحكومني يف هذه النوعية من الق�ضايا‪ ،‬مهما كانت الفرتة التي‬ ‫�أم�ضوها‪ ،‬حتى �أن هناك �أ�شخا�صاً �أطلق �سراحهم بعد ق�ضاء يوم واحد فقط يف ال�سجن‬ ‫املركزي‪.‬‬ ‫وها هو خليل يجل�س الآن يف توقيف املحكمة مرثثراً مع جميع من يعرفهم وك�أنه موظف عاد‬ ‫�إىل العمل بعد �إجازته ال�سنوية‪ .‬اجته «الزميل النائم» �إىل خليل‪ ،‬وبعد الأح�ضان وال�سالم‪،‬‬ ‫�س�أله‪:‬‬ ‫ـ ماذا ح�صل‪ ،‬ملاذا عدت ب�سرعة؟‬ ‫قال خليل وهو يزم �شفتيه‪ ،‬ويطوح بر�أ�سه مييناً و�شماالً‪:‬‬ ‫ـ عندما كان «مايكروفون» ال�سجن املركزي يعلن �أ�سماء امل�شمولني يف العفو‪ ،‬كنت يف احلمام‬ ‫�أ�ستعد حلقن نف�سي بــ«الـاجلرد»‪.‬‬ ‫ـ هريوين يف ال�سجن املركزي؟!‬ ‫ـ �أحياناً يكون �سعره �أرخ�ص يف الداخل لوفرته‪.‬‬ ‫قالها خليل �ضاحكاً‪ ،‬و�أكد �أنه خرج من ال�سجن وهو حتت ت�أثري املخدر‪ ،‬ويف اليوم التايل‪،‬‬ ‫كان يعاين «اخلرمة» �أو الأعرا�ض االن�سحابية التي تفتك باجل�سم املحتاج �إىل هذا ال�سم‪،‬‬ ‫فلم يجد �إال �أن يتعاطى‪ ،‬وكذلك فعل يف اليوم الثاين والثالث والرابع‪..‬‬ ‫لكن بعد �أ�سبوع من احلرية‪� ،‬ألقي القب�ض عليه‪ ،‬بينما كان يجل�س مع بع�ض «زمالء املهنة»‬ ‫يتعاطون‪ ،‬وكان من بينهم �أحد املخربين‪.‬‬ ‫قال املتفاجئ يف نف�سه‪:‬‬

‫‪26‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 26‬‬


‫ـ كم هو خرب حمزن‪ ،‬لكن احلمد هلل؛ فعلى الأقل يعقوب يجل�س مع عائلته الآن‪ ،‬وبالإرادة‬ ‫ميكن ترك كل �شيء‪.‬‬ ‫و�س�أله عن �أخبار �صاحبه يعقوب‪ ،‬فقال خليل وهو ي�ضحك مبا ي�شبه �ضحكة املنت�صر‪:‬‬ ‫ـ يعقوب حطم الرقم القيا�سي‪ ،‬فقد مت القب�ض عليه بعد يومني من اخلروج فقط‪ ،‬وهو نائم‬ ‫يف توقيف مركز بردبي الآن‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 27‬‬


‫حب و«بالوي» أخرى‬

28

final edition.indd 28

02/12/11 5:43 PM


‫«ماذا �أفعل؟ �أحبها‪ ،‬وال �أملك اجلر�أة مل�صارحتها»‪ .‬قالها نا�صر البن خالته و�أعز �أ�صدقائه حممد‪،‬‬ ‫وهما يجل�سان يف «كويف �شوب» يف «مريكاتو مول» القريب من �سكنهما‪.‬‬ ‫حممد ال يعمل‪ ،‬تخرج من الثانوية وقرر �أخذ «فرتة نقاهة» ملدة �سنة‪ ،‬وبعدها‪ ،‬ولأنه ال يريد‬ ‫العمل‪ ،‬حتجج ب�أن موا�صلة الدرا�سة �أهم‪ ،‬فلم يكن هناك �أف�ضل من �أن يكمل الدرا�سة يف جامعة‬ ‫خا�صة يف الفرتة امل�سائية ل�ساعتني �أو ثالث‪ ،‬ما يتيح له �سهر الليل‪ ،‬و�شخري النهار‪.‬‬ ‫�أما نا�صر فطالب بال�سنة الأخرية يف الثانوية العامة‪ ،‬يح�ضر �إىل «مريكاتو» �أكرث من املوظفني‪،‬‬ ‫فهم يح�صلون على �إجازة �أ�سبوعية‪ ،‬ال يحتاجها هو؛ فاحلب طاقة نووية بداخله‪.‬‬ ‫وي�ؤكد دائماً ل�صديقه الذي �أبدى رغبته يف تغيري املكان والذهاب �إىل «مول الإمارات» �أو «دبي‬ ‫مول» �أنه م�ستعد لأن يق�ضي ما تبقى من حياته يف حمامات «مريكاتو»‪ ،‬ليحظى بنظرة من عيني‬ ‫فتاته التي ت�أتي �إىل هنا مع �أخواتها مرة �أو اثنتني يف الأ�سبوع‪ ،‬دون �أن يخطر لها �أن هناك من‬ ‫ي�سجل ح�ضوره يف املكان يومياً‪ ،‬لرياها فح�سب‪.‬‬ ‫م�شكلة نا�صر �أنه خجول‪ ،‬بعك�س ابن خالته الذي ال يرتك فتاة متر �إال وينظر يف عينيها بتحد‪،‬‬ ‫وبعد �أن تتخطاه يتعقبها بنظراته رغم وجود ع�شرات النا�س حوله‪ .‬حتى �أنه تربع ليذهب �إىل‬ ‫الفتاة ويعطيها رقم هاتف نا�صر‪ ،‬لكن العا�شق الولهان رف�ض ب�شدة‪ ،‬فمن ذا الذي ير�ضى �أن يبد�أ‬ ‫ق�صته مع حبيبته جباناً خجوالً‪ ،‬ك�أنه هو الفتاة؟‬ ‫يف ذلك اليوم‪ ،‬وبعد �أن طفح الكيل مبحمد من «مريكاتو» ونا�صر وق�صة حبه والفتاة التي يحبها‪،‬‬ ‫فقد وهب نا�صر ل�سانه لهذا املو�ضوع ومل يعد يتحدث يف غريه‪ ،‬اقرتح حممد بعد �أن ارت�شف‬ ‫من قهوته‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ـ ا�سمع‪ ،‬تعال عندي الليلة‪ ،‬و�أنا �أ�ؤكد لك �أنك �ستكون كازانوفا غدا �صباحا‪ ،‬بل ورمبا جيم�س‬ ‫بوند �أي�ضاً‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 29‬‬


‫و�أبدى حممد ا�ستعداده لإح�ضار امل�شروبات الكحولية �إىل غرفته هذه الليلة فقط من �أجل عيني‬ ‫�صديقه وابن خالته‪ ،‬و�أنهما �سيثمالن حتى ال�صباح‪ ،‬بعد ذلك �سيتقدم نا�صر �إىل الفتاة وهي‬ ‫تنتظر حافلة املدر�سة‪ ،‬ودون �شك �سيكون جريئاً ليف�صح عن حبه لها‪.‬‬ ‫نفخ نا�صر خديه قلي ً‬ ‫ال وزم �شفتيه وهز ر�أ�سه ومتتم بجملة دينية مل ي�سمعها حممد بو�ضوح‪،‬‬ ‫ف�أ�ضاف‪:‬‬ ‫ـ رمبا تدفعك جر�أتك بعد ال�شرب �إىل حتطيم �أبواب املدر�سة‪ ،‬واقتحام طابور ال�صباح‪ ،‬و�أخذ‬ ‫املايكرفون من املديرة‪ ،‬واجللو�س على ركبتيك‪ ،‬واالعرتاف �أمام اجلميع ب�أنك حتب فتاتك حتى‬ ‫النخاع‪.‬‬ ‫وافق نا�صر بعد حماوالت حممد الطويلة‪ ،‬فهو يعلم �أنه لن ي�ستطيع فعلها وهو يف كامل قواه‬ ‫العقلية‪ ،‬وقد �سبق �أن �سنحت له فر�ص عدة كان ي�ستطيع خاللها االنفراد بها والبوح مبا يحمله‬ ‫لها يف �صدره‪ ،‬فكثرياً ما ترتك الفتاة �أخواتها وتتجه �إىل احلمام‪ ،‬حتى �أنه قابلها مرات عدة وجهاَ‬ ‫لوجه ومل ي�ستطع حتى �أن ينظر يف عينيها ويبت�سم‪.‬‬ ‫قرر نا�صر �أن ي�شرب اليوم‪ ،‬واليوم فقط‪ ،‬لأنه م�ستعد ل�شرب ال�سم ال اخلمر فح�سب‪ ،‬فدا ًء حلبه‪.‬‬ ‫وقال يف نف�سه‪:‬‬ ‫ـ قليل من اجلر�أة‪ ،‬هو كل ما �أحتاجه‪ ،‬واهلل غفور رحيم‪.‬‬ ‫ات�صل نا�صر ب�أمه يعلمها �أنه �سيبيت عند ابن خالته كي ال تقلق‪ ،‬و�أخربها �أنه �سيو�صله �صباحاً‬ ‫�إىل املدر�سة‪.‬‬ ‫لي ً‬ ‫ال ويف غرفة حممد‪ ،‬جل�س االثنان �أمام التلفزيون‪ ،‬و�أمامهما طاولة �صغرية‪ ،‬عليها زجاجتا‬ ‫«فودكا» و«تكيال»‪ ،‬وعبوات عدة من م�شروب الطاقة «ريد بول»‪ ،‬و�شيب�س امللح واخلل وبع�ض‬ ‫املك�سرات والليمون‪ ..‬وكي�س كبري من الثلج‪ ،‬وفنجانا قهوة فارغان!‬ ‫مل يتكلم نا�صر‪ ،‬وك�أنه بنت يف ليلة دخلتها‪� .‬صب حممد الك�أ�س الأوىل وقال وك�أنه ابتد�أ �شرب‬ ‫اخلمر بر�ضاعته وهو طفل‪:‬‬ ‫ـ الفودكا ال يك�سر طعمها �إال الريد بول‪.‬‬ ‫وناول الك�أ�س لنا�صر الذي قال يف �سره كما تعود‪:‬‬

‫‪30‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 30‬‬


‫ـ ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‪.‬‬ ‫وثم تذكر �أنه �سي�شرب خمراً ال ماء زمزم!‬ ‫بعد ك�ؤو�س عدة من الفودكا التي مل يكن طعمها بذلك ال�سوء‪ ،‬و�ضع حممد �أمام نا�صر الفنجان‬ ‫وفيه «تيكيال» وبجانبه قطعة ليمون وقال‪:‬‬ ‫ـ ا�شربه دفعة واحدة‪ ،‬ال حتاول �أن تتذوقه‪ ،‬وم�ص الليمونة بعد �أن تنتهي مبا�شرة‪.‬‬ ‫اتبع نا�صر التعليمات‪ ،‬لكن ما هذه احلرارة؟ هناك نار بداخله‪ ،‬دفعته ليقول‪ ،‬وهو ي�ضع الفنجان‬ ‫على املن�ضدة م�سنداً ظهره �إىل خلف وعيناه تتلألآن بالدموع‪:‬‬ ‫ـ �أال تكفيني نار احلب يا ولد اخلالة؟‬ ‫يف ال�صباح‪ ،‬لب�س «كندورته» وتعطر وو�ضع «علكة» يف فمه‪ ،‬خرج ببطء حماوالً �أال يرتنح‪ .‬احلركة‬ ‫عادية‪ ،‬حافالت ذاهبة ومقبلة‪ ،‬النا�س يتجهون �إىل �أعمالهم‪ ،‬و�صل �إىل املكان املحدد‪ ،‬وقف‬ ‫منتظراً‪ ،‬وها هي حبيبته تخرج‪ ،‬مت�شي قلي ً‬ ‫ال �إىل �أن ت�صل ال�سوبرماركت ال�صغري‪.‬‬ ‫من هذه اللحظة لي�س �أمامه �سوى دقيقتني �أو ثالث على �أف�ضل تقدير قبل و�صول احلافلة‪ ،‬هو‬ ‫مت�أكد من ذلك‪ ،‬فطاملا ت�أخر عن مدر�سته وهو يتحرى ظهور بدر البدور!‬ ‫�أ�سرع نا�صر �إليها‪ ،‬مرت �سيارة �شرطة �أمامه‪ ،‬مل يكرتث لها‪ ،‬فقد كان يفكر يف ما �سيقول رغم‬ ‫�أنه كان ح�ضر منذ �أم�س �أ�شياء كثرية �سيقولها‪ ،‬كان واثقاً من �أنه ي�ستطيع �أن يقول كل �شيء‪ ،‬لأن‬ ‫لديه من اجلر�أة الآن ما يكفيه ليقفز مبظلة �شم�سية من فوق «برج العرب» الذي يراه �شاخماً يف‬ ‫هذه اللحظة وهو يتجه �إليها‪.‬‬ ‫بد�أ ي�شعر بالغثيان‪ ،‬فقال يف نف�سه‪:‬‬ ‫ـ البد �أنها لوعة احلب‪.‬‬ ‫و�صل �إليها‪ ،‬اقرتب منها حتى �شم رائحة «�شامبو» �شعرها‪ .‬احمرت وجنتاها وابت�سمت وهي تلتفت‬ ‫حولها‪ ،‬و�أخذت خطوة �أو اثنتني �إىل اخللف‪ ،‬اقرتب منها �أكرث‪ ،‬وقال ب�صوت مبحوح‪:‬‬ ‫ـ �أنا‪..‬‬ ‫مل ي�ستطع نا�صر �أن يخرج ما يف قلبه‪ ،‬فقد خرج كل ما يف بطنه قبل ذلك‪ ..‬ومل تذهب هي �إىل‬ ‫املدر�سة‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 31‬‬


‫الحقيقة ليست مرة فقط‬

32

final edition.indd 32

02/12/11 5:43 PM


‫�أخرياً وجد «طاقية الإخفاء»‪ ،‬كان يحلم بها منذ �أن �سمع عنها‪ ،‬ويتخيل ما الذي‬ ‫�سيتمكن من فعله لو ح�صل عليها‪.‬‬ ‫و�صلت �إليه م�صادفة‪� ،‬أمه �أح�ضرتها له هدية من الهند‪ ،‬بدت ك�أنها قبعة م�ستعملة مت‬ ‫تنظيفها يف مغ�سلة خم�س جنوم‪ .‬كان �شكلها غريباً‪ ،‬ولطاملا �أحب القبعات الغريبة‪.‬‬ ‫مل ينتبه �إىل �أنها تخفيه �إال عندما ارتداها �أمام املر�آة‪ .‬مل ي�صدق ذلك يف البداية‪ ،‬ظن‬ ‫�أنه يحلم‪.‬‬ ‫ت�أكد من ذلك يف اليوم نف�سه عندما كان م�ستلقياً على ال�سرير وفتحت �أمه باب الغرفة‬ ‫و�أطلت بر�أ�سها‪ ،‬ثم �أغلقت الباب وظلت تناديه وتبحث عنه يف �أرجاء البيت‪.‬‬ ‫كان �سعيداً جداً‪� ،‬سي�ستطيع �أن يعرف �أ�شياء كثرية‪ ،‬لكن عليه �أن يكون حذراً‪ ،‬و�أال يقوم‬ ‫ب�أ�شياء غبية قد ترعب الآخرين‪ ،‬ك�أن يفتح الباب �أمامهم وهو خمتف‪.‬‬ ‫ع�صر ذلك اليوم ات�صل بالكافترييا وطلب ع�صري الربتقال مع املاجنا‪ ،‬و�أخربهم �أنه‬ ‫�سيح�ضر لي�أخذه بنف�سه‪.‬‬ ‫خرج من غرفته خمتفياً‪ ،‬كانت �أمه جتل�س يف ال�صالة ترثثر يف الهاتف مع �صديقتها‬ ‫كالعادة‪ ،‬البد �أنها تخربها عن �سفرتها الأخرية‪.‬‬ ‫�أراد �إكمال طريقه لكن احلوار �شده‪ ،‬رغم �أن ما ي�سمعه كان من طرف الأم فقط‪:‬‬ ‫ـ �أقول لك �إنه �أراد ممار�سة و�ضعيات جديدة يف ال�سرير �أم�س‪.‬‬ ‫ـ ‪...‬‬ ‫ـ نعم‪ ،‬لكن يف هذه ال�سن؟‬

‫‪33‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 33‬‬


‫ـ ‪...‬‬ ‫ـ ح�سناً‪� ،‬س�أدعه يجرب يف املرة املقبلة‪.‬‬ ‫ـ ‪...‬‬ ‫ـ رمبا بعد �شهر �أو اثنني‪.‬‬ ‫ـ ‪...‬‬ ‫�ضحكت الأم �ضحكة جملجلة كراق�صة يف فيلم م�صري قدمي‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫ـ تعرفني الرجال يف هذه ال�سن‪ ..‬يف ال�سنة ح�سنة‪.‬‬ ‫مل ي�ستطع اال�ستماع �أكرث‪ ،‬ما هذا؟ �سقطت �أمه من عينيه‪ ،‬تخيلها يف �أو�ضاع جن�سية‬ ‫لها �أرقام و�أ�سماء حيوانات وبلدان‪ ..‬مل يخطر له ذلك �سابقاً‪ .‬وك�أنه كان يعتقد �أن �أمه‬ ‫و�أباه ناما مع بع�ضهما ثالث مرات فقط‪ ،‬عندما �أجنباه هو و�شقيقه الأكرب و�شقيقته‬ ‫الكربى املتزوجة‪ .‬قال يف نف�سه‪:‬‬ ‫ـ �أمي داعرة‪.‬‬ ‫وبخ نف�سه ب�سرعة‪ ،‬دون �أن تتغري �صورتها اجلديدة لديه‪ ،‬بعد �أن اختفت �صورة املر�أة‬ ‫الطاهرة العفيفة التي ال تفكر �سوى ب�سعادة �أبنائها‪ ،‬والتي لديها من احلنان ما يكفي‬ ‫لتوزعه على العامل كله‪ ،‬وات�ضح الآن �أنها متنح �أكرث احلنان واحلب لأبيه‪� ،‬أو بالأحرى‬ ‫لأ�شياء �أبيه‪.‬‬ ‫ثم ماذا عن �أبيه الذي يريد ممار�سة الو�ضعيات‪� ،‬أال ي�ستحي وقد غزت ال�شعريات‬ ‫البي�ضاء ر�أ�سه وذقنه؟‬ ‫مل يكن يرى �أباه راهباً‪ ،‬وطاملا اعتقد �أن له عالقات غرامية خارج البيت‪ ،‬مل يغظه ذلك‪.‬‬ ‫لكن عالقات وو�ضعيات داخل البيت‪ ،‬ومع من؟ مع زوجته و�أم �أبنائه!‬ ‫غادر البيت‪ ،‬وهو يلوم نف�سه على هذه الأفكار ال�سيئة‪ ،‬و�أ�سئلة عدة تدور يف ر�أ�سه‪،‬‬ ‫منها‪ :‬هل �ستعود �صورة �أمه �إىل ما كانت عليه‪ ،‬وما هي الو�ضعية املف�ضلة لأبيه؟‬ ‫يف ال�سكة امل�ؤدية �إىل ال�شارع حيث الكافرتيا‪ ،‬ر�أى �صديقه يجل�س على دكة بيته مع‬ ‫�شاب �آخر ملقب بـ«�س ّعود حرامي»‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 34‬‬


‫وقف قربهما دون �أن ي�شعرا به‪ ،‬كانا يتحدثان عن عملية �سيقومان بها‪ ،‬يخططان لها‬ ‫منذ يومني؛ ال�سطو على خمزن البقالة الذي يبعد عن املحل �أمتاراً عدة‪ ،‬ويف الليل‬ ‫نادراً ما مير �أحد يف املكان‪ ،‬وحده �صاحب �أحد البيوت يف تلك ال�سكة‪ ،‬يعود يومياً يف‬ ‫الثانية �صباحاً‪ ،‬ينزل من �سيارة «التاك�سي» وهو يرتنح مغنياً‪ ،‬حتى ي�صل الباب‪ ،‬يقف‬ ‫دقائق قليلة يبحث عن املفتاح يف كل جيوبه‪ ،‬وعندما يجده يكت�شف �أحياناً �أنه واقف‬ ‫عند باب اجلريان!‬ ‫كانت اخلطة ب�سيطة‪ ،‬ينتظران ال�سكري حتى يجد بيته‪ ،‬ثم يك�سران قفل الباب اخل�شبي‬ ‫القدمي‪ ،‬ويحمالن ما قل حجمه وكربت قيمته ـ مثل ال�سجائر ـ يف �سيارة �سعود حرامي‬ ‫الـ«فورويل» والذي �سيقوم بدوره بت�صريف وبيع هذه الأغرا�ض م�ستغ ً‬ ‫ال عالقاته يف‬ ‫الو�سط‪.‬‬ ‫«�صديقي ل�ص؟» ت�ساءل مطوحاً ر�أ�سه مييناً و�شماالً وهو يرتكهما‪ .‬و�صل �إىل الكافترييا‬ ‫وهو اليزال يفكر يف �صديقه الل�ص‪ ،‬و�أمه و�أبيه وو�ضعياتهما‪.‬‬ ‫دخل الكافترييا‪� ،‬أراد �إلقاء التحية لكنه تذكر �أنه خمتف‪ ،‬و�أنهم لن ي�سمعوه يف كل‬ ‫الأحوال‪ .‬ل�سنوات طويلة ي�أكل من هذه الكافترييا‪� ،‬سندويت�شاتهم لذيذة وع�صائرهم‬ ‫طازجة‪.‬‬ ‫�سمع زموراً من اخلارج غطى على �صوت �آلة اخلالط التي ت�صنع الع�صري‪ ،‬خرج كبري‬ ‫املوظفني عبدالرحمن �إىل ال�سائق الذي �صرخ قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫ـ �إىل متى �ستظلون حمرياً‪ ،‬كم مرة علي �أن �أكرر لكم‪ :‬ال �أريد الطماطم واخل�ضار يف‬ ‫ال�سندويت�شات‪.‬‬ ‫عاد عبدالرحمن �إىل الداخل وهو يحمل �سندويت�شني متمتماً بلغة مل يفهمها املختفي‪،‬‬ ‫�إال �أنها كانت �شتائم‪ ،‬غالباً بحق �أم ال�سائق‪.‬‬ ‫تخل�ص عبدالرحمن من �أوراق ال�ساندوي�شتني و�سحب منهما الطماطم واخل�ضار‬ ‫ب�أ�صابعه‪ ،‬ومن ثم التفت �إىل �صاحبه الذي ي�صنع الع�صري وابت�سما معاً‪ ،‬وبعدها ب�صق‬ ‫فيهما و�ضغط عليهما حتى اختلط اللعاب بالـ«مايونيز»‪.‬‬ ‫خرج ليعيدهما �إىل �صاحبهما مبت�سماً ومعتذراً من غباء الذي �أعدهما‪ .‬ظل املختفي‬

‫‪35‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 35‬‬


‫يراقب الرجل الذي انتهى من �صنع الع�صري‪ ،‬البد �أنه ع�صري املاجنو والربتقال الذي‬ ‫يحبه‪.‬‬ ‫�صبه الرجل يف الكوب الورقي حتى فا�ض الكوب و�سال منه الع�صري‪ ،‬فلم يجد �إال �أن‬ ‫ي�شرب قلي ً‬ ‫ال من الكوب‪ ،‬ويلح�س الأطراف بل�سانه‪ ،‬ثم ينظفها ب�أ�صابعه‪ ،‬ويغلقه وي�ضعه‬ ‫يف كي�سه بانتظار قدوم �صاحبه‪ ،‬الذي خرج من الكافترييا مقرراً �أال يعود �إليها جمدداً‪،‬‬ ‫وهو يت�ساءل عن كمية اللعاب التي دخلت جوفه طوال تلك ال�سنني‪.‬‬ ‫عاد �إىل املنزل‪ ،‬كانت �أمه التزال تتحدث يف الهاتف‪ ،‬وا�صل طريقه �إىل غرفته ب�سرعة‬ ‫حتى ال ي�ستمع �إىل تفا�صيل �أخرى عن حياتها اجلن�سية‪.‬‬ ‫بعد دقائق �سمع �صوت �أخيه الكبري وهو يتجه �إىل غرفته‪ ،‬فلحقه ب�سرعة ودخل معه‬ ‫قبل �أن يقفل الباب‪.‬‬ ‫خلع الأخ ثيابه واكتفى بالإزار‪ ،‬جل�س �أمام �شا�شة الكمبيوتر بعد �أن و�ضع الـ«يو ا�س بي»‪،‬‬ ‫وفتح امللفات حتى و�صل �إىل ما يريد؛ لقطات من �أفالم خليعة‪.‬‬ ‫�أراد �أن يخربه �أن لي�س من حقه �أن ي�ضربه مرة �أخرى ب�سبب الأفالم‪ ،‬فمنذ مدة اكت�شف‬ ‫الأخ الكبري مقاطع خليعة يف هاتفه‪ ،‬ف�ضربه ك�أن بينهما ث�أراً قدمياً‪ ،‬ومن يومها وهو ال‬ ‫ي�شاهد هذه الأفالم‪� ،‬إال يف هواتف �أ�صدقائه‪.‬‬ ‫وها هي �أنفا�س الأخ الآن غري منتظمة‪ ،‬وي�صدر ت�أوهات خفيفة م�ستخدماً الإزار‬ ‫ملداعبة ما حتته‪.‬‬ ‫كان املختفي يتفرج مع �أخيه م�ستثاراً �أي�ضاً رغم ا�ستغرابه؛ فجميع اللقطات التي‬ ‫عر�ضها الأخ‪ ،‬كانت م�شاهد �سادية فيها جلود �سوداء و�سال�سل و«كلب�شات» و�أ�سواط‪..‬‬ ‫ما جعله يقول يف نف�سه‪:‬‬ ‫ـ على الأقل �أنا �إن�سان طبيعي‪� ،‬أحب اجلن�س الطبيعي‪.‬‬ ‫ولتم�ضية الوقت بد�أ املختفي يداعب نف�سه �أي�ضاً‪ ،‬كما يفعل �أخوه‪.‬‬ ‫علت ت�أوهات الأخ الكبري‪ ،‬و�سحب بع�ض املناديل الورقية‪ ،‬ومن ثم �أغلق اجلهاز‪ ،‬فازداد‬

‫‪36‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 36‬‬


‫غيظ الأخ ال�صغري‪ ،‬فقد ا�ضطر �أن ينهي ما بد�أه م�ستعيناً بخياله‪ ،‬مفكراً يف حبيبته‬ ‫التي يحدثها يف الهاتف منذ �شهور عدة‪.‬‬ ‫�أول ما خطر له عندما علم بقدرة «الطاقية» �أنه ي�ستطيع اقتحام �أ�سوار عامل حبيبته‪،‬‬ ‫مل يكن قادراً على االنتظار‪ ،‬هذه الفتاة �أ�سرته ب�أنوثتها‪ ،‬لي�ست نحيفة وال �سمينة‪� ،‬إنها‬ ‫يف منطقة يف الو�سط‪ ،‬مميزاتها كبرية ومثرية‪.‬‬ ‫يومياً يتخيلها عارية قبل �أن ينام‪ ،‬فال يتمكن من النوم �إال بعد �أن ين ّوم كل �شيء‬ ‫م�ستيقظ فيه‪ .‬لكن اليوم �سيزورها يف بيتها ويدخل غرفتها‪ ،‬ولن يحتاج �إىل خياله‬ ‫بعد الآن‪.‬‬ ‫بعد الع�شاء تظاهر �أنه �سينام ودخل غرفته‪ ،‬و�ضع «الطاقية» وخرج مرة �أخرى‪ .‬كان‬ ‫يتحدث معها من هاتفه املتحرك حتى انتهى �إىل بيتها‪� ،‬أقفل اخلط متمنياً لها ليلة‬ ‫�سعيدة‪.‬‬ ‫بع�ض الأبواب كانت مفتوحة وبع�ضها الآخر وقف �أمامها منتظراً �أن يفتحها �أحد‪ .‬وفع ً‬ ‫ال‬ ‫و�صل �إىل غرفة حبيبته التي كان بابها مفتوحاً وهي جتل�س �إىل «كمبيوترها» حتدث‬ ‫�صديقاتها عرب الـ«م�سنجر»‪.‬‬ ‫ظل يقر�أ كل ما يكتب وهو ي�شم رائحتها‪ ،‬كان وا�ضحاً �أنها خرجت من املطبخ للتو‪.‬‬ ‫انتظرها حتى دخلت احلمام لت�أخذ حمام ما قبل النوم‪ .‬قال لنف�سه‪:‬‬ ‫ـ الآن �سيبد�أ امل�شهد الذي �سين�سيني كل ما ر�أيته اليوم‪.‬‬ ‫بد�أت الفتاة خلع مالب�سها‪ ،‬كان م�ستثاراً قبل �أن تفعل ذلك‪ .‬ها هي عارية الآن‪ ،‬لكن‬ ‫فج�أة غابت عنه الإثارة! ت�ساءل‪:‬‬ ‫ـ ما هذا؟‬ ‫�أين املوا�صفات الكبرية واملدورة‪� ،‬إن كر�شها �أكرب من كر�شه‪ ،‬وثدياها متدليان وبعيدان‬ ‫عن بع�ضهما بع�ضاً وك�أنهما يف خ�صام‪ ،‬ثم �أين التنا�سق؟ ق�سمها ال�سفلي �أ�صغر حجماً‬ ‫من ق�سمها العلوي‪ ..‬كم هي ناجحة يف �إخفاء عيوبها و�إبراز مفاتنها مب�ساعدة كل ما‬

‫‪37‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 37‬‬


‫ترتديه‪ .‬وفج�أة �صرخ دون �أن ت�سمعه‪:‬‬ ‫ـ ال �أرجوك‪ ،‬ماذا تريدين �أن تفعلي‪ ..‬انتظري‪.‬‬ ‫جل�ست الفتاة على الكر�سي «الإفرجني»‪ ،‬وبد�أت تلبي نداء الطبيعة! �شعر بالغثيان‪،‬‬ ‫فغطى وجهه بيديه قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫ـ ال لي�س �أنت‪� ،‬أريد �أن �أخرج من هنا‪ ..‬مل �أكن �أعلم �أنك تتغوطني!‬ ‫ا�ستيقظ �صباح اليوم التايل يف غرفته‪ ،‬كان مزاجه �سيئاً‪ ،‬التفت �إىل «الطاقية»‪ ،‬كانت‬ ‫ملقاة ب�إهمال على �أر�ضية الغرفة‪.‬‬ ‫خرج �إىل ال�صالة‪ ،‬ر�أى �أمه و�أباه يجل�سان �إىل طاولة الطعام‪ ،‬دعواه لالن�ضمام �إليهما‪،‬‬ ‫�س�أاله عن درا�سته‪ ،‬وحثاه على االجتهاد �أكرث‪ ،‬ثم �س�أله الأب بعتاب‪:‬‬ ‫ـ ملاذا ال �أراك يف امل�سجد كثرياً‪ ،‬كما �أرى �أخاك؟‬ ‫فقال الولد وك�أنه ا�ستيقظ من نومه للتو‪:‬‬ ‫ـ عفواً �أبي‪ ،‬مل �أ�سمع ما قلت‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أنه مل يرد الإجابة على �س�ؤال الأب‪ ،‬فقد كانت الإجابة التي �ستخرج منه‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫ـ هل حتدثني عن ال�صالة و�أنت تنتظر خروجي لتمار�س �إحدى الو�ضعيات على طاولة‬ ‫الطعام؟‬ ‫قاطعهما �صوت الأخ الأكرب وهو ي�س�أل مبجرد دخوله‪:‬‬ ‫ـ هل علمتم مبا حدث؟‬ ‫التفت �إليه اجلميع‪ ،‬ف�أخربهم مبا وقع لذلك ال�سكري الذي وجدوه لي ً‬ ‫ال قرب منزله‬ ‫والدماء تنزف من ر�أ�سه‪ ،‬فرتحم اجلميع‪ ،‬با�ستثناء الأخ ال�صغري‪ ،‬على �أيام زمان التي‬ ‫كان النا�س فيها يعي�شون يف �أمان لدرجة �أنهم مل يكونوا يف حاجة �إىل �إقفال �أبواب‬ ‫منازلهم‪ ،‬حتى وهم يف اخلارج‪.‬‬ ‫علم �صاحب «الطاقية» �أن الرجل يرقد يف امل�ست�شفى‪ ،‬و�أنه �أفاد ب�أنه عاد �إىل البيت يف‬ ‫ال�ساعة الثالثة‪ ،‬ور�أى اثنني يحاوالن ك�سر باب م�ستودع البقالة‪ ،‬فاجته �إليهما و�ألقى‬

‫‪38‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 38‬‬


‫عليهما التحية‪ ،‬فعاجله �أحدهما ب�ضربة بعمود حديدي على ر�أ�سه‪ ،‬ثم هربا‪.‬‬ ‫كان مت�أكداً �أنه الوحيد الذي يعلم ما حدث بال�ضبط‪ .‬ظل يفكر هل يبلغ عنهما؟ لكن‬ ‫هل يدخل �صديقه ال�سجن؟ و�أي�ضاً كيف �سيف�سر معرفته بالأمر؟ ثم �ألن يعترب مت�سرتاً‬ ‫على جرمية؟ وماذا �إن مات الرجل‪� ..‬أ�سئلة كثرية مرت بباله‪.‬‬ ‫بعد دقائق عاد �إىل غرفته‪ ،‬تناول القبعة واجته �إىل املطبخ‪ ،‬ومن ثم �إىل خلف املنزل‪.‬‬ ‫�أ�شعل ناراً‪ ،‬ووقف يحدق فيها قلي ً‬ ‫ال‪ ،‬بينما ينقل نظراته بينها وبني «الطاقية»‪.‬‬

‫‪39‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 39‬‬


»‫«حسون بوراس والوحش‬

40

final edition.indd 40

02/12/11 5:43 PM


‫«يا قليلة احلياء‪ ،‬تريدين �أن تدفني ر�ؤو�سنا يف الطني» كان ح�سن يقولها وهو ي�ضرب �أخته يف‬ ‫�أي مكان تطاله يداه‪ ،‬كان الطق�س حاراً يف فناء البيت‪ ،‬والعرق يت�صبب من جبهته وين�ساب‬ ‫على وجهه حتى يختفي يف حليته التي �أطلقها منذ مدة طويلة‪ ،‬حني تويف �أحد �أ�صدقائه‬ ‫يف حادث �سيارة‪.‬‬ ‫كانت �أخته حتاول �أن حتمي وجهها وهي تبكي‪� ،‬سائل ًة عن ال�سبب‪ .‬توقف ح�سن عن ال�ضرب‬ ‫الهثاً وقال‪:‬‬ ‫ـ يا �سافرة‪ ،‬تظهرين �شعرك �أمام الرجال‪،‬‬ ‫و�أكمل ما ميار�سه با�ستمرار على �أخواته و�إخوانه‪ ،‬ظل ي�ضربها وهي تنفي التهمة عنها‪ ،‬فقال‬ ‫وهو م�ستمر يف ال�ضرب‪:‬‬ ‫ـ �أمل يظهر �شعرك اليوم عندما نزلت من حافلة املدر�سة؟ ال تنكري‪� ،‬شاهدتك بعيني التي‬ ‫�سي�أكلهما الدود‪.‬‬ ‫تذكرت الأخت ما جرى‪ ،‬فع ً‬ ‫ال كان الهواء قوياً حني ترجلت من احلافلة‪ ،‬فانح�سر حجابها‬ ‫قلي ً‬ ‫ال �إىل الوراء وظهرت بع�ض خ�صالت �شعرها‪ ،‬لكنها ب�سرعة �أ�صلحت و�ضع احلجاب‪،‬‬ ‫وعادت �إىل املنزل‪ ،‬ول�سوء حظها كان ح�سن يغادر امل�سجد يف الوقت نف�سه‪ ،‬ور�آها‪.‬‬ ‫�شرحت له كل �شيء‪ ،‬فقال وهو ي�ضع يديه على خ�صره ناظراً �إليها‪:‬‬ ‫ـ ظهر �شعرك �أمام الرجال‪ ،‬وهذا ال يجوز‪ ،‬كان يجب عليك �أن تت�أكدي من �أن احلجاب لن‬ ‫يتحرك حتى و�إن كنت خارجة من �إع�صار‪.‬‬ ‫كانت الأم تراقب ما يحدث وهي حترك ر�أ�سها ميينا و�شماالً وحتوقل ب�صوت خافت‪.‬‬ ‫�أما الأخت الكربى فحاولت �أن تدافع عن �أختها وقالت‪:‬‬ ‫ـ ما حدث مل يكن مق�صوداً يا �أخي‪ ،‬فال داعي �إىل كل هذا‪.‬‬

‫‪41‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 41‬‬


‫التفت ح�سن �إليها وهو يرفع حاجبيه وي�ضع و�سط وجهه ابت�سامة عري�ضة نادرة‪:‬‬ ‫ـ اهلل �أكرب‪ ،‬منذ متى ظهر لك هذا الل�سان‪ ،‬هل تريديني �أن �أقطعه لك الآن؟‬ ‫دخلت الأخت املبنى‪ ،‬تبعتها الأم‪ ،‬ورتب ح�سن نف�سه و«كندورته» الق�صرية ونظر �إىل الأخت‬ ‫املتكورة على نف�سها يف الركن‪� ،‬أح�س �أنه م�سيطر على الو�ضع‪ ،‬ف�أ�شعل �سيجارة وخرج‪.‬‬ ‫كان اجلميع يهابون ح�سن‪ ،‬ف�إىل جانب ق�سوته وقوته‪ ،‬هو رجل البيت بعد وفاة الوالد‪،‬‬ ‫وكانت �أعذاره و�أ�سبابه لالعتداء عليهم مدعمة بن�صو�ص دينية‪ .‬لذلك يتحا�شاه جميع من‬ ‫يف البيت‪.‬‬ ‫ذهب ح�سن �إىل البقالة ل�شراء اللنب للغداء‪ ،‬ر�أى �أربعة �شبان يهرولون نحوه ب�سرعة‪� ،‬أوقفوه‬ ‫قبل �أن يفكر يف الهرب‪ ،‬وقال زعيمهم «�سامي الوح�ش» م�شرياً �إىل ر�أ�س ح�سن‪:‬‬ ‫ـ �صحيح �أن لقبك ح�سون بو را�س‪ ،‬لكن ال تدع الألقاب تغرك‪ ،‬فهذا الر�أ�س الكبري ي�سهل‬ ‫ك�سره‪.‬‬ ‫علم ح�سن �أنهم قادمون لينتقموا منه ب�سبب اعتدائه بال�ضرب على ِ�صبية «الفريج»‪ ،‬فقال‬ ‫بعد �أن بلع ريقه‪ ،‬وببطء �شديد‪ ،‬ليمنح نف�سه فر�صة للتفكري‪:‬‬ ‫ـ وعليكم ال�سالم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬ ‫�أ�صبحت مالمح «الوح�ش» �أكرث حدة و�أم�سك ح�سن من ياقته وجذبه �إليه حتى كاد �أنفاهما‬ ‫يتالم�سان‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ـ �إن �ضربت �أحد ال�صغار مرة �أخرى‪� ،‬س�أجعل منك حكاية الفريج يف ال�سنوات املقبلة‪.‬‬ ‫كان معروفاً عن «�سامي الوح�ش» �أنه من �أ�صحاب امل�شاكل‪ ،‬وال يخرج من بيته �إال ويف‬ ‫جيوبه �أ�سلحته البي�ضاء التي ت�صبح حمراء بعد اال�ستعمال‪ .‬ويذكر �أنه �أودع ال�سجن مرات‬ ‫عدة‪ ،‬كانت �آخرها ملدة �ستة �أ�شهر ب�سبب م�شاجرة طعن فيها �أحدهم‪ ،‬و�أدانوه بال�شروع يف‬ ‫القتل‪.‬‬ ‫قال ح�سن وقد بد�أ يفقد �أع�صابه و�إميانه‪:‬‬ ‫ـ لكنني فعلت ذلك مل�صلحتهم‪ ،‬كانوا يلعبون وقت الأذان‪ ،‬فكان البد من �إعطائهم در�ساً‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 42‬‬


‫ترك «الوح�ش» ياقة ح�سن‪ ،‬و�أم�سك بيده و�أخذ منه ال�سيجارة‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ـ �أخذتها منك للم�صلحة العامة‪ ،‬فهذه ال�سيجارة ت�ضر ب�صحتك و�صحة الآخرين‪.‬‬ ‫و�أخذ «نف�ساً» من ال�سيجارة‪ ،‬وتابع وهو ينفث الدخان من فمه �إىل �أعلى م�شك ً‬ ‫ال دوائر‬ ‫عدة‪:‬‬ ‫ـ وكذلك تفعل الأفالم اخلليعة التي ت�أخذها من خلود ُدبلكيت‪.‬‬ ‫ومن ثم مرر �سامي ال�سيجارة �إىل �أحد رفاقه وقال‪:‬‬ ‫ـ خذ دخن‪� ،‬أنت حتب هذا النوع‪.‬‬ ‫�أ�صبحت الأمور حقيقية ووا�ضحة �أمام اجلميع‪ .‬لكن ح�سن قال وهو ي�ستنجد مب�سبحة من‬ ‫جيبه ليخفي توتره‪:‬‬ ‫ـ �أ�ستغفر اهلل‪ ..‬عموماً لن �أتدخل يف �ش�ؤون ه�ؤالء مرة �أخرى‪.‬‬ ‫ظهرت عالمات الن�صر على وجه «الوح�ش» وقال وك�أنه يريد �أن يعمق جراح ح�سن‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ـ ح�سناً‪ ،‬ومع ذلك لو ر�أيتك تدخن مرة �أخرى‪ ،‬فلن �أحتدث معك‪ ،‬لأنني �س�أكون م�شغوال ب�أن‬ ‫�أجعلك ت�أكل الرتاب‪.‬‬ ‫يف هذه الأثناء‪ ،‬كانت الأم و�أوالدها جمتمعني يف غرفتها‪ ،‬يفكرون يف حل ينقذهم من بط�ش‬ ‫ح�سن‪ ،‬واقرتحت الأخت الكربى �أن ي�أخذوه بغتة وهو نائم ويوثقوه وينهالوا عليه �ضرباً حتى‬ ‫يت�أدب‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫ـ ميكننا �أن ن�ستعني بخايل مبارك لي�ساعدنا‪.‬‬ ‫وكان اجلميع �صامتني يقلبون الفكرة يف ر�ؤو�سهم‪.‬‬

‫‪43‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 43‬‬


‫حيوان منوي لعين‬

44

final edition.indd 44

02/12/11 5:43 PM


‫«�أنا حامل‪ ..‬ما العمل؟»‪.‬‬ ‫�أ�شعل �سيجارته بعد �أن قر�أ «امل�سج»‪ ،‬رغم �أنه مل يعتد التدخني حني ي�ستيقظ‪ .‬جل�س على‬ ‫ال�سرير يفكر‪� ،‬أعاد قراءة الر�سالة‪ ،‬فرمبا تكون هناك عالمة مزاح و�ضعتها �صديقته مل‬ ‫ينتبه �إليها‪ ،‬لكن ال �شيء من هذا‪.‬‬ ‫مرت �أكرث من �سنة على عالقتهما‪ ،‬وها قد حملت وحدث ما كان يخ�شاه‪ ،‬لكن كيف؟ ظل‬ ‫يحاول �أن يتذكر الليلة التي مل يلتزما فيها بطرق الأمان‪.‬‬ ‫كان حذرا جداً‪ ،‬رغم علمه �أن احلذر ال مينع القدر‪ ،‬و�أنه ال يوجد و�سيلة �آمنة مئة باملئة‬ ‫ملنع احلمل‪ ،‬فحيوان منوي واحد من بني ماليني احليوانات قد يختبئ ويت�سلل بطريقة ما‬ ‫�إىل «قناة فالوب»‪ ،‬ويخرتق البوي�ضة‪ ،‬فتقفل �أبواب الرحم‪ ..‬ومن ثم «مربوك‪ ،‬جالك ولد»‪.‬‬ ‫قال يف نف�سه‪:‬‬ ‫ـ يا لهذا احليوان اللعني!‬ ‫�أ�شعل �سيجارة ثانية‪ ،‬و�أخذ يفكر؛ ما الذي يجب �أن يفعله؟ خطر له �أن يتزوجها فهو يحبها‪،‬‬ ‫لأنها ذكية ومكافحة‪ ،‬ر�شيقة وجميلة‪� ،‬شقراء وعيناها خ�ضراوان وخداها طاملا �شبههما‬ ‫بكعكة اجلنب‪ ،‬تناق�شه يف ق�ضايا كثرية رغم �أنهما يتوا�صالن بالإنكليزية‪ ،‬وهي لغة غريبة‬ ‫عن كليهما‪ ،‬وال يكتفيان بذلك‪ ،‬بل وي�ضحكان معظم الوقت‪..‬‬ ‫لكن كيف يتزوجها وهي �أجنبية؟ منذ زمن عاهد نف�سه �أال يتزوج ب�أجنبية‪ ،‬فالأجنبيات‬ ‫ع�شيقات فقط‪ ،‬والزواج بهن كمحاولة طريان الإن�سان بجناحني فقط‪ ،‬واملجتمع ال يه�ضمها‬ ‫وغالباً ما يتقي�ؤها‪ ،‬خ�صو�صاً الزواج ببنات هذه البلدان‪ ،‬لأنهن اكت�سنب �سمعة «�شوارعية»‬ ‫ب�سبب من قدمن �إىل اخلليج بعد ازدهار دوله‪ ،‬وانهيار االحتاد ال�سوفييتي‪ .‬ثم مباذا �سيربر‬ ‫هذا الزواج للنا�س ولأهله؟ قال يف نف�سه‪:‬‬

‫‪45‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 45‬‬


‫ـ الزواج منها انتحار اجتماعي‪.‬‬ ‫بقي جال�ساً على ال�سرير‪ ،‬هم بالوقوف‪ ،‬لكنه مل ي�ستطع حمل ر�أ�سه التي تزاحمت فيها‬ ‫الأفكار‪ ،‬وكانت �إحداها فكرة الإجها�ض‪ ،‬فهي احلل الأمثل‪ .‬لكن �ألي�س هذا قت ً‬ ‫ال؟ ثم هل‬ ‫يعالج خط�أه بجرمية؟‬ ‫تذكر �أنه قر�أ يف ال�صحف عن حاالت �إجها�ض ودفن للجثة‪� ..‬أُودع فيها املتهمون ال�سجن‪.‬‬ ‫تخيل �أي�ضاً �أن الإجها�ض مت ب�سالم‪ ،‬ومل ينتبه �أحد‪ ،‬كيف �سيقنع �ضمريه ب�أن ما فعله جمرد‬ ‫عملية خلع �ضر�س م�ؤملة؟!‬ ‫ت�أخر عن العمل‪ ،‬حمل نف�سه و�أفكاره وذهب لي�ستحم‪ .‬مل يهتم ب�ضبط درجة حرارة املاء‪� ،‬أو‬ ‫مل ينتبه �إىل ذلك‪ .‬كان املاء احلار ين�سكب عليه وهو يفكر يف �إر�سال الفتاة �إىل بلدها‪ ،‬حيث‬ ‫ميكنها �إجناب الطفل هناك ورعايته‪ ،‬ويتكفل هو مب�صاريفه كلها حتى ي�صبح رج ً‬ ‫ال‪..‬‬ ‫تخيل ذلك‪ ،‬وتخيل �أنه يعي�ش �أحد الأفالم الهندية املكررة‪ ،‬حيث يظهر لأبنائه �أخ �أكرب بعينني‬ ‫خ�ضراوين ليطالب بحقه يف املرياث‪ ،‬رغم ثقته ب�أنه لن يورث �سوى الديون‪.‬‬ ‫كيف ميكن �أن يفعل ذلك؟ ما ذنب هذ الطفل ليرتعرع من دون �أب؟ ال يعلم ابن من هو‪ ،‬وال‬ ‫من �أين؟ ثم ماذا �سيقول له �إن �صدف وتقابال م�ستقب ً‬ ‫ال‪ .‬وهذا ما �سيحدث بالت�أكيد‪ ،‬فالبد‬ ‫�أن تخربه �أمه ب�أ�صله وف�صله يف النهاية‪..‬‬ ‫ال لن يكون مبقدوره �أن ي�سبب هذا العذاب البنه ولنف�سه �أي�ضاً‪ ،‬وهو يعلم �أن هناك طف ً‬ ‫ال‬ ‫من �صلبه‪ ،‬يتعذب يف مكان ما‪.‬‬ ‫تذكر حكاية الرجل الذي �أعجب بامر�أة فقرية و�أحبته‪ ،‬فلما حملت منه‪ ،‬تركها و�أخذ طفله‬ ‫ورماه عند باب �أحدهم‪ ،‬وتزوج ب�أخرى غنية‪ ،‬وكرب و�شاب وهو نادم على فعلته‪ ،‬لأنه مل‬ ‫ي�ستطع �إجناب طفل �آخر‪.‬‬ ‫خرج من احلمام‪� ،‬أراد االت�صال بها‪ ،‬لكنه مل يقرر �شيئاً بعد‪ ،‬فماذا �سيقول لها؟ يف ال�سيارة‬ ‫ا�ستجمع قواه‪ ،‬وكلمها تلفونياً لي�سمع اقرتاحاتها‪ ،‬فلم يعد قادراً على التفكري‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 46‬‬


‫قالت له بنربة ر�سمية‪:‬‬ ‫ـ �أنا يف اجتماع‪� ،‬س�أت�صل بك الحقاً‪.‬‬ ‫و�أقفلت اخلط‪ ،‬قالتها ب�صوت ي�شبه �صوت الفتاة التي ترد عندما يكون الهاتف مغلقاً‪ .‬ظل‬ ‫يفكر يف امل�س�ألة حتى تهي�أ له �أن �شعره �أبي�ض حتت «الغرتة»‪.‬‬ ‫و�صل املكتب‪� ،‬ألقى التحية على ال�سكرتري الذي قال وابت�سامته العري�ضة تز ّم عينيه‪:‬‬ ‫ـ هل �سمعت �آخر خرب؟‬ ‫هز ر�أ�سه نافياً‪ ،‬وهو ال يريد �سماع �أي خرب �سواء كان �أخرياً �أو �أوالً‪ ،‬ف�أكمل ال�سكرتري‪:‬‬ ‫ـ �صدام ح�سني مل ميت‪ ،‬لقد �أعدموا �شبيهه‪� ،‬أعلنوا �أنه حي اليوم‪.‬‬ ‫لوهلة حدق يف ال�سكرتري‪ ،‬حماوالً ربط الأحداث‪ ،‬ت�ساءل‪:‬‬ ‫ـ ما الذي يحدث اليوم؟‬ ‫�أخرج هاتفه‪ ،‬نظر �إىل التاريخ‪� ،‬إنه الأول من �أبريل‪ ،‬يوم الكذب العاملي!‬

‫‪47‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 47‬‬


‫مُحاصر بالخراء‬

48

final edition.indd 48

02/12/11 5:43 PM


‫يا ح�ضرة القا�ضي �أنا بريء‪ ،‬ملاذا �أقف يف القف�ص واملجرمون احلقيقيون يجل�سون يف القاعة‬ ‫يرمقونني بنظرات اال�ستهجان؟‬ ‫هذه لي�ست نكتة‪� ،‬إنهم ينظرون �إيل الآن وك�أنني اقتحمت بيوتهم وقتلت �أهاليهم ومن ثم‬ ‫�سرقتهم ولعبت ب�أموالهم يف الكازينوهات و�صاالت القمار!‬ ‫�سلهم يا �سيدي‪� ،‬أمل ي�أتوا �إ ّ‬ ‫يل ولعابهم ي�سيل �إىل الأر�ض لي�ضعوا �أموالهم يف يدي‪� ،‬أمل‬ ‫ينظروا �إيل باحرتام وتقدير حينها؟‬ ‫ذلك الرجل الذي يرتدي قمي�صاً �أ�صفر‪ ،‬كان �أول من منحني ماله‪ .‬نعم �أنت‪ ،‬ال تلتفت �إىل‬ ‫اخللف!‬ ‫�آ�سف يا ح�ضرة القا�ضي‪� ،‬أرجوك دعني �أوا�صل! �أمل �أدفع لك طوال تلك ال�سنني �أرباحاً مل‬ ‫تكن لتح�صل عليها حتى لو عملت �أربعاً وع�شرين �ساعة يومياً حتى �آخر حياتك؟ �أمل حت�صل‬ ‫يف تلك ال�سنوات على مبالغ تفوق املبلغ الذي منحتني �إياه يف البداية؟ �أمل ت�شكرين ومتدح‬ ‫�أخالقي وعملي حينها‪ ،‬ما زاد توافد النا�س �إيل؟‬ ‫ملاذا يقا�ضيني هذا الرجل يا ح�ضرة القا�ضي؟ كان الأوىل به �أن ي�صنع يل متثاالً وي�ضعه‬ ‫�أمام بيته‪ ،‬فقد جعلته يلعب باملاليني �سريعاً‪ ،‬و�إن كنت جمرماً ف�إنه �شريكي يف اجلرمية‪ ،‬لي�س‬ ‫وحده فح�سب‪ ،‬بل �أغلب احلا�ضرين هنا اليوم �شركائي فيها‪.‬‬ ‫مل هذه ال�ضجة يا ح�ضرة القا�ضي؟ ملاذا تنهال اللعنات على ر�أ�سي؟ �أمل يعجبهم كالمي؟ هذه‬ ‫املر�أة التي ت�صرخ وتولول مطالبة بحقوقها الآن‪� ،‬أ�س�ألوها‪:‬‬ ‫ـ �أمل تبك �أمامي لأقبل �أن �آخذ �أموالها و�أ�ستثمر فيها مقابل �أرباح �شهرية جمزية؟‬

‫‪49‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 49‬‬


‫كان املبلغ ب�سيطاً يا �سيدي‪ ،‬لكني مل �أحتمل منظر دموعها وقبلته‪ ،‬رغم �أن املبلغ ال ي�ساوي‬ ‫ال�صداع الذي �سي�سببه يل‪ ،‬فهل يكون جزائي ال�سجن؟‬ ‫يا ح�ضرة القا�ضي �أعرتف �أنني �أخط�أت‪ ،‬لكنني ل�ست جمرماً‪ .‬كانت البداية عندما �أخذت‬ ‫قر�ضاً من البنك‪ ،‬كنت موظفاً حينها‪� ،‬أُع�سكر كل �أول �شهر عند ال�صراف الآيل‪.‬‬ ‫كانت الطريق مفرو�شة بالدراهم عندما دخلت �سوق الأ�سهم م�سلحاً بالقر�ض‪ ،‬وربحت كثرياً‪،‬‬ ‫كانت �أيام الطفرة‪ ،‬وادخرت مبلغاً حمرتماً يف �شهور عدة‪.‬‬ ‫اخلراء يجذب الذباب يا �سيدي‪ ،‬والأموال جتذب النا�س‪ .‬جاءين بع�ض �أفراد عائلتي‬ ‫و�أ�صدقائي‪ ،‬منحوين �أموالهم لأ�ستثمرها لهم يف �سوق الأ�سهم والعقار‪ ،‬كانت �سماء هذه‬ ‫الأ�سواق متطر نقوداً يف تلك الأيام‪.‬‬ ‫ا�ستقلت من وظيفتي‪ ،‬وغامرت �أكرث و�أخذت م�ستحقات ‪ 14‬عاماً من خدمة احلكومة‪،‬‬ ‫وو�ضعتها مع �أموال �أ�صدقائي و�أهلي‪.‬‬ ‫كنت ناجحاً يا ح�ضرة القا�ضي‪ ،‬حققت �أرباحاً طائلة‪ ،‬نعم كنت �أمنحهم �أرباحاً �شهرية كبرية‪.‬‬ ‫كان كثريون منهم ال ي�صدقون ذلك‪ ،‬لكنها احلقيقة‪ ،‬كان احلظ معي‪� ،‬صفقاتي دائماً ناجحة‪،‬‬ ‫و�أرباحي ت�صل �إىل �أكرث من ال�ضعفني �أحياناً‪ ،‬كان الو�ضع جنونياً‪ ،‬وكان البد من تعيني‬ ‫م�ساعدين يل‪ ،‬ومن ثم ت�أ�سيي�س �شركة‪ ،‬خ�صو�صاً عندما بد�أت �أموال النا�س تتدفق‪.‬‬ ‫�صدقني يا ح�ضرة القا�ضي‪ ،‬مل �أ�سع �إىل �أموالهم‪ ،‬مل �أكن �أريدها‪ ،‬لكن قل يل يا �سيدي‬ ‫كيف يل �أن �أرف�ض؟ وكل �شخ�ص منهم قادم بو�ساطة �صديق �أو قريب‪ ،‬فكل واحد فيهم يريد‬ ‫اخلري لأ�صدقائه‪.‬‬ ‫مل �أ�ستطع �أن �أرف�ض‪ ،‬كنت لأبدو كمن ميلك كعكة كبرية ويرف�ض �أن مينح فتاتها للآخرين‪ .‬كنت‬ ‫م�ضطراً �إىل �أخذ �أموالهم حتى ال يتهموين بالطمع وب�أنني �أريد مال الدنيا يل وحدي‪.‬‬ ‫�أ�صبحت عائلتي من العائالت الغنية يف �أقل من �سنتني‪ ،‬كنا نركب �أفخر ال�سيارات‪ ،‬انتقلنا‬ ‫�إىل م�ساكن جديدة‪ ،‬كنت �أعمل يف كل الأ�سواق‪ :‬الأ�سهم والعقارات وال�سيارات ولوحاتها‪..‬‬

‫‪50‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 50‬‬


‫بد�أت الأمور تتغري‪� ،‬أ�صبحت �أخ�سر بع�ض ال�صفقات‪ ،‬لكنني �أبقيت على �أرباح امل�ستثمرين‬ ‫ال�شهرية كما هي‪ ،‬وذلك من خالل الأموال التي كانت تتدفق علي من امل�ستثمرين اجلدد‪.‬‬ ‫مل �أكن �أنوي �سرقتهم‪ ،‬كنت �أعتقد �أنني �س�أ�ستطيع تعوي�ض اخل�سائر يف ال�صفقات املقبلة‪،‬‬ ‫لكن الو�ضع ازداد �سوءاً يا �سيدي‪.‬‬ ‫حاولت �إرجاع الأموال املتبقية �إىل امل�ستثمرين واالعتذار عن موا�صلة امل�شوار‪ ،‬لكن كبار‬ ‫امل�ستثمرين رف�ضوا‪ ،‬جتاهلوا الأزمة املالية التي �ضربت الغرب‪ ،‬مل يتخيلوا �أنها �ست�ضربنا‬ ‫�أي�ضاً‪ ،‬ومل ي�صدقوا �أن رجل �أعمال مثلي �سيخ�سر‪ ،‬وجددوا ثقتهم بي‪.‬‬ ‫�أخذين احلما�س يا �سيدي وقبلت التحدي‪ ،‬ف�أو�صلني �إىل هنا بني يدي ح�ضرتك‪.‬‬ ‫يا ح�ضرة القا�ضي لو كنت ل�صاً �أو ن�صاباً لهربت خارج البلد منذ مدة‪ ،‬ومللكت �أمواالً يف بنوك‬ ‫�سوي�سراً وغريها‪ ،‬لكني مل �أفعل‪.‬‬ ‫لقد تاجرت يف �أموال النا�س كما تاجرت يف �أموايل‪ ،‬بع�ضهم ربح وبع�ضهم خ�سر‪ ،‬مثلي‬ ‫متاماً‪ ،‬ها�أنذا خ�سرت كل �شيء؛ �سمعتي‪ ،‬حريتي‪ ،‬عائلتي‪ ،‬وظيفتي ‪ ..‬تخلى اجلميع عني‪،‬‬ ‫ومل يتبق يل �إال اخلراء يحيط بي من كل جانب‪ ،‬ورغم ذلك حتى الذباب ال يريدين‪.‬‬ ‫�أال تعتقد �أنني بريء يا ح�ضرة القا�ضي؟‬

‫‪51‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 51‬‬


‫المالك المسطول‬

52

final edition.indd 52

02/12/11 5:43 PM


‫قبل ع�شرين عاماً‪ ،‬يف بيت �شعبي قدمي‪ ،‬يجل�س رجل �إىل طاولة مهرتئة وكر�سي بال�ستيكي‬ ‫�أبي�ض‪ ،‬يرتدي معطفاً وقبعة �سوداء ت�شبه مالب�س رجال املخابرات‪ ،‬ينظر �إىل �ساعة يده‬ ‫با�ستمرار‪ ،‬ويراقب طفلني يلعبان �أمامه‪ ،‬فرحني ب�ألعابهما ومالب�سهما الريا�ضية اجلديدة‪،‬‬ ‫فاختلطت �ضحكاتهما ب�صرخات امر�أة تلد‪ ،‬والدة على الطريقة القدمية‪.‬‬ ‫ينتهي �صراخ املر�أة‪ ،‬ويبد�أ �صراخ القادم اجلديد �إىل الدنيا‪ .‬ت�صل امر�أة عجوز‪ ،‬حتمل املولود‬ ‫بني يديها‪ ،‬وت�أمر الطفلني بالدخول �إىل �أمهما‪.‬‬ ‫ت�سلم الطفل �إىل الرجل‪ ،‬وت�أخذ منه مغلفاً يحوي مبلغاً مالياً كبرياً‪ .‬تقول العجوز وهي‬ ‫تو�شك على البكاء‪:‬‬ ‫ـ ولد ا�سم النبي حار�سه‪ ،‬خلي بالك منه‪ ،‬مافي�ش �أم تفرط يف �ضناها‪� ،‬إمنا �ساعات الزم‬ ‫ت�ضحي بواحد‪ ،‬ع�شان يعي�شوا اثنني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يقول الرجل دون �أن تظهر مالمح وجهه جيدا ب�سبب القبعة‪:‬‬ ‫ـ ال تخايف‪� ،‬س�أجعل منه مالكاً‪.‬‬ ‫ربى الرجل ذو املعطف الطفل يف مكان غريب‪ ،‬كل �شيء فيه �أبي�ض‪ ،‬كان الطفل يكرب ويكرب‪،‬‬ ‫متعلماً �أنه مالك‪ ،‬و�أن هناك عاملاً �آخر ال ي�ستطيع ر�ؤيته الآن لأنه لي�س م�ستعداً‪.‬‬ ‫مرت ال�سنوات‪ ،‬والطفل جال�س على كر�سيه واملعلم �أمامه يكتب له على ال�سبورة «�أنت‬ ‫مالك»‪ .‬يكرب الولد قلي ً‬ ‫ال‪ ،‬املعلم يكتب على ال�سبورة «الب�شر �أ�شرار»‪ .‬يكرب الفتى �أكرث «يقتلون‬ ‫وي�سرقون وينافقون‪ .»..‬يكرب ال�شاب �أكرث‪ ،‬املعلم يكتب «نهايتنا �سعيدة ونهايتهم تعي�سة»‪.‬‬ ‫كان الرجل ذو املعطف �أو املعلم‪ ،‬يتذكر هذه الأحداث التي جرت يف ال�سنوات الع�شرين‬ ‫املا�ضية‪ ،‬قبل �أن يح�ضر �إليه املالك‪ ،‬ومي�شيان و�سط الأ�شجار والطيور والزهور والفرا�شات‪،‬‬ ‫ليخربه املعلم ب�أن وقته قد حان ليخو�ض املهمة التي طاملا انتظرها‪.‬‬

‫‪53‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 53‬‬


‫املهمة هي �أن يعي�ش مع الب�شر حماوالً �أال ي�صبح مثلهم‪ .‬هو �شيء �سهل للمالك‪ ،‬فقد تعلم‬ ‫وتدرب منذ طفولته على ذلك‪ ،‬لكن املعلم �أخربه �أن هناك مهمة �أخرى يف انتظاره‪:‬‬ ‫ـ عليك �أن تهدي ب�شرياً واحداً على الأقل‪ ،‬وحني تفعل �ستعود معه �إىل هنا‪ ،‬و�إال فلن تعود‬ ‫�أبداً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ليح�ضر نف�سه ملغادرة اجلنة التي تربى فيها‪ ،‬ومل يغادرها �أبداً‪ ،‬كان يتوق �إىل‬ ‫ذهب املالك‬ ‫ذلك‪ ،‬وها قد حان املوعد‪.‬‬ ‫ينما وقف املعلم يراقبه وابت�سامة حزينة على �شفتيه‪ ،‬ودمعة ترتاق�ص يف عينيه ب�صعوبة‬ ‫ا�ستطاع حب�سها يف مكانها‪ ،‬و�صورة الطفل وهو يكرب يف خميلته‪.‬‬ ‫اليوم وبعد كل ذلك التعليم والرتبية املالئكية‪ ،‬املالك مي�شي حام ً‬ ‫ال حقيبته‪ ،‬حمالت على‬ ‫ميينه و�شماله‪ ،‬يبحث عن مكان يقيم فيه‪ ،‬يطوف بالبنايات‪ ،‬ي�س�أل عن �شقة ي�ست�أجرها‪ ،‬لكن‬ ‫ال يوجد �شاغر‪� ،‬إىل �أن ي�صل بناية يقول حار�سها الهندي‪:‬‬ ‫ـ �شقة مايف‪� ،‬سرير فا�ضي داخل غرفة يف‪.‬‬ ‫وبعد �أن ي�أخذ «البخ�شي�ش» الإجباري‪ ،‬ي�صعد الهندي �إىل �شقة يف الأعلى‪ ،‬بينما يلتقط‬ ‫املالك �إحدى ال�صحف من على من�صة قرب الباب‪ ،‬ويت�صفحها‪ ،‬فتقع عيناه على عنوان‬ ‫«حماكمة رجل اغت�صب طفلة وقتلها»‪ ،‬فيهز ر�أ�سه قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫ـ ب�شر‪.‬‬ ‫يف غرفة ب�سريرين‪ ،‬ينام على �أحدهما �شاب‪ ،‬وعلى املن�ضدة بقربه كمية من املحارم الورقية‬ ‫امل�ستعملة‪ .‬يرن جر�س الباب مرات عدة وب�إ�صرار �شديد‪ ،‬يفتح ال�شاب �إحدى عينيه‪ ،‬ت�صل‬ ‫�إىل �سمعه عبارة من التلفزيون الذي مل يغلقه منذ �ساعات‪:‬‬ ‫ـ ات�صل علينا‪ ،‬نحن ناطرينك على نار‪ ،‬ما بدك جترب احلب يف التلفون‪.‬‬ ‫ينه�ض ال�شاب‪ ،‬يرمي املحارم الورقية يف القمامة‪ ،‬يغلق التلفاز‪ ،‬ومن ثم يفتح الباب‪ .‬يظهر‬ ‫الهندي قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫ـ �أرباب‪� ،‬إذا �أنا يجيب �شاب مي�شان �سرير زيادة‪� ،‬أنت كم يدفع؟‬

‫‪54‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 54‬‬


‫يفرك ال�شاب عينيه‪ ،‬وينظر �إىل الهندي بعتاب ويقول‪:‬‬ ‫ـ العمى‪� ،‬أنت ما بت�ساوي �شي ببال�ش؟‬ ‫يرد الهندي وهو يبت�سم‪:‬‬ ‫ـ هذا رجل �أنت يخلي ي�سكن داخل غرفة بال�ش؟‬ ‫يتفقان على مبلغ عمولة‪ ،‬وافق الهندي على �أن ي�أخذه يف �أول ال�شهر‪.‬‬ ‫ي�صل البواب ومعه ال�شاب الذي نزل ليتفح�ص من �سي�سكن معه‪ ،‬نظر �إليه من فوق �إىل‬ ‫حتت‪ ،‬ومن ثم بد�أ با�ستجوابه‪:‬‬ ‫ـ �شو ا�سمك بال زغرة؟‬ ‫ـ يو�سف‪.‬‬ ‫ـ ومنني ح�ضرتك؟‬ ‫ـ من بالد اهلل الوا�سعة‪.‬‬ ‫قال ال�شاب العربي �سليم مبت�سماً‪:‬‬ ‫ـ وكمان بتحكي بالف�صحى‪ ،‬ال تكون من �إخوان امل�سلمني ب�س؟‬ ‫ـ ل�ست من �إخوانهم وال حتى �أقربائهم‪.‬‬ ‫ي�ضحك ال�شاب مع يو�سف‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫ـ ولك عجبتني‪ ،‬دمك خفيف‪� ..‬شو فيها هاي ال�شنطة‪� ،‬إن �شا اهلل مو حزام نا�سف؟‬ ‫ـ مالب�سي و�أغرا�ضي ال�شخ�صية فقط‪.‬‬ ‫ينهيان هذه الدرد�شة ويتجهان �إىل امل�صعد‪ ،‬وقبل �أن يدخال‪ ،‬يقول ال�شاب وهو ي�ضع يده‬ ‫على �صدر يو�سف ليوقفه‪:‬‬ ‫ـ يف �شي واحد‪ ،‬راح تدفع ‪� 1500‬أول كل �شهر وكا�ش‪ ..‬وال�شقة �شقتي و�أنا اللي بيحدد‬ ‫قوانينها؟‬ ‫وافق املالك وت�صافحا ودخال‪.‬‬ ‫يف ال�شقة‪ ،‬املالك ي�ضع مالب�سه يف اخلزانة بعد �أن �سمح له �سليم بذلك‪ .‬يبد�أ �سليم الذي‬ ‫يجل�س بجانب التلفزيون ويتفرج على «فيديو كليب» «بو�س الواوا»‪ ،‬ب�سرد قوانني ال�سكن‬ ‫معه‪:‬‬ ‫ـ �أول �شي‪ ،‬ممنوع جتيب رفيقتك هون‪� ..‬إال �إذا كانت رفيقتها معها‪.‬‬ ‫يقول يو�سف دون �أن يلتفت �إليه‪:‬‬

‫‪55‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 55‬‬


‫ـ لي�س لدي رفيقة‪.‬‬ ‫يبدي �سليم �إعجابه مبوقف املالك من الن�ساء‪ ،‬ويكمل حديثه‪:‬‬ ‫ـ عموماً البنات ما وراهم �إال وجع القلب واجليب‪ ..‬ثاين �شي‪� ،‬شرب الوي�سكي والبرية‬ ‫ممنوع‪.‬‬ ‫يبت�سم وهو يلتفت �إىل املالك وي�ضيف‪:‬‬ ‫ـ لكن �شوية ح�شي�ش ما بي�ضرو‪.‬‬ ‫يلتفت يو�سف �إىل حمدثه ويقول‪:‬‬ ‫ـ �أ�ستغفر اهلل‪� ..‬أنا ال �أتعاطى هذه الأ�شياء‪.‬‬ ‫يقول �سليم بعد �أن ي�ضرب جبهته بانفعال وا�ضح‪:‬‬ ‫ـ ولك ال بت�شرب وال بتح�ش�ش وال عندك ن�سوان‪ ..‬ولك منني طلعتلي �أنته؟‬ ‫ال يرد يو�سف مكتفياً باالبت�سام‪ .‬بعد حلظة �صمت طويلة يدعو �سليم رفيق غرفته اجلديد‬ ‫�إىل �سهرة جميلة وخمتلفة‪.‬‬ ‫ثالثة �أ�شخا�ص يجل�سون يف غرفة‪� ،‬صوت «بوب ماريل» يعلو �أ�صواتهم‪ ،‬ي�صل �إليهم �سليم ومعه‬ ‫املالك‪ ،‬ي�سلمان ويجل�سان‪ .‬يحدق زعيمهم وليد ـ وهو �شاب �ضخم مل ت�ستطع «الكندورة»‬ ‫�إخفاء كل ترهالته ـ باملالك‪ ،‬وي�س�أل وهو يلف ورقة ملئت تبغاً خملوطاً باحل�شي�ش‪:‬‬ ‫ـ �سلومة هذا هو اللي خربتني عنه؟‬ ‫ـ �أيه هو‪ ..‬ل�ساتو بكر على هال�شغالت‪.‬‬ ‫يقول وليد بعد �أن ميرر ل�سانه على اللفافة‪:‬‬ ‫ـ كلنا كنا جداد قبل‪ ،‬كل �شي له �أول مرة‪ ،‬وال �شو رايك؟‬ ‫يلتفت «يو�سف» يف كل االجتاهات ليت�أكد �إن كان ال�س�ؤال موجهاً �إليه ويقول‪:‬‬ ‫ـ �شكراً لكني ال �أريد هذه التجربة‪.‬‬ ‫تفلت �ضحكات مكتومة ت�صدر من الثالثة‪ ،‬يقول �أحد ال�شابني اجلال�سني للآخر‪:‬‬ ‫ـ اليوم ليلتنا فيلم‪.‬‬ ‫ويقول وليد‪:‬‬ ‫ـ على راحتك‪ ،‬لكن ال تخجل �إذا بغيت جترب‪ ،‬اعتربين مثل �أخوك الكبري‪.‬‬ ‫وي�شري �إىل رفاقه وي�ضيف‪:‬‬ ‫ـ واعترب هاالثنني خواتك‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 56‬‬


‫ي�ضحك اجلميع‪ ،‬ويبت�سم املالك �أي�ضاً‪.‬‬ ‫بعد �ساعات‪ ،‬الدخان ميلأ املكان‪ ،‬بوب يغني‪« :‬قف‪ ،‬انه�ض‪ ،‬ونا�ضل لأجل حقوقك‪ ،‬قف‪،‬‬ ‫انه�ض وال ت�ست�سلم يف املعركة»‪ ،‬ال�ضحكات م�ستمرة‪� ،‬سجائر احل�شي�ش تدور على اجلميع‬ ‫با�ستثناء املالك‪ ،‬لكنه بد�أ ي�شعر بالراحة وال�شجاعة ب�سبب الدخان وبوب‪.‬‬ ‫مل ي�ستطع يو�سف االنتظار �أكرث‪ ،‬وقف فج�أة وقال ب�أعلى �صوته‪:‬‬ ‫ـ �أريد �أن �أخربكم �شيئاً‪.‬‬ ‫�أغلق �أحد ال�شابني امل�سجل ب�سرعة‪ ،‬ف�أكمل يو�سف‪:‬‬ ‫ـ يا �شباب‪� ،‬أنا ل�ست �إن�ساناً مثلكم‪� ،‬أنا مالك‪.‬‬ ‫حدق اجلميع فيه وهم �صامتون‪ ،‬التفتوا �إىل بع�ضهم بع�ضاً‪ ،‬وفج�أة �ضحكوا ب�شكل ه�ستريي‪،‬‬ ‫وتخللت ال�ضحكات بع�ض التعليقات‪:‬‬ ‫ـ نحن نح�ش�ش‪ ،‬وهو ين�سطل‪.‬‬ ‫ـ �شو ر�أيك تعطينا من ال�صنف اللي جايبو معاك من اجلنة‪.‬‬ ‫وي�ستمرون يف ال�ضحك وهم يرددون «مالك»‪.‬‬ ‫انتظرهم املالك حتى هد�ؤوا‪ ،‬وكرر عبارته مرة �أخرى وبت�صميم �أكرب‪ ،‬فانخرطوا يف نوبة‬ ‫�ضحك �أخرى‪ ،‬انتهت بوقوف وليد وهو ي�سعل متجهاً �إىل املالك الذي مل تتغري تعابري وجهه‬ ‫اجلادة‪ ،‬ي�صافحه ويجعله يتحرك معه باجتاه الباب‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫ـ �أنا ما قلت لك تعتربين �أخوك الكبري؟ مب عيب تتم�صخر على �أخوك الكبري؟‬ ‫ي�صالن �إىل الباب‪ ،‬يفتحه وليد‪ ،‬يقول املالك‪:‬‬ ‫ـ �أنا ال �أمزح‪� ،‬أنا مالك‪ ،‬لو‪..‬‬ ‫�أراد �أن يكمل كالمه لكن �صفعة على «قفاه» منعته من ذلك و�أخرجته من الباب‪ ،‬و�سمع وليد‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫ـ �إذا كنت �أنت مالك‪ ،‬ترى �أنا ن�سيت �أعرفك بنف�سي‪� ،‬أنا �إبلي�س‪ ،‬و�إن رجعت مرة ثانية بنتف‬ ‫جناحينك تنتيف‪.‬‬ ‫ارتفعت ال�ضحكات جمدداً ممزوجة ب�صوت بوب وهو يكمل الأغنية‪« :‬معظم النا�س يعتقدون‪� ..‬أن‬ ‫اهلل العظيم �سي�أتي من ال�سماء‪ ..‬ي�أخذ كل �شيء ويجعل اجلميع ي�شعرون باالرتياح‪ ..‬لكن �إن كنت‬

‫‪57‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 57‬‬


‫تعلم ما ت�ستحقه احلياة‪� ..‬ستبحث عن حياتك على الأر�ض‪.»...‬‬ ‫مي�شي املالك يف ال�شوارع وحيداً‪ ،‬يقول يف نف�سه‪:‬‬ ‫ـ م�ساكني مل ي�ستطيعوا تقبل احلقيقة‪.‬‬ ‫ومن ثم يت�ساءل‪:‬‬ ‫ـ كيف �أ�ستطيع هداية ه�ؤالء؟‬ ‫ي�سري من غري هدف وا�ضح‪ .‬ي�سمع �صوت �أذان الفجر من �أماكن خمتلفة‪ ،‬يقرر الذهاب �إىل‬ ‫امل�سجد‪ ،‬وهو يتذكر �أنه يف �إحدى املرات �س�أل معلمه �إن كان كل الب�شر �سيئني‪ ،‬فكانت �إجابة‬ ‫املعلم‪:‬‬ ‫ـ نعم كلهم �سيئون‪ ..‬لكنهم �سيئون بتفاوت‪ ،‬مث ً‬ ‫ال‪� ،‬أف�ضلهم يكونون يف دور العبادة حني يكون‬ ‫الآخرون نائمني‪.‬‬ ‫ي�صل املالك امل�سجد‪ ،‬يدخل من الباب اخلارجي‪ ،‬لكنه ينتظر يف امل�ساحة اخلالية بني املغا�سل‬ ‫وامل�صلني‪.‬‬ ‫يبد�أ امل�صلون باملغادرة‪ .‬بع�ضهم مير �أمام املالك ويلقي عليه التحية‪ ،‬وبع�ضهم مير بجانبه وك�أنه‬ ‫ال يراه‪� ،‬إىل �أن جاء �إليه امل�ؤذن‪ ،‬و�ألقى عليه التحية‪ ،‬طالباً منه احل�ضور مبكراً غداً‪ ،‬قبل �أن يدور‬ ‫بينهما حوار طويل عندما �س�أله امل�ؤذن‪:‬‬ ‫ـ من وين �أنت؟‬ ‫ـ جئت من بالد بعيدة ال تعرفها‪.‬‬ ‫ي�س�أل امل�ؤذن ممازحاً‪:‬‬ ‫ـ يعني �أبعد من �أمريكا؟‬ ‫ـ لن ت�صدقني‪.‬‬ ‫ي�صر امل�ؤذن على معرفة ذلك‪ ،‬فقال املالك‪:‬‬ ‫ـ ح�سناً‪ ،‬جئت من �أر�ض املالئكة‪.‬‬ ‫�ضحك امل�ؤذن وعر�ض على يو�سف �أن يبات عنده اليوم لأنه يبدو متعبا‪ً.‬‬ ‫يف الطريق �إىل املنزل يفتح يو�سف املو�ضوع مرة �أخرى‪ ،‬ي�سايره امل�ؤذن �إىل �أن يقول املالك‪:‬‬ ‫ـ �إن �صدقتني ف�ست�صبح مالكاً �أي�ضاً‪ ،‬و�سنذهب �إىل مكان �آخر مليء باملالئكة‪.‬‬ ‫ي�ضحك امل�ؤذن وال يرد‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 58‬‬


‫ي�صالن البيت‪ ،‬ويدخالن غرفة النوم‪ ،‬فيقول املالك وهو اليزال واقفاً‪:‬‬ ‫ـ ملاذا ال ت�صدقني؟‬ ‫ـ لأن ما يف �شي يثبت كالمك‪.‬‬ ‫يقول يو�سف ب�سرعة‪:‬‬ ‫ـ كيف �أثبت لك �أنني مالك‪.‬‬ ‫يفكر امل�ؤذن طوي ً‬ ‫ال وهو ينظر �إىل يو�سف‪ ،‬ومن ثم يقول‪:‬‬ ‫ـ يف اختبار ممكن يثبت �صحة كالمك‪ ،‬لكن الزم تنفذ كالمي للنهاية‪.‬‬ ‫ـ موافق‪.‬‬ ‫يجل�س امل�ؤذن على الكر�سي مقابل ال�سرير وي�أمر يو�سف بخلع مالب�سه‪ ،‬فيخلع مالب�سه اخلارجية‬ ‫فقط‪ ،‬في�أمره بالتجرد من كل �شيء‪ ،‬يرتدد يو�سف‪ ،‬لكنه ينفذ الأمر ويقف منتظراً الأوامر‪ .‬ينه�ض‬ ‫امل�ؤذن من كر�سيه‪ ،‬وي�أمره باال�ستلقاء على ظهره يف ال�سرير‪.‬‬ ‫يفعل املالك ذلك‪ ،‬فيتحرك امل�ؤذن ليطفئ النور‪ .‬وبعد ثوان يقول املالك‪:‬‬ ‫ـ ملاذا تتح�س�س �أع�ضائي؟‬ ‫ـ تق�صد هذا اللي وقف؟‬ ‫قالها امل�ؤذن وقد بدا �صوته ناعماً قلي ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫يتذكر املالك معلمه مرة �أخرى‪ ،‬وتظهر �أمامه ال�سبورة‪ ،‬وقد كتب عليها «الب�شر ي�ؤتون القبائح‪:‬‬ ‫رجل ميار�س اجلن�س مع رجل مثله»‪ .‬فيدفع املالك امل�ؤذن ويقفز من ال�سرير‪ ،‬وي�أخذ ثيابه ويهرب‪.‬‬ ‫ظهر نور ال�صباح‪ ،‬املالك مي�شي ببطء‪ ،‬لكن اجلميع م�ستعجل‪ ،‬فهو وقت العمل‪ ،‬با�ستثناء رجل‬ ‫عجوز يجل�س �أمام بيته يقر�أ ال�صحيفة‪ .‬يراقبه املالك قلي ً‬ ‫ال‪ ،‬ويقول يف نف�سه‪:‬‬ ‫ـ يبدو طيباً‪.‬‬ ‫يقرتب منه �أكرث‪ ،‬يرفع العجوز ر�أ�سه وينظر �إىل املالك‪ ،‬ثم يوا�صل القراءة‪ ،‬يقرتب املالك �أكرث‪،‬‬ ‫ويجل�س على الأر�ض قربه‪.‬‬ ‫ال يتكلمان‪ ،‬حتى ي�س�أل العجوز من دون �أن يرفع ر�أ�سه‪:‬‬ ‫ـ لي�ش الهم واحلزن ماليني وجهك يا ولدي‪ ،‬ترى الدنيا ما ت�سوى؟‬ ‫يخربه املالك �أن ما حدث له اليوم مل يحدث له طوال حياته‪ .‬يوا�سيه الرجل بعبارات قليلة‬

‫‪59‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 59‬‬


‫وي�شجعه على الإف�صاح عما بداخله‪ ،‬لكن املالك يرف�ض‪ ،‬فال �أحد ي�صدقه‪.‬‬ ‫يرمي الرجل ال�صحيفة من يده‪ ،‬ويت�شوق ل�سماع الق�صة‪ ،‬م�ؤكداً �أنه �سي�صدق كالمه ويقول‪:‬‬ ‫ـ كل �شي له مرة �أوىل‪.‬‬ ‫يقول املالك وهو يبت�سم ابت�سامة حزينة‪:‬‬ ‫ـ �سمعت العبارة نف�سها من �شخ�ص �آخر �أم�س‪ ،‬ثم ح�صلت على �صفعة منه‪.‬‬ ‫قال العجوز وهو ي�شري �إىل وجهه‪:‬‬ ‫ـ احلمد هلل �أين �أقدر �أ�سمع للحني‪ ،‬فكيف �أقدر �أ�ضرب‪..‬‬ ‫قاطعه يو�سف قائ ً‬ ‫ال دون اكرتاث‪:‬‬ ‫ـ �أنا مالك‪.‬‬ ‫ينتظر الرجل �أن يكمل املالك حديثه‪ ،‬لكنه ال يفعل‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ـ �أ�صدقك‪.‬‬ ‫يرفع املالك ر�أ�سه وتت�سع عيناه وتظهر ابت�سامته العري�ضة في�ضيف الرجل‪:‬‬ ‫ـ كلنا مالئكة‪ ،‬يوم ننخلق نكون مالئكة‪ ،‬لكن بعدين نبد�أ ن�ستوي ب�شر خطائني‪.‬‬ ‫يبد�أ يو�سف �شرح الأمر كله‪ ،‬ويخربه ما حدث له يف هذا اليوم الذي �أم�ضاه مع الب�شر‪ .‬ا�ستمع‬ ‫العجوز �إليه‪ ،‬و�أخذ يفكر طوي ً‬ ‫ال‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫ـ كل النا�س يعتقدون �أن هم �صح و�أن هم على حق‪ ،‬و�أن غريهم على خط�أ‪ ،‬وهذا يف كل مكان‪ ،‬هني‬ ‫ويف �أمريكا ويف �أوروبا ويف الأدغال‪.‬‬ ‫ي�صمت حلظة‪ ،‬ثم ي�ضيف مبت�سماً‪:‬‬ ‫ـ حتى يف �أر�ض الـ‪ ..‬مالئكة‪.‬‬ ‫�أ�صر يو�سف على موقفه م�ؤكداً �أنه خمتلف و�أنه مالك‪ ،‬فقال الرجل العجوز‪:‬‬ ‫ـ هل بت�صدقني لو قلت لك �أين �أنا دينا�صور؟‬ ‫هز املالك ر�أ�سه عالمة النفي‪ ،‬ف�أ�ضاف العجوز‪:‬‬ ‫ـ عيل ال تزعل من النا�س يوم ما ي�صدقون �أنك مالك‪ ،‬املو�ضوع بهذه الب�ساطة»‪.‬‬ ‫�أم�سك بجريدته غري مبال باملالك الذي ظل �صامتاً‪ ،‬ثم قام وغادر‪.‬‬ ‫مي�شي املالك متعباً وهو يت�ساءل‪:‬‬ ‫ـ البد �أن هناك �شخ�صاً يف مكان ما �سيقتنع بكالمي‪ ،‬لكن �أين هو؟‬

‫‪60‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 60‬‬


‫بد�أ ب�إيقاف النا�س و�إخبارهم �أنه مالك‪� ،‬أحدهم قال له‪:‬‬ ‫ـ هذي م�شكلتك‪.‬‬ ‫و�آخر هرب من �أمامه‪ ،‬وثالث قال‪:‬‬ ‫ـ بتعمل هنا �أيه طيب؟‬ ‫ورابع قال‪:‬‬ ‫ـ �آي دونت �سبيك �أرابيك‪.‬‬ ‫وخام�س قال‪:‬‬ ‫ـ �أ�ستغفر اهلل‪.‬‬ ‫و�ساد�س �ضرب كفاً بكف وقال‪:‬‬ ‫ـ حتى املالئكة بت�شحت‪.‬‬ ‫ذهب املالك وا�ستظل ب�أحد املباين‪ ،‬وجل�س يفكر‪ .‬بعد دقائق وقفت �أمامه �سيارة �إ�سعاف‪ ،‬نزل‬ ‫منها اثنان‪ ،‬واجتها �إليه‪ ،‬فوقف لهما وا�ضعاً يده على �صدره وقال‪:‬‬ ‫ـ �أنا مالك‪.‬‬ ‫فقال �أحدهما وهو يجره‪:‬‬ ‫ـ �سيب الدكتور يقرر احلكاية دي‪.‬‬ ‫�ألقيا القب�ض عليه‪ ،‬و�أو�صاله �إىل م�ست�شفى الأمرا�ض العقلية‪.‬‬ ‫يف امل�ست�شفى‪ ،‬يجل�س املالك مع رفاقه‪ ،‬يخربهم ق�صته‪ ،‬م�ؤكداً �أنه ي�ستطيع �إخراج من ي�صدقه من‬ ‫هذا املكان‪ .‬فريفع �أحدهم يده قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫ـ �أنا �أ�صدقك‪.‬‬ ‫بينما يقول �آخر‪:‬‬ ‫ـ �إذا �أنت مالك‪ ،‬لي�ش ما عندك جناحني تطري بيهم‪.‬‬ ‫ويقول ثالث‪:‬‬ ‫ـ �أنت مالك‪ ،‬لكن مالك جمنون‪.‬‬ ‫يقف اجلميع حوله با�ستثناء الذي �صدقه‪ ،‬ويدورون حوله‪ ،‬وهم ي�صفقون ويرددون «املالك‬ ‫املجنون �أهو»‪ ..‬والذي �صدقه ي�صفق معهم‪.‬‬

‫‪61‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 61‬‬


‫النيسان األسود‪ ..‬والعقال‬

‫‪62‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 62‬‬


‫دخل �سامل حو�ض ال�سباحة‪ ،‬كان �أ�صدقا�ؤه وبع�ض الأ�شخا�ص يلعبون الكرة‪� .‬أحدهم يقف‬ ‫يف منت�صف الدائرة‪ ،‬وعليه �أن يت�صدى للكرة التي يرميها الآخرون �إىل بع�ضهم بع�ضاً قبل‬ ‫�سقوطها يف املاء‪ ،‬ومن يخطئ يدخل الدائرة بدالً منه‪.‬‬ ‫قال �سامل �شيئاً جعلهم يتوقفون عن اللعب‪ ،‬ويحدقون فيه‪ ،‬جميعهم‪ ،‬حتى الذين ال‬ ‫يعرفونه‪.‬‬ ‫***‬ ‫�سامل ذو الت�سعة ع�شر عاماَ‪ ،‬تخرج من الثانوية العامة منذ �سنة‪ ،‬كان يبحث عن وظيفة‪،‬‬ ‫لي�شرتي �سيارة «ني�سان برتول» طاملا حلم بها‪ ،‬حتى �أنه كان يتخيل «الني�سان الأ�سود»‬ ‫وهي تلمع يف ال�شوارع وت�صهل‪ ،‬يف الوقت الذي كان فيه رفاقه يتخيلون الن�ساء والعالقات‬ ‫ال�ساخنة‪.‬‬ ‫�سامل ذهب �إىل كل مكان‪ ،‬تقدم �إىل الوظائف احلكومية وال�شركات اخلا�صة‪ ،‬فلم يقبل به‬ ‫�أحد‪ ،‬واجلميع ي�س�ألونه بعد �أن يروا �سريته الذاتية وخانة اجلن�سية الفارغة‪:‬‬ ‫ـ هل �أنت بدون؟‬ ‫حتى خيل �إليه �أنه �سئل هذا ال�س�ؤال �أكرث من «كيف حالك؟» يف ال�سنة الأخرية‪.‬‬ ‫مل يكن �سامل نابغة‪ ،‬كان طالباً عادياً‪ ،‬لكنه مل ير�سب �أبداً‪ ،‬مل تكن كلمة «بدون» تعنيه كثرياً‪،‬‬ ‫فقد تربى مع �أبناء الفريج‪ ،‬وكانوا �إماراتيني يحملون كل الأوراق الثبوتية‪ ،‬ويعاملونه على‬ ‫�أنه واحد منهم‪.‬‬ ‫ومل مينع ذلك بع�ضهم من �أن ميازحوه بهذا اخل�صو�ص‪ ،‬فمث ً‬ ‫ال حني يفوز منتخب �إيران على‬ ‫املنتخب الإماراتي يقول �أحدهم ل�سامل‪:‬‬ ‫ـ مربوك‪ ،‬دائماً تفوزون علينا‪.‬‬

‫‪63‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 63‬‬


‫وكانت ال�ضحكات تتعاىل بني الأ�صدقاء‪ ،‬با�ستثناء �سامل الذي مل يكن ي�ضحك‪ ،‬لي�س لأنهم‬ ‫�أ�شاروا �إىل �أنه ي�شجع املنتخب الإيراين‪ ،‬بل لأنه حزين خل�سارة املنتخب الإماراتي‪.‬‬ ‫يف هذه الفرتة وبعد �أن تخرج‪ ،‬وبعد ال�صفعات التي تلقاها وهو يبحث عن وظيفة‪ ،‬يتذكر‬ ‫هذه املواقف مت�أملاً‪ ،‬وهو يرى �أ�صدقاءه وقد ح�صلوا على وظائف منا�سبة‪ ،‬حتى �أن �أحدهم‬ ‫ميلك «الني�سان الأ�سود» التي كان �سامل يحلم بها‪.‬‬ ‫و�صل الأمر ب�سامل �إىل درجة الغ�ضب على �أبيه الذي كان الهياً مع الن�ساء واخلمر عندما‬ ‫كانت الأوراق الثبوتية تمُ نح للم�ستحقني‪ .‬ومل يعد الأب ي�س�أله عما �سيفعله‪ ،‬بعد ما �أملح �سامل‬ ‫مرات عدة �إىل �أنه ال يحق ملن ت�سبب يف هذه امل�شكلة‪� ،‬أن يتفل�سف كثرياً‪.‬‬ ‫ا�ست�سلم �سامل للي�أ�س ع�صر ذلك اليوم الذي ذهب فيه �إىل حو�ض ال�سباحة‪ ،‬ففي �صباح اليوم‬ ‫نف�سه‪ ،‬كانت لديه مقابلة لوظيفة يف �شركة تابعة للحكومة‪.‬‬ ‫فرح لهذه املقابلة‪ ،‬فبما �أنهم طلبوه فذلك يعني �أنهم يوظفون «البدون» �أي�ضاً‪ ،‬وهو يعلم �أن‬ ‫هناك �شركات تعامل هذه الفئة كما تعامل املواطنني‪ ،‬ويعرف بع�ض ه�ؤالء‪ ،‬رغم �أنهم �أكرب‬ ‫منه �سناً‪ ،‬وعملوا يف هذه الوظائف منذ زمن‪.‬‬ ‫يف املقابلة �سارت كل الأمور ب�سالم‪ ،‬وحتدث �سامل بالإجنليزية عن نف�سه وعن طموحاته‬ ‫�أمام املدير الذي كانت عالمات الر�ضا تتقافز على وجهه‪ ،‬ويف النهاية حيا �ساملاً وطلب منه‬ ‫موافاة ال�سكرترية يف اخلارج‪.‬‬ ‫رحبت ال�سكرترية العربية به مبت�سمة‪ ،‬وقبل �أن يجل�س قالت له‪:‬‬ ‫ـ غداً �أح�ضر لنا �أوراقك كاملة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تغريت مالمح �سامل و�أراد �أن يخفي ذلك‪ ،‬رفع ظرفا بحوزته وقال‪:‬‬ ‫ـ �شهادتي الدرا�سية و�شهادة امليالد هنا‪.‬‬ ‫ردت ال�سكرترية حمافظة على ابت�سامتها‪:‬‬ ‫ـ اتركها يل‪ ،‬و�أح�ضر غداً اجلن�سية وجواز ال�سفر‪.‬‬ ‫حتطمت �آمال �سامل‪ ،‬ومل يعرف ما يقول‪ ،‬وقف مرتدداً للحظة‪ ،‬م�سح جبينه وقال‪:‬‬ ‫ـ لكنني ال �أملك هذه الأوراق‪� ،‬أنا بدون‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 64‬‬


‫اختفت ابت�سامة ال�سكرترية‪ ،‬وطلبت منه اجللو�س‪ ،‬ودلفت �إىل املدير‪� .‬سمع �سامل �صراخ‬ ‫املدير‪ ،‬وعرف �أن ال�سكرترية وقعت يف خط�أ‪ ،‬وخدعتها «الغرتة» والعقال يف ال�صورة‬ ‫ال�شخ�صية على ورقة ال�سرية الذاتية‪ ،‬ومل تنتبه �إىل خانة اجلن�سية الفارغة‪.‬‬ ‫خرجت بعد دقيقة واعتذرت من �سامل ووجهها ك�إ�شارة �ضوئية حمراء قائلة‪:‬‬ ‫ـ نعتذر منك كثرياً‪ ،‬مطلوب مواطن للوظيفة‪.‬‬ ‫غادر �سامل مقر ال�شركة مهموماً‪ ،‬و�أم�ضى يومه دون �أن يكلم �أحداً‪ ،‬وحتى و�صوله حو�ض‬ ‫ال�سباحة مل يكن قد فكر يف �شيء �سوى �أنه «بدون»‪ ،‬و�أنه لن يجد وظيفة‪ ،‬ولن يقود «الني�سان‬ ‫الأ�سود»‪ ،‬ولن ي�سافر‪ ،‬ولن يتزوج بابنة اجلريان التي يتبادل معها النظرات منذ مدة‪..‬‬ ‫***‬ ‫يف حو�ض ال�سباحة وقف �سامل ورفع �سبابته وك�أنه يريد الإجابة على �س�ؤال يف املدر�سة‬ ‫وقال للجميع‪:‬‬ ‫ـ �أنا بدون‪ ..‬هل �أ�ستطيع �أن �ألعب معكم؟‬

‫‪65‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 65‬‬


‫حبيبتي صاحبة العضالت‬

66

final edition.indd 66

02/12/11 5:43 PM


‫توقف الزمن حني ر �أيتها �أول مرة‪ ،‬وك�أنني يف فيلم «دي يف دي» و�ضغط �أحدهم على‬ ‫زر ا لإيقاف‪.‬‬ ‫مل �أ�ستطع �إكمال طريقي‪ ،‬وقفت ثواين �أراقبها وهي متر‪ .‬كانت �شيئاً خيالياً‪.‬‬ ‫لونها برونزي غريب‪ ،‬وك�أنها ا�ستلقت على ال�شاطئ كثرياً يف الفرتة املا�ضية‪.‬‬ ‫�إين �أعرف رائحتها‪ ،‬هذا العطر الذي فاح منها حني مرت بقربي �أدمنته‪.‬‬ ‫ر�شاقتها وهي مت�شي بدالل وغرور عارفة �أن اجلميع يراقبونها حتى تختفي عن‬ ‫ا لأنظار‪� .‬أراقبها معهم و�أقول يف نف�سي‪:‬‬ ‫ـ ا لأوغاد ملاذا ينظرون �إليها؟‬ ‫�إنهم معذورون فخ�صرها الدقيق الريا�ضي يلفت انتباه �أكرب ال�شخ�صيات‪.‬‬ ‫�أنفها طويل قلي ً‬ ‫ال وينحني �إىل ا لأ�سفل يف نهايته‪ ،‬وك�أنه ي�شري �إىل �شفاهها العري�ضة‬ ‫الداكنة عند ا لأطراف نوعاً ما‪ ،‬رمبا ب�سبب الدخان‪.‬‬ ‫ردفاها فيهما «مغناطي�س» ال ميكن لرجل ينظر �إليهما رفع ناظريه عنهما‪ ،‬فهما‬ ‫مدوران وبارزان ب�صورة م�ستفزة‪.‬‬ ‫�أ�سبوع و �أنا �أراقبها يف العمل‪ ،‬كانت تتجول بغنج ودالل �أمام املوظفني وك�أنها تتعمد‬ ‫�إثارتهم‪.‬‬ ‫ترى الر�ؤو�س تلتفت معها �أينما حلت‪ ،‬تذهب وتعود في�صبح امل�شهد يف املكان وك�أنه‬

‫‪67‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 67‬‬


‫ملعب للتن�س يتقاذف فيه العبان الكرة وحترك اجلماهري ر �ؤو�سها معها‪.‬‬ ‫اليوم �أراها تقف مع بع�ض املوظفني‪ ،‬املالعني يقفون حولها‪ ،‬كم كنت �أمتنى �أن �أكون‬ ‫معهم‪� ،‬أن �أ�شم رائحتها جمدد اً‪.‬‬ ‫يا لهذا ال�سافل‪ ،‬ماذا يفعل؟‬ ‫�إنه ي�ضع يديه القذرتني عليها‪ ،‬وك�أنه �صديقها‪ ،‬وهي ال متانع‪ ،‬امل�سكينة ال يوجد‬ ‫�شيء ت�ستطيع فعله‪ ،‬عليها �أن جتاملهم‪ ،‬لكنهم قد يغت�صبونها بالتوايل �إذا �سمحت‬ ‫لهم بالتمادي �أكرث‪.‬‬ ‫البد �أن �أفعل �شيئاً‪ ،‬مل �أ�ستطع النوم يف الأيام املا�ضية‪ ،‬كانت جميع م�شاهدها متر‬ ‫علي و�أنا يف الفرا�ش‪� ،‬أعتقد �أنني وقعت يف غرامها‪.‬‬ ‫لكنها من الطبقة ا لأر�ستقراطية‪ ،‬و �أنا من فئة العمال‪ .‬حني �س�ألت عنها‪ ،‬علمت �أنها‬ ‫�أمريكية‪ ،‬جاءت �إىل �شركتنا لإنهاء بع�ض الأعمال العالقة‪ ،‬يقال �إنها �صاحبة املدير‪.‬‬ ‫هذا ا لأخرق راتبه ال�شهري ي�ساوي راتبي ال�سنوي تقريباً‪ .‬هل علي �إذا �أردت‬ ‫ا�ستمالتها �أن �أت�ساوى باملدير �أو الً؟‬ ‫هل �أذهب �إليها و�أخطفها من بني �أيدي املوظفني املتحر�شني الآن‪ ،‬ف�أنفرد بها‬ ‫و�أ�صارحها بحبي و�أعلن لها �إخال�صي التام؟‬ ‫ماذا �إن قاومتني‪ ،‬ماذا �إن �آذتني؟‬ ‫علمت �أنهم ي�سمونها �صاحبة الع�ضالت‪ ،‬ال �أعلم ملاذا‪ ،‬رمبا لقوة �شخ�صيتها‪ ،‬فاجلميع‬ ‫يهابها مبجرد ر �ؤيتها‪� ،‬أو رمبا لأن لديها ع�ضالت فع ً‬ ‫ال ‪..‬‬ ‫�أحبك يا �صاحبة الع�ضالت ا لأمريكية‪.‬‬ ‫البد �أنني �س�أح�صل عليها يوماً ما‪ ،‬نعم �إنني �أعمل يف ور�شة لت�صليح ال�سيارات حالياً‪،‬‬ ‫ويداي ملطختان بالزيت ا لأ�سود‪..‬‬

‫‪68‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 68‬‬


‫لكن اعلمي يا «كورفيت» يا ابنة الـ«�شفروليه» �أنني �س�أركبك يف النهاية‪.‬‬

‫‪69‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 69‬‬


‫آينشتاين البخيل‬

70

final edition.indd 70

02/12/11 5:43 PM


‫«الليلة �سنتع�شى على ح�سابه‪ ،‬رغماً عنه» قالها يون�س لزمالئه الذين �أعجبتهم الفكرة‪،‬‬ ‫ولكنهم علقوا قائلني‪:‬‬ ‫ـ لن ت�ستطيع �إجباره على �إخراج درهم واحد من جيبه‪.‬‬ ‫ـ لو تع�شينا على ح�سابه اليوم‪ ،‬ف�ستتع�شون يف املرات ال�سبع القادمة على ح�سابي‪.‬‬ ‫ـ �صدقني‪ ،‬يف ما يخ�ص املال‪ ،‬هو �أذكى من �آين�شتاين‪.‬‬ ‫ـ �إذا مل تنجح اخلطة ف�سيكون الع�شاء على ح�سابك‪.‬‬ ‫كانوا يعملون بنظام املناوبات يف ال�شرطة‪� ،‬ستة زمالء اعتادوا تناول الع�شاء معاً يف املناوبة‬ ‫الليلية‪ ،‬ويف كل مرة يتربع �أحدهم ب�إح�ضار الع�شاء‪� ،‬سواء من بيته‪� ،‬أو من �أي مطعم‪� ،‬إال �أن‬ ‫عبد الكرمي مل يجلب الع�شاء يوماً‪ ،‬لكنه دائماً �أ�سد الغابة‪� ،‬أول امل�شمرين عن �سواعدهم‬ ‫على طاولة الع�شاء قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫ـ تف�ضلوا يا �شباب‪ ،‬ال تخجلوا‪ ،‬البيت بيتكم‪.‬‬ ‫يف �أحد الأيام‪ ،‬خا�ض �أحدهم هذا التحدي‪ ،‬وكان حممود الذي اتفق مع رفاقه على �أن‬ ‫يدفعوا له مقابل الع�شاء‪ ،‬بعد �أن يق�سموا قيمة الع�شاء على اجلميع �أمام عبدالكرمي‪� ،‬شرط‬ ‫�أن يكون املبلغ كبرياً بالن�سبة لع�شاء �شخ�ص واحد‪ .‬قال �أحدهم يومها معلناً بدء التمثيلية‪:‬‬ ‫ـ حممود‪ ،‬مبا �أن الع�شاء اليوم من مكان فاخر وثمنه غال‪ ،‬يجب علينا �أن ن�شاركك دفع‬ ‫قيمته‪.‬‬ ‫فقال حممود بعد م�ضغ لقمة‪:‬‬ ‫ـ ال داعي لذلك‪ ،‬املبلغ ما ي�سوى‪ 500 ،‬درهم فقط‪.‬‬ ‫�أ�صر الرفاق على تقا�سم املبلغ‪� ،‬إال عبدالكرمي الذي كان ي�أكل ب�سرعة و«من �سكات»‪ ،‬وكان‬ ‫اجلميع ي�شريون �إليه ويتغامزون دون �أن يراهم‪ ،‬وعندما اتفقوا على �أن يدفع كل منهم ثمانني‬ ‫درهماً‪ ،‬ر�ؤوا عبدالكرمي يغ�ص باللقمة وي�سعل ب�شدة‪ ،‬ثم ي�ست�أذن ليذهب �إىل املطبخ‪.‬‬

‫‪71‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 71‬‬


‫عندما عاد ور�آهم يخرجون دراهمهم وي�سلمونها ملحمود‪ ،‬قال مط�أطئاً ر�أ�سه‪:‬‬ ‫ـ ا�سمح يل يا حممود‪ ،‬فقد ن�سيت �أن �أ�سحب املال من ال�صراف الآيل اليوم‪.‬‬ ‫�ضحك بع�ض الرفاق‪ ،‬ف�أخرج عبدالكرمي حمفظته وفتحها �أمام حممود وقال‪:‬‬ ‫ـ انظر ال �أملك �سوى ع�شر دراهم‪.‬‬ ‫علم اجلميع �أنه ذهب �إىل املطبخ فقط ليفرغ حمفظته من املال‪� ،‬أو يخبئه بطريقة ما‪.‬‬ ‫والحظ عبدالكرمي �أن عيني حممود حتدقان يف الدراهم الع�شر‪ ،‬ف�أكمل ب�سرعة‪:‬‬ ‫ـ و�أريد �أن �أ�شرتي بها ال�سجائر‪.‬‬ ‫وقرروا يومها �أن يكرروا التمثيلية نف�سها‪ ،‬ولكن قبل بدء الع�شاء‪ .‬وفع ً‬ ‫ال قاموا بذلك يف اليوم‬ ‫التايل‪ ،‬فلم يكن من عبدالكرمي �إال �أن قال بعدها بلحظات وهو ي�ضرب بيده على بطنه‪:‬‬ ‫ـ �شباب بالهناء وال�شفاء لكم‪� ،‬أنا تع�شيت يف البيت قبل جميئي‪ ،‬فقد كانت العائلة كلها متواجدة‪.‬‬ ‫ويق�سم �أحد الزمالء �أنه ر�أى عبدالكرمي الحقاً وهو ي�أكل «�سندويت�ش كيما» من املطعم الهندي‪،‬‬ ‫خمتبئاً يف املطبخ‪.‬‬ ‫يف هذا اليوم اتفقوا على �أن ي�ستخدموا �ضده خطة هجومية‪ ،‬فلم يح�ضر � ٌأي منهم الع�شاء‪.‬‬ ‫وكان احلزن بادياً على وجه عبدالكرمي حني علم �أن ال وجود للع�شاء اليوم‪ .‬وهم جال�سون قال‬ ‫يون�س �صاحب التحدي لعبدالكرمي‪:‬‬ ‫ـ ا�شرتيت �سيارة جديدة منذ مدة‪ ،‬ومل تعزم ال�شباب حتى على «�سندويت�شات» �شاورما‪.‬‬ ‫قال �أحد الرفاق‪:‬‬ ‫ـ ال نريد «�شاورما»‪ ،‬حني ا�شرتى حممود �سيارة �أح�ضر لنا م�أكوالت بحرية م�شكلة‪.‬‬ ‫قال عبدالكرمي وهو يخرج مفتاح �سيارته ويرميه على الطاولة‪:‬‬ ‫ـ ا�شرتيت �سيارة م�ستعملة‪ ،‬ال ت�ستحق االحتفال‪ ،‬بل على العك�س عليكم �أن توا�سوين وتعزموين‬ ‫�سنة كاملة على �شرف هذه ال�سيارة‪.‬‬ ‫�ضحك الرفاق‪ ،‬وكل منهم يرى هزمية يون�س الذي مل ي�ست�سلم وقال‪:‬‬ ‫ـ لكنك مل تعزم ال�شباب حتى عندما ولدت ابنتك‪.‬‬ ‫قال �أحدهم بفخر‪:‬‬ ‫ـ عندما قدم ابني �إىل الدنيا‪� ،‬أح�ضرت لكم م�شاوي م�شكلة تكفي لإ�شباع ع�شر ذئاب‪.‬‬ ‫�ضحك اجلميع ومعهم عبدالكرمي الذي قال عندما انتهى ال�ضحك‪:‬‬ ‫ـ �أقمت عزومة فع ً‬ ‫ال يف البيت بهذه املنا�سبة‪ ،‬لكنكم مل ت�أتوا‪.‬‬ ‫ـ مل ن�أت لأنك مل تدعنا يا عبدالكرمي الطائي!‬

‫‪72‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 72‬‬


‫قالها يون�س مبت�سماً‪ ،‬ف�أجاب عبدالكرمي وهو ي�ضع �ساقاً على �أخرى‪:‬‬ ‫ـ ذلك لأنكم مل حت�ضروا عندما دعوتكم �إىل عر�س �شقيقي‪.‬‬ ‫ت�أكد اجلميع من �أن هزمية عبدالكرمي يف هذه املوا�ضيع م�ستحيلة‪ ،‬رغم �أنهم يعلمون �أنهم مل‬ ‫يذهبوا �إىل زفاف �شقيقه لأنه �أقيم يف �إمارة �أخرى بعيدة‪ ،‬ولأنهم جميعاً كانوا يف املناوبة التي‬ ‫تنتهي يف العا�شرة م�ساء‪ .‬قال يون�س ب�إ�صرار املت�أكد من الفوز‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ـ الليلة �ستعزمنا‪ ،‬لأنك ُرقيت قبل �أ�سبوعني‪ ،‬ومل حت�ضر لنا �شيئا حتى الآن‪.‬‬ ‫ـ �آه �صحيح رقيت‪ ..‬ملاذا ال ترتكوها للأ�سبوع املقبل؟‬ ‫ً‬ ‫قال يون�س وك�أنه مالكم نه�ض مناف�سه من �سقطته مرتنحا‪ ،‬ف�أراد �إ�سقاطه ب�ضربة قا�ضية‪:‬‬ ‫ـ ح�سناً‪ ،‬ولكن حينها �سيكون عليك �أن حت�ضر �شيئاً فاخراً‪.‬‬ ‫فكر عبدالكرمي حلظة وتغري لونه قلي ً‬ ‫ال ثم قال‪:‬‬ ‫ـ ال ب�أ�س‪� ،‬س�أعزمكم الليلة‪.‬‬ ‫اجته �إىل الهاتف قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫ـ ماذا تريدون من الكافرتيا؟‬ ‫ً‬ ‫�ساد االرتياح بني اجلميع‪ ،‬خ�صو�صا يون�س الذي و�ضع عبدالكرمي يف الزاوية وهزمه‪.‬‬ ‫يف انتظار الطعام كان اجلميع �سعداء‪ ،‬با�ستثناء عبد الكرمي الذي كان يقر أ� اجلريدة �أحياناً‪،‬‬ ‫ويلهو بهاتفه املتحرك �أحياناً �أخرى‪.‬‬ ‫بعد دقائق ح�ضر ال�سائق الهندي‪ ،‬وهو يحمل الطعام وقال‪:‬‬ ‫ـ احل�ساب ‪ 55‬درهماً‪.‬‬ ‫ظل اجلميع يلتفتون باحثني عن عبدالكرمي‪ ،‬ف�أكد �أحدهم �أنه ر�آه يخرج منذ دقائق عندما رن‬ ‫هاتفه‪ ،‬فالبد �أنه يتحدث يف اخلارج‪ .‬ذهبوا يبحثون عنه‪ ،‬فلم يجدوه يف �أي مكان‪.‬‬ ‫عاد عبدالكرمي بعد مدة‪ ،‬وحني ا�ستف�سروا عن مكانه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ـ كنت يف احلمام‪ ،‬بعيد عنكم �أنا م�صاب بالإ�سهال منذ بداية اليوم‪.‬‬ ‫ثم �أ�ضاف وهو ينظر �إىل �أكيا�س الطعام‪:‬‬ ‫ـ من الذي دفع احل�ساب؟‬ ‫�أ�شاروا �إىل يون�س �ضاحكني‪ ،‬فلم ميهله ليقول �شيئاً‪� ،‬إمنا قال وهو يتجه �إىل الطعام‪:‬‬ ‫ـ دائماً يون�س‪ ،‬لقد غرقنا يف خريك‪� ،‬أكرمك اهلل‪.‬‬

‫‪73‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 73‬‬


‫إلى زوجي الحمار بعد التحية‪..‬‬

‫‪74‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 74‬‬


‫بالها م�شغول وهي تقلب ما يف القدر بع�صبية‪ ،‬منذ �أم�س مل يقرتب النوم من عينيها‪،‬‬ ‫واليوم منذ ال�صباح وهي يف املطبخ‪� ،‬إال �أن عقلها يف مكان �آخر‪ ،‬وحتديداً عند نافذة‬ ‫غرفة ال�ضيوف املطلة على بيت اجلريان‪ ،‬واجلدار الذي وجدت بقعة غريبة عليه‪ ،‬ي�سيل‬ ‫منها �سائل لزج برائحة تعرفها‪.‬‬ ‫هل ت�صارح زوجها ب�أنها ر�أته وهو يطل على بيت اجلريان اجلدد‪ .‬ماذا تقول له‪ ،‬وهي‬ ‫تعلم �أنه �سينكر التهمة جملة وتف�صي ً‬ ‫ال‪ ،‬بل ورمبا يدعي عدم معرفته بوجود نافذة تطل‬ ‫على بيت اجلريان من خلف ال�ستائر‪ ،‬فهو بطل العامل يف الإنكار والكذب‪ ،‬ما يعني �أي�ضاً‬ ‫�أنه قد ي�صدق نف�سه وي�شعر بالظلم ورمبا يتمادى وي�ضربها لأنها �شكت فيه واتهمته‬ ‫زوراً!‬ ‫�أ�سئلة كثرية مرت يف خاطرها مذ ر�أته واقفاً يف زاوية النافذة يراقب اجلريان وال�ستارة‬ ‫تتحرك ببطء وانتظام؛ ملاذا يفعل ذلك؟ �ألي�ست كافية بالن�سبة له؟ هل م ّل منها يف �سنتني‬ ‫فقط؟ �أم �أن نظرية «الرجل ال ميلأ عينيه �إال الرتاب» �صحيحة؟‬ ‫وهل �صحيح �أن زوجة اجلار دائماً �أجمل بالن�سبة لأي رجل‪ ،‬و�أنها لذيذة مثل اخلبزة التي‬ ‫يتقطر عليها دهن الكباب‪ ،‬ال غنى عنها رغم وجود الكباب نف�سه‪.‬‬ ‫بعد طول تفكري‪ ،‬وجدت ح ً‬ ‫ال رمبا ال ينهي امل�شكلة‪ ،‬لكنه لن ي�ستطيع �أن ي�ضربها بهذه‬ ‫الطريقة‪.‬‬ ‫كتبت ر�سالة وو�ضعتها يف ظرف‪ ،‬وتركتها عند حافة النافذة‪ ،‬ال ي�ستطيع �أن يراها �إال من ينوي‬ ‫�أن يطل على بيت اجلريان‪ ،‬ف�إذا ذهب ليمار�س هوايته‪� ،‬سريى الر�سالة‪ ،‬وقد يخجل من نف�سه‪،‬‬ ‫�أما �إذا غ�ضب فلن يقدر على �أذيتها‪ ،‬لأن ذلك يعني بب�ساطة اعرتافه بفعلته‪.‬‬

‫‪75‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 75‬‬


‫يف م�ساء اليوم نف�سه‪ ،‬وبعد �أن ت�أكد من �أن زوجته م�شغولة بطفلها‪ ،‬دخل غرفة ال�ضيوف‬ ‫كل�ص‪ ،‬فهذا هو الوقت الذي جتل�س فيه الفتيات يف فناء البيت‪ ،‬ثالث فتيات البد �أن‬ ‫اثنتني منهن �صديقات البنة اجلريان‪.‬‬ ‫امل�شهد ال يف ّوت‪ ،‬حتى �إنه قال يف نف�سه‪:‬‬ ‫ـ �أنا م�ستعد لدفع الفلو�س مقابل هذا امل�سل�سل اليومي الرائع‪.‬‬ ‫حني وقف خلف ال�ستائر‪ ،‬و�أخذ الزاوية املطلوبة كي ي�ستطيع املراقبة دون �أن يرينه‪،‬‬ ‫ورفع ر�أ�سه قلي ً‬ ‫ال‪ ،‬ر�أى ر�سالة زوجته‪ ،‬عقد حاجبيه وازدادت �سرعة خفقات قلبه‪ ،‬كان يف‬ ‫داخله وهو ميد يده �إىل الر�سالة كثري من اخلوف وقليل من الأمل‪ ،‬فرمبا تكون �إحدى‬ ‫البنات الثالث معجبة به‪ ،‬وو�ضعت له هذه الر�سالة‪.‬‬ ‫مل يخطر بباله �أن فتح النافذة من اخلارج م�ستحيل‪ ،‬فطاملا فكر الرجل يف �أع�ضائه‬ ‫ال�سفلية ف�إن �أع�ضا�ؤه العلوية ال تعمل‪.‬‬ ‫فتح الظرف املغلق بنزق وا�ضطراب‪ ،‬وقر�أ التايل‪�« :‬إىل زوجي احلمار بعد التحية‪..‬‬ ‫توقف عما تفعله‪ ،‬وا�ستح على وجهك»‪.‬‬ ‫�أول ما خطر له حلظتها هو كيف علمت ب�أمره؟ والتفت بعفوية �إىل اخللف ليت�أكد �أنه‬ ‫وحده‪ ،‬وثم ت�صاعد الدم �إىل ر�أ�سه وك ّور الورقة يف يده بقوة؛ كيف تنعته باحلمار؟ نظر‬ ‫�إىل فناء اجلريان فازداد غ�ضبه‪:‬‬ ‫ـ ملاذا فتاتان فقط اليوم؟‬ ‫ظل واقفاً يف غرفة ال�ضيوف‪� ،‬أ�شعل �سيجارته‪ ،‬فكر طوي ً‬ ‫ال؛ هل يت�صرف وك�أن �شيئاً مل‬ ‫يكن؟ غري ممكن؛ فالظرف ممزق‪ .‬هل ي�صارحها ويعرتف بـ«حموريته»؟ كيف �سيربر‬ ‫فعلته؟ �أخرياً وجد احلل الأن�سب‪.‬‬ ‫بعد دقائق ذهب �إليها‪ ،‬جل�س قربها وهي تبدل «حفاظات» ابنه‪ .‬قال وهو يداعب الطفل‪:‬‬ ‫ـ ما الع�شاء اليوم؟‬

‫‪76‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 76‬‬


‫�أجابت وهي تر�ش البودرة على ج�سد الطفل‪:‬‬ ‫ـ ال �شيء حتى الآن‪ ..‬هل تريد �شيئاً معيناً؟‬ ‫ـ ال داعي لذلك‪� ،‬سنتع�شى يف اخلارج اليوم‪.‬‬ ‫قالها ب�سرعة‪ ،‬فقد كان �سيقولها يف كل الأحوال ومهما كانت �إجابتها‪ .‬رفعت ر�أ�سها �إليه‬ ‫لتت�أكد من جديته وقالت‪:‬‬ ‫ـ ح�سناً‪.‬‬ ‫ا�ستغلت دخوله احلمام‪ ،‬واجتهت �إىل غرفة اجللو�س‪ .‬هناك �شيء غريب؛ الظرف اليزال‬ ‫موجوداً‪ ،‬لكنه مفتوح‪.‬‬ ‫تناولته ببطء‪� ،‬أخرجت الورقة منه‪ ،‬وقر�أت حتت ما كتبته هي كلمات �أخرى تقول‪�« :‬إىل‬ ‫زوجتي وحبيبتي‪ ..‬ال �أعرف كيف �أعتذر عما بدر مني‪� ..‬أنا �آ�سف جد ًا‪� ..‬س�أم�ضي عمري‬ ‫ً‬ ‫حماوال تعوي�ض ما حدث عليك»‪.‬‬ ‫كله‬ ‫تهلل وجه الزوجة‪ ،‬وقفزت دمعة من عينها‪� ،‬إذاً فهو نادم على فعلته‪ ،‬والأجمل �أنه اليزال‬ ‫يحبها‪ ،‬حتى �أنه �أكد ذلك يف توقيعه على الر�سالة‪« :‬زوجك وحبيبك ووالد ابنك»‪.‬‬ ‫�ساحمته من قلبها‪ ،‬فهي حتبه‪ ،‬وها هو قد اعتذر وجدد لها حبه و�إخال�صه‪ ،‬وحتولت‬ ‫احلياة يف تلك اللحظة وردية‪.‬‬ ‫يف الليلة ذاتها‪ ،‬طلب منها �إر�سال اخلادمة والطفل �إىل �شقيقتها حتى غد‪ .‬و�أخربها‬ ‫�أنهما لن يعودا �إىل البيت بعد الع�شاء‪ ،‬لأنهما �سيبيتان يف اخلارج‪.‬‬ ‫ملعت عينا الزوجة‪ ،‬ما كل هذه الرومان�سية؟ و�س�ألته عن عمله غداً وهي تتمنى �أال تنبهه‬ ‫�إىل �شيء رمبا ن�سيه‪ ،‬ف�أكد �أنه هاتف م�س�ؤوله وا�ست�أذنه بالتغيب غداً‪.‬‬ ‫يف الطابق العلوي من فندق «املرتوبليتان» ب�شارع ال�شيخ زايد‪ ،‬كان �ضوء املدينة املتلألئة‬ ‫يف ظالم الليل يغازلهما وهما يجل�سان �إىل طاولة متطرفة يف املطعم الفاخر‪.‬‬

‫‪77‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 77‬‬


‫كان الطعام �أمامهما‪ ،‬ويف منت�صف الطاولة �شمعة ترق�ص حزناً‪ ،‬و�أنغام غيتار مع‬ ‫�إيقاعات خفيفة تنبعث يف املكان‪ ،‬ومل يكن ينق�ص �إال �أن يدعوها �إىل رق�صة رومان�سية‬ ‫على املن�صة‪.‬‬ ‫هذا ما فكرت فيه وابت�سمت‪ ،‬لكن ابت�سامتها ات�سعت وهي تفكر يف ما �سيحدث الحقاً‬ ‫يف غرفة بهذا الفندق‪.‬‬ ‫منذ زمن مل يتقابال يف جل�سة م�صارحة كهذه‪ ،‬كان يتحدث عن حبه الكبري لها‪ ،‬و�أنه‬ ‫لن يجرحها مرة �أخرى مهما حدث‪ ،‬و�أنه ال يرى غريها �أنثى يف هذه الدنيا‪ ،‬وكان يلعن‬ ‫�إبلي�س بعد كل جملة يقولها‪.‬‬ ‫مل يلتفت مييناً �أو �شماالً تلك الأم�سية‪ ،‬حتى عندما نادى النادل‪ ،‬كان يحدق يف زوجته‪،‬‬ ‫ونظراته تقول لها ما ال ي�صرح به ل�سانه‪.‬‬ ‫قاطعت حديثهما النادلة العربية لت�ضع �أمامهما �صحني الكراميل والفراولة بال�شيكوالته‪،‬‬ ‫ظل ينظر �إىل عيني زوجته وهو يجاهد نف�سه ويقول يف �سره‪:‬‬ ‫ـ ال تلتفت �إىل امل�صرية‪ ،‬لي�س الآن‪ ،‬لي�س الليلة‪.‬‬ ‫ال�ساعات التالية كانت ت�شبه �ساعاتهما الأوىل يف �شهر الع�سل‪ ،‬وكانت الزوجة �سعيدة‬ ‫لدرجة �أنه خطر ببالها �أن فعلة زوجها كانت �ضرورية لر�ش البهارات على عالقتهما التي‬ ‫فرتت منذ قدوم طفلهما‪.‬‬ ‫كانت �أ�شعة ال�شم�س تت�سلل �إىل الغرفة من النافذة عندما �أوقظها الزوج بحنان ودالل‪،‬‬ ‫وهو يعد لها ال�شاي‪ .‬جل�سا لتناول الفطور الذي متنت �أال ينتهي‪ ،‬فقد كان الزوج حتت‬ ‫خدمتها يطعمها بيديه ويغازلها وي�سمعها الكالم اجلميل‪.‬‬ ‫دخلت احلمام لت�ستحم على مهلها بعد �أن �أعد لها زوجها «البانيو» املمتلئ رغوة وفقاقيعاً‪.‬‬ ‫بعد انتهائها من ا�ستخدام جمفف ال�شعر‪ ،‬خرجت ترتمن ب�أغنية‪ ،‬ا�ستقبلها زوجها بقبلة‬

‫‪78‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 78‬‬


‫ودخل بعدها لي�ستحم‪.‬‬ ‫وقفت الزوجة �أمام النافذة لتم�شط �شعرها وت�ستمتع ب�أ�شعة ال�شم�س‪ .‬نظرت �إىل �أ�سفل‪،‬‬ ‫متنت لو �أنها ت�ستطيع �أن ترتدي الـ«بكيني» وتنزل حو�ض ال�سباحة مثل الن�ساء اللواتي‬ ‫ي�سبح بع�ضهن مبرح وي�ستلقي بع�ضهن الآخر على الكرا�سي لال�سرتخاء‪.‬‬ ‫وقف امل�شط يف �شعرها عندما الحظت وجود �سائل لزج تعرف رائحته جيداً‪ ،‬ينزلق‬ ‫على النافذة‪.‬‬

‫‪79‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 79‬‬


‫اإلدارة بفن الزبالة‬

80

final edition.indd 80

02/12/11 5:43 PM


‫و�صل فهد مقر ال�شركة التي يعمل فيها‪� .‬سجل ح�ضوره بب�صمة �إ�صبعه‪ ،‬وكالعادة ذهب‬ ‫لقراءة لوحة املالحظات التي يجب �أن يتابعها جميع املوظفني يومياً‪ ،‬فرمبا تكون هناك‬ ‫تعليمات جديدة‪� ،‬أو ر�سائل �أخرى يود امل�س�ؤولون �إي�صالها �إىل املوظفني‪.‬‬ ‫كان هناك �شيء غريب معلق على اللوحة هذه املرة؛ كي�س قمامة‪ ،‬مليء باملحارم الورقية‬ ‫والعلب الفارغة وخملفات �أخرى‪ ،‬وبجانبها ورقة كتب عليها‪« :‬حت�ضروا‪ ..‬لقد مت جمع هذه‬ ‫املخلفات من مواقع العمل اخلارجية خالل ثالثة �أيام فقط»‪.‬‬ ‫وقف فهد �أمام هذا امل�شهد مت�أم ً‬ ‫ال‪ ،‬ترك �أ�صابعه تعبث بلحيته‪ ،‬حمدقاً يف الكي�س‪ .‬التفت‬ ‫�إىل مكتب مدير فرع ال�شركة الذي كان توقيعه وا�ضحاً حتت العبارة‪ ،‬فلم يكن موجوداً‪.‬‬ ‫�أخرج هاتفه املتحرك‪ ،‬والتقط �صوراً للم�شهد‪.‬‬ ‫�إنه توفيق‪ ،‬املدير الذكي ال�صارم‪ ،‬ال يجر�ؤ على حتديه �أحد‪ ،‬ويعترب بط ً‬ ‫ال من ي�ستطيع النظر‬ ‫يف عينيه عندما يكون غا�ضباً‪ .‬بنظرة منه يهز �أف�ضل و�أقوى موظف‪.‬‬ ‫توفيق هو �أحد �أعمدة هذه ال�شركة‪� ،‬صعب �أن يحبه �أحد‪ ،‬حتى �أن هناك �شائعة تقول �إن �أفراد‬ ‫�أ�سرته ال يحبونه‪ ،‬لكن ما هو �أكيد �أن اجلميع يخ�شونه‪� ،‬أو على �أقل تقدير يحرتمونه‪.‬‬ ‫لديه �صالحيات مطلقة‪ ،‬فهو ناجح يف حتقيق الأرباح وتقليل امل�صروفات‪ ،‬وهذان ال�شيئان‬ ‫هما مقيا�س جناح املدير بالن�سبة ملجل�س �إدارة ال�شركة‪ ،‬لذلك‪ ،‬فمن يعمل يف املكان يفعل‬ ‫ذلك فقط لأن املدير را�ض عنه‪ ،‬ومن يخرج عن طوعه �أو ال يعجبه مظهره‪ ،‬يكون م�صريه‬ ‫الطرد �أو النقل �إىل �أحد الفروع البعيدة‪.‬‬ ‫غادر فهد �إىل ا�سرتاحة املوظفني‪ ،‬جل�س �أمام الكمبيوتر‪ ،‬بد�أ يكتب ر�سالة موجهة �إىل املدير‬ ‫العام الذي يدير الفروع جميعها‪.‬‬

‫‪81‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 81‬‬


‫كان جميع املوظفني يتحدثون ويبدون امتعا�ضهم يف ما بينهم مما حدث‪ ،‬بالطبع لي�س �أمام‬ ‫اجلميع‪ ،‬فهناك �أ�شخا�ص ُف�ضح �أمرهم وات�ضح �أنهم خمربون ل�صالح توفيق‪.‬‬ ‫مل يخرب فهد �أحداً ب�أمر هذه الر�سالة التي �أر�سلها �إىل املدير من عنوان بريد �إلكرتوين‬ ‫جديد �أن�ش�أه‪ ،‬با�ستثناء زميله املقرب الذي طلب منه �أن ير�سل له الر�سالة‪ ،‬وبالفعل هذا ما‬ ‫حدث بعد �أن قال فهد وهو يرفع حاجبيه و�سبابته‪:‬‬ ‫ـ ال تدع �أحداً يراها‪ ..‬لأنهم �سريكلوين خارجاً‪.‬‬ ‫يف اليوم التايل كان جميع املوظفني يتحدثون عن الر�سالة‪ ،‬كانوا فرحني بها‪ ،‬رغم معرفتهم‬ ‫�أنها لن تهز �شعرة يف ج�سد توفيق‪� ،‬إال �أن حماولة حتدي توفيق بحد ذاتها �شيء ي�ستدعي‬ ‫االحتفال‪.‬‬ ‫كانت الأ�سئلة تدور عن هوية ال�شخ�ص الذي كتب الر�سالة‪ ،‬و�إىل من �أر�سلها‪ ،‬مل يعرف �أحد‬ ‫�شيئاً‪ .‬فقد كانت الأوراق موجودة على مكاتبهم ب�شكل ع�شوائي حني قدموا يف ال�صباح نف�سه‬ ‫الذي اختفت فيه «القمامة» الحقاً‪.‬‬ ‫يف اليوم التايل‪ ،‬ازداد احلديث يف الأمر‪ ،‬فقد تربع �أحد الأ�شخا�ص و�أم�ضى �ساعات وهو‬ ‫يرتجم الر�سالة الطويلة �إىل الإجنليزية‪ ،‬ليقر�أها الأجانب‪ ،‬ووجدها املوظفون يف غرفة‬ ‫العمليات يف ال�صباح الباكر‪.‬‬ ‫كان اجلو العام يف ال�شركة يف اليومني املن�صرمني متفائ ً‬ ‫ال‪ ،‬اجلميع �سعداء ي�ضحكون‪ ،‬كانت‬ ‫الر�سالة بالن�سبة �إليهم كانتقام طفل يخرج ل�سانه وي�ضع يديه على ر�أ�سه �أمام كلب م�سعور‬ ‫لكنه مربوط‪ ،‬ويكفي �أن توفيق �سي�شعر بالغيظ لأن هناك من يتحداه‪.‬‬ ‫وبالفعل كان توفيق يف قمة غيظه‪ ،‬بعد �أن و�صلته الأوراق بفعل املخربين �أحياناً‪ ،‬وبيد‬ ‫ال�شامتني �أحياناً �أخرى‪.‬‬ ‫كان ع�صبياً يف هذين اليومني لدرجة جعلت كل املوظفني يتحا�شون املرور �أمام مكتبه‪� ،‬أو‬ ‫التواجد يف مكان مير فيه‪.‬‬ ‫كان غ�ضبه وا�ضحاً للجميع‪ ،‬خ�صو�صاً عندما قر�أ بنف�سه الر�سالة التي جاء فيها‪:‬‬

‫‪82‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 82‬‬


‫�إىل ال�سيد املدير العام‪ ..‬ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬ ‫هذا ما ن�ستحقه؛ «كي�س زبالة» ُكتب فوقه باخلط العري�ض «حت�ضروا»! هل يعتقد مدير‬ ‫العمليات املحرتم‪ ,‬توفيق‪� ,‬أننا قادمون للتو من الغابة؟‬ ‫وهل هكذا ي�شكرنا على املجهود الذي نبذله يف �سبيل ال�شركة التي منحناها من وقتنا‬ ‫اخلا�ص ـ �ساعات عمل �إ�ضافية �إجبارية ـ �أكرث مما مننحه لأنف�سنا ولذوينا؟‬ ‫علق مدير العمليات «زبالة» على لوحة املالحظات حتتوي مناديل م�ستعملة و� ً‬ ‫أكوابا وعلب‬ ‫مياه فارغة‪ ،‬يقول �إنه جمعها من مواقع العمل‪..‬‬ ‫الآن فهمنا ما هو عمل مديرنا املحرتم؛ مراقبة «الزبالة» وعدها وجمعها يف كي�س وتعليقه يف‬ ‫غرفة العمليات التي يدخلها �ضيوف يف كل الأوقات �سواء من ال�شركات املناف�سة �أو غريها‪.‬‬ ‫ترى ما الذي �سي�شعر به الزائر وهو يرى «زبالة» معلقة يف �صدر الغرفة؟ ب�صراحة مل يكن‬ ‫ينق�ص مديرنا العزيز �سوى �أن ي�ضع «الزبالة» يف برواز كي تكتمل ال�صورة اجلميلة التي‬ ‫�ستعلق ب�أذهان الزائرين كما عٌ ِلقت «الزبالة» يف غرفة عملياتنا‪..‬‬ ‫�س�ؤال واحد مل �أجد �إجابته‪ :‬هل يعقل �أن مديرنا النظيف ي�ضع «كي�س زبالة» يف غرفة‬ ‫جلو�س بيته عندما يو�سخ �أبنا�ؤه املكان؟!‬ ‫مل اال�ستغراب من وجود هذه الأ�شياء يف مواقع العمل؟ هل �شرب املاء حمرم؟ هل من�سح‬ ‫عرقنا الذي ت�ساقط لأ�سباب ال تخفى على �أحد مبالب�سنا املت�سخة بالزيت والغبار؟‬ ‫كان الأوىل به توفري �أكيا�س قمامة فارغة يف مواقع العمل كي ي�ستخدمها املوظفون ً‬ ‫بدال من‬ ‫تعليقها يف غرفة العمليات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جميال‪ ،‬لكنه يف املقابل لي�س‬ ‫فعال‬ ‫نعلم جيد ًا �أن و�ضع املخلفات يف مواقع العمل لي�س‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�سيئا مقارنة بالفعل الذي جعل املوظفني يبد�ؤون يوم‬ ‫فعال‬ ‫جرمية‪ ،‬بل هو بكل ت�أكيد لي�س‬ ‫عملهم مب�شاهدة «زبالة» ً‬ ‫بدال من ابت�سامة مع حتية ال�صباح‪ ،‬مع الأخذ بعني االعتبار �أنه‬ ‫لي�س اجلميع �شركاء يف جرمية القمامة النكراء!‬

‫‪83‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 83‬‬


‫اعذروين فثقافتي حمدودة‪ ،‬وال علم يل �إن كان هذا ً‬ ‫فنا جديد ًا من فنون الإدارة‪ ،‬مل �أ�سمع‬ ‫به من قبل‪..‬‬ ‫ومن ثم يت�ساءلون ملاذا يتغيب املوظفون با�ستمرار؟ وملاذا تقدم كثريون با�ستقاالتهم؟ وملاذا‬ ‫كل تلك احلوادث ال�ساذجة يف املواقع؟ وملاذا وملاذا‪..‬‬ ‫�إنها الإدارة بفن «الزبالة» يا �سيدي‪ ..‬واملق�صود هنا ال هذه احلادثة فقط‪ ،‬بل ال�شكل العام‬ ‫لطريقة الإدارة‪ ،‬طريقة التلويح بالع�صا والزبالة يف وجه املوظفني‪.‬‬ ‫واعذروين � ً‬ ‫أي�ضا على ا�ستعمال كلمة «زبالة» بكرثة رغم علمي �أنها ثقيلة ككي�س الزبالة‬ ‫ً‬ ‫ب�شعا للغاية‪.‬‬ ‫املعلق‪ ،‬فامل�شهد كان‬ ‫مالحظة‪ :‬ال�صور املرفقة مع الر�سالة حقيقية‪ ،‬ولي�ست من ن�سج «الفوتو �شوب»‪.‬‬ ‫ ‬

‫التوقيع‪ :‬موظف يفكر باال�ستقالة‬

‫يف اليوم الثالث زارهم عدد من ال�شخ�صيات املهمة يف ال�شركة‪ ،‬على ر�أ�سهم رئي�س جمل�س‬ ‫الإدارة‪ ،‬الرجل الأقوى يف ال�شركة‪ ،‬وكانت زيارته الأوىل منذ �ست �سنوات‪ ،‬ومعه املدير العام‬ ‫الذي مل يفعل �شيئاً حني تلقى ر�سالة فهد �سوى �أنه عاتب توفيق وقال له �ضاحكاً‪:‬‬ ‫ـ قمامة يا توفيق‪ ،‬احلمدهلل �أنك مل تعلق م�شنقة على اللوحة وتعلق عليها الفاعلني واحداً‬ ‫تلو الآخر‪.‬‬ ‫ولهذا ال�سبب اختفى كي�س القمامة يف اليوم الأول‪.‬‬ ‫وما حدث �أنه بعد تناقل الر�سالة بني املوظفني‪ ،‬قام �أحدهم ب�إر�سالها �إىل رئي�س جمل�س‬ ‫الإدارة ومعها تهديد بن�شر الر�سالة وال�صور يف ال�صحف لتكون ف�ضيحة كبرية يف حال‬ ‫مل يعاقب املدير‪ ،‬لذلك فالرئي�س يقف الآن يف غرفة االجتماعات ويجل�س �أمامه �أغلب‬ ‫املوظفني‪ ،‬يف غياب توفيق الذي ح�ضر �صباح هذا اليوم‪ ،‬لكنه غادر بعد تلقيه مكاملة باكرة‪،‬‬ ‫كما �أكد �سكرتريه الذي �أبدى �سعادته بذلك �أمام بع�ض املوظفني على غري عادته‪.‬‬ ‫قال الرئي�س يف خطابه‪:‬‬

‫‪84‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 84‬‬


‫ـ �أتفهم متاماً �سبب غ�ضبكم‪ ،‬نحن ل�سنا را�ضني عما حدث‪ ،‬وال�شركة لي�ست �شخ�صاً واحداً‪،‬‬ ‫�أنتم عماد هذه ال�شركة‪ ،‬ومن ال يهتم ويراعي �أ�سا�س ال�شركة فالأف�ضل له �أن يرحل‪ ،‬و�إال‬ ‫ف�سيحا�سب‪� .‬أحزنني ما فعله مديركم‪ ،‬لكن ما �أحزنني �أكرث �أن بع�ضكم فكروا يف االجتاه‬ ‫�إىل ال�صحف‪ ..‬نحن ن�شكل عائلة هنا‪ ،‬والبد من وجود م�شاكل يف �أي عائلة‪ ،‬لكنها ال يجب‬ ‫�أن تظهر للآخرين‪.‬‬ ‫�صفق اجلميع‪ ،‬وكان �أكرثهم حما�ساً فهد و�صديقه‪.‬‬ ‫بعد �أ�سبوع من العمل ال�سعيد‪ ،‬عاد توفيق خمتلفاً‪ ،‬يبت�سم للجميع ويلقي التحية قبلهم‪ ،‬بل‬ ‫حتى وميد يده لي�سلم ومي�سك �أياديهم املت�سخة‪ .‬وكان �أول �س�ؤال �س�أله لل�سكرتري حني دخال‬ ‫املكتب‪:‬‬ ‫ـ هل ا�ستطعت �أن تعرف من الذي كتب الر�سالة؟‬

‫‪85‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 85‬‬


‫من التي ستفوز برقم الوسيم؟‬

‫‪86‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 86‬‬


‫«�إنه و�سيم»‪ ،‬هم�ست الأخت ل�شقيقتها التي �أكدت ذلك هام�سة �أي�ضاً كي ال ي�سمعهما‬ ‫�شقيقهما ال�صغري‪.‬‬ ‫كان ال�شاب طوي ً‬ ‫ال عري�ض الكتفني كالعبي كرة القدم الأمريكية‪ ،‬حليته و�شاربه مت‬ ‫ربطهما بطريقة «القفل»‪� ،‬شعره طويل قلي ً‬ ‫ال ين�سدل على رقبته‪.‬‬ ‫يرتدي «كندورة» بنية‪ ،‬يلف ر�أ�سه بـ«غرتة» حليبية خمططة بالبني‪ ،‬و�سماعة الهاتف يف‬ ‫�أذنه‪ ،‬يت�سلى باحلديث مع �صديقه‪ ،‬فهو مي�شي وحيداً يف «مول الإمارات»‪.‬‬ ‫كان يالحقهم يف كل مكان منذ نزولهم من «املرتو» الذي ي�ستخدمونه لأول مرة من باب‬ ‫التجربة‪ ،‬ا�ستغربت الفتاتان �إ�صراره على تعقبهما بهذه ال�صورة‪ ،‬ف�أخوهما املراهق‬ ‫معهما‪.‬‬ ‫لذلك ظلتا تتحدثان معه حتى ال ينتبه �إىل هذا الو�سيم‪ ،‬وكان الأخ ي�ضحك معهما‬ ‫ويلتفت �أحياناً ناحيته‪ ،‬ورغم ذلك مل يكف ال�شاب عن مطاردتهم‪.‬‬ ‫�أعجبت الفتاتان به‪ ،‬مل تعتربا ما يفعله وقاحة‪� ،‬إنها �شجاعة‪ .‬كانت كل واحدة منهما‬ ‫تتمنى �أن يعطيها هي الرقم‪� ،‬صحيح �أن االت�صال به �سيكون �صعباً ب�سبب رقابة الأهل‪،‬‬ ‫لكن البد �أن الفائزة بالرقم �أجمل من �أختها‪ ،‬و�أن الرجال الو�سيمني يف�ضلونها هي‪.‬‬ ‫فهم�ست �إحداهما للأخرى‪:‬‬ ‫ـ �أعتقد �أنه يريدك �أنت‪.‬‬ ‫ـ ال‪� ،‬إنه ينظر �إليك‪.‬‬ ‫كانت كل واحدة تهيئ نف�سها للخ�سارة‪ ،‬وتظهر المباالتها‪ ،‬حتى �إذا ما منح رقمه‬ ‫للأخرى‪ ،‬ال يكون موقفها حمرجاً‪.‬‬

‫‪87‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 87‬‬


‫وذلك ال مينع �أن �إحداهما ا�ستبدلت طريقة م�شيتها العادية بو�ضعية الدلع‪ ،‬ف�أ�صبح‬ ‫�صوت الكعب الذي ترتديه �إيقاعاً مو�سيقياً يطرب له الرجال وترق�ص له قلوبهم‪.‬‬ ‫بينما ا�ستخدمت الأخرى تكتيكاً �أكرث فاعلية عندما �شدت عباءتها على م�ؤخرتها‪ ،‬حتى‬ ‫ا�ستطاع ال�شاب �أن يلمح خطوط مالب�سها الداخلية‪ ،‬فقد كان يحدق بها‪ ،‬ومل يرفع‬ ‫ناظره عنها �إال عندما �أح�س ب�أن الأخ �سيلتفت �إليه‪.‬‬ ‫ذهبوا �إىل مقهى «كو�ستا» القريب من ال�سينما‪ .‬حلقهم واختار طاولة قربهم‪.‬‬ ‫غيرّ الأخ مكانه وجل�س يف مو�ضع ميكنه من مراقبة ال�شاب الذي كان بدوره ي�ستطيع �أن‬ ‫يرى وجهي �إحدى الأختني والأخ ال�صغري‪.‬‬ ‫قاموا بطلب امل�شروبات واحللويات‪ ،‬ف�شربوا و�أكلوا �ضاحكني‪ ،‬كان ال�شاب يقر�أ جريدة‪،‬‬ ‫لكنه لن ينتهي منها ولو بعد �سنة‪ ،‬فقد كان يرفع ر�أ�سه لينظر �إليهم بعد كل كلمة‬ ‫يقر �ؤها‪.‬‬ ‫نه�ض الولد و�س�أل �شقيقتيه وهو يعدل من و�ضعية القمي�ص واجلينز‪:‬‬ ‫ـ هل �ست�أتيان معي لنقطع تذاكر الفيلم؟‬ ‫فقالتا معاً بحما�س وك�أنهما ترددان الن�شيد الوطني‪:‬‬ ‫ـ ال‪.‬‬ ‫ثم �أكملت �إحداهما‪:‬‬ ‫ـ ال نريد الوقوف يف الطابور املزدحم‪.‬‬ ‫ابت�سم الأخ لهما‪ ،‬ورمق ال�شاب بنظرة‪ ،‬واحمرت وجنتاه‪ ،‬وحترك متجهاً �إىل ال�سينما‪.‬‬ ‫التفتت �إحداهما �إىل الوراء لتتمكن من ر�ؤية ال�شاب متظاهرة ب�أنها تبحث عن حقيبة‬ ‫يدها‪ ،‬بينما كانت الأخرى تنظر �إليه ونظراتها تقول‪« :‬ها قد خال لك اجلو‪ ،‬فتقدم»‪.‬‬ ‫ت�ساءلتا عن الطريقة التي �سيمنحهما بها الرقم‪ ،‬هل �سريميه على الطاولة‪� ،‬أم �سيقف‬ ‫ويعطيهما الرقم �شفاه ًة؟‬

‫‪88‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 88‬‬


‫نه�ض ال�شاب ب�سرعة‪ ،‬ترك خم�سني درهماً على الطاولة دون �أن ينتظر ورقة‬ ‫احل�ساب‪.‬‬ ‫ثواين بعدها وات�سعت عيون الفتاتني وهما تنظران �إىل بع�ضهما؛ فقد خرج ال�شاب‬ ‫الو�سيم م�سرعاً ليلحق ب�شقيقهما‪.‬‬

‫‪89‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 89‬‬


‫استقالة أبناء إبليس‬

90

final edition.indd 90

02/12/11 5:43 PM


‫حتلقوا حول عر�ش �أبيهم �إبلي�س‪ ،‬اتفق �أربعة منهم �أن يفاحتوه يف الأمر‪ ،‬فلم يجر�ؤ �أي منهم‬ ‫على القيام باملهمة وحده‪.‬‬ ‫ا�ستغرب الأب من جتمع �أبنائه املقربني‪ ،‬فيفرت�ض �أن ك ً‬ ‫ال منهم لديه م�س�ؤوليات و�أعمال‬ ‫كثرية عليه تنفيذها‪� .‬س�ألهم �ساخراً‪:‬‬ ‫ـ ما �سبب هذه املظاهرة؟‬ ‫مل يجب �أحد؛ فاحرتام الأب واجب حتى و�إن كان �إبلي�س‪ .‬حرك ر�أ�سه ببطء من جهة �إىل‬ ‫�أخرى لرياهم واحداً تلو الآخر قبل �أن ي�ستقر نظره يف النهاية على �ساعة احلائط‪ ،‬قا�صداً‬ ‫�أن ينبههم �إىل الوقت الذي يهدرونه يف عمر معركتهم �ضد الب�شر‪.‬‬ ‫قال غا�ضباً رغم �أنه علم �سبب ح�ضورهم‪ ،‬فهذه االجتماعات العائلية ال حتدث �إال يف‬ ‫امل�صائب‪:‬‬ ‫ـ ماذا تريدون يا ك�ساىل‪ ،‬كل دقيقة متر يهتدي �أحد الأعداء �أو يقلع �آخر عن فعل �شيء‬ ‫�سيء؟‬ ‫نظر الأ�شقاء �إىل بع�ضهم بع�ضاً مبت�سمني‪ ،‬وقال �أحدهم بعد �أن لكزه �شقيقه‪:‬‬ ‫ـ بابا‪ ،‬نريد �أن ن�ستقيل من عملنا‪.‬‬ ‫تغريت مالمح �إبلي�س‪� ،‬ضرب بع�صاه ذات ال�شوكة الأر�ض‪ ،‬ما جعل املتحدث يرتعد ب�شكل‬ ‫ت�سربت معه �شرارات من ق�سمه ال�سفلي‪ .‬التفت �إىل الآخرين‪ ،‬لريى ت�أثري غ�ضبه فيهم‪،‬‬ ‫فهد�أت مالحمه و�أ�سند ظهره �إىل العر�ش‪ ،‬عندما ر�أى ال�شرارات تتطاير منهم جميعاً‪.‬‬ ‫بعد �صمت �سمعهم يقولون‪:‬‬ ‫ـ منذ �آالف ال�سنني ونحن نعمل دون حتى �إجازة مر�ضية‪.‬‬

‫‪91‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 91‬‬


‫ـ �أ�صبح العمل روتينياً‪ ،‬بال �إبداع �أو متعة‪.‬‬ ‫ـ ال يوجد ترقيات وال حتى بون�ص‪.‬‬ ‫ـ �أريد �أن �أتزوج و�أقعد يف البيت‪..‬‬ ‫مل ي�ست�سلم �إبلي�س لهم‪ ،‬ذلك لي�س من طبعه‪ ،‬وتنبه �إىل �أنهم يلمحون �إىل �أنه عاطل عن‬ ‫العمل يف هذه املعركة‪.‬‬ ‫فكر يف طريقة لإقناعهم بالعدول عن هذه اال�ستقالة اجلماعية‪ ،‬لكن عليه �أن ي�ستمع �إليهم‬ ‫�أوالً ليتمكن من مناق�شتهم يف قرارهم‪.‬‬ ‫طالب ب�أن يتحدث كل منهم عن �سبب ا�ستقالته‪ ،‬فرفع «زملبور» �إ�صبعه‪ ،‬وتقدم ملتفتاً يف كل‬ ‫اجتاه‪ ،‬ك�أنه ل�ص خائف من �أن يتم �ضبطه‪ ،‬م�سك ع�صاه التي تنتهي بعالمة الدوالر‪ ،‬بني‬ ‫يديه‪ ،‬وبد�أ كالمه‪:‬‬ ‫ـ النا�س مل يعودوا بحاجتي لي�سرقوا بع�ضهم‪� ،‬إنهم يفعلون ذلك دون �أن �أو�سو�س لهم‪� .‬أحياناً‬ ‫�أ�صل �إىل العمل مت�أخراً ب�سبب االزدحام‪ ،‬ف�أجدهم قد بد�ؤوا حفلة ال�سرقة دوين‪.‬‬ ‫�سرقة وغ�ش ون�صب يف كل مكان؛ الـ«موالت»‪ ،‬الأ�سواق‪ ،‬املطاعم‪ ..‬قليلون هم رجال الأعمال‬ ‫الذين ال ي�سرقون �أو يغ�شون‪ ،‬ويف الأغلب لأنهم ال ميلكون الفر�صة‪� ،‬أو خلوفهم من �أن يك�شفوا‪،‬‬ ‫فقد ازدادت اجلهات القانونية التي تالحق الل�صو�ص‪ ،‬لكنها ال تقب�ض على الل�صو�ص الكبار‬ ‫غالباً‪ ،‬لأن �شياطني الر�شاوى والوا�سطات يقومون بعملهم ب�إخال�ص و�ضمري‪.‬‬ ‫قلة قليلة من الب�شر ال ي�سرقون ب�سبب �إميانهم‪ ،‬وقد مللت الذهاب �إليهم كل يوم‪ ..‬و�أنا مت�أكد‬ ‫�أن الباقني لن ي�شعروا بغيابي‪.‬‬ ‫التفت �إبلي�س �إىل «م�سوط»‪ ،‬و�أوم�أ له بر�أ�سه حتى ظهر بو�ضوح قرناه الكبريان اللذان جعال‬ ‫االبن يت�أتئ‪ ،‬فقال �إبلي�س مطمئناً‪:‬‬ ‫ـ تكلم‪ ،‬وحاول �أال تكذب!‬ ‫ت�شجع م�سوط‪ ،‬لكن فج�أة انطف�أت �أ�ضواء الق�صر‪ ،‬وعادت �إىل العمل جمدداً‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ـ �أ�صبح الكذب يا �أبي هواية لدى الكثريين‪ ،‬هل تعلم �أنني ا�ستغرب �أحياناً لكذباتهم‪ ،‬كيف‬ ‫يبتدعونها‪ ،‬ما كنت �أ�ستطيع �أن �أخرج ب�أف�ضل منها و�أنا ابنك‪ ،‬فهذا يدعي �أنه ميلك �سيارة‬ ‫«فرياري» رغم �أنه يقود «هوندا» منذ تعلم القيادة‪ ،‬و�آخر يق�سم �أنه تخرج من جامعة‬ ‫«هارفرد»‪ ،‬وهو مل ينه درا�سته الثانوية‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 92‬‬


‫لقد �صار للكذبة �ألوان‪ ،‬فالذي ال يكذب مل�صلحته ال�شخ�صية يفعل مل�صلحة �أهله ورفاقه‪،‬‬ ‫ومن ال يكذب يكون عادة خائفاً من �أن تك�شف كذبته‪ ،‬فقد تغري الزمان‪ ،‬و�أ�صبح كل �شيء‬ ‫ميكن التحري عنه بف�ضل الإنرتنت وثورة االت�صاالت‪ ،‬ومل يبق �إال قليلون لن يكذبوا حتى و�إن‬ ‫ظللت خلفهم مليون �سنة جديدة‪ ..‬لقد �سئمتهم وكذباتهم امللونة‪.‬‬ ‫رفع «الأعور» �إ�صبعه قبل �أن يلتفت �إليه �أبوه‪ ،‬كان الوحيد من بينهم الذي يرتدي «�شورتاً»‬ ‫يخفي �أع�ضاءه‪ ،‬ما جعل �إخوته ميازحونه �سائلني‪:‬‬ ‫ـ متى �سرتتدي الكرفتة؟‬ ‫�أذن �إبلي�س له باحلديث وهو يداعبه بجره بوا�سطة �شوكته من «ال�شورت» الدخيل‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ـ لو كنت �أ�ستطيع االنتحار لفعلتها‪ ،‬مل �أعد قادراً على �إ�ضافة �شيء‪ ،‬ال حاجة �إىل تزيني‬ ‫املر�أة ليقع الرجل يف حبائلها‪ ،‬فهي تتزين من نف�سها لتوقعه‪ ،‬وهو عالق يف حبائلها وال يريد‬ ‫اخلروج‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هل ت�صدق �أنني �أحاول تخلي�صهم �أحيانا لكنهم ال ي�ستمعون �إيل؟ فبعد �أن ينتهي الرجل من‬ ‫فعلته يف ال�شوط الأول‪ ،‬يقرر ممار�سة ال�شوط الثاين‪ ،‬ف�أقول له‪:‬‬ ‫ـ �أنت متعب الآن‪ ،‬تعال غداً و�أكمل ما بد�أت‪.‬‬ ‫�إال �أنه ي�ضرب بكالمي عر�ض ال�سرير‪ .‬هذا �إذا وجد ال�سرير‪ ،‬فاجلن�س �أ�صبح ميار�س يف كل‬ ‫مكان وزمان‪ ،‬ولوال احلياء فقط لأنهوا �أمورهم يف ال�شوارع �أمام بع�ضهم بع�ضاً‪ .‬وذلك ال مينع‬ ‫من �أن بع�ضهم يفعلونها يف ال�شوراع وال�شواطئ والأماكن العامة الآن‪.‬‬ ‫ب�صراحة يا �أبي بت �أعتقد �أن بع�ضهم لو ح�صلوا على فر�صة ملمار�سة اجلن�س معي ملا‬ ‫ترددوا!‬ ‫بع�ضهم ال يفعل هذه الأ�شياء ب�سبب الرقابة والتقاليد‪ ،‬ولكنهم يفكرون يف الأمر �أكرث مني‪..‬‬ ‫والذين ال يفعلون ب�سبب �إميانهم يعدون على �أ�صابع �أياديك اللعينة‪ .‬انظر �إيل‪ ،‬لقد زاد‬ ‫وزين‪ ،‬مل �أعد �أعمل منذ مدة‪.‬‬ ‫اعتدل �إبلي�س و�أ�شار مبت�سماً �إىل «دا�سم» ب�أن يقرتب منه‪� ،‬أجل�سه على حجره‪ ،‬و�أخذ مي�شط‬ ‫خ�صلة ال�شعر يف نهاية ذيله‪ ،‬فقال االبن املدلل‪:‬‬ ‫ـ امل�شاجرات بني الزوج والزوجة �صارت �شبه يومية بني �أغلبهم‪ ،‬ع�شرات الأزواج يقتلون‬ ‫زوجاتهم يومياً واحلجة جاهزة؛ ال�شرف‪ .‬والعك�س �أي�ضاً �صحيح‪ ،‬حتى �أخذ الباعة يف‬ ‫«ال�سوبرماركت» يت�ساءلون عندما ت�شرتي املر�أة �أكيا�ساً بال�ستيكية �إن كانت �ستقتل زوجها‬ ‫�أم ال؟‬

‫‪93‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 93‬‬


‫حتررت املر�أة‪ ،‬و�أ�صبحت تعني زوجها يف كل �شيء‪ ،‬فلم تعد جمربة على احتماله‪ .‬والزوج‬ ‫بدوره ال يطيقها‪ ،‬فهو يرى كل الن�ساء جميالت �إال زوجته‪ ،‬ي�ضخم عيوبها دون م�ساعدتي‪،‬‬ ‫فرائحتها ب�صل يف �أنفه‪ ،‬ورائحة زميلته يف العمل عطور فرن�سية‪ .‬غ�ضب الطريق والعمل‬ ‫وخ�سارة مباريات كرة القدم‪ ..‬يخرجه عليها‪.‬‬ ‫هناك بع�ض الأزواج الذين ال توجد بينهم م�شاكل‪ ،‬لكن ذلك لأن الزوجة تعرف كيف متت�ص‬ ‫الغ�ضب وجتعل نف�سها خا�ضعة‪ .‬هذه النتيجة التي انتهينا �إليها ال يوجد �أف�ضل منها بابا‪.‬‬ ‫وقف �إبلي�س و�أخذ مي�شي جيئة وذهاباً و�سطهم وجميعهم مط�أطئو الر�ؤو�س يراقبون ذيل‬ ‫�أبيهم العظيم‪.‬‬ ‫�س�ألهم عن باقي ال�شياطني واجلنود‪ ،‬ف�أخربوه �أنهم ينتظرون نتيجة االجتماع خارج الق�صر‪.‬‬ ‫فقال �إبلي�س وهو يلوح بع�صاه كقائد ثوري انت�صب �أمام جي�شه لي�شحن عزائمهم‪:‬‬ ‫ـ املعركة مل تنته‪ ،‬لقد �أكد كل منكم وجود قلة من الب�شر مل ن�ستطع هزميتهم بعد‪ ،‬كيف‬ ‫نرتكهم؟ ثم ماذا عن الأجيال املقبلة؟ هل تعتقدون �أنهم �سيكونون على �شاكلة �آبائهم‪ ،‬و�إذا‬ ‫افرت�ضنا حدوث ذلك‪ ،‬من ي�ضمن �أن النا�س احلاليني لن يهتدوا يف غيابكم‪ ،‬هل �سرنجع‬ ‫لنبني ما �صنعناه طوال تلك ال�سنني‪� ،‬إن ا�ستقالتكم تعني الهزمية‪..‬‬ ‫بدا تعباً‪� ،‬صمت حلظة لريتاح‪ ،‬و�أ�ضاف‪:‬‬ ‫ـ ثم هل تعتقدون �أنني �أق�ضي يومي هنا �أداعب �أمكم؟ �إين �أقوم باملهمة الأ�صعب؛ �أذهب‬ ‫يومياً �إىل رجال الدين‪� ،‬أغريهم ب�أن يقولوا كذا وكذا ليجنوا املال وال�شهرة‪ ،‬و�أزين لهم‬ ‫القنوات الف�ضائية ليظهروا فيها‪ ،‬في�صيبهم ال ُعجب‪ ،‬وي�صبح ما يفعلون لأنف�سهم‪ ،‬ال لربهم‬ ‫ودينهم‪ ..‬من منكم ي�ستطيع �أن يقوم بذلك؟‬ ‫توقف عن الكالم‪ ،‬ر�أى عالمات الت�أثر على وجوههم وذيولهم التي تتحرك ببطء‪ ،‬فعلم �أنه‬ ‫الوقت املنا�سب ليق�ضي على ما تبقى من �إرادتهم‪ ،‬ف�أ�سال دموعه النارية‪ ،‬و�أخذ مي�سحها‬ ‫وهو مي�شي ببطء ملتفتاً �إليهم‪.‬‬ ‫�أطرق �أبنا�ؤه‪ ،‬فما �أ�صعب �أن ترى �أباك يبكي‪� .‬أردف �إبلي�س ب�صوت رجل مري�ض‪:‬‬ ‫ـ اذهبوا �إن �أردمت وخذوا معكم كل من يريد‪� ،‬س�أكمل مهامكم بنف�سي‪.‬‬ ‫قالها �ضارباً �صدره بقوة‪ ،‬ف�سقط على الأر�ض‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 94‬‬


‫حتلق الأبناء حوله لي�سعفوه‪ ،‬و�سمعهم يقولون‪:‬‬ ‫ـ نحن �آ�سفون يا �أبي‪ ،‬ال نريد �أي ترقيات‪.‬‬ ‫ـ �سنعمل بجد �أكرب‪.‬‬ ‫ـ �أرجوك ال تقبل ا�ستقالتنا‪.‬‬ ‫قال �إبلي�س يف نف�سه‪:‬‬ ‫ـ ح�سناً‪� ،‬أراكم بعد �ألف �سنة‪.‬‬

‫‪95‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 95‬‬


‫إصابة تحت الطائرة‬

96

final edition.indd 96

02/12/11 5:43 PM


‫كان �أحمد يتعرق بغزارة‪ ،‬مل يكن ذلك يزعجه‪ ،‬فقد اعتاد الأمر‪ .‬يف نهار ذلك اليوم كان يزود‬ ‫الطائرة العمالقة بالوقود‪.‬‬ ‫�أو�شك على االنتهاء وهو يراقب امليكانيكي الفلبيني الق�صري الواقف حتت بطن الطائرة‬ ‫يتابع عدادات خزانات الوقود‪ ،‬ويقفز �أحياناً لي�ستطيع الو�صول �إليها‪ .‬و�ضع امليكانيكي يده‬ ‫قرب رقبته ومررها مرتني من ال�شمال �إىل اليمني‪ ،‬معلناً االنتهاء‪.‬‬ ‫ف�صل �أحمد خرطومني من جناح الطائرة وهو يراقب امل�سافرين �أو بالأحرى امل�سافرات وهن‬ ‫مي�شني عرب اجل�سر املو�صول بالطائرة‪.‬‬ ‫ثم �أراد فك خرطوم عربته ال�ضخم املت�صل بفتحة يف �أر�ض املطار‪ .‬لكنه فج�أة و�ضع يده‬ ‫�أ�سفل ظهره‪ ،‬وجل�س لال�سرتخاء‪.‬‬ ‫وقد �سبق لبع�ض زمالء �أحمد �أن �أ�صيبوا يف ظهورهم ب�سبب الأوزان الكبرية التي يتعاملون‬ ‫معها‪.‬‬ ‫بوا�سطة جهاز االت�صال ال�سريع‪ ،‬ات�صل �أحمد مب�ساعد امل�شرف‪ ،‬و�أخربه �أنه �أ�صيب يف‬ ‫ظهره‪ ،‬و�أنه بحاجة �إىل م�ساعدة فورية‪ ،‬كي ال يت�سبب يف ت�أخر الطائرة عن موعد الإقالع‪.‬‬ ‫بعد �أقل من خم�س دقائق و�صل امل�شرف وم�ساعده وزميل �آخر‪ ،‬اطم�أن اثنان على �أحمد‬ ‫الذي كان يت�أوه وهو يراقب امل�ضيفات وهن ينهني �أعمالهن‪ .‬بينما بد�أ الثالث ف�صل بقايا‬ ‫العربة عن الأر�ض والطائرة‪ ،‬و�أخرجها من املكان‪.‬‬ ‫�أو�صل االثنان �أحمد �إىل بوابة املطار املخ�ص�صة للموظفني‪ ،‬و�أ�صر امل�شرف على �أن يو�صله‬ ‫�إىل �سيارته يف اخلارج‪ ،‬لكن القانون وا�ضح‪ ،‬يجب خروج املوظفني �سرياً على الأقدام ليعربوا‬

‫‪97‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 97‬‬


‫جهاز ك�شف املعادن‪ ،‬با�ستثناء ال�سائق الذي �سيغادر من البوابة بعد تفتي�ش العربة‪.‬‬ ‫نزل امل�شرف وذهب ليكلم عنا�صر الأمن لل�سماح لهم ب�إي�صال �صديقهم امل�صاب لأن امل�سافة‬ ‫من البوابة �إىل مواقف ال�سيارات لي�ست ق�صرية‪ ،‬وبعد حلظات �سمع �أحمد وهو يف ال�سيارة‬ ‫�صراخ امل�شرف و�أ�صوات �آخرين‪.‬‬ ‫عاد بعدها امل�شرف �إىل ال�سيارة وهو يلعن �أفراد الأمن وي�شتمهم‪ ،‬مقرتحاً االت�صال بجهات‬ ‫عليا‪� ،‬أو االت�صال بالإ�سعاف لينقل �أحمد �إىل امل�ست�شفى‪� ،‬إال �أن امل�صاب رف�ض �إعطاء امل�س�ألة‬ ‫�أكرب من حجمها‪.‬‬ ‫مر �أحمد وامل�شرف ي�سنده ببطء من حتت اجلهاز قائ ً‬ ‫ال لرجال الأمن‪:‬‬ ‫ـ هل يعجبكم ما ترونه؟ ماذا ا�ستفدمت الآن؟‬ ‫رد �أحدهم بهدوء‪:‬‬ ‫ـ لدينا ا�سمك ورقم بطاقتك‪ ،‬و�ستدفع ثمن طول ل�سانك الحقا‪ً.‬‬ ‫يف اخلارج كان م�ساعد امل�شرف ينتظرهم ليو�صل �أحمد �إىل �سيارته‪.‬‬ ‫قال امل�شرف وهو يلتفت �إىل �أحمد يف اخللف‪:‬‬ ‫ـ هل �أنت مت�أكد من �أنك ت�ستطيع قيادة �سيارتك �إىل امل�ست�شفى؟‬ ‫قال �أحمد مت�أوهاً‪:‬‬ ‫ـ �أعتقد ذلك‪.‬‬ ‫�صدرت �ضحكة خفيفة عن م�ساعد امل�شرف‪� ،‬أثارت غ�ضب امل�شرف الذي قال له‪:‬‬ ‫ـ زميلك م�صاب و�أنت ت�ضحك يا قليل الأدب‪.‬‬ ‫مل يرد امل�ساعد‪ ،‬ونظر �إىل �أحمد من خالل مر�آة املنت�صف‪ ،‬نظرة ندم‪ .‬فقال �أحمد معتذراً‬ ‫عما حدث‪:‬‬ ‫ـ �أنا �آ�سف‪� ،‬أوقعتك يف م�شاكل‪.‬‬ ‫ـ فليذهبوا �إىل اجلحيم‪� ..‬أهكذا يتعاملون مع �شخ�ص م�صاب؟ �أين روح القانون؟‬ ‫بعد �ساعة رن هاتف م�ساعد امل�شرف‪ ،‬وكان املت�صل �أحمد الذي قال ب�سرعة‪:‬‬ ‫ـ جنحت اخلطة‪.‬‬ ‫ـ نعم لكن «بوعلي» كاد يف�ضحنا‪.‬‬ ‫قال �أحمد معاتباً‪:‬‬

‫‪98‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 98‬‬


‫ـ ملاذا �أح�ضرته معك؟‬ ‫ـ عندما علم �أنك امل�صاب �أ�صر على القدوم معي‪.‬‬ ‫ـ احلمدهلل �أنهم مل ي�ضعوا الأ�صفاد يف يديه وير�سلوه �إىل املركز‪ ،‬كنت �س�أ�شعر بندم �أكرب‪.‬‬ ‫�ضحك م�ساعد امل�شرف وقال‪:‬‬ ‫ـ �أين �أنت الآن؟‬ ‫ـ �أنا يف امل�ست�شفى‪ ،‬البد من هذا الإجراء الروتيني للح�صول على �إجازة‪.‬‬ ‫بعد دقائق �أظهرت نتائج الفحو�ص �أن �أحمد يعاين بدايات الإ�صابة بالدي�سك‪.‬‬

‫‪99‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 99‬‬


‫البنات تافهات‪ ..‬لكن هذه مختلفة‬

‫‪100‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 100‬‬


‫مل يتوقع ات�صالها‪� ،‬إنها خمتلفة عن جميع البنات الالتي عرفهن‪ ،‬فهي �أكرب منه �سناً‪ ،‬وتبدو‬ ‫جادة‪ ،‬ت�ضع نظارة‪ ،‬كانت جتل�س يف مكتبة «املجرودي» يف «دبي �سيتي �سنرت»‪ ،‬تقر�أ كتاباً‬ ‫تريد �أن تت�أكد من جودته قبل �شرائه‪ ،‬ال يبدو عليها �أنها خرجت لت�ستمتع بنظرات الرجال‪،‬‬ ‫فمالب�سها عادية‪ ،‬وال تظهر من ر�أ�سها �شعرة‪.‬‬ ‫التقت عيناهما حلظة‪ ،‬كانت هي ال�سبب يف �أن يرتك لها رقم هاتفه على الكر�سي قبل �أن‬ ‫يغادر‪.‬‬ ‫هي �أكرب منه بكل ت�أكيد‪ ،‬وذلك كان �سبباً �إ�ضافياً ليتعرف �إليها‪ ،‬فقد مل البنات ال�صغريات‬ ‫اللواتي كان ي�صفهن بالتافهات‪ ،‬فجميعهن يتحدثن يف الأمور نف�سها‪ :‬موا�ضيع املو�ضة‬ ‫واملكياج‪ ،‬الأفالم والأغاين‪ ..‬وجميعهن ي�أكدن يف �أول مكاملة �أنهن مل يكن يف �أبهى �صورهن‬ ‫عندما �أعطاهن الرقم‪ ،‬في�ضطر �أن يقول العبارة نف�سها للجميع‪:‬‬ ‫ـ وهل يعقل �أن هناك �صورة �أجمل من تلك التي ر�أيتك فيها؟ كنت رائعة‪.‬‬ ‫و�صل �إىل درجة �أنه بد�أ ي�شعر �أنه ي�ستطيع اخلو�ض يف حوار كامل مع فتاة جديدة وهو‬ ‫نائم!‬ ‫والحظ �أن �أغلبهن ينقطعن عن االت�صال �أ�سبوعاً بعد املكاملة الأوىل‪ ،‬رمبا لينهني عالقاتهن‬ ‫مع �آخرين‪� ،‬أو لأنهن يختربن �صربه‪� ،‬أو �أنهن يردن �إظهار الالمباالة‪.‬‬ ‫والحظ �أي�ضاً �أن �أغلبهن ي�صبح �صوتهن ناعماً �أكرث قبل النوم‪ ،‬وتتخلله تنهيدات طويلة‪ ،‬منتظرات‬ ‫منه �أن يبد�أ �أمراً يعرفه جيداً‪ ،‬لكنه ال يفعل‪ ،‬لأنه يريد �أن يقابلهن ويخرج معهن ال �أن يظل يغازلهن‬ ‫يف الهاتف‪ ،‬وهذا ما تريده �أغلبهن‪.‬‬ ‫هو م�ؤمن ب�أن الأنثى ت�سكر من �أذنها‪ ،‬والرجل يثمل من عينيه‪ ،‬فهي تريد �أن ت�سمع العملية‬

‫‪101‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 101‬‬


‫اجلن�سية‪ ،‬بينما هو يريد �أن يرى العملية ماثلة �أمامه‪ ،‬وهو و�سطها ي�صول ويجول‪ ..‬لذلك كانت‬ ‫�أكرث عالقاته تو�أد يف مهدها‪.‬‬ ‫قرر �أال يتعرف �إىل فتيات يف �سنه �أو �أ�صغر ب�سبب فتاة �س�ألته بعد الدقائق اخلم�س الأوىل‬ ‫من تعارفهما عن �أ�صله! ا�ست�سخف ال�س�ؤال‪ ،‬ما هذه التفاهة؟ لكنه حاول تلطيف اجلو ب�إلقاء‬ ‫دعابة مفيدة عن جمزرة عرقية بني فئتي الـ«هوتو» والـ«توت�سي» �أ�سالت دماء مئات الألوف‬ ‫يف رواندا‪ .‬فقال �ضاحكاً‪:‬‬ ‫ـ ملاذا ت�س�ألني‪ ،‬هل نحن يف رواندا؟‬ ‫مل تفهم ق�صده‪ ،‬وا�ستغربت من �س�ؤاله‪ ،‬وك�أنها مل ت�سمع باملجازر التي وقعت هناك‪ ،‬بل‬ ‫و�أح�س ب�أنها ال تعرف ما هي «رواندا» هذه‪ ،‬ف�س�ألها‪:‬‬ ‫ـ هل تعلمني �أين تقع رواندا؟‬ ‫�أجابت بعد طول �صمت‪ ،‬وكما يبدو بعد �أن بحثت يف الإنرتنت‪:‬‬ ‫ـ يف‪� ..‬إفريقيا‪.‬‬ ‫بعد �أيام قال لها عندما فا�ض به الكيل من غبائها وتفاهتها‪:‬‬ ‫ـ ال ن�ستطيع �أن نكمل معاً‪.‬‬ ‫ـ ملاذا حبيبي؟‬ ‫�أثارت الكلمة الأخرية غيظه �أكرث‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ـ لأنك غبية جداً‪.‬‬ ‫ـ ك�أنك �أخط�أت يف حقي حبيبي‪.‬‬ ‫ودعها و�أغلق هاتفه دون �أن ينتظر جوابها‪ ،‬كي ال ي�ضطر �إىل �سماع رد �أحمق جديد‪.‬‬ ‫كان يريد التعرف �إىل فتاة نا�ضجة‪ ،‬ب�إمكانها �أن تخرج متى ت�شاء‪ ،‬تفهم ما يقول‪ ،‬وال‬ ‫تتحدث عن مالب�سها كثرياً‪ ،‬فلم يكن ي�ستطيع تفويت فر�صة الفتاة يف املكتبة‪ ،‬حتى و�إن مل‬ ‫تت�صل‪ ،‬فيكفيه �شرف املحاولة‪ ،‬ثم �إنه لن يغم�ض له جفن �إذا مل يحاول‪ ،‬و�سيظل يتهم نف�سه‬ ‫باجلنب‪.‬‬ ‫كان م�ستلقياً على ال�سرير عندما رن الهاتف املتحرك وظهر رقم غريب‪ ،‬البد �أنها هي‪،‬‬ ‫اعتدل جال�ساً‪ ،‬تنحنح وك�أنه مطرب ي�ستعد للغناء‪:‬‬ ‫ـ �ألو‪ ،‬مرحبا‪.‬‬

‫‪102‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 102‬‬


‫كانت هي‪ ،‬فرح ب�سماع �صوتها‪ ،‬الحظ ارتباكها‪� ،‬س�ألها �إن كانت هي فتاة املكتبة‪ ،‬ف�أكدت‬ ‫ذلك‪ .‬ودار بينهما حوار روتيني عرف خالله �أن ا�سمها هدى وهي طبيبة �أ�سنان‪ ،‬وعمرها‬ ‫‪ 38‬عاماً‪ ،‬حتب القراءة يف خمتلف املجاالت‪.‬‬ ‫كان مبهوراً بطريقة حديثها ومالحظاتها الطريفة وثقافتها‪ ،‬خطر بباله �أنه قد يكون هو‬ ‫الطرف التافه يف هذه العالقة‪� ،‬إىل �أن قالت‪:‬‬ ‫ـ ا�سمع ماجد‪� ،‬أو �أياً كان ا�سمك‪.‬‬ ‫ـ �أنا معك‪.‬‬ ‫ـ �إنها املرة الأوىل التي �أحتدث فيها مع �شاب خارج �إطار العمل �أو الدرا�سة‪.‬‬ ‫�صدم من عبارتها‪ ،‬فقد كانت جملة كاللبانة التي علكت كثرياً‪� ،‬سمعها ع�شرات املرات‪ .‬بد�أت‬ ‫�صورتها تتغري للحظة‪ ،‬لكنها وا�صلت حديثها ب�سرعة‪:‬‬ ‫ـ البد �أنك �سمعت هذه العبارة �سابقاً‪ ،‬ال �أطلب منك �أن ت�صدقني‪ ،‬كل ما �أريده �أن ت�سمعني‬ ‫حتى �أنهي كالمي‪ ،‬وبعدها افعل ما �شئت‪.‬‬ ‫ـ تف�ضلي‪.‬‬ ‫قالت بعد �أن �أخذت نف�ساً طوي ً‬ ‫ال‪ ،‬ك�أنها �ستغو�ص يف بحر‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ـ �أنا عان�س‪ ،‬لو تزوجت يف بداية �شبابي لكان �أبنائي �أ�صغر منك قليال‪ ،‬مل �أفكر بالزواج‬ ‫عندما كنت �صغرية‪ ،‬كانت درا�ستي ت�أخذ جل وقتي‪� ،‬صدقني مل �أ�شعر ب�أنوثتي �إال يف ال�سنة‬ ‫الثانية من اجلامعة‪ ،‬وكانت جمرد حلظات متر علي �أحياناً قبل النوم‪.‬‬ ‫تخرجت من اجلامعة‪ ،‬ذهبت لأوا�صل درا�سة طب الأ�سنان يف اخلارج‪� ،‬سنوات مرت و�أنا ال‬ ‫�أفعل �شيئاً �سوى الدرا�سة والعمل والقراءة‪ .‬فاتني قطار الزواج‪ ،‬كان هناك بع�ض العر�سان‪،‬‬ ‫لكنني كنت �أرف�ضهم جميعاً‪ ،‬فعملي وم�ستقبلي املهني و�أبي و�أمي كانوا ميل�ؤون حياتي‪� ،‬أمي‬ ‫ماتت منذ �سنتني‪ ،‬و�أنا �أعي�ش وحيدة مع �أبي‪� ،‬إخوتي جميعهم تركوا املنزل لين�شئوا عائالت‬ ‫جديدة‪.‬‬ ‫الآن ال �أحد يتقدم خلطبتي‪ ،‬فقد كربت يف ال�سن‪ ،‬وكما الحظت ل�ست جميلة‪ ،‬ويبدو �أن‬ ‫النا�س بد�ؤوا يعتقدون �أنني ال �أريد الزواج‪.‬‬ ‫منذ فرتة تراودين فكرة �أريد �أن ي�ساعدين �أحد فيها‪ ،‬واليوم عندما تركت يل رقمك‪،‬‬

‫‪103‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 103‬‬


‫ت�ساءلت �إن كنت �أنت هذا ال�شخ�ص‪.‬‬ ‫�أنت �شاب و�سيم ويبدو �أنك مثقف وذكي‪� ،‬ألف فتاة �صغرية وجميلة تتمنى �أن ترتبط بك‪،‬‬ ‫لكن �أرجوك فكر يف املو�ضوع‪ ،‬رمبا يبدو ما �س�أقوله غريباً‪ ،‬لكن ال جتب الآن‪ ،‬فكر �أ�سبوعاً‬ ‫و�أخربين بقرارك‪� ..‬أريد منك �أن تتزوجني!‬ ‫اعتربين حالة �إن�سانية تريد م�ساعدتها‪ ،‬قم بتطليقي مبجرد �أن �أحمل منك‪ ،‬ل�ست طماعة‪،‬‬ ‫ال �أريد �أن �أ�سرق �شبابك‪ ،‬وال �أريد منك �شيئاً‪ ،‬وال داعي لإخبار �أهلك‪ ،‬فقط �ست�أتي لأبي‬ ‫وتطلبني‪ ،‬ونتزوج يف املحكمة ب�سرعة‪ ،‬ويكفي �أن ت�أتي �إىل بيتنا �أحياناً‪ ،‬ال �أطالبك ب�أن تن�شئ‬ ‫�أ�سرة معي‪ ،‬كل ما �أريده هو طفل �أعتني به‪ ،‬طفل ي�سليني وين�سيني وحدتي‪ ،‬ورمبا يعتني‬ ‫بي الحقاً‪.‬‬ ‫ال خريياً �ستقوم به‪� ،‬ستمنحني �شيئاً �أرغب فيه‪ ،‬و�ست�أخذ �شيئاً‬ ‫�أنا �أقدر موقفك‪� ،‬أعتربه عم ً‬ ‫ترغب فيه‪ ،‬و�إال ملا تركت الرقم يل‪.‬‬ ‫�أرجوك ال تخرب �أحداً بهذا الأمر‪ ،‬و�إذا مل توافق على طلبي ان�س الأمر نهائياً‪ ،‬ال تقل �شيئاً‪،‬‬ ‫�س�أقفل اخلط الآن‪ ،‬و�إذا مل تت�صل بي خالل �أ�سبوع �س�أعرف اجلواب‪ ،‬و�صدقني لن �أغ�ضب‬ ‫منك‪ ،‬فال يحق للفقري �أن يغ�ضب �إن مل مينحه الغني من ماله‪ ..‬مع ال�سالمة‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 104‬‬


‫الفهرس‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪ 4‬‬

‫الفضائح‬ ‫ ‬ ‫املتصل الذي يعرف كل‬ ‫الطويل‬ ‫صاحب اإلصبع ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪10‬‬

‫محششون بال حدو د‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪16‬‬

‫اإلمام‬ ‫ ‬ ‫عارية في بيت‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪20‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪26‬‬

‫حب و«بالوي» أخر ى‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪30‬‬

‫احلقيقة ليست مرة فقط‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪36‬‬

‫والوحش» ‬ ‫«حسون بوراس ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪44‬‬

‫منوي لعني ‬ ‫حيوان ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪48‬‬

‫محاصر باخلراء ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪52‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪56‬‬

‫النيسان األسود‪ ..‬والعقال ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪62‬‬

‫العضالت ‬ ‫حبيبتي صاحبة ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪66‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪70‬‬

‫التحية‪..‬‬ ‫ ‬ ‫إلى زوجي احلمار بعد‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪74‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪80‬‬

‫برقم الوسيم؟ ‬ ‫من التي ستفوز ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪84‬‬

‫استقالة أبناء إبليس ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪90‬‬

‫إصابة حتت الطائر ة‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪96‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪100‬‬

‫النائم‬ ‫احلوار الذي أبكى السجني ‬

‫املسطول‬ ‫املالك ‬

‫آينشتاين البخيل ‬ ‫بفن الزبالة ‬ ‫اإلدارة ‬

‫مختلفة‬ ‫البنات تافهات‪ ..‬لكن هذه ‬

‫‪105‬‬

‫‪02/12/11 5:43 PM‬‬

‫‪final edition.indd 105‬‬


106

final edition.indd 106

02/12/11 5:43 PM


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.