المصير مذكرات مواطن عراقي
رياض القاضي
دار الحكمة لندن
مذكرات مواطن عراقي..• المصير رياض القاضي: • المؤلف 2014 األولى: • الطبعة دار الحكمة ـ لندن: • الناشر ـ لندنMBG INT شركة: • التصميم
ISBN: 978 1 78481 004 7
© حقوق الطبع محفوظة
DAR ALHIKMA
Publishing and Distribution
Chalton Street, London NW1 1HJ Tel: 44 (0) 20 7383 4037 Fax: 44 (0) 20 7383 0116 88
E-Mail: hikma_uk@yahoo.co.uk Website: www.hikma.co.uk
الفهرست المقدّ َمة 7........................................ ُ
البداية 11........................................ نبذة عن عائلتي 12. ............................. اليوم األول في البصرة16. ......................... البصرة 22. .................................... عباس البارودي متعهد حفالت الفنان كاظم الساهر في البصرة 24. إعدام ميت27. ................................. تبييض السجون في صيف 30. ............... 1995 هجوم على مقر القيادة الحزبية في منطقة البصرة القديمة 32. .. وفاة والدتي وخطوة االلف ميل35. .................. يوم الوداع 37. ................................. اليوم االول في مديرية أمن التأميم (كركوك) 38. ....... التخطيط للهروب40. ............................ المخيف 48. ............................ المسير ُ 3
اليوم االول في كردستان ـ ربيع 1999ـ نيسان55........ التحقيق 59. ................................... اعتقالي في سد مديرية أمن دربندخان 63. ............ أيامي في مديرية امن السليمانية72. ................. ما بعد السجن 81. .............................. في استضافة المخابرات االيرانية 84................... المحاولة الثانية الى ايران 92. ...................... الرجوع الى كردستان العراق 96. .................... عبور جبل خورمال العالي103...................... الطريق الى طهران (هشكرد)111................... اليوم االول في حقول الكرز 117.................... لشكر أباد االيرانية 123........................... التحرك الى برديس 129........................... زيارة كردستان العراق 132................... 2000 الحب وأشياء أخرى 135.......................... السفر الى السليمانية 138......................... 4
التش ُيع 142.................................... الهروب الى تركيا 145............................ الى تركيا 149.................................. أسطنبول مدينة االحالم 160...................... الطريق الى اليونان 163........................... المحتم ومالئكة الرحمة 166................. الغرق ُ 40يوما في الكمب اليوناني 172................... تركيا ترحب بنا 174............................. تركيا ـ ايران ـ الحدود الروسية بانتظارنا 177........... الى إيران 194.................................. شكرا يا ضوء القمر 198.......................... الى احضان اسطنبول 204......................... الهروب من سجن اسطنبول 209.................... الطريق الى اليونان 216......................2003 2003/4/9سقوط بغداد 224.................... ايطاليا ـ المانيا ـ باريس 227.................. 2005 لندن 234..................................... 5
قد َمة املُ ّ
العراق لي�س البلد الوحيد يف العامل الذي يتميز باختالف تكوينيه العجيبة قيا�سا باملذاهب املتعددة يف الهند وغريها من الدول ،لو �أردنا ان نقارن مقارنة عقالنية ..بل وحتى البلدان املتخلفة اتفقوا فيما بينها� ..إال ان هذا الوطن املنكوب الذي �سيطرت عليه قوى خمتلفة مازال �ضحية �أالعيب الدول املجاورة ..والتي حتاول و�ضع العراق داخل الدائرة الطائفية وتغليفها بق�رشة التفرقة ..ولكنها ف�شلت يف تر�سيخ العداء القاتل بني مكونات ال�شعب العراقي احلر .بل وما زالت االحزاب العراقية التي دخلت بعد �سقوط بغداد ت�سعى اىل بذر جبهة لالنتقام الطائفي بني �صفوف �أبناء الوطن الواحد بدال من حقن الدماء و�أعمار ما خربته احلروب و�سيا�سات �صدام ح�سني املجنونة .وعملت الأحزاب على التنكيل بني �صفوف 7
مناف�سيها وذلك بزرع كب�سولة القتل لل�شعب ومن ثم اتهام اجلهات الأخرى بتنفيذ خمططات تهدف اىل زعزعة اال�ستقرار االمني مما ا�ضطر ال�شعب اىل متني بالرجوع اىل عهد الطاغية العراقي ال�سابق.
�صدام ح�سني ا�ستلم العراق وهو ب�أْوج ح�ضارته ..وملا كاد البلد على و�شك ان يخرج من عامل البلدان النامية قبل ا�ستالم الرئي�س اجلديد ال�سلطة ...غلب غروره وكرهه لإيران َ وحال دون نقل البلد اىل ال�سوء يف �ألإ�رساع من بتدمري العراق مرتبة الدول املتقدمة وهذا ما ال يتقبله االغلبية من فئات طبقية معينه يف العراق امتع�ضوا من تهم�شهم مما و�صل اليه العراق من ظروف م�ستميت ..بل و�أ�رصوا على انه بطل قومي ولكنه كان يف الواقع بطل ورقي �صنعته امريكا �ضد ايران ومن ثم مزقته ومزقت معه وطن ًا كام ً ال. ال�رصاعات على خريات وتراب العراق كانت حتى قبل بعثة الر�سول «عليه ال�صالة وال�سالم» وا�ستهداف ح�ضارته احتل تفكري املحتلني الذين ق�صدوا زرع بذرة الفتنة الطائفية.. ولكن رغم تلك الظروف فالعراق مازال ينب�ض باالمل ..وها نحن و�صلنا اىل قمة الدمار وهتك االعراف يف ظل دولة طاملا حلمت ب�سقوط بغداد ..فهي �صفوية حاقدة على ح�ضارة وادي الرافدين ومب�ساعدة فيالقها التي ترعرعت حتت رايات 8
الفُر�س املجو�س. حيث بد�أت ايران من قبل بعثة الر�سول بالتدخل يف ال�ش�أن العراقي وال يخفي علينا عهدا الر�شيد واملعت�صم كيف �أراد الربامكة ن�رش الفنت وتنفيذ م�شاريع االغتياالت لهدم الدولة العراقية �آنذاك بل وحتى الأولياء ال�صاحلني مل ي�سلموا من فتنهم و�سنة الر�سول بعد وحتريفهم بكل وقاحة للكتب اال�سالمية ُ وفاة عمر بن اخلطاب و�أبو بكر ال�صديق ،ر�ضوان اهلل تعاىل ال�سنة وا�ستعمال التقية عليهما ،وخلق البدع وتكفري اهل ُ املُخزية دليل على ُجنب من يحاولون هدم ح�ضارة ا�سالمية عمرها مئات ال�سنني� ،شهد لها القيا�رصة وامللوك .بل وقد و�ضع اهلل عالمة كربى لهم وهي قربا ابو بكر وعمر جنب قرب احلبيب امل�صطفى لتكون اكرب دليل على نفاقهم املزعوم بان ال�صحابة قد خانوا الر�سول بعد موته وت�آمروا على �سيد البلغاء علي بن ابي طالب ،كرم اهلل وجهه ال�رشيف ،يف موقعة عرفت با�سم ال�سقيفة امل�شهورة يف كتب الفر�س. و�صل العراق اىل ا�سو�أ نقطة يف تاريخه الدامي والطويل بعد ان نفذت امريكا م�آربها يف العراق وتركها لإيران كي تهدد دول اجلوار بها ..وجعل اخلليج لعبة يف ايديهم لت�سويق ا�سلحتها لهم ،كلما نفخت ايران �صدرها واطلقت زئريها خافت العرب وا�ستنجدوا ب�شيطانهم االكرب ل�ضخ اغلى 9
اال�سلحة لهم وال�ضحك على عقولهم وت�أمني بقاء اال�رسة احلاكمه يف ال�سلطة. �صدرة والتي عرفت بالربيع ثم جاءت �أدوار الثورات املُ ّ العربي ،التي من املفرو�ض انهاء خريف الديكتاتورية.. ولكن ما فاتنا هي انها رخ�صة امريكية من لقيام هكذا ثورات واال�ستغناء عن عمالئهم من الر�ؤ�ساء. ال ت�ستغرب فكلها ت�سويق امريكي لل�رشق ،فما دام العرب يريدون ثورة فلنعطها لهم لأن كل من �سي�أتي �سيكون عميال خمل�صا ،فهذه منطقتهم و�إذا ما زالت الأخطار والتهديدات من املنطقه ف�ستكون امريكا و�أعوانها يف م�أزق كبري .هذا الكتاب الذي اقدمه لكل �شخ�ص هو بع�ض من معاناة العراقيني و�إحداثها التي خلت كانت حقيقة ُكتبت لكي يطلع عليها العامل على او�ضاع الالجئني وهم يف طريقهم اىل البالد االوروبية ورغم ذلك مل ي�سرتح املواطن من وعثاء ال�سفر فلجو�ؤه اما ُيقبل او ُيرف�ض وتلك اعظم امل�صائب.
ريا�ض القا�ضي لندن ـ 2014/04/12
10
البداية
الأحوال املعي�شية يف العراق باتت ال ت�رس اخلواطر، فال�شعب امتع�ض كثريا ب�سبب ت�رصيحات القائد امل�ؤ�س�س والرفيق املنا�ضل والأب و ...و ...و الخ ...فقد ا�ضحت له الع�رشات من امل�سميات التي بتنا نحفظها عن ظهر قلب. يف بداية الت�سعينات دخل �صدام ح�سني الكويت وجردها 11
من كل خرياتها ،وبدال من ك�سب ت�أييد ال�شعب الكويتي ح�صل العك�س ..ففتح الطريق جلنوده لالغت�صاب والقتل ونهب البلد التي كان ي�سجل فيها انت�صارات وهمية ..و�أعاد الأحداث نف�سها التي جرت يف املحمرة ومناطق عربية عديدة التي تقع يف �ضمن مناطق ايران ال�سوء يف بداية احلرب ..حيث خرج ال�شعب العربي االيراين خمل�صني وم�ؤيدين لقائد ال�رضورة فرد عليهم بالقتل والتنكيل و�أي�ضا تكرر القتل يف الكويت، ومازال ال�شعب الكويتي يتذكر تلك امل�أ�ساة ال�صدامية.. وخطف الرهائن التي عبرّ ت عن مدى وح�شية �صدام انذاك يف الكويت.
نبذة عن عائلتي: ننحدر من عائلة غنية ـ بيت القا�ضي ـ حيث اغلب افراد عائلتي �شغلوا منا�صب يف الدولة ونحن من ا�رسة كبرية تنق�سم اىل �شيعه و�سنه ومل نعرف قط خالل حياتنا ما تعني تلك امل�سميات او الفوارق املذهبية �إال بعد �سقوط �صنم �صدام ح�سني 2003والتي اتاحت لأمريكا ان حتتوي نقطة الطائفية يف العراق والتي راح �ضحاياها من الأبرياء ال�رشفاء من كال املذهبني. 1989انهيت درا�سة املتو�سطة فقد كان حلمي الكتابه 12
ون�رش م�ؤلفاتي وبد�أت اكتب من ال�سن 15مت�أثرا بروايات جنيب حمفوظ و�إح�سان عبد القدو�س و�شاركت يف م�رسحية للمخرج العراقي املرحوم واجب �سعيد .واذكر ا�سمها :عندما عاد الفار�س مبدينة املو�صل العراقية يف الثمانينات� ،إ�ضافة اىل ق�ص�ص ق�صرية ن�رشتها يل جمالت االطفال يف الثمانينات. كان عمي مديرا لل�سجون يف العراق ،ويف ال�سبعينات بالتحديد ..ويل اخ كان يعمل كملحق جتاري يف ال�سفارة ال�سوي�رسية و�أما االخر فقد كان معاونا ملدير �رشطة احلدود يف �شمال العراق واملعروفة االن بكرد�ستان العراق. والدي متزوج من امر�أتني االوىل من النجف ،اما الثانية فهي والدتي من القومية الرتكمانية التي تعود ا�صل �شجرة العائلة اىل تركيا ،وكانت ت�سكن التون كوبري يف �شمال العراق. كان والدي مديرا للمالية ولد عام 1912وبطاقته كانت �صادرة من الدولة العثمانية ..ورغم ا�رصار العديد من املقربني لتغيري بطاقته كانت ردة فعله النفي القاطع ،فهو يعتز بالبطاقة رغم ا�صفرارها ،فلم يكن يرغب بحمل هوية �صادرة يف عهود بعد العهد امللكي ،الن اخلري قد �شح يف تلك االنظمة وخ�صو�صا من بعد مقتل امللك في�صل ،هكذا كان يقول بكل قناعه اىل ان تويف �سنة .1992 13
ابان حرب حترير فل�سطني وقبل اخليانة العربية الكربى ُج ِند والدي للم�شاركة باحلرب قبل زواجه الثاين ،واختار ان ينقل ملكيته اىل زوجته لكي ي�ضمن لها حقوقها ،ولكن بعد اخليانة العربية عاد اجلي�ش العراقي ادراجه من احلدود ال�سورية يحمل خيبات امل اخليانة العربية. ع�شت فرتة طفولة مميزة مل اتعب فيها ،مدلال ،وال اذكر �أنني قد جربت العمل يوما يف حياتي� ،أو اتعب يف ان انال ما اريد ...حتى بداية الت�سعينات بعد دخول �صدام ح�سني الكويت والتي ُم َني ْت بهزمية كبرية اثرت على ال�شعب العراقي بدرجة تفوق الت�صور.. اذ مل يكتفي ذلك القائد املجنون الذي اعدم ع�رشات املقربني منه لينفرد بال�سلطة من �رسقة الكويت والتباهي بانت�صاراته الكارتونية ..بل بعد احلرب غيرّ عملة البلد اىل �سجل عملة ورقيه عاديه ي�سهل تزويرها يف الأ�سواق وبذلك ّ نك�سة اقت�صاديه كربى. مل�صالح املواطن العراقي الذي حتمل جنون وويالت انفراد قائد العراق ب�أحكامه غري العادلة. قررت ان �أترك معهد �إعداد املعلمني بعد �شبه افال�سنا و�إ ّبان ال�رضبة االقت�صادية ال�صدامية واحل�صار الذي فُر�ض على العراق قررت ترك املعهد والتقدم بالعمل يف �سلك امن الدولة 14
ـ الإعالم والتوجيه ال�سيا�سي ـ الذي كان يعترب �سلطة ثانية بعد احلزب يف العراق انذاك. كل اقربائي عار�ضوا فقد كانوا ينتظرون مني ان �أنهي درا�ستي وال�رشوع بن�رش م�ؤلفاتي ،واخربوين ب�أن هذا الطريق لي�س �سهال بل هو االنتحار بعينه و�إنني �س�أدفن نف�سي يف وظيفة �سيا�سية كافية بقتل �أحالمي كلها� ..إال انني مل اعر اهتماما وجربت ما خططت له ظنا مني انه �سيتم ا�صالح احلال املعا�شي لنا بعد النك�سة وتدارك االفال�س. ا�صبحت حياة العراقيني يف ذلك الوقت يف و�ضع ال ُيح�سدون عليه ..تف�شي الأمرا�ض والفقر غري املتوقع ا�ضافه اىل ادخال الب�ضائع امل�رضوبة الغالية الثمن من قبل ازالم �صدام وال�سيما عدي ،الذي لعب دورا فاعال يف ت�رصيف منتجاته امل�رضوبة اىل ال�شعب العراقي. مل يعد العراق كما كان ،والعي�ش فيه ا�صبح م�ستحيال، ومازال �صدام ح�سني يعر�ض انت�صاراته املزعومة على اجهزة التلفاز ،وال�شعب بات يتذمر من ذلك ا ُ حلكم الذي دمر كل من�شاته احليوية.
15
اليوم الأول يف الب�رصة: مدر�سة تدريب الأمن الكائنة يف �صدر القناة ببغداد... �أ�صوات منت�سبي طوارئ الأمن وهم ي�صعدون الربج اجلبلي العايل وتدريبات ال�صاعقة وهتافاتهم اثناء التدريب� :صاعقة فداء حديد ونار ..انا للموت ول�ست للعار ...ـ كانت تهتف بعزمية �صلبة وي�ؤمنون بهذه الهتافات ويعملون بها وكانوا يفدون ارواحهم لأجل ذلك ـ .. عامل غريب وجديد مل ي�رسين ما ر�أيت و�أنا ادخل اول ايام التدريب وبلبا�س ع�سكري حتت �أمرة عقيد االمن :حم�سن علي حم�سن ،الذي ابلى بالء قاتال يف اجلنوب وال�شمال لدرجة لو �أن الطفل اذا رف�ض النوم تخيفه والدته قائلة :نام و�إال �س�أجلب لك حم�سن. �شهر متوز و�أنا جال�س على اال�سفلت يف �ساحة العر�ضات و�أ�سلحتنا على االر�ض و�أي خط�أ �سرنفع اال�سلحة على االكتاف والهرولة بها اىل ابعد م�ساحة من ال�ساحة التي ت�شتعل �إ�سفلتها بحرارة ال�صيف اجلهنمية ..والرجوع يجب ان يتم خالل دقائق اىل نقطة التجمع. كل �شيء مقزز ،تدريبات عنيفة حياة قا�سية وجوع ،مل اتعود عليها فبغداد ا�ضحت جحيما يف هذا ال�صيف ال�شاق ال تنتهي م�آ�سيها. 16
بعد مرور ثالثة �شهور مت تعيني كل املتخرجني يف حمافظات العراق ،اما انا فكان يل ن�صيب ان �أخدم يف مديرية �أمن الب�رصة ..كانت �صدمة وندم ًا ومتنيت لو انني مل اقدم على مثل هذا العمل والبقاء لإنهاء درا�ستي املرحلة الثالثة ملعهد اعداد املعلمني يف كركوك. بعد ا�سبوع من االجازة �شددت رحايل اىل الب�رصة مدينة ال�صمود كما ي�سمونها ،فانا مل ارى قط حمافظات اجلنوب ومل ي�سبق يل ان تعاملت معهم. و�صل القطار اىل الب�رصة يف ظهرية يوم حار جدا ومل اح�س بهكذا حر ابدا ...اول �شخ�ص دلني على مديرية امن الب�رصه كان لطيفا وفاجئني بكرمه� ،شكرته لأق�صد املديرية التي ي�سمونها بالليث االبي�ض لبيا�ضها وما حتمل من معامل خوف اثناء الليل على وجه اخل�صو�ص لدرجة ان املواطن الفقري مل يكن يتجر أ� حتى على جمرد القاء نظرة خل�سة باجتاه املديرية. احلر�س كانوا يف �أوج التعب بل كلهم كانوا م�ستاءين من بع�ضهم البع�ض ..مل ت�رسين احوالهم فعلمت ان امل�شقة بد�أت الآن. مت تعييني يف احدى املعاونيات وبالتحديد �شارع ب�شار امل�شهور بالدعارة وبيع اال�سماك ...النفايات يف كل مكان... حلوم وا�سماك قدمية ترمى على جوانب الطرق ،ولي�ست هناك 17
خدمات لتنظيفها اما يف الليل فاجلرذان تتعارك مع الكالب ال�سائبة واجلو احلار ي�شوي الوجوه ،مما يكفي ان يجعل املالب�س تلت�صق بج�سدي الغارق بالعرق وال من حمامات يف املعاونية للتخل�ص من كل هذه امل�آ�سي. �شهور ق�ضيتها بالعمل يف املعاونية ومن بعدها نقلني املعاون ال�سيا�سي اىل �شعبة التحقيق ال�سيا�سي للمديرية وهناك بد�أت بالتدريب على كيفية البدء بالتحقيق مع جمرمني �سيا�سيون القي القب�ض عليهم اثناء املداهمات او اال�شتباكات التي كانت تدور بني املت�سللني من ايران اىل االهوار العراقية. مل تكن فرتة التدريب �سهلة ..فعلينا ان نتعامل بجديه مع املتهمني وبطريقة حكيمة لكي ن�ستطيع ك�سب اعرتاف املتهم.. تدريبات �صعبة خ�ضعنا لها ودر�سنا احلركات والإمياءات التي تف�رس ردة فعل املتهم يف حالة كذبه او ِ�صدق ُه. اول درو�س التحقيق التي تلقيتها كانت مع عملية �ساعة ال�صفر التي نفذتها جماميع من حزب اهلل العراقي املتدرب يف ايران ،مبحاولة ل�رضب مديرية �أمن الب�رصة �صيف 1994 ب�صواريخ كاتيو�شا حملية ال�صنع ...القب�ض على منفذي العملية ..من قبل لواء الأمن مهدي الذي كان مديرا للأمن يف الب�رصة يف ذلك الوقت والذي خطط لتنفيذ عملية اعتقالهم ب�شكل كامل ...اعجبتني �شخ�صيته وفطنته وكيفية تخطيطه 18
لعمليات اغتياالت �ضد بع�ض اال�شخا�ص اللذين تنتهي �صالحيتهم يف خدمتنا او من يثبت انه عميل مزدوج ..ويتميز اللواء مهدي ب�أ�سلوب حتقيق نادر اعجب به الرئي�س العراقي �صدام ح�سني وكان �سببا كافيا ان يكون مقربا من �سبعاوي ابراهيم احل�سن مدير االمن العام او ال�سيد العام انذاك ـ �شقيق �صدام ـ ال�شخ�صية الثانية هي �شخ�صية العقيد كامل البطاط ،الرجل الثاين يف املديرية وكان �صديقا للعائلة وجار اخي و�سام �آنذاك ات�صاالت والدتي به وخوفها علي كان كافيا ان ينقلني العقيد كامل اىل �شعبة املرية املعنية بالأ�سلحة لكي يحفظني من خماطر اال�شتباكات التي تواجهنا بني حني و�آخر مع االحزاب املعادية. بعد مرور �شهور تعرفت على اثنني من اهم الرجال واملقربني اىل اللواء مهدي وهما الرائد(ا ـ �س ـ العاين) و(م ـ خ الدليمي) اللذان كانا عقل املديرية ويتمتعان بذكاء بارع يف ت�سيري امور العمليات ال�سيا�سية وجتنيد ا�شخا�ص اذكياء كجوا�سي�س و�إر�سالهم اىل ايران ال�سوء ،لغر�ض جلب املعلومات ال�رسية وعن ما يتم تدبريه من خطط �ضد البلد من قبل ر�ؤو�س التنظيم للأحزاب املعار�ضه �آنذاك. وبعد فرتة من التعارف مت �سحبي والعمل معهم يف �شعبة تدعى ق�سم املتابعة والتن�سيق ال�سيا�سي وال�سيطرات ،وهذه 19
ال�شعبة رغم انها احدى ال�شعب ال�سيا�سية �إال انها م�ستقلة ب�إدارتها وطرق عملها ال�رسي يف املديرية .ويتمتع الأمن العراقي بجديته يف حفظ االمن ،فبالرغم من الظروف املعي�شية ال�صعبة �إال �أن الأمن كان م�ستتب ًا يف العراق. �شدين العمل يف �شعبة املتابعة كثريا ،فلي مكتب خا�ص ّ �أحتكم يف تق�سيم عنا�رص الأمن اىل ال�سيطرات ،عالوة كنت التقي ب�أ�شخا�ص لغر�ض تزويدهم ب�أجهزة جت�س�س ل�صالح عملنا الأمني و�إر�سالهم اىل ايران. غرفة العمليات كانت كبرية تت�ضمن خرائط تنظيم الأحزاب والر�ؤو�س التي تقوم بتنفيذ عمليات االغتيال مل�س�ؤويل حزب البعث مر�سومة على �شكل مثلث هرمي على اوراق مل�صوقة باحلائط وال ُي�سمح لأي احد بالدخول اىل الغرفة ال�رسية. يق�سم اال�شخا�ص الذين يعملون ل�صالح الأمن اىل ق�سمني:
• الأ�صدقاء :وهم ا�صدقاء الدائرة يتم ك�سبهم اثناء تقدميهم لطلب موافقة امنية للعمل يف الدوائر احلكومية او فتح متجر او �صالون حالقة من كال اجلن�سني ويعملون بدون �أجر للدائرة مقابل تزويدهم باملوافقة ..وغالبا ما يتم ا�ستغالل احلالقات جن�سيا من قبل منت�سبي الأمن. • امل�ؤمتنون :وهم من يتم تعيينهم لقاء �أجر ب�سيط وزجهم بني االحزاب املعار�ضة �سواء يف ايران او اي بلد �آخر ي�سهل 20
الو�صول اليه ،واغلبهم من الفارين من اخلدمة الع�سكرية ويتم تزويدهم ب�أوراق مزورة بالتن�سيق مع املخابرات �أو اال�ستخبارات او التجنيد ل�ضمان مرورهم او اجتيازهم للحدود وت�أمني و�صول املعلومات الينا. كال ال�صنفني يقومون بعمليات قتل الهاربني ال�سيا�سيني اىل ايران وبدعم امني كبري ،ويف حالة انتهاء �صالحية العميل الذي يعمل ل�صالح املديرية تتم ت�صفيته بكل �سهولة. امل�ؤمتن عبد االمري معلة او ابو زهرة (اال�سم امل�ستعار) كان اكرث اال�شخا�ص من يزودنا مبعلومات خطرية و�أ�سماء لكبار �أع�ضاء التنظيم يف اجلانب االيراين ...حيث كنا على مناف�سة مع عنا�رص املخابرات العراقية يف ك�سبه و�ضمان �سالمته على عك�س عنا�رص املخابرات الذين د�أبوا على قتله يف احلدود بق�صد اف�شال خططنا االمنية. كان امل�ؤمتن �أعاله ر�شيقا يف التنقل من واىل ايران عرب ال�رشيط احلدودي ،ويف احد االيام مت القاء القب�ض عليه من قبل اال�ستخبارات وحاولوا اخفاءه عنا �إال اننا بعد جهد كبري ا�ستطعنا اطالق �رساحه وجلبه اىل املديرية واالحتفاظ به لل�سالمة ال�شخ�صية ..وما فاجئني انه كان �ضيفي يف نف�س غرفة نومي و�سي�شاركني بكل �شيء اىل حني خروجه ،هكذا امر ال�سيد املدير. 21
الب�رصة: فوجئت بالب�رصة ـ من حيث احوالها املعي�شية ـ و�سكانها فالفقر فيها كثري والغني ال يهتم بالفقري والعمل احلر ب�أجر بخ�س ال يغني الفقراء خ�صو�صا يف حمافظات اجلنوب التي ا�شبعها احل�صار االقت�صادي فقرا ..ورب العائلة يحتار يف اطعام �صغاره فكل �شيء غايل ..بينما تف�شت حينها نوع من الأجبان الرخي�صة واخلطرية املعروفه باحتوائها على مادة الزرنيخ (جبنة الكريي) املحلية ال�صنع جل�أ اليها ارباب الأ�رس لغالء بقية االطعمة ل�سد رمق عوائلهم وجهلهم مبخاطر تلك االجبان ..كنت على عالقة وثيقة مع تلك العوائل وكنت ارى اغلبهم يتوجهون اىل البقال بق�صد �رشاء هذا النوع من اجلنب الرخي�ص ..فاملواطن ُحرم من كل �سبل العي�ش التي من املفرو�ض ان يعي�شها العراقي بعد حروب �آلت بالبلد اىل اخلراب. املواطن الب�رصي انهكه �رصاع العي�ش وبالكاد كان يبحث عن لقمة ي�سد بها رمقه ..خوفه من اجهزة الدولة كان ق�ضية م�أ�ساوية اخرى ا�صابته كلعنة �سماوية يجهل متى تُرفع عنه.. اثناء تلك الفرتة القاين �صدفة يف �شارع الكويت �شخ�ص كان زميلي يف معهد �إعداد املعلمني يبحث عن ريا�ض القا�ضي وبعد الرتحيب احلار �س�ألني: 22
ـ �أبحث عن �شخ�ص م�س�ؤول عن ال�سيطرات يدعى ريا�ض القا�ضي. ـ وما ذا تريد منه؟ (�س�ألته) ـ ُيقال انه م�س�ؤول ال�سيطرات و�أنا احتاجه لأمر عاجل، وهو ال�سبب يف اعاقتي عن اداء اعمايل و�أريد ان اجده ب�أي طريقة. ـ قلت خريا؟ حاولت ان افهم ا�سباب بحثه عني �إال انني �سكت للحظة لأفاجئه: كنت عبث ًا �أحاول ،ثم ُ ـ انا ريا�ض القا�ضي. كان من ال�صعب اجعله ي�صدق فا�ضطررت ان ا�صطحبه اىل احد الباعة ممن يعرفونني ثم �س�ألت البائع: من �أنا؟ �أجاب البائع: ـ وهل يخفى الطيب ..ريا�ض القا�ضي الو�سيم دائما والطيب. ح�ضنني �أياد ب�شدة ثم توجهنا ل�رشب القهوة.
23
عبا�س البارودي متعهد حفالت الفنان كاظم ال�ساهر يف الب�رصة: بعد ان اقتنع اياد ب�أنني ريا�ض القا�ضي مت حتديد موعد مع عبا�س البارودي ،وعندما �س�ألته من هو عبا�س؟ اجابني انه كان مدير اعمال كاظم ال�ساهر انذاك وانه عمل مع النجم �آنذاك كمتعهد حلفالته ..مل ا�صدق ما قاله ومل ا�ستبعد ان يكون حمتاال اي�ضا لكرثة حاالت االحتيال التي �صادفتني اثناء ادائي واجبي الأمني يف مناطق الب�رصة واق�ضيتها. ح�رضت املوعد يف احد فنادق الب�رصة الفخمة ا�ستقبلني اياد ف�س�ألته عن ا�ستاذ عبا�س ف�أجابني انه �سيح�رض بعد ثوان ..مل خيل يل بادى نطل احلديث حتى ح�رض �شخ�ص �ضعيف جدا ّ االمر انه مل ي�أكل ل�شهور او خرج للتو من معتقل� ..سلم علي ودعانا للع�شاء على الفور. جل�سنا يف مطعم فخم للفطور حيث كان �شهر رم�ضان وبد أ� بالتعريف عن نف�سه وعن تاريخه مع الفنان كاظم ال�ساهر قبل ان ينف�صال ،وبينما كنا نتجاذب اطراف احلديث لفت نظري اطفال فقراء جتمعوا على نافذة املطعم جائعني يراقبون الزبائن ويلعقون زجاج نافذة املطعم من اجلوع. ت�أملت كثريا ثم ما لبث ان ار�سل �صاحب املطعم عماله ليطردوا االطفال ..وا�صلنا احلديث �إال انني مل ا�صدق كلمة مما 24
قيل من قبل عبا�س البارودي ثم �س�ألته بعد فراغ �صربي: ـ ما املطلوب مني ا�ستاذ عبا�س؟ ـ احلقيقة اخ ريا�ض انا ب�صدد ان �أقيم حفال يف الب�رصة (وذكر ا�سم املكان) و�أمتنى ان ت�ساعدين ببيع البطاقات عن طريق ت�رصيح لبيعها يف ال�سيطرات وعندما �س�ألت من ال�شخ�ص الذي ي�ستطيع ان ي�صدر هذا الت�رصيح قالوا :ريا�ض القا�ضي. ـ انا فعال م�س�ؤول على ال�سيطرات ولكن ال اعرف اي �شيء ب�ش�أن الت�رصيح وال ا�ستطيع تقدمي الطلب اىل املدير للح�صول على موافقة الت�رصيح بدون ر�ؤيتي البطاقات لإرفاق النماذج ومنوذج لكتاب موافقة من حمافظة الب�رصة ارفقهما بطي الكتاب. اخرج من جيبه ت�رصيح املحافظة وال�رشطة و�ألقيت نظرة اىل الورقتني وت�أكدت من �صحة ال�صدور وكلفته ب�إعطائي ن�سخه من املوافقة لتقدميها للمعاون ال�سيا�سي. ا�ستغرق الت�رصيح اكرث من ا�سبوع وانتهى �شهر رم�ضان، وكثف عبا�س من الوالئم وال�رشب وجل�سات الن�ساء ،ويف نهاية كل �سهرة كان يو�صيني بالإ�رساع ب�إ�صدار املوافقة ...مل يك�سب ثقتي ولن يك�سبها حتى ولو كان �صادقا ،فه�ؤالء ال هوية لهم وقد كرث من امثالهم هذه ال�سنني وبدعم من جهات م�س�ؤولة. 25
يف احد االيام وبينما كنا مدعوين يف �شقة عبا�س اخرج فيديو كا�سيت وعر�ضه لنا ،و�شاهدت بعيني ح�ضور الفنان كاظم ال�ساهر مع �سهري اياد اىل كركوك يرتدي التي �شريت املخطط ،كما ظهر يف اول م�سل�سل له يف بداية الت�سعينات مع اثنني من احلر�س ال�شخ�صي ،ومت ذبح خروف حتت قدميه ..مل يكن ما �شاهدت اذن عالقة �سطحية بينه وبني القي�رص ..ويف تلك الفرتة عر�ض تلفزيون ال�شباب م�سل�سل (ذئاب الليل) وجنح جناحا كبريا،ودعا عبا�س البارودي �أبطال امل�سل�سل اىل بيته لأكل ورق العنب املح�شي بالرز الذي ي�شتهر به مناطق الرتكمان يف العراق. اذن عبا�س هو متعهد و�صديق لكاظم قلت يف نف�سي.. بعد فرتة ا�صبحت املوافقة يف متناول يدي ورغم كل ذلك مل ا�ستبعد ان يكون يف العملية ن�صب� ،إال انني لن اخ�رس �شيئا من ناحية �سالمتي القانونية .وبعد فرتة من تاريخ اال�صدار مت بيع كل البطاقات وبدون اي م�شاكل تذكر ،وقبل موعد احلفل ب�أيام اختفى ِظل عبا�س ومعاونه اياد من الب�رصة فاحلفلة كانت وهمية. بعد �سنة وجـدت اياد يبحث عني جمددا ليبيع بطاقات حملة تنظيف �شوارع الب�رصة للمواطنني ،واخربين ان عبا�س قد غدر به و�أخذ كل االموال اىل جهة جمهولة� ...ضحكت 26
ورف�ضت م�ساعدته رغم حماوالته لإقناعي بان يل ن�صف الربح فهددته ب�إلقاء القب�ض عليه ان لن يغادر الب�رصة يف احلال... وبعدها اختفى اياد فورا وبدون اي اثر يذكر.
�إعدام ميت: يف �صبيحة احد الأيام احلارة �شاهدت جتمعا على �شباك املديرية املطل على ال�ساحة يف الطابق االول وت�ساءلت فيما لو ان احل�صة التموينية ال�شهرية ح�رضت ام ال ..فو�ضع املنت�سبني ا�صبح مزريا يف ظل تلك الظروف ال�صعبة حيث االخ يتقاتل مع اخيه من اجل لقمة العي�ش ..بعد دقائق قليلة ح�رضت �شاحنتان حتمالن اعمدة �شنق مفككة تفاج�أت بها تدخل من باب بوابة املديرية وبعد تفريغ ال�شاحنه من الأعمدة ..مت تركيبها ب�رسعة ثم ُح ّملت مره ثانيه لتتجه اىل �سايلو الب�رصة.
�س�ألت املنت�سبني عن هذه الأعمدة فقالوا �إن مدير االمن وعد موظفي �رشكة حبوب الب�رصة بحفلة جميلة وها هو ير�سل املفاج�أه ليفتتح بها احلفل املُنتظر. مل افهم بال�ضبط تفا�صيل الق�ضية فطلبت املزيد من التو�ضيح من احد اال�شخا�ص الذين يعملون يف التحقيق ال�سيا�سي ف�أجابني: 27
قبل فرتة مت القاء القب�ض على ع�صابة تهريب احلبوب من �سايلو الب�رصة عددهم �ستة ..اما ال�ساد�س فنعلم انه بريء وكنيته جيدة ولكن �صاحبه الذي هو الآن احد ا ُ جلناة قد ورطه يف هذه الق�ضية وال ت�س�ألني كيف ارجوك( .ثم ان�رصف ب�رسعة). �شهد احلادث و�صفه كما مل اح�رض م�شهد االعدام �إال ان من َ يلي: الن�ساء يتربجن والرجال ميرحون وي�ضحكون ظنا منهم ان هناك حفلة ملنا�سبة معينة فالعراق ايامه كلها منا�سبات وطنية النت�صارات وهمية ...ثم دخلت �سيارات �سوداء اللون، يتو�سط املوكب �سيارتا مدير االمن و�أحد م�س�ؤويل قيادة الفرع ثم ترجال من �سيارتيهما حتت ت�صفيق حار وهتافات ت�شيد بحياة الرئي�س �صدام ح�سني. اعتلى امل�س�ؤول املن�صة بد�أ ب�إلقاء خطابات نارية وغا�ضبة ت�سول له نف�سه ان ي�رسق املال العام ..اختفت وتهديد لكل من ِ ّ وعم اخلوف وبعدها دخلت ال�ضحكة من وجوه احلا�رضين ّ ال�شاحنتان حتمالن اعمدة ال�شنق ف�أغ�شي على بع�ض النا�س ودب الرعب بني املوظفني حتت �ضحكة املدير وامل�س�ؤول ومنت�سبي االمن. ـ هذه حفلتكم التي وعدتكم بها ...اكمل امل�س�ؤول. 28
ُ�أنزلوا االعمدة واخرجوا املحكومني من الأقفا�ص واملوظفون ازداد خوفهم ..انهمك بع�ضهم يف ايقاظ من اغ�شي عليهن حتى �أن بع�ض الرجال تبولوا على بناطيلهم من �شدة فزع املنظر ..اذ اعتقد اجلميع ان االعمدة هي لهم ولي�ست للمحكومني بادئ االمر. ُعلقت احلبال على الأعناق ومن ثم بد�أت عمليات ال�شنق الوح�شية والكل ي�شاهد العملية ومنهم من مل يتحمل فبد�أ بالتقي�ؤ والآخر �أغمي عليه ...املنظر مل يكن �سهال لهم فالواقعة �ضن يف �أجواء مهولة بالن�سبة لأنا�س م�ساملني بعد يوم عمل ُم ٍ هذا البلد الغريب ..وهذه من �سوء احلظ مل تكن النهاية. طلب مدير االمن من الدكتور ان يفح�ص املوتى ..حترك الدكتور امل�ستاء واخلائف يف نف�س الوقت اىل فح�صهم ثم تفاج�أ ان احدهم اي ـ الربيء ـ مازال على قيد احلياة ويعاين من ك�رس يف الرقبة ...امر املدير الدكتور ان يرتكه ثم قال بربود لعنا�رص طوارئ االمن الذين يرتدون لبا�س الكوماندوز: �أوالدي تكفلوا به. وما ان انهى كلمته حتى انهال عليه اكرث من �شخ�صني حماولني قلع رقبته والأخر يخنقه اىل ان طقطقت ب�شدة رقبة الرجل وت�أكدوا من موته ثم تركوه. هذه ق�صة من �آالف الق�ص�ص املرعبة ع�شناها يف ظل باين 29
جمد العراق حيث ان امل�صيبة ب�أن تكتمت اجلهات االمنية على براءته ومل ير�سلوا حتى بر�سالة اعتذار اىل ذويه ليخربوهم ب�أن اجهزتهم قد اعدموه �سهوا كما فعلوا ب�آالف ال�شباب الذين مت اعدامهم يف احداث 1991عندما �شارف حكم �صدام على االنتهاء لوال تلقيه دعم ًا من امريكا لإعادته اىل احلكم جمددا.
تبيي�ض ال�سجون يف �صيف :1995 يف ذلك الوقت عانت ال�سجون العراقية من زخم كبري بالنزالء فمنهم الربيء وينتظر االفراج ومنهم من مل تثبت ادانتهم ،ومنهم من كان ف ّعاال يف العمليات الهجومية والتج�س�س ل�صالح ايران ال�سوء .مديرية امن الب�رصة كانت لها ح�صتها يف تبيي�ض ال�سجون ومت ت�شكيل جلنة ُم ّ�شكلة من قا�ضي التحقيق ومدير �أمن الب�رصة واملعاون ال�سيا�سي ومدير التحقيق وبع�ض من منت�سبي مديرية �أمن الب�رصة على ان يتم امر التنفيذ يف غ�ضون ايام قالئل وت�سفري �أ�صحاب امللفات العالقة والقدمية واملنتهية اىل االمن العام يف بغداد ولتتم ت�صفيتهم هناك. مت اح�ضار املن�ش�آت و�أدرجت ا�سما�ؤنا لل�سفر مع امل�سجونني اىل بغداد ،كانت وجوههم بي�ضاء ونحيفي البنية جدا وال حياة فيهم ،وفوق كل ذلك مكبلني بالأ�صفاد ،ال امل فيهم ..فهم 30
يعرفون م�صريهم عندما ي�صلون اىل بغداد فال حماكمة وال ح�ساب ،ال�شنق م�صريهم الوحيد. مل احتمل رائحة ال�سجناء اال انني جمرب على البقاء قريبا منهم، وكان معي مدير �شعبة القانونية وبع�ض من طوارئ االمن، احد املعتقلني قال :ا�ستاذ تف�ضل باجللو�س. ـ ال �شكرا ا�ستطيع حتمل الوقوف. ـ معقولة �ستقف � 10ساعات على قدميك� ...أو رمبا �ستقف اكرث ،فالطريق طويل و�صعب يف هذا اجلو احلار. ـ اذن اين �ستجل�س انت ان اعطيتني مقعدك؟ ـ هناك (ا�شار اىل ار�ضية احلافله) جميبا. ـ وكيف اتركك جتل�س هناك وانا اخذ مقعدك( .قلت له ب�إ�شفاق). ـ اعرف م�صريي بعد هذا ال�سفر ..اذن ال حاجة يل ملقعد انت اوىل بها مني. �أدركت حينها انهم يعلمون م�صريهم ففيهم الربيء ومنهم من كان ينتظر االفراج ون�سوه يف املعتقل �شهوراً ..بل حتى مل يكلف القا�ضي نف�سه مبراجعة ق�ضاياهم ...ثم وا�صلنا ال�سفر اىل م�صري قا�س ال يعرف ق�سوته اال من �سيواجه املوت وكانت ايديهم مكبلة ب�شكل ي�شفق الكافر عليهم. 31
هجوم على مقر القيادة احلزبية يف منطقة الب�رصة القدمية:
�آخر ما توقعته ان يهاجم اثنان من احلزب املُعادي املت�سلل من ايران مقرا للفرقة احلزبية التي احت�ضنت اجتماعا مهما لأع�ضائها يف �صيف 1994يف منطقة الب�رصة القدمية القريبة من جامع الب�رصة القدمي. كان االع�ضاء من�شغلني بح�ضور م�س�ؤول كبري يف احلزب يحا�رض فيهم ويقوي عزميتهم ويحثهم على ال�شهادة يف �سبيل الوطن ،ومن هذا القبيل من حما�رضات �صداميه التي اعتاد ان ينهكنا بها طيلة فرتة حكمه ..وما هي �إال دقائق حتى اقتحم اثنان من العنا�رص امل�ستميتة موقع االجتماع وذلك بعد قتل احلار�سني اللذين مل ميلكا اي �سالح ،وبعد االنفجار الثاين داخل القاعة ادرك اجلال�سون بان هناك عملية القتحام الفرقة احلزبية وكان اول الفارين من فتحة التهوية امل�س�ؤول الكبري.. فر من ا�ستطاع الفرار وقُتل اثنان من اع�ضاء احلزب ا�ضافة اىل االنتحاريني ومت ت�صويرهما و�إر�سال تقرير اىل ال�سيد العام �سبعاوي ابراهيم احل�سن. الب�رصة كانت مركز عمليات للمت�سللني ،فطبيعتها اجلغرافية ت�ساعدهم على التنقل عن طريق االهوار بني االق�ضية املحايدة للحدود لتنفيذ عملياتهم ..يف احد االيام وبينما كنت اقلب �صور املطلوبني ر�أيت اثنني قد قُتال ومت ت�صويرهما وا�ستف�رست 32
من �صديقي احمد هارون ـ الذي ا�ست�شهد بعد 2003اثناء الواجب ـ ف�أخربين ب�أنها لعبه بني املالزم االول مثنى واملدير لتمويه ال�سيد العام ب�أنهم نفذوا هذه العملية والغر�ض طبعا هو للح�صول على مكاف�أة وان االع�ضاء الداخلية والقولون والدماء هي للحيوانات التي مت بعرثتها عليهما لكي يظهرا كقتلى نتيجة ا�شتباك دام ح�صل يف احدى مناطق االهوار اجلنوبية. كان البلد مير كل يوم ب�أزمات لكي ين�شغل املواطن العراقي ب�ش�ؤون احلياة ال�صعبة ويرتك التفكري يف امور تخ�ص الدولة.. فكل يوم تفتعل احلكومة ازمة الكهرباء ويوم اخر ازمة املياه ويوم تفتعل احلكومة ازمة للخبز كل يوم ق�صه جديدة ي�صحو على اثرها املواطن العراقي الكادح وال رغبة له بالعي�ش او ال�ضحك ،فكل ما يهم املواطن ان يوفر �سعر رغيف اخلبز وبع�ضا من الطماطم والزيت ويطعم اوالده ...ال احد يح�س بنعمة العي�ش ،الكل غا�ضب ولي�س هناك من حل يخرجهم من ورطة احلكم ال�صدامي. انفجار كبري يف ت�سجيالت الر�سالة ب�شارع الكويت اودى بحياة �صاحب املحل وابنته ،بعد يومني مت العثور على اكيا�س مليئة بقليل من ال�سكر والزيت والفواكهّ � ..أما حتت هذه الأغرا�ض فهي متفجرات .لدرجة ان يف احدى املرات 33
حاولت امر�أة عجوز ان ت�ستقل حافلة للركاب وكانت حتمل كي�سا من الطحني فركلها ال�سائق قبل ان ت�صعد احلافلة ظنا منه انها حتمل متفجرات ...قوى االمن واملخابرات بعد فرتة وجيزة ا�ستطاعت الو�صول اىل منفذي العمليات التخريبية ويف وقت وجيز جدا. يف هذه الفرتة تذمرت كثريا من �صعوبة البقاء وما �أراه لي�س ب�سهل ..اىل ان راودتني فكرة الهروب من العراق، ف�أنا ال ا�ستطيع التحمل اكرث ..اذ �أن كل �شيء يدعو اىل احلزن و�ضنك العي�ش املزري ..فكيف ال�سبيل اىل الهروب والنجاة من جحيم العراق العظيم ..ولكن ان ف�شلت حماولة الهرب فالإعدام م�صريي حتما.
34
وفاة والدتي وخطوة االلف ميل: الب�رصة جميلة تعرفت فيها على اجمل الن�ساء و�أطيب النا�س، واكت�سبت منها خربة يف التعامل مع ا�شخا�ص ي�صعب التعامل معهم ،اال انني مل اكن قا�سيا اال على من مل يحرتم املواطنه من املحتالني وال�سرُ اق الذين كانوا ي�صادفونني اثناء عملي او يف فرتات التحقيق التي عملت بها. عملت يف االعالم والتوجيه ال�سيا�سي ،و�أك�سبتني خربة يف كيفية الكتابة و�إي�صال الفكرة اىل القارئ ،ومن ثم فكرت ان اكمل درا�ستي وان ابلغ رتبة عالية ك�ضابط �أمن ..رغم اننا موظفون ونختلف عن بقية اجهزة الدولة االخرى اال انني اردت حتقيق حلم والدتي التي فقدتها يف 1995 /06 /20 مما اثار يف داخلي احلزن الكبري لفقدانها وك�أنه كابو�س مل افق منه اال ب�صعوبة. تقدمت اىل كلية ال�رشطه اجلناح االعدادي لإكمال الدرا�سة ومت قبويل والتفرغ من الدائرة ملدة عامني كانت فر�صة جيدة يل لبدء م�شوار جديد من حياتي وانتظار الرتقية اىل رتبة اعلى بدال من بقائي موظفا مدنيا ...التدريب كان �شاقا ،فالكثري من تدريبات ال�صاعقة وال�رضب والإزعاجات والعقوبات الليلية التي ارهقتني وجعلتني منهكا جدا ..فنحن نتلقى تدريبات عنيفة من عنا�رص الكلية الع�سكريه ..رقم الدورة � ..49شتاء 35
1996وقد هجم علينا اجلوع والربد وال من معني اال اهلل.. حتملنا امل�شقة يف تلك الفرتة التي زامنت ح�صار البلد. فعال ّ
الغريب يف ال�سنة االوىل عندما �صادفنا �شهر رم�ضان.. �ضباط ال�رشطة امل�رشفون علينا كانوا ي�ستلذون مبعاقبتنا خ�صو�صا بعد ال�سحور اال �ضابط �رشطة واحداً هو ابن اخت الوزير ـ طارق عزيز ـ الذي كان يحرتم �صومنا كم�سلمني رغم انه يعتنق الديانة امل�سيحية .كان طيبا ُيعرب عن اخالقه ال�سمحة وعن دينه عن طريق ال�سماح لنا بالذهاب اىل النوم بعد فرتة ال�سحور او االفطار بدون عقوبات احرتاما ل�شهر رم�ضان، مما اثار �ضغينة الباقني والتخطيط البعاده من جناح التدريب لطيبته. يف 1998/4/24انهينا الدورة وتخرجنا باحتفال وا�ستعرا�ض ع�سكري كبري ح�رضه وزير الداخلية والعديد من ال�شخ�صيات املهمة يف الدولة انذاك ..مل اكن فرحا بقدر حاجتي و�سعادتي للخروج ب�رسعة من كلية ال�رشطة التي كرهتها اىل ابعد حد فرميت زي التخرج واخذين ال�شوق اىل اللبا�س املدين ..ثم اطلقت �ساقي اىل الريح لأرى مناطق بغداد كاملجنون والتنزه يف مناطقها بعد �سنتني من التعب وال�شقاء.
بعد راحة ا�سبوع توجهت اىل الب�رصة وبقيت يف �شعبة املتابعة والتن�سيق ال�سيا�سي ل�شهور ثم تعرفت على لينا ال�سناري 36
وهي �سورية حلبية ولدت عام 1983يف الب�رصة تعلقت بها كثريا وع�شقتها اىل ابعد حدود وكانت تبادرين ال�شعور نف�سه بل واكرث وكانت لقاءاتنا خمتلفة ..حيث كدنا نحرتق من �شدة ال�شوق لنلتقي ونرت�شف القهوة على كورني�ش الب�رصة ويف كافترييات البواخر العائمة. املقابله لل�شرياتون يف الب�رصة.
يوم الوداع: مل ا�ستمتع بعالقة كهذه التي مررت بها ..ف�أنا واقف بني يدي ان�ستي ..نلتقي ل�ساعات وال نكاد نفرتق ..تغريت حياتي فال ا�صدق انني احببت هكذا من قبل .كانت تتكلم ال�سورية وجتيدها وكلماتها املع�سولة ت�أخذين ب�سكراتها اىل عامل جمنون مل افق منها اال يوم وداعي لها ...يف يوم حتمي كان يل �أن ا�شهده رغما عني. قبل التعرف عليها طلبت نقل وظيفتي اىل كركوك حيث ت�سكن اختي فزوجها او�صاين انه �سيهرب اىل اوروبا و�ستحتاج اختي يل بدون �شك ..فلبيت له طلبه وقدمت على م�رشوع النقل قبل التعرف على لينا. و ّدعتها بحزن كبري ..فقد التقينا يف بيتها خل�سة وعندما �سجلت اول قبلة على جبينها انقطع التيار الكهربائي وفتح 37
اجلريان ابواب بيوتهم للتهوية اذ كنا يف حر حزيران اجلهنمي فف�ضلت اخلروج قبل ان يراين احد ويخرب والدها. يف الطريق كنت احمل منها الورد وقطعة دائرية كبرية من الكيك َ�صنعتها لينا يل مبنا�سبة عيد ميالدي ،كنت انظر اىل كل م�ساحات الب�رصة ف�أرى �صورتها وا�سمع �صدى �صوتها الذي مل يفارق خميلتي ..كل �شيء هنا �أراها فيه ..تلك مع�ضلة احلب �أن ت�صادفك �أمور ال ترحمك ك�إن�سان. و�صلت كركوك وحملت ابن اختي ال�صغري ..انه مي�شي الآن ويرك�ض بطريقة جميلة وم�ضحكة وله عطر خا�ص ي�شدين اىل ان اح�ضنه وا�ستن�شق �شعره بكل عنفوان ..وبا�ستطاعته ان ينادي ا�سمي رغم عدم اتقانه للفظ الكلمات ب�سبب �صغر �سنه ..مل ين�ساين ابدا وك�أنني كنت ملت�صقا يف ذاكرته ..اتذكر انني تركته يحبو وهاهو االن مي�شي ..بكت اختي قليال ف�صبرّ تها على الفراق وطم�أنتها بكلمات البد منها.
اليوم االول يف مديرية �أمن الت�أميم (كركوك): ما زالت فكرة الهروب تراودين اىل خارج العراق وخ�صو�صا بعد ان ار�سل ن�سيبي �صورته من ميناء بريا باليونان.. �صور �شجعتني لرتك العراق وما فيها.. 38
دخلت املديرية وتوج�ست منهم القلق من اجلو غري ال�سار.. ه�ؤالء ع�صابة وال ا�ستطيع ان اخو�ض معهم اي حتد وعلي ب�إيجاد �شعبه بعيده عن العيون للعمل فيها .كانت م�س�ؤولية ال�سيطرات من �ضمن واجبات الأمن وكانت العنا�رص الأمنيه تك�سب باليوم املاليني من الدنانري العراقية وقبل نقلي ب�أيام اىل كركوك مت �سحب امل�س�ؤولية من االمن والغا�ؤها ..مما اثار زوبعة كبرية يف نظامهم الداخلي ..لأنهم تعودوا على اختال�س مبالغ طائلة ولكنهم أ�لآن فقدوا كل ال�سبل التي تك�سبهم املاليني. نقلت اىل امن املن�صور وانتظر مني املعاون االداري ان ادفع ر�شوة لقاء تعيينه يل يف هذه املعاونية ..فرف�ضت وعلى اثرها مت الغاء امر تعييني فيها ..ثم �أعادوين اىل �شعبة القيود العامة التي تعنى بالعديد من امل�س�ؤوليات ال�رسية والهامة كالتعامل مع بريد اال�ستخبارات الع�سكرية والأمن اخلا�ص وفدائيي �صدام وترقية ال�ضباط الع�سكريني وال�رشطة والكثري من املهام التي ترتبط بالأجهزة الأمنية واال�ستخباراتية يف املحافظة. با�رشت العمل يف املكتب وتعرفت على جمموعة جيدة من ا�صدقاء اوفياء بالإ�ضافة اىل انني ك�سبت خربة جديدة يف تبني ر�سائل وتقارير مهمة اىل اجلهات املهمة وا�ستمر عملي اىل �سنة 24/4/1999حيث مت التحول اجلذري يف حياتي.. و�أ�ستطيع القول ب�أنني على و�شك خو�ض مغامرة هي يف عني 39
القانون خيانة عظمى لرجل �أمن ..ولكن يف نظر �ألإن�سانيه هي تعترب البحث عن حرية م�رشوعة ..يفكر يف نيلها الفرد املظلوم بعد �أن يفقد مقومات احلياة الهانئة يف بلده.
التخطيط للهروب: مل تكن فكرة الهروب لأنفذها لوال ا�ستيائي من النظام والتي �شجعتني الظروف امل�أ�ساويه على اتخاذي لقرار حتمي.. و�أعلم ب�أن م�صري هذا العمل لو ف�شل هو االعدام امل�ؤكد يف ظل ذلك الوقت ال�صعب الذي مررت به وخ�صو�صا بعد ان تر�شحت ملعهد ال�ضباط العايل لدورة مدتها ت�سعة �شهور.. ورغم انني كنت ا�سعى دائما لبلوغ ما �أ�صبو اليه من طموح اعلى لنيل مرتبه تليق بعائلتي ويف وظيفتي� ..إال �أنّ حبي للحرية كانت فوق كل �شيء .ولكن امل�صائب حالت بني كل ذلك عندما طرق م�س�ؤول حزبي باب البيت ليتحقق ب�ش�أن 40
هروب ن�سيبي ..و�ساومني على مبلغ من املال كثمن ل�سكوته ووعدين بعدم اف�شاء ذلك لأحد وبالأخ�ص املديرية وعقوبة اخفاء معلومات امنية ال تُغتفر بل �س�أواجه ب�إنزال العقوبة الق�صوى برجل االمن بتهمة اخليانة ال ُعظمى .وما زاد من جنوين هو و�صول ر�سالة من �سوريا ار�سلتها ـ لينا ـ اثارت ّ يف ما كنت اخفيه من معاناة فراقها ولن اتردد بالتوجه هربا اىل �أربيل ومن ثم اىل �سوريا حيث لينا التي كانت ت�سكن يف حلب بعد ان ترك والدها العراق ورجع اىل م�سقط ر�أ�سه. يف ابريل 1999بد�أت امريكا بق�صف دوائر الدولة املهمة وكانت دائرتنا على قائمة اال�ستهداف ّ فتعذر علينا ق�ضاء اخلفارة داخل املديرية او حتى العمل بداخلها خوف ًا من الق�صف املُك ّثف الذي مل ُيفرق بني احلجر والإن�سان ..فنقلنا على �أثر هذا الهجوم املباغت كل اال�ضابري املهمة اىل بيوت �أمنه وبع�ضها كان غري م�سكون ..وجع ِلها مقرا لنا ،ومما زاد يف الطني بلة تهديدات قوات املعار�ضة العراقية بالدخول اىل بغداد يف عا�شوراء وتوعدوا برفع ما �أ�سموها ـ راية العبا�س ـ يف هذا ال�شهر مما زاد من خطورة املوقف و�إجبارنا على املوافقة بالتوقيع على �أمر اعدامنا يف حال تخاذلنا عن تلبية النداء الوطني وقطع االجازات وامل�شاركة يف القتال التي باتت حتمية. 41
و�صل معدل االنذار اىل 150باملائة و�أ�صبحت كركوك لفت حماطة بكمائن من اال�ستخبارات واحلزب .كنت قد ُك ُ باخلفارة هذه الليله امل�ش�ؤومة ..ولكنني قبلها ب�أيام خططت للهرب وبعثت ر�سالة عاجلة اىل احلزب الكرد�ستاين الذي كان ب�إمرة جالل الطالباين و�إبداء رغبتي بالهرب من جهاز الأمن العام اىل جهتهم ..تلقيت الرد من احد عنا�رصهم الذي خريين بالهروب او العمل معهم لقاء �أجر ..فرف�ضت ذلك و�أعربت عن رغبتي بالهروب ...ال العمل كعميل مزدوج... ف�أجابني ال�شخ�ص :اذن �سنحدد لك يوم الهروب. مت تهريب ملفات مهمة من قبلي اىل اجلانب الثاين بق�صد اثبات ح�سن النية ح�سب طلبهم ..وعلي �أن �أثبت انني غري مند�س وارغب بقناعتي ال�شخ�صية بالهروب اىل جانبهم وبدون اي �ضغط او �إكراه ..و�أنني ال ارغب بالعمل مع النظام ابدا .مت حتديد يوم الهروب امل�صادف نف�س يوم اخلفارة.. ات�صلت اختي وقت الظهر حيث كنت يف املديرية وقالت ب�أن ْ الطبخة قد ا�ستوت و�إنها تنتظرين على الغداء ..كان ال�شخ�ص يف بيتنا ينتظر قدومي لننطلق وقت الغروب وي�سلمني اىل اخيه (ع) الذي قام ب�إح�ضار �سائق التاك�سي ليقلنا اىل حدود كركوك يف منطقة رحيم اوه ومن ثم اكمال امل�سري م�شيا على االقدام اىل ال�سليمانية. 42
هكذا كانت اخلطة يف ذلك اليوم الذي مل اكن متوقعا ب�أنني �س�أقدم على خطوة خطرية تكلفني حياتي وحياة عائلتي وبالأخ�ص يف هذا اليوم املُغبرِ ْ ..انها خماطرة ومغامرة ف�أغلب من يخططون للهروب يختارون اياما و�أوقات منا�سبة ال يوما كهذا اليوم الذي تلتهب احلدود به من كرثة الكمائن ودوريات �أال�ستخبارات واحلزب. ا�ست�أذنت من مدير اخلفر لتناول الغداء يف البيت ..بعد �أن اذن يل غادرت الدائرة برفقة ثالثة من اال�صدقاء احدهم يدعى (م الدليمي) وهو من ا�صدقائي املقربني الذي يعلم باخلطة والآخران حديثا العهد بالوظيفة ..متلكتني فكرة املزاح معهم ونحن يف الطريق اىل البيت ..ثم توقفنا بانتظار احلافلة للذهاب اىل بيوتنا ثم نرجع بعد �ساعتني لإكمال اخلفارة. قلت ممازحا الحد ا�صدقائي :لو هربت اليوم من العراق مباذا �ست�صفونني؟ ـ واهلل �ستكون َمثلي االعلى لو هربت اليوم .قالها يل �ضاحكا. ـ وماذا بعد؟ �س�ألت. ـ �ستكون بطال و�سنعطيك ما ت�شاء من القاب. �صديقي ـ م ـ كان ي�ضحك وتبادلت معه نظرات ال�سخرية 43
على هذين ال�شخ�صني ثم قلت: ـ اذن على بركة اهلل �س�أرى ان كنتم �صادقني. �ضحكنا قلي ً ال ..ثم جاءت احلافلة وق�صد كل منا بيته.. تكلمت مع ـ م ـ الذي ي�سكن قريبا من دارنا و�أو�صيته ببع�ض الأمور املهمة وان ال ي�س�أل عن اختي مهما حدث لكي يبعد عن ال�شكوك التي �ستنجم بعد هروبي. تعانقنا عناق الوداع ..ثم تركته ذاهبا اىل البيت ويف ر�أ�سي تدور الف م�س�ألة ..ماذا لو ف�شل هروبي و�أم�سكوا بي عنا�رص احلزب؟ وكيف �س�أت�رصف لو ظفروا بي على احلدود ،فكل ت�رصف حم�سوب علينا وهذه عملية خطرية ان تهرب يف مثل هذا اليوم بالذات. و�صلت البيت وتلقاين املدعو (�أ) وقال انه رتب كل �شيء لإجناح هروبي و�إنني �س�أحتاج اىل ال�سالح لأحمله معي يف حال لو �صادفني اي مكروه يف الطريق ...فاليوم الطرق غري �آمنه ب�سبب االنذارات احلربية واحلدود يف هذه الأيام ت�شهد نوع ًا من الطوق االمني اخلانق. قبيل الغروب ودعت اختي وقبلت ابنها الذي با�رش بالبكاء ثم طلبت من (�أ) �أن ميهلني حلظات لتوديع �صديقي (م).. حذرين من خطورة ما �أقوم به �إال انني ا�رصرت على توديعه. 44
تكلمنا لدقائق و�أخربته ب�أنني �سوف ات�صل به لو �سمحت يل الفر�صة بذلك ..غادرته بكل �أ�سى ..فاملنطقة رغم م�آ�سيها احدثت يف داخلي فجوة من نوع خا�ص ..ا�ستوقف ـ �أ ـ �سيارة اجره قا�صدين منطقة اال�سكان الكردية وكان اجلو مغربا وكئيبا ..ال كهرباء وال ماء ..فاملدينة ميتة فقط اج�ساد تتحرك بال معنى .مل ارغب يف �أن اطيل النظر اىل هذه املدينة لكي ال ت�أكلني حدة وحزن ما �أراه ..جو متجهم وجوه بائ�سة ..حتى ال�سماء حزينة على ما يجري على �أر�ضنا ..كارثة ان�سانية يف بلد غني. �س�ألته ـ �أـ متى �سي�أتي املُهرب لقد ت�أخرنا؟ ـ ال اعرف املفرو�ض انه ينتظرنا هنا وال اعلم ما ح�صل.. ثمة �شيء منعه من املجي يف وقته املحدد. ت�أخرنا كثريا فالوقت لي�س ب�صاحلي ان لن ي�أتي فمعناه ان ارجع اىل املديرية خائبا وعلي �إيجاد عذر م�رشوع لت�أخريي. تنف�ست بقلق وتذكرت احد ا�صدقائي عندما حاول مرة ان يجتاز احلدود من املو�صل اىل اربيل فتم القاء القب�ض عليه وكاد وح ّلت الق�ضية مبعجزة ان ُيعدم لوال ان ع�شريته تداركت االمر ُ �سماوية. بعد �ساعة و�صل اخوه وقد اظلمت ال�سماء وال�شوارع غدت �شبه خالية �إال من الفواني�س التي باتت ت�ضخ بحرارة 45
�شعلتها اىل ال�شارع ..البيوت فتحت ابوابها على م�رصاعيها لتغيري اجلو امل�سموم ..فال تيار كهربائي لكي يطردوا احلر عن طريق املكيفات الباردة ..الفواني�س يف كل مكان فهي بدل الكهرباء االن ..وقد تعود العامة على �شعلتها. ـ ملاذا ت�أخرت؟ �س�أل ـ �أـ . ـ ال�شخ�ص الذي وثقت به مل ي�أت ف�أمره م�شكوك فيه فلم يهاتفني مما �س�أ�ضطر اىل تغيري اخلطه� .أجابه اخوه. ـ اذن �س�أرجع الي�س كذلك؟ �س�ألته. ـ كال وامنا �سن�ستقل �سيارة اجرة وننطلق من نقطة اخرى من منطقة رحيم اوه .اجاب ـ عـ اخ املدعو ـ أ� ـ . ـ اال يوجد مكان �آخر؟ �س�ألته �س�ؤا ًال ممزوجا بتخوف وحالة من االرتباك. ـ ال ولكننا �سنخرج ان�شاء اهلل ال تقلق فلقد تفقدت الطريق لأيام وال توجد كمائن ..كل الكمائن مت رفعها قبل فرتة. ركبنا يف �سيارة االجرة بحذر ..املدعو ـ أ� ـ كان يجل�س امامنا وانا وـ عـ جنل�س يف اخللف نتكلم مبوا�ضيع عادية كي ال نثري ال�شكوك ففي مثل هذه الظروف نح�س ب�أننا ُمراقبون.. هواج�س تزور كل من يف هذه الظروف وتق�ضي عليه. بالقرب من معمل امل�رشوبات الغازية نزلنا ثم ا�ستوقفني ـ ع 46
ـ وبد أ� يكلمني بكلمات غري مفهومة ..ح�سبته يهذي ولكنه جمرد متويه و�أبعاد الظن عن ما نفعله يف هذه املنطقة اخلالية.. التفت ـ ع ـ مينة وي�رسة بحذر ثم قال ب�صوت خافت: ـ ارك�ض االن. رك�ضنا عرب ال�شارع ب�رسعة اىل اجلهة التي ت�ؤدي اىل �شمال العراق ..املنطقة خالية �إال من تالل و�سهول وطرق وعرة �شبه �صحراء حتى البيوت بعيدة ال تكاد ترى �إال ا�ضواء خافتة تراها بالكاد من بعيد .والبداية بد�أت مب�سرية الرك�ض ..خفت كثريا ومل ا�ستطع كتم خويف ف�س�ألته :ملا نرك�ض؟ �أجابني ب�أن هناك كمائن حزبية على نطاق احلدود و�أن هذه الليلة بالذات خطرة جدا وعلينا ان نبتعد قدر االمكان من هذا املكان بالرك�ض م�سافة ال تقل عن الف مرت. كنت خائفا لدرجة غري طبيعية ف�أنا تركت وظيفتي احل�سا�سة هاربا من دولة �صدام ح�سني و�أن ُيقب�ض علي ف�إن االعدام هو م�صريي االكيد. بعد الف مرت بد�أنا نخفف من �رسعة الرك�ض ..ورويدا وبت ال احتمل رويدا ابط�أنا الرك�ض و�أكملنا الطريق م�شياّ .. التعب فرجوت الرجل ان نرتاح فقال :ال جمال للراحة االن فنحن ما نزال يف مرحلة اخلطر بعد �سويعات �سن�صادف مقرا للجي�ش حيث ا�ستخبارات اجلي�ش تتع�سكر يف هذا املقر 47
وتُخرج كمائن مكثفة. زاد من خويف هذا احلديث ..وازددت بالدعاء وقراءة �سور قر�آنية ودعوات هلل لينجينا ..م�شينا ب�رسعة كبرية فهذه اول مرة يل ا�سري يف طرق وعرة وفوق كل هذا خرجت عن القانون وغدا �س�أ�صبح يف �سجالت املالحقني قانوني ًا.
امل�سري املُخيف: و�صلنا اىل مقر اجلي�ش وعلينا ان نكون حذرين يف اجتياز هذا املع�سكر وال بديل �آخر فالأمر معقد وخطري ..فقط هي الطريقة الوحيدة التي متكننا من خاللها املرور اىل كرد�ستان العراق ومن ثم �سنكون ب�أمان لو �شاء اهلل. اوط�أنا ر�أ�سينا حت�سب ًا من ان تقن�صنا عيون �أبراج املراقبة.. ومن خلف التالل ال�صغرية حتركنا ب�رسعة اىل االمام كمحاولة لعبور نقاط املراقبة التي من �ش�أنها ان تف�سد علينا حماولة االجتياز ..كان املقر بعيدا عنا حواىل ب�ضعة كيلو مرتات اال اننا ن�ستطيع م�شاهدة بع�ض احلرا�س بو�ضوح يت�سامرون فيما بينهم ..وا�صلنا امل�شي اكرث من ربع �ساعة تخللته ا�سرتاحة ق�صرية ..كنا نحر�ص على العبور ب�سالمة واحلفاظ على الهدوء لعل اهلل يفرج علينا هذه الليلة. 48
بعد �أن ان اجتزنا املقر بب�ضع كيلو مرتات خففنا امل�سري ال�رسيع وهم�س ب�أذين �سرنتاح بعد ب�ضعة كيلومرتات �إال ان بنطالك احلربي كان مريبا قليال ..احلمد هلل جتاوزنا امل�صاعب االن و�سيكون با�ستطاعتي ان ادخن �سيكارتي بعد ان اخفي نارها بيدي. ملحنا يف الطريق �سيارة مك�شوفة ..بانت لنا ب�أن �صاحبها ترك االنوار م�ضيئة ولكن بعد ان ا�ستك�شف ـ ع ـ الو�ضع تبني ب�أنها مرتوكة يف العراء وال�ضياء كان جمرد انعكا�س �ضوء القمر عليها. نحتاج اىل ان ت�سرتخي اج�سادنا خلف تله �صغرية بعد طول هد قوة اجل�سد �أكرث من امل�شي.. م�سري وال�سيما اخلوف قد ّ با�رش ـ ع ـ بالتدخني فقال :انت جريء. ـ كيف وانا خائف؟ �أجبته. ـ انت �شهم مل تتقبل كرامتك الر�ضوخ للمغريات رغم ح�سب علمي �أنك الآن م�ؤهل لرتبة �ضابط ..فلي�س الكل مثلك. �أراحني قليال ثم عاد ليقول: ـ �أعطني االن م�سد�سك. �أخافني كثريا هذه املرة والحظ هو تغري مالمح وجهي 49
ب�رسعة ..ثم قلت ب�صوت مرتبك: ـ وما حاجتك للم�سد�س �أل�سنا ب�أمان كما تقول؟ ت�ساءلت ب�صوت ممزوج باخلوف وعدم الثقة هذه املرة. ـ نعم� ..أجاب ووا�صل قائال :انت حملت امل�سد�س ن�صف الطريق ل�سالمتك و�أنا �س�أحمله ن�صف الطريق ل�سالمتي فلرمبا �س�أ�صادف من اعرف من املهربني وال اعرف ما �سيبدر منه وما �سيدور بيننا من كالم ف�أنا لدي خ�صوم. ـ اخفتني كثريا. ـ ال .ـ قالها �ضاحكا ثم وا�صل ـ ..ال تفزع فقط لالحتياط وال تقلق لن ا�ستطيع تركك يف العراء او حتى افكر بقتلك.. فامل�سئولون يف كرد�ستان ينتظرونك اقولها لكي يطمئن قلبك ..ف�أنت مهم االن بحوزتك معلومات امنية ف�أنت ل�ست �رشطي ..بل رجل �أمن ال�سلطة الكربى والأوىل يف العراق. �أعطيته امل�سد�س بثقة ثم قمنا لنكمل امل�سري. كل خطوة نخطوها كان ي�شري ب�أ�صبعه اىل واقعة قتل حدثت مع رفاقه وعنا�رص �ألآ�ستخبارات ..ثم قال م�ستذكرا حادثة قدمية: ـ كاكا رياز (اي االخ ريا�ض) هناك قَتلوا ا�صدقائي وهنا قب�ضت علينا كمائن اال�ستخبارات وقتلت من قتلت و�أخذت 50
الباقني اىل اال�رس وكنت انا من بينهم. هذه املرة مل اخف وح�سب بل ن�شف دمي و�أح�س�ست ان اقدامي تف�ضل الرجوع اىل املديرية ثم وا�صل: ـ هناك كنا جال�سني يف �أحدى االيام ف�صادفتنا قوة ا�ستطالع قتلت �صديقي على الفور ،اما الباقون فمنهم من كان حمظوظا ..ومن �سقط يف ايديهم مل نراهم بعد ذلك ..انظر اىل هذه احلفر فهي كانت للكمائن و�سرنى املزيد منها الحقا انها مرتوكة ال تقلق. ـ باهلل عليك كيف ت�أكدت ب�أنها مرتوكة؟ ت�ساءلت بخوف، فه�سترييا الهلع بد�أت ت�رضبني. ـ هي كذلك فقبل ان نخرج ا�ستطلعت املكان جيدا و�س�ألت املهربني عن ُ الطرق وامل�سالك الآمنة اىل كرد�ستان ..ف�أنا ال اجازف ال بحياتي وال بحياتك اخي العزيز. و�صلنا اىل تلة كبرية تف�صلها عنا واد وا�سع وعميق ترعى فيه االغنام التي غطت التله وبد�أت الكالب بالنباح ،قال هذه اغنام تعود لأقرباء �صدام ح�سني و�سرنى البدو نائمني يف الطرق فال تخاف لأنهم ا�صدقا�ؤنا ..ون�ستمد منهم يد العون يف كل مرة. ـ متى �سن�صل؟ �س�ألته. 51
ـ لقد بد�أنا امل�سري التا�سعة م�ساء والآن هي الثالثة �صباحا �سن�صل اخلام�سة والن�صف حدود منطقة جم جمال ثم تعلن عن جلوئك هناك لتح�صل على اجلن�سية الكردية .ثم �أطلق قهقهة خافتة ..ولكن بدون خوف او حتى مل يح�سب ح�ساب �أن ي�سمعه رجال الدوريات التي تنت�رش يف املنطقة. �ضحكت فقلت :هل نحن االن م�سموح لنا ان نتكلم ب�صوت عال؟ اجابني :بنعم .اراحني كثريا اذ ال خطورة علي اذن ..مررنا بجانب خيام البدو ف�سلم –عـ على احدهم كان نائما يف العراء وبكل �أمان: ـ �سالم عليكم هل هناك مفارز او كمائن يف الطريق؟ اجابه البدوي: ـ مروا ب�سالم ...ـ ثم �أخلد اىل النوم وك�أنها حالة ا�ستمرارية ال تدعو اىل القلق. ثم بادرين بالقول: ـ ه�ؤالء طيبون اذ لي�س كل العرب ظاملني فاغلبهم اخوتنا وغري را�ضني عن حكم الدكتاتور ،فها انت مثال ب�سيط على ذلك ولو ر�أيت كرد�ستان كيف هي مليئه ب�ضباط ع�سكريني كبار فروا من �صدام ويتجولون بلبا�سهم الع�سكري بحريه بعد �سلموا �أنف�سهم حلكومة اقليم كرد�ستان ..ثم قال بقليل من ان ّ 52
الغ�ضب وعدم الر�ضا: فقط م�سعود الربزاين خائن فهو ي�سلم كل هارب �سيا�سي اىل �صدام ح�سب اتفاقية بينهما. ـ هل اقدر ان اهرب اىل �سوريا ف�أنا يل �شخ�ص اوده ي�سكن حلب؟ �س�ألته بخيبة �أمل ع�سى �أن �أجد جوابا �شافيا. ـ مع اال�سف ال ..الطريق الوحيد هو ايران ومن ثم اىل تركيا وت�سلم نف�سك اىل االمم املتحدة وتعلن جلوءك ثم ينقلونك اىل الدوله اىل تر�شحها للذهاب اليها فهكذا يفعلون االن وعليك بالإ�رساع. ـ نعم كل م�ستنداتي معي وان�شاء اهلل �س�أ�صل اىل بلد االمان. قلت بثقة عالية. قاربت ال�ساعة اخلام�سة والن�صف �صباح ًا ..وو�صلنا بامل�سري اىل مكان يك�سوه احل�صى مما اثار �صوت ًا عالي ًا اثناء امل�شي عليه �س�ألته: ـ الي�س هذا ال�صوت بكايف على ان يك�شفنا. ـ ال� ..صاح بفرح ...و�صلنا اىل احلرية ت�ستطيع �أن تغني كما ت�شاء فاليوم انت حر. قفزت من �شدة الفرح حيث غمرتني ن�شوة النجاة ولأول مره بعد �سنني من ممار�ستي وظيفتي كرجل امن ..ها �أنذا 53
�س�ألب�س لبا�س الطم�أنينة واملدنية ولرمبا �س�أرجع اىل الكتابة و�أمار�س حقوقي املدنية يف بلد اخر ويف ظروف �أح�سن. جل�سنا داخل �سيارة حمروقة ومرتوكة على حافة الطريق الرتابي ثم قال: ـ �سننتظر احد املهربني ليقلنا ب�سيارته.
54
اليوم االول في كردستان ربيع 1999ـ نيسان:
هاهي كرد�ستان ...و�صلتها يف �صبيحة 24ـ 4ـ ..1999 أح�س ب�أنّ هواء احلرية له طعم خا�ص يختلف عن ال�سموم التي � ّ هواء ال�شمال الأ�شم.. ا�ستن�شقتها من قبل ..ن�سمات عذبة من ْ فالبيوت رغم بنائها البدائي �إال انني ارحتت عندما �شاهدتها لأنني اح�س�ست بوجود انا�س رحماء. ـ �ساخذك اىل بيتي لت�أخذ ق�سطا من الراحة اىل ان ي�أتي ـ �أ ـ لي�أخذك اىل بيته. اعد ْت لنا دخلت بيته فا�ستقبلتني زوجته با�ستقبال جميل ثم ّ الفطور ..اح�س�ست بالتعب ينخر ب�أع�ضائي ..الوجع والوهن ثم النعا�س ..فاكتفيت باحت�ساء ال�شاي ثم اخللود اىل النوم. ّ 55
ـ ا�ستيقظ (قال ـ �أـ مبت�سما) لقد جئت لأخذك. ولكن الت�شنج يف �ساقي و�أوجاع اجل�سم حاولت النهو�ض ّ التي تق�صم ال�صحة منعتني من القاء حتية ال�سالم عليه ثم ربت ـ �أ ـ على كتفي بابت�سامة ا�شفاق. ـ �سنغادر االن اىل بيتي ،فقط ارتاح ال حتاول التفكري فكل �شيء على ما يرام. مل تكن حالتي ت�ساعد على الكالم ،فما زلت �أعاين من االوجاع والتيب�س يف �أ�ضالعي وت�شنجات قا�سية ..نه�ضت ب�صعوبة بالغه وبد�أت اعرج يف امل�شي نتيجة �أوجاع اجل�سد امل�ؤمله. ـ انت عندك ت�شنجات ..ل�ست متعودا على هذا الطريق لأنك مل تواجه ق�ساوة احلياة بعد فهذه ربعها. ـ امل �أن ال �أرى الوجه املتبقي من الق�سوة فما �أنا عليه يكفيني ..ـ �أجبته ـ . حتدث قليال مع زوجة اخيه ثم طلب مني توديعها بالعربية و�سيتكفل يف ترجمة ما �س�أقول لها بالكردية ..غادرنا املنزل متجهني اىل بيت ـ �أ ـ وك�أنني يف كابو�س ال ير�ضى ان ينتهي ولن ينتهي ..هكذا بادرت الق�صة يف ذهني. و�صلنا اىل بيته فكانوا بانتظاري � ّأما زوجته ـ ف ـ الوحيدة 56
من تتكلم العربية ..عربت عن فرحتها لر�ؤيتي ثم �سلمت على �أهله ..قبلت ابنه ال�صغري ذا ال�سنة والن�صف� ..أ�شقر وجميل يختلف عنهم متاما ..دعاين اىل اجللو�س يف غرفة ال�ضيوف و�أو�صى اهله ان يجلبوا لنا الغداء فورا لأنني مل اكل �شيئا منذ البارحة. بعد الغداء والراحة �س�ألته: ـ ماذا �سيكون م�صريي وم�صري اختي؟ ـ اختك ترف�ض املجيء اىل هنا عندنا عيون تراقبها ولكن لو حب�سها �أمن النظام ف�ستتعقد االمور كثريا ،اما انت ف�سيقابلك مدير �أمن جم جمال و�سي�س�ألك بع�ض اال�سئلة العادية التي تخ�ص وظيفتك الأمنية كما �أنت وعدتهم ..و�أنا �س�أتكفلك وانق�ضى االمر ..وبعدها �ستقرر ان كنت ترغب مبغادرة العراق او البقاء يف كرد�ستان. ـ امتنى ذلك،على فكرة م�سد�سي مع اخيك. أنت يف ـ ال تقلق �س�أح�رضه و�أبيعه لك فهنا ال ي�ضيع حقكَ � ، مكان �آمن ول�ست بني الوحو�ش ..هنا كرد�ستان ..كل �شيء خمتلف و�أكرث النا�س طبيون. م�ضت ليلتان يف بيت ـ �أ ـ ارتاحت �رسيرتي قليال فزوجته طيبة للغاية ووالدته و�أختيه كانتا فعال تبديان الود معي وخ�صو�صا و�أنا ال اجيد الكردية فلأمر كان حمرجا بالن�سبة يل.. 57
الليله الثالثة كانت مزعجة ومرعبة كانت كافيه لأفقد توازين.. ا�ستيقظت على ا�صوات طلقات نارية كثيفة وك�أننا دخلنا يف هجوم مباغت ..خرج ـ �أ ـ و�شقيقه اال�صغر من الغرفه ثم قلت له بخوف: ـ هل هذا هجوم �صدامي كما توعدكم قبل فرتة يف ا�سرتجاع جم جمال ام ماذا؟ ـ ال تخف �س�أرى ما يحدث و�أخربك. ـ ان�شاء اهلل ..هذا كل ما تفوهت به ..بكلمات ممزوجة برعب �شديد ،فلو �صح ان دخول �صدام لكرد�ستان تزامن مع دخويل لكرد�ستان فهذا يعني ان حظي عقيم ولي�س فقط عاثراً. نزل ـ �أـ و�أخوه عطار ُليطمئن اهل بيته بالكردية ثم قال يل:
ـ انها ت�صفية ح�ساب بني ع�شريتني اخلد للنوم ...ـ �ضحك ب�صوت عايل وذهب ليكمل نومه وك�أن م�شاهد احلروب عادية يف كرد�ستان. ا�ستغربت ثم ت�ساءلت مع نف�سي :ت�صفية ح�ساب؟ اذن اين الدولة؟ مل امن من �شدة ا�صوات ر�شق الر�صا�ص وال�صياح اىل حني �رشوق ال�شم�س ..وبعد ان هد�أت االمور اغم�ضت عيني ومنت وال �أدري ما �سيكمن يل غداً. 58
التحقيق: جاء احد منت�سبي الأمن التابع اىل مديرية �أمن جم جمال ـ نوزاد ـ ..يتمتع بخفة ظل ب�شو�ش الوجه له �شارب هتلري ال�شكل ..دعاين اىل الغداء ..ما �أفرحني فعال �أنه يجيد اللغة العربية وان كانت احلروف التي ينطق بها مبعرثة وغري منظمة ..فقال يل نوزاد بانّ مدير االمن يريد ان ينهي معي ق�ضية التحقيق ..و�س�أكون ُحراً طليق ًا .مل ت�رسين الأخبار كثرياً لأنني اح�س�ست ب�أنني �س�أواجه م�صاعب �أكرث ،فلي�س من أمن ب�سهوله دون ع�رصه واحل�صول على املعقول �أن ُيرت ََك رجل � ْ كل ما �أملك من معلومات �أمنية� ..إال انني كتمت املو�ضوع. ا�ستقلينا �سيارة الالندكروز من بيتـ �أـ اىل املديرية وكان املدير بنف�سه جال�س ًا يف املقعد الأمامي ..ا�ضافه اىل بع�ض من عنا�رص حمايته ..ي�ستمعون اىل �أغاين الفنان الراحل ـ ناظم الغزايل ـ كان الطرب م�سيطراً عليهم ..رحب بي املدير ـ كاكا عادل ـ وقال يل ان التحقيق �سي�ستمر معي ل�ساعات ثم اكون حرا يف مناطق كرد�ستان و�شكرين جداً على ثقتي به. رحب بي ال�ضابط امل�س�ؤول بعد و�صولنا اىل مقر املديرية ّ علي يف التحقيق ..كان نحيال وطويل القامة قليال ثم قال: ـ اهال بك �سيد ريا�ض ال تقلق ف�أنت يف امان وت�أكد انك يف �أمان هنا ..وال تخف فنحن يف اقليم دميقراطي ،والكثريون 59
هنا امثالك من ذوي الوظائف احل�سا�سة ن�ستقبلهم ونعاونهم على نيل حريتهم. ـ ل�ست قلقا فال�سيد جالل الطالباين معروف بكرمه و�أمتنى له ال�صحة دائما و�أنا مل امدح رئي�سا بهذه الطريقة من قبل �إال لأنني احبه فعال ،ولي�س ما اقوله خوف ًا �أو متلق ًا .ـ �أجبته بثقة عالية ـ . بد�أ التحقيق معي وكان وجه املحقق با�سم ًا ..هيئته تدل على انه يتمتع ب�أخالق جميلة ..فلم �أبخل اثناء التحقيق بتزويده ب�أي �شيء عن الأ�رسار الأمنية ..عدد اال�سئلة كانت حوايل � 150س�ؤا ًال مل اتوقع ان يكون املحقق بهذه الفطنة ف�أنا عملت مع انا�س خمتلفني يف التحقيق ومل �أرى مثله يف ا�سلوب الكالم واللطف �إذ مل يكن مت�صنعا بل بالعك�س كانت تلك حقيقته الأكيدة. �س�ألني �س�ؤا ًال اتذكره عن خطط �صدام ح�سني بخ�صو�ص �صحة نيته ال�سرتجاع كرد�ستان اجبته: ـ لوال امريكا ال�سرتجعها فهو بعد حرب الكويت ا�سرتجع العراق من زاخو اىل الب�رصة وان�سحب من كرد�ستان ب�ضغط �أمريكي ،والآن لو �أراد هو ال�سرتجعها ب�ساعات �إال ان امريكا املانع القوي يف هذا املو�ضوع. 60
حرك ر�أ�سه م�ؤيدا جلوابي ..اكملت �رشب ال�شاي ..ثم قال يل: ـ نوزاد �سيح�رض لي�أخذك للغداء ومبجرد اكمال اوراقك �ستكون حرا و�سيكون ب�إمكانك ا�صدار هوية احوال �شخ�صيه تخ�ص كرد�ستان العراق لتكون حرا وتتمتع بحقوق املواطنة على هذه الأر�ض. �صافحته ثم هممت باالن�رصاف ثم �شكرته على ُح�سن املعاملة وا ُ خللق. ـ نحن من �صنف واحد �إال اننا ال نقمع ال�شعب بل ن�ساعدهم ،اما انت اخ ريا�ض ف�أخالقك كرجل دعتك لأن ترف�ض حكم الدكتاتور وتغامر من اجل نيل حريتك والعي�ش الكرمي فهنيئا لك. غادرت املديرية را�ضي ًا ..ثم دخلت �سوق جم جمال ال�شعبي فر�أيته منق�سما اىل ن�صفني الن�صف االول يبيع اال�سلحة بكل ا�صنافها حيث البنادق والبي كي �سي تغطي االر�ض و�صناديق من الرمانات اليدوية ب�صنفيها ـ الدفاعية والهجومية ـ متلأ �أر�ضية ال�سوق ..والن�صف الثاين مواد غذائية معلبه وغريها من اال�صناف التي مل �أرها يف حياتي ..ا�ستغربت وقلت لنوزاد: 61
ـ كاكا هذه دميقراطيه رائعة فعال. ـ نعم كل �شيء موجود حتى لو اردت ان تتفرج على افالم اباحية فهناك كازينو خمفي يفي بهذا الغر�ض. ـ ا�شتقت للن�ساء اال انني يف و�ضع ال ا�شتهي ان ا�ضاجع احداهن فما زلت قلقا على نف�سي وعلى اختي وولدها. ـ ال تقلق ع�ش حياتك .ابت�سم يف وجهي ثم ق�صدنا املطعم، فرائحة الأكالت مزقت ان�سجة الأنف وع�ضالت البطن تهاوت مع رائحة املرق والرز واللحم والكباب واىل �آخره من �أكالت كرديه ُ�صنعت من الدهن ا ُ حلر اخلال�ص.
�شاهدت قدرة النا�س يف كرد�ستان املالية واملعا�شية على �رشاء اللحم والفواكه ..اما يف املناطق التي ي�سيطر عليها �صدام ح�سني فال�شعب هناك فاقد ال�ضحكة ..ولي�ست هناك اي من اثار املرح مر�سومة على وجه املواطن املنهك ..ا�ضحت املدن ُمغربة ال حياة فيها وان العراقي ُحرم من اب�سط حقوقه ،فالفقر حال بينه وبني احالمه الب�سيطة. رجعنا اىل بيت ـ أ� ـ اذا فعال اح�س�ست براحة يف هذه القرية ال�صغرية فكل �شيء رخي�ص �ساندوي�ش �شاورمة بدينار، بينما يف بقية مناطق العراق التي تخلو من العملة الأ�صلية.. حيث ان ا�صغر عملة هي 25ديناراً طبع عراقي حملي� ..أما 62
�ساندوي�ش الفالفل فال يقل من 250دينار وما ما يتقا�ضاه املوظف لي�س اقل من 3000دينار مطبوعة حمليا من الورق العادي اي يعادل 30ديناراً يف الق�سم الكردي الذي مازال حمتفظا بالعملة ال�سوي�رسية القدمية الر�سمية.
اعتقايل يف �سد مديرية �أمن دربندخان: يلق ترحيبا يف نف�سي وهو بعد �أيام جاءين ـ �أ ـ بخرب مريب مل َ ان مدير �أمن دربندخان يريد ان يقابلني لأمر هام ،فهو املرجع االعلى لعادل مدير �أمن جم جمال وهناك ا�سئلة حتتاج اىل تو�ضيح اكرث ويجب علي ان �أح�رض ذلك التحقيق. �سيدير التحقيق معك. ـ حمه �سور هو من ُ
�سور يعني احمر بالكردية ولقبوه بهذا اللقب الحمرار وجهه ..قلت يف نف�سي ـ اذن �أمري هلل ـ مل اكن مرتاحا لهذا املوعد ف�أح�س�ست �أن هناك لعبة غري نظيفة �س�أواجهها معه. يف اليوم التايل �صعدنا ال�سيارة اخلا�صة ملديرية امن جم جمال وتوجهنا قا�صدين امن دربندخان ،وهناك قابلت �ضابط التحقيق وكان �سلوكه غاية يف الرداءة ..وبد�أ بالتحقيق معي بفاحتة ال ت�سرُ : ـ لقد قتلتمونا ل�سنني وهذه �صور حلبجة على اجلدران فهي 63
و�صمة عار على نظام �صدام .ـ قالها بغ�ضب وا�ستنكار م�شريا ل�صور ال�ضحايا املعلقه على احلائط. ـ من فعل ذلك �صدام وجي�شه ،اما انا فكنت طفال قا�رصا يف ال�سنة ـ 1988ـ ول�ست م�س�ؤوال عن ت�رصفات غريي. ـ ارين حمفظتك .قالها غا�ضبا. ثم بد أ� يقلبها بحقد داخلها وخارجها ثم قال خمرجا بع�ض �صور الفتيات العاريات: ـ اين تظن نف�سك ما هذه؟ ـ اعتقد انك ر�أيت جيدا ماهذا ..ثم هذه خ�صو�صيتي.. انت عليك بالتحقيق الذي يهم امر البلد ،وهذه �صور الفتيات ال اعتقد انها �ستم�س �أمن البلد �صديقي العزيز هناك ا�شياء اهم من ال�صور� ..أعجبتني الوجوه فاحتفظت بها و�أعتقد �أن كل �شاب يفعل ما �أفعله. ـ �س�أ�صادرها .ـ قالها غا�ضبا ـ . ـ �صادرها لو كانت م�صادرة هذه ال�صور حتل م�شكلة البلد ولكن بعيدا عن منزلك .ـ قلت ب�سخرية ـ . بعد انتهاء التحقيق تلقى املحقق اوامر باعتقايل يف الزنزانة التي تقع حتت االر�ض حلني التحقق من �صحة اقوايل. ـ �سوف تكون �ضيفا عندنا وبنف�س املكان الذي �سجن 64
�صدام عوائلنا. مل اتكلم فال فائدة من الكالم مع عقول متحجرة همها االنتقام ،نزلت اىل الزنزانة ..وكانت جديدة من الداخل مما يدل على انها قد انتهت من ا�صالحات البناء حديثا� ..شاهدت يف داخل الزنزانات �ضباطا ومراتب ع�سكرية ُ�سجنوا معا اال ان ال�سجان قال انه �سي�سجنني لوحدي ل�سالمتي االمنية. دخلت الزنزانة وجل�ست يف زوايتها و�أ�سندت ر�أ�سي على احلائط لأت�أمل ما و�صلت اليه حالتي ..فكلي يقني ان ـ �أ ـ لن يرتكني على حالتي �أواجه ق�سوة الذل ..نعم فهذه مذلة بعينها ان تُعامل يف وطنك كمجرم ..اذن كيف يريد من يحكمنا ان نكون وطنيني وحكامنا يعاملوننا بكل ظلم ويهينوننا رغم ان ثرواتهم هي منا ..الرئي�س هو مافيا ولكن حتت ت�سميات خمتلفة حتميهم قوانني �صارمة. االكراد جيدون ولهم مواقف عرفتهم بها مل �أرها تبدر حتى من العرب �أنف�سهم ..فالكردي له �شيمة و�أ�صالة واعتزازه بالكردية ورغم ما القوه من تنكيل وقتل من الطاغيه �صدام ح�سني اال انهم مازالوا يحت�ضنون العرب الفارين من نظام البعث ويوفرون العمل للعرب يف ذلك الوقت يف احلقول وغريها بل حتى يتزوجون هناك .مل اح�س بالغربة معهم فاغلبهم ت�سكنهم الطيبة. 65
يف اليوم الثاين دخل معي اىل الزنزانة �شاب كان ح�سن ال�شكل يف الع�رشينات من عمره �سلم علي وجل�س متكئا على احلائط ثم حان وقت الغداء فاح�رضوا لنا غذاء فاخرا من مرقه البامية ورز ابي�ض ذي منظر �شهي وحلم يف اطباق نظيفة وك�أننا يف هوتيل فخم ،تذكرت مديريات االمن عندما كانوا ي�صبون الزيت املغلي يف قدر ماء كبري ثم يخلطون بع�ض الطماطم والب�صل ويقدمونه بع�ض االحيان بدون رغيف اىل املعتقلني يف �سجون �صدام ..وحتى الرغيف مل يكن يتجاوز كف اليد ولونه ا�سمر حالك خملوط ب�أ�شياء اخرى غري الطحني العادي.. والذي ال ُي�شبع وال يغني من اجلوع.
�أكلنا و�شبعنا ثم �أخذت قيلولة بعد ان اح�س�ست بثقل ونعا�س ..نف�س احلالة تكررت وقت الع�شاء ..فالوجبات خمتلفة بل و�أح�سن عن �سابقتها� .س�ألني ال�شاب عن جرميتي ف�أخربته عن نف�سي ب�أنني كل ما احتاجه هو الكفالة داخل كرد�ستان وفقط انتظر الكفيل و�أعمل �أعماال حرة ،اما هو فهو مهرب اثار حاول بيع قطع �أثرية اىل �أنا�س من خارج العراق �أو املناطق التي ت�سيطر عليها حكومة م�سعود الربزاين املُعادي حلكومة جالل يف ذلك الوقت .اال ان �سوء حظه �صادف انه كان يتعامل مع �أ�شخا�ص من اجلهاز االمني التابعني حلكومة جالل وكانوا متخفني يف �شخ�صيات وهميه لإيقاع الفتى يف 66
الكمني ومت القب�ض عليه متلب�سا ،ولكن لن ُيحاكم لو ارجع قطع االثار هذه هي فر�صته الوحيدة لكي ي�سقط احلب�س عنه. ا�ستغربت فحكومة كرد�ستان تت�ساهل حتى مع املهربني.. حتت م�سميات الدميقراطية �أو بالأحرى فكرد�ستان حديثة العهد وال تريد حكومتها ان تبني دولتها على القمع ..ولكنها بالوقت نف�سه ال تت�ساهل مع االرهاب. كان احلديث ممتعا معه اىل ان غادر ال�سجن بعد ان خرج بكفالة ثم ا�ست�ضافت زنزانتي �صائغا يجيد العربية وكان حمرتما يف حديثه ومل مت�ض ايام معدودات حتى افرجوا عنه .يا ل�سهولة االفراج هنا ولكن ماذا عني؟ كنت افكر كثريا بلينا وحزنت اكرث عندما علمت ان ال �سبيل للو�صل اىل حلب ثم اليها ،فاجلانب الذي ت�سيطر عليه احلكومة الكردية لديها اتفاقيات مع �صدام لإرجاع املطلوبني للق�ضاء. تذكرت اثناء فرتة عملي يف مديرية امن كركوك ـ �شعبة القيود بالتحديد ـ عندما كنا ن�ستلم برقيات ُيعلموننا ب�أ�سماء ا�شخا�ص قد مت ترحيلهم من تركيا اىل زاخو ـ الأرا�ضي العراقية ـ لغر�ض التدقيق يف ا�سمائهم فيما لو كان بينهم مطلوبون للنظام العراقي �أم ال ..وكان هذا احد اال�سباب يف عدم اختياري اربيل لغر�ض الأقامه بعد هروبي من الق�سم البعثي. 67
بقيت وحيدا وال املك �سوى ملعقة طعامي بني يدي.. نظرت اىل احلائط االبي�ض وكان حديث البناء وتذكرت كلمات اغنية للمطرب عا�صي احلالين ..كنت انا ولينا نتذاكرها يف ر�سائلنا ..وهي: لو تدري بيا �ش�صار كل الذنب بهواك زرعوا القلب بالنار حتى القلب ين�ساك وعذبوين ودمروين وجرحوين وجرحوك خططت هذا على احلائط ومن ثم ختمتها ب� ْإ�سمينا ـ .
مل متر االمور ب�سهولة كما اعتقدت ..فما ان دخل ال�سجان القروي ور�أى احلائط م�شوه ًا مل يغفر يل وكاد ان يركلني بغ�ضب ثم �صاح علي ونعتني ـ بالعربي الكلب ـ ثم �أب ّلغ الرائد مدير ال�سجن لرييه رذاذ الغبار االبي�ض املت�ساقط على االر�ض وظن انني كتبت �شعارات معادية �ضد الدولة الكردية. �أتى الرائد وقر�أ ما هو مكتوب ثم �صاح بوجهي: ـ �ستبقون كالب ًا �أنتم هكذا وال تتغريون ..من الذي عذبك ودمرك �أتكتب هذا الكالم علينا بعد ان �ساعدناك و�أنقذنا حياتك من الدكتاتور ايها الوغد. ـ مل يعذبني احد ولكنها ا�شعار كتبتها فقط عن ُح�سن نية وفعال اقدم اعتذاري لكما. 68
ـ للتو مت اعمار هذا ال�سجن و�أنت كتبت ترهاتك لتخرب علينا االعمار. ثم توجه بالكالم اىل ال�سجان: ـ خذه اىل التواليت وا�سجنه اىل �أن يحني وقت الع�شاء كعقوبة له. اقتادين ال�سجان ورماين يف ا�صغر حمام بالكاد ا�ستطيع الوقوف فيه ل�ضيق امل�ساحة ومل ي�سعني اال االبت�سامة واعتقد ان احلياة هكذا لن تنتهي. يف اليوم ال�سابع تذكرين حمه �سور املدير ثم زار ال�سجناء ووقف امام زنزانتي و�س�ألني بتكبرّ : ـ هل انت رجل االمن الذي حل �ضيفا علينا م�ؤخرا؟
مل يعجبني ا�سلوبه بل واكد يل غباءه النهم حذروين بادئ االمر من اخفاء هويتي عن كل �شخ�ص يف املعتقل او خارج املعتقل وذلك ل�ضمان �سالمتي. اكتفيت بالإمياء بر�أ�سي فانا ل�ست وحيدا يف ال�سجن.. والآن افت�ضح امري من قبل ذلك املدير الغبي ..نظر ال�سجني ايل وبد أ� ي�صغي باهتمام كبري ملا يدور بيني وبني مدير االمن. ـ �أذن اكتب لنا كل اعرتافاتك هنا و�سنعطيك اوراقا لتدون ما لديك �أو �س�أعدمك االن. 69
ـ االعدام ت�صدره املحكمة ول�ست انت.. ـ نحن هنا دولة و�أنت جمرد هارب �أكتب ما طلبناه .ـ ثم غادر ـ . ـ �أ �أنت رجل امن ..؟ �س�أل الرجل املعتقل بف�ضول. ـ هل من اعرتا�ض؟ ـ �أجبته بامتعا�ض ـ . ـ كال كال ولكنك مل تخربين �أبدا عن نف�سك و�شدين الف�ضول اىل �أن اتعرف على ق�صتك ..فللعرب ق�ص�ص عجيبة وعندما يقدمون اىل كرد�ستان يروون ق�ص�ص ًا عجيبة عن قمع النظام و�أجهزته الأمنية لهم. ـ ارجو ان تهتم مب�شاكلك وال ت�سال اي �شيء عني ف�أنا رجل عادي– . حاولت �أن اتخل�ص من ف�ضوله .غ�ضبت من معاملة املدير الغبي الذي لوال ظروف �ساعدته يف الرتقية اىل رتبة مدير لكان الآن يف اجلبال ُمطارداً ..بعد �أيام ر�أيت �صدفة �شخ�صا ُيدعى غريب نزل اىل داخل الزنزانة لزيارة �شخ�ص وناديته ..مل يت�أخر الرجل يف تلبية ندائي ..جاء لكي يعرب عن فرحه لر�ؤيتي: ـ احلمد هلل ر�أيتك فالكل قلق عليك وال احد يعرف اين انت ..حمه �سور اخرب اجلميع ب�أنه قد مت االفراج عنك وفق �أوراق ثبوتية ،وقال �أي�ضا انك طلبت منه امل�ساعده للذهاب اىل 70
ايران ..احلمد هلل انك مازلت هنا يا الهي ال �أ�صدق ما �أرى. ـ ملاذا اال يعلمون اين هنا؟ ت�ساءلت بكل ا�ستغراب. ـ ال احد يعلم اين انت حتى كاكا عادل مدير االمن ،ال تقلق �سوف اخرب ما ر�أيت ولكن مدام الأمر كذلك ان�صحك ب�أن ترتك الباقي علي. ـ تغريت مالمح وجهي ثم قلت� :أيعقل ذلك؟ انا هنا منذ 10ايام وال �أحد يتكلم معي �أو يخربين عن م�صريي. اخرج من جيبه 100دينار عراقي ـ العملة اال�صلية ـ وناولني النقود مبت�سما ..ثم قال �ستحتاجها وحل�سن احلظ ال�سجان �صديقي ولن يخرب احداً انني ر�أيتك و�س�أو�شي اخلرب ل ـ �أ ـ لكي يتخذ االجراءات الالزمة لإخراجك خ�صو�صا بعد ان علمت مكانك فال تقلق. �شكرته كثريا فاملبلغ كان يكفيني لأيام ،كنت منفعال وبنف�س الوقت مرتاحا الن هذه ال�صدفة كانت ال�سبيل الوحيد لإنقاذي من م�شاكل خمفية ..و�أي�ضا حتمية وخ�صو�صا بعد ان ت�أكدت من كالم ال�سيد غريب حول حقيقة اختفائي. بعد يومني افرجوا عني ب�أمر من ال�سيد مدير امن ال�سليمانية الذي غ�ضب على حمه �سور وعلى طريقته القذرة يف اخفائي بدون �سبب وات�ضح بعد ذلك انني كنت �ضحية مناف�سة بينه وبني عادل من اجل �أمور تخ�ص بالن�شاطات الأمنية التي 71
ُ�سجل لهم. ت ّ
ثم ا�ستقليت �سيارة �أجرة مع امل�أمور لنتوجه اىل مقر مديرية �أمن ال�سليمانية.
�أيامي يف مديرية امن ال�سليمانية: دخلت املديرية ولكنني بد�أت اح�س ببع�ض االرتياح ا�ستقبلني مدير ال�سجن قائال: و�صانا عليك ـ اهال بك اخ ريا�ض احلمد هلل انك بخري لقد ّ املدير بنف�سه� ..سنعتربك �ضيفا ول�ست �سجينا فال تقلق.. والغاية هي لن�ضمن �سالمتك االمنية و�إخفائك عن عيون ازالم �صدام التي ت�رسح يف كرد�ستان ،فقط �ستغري ا�سمك وحتافظ على �رسية �شخ�صيتك بني النزالء وان ال تثق بهم الن اغلبهم يزود النظام جوا�سي�س يعملون ل�صالح م�سعود الربزاين الذي ّ العراقي بكل ما يريد من معلومات وت�سليمهم املطلوبني ال�سيا�سيني وغريهم. ـ اطمئن �أنا و�أثق من كالمك ..و�أ�شكرك حل�سن ا�ستقبالك. ـ �أجبته مبت�سما. ـ ال ت�شكرين ،على فكرة �سنحقق معك لآخر مرة لكي ُنكمل ا�سئلة التحقيق معك ..املالزم احمد يجيد العربية وكل 72
�شيء �ستديل به �سي�ساعدنا يف عملنا االمني. جاء امل�أمور لكي يقتادين اىل الزنزانة ..طرق باب النزانة ومن خالل النافذة ال�صغرية على الباب فتح ال�سجان الباب ليت�أكد من الطارق قبل ان يفتح ،له نظرة حادة لون عينيه ازرق ال يتما�شى مع لون �شعره الأ�سود يتظاهر ب�أنه جمرم وله �شخ�صية هزلية ومما اثار �ضحكي هو حتدثه بالعربية فقد حول امل�ؤنث اىل مذكر واملذكر �أىل م�ؤنث وينطق ال�ضاد والذال كالزاي. ـ من؟ �س�أل من وراء النافذة ال�صغرية .ـ وعندما ت�أكد م ّنا فتح الباب على الفور ـ . ـ هذا ريا�ض وقد اخرتنا له ا�سم ًا م�ستعاراً وهو ـ احمد علي ـ ل�ضمان �سالمته االمنية .قالها امل�أمور لل�سجان ثم غادر. ـ �إذن انت املجرم رياز؟ ـ جمرم هل تعتقد �أنني جمرم؟ ـ كلكم �شاركتم بقتلنا والآن حتاولون تدمري كرد�ستان بقدومكم الوح�شي وطلب الأمان هنا. ـ اعتقد ان كرد�ستان جزء من العراق ويحق لنا العي�ش اينما ن�شاء. زجرين بغ�ضب :ا�سكتي يا قاتل دعني افت�شك قبل الدخول. فت�شني بحزم مع �شخ�ص �آخر ثم قال حمدثا زميله: 73
ـ ه�ؤالء العرب ي�ستحقون القتل .ثم نظر اىل حمفظتي وقال لديك 100دينار ال تقلق لن ن�رسقها كما كنتم تفعلون باملعتقلني. ثم هم�س يل حمذرا: ا�سم ِك الآن احمد ،ثم رفع �صوته ـ ا�سمعي جيدا ِ انت ُ غا�ضبا: ا�سمك لأحد من املعتقلني ك�شفت ـ واهلل ثم واهلل لو ِ َ أعدمك مفهوم. �س� ِ ـ اوم�أت بر�أ�سي مبت�سما ثم اجبته: ـ ال تقلق كل �شيء �سيكون على ما يرام كاكا. دخلت ال�سجن وتعرفت على من فيه ،ا�شخا�ص خمتلفون عرب واكراد ق�ضايا خمتلفة احدهم ُم�سن ور�سخ يده اليمنى مقطوع وما زال لديه االمل يف احلياة رغم انه فقد ا�سنانه ولكنه كثري الكالم والكذب اال انه مرح. احدهم ُ�سجن يف املخابرات االيرانيه � 5سنوات ومن ثم افرجوا عنه لال�شتباه يف انه جا�سو�س ومازال يحمل عالمات التعذيب على ظهره رغم مرور فرتة طويلة على خروجه من �سجن املخابرات ومت ت�سفريه اىل �سجن االمن يف كرد�ستان العراق. 74
�أما الوجه البارز االخر فهو مدر�س ثانوية يحمل اثار �رضب على ظهره ،ي�سكن ال�سليمانية التي كانت حتت �سيطرة حزب جالل الطالباين ويعمل ُمدر�سا يف اربيل حيث مركز حكم م�سعود الربزاين احلزب املعار�ض �آنذاك جلالل ..فاالثنان يتمتعان ب�سلطة منفردة داخل اقليم كرد�ستان واملعروفان بعدائهما لبع�ضهما البع�ض .وح�سبما ذكر املدر�س يف �رسد ق�صته لنا كانت كالأتي :ت�أخر املدر�س عن ت�صليح دفاتر طالبه فقرر ان ينجز ما تبقى من عمل يف بيته ويف نقطة التفتي�ش ا�شتبهوا ب�أنه جا�سو�س عميل ل�صالح حزب جالل الطالباين.. وعندما �ضبطت الدفاتر املدر�سية يف حوزته ظنوا ب�أنه ُيهرب خطط التدري�س اىل الطرف املعادي ..ف�أو�سعوه �رضبا ثم نقلوه اىل �سجنهم لينال ن�صيبه من التعذيب ،وعالوة على ذلك مت طرده من وظيفته ..وبعد ثبوت براءته نقلوه اىل �سجن ال�سليمانية لكي ُيكمل اجراءات خروجه من ال�سجن بعد �أن يتم الت�أكد من براءته. يف اليوم الثاين طلبني اىل احل�ضور يف مكتبه املالزم احمد، رجل يف اخلم�سني من العمر ق�صري القامه فا�ستقبلني بابت�سامة �أح�س�ست انها ابت�سامة م�صطنعة ال اكرث ..فكل من يبت�سم يف وجهك من االمن يحاول منحك �إح�سا�س ًا باالطمئنان لكي تفي�ض بكل ما عندك من االعرتاف اراديا هذه و�سيلة من 75
احدى و�سائل التحقيق القذرة. بد أ� التحقيق معي ..وكانت اال�سئلة ال تقل عن � 200س�ؤال او اكرث� ..س� َأل عن كل �صغرية وكبرية ..وعن ا�ضابري وملفات اال�ستخبارات واملخابرات التي كانت بحوزتي طوال فرتة عملي كرجل �أمن يف حمافظات العراق وما �شاهدته وتعلمته من ا�ساليب التحقيق وعن كل امور وق�ضايا تخ�ص امللفات الأمنية وال�سيا�سية �ضمن عملي خالل هذه ال�سنني. بعد ان انهكني التعب من كرثة الأ�سئلة التي وجهها يل.. �س�ألني �س�ؤا ًال غريب ًا اثار ُ�سخريتي ..قائال: ـ ماهي عالقتك بح�سني كامل ابن عم �صدام ح�سني و�صهره؟ ـ هل انت جاد؟ ـ �س�ألته با�ستغراب. ـ ومل ال� .أجابني بثقة. ـ ال �أعرفه ..ومل تربطني اي عالقة ب�أي احد من اال�رسة احلاكمه �سواء من قريب او من بعيد ،ف�أنا رجل عبد م�أمور عملت يف االمن و�أعرف عددا حمدوداً من اال�شخا�ص، ول�ست من املقربني لأي احد من ه�ؤالء لأطلع على حياتهم ال�شخ�صية. �رضب بقوة القلم على الطاولة وقال بغ�ضب �شديد حتى 76
كاد ان يختنق: ـ يا �أخي ملا هربت اذن ،هل ت�ستطيع ان تخربين ما فائدتك اذا كنت ال تعرف �شيئا عنهم؟ ماذا تعرف اذن باهلل عليك؟ �أنت رجل �سلطه وجتهل الأمور املهمة. ـ ح�سني كامل مات قتلوه قبل �سنني وت�س�ألني عن �شخ�ص �ضاعت ا�شال�ؤه بني الرتاب ،ا�س�ألني �شيئا اقدر االجابة عليه و�سبب هروبي ل�ست امل�س�ؤول عنه ..ف�أنا حر يف اختيار م�صريي و�أين �أعي�ش ..اجبتكم على اكرث من � 500س�ؤال وتتهمني ب�أين مل ازودكم مبعلومات كافية ..هل �أنا بني دولة �أم مافيا. م�سح املالزم عرق وجهه ثم قال بهدوء ت�ستطيع ان تغادر و�سيخلى �سبيلك مبجرد اح�ضار الكفيل يف اي وقت� ..إال �أننا ُ دولة ول�سنا مافيا كما يفعل �صدام بالعراق. غادرت غري را�ض عن نف�سي ،اي نوع من النا�س نحن؟ كيف تتعامل الدوائر االمنية مع الب�رش ،ما قيمة االن�سان يف وندعي ثقافة بلداننا ،او هل بعد كل هذا ن�سعى للح�ضارة ّ مزيفة ن�ضحك بها على انف�سنا ..كيف مت�ضي ال�شعوب قدما مادامت احلكومات تقب�ض على ارواح كل من يفكر ان يعي�ش بكرامته. 77
كنت �صامتا طول الوقت يف ال�سجن افكر ،وعندما �س�ألت كم ال�ساعة قطع اجلميع حديثهم ليلتفتوا ايل ظنا منهم انني �س�أقول �شيئا مهما ثم قال يل احدهم: ـ هل تعلم عندما تكلمت التفتنا اليك لن�سمع ما �ستقول فكرثة �صمتك اثار فينا الف�ضول لنعرف من انت. ابت�سمت ومل اجبه ،ويف اليوم الثاين �صاح ال�سجان: ـ رياز رياز. مل اجبه فقد حذروين من كتم ا�سمي احلقيقي وهاهو الغبي ينادي با�سمي هل ُج ّن ام ماذا؟ ت�ساءلت يف قراره نف�سي.
عليك؟ ـ كان يتكلم مع ـ ملاذا ال جتاوبني يا رياز؟ اال انادي ِ املذكر ب�صفة امل�ؤنث فلأكراد عندهم تتكرر مثل هذه الأخطاء ال�شائعة. ـ انا ل�ست رياز انا احمد هل ن�سيت ا�سمي ام ماذا؟ كلمته بعد ان اقرتبت منه� ،أوم�أت له بعيني على �أمل �أن يعدل عن غبائه ..فاالتفاق الذي بيننا ال ي�رسي كما يجب. ـ �آه �صحيح اذن تعال معي �سنفرج عنك. كان ابراهيم ينتظرين يف غرفة ال�ضابط وفرحت جدا لر�ؤيته، ت�صافحنا بحرارة ثم قال يل: ـ اعرف كم عانيت واحلمد هلل لو مل يو�سف يرك يف ال�سجن 78
�صدفة ُ نت يف خرب كان. لك ً بعد اكمال اوراق الكفالة قال ال�ضابط يل: ـ قبل ان تخرج ال�سيد معاون مدير االمن العام ـ العقيد �سه ركوت ـ يريد ان يراك بالنيابة عن مدير االمن الذي �سافر اىل ايران يف مهمة ر�سمية. قابلت العقيد �سه ركوت املعاون وا�ستقبلني بكل �رسور ثم جل�سنا نناق�ش بع�ض االمور حول م�صريي: ـ االخ ريا�ض اهال بك يف بلدك كرد�ستان العراق وقد فرحت جدا عندما افرجوا عنك وعلى هذا اال�سا�س ف�أنا اعر�ض عليك عر�ضا ي�ضمن لك م�ستقبلك يف هذا البلد. ـ تف�ضل ا�ستاذ �سه ركوت. ـ كما ت�أكدنا انك م�ؤهل ملعهد ال�ضباط العايل يف العراق ولديك خربة جيدة يف اال�سلحة اخلفيفة عالوة اىل خرباتك يف جمال ال�شعبة ال�سيا�سية ..ونريدك معنا يف ا�ستخبارات الكلية الع�سكرية وبلبا�س مدين و�ست�شملك دورة ال�ضباط التي فقدت فر�صة اللحاق بها يف العراق و�ستعو�ضها هنا. ـ ب�رصاحة ات�رشف بهذه الفر�صة اال انني ال ارغب بالعمل يف هذا امل�سلك بعد االن اريد احلرية والتفرغ لأموري اال�سا�سية. ـ امور ا�سا�سية؟ ح�سب علمي انت تريد ان تغادر اىل اوروبا 79
الي�س كذلك؟ ـ نعم �صحيح فما زلنا نعاين من تهديدات �صدام ورغبته يف ا�ستعادته لكرد�ستان. ـ من قال لك هذا نحن لدينا قوات بي�شمركه م�ستميتة ولن تتخلى عن �شرب واحد عن ار�ضها لهذا الطاغية االرعن. ـ انا ات�رشف بالعمل لديكم ولكن �صدقني انني ال اطيق العي�ش هنا ،ف�أنا اريد ان ان�سى العراق فلم اجد يوم ًا جميال ي�شجعني على البقاء اكرث. وقبلها) ـ لو �سافرت اىل اخلارج (ثم قرب يده اىل فمه ّ �ستقبل االيادي هكذا لرتجع وحتلم بفر�صة العمل هنا. ـ ان�شاء اهلل لن ا�صل لهذا امل�ستوى ،فرتبيتي الأ�رسيه مل تعلمني تقبيل الأيادي ..بل تربيتي علمتني ان ام�شي بر�أ�س مرفوع دائما. يف النهاية ودعني العقيد م�صافحا: ـ امتنى لك املوفقية وكتاب ت�سهيل �سفرك اىل ايران �سيكون جاهزا خالل � 24ساعة. �شكرته على ح�سن املعاملة ثم خرجت من غرفته وكان ـ �أ ـ ينتظرين يف اخلارج لي�سمع مني ما دار بيني وبني ال�سيد العقيد بلهفة. 80
ما بعد ال�سجن: ـ �أنا الآن ُحر .قلت ل ـ �أـ ونحن متوجهني ب�سيارته اىل جم جمال. ـ نعم ُحر �سرتتاح ثم نخطط خروجك اىل ايران ،عندي �صديق ُيدعى اماجن انه االن يف ا�صفهان مع زوجته اال�صفهانية �سيجلبها هنا لي�ستقر يف كرد�ستان ثم يرجع لكي يبيع اغرا�ض بيته يف ايران لكي يغادر اىل اوروبا ويطلب اللجوء هناك. �شمال العراق او كرد�ستان يف ذلك الوقت كانت العوائل تعي�ش �سباقا غري عادي يف ار�سال ابنائهم اىل اوروبا لغر�ض اللجوء ،املاليني غادروا ..منهم من و�صل ومنهم من لقوا حتفهم. وكلما كنت ا�سمع بفالن غادر كرد�ستان وو�صل اىل لندن او املانيا كنت ات�شوق لأن اجرب و�أعمل جاهدا على ان ا�صل هذه البالد لأحقق حلمي ،زوجة اخي كانت دائما تقول ب�أنني فا�شل ولن اكون ناجحا ك�أخيها الذي و�صل بذكائه اخلارق اىل هولندا ،هكذا كانت تُ�سمعني كالما كال�سم وتنعتني برتبية غري متح�رضة ..وف�شل والدتي يف �إي�صايل اىل امل�ستوى املطلوب. متلكتني الرغبة يف ان احتدى كالمها لأنني بالفعل قد كرهتها وكرهت ا�سلوبها اجلاف .و�صلنا جم جمال ثم نزلنا 81
اىل بيت ـ �أـ لرنتاح بعد ان اكلنا وجبة د�سمة يف احد مطاعم ال�سليمانية من اللحم والرز واملرق االحمر. اخرج �صباحا واجل�س يف مت�شيت يف مناطق جم جمالُ ، املقهى و�أ�شاهد التلفزيون الرتكي حيث ا�ستمتع ب�أغانيه ثم اعود ادراجي اىل البيت وقت الع�شاء ،اىل ان جاء �أماجن وقابلني يف ام�سية حزيراني ٍة حارة. كان �شابا ملتحيا يجيد اللغتني االيرانية والعربية ا�ضافة اىل لغته االم الكردية ..اتفقنا ان نبيع امل�سد�س املوجود عندي والت�رصف بق�سم من املال لي�ساعدنا يف �إكمال الطريق.. اما الباقي ف�سيعيلني على الذهاب اىل مدينة ـ وان ـ الرتكية للإعالن جلوئي يف االمم املتحدة حيث كانت تكتظ بالالجئني العراقيني. اخربين اماجن ب�أن رفاقه يف املجل�س االعلى العراقي يف ايران ينتظروين ومل اكن على دراية كافيه ب�أو�ضاع ايران او ما حتتويه من م�شاكل ،حيث ان اغلب العراقيني من العرب ،يعملون ل�صالح املخابرات االيرانية وال �سيما يف منطقة بطهران تُدعى: كوجه مروي او كوجه عرب .اي احلي العربي. اتفقنا على ال�سفر اىل ايران وبد�أنا الرحلة من اول قرية على احلدود االيرانية العراقية ..ويف ال�صباح كنا يف القرية التي تف�صلنا عن ايران فقط خندق �صغري ..االن علينا ان نق�ضي 82
ليلة يف بيت اقربائه لإكمال ما ينق�صنا من حوائج ،و�أول �شيء �صنعت هو انني بحثت عن اال�سكايف لكي ي�ساعدين يف دفن هوية االمن ودفرت اخلدمة الع�سكرية يف حذائي لأ�ضمن �سالمتي ،وجدت �شخ�صا يقوم بهذا العمل ب�شكل ِح َريفْ.. وبعد انهاء ما كلفته به عدت مع اماجن اىل بيت �صديقه وق�ضينا الليلة هناك.
83
في استضافة املخابرات االيرانية
م�شينا يف االحرا�ش طويال اىل ان و�صلنا اىل مكان تك�سوه اغ�صان اال�شجار وما خلف تلك الأغ�صان كان يجل�س انا�س يتبادلون اطراف احلديث وي�ضحكون ك�أنهم جال�سون يف بيوتهم ،وما ان ك�شفنا ما وراء تلك الأغ�صان املتدلية الطويلة حتى بانت لنا جمموعة من املهربني جمتمعني يف الظل ليقيهم حر ال�شم�س ..ينتظرون اكمال عدد زبائنهم ممن ينوون الهروب اىل �إيرن ب�سيارات الالندكروز العائدة للمهربني ،حيث يبد�أ امل�سري بقطع احلدود العراقية االيرانية متوجهة اىل همدان نقطة التهريب االخرية ..حيث ال �شيء يهدد املت�سللني هناك من خطر املفارز املخابراتية. املنطقة هناك وعرة تتميز بتالل ومنخف�ضات ..فقط �سيارات الالند كروز قادرة على املرور عليها ب�سهولة وتتحمل 84
مطبات ُ الط ُرق ،اما املهربون فيتفقون مع حر�س احلدود لتمرير زبائنهم بطريقة غري م�رشوعة من العراق اىل ايران لقاء اجر يتم االتفاق عليه بني املُهرب واجلنديّ � .أما عنا�رص املخابرات فهي كثيفة هناك ..تخرج على �شكل دوريات متنع دخول املت�سللني ولكنهم يف الوقت نف�سه يتفقون مع املهربني لتمرير ا�شخا�ص �أو �أدوية �أو النحا�س املُ ّهرب من العراق اىل �إيران.
اتفقنا مع املهرب على املبلغ ..وبعد اكتمال عدد الركاب �صعدنا �سيارته ثم انطلقنا ب�رسعة ظننت �أننا �سننقلب جراء وحولت هدوء �رسعة اللالندكروز التي اثارت �سكون الأتربة ّ الأر�ض اىل عا�صفة ..وك�أنها تعر�ضت لإع�صار مفاجئ ..فال �أرى �أالن من زجاج ال�سيارة �سوى الأتربة املت�صاعدة’ تك�رست ا�ضالعي من املطبات العالية ثم �صادفتنا تلة او مرتفع �صغري، وما ان اجتزناها حتى مرت �سيارة املخابرات االيرانية ب�رسعة حتى ملحتنا ثم توقفت لتتوجه الينا وك�أنها تنذر بق�صة خميفة. تقبل حدوث مثل هذه ال�صدفة ،الباقون مل يكن �سهال يل ُ ال حرج عليهم فهم عابرو �سبيل ،اما انا فلدي م�ستم�سكات ان ح�صلوا عليها فالويل يل حينها ..حيث انني احتفظ ببع�ض �صور التقطتها يف كلية ال�رشطة لأقدمها كدليل اىل االمم املتحدة التي �ستطلب بدورها ادلة على ا�سباب هروبي من العراق. ارجتلنا من ال�سيارة خائفني ..و�سلمنا م�ستم�سكاتنا الثبوتية 85
اىل احد عنا�رص املخابرات ليحتفظ بها بدوره ..ثم امر املُهرب ان نكمل امل�سري اىل نقطة التفتي�ش التي �ستواجهنا يف الطريق وهناك علينا �أن ننزل لكي ت�أخذ �ألإجراءات القانونيه جمراها. انتظرنا يف نقطة التفتي�ش كثريا حتى جاءت �سيارة املخابرات ،ف�أمروا املُهرب ان يتبعهم اىل دائرة املخابرات. انتابني �شعور باخلطر ويف الطريق مزقت كل �صوري بالزي الع�سكري مما اثار �شكوك ال�سائق ،اخذ اماجن �صورة يل كنت احمل فيها �سيفا ومتو�شحا بو�شاح العلم العراقي ويل �شارب، �صاح ال�سائق :اهلل اكرب هل هو �صدام بحق اهلل؟ مزقوا ال�صوره قبل ان جتلب لكم الويالت و ُنه َلك. مزقت كل ال�صور ونرثتها عرب النافذة اال انني ما زلت احتفظ يف جوف حذائي ب�أوراقي املهمة. و�صلنا دائرة املخابرات وكنت يف قرارة نف�سي ارجتف ومتوتر االع�صاب ومبجرد �أن دخلنا الباب مت توثيقنا وتع�صيب اعيننا ،ثم اقتادونا اىل الداخل وم�شينا طويال حتى اجل�سونا ووجوهنا على مقابل احلائط ك�أ�رسى. والع�صابة عن عيوننا ..ثم لنجد انف�سنا يف فكوا وثاقنا َ غرفة مبنية للتو و�أمامي كانت غرفة �صغرية مظلمة مل ُيكمل بناء �سقفها عدا ال�سقف الثانوي التي هي عبارة عن ِ�شباك فقط. 86
بد�أ التحقيق بالتناوب ..ندخل واحدا تلو �ألآخر ولديهم رجل بدين كردي ايراين يقوم بالرتجمة ولعله من عنا�رصهم.. فف�ضل �أن يتكلم الفار�سية اماجن خاف �أن يف�صح ب�أنه كردي ّ بدال من الكردية لكي ال ُيتهم ب�أنه مهرب للمجموعة.
اما انا فبدوري تكلمت الرتكمانية معهم فبدت الراحة باحلديث معي على وجوه املحققني ..فهم اتراك ويحبون جدا لغتهم �أو من يتكلمها ،بادئ االمر �ساورهم ال�شك ب�أنني من اتراك تركيا اال ان هوية االحوال ال�صادرة يف العراق كانت برهانا كافيا ب�أنني عراقي اجلن�سية. انتهى التحقيق مع اجلميع ب�سالم على عك�س ما توقعت.. �سب ُيذكر ..حت�رضنا للخروج وكنت ال اكاد ان ال �رضب او ٍ اخفي �رسوري ثم فج�أه �صاح احد رجال املخابرات: ـ هناك �شخ�ص مند�س ،وقد مزق �صوراً مهمة ،م�ؤكد انه جا�سو�س. ـ مل افهم ما قال اال ان حا�ستي �أدركت معاين ما يق�صده.. فهناك �صور وكالم عن جا�سو�س ..ومل يكن حد�سي خمطئا. ـ لقد ُك�شف امرنا .ـ قالها اماجن خائفا ـ . ـ هل هو اعدام ام �سجن م�ؤبد. ـ ال ..ال تخف فقط انكر ما ي�س�ألونك و�أنا بدوري �س�أنكر 87
�أي�ضا ..ال تخف وال تن�سى ب�أننا املفرو�ض هنا ال نعرف بع�ضنا.. فقط انكر اي �شيء وقل ال اعرف. ارجعونا اىل الغرفة املهجورة ..وجل�سنا ووجوهنا اىل احلائط ومل نكن ُمقيدين ،ثم ادخلوا اماجن بالبداية وبد�أت االتهامات توجه اليه ثم بد�أت ال�صفعات تنهال عليه ..ثم حتولت اىل ال�رضب بالكايبل اكاد ا�سمع �صوته بكل و�ضوح فهو ي�رصخ من �شدة الأمل. اخرجت امل�ستم�سكات من حذائي ب�رسعة ..و�سحبت نف�سي من بني اجلال�سني وتوجهت اىل الغرفة احلديثة املظلمة.. التي مل ُيكمل بنا�ؤها ..ثم اخفيت الهوية يف ال�سقف الثانوي ـ امل�صنوع من اال�شباك ـ .رجعت ادراجي وبعد حلظات ادخلوين ..وطلب املرتجم الكردي من اماجن ان يرتجم يل.. وتف�سريا حول ما مزقته من �صور وعن �أ�سباب نرثها والتخل�ص منها من ال�شباك .مل يقتنعوا ب�سهولة وكنا على هذه احلاله �ساعات .بعد حلظات قا�سيه من تعب و�رضب و�شتم تلقيناه منهم ..حاولت �أن اقنعهم ب�أن لي�ست لدي �أي فكرة عما يقولون ..ثم طلبت من اماجن ان ي�س�ألهم: ـ عن اي �صور يتحدثون؟ كانوا هذه املرة دقيقني يف التحقيق وقد �سيطر الغ�ضب عليهم ..انهم يحققون االن مع جا�سو�س ح�سب ظنهم 88
و�ستكون عاقبة االمور غري حممودة لو ف�شلنا يف اقناعهم عك�س ذلك. ـ اي �صور تق�صدون؟ ـ �س�ألهم اماجن و�أثار الوجع تظهر على وجهه كلما حرك فكيه ليتكلم. ـ هل هذا غبي ام ماذا ال�صور التي مزقها ورماها من �شباك ال�سيارة. تظاهرت قليال بال�سذاجة وطلبت من اماجن التو�ضيح اكرث.. ف�أردفت قائال: ـ انا كنت املك �صور خالعة لن�ساء وعندما دخلت اجلمهوريه اال�سالمية االيرانية اخربين ال�سائق ب�أنها حمرمه هنا ،فاحرتمت االمام اخلميني فمزقت ال�صور ورميتها اكراما ل�شخ�صه الكرمي ،فهذه ار�ض طيبة طاهرة تلم يف ثراها ج�سد اعظم واطهر امام. تنف�س اجلميع براحة هذه املرة واح�س�ست ب�أنهم اقتنعوا فهموا بتفتي�ش امتعتي على بالكالم والتمثيل قد انطلى عليهم ّ الفور ،ق ّلبوا البوم ال�صور ف�أثار غ�ضبهم �صورة فتاة ترتدي قمي�صا مر�سوم ًا عليه علم �أمريكي و�أظهروا ا�ستياءهم من �صور عارية لفنانات عرب ..اخذوا ماعندي من الكا�سيتات التي اعتز بها ..ومما جلب انتباههم واحد من الكا�سيتات 89
يحمل �صورة لراق�صة �رشقية ..ثم اعادوا يل بقية االغرا�ض.. فاملو�ضوع الآن قد انتهى وك�أنه نذير �ش�ؤم لبداية �سفرة قد تطول يف انهاء م�أ�ساتها او قد تف�شل فكرة ال�سفر اىل الأبد.. انتهوا منا وت�أكدوا ان ما مزقته جمرد �صور عادية ال ت�ستدعي كل هذا التحقيق. خيمت فرتة من ال�سكون ا�ستطعت من خاللها ا�ستغالل الظرف وارجاع م�ستم�سكاتي من تلك الغرفة التي انقذتني من حب�س حمتم ..خب�أتها يف حذائي ب�أحكام ولعلني مل �أخرت الوقت ال�صحيح. ـ رياز. نادى علي احدهم واقتادين اىل الداخل وتبعني اماجن.. دخلنا الغرفة التي تتو�سطها �صورة اخلميني وعلى جانبي ال�صورة ـ �صورتان خلامنئي ورف�سنجاين الرئي�س ال�سابق لإيران. �صفع احدهم فج�أة اماجن بقوه ،مما اثار ّ يف اخلوف والهلع.. فاملو�ضوع مل ينتهي كما ت�صورنا ..ا�سلوب ال�رضب ا�شارة غري جيدة تدل على �أننا مل ننته بعد من التهمة ..وظننت ب�أن �أمري قد انك�شف حينما ارجعت اغرا�ضي من الغرفة .طلبوا من اجلندي العربي �أن يفت�شني ..تقدم ايل ثم �س�ألني بهدوء: 90
ـ انت عربي؟. ـ نعم� .أجبته. ـ �س�أفت�شك ح�سب طلبهم و�ساحمني فهي لي�ست رغبتي. بد أ� التفتي�ش ح�سب طلب رجال املخابرات منه ..فهذا اجلندي كان يتمتع بروح عربية تكره �أنظمة الفُر�س.. ـ �آ�سف اخي و�ساحمني .متتم بحزن ..يحر�ص بان ال ي�سمعه الآخرون فت�ش يف البداية قدمي اليمنى حيث �أُخبئ الهوية، قر�أت (وجعلت من بني ايديهم �سدا ومن خلفهم يف داخلي �سرِ ّا ُ �سدا ف�أغ�شيناهم وهم ال ُيب�رصون) نفخت على نف�سي بهدوء، ثم طلب مني �أن �أخلع احلذاء ..ما �أخافني هذه املرة �أن جزءا من الهوية ظاهره ب�شكل وا�ضح ..فلم �أ�ستطع خلع حذائي ب�شكل كامل فت�صنعت ال�سقوط على ا ُ جلندي لكي اجتنب التفتي�ش.. �أ�ستعدلت يف وقفتي ومل انتظر ان يطلب مني نزع احلذاء االي�رس فبا�رشت بخلعه بل ورجه امامهم ,,التفت اجلندي اىل املرتجم قائال: ـ كل �شيء على ما يرام .ـ قال اجلندي مطمئنا اجلميع ـ . بان االرتياح على وجه اجلميع ثم �أمرونا باخلروج .مت ترتيب اوراق االفراج ب�شكل نهائي .نقلونا ب�سيارتهم اىل 91
مركز ال�رشطة التي �ستتوىل هي االخرى مهمة ت�سفرينا اىل حدود كرد�ستان اجلانب الذي ي�سيطر عليه حزب جالل الطالباين يف منطقة تدعى بنجوين.
املحاولة الثانية اىل ايران: يف �سجن مريوان االيراين ق�ضينا يومني ،كان مليئا بالعراقيني الفارين من العراق عربا واكرادا ،واما املتزوج في�ضعون زوجته واطفاله يف ال�سجن املخ�ص�ص للن�ساء ..وكان بيننا اتراك من العراق احدهم مت االفراج عنه من �سجون اال�ستخبارات بعد نيله ن�صيبا من ال�رضب املربح ..حذرين اماجن على ان ال اتكلم مع �أحد الن جوا�سي�س النظام البعثي يتواجدون يف مثل هذه االماكن وبكرثة فهي فر�صتهم الختطاف �أ�شخا�ص يف مثل هذه الظروف .احد اال�شخا�ص كان ميزح كثريا رغم انهم ف�صلوا زوجته واطفاله وو�ضعوهم يف ال�سجن الثاين للن�ساء.. كان غا�ضبا من املعار�ضة العراقية املوجودة يف اخلارج وال�سيما يف �إيران ..وكان ي�شتم حممد باقر ال�صدر ويقول عنه انه عميل ويت�سول املال من الكويت ليملأ جيبه .هم�ست ل اماجن قائال: ـ كاكا اماجن هذا ال�شخ�ص ال يكذب وهاهو يقول ب�أن املجل�س االعلى خائن اذن كيف �س�أثق بهم انا؟ 92
ـ �صح ولكنني مل اكن احب ان اخيفك. ـ كان عليك ان تقول يل ب�أنهم غري جادين يف م�ساعدة العراقيني ولو ا�ستعنت بهم م�ؤكد �سيلعبون علي فهم جمرمون، كنت ارى �سجالتهم قبل هروبي ..كلهم جمرمون خمربون.. كال لن اذهب اليهم املال املوجود معك �س�آخذه ثم اعمل يف ايران و�أ�سافر اىل مدينة ـ وان ـ الرتكية وال �أريد التورط مع احد �أرجوك. ـ عندي ا�صدقاء �سيعطونك العمل ال تقلق ..واذا كنت ال ترغب بت�سليم نف�سك للمجل�س االعلى فهذا امر يخ�صك �إال انني �س�أ�ساعدك قدر االمكان على �أن �أحافظ عليك ف�أنت امانة. بعد ايام خرجنا من ال�سجن حيث نقلتنا �سيارات اجلي�ش اىل احلدود العراقية االيرانية ..قطعنا �شوطا كبريا للو�صول اىل مكان وجود املهربني ..و لكي نعاود املحاولة ونذهب اىل طهران� ..أثناء امل�شي عبورا اىل احلدود العراقية االيرانية �سمعنا انفجار لغمني ..كان ال�صوت مدويا ..مل نهتم ووا�صلنا امل�سري ...هم�س يل اماجن: ـ ننف�صل عن هذه الفئة ب�أقل فر�صة عندي �صديق ي�سكن يف قرية قريبة �سن�أوي اليه. ان�سلخنا من رفقة املجموعة ب�رسعة م�ستغلني غفلة اجلميع.. 93
فو�صلنا اىل القريه التي مل تكن تبعد كثريا ع ّنا ..ا�ستقبلنا �صديق اماجن ..وكان �شيخا كهال ..عبرّ عن �رسوره ور�ؤيته اماجن فقام بواجب ال�ضيافة كما يجب. مل نعلم ما تخبئه االيام ،فالوقت يخيفني� ،صعب ان ال اتقن عر�ضا لغة البلد الذي �سنذهب اليه وال�سيما انني �س�أكون ُم ّ مل�شاكل قد تكلفني حياتي ،فاحلذر مطلوب.. ال�ساعة ال�ساد�سة �صباحا االن وقد بد�أنا امل�سري ..ورغم ف�صل ال�صيف فقد كان جو احلدود باردا ..املنطقة جميلة.. خ�رضاء تك�سو اله�ضاب والأرا�ضي ورائحة ن�سيم نقي ن�ستمتع يف ا�ستن�شاقها ،احل�صن االيراين �أمامي ا�ستطيع ان اراه ب�سهولة.. فهي ت�شبه قالع ك�رسى التي كنت اراها يف افالمنا التاريخية. و�صلنا احلدود االيرانية واختب�أنا يف احرا�شها لكي الت�صطادنا عيون الدوريات التي على احلدود� ،سيارات دورياتهم متر كل 10دقائق وعلينا ان جنتاز ال�شارع الطويل يف غ�ضون حلظات اىل جهة التلة الكبرية املحاذية لل�شارع .ما ان مرت الدورية حتى رفعت حقيبتي ا�ستعدادا لالنطالق اىل اجلهة املقابلة ،وما كدنا ن�صل التلة حتى باغتتنا �سيارة الدورية وبا�رشوا باطالق النار يف الهواء الخافتنا ،اما انا واماجن فقد �صعدنا التلة ب�أ�رسع ما ميكن ..ترجل اجلنود وبد�أوا مبالحقتنا. 94
كان حملي ثقيال مما �أجربين على رمي حقيبتي ،نهاين ئاماجن عن رميها فلم ا�صغ اليه من �شدة التعب ..نزل ئاماجن بكل ر�شاقة جللب احلقيبة وجنح يف ارجاعها واللحاق بي ب�رسعة اىل اعلى التل. كدنا ن�صل تقريا اىل اعلى القمه ،جل�سنا لربهة لنت�أكد من رجوع الدوريه ،ثم ذهب اماجن لي�ستطلع الو�ضع ثم عاد مبت�سما: ـ لقد يئ�سوا من القب�ض علينا ورحلوا. انتظر هنا �س�أجلب تاك�سي واتفق معه لي�أخذنا اىل همدان.. ال تغادر مهما ح�صل ..ـ اعطاين ربع املبلغ من املال الذي معه ـ ثم قال يل: ـ هذا احتياط احتفظ به ..اما بقية مالك ف�س�أرجعها لك حينما ن�صل ا�صفهان. غادرين �رسيعا ..ثم جل�ست وحيدا على التلة الكبرية خمتبئا بني �شجرياتها التي تغطي �سفوحها واطرافها. بعد ن�صف �ساعة كنت م�ستلقيا على االر�ض حينما �سمعت �صوت اقدام تخطو اىل مكان رقودي: ـ من؟ ـ ال تخف انا اماجن انه�ض �رسيعا عرثت على �سائق ي�أخذنا 95
اىل همدان ..ب�رسعة انه حتت التل. نزلنا �رسيعا ثم �صعدنا ال�سيارة ب�رسعة وانطلقنا ..قلت لئاماجن: ـ هل انتهى اخلطر؟ ـ لي�س بعد عندنا نقاط تفتي�ش يجب ان جنتازها ب�سالم. و�صلنا نقطة التفتي�ش فا�ستوقفنا اجلندي ي�س�أل عن االوراق ..اخرج ئاماجن وثيقة الزواج ليوهم اجلندي ب�أنه ايراين و�أجاب على ا�سئلة الأخري باللغة االيرانية حتى اقتنع اجلندي ب�أن ئاماجن هو ايراين ولي�س مت�سلال ..توجه اجلندي اىل �س�ؤايل عن اوراقي ..حاول ال�سائق اقناعه برتكي ان امر ب�سالم فلم جتدى نفعا حماوالته ..ثم امرين اجلندي بالنزول من ال�سيارة. اختفت ال�سيارة عن انظاري حتمل معها ئاماجن وال�سائق وما كنت املكه من مال ..تركوين مع مبلغ �صغري اواجه به قدري املجهول لوحدي.
الرجوع اىل كرد�ستان العراق: اقتادين اجلنود ال�شباب اىل غرفة �صغرية وفت�شوين ..كانوا متعاطفني معي عندما �شاهدوا خالل التفتي�ش بع�ض �صور يل يف العراق وخ�صو�صا �صورة لينا التي كانت تتو�سط البومي 96
ال�صغري ..فابت�سم ال�شاب وارجع يل اغرا�ضي ثم طمئنني ب�أنهم �سيفرجون عني قريبا ..دخل �شاب اخر حاول ان يفت�شني بقوة وقلة ادب فا�ستوقفوه ثم �أخرجوه. ا�ستوقفوا �شخ�صا باخلم�سني حاول اجتياز احلدود باجتاه العراق قادما من طهران مل �أدرك انه ُمهرب� ..إال بعد فرتة ولكنني �شاهدت القلق على وجهه غري عادي وك�أنه يخاف �أن ي�سلبوه �شيئا مهما .يجيد اللغة العربية و�س�ألني بف�ضول كيف مت القاء القب�ض علي ف�أخربته بالق�صة ..وعندما �س�ألته قال انه او�صل احد اقربائه اىل طهران لغر�ض العمل وانه ينوي العودة اىل كرد�ستان العراق يف اقرب وقت ممكن. وبعد فرتة ق�صرية دخل �شخ�ص ُم�سن لي�شاركنا يف م�ساحة الغرفة ال�صغرية ف�أ�صبحنا ثالثة االن ..كان طيبا وودودا ،مل يكن يخفي �شيئا غري قلقه يف كيفية اعانة عائلته ،حاول الو�صول اىل طهران يف عدة حماوالت ولكنها باءت بالف�شل ..وال ميلك املال الكايف االن للرجوع اىل كرد�ستان �أو حتى تعوي�ض ما خ�رسه. بعد الظهر �صعدنا �سيارة مك�شوفة لتتجه بنا اىل املخفر، وهناك ُحب�ست للمرة الثالثه فما ُعدت االن اخاف كما كنت يف بادئ االمر ..فكل واحد ُيلقى القب�ض عليه ُي ّ�سفر اىل بلده وهذا كل ما تفعله ال�سلطات االيرانية من اجراءات للمت�سللني 97
داخل ارا�ضيها يقدمون لغر�ض العمل فقط. ح�رض م�أمور ال�سجن وقال يل: ـ رياز انت جمددا؟ ثم طلب من الرجل الذي ي�شاركنا احلب�س ان يرتجم لنا ما �سيقوله: ـ لن ن�أخذكم اىل املحكمة �سنحل ق�ضيتكم االن ومببلغ مايل قدره 20الف تومان التومان عمله ايرانيه و 20الف تومان لي�س مببلغ كبري ولكن بع�ض النا�س ال ميلكونه .بد أ� ال�شخ�ص الطيب يولول فلي�س لديه ذلك املبلغ من املال وهذا يعني انه �سيبقى يف احلب�س لفرتة اطول. دخل الرجل االخر اىل الغرفة املجاورة ثم اخرج مبلغا من املال من لفة القما�ش املربوط على خ�رصه ..ر�أيت ذلك عندما حاولت ان ادخل عليه لأ�ستعجله بالقدوم ..اما الرجل الثاين فلم يكن له اي امل يف اخلروج .رجع الرجل من الغرفه ويف يده املبلغ ثم توجه بال�س�ؤال اىل الرجل الثاين الذي كان ي�شكو من قلة احليلة: ـ من �سيدفع عنك؟ ـ ال �أعلم .ـ �أجابه الرجل الطيب ـ . 98
ـ اهلل �سيفرجها ..انا ب�رصاحة احمل ما يكفي فقط حاجتي وال اعرف ما اقول حظا �سعيدا لك. ـ �أنا من �سيدفع لكلينا. انتبه الرجالن ايل با�ستغراب ثم قال الرجل االول: ـ �آه جيد� ..إذن حينما يح�رض ال�سجان �س�أقول له ان امل�س�ألة قد مت حلها؟ ـ نعم قل له ان املال حا�رض� .أخرجت على الفور املال و�أعطيته للرجل� ..شكرين الرجل الطيب بالعربية ثم بعد فرتة متت املوافقة على االفراج عنا. نقلتنا �سيارة مك�شوفة اىل احلدود وبد�أت اتعاي�ش مع املوقف ،ف�أنا االن وحدي وعلي مواجهة االمور وحدي ،وان اكون �شجاعا يف مواجهة كل ما �سيواجهني من م�صاعب رغم ان اتقان اللغة مهم يف هذه الظروف ال�صعبة. و�صلنا احلدود ثم نزلنا نحن الثالثة لنعرب اىل اجلهة الكردية ثم م�شينا فرته لن�صل اىل مطعم مزدحم بالزبائن يف منطقة بنجوين الكردية كان الرجل الطيب جائعا طلبت لنف�سي كباب ًا عراقي ًا مع لنب ثم �س�ألته: ـ هل انت �شبعان الوقت االن 4ظهرا وال �أظنك �شبعان. ـ ال �أملك املال لأكل وال حتى لكي ارجع اىل ال�سليمانية 99
وارى اْ�رستي. ربت على كتفه ثم قلت له: ّ
ـ �أطلب ما حتب و�س�أو�صلك اىل �أُ�رستك. ـ ابت�سم الرجل و�شكرين جمددا وب�شدة ثم قلت له:
ت�صدع ب�سبب ـ ارجو ان تتوقف عن �شكري ف�أنا ر�أ�سي قد ّ قلة النوم ،هيا اطلب غداءك لنعود اىل بيتنا ب�رسعة. بعد الغداء �صعدنا �سيارة الندكروز ثم توجهنا اىل ال�سليمانية وكانت ال�صعوبة فقط عندما كانت الدوريات التي يف الطريق ت�ستوقفنا لغر�ض ال�س�ؤال عن ا�سمائنا و�سبب ال�سفر اىل ايران.. ثم قال الرجل الطيب: ـ ا�ستاذ ريا�ض اين �ستذهب؟ ـ جم جمال حيث املفرو�ض ان ارجع اىل بيت �شخ�ص �ساعدين كثريا والآن �سي�ساعدين جمددا. ـ الال بعد الغروب الطريق من ال�سليمانية اىل جم جمال غري �آمن ب�سبب قُطاع الطرق� ،ستبقى يف بيتي ثم �صباحا �ستغادر اىل حيث ت�شاء. ـ �شكرا �س�أت�أخر اريد الو�صول اليوم. �أم�سك الرجل من يدي قائال: ـ ا�ستاذ مل �أرى مبثل طيبتك �أنت �ساعدتني كثريا ..ولن ان�سى 100
ما فعلت من �أجلي ولن ادعك متوت ب�أيدي قطاع الطرق فهم اكراد متع�صبون على العرب خ�صو�صا ..ف�أرجوك كن �ضيفي. قبلت الدعوة منه واحللول �ضيفا عليه ..الرجل ي�سكن يف �رسداب مع عائلة كبرية فقرية احلال .ا�ستقبلتني زوجته بكل �أدب بعد ان ق�ص على عائلته ماحدث له فرحب بي ولده الذي يبلغ من العمر � 18سنة. ق�ضيت الليلة معهم ن�ضحك ونت�سامر مع االطفال الذين �شدهم الف�ضول لي�سمعوا مني بع�ض الق�ص�ص ..كان اخوهم يتكلم العربية ويرتجم لأخوته بالكردية ثم �شاهدوا �صوري يف االلبوم فلفتت انتباههم �صورة يل بزي كلية ال�رشطة احمل �سيفا ..نال اعجابهم كثريا ثم قال الفتى: ـ �رشفتنا ا�ستاذ ريا�ض ف�أنت بطل ان تواجه كل هذه االمور. ـ احلمام جاهز .ـ قالت والدته مقاطعة حديثنا ـ .. بعد احلمام مبا�رشة خلدت اىل فرا�شي يف �ساعة هادئة ومت�أخرة من الليل ..ذهب اجلميع اىل النوم و�أطفئت زوجة الرجل الطيب االنوار و�أغم�ضت عيني على الفور ..ا�ستيقظت �صباحا على حوار هم�س خافت بني الرجل وزوجته: ـ ابعثي ولدنا ليجلب لنا اح�سن الفطور ل�ضيفنا. ـ نحن ال منلك املال لن�شرتي الفطور االطفال مل ي�أكلوا منذ 101
البارحة. ـ عيب يا امراءه ما تقولينه االن ..لن �أترك الرجل يغادر ببطن فارغة ..ابعثي الولد ليجلب الفطور ولو بالدين من البقال. بعد انتهاء احلوار ت�صنعت بعد فرتة ب�أنني �أ�ستيقظ من النوم.. كدت انفجر من �شدة احلزن على ما �سمعت ..طيبه غري معقولة مل �أرى �أو �أواجه مثل هذا املوقف من قبل .عدت من احلمام لأرى مائدة طويلة من ما لذ وطاب من اجلنب والع�سل والخ من الفطور .جل�ست و�أكلت قليال ثم ان�سحبت.. ـ معقولة هل هذا فطورك ا�ستاذ ريا�ض؟ ـ نعم انا ال افطر �صباحا و�شكرا على كل هذه االنواع من الفطور. كنت الآن بني �أ�رستي. ـ ال ت�شكرين فلوالك ما ُ ـ ال تكرر هذا ارجوك فهذا واجبي. طلبت من الرجل ان يو�صلني اىل كراج ال�سيارات ،فعلي الذهاب يف �أقرب وقت اىل جم جمال ..ثم طلبت منه ان اتكلم معه على انفراد خارج الدار ..اخربته مبا �سمعته مبا دار من احلديث هذا ال�صباح مع زوجته ..اغرورقت عينا الرجل بالدموع ثم اخرجت ما تي�رس من املال ..تفاج�أ الرجل فهد� ُأت 102
من روعه قائال: ـ متنيت لو �أملك كنزا لدفعت لك اكرث. مل يقبل الرجل باملال� ..شعر باحلزن ثم قال: ـ انت حتتاج اىل املال اكرث مني. ـ انت لديك عائلة وحتتاج املال اما انا فبمفردي �أ�ستطيع ان ادبر اموري ب�سهولة. ودعته ثم او�صى ابنه بان ال يرتكني حتى يت�أكد ب�أنني قد وجدت ال�سيارة املطلوبة ...و�صلنا الكراج وهناك اجريت ات�صاال هاتفيا مع كاكا عادل مدير امن جم جمال ..فتكلم الفتى مع زوجته كونها ال تتكلم العربية ..و�أخربته هي بان �أطمئن وال �أخاف من نقاط التفتي�ش و�أو�صتني �أن احتفظ برقم الهاتف ..اغلق �سماعة الهاتف ثم او�صلني اىل �سيارة االجرة.. فعر�ضت عليه قبل ان اغادر مبلغا ب�سيطا من املال فرف�ض ان ي�أخذه ولكن ب�إ�رصار مني جعلته يقبل املبلغ .ت�صافحنا ثم دعا يل ان ي�سهل اهلل طريق العودة.
عبور جبل خورمال العايل: و�صلت جم جمال بال م�شاكل تُذكر ،فمنطقة االكراد جميلة والنا�س ب�سطاء رغم �إح�سا�سي بال�ضياع� ..أال انني يف 103
�أمان بني الأكراد ..فعال وجدت طيبة غري اعتيادية يف هذه املنطقه التي عانت ويالت الظلم خالل الثمانينات على وجه اخل�صو�ص. ا�ضطررت اىل ال�سكن يف بيت ـ �أ ـ عدة ايام اىل ان يحني وقت ال�سفر اىل ايران ..ويف احد االيام عرفني ـ ا ـ ب�شخ�ص ُيدعى حممود و�أخربين ب�أنني �س�أخرج معه اىل ايران لأنه يعمل هناك و�س�أكون برفقة �شخ�ص اخر ا�سمه ـ ا�سو ـ �أ�ضافة اىل �شخ�صني �آخرين يودان ال�سفر اىل تركيا عرب ايران ..كنا يف املقهى نتبادل �أطراف احلديث ومل �أبد ارتياحا لكالم حممود.. �أذ يبدو انه ل�ص ولكن ل�ص غبي ولي�س حمرتف ًا. يف طريق العودة اىل البيت اعلنت عن قلقي جهرا لـ ـ �أ ـ و�أخربته عن اح�سا�سي باخلوف من هذه النماذج وخ�صو�صا اننا �سنكون على �سفر يف طريق غري قانوين يكرث فيه القتل وال�سلب ..ف ّند ـ �أ ـ خماويف و�شكوكي وقال ان هذا ال�شخ�ص ال ي�ستطيع ان يغدر بي لأنه يعرف ا�رسته بالإ�ضافة اىل املدعو ـ ا�سو ـ فهو معروف يف جم جمال وال ميكنه �أن يت�رصف بحماقة معي. اتفقنا على اخلروج مع بداية وقت الفجر ..كنا خم�سة ا�شخا�ص مل ارحت ابدا لت�رصفاتهم وال لأ�شكالهم رغم ـ �أ ـ اكد يل ب�أنهم طيبون ..و�صلنا مناطق كانت حتت �سيطرة احلزب 104
اال�سالمي الكردي وكانت نقاط تفتي�ش مناطقهم تت�ألف من �شخ�ص واحد ملتح يرتدي جالبية ق�صرية مي�سك ع�صا يتحرى ويمُ عن يف وجوه الراكبني ثم ي�أذن لل�سائق بالتحرك .و�صلنا منطقة خورمال ..حتيطها اجلبال العالية ّاما الطق�س فكان ملتهبا جدا ..جل�سنا لن�أكل قليال ثم قال �أ�سو ين�صحنا: ـ عليكم باللنب والتمر ..اترون هذا اجلبل (ا�شار اىل جبل ت�صل قمته اىل ال�سحاب) �سنعربه و�سنحتاج ما اليقل عن الت�سع �ساعات �صعوداً وما يقارب اخلم�س �ساعات نزوال� ..أذن عليكم بالتمر واللنب يا اخوان. مل �أعر اهتماما للكالم ظنا مني �أنه ميزح معنا ..وبعد الغداء الب�سيط تركنا الدكان البدائي الب�سيط ..توجهنا اىل �أر�ض خ�رضاء جميلة وجل�سنا يف ظالل الأ�شجار مقابلني اجلبل الذي �سن�صعده يف وقت حمدد من اليوم. اخرج زجاجة الوي�سكي ثم اكملها بعد ثوان رغم �سخونة اجلو ..تباهى ب�أنه يقدر على �رشب اكرث من زجاجتني ولكنه �رشب الوي�سكي لكي ال يح�س بالتعب فلدينا جبل يجب ان نعربه .كرثة احلديث عن اجلبل �أثارت اهتمامي مما جعلني �أ�صدق و�أدرك فعال ب�أننا �سنعرب هذا اجلبل وال �سبيل غري ذلك وق�ضي االمر. خيم الغروب علينا ثم ايقظنا ا�سو من النوم قائال: 105
ـ هيا يا �شباب �سنبد أ� ال�صعود. كان ُيجيد العربية وكان �شجاعا ..يت�شاجر بال�سكني وال يهمه قوة خ�صمه �أو حتى حجمه ..يتمتع باالعتماد والثقة الكبريه يف نف�سه. نه�ض اجلميع بك�سل من النوم وبد�أنا بامل�سري ..فبد�أنا ب�صعود اجلبل و�أح�س�ست بعد دقائق بالتعب والإرهاق ..اخذ حممود حقيبتي رغم �ضعف بدنه لي�ساعدين ..رحلة ال�صعود �شاقة وال ترحم اما انا فك�أنني اموت يف كل حلظة �أخطو بها ال�سفح العايل. نحو ُ ـ احذروا فهذا اجلبل مليء بالألغام وان�أ احاول جهدي ان نبتعد عن الأماكن التي دفنت فيها االلغام. بعد �ساعات خذالين �ساقاي من التعب ..نظر حممود ايل وقال ال�سو: ـ الفتى العربي تعبان فهو خلفنا وال ي�ستطيع ان يوا�صل،، لرنحت قليال. ـ اتركاه ونكمل امل�سري ال احد �ضغط عليه باملجيء معنا ..ـ �صاح ال�شابان االخران بكل وقاحة ـ . ـ ال لن نرتاح االن فعلينا الو�صول اىل القمة قبل الواحدة ليال ..فبعد هذا اجلبل قرية ان مل ن�صلها يف فرتة من الزمن 106
�سنكون فري�سة �سهلة لدورياتهم ويذهب تعبنا �سدى. مل اتعب هكذا يف حياتي ف�صعود قمة عالية من جبال خورمال كان اخر �شيء يخطر على بايل ،ومما زاد من خويف هو �سماع �صوت انفجار ه ّز اجلبل وكدنا ن�سقط من املنحدر من �شدة االرجتاج ،اخربنا ا�سو بانه انفجار لغم قدمي مت زرعه من قبل جنود �صدام يف الثمانينات ..مثل هذه االنفجارات تبدو م�ألوفة لل�سكان �إذ مل ا�شاهد دوريات �أو اي �شخ�ص قد �أخافه ما حدث االن غرينا. ولكن الي�س من املفرو�ض ان ي�س�ألوا �أو حتى يدققوا يف �سبب االنفجار؟ ولرمبا قتل �شخ�ص ما اثناء حماولة عبوره احلدود ،ولكن للآ�سف ال قيمة للإن�سان حتى وهو يف وطنه اذن ملاذا القلق. مل يكن با�ستطاعتي �صعود القمة ..فالطريق اللولبي حول اجلبل وعر وحممود يحاول ما بو�سعه م�ساعدتي ..وكان ي�سحب يدي تارة ويدفعني تارة من اخللف مما اثار غ�ضب االخرين ومنعهم له من م�ساعدتي. �ساعات من العط�ش واجلوع بل كدت افقد الوعي من �شدة الهالك ..الطريق املليء باالحجار قد ت�ؤدي اىل �سقوطي اىل الهاوية يف ا�سفل اجلبل العايل ..مل نتوقف طيلة الت�سع �ساعات �سوى دقائق .اعطيت االذن ملحمود �أن يرمي حقيبتي ولكنه 107
رف�ض وقال يل ب�أين �س�أحتاج اىل ما بداخلها عندما ن�صل طهران. ويف الليل بعد ما ا�صابنا من ال�ضعف والوهن ما يكفينا و�صلنا �سفح اجلبل غري م�صدقني ..فهوينا على االر�ض كجثث هامدة ال نكرتث على ما ن�ستلقي عليه� ..سوى ان نرتاح من التعب ..ا�سرتحنا القيلولة ثم حذرنا �أ�سو قائال: ـ عند النزول احذروا ال�صخور احلادة فانها تنغرز ب�سهولة يف ال�ساق ومتزقها وهي ا�شد من ال�سكني. �سن�ستعد االن لأخطر مغامرة يف جمابهة ال�صخور التي ال ترحم احد لو وقع عليها ..مزقت ال�صخور بنطال ال�شابني، اما انا فكنت اتوقى احلذر لكي ال القى ما ال ي�رسين من هذه ال�صخور اخلالية من الرحمة. مت اجتياز ال�صخور والهبوط �ساملني ونكاد نرى الكمائن متر من خالل الوديان ونحن نتوخى احلذر يف االختباء منهم.. �شيخ اجلامع يف الطرف الثاين ينتظر قدوم الزبائن غري ال�رشعيني ال�ستقبالهم يف فندق اجلامع. بعد �ساعتني من امل�شي واجلو احلار الذي كاد ان يخنقنا و�صلنا اىل اجلامع فدخل �أ�سو واخرب ال�شيخ بوجودنا يف اخلارج ..نزل ال�شيخ وقال: 108
ـ اهال بكم ادخلوا اجلامع واغت�سلوا من غبار الطريق. مكان الو�ضوء كان جميال جدا ..نهر بارد وجار يتو� أض� منه امل�صلون حيث ان امل�سجد كان مبنيا بطريقة هند�سية رائعة على نهر جاري ..اغت�سلنا و�رشبنا حتى كدنا ان ال نفارق جمرى النهر ال�صايف ..نادى �أ�سو بنا: ـ لندخل اجلامع قبل �أن تك�شفنا الدوريات االيرانية وي�ضيع تعبنا �سدى. دخلنا الفندق حيث اكرث من خم�سني �شخ�صا ينامون يف غرفة �صغرية كدنا ان ندو�س على ر�ؤو�سهم لوال انارة ال�شيخ ال�شاب القنديل لرنى ما حتت اقدامنا من حلوم ب�رشية نائمة.. كل ما نفكر به االن مكان ننام فيه ونرتاح فغدا لدينا طريق اطول. اقبل ال�صباح اجلميل وتناولنا فطورنا ..ثم بد�أ احلديث يدور بالكردية مع ا�سو و�شيخ اجلامع واملهرب ـ الطرف الثالث ـ ومت االتفاق على املبلغ ..ويف احلال ح�رضت �سيارة نوع بيكان ايرانية لتقلنا اىل همدان حيث ينتهي اخلطر هناك. مناطق كرد�ستان العراق وبع�ض من كرد�ستان ايران اغلبها تتكلم ال�سورانية الكردية ولهذا ال�سبب جتدهم مت�آخني بينهم ويتزاوجون فيما بينهم ..فالتعاون بينهم قائم منذ البداية ،فهم 109
قد تعر�ضوا للقمع ايام �شاه ايران وعهد �صدام ح�سني على وجه اخل�صو�ص بعد ان متادى الأخري يف تدمري قراهم وهتك اعرا�ضهم مما زاد من غ�ضب االكراد و�سعيهم لإن�شاء اقليمهم ليعي�شوا يف �أمان من العرب والعامل الذي دور املتفرج بينما كان �صدام يحاربهم بال�سالح الكيميائي ومب�ساعدة امريكية. كانت ال�سيارة متر مبناطق وعرة جدا ..على الطريق الرتابي وذلك لتجنب الدوريات .ا�ستغرقت الرحلة يوم ًا ون�صف اليوم وبعدها و�صلنا اىل احدى القرى الكردية فرنلنا من ال�سيارة ثم قال املهرب: ـ هذه قرية يقطن فيها �أقربا�ؤنا فت�رصفوا فيها ب�شكل طبيعي ولو �شاهدمت اي دورية ال تهربوا وت�صنعوا ب�أنكم من �سكان هذه املنطقة ..حقائبكم �ستظل هنا حلني �أن ارجع اليكم ..ف�أن اريد التزود بالوقود. مت�شينا طويال يف القرية وفج�أة قطع �صفو حديثنا �أحد نداءات ال�سماعات ل�سيارة متجولة ..فظننا انها ال�رشطة تنادي علينا وما ان َهممنا بالفرار حتى �صاح بنا �أ�سو ي�ستوقفنا: ـ قفوا ال تخافوا هذه �سيارة ا ُ خل�ضار اجلوالةُ ..يعلمون النا�س بقدوم الب�ضاعة لكي ُيقبلوا عليه. �ضحكنا قليال على �سذاجة عقولنا ثم قمنا ب�رشاء االكل لقتل 110
اجلوع الذي هجم على اح�شائنا. جاءت ال�سيارة بعد �ساعات و�صعدنا ..التفت الينا ال�سائق قائال: ـ لقد اجتزنا حزام اخلطر و�سننقلكم اىل همدان وك�أنكم و�صلتم اىل طهران ..ففي همدان تنتهي م�سرية القلق وتبد�أون �سفرتكم اىل طهران دون ان تعرت�ضكم دوريات او نقاط تفتي�ش.
الطريق اىل طهران (ه�شكرد): يف همدان قطعنا التذاكر و�صعدنا �إحدى حافالتهم االنيقة وتوجهت بنا اىل طهران ..هناك حيث املدينة يتم بنا�ؤها وعمالها الأكفاء من االكراد العراقيون الذين ُعرفوا باحرتافهم البناء يف ذلك الوقت الذي كانت ايران حتتاج فيه لأيد عاملة يف بناء مدنها احلديثة.. وددت بعد وقت لو انني مل ارافق هذه املجموعة ،فمتاعبهم �ستبد�أ ..ففي حواىل ال�ساعة الثالثه �صباحا نزلنا من احلافلة يف منطقة ه�شكرد ثم تابعت احلافلة طريقها اىل طهران ..اخربنا ا�سو اننا و�صلنا مدينتنا والغرفة التي ي�سكنون فيها ال تبعد �سوى دقائق. 111
دخلنا اىل الغرفة غري مهتمني مبنظرها ،فاملهم هو النوم قبل كل �شيء ..ارمتينا على الأر�ض ثم غط�سنا يف نوم عميق اىل ظهرية اليوم الثاين حيث ا�ستيقظنا على �صوت حممود. يف بادئ االمر بدت لنا املدينة التي هي يف طور البناء �آمنة اىل ان فاج�أتنا دوريات ليلية باغتتنا اثناء نومنا وبد�أت حملتها يف القب�ض على العراقيني ويف �أوقات الليل املت�أخرة م�ستغله انغما�سنا بالنوم العميق .كنا جنري كاجلرذان من �سطح اىل �سطح ونختبئ باحلفر يف �ساعات مت�أخرة من الليل.. فالدوريات جتمع معلومات عن طريق م�صادرها ثم تباغت النائمني فج�أة. بتنا على هذا املنوال ا�سبوع ..مل نعرف النوم واالطمئنان.. بد�أ �أ�سو وحممود با�ستغالل اجلميع وكانوا حري�صني على تقليب اجليوب و�أخذ ما ي�ستطيعون �أخذه بطريقة ذكية ..يف �أحد الأيام عندما �س�ألوين كم �أملك اخربتهم ب�أين ال �أملك �سوى القليل ولكنني مل اجن من طلباتهم وتهديداتهم فبد�أوا بحياكة خطة دنيئة �ضدي. اجلميع م�ستعدون ل�رضبي وقبيل تنفيذ اخلطة بدقائق قالئل دخل �شاب كردي يدعى خالت يبحث عن عمال ليعملوا حل�سابه يف مزرعة الكرز ..نظر ايل ثم اختارين من بني اجلميع لي�أخذنني معه ورف�ض الباقني ..ثم التفت اىل حممود قائال: 112
ـ هذا العربي قد اثر يف قلبي ومن الظاهر انه يعاين منكم.. لقد جئت قا�صدا ان اجمع ثالثني عام ً ال ولكنني �س�آخذه لوحده فال �ضري من م�ساعدته ولن اتركه هكذا. ـ نعم خذه انه �شاب فقري .ـ �أيده حممود متظاهرا بالطيبة ثم وا�صل كالمه: وظن ب�أننا ن�ستغله. ـ نحن اردنا ان ن�ساعده ولكنه ال يثق فينا ّ
جميء خالت يف اللحظة املنا�سبة قد انقذين من �رشهم وخ�صو�صا بعد ان �صدق حد�سي ب�أنهم كانوا ينوون �رضبي بالإجماع وذلك ب�سبب املال القليل الذي املكه ..فلي�س من حقي ان احتفظ ب�شيء لأنهم ال يحتفظون ب�شيء وعلي ان ا�ساعدهم جربا ك�أن ا�شرتي لهم ال�سجائر والع�صائر والطعام. فعال اعتقد ب�أنهم جمانني. غادرنا املدينة ويف الطريق كنت مت�شوقا بالنظر اىل �شوارعهم النظيفة و�أخذين الف�ضول يف النظر اىل وجوه االيرانيني ..فهم لي�سوا كما �شاهدناهم على �أجهزة التلفاز ..بلحى كثيفة.. �شعر جمعد ووجوه بائ�سة كان اجلي�ش العراقي يقتادهم للأ�رس وكنا نالحظ عالمات اخليبة على وجوههم حينما كانت تبث قناة العراقية �صور من املعركة يف الثمانينات. و�صلنا مزارع نظر اباد االيرانية يف وقت الغروب ..وطول 113
الطريق يبت�سم خالت يف وجهي ليح�س�سني بالأمان ويخرج كل ن�صف �ساعة �سيجارة ويدخنها ب�شوق ك�أنه مل يدخن منذ فرته طويلة. عربنا نهراً جاري ًا يف احلقل ،عرفني على اقرانه وا�ستقبلوين بابت�سامة وكلمات كردية جميلة ..وك�أنهم يقولون ال تخف انت بيننا يف امان ايها الغريب. عرفني خالت على احد اال�شخا�ص من حمافظة الت�أميم.. ّ فرحت كثريا عندما ر�أيته فها انا اقابل �شخ�صا من نف�س املحافظة التي ع�شت فيها ..ال�صديق اجلديد يدعى ـ عدنان ـ هارب من اخلدمة الع�سكرية ويعاين من م�شاكل عائلية مع اخوته مما دفعته الظروف ال�صعبة اىل الهروب من اخلدمة الع�سكرية �أاللتزاميه يف العراق ..وتطلع ال�شاب اىل ان يغري حياته بال�سفر اىل اوروبا ويعي�ش كالآخرين يف �سالم ..كان ماهرا يف حياكة املدا�س و�سجادة ال�صالة ..ميلك انامل ذهبية ..وبارع ًا يف كل عمل يقوم به ومهما كان نوع العمل ،فقد كان ي�ؤدي ما عليه بامتياز ..وحاز على اعجاب ا�صحاب العمل وبال مناف�س. تكلمت معه باللغة الرتكمانية او الرتكية العراقية ..رحب بي ثم اخذين اىل خيمة مت ن�صبها قريبا من �سكن العمال ي�شاركه �صديقه ـ هاوري ـ وهو كردي القومية من حمافظة اربيل يجيد اللغة 114
العربية ..قوي البنية وطويل القامة يخاف منه العمال ..حاول العديد منهم ن�صب فخ له لكي ي�رضبوه انتقاما لهم لأنه كان ي�سيء معاملتهم ..ولكن حماوالتهم كانت تف�شل دائما. كان الظالم حالك ًا ف�أ�شعل عدنان الكربيت ليتعرف على وجهي ..ثم قال ب�أنه �سوف ُيعرفني على �صاحب اخليمة يف ال�صباح. حل ال�صباح الرائع ..فاملزرعة كجنة اهلل على الأر�ض.. ا�صوات ع�صافري ..ن�سيم بارد و�صوت النهر اجلاري يبعث يف النف�س الطيبة والتفا�ؤل بيوم رائع .جل�سنا انا وعدنان لنفطر ثم �س�ألني ما ق�صتي ..اخذ اللقمة وقربها من فمه لي�أكلها ثم �سمع مني جوابا كان كافيا لتتجمد اللقمة قرب فمه ويفتح عينيه فزعا من اجابتي: ـ انا هارب من االمن والكل يبحث عني. رجال الأمن يف العراق هم ثاين �سلطة يف العراق ولذلك خاف عدنان يف بادئ االمر من الق�صة ولكن بعد ان ت�أكد من انني �صادق قال: ـ ماذا تقول؟ هل انت جاد؟ باهلل امل يبعثك �أحد لتخطفني؟ اخربين احلقيقة. حاولت ان اقنعه ب�أين االن مطلوب ول�ست مع النظام 115
يف بداية الكالم ولكنه اتعبني جدا ..اىل ان طم�أنته و�أقنعته ب�صدقي ثم قلت: ـ ال تخف انا ب�أمان احلكومة الكردية �ساعدتني ،انا يف نيتي العمل فقط ملدة �شهرين ثم اذهب اىل حمافظة ـ وان ـ الرتكية لت�سليم نف�سي. ـ علي ان اخرب هاوري بذلك فهو �صاحب اخليمة و�سي�أتي بعد قليل .ـ قال عدنان بقليل من اخلوف ـ . مل مت�ض حلظات حتى ح�رض هاوري و�سلم علي ب�رسور وكان �سعيدا بوجودي معهم ..جل�سنا لنكمل االفطار وكان ن�صيب من ال�صدمة ،اذ مل يت�أخر عدنان يف اخباره وكان له ٌ هاوري يف تلك اللحظة جائعا وبد أ� يف الأكل ..ولكن اللقمه ما كادت ت�صل فمه حتى توقفت عند �شفتيه مت�سمرا ،فقد �سمع ما الي�رس خاطره ومل تكن ردة فعله اخلائفة اقل من عدنان: .. ـ �صحيح؟ ـ �س�ألني بغ�ضب ـ ثم وا�صل: ـ لو اكت�شفت انك جا�سو�س �س�أقتلك. ـ لن ت�ستطيع� ،سيالحقك اقربائي ولن تنجو منهم .ـ قلت مبت�سما وبكل ثقة ـ تغري وجه هاوري قليال ومل يجبني ،اما انا وعدنان فاكتفينا باالبت�سامة ثم وا�صلنا االكل. 116
اليوم االول يف حقول الكرز: انه اليوم االول االن للعمل ولأول مرة يف حياتي �س�أعمل. لب�ست البنطال والقمي�ص وتوجهت مع عدنان وهاوري اىل احلقل ..رمقني احد االكراد العاملني قائال: ـ اخي هل انت يف نزهة؟ هذا البنطال غايل الثمن وغري معقول ان تعمل به. اجابه عدنان بالنيابه عني بالكرديه: ـ ال تقلق فهو �أمري لديه الكثري من البناطيل. مل �أكن �أجيـد التكلم باللغة الكردية ومل اتخيل يوما انني �س�أتعلم الفار�سية والكردية من خالل اختالطي بالأغراب... هنا يف احلقل يتواجد الع�رشات من االكراد العراقيني والإيرانيني ،ي�أتون من كل �صوب للعمل وك�سب قوتهم.. اذ �أن او�ضاع كرد�ستان العراق كانت يف الت�سعينات مزرية.. تتقاتل فيه االحزاب الكردية لنيل ال�سلطة و�أحالم ال�شعب الكردي و�آمالهم �ضاعت يف تلك الفرتات ..وبدال من اجللو�س يف بيوتهم ..يغادرون اىل ايران التي ا�صبحت وك�أنها حمافظة داخل العراق ..يتنقلون من طهران االيرانية اىل ال�سليمانية الكرة العراقية بكل �سهولة ..ولو ف�شل احدهم بالعبور ُيعيد ّ حتى ي�صل �ضالته. 117
دخلنا حقول الكرز والتي كانت كاخليال ..نظرت اىل ا�شجار الكرز احلمراء التي حتمل ما ّ لذ وطاب من الكرز االيراين ثم قال يل عدنان مبت�سما: ـ افتح عينك جيدا وا�شبع نظرك ..ففي العراق مل ار حتى كرزا ا�صطناعيا اال يف �صورة واحدة مرت امام عيني �صدفة. ـ نعم ايه واهلل ..انظر اىل اال�شجار ،اىل احلقول اىل ن�سيم ال�صباح و�أ�صوات االنهار� ..أي طبيعة هذه باهلل عليك.. االيرانيون ي�أكلون الكرز وكل �أنواع الفواكه ..ونحن يف العراق قد دمرنا القهر واحلرمان وما زال بطلنا الورقي يردد وي�رص ب�أننا منت�رصون ..ال جند حتى لقمة اخلبز لن�أكلها ..نحن مل نر �أي �شيء من حياتنا غري الذل ..وهنا يف الغربة تعي�ش معززا مكرما وبالأخ�ص لو جربت العي�ش بعيدا عن العراقيني �ستكون يف خري. وافقني عدنان على كالمي ..ثم بد�أ يعلمني العمل وكيفية قطف الكرز بكل حذر و�إيداعه يف الدلو امل�صنوع من اجللد بكل رفق حتى ال يتم ت�شويه �شكل الفاكهة احلمراء. يف ال�ساعة اخلام�سة ع�رصا انهينا العمل وعدنا ادراجنا مرهقني اىل اخليمة ..كنت اذهب بعد العمل يوميا مع عدنان للت�سوق وحر�صت اي�ضا على الت�سوق بالعملة االيرانية والتعامل بها ..كان عدنان يعلمني بع�ض االمور التي اجهلها 118
يف هذا البلد ..ومن املفارقات التي واجهتني يف ال�سوق كان النا�س ي�س�ألونني من اي البلد انا؟ فكنت اجيبهم من ا�سطنبول وذلك لتقارب بع�ض الكلمات الرتكية العراقية من الرتكية فلم اخربهم حقيقة انتمائي للعراق وذلك لتجنب املتاعب ..ثم ات�ضح بعد فرتة ان االيرانيني يحبون ال�شعب الرتكي ب�شكل غري طبيعي وكان ذلك ال�رس �سبب جناحي يف الولوج اىل داخل جمتمعهم والتعاي�ش معهم� ..س�ألني البقال: ـ هل انت تركي ا�سطنبويل؟ ـ ال� .أجبته. ـ الالال انت متزح وال تريدين �صديق ًا لك� ..أنت تركي ومن ا�سطنبول ..لهجتك تدل على ذلك ف�أنا من معجبي املطرب الرتكي ابراهيم طاطلي �س�س ...باهلل عليك ما هي احواله؟ ما هي �آخر ن�شاطاته؟ مل يكن مبقدوري ان ا�ستمر بالنفي مما اجربين على الكذب: نعم انا تركي واعمل هنا لأت�سلى فقط و�س�أرجع قريبا اىل ا�سطنبول. ما هي �إال ثواين �أكملت احلديث حتى �صاح البقال كل بعيد وقريب و�صغري وقريب وك�أنه يريهم عجائب الدنيا الثامنة: ـ هيا اقرتبوا تركي ا�سطنبويل هنا ..هيا ب�رسعة قبل ان 119
يختفي .ـ �صاح البقال ملن حوله حتى جتمع حويل ن�صف ال�سوق وكان معي �صبي �صغري جاء لي�ساعدين يف التب�ضع.. قال ال�صبي بخوف: ـ يا �إلهي كل ه�ؤالء �سيقب�ضون علينا؟ ماذا قلت لهم؟ ـ كال يظنون انني من ا�سطنبول� .أجبته بالعربية. ـ �أذن حاول ان ت�ستمر معهم لعلهم �سيعفوننا من الدفع .ـ �ضحك ال�صبي ـ . كان دكان احد احلالقني بجانب دكان البقال ..حاول ان ي�شغل البقال لي�رسقني منه خل�سة ثم ادخلني دكانه واقفل الباب وك�أنه ربح غنيمة وقال بلهفة: ـ نورتنا يا �صديقي ..ارجوك ان لأتكلم احدا يف هذه القرية ..كلهم �سيحاولون ا�ستغاللك ..انا هنا �س�أ�ساعدك كثريا. مل يرق يل الو�ضع كثريا ..النا�س يف ازدياد تام ولعل هذه احلادثه العجيبة �ستكون �سببا يف جلب ال�رشطة اي�ضا وينك�شف �أمرينا. ت�صنعت باالبت�سامة والراحة وكلي امل �أن اجنو منهم ب�أي ثمن ..ا�ستطعت التخل�ص من التجمع ب�أعجوبة .رجعنا وقد ت�سوقنا بدون ان ندفع اي �شيء بل دفعها بع�ض املعجبني.. 120
احلقل الذي كنا نعمل به فيه مزرعة للأ�سماك ،وال�شخ�صان اللذان يقومان بحرا�ستها هما احمد وحممد من منطقة بلوج�ستان ..كانا �شخ�صني يف غاية االحرتام وقد قدما يل ولعدنان واجب �ضيافة ال تو�صف. بعد ا�شهر ح�رض رجل يدعى خطاب مع �شخ�صني مل يكونوا م�صدر راحة ،فقد قلبوا ميزان العمل وبد�أ خطاب بالتخل�ص مني ومن عدنان لكي ي�ستقروا براحة يف خيمة هاوري.. فقد ت�شاجرنا معهم وتركنا انا وعدنان اخليمة لي�ستقبلنا احمد وحممد بكرم ورحابة �صدر ..مما اثار �سخط هاوري وخطاب ..االخري بد أ� العمل ب�شكل عادي ثم بد�أ يخطط لال�ستيالء على احلقل واالنفراد يف قيادة جمموعة معينة �إال ان وقت اجلني انتهى ب�رسعة يف احلقل فحال دون تنفيذ خمططه، ثم غادر اىل تركيا مع بع�ض من جالوزته بعد ان زرع الفتنة بني العاملني كادت ان ت�صل اىل القتل. كنت على عالقة مع احدى الفتيات التي تعمل يف احلقل وكانت من عائله كرديه تُدعى مرمي ،مل يكن العاملون فرحني مبا يحدث ..اي عالقة بنت كرديه مع �شخ�ص عربي ..اال ان املتاعب مل تنته ،فمنهم من كان يخطط للق�ضاء علي ولكن مل ت�ساعدهم الفر�صة وكنت حمظوظا يف جناتي منهم. انتهى وقت العمل يف حقل العم خالت ،فبعد التوديع 121
انتقلت انا وعدنان للعمل يف حقل �أخر والتابعه لإحدى اكرب ال�شخ�صيات االيرانية التي تدير احلكم يف ايران وبعد فرتة انتهينا من هناك وانتقلنا للعمل يف حقل امر�أة تدعى (روناك) ..كانت جميلة جدا كحيلة العينني ..قدها فاتن وابهرتنا بارتفاع نهديها مما ا�ضفى على �سمرة ب�رشتها �سحرا �شهويا عجيبا والردفني املكورين ك�أنهما ا�سفنجة هائلة م�شبعة باملاء وال�ساقني املكورتني ..اعجبتني قيادتها للعمال وكانت جتيد التكلم باللغة العربية ولها ابنتان وولدان وكان ابنها الثاين مع والده يعي�شان يف اليونان ..ـ روناك اجلميلة تعي�ش مع الفتاتني والولد ..كنت معجب ًا جدا ب�شخ�صيتها وال �سيما �صوتها الذي مازال ي�صدح يف ا�سماعي عندما كانت حتث العمال على العمل. واعجبني جمال ابنتها ـ جرا ـ وال انكر ب�أنني كنت ا�ستغل ان�شغالها لكي ادقق يف تقا�سيم وجهها وانفها املنقاري اجلميل وال�شعر املتديل من حتت احلجاب على جبينها ..و�أي�ضا جلو�سها وترتيبها ل�صناديق الفواكه ..كنا خم�سة جمعتنا الظروف لكي نعمل �سويا واختارت لنا روناك خان غرفة �صغرية لكي من�ضي فرتة ال�سكن امل�ؤقتة هناك. نزلت اىل القرية للتب�ضع ،دخلت متجرا جميال كان ال�شخ�ص ُيدعى عبا�س وهو تركي ايراين� ..س�ألني عن هويتي 122
ف�أجبته تركي ا�سطنبويل وا�سمي احمد ..فرح كثريا ثم دعاين اىل الع�شاء يف بيته بعد ان انتهي من العمل .قبلت منه الدعوة وكنت �سعيدا جدا مبعرفته ،فقد كان �شخ�صا طيبا جدا وكذلك عرفني عليهم. ا�صدقا�ؤه ممن ّ
ل�شكر �أباد االيرانية: احلقل ال يبعد �سوى خطوات قليلة عن القرية ..ففيها ق�ضيت اجمل الأوقات مع انا�س تعرفت عليهم وتعودت عليهم رغم انني اخفيت عنهم حقيقتي .ذاع �صيتي يف القرية ف�أنا احمد ا�سطنبويل القادم من ا�سطنبول ب�سبب م�شاكل عائلية واعمل مع اكراد من العراق يف هذا احلقل ..هكذا ا�شتهرت ق�صتي يف القرية وال �سيما بني طالبات املدار�س عندما �أمر قريبا من املدر�سه الثانوية. تعرفت على ا�شخا�ص ظرفاء وتوطدت عالقتي بهم اىل ابعد حد ..وبت ال افارقهم ال يف افراحهم وال يف �أحزانهم ولكن ماذا لو كانوا يعرفونني كعراقي؟ عالقتي ب�أ�صدقائي بد�أت ت�ضطرب وال�سيما بعد �أن تودد االيرانيون ايل ..وبت اح�رض جل�ساتهم وحفالتهم والوالئم مما ادت هذه االمور اىل توتر عالقتي ب�أ�صدقائي ممن مل يرق لهم 123
ما يح�صل وحاولوا ك�شفي يف اكرث من خطة ولكنهم ف�شلوا. اقرتحت روناك ان اترك اجلني وان ا�ساعد ابنتها جرا وتعلمني تغليف الفواكه يف �صناديق خ�شبية ولتكون جاهزة للت�سويق ..مل اتردد يف قبول الفكرة فانا منذ فرته �أع�شق اجللو�س بقرب ـ جرا ـ وال�سيما انني االن امل�س يديها اكرث من خم�س مرات يوميا لتعلمني وظيفتي اجلديدة. مر َ�ضت ـ جرا ـ وكان عليها ان تُغادر اىل العراق للعالج.. ِ فهي تُعاين من �آالم الر�أ�س وال ت�ستطيع ال�صرب اكرث ،فال�صداع كنت اريد �شيئا من العراق بعد دمر �سعادتها� ..س�ألتني فيما لو ُ �أن ترجع ..مل اطلب �سوى ال�سالمة فيوم وداعها كانت ترتدي اروع ما لديها وتفننت هي يف جعلي ان�شغل بها طيلة فرتة غيابها. كليا يف احلقل ..كنت انتظر اقرتب العمل على االنتهاء ّ رجوع ـ جرا ـ بفارغ ال�صرب وا�س�أل اختها كل يوم عنها.. وفعال توقف العمل فج�أة وا�ستلم اجلميع االجور وحان وقت املغادرة ..روناك طلبت منا البقاء يف الغرفه فلعلها �ست�أخذنا اىل �شرياز عندما يتم االتفاق مع احد الو�سطاء للبدء يف العمل هناك يف احد احلقول ..ولكن مل جتر الرياح مبا ن�شتهي نحن فاالنتظار قد طال والوقت كال�سيف. جاء من طهران �شخ�ص يدعى نزاد احليدري يدعي ب�أنه 124
عمل خمرجا يف تلفزيون احلزب ال�شيوعي ..كان �شاعرا وعازف جيتار بارع ًا ر�أيته يعزف عندما زرنا �صديقه بائع اجليتار االيراين ـ �أر�ش ـ يف منطقة جتري�ش االيرانية ويتقن فن ال�صباغة باحرتاف. ادعى اي�ضا انه ُيح�رض االرواح وكان يعتمد على �أحد اليمنى معاونيه،وهو �شخ�ص ُيدعى علي لطاملا كان اليد ُ لروناك يف ت�سيري اعمالها� ..أعجب نزاد كثريا �أن نعمل �سويا وا�ستغل فكرة الكنوز املدفونة يف ايران مب�ساعدة اح�ضار اجلن وكان يدعي ب�أنه يتقن ال�سحر ،فقرر ان يبا�رش بالفكرة والعمل مل�ساعدة االيرانيني يف الك�شف عن االثار املدفونة ..لأنها تدر امواال طائلة. عر�ضت الفكرة على واحد ممن اثق بهم من ا�صدقائي االيرانيني ..فالحظت اهتماما كبريا منه ثم خاطبني بكل جدية: ـ احمد( ..خاطبني احدهم): ـ عندما كنت انت ترانا ن�أخذ معاولنا بعد منت�صف الليل كنا نحن نبحث عن كنوز دفينه وها �أنت قد انقذتنا ..عن طريق �صاحبك فنحن باحتياج لهكذا �شخ�ص�( .سكت ثم اخرج �سيجارة و�ضعها يف فمه ثم با�رش الكالم): 125
ـ احمد لقد ام�سك بنا النظام االيراين و�صادر كل ما وجدناه من الكنوز فخ�رسنا كل �شيء ..هنا يف املنطقه توجد كنوز كثرية ..واملكان مليء بالقرى املدفونة التي فنت يف ال�سنني املا�ضية وت�ستطيع ان جتد معاملها بكل �سهوله بعد ان حتفر اكرث من 20مرتاً حتت االر�ض. ـ بلغ �شيخك هذا ليقابلنا و�سندفع لكما ما ت�شاءان. قال احدهم ..ثم �أيده الباقون ب�شدة. �أخربت نزاد مبوافقة الآخرين ف�أعرب عن ارتياحه واملبا�رشة بالعمل .ال�ساعة الثانية ويف ليل مقمر �صاف التقينا يف مقربة وكان ال�شباب يحملون معاول للحفر ..فقد كان علينا ان نكتم االمر ونتحرك بكل �رسية فالنظام يحا�سب ب�شدة على مثل هذه االمور وعواقبها فعال وخيمة ال تحُ مد عليها.. انطلقنا وكنت اتبع نزاد يف م�سريته هو يكلمهم بالفار�سية و�أنا اخاطبهم بالرتكية� .أخرج جواد وهو �رشيكهم رقعة ثم بد�أو�أ بتحديد امل�سري ثم قال :هنا يجب ان تكون ويجب علينا ان نت�أكد كيف نبد�أ باحلفر من جهة اليمني ام الي�سار. ـ �سوف ينام احمد (�أنا) قال نزاد :ومن ثم �س�أبد�أ بجلب االرواح للت�أكد من وجود الكنز قبل احلفر. ا�ستلقيت على ظهري فوق الرتاب ثم بد�أ نزاد برتديد 126
طال�سيمه ..بد�أ ج�سدي بالنهو�ض تارة واال�ستلقاء تارة ثم امر يدي ب�إر�شادنا اىل مكان الكنز ..حتركت يدي اليمنى ثم عادت م�ستلقية كما كانت� ..س�ألني نزاد هل ر�أيت احدا من اجلن ف�أجبته بالنفي� ..س�ألني اجلميع ما ح�صل يل ف�أخربتهم ب�أن ج�سدي ويداي حتركتا رغما عني ..وفعال هكذا كان ومل �أكذب بحرف ،فقد اح�س�ست ال تلقائيا بارتفاع وحترك يدي بدون ارادتي. با�رش الكل باحلفر اكرث من � 5ساعات وو�صلنا باحلفر اىل اكرث من 10امتار ،فال�شباب كانوا اقوياء ومل ي�شعروا بالتعب.. اذ �أن ال�سنني املا�ضية التي ق�ضوها باحلفر كافية لتقوية �سواعدهم وامل�ضي قُدما باحلفر من �أجل الكنز دون كلل. بعد �ساعات من العمل ال�شاق خاب ظن ال�شباب ،فكل الذي عرثوا عليه مطبخ حتت اخلراب واوان قدميه ال قيمة لها. ـ تب ًا هذا املكان ال يدل على وجود الكنز فلقد ق�ضينا اعمارنا يف احلفر وكان علينا ان نت�أكد من عالمات ودالالت على وجود كنز او ال يف هذا املكان. غادرنا املكان بكل هدوء وحذر ..بعد �أن غطينا احلفرة الكبرية ثم عدنا اىل بيوتنا مرهقني. بعد �أيام �سمعت بعودة ـ جرا ـ من العراق ..وذهبت على 127
الفور ال�س�أل عنها ..وما �أعظم فرحتي عندما فتحت هي الباب و�سلمت عليها با�شتياق .بعد ان انهيت الزيارة غادرت ..فج�أه ا�ستوقفني نداء جرا با�سمي احلقيقي :ريا�ض.. هي الوحيدة من تعرف ا�سمي احلقيقي ا�ضافة اىل عدنان اول �صديق يل يف ايران. ـ هذا الكا�سيت للمطرب هيثم يو�سف جلبته خ�صي�صا لك. كدت اطري من الفرح ال�ستلم �شيئا و�أمل�س جمددا يدها وهي تناولني هديتي ..ولكن بعد هذه اللحظة ب�أيام قالئل مل يبقى منا �إال الذكرى يف هذه القرية التي ق�ضينا فيها اوقات ًا رائعة. كان نزاد معجب ًا بروناك ويت�صنع �أمامنا ب�أنه يحبها ك�أخ ولكن بال جدوى ،فحديثه عنها قد ف�ضح مدى ع�شقه لها ..مل ترق يل طبيعته ،فهو كالثعلب يبحث عن م�صلحته وح�سب.. وبعد فرتة اختفت روناك من القرية ك�أنها �شيئا مل تكن هناك. مما �ساعد على بث اال�شاعات ب�أنها كانت عميلة للمخابرات االيرانية وتتمتع بنفوذ قوي يف املنطقة و�إنها على عالقة وثيقة ب�أهم رجال ال�سا�سة يف ايران .ا�شاعات مل �أحكم عليها ال بالنفي وج عنها وال بالقبول ،فلقد كانت لطيفة معي وال يهمني ما ُر ّ من ا�شاعات بعد اختفائها املفاجئ.
128
التحرك اىل بردي�س: حتولنا اىل غجر متح�رضين الآن بعد االرحتاالت املتعددة من حقل اىل �آخر ..كان اجلو قاتال ..كاجلمر يكاد يحرق اال�سفلت من ا�شعة ال�شم�س التي ال ترحم اجلماد وال الب�رش.. �سننتقل مع عدنان ونزاد وبع�ض اال�شخا�ص ممن بقوا معنا اىل بردي�س ..مدينة جديدة مت تخطيط بنائها ايام �شاه ايران وبا�رشت احلكومة االيرانية بتطبيق خطة البناء يف عام ..1999حيث ي�سكنها القليل من ال�سكان يف االبنية التي مت انهاء بنائها.. العراقيون االكراد الذين �ساهموا يف البناء انهوا اعمالهم ورجعوا اىل العراق وق�سم منهم قد غادروا اىل تركيا كبداية رحلة اىل اوروبا. و�صلنا بردي�س ففيها ا�سو�أ العراقيني االكراد او العرب او حتى الرتكمان ..عراك واحتيال تخلو من الرحمة ..مل ارحت فيها عملت مع نزاد يف ال�صباغة وكان يحتال على االيرانيني حيث اوهمهم ب�أنه ي�ستطيع �إح�ضار روح االمام علي (عليه ال�سالم) لهم وهم يف بيوتهم ..وانه ي�ستطيع ان يك�شف ال�رسقات وك�شف �سلوك الأ�شخا�ص ال�سيئني وما �شابه من ترهاته املجنونة وامل�صيبة ذوي العقول اخلفيفة ي�صدقون ،وكان له ن�صيب كبري من الهدايا املقدمة من ال�سكان .مل ترق يل طباعه.. ثم مالبث ان ذاع �صيته وبد أ� ب�إجراء عمليات التنومي املغناطي�سي 129
على �شخ�ص كردي يدعى علي و�آخر ايراين كان يف الع�رشين من عمره ..ا�ستمر احلال كذلك اىل �أن و�صل اىل بردي�س اربعة ا�شخا�ص كانوا يحتالون على ال�شباب العراقي ويدفعونهم لبيع الكلية بالتعاون من املخابرات الإيرانية ُي�ستدرجونهم للوقوع بالفخ ثم يتم ا�سكانهم يف غرفة فيها اكرث من 10افراد من ال�ضحايا والتي ت�سعهم بالكاد ..ينتظر الفرد دوره يف عملية ا�ستخراج كليته حتت موافقته بعد ان يتم اغرا�ؤه باملخدرات ويكون حتت ت�أثري املخدر اىل يوم امتام العملية ..وبعد االجناز ُيرمى ال�ضحية يف ال�شارع مع مبلغ 100دوالر وي�ستقطعون اي�ضا ما ا�ستهلكه من خمدرات وم�أكل وم�رشب .ا�سلوب قذر �شارك فيها �سه ركوت واحمد الفيلي ..كانا يجيدان عمل تركيب الزجاح وال�سرياميك وبع�ض احلرف اليدوية اي�ضا.. قدما االخريان اىل بردي�س هربا من العدالة ومن ذوي ال�ضحايا ثم ازدادا تقربا من نزاد وكانوا 4ا�شخا�ص ..يف تلك الفرتة عانت املنطقة من �رسقات ب�سبب العمال العراقيني الذين و�صلوا يف الفرتة االخرية فخطر يل ان اترك املكان مهما بلغ الثمن. هجر عدنان بردي�س ليعمل يف احد امل�صانع املحلية يف منطقة �شهريار ـ طهران ..اما انا فرتكت العمل مع نزاد يف الدهان وعملت كحداد مع احد املحتالني االيرانيني� ..سكنت 130
معنا زمرة من ع�صابة وكان علينا ان نتحمل اعباءهم ..كانوا يعتا�شون على ما نك�سبه من قوت ..مل يكن لدي خيار �آخر للعي�ش حتى اال�ستحمام كان ُحلما بالن�سبة يل ..ويف احد االيام و�صل اىل عدنان نب�أ معاناتي ورغم اننا كنا نتخا�صم يف كل االوقات اال انه جاء لكي ي�ساعدين ..تخل�صنا ب�أعجوبة ممن كانوا هناك ثم توجهنا ب�سيارة اجرة اىل منطقة �شهريار وبالتحديد ـ ا�سد اباد ـ . ال�شخ�صيات االكرث �إثاره يف امل�صنع ال�صغري هما امري خان املدير وح�سن ك�شاورزي وهو �شقيق املالك الذي عمل يف اليابان ب�أعمال م�شبوهة لكي يجمع ثورة وير�سلها اىل ايران.. العائلة ب�أكملها تنفي ما متلك وكانوا يدعون الفقر ومل يكن احد يف القرية يرغب يف ان يتعامل معهم نظرا ل�سوء اخالقهم والبخل. عملت يف هذا امل�صنع اكرث من �سنة وكانت ت�صنع فيه قطع غيار لل�سيارات ..كنت على عالقة جيدة مع عدنان �إال ان عالقتنا بد�أت تتوتر عندما ارتبطت بعالقة مع فتاة ايرانية كانت غاية يف اجلمال تدعى مرمي ..فبدا يتعقبنا كاملخرب ال�رسي بطريقة مل اتوقعها من �صديق.
131
زيارة كردستان العراق :2000
ا�شتقت ان ازور العراق قليال وبالتحديد اختي وابنها اذ مل ي�صلني اي رد على ر�سائلي التي بعثتها لها ..اخربت عدنان و�أمري خان بفكرة الزيارة فلم يمُ انع ..كوابي�س اعدامي كانت تزورين يف اوقات النوم ..م�شاهد ال تُ�صدق ولكنني كنت اعي بانها كوابي�س فقط عندما كنت افيق منها .عدنان بد أ� ي�ضايقني وغروره زاد من توتر العالقة ..نحن يف بلد الغربة وكان لزاما علينا ان نتجاوز االمور ال�سلبية ولكن دون جدوى .عدنان مل يكن مت�أكدا من ذهابي واعتقد ب�أنني �س�أخاف من تنفيذ فكرة الزيارة وتفاج�أ حلظة ذهابي. يف �صبيحة احد االيام� ..سافرت اىل مريوان االيرانية القريبة من حدود با�شماخ العراقية ..مررت ب�سالم من ل منطقة كرد�ستان ايران ..العديد من نقاط التفتي�ش التي مت أ 132
اال�شخا�ص العراقيني مت القب�ض عليهم وانزالهم من احلافلة بقيت انا فت�صنعت ب�أنني نائم وما ان حتركت احلافلة مررت بنظري على املقاعد اخلاليه من ا�صحابها ثم عدت ف�أغم�ضت عيني مبت�سما فاخلطر قد زال ..واالن �س�أ�صل كرد�ستان العراق ب�سالم وبالتحديد با�شماخ العراقية ومن ثم اىل بنجوين. لدي ثقه كبرية بنف�سي االن ..ف�أنا االن اجيد التكلم بالكردية والفار�سية بطالقه وعندي ما يكفيني من املال.. اعرت�ضني �صبي يف 18من عمره يف منطقة بنجوين العراقية وكان يحمل �سالحا ف�أت�ضح يل انه �رشطي ..تكلم معي بحده ف�سخرت منه و�أخربته ان يتحلى بالأدب فو�صل االمر اىل ال�شجار بيننا اىل �أن تدخل احد املواطنني االكراد لين�صفني.. انتهى ال�شجار و�شكرت الرجل على طيب اخالقه ثم م�ضيت يف طريقي م�ستقال �سيارة اجرة اىل ال�سليمانية. و�صلت اىل جم جمال وزرت الرجل الذي طاملا ا�ستقبلني يف بيته ـ أ� ـ فا�ستقبلتني عائلته بكل كرم �ضيافة وازدادوا فرحا عندما كلمتهم بالكردية ..اح�س�ست نف�سي �شخ�صا خمتلفا هذه املرة ..قوي لدي ثقة كاملة يف نف�سي رغم انني ال املك جواز �سفر ومالحق من قبل القانون ..حان وقت الغداء ومل يلبث كثريا حتى جاء ـ �أـ �سلم علي بحرارة غري م�صدق ر�ؤيتي.. تغدينا ثم �رشحت له ما عانيته من م�صاعب و�سجون يف ايران 133
واين االن اعمل واموري قد حت�سنت ب�شكل كبري. ـ كنت واثقا من انك �ستعود لتخربين بذلك لأنك ذكي يا ريا�ض .قالها بكل راحة. �س�ألته عن اختي فامتع�ض وجهه ثم اخربين انها يف �سجن النظام ..مل يخربين ب�أنها كانت تتلقى التعذيب امام عني ابنها.. ا�ضافة اىل اخي و�سام الذي نال ن�صيبه من ال�رضب ،اما باقي اخوتي فتخل�صوا من ال�سجن ب�أعجوبة ..ا�صدقائي كانت لهم ح�صة من ال�رضب وبع�ضهم تلقوا تهديدا بال�سجن. ام�ضيت اياما يف جم جمال مل يرق يل ما ا�سمعته ،كل �شيء حمزن ..فهاهو –�أـ مهدد بال�سجن وانه ال ي�ستطيع دخول حمافظة الت�أميم ب�سببي فقد ُك�شف امن الدوله ب�أنه �ضالع يف تهريبي اىل اجلهة املعادية اي كرد�ستان ..يف ال�ساعه 12ليال قُطع التيار الكهربائي فافرت�ش ـ ا ـ يف نف�س الغرفه التي �س�أنام فيها لكي ال يرتكني وحيدا ..خلدنا اىل النوم يف الغرفة املظلمة ثم بد�أ الكابو�س ي�رسي بخطواته ويغزو نومي ..حبل امل�شنقة يتدىل بالقرب من رقبتي و�صوت احلاكم وهو يقر�أ ا ُ حلكم: ـ حكمت املحكمه با�سم ال�شعب على اخلائن ريا�ض حممود عمران بالإعدام �شنقا حتى املوت. اقرتب احلبل من الرقبة وما ان الم�ستني ..حتى ا�ستيقظت من الكابو�س هلعا �رصخت ـ ال ـ فنه�ضت على الفور ثم 134
رك�ضت من نومي بال هوادة ال�صطدم بحائط الغرفة ..احدث ارتطامي �صوتا قويا كان كافي ًا لإيقاظ كل من يف البيت.. ام�سكني ـ �أ ـ وحاول ان ُيهد�أين من �شدة الفزع. ـ لن ابقى �س�أرحل غدا �صباحا .و�رشحت له الكابو�س ثم اخربين ـ �أـ ان الكابو�س نف�سه قد زاره. يف �صبيحة اليوم الثاين توجهت اىل ايران وكالعاده دخلت بطريقة غري �رشعية مع مهرب ومل يطل بي الوقت لأ�صل طهران ..و�صلت اىل املعمل حتت ده�شة عدنان وغيظه من هذه اجلولة ال�رسيعة اذ مل يتوقع مني ان اعود ..وبهذا توقف هو عن �رسد ق�ص�صه وانه بطل لأنه زار العراق وعاد ..مل اكن اكرث �سعادة بعودتي لأنني خلفت ورائي م�شاكل ال ي�ستهان بها.
احلب و�أ�شياء �أخرى: �شهريار مكان مليء باحلقول وجميل جدا ،ان ت�شعر ب�شيء من اال�ستقرار وان تكون وحيدا لكي تُعيد ح�سابات املا�ضي والآتي� ..ساعدت عدنان كثريا عندما غادر اىل تركيا ف�شعر باالحباط ثم رجع اىل العراق ثم اىل �شهريار ..ومل يكف عن ايذائي ،فلرمبا �سوء الفهم كان ال�سبب اال�سا�سي او كونه ي�شعر بنق�ص وهذا هو �سبب تدخله يف كل �شيء لكي يثبت �شخ�صيته ..عيبه الغرور رغم اعرتايف بذكائه يف العمل.. 135
ولكن ان يحفر ل�صاحبه مكائد خفية كانت م�صيبة اخرى ولكنه ودود مع من تربطه معهم م�صالح �شخ�صية.. ع�شت قرابة � 3سنني يف ايران منها ايام الع�سل ومنها ايام احلنظل املُرة ..اىل ان عر�ض علي احد ال�شباب االيراين يدعى حممد الزواج من اخته اكرام فوافقت على الفور .ولكنه ا�شرتط ال�سني وان �أمثل عليهم دور ال�شيعي. علي �أن اخفي مذهبي ُ كنت حينها يف 25من العمر وتلك جتربة من نوع خا�ص يف بلد غريب. امل�شاكل الطائفية يف ايران ا�شد ..يكفرون ال�سنة ولكنهم ال يعلنون عنها ويظهرون الود وال يربزون العداء ب�شكل ظاهري وبطريقة بارعة ..وما زلت اذكر املوظف احلكومي عندما يكمل اوراقك الر�سمية ي�س�ألك: ـ ماهي ديانتك؟ م�سلم (اي �شيعي) ام �سني .وهذه اال�سئلة ال�شائعة موجودة يف قائمة اال�سئله بعد اال�سم والكنية والعمر. ا�ستغربت كثريا ففي العراق المنلك مثل هذه الرتهات فال�سنة وال�شيعة مل يفرقهم يوما اي معتقد وما �أراه غريب.. ومن املفارقات التي ت�ؤكد يل كرههم لنا كالق�صة التي واجهتني مع الفتاة الفار�سية التي كنت خطبتها: تقدمت خلطبة الفتاة ـ اكرام ـ بعد ان جل�سنا ل�ساعات لنتفهم وجهات النظر واال�ستماع ل�رشوط املقابل ..ومما الاخفيه بانني 136
قد اعجبتني ،طولها و�أخالقها وذكا�ؤها وطبعا جمالها.. اخربين احد ا�صدقائي االيرانيني ب�أنهم يف فرتة اخلطوبة يقوم ال�شيخ بقراءة كلمات والعملية تُدعى ـ ال�سيغة ـ اي ان ُيحل املر�أة للرجل طيلة فرتة اخلطوبة وتكون على ذمته كما انها زوجته .والطريف باالمر ان ال�شيخ الذي ح�رض و�أمت مو�ضوع وحب�س بتهمة اللواط فالق�صة تقول: ال�سيغة كان �شاذا جن�سيا ُ
يف احدى ال�صلوات اعجبه طفل قا�رص كان ي�صلي وراءه فحاول اغت�صابه اال ان الطفل جنح يف الفرار ثم ُ�سجن ال�شيخ.. علم والد ال�شيخ بهذا االمر ثم زار ولده يف احلب�س وا�شرتط عليه ب�أنه �سيخرجه من احلب�س اذا كف االخري عن لب�س العمامة والزي اال�سالمي ..وال�ضري من لب�سها يف امل�سجد ويف وقت ال�صالة فقط ..وبعد ان وافق ابنه على �رشوط ابيه اخرجه والده بكفالة. ق�صة عجيبة ..وامل�صيبة مل جند احدا غريه يتمم علينا مو�ضوع اخلطوبة يف ذلك اليوم .بعد ا�شهر فكرت ان ابعث بر�سالة اىل ـ �أ ـ ع�ساه ُيخربين �شيئا عن اختي وابنها ..و�شاءت ال�صدفة ان ت�صل الر�سالة اىل يد زوجها الذي عاد من بريطانيا يف زيارة اىل ال�سليمانية ليتفقد احوالهم والتخطيط لتهريبهما اىل كرد�ستان العراق ليكونا ب�أمان. كنت قد كتبت رقم هاتف منزل اكرام ..وبعد �شهر جاءين 137
حممد ليخربين بان زوج اختي ات�صل من لندن ويريد ان ُيكلمني يف اقرب فر�صة ..مل ت�سعني تلك اللحظات فرتكت حممد يف املعمل لكي يت�سنى يل التحدث مع زوج اختي. حل �شقيق اكرام مكاين يف العمل ..فرحت جدا فقد غريت تلك املكاملة جمرى حياتي كلها ..فقد كنت مدفونا يف ايران بال �أمل وهذا االت�صال ب�صي�ص امل �سيفرج عني كل معاناتي. رن الهاتف ..قفزت خطيبتي بفرح لتناولني �سماعة الهاتف� ..سارعت يف تناول ال�سماعة لأ�ستغرق معه يف حديث طويل ..ثم طلب مني ان �أجلب اختي اىل ايران لكي يت�سنى لنا اكمال اوراقها و�إر�سالها اىل بريطانيا ..مل اتردد بالقبول فوافقت على الفور ثم انطلقت اىل كرد�ستان العراق بعد ايام من احلديث معه.
ال�سفر اىل ال�سليمانية: يف ذلك الوقت من عام 1999بد�أت العوائل يف ال�سفر اىل اوروبا عندها يبد�أ رب اال�رسة ب�إكمال اوراقهم من داخل البلد االوروبي املوجود فيه ل�سحب ابنائه وزوجته اىل بر الأمان ..بعث زوج اختي اوراق الدعوة اىل ايران لكي اكمل لها االجراءات بعيدا عن فخ املهربني وبذلك مت توفري مبالغ طائلة كان من الالزم �رصفها ولكن تداركنا ذلك حيث ان كل 138
�شيء متوفر لدي فال حاجه يل ل�رصف ذلك املبلغ وال حتى ان ا�ستعني مبرتجم او حتى �شخ�ص ليكمل اوراق ال�سفر لأختي.. ف�أنا اجيد اللغة واعرف طهران وكل م�سالكها و�شوارعها. و�صلت احلدود االيرانية العراقية يف الفجر ..و�إثناء حماوالتي لقطع احلدود االيرانية باجتاه با�شماخ العراقية ..القي القب�ض علي ومت اخالء �سبيلي بعد �ساعات ..هكذا يح�صل دائما مع كل من يحاول الرجوع بطريقة غري �رشعية اىل العراق. بت ليلة يف بيت احد االقرباء ثم قادين احد املعارف اىل مكان تواجد اختي ..و�صلنا اىل مكانها فطلبت من ال�شخ�ص الذي قادين اليها ان انتظر يف الباب وان يكون جميئي مفاج�أه لها ..اخربوها ب�شخ�ص يود مقابلتها ..ظهرت عليها بوادر القلق ثم ما لبثت ان ظهرت من وراء الباب ..حلظة اللقاء ب�أختي كانت حلما و�أنا اح�ضنها اح�س�ست فعال ب�أن يف تلك اللحظات ب�أنني كنت �ضائعا وها �أنا اجد اهلي بعد عناء غربة مل ترحمني ابدا. مكثت ايام ًا قليلة يف كرد�ستان العراق ..فقررت ان اعجل يف ال�سفر اىل ايران ف�أخذت اختي وابنها متوجهني اىل طهران ..كانت متلك ورقة مرور وقتية ت�سمح لها بالدخول اىل مريوان ـ حمافظة ايرانية ـ ولكن يجب ان حت�صل على امر الدخول من املحكمة وال وقت يل لكي ننتظر فا�ضطررت اىل 139
اللجوء اىل طريقة غري قانونية لكي تعرب ب�سالم اىل طهران. بعد � 24ساعة من و�صولنا وبعد جهد كبري والتعب الذي عانيناه يف احلدود االيرانية العراقية و�صلنا اىل طهران.. ا�ستقبلتني خطيبتي و�أهلها بفرح كبري يف احتفال متوا�ضع كتعبري عن مدى �رسورهم بو�صول اختي �ساملة ..رجعت اىل مكان عملي يف املعمل لأبا�رش العمل من جديد ..جاء ايل احد االكراد العراقيني ويدعى ـ �سوران ـ وبد�أ ب�رسد مقدمة عن حياته العملية ،و�أخربين اي�ضا انه على عالقة مع ابن �شقيقة خامنئي املر�شد االعلى يف ايران وحاول ان يقنعني بانه قادر على اكمال اعمال اجلالية العراقية يف ايران مهما كانت االوراق معقدة ..ف�أجبته مبت�سما ب�أنني ال اقل عنه يف الرتجمة و�أنني قادر على انهاء االوراق بنف�سي ..مل يلق االخري هذه االجابة برحابة �صدر وبد�أ ي�سخر من قدراتي الجناز اعمايل بنف�سي ثم تركته وم�شيت دون اال�صغاء اىل ن�صائحه. ابد�أ العمل ال�ساعه 6ع�رصا وانهيه � 6صباحا ..املعمل توقف عن العمل والعمال غادروا ا�ستنكارا على �سيا�سة امري مدير االدارة ..ا�ضافة اىل ان املعمل مل ُيخل�ص يف العمل لأنه يعتمد على الغ�ش يف ت�صنيع مواده. ترك اجلميع العمل ..با�ستثناء انا و�أمري ..كنت ا�ستعني يف حرا�سة املعمل بثالثة كالب غالية الثمن .كنت انهي عملي 140
ال�ساد�سة �صباحا وبعدها اتوجه اىل منزل خطيبتي حيث اقامة اختي ونتوجه اىل طهران التي تبعد عنا حواىل ن�صف �ساعة لإمتام اوراق اختي ..وا�ستمرت على هذا املنوال قرابة ثالثة �شهور ..مل مت�ض على خري ،فقد واجهت اختي خطر الرتحيل اىل العراق ..ومل يروق ملدير الهجرة ان ُي�سهل امورها لل�سفر.. حتى االمم املتحدة املوجودة هناك عجزت عن م�ساعدة اختي ويف احدى املرات طردنا �ضابط اجلوازات من مكتبه ورمى �أوراق �سفرها علينا ثم اجربنا على قبول االمر الواقع بت�سفري اختي اىل حيث اتت ..يف �صالة االنتظار احد العراقيني اخذه الف�ضول يف معرفة ما يجري ف�أخربته مبا ح�صل وعلى الفور انقذين بفكرة ان ا�شتكي عند املدير العام للقانونية فهو رجل طيب ال يرد مظلوم وبالفعل نفذت الفكرة. دخلت عليه ا�شتكي من اجلور والإهانة التي تلقيتها على يد �ضابط اجلوازات� ..رشحت له الق�ضية وكيف طردنا ال�ضابط وان حياة اختي وابنها يف خطر لو مت ت�سفريها وكل ما هي بحاجه اليه تي�سري امور �سفرها وهذا ال�شيء الذي بات م�ستحيال الآن.. ات�صل مدير القانونية بال�ضابط و� ّأنبه بكلمات قا�سية كانت كافية ان تطفئ نار الغ�ضب التي بداخلنا واكتفيت بال�شكر للمدير ..وكل ماعلينا ان نح�صل على موافقة من املحكمه 141
التي �ست�سمح الختي بالبقاء يف ايران لإكمال اوراقها. انتهت املحكمة بتغرمي اختي 3دوالرات ليت�سنى لها ال�سفر القانوين ..يف دائرة اجلوازات طلبوا منها كفيال قانونيا.. اخرجت اوراق اقامتي فتكفلتها وبذلك طوينا اطول �صفحة من معاناة اختي يف ايران. وقبل ال�سفر كانت �صالة اختي ال�سنية كفيلة ان تفتح لنا م�شكلة من نوع طائفي �آخر وك�شفت كذبتي التي كنت قد ادعيت ب�أنني �شيعي ،فهم قد راقبوا �صالة اختي وك�شفوها ب�سهولة .وكالعادة يف مثل كل يوم بعد العمل توجهت اىل بيت اكرام ..مل ي�رسين ما ر�أيت ..اختي وابنها جال�سان يف ف�سحة الدار يبدو على وجههما احلزن واخلوف معا.. وخطيبتي خرجت لتوها من امل�ست�شفى ب�سبب �سماع اخبار ال�سنية ..وهي راقدة مغ�شية عليها ويف يدها قد ثبت حقيقتي ُ انبوب املغذي ..مل يرق يل املنظر لأنني اعلم ما �سينتظرين من متاعب وعلي اال�ستعداد واملواجهة بكل حكمة وبال غ�ضب.
الت�شيُع:
وعلي الت�شيع ..هكذا طلبوا مني ..مل اذن الأمر انك�شف ّ اكن اعري اهتماما لأمر الت�شيع فكل ما يهمني اختي ..انا مل ارتد عن ديني بل ال�شيعي كال�سني وال فرق بينهم عندنا يف 142
العراق ،فاالثنان ي�ؤمنان باهلل و�أما بقية الفوارق فهي مرتبطة بثقافة حاملها� ..إال ان املتطرفني بنوا هذه التفرقه بعد ..2003 عملية الت�شيع يف ايران هي كالآتي االغت�سال ثالث مرات.. الر�أ�س واجلانب االمين والأي�رس ..و�آخرها نطق ال�شهادتني وب�أن عليا ويل اهلل. مل ارف�ض ..بل رف�ضت �أن انفذ مطلبهم املجنون مما �أثار غ�ضبي ..وهو ان �أُخنت وهذا االمر م�ستحيل ..فكيف �س�أخنت مرتني؟ حاولت ان اقنعهم مرات وان اكتبها يف قامو�س ادمغتهم ولكن بال جدوى ..والعجيب انهم اكدوا يل ان ال�سني لي�س مب�سلم بل وال يعرتف ب�أمور اال�سالم ..اما والدها العجوز فقد ك�شف يل عن فكرته امل�أ�ساوية وذلك ان لكل �سني ذيل ق�صري كعقوبة من اهلل على ع�صيانهم لهُ ..جننت من اقوالهم وهممت بنزع �رسوايل فمنعوين من ذلك ..مل تكن تلك احلالة لأ�صل اليها لوال عناد اختي ف�أنا يف و�ضع �صعب فعال ...ولكن يف النهاية ر�ضخت لأمور الت�شيع كونها ال ت�رض وال تنفع ..اما مو�ضوع اخلتان فبمعجزة ربانية اقنعتهم ب�أننا يف العراق نختلف متاما عن ما در�سوه يف كتبهم عنا من اكاذيب �صفوية. بعد � 3شهور اكملت اوراق �سفر اختي وحان موعد �سفرها ..التذاكر �أالن جاهزة وهي االن يف لندن بعد خم�س 143
�ساعات رحلة من طهران اىل لندن ..لقد وعدتني اختي ب�أن تنقذين وها انا االن ا�ستعد للمغادرة ولكن التحلي بال�صرب مهم ..فالإجراءات لي�ست �سهلة ..اما عن ا�سمي اجلديد فانا ا�سمي االن ال ُع َمري ا�سو ًة ب�سيدنا عمر ..ولكن �أ�رسة خطيبتي لقبوين بهذا اللقب النني كنت اكره ان اكل بع�ض انواع �أطعمتهم ..ويف كتبهم روايات �رضب علي عليه ال�سالم لعمر ب�سبب كره االخري ان ي�أكل من االطعمة التي يختارها علي له وحا�شا ان يكون االمر كذلك ،فكالهما من احباب الر�سول ـ عليه ال�صالة وال�سالم ـ . اليوم �صباحا وكل القنوات التلفازية نقلت حدثا مفاده ان طائرة اخرتقت املركز التجاري االمريكي ..والإيرانيون فرحون ـ احداث �سبتمرب امل�ش�ؤومة ـ ..اخربين حممد ـ اخوها ـ ب�أن امريكا قد انتهى �أمرها و�إنني �س�أكون اكرث راحة من اختي املتواجدة يف اوروبا ..تظاهرت بقبول ر�أيه ورحبت كثريا به فقلت له ان ايران اعظم مكان ي�سكنه االن�سان و�إنني لن اتركه �رسه كالمي جدا ثم عاد ادراجه اىل البيت بعد حتى �أدفن فيهّ .. ان ترك يل ال�صحيفه التي ن�رشت اخلرب. ح�رض�صديق قدمي يل من كرد�ستان العراق من منطقة حلبجة التي ق�صفها �صدام بال�سالح الكيميائي �سنة 1988وكان والده احد �ضحايا الق�صف ورغم ذلك ففرج كان ُيدافع عن 144
�صدام ب�شدة رغم انه كردي .ا�سكنته معي ثم اخربته بان يجد يل مهربا يثق به لي�ساعدين على الهروب اىل تركيا ..وعدين فرج ب�أنه �سيتكفل باالمر ثم وجد عمال كحداد يف منطقة قريبة من ا�سد اباد الواقعة �ضمن خريطة �شهريار ..اقنعت اكرام ب�أن علي ان اجلب كل م�ستم�سكاتي من العراق للتطوع يف احدى م�ؤ�س�سات الدولة ويف نف�س الوقت اتفقت مع فرج يف ان يقبلني �ضيفا م�ؤقتا عنده يف املحل ..وافق �صاحب املحل االيراين املُغرم باملخدرات ب�أن اق�ضي انا وابن اخت فرج املدعو ف�ؤاد ك�ضيفني يف املحل اىل ان يحني موعد جميء املهرب من تركيا.
الهروب اىل تركيا: مل تكن فكرة الهروب �سهلة كما كنت اعتقد ..فكل �شيء ا�صبح خميفا مبجرد ان اختب�أت يف املكان الذي يعمل فيه فرج.. قبل ان اختبئ بعت اغرا�ض البيت اىل احد اال�شخا�ص ومن ثم �سلمت مفتاح البيت اىل اكرام و�أخربتها ان ال تدخل لتنظيف البيت اال بعد 3ايام ..وبعد انق�ضاء الأيام الثالثة دخلوا اىل البيت ليتفاج�أوا بان البيت فارغ وال يوجد اي اثار للأثاث وال اي م�ؤ�رش لرجوعي� ..أما زوج اختها الذي يعمل يف حزب اهلل ك�ضابط مهم فقد كتب عن تقريراً يفيد ب�أنني جا�سو�س 145
وبحوزتي ا�سلحه و�صور ..و�سبب هذا التقرير لأنني قد دفعته لدفع مبلغ التامني ل�صاحب الدار الذي ا�سكنه مقداره اكرث من 300دوالر انذاك ..وهو �شخ�ص معروف ببخله. كنت مع فرج ومل يخطر ببال احد منا ان ُيك�شف عن مكان وجودنا ..فهو ما �أن وجد العمل حتى اختفى عن انظار النا�س ولكنه خب�أين يف مكان عمله لكي ي�ضمن جناتي منهم ا�ضافة اىل ذلك فان املهرب يف الطريق اىل ايران. يف �صبيحة احد االيام ا�ستيقظت من نومي وكان فرج يعمل ب�شكل عادي يف اعداد بع�ض ال�شبابيك ..ومل اجد ماء لغ�سل الوجه ..غ�ضبت ثم ار�شدين فرج اىل معمل املوزييك الذي ال يبعد عنا �سوى مئات االمتار جللب املاء .حاول ف�ؤاد ان يقوم بذلك فمنعته و�أخربته ب�أنني �س�أذهب بدال عنه ..وافق ف�ؤاد ثم �أخذت الدلو جللب املاء ..وما ان و�صلت اىل حنفية املاء دنوت بر�أ�سي حتت املاء البارد للتخل�ص من حرارة اجلو ..مل يطل ا�ستمتاعي بربودة املاء ف�صوت ف�ؤاد قطع علي ا�ستجمامي.. مل يكن ك�أي �صوت ،فقد كان ممزوجا بالرعب والقلق معا.. ف�ؤاد يرك�ض نحوي وتكاد انفا�سه تنقطع من اجلري: ـ جئت احذرك من والد خطيبتك فقد ك�شف مكاننا. رفعت ر�أ�سي متفاجئا باخلرب ثم �صحت به: ـ كيف؟ 146
ـ ال �أعلم ..ما ان خرجت انت حتى نزل هو من �سيارة االجرة و�صاح بخايل و�أخريا وجدتك يا فرج. ـ وكيف علم باملكان؟ ـ واهلل ال اعلم ولكنه جال�س مع خايل االن يف مكتب الدكان ..يتحدثان بكل جدية عنك واخربنا ب�أنه مت رفع تقرير عليك يف املخابرات االيرانية ..وقد �أمهلك 10ايام لكي تُ�سلم نف�سك او ان يقب�ض علينا. ـ جمنون ـ متتمت ثم با�رشت بالقول :ح�سنا �سنذهب خل�سة اىل املحل اعطني بنطايل وقمي�صي و�س�أتوجه اىل طهران و�أعود يف وقت الغروب. كنت ا�سمع تهديده وهو يتكلم بكل �رصامة ..عجوز عمره فوق ال 70اال انه يدرك االمور وله فرا�سة غري عادية يف معرفة اال�شخا�ص ولكنه كتوم ..اعتربته االن حتدي ًا بيني وبني املخابرات االيرانية ..اما ان مي�سكوا بي وهذه املرة �س�أكون قد انتهيت ،واما ان اك�سب التحدي واكون قد قطعت �شوطا كبريا من حياتي الجنو بجلدي فانا االن ُمطارد من قبل عنا�رص �صدام االمنية وعنا�رص الأمن االيرانية. توجهت اىل طهران ..وبت على هذا املنوال مدة ا�سبوعني.. ويف احد االيام انهكني التعب وغلبني النوم وكنا نحن الثالثة 147
نائمني يف الدكان ..اىل ان �سمعنا �صوتا يحاول فتح الدكان ولكنه توقف وك�أنه رجع عن فكرة فتحه ثم ا�ستدار وم�شى. بعد ايام عاد فرج من بيت والد اكرام واكد ان القادم كان اخوها حممد حيث اراد فتح الدكان ولكنه ظن ان ال احد ثم غادر. بعد انتظار ع�سري عاد املهرب من تركيا ..جاء الينا وحتدثت معه ب�ش�أن فكرة ذهابي اىل تركيا ..اخذين اىل بيته لأق�ضي فرتة ق�صرية حلني اكتمال املجموعة من اال�شخا�ص وبعدها �سنبا�رش امل�سري اىل تركيا. احول حان وقت الدفع ..ولكن امل�شكلة انني احتاج الن ّ املال اىل نقد ..اح�رض املهرب �شخ�صا من اكراد العراق غني ًا جدا وتعهد بتحويل ال�شيك اىل نقد ..اعطيته ال�شيك وبعد يوم اتاين يولول وليقول مبكر ظاهر :احلمدهلل ان موظف امل�رصف قد اخذ ال�شيك منه بحجة انها مزور ..قمت من مكاين ثم م�سكته من خناقه فقلت له: ـ فرج اخربكم ب�أنني مطلوب للمخابرات ولكنه ن�سي ان يقول ب�أنني ال �أرحم من ي�رسقني. هممت ب�رضبه فقام اجللو�س ُليخل�صا بيننا ثم قذفته ب�أقذع ال�سباب. ـ كال ارجوك ف�أنا رجل كبري وال احتاج ملالك. 148
ـ �أذن اعد ال�صك و�إال لقيت مني ما ال ي�رسك وهذا وعد.. �س�أمنحك اليوم فقط وغدا ال�صك �سيكون يف يدي. عار�ضني اجلميع على طريقة ت�رصيف معه ..ثم قلت لهم: ـ ال تتدخلوا و�إال �ستلقون مني ما ال ي�رسكم ابدا.. يف اليوم التايل �أعاد ال�صك ف�أخذه املهرب لي�رصفه مبعرفته ثم اتفقنا على يوم ال�سفر. كانت مباراة املنتخب العراقي والإيراين قد انتهى بفوز ايران والتي �صادفت نف�س اليوم ال�سفر ..حزنت و�أدمعت عيناي ولكن لي�س من فائدة تُذكر ،فالتجاهل اروع حل يف مثل هذه االمور على االقل االن ..كنت جال�سا يف احلافلة املتوجهة اىل تربيز لكي نبد�أ يف جتاوز احلدود االيرانية اىل تركيا.
اىل تركيا: عبارة تنقل املدنيني اىل اجلهة و�صلنا اىل تربيز ..هناك ّ الثانية ..تقطع البحر باجتاه اروميه و�سكان تلك املنطقه هم من اتراك ايران ..ت�أخذك املناظر اخلالبة والطبيعة التي انعم بها اهلل على هذه االر�ض اىل عامل اخليال ،فللبحر كلمات تعرب عنها من العباره مينة وي�رسه .و�صلنا خالل �أمواجها ال�ساكنه التي حترك ّ اىل بيت املهرب االيراين ثم وا�صلنا يف اليوم التايل ال�سفر اىل 149
احدى القرى اجلبلية االيرانية ..وب�رسعة كبريه كانت تقطعها ال�سفح ال�سيارة نوع بيك اب عرب التواءات اجلبال وقادتنا اىل ُ املخيف� ..شيء خرايف فقد ظننا اننا �سوف نقع ا�سفل القاع لو اخط أ� ال�سائق �سريه ..غطت الرمال ر�ؤو�سنا مل نع ما حدث لقد دخنا من هول القيادة اىل ان بلغنا القمة يف نقطة معينة حيث بيوت القرويني املقيمني هناك ..نزلنا وكان علينا امل�شي اياما لنقطع طريق اجلبال والتالل ون�صل اىل اماكن مل ي�سبق يل ان ر�أيت مثلها حياة بدائية النا�س يعي�شون بال كهرباء او خدمات اخرى .انهم مهربون يتعاونون مع حزب العمال الكرد�ستاين. ويقدمون لهم الطعام وامل�سكن ..وي�ساعدون عنا�رص حزب العمال يف جمع تربعات جربية من اال�شخا�ص امثالنا حتت تهديد ال�سالح ..ويف اوقات اخرى تكون اجلماعات من اتباعهم ..هذه املنطقة مليئة ب�أكراد يدعونهم ـ ال�شكاك ـ يحملون الهويتني االيرانية والرتكية. ندفع او منوت؟ طبعا ندفع ..ـ يقول االغلب ممن ي�أتون يف �ضيافة ه�ؤالء الل�صو�ص ـ . دفعت بع�ض املال لكي ا�ست�أجر ح�صانا قويا ي�ساعدين يف عبور املرتفعات والطرق ال�صعبة ..رغم انني مل اجرب الفرو�سية ..ولكن لوعورة املكان ا�ضطررت �أن ا�ستعني باحل�صان ..كنت احاول جتنب التعب ..وان اعمل جاهدا 150
على �ضبط النف�س يف هكذا مراحل .حان موعد ال�سفر.. جلبوا يل ح�صان ًا عمالق ًا امتطيته ب�صعوبة ..ظننت انني امتطي ناطحة �سحاب لعلوه و�ضخامته ..ثم انطلقنا. وما هي �إال دقائق من انطالقنا حتى ملحنا �ضوء �سيارة دوريه قادمة من بعيد ..ما ان اطلق املهربون التحذير حتى ذاب اجلميع من املكان ..حاولت ان ا�رضب احل�صان لريك�ض ولكن حظي العاثر مل ينجدين ..فدخل اال�سالك ال�شائكة على احلدود ورف�ض ان يتحرك.. غ�ضب املهرب ثم انزلني بقوة ..وما هي �إال دقائق حتى اخرج احل�صان من اال�سالك ..يف حني ان �سيارة الدورية كانت على و�شك الو�صول ولكن حتى تلك االثناء كان احل�صان واملهرب قد اختفيا وك�أن �ساحرا اخفاهما بلمح الب�رص .ظللت وحدي اهيم وابحث عن الباقني اىل ان �سمعت �صوت ف�ؤاد ي�صيح بي ب�صوت خافت: ـ ريا�ض تعال اىل هنا ب�رسعة على اليمني. وجدتهم خمتبئني بني ال�صخور اىل ان م�ضت الدورية االيرانية ب�سالم ..اخذت ف�ؤاد لنمتطي احل�صان معا ثم وا�صلنا امل�سري اكرث من � 4ساعات ..و�صلنا اىل احلدود الرتكية ثم ُ�سحبت منا الدواب لنكمل امل�سري �سريا على االقدام.
كان املهرب يحمل م�شتقات نفطية ليبيعها على احلدود 151
الرتكية على ظهر البغال ثم افرتق عنا ليرتكنا مع املهرب البديل ..وظللنا من�شي مع املهرب الآخر ..فو�صلنا مقر اجلي�ش الرتكي ..وكانت اال�ضواء تتحرك ميينا ثم ي�سارا لك�شف املت�سللني ..كل ما علينا ان نفعله االن ان ن�سري خلف اجتاه ال�ضوء وب�رسعة قبل ان تنتهي دورته ونكون بذلك قد تخل�صنا من ذلك اخلطر وقد يك�شفنا نور الربوجكتور فيما لو ت�أخرنا باملرور. �أهلكنا التعب ..و�صلنا اىل اول قرية تركية تدعى ـ بابل�سان ـ ..نزلنا يف بيت �شخ�ص كردي ،تع�شينا ثم مننا يف زريبة ابقار ومل يكن طعامنا �سوى الطماطم واخلبز الرتكي .احد املهربني قال ان الطريق بعيدة و�سوف يخت�رصها ب�إح�ضاره �شاحنة وكل �شخ�ص يجب ان يدفع خم�سني دوالرا �أ�ضافية .ولول ف�ؤاد كثريا ثم ترجاين ب�أن ادفع له املبلغ ..وتعهد بكلمة �رشف ب�أن ُيرجع ايل املبلغ فور و�صولنا اىل ا�سطنبول ثم حلف باهلل وبقي للحظة ..دفعت عنه املبلغ ثم انطلقنا رغم انه مل يعجبني تنازله غري املنا�سب له كرجل وانطلقنا بال�شاحنة وكان املهربون يدعوننا ب�أ�شنع االلقاب عالوة على كلمة عراقي كلب ومل يكونوا مييزون عربيا او كرديا .وقفت ال�شاحنة وبد�أ املهربون انزالنا ق�رسا ا�ضافة اىل ال�شتم وال�رضب وك�أننا قطيع اغنام. م�شينا ا�سابيع ..ننام يف العراء ون�رشب املاء العكر وبع�ضنا 152
ي�أكل احل�شي�ش من اجلوع ..وما كانت فكرة ال�شاحنة �إال لعبه رخي�صة منهم. وا�صلنا امل�سري ال�صعب ..وكلنا امل يف النوم ولو لن�صف �ساعة ..اما انا فقد اح�س�ست ان قدمي لي�ستا يل ..اىل ان و�صل بنا املطاف اىل قرية قريبة من وان ..اخربنا املهرب اننا �سننام يف بيت احد اال�شخا�ص ..ولكن ياللهول ..املكان مليء بالأكراد وال مكان للجلو�س يف تلك الغرفة الكريهة الرائحة. تركنا املهرب قائال انه �سوف يعود بعد �ساعات ..ولكنه ت�أخر ايام ًا ..الحظت وجود مهرب اخر ُيدعى �شريكو طبعا الي�رسى ولكنه يتنقل كالغزال بعكازتيه يف كردي ..فقد قدمه ُ االدغال واجلبال وك�أنه مي�شي على قدمني .اقرتبت منه و�أخربته ان ي�أخذين معه اىل ا�سطنبول ..طلب مني اخذ موافقة املهرب امل�س�ؤول عني اوال ..ف�أجبته ب�أنه اختفى منذ ايام ..ثم طلب مني �شريكو ان اقدم �ضمانات بدفع املبلغ فيما لو و�صلت تركيا ب�سالم .اعطيته رقم هاتف زوج اختي وكان مغلقا ..اجهدين االت�صال به وكل مرة كنت احاول اقناع املهرب ب�أن يرتيث وي�صدقني ..فقال يل: ـ تعذرين زوج اختك هاتفه مغلق وال ا�ستطيع �أن �آخذك معي اخي املحرتم. هممت ب�إقناعه و�أخربته بان زوج اختي �سيجيبه الحقا 153
لو ترك له ر�سالة �صوتيه ..فكر قليال ـ �شريكو ـ ثم وافق على ان ارافقه يف املغامرة .ا�ستودعت رفاقي و�أكدت لف�ؤاد ب�أنني �س�آخذ الدين منه لو و�صلنا ا�سطنبول وعدين االخري ب�أنه �سوف يفي بوعده فاخلم�سون دوالر هو ربع م�رصفه اليومي وال داعي لأن �أقلق ..ا�شاد مبوقفي معه وو�صفني برجل املواقف ال�صعبة وانه �سيعيد املبلغ م�ضاعف ًا يل ..قلت له ب�أن ُيعيد يل فقط اخلم�سني دوالر وال اريد غري ذلك ..هز ر�أ�سه موافقا ثم انف�صلت عن جمموعتي الن�ضم اىل جمموعة �شريكو. �أح�رض �شريكو �شاحنة كبرية ..لتقلنا اىل نقطة معينة ومن ثم نقطع اجلبل اىل ـ وان ـ م�شيا .مل يكن هناك اي عربي بينهم �سواي ولهذا عانيت من �ضو�ضائهم كثريا ..بع�ضهم احبني وبع�ضهم مل يرق له ان ا�صاحبه يف رحلته ..وما ان �أ�صبحنا قريبني من اجلبال حتى ع�سكرنا يف قرية مهجورة ثم اقرتح علينا �شريكو ان ننام النهار ونبا�رش امل�سري عرب اجلبال ليال.. لكي ال نكون هدفا للطائرات املقاتله الرتكية ومن ثم نكون حلوما م�شوية قبل ان نبلغ ا�سطنبول ..كما حدث للكثري من اال�شخا�ص. مننا يف القرية املهجورة ..فقط هياكل البيوت كانت قائمة وبع�ض اجلدران� ..أما يف البناية التي مننا بداخلها ففيها بع�ض ال�سالمل التي تربط الطابق ال�سفلي بالأعلى الذي يتكون 154
من جدار واحد ،و�أما االماكن الباقية منها فهي جمردة من اجلدران ..تغطينا ب�أكيا�س بي�ضاء طويلة لنقي انف�سنا من رماد النار التي اوقدها البع�ض لتدفئنا لهيبها ..وما ان �صحينا �صباحا حتى وجدنا ان ال�سماء تثلج رغم اننا كنا يف ال�شهر العا�رش من ال�سنة وكان رماد احلطب قد غطى الر�ؤو�س بكرثة. توقف الثلج عن الت�ساقط ثم ا�رشقت ال�شم�س وتوجهنا اىل التل لن�ستلقي حتت ا�شعة ال�شم�س بعد ان اح�رضوا لنا الوجبة الذهبية ..لكل �شخ�ص طماطم وخبز وب 10دوالرات؟. كانت اجلبال حتيط بنا من كل �صوب ..ولكن هناك جبال غطاها ال�سحاب وكنت ات�ساءل و�أنا م�ستلق على ظهري من �سي�صعد هذا املرتفع العايل؟ قطعت تفكريي وت�أملي ا�صوات مل تكن غريبة علي ..الكل نائم وال احد قد ايقظه �صوت املروحيات ..نعم انه �صوت مروحيات مقاتلة �ست�شوينا قنابلهم ان مل نختفي عن انظارها ..نه�ضت على الفور ثم �صحت ب�أعلى �صوتي: ـ ا�ستيقظوا مروحيات تركية �ستهاجمنا اختبئوا. نه�ض اجلميع ثم نزلوا كالوعل اجلبلي من �أعلى التل اىل اال�سفل لنختبئ خلف اعمدة البيوت املهجورة .املروحيات حل�سن احلظ توجهت ب�شكل م�ستقيم لتختفي وراء اجلبال املحاذية ومل تتجه نحونا ..وهكذا جنونا ب�أعجوبة ر ّبانية. 155
جاء عدد من املهربني من اكراد تركيا ثم اخذوا على عاتقهم مهمة اي�صالنا اىل وان ..ان�ضم �شريكو الينا وبهذا انتهت �صالحيته لقيادة املجموعة فهو االن حتت ت�رصف اكراد تركيا اي�ضا ولكنه يبقى هو امل�س�ؤول عنا ..ويف حال حدوث �شجار او اي م�شكلة اخرى فعليه ان يهدئ االمور� ..صعدنا اجلبل الذي كان دائما يف دائرة خميلتي ومركز اهتمامي ..فها انا و�شريكو واملجموعة ن�صعد القمة �ساعات و�ساعات ..انظر اىل ا�سفل القمة ومل ارى �سوى الوديان التى حتولت اىل خطوط وك�أنني انظر اليها من خالل نافذة طائرة. ت�شاجر االكراد فيما بينهم يف اعلى القمهة ..وو�صلت اىل حد ال�سكاكني ..يا للغباء نحن االن اهداف �سهلة للطائرات وبني ال�سحب التي حتيط بهذا اجلبل العمالق ،فماذا �سيكون موقفنا االن؟ ..انتهى العراك بعد وقت ق�صري بف�ضل �شريكو ثم وا�صلنا امل�سري ا�سبوعني وبعدها اقلتنا �سيارتان كبريتان من نوع دومل�ش اي ـ فان ـ اىل منطقة قريبة من ـ وان ـ الرتكية ..دخلنا اىل زريبة االبقار وافرت�شناها ثم راح كل منا يغت�سل وبع�ضهم �صلى حتى حل الليل ومننا. كنت اغط يف نوم عميق بعد ال�ساعة الثانية �صباح ًا حتى ايقظني �ضوء م�صباح يدوي ودوي �صوت ذبذبات �أجهزة الال�سلكي التي ي�ستعملها ال�رشطة للتحدث بينهم ..مل ا�ستطع 156
ان اركز على ال�شخ�صني اللذين �سلطا ال�ضوء على عيني ولكنهما ركزا على حقيبة �سوداء �صغرية فوق ر�أ�سي ،ادارا امل�صباح اىل حقيبتي ..كنت ا�ضع فيها امل�شط ومثبت ال�شعر وفر�شاة ا�سناين ..ت�صورا انني ا�ضع فيها املال ف�أخذ احدهما ب�رسعة وجنون يحاول فتحها ومل ي�ستطع ..ثم حدثني بالرتكية ان افتح الرمز ..تناولت احلقيبة ثم فتحتها له وناولته اياها بهدوء ..فت�ش داخلها و�أخرج حمتواها ثم رمى احلقيبة على وجهي ..علمت انهم من االمن الرتكي املدين ..توجهوا اىل االخرين ثم امروهم ب�أن يقفوا بانتظام ليتم تفتي�شهم وكانوا اربعة عنا�رص يحملون ال�سالح اخلفيف .من كان ميلك املال فقد خ�رسه ومن كان بارعا يف اخفاء م�صاريفه من الدوالرات فقد ظفر .امرونا ان ندير ظهورنا اىل حائط الزريبة وغادروا خل�سة دون ان نراهم وبعد دقائق من مغادرتهم ايقنا انهم قد ذهبوا ثم ادار كل واحد منا ر�أ�سه اىل اخللف لنجد ان الزريبة قد خلت منهم فان�سحاب ال�رشطه كان �صامتا ..كنا نح�سب ب�أن امرنا قد ُح�سم ولكنها ات�ضحت ب�أنها خطة مري�ضة نفذتها ال�رشطة مع �صاحب املكان ل�رسقة اموالنا. يف اليوم التايل جاء �شريكو املهرب و�أكد لنا تعاون �صاحب املكان مع ال�رشطة ..ثم اخربنا ب�أنه �سيح�رض �سيارات خا�صة لينقلنا اىل ا�سطنبول حفظا ل�سالمتنا وان علينا ان نغادر ب�أ�رسع 157
وقت ممكن ..احدنا كانوا يدعونه �شيخ وكان ي�ؤم �صالة اجلماعة ..يغ�ضب ب�رسعة ومل �أر فيه روح االن�سانية ..انتظر دوره مع االخرين لي�صعد ال�سيارة املخ�ص�صة ويذهب ..كان قلقا بل رف�ض �أن ي�ؤم بامل�صلني حينها و�أخربهم ب�أن ي�صلوا بدونه� .صلى اجلميع وعندها جاء �شريكو م�رسعا ف�أخرب اجلميع بان العمليه قد ف�شلت وال�سيارات رجعت ..ازداد غ�ضب هذا ال�شيخ ال�شاب ثم عاد ادراجه ُلي�صلي. مدينة ـ وان ـ هي مدينة كبرية توجد فيها االمم املتحدة ولهذا فان اغلب الفارين من بالدهم ومن ال ت�ساعده االمكانية املاديه يلجئون اىل مدينة ـ وان ـ لنيل احلماية من االمم املتحدة.. ولكن الدوريات تفرت�سهم حال اقتنا�صها الفر�صة املنا�سبة .كنا يف حال ال ُيح�سد عليه حتى اخربنا �شريكو ان هناك �سيارة �ست�أخذنا اىل �ساحل البحر ومن هناك �سن�ستقل مراكب �صغرية اىل اجلهة الثانية من ال�شاطئ ومن ثم �سوف تنتظرنا �شاحنتان لتقالنا اىل ا�سطنبول ب�سالم. وفعال مت تنفيذ املخطط وو�صلنا اىل ال�شاطئ ..ثم نقلتنا املراكب اىل اجلهة الثانية ..كان اجلو خميف ًا جدا وتالطم االمواج يرفع املركب ثم ينزله بقوة على موجها الغا�ضب حتى اعتقدنا ب�أن موتنا قد اقرتب .و�صلنا ال�ضفة االخرى رك�ضا بال توقف حتى �صعدنا تلة �صغرية تطل على �شارع ترابي حيث تنتظرنا 158
�شاحنتان ..تدافع اجلميع نحوهما ك�أنه يوم احل�رش ..امتلأت ال�شاحنة وتلقت امرا بال�سري ..كان ق�سم من اال�شخا�ص ملت�صقني مب�ؤخرة ال�شاحنة ولكنهم �رسعان ما وقعوا منها دون ان يلتفت احد اليهم او ينجدهم ..اقرتبت ال�شاحنة الثانية رميت بثقلي لأدخلها ثم ارمتى علي االخرون حماولني الت�شبت بال�شاحنة واالحلقاق بالركب ..مل نكن ن�ستطيع رفع ر�ؤو�سنا اىل اعلى ..الن املهربني ق�سموا عربة ال�شاحنة اىل ن�صفني.. الن�صف العلوي كد�ست فيه مواد منزلية قدمية لتمويه ال�رشطه، اما ا�سفلها فكان خمب أ� لنا حيث يف�صلنا �سقف خ�شبي. اماكننا �ضيقة جدا اما التبول فهو يف قنينة ماء نتداولها بيننا وقد ملئت بالبول من قبل ا�شخا�ص اخرين ..كان بجانبي �شخ�ص كردي يجيد العربية ناولته القنينة وكدنا نح�س بحرارتها ..اخذ القنينة وحاول التبول فيها فلم ي�ستطع رغم حاجته املا�سة لق�ضاء حاجته .ارجعها ايل وقال يل �أن حالته النف�سيه م�ضطربة وال ي�ستطيع التبول� 3 .أيام يف الطريق نزلنا مرتني ..يخبئوننا يف الزريبة كاملوا�شي بالإ�ضافة اىل ال�سب وال�شتم من قبل اكراد تركيا ـ املهربون ـ .. كلنا نت�ساءل متى �سن�صل؟ نعد ال�ساعات وال تنتهي اوقاتها.. ثم �أخريا و�صلنا اىل ا�سطنبول مدينة الفن والدين التي مات الكثريون من اجل الو�صول اليها ومل ُيعرث على جثثهم. 159
�أ�سطنبول مدينة االحالم: و�صلنا اىل منطقة حملة غازي التي اغلب �سكانها من الغجر والأكراد الكرماجن� ..أما ال�رشطه فهم مع اتفاق تام مع املهربني ب�إيواء اال�شخا�ص غري القانونيني هناك يف بيوت تُعد ملثل هذه االغرا�ض. �أيدن �شهرزوري من كبار املهربني �آنذاك ..ذاع �صيته ثم تدنت �شعبيته بعد ..2003جاء ليتفقد احوال املوجودين.. دفعت ما علي من ديون وخرجت من املنزل املزدحم باال�شخا�ص ..كان يل �صديق هناك �ساعدين قليال ثم �أو�صاين بالعمل يف معمل احد اكراد تركيا ،ومل يكن ي�شجعني ان اقيم يف منزل احد اال�شخا�ص الذي يدعى ـ نوزاد ـ وادعى بنف�س الوقت بانه �صديق حميم لأخي وزوج اختي لكي ي�سهل عملية ا�ستغاليل ماديا. تركيا جميلة حتى ار�صفتها وموانئها التي تطل على مناظر عجيبة تنقلك اىل عامل رومان�سي خمتلف .ا�ضافة انني ع�شقت طرقاتها وحاناتها بل وحتى ن�ساءها ..كنت اتخيل بحرها حبيبة عمري و�أمواجها هي خ�صلة �شعر املر�أة التي ر�سمتها يف داخلي فيالها من دولة خلق اهلل فيها كل �شيء جميال.. علمت بعد حني ان ف�ؤاد وجمموعته قد القي القب�ض عليهم وهم االن يف العراق مع املهرب ..بعد �شهور رجع ف�ؤاد بعد 160
حماوالت عديدة اىل ا�سطنبول واخذ يعمل يف غ�سل ال�سيارات هم يف ا�ستغالله ماديا ..كان ف�ؤاد حري�صا على مع نوزاد الذي َ اخفاء معلومات وجوده عني ولكنني ذهبت اليه وتفاج�أت بقلة ادبه معي وقال م�ستهزئ ًا :اي حق تطلبه مني انا ال �أعرتف بهذه التفاهات وال اعرتف بالذي خلق احلق. ابت�سمت وقلت له: ـ �ستندم على ذلك ..خذ الدين وال �أريده ..لأنك �س ُتقبل يدي لرتجع ايل حقي. تركته وم�شيت ..كنت املك حينها هوية �أ�صدرها يل احلزب الرتكماين يف ا�سطنبول وهذا ما �شجعني على ان اكيد له. توجهت اىل مركز ال�رشطة و�سجلت �شكوى ولكن ف�ؤاد قد اختفى حينما و�صل اليه اخلرب ..تكلمت مع نوزاد ثم ت�شاجرنا ف�أجربين على �رضبه ..هرب ف�ؤاد لأ�سابيع لكي ال ي�سدد دينه ..ثم و�أخريا بلغني انه عاد ..عندما التقيته يف بيت ايدن �شهرزوري وعلى الفور ام�سكته من خناقه وتدخل بع�ض اال�شخا�ص لكي ا�ساحمه ..مل يكن مطلبهم من�صفا ..فف�ؤاد مدين يل ويجب ان ا�ستعيد ديني ولو كان دوالرا واحدا.. تو�سل ف�ؤاد بي ان اتركه و�ش�أنه ولكن ت�رصفه غري االخالقي جعلني ا�شدد من قب�ضتي على خناقه وا�ستعدت مايل منه بالقوه 161
يف نهاية االمر� ..شاهدت اخليبة على وجهه فالرجولة حينها كانت بريئة منه. با�رشت العمل يف معمل البال�ستيك العائد الحد اكراد تركيا ..يعمل فيه اي�ضا اكراد من العراق وال ُي�سمح لهم باخلروج �إال 6او � 7ساعات فقط يوم االحد ـ عطلة اال�سبوع ـ ُ ..يعاملونهم معاملة �سيئة وك�أنهم ُ�سجناء ..وجوههم ُم�صفّرة واملكان مليء بالقمل ،مل امتالك نف�سي من رائحة االج�ساد وك�أنني بني اموات ..ع�شت وعملت فرتة �شهرين ،اما االجر فال �شيء ..فكل ما نقب�ضه من راتب قدره 200دوالر و10 ماليني لرية ا�سبوعي ًا ال يكفي ل�رشاء بنطال. ت�شاجرت مع احد العمال العراقيني ـ االكراد ـ لأنه حاول �رسقتي فنقلني �صاحب املعمل اىل معمله الثاين يف منطقة �سامنجالر يف ا�سطنبول ..ا�شاد ب�أخالقي وكان �سعيدا بي.. با�رشت العمل يف منطقة �سامنجالر حيث ق�ضيت ف�صل ال�شتاء هناك اىل ان القت ال�رشطة القب�ض علينا ولكنها اخلت �سبيلنا بالر�شوة ثم عادت والقت القب�ض علينا مرة اخرى وانذرت �صاحب املعمل بعدم تكرار ت�شغيلنا بدون اوراق ثانية ..كان يل �صديق يف ايران ُيدعى عرفان ومل اتردد يف ان ات�صل به يف تركيا ،لي�ساعدين يف ايجاد عمل يل ..ق�ضيت ليلتني معه ثم وجدت عمال بالقرب منه يف معمل بال�ستيك .وكم كانت 162
�صدفة غريبة حنت قابلني �صديقي عدنان ..يوم ال�سفر كنا على موعد ولكن ال�شجار رغم معرفتي الطويلة به مل ينته وكنا دائما متخا�صمني. قيا با�شي ..ا�سم املنطقة التي اعمل بها ..معمل كبري ل�صناعة االدوات البال�ستيكية يدعى ال بال�ستيك ..عملت اكرث من �سنة ثم بعد وقت طويل اعلنت اليونان ب�أنها �ست�ستقبل كل الالجئني من جميع االطياف ..مل �أتردد يف ان اقتن�ص هذه الفر�صه فدفع 100دوالر اح�سن من دفع � 3آالف دوالر وهذا الظرف ال يعو�ض ابدا. اخربت عدنان بذلك و�أو�صيته ب�أن اترك معه تلفوين مع ال�رشيحة وان يتوا�صل مع اختي ..كنت احفظ رقمي ولذلك مل اكن قلقا من عدنان فهو امني جدا على مال غريه وكنت مطمئن ًا من ناحيته.
الطريق اىل اليونان: ها �أنا اخو�ض جتربة جديدة ..بلد ال �أتقن لغته البتة.. فالرتكية والفار�سية والكردية اتقنتها ..فكيف �س�أحفظ لغة �سقراط؟ اتفقت مع املهرب ان ارافق املجموعة يف الرحلة لقاء 150دوالر ..ال ميكن الوثوق باملهرب ابدا ..فهم انا�س من عامل �آخر ال رحمة لديهم يعبدون الدوالر وال يهمهم م�صري 163
املر�أه او الطفل والرجل.. طريق اليونان اخلطري �شهد ق�ص�ص ًا طويلة وحزينة ..كانت الن�ساء �ضحايا التهريب ..فاملر�أة ترافق زوجها م�شيا لأ�سابيع من تركيا وعرب الطرق الربية اخلطرية اىل اليونان ..اما املهرب فهمه اغت�صاب امر�أة وال يهم من تكون وما هي حالتها ..يتفق مع �رشيكه لي�شغل زوجها ثم يرتكه يف الربية لوحده وينفرد بزوجته حتى اثينا ..املر�أة اما ان ُي�رشدوها او تكون ع�شيقة املهرب وبالإكراه. هكذا كانت حالة العوائل يف مثل هذه االوقات ال�صعبة.. ال يرحمون ال�ضعيف وعليك ان تقاتل حتى املوت ..وهذا املوقف كاد ان يحدث يل يف رحلتي الثانية اىل اليونان. رجعت اىل معمل البال�ستيك الرى من يريد ال�سفر من العراقيني االكراد املتواجدين يف املعمل ..احدهم يدعى برهان طلب مني ان ا�ساعده ب 50دوالر مل اتردد ووعدته ب�أن ا�ساعده .اتفقنا مع املهرب على تاريخ ال�سفر ثم توجهنا ب�سيارة تاك�سي اىل بيت قدمي وانتظرنا قرابة �ساعتني� ..سمعنا �صوت �سيارتني نوع دومل�ش –فانـ وكان املهربون يتكلمون الرتكمانية العراقية ..مل ارتاح وكنت على و�شك ان اتركهم لوال �صديقي ـ برهان ـ طلب مني وبكل احلاح البقاء معه ..اخربته ان اتراك العراق ال وعود لهم ..و�إنهم غري قادرين على اي�صالنا 164
اىل اليونان فهم فقط كالم ال افعال .رف�ض برهان ان ي�سمعني ثم ا�ضطررت ان اجرب هذه املرة واخرج معهم .نقلونا يف ال�سيارات وكنت مت�أكدا ان رحلتنا �ستف�شل .يف الطريق بد�أ املهربون بال�رصاخ والعويل عندما اختلفوا على امر اجهل ما هو بال�ضبط ..ثم ارتبكوا عندما �شاهدوا دوريات ال�رشطة الرتكية متر بجانبهم ..ون�رشوا دعاية بيننا ب�أنهم ُمراقبون وهذه الدوريات هي قد اتت لتقب�ض عليهم ..مل يرق يل ما كانوا عليه من خوف ..فا�ضطررت ان احر�ض املجموعة على ال�ضغط عليهم ب�إرجاعنا من حيث اتينا. املهرب كعادته اكد انه العلم له مبا حدث وبد�أ يربر و ُيف�رس ان ما حدث ما هي �إال �أخطاء حتدث يف الطريق ولكن لي�س دائما وطبعا يتظاهر ب�أنه ال�ضحية �أي�ضا. مل ا�صدق تفاهاته ولكني مرغم على �سماعه طبعا ..فلو كان املهرب نوراً على نور ف�أنه �سيظل �ساف ً ال .يف ليلة هادئة من احدى الليايل املقمرة نقلتنا �سيارات الدومل�ش اىل احلدود الرتكية بهدوء كبري ..املكان كان �ضيقا و�أ�صوات ال�شتم وال�سب مل تفارق افواه من معنا فالكل كامت على اع�صابه من �شدة احلر واخلوف .و�صلنا احلدود الرتكية اليونانية� 4 ..ساعات تف�صلنا عن النهر الكبري بني تركيا واليونان ..نزلنا ولكن ال يجب ان نخطئ و�إال فال�رضب املربح من قبل ـ خالد ـ املهرب و�أعوانه 165
�سيطرز وجوهنا و�أج�سادنا .نحن مغلوبون على امرنا يف هذه اللحظة لأننا ل�سنا ملك انف�سنا بل �سلعة ميلكها املهربون.. يحافظون علينا او يتخل�صون منا ب�سهولة .مت�شينا يف احلقول ومن بعيد توارت لنا ا�ضواء اجلانب اليوناين وك�أنها م�صابيح مزروعة على التالل .و�صلنا غابة خميفة ومظلمة ..اجذاع اال�شجار ت�صطدم بها اقدامنا نتعرث تارة ونقع تارة ..النرى غري اخلوف الذي يقودنا اىل مغامرة جمهولة.
الغرق املُحتم ومالئكة الرحمة: اهلل امل�ستعان الآن ..ما اقبح ان يكون الكابو�س حقيقة.. و�صلنا اىل النهر ..ثم التفت املهرب الينا وطلب منا ان نعرب النهر اىل جهة الياب�سة التي نراها بالكاد من حلكة الظالم. الغريب ان عوائل كردية وتركمانية �شاركتنا الرحلة ..بل انها ان�ضمت الينا فج�أة حلظة و�صولنا احلدود ومل نح�س بهذا االن�ضمام ومل نعلم كيف دجمهم املهربون معنا رغم اننا كنا فقط من الذكور ..عندما و�صلنا اىل النهر بد�أت الن�ساء بالرثثرة الفارغة ..لقد دفعت كل عائلة �أكرث من � 10آالف دوالر ودمج املهرب االفراد مع الت�شكيلة الرخي�صة ..الهم يعرفون كم دفعنا وال نحن كنا نعرف كم دفعوا ،بل كل فرد كان يظن ب�أننا دفعنا نف�س املبلغ ،هذه هي �سيا�سة التهريب الوقحة يف 166
كل االوقات .و�صلنا اىل ار�ض ياب�سة بعد ان اكملنا العبور ثم �سمعنا �صوت املهرب يقول لنا: ـ مبجرد و�صولكم الياب�سة اجتهوا ميينا ثم خذوا جهة الي�سار �ستقابلون مركز �رشطة ..هناك �سي�ستقبلونكم كالجئني، وهكذا امتمت عليكم �ضمانة و�صولكم. فعال و�صلنا الياب�سة وحاولنا �سماع كالم املهرب يف ت�سليم انف�سنا ولكن؟ نحن يف جزيرة حمرمه ال يدخلها احد ..الهي تركية والهي يونانيه تركنا املهربون فجاه بعد ان اذاقونا طعم الطعم... اطراف الياب�سة االربعة يحتلها نهر جاري قوي ..ال يتحداه ال�سباح املاهر �إال مبعجزة قد ينجو او يغرق ...الوقت الثالثه �صباحا ..بد�أ اجلميع باال�ضطراب ..ارقام هواتف املهربني كلها مغلقة ..واال�ستنجاد ال ينفع ..ا�صوات طلقات نار من اجلانب الرتكي و�صوت النهر القوي كلها كانت �سببا يف خلق الرعب يف قلوبنا� ..صديقي ـ برهان ـ و�شخ�ص �آخر ا�رصا على ان يقطعا اىل ال�ضفة الثانية ..وفعال و�صال بعد جهد كبري.. كنا ن�سمع ا�ستنجادهما ببع�ضهما البع�ض ظنا من اجلميع انهما �سيغرقان ولكن جنحا يف العبور .حل الفجر وبد�أ كل �شيء يت�ضح لنا ..املهرب تركنا يف مكان ال ي�صله احد ..ولذلك قررت عائله كرديه من العبور ب�صناعة قارب بدائي من احزمة 167
البناطيل وغطاء الر�أ�س الن�سائي ـ احلجاب ـ ..احلقيقة انني مل ا�شارك بحزامي الن بنطايل كان مبتال وكنت ب�أ�شد احلاجة اىل احلزام. مغامرة �صعبة فعال ..عائلة �ستعرب اىل ال�ضفة االخرى وجمرى املاء قوي يقودك اىل دوامة غا�ضبة يف جانب اجلرف املحاذي لليونان .ولو ف�شلت العائله بالعبور ف�سيطفئون �آخر ال�شموع يف هذا النهر املخيف ..مت اكمال عمل القارب من جذع اال�شجار وربطها ب�إحكام ..جربها رجالن وعربا ب�سالم بعد مقاومه طويلة مع املوج ..احدهم انتظر يف الطرف الثاين بعد ان �صنعا حبال طويال من القم�صان والبناطيل كان طوله اكرث من 20مرتاُ ..ربطت مقدمتها يف جذع �شجرة ثم اخذ الرجل الثاين على عاتقه ربط الطرف االخر للحبل بالقارب وعاد اىل جهتنا ...كانوا يعملون بكل جدية على اي�صال العائلة اىل اجلهة الثانيه ..ال�شباب كانوا ي�سبحون بحما�س ويتفانون ل�ضمان �سالمة االطفال والن�ساء ..هم وعودنا ان ي�ساعدونا بعد هذه العملية وكلنا كنا ننتظر االيفاء بكلمتهم بكل نفاد �صرب... ا�ستغرقت العملية اكرث من � 3ساعات ...و�صل اجلميع ب�سالم ..وعليهم االن ان يفوا بوعدهم ولكن؟ احدهم قام بتفكيك القارب خفية ثم تظاهر ب�أنه يرميه 168
اىل جهتنا ولكن ما ان ارتطم على �سطح النهر حتى تفكك و�ضاعت االجزاء بني امواج النهر ..اما البكاء و�رصخات الن�ساء فلم تتوقف. طبيعة النهر هي كالآتي ـ اجلانب الرتكي ي�صل م�ستوى النهر اىل مدى الركبة ..ولو ا�ستمريت يف امل�شي داخل النهر اىل اجلانب اليوناين لو�صل م�ستوى النهر اىل م�ستوى الر�أ�س ثم يزداد عمقا اىل اكرث من 20مرتا ..يجرفك التيار قويا وبعيدا ورمبا تكون من ح�صة الدوامة التي ال تبعد كثريا عن الياب�سة اليونانية ..طبيعة غريبة وخطرية يف نف�س الوقت ..بع�ضنا االن يقفون يف منت�صف النهر ..الن�ساء والأطفال وبع�ض ال�شباب دب الي�أ�س فينا.. يقفون على الياب�سة يرتقبون م�صريهمّ .. ر�أينا جذع �شجرة كبريه قادمة من بعيد اردت ان ام�سكها وا�ستخدمها كقارب اال انني مل ا�ستطع االم�ساك بها ل�شدة �رسعتها يف االجنراف مع التيار ..ولكنها تبقت طافية وت�سع ل 5ا�شخا�ص ..خاف احدهم من جلب اجلذع لنا فرتكها متر رغم �صيحاتنا له بجلبها ولكن اخلوف �سبق �شجاعته. حل منت�صف النهار ..كل من و�صل اجلانب اليوناين ي�ستلقي ب�أمان تام حتت ا�شعة ال�شم�س والن�ساء مي�شطن وي�رسحن �شعرهن ..اما نحن يف الطرف الرتكي فننظر بكل دمار اع�صاب اليهم وعيوننا تدمع ..نخاف ان تطولنا ايادي رجال ال�رشطة 169
الرتكية وتعيدنا اىل العراق ...اما انا فاحلكم بالإعدام علي �سيكون حتميا وم�ؤكدا ..كنت غارقا يف التفكري� ..سارح يف طبيعة االر�ض اليونانية التي اراها امامي لأنه من امل�ستحيل ان ا�ست�سلم ملوت ينتظرين يف بلدي ..ثم قررت �أن... قمت على الفور وبيدي كي�س �صغري ا�ضع فيه بع�ض امتعة الرحلة ..واجتهت اىل و�سط النهر م�صمما على ان اعرب رغم انني اعجز عن ال�سباحة ...انتبه اجلميع اىل ما اقوم به ..قام من قام مدهو�شا مبا افعله من حماقة لأنهم يعلمون انني ال اجيد العوم ..حتى الن�ساء يف اجلانب اليوناين ملا �شاهدن ما اقوم به بد�أن ي�رصخن على الفور واجلميع يحاول منعي وين�صحونني بالرجوع ..ثم ازداد ال�رصاخ ..مل اهتم وتوجهت لأقطع التيار النهري ..واما ان اقهره واما ان يقهرين فالأمر مل يعد يفرق عندي... ازداد املاء باالرتفاع من الركبة اىل الرقبة كلما تقدمت يف قطع �شوط العبور� ..أنتظر معجزة تنقذين ..الكل فقد ال�سيطرة على اع�صابه ف�أمامهم م�شهد �شخ�ص �سيغرق ..الرجال يتخبطون مينة وي�رسة يحاولون ان يجدوا جذعا لينقذوين والن�ساء يلطمن ..اما انا فغط�ست. رفعني املوج مرتني اىل الأعلى ..يف املرة االوىل عندما رفعني النهر من القاع ر�أيت ن�ساء يلطمن على الر�ؤو�س ويدفعن 170
بالرجال اىل اخراجي ..ثم غط�ست ..ويف املرة الثانية عندما ُطفت على �سطح النهر ر�أيت اثنني قد اح�رضا جذع �شجرة مل يكن طوي ً ال جدا املآ منهم ان يتلقفني اجلذع ولكن؟. حمال ان ا�صل اجلذع ..اجلذع بعيد جدا عني وانا ادور يف املوج وبيني وبني الدوامة ما هي �إال ب�ضعة امتار و�أغو�ص يف اعماقها ..عمق النهر يكفي ب�أن �أقطع االمل من النجاة. غط�ست ..ومل اح�س ب�شيء ..غري املوت الذي تف�صلني عنه ثوان ف�أنا االن يف عداد االموات ..فج�أة تلك املعجزة الربانية حدثت ..فتحت عيني يف القاع من غري ان اعلم كيف ولكنني خيل يل ب�أن نورا قد �سطع �ضيا�ؤه امامي ا�شعر مبا يحدث ..ثم ّ واكاد ان اح�س بهُ ..رفعت اىل الأعلى تلقائيا ثم وجهتني قوة دفع مل اعلم م�صدرها اىل ناحية اجلذع البعيدة عني مب�سافة والتي ال يعقلها العقل للو�صول اىل جذع بعيد ومن ثم لتطوله يدي ب�سهوله بالغة وتنتهي م�أ�ساتي على يد �شخ�صني �سحباين عن طريق اجلذع اىل الياب�سة. ـ معجزة ..معجزة ..ـ �صاحوا ـ ثم وا�صل احدهم: ـ لقد غط�ست طويال ومل نكن نعقل ان ت�صل اجلذع لطول امل�سافة ولكن هاج�س ما بداخلنا جعلنا ن�ستمر يف امل�ساعدة.. كيف جتر�ؤ على فعل مثل هذه الفعلة؟ انظر اىل من حولك كيف يبدون. 171
منظر مرعب مر�سوم على وجه كل �شخ�ص ،الذهول واخلوف معا ..فتحت عيني ب�صعوبة ..تال�شت ال�صور امامي ثم اغمي علي جمددا.
40يوما يف الكمب اليوناين:
جاءت دورية يونانية على الفور لتلقي القب�ض علينا.. ا�ستنجدت العوائل العالقة يف املنطقه املحرمة بالدورية ولكن االخرية كانت عاجزة عن انقاذها ..اخذونا فيما بعد اىل مركز ال�رشطة اليوناين وكانت معاملتهم غري م�ؤدبة فهم ينعتوننا ب (مو�سل) ..اي م�سلم ..عندما يغ�ضبون علينا يدعوننا ب ايها املو�سل الغبي �س�أ�رضبك ان مل تتوقف عن.. فح�صونا يف املركز الطبي اوال ثم اخذونا اىل الكمب ب�سيارات ع�سكرية ..اما العائلة التي بقيت وراءنا فقد مت انقاذها وبح�ضور التلفزيون واالعالم الغربي كمحاولة بالإ�شادة بالدور اليوناين االن�ساين ـ دعاية مغفلة ـ ..الكمب كان خمزن ًا للحبوب ..وكان الكمب ي�شمل كل االجنا�س وكل �صنف عربي ..وكل من ي�أتي من العرب يقول ب�أنه عراقي لكي احلمامات فهي بدائيه جدا م�صنوعة ي�ضمن حق اللجوء ..اما ّ من ال�صفائح املعدنية وكنت ت�ستطيع ان ترى ب�سهوله طابورا طويال لالجئني من �أجل ق�ضاء احلاجة او حتى اال�ستحمام. 172
الفرح عم كل العراقيني وحتى اجلن�سيات الباقية ..فها هم قد حققوا حلمهم بالو�صول اىل اوروبا وب�أ�سعار زهيدة و�آخرون حالفهم احلظ وو�صل بال مقابلّ .اما انا ف�سعادتي ال تقل عنهم ..انا االن يف االمان ال خطر من الرجوع ..ال مزيد من الكوابي�س ورغم انني فقدت حذائي يف النهر وقدماي متزقتا من اال�شواك واحل�صى ..اال انني اجول وا�رسح وامرح دون ان اعري اهتماما لقدمي العاريتني فاحلريه ان�ستني جروح قدمي.. كنت اكافئ من انقذوين كل يوم بعلب �سجائر ..مل يرق لهم ما �أفعله فهم قاموا بواجبهم كرجال ..كانوا ظرفاء معي و�سعداء على بقائي حيا ارزق بعد فرته �شاهدت �شخ�صا ي�شبه ـ احمد الفيلي ـ الذي كان يف ع�صابة بيع الكلى فلم اتردد من ان اقرتب منه و�أ�صيح بوجهه ـ يا �سارق الكلى ..تفاج�أ وبد أ� يعاملني بلطف ومتلق غري عاديني ..تبني بعدها انه قد باع كليته وبثمن اع�ضائه و�صل اىل اليونان ..كانت حالته مزرية.. انتفاخ ثم امل ثم اىل امل�ست�شفى اليوناين .تركته و�ش�أنه اذ انه االن �شبه حي وال فائدة من ت�أنيب ميت .بعد فرتة قامت جمموعة من ال�شباب العراقي مبظاهرة كبرية يف الكمب ب�سبب ت�أخري ترحيلنا اىل اثينا ..و�أعمال �شغب تركمان وعرب العراق اثرت علينا �سلبا ..ولكنها يف حقيقة االمر مل جتد نفعا ،فقد ا�ستمر احلال على ماهو عليه بل مت �رضب كل من �شارك يف 173
عملية ال�شغب التي اندلعت فج�أة. ق�ضينا اكرث من �شهر وكل يوم كانت هناك حافالت ع�سكرية تقل وجبات الالجئني اىل اثينا ..وكنا على احر من اجلمر ليحني دورنا اي�ضا ..بعد �شهر جاءت �سيارة م�صفحة لتقلنا اىل اثينا ح�سب ادعائهم ..فرحنا بذلك الأمر جدا ..مل ت�سعني الفرحة عندما نادوا ب�أ�سمائنا ..انطلقت ال�سيارة امل�صفحة مع عدد من ال�سيارات امل�صفحة حتمل عوائل كثرية من �ضمنهم العائله التي كانت معنا ثم انطلقت بنا ..ولكن �أىل �أين؟
تركيا ترحب بنا: يف الطريق كان اجلميع يت�سامرون فرحني بنهاية امل�أ�ساة.. مل افارق ال�شباك ال�صغري كنت ارتقب الطريق ال�رسيع الذي �سيقودنا اىل اثينا ثم فج�أه �رصخت م�صدوما: ـ يا الهي تركيا ..القطعة على الطريق مكتوب عليها اننا نتوجه اىل تركيا. قام اجلميع مذعورين غري م�صدقني: ـ هيا ال تكن بهذه ال�سذاجة تركيا ا�صبح م�ستحيال ب�أن نعود اليها ..نحن يف حماية االمم املتحدة هنا اوروبا يا �صاح. ثم قام احد اكراد العراق ي�سخر مني ف�أ�ستطرد قائال: 174
ـ حبيبي تركيا باالنكليزي يعني ـ اخلط ال�رسيع ـ و�أنت ايها العربي دائما ثقافتكم حمدودة. �سخر اجلميع مني وكانوا كلهم اكراد ..مل ي�صدقني احد ثم جل�س اجلميع بعد ان افزعتهم بكلمة تركيا .مل ا�صدق ما �سمعت من هذا الغبي ف�أنا اعرف كيف تُكتب تركيا باالجنليزية ولي�ست كما يقول االخ الكردي .بعد منت�صف الظهر وقفت امل�صفحة واحلافلة يف نقطة تفتي�ش وكان وا�ضحا ب�أنه معرب حدودي ..ج�رس �صغري يربط بالطرف الرتكي ولكنهم اخفوا ملحت ذلك ب�إيقاف ال�سيارات بطريقه حتجب عنا الر�ؤية.. ُ اجل�رس االزرق الذي ميثل علم اليونان اما الن�صف الثاين فكان احمر اي ميثل العلم الرتكي ..نبهت الباقني وامل�صيبة انهم اتهموين بالتخريف وغ�ضبوا مني ثم قال احدهم: ـ متى �ستتحرك ال�سيارة فلقد ا�شتقت لر�ؤية اثينا ..ه�ؤالء يحاربوننا نف�سيا لكي ينالوا من �شهيتنا لر�ؤية بالد االغريق.. تخاريفي ا�صبحت حقيقة ،فرجال ال�رشطه الرتكي’ توافدوا من احلدود اىل االرا�ضي اليونانية ب�سياراتهم لكي ي�أخذونا اىل جانبهم ف�صحت: ـ تف�ضلوا يا ايها ال�سادة ال�رشطة الرتكية جاءت ال�ستقبالكم على اخلط الرتكي ال�رسيع ..ـ ثم �ضحكت باكيا يائ�سا فجل�ست على ركبتي يائ�سا. 175
تدافع اجلمع ليت�أكدوا من �صحة كالمي بل حتى بكى بع�ضهم وندب حظه ..جن جنونهم وبد�أوا ي�رضبون على جدران امل�صفحة احتجاجا على ما يح�صل ثم ..تعالت ا�صوات البكاء والنجدة ولكن دون جدوى وتنبه ال�سجناء يف امل�صفحات الباقية ثم بد�أت اال�صوات تتزايد من �شدة اخلوف ..انتبه رجال ال�رشطة ثم تقدموا بالع�صي باجتاهنا وبد�أوا يهددونا بال�رضب بل واخرجوا ق�سما من ال�سجناء وبد�أ وابل ال�رضب ينزل على جلودهم دون رحمة ..مل ي�أبه احد بهم ف�أزداد ال�رضب على جدران امل�صفحة ا�ضافة اىل ا�صوات الن�ساء التي مل تتوقف. بعد �ساعات من تبادل ال�رشطه الرتكية واليونانية لبع�ض االوراق ..ح�رض �رشطي تركي بدين وفتح علينا الباب ثم �صاح علينا بغ�ضب: ـ هيا انزلوا اوروبا ترحب بكم .ـ �ضحك �ضحكه كادت ان متزق طبول اذاننا ـ . جمموعة رف�ضت النزول وطالبت بح�ضور م�س�ؤويل حقوق االن�سان؟ اال ان ال�رشطي اخذ ع�صاه الغليظة فقال: ـ ال�ضري من ذلك فانا احب ال�رضب كثريا ابقوا و�س�أ�صعد اليكم يا �أحبائي. ت�سابقنا بالنزول خوفا ..كانوا يرتاك�ضون نحو الباب 176
لينفذوا بجلودهم ..يتحقق من �أ�سمائهم في�أذن لهم بالنزول وركوب احلافلة الرتكية التي تنتظرنا ..حتقق من ا�سمي ف�أجبته: ـ علي ر�ضا من ايران. ـ ولكن ا�سمك غري موجود؟ غري مهم �س�أحل امل�شكله هيا انزل. نزلت من امل�صفحة ..كانت حافلة تركية بانتظارنا لتنقلنا اىل حمافظه تركية حدودية يكرث فيها غجر تركيا ال يح�رضين ا�سمها.. يف ذلك الوقت املُغرب قام االحتاد االوروبي بتكفل م�صاريف الت�سفري وخ�ص�صت مبالغ لذلك مب�ساعدة تركيا ،وكنا نحن احدى الوجبات التي َ�سفرت حينها ..ولكن باقي الالجئني يف الكمب فكان م�صريهم اثينا .وبهذه اخلطة طويت اول �صفحه من �صفحات خمططي للتوجه اىل اوروبا.
تركيا ـ ايران ـ احلدود الرو�سية بانتظارنا: توجهت احلافلة بنا اىل احدى املحافظات احلدودية اجلميلة يف تركيا ..يف الطريق بد�أت العائله التي انقذتني من الغرق والتي ا�ستقلت معنا احلافلة يف توجيه ا�سئلة لكل الراكبني وعن املبالغ التي ُدفعت للو�صول اىل اليونان ..عن نف�سي اخربتهم 177
انني دفعت 150دوالر فبهر احدهم ويدعى (عثمان) وهو الذي انقذين من املوت ..فقال لنا ب�أنهم دفعوا اكرث من ع�رشة �آالف دوالر لكل عائله او اكرث ..انك�شفت االمور لنا ليت�ضح فارق املبالغ التي مت دفعها وخلط املهربني للعوائل ممن دفعوا االلآف معنا. و�صلنا اىل مركز ال�رشطة الرتكية احتجزونا يف �ساحة املركز وذلك ل�صغر م�ساحة ال�سجن ..ثم امرونا بالهدوء اىل ان يحني موعد املحكمة ..اما يف امل�ساء فقاموا بالتقاط �صورنا وحتديد ا�شارة خلف ال�صورة ب�أ�سمائنا لت�سهيل التعداد اليومي لنا.. ا�صبحنا فري�سة �سهلة للبعو�ض مما اخذت على عاتقي باالنتقام من كل بعو�ضة �أراها مليئة بالدم ..وكنت �أعده انت�صارا يل قتلي ب�ضع ًا منها ..حتى اتت �سيارة الر�ش التي خل�صتنا منها.. الغجريات اجلميالت ميلأن املكان ويطرزن مفارق الطرقات ب�ألوان الف�ساتني املزرك�شة وك�أنهن قطع حلوى تناثرن يف ال�شارع ال�شعبي. ابو زهراء رجل عراقي برفقة زوجته االيرانية اال�صل وابنتيهما احداهما ر�ضيعة والثانية زهراء عمرها اقل من �سنتني مرحة وذكية تلهو بال خوف يف �ساحة املركز ....مل ابخل عليهم يف �شيء وكنت ا�ساعدهم حينما يطلب مني الرجل اي �شيء ..ابو زهراء كان لطيفا معي ولكنه يحر�ص كثريا على ان 178
ال يزعج زوجته ..زمام االمور كلها كانت بيدها ..ا�ستطيع ان اميز خوفه منها وك�أنها متلك م�صري حياته بيدها.. مازلت ال املك حذاء فقدماي فقدتا االح�سا�س.. فم�شكلتي االن انني عزمت على الهروب مع �شخ�ص اخر ولكن يجب علي ان ادبر ما انتعله لكي اطفئ �شكوك املواطنني ممن �س�أالقيهم يف الطريق. يف م�ساء اليوم التايل بد أ� حتقيق روتيني معنا وحان دوري لأدخل ..جل�ست مع ال�رشطي وكنت احاول ان جلب انتباهه حتى يخلي �سبيلي بالر�شوة ..وكان كلما ي�س�ألني عن �شيء يخ�ص الق�ضية ملّحت له ب�أنني املك ما ًال ادفعه له ويرتكني ُحرا. ـ من اي بلد انت؟ �أجبته: ـ عندي مبلغ جيد من املال �س�أهديه لك على ان تخلي �سبيلي.. غ�ضب ال�رشطي املحقق ولكنه كرر ال�س�ؤال: ـ من اي بلد انت؟ ـ ايراين.. ـ وكم عمرك؟ 179
ـ ا�ستطيع ان اعطيك 500دوالر و�أكون حرا. ـ انا ال اخذ ر�شوة ..اجبني على عدد ا�سئلتي فقط ـ قالها بع�صبية قليال ـ ..لقد دمرت يل اع�صابي �س�أدخن ال�سيجار و�أعود اليك ال ت�ساومني باملال فهمت؟ اوم�أت بر�أ�سي بنعم ثم غادر املكتب. بعد �ساعة اكمل معي التحقيق و�س�ألني كيف تعلمت اللغة الرتكية؟ ف�أخربته ب�أن والدتي من اتراك العراق ..عدت وجل�ست مع ابو زهراء ..كان معنا ا�شخا�ص ايرانيون كانوا يظنون ب�أنني ايراين وكنت اتكلم معهم االيرانية بطالقه ..اىل ان حل الليل اتفقت مع احدهم ان يعطيني حذاءه لأهرب ثم اتفقت مع �شخ�صني ان نهرب �سوية ..ال�شيء الذي �شجعنا على الهروب ان الحرا�سة علينا فنحن ننام يف �ساحة املركز وهروبنا �سهل للغاية ..ولكن اهايل املنطقة لو قب�ضوا علينا �سي�شبعوننا �رضب ..ويف الفجر هرب االثنان ولكن ال�شخ�ص الذي �سيعطيني حذاءه قد غيرّ ر�أيه� ..شعرت باالحباط فبدون احلذاء ال ميكن الهروب .فعدلت عن الفكرة ..وبعد الفجر ف�ضح امر ال�شخ�صني اللذين هربا ..وبد�أت ال�رشطة تبحث عن ال�شخ�صني والأهايل يعاونون ال�رشطة بكل اخال�ص وتفان ..مت اح�ضار ال�صور وعلى اثرها بد�أ التعداد للموجودين ..ف�صاح ال�رشطي غا�ضبا: 180
ـ ال�شخ�ص الذي يرتدي التي �شريت االحمر غري موجود وهذا يعني عندنا 3هاربني.. ركز يف الوجوه ومل يجد ال�شخ�ص الثالث ثم بد�أ القلق ينتابنا ..ثم �صاح ال�رشطي جمددا: ـ �سوف تن�شوي جلودكم من ال�رضب االن ولن ت�أكلوا �شيئا اليوم ايها ال�سفلة العرب. على �أثر �أح�سا�س غريب انتابني وف�ضول عميق اقرتحت على ال�رشطي ان ارى �صورة ال�شخ�ص الثالث ولأنني احتدث الرتكية �ساعدين جدا يف ان اتعامل معهم بحكمة وبالأخ�ص يف مثل هذه الظروف ..ثم قلت له مبت�سما: ـ هذا انا. خطف ال�رشطي الغا�ضب ال�صوره ثم قال: ـ كيف؟ ..فارق كبري. ـ نعم هذا انا .ثم اخرجت التي �شريت من الكي�س لأريها لهم كدليل على كالمي. تنف�س رجال ال�رشطة ال�صعداء ثم �رصفونا اىل ال�ساحة حتت حرا�سه اثنني من ال�رشطة هذه املرة ..وكعادتي كنت ابادلهم احلديث لق�ضاء الوقت الطويل ..و يف وقت الظهر القت 181
ال�رشطة القب�ض على الهاربني و�أ�شبعوهما �رضبا مربحا.. حان وقت الرتحيل اىل املحكمة ..ف�شاهدنا االفارقة ل املكان ف�إخالء �سبيلهم �سهل وجن�سيات خمتلفة ال حت�صى مت أ ولي�س هناك امر برتحيلهم ..اما العراقيون فكانوا ينتحلون اجلن�سيات الفل�سطينية خوفا من ت�سفريهم اىل العراق ..فتم عر�ضهم على �شخ�ص فل�سطيني و�أو�شى لل�رشطة ب�أنهم لي�سوا من فل�سطني رغم تو�سل ال�شباب اليه لكي يخفي حقيقة امرهم ولكن بال جدوى. بعد ان ُح�سمت اوراقنا �صعد كل واحد يف حافلة خا�صة ثم انطلقت بهم اىل حدود بالدهم ..اما العراقيون من مل تثبت �صحة ادعائهم فن�سبوهم اىل اجلن�سيات املجهولة و�صنفوهم ب�شكل ع�شوائي اىل اجلن�سيه االيرانية والأفغانية (علما ان اكرث االيرانيني ادعوا ب�أنهم افغانيون خوفا من ال�سجن) ورغم ذلك مل ي�شي االفغان اال�صليون كذب ادعاء االيرانيني لظروف ان�سانية. الطريق طويل اىل ايران فنحن يف اق�صى احلدود االوروبية الرتكية وهناك حافالت خ�ص�صتها االحتاد االوروبي مدفوعة االجر وقد تعهدت تركيا ب�إرجاع الالجئني اىل ديارهم بقرار دويل تنفذها تركيا باعتبارها اجل�رس امل�ؤدي اىل اوروبا. كبلونا بالأ�صفاد ..كان املكبل معي �شخ�ص ايراين ويف 182
مقدمة احلافلة امر�أة ايرانيه وابنتيها ..يحملن اجلمال الفار�سي النادر واما االم فكانت رغم كرب �سنها اجمل من ابنتيها ..مل يعرفني احد كعراقي �إال ابو زهره ..كنت اظن ب�أنهم �سيخلون �سبيلنا على احلدود ولكن ما حدث قلب موازين ح�ساباتي بت�سليمنا �شخ�صيا ل�رشطة احلدود ح�سب االتفاق االوربي... انطلقت احلافلة من الأرا�ضي الرتكية القريبه من اليونان قا�صده احلدود االيرانية ..فقررت ان اغفو قليال الن الطريق طويل.. بعد اقل من �ساعة فتحت عيني �سارحا يف الوان الطبيعة التي ال تقاوم ..وكان خلفي �شخ�ص عراقي ُيدعى حازم ق�ضى كل الرحله نائما ..مما اثار غ�ضبي ولكن كانت لنا ق�صه غريبة فيما بعد ..فقد �ساعدته يف ال�سفر اىل ا�سطنبول ب�سالم رغم تخلي اخيه الذي يعمل طبيبا يف املانيا عنه .طلبت من احد ال�رشطيني اجلال�سني يف املقعد اخللفي ان يعريين موبايله ..كنت طوال الطريق احاول ان اتقرب منهما النني كنت الوحيد الذي يتكلم الرتكية فكانا ي�س�أالن بف�ضول عن ظروف بلداننا وانا اجيبهما مما ك�سبت ودهما ..ات�صلت بعدنان ثم اغلقت الهاتف وانتظرت من عدنان ان يعيد االت�صال واثناء ذلك دار حديث بيني وبني ال�رشطيني.. ـ هل �ستعود اىل تركيا؟ �س�ألني ال�رشطي. ـ نعم �س�أعود وبكل ب�ساطة. 183
ـ رغم ماعانيته .؟ الطريق اكرث من � 58ساعة كما ترى �إال يتعبك هذا هل انت جمنون؟ ـ نعم انا اعي�ش من اجل حريتي ..و�س�أعمل امل�ستحيل لأنالها. ـ �أال تريد ان ترتاح يف بيتك وترتك فكرة خو�ض املغامرات يف اجلبال والغابات؟ ـ انا ا�ستمتع بهكذا مغامرات فق�صتي طويلة و�أنا عازم على اكمال م�سريتي. رن هاتف املوبايل ف�أجاب ال�رشطي :هذا �صاحبك عدنان.. ثم اجاب املكاملة: ـ لديك �صديق عراقي يدعى احمد هل تعرفه؟ اعطاين املوبايل وكم كانت فرحة عدنان كبرية: ـ اين انت؟ اختك ت�سال عنك كل ثانية لقد متر�ضت هي ب�سببك ..هل انت بخري؟ هي او�صتني ان اقول لك لو ح�صل لك مكروه ماعليك اال ان تت�صل بي وانا اتكفل مببالغ و�صولك اىل ا�سطنبول وال عليك كم �سيكلف ذلك الن اختك من �ستدفع لك. ـ انا يف طريقي اىل ايران لقد غرقت وجنوت ب�أعجوبة ومت ترحيلنا من كمب اليونان اىل ايران بعد �شهر من مكوثنا يف 184
احلدود اليونانية ..ا�سمع عدنان انا عائد ال تقلق فهذه امل�شاكل لن تعيقني من الرجوع اىل ا�سطنبول ..ال تهتم انا قادم ان�شاء اهلل. ـ ومتى تعود؟ ـ ال اعلم فقط كن على ا�ستعداد لرتد على مكاملاتي وال تقلق. اغلقت املوبايل ثم �شكرت ال�رشطي و�أغم�ضت عيني بابت�سامة تدل على ارتياحي. يف الطريق اخذنا ق�سطا من الراحة ..توقفت احلافلة يف مكان على الطريق لق�ضاء حاجة ال�سجناء ..ولكن ظروف الهرب مل تكن م�سموحة ل�شدة احلرا�سة ...م�ضت احلافله يف رحلتها الرعناء وانا مازلت اح�س بالغ�ضب على نف�سي كلما ر�أيت حازم نائما ال يفتح عينيه اال يف حاالت نادرة ..و�س�ؤاله ُ وا�شتعل امتعا�ضا الوحيد:متى �سن�صل اىل احلدود االيرانية؟.. على نف�سي النني اراقبه ف�أ�ضيق ذرعا بت�رصفاته فوددت لو انق�ض على رقبته لأخنق هذا البارد. بعد رحلة دامت اكرث من � 50ساعة و�صلنا اىل مدينة ـ وان الرتكية ـ ..ولأن احلافلة و�صلت اىل املدينه يف �ساعة مت�أخرة من الليل ..اجربنا على النوم يف احلافلة حلني طلوع الفجر حيث كما علمنا فان امل�ساجني من االيرانيني �سيتم ت�سليمهم 185
يدا بيد اىل ع�ساكر احلدود االيرانية وهذا ما �أثار يف داخلي اخلوف النني كما ادعيت على احلدود اليونانية ب�أنني ايراين لتفادي ت�سفريي اىل العراق ـ زاخو ـ .. ففكرت يف ان ادعي ب�أنني من جن�سية ثانية بدال من االيرانية ف�أجربت على االعالن عن نيتي يف اليوم التايل من ت�سليم املواطنني اىل حر�س احلدود االيراين� ..أثار هذا االعرتاف الغريب حفيظة الن�ساء االيرانيات وبع�ض ال�شباب النني طول الطريق كنت �أُمثل دور ال�شاب االيراين لكي ابعد نف�سي عن ال�شبهات ..حيث انني اخ�شى من ان حزب حكومة م�سعود الربزاين كانوا ينفذون اتفاقية تبادل الهاربني بينهم وبني حزب البعث انذاك. طلبت من ابو زهرة ان يقنعهم بان يكتموا امري ..ب�سبب ظروف العراق ..بل حتى �رشيكي املكبل معي ا�شفق علي وتكفل ب�أمر م�ساعدتي وطلب مني عدم التكلم بالفار�سية بعد االن لكي ي�ستطيع ان يقنع احلر�س احلدودي ب�أنني عراقي وان االتراك ادرجوين على القائمه االيرانية لتغطية احد الهاربني و�إكمال اعداد املحبو�سني لديهم ...وفعال �سارت االمور على ما يرام. يف ال�صباح الباكر اخربت ال�رشطي الرتكي ب�أنني فل�سطيني ول�ست ايرانيا ..نظر ايل بع�صبية� ..ضغط ب�أ�سنانه على �شفتيه 186
كور قب�ضته لكي ي�رضبني ..ويف احلال جاء الغوث من ثم ّ ال�ضابط االيراين قائال: ـ �أرجو ان تكون القوائم جاهزة. ـ نعم نعم انها جاهزة ..ـ ثم توجه ال�رشطي ايل بالكالم هام�سا يل بع�صبية :ا�سمع ايها الوغد لو تفوهت ب�أي كلمة �س�أدفنك حيا على احلدود� ..ستم�ضي وك�أنك ايراين مفهوم.. ـ مفهوم �سيدي ..ـ اجبته بخوف ـ . تقدمنا اىل ال�ضابط االيراين ثم اخربه ال�شاب الذي معي: ـ �سيدي هذا الذي معي جمهول الهوية ولي�س ايراني ًا ..لقد ادرجوا ا�سمه معنا وذلك لهروب احد االيرانيني من ال�سجن. م�سح ال�ضابط الكهل على ر�أ�سي ب�شفقة كبرية وقال لل�شاب: ـ اخربه بالرتكية انه يف امان هنا و�إنني لن ا�ستلمه. ثم تكلم مع ال�رشطي الرتكي:قبل ان تغادر او ان نعلمكم ب�أننا ال ن�ستلم ا�شخا�صا غري ايرانيني فخذوا هذا ال�شخ�ص. ا�ستلمني ال�رشطي الرتكي بغ�ضب �شديد وكادت عيناه تخرجان من وجهه: ـ �إذن اخربتهم ايها الوغد.. 187
ثم �س�ألني عن جن�سيتي ف�أجبته :فل�سطيني ..ف�أمر ال�رشطي الآخر ان يدرج ا�سمي يف قائمة جمهويل اجلن�سيه مع الباقني.. نحن على املثلث احلدودي ـ تركياـ ايران ورو�سيا وبالتحديد حدود ـ باكو ـ ..منطقة جبلية ت�سكنها قطعان الذئاب ،ال احد يهتم بالآخر فكل املوجودين هم مهربون يتعاملون مع اجلنود ..ثم اجتهت احلافلة اىل ـ وان ـ لتتجول بنا ل�ساعات تبحث عن جهة تقبل با�ستالمنا ولكن ال احد من الدوائر االمنية تقبل باال�ستالم ..اجلوع واحلر والعط�ش بد�أوا يهتكون بنا. اثناء املفاو�ضة بني مديرية االمن الرتكية وال�رشطة حول ت�سليمنا لهم كانت احلافلة فارغة وك�أنها ر�سالة منهم لنا تقول :هيا اهربوا ـ ..حاولت ان اتخل�ص من القيد احلديدي ولكن دون جدوى ..ال�شخ�ص الذي كنت معه كان يدخل ويخرج مع�صمه بكل راحة يف القيد ..ن�صحته بالهروب بينما ال�رشطه م�شغولة ولكنه كان مرتددا ..وبقينا على هذه احلالة قرابة �ساعة ثم امتلأت احلافلة بال�رشطة فقد ف�شلت املفاو�ضة والآن ال�رشطه �ستحاول التوجه اىل فيلق اجلي�ش املتواجد على احلدود لتعر�ض عليها مفاو�ضة اخرى ..وق�صة خمتلفة ..فقد قبل اجلي�ش بنا وهنا بد�أت مفارقات اخرى.. و�صلنا مع�سكر اجلي�ش على احلدود ومعنا 2من اتراك العراق 188
ـ الرتكمان ـ و�أبو زهرة ،بنغالدي�شي و�أفغاين 6 ،من امل�سيحيني العراقيني وعدد من االفغان املعروفني بالربابرة ..ال�شخ�صان من تركمان العراق مل يكونا بامل�ستوى االخالقي اجليد ..لديهما افواه فارغة فقط يجيدون الكالم ..الرجولة ت�سكن داخلهما.. احدهما كان يحلق �شعره كما يقال ـ القزع ـ . وجدت �ساعة مك�سورة على االر�ض الرتابية حال نزويل من احلافلة� ..صاح علي احد اجلنود: ـ هذه ُم�صادرة ..اعطيني اياها اليحق لكم ان متتلكوا اي �شيء يا عرب ..يكفيكم النفط. ـ يا �أهل البرتول ...ـ اكمل اجلندي االخر �ساخرا منا نحن كعرب ـ . حل الغروب وكنا ال نخفي خوفنا الظاهر على وجه كل فرد منا... كان رئي�س العرفاء ميثل دور الودود والطيب ..ولكنني ا�ستطيع ان ارى مكره من خالل ت�صنعه معنا بالطيبة لكي يكون با�ستطاعته ان ي�سلب ما بو�سعه من املال .كنت املك 700دوالر مت لفها على �شكل قلم رفيع �ساعدين يف �صنعها عدنان الذي ميلك ا�صابع ذهبية لإجادته البارعة يف امور احلرف اليدوية. مل يرق يل كالمه املع�سول فهو تركي ،والأتراك هم عبدت 189
املال ..هكذا كانت جتاربي معهم اذ مل ا�صادف خمل�صا طوال فرتة معاملتي معهم. حذرت اجلميع بالفار�سية والعربية من خطر الوقوع يف كمني اجلندي الرتكي ولكن بال فائدة الكل �سخر مني �إال ابو زهرة قال: ـ احمد ال تتكلم مع احلائط فهم اغبياء. مل احاول ان اقنع ه�ؤالء الن الكالم ال جدوى له معهم ثم طلبت من اجلندي ان ي�سمح يل بق�ضاء حاجتي ..ومل تكن يل حاجة لأق�ضيها لومل يكن بحوزتي دوالرات وعلي اخفائها. رجعت اىل املجموعة ثم طلبت من ابو زهره ان يخفي يل ال 200دوالر فزوجته لن يفت�شها احد فنجحت الفكرة. اجلندي قال لنا ـ طلب مني ان اترجم اىل اللغتني العربية والفار�سية ـ : ـ �سناخذكم اىل ا�سطنبول بطريقتنا اخلا�صة وال تقلقوا فقط اخربونا كم لديكم و�سنت�ساهل معكم بدورنا. عند الرتجمة كنت احذرهم من كذب هذا ال�شخ�ص ثم قاطعني احد العراقيني قائال: ـ اخي ملاذا انت دائما مت�شائم اخربه ب�أن لدينا الكثري من املال. 190
�أغبياء كنت امتنى لو ام�سك بخناقهم فهم مازالوا ي�صدقون هذا الرتكي. اجلميع وافق اما انا ف�أخربت اجلندي بان مايل يف ـ وان ـ وعند الو�صول هناك �س�أعطيه حقه. �ضحك اجلندي بوقاحة كبرية ..ثم �رسعان ما نفذ �صربه ف�صاح: ـ الكل اىل اخليمة ف�أنا اعرف الطريقه ال�صحيحة لإخراج املال من عيونكم. خاف اجلميع ..فتو�سل كل �شخ�ص بلغته الأم من اجلندي ان يعطيهم فر�صة ولكن دون جدوى ..فقد اقتادونا كاخلراف اىل خيمة كبرية وبد�أ التفتي�ش الق�رسي والوح�شي ثم �رضبوا االفغانيني بق�سوة .تفتي�ش قوتهم داخل اخلبز ..فتتوه بحث ًا عن املال الذي يخفونه بداخله ..كنت ا�سمع ا�صوات ال�رضب وا�ستنجاد االفغانيني باجلنود ..اما حازم فكان بربود يريح قدميه على جدار اخليمة يغم�ض عينيه وك�أنه واثق ب�أنه يف امان من كل هذا احلدث. حان االن تفتي�شنا ..جاء دوري مل يجدوا لدي اي �شيء؟ ا�ستغرب رئي�س العرفاء فقال يل: ـ ايها ال�سافل اين مالك؟ تريد ان ت�صل اىل ا�سطنبول و�أنت 191
�شحات ...ـ �ضحك و�سمح يل باملغادرة بعد تفتي�ش دقيق. هممت باخلروج وكان اجلنود من�شغلني بالتفتي�ش وعند مدخل اخليمة اعطاين خل�سة احد العراقيني حقيبته ف�أخذتها دون ان اعرف ما بداخلها ولكنني فهمت ان الغر�ض هو انقاذ حمتواها ..ففيها �صليب ذهبي لكل واحد منهم وبع�ض اال�شياء الثمينة. بعد ان انتهوا من التفتي�ش ب�سالم ارجعت لهم احلقيبة �سيفت�ش هو حازم؟ و�شكروين والآن اخر �شخ�ص من ُ
جاء دور حازم يف التفتي�ش تقدم بني واثق اخلطى واخلائف ...ولكنه فقد الثقة وبد�أ باالرتباك ..عندما امره احد اجلنود بخلع حذائه مبا�رشة ..ماح�صل ان اجلندي بعد ان اكمل تفتي�ش حازم امر االخري ان يلب�س حذاءه ومي�ضي فقد انتهى التفتي�ش ..حازم مل يفهم ما يعنيه اجلندي فظن بان عليه ان يرج بقوة احلذاء االي�رس ..رفع حازم احلذاء فا�ستغرب اجلنود ..وكلما امروه بان يغادر ازداد حازم يف هز احلذاء وهو يظن انهم ي�أمرونه بذلك ف�سقط فج�أءة 50يورو ليكون حازم كي�سا للكم وال�رضب اىل ان ركله احد اجلنود بركبته بكل ق�سوة قائال: ـ القواد لديه يورو ..ا�سحقوه ليخرج كل ما لديه. 192
هم اجلنود عليه بال�رضب والركل ..م�شهد عراقي ُي�رضب حتت اقدام اجلنود االتراك لي�س بالأمر ال�سهل و�أمام عيني ي�سبون وطنه ويلعنون ا�صله .وانا عاجز عن ا�سعافه ...فقد ته�شم وجهه وانفه. حملوه اىل اخليمة كجثة هامدة ..ثم رموه على ار�ض اخليمة بكل برود وتركوه ا�سري االمل ...ف�أ�رسعت اليه لكي انظف وجهه من الدماء ثم انفجرت عليه غا�ضبا بعد ان عاد حازم اىل بروده ورفع قدميه لرييحهما على عمود اخليمة: ـ باهلل عليك انزل قدميك ...يارجل دمرتني هل �ستنام كال�سابق؟ ـ وماذا تريدين ان افعل .؟ ـ رمقني بطرف عينيه ثم اغم�ضهما ...ورجع ل�سباته املعهود. �رضبت بيدي على ر�أ�سي ثم نه�ضت وتركت اخليمة ُ غا�ضبا ..وقفت بعيدا عن اخليمة ات�أمل اجلبال ..ثم قاطع �سكوين جندي تركي يحر�س املكان: ـ هل �ستعود اىل تركيا؟ �س�ألني مبت�سما. اوم�أت بر�أ�سي بنعم ..ثم ارجعت ب�رصي لأكمل ت�أملي تاركا اجلندي يراقبني با�ستغراب... 193
اىل �إيران:
ّ حل الظالم والربد معا ..نحن على �سفح اجلبال نحمل غالونات نفط فارغة وال نعرف ملاذا ننتظر �شيئا وال ندري ماهو ..ثم بد�أت ا�شباح ب�رشية قادمة من الطرف االيراين تتجه الينا ..حتمل يف وجوهها ب�شارة وفرحا غري عاديني. ت�صافحوا بحرارة مع اجلنود ثم ا�ستلمونا لقاء 20دوالراً على كل �شخ�ص منا ..اذا اتفاقيات تهريب النفط والأ�شخا�ص تتم هنا وهذه لي�ست املرة االوىل .اخذنا املهربون فنحن االن ملكهم� ..سيتم ت�صفيتنا حال و�صولنا اىل مقراتهم املوجودة على احلدود. خم�س �ساعات من امل�شي بني اله�ضاب ويف الليل بالتحديد ..واملهرب مازال يردد مل يبق اال الربع الي�سري ...فال تقلقوا� ..ست�صلون اىل خيمنا وترتاحون وتاكلون وت�شبعون ومن ثم �سنو�صلكم اىل حيث ت�شا�ؤون. ثم حذرنا من رمي الغالونات ولكننا �رسعان مارمينا الغالونات احتجاجا قائلني: ـ ل�سنا بغاال مفهوم. ـ ال انتم اخوتنا هات عنك .ـ ف�أخذ من احدنا الغالون ليهدئ الغ�ضب والتعب الذي بات يحتل الوجوه ـ و�صلنا بعد 194
�ساعات اىل اماكنهم ثم دخلنا خيمة كانت مقامة خ�صي�صا، وبعد الع�شاء نام كل واحد منا يف الفرا�ش املخ�ص�ص لنا. ه�ؤالء يف ال�صيف ميار�سون التهريب حيث يع�سكرون مع اهاليهم وبخيامهم على �سفوح اجلبال بحجة رعي االغنام ويف نف�س الوقت ُيهربون النفط والأ�شخا�ص من واىل تركيا.
ويف �صباح اليوم التايل كنت مع ابو زهرة نتبادل احلديث على نهر جار ف�أخرجت الدوالرات لأغ�سلها يف النهر: ـ اين كان هذا املبلغ فرائحتها تكاد ان تخنقني. فعال الطبيعة جميله فكل �شيء من حولنا اخ�رض وجبال �شاهقة القمم حتيط بنا وتبهرنا بارتفاعاتها .وجدت التفافة غريبة من قبل جمموعتي حول املهرب وهو ي�رسد لهم خطة الذهاب اىل تركيا فان�ضممت اليهم لأ�سمع ما يقول انه يكذب ولكن ال ب�أ�س نحن بحاجه اىل الكذب احيانا لكي ترتاح اع�صابنا. كنت احب اخلبز احلار الذي ت�صنعه الن�ساء ومل امنع نف�سي من االقرتاب منهن واطلب �شيئا من اخلبز اللذيذ ..العب مع االطفال كل يوم يف الربية ..فعال الراحة بد�أت ترجع يل.. وخ�صو�صا يف هذا املكان ال�سحري اجلميل. مل يرق يل االختالط مبجموعتي ف�أنا ال اعرفهم ولكن ـ حازم ـ كان �شخ�صا فريدا من نوعه ،فبالرغم من �آالمه فهو مازال نائما 195
على طريقته املعهودة ..طلب املهرب ان يق�سم ًا املجموعة التي تود الرجوع اىل العراق او طهران او تركيا ..ثم اخذ ق�سم منا ب�سيارته اىل مركز املدينة ليت�صلوا بذويهم لتلقي مال ال�سفر .رف�ض �شقيق حازم ان ي�ساعده رغم انه يعمل دكتورا يف املانيا ..ورجع الينا يبكي وي�شتكي ق�سوة اخيه عليه .نقلنا املهربون اىل اماكن اخرى لكي نبد�أ بال�سفر ولكن كالعادة كنا نت�أخر عن موعد اخلروج ..تارة يبعدوننا عن اخليمة ويخيفوننا بالتزام ال�صمت لأنهم يتعر�ضون حلمالت دوريات ال�رشطه ولكنها كانت جمرد اكاذيب لكي يوفروا م�صاريف الطعام.. وبعد ايام اجتمعنا عليهم و�أم�سكت بخناق احدهم قائال: ـ ان مل نخرج ف�سوف لن تلقوا ما ي�رسكم ..ولن نرتك اخليمة بعد الآن مفهوم؟ مل ينب�س املهربون بكلمة بعد ان ر�أوا تكاتفنا ،بل كنا ن�ستيقظ وقت ما ن�شاء دون ان ي�سوقونا خارج اخليمة �صباحا اىل اخر النهار ..حتى انهم كانوا يجلبون لنا بدل اللنب واخلبز الرز واللحم يف اغلب االوقات. ا�ستطاع املهربون ان ي�ستولوا على الذهب الذي كان بحوزة العراقيني رغم انهم كانوا يعتربون ال�صليب اغلى �شيء لديهم، فهو تذكار غال من امهاتهم اليهم .قلت معاتبا احدهم: ـ انت غبي كيف تدعي ب�أنك مهرب وقد �ضحك عليكم 196
املهربون فاخذوا منكم كل ما متلكون. كانوا نادمني ولكن فات االوان وقد انتهى كل �شيء ومل يبق على موعد االنطالق �إال ايام قالئل. و�صل املهربان من تركيا لكي ننطلق معهما ،هما كرديان من ا�صل تركي يتكلمون الكرماجنيه ..وما ان با�رشنا امل�سري حتى بد�أت ال�سماء متطر ثم اثلجت ثم امطرت والغريب اننا يف ال�صيف. الرحله كانت يف الليل جنتاز التالل العالية ب�صعوبة ب�سبب لزوجة االر�ض التي حتولت اىل طني ..ال نكاد نرى االر�ض من �شدة التعب ولكن التزم كل واحد منا ب�صربه الذي كان �سبب و�صولنا ب�سالم اىل االرا�ضي الرتكية بعد �ساعات من امل�شي ..قال لنا املهرب: ـ املفارز متلأ املكان �سوف نرتاح يف احد البيوت لكي نوا�صل م�سريتنا غدا ليال� ..س�أت�صل ب�أحد عمالئنا ليقلنا اىل املكان. كان جادا يف كالمه ومل يكذب معنا طول الطريق وهو يعلم ب�أننا المنلك �شيئا فكل ما منلكه قد اخذوه لقاء ان ن�صل مدينة ـ وان ـ جل�سنا بني االحرا�ش ننتظر �سيارة العميل باملجئ.. نرجف من �شدة الربد ف�أج�سادنا مبلوله من املطر ولكن ال�سماء �صافيه االن وهذا يعني ان المطر �سيهددنا جمددا .ت�أخرت 197
�سيارة العميل ثم قال لنا املهرب: ـ العميل ت�أخر وهذا يعني انه و�شى بنا� ،سنغري هذا املكان. وفعال انطلقنا اىل تغيري مكاننا وبعد ن�صف �ساعة جاءت �سيارات ال�رشطة تبحث عنا يف تلك النقطه التي ع�سكرنا بها. ـ انتم االن ب�أمان ال تتحركوا علي ان اجد �شخ�صا يف هذه القرية لإيوائنا لهذه الليله ال تتحركوا مهما ت�أخرت. ت�أخر الرجالن وال�ساعة االن اخلام�سة فجرا ..بد�أنا ن�شك ب�أمر رجوعهما ..ثم طلب مني اجلميع ان ابحث مكان لإيوائنا مل يروق يل تلك االفكار ولكن احلاح اجلميع وتو�سالتهم جعلني افكر يف ا�صطحاب االفغاين معي لنبحث عن مكان لق�ضاء الليلة بعيدا عن خطر ال�رشطة ..ولكن هل �س�أجنح؟
�شكرا يا �ضوء القمر: ولعل يف االمطار الغزيرة فائدة لكي ا�ستدل على رفاقي بعد ان افقدهم وهذا ال�شيء كان مهما جدا يل.. تركت الرفاق اخلونة لأبحث عن �شخ�ص ي�ساعدنا بعد ان وعدين اجلميع بانهم لن يرتكوين مهما يحدث ..ا�صطحبت االفغاين معي ثم دخلت القرية فبد�أت كالبها تنبح علينا.. عربنا نهرا �صغريا ثم ازداد نباح الكالب ..واجتهت اىل دار 198
مظلمة ال�ستنجد ب�صاحبها ..طرقت الباب ا�شعل �صاحب الدار االنوار ثم خرج علينا م�ستغربا ..كان اعور ال يب�رش وجهه باخلري ف�س�ألنا: ـ من انتم؟ ـ قالها بقلق �شديد ـ . ـ نحن فل�سطينيون قدمنا من هذه اجلبال .ـ �أجبته م�شريا اىل اجلبال ـ . نظر الرجل اىل اجلبال املحيطة بالقرية ثم ا�ستطرد وقال: ـ وكيف و�صلتما اىل هنا؟ امل ت�صادفكما قطعان الذئاب؟ ـ ال ..انا وا�صدقائي نريد مكانا للمبيت. ـ �إذن انتم جمموعة؟ ت�ساءل الرجل. ـ �أجل ولكن ارجوك اريد بع�ض املاء من ف�ضلك ف�أنا عط�شان منذ البارحة. �أمر ابنه ال�صغري بجلب غالون كبري من املاء ...حملها الينا ب�صعوبة� ...رشبت اىل ان اكتفيت ثم اعطيت االفغاين الباقي لي�رشبه. ـ هل عندك مكان للنوم؟ ال تقلق �ست�أخذ اجرك. ـ نعم ..كم عددكم؟ ـ ما بني 12او .13 199
ـ �ستنامون يف حظرية االبقار وكل �شخ�ص يدفع خم�سني دوالرا. ـ موافقون �س�أجلبهم و�آتي اليك. انطلقت مع االفغاين ب�رسعة اىل املجموعة لكي اب�رشهم باخلرب ..اح�س�ست ان امرا ما ح�صل فانا ال اجدهم يف اماكنهم؟ ت�ساءلت فيما لو ا�ضعت الطريق؟ ثم امعنت النظر اىل مكان جلو�سهم ..نعم هذا مكانهم ولكن ماذا حل بهم؟ قلق االفغاين وبدا بالنحيب .قلت له بالفار�سية: ـ اهد�أ �س�أجد احلل. ـ وكيف �ستجد احلل لقد ذهبوا وتركونا نواجه قدرنا. ـ اهد�أ �سنجدهم. جل�سنا نفكر ثم خطرت يل فكرة مل تكن يف احل�سبان فقلت له... ـ وجدتها. ـ ماذا وجدت؟ ـ الطريق ياغبي. ـ وكيف وقد تال�شت �آثارهم؟ كانت اثارهم مازالت موجودة وبف�ضل �ضوء القمر ا�ستطيع ان اقتفي االثار وا�صل اليهم مطمئنا. 200
ـ هذه اثارهم انظر اتبعني و�سن�صل اليهم. االفغاين اعتربها فكرة غبية ولكنني مل اهتم به اال انني كنت حري�صا على تنفيذ ما بر�أ�سي اىل ان و�صلنا اىل بركة ماء ..لقد فقدت االثر ثانية ..هل عربوا الربكة؟ ام تلقفتهم ال�سماء؟. ال ارى لهم اثراً ما بعد الربكه اذن اين هم؟ ثم �سمعت �صوتا يناديني ب�صوت خافت: ـ احمد نحن هنا. ـ اوغاد تفكرون يف انف�سكم وح�سب .ـ قلت لهم غا�ضبا ـ ... ـ نعم يا �أحمد (كان احمد ا�سمي امل�ستعار) نحن هنا داخل االحرا�ش فقط تعال ارجوك. تنف�ست ال�صعداء ثم توجهنا اليهم بكل نفاد �صرب .ما �أن ر�أيتهم حتى انهلت عليهم بال�سب وال�شتم: ـ ايها الكالب تركت مكاين من اجلكم وانتم تتخلون عني. ـ كال لقد اخربنا املهرب انه لن يرجع الينا حتى يعود بكما فاطمئن يا �صاحبي. ـ و�أين هو االن؟ مل اكمل حديثي حتى �سمعت احدا قادم ًا الينا من بعيد.. 201
فالرجالن عادا بعد ان يئ�سا من البحث عني وما ان ر�آين املهرب حتى قال يل: ـ اين كنت؟ كيف جتر�ؤ على ترك مكانك؟ لقد وعدناكم بالرجوع وكان عليك ان ت�صدقنا ..انتم دفعتم كل ما لديكم فكيف �س�أترككم يف بلد غريب اين ذهبت الرحمة. حتركنا اىل البيت الذي �سنق�ضي فيه ليلتنا ..كنا ندخل بكل هدوء لكي ال يح�س بنا اجلريان ..ثم دخلنا اىل حظرية فارغة ونظيفة ومفرو�شة وعلى على االر�ض تنور يف داخله ي�شتعل نار هادئة ال حترق من يحاول ان ينال الدفء منه.. وعند ال�صباح ا�ستيقظنا للفطور ..وق�ضينا اليوم كله داخل احلظرية الفارغة ننتظر الليل لنكمل امل�سري ..الطريق كان ملغوما بدوريات ال�رشطة ..كلما اقرتبت دوريه انبطحنا لن�ستوي مع االر�ض الرملية لنتجنب �سياراتهم .طال بنا امل�سري ايام ًا ننام يف النهار بني االحرا�ش ون�سري يف الليل ..حذائي املتهرئ ال ي�صلح للم�سري و�أوجاع �ساقي ال تنتهي وال منلك غري ان نتحمل االعباء لن�صل ب�سالم .قرية مهجورة �صادفتنا فيها بع�ض البيوت امل�سكونة ..دخلنا اىل بيت مهجور مفرو�ش ثم اغلقوا الباب واقفلوه باملفتاح علينا ..مننا كنوم ا�صحاب الكهف ،و�ضعنا يرثى له. حل ال�صباح واقرتب وقت الظهر ..بد�أنا نفيق الواحد 202
تلو االخر ال حمامات وال مطبخ ،االبواب مو�صده .نادينا بالأ�شخا�ص اللذين ينظرون الينا وي�ضحكون ولكن بدون جدوى .فا�ضطررت ان اق�ضي حاجتي داخل احلذاء القدمي وان اعطي الزوج االخر من احلذاء ل�شخ�ص اخر .تخل�صنا من االحذية بوا�سطة كي�س عن طريق ال�شباك ولكن ل�سوء احلظ فالرمية جاءت بالقرب من ال�شباب وكان كافيا يف اندالع حرب وم�شادة كالميه طويلة. مل اعد املك حذاء اكمل فيه م�سريتي ال�شاقة ...اخرج احدهم حذاءا جديدا ليتفقده ثم طلبت ان يعريين القدمي ولكنه رف�ض ب�شده وبال�ضغط عليه ا�ستطعت ان اح�صل على احلذاء لإكمال الرحله ال�شاقة. اثناء امل�سري عانى حازم من �آالم القدم فا�ضطررت اىل ان �أت�أخر عن الرفاق و�أ�ساعده يف امل�شي ..ولكنهم جتاهلونا و�ساروا م�سافة كدنا ان نفقدهم ..فناديت بغ�ضب عليهم لكي ي�ساعدونا ..خاف اجلميع من ان يف�ضح امرهم ف�أجربهم املهرب على العودة وم�ساعدتنا. و�صلنا بعد م�سرية ايام اىل مدينة ـ وان ـ وهناك اخذ املهربون كل الذهب واملال من رفاقي وال خيار لهم بالرف�ض فاالتفاق �سار على هذا اال�سا�س وكانت امالكهم مرهونة لدى املهربني منذ البداية. 203
اىل اح�ضان ا�سطنبول: مكثنا يف بيت احد املهربني لكي نتهي�أ للمرحلة االخرية وهي ا�سطنبول ولكن علينا ان نختار بحذر ال�شخ�ص الذي �سيتكفل ب�إي�صالنا دون متاعب وعليه ان يكون ذكيا جدا ..يف البيت انا وحازم وحوايل خم�سه من اخوتنا امل�سيح وبنغالد�شي و�أفغاين و 2من تركمان العراق .مل يخرجنا احد لق�ضاء احلاجة منذ ال�صباح فا�ضطررت اىل التبول يف ا�صي�ص االزهار. عار�ضني اجلميع ولكنني جتاهلتهم فهنا يف الغربة تعمل ما ال تتوقعه لكي تعي�ش ..ولأنك ل�ست يف بيتك لت�صنع ما ت�شاء.. فال �ضري من بع�ض الت�رصفات غري الالئقة لل�سالمة ال�صحية. بعد ايام قالئل ح�رض ابن �صاحب املنزل ليحمل لنا خرب التهي�ؤ لل�سفر و�أكد والده ذلك ..ولكن عندما جاء �شخ�صان لكي ي�أخذانا اىل ا�سطنبول ا�ستوقفت جمموعتي الن ال�شخ�صان ال يت�سمان بال�صدق ..ولكن امل�سيحيني ا�رصوا على الذهاب وودعونا بالفعل.. حازم ا�شتعل من االنتظار وكان يتحايل عليهم با�صطحابهم ..منعته ومل يكن لي�صغي حتى قال املهرب: ـ ال مكان للآخرين. وودعونا فرحني� ...س�ألني احدهم قبل ان يذهب: ـ احمد انا معجب بتقديرك للأمور فماذا تعتقد هل �سن�صل؟ 204
ـ ال ا�ستطيع اجلزم فاهلل يعلم ولكن خذوا حذركم وال ت�صدقوا كل ما يقال لكم.. غابوا عنا وحازم الذي اجه�ش بالبكاء ويلومني تارة ثم ربت على كتفه ثم ينظر من خالل ال�شباك تارة كاملجنونُ ... قلت بثقة: ـ حازم وعد مني �سرتافقني ..ف�أنا يف حياتي مل يخب يل طلب عند احد ...واالن �ستجدين معك رغم انك ثقيل الظل وع�سري اله�ضم ولكنني �س�أ�ساعدك. طال البقاء وها نحن نعي�ش يف حرب اع�صاب ال نعلم م�صرينا ..حازم قلق على و�ضعه و�أنا قلق من اخلطوة االتية فلو ف�شلنا ال قدر اهلل ف�أن االمور �ستزداد تعقيدا .بعد ايام جاء رجالن ومن اول كالم معهما ت�أكدت ب�أنهما ذكيان فال�شجاعة ت�ضيء وجهيهما ومل اتردد باملقابل ان اعقد معهما اتفاقا وننطلق ..مل يرف�ضا ا�صطحاب حازم لأنهم علموا بق�صته و�سي�أخذونه لأنه �صديقي هكذا قال املهرب ومل مت�ضي �إال حلظات حتى كنا يف داخل ال�سيارة لننطلق اىل بيت اخر لكي ننطلق كمجموعه اىل ا�سطنبول. ا�ستغرقت الرحلة ايام ًا ...مل نرتجل يوما لنم�شي او نقطع جبال �سوى لق�ضاء حاجتنا بني اال�شجار ..كنا منر ب�أماكن جميلة ..طبعا مل يكن مبقدورنا ان نرى الطريق ..ال نوافذ وال 205
�شعاع �شم�س يخرتق مكاننا �إال اننا كنا ننزل بني فرتة و�أخرى لنغت�سل قليال من العرق الذي غطى اج�سادنا من احلر ال�شديد ثم ن�صعد ال�سيارة وننطلق ..كنا وجبتني انق�سمنا يف �سيارتني من نوع ـ فان ـ .. اللحية غطت الوجه و�أكاد ا�شعر انني ا�صبحت بيتا للقمل.. ففي احدى املرات و�أنا اغ�سل وجهي اح�س�ست بهذه احل�رشة املربكة ت�سري على حافة املالب�س ..مما اثار يف نف�سي القلق. ا�ستغرقت رحلتنا ا�سابيع بني القرى تارة وبني الطرق ال�صحراويه تارة اخرى ...انهكنا احلر ال�شديد ..كانت ثالث مركبات االوىل ت�ستك�شف الطريق وتر�سل اال�شعارات اىل املركبتني اللتني حتمالن اال�شخا�ص. و�أخريا ـ ا�سطنبول ـ هتف املهرب من جهة االمام ..مل يكن مبقدورنا ان نرى من يف اخلارج الن ال�سيارة مغلفة بالأخ�شاب من الداخل لكي ال نكون وا�ضحني للعيان ...ولكن الفرحة عمت وجوهنا ..دخلنا منطقة تق�سيم وارجتلنا ب�رسور وخائفني ّ يف نف�س الوقت من املركبه اىل �شقه خا�صة كانت مليئة بالأفراد الذين و�صلوا قبلنا وهم ينتظرون االفراج حال دفع املبالغ التي عليهم .املنطقه ب�أ�رسها وحتى ال�رشطة كانت تابعه للمافيا الكردية التي جاءت بنا اىل ا�سطنبول ..وكل البيوت املجاورة كانت تنقل االخبار اىل املهربني ...ففي احد االيام حاول 206
احدنا ان يك�رس حديد ال�شباك ...فات�صلت فتاة ب�أحد املهربني لكي تنقل له االحداث .ويف مره من املرات قرر املهرب تق�سيمنا اىل �شقق متفرقة لكرثة اعدادنا ..وكان البنغالد�شي له الن�صيب يف نقله اىل �شقة اخرى وحاول الهرب ...التزم رجال املافيا الثبات يف اماكنهم وكنت مدهو�شا لردة فعلهم.. ولكن بعد دقائق مت اح�ضاره اىل املهربني ب�سيارة ال�رشطة... وكانت جنايته كافية لأن يتلقى جزاء هروبه ال�رضب حتى تدفق الدم من وجهه وفقد وعيه ثم ارجعوه اىل ال�شقة حمموال بني ايدي املافيا. ت�أخر موعد دفعي للمبلغ ثم قال يل املهرب: ـ �أنا مل ا�صدق احدا يف حياتي ،ولكنني عندما اتفقت معك يف ـ وان ـ ادركت انك ابن حالل وال تكذب ولهذا ال�سبب �ساخذك اىل �صاحبك الذي تكفلك لكي يدفع املبلغ عنك وعن حازم. ـ حازم لن اقدر دفع مبلغه الن اخاه قد نكل به ...ولكنه �شاب جيد وارجو ان تت�ساهلوا معه. ـ ان لن يقدر ان يدفع �سنرتكه لأجلك ...لأنك �شاب مثقف ..و�سن�آخذك اىل عدنان لكي يدفع املبلغ ..ولكن �صدقني مل افعل هكذا �شيء من قبل ...فكل من اليدفع ي�شتغل يف احد م�صانعنا ثم نع�رصه جيدا ومن ثم نعلن حريته مبزاجنا. 207
يف اليوم التايل ذهبت معه و�صاحبه اىل عدنان الذي �سيدفع املبلغ وطوال الطريق ونحن من�شي يف ا�سطنبول ويف االماكن املزدحمة تركاين حرا وبال مراقبه كان املهرب يبت�سم يف وجهي وي�س�ألني لو كنت جائعا او ال ..وجهاهما اليدالن على ال�رش وكان �صاحبه الثاين ي�صلي يف وقته ومل ار اي ت�رصفات �سيئة منهما غري االحرتام ..لأنني يف االيام االخرية كنت اق�ضي فرتة احتجازي يف بيتهما.. وقت الغروب و�صلنا اىل منطقة قا يا با�شي ..معمل قدمي جدا حتى ال�سقف مليء بالثقوب وال يحمي احد من االمطار ..ميلأ املكان رمل ا�سود الن امل�صنع يعمل قوالب تعتمد على �صب احلديد امل�صهور يف قوالب رملية� ..سيارات ومعادن كاجلبال متلأ اطراف املكان القذر واملهجور ..قال يل املهرب: ـ �ستكون مفاج�أة ل�صاحبك انتظر هنا و�سنباغته كالع�صابات لرنى ردة فعله ولكن ال ت�ضحك. ابت�سمت ثم بلغنا غرفة عدنان ..كان االخري م�شغوال يف غرفته املتوا�ضعة ال�صغريه حينما دخلوا عليه ب�رسعة كانت كافيه لإرباكه. ـ انت عدنان؟ اجب ب�رسعة. ـ نعم .ـ اجابهم حماوال ان ي�سيطر على رباطة ج�أ�شه ـ . 208
ـ تعرف احمد؟ ـ من احمد؟اجابهم. انطلت املزحة عليه ولكنهم �رسعان ما ك�شفوا عن لعبتهم ثم ناداين احدهم اىل الداخل ..ا�ستقبلني عدنان بحرارة �صادقة تنا�سينا كل ما �صادفنا من م�شاكل وك�أنني التقي به لأول مرة ..جل�سنا ثم اتفقنا على موعد ت�سليم املبلغ واخرب عدنان ال�شخ�صني ـ كما او�صيته ـ ب�أن يل اه ً ال يف العراق قد باعوا لوازم بيتية لت�أمني املال يل ..ويف ال�شقة ا�ستطعت ان احلق حليتي وا�ستحم ثم انتظر عدنان لي�أتي و ُيفرج عني. و�صلنا ـ قا يا با�شي ـ مع عدنان ب�سالم ..وعملت مع عدنان �شهراً ثم انف�صلنا ب�سبب امل�شاكل ،مما ا�ضطررت اىل الرجوع اىل معمل البال�ستيك الذي تغريت ادارته اىل اال�سو أ� ثم ابد�أ رحله جديدة من م�شوار العمر ال�صعب.
الهروب من �سجن ا�سطنبول: اداره جديدة ووجوه جديدة يف املعمل الذي تركته قبل �شهور ..االخوان من اذربيجان كانا يعمالن ويقيمان يف امل�صنع ..فان�ضممت اليهما ..كانا رائعني وكانا يعامالنني بلطف ..بد�أت اول ا�سبوع عمل ...وما �أن ّ حل يوم االحد 209
حتى ق�صدت ا�سطنبول للرتفيه كعادتي ..وعندما كنت اق�صد ا�سطنبول كنت ازور حانات ا�سطنبول لال�ستمتاع بالأغاين الرتكية القدميه وال�رشاب الرتكي املف�ضل لدي واق�ضي وقتا �سحريا ان�سى فيه تعب العمل وبعدها اعود ادراجي اىل حيث اعمل و�أقيم. و�صلت اىل ا�سطنبول وجتولت يف �شوارعها وكان يوم االحد ـ عطلتي اال�سبوعية ـ ..وا�ستن�شقت هواء البحر اجلميل واملنظر اخلالب لل�صيادين وهم يدلون ب�سناراتهم من �أعلى اجل�رس اىل النهر ...مدينة �ساحرة ع�شقتها كثريا ومتنيت لو انني ا�ستقر بها للأبد. نه�ضت من املقعد لكي اق�صد ال�سينما ..ا�شرتيت تذكرة ثم جل�ست يف قاعة ال�سينما ا�ستمتع مب�شاهدة الفلم اىل �أن جرت الرياح مبا ال ت�شتهي ال�سفن ..اناروا ا�ضواء ال�سينما فج�أة.. ودخلوا �رشطة االداب ب�رسعة ثم طلبوا من اجلال�سني بطاقاتهم ال�شخ�صية ..و�صل ايل الدور ف�أجبت ال�رشطي بالرتكية ـ ب�أنني ن�سيت بطاقتي يف البيت ـ ..ف�أمرين ب�أن انتظره يف زاوية ال�سينما مع الباقني. كان هذا ما يخيفني فبعد م�شقة القدوم اىل ا�سطنبول يتم القب�ض علي يف مكان تافه ومن ثم االقي ما ال ير�ضاه احد على حالتي ..جمعت رباطة ج�أ�شي وتقدمت اىل الزواية 210
البعيدة بكل ثقة� ..أم�شي اىل نقطة املوت ..نقطة الف�صل.. نقطة ته�شيم العظام لو ف�شلت يف الهروب ..ف�أمامي �أرى ُانا�سا مدنيني اتراك ًا ولي�سوا اغراب ًا ت�رضبهم ال�رشطة بق�سوة.. فما بايل �أنا غري القانوين؟ ماذا �س�أقول لهم؟ و�صلت نقطة التجمع وا�ستدرت جهة ال�شمال القريبة منهم ال�ستغل ان�شغال ال�رشطة املدنية ب�رضب املدنيني ثم اطلقت �ساقي للريح� ..صعدت ال�سالمل ب�رسعة من دون ان يلحظني احد.. قابلني على ال�سالمل مدير ال�سينما الذي كان يق�صد ال�صالة ومل ينب�س بكلمة عندما ر�آين اهرب ..اىل ان حالفني احلظ وبلغت الباب اخلارجي لل�سينما ثم اختفيت من املنطقة. ال ا�صدق ف�أنا حمظوظ ،فتلك حركة تودي ب�صاحب من يفعلها اىل تك�سري ا�ضالعه ال حمالة من ال�رضب ..فكيف جنوت؟ وكيف جتر�أت على مثل هذه الفعلة؟ قررت الذهاب اىل اجلامع لق�ضاء حاجتي وما �أن دخلت باب اجلامع حتى ر�أيت ان بع�ضا من ا�صحابي ـ �أكراد العراق ـ يف قب�ضة رجال ال�رشطة فعدلت عن فكرتي لأرجع ادراجي من مدخل اجلامع وكنت م�صمم ًا على ان ال يروين ..و�صعدت احلافلة لتقلني اىل منطقة �سامنجالر ..املنطقة القدمية التي كنت ا�شتغل يف احد معاملها �سابقا ..جل�ست يف احلديقة قليال ثم مرت دورية ال�رشطة من غري ان تنتبه لوجودي ..رن هاتفي 211
املحمول� ..صديق كردي قدمي يدعى ـ خو�شناو ـ تعرفت عليه يف ايران بات عندي ليلة قبل ان يغادر اىل تركيا حينذاك ..وها نحن نلتقي بعد �سنتني على غري موعد ..ات�صل و�أعرب عن ا�شتياقه ملعرفة اخباري وطلب ر�ؤيتي ..فهو �سينتظرين على ال�ساحل ..اخربته بق�صة حادثة ال�سينما واين �س�آتي لأراه بعد ان انهي املكاملة فورا. نه�ضت وركبت احلافلة اىل منطقة ـ اك�رساي ـ � ..رشد ذهني قليال اىل عامل العراق ومل انتبه ملفرزة ال�رشطة التي كانت مقامة امامي وح�صل ما مل اكن اتوقعه ..ا�ستوقفوين فج�أة ثم �س�ألوين عن بطاقتي ال�شخ�صية ف�أخربتهم انها يف البيت ..قال يل ال�رشطي ـ انت ل�ست من تركيا ـ ف�أجبته ـ انا من اذربيجان ـ ..متعن ال�رشطي جيدا يف ا�سناين ثم قال بابت�سامه خبيثة: ـ االذربيجانيون لديهم ا�سنان من ذهب و�أنت ال ..ا�صعد يف ال�سيارة ويف املركز قل ما ت�شاء. قيدوين بالأ�صفاد لأكون ال�شخ�ص الثالث يف ال�سيارة ممن القوا القب�ض عليه ..ال�شخ�صان من اتراك تركيا ولكن ال�رشطة دائما تطلب الدليل ومبا انهما عاجزان عن اثبات هويتهما فعليهما اثبات ذلك يف التحقيق .انتهت عمل الدورية اليوم وتوجهوا بنا اىل مركزهم الكائن يف منطقة تدعى ـ توب قا بي ـ هذه املنطقة مليئه بفتيات الليل من خمتلف الدول ـ رومانيا ـ 212
بلغاريا ـ ورو�سيا وب�أرخ�ص االثمان ..اتذكر جيدا عندما كنت ا�صطحبهن اىل الفندق ..كنت احمل هوية احلزب الرتكماين �آنذاك لكي اجتنب املتاعب مع ال�رشطة. و�صلنا مركز ال�رشطه ..كان ال�رشطي يقول دائما: ـ ال تخافوا �سوف نفرج عنكم. اكذوبة جميلة لكي ال نقدم على الهروب ...هنا فقدت االمل ..ف�أنا مكبل فكيف �س�أهرب؟ ارجتلنا من ال�سيارة ثم اقتادونا اىل املركز ..دخلت املركز ب�صحبة ال�رشطة وك�أنني اعي�ش يف كابو�س لن ينتهي ،ف�أمري قد ُح�سمته هذه اللحظات ..تعبت وقدماي ال تكادان ان حتمالين و�صور اجلبال والوديان واملغامرات العنرتية تزور بخبث خميلتي ..الوطن ..ال والدان ..وال من معني اال من هو العظيم ـ اهلل ـ ماذا �س�أعمل؟ ا�ست�سلم؟. مررت باال�ستعالمات ،ا�ستقبلونا بال�سخرية وكلمات تدل فرحتهم بالقب�ض علينا ..اقرتب احد رجال ال�رشطه ليفك قيدي ثم ادار بيديه كتفي با�ستهزاء لأدخل الزنزانة املليئة ب�سجناء غري �رشعيني ..ما ان فتح ال�رشطي باب الزنزانة وقدمني لأدخل ..حتى ركلته من اخللف بكعب احلذاء بقوة لأهرب من مركز ال�رشطة ..وقف اجلميع على ارجلهم متفاجئني.. 213
تغريت االجواء بد أ� ال�صياح والتهديد ـ قف �سنقتلك ـ وتاره ي�صيحون :انت ايها الغبي االرهابي �سرنيك ما �سنفعله بك.. مل ت�ستوقفني �صيحاتهم بل زادتني ا�رصارا على الهروب.. خرجت اىل ال�شارع اجري بني االزقة وخلفي �سيارتان من نوع رينو تطارداين و�أنا ارك�ض بكل قوة والنا�س تتدافع مع بع�ضها لكي تهرب مني ..وعدد من افراد ال�رشطة يطاردونني بال �سيارات ،ويهتفون باملواطنني :ارهابي� ..أوجالين ـ اي من حزب عبد اهلل اوجالن ـ لكي يجعلوا املدنيني مي�سكون بي ولكنهم ازدادوا خوفا ف�أنا بنظرهم ارهابي وال ي�ستبعدون ب�أنني انتحاري �أي�ضا. رك�ضت م�سافة طويلة ثم مالبث ان مد احد الواقفني من النا�س بهدوء يده اىل قمي�صي ليم�سك بي وانا منهك القوى.. وما ان حاولت �رضبه حتى احاطتني �سيارتا ال�رشطة .على الفور و�ضعوا اال�صفاد يف يدي ..اداروا ظهري جهة ال�سيارة للتفتي�ش من اعلى الر�أ�س اىل ال�ساق ..اقرتب مني ال�رشطي الذي ركلته وكان يعرج من الوجع ثم ار�سل ايل لكمة بقب�ضته وكان يف ا�صبعه خامت ف�ضي مر�صع بحجر ..فاخرتق اخلامت جلدي ليمزقه وبد�أت �أنزف دما اختلط بلون ا�صفر قليال. منعه احد رجال ال�رشطة من �رضبي �صارخا يف وجهه: ـ ال ت�رضبه فهو االن ينزف ..كم انت بليد. 214
قادوين اىل ال�سيارة ويف الطريق اىل املركز ابت�سم رجال ال�رشطة وقال احدهم مازحا: ـ ملاذا مل تك�رس �ساقه فنحن نكره ذلك ال�رشطي. �أحرجني جدا فيما اجيبه؟ ف�أنا انزف وال اريد ان اكون كي�س ًا للمالكمة يفرغون بي غ�ضبهم. يف تلك االثناء و�صلت مركز ال�رشطة اجلميع ينظرون ايل بده�شة عظيمة يتكلمون عن هروبي و�شجاعتي يف تنفيذ الفكرة ..ا�صبحت م�صدر حديثهم وك�أنني �شغلهم ال�شاغل.. غري ان الدم اقلقهم كثريا وحاولوا التخل�ص مني ب�أية طريقة لأنهم �سي�ساءلون قانونيا. ال�رشطي طلب مني وهو يفتح باب ال�سجن االنفرادي ان اغ�سل اجلرح و�أعالج النزيف ولكن دون جدوى ،فاجلرح عميق ..اخربت ال�رشطي ب�أنني م�ستعد ان اهديه هاتفي املحمول لو اخرجني ..نظر اىل الهاتف املحمول القدمي ..هز ر�أ�سه بالنفي ..ت�شاوروا فيما بينهم وبعد حلظات جاء ال�رشطي ُليطلق �رساحي. �صعدت معهم يف �سيارتهم لكي يو�صلوين اىل املكان الذي �س�أختاره ف�أخربتهم ب�أنني اود ان اذهب اىل منطقة ال�ساحل الرى �صديقي الذي ينتظرين هناك.. 215
يف تلك الفرتة كانت تركيا متر مبناف�سات انتخابية وكان اردوغان قد ر�شح نف�سه لأول مره وما زلت اتذكر تلك الفرتة االنتخابية التي مرت بها تركيا ..نزلت من ال�سيارة ثم التقيت بخو�شناو ولفرتة ق�صرية ثم عدت اىل امل�صنع يف ـ قايه با�شي ـ .
الطريق اىل اليونان :2003 حل ال�شتاء ونحن يف نهاية 2002وما هي �إال اياما معدودة و�سنودع ال�سنه القدمية ..ومازلت اعبث ب�أيامي والأيام تعبث بي بال رحمة وكما ت�شاء ..مل ان�سى ذكريات امي املتوفية و�أ�صدقائي ..فالغربة ت�شدك اىل حب الوطن اكرث وجتعل منك وطنيا ويف نف�س الوقت تكره وطنك ،معادلة معقدة.. ا�ستقبلنا را�س ال�سنه اجلديدة 2003وحتت طرقات منا�شري االعياد احتفلنا يف داخل امل�صنع الذي نعمل فيه ..انا وبع�ض العمال ..االتراك احت�سوا كثريا من الكحول وتقي�أ احدهم مما ا�ضطررنا اىل حمله اىل منزله. تناقلت ال�صحف تهديد جورج دبليو بو�ش ل�صدام ح�سني، ون�رشت اخلطط الع�سكريه التي مت و�ضعها من قبل القيادات الع�سكرية �أي احللفاء يف ال�صحف الرتكية و�أ�صبح العراق حديث االتراك يف كل مكان ..اما انا فكالعادة كنت اظن انها متثيلية حت�صل مثل كل وقت ولن تغري هذه التهديدات من 216
الو�ضع �شيئا ..دافع االتراك عن �صدام ،بينما كنت م�ستاء حتى من ا�سمه ..مل اعلق بل اكتفيت باالن�رصاف اىل عملي.. يف الليل عندما ينتهي عملي انام من �شدة التعب وا�ضع كي�سا ككي�س القمح حتت فرا�شي لئال يت�سخ ..اجلب الكي�س من املخزن فهو فارغ من الب�ضاعة وال �ضري من ا�ستعماله لأنني انام على االر�ض ..الحظ ذلك �صاحب امل�صنع املليونري وجاء لي�سحب الكي�س بغ�ضب قائال: ـ اال تعرف ان هذه االكيا�س نحن نبيعها بعد ان نفرغ املواد منها؟ كيف جتر�ؤ على ا�ستعمالها هذه خ�سارة لنا... قطع الكهرباء لأنها مكلفه ف�أ�صبحنا نعي�ش يف الظالم.. ويف احدى الليايل كنت اتكلم مع اختي وارجتف من �شدة الربد القار�س ..ف�أ�رصت ان اترك املعمل وابحث عن مهرب مهما كان الثمن لكي اتخل�ص من عذاب الربد ،ومل اتردد حلظة بعد هذه املكاملة من ترك العمل والعمل بو�صيتها. غ�ضب �صاحب املعمل بل ومل يعطني ربع �أجري ..ورف�ض ان ميهلني ايام ًا لكي اجمع اغرا�ضي او حتى ترتيب اموري فغادرت ويف نف�سي كربياء وفرح لأنني �س�أتقدم اىل خطوة مهمة جدا لطاملا انتظرتها. بقينا ايام ًا يف بيت املهرب اجلديد ومل احتمل ال�ضجيج.. ال�شقة تعج بالزبائن الذين ينوون اخلروج اىل اليونان ..جل�سنا 217
لأيام ثم حاول املهرب ان يبعثنا مع اتراك ليتخل�ص من العدد ..توجهوا بنا اىل ا�سطنبول ال�رشقية يف �شاحنة مغلقة.. نزل اجلميع ليق�ضي حاجته ..نزلت فلمحت اننا اجتزنا ج�رس ا�سطنبول الذي يربط بني املنطقه ال�رشقية والغربية ..مل يفلح املهرب يف ت�ضليله لنا مما دفعني اىل ان اخرب االكراد بالأمر ..مل يكونوا على دراية كافيه باملنطقة ولهذا ال�سبب كانوا ي�س�ألونني كل �شيء عن ا�سطنبول ومل ابخل عليهم بتزويدهم باملعلومات حول املدينة. عدنا ادراجنا اىل بيت املهرب ثم حدد لنا يوما للخروج ب�شاحنة حمولتها ـ فرا�ش من اال�سفنج ـ ووعدنا بان رحلتنا �ستكون ممتعة ومريحة .مت و�ضعنا يف �سيارة خا�صة وكانت معنا عائلة م�سيحية عراقية وبنت كردية جتيد العربية تدعى ـ ابت�سام ـ وكانت رائعة اجلمال �سمراء مل اتوقع ب�أنها �سرتافقني يف الرحلة وبلغ عددنا االجمايل يف الرحله � 42شخ�صا. و�صلنا اىل �رشكة للت�صدير الرتكية وكان اليوم هو االحد لكي يتم ختم ال�شاحنة باخلتم االحمر ..وما ان تتم عملية اخلتم �سننطلق اىل اثينا ..كانت العائلة تنتظر يف غرفة االدارة بينما االخرون الذين كانوا من االكراد العراقيني ينتظرون يف �ساحة ال�رشكة املغلقه واخلالية من املوظفني .تكلم ال�سائق معي كثريا وعرب عن ارتياحه النني اجيد الرتكيه ثم او�صاين ب�أن 218
افت�ش امل�سافرين لئال يكون احدهم يحمل ادوات جارحة او كربيت ..اال انه �سمح يل بحمل �سكني �صغري ا�ستعمله للظرف الطارئ لو واجهنا حادث ،وحيث ا�ستطيع �شق غطاء املركبة وتخلي�ص امل�سافرين. بعد الغروب �صعدنا ال�شاحنة ومت غلق االبواب و�إجراء كل االحتياطات الالزمة ل�ضمان و�صولنا اىل اثينا ..و�ستلتقي ابت�سام بزوجها الذي �سيقدم من املانيا اىل اثينا ثم يعود معها.. او�صيت اجلميع ان يتجنبوا ال�رشب الع�شوائي للماء وان يكتفوا بالأكل الب�سيط� ..سخر الرجل الكبري مني ولكنه بعد ع�رش �ساعات من الرحله طلب قنينة ماء فارغة ليق�ضي حاجته ب�سبب �رشبه للماء والأكل املفرط يف ال�شاحنة مما ازدادت احواله �سوءا ولكنه بعد ان ق�ضى حاجته التزم الهدوء وقطع الرثثرة. مل اعان من اجلوع او العط�ش فمرت الرحلة علي ب�سالم.. و�صلت ال�شاحنة اىل منطقة التفتي�ش ..توقفت للتفتي�ش.. وبد�أت حمادثة �شديدة اللهجة بني ال�سائق واملوظف يف نقطة التفتي�ش �سمعنا �صوت �صفعة قوية يف منطقة اخلد ..توقفت ال�شاحنة مده طويلة ..انتابنا القلق وكنت اترقب الهاتف املحمول يف يدي ان يرن لعلني اجدا تف�سرياً ملا يحدث من ال�سائق ..نحن خائفون من املوقف واما نقا�ش ال�سائق فقد حتول اىل تو�سالت ..واجلميع م�ضطرب وطلبوا مني بال توقف 219
ان اترجم ما يحدث ..بعد ن�صف �ساعة حتركت ال�شاحنه والنعرف بعد ما ح�صل واىل اين �سيتوجه بنا ال�سائق ..بعد ربع �ساعة و�صلني ر�سالة بالرتكية على هاتفي ثم تاله ات�صال من ال�سائق يقول م�ستب�رشا ـ : ـ احمد ال تخافوا نحن بطريقنا اىل اثينا .ـ كانت �ضحكتة عالية وكافيه لأن تبت�سم ابت�سام من غري ان تفهم ن�ص احلديث. كانت ب�رشى للم�سافرين ..واخربت امل�سافرين ان يلتزموا ال�صمت قليال فاالحتياط واجب ثم �سمحت لنف�سي ب�إغما�ض عيني الرتاح قليال. ا�ستغرقت رحلتنا يومني ثم يف �ساعة مت�أخرة من الليل ويف اليوم االخري و�صلنا اىل منطقة �صحراوية ..كانت هناك �شاحنة ثانيه فارغة بانتظارنا لتقلنا اىل اثينا ..علمت فيما بعد ان 3من االكراد خططوا لقتلي ليت�سنى لهم اغت�صاب ابت�سام وكادوا ان ينتظروا اللحظة املنا�سبة .ت�أبطت االخرية ذراعي ونزلنا و�أ�رصت على البقاء معي ومرافقتي. كنت اح�س بحرارة يدها وهي ملت�صقة بي داخل ال�شاحنة ونحن نتوجه اىل اثينا ثم قالت يل: ـ الظروف يا احمد اجربتني ان اختاره وال اعرف ما �سيكون م�صريي مع زوجي الذي مل اتعرف عليه ب�شكل كاف 220
ولوال ا�رصار والدي ملا تزوجته ..فعال اعجبت ب�شخ�صيتك الظريفة و�أمتنى ان نتقابل ثانيه بعد ان ن�صل اىل بر االمان. �صياح احدهم قطع علينا ن�شوة احلديث رغم �صوت ال�شاحنة املزعج وهدير املحرك: ـ اخ احمد هناك م�ؤامرة على الفتاة ولكن التقلقك نحن �سن�ساعدك. احاطونا بدائرة حلمايتنا؟ موقف رجويل مل اكن اتوقعه.. ولكن كيف يفكرون يف اغت�صاب فتاة واال�ستعداد لقتلي ونحن يف مثل هذه الظروف؟ كارثة جديدة ..حيث يحاول 3من االكراد التورط بعمليه حمقاء الغت�صاب البنت ..ولكن احلمد هلل بف�ضل اهلل وف�ضل ا�صدقاء الطريق و�صلنا ب�سالم اىل اثينا دون اي حادث ولكن احد الثالثة هددين انه لن يرتكني لو راين يف اي مكان من العا�صمه .نزلنا من ال�شاحنة ثم قطعنا الطريق م�شيا ب�صحبة �شخ�صني تابعني ل�شبكة التهريب .اعربت ابت�سام عن رغبتها يف ان تتعرف علي اخرجت من جيبها ـ خم�سة يورو ـ ثم طلبت مني ان اكتب لها رقم هاتف ليت�سنى لها االت�صال بي... و�صلنا اىل البيت املخ�ص�ص لنا لت�صفية ح�سابات الطريق. غادرت هي قبلي مع زوجها ومل نلتق بعدها ..وتذكرت ان رقم الهاتف كان ينق�صه رقم ومل اكتبه وبذلك فقدنا االت�صال. 221
دفعت كل ما علي من مبالغ وخرجت اىل �شوارع اليونان لكي اتعرف على احوال اليونان ،فها هي حياة جديدة بانتظاري و�أمتنى ان اجتاز �صعوبة اللغة لكي اعتمد على نف�سي يف البحث عن العمل .وعلمت بعدها من احد اال�صدقاء ان اال�شخا�ص العراقيني الذين توجهوا اىل ا�سطنبول هم االن يف العراق. يف اليونان العمل كان متوفرا �آنذاك �إال ان الالجئني كانوا يعتمدون يف ك�رس البيوت املهجورة وال�سكن فيها ومن ثم �سحب التيار الكهربائي من اعمدة الكهرباء لينعموا بال�ضوء الن احلكومة ال تعري اي اهتمام مبنحها حقوق ًا لالجئني هناك. اما يف ق�ضايا اللجوء فكل الجئ يح�صل على الورقة البي�ضاء ـ خرتيا ـ وبعد �شهور تتغري اىل بطاقه حمراء ..ولكن بعد �شهور من احل�صول عليها يتم �سحبها من قبل احلكومة ويتم طرد �صاحب البطاقة احلمراء وال ُي�سمح لهم بطلب اي جلوء يف دولة وبهذا تتم عملية الق�ضاء على احالمه بكل ب�ساطة. التقيت ب ـ بدر ـ �شاب كردي �ساعدين على تخطي مراحل العي�ش ال�صعبة وبعد ا�سبوعني من بقائي يف اليونان وبالتحديد يف مقهى يوناين تعمدت امر�أة يونانية جميلة ان جتل�س على نف�س الطاولة التي كدنا ان جنل�س عليها يف نف�س الوقت.. ولكننا تربعنا باملكان لها ثم اخرتت انا وبدر اجللو�س يف 222
مكان بقرب طاولتها� .شدتني انوثتها بان اراقبها من مكاين.. تدعى ـ الك�ساندرا ـ 38عاما وكانت تكربين بع�رشة اعوام.. جل�ست مع �صديقتها ثم مالبثت ان ا�شارت ايل لأ�شاركها �رشب القهوة. طبعا كان بدر يعرف ما تي�رس من اللغة التي تعلمها ليكون اجلانب املهم يف ترجمة بع�ض ما تقوله الك�ساندرا .يف نهاية اللقاء تبادلنا ارقام الهواتف ثم وعدتني باالت�صال يف اليوم التايل. مل اتوقع ات�صالها ومل اكن اتوقع ان عالقتنا �ست�ستمر ثالث �سنني ..كانت غنية جدا ،طفنا جزر اليونان طوال مدة اقامتي ..تعرفت من خاللها على الثقافة اليونانية وطبيعة عي�شهم وتفكريهم ..ويف خالل � 8شهور اتقنت الكثري من املفردات اليونانية قيا�سا لأغلب اال�شخا�ص الذين مل يتقنوا اللغة رغم مرور اعوام على اقامتهم يف اليونان .بعد ا�شهر عملت مع اليونانيني يف تن�سيق احلدائق وكنت �سببا يف ايجاد عمل للعراقيني املغرتبني ..الك�ساندرا تكفلت بت�أثيث الدار اجلديد.. وها نحن نعي�ش يف فرتة كانت كافية يف حت�سني و�ضعي املعا�شي واخذ ق�سط من الراحة بعد �سنني من م�شقات الغربة.
223
2003/4/9سقوط بغداد
بغداد تواجه االن م�صريا ال يعلمه �إال اهلل ..بانتظار حربا �ست�شنه امريكا على العراق وكل فرد يوناين او عراقي يرتقب ب�شدة ما �سيحدث .كنت مازلت ا�سكن معـ بدر ـ يف غرفة �صغرية. اجهزة التلفاز اليونانية �آنذاك اوقفت بث كل براجمها.. وكانت تركز كامرياتها على برج بغداد الدويل بعد انتهاء مهلة جورج بو�ش ل�رضب بغداد .ومل تبث قنواتها غري منظر الربج بغية ت�صوير ال�رضبة االوىل التي �ستتم وكانت حري�صة ان ال يفوتها تلك اللقطه التي ابهرت العامل .وكان التلفاز يف غرفتنا ي�شتغل حتى ونحن نيام لكي نواكب احلدث وكنا حري�صني على ان ال تفوتنا تلك اللحظات املهمة ..وما كنا ال نتوقعه 224
قد وقع ..ففي احدى الليايل ا�ستيقظنا انا وبدر على ا�صوات الق�صف على بغداد وبد�أت �صفارات االنذار ت�صفر وبغداد يف حالة حرب االن ..احلرب بد�أت .واملرا�سل اليوناين كان ينقل اخلرب ب�صوت عال ..تركنا النوم وترقبنا تلك ال�رضبات على بغداد .كنا نح�رض يف املقاهي لكي ن�شاهد احلدث على قناة اجلزيرة ..احدى القنوات اليونانيه ح�رضت اىل املقهى وبد�أت ت�ستطلع �آراءنا ثم وجه املذيع املايكروفون ايل لكي اعرب عن ر�أيي عن حرب العراق ..ولل�رصاحة كنا يف حالة غ�ضب من ت�رصفات �صدام وكان ال�شعب انذاك يريد ب�أي و�سيله ان يتخل�ص منه وهاهي امريكا كما زرعته �ستقلعه ..ولكن ماذا حدث بعدما خلعت �صدام ح�سني؟. انتهت احلرب والقوات االمريكية ا�صدرت قرارات بالقب�ض على �صدام وجنليه ..اختفيا فج�أه وال�شعب مازال خائفا ..فهم ال ي�صدقون ب�سهوله انزياح ال�صنم و�صاحب ال�صنم الذي طاملا بقي جاثما على حياة ال�شعب العراقي املنكوب. وبينما كنت يف جزيرة كريتي اق�ضي عطلتي ال�صيفية مع الك�ساندرا �شاهدت على اوىل �صفحات اجلرائد اليومية �صور دامية ل�شخ�صني مقتولني مل اميز �شكلهما بينما ال�سياح كانوا يتطلعون اىل ال�صوره بكل اهتمام ..اردت ان اغادر.. 225
فاوقفتني الك�ساندرا قائله: ـ على ر�سلك يا رجل اال ترى ما يح�صل؟ هذان عدي وق�صي جنلي �صدام ح�سني رئي�سك.. تفاج�أت و�صدمت ب�شكل كبري ورجعت يف خطواتي اىل الوراء ب�رسعة لأدقق يف ال�صور من جديد ..يا �إلهي مل ا�صدق ما اراه بحق اهلل ،معقول؟ احلرب على بغداد كان حلما مل اعد ا�صدقه اىل ان تلقيت خربا من �صديقي ان �صدام ح�سني القي القب�ض عليه وهو ملتح ..وعلى الفور غريت مالب�سي لأق�صد مقهى امل�رصي و�أ�شاهد �صحة اخلرب على اجلزيرة وكانت �صدمه. مل ا�صدق ما ا�شاهده ،نهاية دكتاتور ،ولكن هل انتهى الظلم؟ �صدام ح�سني يف قب�ضة االمريكان؟ اتكلم مع نف�سي �سنة غري م�صدق نهاية �صدام و�أوالده والعراق ..كل من دخل العراق بعد الغزو �شارك يف كتابة الد�ستور ولكن الفرتة املظلمة ومل يفقه العراقيون ب�أنهم قد دخلوا ع�رصا جديدا من القتل كما يف ع�رص هوالكو �إال بعد فوات الأوان ..ر�ؤو�س تُنحر وجثث جمهولة الهوية كل يوم.. ا�ضافه اىل عراقيني ُيحرقون يف ال�شوارع جراء االنفجارات، فبغداد ودعت ال�سالم على يد ابنائها وللأ�سف مل ندرك �إال 226
بعدما فقدنا كل �شيء.. الك�ساندرا يف تلك الفرتات خ�صو�صا كانت لطيفة معي وذات يوم طلبت مني تغيري ديني اىل امل�سيحية ثم بد�أت ت�رص على ذلك االمر ..فرف�ضت مما �أثرت على عالقتنا �سلبيا وفكرت حينها بالتوجه اىل لندن عام .2005
ايطاليا ـ املانيا ـ باري�س 2005 حان الآن يف ان افكر يف تغيري البلد ..فمنذ عام 2003 اعي�ش ترفا غري متوقع ولكن حياتي غري م�ستقرة ..فكيف ت�ستقر االمور اذا كانت احوال البلد ا�صال غري م�ستقرة.. هاتفت اختي فرحبت هي بفكرة قدومي ،ثم اكدت يل ان املبلغ جاهز على �رشط �أن اختار ا�سهل و�أح�سن و�سيلة لكي اجيء اىل بريطانيا .ت�شجعت على تنفيذ الفكرة ..ف�أ�ستقر ر�أيي على ان ا�سافر عن طرق املطار. اخربين احد ا�صدقائي ـ اليك�س ـ اوكراين اجلن�سية بان اليونان �ستواجه اياما �سوداء بعد اوملبياد اثينا ،ولن يكون مبقدورنا العمل او العي�ش فيها .مما �شجعني على ان ادرك نف�سي قبل ان اخ�رسها بال�ضياع جمددا. املحاولة االوىل ف�شلت� ..أمن املطار مل ينطل عليهم اجلواز 227
الفرن�سي املزور ..ومت ت�سفريي اىل �سجن املطار وكان اليوم هو اجلمعة وعلي ان ات�صل ب�أحد اال�صدقاء لكي يتم اح�ضار حمام يوم ال�سبت ويفك ا�رسي ..وبعك�س ذلك فانا �سوف اكون �ضيفا ملدة �ستة �شهور على االقل يف �سجن املطار و�س�أخ�رس موعد املحكمة .ا�ستطعت ان اكلم �صديقي ـ �شاهني ـ من داخل ال�سجن لكي ي�ساعدين يف اخلروج بعدما اعارين احد االلبانيني كارت تلفون لأجنز به مكاملتي ..اخرجني ال�رشطي وات�صلت ب�شاهني احد ا�صدقائي الذي مل يق�رص وعلى الفور وعدين بانه �سوف ينقذين من حمنتي .يف �صباح اليوم التايل �شاهدت �شاهني يح�رض مع احد املحاميني فحييته من نافذة احلافلة. عند املحاكمة كنت حمظوظا ..جل�سة �رسيعة ا�ستغرقت دقائق من قبل القا�ضية بالإفراج فورا عني وعن غريي ..وعلي الكره واال ف�س�أ�سجن � 6شهور. ان اتعهد بعدم اعادة ّ
�شكرت �شاهني واعدت له ما �رصفه من مال ثم بعد ايام اتفقت مع احد املهربني امل�رصيني ب�أن ي�ساعدين على اخلروج عن طريق احدى البواخر اىل ايطاليا وبجواز تركي. كل �شيء ا�صبح جاهزا االن لل�سفر ..و�صلت مرف�أ باترا اليونانية ودخلنا الباخرة ب�سالم وا�ستغرقت الرحلة يومني على ما اذكر ..ولكن املحاولة باءت بالف�شل ففي مرف�أ ايطاليا مت 228
�إلقاء القب�ض علي و�أعادتني ال�رشطة االيطالية اىل اليونان. افرجوا عني حواىل ال�ساعة 12ليال ثم توجهت اىل اثينا قا�صدا منزل �شاهني ..انهكني التعب جدا ..وبعد فرتة �سمعت مبقدم احد املهربني يحمل معه بطاقات �شخ�صية املانية ..مل اتردد باالت�صال به ..اخربين ب�أنه �سي�صاحبني يف الرحلة اىل دو�سل دولف االملانية فقط مببلغ 1500يورو ..مل اتردد يف القبول فهذه فر�صة ال تعو�ض. مت اكمال تزوير البطاقة اخل�رضاء دون ان ترتك اي �شكوك بالتالعب وخ�صو�صا الف�سفور الذي يعترب من اهم العالمات التي تدل على �سالمة البطاقة ..دخلنا املطار وال�شخ�ص يوجهني يف كل خطوة اخطوها داخل املطار لئال اثري ال�شكوك.. نحافظ على امل�سافة ويتم تلقيني عرب الهاتف احيانا ..حان وقت االقالع ..فح�صت املوظفه البطاقة راودتها ال�شكوك.. كنت اتظاهر بعدم الراحة على ت�أخريها ل�سفري ويف نف�س الوقت اكتم خويف فهذه اللحظات هي من �ستقرر ..اما ال�سجن او احلرية .وبعد حلظات �سمحت املوظفه يل باملرور. ا�شتعل وجهي باالبت�سامة ومررت ب�سالم اىل الطائرة. ا�ستعمال الهاتف ممنوع وكنت اجهل هذه التعليمات، ف�أخذت على عاتقي بت�صوير الغيوم ومل يرق ذلك للم�سافر الذي بجانبي ولكنني �رسعان ما اخفيت الهاتف املحمول. 229
و�صلت الطائرة اىل �صالونيكي ـ ترانزيت ـ وبعد حلظات اقلعت الطائرة �ساعات لت�ستقر يف اخر مطافها يف دو�سل دولف ..تخطينا امن املطار ب�سالم ..توجهنا اىل مطعم تركي بعد ان انهكنا اجلوع ..كنت تواقا لكي اتناول ال�شاورمه الرتكية ف�أنا مل اذق تلك الوجبات منذ �سنني. بالرغم من كرثة عدد افراد ال�رشطة ولكننا جنونا ب�أعجوبة منهم ..كنت اختبئ عنهم بينما كان املهرب م�شغو ًال بتغيري
العملة ..ثم انتهت اجلولة لكي ا�ستقل القطار يف نهاية املطاف اىل باري�س ..فهم�ست يف اذنه: ـ ولأنك كنت كرميا معي فكلمة ال�رس هي ـ القا�ضي ـ لكي ت�ستلم مالك من امني املكتب و�أ�شكرك على رجولتك اخ ـ علي ـ . ـ هل انت مت�أكد من اطمئنانك ايل؟ ـ نعم و�سعيد جدا مبعرفتك .ـ ثم ودعته فتحرك القطار مغادرا اىل بلجيكا ومن ثم اىل باري�س. مررت بربوك�سل مل ت�سنح الفر�صة ب�سبب �ضيق الوقت مب�شاهدة ما يكفي من معامل تلك العا�صمة ..ثم بعد �ساعات من ال�سفر و�صلت باري�س عا�صمة العطور .ما اذهلني ان البلدان االوروبية حدودها مفتوحة على بع�ضها الن لديها 230
االمان .وبالرغم من انفتاح احلدود على بع�ضها ف�إنها تدل على قوة الدول االوروبية وثقتها بقوتها وعدم خوفها من ذلك عك�س الدول العربية فبالرغم من االجراءات امل�شددة �أال انها مل تُعتق من االرهاب الذي قلب االمور ر�أ�سا على عقب.. والدكتاتوريات بعرثتنا و�أ�صبحنا ال جند انف�سنا يف انف�سنا ..بل مغرتبني م�شتتني �ضائعني حتى ولو كنا ن�سكن بلداننا فالأمن فيها كالغريب ال وجود له �إال �صدفه .ولكن الغريب غريب الدار والأمان ..فان مل تكن يف امان يف بلدك فما فائدة الوطن؟ و�صلت باري�س ..ويف املحطة مبجرد نزويل من القطار انق�ض علي �شخ�ص ا�سمر من ا�صول مغربية مع وعلى الفور ّ �شخ�ص فرن�سي كدت على و�شك ان اوجه لكمة اىل وجه االخري ولكنه �رسعان ما اخرج بطاقة تعريفية تو�ضح انه خمرب مدين ..وات�ضح انه يفت�ش فقط عن مواد خمدرة ال غري �سوى ذلك� .س�ألني :ـ من اي بلد انا؟ ـ ف�أجبته :ايران ـ طبعا لغة التفاهم الرئي�سية هي اال�شارات وال�شخ�ص املغربي كال�صنم جاثم بجانبي يخزرين بنظراته احلقرية ..واخريا �سمح يل باملرور.. وعلى الفور بد�أت رحلة التفتي�ش على برج ايفل حتى وجدته بعد عناء .جتولت يف �شوارع باري�س ..وت�شبعت عيناي من ازقتها و�أبنيتها واملعامل الكال�سيكية ..ومن ثم رجعت اىل حمطة القطار فالتقيت ب�شاب م�رصي و�ساعدين يف �رشاء بطاقة اىل 231
حمافظة ـ كايل ـ لأبحث هناك عن خمرج يقودين اىل لندن. بقيت يف كايل ا�سبوعني وكانت مليئة مبطاردات ال�رشطه ليال ونهارا لالجئني الذين كانوا من كل انواع االوطان.. مرة من املرات القيت بنف�سي بني االحرا�ش ال�شائكة الختفي عنهم ومرة يف بركة قاذورات ومرات كنا نتهرب منهم و ُيلقى القب�ض علينا ويتم ابعادنا اىل مناطق بعيدة من كايل ثم ارجع من دون كلل اىل ـ كايل ـ . يف منطقة معينة خالية من االبنية والب�رش يتم فتح باب ال�شاحنة من قبل املهربني اثناء ا�ستدارتها من املنعطف متجهة اىل املرف�أ الفرن�سي ـ الربيطاين ..ويف خالل اقل من دقائق يجب ان يدفع املهرب خم�سة ا�شخا�ص داخل ال�شاحنة قبل ان ت�ستعدل يف ال�سري وتزيد �رسعتها واال ف�سيفقد ال�شخ�ص الفر�صة يف الهروب ..فج�أة باغتتنا كمائن ال�رشطة وحدث انهم القوا القب�ض على الكثريين منا ..ا�ستطعت الهرب مع ق�سم قليل ممن كانوا معي واالختباء يف احرا�ش و�سط الغابة.. طوقتنا ال�رشطة بكالبها ال�رش�سة التي قادت ال�رشطة اىل مكان تواجدنا ..ف�أ�رشت اىل اجلميع ان يغطوا انوفهم بالأقم�شة ويقللوا من التنف�س قدر ا�ستطاعتهم او حتى يقطعوه لب�ضع ثوان .لأنني علمت ان الكالب ت�ستدل علينا من خالل التنف�س وهذه التجربة ت�أكدت منها حينما جنونا بف�ضل اخلطه التي 232
اتفقنا عليها ..ال�شاب االفغاين تردد خائفا ..ولكنني �ضغطت وق�سوت عليه ان ينفذ اخلطه .احاطتنا الكالب وبد�أت تبحث عنا وقد كتمنا ما ن�ستطيع من االنفا�س م�ستخدمني و�ضع مالب�سنا على انوفنا لكي ننجو منها ..كدت اختنق.. كانت الكالب تقتاد ال�رشطة ب�شكل دائري حول االحرا�ش الطويلة التي كنا نختبئ بينها دون جدوى ..فاكتفى رجال ال�رشطة بهذا القدر من امل�شقة وغادروا يائ�سني ..ـ �سلمنا منهم ب�أعجوبة ـ ..اخرجنا ر�ؤو�سنا من االحرا�ش لنملأ ال�صدور بجرعات من الهواء النقي ..ثم بعدها مل اتردد يف البحث عن اف�ضل �شخ�ص يف املنطقة ليو�صلني اىل لندن وب�أي ثمن. التقيت ب�أحدهم كان حديث العهد بالتهريب واو�ضح يل ب�أن هناك و�سيلة جيدة لركوب ال�شاحنة حيث يكون ال�سائق نائما يف الكراج لينال ق�سطا من الراحة قبل ان يتجه اىل بريطانيا عرب امليناء الذي يف�صلها عن فرن�سا .اتفقنا على تنفيذ اخلطة وانطلقنا من�شي �ساعات حتى و�صلنا اىل نقاط تواجد ال�سواق قبيل طلوع الفجر ب�ساعة� .صعد منا الكثري ومل تبق �إال اعداد قليلة ..اراد املهرب ان يرجع بنا الن خيوط الفجر اعلنت البزوغ وباتت ال�سماء ترفع �ستار الظالم لت�ضيء النهار بنور ال�شم�س ..ولكنني اقنعته ب�أن يجد لنا عالمة على ال�شاحنة تدل على انها ذاهبة اىل بريطانيا ..وافق على الفكرة ثم وجد 233
�شاحنة حتمل املربى تق�صد بريطانيا� ..صعدنا ثم اغلق الباب علينا ..وماهي اال �ساعات حتى حتركت ال�شاحنة ودخلت الباخرة لتتجه بذلك اىل بلد احالمنا بريطانيا.
لندن: الق�صه مل تنته مبجرد و�صويل ،فقد بد�أت مع الغربه �صفحه جديدة ومن لندن بالتحديد ..ومل يكتب اللجوء يل الراحة بعد ..فبمجرد ان و�صلت ازداد علي العبء ..وعلي ان اواجه �صعوبة العي�ش بعد ان رف�ضت بريطانيا جلوئي وبد�أت اعمل يف املطاعم لك�سب يومي. بعد �سنوات من العناء و�رصاع قا�س مع العي�ش يف لندن ح�صلت على اقامتي الدائمة بفر�صة مل تكن تخطر على البال.. و كان علي ان اقدم على طلب احل�صول على اجلن�سية الربيطانية بعد �سنة من االقامة ..وعلي ان اح�صل على �شهادة من احد املعاهد ت�ؤيد ب�أنني اتكلم االنكليزية وهذه طبعا احد �رشوط اجلن�سية الربيطانية .وهناك حيث كانت املدر�سة ال�شقراء ..و هي من بد أ� معها ق�صة احلب ـ ن�رسين ـ والتي من انطلق لأجلها كتابي الأول ..وتتالت كتبي اىل 14كتاب كتبتها بحقها وع�شقها .تاريخ ميالدها ما زال عالقا يف ذهني فلم ان�س �شهر اب من كل �سنه حينما يحل ..لكي اهنئ �صورتها بال�سنة 234
اجلديدة التي ت�ضئ عمرها بها ،فهي كال�شم�س ال تنطفئ ن�ضارتها .وهنا كانت ق�صتي مع احلياة طوال اكرث من ثماين �سنني ..وكم اتذكر من عراقيني ماتوا او قتلوا ومل ي�صلوا ملا كانوا ين�شدون ..بع�ضهم احرتقت جثثهم وبع�ضهم من ق�ضى نحبه غريقا وهناك ماليني الق�ص�ص مل تذكر بعد ..وال�سيما يف ظل ظروف البلد االخرية بعد �سقوط بغداد ..ولن نتعلم حتى نتعلم. ال اعلم فلرمبا كان لهذا الكتاب جزء ثان.
235
236
237
238
الق�صة الكاملة لرجل عراقي مغرتب ..كتاب �سريته وبع�ض من م�ؤلفاته ال�شعرية جتدونها على �أمازون ..ـ مدونات ريا�ض القا�ضي – On amazon now:
239
240