واقع الفلسطينيني يف سوريا سمري الزبن
2013
سمري الزبن واقع الفلسطينيني يف سوريا منشورات مركز األبحاث -منظمة التحرير الفلسطينية نيسان (أبريل) 2013 ISBN 978-9950-382-04-6
تقديم
تتناول دراسة املحامي سمري الزبن« ،واقع الفلسطينيني يف سوريا» ،وتأيت يف وقت تتعرض فيه املخيامت الفلسطينية يف سوريا ،إىل قصف وتهجري غري مسبوق. تأيت هذه الدراسة يف وقتها ،لتلقي نظرة شاملة ،حول أوضاع الفلسطينيني يف سوريا .منذ تهجريهم عن بالدهم ،ولجوئهم لألرايض السورية .1948 ميكن اعتبار القانون ،260تاريخ ،1956/7/10األساس الناظم ألوضاع الالجئني الفلسطينيني يف سوريا ،وعىل أساسه تفرعت الترشيعات والقرارات لتنظيم شؤونهم. نص هذا القانون عىل أنه« :يعترب الفلسطينيون املقيمون يف أرايض الجمهورية العربية السورية ،بتاريخ نرش هذا القانون ،كالسوريني أصالً يف جميع ما نصت عليه القوانني واألنظمة النافذة وبحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم مع االحتفاظ بجنسيتهم األصلية». ترتب عىل هذا القانون ،وما تفرع عنه من قوانني وأنظمة ،انخراط الفلسطينيني يف سوريا ،يف املجتمع السوري ،وأضحوا جزءا ً من النسيج االجتامعي واالقتصادي السوري ،دون أن يفقدوا هويتهم الوطنية ،بل عىل النقيض ،فقد ساعد ذلك، ويف أجواء قومية زمن حكم حزب البعث العريب االشرتايك ،عىل انخراط الالجئني الفلسطينيني يف صفوف الفصائل الفلسطينية املسلحة ،واحتضان قادتها ،واملشاركة يف العمل املسلح منذ بداياته. شهدت العالقات الفلسطينية – السورية ،ومنذ ،1970تقلبات عديدة ،تراوحت 3
ما بني التحالف اإلسرتاتيجي إىل االقتتال املسلح. تأيت دراسة املحامي سمري الزبن ،يف وقتها ،خاصة وأن تطورات األزمة السورية وآفاق مستقبلها ،ال يزال مجهوالً ،وبالتايل فإن مستقبل الوضع الفلسطيني يف سوريا، يحتاج إىل محاوالت استرشاف جدية ،حفاظاً عىل الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
النارش
4
توطئة
لطاملا شعر الالجئون الفلسطينيون يف سوريا باالطمئنان النسبي لوجودهم فيها، وكانت حالهم من حال املواطن السوري صعودا ً وهبوطاً ،كانوا مندمجني بشكل كامل عىل املستوى االقتصادي ،ومل يكن عدد املتفرغني يف إطار الفصائل الفلسطينية كبريا ً يف أوساط الفلسطينيني يف سوريا يف أي وقت ،حتى يف األوقات التي كان وجود الفصائل يف سوريا قوياً ،وفعاليتها عالية ،كان عدد املتفرغني يف الفصائل محدودا ً. مل يغرتب الفلسطينيون يف عيشهم يف سوريا ،ومل يشعروا أيضاً بأنهم سوريون، كانوا حالة من االندماج واالنفصال معاً ،االندماج لحد كبري عىل املستويني االجتامعي -االقتصادي ،واالنفصال عىل مستوى الحياة السياسية .فلم يتوقف الالجئون الفلسطينيون عن املساهمة الفعالة يف الحياة السياسية الفلسطينية ،منذ والدة العمل السيايس الفلسطيني يف منتصف الستينات. شكلت الحياة يف سوريا منوذجاً إيجابياً لحياة املنفى الفلسطيني ،حالة احتضان عالية التضامن ،وصلت يف الكثري من الحاالت إىل حالة االندماج يف الحياة السياسية الفلسطينية ،فهناك الكثري من السوريني اختاروا االنضامم إىل الفصائل الفلسطينية، وقدموا حياتهم من أجل فلسطني .كذلك هناك فلسطينيون اختاروا االنخراط يف الحياة السياسية السورية وانضموا إىل حزب البعث وحصلوا عىل امتيازات يف هذا اإلطار ،وهناك من انتمى ألحزاب املعارضة ودفع مثن ذلك سنوات طويلة من عمره يف السجن .ويف الحالتني مل يكن االنتامء الفلسطيني إىل قوى سورية ظاهرة تهدد العمل السيايس الفلسطيني وفعاليته يف األوساط الفلسطينية ،وال كان االنتامء السوري إىل الفصائل الفلسطينية ،يدفع هذه القوى للتدخل يف الشأن السوري، رغم التدخل السوري املستمر يف الشأن الفلسطيني. 5
عاىن الفسطينيون يف سوريا ما عاىن املواطن السوري ،سواء عىل مستوى الحياة واملتاعب االقتصادية ،أو عىل مستوى القبضة األمنية التي حكمت املجتمع السوري، والتي شملت املخيامت بشكل طبيعي .فاملخيامت يف سوريا مل تكن معازل أمنية كام هي املخيامت الفلسطينية يف الجنوب اللبناين التي ال تخضع لألمن اللبناين .يف سوريا املوضوع مختلف ،كل يشء تحت القبضة األمنية ،وما يخضع السوريون له من تدقيقات أمنية ،يخضع الفلسطينيون له بالقدر ذاته .كان عيش الفلسطيني برشوط السوري يريح الفلسطيني ،فلم يكن هناك متييز ضد الفلسطينيني ألنهم فلسطينيون ،كان القمع يشمل الجميع. كان الشعور بعدم التهديد السمة البارزة لحياة الفلسطينيني يف سوريا ،وكانوا يعتقدون أ ّن مسارا ً واحدا ً ميكن أن يجعلهم يغادرون سوريا ،وهو مسار العودة إىل فلسطني. فجأة ،تبني أن الثابت ميكن أن يهتز ،فال ميكن لوضع الالجئ أن يبقى ثابتاً، يف الوقت الذي يهتز البلد التي يقيم فيه ،مل يكن من املمكن أن يبقى الوجود الفلسطيني عىل حاله ،يف الوقت الذي تشهد سوريا صداماً دامياً يف كل املناطق السورية بفعل االحتجاجات التي اجتاحت سوريا وتم التصدي لها من قبل النظام بوحشية .امتد هذا الصدام من محيط املخيامت والتجمعات الفلسطينية إىل قلبها، يف تلك اللحظة التي توحدت فيها التجمعات الفلسطينية مع املحيط السوري بالتعرض إىل القمع والقصف العنيف من املدافع والطائرات. يف حالة التهديد املبارش والداهم ،يكتشف الالجئ أنه ال ينتمي إىل املكان ،أو هناك من يُفهمه ذلك ،عند ذلك يكتشف مرة أخرى هشاشة وجوده يف املنفى. وهذا ما وصل إليه املسار الفلسطيني يف محطته األخرية يف سوريا. القاهرة 4آذار (مارس) 2013 6
الفصل األول األوضاع القانونية للفلسطينيني
يشكل اللجوء حالة ضعف إنساين مأساوية ،فالالجئ هو الشخص الذي يجد نفسه بسبب أخطار تهدده يغادر بلده إىل بلد آخر مجردا ً من كل يشء ،فاقدا ً ألي حامية ،يعيش يف أرض غريبة ويحتاج إىل املساعدة .وألن اللجوء حالة مثىل للضعف والهشاشة اإلنسانيني ،فهي احتاجت إىل الحامية من الحاجة والعسف مبوجب القوانني الدولية .هذه الحامية التي يُفرتض أن يتمتع بها الالجئ بوصف حالة اللجوء البائسة التي يعيشها هي حالة مؤقتة ،وهي عادة ما يجب أن تنتهي بأن يعود الالجئ إىل وطنه ،أو تزول حالة اللجوء من خالل التحول إىل مواطن يف الدولة التي لجأ إليها أو يف دولة أخرى ،حيث يتمتع بكل حقوق املواطنة يف بلده الجديد ،هذا ما حدث يف الكثري من حاالت اللجوء ،رغم أن حالة اللجوء ملاليني البرش حالة مستمرة ومتزايدة يف عامل اليوم. الالجئون الفلسطينيون عاش الالجئون الفلسطينيون يف شتاتهم الطويل الذي زاد عىل ستة عقود مفارقة غريبة من نوعها ،وهي أنهم مل يعودوا إىل وطنهم كام نصت قرارات األمم املتحدة ممثلة بقرار الجمعية العامة لألمم املتحدة رقم 194لعام ،1948وال هم حصلوا عىل جنسيات الدول املضيفة املحيطة بإرسائيل وتحولوا إىل مواطنني يف دولة أخرى، باستثناء الحالة األردنية .فكانت الحالة الفلسطينية الغريبة والفريدة يف العامل، حيث ،يتناسل الالجئون الجئني لثالثة أجيال ،ومن املنتظر أن تتناسل األجيال الجديدة الجئني من جديد .ومن أراد من الفلسطينيني أن يخرج من هذا الوضع الغريب والقلق والدائرة الجهنمية التي وجد نفسه فيها ،كان عليه أن يغادر إىل 7
بلدان أخرى ،أوروبا وأمريكا وكندا واسرتاليا ليحصل عىل جنسيتها مبوجب اإلقامة. فكانت نسبة الهجرة بني الفلسطينيني يف الدول املضيفة كبرية ،وكلام كانت أوضاع الالجئني الفلسطينيني يف البلد املضيف أسوأ ،كلام زادت نسب هجرتهم إىل تلك البلدان ،لذلك نرى أكرب نسبة هجرة بني الالجئني الفلسطينيني هي بني الالجئني الفلسطينيني يف لبنان بحكم األوضاع املزرية التي يعيشونها هناك. ليس هناك مأساة إنسانية طال أمدها ،مثلام طال أمد املأساة الفلسطينية يف الشتات ،مأساة تولد ٍ مآس إنسانية تتكرر منذ أكرث من ستة عقود ،دون أن يظهر أفق ني الفلسطينيون بنكبة فككت مجتمعهم لحلها .بدأت املأساة الفلسطينية حني ُم َ ودمرت وطنهم وغيبته عن الخريطة السياسية للمنطقة ،جراء الجرمية الصهيونية يف احتالل فلسطني العام 1948واقتالع سكانها حيث أصبحوا أشالء شعب موزعني عىل الدول املضيفة .لقد أسفرت الجرمية الصهيونية بحق الفلسطينيني عن طرد ما يزيد عىل 800ألف فلسطيني من وطنهم إىل بلدان الشتات تناسلوا فيها أجياالً ليزيد عددهم عن خمسة ماليني فلسطيني بعد أكرث من ستة عقود منترشين يف أربعة جهات األرض يدفعون مثن الجرمية التي ارتكبت بحقهم جيالً بعد جيل .استولت الحركة الصهيونية عىل ما يزيد عىل ثالثة أرباع مساحة فلسطني التاريخية وأسست عليه املرشوع الصهيوين ،وقد عملت عىل طرد سكان األرايض التي استولت عليها، ما أوجد واقعاً جديدا ً يف دول الجوار العريب لفلسطني ،التي تدفق الالجئون إليها، حيث ولدت مشكلة الالجئني الفلسطينيني. الالجئون والترشيعات الدولية تعددت الترشيعات الدولية التي تحمي الالجئني بوصفهم فئات مستضعفة، بدءا ً من النظام األسايس للمفوضية السامية لألمم املتحدة لشؤون الالجئني ،الذي ينص عىل أن مهمة املفوضية ،توفري الحامية الدولية لالجئني وإيجاد الحلول الدامئة لقضية الالجئني ،مرورا ً باالتفاقية الدولية الخاصة بوضع الالجئني العام 1951وصوالً إىل بروتوكول العام 1969الخاص بالالجئني ،وغريها من الترشيعات ذات الصلة. رغم أن هذه الترشيعات ينضوي تحت نصوصها الالجئون يف كل العامل ،إال أن 8
االتفاقية الخاصة بوضع الالجئني للعام 1951اعتربت وضع الالجئني الفلسطينيني وضعاً خاصاً واستثناهم من عمليات املفوضية السامية ومل تشملهم بحاميتها .فقد حددت اتفاقية جنيف لعام 1951واجبات الدول تجاه الالجئني عىل أراضيها ،ولكنها حرمت الفلسطينيني من هذه الحامية مبوجب هذه الترشيعات .وإذا كانت هذه الترشيعات تعرف الالجئ :بأنه أي شخص يقيم خارج وطنه األصيل وهو ال يرغب أو ال يقدر عىل الحصول عىل حامية يف بلده خوفاً من اضطهاد حقيقي يتعرض له ألسباب عرقية أو دينية أو قومية أو كونه عضوا ً يف مؤسسة اجتامعية أو بسبب آرائه السياسية .وهو ما ينطبق عىل الفلسطينيني وميكن الزيادة عليه بأن الفلسطينيني يمُ نعون من العودة إىل وطنهم .ولكن هذه الترشيعات استثنت الفلسطينيني من والية املفوضية السامية لشؤون الالجئني ،حيث نصت اتفاقية العام 1951عىل استثناء الفلسطينيني من هذه الوالية بنص خاص يف االتفاقية« :أن هذا القانون ال ينطبق عىل األشخاص الذين يتلقون الدعم واملساعدة ـ حالياًـ من أعضاء أو هيئات األمم املتحدة باستثناء املفوضية العامة لشؤون الالجئني .ويف حال توقفت هذه الحامية أو املساعدة لسبب أو آلخر ،ودون أن يحسم وضع هؤالء األشخاص بشكل واضح نهايئ وفقاً للقرارات التي تبنتها الجمعية العمومية لألمم املتحدة ،فإن هؤالء ()1 األشخاص يؤهلون .بطبيعة الحال .لالستفادة من هذا القانون». من الواضح أن هذا النص يقصد به الفلسطينيون دون أن يسميهم ،فهم الطرف الذي كان يتلقى املساعدة من هيئات األمم املتحدة يف ذلك الوقت ،حيث تم إنشاء وكالة غوث وتشغيل الالجئني الفلسطينيني (األونروا) يف العام ،1949وهي الوكالة أو الهيئة التي أعدت خصيصاً لتقديم خدمات لالجئني الفلسطينيني ،والتي من املفرتض أن تنتهي مهمتها خالل عامني ،وهي ما زالت مستمرة بعد أكرث من ستة عقود عىل إنشائها .ورغم أهمية الدور الذي قامت به (األونروا) من ناحية الخدمات للفلسطينيني ،حيث اهتمت بتزويدهم مبساعدات غذائية ،كام اهتمت بتقديم خدمات صحية وتعليمية كانت مهمة الستمرار الفلسطينيني بحياتهم يف بلدان الشتات بحدها األدىن ،خاصة يف السنوات األوىل لتجربة اللجوء القاسية .إال أنها مل توفر لهم الحامية القانونية التي نصت عليها االتفاقية الخاصة للعام ،1951 9
واقترصت مهامتها عىل جانب الخدمات ،التي استمرت بالرتاجع يوماً بعد يوم خالل العقود املنرصمة ،وهو ما ترك الالجئني تحت رحمة الدول املضيفة يف موضوع الحامية القانونية والحقوق الخاصة بهم. الالجئون والترشيعات العربية من جهتها حاولت الدول العربية أن تصل إىل صيغة موحدة للتعامل مع الالجئني الفلسطينيني ،فاتفقت عىل ما يعرف بربوتوكول الدار البيضاء يف العام .1965مل يستطع هذا الربوتوكول أن يكون أفضل من الترشيعات الدولية يف حامية الالجئني الفلسطينيني ويعوض النقص يف الحامية الذي مل توفره (األونروا) لهم .وضعت الجامعة العربية يف هذا الربوتوكول معايري التعامل مع وضعية اإلقامة ،ووثائق السفر والتنقل ،وحقوق العمل والتشغيل لالجئني الفلسطينيني يف الدول األعضاء يف الجامعة العربية .كام عالجت قرارات جامعة الدول العربية قضايا تتعلق بالوضع القانوين والسيايس لالجئني الفلسطينيني داخل الدول األعضاء يف الجامعة .فقد منعت قرارات الجامعة العربية منح الفلسطينيني جنسية الدول العربية .كام وضع بروتوكول الدار البيضاء بعض التوجهات فيام يتعلق بالتشغيل ،اإلقامة ووثائق السفر ،لكن تحفظات بعض الدول جعل القرارات ليست ذات أهمية تذكر .وألن قرارات الجامعة العربية ليست ملزمة لألعضاء عىل املستوى العميل ،أخذ التعامل مع الالجئني الفلسطينيني أشكاالً مختلفة حسب موقف ومزاج السلطة يف الدولة املضيفة .مل مينح بروتوكول الدار البيضاء الحقوق والحامية التي متنحها الترشيعات الدولية لالجئني .فعىل سبيل املثال ،مل تشمل هذه القرارات الحق يف املمتلكات املنقولة وغري املنقولة ،والحقوق الفنية ،وحقوق التقايض ،والحصول عىل التعليم، ودخول سوق العمل ،وهو ما بقي تحت رحمة قرارات الدول املضيفة. ألغت االعتبارات والسياسات والقوانني الداخلية للدول املضيفة العمل حتى بربوتوكول الدار البيضاء عىل محدودية الحقوق التي مينحها لالجئني الفلسطينيني. بالرغم من التزام دول الجامعة العربية عىل املستوى النظري مبعاملة الالجئني بنفس درجة معاملة املواطنني فيام يتعلق بالتشغيل والتوظيف ،الحق يف الدخول 10
والخروج ،والحصول عىل وثائق السفر الالزمة والتأشريات .لكن عىل املستوى العميل ،مل تطبق أي من الدول العربية أي من هذه القرارات ،وبقي الفلسطيني يعامل يف كل الدول العربية تقريباً ،معاملة أسوأ من معاملة األجنبي. بسبب عدم وجود معايري عربية واحدة ،تفاوت تعامل الدول العربية املضيفة مع الفلسطينيني عىل كل املستويات ،وخصوصاً عىل املستوى القانوين ومنح الحقوق من الدول التي وجدوا أنفسهم ضيوفاً فيها بعد النكبة. الالجئون :أوضاع قانونية متفاوتة تفاوتت األوضاع القانونية لالجئني الفلسطينيني يف الدول التي متركزوا فيها يف انتظار عودة طالت أكرث بكثري مام توقعوا .ففي بلد مثل األردن تم منح الفلسطينيني الجنسية األردنية ،ما رتب لهم حقوقاً مدنية وسياسية كاملة يف األردن بوصفهم يتمتعون بكامل املواطنة من الناحية القانونية ،وبذلك شغلوا مناصب يف كل املؤسسات الترشيعية والتنفيذية والقضائية .جاء ذلك عىل خلفية ضم امللك عبد الله األول الضفة الغربية للمملكة األردنية بعد مؤمتر أريحا العام 1949وتم الضم رسمياً يف العام ،1951ما ألزم األردن بطبيعة الحال إعطاء الفلسطينيني املقيمني يف الضفة الغربية التي باتت جزءا ً من اململكة األردنية كل الحقوق املدنية والسياسية. ورغم التمييز غري املعلن الذي ميارس عىل األردنيني من أصول فلسطينية يف الكثري من الحاالت ،فإن األوضاع يف األردن كانت إجامالً ،األفضل للفلسطينيني من ناحية الحقوق املدنية والسياسية والحامية القانونية. مقابل النموذج األردين ،كانت لبنان النموذج املتطرف يف التعامل الرديء مع الفلسطينيني ،ففي الوقت الذي يختلف اللبنانيون عىل كل يشء ،يتفقون عىل «خطر!» الوجود الفلسطيني يف لبنان ،لذلك أجمع اللبنانيون عىل أن يرد رفض توطني الفلسطينيني يف لبنان يف منت الدستور اللبناين ،وهي مادة غريبة يف األعراف الدستورية .مل مينح لبنان الفلسطينيني ال الحقوق السياسية وال الحقوق املدنية، وضيق عليهم يف الكثري من الحاالت يف رزقهم ،بل وحرمهم من مامرسة الكثري من املهن ،حيث يحرم القانون اللبناين الفلسطينيني من العمل يف 73مهنة ،ما يعني 11
إغالق سبل العيش أمامهم وجعلهم يعملون يف نهاية املطاف يف أعامل هامشية، وهو ما جعل نسبة البطالة العالية هي السائدة يف أوساط فلسطينيي لبنان ،كام شكل التعامل التعسفي مع الفلسطينيني يف لبنان الدافع القوي إىل هجرة واسعة إىل خارج لبنان خالل العقود الثالثة املنرصمة ،خاصة بعد االجتياح اإلرسائييل للبنان العام 1982ومذبحة صربا وشاتيال التي دفع مئات الفلسطينيني العزل حياتهم مثن ()2 وحشية بشعة. شكلت أوضاع الالجئني الفلسطينيني يف سوريا حالة وسطاً ،بني الحالة اللبنانية والحالة األردنية ،فلم يمُ نح الفلسطينيون الجنسية السورية ،وبالتايل مل يحصلوا عىل الحقوق السياسية .وكذلك مل مينعوا من مامرسة العمل يف السوق السورية حسب النموذج اللبناين ،بل أعطوا حق العمل مبا فيه الحصول عىل وظائف يف مؤسسات الدولة السورية ،ويحق لهم مامرسة كل املهن التي يحق للمواطن السوري مامرستها، وعىل هذا املستوى تم معاملتهم معاملة املواطن السوري. أساس الوضع القانوين للفلسطينيني منذ وصل الالجئون الفلسطينيون إىل سوريا ،صدر العديد من الترشيعات والقرارات التي حاولت أن تنظم بعض شؤون الالجئني الفلسطينيني يف سوريا .مثل تنظيم مهنة مامرسة الصيد يف املياه اإلقليمية السورية عرب القرار 769الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ .1948 /11/22والتوظيف يف إدارات الدولة ومؤسساتها، عرب املرسوم الترشيعي رقم 33تاريخ .1949/9/17ومامرسة الفلسطينيني ملهنة املحاماة يف سوريا ،عرب املرسوم رقم 51بتاريخ ،1952/8/13إضافة إىل العديد من املهن األخرى. لكن عىل صعيد الترشيعات ،ميكن اعتبار القانون رقم 260الصادر يف 1956/7/10 األساس الناظم لألوضاع القانونية لالجئني الفلسطينيني يف سوريا ،وهو قانون من ثالث مواد ،ولكنه عملياً من مادة واحدة تنص عىل« :يعترب الفلسطينيون املقيمون يف أرايض الجمهورية العربية السورية بتاريخ نرش هذا القانون كالسوريني أصالً يف جميع ما نصت عليه القوانني واألنظمة النافذة وبحقوق التوظيف والعمل والتجارة 12
وخدمة العلم مع احتفاظهم بجنسيتهم األصلية ».أما املادتان املتبقيتان من القانون فإحداهام تنص عىل إلغاء األحكام «املخالفة لهذا القانون» واألخرى تقول أن «وزراء ()3 الدولة مكلفون بتنفيذ أحكام هذا القانون» شكل هذا القانون األساس للتعامل مع الفلسطينيني من ناحية الحقوق يف سوريا، ويف التطبيق أعطى القانون للفلسطينيني األغلبية الساحقة من الحقوق املدنية التي مينحها القانون للمواطن السوري ،من زاوية مامرسة جميع املهن التي ميارسها املواطن السوري دون تقييد .وبقيت الحقوق السياسية ممنوعة عىل الفلسطينيني، ومل مينحهم القانون السوري الحق يف مامرستها ،واحتفظوا بجنسيتهم الفلسطينية. ولكن يف حقيقة التطبيق القانوين للحقوق املدنية املمنوحة لالجئني الفلسطينيني تم تقييد حق التملك التي حرصها بتملك منزل واحد للفلسطيني املتزوج ،ويشرتط يف هذا التملك أن يحصل عىل موافقة وزير الداخلية ،أي ينطبق عليه امللكية العقارية لألجانب .ويف ذات اإلطار يحق للفلسطينيني االنتساب إىل النقابات السورية (مثل نقابة األطباء ،واملحامني ،واملهندسني ،واملقاولني الخ )...ويكون للفلسطيني ذات الواجبات والحقوق التي تكون للمنتسب السوري لهذه النقابات. تنظيم أوضاع الالجئني يف سوريا مل ينتظر تنظيم أوضاع الالجئني الفلسطينيني يف سوريا القانون 260لعام ،1956 فقد سبق أن أصدرت سوريا مجموعة من القوانني املنظمة ألوضاع الالجئني الفلسطينيني فيها ،ومنذ العام 1949تم استحداث مؤسسة الالجئني الفلسطينيني العرب ،بالقانون رقم .450وكانت املهمة األساسية للمؤسسة وما زالت اإلرشاف عىل أوضاع الالجئني الفلسطينيني ،وقد حدد قانون استحداثها مهامتها بأنها تتوىل، تنظيم سجالت بأسامء الالجئني وأحوالهم الشخصية ومهنهم التي كانوا ميارسونها، وتأمني إعاشتهم وكسوتهم وإقامتهم يف مختلف املناطق السورية ،وإيجاد األعامل املناسبة لهم يف شتى املهن الحرة أو الخدمات الحكومية ،واستالم كل ما يخصص لهم من التربعات والهبات من أي مصدر كان ،سواء أكانت هذه املوارد عينية أم نقدية وتوزيعها عليهم ...الخ من املهامت املنوطة باملؤسسة التي أُلحقت بداية 13
بوزارة الداخلية ،ومن ثم ألحقت بوزارة الشؤون االجتامعية والعمل يف العام .1958 إلكامل تنظيم أوضاع الالجئني الفلسطينيني صدر يف العام 1963قرار وزير الداخلية رقم 1311مبنح الالجئني الفلسطينيني يف سوريا وثائق سفر .واشرتط ملنحهم هذه الوثائق بصفتهم مقيمني يف الجمهورية العربية السورية أن يكونوا مسجلني لدى مديرية مؤسسة الالجئني الفلسطينيني العرب ،وحائزين عىل تذكرة إقامة من املديرية العامة لألمن العام .ومنح حق إصدار الوثائق إىل وزارة الداخلية السورية. وقد نصت املادة رقم 10من القرار «تخول الوثيقة صاحبها خالل مدة صالحيتها حق العودة إىل الجمهورية العربية السورية دون تأشرية عودة» وتكمن أهمية هذه املادة يف أنها اعتربت الالجئ الفلسطيني قادر عىل العودة إىل سوريا يف أي وقت ،وأعطته له كحق ،بينام مل تخول وثائق السفر املرصية للفلسطينيني حامليها الدخول إىل األرايض املرصية دون تأشرية عودة .وكذلك كان الحال يف الكثري من األوقات يف وثيقة السفر املمنوحة من قبل الحكومة اللبنانية لالجئني الفلسطينيني يف لبنان والتي كان عىل حاملها يف أوقات التضييق الشديد عىل الفلسطينيني ،رضورة الحصول عىل تأشرية عودة إذا كان خارج لبنان قبل عودتهم ،أو وضع تأشرية ذهاب وعودة قبل السفر من لبنان إىل خارجه ،وهو األمر الذي طبقته لبنان صيف عام 1995عندما أقدمت السلطات الليبية عىل طرد الفلسطينيني من ليبيا ،ومل تسمح لهم مرص بالدخول وبقوا عالقني لفرتة طويلة عىل الحدود بن البلدين. حق العمل لالجئني الفلسطينيني مل يضع القانون السوري أي قيد عىل دخول الفلسطينيني سوق العمل السورية يف أي من قطاعات العمل سواء الوظائف الحكومية أو العمل الخاص ،أو املرشوعات االستثامرية ،وقد انتسبوا إىل كافة النقابات املهنية دون عبقات أو متييز (أطباء، محامون ،مهندسني ،صيادلة ،متعهدين ...الخ) فقد شغلوا كل املناصب ،باستثناء املناصب الترشيعية التي تحتاج إىل االنتخاب والتي حرموا منها ترشحاً وانتخاباً .حتى أن البعض منهم وصل ليشغل مرتبة وزير يف الحكومة السورية ،مثل أحمد يوسف الحسن من أم الفحم والذي شغل منصب عميد كلية الهندسة يف حلب ثم وزير 14
الكهرباء واملعادن والنفط ملدة أربع سنوات ،ثم عني رئيساً لجامعة حلب ،وكذلك شغل أحمد سليم درويش وهو من مواليد ترشيحا منصب وزير دولة ثم عني وزيرا ً لإلسكانُ ،م ِنحا الجنسية السورية لتسلم املنصب .وإذا كانت املناصب استثنائية، ومل يشغلها سوى الشخصني املذكورين ،فقد شغل العديد من الفلسطينيني مراتب معاون وزير ومدراء عامني ،وهناك الكثري من الضباط الفلسطينيني الذي تطوعوا يف الجيش السوري ووصلوا إىل أعىل املراتب ،حتى وصل بعضهم إىل قيادة منطقة ،أي قيادة فرقة .وكان حملة اإلجازة الجامعية يؤدون الخدمة العسكرية اإللزامية التي فرضت عىل الفلسطينيني برتبة مالزم يؤدون الخدمة يف قطاعات الجيش السوري. وكان إسهام الفلسطينيني كبريا ً يف مجال التدريس ،خاصة وأن سوريا بعد االستقالل عن فرنسا ،استبدلت منهاج اللغة الفرنسية التدرييس مبنهاج اللغة االنكليزية ،وألن سوريا افتقدت إىل الكوادر املؤهلة للقيام بهذه املهمة عىل مستوى البلد ،وبحكم شح الذين يجيدون اللغة االنكليزية ويقدرون عىل تدريسها ،وهو ما جعل جزءا ً رئيساً من املهمة تقع عىل الالجئني الفلسطينيني القادمني من احتالل انكليزي ويعرفون اللغة االنكليزية جيدا ً ،لذلك شغل الفلسطينيون أغلب وظائف تدريس اللغة االنكليزية .تراجعت ظاهرة وجود الفلسطينيني يف الوظائف العليا يف سوريا يف العقود الثالثة األخرية ،فلم يعد هناك أي فلسطينيي يشغل منصب معاون وزير أو مدير عام مؤسسة يف وزارات الدولة .لكن حق الفلسطينيني يف التوظيف والتقدم إىل كافة الوظائف يف الدولة أو القطاع الخاص ،أو العمل يف املهن الحرة ،أو بناء مؤسسات اقتصادية ،مل يتغري وبقي حقهم مثل حق أي سوري. حق متلك الفلسطينيني يف سوريا إذا كان من الصحيح أن القانون السوري منح الالجئني الفلسطينيني كل الحقوق املدنية التي يتمتع بها املواطن السوري ،فإنه أبقى القيود صارمة عىل التملك العقاري للفلسطينيني ،وهذا التضييق منح الفلسطيني املتزوج حق متلك منز ٍل ٍ واحد فقط وبعد الحصول عىل موافقة وزير الداخلية .ويف هذه القضية تفاوتت التسهيالت والتضييق بني فرتة وأخرى ،وأحياناً تأثرت بالعالقات السياسية مع منظمة 15
التحرير الفلسطينية ،تحسناً وسوءا ً .ولكن طبيعة التنظيم العقاري يف سوريا ،وعدم خضوعه كامالً للتسجيل يف السجل العقاري ،جعلت من هذه املشكلة ليست ذي شأن فعلياً يف الكثري من األوقات ،إال يف املناطق املسجلة يف السجل العقاري أو يف السجل العقاري املؤقت .ولكن يف ما تبقى من مناطق ،والتي تعادل مدناً كاملة، فإن آلية متلكها ال تكون عرب انتقال امللكية يف السجل العقاري ،ألنها غري موجود أصالً يف هذا السجل ،إال بوصفها أرايض زراعية ،فهناك مناطق واسعة تم تشييدها وتنظيمها ودخلت يف األماكن املأهولة ،ال زالت يف السجل العقاري تعترب أرايض زراعية .وتنتقل ملكية هذه الشقق عرب شكلني: الشكل األول :عرب ما يسمى «وكالة لبيع عقار» أو «بيع عقار مع توكيل» وتوثق هذه الوثائق عرب دوائر الكاتب بالعدل ،وسلسلة الوكاالت تعتمد بوصفها انتقال للملكية من موكل إىل آخر ،وتكون هذه الوكاالت غري قابلة للعزل لتعلق حق الوكيل فيها ،ما يعني أنها ال تسقط بوفاة البائع .وذات الصيغة هي التي يتملك السوريني أيضاً الشقق يف هذه األرايض التي ال تزال زراعية يف السجل العقاري، وهذه الوكالة يحصل عليها الفلسطيني ،ليس من موقع متلك العقارات ،إمنا من موقع الحقوق التي مينحها له القانون رقم 260لعام 1956الذي يعطيه الحق يف مامرسة التجارة كالسوري ،وتعترب الجهات الرسمية السورية أن الوكالة عمالً من أعامل التجارة ،كام جاء يف توضيح لوزير الداخلية ،بعد إصدار قانون متلك األجانب يف سوريا العام ،2008فبعد صدور هذا القانون توقف كتّاب العدل يف سوريا عن منح هذه الوكاالت للفلسطينيني ،وهو ما تكرر القيام به من قبل الجهات الرسمية السورية عده مرات خالل العقود الثالثة املنرصمة .وقد تم منع دوائر كتاب العدل يف مثانينات القرن املايض من منح هذه الوكاالت للفلسطينيني ،ومل يكن مينح وزير الداخلية أي موافقات للفلسطينيني لتملك منازل ،ما أجرب الفلسطينيني عىل تسجيل أمالكهم باسم مواطنني سوريني أقرباء أو أصدقاء لهم. الشكل الثاين :كان التملك عن طريق تثبيت هذه البيوع أمام املحاكم املختصة، حيث ميكن اللجوء إىل القضاء ليحكم بتثبيت البيع لصالح املشرتي استنادا ً لهذه الوكاالت ،وميكن بعد ذلك بيع هذا العقار بواسطة قرار املحكمة ،عرب قرار محكمة 16
جديد إىل شخص جديد .وقد تم التساهل لسنني مع الفلسطينيني يف التملك مبوجب حكم محكمة ،ومل يكن هذا التسهيل يشملهم وحدهم ،فقد جرى التساهل يف املحاكم لتملك العرب أيضاً ،أي مل يكن املقصود يف التساهل الفلسطينيني وحدهم، بل كان العرب جميعاً يستفيدون من ذلك .وبعد موجة اللجوء التي تسبب بها االحتالل األمرييك للعراق يف العام ،2003والذي جلب إىل سوريا أكرث من مليون ونصف املليون الجئ عراقي ،حيث ضغطت هذه املوجة من اللجوء العراقي عىل سوق العقار من خالل متلك الكثري من العقارات ،وهو ما رفع أسعار العقارات يف سوريا عموماً ويف دمشق خصوصاً ألسعار قياسية .وهو ما دفع السلطات السورية إىل معالجتها من خالل الرتاجع عن هذا التساهل ،وهذا الرتاجع مل يشمل العراقيني فحسب ،بل شمل كل العرب ،وعىل رأسهم الفلسطينيني أكرث املترضرين من القرار الذي فرض عىل املحاكم عدم تثبيت هذه البيوع ،إال بعد الحصول عىل املوافقة األمنية الالزمة ،قبل إصدار قانون التملك لألجانب رقم 11لعام 2008والذي نص عىل الرشوط التي يجب أن توفر يف العريب حتى يتملك ،وهو ما أصبح ينطبق عىل الفلسطينيني حتى رشط مساحة العقار التي يجب أن ال تقل عن 200م 2وتم تخفيضها يف تعديل العام 2011إىل 140م 2وهو ما يتعامل مع الفلسطينيني بوصفهم تجمع من األغنياء .وليس هناك قدرة لالجئني الفلسطينيني أصحاب اإلمكانيات املتواضعة لرشاء هذا النوع من الشقق ،لذلك أصبحت إمكانية متلك الفلسطيني مكاناً للسكن عن غري طريق دوائر الكاتب بالعدل يتسم بالصعوبة الشديدة ،ألن من الصعب الحصول عىل موافقة من الجهات األمنية بالنسبة للفلسطينيني. يحكم متلك الفلسطينيني للعقارات يف سوريا القانون رقم 11تاريخ 2011/4/10 وهو قانون متلك األجانب يف سوريا الذي عدل القانون رقم 11العام .2008وحسب نص هذا القانون« :يجوز إنشاء أو تعديل أو نقل أي حق عيني عقاري يف أرايض الجمهورية العربية السورية السم أو ملنفعة شخص غري سوري طبيعياً كان أم اعتبارياً وفق األحكام التالية :متلك األرسة بقصد سكنها الشخيص وعىل وجه االستقالل عقارا ً واحدا ً مبنياً برخصة نظامية وفق نظام ضابطة البناء ال تقل مساحته املبنية الدنيا عن 140مرتا ً مربعاً ويشكل وحدة سكنية متكاملة وال يقبل طلب اإلفراز الطابقي 17
لهذا العقار يف حال قابليته لإلفراز عىل أن يتم التملك برتخيص مسبق يصدر بقرار عن وزير الداخلية ويقصد باألرسة يف معرض تطبيق هذا القانون الزوج والزوجة واألوالد الذين هم بوالية الزوج عىل أن تكون إقامتها يف الجمهورية العربية السورية إقامة مرشوعة» ومينع القانون عىل غري السوري الذي اكتسب ملكية عقار وفق أحكام هذا القانون أن يترصف به بأي وجه من وجوه الترصف قبل ميض سنتني عىل اكتساب امللكية إال مبوافقة وزير الداخلية .ويقيد ملكيته بشأن االنتقال عن طريق اإلرث ،فينص يف مادته الثالثة« :إذا انتقل لغري السوري بطريق اإلرث أو االنتقال أو الوصية عقار واقع داخل أو خارج املخططات التنظيمية للوحدات اإلدارية والبلديات يسقط حقه فيه إذا مل يكن هناك تعامل باملثل من قبل الدولة التي يحمل جنسيتها ويف هذه الحالة عليه نقل ملكيته إىل مواطن سوري خالل مدة سنتني من تاريخ انتقاله إليه وإال ينتقل إىل إدارة أمالك الدولة لقاء دفع قيمته املقدرة وفقاً ألحكام قانون االستمالك» ومينع القانون الدوائر العقارية ودوائر السجل املؤقت وسائر الجهات األخرى املختصة بنقل امللكية العقارية كام ميتنع عىل الكتاب بالعدل توثيق بيوع العقارات املشمولة بأحكام هذا القانون ما مل تربز قرارات الرتخيص أو املوافقات املطلوبة مبوجبه .ويعاقب بالحبس من سنة إىل ثالث سنوات وبالغرامة املعادلة لقيمة األموال والحقوق التي تناولها العقد كل من أقدم عىل إجراء عقد ملصلحة شخص غري سوري خالفا ألحكام هذا القانون أو توسط بإجرائه إضافة إىل مصادرة تلك األموال والحقوق .ومبا أن الفلسطينيني يف أغلبهم ينتمون إىل الطبقة الوسطى ،وليس لها القدرة عىل امتالك هذا النوع من العقارات، بذلك فقد الفلسطينيون هذا الطريق من طرق التملك التي ميكن أن ميلكوا مبوجبها شققاً صغرية مسجلة يف السجل العقاري كان يتم التساهل معهم سابقاً وتجاوز رشط املساحة. عدا عن ذلك ،تسمح القوانني السورية بأن يتملك الالجئ الفلسطيني األموال املنقولة مهام كانت ،حتى تلك التي تسجل يف سجل خاص مثل السيارات ووسائط النقل ،عىل أن ال يكون القانون مينع متلك املنقول أصالً ،فطاملا مباح متلك املنقول يحق للفلسطيني متلكه. 18
الجئون من نوع آخر الحقوق التي منحها القانون السوري لالجئني الفلسطينيني والتي تحدثنا عنها سابقاً ،شملت الفلسطينيني الذين لجئوا إىل سوريا يف العام ،1948ولكن الوجود الفلسطيني يف سوريا مل يقترص عليهم .فهناك أعداد من الالجئني الفلسطينيني وفدت إىل سوريا بعد العام .1948وهم ينقسمون إىل أربع فئات أخرى من الالجئني الفلسطينيني: 1ـ هناك أعداد من الالجئني الفلسطينيني جاءت إىل سوريا يف العام 1956أكرثهم من لبنان نتيجة الظروف السياسية واالجتامعية واالقتصادية التي كانوا يعيشونها هناك .شكّل هؤالء فئة خاصة من الالجئني الفلسطينيني من حيث تعامل القانون السوري معهم ،وإن كانوا قد أضيفوا إىل الكتلة األساسية التي وفدت سنة 1948 والسنوات التي تلتها عرب تسجيلهم عىل قيود مؤسسة الالجئني الفلسطينيني وقيود (األونروا) ،لكن مل يتم إعطاءهم حق العمل ،ومل يعاملوا معاملة السوري ،وال يؤدون الخدمة العسكرية ،ويف حال الدخول إىل سوق العمل يحتاجون إىل بطاقة عمل مثل أي أجنبي. 2ـ بعد حرب العام 1967وفدت إىل سوريا أعداد من الالجئني الفلسطينيني، وهؤالء مل يعاملوا معاملة السوري ومل يسجلوا يف سجالت الهيئة العامة لالجئني ،وإن كان البعض منهم قد نقل تسجيله يف (األونروا) من املكان الذي كان يقيم فيه قبل العام 1967إىل سوريا .أما بالنسبة لغري املسجلني فإنهم يُعاملون معاملة األجنبي، إذا كانوا من حملة وثائق السفر املرصية (قطاع غزة) ،ومعاملة العريب املقيم إذا كانوا من حملة جوازات السفر األردنية. 3ـ وفدت أعداد من الفلسطينيني إىل سوريا بعد الصدامات املسلحة التي شهدها األردن عام 1970بني املقاومة الفلسطينية والسلطات األردنية ،والتي أ ّدت إىل طرد املقاومة من األردن ،حيث وفدت إىل سوريا أعداد من الفلسطينيني املنضوين يف صفوف املقاومة مع عائالتهم ،كام أن آخرين ليسوا من رجال املقاومة اندفعوا تحت وطأة الخوف من مجازر قادمة للقدوم إىل سوريا .وأغلب هؤالء فقدوا جوازاتهم األردنية نتيجة أسباب الهجرة والنزوح فال يتطلّب األمر منهم الحصول 19
عىل بطاقة إقامة ،لكنهم باملقابل ال يستطيعون الحركة خارج سوريا ،وال يستطيعون الدخول إىل سوق العمل بشكل منتظَم .ويف الواقع ال توجد قوانني واضحة يف التعامل مع هذه الفئة ،فهم حسب القانون أجانب يقيمون يف سوريا بشكل غري رشعي .ولكن يف الواقع يتم التعامل معهم من خالل التغايض عن وضعهم القانوين من جهة اإلقامة .وتعترب أوضاع هذه الفئة األكرث تعقيدا ً ،إذ إن الغالبية العظمى منهم ال متتلك وثائق بعد إلغاء أو انتهاء مفعول جوازات السفر األردنية التي كانوا يحملونها ،وهم الفئة األكرث معاناة بني الفئات املذكورة. 4ـ هناك عدد من قطاع غزة وفدوا إىل سوريا يحملون وثائق سفر لالجئني الفلسطينيني تصدر عن الحكومة املرصية (بالنسبة ألبناء قطاع غزة) ويتو ّجب عىل حملة الوثائق املرصية تجديد إقامتهم يف سوريا سنوياً ،ومثة تقييد عىل دخولهم سوق العمل وإن كانوا ال يعانون متييزا ً يف الخدمات الصحية والتعليمية. إقامة مؤقتة يحمل الفلسطينيون يف سوريا بطاقة تعريف شخصية ،كتب عليها «تذكرة إقامة مؤقتة للفلسطينيني» ،وقد مىض عىل إقامة الفلسطينيني يف سوريا أكرث من ستة عقود ،ماتت خاللها أجيال وولدت أجيال ،وما زالت هذه اإلقامة مؤقتة .لقد نظمت القوانني السورية إقامة الفلسطينيني بوصفها إقامة مؤقتة ،ومنعت عنهم الحصول عىل الجنسية بحكم اإلقامة ،للحفاظ عىل قضيتهم الوطنية وحقهم يف العودة إىل وطنهم ،رغم كل االمتيازات التي منحت لهم مقارنة بأوضاع الالجئني يف لبنان ،أليس من الغريب أن تقرأ عىل قيد نفوس لشاب ولد يف دمشق العام 1990أو طفل ولد يف العام 2012أن تاريخ لجوءه إىل سوريا كان العام ،1948أي قبل أن يولد بأكرث من نصف قرن أو قبل أن يولد والده ورمبا جده .إنه الجئ ألنه ولد ألب الجئ ،وسالالت العائالت الفلسطينية الالجئة يبدو أنها لن تنتهي.
20
الفصل الثاين التحوالت االقتصادية واالجتامعية عندما غادر الالجئون الفلسطينيون ديارهم يف نكبة العام ،1948كانت أغلبيتهم الساحقة من الفالحني والطبقة الوسطى ،فعشية النكبة كان االقتصاد الفلسطيني اقتصادا ً زراعياً ،وتشكيلته االجتامعية الرئيسية فالحية .وبفعل النكبة تحول كل هؤالء بني ليلة وضحاها إىل فقراء ومعوزين ،لقد تركوا كل يشء خلفهم عىل أمل أن يعودوا اىل ديارهم خالل أيام معدودة ،لكن األيام تحولت اىل سنوات والسنوات اىل عقود ،وطال االنتظار .كانت السنوات األوىل للجوء هي سنوات الحاجة والعوز يف اوساط الالجئني .كان الفلسطينيون القادرين عىل العيش بدون حاجة للمساعدات أقلية نادرة ،بينام كان األغلبية الساحقة يائسة وقلقة عىل مستقبلها ومعوزة لكل يشء .وبحكم الواقع املأساوي الذي عاشه مئات اآلالف من الالجئني الفلسطينيني يف أماكن تواجدهم ،أقامت األمم املتحدة هيئة خاصة ملعالجة مشكلة الالجئني الفلسطينيني واحتياجاتهم وحملت اسم :وكالة غوث وتشغيل الالجئني الفلسطينيني (األونروا) التي تأسست يف 8كانون األول (ديسمرب) 1949ومبوجب القرار رقم 302الصادر عن الجمعية العامة لألمم املتحدة ،وحددت مناطق عملياتها يف دول الطوق سوريا ولبنان واألردن ـ باستثناء مرصـ ويف الضفة الغربية وقطاع غزة .قامت األونروا بتقديم املساعدات الغذائية والطبية والتعليمية األولية عىل مدى عقود من عمر املأساة الفلسطينية ،وقد استفادت األغلبية الساحقة من الفلسطينيني من هذه الخدمات ،باستثناء أقلية بسيطة مل تسجل نفسها يف سجالت األونروا )4(.وعىل مدى العقود املنرصمة من عمر النكبة ،تراجعت الخدمات التي تقدمها األونروا لالجئني الفلسطينيني يف كل مناطق عملياتها ،خاصة يف سوريا ،ويف مطلع الثامنينات مل يعد يستفيد من الحصص الغذائية التي توزعها األونروا من الالجئني الفلسطينيني يف سوريا ،سوى تلك الحاالت التي تصنف «حاالت صعبة» والتي توضع رشوط 21
وعقبات كثرية أمام اثبات وضعها للحصول عىل الحصة الغذائية. واقع اقتصادي جديد تجربة الشتات ليست حرصا عىل الفلسطينيني ،وهناك دامئا مشرتكات بني هذه التجارب عىل الرغم من خصوصية كل تجرية .لكل شعب يعيش يف تشتته ،جزء منه مشرتك ،لجهة ارتباطها باملعاش الخاص أو املوروث ،وجزء منه مطبوع بطابع صريورة املجتمعات املضيفة .ومبا أن الفلسطينيني يف سوريا ال يشذون عن هذه القاعدة ،فإن أسئلة تطرح حول ما يعود إىل الهوية املشرتكة للشعب الفلسطينيي وما يعود اىل تداخل الهويات الجامعية والتفاضلية يف املجتمع السوري نفسه .بكالم آخر ميكن التساؤل حول كيفية احتفاظ الفلسطينيني يف سوريا بشعورهم باالنتامء اىل هوية خاصة ،وكيفية تطويرهم لهذا الشعور رغم اندراجهم يف مواقع طبقية ()5 واجتامعية وتطبعهم بثقافة البيئة السورية. ميكن القول أن الالجئني الفلسطينيني شكلوا يف سوريا حالة التقاطع بني مجتمعني، املجتمع الذي يعيشون يف اطاره وهو املجتمع السوري وهو الحاضنة اليومية للتحركات والتفاعالت االقتصادية -االجتامعية ،والتجمعات الفلسطينية األخرى يف الشتات والوطن ،التي تضامنت وتفاعالت مع بعضها رغم العوائق الجغرافية لصناعة صورة الفلسطيني الحديثة ،وقد لعب الالجئون الفلسطينيون يف الشتات دورا ً رئيساً يف تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية الحديثة ،وبتأسيس منظمة التحرير ،عرب هذا االطار عن التفاعالت السياسية والوطنية الفلسطينية. شكل الالجئون الفلسطينيون يف سوريا 10.7يف املئة إىل مجموع الالجئني ()7 الفلسطينيني يف الشتات( .)6وبلغت نسبتهم 2.1يف املئة إىل مجموع سكان سوريا. تركز معظم الفلسطينيني يف مدينة دمشق ومحيطها .فاستأثرت دمشق بنحو 66.8 يف املئة من مجموع الالجئني الفلسطينيني يف سوريا ،يف حني استحوذت محافظة درعا عىل نحو 7.9يف املئة ،ومحافظة حلب 7.6يف املئة ،وحمص 4.8يف املئة، وحامة 2.1يف املئة ،والالذقية 2.4يف املئة وباقي النسبة هم من املسجلني يف سجالت محافظة القنيطرة ونسبتهم 8.4يف املئة. 22
يقيم نحو 30يف املئة فقط من اجاميل الفلسطينيني يف 13مخيامً 9 ،تصنفها األونروا مخيامت ،والباقي ال تصنفه مخيامت ،وعىل رأس املخيامت غري املعرتف بها ،مخيم الريموك الذي يضم أكرث من 150الف فلسطيني ،عىل الرغم من وجود خدماتها فيه من صحة وتعليم وغريها من الخدمات األخرى )8(.وهناك تجمعات فلسطينية ال تدخل يف تصنيف املخيامت ،مثل التجمعات الفلسطينية يف كل من الحسينية ودوما ودمر. شكلت السنوات األوىل للجوء الفلسطيني يف سوريا ،السنوات األصعب يف حياة الالجئني وتجربة اللجوء ،آالف الالجئني الفلسطينيني الهامئني عىل وجوههم ،خرسوا كل يشء ،ديارهم ،مصادر رزقهم ،مجتمعهم ،عائالتهم ،متعلقاتهم الشخصية حملوا مفاتيح ديارههم التي سيعودون اليها بعد أيام ،لكنها صدئت يف املنايف .خيم اليأس واإلحباط عىل حياة الالجئني الفلسطينيني يف كل أماكن تواجدهم .آالف وجدوا أنفسهم مرتوكني للقدر والصدفة ولصدقات الناس ولتالعبات الزمن مبصائرهم .من حالة العدم والعوز ،كان عىل الفلسطينيني إعادة بناء حياتهم وأرسهم وأحالمهم وصالتهم االجتامعية ووطنهم الواقعي واملتخيل .كانت تجمعات الالجئني تحاول إعادة بناها االجتامعية التي تدمرت بفعل استيالء العصابات الصهيونية عىل فلسطني واقتالعهم منها ،األرض التي شكلت حاضن العالقات االجتامعية للمجتمع الفالحي الذي كان قامئاً يف فلسطني قبل النكبة ،مل تعد موجودة ابتلعها املرشوع الصهيوين بتأسيس دولة إرسائيل .لكنهم يف املنايف أعادوا بناء عالقاتهم االجتامعية عىل األساس الذي كان قامئا يف بلدهم قبل النكبة .لقد كان ذلك نوعا من مقاومة املصري الذي وجدوا أنفسهم يعيشون دوامته «إن الحفاظ عىل القيم الفالحية والتنظيم االجتامعي من قبل الفلسطينيني كان بحد ذاته شكالً من أشكال املقاومة وشمل الكفاح بني قيمه )9(».لكن ما كانت التجمعات الفلسطينية يف الشتات تحاول الحفاظ عليه يف عالقاتها االجتامعية استنادا ملا كان قبل النكبة ،كانت العوامل االقتصادية واالجتامعية تدمره لصالح بنية اجتامعية واقتصادية مختلفة يف مخيامت الشتات. 23
االندماج االقتصادي منحت القوانني والتسهيالت السورية وعىل رأسها القانون رقم 260لعام 1956 املجال أمام اندماج الفلسطينيني يف االقتصاد السوري ،دون أن متنحهم االندماج يف الحياة السياسية .فقد اعطتهم الحقوق التي أعطتها للسوريني بشأن العمل والتوظيف والتجارة ،وقننت عليهم بشأن امللكيات العقارية ومنعتهم من متلك األرايض الزراعية .كل ذلك مع االحتفاظ بجنسيتهم الفلسطينية ،ما أخرجهم من الحياة السياسية السورية باملعنى القانوين للكلمة ،أي مل يعطيهم الحق يف الرتشيح واالنتخاب يف املؤسسات الترشيعية السورية ،ومل مينحهم الحق يف الوصول إىل مناصب وزارية ،رغم أن الكثريين منهم شغلوا مناصب معاون وزير )10(.وبذلك كان الفلسطينيون جزءا من البنية االقتصادية للمجتمع السوري ،دون أن يكونوا جزءا ()11 من الحياة السياسية السورية. عندما وقعت النكبة ،كان االقتصاد الفلسطيني اقتصادا ً زراعياً ،وكان أكرث من ثلثي السكان يف فلسطني يعملون يف قطاع الزراعة ،ومبا أن املرشوع الصهيوين كمرشوع اقتالعي اجاليئ احاليل للسكان اليهود مكان الفلسطينيني ،كان يستهدف األرض الفلسطينية والفالحني املقيمني عليها .لذلك ،شكل الفالحون الفلسطينيون الضحية األساسية لالقتالع ،هذا ال يعني أن املدن الفلسطينية مل تستهدف يف عملية االقتالع التي استهدفت الفلسطينيني ،بل تم استهدافها واقتالع سكانها ،لكن األرض الفلسطينية كانت مستهدفة ،بوصف االقتصاد الصهيوين املستهدف يف بناء إرسائيل يف العام 1948كان اقتصادا ً زراعياً ،قامئاً عىل الكيبوتز والكولخوز ،أي االستيطان الزراعي بوصفه عامد املرشوع الصهيوين يف بناء الدولة وبوتقة الصهر يف املرشوع الصهيوين .لذلك كان االقتالع الوحيش للقرى الفلسطينية وتدمري أكرث من 400قرية فلسطينية يف العام 1948عىل أيدي العصابات الصهيونية وطرد سكانها بالقوة ومنعهم من العودة إىل أراضهيم. وجدت األغلبية الفالحية الفلسطينية نفسها يف الشتات ،معدمة ويائسة ومعوزة، وكانت قد وقعت يف رشوط اقتصادية جديدة ،فبعد االقتالع ،أخذ الالجئون يبحثون عن أعامل تساعدهم عىل ترميم حياتهم يف الشتات ،وكانت بنيتهم الفالحية عائقاً 24
رئيساً أمام االندماج يف سنواتهم األوىل يف االقتصاد السوري ،فهم مل مينعوا من الحصول عىل فرص عمل يف االقتصاد السوري ،حتى قبل إصدار القانون .260ولكن شكلت البنية الفالحية عائقاً أمام هذا االندماج بحكم تركز وتم وضع اقامة األغلبية الساحقة من الالجئني الفلسطينيني يف تجمعات املدن أو يف محيطها القريب .ومبا أن اقتالع الفلسطينيني كان من أراضيهم الزراعية بوصفها مورد رزقهم ومستقرهم يف وطنهم ،فلم يجد الفالحون الفلسطينيون بدالً عن أراضيهم الزراعية يف بلدان الشتات ليعودوا إىل مامرسة أعاملهم السابقة عىل النكبة .إضافة إىل بحث الالجئني الفلسطينيني يف السنوات األوىل للجوء عن أعامل مؤقتة ألن أملهم يف العودة إىل ديارهم بقي قامئاً بقوة يف تلك السنوات ،فلم يحرصوا عىل العمل يف قطاعات ثابتة إال بعد سنوات من وجودهم يف الشتات ،وازدياد قناعتهم بأن إقامتهم ستطول هناك .إضافة إىل فائض العاملني يف الزراعة يف سوريا ،يف مجتمع ال تختلف بنيته االقتصادية الزراعية عن املجتمع الفلسطيني يف ذلك الوقت ،مجتمع زراعي ،يعمل أغلبية سكانه يف القطاع الزراعي ،لذلك كان عىل الفالحني الفلسطينيني أن يغريوا مهنهم رسيعاً تحت ضغط العوز والحاجة ،فاملنايف ال ترحم. تناقض االجتامعي مع االقتصادي كان عىل املخيامت أن تحافظ عىل عالقاتها الفالحية التي جلبتها معها من فلسطني ،للحفاظ عىل عالقتها االجتامعية ،وأن تتحول اقتصادياً يف القطاعات اإلنتاجية التي تعمل فيها ،وشكل هذا نوعاً من التناقض بني العالقات االجتامعية والتحول االقتصادي )12(.ورغم ان الحفاظ عىل عالقات اجتامعية تقوم عىل األسس التي كانت قامئة يف فلسطني ،شكل نوعا من مقاومة حالة اللجوء ،وتكريس االنتامء اىل الوطن املفقود الذي بقي الحلم الذي نظم حياة الفلسطينيني يف املنايف .لكن هذا مل مينعهم أن يتحولوا ورسيعا اىل قطاعات اقتصادية مل يكونوا يعملون بها يف فلسطني ،الحاجة أجربتهم عىل التحول اقتصادياً ،دون أن تستطيع إجبارهم عىل التحول االجتامعي .ومع التحول يف قطاعات األعامل ،كان التناقض يزداد ،بني مدنية األعامل التي يقومون بها ويندمجون اقتصادياً بها ،وبني حفاظهم عىل شكل 25
عالقاتهم االجتامعية الفالحية السابقة عىل وقوع النكبة. وبحكم تكيفهم االقتصادي فقد تحولت بنيتهم الفالحية باملعنى االقتصادي إىل بنية مدنية ،ال يشكل فيها العاملون يف قطاع الزراعة أكرث من 2يف املئة من مجموع القوى الفلسطينية العاملة يف سوريا ،يف الوقت الذي كانت فيه نسبة العاملني يف القطاع الزراعي من السوريني يبلغ حوايل ثلث السكان ،ويف السنوات األخرية تراجع القطاع الزراعي يف سوريا وأصبح العاملون فيه ال يشغلون أكرث من 20يف املئة من العاملني يف سوريا .بذلك ،تغريت الرتكيبة االقتصادية للفلسطينني يف سوريا خالل العقدين التاليني عىل النكبة ،وأصبح العاملون يف الزراعة يشكلون نسبة هامشية بني الالجئني الفلسطينيني يف سوريا ،بينام استقطب قطاع الخدمات أكرث من 41يف املئة من القوى العاملة يف اوساط الفلسطينيني .مقابل ذلك امتص قطاع الصناعة التحويلية 14.6يف املئة من اجاميل العاملة ،والتجارة 8.4يف املئة ،واحتل قطاع البناء املرتبة الثانية من حيث استيعاب القوة العاملة فاستأثر بنحو 27يف املئة من إجاميل العاملة الفلسطينية .وتوزع العاملون الفلسطينيون يف سوريا عىل القطاعات املختلفة بنسب متفاوتة ،بلغت 0.2يف املئة يف قطاع املناجم 1.4 ،يف املئة يف قطاع الكهرباء 4.8 ،يف املئة يف قطاع النقل 0.4يف املئة يف قطاع املال. التوزع عىل القطاعات االقتصادية من املالحظ أن قطاع الخدمات احتل املرتبة األوىل من حيث استيعابه للقوى العاملة الفلسطينية يف سوريا ،ما يؤكد مرة أخرى ،أن القطاع الحكومي بفروعه املختلفة ،وعىل وجه التحديد قطاع التعليم ،قد استحوذ عىل النصيب األكرب من العاملة الفلسطينية يف سوريا .وقد يكون الرتفاع مستويات التعليم بني الفلسطينيني االثر الكبري يف هيكلية توزيع العاملة الفلسطينية يف سوريا عىل القطاعات االقتصادية السورية املختلفة. بحكم االنتقال إىل األعامل غري الزراعية ،فقد التفت الالجئون الفلسطينيون إىل التعليم ،حيث ارتفعت نسبة املتعلمني بينهم وتراجعت نسبة األمية .وقد ساعد عىل تعلم الفلسطينني ،الخدمات التعليمية التي قدمتها األونروا لالجئني 26
الفلسطينيني عرب بناء مدارس تديرها يف البلدان املضيفة لالجئني .حيث تقوم األونروا حسب ارقام العام 2012بإدارة 118مدرسة تعمل جميعها بنظام الفرتتني وتقدم التعليم األسايس االبتدايئ واإلعدادي ملا مجموعه 66,500طفل من أطفال الالجئني الفلسطينيني )13(.وتتبع املدارس املنهاج الوطني لوزارة الرتبية والتعليم السورية. وتقوم األونروا أيضاً بإدارة مركز تدريب مهني يف دمشق يعمل عىل إعداد الالجئني الشباب من أجل التوظيف وذلك من خالل تجهيزهم باملهارات القابلة للتسويق. ( )14وقد كانت األونروا بحد ذاتها ،ليس مقدما للمساعدات لالجئني الفلسطينيني فحسب ،بل كانت مشغال لهم يف نفس الوقت ،فاملدرسون الذين يغطون التعليم يف املدارس التي تديرها األونروا ،جلهم من الالجئني الفلسطينيني ،واإلداريني والعامل الذين يعملون يف املباين اإلدارية واملستوصفات والعيادات الطبية ،كذلك جلهم من الالجئني .وبذلك قدمت األونروا لهم فرص العمل اضافة اىل املساعدات ،وقد تزايدت هذه الفرص مع تزايد اعداد الالجئني ،ويقدر عددهم يف السنوات األخرية ()15 يف سوريا بحويل 4آالف موظف وموظفة. يف قلب االقتصاد السوري تقع سوريا يف مجال التنمية البرشية يف موقع متأخر ،فهي تقع حسب مؤرش التنمية لألمم املتحدة يف املوقع 14عربياً ويف موقع 119عىل مستوى دول العامل حسب تصنيفات العام .2011وكان ترتيب سوريا قد تراجع عىل مدى السنوات األخرية ،حيث شغل موقع الـ 92بني دول العامل يف تقرير العام 1996وتراجع إىل املوقع 111يف تقرير عام ،1999وصوالً إىل املوقع 119يف العام ،2011أي أن موقع سوريا قد تراجع خالل 17عاماً 27موقعاً .وتبقى معطيات الوضع االقتصادي يف سوريا غامضة ،مثل الكثري من األشياء يف سوريا ،فحتى عىل مستوى تقدير دخل الفرد هناك تقديرات تتفاوت لدرجة كبرية .يف الوقت الذي يقدر البعض أن متوسط دخل الفرد يف سوريا للعام 2011بلغ نحو 2803دوالرات ،وهو املعدل األقل مقارنة بدول الجوار كلبنان واألردن )16(.ويف تقديرات أخرى فإن دخل الفرد يرتاجع إىل أقل من نصف املبلغ السابق .ففي العام 2010بلغ دخل الفرد حسب 27
تقديرات أخرى 1210دوالر )17(.والرقم الرسمي السوري تحدث عنه الدكتور عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون االقتصادية الذي قال يف مجلس الشعب« :سريتفع الدخل السنوي للمواطن من 1100دوالرا ً إىل 1800دوالرا ً بعد خمس سنوات» خالل الخطة الخمسية العارشة التي انتهت عام 2010ومل يتحقق ()18 الهدف حسب الخرباء. يعيش الفلسطينيون ذات الواقع االقتصادي الذي يعيشه السوريون ،لذلك تأثر التجمع الفلسطيني بكل التغريات والتحوالت االقتصادية التي شهدتها سوريا .وقد كانت التحوالت االقتصادية الوحشية التي جرت اعتبارا ً من العام 2000تحت عنوان «التحول إىل السوق االجتامعي» سبباً أساسياً يف ازدياد نسبة الفقر الرسيعة يف سوريا يف العقد األول من القرن الجديد .وقد غطت هذه السياسة عىل عمليات النهب الواسعة التي جرت يف سوريا ،وغطت نوعاً من خصخصة غري معلنة عرب عقود اإليجار طويلة املدى للرشكات املحلية والرشكات الخليجية استفاد منها أشخاص محددون ال يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة .وبسبب من السياسات املتوحشة زادت نسبة الفقر يف سوريا مبعدالت قياسية اعتبارا ً من العام .2000 وحسب تقرير أعدته الحكومة السورية بالتعاون مع الربنامج اإلمنايئ لألمم املتحدة يف سوريا حمل عنوان «الفقر يف سوريا »2004-1996أظهر أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر األعىل يف سوريا تصل إىل 30يف املئة ( 40دوالرا ً شهرياً) ميثلون حوايل 5.3ماليني شخص ،يف حني تصل نسبة خط الفقر األدىن إىل 11يف املئة (30 دوالرا ً شهرياً) ميثلون حوايل 2مليون شخص ،فيام مل تتمكن الحكومة يف خطتها الخمسية العارشة ( )2010 - 2006تخفيض هذه النسبة .وحسب ذات الدراسة ازدادت الهوة االقتصادية بني السوريني ،بني األعوام ،2004 – 1997بوالدة غنى فاحش مل يكن ملحوظاً يف سوريا سابقاً ،حيث استهلك 20يف املئة من السكان األكرث ثرا ًء 95يف املئة من اإلنفاق يف سوريا مقابل استهالك 80يف املئة من السكان األدىن 5يف املئة فقط )19(.وال تختلف نسبة الفقر األدىن عند الفلسطينيني عن متوسطها السوري ،حيث بلغت نسبة الفقر األدىن 7يف املئة بني فلسطيني سوريا وذلك حسب تقديرات وكالة الغوث نهاية العام )20(.2007وإذا أخذنا بعني االعتبار أن 28
الفقر يف سوريا يرتكز يف الشامل السوري ،نستطيع أن نقدر ،ان نسبة الفقر بني أوساط الفلسطينيني الذين يرتكز وجودهم يف مدينة دمشق ومحيطها ،أكرب منها نسبياً بني الفلسطينيني. الجئون من جديد لقد منحت سوريا الفلسطينيني ذات الحقوق التي ملواطنيها ،وخفف هذا عن الالجئني الفلسطينيني معاناتهم ،ومل يذوقوا املعاناة القاسية التي عاناها الالجئون الفلسطينيون يف لبنان مبنعم من العمل بـ 73مهنة ما حول حياتهم اىل جحيم. وهذا ال يعني أن الفلسطينيني يف سوريا عاشوا حياة مثالية ومرفهة ،فمثلام خففت عنهم الحقوق التي ُمنحت لهم ،كذلك جعلتهم بوصفهم جزءا من االقتصاد السوري يعانون معاناة املواطن السوري وهم الذين أصابهم ما أصابه جراء املتغريات التي شهدها االقتصاد السوري. مع انفجار االحتجاجات يف سوريا ،عاش الفلسطينيون املعاناة ذاتها التي تعرضت لها املناطق السورية ،فمع انفجار الصدام املسلح ،كانت املناطق التي يقطنها فلسطينيون عرضة للقنص وللقصف املدفعي وغارات الطريان ،مخيم درعا الذي سوي باألرض ،ومخيم الرمل يف الالذقية ومخيم خان الشيح ومخيم السبينة وصوال اىل مخيم الريموك ،تعرضت للقصف الوحيش والتهجري .كام تعرضت التجمعات الفلسطينية للقصف العنيف خاصة تجمع الحسينية يف جنوب دمشق. ولّد استهداف املخيامت موجة كبرية من الالجئني الفلسطينيني داخل سوريا وخارجها ،بنكبة جديدة ذكرتهم بالنكبات التي تعرضوا لها عىل مدار أكرث من ستة عقود .لقد غادر من مخيم الريموك وحده عىل إثر غارات طائرات امليغ أكرث من 140 ألف الجئ ،تقطعت يف الكثري منهم السبل ،ومل يجدوا مكانا يؤويهم سوى املدراس والجوامع .وخضع الالجئون الفلسطينيون الذين لجأوا إىل دول الجوار ،خاصة يف األردن إىل معاملة سيئة جدا ً ،وقد عومل الذين استطاعوا الدخول معاملة املعتقلني، وقد أعلن األردن وعىل لسان رئيس وزراءه أن دخول الالجئني الفلسطينيني إىل األردن «خط أحمر»( )21كام يعيش أكرث من 20ألف الجئ فلسطيني من سوريا إىل 29
لبنان أوضاعاً صعبة ،وهم بحاجة إىل مساعدات عاجلة .وتشري تقديرات «األونروا» إىل أنه «منذ بدء النزاع ،فإن أكرث من 300ألف الجئ فلسطيني يف سوريا من أصل عدد إجاميل يبلغ 500ألف ،يحتاجون إىل مساعدة طارئة»( )22وقد نرشت األونروا عىل موقعها إعالناً يقول أن «نداء سوريا الطارئ 500.000 ...الجئ فلسطينيي يحتاجون مساعدتكم اآلن»
30
الفصل الثالث الحياة السياسية الفلسطينية يف سوريا رغم أن اتفاقيات سايكس ـ بيكو قسمت بالد الشام بني الدول االستعامرية التي ربحت الحرب العاملية األوىل ،تحديدا ً بريطانيا وفرنسا ،إال أن التداخل الجغرايف واالجتامعي والتاريخي بني هذه املناطق بقي قامئاً ،ومل تكن هناك تعقيدات التنقل بني هذه البلدان ،رغم خضوع سوريا ولبنان لالحتالل الفرنيس ،وخضوع فلسطني واألردن لالحتالل االنكليزي .ومؤرش لهذا التداخل ،ما زالت إىل اليوم عائالت يف سوريا تحمل أسامء النابليس والقديس والغزاوي وغريها من النسب إىل املدن الفلسطينية، وهناك الكثري من العائالت الفلسطينية التي تحمل النسبة إىل الشامي والحوراين والحلبي والحميص .وقد اشرتك العديد من السوريني يف مقاومة االحتالل االنكليزي واملرشوع الصهيوين يف فلسطني ،يف مؤرش عىل هذا التداخل الذي تعمد بالدم. وقاد سوريون الثورات واملقاومة يف فلسطني وكانوا عىل رأس املتصدين للمرشوع الصهيوين ،ومن أشهر األسامء السورية يف التاريخ الفلسطيني الحديث التي شاركت الفلسطينيني مصريهم ،عز الدين القسام وسعيد العاص. صدمة النكبة عندما وقعت النكبة الفلسطينية يف العام 1948مل تكن الدولة القطرية قد تكرست بعد ،وكان االستعامر الفرنيس قد غادر قبل أشهر سوريا ولبنان .واالستعامر االنكليزي يغادر فلسطني تاركاً كل عتاده إىل العصابات الصهيونية التي أعلنت دولة إرسائيل عىل أنقاض املجتمع الفلسطيني الذي جرى تدمريه وطرد سكانه ،ما ولّد مشكلة الالجئني الفلسطينيني يف املنطقة(.)23 ما أن انتهت حرب العام 1948حتى وجد حوايل 80ألف فلسطيني من بني 800 ألف الجئ فلسطيني طردتهم العصابات الصهيونية من مدنهم وقراهم التي دمرتها 31
هذه العصابات ،وجدوا أنفسهم يعيشون يف الخيم التي اقيمت عىل عجل ،أو يف جوامع ومدارس ليست معدة للسكن البرشي. مل يدمر االحتالل اإلرسائييل القرى العربية يف فلسطني فحسب ،بل دمر املجتمع الفلسطيني ،ودمر الحياة السياسية واالجتامعية واالقتصادية التي كانت قامئة يف فلسطني أيضاً .وجد الفلسطينيون أنفسهم الجئني يف بالد اآلخرين ،أفرادا ً وعائالت يحتاجون إىل كل يشء ،مل يعد مجتمعهم موجودا ومل تعد قواهم السياسية وحاضنتهم االجتامعية والعائلية قامئة. عاشت التجمعات الفلسطينية يف بلدان اللجوء السنوات األوىل يف حالة من الصدمة والضياع وعدم التوازن ،كان البحث األسايس للكتلة الرئيسية لالجئني هي إخراج أنفسهم من وضع العوز الذي وجدوا أنفسهم فيه .ويف هذه الظروف ،ال ميكن القول أنه كان للفلسطينيني حياة سياسية .ففي السنوات التي تلت العام 1948كان الجميع مشغوالً يف ترميم أوضاعه املعيشية. بحث جديد عن الذات مع بدء الخروج من الصدمة التي إصابتهم ،بدأ الالجئون الفلسطينيون يعيدون النظر يف أوضاعهم .فجراء قيام دولة إرسائيل ،مل تغب فلسطني عن الخريطة السياسية للمنطقة فحسب ،بل وما تبقى منها وقع بني ضم األردن للضفة الغربية وإدارة مرص لقطاع غزة أيضاً .كام غاب الشعب الفلسطيني الذي كان موجودا ً عىل أرضه عن الخريطة السياسية ،ومل يعد له وجود سوى بوصف قضيته قضية إنسانية، أي قضية الجئني بؤساء موزعني عىل دول الجوار ،وليست قضية وطنية لوطن تم سلبه بأكرب جرمية رسقة معلنة يف التاريخ البرشي. وجد الالجئون أنفسهم يف وضع غري مسبوق يف املنطقة ،اختفى وطنهم، وهناك من يحاول أن يخفيهم عن الوجود كشعب ،وأخذ العرب يتحدثون باسم الفلسطينيني الحارضين /الغائبني ،وهو ما جعلهم مقطوعي اللسان أيضاً يف التعبري عن أنفسهم .لذلك عندما بدأوا يفيقون من الصدمة التي تسببت بها النكبة ،كانوا يفكرون يف استعادة وطنهم ليستعيدوا أنفسهم كفلسطينيني ،وألن هذه املهمة 32
ظهرت بوصفها أكرب منهم ،وأكرب من الظروف التي يعيشونها ،فقد قرروا العمل يف اطار الحياة السياسية العربية يف املجتمعات التي وجدوا انفسهم يعيشون عىل هامشها ،عىل أمل أن تساعدهم الدول العربية يف استعادة الوطن املسلوب. انتمى الالجئون الفسطينيون يف سنوات اللجوء األوىل وعملوا ضمن القوى وأحزاب البلدان املضيفة ،وانتمت أغلبيتهم إىل القوى القومية الداعية إىل تحرير فلسطني ،عىل أساس أن هذا التحرير يخلصها من اذالل اللجوء .وحتى ذلك الوقت ال ميكن اعتبار أن هناك حياة سياسية يف تجمعات ومخيامت اللجوء .بدأت ارهاصات الحياة السياسة يف التجمعات الفلسطينية يف أواخر الخمسينات ،عندما بدأت تظهر قوى ومنابر فلسطينية ،تحاول اإلجابة عىل سؤال النكبة وكيفية الرد عليها وكيفية ()24 اسرتجاع فلسطني وتحريرها من االحتالل اإلرسائييل. كان عنوان النقاش الذي استمر سنوات طويلة بعد ذلك ،يقوم عىل أساس :هل الطريق إىل فلسطني مير عرب الوحدة العربية ،أو أن الوحدة العربية متر عرب تحرير فلسطني .كانت حركة القومني العرب عرب منربها «الثأر» تدافع عن الخيار األول، ونرشة «فلسطيننا» تدافع عن الخيار الثاين. مل يكن الالجئون الفلسطينيون يف سوريا بعيدين عن هذا النقاش ،كانوا مشغولني مثل كل الالجئني بالعمل عىل استعادة فلسطني ،دون أن يجدوا الوسيلة املناسبة للعمل ،كان بعضهم ينتمي إىل حركة القوميني العرب التي كانت ناشطة يف تلك الفرتة ،خاصة أيام الوحدة السوريةـ املرصية ،وكانت أغلبية الفلسطينيني تؤيد هذا االتجاه القومي والنارصي تحديدا ً ،ألن الوحدة السورية ـ املرصية أعطتهم األمل يف إمكانية تحرير فلسطني .بينام كان املؤيدون للخيار الثاين أقلية يف وسط الالجئني الفلسطينيني يف سوريا. أحبط االنفصال بني مرص وسوريا العام 1961الفلسطينيني وجعلهم يشككون يف الخيار القومي ،ويف منتصف الستينات انتبهت الدول العربية أن الفلسطينيني ليس لهم من يتحدث باسمهم ،فقامت الجامعة العربية بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وكلفت أحمد الشقريي بتشكيلها ،وتم اإلعالن عنها يف القدس عام .1964وإىل جانب هذا التحرك الرسمي العريب ،كان هناك عمل فلسطيني مسلح 33
يحاول اإلعالن عن نفسه منذ النصف األول من الستينات. إحباط االنفصال والسياسات الشكلية التي اتبعتها الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية ،مبا فيها مرص عبد النارص ،أعطى مزيدا ً من الدفع للخيار الثاين ،وصل النقاش إىل أوجه ،بتحول الخيار الثاين إىل مامرسة سياسية وعسكرية يف منتصف الستينات بتأسيس حركة فتح ،التي أعلنت عن انطالقتها بعملية عسكرية يف مطلع ()25 العام .1965 والدة العمل الفلسطيني مع هزمية العام 1967انهزم الخيار القومي ممثالً مبرص النارصية وسوريا البعثية، فقد احتلت إرسائيل يف تلك الحرب الساحقة بقية األرايض الفلسطينية وأرايض تعود لكل من سوريا ومرص تبلغ مساحتها أربعة أضعاف مساحة فلسطني يف كل من هضبة الجوالن وشبه جزيرة سيناء. أعطت األوضاع الكارثية التي سادت بعد الهزمية دفعا قويا للعمل الفدايئ الذي كان قد انطلق متواضعاً قبل هزمية حزيران ،وبفعل الشلل الذي أصاب دول املواجهة ،بات العمل الفدايئ عنوان املقاومة لالحتالل اإلرسائييل ،وهذا ما عجل يف جعل العديد من الفصائل الفلسطينية تنطلق عىل أساس العمل الفدايئ املسلح يف ما تبقى من سنوات الستينات .وقد تأثرت حركة القوميني العرب بهذه الوقائع العنيدة ،وتحولت يف العام 1968إىل فصيل فلسطيني باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطني ،بعد أن كانت فصيالً عربياً له تواجد يف الكثري من البلدان العربية .وقد تم اإلقرار بالعمل الفدايئ الفلسطيني بوصفه طريقاً فلسطينياً ملواجهة االحتالل ،وتم تكريس االعرتاف بهذا الواقع بسيطرة فصائل العمل املسلح عىل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ،ووالدة نظام الكوتا الفلسطيني. شكل انطالق العمل املسلح الفلسطيني إعالناً عن وجود الشعب الفلسطيني املغيب عن الخريطة السياسية ،ووجد الفلسطينيون أنفسهم مجربين عىل خيار أن يكونوا بدالء عن وطنهم ،وإذا كان من غري املمكن يف تلك الظروف استعادة وطنهم املسلوب ،فإن تكريس وجودهم كشعب عىل الخريطة السياسية للمنطقة، 34
ال يقل أهمية عن استعادة وطنهم .يف هذا اإلطار شكلت منظمة التحرير الكيانية الفلسطينية ،والوطن املعنوي ،والعنوان السيايس لشعب أعاد تأسيس ذاته كشعب يف املنايف ،وأصبحت منظمة التحرير عنوان الحلم الفلسطيني يف استعادة الوطن والعودة إليه ،وتم تكريس ذلك بعد نضال طويل ،باعتبار منظمة التحرير ممثالً رشعياً ووحيدا ً للشعب الفلسطيني. العالقات السورية ـ الفلسطينية منذ والدة التجربة الفلسطينية الحديثة يف أواسط ستينات القرن املنرصم، كان حزب البعث العريب االشرتايك يحكم سوريا ،فقد حكم الحزب سوريا بعد انقالب عسكري يف 8آذار (مارس) ،1963وخالل فرتة الستينات جرى العديد من االنقالبات يف إطار حكم البعث نفسه ،كان بعضها ناجحاً وبعضها أخفق ،فقد نجح انقالب العام 1966يف االطاحة بالقيادة القدمية ،وجاء بالقيادة الشابة التي كان عىل رأسها صالح جديد ونور الدين األتايس والتي وقعت هزمية العام 1967يف ظل حكمها لسوريا ،رغم أنها كانت تحمل أكرث الشعارات راديكالية .ويف العام 1970 جاء انقالب حافظ األسد ،لتدخل بعدها سوريا يف طور طويل من االستقرار تحت قبضة أمنية شديدة ،مل تشهد محاوالت جدية لالنقالب .وقد استمر حكم حافظ األسد لثالثني عاماً ،وتم توريث ابنه بشار السلطة بعد وفاته ،عرب تعديل الدستور ليتناسب مع عمر الرئيس الجديد. واجهت العالقة الفلسطينية ـ السورية تجاذبات صعود وهبوط خالل تاريخها، حتى أن هناك من يفرس الكثري من التجاذبات بالطبيعة الشخصية لكل من يارس عرفات الذي قاد التجربة الفلسطينية ألربعة عقود وبني حافظ األسد الذي حكم سوريا بقبضة من حديد طوال ثالثني عاماً ساهمت يف تعزيز الخالفات .ورغم كل الخالفات التي حصلت عىل املستوى الرسمي الفلسطيني السوري ،إال أن ذلك مل يؤثر عىل عالقات الالجئني الفلسطينيني يف سوريا مع محيطهم ومع حاضنتهم ()26 الشعبية السورية. دعمت السلطة البعثية العمل الفدايئ بقوة بعد هزمية العام ،1967فقد فشلت 35
يف التصدي للحرب اإلرسائيلية وهي التي كانت تحكم سوريا وقت وقوع الهزمية، رغم الشعارات املتطرفة التي رفعها حزب البعث والحكم يف سوريا يف ذلك الوقت. وخرجت تفسريات غريبة لفشل الحرب اإلرسائيلية يف العام 1967يف تحقيق أهدافها ،وتم تربير ذلك يف كل من مرص وسوريا ،بأن أهداف العدوان كانت اسقاط األنظمة الوطنية يف كل من سوريا ومرص ،وقد فشل هذا العدوان يف تحقيق أهدافه ببقاء هذه األنظمة يف السلطة بعد العدوان( .)27الفشل املدوي لألنظمة القامئة يف التصدي للعدوان اإلرسائييل ،جعلها بحاجة إىل التمسك بأي عنوان للمقاومة، وكان العنوان يف تلك الفرتة ،العمل الفدايئ الفلسطيني ،والذي استقطب يف نهاية الستينات الكثري من العرب متطوعني يف صفوف الفدائيني ،بعد األداء املختلف الذي قدمه العمل الفدايئ والنرص الجزيئ الذي حققه يف معركة الكرامة يف العام .1968 منذ نهاية الستينات شكل الوجود الفلسطيني يف سوريا موقعا أساسياً فاعالً يف التجربة السياسية الفلسطينية ،وقد ساهم هذا التجمع مساهمة فعلية يف تشكيل الوطنية الفلسطينية الحديثة التي دافعت عن وطنها املعنوي والكياين منظمة التحرير الفلسطينية .وقدم الفلسطينيون يف سوريا ومنذ بدايات العمل املسلح الفلسطيني قافلة من الشهداء يف كل املواقع التي خاضت فيها رصاعات ،سواء مع إرسائيل أو مع غريها. رغم ذلك ،حكمت املواقف السياسية عالقة سلطة البعث يف سوريا بالفصائل الفلسطينية ،ومنذ العام 1968وعىل خلفية الخالف مع مرص يف ظل حكم عبد النارص ،قامت السلطة السورية باعتقال جورج حبش األمني العام للجبهة الشعبية(.)28 وبعد أحداث األردن مل تستقبل سوريا العمل الفدايئ ،لكنها سهلت انتقاله إىل لبنان ،ليتحول لبنان مركز ثقل العمل الفدايئ بعد خسارة الساحة األردنية ،وبانفجار الحرب األهلية اللبنانية يف العام ،1975توسع الوجود الفلسطيني يف لبنان وبات يسيطر عىل مناطق واسعة(.)29 بني التحالف والصدام املسلح مع االعرتاف مبنظمة التحرير ممثالً رشعياً ووحيدا ً يف العام 1974واستقرار الحكم 36
يف سوريا بعد حرب ترشين األول (أكتوبر) ،كانت هناك دامئاً خالفات سورية مع طرف فلسطيني ،باستثناء السنوات القليلة التي تلت زيارة الرئيس املرصي أنور السادات إىل القدس يف العام 1977والتي شهدت تحالفاً فلسطينياً وسوريا مع أطراف عربية أخرى. يف منتصف السبعينات كانت الجبهة الشعبية ومن معها من فصائل يف جبهة الرفض للحلول االستسالمية ممنوعة من العمل ومالحقة يف سوريا ،بسبب من موقفها الرافض للربنامج املرحيل القائل بسلطة وطنية عىل أرايض الضفة الغربية وقطاع غزة .وكان الخالف األوسع والذي نتج عنه أول صدام عسكري سوري مع الوجود الفلسطيني املسلح يف لبنان ،بعد القرار السوري بالتدخل العسكري يف لبنان ملصلحة ما كان يسمى وقتها يف األدبيات الفلسطينية وأدبيات الحركة الوطنية اللبنانية بـ«التيار االنعزايل» وهو ما تسبب يف مواجهات عسكرية ،وقد كان الهدف من الدخول السوري وقف التقدم الذي كانت تحرزه القوى الوطنية والفلسطينية يف سياق الحرب األهلية اللبنانية ،والذي كانت دوائر غربية كثرية ،إضافة إىل إرسائيل ترغب يف وقفه ،ملنع حسم الرصاع لصالح الحركة الوطنية اللبنانية والفصائل الفلسطينية .وقد حصل الدخول السوري إىل لبنان عىل مباركة أمريكية ـ إرسائيلية، مبا ُعرف باتفاق املبعوث األمرييك ريتشارد مرييف بني سوريا وإرسائيل والذي تقرر فيه حدود الدخول السوري إىل لبنان ،وقد دفع الفلسطينيون مثناً غالياً يف هذه الصدامات ،وصلت حد املذابح ،وهو ما جرى يف مخيم تل الزعرت الذي اختفى عن الوجود. عادت العالقات إىل التحسن بعد زيارة الرئيس املرصي أنور السادات إىل القدس يف العام ،1977وتحسنت أيضاً العالقة مع العراق ،ما أسفر عن تأسيس ما عرف يف وقتها بـ«جبهة الصمود والتصدي» التي ضمت كل من ليبيا ،سوريا ،العراق ،الجزائر، منظمة التحرير الفلسطينية واليمن الجنويب .ورسعان ما انفرط عقدها مع اندالع الثورة االسالمية يف إيران ،وانتهت نهائياً مع اندالع الحرب العراقية اإليرانية .يف فرتة جبهة الصمود والتصدي ،تم السامح للقوى الفلسطينية التي كانت محسوبة عىل جبهة الرفض بالعودة للعمل عىل الساحة السورية ،باستثناء الجبهة العربية التابعة 37
فعلياً للعراق .وعادت الجبهة الشعبية وحلفاؤها إىل سوريا وأعضاؤها الذين كانوا يعملون رسا ً ،تحولوا إىل العمل العلني. مع بداية الثامنينات كانت األوضاع االقليمية قد تغريت بشكل كبري ،العراق ومن وراءه دول الخليج مشغول بالحرب العراقية -اإليرانية التي امتدت لثامن سنوات، وكانت حرباً مدمرة ومكلفة ووقفت سوريا إىل جانب إيران يف هذه الحرب ،مرص وقعت عىل اتفاقات كامب ديفيد مع إرسائيل ،التي قضت بانسحاب إرسائيل من شبه جزيرة سيناء مبوجب ترتيبات أمنية وتوقيع معادة سالم وتطبيع العالقات بني البلدين وخرجت من معادلة الرصاع العريب -اإلرسائييل ،ودول املغرب العريب مشغولة بالخالفات حول الصحراء الغربية. يف هذه الظروف السياسية التي سادت يف املنطقة ،خاضت إرسائيل حربها ضد منظمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية يف العام .1982وقد تذرعت مبحاولة اغتيال السفري اإلرسائييل يف لندن ،لتطلق ما أسمته «عملية سالمة الجليل» والتي أدت إىل اجتياح لبنان وصوالً إىل العاصمة بريوت ومحارصتها .كانت إرسائيل يف العام 1978قد قامت باجتياح جزيئ للجنوب اللبناين ،أقامت عىل أثره منطقة أمنية عازلة ،لكن هذه املنطقة مل تنجح يف ايقاف العمليات الفدائية ضد الشامل اإلرسائييل ،ومل توقف سقوط صواريخ الكاتيوشا التي كانت تطلقها الفصائل الفسطينية عىل مستوطنات شامل إرسائيل. مل تكن الحرب الجديدة هذه املرة من أجل إبعاد منظمة التحرير عن الحدود اإلرسائيلية كام ادعت إرسائيل يف بداية الحرب ،لقد كان الهدف هذه املرة اقتالع منظمة التحرير من األرايض اللبنانية .وبحكم الوجود العسكري السوري عىل األرايض اللبنانية ،دخلت القوات السورية املعركة يف األيام األوىل ،ولكن الخسائر الجوية واألرضية التي منيت بها ،حيث اسقطت إرسائيل حوايل 90طائرة سورية يف األيام األوىل للحرب ،دفعت سوريا إىل االنسحاب من الحرب ،عرب بيان الجتامع قيادة الجبهة الوطنية التقدمية يقول ،أن سوريا تنسحب من الحرب مع االحتفاظ بحقها يف الرد عىل العدوان اإلرسائييل يف املكان والزمان املناسبني .وتم ترك قوات منظمة التحرير والفصائل وقوات الحركة الوطنية اللبنانية وحدها يف مواجهة 38
االجتياح اإلرسائييل الذي رسعان ما حارص العاصمة اللبنانية بريوت لثالثة أشهر متواصلة ،استخدمت فيه إرسائيل كل ترسانتها الحربية من برية وبحرية وجوية يف قصف مكثف للمدينة ،أو باألصح للجزء الغريب الذي كانت تسيطر عليه منظمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية ،وسطر املحارصون يف بريوت من فلسطينيني ولبنانيني صمودا ً أسطورياً يف مواجهة اآللة العسكرية اإلرسائيلية التي حشدت أكرث من 100ألف جندي إرسائييل وقصفت مدينة بريوت بوحشية فاقت كل تصور. لقد شكلت سوريا عىل الرغم من خروجها من الحرب القاعدة الخلفية التي ساهمت بإطالق ما عرف وقتها بـ«العمليات خلف خطوط العدو» للتخفيف عن بريوت املحارصة وإشغال خلفية القوات اإلرسائيلية .لقد التحق كل الشباب الفلسطيني يف سوريا املنتمي إىل الفصائل الفلسطينية بقوات املقاومة للدفاع عن لبنان وعن الوجود الفلسطيني هناك ،وقد تطوع جزء كبري من الشباب الفلسطيني من الشباب غري املنتمي للفصائل وذهب للقتال يف تلك الحرب سواء داخل بريوت أو خلف الخطوط اإلرسائيلية ،رغم عدم وجود خربة عسكرية لدى الكثريين منهم. ولإلنصاف فإن الحرب اإلرسئيلية عىل لبنان التي وقعت يف العام 1982قد استقطبت متطوعني فلسطينيني من كل أصقاع األرض. محاولة إمساك الورقة الفلسطينية وضعت الحرب عىل لبنان وخروج منظمة التحرير من األرايض اللبنانية التجربة الفلسطينية يف مرحلة جديدة ،فقد خرست منظمة التحرير مركز ثقلها الرئيس يف لبنان .ووجد النظام السوري يف الضعف الذي شهدته منظمة التحرير التي خرجت منهكة ومشتتة ،الفرصة لإلمساك بالورقة الفلسطينية يف معادلة الرصاع يف املنطقة .أدرك يارس عرفات حتى قبل انتهاء الحرب الرشوط السياسية القاسية التي ستعيشها منظمة التحرير وفصائلها يف اليوم التايل للحرب ،وأدرك سعي النظام السوري لالمساك بالورقة الفلسطينية ،فعندما ُسئل عن املكان الذي سيذهب إليه من بريوت ،قال« :سأذهب إىل فلسطني» كان الجواب رمزياً ومراوغاً ،ويف النهاية قرر عرفات أن ينقل مقر قيادة املنظمة إىل تونس .وبعد انتهاء الحرب دخل الخالف 39
السوري ـ الفلسطيني مرحلة جديدة .لقد نقلت الفصائل الفلسطينية األخرى مثل الجبهة الشعبية والجبهة الدميقراطية وغريها مقراتها الرئيسة إىل دمشق ،أما حركة فتح وقيادة املنظمة التي تهيمن عليها حركة فتح فقد انتقلت إىل تونس. رغم أن قيادة حركة فتح واملنظمة كان مقرها يف تونس ،إال أنه بقي الكثري من الكوادر يف سوريا ،وجزء من القوات العسكرية يف األرايض اللبنانية يف املناطق التي مل يصلها الغزو اإلرسائييل ،يف البقاع اللبناين وطرابلس .كان عرفات يتفلت من رصا عىل عدم تفويت الفرصة لإلمساك القبضة السورية ،وكان النظام السوري م ّ بالورقة الفلسطينية ،وعندما فشل يف دفع عرفات إىل تسليم الورقة الفلسطينية إىل النظام السوري .قام النظام السوري بطرده من دمشق واعتباره شخصاً غري مرغوب فيه يف العام ،1983ومل يكتف النظام بذلك ،فمن أجل اإلمساك بالورقة الفلسطينية وإضعاف عرفات ،عمل عىل انشقاق حركة فتح وشق الصف الفلسطيني. كانت هناك خالفات جدية بني الفصائل الفلسطينية وداخل هذه الفصائل بعد حرب العام ،1982إال أن تغذيتها من قبل النظام السوري للقبض عىل الورقة الفلسطينية ،دفع بها باتجاه شق حركة فتح التي خرج منها ما عرف فيام بعد «حركة فتح ـ االنتفاضة»( )30ومن ثم تم الدفع باتجاه االقتتال الفلسطيني -الفلسطيني الذي جرى عىل األرايض اللبنانية التي ال تسيطر عليها إرسائيل ،تحديدا ً يف البقاع وطرابلس ،آزرت فيه القوات واملدفعية السورية يف كثري من املواقع القوات املنشقة عن حركة فتح وداعميها مثل قوات الجبهة الشعبيةـ القيادة العامة وقوات الصاعقة التابعة للنظام السوري ،والتي أسفرت يف النهاية عن طرد عرفات مرة أخرى من مدينة طرابلس(.)31 يف الفرتة التي تلت حرب بريوت العام ،1982ترك النظام السوري األطراف املتحالفة معه تعمل بحرية نسبية عىل األرايض السورية ،طبعاً ضمن رقابة أمنية بحكم الطبيعة األمنية للنظام .ويف املقابل الحقت األجهزة األمنية كوادر حركة فتح وحلفائها عىل الساحة الفلسطينية ،وزجت بهم يف السجون ،وقدر عدد املعتقلني الفلسطينيني الذين دخلوا السجون السورية عىل خلفية الخالف السوري الفلسطيني حوايل خمسة آالف معتقل(.)3240
انتقال مركز الثقل شكلت السنوات التي تلت حرب العام 1982املرحلة األخرية يف مركزية الخارج الفلسطيني كمركز ثقل للعمل السيايس الفلسطيني ،ففقدت الحركة الفلسطينية آخر موقع رئيس لها يف الشتات وكان االستنتاج التي توصلت إليه كل الفصائل الفلسطينية تقريباً ،هو انتقال ثقل الحركة الوطنية الفلسطينية إىل الداخل(.)33 أسايس من القيادات الفلسطينية يف سوريا بعد يف الثامنينات ،شكل وجود جز ٍء ٍّ الحرب ،مساهمة يف رفع فعالية التجمع الفلسطيني يف سوريا يف االنخراط يف العمل الفلسطيني ،وباتت القوى الفلسطينية املوجودة يف سوريا مقررة يف الوضع الفلسطيني يف ذلك الوقت ،الذي شهد حوارات فلسطينية -فلسطينية يف العديد من املواقع للخروج من دائرة الخالف التي كانت سائدة ،والتي توجت يف اتفاق فلسطيني أطلق عليه اتفاق عدن -الجزائر وقعت عليه الفصائل الرئيسة يف منظمة التحرير. أعطى الوجود املكثف لفصائل اليسار الفلسطيني يف سوريا يف الثامنينات هامشاً للعمل السيايس للوجود الفلسطيني يف سوريا ،مل يكن متوفرا ً للسوريني يف ذلك الوقت ،ويبدو أن النظام كان عىل قناعة أن العمل السيايس يف املوضوع الفلسطيني، ال يشكل خطرا عليه ،فالفلسطينيون ليسوا منخرطني وال طامحني يف أي شكل من األشكال يف الرصاع عىل السلطة يف سوريا ،كام هو العمل السيايس بني السوريني سيكون حكام بهذا االتجاه ،لذلك ،تم تقييد العمل السيايس يف أوساط السوريني لدرجة اإللغاء .وهذا ال يعني أن الفلسطيني كفرد يف سوريا مل يكن يشهد تضييقات، أو أن وضعه مل يكن يدار عرب القبضة األمنية ،بل كان يعاين من كل ما يعاين منه السوري من تضييقات ورضورة الحصول عىل املوافقات األمنية الالزمة وإىل جميع املراجعات األمنية .لكن يف الشق السيايس الذي كان يتعلق بالخالفات الفلسطينية - الفلسطينية ،كان الفلسطينيون يف سوريا يتمتعون بهامش عمل سيايس يف التجمعات الفلسطينية أكرب بكثري من السوريني ،الذين مل تكن لهم حياة سياسية عىل االطالق. هامشية الفصائل كانت االنتفاضة الفلسطينية األوىل يف العام 1987اإلعالن النهايئ والعميل عن 41
انتقال مركز ثقل الحركة الوطنية إىل الداخل ،ليس استنتاجاً ،بل بفعل اجرتاح آليات كفاحية سلمية ،واطالق عمل نضايل يف مواجهة االحتالل ،مل يعرف االحتالل كيف يواجهها .جعل هذا االنتقال التجمعات الفلسطينية يف الخارج ،تدرك تراجع دورها، والذي بات يقترص عىل دعم انتفاضة الداخل ،وهذا ما بات يشعر به فلسطينيو سوريا رغم وجود جز ٍء ٍ رئيس من القيادات الفلسطينية يف سوريا .ومنذ ذلك الوقت بدأ الوجود الفصائيل يتحول يف سوريا يف ظل تراجع ثابت ومستمر إىل وجود هاميش ،ومع العديد من الصدمات التي تلقاها الوجود الفلسطيني يف كل من الكويت والعراق ،والتحوالت التي جرت يف املنطقة منذ غزو العراق للكويت ومن ثم الحرب األمريكية إلخراج العراق من الكويت ،وكل هذه التحوالت التي جعلت من املوضوع الفلسطيني موضوعاً هامشياً يف مطلع التسعينات ،ليجد الفلسطينيون انفسهم يخوضون مفاوضات رسية .أدت إىل اتفاقات أوسلو ،التي شعر فلسطينيو الشتات ومنهم فلسطينيو سوريا بالخذالن ،جراء توقيع هذه االتفاقات التي مل تلحظهم إال بوصفهم موضوعاً مؤجالً إىل مفاوضات الوضع النهايئ ،التي مل تجر مطلقاً. وأحسوا أنهم خارج نطاق أي حل سيايس ،وتم التخيل عنهم من قبل قيادتهم .فشل النظام السوري يف إمساك الورقة الفلسطينية ،رغم أنه احتوى العديد من الفصائل الفلسطينية ،وكان له امتداد فيها مثل الصاعقة والقيادة العامة ،وتحول القوى املوجودة يف سوريا إىل قوى هامشية يف الساحة الفلسطينية ،خاصة بعد توقيع اتفاقات أوسلو وانتقال القيادة الفلسطينية إىل الداخل عىل رأس السلطة الوليدة. يف هذه الفرتة شكّل ظهور حركة «حامس» ،وصعودها كقوة رئيسة يف الساحة السياسية الفلسطينية ،وتحالفها مع سوريا ،التعويض عن اخفاق النظام السوري يف اإلمساك بالورقة الفلسطينية ،لكن ،حركة حامس أبقت وجودها التنظيمي يف سوريا وجودا ً هامشياً ،كام بقي وجودها التنظيمي داخل التجمع الفلسطيني يف سوريا وجودا ً محدودا ً .ولكنه عىل مدى العقدين املنرصمني اعتربت حركة حامس ورقة بيد النظام السوري ،إىل أن خرجت من سوريا بفعل الحراك الثوري وتفاعالته. شكل الفلسطينيون جزءا من التشكيل االقتصادي ـ االجتامعي السوري، بانخراطهم يف سوق العمل عىل مستوى القطاعني الخاص والعام ،وهو ما منحهم 42
إياه القانون السوري الذي عاملهم معاملة السوريني عىل هذا املستوى .لكنهم عىل املستوى السيايس شكلوا حقلهم الخاص بهم والساعي إىل إنجاز مهامت وطنية فلسطينية باستعادة وطن مسلوب ،مل يتمكن إجاميل الوضع الفلسطيني يف كل مكان من إنجازه .وقد عاش الفلسطينيون يف سوريا طوال العقدين املنرصمني ،حالة من االنفضاض عن فصائل العمل الوطني الفلسطيني بحكم االحباط الذي عاشته هذه التجمعات ،حتى أصبحت تجربة الفصائل الفلسطينية يف سوريا هامشية(.)34 ولذلك عندما انفجر الحراك السوري يف مواجهة النظام السوري كانت الفصائل الفلسطينية وبحكم البنية التي وصلت لها من تر ٍّد سيايس وثقايف ونظري ،غري قادرة عىل فهم ما يجري ،وغري قادرة عىل التعامل معه .ووجدت التجمعات الفلسطينية نفسها تواجه مصريها وحدها ،يف الوقت الذي كان متفرغو الفصائل يعقدون االجتامعات ويصدرون البيانات التي ال تقول أي يشء ،وتتجنب بأي مثن اإلشارة إىل القاتل الفعيل للفلسطينيني والسوريني يف سياق الحراك السوري يف مواجهة قمع النظام الدموي.
43
الفصل الرابع الفلسطينيون والثورة السورية عندما انفجرت الثورات العربية انطالقاً من تونس ،كان الوضع الفلسطيني قد وصل إىل حالة مأساوية ،انقسام دموي بني حركتي فتح وحامس ،وكل جهود املصالحة بني الطرفني بقيت تراوح مكانها .تآكل الوضع الفلسطيني بسبب االنقسام السيايس ،بني خيار املفاوضات وخيار املقاومة ،و دخل الخياران مأزقاً حادا ً ،فال املفاوضات استطاعت انجاز تسوية شاملة وعادلة ،وال خيار املقاومة استطاع أن يحقق انجازات جدية ،وبات أصحاب هذا الخيار سلطة يف قطاع غزة ،يحمون أنفسهم ،فيقيمون تفاهامت مع إرسائيل للتهدئة ووقف اطالق النار .سلطة رام الله مشغولة بتأمني الرواتب للموظفني ،وأصبحت هذه أكرب املهامت عىل عاتقها، وسلطة حامس مشغولة بتمويل سلطتها يف مواجهة الحصار ،ومن أجل إعادة اعامر ما دمرته حرب .2008كان من الواضح أن الواقع الفلسطيني يحتاج إىل إصالحات واسعة ،قبل تلك التي انطلقت من تونس ،للخروج من املأزق الذي دخل الوضع الفلسطيني فيه. يف هذه الظروف كان اهامل الفصائل الفلسطينية ،خاصة فتح وحامس ،لتجمعات الشتات قد بلغ ذروته .فمنذ أوسلو كان تركيز حركة فتح عىل السلطة الوليدة عىل حساب منظمة التحرير ،ما عنى مزيدا ً من اإلهامل لتجمعات الشتات ،وكادت منظمة التحرير تختفي من الخريطة الفلسطينية ،لوال أن االنقسام فرض عىل حركة فتح استعادتها لتربير رشعيتها .ومل تكن حركة حامس أحسن حاالً ،فهي مل تعترب نفسها معنية بتجمعات الشتات أصالً ،حتى عندما أقامت تحالفها القوي مع النظام السوري ،مل تعمل عىل التغلغل يف أوساط الالجئني ،من خالل اقامة بنية تنظيمية تتناسب مع إمكانياتها ،وبقيت حركة طارئة عىل التجمعات يف سوريا ولبنان. 44
ميكن القول أنه عشية انطالق الحراك السوري ،كانت الصلة بني الفصائل الفلسطينية والتجمعات واملخيامت الفلسطينية يف سوريا يف أضعف حاالتها. الثورة السورية ميكن التأريخ لوالدة االحتجاجات السورية التي تحولت إىل ثورة( ،)35مبظاهرة صغرية خرجت بتاريخ 2011 /3 /15بدعوة شبابية عىل الفيس بوك ،من أمام الجامع األموي يف وسط دمشق ،وجابت سوق الحميدية لتتفرق يف منطقة الحريقة( ،)36وقد كانت الحشود األمنية الكبرية التي استقدمت للمكان ملواجهة عرشات املتظاهرين، مؤرشا ً عىل أن النظام قد أعد نفسه ملواجهة أي تحركات احتجاجية بقسوة .رغم أن أعداد املشاركني يف تلك املظاهرة مل يتجاوز العرشات ،فإنها كانت مؤرشا ً قوياً عىل مستوى االحتقان الذي وصل حد االنفجار يف سوريا ،ليس بسبب عدوى الربيع العريب عىل أهميته فحسب ،بل ألسباب وتفاعالت ومعطيات سورية أساساً. يعترب 2011/3/18التاريخ الفعيل للحراك السوري فقد بدأ يف مدينة درعا عندما خرج األهايل يف تظاهرات احتجاجاً عىل اعتقال 11طفالً من املدينة قاموا بكتابة شعارات مناوئة للنظام السوري عىل جدران املدينة ،واحتجاجاً عىل إهانة العميد عاطف نجيب قريب الرئيس السوري ورئيس فرع األمن السيايس يف املدينة لشيوخ املدينة ،الذين توسطوا من أجل اطالق رساح األطفال الذين تعرضوا للتعذيب الوحيش .وقد تصدت قوات األمن للمتظاهرين فورا ً بإطالق النار دون أي استخدام لوسائل قمع املظاهرات املعروفة ،من غاز مسيل للدموع أو مدافع املياه أو الهراوات ..ما أدى إىل سقوط شهيدين من أبناء املدينة ما زاد من اشتعال مدينة درعا وامتدت إىل ريفها ،ومل تلبث أن انترشت االحتجاجات عىل مجمل األرايض السورية مدناً وأريافاً ،وكلام انترشت يف بقع جغرافية إضافية ازدادت وحشية النظام ،فقد استخدم كل الوسائل الحربية ضد املتظاهرين السلميني ،من االعتقال إىل اطالق النار إىل القصف املدفعي إىل االقتحام بالدبابات لألماكن السكنية إىل حصار املدن ومعاقبتها جامعياً .كل ذلك ومل يكن املتظاهرون السوريون يرفعون غري الالفتات املنددة بالنظام وقمعه الوحيش ،وعىل مدى ستة أشهر من القمع الوحيش. 45
كام اعرتف الرئيس السوري يف ما بعد ـ مل ترفع أي قطعة سالح يف مواجهة قوات النظام .وبقي النظام يربر قمعه الوحيش لشعبه ،بأنه يتصدى إىل عصابات إرهابية مسلحة ،تندس بني املتظاهرين .بقيت االحتجاجات السورية تتوسع حتى عمت كل األرايض السورية ،وباتت أشمل ثورة عربية عىل الرغم من أن القمع الوحيش الذي تعرضت له فاق كل ما تعرضت له الثورات العربية مجتمعة. جرت محاوالت عىل املستوى السيايس لزج الفلسطينيني يف دوامة الرصاع منذ األيام األوىل ،عندما روجت أوساط النظام وأجهزته األمنية أن الذين قاموا بحرق عدد من املراكز الحكومية من بينها القرص العديل يف درعا القريب من املخيم يف األيام األوىل لالحتجاجات السورية ،جاءوا من مخيم درعا للفلسطينيني وينتمون إىل «فتح االسالم» املرتبطة بتنظيم القاعدة .وعىل الفور اتهمت السلطات السورية ووسائل اإلعالم الناطقة باسمها والناطقني باسم النظام الفلسطينيني باألحداث، وكام جاء يف تغطية لصحيفة الوطن السورية القريبة من النظام والتي اتهمت الفلسطينيني بـ«أعامل الشغب» )37(.وبعد أيام وبامتداد االحتجاجات إىل املزيد من املدن السورية عادت يوم 2011 /26/3عندما انفجرت االحتجاجات يف الالذقية يف حي الرمل املتاخم للمخيم الفلسطيني التهام الفلسطينيني ولكن هذه املرة عىل لسان بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري حني وجهت االتهام يف مؤمتر صحفي عقدته يف ذلك اىل مجموعات فلسطينية من املخيم قامت «بتكسري املحال التجارية ()38 وبدء مرشوع الفتنة» حسب تعبريها. التعاطف الفلسطيني تعاطف الفلسطينيون مع االحتجاجات السورية دون أن يكونوا جزءا ً من الحراك السوري ،وقد قدموا مساعدات إنسانية وإغاثية للمحتاجني يف درعا .وقد سقط أول شهيد فلسطيني يف درعا أثناء مهمة اسعافية ،عندما سقط وسام الغول ابن مخيم درعا يف 2011 /3 /23أثناء اسعافه بعض الجرحى يف حي املحطة مبدينة درعا وكان الشهيد الفلسطيني األول يف االحتجاجات السورية والشهيد رقم 65بني الشهداء ()39 السوريني. 46
استمر سقوط الشهداء الفلسطينيني بحكم تواجدهم وعيشهم بني أخوتهم السوريني دون أن يكون هناك أي تحرك ألي تجمع فلسطيني يف إطار التحركات االحتجاجية ،وقد وصل عدد الشهداء من الفلسطينيني إىل أكرث من 400شهيد قبل أي تحرك فلسطيني ،باستثناء التحرك الذي جرى عىل خلفية الذهاب الثاين إىل الجوالن 2011/6/5والذي استدعى يف اليوم التايل مظاهرة حاشدة حارصت مقر الخالصة التابع للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة ،تم خاللها محارصة أحمد جربيل ونائبه طالل ناجي يف املبنى لساعات ،وقد أطلق مسلحو القيادة العامة النار عىل املحتجني ما أوقع شهيدين بني املتظاهرين ،وأدى يف النهاية إىل انسحاب مقاتيل القيادة العامة وإحراق املبنى جزئياً .لكن هذه الواقعة اعتربت واقعة فلسطينية فلسطينية ،أو مظهرا من مظاهر تأثر الوضع الفلسطيني بالرصاع القائم داخلسوريا ،أكرث مام اعتربت دخوالً فلسطينياً عىل خط األزمة السوري .وكانت هناك محاولة من القيادة العامة تحميل مسؤولية الهجوم عىل مقر الخالصة ألهايل الحجر األسود املجاور للمقر ،التي كانت منطقة مشتعلة يف سياق الحراك السوري .لكن كل الدالئل تشري إىل أن املتظاهرين الذين حارصوا الخالصة كانوا من سكان مخيم الريموك ،وجزء منهم من أهايل وأصدقاء الشهداء الذين سقطوا يف اليوم السابق عىل الرشيط الحدودي .كام جرت العديد من املحاوالت من قبل النظام لزج الفلسطينيني يف الرصاع السوري ،وتنوعت هذه املحاوالت ،من الشائعات التي رددتها أطراف النظام عن دخول أطراف فلسطينية لقمع التحركات السورية ،خاصة يف املناطق املجاورة للمخيم .ففي أول اطالق نار لقوات األمن السوري عىل املتظاهرين يف الحجر األسود ،نُرشت شائعة تقول :أن من أطلق النار عىل املتظاهرين ،هم فلسطينيون يضعون ربطات سوداء عىل جباههم كتب عليها «حركة حامس»( )40إىل اغتيال ضباط من جيش التحرير الفلسطيني ،الذي مل يشارك يف قمع املتظاهرين، وال يف االشتباكات العسكرية التي شهدتها املدن واألرياف السورية ،وبقيت قضية اغتيال ضباط جيش التحرير غامضة ،ومل يعرف أي يشء عن مرتكبيها ،وبعضها تم يف ظروف مريبة. لقد عملت الوحشية التي قمع فيها النظام السوري االحتجاجات السلمية، 47
عىل زيادة التعاطف مع الحراك السوري ،لقد شاهد الفلسطينيون اصدقاء لهم يقتلون ويسجنون وينكل بهم دون أي ذنب .ومع دخول القمع مرحلة جديدة بدخول اآلليات الثقيلة والطائرات لقمع املتظاهرين ،كان الرصاع قد دخل مرحلة بالغة الدموية ،وأصبح الكالم عن مؤامرة تستهدف سوريا وموقفها املامنع مدعاة للسخرية .ذهاب النظام بعيدا ً بالحل األمني وإغالق الباب أمام أي حل سيايس ،زاد من تعاطف سكان املخيامت الفلسطينية مع املناطق املجاورة التي تتعرض ألبشع أنواع القمع الوحيش ،القصف باملدفعية والطريان .فكان من الطبيعي أن يلجأ سكان املناطق املجاورة إىل املخيامت من أجل الحصول عىل حاجاتهم الطبية والغذائية، وحتى النزوح إليها ،حصل هذا يف درعا حيث دفع العديد من شبابها حياتهم مثنا ملهامت ايصال مساعدات غذائية ودواء إىل مدينة درعا ،وحصل هذا يف حمص، وكانت ذروته يف مخيم الريموك والدور اإلغايث الذي لعبه ،ملا يقدر بأكرث من 250 ألف نازح لجأوا إىل املخيم ،حيث قام أهايل املخيم بإيوائهم يف بيوتهم ويف املدارس والجوامع ،وأمنوا لهم حاجياتهم الغذائية الحياتية ،خالل أشهر قبل أن يقع املخيم يف قلب الرصاع وينزح أغلبية سكانه من فلسطينيني وسوريني. دفع الفلسطينيون عىل مدار الحراك السوري الذي يتجاوز العامني ،أمثاناً غالية يف تعاطفه وتضامنه مع الحراك السوري ،من سقوط عرشات الشهداء والجرحى أثناء تأديتهم لواجبهم األخالقي واإلنساين يف فك الحصار عن األحياء املجاوره ملخيامتهم .ومع تعرض كل املدن السورية لحمالت القمع والقصف فلم يقترص دفع الثمن عىل مخيامت درعا والالذقية التي كانت أول من دفع الثمن ،بل شمل ذلك املخيامت والتجمعات الفلسطينية أيضاً ،مثل خان الشيح وخان ذا النون والسبينة والحسينية ...الخ .وقد تم تدمري عرشات املنازل يف املخيامت ،خاصة مخيم درعا والريموك ،اللذين تعرضا لقصف مكثف ومتكرر عىل مدار أشهر طويلة. لقد بلغ عدد الشهداء الفلسطينيني الذي سقطوا حتى نهاية العام 851 ،2012 شهيدا ً حسب موقع قاعدة بيانات الثورة السورية حيث تشكل نسبتهم 1.77يف املائة من عدد الشهداء السوريني املسجلني ،وهي تقرتب من نسبة تزيد عن نسبة سكان املخيامت التي تقدر حويل 1.2يف املائة ،وتقرتب من نسبة عدد الالجئني إىل 48
عدد سكان سوريا والتي تقدر بحوايل 2.1يف املائة.
()41
الدخول عىل الحراك السوري حاول الفلسطينيون حرص مشاركتهم يف الجانب اإلنساين اإلغايث ،وذلك بحكم حساسية وضعهم يف سوريا )42(،يف الوقت الذي كانوا يدركون أن النار السورية ستصل إىل أماكنهم طاملا أن كل األرض السورية تحرتق .وسيأيت اليوم الذي ينتقل هذا الرصاع اآلخذ يف التوسع إىل املخيامت الفلسطينية ،بوصفها تعيش يف جغرافيا سورية مشتعلة .ومل يكن من املمكن واقعياً أن تشتعل سوريا وتبقى املخيامت بؤرا ً وواحات آمنة .رغم ذلك متنى الفلسطينيون أن ينجحوا يف إبقاء املخيامت خارج الرصاع( ،)43لكن التمنيات يشء والواقع يشء آخر ،فالسيل الجارف للرصاع جرف كل املناطق يف سوريا ،ونسبيا حافظ مخيم الريموك عىل حيادية لوقت أطول من أماكن أخرى ،ولكنه يف النهاية وجد نفسه يف قلب الرصاع وليس عىل ضفافه. حافظ مخيم الريموك عىل مدى أكرث من عام عىل حيادية تجاه الرصاع املسلح املحتدم يف املناطق املجاورة له ،خاصة يف أحياء التضامن والحجر األسود ويلدا والقدم املالصقة واملتداخلة مع املخيم ،والذي ال تفصل بينه وبينها أي فراغات عمرانية .ومل يشهد املخيم مظاهرات تذكر معارضة للنظام ،دون أن يعني ذلك عدم خروج مظاهرات ال تتجاوز العرشات يف األشهر األوىل للحراك السوري. ()44 دارت حوارات ونقاشات كثرية عىل كل من الصعيدين السيايس واملجتمعي ، حول أي الخيارات التي ميكن أن يأخذها التجمع الفلسطيني يف سوريا ،اتجاه الرصاع الدموي الذي تشهده سوريا .كان واقع الالجئني الفلسطينيني يف سوريا منقسامً إزاء الثورة السورية ،وإن كان الخط العام والغالب وفقاً ملؤرشات التظاهرات السورية املعارضة للنظام ،يشري إىل أن القوة الداعمة للثورة يف الشارع الفلسطيني أكرب من القوة املؤيدة للنظام ،وتبدو هذه الحالة طبيعية يف ظل االندماج االجتامعي الشديد بني الشعبني السوري والفلسطيني ،وتوفر الرشوط الذاتية واملوضوعية يف سوريا بشكل مبارش مبا يجري من أحداث )45(.عىل الرغم من أن األغلبية الفلسطينية كانت متعاطفة مع االحتجاجات السورية ،وعىل الرغم من املواقف 49
الشخصية للفلسطينيني املنقسمني حول املوضوع السوري كان النقاش املجتمعي يف أغلبيته يؤيد بقاء املخيم عىل الحياد ،ليؤدي الوظيفة التي اختارها يف املجال اإلغايث واستقبال النازحني من املناطق املجاورة ،خاصة من التضامن والحجر األسود ويلدا. موقف الفصائل من الحراك السوري شكل موقف الفصائل من الحراك السوري املؤرش عىل ارتباك وضحالة هذه القوى السياسية من جهة ،وإىل دورها الهاميش يف التجمع الفلسطيني يف سوريا ،بعد عقود من تراجع عىل مستوى الدور واملكانة من جهة أخرى .عكست هذه الصورة مفاعيل أحدثها الحراك السوري عىل وعي وتفكري الشباب الفلسطيني ،ومل ِ تخف ما أحدثته التطورات التي عصفت باملخيامت ،من قسوة إحساسهم بغياب املرجعية الوطنية الفلسطينية والتي فاقمت من الشعور باليتم الوطني ،ولجوء بعضهم إىل حمل السالح واإلنضواء يف كتائب الجيش الحر تحت مسميات فلسطينية ،تعبريا ً عن هذا املناخ الجديد الذي يُح ّمل الفصائل الفلسطينية املسؤولية التاريخية عن بؤس الواقع الفلسطيني عموماً ،واملسؤولية الراهنة عن غياب وتقصري الفصائل يف املحنة ()46 التي يشهدها املخيم عىل وجه الخصوص. فقد أصدرت الفصائل العديد من البيانات التي تؤكد عىل حياد املخيامت تجاه ما يجري يف سوريا ،كانت تدين القتل الذي يحدث للفلسطينيني والقصف الذي يتعرضون له ،دون تحديد املتسبب بهذا القصف ،حتى عندما يكون يفقأ العني، وكأن القصف يأيت من املريخ .وكانت بيانات الفصائل مدعاة للتندر بني أوساط الفلسطينيني يف سوريا ،وكانت مؤرشا عىل ذعر وخوف فصائل منظمة التحرير، وهو ما شمل الجميع من حركة فتح مرورا ً بالجبهتني الشعبية والدميقراطية وصوالً إىل القوى الصغرية مثل جبهة التحرير والنضال وحزب الشعب وفدا .حتى أن هذه القوى ،أرسلت مذكرة اىل الرئيس محمود عباس بتخفيف الهجوم عىل النظام السوري بعد ترصيحات يارس عبد ربه التي أدانت قصف النظام ملخيم الريموك، معتربة أن هذه الترصيحات متس بالوجود الفلسطيني يف سوريا .وقد كرر ممثلو فصائل منظمة التحرير الذين اجتمعوا مع الرئيس الفلسطيني يف بريوت أوائل العام 50
2012رواية النظام عن املؤامرة واملجموعات املسلحة .يف الوقت الذي كانت الجبهة الشعبية.ـ القيادة العامة تتحدث بلسان النظام وتشكل امليليشيات الخاصة بها. عىل تواضعها ميكن القول أن هناك اربع مواقف فلسطينية من الحراك السوري عالجت املوقف داخل سوريا(:)47 املوقف األول :هو موقف فصائل منظمة التحرير( )48التي اقترص نشاطها عىل إصدار بيانات تدين أي اعتداء عىل املخيامت الفلسطينية من قبل طرف ُمجهل يف هذه البيانات .ومثال ذلك البيان الذي تىل سقوط قذائف عىل املخيم سقط عىل أثرها عرشات الشهداء بتاريخ 2آب (أغسطس) .2012اصدرت هذه القوى بياناً، أدانت فيه الجرمية النكراء ..ودعت فيه اىل التوقف عن استهداف الفلسطينيني. دون ذكر ملصدر القذائف التي أطلقها النظام وتجنب البيان وكل بيان صدر عن فصائل منظمة التحرير يف سوريا ،اإلشارة إىل قصف النظام للمخيم ،وقامت بتوزيع بعض املساعدات التي أرسلتها السلطة الفلسطينية. ()49 املوقف الثاين :موقف تحالف الفصائل الفلسطينية ،الذي تفكك عملياً يف ظل الثورة السورية ،فهذا التحالف كان قامئاً تحت الرعاية السورية .وكان اتخاذ حامس موقف الصمت يف البداية وعدم حضور اجتامعات التحالف األثر الكبري يف افقاد التحالف ثقله الفلسطيني األسايس .والثقل الثاين يف التحالف املمثل يف حركة الجهاد صمت عام يجري يف سوريا محافظاً عىل العالقة العميقة مع ايران. املوقف الثالث :موقف حركة حامس ،التي تعاملت بحذر يف بداية الحراك السوري ،وحاولت أن تتوسط بني السلطة واملناطق املحتجة ،إال أن رفض النظام ِ يكتف برفض طلب الوساطة الذي اقرتحته جعلها تلوذ بالصمت .ولكن النظام مل حامس ،فقد طلب الرئيس السوري بشار األسد شخصياً من خالد مشعل رئيس املكتب السيايس لحركة حامس ،الرد عىل يوسف القرضاوي الذي أيد الثورة السورية منذ بدايتها .فامتنع عن االنضامم إىل جوقة النظام الدعائية )50(.ذروة الترصيحات الحمساوية التي أيدت الثورة السورية بعد العديد من الترصيحات التي ترفض الحل األمني ،مثل ترصيحات موىس أبو مرزوق ،وبعد نقل قيادات حامس لخارج دمشق ،كانت خطاب خالد مشعل يف مؤمتر حزب العدالة والتنمية الرتيك /9/30 51
2012حيث أعلن الوقوف الرصيح إىل جانب الشعب السوري .وعاد ليؤكد هذا املوقف يف احتفاالت انطالقة حركة حامس يف قطاع غزة 2013/1/4وقام هو شخصياً برفع علم الثورة السوري. املوقف الرابع :هو موقف االنخراط مع النظام يف مواجهة الثورة السورية ،وقد مثل هذا املوقف القوى األكرث ارتباطا بالنظام ،وكانت الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة األكرث متثيالً لهذا املوقف ،ليس فقط ،مبشاركة قياداتها يف الحمالت اإلعالمية التي تكرر أكاذيب املجموعات املسلحة ،بل ودعوتها مبكرا لتشكيل اللجان الشعبية للدفاع عن املخيامت ،وحاولت ان تفرضه عىل فصائل منظمة التحرير بدعوتها للمشاركة معها يف هذه اللجان ،وعرضت عليها تسليحها ،لكن فصائل منظمة التحرير رفضت الفكرة .شكلت القيادة العامة بشكل رئييس هذه اللجان التي كانت استطالة استخباراتية ألدوات النظام السوري األمنية .وألن القيادة العامة تفتقد إىل الكوادر ،فقد قامت بتجنيد أصحاب السمعة السيئة يف املخيامت ،وشكلت الصاعقة لجاناً خاصة بها ،وإىل حد ما فتح االنتفاضة التي كانت شبه اختفت من الساحة قبل الثورة السورية. “القيادة العامة” واالنخراط يف الرصاع كان مخيم الريموك هو العنوان األخري للدخول الفلسطيني عىل الرصاع السوري، ليس بقرار فلسطيني ،بل بحكم الواقع الجغرايف وبحكم متدد الرصاع عىل مزيد من األرايض السورية .واملخيم الذي وجد نفسه عىل تخوم املناطق املشتعلة بالصدام املسلح ،أقامت “القيادة العامة” داخله حالة مستفزة بانتشار اللجان الشعبية عىل حدود املخيم ،ورغم أنها كانت حالة مرفوضة من األغلبية الساحقة من أهايل املخيم ،الذين رفضوا التسليح أصالً ،إال أنها باتت مبثابة احتالل واقعي للمخيم، وكانت مخولة من قبل أجهزة النظام بالقيام بهذه املهام .وقد قامت هذه اللجان بإغالق املخيم يف وجه النازحني ويف وجه الجرحى .وقد زاد من ذلك أنهم أخذوا يتعرضون لتحركات الجيش الحر التي حاولت تجنبهم أكرث من مرة ،ولكن مع حصول عدة اشتباكات ومع اعتقال اللجان لبعض أعضاء الجيش الحر وتسليمهم 52
لألجهزة األمنية بات الصدام محتامً ،وألنهم أصبحوا يشكلون خطرا ً عىل الجيش الحر يف املناطق املجاورة ،فكان املخيم يشكل مكان املعركة لو بعد حني .عندما حصل الصدام دخل الجيش الحر إىل املخيم يف ،2012 /15/12رسعان ما ف ّرت اللجان الشعبية التي شكلتها القيادة العامة بادعاء حامية املخيم ،وعادت فلولها مع القوى األمنية لتساهم يف حصار املخيم الطويل. دخول الجيش الحر إىل مخيم الريموك ،جعل املكان مستباحاً لكل أنواع القصف، ومل تلبث طائرات امليغ يف يوم 12/16أن أغارت عليه ،وأدخلت الفلسطينيني يف مرحلة جديدة يف إطار الرصاع السوري .مل تكن املرة األوىل التي يتعرض الريموك فيها للقصف ،ولكن كل تجارب القصف السابقة اعتربت عىل هامش قصف املناطق املحيطة باملخيم ،وأن املخيم مل يكن مستهدفاً بحد ذاته .مع قصف طائرات امليغ لجامع عبد القادر الحسيني ومدرسة املالكية وسقوط العرشات ،وهام يف القلب من املخيم .أصبح املخيم بحد ذاته هدفا للقصف ،وهو ما ولّد يف اليوم التايل 2012/12/17موجة هائلة من النازحني التي غادرت املخيم من فلسطينيني وسوريني مقيمني يف املخيم .كانت موجة من الجموع البرشية تذكر بكل املآيس الفلسطينية السابقة ،عائالت ،آباء وأمهات وأطفال ،يحملون ما تيرس من متاع ويسريون باتجاه منطقة الزاهرة القريبة ،سيارات تحمل أكرث من طاقتها عىل الحمولة واألغراض الشخصية ملن توفرت لهم وسيلة نقل ،رجال ونساء ،واطفال يبكون ،عائالت ال تعرف إىل أين تذهب ،اليأس والحرية تعتيل الوجوه ،كان املشهد من القسوة بأن دفع الجميع للبكاء ،الذي مل ِ يبك ملا وصلت له حالته الشخصية وحالة عائلته من بؤس وخوف وقلق ،كان يبيك ما وصلت إليه حالة اآلخرين من الضياع ..إنها مشاهد أصعب من أن توصف ،مشاهد تذكر بذل طويل عاشه الفلسطينيون ،ووجدوا أنفسهم يعيشونه من جديد رشاكة مع اخوتهم السوريني .فعىل طول شوارع الزاهرة ،مل تكن تستطيع التمييز ،بني العائلة السورية والعائلة الفلسطينية ،وجوه عليها ذات عالمات الصدمة ،عيون حائرة وقلقلة ،تبيك أو تحتلها الدموع ،قلق وخوف يخيم عىل آالف الناس التي تسري بال هدى ،أسئلة الدهشة يف عيون وعىل لسان األطفال ،ال أحد يعرف اإلجابة عليها ،عيون الكبار تنظر إىل صغارها املتساءلة، 53
تبلع دموعها ،أو ترتكها تسيل ،دون القدرة عىل قول أي كلمة ردا ً عىل تساؤل بريء لطفل يريد أن يعرف ما يحدث حوله. لقد غادر املخيم أغلب سكانه من فلسطينيني وسوريني ،والذين يقدرون ما بني يبق منهم خالل ساعات سوى أقل من 10يف املائة حسب 600ـ 700ألف نسمة ،مل َ تقديرات ميدانية ،وجزء من الذين بقوا كانوا غري قادرين عىل الخروج .ومنذ ذلك الوقت خضع املخيم لحصار خانق ،وتم وضع الحواجز عىل مداخله ،والتي تعاملت بقسوة مع الداخلني والخارجني منه ،ومل يتوقف القصف عليه ،ما حول املخيم إىل مدينة أشباح .يف هذه األجواء كان من املستحيل تبديد الحذر والخوف لدى ()51 الفلسطينيني يف بالد هشة القوانني ،مزيفة املؤسسات. ما جرى يف مخيم الريموك كان صورة متكررة ملا جرى يف مخيامت فلسطينية أخرى يف املدن السورية ،مل تكن املخيامت الفلسطينية جزءا من الرصاع يف سوريا، وبرصف النظر عن مشاعر الفلسطينيني باالنحياز إىل هذا الطرف أو ذاك ،حافظ الفلسطينيون عىل موقف أخالقي تجاه أخوتهم السوريني الذين احتضنوهم مبحبة وود طوال سنوات اللجوء الفلسطيني القاسية .وكان تقديم الخدمات اإلنسانية واإلغاثية واحتضانهم الالجئني السوريني يف بيوتهم وتقديم الخدمات الصحية واملساعدات الغذائية ،ليس نوعاً من رد الجميل عىل ما قدمه الشعب السوري للفلسطينيني فحسب ،بل ردا ً عىل حالة اللجوء املذلة التي اختربها الفلسطينيون ومست كرامتهم وأذلتهم أيضاً ،فحاولوا بكل ما استطاعوا أن يحفظوا كرامة طويالً ّ من حفظ كرامتهم عىل أرضه .لقد فتح أهايل املخيامت بيوتهم ألخوتهم السوريني وتقاسموا معهم طعامهم وأماكن نومهم وأحزانهم ،وحاول الفلسطينيون املجروحني منذ ستة عقود مداواة جراح إخوتهم السوريني التي ما زالت تنزف ،فقدموا ما استطاعوا تقدميه ردا ً للدين السوري عليهم. يف النهاية تفوقت الجغرافيا السياسية عىل اختيار الدور ،فاملخيامت ليست جزرا ً معزولة يف الجغرافيا السورية ،وكانت الصدامات املسلحة ستطالها ولو بعد حني، ألن اشتعال املدن السورية باملعارك املسلحة لن يست ِنث املخيامت فيها .ظهر هذا مبكرا ويف األشهر األوىل من الحراك السوري ،عندما قصفت قوات النظام منطقة 54
الرمل يف الالذقية ،ومل تستثني املخيم الذي يقع هناك ،فنال نصيبه من القذائف، وتم تهجري أهايل املخيم بسبب القصف الشديد عليه .كانت تجربة مخيم الرمل يف الالذقية بروفا الوضع الفلسطيني الذي تكرر يف درعا وحمص وحلب ،وأخريا يف الريموك يف دمشق. لقد دفع الفلسطينيون مثناً غالياً يف الرصاع املسلح يف سوريا ،حتى وصل عدد الفلسطينيني الذين سقطوا يف الرصاع أكرث من 1150شهيدا ً ،وقد سقط يف عموم سوريا( ،)52حسب املرصد السوري لحقوق اإلنسان ،أكرث من 70ألف سوري .وإذا حسبنا عدد الشهداء لعدد السكان ـ رغم الحسبة املؤملة ،ألن كل ضحية إنسانية، هي ضحية ،مطلقة يجب أن يهتز الضمري اإلنساين لها ـ فيكون الفلسطينيون دفعوا مثناً غالياً ملوقفهم األخالقي مبساعدة ضحايا الرصاع ،ففي الوقت الذي دفع السوريون شهيدا ً لكل 342سوري تقريباً ،دفع الفلسطينيون شهيدا ً لكل 434 فلسطيني .وما زال الدم السوري والفلسطيني يسيل عىل األرض السورية ،وال أحد يعرف متى يتوقف ،وال أين ستتوقف الكلفة البرشية!! لقد سال الدم الفلسطيني بغزارة مع الدم السوري ،وكان هناك موقف ال أخالقي من العامل الذي تفرج عىل املجازر التي ترتكب بحق السوريني وكانت مواقف القيادة والفصائل الفلسطينية األكرث غرابة يف التعامل مع الرصاع الجاري يف سوريا، واملوقف املائع من املذابح التي طالت الفلسطينيني .وأقل ما يقال يف هذه املواقف تفتقد إىل الحد األدىن من املطلوب الوطني ،ليس من الدم السوري الذي يراق عىل األرض السورية بوحشية فحسب ،بل حتى من الدم الفلسطيني الذي يراق هناك أيضا. مل يكن الفلسطينيون يف سوريا جزءا من الرصاع ،هذا صحيح ،لكنهم كانوا جزءا ً من املوقف األخالقي ،الذي أعلن عن نفسه مبكرا ً يف الوقوف اإلنساين مع الضحايا بتقديم العون واإلغاثة لضحايا الرصاع املسلح .وألن الضحايا ال ميكن إال أن يشعروا مع الضحايا ،خاصة عندما ترى الضحية تجربتها تتكرر مع ضحية أخرى تشاركها الحياة لسنوات طويلة. لقد رد الفلسطينيون جزءا من الدين القديم ألخوتهم السوريني ،وقد دفعوا 55
دماءهم مثناً لهذا املوقف ،وعىل الرغم من املوقف الفلسطيني الرسمي والفصائيل غري ذي صلة واملنفصل عن الواقع ،إال أن الدماء الفلسطينية التي سالت عىل األرض السورية ،ستبقى تيضء سامء فلسطني كام ستبقى الدماء السورية والفلسطينية تيضء سامء سوريا.
56
خامتة هشاشة اللجوء فجأة ،يتغري كل يشء ،املكان العامر بالناس والحركة يتحول إىل مكان مهجور، يشء ما ينكرس بعد ثبات عقود .الجئون فلسطينيون جاءوا إىل أماكن متعددة يف سوريا أغلبهم سكن دمشق وضواحيها ،ليبنوا ما تيرس من األبنية لتؤويهم يف مكان نا ٍء ،بعيدا عن املدينة. يف مكان بني أشجار الغوطة بأبنيته املتفرقة والبائسة ،أشاد الالجئون الفلسطينيون مخيامً كان اسمه الريموك .بنوا حياتهم فيه بالكثري من الجهد والتعب ،وحالفهم الحظ ومتددت مدينة دمشق ليجدوا أنفسهم يقيمون يف وسطها بعد عقود من العيش عىل هامشها ،ما زاد يف ازدهار املخيم ،وجعله واحدا ً من إحياء دمشق املعروفة ،لذلك مل يكن صدفة أن يطلق البعض عىل مخيم الريموك صفة عاصمة الشتات الفلسطيني. مل يكن املخيم ليلقى هذا االزدهار لوال التعامل السوري مع الفلسطيني بإعطائه حقوق العمل ،ومن املفارقة أن هذه الحقوق التي منحتها سوريا لالجئني الفلسطينيني ،وقد تم اقرارها يف ظل الربملان الدميقراطي السوري الذي نتج عن انتخابات العام 1954األكرث متثيالً يف تاريخ سوريا الحديث. رغم ذلك ،القصة ليست قصة قانون ،كلنا نعرف إمكانية التالعب بالقوانني يف العامل العريب .األهم من القانون كانت تجربة احتضان الشارع السوري للفلسطينيني الذين لجأوا إىل سوريا ،وهذا االحتضان خفف كثريا ً من مرارة اللجوء وقسوته. كل العقود التي عاشها الفلسطيني يف سوريا مل تشفع له ،فجأة يُقصف املخيم بالطائرات ،كام تقصف مئات املواقع السورية ،وبعد أن تعرض مرات للقصف املدفعي. فجأة ،يشعر الالجئ الفلسطيني بهشاشة وضعه حتى يف بلد وجد فيه من 57
االحتضان الكثري ،ال يعرف أين يذهب ،وترتبك هويته كام ترتبك حياته ،يستعيد كل املآيس التي م ّر بها أخوته من الالجئني الفلسطينيني ويحفظها عن ظهر قلب. يعود رشيط الذكريات لينكأ الجراح التي عاشتها التجمعات الفلسطينية يف الشتات، التجربة القاسية يف األردن ،واألقىس منها التي وصلت لحد املذابح يف لبنان وما زال االذالل مستمرا ً ،التهجري القرسي من الكويت بعد االحتالل العراقي ،الذبح االنتقامي يف عراق ما بعد االحتالل األمرييك ..كل مخزون الذاكرة من الظلم الذي وقع عىل الفلسطينيني استحرضه الجئو سوريا يف لجوئهم الثاين الصعب والقايس. لجوء هز بقوة هوية الفلسطينيني يف سوريا الذين كانوا يعتقدون أنها أقوى من أن تهتز. كان مخيم الريموك النموذج ،شكل هذا املخيم جزءا ً من تاريخ فلسطني ،ألن الوطنية الفلسطينية الحديثة ولدت يف مخيامت اللجوء داخل فلسطني وخارجها، وكان لهذا املخيم دوره .كان مخيم الريموك بهويته الوطنية الفلسطينية املنفتحة عىل الجميع والحاضن ملن احتضنه ،نوعا من املزيج الوطني الفلسطيني العرويب، ورغم أنه أكرب تجمع فلسطيني يف سوريا ويبلغ عدد سكانه الفلسطينيني حسب تقديرات األونروا حوايل 150ألف نسمة ،فإنه يعيش يف وسط اغلبي سوري ،حيث يقدر عدد سكان مخيم الريموك بحوايل 700ألف نسمة .مل يشهد هذا التعايش الفلسطيني .السوري أي صدام عىل االطالق ،وكان من الصعب التمييز بني أبناء املخيم من الفلسطينيني أو السوريني .كان املخيم يفخر بحفاظه عىل الصلة القوية مع فلسطني ،ويفخر مبئات الشهداء الذين زفهم عىل طريق النضال الفلسطيني يف معركة الوجود الفلسطيني .وبعد أن وجد الشعب الفلسطيني عنوانه السيايس، أخذت التجمعات الفلسطينية تدفع أمثاناً غالية ،كان منوذجها األكرث قسوة تجربة اللجوء يف لبنان حيث مورس وما زال ميارس عليه التمييز ويقر ضدهم قوانني عنرصية نجحت يف خفض أعدادهم يف لبنان بشكل كبري ،واختفوا من العراق، واليوم هم مهددون يف سوريا. لقد وقع االنهيار يف مخيم الريموك ،كام املخيامت األخرى ،وكشف هشاشتها وضع الالجئني ،وكشف أيضاً ،هشاشة الوطنية الفلسطينية .انهار مخيم الريموك، 58
بانهياره ينهار مكان آخر كان عنواناً لفلسطني وينهار مك ّون من مك ّونات الوطنية الفلسطينية .الالجئون الفلسطينيون الذين حملوا قليل متاعهم وغادروا املخيم تحت القصف ،تغريوا إىل األبد ،مثة يشء ما انكرس داخلهم ويف هويتهم يف رحلة اللجوء األخرية.
59
الهوامش 1ـ راجع :د .إبراهيم دراجي ـ الالجئون الفلسطينيون يف سوريا دراسة قانونية ـ دراسة مقدمة اىل حلقة نقاش تحت عنوان «الالجئون الفلسطينيون يف سوريا» أقامها تجمع العودة الفلسطيني يف دمشق ـ املتحف الوطني 29نيسان .2010 2ـ لالطالع عىل تفاصيل أوضاع الالجئني الفلسطينيني يف لبنان راجع: ـ سمري الزبن ـ أوضاع الالجئني الفلسطينيني يف لبنان ـ رام الله[ ،فلسطني] :مركز الالجئني والشتات الفلسطيني (شمل)2000 ، ـ نرصي حجاج ـ الالجئون الفلسطينيون يف لبنان ،إىل متى ـ مركز الالجئني والشتات الفلسطيني (شمل).2000 ، 3ـ املواد القانونية مأخوذة من مجموعة الترشيع السوري ـ وزارة العدل ـ املجلد السابع ـ مادة فلسطني يف ظل الحراك الثوري الذي تشهده سوريا احتجاجا عىل القمع الوحيش للنظام، يبدو أن النظام يصنف الفلسطينيني يف خانة الحراك السوري ،من أجل ذلك بدأ بخطوات للتضييق عليهم يف هذا الشأن ،حيث استثناهم من مسابقة وزارة الرتبية والتعليم بقرار من الوزير ،وهي مخالفة رصيحة لنص القانون 260لعام .1956 ـ راجع أيضا :ملهم الحميص ـ نظام األسد يستثني الفلسطينيني السوريني من الوظائف العامة ـ موقع ايالف ـ 9نوفمرب 2012 كام أصدر الرئيس السوري قانون البعثات العلمية ،الذي مل يُشمل الفلسطينيني يف نصه كام كانت تفعل القوانني واملراسيم السابقة التي تنص عىل« :السورين ومن هم يف حكمهم» وكان الفلسطينيون السوريون هم املقصودين يف هذه العبارة التي اسقطت من قانون البعثات الجديد. ـ راجع املرسوم الترشيعي رقم 6الصادر عن رئاسة الجمهورية السورية بتاريخ .2013 /1/14 60
4ـ تقول احصاءات األونروا لعام 2012أن عدد الالجئني الفلسطينيني يف سوريا املسجلني لديها يبلغ 487.000الجئ .بينام تختلف هذه األرقام لدى الهيئة العامة لالجئني الفلسطينيني التي تقدر أن عدد الفلسطينيني يف سوريا للعام ذاته قد بلغ 494.819الجئاً .أي ان 7819الجئ فلسطيني غري مسجل يف سجالت األونروا، حسب فرق الرقمني بني الهيئة واألونروا .وإذا عدنا اىل فرتة تأسيس األونروا نستطيع القول أن الذين مل يسجلوا يف سجالت األونروا وحسبنا نسبة وتناسباً بني أرقام العام 2012والعام 1949وبتقدير أعداد ذلك العام الذي تأسست فيه األونروا بـ 90.000 الجئ فإن عدد الذين مل يسجلوا يف األونروا يف ذلك العام يكون حوايل 1400 :الجئ من أصل 90ألفاً. 5ـ ساري حنفي ـ الفلسطينيون يف سوريا وعملية السالم ـ مجلة الدراسات الفلسطينية ـ العدد 28ـ خريف 1996ص 86 6ـ راجع نبيل السهيل ـ الفلسطينيون يف سوريا ـ الواقع الدميغرايف واالقتصادي واالجتامعي ـ :مركز الالجئني والشتات الفلسطيني (شمل) 1996 ،رام الله -فلسطني 7ـ طارق حمود ـ الالجئون الفلسطينيون يف ظل الثورة السورية ـ املركز العريب لالبحاث ودراسة السياسات ـ الدوحة ـ يناير 2013ص .31 8ـ نبيل السهيل ـ مرجع سبق ذكره. 9ـ روز ماري صايغ ـ الفالحون الفلسطينيون ـ من االقتالع إىل الثورة ـ ترجمة: خالد عايد ـ مؤسسة األبحاث العربية ـ ط 1ـ 1980ص219 10ـ هناك حاالت استثنائية وصلت إىل منصب وزير يف الحكومات السورية ،كام ذكرنا يف فصل «األوضاع القانونية» ،كان الوصول اىل منصب وزير ،بوصفه منصباً سياسياً ،يحتاج إىل الجنسية السورية ،وقد تم منح الوزيرين الجنسية السورية. أما بالنسبة إىل معاون وزير وهو منصب إداري وليس سيايس ،احتفظ من يشغله بجنسيته الفلسطينية .كام تم منح الجنسية إىل بعض الضباط الفلسطينيني الذين 61
خدموا يف الجيش السوري برتب عالية ،قيادة سالح الجو يف العام ( 2004اللواء حازم الخرضاء) ،وقيادة منطقة عسكرية (اللواء مصباح البديري) الذي ُع نِّ َي يف الثامنينات قائدا ً للمنطقة الوسطى. 11ـ هذا مل مينع العديد من الفلسطينيني املساهمة يف الحياة السياسية السورية، أو االنتامء إىل أحزاب سياسية معارضة ،وقد تعرض العديد من الفلسطينيني لالعتقال النتامئهم ألحزاب سورية معارضة. 12ـ يف مخيامت اللجوء مل يُصنف الالجئون الفلسطينيون أنفسهم باملعنى االجتامعي عىل أساس املال ،أي التصنيف الطبقي ،بل عىل أساس املناطق التي جاءوا منها ،بني سكان مدن وفالحني وبدو ...رغم أنهم كانوا وما زالوا جميعا سكان مخيامت ،وقد اثرت هذه التصنيفات عىل عالقات املصاهرة ،وقد تم رفض الكثري من طلبات الزواج عىل أساس االنتامءات السابقة التي كانت قامئة يف فلسطني .وال يزال الالجئون الفلسطينيون اىل اليوم يحددون انتامءاتهم بالبلدان والقرى التي جاءوا منها من فلسطني .لقد حافظت هذه التصنيفات عىل انتامء فلسطيني ،صنع يف الستينات الوطنية الفلسطينية الحديثة ،وحافظت عىل نقل االنتامء الفلسطيني اىل األجيال التي ولدت يف املنايف ،عرب حكايات األمهات والجدات .لكنها يف املقابل شكلت عائقا أمام الدمج االجتامعي إىل حد ما. 13ـ تستأثر مدارس األونروا بحوايل 76يف املئة ،و 84يف املئة من الطالب املسجلني يف املرحلتني االبتدائية واإلعدادية عىل التوايل. 14ـ راجع موقع األونروا http://www.unrwa.org تقدم مدارس األونروا إىل الطالب الفلسطينيني الكتب املدرسية مجانا .وقد كانت يف الستينات والسبعينات تقدم اضافة اىل الكتب ،الدفاتر واألقالم واألدوات املدرسية املختلفة ،وكانت ترشف عىل األوضاع الصحية يف املدارس حيث كانت تقوم بتلقيح الطالب بصورة دورية .كام يعترب التدريس يف مدارس االونروا أعىل مستوى منه يف مدارس الدولة السورية ،وهذا أوال ،بسبب الدخل املرتفع ملدريس األونروا مقارنة 62
باملدرسني املوظفني يف قطاع الدولة ،والرقابة أشد يف األونروا عىل املدرسني منها يف مدارس الدولة. 15ـ راجع موقع األونروا http://www.unrwa.org توفر األونروا 29.000فرصة عمل يف بلدان عملياتها ،أكرب عدد للعاملني يف قطاع غزة حيث يبلغ عددهم 10.000وأقلّهم يف لبنان حيث يبلغ عدد العاملني 3.000 آالف موظف وموظفة. 16ـ عالء أويس ـ االقتصاد السوري ...جردة حساب ـ جريدة النور 15كانون الثاين (يناير) 2013ـ وهي جريدة ناطقة باسم الحزب الشيوعي السوري ـ جامعة يوسف فيصل ،وهو حزب رشيك يف الجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة يف سوريا. 17ـ موقع عكس السري السوري االحد 19 -حزيران (يونيو) - 2011 -مجلة “غلوبل فاينانس” االقتصادية 18ـ ثامر قرقوط ـ الفقر يف سوريا بالعني املجردة ـ SPRللبحوث والدراسات http://www.spraweb.com 19ـ املرجع نفسه. 20ـ الالجئون األكرث تعليامً وفقراً ـ الهيئة الفلسطينية لالجئني ـ عىل موقعها http://www.pcrp.ps 21ـ اجابة عىل سؤال جريدة الحياة اللندنية« :ملاذا متنعون الالجئني الفلسطينيني الفارين من سوريا دخول اململكة ،علامً أنهم يحملون وثائق سفر سورية؟» قال عبد الله النسور رئيس الوزراء األردين« :هناك من يريد إعفاء إرسائيل مرة أخرى من التبعات املرتتبة عليها يف خصوص تهجري الفلسطينيني من ديارهم. األردن ليس مكاناً لحل مشاكل إرسائيل ،وهناك قرار أردين سيادي واضح ورصيح بعدم عبور اإلخوة الفلسطينيني من حملة الوثائق السورية اىل األردن .استقبالنا 63
لهؤالء األشقاء خط أحمر ألن ذلك سيكون مقدمة ملوجة تهجري أخرى ،وهو ما تريده الحكومة اإلرسائيلية .إخواننا الفلسطينيون يف سوريا أصحاب حق يف بالدهم األصلية ،وعليهم البقاء هناك لحني انتهاء األزمة» راجع املقابلة مع جريدة الحياة 9يناير 2013 22ـ إجراءات جديدة لألمن العام يف شأن فلسطينيي سوريا ـ جريدة السفري اللبنانية 2013/2/22 ـ يف ترصيح لسالم فياض رئيس الوزراء الفلسطيني يوم 27شباط ،قال :أن السلطة ستخصص مليون دوالر لالجئني الفلسطينيني يف سوريا ،بسبب األوضاع التي ميرون بها ،وذلك لتقصري الهيئات الدولية يف دعمهم ،وأن هذا الدعم سيبقى طاملا أن تقصري املؤسسات الدولية قائم. ال يفي هذا املبلغ بالغرض كواجب يقع عىل كاهل السلطة الفلسطينية تجاه الجئني فلسطينيني يعانون نكبة جديدة .راجع الصحف 2013/2/28 23ـ راجع العديد من الكتابات االرسائيلية التي اعتمدت عىل االرشيف االرسائييل، والتي تتحدث عن طرد الفلسطينيني وهو ما عرف يف ارسائيل بتيار «املؤرخني الجدد» عىل رأسهم بني موريس ،ايالن بابيه ،وتوم سيغيف ،وايلبا شوحط ،وغريهم. ـ بني موريس ـ والدة مشكلة الالجئني «وثيقة إرسائيلية» دار الجليل للنرش واألبحاث الفلسطينية ـ عامن ـ األردن.1993 ، ـ ايالن بابيه ـ التطهري العرقي يف فلسطني ـ مؤسسة الدراسات الفلسطينية ـ بريوت ـ الطبعة األوىل .2007 24ـ يف النصف الثاين من الخمسينات أخذت االتجاهات الفلسطينية تذهب باتجاهني :األول :االتجاه القومي ،والذي عرب عنه تأسيس جورج حبش ورفاقه لـ «حركة القوميني العرب» يف العام 1956والتي عربت عن نفسها يف نرشة «الثأر». االتجاه الثاين الذي عرب عن نفسه بتوجه وطني فلسطيني ،عربت عنه مجلة «فلسطيننا» التي صدرت يف العام 1959والتي التف حولها مجموعة من الشباب 64
الفلسطينيني وكانت النواة األوىل لتجمع الناشطني الذين أطلقوا بعد سنوات تجربة حركة فتح. 25ـ كان الرئيس محمود عباس واألخوين خالد وهاين الحسن من بني مؤسيس حركة فتح وكانوا أعضاء يف اللجنة املركزية للحركة وكانوا من الالجئني الفلسطينيني الذين لجأوا إىل سوريا. 26ـ يف نيسان العام 1988اغتالت وحدة كوماندوس ارسائيلية القيادي الفلسطيني يف حركة فتح ومنظمة التحرير خليل الوزير (أبو جهاد) يف تونس عىل خلفية مساهمته الفعالة يف االنتفاضة الفلسطينية األوىل التي تفجرت نهاية العام ،1987وقد جرت مراسم دفنه يف مخيم الريموك .وقد قُدر عدد الذين شاركوا يف جنازته ،أقلها بنصف مليون مشارك ،وأعالها مبليون ،يف الوقت الذي كان عدد الفلسطينيني يف سوريا ال يتجاوز الـ 280ألف بني اطفالهم وشيبهم وشبابهم .وكانت حركة فتح التي ينتمي لها خليل الوزير عىل خالف مع النظام السوري وصل حد الصدام املسلح ،وكان حوايل 5000آالف معتقل ينتمون للحركة يقبعون يف السجون السورية يف ذلك الوقت. 27ـ استخدم محمد حسنني هيكل الصحفي املرصي ورئيس تحرير األهرام املقرب من الرئيس جامل عبد النارص مصطلح «النكسة» للتخفيف من وقع الهزمية املروعة التي تعرضت لها ثالث بلدان عربية من ارسائيل وبزمن قيايس يف العام .1967 28ـ قام أعضاء من الجبهة الشعبية بإطالق رساح جورج حبش عرب عملية قامت بها مجموعات من الجبهة بتخطيط من وديع حداد وأبو عيل مصطفى ،حيث تم اعرتاض سيارة الرشطة العسكرية التي تنقل جورج حبش من مكان إىل آخر يف قلب دمشق ،تم تحريره وتهريبه إىل لبنان. كذلك ،اعتقل يارس عرفات قبل ذلك لفرتة وجيزة يف سوريا عندما كان الناطق باسم حركة فتح. 65
29ـ نحن هنا ال نق ّيم صحة السيطرة الفلسطينية عىل أجزاء من لبنان أو خطأها، ولكن نسوقها فقط كوقائع تاريخية كانت مؤثرة يف تاريخ التجربة الفلسطينية ويف تاريخ العالقة السورية ـ الفلسطينية. 30ـ كان من أبرز الوجوه التي قادت االنشقاق يف مواجهة حركة فتح التي يقودها يارس عرفات ،كل من عضوي اللجنة املركزية ،منر صالح (أبو صالح) وسميح أبو كويك (قدري) ،ومن بني الضباط سعيد موىس مراغة (أبو موىس) وموىس محمود العملة (أبو خالد) ومن العاملني بالحقل الكتايب ،الياس شوفاين. 31ـ حصلت بعض االحتجاجات املحدودة يف خروج تظاهرات شبابية احتجاجا عىل املعارك التي شهدتها األرايض اللبنانية ،خاصة قصف مدينة طرابلس اللبنانية، وتركزت هذه االحتجاجات يف مخيم الريموك تحديدا. 32ـ كانت هناك أعداد من الفلسطينيني الذين اعتقلوا بذات الفرتة ،ولكن ليس عىل خلفية الخالف السوري ـ الفلسطيني ،بل لعمل هؤالء مع قوى سياسية سورية ،مثل األخوان املسلمني والحزب الشيوعي ـ املكتب السيايس ورابطة العمل الشيوعي ،وهؤالء مل تتجاوز أعدادهم العرشات. 33ـ راجع الوثائق التي أصدرتها القوى الفلسطينية بعد الحرب ،خاصة فتح والجبهة الشعبية والجبهة الدميقراطية ،القوى املركزية يف منظمة التحرير .فقد خلصت كل املراجعات بصيغة أو بأخرى إىل أن مركز ثقل العمل الوطني الفلسطيني انتقل إىل األرايض املحتلة ،بعد فقدان الركيزة األساسية يف لبنان. 34ـ عىل مدى عقدي التسعينات ،والسنوات العرشة األوىل من القرن الجديد، تراجعت العضوية يف الفصائل ،لتتحول إىل فصائل هامشية ،وما زاد من هامشيتها، أنها عانت خالل هذه الفرتة من أزمات مالية متالحقة ،أثرت كثريا ً عىل قدرتها عىل االحتفاظ بكادر قادر عىل إيجاد فرصة أفضل من التفرغ الحزيب .وما حصل يف الفصائل الفلسطينية بكل طيفها يشبه ما يحصل يف سوق العملة ،حيث تطرد 66
يبق يعمل يف الفصائل سوى أقلية هامشية العملة الرديئة العملة الجيدة .لذلك مل َ تفتقد إىل املواهب والقدرات والتعليم املناسب. 35ـ يف 2011/1/31بعد هروب زين العابدين بن عيل ،وذروة االحتجاجات املرصية ضد نظام مبارك ،اجرت صحيفة «وول سرتيت جورنال» مقابلة مع الرئيس السوري بشار األسد ،وقال ردا عىل سؤال حول تأثريات ما يجري عىل سوريا بالقول: «إذا أردت أن تتحدث عن تونس ومرص ،فنحن خارج هذا األمر .ويف النهاية ،نحن لسنا تونسيني ولسنا مرصيني». 36ـ كانت قد جرت مظاهرة عفوية بتاريخ 2011/2/17يف منطقة الحريقة وسط دمشق ،بعد أن اعتدى أفراد الرشطة عىل فتى ،فتجمعت الحشود بشكل عفوي ،ومل تنفض إال بعد أن حرض وزير الداخلية سعيد سمور ووعد مبحاسبة الذين اعتدوا عىل الشاب .يف تلك املظاهرة العفوية هتفت الحشود الشعار «الشعب السوري ما بينذل» الذي رافق الثورة السورية يف مسارها الطويل .واعتربت تلك املظاهرة ارهاصات الثورة السورية. 37ـ جريدة الوطن السورية 2011/3/22 38ـ راجع وكالة رويرتز لألنباء 2011/3/27 39ـ طارق حمود ـ الالجئون الفلسطينيون يف ظل الثورة السورية ـ املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات ـ الدوحة ـ يناير 2013ـ ص .31 40ـ لقد تم تكذيب هذه االشاعة من قبل من تعرضوا إلطالق النار ،فشيخ جامع حمزة يف الحجر األسود (أبو بالل) الذي فقد ابنه يف اطالق النار املذكور ،قد كذّب وجود أعضاء من حامس أطلقوا النار عىل املتظاهرين أثناء تشييع ولده ومن عىل منرب الجامع ذاته. 41ـ طارق حمود ـ املرجع نفسه ـ ص 31 67
42ـ هذا املوقف العام للفلسطينيني حتى الذين يحملون وجهة نظر مؤيدة للنظام ،وهنا ليس املقصود املشاركني مع النظام يف القمع أو األبواق الفلسطينية التي استخدمها النظام للدفاع عنه ،وأيضاً ليس املقصود الذين انخرطوا يف الثورة السورية منذ البداية ،واعتربوا أن الحياد وهم ويخدم النظام ،الجهتان كانتا أقلية هامشية يف الوسط الفلسطيني ،وشاركوا مع أوساط سورية ،سواء مع الثورة ،أو شاركوا يف قمعها. 43ـ ظهرت عىل األنرتنت الكثري من الصفحات الفلسطينية التي أسسها شباب متحمسون مؤيدة ومشاركة يف الثورة السورية ،وكانت تدعو للمشاركة بقوة يف االحتجاجات السورية ،لكن حجم الفلسطينيني املشاركني مبارشة يف االحتجاجات السورية بقي محدودا ،وبقي تعبريا ً عن حاالت فردية ،وليس التحاقاً ملجموعات كبرية. 44ـ منيز هنا بني النقاش السيايس املجتمعي ،وبني النقاش السيايس بني القوى السياسية الفلسطينية ،ونعطي الوزن األكرب لألول ،كانت فصائل العمل السيايس الفلسطيني مع انطالق الحراك السوري ،قد تحولت إىل قوى ذات تأثري هاميش منذ سنوات منرصمة .وبات النقاش السيايس األهم ،هو ذلك النقاش السيايس املجتمعي، الذي نعتقد أنه املساهم الرئيس يف صياغة موقف الحياد ،لكن مع االلتزام األخالقي تجاه الضحايا ،وهذا ما تجسد يف الدور الذي لعبته املخيامت تجاه املناطق املالصقة لها كحاضنة للنازحني ومغيث لهم عىل املستوى اإلنساين والغذايئ والطبي. 45ـ نضال بيطاري ـ الفلسطينيون يف سوريا بني الثورة والقلق ـ مجلة دراسات فلسطينية ـ العدد 91صيف 2012ـ ص 159 46ـ أمين أبو هاشم ـ تداعيات الثورة السورية عىل فلسطينيي سوريا ـ مجلة شؤون فلسطينية العدد 251شتاء 2013ص 232ـ .240 47ـ لتفاصيل أكرث حول موقف الفصائل راجع :صالح حسن ـ الفلسطينيون يف 68
سوريا واالنتفاضة السورية ـ املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات ـ الدوحة ـ سبتمرب .2012 48ـ وتتشكل من حركة فتح ،والجبهة الشعبية ،والجبهة الدميقراطية ،وحركة فدا، وحزب الشعب ،وجبهة التحرير الفلسطينية ،وجبهة النضال (سمري غوشة). 49ـ يتشكل التحالف من كل من ،حركة حامس ،وحركة الجهاد ،وحركة فتح االنتفاضة ،و الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة ،والحزب الشيوعي الثوري ،وجبهة النضال (خالد عبد املجيد) والصاعقة. 50ـ عيل صالح ـ مشعل وحامس ..رحلة عمر ـ جريدة الرشق األوسط اللندنية ـ 28أيلول (سبتمرب) 2012 51ـ صادق أبو حامد ـ الفلسطينيون يف الثورة السورية ـ مدخلة يف إطار مرشوع رصد ملسار التغيري يف العامل العريب ـ جامعة لويس ـ روما ـ ايطاليا. 52ـ هذا الرقم حتى وقت انجاز هذه الدراسة يف مطلع آذار .2013
69
70