القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين

Page 1

‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫عاجلٌ وهامٌ جداً‬ ‫إنذا ٌر وإعذا ٌر وإبراءٌ‬ ‫القول المبين في كُف ِر الدساتير الوضعية والقوانين‬

‫بقلم‪ :‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫ومُجم ُل القول المبين في حُكم الدساتير الوضعية والقوانين هو‪:‬‬ ‫ل بها‪،‬‬ ‫كفرُ جمي ِع الدساتيرِ الوضعية‪ ،‬وكُفْ ُر سَّنِها ووضعها والمشارك ِة في ذلك‪ ،‬وكُفْرُالعم ِ‬ ‫وكُفْ ُر التحاك ِم إليها‪ ،‬وكُفْ ُر إقرارِها أوقبولها بالتصويت عليها‪ ،‬وكفرالموافقة عليها‪ ،‬وكفرُ‬ ‫إقرا ِر بعضها‪ ،‬وكل ذلك كفرُ نوعٍ‪ ،‬مطلقٍ‪ ،‬وكفرٌعامٌ‪ ،‬وال يتعين إال بعد قيام الحجة‬ ‫الشرعية البالغة‪ ،‬فمن علمَ ذلك وفعله‪ ،‬فقد ارتد وخرج عن ملة اإلسالم‪ ،‬وال يُعدُ ‪ -‬عّند‬ ‫اهلل تعالى ‪ -‬من المسلمين‪ ،‬بل قد حبط عمله‪ ،‬وأصبح من المشركين الخاسرين‪ ،‬وإن‬ ‫صلى وزكى‪ ،‬وصام وحج‪ ،‬ودعى إلى اهلل تعالى‪،‬وعَلِم وعلَم التوحيد‪ ،‬وإن زَعم أنه من‬ ‫أئمة المسلمين‪.‬‬ ‫وعليه فالواجبُ بالبراءة من تلك الدساتير متعينٌ‪ ،‬وإن وافقت شرع اهلل تعالى جملة‬ ‫وتفصيال‪ ،‬ألنها من عّند غير اهلل تعالى‪ ،‬ووجوب البراءة من أصحابها متعينٌ‪ ،‬وال يُقبل‬ ‫ف وال عدلٌ‪ ،‬وال فرضٌ وال نفلٌ‪ ،‬وال يؤخ ُذ عّنهم علمٌ وال عملٌ‪ ،‬إال بتوبة‬ ‫مّنهم صر ٌ‬ ‫ل الشقاء‪ ،‬وأسباب‬ ‫ّس البالءِ‪ ،‬وأص ُ‬ ‫ن على أنهم هم أُ ُ‬ ‫مفصلةٍ‪ ،‬وبراءة مؤصلة‪ ،‬والدِي ُ‬ ‫العقاب‪.‬‬ ‫ن البَراء َة التام َة المطلقة‪ ،‬من جميع أنواع المحاكم الوضعية في األرض‪،‬‬ ‫وعليه فإنّنا نُعل ُ‬ ‫ومن جميع دساتيرها الوضعية‪ ،‬مهما كان فيها من موافقات للدين والشريعة اإلسالمية‪،‬‬ ‫ومن جميع األنظمة والمذاهب الفكرية المعاصرة والسالفة‪ ،‬مهما كان فيها من موافقات‬ ‫للشريعة اإلسالمية‪ ،‬واعتبارها أربابًا وآلهةً باطلةً‪ ،‬وطواغيتًا كافرةً‪ ،‬تُعبدُ من دون اهلل‬ ‫تعالى‪ ،‬وعليه فإنّنا نكفُ ُر بها ونّنكرها جملة وتفصيال‪ ،‬ونُبدي العداوة والبغضا َء بيّنّنا‬ ‫ل من تعامل معها‪ ،‬أو من‬ ‫وبيّنها أَبَداً‪ ،‬ونتبرُأ من التعامل معها‪ ،‬والعمل فيها أبداً‪ ،‬ومِن ك ِ‬ ‫عمل فيها‪ ،‬أو من سوغها‪ ،‬أو من حث عليها‪ ،‬أو من لم يّنكرها أبداً‪ ،‬مهما ترتب على ذلك‬ ‫ما ترتب من المفاسد‪ ،‬مطلقا‪ ،‬وإال فالشرك باهلل تعالى بالتحاكم الى غيره هو من أعظم‬ ‫المفاسد‪ ،‬وأكبر الكبائر‪ ،‬وأقبح المّناهي‪ ،‬وأنكر المّناكر‪ ،‬وسوا ٌء كانت تلك المحاكمُ محاكمَ‬ ‫وضعي ًة مَحلِيةً‪ ،‬أو عُرْفِي ًة أو دُوَليةً‪ ،‬وسوا ٌء كانت مدنيةً‪ ،‬أو جّنائية‪ ،‬أو أحواالً شخصيةٍ‬ ‫ق لّنا‪ ،‬بل أرواحّنا ونفوسّنا‪،‬‬ ‫أو أسرية‪ ،‬وال نلجأ إليها‪ ،‬وإن ضاعت في سبيل ذلك حقو ٌ‬ ‫‪1‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫ع المتفرد بالتشريع وحده‪ ،‬وحتى يَرْجِعوا إلى أحكام اهلل‬ ‫حتى يؤمّنوا باهلل الحاكم المُشَ ِر ِ‬ ‫وتشريعاتِه وحده ‪.‬‬ ‫تفصيل ذلك وبيان أدلة وجوب الكفر بالطواغيت‪:‬‬ ‫الحمد هلل وكفى‪ ،‬والصالة والسالم على عباده الذين اصطفى‪ ،‬وأشهد أال إله إال اهللُ وحده‪،‬‬ ‫وال معبود بحق سواه‪ ،‬وال مشرع بصدق غيره‪ ،‬وال حاكم للخالئق سواه‪ ،‬وحده ال شريك‬ ‫له‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬وال اتباع بإطالق لغيره‪ ،‬صلى اهلل تعالى عليه وسلم‪.‬‬ ‫هلل تعالى محذرًا لعلماء األمة خاصة‪ ،‬ثم لبقيتهم عامة‪ ،‬متوعدًا إياهم من كتمان‬ ‫قال ا ُ‬ ‫الحق‪ ،‬أو من التفريط في بيانه‪:‬‬ ‫ن أُوتُوا الْكِتَابَ‪ ،‬لَتُبَيِّنُّنَ ُه لِلّنَاّسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ‪ ،‬فَّنَبَذُوهُ وَرَا َء ظُهُورِهِمْ‬ ‫ق الَذِي َ‬ ‫{وَإِ ْذ أَخَ َذ اللَ ُه مِيثَا َ‬ ‫س مَا يَشْتَرُونَ (‪[ })781‬آل عمران‪.]781 :‬‬ ‫وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَّنًا‪ ،‬قَلِيلًا فَبِ ْئ َ‬ ‫ وبيّن سبحانه عاقبة معرفة الحق وفهمه والتفقه فيه‪ ،‬ثم مخالفته والعمل بما سواه‪ ،‬وأن‬‫ذلك من أسوأ أنواع التكذيب العملي الفعلي آلياته سبحانه‪ ،‬وإن لم يقصد التكذيب‪ ،‬أو‬ ‫يظهره‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫ل الْقَوْمِ‬ ‫س مَ َث ُ‬ ‫ل أَسْفَارًا‪ ،‬بِئْ َ‬ ‫ل الْحِمَارِ يَحْ ِم ُ‬ ‫ل الَذِينَ حُمِلُوا التَوْرَا َة ثُ َم لَ ْم يَحْمِلُوهَا‪ ،‬كَمَ َث ِ‬ ‫{مَ َث ُ‬ ‫ت اللَهِ‪ ،‬وَاللَ ُه لَا يَهْدِي الْقَوْ َم الظَالِمِينَ (‪[ } )5‬الجمعة‪.]6 ،5 :‬‬ ‫ن كَذَبُوا بِآيَا ِ‬ ‫الَذِي َ‬ ‫وقال تعالى في مثل ذلك الحال‪:‬‬ ‫ن الْغَاوِينَ‬ ‫خ مِّنْهَا‪ ،‬فَأَتْبَعَ ُه الشَيْطَانُ‪ ،‬فَكَانَ مِ َ‬ ‫ل عَلَيْهِ ْم نَبَ​َأ الَذِي آتَيّْنَا ُه آيَاتِّنَا‪ ،‬فَانْسَلَ َ‬ ‫{وَاتْ ُ‬ ‫ل الْكَلْبِ‪،‬‬ ‫(‪ )715‬وَلَ ْو شِئّْنَا لَرَفَعّْنَا ُه بِهَا‪ ،‬وَلَكِّنَهُ ‪ ....‬أَخْلَ َد إِلَى الْأَرْضِ‪ ،‬وَاتَبَ َع هَوَاهُ‪،‬فَمَثَلُ ُه كَمَثَ ِ‬ ‫ل الْقَوْ ِم الَذِينَ كَذَبُوا بِآيَاتِّنَا‪ ،‬فَاقْصُصِ‬ ‫ك مَ َث ُ‬ ‫ل عَلَيْهِ يَلْهَثْ‪ ،‬أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ‪ ،‬ذَلِ َ‬ ‫ن تَحْمِ ْ‬ ‫إِ ْ‬ ‫ص لَعَلَهُ ْم يَتَفَكَرُونَ (‪ )716‬سَا َء مَثَلًا الْقَوْ ُم الَذِينَ كَذَبُوا بِآيَاتِّنَا‪ ،‬وَأَنْفُسَهُ ْم كَانُوا‬ ‫الْقَصَ َ‬ ‫ك هُ ُم الْخَاسِرُونَ (‪} )718‬‬ ‫يَظْلِمُونَ (‪ )711‬مَنْ يَهْ ِد اللَهُ فَهُ َو الْمُهْتَدِي‪ ،‬وَمَنْ يُضِْللْ فَأُولَئِ َ‬ ‫[األعراف‪.]718 - 715 :‬‬ ‫ثم حذرنا عز وجلَ من سوء صّنيع اليهود والّنصارى‪ ،‬وعاقبةِ موافقتهم‪ ،‬خاصة في‬ ‫تمييع األحكام الشرعية‪ ،‬وتضيع األصول األصلية‪ ،‬والتهاون في هدم القواعد الثابتة‪،‬‬ ‫والتساهل في إسقاط األركان الركيّنة‪ ،‬من سائر أحكام الديانة‪ ،‬ومن مغبّة تسمية األشياء‬ ‫بغير اسمها‪ ،‬فقال ع َز مِن قائلٍ‪:‬‬ ‫ن سَمِعّْنَا وَعَصَيّْنَا‪،‬وَاسْمَ ْع غَيْرَ‬ ‫ن مَوَاضِعِهِ‪ ،‬وَيَقُولُو َ‬ ‫ن الْكَلِ َم عَ ْ‬ ‫ن هَادُوا يُحَرِفُو َ‬ ‫ن الَذِي َ‬ ‫{ ِم َ‬ ‫مُسْمَعٍ وَرَاعِّنَا‪ ،‬لَيًا بِأَلْسِّنَتِهِمْ وَطَعّْنًا فِي الدِينِ‪ ،‬وَلَوْ أَنَهُمْ قَالُوا سَمِعّْنَا وَأَطَعّْنَا وَاسْمَعْ‬ ‫ن إِلَا قَلِيلًا (‪} )66‬‬ ‫ن لَعَّنَهُ ُم اللَ ُه بِكُفْرِهِمْ‪،‬فَلَا يُؤْمِّنُو َ‬ ‫ن خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ‪ ،‬وَلَكِ ْ‬ ‫وَانْظُرْنَا‪ ،‬لَكَا َ‬ ‫[الّنساء‪.]61 ،66 :‬‬ ‫وقال تعالى عّنهم‪:‬‬ ‫ن الْكَلِ َم عَنْ مَوَاضِعِهِ‪ ،‬وَنَسُوا‬ ‫{ َفبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُ ْم لَعَّنَاهُمْ‪ ،‬وَجَعَلّْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً‪ ،‬يُحَرِفُو َ‬ ‫حَظًا مِمَا ذُكِرُوا بِهِ} [المائدة‪ .]71 :‬ثم سرعان ما كشف اهلل تعالى عوارهم‪ ،‬وفضح‬ ‫‪2‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫سرائرهم عّند رسوله الكريم‪ ،‬ومحذرًا من مشابهتهم‪ ،‬في حيثيات لعّنهم وتقسية قلوبهم‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫ن الَذِينَ قَالُوا آمَّنَا بِأَفْوَاهِهِمْ‪ ،‬وَلَمْ‬ ‫ن يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ‪ِ ،‬م َ‬ ‫ك الَذِي َ‬ ‫ل لَا يَحْزُنْ َ‬ ‫{يَا أَيُهَا الرَسُو ُ‬ ‫ن لَمْ يَأْتُوكَ‪،‬‬ ‫ن لِقَوْ ٍم آخَرِي َ‬ ‫ن لِلْكَذِبِ‪ ،‬سَمَاعُو َ‬ ‫ن الَذِينَ هَادُوا‪ ،‬سَمَاعُو َ‬ ‫تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ‪ ،‬وَمِ َ‬ ‫ن لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا‪،‬‬ ‫ن أُوتِيتُ ْم هَذَا َفخُذُوهُ‪ ،‬وَإِ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ‪ ،‬يَقُولُو َ‬ ‫ن الْكَلِ َم مِ ْ‬ ‫يُحَرِفُو َ‬ ‫ن يُطَهِرَ قُلُوبَهُمْ‪،‬‬ ‫ن لَ ْم يُرِ ِد اللَ ُه أَ ْ‬ ‫ك الَذِي َ‬ ‫ن اللَهِ شَيْئًا‪،‬أُولَئِ َ‬ ‫ك لَ ُه مِ َ‬ ‫ن تَمْلِ َ‬ ‫ن يُرِ ِد اللَهُ فِتّْنَتَهُ‪ ،‬فَلَ ْ‬ ‫وَمَ ْ‬ ‫ب عَظِيمٌ (‪[ } )67‬المائدة‪.]67 :‬‬ ‫لَهُمْ فِي الدُنْيَا خِزْيٌ‪ ،‬وَلَهُمْ فِي الْآخِرَ ِة عَذَا ٌ‬ ‫ومن ذلك من يُميع تلك األحكام العظام‪ ،‬فيكتفي بتسميها‪ :‬إثما من اآلثام‪ ،‬أو من يدعوا‬ ‫لمقاطعتها دون أي بيان‪ ،‬يبين حكمها الكفري الصحيح للعيان‪ ،‬أو من يّنكرها لمجرد أن‬ ‫في بعضها ما يخالف الشرع‪ ،‬ثم يقبلها إذا ما وافقت الشرع‪ ،‬أو من يسميها وغيرها من‬ ‫الكفريات وااللحاديات والدساتير بالشرعية‪ ،‬أو يشابهها بالشورى الشرعية‪ ،‬فكل ذلك من‬ ‫خيانة األمانة والديانة‪ ،‬خاصة وقد عمّت وعظمت بها البلوى‪ ،‬ونزل بها السخط‬ ‫والغضب‪ ،‬وحلّ بها الشؤم والعقاب‪.‬‬ ‫فيا أيها المسلمون في مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬إنه ال يخفى عليكم ما حل بديار‬ ‫المسلمين‪ ،‬خاصة بعد سقوط خالفتهم‪ ،‬وطول انقطاع مّنهم‪ ،‬عن إفراد ربهم تعالى‪،‬‬ ‫بتشريع شريعتهم‪ ،‬وعن توحيده سبحانه في تقّنين قوانيّنهم‪ ،‬وعن عبادته ع َز وجلَ بدسترة‬ ‫دساتيرهم‪ ،‬وعن تحكيم قوانين كتابهم‪ ،‬وعن اتباع بّنو ِد هديِ نبيهم‪ ،‬وما ترتب على ذلك‬ ‫من مفاسد عقائدية جمة‪ ،‬وضياع ألركان الدين‪ ،‬وفش ٍو للفساد والبوار والمّنكرات عامَة‪،‬‬ ‫خاصة في بُعد المسلمين عن توحيد الحاكمية لربهم‪ ،‬وعن إفراد اإلتباع واالقتداء لّنبيهم‪،‬‬ ‫فاستبدلوا ذلك باإليمان أو الرضا والقبول بطواغيتهم‪ ،‬فحلَ بالمسلمين ما حل باألمم ممن‬ ‫ف في كهولهم وذراريهم‪،‬‬ ‫سبقهم‪ ،‬من الذل والمهانة واالستضعاف‪ ،‬حتى أُعمل السي ُ‬ ‫وفتياتهم ونسائهم‪،‬وحرق قتالهم وجرحاهم أحياء‪ ،‬وسبيت رموزُهم وأكابرهم‪ ،‬فسفكت‬ ‫الدماء‪ ،‬واستبيحت األعراض‪ ،‬وفسدت األجيال‪ ،‬وهلكت األموال‪ ،‬وانتهبت الثروات‪،‬‬ ‫وضاعت الديار‪ ،‬واستحوذ األعداء على بالد المسلمين‪ ،‬فعاثوا في األرض فسادا‪ ،‬وكان‬ ‫من أشد ما أصاب المسلمين من هذه المحّنة‪ ،‬هو ضياع ديّنهم الحّنيف‪ ،‬وذهاب جوهر‬ ‫توحيدهم لربهم الصحيح‪ ،‬واشرأبت أعّناق الكفر‪ ،‬واستّنسر البُغاث‪ ،‬واستأسد الجرذان ُ‪،‬‬ ‫واستفحل الّنعاج‪ ،‬وتغلب األراذل على األفاضل‪ ،‬واستمكن الكاغرون على مقاليد األمور‬ ‫في جميع بالد المسلمين‪ ،‬وأصبح حالهم أضي َع من األيتام على مأدبة اللئام‪ ،‬بل ليس لهم‬ ‫على مأدبة اللئام مقام‪.‬‬ ‫لذلك لزم التحذير‪ ،‬وعدم تأخير البيان عن وقت الحاجة‪ ،‬فّنقول‪:‬‬ ‫أن توحيد اهلل تعالى صرح صريح ال يخدش وال يتجزأ‪ ،‬كما أن الكفر به تعالى كيان ال‬ ‫يتبعض وال يتشأل‪ ،‬فمن أنكرشيئاً من توحيد اهلل تعالى‪ ،‬كتوحيده وإفراده وحده في سن‬ ‫القوانين‪ ،‬والتشريع‪ ،‬والحاكمية بين الخالئق‪ ،‬فقد كفر بتوحيد اهلل تعالى كلّه‪ ،‬وإن أثبت ما‬ ‫أثبت مّنه‪ ،‬كذلك من أقر بشيء من الكفر‪ ،‬كإقراره بدساتير البشر الوضعية‪ ،‬فقد أقر‬ ‫بالكفر كله‪ ،‬قال تعالى موضحا ذلك‪:‬‬ ‫‪3‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫ن عَمَلُكَ‪ ،‬وَلَتَكُونَنَ مِنَ‬ ‫ت لَيَحْبَطَ َ‬ ‫ن أَشْرَكْ َ‬ ‫ك وَإِلَى الَذِينَ مِنْ قَبْلِكَ‪ ،‬لَئِ ْ‬ ‫ي إِلَيْ َ‬ ‫حَ‬ ‫{وَلَقَ ْد أُو ِ‬ ‫الْخَاسِرِينَ (‪[ })65‬الزمر‪ .]65 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫{َأ ْم لَهُمْ شُرَكَاءُ!!!!! شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ (أي وهي للتبعيض أو للجّنس) الدِينِ‪ ،‬مَا (أي اسم‬ ‫ضيَ‬ ‫ل لَقُ ِ‬ ‫صِ‬ ‫ن بِ ِه اللَهُ‪ ،‬وَلَوْلَا كَلِمَ ُة الْفَ ْ‬ ‫موصول بمعّنى مطلق الذي‪ ،‬أي أياً مِن الذي) لَمْ يَأْذَ ْ‬ ‫ب أَلِيمٌ}[الشورى‪ .]17:‬وكذلك اتخاذ الشركاء‪ ،‬مترتب في‬ ‫ن لَهُمْ عَذَا ٌ‬ ‫ن الظَالِمِي َ‬ ‫بَيْ َّنهُمْ‪ ،‬وَإِ َ‬ ‫كل هذا على اطالقه‪ ،‬في قليل التشريع من الدين والّنظام وفي كثيره‪.‬‬ ‫ب على قليل الموافقة في طاعتهم في بعض األمر‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫وكذلك الحكم بالرِدة‪ ،‬مترت ٌ‬ ‫ل لَهُ ْم وَأَمْلَى لَهُمْ‬ ‫ن لَهُ ُم الْهُدَى‪ ،‬الشَيْطَانُ سَوَ َ‬ ‫ن ارْتَدُوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ‪ ،‬مِنْ بَعْ ِد مَا تَبَيَ َ‬ ‫ن الَذِي َ‬ ‫}إِ َ‬ ‫ض الْأَمْرِ ‪ -‬وَاللَ ُه يَعْلَمُ‬ ‫ل اللَهُ ‪ -‬سَّنُطِيعُكُمْ فِي بَعْ ِ‬ ‫ك بِأَنَهُمْ قَالُوا ‪ -‬لِلَذِينَ كَرِهُوا مَا نَ َز َ‬ ‫(‪ )15‬ذَلِ َ‬ ‫إِسْرَارَهُمْ (‪. )16‬‬ ‫لذا فإن اهلل تعالى قد حذر من قليل الشرك‪ ،‬ورتب العقوبة على مطلقه‪ ،‬أي بأي شيء‬ ‫ن أَشْرَكْتَ‪( ،‬أي بمطلق الشرك‪ ،‬أي‬ ‫ن قَبْلِكَ لَئِ ْ‬ ‫ك وَإِلَى الَذِينَ مِ ْ‬ ‫ي إِلَيْ َ‬ ‫مّنه‪ ،‬قائالً‪{ :‬وَلَقَ ْد أُوحِ َ‬ ‫بمجرد فعل بعضه‪ ،‬وليس بالشرك المطلق‪ ،‬أي ليس بفعل جُلِه)‪ ،‬لَيَحْبَطَنَ عَمَلُكَ‪( ،‬أي‬ ‫ل اللَهَ فَاعْبُدْ‪( ،‬أي وحدَه‪ ،‬أما المُقر‬ ‫ن الْخَاسِرِينَ (‪ )65‬بَ ِ‬ ‫بخسارة جميع أعمالك) وَلَتَكُونَنَ مِ َ‬ ‫ن مِنَ‬ ‫شيئا من الدستور‪ ،‬فهو عابد لغيره معه‪ ،‬وليس عابدًا صافيا هلل وحده خالصاً)‪ ،‬وَكُ ْ‬ ‫الشَاكِرِينَ (‪ )66‬وَمَا قَدَرُوا اللَ َه حَقَ قَدْرِهِ‪( ،‬أي ما عظموه وما خافوه حق تعظيمه‬ ‫ض جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْ َم الْقِيَامَةِ‪،‬‬ ‫وخوفه‪ ،‬لمَا أقرّوا قليالً من الشرك بغيره)‪ ،‬وَالْأَرْ ُ‬ ‫ت بِيَمِيّنِهِ‪ ،‬سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أي تّنزه وتبرأ وخلُص وتجرد وصفى‬ ‫ت مَطْوِيَا ٌ‬ ‫وَالسَمَاوَا ُ‬ ‫صفاؤه) عَمَا يُشْرِكُونَ (‪[ } )61‬الزمر‪[ 61 – 65 :‬‬ ‫وكما أن القول بجواز إتيان بعض الكفر دون الكل‪ ،‬وأن ذلك ال يعّني الكفر بالكل‪ ،‬فهذا‬ ‫ث في الدين‪ ،‬لم يأت به أحد من السابقين‪ ،‬وهو إيذان وتحريض على‬ ‫قول عظيم‪ ،‬ومحدَ ٌ‬ ‫إتيان قليل الشرك‪ ،‬وما عظيم الكفر إال من مستصغر الذنب‪.‬‬ ‫أما القول بتسويغ قليل الشرك والكفر‪ ،‬دَفعاً ألكثره وأعظمه‪ ،‬فلم يأذن به اهلل تعالى‪ ،‬ولم‬ ‫يقل به أحد من الموحدين‪ ،‬وال يسمى موحدًا من فعل ذلك‪ ،‬أو حض على شيء من ذلك‪،‬‬ ‫والقاعدة مُقيدة بما لم يكن حراما‪ ،‬بغير إكراه أو ضرورة‪ ،‬فكيف بما يكون شركا‪ ،‬أيْ‬ ‫قاعد ُة (دف ُع أعظم الضررين بأخفهما‪ ،‬واختيار أيسر األمرين بأشدهماٍ)‪ ،‬ما لم يكن‬ ‫محرما‪ ،‬ويقيده فعله عليه السالم‪ ،‬وما خُيِر بين أمرين اال اختار أيسرهما‪ ،‬ما لم يكن‬ ‫محرماً‪ ،‬فكيف إذا كان شركاً‪ ،‬ثم إن الشركَ – قليلَه وكثيره – هو أعظم الضررين مطلقا‪،‬‬ ‫وهو أشد المفسدتين قطعاً‪ ،‬ألم تر أن اهلل تعالى أمر بالقتال وبذل األموال واألنفس‪ ،‬حتى‬ ‫ق الخالص ‪ -----‬كلُه ‪-----‬‬ ‫ن المطل ُ‬ ‫ال يكون هّناك شركٌ في األرض‪ ،‬مطلقاً‪ ،‬ويكون الدي ُ‬ ‫هلل ‪ ------‬وليس بعضه!! قال تعالى‪:‬‬ ‫ي مطلْق من‬ ‫ي مطْلَقٍ من الكفر‪ ،‬أو أ ُ‬ ‫{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَى لَا تَكُونَ فِتّْنَةٌ}‪( ،‬أي حتى ال يكون أ ُ‬ ‫ن الدِينُ كُلُهُ}‪( ،‬أي جمي ُع الدين المطلق الخالص كلُه)‪{ ،‬لِلَهِ‪ ،‬فَإِنِ‬ ‫الشرك)‪{ ،‬وَيَكُو َ‬ ‫ن بَصِيرٌ (‪} )13‬‬ ‫ن اللَ َه بِمَا يَعْمَلُو َ‬ ‫انْتَهَوْا}‪( ،‬أي عن مطلق الشرك أو الكفر)‪{ ،‬فَإِ َ‬ ‫[األنفال‪.]64 ،13 :‬‬ ‫‪4‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫فهؤالء وهؤالء‪ ،‬ماتركوا أصال من أصول الدين إال نقضوه‪ ،‬وما برحوا شُجّنة من الملة‬ ‫إال وقطعوها‪ ،‬وما فتئوا ركّنا من الحّنيفية إال وهدموه‪ ،‬عمدوا إلى التوحيد ففصصوا‬ ‫مفاصله‪ ،‬وآمّنوا بجلِه ‪ ،‬وشرَعوا الكفر ببعضه‪ ،‬ونظروا إلى الشرك فقسّموا أركانه‪،‬‬ ‫فجعلوه أفكارًا وآليات‪ ،‬فأنكروا أفكاره‪ ،‬وسوّغوا آلياته‪ ،‬وعمدوا إلى عقيدة الوالء‬ ‫والبراء‪ ،‬والمحاباة والمعاداة‪ ،‬والحب والبغض في اهلل تعالى‪ ،‬والتي هي من أوثق عُرى‬ ‫اإليمان‪ ،‬فجزؤوا أواصرها‪ ،‬فآمّنوا ببعضها‪ ،‬وسوّغوا بعضها‪ ،‬فجعلوها في الحزب وفي‬ ‫الوطّنية والقومية والّنسيج الواحد‪ ،‬وأظهروا مخالفتها‪ ،‬وأعلّنوا نقضها‪ ،‬بل وشرعّنوا‬ ‫محاباة الكافرين‪ ،‬ومواالة من عادى اهلل ورسوله وشاقهما‪ ،‬وعانقوا المجرمين من رؤوّس‬ ‫الصليبيين المجرمين المفسدين‪ ،‬من المحاربين هلل ورسوله والمؤمّنين‪ ،‬وممن يأنف‬ ‫العامة من مجالسهم‪ ،‬فضال عن معانقتهم‪ ،‬ورغم أن اهلل تعالى قد أظهر عوار عجلهم‬ ‫الديمقراطي‪ ،‬إال أنهم ال يزالون يستغيثون به‪ ،‬وما برحوا يستعيذون ويستغيثون به‪ ،‬وما‬ ‫فتئوا يستعيّنون به‪ ،‬وما انفكوا يذبحون القرابين البشرية من أجله‪ ،‬بل ونذروا نذورهم إذا‬ ‫فازوا بها إليه‪ ،‬وعمدوا الى الّنصوص الخاصة بأهل الذمة من المحافظين على عهدهم‪،‬‬ ‫فاضفوها إلى الصليبيين والصهايّنة المعتدين‪ ،‬من الّناقضين عهودهم‪ ،‬والمحاربين هلل‬ ‫ولرسوله وللمؤمّنين‪ ،‬ليل نهار‪ ،‬وماداموا وما انفكوا يستّنصرون بهم‪ ،‬وعمدوا الى‬ ‫األصل القرآني األصيل‪ ،‬وهو الجزي ِة المفروضةِ على أهل الكتاب المعاهدين‪ ،‬من‬ ‫المُوفين بعهدهم‪ ،‬فزعموا انها كانت في الماضي‪ ،‬ثم هي اليوم قد انتهت‪ ،‬وحلّ محلها‬ ‫الضرائب‪ ،‬وغير ذلك من التالعبات بالدين‪ ،‬عّند من ال دين له وال علم‪ ،‬ونسوا أو‬ ‫تّناسوا‪ ،‬وجهلوا أو تجاهلوا‪ ،‬وغفلوا أو تغافلوا‪ ،‬أنه لن يسقط الجزية عن أهل الكتاب‪ ،‬إال‬ ‫ن مريم رسول اإلسالم‪ ،‬فيُسقط الجزية عن أهل الكتاب‪،‬‬ ‫معبو ُد أهل الكتاب‪ ،‬عيسى ب ُ‬ ‫ل خّنزيرَهم‪ ،‬ويكسر صليبهم ورمز كذبهم وزورهم‪ ،‬ويفرض عليهم اإلسالم أو‬ ‫ويقت ُ‬ ‫ل في ذلك جزية‪ ،‬ثم عمدوا إلى الّنصوص اآلمرة بطاعة والة أمور‬ ‫القتل‪ ،‬وال يقب ُ‬ ‫المسلمين‪ ،‬ممن يحكمون الّناّس بكتاب اهلل تعالى وسّنة نبيه عليه السالم‪ ،‬والّنصوص‬ ‫الّناهية عن الخروج عليهم‪ ،‬ثم أضفوها على والة الشر والكفر واإللحاد‪ ،‬من والة أمر‬ ‫الشيوعية أو العلمانية أو الديمقراطية أو البعثية أو الّنصيرية العلوية الشيعية الملحدة‬ ‫وغيرهم من الطواغيت الطاغية‪ ،‬والتي تُؤله غير اهلل تعالى‪ ،‬كعلي بن أبي طالب رضي‬ ‫اهلل تعالى عّنه‪ ،‬وغيره كالّناصرية أو القومية أو الوطّنية أو العسكرية‪ ،‬من دون اهلل‬ ‫تعالى‪ ،‬أو لوالة أمر الحكومات الصهيوصليبية‪ ،‬وغيرهم من والة أمور الشر والكفر‬ ‫والفساد‪ ٫‬ومن الطواغيت التي أمر اهلل تعالى بمقاتلتهم حتى يقيموا دين اهلل تعالى‪،‬‬ ‫ويحكموا بشرعه القويم‪ ،‬بل ووصفوا كل من خالف أمثال هؤالء الطواغت‪ ،‬بأنهم كفرقة‬ ‫الخوارج‪ ،‬التي تُكفِر بالمعصية‪ ،‬وتقاتل أهل اإلسالم‪ ،‬وتسالم وتوالي أهل الشرك‬ ‫والكفران‪ ،‬وهذا من التلبيس والتدليس‪ ،‬ومن الجهل المطبق‪ ،‬بل ومن مداهّنة السالطين‬ ‫الفاسدين المفسدين‪ ،‬من طواغيت الفساد واإلفساد في األرض‪ ،‬ومن مواالت الصهايّنة‬ ‫والصليبيين أو الصفويين وغيرهم من الكافرين ضد المسلمين‪ ،‬وهذا من المخرجات عن‬ ‫ديانة المسلمين‪ ،‬وهم بذلك يّناصرون أهل الكفر والباطل والفساد واإلجرام‪ ،‬ويعادون‬ ‫‪5‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫ويحاربون أهل اإليمان واإلسالم‪ ،‬وقد ظلوا على عجولهم تلك عاكفين‪ ،‬يسجدون لها‪،‬‬ ‫ويسبحون بحمدها‪ ،‬ويقدمون لها الصالة‪ ،‬أولئك هم المبددون لديّنهم‪ ،‬والمحرفون لملة‬ ‫إبراهيم‪ ،‬ورغم أن اهلل تعالى وحده الذي تولى تدمير عجلهم الديمقراطي‪ ،‬وإظهار‬ ‫عوارهم‪ ،‬فليتهم اقتدوا بأسالفهم اليهود‪ ،‬من أصحاب عجل السامري‪ ،‬حيث رجعوا وتابوا‬ ‫ط فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَهُمْ قَدْ ضَلُوا‪ ،‬قَالُوا لَئِنْ‬ ‫وأنابوا من قريب‪ ،‬فقال تعالى فيهم‪{ :‬وَلَمَا سُقِ َ‬ ‫ن الْخَاسِرِينَ (‪[ } )763‬األعراف‪.]763 :‬‬ ‫لَ ْم يَرْحَمّْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِ ْر لَّنَا‪ ،‬لَّنَكُونَنَ مِ َ‬ ‫غير أن هؤالء ما برحوا عليه عاكفين‪ ،‬فتبًا لهاتيك العقول العجول فإنها‪ ....‬واهلل قد‬ ‫مسخت على اآلتان‪.‬‬ ‫ولقد نشأت على أنقاض الخالفة اإلسالمية المباركة‪ ،‬أشياخ وأشباه علماء كثر‪ ،‬كان‬ ‫أصلحهم حاال‪ ،‬هو ممن شاركوا في سقوط تلك الخالفة المباركة‪ ،‬خاصة في أوقات‬ ‫استضعافها‪ ،‬وفي أواخر أطوارها‪ ،‬فقامت على أنقاضها أمم‪ ،‬وتفرقت دول‪ ،‬وأسست‬ ‫جماعات وفرق‪ ،‬أحسّنهم ظاهراً‪ ،‬من كان يتظاهر بالدعوة إلى توحيد اهلل تعالى والعقيدة‪،‬‬ ‫رغم أنهم لم يكونوا إال معاول حادة‪ ،‬من معاول الهدم لتلك الخالفة اإلسالمية المباركة‪،‬‬ ‫ورغم ضعفها وسوء نهايتها‪ ،‬إال أنهم حاربوا على اسقاطها‪ ،‬وهكذا استمر المستعمر‬ ‫الصهيوصليبي الصفوي في تفتيت ديار الخالفة في الشرق والغرب‪ ،‬وجعلِها دويالت‬ ‫وأمما وأوطانا‪ ،‬كل حزب فيهم بما لديهم فرحون‪.‬‬ ‫وكانت نتيجة ذلك‪ ،‬أن نشأ في اإلسالم من ليس مّنه‪ ،‬أشباه علماء‪ ،‬وأنصاف طلبة علم‪،‬‬ ‫وأطياف أشياخ‪ ،‬ليس لهم من العلم الصحيح حظ وال نصيب‪ ،‬اللهم إال التقليد األعمى لكل‬ ‫من رجالهم‪.‬‬ ‫حتى آل مآلهم وصار مصيرهم اليوم إلى ثالثة أصّناف ‪:‬‬ ‫‪ -7‬صّنف ال يزال تابعاً مخلصًا ومقلدا متعصبا لمن سوّغ وشرعن إسقاط خالفة‬‫المسلمين‪ ،‬وامتطى في سبيل ترويج ذلك ظهر التوحيد الظاهري‪ ،‬حتى انطلت دعوتهم ‪-‬‬ ‫المزعومة والعارية عن حقيقة التوحيد والعقيدة ‪ -‬على عقول الكثير من البسطاء والسذج‬ ‫من أشياخ المسلمين‪ ،‬ممن لم يحسّنوا قراءة تاريخهم المجيد‪ ،‬بله تاريخ عدوهم العّنيد‪ ،‬وال‬ ‫يزال هؤالء وهؤالء معاول هدم في أيدي الصهيوصليبية والصفوية‪ ،‬يهدمون بها ديار‬ ‫المسلمين‪ ،‬دارًا بعد أخرى‪ ،‬وكل ذلك يتم ‪ ....‬وباسم التوحيد ‪ .....‬وباسم العقيدة‪ ،‬وهم أبعد‬ ‫الّناّس عن اصل التوحيد الصحيح وصريح العقيدة وجوهر اإلسالم‪.‬‬ ‫ي عمل أو نشاط أو فعالية‪ ،‬من أعمال‬ ‫وهذا الصّنف من األشياخ‪ ،‬هو ممن يرى تجريم أ َ‬ ‫المسلمين وأنشطتهم وفعالياتهم‪ ،‬وذلك إذا ما تمت على الّنحو الجماعي أو الترتيبي أو‬ ‫التّنظيمي‪ ،‬ويرونه تحزبا وخروجا على ولي األمر‪ ،‬وفي سبيل ذلك تراهم يضفون كل‬ ‫صفات وامتيازات ولي األمر الشرعي‪ ،‬والذي يحكم في الّناّس بكتاب اهلل تعالى‪ ،‬وعلى‬ ‫هدي نبيه صلى اهلل تعالى عليه وسلم‪ ،‬ويسوسهم بالسياسة الشرعية‪ ،‬ظاهرًا وباطّناً‪،‬‬ ‫داخليًا وخارجياً‪ ،‬فتراهم يضفون كل تلك االمتيازات والحقوق على حكامٍ متسلطين‪،‬‬ ‫متصهيّنين أو مستغربين أو صفويين أو علويين نصيريين ملحدين‪ ،‬ممن عُيِّنوا من قبل‬ ‫المحتلين المسقطين لخالفة المسلمين‪ ،‬فتراهم يحكمون الّناّس بحسب أحوالهم‪ ،‬فإمّا‬ ‫‪6‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫يحكمونهم باالشتراكية الشيوعية‪ ،‬أو بالعلمانية الفاصلة بين الدين والسياسة‪ ،‬أو‬ ‫بالديمقراطية الصهيوصليبية الملحدة‪ ،‬والتي ال تقبل لها شريكاً في الحكم‪ ،‬أو بغيرها من‬ ‫االحكام الوضعية الالديّنية‪ ،‬حتى إنهم ليضفون صفة ولي االمر على حكام االشتراكية‬ ‫والعلمانية والديمقراطية‪ ،‬بل والعلوية الّنصيرية المؤلهة لغير اهلل ابتداء‪ ،‬حتى انهم‬ ‫ليضفون صفة ولي االمر أيضا ‪ ....‬على الصليبيين المحاربين للدين‪ ،‬من حكام البالد‬ ‫الصليبية الغربية ‪..‬ابتداءً ‪ ..‬أيضا‪ ،‬بحجة انهم متسلطون بسلطة أو متغلبون بشوكة‪،‬‬ ‫أومّنتخبون بانتخاب‪ ،‬وغير ذلك من التلبيس والتدليس‪ ،‬والتفليس والتهليس‪ ،‬وإذا رأيت‬ ‫ثَمَ‪ ،‬رأيت كثيراً من هؤالء المُفتِين المفلسين‪ ،‬وهم يتجرأؤن على الفُتْيا‪ ،‬فتراهم يصدرون‬ ‫في سبيل ذلك العظيم من الفتاوى‪ ،‬في الحكم على من خرج عن طاعة هؤالء وهؤالء‪،‬‬ ‫بأنهم هم الخوارج عن الدين‪ ،‬ولست أدري‪ ،‬من هو األولى بتلك األحكام؟‬ ‫من خرج على خالفة المسلمين‪ ،‬والتي ظلت أربعة عشر قرناً من الزمان‪ ،‬يترعرع‬ ‫المسلمون في عزتها‪ ،‬وتترفرف الرايات في توحيدها لربها‪ ،‬أم والة الشر – أولئك – من‬ ‫الخارجين عن خالفة المسلمين‪ ،‬والمحادِين هلل ولرسوله وللمؤمّنين‪.‬‬ ‫فهم ال يمتون لولي االمر الشرعي بأي صلة‪ ،‬ال من قريب وال من بعيد‪ ،‬وهكذا يكون‬ ‫التلبيس والتدليس واإلفالّس العقدي‪ ،‬من قبل الحكام واالشياخ والمفتين المفلسين‪ ،‬وهم‬ ‫أولى الّناّس بالتقليد األعمى‪ ،‬والحزبية المقيتة من غيرهم‪ ،‬وهكذا تُحكم الصهيوصليبيةُ‬ ‫الصفويةُ قبضتها على بالد المسلمين‪ ،‬بأولئك الحكام المتسلطين‪ ،‬وبتلك االشياخ‬ ‫المّنافقين‪ ،‬ممن تجرأوا على الفتيا بغير علم‪ ،‬وجميعهم ال يحكمون بكتاب اهلل تعالى‪ ،‬وال‬ ‫بسّنة نبيه عليه السالم‪ ،‬ورغم انه من المستقر في الديانة الحقة‪ ،‬أنه من الواجب على‬ ‫جميع المسلمين المقاتلة والمجاهدة والمحاربة‪ ،‬بالّنفس والّنفيس‪ ،‬وبذل كل غالي‬ ‫ورخيص‪ ،‬حتى يكون الدين‪ ،‬والدين كلُه‪ ،‬هلل الواحد القدوّس‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ن بَصِيرٌ‬ ‫ن اللَ َه بِمَا يَعْمَلُو َ‬ ‫ن انْتَهَوْا فَإِ َ‬ ‫ن الدِينُ كُلُ ُه لِلَهِ فَإِ ِ‬ ‫{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَى لَا تَكُونَ فِتّْنَةٌ وَيَكُو َ‬ ‫ن بِاللَ ِه وَلَا بِالْيَوْ ِم الْآخِ ِر وَلَا‬ ‫ن لَا يُؤْ ِمّنُو َ‬ ‫(‪[ })13‬األنفال‪ ]13 :‬وقال تعالى ‪{ :‬قَاتِلُوا الَذِي َ‬ ‫ب حَتَى يُعْطُوا‬ ‫ن أُوتُوا الْكِتَا َ‬ ‫ن الَذِي َ‬ ‫ق مِ َ‬ ‫ن الْحَ ِ‬ ‫ن دِي َ‬ ‫حرِمُونَ مَا حَرَ َم اللَ ُه وَرَسُولُ ُه وَلَا يَدِيّنُو َ‬ ‫يُ َ‬ ‫ن يَدٍ وَهُ ْم صَاغِرُونَ (‪[ })13‬التوبة‪.]13 :‬‬ ‫الْجِزْيَ َة عَ ْ‬ ‫فانظر إلى أحوال هؤالء األشياخ األشباح‪ ،‬من المبددين لعقائدهم‪ ،‬والمحرفين لديّنهم‪،‬‬ ‫وهم يدعمون هؤالء الطواغيت المشركين‪ ،‬والمتسلطين من قبل المحتلين‬ ‫الصهيوصليبيين‪ ،‬لكيال تقوم لإلسالم الصحيح قائمة‪ ،‬وال يرفع للتوحيد الشامل الصحيح‬ ‫راية‪.‬‬ ‫‪ -1‬وطائفة أخرى من األشياخ وأشباه العلماء وطلبة العلم‪ ،‬إما أنهم حجروا الدين على‬‫فضيلة من فضائله‪ ،‬أو حصروه على ركن من أركانه‪ ،‬كالدعوة إلى اهلل تعالى‪ ،‬أو كطلب‬ ‫العلم الشرعي‪ ،‬أو التعبد والتّنسك وتزكية الّنفس‪ ،‬أو الجهاد في سبيل اهلل تعالى‪ ،‬أو األمر‬ ‫بالمعروف والّنهي عن المّنكر‪ ،‬أو غيره‪ ،‬ثم زعم هؤالء أن هذا – الجزء الذي يقومون‬ ‫عليه ‪ -‬هو الدين‪ ،‬ثم قاموا بتخطئة من عداهم من أهل الملة والديانة‪ ،‬ثم لمّا عُرضت‬ ‫عليهم األديان والملل والمذاهب الفكرية والّنظامية المغايرة لإلسالم‪ ،‬قاموا بامتطاء‬ ‫‪7‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫ظهرها‪ ،‬وتبّني أنظمتها وشرائعها ودساتيرها‪ ،‬بزعم مرحلية الدعوة‪ ،‬أو أنهم سيجلبونه‬ ‫الخير والتشريع من وراء ذلك‪ ،‬بعد ذلك‪.‬‬ ‫كمُطعم ِة األيتام من كَ ِد فَرْجها ‪ ،،،،،،‬لك الويل ال تَزني وال تتصدقي‬ ‫كمُجلبة التمكين بالشرك تأته ‪ ،،،،،،‬لك الويلُ ال شِركٌ وال تتمكّني‬ ‫ال من محاربتهم لتلك‬ ‫فقاموا يسوغون للّناّس الكفر والشرك واإللحاد صّنوفا وألوانا‪ ،‬فبد ً‬ ‫الطواغيت‪ ،‬أو الدعوة إلى محاربتها‪ ،‬أو كشف كفرها وإلحادها ومخالفتها للدين‪ ،‬أو‬ ‫البراءة مّنها ومن أهلها‪ ،‬وتحذير األمة من شرها وشؤم عواقبها‪ ،‬أو اجتّنابها‪ ،‬أو حتى‬ ‫باختيار الخّنوع بالصمت عّنها‪ ،‬إن كان الضررُ في بيانها متعيّناً متحتما‪ ،‬وذلك أضعف‬ ‫اإليمان‪ ،‬لكّنك تراهم‪ ،‬وبئسما تراهم‪ ،‬يدعون الّناّس إلى ذلك الكفر‪ ،‬ويُرَغبونهم في‬ ‫اتباعه‪ ،‬بزعم أن هذا هو المتاح اليوم‪ ،‬وأن المرحلية تقتدي ذلك‪ ،‬وانهم غي ُر قادرين على‬ ‫سواه‪ ،‬فيا سبحان اهلل الواحد األحد‪ ،‬وأي مرحلية من مراحل الدعوة الّنبوية المباركة‪،‬‬ ‫رضيت بالكفر‪ ،‬أو أقرته‪ ،‬أو سكتت عّنه‪ ،‬بله أن تمتطي ظهره‪ ،‬أو أن تقترفه!!‬ ‫فهؤالء هم المبددون لمتهم‪ ،‬والمحرفون لديّنهم‪ ،‬والمُحْدِثون في االسالم ما ليس فيه‪ ،‬بل‬ ‫والمكذبون آليات اهلل تعالى باتباع ما سواها‪.‬‬ ‫‪ -1‬وطائفة ثالثة‪ ،‬من أَتْباع أشباه العلماء أيضاً‪ ،‬علِموا حقيقة المؤامرة على الدين‬‫والتوحيد‪ ،‬وأدركوا حجم الخطورة على أمة االسالم‪ ،‬فقاموا غير متقاعسين‪ ،‬وهبُوا غير‬ ‫متثاقلين‪ ،‬ونفَروا غير معاجزين وال متعاجزين‪ ،‬للدفاع عما تبقى من الدين‪ ،‬نصرة للدين‪،‬‬ ‫ودفاعا عن جّناب التوحيد‪ ،‬غير أنهم فاتهم الكثير من صحيح االعتقاد‪ ،‬وحسن االتباع‪،‬‬ ‫وإنك لتجدهم هم أقرب الثالثة‪ ،‬للحق والصدق المبين‪ ،‬ظاهرا وباطّنا‪ ،‬فجادوا بكل غالي‬ ‫ورخيص‪ ،‬وبذلوا كل نفس ونفيس‪ ،‬دفاعا عن عرين التوحيد والدين‪ ،‬ورغم ما فاتهم من‬ ‫الكثير‪ ،‬غير أن هذا هو جهد المقل‪ ،‬فما كان من الفئتين األوليين المفلسين‪ ،‬إال أنهم‬ ‫ناصبوهم كل العداء‪ ،‬ووصفوهم بكل نقصاء‪ ،‬ووسموهم بكل عوراء‪ ،‬وكان أولى بهم أن‬ ‫يَسدّوا خللهم‪ ،‬ويكملوا نقصهم‪ ،‬ويصححوا أخطاءهم في عقائدهم‪ ،‬وأن يجبروا كسرهم‪،‬‬ ‫لكّنهم إنشغلوا بتخريجهم من الدِين والملة‪ ،‬فأخرجهما اهلل تعالى عن الصراط المستقيم‪،‬‬ ‫فصاروا مثاال للمبددين‪ ،‬ونبراسًا للمحرفين لملة إبراهيم‪ ،‬وأسوة للمشاققين لمّنهج األنبياء‬ ‫وسائر المرسلين‪.‬‬ ‫وإلى هذا الحال‪ ،‬آل مآلُ المسلمين اليوم‪.‬‬ ‫وإنه من المعلوم ضرورة في دين المسلمين أنه‪ :‬ما وقعت مصيبة إال بذنب‪ ،‬ولن ترفع‬ ‫كذلك إال بتوبة من ذلك الذنب‪ ،‬غير أن هؤالء وهؤالء‪ ،‬من الفئتين األوليين‪ ،‬لم يزالوا في‬ ‫غيهم ضالين‪.‬‬ ‫ومن الواضح في تلك الظروف أيضاً‪ ،‬أن مقاطعة تلك الدساتير الوضعية الكفرية‪ ،‬هو‬ ‫نوع من السلبية‪ ،‬وقد ال تكون المقاطعةُ كافيةً مع القدرة على اإلنكار‪ ،‬وأعظم أحوالها أنه‬ ‫أضعف اإليمان‪.‬‬ ‫كذلك الدعوة إلى المقاطعة مع عدم التفصيل في الحكم الشرعي على تلك الدساتير‬ ‫الوضعية الكفرية‪ ،‬وعلى من يصّنعها‪ ،‬ومن يدعو إليها ومن يشارك فيها‪ ،‬يعدُ كتمانا‬ ‫‪8‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫للحق مع القدرة على بيانه‪ ،‬فإذا ما كان كان هّناك من يسوّغه‪ ،‬ومن يشرعِّنه‪ ،‬ومن‬ ‫ث الّناّس على الهالك‬ ‫يضفي عليه صفة الشرعية‪ ،‬ومن يُفسي بوجوب إقراره‪ ،‬ومن يَح ُ‬ ‫دونه‪ ،‬فعّندئذ يكون اإلثم متحتماً‪ ،‬على كل من لم يبين أحكامها وجرم المشاركين فيها‪.‬‬ ‫وبعض الّناّس اليوم قد يحكم على تلك الدساتير بحسب أحوالها‪ ،‬فيُحلُها تارة‪ ،‬ويحرمها‬ ‫تارة‪ ،‬يحلها إذا ما وافق بعضُها الشرعَ‪ ،‬ثم يعود فيّنكرها لمخالفتها الشرع‪ ،‬وهذا تهوك‬ ‫آخر‪ ،‬وتذبذب يقع الكثير من أهل الدعوة فيه اليوم‪ ،‬وهذه طامَة ال تكاد تختلف عن‬ ‫سابقتها‪.‬‬ ‫ن القوانين‬ ‫–وإال فالحق ال يتبعض‪ ،‬كما أن انكار الباطل ال يتبعض‪ ،‬فصفة التشريع وس ّ‬ ‫والتحليل والتحريم هلل وحده‪ ،‬والمّنع والحظر من أخص خصائصه تعالى‪ ،‬والفسح‬ ‫واإلباحة من أهم مهام اهلل تعالى‪ ،‬وتقّنين القوانين حِجْرٌ ال يفعله إال اهلل تعالى‪ ،‬ولم يَسمح‬ ‫فيها – سبحانه ‪ -‬ألحد سواه‪ ،‬ولم يأذن في سّنها من دونه‪ ،‬ال لّنبي مرسل‪ ،‬وال لملك‬ ‫مقرب‪ ،‬وال لولي مجتبى‪ ،‬أن يتدخل في شيء مّنها‪ ،‬فمن شرع للّناّس دستوراً‪ ،‬وإن كان‬ ‫موافقا لشرع اهلل تعالى مائة بالمائة – فهو شِرك باهلل تعالى‪ ،‬وكفر بتفرده بالتشريع‪ ،‬وال‬ ‫بد من تجريم من أقرَها‪ ،‬وذلك أبلغُ في البيان‪ ،‬وأعظمُ في اإليمان‪ ،‬وأبرأ للذمة من الفسق‬ ‫والظلم والعصيان‪ ،‬وأنصح لألمة من الوقوع في الشرك باهلل تعالى والكفران‪ ،‬وأطهر من‬ ‫أدران الكفر والشرك والعصيان‪ ،‬وأبرأ للديانة الحّنيفية مما أُحدث فيها‪ ،‬على أيدي عبدة‬ ‫الهوى والّنفس الشيطان‪ ،‬كل ذلك أولَى من االكتفاء بمقاطعتها‪ ،‬أو اإلكتفاء بوصفها باإلثم‬ ‫كبقية اآلثام‪.‬‬ ‫قال تعالى مّنذرًا لعلماء األمة خاصة‪ ،‬ثم لبقيتهم عامة‪ ،‬محذرًا إياهم من كتمان الحق‪ ،‬أو‬ ‫ّس وَلَا تَكْتُمُونَهُ‬ ‫ب لَتُبَيِّنُّنَ ُه لِلّنَا ِ‬ ‫ن أُوتُوا الْكِتَا َ‬ ‫ق الَذِي َ‬ ‫من التفريط في بيانه‪{ :‬وَإِ ْذ أَخَ َذ اللَ ُه مِيثَا َ‬ ‫فَّنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَّنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (‪[ })781‬آل عمران‪:‬‬ ‫‪.]781‬‬ ‫فيا أيها المسلمون جميعاً‪:‬‬ ‫قِفوا على مَشاعرِكم هذه‪ ،‬واصبروا عليها‪ ،‬وموتوا دون التفريط فيها‪،‬‬ ‫فأنكم على إِرث‪ ،‬من إرث أبيكم إبراهيم عليه السالم‪ ،‬حيث أعلن البراءة والعداوة‬ ‫والبغضاء‪ ،‬لكل ما يُعب ُد ويُتحاكم إليه من دون اهلل تعالى‪.‬‬ ‫وعليه فإنّنا اتباعاً نعلنُ‪:‬‬ ‫البَراء َة التام َة المطلقة‪ ،‬من جميع أنواع المحاكم الوضعية في األرض‪ ،‬ومن جميع‬ ‫دساتيرها الوضعية‪ ،‬مهما كان فيها من موافقات للدين والشريعة اإلسالمية‪ ،‬ومن جميع‬ ‫األنظمة والمذاهب الفكرية المعاصرة والسالفة‪ ،‬مهما كان فيها من موافقات للشريعة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬واعتبارها أربابًا وآلهةً باطلةً‪ ،‬وطواغيتاً كافرةً‪ ،‬تُعب ُد من دون اهلل تعالى‪،‬‬ ‫وعليه فإنّنا نكفُرُ بها ونّنكرها جملة وتفصيال‪ ،‬ونُبدي العداوة والبغضاءَ بيّنّنا وبيّنها أَبَداً‪،‬‬ ‫ونتبرأُ من التعامل معها‪ ،‬والعمل فيها أبداً‪ ،‬ومِن كلِ من تعامل معها‪ ،‬أو من عمل فيها‪،‬‬ ‫أو من سوغها‪ ،‬أو من حث عليها‪ ،‬أو من لم يّنكرها أبداً‪ ،‬مهما ترتب على ذلك ما ترتب‬ ‫من المفاسد‪ ،‬مطلقا‪ ،‬وإال فالشرك باهلل تعالى بالتحاكم الى غيره هو من أعظم المفاسد‪،‬‬ ‫‪9‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫وأكبر الكبائر‪ ،‬وأقبح المّناهي‪ ،‬وأنكر المّناكر‪ ،‬وسوا ٌء كانت تلك المحاكمُ محاكمَ وضعي ًة‬ ‫مَحلِيةً‪ ،‬أو عُرْفِي ًة أو دُوَليةً‪ ،‬وسوا ٌء كانت مدنيةً‪ ،‬أو جّنائية‪ ،‬أو أحواالً شخصي ٍة أو أسرية‪،‬‬ ‫ق لّنا‪ ،‬بل أرواحّنا ونفوسّنا‪ ،‬حتى يؤمّنوا‬ ‫وال نلجأ إليها‪ ،‬وإن ضاعت في سبيل ذلك حقو ٌ‬ ‫ع المتفرد بالتشريع وحده‪ ،‬وحتى يَرْجِعوا إلى أحكام اهلل وتشريعاتِه‬ ‫باهلل الحاكم المُشَرِ ِ‬ ‫وحده‪.‬‬ ‫*وقال تعالى في إثبات فردانيته تعالى بالحكم والتشريع وحده‪ ،‬دون سائر الخالئق‪:‬‬ ‫ف عليه السالم‪ ،‬وهو في محّنة الضراء في سجّنه وبالئه‪،‬‬ ‫قال تعالى على لسان نبيه يوسُ َ‬ ‫بادئًا بأولِ وأه ِم درّس‪ ،‬من دروّس اإليمان وأصل الديانة‪ ،‬بدأ بتوحيد الحاكمية هلل عزّ‬ ‫وجلّ‪ ،‬والتي عليها مدار توحيد اهلل تعالى‪ ،‬في ربوبيته‪ ،‬وفي ألوهيته‪ ،‬وفي أسمائه‬ ‫ل شأنه‪ ،‬وتقدست أسماؤه‪ ،‬وتّنزهت آالؤه‪.‬‬ ‫وصفاته‪ ،‬وأقواله وأفعاله وجميع أحواله‪ ،‬ج َ‬ ‫وتوحيدُ حاكميته تعالى‪ ،‬ليس قاصراً على حدود وتعزيرات وقوانين عقوباتية‪ ،‬وإال فهذا‬ ‫فرع على أصل‪ ،‬فأصل حاكميته تعالى في أحكامه وتشريعاته وشعائره سبحانه‪ ،‬خاصة‬ ‫في ماهية ضوابط ربوبيته‪ ،‬وقوانين اإليمان بألوهيته‪ ،‬وبّنود تفعيل أسمائه وصفاته‪،‬‬ ‫ودساتير قيود اإلعتقاد في أقواله وأفعاله‪ ،‬وحدود ذلك كلِه وأحكامه‪ ،‬مبيّنًا لهم معّنى ُأّسّ‬ ‫ل مقتضاها‪ ،‬ومُظهرًا لمعّنى الديانة القويمة‪ ،‬ومّنشأ الملة المستقيمة‪ ،‬وما‬ ‫العبودية وأص ِ‬ ‫ي عليه ذلك الّنظام المركزي البديع‪ ،‬ومّنبع الشرائع الخلَاقية المتيّنة‪ ،‬ويّنبوع التشريعات‬ ‫بُّن َ‬ ‫ن به‪ ،‬ومتى يجتاز المؤمن حواجز اإليمان ولوائح‬ ‫ل التدي ُ‬ ‫الربوبية المعجِزة‪ ،‬ومتى يُقب ُ‬ ‫التقوى‪ ،‬وذلك تبيانا لحدود العباد وقوانيّنهم مع خالقهم تعالى‪ ،‬ثم يتفرع مّنه بعد ذلك بقية‬ ‫تشريعاته وحدوده وقوانين عقوباته‪ ،‬والتي تحدد وتضبط عالقات العباد مع العباد‪.‬‬ ‫ي السِجْنِ‪ ،‬أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِقُونَ خَيْرٌ‪ ،‬أَ ِم اللَ ُه‬ ‫‪ -7‬قال تعالى على لسان الصدِق‪{ :‬يَا صَاحِ َب ِ‬‫ن دُونِهِ}‪( ،‬أي‪ :‬ما تتحاكمون إليه من دون حكمه تعالى)‬ ‫ن مِ ْ‬ ‫الْوَاحِ ُد الْقَهَارُ (‪ )13‬مَا تَعْبُدُو َ‬ ‫ن الْحُكْمُ إِلَا لِلَهِ‪ ،‬أَمَرَأَلَا‬ ‫ل اللَ ُه بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ‪ ،‬إِ ِ‬ ‫{ ِإلَا أَسْمَاءً سَمَيْتُمُوهَا‪ ،‬أَنْتُ ْم وَآبَاؤُكُمْ‪ ،‬مَا أَنْزَ َ‬ ‫ّس لَا يَعْلَمُونَ‬ ‫ن أَكْثَ َر الّنَا ِ‬ ‫ن الْقَيِمُ}‪( ،‬أي‪ :‬القويم المعتدل) {وَلَكِ َ‬ ‫ك الدِي ُ‬ ‫تَعْبُدُوا إِلَا إِيَاهُ‪ ،‬ذَلِ َ‬ ‫(‪[ })64‬يوسف‪ .]64 ،13 :‬سيأتي تفصيله بآخره‪.‬‬ ‫ن عِّنْدِ غَيْ ِر اللَ ِه لَوَجَدُوا فِي ِه اخْتِلَافًا‬ ‫ن وَلَوْ كَانَ مِ ْ‬ ‫ن الْقُرْآ َ‬ ‫‪ -1‬وقال تعالى‪{ :‬أَفَلَا يَتَدَبَرُو َ‬‫ف أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُو ُه إِلَى الرَسُولِ وَإِلَى‬ ‫ن أَ ِو الْخَوْ ِ‬ ‫ن الْأَمْ ِ‬ ‫كَثِيرًا (‪ )81‬وَإِذَا جَاءَهُ ْم أَمْرٌ مِ َ‬ ‫ل اللَ ِه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُ ُه لَاتَبَعْتُمُ‬ ‫ضُ‬ ‫أُولِي الْأَمْ ِر مِّنْهُ ْم لَعَلِمَ ُه الَذِينَ يَسْتَّنْبِطُونَهُ مِّنْهُمْ وَلَوْلَا فَ ْ‬ ‫ن إِلَا قَلِيلًا (‪[ })81‬الّنساء ‪.]86 - 81 :‬‬ ‫الشَيْطَا َ‬ ‫ع الْحَاسِبِينَ (‪[ })61‬األنعام ‪.]61 ، 61 :‬‬ ‫‪ -1‬وقوله تعالى‪{ :‬أَلَا لَ ُه الْحُكْمُ وَهُ َو أَسْ َر ُ‬‫وقوله‪{ :‬وَهُ َو اللَ ُه لَا إِلَ َه إِلَا هُ َو لَ ُه الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَ ِة وَلَ ُه الْحُكْ ُم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‬ ‫(‪[ } )14‬القصص ‪. ] 14 :‬‬ ‫ن رَبِي وَكَذَبْتُ ْم بِهِ‪ ،‬مَا عِّنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ‪ ،‬إِنِ‬ ‫ل إِنِي عَلَى بَيِّنَةٍ مِ ْ‬ ‫‪ -6‬وقال تعالى‪ُ { :‬ق ْ‬‫ص الْحَقَ وَهُ َو خَيْ ُر الْفَاصِلِينَ (‪[ })51‬األنعام ‪.]51 :‬‬ ‫الْحُكْ ُم إِلَا لِلَ ِه يَقُ ُ‬ ‫ي الْكَبِيرِ‬ ‫عيَ اللَ ُه وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ‪ ،‬وَإِنْ يُشْرَكْ بِ ِه تُؤْمِّنُوا‪ ،‬فَالْحُكْ ُم لِلَ ِه الْعَِل ِ‬ ‫{ذَلِكُ ْم بِأَنَ ُه إِذَا دُ ِ‬ ‫(‪[ } )71‬غافر ‪.]71 ، 71 :‬‬ ‫‪10‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫ن آمَّنُو ْا أَطِيعُو ْا اللّ َه وَأَطِيعُو ْا الرَسُولَ وَأُوْلِي األَمْرِ مِّنكُمْ‪،‬‬ ‫‪ -5‬وقال تعالى‪{ :‬يَا أَيُهَا الَذِي َ‬‫ن بِاللّ ِه وَالْيَوْ ِم اآلخِرِ‪ ،‬ذَلِكَ‬ ‫شيْءٍ فَرُدُو ُه إِلَى اللّ ِه وَالرَسُولِ‪ ،‬إِن كُّنتُ ْم تُؤْمِّنُو َ‬ ‫فَإِن تَّنَازَعْتُمْ فِي َ‬ ‫ن تَأْوِيالً} [الّنساء‪.]53 :‬‬ ‫خَيْ ٌر وَأَحْسَ ُ‬ ‫فجعل اهلل تعالى الحكم والقانون والفصل في التّنازعات بين الّناّس إلى اهلل تعالى بقرآنه‪،‬‬ ‫وإلى رسوله محمد صلى اهلل تعالى عليه وسلم بسّنته الموحا ِة إليه‪ ،‬وأحكامه فيها‪ ،‬ولم‬ ‫يجعل ذلك الحكم في موارد الّنزاع والشجار ألحد غير الكتاب والسّنة‪ ،‬واللذَيْن هما مِن‬ ‫عِّنده تعالى‪ ،‬مع تمام الخضوع والقبول والتسليم‪.‬‬ ‫ن القوانين وصياغة الدساتير‪ ،‬حكرًا عليه تعالى‪ ،‬فهو الذي‬ ‫وقد جعل سبحانه التشريع وس َ‬ ‫خلق‪ ،‬وهو الذي يقّنن بما يعلمه عن من خلق‪ ،‬من عباده سبحانه ‪:‬‬ ‫ب الْعَالَمِينَ (‪[ })56‬األعراف ‪:‬‬ ‫ك اللَ ُه رَ ُ‬ ‫ق وَالْأَمْ ُر تَبَارَ َ‬ ‫‪ -6‬وقال تعالى‪{ :‬أَلَا لَ ُه الْخَلْ ُ‬‫‪. ]56‬‬ ‫ق أَفَلَا تَذَكَرُونَ (‪[ })71‬الّنحل ‪.]71 :‬‬ ‫ن لَا يَخْلُ ُ‬ ‫‪ -1‬وقال تعالى‪{ :‬أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَ ْ‬‫فكما أنه الخالق وحده‪ ،‬المتفرد بذلك‪ ،‬فهو كذلك اآلمر والّناهي وحده سبحانه‪ ،‬والواجب‬ ‫طاعة أمره‪ ،‬وهو المستحق للعبادة بأحكامه وتشريعاته دون كل ما سواه‪.‬‬ ‫فالسيادة التامة والكاملة إذن تكون للسيد الحقيق‪ ،‬وهو الخالق الرزاق ذو القوة المتين عز‬ ‫وجل‪ ،‬وليست لشعب مخلوق‪ ،‬مخلوط الطباع ممزوج المزاج متعدد األفهام‪ .‬وأديان‬ ‫وهذا مِن تمام رحمة اهلل تعالى بخَلقه‪ ،‬وأنه ‪ -‬ع ّز مِن فاعلٍ – هو المتفر ُد بالحكم بيّنهم‪،‬‬ ‫والفصل في نزاعاتهم‪ ،‬بسعة علمه الذي يعلم السر وأخفى‪ ،‬ويَعلم وحده – دون من سواه‬ ‫ ما يصلحهم وما يصلح لهم‪ ،‬في ماضيهم وحاضرهم‪ ،‬وفي مستقبلهم وعاقبة أمرهم‪،‬‬‫فحكمته وعدله وإنصافه‪ ،‬يقتضي التشريع‪ ،‬وفصل الّنزاع بين مختلف أنواع مخلوقاته‪،‬‬ ‫فهو اللطيف الخبير‪ ،‬وهو العليم الحكيم‪ ،‬وهو المّنزّه عن أي عيب وعن كل نقصان‪ ،‬وهو‬ ‫المقدَّس المترفع عن كل ما يعترى حكماء البشر وحكام القضاء‪ ،‬من أي نقص ومن كل‬ ‫زلل‪ ،‬وهو المتعال عن كل ضعف أو عجز أوجهل أو خلل‪ ،‬وهو العادل المقسط‪ ،‬الجليلُ‬ ‫ل وعال شانُه‪.‬‬ ‫عن أي ظلم أو جّنف‪ ،‬سبحانه سبحانه‪ ،‬ج ّ‬ ‫وما ذاك إال ليتحقق العدل واإلنصاف‪ ،‬ويعم الخير واإلسعاد‪ ،‬والرضا والهّنا‪ ،‬والسكيّنة‬ ‫والطمأنيّنة ور احة القلوب‪ ،‬لخلقه أجمعين‪ ،‬بالتحاكم إلى خالق أحد‪ ،‬وحاكم صمد‪،‬‬ ‫فيستجيبوا ألمره‪ ،‬ويسكّنوا بحكمه ويرتضوا بقضائه‪.‬‬ ‫وهذا أيضًا أحرى وأحقُ‪ ،‬للتواصل بين العباد ورب العباد‪ ،‬فهو الخالق العليم الخبير‪،‬‬ ‫فتتحقق العبودية واأللوهية والحاكمية هلل تعالى‪ ،‬وتتحقق في خَلقه أسماؤه وأفعاله وصفاته‬ ‫السامية لجّنابه وعظمته‪ ،‬فهو الحكم العدل القسط‪ ،‬سبحانه هو أحكم الحاكمين‪.‬‬ ‫وهذا هو الفصل في الّنزاع‪ ،‬والقطع في الخالف‪.‬‬ ‫وهذا هو المحقِّق لكلمة التوحيد‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬أي ال معبود بحق إال اهلل‪ ،‬وال مشرع وال‬ ‫مقّنن وال مسّنن القوانين بين الخلق إال اهلل‪ ،‬وأن محمدًا رسول اهلل – ومّنها – أي‪ :‬وأن‬ ‫محمدًا هو الحَكم الفصل بين الخالئق من عّند اهلل تعالى‪.‬‬ ‫وهذا هو الفاصل من اهلل تعالى بين الخالئق‪ ،‬فمّنهم مؤمن ممتثل ألحكام الخالق‪ ،‬ومّنهم‬ ‫‪11‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫كاف ٌر ممتثل ألحكام مخلوقي الطواغت‪.‬‬ ‫ن لَهُ مَعِيشَ ًة ضَّنْكًا‪ ،‬وَنَحْشُرُ ُه يَوْ َم الْقِيَامَ ِة أَعْمَى‬ ‫ن ذِكْرِي فَإِ َ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫ن أَعْرَ َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَمَ ْ‬ ‫ب لِمَ حَشَرْتَّنِي أَعْمَى وَقَ ْد كُّنْتُ بَصِيرًا (‪[ } )715‬طه ‪.]715 ، 716 :‬‬ ‫ل رَ ِ‬ ‫(‪ )716‬قَا َ‬ ‫ن أَسْرَفَ وَلَمْ‬ ‫ك الْيَوْ َم تُّنْسَى (‪ )716‬وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَ ْ‬ ‫ك آيَاتُّنَا فَّنَسِيتَهَا‪ ،‬وَكَذَلِ َ‬ ‫ل كَذَلِكَ‪ ،‬أَتَتْ َ‬ ‫{قَا َ‬ ‫ت رَبِهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَ ِة أَشَ ُد وَأَبْقَى (‪ )711‬أَفَلَ ْم يَهْ ِد لَهُ ْم كَ ْم أَهْلَكّْنَا قَبْلَهُ ْم مِنَ‬ ‫يُؤْمِنْ بِآيَا ِ‬ ‫ت مِنْ‬ ‫ت لِأُولِي الّنُهَى (‪ )718‬وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَ ْ‬ ‫ك لَآيَا ٍ‬ ‫ن فِي مَسَاكِّنِهِ ْم إِنَ فِي ذَلِ َ‬ ‫ن يَمْشُو َ‬ ‫الْقُرُو ِ‬ ‫جلٌ مُسَمًى (‪[ })713‬طه ‪.]713 - 716 :‬‬ ‫ن لِزَامًا وَأَ َ‬ ‫ك لَكَا َ‬ ‫رَبِ َ‬ ‫فصل في ذم الطاغوت والطاغوتيي ‪:‬‬ ‫(وطاغوتُ كل قوم هو‪ :‬ما يتحاكمون إليه من دون اهلل تعالى‪ ،‬سواء في ذلك كان‬ ‫المتحاكم إليه‪ :‬دستورًا أو عُرفًا أو سالفًا أو نظامًا أو حزبًا أو محكم ًة أو مجلسا محليا أو‬ ‫نيابيا أو عرفيا‪ ،‬أو مقعداً رئاسيًا أو رئيسًا أو ملكًا أو أميرًا أو قائداً‪ ،‬أو ضريحًا أو صّنماً‪،‬‬ ‫أو مّنهجًا أو مذهباً)‪ ،‬واصفا أحوالهم بأحوال أهل الجاهلية والجاهليين‪ ،‬في التشريعات‬ ‫والتحاكم وسن القوانين والدساتير‪ ،‬ومشاققة أحكام الخالق تعالى القدير‪:‬‬ ‫ن‬ ‫‪ -8‬قال اهللُ تعالى وقد أمر نبيه أن يمتثل ذلك بّنفسه كقدوة لكل حاكم فقال تعالى‪{ :‬فَإِ ْ‬‫ن حَكَمْتَ‬ ‫ض عَّنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُوكَ شَيْئًا وَإِ ْ‬ ‫ض عَّنْهُ ْم وَإِنْ تُعْرِ ْ‬ ‫جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيّْنَهُ ْم أَ ْو أَعْرِ ْ‬ ‫ب الْمُقْسِطِينَ (‪ )61‬وَكَيْفَ يُحَكِمُونَكَ وَعِّنْدَهُ ُم التَوْرَاةُ فِيهَا‬ ‫ن اللَ َه يُحِ ُ‬ ‫ط إِ َ‬ ‫فَاحْكُ ْم بَيّْنَهُمْ بِالْقِسْ ِ‬ ‫ك بِالْمُؤْمِّنِينَ (‪ )61‬إِنَا أَنْزَلّْنَا التَوْرَاةَ فِيهَا هُدًى‬ ‫حُكْ ُم اللَ ِه ثُ َم يَتَوَلَوْنَ مِنْ بَعْ ِد ذَلِكَ وَمَا أُولَئِ َ‬ ‫ن هَادُوا وَالرَبَا ِنيُونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ‬ ‫ن أَسْلَمُوا لِلَذِي َ‬ ‫ن الَذِي َ‬ ‫وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا الّنَبِيُو َ‬ ‫ب اللَ ِه وَكَانُوا عَلَيْ ِه شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا الّنَاّسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَّنًا قَلِيلًا وَمَنْ‬ ‫كِتَا ِ‬ ‫ك هُ ُم الْكَافِرُونَ (‪. (66‬‬ ‫ل اللَهُ فَأُولَئِ َ‬ ‫لَ ْم يَحْكُمْ بِمَا أَنْ َز َ‬ ‫ف بِالْأَنْفِ‬ ‫ن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْ َ‬ ‫س بِالّنَ ْفسِ وَالْعَيْ َ‬ ‫ن الّنَفْ َ‬ ‫‪ -3‬وقال تعالى‪ { :‬وَكَتَبّْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَ َ‬‫ن لَمْ يَحْكُمْ‬ ‫ق بِهِ فَهُ َو كَفَارَ ٌة لَ ُه وَمَ ْ‬ ‫ن تَصَدَ َ‬ ‫ن وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَ ْ‬ ‫ن بِالسِ ِ‬ ‫ن وَالسِ َ‬ ‫ن بِالْأُذُ ِ‬ ‫وَالْأُذُ َ‬ ‫ك هُ ُم الظَالِمُونَ (‪[ } )65‬المائدة ‪. [ 65 – 61 :‬‬ ‫ل اللَهُ فَأُولَئِ َ‬ ‫بِمَا أَنْ َز َ‬ ‫ل اللَ ُه‬ ‫ن لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَ َ‬ ‫ل اللَهُ فِي ِه وَمَ ْ‬ ‫ل الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْ َز َ‬ ‫ ‪ -74‬وقال تعالى‪{ :‬وَلْيَحْكُ ْم أَ ْه ُ‬‫ك هُ ُم الْفَاسِقُونَ (‪.}(61‬‬ ‫فَأُولَئِ َ‬ ‫ب وَمُهَيْمِّنًا‬ ‫ن الْكِتَا ِ‬ ‫ق مُصَدِقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْ ِه مِ َ‬ ‫ب بِالْحَ ِ‬ ‫ك الْكِتَا َ‬ ‫‪ -77‬وقال تعالى‪ :‬وَأَنْزَلّْنَا إِلَيْ َ‬‫ل جَعَلّْنَا مِّنْكُمْ‬ ‫ق لِ ُك ٍ‬ ‫ن الْحَ ِ‬ ‫ك مِ َ‬ ‫ل اللَ ُه وَلَا تَتَبِ ْع أَهْوَاءَهُ ْم عَمَا جَاءَ َ‬ ‫عَ​َليْهِ‪ ،‬فَاحْكُمْ بَيّْنَهُ ْم بِمَا أَنْ َز َ‬ ‫ن لِ َيبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا‬ ‫شِرْعَ ًة وَمِّنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَ ُه لَجَعَلَكُ ْم أُمَةً وَاحِدَ ًة وَلَكِ ْ‬ ‫ت إِلَى اللَ ِه مَرْجِعُكُ ْم جَمِيعًا فَيُّنَبِئُكُمْ بِمَا كُّنْتُمْ فِي ِه تَخْتَلِفُونَ(‪. )68‬‬ ‫الْخَيْرَا ِ‬ ‫ن يَفْتِّنُوكَ‬ ‫ل اللَهُ وَلَا تَتَبِ ْع أَهْوَاءَهُ ْم وَاحْذَرْهُ ْم أَ ْ‬ ‫ن احْكُ ْم بَيّْنَهُمْ بِمَا أَنْ َز َ‬ ‫‪ -71‬وقال تعالى‪ :‬وَأَ ِ‬‫ض ذُنُوبِهِمْ وَإِنَ‬ ‫ن يُصِيبَهُ ْم بِبَعْ ِ‬ ‫ن تَوَلَوْا فَاعْلَ ْم أَنَمَا يُرِي ُد اللَ ُه أَ ْ‬ ‫ل اللَ ُه إِلَيْكَ فَإِ ْ‬ ‫ن بَعْضِ مَا أَنْ َز َ‬ ‫عَ ْ‬ ‫ّس لَفَاسِقُونَ (‪. )63‬‬ ‫ن الّنَا ِ‬ ‫كَثِيرًا مِ َ‬ ‫ن اللَ ِه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِّنُونَ(‪})54‬‬ ‫ن مِ َ‬ ‫ن أَحْسَ ُ‬ ‫ن وَمَ ْ‬ ‫‪ -71‬وقال تعالى‪{ :‬أَفَحُكْ َم الْجَاهِلِيَ ِة يَبْغُو َ‬‫[المائدة ‪.]54 - 61 :‬‬ ‫ال‬ ‫‪ -76‬قال اهللُ تعالى‪{ :‬ثُمَ جَعَلّْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مّنَ األَمْرِ فَاتَبِعْهَا‪َ ،‬والَ تَتَبِعْ أَهْوَاء الَذِينَ َ‬‫‪12‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫يَعْلَمُونَ‪ ،‬إِنَهُمْ لَن يُغّْنُواْ عَّنكَ مِنَ اللَهِ شَيْئًا‪ ،‬وَإِنَ الظَالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ‪ ،‬وَاللَهُ وَِلىُ‬ ‫الْ ُمتَقِينَ} [الجاثية‪.]73:‬‬ ‫ثم بين عاقبة أمرهم‪ ،‬وعاقبة من حذوا حذوهم‪ ،‬في اإلعراض عن حكمه تعالى‪ ،‬واتباع‬ ‫من دونه من األحبار والرهبان‪ ،‬واألشياخ والعلماء‪ ،‬واألئمة وطلبة العلم‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬ ‫{اتَخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَهِ‪ ،‬وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ‪ ،‬وَمَا أُمِرُوا إِلَا‬‫لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا‪ ،‬لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ‪ ،‬سُبْحَانَهُ عَمَا يُشْرِكُونَ (‪[ })17‬التوبة‪.]17 :‬‬ ‫‪ -75‬قال اهللُ تعالى‪{ :‬وَلَن تَرْضَى عَّنكَ الْيَهُودُ َوالَ الّنَصَارَى حَتَى تَتَبِعَ مِلَتَهُمْقُلْ إِنَ هُدَى‬‫ن الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَهِ مِن وَِليّ َوالَ‬ ‫اللَهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَذِي جَاءكَ مِ َ‬ ‫نَصِيرٍ} [البقرة‪.]714:‬‬ ‫‪ -76‬قال اهللُ تعالى‪{ :‬وَلَئِنِ اتَبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَكَ إِذًا لَمِنَ‬‫الظَالِمِينَ (‪[ })765‬البقرة‪.]765 :‬‬ ‫‪ -71‬قال اهللُ تعالى‪{ :‬وَكَذَلِكَ أَنْزَلّْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًا وَلَئِنِ اتَبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ‬‫الْ ِعلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَهِ مِنْ وَِليٍ وَلَا وَاقٍ (‪[ })11‬الرعد‪.]11 :‬‬ ‫‪ -78‬لقد حذرنا – سبحانه ‪ -‬من اتباع كل من يشرع للّناّس بما لم يأذن به اهلل تعالى‪ ،‬أيا‬‫كان أفرادا أو شعوبا‪ ،‬صالحين او فاجرين‪ ،‬وسمى ذلك شركاً وسماهم ظالمين‪:‬‬ ‫ضيَ‬ ‫صلِ لَقُ ِ‬ ‫{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ !!!!! شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَهُ‪ ،‬وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَ ْ‬ ‫بَيْ َّنهُمْ‪ ،‬وَإِنَ الظَالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الشورى‪ .]17:‬فمن مات على ذلك – وهو يعلم –‬ ‫ولم يتب‪ ،‬متبرئا مّنه‪ ،‬كان ‪ -‬ال محالة ‪ -‬من المشركين الخالدين في الجحيم‪ ،‬فما ظّنكم‬ ‫بمن سيّره للّناّس آية‪ ،‬وجعله للّناّس ديّنا‪ ،‬سيجتلب مّنه خيرا وديّنا‪.‬‬ ‫ولقد سمَى اهللُ تعالى إيمانهم به زعماً‪ ،‬وتصديقهم به ادعاءً‪ ،‬وليس إيماناً وال ورعاً وال‬ ‫اجتهاداً ‪.‬‬ ‫‪ -73‬قال تعالى عن مثلهم‪{ :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الَذِينَ يَزْعُمُونَ‪ ،‬أَنَهُمْ آمَّنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا‬‫أُنْ ِزلَ مِنْ قَبْلِكَ‪ ،‬يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَاغُوتِ‪ ،‬وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ‪ ،‬وَيُرِيدُ‬ ‫الشَيْطَانُ أَنْ يُضِلَهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (‪ ،)64‬وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْ َزلَ اللَهُ وَإِلَى‬ ‫الرَسُولِ‪ ،‬رَأَيْتَ الْمُّنَافِقِينَ يَصُدُونَ عَّنْكَ صُدُودًا (‪ ،)67‬فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا‬ ‫قَدَمَتْ أَيْدِيهِمْ‪ ،‬ثُمَ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَهِ‪ ،‬إِنْ أَرَدْنَا إِلَا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (‪ ،)61‬أُولَئِكَ الَذِينَ‬ ‫يَعْلَمُ اللَهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ‪ ،‬فَأَعْرِضْ عَّنْهُمْ‪ ،‬وَعِظْهُمْ‪ ،‬وَ ُقلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (‪ )61‬وَمَا‬ ‫أَرْسَلّْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَهِ‪ ،‬وَلَوْ أَنَهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ‪ ،‬فَاسْتَغْفَرُوا اللَهَ‬ ‫وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَسُولُ‪ ،‬لَوَجَدُوا اللَهَ تَوَابًا رَحِيمًا (‪[ )66‬الّنساء‪.]66 - 64 :‬‬ ‫ثم سرعان ما نقضَ اهللُ تعالى إيمانهم من القواعد‪ ،‬وقيّده بالتحاكم إلي شرعه وحده‪ ،‬مع‬ ‫كامل انشراح الصدر لحكمه‪ ،‬وتمام التسليم والرضى واالعتزاز بفردانيته في جميع‬ ‫األحيان‪ ،‬فقال تعالى في عاقبة التحاكم لغيره‪:‬‬ ‫‪{ -14‬فَلَا وَرَبِكَ لَا يُؤْمِّنُونَ‪ ،‬حَتَى يُحَكِمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيّْنَهُمْ‪ ،‬ثُمَ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ‬‫حَرَجًا مِمَا قَضَيْتَ‪ ،‬وَيُسَلِمُوا تَسْلِيمًا (‪[ })65‬الّنساء‪.]65 :‬‬ ‫وقال تعالى محذراً نبيه داود عليه السالم من التحاكم للهوى من دون اهلل تعالى‪:‬‬ ‫‪13‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫{يَا دَاوُودُ إِنَا جَعَلّْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ الّنَاّسِ بِالْحَقِ‪ ،‬وَلَا تَتَبِعِ الْهَوَى‪ ،‬فَيُضِلَكَ‬ ‫عَنْ سَبِيلِ اللَهِ‪ ،‬إِنَ الَذِينَ يَضِلُونَ عَنْ سَبِيلِ اللَهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ‪ ،‬بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ‬ ‫(‪[ })16‬ص‪.]16 :‬‬ ‫وقال تعالى واصفا كلَ من أعرض عن حكمه تعالى‪ ،‬أو عدَل عّنه لغيره بالتكذيب بالدين‪:‬‬ ‫‪{ -17‬فَمَا يُكَذِبُكَ بَعْدُ بِالدِينِ (‪ )1‬أَلَ ْيسَ اللَهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (‪[ })8‬التين‪.]8 ، 1 :‬‬‫ثم قال تعالى في عاقبة التحاكم لغيره ولو في بعض األمر‪ ،‬حاكما عليهم بالرِدَةِ بعد‬ ‫اإليمان‪ ،‬لمجرد أنهم قالوا – (أي‪ :‬ولم يفعلوا بعد) – للذين كرهوا ما نزل اهلل (أي‪ :‬وهم‬ ‫أهون من الذين كفروا أو عادوا أو حاربوا ما نزل اهلل)‪ ،‬سّنطيعكم في – بعض األمر –‬ ‫(أي‪ :‬وليس في كل األمر‪ ،‬فهم أهون ممن قالوا سّنطيعكم في كل األمر)‪،‬‬ ‫‪ -11‬فقال عّنهم تعالى‪{ :‬أَفَلَا يَتَدَبَرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (‪ )16‬إِنَ الَذِينَ ارْتَدُوا‬‫عَلَى أَدْبَارِهِمْ‪ ،‬مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَنَ لَهُمُ الْهُدَى‪ ،‬الشَيْطَانُ سَوَلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (‪ )15‬ذَلِكَ بِأَنَهُمْ‬ ‫قَالُوا ‪ -‬لِلَذِينَ كَرِهُوا مَا نَ َزلَ اللَهُ ‪ -‬سَّنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ‪ -‬وَاللَهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (‪)16‬‬ ‫فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (‪ )11‬ذَلِكَ بِأَنَهُمُ اتَبَعُوا مَا أَسْخَطَ‬ ‫اللَهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (‪ )18‬أَمْ حَسِبَ الَذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ‬ ‫يُخْرِجَ اللَهُ أَضْغَانَهُمْ (‪[ )13‬محمد‪.]13 - 16 :‬‬ ‫ وقد ورد هذا الّنص في فئة معيّنة مذكورة‪ ،‬كانوا ممن يصلون ويحجون ويزكون‪ ،‬بل‬‫ويخرجون للجهاد مع رسول اهلل‪ ،‬وهم المّنافقون‪ ،‬وهم المعّنيون بين قوله تعالى‪{ :‬وَمِّنْهُمْ‬ ‫مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِّنْدِكَ قَالُوا لِلَذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ‬ ‫الَذِينَ طَبَعَ اللَهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (‪[ })76‬محمد‪ .]71،76 :‬وبين قوله تعالى‪:‬‬ ‫{وَيَقُولُ الَذِينَ آمَّنُوا لَوْلَا نُزِلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ‬ ‫شيِ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (‪)14‬‬ ‫الَذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَّنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْ ِ‬ ‫طَاعَةٌ وَقَ ْولٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (‪ )17‬فَ َهلْ عَسَيْتُمْ إِنْ‬ ‫تَوَلَيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِعُوا أَرْحَامَكُمْ (‪ )11‬أُولَئِكَ الَذِينَ لَعَّنَهُمُ اللَهُ فَأَصَمَهُمْ‬ ‫وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (‪ )11‬أَفَلَا يَتَدَبَرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (‪[ })16‬محمد ‪- 14 :‬‬ ‫‪.]16‬‬ ‫ثم ذكرهم بهذه اآلية { إِنَ الَذِينَ ارْتَدُوا ‪.)15( ...‬‬ ‫ثم أعقبها بوصفه لهم‪:‬‬ ‫{أَمْ حَسِبَ الَذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَهُ أَضْغَانَهُمْ (‪ )13‬وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيّْنَاكَهُمْ‬ ‫فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ‪ ،‬وَلَتَعْرِفَّنَهُمْ فِي لَحْنِ الْقَ ْولِ وَاللَهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (‪[ })14‬محمد ‪، 13 :‬‬ ‫‪ .]14‬أي مرض الّنفاق والشقاق وسوء األخالق‪ ،‬وإظهار اإلسالم وإبطان الكفر‪ ،‬ومواالة‬ ‫المفسدين والمجرمين‪ ،‬والذي تترتب الردةُ على استفحاله‪ ،‬وتمكّنه من القلب الضعيف‬ ‫اإليمان‪ ،‬ثم يكون الخروج من الملة‪ ،‬رغم اظهارهم صالح االسالم‪ ،.‬مع الرغم من أنهم‬ ‫أخفوا تلك المواالة‪ ،‬وأسروا ذلك الوعد بالتحاكم إليهم في بعض األمر‪ ،‬وفعلوه سراً‪،‬‬ ‫فكيف بأصحابّنا‪ ،‬من الذين أعلّنوا كل قبيح من الكفر‪ ،‬وسوغوا وحللوا كل ذميم من‬ ‫الشرك ‪...‬‬ ‫‪14‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫حالها‪ ،‬وحكمها‪:‬‬ ‫إذن فسياق اآليات من قبلها ومن بعدها‪ ،‬يدل على أنهم هم المّنافقون‪ ،‬والذين هم أسرع‬ ‫الّناّس في الكافرين والمشركين مودة وقربة‪ ،‬وهم أكثر الّناّس مالطفة وتسامحا مع الذين‬ ‫كفروا وأجرموا‪ ،‬خشية أن تصيبهم الدوائر‪ ،‬وحرصا على أال تصيبهم الفتن الطائفية‬ ‫أوالقبلية أوالوطّنية أو القومية‪ ،‬وحفاظاً على مكانتهم اإلجتماعية أو الدعوية بين الّناّس‪،‬‬ ‫وألن يوصفوا دائما باإلعتدالية والوسطية والسلمية‪ ،‬ولئال يوصفوا أبدا بالتشددية أو‬ ‫جلُ ما يعّنيهم‪ ،‬أما الغيرة على سالمة دين‪ ،‬أو‬ ‫األصولية‪ ،‬أو التطرف واإلرهاب‪ ،‬هذا هو ُ‬ ‫توحيد رب العالمين‪ ،‬أو تّنزيه صفات وأسماء إاله المشارق والمغارب‪ ،‬أو حاكمية رب‬ ‫األرض والسماء‪ ،‬أو تشريعات الخالق‪ ،‬فهذا قد ال يخطر من حِرصٍ على بال‪.‬‬ ‫وبهذا قال ابن عباّس والضحاك‪" :‬هم أهل الّنفاق"‪ ،‬كما روى عّنهم ابن جرير بسّنده‬ ‫وقال‪" :‬وهذه الصِفة بصفة أهل الّنفاق عّندنا‪ ،‬أشبه مّنها بصفة أهل الكتاب‪ ،‬وذلك أن اهلل‬ ‫جل ثّناؤه‪ ،‬أخبر أن ردتهم كانت بقيلهم للذين كرهوا ما نزل اهلل‪{ :‬سّنطيعكم في بعض‬ ‫األمر}‪ ،‬ولو كانت من صفة أهل الكتاب لكان في وصفهم بالتكذيب محمد صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم الكفاية‪ ،‬من الخبر عّنهم بأنهم ارتدوا من أجل قيلهم ما قالوا"‪ (.‬جامع البيان)‬ ‫(‪.)178/17‬‬ ‫وأما السبب في ذلك الوصف والردة فهي لطاعتهم للمشركين في بعض األمر‪ ،‬والتباعهم‬ ‫ما أسخط اهلل‪ ،‬وكرههم رضوانه‪ ،‬كان الكره لمجرد اختيارهم لغير بعض أحكام اهلل‬ ‫تعالى‪ ،‬وإن لم يصرحوا به‪ ،‬أو يجدوه في قلوبهم‪ ،‬فكيف بمن أطاع اإللحاديين‬ ‫الديمقراطيين‪ ،‬والجمهوريين الدستوريين‪ ،‬المفسدين في األرض‪ ،‬والمعادين للشرائع‪،‬‬ ‫والّنابذين للفضائل‪ ،‬وفي كل األمر‪ ،‬ومع تّنحية إسم الدين والّنظام اإلسالمي‪ ،‬وإلغاء اسم‬ ‫اإلله الحق المعبود من عالمهم السياسي‪ ،‬والحَجر عليه في المساجد والزوايا والبيوت‪،‬‬ ‫واستبداله باسم اإلله الديمقراطي‪ ،‬والّنظام الجمهوري‪ ،‬وابعاد اسم الحُكم اإلسالمي‬ ‫القرآني التشريعي‪ ،‬واستبداله باسم الدستور والقانون الوضعي‪ ،‬وإقصاء السيادة‬ ‫التشريعية المطلقة من الخالق المعبود‪ ،‬إلى أن تكون السيادة التشريعية المطلقة للشعب‬ ‫وحده‪ ،‬وال شريك له‪ ،‬ثم القَسَمُ العلّني العام على ذلك‪ ،‬والمعاهدة على المحافظة عليه‬ ‫مطلقاً‪ ،‬وعلى احترامه والعمل به وعدم مخالفته‪ .‬ظلمات بعضها فوق بعض‪،‬‬ ‫وإني ألعتقد أن هذا الصّنف األخير من الّناّس‪ ،‬هو أكبر جرما‪ ،‬وأشد كفراً وإلحاداً‪،‬‬ ‫وأظهر مشاققة‪ ،‬من المّنافقين المعّنيين بتلك اآليات الكريمات‪ ،‬السيما إذا ما صَبغوا‬ ‫دعواتهم الديمقراطية الدستورية بصبغة شرعية‪ ،‬أو عملوا على شرعّنتها وتدييّنها بدين‬ ‫المسلمين‪ ،‬أو أسلمتها باسم اإلسالم‪ ،‬أو جعلوها مرحلة بين مرحلتين‪ ،‬ومطية بين‬ ‫مطيتين‪ ،‬أو أنهم زايدوا بالدين وجلب تشريعاته‪ ،‬على حشد هذه الجمهرة المقلدة الّناعقة‪،‬‬ ‫وتلك األغلبية الجاهلية الجاهلة‪.‬‬ ‫أما الفئة األولى‪ ،‬والمعّنيون بتلك اآليات الكريمات‪ ،‬فإنما حازوا قصْب السبق إلى تلك‬ ‫الردة الواضحة إذ حازوها‪ ،‬بإسرارهم لمن كره ما نزّل اهلل تعالى‪ ،‬بطاعتهم في بعض‬ ‫‪15‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫األمر‪ ،‬وقولهم لهم سراً‪{ :‬سّنطيعكم في بعض األمر}‪{ ،‬واهلل يعلم إسرارهم}‪ .‬فهذا الّنفاق‬ ‫فيمن ساررهم‪.‬‬ ‫أما من جاهرهم (بطاعتهم في كل األمر) فله حكم آخر‪ ،‬قد ال يتسع المقام لحصر‬ ‫جرائمهم‪ ،‬وعدد جّناياتهم‪ ،‬ونسأل اهلل تعالى أن يسلِمّنا وإياكم من سوء صّنيعهم‪ ،‬ومن‬ ‫شؤم عاقبتهم‪.‬‬ ‫وأما من أقسم مخلصاً على المحافظة على نظامهم وديّنهم‪ ،‬والعمل به‪ ،‬واحترام دستوره‬ ‫وقانونه‪ ،‬فهذه قصة أخرى‪ ،‬وحكاية أخرى‪ ،‬ال يطهر ذكرها في هذا المجال الّنقي‪.‬‬ ‫وأما من شق عصا األمة‪ ،‬وخالف نصوصها وأصولها‪ ،‬وحاد عن طريق سلفها وخالف‬ ‫جماهيرها‪ ،‬ووافق فجّارها ومجرميها‪ ،‬وسوّغ وافتى لسفاكيها وسفاحيها‪ ،‬فهذه قصة‬ ‫أخرى‪ ،‬ال يليق بها أن تدرج وهذا الحديث في سَفْرٍ واحد‪،‬‬ ‫بل حقيقٌ بها أن تُزوى في سفْر آخر‪ ،‬يليق بجرمها‪ ،‬ويّناسب جرَبها‪ ،‬ويالئم رجسها‪.‬‬ ‫وقد نجد أصلها في قصة هؤالء‪:‬‬ ‫{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيّنًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِّنْهُ‪ ،‬وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (‪ )85‬كَيْفَ‬ ‫يَهْدِي اللَهُ قَوْمًا‪ ...‬كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ‪ ...‬وَشَهِدُوا أَنَ الرَسُولَ حَقٌ ‪....‬وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ‬ ‫!!!!!! وَاللَهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَالِمِينَ (‪ )86‬أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ ‪ ....‬أَنَ عَلَيْهِمْ لَعّْنَةَ اللَهِ ‪....‬‬ ‫وَالْمَلَائِكَةِ ‪ ....‬وَالّنَاّسِ أَجْمَعِينَ (‪ .... )81‬خَالِدِينَ فِيهَا ‪ ....‬لَا يُخَفَفُ عَّنْهُمُ الْعَذَابُ ‪ .....‬وَلَا‬ ‫هُمْ يُّنْظَرُونَ (‪ )88‬إِلَا الَذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ‪....‬وَأَصْلَحُوا ‪ ....‬فَإِنَ اللَهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‬ ‫(‪ )83‬إِنَ الَذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْ َبلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَالُونَ‬ ‫(‪ )34‬إِنَ الَذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَارٌ فَلَنْ يُقْ َبلَ مِنْ أَحَدِهِمْ ِملْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى‬ ‫بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (‪[ } )37‬آل عمران ‪ .]37 - 85 :‬ونسأل‬ ‫اهلل الرحمن لّنا ولكم العافية والعفو والغفران‪.‬‬ ‫ وإال فليس اإليمان بالتمّني‪ ،‬وال بالمزاعم واألماني‪ ،‬وال بظواهر الصوالح والتغّني‪،‬‬‫ولكنَ اإليمان ما وقر في القلب خالصاً‪ ،‬ونطق به اللسان صادقا‪ ،‬وصدقه العمل الصالح‬ ‫متبعاً غير محدثٍ وال مبتدعٍ‪ ،‬ولم تّنقضه الّنواقض‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫{لَ ْيسَ بِأَمَانِيِكُمْ وَلَا أَمَانِيِ أَ ْهلِ الْكِتَابِ‪ ،‬مَنْ يَعْ َملْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}‪( .‬أي لمجرد عمل السوء‪،‬‬ ‫دون اعتبار بحال القصد والّنية‪ ،‬صالحة كانت أو فاسدة)‪{ ،‬وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَهِ وَلِيًا‬ ‫وَلَا نَصِيرًا (‪ )711‬وَمَنْ يَعْ َملْ مِنَ الصَالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} (أي أنه‬ ‫تعالى اشترط مع صالح العمل‪ ،‬سالمة القصد والّنية باإليمان)‪{ ،‬فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَّنَةَ‬ ‫وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (‪ )716‬وَمَنْ أَحْسَنُ دِيّنًا مِمَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَهِ} (أي أخلص القصد‬ ‫والّنية)‪{ ،‬وَهُوَ مُحْسِنٌ} (أي بشرط اإلحسان بصالح العمل)‪{ ،‬وَاتَبَعَ مِلَةَ إِبْرَاهِيمَ حَّنِيفًا}‬ ‫(أي أن اإلخالص وإحسان العمل الصالح‪ ،‬مشروطان بحسن اإلتباع)‪{ ،‬وَاتَخَذَ اللَهُ‬ ‫شيْءٍ مُحِيطًا‬ ‫إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (‪ )715‬وَلِلَهِ مَا فِي السَمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَهُ بِكُلِ َ‬ ‫(‪[ })716‬الّنساء ‪.]716 - 711 :‬‬ ‫وكذلك في قوله تعالى‪:‬‬ ‫‪16‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ‪ ،‬عَجَلّْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ‪ ،‬ثُمَ جَعَلّْنَا لَهُ جَهَّنَمَ يَصْلَاهَا‬ ‫مَذْمُومًا مَدْحُورًا (‪( .})78‬أي دون التعريج على صالح في عمله‪ ،‬بعد تلك الّنية الفاسدة‬ ‫بطلب الدنيا والعمل على اصالحها دون اآلخرة‪ ،‬أي على حساب اآلخرة‪ ،‬وأما أذا حسّنت‬ ‫نيته وصلح قصده‪ ،‬فجعل له ضوابط وشروطا فقال‪،):‬‬ ‫{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ‪ ... ،‬وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ‪ .....‬وَهُوَ مُؤْمِنٌ ‪ .....‬فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ‬ ‫مَشْكُورًا (‪[ } )73‬اإلسراء‪.]14 - 78 :‬‬ ‫ويا سبحان اهلل والحمد هلل‪ ،‬الذي سلَم لّنا اإلسالم‪ ،‬وصفّى لّنا اإليمان‪ ،‬وحسّن لّنا اإلحسان‪،‬‬ ‫وحفظ لّنا ديّنه من عبث العابثين‪ ،‬وحماه من عقول واجتهادات المتهوكين‪.‬‬ ‫وعليه فال يُقبل قصد حسنٌ‪ ،‬دون عمل صالح‪ ،‬مشروع مسّنون ظاهر الهدى‪،‬‬ ‫ وإنّنا إذ أوردنا ما أوردنا من التفصيل المسهب في ذلك‪ ،‬إنما قصدناه نظراً لفشو‬‫ظاهرة اإلرجاء مجددا في تلك اآلمة‪ ،‬وحيث انتشرت على حين غفلة وانقطاع من‬ ‫العلماء العاملين المتّبعين‪ ،‬ظهرت طائفة من الرموز في األمة‪ ،‬ممن تزببوا قبل أن‬ ‫يتحصرموا‪ ،‬بل وليس لهم من تلك الثمار من سبيل‪،‬‬ ‫فال حَظٌّهّنالك في تَحصرُم ‪ ....‬وال جّنيٌ كذلك في زبيب‪.‬‬ ‫فيعلن أحدُهم صراحة على المأل قائال‪( :‬نعم نحن نعلم أن هذا الفعل كفر‪ ،‬ويقول‪ :‬نعم‬ ‫نحن نعلم أن الديمقراطية كفر وإلحاد‪ ،‬والدستورية الوضعية كفر وشرك باهلل تعالى‪ ،‬لكّنّنا‬ ‫ال نقصد ذلك الكفر‪ ،‬نحن نأخذها على المحمل الحسن‪ ،‬وعلى المعّنى الذي نفهمه نحن‪،‬‬ ‫وإنما لها أفكار وآليات‪ ،‬فّنحن نأخذ آلياتها‪ ،‬وندع أفكارها‪ ،‬ويكفي أن الّناّس جميعاً‬ ‫يعلمون انها كفر‪ ،‬هذا يكفي‪ ،‬وال حرج من امتطاء ظهرها واتباعها ‪ ) ......‬إلخ‪...‬‬ ‫وهكذا جاءت مرجئة العصر بما لم يأت به أسالفهم المرجئةُ األولون‪ ،‬حيث قالت فرقة‬ ‫المرجئة قديما‪ :‬ال يضر مع اإليمان معصية‪ ،‬أي من زعم اإليمان‪ ،‬فإيمانه كإيمان‬ ‫جبريل‪ ،‬أما خلَفهم من معاصرة المرجئة‪ ،‬فقد قالوا ما هو أشد وأقبح‪ ،‬قالوا ال يضر مع‬ ‫اإليمان كفرٌ‪ ،‬وال يضر مع اإليمان بعضُ الكفر‪ ،‬وال يضر مع اإليمان سفكٌ للدماء‬ ‫الجماعية المسلمة المسالمة‪ ،‬وال وهم في مساجدهم‪ ،‬ركعا‪ ،‬وسجدا‪ ،‬وعلى مدار صلواتهم‬ ‫الخمس‪ ،‬وال يضر كذلك حرقُهم أحياء في مشافيهم‪ ،‬وال يضر كذلك مع اإليمان معادات‬ ‫دين اهلل تعالى‪ ،‬أو محاربة جموع المسلمين وحرق مساجدهم‪ ،‬أو هتك أعراضهم وسجن‬ ‫نسائهم‪ ،‬وأسر بّناتهم وغيرها من عظائم المخازي وكبائر الكفر‪ ...‬ألخ‪.‬‬ ‫هذه هي مرجئة العصر‪ ،‬ممن أضفوا على طواغيت الكفر واإللحاد واإلجرام صفات والة‬ ‫األمر‪ ،‬ووجوب الطاعة والوالء والمعادات فيهم‪ ،‬كطواغيت اإلشتراكية والالديّنية‪،‬‬ ‫وطواغيت الديمقراطية‪ ،‬وطواغيت الصفوية الروافض‪ ،‬والعلوية والّنصيرية واإلثّنى‬ ‫عشرية‪ ،‬ألنهم تغلبوا على المسلمين بشوكة‪ .....‬وإن تعجب فعجب قولهم‪.....‬‬ ‫وهكذا يكون جَ ّْنىُ الحصارم‪ ،‬جهل جهوول جهيل بكل ظالم‪ ،‬ومن جهله اشمئز جُهال‬ ‫األوادم‪.‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَهِ إِنْ أَرَدْنَا‬ ‫إِلَا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (‪ )61‬أُولَئِكَ الَذِينَ يَعْلَمُ اللَهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ‪ ،‬فَأَعْرِضْ عَّنْهُمْ‪ ،‬وَعِظْهُمْ‪،‬‬ ‫‪17‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫وَ ُقلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (‪ )61‬وَمَا أَرْسَلّْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَهِ‪} ...‬‬ ‫[الّنساء ‪.]66 - 61 :‬‬ ‫وليس اإليمان بالتمّني‪ ،‬فيُترك من يَزعم اإليمان دون امتحان وال انصهار‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫{َأحَسِبَ الّنَاّسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَّنَا وَهُمْ لَا يُفْتَّنُونَ (‪ )1‬وَلَقَدْ فَتَّنَا الَذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‪،‬‬ ‫فَلَيَعْلَمَنَ اللَهُ الَذِينَ صَدَقُوا‪ ،‬وَلَيَعْلَمَنَ الْكَاذِبِينَ (‪ )1‬أَمْ حَسِبَ الَذِينَ يَعْمَلُونَ السَيِئَاتِ أَنْ‬ ‫جلَ اللَهِ لَآتٍ‪ ،‬وَهُوَ السَمِيعُ‬ ‫يَسْبِقُونَا‪ ،‬سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (‪ )6‬مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَهِ‪ ،‬فَإِنَ أَ َ‬ ‫الْعَلِيمُ (‪ )5‬وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَمَا يُجَاهِدُ لِّنَفْسِهِ‪ ،‬إِنَ اللَهَ لَغَ ِّنيٌ عَنِ الْعَالَمِينَ (‪[ } )6‬العّنكبوت ‪1 :‬‬ ‫ ‪.]6‬‬‫وقال تعالى‪{ :‬فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِهِ‪ ،‬فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا‪ ،‬وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِهِ أَحَدًا‬ ‫(‪[ } )774‬الكهف ‪.]774 :‬‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَهِ أُسْوَةٌ حَسَّنَةٌ‪ِ ،‬لمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ‪،‬‬ ‫وَذَكَرَ اللَهَ كَثِيرًا (‪[ } )17‬األحزاب ‪.]11 ، 17 :‬‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَّنَةٌ‪ ،‬لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ‪ ،‬وَمَنْ يَتَ َولَ‬ ‫فَإِنَ اللَهَ هُوَ الْغَ ِّنيُ الْحَمِيدُ (‪[ })6‬الممتحّنة ‪.]6 :‬‬ ‫والكفر باهلل تعالى‪ ،‬يستوجب غضبَه ولعّنته‪ ،‬والحرمان من رحمته تعالى‪.‬‬ ‫ أما من أقسم مخلصاً على العمل بدستورهم أو احترامه وعدم مخالفته‪ ،‬ثم أعقب ذلك‬‫بقوله‪( :‬فيما ال يخالف شرع اهلل)‪ ،‬فهذا استثّناء أقبح من القَسَم‪ ،‬ألنه يدل على الجهل‬ ‫الجهول‪ ،‬ويكشف عن ال ِعيّ المطبق المركب بشرع اهلل تعالى‪ ،‬وحالُ هذا الجاهل أو‬ ‫المستهزيء‪ ،‬كحال من يسجد تحت قدمي هبل والالت والعزى وغيرها من األصّنام‬ ‫واألوثان‪ ،‬والتي يكون حالها أحسنَ حاال من أحوال الديمقراطية اإللحادية‪ ،‬ثم يقسم على‬ ‫اتباع ذلك الصّنم وأحكامه وقوانيّنه وديّنه ونظامه وعلى احترامها‪ ،‬ثم يرفع رأسه من‬ ‫تحت قدم الصّنم‪ ،‬وهو في معبد األصّنام قائال‪( :‬فيما ال يخالف شرع اهلل)‪ ،‬فيا سبحان اهلل‪،‬‬ ‫أهذا يفهم شرع اهلل تعالى يوما من الدهر‪ ،‬وإال فأبجديات شرع اهلل تعالى وأولى عتباته‪،‬‬ ‫أن يَكفر العبد ويّنكر ويجحد‪ ،‬ويعادي ويقاطع ويّنبذ تلك األوثان الحجرية أوالفكرية‬ ‫الحطمية‪ ،‬جملة وتفصيال‪ ،‬ظاهراً وباطّناً‪ ،‬قوالً وفعالً‪ ،‬أفكاراً وآليات‪ ،‬فإنْ أبَى أن يكون‬ ‫جاهال بشرع اهلل تعالى وأبجدياته‪ ،‬وعظُم عليه ذلك‪ ،‬فهو مستهزيء ساخر عابثٌ بدين‬ ‫اهلل تعالى‪ ،‬أو مُبدد له‪ ،‬محرفٌ ألصوله وقواعده‪ ،‬والحديث قد ال يّنتهي بّنا عن وصف‬ ‫ذلك الجرم العظيم‪.‬‬ ‫وقد ذَمَ اهلل تعالى الهوى والتحاكم إلى الهوى‪ ،‬وذمَ اتباع الهوى‪ ،‬في التحاكم لغير اهلل‬ ‫تعالى عاجال أو آجال فقال اهللُ تعالى‪:‬‬ ‫‪ُ { -32‬قلْ يَا أَ ْهلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِيّنِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ‪ ،‬وَلَا تَتَبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُوا‬‫مِنْ قَ ْبلُ‪ ،‬وَأَضَلُوا كَثِيرًا وَضَلُوا عَنْ سَوَاءِ السَبِيلِ (‪[ })11‬المائدة‪.]11:‬‬ ‫‪ -32‬وقال اهللُ تعالى‪ُ { :‬قلْ إِنِي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَهِ‪ُ ،‬قلْ لَا أَتَبِعُ‬‫أَهْوَاءَكُمْ‪ ،‬قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا‪ ،‬وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (‪[ })56‬األنعام‪.]56 :‬‬ ‫‪18‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫‪ -32‬قال اهللُ تعالى‪ُ { :‬قلْ هَلُمَ شُهَدَاءَكُمُ الَذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَ اللَهَ حَرَمَ هَذَا‪ ،‬فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا‬‫تَشْهَدْ مَعَهُمْ‪ ،‬وَلَا تَتَبِعْ أَهْوَاءَ الَذِينَ كَذَبُوا بِآيَاتِّنَا}‪( ،‬أي أنه تعالى سمّاهم‪ :‬كذبوا بآياتّنا‪،‬‬ ‫رغم أنهم لم يعلّنوا التكذيب‪ ،‬ولم يقصدوه‪ ،‬ولم يصرحوا به‪ ،‬ولكن ألنهم علموا الحق‬ ‫وفعلوا خالفه‪ ،‬وهذا أصرح التكذيب واإلعراض‪ ،‬وإال ما حادوا عّنه وخالفوه‪ ،‬إال‬ ‫إلقرارهم بلسان الحال‪ ،‬أن غيره أصلحُ أو أنسب في اإلتباع مّنه‪ ،‬ولو في الوقت الراهن‬ ‫فقط‪ ،‬وكل ذلك مما يعلمه المخالف وال يماري في صدقه‪ ،‬إذن لماذا تحد عّنه‪ ،‬الجواب‬ ‫هو الهوى والّنفس والشيطان‪ ،‬الذي يسول لهم أنهم سيجلبون الخير به‪ ،‬ويدفعون الشر‬ ‫عّنه‪ ،‬والغاية الحسّنة عّندهم‪ ،‬تبرر الوسائل المحرمة)‪{ ،‬وَالَذِينَ لَا يُؤْمِّنُونَ بِالْآخِرَةِ‪ ،‬وَهُمْ‬ ‫بِرَبِهِمْ يَعْدِلُونَ (‪ )754‬قُلْ تَعَالَوْا أَ ْتلُ مَا حَرَمَ رَبُكُمْ عَلَيْكُمْ‪ ،‬أَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ‬ ‫إِحْسَانًا‪[ }...‬األنعام‪.]757 ،754 :‬‬ ‫ثم قال في آخره‪{ :‬وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلّْنَاهُ مُبَارَكٌ‪ ،‬فَاتَبِعُوهُ‪ ،‬وَاتَقُوا لَعَلَكُمْ تُرْحَمُونَ (‪} )755‬‬ ‫[األنعام‪.]756 ،755 :‬‬ ‫‪ -36‬قال اهللُ تعالى‪{ :‬وَلَوِ اتَبَعَ الْحَقُ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ‪،‬‬‫َبلْ أَتَيّْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ‪ ،‬فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (‪[ })17‬المؤمّنون‪.]17 :‬‬ ‫ضلُ مِمَنِ‬ ‫‪ -32‬قال اهللُ تعالى‪{ :‬فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ‪ ،‬فَاعْلَمْ أَنَمَا يَتَبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ‪ ،‬وَمَنْ أَ َ‬‫اتَبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَهِ‪ ،‬إِنَ اللَهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَالِمِينَ (‪[ })54‬القصص‪.]54 :‬‬ ‫‪ -32‬قال اهللُ تعالى‪{ :‬فَلِذَلِكَ فَا ْدعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ‪ ،‬وَلَا تَتَبِعْ أَهْوَاءَهُمْ‪ ،‬وَ ُقلْ آمَّنْتُ بِمَا‬‫أَنْ َزلَ اللَهُ مِنْ كِتَابٍ‪[ })75( ...‬الشورى‪.]75 :‬‬ ‫* قال تعالى على لسان نبيه يوسُفَ عليه السالم‪ ،‬وهو في محّنة الضراء في سجّنه‬ ‫وبالئه‪ ،‬بادءاً بأولِ وأهمِ درّس‪ ،‬من دروّس توحيد الحاكمية هلل عزّ وجلّ‪ ،‬في تشريعاته‬ ‫وشرائعه سبحانه‪ ،‬مبيّناً معّنى ُأّسّ العبودية وأصل مقتضاها‪ ،‬ومُظهراً لمعّنى الدين القويم‬ ‫والديانة المستقيمة‪ ،‬ومتى يُقبلُ التدينُ به‪{ :‬يَا صَاحِ َبيِ السِجْنِ‪ ،‬أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِقُونَ خَيْرٌ‪ ،‬أَمِ‬ ‫اللَهُ الْوَاحِدُ الْقَهَارُ (‪ )13‬مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ}‪( ،‬أي‪ :‬ما تتحاكمون إليه من دون حكمه‬ ‫تعالى) {إِلَا أَسْمَاءً سَمَيْتُمُوهَا‪ ،‬أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ‪ ،‬مَا أَنْ َزلَ اللَ ُه بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ‪ ،‬إِنِ الْحُكْمُ إِلَا لِلَهِ‪،‬‬ ‫أَمَرَأَلَا تَعْبُدُوا إِلَا إِيَاهُ‪ ،‬ذَلِكَ الدِينُ الْقَيِمُ}‪( ،‬أي‪ :‬القويم المعتدل) {وَلَكِنَ أَكْثَرَ الّنَاّسِ لَا‬ ‫يَعْلَمُونَ (‪[ })64‬يوسف‪.]64 ،13 :‬‬ ‫وهذا حال يوسف الصديق في ضرائه وبالئه ومحّنته‪ ،‬يدعوا إلى توحيد اهلل تعالى‪،‬‬ ‫والكفر بكل ما يُتحاكم إليه من دونه تعالى‪ ،‬فكيف يُساء به الظن‪ ،‬ويُقال عّنه أنه لمّا دخل‬ ‫دين الملك‪ ،‬حَكم بأحكامهم من دون شريعة اهلل تعالى‪ ،‬وعليه فيتخذه المفلسون من‬ ‫الطاغوتيين حجةً على باطلهم في دخولهم مجالس الطواغيت الّنيابية‪ - ،‬حاشا وكال –‬ ‫ليوسف الغيور عليه السالم أن يكوناً داعياً للتوحيد في محّنته‪ ،‬ثابتاً على شريعته في‬ ‫سجّنه‪ ،‬معتبراً ما سواها أرباباً وشركاءَ مع اهلل تعالى‪ ،‬وفعلَهم شركاً باهلل تعالى‪ ،‬ثم لمّا‬ ‫يُمَكَن له ويصير حراً‪ ،‬يَقّنع ويرضى بشرائع األرباب‪ ،‬ويُقر بالشرك باهلل تعالى‪ ،‬اللهم –‬ ‫غفراً ‪ -‬فإن هذا من أشد الفِرَى على أنبياء اهلل ورسله المخلَصين‪ ،‬لكن الحق الذي ال ريبة‬ ‫فيه‪ ،‬أن يوسف المخلص الصديق عليه السالم كان يتصرف في أموره ويحكم بين الّناّس‬ ‫‪19‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫بشريعة اهلل تعالى‪ ،‬وبحسب ما يرض اهلل تعالى من الدين‪ ،‬ومن أوسع أبواب الرضا‪ ،‬بل‬ ‫إنه كان أبيّاً شريفاً كريماً‪ ،‬ال يقبل الدون على نفسه أبد‪ ،‬بل إنه من كرامته وعلوّ قدره‬ ‫عليه السالم لم يقبل الدنية في دنياه‪ ،‬فكيف يتصور أنه يقبل الدنية في ديّنه األعز األكرم‪،‬‬ ‫فلما عُرض عليه أن يخرج من سجّنه‪ ،‬أبَى إال أن يَخرج مّنه بريئاً عزيزاً كريماً‪ ،‬غير‬ ‫متهَم وال ذي ريبة‪{ ،‬وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ‪ ،‬فَلَمَا جَاءَهُ الرَسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِكَ‪،‬‬ ‫فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ الّنِسْوَةِ اللَاتِي قَطَعْنَ أَيْدِيَهُنَ‪ ،‬إِنَ رَبِي بِكَيْدِهِنَ عَلِيمٌ (‪[ })54‬يوسف‪.]54 :‬‬ ‫ثم إنه أيضاً‪ ،‬لما عُرض عليه أن يكون ذا مكانة رفيعة وأمن وأمان‪ ،‬لم يقبل ذلك إال أن‬ ‫يُعِزَ أمر اهلل تعالى أوالً‪ ،‬وأن يُمَكن ألمر اهلل تعالى في األرض ابتداءً‪ ،‬وحتى يكون ممَكّناً‬ ‫تمكيّناً كامالً‪ ،‬ناصراً ألمر اهلل تعالى فلذا نصره اهلل عز وجلّ‪ ،‬ولقد شهد له ربه تعالى‬ ‫بذلك‪ ،‬وزكى سبيله‪ ،‬وبيَن أنه كان ممكّناً تمكيّناً كامال‪ ،‬يتصرف كيفما يشاء‪ ،‬وحيثما‬ ‫يريد‪ ،‬قال تعالى‪ { :‬وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِّنَفْسِي‪ ،‬فَلَمَا كَلَمَهُ قَالَ إِنَكَ الْيَوْمَ لَدَيّْنَا‬ ‫مَكِينٌ أَمِينٌ (‪ )56‬قَالَ اجْعَلّْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ‪ ،‬إِنِي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (‪.})55‬‬ ‫(أي‪ :‬أنه لما قدّم أوراق اعتماده‪ ،‬بيّن لهم طوراً من كفاءته‪ ،‬ونحوا من قدرته على تسيير‬ ‫األمور إلى بر األمان‪ ،‬وقدّم مؤهالته وأحقيته للوالية الكاملة على ما تخصص فيه‬ ‫وأجاده‪ ،‬وأنه قدير على أن يحكم البالد فيهم بما لديه من علم وحفظ لتلك األمانة‪ ،‬فهذا‬ ‫يدل أيضاً على أنه سعى للحكم فيهم بعلمه الخاص‪ ،‬وشريعته الخاصة‪ ،‬والتي كانت على‬ ‫ملته وملة آبائه‪ ،‬ولم يعتمد على ما عّندهم من تشريعات باطلة)‪.‬‬ ‫{وَكَذَلِكَ مَكَّنَا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ‪ ،‬يَتَبَوَأُ مِّنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ‪ ،‬نُصِيبُ بِرَحْمَتِّنَا مَنْ نَشَاءُ‪ ،‬وَلَا‬ ‫نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِّنِينَ (‪ )56‬وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَذِينَ آمَّنُوا وَكَانُوا يَتَقُونَ (‪[ )51‬يوسف‪:‬‬ ‫‪.]51 - 56‬‬ ‫(أي‪ :‬أيَكون ذلك تمكيّناً كامالً معتبراً عّند اهلل تعالى؟ ويوسف يتحاكم لشريعة األرباب‬ ‫المتفرقين‪ ،‬ودون شريعة اهلل رب العالمين!! أيكون ذلك مقبوالً عّند اهلل تعالى‪ ،‬وهوالذي‬ ‫الذي يغار على تشريعاته وأحكامه!! أوَ يكون ذلك من صفات المحسّنين!! أوَ يسوغ ذلك‬ ‫في سلوك الذين آمّنوا وكانوا يتقون)!!‬ ‫فــ{فَإِنَهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَتِي فِي الصُدُورِ (‪[ })66‬الحج‪.)]66 :‬‬ ‫ ولقد كان من دالئل تمكين يوسفَ تمكيّناً كامالً‪ ،‬أنه أيضاً كان يُلَقبُ بالعزيز‪ { ،‬قَالُوا يَا‬‫أَيُهَا الْعَزِيزُ‪ ،‬إِنَ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِّنِينَ (‪[ )18‬يوسف‪:‬‬ ‫‪ { .]18‬فَلَمَا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُهَا الْعَزِيزُ‪ ،‬مَسَّنَا وَأَهَْلّنَا الضُرُ وَجِئّْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ‬ ‫ن (‪[ })88‬يوسف‪.]88 :‬‬ ‫فَأَوْفِ لَّنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَقْ عَلَيّْنَا إِنَ اللَهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِقِي َ‬ ‫ ولقد كان يوسف أيضاً يحكم فيهم بشريعة اهلل تعالى‪ ،‬وهذا ضربٌ من قضائه بين‬‫إخوته‪ ،‬وهو يحكم فيهم بشريعة أبيه يعقوب عليه السالم‪ { ،‬قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُّنْتُمْ‬ ‫كَاذِبِينَ (‪ )16‬قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ‪ ،‬كَذَلِكَ نَجْزِي الظَالِمِينَ (‪})15‬‬ ‫[يوسف‪.]15 ، 16 :‬‬ ‫ ولقد كان يوسف أيضاً هو صاحب عرش المُلك آنذاك‪{ :‬وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ‬‫وَخَرُوا لَهُ سُجَدًا [يوسف‪.]744 :‬‬ ‫‪20‬‬


‫]القول المبين في كُفرِ الدساتير الوضعية والقوانين[‬

‫كتبه ‪ /‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬

‫ وكيف يَحيد عّنها وهو القائل في ضرَائه في سجّنه‪ ،‬وفي ضرائه في أَسْره‪ { :‬ذَلِكُمَا‬‫مِمَا عَلَمَّنِي رَبِي‪ ،‬إِنِي تَرَكْتُ مِلَةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِّنُونَ بِاللَهِ‪ ،‬وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (‪)11‬‬ ‫شيْءٍ‪ ،‬ذَلِكَ‬ ‫وَاتَبَعْتُ مِلَةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ‪ ،‬مَا كَانَ لَّنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَهِ مِنْ َ‬ ‫ضلِ اللَهِ عَلَيّْنَا وَعَلَى الّنَاّسِ وَلَكِنَ أَكْثَرَ الّنَاّسِ لَا يَشْكُرُونَ (‪ )18‬يَا صَاحِ َبيِ السِجْنِ‬ ‫مِنْ فَ ْ‬ ‫أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَهُ الْوَاحِدُ الْقَهَارُ (‪[ )13‬يوسف‪.]13 ، 11 :‬‬ ‫ فكل ذلك من دالئل وأدلة تمام تمكين يوسفَ عليه السالم‪ ،‬بديّنه وشريعته‪ ،‬يحكم بها‬‫في األرض كيف يشاء‪.‬‬ ‫ وهذا هو الذي كان‪ ،‬من تأويل يعقوب عليه السالم لرؤيا ابّنه يوسف الصديق‪ ،‬ومن‬‫نِعم اهلل تعالى عليه وعلى آل يعقوب‪ ،‬كحال آبائه الموحدين‪ ،‬حيث قال له‪{ :‬وَكَذَلِكَ‬ ‫يَجْتَبِيكَ رَبُكَ‪ ،‬وَيُعَلِمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ‪ ،‬وَيُتِمُ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ‪ ،‬وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ‪ ،‬كَمَا‬ ‫أَتَمَهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ‪ ،‬إِنَ رَبَكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (‪[ )6‬يوسف‪.]6:‬‬ ‫ لقد تعهد اهلل تعالى بحفظ نبيه يوسف مّنذ نعومة أظفاره‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬وَلَمَا بَلَغَ أَشُدَهُ‬‫آتَيّْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا‪ ،‬وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِّنِينَ (‪[ )11‬يوسف ‪.]11 :‬‬ ‫ ثم ختم يوسفُ الصدِيقُ المخلَصُ الممَكَنُ العزيزُ ذو العرش‪ ،‬حياته بدعائه وتضرعه‬‫لربه تعالى أن يُحسن خاتمته‪ ،‬وأن يثبته ويتوفاه على دين اهلل األوحد‪ ،‬وهو دين اإلسالم‬ ‫قائال‪{ :‬رَبِ قَدْ آتَيْتَّنِي مِنَ الْمُلْكِ‪ ،‬وَعَلَمْتَّنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْ َأحَادِيثِ‪ ،‬فَاطِرَ السَمَاوَاتِ‬ ‫وَالْأَرْضِ‪ ،‬أَنْتَ وَلِيِي فِي الدُنْيَا وَالْآخِرَةِ‪ ،‬تَوَفَّنِي مُسْلِمًا‪ ،‬وَأَلْحِقّْنِي بِالصَالِحِينَ (‪})747‬‬ ‫[يوسف‪.]741 ، 747 :‬‬

‫وكتبه‪ :‬حسن بن عبد المجيد الزبادي‬ ‫غفر اهلل تعالى له ولوالديه وللمسلمين‬ ‫‪7615 / 1 / 16‬‬ ‫‪27 /12 / 2013‬‬

‫‪21‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.