تنازع القوانني يف الدولة اإلسالمية اإلسالمي و مدى خضوع غري املسلمني للقضاء ِّ أتليف دكتور عبد اجمليد حسن بللو
جامعة أُيُو نيجرياي
0
ِبس ِم ِ الر ِحي ِم الر ْح َم ِن َّ هللا َّ ْ المقدمة الحمد هلل رب العالمين ,والصالة والسالم على أشرف المرسلين وآله وصحبه أ ْجمعين . . .وبعد . َّ فإن اإلنسان اجتماعي بطبعه ،ينزع إلى الحياة مع اآلخرين والعيش معهم ،وترتبط مصالحه بمصالحهم ووجودهم .وهذا قد تحمل بعض َّ الناس على الظلم والعدوان؛ َّ فإن الظلم من يكون واحدا من األسباب التي تُْفضي إلى الخصومة والنزاع ،أو ُ شيَّم النفوس ما لم يكن هناك وازع من دين أو سلطان .ولذلك كان القضاء بين الناس َلفصل الخصومات وانهاء النزاع تنظيم{ية اجتماعيَّة. َ واعادة الحقوق ألصحابها واقامة العدل وانفاذ أحكام الشرع ضرورة دينية فطريَّة ،وضرورة وعلى هذا فهذه الدراسة تهدف إلى بلورة مجموعة من المضامين الجديدة لفلسفة اختالف الدارين في إطار اعتبار تغيير االنسان والمكان والزمان ،لتحقق االلتزام بقيم السماء ،واحترام االنسانية ،والمحافظة على القيم العادلة ،واألثار الصالحة في الواقع المعاصر بغية المساهمة في عملية توطين اإلسالم ورفع معاناة المسلمين في الغرب.وال شك أن اإلضافة المعرفية التي اسفرت عنها هذه الورقة كانت في الجانب الفلسفي المقاصدي لعملية توطين اإلسالم في غير دياره ،وهذه اإلضافة تحتاج إلى مناقشة،وصقل ،ولكن ما ال يدرك كله ال يترك جله. تتعدد نشاطات اإلنسان والسيما في عالقاته مع غيره من بني البشر ومن هذه العالقات ما ينظمها القانون وهي العالقات القانونية وفي أحيان كثيرة يكون القضاء هو الجهة التي تفصل في النزاعات الناشئة عن هذه العالقات فإذا كانت العالقة القانونية في عناصرها الثالثة :األشخاص ،المحل ،والمصدر هي وطنية بحتة أي تنتمي إلى الدولة التي يتبع لها القاضي فهذه العالقة تخرج عن نطاق تنازع القوانين بل وعن قانون العالقات الخاصة الدولية وهي ليست موضوع بحثنا . أما إذا شاب أحد عناصر العالقة القانونية عنصر أجنبي كأن ينتمي أحد أطرافها إلى دولة أجنبية مثل أن يكون البائع في عقد البيع أجنبيا فهنا ُيتصور أن يتنازع حكم العالقة القانونية أكثر من قانون تبعا إلنتماء عناصر العالقة ألكثر من دولة
1
وهو ما يطلق عليه ب ـ ( تنازع القوانين ) واآللية المتبعة لحل هذا التنازع هي قواعد اإلسناد في تشريع الدولة التي ينتمي إليها القاضي الذي ينظر النزاع .
1
و ننتهي من هذا الى القول بأن طبيعة العالقات التي يتناولها القانون الدولي الخاص بالتنظيم و هي العالقات التي تشتمل على طابع دولي أو على عنصر أجنبي تثير مشكلة من طبيعة مختلفة نتيجة الرتباطها بأكثر من دولة 2.وبالتالي يجري التساؤل عن القانون الذي يتولى دون غيره حكم النزاع ,ومن هنا نشأ إصطالح تنازع القوانين .ونحن نستعمل هذا اإلصطالح بالرغم من عدم انطباقها على ما يعبر عنه ,ألنه قد استقر األخذ به كما لصق بهذا الفرع من فروع القانون. ومجال تنازع القوانين يتحدد بالعالقات ذات الطابع الدولي ,وهي العالقات التي تتطرق الصفة األجنبية الى أحد عناصرها عنصر السبب المنشئ للعالقات ,أو عنصر أطراف العالقة أو عنصر موضوعها. والقاعدة العامة في الشريعة اإلسالمية؛ َّ أن أحكامها تسري على كل من يقيمون في دار اإلسالم من المسلمين وغير المسلمين .وهذا يتفق مع سيادة الدولة التي ينبغي أن تكون مفروضة على كل رعاياها ،وعلى من يكون على أرضها أو إقليمها .واذا كان غير المسلمين يتمتعون بمركز قانوني ,قد يختلف فيه الذمي عن المستأمن في بعض الجوانب والمسائل؛ َّ فإنه من األهميَّة بمكان أن َّ وبخاصة في هذا العصر الذي تنامت فيه يتحدد مدى خضوعهم جميعا للقضاء اإلسالمي، َّ المعامالت بينهم في دار اإلسالم ،بعد رْفع ٍ كثير ط المسلمين بغيرهم ،واتسعت العالقات بين األمم والشعوب ،وتزايد اختال ُ ُ ُ من الحواجز .وقد جرى تصنيف الفقهاء العالم إلى ديلر( ,دار اإلسالم) و(دار الحرب) ،وهي تسميات لم ترد ال في القرآن الكريم وال في السنة النبوية ،بل مجرد مصطلحات ابتكرها الفقهاء للتمييز بين األرض اإلسالمية التي يسودها القانون اإلسالمي واألراضي التي تعود لغير المسلمين وتسودها قوانين غير إسالمية .وكان الفقهاء القدامى يتناولون موضوع السير إما في باب الجهاد أو أبواب أخرى كالمغازي والغنائم والردة وعهد األمان .ويشبه التقسيم اإلسالمي من حيث المبدأ على األقل ،ما قبله البلشفيك في روسيا ،فهذه البالد هي الوطن العام لكل شيوعي و(دار السالم) للقائلين بهذه األيديولوجيا ،وما بقي من العالم حيث يسود أصحاب األموال فهي (دار حرب) يتعين فيها على كل ثائر شيوعي أن يتخذ جميع الوسائل ،هو وحزبه ،لإلستيالء على مقاليد السلطة فيها.
1 2
مبادئ و أحكام القانون اإلداري :مهدي ياسين السالمي ,مديرية دار الكتب للطباعة و النشر ,بغداد ,1989 ,ص .539 القانون الدولي الخاص المصري :حامد زكي ,الطبعة األولى ,القاهرة مطبعة نوري ,1937 ,ص.12: 2
وبنيت عليها أحكاما عدة في و تعتبر فكرة تقسيم العالم إلى دارين أو أكثر من القضايا التي حوتها كتب الفقه قديما ُ العالقة مع غير المسلمين ،وقد بقيت هذه الفكرة كامنة في الفكر اإلسالمي عبر مراحله المختلفة ،لكنها حظيت باهتمام واسع في السنوات األخيرة لما ارتبط بها من ممارسات تبنتها بعض الجماعات المسلمة تجاه غير المسلمين ،وفي بعض الحاالت تم إنزال أحكامها على المسلمين كذلك مما أوجد كثي ار من المشكالت حول فهم فكرة تقسيم العالم في الفقه الفكر اإلسالمي ومدى مالئمة ذلك لعصرنا الحاضر ،حيث ترتبط الفكرة بطبيعة العالقة بين المسلمين و غيرهم ،شأنهم في ذلك شأن الم جتمعات و الشعوب اإلنسانية التي أقامت عالقة فيما بينها منذ تكونت المجموعات البشرية ،وغني عن البيان أن اإلسالم دعوة ممتدة للناس كافة ،وطبيعة الدعوات الممتدة أو التبشيرية أنها ال تتوقف عند الحدود الجغرافية أو الثقافية أو السياسية أو االجتماعية ،لكن هذه الدعوات حين تتحول إلى دول وأنظمة فإنها ترسم لنفسها قواعد للعالقة مع اآلخر ، السير" وقد قررت الشريعة اإلسالمية قواعد في طبيعة العالقة بين المسلمين وغيرهم ،ونشأ تبعا لذلك ما أُطلق عليه " َ قديما ،وما اصطلح عليه بـ " العالقات الدولية في اإلسالم " حديثا ،وتختلف طبيعة العالقات الدولية في اإلسالم عن غيرها بأنها تتداخل فيها مسأئل شتى فيه مركبة من الفقه و السياسة والتاريخ واالقتصاد و الحياة االجتماعية وتتداخل فيها هذه المسائل بتمازج كبير حيث يؤثر كل طرف في اآلخر ،ومن هنا ال يمكن اعتبار العالقات الدولية في اإلسالم شئنا فقهيا صرفا ،أوسياسيا محضا ،ومن هنا فإن معالجة اي مسالة من مسائل العالقات الدولية في اإلسالم ـ ومن بينها مسألة تقسيم العالم إلى دارين أو أكثر من دارـ يجب أن ينظر إليها نظرة شمولية ال نظرة جزئية . وفي هذه األيام ,تشكل وجود المسلمين بالغرب عبر مسارات متعددة وخالل مراحل تاريخية متعاقبة ولغايات متنوعة ,إما طلبا للرزق واألمن أو الدراسة أو ممارسة البحث العلمي وغير ذلك .لكن هذا الوجود اإلسالمي اليوم بالغرب تحول وانتقل من مخاض تجارب االنفعال والتفاعل مع واقع سياسي وثقافي واقتصادي وعقدي مغاير لهم :ومن معاناة مشاعر اإلحباط والضعف والقلق والغربة والدونية الحضارية إلى الشعور باالستقرار واالطمئنان والى االرتقاء في سلم االندماج وأخالق المواطنة اإليجابية والفعالة (وخصوصا مع الجيل الثالث) ،لكن المسلمين لهم هويتهم الخاصة وانتماءهم العقدي والثقافي والحضاري العريق والمتميز .لذلك البد لالجتهاد الديني بصفة عامة واالجتهاد الفقهي بصفة خاصة أن يعتبر ويراعي هذه الخصوصيات من جهة ويراعي ما تقتضيه الظروف الحضارية من جهة أخرى .ألن االجتهاد ينبغي أن يكون مبنيا على فقه الواقع كما هو مبني على فقه األحكام؛ لذلك سنركز في هذه المساهمة على واقع المسلمين بالغرب وضرورة تدبير 3
اجتهاد ديني مالئم لهذا السياق المتغير ،واعادة النظر في بعض المفاهيم االجتهادية التي كانت صالحة لزمانها وتجاوزها مستجدات السياق الجديد والمتغير ،وترجيح انتقاء وانشاء مفاهيم اجتهادية أكثر تناسبا لهذا السياق لتحقيق معاني الرحمة والسعة واليسر ورفع الحرج والضرر عن الناس ،ولتلميع صورة اإلسالم والمسلمين التي تلوثت بفعل عوامل شتى من الغرب حتى أصبحوا يكنون العداء للمسلمين و االسالم ،ولهذا أصبح من واجبنا اليوم إعادة االعتبار وتصويب وتحسين صورة المسلمين وصورة اإلسالم بما ينفعنا وينفع البشرية جمعاء .وبذلك يلتزمون ببناء مواطنة أخالقية قائمة على روحانية مسؤولة ،واصالح باسم القيم العالمية والشرف اإلنساني .وفي هذا الصدد حرصت على استقصاء آراء الفقهاء المعاصرين فيما يتعلق بقضايا القانون الدولي اإلسالمي والعالقات الدولية مع الدول غير اإلسالمية. هذه الدراسة قصد منها تقديم قراءة تأصيلية تجديدية أولية حول مفاهيم اختالف الدارين ،وأثر ذلك في اختالف األحكام، وكيفية االستفادة من هذا االختالف بمعانيه االيجابية من حيث تطوير مفهوم المواطنة ،وتسهيل عملية المعايشة ،وتوطين فقه المسالمة بين المختلفين في الدين والدارين .كذلك ينبغي النظر إلى مفهوم اختالف الدارين ودالالته ومناطاته باعتباره من مسائل االجتهاد التي يجب مراعاة عوامل كثيرة فيه،منها عوامل البيئة السياسية التي مر بها منظري الفكر اإلسالمي السياسي ،من حاالت استضعاف ومراحل استخالف،ومدارج اجتهاد ونظر ،ودركات تقليد وتخلف ،وآثر ذلك في مصطلح اختالف الدارين ومضامينه ودالالته .وبهذا القدر من الوعي في الجانب التنظيري ،ومراعاة المصطلح ومفاهيمه ومضامينه ،واعتبار بيئات التحضر والتخلف تصبح عملية صوابية إسقاط الدالالت على مناطاتها بقدر أكبر ،والمساهمة في عملية االستفادة من االنتاج البشري والتقدم الحضاري أبلغ. ومنهجي في هذا البحث هو الطريقة اإلستقرائي الفقهي نعتمد كلية على الكتاب والسنة واإلجتهاد المنير .و نعرض اآلراء ون نقشها بغية إستبعاد التطرف والتقليد األعمى التى أدى باألمة الى التخلف والسخرية بين األمم المتقدمة .و باإلضافافة دور هامة في هذا البحث .حاولت الى المصادر المذكورة (السنة ,الكتاب ,و اإلجتهاد) فإن السوابق التارخية ستلعب ا اإللتزام بروح مقاصد الرسالة المحمدية من خالل كليات نصوص القرآن والسنة النبوية ،مع مراجعة اقوال السلف في قضايا اختالف األحكام باختالف الدار،وكنت أتخير من أقوالهم ما يتفق مع المقاصد الكلية للقرآن ويناسب ظرف المسلم المقيم في الغرب دون إللزام نفسي بمذهب معين إيمان مني بأن أقوالهم في دائرة االجتهاد وليس في دائرة النص ،كذلك فإن جل معالجتهم لقضايا األقليات-على قلتها-كانت تدور في حلقة ضيقة مفادها :إذ ما انفراد مسلم أو قافلة من دار اإلسالم 4
واخترق أراضي غير اإلسالم فما هي األحكام المنوطة بها حينئذ سوى في أحكام العبادات من توجه إلى القبلة وجمع الصلوات ،أو أحكام المعامالت من أنواع البيوعات الفاسدة والعقود الباطل ودفع المكوس وغير ذلك!! على حد علمي أنه قد تعرض الفقه التقليدي في أمهات كتب السلف لجزئيات متنوعة تخص أحكام المسلم في ديار غير اإلسالم ،وهي مبثوتة في بطون المراجع بصورة مختصرة نظ ار لعدم أهمية ذلك في عصرهم من حيث استقرار أوضاع دار الخالفة السياسية واالقتصادية واالجتماعية .ولكن عندما سقطت دار اإلسالم بالمفهوم الكالسيكي واضطربات أحوال المسلمين وانتقال جموع من المسلمين يعدوا بالماليين إلى ديار غير اإلسالم بنية االستقرار واإلقامة الدائمة ،ظهرت لهوالء إشكا الت متنوعة في المعامالت واإلنكحة والذبائح وغير ذلك ،فانتصب ثلة من المهتمين بشأن الدعوة في الغرب لدراسة هذه اإلشكاالت والبحث عن حلول لها من خالل منظومة الفقه التقليدية ،فصدرت في هذا المضمار عدة دراسات منها(فقه األقليات المسلمة في الغرب) لشيخ يوسف القرضاوي جاء في ثناياها اجتهادات تيسيرية تخدم عملية توطين اإلسالم في الغرب وذلك عبر مسائل النكاح والذبائح والمعامالت البنكية .وكذلك إصدارات المجلس األوروبي لالفتاء والبحوث التي تسير على ذات المنهج تقريبا.ايضا كتب طه العلواني وراشد الغنوشي وغيرهما في الفقه اإلقلية برؤية التجديدية. نقد المصادر والمراجع بما أن موضوع هذا البحث يندرج في نطاق الدراسات الفقهية المقارنة ,فقد تنوعت مصادره ومراجعه فشملت علم التفسير ,والحديث ,وفقه الفروع ,االصول ,وغير ذلك .ونعرض فيما يلي أهمها مرتبة بحسب العلم الذي تبحث فيه . أوال :كتب الـتـفـسـيـر: البد للباحث في المسائل الفقهية ان يرجع الى كتب التفسير بغية اكتشاف الثروة الفقهية والتشريعية في القرآن .ومن بين كتب التفسير التي رجعنا اليها : ـ ـ مفاتيح الغيب للرازي ( ـ ـ 606هـ ) يسلك مؤلفه في الفسير مسلك الحكماء االلهيين في االستدالالل الكالمية المنطقية ,ويعني ببحث الكونيات عناية خاصة ويقسم اآلية أواآليات التي يكون بصـدد تفسيرها الى عدد منالمسائل ,ثم يسترسل في تأويلها مدافعا عن عقيدة أهل السنة والجماعة .وكتابه هذا موسوعة عامية في علم الكالم ,وفي علوم الكون والطبيعة والفقه. 5
ب ـ كتب تفاسير آيات االحكام : ـ ـ أحكام القرآن البن العربي (ـ ـ 543هـ ) أهم هم مرجع للتفسير الفقهي عند المالكية .وابن العربي رجل معتدل منصف في تفسيره على خالف الجصاص ,يذكر آراء العلماء فيسير اآلية مقتص ار على آيات االحكام كالجصاص ,ويبين االحتماالت المختلفة لدى المذاهب المتعددة .اقتبس منه العلماء االجالء واعتمدوا عليه في تأييد حججهم ,بل ان القرطبي ينقل فقرات كاملة في موضع االحتجاج ,وال تكاد تخلوصفحة في كتابه " الجامع الحكام القرآن " من مثل ذلك . ويمكن القول بأن كتب األحكام هذه مجتمعة تعطي صورة واضحة جلية تكاد تكون متكاملة عن الجانب التشريعي للقرآن الكريم ,وقد اعتمدنا كثي ار عل هذه الكتب وغيرها في استنباط االحكام المتعلقة بموضوع البحث من اآليات القرآنية . ثانيا :كتب الحديث بالنسبة لكتب الحديث فقد عولنا بصفة عامة على الكتب الصحاح الستة في تخريج األحاديث واألثار ,ولم نخرج عنها اال نادرا. أما أحاديث األحكام وشروحها فكثيرة جدا لذلك اخترنا منها ما يعني باستنباط أحكام الفقه مع ذكر أقوال مذاهب علماء االمصار ومذاهب علماء الصحابة والتابعين .ومن شروح الحديث التي تمثل هذا االتجاه : ـ ـ نيل االوطار للشوكاني ( ـ ـ 1250هـ ) وهو يمتاز ببيان االختالف مع الترجيح دون تعصب وال تعسف .وقد استعملنا هذا الكتاب في عرض المسائل وتحقيق القول فيها ,وهو من أحسن الكتب المؤلفة في هذا الفن . ثالثا :كتب االصول والقواعد : وبما ان موضوع بحثنا فقهي لم نستعمل كتب االصول والقواعد كثي ار .ومن أهم الكتب التي رجعنا اليها في هذا المجال هي : ـ المستصفى للغزالي ( 505هـ ) ,االحكام في أصول االحكام لـالمدي ( ـ ـ 631هـ ) ,المحصول في علم أصول للرازي(606هـ), والعدة في أصول الفقه ألبي يعلى(458هـ) ,الورقات في أصول الفقه :الجويني(478هـ). استفدنا م ن هذه الكتب في تحرير بعض المسائل األصولية ,وهي كتب مفيدة ,تعين الباحث على تطبيق المسائل الفقهية على القواعد األصولية . رابعا :كتب الفقه : 6
لقد اعتمدنا في كتب الفقه على المصادر األساسية لكل مذهب فقهي مع التركيز على الكتب المتقدمة على الكتب المتأخرة بالنسبة للفقه المالكي ,الن المتقدمين من فقهاء المذهب هم الذين يهتمون بذكر الدليل ,ويتعرضون آلراء أئمة المذاهب االخرى ,ويحكون خالفهم في المسألة تاركين أمر الترجيح واالختيار للقارئ . خامسا :الكتب القانونية : ان القواعد المنظمة للتجريم والعقاب والتي يتضمنها قانون العقوبات تنقسم الى قواعد تقرر أحكاما عامة تطبق بصدد كل جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه ,وقواعد تقرر أحكاما خاصة بكل جريمة على حدة .واالولى هي األحكام العامة لقانون العقوبات ,او قواعد القسم العام .والثانية تمثل القسم الخاص لقانون العقوبات .ومن الكتب التي تمثل القسم العام : ـ االحكام العامة في القانون العقوبات لسعيد مصطفى السعيد . ـ شرح االحكام العامة في قانون العقوبات لمحمود ابراهيم اسماعيل . ـ النظرية العامة للقانون الجنائي لرمسيس بهنام . ـ مبادئ القسم العام من التشريع العقابي لرؤوف عبيد . هذه الكتب من المصادر االساسية التي ال غنى للباحث عنها في النظرية العامة للقصد الجنائي
وال يسعني في هذه المناسبة إال توجيه الشكر واالمتنان هلل سبحامه وتعالى الذي اعطني الصحة والعافية للقيام بهذا العمل العلمي المتواضع وأسأله أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم .و على ضوء هذه المقدمة سنقسم هذه الدراسة الى بابين رئيسيين .وكل باب ينقسم الى أربعة فصول.
7
الباب األول
هذا الباب ينقسم الى أربعة فصول و الخاتمة و التوصيات كما يلي: الفصل األول :تقسيم العالم عند الفقهاء الفصل الثاني :أثر تقسيم العالم عند الفقهاء الفصل الثالث :مناقشة نظريات تقسيم العالم الفصل الرابع :مراجعة اإلرث الفقهي القديم الخاتمة و التوصيات.
8
الفصل األول تقسيم العالم عند الفقهاء والدولة اإلسالمية ،كغيرها من الكيانات السياسية ،تقيم عالقات خارجية ،تنضم إلى المنظمات الدولية ،وتلتزم بالقانون الدولي والمبادئ العامة كمعايير تنظم عالقاتها مع اآلخرين .فقد عاد من المستحيل ،في العالم المعاصر ،االنعزال عن االتصاالت الخارجية ،سياسيا واقتصاديا .وحتى أولئك الذين يبدون عداء للغرب أو غير المسلمين ،إذا ما وصلوا للسلطة ،سيجدون أنفسهم مجبرين على إقامة عالقات خارجية ،وعقد معاهدات واتفاقيات مع الدول غير اإلسالمية .إن إدارة الدولة ال يمكنها أن تعتمد على الشعارات الثورية أو األفكار المجردة ،وال حتى على الحماس الديني ،بل بالتعامل بواقعية مع مفردات العصر ومتطلبات المجتمع الذي تدير شؤونه .يناقش الفصل االول اآلراء المتفاوتة بين الفقهاء تجاه التقسيم الثنائي للعالم ،أي دار اإلسالم ودار الحرب .ويتفرع هذا الفصل الى ثالثة المباحث:
المبحث االول :فكرة تقسيم العالم المبحث الثاني :دار االسالم ودار الحرب المبحث الثالث :دار العهد.
9
المبحث االول فكرة تقسيم العالم فكرة تقسيم العالم إلى أكثر من دولة أو طرف أو جهة من األفكار القديمة التي ارتبطت بالعالقات بين المجموعات البشرية وخاصة حين تحولت إلى مجموعات (مؤسسية) كالقبيلة أو الدولة ،ففي الغرب برزت هذه الفكرة في تقسيم الغربيين للبشر، فعند اليونانيين القدماء كان البشر(العالم) إما يونانيين أو برابرة ،ولليونانيين كافة الحقوق التي ُيحرم منها البرابرة !! وعند اليهود فإن البشر إما (يهود ) أو (جوييم).
3
وعندما جاءت المسيحية واعتنقها سكان أوروبا كان العالم بالنسبة لهم إما (مسيحيين ) أو ( وثنيين) ،ويالحظ على هذه التقسيمات أنها تقوم على جانب عنصري يعود لصفة األخرين المختلفين ال على جانب عملي من العالقة مع اآلخر كما عليه تقسيم العالم عند المسلمين إلى دارين ( دار إسالم ودار حرب ) حيث قامت فكرة هذا القسيم على طبيعة العالقة يعرف تاريخ محدد لبدائتها أو ما بين المسلمين و غيرهم من السلم أو الحرب ،وعلى الرغم من شيوع هذه الفكرة إال أنه ال ُ هي األسباب (المؤسسة) لفكرة التقسيم أو البعد التاريخي او الجغرافي المحدد له ،أو موقع التكوينات غير الدينية في هذا التقسيم ،كالع وامل العرقية أو الثقافية أو االجتماعية ،وأثر ما ط أر على التاريخ اإلسالمي في مراحل متوسطة منه كنشؤء المذاهب و الطوائف و الفرق و التي تم إنشاء دول على أُسسها وموقع ذلك كله من فكرة تقسيم العالم ،إذ أن فكرة التقسيم بدأت تظهر في اراء الفقهاء مع اتساع الدولة اإلسالمية بالفتوحات التي أدخلت دوال و مجتمعات إلى ُبنية للكيان اإلسالمي المتمثل في الدولة ،حيث ضمت هذه الدولة بعد الفتوحات كيانات ودول ومجتمعات بما لها من أديان وأعراق وثقافات إلى المكون األكبر ،وتم دمجها في الدولة اإلسالمية من خالل االنتماء الديني اإلسالمي حيث تحولت كثير منهم إلى اإلسالم فأصبحوا جزء من الدولة و المجتمع اإلسالمي وأعادوا صياغة ثقافتهم و قيمهم اإلجتماعية بما يتوافق مع اإلسالم ،ومن بقي على دينه فقد تم تنظيم العالقة معه من خالل نظام ( الذمة ) الذي يعتبر نوعا من العقود المنظمة لعالقة
3
أي األمم غير اليهودية وأصل الكلمة عبرية لواد وهو بطن من األرض أو واد واسع فيه دفن موسى في أرض موآب ـ قاموس
الكتاب المقدس ـ دائرة المعارف الكتابية المسيحية1989 ,م.
10
الفرد(المواطن) بالدولة مع احتفاظه بخصوصية الدينية و الثقافية واالجتماعية ،واذا كانت العالقات الداخلية بين مكونات الدولة اإلسالمية قد تم تنظيمها فأن العالقة مع اآلخر(جماعات ودول) بقيت غير محددة بإطار واضح ثابت يمكن اعتماده في رسم العالقة بين المسلمين و غيرهم خالل مراحل التاريخ المختلفة و المتقلبة وبقيت فكرة تقسيم العالم إلى دارين أودور متعددة هي اإلطار ( الوحيد ) الذي تحويه كتب الفقه ،وقد حاول الفقهاء و الباحثون المتأخرون من المسلمين دراسة فكرة تقسيم العالم من المنظورالشمولي لها ،خاصة مع تغير طبيعة الدول و العالقات بينها كما أن الظروف التاريخية و الموضوعية التي برز فيها المصطلح قد تغيرت كذلك ،وقد برزت دراسات ذات رؤى مختلفة حول فكرة تقسيم العالم كان من أبرزها ما كتبه مفكرون مسلمون مثل أبي األعلى المودودي و الدكتور محمد حميد هللا والشيخ الدكتوريوسف القرصاوي و الش يخ الدكتور عبدهللا بن بيه والدكتورمحمد رأفت عثمان و الشيخ عبدالوهاب خالف و الشيخ محمد أبو زهره والدكتور علي علي منصور و الدكتور وهبه الزحيلي و الشيخ عبدهللا بن يوسف الجديع و الدكتور سيف عبدالفتاح مع المجموعة التي عملت في إعداد الدراسة الموسعة و المتعمقة حول العالقات الدولية في اإلسالم التي تعد من أهم الدراسات المتأخرة في هذا المجال ،وعلى اختالف الرؤى بين الباحثين في هذا الموضوع إال أن إعادة طرحه للبحث و المناقشة يعتبر من أهم الخطوات التي تمت لدراسة العالقة بين المسلمين و غيرهم بما تتضمنه من تقسيم العالم إلى دارين أودور متعددة ،وأهمية إعادة دراسة فكرة التقسيم ومدى ثباتها وامكانية االجتهاد في المسالة وما ُيبنى عليها من أحكام .
11
المبحث الثاني دار االسالم ودار الحرب استخدم الفقهاء المسلمون لفظ " الدار" للداللة على الدولة أو اإلقليم الذي هو أحد عناصر الدولة في القانون الدولي ين " َصَب ُحوْا في َداره ْم َجاثم َ المعاصر ،وقد يطلق لفظ ( الدار) على البلد ،قال تعالى " َفأ ْ
4
َّ ين تََبَّوُؤوا َّ اج َر إَل ْيه ْم " قال ابن كثير " لما استقروا بالمدينة ووافاهم يم َ وقوله تعالى " َوالذ َ ان من َقْبله ْم ُيحبو َن َم ْن َه َ الد َار َو ْاإل َ رسول هللا صلى هللا عليه و سلم واجتمعوا عليه وقاموا بنصرته ،صارت لهم دار إسالم و معقال يلجئون إليه".
5
يقول ابن عابدين " :المراد بالدار االقليم المختص بقهر ملك اسالم او كفر ،فليس المراد دار السكنى " ،وقد استُخدم الفقهاء لفظ ( دا ر اإلسالم ) و( دار الحرب ) للداللة على إقليمين مختلفين لهما مواصفاتهما الخاصة ،وشاع هذان المصطلحان على الرغم من استعمال مصطلحات أخرى للداللة على ذات المعنى مثل دار ( الهجرة ) و ( دار السلم ) و ( دار الدعوة ) للداللة على دار اإلسالم و ( دار الكفر ) و( دار الشرك ) و( أرض العدو ) للداللة على دار الحرب ،و قد قسم الفقهاء العالم إلى دارين :دار االسالم و دار الحرب. عند الجمهور" دار اإلسالم هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام اإلسالم ،وما لم تجر عليه أحكام اإلسالم لم يكن د ار إسالم وان الصقه".
6
وقد عرفها الكاساني بقوله "تصبر دار إسالم بظهور أحكام اإلسالم فيها"
7
وعلى هذا فدار اإلسالم هي الدار التي تسود فيها أحكام اإلسالم ويمارس فيها المسلمون شعائرهم اإلسالمية دون خوف أو فتنة .وهذه الدار يجب أن يحافظ عليها المسلمون ويدافعوا عنها. واشترط الفقهاء أن تكون الدار محكومة باإلسالم ولم يشترطوا أن يكون جميع سكانها من المسلمين. 4
سورة العنكبوت ،األية 37ـ
5تفسير القرآن العظيم :أبو الفداء اسماعيل بن كثير ( 774ه ) ,كتاب الشعب ,القاهرة1980 ,م ,ج 4ص 649 6أحكام أهل الذمة :محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية ,رمادي للنشر ,الدمام 1989م .ص.366 7
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع :أبو بكر بن مسعود الكاساني(487ه) الطبعة الثانية ـ ـ ـ دار الكتاب العربي بيروت 1394ه
1974م – ج– 7ص130 12
بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن الدار قد تكون دار إسالم "حتى لو لم يكن فيها مواطن مسلم ما دام حاكمها مسلما ويطبق أحكام اإلسالم ،وفي هذا المعنى يقول بعض الشافعية "وليس من شرط دار اإلسالم أن يكون فيها مسلمون بل يكفي كونها في يد اإلمام واسالمه".
8
"وتعتبر الدار د ار إسالم حتى ولو كان أهلها فاسقين ،فما دامت شعائر اإلسالم ظاهرة بها ،فإنه ال يسلبها هذه الصفة أن يفسق أهلها".
9
وبهذا يتبين رأي الجمهور بأن الدار ال تعد دار إسالم إال بظهور أحكام اإلسالم عليها. وذهب أبو حنيفة ومن معه إلى أنها تعتبر دار إسالم إذ كان فيها مسلمون يأمنون على أنفسهم وأعراضهم وكانت هذه الدار متاخمة لدار اإلسالم ،أما إذا انتفى األمان ولم تكن الدار مالصقة لدار اإلسالم فتعتبر دار حرب. يقول االمام محمد بن الحسن الشيباني :ال تصير الدار دار حرب اذا نقض اهل الذمة العهد وحاربوا المسلمين وغلبوا على مدينتهم فكان حكمهم فيها جائ از ،غير ان فيها ناسا من المسلمين آمنين ،الن الدار لم تصر دار حرب .أال ترى ان المسلمين فيها آمنون ،وهي دار االسالم التي كانت عليها بعد على حالها. ويقول السرخسي :ان الموضع الذي ال يأمن فيه المسلمون هو من جملة دار الحرب ،فان دار االسالم اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين ،وعالمة ذلك :ان يأمن فيه المسلمون.
10
و والواقع المعاصر يشير إلى أنه ال أهمية للمجاورة
والمالصقة فقد تغيرت سبل االتصال بإمكان اإلنسان أن يصل إلى أبعد نقطة في العالم في أقرب وقت كما أن هيبة األمم والدول لم تعد بمظاهر القوة التي يراها الناس ،بل أصبحت وسائل اإلعالم والمؤسسات األخرى تساهم في نشر هيبة الدول وقوتها وقدرتها على السيطرة واالنتشار ،وأصبحت وسائل اإلعالم تبث من األخبار ما تظهر الدول في مظهر القوة والهيبة ولم تعد الهيبة قاصرة على القوة العسكرية فقط ،بل لها جوانب أخرى كغزو الفضاء واالكتشافات العلمية والتقدم التقني والقوة االقتصادية وغير ذلك. 8فتح العزيز على شرح الوجيز :عبد الكريم محمد الرافعي ,دار الكتب العلمية بيروت 1988م – .ص.14- 8 9مصنفة النظم اإلسالمية :مصطفى كمال وصفي مكتبة وهبة شارع عابدين القاهرة .1977 ,ص286 10
شرح كتاب السير الكبير ـ :محمد بن أحمد السرخسي (438ه) ,مطبعة شركة الالعالنات الشرقية1971 ,م .ج 3ص . 81
وانظر لنفس المعنى ,حاشية رد المختار على الدر المختار :محمد بن أمين ابن عابدين1096(,ه) ,مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده ,القاهرة ,الطبعة الثانيةـ 1386ه ـ ـ1966م ج-4ص. 175 13
وذهب بعض الحنفية إلى أن إظهار أحكام الكفر هي المعول عليها في وصف الدار بأنها دار حرب ،فقد جاء في الفتاوى الهندية " دار الحرب تصير دار إسالم بشرط واحد ،وهو إظهارحكم اإلسالم فيها ،ودار اإلسالم تكون دار حرب بشرط واحد ،هو إظهار أحكام الكفر فيها " وذهب المالكية إلى أن " دار االسالم هي ما تجري فيه أحكام المسلمين "
11
وقال الشافعية :كل دار ظهرت فيها دعوة االسالم من اهله بال خفير وال مجير وال بذل جزية ،ونفذ فيها حكم المسلمين على أهل الذمة ،ان كان فيهم ذمي ،ولم يقهر اهل البدعة فيها اهل السنة فهي دار االسالم.
12
وعند الحنابلة هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام اإلسالم وما لم تجر عليه أحكام اإلسالم لم يكن دار إسالم وان الصقها فهذه الطائف قريبة إلى مكة جدا ولم تصر دار إسالم بفتح مكة".
13
وعند اإلباضية أنها تصير دار إسالم بظهور أحكام اإلسالم وأن يأمن المسلمون و الذميون فيها .
14
وعند الزيدية أن " دار اإلسالم :ما ظهرت فيه الشهادتان و الصالة ،ولم تظهر فيه خصلة كفرية ولو تأويال إال بجوار وذمة من المسلمين ".
15
ويضع ابن حزم شرطا واحدا لوصف الدار بأنها ( دار إسالم ) وهو :أن يكون الحاكم مسلما .
16
والى هذا الرأي ذهب بعض الفقهاء المتأخرين كالشيخ عبدالوهاب خالف الذي يرى أن دار االسالم « :وهي الدار التي تجري عليها أحكام اإلسالم ،ويأمن من فيها بأمان المسلمين ،سواء أكانوا مسلمين أم ذميين ".
17
ويقول الشيخ محمد ابو زهرة " دار االسالم هي الدولة التي تحكم بسلطان المسلمين ،وتكون المنعة والقوة فيها للمسلمين. 11
18
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير :محمد بن عرفة الدسوقي ( 1232ه) دار احياء الكتب العربية ـ ـ القاهرة1979.م .ج 1ص
570
12أصول الدين :أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي (429ه) دار الكتب العلمية بيروت1401 ,ه ـ ـ 1981م ,ص
.270و حاشية البجيرمي على منهج الكالب الخطيب :سليمان بن محمد البجيرمي (1221ه) ,المكتبة التجارية الكبرى ,القاهرة,
1926م ج 4ص220
13أنظر :أحكام أهل الذمة ـ ابن القيم ،ج 1ص 366
14شرح كتاب النيل وشفاء العليل :محمد بن يوسف أطفيش ,دار الفتح -بيروت الطبعة الثانية لسنة 1973م ج 10ص 405 15السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار :محمد بن علي الشوكاني ,دار ابن حزم 1978 ,م .ج 4ص 575
16المحلى :أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي (546ه ) طبع بمصر بالمطبعة المنيرية بتحقيق وتعليق أحمد شاكر1987 .م .ج 11ص.200
17السياسة الشرعية أونظام الدولة اإلسالمية :عبد الوهاب خالف ,مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر و التوزيع1986 .م ,ص 69 14
ويقول الدكتور عبد الكريم زيدان " ال خالف بين علماء اإلسالم كافة أن دار الكفر تصير دار إسالم بمجرد إظهارأحكام اإلسالم فيها ،وتسلط المسلمين عليها" .وهي الدار التي ال تسودها أحكام اإلسالم الدينية والسياسية وال يكون فيها السلطان للحاكم المسلم ،بل يكون فيها السلطان والمنعة للكفار وظهرت فيها أحكام الكفر ،وذهب المتأخرين إلى اشتراط أن ال يكون بينها وبين الدولة اإلسالمية عهد أو عالقات سلمية ،وقد اختلف الفقهاء في تعريف دار الحرب إلى رأيين: الرأي األول :يرى أن دار الحرب هي التي تظهر فيها أحكام الكفر وال يكون السلطان والمنعة فيها للمسلمين وال تطبق
فيها أحكام اإلسالم وليس بينها وبين دار اإلسالم عهد ،وهذا رأي الجمهور.
19
ويقول محمد بن الحسن الشيباني " :اذا كانت دار من دور اهل الحرب قد وادع المسلمون اهلها على ان ال يجري عليهم المسلمون احكامهم فهذه دار الحرب» وقال السرخسي " :هذا بان الدار تصير دار اسالم باجراء احكام المسلمين فيها، وحكم المسلمين غير ٍ جار في هذه الدار المذكورة ،فكانت دار حرب ،دار الحرب ما يجري فيه حكم الكفار". يقول الكاساني" :تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها" .
20
21
ويقول ابن القيم" :وما لم تجر عليه أحكام اإلسالم لم يكن دار إسالم وان الصقها" .
22
وعلى هذا الرأي فإن االختالف بين
دار اإلسالم ودار الحرب يكون بظهور المنعة فأيما دولة ظهرت لإلسالم فيها منعة وسلطان فهي (دار اإلسالم) وان لم تظهر لإلسالم قوة أو سلطان فهي (دار الحرب) .الرأي الثاني :وقد ذهب إلى هذا الرأي أبو حنيفة و الزيدية ومذهبهم من ذلك أن الدار ال تصير دار حرب إذا كانت المنعة والسلطان لغير المسلمين ،بل ال بد أن تتوافر فيها ثالثة شروط: أ-أن تظهر فيها أحكام الكفر. ب-أن تكون متصلة بدار الحرب. ج-أن ال يبقى فيها مسلم أو ذمي آمنا باألمان األول (أي باألمان اإلسالمي األول).
18العالقات الدولية في اإلسالم :محمد أبو زهرة ,دار الفكر العربي ,القاهرة 1990 ,م ص 55
المستأمنيين ،لعبد الكريم زيدان ،ص.21 ،20 19أنظرأحكام الذميين و َ 20المقنع :عبد هللا بن أحمد بن قدامة,مكتبة الرياض الحديثة1400 ,ه ـ ـ 1980م ,ج – 1ص .415الفتاوى الكبرى :تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (728ه ) ,دار الكتب العلمية 1987م ,ج-4ص331
21بدائع الصنائع – الكاساني ص.130
22أحكام أهل الذمة – ابن قيم الجوزية ج – 2ص.366 15
ولم ينظر أصحاب هذا الرأي إلى المنعة والقوة والسلطان وانما نظروا إلى األمان بالنسبة للمسلم وللذمي ،ويترتب على هذا الرأي أن هناك نوعا من الديار ال ينطبق عليهم حكم دار اإلسالم وال دار الحرب وهي: د-الدار التي ال يتحقق للمسلمين فيها سلطان أو منعة. ه-الدار التي تتاخم المسلمين. واما دار الحرب عند الشافعية" :فهي كل دار لم تظهر فيها دعوة االسالم من اهلها ،ولم ينفذ فيها حكم المسلمين على أهل الذمة"
23
وعند الحنابلة" :هي دار الحرب هي ما غلب عليها احكام الكفر".
24
ومن المعاصرين قال عبدالقادر عودة " :دار
الحرب :تشمل كل البالد غير االسالمية التي ال تدخل تحت سلطان المسلمين ،أو ال تظهر فيها احكام االسالم ،سواء كانت هذه البالد تحكمها دولة واحدة او تحكمها دول متعددة ،ويستوي ان يكون بين سكانها المقيمين بها اقامة دائمة مسلمون او ال يكون ،ما دام المسلمون عاجزين عن اظهار أحكام االسالم" أحكام االسالم وال يأمن من فيها بأمان المسلمين".
25
وقال الشيخ عبدالوهاب خالف " :دار الحرب :هي الدار التي ال تجري فيها
26
23أنظر فتح العزيز – شرح الوجيز – للرافعي – ص14- 8 24أحكام أهل الذمة – ابن قيم الجوزية ج – 2ص.366 25التشريع الجنائي االسالمي :ج421 /1.
26السياسة الشرعية أونظام الدولة اإلسالمية ص69 16
المبحث الثالث دار العهد ظهرت فكرة دار العهد بعد استقرار الدولة اإلسالمية وتنظيم أمورها ،وتطورت هذه الفكرة مع طور عالقاتها وبظهور أحكام وظروف جديدة للدولة اإلسالمية ،فبعد أن كانت الحروب قائمة ولم يكن للدولة اإلسالمية عالقات (غير حربية) مع الدول األخرى نشأت ظروف جديدة كان من بينها استقرار الدولة اإلسالمية واتساع رقعتها واتصالها بدول وشعوب مختلفة ،ولذا فقد توجه الفقهاء لبحث هذه الحالة ،فهذه الدار لم يستول عليها المسلمون حتى تطبق فيها شريعتهم ،ولكن أهلها دخلوا في عهد المسلمين على شرائط اشترطت وقواعد عينت فتحتفظ بما فيها من شريعة أحكام ،وتكون شبيهة بالدول التي لم تتمتع بكامل استقاللها لوجود معاهدة معها. وترتبط دار العهد -أو دور العهود -بالدولة اإلسالمية بمواثيق وعهود ،كما تنصرف تسمية دار العهد إلى البالد التي لم تحارب المسلمين أو تعاديهم بحيث تشمل دور العهد جميع البالد التي ترتبط بمواثيق تنظم العالقة بين الدولة اإلسالمية وغيرها إلى جانب أنها تشمل البالد األخرى التي ال توجد بينها وبين المسلمين عهود أو مواثيق إال أنها لم تحاربهم أو تساعد محاربيهم. يقول الشيخ محمد ابو زهرة "دار العهد :حقيقة اقتضاها الفرض العلمي ،وحققها الواقع ،فقد كان هناك قبائل ودول ال تخضع خضوعا تاما للمسلمين ،وليس للمسلمين فيها حكم ،ولكن لها عهد محترم ،وسيادة في ارضها ،ولو لم تكن كاملة في بعض االحوال ،وقد قال بعض الفقهاء ان هذه الديار تدخل في عموم دار االسالم ،الن المسلمين لم يعقدوا هذه العهود اال وهم اهل المنعة والقوة ،ولكن الفقهاء الذين حرروا القول في القانون الدولي االسالمي
27
كالشافعي في "االم"
ومحمد بن الحسن الشيباني قرروا ان دار العهد نوع اخر" .28 27 28
العالقات الدولية في اإلسالم :محمد أبو زهرة ,ص.55
األم :محمد بن إدريس الشافعي (264ه ) دار الشعب ,القاهرة1968 ,م ,ج – 4ص – 103مغني المحتاج الى معرفة معاني
الفاظ المنهاج :محمد الشربيني الخطيب (977ه ) ,المكتبة التجارية الكبرى القاهرة 1392 ,ـ ه ـ ـ 1972م – 34 ,ص332
17
من استقراء أقوال الفقها ء يتضح أنه ال يوجد اتفاق بينهم على ( تعريف ) دار اإلسالم ودار الحرب ،بل اليوجد توصيف محدد لهاتين الدارين أو ما أضيف لهما من دار جديد ،ويبدو أن ذلك ارتبط بالمرحلة التاريخية التي نشأ فيها المصطلح و تطبيقاته ،فخالل الفتوحات اإلسالمية و حالة الحرب مع اآلخر فإن التقسيم كان واضحا لبيان الموقف من عالقة المسلمين بغيرهم ،ولكن مع التطور التاريخي ووجود حالة جديدة في العالقة نشأت من استقرار الدولة اإلسالمية ،ونشوء طلح عليه بـ ( الموادعة ) فقد نشأ نموذج جديد للتقسيم وهو دار صورة جديدة لهذه العالقة متمثلة في المعاهدة أو ما اص ُ العهد ،ويبدو أن المعول في التقسيمات ( الثنائي أو الثالثي ) ارتبطت ـ كما يرى بعض الباحثين ـ بغلبة األحكام على اي من الدارين أو الدورالمتعددة وهو ما يعرف بالمصطلح القانوني الحديث بمبدأ ( السيادة ) ،فاألقاليم التي تسود فيها أحكام اإلسالم حملت ص فة ( دار اإلسالم ) وما غابت عنه هذه الصفة فهو( دارحرب ) ،والواقع أن مفهوم السيادة يحدد الشأن الداخلي للدولة ومدى سلطانها على إقليمها ،لكن تقسم العالم إلى دارين أوسع من ذلك ألنه يحدد طبيعة العالقة مع اآلخر ال بناء على غلبة أو سيادة قانون معين فقط بل بسبب طبيعة العالقة مع اإلقليم اآلخر هل هي حرب أوسلم ،وقد رتب الفقهاء بناء على ذلك أحكاما محددة لكال الدارين ،واذا كانت دار اإلسالم واضحة و محددة في أحكامها ،فإن دار ( الحرب ) أو (الكفر) لم تحظ باتفاق بين الفقهاء على الموقف من طبيعة األحكام التي يجب أن يتم التعامل بها مع هذه الدار ،ولعل من ابرز األحكام المتعلقة بدار ( الحرب ) التي بحثها الفقه .
18
الفصل الثاني أثر تقسيم العالم عند الفقهاء لقد كان من أثار تقسيم العالم أن الفقهاء بحثوا المسائل المترتبة على تقسيم العالم إلى دارين أو أكثر ،واجتهدوا في أصدار أحكام تتعلق بهذا التقسيم و من ذلك بعض المفاهيم ذات الصلة بالقانون الدولي مثل مبدأ المعاملة بالمثل أي معاملة غير المسلمين الداخلين إلى دار اإلسالم كما يعامل المسلمون في دار الحرب .كما ينطبق هذا المبدأ أيضا على التمثيل الدبلوماسي رغم أن حصانة الممثل الدبلوماسي كان عرفا متبعا في التمثيل الدبلوماسي .ويطبق أيضا في تبادل األسرى وفي دفع الفدية .وكانوا يعتبرون المسلمين وغير المسلمين شخصيتين لكل منهما وضعها القانوني سواء كانوا أفرادا أو جماعات .وكان النفصال األقاليم آثار قانونية تمس عالقات المسلمين مع غيرهم من الشعوب .وهكذا نجد أن الفقهاء ،في الوقت الذي كانت فيه الشريعة اإلسالمية ملزمة لكل مسلم في أي إقليم يقيم فيه ،يدخل فكرة اإلقليمية في العالقات بين المسلمين وغير المسلمين .و هذا الفصل فيتطرق إلى المعامالت المالية ,أحكام الدماء وفكرة الدارين في المعايير االسالمية في ثالثة المباحث: المبحث االول :المعامالت المالية المبحث الثاني :أحكام الدماء المبحث الثالث :فكرة الدارين في المعايير االسالمية.
19
المبحث االول المعامالت المالية فقد ذهب بعض الفقهاء ألى أنه " الربا بين المسلم و الحربي في دار الحرب " وأهل الحرب في دار الحرب "
30
29
يقول السرخسي " ال ربا بين المسلمين
قال الطبري :قال أبو حنيفة وأصحابة " إذا دخل المسلم دار الحرب فال بأس أن يبيعهم
درهما بدرهمين ،ويبيعهم الخنزير و الميتة و الخمر و يربي عليهم ،ويبيعهم الفضة بالفضة و الذهب بالذهب و كل ما نهي عنه ،الواحد باثنين و أكثر يدا بيد ونسيئة " وقالوا " إذا دخل مسلم دار الحرب فباع بعضهم من بعض درهما بدرهمين إن ذلط يجوز " لكن أبويوسف خالفهم ولم يجز شيئا من ذلك .
31
ونقل ابن نجيم عن بعض الحنفية قوله " ولو
دخل ( أي المسلم ) دار الحرب بأمان وأخذ مال الحربي بغير طيبة من نفسه وأخرجه إلى دار اإلسالم ،ملكه" ابن القاسم من المالكية " وله ـ أي المسلم إذا دخل دار الحرب ـ أن يسرق ما بأيديهم و ال يعاملهم بالربا". ومن ذلك إباحة األموال في دار الحرب إذ يرى بعض الفقهاء أن " أموال دار الحرب مباحة "
34
32
وعن
33
وذكر بعض الفقهاء أن "
النهبة مباحة في بالد العدو ،وغير مباحة في دار اإلسالم " .35وقال الجصاص :األمالك الصحيحة هي التي توجد في دار اإلسالم ،وما كان في دار الحرب فليس بملك صحيح ،ألنها دار إباحة ،وأمالك أهلها مباحة" .36ويرى الرافعي " أن المسلمين إذا أخذوا ماال ـ في دار الحرب ـ على صورة السرقة فأنه يصبح ملك من أخذه ،فمال الحربي غير معصوم ،
29العالقات الدولية في اإلسالم ـ محمد أبو زهرة ص .57
30شرح فتح القدير :كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن الهمام( 861ه ) المكتبة التجارية الكبرى القاهرة1356 ,ه 34 .ج 7ص
39
31المبسوط :محمد بن أحمد السرخسي (438ه) ,دار المعرفة بيروت الطبعة الثانية 1359 ,ه ج 14ص 69
32إختالف الفقهاء :أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ( 310ه ) دار الكتب العلمية بيروت -لبنان1987 ,م ,ص.82 .
33البحر الرائق شرح كنز الدقائق :زين الدين بن نجيم (970ه ) ,الطبعة االولى المطبعة العلمية ,القاهرة1311 ,ه ,ج 6ص
.157
34النوادر والزيادات :محمد بن عبد هللا بن أبي زيد القرواني(386ه ) ,دار الغرب االسالمي 1990 ,م ,ج 3ص .319
35المغني :عبد هللا بن أحمد بن قدامة ( 652ه ) ,المطبوع مع الشرح الكبير دار الكتاب العربي بيروت 1392ـ ه ـ ـ 1972م, ج 5ص 720
36أحكام القرآن :أبو بكر الجصاص الرازي ( 370ه) ,دار المصحف الطبعة الثانية ,بيروت 1988م ,ج 2ص 425 20
وكأنه غير مملوك ،وصار سبيله سبيل االستيالء عليه من المباحات ". الكفر".
37
وعند ابن تيمية ال يحرم الربا في دار
38
محرم بين مسلم ومسلم ،وبين مسلم وكافر في ديار اإلسالم ، لكن جمهور الفقهاء كمالك والشافعي وأحمد ذهبوا أن الربا َّ أو ديار الكفر ،أو ديار الحرب .قال الشافعي " واذا كان المسلمون أسارى أومستأمنين أو رسال في دار الحرب فَقتَل بعضهم بعضا أو قذف بعضهم بعضا ،أو زنوا بغير حربية ،فعليهم في هذا كله الحكم ،كما يكون عليهم لو فعلوه في بالد اإلسالم ،و ال تُسقط دار الحرب عنهم فرضا ،كما ال تُسقط عنهم صوما و ال صالة و الزكاة ،فالحدود فرض عليهم " .
39
قال ابن قدامة " ويحرم الربا في دار الحرب ،كتحريمه في دار اإلسالم ،وبه قال مالك ،واألوزاعي ،وأبو
يوسف ،والشافعي ،واسحاق.
40
وذهب أحمد و األو ازعي إلى عدم جواز أخذ أموال أهل دارالحرب بغير طريقة مشروعة فقد قال األوزاعي عن المسلم يأخذ من أموال أهل دارالحرب " المؤمن ليس بختار و الغدار َ ،ي ُرد عليهم ما أُخذ منهم ".
41
وقال ابن المنذر " إذا دخل الرجل
إلى دار الحرب بأمان فهو آمن بأمانهم ،وهم آمنون بأمانه ،وال يجوز أن يغدر بهم و اليخونهم و اليغتالهم فإن أخذ منهم شيئا رده إليهم ،فإن خرج منه شيئ إلى دار اإلسالم وجب رد ذلك إليهم و ليس لمسلم أن يشتري ذلك و ال يتلفه ، ألنه مال له أمان " وقال ابن قدامه أن من " خانهم أو سرق منهم أو اقترض شيئا منهم ـ أي من أهل دار الحرب ـ وجب عليه رد ما أخذه إلى أربابه ،فإن جاء اربابه إلى دار اإلسالم بأمان أو إيمان رده عليهم ،واال بعث به إليهم ،ألنه أخذه على وجه َح ُرَم عليه أخذه ،فلزمه رد ما أخذه ،كما لو أخذه من مال مسلم " .
42
37فتح العزيز شرح الوجيز ـ الرافعي ج 11ص 425 38المغني الن قدامة:ج 8ص .433 39األم ـ الشافعي ج 9ص .310
40األوسط في السنن واإلجماع واالختالف :أبو بكر تحمد بن ابراهيم بن المنذر 319( ,ه ) ,دار الفالح ,بيروت1987 ,م ,ج 11
ص 292 41
المغني البن قدامة ح 8ص 438
42
المغني البن قدامة ح 8ص 458 21
المبحث الثاني أحكام الدماء ذهب بعض الفقهاء إلى أن دماء غير المسلمين مباحة في دار الحرب قال السرخسي " الحربي في دار الحرب كالميت في حق المسلمين".
43
قال الطبري :قال أبو حنيفة وأصحابه " لو شرب مسلم خم ار في دار الحرب أو زنى ثم ُرفع إلينا بعدما
خرج إلى دار اإلسالم لم ُيَقم عليه الحد ".
44
قال القرطبي في تفسيره :و المسلم اذا لقي الكافر و ال عهد له جاز قتله".
45
و ذكر ابن تيمية أن " نفوس الكفار المحاربين و أموالهم مباحة للمسلمين " .46قال ابن تيمية :و لهذا أوجبت الشريعة قتال أن تلقيه السفينة إلينا أو الكفار ولم توجب قتل المقدور عليهم منهم بل إذا أسر الرجل منهم في القتال أو غير القتال مثل ْ ٍ فإنه يفعل فيه اإلمام األصلح من قتله أو استعباده أو المن عليه أو مفاداته ٍ بحيلة َّ بمال أو نفس عند يضل الطريق أو يؤخذ أكثر الفقهاء ,كما دل عليه الكتاب والسنة. .1
47
تطبيق الحدود
فقد ذهب بعض فقهاء المالكية إلى عدم إقامة الحدود في دار الحرب كحد الزنا أو السرقة فقد ذهب أشهب إلى أن من ارتكب الزنا في دار الحرب " ال يحد ألنها شبهة ،لما كان له أن يسبيهم ويسترق منهم ويأخذ ما قدر عليه صار بذلك شبهة ،وكذلك لو حارب فقطع الطريق فال شيئ عليه ،إال أن يفعل ذلك بمسلم أو ذمي" .48 وذهب الحنفية إلى ترك الحد في الزنا و السرقة في دار الحرب .قال الكاساني " من زنى في دار الحرب أودار البغي ثم خرج إلينا ال يقام عليه الحد ،ألن الزنا لم ينعقد سببا لوجوب الحد حين وجوده ،لعدم الوالية في يستوفى بعد ذلك ".
49
43ألوسط في السنن واإلجماع واالختالف :أبو بكر تحمد بن ابراهيم بن المنذر 319( ,ه ) ,دار الفالح ,بيروت1987 ,م ,ج 11
ص 292
44المغني ـ إبن قدامة ج 8ص 458
45الجامع ألحكام القرآن :محمد بن أحمد القرطبي (761ه )ـ دار احياء التراث العربي ,بيروت1967 ,م ,األية 94من سورة النساء .المبسوط ـ السرخسي ج 10ص .111
46مجموعة فتاوى ابن تيمية ج 5ص .720 47مجموعة فتاوى ابن تيمية ج 5ص .720 48
اختتالف الفقهاء :ابن جرير الطبري ص .82
49بدائع الصنائع ـ الكاساني ج 9ص.4152
22
وعلى هذا ,إن الجريمة إما أن تقع من المسلم على المسلم .ويقول الجصاص :ومن في دار الحرب يستباح قتله "
50
أو على غيره ،أو من غير المسلم على المسلم؛ كما أنها إما أن تكون في دار اإلسالم أو غيرها ،فعلى ذلك يمكن أن تُقسم هذه االحتماالت إلى المسائل .األولى إقامة العقوبة على المستأمن في دار اإلسالم ,الثانية إقامة العقوبة للمستأمن في دار اإلسالم ,الثالثة إقامة العقوبة على المسلم والذمي في دار الحرب. أ .المسألة األولى :إقامة العقوبة على المستأمن في دار اإلسالم. صورة المسألة :أن يقع من المستأمن جناية أو ما يوجب حدا؛ كأن يقتل أو يسرق أو يزني أو نحو ذلك ،فهل يقام عليه يها الحد أو ال؟ اتفق الفقهاء على أن المستأمن في دار اإلسالم إذا َقتَل عمدا ،فإنه ُيقتل لقول هللا تعالىَ " :وَكتَْبَنا َعَل ْيه ْم ف َ قتل
النْف َس ب َّ َن َّ أ َّ صاص" .ولـما جاء أن النبي قتل الع ْي َن باْل َعين َو ْ ْ اال ْن َ النْفس َو َ ف باالَْنف َو الس َّن بالسن َو اْل ُج ُرو َح ق َ
رض اليهودي رأس جارية من األنصار فقتلها يهوديا ،عندما َّ
51
وسواء أكان المقتول مسلما أم ذميا أم مستأمنا.
52
المستأمن الجرائم التي توجب حدا ،فقد اختلف الفقهاء في إقامة الحد عليه .فذهب األحناف إلى التفريق وأما إذا ارتكب َ في الحدود بين ما كان حقا خالصا هلل تعالى ،وهي جميع الحدود ما عدا حد القذف ،وبين ما كان حقا للمسلم وهو حد القذف؛ لذلك فما كان من الحدود حقا هلل فال ُيقام على المستأمن ،فإذا زنى أو سـرق أو قطع الطريق ،فال ُيقام عليه الحد، وعلـة ذلك :أنه لم يدخل دار اإلسالم على سبيل اإلقامة والتوطن بل على سبيل العارية؛ ليعاملنا ونعامله.
53
وأما إذا قذف مسلما أو ذميا فإنه يقام عليه الحد؛ ألنه لما طلب األمان من المسلمين فقد التزم أمانهم عن اإليذاء بنفسه وظهر حكم اإلسالم في حقه.
54
وقد وافقهم الشافعية في أصح األوجه عندهم ،فقالوا بعدم إقامة حد الزنا على المستأمن أو
50أحكام القرآن ـ الجصاص ج 1ص . 68النوادر والزيادات ـ إبن أبي زيد القرواني ج 3ص 320
51رواه البخاري ( ) 6876كتاب الديات باب سؤال القاتل حتى ُيقر ،ومسلم ( ) 1672كتاب القسامة باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره. 52
مراتب اإلجماع البن حزم ص ،138بدائع الصنائع للكاساني ،273/7حاشية ابن عابدين ،209/6الفواكه الدواني ألحمد بن
53
بدائع الصنائع .34/7
مهنا ،293/2المغني 459/11 54
المصدر السابق.
23
حد السرقة لعدم التزام المستأمن بذلك. نقض العهد.
56
55
وأما عند المالكية فالمشهور من المذهب أن المستأمن إن زنى فإنه ُيقتل؛ ألنه
وعند الحنابلة ُيقام عليه الحد ،وال يسقط بإسالمه.
57
ومن المسائل المعاصرة في هذه المسألة :مسألة سفراء الدول غير اإلسالمية لدى الدول اإلسالمية ،وكذلك الممثلون السياسيون ،فهل ُيقال إنهم ال يخضعون في العقوبات إال لقانون بالدهم؟ يقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه هللا" :ال شك أن العرف إنما يؤخذ به إذا لم يخالف نصا هذا عرف سياسي ،والمعروف عرفا كالمشروط شرطا ،ولكن يجب أن نعلم أن ُ شرعيا لقول النبي
" " :كل شرط ليس في كتاب هللا فهو باطل" .
58
وعلى ذلك نقول :أنه إذا اشترط صراحة في التمثيل
العرف على أنهم ُيعفون من إقامة الحدود عدم إقامة الحدود على الممثلين السياسيين ،فإن الشرط يكون باطال ،واذا كان ُ عليهم ،فهو عرف فاسد يعارض النصوص فال ُيلتفت إليه .هذا تطبيق رأي جمهور الفقهاء. أما تطبيق رأي الحنفية الذي يجعل شرط إقامة الحد الوالية الحكمية – أي بالنسبة للمستأمنين -ولذا ال تقام الحدود عليهم، فإنه يتسع إلعفاء الممثلين السياسيين من إقامتها؛ ولكن يجب أن ُينبه إلى أن من يرتكب ما يوجب إقامة الحد منهم ُيخرج فو ار حتى ال يكون بقاؤه فيه تحريض على الفساد ،ودعوة إليه.
59
ب .المسألة الثانية :إقامة العقوبة للمستأمن في دار اإلسالم. المستأمن ،فال يخلو إما أن يكون القاتل مسلما أو ذميا أو مستأمنا .فإن كان صورة المسألة أن يكون المقتول هو َ مستأمنا فال خالف في قتله كما تقدم ،وان كان القاتل مسلما ،فقد ذهب الحنفية والمالكية ،والشافعية ،والحنابلة ،والظاهرية إلى أنه ال ُيقتل المسلم بالمستأمن وكلهم قالوا إال الحنفية :وال بالذمي.
55 56 57 58
60
واستدلوا على ذلك بحديث علي رضي هللا عنه
مغني المحتاج .228/4 ،191 /4
القوانين الفقهية البن جزي الغرناطي ص ،371الفواكه الدواني .341/2 المبدع شرح المقنع البن مفلح ،383/7اإلنصاف للمرداوي .172/10
رواه البخاري ( ) 2168كتاب البيوع باب إذا اشترط شروطا في البيع ال تحل ،ومسلم ( ) 1504كتاب العتق باب الوالء لمن
أعتق. 59 60
العقوبة في الفقه اإلسالمي ص .285 -284
حاشية ابن عابدين ،208/6بداية المجتهد ،399/2تكملة المجموع ،356/18المبدع ،214/7المحلى .349/10 24
عن النبي عموما.
62
" أنه قـال ( :ال ُيقتـل مسلم بكافر ) ،61فلفظ الكافر نكرة في سياق النفي فاشتمل على جنس الكفار وأما الحنفية فقالوا بأن المسلم ُيقتل بالذمي دون المستأمن63 .واستدلوا على ذلك بما يلي:
صاص َحَي َّ اة َيأُولي اْالَْلَباب" )1عمومـات نصوص القصـاص ،نحو قولـه تبـارك وتعالى"َ :و َل ْ كثم في اْلق َ )2أن رسول هللا
" أقاد مؤمنا بذمي ،وقال" :أنا أحق من وفى ذمته".
64
65
)3القياس على المسلم بجامع عصمة الدم في ٍ كل . وأجابوا عن االستدالل بالحديث بأن المراد من الكافر المستأمن؛ ألنه قال عليه الصالة والسالم "ال يقتل مؤمن بكافر ،وال ذو عهد في عهده" عطف قوله " ،وال ذو عهد في عهده" على المسلم فكان معناه ال يقتل مؤمن بكافر ،وال ذو عهد به –66.أي بكافر . - ( )1وأجيب عن حملهم على ذلك بأن قوله :ال يقتل مسلم بكافر" يقتضي عموم الكافر فال يجوز تخصيصه بإضمار ،وقوله " :وال ذو عهد" كالم مبتدأ :أي ال يقتل ذو العهد ألجل عهده.
67
عمدا هو الذمي ،فقد اختلف الفقهاء في القصاص للمستأمن على قولين: وأما إذا كان القاتل ْ القول األول :ذهب أكثر الحنفية إلى عدم القصاص من الذمي للمستأمن. وعللوا ذلك :بأن عصمة المستأمن ما ثبتت مطلقة بل مؤقتة إلى غاية مقامه في دار اإلسالم ،فكانت في عصمته شبهة العدم .
61 62 63 64 65 66 67
68
رواه البخاري ( ) 3046كتاب الجهاد باب فكاك األسير.
عون المعبود شرح سنن أبي داود .169/12
بدائع الصنائع ،236/7حاشية ابن عابدين .132/10 سورة البقرة آية .179
رواه ابن أبي شيبة في المصنف ( ،141/9 ) 27909والحديث ضعيف لضعف عبد الرحمن بن البيلماني ،وقد رواه مرسال.
حاشية ابن عابدين ،208/6بداية المجتهد ،399/2تكملة المجموع ،356/18المبدع ،214/7المحلى .349/10
رواه البخاري ( ) 3046كتاب الجهاد باب فكاك األسير.
25
والغريب في األمر أن الحنفية يقولون بقتل المسلم بالذمي كما تقدم ،وال يقولون بقتل الذمي بالمستأمن ،وهذا مما ُيضعف قولهم ألن المساواة حاصلة بين الذمي والمستأمن في الدين والعصمة ،بخالف المسلم مع الذمي فال مساواة ،ثم إنه ٍ جار على قاعدة القياس. القول الثاني :ذهب جمهور الفقهاء المالكي ُة والشافعية والحنابلة إلى وجوب القصاص على الذمي في النفس وما دونها.
69
ٍ مساو للمستأمن في الدين والعصمة ،فكالهما له عهد وأمان ،فال يحق االعتداء عليه بغير واستدلوا على ذلك بأن الذمي حق. وسبب الخالف في هذه المسألة هو أن األحناف بنوا قولهم على األخذ باالستحسان الذي هو من أصول مذهبهم ،فعدلوا بهذه المسألة عن حكم نظيرها وهو القتل إلى عدم قتل الذمي استحسانا .قال ابن عابدين رحمه هللا عن الذمي :هو بمثله – أي المستأمن – قياسا للمساواة ال استحسانا لقيام المبيح وهو عزمه على المحاربة بالعود.
70
ج .المسألة الثالثة :إقامة العقوبة على المسلم في دار الحرب. اختلف الفقهاء في إقامة الحد على المسلم إذا فعل الجريمة في دار الحرب على قولين: القول األول :أن المسلم إذا زنا في دار الحرب ،أو سرق ،أو قذف مسلما ال يؤخذ بشيء من ذلك ،وكذلك إذا قتل مسلما ال يؤخذ بالقصاص وان كان عمدا ،ولو فعل شيئا من ذلك ثم رجع إلى دار اإلسالم ال يقام عليه الحد أيضا ،ويضمن الدية خطأ كان أو عمدا ،إال إذا غ از الخليفة مع المسلمين فله أن يقيم الحدود ،وهذا قول الحنفية.
71
واستدلوا على ذلك بأن إمام
المسلمين ال يقدر على إقامة الحدود في دار الحرب لعدم الوالية ،ولو رجع إلى دار اإلسالم ال يقام عليه الحد؛ ألن الفعل
68 69 70 71
عون المعبود شرح سنن أبي داود .169/12
بدائع الصنائع ،236/7حاشية ابن عابدين .132/10 حاشية ابن عابدين .132/10 حاشية ابن عابدين .132/10 26
لم يقع موجبا أصال – أي موجبا للقصاص -لتعذر االستيفاء إال بالمنعة والمنعة منعدمة ،وألن كونه في دار الحرب أورث شبهة في الوجوب ،والقصاص ال يجب مع الشبهة.
72
القول الثاني :أن من ارتكب جريمة في دار الحرب ،فإنه يقام عليه الحد ولو في دار الحرب ،وهذا مذهب المالكية والشافعية والظاهرية 73,وهو قول اإلمام األوزاعي في غير القطع في السرقة حيث قال " :من أُمر على جيش وان لم يكن أمير مصر من األمصار أقام الحدود في معسكره غير القطع حتى يقفل من الدرب فإذا قفل قطع" .
74
واستدلوا على ذلك
السار ُق و بأنه ال فرق بين دار الحرب ودار اإلسالم فيما أوجب هللا على خلقه من الحدود ألن هللا عز وجل يقولَ :و َّ َّللا ". . . ط ُعوا اَْيدَي ُه َما َج َزآء ب َما َك َسَبا َن َكاال م َن َّ َّ السارَق ُة َفْق َ 76
75
الزنَي ُة و َّ ويقولَّ " : اجل ُدوْا ُك َّل َواح ٍد م ْن ُه َما م ْاَئ َة َجْل َد ٍة" الزاني َف ْ َ
رسول هللا (ص) على الزاني الثيب الرجمَّ ، القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بالد اإلسالم وال في وحد هللا وس َّن َ ُ َ
بالد الكفر ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببالد الكفر.
77
القول الثالث :ال تقام الحدود في دار الحرب ،وانما تُؤخر إقامتها حتى ُيرجع إلى دار اإلسالم ،وهذا قـول الحنابلة ،واسحاق بن راهويه،
78
وهـو قـول األوزاعي في حـد القـطع فقط كما تقدم .واستدلوا على تأخير الحدود ،بما روى ُب ْسر بن أبي أرطاة
برجل في الغزاة قد سرق ُب ْختيَّة،
72 73
80
79
،أنه أتي
الغزاة" لقطعت يدك 81.وروي فقال :لوال أني سمعت رسول هللا (ص) يقول " :ال تقطع األيدي في َ
بدائع الصنائع .131/7
المدونة الكبرى ،2542/7بداية المجتهد ،298/2مغني المحتاج ،26/4المغني .473/11
74
رواه البيهقي في السنن الكبرى ،34/8من طريق جابر بن يزيد الجعفي عن علي رضي هللا عنه ،وقد تفرد بروايته عنه ،قال ابن
75
سورة المائدة آية .38
حجر :جابر الجعفي ضعيف رافضي ( تقريب التقريب ص .) 113 76 77
سورة النور آية .2
األم .583/8
78
المغني .173/13
80
البختية من اإلبل :الخراسانية.
79قال ابن حجر في التقريب ص ُ :95بسر بن أرطاة ،ويقال بسر بن أبي أرطاة ،اسمه عمير بن عويمر بن عمران القرشي ،نزيل الشام من صغار الصحابة ،مات سنة ست وثمانين. 81
رواه أبو داود ( ) 4408كتاب الحدود باب الرجل يسرق في الغزو ،أيقطع؟ 27
جيش ،وال سر ٍ ٍ ية رجال من المسلمين حدا وهو غازٍ حتى يقطع َّ أن عمر رضي هللا عنه كتب إلى الناس" :أن ال َيجل َّ الدرب أمير دن ُ فيلحق بالكفار" 82.وألنه إجماع الصحابة رضي هللا عنهم . قافال ؛ لئال تلحقه حمي ُة الشيطان َ
83
والذي يظهر أن هذا القول هو األقرب للصواب لصحة حديث ُب ٍ ـسر وصراحته ،مـع اعتضاده بأثر عمر رضي هللا عنه، فعلى ذلك يكون مخصصا لعمومات األدلة في إقامة الحدود ،ويكون من باب المصلحة جمعا بين األدلة .وبالنسبة للمسلمين في ديار الكفر غير الحربية إذا ارتكبوا جريمة الزنا أو شرب الخمر أو غيرها مع ثبوت ذلك عليهم ،فإن الواجب إقامة الحد بحسب القدرة واالستطاعة على ذلك ،أما إذا لم يستطع إمام المسلمين إقامة الحدود في تلك البالد ،فال بأس بتأخيرها حتى رجوع مرتكبيها إلى دار اإلسالم فيقيمها عليهم؛ لكن ال تسقط عنهم بحال من األحوال. .2
84
اإلقامة في دار الحرب
الوجود اإلسالمي خارج الوطن اإلسالمي يتطو ار سريعا كما وكيفا بين من يريد من إقامته هناك استفادة ظرفية عابرة وبين من يريد االستقرار ،وقد بدأ المسلمون الهجرة إلى الدول الغربية بعد منتصف القرن العشرين ،جماعات ووحدانا ،وأس ار وأف اردا ،بسبب ظروف شتى حلت بهم وببالدهم .ولم تكن هجرتهم إلى تلك البالد ،وتكوينهم بعد ذلك جالية كبيرة لها انتشارها وامتدادها ،منبثقة عن تخطيط مهم أو من دولهم ،بل كل ذلك نتيجة ظروف ألمت بهم أو نكبات حلت ببالدهم. وأيضا لم تكن بواعث تلك الهجرة متحدة في أهدافها ومسبباتها بل كانت متفاوتة ..ووجد فقهاء اإلسالم أنفسهم أمام ظاهرة لم تكن مألوفة من قبل ،وال عهد لسلفهم بها .فبدال من إقامة المسلمين في بالدهم اإلسالمية والتنعم في ظل مجتمع مسلم، وهو وان لم يلتزم كل أحكام الشريعة اإلسالمية في حياته ،إال أنه لم ينحل عن جميع معالمها ،إذا بهم أو بكثير منهم يؤثرون اإلقامة في مجتمع ال يمت إلى الشريعة بصلة ،وان بدا ألول وهلة أنه مجتمع مثالي. فتحيرت أفهام العلماء أمام هذه الظاهرة ،واختلف أقوالهم في بيان الحكم الشرعي ..فمن محرم لإلقامة خارج ديار اإلسالم وداع المهاجرين المسلمين للعودة إلى بلدانهم األصلية ،ومن متحمس لتوسيع هجرة المسلمين وتعميق أثرها في بالد الغرب 1..وقائل آخر بالتوفيق بين التقيد بالثوابت اإلسالمية وبين مقتضيات المواطنة للمسلمين خارج البالد اإلسالمية مع ضرورة العمل بشتى الوسائل
82 83 84
رواه ابن شيبة في المصنف 565/6كتاب الحدود باب في إقامة الحد على الرجل في أرض العدو.
المغني .173/13
كتاب اختالف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة د.عبد العزيز األحمدي .372/2 28
لتحصين المسلمين هناك وتقوية كيانهم دون إخالل باألنظمة المرعية وتحديد الثوابت اإلسالمية التي يتعرض المسلمون خارج البالد اإلسالمية لتغييرها ،ورسم السبل للحفاظ عليها ..وفي هذا المقال يلقي الضوء على مسألة إقامة المسلم خارج الوطن اإلسالمي من المنظور الشرعي.
85
والهجرة من دار الكفر إلى دار اإلسالم مرتبط ارتباطا وثيقا بمدى قدرة المسلم على شعائر دينه بأمان وبعدم
خشية الفتنة في دينه ودين أهله فإن كان ال يقدر على إظهار دينه ويخاف الفتنة واالضطهاد فيه أو في دين أسرته ففي هذه الحالة
تجب عليه الهجرة متى استطاع عليها باإلجماع 86.يقول هللا تعالى :إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في األرض قالوا ألم تكن أرض هللا واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصي ار إال المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ال يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيال فأولئك عسى هللا أن يعفو عنهم وكان هللا غفو ار رحيما.
87
ففي اآلية الكريمة أوجب هللا الهجرة على المسلمين الذين يقيمون بين ظهراني المشركين وال يقدرون على إقامة الدين بشرط المقدرة واآلية عامة في كل مسلم فقوله تعالى{ :ظالمي أنفسهم} أي بترك الهجرة وبارتكاب الحرام باإلقامة بين الكافرين من غير أن يتمكن من أداء واجباته الدينية إن كان قاد ار بها ألنه غير معذور. يقول الرسول صلى هللا عليه وسلم" :أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ال تتراء نارهما".
88
وفي حديث معاوية
وغيره مرفوعا قال :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول" :ال تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".
89
فحمل العلماء الهجرة في الحديثين على من خاف الفتنة واضطهد وقالوا :أمر المسلمون باالنتقال إلى حضرة النبي صلى هللا عليه وسلم ليكونوا معه فيتعاونوا ويتظاهروا إن حزبهم أمر وينضموا إلى المؤمنين في القيام بنصرة الرسول ويتعلموا منه أحكام الدين ويتفقهوا فيها ويحفظوا عنه وينقلوه".
85 86 87 88 89
90
أحكام األحوال الشخصية للمسلمين في الغرب للدكتور سالم بن عبد الغني الرافعيدار ابن حزم :ص 6-5
2من مقابلة شخصية لخالد محمد عبد القادر مع الدكتور وهبة الزحيلي ،كتاب األمة ،فقه األقليات اإلسالمية. النساء99-97:
أحكام القرآن للجصاص 305/2وتفسير ابن كثير .541/1
رواه أبو داود
29
وعن واجب المسلم الذي يعيش في مجتمع غير مسلم لظروف معينة يقول الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه هللا: "إذا كان هناك ضرورة فال بأس بشرط أن يكون قاد ار على إظهار دينه وأما إذا لم يكن هناك ضرورة فال يقيم في بالد الكفر ألن اإلقامة في بالد الكفر خطر على اإلنسان في عقيدته وأخالقه وقد قال هللا تعالى ألولئك الذين ال يهاجرون من بالد الكفر إلى بالد اإلسالم { :إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم} فالواجب على اإلنسان أن ال يقيم في بالد الكفر إذا كان عاج از عن إظهار دينه أما إذا كان غير عاجز وليس له مأوى غير هذه البلدة فإنه ال بأس إن شاء هللا".
91
وال شك أن من شروط وجوب الهجرة توفر حرية االنتقال والدار التي يفر إليها المسلم بدينه واذا نظرنا إلى واقع دار اإلسالم المعاصرة نجد أن هذه الدار غير مؤمنة وغير مهيئة كاملة تمكنها من استقبال عشرات الماليين من المسلمين المضطهدين في العالم هذا إن سمحت األنظمة بدخولها أصال وأذنت أنظمة بالدهم بالرحيل عنها .فالمسلمون الذين يفتنون في ديارهم من أجل عقيدتهم وهم غير قادرين على الهجرة معافون إن شاء هللا من اإلثم. ولكن يجب التذكير أن أي جماعة مسلمة في بلد من البالد غير اإلسالمية تقدر أن تحمي دينها ونفسها ومالها فإنه يحرم الخروج منه ويجب البقاء فيه يقول صاحب نهاية المحتاج" :من قدر على االمتناع واالعتزال في دار الكفر ولم يرج نصرة المسلمين بالهجرة كان مقامه واجبا ألن محله دار إسالم فلو هاجر لصار دار حرب ثم إن قدر على قتالهم ودعائهم لإلسالم لزمه واال فال".
92
وفي الجملة إذا كان المسلمون في ديار المشركين ضعفاء ال يرجون ببقائهم ظهور اإلسالم ويمنعون من إظهار شعائرهم الدينية والقيام بواجباتها وجبت عليهم الهجرة متى توفرت شروطها واال فال مع بقاء نية الهجرة قائمة في القلب والعمل على قدر وسع النفس لتحقيقها قال تعالى{ :يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون}. والجمهور يستحبون للمسلم أن يهجر دار الكفر وان استطاع إظهار دينه حتى ال يكثر سوادهم ويميل إليهم في الرسوم والخلق والعادة والهيئة بحكم الجوار والصحبة ويتأكد هذا االستحباب في العصر الحاضر لشيوع الفواحش والمنكرات في
90
رواه الثالثة واسناده صحيح والترائي :تفاعل من الرؤية وهو كناية عن التباعد بين المسلم والمشرك وأنه ال ينبغي للمسلم أن يساكن
91
الجامع ألحكام القرآن للقرطبي .350/5
المشركين ويقيم بينهم. 92
كتاب األمة فقه األقليات ص 7
30
بالد الكفر وضعف السلطة األبوية على األوالد ذكو ار واناثا ومما ينبغي على المسلم أن يختار أقل العمل إثما إن استطاع قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى" :أحوال البالد كأحوال العباد فيكون الرجل تارة مسلما وتارة كاف ار وتارة مؤمنا وتارة منافقا وتارة ب ار تقيا وتارة فاج ار شقيا وهكذا المساكن بحسب سكانها فهجرة اإلنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان اإليمان والطاعة كتوبته وانتقاله من الكفر والمعصية إلى اإليمان والطاعة وهذا أمر باق إلى يوم القيامة".
93
واذا كان في إقامة المسلم مصلحة معتبرة للمسلمين وللدعوة اإلسالمية ويترتب على بقائه خير فيجوز بقاؤه بشرط إظهار دينه ودعوته كأن يكون من الدعاة العاملين في المؤسسات والمراكز اإلسالمية أو أن يكون طالبا يتعلم نوعا من العلوم أو صنعة من الصنائع أو نحوهما مما تحتاجه األمة اإلسالمية وال يوجد في ديارهم أو ليكون سفي ار لدولة اإلسالم وللدعوة اإلسالمية .من أبرز المظاهر العظيمة في النظام اإلسالمي أنه جعل الدين المحرك األساسي لإلنسان المسلم فهو مسلم أوال وقبل كل شيء وبحكم إسالمه هذا ينتسب إلى العالم اإلسالمي فهو أحد رعاياه أينما وجد وحيثما كان ويرجع هذا إلى أن والية المسلم ال تكون لغير المسلم وعليه فإن والءه األول لدينه ويترتب على هذا المبدأ عدة أمور: أ -التزامه بأحكام الشريعة اإلسالمية: يجب على المسلم المقيم ببالد غير إسالمية أن يكون صورة حية وواقعا تطبيقيا لمبادئ اإلسالم العظيمة فعليه واجب الدعوة إلى هللا عز وجل عن طريق المعاشرة الطيبة والمعاملة الحسنة وما انتشر اإلسالم في ربوع آسيا وأفريقيا إال عن طريق تجار المسلمين الذين قدموا بحسن خلقهم وكريم خصالهم صورة طيبة لدينهم الحنيف جعلت الشعوب تدخل في دين هللا أفواجا. وبناء على هذا فإن المسلم المقيم بالبالد غير اإلسالمية مطالب باالمتناع تماما عما حرمته الشريعة اإلسالمية وان كان غير محرم في قوانين الدولة التي يقيم فيها كالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ،يقول هللا تعالى" :قل إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي هلل رب العالمين ال شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".
94
ويقول النبي صلى هللا عليه وسلم" :اتق
هللا حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" (رواه الترمذي).
93 94
نهاية المحتاج .78/8
سورة األنعام163-162: 31
وبالتأمل في ألفاظ الحديث الشريف يظهر بجالء مدى انطباقه على حالة المسلم في البالد غير اإلسالمية فقوله" :اتق هللا حيثما كنت" يفيد أن المسلم ملتزم بشرع هللا سبحانه وتعالى في أي مكان كان وفي أي بلد حل وقوله" :وخالق الناس بخلق حسن" يدل على وجوب التعامل مع الناس جميعا بمقتضى القواعد األخالقية العظيمة فالرسول صلى هللا عليه وسلم لم يقل وخالق المسلمين بخلق حسن وانما قال" :وخالق الناس بخلق حسن" .ومن هذا المنطلق قال اإلمام ابن قدامة" :من دخل إلى أرض العدو بأمان لم يخنهم في مالهم ولم يعاملهم بالربا أما خيانتهم فمحرمة؛ ألنهم إنما أعطوه األمان مشروطا بتركه خيانتهم وأمنه إياهم من نفسه وان لم يكن ذلك مذكو ار في اللفظ فهو معلوم في المعنى ولذلك من جاءنا منهم بأمان فخاننا كان ناقضا لعهده فإذا ثبت هذا لم تحل له خيانتهم ألنه غدر وال يصلح في ديننا الغدر فإن خانهم المسلم أو سرق منهم أو اقترض شيئا وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه فإن جاء أربابه إلى دار اإلسالم بأمان أو إيمان رده عليهم واال بعث به إليهم؛ ألنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه فلزمه رده كما لو أخذه من مال مسلم".
95
ب -مراعاة أحكام الشريعة في الحل والترحال أن خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين يتبع المسلم أينما حل وأقام وأن ديار غير المسلمين ليست بناسخة لشيء من أحكام الشريعة فما وجب في ديار المسلمين وجب في ديار غيرهم وما حرم فهو كذلك. ج -استغالل اإلقامة خارج ديار اإلسالم للدعوة أن يستغل المسلم وجوده في ديار الغرب في الدعوة إلى هللا من خالل تصحيح المفاهيم عن اإلسالم الحنيف بالفكر والسلوك وبشتى الطرق الممكنة. د -االعتزاز بالدين اإلسالمي االعتزاز بالدين اإلسالمي وبما جاء به من تكاليف وأن المسلم هو األعلى بما يحمله من قيم وأفكار ومناهج وبما يقوم به من سلوكيات موافقة للشرع الحنيف وعليه أن يتجنب االعتزاز بالدنيا وزينتها فما الحياة الدنيا في اآلخرة إال متاع الغرور .
95
المغني .458/8
32
ه -عدم الرضا بما عليه الكفار عدم الركون والرضا بما عليه الكفار من شرك ومعاص وليعلم المسلم المقيم في الغرب أن قيمة اإلنسان بقيمة عقيدته ودينه. و -وجوب الهجرة إلى دار اإلسالم عند مواجهة الفتنة في الدين: يجب على المؤمن إذا اضطهد في دينه ومنع من ممارسة شعائره أن يبادر بالهجرة إلى دار اإلسالم فهو أحد رعاياها وهي صاحبة السيادة األولى عليه فإذا تخاذل ال عذر له عند مالك الرقاب يوم القيامة إال إذا كان من ذوي األعذار الذين ال يستطيعون الهجرة. ز -ثبوت التوارث بينه وبين أقاربه في دار اإلسالم: من مظاهر سيادة الدولة اإلسالمية على المسلم المقيم في غير أراضيها أن المسلم يرث المسلم أيا كان موطنه وضرب الشيخ محمد أبو زهرة رحمه هللا تعالى مثال لذلك فقال" :إذا مات مسلم في القاهرة وله قريب إنجليزي مسلم فإنه يرثه؛ ألن أساس الميراث القرابة والنصرة وهما متحققان أو أحدهما متحقق واآلخر ينبغي أن يتحقق".
96
ح -معاقبته على الجرائم التي ارتكبها في ديار غير المسلمين: إذا كان المسلم في الديار غير اإلسالمية بأمان ثم ارتكب جريمة توجب الحد أو القصاص أعاد إلى الدولة اإلسالمية فإن جمهور الفقهاء يرون وجوب االقتصاص منه واقامة الحد عليه عند ثبوت الجريمة ثبوتا شرعيا.
97
إن الهجرة في سبيل هللا من دار الكفر إلى دار اإلسالم أمر مشروع ممدوح فاعله ولكن المقيم في دار الكفر ال يحكم عليه بالكفر بإطالق بل وال يؤثم بإطالق فالحكم عليه فيه تفصيل ويمكن تقسيم المقيمين إلى ثالثة أقسام:
98
أولها :أن يقيم في بالد الكفر راغبا مختا ار فيرضى ما هم عليه من الدين ويرضيهم بذم المسلمين أو يعاون على المسلمين بنفسه وماله فهذا حكمه واضح في عدد من النصوص ومنها قوله تعالى" :ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون 96 97 98
العالقات الدولية محمد أبو زهرة ص .60
ينظر :المرجع السابق ص 60والنظام الدولي الجديد بين الواقع الحالي والتصور اإلسالمي لياسر أبو شبانة ص .660
تفسير القرآن العظيم .542/1
33
المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من هللا في شيء" ,99وقوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم"
100
وقوله صلى هللا عليه وسلم" :أنا برئ من كل مسلم يقيم بين ظهراني
المشركين". القسم الثاني: أن يقيم عندهم ألجل مال أو ولد أو بالد وهو ال يظهر دينه مع قدرته على الهجرة وال يعينهم على المسلمين بنفسه وال ماله وال لسانه وال يواليهم فهذا ال يكفر لمجرد الجلوس ولكنه قد وقع في معصية هلل ولرسوله بترك الهجرة لقول هللا عز وجل" :إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في األرض قالوا ألم تكن أرض هللا واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصي ار". قال اإلمام ابن كثير" :نزلت هذه اآلية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنا من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما باإلجماع".
101
القسم الثالث: من ال حرج عليه في اإلقامة بين أظهر الكفار وهو داخل تحت أحد نوعين: أ -أن يكون مظه ار لدينه فيتب أر مما هم عليه ويبين بطالنه وأنهم ليسوا على حق فهذا يستحب في حقه الهجرة لتكثير المسلمين واعانتهم وجهاد الكفار واألمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم ويدل عليه قول النبي صلى هللا عليه وسلم في حديث األعرابي الذي سأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن الهجرة فقال" :ويحك إن الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟ قال :نعم قال :فاعمل من وراء البحار فإن هللا لن يترك من عملك شيئا".
99
102
آل عمران28:
100
المائدة51:
102
رواه البخاري
101تفسير القرآن العظيم البن كثير 542/1والغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة عبد الرحمن اللويحق ص .309-306 34
ب -المستضعفون :وقد بين هللا حالهم" :إال المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ال يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيال".
103
واذا كان البد للمسلم من اإلقامة خارج ديار اإلسالم لظروف معينة فعليه أن يقوم بدور تمثيلي لإلسالم يفضي إلى إبراز محاسن اإلسالم وخيريته واعطاء الصورة الحقيقة الناصعة للدين الذي يحمله قياما بذلك بواجب أصلي من واجبات ذلك الدين ،وهو واجب الدعوة لما فيه المصلحة ،والشهادة على الناس شهادة الحق والخير ،وهو األمر الذي يزدادا وجوبا وتأكدا في الظروف الراهنة التي ينظر فيها إلى المسلمين النظرة المتناقضة المنطلقة من صورة مشوهة عن اإلسالم .واألصل أن المسلم ال يقيم إال في دار المسلمين واذا أقام في غيرها فلعذر مع بقاء نية الخروج منها متى رفع السبب وتهيأت الظروف ألن نية االستمرار في دار الكفر ال تحل بال مبرر شرعي.
اختلف الفقهاء في حكم اإلقامة في دار الحرب ،وغلب على أرائهم وجوب الهجرة من دار الحرب إلى دار اإلسالم.104 ينقل الجصاص قول الحسن بن صالح " إذا أسلم الحربي ،فأقام ببالدهم و هو يقدر على الخروج فليس بمسلم " .105بل ذهب بعض المتأخرين إلى وجوب الهجرة من البالد التي تحكم بالقانون غير القانون االسالمي .يقول الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ " البلد الذي يحكم بالقانون ليس بلد إسالم ،تجب الهجرة منه ،وكذلك إذا ظهرت الوثنية من غير نكير وال ُغيرت فتجب الهجرة فالكفر يفشو الكفر بظهوره ،هذه بلدة كفر " .
106
اإلنسان بالدافع الذي يدفعه إلى الوالء األمة اإلسالمية أن يحببوا الناس بأوطانهم؛ حتى يشعر فإن على أولي األمر في َّ ُ لهذا الوطن والدفاع عنه؛ وذلك يقتضي أن يوفروا لشعوبهم ما يأتي:
-توفير الحرية للناس ،وتوفير الحقوق المشروعة لإلنسان.
103
النساء98:
104المغني البن قدامه ج 10ص 514و مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج ,ج 4ص 139و نيل األوطار شرح
منتقى االخبار :محمد علي الشوكاني (1250ه ) ,دار الجيل بيروت1344 ,ه ,ج 8ص .29بدائع الصنائع ـ الكاساني ج9
ص.4152
105أحكام القرآن ـ الجصاص ج 1ص 68
106أحكام الديار و أنواعها و أحوال ساكنيها :جمع واعداد الشيخ أبوسلمان عبدهللا بن محمد الغليفي ,غليفة ـ ـ مكة المكرمة .ص
. 60
35
توفير األمن والرعاية الصحية لإلنسان وأسرته.الناس إتاحة المجال إلبداع المبدع ،وتيسير السُبل والوسائل التي يحتاج إليها؛ ليكون عطاؤه اكبير ينفع َّ أمتَه ،وينفع َ
المكافأة المجزئة. جميعا ،ويجب أن ُيكا َفأ على إبداعه َ
تحقيق العدالة لكل فرد في الوطن ،وانصاف كل طبقات الشعب.-محاربة الفقر والجهل والمرض والفساد.
36
المبحث الثالث فكرة الدارين في المعايير االسالمية بعد عرض هذه األراء سنناقش فكرة الدارين في ضوء عدد من المعايير من أهمها : 1ـ ـ رسالة اإلسالم : لقد جاء اإلسالم للناس كافة ال فرق بينهم بسبب اللون أو العرق أو اللغة أو الثقافة أوالموقع الجغرافي ،وجاءت النصوص الشرعية لتؤكد على ذلك ومنها قوله تعالى " ُق ْل َيا أَي َها َّ َّللا إَل ْي ُك ْم َجميعا" اس إني َرُسو ُل َّ الن ُ ير َوَلك َّن أَ ْكثَ َر َّ الناس َال َي ْعَل ُمو َن " . ير َوَنذ ا اك إ َّال َك َّافة ل َّلناس َبش ا وقوله تعالى َو َما أ َْرَسْلَن َ
107
108
وقوله تعالى " وما أَرسْلَن َّ ين ".109 اك إال َر ْح َمة لْل َعاَلم َ ََ َْ َ وجاء الخطاب القرآني ليؤك د على عمومية الرسالة بقوله تعالى في أكثر من آية "يا أيها الناس " وقوله تعالى " يا بني آدم " ليؤكد على عموم الرسالة اإلسالمية َّ الناس اعبدوا رب ُ َّ ين م ْن َقْبل ُك ْم َل َعَّل ُك ْم تَتَُّقو َن " . َّك ُم الذي َخَلَق ُك ْم َوالذ َ قال تعالى َ " :يا أَي َها َّ ُ ْ ُ ُ َ َّ ين ". و قال تعالى :إ ْن ُه َو إال ذ ْكر لْل َعاَلم َ
110
111
قال الزجاج :معنى العالمين كل ما خلق هللا كما قال :وهو رب كل شيء ،وهو جامع كل عالم.
112
ال ال َ :ق َ ولذا فقد أكد صلى هللا عليه وسلم على أخوة األنبياء جميعا ,ووحدة منهجهم في هداية الخلق َ ,ع ْن أَبي ُه َرْي َرَة َق َ َّ ُم َهاتُ ُه ْم اء إ ْخَوة ل َعالَّ ٍت ،أ َّ َرُس ُ ول هللا صلى هللا عليه وسلم :أََنا أ َْوَلى الناس بع َ يسى ْابن َم ْرَي َم فى الد ْنَيا َواآلخ َرة َ ،واأل َْنبَي ُ َشتَّىَ ،ود ُين ُه ْم َواحد. 107 107
113
اآلية 158من سورة األعراف
108اآلية 107من سورة األنبياء. 109سورة البقرة اآلية .21
110األية 27من سورة التكوير. 111األية 27من سورة التكوير.
112لسان العرب :جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (711ه ) دار لسان العرب ,بيروت1990 ,م ,ج 2ص.421-420 113
البخاري ج4ص 203حديث ()3443 أخرجه أحمد 2ج ص 482حديث( )10263و ُ 37
فالكل مدعو لتلقي هذه الرسالة فمن أمن ودخل في دين هللا كان له ما للمسلمين و عليه و ما عليهم و من اختار أن يبقى الغي " وقوله تعالى " :أََفأ َْن َت تُ ْكرهُ َّ اس َّن الرْش ُد م ْن َ على دينه فإن له ذلك دون إكراة قال تعالى " َال إ ْك َرَاه في الدين َق ْد تََبي َ الن َ ين".114 َحتَّى َي ُك ُ ونوا ُم ْؤمن َ إن رسالة اإلسالم عالمية المقصد و تقتضي التوجيه إلى الناس كافة ال تصنيفهم على أنهم ( مسلمين ) و( ومحاربين) على اإلطالق فمن حمل السالح و قاتل المسلمين فله حكم الحربي ،ومن لم يحمل السالح و لم يحارب المسلم يبقى في موطن عالمية اإلسالم وهدف لتوجيه الرسالة له ومجاال لرحمته ،فاإلسالم دين لمن آمن به و رحمة للناس كافة ،ومن مقتضيات الرحمة أن يعامل الناس بمقتضيات العدل التي تعاقب من خالف أوحارب ،وتحمي و ترحم من لم يكن كذلك حتى وان أقام في دار غير المسلمين . قال تعالى " َوَر ْح َمتي َوس َع ْت ُك َّل َشي ٍء " ْ وقد أقسم الرسول
115
َّ ض ُع هللاُ َر ْح َمتَ ُه إالَّ َعَلى َرحي ٍم" .قالوا :يا رسول هللا، في حديث آخر قائالَ " :والذي َنْفسي بَيده ،ال َي َ
صاحَب ُه؛ َي ْر َحم َّ اس َك َّافة". الن َ كلنا يرحم .قالَ" :ل ْي َس ب َر ْح َمة أ َ َحد ُك ْم َ ُ وقال أيضا وقال و قال
116
الس َماء" . ْ " :ار َح ُموا َم ْن في األ َْرض َي ْر َح ْم ُك ْم َم ْن في َّ " :الَ َي ْر َحم هللاُ َم ْن الَ َي ْر َحم َّ اس" . الن َ ُ ُ
117
118
" جعل هللا الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في األرض جزءا واحدا فمن ذلك تتراحم
الخالئق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ".
119
114األية 99من سورة يونس .
115في سورة األعراف آية 156
116البيهقي :شعب اإليمان ( ،)11060وصححه األلباني ،انظر :السلسلة الصحيحة (.)167
117الترمذي عن عبد هللا بن عمرو :كتاب البر والصلة ،باب ما جاء في رحمة المسلمين ( ،)1924وأحمد ( ،)6494والحاكم
( ،)7274وقال أبو عيسى :هذا حديث حسن صحيح ،وصححه األلباني ،انظر :صحيح الجامع (.)3522 118البخاري :كتاب التوحيد ،باب ما جاء في دعاء النبي باب رحمته
أمته إلى توحيد هللا تبارك وتعالى ( ،)6941ومسلم :كتاب الفضائل،
الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (.)2319
119أخرجه الشيخان
38
وبهذا فإن البشرية جمعاء داخلة في عالمية اإلسالم ورحمته وعدم إيمان المرء ال يحيله إلى عدو أو يبح دمه فالقاعدة عند الفقهاء أن " كفر الكافر ال يبيح دمه " ،اي أن الكفر ليس سببا في ذاته إلباحة دم غير المسلم ،كما أن الحرب ليست سببا كذلك في إباحة دم غير المس لمين إن كانوا في ديارهم حتى و لو كانت دولتهم تحارب المسلمين ،وخاصة في هذا العصر حيث اختلفت ُنظم الحرب ولم تعد كما كانت عليه في السابق حيث كان المكلفون من الرجال مدععون لالشتراك في الحرب لعدم وجود جيوش نظامية متفرغة للحرب أو الدفاع كما عليه األمر في جيوش الدول في هذا العصر ، وبالتالي فإن الحكم على جميع سكان الدولة غير اإلسالمية بأنهم محاربون إنما فيه تجاوز على حماية الدماء و األعراض ،خاصة وأن منهم من يعاض دولته في قرارها للحرب ضد اي دولة إسالمية كانت أم غير ذلك ،وهذا ما نجده من خالل المنظمات و المؤسسات التي تعارض الحرب التي تشنها بالدهم ضد غيرهم ،وكثي ار ما وجدنا هذه الشعوب تُسير المضاهرات و االعتصامات و تحرك زعمائها في البرلمانات و الحكومات و تستخدم وسائل اإلعالم ضد قادتها السياسيين الذين يقررون شن الحرب على غيرهم الدول ،بل ربما ارسلوا الوفود و قوافل المساعدات للبلد الذي وقعت عليه الحرب ، فكيف يمكن تصور أن هؤالء يمكن أن يكونوا محاربين!! و أن تطبق عليهم أحكام المحاربين لمجرد أن حكومتهم قررت الحرب ضد دولة مسلمة ،وقد وقع بعض المسلمين في هذا الفهم الخاطئ حين قاموا بخطف أوقتل عدد من غير المسلمين أوتفجير أماكن في بالدهم راح ضحيتها من األبرياء الين لم يقاتلوا أو يحملوا السالح ضد المسلمين !! فاإلسالم الذي جاء رحمة للعالمين لم يأت لسفك دماء الناس وأخذ أموالهم إال بحق مشروع له من الظوابط والشروط التي يجب أن تتحقق قبل ذلك و ما أبلغ قول عمر بن عبدالعزيز فيما ذكره الذهبي في سير أعالم النبالء أن " حيوة بن شريح عامل مصر كتب إلى عمر بن عبد العزيز :ان أهل الذمة قد أشرعوا في االسالم ،وكسروا الجزية ،فكتب إليه عمر :إن هللا بعث واقبل" .
داعيا ولم يبعثه جابيا ،فإذا أتاك كتابي فإن كان أهل الذمة أشرعوا في االسالم ،وكسروا الجزية ،فاتو كتابك 120
2ـ ـ الفقه السياسي اإلسالمي :
120
سير أعالم النبالء :محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748ه ) مؤسسة الرسالة ,بيروت1987 ,م ,ج 5ص 147
39
مبحث اختالف الدارين من مباحث السياسة الشرعية أو ما ُيصطلح عليه اليوم بالفقه السياسي اإلسالمي ،وهو فقه قائم على القواعد العامة لإلسالم دون أالحكام النصية التفصيلية كما هو الحال في العقائد أو العبادات أوالمعامالت ،وهذا من سعة الشريعة اإلسالمية ومرونتها ألن السياسة في أي مجتمع أو فكر إنما هي سريعة التقلب و التحول ،وكان من مميزات الفقه السياسي أنه و ضع القواعد المستمد من المصادر األصلية للشريعة اإلسالمية وهي الكتاب و السنة بحيث يمكن استنباط األحكام التفصيلية منها ،وهذا ما فعله الفقهاء المسلمون قديما ـ يرحمهم هللا ـ فقد اجتهدوا في ظل هذه القواعد للمرحلة التاريخية التي كانوا يعيشونها و التي اتصفت بطبيعة خاصة للعالقة بين المسلمين و غيرهم ،ويمكن وصف اجتهادات الفقهاء في تلك المرحلة بأنها اجتهاد فقهي في شأن تلك العالقة ،وهو أشبه باجتهادات المعاصرين من الفقهاء و القانونيين فيما ُيعرف بالقواعد و األحكام المنظمة للعالقات الدولية والتي انتظمها علم القانون الدولي العام و الخاص ،وتأتي مسألة تقسيم العالم إلى دارين أو أكثر من دار ضمن الفقه الساسي اإلسالمي الذي يتطلب اعادة االجتهاد إليجاد أحكاما فقهية جديدة تتوافق مع القواعد العامة لإلسالم و تسترشد باجتهادات الفقهاء السابقين و تُنشئ فقها إسالميا جديدا يبحث في طبيعة العالقة بين المسلمين و غيرهم . 3ـ ـ تأريخية التقسيم : تقسيم العالم أو تصنيفه إلى دارين من المسائل التي ارتبطت بالمرحلة التاريخية أكثر مما ارتبطت بالنصوص الشرعية ، وال جدال إن كان هذا التقسيم أصيل ثابت ال يتغير أم غير ذلك ،إذ أنه ال يوجد نص صريح واضح يؤكد على أن هذا التقسيم مما جاءت به الشريعة ،وجميع اآليات و األحاديث التي يستشهد بها القائلون بأصالة هذا التقسيم و ثباته ال ترقى إلى الجزم بذلك ،فهي إما أنها تشير إلى قضايا عامة ،أو أنها تُحمل على معاني عدة من بينها فكرة ( تقسيم العالم إلى دارين ) ،والشك أن أم ار خطي ار كهذا تقام بسببه الحروب وتُستباح فيه الدماء و األعراض ،ويؤثر فيما بين المسلمين وغيرهم ،ال يمكن االعتماد فيه على مجرد الفهم أو االستنتاج أو حتى االجتهاد ،خاصة وأن هذا التقسيم لم يستقر عمليا و لم يتفق الفقهاء على طبيعته أو ديمومته ،فقد اختلف الفقهاء على تعريفه ـ كما مر بنا ـ و اختلفوا على طبيعته واختلفوا على مكوناته ،فبعد أن كان تقسيما ثنائيا ،تحول كثير منهم إلى القول بثالثية التقسيم ( دار اإلسالم و دار الحرب و دار
40
العهد ) ،بل ربما خالف بعضهم ذلك كله و قال بأن العالم وحدة واحدة ،فقد ذكر أبو زيد الدبوسي من الحنفية أن " األصل عندنا أن الدنيا كلها داران ،دار اإلسالم و دار الحرب ،وعند اإلمام الشافعي :الدنيا كلها دار واحدة ".
121
وقد جاءت اآليات لتدل على أن األصل في األرض هو ( الوحدة ) و من ذلك قوله تعالى في شأن موسى عليه السالم " ين". استَع ُينوا ب َّ شاء م ْن عباده َواْلعاقَب ُة لْل ُمتَّق َ َْ ْر َ اصب ُروا إ َّن األ َ َ اَّلل َو ْ قال ُموسى لَق ْومه ْ ض ََّّلل ُيورثُها َم ْن َي ُ يها َفاك َهة َو َّ ات ْاأل َْك َمام ". الن ْخ ُل َذ ُ ض َو َ وقوله تعالى َ " :و ْاأل َْر َ ض َع َها ل ْْلََنام ف َ
122
123
َّ ين" .124 و قوله تعالى َ " :ق ْد َخَل ْت من َقْبل ُك ْم ُسَنن َفس ُيروْا في األ َْرض َف ْان ُ ان َعاقَب ُة اْل ُم َكذب َ ف َك َ ظ ُروْا َك ْي َ َّ ور". و قوله تعالى " ُه َو الذي َج َع َل َل ُك ْم األ َْر َ ام ُشوا في َمَناكب َها َوُكُلوا م ْن رْزقه َواَل ْيه الن ُش ُ ض َذلُوال َف ْ
125
وقوله تعالى ُ ":قل يا عباد َّالذين آَمُنوا اتَُّقوا رب ُ َّ الصاب ُرو َن ض َّ َّللا َواس َعة إَّن َما ُي َوَّفى َّ َّك ْم للذ َ َح َسُنوا في َهذه الد ْنَيا َح َسَنة َوأَ ْر ُ ين أ ْ ْ َ َ َ َ َ َجرُهم ب َغ ْير حس ٍ اب ". أ َْ ْ َ وقال
126
" البالد بالد هللا و العباد عباد هللا ،فحيثما أصبت خي ار فأقم " .
127
فهذا األدلة تشير إلى أن األرض خلقها هللا سبحانه و تعالى للبشر جميعا ،واي تقسيم لها إنما هو تقسيم طارئ . أما من حيث الموضوع فإن التقسيم ارتبط بمفهوم السيادة ،كما ارتبط بمفهوم األمن الذي يمكن أو يعيشه المسلم أو غيره في إحدى الدارين ،ولذا وجدنا عند المالكية من يرى أن" المراد بدار اإلسالم ،المحل الذي ال ُيخاف فيه العدو ودار الحرب هي المحل الذي ُيخاف فيه العدو ،سواء كانت دار كفر أواسالم !!"
128
وقال العدوي من المالكية " المراد بدار الحرب ،محل إقامة العسكر ولو في دار اإلسالم حيث ال أمن " .
129
121تأسيس النظر ـ :أبو زيد عبيد هللا عمر بن عيسى الدبوسي ,تحقيق و تصحيح مصطفى محمد القباني الدمشقي ,دار بن زيدون
بيروت1987 ,م ص .79
122اآلية 138من سورة األعراف. 123األية 10من سورة الرحمن.
124األية 137من سورة آل عمران 125اآلية 15من سورة الملك. 126اآلية 10من سورة الزمر.
127أخرجه اإلمام أحمد ـ حديث رقم 1420
128حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج 1ص .570 41
بل إن الحنفية الذي اهتموا بهذا التقسيم لم يشيروا إلى أن حالة الحرب هي المحور الرئيس في هذا التقسيم ،يقول الشيخ مصطفى ا لزرقا " ليس المراد بدار الحرب في اصطالح الحنفية أن يكونوا في حالة حرب قائمة بينهم وبين المسلمين ،بل المراد بدار الحرب أنها غير إسالمية ،بل مستقلة غير داخلة تحت سلطة اإلسالم).
130
وقد سار بعض الفقهاء المتأخرين كعبدالقادر عودة ،إلى أن دار اإلسالم " تشمل البالد التي تظهر فيها احكام االسالم ،او يستطيع المسلمون ان يظهروا فيها احكام االسالم ،فيدخل في دار االسالم :كل بلد سكانه كلهم او اغلبهم مسلمون ،وكل بلد يتسلط عليه المسلمون ويحكمونه ولو كانت غالبية السكان من غير المسلمين ،ويدخل في دار االسالم كل بلد يحكمه ويتسلط عليه غير المسلمين ما دام فيه سكان مسلمون يظهرون احكام االسالم ،او ال يوجد لديهم ما يمنعهم من اظهار احكام االسالم".131 وقد ذهب عدد من الفقهاء إلى أن هذا التقسيم ال دليل عليه من الكتاب والسنة وانما استمد قوته من الواقع التاريخي الذي عاشه المسلمون األوائل حيث فرضت عليهم الظروف التي مر بها المسلمون ودولتهم الناشئة وما واجهته من حروب وكذلك سيادة الحرب بصفة عامة بين الدول في تلك الحقيقة التاريخية إلى أن يقسموا العالم إلى دار إسالم ودار حرب
.
. 132
بدليل أن الفقهاء عدلوا عن التقسيم "الثنائي" للعالم إلى تقسيم "ثالثي" وهو دار اإلسالم ودار الحرب ودار العهد ،ولو كان األمر حكما الزما لما تجاوزه الفقهاء ،وهنا يأتي السؤال األخر هل يجب الوقوف عند هذا التقسيم؟ أم يمكن االجتهاد فيه واعادة بحث داللته ،إذ طرح بعض الفقهاء المتأخرين تقسيمات جدية مثل أمة الدعوة وأمة اإلجابة ،ونظر إلى العالقة بين المسلمين وغيرهم باعتبارها عالقة دعوة قائمة على تبليغ الرسالة اإلسالمية فالسالم والحرب ليسا هما العالقة الطبيعية بين
129حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني :أبو الحسن علي بن أحمد [ن مكرم الصعيدي العدوي 1189( ,ه ) ,دار
الفكر ,بيروت1989 ,م .ج 1ص .366
130فتاوى مصطفى الزرقا :مصطفى أحمد الزرقا ,دار القلم 1989 ,م ,ص.626
131التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي :عبدالقادر عودة ,دار الكاتب العربي ,بيروت1986 ,م ج421 /1. 132
آثار الحرب فب الفقه االسالمي :وهبة الزحيلي ,دار الفكر ,دمشق1981 ,م ,ص – 167والعالقات الدولية في اإلسالم –
محمد أبو زهرة ص51 42
المسلمين وغيرهم وانما هما منهجان في العالقات الدولية قديما وحديثا يأخذ بهم المسلمون وفقا للحاجة في ضوء الضوابط الشرعية الحاكمة لهما. وقد ذهب األستاذ مالك بن نبي إلى طرح ما سماه "دار الشهود" .133بدال عن الدار التي يسكنها غير المسلمين و التي ُمة اك ْم أ َّ اص ُ ك َج َعْلَن ُ طلح عليها قديما بـ "دار الحرب" انطالقا من دور المسلم في الحياة الذي جاء في قوله تعالى َ"وَك َذل َ ونوا ُش َه َداء َعَلى َّ ول َعَل ْي ُك ْم َشهيدا". الناس َوَي ُكو َن َّ َو َسطا لتَ ُك ُ الرُس ُ َ
134
فالشهادة في ظاهرها هي اإلخبار عن أمر وقع العلم به إلقامة حق يتوقف عليه ذلك اإلخبار ،وهو ما يقوم على أربعة عناصر أساسية :العلم الذي هو أساس الشهادة ،والبيان واإلظهار لذلك العلم ،ثم تبليغ ذلك العلم بحيث يصير واصال إلى اآلخرين على الوجه المقنع ،ثم العدل في كل ذلك حتى تكون الشهادة مفضية إلى نفع المشهود عليهم .تلك هي الشهادة على الناس التي يقوم عليها التحضر اإلسالمي تأسيسا في مبادئ الدين ،وتطبيقا في السيرة العملية للحضارة اإلسالمية. إنها شهادة تنطلق من تصور عقدي لإلنسان الذي خلق للنعمة ،وكرم تكريما ،وحمل األمانة تعظيما ،وبناء على ذلك فإن التحضر اإلسالمي يشهد على الناس بشهادة العلم بحقائق الدين والكون والناس ،ثم شهادة على الناس بتبليغ تلك الحقائق تبليغ إنقاذ واصالح ونشر للخير ،شهادة عدل في الموقع الوسطي بين المتطرفات في األفكار والسلوك ،ليكون ذلك الموقع مثوبة لمن ترهق فطرته مسالك التطرف ،وشهادة عدل في الحكم بين الناس بالتعامل المتساوي معهم ،وبرد جائرهم عن مظلومهم ،ونصرة المستضعفين والمقهورين .هذه هي شهادة التحضر اإلسالمي على الناس ،وهي شهادة ال يضيرها خروقات األفراد والحاالت الجزئية المعزولة إذا ما ظلت قائمة في عمومها زمن التحضر" .135و هذا الفهم للشهود الحضاري ال يمكن تصور القيام به في ظل تقسيم العالم إلى دارين أو أكثر من دار . وقد طرح آخرون مصطلح دار اإلسالم حكما وحقيقة ودار اإلسالم حكما ال حقيقة ،ودار الحرب باعتباره تقسيما جديد في زمن حدثت تحوالت كثيرة في العالقات الدولية المعاصرة لم تعد فيه المعيير السابقة قائمة اليوم واشاروا إلى أن دار اإلسالم حقيقة هي ما أشار إليه الفقهاء قديما ،واما دار اإلسالم حكما ال حقيقة فهي البالد التي يعيش فيها المسلمون
133في مهب المعركة :مالك بن الحاج عمر بن الخضر بن نبي (1393ه ) ,دار الفكر المعاصر بيروت1981 ,م .ص.137 : 134األية 143من سورة البقرة . 135
فقه التحضر اإلسالمي :عبد الحميد النجار ,دار الغرب االسالمي1983 ,م .ص 24 43
ويمارسوا شعائر دينهم و ال يقع عليهم ظلم أو عدوان بسبب دينهم و يتمتعون بكافة الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من سكان تلك البالد ،لكن الحكم السائد فيها ليس حكما إسالميا ،أما دار الحرب فهي التي بينها و بين المسلمين حربا معلنة ،وتمارس ا لعمليات الحربية ضدهم ،كما أن تأثير هذه الحرب ال يمتد إلى غير المحاربين من أهل تلك الدولة و إنما يقتصر على من يمارس العمليات الحربية .
136
4ـ ـتغير بيئة العالقات الدولية : لقد نشاء مفهوم تقسيم العالم إلى دارين في ظل بيئة مختلفة للعالقات بين الدول و المجتمعات ،فحالة الحرب كانت هي الحالة السائدة بين المسلمين وغيرهم ،فتاريخ العالقات الدولية قبل اإلسالم كان قائما على الحروب و المعارك وحين بدأ اإلسالم كانت العالقات الحربية هي السائدة بين الدولتين الكبيرتين في ذلك الوقت ،وهما دول الفرس و دول الروم ،وقد حاولتا القضاء على الكيان الناشئ للمسلمين في تلك المرحلة الكبيرة ،هذا إلى جانب الحرب التي يشنها المشركون في الجزيرة العربية ،،وقد استمرت " حالة الحرب " تلقي بضاللها على العالقات الدولية في تلك المرحلة التاريخية ،إذ كانت الحرب بين الدول والجماعات هي األصل ،أما العالقات السلمية فقد كانت استثناء ،وكان لزاما على الدولة اإلسالمية الناشئة في المدينة أن تواجه التحديات العسكرية المحيطة بها و التي تحاول إفنائها فقام المسلمون بالدفاع عن أنفسهم بما ُيطلق عليه اليوم بالحرب الدفاعية ،أو بمهاجمة من كان يكيد لهم أو يتآمر للقضاء عليهم فيما يسمى اليوم بـ " الحرب اإلستباقية " أوالردع للعدو ،وعلى الرغم من ذلك فقد كانت عالقة المسلمين مع غيرهم تتفاوت بين الحرب والسلم ،فقد كان النبي
يستقبل الوفود و السفراء ـ وهي حالة من العالقات السلمية ـ في الوقت الذي كانت تدور في المعارك بينهم
و بين المسلمين ،وشهد مرحلة اإلسالم األولى ترسيخ فكرة العالقات السلمية بين البشر ،لكن بيئة العالقات الدولية في تلك المرحلة فرضت نفسها على المسلمين ،يقول الشيخ عبدهللا بن بيه " إن هذه األحكام الشرعية المتعلقة بالدور كرست لهذا االنقسام ( دار االحرب و دار اإلسالم ) ،لكن السبب التاريخي هو أنه لم يكن العالم محكوما بمعاهدات ،حيث كانت العالقة بين الدول بل بين القبائل عندما بعث
" كانت هذه العالقة إما عداء أو حرب أو غلبة أو أن تغلب دولة دولة
أخرى كما بين الروم وفارس ،أو أنها تخضع لها ،بمعنى ال تقبل منها غير ذلك ،حيث لم تكن الصدور متسعة في ذلك 136
مشروع العالقات الدولية في اإلسالم ـ المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ـ إشراف د.نادية مصطفى ،وشارك فيه عدد من الباحثين
. 44
الوقت لإلمبراطوريات إال للقتال أو لغلبة أحد الطرفين التي ال بد أن يكون مغلوبا واآلخر يكون غالبا ،فهذا الواقع الذي كان في حياة القبائل في حياة الدول المنظمة مثل الفرس والروم.137 والى جانب واقع العالقات بين الدول و المجموعات البشرية في ذلك الوقت ،والذي فرض نفسه فقد كان على المسلمين أن يتميزوا عن غيرهم في أحكامهم المتعلقة بالعالقات بينهم و بين غيرهم استكماال لتميزهم العقدي و العبادي ،كما أن المسلمين كانوا يسكنون بقعة واحدة مترابطة ،حتى بعد اتساع الدولة اإلسالمية و تعدد أقاليمها إال أنها ظلت مرتبطة بالوحدة السياسية التي كانت تحكمها بالشريعة على الرغم من ضعفها أحيانا إال أن مفهوم دار اإلسالم كان واضحا و محددا إضافة إلى الوحدة الجغرافية التي كانت تشكل اإلطار العملي لدار اإلسالم مما يسوغ استعمال المصطلح لكل دالالته وبإمكانية التط بيق العملي له ،وقد نشأت فكرة التقسيم في ظل هذه البيئة ،وكان على الفقهاء المسلمين أن يجتهدوا لتنظيم هذه الحالة من العالقات الدولية التي نشأت من الحاجة لوجود أحكام خاصة بها ،ولذا فقد ارتبطت فكرة التقسيم ببيئة العالقات الدولية أكثر مما ارتبطت بالنصوص الثابتة . وخالل العصور التي مرت ،تغيرت وتبدلت بيئة العالقات الدولية مما فرض واقعا آخر غير الذي كانت عليه عند نشأة فكرة تقسيم العالم إلى داراإلسالم و دار الحرب ،وأصبح السلم هو الحالة السائدة ـ بصفة عامة ـ بين البشر ،خاصة بعد وشرعت لذلك اتفاقيات دولية الحرب العالمية الثانية وما تبع ذلك من نشوء منظمات دولية تقوم على حفظ السلم الدولي ُ ، أجمعت عليها دول العالم و كانت الدول اإلسالمية التي لم تعد مقتصر على المسلمين وحدهم بل شملت مواطنين من أديان أخرى تضمهم فكرة " المواطنة " ،كما أن المسلمين أنفسهم لم يعودوا مقيمين في الديار اإلسالمية فقط بل انتشروا في القارات و الدول المختلفة ،وقد ضمت بعض الدول غير اإلسالمية أعدادا كبيرة من المسلمين ،وهاجر مسلمون إلى دول غير إسالمية إما للدعوة أو للدراسة أو العالج أو التجارة أو االستيطان أو هربا من ظلم وقع عليهم في بالدهم اإلسالمي ة بسبب بطش حكوماتهم ،أو غير ذلك من األسباب ،بل إن عدد المسلمين في بعض الدول غير اإلسالمية يتجاوز عدد المسلمين في بعض الدول اإلسالمية ذاتها وأحيانا يتجاوز عدد من الدول اإلسالمية !! كما هو حال المسلمين في الهند التي يتجاوزعدد المسلمين فيها 150مليون مسلم ،وفي الصين حيث يتجاوز عدد المسلمين فيها 50مليونا ، 137
مغني المحتاج بشرح المنهاج ـ للشربيني الخطيب ج 4ص 239
45
وروسيا التي يتجاوز عدد المسلمين فيها 20مليون ،وأمريكا التي يتجاوز عدد المسلمين فيها 8ماليين مسلم ،و أوروبا ما يقارب 43مليون .
138
فهل يمكن أن وصف هؤالء بأنهم مقيمين في دار الحرب !! ،وأن عليهم الهجرة إلى دار اإلسالم أو العمل على تحويل دار الكفر إلى دار إسالم ولو كان ذلك بقتال أهلها الذين يقيمون بينهم كما يرى بعض الفقهاء ـ قديما ـ والباحثين المسلمين ـ حديثا ـ فقد جاء في مغني المحتاج " ولو قدر على االمتناع بدار الحرب ،و االعتزال ،وجب عليه المقام بها ،ألن ٍ حرب فيحرم ذلك ،نعم ،إن رجا نصرة المسلمين بهجرته فاألفضل له أن موضعه دار إسالم ،فلو هاجر لصار دار يهاجر ،قال الماوردي :ثم في إقامته يقاتلهم على اإلسالم ويدعوهم إليه إن قدر ،واال فال ".139 ويرى البعض أنه " إن ـ المسلم ـ يستطيع إظهار دينه و القيام بأحكام الشرع المطلوبة إذا كان يملك القدرة على تحويل دار الكفر التي يسكنها ،فإنه يحرم عليه في هذه الحالة أني هاجر من دار الكفر إلى دار اإلسالم إلى دار إسالم ،آسواء كان يملك القدرة بذاته أم بتكتل المسلمين الذي في بالده أم باالستعانة بالمسلمين من خارج بالده ،أم بالتعاون مع الدول اإلسالمية ،أم بأي وسيلة من الوسائل ،فإنه يجب عليه أن يعمل لجعل دار الكفر دار إسالم ،وتحرم حينئذ الهجرة منها، والدليل على أن البالد التي يعيش فيها إن كان يسكنها كفار و تحكم بالكفر ،فقد وجب على المسلمين قتال أهلها حتى يسلموا أويعطوا الجزية ويحموا باإلسالم ،ووجب عليه هو أيضا بوصفه مسلما من المسلمين وباعتباره ممن يليهم من الكفار و هو أقرب للعدو ،ويعتبر خروجه من دار الكفر فرار من الجهاد من مكان وجب عليه فيه !!
140
إن مثل هذه اآلراء ال تجعل لتغير البيئة أو الظرف مكانا في الحكم و لذا تنقل أحكاما اجتهادية في مرحلة تاريخية معينة لتجعلها حكما ثابا لكل زمان على الرغم من أن تغير بيئة العالقات الدولية أعاد رسم العالقات بين الدول على أسس جديدة ولذا "فإن فاعلية هذا التقسيم (دار اإلسالم ودار الحرب) حتى هذا الزمن غير مانعة من مراجعته واعادة النظر فيه ،من غير أن يحسب البعض أن ذلك انتهاكا لحكم شرعي ،فتغير البيئة الدولية وبروز متغيرات في النظام الدولي تتطلب جملة من العناصر الدافعة إلى المراجعة المنهجية ،وتشير إلى مبررات حاسمة قد تدفع إلى ضرورة البحث في عناصر قسمة 138مدخل القيم :اطار مرجعي لدراسة العالقات الدولية في االسالم ,في مشروع العالقات الدولية في االسالم ,إشراف د .نادية مصطفى ,المعهد العالمي للفكر االسالمي1990 ,م ج-2ص.364
139الشخصية إلسالمية :تقي الدين النبهاني ,دار األمة للطباعة و النشر و التوزيع ,بيروت1983 ,م ج 2ص 269 140
أحكام الديار و أنواعها و أحوال ساكنيها :محمد بن عبدهللا الغليفي ,ص . 60 46
جديدة تستلهم عناصر "الواقع" وأصول الشريعة .ال شك أن بروز الدول القومية والمسألة الشرقية وانيهار الدولة العثمانية والخالفة التي ارتبطت بها ،وتبدل عناصر ومفاصل حاسمة تفرض (قسمة جديدة) والتفكير بها تفكي ار منهاجيا عميقا. أن التقسيم الدولي للمعمورة ليس كما ُيتصور تقسيم حدود ولكنه أعمق من ذلك وأوسع ،فربما تكون فكرة الحدود أحد عناصره ،ولكن تظل النقطة الجوهرية فيه هو أنه يشير إلى تصورات (أوصاف) وحاالت (عالقات) ومآالت (تغيرات)، ومن ثم يجب إعادة النظر في هذه الرؤية ضمن رؤى خاصة بالنظام االقتصادي الدولي ،وعمليات االعتماد المتبادل، ورؤى التبعية ومسالك اال ستعمار الجديد ،والمنظمات الدولية غير الحكومية وتغير مفهوم الحدود والدولة القومية والسيادة، وبزوغ مفاهيم مساندة لفكرة الكونية والعالمية ،من المواطنة العالمية ،والتعليم من أجل السالم ،ومؤتمرات دولية النشاط والرؤى :السكان –التنمية االجتماعية -المدن ،والمجتمع المدني اآللي –والتدخل الدولي لحقوق اإلنسان ،وثورة المعلومات وسلطة المعرفة" ـ
141
أ ـ ـ الممارسة العملية : كان من المتصور أن تبقى فكرة تقسيم العالم إلى دارين ضمن التطبيقات التاريخية التي تمت في مراحل مختلفة من التاريخ اإلسالمي أو ضمن المباحث الفقهية االجتهادية التي تحتاج إلى تجديد واعادة نظر وفقا لمتغيرات العصر و الضروف و البيئات ،لكن العقود األخيرة شهدت ممارسات عملية و تطبيقا ألحكام دار اإلسالم و دار الحرب على واقع مختلف كثي ار عما كانت عليه عند نشأة هذه الفكرة ،فقد تبنت عدد من الجماعات المنتسبة لإلسالم هذا التقسيم و عملت على تطبيق أحكامه فنظرت إلى البالد غير اإلسالمية باعتبارها دار حرب ،فأباحت دماء أهلها وأموالهم و ربما أعراضهم ،بل امتد تطبيقهم على البالد اإلسالمية باعتبارها بالد " انحسر عنها اإلسالم " أو أنها تُحكم بـ " الكفر " فأُبيحت دماء بعض المسلمي ن كالحكام و السياسيين و العسكريين باعتبارهم " خارجين من الملة " أو " كفا ار " استناد إلى اراء لفقهاء قدامى أو محدثين ،وباعتبار أن الدور التي يحكمها هؤالء خرجت عن وصف دار اإلسالم " فهي فرع من دار الكفر الطارئ ،وهي َ التي كانت دار إسالم في وقت ما ثم تغلب عليها المرتدون وأجروا فيها أحكام الكفار ،مثل الدول المسماة اليوم
141
الشخصية اإلسالمية ـ تقي الدين النبهاني ج 2ص 270 47
باإلسالمية ،ومنها الدول العربية وقد مرت هذه الدول لمرحلة كونها دار كفر طارئ عندما استولى عليها المستعمر الصليبي و فرض عليها القوانين الوضعية ثم رحل عنها و حكمها من بعده المرتدون من أهل البالد " !!
142
" واذا كانت البالد يسكنها مسلمون و يحكمون بغير اإلسالم ،أي بنظام الكفر ،فقد وجب على المسلمين قتال حكامها حتى يحكموا باإلسالم ،ووجب عليه ـ أي على المقيم في هذه البالد ـ القتال و االستعداد للقتال إن كان قاد ار عليه " إن هذا الفهم لفكرة دار اإلسالم و دارالحرب وانزالها إلى الواقع دون فهم دقيق لها من غير المتخصصين في الفقه أوالشأن اإلسالمي وخاصة من الشباب المتحمس و المندفع للعمل لإلسالم دون فهم دقيق للنصوص ودالالتها أو الجتهادات الفقهاء وآراهم ثم محاولة إنزالها إلى الواقع وتطبيقها علها قد أبرزت للعالم ظاهرة سميت بـ " اإلرهاب " تارة و بـ "العنف اإلسالمي " تارة أخرى ،و بالجماعات اإلسالمية المسلحة التي ُنسب إليها كثير من أعمال اإلرهاب والعنف التي لم تتوقف عند المقاتلين فقط بل طالت األبرياء من المسلمين و غيرهم ،وال ُيدَفع ذلك بالقول إن بعض البالد اإلسالمية تتعرض لعدوان من دول الشرق أو الغرب ،فحق الدفاع عن األوطان واألبدان و األموال حق مشروع أقرته الشريعة اإلسالمية السمحاء ،والشرائع السابقة كما أقرته القوانين الوضعية البشرية ،لكن هذا الدفاع ال يمكن أن يتحول إلى أعمال عنف و قتل و سلب ونهب و خطف لْلبرياء من المسلمين و غيرهم ،فهناك فرق بين الجهاد المشروع الذي له من الظوابط و احكام ما يكفل له تحقيق غاياته دون تجاوزـ وبين ـ ما يتم من أعمال إرهابية حتة و لو كانت تحمل الفتة الجهاد.
142
الشخصية اإلسالمية ـ تقي الدين النبهاني ج 2ص 270
48
الفصل الثالث نظرية تقسيم الثنائي للعالم يعد موضوع مشروعية الهجرة واالنتقال من بلد إسالمي إلى آخر غير مسلم واختالف بعض االحكام االسالمية من حيث تأثرها بحال االقامة في ما يسمى بدار االسالم ،أو بدار الكفر يعد من اول المشكالت المفاهيمية التي تواجه الفرد واالسرة المسلمة في حال اختيارها أو اضطرارها للهجرة واالقامة والتوطن والتجنس بجنسية بلد غير إسالمي. الوجود اإلسالمي خارج الوطن اإلسالمي يتطو ار سريعا كما وكيفا بين من يريد من إقامته هناك استفادة ظرفية عابرة وبين من يريد االستقرار ،وقد بدأ المسلمون الهجرة إلى الدول الغربية بعد منتصف القرن العشرين ،جماعات ووحدانا ،وأس ار وأفرادا ،بسبب ظروف شتى حلت بهم وببالدهم .ولم تكن هجرتهم إلى تلك البالد ،وتكوينهم بعد ذلك جالية كبيرة لها انتشارها وامتدادها ،منبثقة عن تخطيط مهم أو من دولهم ،بل كل ذلك نتيجة ظروف ألمت بهم أو نكبات حلت ببالدهم. وأيضا لم تكن بواعث تلك الهجرة متحدة في أهدافها ومسبباتها بل كانت متفاوتة .ووجد فقهاء اإلسالم أنفسهم أمام ظاهرة لم تكن مألوفة من قبل ،وال عهد لسلفهم بها .فبدال من إقامة المسلمين في بالدهم اإلسالمية والتنعم في ظل مجتمع مسلم، وهو وان لم يلتزم كل أحكام الشريعة اإلسالمية في حياته ،إال أنه لم ينحل عن جميع معالمها ،إذا بهم أو بكثير منهم يؤثرون اإلقامة في مجتمع ال يمت إلى الشريعة بصلة ،وان بدا ألول وهلة أنه مجتمع مثالي .فتحيرت أفهام العلماء أمام هذه الظاهرة ،واختلف أقوالهم في بيان الحكم الشرعي .وعلى هذا الضوء يبحث هذ الفصل دوافع التقسيم الثنائي للعالم , نقد نظريات التقسيمات القديمة و ضرورة تجديد النظر الفقهي .في ثالثة الماحث: المبحث االول :دوافع التقسيم الثنائي للعالم المبحث الثاني :نقد النظريات التقسيمات القديمة المبحث الثالث :ضرورة تجديد النظر الفقهي
49
المبحث االول دوافع التقسيم الثنائي للعالم يصر كثير من العلماء والباحثين المسلمين على التمسك بالتقسيم الذي ظهر في ايام الدولة العباسية للعالم أو المعمورة إلى قسمين ،قسم يسمى بدار االسالم واالخر يسمى بدار الحرب. للقسمين اآلنفين
144
143
بل يصر بعض هؤالء على عدم وجود قسم ثالث
رغم ان هناك من العلماء والباحثين من ال يرى اثرالهذا التقسيم راهنا.
موجودة ،ال يجوز االقتصار على قسمين متقابلين منهما.
* 146
145
*أو ان هناك اقساما أخرى
فهناك دار العهد ،ودار (الموادعة) أو دار الصلح.
وكان فقهاء المسلمين درجوا منذ النصف االول من القرن الثاني الهجري
148
147
على تقسيم العالم إلى دارين أو اكثر ،دار
اإلسالم ودار الحرب ،في ضوء ما كان قائما من عالقات تحكم الجانبين ،أي موقف الدول واهلها حيال اإلسالم عقيديا وسياسيا.
149
143اختالف الدارين ،واثره في احتكام المناكحات والمعمالت :فطاني ،اسماعيل لطفي ,دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع.
القاهالة1989 ,م ،ص.7
144المصدر السابق ص.7
145يرى الدكتور جعفر عبد السالم استاذ القانون الدولي بجامعة االزهر ،ان هذا الراي (تقسيم العالم إلى دار اسالم ودار حرب) في الفقه القديم يعبر عن ضعفه النه لم تعد هناك دار حرب في التجمع الدولي اآلن ،فنحن جميعنا نعيش في دار واحدة سميت دار
السالم ،ويتفق معه الدكتور اسامة عبدالسميع استاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة االزهر ،ويرى ان( هذا) التقسيم لم يعد مالئما الن هذه المصطلحات الفقهية كانت تعبر عن مرحلة زمنية معينة وكانت هذه المطلحات لها دالالتها قديما ،ولكن هذا
التقسيم اصبح غير ذي جدوى.
146االسس الشرعية للعالقات بين المسلمين وغير المسلمين :المولوي ،فيصل ,دراسة في القانون الدولي اإلسالمي ،مؤسسة دار االسالم1989 ،م ,لندن .ص.231
147اختالف الدارين /مصدر سابق. 148
خالف صاحب كتاب اختالف الدارين القائلين بان التقسيم الفقهي لالرض إلى دارين ،حدث في القرن الثاني الهجري ،وحكم بان
هذا التقسيم ثبت وجوده فعليا وتطبيقيا في اول يوم ولدت فيه الدولة االسالمية االولى التي استقرت امورها بالمدينة المنورة ،ويبدو انه ال يتحدث هنا عن التقسيم كتصنيف اجتهادي ،بل يريد القول انه بقيام السلطة اإلسالمية على يد الرسول (ص) في المدينة وثبوت
حكم وجوب الهجرة اليها في السنين االولى ،فان العالم تقسم فعليا إلى دارين وان لم يرد هذا التقسيم صريحا في نص نبوي أو في أية
من الكتاب الحكيم .انظر رأيه في ص .67من الكتاب ،مصدر مشار اليه. 50
ولهذا التقسيم دوافع،
150
الغاية منها بيان االحكام واالثار الفقهية والقانونية والسياسية .كاالحكام الجزائية والخالفات المالية
واحكام االطعمة ،والسياسة الخارجية ،واحكام اللقطاء .وبالجملة جميع االحكام التي تطال دخول المسلم وما يقيمه من عالقات وما يتعرض له من مشكالت في بالد غير بالده اإلسالمية ،وكذا االحكام التي ينبغي ان تطبق على غير المسلم حين دخوله إلى بالد المسلمين ،فضال عن احكام الحرب القائمة بين الطرفين. ولم يقتصر هدف التقسيم على بيان وتأصيل االحكام الشرعية وتوضيحها ،بل ان ثمة دافع سياسي تنظيمي (يقف بقوة وراء التأسيس االول لهذه التصنيف واستمر الحقا على مدى العصور اإلسالمية ،فاالمام ابو حنيفة النعمان (ت150هـ676-م) الذي كان اول من صنف وتحدث عن هذا التقسيم (نظر إلى المسلمين كمجموع أو جماعة اجتماعية وسياسية فحددماهية األفراد بماهية الجماعة التي يعيشون في ظلها ،وحاول ان يقيم توازنا بين الجماعة أو السواد األعظم من جهة والسلطة من جهة السلطة السياسية السائدة في الدار ،والشرعة أو القوانين المطبقة فيها)* والهدف السياسي كان اعطاء الجماعة والسلطة التي تحكمها ،الصفة والماهية التي تحدد وتهب هوية الدار ،ثم أقتصر االمر على الجماعة دون السلطة ،أو السلطة دون وجود الجماعة ،كما ذهبت إلى ذلك اجتهادات الفقهاء الحقا. وعندما قال االمام ابو حنيفة بان دار الكفر أو دار الحرب هي التي تظهر فيها أمور ثالثة ،سواد احكام الكفر ونفاذها فيها ،ومتاخمتها لدار الكفر أو الحرب ،واال يبقى فيها مسلم والذمي آمنا بامان المسلمين.
151
فانه أراد ان يعرف بالسلب
دار اإلسالم التي تسود فيها احكام اإلسالم ويشعر فيها المسلمون باالمان التام،هم ومن استأمنوهم ودخلوا في عهدهم وجوارهم وذمتهم على االطالق.
152
ومن الواضح ان شرط التعريف االساسي للدارين هو جريان االحكام اإلسالمية
والشعور باالمن التام بحيث ال يخشى المسلم على نفسه ودينه ان التزم بشريعة اإلسالم واظهر شعائره والتزم باحكامه ،لكن االمر توسع على يد الفقهاء الالحقين وجرى التركيز المفرط على السلطة ،اعتقادا بان الحاكم المسلم هو الذي يضمن سيادةاحكام اإلسالم ،ولم يدر بخلد من تحدث عن هذا الرأي ان جريان االحكام اإلسالمية لم يعد مرتبطا بوجود الحاكم 149القانون الدولي في اإلسالم :الزنجاني ،عباس علي العميد ,تعريب علي هاشم ،مجمع البحوث اإلسالمية ،مشهد ،ايران ،ط1
1400هـ ,ص.155
150اختالف الدارين ،مصدر سابق ص.77
151سياسيات اإلسالم المعاصر ،مراجعات ومتابعات :السيد -رضوان ,دار الكتاب العربي ،بيروت 1410 ،ه ـ ـ 1990م .
ص-77 152
بدائع الصنائع المصدر السابق ,ص 131 51
والسلطة اإلسالمية بدليل غلبة المغول والصليبيين على بعض مناطق المسلمين سابقا والمستعمرين األوربيين الحقا ولم يتخل المسلمون عن احكامهم وشعائرهم في اسوء فترات االحتالل والسلطة المباشرة .وبالتالي فان االصرار على تعريف دار اإلسالم ودار الكفر بوجود سلطة اسالمية انما يعد استجابة لداعي الشرط السلطوي في سياق تحفيز المسلمين لمواجهة الخطر ا لدائم من جانب أعدائهم وخصومهم والطامعين في االستحواذ على بلدانهم .وهذا ما يفسر على االقل قول الرافعي (ت623هـ) انه ليس من شرط دار اإلسالم ان يكون فيها مسلمون بل يكفي كونها في يد االمام واسالمه)
153
فيما ذهب
عبد القاهر البغدادي(ت429هـ) إلى التشدد في تعريف دار اإلسالم ليجعل االمر يدور مدار غلبة اهل السنة أو على االقل ان ال يكونوا مقهورين من جانب مسلمين آخرين سماهم اهل البدعة ،اذ يقولعن دار االسالم( ،كل دار ظهرت فيها دعوة اإلسالم من اهلها بال خفير وال مجير وال بذل جزية ونفذ فيها حكم المسلمين على اهل الذمة ان كان فيهم ذمي ،ولم يقهر اهل البدعة فيها اهل السنة في دار اإلسالم وان كان االمر على ضد ما ذكرناه في الدار فهي دار الكفر).
154
واذا كان فقهاء المالكية قد تشددوا في قضية كون السياسة يجب ان تكون بيد المسلمين من منظور ال سلطة لكافر على مسلم أوال والية لغير المسلم على المسلم كشرط العتبار الدار دار اسالم.
155
وباعتبار ان تطبيق الشريعة واحكامها
واظهارها وحمايتها منوط بتولي المسلم لزمام االمور ،فان الدافع االساسي لهؤالء كان معالجة خطر الزحف النصراني على المناطق المسلمة خاصة بعد سقوط صقلية واإلمارات اإلسالمية في االندلس ،اذ اصبح متعينا على المسلمين الذين خضعوا لسلطان الممالك المسيحية الهجرة اعتمادا على المبدأ (االصل) الذي تمسك به هؤالء الفقهاء وهو عدم سقوط فرض الهجرة على المسلم من دار الحرب إلى دار اإلسالم
153 154 155
156
وفي ذلك يقول الفقيه االندلسي ابو الوليد بن رشد
فتح العزيز في شرح الوجيز ,المصدر السابق.31 ,
أصول الدين :عبد القاهر بن طاهر البغدادي ,ص.270 , سياسات اإلسالم المعاصر المصدر السابق .82 ,
156استنادا إلى قول الرسول (ص) (انا بريء من كل مسلم يقيم بين اظهر المشركين) رواه ابو داوود ( )2645عن جرير بن عبد هللا وقال عقبة :رواه هيثم ومعمر وخالد الواسطي وجماعته .وكذلك حديث (من جامع مشركا ،وسكن معه ،فهو مثله) أيضا رواه ابو
داوود( )2787عن سمرة بن جنب ،وقال الشيخ االلباني في االرواء سنده ضعيف ،سنن ابي داود ،اعتنى به فريق بيت األفكار الدولية ،طبع جده ،بال تاريخ ،ص .315وقول الفقيه المالكي ابو بكر بن العربي ت(( )542ان السفر في االرض على ستة انواع، اولها الهجرة ،وهي الخروج من دار الحرب إلى دار اإلسالم وكانت فرضا في ايام النبي عليه السالم وهذه الهجرة باقية إلى يوم القيامة والتي انقطعت هي القصد إلى النبي (ص) حيث كان .ثم يقول فإن بقي في دار الحرب فقد عصى) احكام القرآن تحقيق علي محمد
البجاوي ،دار احياء الكتب العربية ،عيسى البابي وشركائه ج1ص1967 .484م. 52
الجد(ت520هـ) (فرض الهجرة غير ساقط ،بل الهجرة باقية الزمة إلى يوم القيامة ،واجب باجماع المسلمين على من اسلم بدار الحرب ان ال يقيم بها حيث تجري عليه احكام المشركين وان يهجرها ويلحق بدار المسلمين حيث تجري عليه احكامهم).
157
.1وهذا الرأي قياس على ما كان عليه المسلمون قبل فتح مكة حيث نصت آيات الهجرة والوالية على الهجرة إلى المدينة، برغم وجود استثناءات اجاز فيها الرسول لبعض المسلمين البقاء مع قومهم غير المسلمين،
158
ومعان هذا الحكم (حكم
الهجرة) نسخ بعد الفتح 159،اال ان فقهاء المسلمين المتأخرين قاسواما حدث من سقوط بعض المناطق اإلسالمية بغلبة غير المسلمين عليها ،على ما كان يجري من احكام قبل الفتج اإلسالمي لمكة وطالبوا بهجرة المسلمين منها إلى المناطق التي ال زالت بيد المسلمين ،حفاظا على اسالمهم وخوف الوقوع في الفتنة .ثم انتبه البعض إلى خطورة تفريغ االرض من ساكنيها،مع االعتراف بخطر التأثيرات الدينية والقانونية غير اإلسالمية على شخصية المسلمين والتزامهم بدينهم مما عرف الحقا (بضعف الدين).
160
أو النقصان بااللتزام اإلسالمي ،واصبح التركيز يدور حول شعور المسلم باالمان من
عدمه،فاذا تحصل لديه االمان وقدر على اظهار تمسكه باإلسالم أو مزاولته للشعائر اإلسالمية ،فان شرط وجود السلطة السياسية للمسلمين كاصل لتسمية الدار بدار اإلسالم ،تقلص لصالح االصل اآلخر ،اعني به توفر االمان وقدرة المسلم على اظهار دينه وعدم خوفه من اعالن التمسك به.
157المقدمات الممهدات :أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد ـ ـ الجد ـ ـ ( 520ه ) الطبعة االولى دار الغرب االسالمي ،بيروت ,
1408هـ 1988م نقال عن سياسيات اإلسالم المعاصر .ص.82 158
روى ابن شهاب الزهري ،التابعي الفقيه(ت124هـ)عن صالح بن بشير بن فديك قال :خرج فديك إلى رسول هللا (ص) فقال :يا
رسول هللا انهم يزعمون ان من لم يهاجر هلك ،فقال رسلو هللا (ص) :يافديك اقم الصالة وآت الزكات واهجر السوء واسكن من ارض
قومك حيث شئت تكن مهاجرا .رواه البهيقي مرسال في سننه الكبرى ج 9ص .17وكذلك يمكن االستشهاد باقرار الرسول لبعض
المسلمين بالبقاء في مكة مع قدرتهم على الهجرة إلى لمدينة حيث لم يخافوا الفتنة في الدين.
159قوله تعالى في سورة االنفال االية ( :72ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا).
160قوله تعالى في سورة االنفال االية ( :72ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا باموالهم و انفسهم في سبيل هللا و الذين نصروا ,اولئك
بعضهم اولياء بعض و الذسن آمنوا ولم بهاجروا مالكم من واليتهم من شيء حتى يهاجروا وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر االَّ على قوم بينكم و بينهم ميثاق و هللا بما تعملون بصير. 53
وقد حاول باحث اسالمي ان يتخلص من مآزق كون بعض المناطق يحكمها غير المسلمين لكن المسلمين القاطنين فيها قادرون على اجراء احكامهم واظهار شعائرهم،فقال ان هذه الدار تعد من ديار اإلسالم حكما الحقيقية 161،لقول بعض اهل العلم،ان دار الحرب تصير دار اسالم باجراء بعض احكام اإلسالم فيها بال خالف برغم ان السلطة فيها الهل الكفر، واوضح صور هذه الحالة ،ماعليه الدول التي يحكمها اهلها غير المسلمين اصال ولكنهم يسمحون للمسلمين باقامة واجباتهم واظهار شعائرهم ،وعمدةاالستدالل في ذلك قول الفقيه الشافعي الماوردي من انه (اذا قدر المسلم على اظهار الدين في بالد من بال الكفار ،فقد صارت البلد به دار اسالم),
162
كذلك قول محمد رشيد رضا :بناء على قول بعضهم ان
دار اإلسالم هو ما يمكن المسلم من اظهار دينه وال يخاف فتنةفي دينه ،واكثر بالد اوربا وامريكا كذلك ولكنها ليست دار اسالم.
163
وهذا الرأي يستجيب لما عرف بلغة المعاصرين من المشتغلين بالفقه اإلسالمي،بشروط الزمان والمكان واثرها في تغير بعض االحكام االجتهادية بتغير موضوع الحكم الشرعي.
164
فأساس التقسيم لدار االسالم ودار الحرب ،هو حالة الحرب
القائمة نظريا وفعليا بين المسلمين وغيرهم،وعدم وجود المداوالت التجارية والسياسية واالعتراف السياسي والتبادل الدبلوماسي ،اما وقد تغير حال التنظيم الدولي،واصبحت شرعة االمم المتحدة هي المنظم االساس لحاالت الحرب والسلم في العالقات الدولية ،فان الحديث عن دار اإلسالم ودار الحرب بالمعايير السابقة،لم يعد ام ار مستساغا رغم طغيان بعض الدول على المسلمين واعتداءاتها على بلدانهم التي ادت بعض هذه االعتداءات إلى االحتالل المباشر ،ولكنذلك ال يقلل من اهمية القول بان القسمة الثنائية إلى دار اسالم ودار حرب،تجعل الذهن االسالمي مشغوال بهاجس الحرب ومالبساتها وظروفها ،وهو ما ليس في صالح المسلمين عمليا وال نظريا،بعد ان بلغ عدد المسلمين في بالد الحرب هذه عشرات الماليين،فضال عن ان الت ماس المعاذير لهذه القسمة يعد من ضروب الجمود على اجتهادات الماضين وما املته عليهم ظروف ازمنتهم وتبعات احوالهم.
161 162
اختالف الدارين ،مصدر سابق ص. 72
االحكام السلطانية و الواليات الدينية :علي بن محمد حبيب البصري الماوردي ,دار الفكر للطبهعة و النشر و التوزيع ,القاهرة,
1402ه ـ ـ ـ 1982م ص .120
163فتاوى االمام محمد رشيد رضا :تحقيق صلح الدين المنجد ,دار الكتاب الجديد ,بيروت 1988 ,م ,رقم 158ج 1ص.372 164
هذا هو رأي ابن تيمية ،انظر مجموع فتاوى ابن تيمية ج 18ص.382 54
والحال ان السعة المفترضة للعقل االجتهادي اإلسالمي تلزمه بالبحث عن معايير جديدة لها جذور في الموروث الفقهي، إذ فرق فقهاء الزيدية بين دار الكفر وبين دار الحرب وهذا التعريف له وجه وجيه وذو قيمة علمية وعمليةكبيرة اذ قالوا بان دار الكفر هي التي تظهر فيها خصلة كفرية ولكنها لم تحارب اإلسالم كدار الحرب.
165
أي ان هناك سعة في األمر
بحيث يمكن تفادي حصر جميع الدول والبلدان غير المسلمة بدار الحرب. وواقع الحال يشي ر بصراحة إلى ان الكثير من بالد المسلمين تحكمها سلطة الشرائع الوضعية التي اصبحت محروسة بقوة القانون وسلطة السياسة العليا والدستور،حيث القائمون عليها مسلمون ولكنهم ما عادوا متمسكين بالكثير من االصول الشرعية واالمر المسموح به هو االحكام الشخصية والمواريث واالموات ،فهل يحكم على هذه البالد بانها خارج دار اإلسالم ،خصوصا وان هناك حربا فعليا ضد من ينادي فيها بتحكيم الشريعة اإلسالمية ويجرمه القانون الوضعي ،وقديما سمى البعض هذه الدار بدار الفسق, ذلك باحثين معاصرين,
168
166
وحديثا تساءل محمد رشيد رضا عن وضعية مثل هذه الدول،
167
كما تابعه في
ومن ذلك نستنتج بان التعريفات لدار اإلسالم أو دار الكفر تتسع أو تضيق بحسب رؤية
اصحابها واختالفهم في الشروط الجوهرية لهذه التعريفات ،فهل هي االرض ،ام الشعب ،ام القانون والشرعة السائدة سلطة السياسة ،ام االمان ومساحة الحريات؟ ام هذه جميعها؟
165
اختالف الدارين مصدر سابق .ص72
166
اختالف الدارين ،مصدر سابق في هامش الصفحة ،74نقله عن شرح االزهار لالمام عبدهللا بن ابي القاسم الشهير بابن مفتاح
167
فتاوى االمام محمد رشيد رضا :تحقيق صلح الدين المنجد ,دار الكتاب الجديد ,بيروت 1988 ,م ,رقم 158ج 1ص.372
المتوفي 877هـ. 168
الفقه للمغتربين ,وفق فتاوى سماحة آية هللا العظمى علي الحسيني السيستاني :مؤسسة االمام علي ,لندن ,طبع بيروت,
1989م ,ص .66/64
55
المبحث الثاني نقد نظريات التقسيمات القديمة هناك نظريات اربع تستوفي التقسيمات وعلى ماذا استندت؟ وهذه النظريات هي:
169
النظرية األولى:واصحاب هذه النظرية يرون ان دار اإلسالم تلك التي تحكمها حكومة اسالمية تقوم بتطبيق احكام اإلسالم،وتقام الشعائر والمظاهر الدينية في نطاق سلطتها وسيادتها ،أي ان دار اإلسالم قد ضيقت وفق هذه النظرية إلى ادنى حد واصبحتمشروطةبحكومة اسالمية شرعية وان اختلفت معايير هذه الشرعية مذهبيا واجتهاديا بين المسلمين. النظرية الثانية :هذه النظرية يرون ان ظهور االسالم يتحقق بظهور احكامه وشعائره ،فاذا مازالت هذه االحكام والشعائر عنبلد فال يعد يعرف بدار اإلسالم وسيفقد عنوانه االصلي ،فان البلد الواحد ،يمكن ان يكون جزءا من دار اإلسالم في يوم من االيام ،ويمكن ان يتحول إلى دار حرب في يوم آخر بسيطرة النظم غير اإلسالمية وزوال الشعائر واالحكام اإلسالمية. النظرية الثالثة :ترى ان اساس االختالف هو وجود األمان من عدمه ،فمتى ما كان هناك امان للمسلمين في بلد ما ،فان هذا البلد يحسب على الوطن اإلسالمي ،ومتى ما فقد هذا االمان فان ذلك البلد يحسب على دار الحرب ،وفي ضوء هذه النظرية فان أي بقعةمن الوطن اإلسالمي (دار اإلسالم) ال تتبدل إلى دار الحرب اال اذا تحققت فيها... الشروط الثالثة اآلتية: .1ان تنفذ وتطبق فيها احكام الكفر. .2ان تجاوز تلك البقعة دار الحرب جوار تالصق. .3ال يبق في تلك البقعة مسلم وال ذمي يعيش في امان المسلمين. 169
تسائل الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس اإلوروبي لالفتاء عن المعايير لتسمية الدار بدار اسالم بقوله :ما هو المعيار
بسلطان اإلسالم وتنفيذ احكامه واقامة شعائره؟ هل هو اقامة احكام اإلسالم بشكل كامل؟ هذا معناه ان اكثر بالد المسلمين لم تعد
اليوم دار اسالم .هل يكفي ان تطبق احكام االحوااللشخصية االسالمية دون سائر القوانين هذا معناه أيضا ان تخرج بالد اسالمية عريقة من دار اإلسالم كتركيا )....االسس الشرعية للعالقات بين المسلمين وغير المسلمين ص 100-99مصدر سابق.
56
النظرية الرابعة:ويرى اصحاب هذه النظرية ان تقسيم الفقهاء إلى دار اإلسالم ودار الحرب جاء على اساس العالقات التي سادت بين المسلمين وغيرهم ،وان مالك هذا التقسيم هو حالة الحرب أو السلم التي كانت قائمة آنئذ ،فدار الحرب هي تلك التي ال تعيش مع المسلمين في حالة سالم وود. واذا قلنا ان حالة الحرب والعداوة لم تعد قائمة على االساس االيديولوجي والعقائدي بمعنى حروب االديان والدول المنبثقة عنها ،كما اننا ال نستطيع القول قطعيا بان الدول المعاصرة ال زالت وفيه لتراثها الديني والعقائدي وتتحرك بوحي الدفاع عن مصالحها من رؤية عقائدية مذهبية ،رغم وجود صرعات الحديث عن صدام الحضارات ،وخصومات االديان كجذر للتنافس وربما الصراع الحضاري ،..فان ذلك كله يدعونا إلى البحث عن تقسيمات للعالم تتجاوز التقسيمات الفقهية الماضية إلى تقسيمات كان يكون منها اإليمان والكفر أو االيمان واإللحاداو السلم والحرب أو بلدان الحريات وبلدان االستبداد ،لتتحدد رسالة المسلم في ضوء ذلك على اساس المضي في المشوار الدعوي واالستفادة من الحريات والمجاهرة بالرأي من اجل اصالح حال الحضارة المعاصرة بإعادة التموضع من زاوية نشر القيم االسالمية واالنسانية االيجابية والمساهمة في حوار الحضارات واالديان والثقافات على اساس تقديم النموذج االنساني الذي ينظر للبشر بمنطق علي بن ابي طالب كرم هللا وجهه،الذي قسم الناس الى صنفين (اما أخ لك في الدين ،واما نظير لك في الخلق) ،170وعندئذ تكون مساحة العالم باسره مسرحا للعمل االنساني المبدع وفقا لمعايير اإلسالم ورسالته االخالقية وكيما تكون شريعته والقيم المنبثقة عنها جزءا من حالة التدافع الثقافي ،واذ ذلك ال يعود سلوك المسلم قلقا متأرجحا بين الشعور بالذنب لعدم هجرته المعاكسة إلى وطنه االصلي كما تدعو إلى ذلك بعض الرؤى اإلسالمية ،لتعذر ذلك ألسباب عديدة ،أو يكون هذا السلوك ارتدادايامطبوعا بطابع العداوة لآلخرين،النهم محاربون كفار يريدون بالمسلمين شرا ،فيما المسلمون يعيشون بين ظهرانيهم، كأنهم بؤر تذكرهم بحالة الحرب الدائمة ،فالهم مخلصون متسالمون مع مجتمعاتهم وأوطانهم الجديدة ،والهم يجرؤون على االنفكاك من عالمهاالمادي المتطور وحرياتهاوالعودة من حيث أتوا .أي ان اندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة يبقى معلقا
170
نهج البالغة ،مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كالم سيدنا امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) شرحه االمام االكبر
الشيخ محمد عبده ،خرج مصادره الشيخ حسين االعلمي ،الطبعة االولى المصححة , ,مؤسسة االعلمي للمطبوعات ،بيروت
لبنان1410،ه ,ـ ـ 1990م الجزء الثالث ص.572
57
على توافر شروط ثقافية ومفاهيم شرعية عديدة لم تحل ولم تنجز ،وفي ذلك تعطيل خطير للطاقات وتفعيل لصراع االجيال في اوساطهم ،وخطر يدفعهم إلى التقوقع على انفسهم وانعزالهم بما يفقدهم القدرة على التأثير السياسي والثقافي والقانوني لصالح قضاياهم كمسلمين مواطنين ،ورغم ذلك فان احتجاجات بعضهم ومطالبتهم بحقوقهم يندرج تحت عنوان (االرض هلل ولنا الحق فيما نختار من أماكن للعيش) وعلى االخرين ان يقبلونا بمعاييرنا نحن ال بمعايير مشتركة اساسها االعتراف بشرعية االختالف والتسامح بين المختلفين وتثميرالتنوع لخدمة اإلسالم واالمان والتطور االنساني. نستنتج من كل ذلك ان مقولة البناء الشرعي لالحكام االجتهادية فيما يخص المسلمين وغيرهم بناءا على التقسيم اآلنف (دار اإلسالم ودار الحرب) تزحزحت بحكم الواقع إلى مقولة أخرى تضع دار السالم في مقابل دار الكفر ،أو دار العهد أو دار االمن .وفي ذلك اليعود دخول المسلم إلى هذه الدار كالمتسلل الذي عليه ان يتحمل مسؤولية ق ارره ومضاعفاتها بكل ما ينطوي ذلك من مغامرة الوقوع تحت طائل المسائلة لمن يغادر إلى بالد أخرى في حالة حرب ضد بالده (نظريا على األقل). الواقع) ال بمنطق (فقه الفرضية) فان المسلمين الذين دخلوا دار الحرب هذه ،لم يسألوا انفسهم ان واذا تحدثنا بمنطق (فقه كانوا يخرقون حكما شرعيا في غاية الخطورة واألهمية وتترتب عليه اثار واضرار سلبية لجهة اختيارهم العيش في بلدان الغرب،التي ما زالت صفة الصليبية تلتصق بها ،كليا أو جزئيا،أي ان المحذور وقع عمليا ،وبالتالي لم يعد باالمكان هي من اثقل الظواهر في حياة المسلمين الحديث عن (فقه ما قبل) بل الضرورة تقتضي بلورة (فقه ما بعد) لظاهرة المعاصرة .وال يمكن معالجة الوضع بدعوة المسلمين إلى العودة إلى ديارهم اإلسالمية من منظور احياء (فقه الهجرة) والقول بان الواجب يقتضي بالمسلم أن يفكر جديا ويسعى عمليا للتحول من دار الحرب أو الكفر إلى دار اإلسالم بناءا على الفهم القائل بان الهجرة لم تسقط.
171
171
كما اشرنا إلى رأي الفقيه المالكي ابو الوليد بن رشد ومن سار على منواله بعد
قول الرسول (ص) (ال هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا) وردت صيغ الحديث في مصارد مختلفة ،راجع
صحيح البخاري،باب ال هجرة بعد الفتح والحديث برقم 3077عن طاؤؤس عن ابن عباس ،ج، 2المطبعة السلفية ،القاهرة 140،هـ،
ص.381
58
سقوط االندلس بالكامل .خالفا للرأي المشهور المستند إلى حديث (الهجرة بعد الفتح) أو اللجوء إلى فقه (النوازل)
172
وهو
فقه المضطرين للتوفيق بين حالة االضطرار والحد الممكن من حالة االلتزام بشريعة وفروض اإلسالم. ومعلوم ان احكام االضطرار ذات اثر مؤقت وتزول بزوالها وال تصبح مالكا دائما ،وقد حصل التطور في الرأي الفقهي عموما .بحسبان دار الحرب السابقة ،بانها دار عهد173بعد عقد المعاهدات واالعتراف المتبادل وعدم وجود حرب فعلية، وبذلك تغيرت الرؤية واالحكام قليال أو كثيرا ،وربما ُجعل االمر منوطا بتكليف الفرد أو رباالسرة المسلمحصرا ،من خالل القول بان مفهوم (التعرب بعد الهجرة) يعني خوف االبتعاد عن مصدر المعرفة واالشعاع الفكري والتشريعي والتحلل بتأثيرات المحيط والبيئة من االلتزامات اإلسالمية ،فقال فقهاء االمامية مثال بعدم جواز االنتقال إلى البيئة التي (يضعف فيها دين الفرد) ووجوب التحول عنها اذا ما ادرك المكلف ذلك،
174
أو ان االمر متروك بالخيار للمسلمين فيما اذا
استطاعوا ان يدعموا وجودهم بالمؤسسات اإلسالمية ويمارسوا حضو ار عمليايخفف من اثر البيئة التي تضعف االلتزام باإلسالم ،وهو المتحقق عمال ،لكن هذه الرؤية تحتاج من المسلمين انفسهم إلى تكريسها لتصبح كل بقاع االرض مساحة للتنوير باإلسالم وقيمه وليس العكس ،وهي مهمة شاقة بالفعل،ولكنها تحرر المسلم من مشكلة مفهومية خطيرة تقعده عن مباشرة دوره اذ أنها تنقل االشكالية إلى الخارج ،بمعنى انه بدال من ان يعاني المسلم من التمزق الداخلي بفعل االضطراب المفهومي فان معاناته ستكون في الخارج ،ليثبت لنفسه ان له دو ار في توسيع دائرة الفهم المشترك لرسالة اإلسالم واالستفادة من مناخ الحريات لتحقيق مغزى قول الرسول(ص) (ال هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا). يتضح من هذا أن تقسيم الفقهاء البالد إلى دار إسالم ودار حرب ،كان اجتهادا بني على تعليالت ،فالجمهور يعلله بحسب ظهور أحكام اإلسالم أو عدم ظهورها ،وبحسب غلبة المسلمين من عدمها ،فظهور اإلسالم والكفر بظهور أحكامهما هكذا تتميز من غير شرط آخر كما يراه جمهور الفقهاء .ويرى آخرون أن دار اإلسالم اسم للموضع الذي يكون تحت يد
172
يرى فقهاء معاصرون ان بالد الغرب ليست بدار حرب ،كالشيخ محمد علي التسخيري نائب رئيس االتحاد العالمي للعلماء
المسلمين ورئيس مجمع التقريب بين المذاهب اإلسالمية وكذا الشيخ فيصل مولوي ،للمزيد ،انظر العالم اإلسالمي والغرب ،دراسة في
القانون الدولي اإلسالمي ،مصدر سابق.ص.233 173
انظر رأي الشيعة في :القانون الدولي في اإلسالم ،مصدر سابق ص215وكذا فتاوى بعض علماء اهل السنة المتقدمين ،انظر
علي ابو الخير ،االقليات اإلسالمية بين الهجرة الفقهية واالقامة الشرعية في المسلمون في االقطار غير اإلسالمية ،مصدر مشار
اليه ص.35-34 174
أحكام الديار و أنواعها و أحوال ساكنيها ـ محمد بن عبدهللا الغليفي ص .57 59
المسلمين ،وعالمة ذلك أن يأمن فيه المسلم ،وعلى هذا كل ما دخل من البالد تحت سلطان المسلمين ،ونفذت فيها أحكام اإلسالم ،وأقيمت شعائره فيه فهي دار إسالم ،يجب على المسلمين الدفاع عنها كفاية أو عينا .وعلى هذا ال يلزم أن يكون سكان دار اإلسالم تلك جميعا مسلمين ،فقد يضم المسلمين وغيرهم وهم جميعا متساوون في الحقوق والواجبات ،بصفتهم أهل دار اإلسالم ولهم حق المواطنة الدائمة .فدار اإلسالم إجماال عند جمهور الفقهاء هي البالد التي يسود فيها الحكم اإلسالمي تشريعا وتنفيذا ،وتكون القوة والعزة فيها للمسلمين ،سواء كان أكثر السكان بها من المسلمين أم من غير المسلمين ،فالعبرة بسيادة األحكام الشرعية ،أو بكون السكان يأمنون فيها بأمان اإلسالم للمسلمين ،وبأمان الذمة لغير المسلمين. أما دار الحرب فهي الدار التي ال سلطان للمسلمين عليها ،وعرفها بعض الفقهاء بأنها الدار التي ال تجري فيها أحكام اإلسالم ،وال يأمن من فيها بأمان المسلمين ،وقيل أيضا إنها الدار التي ال تطبق فيها أحكام اإلسالم الدينية والسياسية لوجودها خارج نطاق السيادة اإلسالمية ،ويرى آخرون أنها البالد التي ال تكون فيها السيادة والمنعة للحاكم المسلم ،وال يقوى فيها المسلمون على تطبيق األحكام اإلسالمية .فتعريف دار الحرب يالحظ أنه ذو اتجاهين عند الفقهاء أحدهما :أنها الدار التي ال يكون فيها السلطان والمنعة للحاكم ،وال يكون أهلها مقيمين فيها بعهد يحدد العالقة بينهم وبين حاكم المسلمين ،وان كانت إقامة غير المسلمين بعهد على أن يديره غير الحاكم المسلم فهي دار لهم ،فالعبرة عند أصحاب هذا الرأي بالسلطان والمنعة ،فما دامت الدار خارجة عن منعة المسلمين من غير عهد ،فهي دار حرب حيث يتوقع االعتداء منها دائما. واالتجاه اآلخر :وهو رأي أبي حنيفة والزيدية وبعض الفقهاء أن كون السلطة والمنعة لغير المسلمين ال يجعل الدار دار حرب ،بل ال بد من تحقق شروط ثالثة هي :أال تكون المنعة والسلطان للحاكم المسلم بحيث ال يستطيع المسلم تنفيذ األحكام الشرعية ،وأن يكون اإلقليم متاخما للديار اإلسالمية بحيث يتوقع منه االعتداء على دار اإلسالم ،وأال يبقى المسلم أو الذمي مقيما في هذه البالد باألمان األصلي األول الذي مكن من اإلقامة فيها. فيتضح مما تقدم من تعريفات لدار اإلسالم ودار الحرب أن تقسيم العالم إلى دارين هو رأي فقهي لواقع العالقات التي كانت بين المسلمين وغيرهم آنذاك ،حيث كانت الحرب في الغالب هي الحكم الفاصل في شأنها ما لم تكن هناك معاهدة، وهو ما يفسر عدم وجود دليل صريح من القرآن أو السنة يشير إلى هذا التقسيم الفقهي للبلدان الذي جاء مبنيا على الواقع 60
ال على نصوص الوحي ،ولم يكن المراد منه أن يجعل العالم تحت حكم دولتين ،إحداهما تشمل بالد اإلسالم تحكمها دولته ،واألخرى تشمل البالد األجنبية في ظل حكم دولة واحدة أو دول متعددة ،وانما هو تقسيم بحسب توافر األمن والسالم للمسلمين في دارهم ،ووجود الخوف والعداء في غير دارهم.
61
المبحث الثالث ضرورة تجديد النظر الفقهي يساهم تجديد النظر الفقهي اإلسالمي بخصوص منظورنا للعالم واألرض والمعمورة في تصحيح صورة اإلسالم، فمصطلحات دار الكفر ودار اإلسالم أو دار الحرب ودار السلم تُرسخ لدى اآلخر الصورة العدوانية لدين اإلسالم، ويستغلها اإلعالم المغرض من أجل تثبيتها ليصبح اإلسالم منعوتا بالتطرف والدموية واإلرهاب ،واعتباره دينا إقصائيا يسعى دوما إلى تذويب اآلخر وسحق هويته . إن قتامة هذه الصورة التي أضحت لْلسف نمطية تشكل مخيلة الغربيين وتؤطر مواقفه إزاءنا ويزيد من حدتها سلوكيات المسلمين أنفس هم ،فما أحوجنا إلى نقد ذاتي يمكننا من مراجعة مسلماتنا والتمييز فيها بين الثابت والمتغير لكي نحصل القدرة على تبليغ الدين الخاتم واظهار قيمه السمحة مؤسسين لكفايات اجتهادية قادرة على مواجهة التحديات الراهنة، ونصحح األطروحة المزعومة لصراع الحضارات .أصبح الخطاب الفقهي المعاصر مفتقدا للمبادرة واالستباق مكتفيا برد الفعل ومرددا لمقوالت الماضي لم يخلع عنه ربقة التقليد ولم ينخرط في سياقه المعاصر .إن االلتزام بقيم اإلسالم وأخالقه الرفيعة تؤدي بالمسلمين إلى تحقيق هوية إسالمية أوروبية تثري ثقافة المسلمين بالغرب وتساعدهم على مواجهة جميع التحديات .ولعل الفكر المقاصدي يعتبر المدخل األساسي لكل عمل اجتهادي يروم تحقيق المصالح اإلنسانية؛ إذ التشريع نظر في الجزئيات على ضوء الكليات . ومن ثم كان التصور الفقهي لجغرافيا العالم وتقسيم خريطته من أهم القضايا اإلشكالية المرتبطة بالسياق والشروط الموضوعية والذاتية التي أفرزته ،وساهمت في بناء مفاهيمه مما يستوجب التفكير في استحداث مفاهيم جديدة تناسب سياقنا المعاصر تستمد شرعيتها من مقاصد الشرع الحنيف وتتجاوز المفهوم القديمة والتي أملتها ظروف تاريخية معينة. أصل االجتهاد الفقهي مفاهيمه انطالقا من الظروف التاريخية التي نظر فيها ،وبقي النظر المعاصر محجوبا عن رؤية َّ حقائق الواقع الراهن وتطوراته لم يتخلص من النظر القديم ولم يتجشم عناء التفكر في مقاصد الشريعة الخاتمة. إن تقسيم المعمورة إلى دار اإلسالم ودار الكفر أفرزته عوامل تاريخية شكلت نظر الفقهاء إلى العالم والواقع المعاصر في حاجة إلى توصيف جديد والى استنباط مفاهيم تتالءم والتطورات الحاصلة في عالمنا اليوم ،تأخذ بمبدأ االنفتاح واالندماج 62
وليس اإلقصاء واإللغاء حفاظا على روح الشريعة والحقيقة السمحة لرفع تُهمة العنف والحقد واعتباره دين شر وظالمية. لقد كان االجتهاد دائما مرتبطا بالواقع ،واالجتهاد هو بذل المجتهد وسعه في الطلب باآلالت التي تشترط فيه
175
.إال أنه
مع األسف لم نستطع مواكبة الواقع المعاصر المتغير باجتهاد متنور .فدواعي تقسيم الفقهاء للمعمورة كان مرتبطا بوالدة الكيان اإلسالمي الجديد آنذاك الذي كان بحاجة إلى التميز عن العوالم األخرى والمخالفة ،حيث كان هاجس الفقهاء هو حماية العقيدة والبالد اإلسالمية؛ فهو كان وليد السياق التاريخي الذي تمخض عنه" :وأي فهم ودرس للنصوص الفقهية المتعلقة بالتقسيم الجغرافي للعالم بعيدا عن السياق الذي ولدت فيه سيؤدي إلى خلل وضعف في االستنباط والتطبيق وخطأ في التأصيل الفقهي لْلحكام المترتبة عليه ،وبالتالي سيحول دون تكوين رؤية صحيحة وسليمة لحقيقة المنظور الفقهي للعالم ،خصوصا وأنه البد من التفريق بين الثابت والمتغير في األحكام المستنبطة لدى الفقهاء ،أو التفريق بين المسائل التي تحدث عنها الفقهاء كواقع حال ترتبط بمتغيرات الزمان التي تنطلق من األصل لتتصل وتترجم بالعصر والواقع "176. وليس من المقبول شرعا وعقال أن يتحول االختالف الفكري في مسائل االجتهاد إلى صراع حقيقي مؤلم ومرير.
177
كثير منا يتحدث عن ضرورة االصالح الديني ،إما ألن شريحة الناس في إقبال على الدين فضال عن حاجتهم إليه في الحياة ،واما ألن شريحة من الناس في إعراض عن الدين ألسباب خاصة أو عامة ،واما ألن هناك تشويها لحق بالدين فال بد من تصحيح مظاهر الخلل من تشبث بالقراءات المتشددة أو المتساهلة للدين ورد دعاوى الغلو أو التفريط الباطلة ،واما لجمود شريحة من الناس على رؤى ال تواكب العصر ،وال تسمح بإعادة النظر في المعاني المتجددة فيه حتى أصبح ذلك كتب في اإلصالح الديني الكثير نظريا بدافع الرغبة في تحديث الجمود يعيق تطور اإلنسان وبناءه ،أو ألسباب أخرى .لقد َ المجتمع ،والدفع به إلى مصاف الدول المتقدمة ،انطالقا من الرؤية التي تربط اإلصالح السياسي باإلصالح الديني، وكانت هناك شريحة من الناس ترفض هذه المطالبات وتدعو للتمسك بما هي عليه خوفا من التغيير أو تشكيكا في أسبابه ،فأضافت إلى الممانعة من االجتهاد وساوس وشكوكا واتهامات إضافية ،مع أنه يجب أن يعلم أن اإلصالح الديني شيء ونصوص الوحي شيء آخر ،فاإلصالح الديني اجتهاد بشري متجدد يتصف بالنسبية؛ ويعبر عن اجتهادات تتوخى 175
الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى :أبو الوليد محمد بن رشد الحفيد ،تقديم وتحقيق :جمال الدين العلوي ،دار
176
التقسيم اإلسالمي للمعمورة :ياسر لطفي العلي ،مؤسسة الرسالة للطباعة و النشر و التوزيع ,بيروت 1990,م ص .46
الغرب اإلسالمي ،بيروت1990 ,م ص.137 177
ال إنكار في مسائل االجتهاد :رؤية منهجية تحليلية قطب مصطفى سانو ،دار ابن حزم1988 ،م ، ,ص.7 63
اإلجابة عن تساؤالت تسترشد بنصوص الدين ،وليس ذلك االجتهاد والتجديد تغيي ار لنصوص الوحي .فهي أفهام تتجدد لتجدد الواقع والزمان والظروف المختلفة ،وكل أطروحة تجديدية تتوخى اإلصالح الديني ليست بمنأى عن البحث والمساءلة والنقد والمراجعة ،وال يجب التسليم بها دون البحث والمراجعة في أدلتها وخلفياتها .أما الدين كنصوص محكمة وأحكام قطعية وقيم ال تقبل التغيير ،فليست محال للتجديد في ذاتها وال تخضع للتغير ،بل تلك المحكمات والقطعيات حدود ال تعارض تطوير فهمنا ومعرفتنا لما يقبل التغير والتطور .إن اإلصالح الديني ،ينطلق من النص المقدس ومدلوالته وحدوده وال يتعداها؛ والنص المقدس يحتوي على المضامين الدينية المراد إبالغها وايضاحها ،واالجتهاد والتجديد لن يتحقق إال بأدوات وآليات تستنطق النص المقدس من القرآن والسنة الصحيحة وتسترشد به حول متغيرات الواقع المتجدد ومتطلباته ،وتوجه تطور العلوم اإلنسانية والطبيعية من خالل مدلول النص المقدس . فاإلصالح والتجديد الديني بال شك ليس قضية نفعية وليس عملية براغماتية للتكيف مع مقتضيات العصر ،أو االستجابة إلمالءات غربية ،وضغوط خارجية ،بل هو دعوة قديمة دائمة في كل عصر ،وكل جيل ليجيب عن األسئلة المتجددة التي لها صلة بالنص المقدس عن وعي ومعرفة حقيقية وفق ما توصل إليه من فهم واستدالل ال يتعارض والنص المقدس، فاإلصالح الديني ضرورة واقعية وانسانية؛ نظ ار لما له من انعكاس على األوضاع االجتماعية ،واالقتصادية ،والسياسية. لقد ظل اإلصالح الديني قائما عبر األزمان دعوة متواصلة ،وبرز له رواد كثر ثاروا على األوضاع الدينية واالجتماعية القائمة والسائدة ،وأقاموا إلصالحاتهم أسسا تجدد بها الفهم في إطار النص المقدس ففتحت لهم اآلفاق مع كل واقع مختلف ،واباء فريق من الناس يزول مع الزمن ،ألن التجديد واالصالح الذي ينطلق بوعي حقيقي وال يصطدم مع النص المقدس كان ينتصر في كل مرة مستلهما أفكا ار جديدة ،لبناء واصالح متجدد على أسس متينة ،تجدد وتطور ما ألفه المسلمون في حياتهم .اإلصالح الديني ليس إنكا ار للماضي؛ بل هو استكمال لما بناه من مضى ،فالماضي قاعدة ينطلق منها ،وهو عبارة عن بناء معرفي تراكمي وانتقال تدريجي يستغرق فترة زمنية طويلة ،ال ينتج إال عبر االجتهاد في مدلول النص والمعرفة بالواقع ومتطلبات المستقبل ،فهو حركة واعية للتوافق الصحيح مع الواقع لتحقيق التقدم والتطور وعمارة األرض وبناء اإلنسان مع الحفاظ على الثابت المقدس الديني .مسألة تحقيق التدين وتحقيق متطلبات العصر هي قطب رحى الحراك والعراك ،فقابلية األفكار والمبادئ الدينية للعيش واالستمرار في واقع نسبي متغير متجدد على الدوام ،مرهونة بوعي المجتمعات بواقع وتطورات عصرهم واستيعاب الدين لها ،وبالخصوص علماء الدين اإلسالمي ،وهذا الوعي مرتبط 64
باالستعداد الحقيقي لالجتهاد المأمور به وتطوير آلياته والشجاعة في إعادة قراءة األفكار ومراجعة القناعات الدينية في ضوء التطورات المتسارعة ،ألن اإلسالم رسالة عالمية إنسانية سامية خالدة خاتمة مهيمنة. اإلسالم رسالة سماوية خاتمة خالدة ،أنتجت الكثير من اآلراء التفسيرية واالجتهادات الفقهية في أزمان مضت ،وال يمكن أن تعكس تلك االجتهادات طبيعة وعي المجتمعات التي تلت من مضى بواقعية أو تنسجم مع تطورات المجتمعات الحديثة والعصرية المتسارعة ،وال يعني ذلك المساس بالنص المقدس ،ألن التراث الديني منه ما هو ثابت ال يتعلق به تغيير كالعبادات واألحكام القطعية ،ومنه ما هو متغير يختلف باختالف الزمان والمكان والظروف المختلفة ،وهذا غالبا يتعلق بحركة اإلنسان في الواقع في عالقاته وشؤونه ومعامالته وفعالياته المتنوعة ،التي أصلها االباحة والحرية والمصلحة ،وهذا التراث المنقول عمن مضى اجتهاد بشري متأثر متغير ،وهو ليس إال قراءة من جملة القراءات المتعددة للوحي ،وتفسير من جملة التفسيرات للنصوص المحتملة لْلوجه المختلفة ،وهذا االجتهاد مرتبط في العمق الفكري والروحي بثقافة ووعي ومدارك اإلنسان نفسه ،وظروفه وخصوصيات مجتمعه الذي يعيش فيه ،ويمارس حياته من خالله فاألحكام التي تصدر من هذا الفقيه أو ذاك ،متحركة متغيرة يؤثر فيها من اختالف األفهام في النصوص وتصور حقيقة مستجدات الواقع والعادات
والتقاليد
واألعراف
والزمان
والمكان
والثقافة
السائدة
وغيرها
من
المؤثرات.
واإلنسان يتطلع دوما للمطلق وللكمال المستطاع ،لكنه محدود الوسائل واإلمكانات والقدرات ،وهو ال يعيش في المطلق المجرد بل في الواقع األرضي النسبي المحدود ،والدين جاء لخدمة اإلنسان للمساهمة في تمكينه ،وتحسين شروط وجوده على األرض ،من خالل مساعدته على تحقيق واقامة العدل وسلوك طريق الخير والصالح والرشاد الروحي والمادي ،وتلك المعامالت شريعة متأثرة متغيرة ،أما الدين بمبادئه الكلية فثابت ،كمبدأ العدل والحرية والمساواة والخير ،فهذه كليات ال تتغير وال يجري عليها قانون النسبية مهما دار الزمان والمكان ألنها ترتبط بالمطلق ،ولكن تجلياتها على الواقع هي المتغيرة .
65
الفصل الرابع إعادة النظر في الرث الفقهي القديم إستنادا إلى بعض الفقهاء ،تعتبر الدول غير اإلسالمية دار عهد .وهذا ما يزيل عقبات كثيرة في بناء عالقات قوية مع هذه الدول ،ويسمح بتوسيع مساهمة العالم اإلسالمي في النظام العالمي .وتؤدي هذه النظرة إلى موقف أكثر تسامحا فيما يتعلق بإقامة األقليات المسلمة المهاجرة في الغرب .وأحدثت هذه المبادئ جدال بين الفقهاء ،كما أدت إلى حضور حي للفقه اإلسالمي في القضايا والمبادئ الدولية .إن مثل ذلك النمط من التفكير يبدو ضروريا لتطوير القانون الدولي اإلسالمي ،وابداع قواعد فقهية عصرية تتعامل مع المشاكل والعالقات والمبادئ الدولية .وعلى هذا الضوء يناقش هذا الفصل ضرورة إعادة النظر في اإلرث الفقهي القديم في ثالثة المباحث: المبحث االول :التأصيل الفقهي للواقع المعاصر المبحث الثاني :بعض آليات اإلجتهاد المتنور المبحث الثالث :كيفية تطبق الشروط الفقهية على الواقع
66
المبحث االول التأصيل الفقهي للواقع المعاصر الحاجة إلى التوحد حكاما ومحكومين ضد العدو حفاظا على كيان األمة اإلسالمية خصوصا وهي في بدأ تشكلها ارتباط التقسيم بالوالية وما يترتب عنها من تطبيق األحكام سواء بالنسبة للمسلمين أو غير المسلمين أدى الى ظهور تسمية دار اإلسالم في عهد الصحابي الجليل خالد بن الوليد في كتاب الصلح مع أهل الحيرة "وجعلت لهم أي شيخ ضعف عن العمل ما أقام بدار الهجرة ودار اإلسالم ،وان خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار اإلسالم فليس على المسلمين النفقة عليهم". التأصيل الفقهي لواقع العالقات والمعاهدات بين المسلمين وغيرهم كالروم والفرس وكاألحكام المتعلقة بالسلم والحرب. ارتباط األحكام الشرعية بالمسلمين على امتداد بالد اإلسالم ومن ثم فإن التقسيم للمعمورة كان مرتبطا بالواقع وليس نصيا. يتجلى ذلك من خالل االختالف في الشروط والضوابط المحددة لدار اإلسالم في صياغ التعريف بين الفقهاء سواء منهم القدماء أو المعاصرين. ال يستند االجتهاد الفقهي حول تقسيم العالم إلى نص قطعي الداللة صريح العبارة بل هو محض اجتهاد قابل للتحليل والنقد ،وليس أم ار حتميا مقدسا ،ألن اإلسالم دين عالمي منفتح على مختلف النوازل والطوارئ وله من األصول والمبادئ ما يجعله صالحا لكل زمان ومكان .ولعل السياق المعاصر وواقع المسلمين في بلدان الغرب يحتم علينا مراجعة مفاهيمنا ومنظوراتنا حول تقسيم العالم ،ألن األرض في الشرع واحدة مستخلف فيها اإلنسان ،وأنها كلها دار إسالم إما حقيقة أو حكما ،ولذلك نستبدل مفهومي دار الدعوة ودار االستجابة بمفهومي دار اإلسالم ودار الكفر .كما ذهب إلى ذلك العديد من العلماء. إن دار اإلسالم حقيقة وواقعا هي بالد االستجابة للدعوة ،وأما حكما فهو باعتبار المستَْقبل والمآل أي دار الدعوة .إننا نستطيع أن نستنتج مما تقدم أن المسلمين في أوربا وغيرها من بالد الغرب ليسوا في دار حرب ،بل هم في دار دعوة إلى هللا تعالى ،فاألرض دار للدعوة إلى هللا ،ألن الدعوة هي األصل في عالقاتنا مع غير المسلمين وليس الحرب
67
والقتال.
178
يتمتع المسلمون في الغرب بحرية ممارسة شعائرهم بل بممارسة الدعوة لدين اإلسالم من خالل المساجد ومختلف المراكز والمؤسسات اإلسالمية ،مع أن المسلمين يشكلون أقلية في معظم بلدان الغرب والتي تعرف هيمنة الدين المسيحي ،بل حتى األنظمة العلمانية تعتبر التدين حرية فردية وشخصية ينتهزها المسلم فرصة ليمارس اعتقاده بكل حرية ،فحيثيات ومعطيات السياق المعاصر للمسلمين في الغرب أوجبت علينا مراجعة مفاهيمنا الفقهية المرتبطة بسياقاتها؛ خصوصا منها المتعلق بالعالقة مع الغير أو اآلخر المخالف متجاوزين التصنيفات التي ال تخدم في نهاية المطاف مصالح اإلسالم والمسلمين في ا لغرب ،وتؤجج نار األحقاد والصراعات التي تستغل أبشع استغالل من طرف المتطرفين ضد التعايش اإلنساني.
179
إن التطور الذي عرفه سياق العالم اإلسالمي من دولة الخالفة إلى الدولة الوطنية يستدعي إجراء تعديالت للمفاهيم الفقهية تالئم مفهوم الدولة وتتجاوز مفهوم الدار الذي يقوم على أساس الحدود الجغرافية ،وما ترتب عن هذا التطور من ظهور مفهوم المواطنة الذي هو عبارة عن منظومة من الحقوق والواجبات المدنية ،ال تلغي االنتماء العقدي بصفة عامة ،ولذلك يمنح اإلسالم ببعده الروحي واألخالقي معاني أشمل للمواطنة تتعالى عن الحدود الجغرافية وتؤمن بإنسانية اإلنسان وترسخ مكتسبات الحق والقانون واالنتماء المواطني في كل بلد.
180
إن الواقع والسياق المعاصر يؤكد أن ثمة حاجة ملحة إلى ضرورة مراجعة المعنى التقليدي للنظر االجتهادي والتوسيع من دائرة النظر االجتهادي ,181وهو الذي حذا بنا في مساهمتنا لمراجعة مفهوم الدار ألنه تترتب عنه أحكام وسلوكيات تسير عكس ما فيه صالح اإلسالم والمسلمين ،ويكتفي باالنكفاء والتقوقع واالنطواء واقصاء الغير والغائه والتعامل معه بكل أشكال العنف الرمزي والمادي .فلنتأمل هاته المفارقة الخطيرة التي تؤثر على مخيال المسلمين .ومنظورهم لغيرهم وهم مقيمون عندهم يزاولون شعائرهم ويتمتعون بكل حقوق المواطنة في البلد المضيف؛ مما ينتج عنه ردود أفعال تتهم دين اإلسالم بالغلو والتطرف والعنصرية واإلرهاب ومن ثم نكون قد خالفنا قاعدة ذهبية وهي جلب المصلحة ودفع المفسدة ،أي 178
األسس الشرعية للعالقات بين المسلمين وغير المسلمين :الشيخ فيصل مولوي ،بيروت :دار الرشاد اإلسالمية /بيروت ,
179
أدوات النظر االجتهادي المنشود في ضوء الواقع المعاصر :قطب مصطفى سانو ،دار الفكر المعاصر1988 ،م ,ص.185
ولبنان ٍ،ص.105-103 180 181
المرجع السابق :ص 186
المرجع السابق :ص. 187 68
جلب مصلحة اإلسالم والمسلمين بالغرب ودفع مفسدة اإلساءة لديننا الحنيف ،ونكون بالتالي غير مواكبين لسياقنا وواقعنا الحالي كما عليه أسالفنا منخرطين في إشكاالت عصرهم .إن تغيير منظورنا للغرب ولآلخر يترتب عنه بالضرورة تغيير آفاق التعاون ما مفاهيمنا وأحكامنا إزائه ،ونكون أكثر إحراجا للمجحفين وأكثر إقناعا للمنصفين .في العصر الحالي تفتح ُ بين العالم اإلسالمي والحضارات العالمية األخرى خطوطا عريضة في تاريخ اإلنسانية ،هذه اآلفاق الطموحة مرتبطة بالمؤمنين ،بالمحسنين ،وبالذين يتضامنون في البحث عن الحقيقة مع الحكمة .نتحدث اليوم عن اآلفاق في حيز المحيط الحاضر والقادم في المجتمعات اإلسالمية والمجتمعات الغربية.
182
وننتهي من هذا الى القول بأن تقسيم الفقهاء البالد إلى دار إسالم ودار حرب ،كان اجتهادا بني على تعليالت ،فالجمهور يعلله بحسب ظهور أحكام اإلسالم أو عدم ظهورها ،وبحسب غلبة المسلمين من عدمها ،فظهور اإلسالم والكفر بظهور أحكامهما هكذا تتميز من غير شرط آخر كما يراه جمهور الفقهاء .ويرى آخرون أن دار اإلسالم اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين ،وعالمة ذلك أن يأمن فيه المسلم ،وعلى هذا كل ما دخل من البالد تحت سلطان المسلمين ،ونفذت فيها أحكام اإلسالم ،وأقيمت شعائره فيه فهي دار إسالم ،يجب على المسلمين الدفاع عنها كفاية أو عينا .وعلى هذا ال يلزم أن يكون سكان دار اإلسالم تلك جميعا مسلمين ،فقد يضم المسلمين وغيرهم وهم جميعا متساوون في الحقوق والواجبات ،بصفتهم أهل دار اإلسالم ولهم حق المواطنة الدائمة .فدار اإلسالم إجماال عند جمهور الفقهاء هي البالد التي يسود فيها الحكم اإلسالمي تشريعا وتنفيذا ،وتكون القوة والعزة فيها للمسلمين ،سواء كان أكثر السكان بها من المسلمين أم من غير المسلمين ،فالعبرة بسيادة األحكام الشرعية ،أو بكون السكان يأمنون فيها بأمان اإلسالم للمسلمين ،وبأمان الذمة لغير المسلمين.
182
المرجع السابق. 69
المبحث الثاني بعض آليات االجتهاد المتنور إن االجتهاد يحتاج إلى حسن التصور للمسائل ،وبقدر ما يستطيع المجتهد أن يتخيل المسائل بقدر ما يعلو اجتهاده ،وال يخفى أن التصور المبدع له اآلن علوم قائمة بذاتها ،وينبغي أن يضاف في أسسه إلى أصول الفقه في عصرنا الحاضر.
183
فمن البديهيات أن النص متناه والواقع غير ُمتناه ،واألسالف ،رحمهم هللا ،قد أبدعوا من المعارف واآلليات ما يمكنهم من استثمار الدالالت الغنية للنص؛ باعتباره وحيا مؤيدا أتى لهداية الناس في كل زمان ومكان ،ابتداء من معارف اللغة العربية إلى المعرفة بالقرآن والسنة وعلومهما إلى المعرفة بعلم المقاصد وعلم الخالف ومكتسبات العلوم اإلنسانية ...فالنص ثابت والواقع متغير ،والعقل المجتهد المتنور والمستبصر هو القناة التي تصل المتغير بالثابت؛ إذ اإلشكال اليوم هو الحاجة الملحة أوال إلى منظور تكاملي للعلوم يصل علوم الوضع بعلوم الشرع يمكن المسلم المعاصر من مهارات االستدالل وكيفيات استنباط األحكام واالستنباط هو القياس وما أشبهه
184
,وأدوات التفريع والتخريج ومحاولة صياغة أساليبها المتعددة
والمختلفة بطرق معاصرة على منوال ما فعل األقدمون كاألسنوي في كتاب التمهيد. قد نتمكن من معرفة آليات االجتهاد ولكن تعوزنا المكنة من كيفياته .يقول أبو الحسن البصري في المعتمد" :يكون اإلنسان من أهل االجتهاد ( )...إذا عرف األدلة السمعية ومكنه االستدالل بها .
185
االجتهاد "فالنظر بهذه الصناعة هي مباحث األدلة وكيفية استعمالها
186
”فالتمكن من االستدالل هو سر بعث روح
”كما يرى أبو الوليد ابن رشد في مختصر
المستصفى ،فال يكفي إذن امتالك آالت االجتهاد دون معرفة كيفية االستفادة واالستدالل وجهات الداللة ،كمن يعرف قواعد النحو وال يعرف كيف يعرب ،وهي التي حاول معالجتها ابن هشام في كتاب مغني اللبيب مثال.
183
آليات االجتهاد :علي جمعة ،القاهرة ,دار الرسالة1989 ،م ,ص99-98
184
تقريب الوصول إلى علم األصول :أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي ,دراسة وتحقيق ،عبد هللا محمد الجبوري ،األردن :دار
185
المعتمد في أصول الفقه :محمد بن علي بن الطيب المعتزلي ,دار الكتب العلمية بيروت1989 ,م ج ،2ص.357
النفائس1990 ،م ص.101 186
مختصر المستصفى ,مصدر السابق ,ص .137
70
إن إدراك السياق باعتبار أهميته في فهم المعنى وتعيينه كما يقول التلمساني" :يتعين المعنى ويكون اللفظ نصا فيه بالقرائن والسياق ال من جهة الوضع ,187والتمكن من آليات االجتهاد وكيفياته ...يجعل المسلم اليوم متموقعا في عصره واعيا بتحدياته واشكاالته وضغوطاته مستلهما تجارب األسالف الراسخين في العلم ،والدين كانوا بحق رجال عصورهم مبدعين ومجتهدين .وأكتفي في سياق هذه المداخلة باستلهام تجربة الصحابي الجليل عمر الفاروق رضي هللا عنه ،وهو من هو في الشدة والحزم والورع والغيرة على دين اإلسالم أن تشوبه شائبة أو يتسرب إليه أي نوع من االستسهال في العمل به كيف اجتهد وواجه نوازل عصره وتحدياته. واالجتهاد العمري
188
يعتمد على مقومات متنوعة لكنها متكاملة .أكسبت هذا المنهج خصوبة إبداعية غير مسبوقة
وعطاءات اجتهادية متميزة .ويمكن إجمال هذه المقومات األساسية في ما يلي: المقوم األول؛ فهم النصوص التشريعية في إطار مقاصدها وغاياتها وهذا األساس صلب وصحيح ألنه َيربط النصوص التشريعية بمضامينها وبفهمها في اإلطار المراد منها .المقوم الثاني؛ فهم النصوص في إطار المصالح الجماعية ورعايتها وصيانتها وتق ديمها على المصالح الفردية .والشريعة اإلسالمية جاءت لدرء المفاسد ودفع الضرر عن الناس ورفع الحرج والضيق عنهم؛ إذ حيثما تحققت المصلحة مصلحة فيجب العمل على جلبها ورعايتها ،وحيثما تحققت المفسدة مفسدة فيجب العمل على دفعها وسد أبوابها .المقوم الثالث؛ فهم النصوص في ضوء التطورات الزمانية والمكانية والمستجدات الحياتية والتي هي سنة هللا في الكون .
189
وهنا تكمن أهمية العقل في فتح باب االجتهاد والتشريع والبناء والتطوير ،الذي حث هللا عليه في القرآن بألفاظ كثيرة منها العقل ،والتعقل ،والتدبر ،والبصر ،واإلدراك ،والبصيرة ،والتفكر ،والفقه ،والعلم ،وأمثال ذلك كثير ،فلله على الناس الحجة البالغة ظاهرة وباطنة ،أما الظاهرة فاألنبياء ،وأما الباطنة فالعقل ،فاألنبياء رسل هللا من الخارج ،والعقل رسوله من الداخل، لكن هل المخاطبون اليوم بما يستنهض العلم والفقه والعقل والبصيرة ونحوها على مستوى هذا االستنهاض.
187 188 189
مفتاح الوصول الى علم االصول :أحمد كاظم البهادلي ,دار المؤرخ العربي ,بيروت1988 ,م ,ص.57 : المدخل للتشريع اإلسالمي :محمد فاروق النبهان ،بيروت :دارالقلم1977 ،م ,ص.117
نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي :أحمد الريسوني ،دار األمان1989 ،م ,ص.347 71
المبحث الثالث كيفية تطبيق الشروط الفقهية على الواقع حين يطالع المرء كتب الفقه فإنه يالحظ أن أهل العلم يذكرون شروطا شرعية :للقاضي ،والمفتي ،وولي األمر ،والشاهد، والوصي ،والناظر ،ويذكر أهل العلم –أيضا -مواصفات الزوج الصالح ،والزوجة الصالحة ،وغير ذلك من الشروط والمواصفات والمؤهالت التي تذكر في كتب العلم في موضوعات كثيرة جدا لها مساس بحياتنا االجتماعية والسياسية .ليس البحث هاهنا في (تأصيل) هذه الشروط ،بل البحث في المرحلة الثانية بعد التأصيل ،وهي مرحلة (التطبيق) ،أعني :تطبيق هذه الشروط على الواقع ،حيث نالحظ دوما أن الواقع ال يفي بكامل المتطلبات والشروط ،فيوقع هذا إشكاال لفريقين: الطائفة األولى بعض المتدينين الصادقين الذين يرون في القصور عن بعض الشروط الفقهية نقصا في الدين ،وتقصي ار شرعيا ،فيحدث هذا لهم ألوانا من المشاق ،ومن أمثلة ذلك الشاب الذي يحرص على العمل باإلسالم في الدول الغربية فتتعذر عليه كثير من التشريعات ،ومن أمثلة ذلك أيضا :أنك تجد فتاة تفكر بالمواصفات التي يذكرها أهل العلم للزوج التقي الصالح ،فترفض كثي ار ممن يتقدم لها ألنها تريد تلك الصورة المثالية عن التقوى التي في ذهنها ،ثم قد يتسبب ذلك في تقدم عمرها ودخولها مرحلة العنوسة ،وتفقد تكوين األسرة ،التي هي من أعظم مقاصد القرآن. والفريق الثاني هم طائفة من العلمانيين الذين يأخذون الشروط الفقهية المثالية ،ويقارنونها بعجز الحركات والتجارب والنماذج اإلسالمية عن تطبيقها ،فيعيرونهم بها ،ويشوهونهم أمام الناس ،وأنهم غير صادقين في تطبيق نموذجهم اإلسالمي ،ويحاول هؤالء العلمانيون تمزيق السند الديني الرمزي الذي تتكئ عليه هذه الحركات اإلسالمية ،وتحكيم الشريعة هو الرأسمال المعنوي لهذه الحركات. حسنا ..نحن هاهنا بحاجة لعرض مفهوم (تطبيق الشروط الشرعية على الواقع) ونحن نضع أمام ناظرينا هاتين الشريحتين ،شريحة المتدين الصادق الذي يتطلب المثال في التطبيق ،ويقلق من داخله ،ويتألم للعجز عن أي شرط، ويحتار ،وتتصدع أحاسيس االنسجام والشرعية في نفسه. والشريحة الثانية هم طوائف العلمانيين والليبراليين الذين يستغلون المسافة بين الشرط والواقع؛ للتشويه والتنفير ،وتأليب الرأي العام ضد الحركات اإلسالمية الناشئة التي تحاول اإلصالح قدر اإلمكان .بداية ..ما هي صورة الواقع أصال في 72
التصور الشرعي؟ دعنا نأخذ هذا التأصيل الكلي العام في واحد من أثمن نصوص ابن تيمية ،حيث يقول رحمه هللا: (والعدل المحض في كل شيء متعذر ،علما وعمال ،ولكن األمثل فاألمثل).190 الحظ أن كل تفاصيل الشريعة هي تطبيقات للعدل ،فاهلل أمر بالعدل وذكر لنا بعض تفاصيله ،ومع ذلك ينبه ابن تيمية إلى أن (العدل المحض) متعذر ،وأن االجتهاد البشري في تحقيق هذا العدل هو االقتراب قدر اإلمكان من هذا المثال. ماذا يعني هذا التأصيل؟ هذا يعني أنه ليس هناك تعارض أصال بين (الدين) و (الواقعية) ،فالتصور الديني البحت واقعي أيضا .والحظ –بشكل أدق -أن المفهوم الشرعي المباشر الذي ينظم تطبيق الشروط الفقهية على الواقع هو (قاعدة األمثل فاألمثل) وهي أحد تجليات الكلي العام وهو :أن الواجب إقامة الشرع بحسب القدرة واإلمكان. يبدو أننا بحاجة ألمثلة تطبيقية ،حسنا ..خذ بعض األمثلة: يذكر أهل العلم شروطا للواليات والمناصب ،ولكن إذا جئنا نطبقها على الواقع فنعتبر األمثل فاألمثل ،قال ابن تيمية (فلهذا يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل ،واذا تعذر ذلك استعان باألمثل فاألمثل ،وان كان فيه كذب وظلم ،فإن هللا يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ،وبأقوام ال خالق لهم ،والواجب إنما هو فعل المقدور).191 ويذكر أهل العلم شروطا شرعية لشخصية القاضي ،وهي شروط ومواصفات دقيقة وعالية جدا ،لكن إذا جئنا نطبقها على الواقع فنعتبر األمثل فاألمثل ،قال ابن تيمية( :وشروط القضاء تعتبر حسب اإلمكان ،ويجب تولية األمثل فاألمثل ،وعلى هذا يدل كالم أحمد وغيره ،فيولى لعد ٍم أنفع الفاسقين ،وأقلهما شرا ،وأعدل المقلدين ،وأعرفهما بالتقليد).192 ويذكر أهل العلم شروطا للشاهد ،لكن إذا جئنا نطبقها على الواقع فنعتبر األمثل فاألمثل ،قال ابن تيمية (وشهادة الفاسق مردودة بنص القرآن واتفاق المسلمين ،وقد يجيز بعضهم األمثل فاألمثل من الفساق عند الضرورة ،إذا لم يوجد عدول ونحو ذلك).193 وهكذا –أيضا -في مسألة الزواج ،وتطلب مواصفات الدين والخلق والصفات الرفيعة في الزوج أو الزوجة ،فإذا جئنا نطبق هذه المواصفات فنراعي الواقع ،ونطبق الشروط والمواصفات حسب اإلمكان ،على قاعدة األمثل فاألمثل ،قال ابن 190 191 192 193
مجموع فتاوى ابن تيمية ج 99/10 ابن تيمية ،الفتاوى67/28 ،
ابن تيمية ،االختيارات ،تحقيق د.الخليل ،ص 481
ابن تيمية ،مختصر الفتاوى المصرية ،ص 604
73
تيمية( :وكما قلنا في والة األمر من القضاة ،ووالة الحرب ،والمال ،واإلمامة ،وغيرهم :يولى األصلح فاألصلح؛ كذلك نقول في تزويج النساء تزوج باألمثل فاألمثل ممن يخطبها).194 هذه طائفة من األمثلة في أبواب فقهية متعددة ينبه فيها أبو العباس ابن تيمية ببراعة على مفهوم (تطبيق الشروط الفقهية على الواقع). ونستخلص من هذه األمثلة أننا عندما نريد تطبيق تطبيق الشروط الفقهية على الواقع فإن العمل الذهني ال يبحث عن (المطابقة) بين الشرط والواقع ،بل يبحث عن (التقريب) بين الشرط الفقهي وأقرب النماذج الواقعية له ،وهذا يعني أن العمل على (تحكيم الشريعة) هو عمل (واقعي) يدور على مفهوم (األقرب) ال مفهوم (المطابقة) ألن العدل المحض في كل شيء متعذر علما وعمال. َن تَ ْعدُلوا يعوا أ ْ (وَل ْن تَ ْستَط ُ وهذا المفهوم لتطبيق الشروط الفقهية على الواقع نبه عليه كتاب هللا ،ومن ذلك قول هللا تعالى َ صتُ ْم).195 َب ْي َن الن َساء َوَل ْو َح َر ْ فالحظ كيف أكدت الشريعة على وجوب العدل بين الزوجات ،وجاء فيه الوعيد الشديد ،وفي نفس الوقت ينبه القرآن أن العدل في كل شيء بين الزوجات متعذر ،وخارج عن االستطاعة! فإذا جمع الباحث هذين النصين استخلص أن الشارع نبه على (عدل مستطاع) و (عدل غير مستطاع) فأمر بالمستطاع وعفا عن غير المستطاع. (وأ َْوُفوا اْل َك ْي َل وكذلك يجمع هللا في مواضع بين األمر بالعدل والتنبيه على العفو عن العجز وعدم الوسع ،كقول هللا َ ف َنْفسا إ َّال ُو ْس َع َها).196 َواْلم َيز َ ان باْلق ْسط َال ُن َكل ُ بل إن رسول هللا –صلى هللا عليه وسلم -نبه على أن العمل بالشرع ليس (مطابقة) بل (تقريب قدر اإلمكان) بتأصيل شرعي عام ،ومن ذلك ما في الصحيحين أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (قاربوا وسددوا ،واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله).197 فالنبي يبين أنه العمل البشري ال يمكن أن يطابق المطلوب اإللهي ،ولكن يقارب اإلنسان ويسدد. 194 195 196 197
ابن تيمية ،قاعدة في العقود المطبوعة باسم نظرية العقد ،ص 199
النساء.129:
األنعام.152:
أخرجه البخاري و مسلم .2816 ،5376 74
ومع ذلك كله ،فيجب اليقظة من التقصير في القدرة واإلمكان ،فكثي ار ما تتخذ بعض الحركات اإلسالمية ق اررات مخالفة للشريعة ،وتدعي أن هذا غاية قدرتها وامكانها ،وتكون هذه الدعوى غير دقيقة ،بل في اإلمكان ما هو خير من ذلك، ويكون الدافع لمثل هذا القرار التوسع الشديد في البراجماتية السياسية لْلسف.
75
الباب الثاين يف القصد اجلنائي يف الفقه االسالمي و القانون ان ما حوته موسوعات فقهاء المسلمين من اجتهادات و استنباطات و تحقيقات شملت كافة فروع الفقه االسالمي التي تندرج تحت قسمي العبادات و المعمالت لتنادي أرباب االختصاص و كل من علت همته أن يتقدم اغوارها كشفا عن مكنوناتها و استخراجا لكنوزها .بحثنا في مجال القصد الجنائي في الفقه و القانون لْلسباب منها: ان أثر الجهل في المسؤولية الجنائية لقيت اهتماما كبي ار من علماء الشريعة اإلسالمية ,غير أن هذا الموضوع في أبواب متعددة ولم أجد من أفرد الموضوع ببحث مستقل .وهذا يكفي باعثا على اختيار هذا الموضوع بالذات لما له من أهمية قصوى في الوقت الراهن, بالرغم ممايتسم به من صعوبة بالغة .بما أن موضوع هذ ا البحث يندرج في نطاق الدراسات الفقهية المقارنة ,فقد تنوعت مصادره ومراجعه فشملت علم التفسير ,والحديث ,وفقه الفروع ,االصول ,وغير ذلك .ونعرض فيما يلي أهمها مرتبة بحسب العلم الذي تبحث فيه . وقد وضعنا فصال خاصا بتعريف العلم ,أهميته ,مصادره ومستواه ,وهذا األمر اقتضى َّ منا الرجوع لكتابات الفالسفة و القانونيين ألن صدرت منهم بعد معاناة طويلة لقضايا كثيرة مرت بهم بحكم مهنتهم في القضاء و المحاماة .اقتصرنا في هذا البحث على مذهب األئمة االربعة المشهورين دون غيرهم ,ألن المذاهب األربعة هي المعتبرة عند أهل السنة و الجماعة .اعتمدنا نقل النص الحرفي في الغالب من المصادر االصلية ,وذلـك ألهمية النقل فـي مثل هذا الموضوع الحساس ,فاعتمادنا على المصادر االصلية لم يؤدي الـى اهمال المراجع الحديثة التي استفدنا منها ,خاصة فـي التطبيقات المعاصرة . وقد ربطنا الـمسائل بمـا يجـري عليـه الـعمل فـي القانـون الـوضـعـي للتـوضـيح وابـراز سمـو الفقه الجنائي االسالمـي ,وتـفوقه وصالحيته لكل زمان ومكان .وبدأنا كل فصل بتمهيد موجز لاليضاح قبل الدخول فيه ,كما التزمنا بتخريج االيات واالحاديث والترجمة لالعالم 76
الوارد في صلب البحث . ولما كان القصد الجنائي يتكون من عنصرين هما :العلم و اإلرادة .غير أن العلم يستبق اإلرادة في التسلسل الزمني ,حيث ال إرادة بغير علم ,ألن اإلنسان ال يريد ما ال يعلمه ,كما ال يعمل ماال يريد .ماهية العلم من مباحث علم الكالم ,هذا صحيح ولكن البحث في العلم باعتباره أحد عنصري القصد الجنائي من أهم نظريات القصد الجنائي .ألن انتفاء العلم الصحيح يعني ان الجهل أو على األقل الغلط قد توافر .و لهذا قسمنا هذا الباب الى فصول ثالثة :الفصل األول في العلم وأهميته ,الفصل الثاني في العلم بالوقائع وأثره والفصل الثالث مخصوص لتعريف ااحكم والعلم بالحكم الشرعي و أثره في تكوين القصد الجنائي.
77
الفصل األول العلم و أهميته في القصد الجنائي قد يقال بأن م اهية العلم من مباحث علم الكالم والخوض في دراستها معناه الدخول في خضم من اآلراء المتصارعة التي قد تبعدنا عن المجال بحثنا الفقهي ,لهذا كان من المناسب االقتصار في بحث معناه من الزاوية تفسيره بأنه العمليات العقلية التي تتوسل بها لتحصيل المعلومات .هذا صحيح ولكن البحث في العلم باعتباره أحد عنصري القصد الجنائي من أهم نظريات القصد الجنائي .ألن انتفاء العلم الصحيح يعني ان الجهل أو على األقل الغلط قد توافر ,ولهذا نقسم هذا الفصل الى ثالثة مباحث: المبحث األول :مفهوم العلم والمعرفة المبحث الثاني :مصادر العلم المبحث الثالث :مستوى العلم
78
المبحث األول العلم و المعرفة الوقوف على دالالت العلم والمعرفة ُبغية تحديد مفهومهما يتطلب الخوض في مباحث العلماء الفكرية ،المتعددة األلوان واالتجاهات اللغوية والعقدية؛ َّ ويطوعون معانيها ألفكارهم ،وينقلون داللتها إلى ُعرفهم .لذا كان الرجوع إلى األصل اللغوي ألنهم يتصرفون باأللفاظ ُ بالبحث في الدالالت المعجمية ًّ مهما لفهم الداللة ،وتحديد الحقل الداللي؛ لضبط المصطلحين .تَحديد الفروق بين العلم والمعرفة يكون َ واالستعمالية ،وتحليل مادة ٍ كل منها ،ومتابعة األصول باستقراء المادة بالمعاجم اللغوية واالصطالحية. أوال :الفروق اللغوية: نتيجة للتداخل بين مصطلحي العلم والمعرفة ،فال مندوح َة من تتبع المصطلحين؛ لضبط الفروق بينهما ،وألن لكل مصطلح َعالقة بأصله اللغوي ،كان لزاما علينا الرجوع إلى المعاجم ،فكلمة "علم" قالوا عنها" :سمي العْل ُم علما من العالمة ،وهي الداللة واإلشارة، ومنه َم َعالم األرض والثوب. المعَل ُم :األثر يستدل به على الطريق ،والعلم من المصادر التي تجمع" .198وقال الزمخشري" :ما علمت بخبرك :ما شعرت به".199 وَ فيكون
بمعنى
الشعور،
والعلم
نقيض
الجهل،200
وقال
عنه
الفيروزآبادي:
هو
حق
المعرفة.201
202 العرف َّ طلب الشيء ،وعرَّفه َّ التعرف :تَ َ ضد النكر ،والعرفان خالف الجهل ،وتَ َعَّرْف ُت ما عند فالن ،مصدره َ أما المعرفة فهي من ُ
"م ْعرفة ،على غير القياس؛ لفعله الذي هو على وزن َ"يْفعل"؛ إذ َّ إن أكثره األمر :أعلمه إياهَ ، وسمه ،وجاء من المصدر َ وعرَّفه بهَ ،
198جمهرة اللغة":أبو بكر محمد بن الحسن ابن دريد األزدي321(،ه) ,دار الماليين بيروت1987 ,م ,ج ،3ص .16
199أساس البالغة":أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري(538ه) ,دار الكتب العلمية بيروت1990 ,م ،ص .653 200
مجمل اللغة:أحمد بن فارس زكرياء القزويني (395ه) تحقيق عبد المحسن سلطان ,مؤسسة الرسالة بيروت 1986م ,ج ،3ص
.624
201القاموس المحيط ،":محمد بن يعقوت الفيروز آبادي(817ه) مؤسسة الرسالة1990 ,ه ،,ص .1140
202بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز،":محمد بن يعقوت الفيروز آبادي(817ه) ،المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية,
القاهرة1969 ,م ,ج ،4ص .88
79
ن "مْف َعل".203 يأتي على وز َ وعند ابن فارس :المعرفة والعرفان من العلم بالشيء ،يدل على سكون إليه؛ َّ توحش منه ونبا عنه ,204كما وردت ألن من أنكر شيئا َّ المجازاة؛
بمعنى
قال
الزمخشري:
لك
ألعرفن
صنعت؛
ما
أي:
ألجازيك
به.205
ٍ "عال ،مكرم، وفي مادة عرف حروف "رفع" ،ومن ثم كان هذا المعنى مناسبا؛ حيث وردت كلمة "المعرفة"؛ لتدل على ما هو: أطيب َع ْرَفه! وهو األنف وما وااله، وطيب "؛ إذ يقال للقوم إذا تلثَّموا :غطوا معارفهم ،وتقول :بنو فالن غر المعارف ،وتقول :ما َ اع َرْوَرف البحر :ارتفعت وتطلق "معرفة" على أعراف الخيل؛ أي :على الشعر الذي يعلو رقاب الخيل ،وقلة عرفاء :مرتفعة ،و ْ أمواجه.206 أصلي بالشيء ،أو لنسيان بعد معرفة ،فكان عدما بين معرفتينَّ ، فكأن الشيء إما لجهل ٍ فالمعرفة حاصلة بعد عدم ،وذاك العدم هو َّ يز وبينا وواضحا في الذهن كان مختفيا عن الذهن؛ ثم تجلى أمامه بارتفاعه وعلوه عن غيره من المدركات في تلك اللحظة ،فصار ُم َم ا صال عما سواه؛ أي: بع ْين الشيء ُمَف َّ بعد خفائه عنه لجهل أو لنسيان ،فهو عال في صفحة الذهن بعد تستره وخفائه؛ إذ المعرفة علم َ ويميز عما يكتنفه من ُمتشابهات ،فيتميز المعلوم من غيره ،وسر المسألةَّ : أن المعرفة لتمييز ما اختلط فيه يعلو في اإلدراكُ ، المعروف بغيره فاشتبه ،فالمعرفة تمييز. ون" والمعرفة فعلها يقع على مفعول واحد ،فتقول :عرفت الدار ،وعرفت زيدا؛ قال تعالىَ":ف َع َرَف ُه ْم َو ُه ْم َل ُه ُم ْنك ُر َ أما َّ
فعل
العلم،
فيقتضي
مفعولين؛
كقوله
-
تعالى
:-
"َفإ ْن
وه َّن َعل ْمتُ ُم ُ
مؤمن ٍ ات" ُْ َ
207 208
نالحظ قربا بين معنى العلم ومعنى المعرفة ،ذلك َّ أن كالًّ منهما ُي َعد عالمة أو داللة على شيء ،وان كانت المعرفة ُتدل على ما ارتفع من الشيء ،والمعرفة بمعنى المجازاة َّإنما تتضمن العلم بحال المجازى وقدره ،وفي المعرفة علم بسبب المجازاة ،وفيها علم وعمل ،وفيها ارتفاع لقدر المعروف على العارف ،ومن ثم كانت معرفة هللا -تعالى :-العلم اليقيني به ،وعمل ما يتناسب مع قدره –
203االصحاح تاج اللغة و صحاح العربية :أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري(393ه) ,دار العلم للماليين بيروت1987,م ,ج،4
ص (.)1401 - 1400
204كتاب األفعال" :أبو القاسم علي بن جعفر السعدي بن القطاع ،عالم الكتب ،بيروت ،1983 ،ج ،1ص .12 205أساس البالغة" ،الزمخشري ،ص .624 206نفس المرجع 207يوسف.58 : 208الممتحنة.10 :
80
سبحانه
-
والمعرفة
تشمل
في
معانيها
االعتراف
واإلقرار،
وهما
علم
وأدلة.209
ثانيا :الفروق االصطالحية: المعرفة عند البعض أخص من العلم؛ َّ صال عما سواه ،وكل معرفة علم ،وليس كل علم معرفة ،وذلك َّ أن لفظ بع ْين الشيء ُمَف َّ ألنها علم َ المعرفة ُيفيد تمييز المعلوم من غيره ،ولفظ العلم ال يفيد ذلك ،210والمعرفة تقال فيما ُيتَوصل إليه بتفكر وتدبر ،وتستعمل فيما تدرك آثاره ،وال يدرك ذاته ،تقول :عرفت هللا ،وعرفت الدار ،والعلم يستعمل فيما يدرك ذاته ،211وحال اإلبهام تقول :عرفت زيدا ،بعد أن لم تكن ،وال تقول :علمت زيدا. َّ بالجبلة ،فهي إدراك ُجزئي َيحصل بواسطة؛ لذلك يقال :عرفت هللا ،وال فخص به اإلنسان ،والمعرفة وقيل :العلم يكون باالكتساب، َّ يقال :علمت هللا ،فالعلم لما يدرك ذاته مع اإلحاطة به .212وقيل :العلم أخص من المعرفة؛ َّ ألنها قبله؛ إذ تكون مع كل علم معرفة، وليس مع كل معرفة علم ،إلى جانب تضمنها للخبرة العملية ،فالمعرفة هي ثَمرة التقابل واالتصال بين َّ الذات المدركة والموضوع ُ المدرك ،وتتميز من باقي معطيات الشعور ،من حيث َّإنها تقوم في ٍ آن واحد على التقابل واالتحاد الوثيق بين هذين الطرفين. الم ْد َرك ،خصوصا إذا تكرر إدراكهَّ ، الم ْدرك إذا أدرك شيئا ،فحفظ له محصوال في نفسه، فإن ُ فالمعرفة تقال على استثبات المحصول ُ َّ الم ْد َرك األول ،قيل لذلك اإلدراك الثاني بهذا الشرط( :معرفة). ثم أدركه ثانيا ،وأدرك مع إد اركه له أنه ذلك ُ والمعرفة عند جمهور الناس أصلها قد يقع ضروريًّا فطريًّا ،وقد َيحتاج إلى النظر واالستدالل ،وقال البعضَّ : إن المعرفة نتيجة العقل: أن المعرفة ال تكون إال مكتسبة ،فال َيجوز أن تقع َّ "العقل غريزة ،والمعرفة عنه تكون" .213والبعض يرى َّ بالضرورة الرتفاع الكلفة.214
209نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة :راجح عبد الحميد الكردي ,المعهد العالمي للفكر االسالمي1990,م ،ص .34
210الفروق اللغوية" :أبو هالل الحسن بن عبد هللا بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (395ه) ،تحقيق محمد إبراهيم
سليم ,دار العلم والثقافة للنشر و التوزيع القاهرة ,ص .63 - 62
211معجم ألفاظ العلم والمعرفة في اللغة العربية ،":عادل عبد الجبار زاير ،مكتبة لبنان 1990,م .ص.11 212كتاب األفعال" ،ابن القطاع ،ج ،2ص .323
213المسائل في أعمال القلوب والجوارح" ،الحارث المحاسبي ،تحقيق :مصطفى عبدالقادر عطا ،دار الكتب العلمية بيروت،1987 ,
ص.239
"214مجموعة الرسائل الكبرى" ،تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني ،تحقيق :محمد رشاد سالم ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط(،)2
،1990ج ،1ص .14
81
العلم يقال إلدراك الكلي أو المركب ،والمعرفة تقال إلدراك الجزئي أو البسيط ،فمتعلق العلم في اصطالح المنطق هو المركب المتعدد ،كذلك عند أهل اللغة هو المفعوالن .ومتعلق المعرفة هو البسيط الواحد ،كذلك عند أهل اللغة وهو المفعول الواحد ،وان اختلف وجه التعدد والوحدة بينهم بحسب َّ اللفظ والمعنى.215 أما العلم فينصرف إلى أحواله من فضل ونقص ،ولذا جاء األمر في القرآن بالعلم دون والمعرفة تنصرف إلى ذات المسمىَّ ، َّ المعرفة
216
يرفع بالعلم رأسا ،ويعده قاطعا وحجابا قال ابن القيم :وهذه الطائفة [الصوفية] ترجع المعرفة على العلم ،وكثير منهم ال ُ
كامل الوالية من غير أولي العلم دون المعرفة،وأهل االستقامة منهم أشد الناس وصية للمريدين بالعلم ،وعندهم ال يكون ولي هللا َ أبدا ،217 .وميز بينهما .كما َّ أن العلم يقابله في الضد الجهل والهوى ،أما المعرفة فهي ضد اإلنكار والجحود .ورد كالَ اللفظين في القرآن الكريم ،فلفظ المعرفة كقوله -تعالى ":-م َّما َع َرُفوا م َن اْل َحق"
218
َّللاُ" اعَل ْم أََّن ُه َال إَل َه إ َّال َّ ،و َّ أما لفظ "العلم" ،فهو أوسع إطالقا ،كقولهَ" :ف ْ
َّ ون اء ُه ْم" اب َي ْعرُف َ ،وفي "الذ َ ين آتَْيَن ُ اه ُم اْلكتَ َ ون ُه َك َما َي ْعرُف َ أ َْبَن َ 220
219
َّللاُ أََّن ُه َال إَل َه إ َّال ُه َو َواْل َم َالئ َك ُة َوأُوُلو "شه َد َّ ،وفي قولهَ :
اْلعْلم َقائما باْلق ْسط" ، 221وقوله"َ :وُق ْل َرب زْدني عْلما" ،222وغيرها كثير. واختار هللا -سبحانه -لنفسه اسم "العلم" وما تصرف منه ،فوصف نفسه َّ بأنه "عالم" ،و"عليم وعالم ويعلم" ،وأخبر أن له علما ،دون لفظ "المعرفة" في القرآن كله ،ومعلوم َّ أن االسم الذي اختاره هللا لنفسه هو األكمل المشارك له في معناه. ك بأ َّ ين َوُرْهَبانا َوأََّن ُه ْم َال َن م ْن ُه ْم قسيس َ وجاء لفظ "المعرفة" في القرآن في ُمؤمني أهل الكتاب خاصة؛ كقوله -تعالى َ " :-ذل َ 224 223 َّ ون اء ُه ْم".225 َي ْستَ ْكب ُر َ اب َي ْعرُف َ ون" إلى م َّما َع َرُفوا م َن اْل َحق ،وقوله" :الذ َ ين آتَْيَن ُ اه ُم اْلكتَ َ ون ُه َك َما َي ْعرُف َ أ َْبَن َ
215الكليات معجم في المصطلحات و الفروق اللغة ألبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي1094( ,هـ) ,مؤسسة الرسالة بيروت 1988 ,م612 , 216بصائر ذوي التمييز" ،الفيروزآبادي ،ج ،4ص .49
"217الفروق الشرعية واللغوية عند ابن قيم الجوزية ،:علي إسماعيل القاضي ،دار ابن القيم ،الرياض .ط( ،1923 ،)1ص ،70
"بدائع الفوائد" ،أبو عبدهللا محمد بن أبي بكربن أيوب إبن قيم الجوزية(751ه) ,تحقيق هاني الحاج ،المكتبة التوفيقية ،القاهرة،
1987م ,ج ،1ص .301 218المائدة83 :
219البقرة146 : 220محمد19 :
221آل عمران18 : 222طه114 :
223المائدة82 : 82
فالفرق بين إضافة العلم إلى هللا -تعالى -وعدم إضافة المعرفة ال يرجع إلى األفراد والتركيب في متعلق العلم ،واَّنما يرجع إلى نفس المعرفة ومعناهاَّ ، فإنها في مجاري استعمالها َّإنما تستعمل فيما سبق تصوره من نسيان ،أو ذهول ،أو عزوب عن القلب ،فإذا تُصور وحصل في الذهن قيل :عرفه ،أو وصف له صفته ولم يره .226قال بعض أهل التحقيق :يجوز إسناد العلم بمعنى المعرفة إليه – تعالى -وان لم يجز إسناد المعرفة؛ ألن منع إسنادها نشأ عن لفظ المعرفة دون معناها؛ إذ لفظ المعرفة شاع في اإلدراك بعد النسيان 227 َّنت أو بعد الجهل؛ فإذا رآه بتلك الصفة وتعينت فيه ،قيل :عرفه ،أال ترى َّأنك إذا غاب عنك وجه الرجل ،ثم رأيته بعد زمان ،فتبي َ
أنه هو ،قلت :عرفته؟ وكذلك عرفت اللفظ ،وعرفت الديار ،وعرفت الطريق ،وسر المسألة :أن المعرفة لتمييز ما اختلط فيه المعروف اء ُه ْم" ،228فقد كان عندهم من صفته -عليه ون ُه َك َما َي ْعرُف َ بغيره فاشتبه ،فالمعرفة تمييز ،ومن هذا قوله -تعالى "َ :-ي ْعرُف َ ون أ َْبَن َ ون اء ُه ْم البقرة 146 :من باب ازدواج الكالم ،وتشبيه الصالة والسالم -قبل أن يروه ،ما طابق شخصه حين رؤيته ،وجاء َك َما َي ْعرُف َ أ َْبَن َ أحد اليقينين باآلخر. أما ما زعموا من قولهمَّ : ":ال تَ ْعَل ُم ُه ْم َن ْح ُن قال ابن القيم :و َّ إن "علمت" قد يكون بمعنى "عرفت" ،واستشهادهم بنحو قوله -تعالى َ - َن ْعَل ُم ُه ْم"
229
َّللاُ َي ْعَل ُم ُه ْم" ون ُه ُم َّ ين م ْن ُدونه ْم َال تَ ْعَل ُم َ ،وقوله"َ :وآ َ َخر َ
230
،الذي دعاهم إلى ذلك َّأنهم أروا "علمت" قد تعدت إلى مفعول
ٍ واحد ،وهذا هو حقيقة العرفان ،فاستشهاد ظاهر على َّأنه قد قال بعض الناسَّ : مفعول إن تعدي فعل العلم في هذه اآليات وأمثالها إلى واحد ال ُيخرجها عن كونها علما على الحقيقةَّ ، فإنها ال تتعدى إلى مفعول واحد على تعدي "عرفت" ،ولكن على جهة الحذف واالختصار. فقوله"َ :ال تَ ْعَل ُم ُه ْم َن ْح ُن َن ْعَل ُم ُه ْم" التوبة 101 :ال تنفي عنه معرفة أعيانهم وأسمائهم ،واَّنما تنفي عنه العلم بعدوانهم ونفاقهم ،وما تقدم َّللاُ َي ْعَل ُم ُه ْم" األنفال ،60 :فربَّما كانوا يعرفونهم وال يعلمونهم ون ُه ُم َّ ين م ْن ُدونه ْم َال تَ ْعَل ُم َ من الكالم يدلك على ذلك ،وكذلك قوله"َ :وآ َ َخر َ أعداء لهم ،فيتعلق العلم بالصفة المضافة إلى الموصوف ال بعينه وذاته ،ومثل ذلك من يقولَّ : إن "سأل" يتعدى إلى غير العقالء:
224المائدة83 :
225البقرة146 :
226الفروق الشرعية واللغوية عند ابن قيم الجوزية" ،علي إسماعيل القاضي ،دار ابن القيم ،الرياض .ط( ،1923 ،)1ص " ،70بدائع
الفوائد" ،أبو عبدهللا محمد بن أبي بكر قيم الجوزية؛ تحقيق :هاني الحاج ،المكتبة التوفيقية ،القاهرة1987 ،م ,ج ،1ص .301 227الكليات معجم في المصطلحات و الفروق اللغة :الكفوي ,ص .612 228البقرة146 : 229التوبة101 : 230األنفال60 :
83
اسأَل اْلَق ْرَي َة" سألت الحائط ،والدارَ ،يحتج باآلية"َ ،و ْ نفى
-
رسوله
عن
231
،وذاك جهل بالمجاز والحذف ،وليس ما قاله هؤالء بقوي ،فإن هللا -سبحانه
معرفة
أعيان
المنافقين،
أولئك
صريح
وهذا
اللفظ.
صلى هللا عليه َّ ومجيء نفي معرفة نفاقهم من جهة اللزوم ،فهو َّ - وسلم -كان يعلم وجود النفاق في أشخاص منافقين ُمعيَّنين ،وهو ط َووا على النفاق ،وهو ال يعلم موجود في غيرهم وال يعرف أعيانهم ،وليس المراد أن أشخاصهم كانت معلومة له معروفة عنده ،وقد ان َ ذلك فيهم ،فاللفظ لم يدل على ذلك بوجه ،وعلى هذا ينبغي حمله على معرفة أشخاصهم ال على معرفة نفاقهم .ننتهي من هذا الى مايلي: " - 1المعرفة" تتعلق بذات الشيء؛ أي :مسماه ،و"العلم" يتعلق بأحواله وصفاته ،فتقول :عرفت أباك ،وعلمته صالحا عالما ،ولذلك َّللاُ" اعَل ْم أََّن ُه َال إَل َه إ َّال َّ جاء األمر في القرآن بالعلم دون المعرفة؛ كقوله -تعالى َ" :-ف ْ
232
،فالمعرفة :حضور صورة الشيء ،ومثاله
العلمي في النفس ،والعلم :حضور أحواله وصفاته ،ونسبتها إليه ،فالمعرفة تشبه التصور ،والعلم يشبه التصديق. " - 2المعرفة" في الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه ،أو تكون لما وصف له بصفات قامت في نفسه ،فإذا رآه وعلم أنه َّ اعة م َن َّ ون َب ْيَن ُه ْم يونس ،45 :وقال تعالى: الن َهار َيتَ َع َارُف َ الموصوف بها ،قيل :عرفه .قال تعالىَ :وَي ْوَم َي ْح ُش ُرُه ْم َكأ ْ َن َل ْم َيْلَبثُوا إال َس َ َّ ون اء ُه ُم األنعام: ف َف َد َخلُوا َعَل ْيه َف َع َرَف ُه ْم َو ُه ْم َل ُه ُم ْنك ُر َ اب َي ْعرُف َ ون يوسف ،58 :وقال :الذ َ ين آ ََت ْيَن ُ وس َ اه ُم اْلكتَ َ اء إ ْخ َوةُ ُي ُ ون ُه َك َما َي ْعرُف َ أ َْبَن َ َو َج َ 20لما كانت صفاته معلومة عندهم ،لما رأوه عرفوه بتلك الصفات ،فالمعرفة تشبه التذكر للشيء ،وهو حضور ما كان غائبا عن ولهذا
الذكر،
ضد
كان
المعرفة
وضد
اإلنكار،
الجهل.
العلم
" - 3المعرفة" تفيد تمييز المعروف عن غيره ،و"العلم" يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره ،وهذا الفرق غير األولَّ ، فإن ذاك يرجع إدراك
إلى
َّ الذات،
وهذا
يرجع
إلى
تخليص
َّ الذات
من
غيرها،
بتخليص
صفاتها
من
صفات
غيرها.
َّ - 4أنك إذا قلت :علمت زيدا ،لم ُيفد المخاطب شيئا؛ َّ ألنه ينتظر أن تخبره على أي حال علمته ،فإذا قلت :كريما أو شجاعا، يبق ُمنتظ ار لشيء آخر ،وهذا الفرق في حصلت له الفائدة ،واذا قلت :عرفت زيدا ،استفاد المخاطب أنك أثبته وميزته عن غيره ،ولم َ التحقيق إيضاح للفرق الذي قبله. 5
-
"المعرفة"
علم
بعين
الشيء
ُمفصال
عما َّ
سواه،
بخالف
"العلم"،
َّ فإنه
قد
يتعلق
بالشيء
مجمال.
ويستحيل وهذا يشبه فرق "صاحب المنازل " ،فالمعرفة إحاطة بعين الشيء كما هو ،وعلى هذا الحد ال ُيتصور أن ُيعرف هللا ألبتة، ُ 231يوسف82 :
232محمد19 :
84
عليه هذا الباب بالكليةَّ ، ون به {ي ْعَل ُم َما َب ْي َن أ َْيديه ْم َو َما َخْلَف ُه ْم َوَال ُيحي ُ ط َ فإن هللا -سبحانه -ال ُيحاط به علما ،وال معرفة وال ُرؤية؛ َ عْلما} [طه ،]110 :بل حقيقة هذا الحد انتفاء تعلق المعرفة بأكبر المخلوقات وأظهرها ،وهي الشمس والقمر ،بل ال يصح أن يعرف أحد نفسه وذاته أَْلَبتَّة ،وهذا على مذهب. - 6أكثر استعماالت المعرفة في القرآن كان في مقام الذم ،كالجحود واإلنكار والنفاق ،وهذه المواقف لم تكن لما وصف َّأنه علم ،بل لم يأمر هللا -تعالى -نبيَّه بالدعاء له بالزيادة في شيء إال في العلم؛ َ"وُق ْل َرب زْدني عْلما".233 - 7المعلومات المتراكمة بالحافظة في أصلها تُسمى معارف ومعرفة ،سواء كانت خبرة تجريبيَّة أم فكرية ،فإذا رتبت ونظمت ،وكانت على قواعد ونسق كانت علما ،مثال ذلك :العرب تتكلم الفصحى أصالة ،لكن ال يسمى أحد منهم نحويًّا؛ حتى يدرك قوانين النحو وينظمها ،ويعلم علة تغير أواخر الكلم ،ومثل ذلك َّ البناء والمهندس ،فالمعرفة إدراك الفعل ،والعلم إدراك علة الفعل .تبيَّن من هذا كله أ َّن العلماء في مباحثهم الفكريَّة المتعددة األلوان واالتجاهات ،يتصرفون باأللفاظ ويطوعون معانيها ألفكارهم ،وينقلون داللتها عن العرف ،والى االصطالح ،بلغة قد تصل إلى درجة الغموض ،في االبتعاد عن مدلولها األصلي ،خدمة التجاهاتهم ومذاهبهم ،بدليل ُ كثرة المنازعات ،والمجادالت الفكرية حول وضع بعض هذه األلفاظ ،في حدود اصطالحات معلومة؛ رغم ذلك فجهود العلماء بتنوع ولطائف بديعة تخلب اللب ،وتحير مشاربهم واختالف توجهاتهم َّإنما كانت تعكس صورة للتقدم الفكري والحضاري ،حتى َّإننا لنجد ُن َكتا َ الذهن؛
لقوة
نظرهم،
وسعة
233طه114 : 85
علمهم،
ودقة
فهومهم.
المبحث الثاني مصادر العلم خاصة في النظريَّة المعرفية ألي نسق معرفي ،فهو حجر البناء ألي نسق؛ إذ من المصادر المعرفية ُيمثل موضوع المصادر أهمية َّ تُسقى المعارف واألدلةَ .غ ْي َر َّ بعض الغموض في تحديده ،وحوله آراء عدة وتصورات ُمختلفة .وعلى هذا أن مفهوم المصدر يشوبه ُ سنخصص هذا المبحث لدراسة مصادر العلم وذلك من خالل استعمال اللفظ المصدر اللغوي و مفاهيم أخرى ,مثل مفهوم المصدر المعرفي ,المفهوم الداللي وتصنيف المصادر. مفهوم المصدر المعرفي: الب ُحوث ،نجد اختالفا بل اضطرابا في استعماله اللغوي ،وتداخال مع مفاهيم إذا تتبَّعنا طرَح مصطلح "مصادر المعرفة" في الكثير من ُ للمدقق ،وتصورات خاطئة للمطالع ،فتكسب تلك البحوث صبغة أدبية قصصية أكثر منها بحوثا أخرى؛ مما ُيوقع في إشكاالت فكرية ُ ٍ التباس بين المصادر بعضهم فيما يعد خلطا أدى إلى ا علمية؛ "نظر لعدم تحديد بعض الباحثين لمصطلحات دراساتهم ،فقد وقع ُ والميادين مثال ...ومنهم من َيميل إلى اإلجمال؛ فيجعل هللا -تعالى -مصدر المعرفة والوحي أداة".234 القول حول المصدر ولذا نفصل في البحث بين األصل والمصدر، فاألصل هو الخالق لها وألسبابها ،والمصدر هو علة حدوثها ،و ُ ُ أن هللا هو مسبب األسبابَ ،غ ْي َر أنه -تعالى -أبدع الكون ألن من يقينيَّات المسلم َّ بأنه هللا -تعالى -باإلجمال ضرب من التعتيم؛ َّ التناسق ال يكون دون ثبات ،والثَّبات لب القانون ،والقوانين مما يسر هللا لإلنسان إدراكها؛ بل أرشده للبحث عنها، على نظام ُمتناسق ،و ُ األسباب المشهودة من وهي من العالم المباشر الظاهر ،والشرع َبَنى األحكام بين الناس على الظاهر ،فالتطرق لْلسباب قطعا هي ُ العالم المدرك؛ ال األسباب المغيبة التي تلي عاَل َم الشهادة؛ لذا نجد نوعا من التسطيح بطرح أصول القضايا ،وعلل الكونُ ،مباشرة إلى الباري ،فهذا من المعلوم من الدين بالضرورة ،بل هو عنوان لجهل القائل به باألسباب الدنيوية ،فيقفز إلى مسبب األسباب دفعة واحدة ،والنزاع قائم حول السبب الدنيوي في عالم الشهادة ،لفقه نواميس الكون ونظامه ،كيما نعي قوانين االستخالف الدنيوية.
234
نظرية المعرفة في القرآن الكريم وتضميناتها التربوية :احمد محمد حسين الدغشي ,دار الفكر ,دمشق ـ سورية،1989 ,
ص.197 86
أما جر األنظار إلى ما غاب فآمنا باهلل ،لكن نلتمس ُرؤية سنة هللا في خلقه ،وال تبديل لسنته -تعالى -في اآلفاق وال األنفس ،فما َّ عباده آياته في اآلفاق وفي أنفسهم ،إالَّ وقد مكنهم من ُرؤيتها ،والرؤية ال تستقيم دون فهم للعلل وعد -جل وعال -بأن ُيري َ وكل يدرك شيئا من ذلك بقدر ما أوتي من علم وقدرة وارادة. واألسبابٌّ ، المفهوم الداللي: خاصة بالنسبة إلى التربية (المعرفية) اإلسالمية؛ َّ ألنه يتصل ببناء فكر األمة ،وتوجهها الحضاري من ُيشكل موضوع المصادر أهمية َّ أجل إعادة بنائها أفرادا وجماعات؛ النطالقها من الجذور األصلية واالتجاهات والقيم ،التي كان لها أكبر األثر في تاريخنا أن
لكثير
من
الباحثين
في
هذا
الموضوع
عدة،
آراء
وتصورات
ُمختلفة
حول
المصادر
235
.غير
وتقسيماتها.
فالبعض َيجعل طرق المعرفة مصادر لها وحتى وسائلها ،وهذا يعارض بنية المصطلح ودالالته اللغوية ،فالمصدر لغة من الصدر، ُ وهو مقدمة كل شيء؛ أي :أصله الذي عنه يصدر. عنى بها طرق المعرفة أو وسائلها ،ولكن مصطلح مصادر المعرفة في أحد الباحثين :تستعمل الفلسفة (مصادر المعرفة) ،وتُ َ يقول ُ (عَّل َم المفهوم الفلسفي ليس هو المراد ب ُ ط ُرقها عندنا في تصورنا الدقيق ،ذلك أن مصدر الشيء أصله ،وأصل المعرفة عندنا رباني؛ َ ان ما َلم َي ْعَلم) .236وحتى استعمالنا ألدوات المعرفة من عقل وحس َّإنما هو بأقدار هللا َّ - وجل -وتمكينه الفلسفي ،ومن ثم عز َّ ْاإل ْن َس َ َ ْ ْ فطرق المعرفة عندنا مصادرها ومنابعها معا
237
.
لكن إذا تتبعنا طرح مصطلح "مصدر المعرفة" في الكثير من البحوث نجد اختالفا ،بل اضطرابا في استعماله ،وتَداخال مع مصطلحات أخرى؛ مما ُيوقع في إشكاالت فكرية ،فهي تتعامل مع المصطلحات بسياقاتها اللغوية دون ضبط اصطالحي أو تحديد أحد الباحثين للتنبيه له داللي؛ مما دفع َ
238
.
منبع المعرفة، َّ أما المصدر فالبعض َيجعله هو وسيلة الوصول إلى المعرفة ،وقد تبين َّأنها األداة ،وهي الحواس والقلب ،وآخرون جعلوه َ و َّأنها ثمرة من أصل ،وهذا َيجري على الطرق؛ أي :القوة اإلدراكية.
235
"الرؤية اإلسالمية لمصادر المعرفة" ،رياض جنزرلي ،دار البشائر ،بيروت ،ط( ،1990 ,)1ص.7
236
العلق،5 :
237 238
نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة :راجح عبد الحميد الكردي ,المعهد العالمي للفكر االسالمي 1990 ,ص.520 نظرية المعرفة في القرآن الكريم" ،أحمد الدغشي ،ص.197
87
تكونت مصطلحات وهي" :أداة المعرفة"؛ وهي الجوارح من حواس وقلب، مما سبق معنا في ضبط مصطلح القوة اإلدراكيَّة ،فقد َّ و"محل اإلدراك" وهو القلب ،و"محل اإلحساس" ،وهو الحواس ،و"القوة المدركة" الكامنة بالمحل ،و"فعل القوة المدركة" وهو نشاطها وعلمياتها
اإلدراكية،
و"الهيئة"
وهي
اإلدراك
حصول
حسب
مراتبه
داخل َ
المدركة.
النفس
الم َحصل فهنا عندنا مدرك ،وأدوات اإلدراك ،وفعل اإلدراك ،مع القوة ،هذا كله َّ موجه نحو موضوع َ مدرك .فاإلشكال هل المصدر هو ُ ُ صل منه؟ الم َح َّ للمعرفة ،أو عملية التحصيل ،أو ُ َّ إن اإلنسان خلق خاليا من المعلومات ،ومنح الُقدرة على تحصيلها بعد خروجه من بطن أمه ،ومنح الجوارح وهو داخل بطن أمه؛ قال لتستفيد ب َها اس؛ الرازي" :239النفس اإلنسانيَّة لما كانت في أول الخلقة ،كانت خالية عن المعارف والعلوم باهلل ،فاهلل أعطاها هذه الحو َّ َ المعارف والعلوم" ،بعد أن بيَّن إشكالي َة :هل العلوم كسبيَّة أو َبديهيَّة في أصلها؟ قالَّ : "إنها َّإنما حدثت في نفوسنا بعد عدمها ،بواسطة أن َّ السمع والبصر ،وتقريره َّ النفس كانت في مبدأ الخلقة خالية عن جميع العلوم؛ إالَّ َّأنه – تعالى -خلق إعانة الحواس التي هي َّ الطفل شيئا مرة بعد أخرى ،ارتسم في سمعه وخياله ماهية ذلك المسموع ،وكذا القول في سائر الحواس، السمع والبصر ،فإذا أبصر ُ فيصير حصول الحواس سببا لحضور ماهيات المحسوسة في النفس والعقل ،ثم تلك الماهيات على قسمين :أحد القسمين ما يكون تاما في جزم الذهن ،بإسناد بعضها إلى بعض َّ تامة بأن الواحد بالنفي أو اإلثبات ،مثل إذا حضر في الذهن علة َّ حضوره موجبا ًّ الب َدهي ،والقسم الثاني :ما ال يكون كذلك وهو العلوم النظرية".240 محكوم عليه بأنه نصف االثنين ،وهذا القسم هو عين َ والحاصلَّ : العلوم تكتسب بواسطة العلوم البديهيَّة ،وحدوث البديهيَّات بتصور موضوعاتها ومحموالتها ،والتصورات كانت بإعانة أن َ الحواس
على
جزئياتها،
فظهر
أن
السبب
األول
لحدوث
المعارف
في
العقل
هو
هذه
الحواس.
فالحاصل لدينا :نفس خالية من المعارف ،وأدوات هي ناقل للمعارف ،فعمليَّة النقل تتم بين وسطين ،هما العالم َّ الداخلي (النفس المدركة) ،والعالم الخارجي ،وهو كل ما خرج عن محل اإلدراك (القلب) ،فاالتصال بالعالم الخارجي ال يكون إال بالحواس ،التي تنقل تكرر؛ ألن صورته وماهيته لم تتغير ،فيجزم الذهن بثباته أو نفيه ،وهذا الجزم يصنع القانون (قانون العقل)، ما يصبح َب َدهيًّا إذا َّ وتراكم القوانين تبني لنا البديهيَّات والمسلمات؛ وهي العلم َّ الضروري الذي منه نكتسب العلوم النظرية الكسبية والحاصلة الحقا.
239
محمد بن عمر بن الحسن الرازي المفسر أقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها .من مؤلفاته معالم في أصول الدين ومفاتيح
240
مفاتيح الغيب:محمد بن عمر بن الحسن الرازي606(،هـ ) ,المطبعة البهية المصرية1357 ,هـ 1938م .ج ،12ص (- 92
الغيب في التفسير(ـ606هـ) طبقات الشافعية الكبرى.33/5: .)93
88
يتبين أنه لو ُفقد الحس أوال ،لما كان ُعل َم َقط بالعقل (النفس المدركة) ،فهل الحواس مصدر للعلم؟ لم يقل أحد من العلماء بها ،إالَّ في حالة عدم ضبط المصطلح ،فالكل على َّأنها نواقل متأثرة ال مؤثرة. ٍ متلق له القابليَّة على والمصدر ال ُبَّد أن يصدر عنه شيء نحو ُمتلق ب ٍه ،فإذا قلنا :مصدر العلم ،فسيصدر عنه (معلوم) ،نحو استقباله ،وهو محل العلم (المتعلم) ،وحال تَمكنه منه يكون (عالما به) ،فهنا الحواس ناقلة بنص القرآن واجماع العقالء؛ فال تكون مصدر للمعارف؛ َّ ألنها خالية أصالة منها. ا ننتهي من هذا الى القول بأن علم المنتهى وهو القلب ،أو العقل ،أو النفس المدركةَّ ، لكن المبدأ لم يعين ،ال ُبَّد أن نصطلح عليه المدركات ،وتستقبلها الحواس؛ لتفاعلها مع المؤثر الخارجي ،فتنقل صورته المدرك الذي تصدر منه بـ"مصدر المعرفة"؛ أي :الموضوع َ َ أو حقيقته أو ماهيته أو مثاله نحو العقل ليدركه ،فالعين ال ُتلقي الضوء على األجسام لتراها ،بل األجسام ينبعث منها الضوء نحو العين المقابلة والمباشرة لها ،فتنقل تلك التأثيرات الضوئية لمحل اإلدراك. فالمصدر هو العالم الخارجي ،وهو المنبه والمؤثر والباعث للصور واألصوات والمؤثرات التي تتلقاها وتستقبلها الحواس ،ثم تصل بها إلى مركز اإلدراك ،ويدخل المثال (خاما) مادة أولية إلى القلب "محل اإلدراك" ،وهو كمصنع به نشاطات إدراكية عدة ،تتصاعد معارف عَّدة حسب قدراته ومؤهالته. وتتفاوت من فرد آلخر ،فكل عقل يخرج من تلك المعرفة األولية َ فيكون المصدر األصلي (العالم الخارجي) ،والمصدر التابع هو (الحافظة أو الذاكرة) ،فالعقل يستحضر ما تراكم في َّ الذاكرة من معارف ومعلومات ،ويبني عليها؛ لينشأ معلومات ومعارف أخرى ،بعدها تخزن هذه المعارف؛ لتكون (مادة أولية) لمعارف وعلوم أخرى بعدها ،ومن معاني العقل َّأنه قوة التمييز ،وأنه المعلومات المخزنة؛ لذا َنجد البعض كأبي حامد الغزالي العلم ومطلعه وأساسه"
242
241
يقول" :العقل منبع
،فهذا على اعتباره مرادفا للقلب ،و َّ أن ما في القلب من علوم تسمى عقال؛ حيث قال في معاني العقل
المدرك (العلوم)". 243 األربعة" :قد ُيطلق ويراد ما بمحل اإلدراك؛ أيَ : حيث كان صفة لعين قائمة بنفسها وهي (القلب)، أما غالب ما جرى عليه العقل ،فهو "قوة إدراكية" ،فال يكون محالًّ بنص القرآن؛ ُ فالعقل قوة القلب ،فلو فرضنا -تنزيال -أن محل اإلدراك مصدر ،لكان األولى أن يكون القلب هو مصدر المعرفة ال العقل؛ َّ ألنه
241
محمد بن محمد فقيه أصولي ,له مصنفات كثيرة منها الوجيز في الفقه ( الفقه الشافعية) والمستصفى في األصول وغيرهما
242
إحياء علوم الدين :أبو حامد محمد الغزالي (505هـ) ،مصطفى البابي الحلبي1358 ,هـ ـ1939م .ج ،1ص.99
(505هـ) .طبقات الشافعية الكبرى.191/1: 243
المرجع نفسه ،ج ،3ص.6
89
صفة للقلب ،والفاعل هو القلب ،لكن غلب إطالق المعرفة القلبية على العاطفة والوجدان والمواعظ في االصطالح الحادث. وتفصيل ذلك قول أبي حامد الغزالي :اعلم َّ أن محل العلم هو القلب ،أعني اللطيفة المدبرة لجميع الجوارح ،وهي المطاعة المخدومة من جميع األعضاء ...فالعالم عبارة عن القلب الذي فيه يحل مثال حقائق األشياء ،والمعلوم عبارة عن حقائق األشياء ،والعلم عبارة عن حصول المثال في المرآة ،فوصول مثال المعلوم إلى القلب يسمى علما ،وقد كانت الحقيقة موجودة ،والقلب موجودا ،ولم يكن العلم حاصال؛ ألن العلم عبارة عن وصول الحقيقة إلى القلب".244 فالحقيقة لها مثال ،والحقيقة هي (المعلوم) الكامن خارَج النفس العالمة ،والحقيقة تنتقل إلى (العالم) وهو القلب ،وصولها إلى المحل يسمى (علما)،
وانتقالها
يتم َع ْب َر نواقل تربط القلب (محل العلم) بالعالم الخارجي عنه،
وهي (الحواس).
كما بيَّن الغزالي أن المعلوم هو "حقائق األشياء" ،والمعلوم هو المعارف والمعلومات والمدركات ،واذا قلنا مصدر المعرفة؛ أي :مصدر الشيء نفسه؛ فعنه المعلومات والمعارف ،فمصدر المعلوم هو مصدر حقائق األشياء ،وهي األشياء؛ أي :مصدر حقيقة الشيء: ُ تصدر حقيقته ومثاله وصورته وماهيته ،وهو المؤثرة والمنبه للحواس. فالحواس نواقل للمعارف ،كما بيَّن الرازي وغيره ،والمستقبل ال ُبَّد له من ناقل ومصدر ،والناقل ال بد أن يكون بين أمرين :من والى، فإذا كان المتلقي هو القلب (محل العلم) أو العقل ،و(الناقل) إلى محل العلم هو الحواس ،فالجانب اآلخر الذي تتَّصل به الحواس المتَلَّقى عنه عبرها. لزاما هو (المصدر) ُ والحواس ال تتلقى إالَّ من (العالم الخارجي) ،فكان (المصدر األصلي) والرئيس هو (العالم الخارجي) ،و(المصدر التابع) هو النفس ٍ أدق (المعرفة المتراكمة) من بديهيَّات ومحفوظات وخبرات مخزنة متراكمة ،بالعقل َّ بالذاكرة ،يسترجعها العقل، وبصيغة َّ المدركة، ُ ويطورها ،ويستنبط منها معارف أخرى ،وهذه تكون عملية انتقال المعلوم نحو محل العلم ،ووصول المثال؛ أي :حصول العلم. وكلها داخليَّة ال عالق َة للعالم الخارجي بهاَ ،غ ْي َر َّ أن أصلها األََّول َّي العاَل ُم الخارجي ،ومصدرها الثاني (المعرفة المتراكمة) داخل الحافظة أو الذاكرة ،فإذا اعتبرنا العقل هو القلب المدرك؛ أيَّ : (مصدر تابعا) ،وان ا إن الذاكرة والحافظة من قوى العقل ،كان العقل اعتبرنا العقل قوة إدراكية من قوى القلب اإلدراكية العدة؛ مثله مثل الحافظة والذاكرة ،فالحافظة والذاكرة هي مصدر المعرفة التابع، والقلب ال يملك معلومات أصلية غير ما في هذين المصدرين. ننتهي من هذا الى القول بأن (مصدر المعرفة) هو الحاوي لحقيقة األشياء أو ماهيتها أو مثالها؛ أي :هو األشياء عينها؛ أي :مصدر 244
المرجع السابق ،ج ،3ص.13 90
مدرك ،النفس المدركة هي "محل العلم" القلب، المعرفة هو (الموضوع المدرك) ،فعندنا نفس مدركة ،وعملية إدراكية ،وموضوع َ َ المدرك هو العالم الخارجي ،أو ما في الحافظة والذاكرة مما نقل عن والعلمية اإلدراكية هي "العقل" ،واإلدراك حصول العلم ،والموضوع َ العالم
الخارجي
أصال،
وتطور َّ
ونشأت
عنه
معارف
وصور،
قد
ال
يكون
لها
وجود
بالعالم
الخارجي.
ٍ يقول البعض: هذه اإلطال ُة في بيان معنى مصطلح "مصدر" اقتضاها ما صادفنا وصدمنا من خلط بينه وبين الطرق والوسائلْ ، كأن َ أن من مصادر المعرفة الحس ،وهذا أمر ُعجاب ،ومن المصادر العقل ،فأين األداة والوسيلة وطريقة الوصول؟ وان كان ،فأين تفصيلهم وبيانهم لذلك؟ أما إذا حاججنا بأرفع من ذلك ،فاألمة قاطبة تُقرر َّ أن مصادر التشريع "الكتاب والسنة" ،هنا ننظر بوجهة "إبستمولوجية" للمصطلح، َّ السماع أو القراءة؛ أي :السمع أو البصر ،والعقل دوره التدبر والتفكر فقولهم مصادر يعني َّأنها ُيؤخذ العلم والمعرفة منها بواسطة َّ والتمييز لفهم المراد ،وفهم كيفية تطبيقه؛ أيَّ :إنهم قسموا العملية إلى مصدر ،وعنه تصدر المعارف والعلوم ،وهو موضوع العلم القلب أو العقل ،وهيئة حصول المعلوم إلى المحل ،وهي العلم ومستقبل وهو َمحل اإلدراك ُ وحقيقة العلم ،وناقل للعلم وهي الحواسُ ، الذي به يصبح الفرد مدركا. كعلماء الكالم وغيرهم كأبي حامد الغزالي فكيف يبرر قولهم :مصدر عقلي ،ومصدر حسي؟ وان كان البعض استدل بكالم َمن سبق ُ و أبي بكر الباقالني
245
وغيرهما ،فهؤالء إذا قالوا :إن العقل مصدر للمعرفة ،فمرادهم الحافظة أو َّ الذاكرة؛ أي :المعلومات (المصدر َ ُ
الثانوي) ،وذلك بين لمن تتبَّع تعامالتهم مع هذه المصطلحات ،وهم لم َيخوضوا في "نظرية المعرفة" كعلم ُمستقل ،فالحجة ال تقوم وعدم ضبط لغة الفن َه ْدم له. عليهم َّإنما على من أراد أن يقيم علما دون أن يضبط مصطلحاته، ُ قال الباقالني :جميع العلوم الضرورية تقع للخلق من ستة طرق :فمنها :درك الحواس الخمس ,وهي حاسة الرؤية ,وحاسة السمع, وحاسة الذوق ,وحاسة الشم ,وحاسة اللمس .والطريق السادس :هو العلم المتدأ في النفس ,ال عن درك ببعض الحواس ,وذلك نحو علم االنسان بوجود نفسه ,وما يحدث فيها وينطوي عليها من اللذة ,واأللم ,والفرح ,والقدرة ,والعجز ,والصحة ,والسقم.
246
و في المنخول
قال الغزالي :قال القائلون . . .مأخذ العلوم المتاب والسنة دون نظر العقل ,وقال آخرون :مدركه الحواس وزاد زائدون أخبار المتواتر.
245
محمد بن الطيب ,القاضي أبو بكر ,له التصانيف في علم الكالم ,وهو أوحد زمانه في هذا الفن انتهت اليه رياسة المالكية في
246
االنصاف فيما يجب اعتقاده و ال يجوز الجهل به :ابو بكر الباقالني( ـ 403هـ) الطبعة الثانية1410هـ 1990م ,ص,17.
وقته ( ـ 403هـ) .نقال عن اإلنصاف له.
تحقيق محمد زاهد بن الحسن مكتبة الخناجي بالقاهرة.
91
و قال علماء الهند :مأخذ العلوم التفكر و التأمل .و قال القالنسي :مأخذه العقل .و قال آخرون مأخذ العلوم االلهام .247واذا رجعنا حال لكتب التفسير واألصول والفقه واللغة َنجد التعامل مع مصطلح "مصدر" بنفس الداللة التي َبيَّناها ،حتى عند علماء الكالم َ َ تصنيفهم للعقل َّأنه من مصادر المعرفة ،وايرادهم لمصطلح "المعرفة العقلية" كمصدر ،يريدون مصدر تابعا؛ أي :التراكم المعرفي ا بالحافظة. تصنيف المصادر: مصادر المعرفة في النظام المعرفي القرآني مصدران متكامالن متآزران هما: 1ـ ـ ـ الوحي( :اآليات المتلوة ،وسنة األنبياء ،والرؤيا ،واإللهام ،والحدس). - 2الكون( :اآليات المخلوقة ،اآلفاق ،األنفس ،قصص األولين ،أخبار التاريخ والحاضر). سبيل بغيرهما؛ قال بعض الباحثين" :ومن هنا َّ فإننا ُنخالف ما شاع في وطرق اكتساب المعرفة من كليهما هي العقل واإلحساس ال َ مصدر للمعرفة جنبا إلى جنب الوحي ،ذلك َّ أن معارف الوحي ومعارف الكون ال ا كتابات عدد من علماء المسلمين من اعتبار العقل ُيتوصل إليها إال بفعل التفكر والتدبر والتعقل ،والعقل ليس عضوا في اإلنسان ،بل هو طاقة وقدرة وعمل ،ولم يرد في القرآن إال بصيغة الفعل ال صيغة االسم". مصدر للعلم ،فما الوسيل ُة التي يستخرج أو يتوصل بها إلى العلم من هذا المصدر؟ العقل ال شك طاقة فعل (قوة ا فلو كان العقل أما الكون فإنه إدراكيَّة) ،يتوصل بها للمعرفة والعلم من مصدريها األساسيين :الوحي والكون ،والوحي ُيمثل دائرة المعارف اإلسالميةَّ ، يمثل المعجم والمختبر الذي يحتوي على مفردات هذه الدائرة ،فيقوم الباحث المتعلم بالنظر في مفردات هذا المعجم ،مسترشدا بما جاء في دائرة المعارف ،كما َّأنه يستعين بما يكتشفه في هذا المختبر؛ على فهم ما يقرؤه في دائرة المعارف ،فالكون في النظام المعرفي القرآني
هو
الجامعة
المفتوحة،
وفيها
أنواع
من
المختبرات
والتجارب
والمشاهدات
ال
تحصى.248
كل ما يقدر وهللا أمر بالقراءة ،وجعل التكليف ُمناطا بوجود العقل ،وبلوغه مرحلة التمييز ،وتعقل الخطاب ،والمقروء لم ُيع ْنه ليشمل َّ َ عليه اإلنسان ،مع التزام المنهج الرباني في توجيه ما يقرؤه ،فكان له الكتاب المسطور (الوحي) ،والكتاب المنظور (الكون) ،وفي بيان
247 248
المنخول في تعليقات األصول :أبو حامد محمد الغزالي (ـ505هـ) ,بتحقيق محمد حسن هيتو بيروت1989,م ص 49
مجلة إسالميَّة المعرفة :حول النظام المعرفي" ،محمود الرشدان ،المعهد العالي للفكر اإلسالمي ،واشنطن ،العدد (،1990 ،)10
ص (.)40 - 39
92
ذلك كالم يطول ،وأدلة ال تحصر ،فسنقتصر على آية شاملة ،وهي قوله -تعالى َ ( :-سُنريه ْم آََياتَنا في ْاآلََفاق َوفي أ َْنُفسه ْم َحتَّى ك أََّن ُه َعَلى ُكل َشي ٍء َشهيد) [فصلت.53 : َيتََبي َ َّن َل ُه ْم أََّن ُه اْل َحق أ ََوَل ْم َي ْكف ب َرب َ ْ عندنا هنا مصطلحات معرفيَّة هي :الرؤية "سنريهم"" ،آياتنا" العالمات الموضوعة لالستدالل كموضوع للمعرفة والعلم" ،اآلفاق واألنفس" ميدان تواجد اآليات؛ أي :محل المعلومات والمعارف (مصدر المعرفة)" ،يتبيَّن" حصول العلم َّ بالنفس المدركة" ،الحق" بلوغ َ اليقين من حصول العلم. "فإن ُقلتم أو شككتم بصحته وحقيقته ،فسيقيم هللا لكم ،ويريكم من آياته في اآلفاق ،كاآليات التي في قال السعدي في تفسير اآليةْ : َّ أبدانهم السماء وفي األرض ،وما ُيحدثه هللا -تعالى -من الحوادث العظيمة الدالة للمستبصر للحق" ،وفي أنفسهم" مما اشتملت عليه ُ ك أََّن ُه َعَلى ُكل َشي ٍء َشهيد} [فصلت ،]53 :أولم يكفهم أن القرآن من بديع آيات هللا ،وعجائب صنعته ،وباهر قدرته؛ {أ ََوَل ْم َي ْكف ب َرب َ ْ حق ومن جاء به صادق".249 فالرؤية هنا رؤية قلبية؛ أي :عملية إدراكيَّة ،واآليات ُل َغة :هي العالمات الدالة الواضحة؛ أي :هي حقيقة األشياء ،واألشياء هنا هي "اآلفاق واألنفس" ،فعالمات اآلفاق واألنفس آياتُها وحقائقها؛ وهي المعلومات المأخوذة منها ،و"التبين" هو حصول العلم َّ بالنفس، بوصول العلم إلى محله القلب ،والعلم هنا بلغ درج َة اليقين" ،الحق" وهو أعلى من الحقيقة؛ لكونه دوما الخير والصالح والصدق، فمصدر الحق أو مصدر بيان الحق هو آيات اآلفاق واألنفس( ،الكون)؛ أي :العلم النابع من الكون ،فالكون مصدر للمعرفة والعلم الذي يحاجج هللا -تعالى -به عباده ،والحواس تتصل بجهة واحدة ،وهي الكون ،وتنقل ما تتلقاه إلى العقل؛ ليتبين ويستوعب فيميز الحق من الباطل ،و"اآليات" هنا هي العالمات األوضح في الداللة ،فهي المعلوم الخالي من اللبس واإلشكال وحقائق األشياء. فالكون بذلك مصدر للعلم والمعرفة؛ كيما يؤمن الناس باهلل وأنبيائه وكتبه ويلتزموا ،وهؤالء درجتهم في اإليمان أدنى من الذين زادوا ك أََّن ُه َعَلى ُكل َشي ٍء َشهيد} ا مصدر آخر هو (الوحي)؛ كما قال تعالى{ :أ ََوَل ْم َي ْكف ب َرب َ ْ
250
؛ أي :أولم يكفهم القرآن دليال على وحدانية
هللا وصدق نبيه؟! والوحي هنا مصدر ال طاق َة لإلنسان للوصول له بالحواس أو العقل؛ أي :تحصيله فوق قدرة اإلنسان ،فكان ال ُبَّد من واسطة تبلغه بالوحي وهم األنبياء.
249
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ( تفسير السعدي) :عبد الرحمن بن ناصر السعدي ,عبد الرحمن بن معال اللويحق
250
فصلت53 :
(ط .دار السالم للنشر والتوزيع – الرياض1990 ,م ص.719
93
فاإلنسان كعاقل كيما يؤمن باهلل -تعالى ُ -عرض على عقله آيات َمتُل َّوة وآيات كونية ،فكانا قسمين: حال ورود الخطاب اإللهي بما ُيطابق فطرته ،وتدبَّر آياته ،فتبين له الحق بما فيه من حجج عقلية، األول :آمن بما فهمه من الوحيَ ، الدليل ،وأوجه واعتبر بما نبَّه عليه من موجودات في عالم الشهادة؛ ليقيسها على عالم الغيب ،ثُ َّم عمم األحكام ،فقوة عقله جعلته يفهم َ االستدالل ،ويصل بما ظهر إلى فهم ما خفي ،ويفقه دقائق الكالم ،فحصل عنده إعجاز فكري؛ أيَّ : إن المعجزة خاطبت قدرته العقلية. الثاني :احتاج زيادة على الحجج العقليَّة إلى أمثلة مادية معاينة مشاهدة ،ومعجزات محسوسة؛ َّ ألن عقله ال يقدر على القياس والتعميم ،واستيعاب الخطاب واالعتبار ،فكان ال ُبَّد أن يعاين األدلة؛ ليقتنع بصدق الخطاب أوال ،ثم يؤمن ،ثم يتبع ويلتزم. طى قطعا مجسمة ليتصور يعرض عليهما عملية حسابية ،فاألول يتصور ومَثُلهما كمن ويجري العملية ذهنيًّا ،أما الثاني ُفيع َ َ ُ األعداد ُ َ ويطلب منه العد ،فيجمعها بضمها معا ،ثم يعدها؛ ليستوعب أن مجموعها " ،"12وهذا ما األعداد ،كأن يعطى " "5ق َ طع؛ ثم " "7قطعُ ، حيث يصبح العدد يتصور ذهنيًّا ،دون الحاجة إلى مثاله المادي. يفعل مع األطفال أول تعليمهم الحساب ،ثم تنمو قدراتهم ُ وجه االستدالل من مجرد ذكر الدليل ،ومنهم من َيحتاج إلى ضرب بل حتَّى الناس تتفاوت عقولهم في فهم الحجة ،فهناك من يعي َ مثال واقع فعال؛ كيما يعي الدليل ،فضال عن وجه االستدالل. فالوحي خطاب إلهي لقوانين العقل وبديهيَّاته المفطورة عليها ،وعلومه النظرية ال تصادمه ،فإن عجز عن فهم حجية الوحي ،أحيل إلى مرحلة ما قبل البديهي وهي اإلحساس ،والثابت َّ أن العلم النظري أشرف من البديهي؛ لكون البديهي مشتركا بين العقول ،وال فضل ألحد على اآلخر فيه ،بينما النظري تبرز فيه القدرات العقلية ،من حدة ذكاء وقوة حافظة ودقة فهم ،فكان خطاب الوحي للعلم النظري أرفع من خطاب الكون للعلم َّ الضروري ،فيكون المؤمن بالوحي بداية أعلى درجة (في قوة العقل) من المؤمن بالمعجزات الكونيَّة أوال. فالكون والوحي ُيمثالن مصدرين أصليَّين للمعرفة ،ثم يليهما مصادر تابعة هي ناتجة عنهما ،مثل "التراكم المعرفي" إما الداخلي بالذاكرة ،وا َّما الخارجي (العلوم المدونة واألخبار المتناقلة). إما بالقراءة أو السماع ،وأصلهما المصدر األصلي. فاألول :يكون بالتذكر ،والثاني :بالتلقينَّ ، وسائل َتَلقي المعرفة واإللهام والتحديث والرؤيا حتى الحدس َّإنما هي من الخطاب اإللهي؛ حيث َّإنها خارجة عن طاقة االستقبال؛ أي: ُ تصل إليها ،وكذا الوسوسة ،وكلها تدخل في المعنى اللغوي للوحي ،فهو يشمل اإللهي والمالئكي والشيطاني والنفسي ،الذي ال ال ُ 94
يدري اإلنسان مصدره ،وال يثبت عنده بمقدماتهَّ ،إنما يجده في نفسه فقط. والتصنيف الثنائي ينسب إلى بعض رموز مدرسة (إسالميَّة المعرفة)؛ حيث يصرح رواد هذا االتجاه بأن الوحي والكون هما مصد ار المعرفة اإلنسانية على نحو متكامل ،وذلك منبثق من خالل منهجهم في الجمع بين القراءتين :قراءة الوحي ،وقراءة الكون.
251
َغ ْي َر َّ خاصة حالة عدم رجوعهم إلى أهل التفسير ،بل في بعض أن بعض استدالالتهم بالقرآن فيها نوع من التحكم في المعنى، َّ استعماالتهم يحصل نوع من االضطراب ،كأن يقال َّ بأن العقل والوحي هما مصد ار المعرفة المتكاملة وال تصادم بينهما.252 استدل على َّ الس ْم َع َو ُه َو َشهيد} فبعضهم َّ ان َل ُه َقْلب أَ ْو أَْلَقى َّ ك َلذ ْك َرى ل َم ْن َك َ ُ أن النقل مصدر للمعرفة بآيات منها{ :إ َّن في َذل َ السعير} َص َحاب َّ {وَقالُوا َل ْو ُكَّنا َن ْس َم ُع أ َْو َن ْعق ُل َما ُكَّنا في أ ْ َ
254
،وحمل السمع هنا على َّأنه (النقل)؛ أي :الوحي
255
253
،
،ومعلوم َّ أن
اصطالح (السمع) أو (األدلة السمعيَّة) على َّأنها النقل أو الوحي َّإنما هو اصطالح حادث وليس بُقرآني ،والسمع ليس إدراكاَّ ،إنما قولهم األدلة السمعية؛ أي :الوارد عبر السمع؛ أي :الخطاب اإللهي كالم رب العالمين ،والكالم ال ينقل إلى العقل إال عبر السمع، حسة لْلصوات أو األذن الم َّ وقولهم بالعقل كمقابل للسمع؛ أي :للمبادئ والعلوم المحصلة من غير الوحي ،فالسمع في القرآن هو القوة ُ أو فهم األصوات؛ لذا نجد الزمخشري يعقب على من استدل بتلك الطريقة في زمانه :وقيلَّ :إنما جمع بين السمع والعقل؛ ألن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل ...ومن بدع التفاسير َّ أن المراد كان على مذهب أصحاب الحديث ،أو على مذهب أصحاب الرأي، وكأن سائر أصحاب المذاهب والمجتهدين قد أنزل هللا وعيدهمَّ ، كأن هذه اآلية نزلت بعد ظهور هذين المذهبينَّ ، َّ وكأن من كان من هؤالء ،فهو من الناجين ال محالة ،وعدة المبشرين من الصحابة عشرة لم يضم إليهم حادي عشرَّ ، كأن من َيجوز على الصراط أكثرهم يسمع باسم هذين الفريقين لم ْ
256
،فكثير من الناس إذا أراد نصرة فكرته أو مذهبهَ ،حَّول مصطلحاته إلى منطوقة متداولة قرآنيًّا ،لكن
بفهمه الخاص لها ،ال بالفهم المتبادر من القرآن منها ،فيتعامل مع المصطلح الحادث على أنه الحقيقة اللغوية للفظ ،والمراد من اللفظ صلى هللا عليه َّ بالقرآن يفهم بسياقه ولحاقه ،وأسباب نزوله وتفسير النبي َّ - وسلم -للقرآن له وكالم الصحابة والتابعين ،وبلسان من أنزل عليهم القرآن ،وال يفهم بالمصطلحات الحادثة.
251 252 253 254 255 256
الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الكون :طه جابر العلواني ,مكتبة الشروق الدولية1990 ,م ص .54 إسالمية المعرفة" ،المعهد العالي للفكر اإلسالمي ،م ع للفكر اإلسالمي ،فرجينيا ،ط( ،1987 ،)1ص .110
ق37 :
الملك10 :
"نظرية المعرفة في القرآن الكريم" ،أحمد الدغشي ،ص .199
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل :محمد بن عمر الزمخشري (528هـ) ،مطبعة االستقامة ,القاهرة1946 ,م .ج ،2ص .122 95
التصنيف الثنائي للمصادر رده البعض َّ الوحي ،وال تدخل في ا بأنه ال ُيعطي اعتبار للقضايا الرياضيَّة التي ال تدخل في نطاق قضايا َ نطاق الموجودات في الخارج ،وكذلك قضايا الجمال واألخالق والقانون
257
،ففيه نظر ،وذلك من أوجه:
– 1هذه القضايا بعضها من مصادر تابعة ،وهي التي ترد عنها البديهيَّات وقوانين العقل ،فالتقسيم الثنائي يستوعبها في مصادره التابعة. أما استداللهم بأن الرياضيات واألخالق والقانون ال تدخل في كال المصدرين ،ففيه خطأ بالغ. َّ - 2 فالرياضيات مبنية على البديهيَّات والقوانين األولية ،وهذه البديهيات ال تقوم دون اتصال بالكون ،كما َّ بينا في تفسير آية [النحل،]78 : كأن ينقل َّ أن فاإلنسان خلق خاليا منها ،وباتصاله بالكون عبر الحواس ُنقل له ماهية الواحد وباقي األعداد ،ونقل له العالق ُة بينهاْ ، ""1و" "1يشكالن " ،"2فيجزم أن " "1نصف " ،"2و" "2ضعف " ،"1وبهذا تتشكل معارف تصبح بديهيات بتكرارها ،ثم قوانين بعد التنظير لها؛ َّ بأن ألنها ثابتة ال تتغير ،بعدها تنشأ منها معارف وقوانين منطقيَّة رياضية أخرى ،لكن لو لم يتصل الطفل بالكون أوالْ ، اس ،هل كان يتشكل في ذهنه القوانين والمبادئ األولية؟ هل كان يعرف َّ أن الواحد مع مثله ُيساوي اثنين؟ بالطبع ال ،وهذا َفَق َد الحو َّ ُمجمع عليه. أن هذا الفعل (عيب) (ومخالف لْلدب)؟ أليس من االحتكاك َّ األخالق فهذا شطط من الباحث ،فمن أين تعلمنا َّ بالناس ،وبداية من أما َّ ُ ُ الوالدين؟ وهذا هو العالم الخارجي "األنفس" ،ونعتبره جزءا من الكون ،كما َّ أن هنالك ُخُلقا ال يكون له مصدره إال الوحي ،فاإلسالم وجميع الرساالت الربَّانية جاءت لتربية الناس ،وتصويب أفعالهم ،وتعليمهم األخالق الحسنة ،وبعض األخالق والقيم هي فطرة في األنفس ،والعقل يسمى عقال؛ َّ ألنه غريزة تَمنع عن القبيح من األفعال وتلزم بالحسن ،وهذا عالم األنفس (جزء من الكون) ،والجمال من الطبائع وهي صفات لْلنفس ،ومن األخالق ما يكون محبوبا عند قوم ومذموما عند آخرين ،وفصل الخطاب في معيار ذلك هو الوحي. أن الفصل يكون فتحصل عندنا ما جعل خارَج المصدرين هو منهما أصالة ،والمصادر التابعة ُيمكن دمجها ضمن عالم األنفسَ ،غ ْي َر َّ أجود في بيان الوسائل والطرق والمصادر؛ حيث األمر َّ بالنظر إلى األنفس هو من جهة داللتها المعرفية والعلمية كمصدر؛ أي: َ وجود لها بالمصدرين موضوع للدراسة والتأمل ،والمصادر التابعة فيها هي حصيلة معرفية ُمتراكمة من المصادر األصلية ،لكن ال َ األساسيَّين بصورتها بالمصدر التابع ،فمن األمور الناتجة في الذهن ما ال وجود له باألنفس وال باآلفاق ،كما ال وجود لها بالوحي،
257
اإلسالم والعلم التجريبي" ،عبد هللا زروق ،المركز العالمي ألبحاث اإليمان ،الخرطوم ،ط( ،1990 ،)1ص .45 – 42 96
وهنا األنفس بمفهوم الجسم والروح. أما إذا أخذنا معنى النفس المدركة ،فالعقل والنفس ُمشتركان في الداللة على شيء واحد هو اللطيفة المدركة باإلنسان ،فيرجع بذلك المصدر العقلي إلى مصدر األنفس؛ أي :الكون. العلوم الضرورية والنظرية، ويعرف العقل عند الكثير َّأنه :قوة للنفس ،بها تستعد للعلوم واإلدراكات ،وأنه نور روحاني ،به تدرك النفس ُ َ وابتداء وجوده عند اجتنان الولد ،ثم ال يزال ينمو ،والى أن يكمل عند البلوغ.258 فالنفس هي التي بها العقل والتمييز ،فقيل :العقل والنفس والذهن واحد ،إال أن النفس سميت نفسا لكونها متصرفة ،وذهنا لكونها مستعدة لإلدراك ،وعقال لكونها مدركة. اعَل ُموا أ َّ اح َذ ُروهُ) َن َّ (و ْ َّللاَ َي ْعَل ُم َما في أ َْنُفس ُك ْم َف ْ فقوله -تعالى َ :-
259
،فاهلل هو العالم ،والمعلوم هو ما في األنفس من اعتقادات
وارادات؛ أي :من إدراكات ،فكانت النفس هي الموضوع الذي أخذ منه العلم؛ أي :هي مصدر العلم الذي يعلمه هللا -تعالى - ويحاكم
به
الناس،
وهذا
في
اآلية
تحذير
بأن
هللا
(سُنريه ْم آََياتَنا في ْاآلََفاق َوفي أ َْنُفسه ْم) وقوله -تعالى -في اآلية السابقةَ :
260
يعلم
كما
نعلم
نحن
ما
بأنفسنا.
داخل النفس ،وهي قد يكون ما يحصل من علوم َ
القوانين العقلية والمبادئ األولية الفطرية ،وهي بذلك حجة على من وقعت في نفسه بعد تراكم المعرفة به ،فعلمه َّ بالدليل ،وفهمه لوجه االستدالل آية بينةُ ،مبينة له َّ حق ،فيكون ذلك حجة عليه ،والجهل قد يكون عذرا؛ فكان العلم لئال يكون للناس أن ما جاء من عند هللا ٌّ حجة على هللا ،فالمصدر المعرفي الذي سيرى فيه اإلنسان آيات هللا هو المعارف الكامنة فيه ،والتي يجد منها إرغاما على اإلقرار بوحدانية هللا إال أن يحيد. من ذلك ُيمكن القولَّ : إن المصادر التابعة عند من اصطلح عليها ُيمكن ضمها إلى األصلية قطعا ،وتقسيمنا للمصادر إلى أصلية التداول ،فالبعض َيجعل المصادر التابعة أصلية ،فيزيد على المصدرين أكثر ،لكن ما خلصنا له َّأنها قسم من وتابعة هو ُمسايرة لكثرة ُ المصدرين ال قسيم لهما ،وذلك بداللة اللغة واستعماالت العلماء لها ،وورودها في القرآن بهذا المعنى ،فكان المصدران األصليان الوحي والكون ،ثم مصادر هي تابعة لهما ضمنيًّا.
258 259 260
الكليات معجم في المصطلحات و الفروق اللغة :الكفوي ، ,ص .617
البقرة235 :
فصلت53 : 97
وننتهي من هذا الى القول بأن مصادر العلم عند العلماء المسلمين ال تنحصر في الكتاب والسنة فقط .وال في العقل و أخبار المتواتر و الحواس فحسب ,بل للعلم مصادر مزدوجة ,ألن اإلحساسات تأتي منبعثة من األشياء ثم يتلقاها العقل و ينظمها .و من ثم يكون كل جزء من علمنا معتمدا في مضمونه على خبرة الحواس ,وفي غالبه على فطرة العقل في االدراك .وموقف علماء المسلمين من مصادر المعرفة يتميز بعدم ترجيح مصدر على آخر .و انما حرصوا على االعتراف بالمصادر المتنوعة ,ألنهم عرفوا قيمة هذه المصادر بالنسبة للمختلف الموضوعات التي يدرسونها ,فضال عن اعترافهم بأن ثمة أمو ار ال تدرك وال تعرف اال عن طريق الكتاب و السنة فقط أو عن طريق االجماع والقياس ,كما اعتبروا أخبار المتواتر مصد ار من مصادر العلم .ولم يتعرض القانونين لمصادر العلم الالزم لتوافر القصد الجنائي ,بل يرجعون الى ما قاله الفالسفة في هذا الصدد.
98
المبحث الثالث مستوى العلم
المدلول القانوني للعلم تعرض شراح القانون الوضعي لتعريف العلم الالزم لتوافر القصد الجنائي .و مجمل تعريفاتهم ال تخرج عن كون العلم عبارة عن تصور حقيقة الشيء على نحو يطابق الواقع .261وليس العلم بناء على هذا المعنى سوى حالة نفسية تقوم في ذهن الجاني جوهرها الوعي بحقيقة الوقائع التي يتشكل منها الركن المادي للجريمة مع تمثل أو توقع النتيجة االجرامية التي من شأن الفعل االجرامي احداثها كأثر له .262وبعبارة أخرى ,ان العلم هو حالة ذهنية يكون عليها الجاني ساعة ارتكاب الجريمة على الوجه الذي يحدده القانون .263يستخلص من هذا أن العلم الالزم لتوافر القصد الجنائي هو تمثل الواقعة التي يتوقف عليها تحقيق العدوان في الجريمة.264 ويشترط لتوافر العلم بهذا المعنى أن يكون تاما بمعنى أن تتهيأ لدى الجاني أثناء اقدامه على الفعل أو االمتناع دالئل االحاطة الصحيحة بأن هذه النتيجة ستقع .ويجب أن يكون العلم معاص ار للنشاط االجرامي المكون لمادية الجريم .فان كان العلم سابقا على النشاط وتوالت ظروف كان من شأنها توليد الغلط أثناء الفعل ,فان القصد الجنائي ال يكون متوافرا .وكذلك األمر ,لو أن شخص قارف النشاط عن غير علم ثم أدرك حقيقة الواقع فيما بعد ,فإن العلم الالحق ال أثر له في تكوين القصد الجنائي.265 أهمبة العلم في القصد الجنائي أهمبة العلم جوهربة ,ألنه المفترض لتصور االرادة ,ومن ثم كانت احاطة العلم بواقعة شرط لتصور توجه االرادة اليها اذ الارادة بغير 261 262 263 264 265
القصد الجنائي في القانون المصري والمقارن :عبد المهيمن بكر سالم ,مطبعة مصطفى البابي الحلبي1959 ,م.197 , قانو العقوبات ,القسم العام ,لمحمد زكي أبي عامر ,:دار الجامعة1990,م.181 ,
قانون العقوبات ,القسم العام :عبود السراج ,جامعة دمشق .1987 ,ص221
النظرية العامة للقانون العقوبات لجالل ثروت :مؤسسة الثقافة الجامعية االسكندرية. 191 .1989 , القصد الجنائي :المصدر السابق.197 ,
99
علم ألن كل عمل ايجابي أو سلبي اختياري ألنه اليتم اال بثالثة أمور :علم وارادة وقدرة ألن االنسان اليريد ماال يعلمه فال بد من أن يتوافر لديه العلم بالشيء حتى يريده .وهو ريعمل مااليريد ,فال بد أن تتوافر لديه االرادة قبل أن يعمل ال ن االرادة نشاط نفسي واع وال يوجهها صاحبها الى واقعة اال اذا علم بها وتمثل في ذهنه مدى سيطرته عليها وتوقع العالقة التي يمكن ان تتوافر بين فعله وبينها.
266
واذا تصورنا حدوث واقعة لم يتوقعها الجاني ولم يدو بخلده حدوثها فهذا يعني حتما ان ارادته لم تتجه اليها .وعلى هذا
النحو ,فالعلم بالواقعة مرحلة لتكوين االرادة المتجهة اليها والعلم على هذا التحديد أحد عنصري القصد الجنائي .
267
العالقة بين العلم ونظرية الجهل أو الغلط ان البحث في العلم باعتباره أحد عنصري القصد الجنائي هو في الوقت نفسه دراسة لنظرية الجهل والغلط ,وهي من أهم نظريات القصد الجنائي .ألن انتفاء العلم الصحيح يعني ان الجهل أو على األقل الغلط قد توافر ,ويتضح جليا من هذا االرتباط بين القصد الجنائي ونظرية الجهل أو الغلط :فاذا قلنا ان العلم بواقعة شرط لتوافر القصد الجنائي ,كان معنى ذلك أن الجهل أو الغلط في هذه الواقعة يؤدي حتما الى انتفاء القصد الجنائي .وعلى هذا األساس يمكننا القول بأن الحديث عن أثر الجهل أو الغلط يعني الحديث عن القصد الجنائي في جانبه السلبي.
268
محل العلم في القصد الجنائي في مجال القصد الجنائي يتعين أن يحيط علم الجاني بكل الوقائع المادية التي تتكون منها الجناية ,وأهم واقعة تقوم بها الجريمة هي الفعل الذي يأتيه الجاني ويتمثل في االعتداء على المصالح التي يحميها سالشرع ويتوافر بين هذا الفعل والنتيجة مجموعة من الوقائع تقوم بها عالقة السببية بينهما وهذ ه الوقائع جميعا يتعين ان يحيط بها علم الجاني .والتقسيم األساسي للعلم هو الذي يقوم على التمييز بين العلم بالوقائع المادية المكونة للجريمة .والعلم بالحكم الشرعي.
269
اذن فمعيار هذا التقسيم هو كون موضوع العلم واقعة
أو كونه وصفا أو تكييفا. ويدخل أيضا في عناصر الواقعة الظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة حيث تعتبر تلك الظروف بمثابة أركان في الواقعة ينبغي ان تدخل في علم الجاني ,ومثال ذلك حمل السالح وتعدد الجناة في السرقة وسن المجنى عليها في جرائم هتك العرض برضاء 266 267 268 269
احياء علوم الدين .354/4 :
النظرية العامة للقصد الجنائي.49 :
المرجع السابق50 :
النظرية العامة للقصد الجنائي 51 :ـ..52 100
المجنى عليه .ويخرج عن نطاق الظروف المشددة التي ينبغي العلم بهه تلك المكونة لحالة شخصية تتعلق بالجاني ومثال ذلك حالة العود .فالذي يرتكب جريمة السرقة مثال مع سبق الحكم عليه بعدة عقوبات كافية لتوافر حالة العود في حقه تشدد عليه العقوبة ولو كان جاهال وقت ارتكاب السرقة بانه يعتبر عائدا بارتكابها.270 مستوى العلم تجدر االشارة الى أن العلم الذي نحن بصدده هنا هو العلم الحادث فهو علم المخلوقات الذي ينقسم الى ضروري ونظري ,أي مكتسب .فيقصد بالعلم الضروري ما لزم أنفس الخلق لزوما ال يمكنهم دفعه والشك في معلومه :نحو العلم بما أدركته الحواس الخمس, وما ابتدى في النفس من الضرورات
271
.فيعني هذا العلم ,ما علمه االنسان من غير نظر وال استدالل .272وفي العدة :العلم
الضروري هو العلم الذي ال يجوز ورود الشك عليه ,و يلزم نفس المخلوق .أو هو العلم الذي ال يمكن للمخلوق الخروج عنه واالنفصال عنه .273و بعبارة أخرى ,هو العلم الذي يلزم المخلوق لزوما ال يجد المخلوق الى االنفكاك عنه سبيال .274وجاء في األحكام في أصول األحكام ":العلم الضروري هو الذي ال قدرة للمكلف على تحصيله بنظر و استدالل.275 أما العلم النظري أو المكتسب فهو الذي تضمنه النظر الصخيح مع انتفاء اآلفات .276و قال الغزالي :هو العلم الذي يجوز ورود الشك فيه أو ما وقع عن نظر واستدالل ,277و قال الباقالني :العلم النظري هو ما احتيج في حصوله الى الفكر و الرواية ,وكان طريقه النظر و الحجة .ومن حكمه جواز الرجوع عنه والشك في متعلقه .278ننتهي من هذا الى القول بأن هناك مستويين الدراك اإلنسان بيئته ,مستوى اإلدراك الفطري ومستوى اإلدراك العلمي.
270 271 272 273
قانون العقوبات ,القسم العام:مأمن محمد سالمة ,مطبعة جامعة القاهرة والكتب الجامعي1990 ,م.333/332. االنصاف فيما يجب اعتقاده وال يجوز الجهل به.14:
التمهيد.42/1:
العدة في أصول الفقه:أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء(458هـ) ,تحقيق أحمد بن علي سير المباركي ,الطبعة الثانية ,الرياض,
1990م.80/1, 274 275 276 277 278
شرح السيد السند على المواقف.21:
اآلمدي ,15/1:وفي نفس المعنى ,إرشاد الفخول للشوكاني.42: األحكام في أصول األحكام لآلمدي15/1: :
المنخول.42:
االنصاف.14: 101
فأما اإلدراك الفطري لْلشياء فهو ما يشترك فيه أعضاء مجتمع واحد في عصر واحد ,فا المجال الذي يتعلق به إدراكنا الفطري هو مجال البيئة المباشرة كما تدركها الحواس ,279نحو العلم الواقع بالبديهة ,و متضمن كثسر من العادات ,ونحو العلم بأن االثنين أكثر من الواحد ,وأن الضدين ال يجتمعان ,وأمثال ذلك من موجب العادات وبدائه العقول و التي ال يختص بعلمها العاقلون.280 فباإلدراك الفطري نميز بين األشياء و نقول عن شيء منها أنه "ماء" و عن شيء آخر أنه "هواء" و عن ثالث أنه "شجرة" و ال يجوز ألحد أن يجعل شيئا من هذا موضعا للشط ما دام على صلة بالناس في مجال الذوق الفطري
281
,فهذا المستوى من اإلدراك يسمى
عند علماء األصول و المتكلمين بالعلم الضروري. وأما مستوى العلمي للعلم فيختلف كل االختالف عن المستوى الفطري له ,ألن األشياء في هذا المجال تنحل الى عناصيرها ,والى الطميات التي تكونت منها تلك العناصر ,حتى تبخد صورتها تماما عن الصورة التي يراها الناس في حياتهم .282ولهذا يمكننا القول بأن اإلدراك الفطري يستهدف االنتفاع باألشياء و التمتع بها ,فاإلدراك العلمي يستهدف العلم بتلك األشياء من حيث عناصرها األولية و طريقة تركيبها .و كل لفطة دالة على كيف قد تصلح للتفاهم بين الناس في حياتهم العملية ,لكنها ال تصلح مسطلحا في المجال العلمي ,اذا حدد لها معنى على أساس الكم ,ال على أساس الكيف .283و المستوى العلمي للعلم يطلق عليه العلماء " العلم النظري أو المكتسب" .فهو العلم الذي يجوز ورود الشك علي ه .ويحصل عليه اإلنسان عن طريق العقل و التجرية .وهذا ما أشار اليه الباقالني صراحة في كتابه االنصاف فقال :والنظري ما احتيج في حصوله الى الفكر و الرؤية ,و من حكمه جواز الرجوع عنه والشك في متعلقه.284 ولم يتعرض الفقهاء لمستوى العلم المطلوب لتوافر القصد الجنائي ,و لكن يمكن القول بأنه هو المستوى الفطري بحسب البيئة التي يعيش فيها الجاني ,و بحسب المفهوم التي تحدده العادات و التقاليد والخبرة السائدة في إدراك األشياء ,و فهم الوقائع وبالتالي الحكم عليها و تقديرها .و لهذا ذهب الفقهاء الى القول بقبول العذر بجهل الحرمة ممن ادعاه إذا ظهر عليه أمارات ذلك .بأن نشأ في شاهق
279 280 281 282 283 284
العدة.82/1:
االنصاف.15:
المنطق الوضعي زكي نجيب محمود :مكتبة أنجلو المصرية1965 ,م.9/1 ,
المنطق الوضعي.15/1:
المرجع السابق ,نقس الصفحة.
اإلنصاف14:
102
أو بين قوم جهال مثله ال يعلمون الحرمة من اإلباحة.285 و ال تتضمن نصوص التشريعات الجنائية الحديثة نصا يحدد مستوى العلم المطلوب لتحقق القصد الجنائي .ولهذا اختلفت اآلراء في هذا الشأن .فذهب رأي الى وجوب إحاطة العلم بالتكييف الدقيق للواقعة بحيث يعلم به المتهم على النحو الذي يحدده القاضي حين يفصل في الدعوى ,حيث أن للواقعة معنى أو وفهوما تحدده القواعد العلمية ويأخذ به القاضي سواء أ طان هذا المستوى من العلم توافر لديه أم اقتضى األمر الحصول عليه عن طريق االستعانة بأهل الخبرة .286فهذا المفهوم العلمي الدقيق ,هو المستوى الذي يجب أن يكون متوافر لدى المتهم عند أنصار هذا االتجاه ,بحيث لو لم يتوافر لديه هذا المستوى ,فإن القصد الجنائي يكون منتفيا ,287إال أن األخذ بهذا الرأي يجعل مجال توافر القصد الجنائي قاص ار على الحاالت التي تتوافر فيها العلم بالوقائع على مستواه العلمي وهي حاالت نادرة جدا ,اذ ال تتوافر إال عند العلماؤ فقط .و بشرط ان تكون الواقعة متصلة أيضا بفع تخصص المتهم .و ال يخفى ما في إقرار هذا الرأي من تعطيل كامل لتطبيق القانون الجنائي وتفويت أهداف الشرع من وضع القواعد الجنائية.288 ويرى رأي آخر أن القانون إذ يتكلب توافر علم الجاني بالوقائع التي تتركب منها الجريمة حتى يتوافر ديه القصد ,إنما يتكلبه على مستواه الفكري ,أي يتطلب علمه بالواقعة على النحو الذي يفهم بها في البيئة التي ينتمي إليها الجاني .289فإذا علم الجاني بالواقعة على هذا النحو توافر لديه القصد الجنائي ,ألن المشرع في الواقع ال يمكن أن يكون قد تطلب العلمعلى مستوى العلمي
290
.و ال شك
أن األخذ بهذا الرأي يطفل ألحكام القصد الجنائي التطبيق السليم ,ألنه يحدد العلم بالواقعة المكونة للجريمة على النحو الذي يستطيع الجاني أن يعلم به .ونصل من هذا الى نتيجة مؤداها أن مستوى العلم الالزم لتوافر القصد الجنائي في الفقهين اإلسالمي والوضعي هو المستوى الفطري بحسب األفكار و القيم و الخبرات السائدة في البيئة التي يعيش فيها الجاني و ألنه يتأثر بتلك األفكار و القيم في فهم االمر و الحكم عليها ,فإذا علم الجاني بالواقعة محددة على هذا النحو فقد توافر في حقه القصد الجنائي واال فال.
285 286 287 288 289 290
فتح القدير.39/5:
النظرية العامة للقصد الجنائي.112: المرجع السابق ,نقس الصفحة.
المرجع السابق.113 ,
المرجع السابق ,نقس الصفحة. المرجع السابق ,نقس الصفحة. 103
الفصل الثاني العلم بالوقائع تفترض الجناية وقائع متعددة ,واالصل هو أن يحيط علم الجاني بجميع هذه الوقائع ,ألن القصد الجنائي يعني توجهاالرادة الواعية الى الجناية في اركانها وعناصرها .والوقائع المتفق عليها أوبعبارة أخرى التي وردت االشارة اليها في الفقه االسالمي هي :العلم بموضوع المصلحة المعتدى عليها ,العلم بخطورة الفعل االجرامي ,العلم بمكان ارتكاب الفعل ـ في بعض الجرائم ـ عند بعض الفقهاء .وعلى هذا الضوء نقسم هذا الفصل إلى مبحثين: المبحث األول :في الوقائع المتفق عليها المبحث الثاني في العلم بالشروط المفترضة
104
المبحث األول الوقائع المتفق عليها
الوقائع المتفق عليها أو بعبارة أخرى الوقائع التي وردت االشارة اليها في الفقه االسالمي هي :العلم بموضوع المصلحة المعتدى عليها ,العلم بخطورة الفعل االجرامي ,العلم بمكان ارتكاب الفعل العلم بموضوع المصلحة المعتدى عليها ان علة تجريم القتل هي صناية االرواح من االهدار ,وبمعنى آخرحماية الحق في الحياة ,وعلة تجريم الجرح أو الضرب هي حماية الحق في سالمة الجسم ,وعلة تجريم السرقة هي حماية حق الملكية .
291
والقصد الجنائي في جوهره ارادة االعتداء على الحق الذي
يحميه الشرع ,وتفترض هذه االرادة العلم بهذا الحق .والحق باعتباره موضع حماية الشرع اليتصور دون موضوع ينصب عليه ,ولهذا الموضوع كيان مادي في األعم من األحوال وعليه يقع فعل الجاني ,وفيه تتحقق النتيجة االجرامية ,ويفترض القصد الجنائي علم الجاني بتوافر هذا الموضوع واستكماله الشرط التي تجعله صالحا ألن يتعلق الحق به ,وينصب الفعل عليه ,وعلى هذا فان جهل ذلك اانتفت لديه ارادة االعتداء على الحق ,وبالتالي ينتفي لديه القصد الجنائي تبعا لذلك. ,على الصحيح بل خطأ.
292
وفي هذه الصورة اليتوافر القصد الجنائي في حق الجاني وكذلك الطبيب الذي يعتقد أنه يشرح جثة ثم
يثبت أن صاحب هذه الجثة كان اليزال حيا وقت اتيان فعله ,وان الوفاة قد حدثت نتيجة هذا الفعل ,فان القصد الجنائي اليتوافر في
291 292
لباب اللباب:محمد بن عبد هللا بن راشد (736هـ) ,المطبعة التونسية ,الطبعة األولى1346 ,هـ .279 ,ومابعدها.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع :أبو بكر بن مسعود الكاساني (487ه) الطبعة الثانية ـ ـ ـ دار الكتاب العربي بيروت 1394ه
1974م ,233/7 .شرح الكبير وحاشية الدسوقي :دار احياء الكتب العربية بمصرـ ـ القاهرة1979.م ,237/4 ,شرح المحلي على منهج الطالبين :محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلى (864هـ) ,مطبوع مع حاشيتي قليوبي وعميرة ,دار احياء الكتب العربية
بمصر,القاهرة1375 ,ه1956 ,م ,96/4حاشية البجيرمي على منهج الطالب :سليمان بن البجيرمي ,دار الكتاب العربي بيروت1972,م.479/9 .
105
حقه.
293
وهذا اليعني أنه عندما ينتفي القصد الجنائي تنتفي المسؤولية اذ من الممكن أن يتوافر الخطأ ,ويتحمل المسؤولية بناء على
ذلك. واذا كنا بصدد جناية السرقة تعين اثبات علم الجاني ان فعله ينصب على شيء يملكه غيره ,وألن الشيء المملوك للغير هو الذي يتصور االعتداء عليه بالسرقة أما اذا اعتقد أن فعله ينصب على المال الذي يملكه ,في حين أنه ه بمال مملوك لغيره ,متأث ار في ذلك بتشابه الشيئين ,فان قصد السرقة اليتوافر لديه .كما لو أستولى على شيء مملوك لغيره وهو يعتقد أنه المال الذي فقد أو سرق منه .
294
وفي جريمة الزنا يجب ان يعلم الجاني أنه يطأ امرأة محرمة عليه ,وان جهل العين الموطؤة بان يظن أنها حليلته فتبين خالفها فان القصد الجنائي اليتوافر في حقه .وفي جريمة شرب الخمر يجب أن يعلم الجاني بأن ما يشربه خم ار وأما اذاشرب خم ار وهو يعتقد انه شراب حالل فالقصد الجنائي اليتوافر في حقه ألن ذلك يدخل في باب الخطأ .
295
خم ار على مائدة فمن علم أنه خمر لزمه الحد ومن لم يعلم ذلك منهم لم يلزمهالحد ". هللا تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".
جاء في المبسوط ":اال ترى ان القوم اذا اسقوا 296
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :ان
297
العلم بخطورة االفعل العدواني الشارع االسالمي يجرم الفعل ألنه خطر على المصلحة التي يحميها ,وعلة خطورته هي ان من شأنه احداث االعتداء على هذا الحق واذا كان القصد الجنائي هو ارادة مرتكبالفعل االعتداء على المصلحة ,فان هذه االرادة تفترض علما بأن من شأن الفعل احداث هذا االعتداء ,ويتطلب ذلك علما بالوقائع التي تقترن بالفعل وتحدد خطورته فاذا اتهم شخص الرتكاب جناية ضرب أو جرح عمدية تعين
293 294
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي .252 /4 :
بدائع الصنائع ,65 /7 :شرح فتح القدير :كمال الدين بن محمد بنعبد الواحد بن الهمام (861هـ) ,المكتبة التجارية
الكبرى1356,هـ ,219 / 4 ,بداية المجتهد ونهاية المقتصد :أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد(959هـ) دار المعرفة بيروت1988,م,
,369 / 2مغني المحتاج الى معرفة معاني ألفاظ المنهاج :محمد الشربيني الخطيب (977هـ) ,المكتبة التجارية الكبرى 1392 ,ـ ه ـ ـ
1972م ,158 / 4 .المغني البن قدامة .239 / 10 : 295 296
شرح الكبير للدردير . 280/ 4 :
المبسوط :محمد بن أحمد السرخسي (438هـ),دار المعرفة بيروت1359 ,ه ,32 / 24 ,وانظر كذلك الخطيب مغني المحتاج :
187 /ـ.188 297
أخرجه ابن ماجة في سننه :كتاب الطالق ,باب طالق المكره والناسي ,وفي رواية ان هللا وضع عن أمتي الخطأ . . .سنن
ابن ماجة .659 / 1 :
106
اثبات علمه ان من شأن فعله المساس بسالمة جسم المجنى عليه ,ويعرف ذلك باآللة المستعملة. فاذا كانت بما يؤدي التالف ما دون النفس ,غالبا فان الجاني يكون عامدا .
298
هذا عند الذين يثبتون الشبه العمد فيما دون النفس ,
ألن الذين اليثبتون شبه العمد فيما دون النفس اليشترطون في هذه الجناية أكثر من تعمد الفعل العدواني .وعلى هذا فاذا كان الجاني يعتقد ان فعله اليمس سالمة الجسم المجنى عليه ولم يكن فعله باآللة تؤدي التالف مادون النفس أو لم يكن يقصد العدوان بفعله ـ عند الذين اليشترطون اآللة ـ فان القصد الجنائي ينتفي مكان اي حقه وان أمكن توافر الخطأ في حقه ويتحمل المسؤولية بناء على ذلك. العلم بمكان ارتكاب الفعل االصل هو أن يجرم الشرع الفعل دون النظر الى مكان ارتكابه ,وذلك الن خطورة الفعل على المصلحة التي يحميها الشرع ثابتة له ايا كان مكان ارتكابه ,فال تتغير باختالف مكان .واذا كانت الجناية تضع لهذا الحكم ,فان علم الجاني بمكان ارتكاب الفعل اليشترط ,فهو مسؤول عن جريمته عمدا ولو كان يجهل مكان ارتكابه للجناية كأن يرتكب الجناية في مكان معين ويعتقد أنه يأتيه في مكان آخر .ولكن قد يشترط ارتكاب الفعل في مكان معين حتى يعتبر الفعل اعتداء على المصلحة التي يحميها الشرع .فان اقترف في مكان آخر تجرد الفعل من الخطورة وخرج من نطاق التجريم بوصف معين وقد يشكل جناية بوصف آخر .مثال ذلك اشتراط أبي حنيفة وقوع الحرابة بعيدا عن العمران بحيث لو وقعت في مصر فال حد عنده باعتبار جريمة حرابة.
299
وبناء على هذا الرأي
اذا اتهم شخص بارتكاب جريمة الحرابة تعين اثبات علمه بمكان فعله ,فان ثبت جهله به انتفي القصد الجنائي لديه .وفي جريمة السرقة
ذهب
والحرز في اللغة والمكان
300
الذي
جمهور
الفقهاء
الى
أن
الحرز
شرط
لوجوب
فيها
القطع
مأخوذ من الحفظ والتحفظ ،يقال :حرزته واحترز هو ،أي :تحفظ ،وأصل الحرز في اللغة الموضع الحصين، يحفظ
فيه،
والجمع
أحراز،
وأحرزت
المتاع
جعلته
في
298
األم :محمد بن ادريس الشافعي (264هـ) ,دار الشعب ـ القاهرة1968 ,م, 6/6 ,المغني البن قدامة ,410 / 9 :منتهى
299
بدائع الصنائع , 92 / 7 :شرح فتح القدير 274 / 4 :ـ .275
الحرز .
االرادات في جمع المقنع مع التنقيح :محمد بن أحمد بن النجار(972هـ)و دار الجيل للطباعة1962 ,م. 413 / 2 : , 300
.
معجم مقاييس اللغةأبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا(291ه) ,تحقيق وضبط عبد السالم محمد هارون الطبعة األولى ـ دار
إحياء الكتب العربية ـ الفاهرة1366 ,ه ,ص ،236لسان العرب :جمال الدين محمد بن مكرم المعروف بابن منظور711(,ه) ,دار
لسان العرب ـ بيروت1990 ,م ،121/3 ,القاموس المحيط:مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي(817ه) ,الطبعة الثانية ـ
1407ه تت1987م ص.508
107
وفي االصطالح تعددت عبارات الفقهاء في بيان المراد منه ،مع وجود التقارب في بيانه ،ومن تعريفاتهم للحرز أنه":ما يصير به المال محر از عن أيدي اللصوص والحظائر ،وما أشبه ذلك حاله.
303
302
301
.وعرفه ابن رشد بأنه" :ما من شأنه أن تحفظ به األموال كي يعسر أخذها ،مثل :األغالق
وعرفه القرطبي بقوله" :الحرز هو ما نصب عادة لحفظ أموال الناس ،وهو يختلف في كل شيء بحسب
وعرفه الماوردي بأنه":ما يصير به المال محفوظا
304
باختالف األموال والبلدان وعدل السلطان وجوره ،وقوته وضعفه
وعرفه الحجاوي بقوله" :وحرز المال ما العادة حفظه فيه ،ويختلف 305
ومن هذه التعاريف يظهر التواطؤ بين المعنى اللغوي والشرعي
للحرز :من أن الحرز هو المكان المعد لحفظ المال فيه ،كما نجد أن النقول متفقة على أن حرز كل شيء بحسبه ،وأنه يختلف باختالف األموال واألمكنة واألزمنة واألحوال ونحو ذلك. و لم يرد في الشرع للحرز حقيقة اصطالحية ،بحيث إذا أطلق تبادرت إلى األذهان ،بل ترك ذلك لما يتعارف الناس عليه بما يعرفون ويألفون ،وهذا يعني أن مفهوم الحرز قابل للتبدل بحسب اختالف األعراف زمانا ومكانا .وألنه لم يرد للحرز تعريف محدد في اللغة أو الشرع؛ فإن المرجع في بيان معناه هو العرف؛ ألن مقتضى قاعدة األسماء المطلقة في الشريعة اإلسالمية هو اعتبار الحقيقة الشرعية؛ فإن لم يوجد فيها تحديد فاللغوية؛ فإن لم يوجد فيها تحديد فالعرفية .وقد نص الفقهاء على أن كل اسم ليس له حد في اللغة وال في الشرع؛ فالمـرجع فيـه إلى العرف.
306
قال ابن قدامة" :والحرز ما عد حر از في العرف؛ فإنه لما ثبت اعتباره في الشرع من غير
301االختيار لتعليل المختار :عبد هللا بن محمود بن مودود مجد الدين الموصلي (683ه) ,تحقيق :محمد محي الين عبد الحميد ,دار
الكتب العلمية ،بيروت – لبنان الطبعة االولى 1968,م.125/4 . 302بداية المجتهد .550/2
303الجامع ألحكام القرآن .106/6
304الحاوي الكبير في فقه مذهب اإلمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني :أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي ،الشهير بالماوردي (المتوفى450 :ه تحقيق ,الشيخ علي محمد معوض -الشيخ عادل أحمد عبدولر الموجود ,دار الكتب
العلمية ،بيروت – لبنان الطبعة :األولى1990 ،م.280/13 .
305زاد المستقنع :مختصر المقنع :موسى بن ٱحمد حجاوي ,دار إشبيليا1990 ,،م ص.141 306
ينظر :الموافقات في أصول اآلحكام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (790ه) ,دار المعرفة بيروت1989,م ،24/4
مجموع الفتاوى البن تيمية :أحمد بن بيمية (728ه),طبعة الرئاسة العامة لشؤون الحرمين,مكة1395 ,ه ،16/29 ،40/9،24/7
،227إعالم الموقعين عن رب العالمين:أبو عبد هللا محمد إبن القيم الجوزية(751ه) ,دار الكتب الحديثة ـ عابدين ـ تحقيق عبد الرحمن الوكيل ،337/1.الفروق للقرافي ،283/3التمهيد في تخريج الفروع على األصول :عبد الرحيم بن الحسن بن علي اإلسنوي الشافعي ،أبو محمد ،جمال الدين (المتوفى772 :ه) ـ )المحقق :د .محمد حسن هيتو) مؤسسة الرسالة – بيروت الطبعة :األولى،
1400ه ـ 1980م ص ،230مغني المحتاج للشربيني ،215/4المنثور في القواعد الفقهية :أبو عبد هللا بدر الدين محمد بن عبد هللا بن بهادر الزركشي (المتوفى794 :هـ) و ازرة األوقاف الكويتية الطبعة :الثانية1405 ،هـ 1985 -م ،193/2األشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية :جالل الدين السيوطي ,المكتبة التجارية الكبرى مصر .ص .98قال شيخ اإلسالم ابن تيمية في الفتاوى 108
تنصيص على بيانه ُعلم أنه رد ذلك إلى أهل العرف؛ ألنه ال طريق إلى معرفته إال من جهته؛ فيرجع إليه ،كما رجعنا إليه في معرفة القبض والفرقة في البيع وأشباه ذلك"
307
وبناء على ما قرره العلماء فيما سبق يتبين أن ضابط الحرز وتحديد مفهومه إنما مرجعه إلى
المحرزات وكيفية إحرازها زمانا ومكانا ،ومن األمور التي ذكر بعض العلماء أن األحراز تختلف العرف ،وأن اإلحراز يختلف باختالف ُ بناء على اختالفها وتفاوتها ما يلي: اختالف جنس المال ونفاسته .اختالف البلدان؛ فإن كان البلد واسع األقطار كثير المفسدين غلظت أح ارزه ،وان كان صغي ار قليل المار ،ال يختلط بأهله غيرهم خفت أح ارزه .اختالف الزمن؛ فإن كان زمان سلم ودعة خفت أح ارزه ،وان كان زمان فتنة وخوف غلظت أح ارزه. اختالف السلطان؛ فإن كان عادال غليظا على أهل الفساد خفت أح ارزه ،وان كان جائ ار مهمال ألهل الفساد غلظت أح ارزه. اختالف
الليل
والنهار؛
فيكون
اإلحراز
في
الليل
أغلظ
الختصاصه
بأهل
العبث
والفساد
308
وجملة ما سبق أنه يعتبر في الحرز شرطان الشرط األول :العرف .الشرط الثاني :عدم التفريط .وذلك ألن المال المحرز هو ما ال صاحبه مضيعا .والحرز في االصطالح الفقهي هو ما يحفظ فيه المال عادة كالدار والخيمة أو الشخص بنفسه وما عليه من ُيعد ُ لباس .
309
وكل شيء له مكان معروف به فمكانه حرزه .
فان الجريمة التعتبر سرقة موجبة للقطع .
311
310
فاذا وقعت السرقة على مال لم يضعه صاحبه في الحرز الخاص به ,
ولكي يتوافر القصد الجنائي في السرقة فال بد أن يثبت أن الجاني عالم بأنه يأخذ مال
الغير من الحرز .
" :16 ،15/29وكل اسم فال بد له من حد؛ فمنه ما يعلم حده باللغة؛ كالشمس ،والقمر ،والبر ،والبحر ،والسماء ،واألرض .ومنه ما يعلم بالشرع؛ كالمؤمن والكافر والمنافق ،وكالصالة ،والزكاة ،والصيام ،والحج ،وما لم يكن له حد في اللغة وال في الشرع؛ فالمرجع فيه
إلى عرف الناس.
307المغني .427/12
308فتح القدير ،308/5شرح منتهى اإلرادرت .368/3 309
حاشية شلبي على تبيين الحقائق :شهاب الدين بن أحمد شلبي (1021هـ) ,بهامش تبيين الحقائق ,المطبعة العلمية
310
الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة :عبد هللا بن نجيم بن شاس (610هـ),مخطوط بدار الكتب الوطنية التونسية وقم / 2 :
311
حاشية الجمل على شرح المنهج 138 / 5 :ـ , 139كشاف القناع .133 / 6 : 109
بمصر1311,هـ .220 / 3 , 112ظهر ( مخطوط) .
المبحث الثاني العلم بالشروط المفترضة لم يتعرض الفقه الجنائي اإلسالمي لما يسميه الفقه الجنائي الوضعي بالشروط المفتؤضة للجريمة ,ولتوضيح الفكرة ,البد من الرجوع الى ما قاله الفقهاء في الشروط بصفة عامة تمهيدا إلبراز موقف الفقه اإلسالمي من الشرزط المفترضة في الجريمة. والشرط في اللغة :العالمة ,ومنه أشراط الساعة .312وقيل ,الشرط مخفف من الشرط بفتح الراء وهو العالمة وجمعه أشراط ,والجمع الشرط بالسكون شروط .ويقال له شريطة وجمعه شرائط.313 واختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الشرط في االصطالح .وفي البحر ال ارئق " الشرط في الشريعة ما ييتوقف عليه وجود الشيء و ال يكون داخال فيه .314وبعبارة أخرى إن شرط الشيء ,هو ما ما كان خارجا عن حقيقته .315وعلى هذا المعنى يكون الشرط ما يلزم الشيء من عدم المشروط ,وال يلزم من وجوده وجود والعدم .316ووفي التمهيد في أصول الفقه ":الشرط هو ما وجد الحكم بوجوده وانعدم بإنعدامه مع قيام سببه ففي الرجم الحصان شرطه والزنا سببه اذا عدم االحصان عدم الرجم .317ويفهم من هذا أن شرط الشيء هو ما يلزم من عدمه عدم المشروط ,وال يلزم من وجوده وجود المشروط وال عدمه .318و في المحصول" :الشرط هو الذي يقف عليه
312المفردات في غريب القرآن:أبو الحسين بن محمد الراغب األصفهاني ,تحقيق سيد كيالني ,مصطفي البابي الحلبي1961,م,
. 258
313معجم مقاييس اللغة ,260/3 :القاموس المحيط , 867 :التعريفات.111: 314البحر الرائق شرح كنز الدقائق :زين الدين بن نجيم (970ه ) ,الطبعة االولى المطبعة العلمية ,القاهرة1311 ,ه.258/2 , 315الشرح الصغير على أكبر المسالك :أحمد بن محمد الدردير ,دار المعارف بمصر1974,م ,258/1,كقاية األخيار,173/1:
حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع المؤلف :عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي النجدي (المتوفى1392( :هـ)
بدون ناشر)الطبعة :األولى 1397 -هـ.131/1: 316الشرح الصغير 258/1:
317التمهيد في أصول الفقه :محفوظ بن أحمد الكلوذاني(510ه) ,دراسة و تحقيق مفيد محمد أبوعمشة ,دار المدني جدة :الطبعة
األولى 1406ه1985م.68/1 , 318ارشاد الفخول7:
110
المؤثر في تأثيره ,ال في ذاته ,319وفي األحكام في أصول األحكام :الشرط هو ما يلزم من نفيه نفي أمر ما على وجه ال يكون سببا لوجوده وال داخال في السبب".320 فشرط بهذه العبارات ال يخرج عن كونه أم ار زائدا عن ماهية الشيء ,وان وقف الشيء على وجوده ,ويعدم بعدمه من غير تأثير في وجود ذلك الشيء ,وال أفضاء اليه .والمراد ,وجود الشيء شرعا الذي يترتب عليه أثره .فملكية المال المسروق للغير شرط إلعتبار أخذ المال خفية سرقة ,فإلذا انتفت ملكية المال للغير لم تتحقق السرقة الموجبة للقطع .وال يلزم من ثبوت ملكية المال للغير وفوع السرقة. ففي عقوبة الزنا مثال الرجم ,ففي الرجم اإلحصان شرطه ,والزنا سببه ,فلو عدم االحصان عدم الرجم مع وجود الزنا فعال.321 وبدأ جان ب من الفقه الجنائي الوضعي منذ زمن ليس ببعيد باستظهار وجود مقومات داخل البنيان القانوني للجريمة غير تلط التي تتألف منها أركانها وشرط توقيع العقوبةعليها ,وبدأ الجانب من الفقه الى القول بأنه عند مقابلة األركان العامة للجريمة باألركان الخاصة لكل جريمة على حدة ,تظهر مقومات أخري يتعذر إدراجها تحت األركان الخاصة ,وبالتالي يتعين ودها إلى األركان العامة, ألنها في ا لغالب مقومات مقررد في قوانين غير جنائية يلزم توافرها في مرحلة سابقة من الناحيتين الزمنية و المنطقية على نشاط الجاني ,ويترتب على خلف تلك المقومات عدم اكتمال البنيان القانوني للجريمة.
322
ويعرف الفقه الجنائي الوضعي الشرط المفترض بأنه "العنصر الذي يفترض قيامه وقت مباشرة الفاعل لنشاطه" .323أو أنه عنصر سابق على السلوك ويلزم وجوده كي يثبت لهذا السلوك صفة الجريمة
324
أو أنه ظرف أو عنصر يلزم توافره في مرحلة سابقة أو
معاصرة للواقعة المادية المرتكبة.325 ومن هذه التعريفات يمكن استخالص عناصر مشتركة بينها تعد بمثابة الخصائص األولية التي تميز الشروط المفترضة من غيرها تتمثل في أنها تسبق نشاط الجاني و تعاصره,
326
ويمثل الفقه الجنائي الحديث لهذه الشروط بملكية الغير للمال المختلس في جريمة
319الرازي.58/57/3: 320اآلمدي309/2: 321التمهيد.68/1:
322الشروط المفترضة في الجريمة :لعبد العظيم مرسي وزير دار النهضة العربية ,القاهرة1984,م.5 . 323
شرح قانون العقوبات القسم العام :محمود محمود مصطفى:مطبعة جامعة القاهرة1983 ,م. 39 /
324النظرية العامة لقانون العقوبات لجالل ثروت.147: 325قانون العقوبات لمأمون سالمة ,القسم العام.111: 326الشروط المفترضة.78:
111
السرقة ,و وجود شهادة الزور .وصفة الموظف العمومي و من في حكمه في جريمة الرشوة ,وصفة التاجر في جريمة التفاليس ,و حالة الحمل في جريمة اإلجهاض, عليه إنسانا.
327
وصفة المواطن في جريمة االلتحاق بقوات العدو.
328
وفي جريمة القتل ال بد أن يكون المجنى
329
ويرتب هذا االتجاه الفقهي على ذلك أن الحديث عن أركان هذه الجرائم يفترض سبق توافر هذه المقومات على نشاط الجاني ,األمر الذي يفسر ظهور فكرة االفتراض في كل التسميات التي يخلعها الفقه الوضعي عليها.
330
و يرى االتجاه اآلخر أن الشروط أو
العنصر التي يتحدث عنها ذلك الفقه بوصفها مفترضات للواقعة ,ما هي إال عناصر أو شروط أو ظروف للواقعة المادية .ذلك أن العناصر المادية المكونة للجريمة ال تق ف فقط عند حد السلوك و النتيجة و رابطة السببية ,و إنما تشمل تلك الشروط المفترضة ,و لهذا يجب أن يحيط علم الجاني بتلك الشروط حتى يتوافر القصد الجنائي.
331
و اذا كان الشرط المفترض هو ذلك الشرط الذي يفترض قيامه في الجريمة قبل أن يباشر الجاني الفعل المادي المكون للجريمة ,و بتدقق في األمثلة التي يسوقها االتجاه القانوني الذي يقر بوجود شروط مفترضة للجريمة نجد أن الفقه اإلسالمي عرف ما يعبر عنه بالشروط المفترضة .فمثال :في جريمة الردة ال بد أن يكون الجاني( أي المرتد) مسلما ,ألن الردة هي الكفر بعد االسالم
332
.وصفة
المسلم ال بد من التثبت من توافرها قبل البحث عن قيام الركن المادي في جريمة الردة .و في جريمة السرقة ال بد أن يكون المال المسروق مملوكا للغير ,ألن السرقة في االصطالح الفقهي ال تخرج عن كونها :أخذ مال الغير خفية" .333وهذه الصفة أي كون المال المسروق مملوكا للغير ,ال بد من التثبت من قيامها قبل البحث في توافر الركن المادي المكون للسرقة الموجبة للقطع شرعا. و مع ذلك فإن ما يطلق عليه الفقه الجنائي الوضعي شرطا مفترضا أو عنص ار مفترضا ,ال يعتبر عنص ار و ال شرطا خارجا عن الفعل المادي الذي تتكون منه الجريمة .ألن هذه الشروط يرتبط ارتباطا وثيقا بالعدوان على المصلحة الشرعية محل حماية الشرع .و
327النظرية العامة للقانون الجنائي لرمسيس بهنام ,منشأة المعارف االسكندرية1971 ,م.499 ,
328جرائم التعاون مع العدو في زمن الحرب :لسعد ابراهيم األعظمي ,شركة مطبعة االديب البغدادية المحدودة1984م.138:, 329النظرية العامة لقانون العقوبات.148: 330الشروط المفترضة للجريمة.6: 331المرجع السابق نفس الصفحة.
332معين الحكام :علي بن خليل للطرابلسي(844ه) ,شركة مطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر1973,م ,288:.كشاف األخيار
,109/2:كشاف القناع عن متن اإلقناع:منصور بن إدريس البهوتي(1051ه) ,مطبعة الحكومة بمكة 1394هـ.167/6 ,
333بداءع الصنائع ,65/7:تبيين الحقائق ,213/3:لباب اللباب ,293:شرح الحدود ابن عرفة ,649/2:حاشية الجمل على شرح
المنهج ,138/5:المغني.104/9:
112
لهذا يجب أن يحيط علم الجاني به باعتباره جزء من الوقائع المادية التي تتكون منها الجريمة حتى يتوافر القصد الجنائي ,وليس باعتباره عنص ار أو شرطا مستقال.
113
الفصل الثالث العلم بالحكم الشرعي
معرفة الجاني أن هذا المال محرم أخذه شرط أساسي قي تحقق السرقة الموجبة للحد .وكذلك معرفة أن فعله واقع في محرم شرط قي تحقق سبب الجناية فيجب إذا و الحالة هذه أن يعلم الجاني بأن هذا الفعل حرام ليكون أخذه له بعد ذلك جناية توجب الحد ,و عليه يشترط أن يكون السارق في حال ال ُيظن فيه َّأنه يجهل الحرمة و التحريم ,فيجب أن يكون عالما عند اإلقدام على الفعل َّأنه داخل في المحرومات التابعة بالنس هذا بالنسبة للسرقة ,وكذلك الحال في الزنى ,من شرط إقامة الحد العلم بالتحريم ,فإذا لم يعلم لم يجب الحد للشبهة .و من هذا المنطلق نقسم هذا الفصل الى ثالثة مباحث: المبحث األول :تعريف الحكم المبحث الثاني :العلم بالحكم و أثره المبحث الثالث :العلم بالقانزن و أثره.
114
المبحث األول تعريف الحكم الحكم لغة القضاء.
334
والحكم الشرعي في اصطالح جمهور االصوليين هو خطاب هللا تعالى المتعلق بافعال المكلفين باالقتضاء أو
335
يالحظ في هذا التعريف ان أصحابه ـ االصوليين ـ قد جعلوا الحكم علما على نفس خطاب الشارع .وأما
التخيير أو الوضع.
عند الفقهاء فان الحكم هو الصفة الشرعية التي هي أثر لذلك الخطاب وهو الذي توصف به افعال العباد .فقوله تعالى " :واقيموا الصالة ",
336
والتقربوا الزنا,
337
وقوله تعالى "والتقتلوا النفس التي حرم هللا اال بالحق".
.وأما عند الفقهاء فوجوب الصالة وحرمة الزنا وحرمة القتل هي االحكام .
339
338
هذه الخطابات هي االحكام عند االصوليين
وهذا يعني ان أثر الخطاب هو الحكم عند الفقهاء .
وفي الحقيقة اليكاد يترتب على هذا أية فائدة عملية لوجود التالزم بين االصطالحين .اال أن اصطالح الفقهاء أفضل ,ألنه يفرق بين الحكم وبين الدليل الذي يدل عليه من الكتاب أو السنة أو نحوهما .أما اصطالح االصوليين فيترتب عليه اعتبار الصيغة حكما ودليال للحكم في نفس الوقت ,فهي حكم باعتبار ذاتها .النها كالم هللا تعالى قصد به الطلب أو الخيير أو الوضع ,وهي
334
القاموس المحيط.145 :
335المستصفى من علم االصول للغزالي(505ه) ,دار العلوم الحديثة بيروت , 55 / 1: ,الحكام في أصول االحكام لآلمدي / 1 :
, 49فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت مع المستصفى :السهالوي اللكنوي ,دار الكتب العلمية بيروت1990 ,م ,54 / 1
المحصول في علم أصول الفقه :فخر الدين محمد بن عمو بن الحسين الرازي ,دراسة و تحقيق جابر فياض العلواني ,مؤسسة
الرسالة بيروت ,الطبعة الثانية1410,ه ـ1990م ,107 /1 ,شرح العضد على مختصر المنتهى األصولي :عثمان بن عمر بن أبي
بكر جمال الدين أبو عمرو ابن الحاجب المالكي ,المحقق :فادي نصيف و طارق يحي دار الكتب العلمية1400 ,ه ـ 1990م1 : .
79 /ـ ,80نهاية السؤل في شرح منهاج األصول :لناصر الدين البيضاوي (685ه):جمال الدين عبد الرحيم األسنوي(772ه), عام الكتب بيروت ـ 1982م .47/ 1 : 336 337 338 339
البقرة .43 :
االسراء .32 : االسراء .33 :
أصول الفقه االسالمي :وهبة الزحيلي ,دار الفكر للطبهعة و التوزيع و النشر بدمشق ,الطبعة األولى1986م .41 /1 : 115
أدلة باعتبار أمر آخر ,وهو تضمنها للحكم الذي هو االيجاب أو االباحة أو غيرها.
340
وهذا المفهوم للحكم الشرعي يجرنا الى
التعرض لمفهوم القانون ,و الشريعة والفقه. أوال :تعريف بكلمة القانون كلمة '' قانـون '' هي اقتباس من اليونانية حيث كلمة '' '' Kanonتعني '' العصا المستقيمة '' و يعبرون بها مجازيا عن القاعدة ،و منها إلى فكرة الخط المستقيم التي هو عكس الخط المنحني أو المنحرف أو المنكسر ،و هذا تعبير إستعاري للداللة على األفكار التالية :االستقامة
و الصراحة
و النزاهة
في العالقات اإلنسانية .و يستخلص من هذا أن كلمة '' قانـون'' تستعمل كمعيار
لقياس انحراف األشخاص عن الطريق المستقيم أي عن الطريق التي سطره لهم القانون لكي يتبعوه في معامالتهم .ولكن ،ال يستخلص من هذه المعاني إلى فكرة تقريبية عن القانون ،فيجب إذا تفحص استعمال كلمة القانون التي لها عدة معاني. القانون في اللغة كما في لسان العرب تعني :األصل وقانون كل شيء طريقه ومقياسه وليس بعربي .وفي المعجم الوجيز :القانون في االصطالح امر كلي ينطبق على جميع جزئيا ته التي تتعرف أحكامه منه .فالقانون في اللغة يحمل معنى عام يطلق على(كل قاعدة أو قواعد مطردة حمل اطرادها معنى االستمرار واالستقرار والنظام)
341
.
والشك فان معرفة معنى القانون يغنينا كثي ار في فهم أبعاد القانون من ناحية الخصائص والضيق والتوسع .فقد اختلف الباحثون في معنى هذه الكلمة حيث يرى األكاديميون ان القانون مصطلح يحمل معنى ضيقا ،فالقانون عندهم( :هو مجموعة القواعد العامة الجبرية التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك األشخاص الخاضعين لهذه الدولة. للداللة على مجموع قواعد السلوك الملزمة لْلفراد في المجتمع)
340
343
342
.
المرجع السابق نفس الصفحة .
341
المدخل للعلوم القانونية :توفيق حسن فرج ،دار الثقافة الجامعية1969 ,م ,ص.11 :
343
المدخل للعلوم القانونية :ص.11 :
342أصول القانون :عبد المنعم فرج الصدة ,دار النهضة العربية1988,م.12 .
116
أي ان(اللغة القانونية رصدته بوجه عام
ويرى ترمان ارنولد :ان هناك في كل مجتمع من المجتمعات عدد ال يحصى من القواعد والعادات واإلجراءات والتدابير التي لها صفة اإلجبار وكل هذا ما يطلق عليه في العادة صفة القانون
344
.
ويرى باحث قانوني أخر :ان القواعد التي تحكم سلوك األشخاص لم تكن تعرف في البالد العربية باسم القانون وانما كانت لها مسميات أخرى إذ كانت تدعى باألحكام الشرعية أو بقواعد الفقه)
345
.على انه يفهم من كلمات المراجع القانونية ان كلمة القانون
في المصطلح الحديث تحمل معنى اإلجبار والقسر واإللزام بالقوة ألنها(قواعد ملزمة تنظم سلوك األشخاص في المجتمع على انه يفهم من معنى اإللزام بان له جزاءا ماديا توقعه السلطة العليا في الجماعة)
346
.
و يرى اإلمام الشيرازي ان كلمة القانون ليس بالمعنى الضيق الذي فسره األكاديميون بل القانون كلمة تحمل في طياتها معاني أوسع من المعنى االصطالحي حيث ان (القانون قد يطلق بالمعنى العام مثل إطالق االنسان على الكلي الشامل لْلفراد الخارجية ،وقد يطلق على المصاديق الخارجية لهذا الكلي العام مثل القانون التجاري والقانون الدولي والقانون المدني .)..وكذلك فان القانون عند سماحته ال يحمل معنى اإللزام والقسر الذي تفرضه السلطة على الفرد كواجب مكره عليه في االلتزام بمسؤولياته االجتماعية ،بل ان القانون عند اإلمام الشيرازي هو مسؤولية ذاتية يتحملها االنسان باقتناع ووعي وايمان حيث يقول سماحته( :وربما عرف القانون بأنه معرفة كل ما يلزم على االنسان ان يعمله تجاه نفسه وربه وتجاه أسرته وتجاه محيطه وتجاه الطبيعة حيوانا أو نباتا أو جمادا ،فقد قال علي(ع) :إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم) .لذلك فان القانون يحمل معنى جامعا كليا ال يقتصر على معنى –الجزاء الرادع- إذ ان(القانون بهذا المعنى يشمل الشريعة بمختلف فروعها الفقهية واألخالقية والتربوية مما يعم قانون الفرد والحكومة في مختلف مجاالت الحياة)
347
.وهذا الرأي يعبر عن نظرة شمولية لمسألة القانون غير ضيقة ،الن القانون ليس مجرد آلية تحتوي على
مجموعة قواعد جامدة تأمر وتنهى بل القانون السليم هو الذي ينبعث من كافة المستويات ويندمج مع مختلف الجوانب الثقافية واألخالقية والتربوية بحيث يتكامل مع العناصر األخرى لتحقيق المثل اإلنسانية واإللهية العليا. القانون بمعنى واسع جدا ،يقصد به ،القانون الوضعي
وهو مجموعة القواعد القانونية السارية المفعول في زمن معين وفي مكان
344علم القانون والفقه االسالمي ـ نظرية القانون والمعامالت الشرعية :سمير عالية ,المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر و التوزيع,
1985م.39 , 345 346 347
مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة االسالمية :عبد الناصر توفيق العطار ،مطبعة السعادة1979 ,م ,ص.62 : المصدر السابق ،ص.63 :
الفقه القانون :محمد الشيرازي ,مؤسسة اإلمام الشيرازي العالمية1984 ,م ,ص.102 :
117
محدد ( دولة ) ( .به بالخصوص القانون الداخلي للدولة ( أو القانون الوطني ) والتي هو يكون النظام القانوني (
الوطني ككل.
مثال :القانون المدني +القانون التجاري +قانون العقوبات +القانون الدستور .......و غيرها من القوانين السائدة في الدولة . مالحظة :خاصة بكلمة '' التشريع '' التي يقصد به عدة معان: مجموعة القواعد القانونية التي يصادق عليها المجلس الشعبي الوطني . مجموعة قوانين دولة أو منطقة. مجموعة القوانين المتعلقة بفرع من فروع القانون ،و التي تنظم ميدان واحد من ميادين الحياة االجتماعية ( مثال :التشريع الجنائي (أو الجزائي أو اإلجرامي) :قانون العقوبات +قانون اإلجراءات الجزائية +قانون إصالح السجون +كل القواعد القمعية المتواجدة في قوانين أخرى ( قانون العمل -قانون اإلعالم -التشريع األسعار ) ـ كما تستعمل كلمة '' قانـون '' للداللة على مجموعة نصوص قانونية جمعت بصفة متناسقة و منظمة بحيث تخص فرعا معين من التشريع و يطلق عليها البعض إسم '' مـدونة ) '' ( Codeمثال :القانون المدني ) ،(Civil Codeقانون اإلجراءات المدنية (Civil ) ،Procedure Codeقانون العقوبات) . (Penal Code وعادة ما يقسم هذه المجموعة القانونية )(Codeإلى مواد )(Articlesمرتبة ( ترقيم ) ،التي هي بدورها قد تنقسم ( أي المادة ) إلى فقرتين أو أكثر .هذه أفكار عامة عن مدلول كلمة '' قانون '' التي يجب أن نتطرق إلى أهدافه في المجتمع السياسي المنظم (الدولة) فأحد أهداف الدولة هو المحافظة على حقوق األفراد المتعلقة بحماية أرواحهم و أعراضهم و أموالهم .و هذا يقودنا إلى القول بأنه من وظائف الدولة هناك وظيفة المحافظة على النظام االجتماعي .و بما أنه ال يجد نظام اجتماعي تلقائي (عـفوي) ،و بما أن حالة الفوضى ال تكون إال حكم األقوى ،فللقانون وظيفة عامة التي هي تكريس و ضمان النظام االجتماعي . غير أن هذا النظام االجتماعي ال يكون الهدف النهائي للمجتمعات ،حيث يهدف المجتمع إلى غايات أدبية أو اجتماعية سواء كانت فردية أو جماعية ،و هذه الغايات متعددة و أحيانا متناقظة ،فيلجأ القانون إلى اختيار البعض و تكريس كل غاية بقواعد قانونية. مثال : ـ غايات أدبية :حسن السيرة و األخالق -العدالة ـ غايات مادية :إدارات -مصالح عمومية :جيش ـ تربية ـ و التعليم ـ الصحة ....و تشجيع بعض األنشطة االقتصادية و تحديد 118
البعض اآلخر. و نستخلص من هذه المعطيات بأن للفرد حقوق يحميها القانون و مقابل ذلك عليه واجبات هو ملزم باحترامها ،و من هنا تبرز فكرتا الحق و القانون. فالحق مزية أو قدرة يقرها القانون و يحميها لشخص معين على شخص آخر ( طبيعي أو معنوي ) أو على شيء معين ( مادي أو أدبي :مثال :حق الملكية ـ حق االنتخاب ( Subjective Laws ) .أما القانون فهو بصفة عامة مجموعة القواعد القانونية الملزمة التي تحكم سلوك األفراد و عالقاتهم في المجتمع ،و تتضمن أحكاما موضوعية تبين الحقوق و الواجبات المختلفة في مجتمع ما و التي تسهر على احترامها السلطة العمومية (Objective Law). ثانيا :تعريف الشريعة : الشريعة لغة :الموضع الذي ينحدر إلى الماء منه ،كما في اللسان[ .لسان العرب البن المنظور مادة (شرع) . (الشريعة) إداَ في أصل اللغة :هي مورد الشارية الماء ،ثم استعير لكل طريقة موضوعة بوضع إلهي ثابت و إشتق منه الشزعة في الدين و الشريعة قال تعالى ( :لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا)
348
وقال سبحانه ( :ثم جعلناك على شريعة من األمر فاتبعها )
349
.و قال الشاعر : و لما رأت أن الشريعة همها
و أن البياض من فرائصها دامي
و من الباب :أشرعت الرمح نحوه إشراعاَ. و اإلبل الشروع :التي شرعت و رأيت ،و يقال :أشرعت طريقا ،إذا أنقدته و فتحته ،و شرعت اإلبل ،إذا أمكنت من الشريعة أي : من مورد شرب الماء.
الشريعة في اللغة والقرآن الكريم يقول ابن فارس في المعنى األصلي للفظ ;شرع ;الشين والراء والعين أصل واحد وهو َشيء ُيْفتَ ُح في امتداد يكون فيه .قال ْ 348 349
المائدة 48
الجاثية 18
119
أشر ْع ُت طريقا إذا أنفذته وفتحته ،ويقال شرع البعير عنقه إذا َّ ورَفعه ،هذا هو األصل ثم ُحم َل عليه مدهُ َ ابن منظور :فيقال َ .كل شيء يمد في رفعة وفي غير ر ٍ فعة َُ ظ الشريعة في لغة العرب قبل اإلسالم للداللة على ;موارد شاربة الماء ،وهي المواضع التي ينحدر إلى الماء واستُخدم لف ُ استُع َير اللفظ بعد ذلك لمعاني متقاربة مثل :الطريق والمنهج، منها()1؛ أي الطرق والمسالك المؤدية إلى مصادر الماء ،ثم ْ العادة ،السبيل والسنة .وعندما نزل القرآن الكريم ورد فيه لفظ شرع وبعض مشتقاته في خمسة مواضع ،اثنان منها وردا في يع ٍة واللفظ الخامس ورد في صيغة وصف حال وهو وش َرُعوا .واثنان وردا في صيغة االسم :ش ْرَعة َ ع َ صيغة الفعلَ :ش َر َ وشر َ ُشَّرعا. َّ ك" .350أما اللفظ ع َل ُك ْم م ْن الدين َما َو َّ أما اللفظ األول شرع فقد ورد في قوله تعالىَ : "ش َر َ صى به ُنوحا َوالذي أ َْو َح ْيَنا إَل ْي َ َّللاُ".351 اء َش َرُعوا َل ُه ْم م ْن الدين َما َل ْم َي ْأ َذ ْن به َّ الثاني ؛ َش َرُعوا فقد ورد في قوله تعالىَ" :ل ُه ْم ُش َرَك ُ وس َّن الشريعة. ومعنى شرع في هذين النصين هو فتح لكم َّ وبي َ وعرفكم و ْأو َ ض َح َ َّن َ يع ٍة م ْن ْاأل َْمر َفاتَّب ْع َها" أما اللفظ الثالث ;شريعة فقد ورد في قوله تعالى" :ثُ َّم َج َعْلَن َ اك َعَلى َشر َ
352
؛ أي على طريقة وسنة
ومنهاج ،وقال ابن عباس :على هدى من األمر وبينة ،والشريعة :هي ما سنه هللا من الدين وأمر به ،كالصوم والصالة والحج والزكاة وسائر أعمال البر. أما اللفظ الرابع ش ْرَعة فقد ورد في قوله تعالى" :ل ُك ٍل َج َعْلَنا م ْن ُك ْم ش ْرَعة َوم ْن َهاجا" طريقا إلى الحق يؤمه وسبيال واضحا يعمل به.
353
؛ قال الطبري :أي لكل قوم منكم جعلنا
وقال ابن عباس :أي سنة وسبيال .والسنن مختلفة للتوراة شريعة ولإلنجيل شريعة وللقرآن شريعة. والشريعة اصطالحا: 350 351 352 353
الشورى13 : الشورى21 : الجاثية18 :
المائدة48:
120
يتنازع تعريف الشريعة اتجاهان رئيسيان ،أحدهماُ :يْقص ُر مفهوم الشريعة على األحكام العملية فقط دون غيرها .وثانيهما :يوسع من مفهوم الشريعة ليشمل كل األحكام الشرعية التي شرعها هللا تعالى في كل المجاالت .واعتمد أصحاب التعريف األول على تأويلهم لقوله تعالى "ل ُك ٍل َج َعْلَنا م ْن ُك ْم ش ْرَعة َوم ْن َهاجا" .354بمعنى أن لكل نبي من األنبياء شريعة ،وأن الذي يختلف بين رسائلهم هو األحكام العملية وليست األحكام اإلعتقادية واألخالقية .ومنه يكون معنى الشريعة هو األحكام العملية دون غيرها وأنا لتخفيف الجلسة ال أريد التوسع فنكتف بقولنا أن الشريعة هي : ما شرعه هللا لعباده من الدين ،مثل الصوم و الصالة و الحج ...وغير ذلك ،و إنما سمى شريعة ألنه يقصد ويلجأ إليه كما يلجأ الماء عند العطش ومنه قوله تعالى ( :ثم جعلناك على شريعةمن األمر فاتبعها)
الجاثية ،18وقوله تعالى( :لكل جعلنا منكم شرعة
و منهاجا ) المائدة . 48والشرع والتشريع هو ما يسن من األحكام. 355 قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ( :الشريعة هي كل ما شرعه هللا من العقائد واألعمال ) إ هـ . و ( الشريعة) و( ًّ الشرعة) :ما ًّ سن هللا من الدين وأمر به ،كالصوم ،والصالة ،والحج ،والزكاة ،وسائر أعمال البر ،ومنه قوله تعالى ( :ثم جعلناك على شريعة من األمر فاتبعها) الجاثية. 18 : وتفسير قوله تعالى ( :لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا) المائدة 48روي عن ابن عباس رضي هللا عنه في تفسير اآلية ،قال( : الشرعة :ماورد في القرآن ،والمنهاج :ماورد في السنة ) وروي عنه معنى اآلية أيضا :قال ( شرعة :ومنهاجا :سبيال وسنة ) . قال قتادة :شرعة ومنهاجا ،الدين واحد ،والشريعة مختلفة ،وقيل في تفسيره ( :الشرعة ) :الدين ،و( المنهاج) :الطريق . وقيل ( :الشرعة ) و ( المنهاج) جميعا :الطريق ،هاهنا :الدين . وقال بعضهم ( :شرعة) معناها :ابتداء الطريق ،و( المنهاج ) :الطريق المستقيم والواضح . و( شرع) الدين يشرعه شرعا :سنه ،وفي التنزيل العزيز ( :شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) الشورى . 13: قال :إبن األعرابي ( :شرع) أي أظهر ،وقال في تفسير قوله تعالى ( :شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به هللا) الشورى 21:قال : أظهروا لهم . 354 355
المائدة48 :
الجامع ألحكام القرآن :محمد بن أحمد القرطبي (761ه) ـ دار احياء التراث العربي ,بيروت1967 ,م. 121
وقوله عزوجل في قصة أصحاب السبت ( :إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا)
356
.قيل في تفسيرها :إنها رافعة رؤوسها ،ومنه
قولهم ،رمح شراعي ،أي :طويل .ونستطيع أن نلخص جميع ما تقدم إلى التعريف االصطالحي لتعريف الشريعة كالتالي : الشريعة هي كل ما شرعه هللا لعباده من األحكام اإلعتقادية واألخالقية والعلمية . ثالثا :تعريف الفقه لغة واصطالحا الفقه لغة :هو مصدر من فقه بكسر عين الفعل في الماضي يفقه بفتح عينه في المضارع ،وفيه لغة أخرى هي فقه بالضم في الماضي والمضارع وهي تشير إلى رسوخ ملكة الفقه في النفس حتى تصير كالطبع والسجية.357 وزاد الحافظ بن حجر في فتح الباري لغة ثالثة هي :فقه بالفتح إذا سبق في الفهم
358
،وهذه اللغة لم تذكرها المعاجم المشهورة فعلى
هذا تكون فقه مثلثة عين الماضي ،مثناة عين المضارع إذ ليس في مضارعها إال يفقه بالفتح ويفقه بالضم. والفقه مصدر غير مقيس ،وانما أصله السماع ،ويرجع في أصله إلى معنيين بالنظر إلى اختالف (تعبير علماء اللغة) في التفسير األولي لمادة فقه. أولهما :الفهم والفطنة واإلدراك والعلم .وهذا األصل اقتصرت عليه أكثر المعاجم كالجوهري في صحاحه والمجد في قاموسه ،والفيومي في مصباحه. وهذا األصل هو الذي عليه أكثر األئمة األوائل ،ولنذكر مثاال واحدا نكتفي به من كالمهم: فيقول أحمد بن فارس المتوفي سنة 395هـ" .فقه الفاء والقاف والهاء أصل واحد صحيح يدل على إدراك الشيء والعلم به ،تقول فقهت الحديث أفقهه ،وكل علم بشيء فهو فقه ،يقولون ال يفقه وال ينقه ،ثم اختص بذلك علم الشريعة فقيل لكل عالم بالحالل والحرام فقيه، وأفقهتك الشيء إذا بينته لك".359
356
األعراف 163 :
357
تاج العروس من جواهر القاموس:محمد مرتضى الحسيني الزبيدي(1205ه) ،الطبعة األولى ـ المكبعة الخيرية المنشأة بجمالية
358
الفتح /1 /ص.165
359
مقاييس اللغة 442/4جـ 21تحقيق عبدالسالم محمد هارون ،مصطفى البابي الحلبي.
مصر1306 ,ه ,جـ ،9ص.402
122
ثانيهما :أن أصل معناه يرجع إلى الشق والفتح ،وهذا ما ذهب إليه الزمخشري من الفائق في غريب الحديث وأبو السعادات ابن األثير في النهاية في غريب الحديث أيضا.360 ونكتفي بنقل كالم الزمخشري هنا" :سلمان رضي هللا عنه نزل على نبطية بالعراق ،فقال لها هل هنا مكان نظيف أصلي فيه ،فقالت: طهر قلبك وصل حيث شئت ،فقال سلمان :فقهت ،أي فطنت وارتأت الصواب".361 والفقه حقيقة الشق والفتح ،والفقيه العالم الذي يشق األحكام ،ويفتش عن حقائقها ،ويفتح ما استغلق منها ،وما وقعت من العربية فاؤه فاء عينه قافا جله دال على هذا المعنى نحو قولهم :تفقا شحما ،وفقح الجرو وفقر للغسيل وفقصت البيضة ،عن الفرخ ،وتفقعت األرض عن الطرثوث.362 قلت :وما ذهب إليه الزمخشري وأبو السعادات من أن الفقه في أصل اللغة يرجع إلى الشق والفتح ليس ظاه ار. أوال :لمخالفته لكالم األئمة واألرسخ قدما واألسبق زمنا. يسمى باالشتقاق األكبر وهو ما فيه مناسبة في بعض األحرف األصلية فقط. ثانيا :اعتماد الزمخشري على القياس عن طريق ما َّ يعتبر ضعيفا وغير مقيس ،قال أبو حيان" :لم يقل باالشتقاق األكبر من النحاة إال أبو الفتح وكان ابن الباذش يأنس به." 363 وذكر ذلك صاحب المراقي عند قوله:
لْلكبر الثلم وثلبا من درى
الجذب والجبذ كبير وبري
وزيادة على هذا فإن مذهب الجمهور هو :أن اللغة ال تثبت بالقياس ،وهو الراجح عند ابن الحاجب إذ اللغة تقل محض.364 ونكتفي بذكر هذين االتجاهين في التعريف اللغوي للفقه.
360 361 362 363 364
الزمخشري ،الفائق ،البابي الحلبي ،جـ ،3ص.134
(تاج العروس) للزبيدي جـ – 9ص.402
الفائق :الزمخشري ،البابي الحلبي ،جـ ،3ص.134
عن نشر البنود على مراقي السعود للشنقيطي .115/1
المرجع السابق نفسه ص.111
123
ولكن البد من اإلشارة إلى أن بعض علماء األصول حاول التوسع في المعنى اللغوي فقال القرافي :إن الفقه على الشعر والطب، وتبعه بعض علماء األصول فقالوا :الفقه لغة الفهم والشعر والطب.365 ولعل هذا الكالم من باب المجاز اللغوي ،ألن الشعر والطب يحتاجان إلى فهم وفطنة فهو تعبير بالملزوم عن الالزم .فالعرب ما كانت تسمى الفقه طبا ،وان سمع عنه فحل طب بالضراب أي حاذق ،في معرفة الحامل من الحائل ،أي أنه يعرف الناقة ذات الضبع وهي التي تشتهي الفحل ،وال يراد به الطب الذي هو عالج الجسم أو النفس. وذهب العالمة ابن القيم في إعالم الموقعين إلى أن الفقه أخص من الفهم ألن الفقه هو فهم مراد المتكلم من كالمه وهو قدر زائد على مجرد فهم ما وضع له اللفظ.366 أما القرافي فنقل عن أبي إسحق الشيرازي أنه إدراك لْلشياء الخفية ،فنقول :فقهت كالمك وال تقول فقهت السماء واألرض.367 وهذه الخالصة ما ذكره العلماء للمعنى اللغوي لكلمة الفقه. فنخلص من ذلك أن كلمة الفقه كانت معروفة في الجاهلية ،بمعنى الفهم ال بمعنى العلم المخصوص ،وما كانوا يستعملون لفظ فقيه أو عالم فيما استعمال فيه بعد اإلسالم. هذا ما يقوله محمد بن الحسن الثعالبي الفاسي (في كتابه) الفطر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي... ولكنا نرى أنه لم يكن شايعا بينهم بالمعنى المخصوص وانما الذي سجل عن العرب قولهم – كما رأينا سابقا – جمل فقيه أي فطين بأحوال الشوق ،ألن اللغة العربية كانت تميل إلى التعبير عن المحسوسات قبل النقلة التي شهدتها بمجيء اإلسالم ونزول القرآن الكريم ،فلم يكونوا يعرفون مثال الفاسق كما نقله األصبهاني عن ابن األعرابي ونص كالم ابن األعرابي على ما نقله الجوهري. لم يسمع الفاسق في وصف اإلنسان في كالم العرب ،وانما قالوا: فسقت الرطبة خرجت عن قشرها. قال ابن األعرابي" :لم يسمع قط في كالم الجاهلية وال شعرهم فاسق"... 365 366 367
المرجع السابق ص ،19ويراجع إرشاد الفحول للشوكاني ص.16 إعالم الموقعين .219/1 موسوعة الفقه المصرية.
124
نقل شيخ مرتضى :عن بعض فقهاء اللغة أن الفسق من األلفاظ اإلسالمية ال يعرف إطالقها على هذا المعنى قبل اإلسالم ،وان كان أصل معناها ،الخروج ،فهي من الحقائق الشرعية التي صارت في معناها حقيقة عرفية في الشرع ،وقد بسطه – الخفاجي في العناية
368
العرب تعرف اآلدب الذي يدعو إلى المأدبة وهي ومثل هذا كثير فإن كلمة األدب ما كانت شائعة قبل اإلسالم وانما كانت ُ
طعام يصنع للجماعة ،قال طرفه...:
ال ترى اآلدب فينا ينتقر
نحن في المشتاة ندعو الجفلى
والجفلى هي الدعوة العامة ،والنقرى الدعوة الخاصة.. ثم تطورت كلمة األدب إلى أن أصبحت تعني األخالق الفاضلة وأصبحت بعد ذلك تطلق على علم خاص. قال :الخفاجي في العناية نقال عن الجوالقي في شرح أدب الكاتب" :األدب في اللغة حسن األخالق وفعل المكارم ،واطالقه على علوم العربية مولد حديث في اإلسالم". 369 والفقه من هذه األلفاظ التي تطورت تطو ار ملموسا منذ ظهور اإلسالم ففي الصدر األول استعملت كلمة الفقه في النصوص الشرعية لمعنيين: أوُلهما :الفهم الذي ينصف به الشخص. الش ْرعيَّة. وثانيهما :النصوص َ فمن األول قوله تعالى{ :قالوا يا شعيب ما نفقه كثي ار مما تقول}.370 ومن {ولكن ال تفقهون تسبيحهم}.371 ومنه {أنظر كيف نصرف اآليات لعلهم يفقهون}.372
368التاج .49/7 369 370 371
التاج .144/1
هود اآلية .91
اإلسراء اآلية .44 125
نستنتج من هذا كله ,أن الفقه بمعنى المعلوم ،كانت تغطى علوم الدين كلها من عقيدة وأحكام عبادات ومعامالت ،وحدود ،كما تغطى أدلتها من كتاب وسنة ،كل ذلك يعتبر فقها ،ألن متعلقه الدين ،والدين كما هو معروف إذا أطلق فإنه يدل على اإلسالم واإليمان واإلحسان ،ومع ذلك فنحن نالحظ استعمال كلمة الفقه ،في بعض اآلثار الواردة عن بعض السلف في عصر الصحابة ،بجانب الكتاب والسنة ،مما يشير إلى شيء خاص وليس َح ْتما منافيا ولكنه على كل حال زائد على حرفية النص ،فمن ذلك قول ابن عباس رضي هللا عنهما :أفضل الجهاد من بنى مسجدا يعلم فيه القرآن والفقه والسنة
373
رواه شريك عن ليث ابن سليم بن يحيى ابن أبي
كثير عن علي األزدي ،قال :أردت الجهاد فأتيت ابن عباس فقال لي( :أال أدلك على ما هو خير تأتي مسجدا فتق أر فيه القرآن وتعلم الفقه)
فيه
374
.
وهذا يدل على أن الفقه بدأ في تمثيل مصطلح خاص متميز في أيام الصحابة ،وذلك راجع إلى ظهور مسائل اجتهادية ،كمسألة ميراث الجد مع األخوة ،ومسألة أراضي العراق وغيرها من أرض الخراج ومسألة درء الحد عمن ولدت لستة أشهر ،وغيرها من المسائل التي تستدعي االجتهاد وأعمال النظر ،وظهور هذه المسائل كان نتيجة لتالحق التطورات في المجتمع اإلسالمي الذي اتسعت رقعته ،وتنوعت عناصر مكوناته. واختلف األصوليون في تعريف الفقه ،على ضوء ما ذكرنا في هذا البحث: - 1فذهب بعضهم إلى أن الفقه مرادف للعلم بالشريعة أي أنه شامل للعلم باألحكام الثابتة بالنصوص القطعية ،أو تلك الثابتة بالطرق الظنية. - 2وذهب بعضهم إلى أنه الثابت بالنصوص القطعية فقط. - 3وذهب الجمعور إلى أنه العلم باألحكام المستفادة عن طريق االستنباط واالجتهاد. - 4وذهب فريق رابع إلى أنه :العلم باألحكام الشرعية العملية المكتسب عن طريق األدلة التفصيلية. فهذه أربع طرق يمثل األولى منها – وهي التي ترى أنه شامل لْلحكام القطعية والظنية ،من العلماء:
372
اإلنعام من اآلية .65
373القرطبي .296/8 374
نفسه المرجع وصفحة. 126
البزدوري الحنفي ،وقد نقل ابن عباس في رد المحتار عن شرح التحرير أن التعميم قد مضى غير واحد من المتأخرين على أنه الحق، وعليه عمل السلف والخلف.375 أما المذهب الذي يقول بأنه الثابت بالنصوص القطعية فمن الذاهبين إليه إمام الحرمين في البرهان ،حيث يقول" :فإن قيل في الفقه؟ قلنا :هو في اصطالح الشريعة :العلم بأحكام التكليف .فإن قيل معظم متضمن ما سئل الشريعة ظنون .قلنا :ليست الظنون فقها وانما الفقه العلم بوجوب العمل عند قيام الظنون". وذكر بعد ذلك قوله :قد ذكرنا أن الفقه هو العلم باألحكام الشرعية. وما ذكره إمام الحرمين .376ذكر مثله ابن الهمام الحنفي في التحرير ..بقوله :إن الفقه هو العلم باألحكام الشرعية القطعية ال الظنية. وأن الظن ليس من الفقه ،واألحكام المظنونة ليست مما يسمى العلم بها فقها. 377 أما المذهب الثالث :فقد قال به أيضا كثير من العلماء ،حيث تخصص الفقه بالمسائل المظنونة .قال عالء الدين شمس النظر الحنفي – 539هـ في كتابه المسمى ميزان األصول في نتائج العقول" :وأما العلم السمعى نوعان :أحدهما ثابت بطريق القطع واليقين ،وهو ما ثبت
بالنص
المف َّسر َ
من
الكتاب
والخبر
المتواتر
والمشهور
واإلجماع.
والثاني :ثابت بطريق الظاهر بناء على غالب الرأي وأكبر الظن ،وهو ما ثبت بظواهر الكتاب والسنة المتواترة ،وما ثبت بخبر الواحد والقياس الشرعي .وهذا النوع بقسميه يسمى علم الشرائع واألحكام ،ويسمى علم الفقه في عرف الفقهاء وأهل الكالم ،وان كان اسم الفقه لغة وحقيقة ال اختصاص له بهذا النوع من العلم بل هو إسم للوقوف على المعنى الخفي الذي يتعلق به علم يحتاج فيه إلى النظر واالستدالل مطلقا ،كعلم النحو واللغة والطب ونحوهما ،يقال فالن فقيه في النحو والطب واللغة إذا كان قاد ار على االستنباط واالستخراج في ذلك".378 فيفهم من هذا الكالم أن الفقه إنما يطلق على العلم بالمسائل الظنية ألنه إنما أطلقه على النوع الثاني بقسميه وهما: - 1ما ثبت عن طريق الظواهر وغالب الرأي والظن من جهة. 375 376 377 378
الموسوعة المصرية .11/1
البرهان .86 – 85/1
الموسوعة المصرية ،ص 11وما بعدها.
ميزان األصول في نتائج العقول :عالء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي (539هـ) ,تحقيق عبد الملك عبد
الرحمن السعدي ,لجنة الثراث العربي واالسالمي ,بغداد1984 ,م ،ص.10 – 9 127
2
-
أو
ما
ثبت
عن
طريق
خبر
اآلحاد
والقياس
من
جهة
أخرى
–
فهذا
بيان
كالمه.
وأكثر علماء األصول ال يبتعدون كثي ار عن هذا التعريف األخير ،فإنهم يعرفون الفقه بأنه :معرفة األحكام الشرعية العملية ،التي طريقها االجتهاد كما قال :الشيرازي في اللمع ،فيخرج العلم بالذوات والعلم باألحكام العقلية والحسية والوضعية كالحساب والهندسة والنحو والصرف 379إلى آخره. وفي شرح أحمد بن قاسم العبَّادي الشافعي ،على ورقات إمام الحرمين ،ممزوجا بكالم المؤلف وتعليق جالل الدين المحلي ما يلي: "الفقه معرفة األحكام الشرعية التي طريقها االجتهاد كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة ،وأن الوتر مندوب ،وأن النية من الليل شرط في صحة صوم رمضان ،وأن القتل بمثقل يوجب القصاص ونحو ذلك من مسائل الخالف ،ثم أنهم اشترطوا أن يكون العلم حاصال عن طريق االجتهاد للمنصف به ،ليخرج علم المقلد بهذه المسائل ،وكذلك ليخرج العلم بضروبات الدين كوجوب الصلوات الخمس، وحرمة الفاحشة فهذه ال تسمى فقها على حد هذا التعريف ، 380هامش إرشاد الفحول شرح أحمد بن قاسم لورقات إمام الحرمين". أما المذهب الرابع :فلم يفصل بين قطع وال ظن ،ولم يشترط االجتهاد بالنص ،إال أنه قال :إن العلم بهذه األحكام الشرعية يجب أن يكون مكتسبا من أدلتها التفصيلية ،وهذا ما ذهب إلي السبكي في جمع الجوامع. ونظمه سيدي عبدهللا بن الحاج ابراهيم الشنقيطي. في نظمه المسمى بمراقي السعود:
الفقه هو العلم
379
380
بالشرع والفعل نماها النامي
باألحكام
الموسوعة المصرية.60/1 ، إرشاد الفحول – .14 ،13 ،12 128
والعلم بالصالح فيما قد ذهب
أدلة التفصيل منها مكتسب
قال في شرحه نشر البنود" :والفقه اصطالحا هو العلم بجميع األحكام الشرعية العملية المكتسب من األدلة التفصيلية والمراد باألحكام النسب التامة التي هي ثبوت أمر آلخر إيجابا أو سلبا احت ار از عن العلم بالذوات والصفات واألفعال" .381 وهذا العالمة الزركشي ينقل في كتابه المنثور في القواعد عن جلة من علماء األصول تعريف الفقه فيقول :فصل: قال القاضي حسين" :الفقه افتتاح علم الحوادث على اإلنسان أو افتتاح شعب أحكام الحوادث على اإلنسان". حكاه عنه البغوي في تعليقه.... وقال ابن سراقة في كتابه في األصول" :حقيقة الفقه عندي االستنباط ..قال تعالى{ :لعلمه الذين يستنبطونه منهم}". بعد الطرائق األربع في تعريف الفقه عند األصوليين ،والقاسم المشترك بين هذه التعريفات هو أنه نقلت الفقه عن أصله اللغوي وهو الفهم ،إلى معنى مجاور هو العلم الذي ليس بمعنى المعلوم ،وانما بمعناه المصدري الذي هو حصول العلم أو الملكة الراسخة في النفس. فالفقه في هذه التعريفات هو علم اإلنسان بالشيء إال َّ أن بعض العلماء اآلخرين وان كانو قد أخذوا بعض اآلراء السالفة بعين االعتبار إال أنهم قدموا تعريفات أخرى تنظر إلى الفقه كعلم بمعنى شيء مستقل عن كونه صفة للمجتهد. فمن هؤالء اإلمام الغزالي والزركشي من الشافعية ،فالغزالي اهتم به من حيث عالقته بتزكية النفوس ،فخصصه قائال :في األلفاظ التي صرفت عن أصلها الذي كانت عليه عند السلف الصالح" :اللفظ األول الفقه ،فقد تصرفوا فيه بالتخصيص ال بالنقل والتحويل إذ خصصوه بمعرفة الفروع الغربية في الفتوى ،والوقوف على دقائق علمها واستكثار الكالم فيها ،وحفظ المقاالت المتعلقة بها ،فمن كان أشد تعمقا وأكثر اشتغاال بها يقال :هو األفقه ،ولقد كان اسم الفقه في العصر األول يطلق على علم طريق اآلخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات األعمال ،وقوة اإلحاطة بحقارة الدنيا ،وشدة التطلع إلى نعيم اآلخرة ،واستيالء الخوف على القلب". 382
381
نشر البنود 19/1ومن المعلوم أن الشنقيطي يعتمد في نظمه غالبا على جمع الجوامع البن السبكي ،ولفظ جمع الجوامع (والفقه
العلم باإلحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية) جـ ،1ص 33 – 32بشرح المحلي وحاشية البنان. 382إحياء علوم الدين .جـ ،1ص.28
129
بعد استعراضنا أقوال العلماء حول تعريف الفقه لغة واصطالحا سواء من الناحية المصطلحية أو من ناحية المضمون يمكن أن نستخلص ما يلي: أوال :كلمة الفقه في اللغة تعني الفهم والفطنة واإلدراك ،والعلم عند أكثر علماء اللغة وهي معان متقاربة ومتجاورة بعضها باألصالة وبعضها بالتبعية. فالفهم هو األصل والعلم بالتبع من باب التعبير عن الالزم بالملزوم ،فالعلم يلزم منه الفهم والفقه أيضا هو فهم خفايا األمور وخباياها. والفقه يرجع في أصل معناه إلى الشق والفتح عند بعض اللغويين وهو قول تعرضنا له بالنقد والتمحيص. كلمة الفقه تطورت من أصل في الجاهلية :هو فحل فقيه أي فطن يميز النوق الحوامل من الحوائل .إلى رجل فقيه أي فطن في الدين عالم بأس ارره وفقيه أي مجتهد مستنبط لْلحكام. وأخي ار إلى فقيه حافظ لبعض المسائل الفقهية ولو لم يكن مجتهدا للفقه عند أكثر األصوليين معنى قائم بالفقيه وهو العلم الحاصل له بأحكام الشريعة عامة منصوصة أو مستنبطة وهو قول جيد رجحه ابن عابدين. علم حاصل عن طريق األدلة القطعية وهو قول الكمال بن الهمام وقول إمام الحرمين في البرهان. علم حاصل عن طريق االستنباط واالجتهاد وهو قول السمرقندي وامام الحرمين في الورقات وشارحاه العبادي والمحلي. علم باألحكام الشرعية العملية مكتسب من طريق األدلة التفصيلية وهو قول تاج الدين بن السبكي وشروحه والغزالي في المستصفى والسمة المشتركة بين هؤالء جميعا أن الفقه هو صفة للفقيه وليس شيئا مستقال عنه .علم قائم بذاته وليس وصفا قائما بالمجتهد وهو علم من علوم الشريعة من عبادات ومعامالت وحدود ،فالفقه هو نفس األحكام وليس مجرد العلم بها على حد تعبير الشيخ مصطفى الزرقاء. 383 الفقه علم شامل للعقيدة والمعامالت والعبادات مرادف لعلم الدين ،وهذا إطالق كثير في كالم المتقدمين وهو الحقيقة الشرعية للفقه وهو الذي يجب المصير إليه وهو الحق ،فالحديث يقول ... :ورب حامل فقه ...وهو عام في الكتاب والسنة فقد يكون المحمول
383
المدخل الفقهي العام الى الحقوق المدنية :مصطفى ٔاحمد الزرقاء ,مطبعة الجامعة السورية ,1957 ,جـ ،1ص.60
130
عقيدة كما قد يكون أحكاما عملية فتخصيصه ببعض أفراده إنما هو تخصيص عرفي مصطلحي وقد نبه العبادي على أن هذا التخصيص ليس ،مصطلحا شرعيا وانما هو مصطلح أصولي على أنه تردد في آخر كالمه. وانما تصرف األصوليون في كلمة الفقه بالتخصيص ليصلوا بذلك إلى تعريف الفقيه وهو المجتهد الذي يتصف بالملكة الراسخة والفهم الصائب الذي ينفذ من خالله إلى أغوار الشريعة فيدرك حكمها ومراميها يحمل النظير على النظير ويعرف حكم المفهوم من المنطوق ،بصي ار بموارد الشريعة ومقاصد الشارع.
131
المبحث الثاني العلم بالحكم وأثره في القصد
واذا قلنا بان القصد الجنائي هو ارادة االعتداء على المصالح التي يحميها الشرع ,أي ارادة مخالفة الحكم الشرعي ,كان معنى ذلك انه يتطلب علما دقيقا كامال بالحكم الشرعي ,اذ اليتصور ارادة االعتداءعلى المصالح ممن ال يعلم بوجودها وبالحماية التي يقررها الحكم الشرعي .
384
وعلى هذا فاننا نعني ,بقولنا " القصد الجنائي يتطلب العلم بالحكم " أي يتطلب العلم بالوقائع التي تتكون منها الجريمة من ناحية , ويتطلب العلم بالنص الشرعي الذي يحرم تلك الوقائع من ناحية أخرى. وتطبيقا لهذا ,فانه ال يكفي علم الجاني بانه يأخذ مال الغير خفية من حرزه فحسب ,بل يتعين علمه بأن الشرع يحرم ذلك االخذ وبغير هذا العلم الينسب اليه أنه أراد ان يخالف الحكم الشرعي الذي يحرم السرقة ,وال يتوافر القصد الجنائي لدى الزاني اال اذاعلم بتحريم الزناشرعا. واليثير طلب العلم بالحكم الشرعي صعوبة في الجرائم الحدود والقصاص والديات الن هذه الجرائم مستهجنة في كل االديان والملل . ولكن اذا ساغ هذا القول بالنسبة لتلك الجنايات المذكورة ,فهو اليصدق على جرائم النعزير النها في أكثر أحوالها اختيار من أقوال الفقهاء واجتهاد من ولي االمر لمصلحة رعاياه .
385
وفي الغالب اليتوافر لدى من يرتكب هذه الجرائم العلم بتجريمها فيقترفها ظانا
أنها أفعال مشروعة .مثال ذلك وطء ولد جارية والده على ظن أنها تحل له ,ووطء رجل زوجته المبتوتة منه ,فان العديد من الناس ال يعرفون أحكام تلك االفعال . فاذا طلبنا العلم بالحكم الشرعي تضاءلت الحاالت التي يتوافر القصد الجنائي فيها ,وأدى ذلك الى تعطيل االحكام الشرعية من 384 385
النظرية العامة للقصد الجنائي.116 :
الجريمة والعقوبة قي الفقه االسالمي :محمد أبو زهرة ,دار الفكر العربي1990 ,م , 300 /1 :المبادئ الشرعية في أحكام
العقوبات في الفقه اإلسالمي :عبد السالم محمد الشريف ,دار الغرب اإلسالمي1986 ,م.310/. 132
التطبيق .ويتضح الوجه الحقيقي للمشكلة التي تتطلب التوفيق بين اعتبارين متناقضين :اعتبار العلم بالحكم الشرعي عنص ار في القصد الجنائي ,وما تتطلبه مصلحة المجتمع من وجوب اغفال العلم بالحكم الشرعي من بين عناص القصد الجنائي حتى يتاح للحكم الشرعي التطبيق الشامل.
386
وقداختلف الفقهاء في شأن العلم بالحكم الشرعي لتوافر القصد الجنائي .ويمكن حصر خالفهم في هذا الصدد في ثالثة مذاهب : المذهب االول يذهب أصحابه الى اشتراط العلم بالحكم الشرعي ,والثاني يرى أصحابه افتراض العلم بالحكم الشرعي ,بينما الثالث يستبعد العلم بالحكم الشرعي من عناصر القصد الجنائي. المذهب االول: يعتبر اصحاب هذا المذهب العلم بالحكم الشرعي عنص ار في القصد الجنائي .والعلم الالزم في هذا الشأن هو العلم الفعلي ,فالمحل الفتراض العلم كما ال تحل االستطاعة أو االمكان محل العلم الفعلي .قال ابن حزم " :اليكلف أحد ماليس في وسعه .وليس في وسع أحد علم الغيب في أن يعلم شريعة قبل أن تبلغ اليه ,فصح يقينا أن من لم تبلغه الشريعة لم يكلف بها " 387.ويؤكد عدم افتراض العلم لتوافر القصد ما ورد في حاشية رد المختار على الدر المختار " :ان من شرائطه ـ الحدفي الزنا ـ العلم بالتحريم ,حتى لو لم يعلم بالحرمة لم يجب الحد للشبهة . . .والكون في الدار االسالم اليقوم مقام العلم في وجوب الحد" . ويستند هذا المذهب على ما روي عن سعيد بن المسيب
389
388
ان عامال لعمر بن الخطاب رضي هللا عنه كتب اليه يخبره ان رجال
اعترف عنده بالزنا فكتب اليه عمر " :ان سله هل كان يعلم ان هللا حرم الزنا ,فان قال نعم فأقم عليه الحد ,وان قال ال ,فأعلمه انه حرام فان عاد فاجلده .
390
فان عمر د أر الحد عن الزاني الذي اعترف بالزنا لعدم علمه بالتحريم مع كونه في دار االسالم ويدل هذا
ان العلم بالحكم الشرعي عنصر اليتوافر القصد الجنائي بدونه.
النظرية العامة للقصد الجنائي .116 : 387اإلحكام في أصول االحكام , 55 / 1 :الموافقات للشاطبي , 159 / 1 :شرح تنقيح الفصول في إختصار المحصول في األصول: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي ,المحقق :مكتب البحوث والدراسات بدار الفكر1990 ,م.69 , 388ابن عابدين . 6 / 4 : 386
389
ابن حزن القرشي فقيه المدينة من أجل التابعين جمع بين الفقه والحديث روى عن كثير من الصحابة (ـ ـ 94هـ) شذرات الذهب
390
المصنف :أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (المتوفى211 :هـ) ,تحقيق حبيب الرحمن االعظمي
.102 / 1 :
,المجلس العلمي -الهند1390 ,ه ـ1970م . 474 / 6 : 133
واستدلوا بالمعقول فقالوا " :ان الحكم في الشرعيات اليثبت اال بعد العلم ,فان كان الشيوع واالستفاض في دار االسالم أقيم مقام العلم ولكن ال أقل من ايراث شبهة,
391
لعدم التبليغ .
392
ولما د أر عمر الحد عن الرجل لجهله بالحكم الشرعي المتعلق بفعله ـ وهو
في دار االسالم ـ علم من ذلك ان العلم بالحكم الشرعي عنصر في القصد الجنائي وال يفترض هذا العلم با الشاعة واالقامة قي دار االسىالم . وان كان هذا المذهب يمتاز باعتماده على المنطق السليم ,اذ يستخلص من القصد الجنائي ذاته النتائج الحتمية التي ال مفر من التسليم بها اذا قلنا بأن القصد الجنائي هو عبارة عن توجه االرادة الى مخالفة الشرع .
393
فان العلم بهذا الشرع يعتبر عنص ار جوهريا
البد منه لتوافر القصد الجنائي غير انه يتجاهل مصلحة المجتمع ويهمل االعتبارات العلمية التي تقتضي كفالة تطبيق االحكام الشرعية .فاذا أخذنا بهذا الرأي فكلما يثبت جهل الجاني بالحكم الشرعي المتعلق بالجريمة التي ارتكبها كلما تعين تبرئته .واذا تعددت حاالت البراءة بهذه الصورة تعطل تطبيق عدد كبير من االحكام ,وفوت ذلك أهداف الشارع منها.
394
المذهب الثاني: ذهب أصحابه الى القول بأنه لو كان القصد الجنائي هو عبارة عن توجيه االرادة الى مخالفة الشرع وهذا يعني أن العلم بالحكم الشرعي ال غنى عنه لتصور توجه هذه االرادة ,ولكن ليس معنى ذلك وجوب توافر العلم اليقيني به ,بل يحل محله استطاعة العلم وامكانه .
395
اذ يتعين على الفرد الذي يعيش في مكان ما أن يستعلم عن حكم الشرع ألي فعل ينوي اتيانه ,الن المكلف اليجوز له
أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم هللا فيه فال يجوز الشروع في شيء حتى يعلم ,
396
فطلب هذا القدر من العلم واجب ,اذ تتوافر
أسبابه باالقامة في دار االسالم وبجوار المسلمين .جاء في شرح منار األنوار " :أما الجهل في دار الحرب من مسلم لم يهاجر الينا يكون عذ را ,ألن دار الحرب ليس بمحل لشهرة احكام االسالم بخالف الذمي اذاأسلم في دار االسالم ألنه متمكن من السؤال عن
391 392 393 394 395
الشبهة في الشرع ماالتبس أمره فاليدري أ حالل أم حرام ,حق هو أم باطل .المعجم الوسيط .474 / 1 :
حاشية ابن عابدين . 6 / 4 :
شرح ابن عبد السالم على ابن الحاجب. 117 / 5 :وجه (مخطوط) .
النظرية العامة للقصد الجنائي .118 :
البحر المحيط في أصول الفقه :بدر الدين محمد الزركشي(794ه) ,دار الصفوة ـ الغردقة ـ الطبعة الثانية1990 ,م 368 / 1 :
,ميزان االصول للسمرقندي 285 :ـ .286
396شهاب الدين احمد بن ادريس القرافي عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع1988 ,م .الفروق 148 / 2 : :ـ . 149 134
أحكام االسالم ,وترك السؤال تقصير منه فاليكون عذرا.
397
غير ان افتراض العلم بالحكم الشرعي لم يكن افتراضا مطلقا ,بل أورد الفقهاء عليه بعض االستثناءات تحد منه فيسمح للجاني عند توافرها أن يتذرع بالجهل بالحكم الشرعي .فمثلوا لذلك بحديث العهد باالسالم والحربي .
398
في جرائم الحدود والتعازير ,
399
دون
جرائم القصاص والديات .غير أن هذه االستثناءات محل نظر ,الن الزنا وااسرقة والسكر حرام في جميع االديان .والزنا والسرقة من جرائم الحدود باالتفاق .جاء في فتح القدير " :الحربي اذا دخل دار االسالم فأسلم فزني وقال ظننت أنه حالل اليلتفت اليه ويحد وان كان فعله أول يوم دخل الدار ,الن الزنا حرام في جميع االديان والملل" .
400
وقد ُرد على هذا االعتراض بان العلم بالحرمة شرط لتوافر القصد الجنائي فيمن ادعى الجهل بالحرمة وظهر عليه امارة ذلك ,بأن نشأ وحده في شاهق أو بين قوم جهال مثله اليعلمون تحريمه أو يعتقدون اباحتها اذ الينكر وجود ذلك.
401
المذهب الثالث: يستبعد أن يكون العلم بالحكم الشرعي من عناصر القصد الجنائي ,الن القصد بناء على هذ ا المذهب يتوافر كلما توافر لدى الجاني علمه بالعناصر المادية المكونة للجريمة المرتكبة ,وتطبيقا لهذا اليقبل من أحد ـ بدون استثناء ـ اعتذاره بالجهل بالحكم الشرعي .جاء في فتح القدير " :لوأن شرط الحد في نفس االمر علمه بالحرمة في نفس االمر فاذا لم يكن عالما ال حد عليه ,كان قليل الجدوى أو غير صحيح ".
402
وجاء في الجواهر الثمينة " :فكل مسلم مكلف شرب ما يسكر جنسه مختا ار من غير ضرورة وعذر
لزمه الحد وال يستثنى من ذلك من كان حديث عهد باالسالم ,بل يجب الحد عليه وان لم يعلم التحريم " .
403
وفي لباب اللباب " :
397شرح منار األنوار في أصول الفقه :عبد اللطيف بن عبد العزيز،ابن ملك ،دار الكتب العلمية1980،م 356: ,ــ . 357 398الكافر الذي يحمل جنسية الدولة الكافرة المحاربة للمسلمين ,معجم لعة الفقهاء :محمد رواس قلعجي ,دار النفائس للنشر والتوزيع1988,م.178 :. 399
حاسية ابن عابدين 37 / 4 :ومابعدها ,السرح الكبير وحاشية الدسوقي 280 / 4 :ـ ,281المهذب للشيرازي 267 /2:ـ
,.268االشباه والنظائر للسيوطي176:ـ ,177مغني المحتاج ,146 /4 :نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليه / 7: 131ـ ,132المعني البن قدامة ,479 /9 :الكافي في فقه بن حنبل البن قدامة 200 :ـ .201 400 401 402 403
ابن الهمام .39 / 5 :
المرجع السابق نفس الصفحة .
المرجع السابق نفس الصفحة .
ابن شاس . 116/2:ظهر مخطوط . 135
ويحد الجاهل بتحريم الزنا ـ ءوان كان حديث عهد باالسالم".
404
وفي قواعد األحكام في مصالح األنام " :الظنون المعتبرة في معرفة
األحكام وأسبابها وسائر متعلقاتها واليشترط فيها العلم اذ لو شرط فيها العلم لفات معظم المصالح الدنيوية " .
405
يستخلص من هذا
أن مؤدى هذا الرأي هو استبعاد العلم بالحكم الشرعي من عناصر القصد ,وانما يقوم القصد الجنائي بالرغم من جهل الجاني بالحكم الشرعي ,اذا ثبت علمه بما يتمخض عنه سلوكه من اثر ضار أو خطر ,أما اذا كان الجاني موقنا من أن سلوكه ليست له هذه الطبيعة وال هذا االثر فانه اليكون آثما ,وبالتالي فان القصد الجنائي في جانبه يكون متخلفا. الترجيح واالختيار بعد عرض آراء الفقهاء في تأثير العلم بالحكم الشرعي في القصد الجنائي يتبين أن ألخذ بالرأي االول الذي يعتبر العلم الفعلي بالحكم الشرعي عنص ار في القصد الجنائي سيؤدي الى تعطيل عدد كبير من االحكام اذ كلما يتمكن الجاني من اثبات جهله بالحكم الشرعي كلما تعين تبرئته من الجناية المنسوبة اليه وهذا سيؤدي حتما الى فوات أهداف الشارع من العقوبات .ويصعب االخذ بالرأي الثاني الذي يفترض العلم بالحكم الشرعي ,النه يقوم على تجاهل الحقائق ,ويؤدي عمليا الى استبعاد عنص ار من عناصر القصد الجنائي بطلب العلم بالحكم الشرعي ثم القول بتوافر القصد الجنائي في حاالت يثبت فيها على نحو قاطع انتفاء ذلك العلم .ولهذا نرى أن العلم بالحكم الشرعي ليس عنص ار في القصد الجنائي ,ولكن اذا ثبت جهل الجاني واغتفر له جهله فان ذلك يكون عذ ار معفيا من العقاب أو مخففاله .واالمثلة التي يوردها أصحاب المذهب الثاني ماعد له مبرر في هذا العصر.
406
واذا كانت طبيعة الخطاب
تقتضي االفصاح عن مضمونه فانها ال توجب العلم به .الن الخطاب يتحقق معناه بتوجيهه الى المخاطب ال بعلمه .والحكم الشرعي يلزم المخاطبي ن به بمجرد اعالمهم به البتحقق علمهم فعال ,الن القول بخالف هذا سيجرد الحكم من صفة العموم ويقتصر سريانه على فئة معينة فقط .
404 405
ابن راشد . 299 :
قواعد األحكام في مصالح األنام :أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم (المتوفى660 :هـ) :مكتبة الكليات األزهرية –
القاهرة ( 1410هـ 1990-م. 138 / :, 406
النظام العقابي االسالمي:أبو المعاطي حاقظ أبو الفتوح ,مؤسسة دار التعاون ـ القاهرة1976 ,م. 225 , 136
المبحث الثالث العلم بالقانون و أثره تعددت آراء فقهاء القانون في اثر العلم بالقانون في القصد الجنائي ,وذهب الجمهور الى ان القصد الجنائي اليكتمل اال اذا احاط علم الجاني بأن فعله محل تجريم وعقاب .وحجتهم في ذلك :أن القصد الجنائي هو ارادة االعتداء على حق يحميه القانون , واليتصور ان يكون لهذه االرادة وجود اال اذاكان الفاعل عالما بالقاعدة التي خالفها ومدركا مالها من قوة االلزام . ومن ان صار هذا الراي من التزموا المنطق بصورة مطلقة فلم يفرقوا بين العلم بنص التجريم والعلم بغيره من عناصر القصد .سواء من حيث نوع العلم أوطريقة اثباته .ورتبوا على ذلك نتيجة مؤداها انه اذا لم يثبت علم الفاعل بنص التجريم ,او غلط فيه ,فان ان القصد الجنائي يكون متخلفا .والعلم المطلوب لتوافر القصد الجنائي عند هؤالء هو العلم اليقيني ,واليفترض العلم في هذا الشأن , كما أن استطاعة العلم التساوي العلم الفعلي ,وهذا يعني ان اصحاب هذا الرأي يعتبرون العلم بالقانون عنص ار من عناصر القصد الجنائي .وأغلب القائلين بهذا الرأي لم يلتزوا منطقهم الى نهايته ,اذ قدروا ما ينجم عن المضي فيه الى مداه من نتائج تحول دون تطبيق القانون في كثير من االحيان وتفوت االهداف المرجوة منه .فجنحوا الى تحوير رأيهم أو تقييده بقيود تحد من نتائجه الضارة, وسلكوا في ذلك مسالك عدة : فمنهم من افترض العلم بالقانون افتراضا السبيل الى نفيه باقامة الدليل على عكسه,
407
ومن هؤالء من تخفف مع ذلك فأجاز نفي
العلم في أحوال ضيقة فقصروها على حالة القوة القاهرة كاحتالل عدو جزء من اقليم الدولة أو حصاره .
408
وتوسع البعض فيها قليال
فجعلها شاملة لكل حالة يكون الجهل فيها مغتف ار ,منها :حالة ما اذاكان محل الجهل أو الغلط قانونا غير قانون العقوبات ,وحالة الغلط دون خطأ.
407 408 409
409
القانون الجنائي مبادئه األساسية و نظرياته العامة :محمد محي الدين عوض ,مطبعة جامعة القاهرة1981,م.401 / القصد الجنائي لعبد المهيمن بكر 216:ـ.217
شرح االحكام العامة في قانون العقوبات 399 :ـ .400 137
ومنهم من استغنوا عن تطلب العلم الحقيقي او افتراضه ,وذهبوا الى القول بأن امكان العلم والقدرة عليه معادل للعلم الحقيقي.
410
وبناء
على هذا فكلما انتفى العلم وثبت امكانه أو القدرة عليه يعتبر القصد الجنائي متوافرا .ومنهم من تجاوز عن العلم بالقانون واكتفى بالعلم بداللة الفعل .والقائلون بهذا الرأي اختلفوا قي تحديد هذه الداللة .وذهبت طائفة منهم الى أنه يشترط لتحقق القصد الجنائي ان يعلم الجاني بمنافاة فعله لقواعد االخالق .
411
بينما يرى آخرون وجوب علم الجاني بما ينطوي عليه سلوكه من تعارض مع مصالح
المجتمع وقيمه السائدة .فليس من الالزم في تقديرهم أن يعلم الجاني بمخالفة سلوكه لقانون العقوبات وال لقواعد االخالق ,بل يكفي لذلك علمه بوجه التنافي بين السلوك وبين أهداف المجتمع وغاياته.
412
ومنهم من يشترط لتوافر القصد الجنائي أن يعلم الجاني بأن
سلوكه يصيب بالضرر أو يعرض للخطر حقا من حقوق الغير أو مصلحة مشروعة له ,فليس من الالزم أن يحيط علم الجاني بالقاعدة القانونية أو الخلقية أو االجتماعية التي تحظر عليه اتيان السلوك ,وانما يكفي علمه بما يترتب على هذا السلوك من مساس بحقوق الغير أو مصالحه. ومنهم من اعتبر االخالل بااللتزام بالعلم بالقلنون كالعلم الحقيقي في مقام القصد الجنائي ,الن الزامية قانون العقوبات تفرض على االشخاص الخاضعين له واجبا في معرفة قواعده وأحكامه ,اذ يتعين على الفرد الذي يعيش في مكان ما أن يستعلم عن حكم القانون بالنسبة الي فعل ينوي اتيانه فاذا قصر في هذا الواجب فقد أخل بواجبه فيجب أن يتحمل مخاطر ذلك االخالل . وهذا الرأي بمختلف اتجاهاته معيب من وجهين :االول انه مشوب بالتناقض والثاني أن أساسه فاسد .فيظهر التناقض جليا من ايجاب العلم ثم اسقاطه في نفس الوقت .فقد رأينا أكثر القائلين بلزوم العلم لتوافر القصد الجنائي يستغنون عن العلم الحقيقي , ويضعون مكانه العلم الممكن ,والعلم المفترض ,وااللتزام به والواحد من ذلك العلم ينفي تخلف العلم في الواقع .واذا قام القصد الجنائي برغم من انتفاء العلم بالقانون ,فان ذلك يعني ان العلم به ليس من عناصر القصد ,وبالتالي ليس مما يجب توافره . وأما فساد االساس فهو يقوم على أن اشتراط العلم بالقانون يقتضي التسليم ابتداء بأن هذا النص عنصر في الجريمة وهو غير مسلم, الن القانون هو العمدة في تحديد ما يعد جريمة ,وهو الذي يحدد كذلك اركانها وعناصرها .ولهذا اليجوز اعتبار القانون عنص ار في الجريمة ووضعه في المنزلة نفسها مع العناصر التي يحددها.
410 411 412 413
413
ويستخلص من هذا ان العلم بالقانون اليدخل في نظرية القصد
النظرية العامة للقصد الجنائي . 119 :
المرجع السابق . 126:
النظرية العامة للقصد الجنائي . 127:
القصد الجنائي لعبد المهيمن بكر .116: 138
الجنائي ,بل يدخل في نظرية المسؤولية .واذا ثبتت استحالة علم المتهم بالقانون واغتفر له جهله ,فان ما ينتفي بهذا الجهل ليس بالقصد الجنائي ,بل المسؤولية الجنائية ,وال ارتباط بالضرورة بين االمرين . يكون الخالق جزء من مخلوقه .
415
414
وهذا هو االتجاه الذي نراه صحيحا .اذ اليتصور أن
كما يتضح من تلك االراء القانونية ان للفقه االسالمي الفضل في سبقه الى تناول قاعدة عدم
االعتذار بالجهل بالدراسة ,بل ان الحجج التي يستند اليه القانونيون لتبرير تلك القاعدة مستمدة من الفقه االىسالمي .
414 415
قانون العقوبات القسم العام لمحمود مصطفى .429:
وهذا ماذهب اليه غالبية شراح القانون الجنائي في مصر .منهم :محمود محمود مصطفى في كتابه شرح قانون العقوبات القسم
العام ,429 :علي أحمد راشد في بحثه بعنوان "عن االرادة والعمد والخطأ والسببية في نطاق المسؤولية الجنائية " :مجلة العلوم
القانونية واالقتصادية ,جامعة عين الشمس ,السنة ـ ـ الثامنة ,العدد األول يناير ,1966 ,رؤوف عبيد في مؤلفه " مبادي العام في
التشريع العقابي :دار الفكر العربي1979م , 227 :أحمد فتحي سرور في كتابه "الوسيط في القانون العقوبات القسم العام دار النهضة العربية1984 ,م .452 :".آمال عثمان في بحثها بعنوان " النموذج
واالقتصادية:جامعة عين الشمس ,السنة ,14 ,العدد األول يناير. 1972 , 139
الـقانوني للجريمة " :مجلة العلوم القانونية
الخاتمة و التوصيات
و نذكر في ختام هذا البحث ما توصلنا إليه وما لمسناه من نتائج وهي على قسمين :الخاتمة و التوصيات: أوال :الخاتمة: ها نحن اليوم أمام واقع جديد متميز (واقع المسلمين بالغرب) ويتطلب منا اجتهادا خصبا وفعاال على مستوى الخطاب الديني عامة والخطاب الفقهي خاصة للتجاوب مع النصوص الثابتة من جهة ،ومع خصوصيات هذا السياق المتغير السمحة ،ومستلهما المنهج العمري الرائد؛ فهذا االجتهاد تم طرحه لالستلهام ،ألنه زودنا والجديد وم ارعيا المقاصد الشرعية َّ الفعال في أرض الواقع ،وألن هذا الصحابي الجليل قد راعى تغير بضوابط وموجهات لالجتهاد التشريعي المحكم الخصب و َّ السياق واعتبر المتغيرات المستجدة في حياة المسلمين في عهده ،كما راعى المصالح العامة للمسلمين ،وأعطى للنصوص القطعية حيوية وخصوبة اجتهادية لتواكب بتطبيقاتها وأحكامها التغيرات والطوارئ والنوازل من أجل المصلحة العامة، واعتبار المقصد الشرعي ورفع الشدة ورفع الحرج ودفع الضرر عن الناس. إننا مطالبون اليوم ببناء وصياغة وبلورة تدبير اجتهاد ديني وتشريعي متكامل وشمولي متين في ثوابته ،ومتطور في متغيراته ،وواقعي في تطبيقاته ،وانساني في آفاقه ،ورحيم سمح ويسير في مواصفاته. هذا وقد اتفق علماء أزهريون على أن مصطلحا "دار الحرب ودار السالم" أفرزه الفقه اإلسالمي قديما في ظل ظروف ومناسبات كانت تستدعي هذا التقسيم ولم يعد له تطبيق في واقعنا المعاصر وذلك ألنه لم تعد هناك دار حرب في التجمع الدولي اآلن وأن كل التجمعات البشرية في العالم حاليا تعيش في دار واحدة سميت دار السالم. وأكد العلماء على ضرورة تجديد االجتهاد في الفقه اإلسالمي لمواكبة روح العصر ومواجهة المستجدات خاصة في بعض األحكام الفقهية التي كانت تطبق قديما ولم يعد هناك مسوغ لوجودها اآلن النتفاء توفر األدلة على مالءمتها لهذا العصر. بداية يرى الدكتور جعفر عبد السالم األمين العام لرابطة الجامعات اإلسالمية وأستاذ القانون الدولي بجامعة األزهر أن فقهاء المسلمين قديما قد قسموا ديار العالم إلى دار اسالم ودار حرب موضحا أن دار اإلسالم هي كل بقعة تكون فيها أحكام اإلسالم ظاهرة وأن دار الحرب هي الديار التي تحارب اإلسالم وتعمل على وقف نموه بكافة السبل وال يأمن فيها المسلم على نفسه وال تطبق فيها شرائع اإلسالم .واستطرد الدكتور عبد السالم :أن الفقهاء المسلمين قد أجمعوا أنه ال أمان 140
بين الدولة اإلسالمية وهذه الدار (أي دار الحرب) إال إذا تم عمل عهود تحقق السالم بين دار اإلسالم ودار الحرب تتحول بعدها دار الحرب إلى دار سالم وال يسوغ محاربتها إطالقا إال إذا انقضت هذا العهد مشي ار إلى أن بعض الفقهاء من تزيد في إضفاء صفة الحرب على كل الديار التي ال يأمن فيها المسلم على نفسه وال يستطع أن يقيم شعائره وأحكام دينه على أرضها ولم تكن بينها وبي ن دار اإلسالم عداوة لذا هناك من أطلق على كافة الديار غير دار اإلسالم ودار العهد دار الحرب ،وأجاز بالتالي مبادرتها باالعتداء واستخدام السيف.
416
وتابع الدكتور عبد السالم قائال :أن هذا الرأي في الفقه القديم يعبر عن ضعفه ألنه لم تعد هناك دار حرب في ظل التجمع الدولي اآلن ،فنحن جميعا نعيش في دار واحدة سميت دار السالم ،كما يشير لذلك حكم القانون الدولي والتنظيم الدولي المعاصر ،فالحرب لم تعد مشروعة إال للدفاع الشرعي أو الكفاح لتحرير األراضي المحتلة ،بل تحظر المادة 4/2من ميثاق األمم المتحدة كافة صور استخدام القوة أو التهديد بها في العالقات الدولية.
417
وأضاف الدكتور عبد السالم :ان السالم أصبح هدفا في العالقات الدولية في العصر الحالي ،كما إنه اتفاقية دولية نص عليها ميثاق األمم المتحدة ،وانضمت إليها كافة الدول بما في ذلك الـ 57دولة إسالمية أعضاء منظمة المؤتمر اإلسالمي حي ث توقع أي دولة تريد أن تنضم إلى الميثاق على أنها دولة محبة للسالم وراغبة فيه وال يحق لها أن تعتدي على غيرها. أما الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح األستاذ بجامعة األزهر بالقاهرة فيقول :لعلنا ندرك أن تقسيمات الفقهاء لديار المسلمين بأنها ديار السالم وديار غير المسلمين ديار كفر أو ديار حرب ،هذا مصطلح كان يستعمل قديما في وقت اشتدت فيه هجمات الصليبيين على بالد المسلمين ،الفتا إلى أن أوروبا شنت ثماني حمالت صليبية للقضاء على المسلمين في بالد اإلسالم ،كما أن االستعمار الغربي قد استولى على بالد المسلمين ،هذان المصطلحان ،دار اإلسالم ودار الكفر ،لم يعد لهما وجود في ظل العالقات الدولية وارتباط الشعوب ببعضها البعض وتبادل المنافع وانتقال المسلمين إلى بالد الغرب ودخول كثير من الغربيين في اإلسالم حتى أصبحت بالد الغرب زاخرة بماليين المسلمين ،فالدين اإلسالمي في فرنسا وبريطانيا وهولندا وألمانيا هو الدين الرسمي الثاني ،وأصبح المسلمون في فرنسا قرابة خمسة ماليين وفي بريطانيا وألمانيا
416
قواعد العالقات الدولية فى القانون الدولى و فى الشريعة االسالمية ,مكتبة السالم العالمية للطبع والنشر والتوزيع ,القاهرة:
417
المرجع السابق ص .129
1981م .ص .128
141
ما يقرب من ذلك .ومعنى هذا أن هذه المجتمعات الغربية أصبحت مجتمعات قريبة من اإلسالم ألن المسلمين فيها يمثلون نسبة كبيرة ،وأصبحت المدن الغربية تعج بمئات المآذن والمساجد ،ومن هنا يبدو للباحث أن إطالق مصطلح دار الكفر على البالد الغربية فيه إجحاف وظلم ال ينبغي أن يقال على هذه المجتمعات بل ربما كان المسلمون في البالد األوروبية والغربية أكثر فهما لإلسالم ووعيا لمفاهيمه ،ولهذا ينبغي على المجامع الفقهية في العالم اإلسالمي أن تصحح هذه المفاهيم فمجتمعات اإلنسانية كلها ال يخلو مجتمع منها من وجود مسلمين.
418
و ينبغي على المسلمين في المجتمعات الغربية أن يكون والءهم لإلسالم ولهذه البالد التي هم منها ،خاصة أن هللا سبحانه وتعالى أمر الناس إذا ضاقت بهم األرض أن يهاجروا إلى أرض هللا الواسعة فبالد الغرب من أرض هللا سبحانه وتعالى، كما ينبغي على المسلمين في المجتمعات اإلنسانية كلها أن يكونوا رسل سالم وأمن واستقرار ألنهم يملكون فلسفة حياتية، تمكنهم من تنمية قدراتهم وانتماءاتهم للمجتمعات التي يعيشون فيها ،ومن هنا ندرك أن األمة اإلسالمية تستطيع في هذا العصر أن تساهم باقتدار في تقدم عجلة اإلنتاج وتوفير الرخاء والرفاهية للشعوب.
419
ويجب على المسلمين في هذه المجتمعات األوروبية سواء كانوا من أبناء هذه البالد من الذين اعتنقوا اإلسالم أو من الذين هاجروا إليها أن يروا أن من حقهم حسب القوانين الدولية وما منحهم هللا سبحانه من تقدير واحترام للمجتمع الذين يعيشون فيه أن يقيموا شعائرهم ويؤدوا مبادئ دينهم في غير خجل أو تأخير ألن اإلسالم الحنيف وفر لْلقليات الدينية التي تعيش في مجتمعات المسلمين كل حرية واحترام وتقدير والمسائل اآلن في ظل تبادل المنافع والتواصل بين الشعوب أصبحت تدعو الناس إلى التأمل وأخذ الدروس المستفادة وربما كان هذا العصر الذي نعيش فيه يملك إقامة المشاريع النهضوية التي تداعب المجتمعات اإلنسانية باآلمال في تحقيق التعاون والتبادل.
420
وتقسيم العالم اآلن إلى دار سالم ودار حرب لم يعد مالئما الن هذه المصطلحات الفقهية كانت تعبر عن مرحلة زمنية معينة وكانت هذه المصطلحات لها داللتها قديما ولكن هذا التقسيم اصبح غير ذي جدوى اآلن الفتا إلى انه يتحتم على العالم الغربي أن يفي بما تضمنته العهود والمواثيق الدولية من مبادئ حقوق اإلنسان واحترام المسلمين وعدم إيذائهم ال
418 419 420
المرجع السابق :ص .140 المرجع السابق :ص .143 المرجع السابق :ص .144 142
بالقول أو الفعل واال أصبحت الدولة التي تؤذي المسلمين دولة معتدية وليس دار حرب ويجب الرد عليها بدون تجاوز وفى إطار ما يقره اإلسالم وتعبر عنه مبادئ القانون الدولي الذي يصون الحريات.
421
أن تعريف العلم عند العلماء المسلمين عبارة عن مطلق االدراك الشامل لتصور و التصديق يقينا أو غير يقين فالعلم اذن ظاهرة نفسية ,أي عنصر من عناصر الخبرة الذهنية التي يختزنها الشخص يستعين بها في حكمه على األشياء .و في تحديد كيفية تصرفاته ازاء الظروف المحيطة به .و العلم الالزم لتوافر القصد الجنائي هو تمثل الواقعة التي يتوقف عليها تحقيق العدوان في الجريمة .أهمية العلم جوهرية ,ألنه المفترض لتصور االرادة ,اذ ال ارادة بغير العلم ,ألن كل عمل ايجابي او سلبي اختياري ,ألنه ال يتم إال بثالثة أمور :علم و ارادة و قدرة .ألن االنسان ال يريد ما ال يعلمه فال بد من ان يتوافر لديه العلم بالشيء حتى يريده. وموقف علماء المسلمين من مصادر المعرفة يتميز بعدم ترجيح مصدر على آخر .و انما حرصوا على االعتراف بالمصادر المتنوعة ,ألنهم عرفوا قيمة هذه المصادر بالنسبة للمختلف الموضوعات التي يدرسونها .بخالف الفالسفة الذين تمسك كل فريق منهم بواحد من مصادر العلم بوصفه الوسيلة الوحيدة النافعة و المعتمدة .ان مستوى العلم الالزم لتوافر القصد الجنائي في الفقهين اإلسالمي والوضعي هو المستوى الفطري بحسب األفكار و القيم و الخبرات السائدة في البيئة التي يعيش فيها الجاني و ألنه يتأثر بتلك األفكار و القيم في فهم االمر و الحكم عليها. ان لفظ الشريعة ليست مرادفة للفقه ,ألن الشريعة تشمل كل ما تقرر في القرآن و السنة من عقيدة دينية و تعاليم أخالقية و قواعد عملية .في حين أن الفقه يقتصر على القواعد العملية فقط .و بناء على هذا فإن الدقة في االصطالح تقتضي عدم اطالق لفظ الشريعة علىاآلراء الفقهية المحضة.
أن العلم بالحكم الشرعي ليس عنص ار في القصد الجنائي ,ولكن اذا ثبت جهل الجاني واغتفر له جهله فان ذلك يكون عذ ار معفيا من العقاب أو مخففاله .واالمثلة التي يوردها أصحاب المذهب الثاني ماعد له مبرر في هذا العصر .واذا ثبتت استحالة علم المتهم بالقانون واغتفر له جهله ,فان ما ينتفي بهذا الجهل ليس بالقصد الجنائي ,بل المسؤولية الجنائية ,وال ارتباط بالضرورة بين االمرين .أخيرا ,اتضح من االراء القانونية ان للفقه االسالمي الفضل في سبقه الى تناول قاعدة عدم االعتذار بالجهل بالدراسة ,بل ان الحجج التي يستند اليه القانونيون لتبرير تلك القاعدة مستمدة من الفقه االىسالمي .
421
المرجع السابق. 143
ثانيا :التوصيات : . 1دراسة فكرة تقسيم الدارين ضمن النصوص الشرعية و القواعد العامة التي جاءت بها الشريعة اإلسالمية في ظل الواقع المعاصر . .2مراجعة اآلراء الفقهية فيما يتعلق بتقسيمالعالم إلى دارين أو أكثر من دار ،وبيان دالالتها و سياقها التاريخي ،ومدى مالئمتها لواقع المسلمين . . 3دعوة المجامع الفقهية لدراسة فكرة تقسيم العالم دراسة متعمقة تأخذ بمقاصد النصوص الشرعية ،وأراء الفقهاء قديما وحديثا واإلحاطة بعلم السياسة و العالقات الدولية المعاصرة ،وتحديد موقف واضح من قضية تقسيم العالم إلى دارين. .4تسخير وسائل اإلعالم و التواصل المختلفة لشرح وبيان فكرة تقسيم العالم حتى ال تؤخذ ممارسة بعض المسلمين للعنف على أنها أثر من أثار أراء الفقهاء في تقسيم العالم . .5تعريف المسلمين و خاصة الشباب منهم بطبيعة العالقة بين المسلمين وغيره من خالل القواعد اإلسالمية العامة المنظمة لهذه العالقة . . 6عقد المؤتمرات و الندوات حول موضوع تقسيم العالم لدراسة هذه الفكرة و التحاور حولها من أجل الخروج بأراء تبين الموقف من الفكرة .
144
أوال :التفاسير:
فهرس المصادر و المراجع
.1أحكام القرآن :أبو بكر الجصاص الرازي ( 370ه) ,دار المصحف الطبعة الثانية ,بيروت 1988م.
.2احكام القرآن :محمد بن عبد هللا المعروف بابن العربي ت ( )542تحقيق علي محمد البجاوي ،دار احياء الكتب العربية ،عيسى البابي وشركائه القاهرة1967 .م. .3تفسير القرآن العظيم :أبو الفداء اسماعيل بن كثير ( 774ه) ,كتاب الشعب ,القاهرة1980 ,م.
.4تمهيد األوائل وتلخيص الدالئل :الباقالني (403ه) تحقيق :الشيخ عماد الدين أحمد حيدر -مركز الخدمات واألبحاث الثقافية. الطبعة :الثالثة 1410ه ـ1990م .5تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ( تفسير السعدي) :عبد الرحمن بن ناصر السعدي ,عبد الرحمن بن معال اللويحق (ط .دار السالم للنشر والتوزيع – الرياض1990 ,م. .6الجامع ألحكام القرآن :محمد بن أحمد القرطبي (761ه) ـ دار احياء التراث العربي ,بيروت1967 ,م. .7الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل:محمد بن عمر الزمخشري (528هـ) ،مطبعة االستقامة ,القاهرة1946 ,م. .8مفاتيح الغيب:محمد بن عمر بن الحسن الرازي606(،هـ ) ,المطبعة البهية المصرية1357 ,هـ 1938م. ثانيا:السنن: .9سنن ابن ماجة طبع استنبول1981 ,م .المصنف :أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (211ه), تحقيق حبيب الرحمن االعظمي ,المجلس العلمي الهند1390 ,ه ـ1970م.
. 10سنن أبي داود :سليمان بن االشعث االزدي 275( :ه ) ,طبع استنبول1981 ,م. .11سنن البيهقي :أحمد بن حسن بن علي البيهقي (458ه) ,المعارف العثمانية حيدر أباد ـ ـ الهند ـ ـ الطبعة االولى 1354ه.
.12سنن الترمذي :محمد بن عيسى الترمذي ( 279ه) ,طبع استنبول1981 ,م. . 13صحيح البخاري :محمد بن اسماعيل البخاري256( ,ه) ,طبع استنبول1981 ,م. .14صحيح مسلم :مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري 261( ,ه) ,طبع استنبول1981 ,م.
.15الفائق في غريب الحديث :محمود بن عمر الزمخشري جار هللا أبو القاسم ,تحقيق :علي محمد البجاوي -محمد أبو الفضل إبراهيم ,عيسى البابي الحلبي1972.م.
.16مصنف عبد الرزاق :عبد الرزاق بن همام الصنعاني 211( ,ه) ,المكتب االسالمي بيروت الطبعة الثانية 1403 ,ه ـ ـ 1983م. 145
.17مسند االمام أحمد بن حنبل :أحمد بن محمد بن حنبل ( 241ه) ,طبع استنبول1981 ,م. .18نيل األوطار شرح منتقى االخبار :محمد علي الشوكاني (1250ه) ,دار الجيل بيروت1344 ,ه.
ثالثا:األصول والقواعد:
.19إرشاد الفحول الى تحقيق علم األصول:محمدبن علي بن محمد الشوكاني1250 (،ه),تحقيق أبي مصعب محمد سعيد البدري, مؤسسة الكتب الثقافية ,بيروت1989 ,م. .20األشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية :جالل الدين السيوطي ,المكتبة التجارية الكبرى مصر. .21البحر المحيط في أصول الفقه :بدر الدين محمد الزركشي(794ه) ,دار الصفوة ـ الغردقة ـ الطبعة الثانية1990 ,م.
.22تقريب الوصول إلى علم األصول :أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي ,دراسة وتحقيق ،عبد هللا محمد الجبوري، األردن :دار النفائس1990 ,م.
.23التقرير والتحبير :محمد بن عمر بن أمير الحاج ,الطبعة األولى المطبعة الكبرى االميرية ببوالق مصر1316 ,هـ. .24التمهيد في أصول الفقه :محفوظ بن أحمد الكلوذاني(510ه) ,دراسة و تحقيق مفيد محمد أبوعمشة ,دار المدني جدة :الطبعة األولى 1406ه1985م. .25التمهيد في تخريج الفروع على األصول:أبو جمال الدين عبد الحيم بن الحسن لن علي اإلسنوي (772ه) ,تحقيق محمد حسن هيتو ,مؤسسة الرسالة ,بيروت ,الطبعة األولى1400 ,ه 1980م. .26شرح تنقيح الفصول في إختصار المحصول في األصول :شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي ,المحقق :مكتب البحوث والدراسات بدار الفكر1990 ,م. .27شرح العضد على مختصر المنتهى األصولي :عثمان بن عمر بن أبي بكر جمال الدين أبو عمرو ابن الحاجب المالكي, المحقق :فادي نصيف و طارق يحي :دار الكتب العلمية1410 ,ه ـ 1990م.
.28شرح منار األنوار في أصول الفقه :عبد اللطيف بن عبد العزيز ,إبن ملك ,دار الكتب العلمية1980،م.
. 29الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى :أبو الوليد محمد بن رشد الحفيد ،تقديم وتحقيق :جمال الدين العلوي ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت1990 ,م.
.30العدة في أصول الفقه:أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء(458هـ) ,تحقيق أحمد بن علي سير المباركي ,الطبحة الثانية ,الرياض,
1990م.
.31الفروق :شهاب الدين احمد بن ادريس القرافي عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع1988 ,م. .32فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت :السهالوي اللكنوي ,دار الكتب العلمية بيروت1990 ,م. .33المحصول في علم أصول الفقه :فخر الدين محمد بن عمو بن الحسين الرازي ,دراسة و تحقيق جابر فياض العلواني ,مؤسسة الرسالة بيروت ,الطبعة الثانية14110ه ـ1990م. 146
.34المستصفى من علم األصول :أبو حامد محمد الغزالي(505ه) ,دار العلوم الحديثة بيروت.
. 35المعتمد في أصول الفقه :محمد بن علي بن الطيب المعتزلي ,دار الكتب العلمية بيروت1989 ,م. . 36مفتاح الوصول الى علم االصول :أحمد كاظم البهادلي ,دار المؤرخ العربي ,بيروت1988 ,م.
.37المنثور في القواعد الفقهية :أبو عبد هللا بدر الدين محمد بن عبد هللا بن بهادر الزركشي (794ه) ,و ازرة األوقاف الكويتية, الطبعة الثانية1405 ,:ه 1985م. .38المنخول في تعليقات األصول :أبو حامد محمد الغزالي (ـ505هـ) ,ص .49بتحقيق محمد حسن هيتو بيروت1989 ,م. .39الموافقات في أصول اآلحكام أبو إسحاق إبراهيم بن مويى الشاطبي (790ه) ,دار المعرفة بيروت1989 ,م. .40ميزان األصول في نتائج العقول :عالء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي (539هـ) ,تحقيق عبد الملك عبد الرحمن السعدي ,لجنة الثراث العربي واالسالمي ,بغداد1984 ,م. .41نشر البنود على مراقي السعود :عبد هللا بن إبراهيم العلوي الشنقيطي المالكي ( 1230هـ ,),تحقيق محمد األمين بن محمد بيب طبع في و ازرة االوقاف المغربية ,ثم في دار الكتب العلمية بيروتــ1985 ,م.
. 42نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي :أحمد الريسوني ،دار األمان1989 ،م. .43نهاية السؤل في شرح منهاج األصول :لناصر الدين البيضاوي (685ه):جمال الدين عبد الرحيم األسنوي(772ه) ,عام الكتب بيروت ـ 1982م. .44الورقات في أصول الفقه:عبد الملكبن عبد هللا بن يوسف الجويني ،مؤسسة الكبت الثقافية ,بيروت. رابعا :فقه المذاهب: أ ـ مذهب الحنفي: .45البحر الرائق شرح كنز الدقائق :زين الدين بن نجيم (970ه ) ,الطبعة االولى المطبعة العلمية ,القاهرة. .46بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع :أبو بكر بن مسعود الكاساني (487ه) الطبعة الثانية ـ ـ ـ دار الكتاب العربي بيروت 1394ه 1974م. .47حاشية شلبي على تبيين الحقائق :شهاب الدين بن أحمد شلبي (1021هـ) ,بهامش تبيين الحقائق,
المطبعة العلمية
بمصر1311,هـ . .48شرح فتح القدير :كمال الدين بن محمد بنعبد الواحد بن الهمام (861هـ) ,المكتبة التجارية الكبرى1356,هـ.
. 49شرح كتاب السير الكبير ـ :محمد بن أحمد السرخسي (438ه) ,مطبعة شركة الالعالنات الشرقية1971 ,م. .50المبسوط :محمد بن أحمد السرخسي (438ه) ,الطبعة الثانية دار المعرفة بيروت1359ه . .51معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من األحكام :عالء الدين أبو الحسن علي بن خليل للطرابلسي(844ه) ,شركة مطبعة 147
مصطفى البابي الحلبي مصر1973,م. ب ـ فقه مالكي: .52بداية المجتهد ونهاية المقتصد :أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد(959هـ) دار المعرفة بيروت1988,م. .53الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة :عبد هللا بن نجيم بن شاس (610هـ),مخطوط بدار الكتب الوطنية التونسية وقم / 2 : 112ظهر ( مخطوط) . .54حاشية الدسوقي على شرح الكبير :محمد عرفة الدسوقي ,دار احياء الكتب العربية ـ ـ القاهرة1979.م.
.55حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني :أبو الحسن علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي 1189( ,ه), دار الفكر ,بيروت1989 ,م. .56الشرح الصغير على أكبر المسالك :أحمد بن محمد الدردير ,دار المعارف بمصر1974,م. .57شرح الكبير :أبو البركات سيدي أحمد الدردير مبع مع حاشية الدسوقي ,دار احياء الكتب العربية ـ ـ القاهرة1981 .م. .58لباب اللباب:محمد بن عبد هللا بن راشد (736هـ) ,المطبعة التونسية ,الطبعة األولى1346 ,هـ ج ـ فقه الشافعي: .59اآلم :محمد بن ادريس الشافعي (264هـ) ,دار الشعب ـ القاهرة1968 ,م.
.60األوسط في السنن واإلجماع واالختالف :أبو بكر تحمد بن ابراهيم بن المنذر319( ,ه) ,دار الفالح ,بيروت, 1987م.
.61حاشية البجيرمي على منهج الطالب :سليمان بن محمدالبيجرمي(1096هـ) ,المكتبة التجارية الكبري بمصر1926 ,م. .62شرح المحلي على منهج الطالبين :محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلى (864هـ) ,مطبوع مع حاشيتي قليوبي وعميرة, دار احياء الكتب العربية بمصر ,القاهرة1375 ,ه ـ ـ 1956م.
.63فتح العزيز على شرح الوجيز :عبد الكريم محمد الرافعي ,دار الكتب العلمية بيروت 1988م. .64مغني المحتاج الى معرفة معاني ألفاظ المنهاج :محمد الشربيني الخطيب (977هـ) ,المكتبة التجارية الكبرى1392,ه ـ ـ 1972م. د ـ فقه الحنبلي: .65االختيار لتعليل المختار :عبد هللا بن محمود بن مودود مجد الدين الموصلي (683ه) ,تحقيق :محمد محي الين عبد الحميد, دار الكتب العلمية ,بيروت1968 ,م. .66إعالم الموقعين عن رب العالمين:أبو عبد هللا محمد إبن القيم الجوزية(751ه) ,دار الكتب الجديثة ـ عابدين ـ تحقيق عبد الرحمن الوكيل ,عابدين ,القاهرة ـ1975 ,م. 148
.67حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع :عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي النجدي (1392ه) ,بدون الناشر الطبعة األولى1397 ,ه. .68زاد المستقنع :مختصر المقنع :موسى أحمد حجاوي , ,دار إشبيليا1990 ,م. .69الحاوي الكبير في فقه مذهب اإلمام الشافعي :أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي(450ه) ,تحقيق الشيخ علي .70محمد معوض و الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ,دار الكتب العلمية ,بيروت ,الطبعة األولى1990 ,م. .71كشاف األخيار كشاف القناع عن متن اإلقناع:منصور بن إدريس البهوتي(1051ه) ,مطبعة الحكومة بمكة 1394هـ, 167./6 .72مجموع الفتاوى البن تيمية :أحمد بن بيمية (728ه),طبعة الرئاسة العامة لشؤون الحرمين,مكة1395 ,ه
. 73المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية :أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن تيمية (728ه) ,الطبعة :األولى, 1400ه. .74المغني :عبد هللا بن أحمد بن قدامة(620هـ) ,دار الكتاب العربي بيروت1972,م.
.75المقنع :عبد هللا بن أحمد بن قدامة (652ه) ,مكتبة الرياض الحديثة1400 ,ه ـ ـ 1980م. .76منتهى االرادات في جمع المقنع مع التنقيح :محمد بن أحمد بن النجار(972هـ)و دار الجيل للطباعة1962 ,م.
ه) فقه المذاهب االخرى:
.77االحكام السلطانية و الواليات الدينية :علي بن محمد حبيب البصري الماوردي ,دار الفكر للطبهعة و النشر و التوزيع ,القاهرة1402 ,ه ـ ـ 1982م.
.78إختالف الفقهاء :أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ( 310ه) دار الكتب العلمية بيروت -لبنان1987 ,م. . 79السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار :محمد بن علي الشوكاني ,دار ابن حزم 1978 ,م.
.80شرح كتاب النيل وشفاء العليل :محمد بن يوسف أطفيش ,دار الفتح -بيروت الطبعة الثانية لسنة 1973م. .81المحلى :أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي (546ه) طبع بمصر بمطبعة المنيرية بتحقيق وتعليق أحمد شاكر 1987م. خامسا :المعاجم و االعالم:
.82سير أعالم النبالء :محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748ه) مؤسسة الرسالة ,بيروت1987 ,م. .83لسان العرب :جمال الدين محمد بن مكرم المعروف بابن منظور711(,ه) ,دار لسان العرب ـ بيروت1990,م .84القاموس المحيط:مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي(817ه),الطبعة الثانية ـ 1407ه تت1987م. .85المبين فى شرح معانى الفاظ الحكماء و المتكلمين:حسن محمود اآلمدي الشافعي ,مكتبة وهبة للطباعة والنشر 1990,م ضمن كتاب المصطلح الفلسفي عند العرب ،لعبد األمير األعسم. 149
.86معجم لغة الفقهاء :محمد رواس قلعجي ,دار النفائس للنشر والتوزيع1988,م. .87معجم مقاييس اللغة :أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا(291ه) ,الطبعة األولى ـ 1366ه دار إحياء الكتب العربية ـ القاهرة ,تحقيق وضبط عبد السالم محمد هارون .
.88المفردات في غريب القرآن:أبو الحسين بن محمد الراغب األصفهاني ,تحقيق سيد كيالني ,مصطفي البابي الحلبي1961,م. سدسا :كتب القانونية: .89أصول القانون :عبد المنعم فرج الصدة ,دار النهضة العربية1988,م. .90جرائم التعاون مع العدو في زمن الحرب :لسعد ابراهيم األعظمي ,شركة مطبعة االديب البغدادية المحدودة1984م, .91شرح قانون العقوبات القسم العام :محمود محمود مصطفى:مطبعة جامعة القاهرة1983 ,م. .92الشروط المفترضة في الجريمة :لعبد العظيم مرسي وزير دار النهضة العربية ,القاهرة1984,م. .93علم االجتماع القانوني األسس و االتجاهات:محمود ابو زيد ,دار غريب للطباعة و النشر و التوزيع ,القاهرة1990 ,م. .94علم القانون والفقه االسالمي ـ نظرية القانون والمعامالت الشرعية :سمير عالية ,المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر و التوزيع, 1985م. .95الفقه القانون :محمد الشيرازي ,مؤسسة اإلمام الشيرازي العالمية1984 ,م. .96القصد الجنائي في القانون المصري والمقارن :عبد المهيمن بكر سالم ,مطبعة مصطفى البابي الحلبي1959 ,م. .97القانون الجنائي مبادئه األساسية و نظرياته العامة :محمد محي الدين عوض ,مطبعة جامعة القاهرة1981,م9.
.98القانون الدولي الخاص المصري :حامد زكي ,الطبعة األولى ,القاهرة مطبعة نوري.1937 , .99القانون الدولي في اإلسالم :الزنجاني ،عباس علي العميد ,تعريب علي هاشم ،مجمع البحوث اإلسالمية ،مشهد، ايران ،ط1400 1ه
.100قانون العقوبات ,القسم العام :مأمن محمد سالمة ,مطبعة جامعة القاهرة والكتب الجامعي1983 ,م. .101قانون العقوبات ,القسم العام :عبود السراج ,جامعة دمشق1987., .102قانون العقوبات ,القسم العام ,لمحمد زكي أبي عامر ,:دار الجامعة 1990,م. .103مبادي القسم العام في التشريع العقابي :رؤوف عبيد دار الفكر العربي1979 ,م.
.104مبادئ و أحكام القانون اإلداري :مهدي ياسين السالمي ,مديرية دار الكتب للطباعة و النشر ,بغداد1989 ,م. .105المدخل الفقهي العام الى الحقوق المدنية الجزء األول :مصطفى أحمد الورقاء ,مطبعة الجامعة السورية1957,م. 150
.106مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة االسالمية :عبد الناصر توفيق العطار ،مطبعة السعادة1979 ,م. .107المدخل للعلوم القانونية :توفيق حسن فرج ،دار الثقافة الجامعية 1969 ,م. .108النظرية العامة للقصد الجنائي :محمود نجيب حسني ,دار النهضة العربية القاهرة1988 ,م. .109النظرية العامة للقانون الجنائي :رمسيس بهنام ,منشأة المعارف االسكندرية1971 ,م. .110النظرية العامة للقانون العقوبات لجالل ثروت :مؤسسة الثقافة الجامعية االسكندرية.1989 , .111الوسيط في القانون العقوبات القسم العام :أحمد فتحي سرور ,دار النهضة العربية1984 ,م. .112النظام العقابي االسالمي:أبو المعاطي حاقظ أبو الفتوح ,مؤسسة دار التعاون ـ القاهرة1976 ,م. سابعا :مراجع األخرى:
.113آليات االجتهاد :علي جمعة،القاهرة ,دار الرسالة1989 ،م. .114أبكار األفكار في أصول الدين سيف الديى اآلمدي ,تحقيق أحمد محمد المهدي ,دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة ,الطبعة االولى1990 ,م.
.115اختالف الدارين ،واثره في احتكام المناكحات والمعمالت :فطاني ،اسماعيل لطفي ,دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع .القاهرة1989 ,م. .116أحكام أهل الذمة :محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية ,رمادي للنشر ,الدمام1404 ,ه ـ 1989م . .117أحكام الذميين و المستأمنيين في دار االسالم :عبد الكريم الزيدان ,مؤسسة الرسالة بيروت .الطبعة الثانية1402 ,
ه ,ـ ـ 1987م .
.118أحكام الديار و أنواعها و أحوال ساكنيها :جمع واعداد الشيخ أبوسلمان عبدهللا بن محمد الغليفي ,غليفة ـ ـ مكة المكرمة. .119إحياء علوم الدين" ،أبو حامد محمد الغزالي ،مصطفى البابي الحلبي1358 ,هـ ـ1939م.
.120إختالف الفقهاء :أبو جعفر محمد بن جرير الطبري دار الكتب العلمية بيروت -لبنان1998 ,م. . 121أدوات النظر االجتهادي المنشود في ضوء الواقع المعاصر :قطب مصطفى سانو ،دار الفكر المعاصر1988 ،م.
.122اإلرشاد إلى قواطع األدلة في أصول االعتقاد :أبوالحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار األسدآبادي (415ه) تحقيق أسعد تميم ,مؤسسة المتب الثقافية ,الطبعة األولى1405,ه.
.123األسس الشرعية للعالقات بين المسلمين وغير المسلمين :الشيخ فيصل مولوي ،بيروت :دار الرشاد اإلسالمية/ لبنان1986 ,م. .124اإلسالم والعلم التجريبي" ،عبد هللا زروق ،المركز العالمي ألبحاث اإليمان ،الخرطوم ،ط(1990 ،)1م. 151
.125اصول الدين ،للعالمة ابي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي429( ،ه) ,مطبعة الدولة ،استانبول 1346هـ. .126أصول الفقه االسالمي :وهبة الزحيلي ,دار الفكر للطباعة و التوزيع و النشر بدمشق ,الطبعة األولى1986م. .127أعالم النبوة :علي بن محمد حبيب البصري الماوردي( ,ت )429دار النفائس 1989 ,م. .128االنصاف فيما يجب اعتقاده و ال يجوز الجهل به :ابو بكر الباقالني( ـ 403هـ) الطبعة الثانية1410هـ 1990م ,تحقيق محمد زاهد بن الحسن مكتبة الخناجي بالقاهرة.
.129تأسيس النظر ـ :أبو زيد عبيد هللا عمر بن عيسى الدبوسي ,تحقيق و تصحيح مصطفى محمد القباني الدمشقي,
دار بن زيدون بيروت1987 ,م.
. 130التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي :عبد القادر عودة ,دار الكاتب العربي ,بيروت1986 ,م.
.131التعريفات:علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (816ه) ,دار الكتب العلمية بيروت ,الطبعة األولى 1403ه ـ 1983م.
. 132التقسيم اإلسالمي للمعمورة :ياسر لطفي العلي ،مؤسسة الرسالة للطباعة و النشر و التوزيع ,بيروت1410 ,ه ـ ـ 1990ـم.
.133التوحيد والعدل :أبوالحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار األسدآبادي (415ه) .تحقيق/خضر محمد بها ,دار الكتب العلمية بيروت. .132التوقيف على مهمات التعاريف زين الدين محمد عبد الرؤوف المناوي (1031 -هـ) بتحقيق د .رضوان الداية( ،دمشق :دار الفكر1990 ،م. .133الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الكون :طه جابر العلواني ,مكتبة الشروق الدولية. .134الحدود والرسوم :الكندي ،ضمن كتاب المصطلح الفلسفي عند العرب ،لعبد األمير األعسم ,دراسة وتحقيق ,منشورات الفكر العربي ,بغداد1984 ,م. .135الرؤية اإلسالمية لمصادر المعرفة" ،رياض جنزرلي ،دار البشائر ،بيروت ،ط(1990 )1م. .136سلسلة المفاهيم والمصطلحات" مفهوم المعرفة :صالح إسماعيل عبد الحق ،185-184 ،مجلة ،من إصدار المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،القاهرة 1990م.
.137سياسيات اإلسالم المعاصر ،م ارجعات ومتابعات :السيد -رضوان,
دار الكتاب العربي ،بيروت 1410 ،ه ـ ـ
1990م. .138السياسة الشرعية أونظام الدولة اإلسالمية :عبد الوهاب خالف ,مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر و التوزيع1986 .م. .139الشخصية إلسالمية :تقي الدين النبهاني ,دار األمة للطباعة و النشر والتوزيع ,بيروت 1983 ,م. .140شرح األصول الخمسة :أبوالحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار األسدآبادي (415ه) ,دار إحياء التراث العربي, 1990م. 152
.141شرح شريف السيد السند على المواقف :مطبعة الحاج محرم أفندي البوسني دار الخالفة العلية ,القسطنطنة1386 ,هـ. .142العقل عند المعتزلة ,حسني زينة ,دار اآلفاق الجديد بيروت1988 .م.
.143العالقات الدولية في اإلسالم :محمد أبو زهرة ,دار الفكر العربي ,القاهرة1990 ,م. .144فتاوى االمام محمد رشيد رضا :تحقيق صلح الدين المنجد ,دار الكتاب الجديد ,بيروت1985 ,م. . 145فتاوى مصطفى الزرقا :مصطفى أحمد الزرقا ,دار القلم 1989 ,م, . 146فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم عبد اللطيف آل الشيخ :جمع وتؤتيب وتحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم ,الطبعة األولى ,مطبعة الحكومة بمكة المكرمة1399 ,ه. . 148فقه التحضر اإلسالمي :عبد الحميد النجار ,دار الغرب االسالمي1983 ,م. . 149الفقه للمغتربين ,وفق فتاوى سماحة آية هللا العظمى علي الحسيني السيستاني :مؤسسة االمام علي ,لندن ,طبع بيروت1989 ,م. . 150في مهب المعركة :مالك بن الحاج عمر بن الخضر بن نبي (1393ه) ,دار الفكر المعاصر بيروت1981 ,م.
. 151قاموس الكتاب المقدس :دائرة المعارف الكتابية المسيحية ,االسكندرية1989 ,م.
.152قواعد األحكام في مصالح األنام أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم (660ه) ,مكتبة الكليات األزهرية القاهرة,
1410ه 1990م. .153كشاف اصطالحات الفنون :محمد علي الفاروقي التهاوني ,تحقيق ,لطفي عبد البديع ,وزارو الثقافة واالرشاد المصرية, 1381ه ـ 1963م. .154الكليات معجم في المصطلحات و الفروق
بيروت 1988,م.
اللغة ألبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي1094( ,هـ) ,مؤسسة الرسالة
. 155ال إنكار في مسائل االجتهاد :رؤية منهجية تحليلية قطب مصطفى سانو ،دار ابن حزم1988 ،م. .156المبادئ الشرعية في أحكام العقوبات في الفقه اإلسالمي :عبد السالم محمد الشريف ,دار الغرب اإلسالمي1986 ,م. .157المبين فى شرح معانى الفاظ الحكماء و المتكلمين:حسن محمود اآلمدي الشافعي ,مكتبة وهبة للطباعة والنشر 1990 ,م. .158مجلة إسالميَّة المعرفة :حول النظام المعرفي" ،محمود الرشدان ،المعهد العالي للفكر اإلسالمي ،واشنطن ،العدد (،)10 1990م.
.159مدخل القيم :اطار مرجعي لدراسة العالقات الدولية في االسالم ,في مشروع العالقات الدولية في االسالم ,إشراف د .نادية مصطفى ,المعهد العالمي للفكر االسالمي1990 ,م. 153
. 160المدخل للتشريع اإلسالمي :محمد فاروق النبهان ،بيروت :دارالقلم1977 ،م. . 161مشروع العالقات الدولية في اإلسالم :إشراف د .نادية مصطفى ,المعهد العالمي للفكر اإلسالمي1990 ,م. .162مصادر المعرفة في الفكر الديني والفلسفي (د ارسة تقدية في ضوء األسالم :عبد الرحمن بن زيد الزنيدي ,المعهد العالمي للفكر اإلسالمي 1988 ,م.
. 163مصنفة النظم اإلسالمية :مصطفى كمال وصفي مكتبة وهبة شارع عابدين القاهرة.1977 , .164المغني في أبواب التوحيد والعدل:أبوالحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار األسدآبادي (415ه) .تحقيق/خضر محمد بها ,دار الكتب العلمية بيروت. .165المنطق الوضعي زكي نجيب محمود :مكتبة أنجلو المصرية ,الجزؤ األول1965 ,م .166المنهج الجديد في تعليم الفلسفة الجزء الثاني :محمد تقي مصباح البزدي ,دار التعارف للمطبوعات بيروت1990م. .167موسوعة الفقه اإلسالمي المصرية :و ازرة األوقاف المصرية1967 ,م. .168نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة :راجح عبد الحميد الكردي ,المعهد العالمي للفكر االسالمي1990,م .117 .نظرية المعرفة في القرآن الكريم وتضميناتها التربوية :احمد محمد حسين الدغشي ,دار الفكر ,دمشق ـ سورية1989 ,م
.169نهج البالغة مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كالم سيدنا امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) :شرحه االمام االكبر الشيخ محمد عبده ،خرج مصادره الشيخ حسين االعلمي ،الطبعة االولى المصححة ،مؤسسة االعلمي
للمطبوعات ،بيروت لبنان1410 ,ه سـ ـ 1990م. ثامنا :الدوريات .170آمال عثمان في بحثها بعنوان " النموذج الـقانوني للجريمة " :مجلة العلوم القانونية واالقتصادية ,جامعة عين الشمس ,السنة ـ ـ ,14العدد األول يناير 1972م . .171علي أحمد راشد في بحثه بعنوان "عن االرادة والعمد والخطأ والسببية في نطاق المسؤولية الجنائية" ,مجلة العلوم القانونية واالقتصادية ,جامعة عين الشمس ,السنة ـ ـ الثامنة ,العدد األول يناير 1966 ,م.
154
فهرس الموضوعات المقدمة1... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . : الباب األول8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . : الفصل األول :تقسيم العالم عند الفقهاء 9.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث األول :فكرة تقسيم العالم 10... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث الثاني :دار االسالم ودار الحرب 12. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث الثالث :دار العهد 17 .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الفصل الثاني :أثر تقسيم العالم عند الفقهاء 19 .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث األول:المعامالت المالية20. . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث الثاني :أحكام الدماء22. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث الثالث :فكرة الدارين في المعايير اإلسالمية37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الفصل الثالث :نظرية تقسيم الثنائي للعالم49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث األول :دوافع التقسيم الثنائي50 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث الثاني :نقد النظريات التقسيمات القديم56 . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث الثالث :ضرورة تجديد النظر الفقهي 62. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... الفصل الرابع :إعادة النظر في اإلرث الفقهي القديم 66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث األول :التأصيل الفقهي للواقع المعاصر 67... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث الثاني :بعض آليات اإلجتهاد المتنور70. . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المبحث الثالث :كيفية تطبيق الشروط الفقهية على الواقع72. . .. . . . . . . . . . . . . . . . . .....
155
الباب الثاني76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . : الفصل األول :العلم و أهميته في القصد الجنائي78 . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . المبحث األول :العلم و المعرفة 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . المبحث الثاني :مصادر العلم 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . المبحث الثالث :مستوى العلم 99 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . .. . . . الفصل الثاني :العلم بالوقائع 104 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . المبحث األول :الوقائع المتفق عليها105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . .. . . . . .. المبحث الثاني :العلم بالشروط المفترضة 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . الفصل الثالث :العلم بالحكم الشرعي 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . المبحث األول :تعريف الحكم 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . .. . . المبحث الثاني :العلم بالحكم و أثره 131 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . المبحث الثالث :العلم بالقانون و أثره137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . الخاتمة و التوصيات140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . .. . . . : فهرس المصادر والمراجع145 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . : فهرس الموضوعات155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . .. . . . . . . . . .
156