Conflict of Law and extent of Sharia court jurisdiction on non-Muslims in the Islamic Country

Page 1

‫تنازع القوانني يف الدولة اإلسالمية‬ ‫اإلسالمي‬ ‫و مدى خضوع غري املسلمني للقضاء‬ ‫ِّ‬ ‫أتليف‬ ‫دكتور عبد اجمليد حسن بللو‬

‫جامعة أُيُو نيجرياي‬

‫‪0‬‬


‫ِبس ِم ِ‬ ‫الر ِحي ِم‬ ‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫هللا َّ‬ ‫ْ‬ ‫المقدمة‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ,‬والصالة والسالم على أشرف المرسلين وآله وصحبه أ ْجمعين ‪ . . .‬وبعد ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫فإن اإلنسان اجتماعي بطبعه‪ ،‬ينزع إلى الحياة مع اآلخرين والعيش معهم‪ ،‬وترتبط مصالحه بمصالحهم ووجودهم‪ .‬وهذا قد‬ ‫تحمل بعض َّ‬ ‫الناس على الظلم والعدوان؛ َّ‬ ‫فإن الظلم من‬ ‫يكون واحدا من األسباب التي تُْفضي إلى الخصومة والنزاع‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬ ‫شيَّم النفوس ما لم يكن هناك وازع من دين أو سلطان‪ .‬ولذلك كان القضاء بين الناس َلفصل الخصومات وانهاء النزاع‬ ‫تنظيم{ية اجتماعيَّة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫واعادة الحقوق ألصحابها واقامة العدل وانفاذ أحكام الشرع ضرورة دينية فطريَّة‪ ،‬وضرورة‬ ‫وعلى هذا فهذه الدراسة تهدف إلى بلورة مجموعة من المضامين الجديدة لفلسفة اختالف الدارين في إطار اعتبار تغيير‬ ‫االنسان والمكان والزمان‪ ،‬لتحقق االلتزام بقيم السماء‪ ،‬واحترام االنسانية‪ ،‬والمحافظة على القيم العادلة‪ ،‬واألثار الصالحة في‬ ‫الواقع المعاصر بغية المساهمة في عملية توطين اإلسالم ورفع معاناة المسلمين في الغرب‪.‬وال شك أن اإلضافة المعرفية‬ ‫التي اسفرت عنها هذه الورقة كانت في الجانب الفلسفي المقاصدي لعملية توطين اإلسالم في غير دياره‪ ،‬وهذه اإلضافة‬ ‫تحتاج إلى مناقشة‪،‬وصقل‪ ،‬ولكن ما ال يدرك كله ال يترك جله‪.‬‬ ‫تتعدد نشاطات اإلنسان والسيما في عالقاته مع غيره من بني البشر ومن هذه العالقات ما ينظمها القانون وهي العالقات‬ ‫القانونية وفي أحيان كثيرة يكون القضاء هو الجهة التي تفصل في النزاعات الناشئة عن هذه العالقات فإذا كانت العالقة‬ ‫القانونية في عناصرها الثالثة ‪ :‬األشخاص‪ ،‬المحل ‪ ،‬والمصدر هي وطنية بحتة أي تنتمي إلى الدولة التي يتبع لها‬ ‫القاضي فهذه العالقة تخرج عن نطاق تنازع القوانين بل وعن قانون العالقات الخاصة الدولية وهي ليست موضوع بحثنا ‪.‬‬ ‫أما إذا شاب أحد عناصر العالقة القانونية عنصر أجنبي كأن ينتمي أحد أطرافها إلى دولة أجنبية مثل أن يكون البائع في‬ ‫عقد البيع أجنبيا فهنا ُيتصور أن يتنازع حكم العالقة القانونية أكثر من قانون تبعا إلنتماء عناصر العالقة ألكثر من دولة‬

‫‪1‬‬


‫وهو ما يطلق عليه ب ـ ( تنازع القوانين ) واآللية المتبعة لحل هذا التنازع هي قواعد اإلسناد في تشريع الدولة التي ينتمي‬ ‫إليها القاضي الذي ينظر النزاع ‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫و ننتهي من هذا الى القول بأن طبيعة العالقات التي يتناولها القانون الدولي الخاص بالتنظيم و هي العالقات التي تشتمل‬ ‫على طابع دولي أو على عنصر أجنبي تثير مشكلة من طبيعة مختلفة نتيجة الرتباطها بأكثر من دولة‪ 2.‬وبالتالي يجري‬ ‫التساؤل عن القانون الذي يتولى دون غيره حكم النزاع‪ ,‬ومن هنا نشأ إصطالح تنازع القوانين‪ .‬ونحن نستعمل هذا‬ ‫اإلصطالح بالرغم من عدم انطباقها على ما يعبر عنه‪ ,‬ألنه قد استقر األخذ به كما لصق بهذا الفرع من فروع القانون‪.‬‬ ‫ومجال تنازع القوانين يتحدد بالعالقات ذات الطابع الدولي‪ ,‬وهي العالقات التي تتطرق الصفة األجنبية الى أحد عناصرها‬ ‫عنصر السبب المنشئ للعالقات‪ ,‬أو عنصر أطراف العالقة أو عنصر موضوعها‪.‬‬ ‫والقاعدة العامة في الشريعة اإلسالمية؛ َّ‬ ‫أن أحكامها تسري على كل من يقيمون في دار اإلسالم من المسلمين وغير‬ ‫المسلمين‪ .‬وهذا يتفق مع سيادة الدولة التي ينبغي أن تكون مفروضة على كل رعاياها‪ ،‬وعلى من يكون على أرضها أو‬ ‫إقليمها‪ .‬واذا كان غير المسلمين يتمتعون بمركز قانوني‪ ,‬قد يختلف فيه الذمي عن المستأمن في بعض الجوانب والمسائل؛‬ ‫َّ‬ ‫فإنه من األهميَّة بمكان أن َّ‬ ‫وبخاصة في هذا العصر الذي تنامت فيه‬ ‫يتحدد مدى خضوعهم جميعا للقضاء اإلسالمي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫المعامالت بينهم في دار اإلسالم‪ ،‬بعد رْفع ٍ‬ ‫كثير‬ ‫ط المسلمين بغيرهم‪ ،‬واتسعت‬ ‫العالقات بين األمم والشعوب‪ ،‬وتزايد اختال ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫من الحواجز‪ .‬وقد جرى تصنيف الفقهاء العالم إلى ديلر‪( ,‬دار اإلسالم) و(دار الحرب) ‪ ،‬وهي تسميات لم ترد ال في‬ ‫القرآن الكريم وال في السنة النبوية ‪ ،‬بل مجرد مصطلحات ابتكرها الفقهاء للتمييز بين األرض اإلسالمية التي يسودها‬ ‫القانون اإلسالمي واألراضي التي تعود لغير المسلمين وتسودها قوانين غير إسالمية ‪ .‬وكان الفقهاء القدامى يتناولون‬ ‫موضوع السير إما في باب الجهاد أو أبواب أخرى كالمغازي والغنائم والردة وعهد األمان ‪ .‬ويشبه التقسيم اإلسالمي من‬ ‫حيث المبدأ على األقل ‪ ،‬ما قبله البلشفيك في روسيا ‪ ،‬فهذه البالد هي الوطن العام لكل شيوعي و(دار السالم) للقائلين‬ ‫بهذه األيديولوجيا ‪ ،‬وما بقي من العالم حيث يسود أصحاب األموال فهي (دار حرب) يتعين فيها على كل ثائر شيوعي أن‬ ‫يتخذ جميع الوسائل ‪ ،‬هو وحزبه ‪ ،‬لإلستيالء على مقاليد السلطة فيها‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫مبادئ و أحكام القانون اإلداري ‪ :‬مهدي ياسين السالمي ‪ ,‬مديرية دار الكتب للطباعة و النشر‪ ,‬بغداد‪ ,1989 ,‬ص ‪.539‬‬ ‫القانون الدولي الخاص المصري ‪ :‬حامد زكي ‪ ,‬الطبعة األولى‪ ,‬القاهرة مطبعة نوري‪ ,1937 ,‬ص‪.12:‬‬ ‫‪2‬‬


‫وبنيت عليها أحكاما عدة في‬ ‫و تعتبر فكرة تقسيم العالم إلى دارين أو أكثر من القضايا التي حوتها كتب الفقه قديما ُ‬ ‫العالقة مع غير المسلمين ‪ ،‬وقد بقيت هذه الفكرة كامنة في الفكر اإلسالمي عبر مراحله المختلفة ‪ ،‬لكنها حظيت باهتمام‬ ‫واسع في السنوات األخيرة لما ارتبط بها من ممارسات تبنتها بعض الجماعات المسلمة تجاه غير المسلمين ‪ ،‬وفي بعض‬ ‫الحاالت تم إنزال أحكامها على المسلمين كذلك مما أوجد كثي ار من المشكالت حول فهم فكرة تقسيم العالم في الفقه الفكر‬ ‫اإلسالمي ومدى مالئمة ذلك لعصرنا الحاضر ‪ ،‬حيث ترتبط الفكرة بطبيعة العالقة بين المسلمين و غيرهم ‪ ،‬شأنهم في‬ ‫ذلك شأن الم جتمعات و الشعوب اإلنسانية التي أقامت عالقة فيما بينها منذ تكونت المجموعات البشرية ‪ ،‬وغني عن البيان‬ ‫أن اإلسالم دعوة ممتدة للناس كافة ‪ ،‬وطبيعة الدعوات الممتدة أو التبشيرية أنها ال تتوقف عند الحدود الجغرافية أو الثقافية‬ ‫أو السياسية أو االجتماعية ‪ ،‬لكن هذه الدعوات حين تتحول إلى دول وأنظمة فإنها ترسم لنفسها قواعد للعالقة مع اآلخر ‪،‬‬ ‫السير"‬ ‫وقد قررت الشريعة اإلسالمية قواعد في طبيعة العالقة بين المسلمين وغيرهم ‪ ،‬ونشأ تبعا لذلك ما أُطلق عليه " َ‬ ‫قديما ‪ ،‬وما اصطلح عليه بـ " العالقات الدولية في اإلسالم " حديثا ‪ ،‬وتختلف طبيعة العالقات الدولية في اإلسالم عن‬ ‫غيرها بأنها تتداخل فيها مسأئل شتى فيه مركبة من الفقه و السياسة والتاريخ واالقتصاد و الحياة االجتماعية وتتداخل فيها‬ ‫هذه المسائل بتمازج كبير حيث يؤثر كل طرف في اآلخر ‪ ،‬ومن هنا ال يمكن اعتبار العالقات الدولية في اإلسالم شئنا‬ ‫فقهيا صرفا ‪ ،‬أوسياسيا محضا ‪ ،‬ومن هنا فإن معالجة اي مسالة من مسائل العالقات الدولية في اإلسالم ـ ومن بينها‬ ‫مسألة تقسيم العالم إلى دارين أو أكثر من دارـ يجب أن ينظر إليها نظرة شمولية ال نظرة جزئية ‪.‬‬ ‫وفي هذه األيام‪ ,‬تشكل وجود المسلمين بالغرب عبر مسارات متعددة وخالل مراحل تاريخية متعاقبة ولغايات متنوعة‪ ,‬إما‬ ‫طلبا للرزق واألمن أو الدراسة أو ممارسة البحث العلمي وغير ذلك‪ .‬لكن هذا الوجود اإلسالمي اليوم بالغرب تحول وانتقل‬ ‫من مخاض تجارب االنفعال والتفاعل مع واقع سياسي وثقافي واقتصادي وعقدي مغاير لهم‪ :‬ومن معاناة مشاعر اإلحباط‬ ‫والضعف والقلق والغربة والدونية الحضارية إلى الشعور باالستقرار واالطمئنان والى االرتقاء في سلم االندماج وأخالق‬ ‫المواطنة اإليجابية والفعالة (وخصوصا مع الجيل الثالث)‪ ،‬لكن المسلمين لهم هويتهم الخاصة وانتماءهم العقدي والثقافي‬ ‫والحضاري العريق والمتميز‪ .‬لذلك البد لالجتهاد الديني بصفة عامة واالجتهاد الفقهي بصفة خاصة أن يعتبر ويراعي هذه‬ ‫الخصوصيات من جهة ويراعي ما تقتضيه الظروف الحضارية من جهة أخرى‪ .‬ألن االجتهاد ينبغي أن يكون مبنيا على‬ ‫فقه الواقع كما هو مبني على فقه األحكام؛ لذلك سنركز في هذه المساهمة على واقع المسلمين بالغرب وضرورة تدبير‬ ‫‪3‬‬


‫اجتهاد ديني مالئم لهذا السياق المتغير‪ ،‬واعادة النظر في بعض المفاهيم االجتهادية التي كانت صالحة لزمانها وتجاوزها‬ ‫مستجدات السياق الجديد والمتغير‪ ،‬وترجيح انتقاء وانشاء مفاهيم اجتهادية أكثر تناسبا لهذا السياق لتحقيق معاني الرحمة‬ ‫والسعة واليسر ورفع الحرج والضرر عن الناس‪ ،‬ولتلميع صورة اإلسالم والمسلمين التي تلوثت بفعل عوامل شتى من الغرب‬ ‫حتى أصبحوا يكنون العداء للمسلمين و االسالم ‪ ،‬ولهذا أصبح من واجبنا اليوم إعادة االعتبار وتصويب وتحسين صورة‬ ‫المسلمين وصورة اإلسالم بما ينفعنا وينفع البشرية جمعاء‪ .‬وبذلك يلتزمون ببناء مواطنة أخالقية قائمة على روحانية‬ ‫مسؤولة‪ ،‬واصالح باسم القيم العالمية والشرف اإلنساني‪ .‬وفي هذا الصدد حرصت على استقصاء آراء الفقهاء المعاصرين‬ ‫فيما يتعلق بقضايا القانون الدولي اإلسالمي والعالقات الدولية مع الدول غير اإلسالمية‪.‬‬ ‫هذه الدراسة قصد منها تقديم قراءة تأصيلية تجديدية أولية حول مفاهيم اختالف الدارين‪ ،‬وأثر ذلك في اختالف األحكام‪،‬‬ ‫وكيفية االستفادة من هذا االختالف بمعانيه االيجابية من حيث تطوير مفهوم المواطنة‪ ،‬وتسهيل عملية المعايشة‪ ،‬وتوطين‬ ‫فقه المسالمة بين المختلفين في الدين والدارين‪ .‬كذلك ينبغي النظر إلى مفهوم اختالف الدارين ودالالته ومناطاته باعتباره‬ ‫من مسائل االجتهاد التي يجب مراعاة عوامل كثيرة فيه‪،‬منها عوامل البيئة السياسية التي مر بها منظري الفكر اإلسالمي‬ ‫السياسي‪ ،‬من حاالت استضعاف ومراحل استخالف‪،‬ومدارج اجتهاد ونظر‪ ،‬ودركات تقليد وتخلف‪ ،‬وآثر ذلك في مصطلح‬ ‫اختالف الدارين ومضامينه ودالالته‪ .‬وبهذا القدر من الوعي في الجانب التنظيري‪ ،‬ومراعاة المصطلح ومفاهيمه‬ ‫ومضامينه‪ ،‬واعتبار بيئات التحضر والتخلف تصبح عملية صوابية إسقاط الدالالت على مناطاتها بقدر أكبر‪ ،‬والمساهمة‬ ‫في عملية االستفادة من االنتاج البشري والتقدم الحضاري أبلغ‪.‬‬ ‫ومنهجي في هذا البحث هو الطريقة اإلستقرائي الفقهي نعتمد كلية على الكتاب والسنة واإلجتهاد المنير‪ .‬و نعرض اآلراء‬ ‫ون نقشها بغية إستبعاد التطرف والتقليد األعمى التى أدى باألمة الى التخلف والسخرية بين األمم المتقدمة‪ .‬و باإلضافافة‬ ‫دور هامة في هذا البحث‪ .‬حاولت‬ ‫الى المصادر المذكورة (السنة‪ ,‬الكتاب ‪ ,‬و اإلجتهاد) فإن السوابق التارخية ستلعب ا‬ ‫اإللتزام بروح مقاصد الرسالة المحمدية من خالل كليات نصوص القرآن والسنة النبوية‪ ،‬مع مراجعة اقوال السلف في قضايا‬ ‫اختالف األحكام باختالف الدار‪،‬وكنت أتخير من أقوالهم ما يتفق مع المقاصد الكلية للقرآن ويناسب ظرف المسلم المقيم‬ ‫في الغرب دون إللزام نفسي بمذهب معين إيمان مني بأن أقوالهم في دائرة االجتهاد وليس في دائرة النص‪ ،‬كذلك فإن جل‬ ‫معالجتهم لقضايا األقليات‪-‬على قلتها‪-‬كانت تدور في حلقة ضيقة مفادها‪ :‬إذ ما انفراد مسلم أو قافلة من دار اإلسالم‬ ‫‪4‬‬


‫واخترق أراضي غير اإلسالم فما هي األحكام المنوطة بها حينئذ سوى في أحكام العبادات من توجه إلى القبلة وجمع‬ ‫الصلوات‪ ،‬أو أحكام المعامالت من أنواع البيوعات الفاسدة والعقود الباطل ودفع المكوس وغير ذلك!!‬ ‫على حد علمي أنه قد تعرض الفقه التقليدي في أمهات كتب السلف لجزئيات متنوعة تخص أحكام المسلم في ديار غير‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وهي مبثوتة في بطون المراجع بصورة مختصرة نظ ار لعدم أهمية ذلك في عصرهم من حيث استقرار أوضاع دار‬ ‫الخالفة السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ .‬ولكن عندما سقطت دار اإلسالم بالمفهوم الكالسيكي واضطربات أحوال‬ ‫المسلمين وانتقال جموع من المسلمين يعدوا بالماليين إلى ديار غير اإلسالم بنية االستقرار واإلقامة الدائمة‪ ،‬ظهرت‬ ‫لهوالء إشكا الت متنوعة في المعامالت واإلنكحة والذبائح وغير ذلك‪ ،‬فانتصب ثلة من المهتمين بشأن الدعوة في الغرب‬ ‫لدراسة هذه اإلشكاالت والبحث عن حلول لها من خالل منظومة الفقه التقليدية‪ ،‬فصدرت في هذا المضمار عدة دراسات‬ ‫منها(فقه األقليات المسلمة في الغرب) لشيخ يوسف القرضاوي جاء في ثناياها اجتهادات تيسيرية تخدم عملية توطين‬ ‫اإلسالم في الغرب وذلك عبر مسائل النكاح والذبائح والمعامالت البنكية‪ .‬وكذلك إصدارات المجلس األوروبي لالفتاء‬ ‫والبحوث التي تسير على ذات المنهج تقريبا‪.‬ايضا كتب طه العلواني وراشد الغنوشي وغيرهما في الفقه اإلقلية برؤية‬ ‫التجديدية‪.‬‬ ‫نقد المصادر والمراجع‬ ‫بما أن موضوع هذا البحث يندرج في نطاق الدراسات الفقهية المقارنة ‪ ,‬فقد تنوعت مصادره ومراجعه فشملت علم التفسير ‪ ,‬والحديث‬ ‫‪ ,‬وفقه الفروع ‪ ,‬االصول ‪ ,‬وغير ذلك ‪ .‬ونعرض فيما يلي أهمها مرتبة بحسب العلم الذي تبحث فيه ‪.‬‬ ‫أوال ‪ :‬كتب الـتـفـسـيـر‪:‬‬ ‫البد للباحث في المسائل الفقهية ان يرجع الى كتب التفسير بغية اكتشاف الثروة الفقهية والتشريعية في القرآن ‪ .‬ومن بين كتب‬ ‫التفسير التي رجعنا اليها ‪:‬‬ ‫ـ ـ مفاتيح الغيب للرازي ( ـ ـ ‪ 606‬هـ ) يسلك مؤلفه في الفسير مسلك الحكماء االلهيين في االستدالالل الكالمية المنطقية ‪ ,‬ويعني‬ ‫ببحث الكونيات عناية خاصة ويقسم اآلية أواآليات التي يكون بصـدد تفسيرها الى عدد منالمسائل ‪ ,‬ثم يسترسل في تأويلها مدافعا عن‬ ‫عقيدة أهل السنة والجماعة ‪ .‬وكتابه هذا موسوعة عامية في علم الكالم ‪ ,‬وفي علوم الكون والطبيعة والفقه‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫ب ـ كتب تفاسير آيات االحكام ‪:‬‬ ‫ـ ـ أحكام القرآن البن العربي (ـ ـ ‪ 543‬هـ ) أهم هم مرجع للتفسير الفقهي عند المالكية ‪ .‬وابن العربي رجل معتدل منصف في تفسيره‬ ‫على خالف الجصاص ‪ ,‬يذكر آراء العلماء فيسير اآلية مقتص ار على آيات االحكام كالجصاص ‪ ,‬ويبين االحتماالت المختلفة لدى‬ ‫المذاهب المتعددة ‪ .‬اقتبس منه العلماء االجالء واعتمدوا عليه في تأييد حججهم‪ ,‬بل ان القرطبي ينقل فقرات كاملة في موضع‬ ‫االحتجاج ‪ ,‬وال تكاد تخلوصفحة في كتابه " الجامع الحكام القرآن " من مثل ذلك ‪.‬‬ ‫ويمكن القول بأن كتب األحكام هذه مجتمعة تعطي صورة واضحة جلية تكاد تكون متكاملة عن الجانب التشريعي للقرآن الكريم‪ ,‬وقد‬ ‫اعتمدنا كثي ار عل هذه الكتب وغيرها في استنباط االحكام المتعلقة بموضوع البحث من اآليات القرآنية ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬كتب الحديث‬ ‫بالنسبة لكتب الحديث فقد عولنا بصفة عامة على الكتب الصحاح الستة في تخريج األحاديث واألثار‪ ,‬ولم نخرج عنها اال نادرا‪.‬‬ ‫أما أحاديث األحكام وشروحها فكثيرة جدا لذلك اخترنا منها ما يعني باستنباط أحكام الفقه مع ذكر أقوال مذاهب علماء االمصار‬ ‫ومذاهب علماء الصحابة والتابعين ‪ .‬ومن شروح الحديث التي تمثل هذا االتجاه ‪:‬‬ ‫ـ ـ نيل االوطار للشوكاني ( ـ ـ ‪ 1250‬هـ ) وهو يمتاز ببيان االختالف مع الترجيح دون تعصب وال تعسف ‪ .‬وقد استعملنا هذا الكتاب‬ ‫في عرض المسائل وتحقيق القول فيها ‪ ,‬وهو من أحسن الكتب المؤلفة في هذا الفن ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬كتب االصول والقواعد ‪:‬‬ ‫وبما ان موضوع بحثنا فقهي لم نستعمل كتب االصول والقواعد كثي ار ‪ .‬ومن أهم الكتب التي رجعنا اليها في هذا المجال هي ‪:‬‬ ‫ـ المستصفى للغزالي (‪ 505‬هـ )‪ ,‬االحكام في أصول االحكام لـالمدي ( ـ ـ ‪ 631‬هـ )‪ ,‬المحصول في علم أصول للرازي(‪606‬هـ)‪,‬‬ ‫والعدة في أصول الفقه ألبي يعلى(‪458‬هـ)‪ ,‬الورقات في أصول الفقه‪ :‬الجويني(‪478‬هـ)‪.‬‬ ‫استفدنا م ن هذه الكتب في تحرير بعض المسائل األصولية ‪ ,‬وهي كتب مفيدة ‪ ,‬تعين الباحث على تطبيق المسائل الفقهية على‬ ‫القواعد األصولية ‪.‬‬ ‫رابعا ‪:‬كتب الفقه ‪:‬‬ ‫‪6‬‬


‫لقد اعتمدنا في كتب الفقه على المصادر األساسية لكل مذهب فقهي مع التركيز على الكتب المتقدمة على الكتب المتأخرة بالنسبة‬ ‫للفقه المالكي ‪ ,‬الن المتقدمين من فقهاء المذهب هم الذين يهتمون بذكر الدليل ‪ ,‬ويتعرضون آلراء أئمة المذاهب االخرى ‪ ,‬ويحكون‬ ‫خالفهم في المسألة تاركين أمر الترجيح واالختيار للقارئ ‪.‬‬ ‫خامسا ‪:‬الكتب القانونية ‪:‬‬ ‫ان القواعد المنظمة للتجريم والعقاب والتي يتضمنها قانون العقوبات تنقسم الى قواعد تقرر أحكاما عامة تطبق بصدد كل جريمة من‬ ‫الجرائم المنصوص عليها فيه ‪ ,‬وقواعد تقرر أحكاما خاصة بكل جريمة على حدة ‪ .‬واالولى هي األحكام العامة لقانون العقوبات ‪ ,‬او‬ ‫قواعد القسم العام ‪ .‬والثانية تمثل القسم الخاص لقانون العقوبات ‪ .‬ومن الكتب التي تمثل القسم العام ‪:‬‬ ‫ـ االحكام العامة في القانون العقوبات لسعيد مصطفى السعيد ‪.‬‬ ‫ـ شرح االحكام العامة في قانون العقوبات لمحمود ابراهيم اسماعيل ‪.‬‬ ‫ـ النظرية العامة للقانون الجنائي لرمسيس بهنام ‪.‬‬ ‫ـ مبادئ القسم العام من التشريع العقابي لرؤوف عبيد ‪.‬‬ ‫هذه الكتب من المصادر االساسية التي ال غنى للباحث عنها في النظرية العامة للقصد الجنائي‬

‫وال يسعني في هذه المناسبة إال توجيه الشكر واالمتنان هلل سبحامه وتعالى الذي اعطني الصحة والعافية للقيام بهذا العمل‬ ‫العلمي المتواضع وأسأله أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم ‪ .‬و على ضوء هذه المقدمة سنقسم هذه الدراسة الى‬ ‫بابين رئيسيين‪ .‬وكل باب ينقسم الى أربعة فصول‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫الباب األول‬

‫هذا الباب ينقسم الى أربعة فصول و الخاتمة و التوصيات كما يلي‪:‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬تقسيم العالم عند الفقهاء‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬أثر تقسيم العالم عند الفقهاء‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬مناقشة نظريات تقسيم العالم‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬مراجعة اإلرث الفقهي القديم‬ ‫الخاتمة و التوصيات‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫الفصل األول‬ ‫تقسيم العالم عند الفقهاء‬ ‫والدولة اإلسالمية ‪ ،‬كغيرها من الكيانات السياسية ‪ ،‬تقيم عالقات خارجية ‪ ،‬تنضم إلى المنظمات الدولية ‪ ،‬وتلتزم بالقانون‬ ‫الدولي والمبادئ العامة كمعايير تنظم عالقاتها مع اآلخرين ‪ .‬فقد عاد من المستحيل ‪ ،‬في العالم المعاصر ‪ ،‬االنعزال عن‬ ‫االتصاالت الخارجية ‪ ،‬سياسيا واقتصاديا ‪.‬وحتى أولئك الذين يبدون عداء للغرب أو غير المسلمين ‪ ،‬إذا ما وصلوا‬ ‫للسلطة ‪ ،‬سيجدون أنفسهم مجبرين على إقامة عالقات خارجية ‪ ،‬وعقد معاهدات واتفاقيات مع الدول غير اإلسالمية ‪ .‬إن‬ ‫إدارة الدولة ال يمكنها أن تعتمد على الشعارات الثورية أو األفكار المجردة ‪ ،‬وال حتى على الحماس الديني ‪ ،‬بل بالتعامل‬ ‫بواقعية مع مفردات العصر ومتطلبات المجتمع الذي تدير شؤونه ‪ .‬يناقش الفصل االول اآلراء المتفاوتة بين الفقهاء تجاه‬ ‫التقسيم الثنائي للعالم ‪ ،‬أي دار اإلسالم ودار الحرب ‪ .‬ويتفرع هذا الفصل الى ثالثة المباحث‪:‬‬

‫المبحث االول‪ :‬فكرة تقسيم العالم‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬دار االسالم ودار الحرب‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬دار العهد‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫المبحث االول‬ ‫فكرة تقسيم العالم‬ ‫فكرة تقسيم العالم إلى أكثر من دولة أو طرف أو جهة من األفكار القديمة التي ارتبطت بالعالقات بين المجموعات البشرية‬ ‫وخاصة حين تحولت إلى مجموعات (مؤسسية) كالقبيلة أو الدولة ‪ ،‬ففي الغرب برزت هذه الفكرة في تقسيم الغربيين للبشر‪،‬‬ ‫فعند اليونانيين القدماء كان البشر(العالم) إما يونانيين أو برابرة ‪ ،‬ولليونانيين كافة الحقوق التي ُيحرم منها البرابرة !! وعند‬ ‫اليهود فإن البشر إما (يهود ) أو (جوييم)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫وعندما جاءت المسيحية واعتنقها سكان أوروبا كان العالم بالنسبة لهم إما (مسيحيين ) أو ( وثنيين) ‪ ،‬ويالحظ على هذه‬ ‫التقسيمات أنها تقوم على جانب عنصري يعود لصفة األخرين المختلفين ال على جانب عملي من العالقة مع اآلخر كما‬ ‫عليه تقسيم العالم عند المسلمين إلى دارين ( دار إسالم ودار حرب ) حيث قامت فكرة هذا القسيم على طبيعة العالقة‬ ‫يعرف تاريخ محدد لبدائتها أو ما‬ ‫بين المسلمين و غيرهم من السلم أو الحرب ‪ ،‬وعلى الرغم من شيوع هذه الفكرة إال أنه ال ُ‬ ‫هي األسباب (المؤسسة) لفكرة التقسيم أو البعد التاريخي او الجغرافي المحدد له ‪ ،‬أو موقع التكوينات غير الدينية في هذا‬ ‫التقسيم ‪ ،‬كالع وامل العرقية أو الثقافية أو االجتماعية ‪ ،‬وأثر ما ط أر على التاريخ اإلسالمي في مراحل متوسطة منه كنشؤء‬ ‫المذاهب و الطوائف و الفرق و التي تم إنشاء دول على أُسسها وموقع ذلك كله من فكرة تقسيم العالم ‪ ،‬إذ أن فكرة التقسيم‬ ‫بدأت تظهر في اراء الفقهاء مع اتساع الدولة اإلسالمية بالفتوحات التي أدخلت دوال و مجتمعات إلى ُبنية للكيان اإلسالمي‬ ‫المتمثل في الدولة ‪ ،‬حيث ضمت هذه الدولة بعد الفتوحات كيانات ودول ومجتمعات بما لها من أديان وأعراق وثقافات إلى‬ ‫المكون األكبر ‪ ،‬وتم دمجها في الدولة اإلسالمية من خالل االنتماء الديني اإلسالمي حيث تحولت كثير منهم إلى اإلسالم‬ ‫فأصبحوا جزء من الدولة و المجتمع اإلسالمي وأعادوا صياغة ثقافتهم و قيمهم اإلجتماعية بما يتوافق مع اإلسالم ‪ ،‬ومن‬ ‫بقي على دينه فقد تم تنظيم العالقة معه من خالل نظام ( الذمة ) الذي يعتبر نوعا من العقود المنظمة لعالقة‬

‫‪3‬‬

‫أي األمم غير اليهودية وأصل الكلمة عبرية لواد وهو بطن من األرض أو واد واسع فيه دفن موسى في أرض موآب ـ قاموس‬

‫الكتاب المقدس ـ دائرة المعارف الكتابية المسيحية‪1989 ,‬م‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫الفرد(المواطن) بالدولة مع احتفاظه بخصوصية الدينية و الثقافية واالجتماعية ‪ ،‬واذا كانت العالقات الداخلية بين مكونات‬ ‫الدولة اإلسالمية قد تم تنظيمها فأن العالقة مع اآلخر(جماعات ودول) بقيت غير محددة بإطار واضح ثابت يمكن اعتماده‬ ‫في رسم العالقة بين المسلمين و غيرهم خالل مراحل التاريخ المختلفة و المتقلبة وبقيت فكرة تقسيم العالم إلى دارين أودور‬ ‫متعددة هي اإلطار ( الوحيد ) الذي تحويه كتب الفقه ‪ ،‬وقد حاول الفقهاء و الباحثون المتأخرون من المسلمين دراسة فكرة‬ ‫تقسيم العالم من المنظورالشمولي لها ‪ ،‬خاصة مع تغير طبيعة الدول و العالقات بينها كما أن الظروف التاريخية و‬ ‫الموضوعية التي برز فيها المصطلح قد تغيرت كذلك ‪ ،‬وقد برزت دراسات ذات رؤى مختلفة حول فكرة تقسيم العالم كان‬ ‫من أبرزها ما كتبه مفكرون مسلمون مثل أبي األعلى المودودي و الدكتور محمد حميد هللا والشيخ الدكتوريوسف‬ ‫القرصاوي و الش يخ الدكتور عبدهللا بن بيه والدكتورمحمد رأفت عثمان و الشيخ عبدالوهاب خالف و الشيخ محمد أبو زهره‬ ‫والدكتور علي علي منصور و الدكتور وهبه الزحيلي و الشيخ عبدهللا بن يوسف الجديع و الدكتور سيف عبدالفتاح مع‬ ‫المجموعة التي عملت في إعداد الدراسة الموسعة و المتعمقة حول العالقات الدولية في اإلسالم التي تعد من أهم الدراسات‬ ‫المتأخرة في هذا المجال‪ ،‬وعلى اختالف الرؤى بين الباحثين في هذا الموضوع إال أن إعادة طرحه للبحث و المناقشة‬ ‫يعتبر من أهم الخطوات التي تمت لدراسة العالقة بين المسلمين و غيرهم بما تتضمنه من تقسيم العالم إلى دارين أودور‬ ‫متعددة ‪ ،‬وأهمية إعادة دراسة فكرة التقسيم ومدى ثباتها وامكانية االجتهاد في المسالة وما ُيبنى عليها من أحكام ‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫المبحث الثاني‬ ‫دار االسالم ودار الحرب‬ ‫استخدم الفقهاء المسلمون لفظ " الدار" للداللة على الدولة أو اإلقليم الذي هو أحد عناصر الدولة في القانون الدولي‬ ‫ين "‬ ‫َصَب ُحوْا في َداره ْم َجاثم َ‬ ‫المعاصر ‪ ،‬وقد يطلق لفظ ( الدار) على البلد ‪ ،‬قال تعالى " َفأ ْ‬

‫‪4‬‬

‫َّ‬ ‫ين تَ​َبَّوُؤوا َّ‬ ‫اج َر إَل ْيه ْم " قال ابن كثير " لما استقروا بالمدينة ووافاهم‬ ‫يم َ‬ ‫وقوله تعالى " َوالذ َ‬ ‫ان من َقْبله ْم ُيحبو َن َم ْن َه َ‬ ‫الد َار َو ْاإل َ‬ ‫رسول هللا صلى هللا عليه و سلم واجتمعوا عليه وقاموا بنصرته ‪ ،‬صارت لهم دار إسالم و معقال يلجئون إليه"‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫يقول ابن عابدين ‪" :‬المراد بالدار االقليم المختص بقهر ملك اسالم او كفر‪ ،‬فليس المراد دار السكنى " ‪ ،‬وقد استُخدم‬ ‫الفقهاء لفظ ( دا ر اإلسالم ) و( دار الحرب ) للداللة على إقليمين مختلفين لهما مواصفاتهما الخاصة ‪ ،‬وشاع هذان‬ ‫المصطلحان على الرغم من استعمال مصطلحات أخرى للداللة على ذات المعنى مثل دار ( الهجرة ) و ( دار السلم ) و‬ ‫( دار الدعوة ) للداللة على دار اإلسالم و ( دار الكفر ) و( دار الشرك ) و( أرض العدو ) للداللة على دار الحرب ‪ ،‬و‬ ‫قد قسم الفقهاء العالم إلى دارين ‪ :‬دار االسالم و دار الحرب‪.‬‬ ‫عند الجمهور" دار اإلسالم هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام اإلسالم‪ ،‬وما لم تجر عليه أحكام اإلسالم لم يكن‬ ‫د ار إسالم وان الصقه"‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫وقد عرفها الكاساني بقوله "تصبر دار إسالم بظهور أحكام اإلسالم فيها"‬

‫‪7‬‬

‫وعلى هذا فدار اإلسالم هي الدار التي تسود فيها أحكام اإلسالم ويمارس فيها المسلمون شعائرهم اإلسالمية دون خوف أو‬ ‫فتنة‪ .‬وهذه الدار يجب أن يحافظ عليها المسلمون ويدافعوا عنها‪.‬‬ ‫واشترط الفقهاء أن تكون الدار محكومة باإلسالم ولم يشترطوا أن يكون جميع سكانها من المسلمين‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة العنكبوت ‪ ،‬األية ‪ 37‬ـ‬

‫‪ 5‬تفسير القرآن العظيم ‪ :‬أبو الفداء اسماعيل بن كثير (‪ 774‬ه )‪ ,‬كتاب الشعب‪ ,‬القاهرة‪1980 ,‬م‪ ,‬ج ‪ 4‬ص ‪649‬‬ ‫‪ 6‬أحكام أهل الذمة‪ :‬محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية ‪ ,‬رمادي للنشر‪ ,‬الدمام ‪1989‬م‪ .‬ص‪.366‬‬ ‫‪7‬‬

‫بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ :‬أبو بكر بن مسعود الكاساني(‪487‬ه) الطبعة الثانية ـ ـ ـ دار الكتاب العربي بيروت ‪1394‬ه‬

‫‪1974‬م – ج‪– 7‬ص‪130‬‬ ‫‪12‬‬


‫بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن الدار قد تكون دار إسالم "حتى لو لم يكن فيها مواطن مسلم ما دام حاكمها مسلما ويطبق‬ ‫أحكام اإلسالم‪ ،‬وفي هذا المعنى يقول بعض الشافعية "وليس من شرط دار اإلسالم أن يكون فيها مسلمون بل يكفي كونها‬ ‫في يد اإلمام واسالمه"‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫"وتعتبر الدار د ار إسالم حتى ولو كان أهلها فاسقين‪ ،‬فما دامت شعائر اإلسالم ظاهرة بها‪ ،‬فإنه ال يسلبها هذه الصفة أن‬ ‫يفسق أهلها"‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫وبهذا يتبين رأي الجمهور بأن الدار ال تعد دار إسالم إال بظهور أحكام اإلسالم عليها‪.‬‬ ‫وذهب أبو حنيفة ومن معه إلى أنها تعتبر دار إسالم إذ كان فيها مسلمون يأمنون على أنفسهم وأعراضهم وكانت هذه‬ ‫الدار متاخمة لدار اإلسالم‪ ،‬أما إذا انتفى األمان ولم تكن الدار مالصقة لدار اإلسالم فتعتبر دار حرب‪.‬‬ ‫يقول االمام محمد بن الحسن الشيباني ‪ :‬ال تصير الدار دار حرب اذا نقض اهل الذمة العهد وحاربوا المسلمين وغلبوا‬ ‫على مدينتهم فكان حكمهم فيها جائ از‪ ،‬غير ان فيها ناسا من المسلمين آمنين‪ ،‬الن الدار لم تصر دار حرب‪ .‬أال ترى ان‬ ‫المسلمين فيها آمنون‪ ،‬وهي دار االسالم التي كانت عليها بعد على حالها‪.‬‬ ‫ويقول السرخسي‪ :‬ان الموضع الذي ال يأمن فيه المسلمون هو من جملة دار الحرب‪ ،‬فان دار االسالم اسم للموضع الذي‬ ‫يكون تحت يد المسلمين ‪ ،‬وعالمة ذلك ‪ :‬ان يأمن فيه المسلمون‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫و والواقع المعاصر يشير إلى أنه ال أهمية للمجاورة‬

‫والمالصقة فقد تغيرت سبل االتصال بإمكان اإلنسان أن يصل إلى أبعد نقطة في العالم في أقرب وقت كما أن هيبة األمم‬ ‫والدول لم تعد بمظاهر القوة التي يراها الناس‪ ،‬بل أصبحت وسائل اإلعالم والمؤسسات األخرى تساهم في نشر هيبة الدول‬ ‫وقوتها وقدرتها على السيطرة واالنتشار‪ ،‬وأصبحت وسائل اإلعالم تبث من األخبار ما تظهر الدول في مظهر القوة والهيبة‬ ‫ولم تعد الهيبة قاصرة على القوة العسكرية فقط‪ ،‬بل لها جوانب أخرى كغزو الفضاء واالكتشافات العلمية والتقدم التقني‬ ‫والقوة االقتصادية وغير ذلك‪.‬‬ ‫‪ 8‬فتح العزيز على شرح الوجيز ‪ :‬عبد الكريم محمد الرافعي‪ ,‬دار الكتب العلمية بيروت ‪1988‬م‪ – .‬ص‪.14- 8‬‬ ‫‪ 9‬مصنفة النظم اإلسالمية ‪ :‬مصطفى كمال وصفي مكتبة وهبة شارع عابدين القاهرة‪ .1977 ,‬ص‪286‬‬ ‫‪10‬‬

‫شرح كتاب السير الكبير ـ‪ :‬محمد بن أحمد السرخسي (‪438‬ه)‪ ,‬مطبعة شركة الالعالنات الشرقية‪1971 ,‬م‪ .‬ج‪ 3‬ص ‪. 81‬‬

‫وانظر لنفس المعنى ‪ ,‬حاشية رد المختار على الدر المختار ‪ :‬محمد بن أمين ابن عابدين‪1096(,‬ه) ‪ ,‬مطبعة مصطفى البابي‬ ‫الحلبي وأوالده‪ ,‬القاهرة‪ ,‬الطبعة الثانيةـ ‪1386‬ه ـ ـ‪1966‬م ج‪-4‬ص‪. 175‬‬ ‫‪13‬‬


‫وذهب بعض الحنفية إلى أن إظهار أحكام الكفر هي المعول عليها في وصف الدار بأنها دار حرب ‪ ،‬فقد جاء في الفتاوى‬ ‫الهندية " دار الحرب تصير دار إسالم بشرط واحد ‪ ،‬وهو إظهارحكم اإلسالم فيها ‪ ،‬ودار اإلسالم تكون دار حرب بشرط‬ ‫واحد ‪ ،‬هو إظهار أحكام الكفر فيها "‬ ‫وذهب المالكية إلى أن " دار االسالم هي ما تجري فيه أحكام المسلمين "‬

‫‪11‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬كل دار ظهرت فيها دعوة االسالم من اهله بال خفير وال مجير وال بذل جزية‪ ،‬ونفذ فيها حكم المسلمين‬ ‫على أهل الذمة‪ ،‬ان كان فيهم ذمي‪ ،‬ولم يقهر اهل البدعة فيها اهل السنة فهي دار االسالم‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫وعند الحنابلة هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام اإلسالم وما لم تجر عليه أحكام اإلسالم لم يكن دار إسالم‬ ‫وان الصقها فهذه الطائف قريبة إلى مكة جدا ولم تصر دار إسالم بفتح مكة‪".‬‬

‫‪13‬‬

‫وعند اإلباضية أنها تصير دار إسالم بظهور أحكام اإلسالم وأن يأمن المسلمون و الذميون فيها ‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫وعند الزيدية أن " دار اإلسالم ‪ :‬ما ظهرت فيه الشهادتان و الصالة ‪ ،‬ولم تظهر فيه خصلة كفرية ولو تأويال إال بجوار‬ ‫وذمة من المسلمين "‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫ويضع ابن حزم شرطا واحدا لوصف الدار بأنها ( دار إسالم ) وهو‪ :‬أن يكون الحاكم مسلما ‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫والى هذا الرأي ذهب بعض الفقهاء المتأخرين كالشيخ عبدالوهاب خالف الذي يرى أن دار االسالم ‪« :‬وهي الدار التي‬ ‫تجري عليها أحكام اإلسالم‪ ،‬ويأمن من فيها بأمان المسلمين‪ ،‬سواء أكانوا مسلمين أم ذميين "‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫ويقول الشيخ محمد ابو زهرة " دار االسالم هي الدولة التي تحكم بسلطان المسلمين‪ ،‬وتكون المنعة والقوة فيها للمسلمين‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪18‬‬

‫حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ :‬محمد بن عرفة الدسوقي ( ‪1232‬ه) دار احياء الكتب العربية ـ ـ القاهرة‪1979.‬م‪ .‬ج‪ 1‬ص‬

‫‪570‬‬

‫‪ 12‬أصول الدين‪ :‬أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي (‪429‬ه) دار الكتب العلمية بيروت‪1401 ,‬ه ـ ـ ‪1981‬م ‪ ,‬ص‬

‫‪ .270‬و حاشية البجيرمي على منهج الكالب الخطيب‪ :‬سليمان بن محمد البجيرمي (‪1221‬ه) ‪ ,‬المكتبة التجارية الكبرى ‪ ,‬القاهرة‪,‬‬

‫‪1926‬م ج‪ 4‬ص‪220‬‬

‫‪ 13‬أنظر ‪:‬أحكام أهل الذمة ـ ابن القيم‪ ،‬ج ‪1‬ص ‪366‬‬

‫‪ 14‬شرح كتاب النيل وشفاء العليل‪ :‬محمد بن يوسف أطفيش‪ ,‬دار الفتح ‪ -‬بيروت الطبعة الثانية لسنة ‪1973‬م ج‪ 10‬ص ‪405‬‬ ‫‪ 15‬السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار‪ :‬محمد بن علي الشوكاني‪ ,‬دار ابن حزم‪ 1978 ,‬م‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪575‬‬

‫‪ 16‬المحلى‪ :‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي (‪546‬ه ) طبع بمصر بالمطبعة المنيرية بتحقيق وتعليق أحمد‬ ‫شاكر‪1987 .‬م‪ .‬ج ‪11‬ص‪.200‬‬

‫‪ 17‬السياسة الشرعية أونظام الدولة اإلسالمية‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ ,‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر و التوزيع‪1986 .‬م‪ ,‬ص ‪69‬‬ ‫‪14‬‬


‫ويقول الدكتور عبد الكريم زيدان " ال خالف بين علماء اإلسالم كافة أن دار الكفر تصير دار إسالم بمجرد إظهارأحكام‬ ‫اإلسالم فيها‪ ،‬وتسلط المسلمين عليها‪" .‬وهي الدار التي ال تسودها أحكام اإلسالم الدينية والسياسية وال يكون فيها السلطان‬ ‫للحاكم المسلم‪ ،‬بل يكون فيها السلطان والمنعة للكفار وظهرت فيها أحكام الكفر‪ ،‬وذهب المتأخرين إلى اشتراط أن ال يكون‬ ‫بينها وبين الدولة اإلسالمية عهد أو عالقات سلمية‪ ،‬وقد اختلف الفقهاء في تعريف دار الحرب إلى رأيين‪:‬‬ ‫الرأي األول ‪ :‬يرى أن دار الحرب هي التي تظهر فيها أحكام الكفر وال يكون السلطان والمنعة فيها للمسلمين وال تطبق‬

‫فيها أحكام اإلسالم وليس بينها وبين دار اإلسالم عهد‪ ،‬وهذا رأي الجمهور‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫ويقول محمد بن الحسن الشيباني ‪" :‬اذا كانت دار من دور اهل الحرب قد وادع المسلمون اهلها على ان ال يجري عليهم‬ ‫المسلمون احكامهم فهذه دار الحرب» وقال السرخسي‪ " :‬هذا بان الدار تصير دار اسالم باجراء احكام المسلمين فيها‪،‬‬ ‫وحكم المسلمين غير ٍ‬ ‫جار في هذه الدار المذكورة‪ ،‬فكانت دار حرب ‪ ،‬دار الحرب ما يجري فيه حكم الكفار"‪.‬‬ ‫يقول الكاساني‪" :‬تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها" ‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫‪21‬‬

‫ويقول ابن القيم‪" :‬وما لم تجر عليه أحكام اإلسالم لم يكن دار إسالم وان الصقها" ‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫وعلى هذا الرأي فإن االختالف بين‬

‫دار اإلسالم ودار الحرب يكون بظهور المنعة فأيما دولة ظهرت لإلسالم فيها منعة وسلطان فهي (دار اإلسالم) وان لم‬ ‫تظهر لإلسالم قوة أو سلطان فهي (دار الحرب)‪ .‬الرأي الثاني‪ :‬وقد ذهب إلى هذا الرأي أبو حنيفة و الزيدية ومذهبهم من‬ ‫ذلك أن الدار ال تصير دار حرب إذا كانت المنعة والسلطان لغير المسلمين‪ ،‬بل ال بد أن تتوافر فيها ثالثة شروط‪:‬‬ ‫أ‪-‬أن تظهر فيها أحكام الكفر‪.‬‬ ‫ب‪-‬أن تكون متصلة بدار الحرب‪.‬‬ ‫ج‪-‬أن ال يبقى فيها مسلم أو ذمي آمنا باألمان األول (أي باألمان اإلسالمي األول)‪.‬‬

‫‪ 18‬العالقات الدولية في اإلسالم‪ :‬محمد أبو زهرة ‪ ,‬دار الفكر العربي‪ ,‬القاهرة‪ 1990 ,‬م ص ‪55‬‬

‫المستأمنيين‪ ،‬لعبد الكريم زيدان‪ ،‬ص‪.21 ،20‬‬ ‫‪ 19‬أنظرأحكام الذميين و‬ ‫َ‬ ‫‪ 20‬المقنع‪ :‬عبد هللا بن أحمد بن قدامة‪,‬مكتبة الرياض الحديثة‪1400 ,‬ه ـ ـ ‪1980‬م‪ ,‬ج‪ – 1‬ص‪ .415‬الفتاوى الكبرى‪ :‬تقي الدين‬ ‫أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (‪728‬ه ) ‪ ,‬دار الكتب العلمية ‪1987‬م ‪ ,‬ج‪-4‬ص‪331‬‬

‫‪ 21‬بدائع الصنائع – الكاساني ص‪.130‬‬

‫‪ 22‬أحكام أهل الذمة – ابن قيم الجوزية ج‪ – 2‬ص‪.366‬‬ ‫‪15‬‬


‫ولم ينظر أصحاب هذا الرأي إلى المنعة والقوة والسلطان وانما نظروا إلى األمان بالنسبة للمسلم وللذمي‪ ،‬ويترتب على هذا‬ ‫الرأي أن هناك نوعا من الديار ال ينطبق عليهم حكم دار اإلسالم وال دار الحرب وهي‪:‬‬ ‫د‪-‬الدار التي ال يتحقق للمسلمين فيها سلطان أو منعة‪.‬‬ ‫ه‪-‬الدار التي تتاخم المسلمين‪.‬‬ ‫واما دار الحرب عند الشافعية‪" :‬فهي كل دار لم تظهر فيها دعوة االسالم من اهلها‪ ،‬ولم ينفذ فيها حكم المسلمين على أهل‬ ‫الذمة"‬

‫‪23‬‬

‫وعند الحنابلة‪" :‬هي دار الحرب هي ما غلب عليها احكام الكفر"‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫ومن المعاصرين قال عبدالقادر عودة ‪ " :‬دار‬

‫الحرب ‪ :‬تشمل كل البالد غير االسالمية التي ال تدخل تحت سلطان المسلمين‪ ،‬أو ال تظهر فيها احكام االسالم‪ ،‬سواء كانت هذه‬ ‫البالد تحكمها دولة واحدة او تحكمها دول متعددة‪ ،‬ويستوي ان يكون بين سكانها المقيمين بها اقامة دائمة مسلمون او ال يكون‪ ،‬ما‬ ‫دام المسلمون عاجزين عن اظهار أحكام االسالم"‬ ‫أحكام االسالم وال يأمن من فيها بأمان المسلمين"‪.‬‬

‫‪25‬‬

‫وقال الشيخ عبدالوهاب خالف ‪ " :‬دار الحرب ‪ :‬هي الدار التي ال تجري فيها‬

‫‪26‬‬

‫‪ 23‬أنظر فتح العزيز – شرح الوجيز – للرافعي – ص‪14- 8‬‬ ‫‪ 24‬أحكام أهل الذمة – ابن قيم الجوزية ج‪ – 2‬ص‪.366‬‬ ‫‪ 25‬التشريع الجنائي االسالمي‪ :‬ج‪421 /1.‬‬

‫‪ 26‬السياسة الشرعية أونظام الدولة اإلسالمية ص‪69‬‬ ‫‪16‬‬


‫المبحث الثالث‬ ‫دار العهد‬ ‫ظهرت فكرة دار العهد بعد استقرار الدولة اإلسالمية وتنظيم أمورها‪ ،‬وتطورت هذه الفكرة مع طور عالقاتها وبظهور أحكام‬ ‫وظروف جديدة للدولة اإلسالمية ‪ ،‬فبعد أن كانت الحروب قائمة ولم يكن للدولة اإلسالمية عالقات (غير حربية) مع الدول‬ ‫األخرى نشأت ظروف جديدة كان من بينها استقرار الدولة اإلسالمية واتساع رقعتها واتصالها بدول وشعوب مختلفة‪ ،‬ولذا‬ ‫فقد توجه الفقهاء لبحث هذه الحالة‪ ،‬فهذه الدار لم يستول عليها المسلمون حتى تطبق فيها شريعتهم‪ ،‬ولكن أهلها دخلوا في‬ ‫عهد المسلمين على شرائط اشترطت وقواعد عينت فتحتفظ بما فيها من شريعة أحكام‪ ،‬وتكون شبيهة بالدول التي لم تتمتع‬ ‫بكامل استقاللها لوجود معاهدة معها‪.‬‬ ‫وترتبط دار العهد ‪-‬أو دور العهود‪ -‬بالدولة اإلسالمية بمواثيق وعهود ‪ ،‬كما تنصرف تسمية دار العهد إلى البالد التي لم‬ ‫تحارب المسلمين أو تعاديهم بحيث تشمل دور العهد جميع البالد التي ترتبط بمواثيق تنظم العالقة بين الدولة اإلسالمية‬ ‫وغيرها إلى جانب أنها تشمل البالد األخرى التي ال توجد بينها وبين المسلمين عهود أو مواثيق إال أنها لم تحاربهم أو‬ ‫تساعد محاربيهم‪.‬‬ ‫يقول الشيخ محمد ابو زهرة "دار العهد ‪ :‬حقيقة اقتضاها الفرض العلمي‪ ،‬وحققها الواقع‪ ،‬فقد كان هناك قبائل ودول ال‬ ‫تخضع خضوعا تاما للمسلمين‪ ،‬وليس للمسلمين فيها حكم‪ ،‬ولكن لها عهد محترم‪ ،‬وسيادة في ارضها‪ ،‬ولو لم تكن كاملة‬ ‫في بعض االحوال ‪ ،‬وقد قال بعض الفقهاء ان هذه الديار تدخل في عموم دار االسالم‪ ،‬الن المسلمين لم يعقدوا هذه‬ ‫العهود اال وهم اهل المنعة والقوة‪ ،‬ولكن الفقهاء الذين حرروا القول في القانون الدولي االسالمي‬

‫‪27‬‬

‫كالشافعي في "االم"‬

‫ومحمد بن الحسن الشيباني قرروا ان دار العهد نوع اخر" ‪.28‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪28‬‬

‫العالقات الدولية في اإلسالم‪ :‬محمد أبو زهرة ‪ ,‬ص‪.55‬‬

‫األم ‪ :‬محمد بن إدريس الشافعي (‪264‬ه ) دار الشعب ‪ ,‬القاهرة‪1968 ,‬م‪ ,‬ج‪ – 4‬ص‪ – 103‬مغني المحتاج الى معرفة معاني‬

‫الفاظ المنهاج ‪ :‬محمد الشربيني الخطيب (‪977‬ه )‪ ,‬المكتبة التجارية الكبرى القاهرة‪ 1392 ,‬ـ ه ـ ـ ‪1972‬م‪ – 34 ,‬ص‪332‬‬

‫‪17‬‬


‫من استقراء أقوال الفقها ء يتضح أنه ال يوجد اتفاق بينهم على ( تعريف ) دار اإلسالم ودار الحرب ‪ ،‬بل اليوجد توصيف‬ ‫محدد لهاتين الدارين أو ما أضيف لهما من دار جديد ‪ ،‬ويبدو أن ذلك ارتبط بالمرحلة التاريخية التي نشأ فيها المصطلح و‬ ‫تطبيقاته ‪ ،‬فخالل الفتوحات اإلسالمية و حالة الحرب مع اآلخر فإن التقسيم كان واضحا لبيان الموقف من عالقة‬ ‫المسلمين بغيرهم ‪ ،‬ولكن مع التطور التاريخي ووجود حالة جديدة في العالقة نشأت من استقرار الدولة اإلسالمية ‪ ،‬ونشوء‬ ‫طلح عليه بـ ( الموادعة ) فقد نشأ نموذج جديد للتقسيم وهو دار‬ ‫صورة جديدة لهذه العالقة متمثلة في المعاهدة أو ما اص ُ‬ ‫العهد ‪ ،‬ويبدو أن المعول في التقسيمات ( الثنائي أو الثالثي ) ارتبطت ـ كما يرى بعض الباحثين ـ بغلبة األحكام على اي‬ ‫من الدارين أو الدورالمتعددة وهو ما يعرف بالمصطلح القانوني الحديث بمبدأ ( السيادة ) ‪ ،‬فاألقاليم التي تسود فيها أحكام‬ ‫اإلسالم حملت ص فة ( دار اإلسالم ) وما غابت عنه هذه الصفة فهو( دارحرب ) ‪ ،‬والواقع أن مفهوم السيادة يحدد الشأن‬ ‫الداخلي للدولة ومدى سلطانها على إقليمها ‪ ،‬لكن تقسم العالم إلى دارين أوسع من ذلك ألنه يحدد طبيعة العالقة مع‬ ‫اآلخر ال بناء على غلبة أو سيادة قانون معين فقط بل بسبب طبيعة العالقة مع اإلقليم اآلخر هل هي حرب أوسلم ‪ ،‬وقد‬ ‫رتب الفقهاء بناء على ذلك أحكاما محددة لكال الدارين ‪ ،‬واذا كانت دار اإلسالم واضحة و محددة في أحكامها ‪ ،‬فإن دار‬ ‫( الحرب ) أو (الكفر) لم تحظ باتفاق بين الفقهاء على الموقف من طبيعة األحكام التي يجب أن يتم التعامل بها مع هذه‬ ‫الدار‪ ،‬ولعل من ابرز األحكام المتعلقة بدار ( الحرب ) التي بحثها الفقه ‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫الفصل الثاني‬ ‫أثر تقسيم العالم عند الفقهاء‬ ‫لقد كان من أثار تقسيم العالم أن الفقهاء بحثوا المسائل المترتبة على تقسيم العالم إلى دارين أو أكثر ‪ ،‬واجتهدوا في‬ ‫أصدار أحكام تتعلق بهذا التقسيم و من ذلك بعض المفاهيم ذات الصلة بالقانون الدولي مثل مبدأ المعاملة بالمثل أي‬ ‫معاملة غير المسلمين الداخلين إلى دار اإلسالم كما يعامل المسلمون في دار الحرب ‪ .‬كما ينطبق هذا المبدأ أيضا على‬ ‫التمثيل الدبلوماسي رغم أن حصانة الممثل الدبلوماسي كان عرفا متبعا في التمثيل الدبلوماسي ‪ .‬ويطبق أيضا في تبادل‬ ‫األسرى وفي دفع الفدية ‪ .‬وكانوا يعتبرون المسلمين وغير المسلمين شخصيتين لكل منهما وضعها القانوني سواء كانوا‬ ‫أفرادا أو جماعات ‪ .‬وكان النفصال األقاليم آثار قانونية تمس عالقات المسلمين مع غيرهم من الشعوب ‪ .‬وهكذا نجد أن‬ ‫الفقهاء ‪ ،‬في الوقت الذي كانت فيه الشريعة اإلسالمية ملزمة لكل مسلم في أي إقليم يقيم فيه ‪ ،‬يدخل فكرة اإلقليمية في‬ ‫العالقات بين المسلمين وغير المسلمين ‪ .‬و هذا الفصل فيتطرق إلى المعامالت المالية‪ ,‬أحكام الدماء وفكرة الدارين في‬ ‫المعايير االسالمية في ثالثة المباحث‪:‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬المعامالت المالية‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أحكام الدماء‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬فكرة الدارين في المعايير االسالمية‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫المبحث االول‬ ‫المعامالت المالية‬ ‫فقد ذهب بعض الفقهاء ألى أنه " الربا بين المسلم و الحربي في دار الحرب "‬ ‫وأهل الحرب في دار الحرب "‬

‫‪30‬‬

‫‪29‬‬

‫يقول السرخسي " ال ربا بين المسلمين‬

‫قال الطبري ‪ :‬قال أبو حنيفة وأصحابة " إذا دخل المسلم دار الحرب فال بأس أن يبيعهم‬

‫درهما بدرهمين ‪ ،‬ويبيعهم الخنزير و الميتة و الخمر و يربي عليهم ‪ ،‬ويبيعهم الفضة بالفضة و الذهب بالذهب و كل ما‬ ‫نهي عنه ‪ ،‬الواحد باثنين و أكثر يدا بيد ونسيئة " وقالوا " إذا دخل مسلم دار الحرب فباع بعضهم من بعض درهما‬ ‫بدرهمين إن ذلط يجوز " لكن أبويوسف خالفهم ولم يجز شيئا من ذلك ‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫ونقل ابن نجيم عن بعض الحنفية قوله " ولو‬

‫دخل ( أي المسلم ) دار الحرب بأمان وأخذ مال الحربي بغير طيبة من نفسه وأخرجه إلى دار اإلسالم ‪ ،‬ملكه"‬ ‫ابن القاسم من المالكية " وله ـ أي المسلم إذا دخل دار الحرب ـ أن يسرق ما بأيديهم و ال يعاملهم بالربا"‪.‬‬ ‫ومن ذلك إباحة األموال في دار الحرب إذ يرى بعض الفقهاء أن " أموال دار الحرب مباحة "‬

‫‪34‬‬

‫‪32‬‬

‫وعن‬

‫‪33‬‬

‫وذكر بعض الفقهاء أن "‬

‫النهبة مباحة في بالد العدو ‪ ،‬وغير مباحة في دار اإلسالم "‪ .35‬وقال الجصاص ‪ :‬األمالك الصحيحة هي التي توجد في‬ ‫دار اإلسالم ‪ ،‬وما كان في دار الحرب فليس بملك صحيح ‪ ،‬ألنها دار إباحة ‪ ،‬وأمالك أهلها مباحة"‪ .36‬ويرى الرافعي " أن‬ ‫المسلمين إذا أخذوا ماال ـ في دار الحرب ـ على صورة السرقة فأنه يصبح ملك من أخذه ‪ ،‬فمال الحربي غير معصوم ‪،‬‬

‫‪ 29‬العالقات الدولية في اإلسالم ـ محمد أبو زهرة ص ‪.57‬‬

‫‪ 30‬شرح فتح القدير ‪ :‬كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن الهمام( ‪861‬ه ) المكتبة التجارية الكبرى القاهرة‪1356 ,‬ه‪ 34 .‬ج‪ 7‬ص‬

‫‪39‬‬

‫‪ 31‬المبسوط‪ :‬محمد بن أحمد السرخسي (‪438‬ه)‪ ,‬دار المعرفة بيروت الطبعة الثانية ‪1359 ,‬ه ج‪ 14‬ص ‪69‬‬

‫‪ 32‬إختالف الفقهاء‪ :‬أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (‪ 310‬ه ) دار الكتب العلمية بيروت‪ -‬لبنان‪1987 ,‬م‪ ,‬ص‪.82 .‬‬

‫‪ 33‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق ‪ :‬زين الدين بن نجيم (‪970‬ه ) ‪ ,‬الطبعة االولى المطبعة العلمية ‪ ,‬القاهرة‪1311 ,‬ه ‪ ,‬ج ‪ 6‬ص‬

‫‪.157‬‬

‫‪ 34‬النوادر والزيادات ‪ :‬محمد بن عبد هللا بن أبي زيد القرواني(‪386‬ه )‪ ,‬دار الغرب االسالمي ‪1990 ,‬م‪ ,‬ج‪ 3‬ص ‪.319‬‬

‫‪ 35‬المغني ‪ :‬عبد هللا بن أحمد بن قدامة ( ‪652‬ه ) ‪ ,‬المطبوع مع الشرح الكبير دار الكتاب العربي بيروت ‪ 1392‬ـ ه ـ ـ ‪1972‬م‪,‬‬ ‫ج ‪ 5‬ص ‪720‬‬

‫‪ 36‬أحكام القرآن ‪ :‬أبو بكر الجصاص الرازي (‪ 370‬ه)‪ ,‬دار المصحف الطبعة الثانية‪ ,‬بيروت ‪1988‬م‪ ,‬ج ‪ 2‬ص ‪425‬‬ ‫‪20‬‬


‫وكأنه غير مملوك ‪ ،‬وصار سبيله سبيل االستيالء عليه من المباحات "‪.‬‬ ‫الكفر"‪.‬‬

‫‪37‬‬

‫وعند ابن تيمية ال يحرم الربا في دار‬

‫‪38‬‬

‫محرم بين مسلم ومسلم ‪ ،‬وبين مسلم وكافر في ديار اإلسالم ‪،‬‬ ‫لكن جمهور الفقهاء كمالك والشافعي وأحمد ذهبوا أن الربا َّ‬ ‫أو ديار الكفر ‪ ،‬أو ديار الحرب ‪ .‬قال الشافعي " واذا كان المسلمون أسارى أومستأمنين أو رسال في دار الحرب فَقتَل‬ ‫بعضهم بعضا أو قذف بعضهم بعضا ‪ ،‬أو زنوا بغير حربية ‪ ،‬فعليهم في هذا كله الحكم ‪ ،‬كما يكون عليهم لو فعلوه في‬ ‫بالد اإلسالم ‪ ،‬و ال تُسقط دار الحرب عنهم فرضا ‪ ،‬كما ال تُسقط عنهم صوما و ال صالة و الزكاة ‪ ،‬فالحدود فرض‬ ‫عليهم " ‪.‬‬

‫‪39‬‬

‫قال ابن قدامة " ويحرم الربا في دار الحرب ‪ ،‬كتحريمه في دار اإلسالم ‪ ،‬وبه قال مالك ‪ ،‬واألوزاعي ‪ ،‬وأبو‬

‫يوسف ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬واسحاق‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫وذهب أحمد و األو ازعي إلى عدم جواز أخذ أموال أهل دارالحرب بغير طريقة مشروعة فقد قال األوزاعي عن المسلم يأخذ‬ ‫من أموال أهل دارالحرب " المؤمن ليس بختار و الغدار ‪َ ،‬ي ُرد عليهم ما أُخذ منهم "‪.‬‬

‫‪41‬‬

‫وقال ابن المنذر " إذا دخل الرجل‬

‫إلى دار الحرب بأمان فهو آمن بأمانهم ‪ ،‬وهم آمنون بأمانه ‪ ،‬وال يجوز أن يغدر بهم و اليخونهم و اليغتالهم فإن أخذ‬ ‫منهم شيئا رده إليهم ‪ ،‬فإن خرج منه شيئ إلى دار اإلسالم وجب رد ذلك إليهم و ليس لمسلم أن يشتري ذلك و ال يتلفه ‪،‬‬ ‫ألنه مال له أمان "‬ ‫وقال ابن قدامه أن من " خانهم أو سرق منهم أو اقترض شيئا منهم ـ أي من أهل دار الحرب ـ وجب عليه رد ما أخذه إلى‬ ‫أربابه ‪ ،‬فإن جاء اربابه إلى دار اإلسالم بأمان أو إيمان رده عليهم ‪ ،‬واال بعث به إليهم ‪ ،‬ألنه أخذه على وجه َح ُرَم عليه‬ ‫أخذه ‪ ،‬فلزمه رد ما أخذه ‪ ،‬كما لو أخذه من مال مسلم " ‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫‪ 37‬فتح العزيز شرح الوجيز ـ الرافعي ج‪ 11‬ص ‪425‬‬ ‫‪ 38‬المغني الن قدامة‪:‬ج ‪ 8‬ص ‪.433‬‬ ‫‪ 39‬األم ـ الشافعي ج‪ 9‬ص ‪.310‬‬

‫‪ 40‬األوسط في السنن واإلجماع واالختالف‪ :‬أبو بكر تحمد بن ابراهيم بن المنذر ‪319( ,‬ه ) ‪ ,‬دار الفالح‪ ,‬بيروت‪1987 ,‬م ‪ ,‬ج ‪11‬‬

‫ص ‪292‬‬ ‫‪41‬‬

‫المغني البن قدامة ح‪ 8‬ص ‪438‬‬

‫‪42‬‬

‫المغني البن قدامة ح‪ 8‬ص ‪458‬‬ ‫‪21‬‬


‫المبحث الثاني‬ ‫أحكام الدماء‬ ‫ذهب بعض الفقهاء إلى أن دماء غير المسلمين مباحة في دار الحرب قال السرخسي " الحربي في دار الحرب كالميت في‬ ‫حق المسلمين"‪.‬‬

‫‪43‬‬

‫قال الطبري ‪ :‬قال أبو حنيفة وأصحابه " لو شرب مسلم خم ار في دار الحرب أو زنى ثم ُرفع إلينا بعدما‬

‫خرج إلى دار اإلسالم لم ُيَقم عليه الحد "‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫قال القرطبي في تفسيره ‪ :‬و المسلم اذا لقي الكافر و ال عهد له جاز قتله"‪.‬‬

‫‪45‬‬

‫و ذكر ابن تيمية أن " نفوس الكفار المحاربين و أموالهم مباحة للمسلمين "‪ .46‬قال ابن تيمية‪ :‬و لهذا أوجبت الشريعة قتال‬ ‫أن تلقيه السفينة إلينا أو‬ ‫الكفار ولم توجب قتل المقدور عليهم منهم بل إذا أسر الرجل منهم في القتال أو غير القتال مثل ْ‬ ‫ٍ‬ ‫فإنه يفعل فيه اإلمام األصلح من قتله أو استعباده أو المن عليه أو مفاداته ٍ‬ ‫بحيلة َّ‬ ‫بمال أو نفس عند‬ ‫يضل الطريق أو يؤخذ‬ ‫أكثر الفقهاء‪ ,‬كما دل عليه الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫‪47‬‬

‫تطبيق الحدود‬

‫فقد ذهب بعض فقهاء المالكية إلى عدم إقامة الحدود في دار الحرب كحد الزنا أو السرقة فقد ذهب أشهب إلى أن من‬ ‫ارتكب الزنا في دار الحرب " ال يحد ألنها شبهة ‪ ،‬لما كان له أن يسبيهم ويسترق منهم ويأخذ ما قدر عليه صار بذلك‬ ‫شبهة ‪ ،‬وكذلك لو حارب فقطع الطريق فال شيئ عليه ‪ ،‬إال أن يفعل ذلك بمسلم أو ذمي" ‪.48‬‬ ‫وذهب الحنفية إلى ترك الحد في الزنا و السرقة في دار الحرب‪ .‬قال الكاساني " من زنى في دار الحرب أودار البغي ثم‬ ‫خرج إلينا ال يقام عليه الحد ‪ ،‬ألن الزنا لم ينعقد سببا لوجوب الحد حين وجوده ‪ ،‬لعدم الوالية في يستوفى بعد ذلك "‪.‬‬

‫‪49‬‬

‫‪ 43‬ألوسط في السنن واإلجماع واالختالف‪ :‬أبو بكر تحمد بن ابراهيم بن المنذر ‪319( ,‬ه ) ‪ ,‬دار الفالح‪ ,‬بيروت‪1987 ,‬م ‪ ,‬ج ‪11‬‬

‫ص ‪292‬‬

‫‪ 44‬المغني ـ إبن قدامة ج ‪ 8‬ص ‪458‬‬

‫‪ 45‬الجامع ألحكام القرآن ‪ :‬محمد بن أحمد القرطبي (‪761‬ه )ـ دار احياء التراث العربي‪ ,‬بيروت‪1967 ,‬م‪ ,‬األية ‪ 94‬من سورة‬ ‫النساء‪ .‬المبسوط ـ السرخسي ج‪ 10‬ص ‪.111‬‬

‫‪ 46‬مجموعة فتاوى ابن تيمية ج‪ 5‬ص ‪.720‬‬ ‫‪ 47‬مجموعة فتاوى ابن تيمية ج‪ 5‬ص ‪.720‬‬ ‫‪48‬‬

‫اختتالف الفقهاء ‪ :‬ابن جرير الطبري ص ‪.82‬‬

‫‪ 49‬بدائع الصنائع ـ الكاساني ج‪ 9‬ص‪.4152‬‬

‫‪22‬‬


‫وعلى هذا‪ ,‬إن الجريمة إما أن تقع من المسلم على المسلم ‪ .‬ويقول الجصاص ‪ :‬ومن في دار الحرب يستباح قتله "‬

‫‪50‬‬

‫أو على غيره‪ ،‬أو من غير المسلم على المسلم؛ كما أنها إما أن تكون في دار اإلسالم أو غيرها‪ ،‬فعلى ذلك يمكن أن تُقسم‬ ‫هذه االحتماالت إلى المسائل‪ .‬األولى إقامة العقوبة على المستأمن في دار اإلسالم‪ ,‬الثانية إقامة العقوبة للمستأمن في دار‬ ‫اإلسالم‪ ,‬الثالثة إقامة العقوبة على المسلم والذمي في دار الحرب‪.‬‬ ‫أ‪ .‬المسألة األولى‪ :‬إقامة العقوبة على المستأمن في دار اإلسالم‪.‬‬ ‫صورة المسألة‪ :‬أن يقع من المستأمن جناية أو ما يوجب حدا؛ كأن يقتل أو يسرق أو يزني أو نحو ذلك‪ ،‬فهل يقام عليه‬ ‫يها‬ ‫الحد أو ال؟ اتفق الفقهاء على أن المستأمن في دار اإلسالم إذا َقتَل عمدا‪ ،‬فإنه ُيقتل لقول هللا تعالى‪َ " :‬وَكتَْبَنا َعَل ْيه ْم ف َ‬ ‫قتل‬

‫النْف َس ب َّ‬ ‫َن َّ‬ ‫أ َّ‬ ‫صاص"‪ .‬ولـما جاء أن النبي قتل‬ ‫الع ْي َن باْل َعين َو ْ ْ‬ ‫اال ْن َ‬ ‫النْفس َو َ‬ ‫ف باالَْنف َو الس َّن بالسن َو اْل ُج ُرو َح ق َ‬

‫رض اليهودي رأس جارية من األنصار فقتلها‬ ‫يهوديا‪ ،‬عندما َّ‬

‫‪51‬‬

‫وسواء أكان المقتول مسلما أم ذميا أم مستأمنا‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫المستأمن الجرائم التي توجب حدا‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء في إقامة الحد عليه‪ .‬فذهب األحناف إلى التفريق‬ ‫وأما إذا ارتكب‬ ‫َ‬ ‫في الحدود بين ما كان حقا خالصا هلل تعالى‪ ،‬وهي جميع الحدود ما عدا حد القذف‪ ،‬وبين ما كان حقا للمسلم وهو حد‬ ‫القذف؛ لذلك فما كان من الحدود حقا هلل فال ُيقام على المستأمن‪ ،‬فإذا زنى أو سـرق أو قطع الطريق‪ ،‬فال ُيقام عليه الحد‪،‬‬ ‫وعلـة ذلك‪ :‬أنه لم يدخل دار اإلسالم على سبيل اإلقامة والتوطن بل على سبيل العارية؛ ليعاملنا ونعامله‪.‬‬

‫‪53‬‬

‫وأما إذا قذف مسلما أو ذميا فإنه يقام عليه الحد؛ ألنه لما طلب األمان من المسلمين فقد التزم أمانهم عن اإليذاء بنفسه‬ ‫وظهر حكم اإلسالم في حقه‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫وقد وافقهم الشافعية في أصح األوجه عندهم‪ ،‬فقالوا بعدم إقامة حد الزنا على المستأمن أو‬

‫‪ 50‬أحكام القرآن ـ الجصاص ج‪ 1‬ص ‪ . 68‬النوادر والزيادات ـ إبن أبي زيد القرواني ج‪ 3‬ص ‪320‬‬

‫‪ 51‬رواه البخاري ( ‪ ) 6876‬كتاب الديات باب سؤال القاتل حتى ُيقر‪ ،‬ومسلم ( ‪ ) 1672‬كتاب القسامة باب ثبوت القصاص في‬ ‫القتل بالحجر وغيره‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫مراتب اإلجماع البن حزم ص ‪ ،138‬بدائع الصنائع للكاساني ‪ ،273/7‬حاشية ابن عابدين ‪ ،209/6‬الفواكه الدواني ألحمد بن‬

‫‪53‬‬

‫بدائع الصنائع ‪.34/7‬‬

‫مهنا ‪ ،293/2‬المغني ‪459/11‬‬ ‫‪54‬‬

‫المصدر السابق‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫حد السرقة لعدم التزام المستأمن بذلك‪.‬‬ ‫نقض العهد‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫‪55‬‬

‫وأما عند المالكية فالمشهور من المذهب أن المستأمن إن زنى فإنه ُيقتل؛ ألنه‬

‫وعند الحنابلة ُيقام عليه الحد‪ ،‬وال يسقط بإسالمه‪.‬‬

‫‪57‬‬

‫ومن المسائل المعاصرة في هذه المسألة‪ :‬مسألة سفراء الدول غير اإلسالمية لدى الدول اإلسالمية‪ ،‬وكذلك الممثلون‬ ‫السياسيون‪ ،‬فهل ُيقال إنهم ال يخضعون في العقوبات إال لقانون بالدهم؟ يقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه هللا‪" :‬ال شك أن‬ ‫العرف إنما يؤخذ به إذا لم يخالف نصا‬ ‫هذا عرف سياسي‪ ،‬والمعروف عرفا كالمشروط شرطا‪ ،‬ولكن يجب أن نعلم أن ُ‬ ‫شرعيا لقول النبي‬

‫"‪ " :‬كل شرط ليس في كتاب هللا فهو باطل" ‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫وعلى ذلك نقول‪ :‬أنه إذا اشترط صراحة في التمثيل‬

‫العرف على أنهم ُيعفون من إقامة الحدود‬ ‫عدم إقامة الحدود على الممثلين السياسيين‪ ،‬فإن الشرط يكون باطال‪ ،‬واذا كان ُ‬ ‫عليهم‪ ،‬فهو عرف فاسد يعارض النصوص فال ُيلتفت إليه‪ .‬هذا تطبيق رأي جمهور الفقهاء‪.‬‬ ‫أما تطبيق رأي الحنفية الذي يجعل شرط إقامة الحد الوالية الحكمية – أي بالنسبة للمستأمنين‪ -‬ولذا ال تقام الحدود عليهم‪،‬‬ ‫فإنه يتسع إلعفاء الممثلين السياسيين من إقامتها؛ ولكن يجب أن ُينبه إلى أن من يرتكب ما يوجب إقامة الحد منهم ُيخرج‬ ‫فو ار حتى ال يكون بقاؤه فيه تحريض على الفساد‪ ،‬ودعوة إليه‪.‬‬

‫‪59‬‬

‫ب‪ .‬المسألة الثانية‪ :‬إقامة العقوبة للمستأمن في دار اإلسالم‪.‬‬ ‫المستأمن‪ ،‬فال يخلو إما أن يكون القاتل مسلما أو ذميا أو مستأمنا‪ .‬فإن كان‬ ‫صورة المسألة أن يكون المقتول هو‬ ‫َ‬ ‫مستأمنا فال خالف في قتله كما تقدم‪ ،‬وان كان القاتل مسلما‪ ،‬فقد ذهب الحنفية والمالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬والظاهرية‬ ‫إلى أنه ال ُيقتل المسلم بالمستأمن وكلهم قالوا إال الحنفية‪ :‬وال بالذمي‪.‬‬

‫‪55‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪60‬‬

‫واستدلوا على ذلك بحديث علي رضي هللا عنه‬

‫مغني المحتاج ‪.228/4 ،191 /4‬‬

‫القوانين الفقهية البن جزي الغرناطي ص ‪ ،371‬الفواكه الدواني ‪.341/2‬‬ ‫المبدع شرح المقنع البن مفلح ‪ ،383/7‬اإلنصاف للمرداوي ‪.172/10‬‬

‫رواه البخاري (‪ ) 2168‬كتاب البيوع باب إذا اشترط شروطا في البيع ال تحل‪ ،‬ومسلم ( ‪ ) 1504‬كتاب العتق باب الوالء لمن‬

‫أعتق‪.‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪60‬‬

‫العقوبة في الفقه اإلسالمي ص ‪.285 -284‬‬

‫حاشية ابن عابدين ‪ ،208/6‬بداية المجتهد ‪ ،399/2‬تكملة المجموع ‪ ،356/18‬المبدع ‪ ،214/7‬المحلى ‪.349/10‬‬ ‫‪24‬‬


‫عن النبي‬ ‫عموما‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫" أنه قـال‪ ( :‬ال ُيقتـل مسلم بكافر )‪ ،61‬فلفظ الكافر نكرة في سياق النفي فاشتمل على جنس الكفار‬ ‫وأما الحنفية فقالوا بأن المسلم ُيقتل بالذمي دون المستأمن‪63 .‬واستدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬

‫صاص َحَي َّ‬ ‫اة َيأُولي اْالَْلَباب"‬ ‫‪ )1‬عمومـات نصوص القصـاص‪ ،‬نحو قولـه تبـارك وتعالى‪"َ :‬و َل ْ‬ ‫كثم في اْلق َ‬ ‫‪ )2‬أن رسول هللا‬

‫" أقاد مؤمنا بذمي‪ ،‬وقال‪" :‬أنا أحق من وفى ذمته"‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫‪65‬‬

‫‪ )3‬القياس على المسلم بجامع عصمة الدم في ٍ‬ ‫كل ‪.‬‬ ‫وأجابوا عن االستدالل بالحديث بأن المراد من الكافر المستأمن؛ ألنه قال عليه الصالة والسالم "ال يقتل مؤمن بكافر ‪ ،‬وال‬ ‫ذو عهد في عهده" عطف قوله ‪" ،‬وال ذو عهد في عهده" على المسلم فكان معناه ال يقتل مؤمن بكافر‪ ،‬وال ذو عهد‬ ‫به‪ –66.‬أي بكافر ‪. -‬‬ ‫(‪ )1‬وأجيب عن حملهم على ذلك بأن قوله‪ :‬ال يقتل مسلم بكافر" يقتضي عموم الكافر فال يجوز تخصيصه بإضمار ‪ ،‬وقوله‬ ‫‪" :‬وال ذو عهد" كالم مبتدأ ‪ :‬أي ال يقتل ذو العهد ألجل عهده‪.‬‬

‫‪67‬‬

‫عمدا هو الذمي‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء في القصاص للمستأمن على قولين‪:‬‬ ‫وأما إذا كان القاتل ْ‬ ‫القول األول‪ :‬ذهب أكثر الحنفية إلى عدم القصاص من الذمي للمستأمن‪.‬‬ ‫وعللوا ذلك ‪ :‬بأن عصمة المستأمن ما ثبتت مطلقة بل مؤقتة إلى غاية مقامه في دار اإلسالم ‪ ،‬فكانت في عصمته شبهة‬ ‫العدم ‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪68‬‬

‫رواه البخاري ( ‪ ) 3046‬كتاب الجهاد باب فكاك األسير‪.‬‬

‫عون المعبود شرح سنن أبي داود ‪.169/12‬‬

‫بدائع الصنائع ‪ ،236/7‬حاشية ابن عابدين ‪.132/10‬‬ ‫سورة البقرة آية ‪.179‬‬

‫رواه ابن أبي شيبة في المصنف ( ‪ ،141/9 ) 27909‬والحديث ضعيف لضعف عبد الرحمن بن البيلماني ‪ ،‬وقد رواه مرسال‪.‬‬

‫حاشية ابن عابدين ‪ ،208/6‬بداية المجتهد ‪ ،399/2‬تكملة المجموع ‪ ،356/18‬المبدع ‪ ،214/7‬المحلى ‪.349/10‬‬

‫رواه البخاري ( ‪ ) 3046‬كتاب الجهاد باب فكاك األسير‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫والغريب في األمر أن الحنفية يقولون بقتل المسلم بالذمي كما تقدم ‪ ،‬وال يقولون بقتل الذمي بالمستأمن‪ ،‬وهذا مما ُيضعف‬ ‫قولهم ألن المساواة حاصلة بين الذمي والمستأمن في الدين والعصمة‪ ،‬بخالف المسلم مع الذمي فال مساواة‪ ،‬ثم إنه ٍ‬ ‫جار‬ ‫على قاعدة القياس‪.‬‬ ‫القول الثاني‪ :‬ذهب جمهور الفقهاء المالكي ُة والشافعية والحنابلة إلى وجوب القصاص على الذمي في النفس وما دونها‪.‬‬

‫‪69‬‬

‫ٍ‬ ‫مساو للمستأمن في الدين والعصمة‪ ،‬فكالهما له عهد وأمان‪ ،‬فال يحق االعتداء عليه بغير‬ ‫واستدلوا على ذلك بأن الذمي‬ ‫حق‪.‬‬ ‫وسبب الخالف في هذه المسألة هو أن األحناف بنوا قولهم على األخذ باالستحسان الذي هو من أصول مذهبهم‪ ،‬فعدلوا‬ ‫بهذه المسألة عن حكم نظيرها وهو القتل إلى عدم قتل الذمي استحسانا‪ .‬قال ابن عابدين رحمه هللا عن الذمي‪ :‬هو بمثله –‬ ‫أي المستأمن – قياسا للمساواة ال استحسانا لقيام المبيح وهو عزمه على المحاربة بالعود‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫ج‪ .‬المسألة الثالثة‪ :‬إقامة العقوبة على المسلم في دار الحرب‪.‬‬ ‫اختلف الفقهاء في إقامة الحد على المسلم إذا فعل الجريمة في دار الحرب على قولين‪:‬‬ ‫القول األول‪ :‬أن المسلم إذا زنا في دار الحرب ‪ ،‬أو سرق ‪ ،‬أو قذف مسلما ال يؤخذ بشيء من ذلك‪ ،‬وكذلك إذا قتل مسلما‬ ‫ال يؤخذ بالقصاص وان كان عمدا‪ ،‬ولو فعل شيئا من ذلك ثم رجع إلى دار اإلسالم ال يقام عليه الحد أيضا‪ ،‬ويضمن الدية‬ ‫خطأ كان أو عمدا‪ ،‬إال إذا غ از الخليفة مع المسلمين فله أن يقيم الحدود‪ ،‬وهذا قول الحنفية‪.‬‬

‫‪71‬‬

‫واستدلوا على ذلك بأن إمام‬

‫المسلمين ال يقدر على إقامة الحدود في دار الحرب لعدم الوالية‪ ،‬ولو رجع إلى دار اإلسالم ال يقام عليه الحد؛ ألن الفعل‬

‫‪68‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪71‬‬

‫عون المعبود شرح سنن أبي داود ‪.169/12‬‬

‫بدائع الصنائع ‪ ،236/7‬حاشية ابن عابدين ‪.132/10‬‬ ‫حاشية ابن عابدين ‪.132/10‬‬ ‫حاشية ابن عابدين ‪.132/10‬‬ ‫‪26‬‬


‫لم يقع موجبا أصال – أي موجبا للقصاص ‪ -‬لتعذر االستيفاء إال بالمنعة والمنعة منعدمة‪ ،‬وألن كونه في دار الحرب أورث‬ ‫شبهة في الوجوب‪ ،‬والقصاص ال يجب مع الشبهة‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أن من ارتكب جريمة في دار الحرب‪ ،‬فإنه يقام عليه الحد ولو في دار الحرب ‪ ،‬وهذا مذهب المالكية‬ ‫والشافعية والظاهرية‪ 73,‬وهو قول اإلمام األوزاعي في غير القطع في السرقة حيث قال‪ " :‬من أُمر على جيش وان لم يكن‬ ‫أمير مصر من األمصار أقام الحدود في معسكره غير القطع حتى يقفل من الدرب فإذا قفل قطع" ‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫واستدلوا على ذلك‬

‫السار ُق و‬ ‫بأنه ال فرق بين دار الحرب ودار اإلسالم فيما أوجب هللا على خلقه من الحدود ألن هللا عز وجل يقول‪َ :‬و َّ‬ ‫َّللا ‪". . .‬‬ ‫ط ُعوا اَْيدَي ُه َما َج َزآء ب َما َك َسَبا َن َكاال م َن َّ‬ ‫َّ‬ ‫السارَق ُة َفْق َ‬ ‫‪76‬‬

‫‪75‬‬

‫الزنَي ُة و َّ‬ ‫ويقول‪َّ " :‬‬ ‫اجل ُدوْا ُك َّل َواح ٍد م ْن ُه َما م ْاَئ َة َجْل َد ٍة"‬ ‫الزاني َف ْ‬ ‫َ‬

‫رسول هللا (ص) على الزاني الثيب الرجم‪َّ ،‬‬ ‫القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بالد اإلسالم وال في‬ ‫وحد هللا‬ ‫وس َّن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫بالد الكفر ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببالد الكفر‪.‬‬

‫‪77‬‬

‫القول الثالث‪ :‬ال تقام الحدود في دار الحرب‪ ،‬وانما تُؤخر إقامتها حتى ُيرجع إلى دار اإلسالم‪ ،‬وهذا قـول الحنابلة‪ ،‬واسحاق بن‬ ‫راهويه‪،‬‬

‫‪78‬‬

‫وهـو قـول األوزاعي في حـد القـطع فقط كما تقدم‪ .‬واستدلوا على تأخير الحدود‪ ،‬بما روى ُب ْسر بن أبي أرطاة‬

‫برجل في الغزاة قد سرق ُب ْختيَّة‪،‬‬

‫‪72‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪80‬‬

‫‪79‬‬

‫‪ ،‬أنه أتي‬

‫الغزاة" لقطعت يدك‪ 81.‬وروي‬ ‫فقال ‪ :‬لوال أني سمعت رسول هللا (ص) يقول ‪" :‬ال تقطع األيدي في َ‬

‫بدائع الصنائع ‪.131/7‬‬

‫المدونة الكبرى ‪ ،2542/7‬بداية المجتهد ‪ ،298/2‬مغني المحتاج ‪ ،26/4‬المغني ‪.473/11‬‬

‫‪74‬‬

‫رواه البيهقي في السنن الكبرى ‪ ،34/8‬من طريق جابر بن يزيد الجعفي عن علي رضي هللا عنه‪ ،‬وقد تفرد بروايته عنه‪ ،‬قال ابن‬

‫‪75‬‬

‫سورة المائدة آية ‪.38‬‬

‫حجر‪ :‬جابر الجعفي ضعيف رافضي ( تقريب التقريب ص ‪.) 113‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪77‬‬

‫سورة النور آية ‪.2‬‬

‫األم ‪.583/8‬‬

‫‪78‬‬

‫المغني ‪.173/13‬‬

‫‪80‬‬

‫البختية من اإلبل‪ :‬الخراسانية‪.‬‬

‫‪ 79‬قال ابن حجر في التقريب ص ‪ُ :95‬بسر بن أرطاة‪ ،‬ويقال بسر بن أبي أرطاة ‪ ،‬اسمه عمير بن عويمر بن عمران القرشي ‪ ،‬نزيل‬ ‫الشام من صغار الصحابة‪ ،‬مات سنة ست وثمانين‪.‬‬ ‫‪81‬‬

‫رواه أبو داود ( ‪ ) 4408‬كتاب الحدود باب الرجل يسرق في الغزو‪ ،‬أيقطع؟‬ ‫‪27‬‬


‫جيش‪ ،‬وال سر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ية رجال من المسلمين حدا وهو غازٍ حتى يقطع َّ‬ ‫أن عمر رضي هللا عنه كتب إلى الناس‪" :‬أن ال َيجل َّ‬ ‫الدرب‬ ‫أمير‬ ‫دن ُ‬ ‫فيلحق بالكفار"‪ 82.‬وألنه إجماع الصحابة رضي هللا عنهم ‪.‬‬ ‫قافال ؛ لئال تلحقه حمي ُة الشيطان‬ ‫َ‬

‫‪83‬‬

‫والذي يظهر أن هذا القول هو األقرب للصواب لصحة حديث ُب ٍ‬ ‫ـسر وصراحته‪ ،‬مـع اعتضاده بأثر عمر رضي هللا عنه‪،‬‬ ‫فعلى ذلك يكون مخصصا لعمومات األدلة في إقامة الحدود‪ ،‬ويكون من باب المصلحة جمعا بين األدلة‪ .‬وبالنسبة‬ ‫للمسلمين في ديار الكفر غير الحربية إذا ارتكبوا جريمة الزنا أو شرب الخمر أو غيرها مع ثبوت ذلك عليهم‪ ،‬فإن الواجب‬ ‫إقامة الحد بحسب القدرة واالستطاعة على ذلك‪ ،‬أما إذا لم يستطع إمام المسلمين إقامة الحدود في تلك البالد‪ ،‬فال بأس‬ ‫بتأخيرها حتى رجوع مرتكبيها إلى دار اإلسالم فيقيمها عليهم؛ لكن ال تسقط عنهم بحال من األحوال‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪84‬‬

‫اإلقامة في دار الحرب‬

‫الوجود اإلسالمي خارج الوطن اإلسالمي يتطو ار سريعا كما وكيفا بين من يريد من إقامته هناك استفادة ظرفية عابرة وبين‬ ‫من يريد االستقرار ‪،‬وقد بدأ المسلمون الهجرة إلى الدول الغربية بعد منتصف القرن العشرين ‪ ،‬جماعات ووحدانا‪ ،‬وأس ار‬ ‫وأف اردا‪ ،‬بسبب ظروف شتى حلت بهم وببالدهم‪ .‬ولم تكن هجرتهم إلى تلك البالد‪ ،‬وتكوينهم بعد ذلك جالية كبيرة لها‬ ‫انتشارها وامتدادها‪ ،‬منبثقة عن تخطيط مهم أو من دولهم‪ ،‬بل كل ذلك نتيجة ظروف ألمت بهم أو نكبات حلت ببالدهم‪.‬‬ ‫وأيضا لم تكن بواعث تلك الهجرة متحدة في أهدافها ومسبباتها بل كانت متفاوتة‪ ..‬ووجد فقهاء اإلسالم أنفسهم أمام ظاهرة‬ ‫لم تكن مألوفة من قبل‪ ،‬وال عهد لسلفهم بها‪ .‬فبدال من إقامة المسلمين في بالدهم اإلسالمية والتنعم في ظل مجتمع مسلم‪،‬‬ ‫وهو وان لم يلتزم كل أحكام الشريعة اإلسالمية في حياته‪ ،‬إال أنه لم ينحل عن جميع معالمها‪ ،‬إذا بهم أو بكثير منهم‬ ‫يؤثرون اإلقامة في مجتمع ال يمت إلى الشريعة بصلة‪ ،‬وان بدا ألول وهلة أنه مجتمع مثالي‪.‬‬ ‫فتحيرت أفهام العلماء أمام هذه الظاهرة‪ ،‬واختلف أقوالهم في بيان الحكم الشرعي ‪ ..‬فمن محرم لإلقامة خارج ديار اإلسالم وداع‬ ‫المهاجرين المسلمين للعودة إلى بلدانهم األصلية‪ ،‬ومن متحمس لتوسيع هجرة المسلمين وتعميق أثرها في بالد الغرب‪ 1..‬وقائل آخر‬ ‫بالتوفيق بين التقيد بالثوابت اإلسالمية وبين مقتضيات المواطنة للمسلمين خارج البالد اإلسالمية مع ضرورة العمل بشتى الوسائل‬

‫‪82‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪84‬‬

‫رواه ابن شيبة في المصنف ‪ 565/6‬كتاب الحدود باب في إقامة الحد على الرجل في أرض العدو‪.‬‬

‫المغني ‪.173/13‬‬

‫كتاب اختالف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة د‪.‬عبد العزيز األحمدي ‪.372/2‬‬ ‫‪28‬‬


‫لتحصين المسلمين هناك وتقوية كيانهم دون إخالل باألنظمة المرعية وتحديد الثوابت اإلسالمية التي يتعرض المسلمون خارج البالد‬ ‫اإلسالمية لتغييرها‪ ،‬ورسم السبل للحفاظ عليها‪ ..‬وفي هذا المقال يلقي الضوء على مسألة إقامة المسلم خارج الوطن اإلسالمي من‬ ‫المنظور الشرعي‪.‬‬

‫‪85‬‬

‫والهجرة من دار الكفر إلى دار اإلسالم مرتبط ارتباطا وثيقا بمدى قدرة المسلم على شعائر دينه بأمان وبعدم‬

‫خشية الفتنة في دينه ودين أهله فإن كان ال يقدر على إظهار دينه ويخاف الفتنة واالضطهاد فيه أو في دين أسرته ففي هذه الحالة‬

‫تجب عليه الهجرة متى استطاع عليها باإلجماع‪ 86.‬يقول هللا تعالى‪ :‬إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا‬ ‫كنا مستضعفين في األرض قالوا ألم تكن أرض هللا واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصي ار إال‬ ‫المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ال يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيال فأولئك عسى هللا أن يعفو عنهم وكان هللا‬ ‫غفو ار رحيما‪.‬‬

‫‪87‬‬

‫ففي اآلية الكريمة أوجب هللا الهجرة على المسلمين الذين يقيمون بين ظهراني المشركين وال يقدرون على إقامة الدين بشرط‬ ‫المقدرة واآلية عامة في كل مسلم فقوله تعالى‪{ :‬ظالمي أنفسهم} أي بترك الهجرة وبارتكاب الحرام باإلقامة بين الكافرين من‬ ‫غير أن يتمكن من أداء واجباته الدينية إن كان قاد ار بها ألنه غير معذور‪.‬‬ ‫يقول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ال تتراء نارهما"‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫وفي حديث معاوية‬

‫وغيره مرفوعا قال‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪" :‬ال تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس‬ ‫من مغربها"‪.‬‬

‫‪89‬‬

‫فحمل العلماء الهجرة في الحديثين على من خاف الفتنة واضطهد وقالوا‪ :‬أمر المسلمون باالنتقال إلى حضرة النبي صلى‬ ‫هللا عليه وسلم ليكونوا معه فيتعاونوا ويتظاهروا إن حزبهم أمر وينضموا إلى المؤمنين في القيام بنصرة الرسول ويتعلموا منه‬ ‫أحكام الدين ويتفقهوا فيها ويحفظوا عنه وينقلوه"‪.‬‬

‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪89‬‬

‫‪90‬‬

‫أحكام األحوال الشخصية للمسلمين في الغرب للدكتور سالم بن عبد الغني الرافعيدار ابن حزم‪ :‬ص ‪6-5‬‬

‫‪ 2‬من مقابلة شخصية لخالد محمد عبد القادر مع الدكتور وهبة الزحيلي‪ ،‬كتاب األمة‪ ،‬فقه األقليات اإلسالمية‪.‬‬ ‫النساء‪99-97:‬‬

‫أحكام القرآن للجصاص ‪ 305/2‬وتفسير ابن كثير ‪.541/1‬‬

‫رواه أبو داود‬

‫‪29‬‬


‫وعن واجب المسلم الذي يعيش في مجتمع غير مسلم لظروف معينة يقول الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه هللا‪:‬‬ ‫"إذا كان هناك ضرورة فال بأس بشرط أن يكون قاد ار على إظهار دينه وأما إذا لم يكن هناك ضرورة فال يقيم في بالد‬ ‫الكفر ألن اإلقامة في بالد الكفر خطر على اإلنسان في عقيدته وأخالقه وقد قال هللا تعالى ألولئك الذين ال يهاجرون من‬ ‫بالد الكفر إلى بالد اإلسالم ‪{ :‬إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم} فالواجب على اإلنسان أن ال يقيم في بالد الكفر‬ ‫إذا كان عاج از عن إظهار دينه أما إذا كان غير عاجز وليس له مأوى غير هذه البلدة فإنه ال بأس إن شاء هللا"‪.‬‬

‫‪91‬‬

‫وال شك أن من شروط وجوب الهجرة توفر حرية االنتقال والدار التي يفر إليها المسلم بدينه واذا نظرنا إلى واقع دار‬ ‫اإلسالم المعاصرة نجد أن هذه الدار غير مؤمنة وغير مهيئة كاملة تمكنها من استقبال عشرات الماليين من المسلمين‬ ‫المضطهدين في العالم هذا إن سمحت األنظمة بدخولها أصال وأذنت أنظمة بالدهم بالرحيل عنها‪ .‬فالمسلمون الذين يفتنون‬ ‫في ديارهم من أجل عقيدتهم وهم غير قادرين على الهجرة معافون إن شاء هللا من اإلثم‪.‬‬ ‫ولكن يجب التذكير أن أي جماعة مسلمة في بلد من البالد غير اإلسالمية تقدر أن تحمي دينها ونفسها ومالها فإنه يحرم‬ ‫الخروج منه ويجب البقاء فيه يقول صاحب نهاية المحتاج‪" :‬من قدر على االمتناع واالعتزال في دار الكفر ولم يرج نصرة‬ ‫المسلمين بالهجرة كان مقامه واجبا ألن محله دار إسالم فلو هاجر لصار دار حرب ثم إن قدر على قتالهم ودعائهم‬ ‫لإلسالم لزمه واال فال"‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫وفي الجملة إذا كان المسلمون في ديار المشركين ضعفاء ال يرجون ببقائهم ظهور اإلسالم ويمنعون من إظهار شعائرهم‬ ‫الدينية والقيام بواجباتها وجبت عليهم الهجرة متى توفرت شروطها واال فال مع بقاء نية الهجرة قائمة في القلب والعمل على‬ ‫قدر وسع النفس لتحقيقها قال تعالى‪{ :‬يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون}‪.‬‬ ‫والجمهور يستحبون للمسلم أن يهجر دار الكفر وان استطاع إظهار دينه حتى ال يكثر سوادهم ويميل إليهم في الرسوم‬ ‫والخلق والعادة والهيئة بحكم الجوار والصحبة ويتأكد هذا االستحباب في العصر الحاضر لشيوع الفواحش والمنكرات في‬

‫‪90‬‬

‫رواه الثالثة واسناده صحيح والترائي‪ :‬تفاعل من الرؤية وهو كناية عن التباعد بين المسلم والمشرك وأنه ال ينبغي للمسلم أن يساكن‬

‫‪91‬‬

‫الجامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.350/5‬‬

‫المشركين ويقيم بينهم‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫كتاب األمة فقه األقليات ص ‪7‬‬

‫‪30‬‬


‫بالد الكفر وضعف السلطة األبوية على األوالد ذكو ار واناثا ومما ينبغي على المسلم أن يختار أقل العمل إثما إن استطاع‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى‪" :‬أحوال البالد كأحوال العباد فيكون الرجل تارة مسلما وتارة كاف ار وتارة مؤمنا‬ ‫وتارة منافقا وتارة ب ار تقيا وتارة فاج ار شقيا وهكذا المساكن بحسب سكانها فهجرة اإلنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى‬ ‫مكان اإليمان والطاعة كتوبته وانتقاله من الكفر والمعصية إلى اإليمان والطاعة وهذا أمر باق إلى يوم القيامة"‪.‬‬

‫‪93‬‬

‫واذا كان في إقامة المسلم مصلحة معتبرة للمسلمين وللدعوة اإلسالمية ويترتب على بقائه خير فيجوز بقاؤه بشرط إظهار‬ ‫دينه ودعوته كأن يكون من الدعاة العاملين في المؤسسات والمراكز اإلسالمية أو أن يكون طالبا يتعلم نوعا من العلوم أو‬ ‫صنعة من الصنائع أو نحوهما مما تحتاجه األمة اإلسالمية وال يوجد في ديارهم أو ليكون سفي ار لدولة اإلسالم وللدعوة‬ ‫اإلسالمية‪ .‬من أبرز المظاهر العظيمة في النظام اإلسالمي أنه جعل الدين المحرك األساسي لإلنسان المسلم فهو مسلم‬ ‫أوال وقبل كل شيء وبحكم إسالمه هذا ينتسب إلى العالم اإلسالمي فهو أحد رعاياه أينما وجد وحيثما كان ويرجع هذا إلى‬ ‫أن والية المسلم ال تكون لغير المسلم وعليه فإن والءه األول لدينه ويترتب على هذا المبدأ عدة أمور‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬التزامه بأحكام الشريعة اإلسالمية‪:‬‬ ‫يجب على المسلم المقيم ببالد غير إسالمية أن يكون صورة حية وواقعا تطبيقيا لمبادئ اإلسالم العظيمة فعليه واجب‬ ‫الدعوة إلى هللا عز وجل عن طريق المعاشرة الطيبة والمعاملة الحسنة وما انتشر اإلسالم في ربوع آسيا وأفريقيا إال عن‬ ‫طريق تجار المسلمين الذين قدموا بحسن خلقهم وكريم خصالهم صورة طيبة لدينهم الحنيف جعلت الشعوب تدخل في دين‬ ‫هللا أفواجا‪.‬‬ ‫وبناء على هذا فإن المسلم المقيم بالبالد غير اإلسالمية مطالب باالمتناع تماما عما حرمته الشريعة اإلسالمية وان كان‬ ‫غير محرم في قوانين الدولة التي يقيم فيها كالزنا وشرب الخمر وغير ذلك‪ ،‬يقول هللا تعالى‪" :‬قل إن صالتي ونسكي‬ ‫ومحياي ومماتي هلل رب العالمين ال شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫ويقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬اتق‬

‫هللا حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" (رواه الترمذي)‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫‪94‬‬

‫نهاية المحتاج ‪.78/8‬‬

‫سورة األنعام‪163-162:‬‬ ‫‪31‬‬


‫وبالتأمل في ألفاظ الحديث الشريف يظهر بجالء مدى انطباقه على حالة المسلم في البالد غير اإلسالمية فقوله‪" :‬اتق هللا‬ ‫حيثما كنت" يفيد أن المسلم ملتزم بشرع هللا سبحانه وتعالى في أي مكان كان وفي أي بلد حل وقوله‪" :‬وخالق الناس بخلق‬ ‫حسن" يدل على وجوب التعامل مع الناس جميعا بمقتضى القواعد األخالقية العظيمة فالرسول صلى هللا عليه وسلم لم يقل‬ ‫وخالق المسلمين بخلق حسن وانما قال‪" :‬وخالق الناس بخلق حسن"‪ .‬ومن هذا المنطلق قال اإلمام ابن قدامة‪" :‬من دخل‬ ‫إلى أرض العدو بأمان لم يخنهم في مالهم ولم يعاملهم بالربا أما خيانتهم فمحرمة؛ ألنهم إنما أعطوه األمان مشروطا بتركه‬ ‫خيانتهم وأمنه إياهم من نفسه وان لم يكن ذلك مذكو ار في اللفظ فهو معلوم في المعنى ولذلك من جاءنا منهم بأمان فخاننا‬ ‫كان ناقضا لعهده فإذا ثبت هذا لم تحل له خيانتهم ألنه غدر وال يصلح في ديننا الغدر فإن خانهم المسلم أو سرق منهم أو‬ ‫اقترض شيئا وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه فإن جاء أربابه إلى دار اإلسالم بأمان أو إيمان رده عليهم واال بعث به‬ ‫إليهم؛ ألنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه فلزمه رده كما لو أخذه من مال مسلم"‪.‬‬

‫‪95‬‬

‫ب‪ -‬مراعاة أحكام الشريعة في الحل والترحال‬ ‫أن خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين يتبع المسلم أينما حل وأقام وأن ديار غير المسلمين ليست بناسخة لشيء من‬ ‫أحكام الشريعة فما وجب في ديار المسلمين وجب في ديار غيرهم وما حرم فهو كذلك‪.‬‬ ‫ج‪ -‬استغالل اإلقامة خارج ديار اإلسالم للدعوة‬ ‫أن يستغل المسلم وجوده في ديار الغرب في الدعوة إلى هللا من خالل تصحيح المفاهيم عن اإلسالم الحنيف بالفكر‬ ‫والسلوك وبشتى الطرق الممكنة‪.‬‬ ‫د‪ -‬االعتزاز بالدين اإلسالمي‬ ‫االعتزاز بالدين اإلسالمي وبما جاء به من تكاليف وأن المسلم هو األعلى بما يحمله من قيم وأفكار ومناهج وبما يقوم به‬ ‫من سلوكيات موافقة للشرع الحنيف وعليه أن يتجنب االعتزاز بالدنيا وزينتها فما الحياة الدنيا في اآلخرة إال متاع الغرور ‪.‬‬

‫‪95‬‬

‫المغني ‪.458/8‬‬

‫‪32‬‬


‫ه‪ -‬عدم الرضا بما عليه الكفار‬ ‫عدم الركون والرضا بما عليه الكفار من شرك ومعاص وليعلم المسلم المقيم في الغرب أن قيمة اإلنسان بقيمة عقيدته‬ ‫ودينه‪.‬‬ ‫و‪ -‬وجوب الهجرة إلى دار اإلسالم عند مواجهة الفتنة في الدين‪:‬‬ ‫يجب على المؤمن إذا اضطهد في دينه ومنع من ممارسة شعائره أن يبادر بالهجرة إلى دار اإلسالم فهو أحد رعاياها وهي‬ ‫صاحبة السيادة األولى عليه فإذا تخاذل ال عذر له عند مالك الرقاب يوم القيامة إال إذا كان من ذوي األعذار الذين ال‬ ‫يستطيعون الهجرة‪.‬‬ ‫ز‪ -‬ثبوت التوارث بينه وبين أقاربه في دار اإلسالم‪:‬‬ ‫من مظاهر سيادة الدولة اإلسالمية على المسلم المقيم في غير أراضيها أن المسلم يرث المسلم أيا كان موطنه وضرب‬ ‫الشيخ محمد أبو زهرة رحمه هللا تعالى مثال لذلك فقال‪" :‬إذا مات مسلم في القاهرة وله قريب إنجليزي مسلم فإنه يرثه؛ ألن‬ ‫أساس الميراث القرابة والنصرة وهما متحققان أو أحدهما متحقق واآلخر ينبغي أن يتحقق"‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫ح‪ -‬معاقبته على الجرائم التي ارتكبها في ديار غير المسلمين‪:‬‬ ‫إذا كان المسلم في الديار غير اإلسالمية بأمان ثم ارتكب جريمة توجب الحد أو القصاص أعاد إلى الدولة اإلسالمية فإن‬ ‫جمهور الفقهاء يرون وجوب االقتصاص منه واقامة الحد عليه عند ثبوت الجريمة ثبوتا شرعيا‪.‬‬

‫‪97‬‬

‫إن الهجرة في سبيل هللا من دار الكفر إلى دار اإلسالم أمر مشروع ممدوح فاعله ولكن المقيم في دار الكفر ال يحكم عليه‬ ‫بالكفر بإطالق بل وال يؤثم بإطالق فالحكم عليه فيه تفصيل ويمكن تقسيم المقيمين إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪98‬‬

‫أولها‪ :‬أن يقيم في بالد الكفر راغبا مختا ار فيرضى ما هم عليه من الدين ويرضيهم بذم المسلمين أو يعاون على المسلمين‬ ‫بنفسه وماله فهذا حكمه واضح في عدد من النصوص ومنها قوله تعالى‪" :‬ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون‬ ‫‪96‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪98‬‬

‫العالقات الدولية محمد أبو زهرة ص ‪.60‬‬

‫ينظر‪ :‬المرجع السابق ص ‪ 60‬والنظام الدولي الجديد بين الواقع الحالي والتصور اإلسالمي لياسر أبو شبانة ص ‪.660‬‬

‫تفسير القرآن العظيم ‪.542/1‬‬

‫‪33‬‬


‫المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من هللا في شيء"‪ ,99‬وقوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء‬ ‫بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم"‬

‫‪100‬‬

‫وقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أنا برئ من كل مسلم يقيم بين ظهراني‬

‫المشركين"‪.‬‬ ‫القسم الثاني‪:‬‬ ‫أن يقيم عندهم ألجل مال أو ولد أو بالد وهو ال يظهر دينه مع قدرته على الهجرة وال يعينهم على المسلمين بنفسه وال‬ ‫ماله وال لسانه وال يواليهم فهذا ال يكفر لمجرد الجلوس ولكنه قد وقع في معصية هلل ولرسوله بترك الهجرة لقول هللا عز‬ ‫وجل‪" :‬إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في األرض قالوا ألم تكن أرض هللا‬ ‫واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصي ار"‪.‬‬ ‫قال اإلمام ابن كثير‪" :‬نزلت هذه اآلية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنا‬ ‫من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما باإلجماع"‪.‬‬

‫‪101‬‬

‫القسم الثالث‪:‬‬ ‫من ال حرج عليه في اإلقامة بين أظهر الكفار وهو داخل تحت أحد نوعين‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أن يكون مظه ار لدينه فيتب أر مما هم عليه ويبين بطالنه وأنهم ليسوا على حق فهذا يستحب في حقه الهجرة لتكثير‬ ‫المسلمين واعانتهم وجهاد الكفار واألمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم ويدل عليه قول النبي صلى هللا عليه‬ ‫وسلم في حديث األعرابي الذي سأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن الهجرة فقال‪" :‬ويحك إن الهجرة شأنها شديد فهل لك‬ ‫من إبل تؤدي صدقتها؟ قال‪ :‬نعم قال‪ :‬فاعمل من وراء البحار فإن هللا لن يترك من عملك شيئا"‪.‬‬

‫‪99‬‬

‫‪102‬‬

‫آل عمران‪28:‬‬

‫‪100‬‬

‫المائدة‪51:‬‬

‫‪102‬‬

‫رواه البخاري‬

‫‪ 101‬تفسير القرآن العظيم البن كثير ‪ 542/1‬والغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة عبد الرحمن اللويحق ص ‪.309-306‬‬ ‫‪34‬‬


‫ب‪ -‬المستضعفون‪ :‬وقد بين هللا حالهم‪" :‬إال المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ال يستطيعون حيلة وال يهتدون‬ ‫سبيال"‪.‬‬

‫‪103‬‬

‫واذا كان البد للمسلم من اإلقامة خارج ديار اإلسالم لظروف معينة فعليه أن يقوم بدور تمثيلي لإلسالم يفضي إلى إبراز‬ ‫محاسن اإلسالم وخيريته واعطاء الصورة الحقيقة الناصعة للدين الذي يحمله قياما بذلك بواجب أصلي من واجبات ذلك‬ ‫الدين‪ ،‬وهو واجب الدعوة لما فيه المصلحة‪ ،‬والشهادة على الناس شهادة الحق والخير‪ ،‬وهو األمر الذي يزدادا وجوبا وتأكدا‬ ‫في الظروف الراهنة التي ينظر فيها إلى المسلمين النظرة المتناقضة المنطلقة من صورة مشوهة عن اإلسالم‪ .‬واألصل‬ ‫أن المسلم ال يقيم إال في دار المسلمين واذا أقام في غيرها فلعذر مع بقاء نية الخروج منها متى رفع السبب وتهيأت الظروف ألن نية‬ ‫االستمرار في دار الكفر ال تحل بال مبرر شرعي‪.‬‬

‫اختلف الفقهاء في حكم اإلقامة في دار الحرب ‪ ،‬وغلب على أرائهم وجوب الهجرة من دار الحرب إلى دار اإلسالم‪.104‬‬ ‫ينقل الجصاص قول الحسن بن صالح " إذا أسلم الحربي ‪ ،‬فأقام ببالدهم و هو يقدر على الخروج فليس بمسلم "‪ .105‬بل‬ ‫ذهب بعض المتأخرين إلى وجوب الهجرة من البالد التي تحكم بالقانون غير القانون االسالمي‪ .‬يقول الشيخ محمد بن‬ ‫ابراهيم آل الشيخ " البلد الذي يحكم بالقانون ليس بلد إسالم ‪ ،‬تجب الهجرة منه ‪ ،‬وكذلك إذا ظهرت الوثنية من غير نكير‬ ‫وال ُغيرت فتجب الهجرة فالكفر يفشو الكفر بظهوره ‪ ،‬هذه بلدة كفر " ‪.‬‬

‫‪106‬‬

‫اإلنسان بالدافع الذي يدفعه إلى الوالء‬ ‫األمة اإلسالمية أن يحببوا الناس بأوطانهم؛ حتى يشعر‬ ‫فإن على أولي األمر في َّ‬ ‫ُ‬ ‫لهذا الوطن والدفاع عنه؛ وذلك يقتضي أن يوفروا لشعوبهم ما يأتي‪:‬‬

‫‪-‬توفير الحرية للناس‪ ،‬وتوفير الحقوق المشروعة لإلنسان‪.‬‬

‫‪103‬‬

‫النساء‪98:‬‬

‫‪ 104‬المغني البن قدامه ج‪ 10‬ص ‪514‬و مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج‪ ,‬ج‪ 4‬ص ‪ 139‬و نيل األوطار شرح‬

‫منتقى االخبار‪ :‬محمد علي الشوكاني (‪1250‬ه )‪ ,‬دار الجيل بيروت‪1344 ,‬ه ‪ ,‬ج‪ 8‬ص ‪ .29‬بدائع الصنائع ـ الكاساني ج‪9‬‬

‫ص‪.4152‬‬

‫‪ 105‬أحكام القرآن ـ الجصاص ج‪ 1‬ص ‪68‬‬

‫‪ 106‬أحكام الديار و أنواعها و أحوال ساكنيها ‪ :‬جمع واعداد الشيخ أبوسلمان عبدهللا بن محمد الغليفي ‪ ,‬غليفة ـ ـ مكة المكرمة‪ .‬ص‬

‫‪. 60‬‬

‫‪35‬‬


‫توفير األمن والرعاية الصحية لإلنسان وأسرته‪.‬‬‫الناس‬ ‫إتاحة المجال إلبداع المبدع‪ ،‬وتيسير السُبل والوسائل التي يحتاج إليها؛ ليكون عطاؤه ا‬‫كبير ينفع َّ‬ ‫أمتَه‪ ،‬وينفع َ‬

‫المكافأة المجزئة‪.‬‬ ‫جميعا‪ ،‬ويجب أن ُيكا َفأ على إبداعه‬ ‫َ‬

‫تحقيق العدالة لكل فرد في الوطن‪ ،‬وانصاف كل طبقات الشعب‪.‬‬‫‪-‬محاربة الفقر والجهل والمرض والفساد‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫المبحث الثالث‬ ‫فكرة الدارين في المعايير االسالمية‬ ‫بعد عرض هذه األراء سنناقش فكرة الدارين في ضوء عدد من المعايير من أهمها ‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ـ رسالة اإلسالم ‪:‬‬ ‫لقد جاء اإلسالم للناس كافة ال فرق بينهم بسبب اللون أو العرق أو اللغة أو الثقافة أوالموقع الجغرافي ‪ ،‬وجاءت النصوص‬ ‫الشرعية لتؤكد على ذلك ومنها قوله تعالى " ُق ْل َيا أَي َها َّ‬ ‫َّللا إَل ْي ُك ْم َجميعا"‬ ‫اس إني َرُسو ُل َّ‬ ‫الن ُ‬ ‫ير َوَلك َّن أَ ْكثَ َر َّ‬ ‫الناس َال َي ْعَل ُمو َن " ‪.‬‬ ‫ير َوَنذ ا‬ ‫اك إ َّال َك َّافة ل َّلناس َبش ا‬ ‫وقوله تعالى َو َما أ َْرَسْلَن َ‬

‫‪107‬‬

‫‪108‬‬

‫وقوله تعالى " وما أَرسْلَن َّ‬ ‫ين "‪.109‬‬ ‫اك إال َر ْح َمة لْل َعاَلم َ‬ ‫َ​َ َْ َ‬ ‫وجاء الخطاب القرآني ليؤك د على عمومية الرسالة بقوله تعالى في أكثر من آية "يا أيها الناس " وقوله تعالى " يا بني آدم "‬ ‫ليؤكد على عموم الرسالة اإلسالمية‬ ‫َّ‬ ‫الناس اعبدوا رب ُ َّ‬ ‫ين م ْن َقْبل ُك ْم َل َعَّل ُك ْم تَتَُّقو َن " ‪.‬‬ ‫َّك ُم الذي َخَلَق ُك ْم َوالذ َ‬ ‫قال تعالى ‪َ " :‬يا أَي َها َّ ُ ْ ُ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ين "‪.‬‬ ‫و قال تعالى ‪ :‬إ ْن ُه َو إال ذ ْكر لْل َعاَلم َ‬

‫‪110‬‬

‫‪111‬‬

‫قال الزجاج‪ :‬معنى العالمين كل ما خلق هللا كما قال ‪ :‬وهو رب كل شيء‪ ،‬وهو جامع كل عالم‪.‬‬

‫‪112‬‬

‫ال‬ ‫ال ‪َ :‬ق َ‬ ‫ولذا فقد أكد صلى هللا عليه وسلم على أخوة األنبياء جميعا ‪ ,‬ووحدة منهجهم في هداية الخلق ‪َ ,‬ع ْن أَبي ُه َرْي َرَة َق َ‬ ‫َّ‬ ‫ُم َهاتُ ُه ْم‬ ‫اء إ ْخَوة ل َعالَّ ٍت ‪ ،‬أ َّ‬ ‫َرُس ُ‬ ‫ول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬أَ​َنا أ َْوَلى الناس بع َ‬ ‫يسى ْابن َم ْرَي َم فى الد ْنَيا َواآلخ َرة ‪َ ،‬واأل َْنبَي ُ‬ ‫َشتَّى‪َ ،‬ود ُين ُه ْم َواحد‪.‬‬ ‫‪107 107‬‬

‫‪113‬‬

‫اآلية ‪ 158‬من سورة األعراف‬

‫‪ 108‬اآلية ‪ 107‬من سورة األنبياء‪.‬‬ ‫‪ 109‬سورة البقرة اآلية ‪.21‬‬

‫‪ 110‬األية ‪ 27‬من سورة التكوير‪.‬‬ ‫‪ 111‬األية ‪ 27‬من سورة التكوير‪.‬‬

‫‪ 112‬لسان العرب ‪ :‬جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (‪711‬ه ) دار لسان العرب ‪ ,‬بيروت‪1990 ,‬م‪ ,‬ج‪ 2‬ص‪.421-420‬‬ ‫‪113‬‬

‫البخاري ج‪4‬ص‪ 203‬حديث (‪)3443‬‬ ‫أخرجه أحمد ‪2‬ج ص‪ 482‬حديث(‪ )10263‬و ُ‬ ‫‪37‬‬


‫فالكل مدعو لتلقي هذه الرسالة فمن أمن ودخل في دين هللا كان له ما للمسلمين و عليه و ما عليهم و من اختار أن يبقى‬ ‫الغي " وقوله تعالى ‪ " :‬أَ​َفأ َْن َت تُ ْكرهُ َّ‬ ‫اس‬ ‫َّن الرْش ُد م ْن َ‬ ‫على دينه فإن له ذلك دون إكراة قال تعالى " َال إ ْك َرَاه في الدين َق ْد تَ​َبي َ‬ ‫الن َ‬ ‫ين"‪.114‬‬ ‫َحتَّى َي ُك ُ‬ ‫ونوا ُم ْؤمن َ‬ ‫إن رسالة اإلسالم عالمية المقصد و تقتضي التوجيه إلى الناس كافة ال تصنيفهم على أنهم ( مسلمين ) و( ومحاربين)‬ ‫على اإلطالق فمن حمل السالح و قاتل المسلمين فله حكم الحربي ‪ ،‬ومن لم يحمل السالح و لم يحارب المسلم يبقى في‬ ‫موطن عالمية اإلسالم وهدف لتوجيه الرسالة له ومجاال لرحمته ‪ ،‬فاإلسالم دين لمن آمن به و رحمة للناس كافة ‪ ،‬ومن‬ ‫مقتضيات الرحمة أن يعامل الناس بمقتضيات العدل التي تعاقب من خالف أوحارب ‪ ،‬وتحمي و ترحم من لم يكن كذلك‬ ‫حتى وان أقام في دار غير المسلمين ‪.‬‬ ‫قال تعالى " َوَر ْح َمتي َوس َع ْت ُك َّل َشي ٍء "‬ ‫ْ‬ ‫وقد أقسم الرسول‬

‫‪115‬‬

‫َّ‬ ‫ض ُع هللاُ َر ْح َمتَ ُه إالَّ َعَلى َرحي ٍم"‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا‪،‬‬ ‫في حديث آخر قائال‪َ " :‬والذي َنْفسي بَيده‪ ،‬ال َي َ‬

‫صاحَب ُه؛ َي ْر َحم َّ‬ ‫اس َك َّافة"‪.‬‬ ‫الن َ‬ ‫كلنا يرحم‪ .‬قال‪َ" :‬ل ْي َس ب َر ْح َمة أ َ‬ ‫َحد ُك ْم َ‬ ‫ُ‬ ‫وقال أيضا‬ ‫وقال‬ ‫و قال‬

‫‪116‬‬

‫الس َماء" ‪.‬‬ ‫‪ْ " :‬ار َح ُموا َم ْن في األ َْرض َي ْر َح ْم ُك ْم َم ْن في َّ‬ ‫‪" :‬الَ َي ْر َحم هللاُ َم ْن الَ َي ْر َحم َّ‬ ‫اس" ‪.‬‬ ‫الن َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫‪117‬‬

‫‪118‬‬

‫" جعل هللا الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في األرض جزءا واحدا فمن ذلك تتراحم‬

‫الخالئق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه "‪.‬‬

‫‪119‬‬

‫‪ 114‬األية ‪ 99‬من سورة يونس ‪.‬‬

‫‪ 115‬في سورة األعراف آية ‪156‬‬

‫‪ 116‬البيهقي‪ :‬شعب اإليمان (‪ ،)11060‬وصححه األلباني‪ ،‬انظر‪ :‬السلسلة الصحيحة (‪.)167‬‬

‫‪ 117‬الترمذي عن عبد هللا بن عمرو‪ :‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب ما جاء في رحمة المسلمين (‪ ،)1924‬وأحمد (‪ ،)6494‬والحاكم‬

‫(‪ ،)7274‬وقال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬وصححه األلباني‪ ،‬انظر‪ :‬صحيح الجامع (‪.)3522‬‬ ‫‪ 118‬البخاري‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬باب ما جاء في دعاء النبي‬ ‫باب رحمته‬

‫أمته إلى توحيد هللا تبارك وتعالى (‪ ،)6941‬ومسلم‪ :‬كتاب الفضائل‪،‬‬

‫الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (‪.)2319‬‬

‫‪ 119‬أخرجه الشيخان‬

‫‪38‬‬


‫وبهذا فإن البشرية جمعاء داخلة في عالمية اإلسالم ورحمته وعدم إيمان المرء ال يحيله إلى عدو أو يبح دمه فالقاعدة عند‬ ‫الفقهاء أن " كفر الكافر ال يبيح دمه " ‪ ،‬اي أن الكفر ليس سببا في ذاته إلباحة دم غير المسلم ‪ ،‬كما أن الحرب ليست‬ ‫سببا كذلك في إباحة دم غير المس لمين إن كانوا في ديارهم حتى و لو كانت دولتهم تحارب المسلمين ‪ ،‬وخاصة في هذا‬ ‫العصر حيث اختلفت ُنظم الحرب ولم تعد كما كانت عليه في السابق حيث كان المكلفون من الرجال مدععون لالشتراك‬ ‫في الحرب لعدم وجود جيوش نظامية متفرغة للحرب أو الدفاع كما عليه األمر في جيوش الدول في هذا العصر ‪،‬‬ ‫وبالتالي فإن الحكم على جميع سكان الدولة غير اإلسالمية بأنهم محاربون إنما فيه تجاوز على حماية الدماء و األعراض‬ ‫‪ ،‬خاصة وأن منهم من يعاض دولته في قرارها للحرب ضد اي دولة إسالمية كانت أم غير ذلك ‪ ،‬وهذا ما نجده من خالل‬ ‫المنظمات و المؤسسات التي تعارض الحرب التي تشنها بالدهم ضد غيرهم‪ ،‬وكثي ار ما وجدنا هذه الشعوب تُسير‬ ‫المضاهرات و االعتصامات و تحرك زعمائها في البرلمانات و الحكومات و تستخدم وسائل اإلعالم ضد قادتها السياسيين‬ ‫الذين يقررون شن الحرب على غيرهم الدول ‪ ،‬بل ربما ارسلوا الوفود و قوافل المساعدات للبلد الذي وقعت عليه الحرب ‪،‬‬ ‫فكيف يمكن تصور أن هؤالء يمكن أن يكونوا محاربين!! و أن تطبق عليهم أحكام المحاربين لمجرد أن حكومتهم قررت‬ ‫الحرب ضد دولة مسلمة ‪ ،‬وقد وقع بعض المسلمين في هذا الفهم الخاطئ حين قاموا بخطف أوقتل عدد من غير‬ ‫المسلمين أوتفجير أماكن في بالدهم راح ضحيتها من األبرياء الين لم يقاتلوا أو يحملوا السالح ضد المسلمين !!‬ ‫فاإلسالم الذي جاء رحمة للعالمين لم يأت لسفك دماء الناس وأخذ أموالهم إال بحق مشروع له من الظوابط والشروط التي‬ ‫يجب أن تتحقق قبل ذلك و ما أبلغ قول عمر بن عبدالعزيز فيما ذكره الذهبي في سير أعالم النبالء أن " حيوة بن شريح‬ ‫عامل مصر كتب إلى عمر بن عبد العزيز‪ :‬ان أهل الذمة قد أشرعوا في االسالم‪ ،‬وكسروا الجزية‪ ،‬فكتب إليه عمر‪ :‬إن‬ ‫هللا بعث‬ ‫واقبل" ‪.‬‬

‫داعيا ولم يبعثه جابيا‪ ،‬فإذا أتاك كتابي فإن كان أهل الذمة أشرعوا في االسالم‪ ،‬وكسروا الجزية‪ ،‬فاتو كتابك‬ ‫‪120‬‬

‫‪ 2‬ـ ـ الفقه السياسي اإلسالمي ‪:‬‬

‫‪120‬‬

‫سير أعالم النبالء ‪ :‬محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (‪748‬ه ) مؤسسة الرسالة‪ ,‬بيروت‪1987 ,‬م‪ ,‬ج‪ 5‬ص ‪147‬‬

‫‪39‬‬


‫مبحث اختالف الدارين من مباحث السياسة الشرعية أو ما ُيصطلح عليه اليوم بالفقه السياسي اإلسالمي ‪ ،‬وهو فقه قائم‬ ‫على القواعد العامة لإلسالم دون أالحكام النصية التفصيلية كما هو الحال في العقائد أو العبادات أوالمعامالت ‪ ،‬وهذا من‬ ‫سعة الشريعة اإلسالمية ومرونتها ألن السياسة في أي مجتمع أو فكر إنما هي سريعة التقلب و التحول ‪ ،‬وكان من‬ ‫مميزات الفقه السياسي أنه و ضع القواعد المستمد من المصادر األصلية للشريعة اإلسالمية وهي الكتاب و السنة بحيث‬ ‫يمكن استنباط األحكام التفصيلية منها ‪ ،‬وهذا ما فعله الفقهاء المسلمون قديما ـ يرحمهم هللا ـ فقد اجتهدوا في ظل هذه‬ ‫القواعد للمرحلة التاريخية التي كانوا يعيشونها و التي اتصفت بطبيعة خاصة للعالقة بين المسلمين و غيرهم ‪ ،‬ويمكن‬ ‫وصف اجتهادات الفقهاء في تلك المرحلة بأنها اجتهاد فقهي في شأن تلك العالقة ‪ ،‬وهو أشبه باجتهادات المعاصرين من‬ ‫الفقهاء و القانونيين فيما ُيعرف بالقواعد و األحكام المنظمة للعالقات الدولية والتي انتظمها علم القانون الدولي العام و‬ ‫الخاص ‪ ،‬وتأتي مسألة تقسيم العالم إلى دارين أو أكثر من دار ضمن الفقه الساسي اإلسالمي الذي يتطلب اعادة االجتهاد‬ ‫إليجاد أحكاما فقهية جديدة تتوافق مع القواعد العامة لإلسالم و تسترشد باجتهادات الفقهاء السابقين و تُنشئ فقها إسالميا‬ ‫جديدا يبحث في طبيعة العالقة بين المسلمين و غيرهم ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ ـ تأريخية التقسيم ‪:‬‬ ‫تقسيم العالم أو تصنيفه إلى دارين من المسائل التي ارتبطت بالمرحلة التاريخية أكثر مما ارتبطت بالنصوص الشرعية ‪،‬‬ ‫وال جدال إن كان هذا التقسيم أصيل ثابت ال يتغير أم غير ذلك‪ ،‬إذ أنه ال يوجد نص صريح واضح يؤكد على أن هذا‬ ‫التقسيم مما جاءت به الشريعة ‪ ،‬وجميع اآليات و األحاديث التي يستشهد بها القائلون بأصالة هذا التقسيم و ثباته ال ترقى‬ ‫إلى الجزم بذلك ‪ ،‬فهي إما أنها تشير إلى قضايا عامة ‪ ،‬أو أنها تُحمل على معاني عدة من بينها فكرة ( تقسيم العالم إلى‬ ‫دارين ) ‪ ،‬والشك أن أم ار خطي ار كهذا تقام بسببه الحروب وتُستباح فيه الدماء و األعراض ‪ ،‬ويؤثر فيما بين المسلمين‬ ‫وغيرهم ‪ ،‬ال يمكن االعتماد فيه على مجرد الفهم أو االستنتاج أو حتى االجتهاد ‪ ،‬خاصة وأن هذا التقسيم لم يستقر عمليا‬ ‫و لم يتفق الفقهاء على طبيعته أو ديمومته ‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء على تعريفه ـ كما مر بنا ـ و اختلفوا على طبيعته واختلفوا‬ ‫على مكوناته ‪ ،‬فبعد أن كان تقسيما ثنائيا ‪ ،‬تحول كثير منهم إلى القول بثالثية التقسيم ( دار اإلسالم و دار الحرب و دار‬

‫‪40‬‬


‫العهد ) ‪ ،‬بل ربما خالف بعضهم ذلك كله و قال بأن العالم وحدة واحدة ‪ ،‬فقد ذكر أبو زيد الدبوسي من الحنفية أن "‬ ‫األصل عندنا أن الدنيا كلها داران ‪ ،‬دار اإلسالم و دار الحرب ‪ ،‬وعند اإلمام الشافعي ‪ :‬الدنيا كلها دار واحدة "‪.‬‬

‫‪121‬‬

‫وقد جاءت اآليات لتدل على أن األصل في األرض هو ( الوحدة ) و من ذلك قوله تعالى في شأن موسى عليه السالم "‬ ‫ين"‪.‬‬ ‫استَع ُينوا ب َّ‬ ‫شاء م ْن عباده َواْلعاقَب ُة لْل ُمتَّق َ‬ ‫َْ ْر َ‬ ‫اصب ُروا إ َّن األ َ‬ ‫َ‬ ‫اَّلل َو ْ‬ ‫قال ُموسى لَق ْومه ْ‬ ‫ض ََّّلل ُيورثُها َم ْن َي ُ‬ ‫يها َفاك َهة َو َّ‬ ‫ات ْاأل َْك َمام "‪.‬‬ ‫الن ْخ ُل َذ ُ‬ ‫ض َو َ‬ ‫وقوله تعالى ‪َ " :‬و ْاأل َْر َ‬ ‫ض َع َها ل ْ​ْلَ​َنام ف َ‬

‫‪122‬‬

‫‪123‬‬

‫َّ‬ ‫ين" ‪.124‬‬ ‫و قوله تعالى ‪َ " :‬ق ْد َخَل ْت من َقْبل ُك ْم ُسَنن َفس ُيروْا في األ َْرض َف ْان ُ‬ ‫ان َعاقَب ُة اْل ُم َكذب َ‬ ‫ف َك َ‬ ‫ظ ُروْا َك ْي َ‬ ‫َّ‬ ‫ور"‪.‬‬ ‫و قوله تعالى " ُه َو الذي َج َع َل َل ُك ْم األ َْر َ‬ ‫ام ُشوا في َمَناكب َها َوُكُلوا م ْن رْزقه َواَل ْيه الن ُش ُ‬ ‫ض َذلُوال َف ْ‬

‫‪125‬‬

‫وقوله تعالى ‪ُ ":‬قل يا عباد َّالذين آَمُنوا اتَُّقوا رب ُ َّ‬ ‫الصاب ُرو َن‬ ‫ض َّ‬ ‫َّللا َواس َعة إَّن َما ُي َوَّفى َّ‬ ‫َّك ْم للذ َ‬ ‫َح َسُنوا في َهذه الد ْنَيا َح َسَنة َوأَ ْر ُ‬ ‫ين أ ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َجرُهم ب َغ ْير حس ٍ‬ ‫اب "‪.‬‬ ‫أ َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫وقال‬

‫‪126‬‬

‫" البالد بالد هللا و العباد عباد هللا ‪ ،‬فحيثما أصبت خي ار فأقم " ‪.‬‬

‫‪127‬‬

‫فهذا األدلة تشير إلى أن األرض خلقها هللا سبحانه و تعالى للبشر جميعا ‪ ،‬واي تقسيم لها إنما هو تقسيم طارئ ‪.‬‬ ‫أما من حيث الموضوع فإن التقسيم ارتبط بمفهوم السيادة ‪ ،‬كما ارتبط بمفهوم األمن الذي يمكن أو يعيشه المسلم أو غيره‬ ‫في إحدى الدارين ‪ ،‬ولذا وجدنا عند المالكية من يرى أن" المراد بدار اإلسالم ‪ ،‬المحل الذي ال ُيخاف فيه العدو ودار‬ ‫الحرب هي المحل الذي ُيخاف فيه العدو ‪ ،‬سواء كانت دار كفر أواسالم !!"‬

‫‪128‬‬

‫وقال العدوي من المالكية " المراد بدار الحرب ‪ ،‬محل إقامة العسكر ولو في دار اإلسالم حيث ال أمن " ‪.‬‬

‫‪129‬‬

‫‪ 121‬تأسيس النظر ـ‪ :‬أبو زيد عبيد هللا عمر بن عيسى الدبوسي ‪ ,‬تحقيق و تصحيح مصطفى محمد القباني الدمشقي‪ ,‬دار بن زيدون‬

‫بيروت‪1987 ,‬م ص ‪.79‬‬

‫‪ 122‬اآلية ‪ 138‬من سورة األعراف‪.‬‬ ‫‪ 123‬األية ‪ 10‬من سورة الرحمن‪.‬‬

‫‪ 124‬األية ‪ 137‬من سورة آل عمران‬ ‫‪ 125‬اآلية ‪ 15‬من سورة الملك‪.‬‬ ‫‪ 126‬اآلية ‪ 10‬من سورة الزمر‪.‬‬

‫‪ 127‬أخرجه اإلمام أحمد ـ حديث رقم ‪1420‬‬

‫‪ 128‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج‪ 1‬ص ‪.570‬‬ ‫‪41‬‬


‫بل إن الحنفية الذي اهتموا بهذا التقسيم لم يشيروا إلى أن حالة الحرب هي المحور الرئيس في هذا التقسيم ‪ ،‬يقول الشيخ‬ ‫مصطفى ا لزرقا " ليس المراد بدار الحرب في اصطالح الحنفية أن يكونوا في حالة حرب قائمة بينهم وبين المسلمين ‪ ،‬بل‬ ‫المراد بدار الحرب أنها غير إسالمية ‪ ،‬بل مستقلة غير داخلة تحت سلطة اإلسالم)‪.‬‬

‫‪130‬‬

‫وقد سار بعض الفقهاء المتأخرين كعبدالقادر عودة ‪،‬إلى أن دار اإلسالم " تشمل البالد التي تظهر فيها احكام االسالم‪ ،‬او‬ ‫يستطيع المسلمون ان يظهروا فيها احكام االسالم‪ ،‬فيدخل في دار االسالم‪ :‬كل بلد سكانه كلهم او اغلبهم مسلمون‪ ،‬وكل‬ ‫بلد يتسلط عليه المسلمون ويحكمونه ولو كانت غالبية السكان من غير المسلمين‪ ،‬ويدخل في دار االسالم كل بلد يحكمه‬ ‫ويتسلط عليه غير المسلمين ما دام فيه سكان مسلمون يظهرون احكام االسالم ‪ ،‬او ال يوجد لديهم ما يمنعهم من اظهار‬ ‫احكام االسالم"‪.131‬‬ ‫وقد ذهب عدد من الفقهاء إلى أن هذا التقسيم ال دليل عليه من الكتاب والسنة وانما استمد قوته من الواقع التاريخي الذي‬ ‫عاشه المسلمون األوائل حيث فرضت عليهم الظروف التي مر بها المسلمون ودولتهم الناشئة وما واجهته من حروب‬ ‫وكذلك سيادة الحرب بصفة عامة بين الدول في تلك الحقيقة التاريخية إلى أن يقسموا العالم إلى دار إسالم ودار‬ ‫حرب‬

‫‪.‬‬

‫‪. 132‬‬

‫بدليل أن الفقهاء عدلوا عن التقسيم "الثنائي" للعالم إلى تقسيم "ثالثي" وهو دار اإلسالم ودار الحرب ودار العهد‪ ،‬ولو كان‬ ‫األمر حكما الزما لما تجاوزه الفقهاء‪ ،‬وهنا يأتي السؤال األخر هل يجب الوقوف عند هذا التقسيم؟ أم يمكن االجتهاد فيه‬ ‫واعادة بحث داللته‪ ،‬إذ طرح بعض الفقهاء المتأخرين تقسيمات جدية مثل أمة الدعوة وأمة اإلجابة‪ ،‬ونظر إلى العالقة بين‬ ‫المسلمين وغيرهم باعتبارها عالقة دعوة قائمة على تبليغ الرسالة اإلسالمية فالسالم والحرب ليسا هما العالقة الطبيعية بين‬

‫‪ 129‬حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني ‪ :‬أبو الحسن علي بن أحمد [ن مكرم الصعيدي العدوي‪ 1189( ,‬ه ) ‪ ,‬دار‬

‫الفكر ‪ ,‬بيروت‪1989 ,‬م‪ .‬ج‪ 1‬ص ‪.366‬‬

‫‪ 130‬فتاوى مصطفى الزرقا ‪ :‬مصطفى أحمد الزرقا‪ ,‬دار القلم‪ 1989 ,‬م‪ ,‬ص‪.626‬‬

‫‪ 131‬التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي‪ :‬عبدالقادر عودة ‪ ,‬دار الكاتب العربي‪ ,‬بيروت‪1986 ,‬م ج‪421 /1.‬‬ ‫‪132‬‬

‫آثار الحرب فب الفقه االسالمي‪ :‬وهبة الزحيلي‪ ,‬دار الفكر ‪ ,‬دمشق‪1981 ,‬م‪ ,‬ص‪ – 167‬والعالقات الدولية في اإلسالم –‬

‫محمد أبو زهرة ص‪51‬‬ ‫‪42‬‬


‫المسلمين وغيرهم وانما هما منهجان في العالقات الدولية قديما وحديثا يأخذ بهم المسلمون وفقا للحاجة في ضوء الضوابط‬ ‫الشرعية الحاكمة لهما‪.‬‬ ‫وقد ذهب األستاذ مالك بن نبي إلى طرح ما سماه "دار الشهود"‪ .133‬بدال عن الدار التي يسكنها غير المسلمين و التي‬ ‫ُمة‬ ‫اك ْم أ َّ‬ ‫اص ُ‬ ‫ك َج َعْلَن ُ‬ ‫طلح عليها قديما بـ "دار الحرب" انطالقا من دور المسلم في الحياة الذي جاء في قوله تعالى َ"وَك َذل َ‬ ‫ونوا ُش َه َداء َعَلى َّ‬ ‫ول َعَل ْي ُك ْم َشهيدا"‪.‬‬ ‫الناس َوَي ُكو َن َّ‬ ‫َو َسطا لتَ ُك ُ‬ ‫الرُس ُ‬ ‫َ‬

‫‪134‬‬

‫فالشهادة في ظاهرها هي اإلخبار عن أمر وقع العلم به إلقامة حق يتوقف عليه ذلك اإلخبار ‪ ،‬وهو ما يقوم على أربعة‬ ‫عناصر أساسية‪ :‬العلم الذي هو أساس الشهادة‪ ،‬والبيان واإلظهار لذلك العلم‪ ،‬ثم تبليغ ذلك العلم بحيث يصير واصال إلى‬ ‫اآلخرين على الوجه المقنع‪ ،‬ثم العدل في كل ذلك حتى تكون الشهادة مفضية إلى نفع المشهود عليهم‪ .‬تلك هي الشهادة‬ ‫على الناس التي يقوم عليها التحضر اإلسالمي تأسيسا في مبادئ الدين ‪ ،‬وتطبيقا في السيرة العملية للحضارة اإلسالمية‪.‬‬ ‫إنها شهادة تنطلق من تصور عقدي لإلنسان الذي خلق للنعمة ‪ ،‬وكرم تكريما ‪ ،‬وحمل األمانة تعظيما ‪ ،‬وبناء على ذلك‬ ‫فإن التحضر اإلسالمي يشهد على الناس بشهادة العلم بحقائق الدين والكون والناس‪ ،‬ثم شهادة على الناس بتبليغ تلك‬ ‫الحقائق تبليغ إنقاذ واصالح ونشر للخير ‪ ،‬شهادة عدل في الموقع الوسطي بين المتطرفات في األفكار والسلوك ‪ ،‬ليكون‬ ‫ذلك الموقع مثوبة لمن ترهق فطرته مسالك التطرف‪ ،‬وشهادة عدل في الحكم بين الناس بالتعامل المتساوي معهم‪ ،‬وبرد‬ ‫جائرهم عن مظلومهم‪ ،‬ونصرة المستضعفين والمقهورين‪ .‬هذه هي شهادة التحضر اإلسالمي على الناس‪ ،‬وهي شهادة ال‬ ‫يضيرها خروقات األفراد والحاالت الجزئية المعزولة إذا ما ظلت قائمة في عمومها زمن التحضر" ‪ .135‬و هذا الفهم للشهود‬ ‫الحضاري ال يمكن تصور القيام به في ظل تقسيم العالم إلى دارين أو أكثر من دار ‪.‬‬ ‫وقد طرح آخرون مصطلح دار اإلسالم حكما وحقيقة ودار اإلسالم حكما ال حقيقة‪ ،‬ودار الحرب باعتباره تقسيما جديد في‬ ‫زمن حدثت تحوالت كثيرة في العالقات الدولية المعاصرة لم تعد فيه المعيير السابقة قائمة اليوم واشاروا إلى أن دار‬ ‫اإلسالم حقيقة هي ما أشار إليه الفقهاء قديما ‪ ،‬واما دار اإلسالم حكما ال حقيقة فهي البالد التي يعيش فيها المسلمون‬

‫‪ 133‬في مهب المعركة ‪ :‬مالك بن الحاج عمر بن الخضر بن نبي (‪1393‬ه )‪ ,‬دار الفكر المعاصر بيروت‪1981 ,‬م‪ .‬ص‪.137 :‬‬ ‫‪ 134‬األية ‪ 143‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪135‬‬

‫فقه التحضر اإلسالمي ‪ :‬عبد الحميد النجار‪ ,‬دار الغرب االسالمي‪1983 ,‬م‪ .‬ص ‪24‬‬ ‫‪43‬‬


‫ويمارسوا شعائر دينهم و ال يقع عليهم ظلم أو عدوان بسبب دينهم و يتمتعون بكافة الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من‬ ‫سكان تلك البالد ‪ ،‬لكن الحكم السائد فيها ليس حكما إسالميا ‪ ،‬أما دار الحرب فهي التي بينها و بين المسلمين حربا معلنة‬ ‫‪ ،‬وتمارس ا لعمليات الحربية ضدهم ‪ ،‬كما أن تأثير هذه الحرب ال يمتد إلى غير المحاربين من أهل تلك الدولة و إنما‬ ‫يقتصر على من يمارس العمليات الحربية ‪.‬‬

‫‪136‬‬

‫‪4‬ـ ـتغير بيئة العالقات الدولية ‪:‬‬ ‫لقد نشاء مفهوم تقسيم العالم إلى دارين في ظل بيئة مختلفة للعالقات بين الدول و المجتمعات ‪ ،‬فحالة الحرب كانت هي‬ ‫الحالة السائدة بين المسلمين وغيرهم ‪ ،‬فتاريخ العالقات الدولية قبل اإلسالم كان قائما على الحروب و المعارك وحين بدأ‬ ‫اإلسالم كانت العالقات الحربية هي السائدة بين الدولتين الكبيرتين في ذلك الوقت ‪ ،‬وهما دول الفرس و دول الروم ‪ ،‬وقد‬ ‫حاولتا القضاء على الكيان الناشئ للمسلمين في تلك المرحلة الكبيرة ‪ ،‬هذا إلى جانب الحرب التي يشنها المشركون في‬ ‫الجزيرة العربية ‪ ،،‬وقد استمرت " حالة الحرب " تلقي بضاللها على العالقات الدولية في تلك المرحلة التاريخية ‪ ،‬إذ كانت‬ ‫الحرب بين الدول والجماعات هي األصل ‪ ،‬أما العالقات السلمية فقد كانت استثناء ‪ ،‬وكان لزاما على الدولة اإلسالمية‬ ‫الناشئة في المدينة أن تواجه التحديات العسكرية المحيطة بها و التي تحاول إفنائها فقام المسلمون بالدفاع عن أنفسهم بما‬ ‫ُيطلق عليه اليوم بالحرب الدفاعية ‪ ،‬أو بمهاجمة من كان يكيد لهم أو يتآمر للقضاء عليهم فيما يسمى اليوم بـ " الحرب‬ ‫اإلستباقية " أوالردع للعدو ‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فقد كانت عالقة المسلمين مع غيرهم تتفاوت بين الحرب والسلم ‪ ،‬فقد‬ ‫كان النبي‬

‫يستقبل الوفود و السفراء ـ وهي حالة من العالقات السلمية ـ في الوقت الذي كانت تدور في المعارك بينهم‬

‫و بين المسلمين ‪ ،‬وشهد مرحلة اإلسالم األولى ترسيخ فكرة العالقات السلمية بين البشر ‪ ،‬لكن بيئة العالقات الدولية في‬ ‫تلك المرحلة فرضت نفسها على المسلمين ‪ ،‬يقول الشيخ عبدهللا بن بيه " إن هذه األحكام الشرعية المتعلقة بالدور كرست‬ ‫لهذا االنقسام ( دار االحرب و دار اإلسالم )‪ ،‬لكن السبب التاريخي هو أنه لم يكن العالم محكوما بمعاهدات ‪ ،‬حيث كانت‬ ‫العالقة بين الدول بل بين القبائل عندما بعث‬

‫" كانت هذه العالقة إما عداء أو حرب أو غلبة أو أن تغلب دولة دولة‬

‫أخرى كما بين الروم وفارس‪ ،‬أو أنها تخضع لها ‪ ،‬بمعنى ال تقبل منها غير ذلك‪ ،‬حيث لم تكن الصدور متسعة في ذلك‬ ‫‪136‬‬

‫مشروع العالقات الدولية في اإلسالم ـ المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ـ إشراف د‪.‬نادية مصطفى ‪ ،‬وشارك فيه عدد من الباحثين‬

‫‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫الوقت لإلمبراطوريات إال للقتال أو لغلبة أحد الطرفين التي ال بد أن يكون مغلوبا واآلخر يكون غالبا‪ ،‬فهذا الواقع الذي‬ ‫كان في حياة القبائل في حياة الدول المنظمة مثل الفرس والروم‪.137‬‬ ‫والى جانب واقع العالقات بين الدول و المجموعات البشرية في ذلك الوقت ‪ ،‬والذي فرض نفسه فقد كان على المسلمين‬ ‫أن يتميزوا عن غيرهم في أحكامهم المتعلقة بالعالقات بينهم و بين غيرهم استكماال لتميزهم العقدي و العبادي ‪ ،‬كما أن‬ ‫المسلمين كانوا يسكنون بقعة واحدة مترابطة ‪ ،‬حتى بعد اتساع الدولة اإلسالمية و تعدد أقاليمها إال أنها ظلت مرتبطة‬ ‫بالوحدة السياسية التي كانت تحكمها بالشريعة على الرغم من ضعفها أحيانا إال أن مفهوم دار اإلسالم كان واضحا و‬ ‫محددا إضافة إلى الوحدة الجغرافية التي كانت تشكل اإلطار العملي لدار اإلسالم مما يسوغ استعمال المصطلح لكل‬ ‫دالالته وبإمكانية التط بيق العملي له ‪ ،‬وقد نشأت فكرة التقسيم في ظل هذه البيئة ‪ ،‬وكان على الفقهاء المسلمين أن‬ ‫يجتهدوا لتنظيم هذه الحالة من العالقات الدولية التي نشأت من الحاجة لوجود أحكام خاصة بها ‪ ،‬ولذا فقد ارتبطت فكرة‬ ‫التقسيم ببيئة العالقات الدولية أكثر مما ارتبطت بالنصوص الثابتة ‪.‬‬ ‫وخالل العصور التي مرت ‪ ،‬تغيرت وتبدلت بيئة العالقات الدولية مما فرض واقعا آخر غير الذي كانت عليه عند نشأة‬ ‫فكرة تقسيم العالم إلى داراإلسالم و دار الحرب ‪ ،‬وأصبح السلم هو الحالة السائدة ـ بصفة عامة ـ بين البشر ‪ ،‬خاصة بعد‬ ‫وشرعت لذلك اتفاقيات دولية‬ ‫الحرب العالمية الثانية وما تبع ذلك من نشوء منظمات دولية تقوم على حفظ السلم الدولي ‪ُ ،‬‬ ‫أجمعت عليها دول العالم و كانت الدول اإلسالمية التي لم تعد مقتصر على المسلمين وحدهم بل شملت مواطنين من‬ ‫أديان أخرى تضمهم فكرة " المواطنة " ‪ ،‬كما أن المسلمين أنفسهم لم يعودوا مقيمين في الديار اإلسالمية فقط بل انتشروا‬ ‫في القارات و الدول المختلفة ‪ ،‬وقد ضمت بعض الدول غير اإلسالمية أعدادا كبيرة من المسلمين ‪ ،‬وهاجر مسلمون إلى‬ ‫دول غير إسالمية إما للدعوة أو للدراسة أو العالج أو التجارة أو االستيطان أو هربا من ظلم وقع عليهم في بالدهم‬ ‫اإلسالمي ة بسبب بطش حكوماتهم ‪ ،‬أو غير ذلك من األسباب ‪ ،‬بل إن عدد المسلمين في بعض الدول غير اإلسالمية‬ ‫يتجاوز عدد المسلمين في بعض الدول اإلسالمية ذاتها وأحيانا يتجاوز عدد من الدول اإلسالمية !! كما هو حال المسلمين‬ ‫في الهند التي يتجاوزعدد المسلمين فيها ‪150‬مليون مسلم ‪ ،‬وفي الصين حيث يتجاوز عدد المسلمين فيها ‪ 50‬مليونا ‪،‬‬ ‫‪137‬‬

‫مغني المحتاج بشرح المنهاج ـ للشربيني الخطيب ج‪ 4‬ص ‪239‬‬

‫‪45‬‬


‫وروسيا التي يتجاوز عدد المسلمين فيها ‪ 20‬مليون ‪ ،‬وأمريكا التي يتجاوز عدد المسلمين فيها ‪ 8‬ماليين مسلم ‪ ،‬و أوروبا‬ ‫ما يقارب ‪ 43‬مليون ‪.‬‬

‫‪138‬‬

‫فهل يمكن أن وصف هؤالء بأنهم مقيمين في دار الحرب !!‪ ،‬وأن عليهم الهجرة إلى دار اإلسالم أو العمل على تحويل دار‬ ‫الكفر إلى دار إسالم ولو كان ذلك بقتال أهلها الذين يقيمون بينهم كما يرى بعض الفقهاء ـ قديما ـ والباحثين المسلمين ـ‬ ‫حديثا ـ فقد جاء في مغني المحتاج " ولو قدر على االمتناع بدار الحرب ‪ ،‬و االعتزال ‪ ،‬وجب عليه المقام بها ‪ ،‬ألن‬ ‫ٍ‬ ‫حرب فيحرم ذلك ‪ ،‬نعم ‪ ،‬إن رجا نصرة المسلمين بهجرته فاألفضل له أن‬ ‫موضعه دار إسالم ‪ ،‬فلو هاجر لصار دار‬ ‫يهاجر ‪ ،‬قال الماوردي ‪ :‬ثم في إقامته يقاتلهم على اإلسالم ويدعوهم إليه إن قدر ‪ ،‬واال فال "‪.139‬‬ ‫ويرى البعض أنه " إن ـ المسلم ـ يستطيع إظهار دينه و القيام بأحكام الشرع المطلوبة إذا كان يملك القدرة على تحويل دار‬ ‫الكفر التي يسكنها ‪ ،‬فإنه يحرم عليه في هذه الحالة أني هاجر من دار الكفر إلى دار اإلسالم إلى دار إسالم ‪ ،‬آسواء كان‬ ‫يملك القدرة بذاته أم بتكتل المسلمين الذي في بالده أم باالستعانة بالمسلمين من خارج بالده ‪ ،‬أم بالتعاون مع الدول‬ ‫اإلسالمية ‪ ،‬أم بأي وسيلة من الوسائل ‪ ،‬فإنه يجب عليه أن يعمل لجعل دار الكفر دار إسالم ‪ ،‬وتحرم حينئذ الهجرة منها‪،‬‬ ‫والدليل على أن البالد التي يعيش فيها إن كان يسكنها كفار و تحكم بالكفر ‪ ،‬فقد وجب على المسلمين قتال أهلها حتى‬ ‫يسلموا أويعطوا الجزية ويحموا باإلسالم ‪ ،‬ووجب عليه هو أيضا بوصفه مسلما من المسلمين وباعتباره ممن يليهم من‬ ‫الكفار و هو أقرب للعدو ‪ ،‬ويعتبر خروجه من دار الكفر فرار من الجهاد من مكان وجب عليه فيه !!‬

‫‪140‬‬

‫إن مثل هذه اآلراء ال تجعل لتغير البيئة أو الظرف مكانا في الحكم و لذا تنقل أحكاما اجتهادية في مرحلة تاريخية معينة‬ ‫لتجعلها حكما ثابا لكل زمان على الرغم من أن تغير بيئة العالقات الدولية أعاد رسم العالقات بين الدول على أسس جديدة‬ ‫ولذا "فإن فاعلية هذا التقسيم (دار اإلسالم ودار الحرب) حتى هذا الزمن غير مانعة من مراجعته واعادة النظر فيه‪ ،‬من‬ ‫غير أن يحسب البعض أن ذلك انتهاكا لحكم شرعي‪ ،‬فتغير البيئة الدولية وبروز متغيرات في النظام الدولي تتطلب جملة‬ ‫من العناصر الدافعة إلى المراجعة المنهجية‪ ،‬وتشير إلى مبررات حاسمة قد تدفع إلى ضرورة البحث في عناصر قسمة‬ ‫‪ 138‬مدخل القيم ‪ :‬اطار مرجعي لدراسة العالقات الدولية في االسالم‪ ,‬في مشروع العالقات الدولية في االسالم‪ ,‬إشراف د‪ .‬نادية‬ ‫مصطفى‪ ,‬المعهد العالمي للفكر االسالمي‪1990 ,‬م ج‪-2‬ص‪.364‬‬

‫‪ 139‬الشخصية إلسالمية ‪ :‬تقي الدين النبهاني‪ ,‬دار األمة للطباعة و النشر و التوزيع‪ ,‬بيروت‪1983 ,‬م ج‪ 2‬ص ‪269‬‬ ‫‪140‬‬

‫أحكام الديار و أنواعها و أحوال ساكنيها ‪ :‬محمد بن عبدهللا الغليفي ‪ ,‬ص ‪. 60‬‬ ‫‪46‬‬


‫جديدة تستلهم عناصر "الواقع" وأصول الشريعة‪ .‬ال شك أن بروز الدول القومية والمسألة الشرقية وانيهار الدولة العثمانية‬ ‫والخالفة التي ارتبطت بها‪ ،‬وتبدل عناصر ومفاصل حاسمة تفرض (قسمة جديدة) والتفكير بها تفكي ار منهاجيا عميقا‪.‬‬ ‫أن التقسيم الدولي للمعمورة ليس كما ُيتصور تقسيم حدود ولكنه أعمق من ذلك وأوسع‪ ،‬فربما تكون فكرة الحدود أحد‬ ‫عناصره‪ ،‬ولكن تظل النقطة الجوهرية فيه هو أنه يشير إلى تصورات (أوصاف) وحاالت (عالقات) ومآالت (تغيرات)‪،‬‬ ‫ومن ثم يجب إعادة النظر في هذه الرؤية ضمن رؤى خاصة بالنظام االقتصادي الدولي‪ ،‬وعمليات االعتماد المتبادل‪،‬‬ ‫ورؤى التبعية ومسالك اال ستعمار الجديد‪ ،‬والمنظمات الدولية غير الحكومية وتغير مفهوم الحدود والدولة القومية والسيادة‪،‬‬ ‫وبزوغ مفاهيم مساندة لفكرة الكونية والعالمية‪ ،‬من المواطنة العالمية‪ ،‬والتعليم من أجل السالم‪ ،‬ومؤتمرات دولية النشاط‬ ‫والرؤى ‪ :‬السكان –التنمية االجتماعية‪ -‬المدن‪ ،‬والمجتمع المدني اآللي –والتدخل الدولي لحقوق اإلنسان‪ ،‬وثورة المعلومات‬ ‫وسلطة المعرفة" ـ‬

‫‪141‬‬

‫أ ـ ـ الممارسة العملية ‪:‬‬ ‫كان من المتصور أن تبقى فكرة تقسيم العالم إلى دارين ضمن التطبيقات التاريخية التي تمت في مراحل مختلفة من التاريخ‬ ‫اإلسالمي أو ضمن المباحث الفقهية االجتهادية التي تحتاج إلى تجديد واعادة نظر وفقا لمتغيرات العصر و الضروف و‬ ‫البيئات ‪ ،‬لكن العقود األخيرة شهدت ممارسات عملية و تطبيقا ألحكام دار اإلسالم و دار الحرب على واقع مختلف كثي ار‬ ‫عما كانت عليه عند نشأة هذه الفكرة ‪ ،‬فقد تبنت عدد من الجماعات المنتسبة لإلسالم هذا التقسيم و عملت على تطبيق‬ ‫أحكامه فنظرت إلى البالد غير اإلسالمية باعتبارها دار حرب ‪ ،‬فأباحت دماء أهلها وأموالهم و ربما أعراضهم ‪ ،‬بل امتد‬ ‫تطبيقهم على البالد اإلسالمية باعتبارها بالد " انحسر عنها اإلسالم " أو أنها تُحكم بـ " الكفر " فأُبيحت دماء بعض‬ ‫المسلمي ن كالحكام و السياسيين و العسكريين باعتبارهم " خارجين من الملة " أو " كفا ار " استناد إلى اراء لفقهاء قدامى أو‬ ‫محدثين ‪ ،‬وباعتبار أن الدور التي يحكمها هؤالء خرجت عن وصف دار اإلسالم " فهي فرع من دار الكفر الطارئ ‪ ،‬وهي‬ ‫َ‬ ‫التي كانت دار إسالم في وقت ما ثم تغلب عليها المرتدون وأجروا فيها أحكام الكفار ‪ ،‬مثل الدول المسماة اليوم‬

‫‪141‬‬

‫الشخصية اإلسالمية ـ تقي الدين النبهاني ج‪ 2‬ص ‪270‬‬ ‫‪47‬‬


‫باإلسالمية‪ ،‬ومنها الدول العربية وقد مرت هذه الدول لمرحلة كونها دار كفر طارئ عندما استولى عليها المستعمر‬ ‫الصليبي و فرض عليها القوانين الوضعية ثم رحل عنها و حكمها من بعده المرتدون من أهل البالد " !!‬

‫‪142‬‬

‫" واذا كانت البالد يسكنها مسلمون و يحكمون بغير اإلسالم ‪ ،‬أي بنظام الكفر ‪ ،‬فقد وجب على المسلمين قتال حكامها‬ ‫حتى يحكموا باإلسالم ‪ ،‬ووجب عليه ـ أي على المقيم في هذه البالد ـ القتال و االستعداد للقتال إن كان قاد ار عليه "‬ ‫إن هذا الفهم لفكرة دار اإلسالم و دارالحرب وانزالها إلى الواقع دون فهم دقيق لها من غير المتخصصين في الفقه أوالشأن‬ ‫اإلسالمي وخاصة من الشباب المتحمس و المندفع للعمل لإلسالم دون فهم دقيق للنصوص ودالالتها أو الجتهادات‬ ‫الفقهاء وآراهم ثم محاولة إنزالها إلى الواقع وتطبيقها علها قد أبرزت للعالم ظاهرة سميت بـ " اإلرهاب " تارة و بـ "العنف‬ ‫اإلسالمي " تارة أخرى ‪ ،‬و بالجماعات اإلسالمية المسلحة التي ُنسب إليها كثير من أعمال اإلرهاب والعنف التي لم تتوقف‬ ‫عند المقاتلين فقط بل طالت األبرياء من المسلمين و غيرهم ‪ ،‬وال ُيدَفع ذلك بالقول إن بعض البالد اإلسالمية تتعرض‬ ‫لعدوان من دول الشرق أو الغرب ‪ ،‬فحق الدفاع عن األوطان واألبدان و األموال حق مشروع أقرته الشريعة اإلسالمية‬ ‫السمحاء ‪ ،‬والشرائع السابقة كما أقرته القوانين الوضعية البشرية ‪ ،‬لكن هذا الدفاع ال يمكن أن يتحول إلى أعمال عنف و‬ ‫قتل و سلب ونهب و خطف لْلبرياء من المسلمين و غيرهم ‪ ،‬فهناك فرق بين الجهاد المشروع الذي له من الظوابط و‬ ‫احكام ما يكفل له تحقيق غاياته دون تجاوزـ وبين ـ ما يتم من أعمال إرهابية حتة و لو كانت تحمل الفتة الجهاد‪.‬‬

‫‪142‬‬

‫الشخصية اإلسالمية ـ تقي الدين النبهاني ج‪ 2‬ص ‪270‬‬

‫‪48‬‬


‫الفصل الثالث‬ ‫نظرية تقسيم الثنائي للعالم‬ ‫يعد موضوع مشروعية الهجرة واالنتقال من بلد إسالمي إلى آخر غير مسلم واختالف بعض االحكام االسالمية من حيث‬ ‫تأثرها بحال االقامة في ما يسمى بدار االسالم‪ ،‬أو بدار الكفر يعد من اول المشكالت المفاهيمية التي تواجه الفرد واالسرة‬ ‫المسلمة في حال اختيارها أو اضطرارها للهجرة واالقامة والتوطن والتجنس بجنسية بلد غير إسالمي‪.‬‬ ‫الوجود اإلسالمي خارج الوطن اإلسالمي يتطو ار سريعا كما وكيفا بين من يريد من إقامته هناك استفادة ظرفية عابرة وبين‬ ‫من يريد االستقرار ‪،‬وقد بدأ المسلمون الهجرة إلى الدول الغربية بعد منتصف القرن العشرين ‪ ،‬جماعات ووحدانا‪ ،‬وأس ار‬ ‫وأفرادا‪ ،‬بسبب ظروف شتى حلت بهم وببالدهم‪ .‬ولم تكن هجرتهم إلى تلك البالد‪ ،‬وتكوينهم بعد ذلك جالية كبيرة لها‬ ‫انتشارها وامتدادها‪ ،‬منبثقة عن تخطيط مهم أو من دولهم‪ ،‬بل كل ذلك نتيجة ظروف ألمت بهم أو نكبات حلت ببالدهم‪.‬‬ ‫وأيضا لم تكن بواعث تلك الهجرة متحدة في أهدافها ومسبباتها بل كانت متفاوتة‪ .‬ووجد فقهاء اإلسالم أنفسهم أمام ظاهرة لم‬ ‫تكن مألوفة من قبل‪ ،‬وال عهد لسلفهم بها‪ .‬فبدال من إقامة المسلمين في بالدهم اإلسالمية والتنعم في ظل مجتمع مسلم‪،‬‬ ‫وهو وان لم يلتزم كل أحكام الشريعة اإلسالمية في حياته‪ ،‬إال أنه لم ينحل عن جميع معالمها‪ ،‬إذا بهم أو بكثير منهم‬ ‫يؤثرون اإلقامة في مجتمع ال يمت إلى الشريعة بصلة‪ ،‬وان بدا ألول وهلة أنه مجتمع مثالي ‪ .‬فتحيرت أفهام العلماء أمام‬ ‫هذه الظاهرة‪ ،‬واختلف أقوالهم في بيان الحكم الشرعي ‪ .‬وعلى هذا الضوء يبحث هذ الفصل دوافع التقسيم الثنائي للعالم ‪,‬‬ ‫نقد نظريات التقسيمات القديمة و ضرورة تجديد النظر الفقهي‪ .‬في ثالثة الماحث‪:‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬دوافع التقسيم الثنائي للعالم‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬نقد النظريات التقسيمات القديمة‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬ضرورة تجديد النظر الفقهي‬

‫‪49‬‬


‫المبحث االول‬ ‫دوافع التقسيم الثنائي للعالم‬ ‫يصر كثير من العلماء والباحثين المسلمين على التمسك بالتقسيم الذي ظهر في ايام الدولة العباسية للعالم أو المعمورة‬ ‫إلى قسمين‪ ،‬قسم يسمى بدار االسالم واالخر يسمى بدار الحرب‪.‬‬ ‫للقسمين اآلنفين‬

‫‪144‬‬

‫‪143‬‬

‫بل يصر بعض هؤالء على عدم وجود قسم ثالث‬

‫رغم ان هناك من العلماء والباحثين من ال يرى اثرالهذا التقسيم راهنا‪.‬‬

‫موجودة‪ ،‬ال يجوز االقتصار على قسمين متقابلين منهما‪.‬‬

‫‪* 146‬‬

‫‪145‬‬

‫*أو ان هناك اقساما أخرى‬

‫فهناك دار العهد‪ ،‬ودار (الموادعة) أو دار الصلح‪.‬‬

‫وكان فقهاء المسلمين درجوا منذ النصف االول من القرن الثاني الهجري‬

‫‪148‬‬

‫‪147‬‬

‫على تقسيم العالم إلى دارين أو اكثر‪ ،‬دار‬

‫اإلسالم ودار الحرب‪ ،‬في ضوء ما كان قائما من عالقات تحكم الجانبين‪ ،‬أي موقف الدول واهلها حيال اإلسالم عقيديا‬ ‫وسياسيا‪.‬‬

‫‪149‬‬

‫‪ 143‬اختالف الدارين‪ ،‬واثره في احتكام المناكحات والمعمالت ‪ :‬فطاني‪ ،‬اسماعيل لطفي ‪ ,‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬

‫القاهالة‪1989 ,‬م ‪،‬ص‪.7‬‬

‫‪ 144‬المصدر السابق ص‪.7‬‬

‫‪ 145‬يرى الدكتور جعفر عبد السالم استاذ القانون الدولي بجامعة االزهر‪ ،‬ان هذا الراي (تقسيم العالم إلى دار اسالم ودار حرب) في‬ ‫الفقه القديم يعبر عن ضعفه النه لم تعد هناك دار حرب في التجمع الدولي اآلن‪ ،‬فنحن جميعنا نعيش في دار واحدة سميت دار‬

‫السالم‪ ،‬ويتفق معه الدكتور اسامة عبدالسميع استاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة االزهر‪ ،‬ويرى ان( هذا) التقسيم لم‬ ‫يعد مالئما الن هذه المصطلحات الفقهية كانت تعبر عن مرحلة زمنية معينة وكانت هذه المطلحات لها دالالتها قديما‪ ،‬ولكن هذا‬

‫التقسيم اصبح غير ذي جدوى‪.‬‬

‫‪ 146‬االسس الشرعية للعالقات بين المسلمين وغير المسلمين ‪ :‬المولوي‪ ،‬فيصل ‪ ,‬دراسة في القانون الدولي اإلسالمي‪ ،‬مؤسسة دار‬ ‫االسالم‪1989 ،‬م ‪ ,‬لندن ‪ .‬ص‪.231‬‬

‫‪ 147‬اختالف الدارين‪ /‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫‪148‬‬

‫خالف صاحب كتاب اختالف الدارين القائلين بان التقسيم الفقهي لالرض إلى دارين‪ ،‬حدث في القرن الثاني الهجري‪ ،‬وحكم بان‬

‫هذا التقسيم ثبت وجوده فعليا وتطبيقيا في اول يوم ولدت فيه الدولة االسالمية االولى التي استقرت امورها بالمدينة المنورة‪ ،‬ويبدو انه‬ ‫ال يتحدث هنا عن التقسيم كتصنيف اجتهادي‪ ،‬بل يريد القول انه بقيام السلطة اإلسالمية على يد الرسول (ص) في المدينة وثبوت‬

‫حكم وجوب الهجرة اليها في السنين االولى‪ ،‬فان العالم تقسم فعليا إلى دارين وان لم يرد هذا التقسيم صريحا في نص نبوي أو في أية‬

‫من الكتاب الحكيم‪ .‬انظر رأيه في ص‪ .67‬من الكتاب‪ ،‬مصدر مشار اليه‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫ولهذا التقسيم دوافع‪،‬‬

‫‪150‬‬

‫الغاية منها بيان االحكام واالثار الفقهية والقانونية والسياسية‪ .‬كاالحكام الجزائية والخالفات المالية‬

‫واحكام االطعمة‪ ،‬والسياسة الخارجية‪ ،‬واحكام اللقطاء‪ .‬وبالجملة جميع االحكام التي تطال دخول المسلم وما يقيمه من‬ ‫عالقات وما يتعرض له من مشكالت في بالد غير بالده اإلسالمية‪ ،‬وكذا االحكام التي ينبغي ان تطبق على غير المسلم‬ ‫حين دخوله إلى بالد المسلمين‪ ،‬فضال عن احكام الحرب القائمة بين الطرفين‪.‬‬ ‫ولم يقتصر هدف التقسيم على بيان وتأصيل االحكام الشرعية وتوضيحها‪ ،‬بل ان ثمة دافع سياسي تنظيمي (يقف بقوة وراء‬ ‫التأسيس االول لهذه التصنيف واستمر الحقا على مدى العصور اإلسالمية‪ ،‬فاالمام ابو حنيفة النعمان (ت‪150‬هـ‪676-‬م)‬ ‫الذي كان اول من صنف وتحدث عن هذا التقسيم (نظر إلى المسلمين كمجموع أو جماعة اجتماعية وسياسية فحددماهية‬ ‫األفراد بماهية الجماعة التي يعيشون في ظلها‪ ،‬وحاول ان يقيم توازنا بين الجماعة أو السواد األعظم من جهة والسلطة من‬ ‫جهة السلطة السياسية السائدة في الدار‪ ،‬والشرعة أو القوانين المطبقة فيها)* والهدف السياسي كان اعطاء الجماعة‬ ‫والسلطة التي تحكمها‪ ،‬الصفة والماهية التي تحدد وتهب هوية الدار‪ ،‬ثم أقتصر االمر على الجماعة دون السلطة‪ ،‬أو‬ ‫السلطة دون وجود الجماعة‪ ،‬كما ذهبت إلى ذلك اجتهادات الفقهاء الحقا‪.‬‬ ‫وعندما قال االمام ابو حنيفة بان دار الكفر أو دار الحرب هي التي تظهر فيها أمور ثالثة‪ ،‬سواد احكام الكفر ونفاذها‬ ‫فيها‪ ،‬ومتاخمتها لدار الكفر أو الحرب‪ ،‬واال يبقى فيها مسلم والذمي آمنا بامان المسلمين‪.‬‬

‫‪151‬‬

‫فانه أراد ان يعرف بالسلب‬

‫دار اإلسالم التي تسود فيها احكام اإلسالم ويشعر فيها المسلمون باالمان التام‪،‬هم ومن استأمنوهم ودخلوا في عهدهم‬ ‫وجوارهم وذمتهم على االطالق‪.‬‬

‫‪152‬‬

‫ومن الواضح ان شرط التعريف االساسي للدارين هو جريان االحكام اإلسالمية‬

‫والشعور باالمن التام بحيث ال يخشى المسلم على نفسه ودينه ان التزم بشريعة اإلسالم واظهر شعائره والتزم باحكامه‪ ،‬لكن‬ ‫االمر توسع على يد الفقهاء الالحقين وجرى التركيز المفرط على السلطة‪ ،‬اعتقادا بان الحاكم المسلم هو الذي يضمن‬ ‫سيادةاحكام اإلسالم‪ ،‬ولم يدر بخلد من تحدث عن هذا الرأي ان جريان االحكام اإلسالمية لم يعد مرتبطا بوجود الحاكم‬ ‫‪ 149‬القانون الدولي في اإلسالم ‪ :‬الزنجاني‪ ،‬عباس علي العميد ‪ ,‬تعريب علي هاشم‪ ،‬مجمع البحوث اإلسالمية‪ ،‬مشهد‪ ،‬ايران‪ ،‬ط‪1‬‬

‫‪1400‬هـ‪ ,‬ص‪.155‬‬

‫‪ 150‬اختالف الدارين‪ ،‬مصدر سابق ص‪.77‬‬

‫‪ 151‬سياسيات اإلسالم المعاصر‪ ،‬مراجعات ومتابعات ‪ :‬السيد‪ -‬رضوان ‪ ,‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ 1410 ،‬ه ـ ـ ‪1990‬م ‪.‬‬

‫ص‪-77‬‬ ‫‪152‬‬

‫بدائع الصنائع المصدر السابق‪ ,‬ص ‪131‬‬ ‫‪51‬‬


‫والسلطة اإلسالمية بدليل غلبة المغول والصليبيين على بعض مناطق المسلمين سابقا والمستعمرين األوربيين الحقا ولم‬ ‫يتخل المسلمون عن احكامهم وشعائرهم في اسوء فترات االحتالل والسلطة المباشرة‪ .‬وبالتالي فان االصرار على تعريف‬ ‫دار اإلسالم ودار الكفر بوجود سلطة اسالمية انما يعد استجابة لداعي الشرط السلطوي في سياق تحفيز المسلمين لمواجهة‬ ‫الخطر ا لدائم من جانب أعدائهم وخصومهم والطامعين في االستحواذ على بلدانهم‪ .‬وهذا ما يفسر على االقل قول الرافعي‬ ‫(ت‪623‬هـ) انه ليس من شرط دار اإلسالم ان يكون فيها مسلمون بل يكفي كونها في يد االمام واسالمه)‬

‫‪153‬‬

‫فيما ذهب‬

‫عبد القاهر البغدادي(ت‪429‬هـ) إلى التشدد في تعريف دار اإلسالم ليجعل االمر يدور مدار غلبة اهل السنة أو على‬ ‫االقل ان ال يكونوا مقهورين من جانب مسلمين آخرين سماهم اهل البدعة‪ ،‬اذ يقولعن دار االسالم‪( ،‬كل دار ظهرت فيها‬ ‫دعوة اإلسالم من اهلها بال خفير وال مجير وال بذل جزية ونفذ فيها حكم المسلمين على اهل الذمة ان كان فيهم ذمي‪ ،‬ولم‬ ‫يقهر اهل البدعة فيها اهل السنة في دار اإلسالم وان كان االمر على ضد ما ذكرناه في الدار فهي دار الكفر)‪.‬‬

‫‪154‬‬

‫واذا كان فقهاء المالكية قد تشددوا في قضية كون السياسة يجب ان تكون بيد المسلمين من منظور ال سلطة لكافر على‬ ‫مسلم أوال والية لغير المسلم على المسلم كشرط العتبار الدار دار اسالم‪.‬‬

‫‪155‬‬

‫وباعتبار ان تطبيق الشريعة واحكامها‬

‫واظهارها وحمايتها منوط بتولي المسلم لزمام االمور‪ ،‬فان الدافع االساسي لهؤالء كان معالجة خطر الزحف النصراني على‬ ‫المناطق المسلمة خاصة بعد سقوط صقلية واإلمارات اإلسالمية في االندلس‪ ،‬اذ اصبح متعينا على المسلمين الذين‬ ‫خضعوا لسلطان الممالك المسيحية الهجرة اعتمادا على المبدأ (االصل) الذي تمسك به هؤالء الفقهاء وهو عدم سقوط‬ ‫فرض الهجرة على المسلم من دار الحرب إلى دار اإلسالم‬

‫‪153‬‬ ‫‪154‬‬ ‫‪155‬‬

‫‪156‬‬

‫وفي ذلك يقول الفقيه االندلسي ابو الوليد بن رشد‬

‫فتح العزيز في شرح الوجيز‪ ,‬المصدر السابق‪.31 ,‬‬

‫أصول الدين‪ :‬عبد القاهر بن طاهر البغدادي‪ ,‬ص‪.270 ,‬‬ ‫سياسات اإلسالم المعاصر المصدر السابق ‪.82 ,‬‬

‫‪ 156‬استنادا إلى قول الرسول (ص) (انا بريء من كل مسلم يقيم بين اظهر المشركين) رواه ابو داوود (‪ )2645‬عن جرير بن عبد هللا‬ ‫وقال عقبة‪ :‬رواه هيثم ومعمر وخالد الواسطي وجماعته‪ .‬وكذلك حديث (من جامع مشركا‪ ،‬وسكن معه‪ ،‬فهو مثله) أيضا رواه ابو‬

‫داوود(‪ )2787‬عن سمرة بن جنب‪ ،‬وقال الشيخ االلباني في االرواء سنده ضعيف‪ ،‬سنن ابي داود‪ ،‬اعتنى به فريق بيت األفكار‬ ‫الدولية‪ ،‬طبع جده‪ ،‬بال تاريخ‪ ،‬ص‪ .315‬وقول الفقيه المالكي ابو بكر بن العربي ت(‪( )542‬ان السفر في االرض على ستة انواع‪،‬‬ ‫اولها الهجرة‪ ،‬وهي الخروج من دار الحرب إلى دار اإلسالم وكانت فرضا في ايام النبي عليه السالم وهذه الهجرة باقية إلى يوم القيامة‬ ‫والتي انقطعت هي القصد إلى النبي (ص) حيث كان‪ .‬ثم يقول فإن بقي في دار الحرب فقد عصى) احكام القرآن تحقيق علي محمد‬

‫البجاوي ‪ ،‬دار احياء الكتب العربية‪ ،‬عيسى البابي وشركائه ج‪1‬ص‪1967 .484‬م‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫الجد(ت‪520‬هـ) (فرض الهجرة غير ساقط‪ ،‬بل الهجرة باقية الزمة إلى يوم القيامة‪ ،‬واجب باجماع المسلمين على من اسلم‬ ‫بدار الحرب ان ال يقيم بها حيث تجري عليه احكام المشركين وان يهجرها ويلحق بدار المسلمين حيث تجري عليه‬ ‫احكامهم)‪.‬‬

‫‪157‬‬

‫‪ .1‬وهذا الرأي قياس على ما كان عليه المسلمون قبل فتح مكة حيث نصت آيات الهجرة والوالية على الهجرة إلى المدينة‪،‬‬ ‫برغم وجود استثناءات اجاز فيها الرسول لبعض المسلمين البقاء مع قومهم غير المسلمين‪،‬‬

‫‪158‬‬

‫ومعان هذا الحكم (حكم‬

‫الهجرة) نسخ بعد الفتح‪ 159،‬اال ان فقهاء المسلمين المتأخرين قاسواما حدث من سقوط بعض المناطق اإلسالمية بغلبة غير‬ ‫المسلمين عليها‪ ،‬على ما كان يجري من احكام قبل الفتج اإلسالمي لمكة وطالبوا بهجرة المسلمين منها إلى المناطق التي‬ ‫ال زالت بيد المسلمين‪ ،‬حفاظا على اسالمهم وخوف الوقوع في الفتنة‪ .‬ثم انتبه البعض إلى خطورة تفريغ االرض من‬ ‫ساكنيها‪،‬مع االعتراف بخطر التأثيرات الدينية والقانونية غير اإلسالمية على شخصية المسلمين والتزامهم بدينهم مما عرف‬ ‫الحقا (بضعف الدين)‪.‬‬

‫‪160‬‬

‫أو النقصان بااللتزام اإلسالمي‪ ،‬واصبح التركيز يدور حول شعور المسلم باالمان من‬

‫عدمه‪،‬فاذا تحصل لديه االمان وقدر على اظهار تمسكه باإلسالم أو مزاولته للشعائر اإلسالمية‪ ،‬فان شرط وجود السلطة‬ ‫السياسية للمسلمين كاصل لتسمية الدار بدار اإلسالم‪ ،‬تقلص لصالح االصل اآلخر‪ ،‬اعني به توفر االمان وقدرة المسلم‬ ‫على اظهار دينه وعدم خوفه من اعالن التمسك به‪.‬‬

‫‪ 157‬المقدمات الممهدات ‪ :‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد ـ ـ الجد ـ ـ ( ‪520‬ه ) الطبعة االولى دار الغرب االسالمي‪ ،‬بيروت ‪,‬‬

‫‪1408‬هـ ‪1988‬م نقال عن سياسيات اإلسالم المعاصر‪ .‬ص‪.82‬‬ ‫‪158‬‬

‫روى ابن شهاب الزهري‪ ،‬التابعي الفقيه(ت‪124‬هـ)عن صالح بن بشير بن فديك قال‪ :‬خرج فديك إلى رسول هللا (ص) فقال‪ :‬يا‬

‫رسول هللا انهم يزعمون ان من لم يهاجر هلك‪ ،‬فقال رسلو هللا (ص)‪ :‬يافديك اقم الصالة وآت الزكات واهجر السوء واسكن من ارض‬

‫قومك حيث شئت تكن مهاجرا‪ .‬رواه البهيقي مرسال في سننه الكبرى ج‪ 9‬ص‪ .17‬وكذلك يمكن االستشهاد باقرار الرسول لبعض‬

‫المسلمين بالبقاء في مكة مع قدرتهم على الهجرة إلى لمدينة حيث لم يخافوا الفتنة في الدين‪.‬‬

‫‪ 159‬قوله تعالى في سورة االنفال االية ‪( :72‬ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا)‪.‬‬

‫‪ 160‬قوله تعالى في سورة االنفال االية ‪( :72‬ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا باموالهم و انفسهم في سبيل هللا و الذين نصروا‪ ,‬اولئك‬

‫بعضهم اولياء بعض و الذسن آمنوا ولم بهاجروا مالكم من واليتهم من شيء حتى يهاجروا وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر‬ ‫االَّ على قوم بينكم و بينهم ميثاق و هللا بما تعملون بصير‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫وقد حاول باحث اسالمي ان يتخلص من مآزق كون بعض المناطق يحكمها غير المسلمين لكن المسلمين القاطنين فيها‬ ‫قادرون على اجراء احكامهم واظهار شعائرهم‪،‬فقال ان هذه الدار تعد من ديار اإلسالم حكما الحقيقية‪ 161،‬لقول بعض اهل‬ ‫العلم‪،‬ان دار الحرب تصير دار اسالم باجراء بعض احكام اإلسالم فيها بال خالف برغم ان السلطة فيها الهل الكفر‪،‬‬ ‫واوضح صور هذه الحالة‪ ،‬ماعليه الدول التي يحكمها اهلها غير المسلمين اصال ولكنهم يسمحون للمسلمين باقامة‬ ‫واجباتهم واظهار شعائرهم‪ ،‬وعمدةاالستدالل في ذلك قول الفقيه الشافعي الماوردي من انه (اذا قدر المسلم على اظهار‬ ‫الدين في بالد من بال الكفار‪ ،‬فقد صارت البلد به دار اسالم)‪,‬‬

‫‪162‬‬

‫كذلك قول محمد رشيد رضا‪ :‬بناء على قول بعضهم ان‬

‫دار اإلسالم هو ما يمكن المسلم من اظهار دينه وال يخاف فتنةفي دينه‪ ،‬واكثر بالد اوربا وامريكا كذلك ولكنها ليست دار‬ ‫اسالم‪.‬‬

‫‪163‬‬

‫وهذا الرأي يستجيب لما عرف بلغة المعاصرين من المشتغلين بالفقه اإلسالمي‪،‬بشروط الزمان والمكان واثرها في تغير‬ ‫بعض االحكام االجتهادية بتغير موضوع الحكم الشرعي‪.‬‬

‫‪164‬‬

‫فأساس التقسيم لدار االسالم ودار الحرب‪ ،‬هو حالة الحرب‬

‫القائمة نظريا وفعليا بين المسلمين وغيرهم‪،‬وعدم وجود المداوالت التجارية والسياسية واالعتراف السياسي والتبادل‬ ‫الدبلوماسي‪ ،‬اما وقد تغير حال التنظيم الدولي‪،‬واصبحت شرعة االمم المتحدة هي المنظم االساس لحاالت الحرب والسلم‬ ‫في العالقات الدولية‪ ،‬فان الحديث عن دار اإلسالم ودار الحرب بالمعايير السابقة‪،‬لم يعد ام ار مستساغا رغم طغيان بعض‬ ‫الدول على المسلمين واعتداءاتها على بلدانهم التي ادت بعض هذه االعتداءات إلى االحتالل المباشر‪ ،‬ولكنذلك ال يقلل‬ ‫من اهمية القول بان القسمة الثنائية إلى دار اسالم ودار حرب‪،‬تجعل الذهن االسالمي مشغوال بهاجس الحرب ومالبساتها‬ ‫وظروفها‪ ،‬وهو ما ليس في صالح المسلمين عمليا وال نظريا‪،‬بعد ان بلغ عدد المسلمين في بالد الحرب هذه عشرات‬ ‫الماليين‪،‬فضال عن ان الت ماس المعاذير لهذه القسمة يعد من ضروب الجمود على اجتهادات الماضين وما املته عليهم‬ ‫ظروف ازمنتهم وتبعات احوالهم‪.‬‬

‫‪161‬‬ ‫‪162‬‬

‫اختالف الدارين‪ ،‬مصدر سابق ص‪. 72‬‬

‫االحكام السلطانية و الواليات الدينية‪ :‬علي بن محمد حبيب البصري الماوردي‪ ,‬دار الفكر للطبهعة و النشر و التوزيع ‪ ,‬القاهرة‪,‬‬

‫‪1402‬ه ـ ـ ـ ‪1982‬م ص ‪.120‬‬

‫‪ 163‬فتاوى االمام محمد رشيد رضا ‪ :‬تحقيق صلح الدين المنجد ‪ ,‬دار الكتاب الجديد‪ ,‬بيروت ‪1988 ,‬م ‪ ,‬رقم ‪158‬ج‪ 1‬ص‪.372‬‬ ‫‪164‬‬

‫هذا هو رأي ابن تيمية‪ ،‬انظر مجموع فتاوى ابن تيمية ج‪ 18‬ص‪.382‬‬ ‫‪54‬‬


‫والحال ان السعة المفترضة للعقل االجتهادي اإلسالمي تلزمه بالبحث عن معايير جديدة لها جذور في الموروث الفقهي‪،‬‬ ‫إذ فرق فقهاء الزيدية بين دار الكفر وبين دار الحرب وهذا التعريف له وجه وجيه وذو قيمة علمية وعمليةكبيرة اذ قالوا بان‬ ‫دار الكفر هي التي تظهر فيها خصلة كفرية ولكنها لم تحارب اإلسالم كدار الحرب‪.‬‬

‫‪165‬‬

‫أي ان هناك سعة في األمر‬

‫بحيث يمكن تفادي حصر جميع الدول والبلدان غير المسلمة بدار الحرب‪.‬‬ ‫وواقع الحال يشي ر بصراحة إلى ان الكثير من بالد المسلمين تحكمها سلطة الشرائع الوضعية التي اصبحت محروسة بقوة‬ ‫القانون وسلطة السياسة العليا والدستور‪،‬حيث القائمون عليها مسلمون ولكنهم ما عادوا متمسكين بالكثير من االصول‬ ‫الشرعية واالمر المسموح به هو االحكام الشخصية والمواريث واالموات‪ ،‬فهل يحكم على هذه البالد بانها خارج دار‬ ‫اإلسالم‪ ،‬خصوصا وان هناك حربا فعليا ضد من ينادي فيها بتحكيم الشريعة اإلسالمية ويجرمه القانون الوضعي‪ ،‬وقديما‬ ‫سمى البعض هذه الدار بدار الفسق‪,‬‬ ‫ذلك باحثين معاصرين‪,‬‬

‫‪168‬‬

‫‪166‬‬

‫وحديثا تساءل محمد رشيد رضا عن وضعية مثل هذه الدول‪،‬‬

‫‪167‬‬

‫كما تابعه في‬

‫ومن ذلك نستنتج بان التعريفات لدار اإلسالم أو دار الكفر تتسع أو تضيق بحسب رؤية‬

‫اصحابها واختالفهم في الشروط الجوهرية لهذه التعريفات‪ ،‬فهل هي االرض‪ ،‬ام الشعب‪ ،‬ام القانون والشرعة السائدة سلطة‬ ‫السياسة‪ ،‬ام االمان ومساحة الحريات؟ ام هذه جميعها؟‬

‫‪165‬‬

‫اختالف الدارين مصدر سابق‪ .‬ص‪72‬‬

‫‪166‬‬

‫اختالف الدارين‪ ،‬مصدر سابق في هامش الصفحة ‪ ،74‬نقله عن شرح االزهار لالمام عبدهللا بن ابي القاسم الشهير بابن مفتاح‬

‫‪167‬‬

‫فتاوى االمام محمد رشيد رضا ‪ :‬تحقيق صلح الدين المنجد ‪ ,‬دار الكتاب الجديد‪ ,‬بيروت ‪1988 ,‬م ‪ ,‬رقم ‪158‬ج‪ 1‬ص‪.372‬‬

‫المتوفي ‪877‬هـ‪.‬‬ ‫‪168‬‬

‫الفقه للمغتربين‪ ,‬وفق فتاوى سماحة آية هللا العظمى علي الحسيني السيستاني‪ :‬مؤسسة االمام علي‪ ,‬لندن ‪ ,‬طبع بيروت‪,‬‬

‫‪1989‬م‪ ,‬ص ‪.66/64‬‬

‫‪55‬‬


‫المبحث الثاني‬ ‫نقد نظريات التقسيمات القديمة‬ ‫هناك نظريات اربع تستوفي التقسيمات وعلى ماذا استندت؟ وهذه النظريات هي‪:‬‬

‫‪169‬‬

‫النظرية األولى‪:‬واصحاب هذه النظرية يرون ان دار اإلسالم تلك التي تحكمها حكومة اسالمية تقوم بتطبيق احكام‬ ‫اإلسالم‪،‬وتقام الشعائر والمظاهر الدينية في نطاق سلطتها وسيادتها‪ ،‬أي ان دار اإلسالم قد ضيقت وفق هذه النظرية إلى‬ ‫ادنى حد واصبحتمشروطةبحكومة اسالمية شرعية وان اختلفت معايير هذه الشرعية مذهبيا واجتهاديا بين المسلمين‪.‬‬ ‫النظرية الثانية‪ :‬هذه النظرية يرون ان ظهور االسالم يتحقق بظهور احكامه وشعائره‪ ،‬فاذا مازالت هذه االحكام والشعائر‬ ‫عنبلد فال يعد يعرف بدار اإلسالم وسيفقد عنوانه االصلي‪ ،‬فان البلد الواحد‪ ،‬يمكن ان يكون جزءا من دار اإلسالم في يوم‬ ‫من االيام‪ ،‬ويمكن ان يتحول إلى دار حرب في يوم آخر بسيطرة النظم غير اإلسالمية وزوال الشعائر واالحكام‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫النظرية الثالثة‪ :‬ترى ان اساس االختالف هو وجود األمان من عدمه‪ ،‬فمتى ما كان هناك امان للمسلمين في بلد ما‪ ،‬فان‬ ‫هذا البلد يحسب على الوطن اإلسالمي‪ ،‬ومتى ما فقد هذا االمان فان ذلك البلد يحسب على دار الحرب‪ ،‬وفي ضوء هذه‬ ‫النظرية فان أي بقعةمن الوطن اإلسالمي (دار اإلسالم) ال تتبدل إلى دار الحرب اال اذا تحققت فيها‪...‬‬ ‫الشروط الثالثة اآلتية‪:‬‬ ‫‪ .1‬ان تنفذ وتطبق فيها احكام الكفر‪.‬‬ ‫‪ .2‬ان تجاوز تلك البقعة دار الحرب جوار تالصق‪.‬‬ ‫‪ .3‬ال يبق في تلك البقعة مسلم وال ذمي يعيش في امان المسلمين‪.‬‬ ‫‪169‬‬

‫تسائل الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس اإلوروبي لالفتاء عن المعايير لتسمية الدار بدار اسالم بقوله‪ :‬ما هو المعيار‬

‫بسلطان اإلسالم وتنفيذ احكامه واقامة شعائره؟ هل هو اقامة احكام اإلسالم بشكل كامل؟ هذا معناه ان اكثر بالد المسلمين لم تعد‬

‫اليوم دار اسالم‪ .‬هل يكفي ان تطبق احكام االحوااللشخصية االسالمية دون سائر القوانين هذا معناه أيضا ان تخرج بالد اسالمية‬ ‫عريقة من دار اإلسالم كتركيا‪ )....‬االسس الشرعية للعالقات بين المسلمين وغير المسلمين ص‪ 100-99‬مصدر سابق‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫النظرية الرابعة‪:‬ويرى اصحاب هذه النظرية ان تقسيم الفقهاء إلى دار اإلسالم ودار الحرب جاء على اساس العالقات التي‬ ‫سادت بين المسلمين وغيرهم‪ ،‬وان مالك هذا التقسيم هو حالة الحرب أو السلم التي كانت قائمة آنئذ‪ ،‬فدار الحرب هي تلك‬ ‫التي ال تعيش مع المسلمين في حالة سالم وود‪.‬‬ ‫واذا قلنا ان حالة الحرب والعداوة لم تعد قائمة على االساس االيديولوجي والعقائدي بمعنى حروب االديان والدول المنبثقة‬ ‫عنها‪ ،‬كما اننا ال نستطيع القول قطعيا بان الدول المعاصرة ال زالت وفيه لتراثها الديني والعقائدي وتتحرك بوحي الدفاع‬ ‫عن مصالحها من رؤية عقائدية مذهبية‪ ،‬رغم وجود صرعات الحديث عن صدام الحضارات‪ ،‬وخصومات االديان كجذر‬ ‫للتنافس وربما الصراع الحضاري‪ ،..‬فان ذلك كله يدعونا إلى البحث عن تقسيمات للعالم تتجاوز التقسيمات الفقهية‬ ‫الماضية إلى تقسيمات كان يكون منها اإليمان والكفر أو االيمان واإللحاداو السلم والحرب أو بلدان الحريات وبلدان‬ ‫االستبداد‪ ،‬لتتحدد رسالة المسلم في ضوء ذلك على اساس المضي في المشوار الدعوي واالستفادة من الحريات والمجاهرة‬ ‫بالرأي من اجل اصالح حال الحضارة المعاصرة بإعادة التموضع من زاوية نشر القيم االسالمية واالنسانية االيجابية‬ ‫والمساهمة في حوار الحضارات واالديان والثقافات على اساس تقديم النموذج االنساني الذي ينظر للبشر بمنطق علي بن‬ ‫ابي طالب كرم هللا وجهه‪،‬الذي قسم الناس الى صنفين (اما أخ لك في الدين‪ ،‬واما نظير لك في الخلق)‪ ،170‬وعندئذ تكون‬ ‫مساحة العالم باسره مسرحا للعمل االنساني المبدع وفقا لمعايير اإلسالم ورسالته االخالقية وكيما تكون شريعته والقيم‬ ‫المنبثقة عنها جزءا من حالة التدافع الثقافي‪ ،‬واذ ذلك ال يعود سلوك المسلم قلقا متأرجحا بين الشعور بالذنب لعدم هجرته‬ ‫المعاكسة إلى وطنه االصلي كما تدعو إلى ذلك بعض الرؤى اإلسالمية‪ ،‬لتعذر ذلك ألسباب عديدة‪ ،‬أو يكون هذا السلوك‬ ‫ارتدادايامطبوعا بطابع العداوة لآلخرين‪،‬النهم محاربون كفار يريدون بالمسلمين شرا‪ ،‬فيما المسلمون يعيشون بين ظهرانيهم‪،‬‬ ‫كأنهم بؤر تذكرهم بحالة الحرب الدائمة‪ ،‬فالهم مخلصون متسالمون مع مجتمعاتهم وأوطانهم الجديدة‪ ،‬والهم يجرؤون على‬ ‫االنفكاك من عالمهاالمادي المتطور وحرياتهاوالعودة من حيث أتوا‪ .‬أي ان اندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة يبقى معلقا‬

‫‪170‬‬

‫نهج البالغة‪ ،‬مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كالم سيدنا امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) شرحه االمام االكبر‬

‫الشيخ محمد عبده‪ ،‬خرج مصادره الشيخ حسين االعلمي‪ ،‬الطبعة االولى المصححة ‪ , ,‬مؤسسة االعلمي للمطبوعات‪ ،‬بيروت‬

‫لبنان‪1410،‬ه ‪ ,‬ـ ـ ‪ 1990‬م الجزء الثالث ص‪.572‬‬

‫‪57‬‬


‫على توافر شروط ثقافية ومفاهيم شرعية عديدة لم تحل ولم تنجز‪ ،‬وفي ذلك تعطيل خطير للطاقات وتفعيل لصراع االجيال‬ ‫في اوساطهم‪ ،‬وخطر يدفعهم إلى التقوقع على انفسهم وانعزالهم بما يفقدهم القدرة على التأثير السياسي والثقافي والقانوني‬ ‫لصالح قضاياهم كمسلمين مواطنين‪ ،‬ورغم ذلك فان احتجاجات بعضهم ومطالبتهم بحقوقهم يندرج تحت عنوان (االرض هلل‬ ‫ولنا الحق فيما نختار من أماكن للعيش) وعلى االخرين ان يقبلونا بمعاييرنا نحن ال بمعايير مشتركة اساسها االعتراف‬ ‫بشرعية االختالف والتسامح بين المختلفين وتثميرالتنوع لخدمة اإلسالم واالمان والتطور االنساني‪.‬‬ ‫نستنتج من كل ذلك ان مقولة البناء الشرعي لالحكام االجتهادية فيما يخص المسلمين وغيرهم بناءا على التقسيم اآلنف‬ ‫(دار اإلسالم ودار الحرب) تزحزحت بحكم الواقع إلى مقولة أخرى تضع دار السالم في مقابل دار الكفر ‪ ،‬أو دار العهد‬ ‫أو دار االمن‪ .‬وفي ذلك اليعود دخول المسلم إلى هذه الدار كالمتسلل الذي عليه ان يتحمل مسؤولية ق ارره ومضاعفاتها‬ ‫بكل ما ينطوي ذلك من مغامرة الوقوع تحت طائل المسائلة لمن يغادر إلى بالد أخرى في حالة حرب ضد بالده (نظريا‬ ‫على األقل)‪.‬‬ ‫الواقع) ال بمنطق (فقه الفرضية) فان المسلمين الذين دخلوا دار الحرب هذه‪ ،‬لم يسألوا انفسهم ان واذا تحدثنا بمنطق (فقه‬ ‫كانوا يخرقون حكما شرعيا في غاية الخطورة واألهمية وتترتب عليه اثار واضرار سلبية لجهة اختيارهم العيش في بلدان‬ ‫الغرب‪،‬التي ما زالت صفة الصليبية تلتصق بها‪ ،‬كليا أو جزئيا‪،‬أي ان المحذور وقع عمليا‪ ،‬وبالتالي لم يعد باالمكان‬ ‫هي من اثقل الظواهر في حياة المسلمين الحديث عن (فقه ما قبل) بل الضرورة تقتضي بلورة (فقه ما بعد) لظاهرة‬ ‫المعاصرة‪ .‬وال يمكن معالجة الوضع بدعوة المسلمين إلى العودة إلى ديارهم اإلسالمية من منظور احياء (فقه الهجرة)‬ ‫والقول بان الواجب يقتضي بالمسلم أن يفكر جديا ويسعى عمليا للتحول من دار الحرب أو الكفر إلى دار اإلسالم بناءا‬ ‫على الفهم القائل بان الهجرة لم تسقط‪.‬‬

‫‪171‬‬

‫‪171‬‬

‫كما اشرنا إلى رأي الفقيه المالكي ابو الوليد بن رشد ومن سار على منواله بعد‬

‫قول الرسول (ص) (ال هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا) وردت صيغ الحديث في مصارد مختلفة‪ ،‬راجع‬

‫صحيح البخاري‪،‬باب ال هجرة بعد الفتح والحديث برقم‪ 3077‬عن طاؤؤس عن ابن عباس ‪،‬ج‪، 2‬المطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة‪ 140،‬هـ‪،‬‬

‫ص‪.381‬‬

‫‪58‬‬


‫سقوط االندلس بالكامل‪ .‬خالفا للرأي المشهور المستند إلى حديث (الهجرة بعد الفتح) أو اللجوء إلى فقه (النوازل)‬

‫‪172‬‬

‫وهو‬

‫فقه المضطرين للتوفيق بين حالة االضطرار والحد الممكن من حالة االلتزام بشريعة وفروض اإلسالم‪.‬‬ ‫ومعلوم ان احكام االضطرار ذات اثر مؤقت وتزول بزوالها وال تصبح مالكا دائما‪ ،‬وقد حصل التطور في الرأي الفقهي‬ ‫عموما‪ .‬بحسبان دار الحرب السابقة‪ ،‬بانها دار عهد‪173‬بعد عقد المعاهدات واالعتراف المتبادل وعدم وجود حرب فعلية‪،‬‬ ‫وبذلك تغيرت الرؤية واالحكام قليال أو كثيرا‪ ،‬وربما ُجعل االمر منوطا بتكليف الفرد أو رباالسرة المسلمحصرا‪ ،‬من خالل‬ ‫القول بان مفهوم (التعرب بعد الهجرة) يعني خوف االبتعاد عن مصدر المعرفة واالشعاع الفكري والتشريعي والتحلل‬ ‫بتأثيرات المحيط والبيئة من االلتزامات اإلسالمية‪ ،‬فقال فقهاء االمامية مثال بعدم جواز االنتقال إلى البيئة التي (يضعف‬ ‫فيها دين الفرد) ووجوب التحول عنها اذا ما ادرك المكلف ذلك‪،‬‬

‫‪174‬‬

‫أو ان االمر متروك بالخيار للمسلمين فيما اذا‬

‫استطاعوا ان يدعموا وجودهم بالمؤسسات اإلسالمية ويمارسوا حضو ار عمليايخفف من اثر البيئة التي تضعف االلتزام‬ ‫باإلسالم‪ ،‬وهو المتحقق عمال‪ ،‬لكن هذه الرؤية تحتاج من المسلمين انفسهم إلى تكريسها لتصبح كل بقاع االرض مساحة‬ ‫للتنوير باإلسالم وقيمه وليس العكس‪ ،‬وهي مهمة شاقة بالفعل‪،‬ولكنها تحرر المسلم من مشكلة مفهومية خطيرة تقعده عن‬ ‫مباشرة دوره اذ أنها تنقل االشكالية إلى الخارج‪ ،‬بمعنى انه بدال من ان يعاني المسلم من التمزق الداخلي بفعل االضطراب‬ ‫المفهومي فان معاناته ستكون في الخارج‪ ،‬ليثبت لنفسه ان له دو ار في توسيع دائرة الفهم المشترك لرسالة اإلسالم واالستفادة‬ ‫من مناخ الحريات لتحقيق مغزى قول الرسول(ص) (ال هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا)‪.‬‬ ‫يتضح من هذا أن تقسيم الفقهاء البالد إلى دار إسالم ودار حرب‪ ،‬كان اجتهادا بني على تعليالت‪ ،‬فالجمهور يعلله بحسب‬ ‫ظهور أحكام اإلسالم أو عدم ظهورها‪ ،‬وبحسب غلبة المسلمين من عدمها‪ ،‬فظهور اإلسالم والكفر بظهور أحكامهما هكذا‬ ‫تتميز من غير شرط آخر كما يراه جمهور الفقهاء‪ .‬ويرى آخرون أن دار اإلسالم اسم للموضع الذي يكون تحت يد‬

‫‪172‬‬

‫يرى فقهاء معاصرون ان بالد الغرب ليست بدار حرب‪ ،‬كالشيخ محمد علي التسخيري نائب رئيس االتحاد العالمي للعلماء‬

‫المسلمين ورئيس مجمع التقريب بين المذاهب اإلسالمية وكذا الشيخ فيصل مولوي‪ ،‬للمزيد‪ ،‬انظر العالم اإلسالمي والغرب‪ ،‬دراسة في‬

‫القانون الدولي اإلسالمي‪ ،‬مصدر سابق‪.‬ص‪.233‬‬ ‫‪173‬‬

‫انظر رأي الشيعة في‪ :‬القانون الدولي في اإلسالم‪ ،‬مصدر سابق ص‪215‬وكذا فتاوى بعض علماء اهل السنة المتقدمين‪ ،‬انظر‬

‫علي ابو الخير‪ ،‬االقليات اإلسالمية بين الهجرة الفقهية واالقامة الشرعية في المسلمون في االقطار غير اإلسالمية‪ ،‬مصدر مشار‬

‫اليه ص‪.35-34‬‬ ‫‪174‬‬

‫أحكام الديار و أنواعها و أحوال ساكنيها ـ محمد بن عبدهللا الغليفي ص ‪.57‬‬ ‫‪59‬‬


‫المسلمين‪ ،‬وعالمة ذلك أن يأمن فيه المسلم‪ ،‬وعلى هذا كل ما دخل من البالد تحت سلطان المسلمين‪ ،‬ونفذت فيها أحكام‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وأقيمت شعائره فيه فهي دار إسالم‪ ،‬يجب على المسلمين الدفاع عنها كفاية أو عينا‪ .‬وعلى هذا ال يلزم أن يكون‬ ‫سكان دار اإلسالم تلك جميعا مسلمين‪ ،‬فقد يضم المسلمين وغيرهم وهم جميعا متساوون في الحقوق والواجبات‪ ،‬بصفتهم‬ ‫أهل دار اإلسالم ولهم حق المواطنة الدائمة‪ .‬فدار اإلسالم إجماال عند جمهور الفقهاء هي البالد التي يسود فيها الحكم‬ ‫اإلسالمي تشريعا وتنفيذا‪ ،‬وتكون القوة والعزة فيها للمسلمين‪ ،‬سواء كان أكثر السكان بها من المسلمين أم من غير‬ ‫المسلمين‪ ،‬فالعبرة بسيادة األحكام الشرعية‪ ،‬أو بكون السكان يأمنون فيها بأمان اإلسالم للمسلمين‪ ،‬وبأمان الذمة لغير‬ ‫المسلمين‪.‬‬ ‫أما دار الحرب فهي الدار التي ال سلطان للمسلمين عليها‪ ،‬وعرفها بعض الفقهاء بأنها الدار التي ال تجري فيها أحكام‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وال يأمن من فيها بأمان المسلمين‪ ،‬وقيل أيضا إنها الدار التي ال تطبق فيها أحكام اإلسالم الدينية والسياسية‬ ‫لوجودها خارج نطاق السيادة اإلسالمية‪ ،‬ويرى آخرون أنها البالد التي ال تكون فيها السيادة والمنعة للحاكم المسلم‪ ،‬وال‬ ‫يقوى فيها المسلمون على تطبيق األحكام اإلسالمية‪ .‬فتعريف دار الحرب يالحظ أنه ذو اتجاهين عند الفقهاء أحدهما‪ :‬أنها‬ ‫الدار التي ال يكون فيها السلطان والمنعة للحاكم‪ ،‬وال يكون أهلها مقيمين فيها بعهد يحدد العالقة بينهم وبين حاكم‬ ‫المسلمين‪ ،‬وان كانت إقامة غير المسلمين بعهد على أن يديره غير الحاكم المسلم فهي دار لهم‪ ،‬فالعبرة عند أصحاب هذا‬ ‫الرأي بالسلطان والمنعة‪ ،‬فما دامت الدار خارجة عن منعة المسلمين من غير عهد‪ ،‬فهي دار حرب حيث يتوقع االعتداء‬ ‫منها دائما‪.‬‬ ‫واالتجاه اآلخر‪ :‬وهو رأي أبي حنيفة والزيدية وبعض الفقهاء أن كون السلطة والمنعة لغير المسلمين ال يجعل الدار دار‬ ‫حرب‪ ،‬بل ال بد من تحقق شروط ثالثة هي‪ :‬أال تكون المنعة والسلطان للحاكم المسلم بحيث ال يستطيع المسلم تنفيذ‬ ‫األحكام الشرعية‪ ،‬وأن يكون اإلقليم متاخما للديار اإلسالمية بحيث يتوقع منه االعتداء على دار اإلسالم‪ ،‬وأال يبقى المسلم‬ ‫أو الذمي مقيما في هذه البالد باألمان األصلي األول الذي مكن من اإلقامة فيها‪.‬‬ ‫فيتضح مما تقدم من تعريفات لدار اإلسالم ودار الحرب أن تقسيم العالم إلى دارين هو رأي فقهي لواقع العالقات التي‬ ‫كانت بين المسلمين وغيرهم آنذاك‪ ،‬حيث كانت الحرب في الغالب هي الحكم الفاصل في شأنها ما لم تكن هناك معاهدة‪،‬‬ ‫وهو ما يفسر عدم وجود دليل صريح من القرآن أو السنة يشير إلى هذا التقسيم الفقهي للبلدان الذي جاء مبنيا على الواقع‬ ‫‪60‬‬


‫ال على نصوص الوحي‪ ،‬ولم يكن المراد منه أن يجعل العالم تحت حكم دولتين‪ ،‬إحداهما تشمل بالد اإلسالم تحكمها‬ ‫دولته‪ ،‬واألخرى تشمل البالد األجنبية في ظل حكم دولة واحدة أو دول متعددة‪ ،‬وانما هو تقسيم بحسب توافر األمن والسالم‬ ‫للمسلمين في دارهم‪ ،‬ووجود الخوف والعداء في غير دارهم‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫المبحث الثالث‬ ‫ضرورة تجديد النظر الفقهي‬ ‫يساهم تجديد النظر الفقهي اإلسالمي بخصوص منظورنا للعالم واألرض والمعمورة في تصحيح صورة اإلسالم‪،‬‬ ‫فمصطلحات دار الكفر ودار اإلسالم أو دار الحرب ودار السلم تُرسخ لدى اآلخر الصورة العدوانية لدين اإلسالم‪،‬‬ ‫ويستغلها اإلعالم المغرض من أجل تثبيتها ليصبح اإلسالم منعوتا بالتطرف والدموية واإلرهاب‪ ،‬واعتباره دينا إقصائيا‬ ‫يسعى دوما إلى تذويب اآلخر وسحق هويته ‪.‬‬ ‫إن قتامة هذه الصورة التي أضحت لْلسف نمطية تشكل مخيلة الغربيين وتؤطر مواقفه إزاءنا ويزيد من حدتها سلوكيات‬ ‫المسلمين أنفس هم‪ ،‬فما أحوجنا إلى نقد ذاتي يمكننا من مراجعة مسلماتنا والتمييز فيها بين الثابت والمتغير لكي نحصل‬ ‫القدرة على تبليغ الدين الخاتم واظهار قيمه السمحة مؤسسين لكفايات اجتهادية قادرة على مواجهة التحديات الراهنة‪،‬‬ ‫ونصحح األطروحة المزعومة لصراع الحضارات‪ .‬أصبح الخطاب الفقهي المعاصر مفتقدا للمبادرة واالستباق مكتفيا برد‬ ‫الفعل ومرددا لمقوالت الماضي لم يخلع عنه ربقة التقليد ولم ينخرط في سياقه المعاصر‪ .‬إن االلتزام بقيم اإلسالم وأخالقه‬ ‫الرفيعة تؤدي بالمسلمين إلى تحقيق هوية إسالمية أوروبية تثري ثقافة المسلمين بالغرب وتساعدهم على مواجهة جميع‬ ‫التحديات‪ .‬ولعل الفكر المقاصدي يعتبر المدخل األساسي لكل عمل اجتهادي يروم تحقيق المصالح اإلنسانية؛ إذ التشريع‬ ‫نظر في الجزئيات على ضوء الكليات ‪.‬‬ ‫ومن ثم كان التصور الفقهي لجغرافيا العالم وتقسيم خريطته من أهم القضايا اإلشكالية المرتبطة بالسياق والشروط‬ ‫الموضوعية والذاتية التي أفرزته‪ ،‬وساهمت في بناء مفاهيمه مما يستوجب التفكير في استحداث مفاهيم جديدة تناسب‬ ‫سياقنا المعاصر تستمد شرعيتها من مقاصد الشرع الحنيف وتتجاوز المفهوم القديمة والتي أملتها ظروف تاريخية معينة‪.‬‬ ‫أصل االجتهاد الفقهي مفاهيمه انطالقا من الظروف التاريخية التي نظر فيها‪ ،‬وبقي النظر المعاصر محجوبا عن رؤية‬ ‫َّ‬ ‫حقائق الواقع الراهن وتطوراته لم يتخلص من النظر القديم ولم يتجشم عناء التفكر في مقاصد الشريعة الخاتمة‪.‬‬ ‫إن تقسيم المعمورة إلى دار اإلسالم ودار الكفر أفرزته عوامل تاريخية شكلت نظر الفقهاء إلى العالم والواقع المعاصر في‬ ‫حاجة إلى توصيف جديد والى استنباط مفاهيم تتالءم والتطورات الحاصلة في عالمنا اليوم‪ ،‬تأخذ بمبدأ االنفتاح واالندماج‬ ‫‪62‬‬


‫وليس اإلقصاء واإللغاء حفاظا على روح الشريعة والحقيقة السمحة لرفع تُهمة العنف والحقد واعتباره دين شر وظالمية‪.‬‬ ‫لقد كان االجتهاد دائما مرتبطا بالواقع‪ ،‬واالجتهاد هو بذل المجتهد وسعه في الطلب باآلالت التي تشترط فيه‬

‫‪175‬‬

‫‪.‬إال أنه‬

‫مع األسف لم نستطع مواكبة الواقع المعاصر المتغير باجتهاد متنور ‪.‬فدواعي تقسيم الفقهاء للمعمورة كان مرتبطا بوالدة‬ ‫الكيان اإلسالمي الجديد آنذاك الذي كان بحاجة إلى التميز عن العوالم األخرى والمخالفة‪ ،‬حيث كان هاجس الفقهاء هو‬ ‫حماية العقيدة والبالد اإلسالمية؛ فهو كان وليد السياق التاريخي الذي تمخض عنه‪" :‬وأي فهم ودرس للنصوص الفقهية‬ ‫المتعلقة بالتقسيم الجغرافي للعالم بعيدا عن السياق الذي ولدت فيه سيؤدي إلى خلل وضعف في االستنباط والتطبيق وخطأ‬ ‫في التأصيل الفقهي لْلحكام المترتبة عليه‪ ،‬وبالتالي سيحول دون تكوين رؤية صحيحة وسليمة لحقيقة المنظور الفقهي‬ ‫للعالم‪ ،‬خصوصا وأنه البد من التفريق بين الثابت والمتغير في األحكام المستنبطة لدى الفقهاء‪ ،‬أو التفريق بين المسائل‬ ‫التي تحدث عنها الفقهاء كواقع حال ترتبط بمتغيرات الزمان التي تنطلق من األصل لتتصل وتترجم بالعصر والواقع ‪"176.‬‬ ‫وليس من المقبول شرعا وعقال أن يتحول االختالف الفكري في مسائل االجتهاد إلى صراع حقيقي مؤلم ومرير‪.‬‬

‫‪177‬‬

‫كثير منا يتحدث عن ضرورة االصالح الديني‪ ،‬إما ألن شريحة الناس في إقبال على الدين فضال عن حاجتهم إليه في‬ ‫الحياة‪ ،‬واما ألن شريحة من الناس في إعراض عن الدين ألسباب خاصة أو عامة‪ ،‬واما ألن هناك تشويها لحق بالدين فال‬ ‫بد من تصحيح مظاهر الخلل من تشبث بالقراءات المتشددة أو المتساهلة للدين ورد دعاوى الغلو أو التفريط الباطلة‪ ،‬واما‬ ‫لجمود شريحة من الناس على رؤى ال تواكب العصر‪ ،‬وال تسمح بإعادة النظر في المعاني المتجددة فيه حتى أصبح ذلك‬ ‫كتب في اإلصالح الديني الكثير نظريا بدافع الرغبة في تحديث‬ ‫الجمود يعيق تطور اإلنسان وبناءه‪ ،‬أو ألسباب أخرى‪ .‬لقد َ‬ ‫المجتمع‪ ،‬والدفع به إلى مصاف الدول المتقدمة‪ ،‬انطالقا من الرؤية التي تربط اإلصالح السياسي باإلصالح الديني‪،‬‬ ‫وكانت هناك شريحة من الناس ترفض هذه المطالبات وتدعو للتمسك بما هي عليه خوفا من التغيير أو تشكيكا في‬ ‫أسبابه‪ ،‬فأضافت إلى الممانعة من االجتهاد وساوس وشكوكا واتهامات إضافية‪ ،‬مع أنه يجب أن يعلم أن اإلصالح الديني‬ ‫شيء ونصوص الوحي شيء آخر‪ ،‬فاإلصالح الديني اجتهاد بشري متجدد يتصف بالنسبية؛ ويعبر عن اجتهادات تتوخى‬ ‫‪175‬‬

‫الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى ‪ :‬أبو الوليد محمد بن رشد الحفيد‪ ،‬تقديم وتحقيق‪ :‬جمال الدين العلوي‪ ،‬دار‬

‫‪176‬‬

‫التقسيم اإلسالمي للمعمورة ‪ :‬ياسر لطفي العلي‪ ،‬مؤسسة الرسالة للطباعة و النشر و التوزيع‪ ,‬بيروت‪ 1990,‬م ص ‪.46‬‬

‫الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪1990 ,‬م ص‪.137‬‬ ‫‪177‬‬

‫ال إنكار في مسائل االجتهاد ‪ :‬رؤية منهجية تحليلية قطب مصطفى سانو‪ ،‬دار ابن حزم‪1988 ،‬م ‪ ، ,‬ص‪.7‬‬ ‫‪63‬‬


‫اإلجابة عن تساؤالت تسترشد بنصوص الدين‪ ،‬وليس ذلك االجتهاد والتجديد تغيي ار لنصوص الوحي‪ .‬فهي أفهام تتجدد‬ ‫لتجدد الواقع والزمان والظروف المختلفة‪ ،‬وكل أطروحة تجديدية تتوخى اإلصالح الديني ليست بمنأى عن البحث‬ ‫والمساءلة والنقد والمراجعة‪ ،‬وال يجب التسليم بها دون البحث والمراجعة في أدلتها وخلفياتها‪ .‬أما الدين كنصوص محكمة‬ ‫وأحكام قطعية وقيم ال تقبل التغيير‪ ،‬فليست محال للتجديد في ذاتها وال تخضع للتغير‪ ،‬بل تلك المحكمات والقطعيات حدود‬ ‫ال تعارض تطوير فهمنا ومعرفتنا لما يقبل التغير والتطور‪ .‬إن اإلصالح الديني‪ ،‬ينطلق من النص المقدس ومدلوالته‬ ‫وحدوده وال يتعداها؛ والنص المقدس يحتوي على المضامين الدينية المراد إبالغها وايضاحها‪ ،‬واالجتهاد والتجديد لن يتحقق‬ ‫إال بأدوات وآليات تستنطق النص المقدس من القرآن والسنة الصحيحة وتسترشد به حول متغيرات الواقع المتجدد‬ ‫ومتطلباته‪ ،‬وتوجه تطور العلوم اإلنسانية والطبيعية من خالل مدلول النص المقدس ‪.‬‬ ‫فاإلصالح والتجديد الديني بال شك ليس قضية نفعية وليس عملية براغماتية للتكيف مع مقتضيات العصر‪ ،‬أو االستجابة‬ ‫إلمالءات غربية‪ ،‬وضغوط خارجية‪ ،‬بل هو دعوة قديمة دائمة في كل عصر‪ ،‬وكل جيل ليجيب عن األسئلة المتجددة التي‬ ‫لها صلة بالنص المقدس عن وعي ومعرفة حقيقية وفق ما توصل إليه من فهم واستدالل ال يتعارض والنص المقدس‪،‬‬ ‫فاإلصالح الديني ضرورة واقعية وانسانية؛ نظ ار لما له من انعكاس على األوضاع االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والسياسية‪.‬‬ ‫لقد ظل اإلصالح الديني قائما عبر األزمان دعوة متواصلة‪ ،‬وبرز له رواد كثر ثاروا على األوضاع الدينية واالجتماعية‬ ‫القائمة والسائدة‪ ،‬وأقاموا إلصالحاتهم أسسا تجدد بها الفهم في إطار النص المقدس ففتحت لهم اآلفاق مع كل واقع‬ ‫مختلف‪ ،‬واباء فريق من الناس يزول مع الزمن‪ ،‬ألن التجديد واالصالح الذي ينطلق بوعي حقيقي وال يصطدم مع النص‬ ‫المقدس كان ينتصر في كل مرة مستلهما أفكا ار جديدة‪ ،‬لبناء واصالح متجدد على أسس متينة‪ ،‬تجدد وتطور ما ألفه‬ ‫المسلمون في حياتهم‪ .‬اإلصالح الديني ليس إنكا ار للماضي؛ بل هو استكمال لما بناه من مضى‪ ،‬فالماضي قاعدة ينطلق‬ ‫منها‪ ،‬وهو عبارة عن بناء معرفي تراكمي وانتقال تدريجي يستغرق فترة زمنية طويلة‪ ،‬ال ينتج إال عبر االجتهاد في مدلول‬ ‫النص والمعرفة بالواقع ومتطلبات المستقبل‪ ،‬فهو حركة واعية للتوافق الصحيح مع الواقع لتحقيق التقدم والتطور وعمارة‬ ‫األرض وبناء اإلنسان مع الحفاظ على الثابت المقدس الديني‪ .‬مسألة تحقيق التدين وتحقيق متطلبات العصر هي قطب‬ ‫رحى الحراك والعراك‪ ،‬فقابلية األفكار والمبادئ الدينية للعيش واالستمرار في واقع نسبي متغير متجدد على الدوام‪ ،‬مرهونة‬ ‫بوعي المجتمعات بواقع وتطورات عصرهم واستيعاب الدين لها‪ ،‬وبالخصوص علماء الدين اإلسالمي‪ ،‬وهذا الوعي مرتبط‬ ‫‪64‬‬


‫باالستعداد الحقيقي لالجتهاد المأمور به وتطوير آلياته والشجاعة في إعادة قراءة األفكار ومراجعة القناعات الدينية في‬ ‫ضوء التطورات المتسارعة‪ ،‬ألن اإلسالم رسالة عالمية إنسانية سامية خالدة خاتمة مهيمنة‪.‬‬ ‫اإلسالم رسالة سماوية خاتمة خالدة‪ ،‬أنتجت الكثير من اآلراء التفسيرية واالجتهادات الفقهية في أزمان مضت‪ ،‬وال يمكن أن‬ ‫تعكس تلك االجتهادات طبيعة وعي المجتمعات التي تلت من مضى بواقعية أو تنسجم مع تطورات المجتمعات الحديثة‬ ‫والعصرية المتسارعة‪ ،‬وال يعني ذلك المساس بالنص المقدس‪ ،‬ألن التراث الديني منه ما هو ثابت ال يتعلق به تغيير‬ ‫كالعبادات واألحكام القطعية‪ ،‬ومنه ما هو متغير يختلف باختالف الزمان والمكان والظروف المختلفة‪ ،‬وهذا غالبا يتعلق‬ ‫بحركة اإلنسان في الواقع في عالقاته وشؤونه ومعامالته وفعالياته المتنوعة‪ ،‬التي أصلها االباحة والحرية والمصلحة‪ ،‬وهذا‬ ‫التراث المنقول عمن مضى اجتهاد بشري متأثر متغير‪ ،‬وهو ليس إال قراءة من جملة القراءات المتعددة للوحي‪ ،‬وتفسير من‬ ‫جملة التفسيرات للنصوص المحتملة لْلوجه المختلفة‪ ،‬وهذا االجتهاد مرتبط في العمق الفكري والروحي بثقافة ووعي‬ ‫ومدارك اإلنسان نفسه‪ ،‬وظروفه وخصوصيات مجتمعه الذي يعيش فيه‪ ،‬ويمارس حياته من خالله فاألحكام التي تصدر‬ ‫من هذا الفقيه أو ذاك‪ ،‬متحركة متغيرة يؤثر فيها من اختالف األفهام في النصوص وتصور حقيقة مستجدات الواقع‬ ‫والعادات‬

‫والتقاليد‬

‫واألعراف‬

‫والزمان‬

‫والمكان‬

‫والثقافة‬

‫السائدة‬

‫وغيرها‬

‫من‬

‫المؤثرات‪.‬‬

‫واإلنسان يتطلع دوما للمطلق وللكمال المستطاع‪ ،‬لكنه محدود الوسائل واإلمكانات والقدرات‪ ،‬وهو ال يعيش في المطلق‬ ‫المجرد بل في الواقع األرضي النسبي المحدود‪ ،‬والدين جاء لخدمة اإلنسان للمساهمة في تمكينه‪ ،‬وتحسين شروط وجوده‬ ‫على األرض‪ ،‬من خالل مساعدته على تحقيق واقامة العدل وسلوك طريق الخير والصالح والرشاد الروحي والمادي‪ ،‬وتلك‬ ‫المعامالت شريعة متأثرة متغيرة‪ ،‬أما الدين بمبادئه الكلية فثابت‪ ،‬كمبدأ العدل والحرية والمساواة والخير‪ ،‬فهذه كليات ال‬ ‫تتغير وال يجري عليها قانون النسبية مهما دار الزمان والمكان ألنها ترتبط بالمطلق‪ ،‬ولكن تجلياتها على الواقع هي‬ ‫المتغيرة ‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫الفصل الرابع‬ ‫إعادة النظر في الرث الفقهي القديم‬ ‫إستنادا إلى بعض الفقهاء ‪ ،‬تعتبر الدول غير اإلسالمية دار عهد ‪ .‬وهذا ما يزيل عقبات كثيرة في بناء عالقات قوية مع‬ ‫هذه الدول ‪ ،‬ويسمح بتوسيع مساهمة العالم اإلسالمي في النظام العالمي ‪ .‬وتؤدي هذه النظرة إلى موقف أكثر تسامحا فيما‬ ‫يتعلق بإقامة األقليات المسلمة المهاجرة في الغرب ‪ .‬وأحدثت هذه المبادئ جدال بين الفقهاء ‪ ،‬كما أدت إلى حضور حي‬ ‫للفقه اإلسالمي في القضايا والمبادئ الدولية ‪ .‬إن مثل ذلك النمط من التفكير يبدو ضروريا لتطوير القانون الدولي‬ ‫اإلسالمي ‪ ،‬وابداع قواعد فقهية عصرية تتعامل مع المشاكل والعالقات والمبادئ الدولية ‪ .‬وعلى هذا الضوء يناقش هذا‬ ‫الفصل ضرورة إعادة النظر في اإلرث الفقهي القديم في ثالثة المباحث‪:‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬التأصيل الفقهي للواقع المعاصر‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬بعض آليات اإلجتهاد المتنور‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬كيفية تطبق الشروط الفقهية على الواقع‬

‫‪66‬‬


‫المبحث االول‬ ‫التأصيل الفقهي للواقع المعاصر‬ ‫الحاجة إلى التوحد حكاما ومحكومين ضد العدو حفاظا على كيان األمة اإلسالمية خصوصا وهي في بدأ تشكلها ارتباط‬ ‫التقسيم بالوالية وما يترتب عنها من تطبيق األحكام سواء بالنسبة للمسلمين أو غير المسلمين أدى الى ظهور تسمية دار‬ ‫اإلسالم في عهد الصحابي الجليل خالد بن الوليد في كتاب الصلح مع أهل الحيرة "وجعلت لهم أي شيخ ضعف عن العمل‬ ‫ما أقام بدار الهجرة ودار اإلسالم‪ ،‬وان خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار اإلسالم فليس على المسلمين النفقة عليهم‪".‬‬ ‫التأصيل الفقهي لواقع العالقات والمعاهدات بين المسلمين وغيرهم كالروم والفرس وكاألحكام المتعلقة بالسلم والحرب‪.‬‬ ‫ارتباط األحكام الشرعية بالمسلمين على امتداد بالد اإلسالم ومن ثم فإن التقسيم للمعمورة كان مرتبطا بالواقع وليس نصيا‪.‬‬ ‫يتجلى ذلك من خالل االختالف في الشروط والضوابط المحددة لدار اإلسالم في صياغ التعريف بين الفقهاء سواء منهم‬ ‫القدماء أو المعاصرين‪.‬‬ ‫ال يستند االجتهاد الفقهي حول تقسيم العالم إلى نص قطعي الداللة صريح العبارة بل هو محض اجتهاد قابل للتحليل‬ ‫والنقد‪ ،‬وليس أم ار حتميا مقدسا‪ ،‬ألن اإلسالم دين عالمي منفتح على مختلف النوازل والطوارئ وله من األصول والمبادئ‬ ‫ما يجعله صالحا لكل زمان ومكان‪ .‬ولعل السياق المعاصر وواقع المسلمين في بلدان الغرب يحتم علينا مراجعة مفاهيمنا‬ ‫ومنظوراتنا حول تقسيم العالم‪ ،‬ألن األرض في الشرع واحدة مستخلف فيها اإلنسان‪ ،‬وأنها كلها دار إسالم إما حقيقة أو‬ ‫حكما‪ ،‬ولذلك نستبدل مفهومي دار الدعوة ودار االستجابة بمفهومي دار اإلسالم ودار الكفر‪ .‬كما ذهب إلى ذلك العديد من‬ ‫العلماء‪.‬‬ ‫إن دار اإلسالم حقيقة وواقعا هي بالد االستجابة للدعوة‪ ،‬وأما حكما فهو باعتبار المستَْقبل والمآل أي دار الدعوة‪ .‬إننا‬ ‫نستطيع أن نستنتج مما تقدم أن المسلمين في أوربا وغيرها من بالد الغرب ليسوا في دار حرب‪ ،‬بل هم في دار دعوة‬ ‫إلى هللا تعالى‪ ،‬فاألرض دار للدعوة إلى هللا‪ ،‬ألن الدعوة هي األصل في عالقاتنا مع غير المسلمين وليس الحرب‬

‫‪67‬‬


‫والقتال‪.‬‬

‫‪178‬‬

‫يتمتع المسلمون في الغرب بحرية ممارسة شعائرهم بل بممارسة الدعوة لدين اإلسالم من خالل المساجد ومختلف المراكز‬ ‫والمؤسسات اإلسالمية‪ ،‬مع أن المسلمين يشكلون أقلية في معظم بلدان الغرب والتي تعرف هيمنة الدين المسيحي‪ ،‬بل حتى‬ ‫األنظمة العلمانية تعتبر التدين حرية فردية وشخصية ينتهزها المسلم فرصة ليمارس اعتقاده بكل حرية‪ ،‬فحيثيات ومعطيات‬ ‫السياق المعاصر للمسلمين في الغرب أوجبت علينا مراجعة مفاهيمنا الفقهية المرتبطة بسياقاتها؛ خصوصا منها المتعلق‬ ‫بالعالقة مع الغير أو اآلخر المخالف متجاوزين التصنيفات التي ال تخدم في نهاية المطاف مصالح اإلسالم والمسلمين في‬ ‫ا لغرب‪ ،‬وتؤجج نار األحقاد والصراعات التي تستغل أبشع استغالل من طرف المتطرفين ضد التعايش اإلنساني‪.‬‬

‫‪179‬‬

‫إن التطور الذي عرفه سياق العالم اإلسالمي من دولة الخالفة إلى الدولة الوطنية يستدعي إجراء تعديالت للمفاهيم الفقهية‬ ‫تالئم مفهوم الدولة وتتجاوز مفهوم الدار الذي يقوم على أساس الحدود الجغرافية‪ ،‬وما ترتب عن هذا التطور من ظهور‬ ‫مفهوم المواطنة الذي هو عبارة عن منظومة من الحقوق والواجبات المدنية‪ ،‬ال تلغي االنتماء العقدي بصفة عامة‪ ،‬ولذلك‬ ‫يمنح اإلسالم ببعده الروحي واألخالقي معاني أشمل للمواطنة تتعالى عن الحدود الجغرافية وتؤمن بإنسانية اإلنسان وترسخ‬ ‫مكتسبات الحق والقانون واالنتماء المواطني في كل بلد‪.‬‬

‫‪180‬‬

‫إن الواقع والسياق المعاصر يؤكد أن ثمة حاجة ملحة إلى ضرورة مراجعة المعنى التقليدي للنظر االجتهادي والتوسيع من‬ ‫دائرة النظر االجتهادي‪ ,181‬وهو الذي حذا بنا في مساهمتنا لمراجعة مفهوم الدار ألنه تترتب عنه أحكام وسلوكيات تسير‬ ‫عكس ما فيه صالح اإلسالم والمسلمين‪ ،‬ويكتفي باالنكفاء والتقوقع واالنطواء واقصاء الغير والغائه والتعامل معه بكل‬ ‫أشكال العنف الرمزي والمادي‪ .‬فلنتأمل هاته المفارقة الخطيرة التي تؤثر على مخيال المسلمين‪ .‬ومنظورهم لغيرهم وهم‬ ‫مقيمون عندهم يزاولون شعائرهم ويتمتعون بكل حقوق المواطنة في البلد المضيف؛ مما ينتج عنه ردود أفعال تتهم دين‬ ‫اإلسالم بالغلو والتطرف والعنصرية واإلرهاب ومن ثم نكون قد خالفنا قاعدة ذهبية وهي جلب المصلحة ودفع المفسدة‪ ،‬أي‬ ‫‪178‬‬

‫األسس الشرعية للعالقات بين المسلمين وغير المسلمين ‪ :‬الشيخ فيصل مولوي‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الرشاد اإلسالمية‪ /‬بيروت ‪,‬‬

‫‪179‬‬

‫أدوات النظر االجتهادي المنشود في ضوء الواقع المعاصر ‪ :‬قطب مصطفى سانو‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪1988 ،‬م ‪ ,‬ص‪.185‬‬

‫ولبنان‪ ٍ،‬ص‪.105-103‬‬ ‫‪180‬‬ ‫‪181‬‬

‫المرجع السابق‪ :‬ص ‪186‬‬

‫المرجع السابق‪ :‬ص‪. 187‬‬ ‫‪68‬‬


‫جلب مصلحة اإلسالم والمسلمين بالغرب ودفع مفسدة اإلساءة لديننا الحنيف‪ ،‬ونكون بالتالي غير مواكبين لسياقنا وواقعنا‬ ‫الحالي كما عليه أسالفنا منخرطين في إشكاالت عصرهم‪ .‬إن تغيير منظورنا للغرب ولآلخر يترتب عنه بالضرورة تغيير‬ ‫آفاق التعاون ما‬ ‫مفاهيمنا وأحكامنا إزائه‪ ،‬ونكون أكثر إحراجا للمجحفين وأكثر إقناعا للمنصفين‪ .‬في العصر الحالي تفتح ُ‬ ‫بين العالم اإلسالمي والحضارات العالمية األخرى خطوطا عريضة في تاريخ اإلنسانية‪ ،‬هذه اآلفاق الطموحة مرتبطة‬ ‫بالمؤمنين‪ ،‬بالمحسنين‪ ،‬وبالذين يتضامنون في البحث عن الحقيقة مع الحكمة‪ .‬نتحدث اليوم عن اآلفاق في حيز المحيط‬ ‫الحاضر والقادم في المجتمعات اإلسالمية والمجتمعات الغربية‪.‬‬

‫‪182‬‬

‫وننتهي من هذا الى القول بأن تقسيم الفقهاء البالد إلى دار إسالم ودار حرب‪ ،‬كان اجتهادا بني على تعليالت‪ ،‬فالجمهور‬ ‫يعلله بحسب ظهور أحكام اإلسالم أو عدم ظهورها‪ ،‬وبحسب غلبة المسلمين من عدمها‪ ،‬فظهور اإلسالم والكفر بظهور‬ ‫أحكامهما هكذا تتميز من غير شرط آخر كما يراه جمهور الفقهاء‪ .‬ويرى آخرون أن دار اإلسالم اسم للموضع الذي يكون‬ ‫تحت يد المسلمين‪ ،‬وعالمة ذلك أن يأمن فيه المسلم‪ ،‬وعلى هذا كل ما دخل من البالد تحت سلطان المسلمين‪ ،‬ونفذت‬ ‫فيها أحكام اإلسالم‪ ،‬وأقيمت شعائره فيه فهي دار إسالم‪ ،‬يجب على المسلمين الدفاع عنها كفاية أو عينا‪ .‬وعلى هذا ال‬ ‫يلزم أن يكون سكان دار اإلسالم تلك جميعا مسلمين‪ ،‬فقد يضم المسلمين وغيرهم وهم جميعا متساوون في الحقوق‬ ‫والواجبات‪ ،‬بصفتهم أهل دار اإلسالم ولهم حق المواطنة الدائمة‪ .‬فدار اإلسالم إجماال عند جمهور الفقهاء هي البالد التي‬ ‫يسود فيها الحكم اإلسالمي تشريعا وتنفيذا‪ ،‬وتكون القوة والعزة فيها للمسلمين‪ ،‬سواء كان أكثر السكان بها من المسلمين أم‬ ‫من غير المسلمين‪ ،‬فالعبرة بسيادة األحكام الشرعية‪ ،‬أو بكون السكان يأمنون فيها بأمان اإلسالم للمسلمين‪ ،‬وبأمان الذمة‬ ‫لغير المسلمين‪.‬‬

‫‪182‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫المبحث الثاني‬ ‫بعض آليات االجتهاد المتنور‬ ‫إن االجتهاد يحتاج إلى حسن التصور للمسائل‪ ،‬وبقدر ما يستطيع المجتهد أن يتخيل المسائل بقدر ما يعلو اجتهاده‪ ،‬وال‬ ‫يخفى أن التصور المبدع له اآلن علوم قائمة بذاتها‪ ،‬وينبغي أن يضاف في أسسه إلى أصول الفقه في عصرنا‬ ‫الحاضر‪.‬‬

‫‪183‬‬

‫فمن البديهيات أن النص متناه والواقع غير ُمتناه‪ ،‬واألسالف‪ ،‬رحمهم هللا‪ ،‬قد أبدعوا من المعارف واآلليات ما يمكنهم من‬ ‫استثمار الدالالت الغنية للنص؛ باعتباره وحيا مؤيدا أتى لهداية الناس في كل زمان ومكان‪ ،‬ابتداء من معارف اللغة العربية‬ ‫إلى المعرفة بالقرآن والسنة وعلومهما إلى المعرفة بعلم المقاصد وعلم الخالف ومكتسبات العلوم اإلنسانية‪ ...‬فالنص ثابت‬ ‫والواقع متغير‪ ،‬والعقل المجتهد المتنور والمستبصر هو القناة التي تصل المتغير بالثابت؛ إذ اإلشكال اليوم هو الحاجة‬ ‫الملحة أوال إلى منظور تكاملي للعلوم يصل علوم الوضع بعلوم الشرع يمكن المسلم المعاصر من مهارات االستدالل‬ ‫وكيفيات استنباط األحكام واالستنباط هو القياس وما أشبهه‬

‫‪184‬‬

‫‪,‬وأدوات التفريع والتخريج ومحاولة صياغة أساليبها المتعددة‬

‫والمختلفة بطرق معاصرة على منوال ما فعل األقدمون كاألسنوي في كتاب التمهيد‪.‬‬ ‫قد نتمكن من معرفة آليات االجتهاد ولكن تعوزنا المكنة من كيفياته‪ .‬يقول أبو الحسن البصري في المعتمد‪" :‬يكون اإلنسان‬ ‫من أهل االجتهاد (‪ )...‬إذا عرف األدلة السمعية ومكنه االستدالل بها ‪.‬‬

‫‪185‬‬

‫االجتهاد "فالنظر بهذه الصناعة هي مباحث األدلة وكيفية استعمالها‬

‫‪186‬‬

‫”فالتمكن من االستدالل هو سر بعث روح‬

‫”كما يرى أبو الوليد ابن رشد في مختصر‬

‫المستصفى‪ ،‬فال يكفي إذن امتالك آالت االجتهاد دون معرفة كيفية االستفادة واالستدالل وجهات الداللة‪ ،‬كمن يعرف قواعد‬ ‫النحو وال يعرف كيف يعرب‪ ،‬وهي التي حاول معالجتها ابن هشام في كتاب مغني اللبيب مثال‪.‬‬

‫‪183‬‬

‫آليات االجتهاد‪ :‬علي جمعة‪ ،‬القاهرة ‪ ,‬دار الرسالة‪1989 ،‬م‪ ,‬ص‪99-98‬‬

‫‪184‬‬

‫تقريب الوصول إلى علم األصول‪ :‬أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي ‪ ,‬دراسة وتحقيق‪ ،‬عبد هللا محمد الجبوري‪ ،‬األردن‪ :‬دار‬

‫‪185‬‬

‫المعتمد في أصول الفقه ‪ :‬محمد بن علي بن الطيب المعتزلي‪ ,‬دار الكتب العلمية بيروت‪1989 ,‬م ج‪ ،2‬ص‪.357‬‬

‫النفائس‪1990 ،‬م ص‪.101‬‬ ‫‪186‬‬

‫مختصر المستصفى‪ ,‬مصدر السابق‪ ,‬ص ‪.137‬‬

‫‪70‬‬


‫إن إدراك السياق باعتبار أهميته في فهم المعنى وتعيينه كما يقول التلمساني‪" :‬يتعين المعنى ويكون اللفظ نصا فيه بالقرائن‬ ‫والسياق ال من جهة الوضع ‪ ,187‬والتمكن من آليات االجتهاد وكيفياته‪ ...‬يجعل المسلم اليوم متموقعا في عصره واعيا‬ ‫بتحدياته واشكاالته وضغوطاته مستلهما تجارب األسالف الراسخين في العلم‪ ،‬والدين كانوا بحق رجال عصورهم مبدعين‬ ‫ومجتهدين‪ .‬وأكتفي في سياق هذه المداخلة باستلهام تجربة الصحابي الجليل عمر الفاروق رضي هللا عنه‪ ،‬وهو من هو في‬ ‫الشدة والحزم والورع والغيرة على دين اإلسالم أن تشوبه شائبة أو يتسرب إليه أي نوع من االستسهال في العمل به كيف‬ ‫اجتهد وواجه نوازل عصره وتحدياته‪.‬‬ ‫واالجتهاد العمري‬

‫‪188‬‬

‫يعتمد على مقومات متنوعة لكنها متكاملة‪ .‬أكسبت هذا المنهج خصوبة إبداعية غير مسبوقة‬

‫وعطاءات اجتهادية متميزة‪ .‬ويمكن إجمال هذه المقومات األساسية في ما يلي‪:‬‬ ‫المقوم األول؛ فهم النصوص التشريعية في إطار مقاصدها وغاياتها وهذا األساس صلب وصحيح ألنه َيربط النصوص‬ ‫التشريعية بمضامينها وبفهمها في اإلطار المراد منها‪ .‬المقوم الثاني؛ فهم النصوص في إطار المصالح الجماعية ورعايتها‬ ‫وصيانتها وتق ديمها على المصالح الفردية‪ .‬والشريعة اإلسالمية جاءت لدرء المفاسد ودفع الضرر عن الناس ورفع الحرج‬ ‫والضيق عنهم؛ إذ حيثما تحققت المصلحة مصلحة فيجب العمل على جلبها ورعايتها‪ ،‬وحيثما تحققت المفسدة مفسدة فيجب‬ ‫العمل على دفعها وسد أبوابها‪ .‬المقوم الثالث؛ فهم النصوص في ضوء التطورات الزمانية والمكانية والمستجدات الحياتية‬ ‫والتي هي سنة هللا في الكون ‪.‬‬

‫‪189‬‬

‫وهنا تكمن أهمية العقل في فتح باب االجتهاد والتشريع والبناء والتطوير‪ ،‬الذي حث هللا عليه في القرآن بألفاظ كثيرة منها‬ ‫العقل‪ ،‬والتعقل‪ ،‬والتدبر‪ ،‬والبصر‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والبصيرة‪ ،‬والتفكر‪ ،‬والفقه‪ ،‬والعلم‪ ،‬وأمثال ذلك كثير‪ ،‬فلله على الناس الحجة‬ ‫البالغة ظاهرة وباطنة‪ ،‬أما الظاهرة فاألنبياء‪ ،‬وأما الباطنة فالعقل‪ ،‬فاألنبياء رسل هللا من الخارج‪ ،‬والعقل رسوله من الداخل‪،‬‬ ‫لكن هل المخاطبون اليوم بما يستنهض العلم والفقه والعقل والبصيرة ونحوها على مستوى هذا االستنهاض‪.‬‬

‫‪187‬‬ ‫‪188‬‬ ‫‪189‬‬

‫مفتاح الوصول الى علم االصول ‪ :‬أحمد كاظم البهادلي ‪ ,‬دار المؤرخ العربي‪ ,‬بيروت‪1988 ,‬م ‪ ,‬ص‪.57 :‬‬ ‫المدخل للتشريع اإلسالمي‪ :‬محمد فاروق النبهان‪ ،‬بيروت‪ :‬دارالقلم‪1977 ،‬م‪ ,‬ص‪.117‬‬

‫نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي‪ :‬أحمد الريسوني‪ ،‬دار األمان‪1989 ،‬م ‪ ,‬ص‪.347‬‬ ‫‪71‬‬


‫المبحث الثالث‬ ‫كيفية تطبيق الشروط الفقهية على الواقع‬ ‫حين يطالع المرء كتب الفقه فإنه يالحظ أن أهل العلم يذكرون شروطا شرعية‪ :‬للقاضي‪ ،‬والمفتي‪ ،‬وولي األمر‪ ،‬والشاهد‪،‬‬ ‫والوصي‪ ،‬والناظر‪ ،‬ويذكر أهل العلم –أيضا‪ -‬مواصفات الزوج الصالح‪ ،‬والزوجة الصالحة‪ ،‬وغير ذلك من الشروط‬ ‫والمواصفات والمؤهالت التي تذكر في كتب العلم في موضوعات كثيرة جدا لها مساس بحياتنا االجتماعية والسياسية‪ .‬ليس‬ ‫البحث هاهنا في (تأصيل) هذه الشروط‪ ،‬بل البحث في المرحلة الثانية بعد التأصيل‪ ،‬وهي مرحلة (التطبيق)‪ ،‬أعني‪ :‬تطبيق‬ ‫هذه الشروط على الواقع‪ ،‬حيث نالحظ دوما أن الواقع ال يفي بكامل المتطلبات والشروط‪ ،‬فيوقع هذا إشكاال لفريقين‪:‬‬ ‫الطائفة األولى بعض المتدينين الصادقين الذين يرون في القصور عن بعض الشروط الفقهية نقصا في الدين‪ ،‬وتقصي ار‬ ‫شرعيا‪ ،‬فيحدث هذا لهم ألوانا من المشاق‪ ،‬ومن أمثلة ذلك الشاب الذي يحرص على العمل باإلسالم في الدول الغربية‬ ‫فتتعذر عليه كثير من التشريعات‪ ،‬ومن أمثلة ذلك أيضا‪ :‬أنك تجد فتاة تفكر بالمواصفات التي يذكرها أهل العلم للزوج‬ ‫التقي الصالح‪ ،‬فترفض كثي ار ممن يتقدم لها ألنها تريد تلك الصورة المثالية عن التقوى التي في ذهنها‪ ،‬ثم قد يتسبب ذلك‬ ‫في تقدم عمرها ودخولها مرحلة العنوسة‪ ،‬وتفقد تكوين األسرة‪ ،‬التي هي من أعظم مقاصد القرآن‪.‬‬ ‫والفريق الثاني هم طائفة من العلمانيين الذين يأخذون الشروط الفقهية المثالية‪ ،‬ويقارنونها بعجز الحركات والتجارب‬ ‫والنماذج اإلسالمية عن تطبيقها‪ ،‬فيعيرونهم بها‪ ،‬ويشوهونهم أمام الناس‪ ،‬وأنهم غير صادقين في تطبيق نموذجهم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ويحاول هؤالء العلمانيون تمزيق السند الديني الرمزي الذي تتكئ عليه هذه الحركات اإلسالمية‪ ،‬وتحكيم الشريعة‬ ‫هو الرأسمال المعنوي لهذه الحركات‪.‬‬ ‫حسنا ‪ ..‬نحن هاهنا بحاجة لعرض مفهوم (تطبيق الشروط الشرعية على الواقع) ونحن نضع أمام ناظرينا هاتين‬ ‫الشريحتين‪ ،‬شريحة المتدين الصادق الذي يتطلب المثال في التطبيق‪ ،‬ويقلق من داخله‪ ،‬ويتألم للعجز عن أي شرط‪،‬‬ ‫ويحتار‪ ،‬وتتصدع أحاسيس االنسجام والشرعية في نفسه‪.‬‬ ‫والشريحة الثانية هم طوائف العلمانيين والليبراليين الذين يستغلون المسافة بين الشرط والواقع؛ للتشويه والتنفير‪ ،‬وتأليب‬ ‫الرأي العام ضد الحركات اإلسالمية الناشئة التي تحاول اإلصالح قدر اإلمكان‪ .‬بداية ‪ ..‬ما هي صورة الواقع أصال في‬ ‫‪72‬‬


‫التصور الشرعي؟ دعنا نأخذ هذا التأصيل الكلي العام في واحد من أثمن نصوص ابن تيمية‪ ،‬حيث يقول رحمه هللا‪:‬‬ ‫(والعدل المحض في كل شيء متعذر‪ ،‬علما وعمال‪ ،‬ولكن األمثل فاألمثل)‪.190‬‬ ‫الحظ أن كل تفاصيل الشريعة هي تطبيقات للعدل‪ ،‬فاهلل أمر بالعدل وذكر لنا بعض تفاصيله‪ ،‬ومع ذلك ينبه ابن تيمية‬ ‫إلى أن (العدل المحض) متعذر‪ ،‬وأن االجتهاد البشري في تحقيق هذا العدل هو االقتراب قدر اإلمكان من هذا المثال‪.‬‬ ‫ماذا يعني هذا التأصيل؟ هذا يعني أنه ليس هناك تعارض أصال بين (الدين) و (الواقعية)‪ ،‬فالتصور الديني البحت واقعي‬ ‫أيضا‪ .‬والحظ –بشكل أدق‪ -‬أن المفهوم الشرعي المباشر الذي ينظم تطبيق الشروط الفقهية على الواقع هو (قاعدة األمثل‬ ‫فاألمثل) وهي أحد تجليات الكلي العام وهو‪ :‬أن الواجب إقامة الشرع بحسب القدرة واإلمكان‪.‬‬ ‫يبدو أننا بحاجة ألمثلة تطبيقية‪ ،‬حسنا ‪ ..‬خذ بعض األمثلة‪:‬‬ ‫يذكر أهل العلم شروطا للواليات والمناصب‪ ،‬ولكن إذا جئنا نطبقها على الواقع فنعتبر األمثل فاألمثل‪ ،‬قال ابن تيمية‬ ‫(فلهذا يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل‪ ،‬واذا تعذر ذلك استعان باألمثل فاألمثل‪ ،‬وان كان فيه‬ ‫كذب وظلم‪ ،‬فإن هللا يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر‪ ،‬وبأقوام ال خالق لهم‪ ،‬والواجب إنما هو فعل المقدور)‪.191‬‬ ‫ويذكر أهل العلم شروطا شرعية لشخصية القاضي‪ ،‬وهي شروط ومواصفات دقيقة وعالية جدا‪ ،‬لكن إذا جئنا نطبقها على‬ ‫الواقع فنعتبر األمثل فاألمثل‪ ،‬قال ابن تيمية‪( :‬وشروط القضاء تعتبر حسب اإلمكان‪ ،‬ويجب تولية األمثل فاألمثل‪ ،‬وعلى‬ ‫هذا يدل كالم أحمد وغيره‪ ،‬فيولى لعد ٍم أنفع الفاسقين‪ ،‬وأقلهما شرا‪ ،‬وأعدل المقلدين‪ ،‬وأعرفهما بالتقليد)‪.192‬‬ ‫ويذكر أهل العلم شروطا للشاهد‪ ،‬لكن إذا جئنا نطبقها على الواقع فنعتبر األمثل فاألمثل‪ ،‬قال ابن تيمية (وشهادة الفاسق‬ ‫مردودة بنص القرآن واتفاق المسلمين‪ ،‬وقد يجيز بعضهم األمثل فاألمثل من الفساق عند الضرورة‪ ،‬إذا لم يوجد عدول‬ ‫ونحو ذلك)‪.193‬‬ ‫وهكذا –أيضا‪ -‬في مسألة الزواج‪ ،‬وتطلب مواصفات الدين والخلق والصفات الرفيعة في الزوج أو الزوجة‪ ،‬فإذا جئنا‬ ‫نطبق هذه المواصفات فنراعي الواقع‪ ،‬ونطبق الشروط والمواصفات حسب اإلمكان‪ ،‬على قاعدة األمثل فاألمثل‪ ،‬قال ابن‬ ‫‪190‬‬ ‫‪191‬‬ ‫‪192‬‬ ‫‪193‬‬

‫مجموع فتاوى ابن تيمية ج ‪99/10‬‬ ‫ابن تيمية‪ ،‬الفتاوى‪67/28 ،‬‬

‫ابن تيمية‪ ،‬االختيارات‪ ،‬تحقيق د‪.‬الخليل‪ ،‬ص ‪481‬‬

‫ابن تيمية‪ ،‬مختصر الفتاوى المصرية‪ ،‬ص ‪604‬‬

‫‪73‬‬


‫تيمية‪( :‬وكما قلنا في والة األمر من القضاة‪ ،‬ووالة الحرب‪ ،‬والمال‪ ،‬واإلمامة‪ ،‬وغيرهم‪ :‬يولى األصلح فاألصلح؛ كذلك نقول‬ ‫في تزويج النساء تزوج باألمثل فاألمثل ممن يخطبها)‪.194‬‬ ‫هذه طائفة من األمثلة في أبواب فقهية متعددة ينبه فيها أبو العباس ابن تيمية ببراعة على مفهوم (تطبيق الشروط الفقهية‬ ‫على الواقع)‪.‬‬ ‫ونستخلص من هذه األمثلة أننا عندما نريد تطبيق تطبيق الشروط الفقهية على الواقع فإن العمل الذهني ال يبحث عن‬ ‫(المطابقة) بين الشرط والواقع‪ ،‬بل يبحث عن (التقريب) بين الشرط الفقهي وأقرب النماذج الواقعية له‪ ،‬وهذا يعني أن العمل‬ ‫على (تحكيم الشريعة) هو عمل (واقعي) يدور على مفهوم (األقرب) ال مفهوم (المطابقة) ألن العدل المحض في كل شيء‬ ‫متعذر علما وعمال‪.‬‬ ‫َن تَ ْعدُلوا‬ ‫يعوا أ ْ‬ ‫(وَل ْن تَ ْستَط ُ‬ ‫وهذا المفهوم لتطبيق الشروط الفقهية على الواقع نبه عليه كتاب هللا‪ ،‬ومن ذلك قول هللا تعالى َ‬ ‫صتُ ْم)‪.195‬‬ ‫َب ْي َن الن َساء َوَل ْو َح َر ْ‬ ‫فالحظ كيف أكدت الشريعة على وجوب العدل بين الزوجات‪ ،‬وجاء فيه الوعيد الشديد‪ ،‬وفي نفس الوقت ينبه القرآن أن‬ ‫العدل في كل شيء بين الزوجات متعذر‪ ،‬وخارج عن االستطاعة! فإذا جمع الباحث هذين النصين استخلص أن الشارع‬ ‫نبه على (عدل مستطاع) و (عدل غير مستطاع) فأمر بالمستطاع وعفا عن غير المستطاع‪.‬‬ ‫(وأ َْوُفوا اْل َك ْي َل‬ ‫وكذلك يجمع هللا في مواضع بين األمر بالعدل والتنبيه على العفو عن العجز وعدم الوسع‪ ،‬كقول هللا َ‬ ‫ف َنْفسا إ َّال ُو ْس َع َها)‪.196‬‬ ‫َواْلم َيز َ‬ ‫ان باْلق ْسط َال ُن َكل ُ‬ ‫بل إن رسول هللا –صلى هللا عليه وسلم‪ -‬نبه على أن العمل بالشرع ليس (مطابقة) بل (تقريب قدر اإلمكان) بتأصيل‬ ‫شرعي عام‪ ،‬ومن ذلك ما في الصحيحين أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (قاربوا وسددوا‪ ،‬واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم‬ ‫بعمله)‪.197‬‬ ‫فالنبي يبين أنه العمل البشري ال يمكن أن يطابق المطلوب اإللهي‪ ،‬ولكن يقارب اإلنسان ويسدد‪.‬‬ ‫‪194‬‬ ‫‪195‬‬ ‫‪196‬‬ ‫‪197‬‬

‫ابن تيمية‪ ،‬قاعدة في العقود المطبوعة باسم نظرية العقد‪ ،‬ص ‪199‬‬

‫النساء‪.129:‬‬

‫األنعام‪.152:‬‬

‫أخرجه البخاري و مسلم ‪.2816 ،5376‬‬ ‫‪74‬‬


‫ومع ذلك كله‪ ،‬فيجب اليقظة من التقصير في القدرة واإلمكان‪ ،‬فكثي ار ما تتخذ بعض الحركات اإلسالمية ق اررات مخالفة‬ ‫للشريعة‪ ،‬وتدعي أن هذا غاية قدرتها وامكانها‪ ،‬وتكون هذه الدعوى غير دقيقة‪ ،‬بل في اإلمكان ما هو خير من ذلك‪،‬‬ ‫ويكون الدافع لمثل هذا القرار التوسع الشديد في البراجماتية السياسية لْلسف‪.‬‬

‫‪75‬‬


‫الباب الثاين‬ ‫يف‬ ‫القصد اجلنائي يف الفقه االسالمي و القانون‬ ‫ان ما حوته موسوعات فقهاء المسلمين من اجتهادات و استنباطات و تحقيقات شملت كافة فروع الفقه االسالمي التي تندرج تحت‬ ‫قسمي العبادات و المعمالت لتنادي أرباب االختصاص و كل من علت همته أن يتقدم اغوارها كشفا عن مكنوناتها و استخراجا‬ ‫لكنوزها‪ .‬بحثنا في مجال القصد الجنائي في الفقه و القانون لْلسباب منها‪:‬‬ ‫ان أثر الجهل في المسؤولية الجنائية لقيت اهتماما كبي ار من علماء الشريعة اإلسالمية‪ ,‬غير أن هذا الموضوع في أبواب متعددة ولم‬ ‫أجد من أفرد الموضوع ببحث مستقل‪ .‬وهذا يكفي باعثا على اختيار هذا الموضوع بالذات لما له من أهمية قصوى في الوقت الراهن‪,‬‬ ‫بالرغم ممايتسم به من صعوبة بالغة‪ .‬بما أن موضوع هذ ا البحث يندرج في نطاق الدراسات الفقهية المقارنة ‪ ,‬فقد تنوعت مصادره‬ ‫ومراجعه فشملت علم التفسير ‪ ,‬والحديث ‪ ,‬وفقه الفروع ‪ ,‬االصول ‪ ,‬وغير ذلك ‪ .‬ونعرض فيما يلي أهمها مرتبة بحسب العلم الذي‬ ‫تبحث فيه ‪.‬‬ ‫وقد وضعنا فصال خاصا بتعريف العلم‪ ,‬أهميته‪ ,‬مصادره ومستواه‪ ,‬وهذا األمر اقتضى َّ‬ ‫منا الرجوع لكتابات الفالسفة و القانونيين ألن‬ ‫صدرت منهم بعد معاناة طويلة لقضايا كثيرة مرت بهم بحكم مهنتهم في القضاء و المحاماة‪ .‬اقتصرنا في هذا البحث على مذهب‬ ‫األئمة االربعة المشهورين دون غيرهم‪ ,‬ألن المذاهب األربعة هي المعتبرة عند أهل السنة و الجماعة‪ .‬اعتمدنا نقل النص الحرفي في‬ ‫الغالب من المصادر االصلية ‪ ,‬وذلـك ألهمية النقل فـي مثل هذا الموضوع الحساس ‪ ,‬فاعتمادنا على المصادر االصلية لم يؤدي الـى‬ ‫اهمال المراجع الحديثة التي استفدنا منها ‪ ,‬خاصة فـي التطبيقات المعاصرة ‪.‬‬ ‫وقد ربطنا الـمسائل بمـا يجـري عليـه الـعمل فـي القانـون الـوضـعـي للتـوضـيح وابـراز سمـو الفقه الجنائي االسالمـي‪ ,‬وتـفوقه وصالحيته‬ ‫لكل زمان ومكان ‪ .‬وبدأنا كل فصل بتمهيد موجز لاليضاح قبل الدخول فيه‪ ,‬كما التزمنا بتخريج االيات واالحاديث والترجمة لالعالم‬ ‫‪76‬‬


‫الوارد في صلب البحث ‪.‬‬ ‫ولما كان القصد الجنائي يتكون من عنصرين هما‪ :‬العلم و اإلرادة‪ .‬غير أن العلم يستبق اإلرادة في التسلسل الزمني‪ ,‬حيث ال إرادة‬ ‫بغير علم‪ ,‬ألن اإلنسان ال يريد ما ال يعلمه‪ ,‬كما ال يعمل ماال يريد‪ .‬ماهية العلم من مباحث علم الكالم‪ ,‬هذا صحيح ولكن البحث في‬ ‫العلم باعتباره أحد عنصري القصد الجنائي من أهم نظريات القصد الجنائي ‪ .‬ألن انتفاء العلم الصحيح يعني ان الجهل أو على‬ ‫األقل الغلط قد توافر‪ .‬و لهذا قسمنا هذا الباب الى فصول ثالثة‪ :‬الفصل األول في العلم وأهميته‪ ,‬الفصل الثاني في العلم بالوقائع وأثره‬ ‫والفصل الثالث مخصوص لتعريف ااحكم والعلم بالحكم الشرعي و أثره في تكوين القصد الجنائي‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫الفصل األول‬ ‫العلم و أهميته في القصد الجنائي‬ ‫قد يقال بأن م اهية العلم من مباحث علم الكالم والخوض في دراستها معناه الدخول في خضم من اآلراء المتصارعة التي قد تبعدنا‬ ‫عن المجال بحثنا الفقهي‪ ,‬لهذا كان من المناسب االقتصار في بحث معناه من الزاوية تفسيره بأنه العمليات العقلية التي تتوسل بها‬ ‫لتحصيل المعلومات‪ .‬هذا صحيح ولكن البحث في العلم باعتباره أحد عنصري القصد الجنائي من أهم نظريات القصد الجنائي ‪ .‬ألن‬ ‫انتفاء العلم الصحيح يعني ان الجهل أو على األقل الغلط قد توافر‪ ,‬ولهذا نقسم هذا الفصل الى ثالثة مباحث‪:‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مفهوم العلم والمعرفة‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مصادر العلم‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬مستوى العلم‬

‫‪78‬‬


‫المبحث األول‬ ‫العلم و المعرفة‬ ‫الوقوف على دالالت العلم والمعرفة ُبغية تحديد مفهومهما يتطلب الخوض في مباحث العلماء الفكرية‪ ،‬المتعددة األلوان واالتجاهات‬ ‫اللغوية والعقدية؛ َّ‬ ‫ويطوعون معانيها ألفكارهم‪ ،‬وينقلون داللتها إلى ُعرفهم‪ .‬لذا كان الرجوع إلى األصل اللغوي‬ ‫ألنهم يتصرفون باأللفاظ ُ‬ ‫بالبحث في الدالالت المعجمية‬ ‫ًّ‬ ‫مهما لفهم الداللة‪ ،‬وتحديد الحقل الداللي؛ لضبط المصطلحين‪ .‬تَحديد الفروق بين العلم والمعرفة يكون َ‬ ‫واالستعمالية‪ ،‬وتحليل مادة ٍ‬ ‫كل منها‪ ،‬ومتابعة األصول باستقراء المادة بالمعاجم اللغوية واالصطالحية‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬الفروق اللغوية‪:‬‬ ‫نتيجة للتداخل بين مصطلحي العلم والمعرفة‪ ،‬فال مندوح َة من تتبع المصطلحين؛ لضبط الفروق بينهما‪ ،‬وألن لكل مصطلح َعالقة‬ ‫بأصله اللغوي‪ ،‬كان لزاما علينا الرجوع إلى المعاجم‪ ،‬فكلمة "علم" قالوا عنها‪" :‬سمي العْل ُم علما من العالمة‪ ،‬وهي الداللة واإلشارة‪،‬‬ ‫ومنه َم َعالم األرض والثوب‪.‬‬ ‫المعَل ُم‪ :‬األثر يستدل به على الطريق‪ ،‬والعلم من المصادر التي تجمع"‪ .198‬وقال الزمخشري‪" :‬ما علمت بخبرك‪ :‬ما شعرت به"‪.199‬‬ ‫وَ‬ ‫فيكون‬

‫بمعنى‬

‫الشعور‪،‬‬

‫والعلم‬

‫نقيض‬

‫الجهل‪،200‬‬

‫وقال‬

‫عنه‬

‫الفيروزآبادي‪:‬‬

‫هو‬

‫حق‬

‫المعرفة‪.201‬‬

‫‪202‬‬ ‫العرف َّ‬ ‫طلب الشيء‪ ،‬وعرَّفه‬ ‫َّ‬ ‫التعرف‪ :‬تَ َ‬ ‫ضد النكر‪ ،‬والعرفان خالف الجهل ‪ ،‬وتَ َعَّرْف ُت ما عند فالن‪ ،‬مصدره َ‬ ‫أما المعرفة فهي من ُ‬

‫"م ْعرفة‪ ،‬على غير القياس؛ لفعله الذي هو على وزن َ"يْفعل"؛ إذ َّ‬ ‫إن أكثره‬ ‫األمر‪ :‬أعلمه إياه‪َ ،‬‬ ‫وسمه‪ ،‬وجاء من المصدر َ‬ ‫وعرَّفه به‪َ ،‬‬

‫‪198‬جمهرة اللغة"‪:‬أبو بكر محمد بن الحسن ابن دريد األزدي‪321(،‬ه)‪ ,‬دار الماليين بيروت‪1987 ,‬م‪ ,‬ج‪ ،3‬ص ‪.16‬‬

‫‪199‬أساس البالغة"‪:‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري(‪538‬ه)‪ ,‬دار الكتب العلمية بيروت‪1990 ,‬م‪ ،‬ص ‪.653‬‬ ‫‪200‬‬

‫مجمل اللغة‪:‬أحمد بن فارس زكرياء القزويني (‪395‬ه) تحقيق عبد المحسن سلطان ‪ ,‬مؤسسة الرسالة بيروت ‪1986‬م‪ ,‬ج‪ ،3‬ص‬

‫‪.624‬‬

‫‪201‬القاموس المحيط‪ ،":‬محمد بن يعقوت الفيروز آبادي(‪817‬ه) مؤسسة الرسالة‪1990 ,‬ه‪ ،,‬ص ‪.1140‬‬

‫‪202‬بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز‪،":‬محمد بن يعقوت الفيروز آبادي(‪817‬ه)‪ ،‬المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪,‬‬

‫القاهرة‪1969 ,‬م ‪ ,‬ج‪ ،4‬ص ‪.88‬‬

‫‪79‬‬


‫ن‬ ‫"مْف َعل"‪.203‬‬ ‫يأتي على وز َ‬ ‫وعند ابن فارس‪ :‬المعرفة والعرفان من العلم بالشيء‪ ،‬يدل على سكون إليه؛ َّ‬ ‫توحش منه ونبا عنه‪ ,204‬كما وردت‬ ‫ألن من أنكر شيئا َّ‬ ‫المجازاة؛‬

‫بمعنى‬

‫قال‬

‫الزمخشري‪:‬‬

‫لك‬

‫ألعرفن‬

‫صنعت؛‬

‫ما‬

‫أي‪:‬‬

‫ألجازيك‬

‫به‪.205‬‬

‫ٍ‬ ‫"عال‪ ،‬مكرم‪،‬‬ ‫وفي مادة عرف حروف "رفع"‪ ،‬ومن ثم كان هذا المعنى مناسبا؛ حيث وردت كلمة "المعرفة"؛ لتدل على ما هو‪:‬‬ ‫أطيب َع ْرَفه! وهو األنف وما وااله‪،‬‬ ‫وطيب "؛ إذ يقال للقوم إذا تلثَّموا‪ :‬غطوا معارفهم‪ ،‬وتقول‪ :‬بنو فالن غر المعارف‪ ،‬وتقول‪ :‬ما‬ ‫َ‬ ‫اع َرْوَرف البحر‪ :‬ارتفعت‬ ‫وتطلق "معرفة" على أعراف الخيل؛ أي‪ :‬على الشعر الذي يعلو رقاب الخيل‪ ،‬وقلة عرفاء‪ :‬مرتفعة‪ ،‬و ْ‬ ‫أمواجه‪.206‬‬ ‫أصلي بالشيء‪ ،‬أو لنسيان بعد معرفة‪ ،‬فكان عدما بين معرفتين‪َّ ،‬‬ ‫فكأن الشيء‬ ‫إما لجهل‬ ‫ٍ‬ ‫فالمعرفة حاصلة بعد عدم‪ ،‬وذاك العدم هو َّ‬ ‫يز وبينا وواضحا في الذهن‬ ‫كان مختفيا عن الذهن؛ ثم تجلى أمامه بارتفاعه وعلوه عن غيره من المدركات في تلك اللحظة‪ ،‬فصار ُم َم ا‬ ‫صال عما سواه؛ أي‪:‬‬ ‫بع ْين الشيء ُمَف َّ‬ ‫بعد خفائه عنه لجهل أو لنسيان‪ ،‬فهو عال في صفحة الذهن بعد تستره وخفائه؛ إذ المعرفة علم َ‬ ‫ويميز عما يكتنفه من ُمتشابهات‪ ،‬فيتميز المعلوم من غيره‪ ،‬وسر المسألة‪َّ :‬‬ ‫أن المعرفة لتمييز ما اختلط فيه‬ ‫يعلو في اإلدراك‪ُ ،‬‬ ‫المعروف بغيره فاشتبه‪ ،‬فالمعرفة تمييز‪.‬‬ ‫ون"‬ ‫والمعرفة فعلها يقع على مفعول واحد‪ ،‬فتقول‪ :‬عرفت الدار‪ ،‬وعرفت زيدا؛ قال تعالى‪َ":‬ف َع َرَف ُه ْم َو ُه ْم َل ُه ُم ْنك ُر َ‬ ‫أما‬ ‫َّ‬

‫فعل‬

‫العلم‪،‬‬

‫فيقتضي‬

‫مفعولين؛‬

‫كقوله‬

‫‪-‬‬

‫تعالى‬

‫‪:-‬‬

‫"َفإ ْن‬

‫وه َّن‬ ‫َعل ْمتُ ُم ُ‬

‫مؤمن ٍ‬ ‫ات"‬ ‫ُْ َ‬

‫‪207‬‬ ‫‪208‬‬

‫نالحظ قربا بين معنى العلم ومعنى المعرفة‪ ،‬ذلك َّ‬ ‫أن كالًّ منهما ُي َعد عالمة أو داللة على شيء‪ ،‬وان كانت المعرفة ُتدل على ما‬ ‫ارتفع من الشيء‪ ،‬والمعرفة بمعنى المجازاة َّإنما تتضمن العلم بحال المجازى وقدره‪ ،‬وفي المعرفة علم بسبب المجازاة‪ ،‬وفيها علم‬ ‫وعمل‪ ،‬وفيها ارتفاع لقدر المعروف على العارف‪ ،‬ومن ثم كانت معرفة هللا ‪ -‬تعالى ‪ :-‬العلم اليقيني به‪ ،‬وعمل ما يتناسب مع قدره –‬

‫‪203‬االصحاح تاج اللغة و صحاح العربية‪ :‬أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري(‪393‬ه)‪ ,‬دار العلم للماليين بيروت‪1987,‬م‪ ,‬ج‪،4‬‬

‫ص (‪.)1401 - 1400‬‬

‫‪204‬كتاب األفعال"‪ :‬أبو القاسم علي بن جعفر السعدي بن القطاع‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،1983 ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.12‬‬ ‫‪205‬أساس البالغة"‪ ،‬الزمخشري‪ ،‬ص ‪.624‬‬ ‫‪206‬نفس المرجع‬ ‫‪207‬يوسف‪.58 :‬‬ ‫‪208‬الممتحنة‪.10 :‬‬

‫‪80‬‬


‫سبحانه‬

‫‪-‬‬

‫والمعرفة‬

‫تشمل‬

‫في‬

‫معانيها‬

‫االعتراف‬

‫واإلقرار‪،‬‬

‫وهما‬

‫علم‬

‫وأدلة‪.209‬‬

‫ثانيا‪ :‬الفروق االصطالحية‪:‬‬ ‫المعرفة عند البعض أخص من العلم؛ َّ‬ ‫صال عما سواه‪ ،‬وكل معرفة علم‪ ،‬وليس كل علم معرفة‪ ،‬وذلك َّ‬ ‫أن لفظ‬ ‫بع ْين الشيء ُمَف َّ‬ ‫ألنها علم َ‬ ‫المعرفة ُيفيد تمييز المعلوم من غيره‪ ،‬ولفظ العلم ال يفيد ذلك‪ ،210‬والمعرفة تقال فيما ُيتَوصل إليه بتفكر وتدبر‪ ،‬وتستعمل فيما تدرك‬ ‫آثاره‪ ،‬وال يدرك ذاته‪ ،‬تقول‪ :‬عرفت هللا‪ ،‬وعرفت الدار‪ ،‬والعلم يستعمل فيما يدرك ذاته‪ ،211‬وحال اإلبهام تقول‪ :‬عرفت زيدا‪ ،‬بعد أن لم‬ ‫تكن‪ ،‬وال تقول‪ :‬علمت زيدا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫بالجبلة‪ ،‬فهي إدراك ُجزئي َيحصل بواسطة؛ لذلك يقال‪ :‬عرفت هللا‪ ،‬وال‬ ‫فخص به اإلنسان‪ ،‬والمعرفة‬ ‫وقيل‪ :‬العلم يكون باالكتساب‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يقال‪ :‬علمت هللا‪ ،‬فالعلم لما يدرك ذاته مع اإلحاطة به‪ .212‬وقيل‪ :‬العلم أخص من المعرفة؛ َّ‬ ‫ألنها قبله؛ إذ تكون مع كل علم معرفة‪،‬‬ ‫وليس مع كل معرفة علم‪ ،‬إلى جانب تضمنها للخبرة العملية‪ ،‬فالمعرفة هي ثَمرة التقابل واالتصال بين َّ‬ ‫الذات المدركة والموضوع‬ ‫ُ‬ ‫المدرك‪ ،‬وتتميز من باقي معطيات الشعور‪ ،‬من حيث َّإنها تقوم في ٍ‬ ‫آن واحد على التقابل واالتحاد الوثيق بين هذين الطرفين‪.‬‬ ‫الم ْد َرك‪ ،‬خصوصا إذا تكرر إدراكه‪َّ ،‬‬ ‫الم ْدرك إذا أدرك شيئا‪ ،‬فحفظ له محصوال في نفسه‪،‬‬ ‫فإن ُ‬ ‫فالمعرفة تقال على استثبات المحصول ُ‬ ‫َّ‬ ‫الم ْد َرك األول‪ ،‬قيل لذلك اإلدراك الثاني بهذا الشرط‪( :‬معرفة)‪.‬‬ ‫ثم أدركه ثانيا‪ ،‬وأدرك مع إد اركه له أنه ذلك ُ‬ ‫والمعرفة عند جمهور الناس أصلها قد يقع ضروريًّا فطريًّا‪ ،‬وقد َيحتاج إلى النظر واالستدالل‪ ،‬وقال البعض‪َّ :‬‬ ‫إن المعرفة نتيجة العقل‪:‬‬ ‫أن المعرفة ال تكون إال مكتسبة‪ ،‬فال َيجوز أن تقع َّ‬ ‫"العقل غريزة‪ ،‬والمعرفة عنه تكون"‪ .213‬والبعض يرى َّ‬ ‫بالضرورة الرتفاع الكلفة‪.214‬‬

‫‪209‬نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة‪ :‬راجح عبد الحميد الكردي‪ ,‬المعهد العالمي للفكر االسالمي‪1990,‬م‪ ،‬ص ‪.34‬‬

‫‪210‬الفروق اللغوية"‪ :‬أبو هالل الحسن بن عبد هللا بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (‪395‬ه)‪ ،‬تحقيق محمد إبراهيم‬

‫سليم‪ ,‬دار العلم والثقافة للنشر و التوزيع القاهرة‪ ,‬ص ‪.63 - 62‬‬

‫‪211‬معجم ألفاظ العلم والمعرفة في اللغة العربية‪ ،":‬عادل عبد الجبار زاير‪ ،‬مكتبة لبنان‪ 1990,‬م‪ .‬ص‪.11‬‬ ‫‪212‬كتاب األفعال"‪ ،‬ابن القطاع‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.323‬‬

‫‪213‬المسائل في أعمال القلوب والجوارح"‪ ،‬الحارث المحاسبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبدالقادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت‪،1987 ,‬‬

‫ص‪.239‬‬

‫‪"214‬مجموعة الرسائل الكبرى"‪ ،‬تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد رشاد سالم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط(‪،)2‬‬

‫‪ ،1990‬ج ‪ ،1‬ص ‪.14‬‬

‫‪81‬‬


‫العلم يقال إلدراك الكلي أو المركب‪ ،‬والمعرفة تقال إلدراك الجزئي أو البسيط‪ ،‬فمتعلق العلم في اصطالح المنطق هو المركب‬ ‫المتعدد‪ ،‬كذلك عند أهل اللغة هو المفعوالن‪ .‬ومتعلق المعرفة هو البسيط الواحد‪ ،‬كذلك عند أهل اللغة وهو المفعول الواحد‪ ،‬وان اختلف‬ ‫وجه التعدد والوحدة بينهم بحسب َّ‬ ‫اللفظ والمعنى‪.215‬‬ ‫أما العلم فينصرف إلى أحواله من فضل ونقص‪ ،‬ولذا جاء األمر في القرآن بالعلم دون‬ ‫والمعرفة تنصرف إلى ذات‬ ‫المسمى‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫المعرفة‬

‫‪216‬‬

‫يرفع بالعلم رأسا‪ ،‬ويعده قاطعا وحجابا‬ ‫قال ابن القيم‪ :‬وهذه الطائفة [الصوفية] ترجع المعرفة على العلم‪ ،‬وكثير منهم ال ُ‬

‫كامل الوالية من غير أولي العلم‬ ‫دون المعرفة‪،‬وأهل االستقامة منهم أشد الناس وصية للمريدين بالعلم‪ ،‬وعندهم ال يكون ولي هللا‬ ‫َ‬ ‫أبدا‪ ،217 .‬وميز بينهما‪ .‬كما َّ‬ ‫أن العلم يقابله في الضد الجهل والهوى‪ ،‬أما المعرفة فهي ضد اإلنكار والجحود‪ .‬ورد كالَ اللفظين في‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬فلفظ المعرفة كقوله ‪ -‬تعالى ‪":-‬م َّما َع َرُفوا م َن اْل َحق"‬

‫‪218‬‬

‫َّللاُ"‬ ‫اعَل ْم أََّن ُه َال إَل َه إ َّال َّ‬ ‫‪ ،‬و َّ‬ ‫أما لفظ "العلم"‪ ،‬فهو أوسع إطالقا‪ ،‬كقوله‪َ" :‬ف ْ‬

‫َّ‬ ‫ون‬ ‫اء ُه ْم"‬ ‫اب َي ْعرُف َ‬ ‫‪ ،‬وفي "الذ َ‬ ‫ين آتَْيَن ُ‬ ‫اه ُم اْلكتَ َ‬ ‫ون ُه َك َما َي ْعرُف َ أ َْبَن َ‬ ‫‪220‬‬

‫‪219‬‬

‫َّللاُ أََّن ُه َال إَل َه إ َّال ُه َو َواْل َم َالئ َك ُة َوأُوُلو‬ ‫"شه َد َّ‬ ‫‪ ،‬وفي قوله‪َ :‬‬

‫اْلعْلم َقائما باْلق ْسط"‪ ، 221‬وقوله‪"َ :‬وُق ْل َرب زْدني عْلما"‪ ،222‬وغيرها كثير‪.‬‬ ‫واختار هللا ‪ -‬سبحانه ‪ -‬لنفسه اسم "العلم" وما تصرف منه‪ ،‬فوصف نفسه َّ‬ ‫بأنه "عالم"‪ ،‬و"عليم وعالم ويعلم"‪ ،‬وأخبر أن له علما‪ ،‬دون‬ ‫لفظ "المعرفة" في القرآن كله‪ ،‬ومعلوم َّ‬ ‫أن االسم الذي اختاره هللا لنفسه هو األكمل المشارك له في معناه‪.‬‬ ‫ك بأ َّ‬ ‫ين َوُرْهَبانا َوأََّن ُه ْم َال‬ ‫َن م ْن ُه ْم قسيس َ‬ ‫وجاء لفظ "المعرفة" في القرآن في ُمؤمني أهل الكتاب خاصة؛ كقوله ‪ -‬تعالى ‪َ " :-‬ذل َ‬ ‫‪224‬‬ ‫‪223‬‬ ‫َّ‬ ‫ون‬ ‫اء ُه ْم"‪.225‬‬ ‫َي ْستَ ْكب ُر َ‬ ‫اب َي ْعرُف َ‬ ‫ون" إلى م َّما َع َرُفوا م َن اْل َحق ‪ ،‬وقوله‪" :‬الذ َ‬ ‫ين آتَْيَن ُ‬ ‫اه ُم اْلكتَ َ‬ ‫ون ُه َك َما َي ْعرُف َ أ َْبَن َ‬

‫‪ 215‬الكليات معجم في المصطلحات و الفروق اللغة ألبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي‪1094( ,‬هـ)‪ ,‬مؤسسة الرسالة‬ ‫بيروت ‪1988 ,‬م‪612 ,‬‬ ‫‪216‬بصائر ذوي التمييز"‪ ،‬الفيروزآبادي‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.49‬‬

‫‪"217‬الفروق الشرعية واللغوية عند ابن قيم الجوزية‪ ،:‬علي إسماعيل القاضي‪ ،‬دار ابن القيم‪ ،‬الرياض‪ .‬ط(‪ ،1923 ،)1‬ص ‪،70‬‬

‫"بدائع الفوائد"‪ ،‬أبو عبدهللا محمد بن أبي بكربن أيوب إبن قيم الجوزية(‪751‬ه)‪ ,‬تحقيق هاني الحاج‪ ،‬المكتبة التوفيقية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬

‫‪1987‬م‪ ,‬ج‪ ،1‬ص ‪.301‬‬ ‫‪218‬المائدة‪83 :‬‬

‫‪219‬البقرة‪146 :‬‬ ‫‪220‬محمد‪19 :‬‬

‫‪221‬آل عمران‪18 :‬‬ ‫‪222‬طه‪114 :‬‬

‫‪223‬المائدة‪82 :‬‬ ‫‪82‬‬


‫فالفرق بين إضافة العلم إلى هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬وعدم إضافة المعرفة ال يرجع إلى األفراد والتركيب في متعلق العلم‪ ،‬واَّنما يرجع إلى نفس‬ ‫المعرفة ومعناها‪َّ ،‬‬ ‫فإنها في مجاري استعمالها َّإنما تستعمل فيما سبق تصوره من نسيان‪ ،‬أو ذهول‪ ،‬أو عزوب عن القلب‪ ،‬فإذا تُصور‬ ‫وحصل في الذهن قيل‪ :‬عرفه‪ ،‬أو وصف له صفته ولم يره‪ .226‬قال بعض أهل التحقيق‪ :‬يجوز إسناد العلم بمعنى المعرفة إليه –‬ ‫تعالى ‪ -‬وان لم يجز إسناد المعرفة؛ ألن منع إسنادها نشأ عن لفظ المعرفة دون معناها؛ إذ لفظ المعرفة شاع في اإلدراك بعد النسيان‬ ‫‪227‬‬ ‫َّنت‬ ‫أو بعد الجهل؛ فإذا رآه بتلك الصفة وتعينت فيه‪ ،‬قيل‪ :‬عرفه‪ ،‬أال ترى َّأنك إذا غاب عنك وجه الرجل‪ ،‬ثم رأيته بعد زمان‪ ،‬فتبي َ‬

‫أنه هو‪ ،‬قلت‪ :‬عرفته؟ وكذلك عرفت اللفظ‪ ،‬وعرفت الديار‪ ،‬وعرفت الطريق‪ ،‬وسر المسألة‪ :‬أن المعرفة لتمييز ما اختلط فيه المعروف‬ ‫اء ُه ْم"‪ ،228‬فقد كان عندهم من صفته ‪ -‬عليه‬ ‫ون ُه َك َما َي ْعرُف َ‬ ‫بغيره فاشتبه‪ ،‬فالمعرفة تمييز‪ ،‬ومن هذا قوله ‪ -‬تعالى ‪"َ :-‬ي ْعرُف َ‬ ‫ون أ َْبَن َ‬ ‫ون‬ ‫اء ُه ْم البقرة‪ 146 :‬من باب ازدواج الكالم‪ ،‬وتشبيه‬ ‫الصالة والسالم ‪ -‬قبل أن يروه‪ ،‬ما طابق شخصه حين رؤيته‪ ،‬وجاء َك َما َي ْعرُف َ أ َْبَن َ‬ ‫أحد اليقينين باآلخر‪.‬‬ ‫أما ما زعموا من قولهم‪َّ :‬‬ ‫‪":‬ال تَ ْعَل ُم ُه ْم َن ْح ُن‬ ‫قال ابن القيم‪ :‬و َّ‬ ‫إن "علمت" قد يكون بمعنى "عرفت"‪ ،‬واستشهادهم بنحو قوله ‪ -‬تعالى ‪َ -‬‬ ‫َن ْعَل ُم ُه ْم"‬

‫‪229‬‬

‫َّللاُ َي ْعَل ُم ُه ْم"‬ ‫ون ُه ُم َّ‬ ‫ين م ْن ُدونه ْم َال تَ ْعَل ُم َ‬ ‫‪ ،‬وقوله‪"َ :‬وآ َ‬ ‫َخر َ‬

‫‪230‬‬

‫‪ ،‬الذي دعاهم إلى ذلك َّأنهم أروا "علمت" قد تعدت إلى مفعول‬

‫ٍ‬ ‫واحد‪ ،‬وهذا هو حقيقة العرفان‪ ،‬فاستشهاد ظاهر على َّأنه قد قال بعض الناس‪َّ :‬‬ ‫مفعول‬ ‫إن تعدي فعل العلم في هذه اآليات وأمثالها إلى‬ ‫واحد ال ُيخرجها عن كونها علما على الحقيقة‪َّ ،‬‬ ‫فإنها ال تتعدى إلى مفعول واحد على تعدي "عرفت"‪ ،‬ولكن على جهة الحذف‬ ‫واالختصار‪.‬‬ ‫فقوله‪"َ :‬ال تَ ْعَل ُم ُه ْم َن ْح ُن َن ْعَل ُم ُه ْم" التوبة‪ 101 :‬ال تنفي عنه معرفة أعيانهم وأسمائهم‪ ،‬واَّنما تنفي عنه العلم بعدوانهم ونفاقهم‪ ،‬وما تقدم‬ ‫َّللاُ َي ْعَل ُم ُه ْم" األنفال‪ ،60 :‬فربَّما كانوا يعرفونهم وال يعلمونهم‬ ‫ون ُه ُم َّ‬ ‫ين م ْن ُدونه ْم َال تَ ْعَل ُم َ‬ ‫من الكالم يدلك على ذلك‪ ،‬وكذلك قوله‪"َ :‬وآ َ‬ ‫َخر َ‬ ‫أعداء لهم‪ ،‬فيتعلق العلم بالصفة المضافة إلى الموصوف ال بعينه وذاته‪ ،‬ومثل ذلك من يقول‪َّ :‬‬ ‫إن "سأل" يتعدى إلى غير العقالء‪:‬‬

‫‪224‬المائدة‪83 :‬‬

‫‪225‬البقرة‪146 :‬‬

‫‪226‬الفروق الشرعية واللغوية عند ابن قيم الجوزية"‪ ،‬علي إسماعيل القاضي‪ ،‬دار ابن القيم‪ ،‬الرياض‪ .‬ط(‪ ،1923 ،)1‬ص ‪" ،70‬بدائع‬

‫الفوائد"‪ ،‬أبو عبدهللا محمد بن أبي بكر قيم الجوزية؛ تحقيق‪ :‬هاني الحاج‪ ،‬المكتبة التوفيقية‪ ،‬القاهرة‪1987 ،‬م‪ ,‬ج‪ ،1‬ص ‪.301‬‬ ‫‪ 227‬الكليات معجم في المصطلحات و الفروق اللغة‪ :‬الكفوي‪ ,‬ص ‪.612‬‬ ‫‪ 228‬البقرة‪146 :‬‬ ‫‪229‬التوبة‪101 :‬‬ ‫‪230‬األنفال‪60 :‬‬

‫‪83‬‬


‫اسأَل اْلَق ْرَي َة"‬ ‫سألت الحائط‪ ،‬والدار‪َ ،‬يحتج باآلية‪"َ ،‬و ْ‬ ‫نفى‬

‫‪-‬‬

‫رسوله‬

‫عن‬

‫‪231‬‬

‫‪ ،‬وذاك جهل بالمجاز والحذف‪ ،‬وليس ما قاله هؤالء بقوي‪ ،‬فإن هللا ‪ -‬سبحانه‬

‫معرفة‬

‫أعيان‬

‫المنافقين‪،‬‬

‫أولئك‬

‫صريح‬

‫وهذا‬

‫اللفظ‪.‬‬

‫صلى هللا عليه َّ‬ ‫ومجيء نفي معرفة نفاقهم من جهة اللزوم‪ ،‬فهو ‪َّ -‬‬ ‫وسلم ‪ -‬كان يعلم وجود النفاق في أشخاص منافقين ُمعيَّنين‪ ،‬وهو‬ ‫ط َووا على النفاق‪ ،‬وهو ال يعلم‬ ‫موجود في غيرهم وال يعرف أعيانهم‪ ،‬وليس المراد أن أشخاصهم كانت معلومة له معروفة عنده‪ ،‬وقد ان َ‬ ‫ذلك فيهم‪ ،‬فاللفظ لم يدل على ذلك بوجه‪ ،‬وعلى هذا ينبغي حمله على معرفة أشخاصهم ال على معرفة نفاقهم‪ .‬ننتهي من هذا الى‬ ‫مايلي‪:‬‬ ‫‪" - 1‬المعرفة" تتعلق بذات الشيء؛ أي‪ :‬مسماه‪ ،‬و"العلم" يتعلق بأحواله وصفاته‪ ،‬فتقول‪ :‬عرفت أباك‪ ،‬وعلمته صالحا عالما‪ ،‬ولذلك‬ ‫َّللاُ"‬ ‫اعَل ْم أََّن ُه َال إَل َه إ َّال َّ‬ ‫جاء األمر في القرآن بالعلم دون المعرفة؛ كقوله ‪ -‬تعالى ‪َ" :-‬ف ْ‬

‫‪232‬‬

‫‪ ،‬فالمعرفة‪ :‬حضور صورة الشيء‪ ،‬ومثاله‬

‫العلمي في النفس‪ ،‬والعلم‪ :‬حضور أحواله وصفاته‪ ،‬ونسبتها إليه‪ ،‬فالمعرفة تشبه التصور‪ ،‬والعلم يشبه التصديق‪.‬‬ ‫‪" - 2‬المعرفة" في الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه‪ ،‬أو تكون لما وصف له بصفات قامت في نفسه‪ ،‬فإذا رآه وعلم أنه‬ ‫َّ‬ ‫اعة م َن َّ‬ ‫ون َب ْيَن ُه ْم يونس‪ ،45 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫الن َهار َيتَ َع َارُف َ‬ ‫الموصوف بها‪ ،‬قيل‪ :‬عرفه‪ .‬قال تعالى‪َ :‬وَي ْوَم َي ْح ُش ُرُه ْم َكأ ْ‬ ‫َن َل ْم َيْلَبثُوا إال َس َ‬ ‫َّ‬ ‫ون‬ ‫اء ُه ُم األنعام‪:‬‬ ‫ف َف َد َخلُوا َعَل ْيه َف َع َرَف ُه ْم َو ُه ْم َل ُه ُم ْنك ُر َ‬ ‫اب َي ْعرُف َ‬ ‫ون يوسف‪ ،58 :‬وقال‪ :‬الذ َ‬ ‫ين آ َ​َت ْيَن ُ‬ ‫وس َ‬ ‫اه ُم اْلكتَ َ‬ ‫اء إ ْخ َوةُ ُي ُ‬ ‫ون ُه َك َما َي ْعرُف َ أ َْبَن َ‬ ‫َو َج َ‬ ‫‪ 20‬لما كانت صفاته معلومة عندهم‪ ،‬لما رأوه عرفوه بتلك الصفات‪ ،‬فالمعرفة تشبه التذكر للشيء‪ ،‬وهو حضور ما كان غائبا عن‬ ‫ولهذا‬

‫الذكر‪،‬‬

‫ضد‬

‫كان‬

‫المعرفة‬

‫وضد‬

‫اإلنكار‪،‬‬

‫الجهل‪.‬‬

‫العلم‬

‫‪" - 3‬المعرفة" تفيد تمييز المعروف عن غيره‪ ،‬و"العلم" يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره‪ ،‬وهذا الفرق غير األول‪َّ ،‬‬ ‫فإن ذاك يرجع‬ ‫إدراك‬

‫إلى‬

‫َّ‬ ‫الذات‪،‬‬

‫وهذا‬

‫يرجع‬

‫إلى‬

‫تخليص‬

‫َّ‬ ‫الذات‬

‫من‬

‫غيرها‪،‬‬

‫بتخليص‬

‫صفاتها‬

‫من‬

‫صفات‬

‫غيرها‪.‬‬

‫‪َّ - 4‬أنك إذا قلت‪ :‬علمت زيدا‪ ،‬لم ُيفد المخاطب شيئا؛ َّ‬ ‫ألنه ينتظر أن تخبره على أي حال علمته‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬كريما أو شجاعا‪،‬‬ ‫يبق ُمنتظ ار لشيء آخر‪ ،‬وهذا الفرق في‬ ‫حصلت له الفائدة‪ ،‬واذا قلت‪ :‬عرفت زيدا‪ ،‬استفاد المخاطب أنك أثبته وميزته عن غيره‪ ،‬ولم َ‬ ‫التحقيق إيضاح للفرق الذي قبله‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-‬‬

‫"المعرفة"‬

‫علم‬

‫بعين‬

‫الشيء‬

‫ُمفصال‬

‫عما‬ ‫َّ‬

‫سواه‪،‬‬

‫بخالف‬

‫"العلم"‪،‬‬

‫َّ‬ ‫فإنه‬

‫قد‬

‫يتعلق‬

‫بالشيء‬

‫مجمال‪.‬‬

‫ويستحيل‬ ‫وهذا يشبه فرق "صاحب المنازل "‪ ،‬فالمعرفة إحاطة بعين الشيء كما هو‪ ،‬وعلى هذا الحد ال ُيتصور أن ُيعرف هللا ألبتة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪231‬يوسف‪82 :‬‬

‫‪ 232‬محمد‪19 :‬‬

‫‪84‬‬


‫عليه هذا الباب بالكلية‪َّ ،‬‬ ‫ون به‬ ‫{ي ْعَل ُم َما َب ْي َن أ َْيديه ْم َو َما َخْلَف ُه ْم َوَال ُيحي ُ‬ ‫ط َ‬ ‫فإن هللا ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ال ُيحاط به علما‪ ،‬وال معرفة وال ُرؤية؛ َ‬ ‫عْلما} [طه‪ ،]110 :‬بل حقيقة هذا الحد انتفاء تعلق المعرفة بأكبر المخلوقات وأظهرها‪ ،‬وهي الشمس والقمر‪ ،‬بل ال يصح أن يعرف‬ ‫أحد نفسه وذاته أَْلَبتَّة‪ ،‬وهذا على مذهب‪.‬‬ ‫‪ - 6‬أكثر استعماالت المعرفة في القرآن كان في مقام الذم‪ ،‬كالجحود واإلنكار والنفاق‪ ،‬وهذه المواقف لم تكن لما وصف َّأنه علم‪ ،‬بل‬ ‫لم يأمر هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬نبيَّه بالدعاء له بالزيادة في شيء إال في العلم؛ َ"وُق ْل َرب زْدني عْلما"‪.233‬‬ ‫‪ - 7‬المعلومات المتراكمة بالحافظة في أصلها تُسمى معارف ومعرفة‪ ،‬سواء كانت خبرة تجريبيَّة أم فكرية‪ ،‬فإذا رتبت ونظمت‪ ،‬وكانت‬ ‫على قواعد ونسق كانت علما‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬العرب تتكلم الفصحى أصالة‪ ،‬لكن ال يسمى أحد منهم نحويًّا؛ حتى يدرك قوانين النحو‬ ‫وينظمها‪ ،‬ويعلم علة تغير أواخر الكلم‪ ،‬ومثل ذلك َّ‬ ‫البناء والمهندس‪ ،‬فالمعرفة إدراك الفعل‪ ،‬والعلم إدراك علة الفعل‪ .‬تبيَّن من هذا كله أ‬ ‫َّن العلماء في مباحثهم الفكريَّة المتعددة األلوان واالتجاهات‪ ،‬يتصرفون باأللفاظ ويطوعون معانيها ألفكارهم‪ ،‬وينقلون داللتها عن‬ ‫العرف‪ ،‬والى االصطالح‪ ،‬بلغة قد تصل إلى درجة الغموض‪ ،‬في االبتعاد عن مدلولها األصلي‪ ،‬خدمة التجاهاتهم ومذاهبهم‪ ،‬بدليل‬ ‫ُ‬ ‫كثرة المنازعات‪ ،‬والمجادالت الفكرية حول وضع بعض هذه األلفاظ‪ ،‬في حدود اصطالحات معلومة؛ رغم ذلك فجهود العلماء بتنوع‬ ‫ولطائف بديعة تخلب اللب‪ ،‬وتحير‬ ‫مشاربهم واختالف توجهاتهم َّإنما كانت تعكس صورة للتقدم الفكري والحضاري‪ ،‬حتى َّإننا لنجد ُن َكتا‬ ‫َ‬ ‫الذهن؛‬

‫لقوة‬

‫نظرهم‪،‬‬

‫وسعة‬

‫‪233‬طه‪114 :‬‬ ‫‪85‬‬

‫علمهم‪،‬‬

‫ودقة‬

‫فهومهم‪.‬‬


‫المبحث الثاني‬ ‫مصادر العلم‬ ‫خاصة في النظريَّة المعرفية ألي نسق معرفي‪ ،‬فهو حجر البناء ألي نسق؛ إذ من المصادر المعرفية‬ ‫ُيمثل موضوع المصادر أهمية َّ‬ ‫تُسقى المعارف واألدلة‪َ .‬غ ْي َر َّ‬ ‫بعض الغموض في تحديده‪ ،‬وحوله آراء عدة وتصورات ُمختلفة‪ .‬وعلى هذا‬ ‫أن مفهوم المصدر يشوبه ُ‬ ‫سنخصص هذا المبحث لدراسة مصادر العلم وذلك من خالل استعمال اللفظ المصدر اللغوي و مفاهيم أخرى‪ ,‬مثل مفهوم المصدر‬ ‫المعرفي‪ ,‬المفهوم الداللي وتصنيف المصادر‪.‬‬ ‫مفهوم المصدر المعرفي‪:‬‬ ‫الب ُحوث‪ ،‬نجد اختالفا بل اضطرابا في استعماله اللغوي‪ ،‬وتداخال مع مفاهيم‬ ‫إذا تتبَّعنا طرَح مصطلح "مصادر المعرفة" في الكثير من ُ‬ ‫للمدقق‪ ،‬وتصورات خاطئة للمطالع‪ ،‬فتكسب تلك البحوث صبغة أدبية قصصية أكثر منها بحوثا‬ ‫أخرى؛ مما ُيوقع في إشكاالت فكرية ُ‬ ‫ٍ‬ ‫التباس بين المصادر‬ ‫بعضهم فيما يعد خلطا أدى إلى‬ ‫ا‬ ‫علمية؛‬ ‫"نظر لعدم تحديد بعض الباحثين لمصطلحات دراساتهم‪ ،‬فقد وقع ُ‬ ‫والميادين مثال‪ ...‬ومنهم من َيميل إلى اإلجمال؛ فيجعل هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬مصدر المعرفة والوحي أداة"‪.234‬‬ ‫القول حول المصدر‬ ‫ولذا نفصل في البحث بين األصل والمصدر‪،‬‬ ‫فاألصل هو الخالق لها وألسبابها‪ ،‬والمصدر هو علة حدوثها‪ ،‬و ُ‬ ‫ُ‬ ‫أن هللا هو مسبب األسباب‪َ ،‬غ ْي َر أنه ‪ -‬تعالى ‪ -‬أبدع الكون‬ ‫ألن من يقينيَّات المسلم َّ‬ ‫بأنه هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬باإلجمال ضرب من التعتيم؛ َّ‬ ‫التناسق ال يكون دون ثبات‪ ،‬والثَّبات لب القانون‪ ،‬والقوانين مما يسر هللا لإلنسان إدراكها؛ بل أرشده للبحث عنها‪،‬‬ ‫على نظام ُمتناسق‪ ،‬و ُ‬ ‫األسباب المشهودة من‬ ‫وهي من العالم المباشر الظاهر‪ ،‬والشرع َبَنى األحكام بين الناس على الظاهر‪ ،‬فالتطرق لْلسباب قطعا هي‬ ‫ُ‬ ‫العالم المدرك؛ ال األسباب المغيبة التي تلي عاَل َم الشهادة؛ لذا نجد نوعا من التسطيح بطرح أصول القضايا‪ ،‬وعلل الكون‪ُ ،‬مباشرة إلى‬ ‫الباري‪ ،‬فهذا من المعلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬بل هو عنوان لجهل القائل به باألسباب الدنيوية‪ ،‬فيقفز إلى مسبب األسباب دفعة‬ ‫واحدة‪ ،‬والنزاع قائم حول السبب الدنيوي في عالم الشهادة‪ ،‬لفقه نواميس الكون ونظامه‪ ،‬كيما نعي قوانين االستخالف الدنيوية‪.‬‬

‫‪234‬‬

‫نظرية المعرفة في القرآن الكريم وتضميناتها التربوية‪ :‬احمد محمد حسين الدغشي‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬دمشق ـ سورية‪،1989 ,‬‬

‫ص‪.197‬‬ ‫‪86‬‬


‫أما جر األنظار إلى ما غاب فآمنا باهلل‪ ،‬لكن نلتمس ُرؤية سنة هللا في خلقه‪ ،‬وال تبديل لسنته ‪ -‬تعالى ‪ -‬في اآلفاق وال األنفس‪ ،‬فما‬ ‫َّ‬ ‫عباده آياته في اآلفاق وفي أنفسهم‪ ،‬إالَّ وقد مكنهم من ُرؤيتها‪ ،‬والرؤية ال تستقيم دون فهم للعلل‬ ‫وعد ‪ -‬جل وعال ‪ -‬بأن ُيري َ‬ ‫وكل يدرك شيئا من ذلك بقدر ما أوتي من علم وقدرة وارادة‪.‬‬ ‫واألسباب‪ٌّ ،‬‬ ‫المفهوم الداللي‪:‬‬ ‫خاصة بالنسبة إلى التربية (المعرفية) اإلسالمية؛ َّ‬ ‫ألنه يتصل ببناء فكر األمة‪ ،‬وتوجهها الحضاري من‬ ‫ُيشكل موضوع المصادر أهمية َّ‬ ‫أجل إعادة بنائها أفرادا وجماعات؛ النطالقها من الجذور األصلية واالتجاهات والقيم‪ ،‬التي كان لها أكبر األثر في تاريخنا‬ ‫أن‬

‫لكثير‬

‫من‬

‫الباحثين‬

‫في‬

‫هذا‬

‫الموضوع‬

‫عدة‪،‬‬

‫آراء‬

‫وتصورات‬

‫ُمختلفة‬

‫حول‬

‫المصادر‬

‫‪235‬‬

‫‪ .‬غير‬

‫وتقسيماتها‪.‬‬

‫فالبعض َيجعل طرق المعرفة مصادر لها وحتى وسائلها‪ ،‬وهذا يعارض بنية المصطلح ودالالته اللغوية‪ ،‬فالمصدر لغة من الصدر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وهو مقدمة كل شيء؛ أي‪ :‬أصله الذي عنه يصدر‪.‬‬ ‫عنى بها طرق المعرفة أو وسائلها‪ ،‬ولكن مصطلح مصادر المعرفة في‬ ‫أحد الباحثين‪ :‬تستعمل الفلسفة (مصادر المعرفة)‪ ،‬وتُ َ‬ ‫يقول ُ‬ ‫(عَّل َم‬ ‫المفهوم الفلسفي ليس هو المراد ب ُ‬ ‫ط ُرقها عندنا في تصورنا الدقيق‪ ،‬ذلك أن مصدر الشيء أصله‪ ،‬وأصل المعرفة عندنا رباني؛ َ‬ ‫ان ما َلم َي ْعَلم)‪ .236‬وحتى استعمالنا ألدوات المعرفة من عقل وحس َّإنما هو بأقدار هللا ‪َّ -‬‬ ‫وجل ‪ -‬وتمكينه الفلسفي‪ ،‬ومن ثم‬ ‫عز َّ‬ ‫ْاإل ْن َس َ َ ْ ْ‬ ‫فطرق المعرفة عندنا مصادرها ومنابعها معا‬

‫‪237‬‬

‫‪.‬‬

‫لكن إذا تتبعنا طرح مصطلح "مصدر المعرفة" في الكثير من البحوث نجد اختالفا‪ ،‬بل اضطرابا في استعماله‪ ،‬وتَداخال مع‬ ‫مصطلحات أخرى؛ مما ُيوقع في إشكاالت فكرية‪ ،‬فهي تتعامل مع المصطلحات بسياقاتها اللغوية دون ضبط اصطالحي أو تحديد‬ ‫أحد الباحثين للتنبيه له‬ ‫داللي؛ مما دفع َ‬

‫‪238‬‬

‫‪.‬‬

‫منبع المعرفة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أما المصدر فالبعض َيجعله هو وسيلة الوصول إلى المعرفة‪ ،‬وقد تبين َّأنها األداة‪ ،‬وهي الحواس والقلب‪ ،‬وآخرون جعلوه َ‬ ‫و َّأنها ثمرة من أصل‪ ،‬وهذا َيجري على الطرق؛ أي‪ :‬القوة اإلدراكية‪.‬‬

‫‪235‬‬

‫"الرؤية اإلسالمية لمصادر المعرفة"‪ ،‬رياض جنزرلي‪ ،‬دار البشائر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط(‪ ،1990 ,)1‬ص‪.7‬‬

‫‪236‬‬

‫العلق‪،5 :‬‬

‫‪237‬‬ ‫‪238‬‬

‫نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة‪ :‬راجح عبد الحميد الكردي‪ ,‬المعهد العالمي للفكر االسالمي‪ 1990 ,‬ص‪.520‬‬ ‫نظرية المعرفة في القرآن الكريم"‪ ،‬أحمد الدغشي‪ ،‬ص‪.197‬‬

‫‪87‬‬


‫تكونت مصطلحات وهي‪" :‬أداة المعرفة"؛ وهي الجوارح من حواس وقلب‪،‬‬ ‫مما سبق معنا في ضبط مصطلح القوة اإلدراكيَّة‪ ،‬فقد َّ‬ ‫و"محل اإلدراك" وهو القلب‪ ،‬و"محل اإلحساس"‪ ،‬وهو الحواس‪ ،‬و"القوة المدركة" الكامنة بالمحل‪ ،‬و"فعل القوة المدركة" وهو نشاطها‬ ‫وعلمياتها‬

‫اإلدراكية‪،‬‬

‫و"الهيئة"‬

‫وهي‬

‫اإلدراك‬

‫حصول‬

‫حسب‬

‫مراتبه‬

‫داخل‬ ‫َ‬

‫المدركة‪.‬‬

‫النفس‬

‫الم َحصل‬ ‫فهنا عندنا مدرك‪ ،‬وأدوات اإلدراك‪ ،‬وفعل اإلدراك‪ ،‬مع القوة‪ ،‬هذا كله َّ‬ ‫موجه نحو موضوع َ‬ ‫مدرك‪ .‬فاإلشكال هل المصدر هو ُ‬ ‫ُ‬ ‫صل منه؟‬ ‫الم َح َّ‬ ‫للمعرفة‪ ،‬أو عملية التحصيل‪ ،‬أو ُ‬ ‫َّ‬ ‫إن اإلنسان خلق خاليا من المعلومات‪ ،‬ومنح الُقدرة على تحصيلها بعد خروجه من بطن أمه‪ ،‬ومنح الجوارح وهو داخل بطن أمه؛ قال‬ ‫لتستفيد ب َها‬ ‫اس؛‬ ‫الرازي‪" :239‬النفس اإلنسانيَّة لما كانت في أول الخلقة‪ ،‬كانت خالية عن المعارف والعلوم باهلل‪ ،‬فاهلل أعطاها هذه الحو َّ‬ ‫َ‬ ‫المعارف والعلوم"‪ ،‬بعد أن بيَّن إشكالي َة‪ :‬هل العلوم كسبيَّة أو َبديهيَّة في أصلها؟ قال‪َّ :‬‬ ‫"إنها َّإنما حدثت في نفوسنا بعد عدمها‪ ،‬بواسطة‬ ‫أن َّ‬ ‫السمع والبصر‪ ،‬وتقريره َّ‬ ‫النفس كانت في مبدأ الخلقة خالية عن جميع العلوم؛ إالَّ َّأنه – تعالى ‪ -‬خلق‬ ‫إعانة الحواس التي هي َّ‬ ‫الطفل شيئا مرة بعد أخرى‪ ،‬ارتسم في سمعه وخياله ماهية ذلك المسموع‪ ،‬وكذا القول في سائر الحواس‪،‬‬ ‫السمع والبصر‪ ،‬فإذا أبصر‬ ‫ُ‬ ‫فيصير حصول الحواس سببا لحضور ماهيات المحسوسة في النفس والعقل‪ ،‬ثم تلك الماهيات على قسمين‪ :‬أحد القسمين ما يكون‬ ‫تاما في جزم الذهن‪ ،‬بإسناد بعضها إلى بعض َّ‬ ‫تامة بأن الواحد‬ ‫بالنفي أو اإلثبات‪ ،‬مثل إذا حضر في الذهن علة َّ‬ ‫حضوره موجبا ًّ‬ ‫الب َدهي‪ ،‬والقسم الثاني‪ :‬ما ال يكون كذلك وهو العلوم النظرية"‪.240‬‬ ‫محكوم عليه بأنه نصف االثنين‪ ،‬وهذا القسم هو عين َ‬ ‫والحاصل‪َّ :‬‬ ‫العلوم تكتسب بواسطة العلوم البديهيَّة‪ ،‬وحدوث البديهيَّات بتصور موضوعاتها ومحموالتها‪ ،‬والتصورات كانت بإعانة‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫الحواس‬

‫على‬

‫جزئياتها‪،‬‬

‫فظهر‬

‫أن‬

‫السبب‬

‫األول‬

‫لحدوث‬

‫المعارف‬

‫في‬

‫العقل‬

‫هو‬

‫هذه‬

‫الحواس‪.‬‬

‫فالحاصل لدينا‪ :‬نفس خالية من المعارف‪ ،‬وأدوات هي ناقل للمعارف‪ ،‬فعمليَّة النقل تتم بين وسطين‪ ،‬هما العالم َّ‬ ‫الداخلي (النفس‬ ‫المدركة)‪ ،‬والعالم الخارجي‪ ،‬وهو كل ما خرج عن محل اإلدراك (القلب)‪ ،‬فاالتصال بالعالم الخارجي ال يكون إال بالحواس‪ ،‬التي تنقل‬ ‫تكرر؛ ألن صورته وماهيته لم تتغير‪ ،‬فيجزم الذهن بثباته أو نفيه‪ ،‬وهذا الجزم يصنع القانون (قانون العقل)‪،‬‬ ‫ما يصبح َب َدهيًّا إذا َّ‬ ‫وتراكم القوانين تبني لنا البديهيَّات والمسلمات؛ وهي العلم َّ‬ ‫الضروري الذي منه نكتسب العلوم النظرية الكسبية والحاصلة الحقا‪.‬‬

‫‪239‬‬

‫محمد بن عمر بن الحسن الرازي المفسر أقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها‪ .‬من مؤلفاته معالم في أصول الدين ومفاتيح‬

‫‪240‬‬

‫مفاتيح الغيب‪:‬محمد بن عمر بن الحسن الرازي‪606(،‬هـ )‪ ,‬المطبعة البهية المصرية‪1357 ,‬هـ ‪1938‬م‪ .‬ج‪ ،12‬ص (‪- 92‬‬

‫الغيب في التفسير(ـ‪606‬هـ) طبقات الشافعية الكبرى‪.33/5:‬‬ ‫‪.)93‬‬

‫‪88‬‬


‫يتبين أنه لو ُفقد الحس أوال‪ ،‬لما كان ُعل َم َقط بالعقل (النفس المدركة)‪ ،‬فهل الحواس مصدر للعلم؟ لم يقل أحد من العلماء بها‪ ،‬إالَّ في‬ ‫حالة عدم ضبط المصطلح‪ ،‬فالكل على َّأنها نواقل متأثرة ال مؤثرة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫متلق له القابليَّة على‬ ‫والمصدر ال ُبَّد أن يصدر عنه شيء نحو ُمتلق ب ٍه‪ ،‬فإذا قلنا‪ :‬مصدر العلم‪ ،‬فسيصدر عنه (معلوم)‪ ،‬نحو‬ ‫استقباله‪ ،‬وهو محل العلم (المتعلم)‪ ،‬وحال تَمكنه منه يكون (عالما به)‪ ،‬فهنا الحواس ناقلة بنص القرآن واجماع العقالء؛ فال تكون‬ ‫مصدر للمعارف؛ َّ‬ ‫ألنها خالية أصالة منها‪.‬‬ ‫ا‬ ‫ننتهي من هذا الى القول بأن علم المنتهى وهو القلب‪ ،‬أو العقل‪ ،‬أو النفس المدركة‪َّ ،‬‬ ‫لكن المبدأ لم يعين‪ ،‬ال ُبَّد أن نصطلح عليه‬ ‫المدركات‪ ،‬وتستقبلها الحواس؛ لتفاعلها مع المؤثر الخارجي‪ ،‬فتنقل صورته‬ ‫المدرك الذي تصدر منه‬ ‫بـ"مصدر المعرفة"؛ أي‪ :‬الموضوع‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أو حقيقته أو ماهيته أو مثاله نحو العقل ليدركه‪ ،‬فالعين ال ُتلقي الضوء على األجسام لتراها‪ ،‬بل األجسام ينبعث منها الضوء نحو‬ ‫العين المقابلة والمباشرة لها‪ ،‬فتنقل تلك التأثيرات الضوئية لمحل اإلدراك‪.‬‬ ‫فالمصدر هو العالم الخارجي‪ ،‬وهو المنبه والمؤثر والباعث للصور واألصوات والمؤثرات التي تتلقاها وتستقبلها الحواس‪ ،‬ثم تصل بها‬ ‫إلى مركز اإلدراك‪ ،‬ويدخل المثال (خاما) مادة أولية إلى القلب "محل اإلدراك"‪ ،‬وهو كمصنع به نشاطات إدراكية عدة‪ ،‬تتصاعد‬ ‫معارف عَّدة حسب قدراته ومؤهالته‪.‬‬ ‫وتتفاوت من فرد آلخر‪ ،‬فكل عقل يخرج من تلك المعرفة األولية‬ ‫َ‬ ‫فيكون المصدر األصلي (العالم الخارجي)‪ ،‬والمصدر التابع هو (الحافظة أو الذاكرة)‪ ،‬فالعقل يستحضر ما تراكم في َّ‬ ‫الذاكرة من‬ ‫معارف ومعلومات‪ ،‬ويبني عليها؛ لينشأ معلومات ومعارف أخرى‪ ،‬بعدها تخزن هذه المعارف؛ لتكون (مادة أولية) لمعارف وعلوم‬ ‫أخرى بعدها‪ ،‬ومن معاني العقل َّأنه قوة التمييز‪ ،‬وأنه المعلومات المخزنة؛ لذا َنجد البعض كأبي حامد الغزالي‬ ‫العلم ومطلعه وأساسه"‬

‫‪242‬‬

‫‪241‬‬

‫يقول‪" :‬العقل منبع‬

‫‪ ،‬فهذا على اعتباره مرادفا للقلب‪ ،‬و َّ‬ ‫أن ما في القلب من علوم تسمى عقال؛ حيث قال في معاني العقل‬

‫المدرك (العلوم)"‪. 243‬‬ ‫األربعة‪" :‬قد ُيطلق ويراد ما بمحل اإلدراك؛ أي‪َ :‬‬ ‫حيث كان صفة لعين قائمة بنفسها وهي (القلب)‪،‬‬ ‫أما غالب ما جرى عليه العقل‪ ،‬فهو "قوة إدراكية"‪ ،‬فال يكون محالًّ بنص القرآن؛ ُ‬ ‫فالعقل قوة القلب‪ ،‬فلو فرضنا ‪ -‬تنزيال ‪ -‬أن محل اإلدراك مصدر‪ ،‬لكان األولى أن يكون القلب هو مصدر المعرفة ال العقل؛ َّ‬ ‫ألنه‬

‫‪241‬‬

‫محمد بن محمد فقيه أصولي‪ ,‬له مصنفات كثيرة منها الوجيز في الفقه ( الفقه الشافعية) والمستصفى في األصول وغيرهما‬

‫‪242‬‬

‫إحياء علوم الدين‪ :‬أبو حامد محمد الغزالي (‪505‬هـ)‪ ،‬مصطفى البابي الحلبي‪1358 ,‬هـ ـ‪1939‬م‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.99‬‬

‫(‪505‬هـ)‪ .‬طبقات الشافعية الكبرى‪.191/1:‬‬ ‫‪243‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.6‬‬

‫‪89‬‬


‫صفة للقلب‪ ،‬والفاعل هو القلب‪ ،‬لكن غلب إطالق المعرفة القلبية على العاطفة والوجدان والمواعظ في االصطالح الحادث‪.‬‬ ‫وتفصيل ذلك قول أبي حامد الغزالي‪ :‬اعلم َّ‬ ‫أن محل العلم هو القلب‪ ،‬أعني اللطيفة المدبرة لجميع الجوارح‪ ،‬وهي المطاعة المخدومة‬ ‫من جميع األعضاء‪ ...‬فالعالم عبارة عن القلب الذي فيه يحل مثال حقائق األشياء‪ ،‬والمعلوم عبارة عن حقائق األشياء‪ ،‬والعلم عبارة‬ ‫عن حصول المثال في المرآة‪ ،‬فوصول مثال المعلوم إلى القلب يسمى علما‪ ،‬وقد كانت الحقيقة موجودة‪ ،‬والقلب موجودا‪ ،‬ولم يكن العلم‬ ‫حاصال؛ ألن العلم عبارة عن وصول الحقيقة إلى القلب"‪.244‬‬ ‫فالحقيقة لها مثال‪ ،‬والحقيقة هي (المعلوم) الكامن خارَج النفس العالمة‪ ،‬والحقيقة تنتقل إلى (العالم) وهو القلب‪ ،‬وصولها إلى المحل‬ ‫يسمى (علما)‪،‬‬

‫وانتقالها‬

‫يتم َع ْب َر نواقل تربط القلب (محل العلم) بالعالم الخارجي عنه‪،‬‬

‫وهي (الحواس)‪.‬‬

‫كما بيَّن الغزالي أن المعلوم هو "حقائق األشياء"‪ ،‬والمعلوم هو المعارف والمعلومات والمدركات‪ ،‬واذا قلنا مصدر المعرفة؛ أي‪ :‬مصدر‬ ‫الشيء نفسه؛ فعنه‬ ‫المعلومات والمعارف‪ ،‬فمصدر المعلوم هو مصدر حقائق األشياء‪ ،‬وهي األشياء؛ أي‪ :‬مصدر حقيقة الشيء‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫تصدر حقيقته ومثاله وصورته وماهيته‪ ،‬وهو المؤثرة والمنبه للحواس‪.‬‬ ‫فالحواس نواقل للمعارف‪ ،‬كما بيَّن الرازي وغيره‪ ،‬والمستقبل ال ُبَّد له من ناقل ومصدر‪ ،‬والناقل ال بد أن يكون بين أمرين‪ :‬من والى‪،‬‬ ‫فإذا كان المتلقي هو القلب (محل العلم) أو العقل‪ ،‬و(الناقل) إلى محل العلم هو الحواس‪ ،‬فالجانب اآلخر الذي تتَّصل به الحواس‬ ‫المتَلَّقى عنه عبرها‪.‬‬ ‫لزاما هو (المصدر) ُ‬ ‫والحواس ال تتلقى إالَّ من (العالم الخارجي)‪ ،‬فكان (المصدر األصلي) والرئيس هو (العالم الخارجي)‪ ،‬و(المصدر التابع) هو النفس‬ ‫ٍ‬ ‫أدق (المعرفة المتراكمة) من بديهيَّات ومحفوظات وخبرات مخزنة متراكمة‪ ،‬بالعقل َّ‬ ‫بالذاكرة‪ ،‬يسترجعها العقل‪،‬‬ ‫وبصيغة َّ‬ ‫المدركة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ويطورها‪ ،‬ويستنبط منها معارف أخرى‪ ،‬وهذه تكون عملية انتقال المعلوم نحو محل العلم‪ ،‬ووصول المثال؛ أي‪ :‬حصول العلم‪.‬‬ ‫وكلها داخليَّة ال عالق َة للعالم الخارجي بها‪َ ،‬غ ْي َر َّ‬ ‫أن أصلها األََّول َّي العاَل ُم الخارجي‪ ،‬ومصدرها الثاني (المعرفة المتراكمة) داخل‬ ‫الحافظة أو الذاكرة‪ ،‬فإذا اعتبرنا العقل هو القلب المدرك؛ أي‪َّ :‬‬ ‫(مصدر تابعا)‪ ،‬وان‬ ‫ا‬ ‫إن الذاكرة والحافظة من قوى العقل‪ ،‬كان العقل‬ ‫اعتبرنا العقل قوة إدراكية من قوى القلب اإلدراكية العدة؛ مثله مثل الحافظة والذاكرة‪ ،‬فالحافظة والذاكرة هي مصدر المعرفة التابع‪،‬‬ ‫والقلب ال يملك معلومات أصلية غير ما في هذين المصدرين‪.‬‬ ‫ننتهي من هذا الى القول بأن (مصدر المعرفة) هو الحاوي لحقيقة األشياء أو ماهيتها أو مثالها؛ أي‪ :‬هو األشياء عينها؛ أي‪ :‬مصدر‬ ‫‪244‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.13‬‬ ‫‪90‬‬


‫مدرك‪ ،‬النفس المدركة هي "محل العلم" القلب‪،‬‬ ‫المعرفة هو (الموضوع‬ ‫المدرك)‪ ،‬فعندنا نفس مدركة‪ ،‬وعملية إدراكية‪ ،‬وموضوع َ‬ ‫َ‬ ‫المدرك هو العالم الخارجي‪ ،‬أو ما في الحافظة والذاكرة مما نقل عن‬ ‫والعلمية اإلدراكية هي "العقل"‪ ،‬واإلدراك حصول العلم‪ ،‬والموضوع َ‬ ‫العالم‬

‫الخارجي‬

‫أصال‪،‬‬

‫وتطور‬ ‫َّ‬

‫ونشأت‬

‫عنه‬

‫معارف‬

‫وصور‪،‬‬

‫قد‬

‫ال‬

‫يكون‬

‫لها‬

‫وجود‬

‫بالعالم‬

‫الخارجي‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫يقول البعض‪:‬‬ ‫هذه اإلطال ُة في بيان معنى مصطلح "مصدر" اقتضاها ما صادفنا وصدمنا من خلط بينه وبين الطرق والوسائل‪ْ ،‬‬ ‫كأن َ‬ ‫أن من مصادر المعرفة الحس‪ ،‬وهذا أمر ُعجاب‪ ،‬ومن المصادر العقل‪ ،‬فأين األداة والوسيلة وطريقة الوصول؟ وان كان‪ ،‬فأين‬ ‫تفصيلهم وبيانهم لذلك؟‬ ‫أما إذا حاججنا بأرفع من ذلك‪ ،‬فاألمة قاطبة تُقرر َّ‬ ‫أن مصادر التشريع "الكتاب والسنة"‪ ،‬هنا ننظر بوجهة "إبستمولوجية" للمصطلح‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫السماع أو القراءة؛ أي‪ :‬السمع أو البصر‪ ،‬والعقل دوره التدبر والتفكر‬ ‫فقولهم مصادر يعني َّأنها ُيؤخذ العلم والمعرفة منها بواسطة َّ‬ ‫والتمييز لفهم المراد‪ ،‬وفهم كيفية تطبيقه؛ أي‪َّ :‬إنهم قسموا العملية إلى مصدر‪ ،‬وعنه تصدر المعارف والعلوم‪ ،‬وهو موضوع العلم‬ ‫القلب أو العقل‪ ،‬وهيئة حصول المعلوم إلى المحل‪ ،‬وهي العلم‬ ‫ومستقبل وهو َمحل اإلدراك‬ ‫ُ‬ ‫وحقيقة العلم‪ ،‬وناقل للعلم وهي الحواس‪ُ ،‬‬ ‫الذي به يصبح الفرد مدركا‪.‬‬ ‫كعلماء الكالم وغيرهم كأبي حامد الغزالي‬ ‫فكيف يبرر قولهم‪ :‬مصدر عقلي‪ ،‬ومصدر حسي؟ وان كان البعض استدل بكالم َمن سبق ُ‬ ‫و أبي بكر الباقالني‬

‫‪245‬‬

‫وغيرهما‪ ،‬فهؤالء إذا قالوا‪ :‬إن العقل مصدر للمعرفة‪ ،‬فمرادهم الحافظة أو َّ‬ ‫الذاكرة؛ أي‪ :‬المعلومات (المصدر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫الثانوي)‪ ،‬وذلك بين لمن تتبَّع تعامالتهم مع هذه المصطلحات‪ ،‬وهم لم َيخوضوا في "نظرية المعرفة" كعلم ُمستقل‪ ،‬فالحجة ال تقوم‬ ‫وعدم ضبط لغة الفن َه ْدم له‪.‬‬ ‫عليهم َّإنما على من أراد أن يقيم علما دون أن يضبط مصطلحاته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قال الباقالني‪ :‬جميع العلوم الضرورية تقع للخلق من ستة طرق‪ :‬فمنها‪ :‬درك الحواس الخمس‪ ,‬وهي حاسة الرؤية‪ ,‬وحاسة السمع‪,‬‬ ‫وحاسة الذوق‪ ,‬وحاسة الشم‪ ,‬وحاسة اللمس‪ .‬والطريق السادس‪ :‬هو العلم المتدأ في النفس‪ ,‬ال عن درك ببعض الحواس‪ ,‬وذلك نحو علم‬ ‫االنسان بوجود نفسه‪ ,‬وما يحدث فيها وينطوي عليها من اللذة‪ ,‬واأللم‪ ,‬والفرح‪ ,‬والقدرة‪ ,‬والعجز‪ ,‬والصحة‪ ,‬والسقم‪.‬‬

‫‪246‬‬

‫و في المنخول‬

‫قال الغزالي‪ :‬قال القائلون ‪ . . .‬مأخذ العلوم المتاب والسنة دون نظر العقل‪ ,‬وقال آخرون‪ :‬مدركه الحواس وزاد زائدون أخبار المتواتر‪.‬‬

‫‪245‬‬

‫محمد بن الطيب‪ ,‬القاضي أبو بكر‪ ,‬له التصانيف في علم الكالم‪ ,‬وهو أوحد زمانه في هذا الفن انتهت اليه رياسة المالكية في‬

‫‪246‬‬

‫االنصاف فيما يجب اعتقاده و ال يجوز الجهل به‪ :‬ابو بكر الباقالني( ـ ‪403‬هـ) الطبعة الثانية‪1410‬هـ ‪1990‬م ‪ ,‬ص‪,17.‬‬

‫وقته ( ـ ‪403‬هـ)‪ .‬نقال عن اإلنصاف له‪.‬‬

‫تحقيق محمد زاهد بن الحسن مكتبة الخناجي بالقاهرة‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫و قال علماء الهند‪ :‬مأخذ العلوم التفكر و التأمل‪ .‬و قال القالنسي‪ :‬مأخذه العقل‪ .‬و قال آخرون مأخذ العلوم االلهام‪ .247‬واذا رجعنا‬ ‫حال‬ ‫لكتب التفسير واألصول والفقه واللغة َنجد‬ ‫التعامل مع مصطلح "مصدر" بنفس الداللة التي َبيَّناها‪ ،‬حتى عند علماء الكالم َ‬ ‫َ‬ ‫تصنيفهم للعقل َّأنه من مصادر المعرفة‪ ،‬وايرادهم لمصطلح "المعرفة العقلية" كمصدر‪ ،‬يريدون‬ ‫مصدر تابعا؛ أي‪ :‬التراكم المعرفي‬ ‫ا‬ ‫بالحافظة‪.‬‬ ‫تصنيف المصادر‪:‬‬ ‫مصادر المعرفة في النظام المعرفي القرآني مصدران متكامالن متآزران هما‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ـ ـ الوحي‪( :‬اآليات المتلوة‪ ،‬وسنة األنبياء‪ ،‬والرؤيا‪ ،‬واإللهام‪ ،‬والحدس)‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الكون‪( :‬اآليات المخلوقة‪ ،‬اآلفاق‪ ،‬األنفس‪ ،‬قصص األولين‪ ،‬أخبار التاريخ والحاضر)‪.‬‬ ‫سبيل بغيرهما؛ قال بعض الباحثين‪" :‬ومن هنا َّ‬ ‫فإننا ُنخالف ما شاع في‬ ‫وطرق اكتساب المعرفة من كليهما هي العقل واإلحساس ال‬ ‫َ‬ ‫مصدر للمعرفة جنبا إلى جنب الوحي‪ ،‬ذلك َّ‬ ‫أن معارف الوحي ومعارف الكون ال‬ ‫ا‬ ‫كتابات عدد من علماء المسلمين من اعتبار العقل‬ ‫ُيتوصل إليها إال بفعل التفكر والتدبر والتعقل‪ ،‬والعقل ليس عضوا في اإلنسان‪ ،‬بل هو طاقة وقدرة وعمل‪ ،‬ولم يرد في القرآن إال‬ ‫بصيغة الفعل ال صيغة االسم"‪.‬‬ ‫مصدر للعلم‪ ،‬فما الوسيل ُة التي يستخرج أو يتوصل بها إلى العلم من هذا المصدر؟ العقل ال شك طاقة فعل (قوة‬ ‫ا‬ ‫فلو كان العقل‬ ‫أما الكون فإنه‬ ‫إدراكيَّة)‪ ،‬يتوصل بها للمعرفة والعلم من مصدريها األساسيين‪ :‬الوحي والكون‪ ،‬والوحي ُيمثل دائرة المعارف اإلسالمية‪َّ ،‬‬ ‫يمثل المعجم والمختبر الذي يحتوي على مفردات هذه الدائرة‪ ،‬فيقوم الباحث المتعلم بالنظر في مفردات هذا المعجم‪ ،‬مسترشدا بما جاء‬ ‫في دائرة المعارف‪ ،‬كما َّأنه يستعين بما يكتشفه في هذا المختبر؛ على فهم ما يقرؤه في دائرة المعارف‪ ،‬فالكون في النظام المعرفي‬ ‫القرآني‬

‫هو‬

‫الجامعة‬

‫المفتوحة‪،‬‬

‫وفيها‬

‫أنواع‬

‫من‬

‫المختبرات‬

‫والتجارب‬

‫والمشاهدات‬

‫ال‬

‫تحصى‪.248‬‬

‫كل ما يقدر‬ ‫وهللا أمر بالقراءة‪ ،‬وجعل التكليف ُمناطا بوجود العقل‪ ،‬وبلوغه مرحلة التمييز‪ ،‬وتعقل الخطاب‪ ،‬والمقروء لم ُيع ْنه‬ ‫ليشمل َّ‬ ‫َ‬ ‫عليه اإلنسان‪ ،‬مع التزام المنهج الرباني في توجيه ما يقرؤه‪ ،‬فكان له الكتاب المسطور (الوحي)‪ ،‬والكتاب المنظور (الكون)‪ ،‬وفي بيان‬

‫‪247‬‬ ‫‪248‬‬

‫المنخول في تعليقات األصول‪ :‬أبو حامد محمد الغزالي (ـ‪505‬هـ) ‪ ,‬بتحقيق محمد حسن هيتو بيروت‪1989,‬م ص ‪49‬‬

‫مجلة إسالميَّة المعرفة‪ :‬حول النظام المعرفي"‪ ،‬محمود الرشدان‪ ،‬المعهد العالي للفكر اإلسالمي‪ ،‬واشنطن‪ ،‬العدد (‪،1990 ،)10‬‬

‫ص (‪.)40 - 39‬‬

‫‪92‬‬


‫ذلك كالم يطول‪ ،‬وأدلة ال تحصر‪ ،‬فسنقتصر على آية شاملة‪ ،‬وهي قوله ‪ -‬تعالى ‪َ ( :-‬سُنريه ْم آَ​َياتَنا في ْاآلَ​َفاق َوفي أ َْنُفسه ْم َحتَّى‬ ‫ك أََّن ُه َعَلى ُكل َشي ٍء َشهيد) [فصلت‪.53 :‬‬ ‫َيتَ​َبي َ‬ ‫َّن َل ُه ْم أََّن ُه اْل َحق أ َ​َوَل ْم َي ْكف ب َرب َ‬ ‫ْ‬ ‫عندنا هنا مصطلحات معرفيَّة هي‪ :‬الرؤية "سنريهم"‪" ،‬آياتنا" العالمات الموضوعة لالستدالل كموضوع للمعرفة والعلم‪" ،‬اآلفاق‬ ‫واألنفس" ميدان تواجد اآليات؛ أي‪ :‬محل المعلومات والمعارف (مصدر المعرفة)‪" ،‬يتبيَّن" حصول العلم َّ‬ ‫بالنفس المدركة‪" ،‬الحق" بلوغ‬ ‫َ‬ ‫اليقين من حصول العلم‪.‬‬ ‫"فإن ُقلتم أو شككتم بصحته وحقيقته‪ ،‬فسيقيم هللا لكم‪ ،‬ويريكم من آياته في اآلفاق‪ ،‬كاآليات التي في‬ ‫قال السعدي في تفسير اآلية‪ْ :‬‬ ‫َّ‬ ‫أبدانهم‬ ‫السماء وفي األرض‪ ،‬وما ُيحدثه هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬من الحوادث العظيمة الدالة للمستبصر للحق‪" ،‬وفي أنفسهم" مما اشتملت عليه ُ‬ ‫ك أََّن ُه َعَلى ُكل َشي ٍء َشهيد} [فصلت‪ ،]53 :‬أولم يكفهم أن القرآن‬ ‫من بديع آيات هللا‪ ،‬وعجائب صنعته‪ ،‬وباهر قدرته؛ {أ َ​َوَل ْم َي ْكف ب َرب َ‬ ‫ْ‬ ‫حق ومن جاء به صادق"‪.249‬‬ ‫فالرؤية هنا رؤية قلبية؛ أي‪ :‬عملية إدراكيَّة‪ ،‬واآليات ُل َغة‪ :‬هي العالمات الدالة الواضحة؛ أي‪ :‬هي حقيقة األشياء‪ ،‬واألشياء هنا هي‬ ‫"اآلفاق واألنفس"‪ ،‬فعالمات اآلفاق واألنفس آياتُها وحقائقها؛ وهي المعلومات المأخوذة منها‪ ،‬و"التبين" هو حصول العلم َّ‬ ‫بالنفس‪،‬‬ ‫بوصول العلم إلى محله القلب‪ ،‬والعلم هنا بلغ درج َة اليقين‪" ،‬الحق" وهو أعلى من الحقيقة؛ لكونه دوما الخير والصالح والصدق‪،‬‬ ‫فمصدر الحق أو مصدر بيان الحق هو آيات اآلفاق واألنفس‪( ،‬الكون)؛ أي‪ :‬العلم النابع من الكون‪ ،‬فالكون مصدر للمعرفة والعلم‬ ‫الذي يحاجج هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬به عباده‪ ،‬والحواس تتصل بجهة واحدة‪ ،‬وهي الكون‪ ،‬وتنقل ما تتلقاه إلى العقل؛ ليتبين ويستوعب فيميز‬ ‫الحق من الباطل‪ ،‬و"اآليات" هنا هي العالمات األوضح في الداللة‪ ،‬فهي المعلوم الخالي من اللبس واإلشكال وحقائق األشياء‪.‬‬ ‫فالكون بذلك مصدر للعلم والمعرفة؛ كيما يؤمن الناس باهلل وأنبيائه وكتبه ويلتزموا‪ ،‬وهؤالء درجتهم في اإليمان أدنى من الذين زادوا‬ ‫ك أََّن ُه َعَلى ُكل َشي ٍء َشهيد}‬ ‫ا‬ ‫مصدر آخر هو (الوحي)؛ كما قال تعالى‪{ :‬أ َ​َوَل ْم َي ْكف ب َرب َ‬ ‫ْ‬

‫‪250‬‬

‫؛ أي‪ :‬أولم يكفهم القرآن دليال على وحدانية‬

‫هللا وصدق نبيه؟! والوحي هنا مصدر ال طاق َة لإلنسان للوصول له بالحواس أو العقل؛ أي‪ :‬تحصيله فوق قدرة اإلنسان‪ ،‬فكان ال ُبَّد‬ ‫من واسطة تبلغه بالوحي وهم األنبياء‪.‬‬

‫‪249‬‬

‫تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ( تفسير السعدي)‪ :‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ,‬عبد الرحمن بن معال اللويحق‬

‫‪250‬‬

‫فصلت‪53 :‬‬

‫(ط‪ .‬دار السالم للنشر والتوزيع – الرياض‪1990 ,‬م ص‪.719‬‬

‫‪93‬‬


‫فاإلنسان كعاقل كيما يؤمن باهلل ‪ -‬تعالى ‪ُ -‬عرض على عقله آيات َمتُل َّوة وآيات كونية‪ ،‬فكانا قسمين‪:‬‬ ‫حال ورود الخطاب اإللهي بما ُيطابق فطرته‪ ،‬وتدبَّر آياته‪ ،‬فتبين له الحق بما فيه من حجج عقلية‪،‬‬ ‫األول‪ :‬آمن بما فهمه من الوحي‪َ ،‬‬ ‫الدليل‪ ،‬وأوجه‬ ‫واعتبر بما نبَّه عليه من موجودات في عالم الشهادة؛ ليقيسها على عالم الغيب‪ ،‬ثُ َّم عمم األحكام‪ ،‬فقوة عقله جعلته يفهم‬ ‫َ‬ ‫االستدالل‪ ،‬ويصل بما ظهر إلى فهم ما خفي‪ ،‬ويفقه دقائق الكالم‪ ،‬فحصل عنده إعجاز فكري؛ أي‪َّ :‬‬ ‫إن المعجزة خاطبت قدرته‬ ‫العقلية‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬احتاج زيادة على الحجج العقليَّة إلى أمثلة مادية معاينة مشاهدة‪ ،‬ومعجزات محسوسة؛ َّ‬ ‫ألن عقله ال يقدر على القياس‬ ‫والتعميم‪ ،‬واستيعاب الخطاب واالعتبار‪ ،‬فكان ال ُبَّد أن يعاين األدلة؛ ليقتنع بصدق الخطاب أوال‪ ،‬ثم يؤمن‪ ،‬ثم يتبع ويلتزم‪.‬‬ ‫طى قطعا مجسمة ليتصور‬ ‫يعرض عليهما عملية حسابية‪ ،‬فاألول يتصور‬ ‫ومَثُلهما كمن‬ ‫ويجري العملية ذهنيًّا‪ ،‬أما الثاني ُفيع َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫األعداد ُ‬ ‫َ‬ ‫ويطلب منه العد‪ ،‬فيجمعها بضمها معا‪ ،‬ثم يعدها؛ ليستوعب أن مجموعها "‪ ،"12‬وهذا ما‬ ‫األعداد‪ ،‬كأن يعطى "‪ "5‬ق َ‬ ‫طع؛ ثم "‪ "7‬قطع‪ُ ،‬‬ ‫حيث يصبح العدد يتصور ذهنيًّا‪ ،‬دون الحاجة إلى مثاله المادي‪.‬‬ ‫يفعل مع األطفال أول تعليمهم الحساب‪ ،‬ثم تنمو قدراتهم ُ‬ ‫وجه االستدالل من مجرد ذكر الدليل‪ ،‬ومنهم من َيحتاج إلى ضرب‬ ‫بل حتَّى الناس تتفاوت عقولهم في فهم الحجة‪ ،‬فهناك من يعي َ‬ ‫مثال واقع فعال؛ كيما يعي الدليل‪ ،‬فضال عن وجه االستدالل‪.‬‬ ‫فالوحي خطاب إلهي لقوانين العقل وبديهيَّاته المفطورة عليها‪ ،‬وعلومه النظرية ال تصادمه‪ ،‬فإن عجز عن فهم حجية الوحي‪ ،‬أحيل إلى‬ ‫مرحلة ما قبل البديهي وهي اإلحساس‪ ،‬والثابت َّ‬ ‫أن العلم النظري أشرف من البديهي؛ لكون البديهي مشتركا بين العقول‪ ،‬وال فضل‬ ‫ألحد على اآلخر فيه‪ ،‬بينما النظري تبرز فيه القدرات العقلية‪ ،‬من حدة ذكاء وقوة حافظة ودقة فهم‪ ،‬فكان خطاب الوحي للعلم النظري‬ ‫أرفع من خطاب الكون للعلم َّ‬ ‫الضروري‪ ،‬فيكون المؤمن بالوحي بداية أعلى درجة (في قوة العقل) من المؤمن بالمعجزات الكونيَّة أوال‪.‬‬ ‫فالكون والوحي ُيمثالن مصدرين أصليَّين للمعرفة‪ ،‬ثم يليهما مصادر تابعة هي ناتجة عنهما‪ ،‬مثل "التراكم المعرفي" إما الداخلي‬ ‫بالذاكرة‪ ،‬وا َّما الخارجي (العلوم المدونة واألخبار المتناقلة)‪.‬‬ ‫إما بالقراءة أو السماع‪ ،‬وأصلهما المصدر األصلي‪.‬‬ ‫فاألول‪ :‬يكون بالتذكر‪ ،‬والثاني‪ :‬بالتلقين‪َّ ،‬‬ ‫وسائل َتَلقي المعرفة‬ ‫واإللهام والتحديث والرؤيا حتى الحدس َّإنما هي من الخطاب اإللهي؛ حيث َّإنها خارجة عن طاقة االستقبال؛ أي‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫تصل إليها‪ ،‬وكذا الوسوسة‪ ،‬وكلها تدخل في المعنى اللغوي للوحي‪ ،‬فهو يشمل اإللهي والمالئكي والشيطاني والنفسي‪ ،‬الذي ال‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫‪94‬‬


‫يدري اإلنسان مصدره‪ ،‬وال يثبت عنده بمقدماته‪َّ ،‬إنما يجده في نفسه فقط‪.‬‬ ‫والتصنيف الثنائي ينسب إلى بعض رموز مدرسة (إسالميَّة المعرفة)؛ حيث يصرح رواد هذا االتجاه بأن الوحي والكون هما مصد ار‬ ‫المعرفة اإلنسانية على نحو متكامل‪ ،‬وذلك منبثق من خالل منهجهم في الجمع بين القراءتين‪ :‬قراءة الوحي‪ ،‬وقراءة الكون‪.‬‬

‫‪251‬‬

‫َغ ْي َر َّ‬ ‫خاصة حالة عدم رجوعهم إلى أهل التفسير‪ ،‬بل في بعض‬ ‫أن بعض استدالالتهم بالقرآن فيها نوع من التحكم في المعنى‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫استعماالتهم يحصل نوع من االضطراب‪ ،‬كأن يقال َّ‬ ‫بأن العقل والوحي هما مصد ار المعرفة المتكاملة وال تصادم بينهما‪.252‬‬ ‫استدل على َّ‬ ‫الس ْم َع َو ُه َو َشهيد}‬ ‫فبعضهم‬ ‫َّ‬ ‫ان َل ُه َقْلب أَ ْو أَْلَقى َّ‬ ‫ك َلذ ْك َرى ل َم ْن َك َ‬ ‫ُ‬ ‫أن النقل مصدر للمعرفة بآيات منها‪{ :‬إ َّن في َذل َ‬ ‫السعير}‬ ‫َص َحاب َّ‬ ‫{وَقالُوا َل ْو ُكَّنا َن ْس َم ُع أ َْو َن ْعق ُل َما ُكَّنا في أ ْ‬ ‫َ‬

‫‪254‬‬

‫‪ ،‬وحمل السمع هنا على َّأنه (النقل)؛ أي‪ :‬الوحي‬

‫‪255‬‬

‫‪253‬‬

‫‪،‬‬

‫‪ ،‬ومعلوم َّ‬ ‫أن‬

‫اصطالح (السمع) أو (األدلة السمعيَّة) على َّأنها النقل أو الوحي َّإنما هو اصطالح حادث وليس بُقرآني‪ ،‬والسمع ليس إدراكا‪َّ ،‬إنما‬ ‫قولهم األدلة السمعية؛ أي‪ :‬الوارد عبر السمع؛ أي‪ :‬الخطاب اإللهي كالم رب العالمين‪ ،‬والكالم ال ينقل إلى العقل إال عبر السمع‪،‬‬ ‫حسة لْلصوات أو األذن‬ ‫الم َّ‬ ‫وقولهم بالعقل كمقابل للسمع؛ أي‪ :‬للمبادئ والعلوم المحصلة من غير الوحي‪ ،‬فالسمع في القرآن هو القوة ُ‬ ‫أو فهم األصوات؛ لذا نجد الزمخشري يعقب على من استدل بتلك الطريقة في زمانه‪ :‬وقيل‪َّ :‬إنما جمع بين السمع والعقل؛ ألن مدار‬ ‫التكليف على أدلة السمع والعقل‪ ...‬ومن بدع التفاسير َّ‬ ‫أن المراد كان على مذهب أصحاب الحديث‪ ،‬أو على مذهب أصحاب الرأي‪،‬‬ ‫وكأن سائر أصحاب المذاهب والمجتهدين قد أنزل هللا وعيدهم‪َّ ،‬‬ ‫كأن هذه اآلية نزلت بعد ظهور هذين المذهبين‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫وكأن من كان من‬ ‫هؤالء‪ ،‬فهو من الناجين ال محالة‪ ،‬وعدة المبشرين من الصحابة عشرة لم يضم إليهم حادي عشر‪َّ ،‬‬ ‫كأن من َيجوز على الصراط أكثرهم‬ ‫يسمع باسم هذين الفريقين‬ ‫لم‬ ‫ْ‬

‫‪256‬‬

‫‪ ،‬فكثير من الناس إذا أراد نصرة فكرته أو مذهبه‪َ ،‬حَّول مصطلحاته إلى منطوقة متداولة قرآنيًّا‪ ،‬لكن‬

‫بفهمه الخاص لها‪ ،‬ال بالفهم المتبادر من القرآن منها‪ ،‬فيتعامل مع المصطلح الحادث على أنه الحقيقة اللغوية للفظ‪ ،‬والمراد من اللفظ‬ ‫صلى هللا عليه َّ‬ ‫بالقرآن يفهم بسياقه ولحاقه‪ ،‬وأسباب نزوله وتفسير النبي ‪َّ -‬‬ ‫وسلم ‪ -‬للقرآن له وكالم الصحابة والتابعين‪ ،‬وبلسان من‬ ‫أنزل عليهم القرآن‪ ،‬وال يفهم بالمصطلحات الحادثة‪.‬‬

‫‪251‬‬ ‫‪252‬‬ ‫‪253‬‬ ‫‪254‬‬ ‫‪255‬‬ ‫‪256‬‬

‫الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الكون‪ :‬طه جابر العلواني‪ ,‬مكتبة الشروق الدولية‪1990 ,‬م ص ‪.54‬‬ ‫إسالمية المعرفة"‪ ،‬المعهد العالي للفكر اإلسالمي‪ ،‬م ع للفكر اإلسالمي‪ ،‬فرجينيا‪ ،‬ط(‪ ،1987 ،)1‬ص ‪.110‬‬

‫ق‪37 :‬‬

‫الملك‪10 :‬‬

‫"نظرية المعرفة في القرآن الكريم"‪ ،‬أحمد الدغشي‪ ،‬ص ‪.199‬‬

‫الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ :‬محمد بن عمر الزمخشري (‪528‬هـ)‪ ،‬مطبعة االستقامة‪ ,‬القاهرة‪1946 ,‬م‪ .‬ج‪ ،2‬ص ‪.122‬‬ ‫‪95‬‬


‫التصنيف الثنائي للمصادر رده البعض َّ‬ ‫الوحي‪ ،‬وال تدخل في‬ ‫ا‬ ‫بأنه ال ُيعطي‬ ‫اعتبار للقضايا الرياضيَّة التي ال تدخل في نطاق قضايا َ‬ ‫نطاق الموجودات في الخارج‪ ،‬وكذلك قضايا الجمال واألخالق والقانون‬

‫‪257‬‬

‫‪ ،‬ففيه نظر‪ ،‬وذلك من أوجه‪:‬‬

‫‪ – 1‬هذه القضايا بعضها من مصادر تابعة‪ ،‬وهي التي ترد عنها البديهيَّات وقوانين العقل‪ ،‬فالتقسيم الثنائي يستوعبها في مصادره‬ ‫التابعة‪.‬‬ ‫أما استداللهم بأن الرياضيات واألخالق والقانون ال تدخل في كال المصدرين‪ ،‬ففيه خطأ بالغ‪.‬‬ ‫‪َّ - 2‬‬ ‫فالرياضيات مبنية على البديهيَّات والقوانين األولية‪ ،‬وهذه البديهيات ال تقوم دون اتصال بالكون‪ ،‬كما َّ‬ ‫بينا في تفسير آية [النحل‪،]78 :‬‬ ‫كأن ينقل َّ‬ ‫أن‬ ‫فاإلنسان خلق خاليا منها‪ ،‬وباتصاله بالكون عبر الحواس ُنقل له ماهية الواحد وباقي األعداد‪ ،‬ونقل له العالق ُة بينها‪ْ ،‬‬ ‫"‪"1‬و"‪ "1‬يشكالن "‪ ،"2‬فيجزم أن "‪ "1‬نصف "‪ ،"2‬و"‪ "2‬ضعف "‪ ،"1‬وبهذا تتشكل معارف تصبح بديهيات بتكرارها‪ ،‬ثم قوانين بعد‬ ‫التنظير لها؛ َّ‬ ‫بأن‬ ‫ألنها ثابتة ال تتغير‪ ،‬بعدها تنشأ منها معارف وقوانين منطقيَّة رياضية أخرى‪ ،‬لكن لو لم يتصل الطفل بالكون أوال‪ْ ،‬‬ ‫اس‪ ،‬هل كان يتشكل في ذهنه القوانين والمبادئ األولية؟ هل كان يعرف َّ‬ ‫أن الواحد مع مثله ُيساوي اثنين؟ بالطبع ال‪ ،‬وهذا‬ ‫َفَق َد الحو َّ‬ ‫ُمجمع عليه‪.‬‬ ‫أن هذا الفعل (عيب) (ومخالف لْلدب)؟ أليس من االحتكاك َّ‬ ‫األخالق فهذا شطط من الباحث‪ ،‬فمن أين تعلمنا َّ‬ ‫بالناس‪ ،‬وبداية من‬ ‫أما‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الوالدين؟ وهذا هو العالم الخارجي "األنفس"‪ ،‬ونعتبره جزءا من الكون‪ ،‬كما َّ‬ ‫أن هنالك ُخُلقا ال يكون له مصدره إال الوحي‪ ،‬فاإلسالم‬ ‫وجميع الرساالت الربَّانية جاءت لتربية الناس‪ ،‬وتصويب أفعالهم‪ ،‬وتعليمهم األخالق الحسنة‪ ،‬وبعض األخالق والقيم هي فطرة في‬ ‫األنفس‪ ،‬والعقل يسمى عقال؛ َّ‬ ‫ألنه غريزة تَمنع عن القبيح من األفعال وتلزم بالحسن‪ ،‬وهذا عالم األنفس (جزء من الكون)‪ ،‬والجمال من‬ ‫الطبائع وهي صفات لْلنفس‪ ،‬ومن األخالق ما يكون محبوبا عند قوم ومذموما عند آخرين‪ ،‬وفصل الخطاب في معيار ذلك هو‬ ‫الوحي‪.‬‬ ‫أن الفصل يكون‬ ‫فتحصل عندنا ما جعل خارَج المصدرين هو منهما أصالة‪ ،‬والمصادر التابعة ُيمكن دمجها ضمن عالم األنفس‪َ ،‬غ ْي َر َّ‬ ‫أجود في بيان الوسائل والطرق والمصادر؛ حيث األمر َّ‬ ‫بالنظر إلى األنفس هو من جهة داللتها المعرفية والعلمية كمصدر؛ أي‪:‬‬ ‫َ‬ ‫وجود لها بالمصدرين‬ ‫موضوع للدراسة والتأمل‪ ،‬والمصادر التابعة فيها هي حصيلة معرفية ُمتراكمة من المصادر األصلية‪ ،‬لكن ال‬ ‫َ‬ ‫األساسيَّين بصورتها بالمصدر التابع‪ ،‬فمن األمور الناتجة في الذهن ما ال وجود له باألنفس وال باآلفاق‪ ،‬كما ال وجود لها بالوحي‪،‬‬

‫‪257‬‬

‫اإلسالم والعلم التجريبي"‪ ،‬عبد هللا زروق‪ ،‬المركز العالمي ألبحاث اإليمان‪ ،‬الخرطوم‪ ،‬ط(‪ ،1990 ،)1‬ص ‪.45 – 42‬‬ ‫‪96‬‬


‫وهنا األنفس بمفهوم الجسم والروح‪.‬‬ ‫أما إذا أخذنا معنى النفس المدركة‪ ،‬فالعقل والنفس ُمشتركان في الداللة على شيء واحد هو اللطيفة المدركة باإلنسان‪ ،‬فيرجع بذلك‬ ‫المصدر العقلي إلى مصدر األنفس؛ أي‪ :‬الكون‪.‬‬ ‫العلوم الضرورية والنظرية‪،‬‬ ‫ويعرف العقل عند الكثير َّأنه‪ :‬قوة للنفس‪ ،‬بها تستعد للعلوم واإلدراكات‪ ،‬وأنه نور روحاني‪ ،‬به تدرك النفس‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وابتداء وجوده عند اجتنان الولد‪ ،‬ثم ال يزال ينمو‪ ،‬والى أن يكمل عند البلوغ‪.258‬‬ ‫فالنفس هي التي بها العقل والتمييز‪ ،‬فقيل‪ :‬العقل والنفس والذهن واحد‪ ،‬إال أن النفس سميت نفسا لكونها متصرفة‪ ،‬وذهنا لكونها‬ ‫مستعدة لإلدراك‪ ،‬وعقال لكونها مدركة‪.‬‬ ‫اعَل ُموا أ َّ‬ ‫اح َذ ُروهُ)‬ ‫َن َّ‬ ‫(و ْ‬ ‫َّللاَ َي ْعَل ُم َما في أ َْنُفس ُك ْم َف ْ‬ ‫فقوله ‪ -‬تعالى ‪َ :-‬‬

‫‪259‬‬

‫‪ ،‬فاهلل هو العالم‪ ،‬والمعلوم هو ما في األنفس من اعتقادات‬

‫وارادات؛ أي‪ :‬من إدراكات‪ ،‬فكانت النفس هي الموضوع الذي أخذ منه العلم؛ أي‪ :‬هي مصدر العلم الذي يعلمه هللا ‪ -‬تعالى ‪-‬‬ ‫ويحاكم‬

‫به‬

‫الناس‪،‬‬

‫وهذا‬

‫في‬

‫اآلية‬

‫تحذير‬

‫بأن‬

‫هللا‬

‫(سُنريه ْم آَ​َياتَنا في ْاآلَ​َفاق َوفي أ َْنُفسه ْم)‬ ‫وقوله ‪ -‬تعالى ‪ -‬في اآلية السابقة‪َ :‬‬

‫‪260‬‬

‫يعلم‬

‫كما‬

‫نعلم‬

‫نحن‬

‫ما‬

‫بأنفسنا‪.‬‬

‫داخل النفس‪ ،‬وهي‬ ‫قد يكون ما يحصل من علوم‬ ‫َ‬

‫القوانين العقلية والمبادئ األولية الفطرية‪ ،‬وهي بذلك حجة على من وقعت في نفسه بعد تراكم المعرفة به‪ ،‬فعلمه َّ‬ ‫بالدليل‪ ،‬وفهمه لوجه‬ ‫االستدالل آية بينة‪ُ ،‬مبينة له َّ‬ ‫حق‪ ،‬فيكون ذلك حجة عليه‪ ،‬والجهل قد يكون عذرا؛ فكان العلم لئال يكون للناس‬ ‫أن ما جاء من عند هللا ٌّ‬ ‫حجة على هللا‪ ،‬فالمصدر المعرفي الذي سيرى فيه اإلنسان آيات هللا هو المعارف الكامنة فيه‪ ،‬والتي يجد منها إرغاما على اإلقرار‬ ‫بوحدانية هللا إال أن يحيد‪.‬‬ ‫من ذلك ُيمكن القول‪َّ :‬‬ ‫إن المصادر التابعة عند من اصطلح عليها ُيمكن ضمها إلى األصلية قطعا‪ ،‬وتقسيمنا للمصادر إلى أصلية‬ ‫التداول‪ ،‬فالبعض َيجعل المصادر التابعة أصلية‪ ،‬فيزيد على المصدرين أكثر‪ ،‬لكن ما خلصنا له َّأنها قسم من‬ ‫وتابعة هو ُمسايرة لكثرة‬ ‫ُ‬ ‫المصدرين ال قسيم لهما‪ ،‬وذلك بداللة اللغة واستعماالت العلماء لها‪ ،‬وورودها في القرآن بهذا المعنى‪ ،‬فكان المصدران األصليان‬ ‫الوحي والكون‪ ،‬ثم مصادر هي تابعة لهما ضمنيًّا‪.‬‬

‫‪258‬‬ ‫‪259‬‬ ‫‪260‬‬

‫الكليات معجم في المصطلحات و الفروق اللغة‪ :‬الكفوي‪ ، ,‬ص ‪.617‬‬

‫البقرة‪235 :‬‬

‫فصلت‪53 :‬‬ ‫‪97‬‬


‫وننتهي من هذا الى القول بأن مصادر العلم عند العلماء المسلمين ال تنحصر في الكتاب والسنة فقط‪ .‬وال في العقل و أخبار المتواتر‬ ‫و الحواس فحسب‪ ,‬بل للعلم مصادر مزدوجة‪ ,‬ألن اإلحساسات تأتي منبعثة من األشياء ثم يتلقاها العقل و ينظمها‪ .‬و من ثم يكون‬ ‫كل جزء من علمنا معتمدا في مضمونه على خبرة الحواس‪ ,‬وفي غالبه على فطرة العقل في االدراك‪ .‬وموقف علماء المسلمين من‬ ‫مصادر المعرفة يتميز بعدم ترجيح مصدر على آخر‪ .‬و انما حرصوا على االعتراف بالمصادر المتنوعة‪ ,‬ألنهم عرفوا قيمة هذه‬ ‫المصادر بالنسبة للمختلف الموضوعات التي يدرسونها‪ ,‬فضال عن اعترافهم بأن ثمة أمو ار ال تدرك وال تعرف اال عن طريق الكتاب و‬ ‫السنة فقط أو عن طريق االجماع والقياس‪ ,‬كما اعتبروا أخبار المتواتر مصد ار من مصادر العلم‪ .‬ولم يتعرض القانونين لمصادر العلم‬ ‫الالزم لتوافر القصد الجنائي‪ ,‬بل يرجعون الى ما قاله الفالسفة في هذا الصدد‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫المبحث الثالث‬ ‫مستوى العلم‬

‫المدلول القانوني للعلم‬ ‫تعرض شراح القانون الوضعي لتعريف العلم الالزم لتوافر القصد الجنائي‪ .‬و مجمل تعريفاتهم ال تخرج عن كون العلم عبارة عن‬ ‫تصور حقيقة الشيء على نحو يطابق الواقع‪ .261‬وليس العلم بناء على هذا المعنى سوى حالة نفسية تقوم في ذهن الجاني جوهرها‬ ‫الوعي بحقيقة الوقائع التي يتشكل منها الركن المادي للجريمة مع تمثل أو توقع النتيجة االجرامية التي من شأن الفعل االجرامي‬ ‫احداثها كأثر له‪ .262‬وبعبارة أخرى‪ ,‬ان العلم هو حالة ذهنية يكون عليها الجاني ساعة ارتكاب الجريمة على الوجه الذي يحدده‬ ‫القانون‪ .263‬يستخلص من هذا أن العلم الالزم لتوافر القصد الجنائي هو تمثل الواقعة التي يتوقف عليها تحقيق العدوان في‬ ‫الجريمة‪.264‬‬ ‫ويشترط لتوافر العلم بهذا المعنى أن يكون تاما بمعنى أن تتهيأ لدى الجاني أثناء اقدامه على الفعل أو االمتناع دالئل االحاطة‬ ‫الصحيحة بأن هذه النتيجة ستقع‪ .‬ويجب أن يكون العلم معاص ار للنشاط االجرامي المكون لمادية الجريم‪ .‬فان كان العلم سابقا على‬ ‫النشاط وتوالت ظروف كان من شأنها توليد الغلط أثناء الفعل‪ ,‬فان القصد الجنائي ال يكون متوافرا‪ .‬وكذلك األمر‪ ,‬لو أن شخص‬ ‫قارف النشاط عن غير علم ثم أدرك حقيقة الواقع فيما بعد‪ ,‬فإن العلم الالحق ال أثر له في تكوين القصد الجنائي‪.265‬‬ ‫أهمبة العلم في القصد الجنائي‬ ‫أهمبة العلم جوهربة ‪ ,‬ألنه المفترض لتصور االرادة ‪ ,‬ومن ثم كانت احاطة العلم بواقعة شرط لتصور توجه االرادة اليها اذ الارادة بغير‬ ‫‪261‬‬ ‫‪262‬‬ ‫‪263‬‬ ‫‪264‬‬ ‫‪265‬‬

‫القصد الجنائي في القانون المصري والمقارن‪ :‬عبد المهيمن بكر سالم‪ ,‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي‪1959 ,‬م‪.197 ,‬‬ ‫قانو العقوبات‪ ,‬القسم العام‪ ,‬لمحمد زكي أبي عامر‪ ,:‬دار الجامعة‪1990,‬م‪.181 ,‬‬

‫قانون العقوبات‪ ,‬القسم العام‪ :‬عبود السراج‪ ,‬جامعة دمشق‪ .1987 ,‬ص‪221‬‬

‫النظرية العامة للقانون العقوبات لجالل ثروت‪ :‬مؤسسة الثقافة الجامعية االسكندرية‪. 191 .1989 ,‬‬ ‫القصد الجنائي‪ :‬المصدر السابق‪.197 ,‬‬

‫‪99‬‬


‫علم ألن كل عمل ايجابي أو سلبي اختياري ألنه اليتم اال بثالثة أمور ‪ :‬علم وارادة وقدرة ألن االنسان اليريد ماال يعلمه فال بد من أن‬ ‫يتوافر لديه العلم بالشيء حتى يريده‪ .‬وهو ريعمل مااليريد‪ ,‬فال بد أن تتوافر لديه االرادة قبل أن يعمل ال ن االرادة نشاط نفسي واع وال‬ ‫يوجهها صاحبها الى واقعة اال اذا علم بها وتمثل في ذهنه مدى سيطرته عليها وتوقع العالقة التي يمكن ان تتوافر بين فعله‬ ‫وبينها‪.‬‬

‫‪266‬‬

‫واذا تصورنا حدوث واقعة لم يتوقعها الجاني ولم يدو بخلده حدوثها فهذا يعني حتما ان ارادته لم تتجه اليها ‪ .‬وعلى هذا‬

‫النحو ‪ ,‬فالعلم بالواقعة مرحلة لتكوين االرادة المتجهة اليها والعلم على هذا التحديد أحد عنصري القصد الجنائي ‪.‬‬

‫‪267‬‬

‫العالقة بين العلم ونظرية الجهل أو الغلط‬ ‫ان البحث في العلم باعتباره أحد عنصري القصد الجنائي هو في الوقت نفسه دراسة لنظرية الجهل والغلط ‪ ,‬وهي من أهم نظريات‬ ‫القصد الجنائي ‪ .‬ألن انتفاء العلم الصحيح يعني ان الجهل أو على األقل الغلط قد توافر‪ ,‬ويتضح جليا من هذا االرتباط بين القصد‬ ‫الجنائي ونظرية الجهل أو الغلط ‪ :‬فاذا قلنا ان العلم بواقعة شرط لتوافر القصد الجنائي ‪ ,‬كان معنى ذلك أن الجهل أو الغلط في هذه‬ ‫الواقعة يؤدي حتما الى انتفاء القصد الجنائي ‪ .‬وعلى هذا األساس يمكننا القول بأن الحديث عن أثر الجهل أو الغلط يعني الحديث‬ ‫عن القصد الجنائي في جانبه السلبي‪.‬‬

‫‪268‬‬

‫محل العلم في القصد الجنائي‬ ‫في مجال القصد الجنائي يتعين أن يحيط علم الجاني بكل الوقائع المادية التي تتكون منها الجناية‪ ,‬وأهم واقعة تقوم بها الجريمة هي‬ ‫الفعل الذي يأتيه الجاني ويتمثل في االعتداء على المصالح التي يحميها سالشرع ويتوافر بين هذا الفعل والنتيجة مجموعة من الوقائع‬ ‫تقوم بها عالقة السببية بينهما وهذ ه الوقائع جميعا يتعين ان يحيط بها علم الجاني‪ .‬والتقسيم األساسي للعلم هو الذي يقوم على‬ ‫التمييز بين العلم بالوقائع المادية المكونة للجريمة‪ .‬والعلم بالحكم الشرعي‪.‬‬

‫‪269‬‬

‫اذن فمعيار هذا التقسيم هو كون موضوع العلم واقعة‬

‫أو كونه وصفا أو تكييفا‪.‬‬ ‫ويدخل أيضا في عناصر الواقعة الظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة حيث تعتبر تلك الظروف بمثابة أركان في الواقعة‬ ‫ينبغي ان تدخل في علم الجاني‪ ,‬ومثال ذلك حمل السالح وتعدد الجناة في السرقة وسن المجنى عليها في جرائم هتك العرض برضاء‬ ‫‪266‬‬ ‫‪267‬‬ ‫‪268‬‬ ‫‪269‬‬

‫احياء علوم الدين ‪.354/4 :‬‬

‫النظرية العامة للقصد الجنائي‪.49 :‬‬

‫المرجع السابق‪50 :‬‬

‫النظرية العامة للقصد الجنائي‪ 51 :‬ـ‪..52‬‬ ‫‪100‬‬


‫المجنى عليه‪ .‬ويخرج عن نطاق الظروف المشددة التي ينبغي العلم بهه تلك المكونة لحالة شخصية تتعلق بالجاني ومثال ذلك حالة‬ ‫العود‪ .‬فالذي يرتكب جريمة السرقة مثال مع سبق الحكم عليه بعدة عقوبات كافية لتوافر حالة العود في حقه تشدد عليه العقوبة ولو‬ ‫كان جاهال وقت ارتكاب السرقة بانه يعتبر عائدا بارتكابها‪.270‬‬ ‫مستوى العلم‬ ‫تجدر االشارة الى أن العلم الذي نحن بصدده هنا هو العلم الحادث فهو علم المخلوقات الذي ينقسم الى ضروري ونظري‪ ,‬أي‬ ‫مكتسب‪ .‬فيقصد بالعلم الضروري ما لزم أنفس الخلق لزوما ال يمكنهم دفعه والشك في معلومه‪ :‬نحو العلم بما أدركته الحواس الخمس‪,‬‬ ‫وما ابتدى في النفس من الضرورات‬

‫‪271‬‬

‫‪ .‬فيعني هذا العلم‪ ,‬ما علمه االنسان من غير نظر وال استدالل‪ .272‬وفي العدة‪ :‬العلم‬

‫الضروري هو العلم الذي ال يجوز ورود الشك عليه‪ ,‬و يلزم نفس المخلوق‪ .‬أو هو العلم الذي ال يمكن للمخلوق الخروج عنه‬ ‫واالنفصال عنه‪ .273‬و بعبارة أخرى‪ ,‬هو العلم الذي يلزم المخلوق لزوما ال يجد المخلوق الى االنفكاك عنه سبيال‪ .274‬وجاء في‬ ‫األحكام في أصول األحكام‪ ":‬العلم الضروري هو الذي ال قدرة للمكلف على تحصيله بنظر و استدالل‪.275‬‬ ‫أما العلم النظري أو المكتسب فهو الذي تضمنه النظر الصخيح مع انتفاء اآلفات‪ .276‬و قال الغزالي‪ :‬هو العلم الذي يجوز ورود‬ ‫الشك فيه أو ما وقع عن نظر واستدالل‪ ,277‬و قال الباقالني‪ :‬العلم النظري هو ما احتيج في حصوله الى الفكر و الرواية‪ ,‬وكان‬ ‫طريقه النظر و الحجة‪ .‬ومن حكمه جواز الرجوع عنه والشك في متعلقه‪ .278‬ننتهي من هذا الى القول بأن هناك مستويين الدراك‬ ‫اإلنسان بيئته‪ ,‬مستوى اإلدراك الفطري ومستوى اإلدراك العلمي‪.‬‬

‫‪270‬‬ ‫‪271‬‬ ‫‪272‬‬ ‫‪273‬‬

‫قانون العقوبات‪ ,‬القسم العام‪:‬مأمن محمد سالمة‪ ,‬مطبعة جامعة القاهرة والكتب الجامعي‪1990 ,‬م‪.333/332.‬‬ ‫االنصاف فيما يجب اعتقاده وال يجوز الجهل به‪.14:‬‬

‫التمهيد‪.42/1:‬‬

‫العدة في أصول الفقه‪:‬أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء(‪458‬هـ)‪ ,‬تحقيق أحمد بن علي سير المباركي‪ ,‬الطبعة الثانية‪ ,‬الرياض‪,‬‬

‫‪1990‬م‪.80/1,‬‬ ‫‪274‬‬ ‫‪275‬‬ ‫‪276‬‬ ‫‪277‬‬ ‫‪278‬‬

‫شرح السيد السند على المواقف‪.21:‬‬

‫اآلمدي‪ ,15/1:‬وفي نفس المعنى‪ ,‬إرشاد الفخول للشوكاني‪.42:‬‬ ‫األحكام في أصول األحكام لآلمدي‪15/1: :‬‬

‫المنخول‪.42:‬‬

‫االنصاف‪.14:‬‬ ‫‪101‬‬


‫فأما اإلدراك الفطري لْلشياء فهو ما يشترك فيه أعضاء مجتمع واحد في عصر واحد‪ ,‬فا المجال الذي يتعلق به إدراكنا الفطري هو‬ ‫مجال البيئة المباشرة كما تدركها الحواس‪ ,279‬نحو العلم الواقع بالبديهة‪ ,‬و متضمن كثسر من العادات‪ ,‬ونحو العلم بأن االثنين أكثر‬ ‫من الواحد‪ ,‬وأن الضدين ال يجتمعان‪ ,‬وأمثال ذلك من موجب العادات وبدائه العقول و التي ال يختص بعلمها العاقلون‪.280‬‬ ‫فباإلدراك الفطري نميز بين األشياء و نقول عن شيء منها أنه "ماء" و عن شيء آخر أنه "هواء" و عن ثالث أنه "شجرة" و ال يجوز‬ ‫ألحد أن يجعل شيئا من هذا موضعا للشط ما دام على صلة بالناس في مجال الذوق الفطري‬

‫‪281‬‬

‫‪ ,‬فهذا المستوى من اإلدراك يسمى‬

‫عند علماء األصول و المتكلمين بالعلم الضروري‪.‬‬ ‫وأما مستوى العلمي للعلم فيختلف كل االختالف عن المستوى الفطري له‪ ,‬ألن األشياء في هذا المجال تنحل الى عناصيرها‪ ,‬والى‬ ‫الطميات التي تكونت منها تلك العناصر‪ ,‬حتى تبخد صورتها تماما عن الصورة التي يراها الناس في حياتهم‪ .282‬ولهذا يمكننا القول‬ ‫بأن اإلدراك الفطري يستهدف االنتفاع باألشياء و التمتع بها‪ ,‬فاإلدراك العلمي يستهدف العلم بتلك األشياء من حيث عناصرها األولية‬ ‫و طريقة تركيبها‪ .‬و كل لفطة دالة على كيف قد تصلح للتفاهم بين الناس في حياتهم العملية‪ ,‬لكنها ال تصلح مسطلحا في المجال‬ ‫العلمي‪ ,‬اذا حدد لها معنى على أساس الكم‪ ,‬ال على أساس الكيف‪ .283‬و المستوى العلمي للعلم يطلق عليه العلماء " العلم النظري أو‬ ‫المكتسب"‪ .‬فهو العلم الذي يجوز ورود الشك علي ه‪ .‬ويحصل عليه اإلنسان عن طريق العقل و التجرية‪ .‬وهذا ما أشار اليه الباقالني‬ ‫صراحة في كتابه االنصاف فقال‪ :‬والنظري ما احتيج في حصوله الى الفكر و الرؤية‪ ,‬و من حكمه جواز الرجوع عنه والشك في‬ ‫متعلقه‪.284‬‬ ‫ولم يتعرض الفقهاء لمستوى العلم المطلوب لتوافر القصد الجنائي‪ ,‬و لكن يمكن القول بأنه هو المستوى الفطري بحسب البيئة التي‬ ‫يعيش فيها الجاني‪ ,‬و بحسب المفهوم التي تحدده العادات و التقاليد والخبرة السائدة في إدراك األشياء‪ ,‬و فهم الوقائع وبالتالي الحكم‬ ‫عليها و تقديرها‪ .‬و لهذا ذهب الفقهاء الى القول بقبول العذر بجهل الحرمة ممن ادعاه إذا ظهر عليه أمارات ذلك‪ .‬بأن نشأ في شاهق‬

‫‪279‬‬ ‫‪280‬‬ ‫‪281‬‬ ‫‪282‬‬ ‫‪283‬‬ ‫‪284‬‬

‫العدة‪.82/1:‬‬

‫االنصاف‪.15:‬‬

‫المنطق الوضعي زكي نجيب محمود ‪ :‬مكتبة أنجلو المصرية‪1965 ,‬م‪.9/1 ,‬‬

‫المنطق الوضعي‪.15/1:‬‬

‫المرجع السابق‪ ,‬نقس الصفحة‪.‬‬

‫اإلنصاف‪14:‬‬

‫‪102‬‬


‫أو بين قوم جهال مثله ال يعلمون الحرمة من اإلباحة‪.285‬‬ ‫و ال تتضمن نصوص التشريعات الجنائية الحديثة نصا يحدد مستوى العلم المطلوب لتحقق القصد الجنائي‪ .‬ولهذا اختلفت اآلراء في‬ ‫هذا الشأن‪ .‬فذهب رأي الى وجوب إحاطة العلم بالتكييف الدقيق للواقعة بحيث يعلم به المتهم على النحو الذي يحدده القاضي حين‬ ‫يفصل في الدعوى‪ ,‬حيث أن للواقعة معنى أو وفهوما تحدده القواعد العلمية ويأخذ به القاضي سواء أ طان هذا المستوى من العلم‬ ‫توافر لديه أم اقتضى األمر الحصول عليه عن طريق االستعانة بأهل الخبرة‪ .286‬فهذا المفهوم العلمي الدقيق‪ ,‬هو المستوى الذي يجب‬ ‫أن يكون متوافر لدى المتهم عند أنصار هذا االتجاه‪ ,‬بحيث لو لم يتوافر لديه هذا المستوى‪ ,‬فإن القصد الجنائي يكون منتفيا‪ ,287‬إال‬ ‫أن األخذ بهذا الرأي يجعل مجال توافر القصد الجنائي قاص ار على الحاالت التي تتوافر فيها العلم بالوقائع على مستواه العلمي وهي‬ ‫حاالت نادرة جدا‪ ,‬اذ ال تتوافر إال عند العلماؤ فقط‪ .‬و بشرط ان تكون الواقعة متصلة أيضا بفع تخصص المتهم‪ .‬و ال يخفى ما في‬ ‫إقرار هذا الرأي من تعطيل كامل لتطبيق القانون الجنائي وتفويت أهداف الشرع من وضع القواعد الجنائية‪.288‬‬ ‫ويرى رأي آخر أن القانون إذ يتكلب توافر علم الجاني بالوقائع التي تتركب منها الجريمة حتى يتوافر ديه القصد‪ ,‬إنما يتكلبه على‬ ‫مستواه الفكري‪ ,‬أي يتطلب علمه بالواقعة على النحو الذي يفهم بها في البيئة التي ينتمي إليها الجاني‪ .289‬فإذا علم الجاني بالواقعة‬ ‫على هذا النحو توافر لديه القصد الجنائي‪ ,‬ألن المشرع في الواقع ال يمكن أن يكون قد تطلب العلمعلى مستوى العلمي‬

‫‪290‬‬

‫‪ .‬و ال شك‬

‫أن األخذ بهذا الرأي يطفل ألحكام القصد الجنائي التطبيق السليم‪ ,‬ألنه يحدد العلم بالواقعة المكونة للجريمة على النحو الذي يستطيع‬ ‫الجاني أن يعلم به‪ .‬ونصل من هذا الى نتيجة مؤداها أن مستوى العلم الالزم لتوافر القصد الجنائي في الفقهين اإلسالمي والوضعي‬ ‫هو المستوى الفطري بحسب األفكار و القيم و الخبرات السائدة في البيئة التي يعيش فيها الجاني و ألنه يتأثر بتلك األفكار و القيم‬ ‫في فهم االمر و الحكم عليها‪ ,‬فإذا علم الجاني بالواقعة محددة على هذا النحو فقد توافر في حقه القصد الجنائي واال فال‪.‬‬

‫‪285‬‬ ‫‪286‬‬ ‫‪287‬‬ ‫‪288‬‬ ‫‪289‬‬ ‫‪290‬‬

‫فتح القدير‪.39/5:‬‬

‫النظرية العامة للقصد الجنائي‪.112:‬‬ ‫المرجع السابق‪ ,‬نقس الصفحة‪.‬‬

‫المرجع السابق‪.113 ,‬‬

‫المرجع السابق‪ ,‬نقس الصفحة‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪ ,‬نقس الصفحة‪.‬‬ ‫‪103‬‬


‫الفصل الثاني‬ ‫العلم بالوقائع‬ ‫تفترض الجناية وقائع متعددة ‪ ,‬واالصل هو أن يحيط علم الجاني بجميع هذه الوقائع ‪ ,‬ألن القصد الجنائي يعني توجهاالرادة الواعية‬ ‫الى الجناية في اركانها وعناصرها‪ .‬والوقائع المتفق عليها أوبعبارة أخرى التي وردت االشارة اليها في الفقه االسالمي هي‪ :‬العلم‬ ‫بموضوع المصلحة المعتدى عليها ‪ ,‬العلم بخطورة الفعل االجرامي ‪ ,‬العلم بمكان ارتكاب الفعل ـ في بعض الجرائم ـ عند بعض الفقهاء‬ ‫‪ .‬وعلى هذا الضوء نقسم هذا الفصل إلى مبحثين‪:‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬في الوقائع المتفق عليها‬ ‫المبحث الثاني في العلم بالشروط المفترضة‬

‫‪104‬‬


‫المبحث األول‬ ‫الوقائع المتفق عليها‬

‫الوقائع المتفق عليها أو بعبارة أخرى الوقائع التي وردت االشارة اليها في الفقه االسالمي هي‪ :‬العلم بموضوع المصلحة المعتدى عليها‬ ‫‪ ,‬العلم بخطورة الفعل االجرامي ‪ ,‬العلم بمكان ارتكاب الفعل‬ ‫العلم بموضوع المصلحة المعتدى عليها‬ ‫ان علة تجريم القتل هي صناية االرواح من االهدار‪ ,‬وبمعنى آخرحماية الحق في الحياة ‪ ,‬وعلة تجريم الجرح أو الضرب هي حماية‬ ‫الحق في سالمة الجسم ‪ ,‬وعلة تجريم السرقة هي حماية حق الملكية ‪.‬‬

‫‪291‬‬

‫والقصد الجنائي في جوهره ارادة االعتداء على الحق الذي‬

‫يحميه الشرع ‪ ,‬وتفترض هذه االرادة العلم بهذا الحق‪ .‬والحق باعتباره موضع حماية الشرع اليتصور دون موضوع ينصب عليه ‪ ,‬ولهذا‬ ‫الموضوع كيان مادي في األعم من األحوال وعليه يقع فعل الجاني ‪ ,‬وفيه تتحقق النتيجة االجرامية‪ ,‬ويفترض القصد الجنائي علم‬ ‫الجاني بتوافر هذا الموضوع واستكماله الشرط التي تجعله صالحا ألن يتعلق الحق به ‪ ,‬وينصب الفعل عليه ‪ ,‬وعلى هذا فان جهل‬ ‫ذلك اانتفت لديه ارادة االعتداء على الحق ‪ ,‬وبالتالي ينتفي لديه القصد الجنائي تبعا لذلك‪.‬‬ ‫‪,‬على الصحيح بل خطأ‪.‬‬

‫‪292‬‬

‫وفي هذه الصورة اليتوافر القصد الجنائي في حق الجاني وكذلك الطبيب الذي يعتقد أنه يشرح جثة ثم‬

‫يثبت أن صاحب هذه الجثة كان اليزال حيا وقت اتيان فعله ‪ ,‬وان الوفاة قد حدثت نتيجة هذا الفعل ‪ ,‬فان القصد الجنائي اليتوافر في‬

‫‪291‬‬ ‫‪292‬‬

‫لباب اللباب‪:‬محمد بن عبد هللا بن راشد (‪736‬هـ)‪ ,‬المطبعة التونسية‪ ,‬الطبعة األولى‪1346 ,‬هـ‪ .279 ,‬ومابعدها‪.‬‬

‫بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ :‬أبو بكر بن مسعود الكاساني (‪487‬ه) الطبعة الثانية ـ ـ ـ دار الكتاب العربي بيروت ‪1394‬ه‬

‫‪1974‬م‪ ,233/7 .‬شرح الكبير وحاشية الدسوقي ‪ :‬دار احياء الكتب العربية بمصرـ ـ القاهرة‪1979.‬م‪ ,237/4 ,‬شرح المحلي على‬ ‫منهج الطالبين ‪:‬محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلى (‪864‬هـ)‪ ,‬مطبوع مع حاشيتي قليوبي وعميرة‪ ,‬دار احياء الكتب العربية‬

‫بمصر‪,‬القاهرة‪1375 ,‬ه‪1956 ,‬م ‪ ,96/4‬حاشية البجيرمي على منهج الطالب ‪ :‬سليمان بن البجيرمي‪ ,‬دار الكتاب العربي‬ ‫بيروت‪1972,‬م‪.479/9 .‬‬

‫‪105‬‬


‫حقه‪.‬‬

‫‪293‬‬

‫وهذا اليعني أنه عندما ينتفي القصد الجنائي تنتفي المسؤولية اذ من الممكن أن يتوافر الخطأ‪ ,‬ويتحمل المسؤولية بناء على‬

‫ذلك‪.‬‬ ‫واذا كنا بصدد جناية السرقة تعين اثبات علم الجاني ان فعله ينصب على شيء يملكه غيره ‪ ,‬وألن الشيء المملوك للغير هو الذي‬ ‫يتصور االعتداء عليه بالسرقة أما اذا اعتقد أن فعله ينصب على المال الذي يملكه‪ ,‬في حين أنه ه بمال مملوك لغيره ‪ ,‬متأث ار في‬ ‫ذلك بتشابه الشيئين ‪ ,‬فان قصد السرقة اليتوافر لديه ‪ .‬كما لو أستولى على شيء مملوك لغيره وهو يعتقد أنه المال الذي فقد أو‬ ‫سرق منه ‪.‬‬

‫‪294‬‬

‫وفي جريمة الزنا يجب ان يعلم الجاني أنه يطأ امرأة محرمة عليه‪ ,‬وان جهل العين الموطؤة بان يظن أنها حليلته فتبين خالفها فان‬ ‫القصد الجنائي اليتوافر في حقه‪ .‬وفي جريمة شرب الخمر يجب أن يعلم الجاني بأن ما يشربه خم ار وأما اذاشرب خم ار وهو يعتقد انه‬ ‫شراب حالل فالقصد الجنائي اليتوافر في حقه ألن ذلك يدخل في باب الخطأ ‪.‬‬

‫‪295‬‬

‫خم ار على مائدة فمن علم أنه خمر لزمه الحد ومن لم يعلم ذلك منهم لم يلزمهالحد "‪.‬‬ ‫هللا تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "‪.‬‬

‫جاء في المبسوط ‪ ":‬اال ترى ان القوم اذا اسقوا‬ ‫‪296‬‬

‫وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬ان‬

‫‪297‬‬

‫العلم بخطورة االفعل العدواني‬ ‫الشارع االسالمي يجرم الفعل ألنه خطر على المصلحة التي يحميها‪ ,‬وعلة خطورته هي ان من شأنه احداث االعتداء على هذا الحق‬ ‫واذا كان القصد الجنائي هو ارادة مرتكبالفعل االعتداء على المصلحة ‪ ,‬فان هذه االرادة تفترض علما بأن من شأن الفعل احداث هذا‬ ‫االعتداء ‪ ,‬ويتطلب ذلك علما بالوقائع التي تقترن بالفعل وتحدد خطورته فاذا اتهم شخص الرتكاب جناية ضرب أو جرح عمدية تعين‬

‫‪293‬‬ ‫‪294‬‬

‫الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ‪.252 /4 :‬‬

‫بدائع الصنائع ‪ ,65 /7 :‬شرح فتح القدير ‪:‬كمال الدين بن محمد بنعبد الواحد بن الهمام (‪861‬هـ)‪ ,‬المكتبة التجارية‬

‫الكبرى‪1356,‬هـ‪ ,219 / 4 ,‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ‪:‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد(‪959‬هـ) دار المعرفة بيروت‪1988,‬م‪,‬‬

‫‪ ,369 / 2‬مغني المحتاج الى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ‪:‬محمد الشربيني الخطيب (‪977‬هـ)‪ ,‬المكتبة التجارية الكبرى‪ 1392 ,‬ـ ه ـ ـ‬

‫‪1972‬م‪ ,158 / 4 .‬المغني البن قدامة ‪.239 / 10 :‬‬ ‫‪295‬‬ ‫‪296‬‬

‫شرح الكبير للدردير ‪. 280/ 4 :‬‬

‫المبسوط‪ :‬محمد بن أحمد السرخسي (‪438‬هـ)‪,‬دار المعرفة بيروت‪1359 ,‬ه‪ ,32 / 24 ,‬وانظر كذلك الخطيب مغني المحتاج ‪:‬‬

‫‪187 /‬ـ‪.188‬‬ ‫‪297‬‬

‫أخرجه ابن ماجة في سننه ‪ :‬كتاب الطالق ‪ ,‬باب طالق المكره والناسي ‪ ,‬وفي رواية ان هللا وضع عن أمتي الخطأ ‪ . . .‬سنن‬

‫ابن ماجة ‪.659 / 1 :‬‬

‫‪106‬‬


‫اثبات علمه ان من شأن فعله المساس بسالمة جسم المجنى عليه ‪ ,‬ويعرف ذلك باآللة المستعملة‪.‬‬ ‫فاذا كانت بما يؤدي التالف ما دون النفس ‪ ,‬غالبا فان الجاني يكون عامدا ‪.‬‬

‫‪298‬‬

‫هذا عند الذين يثبتون الشبه العمد فيما دون النفس ‪,‬‬

‫ألن الذين اليثبتون شبه العمد فيما دون النفس اليشترطون في هذه الجناية أكثر من تعمد الفعل العدواني ‪ .‬وعلى هذا فاذا كان‬ ‫الجاني يعتقد ان فعله اليمس سالمة الجسم المجنى عليه ولم يكن فعله باآللة تؤدي التالف مادون النفس أو لم يكن يقصد العدوان‬ ‫بفعله ـ عند الذين اليشترطون اآللة ـ فان القصد الجنائي ينتفي مكان اي حقه وان أمكن توافر الخطأ في حقه ويتحمل المسؤولية بناء‬ ‫على ذلك‪.‬‬ ‫العلم بمكان ارتكاب الفعل‬ ‫االصل هو أن يجرم الشرع الفعل دون النظر الى مكان ارتكابه ‪ ,‬وذلك الن خطورة الفعل على المصلحة التي يحميها الشرع ثابتة له‬ ‫ايا كان مكان ارتكابه ‪ ,‬فال تتغير باختالف مكان‪ .‬واذا كانت الجناية تضع لهذا الحكم ‪ ,‬فان علم الجاني بمكان ارتكاب الفعل‬ ‫اليشترط ‪ ,‬فهو مسؤول عن جريمته عمدا ولو كان يجهل مكان ارتكابه للجناية كأن يرتكب الجناية في مكان معين ويعتقد أنه يأتيه في‬ ‫مكان آخر ‪ .‬ولكن قد يشترط ارتكاب الفعل في مكان معين حتى يعتبر الفعل اعتداء على المصلحة التي يحميها الشرع ‪ .‬فان اقترف‬ ‫في مكان آخر تجرد الفعل من الخطورة وخرج من نطاق التجريم بوصف معين وقد يشكل جناية بوصف آخر ‪ .‬مثال ذلك اشتراط‬ ‫أبي حنيفة وقوع الحرابة بعيدا عن العمران بحيث لو وقعت في مصر فال حد عنده باعتبار جريمة حرابة‪.‬‬

‫‪299‬‬

‫وبناء على هذا الرأي‬

‫اذا اتهم شخص بارتكاب جريمة الحرابة تعين اثبات علمه بمكان فعله ‪ ,‬فان ثبت جهله به انتفي القصد الجنائي لديه ‪ .‬وفي جريمة‬ ‫السرقة‬

‫ذهب‬

‫والحرز في اللغة‬ ‫والمكان‬

‫‪300‬‬

‫الذي‬

‫جمهور‬

‫الفقهاء‬

‫الى‬

‫أن‬

‫الحرز‬

‫شرط‬

‫لوجوب‬

‫فيها‬

‫القطع‬

‫مأخوذ من الحفظ والتحفظ‪ ،‬يقال‪ :‬حرزته واحترز هو‪ ،‬أي‪ :‬تحفظ‪ ،‬وأصل الحرز في اللغة الموضع الحصين‪،‬‬ ‫يحفظ‬

‫فيه‪،‬‬

‫والجمع‬

‫أحراز‪،‬‬

‫وأحرزت‬

‫المتاع‬

‫جعلته‬

‫في‬

‫‪298‬‬

‫األم ‪:‬محمد بن ادريس الشافعي (‪264‬هـ)‪ ,‬دار الشعب ـ القاهرة‪1968 ,‬م‪, 6/6 ,‬المغني البن قدامة ‪ ,410 / 9 :‬منتهى‬

‫‪299‬‬

‫بدائع الصنائع ‪ , 92 / 7 :‬شرح فتح القدير ‪ 274 / 4 :‬ـ ‪.275‬‬

‫الحرز ‪.‬‬

‫االرادات في جمع المقنع مع التنقيح‪ :‬محمد بن أحمد بن النجار(‪972‬هـ)و دار الجيل للطباعة‪1962 ,‬م‪. 413 / 2 : ,‬‬ ‫‪300‬‬

‫‪.‬‬

‫معجم مقاييس اللغةأبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا(‪291‬ه)‪ ,‬تحقيق وضبط عبد السالم محمد هارون الطبعة األولى ـ دار‬

‫إحياء الكتب العربية ـ الفاهرة‪1366 ,‬ه‪ ,‬ص‪ ،236‬لسان العرب ‪:‬جمال الدين محمد بن مكرم المعروف بابن منظور‪711(,‬ه)‪ ,‬دار‬

‫لسان العرب ـ بيروت‪1990 ,‬م‪ ،121/3 ,‬القاموس المحيط‪:‬مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي(‪817‬ه)‪ ,‬الطبعة الثانية ـ‬

‫‪1407‬ه تت‪1987‬م ص‪.508‬‬

‫‪107‬‬


‫وفي االصطالح تعددت عبارات الفقهاء في بيان المراد منه‪ ،‬مع وجود التقارب في بيانه‪ ،‬ومن تعريفاتهم للحرز أنه‪":‬ما يصير به‬ ‫المال محر از عن أيدي اللصوص‬ ‫والحظائر‪ ،‬وما أشبه ذلك‬ ‫حاله‪.‬‬

‫‪303‬‬

‫‪302‬‬

‫‪301‬‬

‫‪ .‬وعرفه ابن رشد بأنه‪" :‬ما من شأنه أن تحفظ به األموال كي يعسر أخذها‪ ،‬مثل‪ :‬األغالق‬

‫وعرفه القرطبي بقوله‪" :‬الحرز هو ما نصب عادة لحفظ أموال الناس‪ ،‬وهو يختلف في كل شيء بحسب‬

‫وعرفه الماوردي بأنه‪":‬ما يصير به المال محفوظا‬

‫‪304‬‬

‫باختالف األموال والبلدان وعدل السلطان وجوره‪ ،‬وقوته وضعفه‬

‫وعرفه الحجاوي بقوله‪" :‬وحرز المال ما العادة حفظه فيه‪ ،‬ويختلف‬ ‫‪305‬‬

‫ومن هذه التعاريف يظهر التواطؤ بين المعنى اللغوي والشرعي‬

‫للحرز‪ :‬من أن الحرز هو المكان المعد لحفظ المال فيه‪ ،‬كما نجد أن النقول متفقة على أن حرز كل شيء بحسبه‪ ،‬وأنه يختلف‬ ‫باختالف األموال واألمكنة واألزمنة واألحوال ونحو ذلك‪.‬‬ ‫و لم يرد في الشرع للحرز حقيقة اصطالحية‪ ،‬بحيث إذا أطلق تبادرت إلى األذهان‪ ،‬بل ترك ذلك لما يتعارف الناس عليه بما يعرفون‬ ‫ويألفون‪ ،‬وهذا يعني أن مفهوم الحرز قابل للتبدل بحسب اختالف األعراف زمانا ومكانا‪ .‬وألنه لم يرد للحرز تعريف محدد في اللغة أو‬ ‫الشرع؛ فإن المرجع في بيان معناه هو العرف؛ ألن مقتضى قاعدة األسماء المطلقة في الشريعة اإلسالمية هو اعتبار الحقيقة‬ ‫الشرعية؛ فإن لم يوجد فيها تحديد فاللغوية؛ فإن لم يوجد فيها تحديد فالعرفية‪ .‬وقد نص الفقهاء على أن كل اسم ليس له حد في اللغة‬ ‫وال في الشرع؛ فالمـرجع فيـه إلى العرف‪.‬‬

‫‪306‬‬

‫قال ابن قدامة‪" :‬والحرز ما عد حر از في العرف؛ فإنه لما ثبت اعتباره في الشرع من غير‬

‫‪ 301‬االختيار لتعليل المختار‪ :‬عبد هللا بن محمود بن مودود مجد الدين الموصلي (‪683‬ه)‪ ,‬تحقيق ‪:‬محمد محي الين عبد الحميد‪ ,‬دار‬

‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان الطبعة االولى ‪1968,‬م‪.125/4 .‬‬ ‫‪ 302‬بداية المجتهد ‪.550/2‬‬

‫‪ 303‬الجامع ألحكام القرآن ‪.106/6‬‬

‫‪304‬الحاوي الكبير في فقه مذهب اإلمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني‪ :‬أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري‬ ‫البغدادي‪ ،‬الشهير بالماوردي (المتوفى‪450 :‬ه تحقيق‪ ,‬الشيخ علي محمد معوض ‪ -‬الشيخ عادل أحمد عبدولر الموجود‪ ,‬دار الكتب‬

‫العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان الطبعة‪ :‬األولى‪1990 ،‬م‪.280/13 .‬‬

‫‪ 305‬زاد المستقنع‪ :‬مختصر المقنع‪ :‬موسى بن ٱحمد حجاوي ‪,‬دار إشبيليا‪1990 ,،‬م ص‪.141‬‬ ‫‪306‬‬

‫ينظر‪ :‬الموافقات في أصول اآلحكام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (‪790‬ه)‪ ,‬دار المعرفة بيروت‪1989,‬م ‪،24/4‬‬

‫مجموع الفتاوى البن تيمية‪ :‬أحمد بن بيمية (‪728‬ه)‪,‬طبعة الرئاسة العامة لشؤون الحرمين‪,‬مكة‪1395 ,‬ه ‪،16/29 ،40/9،24/7‬‬

‫‪ ،227‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪:‬أبو عبد هللا محمد إبن القيم الجوزية(‪751‬ه)‪ ,‬دار الكتب الحديثة ـ عابدين ـ تحقيق عبد‬ ‫الرحمن الوكيل‪ ،337/1.‬الفروق للقرافي ‪ ،283/3‬التمهيد في تخريج الفروع على األصول‪ :‬عبد الرحيم بن الحسن بن علي اإلسنوي‬ ‫الشافعي‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬جمال الدين (المتوفى‪772 :‬ه) ـ )المحقق‪ :‬د‪ .‬محمد حسن هيتو) مؤسسة الرسالة – بيروت الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬

‫‪1400‬ه ـ ‪1980‬م ص ‪ ،230‬مغني المحتاج للشربيني ‪ ،215/4‬المنثور في القواعد الفقهية‪ :‬أبو عبد هللا بدر الدين محمد بن عبد‬ ‫هللا بن بهادر الزركشي (المتوفى‪794 :‬هـ) و ازرة األوقاف الكويتية الطبعة‪ :‬الثانية‪1405 ،‬هـ ‪1985 -‬م ‪ ،193/2‬األشباه والنظائر في‬ ‫قواعد وفروع الشافعية‪ :‬جالل الدين السيوطي‪ ,‬المكتبة التجارية الكبرى مصر‪ .‬ص‪ .98‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية في الفتاوى‬ ‫‪108‬‬


‫تنصيص على بيانه ُعلم أنه رد ذلك إلى أهل العرف؛ ألنه ال طريق إلى معرفته إال من جهته؛ فيرجع إليه‪ ،‬كما رجعنا إليه في معرفة‬ ‫القبض والفرقة في البيع وأشباه ذلك"‬

‫‪307‬‬

‫وبناء على ما قرره العلماء فيما سبق يتبين أن ضابط الحرز وتحديد مفهومه إنما مرجعه إلى‬

‫المحرزات وكيفية إحرازها زمانا ومكانا‪ ،‬ومن األمور التي ذكر بعض العلماء أن األحراز تختلف‬ ‫العرف‪ ،‬وأن اإلحراز يختلف باختالف ُ‬ ‫بناء على اختالفها وتفاوتها ما يلي‪:‬‬ ‫اختالف جنس المال ونفاسته‪ .‬اختالف البلدان؛ فإن كان البلد واسع األقطار كثير المفسدين غلظت أح ارزه‪ ،‬وان كان صغي ار قليل‬ ‫المار‪ ،‬ال يختلط بأهله غيرهم خفت أح ارزه‪ .‬اختالف الزمن؛ فإن كان زمان سلم ودعة خفت أح ارزه‪ ،‬وان كان زمان فتنة وخوف غلظت‬ ‫أح ارزه‪.‬‬ ‫اختالف السلطان؛ فإن كان عادال غليظا على أهل الفساد خفت أح ارزه‪ ،‬وان كان جائ ار مهمال ألهل الفساد غلظت أح ارزه‪.‬‬ ‫اختالف‬

‫الليل‬

‫والنهار؛‬

‫فيكون‬

‫اإلحراز‬

‫في‬

‫الليل‬

‫أغلظ‬

‫الختصاصه‬

‫بأهل‬

‫العبث‬

‫والفساد‬

‫‪308‬‬

‫وجملة ما سبق أنه يعتبر في الحرز شرطان الشرط األول‪ :‬العرف ‪ .‬الشرط الثاني‪ :‬عدم التفريط ‪ .‬وذلك ألن المال المحرز هو ما ال‬ ‫صاحبه مضيعا ‪ .‬والحرز في االصطالح الفقهي هو ما يحفظ فيه المال عادة كالدار والخيمة أو الشخص بنفسه وما عليه من‬ ‫ُيعد‬ ‫ُ‬ ‫لباس ‪.‬‬

‫‪309‬‬

‫وكل شيء له مكان معروف به فمكانه حرزه ‪.‬‬

‫فان الجريمة التعتبر سرقة موجبة للقطع ‪.‬‬

‫‪311‬‬

‫‪310‬‬

‫فاذا وقعت السرقة على مال لم يضعه صاحبه في الحرز الخاص به ‪,‬‬

‫ولكي يتوافر القصد الجنائي في السرقة فال بد أن يثبت أن الجاني عالم بأنه يأخذ مال‬

‫الغير من الحرز ‪.‬‬

‫‪" :16 ،15/29‬وكل اسم فال بد له من حد؛ فمنه ما يعلم حده باللغة؛ كالشمس‪ ،‬والقمر‪ ،‬والبر‪ ،‬والبحر‪ ،‬والسماء‪ ،‬واألرض‪ .‬ومنه ما‬ ‫يعلم بالشرع؛ كالمؤمن والكافر والمنافق‪ ،‬وكالصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬وما لم يكن له حد في اللغة وال في الشرع؛ فالمرجع فيه‬

‫إلى عرف الناس‪.‬‬

‫‪ 307‬المغني ‪.427/12‬‬

‫‪ 308‬فتح القدير ‪ ،308/5‬شرح منتهى اإلرادرت ‪.368/3‬‬ ‫‪309‬‬

‫حاشية شلبي على تبيين الحقائق ‪:‬شهاب الدين بن أحمد شلبي (‪1021‬هـ)‪ ,‬بهامش تبيين الحقائق‪ ,‬المطبعة العلمية‬

‫‪310‬‬

‫الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة‪ :‬عبد هللا بن نجيم بن شاس (‪610‬هـ)‪,‬مخطوط بدار الكتب الوطنية التونسية وقم ‪/ 2 :‬‬

‫‪311‬‬

‫حاشية الجمل على شرح المنهج ‪ 138 / 5 :‬ـ ‪ , 139‬كشاف القناع ‪.133 / 6 :‬‬ ‫‪109‬‬

‫بمصر‪1311,‬هـ ‪.220 / 3 ,‬‬ ‫‪ 112‬ظهر ( مخطوط) ‪.‬‬


‫المبحث الثاني‬ ‫العلم بالشروط المفترضة‬ ‫لم يتعرض الفقه الجنائي اإلسالمي لما يسميه الفقه الجنائي الوضعي بالشروط المفتؤضة للجريمة‪ ,‬ولتوضيح الفكرة ‪ ,‬البد من الرجوع‬ ‫الى ما قاله الفقهاء في الشروط بصفة عامة تمهيدا إلبراز موقف الفقه اإلسالمي من الشرزط المفترضة في الجريمة‪.‬‬ ‫والشرط في اللغة‪ :‬العالمة‪ ,‬ومنه أشراط الساعة‪ .312‬وقيل‪ ,‬الشرط مخفف من الشرط بفتح الراء وهو العالمة وجمعه أشراط‪ ,‬والجمع‬ ‫الشرط بالسكون شروط‪ .‬ويقال له شريطة وجمعه شرائط‪.313‬‬ ‫واختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الشرط في االصطالح‪ .‬وفي البحر ال ارئق " الشرط في الشريعة ما ييتوقف عليه وجود الشيء و ال‬ ‫يكون داخال فيه‪ .314‬وبعبارة أخرى إن شرط الشيء‪ ,‬هو ما ما كان خارجا عن حقيقته‪ .315‬وعلى هذا المعنى يكون الشرط ما يلزم‬ ‫الشيء من عدم المشروط‪ ,‬وال يلزم من وجوده وجود والعدم‪ .316‬ووفي التمهيد في أصول الفقه‪ ":‬الشرط هو ما وجد الحكم بوجوده‬ ‫وانعدم بإنعدامه مع قيام سببه ففي الرجم الحصان شرطه والزنا سببه اذا عدم االحصان عدم الرجم‪ .317‬ويفهم من هذا أن شرط الشيء‬ ‫هو ما يلزم من عدمه عدم المشروط ‪ ,‬وال يلزم من وجوده وجود المشروط وال عدمه‪ .318‬و في المحصول‪" :‬الشرط هو الذي يقف عليه‬

‫‪312‬المفردات في غريب القرآن‪:‬أبو الحسين بن محمد الراغب األصفهاني‪ ,‬تحقيق سيد كيالني‪ ,‬مصطفي البابي الحلبي‪1961,‬م‪,‬‬

‫‪. 258‬‬

‫‪313‬معجم مقاييس اللغة‪ ,260/3 :‬القاموس المحيط‪ , 867 :‬التعريفات‪.111:‬‬ ‫‪314‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق ‪ :‬زين الدين بن نجيم (‪970‬ه ) ‪ ,‬الطبعة االولى المطبعة العلمية ‪ ,‬القاهرة‪1311 ,‬ه‪.258/2 ,‬‬ ‫‪315‬الشرح الصغير على أكبر المسالك‪ :‬أحمد بن محمد الدردير‪ ,‬دار المعارف بمصر‪1974,‬م ‪ ,258/1,‬كقاية األخيار‪,173/1:‬‬

‫حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع المؤلف‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي النجدي (المتوفى‪1392( :‬هـ)‬

‫بدون ناشر)الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1397 -‬هـ‪.131/1:‬‬ ‫‪316‬الشرح الصغير ‪258/1:‬‬

‫‪317‬التمهيد في أصول الفقه‪ :‬محفوظ بن أحمد الكلوذاني(‪510‬ه)‪ ,‬دراسة و تحقيق مفيد محمد أبوعمشة‪ ,‬دار المدني جدة‪ :‬الطبعة‬

‫األولى ‪1406‬ه‪1985‬م‪.68/1 ,‬‬ ‫‪318‬ارشاد الفخول‪7:‬‬

‫‪110‬‬


‫المؤثر في تأثيره‪ ,‬ال في ذاته‪ ,319‬وفي األحكام في أصول األحكام‪ :‬الشرط هو ما يلزم من نفيه نفي أمر ما على وجه ال يكون سببا‬ ‫لوجوده وال داخال في السبب"‪.320‬‬ ‫فشرط بهذه العبارات ال يخرج عن كونه أم ار زائدا عن ماهية الشيء‪ ,‬وان وقف الشيء على وجوده‪ ,‬ويعدم بعدمه من غير تأثير في‬ ‫وجود ذلك الشيء‪ ,‬وال أفضاء اليه‪ .‬والمراد‪ ,‬وجود الشيء شرعا الذي يترتب عليه أثره‪ .‬فملكية المال المسروق للغير شرط إلعتبار أخذ‬ ‫المال خفية سرقة‪ ,‬فإلذا انتفت ملكية المال للغير لم تتحقق السرقة الموجبة للقطع‪ .‬وال يلزم من ثبوت ملكية المال للغير وفوع السرقة‪.‬‬ ‫ففي عقوبة الزنا مثال الرجم ‪ ,‬ففي الرجم اإلحصان شرطه‪ ,‬والزنا سببه‪ ,‬فلو عدم االحصان عدم الرجم مع وجود الزنا فعال‪.321‬‬ ‫وبدأ جان ب من الفقه الجنائي الوضعي منذ زمن ليس ببعيد باستظهار وجود مقومات داخل البنيان القانوني للجريمة غير تلط التي‬ ‫تتألف منها أركانها وشرط توقيع العقوبةعليها‪ ,‬وبدأ الجانب من الفقه الى القول بأنه عند مقابلة األركان العامة للجريمة باألركان‬ ‫الخاصة لكل جريمة على حدة‪ ,‬تظهر مقومات أخري يتعذر إدراجها تحت األركان الخاصة‪ ,‬وبالتالي يتعين ودها إلى األركان العامة‪,‬‬ ‫ألنها في ا لغالب مقومات مقررد في قوانين غير جنائية يلزم توافرها في مرحلة سابقة من الناحيتين الزمنية و المنطقية على نشاط‬ ‫الجاني‪ ,‬ويترتب على خلف تلك المقومات عدم اكتمال البنيان القانوني للجريمة‪.‬‬

‫‪322‬‬

‫ويعرف الفقه الجنائي الوضعي الشرط المفترض بأنه "العنصر الذي يفترض قيامه وقت مباشرة الفاعل لنشاطه"‪ .323‬أو أنه عنصر‬ ‫سابق على السلوك ويلزم وجوده كي يثبت لهذا السلوك صفة الجريمة‬

‫‪324‬‬

‫أو أنه ظرف أو عنصر يلزم توافره في مرحلة سابقة أو‬

‫معاصرة للواقعة المادية المرتكبة‪.325‬‬ ‫ومن هذه التعريفات يمكن استخالص عناصر مشتركة بينها تعد بمثابة الخصائص األولية التي تميز الشروط المفترضة من غيرها‬ ‫تتمثل في أنها تسبق نشاط الجاني و تعاصره‪,‬‬

‫‪326‬‬

‫ويمثل الفقه الجنائي الحديث لهذه الشروط بملكية الغير للمال المختلس في جريمة‬

‫‪319‬الرازي‪.58/57/3:‬‬ ‫‪320‬اآلمدي‪309/2:‬‬ ‫‪321‬التمهيد‪.68/1:‬‬

‫‪322‬الشروط المفترضة في الجريمة‪ :‬لعبد العظيم مرسي وزير دار النهضة العربية ‪ ,‬القاهرة‪1984,‬م‪.5 .‬‬ ‫‪323‬‬

‫شرح قانون العقوبات القسم العام‪ :‬محمود محمود مصطفى‪:‬مطبعة جامعة القاهرة‪1983 ,‬م‪. 39 /‬‬

‫‪324‬النظرية العامة لقانون العقوبات لجالل ثروت‪.147:‬‬ ‫‪325‬قانون العقوبات لمأمون سالمة‪ ,‬القسم العام‪.111:‬‬ ‫‪326‬الشروط المفترضة‪.78:‬‬

‫‪111‬‬


‫السرقة‪ ,‬و وجود شهادة الزور‪ .‬وصفة الموظف العمومي و من في حكمه في جريمة الرشوة‪ ,‬وصفة التاجر في جريمة التفاليس‪ ,‬و‬ ‫حالة الحمل في جريمة اإلجهاض‪,‬‬ ‫عليه إنسانا‪.‬‬

‫‪327‬‬

‫وصفة المواطن في جريمة االلتحاق بقوات العدو‪.‬‬

‫‪328‬‬

‫وفي جريمة القتل ال بد أن يكون المجنى‬

‫‪329‬‬

‫ويرتب هذا االتجاه الفقهي على ذلك أن الحديث عن أركان هذه الجرائم يفترض سبق توافر هذه المقومات على نشاط الجاني‪ ,‬األمر‬ ‫الذي يفسر ظهور فكرة االفتراض في كل التسميات التي يخلعها الفقه الوضعي عليها‪.‬‬

‫‪330‬‬

‫و يرى االتجاه اآلخر أن الشروط أو‬

‫العنصر التي يتحدث عنها ذلك الفقه بوصفها مفترضات للواقعة‪ ,‬ما هي إال عناصر أو شروط أو ظروف للواقعة المادية‪ .‬ذلك أن‬ ‫العناصر المادية المكونة للجريمة ال تق ف فقط عند حد السلوك و النتيجة و رابطة السببية‪ ,‬و إنما تشمل تلك الشروط المفترضة‪ ,‬و‬ ‫لهذا يجب أن يحيط علم الجاني بتلك الشروط حتى يتوافر القصد الجنائي‪.‬‬

‫‪331‬‬

‫و اذا كان الشرط المفترض هو ذلك الشرط الذي يفترض قيامه في الجريمة قبل أن يباشر الجاني الفعل المادي المكون للجريمة‪ ,‬و‬ ‫بتدقق في األمثلة التي يسوقها االتجاه القانوني الذي يقر بوجود شروط مفترضة للجريمة نجد أن الفقه اإلسالمي عرف ما يعبر عنه‬ ‫بالشروط المفترضة‪ .‬فمثال‪ :‬في جريمة الردة ال بد أن يكون الجاني( أي المرتد) مسلما‪ ,‬ألن الردة هي الكفر بعد االسالم‬

‫‪332‬‬

‫‪ .‬وصفة‬

‫المسلم ال بد من التثبت من توافرها قبل البحث عن قيام الركن المادي في جريمة الردة‪ .‬و في جريمة السرقة ال بد أن يكون المال‬ ‫المسروق مملوكا للغير‪ ,‬ألن السرقة في االصطالح الفقهي ال تخرج عن كونها ‪:‬أخذ مال الغير خفية"‪ .333‬وهذه الصفة أي كون المال‬ ‫المسروق مملوكا للغير‪ ,‬ال بد من التثبت من قيامها قبل البحث في توافر الركن المادي المكون للسرقة الموجبة للقطع شرعا‪.‬‬ ‫و مع ذلك فإن ما يطلق عليه الفقه الجنائي الوضعي شرطا مفترضا أو عنص ار مفترضا‪ ,‬ال يعتبر عنص ار و ال شرطا خارجا عن‬ ‫الفعل المادي الذي تتكون منه الجريمة‪ .‬ألن هذه الشروط يرتبط ارتباطا وثيقا بالعدوان على المصلحة الشرعية محل حماية الشرع‪ .‬و‬

‫‪327‬النظرية العامة للقانون الجنائي لرمسيس بهنام‪ ,‬منشأة المعارف االسكندرية‪1971 ,‬م‪.499 ,‬‬

‫‪328‬جرائم التعاون مع العدو في زمن الحرب‪ :‬لسعد ابراهيم األعظمي‪ ,‬شركة مطبعة االديب البغدادية المحدودة‪1984‬م‪.138:,‬‬ ‫‪329‬النظرية العامة لقانون العقوبات‪.148:‬‬ ‫‪330‬الشروط المفترضة للجريمة‪.6:‬‬ ‫‪331‬المرجع السابق نفس الصفحة‪.‬‬

‫‪332‬معين الحكام‪ :‬علي بن خليل للطرابلسي(‪844‬ه)‪ ,‬شركة مطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر‪1973,‬م‪ ,288:.‬كشاف األخيار‬

‫‪ ,109/2:‬كشاف القناع عن متن اإلقناع‪:‬منصور بن إدريس البهوتي(‪1051‬ه)‪ ,‬مطبعة الحكومة بمكة ‪1394‬هـ‪.167/6 ,‬‬

‫‪333‬بداءع الصنائع‪ ,65/7:‬تبيين الحقائق‪ ,213/3:‬لباب اللباب‪ ,293:‬شرح الحدود ابن عرفة‪ ,649/2:‬حاشية الجمل على شرح‬

‫المنهج‪ ,138/5:‬المغني‪.104/9:‬‬

‫‪112‬‬


‫لهذا يجب أن يحيط علم الجاني به باعتباره جزء من الوقائع المادية التي تتكون منها الجريمة حتى يتوافر القصد الجنائي‪ ,‬وليس‬ ‫باعتباره عنص ار أو شرطا مستقال‪.‬‬

‫‪113‬‬


‫الفصل الثالث‬ ‫العلم بالحكم الشرعي‬

‫معرفة الجاني أن هذا المال محرم أخذه شرط أساسي قي تحقق السرقة الموجبة للحد‪ .‬وكذلك معرفة أن فعله واقع في محرم شرط قي‬ ‫تحقق سبب الجناية فيجب إذا و الحالة هذه أن يعلم الجاني بأن هذا الفعل حرام ليكون أخذه له بعد ذلك جناية توجب الحد‪ ,‬و عليه‬ ‫يشترط أن يكون السارق في حال ال ُيظن فيه َّأنه يجهل الحرمة و التحريم‪ ,‬فيجب أن يكون عالما عند اإلقدام على الفعل َّأنه داخل في‬ ‫المحرومات التابعة بالنس هذا بالنسبة للسرقة‪ ,‬وكذلك الحال في الزنى‪ ,‬من شرط إقامة الحد العلم بالتحريم‪ ,‬فإذا لم يعلم لم يجب الحد‬ ‫للشبهة‪ .‬و من هذا المنطلق نقسم هذا الفصل الى ثالثة مباحث‪:‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬تعريف الحكم‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬العلم بالحكم و أثره‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬العلم بالقانزن و أثره‪.‬‬

‫‪114‬‬


‫المبحث األول‬ ‫تعريف الحكم‬ ‫الحكم لغة القضاء‪.‬‬

‫‪334‬‬

‫والحكم الشرعي في اصطالح جمهور االصوليين هو خطاب هللا تعالى المتعلق بافعال المكلفين باالقتضاء أو‬

‫‪335‬‬

‫يالحظ في هذا التعريف ان أصحابه ـ االصوليين ـ قد جعلوا الحكم علما على نفس خطاب الشارع ‪ .‬وأما‬

‫التخيير أو الوضع‪.‬‬

‫عند الفقهاء فان الحكم هو الصفة الشرعية التي هي أثر لذلك الخطاب وهو الذي توصف به افعال العباد‪ .‬فقوله تعالى ‪" :‬واقيموا‬ ‫الصالة "‪,‬‬

‫‪336‬‬

‫والتقربوا الزنا‪,‬‬

‫‪337‬‬

‫وقوله تعالى "والتقتلوا النفس التي حرم هللا اال بالحق"‪.‬‬

‫‪ .‬وأما عند الفقهاء فوجوب الصالة وحرمة الزنا وحرمة القتل هي االحكام ‪.‬‬

‫‪339‬‬

‫‪338‬‬

‫هذه الخطابات هي االحكام عند االصوليين‬

‫وهذا يعني ان أثر الخطاب هو الحكم عند الفقهاء ‪.‬‬

‫وفي الحقيقة اليكاد يترتب على هذا أية فائدة عملية لوجود التالزم بين االصطالحين ‪ .‬اال أن اصطالح الفقهاء أفضل ‪ ,‬ألنه يفرق‬ ‫بين الحكم وبين الدليل الذي يدل عليه من الكتاب أو السنة أو نحوهما‪ .‬أما اصطالح االصوليين فيترتب عليه اعتبار الصيغة‬ ‫حكما ودليال للحكم في نفس الوقت ‪ ,‬فهي حكم باعتبار ذاتها ‪ .‬النها كالم هللا تعالى قصد به الطلب أو الخيير أو الوضع ‪ ,‬وهي‬

‫‪334‬‬

‫القاموس المحيط‪.145 :‬‬

‫‪ 335‬المستصفى من علم االصول للغزالي(‪505‬ه)‪ ,‬دار العلوم الحديثة بيروت‪ , 55 / 1: ,‬الحكام في أصول االحكام لآلمدي ‪/ 1 :‬‬

‫‪ , 49‬فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت مع المستصفى ‪ :‬السهالوي اللكنوي‪ ,‬دار الكتب العلمية بيروت‪1990 ,‬م ‪,54 / 1‬‬

‫المحصول في علم أصول الفقه‪ :‬فخر الدين محمد بن عمو بن الحسين الرازي‪ ,‬دراسة و تحقيق جابر فياض العلواني‪ ,‬مؤسسة‬

‫الرسالة بيروت ‪ ,‬الطبعة الثانية‪1410,‬ه ـ‪1990‬م‪ ,107 /1 ,‬شرح العضد على مختصر المنتهى األصولي‪ :‬عثمان بن عمر بن أبي‬

‫بكر جمال الدين أبو عمرو ابن الحاجب المالكي‪ ,‬المحقق‪ :‬فادي نصيف و طارق يحي دار الكتب العلمية‪1400 ,‬ه ـ ‪1990‬م‪1 : .‬‬

‫‪ 79 /‬ـ ‪ ,80‬نهاية السؤل في شرح منهاج األصول‪ :‬لناصر الدين البيضاوي (‪685‬ه)‪:‬جمال الدين عبد الرحيم األسنوي(‪772‬ه)‪,‬‬ ‫عام الكتب بيروت ـ ‪1982‬م ‪.47/ 1 :‬‬ ‫‪336‬‬ ‫‪337‬‬ ‫‪338‬‬ ‫‪339‬‬

‫البقرة ‪.43 :‬‬

‫االسراء ‪.32 :‬‬ ‫االسراء ‪.33 :‬‬

‫أصول الفقه االسالمي‪ :‬وهبة الزحيلي‪ ,‬دار الفكر للطبهعة و التوزيع و النشر بدمشق‪ ,‬الطبعة األولى‪1986‬م ‪.41 /1 :‬‬ ‫‪115‬‬


‫أدلة باعتبار أمر آخر ‪ ,‬وهو تضمنها للحكم الذي هو االيجاب أو االباحة أو غيرها‪.‬‬

‫‪340‬‬

‫وهذا المفهوم للحكم الشرعي يجرنا الى‬

‫التعرض لمفهوم القانون‪ ,‬و الشريعة والفقه‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬تعريف بكلمة القانون‬ ‫كلمة '' قانـون '' هي اقتباس من اليونانية حيث كلمة '' ‪'' Kanon‬تعني '' العصا المستقيمة '' و يعبرون بها مجازيا عن القاعدة‪ ،‬و‬ ‫منها إلى فكرة الخط المستقيم التي هو عكس الخط المنحني أو المنحرف أو المنكسر‪ ،‬و هذا تعبير إستعاري للداللة على األفكار‬ ‫التالية ‪ :‬االستقامة‬

‫و الصراحة‬

‫و النزاهة‬

‫في العالقات اإلنسانية ‪ .‬و يستخلص من هذا أن كلمة '' قانـون'' تستعمل كمعيار‬

‫لقياس انحراف األشخاص عن الطريق المستقيم أي عن الطريق التي سطره لهم القانون لكي يتبعوه في معامالتهم‪ .‬ولكن‪ ،‬ال‬ ‫يستخلص من هذه المعاني إلى فكرة تقريبية عن القانون‪ ،‬فيجب إذا تفحص استعمال كلمة القانون التي لها عدة معاني‪.‬‬ ‫القانون في اللغة كما في لسان العرب تعني‪ :‬األصل وقانون كل شيء طريقه ومقياسه وليس بعربي‪ .‬وفي المعجم الوجيز‪ :‬القانون‬ ‫في االصطالح امر كلي ينطبق على جميع جزئيا ته التي تتعرف أحكامه منه‪ .‬فالقانون في اللغة يحمل معنى عام يطلق على(كل‬ ‫قاعدة أو قواعد مطردة حمل اطرادها معنى االستمرار واالستقرار والنظام)‬

‫‪341‬‬

‫‪.‬‬

‫والشك فان معرفة معنى القانون يغنينا كثي ار في فهم أبعاد القانون من ناحية الخصائص والضيق والتوسع‪ .‬فقد اختلف الباحثون في‬ ‫معنى هذه الكلمة حيث يرى األكاديميون ان القانون مصطلح يحمل معنى ضيقا‪ ،‬فالقانون عندهم‪( :‬هو مجموعة القواعد العامة‬ ‫الجبرية التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك األشخاص الخاضعين لهذه الدولة‪.‬‬ ‫للداللة على مجموع قواعد السلوك الملزمة لْلفراد في المجتمع)‬

‫‪340‬‬

‫‪343‬‬

‫‪342‬‬

‫‪.‬‬

‫المرجع السابق نفس الصفحة ‪.‬‬

‫‪341‬‬

‫المدخل للعلوم القانونية‪ :‬توفيق حسن فرج‪ ،‬دار الثقافة الجامعية‪1969 ,‬م‪ ,‬ص‪.11 :‬‬

‫‪343‬‬

‫المدخل للعلوم القانونية‪ :‬ص‪.11 :‬‬

‫‪ 342‬أصول القانون ‪ :‬عبد المنعم فرج الصدة‪ ,‬دار النهضة العربية‪1988,‬م‪.12 .‬‬

‫‪116‬‬

‫أي ان(اللغة القانونية رصدته بوجه عام‬


‫ويرى ترمان ارنولد‪ :‬ان هناك في كل مجتمع من المجتمعات عدد ال يحصى من القواعد والعادات واإلجراءات والتدابير التي لها صفة‬ ‫اإلجبار وكل هذا ما يطلق عليه في العادة صفة القانون‬

‫‪344‬‬

‫‪.‬‬

‫ويرى باحث قانوني أخر‪ :‬ان القواعد التي تحكم سلوك األشخاص لم تكن تعرف في البالد العربية باسم القانون وانما كانت لها‬ ‫مسميات أخرى إذ كانت تدعى باألحكام الشرعية أو بقواعد الفقه)‬

‫‪345‬‬

‫‪ .‬على انه يفهم من كلمات المراجع القانونية ان كلمة القانون‬

‫في المصطلح الحديث تحمل معنى اإلجبار والقسر واإللزام بالقوة ألنها(قواعد ملزمة تنظم سلوك األشخاص في المجتمع على انه يفهم‬ ‫من معنى اإللزام بان له جزاءا ماديا توقعه السلطة العليا في الجماعة)‬

‫‪346‬‬

‫‪.‬‬

‫و يرى اإلمام الشيرازي ان كلمة القانون ليس بالمعنى الضيق الذي فسره األكاديميون بل القانون كلمة تحمل في طياتها معاني أوسع‬ ‫من المعنى االصطالحي حيث ان (القانون قد يطلق بالمعنى العام مثل إطالق االنسان على الكلي الشامل لْلفراد الخارجية‪ ،‬وقد‬ ‫يطلق على المصاديق الخارجية لهذا الكلي العام مثل القانون التجاري والقانون الدولي والقانون المدني‪ .)..‬وكذلك فان القانون عند‬ ‫سماحته ال يحمل معنى اإللزام والقسر الذي تفرضه السلطة على الفرد كواجب مكره عليه في االلتزام بمسؤولياته االجتماعية‪ ،‬بل ان‬ ‫القانون عند اإلمام الشيرازي هو مسؤولية ذاتية يتحملها االنسان باقتناع ووعي وايمان حيث يقول سماحته‪( :‬وربما عرف القانون بأنه‬ ‫معرفة كل ما يلزم على االنسان ان يعمله تجاه نفسه وربه وتجاه أسرته وتجاه محيطه وتجاه الطبيعة حيوانا أو نباتا أو جمادا‪ ،‬فقد قال‬ ‫علي(ع)‪ :‬إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم)‪ .‬لذلك فان القانون يحمل معنى جامعا كليا ال يقتصر على معنى –الجزاء الرادع‪-‬‬ ‫إذ ان(القانون بهذا المعنى يشمل الشريعة بمختلف فروعها الفقهية واألخالقية والتربوية مما يعم قانون الفرد والحكومة في مختلف‬ ‫مجاالت الحياة)‬

‫‪347‬‬

‫‪ .‬وهذا الرأي يعبر عن نظرة شمولية لمسألة القانون غير ضيقة‪ ،‬الن القانون ليس مجرد آلية تحتوي على‬

‫مجموعة قواعد جامدة تأمر وتنهى بل القانون السليم هو الذي ينبعث من كافة المستويات ويندمج مع مختلف الجوانب الثقافية‬ ‫واألخالقية والتربوية بحيث يتكامل مع العناصر األخرى لتحقيق المثل اإلنسانية واإللهية العليا‪.‬‬ ‫القانون بمعنى واسع جدا‪ ،‬يقصد به ‪ ،‬القانون الوضعي‬

‫وهو مجموعة القواعد القانونية السارية المفعول في زمن معين وفي مكان‬

‫‪344‬علم القانون والفقه االسالمي ـ نظرية القانون والمعامالت الشرعية‪ :‬سمير عالية‪ ,‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر و التوزيع‪,‬‬

‫‪1985‬م‪.39 ,‬‬ ‫‪345‬‬ ‫‪346‬‬ ‫‪347‬‬

‫مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة االسالمية‪ :‬عبد الناصر توفيق العطار‪ ،‬مطبعة السعادة‪1979 ,‬م‪ ,‬ص‪.62 :‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪.63 :‬‬

‫الفقه القانون‪ :‬محمد الشيرازي‪ ,‬مؤسسة اإلمام الشيرازي العالمية‪1984 ,‬م‪ ,‬ص‪.102 :‬‬

‫‪117‬‬


‫محدد ( دولة ) ‪( .‬به بالخصوص القانون الداخلي للدولة ( أو القانون الوطني ) والتي هو يكون النظام القانوني (‬

‫الوطني ككل‪.‬‬

‫مثال‪ :‬القانون المدني ‪ +‬القانون التجاري ‪ +‬قانون العقوبات ‪ +‬القانون الدستور‪ .......‬و غيرها من القوانين السائدة في الدولة ‪.‬‬ ‫مالحظة‪ :‬خاصة بكلمة '' التشريع '' التي يقصد به عدة معان‪:‬‬ ‫مجموعة القواعد القانونية التي يصادق عليها المجلس الشعبي الوطني ‪.‬‬ ‫مجموعة قوانين دولة أو منطقة‪.‬‬ ‫مجموعة القوانين المتعلقة بفرع من فروع القانون‪ ،‬و التي تنظم ميدان واحد من ميادين الحياة االجتماعية ( مثال‪ :‬التشريع الجنائي‬ ‫(أو الجزائي أو اإلجرامي) ‪ :‬قانون العقوبات ‪ +‬قانون اإلجراءات الجزائية ‪ +‬قانون إصالح السجون ‪ +‬كل القواعد القمعية المتواجدة‬ ‫في قوانين أخرى ( قانون العمل ‪ -‬قانون اإلعالم ‪ -‬التشريع األسعار )‬ ‫ـ كما تستعمل كلمة '' قانـون '' للداللة على مجموعة نصوص قانونية جمعت بصفة متناسقة و منظمة بحيث تخص فرعا معين من‬ ‫التشريع و يطلق عليها البعض إسم '' مـدونة ) ‪'' ( Code‬مثال‪ :‬القانون المدني )‪ ،(Civil Code‬قانون اإلجراءات المدنية ‪(Civil‬‬ ‫)‪ ،Procedure Code‬قانون العقوبات) ‪. (Penal Code‬‬ ‫وعادة ما يقسم هذه المجموعة القانونية )‪(Code‬إلى مواد )‪(Articles‬مرتبة ( ترقيم )‪ ،‬التي هي بدورها قد تنقسم ( أي المادة ) إلى‬ ‫فقرتين أو أكثر‪ .‬هذه أفكار عامة عن مدلول كلمة '' قانون '' التي يجب أن نتطرق إلى أهدافه في المجتمع السياسي المنظم (الدولة)‬ ‫فأحد أهداف الدولة هو المحافظة على حقوق األفراد المتعلقة بحماية أرواحهم و أعراضهم و أموالهم‪ .‬و هذا يقودنا إلى القول بأنه من‬ ‫وظائف الدولة هناك وظيفة المحافظة على النظام االجتماعي‪ .‬و بما أنه ال يجد نظام اجتماعي تلقائي (عـفوي)‪ ،‬و بما أن حالة‬ ‫الفوضى ال تكون إال حكم األقوى ‪ ،‬فللقانون وظيفة عامة التي هي تكريس و ضمان النظام االجتماعي ‪.‬‬ ‫غير أن هذا النظام االجتماعي ال يكون الهدف النهائي للمجتمعات ‪ ،‬حيث يهدف المجتمع إلى غايات أدبية أو اجتماعية سواء كانت‬ ‫فردية أو جماعية‪ ،‬و هذه الغايات متعددة و أحيانا متناقظة‪ ،‬فيلجأ القانون إلى اختيار البعض و تكريس كل غاية بقواعد قانونية‪.‬‬ ‫مثال ‪:‬‬ ‫ـ غايات أدبية ‪ :‬حسن السيرة و األخالق ‪ -‬العدالة‬ ‫ـ غايات مادية ‪ :‬إدارات ‪ -‬مصالح عمومية ‪ :‬جيش ـ تربية ـ و التعليم ـ الصحة ‪ ....‬و تشجيع بعض األنشطة االقتصادية و تحديد‬ ‫‪118‬‬


‫البعض اآلخر‪.‬‬ ‫و نستخلص من هذه المعطيات بأن للفرد حقوق يحميها القانون و مقابل ذلك عليه واجبات هو ملزم باحترامها‪ ،‬و من هنا تبرز فكرتا‬ ‫الحق و القانون‪.‬‬ ‫فالحق مزية أو قدرة يقرها القانون و يحميها لشخص معين على شخص آخر ( طبيعي أو معنوي ) أو على شيء معين ( مادي أو‬ ‫أدبي‪ :‬مثال‪ :‬حق الملكية ـ حق االنتخاب ‪ ( Subjective Laws ) .‬أما القانون فهو بصفة عامة مجموعة القواعد القانونية الملزمة‬ ‫التي تحكم سلوك األفراد و عالقاتهم في المجتمع ‪ ،‬و تتضمن أحكاما موضوعية تبين الحقوق و الواجبات المختلفة في مجتمع ما و‬ ‫التي تسهر على احترامها السلطة العمومية ‪(Objective Law).‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تعريف الشريعة ‪:‬‬ ‫الشريعة لغة ‪ :‬الموضع الذي ينحدر إلى الماء منه‪ ،‬كما في اللسان‪[ .‬لسان العرب البن المنظور مادة (شرع) ‪.‬‬ ‫(الشريعة) إداَ في أصل اللغة ‪ :‬هي مورد الشارية الماء ‪،‬ثم استعير لكل طريقة موضوعة بوضع إلهي ثابت و إشتق منه الشزعة في‬ ‫الدين و الشريعة قال تعالى ‪ ( :‬لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا)‬

‫‪348‬‬

‫وقال سبحانه ‪( :‬ثم جعلناك على شريعة من األمر فاتبعها )‬

‫‪349‬‬

‫‪ .‬و قال الشاعر ‪:‬‬ ‫و لما رأت أن الشريعة همها‬

‫و أن البياض من فرائصها دامي‬

‫و من الباب ‪ :‬أشرعت الرمح نحوه إشراعاَ‪.‬‬ ‫و اإلبل الشروع‪ :‬التي شرعت و رأيت ‪،‬و يقال ‪ :‬أشرعت طريقا ‪ ،‬إذا أنقدته و فتحته ‪،‬و شرعت اإلبل ‪ ،‬إذا أمكنت من الشريعة أي ‪:‬‬ ‫من مورد شرب الماء‪.‬‬

‫الشريعة في اللغة والقرآن الكريم‬ ‫يقول ابن فارس في المعنى األصلي للفظ ;شرع ;الشين والراء والعين أصل واحد وهو َشيء ُيْفتَ ُح في امتداد يكون فيه‪ .‬قال‬ ‫ْ‬ ‫‪348‬‬ ‫‪349‬‬

‫المائدة ‪48‬‬

‫الجاثية ‪18‬‬

‫‪119‬‬


‫أشر ْع ُت طريقا إذا أنفذته وفتحته‪ ،‬ويقال شرع البعير عنقه إذا َّ‬ ‫ورَفعه‪ ،‬هذا هو األصل ثم ُحم َل عليه‬ ‫مدهُ َ‬ ‫ابن منظور‪ :‬فيقال َ‬ ‫‪.‬كل شيء يمد في رفعة وفي غير ر ٍ‬ ‫فعة‬ ‫َُ‬ ‫ظ الشريعة في لغة العرب قبل اإلسالم للداللة على ;موارد شاربة الماء‪ ،‬وهي المواضع التي ينحدر إلى الماء‬ ‫واستُخدم لف ُ‬ ‫استُع َير اللفظ بعد ذلك لمعاني متقاربة مثل‪ :‬الطريق والمنهج‪،‬‬ ‫منها(‪)1‬؛ أي الطرق والمسالك المؤدية إلى مصادر الماء‪ ،‬ثم ْ‬ ‫العادة‪ ،‬السبيل والسنة‪ .‬وعندما نزل القرآن الكريم ورد فيه لفظ شرع وبعض مشتقاته في خمسة مواضع‪ ،‬اثنان منها وردا في‬ ‫يع ٍة واللفظ الخامس ورد في صيغة وصف حال وهو‬ ‫وش َرُعوا‪ .‬واثنان وردا في صيغة االسم‪ :‬ش ْرَعة َ‬ ‫ع َ‬ ‫صيغة الفعل‪َ :‬ش َر َ‬ ‫وشر َ‬ ‫ُشَّرعا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ك"‪ .350‬أما اللفظ‬ ‫ع َل ُك ْم م ْن الدين َما َو َّ‬ ‫أما اللفظ األول شرع فقد ورد في قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫"ش َر َ‬ ‫صى به ُنوحا َوالذي أ َْو َح ْيَنا إَل ْي َ‬ ‫َّللاُ"‪.351‬‬ ‫اء َش َرُعوا َل ُه ْم م ْن الدين َما َل ْم َي ْأ َذ ْن به َّ‬ ‫الثاني ؛ َش َرُعوا فقد ورد في قوله تعالى‪َ" :‬ل ُه ْم ُش َرَك ُ‬ ‫وس َّن الشريعة‪.‬‬ ‫ومعنى شرع في هذين النصين هو فتح لكم َّ‬ ‫وبي َ‬ ‫وعرفكم و ْأو َ‬ ‫ض َح َ‬ ‫َّن َ‬ ‫يع ٍة م ْن ْاأل َْمر َفاتَّب ْع َها"‬ ‫أما اللفظ الثالث ;شريعة فقد ورد في قوله تعالى‪" :‬ثُ َّم َج َعْلَن َ‬ ‫اك َعَلى َشر َ‬

‫‪352‬‬

‫؛ أي على طريقة وسنة‬

‫ومنهاج‪ ،‬وقال ابن عباس‪ :‬على هدى من األمر وبينة‪ ،‬والشريعة‪ :‬هي ما سنه هللا من الدين وأمر به ‪ ،‬كالصوم والصالة‬ ‫والحج والزكاة وسائر أعمال البر‪.‬‬ ‫أما اللفظ الرابع ش ْرَعة فقد ورد في قوله تعالى‪" :‬ل ُك ٍل َج َعْلَنا م ْن ُك ْم ش ْرَعة َوم ْن َهاجا"‬ ‫طريقا إلى الحق يؤمه وسبيال واضحا يعمل به‪.‬‬

‫‪353‬‬

‫؛ قال الطبري‪ :‬أي لكل قوم منكم جعلنا‬

‫وقال ابن عباس‪ :‬أي سنة وسبيال‪ .‬والسنن مختلفة للتوراة شريعة ولإلنجيل شريعة وللقرآن شريعة‪.‬‬ ‫والشريعة اصطالحا‪:‬‬ ‫‪350‬‬ ‫‪351‬‬ ‫‪352‬‬ ‫‪353‬‬

‫الشورى‪13 :‬‬ ‫الشورى‪21 :‬‬ ‫الجاثية‪18 :‬‬

‫المائدة‪48:‬‬

‫‪120‬‬


‫يتنازع تعريف الشريعة اتجاهان رئيسيان‪ ،‬أحدهما‪ُ :‬يْقص ُر مفهوم الشريعة على األحكام العملية فقط دون غيرها‪ .‬وثانيهما‪ :‬يوسع من‬ ‫مفهوم الشريعة ليشمل كل األحكام الشرعية التي شرعها هللا تعالى في كل المجاالت‪ .‬واعتمد أصحاب التعريف األول على تأويلهم‬ ‫لقوله تعالى "ل ُك ٍل َج َعْلَنا م ْن ُك ْم ش ْرَعة َوم ْن َهاجا"‪ .354‬بمعنى أن لكل نبي من األنبياء شريعة‪ ،‬وأن الذي يختلف بين رسائلهم هو األحكام‬ ‫العملية وليست األحكام اإلعتقادية واألخالقية‪ .‬ومنه يكون معنى الشريعة هو األحكام العملية دون غيرها وأنا لتخفيف الجلسة ال أريد‬ ‫التوسع فنكتف بقولنا أن الشريعة هي ‪:‬‬ ‫ما شرعه هللا لعباده من الدين ‪ ،‬مثل الصوم و الصالة و الحج ‪...‬وغير ذلك ‪ ،‬و إنما سمى شريعة ألنه يقصد ويلجأ إليه كما يلجأ‬ ‫الماء عند العطش ومنه قوله تعالى ‪( :‬ثم جعلناك على شريعةمن األمر فاتبعها)‬

‫الجاثية ‪ ،18‬وقوله تعالى‪( :‬لكل جعلنا منكم شرعة‬

‫و منهاجا ) المائدة ‪. 48‬والشرع والتشريع هو ما يسن من األحكام‪. 355‬‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ( :‬الشريعة هي كل ما شرعه هللا من العقائد واألعمال ) إ هـ ‪.‬‬ ‫و ( الشريعة) و( ًّ‬ ‫الشرعة) ‪ :‬ما ًّ‬ ‫سن هللا من الدين وأمر به‪ ،‬كالصوم ‪ ،‬والصالة ‪ ،‬والحج ‪ ،‬والزكاة‪ ،‬وسائر أعمال البر ‪ ،‬ومنه قوله‬ ‫تعالى ‪( :‬ثم جعلناك على شريعة من األمر فاتبعها) الجاثية‪. 18 :‬‬ ‫وتفسير قوله تعالى ‪( :‬لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا) المائدة ‪ 48‬روي عن ابن عباس رضي هللا عنه في تفسير اآلية ‪ ،‬قال‪( :‬‬ ‫الشرعة ‪ :‬ماورد في القرآن ‪ ،‬والمنهاج ‪ :‬ماورد في السنة ) وروي عنه معنى اآلية أيضا ‪ :‬قال ( شرعة ‪ :‬ومنهاجا ‪ :‬سبيال وسنة ) ‪.‬‬ ‫قال قتادة ‪ :‬شرعة ومنهاجا ‪ ،‬الدين واحد ‪ ،‬والشريعة مختلفة ‪ ،‬وقيل في تفسيره ‪ ( :‬الشرعة ) ‪ :‬الدين ‪ ،‬و( المنهاج) ‪ :‬الطريق ‪.‬‬ ‫وقيل ‪ ( :‬الشرعة ) و ( المنهاج) جميعا ‪ :‬الطريق ‪ ،‬هاهنا ‪ :‬الدين ‪.‬‬ ‫وقال بعضهم ‪ ( :‬شرعة) معناها ‪ :‬ابتداء الطريق ‪ ،‬و( المنهاج ) ‪ :‬الطريق المستقيم والواضح ‪.‬‬ ‫و( شرع) الدين يشرعه شرعا ‪ :‬سنه‪ ،‬وفي التنزيل العزيز ‪( :‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) الشورى ‪. 13:‬‬ ‫قال ‪ :‬إبن األعرابي ‪ ( :‬شرع) أي أظهر ‪ ،‬وقال في تفسير قوله تعالى ‪( :‬شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به هللا) الشورى ‪ 21:‬قال ‪:‬‬ ‫أظهروا لهم ‪.‬‬ ‫‪354‬‬ ‫‪355‬‬

‫المائدة‪48 :‬‬

‫الجامع ألحكام القرآن‪ :‬محمد بن أحمد القرطبي (‪761‬ه) ـ دار احياء التراث العربي‪ ,‬بيروت‪1967 ,‬م‪.‬‬ ‫‪121‬‬


‫وقوله عزوجل في قصة أصحاب السبت ‪ ( :‬إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا)‬

‫‪356‬‬

‫‪ .‬قيل في تفسيرها ‪ :‬إنها رافعة رؤوسها‪ ،‬ومنه‬

‫قولهم ‪ ،‬رمح شراعي ‪ ،‬أي ‪ :‬طويل‪ .‬ونستطيع أن نلخص جميع ما تقدم إلى التعريف االصطالحي لتعريف الشريعة كالتالي ‪:‬‬ ‫الشريعة هي كل ما شرعه هللا لعباده من األحكام اإلعتقادية واألخالقية والعلمية ‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬تعريف الفقه لغة واصطالحا‬ ‫الفقه لغة‪ :‬هو مصدر من فقه بكسر عين الفعل في الماضي يفقه بفتح عينه في المضارع‪ ،‬وفيه لغة أخرى هي فقه بالضم في‬ ‫الماضي والمضارع وهي تشير إلى رسوخ ملكة الفقه في النفس حتى تصير كالطبع والسجية‪.357‬‬ ‫وزاد الحافظ بن حجر في فتح الباري لغة ثالثة هي‪ :‬فقه بالفتح إذا سبق في الفهم‬

‫‪358‬‬

‫‪ ،‬وهذه اللغة لم تذكرها المعاجم المشهورة فعلى‬

‫هذا تكون فقه مثلثة عين الماضي‪ ،‬مثناة عين المضارع إذ ليس في مضارعها إال يفقه بالفتح ويفقه بالضم‪.‬‬ ‫والفقه مصدر غير مقيس‪ ،‬وانما أصله السماع‪ ،‬ويرجع في أصله إلى معنيين بالنظر إلى اختالف (تعبير علماء اللغة) في التفسير‬ ‫األولي لمادة فقه‪.‬‬ ‫أولهما‪ :‬الفهم والفطنة واإلدراك والعلم‪ .‬وهذا األصل اقتصرت عليه أكثر المعاجم كالجوهري في صحاحه والمجد في قاموسه‪ ،‬والفيومي‬ ‫في مصباحه‪.‬‬ ‫وهذا األصل هو الذي عليه أكثر األئمة األوائل‪ ،‬ولنذكر مثاال واحدا نكتفي به من كالمهم‪:‬‬ ‫فيقول أحمد بن فارس المتوفي سنة ‪395‬هـ‪" .‬فقه الفاء والقاف والهاء أصل واحد صحيح يدل على إدراك الشيء والعلم به‪ ،‬تقول فقهت‬ ‫الحديث أفقهه‪ ،‬وكل علم بشيء فهو فقه‪ ،‬يقولون ال يفقه وال ينقه‪ ،‬ثم اختص بذلك علم الشريعة فقيل لكل عالم بالحالل والحرام فقيه‪،‬‬ ‫وأفقهتك الشيء إذا بينته لك"‪.359‬‬

‫‪356‬‬

‫األعراف ‪163 :‬‬

‫‪357‬‬

‫تاج العروس من جواهر القاموس‪:‬محمد مرتضى الحسيني الزبيدي(‪1205‬ه)‪ ،‬الطبعة األولى ـ المكبعة الخيرية المنشأة بجمالية‬

‫‪358‬‬

‫الفتح‪ /1 /‬ص‪.165‬‬

‫‪359‬‬

‫مقاييس اللغة ‪ 442/4‬جـ‪ 21‬تحقيق عبدالسالم محمد هارون‪ ،‬مصطفى البابي الحلبي‪.‬‬

‫مصر‪1306 ,‬ه‪ ,‬جـ‪ ،9‬ص‪.402‬‬

‫‪122‬‬


‫ثانيهما‪ :‬أن أصل معناه يرجع إلى الشق والفتح‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه الزمخشري من الفائق في غريب الحديث وأبو السعادات ابن األثير‬ ‫في النهاية في غريب الحديث أيضا‪.360‬‬ ‫ونكتفي بنقل كالم الزمخشري هنا‪" :‬سلمان رضي هللا عنه نزل على نبطية بالعراق‪ ،‬فقال لها هل هنا مكان نظيف أصلي فيه‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫طهر قلبك وصل حيث شئت‪ ،‬فقال سلمان‪ :‬فقهت‪ ،‬أي فطنت وارتأت الصواب"‪.361‬‬ ‫والفقه حقيقة الشق والفتح‪ ،‬والفقيه العالم الذي يشق األحكام‪ ،‬ويفتش عن حقائقها‪ ،‬ويفتح ما استغلق منها‪ ،‬وما وقعت من العربية فاؤه‬ ‫فاء عينه قافا جله دال على هذا المعنى نحو قولهم‪ :‬تفقا شحما‪ ،‬وفقح الجرو وفقر للغسيل وفقصت البيضة‪ ،‬عن الفرخ‪ ،‬وتفقعت‬ ‫األرض عن الطرثوث‪.362‬‬ ‫قلت‪ :‬وما ذهب إليه الزمخشري وأبو السعادات من أن الفقه في أصل اللغة يرجع إلى الشق والفتح ليس ظاه ار‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬لمخالفته لكالم األئمة واألرسخ قدما واألسبق زمنا‪.‬‬ ‫يسمى باالشتقاق األكبر وهو ما فيه مناسبة في بعض األحرف األصلية فقط‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬اعتماد الزمخشري على القياس عن طريق ما َّ‬ ‫يعتبر ضعيفا وغير مقيس‪ ،‬قال أبو حيان‪" :‬لم يقل باالشتقاق األكبر من النحاة إال أبو الفتح وكان ابن الباذش يأنس به‪." 363‬‬ ‫وذكر ذلك صاحب المراقي عند قوله‪:‬‬

‫لْلكبر الثلم وثلبا من درى‬

‫الجذب والجبذ كبير وبري‬

‫وزيادة على هذا فإن مذهب الجمهور هو‪ :‬أن اللغة ال تثبت بالقياس‪ ،‬وهو الراجح عند ابن الحاجب إذ اللغة تقل محض‪.364‬‬ ‫ونكتفي بذكر هذين االتجاهين في التعريف اللغوي للفقه‪.‬‬

‫‪360‬‬ ‫‪361‬‬ ‫‪362‬‬ ‫‪363‬‬ ‫‪364‬‬

‫الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،‬البابي الحلبي‪ ،‬جـ‪ ،3‬ص‪.134‬‬

‫(تاج العروس) للزبيدي جـ‪ – 9‬ص‪.402‬‬

‫الفائق‪ :‬الزمخشري‪ ،‬البابي الحلبي‪ ،‬جـ‪ ،3‬ص‪.134‬‬

‫عن نشر البنود على مراقي السعود للشنقيطي ‪.115/1‬‬

‫المرجع السابق نفسه ص‪.111‬‬

‫‪123‬‬


‫ولكن البد من اإلشارة إلى أن بعض علماء األصول حاول التوسع في المعنى اللغوي فقال القرافي‪ :‬إن الفقه على الشعر والطب‪،‬‬ ‫وتبعه بعض علماء األصول فقالوا‪ :‬الفقه لغة الفهم والشعر والطب‪.365‬‬ ‫ولعل هذا الكالم من باب المجاز اللغوي‪ ،‬ألن الشعر والطب يحتاجان إلى فهم وفطنة فهو تعبير بالملزوم عن الالزم‪ .‬فالعرب ما‬ ‫كانت تسمى الفقه طبا‪ ،‬وان سمع عنه فحل طب بالضراب أي حاذق‪ ،‬في معرفة الحامل من الحائل‪ ،‬أي أنه يعرف الناقة ذات الضبع‬ ‫وهي التي تشتهي الفحل‪ ،‬وال يراد به الطب الذي هو عالج الجسم أو النفس‪.‬‬ ‫وذهب العالمة ابن القيم في إعالم الموقعين إلى أن الفقه أخص من الفهم ألن الفقه هو فهم مراد المتكلم من كالمه وهو قدر زائد على‬ ‫مجرد فهم ما وضع له اللفظ‪.366‬‬ ‫أما القرافي فنقل عن أبي إسحق الشيرازي أنه إدراك لْلشياء الخفية‪ ،‬فنقول‪ :‬فقهت كالمك وال تقول فقهت السماء واألرض‪.367‬‬ ‫وهذه الخالصة ما ذكره العلماء للمعنى اللغوي لكلمة الفقه‪.‬‬ ‫فنخلص من ذلك أن كلمة الفقه كانت معروفة في الجاهلية‪ ،‬بمعنى الفهم ال بمعنى العلم المخصوص‪ ،‬وما كانوا يستعملون لفظ فقيه‬ ‫أو عالم فيما استعمال فيه بعد اإلسالم‪.‬‬ ‫هذا ما يقوله محمد بن الحسن الثعالبي الفاسي (في كتابه) الفطر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪...‬‬ ‫ولكنا نرى أنه لم يكن شايعا بينهم بالمعنى المخصوص وانما الذي سجل عن العرب قولهم – كما رأينا سابقا – جمل فقيه أي فطين‬ ‫بأحوال الشوق‪ ،‬ألن اللغة العربية كانت تميل إلى التعبير عن المحسوسات قبل النقلة التي شهدتها بمجيء اإلسالم ونزول القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬فلم يكونوا يعرفون مثال الفاسق كما نقله األصبهاني عن ابن األعرابي ونص كالم ابن األعرابي على ما نقله الجوهري‪.‬‬ ‫لم يسمع الفاسق في وصف اإلنسان في كالم العرب‪ ،‬وانما قالوا‪:‬‬ ‫فسقت الرطبة خرجت عن قشرها‪.‬‬ ‫قال ابن األعرابي‪" :‬لم يسمع قط في كالم الجاهلية وال شعرهم فاسق"‪...‬‬ ‫‪365‬‬ ‫‪366‬‬ ‫‪367‬‬

‫المرجع السابق ص‪ ،19‬ويراجع إرشاد الفحول للشوكاني ص‪.16‬‬ ‫إعالم الموقعين ‪.219/1‬‬ ‫موسوعة الفقه المصرية‪.‬‬

‫‪124‬‬


‫نقل شيخ مرتضى‪ :‬عن بعض فقهاء اللغة أن الفسق من األلفاظ اإلسالمية ال يعرف إطالقها على هذا المعنى قبل اإلسالم‪ ،‬وان كان‬ ‫أصل معناها‪ ،‬الخروج‪ ،‬فهي من الحقائق الشرعية التي صارت في معناها حقيقة عرفية في الشرع‪ ،‬وقد بسطه – الخفاجي في‬ ‫العناية‬

‫‪368‬‬

‫العرب تعرف اآلدب الذي يدعو إلى المأدبة وهي‬ ‫ومثل هذا كثير فإن كلمة األدب ما كانت شائعة قبل اإلسالم وانما كانت‬ ‫ُ‬

‫طعام يصنع للجماعة‪ ،‬قال طرفه‪...:‬‬

‫ال ترى اآلدب فينا ينتقر‬

‫نحن في المشتاة ندعو الجفلى‬

‫والجفلى هي الدعوة العامة‪ ،‬والنقرى الدعوة الخاصة‪..‬‬ ‫ثم تطورت كلمة األدب إلى أن أصبحت تعني األخالق الفاضلة وأصبحت بعد ذلك تطلق على علم خاص‪.‬‬ ‫قال‪ :‬الخفاجي في العناية نقال عن الجوالقي في شرح أدب الكاتب‪" :‬األدب في اللغة حسن األخالق وفعل المكارم‪ ،‬واطالقه على علوم‬ ‫العربية مولد حديث في اإلسالم"‪. 369‬‬ ‫والفقه من هذه األلفاظ التي تطورت تطو ار ملموسا منذ ظهور اإلسالم ففي الصدر األول استعملت كلمة الفقه في النصوص الشرعية‬ ‫لمعنيين‪:‬‬ ‫أوُلهما‪ :‬الفهم الذي ينصف به الشخص‪.‬‬ ‫الش ْرعيَّة‪.‬‬ ‫وثانيهما‪ :‬النصوص َ‬ ‫فمن األول قوله تعالى‪{ :‬قالوا يا شعيب ما نفقه كثي ار مما تقول}‪.370‬‬ ‫ومن {ولكن ال تفقهون تسبيحهم}‪.371‬‬ ‫ومنه {أنظر كيف نصرف اآليات لعلهم يفقهون}‪.372‬‬

‫‪368‬التاج ‪.49/7‬‬ ‫‪369‬‬ ‫‪370‬‬ ‫‪371‬‬

‫التاج ‪.144/1‬‬

‫هود اآلية ‪.91‬‬

‫اإلسراء اآلية ‪.44‬‬ ‫‪125‬‬


‫نستنتج من هذا كله‪ ,‬أن الفقه بمعنى المعلوم‪ ،‬كانت تغطى علوم الدين كلها من عقيدة وأحكام عبادات ومعامالت‪ ،‬وحدود‪ ،‬كما تغطى‬ ‫أدلتها من كتاب وسنة‪ ،‬كل ذلك يعتبر فقها‪ ،‬ألن متعلقه الدين‪ ،‬والدين كما هو معروف إذا أطلق فإنه يدل على اإلسالم واإليمان‬ ‫واإلحسان‪ ،‬ومع ذلك فنحن نالحظ استعمال كلمة الفقه‪ ،‬في بعض اآلثار الواردة عن بعض السلف في عصر الصحابة‪ ،‬بجانب‬ ‫الكتاب والسنة‪ ،‬مما يشير إلى شيء خاص وليس َح ْتما منافيا ولكنه على كل حال زائد على حرفية النص‪ ،‬فمن ذلك قول ابن عباس‬ ‫رضي هللا عنهما‪ :‬أفضل الجهاد من بنى مسجدا يعلم فيه القرآن والفقه والسنة‬

‫‪373‬‬

‫رواه شريك عن ليث ابن سليم بن يحيى ابن أبي‬

‫كثير عن علي األزدي‪ ،‬قال‪ :‬أردت الجهاد فأتيت ابن عباس فقال لي‪( :‬أال أدلك على ما هو خير تأتي مسجدا فتق أر فيه القرآن وتعلم‬ ‫الفقه)‬

‫فيه‬

‫‪374‬‬

‫‪.‬‬

‫وهذا يدل على أن الفقه بدأ في تمثيل مصطلح خاص متميز في أيام الصحابة‪ ،‬وذلك راجع إلى ظهور مسائل اجتهادية‪ ،‬كمسألة‬ ‫ميراث الجد مع األخوة‪ ،‬ومسألة أراضي العراق وغيرها من أرض الخراج ومسألة درء الحد عمن ولدت لستة أشهر‪ ،‬وغيرها من‬ ‫المسائل التي تستدعي االجتهاد وأعمال النظر‪ ،‬وظهور هذه المسائل كان نتيجة لتالحق التطورات في المجتمع اإلسالمي الذي اتسعت‬ ‫رقعته‪ ،‬وتنوعت عناصر مكوناته‪.‬‬ ‫واختلف األصوليون في تعريف الفقه‪ ،‬على ضوء ما ذكرنا في هذا البحث‪:‬‬ ‫‪ - 1‬فذهب بعضهم إلى أن الفقه مرادف للعلم بالشريعة أي أنه شامل للعلم باألحكام الثابتة بالنصوص القطعية‪ ،‬أو تلك الثابتة‬ ‫بالطرق الظنية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وذهب بعضهم إلى أنه الثابت بالنصوص القطعية فقط‪.‬‬ ‫‪ - 3‬وذهب الجمعور إلى أنه العلم باألحكام المستفادة عن طريق االستنباط واالجتهاد‪.‬‬ ‫‪ - 4‬وذهب فريق رابع إلى أنه‪ :‬العلم باألحكام الشرعية العملية المكتسب عن طريق األدلة التفصيلية‪.‬‬ ‫فهذه أربع طرق يمثل األولى منها – وهي التي ترى أنه شامل لْلحكام القطعية والظنية‪ ،‬من العلماء‪:‬‬

‫‪372‬‬

‫اإلنعام من اآلية ‪.65‬‬

‫‪ 373‬القرطبي ‪.296/8‬‬ ‫‪374‬‬

‫نفسه المرجع وصفحة‪.‬‬ ‫‪126‬‬


‫البزدوري الحنفي‪ ،‬وقد نقل ابن عباس في رد المحتار عن شرح التحرير أن التعميم قد مضى غير واحد من المتأخرين على أنه الحق‪،‬‬ ‫وعليه عمل السلف والخلف‪.375‬‬ ‫أما المذهب الذي يقول بأنه الثابت بالنصوص القطعية فمن الذاهبين إليه إمام الحرمين في البرهان‪ ،‬حيث يقول‪" :‬فإن قيل في الفقه؟‬ ‫قلنا‪ :‬هو في اصطالح الشريعة‪ :‬العلم بأحكام التكليف‪ .‬فإن قيل معظم متضمن ما سئل الشريعة ظنون‪ .‬قلنا‪ :‬ليست الظنون فقها وانما‬ ‫الفقه العلم بوجوب العمل عند قيام الظنون"‪.‬‬ ‫وذكر بعد ذلك قوله‪ :‬قد ذكرنا أن الفقه هو العلم باألحكام الشرعية‪.‬‬ ‫وما ذكره إمام الحرمين‪ .376‬ذكر مثله ابن الهمام الحنفي في التحرير‪ ..‬بقوله‪ :‬إن الفقه هو العلم باألحكام الشرعية القطعية ال الظنية‪.‬‬ ‫وأن الظن ليس من الفقه‪ ،‬واألحكام المظنونة ليست مما يسمى العلم بها فقها‪. 377‬‬ ‫أما المذهب الثالث‪ :‬فقد قال به أيضا كثير من العلماء‪ ،‬حيث تخصص الفقه بالمسائل المظنونة‪ .‬قال عالء الدين شمس النظر الحنفي‬ ‫– ‪ 539‬هـ في كتابه المسمى ميزان األصول في نتائج العقول‪" :‬وأما العلم السمعى نوعان‪ :‬أحدهما ثابت بطريق القطع واليقين‪ ،‬وهو ما‬ ‫ثبت‬

‫بالنص‬

‫المف َّسر‬ ‫َ‬

‫من‬

‫الكتاب‬

‫والخبر‬

‫المتواتر‬

‫والمشهور‬

‫واإلجماع‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬ثابت بطريق الظاهر بناء على غالب الرأي وأكبر الظن‪ ،‬وهو ما ثبت بظواهر الكتاب والسنة المتواترة‪ ،‬وما ثبت بخبر الواحد‬ ‫والقياس الشرعي‪ .‬وهذا النوع بقسميه يسمى علم الشرائع واألحكام‪ ،‬ويسمى علم الفقه في عرف الفقهاء وأهل الكالم‪ ،‬وان كان اسم الفقه‬ ‫لغة وحقيقة ال اختصاص له بهذا النوع من العلم بل هو إسم للوقوف على المعنى الخفي الذي يتعلق به علم يحتاج فيه إلى النظر‬ ‫واالستدالل مطلقا‪ ،‬كعلم النحو واللغة والطب ونحوهما‪ ،‬يقال فالن فقيه في النحو والطب واللغة إذا كان قاد ار على االستنباط‬ ‫واالستخراج في ذلك"‪.378‬‬ ‫فيفهم من هذا الكالم أن الفقه إنما يطلق على العلم بالمسائل الظنية ألنه إنما أطلقه على النوع الثاني بقسميه وهما‪:‬‬ ‫‪ - 1‬ما ثبت عن طريق الظواهر وغالب الرأي والظن من جهة‪.‬‬ ‫‪375‬‬ ‫‪376‬‬ ‫‪377‬‬ ‫‪378‬‬

‫الموسوعة المصرية ‪.11/1‬‬

‫البرهان ‪.86 – 85/1‬‬

‫الموسوعة المصرية‪ ،‬ص‪ 11‬وما بعدها‪.‬‬

‫ميزان األصول في نتائج العقول‪ :‬عالء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي (‪539‬هـ)‪ ,‬تحقيق عبد الملك عبد‬

‫الرحمن السعدي‪ ,‬لجنة الثراث العربي واالسالمي‪ ,‬بغداد‪1984 ,‬م ‪ ،‬ص‪.10 – 9‬‬ ‫‪127‬‬


‫‪2‬‬

‫‪-‬‬

‫أو‬

‫ما‬

‫ثبت‬

‫عن‬

‫طريق‬

‫خبر‬

‫اآلحاد‬

‫والقياس‬

‫من‬

‫جهة‬

‫أخرى‬

‫–‬

‫فهذا‬

‫بيان‬

‫كالمه‪.‬‬

‫وأكثر علماء األصول ال يبتعدون كثي ار عن هذا التعريف األخير‪ ،‬فإنهم يعرفون الفقه بأنه‪ :‬معرفة األحكام الشرعية العملية‪ ،‬التي‬ ‫طريقها االجتهاد كما قال‪ :‬الشيرازي في اللمع‪ ،‬فيخرج العلم بالذوات والعلم باألحكام العقلية والحسية والوضعية كالحساب والهندسة‬ ‫والنحو والصرف‪ 379‬إلى آخره‪.‬‬ ‫وفي شرح أحمد بن قاسم العبَّادي الشافعي‪ ،‬على ورقات إمام الحرمين‪ ،‬ممزوجا بكالم المؤلف وتعليق جالل الدين المحلي ما يلي‪:‬‬ ‫"الفقه معرفة األحكام الشرعية التي طريقها االجتهاد كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة‪ ،‬وأن الوتر مندوب‪ ،‬وأن النية من الليل شرط‬ ‫في صحة صوم رمضان‪ ،‬وأن القتل بمثقل يوجب القصاص ونحو ذلك من مسائل الخالف‪ ،‬ثم أنهم اشترطوا أن يكون العلم حاصال‬ ‫عن طريق االجتهاد للمنصف به‪ ،‬ليخرج علم المقلد بهذه المسائل‪ ،‬وكذلك ليخرج العلم بضروبات الدين كوجوب الصلوات الخمس‪،‬‬ ‫وحرمة الفاحشة فهذه ال تسمى فقها على حد هذا التعريف‪ ، 380‬هامش إرشاد الفحول شرح أحمد بن قاسم لورقات إمام الحرمين"‪.‬‬ ‫أما المذهب الرابع‪ :‬فلم يفصل بين قطع وال ظن‪ ،‬ولم يشترط االجتهاد بالنص‪ ،‬إال أنه قال‪ :‬إن العلم بهذه األحكام الشرعية يجب أن‬ ‫يكون مكتسبا من أدلتها التفصيلية‪ ،‬وهذا ما ذهب إلي السبكي في جمع الجوامع‪.‬‬ ‫ونظمه سيدي عبدهللا بن الحاج ابراهيم الشنقيطي‪.‬‬ ‫في نظمه المسمى بمراقي السعود‪:‬‬

‫الفقه هو العلم‬

‫‪379‬‬

‫‪380‬‬

‫بالشرع والفعل نماها النامي‬

‫باألحكام‬

‫الموسوعة المصرية‪.60/1 ،‬‬ ‫إرشاد الفحول – ‪.14 ،13 ،12‬‬ ‫‪128‬‬


‫والعلم بالصالح فيما قد ذهب‬

‫أدلة التفصيل منها مكتسب‬

‫قال في شرحه نشر البنود‪" :‬والفقه اصطالحا هو العلم بجميع األحكام الشرعية العملية المكتسب من األدلة التفصيلية والمراد باألحكام‬ ‫النسب التامة التي هي ثبوت أمر آلخر إيجابا أو سلبا احت ار از عن العلم بالذوات والصفات واألفعال" ‪.381‬‬ ‫وهذا العالمة الزركشي ينقل في كتابه المنثور في القواعد عن جلة من علماء األصول تعريف الفقه فيقول‪ :‬فصل‪:‬‬ ‫قال القاضي حسين‪" :‬الفقه افتتاح علم الحوادث على اإلنسان أو افتتاح شعب أحكام الحوادث على اإلنسان"‪.‬‬ ‫حكاه عنه البغوي في تعليقه‪....‬‬ ‫وقال ابن سراقة في كتابه في األصول‪" :‬حقيقة الفقه عندي االستنباط‪ ..‬قال تعالى‪{ :‬لعلمه الذين يستنبطونه منهم}"‪.‬‬ ‫بعد الطرائق األربع في تعريف الفقه عند األصوليين‪ ،‬والقاسم المشترك بين هذه التعريفات هو أنه نقلت الفقه عن أصله اللغوي وهو‬ ‫الفهم‪ ،‬إلى معنى مجاور هو العلم الذي ليس بمعنى المعلوم‪ ،‬وانما بمعناه المصدري الذي هو حصول العلم أو الملكة الراسخة في‬ ‫النفس‪.‬‬ ‫فالفقه في هذه التعريفات هو علم اإلنسان بالشيء إال َّ‬ ‫أن بعض العلماء اآلخرين وان كانو قد أخذوا بعض اآلراء السالفة بعين االعتبار‬ ‫إال أنهم قدموا تعريفات أخرى تنظر إلى الفقه كعلم بمعنى شيء مستقل عن كونه صفة للمجتهد‪.‬‬ ‫فمن هؤالء اإلمام الغزالي والزركشي من الشافعية‪ ،‬فالغزالي اهتم به من حيث عالقته بتزكية النفوس‪ ،‬فخصصه قائال‪ :‬في األلفاظ التي‬ ‫صرفت عن أصلها الذي كانت عليه عند السلف الصالح‪" :‬اللفظ األول الفقه‪ ،‬فقد تصرفوا فيه بالتخصيص ال بالنقل والتحويل إذ‬ ‫خصصوه بمعرفة الفروع الغربية في الفتوى‪ ،‬والوقوف على دقائق علمها واستكثار الكالم فيها‪ ،‬وحفظ المقاالت المتعلقة بها‪ ،‬فمن كان‬ ‫أشد تعمقا وأكثر اشتغاال بها يقال‪ :‬هو األفقه‪ ،‬ولقد كان اسم الفقه في العصر األول يطلق على علم طريق اآلخرة ومعرفة دقائق آفات‬ ‫النفوس ومفسدات األعمال‪ ،‬وقوة اإلحاطة بحقارة الدنيا‪ ،‬وشدة التطلع إلى نعيم اآلخرة‪ ،‬واستيالء الخوف على القلب"‪. 382‬‬

‫‪381‬‬

‫نشر البنود ‪ 19/1‬ومن المعلوم أن الشنقيطي يعتمد في نظمه غالبا على جمع الجوامع البن السبكي‪ ،‬ولفظ جمع الجوامع (والفقه‬

‫العلم باإلحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية) جـ‪ ،1‬ص‪ 33 – 32‬بشرح المحلي وحاشية البنان‪.‬‬ ‫‪382‬إحياء علوم الدين‪ .‬جـ‪ ،1‬ص‪.28‬‬

‫‪129‬‬


‫بعد استعراضنا أقوال العلماء حول تعريف الفقه لغة واصطالحا سواء من الناحية المصطلحية أو من ناحية المضمون يمكن أن‬ ‫نستخلص ما يلي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬كلمة الفقه في اللغة تعني الفهم والفطنة واإلدراك‪ ،‬والعلم عند أكثر علماء اللغة وهي معان متقاربة ومتجاورة بعضها باألصالة‬ ‫وبعضها بالتبعية‪.‬‬ ‫فالفهم هو األصل والعلم بالتبع من باب التعبير عن الالزم بالملزوم‪ ،‬فالعلم يلزم منه الفهم والفقه أيضا هو فهم خفايا األمور وخباياها‪.‬‬ ‫والفقه يرجع في أصل معناه إلى الشق والفتح عند بعض اللغويين وهو قول تعرضنا له بالنقد والتمحيص‪.‬‬ ‫كلمة الفقه تطورت من أصل في الجاهلية‪ :‬هو فحل فقيه أي فطن يميز النوق الحوامل من الحوائل‪ .‬إلى رجل فقيه أي فطن في الدين‬ ‫عالم بأس ارره وفقيه أي مجتهد مستنبط لْلحكام‪.‬‬ ‫وأخي ار إلى فقيه حافظ لبعض المسائل الفقهية ولو لم يكن مجتهدا للفقه عند أكثر األصوليين معنى قائم بالفقيه وهو العلم الحاصل له‬ ‫بأحكام الشريعة عامة منصوصة أو مستنبطة وهو قول جيد رجحه ابن عابدين‪.‬‬ ‫علم حاصل عن طريق األدلة القطعية وهو قول الكمال بن الهمام وقول إمام الحرمين في البرهان‪.‬‬ ‫علم حاصل عن طريق االستنباط واالجتهاد وهو قول السمرقندي وامام الحرمين في الورقات وشارحاه العبادي والمحلي‪.‬‬ ‫علم باألحكام الشرعية العملية مكتسب من طريق األدلة التفصيلية وهو قول تاج الدين بن السبكي وشروحه والغزالي في المستصفى‬ ‫والسمة المشتركة بين هؤالء جميعا أن الفقه هو صفة للفقيه وليس شيئا مستقال عنه‪ .‬علم قائم بذاته وليس وصفا قائما بالمجتهد وهو‬ ‫علم من علوم الشريعة من عبادات ومعامالت وحدود‪ ،‬فالفقه هو نفس األحكام وليس مجرد العلم بها على حد تعبير الشيخ مصطفى‬ ‫الزرقاء‪. 383‬‬ ‫الفقه علم شامل للعقيدة والمعامالت والعبادات مرادف لعلم الدين‪ ،‬وهذا إطالق كثير في كالم المتقدمين وهو الحقيقة الشرعية للفقه‬ ‫وهو الذي يجب المصير إليه وهو الحق‪ ،‬فالحديث يقول‪ ... :‬ورب حامل فقه ‪ ...‬وهو عام في الكتاب والسنة فقد يكون المحمول‬

‫‪383‬‬

‫المدخل الفقهي العام الى الحقوق المدنية‪ :‬مصطفى ٔاحمد الزرقاء‪ ,‬مطبعة الجامعة السورية‪ ,1957 ,‬جـ‪ ،1‬ص‪.60‬‬

‫‪130‬‬


‫عقيدة كما قد يكون أحكاما عملية فتخصيصه ببعض أفراده إنما هو تخصيص عرفي مصطلحي وقد نبه العبادي على أن هذا‬ ‫التخصيص ليس‪ ،‬مصطلحا شرعيا وانما هو مصطلح أصولي على أنه تردد في آخر كالمه‪.‬‬ ‫وانما تصرف األصوليون في كلمة الفقه بالتخصيص ليصلوا بذلك إلى تعريف الفقيه وهو المجتهد الذي يتصف بالملكة الراسخة والفهم‬ ‫الصائب الذي ينفذ من خالله إلى أغوار الشريعة فيدرك حكمها ومراميها يحمل النظير على النظير ويعرف حكم المفهوم من‬ ‫المنطوق‪ ،‬بصي ار بموارد الشريعة ومقاصد الشارع‪.‬‬

‫‪131‬‬


‫المبحث الثاني‬ ‫العلم بالحكم وأثره في القصد‬

‫واذا قلنا بان القصد الجنائي هو ارادة االعتداء على المصالح التي يحميها الشرع ‪ ,‬أي ارادة مخالفة الحكم الشرعي ‪ ,‬كان معنى ذلك‬ ‫انه يتطلب علما دقيقا كامال بالحكم الشرعي ‪ ,‬اذ اليتصور ارادة االعتداءعلى المصالح ممن ال يعلم بوجودها وبالحماية التي يقررها‬ ‫الحكم الشرعي ‪.‬‬

‫‪384‬‬

‫وعلى هذا فاننا نعني‪ ,‬بقولنا " القصد الجنائي يتطلب العلم بالحكم " أي يتطلب العلم بالوقائع التي تتكون منها الجريمة من ناحية ‪,‬‬ ‫ويتطلب العلم بالنص الشرعي الذي يحرم تلك الوقائع من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫وتطبيقا لهذا ‪ ,‬فانه ال يكفي علم الجاني بانه يأخذ مال الغير خفية من حرزه فحسب ‪ ,‬بل يتعين علمه بأن الشرع يحرم ذلك االخذ‬ ‫وبغير هذا العلم الينسب اليه أنه أراد ان يخالف الحكم الشرعي الذي يحرم السرقة ‪ ,‬وال يتوافر القصد الجنائي لدى الزاني اال اذاعلم‬ ‫بتحريم الزناشرعا‪.‬‬ ‫واليثير طلب العلم بالحكم الشرعي صعوبة في الجرائم الحدود والقصاص والديات الن هذه الجرائم مستهجنة في كل االديان والملل ‪.‬‬ ‫ولكن اذا ساغ هذا القول بالنسبة لتلك الجنايات المذكورة ‪ ,‬فهو اليصدق على جرائم النعزير النها في أكثر أحوالها اختيار من أقوال‬ ‫الفقهاء واجتهاد من ولي االمر لمصلحة رعاياه ‪.‬‬

‫‪385‬‬

‫وفي الغالب اليتوافر لدى من يرتكب هذه الجرائم العلم بتجريمها فيقترفها ظانا‬

‫أنها أفعال مشروعة ‪ .‬مثال ذلك وطء ولد جارية والده على ظن أنها تحل له ‪ ,‬ووطء رجل زوجته المبتوتة منه ‪ ,‬فان العديد من الناس‬ ‫ال يعرفون أحكام تلك االفعال ‪.‬‬ ‫فاذا طلبنا العلم بالحكم الشرعي تضاءلت الحاالت التي يتوافر القصد الجنائي فيها ‪ ,‬وأدى ذلك الى تعطيل االحكام الشرعية من‬ ‫‪384‬‬ ‫‪385‬‬

‫النظرية العامة للقصد الجنائي‪.116 :‬‬

‫الجريمة والعقوبة قي الفقه االسالمي‪ :‬محمد أبو زهرة ‪,‬دار الفكر العربي‪1990 ,‬م‪ , 300 /1 :‬المبادئ الشرعية في أحكام‬

‫العقوبات في الفقه اإلسالمي‪ :‬عبد السالم محمد الشريف‪ ,‬دار الغرب اإلسالمي‪1986 ,‬م‪.310/.‬‬ ‫‪132‬‬


‫التطبيق ‪ .‬ويتضح الوجه الحقيقي للمشكلة التي تتطلب التوفيق بين اعتبارين متناقضين ‪:‬اعتبار العلم بالحكم الشرعي عنص ار في‬ ‫القصد الجنائي ‪ ,‬وما تتطلبه مصلحة المجتمع من وجوب اغفال العلم بالحكم الشرعي من بين عناص القصد الجنائي حتى يتاح للحكم‬ ‫الشرعي التطبيق الشامل‪.‬‬

‫‪386‬‬

‫وقداختلف الفقهاء في شأن العلم بالحكم الشرعي لتوافر القصد الجنائي ‪ .‬ويمكن حصر خالفهم في هذا الصدد في ثالثة مذاهب ‪:‬‬ ‫المذهب االول يذهب أصحابه الى اشتراط العلم بالحكم الشرعي ‪ ,‬والثاني يرى أصحابه افتراض العلم بالحكم الشرعي ‪ ,‬بينما الثالث‬ ‫يستبعد العلم بالحكم الشرعي من عناصر القصد الجنائي‪.‬‬ ‫المذهب االول‪:‬‬ ‫يعتبر اصحاب هذا المذهب العلم بالحكم الشرعي عنص ار في القصد الجنائي ‪ .‬والعلم الالزم في هذا الشأن هو العلم الفعلي ‪ ,‬فالمحل‬ ‫الفتراض العلم كما ال تحل االستطاعة أو االمكان محل العلم الفعلي ‪ .‬قال ابن حزم‪ " :‬اليكلف أحد ماليس في وسعه‪ .‬وليس في وسع‬ ‫أحد علم الغيب في أن يعلم شريعة قبل أن تبلغ اليه ‪ ,‬فصح يقينا أن من لم تبلغه الشريعة لم يكلف بها "‪ 387.‬ويؤكد عدم افتراض العلم‬ ‫لتوافر القصد ما ورد في حاشية رد المختار على الدر المختار ‪" :‬ان من شرائطه ـ الحدفي الزنا ـ العلم بالتحريم‪ ,‬حتى لو لم يعلم‬ ‫بالحرمة لم يجب الحد للشبهة‪ . . .‬والكون في الدار االسالم اليقوم مقام العلم في وجوب الحد" ‪.‬‬ ‫ويستند هذا المذهب على ما روي عن سعيد بن المسيب‬

‫‪389‬‬

‫‪388‬‬

‫ان عامال لعمر بن الخطاب رضي هللا عنه كتب اليه يخبره ان رجال‬

‫اعترف عنده بالزنا فكتب اليه عمر ‪" :‬ان سله هل كان يعلم ان هللا حرم الزنا ‪ ,‬فان قال نعم فأقم عليه الحد‪ ,‬وان قال ال‪ ,‬فأعلمه انه‬ ‫حرام فان عاد فاجلده ‪.‬‬

‫‪390‬‬

‫فان عمر د أر الحد عن الزاني الذي اعترف بالزنا لعدم علمه بالتحريم مع كونه في دار االسالم ويدل هذا‬

‫ان العلم بالحكم الشرعي عنصر اليتوافر القصد الجنائي بدونه‪.‬‬

‫النظرية العامة للقصد الجنائي ‪.116 :‬‬ ‫‪ 387‬اإلحكام في أصول االحكام ‪ , 55 / 1 :‬الموافقات للشاطبي ‪ , 159 / 1 :‬شرح تنقيح الفصول في إختصار المحصول في األصول‪:‬‬ ‫شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي‪ ,‬المحقق‪ :‬مكتب البحوث والدراسات بدار الفكر‪1990 ,‬م‪.69 ,‬‬ ‫‪ 388‬ابن عابدين ‪. 6 / 4 :‬‬ ‫‪386‬‬

‫‪389‬‬

‫ابن حزن القرشي فقيه المدينة من أجل التابعين جمع بين الفقه والحديث روى عن كثير من الصحابة (ـ ـ ‪ 94‬هـ) شذرات الذهب‬

‫‪390‬‬

‫المصنف‪ :‬أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (المتوفى‪211 :‬هـ)‪ ,‬تحقيق حبيب الرحمن االعظمي‬

‫‪.102 / 1 :‬‬

‫‪ ,‬المجلس العلمي‪ -‬الهند‪1390 ,‬ه ـ‪1970‬م ‪. 474 / 6 :‬‬ ‫‪133‬‬


‫واستدلوا بالمعقول فقالوا ‪ " :‬ان الحكم في الشرعيات اليثبت اال بعد العلم ‪ ,‬فان كان الشيوع واالستفاض في دار االسالم أقيم مقام‬ ‫العلم ولكن ال أقل من ايراث شبهة‪,‬‬

‫‪391‬‬

‫لعدم التبليغ ‪.‬‬

‫‪392‬‬

‫ولما د أر عمر الحد عن الرجل لجهله بالحكم الشرعي المتعلق بفعله ـ وهو‬

‫في دار االسالم ـ علم من ذلك ان العلم بالحكم الشرعي عنصر في القصد الجنائي وال يفترض هذا العلم با الشاعة واالقامة قي دار‬ ‫االسىالم ‪.‬‬ ‫وان كان هذا المذهب يمتاز باعتماده على المنطق السليم ‪ ,‬اذ يستخلص من القصد الجنائي ذاته النتائج الحتمية التي ال مفر من‬ ‫التسليم بها اذا قلنا بأن القصد الجنائي هو عبارة عن توجه االرادة الى مخالفة الشرع ‪.‬‬

‫‪393‬‬

‫فان العلم بهذا الشرع يعتبر عنص ار جوهريا‬

‫البد منه لتوافر القصد الجنائي غير انه يتجاهل مصلحة المجتمع ويهمل االعتبارات العلمية التي تقتضي كفالة تطبيق االحكام‬ ‫الشرعية ‪ .‬فاذا أخذنا بهذا الرأي فكلما يثبت جهل الجاني بالحكم الشرعي المتعلق بالجريمة التي ارتكبها كلما تعين تبرئته ‪ .‬واذا‬ ‫تعددت حاالت البراءة بهذه الصورة تعطل تطبيق عدد كبير من االحكام ‪ ,‬وفوت ذلك أهداف الشارع منها‪.‬‬

‫‪394‬‬

‫المذهب الثاني‪:‬‬ ‫ذهب أصحابه الى القول بأنه لو كان القصد الجنائي هو عبارة عن توجيه االرادة الى مخالفة الشرع وهذا يعني أن العلم بالحكم‬ ‫الشرعي ال غنى عنه لتصور توجه هذه االرادة ‪ ,‬ولكن ليس معنى ذلك وجوب توافر العلم اليقيني به ‪ ,‬بل يحل محله استطاعة العلم‬ ‫وامكانه ‪.‬‬

‫‪395‬‬

‫اذ يتعين على الفرد الذي يعيش في مكان ما أن يستعلم عن حكم الشرع ألي فعل ينوي اتيانه ‪ ,‬الن المكلف اليجوز له‬

‫أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم هللا فيه فال يجوز الشروع في شيء حتى يعلم ‪,‬‬

‫‪396‬‬

‫فطلب هذا القدر من العلم واجب‪ ,‬اذ تتوافر‬

‫أسبابه باالقامة في دار االسالم وبجوار المسلمين ‪ .‬جاء في شرح منار األنوار ‪" :‬أما الجهل في دار الحرب من مسلم لم يهاجر الينا‬ ‫يكون عذ را‪ ,‬ألن دار الحرب ليس بمحل لشهرة احكام االسالم بخالف الذمي اذاأسلم في دار االسالم ألنه متمكن من السؤال عن‬

‫‪391‬‬ ‫‪392‬‬ ‫‪393‬‬ ‫‪394‬‬ ‫‪395‬‬

‫الشبهة في الشرع ماالتبس أمره فاليدري أ حالل أم حرام‪ ,‬حق هو أم باطل ‪ .‬المعجم الوسيط ‪.474 / 1 :‬‬

‫حاشية ابن عابدين ‪. 6 / 4 :‬‬

‫شرح ابن عبد السالم على ابن الحاجب‪. 117 / 5 :‬وجه (مخطوط) ‪.‬‬

‫النظرية العامة للقصد الجنائي ‪.118 :‬‬

‫البحر المحيط في أصول الفقه‪ :‬بدر الدين محمد الزركشي(‪794‬ه)‪ ,‬دار الصفوة ـ الغردقة ـ الطبعة الثانية‪1990 ,‬م ‪368 / 1 :‬‬

‫‪ ,‬ميزان االصول للسمرقندي ‪ 285 :‬ـ ‪.286‬‬

‫‪396‬شهاب الدين احمد بن ادريس القرافي عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع‪1988 ,‬م‪ .‬الفروق‪ 148 / 2 : :‬ـ ‪. 149‬‬ ‫‪134‬‬


‫أحكام االسالم ‪ ,‬وترك السؤال تقصير منه فاليكون عذرا‪.‬‬

‫‪397‬‬

‫غير ان افتراض العلم بالحكم الشرعي لم يكن افتراضا مطلقا‪ ,‬بل أورد الفقهاء عليه بعض االستثناءات تحد منه فيسمح للجاني عند‬ ‫توافرها أن يتذرع بالجهل بالحكم الشرعي ‪ .‬فمثلوا لذلك بحديث العهد باالسالم والحربي ‪.‬‬

‫‪398‬‬

‫في جرائم الحدود والتعازير ‪,‬‬

‫‪399‬‬

‫دون‬

‫جرائم القصاص والديات ‪ .‬غير أن هذه االستثناءات محل نظر ‪ ,‬الن الزنا وااسرقة والسكر حرام في جميع االديان‪ .‬والزنا والسرقة من‬ ‫جرائم الحدود باالتفاق ‪ .‬جاء في فتح القدير ‪ " :‬الحربي اذا دخل دار االسالم فأسلم فزني وقال ظننت أنه حالل اليلتفت اليه ويحد‬ ‫وان كان فعله أول يوم دخل الدار‪ ,‬الن الزنا حرام في جميع االديان والملل" ‪.‬‬

‫‪400‬‬

‫وقد ُرد على هذا االعتراض بان العلم بالحرمة شرط لتوافر القصد الجنائي فيمن ادعى الجهل بالحرمة وظهر عليه امارة ذلك ‪ ,‬بأن‬ ‫نشأ وحده في شاهق أو بين قوم جهال مثله اليعلمون تحريمه أو يعتقدون اباحتها اذ الينكر وجود ذلك‪.‬‬

‫‪401‬‬

‫المذهب الثالث‪:‬‬ ‫يستبعد أن يكون العلم بالحكم الشرعي من عناصر القصد الجنائي ‪ ,‬الن القصد بناء على هذ ا المذهب يتوافر كلما توافر لدى‬ ‫الجاني علمه بالعناصر المادية المكونة للجريمة المرتكبة ‪ ,‬وتطبيقا لهذا اليقبل من أحد ـ بدون استثناء ـ اعتذاره بالجهل بالحكم‬ ‫الشرعي ‪ .‬جاء في فتح القدير ‪ " :‬لوأن شرط الحد في نفس االمر علمه بالحرمة في نفس االمر فاذا لم يكن عالما ال حد عليه ‪ ,‬كان‬ ‫قليل الجدوى أو غير صحيح "‪.‬‬

‫‪402‬‬

‫وجاء في الجواهر الثمينة ‪" :‬فكل مسلم مكلف شرب ما يسكر جنسه مختا ار من غير ضرورة وعذر‬

‫لزمه الحد وال يستثنى من ذلك من كان حديث عهد باالسالم ‪ ,‬بل يجب الحد عليه وان لم يعلم التحريم " ‪.‬‬

‫‪403‬‬

‫وفي لباب اللباب ‪" :‬‬

‫‪ 397‬شرح منار األنوار في أصول الفقه‪ :‬عبد اللطيف بن عبد العزيز‪،‬ابن ملك‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1980،‬م‪ 356: ,‬ــ ‪. 357‬‬ ‫‪ 398‬الكافر الذي يحمل جنسية الدولة الكافرة المحاربة للمسلمين ‪ ,‬معجم لعة الفقهاء‪ :‬محمد رواس قلعجي‪ ,‬دار النفائس للنشر‬ ‫والتوزيع‪1988,‬م‪.178 :.‬‬ ‫‪399‬‬

‫حاسية ابن عابدين ‪ 37 / 4 :‬ومابعدها ‪ ,‬السرح الكبير وحاشية الدسوقي ‪ 280 / 4 :‬ـ ‪ ,281‬المهذب للشيرازي ‪267 /2:‬ـ‬

‫‪ ,.268‬االشباه والنظائر للسيوطي‪176:‬ـ ‪ ,177‬مغني المحتاج ‪ ,146 /4 :‬نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليه ‪/ 7:‬‬ ‫‪131‬ـ‪ ,132‬المعني البن قدامة ‪ ,479 /9 :‬الكافي في فقه بن حنبل البن قدامة‪ 200 :‬ـ ‪.201‬‬ ‫‪400‬‬ ‫‪401‬‬ ‫‪402‬‬ ‫‪403‬‬

‫ابن الهمام ‪.39 / 5 :‬‬

‫المرجع السابق نفس الصفحة ‪.‬‬

‫المرجع السابق نفس الصفحة ‪.‬‬

‫ابن شاس ‪. 116/2:‬ظهر مخطوط ‪.‬‬ ‫‪135‬‬


‫ويحد الجاهل بتحريم الزنا ـ ءوان كان حديث عهد باالسالم"‪.‬‬

‫‪404‬‬

‫وفي قواعد األحكام في مصالح األنام ‪ " :‬الظنون المعتبرة في معرفة‬

‫األحكام وأسبابها وسائر متعلقاتها واليشترط فيها العلم اذ لو شرط فيها العلم لفات معظم المصالح الدنيوية " ‪.‬‬

‫‪405‬‬

‫يستخلص من هذا‬

‫أن مؤدى هذا الرأي هو استبعاد العلم بالحكم الشرعي من عناصر القصد‪ ,‬وانما يقوم القصد الجنائي بالرغم من جهل الجاني بالحكم‬ ‫الشرعي ‪ ,‬اذا ثبت علمه بما يتمخض عنه سلوكه من اثر ضار أو خطر ‪ ,‬أما اذا كان الجاني موقنا من أن سلوكه ليست له هذه‬ ‫الطبيعة وال هذا االثر فانه اليكون آثما ‪ ,‬وبالتالي فان القصد الجنائي في جانبه يكون متخلفا‪.‬‬ ‫الترجيح واالختيار‬ ‫بعد عرض آراء الفقهاء في تأثير العلم بالحكم الشرعي في القصد الجنائي يتبين أن ألخذ بالرأي االول الذي يعتبر العلم الفعلي بالحكم‬ ‫الشرعي عنص ار في القصد الجنائي سيؤدي الى تعطيل عدد كبير من االحكام اذ كلما يتمكن الجاني من اثبات جهله بالحكم الشرعي‬ ‫كلما تعين تبرئته من الجناية المنسوبة اليه وهذا سيؤدي حتما الى فوات أهداف الشارع من العقوبات ‪ .‬ويصعب االخذ بالرأي الثاني‬ ‫الذي يفترض العلم بالحكم الشرعي ‪ ,‬النه يقوم على تجاهل الحقائق‪ ,‬ويؤدي عمليا الى استبعاد عنص ار من عناصر القصد الجنائي‬ ‫بطلب العلم بالحكم الشرعي ثم القول بتوافر القصد الجنائي في حاالت يثبت فيها على نحو قاطع انتفاء ذلك العلم ‪ .‬ولهذا نرى أن‬ ‫العلم بالحكم الشرعي ليس عنص ار في القصد الجنائي ‪ ,‬ولكن اذا ثبت جهل الجاني واغتفر له جهله فان ذلك يكون عذ ار معفيا من‬ ‫العقاب أو مخففاله ‪ .‬واالمثلة التي يوردها أصحاب المذهب الثاني ماعد له مبرر في هذا العصر‪.‬‬

‫‪406‬‬

‫واذا كانت طبيعة الخطاب‬

‫تقتضي االفصاح عن مضمونه فانها ال توجب العلم به ‪ .‬الن الخطاب يتحقق معناه بتوجيهه الى المخاطب ال بعلمه ‪ .‬والحكم‬ ‫الشرعي يلزم المخاطبي ن به بمجرد اعالمهم به البتحقق علمهم فعال‪ ,‬الن القول بخالف هذا سيجرد الحكم من صفة العموم ويقتصر‬ ‫سريانه على فئة معينة فقط ‪.‬‬

‫‪404‬‬ ‫‪405‬‬

‫ابن راشد ‪. 299 :‬‬

‫قواعد األحكام في مصالح األنام‪ :‬أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم (المتوفى‪660 :‬هـ) ‪ :‬مكتبة الكليات األزهرية –‬

‫القاهرة (‪ 1410‬هـ ‪ 1990-‬م‪. 138 / :,‬‬ ‫‪406‬‬

‫النظام العقابي االسالمي‪:‬أبو المعاطي حاقظ أبو الفتوح‪ ,‬مؤسسة دار التعاون ـ القاهرة‪1976 ,‬م‪. 225 ,‬‬ ‫‪136‬‬


‫المبحث الثالث‬ ‫العلم بالقانون و أثره‬ ‫تعددت آراء فقهاء القانون في اثر العلم بالقانون في القصد الجنائي‪ ,‬وذهب الجمهور الى ان القصد الجنائي اليكتمل اال اذا احاط‬ ‫علم الجاني بأن فعله محل تجريم وعقاب ‪ .‬وحجتهم في ذلك ‪ :‬أن القصد الجنائي هو ارادة االعتداء على حق يحميه القانون ‪,‬‬ ‫واليتصور ان يكون لهذه االرادة وجود اال اذاكان الفاعل عالما بالقاعدة التي خالفها ومدركا مالها من قوة االلزام ‪.‬‬ ‫ومن ان صار هذا الراي من التزموا المنطق بصورة مطلقة فلم يفرقوا بين العلم بنص التجريم والعلم بغيره من عناصر القصد ‪ .‬سواء‬ ‫من حيث نوع العلم أوطريقة اثباته ‪ .‬ورتبوا على ذلك نتيجة مؤداها انه اذا لم يثبت علم الفاعل بنص التجريم ‪ ,‬او غلط فيه ‪ ,‬فان ان‬ ‫القصد الجنائي يكون متخلفا‪ .‬والعلم المطلوب لتوافر القصد الجنائي عند هؤالء هو العلم اليقيني ‪ ,‬واليفترض العلم في هذا الشأن ‪,‬‬ ‫كما أن استطاعة العلم التساوي العلم الفعلي‪ ,‬وهذا يعني ان اصحاب هذا الرأي يعتبرون العلم بالقانون عنص ار من عناصر القصد‬ ‫الجنائي ‪ .‬وأغلب القائلين بهذا الرأي لم يلتزوا منطقهم الى نهايته ‪ ,‬اذ قدروا ما ينجم عن المضي فيه الى مداه من نتائج تحول دون‬ ‫تطبيق القانون في كثير من االحيان وتفوت االهداف المرجوة منه ‪ .‬فجنحوا الى تحوير رأيهم أو تقييده بقيود تحد من نتائجه الضارة‪,‬‬ ‫وسلكوا في ذلك مسالك عدة ‪:‬‬ ‫فمنهم من افترض العلم بالقانون افتراضا السبيل الى نفيه باقامة الدليل على عكسه‪,‬‬

‫‪407‬‬

‫ومن هؤالء من تخفف مع ذلك فأجاز نفي‬

‫العلم في أحوال ضيقة فقصروها على حالة القوة القاهرة كاحتالل عدو جزء من اقليم الدولة أو حصاره ‪.‬‬

‫‪408‬‬

‫وتوسع البعض فيها قليال‬

‫فجعلها شاملة لكل حالة يكون الجهل فيها مغتف ار ‪ ,‬منها ‪:‬حالة ما اذاكان محل الجهل أو الغلط قانونا غير قانون العقوبات‪ ,‬وحالة‬ ‫الغلط دون خطأ‪.‬‬

‫‪407‬‬ ‫‪408‬‬ ‫‪409‬‬

‫‪409‬‬

‫القانون الجنائي مبادئه األساسية و نظرياته العامة‪ :‬محمد محي الدين عوض ‪ ,‬مطبعة جامعة القاهرة‪1981,‬م‪.401 /‬‬ ‫القصد الجنائي لعبد المهيمن بكر ‪ 216:‬ـ‪.217‬‬

‫شرح االحكام العامة في قانون العقوبات ‪ 399 :‬ـ ‪.400‬‬ ‫‪137‬‬


‫ومنهم من استغنوا عن تطلب العلم الحقيقي او افتراضه‪ ,‬وذهبوا الى القول بأن امكان العلم والقدرة عليه معادل للعلم الحقيقي‪.‬‬

‫‪410‬‬

‫وبناء‬

‫على هذا فكلما انتفى العلم وثبت امكانه أو القدرة عليه يعتبر القصد الجنائي متوافرا‪ .‬ومنهم من تجاوز عن العلم بالقانون واكتفى‬ ‫بالعلم بداللة الفعل ‪ .‬والقائلون بهذا الرأي اختلفوا قي تحديد هذه الداللة ‪ .‬وذهبت طائفة منهم الى أنه يشترط لتحقق القصد الجنائي ان‬ ‫يعلم الجاني بمنافاة فعله لقواعد االخالق ‪.‬‬

‫‪411‬‬

‫بينما يرى آخرون وجوب علم الجاني بما ينطوي عليه سلوكه من تعارض مع مصالح‬

‫المجتمع وقيمه السائدة ‪ .‬فليس من الالزم في تقديرهم أن يعلم الجاني بمخالفة سلوكه لقانون العقوبات وال لقواعد االخالق ‪ ,‬بل يكفي‬ ‫لذلك علمه بوجه التنافي بين السلوك وبين أهداف المجتمع وغاياته‪.‬‬

‫‪412‬‬

‫ومنهم من يشترط لتوافر القصد الجنائي أن يعلم الجاني بأن‬

‫سلوكه يصيب بالضرر أو يعرض للخطر حقا من حقوق الغير أو مصلحة مشروعة له ‪ ,‬فليس من الالزم أن يحيط علم الجاني‬ ‫بالقاعدة القانونية أو الخلقية أو االجتماعية التي تحظر عليه اتيان السلوك ‪ ,‬وانما يكفي علمه بما يترتب على هذا السلوك من مساس‬ ‫بحقوق الغير أو مصالحه‪.‬‬ ‫ومنهم من اعتبر االخالل بااللتزام بالعلم بالقلنون كالعلم الحقيقي في مقام القصد الجنائي ‪ ,‬الن الزامية قانون العقوبات تفرض على‬ ‫االشخاص الخاضعين له واجبا في معرفة قواعده وأحكامه ‪ ,‬اذ يتعين على الفرد الذي يعيش في مكان ما أن يستعلم عن حكم القانون‬ ‫بالنسبة الي فعل ينوي اتيانه فاذا قصر في هذا الواجب فقد أخل بواجبه فيجب أن يتحمل مخاطر ذلك االخالل ‪.‬‬ ‫وهذا الرأي بمختلف اتجاهاته معيب من وجهين ‪ :‬االول انه مشوب بالتناقض والثاني أن أساسه فاسد‪ .‬فيظهر التناقض جليا من‬ ‫ايجاب العلم ثم اسقاطه في نفس الوقت ‪ .‬فقد رأينا أكثر القائلين بلزوم العلم لتوافر القصد الجنائي يستغنون عن العلم الحقيقي ‪,‬‬ ‫ويضعون مكانه العلم الممكن ‪ ,‬والعلم المفترض ‪ ,‬وااللتزام به والواحد من ذلك العلم ينفي تخلف العلم في الواقع ‪ .‬واذا قام القصد‬ ‫الجنائي برغم من انتفاء العلم بالقانون ‪ ,‬فان ذلك يعني ان العلم به ليس من عناصر القصد‪ ,‬وبالتالي ليس مما يجب توافره ‪.‬‬ ‫وأما فساد االساس فهو يقوم على أن اشتراط العلم بالقانون يقتضي التسليم ابتداء بأن هذا النص عنصر في الجريمة وهو غير مسلم‪,‬‬ ‫الن القانون هو العمدة في تحديد ما يعد جريمة ‪ ,‬وهو الذي يحدد كذلك اركانها وعناصرها ‪.‬ولهذا اليجوز اعتبار القانون عنص ار في‬ ‫الجريمة ووضعه في المنزلة نفسها مع العناصر التي يحددها‪.‬‬

‫‪410‬‬ ‫‪411‬‬ ‫‪412‬‬ ‫‪413‬‬

‫‪413‬‬

‫ويستخلص من هذا ان العلم بالقانون اليدخل في نظرية القصد‬

‫النظرية العامة للقصد الجنائي ‪. 119 :‬‬

‫المرجع السابق ‪. 126:‬‬

‫النظرية العامة للقصد الجنائي ‪. 127:‬‬

‫القصد الجنائي لعبد المهيمن بكر ‪.116:‬‬ ‫‪138‬‬


‫الجنائي‪ ,‬بل يدخل في نظرية المسؤولية ‪ .‬واذا ثبتت استحالة علم المتهم بالقانون واغتفر له جهله ‪ ,‬فان ما ينتفي بهذا الجهل ليس‬ ‫بالقصد الجنائي ‪ ,‬بل المسؤولية الجنائية ‪ ,‬وال ارتباط بالضرورة بين االمرين ‪.‬‬ ‫يكون الخالق جزء من مخلوقه ‪.‬‬

‫‪415‬‬

‫‪414‬‬

‫وهذا هو االتجاه الذي نراه صحيحا‪ .‬اذ اليتصور أن‬

‫كما يتضح من تلك االراء القانونية ان للفقه االسالمي الفضل في سبقه الى تناول قاعدة عدم‬

‫االعتذار بالجهل بالدراسة ‪ ,‬بل ان الحجج التي يستند اليه القانونيون لتبرير تلك القاعدة مستمدة من الفقه االىسالمي ‪.‬‬

‫‪414‬‬ ‫‪415‬‬

‫قانون العقوبات القسم العام لمحمود مصطفى ‪.429:‬‬

‫وهذا ماذهب اليه غالبية شراح القانون الجنائي في مصر‪ .‬منهم ‪ :‬محمود محمود مصطفى في كتابه شرح قانون العقوبات القسم‬

‫العام ‪ ,429 :‬علي أحمد راشد في بحثه بعنوان "عن االرادة والعمد والخطأ والسببية في نطاق المسؤولية الجنائية " ‪ :‬مجلة العلوم‬

‫القانونية واالقتصادية‪ ,‬جامعة عين الشمس‪ ,‬السنة ـ ـ الثامنة‪ ,‬العدد األول يناير ‪ ,1966 ,‬رؤوف عبيد في مؤلفه " مبادي العام في‬

‫التشريع العقابي ‪:‬دار الفكر العربي‪1979‬م ‪ , 227 :‬أحمد فتحي سرور في كتابه "الوسيط في القانون العقوبات القسم العام دار‬ ‫النهضة العربية‪1984 ,‬م‪ .452 :".‬آمال عثمان في بحثها بعنوان " النموذج‬

‫واالقتصادية‪:‬جامعة عين الشمس‪ ,‬السنة‪ ,14 ,‬العدد األول يناير‪. 1972 ,‬‬ ‫‪139‬‬

‫الـقانوني للجريمة " ‪ :‬مجلة العلوم القانونية‬


‫الخاتمة و التوصيات‬

‫و نذكر في ختام هذا البحث ما توصلنا إليه وما لمسناه من نتائج وهي على قسمين‪ :‬الخاتمة و التوصيات‪:‬‬ ‫أوال ‪ :‬الخاتمة‪:‬‬ ‫ها نحن اليوم أمام واقع جديد متميز (واقع المسلمين بالغرب) ويتطلب منا اجتهادا خصبا وفعاال على مستوى الخطاب‬ ‫الديني عامة والخطاب الفقهي خاصة للتجاوب مع النصوص الثابتة من جهة‪ ،‬ومع خصوصيات هذا السياق المتغير‬ ‫السمحة‪ ،‬ومستلهما المنهج العمري الرائد؛ فهذا االجتهاد تم طرحه لالستلهام‪ ،‬ألنه زودنا‬ ‫والجديد وم ارعيا المقاصد الشرعية َّ‬ ‫الفعال في أرض الواقع‪ ،‬وألن هذا الصحابي الجليل قد راعى تغير‬ ‫بضوابط وموجهات لالجتهاد التشريعي المحكم الخصب و َّ‬ ‫السياق واعتبر المتغيرات المستجدة في حياة المسلمين في عهده‪ ،‬كما راعى المصالح العامة للمسلمين‪ ،‬وأعطى للنصوص‬ ‫القطعية حيوية وخصوبة اجتهادية لتواكب بتطبيقاتها وأحكامها التغيرات والطوارئ والنوازل من أجل المصلحة العامة‪،‬‬ ‫واعتبار المقصد الشرعي ورفع الشدة ورفع الحرج ودفع الضرر عن الناس‪.‬‬ ‫إننا مطالبون اليوم ببناء وصياغة وبلورة تدبير اجتهاد ديني وتشريعي متكامل وشمولي متين في ثوابته‪ ،‬ومتطور في‬ ‫متغيراته‪ ،‬وواقعي في تطبيقاته‪ ،‬وانساني في آفاقه‪ ،‬ورحيم سمح ويسير في مواصفاته‪.‬‬ ‫هذا وقد اتفق علماء أزهريون على أن مصطلحا "دار الحرب ودار السالم" أفرزه الفقه اإلسالمي قديما في ظل ظروف‬ ‫ومناسبات كانت تستدعي هذا التقسيم ولم يعد له تطبيق في واقعنا المعاصر وذلك ألنه لم تعد هناك دار حرب في التجمع‬ ‫الدولي اآلن وأن كل التجمعات البشرية في العالم حاليا تعيش في دار واحدة سميت دار السالم‪.‬‬ ‫وأكد العلماء على ضرورة تجديد االجتهاد في الفقه اإلسالمي لمواكبة روح العصر ومواجهة المستجدات خاصة في بعض‬ ‫األحكام الفقهية التي كانت تطبق قديما ولم يعد هناك مسوغ لوجودها اآلن النتفاء توفر األدلة على مالءمتها لهذا العصر‪.‬‬ ‫بداية يرى الدكتور جعفر عبد السالم األمين العام لرابطة الجامعات اإلسالمية وأستاذ القانون الدولي بجامعة األزهر أن‬ ‫فقهاء المسلمين قديما قد قسموا ديار العالم إلى دار اسالم ودار حرب موضحا أن دار اإلسالم هي كل بقعة تكون فيها‬ ‫أحكام اإلسالم ظاهرة وأن دار الحرب هي الديار التي تحارب اإلسالم وتعمل على وقف نموه بكافة السبل وال يأمن فيها‬ ‫المسلم على نفسه وال تطبق فيها شرائع اإلسالم‪ .‬واستطرد الدكتور عبد السالم‪ :‬أن الفقهاء المسلمين قد أجمعوا أنه ال أمان‬ ‫‪140‬‬


‫بين الدولة اإلسالمية وهذه الدار (أي دار الحرب) إال إذا تم عمل عهود تحقق السالم بين دار اإلسالم ودار الحرب تتحول‬ ‫بعدها دار الحرب إلى دار سالم وال يسوغ محاربتها إطالقا إال إذا انقضت هذا العهد مشي ار إلى أن بعض الفقهاء من تزيد‬ ‫في إضفاء صفة الحرب على كل الديار التي ال يأمن فيها المسلم على نفسه وال يستطع أن يقيم شعائره وأحكام دينه على‬ ‫أرضها ولم تكن بينها وبي ن دار اإلسالم عداوة لذا هناك من أطلق على كافة الديار غير دار اإلسالم ودار العهد دار‬ ‫الحرب‪ ،‬وأجاز بالتالي مبادرتها باالعتداء واستخدام السيف‪.‬‬

‫‪416‬‬

‫وتابع الدكتور عبد السالم قائال‪ :‬أن هذا الرأي في الفقه القديم يعبر عن ضعفه ألنه لم تعد هناك دار حرب في ظل التجمع‬ ‫الدولي اآلن‪ ،‬فنحن جميعا نعيش في دار واحدة سميت دار السالم‪ ،‬كما يشير لذلك حكم القانون الدولي والتنظيم الدولي‬ ‫المعاصر‪ ،‬فالحرب لم تعد مشروعة إال للدفاع الشرعي أو الكفاح لتحرير األراضي المحتلة‪ ،‬بل تحظر المادة ‪ 4/2‬من‬ ‫ميثاق األمم المتحدة كافة صور استخدام القوة أو التهديد بها في العالقات الدولية‪.‬‬

‫‪417‬‬

‫وأضاف الدكتور عبد السالم‪ :‬ان السالم أصبح هدفا في العالقات الدولية في العصر الحالي‪ ،‬كما إنه اتفاقية دولية نص‬ ‫عليها ميثاق األمم المتحدة ‪ ،‬وانضمت إليها كافة الدول بما في ذلك الـ‪ 57‬دولة إسالمية أعضاء منظمة المؤتمر اإلسالمي‬ ‫حي ث توقع أي دولة تريد أن تنضم إلى الميثاق على أنها دولة محبة للسالم وراغبة فيه وال يحق لها أن تعتدي على غيرها‪.‬‬ ‫أما الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح األستاذ بجامعة األزهر بالقاهرة فيقول‪ :‬لعلنا ندرك أن تقسيمات الفقهاء لديار المسلمين‬ ‫بأنها ديار السالم وديار غير المسلمين ديار كفر أو ديار حرب‪ ،‬هذا مصطلح كان يستعمل قديما في وقت اشتدت فيه‬ ‫هجمات الصليبيين على بالد المسلمين‪ ،‬الفتا إلى أن أوروبا شنت ثماني حمالت صليبية للقضاء على المسلمين في بالد‬ ‫اإلسالم‪ ،‬كما أن االستعمار الغربي قد استولى على بالد المسلمين‪ ،‬هذان المصطلحان‪ ،‬دار اإلسالم ودار الكفر‪ ،‬لم يعد‬ ‫لهما وجود في ظل العالقات الدولية وارتباط الشعوب ببعضها البعض وتبادل المنافع وانتقال المسلمين إلى بالد الغرب‬ ‫ودخول كثير من الغربيين في اإلسالم حتى أصبحت بالد الغرب زاخرة بماليين المسلمين‪ ،‬فالدين اإلسالمي في فرنسا‬ ‫وبريطانيا وهولندا وألمانيا هو الدين الرسمي الثاني‪ ،‬وأصبح المسلمون في فرنسا قرابة خمسة ماليين وفي بريطانيا وألمانيا‬

‫‪416‬‬

‫قواعد العالقات الدولية فى القانون الدولى و فى الشريعة االسالمية‪ ,‬مكتبة السالم العالمية للطبع والنشر والتوزيع‪ ,‬القاهرة‪:‬‬

‫‪417‬‬

‫المرجع السابق ص ‪.129‬‬

‫‪1981‬م‪ .‬ص ‪.128‬‬

‫‪141‬‬


‫ما يقرب من ذلك‪ .‬ومعنى هذا أن هذه المجتمعات الغربية أصبحت مجتمعات قريبة من اإلسالم ألن المسلمين فيها يمثلون‬ ‫نسبة كبيرة‪ ،‬وأصبحت المدن الغربية تعج بمئات المآذن والمساجد‪ ،‬ومن هنا يبدو للباحث أن إطالق مصطلح دار الكفر‬ ‫على البالد الغربية فيه إجحاف وظلم ال ينبغي أن يقال على هذه المجتمعات بل ربما كان المسلمون في البالد األوروبية‬ ‫والغربية أكثر فهما لإلسالم ووعيا لمفاهيمه‪ ،‬ولهذا ينبغي على المجامع الفقهية في العالم اإلسالمي أن تصحح هذه‬ ‫المفاهيم فمجتمعات اإلنسانية كلها ال يخلو مجتمع منها من وجود مسلمين‪.‬‬

‫‪418‬‬

‫و ينبغي على المسلمين في المجتمعات الغربية أن يكون والءهم لإلسالم ولهذه البالد التي هم منها‪ ،‬خاصة أن هللا سبحانه‬ ‫وتعالى أمر الناس إذا ضاقت بهم األرض أن يهاجروا إلى أرض هللا الواسعة فبالد الغرب من أرض هللا سبحانه وتعالى‪،‬‬ ‫كما ينبغي على المسلمين في المجتمعات اإلنسانية كلها أن يكونوا رسل سالم وأمن واستقرار ألنهم يملكون فلسفة حياتية‪،‬‬ ‫تمكنهم من تنمية قدراتهم وانتماءاتهم للمجتمعات التي يعيشون فيها‪ ،‬ومن هنا ندرك أن األمة اإلسالمية تستطيع في هذا‬ ‫العصر أن تساهم باقتدار في تقدم عجلة اإلنتاج وتوفير الرخاء والرفاهية للشعوب‪.‬‬

‫‪419‬‬

‫ويجب على المسلمين في هذه المجتمعات األوروبية سواء كانوا من أبناء هذه البالد من الذين اعتنقوا اإلسالم أو من الذين‬ ‫هاجروا إليها أن يروا أن من حقهم حسب القوانين الدولية وما منحهم هللا سبحانه من تقدير واحترام للمجتمع الذين يعيشون‬ ‫فيه أن يقيموا شعائرهم ويؤدوا مبادئ دينهم في غير خجل أو تأخير ألن اإلسالم الحنيف وفر لْلقليات الدينية التي تعيش‬ ‫في مجتمعات المسلمين كل حرية واحترام وتقدير والمسائل اآلن في ظل تبادل المنافع والتواصل بين الشعوب أصبحت‬ ‫تدعو الناس إلى التأمل وأخذ الدروس المستفادة وربما كان هذا العصر الذي نعيش فيه يملك إقامة المشاريع النهضوية‬ ‫التي تداعب المجتمعات اإلنسانية باآلمال في تحقيق التعاون والتبادل‪.‬‬

‫‪420‬‬

‫وتقسيم العالم اآلن إلى دار سالم ودار حرب لم يعد مالئما الن هذه المصطلحات الفقهية كانت تعبر عن مرحلة زمنية‬ ‫معينة وكانت هذه المصطلحات لها داللتها قديما ولكن هذا التقسيم اصبح غير ذي جدوى اآلن الفتا إلى انه يتحتم على‬ ‫العالم الغربي أن يفي بما تضمنته العهود والمواثيق الدولية من مبادئ حقوق اإلنسان واحترام المسلمين وعدم إيذائهم ال‬

‫‪418‬‬ ‫‪419‬‬ ‫‪420‬‬

‫المرجع السابق‪ :‬ص ‪.140‬‬ ‫المرجع السابق‪ :‬ص ‪.143‬‬ ‫المرجع السابق‪ :‬ص ‪.144‬‬ ‫‪142‬‬


‫بالقول أو الفعل واال أصبحت الدولة التي تؤذي المسلمين دولة معتدية وليس دار حرب ويجب الرد عليها بدون تجاوز وفى‬ ‫إطار ما يقره اإلسالم وتعبر عنه مبادئ القانون الدولي الذي يصون الحريات‪.‬‬

‫‪421‬‬

‫أن تعريف العلم عند العلماء المسلمين عبارة عن مطلق االدراك الشامل لتصور و التصديق يقينا أو غير يقين فالعلم اذن ظاهرة‬ ‫نفسية‪ ,‬أي عنصر من عناصر الخبرة الذهنية التي يختزنها الشخص يستعين بها في حكمه على األشياء‪ .‬و في تحديد كيفية تصرفاته‬ ‫ازاء الظروف المحيطة به‪ .‬و العلم الالزم لتوافر القصد الجنائي هو تمثل الواقعة التي يتوقف عليها تحقيق العدوان في الجريمة‪ .‬أهمية‬ ‫العلم جوهرية‪ ,‬ألنه المفترض لتصور االرادة‪ ,‬اذ ال ارادة بغير العلم‪ ,‬ألن كل عمل ايجابي او سلبي اختياري‪ ,‬ألنه ال يتم إال بثالثة‬ ‫أمور‪ :‬علم و ارادة و قدرة‪ .‬ألن االنسان ال يريد ما ال يعلمه فال بد من ان يتوافر لديه العلم بالشيء حتى يريده‪.‬‬ ‫وموقف علماء المسلمين من مصادر المعرفة يتميز بعدم ترجيح مصدر على آخر‪ .‬و انما حرصوا على االعتراف بالمصادر‬ ‫المتنوعة‪ ,‬ألنهم عرفوا قيمة هذه المصادر بالنسبة للمختلف الموضوعات التي يدرسونها‪ .‬بخالف الفالسفة الذين تمسك كل فريق منهم‬ ‫بواحد من مصادر العلم بوصفه الوسيلة الوحيدة النافعة و المعتمدة‪ .‬ان مستوى العلم الالزم لتوافر القصد الجنائي في الفقهين‬ ‫اإلسالمي والوضعي هو المستوى الفطري بحسب األفكار و القيم و الخبرات السائدة في البيئة التي يعيش فيها الجاني و ألنه يتأثر‬ ‫بتلك األفكار و القيم في فهم االمر و الحكم عليها‪.‬‬ ‫ان لفظ الشريعة ليست مرادفة للفقه‪ ,‬ألن الشريعة تشمل كل ما تقرر في القرآن و السنة من عقيدة دينية و تعاليم أخالقية و قواعد‬ ‫عملية‪ .‬في حين أن الفقه يقتصر على القواعد العملية فقط‪ .‬و بناء على هذا فإن الدقة في االصطالح تقتضي عدم اطالق لفظ‬ ‫الشريعة علىاآلراء الفقهية المحضة‪.‬‬

‫أن العلم بالحكم الشرعي ليس عنص ار في القصد الجنائي ‪ ,‬ولكن اذا ثبت جهل الجاني واغتفر له جهله فان ذلك يكون عذ ار‬ ‫معفيا من العقاب أو مخففاله ‪ .‬واالمثلة التي يوردها أصحاب المذهب الثاني ماعد له مبرر في هذا العصر‪ .‬واذا ثبتت‬ ‫استحالة علم المتهم بالقانون واغتفر له جهله ‪ ,‬فان ما ينتفي بهذا الجهل ليس بالقصد الجنائي ‪ ,‬بل المسؤولية الجنائية ‪ ,‬وال‬ ‫ارتباط بالضرورة بين االمرين‪ .‬أخيرا‪ ,‬اتضح من االراء القانونية ان للفقه االسالمي الفضل في سبقه الى تناول قاعدة عدم‬ ‫االعتذار بالجهل بالدراسة ‪ ,‬بل ان الحجج التي يستند اليه القانونيون لتبرير تلك القاعدة مستمدة من الفقه االىسالمي ‪.‬‬

‫‪421‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪143‬‬


‫ثانيا ‪ :‬التوصيات ‪:‬‬ ‫‪ . 1‬دراسة فكرة تقسيم الدارين ضمن النصوص الشرعية و القواعد العامة التي جاءت بها الشريعة اإلسالمية في ظل الواقع‬ ‫المعاصر ‪.‬‬ ‫‪ .2‬مراجعة اآلراء الفقهية فيما يتعلق بتقسيمالعالم إلى دارين أو أكثر من دار‪ ،‬وبيان دالالتها و سياقها التاريخي ‪ ،‬ومدى‬ ‫مالئمتها لواقع المسلمين ‪.‬‬ ‫‪ . 3‬دعوة المجامع الفقهية لدراسة فكرة تقسيم العالم دراسة متعمقة تأخذ بمقاصد النصوص الشرعية ‪ ،‬وأراء الفقهاء قديما‬ ‫وحديثا واإلحاطة بعلم السياسة و العالقات الدولية المعاصرة ‪ ،‬وتحديد موقف واضح من قضية تقسيم العالم إلى دارين‪.‬‬ ‫‪ .4‬تسخير وسائل اإلعالم و التواصل المختلفة لشرح وبيان فكرة تقسيم العالم حتى ال تؤخذ ممارسة بعض المسلمين للعنف‬ ‫على أنها أثر من أثار أراء الفقهاء في تقسيم العالم ‪.‬‬ ‫‪ .5‬تعريف المسلمين و خاصة الشباب منهم بطبيعة العالقة بين المسلمين وغيره من خالل القواعد اإلسالمية العامة‬ ‫المنظمة لهذه العالقة ‪.‬‬ ‫‪ . 6‬عقد المؤتمرات و الندوات حول موضوع تقسيم العالم لدراسة هذه الفكرة و التحاور حولها من أجل الخروج بأراء تبين‬ ‫الموقف من الفكرة ‪.‬‬

‫‪144‬‬


‫أوال‪ :‬التفاسير‪:‬‬

‫فهرس المصادر و المراجع‬

‫‪.1‬أحكام القرآن‪ :‬أبو بكر الجصاص الرازي (‪ 370‬ه)‪ ,‬دار المصحف الطبعة الثانية‪ ,‬بيروت ‪1988‬م‪.‬‬

‫‪ .2‬احكام القرآن‪ :‬محمد بن عبد هللا المعروف بابن العربي ت (‪ )542‬تحقيق علي محمد البجاوي ‪ ،‬دار احياء الكتب‬ ‫العربية‪ ،‬عيسى البابي وشركائه القاهرة‪1967 .‬م‪.‬‬ ‫‪ .3‬تفسير القرآن العظيم‪ :‬أبو الفداء اسماعيل بن كثير (‪ 774‬ه)‪ ,‬كتاب الشعب‪ ,‬القاهرة‪1980 ,‬م‪.‬‬

‫‪ .4‬تمهيد األوائل وتلخيص الدالئل‪ :‬الباقالني (‪403‬ه) تحقيق‪ :‬الشيخ عماد الدين أحمد حيدر ‪ -‬مركز الخدمات واألبحاث الثقافية‪.‬‬ ‫الطبعة‪ :‬الثالثة ‪1410‬ه ـ‪1990‬م‬ ‫‪ .5‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ( تفسير السعدي)‪ :‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ,‬عبد الرحمن بن معال اللويحق‬ ‫(ط‪ .‬دار السالم للنشر والتوزيع – الرياض‪1990 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .6‬الجامع ألحكام القرآن‪ :‬محمد بن أحمد القرطبي (‪761‬ه) ـ دار احياء التراث العربي‪ ,‬بيروت‪1967 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .7‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪:‬محمد بن عمر الزمخشري (‪528‬هـ)‪ ،‬مطبعة االستقامة‪ ,‬القاهرة‪1946 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .8‬مفاتيح الغيب‪:‬محمد بن عمر بن الحسن الرازي‪606(،‬هـ )‪ ,‬المطبعة البهية المصرية‪1357 ,‬هـ ‪1938‬م‪.‬‬ ‫ثانيا‪:‬السنن‪:‬‬ ‫‪ .9‬سنن ابن ماجة طبع استنبول‪1981 ,‬م‪ .‬المصنف‪ :‬أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (‪211‬ه)‪,‬‬ ‫تحقيق حبيب الرحمن االعظمي‪ ,‬المجلس العلمي الهند‪1390 ,‬ه ـ‪1970‬م‪.‬‬

‫‪ . 10‬سنن أبي داود ‪ :‬سليمان بن االشعث االزدي ‪275( :‬ه ) ‪ ,‬طبع استنبول‪1981 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .11‬سنن البيهقي‪ :‬أحمد بن حسن بن علي البيهقي (‪458‬ه)‪ ,‬المعارف العثمانية حيدر أباد ـ ـ الهند ـ ـ الطبعة االولى‬ ‫‪1354‬ه‪.‬‬

‫‪.12‬سنن الترمذي‪ :‬محمد بن عيسى الترمذي (‪ 279‬ه)‪ ,‬طبع استنبول‪1981 ,‬م‪.‬‬ ‫‪. 13‬صحيح البخاري‪ :‬محمد بن اسماعيل البخاري‪256( ,‬ه)‪ ,‬طبع استنبول‪1981 ,‬م‪.‬‬ ‫‪.14‬صحيح مسلم‪ :‬مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري‪ 261( ,‬ه)‪ ,‬طبع استنبول‪1981 ,‬م‪.‬‬

‫‪ .15‬الفائق في غريب الحديث‪ :‬محمود بن عمر الزمخشري جار هللا أبو القاسم‪ ,‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي ‪ -‬محمد أبو الفضل‬ ‫إبراهيم‪ ,‬عيسى البابي الحلبي‪1972.‬م‪.‬‬

‫‪.16‬مصنف عبد الرزاق‪ :‬عبد الرزاق بن همام الصنعاني‪ 211( ,‬ه)‪ ,‬المكتب االسالمي بيروت الطبعة الثانية‪ 1403 ,‬ه‬ ‫ـ ـ ‪1983‬م‪.‬‬ ‫‪145‬‬


‫‪.17‬مسند االمام أحمد بن حنبل‪ :‬أحمد بن محمد بن حنبل (‪ 241‬ه)‪ ,‬طبع استنبول‪1981 ,‬م‪.‬‬ ‫‪.18‬نيل األوطار شرح منتقى االخبار‪ :‬محمد علي الشوكاني (‪1250‬ه)‪ ,‬دار الجيل بيروت‪1344 ,‬ه‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬األصول والقواعد‪:‬‬

‫‪ .19‬إرشاد الفحول الى تحقيق علم األصول‪:‬محمدبن علي بن محمد الشوكاني‪1250 (،‬ه)‪,‬تحقيق أبي مصعب محمد سعيد البدري‪,‬‬ ‫مؤسسة الكتب الثقافية‪ ,‬بيروت‪1989 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .20‬األشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية‪ :‬جالل الدين السيوطي‪ ,‬المكتبة التجارية الكبرى مصر‪.‬‬ ‫‪ .21‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ :‬بدر الدين محمد الزركشي(‪794‬ه)‪ ,‬دار الصفوة ـ الغردقة ـ الطبعة الثانية‪1990 ,‬م‪.‬‬

‫‪.22‬تقريب الوصول إلى علم األصول‪ :‬أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي‪ ,‬دراسة وتحقيق‪ ،‬عبد هللا محمد الجبوري‪،‬‬ ‫األردن‪ :‬دار النفائس‪1990 ,‬م‪.‬‬

‫‪ .23‬التقرير والتحبير‪ :‬محمد بن عمر بن أمير الحاج‪ ,‬الطبعة األولى المطبعة الكبرى االميرية ببوالق مصر‪1316 ,‬هـ‪.‬‬ ‫‪ .24‬التمهيد في أصول الفقه‪ :‬محفوظ بن أحمد الكلوذاني(‪510‬ه)‪ ,‬دراسة و تحقيق مفيد محمد أبوعمشة‪ ,‬دار المدني جدة‪ :‬الطبعة‬ ‫األولى ‪1406‬ه‪1985‬م‪.‬‬ ‫‪ .25‬التمهيد في تخريج الفروع على األصول‪:‬أبو جمال الدين عبد الحيم بن الحسن لن علي اإلسنوي (‪772‬ه)‪ ,‬تحقيق محمد حسن‬ ‫هيتو‪ ,‬مؤسسة الرسالة‪ ,‬بيروت ‪ ,‬الطبعة األولى‪1400 ,‬ه ‪1980‬م‪.‬‬ ‫‪ .26‬شرح تنقيح الفصول في إختصار المحصول في األصول‪ :‬شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي‪ ,‬المحقق‪ :‬مكتب‬ ‫البحوث والدراسات بدار الفكر‪1990 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .27‬شرح العضد على مختصر المنتهى األصولي‪ :‬عثمان بن عمر بن أبي بكر جمال الدين أبو عمرو ابن الحاجب المالكي‪,‬‬ ‫المحقق‪ :‬فادي نصيف و طارق يحي‪ :‬دار الكتب العلمية‪1410 ,‬ه ـ ‪1990‬م‪.‬‬

‫‪ .28‬شرح منار األنوار في أصول الفقه‪ :‬عبد اللطيف بن عبد العزيز‪ ,‬إبن ملك‪ ,‬دار الكتب العلمية‪1980،‬م‪.‬‬

‫‪. 29‬الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى‪ :‬أبو الوليد محمد بن رشد الحفيد‪ ،‬تقديم وتحقيق‪ :‬جمال الدين‬ ‫العلوي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪1990 ,‬م‪.‬‬

‫‪ .30‬العدة في أصول الفقه‪:‬أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء(‪458‬هـ)‪ ,‬تحقيق أحمد بن علي سير المباركي‪ ,‬الطبحة الثانية‪ ,‬الرياض‪,‬‬

‫‪1990‬م‪.‬‬

‫‪ .31‬الفروق‪ :‬شهاب الدين احمد بن ادريس القرافي عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع‪1988 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .32‬فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت‪ :‬السهالوي اللكنوي‪ ,‬دار الكتب العلمية بيروت‪1990 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .33‬المحصول في علم أصول الفقه ‪ :‬فخر الدين محمد بن عمو بن الحسين الرازي‪ ,‬دراسة و تحقيق جابر فياض العلواني‪ ,‬مؤسسة‬ ‫الرسالة بيروت ‪ ,‬الطبعة الثانية‪14110‬ه ـ‪1990‬م‪.‬‬ ‫‪146‬‬


‫‪ .34‬المستصفى من علم األصول‪ :‬أبو حامد محمد الغزالي(‪505‬ه)‪ ,‬دار العلوم الحديثة بيروت‪.‬‬

‫‪. 35‬المعتمد في أصول الفقه‪ :‬محمد بن علي بن الطيب المعتزلي‪ ,‬دار الكتب العلمية بيروت‪1989 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ . 36‬مفتاح الوصول الى علم االصول‪ :‬أحمد كاظم البهادلي‪ ,‬دار المؤرخ العربي‪ ,‬بيروت‪1988 ,‬م‪.‬‬

‫‪ .37‬المنثور في القواعد الفقهية ‪ :‬أبو عبد هللا بدر الدين محمد بن عبد هللا بن بهادر الزركشي (‪794‬ه)‪ ,‬و ازرة األوقاف الكويتية‪,‬‬ ‫الطبعة الثانية‪1405 ,:‬ه ‪1985‬م‪.‬‬ ‫‪ .38‬المنخول في تعليقات األصول‪ :‬أبو حامد محمد الغزالي (ـ‪505‬هـ) ‪,‬ص ‪ .49‬بتحقيق محمد حسن هيتو بيروت‪1989 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .39‬الموافقات في أصول اآلحكام أبو إسحاق إبراهيم بن مويى الشاطبي (‪790‬ه)‪ ,‬دار المعرفة بيروت‪1989 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .40‬ميزان األصول في نتائج العقول‪ :‬عالء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي (‪539‬هـ)‪ ,‬تحقيق عبد الملك‬ ‫عبد الرحمن السعدي‪ ,‬لجنة الثراث العربي واالسالمي‪ ,‬بغداد‪1984 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .41‬نشر البنود على مراقي السعود‪ :‬عبد هللا بن إبراهيم العلوي الشنقيطي المالكي (‪ 1230‬هـ‪ ,),‬تحقيق محمد األمين بن محمد‬ ‫بيب طبع في و ازرة االوقاف المغربية‪ ,‬ثم في دار الكتب العلمية بيروتــ‪1985 ,‬م‪.‬‬

‫‪ . 42‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي‪ :‬أحمد الريسوني‪ ،‬دار األمان‪1989 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .43‬نهاية السؤل في شرح منهاج األصول‪ :‬لناصر الدين البيضاوي (‪685‬ه)‪:‬جمال الدين عبد الرحيم األسنوي(‪772‬ه)‪ ,‬عام الكتب‬ ‫بيروت ـ ‪1982‬م‪.‬‬ ‫‪ .44‬الورقات في أصول الفقه‪:‬عبد الملكبن عبد هللا بن يوسف الجويني ‪ ،‬مؤسسة الكبت الثقافية‪ ,‬بيروت‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬فقه المذاهب‪:‬‬ ‫أ ـ مذهب الحنفي‪:‬‬ ‫‪ .45‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق ‪ :‬زين الدين بن نجيم (‪970‬ه ) ‪ ,‬الطبعة االولى المطبعة العلمية ‪ ,‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪ .46‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ :‬أبو بكر بن مسعود الكاساني (‪487‬ه) الطبعة الثانية ـ ـ ـ دار الكتاب العربي بيروت ‪1394‬ه‬ ‫‪1974‬م‪.‬‬ ‫‪ .47‬حاشية شلبي على تبيين الحقائق ‪:‬شهاب الدين بن أحمد شلبي (‪1021‬هـ)‪ ,‬بهامش تبيين الحقائق‪,‬‬

‫المطبعة العلمية‬

‫بمصر‪1311,‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ .48‬شرح فتح القدير‪ :‬كمال الدين بن محمد بنعبد الواحد بن الهمام (‪861‬هـ)‪ ,‬المكتبة التجارية الكبرى‪1356,‬هـ‪.‬‬

‫‪ . 49‬شرح كتاب السير الكبير ـ‪ :‬محمد بن أحمد السرخسي (‪438‬ه)‪ ,‬مطبعة شركة الالعالنات الشرقية‪1971 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .50‬المبسوط‪ :‬محمد بن أحمد السرخسي (‪438‬ه)‪ ,‬الطبعة الثانية دار المعرفة بيروت‪1359‬ه ‪.‬‬ ‫‪ .51‬معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من األحكام‪ :‬عالء الدين أبو الحسن علي بن خليل للطرابلسي(‪844‬ه)‪ ,‬شركة مطبعة‬ ‫‪147‬‬


‫مصطفى البابي الحلبي مصر‪1973,‬م‪.‬‬ ‫ب ـ فقه مالكي‪:‬‬ ‫‪ .52‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ‪:‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد(‪959‬هـ) دار المعرفة بيروت‪1988,‬م‪.‬‬ ‫‪ .53‬الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة‪ :‬عبد هللا بن نجيم بن شاس (‪610‬هـ)‪,‬مخطوط بدار الكتب الوطنية التونسية وقم ‪/ 2 :‬‬ ‫‪ 112‬ظهر ( مخطوط) ‪.‬‬ ‫‪ .54‬حاشية الدسوقي على شرح الكبير‪ :‬محمد عرفة الدسوقي‪ ,‬دار احياء الكتب العربية ـ ـ القاهرة‪1979.‬م‪.‬‬

‫‪ .55‬حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني‪ :‬أبو الحسن علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي‪ 1189( ,‬ه)‪,‬‬ ‫دار الفكر‪ ,‬بيروت‪1989 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .56‬الشرح الصغير على أكبر المسالك‪ :‬أحمد بن محمد الدردير‪ ,‬دار المعارف بمصر‪1974,‬م‪.‬‬ ‫‪ .57‬شرح الكبير‪ :‬أبو البركات سيدي أحمد الدردير مبع مع حاشية الدسوقي‪ ,‬دار احياء الكتب العربية ـ ـ القاهرة‪1981 .‬م‪.‬‬ ‫‪ .58‬لباب اللباب‪:‬محمد بن عبد هللا بن راشد (‪736‬هـ)‪ ,‬المطبعة التونسية‪ ,‬الطبعة األولى‪1346 ,‬هـ‬ ‫ج ـ فقه الشافعي‪:‬‬ ‫‪ .59‬اآلم ‪:‬محمد بن ادريس الشافعي (‪264‬هـ)‪ ,‬دار الشعب ـ القاهرة‪1968 ,‬م‪.‬‬

‫‪.60‬األوسط في السنن واإلجماع واالختالف‪ :‬أبو بكر تحمد بن ابراهيم بن المنذر‪319( ,‬ه)‪ ,‬دار الفالح‪ ,‬بيروت‪,‬‬ ‫‪1987‬م‪.‬‬

‫‪ .61‬حاشية البجيرمي على منهج الطالب ‪ :‬سليمان بن محمدالبيجرمي(‪1096‬هـ)‪ ,‬المكتبة التجارية الكبري بمصر‪1926 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .62‬شرح المحلي على منهج الطالبين ‪:‬محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلى (‪864‬هـ)‪ ,‬مطبوع مع حاشيتي قليوبي وعميرة‪,‬‬ ‫دار احياء الكتب العربية بمصر‪ ,‬القاهرة‪1375 ,‬ه ـ ـ ‪1956‬م‪.‬‬

‫‪ .63‬فتح العزيز على شرح الوجيز‪ :‬عبد الكريم محمد الرافعي‪ ,‬دار الكتب العلمية بيروت ‪1988‬م‪.‬‬ ‫‪ .64‬مغني المحتاج الى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ‪:‬محمد الشربيني الخطيب (‪977‬هـ)‪ ,‬المكتبة التجارية الكبرى‪1392,‬ه ـ ـ‬ ‫‪1972‬م‪.‬‬ ‫د ـ فقه الحنبلي‪:‬‬ ‫‪ .65‬االختيار لتعليل المختار‪ :‬عبد هللا بن محمود بن مودود مجد الدين الموصلي (‪683‬ه)‪ ,‬تحقيق ‪:‬محمد محي الين عبد الحميد‪,‬‬ ‫دار الكتب العلمية‪ ,‬بيروت‪1968 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .66‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪:‬أبو عبد هللا محمد إبن القيم الجوزية(‪751‬ه)‪ ,‬دار الكتب الجديثة ـ عابدين ـ تحقيق عبد‬ ‫الرحمن الوكيل‪ ,‬عابدين‪ ,‬القاهرة ـ‪1975 ,‬م‪.‬‬ ‫‪148‬‬


‫‪ .67‬حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي النجدي (‪1392‬ه) ‪ ,‬بدون الناشر‬ ‫الطبعة األولى‪1397 ,‬ه‪.‬‬ ‫‪ .68‬زاد المستقنع‪ :‬مختصر المقنع‪ :‬موسى أحمد حجاوي‪ , ,‬دار إشبيليا‪1990 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .69‬الحاوي الكبير في فقه مذهب اإلمام الشافعي‪ :‬أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي(‪450‬ه)‪ ,‬تحقيق الشيخ علي‬ ‫‪ .70‬محمد معوض و الشيخ عادل أحمد عبد الموجود‪ ,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬بيروت‪ ,‬الطبعة األولى‪1990 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .71‬كشاف األخيار كشاف القناع عن متن اإلقناع‪:‬منصور بن إدريس البهوتي(‪1051‬ه)‪ ,‬مطبعة الحكومة بمكة ‪1394‬هـ‪,‬‬ ‫‪167./6‬‬ ‫‪ .72‬مجموع الفتاوى البن تيمية‪ :‬أحمد بن بيمية (‪728‬ه)‪,‬طبعة الرئاسة العامة لشؤون الحرمين‪,‬مكة‪1395 ,‬ه‬

‫‪ . 73‬المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية‪ :‬أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن تيمية (‪728‬ه)‪ ,‬الطبعة‪ :‬األولى‪,‬‬ ‫‪1400‬ه‪.‬‬ ‫‪ .74‬المغني ‪ :‬عبد هللا بن أحمد بن قدامة(‪620‬هـ)‪ ,‬دار الكتاب العربي بيروت‪1972,‬م‪.‬‬

‫‪.75‬المقنع‪ :‬عبد هللا بن أحمد بن قدامة (‪652‬ه)‪ ,‬مكتبة الرياض الحديثة‪1400 ,‬ه ـ ـ ‪1980‬م‪.‬‬ ‫‪ .76‬منتهى االرادات في جمع المقنع مع التنقيح‪ :‬محمد بن أحمد بن النجار(‪972‬هـ)و دار الجيل للطباعة‪1962 ,‬م‪.‬‬

‫ه) فقه المذاهب االخرى‪:‬‬

‫‪ .77‬االحكام السلطانية و الواليات الدينية‪ :‬علي بن محمد حبيب البصري الماوردي‪ ,‬دار الفكر للطبهعة و النشر و‬ ‫التوزيع‪ ,‬القاهرة‪1402 ,‬ه ـ ـ ‪1982‬م‪.‬‬

‫‪ .78‬إختالف الفقهاء‪ :‬أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (‪ 310‬ه) دار الكتب العلمية بيروت‪ -‬لبنان‪1987 ,‬م‪.‬‬ ‫‪. 79‬السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار‪ :‬محمد بن علي الشوكاني‪ ,‬دار ابن حزم‪ 1978 ,‬م‪.‬‬

‫‪ .80‬شرح كتاب النيل وشفاء العليل‪ :‬محمد بن يوسف أطفيش‪ ,‬دار الفتح ‪ -‬بيروت الطبعة الثانية لسنة ‪1973‬م‪.‬‬ ‫‪ .81‬المحلى‪ :‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي (‪546‬ه) طبع بمصر بمطبعة المنيرية بتحقيق‬ ‫وتعليق أحمد شاكر ‪1987‬م‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬المعاجم و االعالم‪:‬‬

‫‪ .82‬سير أعالم النبالء‪ :‬محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (‪748‬ه) مؤسسة الرسالة‪ ,‬بيروت‪1987 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .83‬لسان العرب ‪:‬جمال الدين محمد بن مكرم المعروف بابن منظور‪711(,‬ه)‪ ,‬دار لسان العرب ـ بيروت‪1990,‬م‬ ‫‪ .84‬القاموس المحيط‪:‬مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي(‪817‬ه)‪,‬الطبعة الثانية ـ ‪1407‬ه تت‪1987‬م‪.‬‬ ‫‪ .85‬المبين فى شرح معانى الفاظ الحكماء و المتكلمين‪:‬حسن محمود اآلمدي الشافعي‪ ,‬مكتبة وهبة للطباعة والنشر ‪1990,‬م ضمن‬ ‫كتاب المصطلح الفلسفي عند العرب ‪ ،‬لعبد األمير األعسم‪.‬‬ ‫‪149‬‬


‫‪ .86‬معجم لغة الفقهاء‪ :‬محمد رواس قلعجي‪ ,‬دار النفائس للنشر والتوزيع‪1988,‬م‪.‬‬ ‫‪ .87‬معجم مقاييس اللغة‪ :‬أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا(‪291‬ه)‪ ,‬الطبعة األولى ـ ‪1366‬ه دار إحياء الكتب العربية ـ‬ ‫القاهرة‪ ,‬تحقيق وضبط عبد السالم محمد هارون ‪.‬‬

‫‪ .88‬المفردات في غريب القرآن‪:‬أبو الحسين بن محمد الراغب األصفهاني‪ ,‬تحقيق سيد كيالني‪ ,‬مصطفي البابي الحلبي‪1961,‬م‪.‬‬ ‫سدسا‪ :‬كتب القانونية‪:‬‬ ‫‪ .89‬أصول القانون ‪ :‬عبد المنعم فرج الصدة‪ ,‬دار النهضة العربية‪1988,‬م‪.‬‬ ‫‪ .90‬جرائم التعاون مع العدو في زمن الحرب‪ :‬لسعد ابراهيم األعظمي‪ ,‬شركة مطبعة االديب البغدادية المحدودة‪1984‬م‪,‬‬ ‫‪ .91‬شرح قانون العقوبات القسم العام‪ :‬محمود محمود مصطفى‪:‬مطبعة جامعة القاهرة‪1983 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .92‬الشروط المفترضة في الجريمة‪ :‬لعبد العظيم مرسي وزير دار النهضة العربية ‪ ,‬القاهرة‪1984,‬م‪.‬‬ ‫‪ .93‬علم االجتماع القانوني األسس و االتجاهات‪:‬محمود ابو زيد‪ ,‬دار غريب للطباعة و النشر و التوزيع‪ ,‬القاهرة‪1990 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .94‬علم القانون والفقه االسالمي ـ نظرية القانون والمعامالت الشرعية‪ :‬سمير عالية‪ ,‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر و التوزيع‪,‬‬ ‫‪1985‬م‪.‬‬ ‫‪ .95‬الفقه القانون‪ :‬محمد الشيرازي‪ ,‬مؤسسة اإلمام الشيرازي العالمية‪1984 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .96‬القصد الجنائي في القانون المصري والمقارن‪ :‬عبد المهيمن بكر سالم‪ ,‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي‪1959 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .97‬القانون الجنائي مبادئه األساسية و نظرياته العامة‪ :‬محمد محي الدين عوض ‪ ,‬مطبعة جامعة القاهرة‪1981,‬م‪9.‬‬

‫‪ .98‬القانون الدولي الخاص المصري‪ :‬حامد زكي‪ ,‬الطبعة األولى‪ ,‬القاهرة مطبعة نوري‪.1937 ,‬‬ ‫‪.99‬القانون الدولي في اإلسالم‪ :‬الزنجاني‪ ،‬عباس علي العميد‪ ,‬تعريب علي هاشم‪ ،‬مجمع البحوث اإلسالمية‪ ،‬مشهد‪،‬‬ ‫ايران‪ ،‬ط‪1400 1‬ه‬

‫‪ .100‬قانون العقوبات‪ ,‬القسم العام‪ :‬مأمن محمد سالمة‪ ,‬مطبعة جامعة القاهرة والكتب الجامعي‪1983 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .101‬قانون العقوبات‪ ,‬القسم العام‪ :‬عبود السراج‪ ,‬جامعة دمشق‪1987.,‬‬ ‫‪ .102‬قانون العقوبات‪ ,‬القسم العام‪ ,‬لمحمد زكي أبي عامر‪ ,:‬دار الجامعة ‪1990,‬م‪.‬‬ ‫‪ .103‬مبادي القسم العام في التشريع العقابي ‪ :‬رؤوف عبيد دار الفكر العربي‪1979 ,‬م‪.‬‬

‫‪ .104‬مبادئ و أحكام القانون اإلداري‪ :‬مهدي ياسين السالمي‪ ,‬مديرية دار الكتب للطباعة و النشر‪ ,‬بغداد‪1989 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .105‬المدخل الفقهي العام الى الحقوق المدنية الجزء األول‪ :‬مصطفى أحمد الورقاء‪ ,‬مطبعة الجامعة السورية‪1957,‬م‪.‬‬ ‫‪150‬‬


‫‪ .106‬مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة االسالمية‪ :‬عبد الناصر توفيق العطار‪ ،‬مطبعة السعادة‪1979 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .107‬المدخل للعلوم القانونية‪ :‬توفيق حسن فرج‪ ،‬دار الثقافة الجامعية‪ 1969 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .108‬النظرية العامة للقصد الجنائي‪ :‬محمود نجيب حسني‪ ,‬دار النهضة العربية القاهرة‪1988 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .109‬النظرية العامة للقانون الجنائي ‪ :‬رمسيس بهنام‪ ,‬منشأة المعارف االسكندرية‪1971 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .110‬النظرية العامة للقانون العقوبات لجالل ثروت‪ :‬مؤسسة الثقافة الجامعية االسكندرية‪.1989 ,‬‬ ‫‪ .111‬الوسيط في القانون العقوبات القسم العام ‪ :‬أحمد فتحي سرور‪ ,‬دار النهضة العربية‪1984 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .112‬النظام العقابي االسالمي‪:‬أبو المعاطي حاقظ أبو الفتوح‪ ,‬مؤسسة دار التعاون ـ القاهرة‪1976 ,‬م‪.‬‬ ‫سابعا‪ :‬مراجع األخرى‪:‬‬

‫‪ .113‬آليات االجتهاد‪ :‬علي جمعة‪،‬القاهرة‪ ,‬دار الرسالة‪1989 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .114‬أبكار األفكار في أصول الدين سيف الديى اآلمدي‪ ,‬تحقيق أحمد محمد المهدي‪ ,‬دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة‪ ,‬الطبعة‬ ‫االولى‪1990 ,‬م‪.‬‬

‫‪ .115‬اختالف الدارين‪ ،‬واثره في احتكام المناكحات والمعمالت‪ :‬فطاني‪ ،‬اسماعيل لطفي‪ ,‬دار السالم للطباعة والنشر‬ ‫والتوزيع‪ .‬القاهرة‪1989 ,‬م‪.‬‬ ‫‪.116‬أحكام أهل الذمة‪ :‬محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية‪ ,‬رمادي للنشر‪ ,‬الدمام‪1404 ,‬ه ـ ‪1989‬م ‪.‬‬ ‫‪ .117‬أحكام الذميين و المستأمنيين في دار االسالم‪ :‬عبد الكريم الزيدان‪ ,‬مؤسسة الرسالة بيروت‪ .‬الطبعة الثانية‪1402 ,‬‬

‫ه ‪ ,‬ـ ـ ‪1987‬م ‪.‬‬

‫‪.118‬أحكام الديار و أنواعها و أحوال ساكنيها‪ :‬جمع واعداد الشيخ أبوسلمان عبدهللا بن محمد الغليفي‪ ,‬غليفة ـ ـ مكة‬ ‫المكرمة‪.‬‬ ‫‪ .119‬إحياء علوم الدين"‪ ،‬أبو حامد محمد الغزالي‪ ،‬مصطفى البابي الحلبي‪1358 ,‬هـ ـ‪1939‬م‪.‬‬

‫‪.120‬إختالف الفقهاء‪ :‬أبو جعفر محمد بن جرير الطبري دار الكتب العلمية بيروت‪ -‬لبنان‪1998 ,‬م‪.‬‬ ‫‪. 121‬أدوات النظر االجتهادي المنشود في ضوء الواقع المعاصر‪ :‬قطب مصطفى سانو‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .122‬اإلرشاد إلى قواطع األدلة في أصول االعتقاد‪ :‬أبوالحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار األسدآبادي (‪415‬ه) تحقيق‬ ‫أسعد تميم‪ ,‬مؤسسة المتب الثقافية‪ ,‬الطبعة األولى‪1405,‬ه‪.‬‬

‫‪.123‬األسس الشرعية للعالقات بين المسلمين وغير المسلمين‪ :‬الشيخ فيصل مولوي‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الرشاد اإلسالمية‪/‬‬ ‫لبنان‪1986 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .124‬اإلسالم والعلم التجريبي"‪ ،‬عبد هللا زروق‪ ،‬المركز العالمي ألبحاث اإليمان‪ ،‬الخرطوم‪ ،‬ط(‪1990 ،)1‬م‪.‬‬ ‫‪151‬‬


‫‪.125‬اصول الدين‪ ،‬للعالمة ابي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي‪429( ،‬ه)‪ ,‬مطبعة الدولة‪ ،‬استانبول ‪1346‬هـ‪.‬‬ ‫‪ .126‬أصول الفقه االسالمي‪ :‬وهبة الزحيلي‪ ,‬دار الفكر للطباعة و التوزيع و النشر بدمشق‪ ,‬الطبعة األولى‪1986‬م‪.‬‬ ‫‪ .127‬أعالم النبوة ‪ :‬علي بن محمد حبيب البصري الماوردي‪( ,‬ت‪ )429‬دار النفائس ‪1989 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .128‬االنصاف فيما يجب اعتقاده و ال يجوز الجهل به‪ :‬ابو بكر الباقالني( ـ ‪403‬هـ) الطبعة الثانية‪1410‬هـ ‪1990‬م ‪ ,‬تحقيق‬ ‫محمد زاهد بن الحسن مكتبة الخناجي بالقاهرة‪.‬‬

‫‪ .129‬تأسيس النظر ـ‪ :‬أبو زيد عبيد هللا عمر بن عيسى الدبوسي ‪ ,‬تحقيق و تصحيح مصطفى محمد القباني الدمشقي‪,‬‬

‫دار بن زيدون بيروت‪1987 ,‬م‪.‬‬

‫‪ . 130‬التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي‪ :‬عبد القادر عودة‪ ,‬دار الكاتب العربي‪ ,‬بيروت‪1986 ,‬م‪.‬‬

‫‪ .131‬التعريفات‪:‬علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (‪816‬ه)‪ ,‬دار الكتب العلمية بيروت ‪ ,‬الطبعة األولى ‪1403‬ه ـ‬ ‫‪1983‬م‪.‬‬

‫‪ . 132‬التقسيم اإلسالمي للمعمورة‪ :‬ياسر لطفي العلي‪ ،‬مؤسسة الرسالة للطباعة و النشر و التوزيع‪ ,‬بيروت‪1410 ,‬ه ـ ـ‬ ‫‪1990‬ـم‪.‬‬

‫‪ .133‬التوحيد والعدل‪ :‬أبوالحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار األسدآبادي (‪415‬ه)‪ .‬تحقيق‪/‬خضر محمد بها‪ ,‬دار الكتب‬ ‫العلمية بيروت‪.‬‬ ‫‪ .132‬التوقيف على مهمات التعاريف زين الدين محمد عبد الرؤوف المناوي (‪1031 -‬هـ) بتحقيق د‪ .‬رضوان الداية‪( ،‬دمشق‪ :‬دار‬ ‫الفكر‪1990 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .133‬الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الكون‪ :‬طه جابر العلواني‪ ,‬مكتبة الشروق الدولية‪.‬‬ ‫‪ .134‬الحدود والرسوم‪ :‬الكندي‪ ،‬ضمن كتاب المصطلح الفلسفي عند العرب‪ ،‬لعبد األمير األعسم‪ ,‬دراسة وتحقيق ‪ ,‬منشورات الفكر‬ ‫العربي ‪ ,‬بغداد‪1984 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .135‬الرؤية اإلسالمية لمصادر المعرفة"‪ ،‬رياض جنزرلي‪ ،‬دار البشائر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط(‪1990 )1‬م‪.‬‬ ‫‪ .136‬سلسلة المفاهيم والمصطلحات" مفهوم المعرفة‪ :‬صالح إسماعيل عبد الحق ‪ ،185-184 ،‬مجلة ‪ ،‬من إصدار المعهد العالمي‬ ‫للفكر اإلسالمي‪ ،‬القاهرة ‪1990‬م‪.‬‬

‫‪ .137‬سياسيات اإلسالم المعاصر‪ ،‬م ارجعات ومتابعات‪ :‬السيد‪ -‬رضوان‪,‬‬

‫دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ 1410 ،‬ه ـ ـ‬

‫‪1990‬م‪.‬‬ ‫‪ .138‬السياسة الشرعية أونظام الدولة اإلسالمية‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ ,‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر و التوزيع‪1986 .‬م‪.‬‬ ‫‪.139‬الشخصية إلسالمية‪ :‬تقي الدين النبهاني‪ ,‬دار األمة للطباعة و النشر والتوزيع‪ ,‬بيروت‪ 1983 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .140‬شرح األصول الخمسة‪ :‬أبوالحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار األسدآبادي (‪415‬ه)‪ ,‬دار إحياء التراث العربي‪,‬‬ ‫‪1990‬م‪.‬‬ ‫‪152‬‬


‫‪ .141‬شرح شريف السيد السند على المواقف‪ :‬مطبعة الحاج محرم أفندي البوسني دار الخالفة العلية‪ ,‬القسطنطنة‪1386 ,‬هـ‪.‬‬ ‫‪ .142‬العقل عند المعتزلة‪ ,‬حسني زينة‪ ,‬دار اآلفاق الجديد بيروت‪1988 .‬م‪.‬‬

‫‪ .143‬العالقات الدولية في اإلسالم‪ :‬محمد أبو زهرة‪ ,‬دار الفكر العربي‪ ,‬القاهرة‪1990 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .144‬فتاوى االمام محمد رشيد رضا‪ :‬تحقيق صلح الدين المنجد‪ ,‬دار الكتاب الجديد‪ ,‬بيروت‪1985 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ . 145‬فتاوى مصطفى الزرقا‪ :‬مصطفى أحمد الزرقا‪ ,‬دار القلم‪ 1989 ,‬م‪,‬‬ ‫‪. 146‬فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم عبد اللطيف آل الشيخ‪ :‬جمع وتؤتيب وتحقيق محمد بن عبد الرحمن بن‬ ‫قاسم‪ ,‬الطبعة األولى‪ ,‬مطبعة الحكومة بمكة المكرمة‪1399 ,‬ه‪.‬‬ ‫‪ . 148‬فقه التحضر اإلسالمي‪ :‬عبد الحميد النجار‪ ,‬دار الغرب االسالمي‪1983 ,‬م‪.‬‬ ‫‪. 149‬الفقه للمغتربين‪ ,‬وفق فتاوى سماحة آية هللا العظمى علي الحسيني السيستاني‪ :‬مؤسسة االمام علي‪ ,‬لندن‪ ,‬طبع‬ ‫بيروت‪1989 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ . 150‬في مهب المعركة‪ :‬مالك بن الحاج عمر بن الخضر بن نبي (‪1393‬ه)‪ ,‬دار الفكر المعاصر بيروت‪1981 ,‬م‪.‬‬

‫‪ . 151‬قاموس الكتاب المقدس‪ :‬دائرة المعارف الكتابية المسيحية‪ ,‬االسكندرية‪1989 ,‬م‪.‬‬

‫‪ .152‬قواعد األحكام في مصالح األنام أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم (‪660‬ه)‪ ,‬مكتبة الكليات األزهرية القاهرة‪,‬‬

‫‪1410‬ه ‪1990‬م‪.‬‬ ‫‪ .153‬كشاف اصطالحات الفنون ‪ :‬محمد علي الفاروقي التهاوني‪ ,‬تحقيق‪ ,‬لطفي عبد البديع‪ ,‬وزارو الثقافة واالرشاد المصرية‪,‬‬ ‫‪1381‬ه ـ ‪1963‬م‪.‬‬ ‫‪ .154‬الكليات معجم في المصطلحات و الفروق‬

‫بيروت ‪1988,‬م‪.‬‬

‫اللغة ألبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي‪1094( ,‬هـ)‪ ,‬مؤسسة الرسالة‬

‫‪ . 155‬ال إنكار في مسائل االجتهاد‪ :‬رؤية منهجية تحليلية قطب مصطفى سانو‪ ،‬دار ابن حزم‪1988 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .156‬المبادئ الشرعية في أحكام العقوبات في الفقه اإلسالمي‪ :‬عبد السالم محمد الشريف‪ ,‬دار الغرب اإلسالمي‪1986 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .157‬المبين فى شرح معانى الفاظ الحكماء و المتكلمين‪:‬حسن محمود اآلمدي الشافعي‪ ,‬مكتبة وهبة للطباعة والنشر ‪1990 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .158‬مجلة إسالميَّة المعرفة‪ :‬حول النظام المعرفي"‪ ،‬محمود الرشدان‪ ،‬المعهد العالي للفكر اإلسالمي‪ ،‬واشنطن‪ ،‬العدد (‪،)10‬‬ ‫‪1990‬م‪.‬‬

‫‪ .159‬مدخل القيم‪ :‬اطار مرجعي لدراسة العالقات الدولية في االسالم‪ ,‬في مشروع العالقات الدولية في االسالم‪ ,‬إشراف‬ ‫د‪ .‬نادية مصطفى‪ ,‬المعهد العالمي للفكر االسالمي‪1990 ,‬م‪.‬‬ ‫‪153‬‬


‫‪ . 160‬المدخل للتشريع اإلسالمي‪ :‬محمد فاروق النبهان‪ ،‬بيروت‪ :‬دارالقلم‪1977 ،‬م‪.‬‬ ‫‪. 161‬مشروع العالقات الدولية في اإلسالم‪ :‬إشراف د‪ .‬نادية مصطفى‪ ,‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪1990 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .162‬مصادر المعرفة في الفكر الديني والفلسفي (د ارسة تقدية في ضوء األسالم‪ :‬عبد الرحمن بن زيد الزنيدي ‪ ,‬المعهد العالمي‬ ‫للفكر اإلسالمي ‪1988 ,‬م‪.‬‬

‫‪ . 163‬مصنفة النظم اإلسالمية‪ :‬مصطفى كمال وصفي مكتبة وهبة شارع عابدين القاهرة‪.1977 ,‬‬ ‫‪ .164‬المغني في أبواب التوحيد والعدل‪:‬أبوالحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار األسدآبادي (‪415‬ه)‪ .‬تحقيق‪/‬خضر محمد‬ ‫بها‪ ,‬دار الكتب العلمية بيروت‪.‬‬ ‫‪ .165‬المنطق الوضعي زكي نجيب محمود ‪ :‬مكتبة أنجلو المصرية‪ ,‬الجزؤ األول‪1965 ,‬م‬ ‫‪ .166‬المنهج الجديد في تعليم الفلسفة الجزء الثاني‪ :‬محمد تقي مصباح البزدي‪ ,‬دار التعارف للمطبوعات بيروت‪1990‬م‪.‬‬ ‫‪ .167‬موسوعة الفقه اإلسالمي المصرية‪ :‬و ازرة األوقاف المصرية‪1967 ,‬م‪.‬‬ ‫‪ .168‬نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة‪ :‬راجح عبد الحميد الكردي‪ ,‬المعهد العالمي للفكر االسالمي‪1990,‬م‪ .117 .‬نظرية‬ ‫المعرفة في القرآن الكريم وتضميناتها التربوية‪ :‬احمد محمد حسين الدغشي‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬دمشق ـ سورية‪1989 ,‬م‬

‫‪ .169‬نهج البالغة مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كالم سيدنا امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)‪ :‬شرحه‬ ‫االمام االكبر الشيخ محمد عبده‪ ،‬خرج مصادره الشيخ حسين االعلمي‪ ،‬الطبعة االولى المصححة‪ ،‬مؤسسة االعلمي‬

‫للمطبوعات‪ ،‬بيروت لبنان‪1410 ,‬ه سـ ـ ‪ 1990‬م‪.‬‬ ‫ثامنا‪ :‬الدوريات‬ ‫‪ .170‬آمال عثمان في بحثها بعنوان " النموذج الـقانوني للجريمة " ‪ :‬مجلة العلوم القانونية واالقتصادية‪ ,‬جامعة عين الشمس‪ ,‬السنة‬ ‫ـ ـ‪ ,14‬العدد األول يناير ‪1972‬م ‪.‬‬ ‫‪ .171‬علي أحمد راشد في بحثه بعنوان "عن االرادة والعمد والخطأ والسببية في نطاق المسؤولية الجنائية"‪ ,‬مجلة العلوم القانونية‬ ‫واالقتصادية‪ ,‬جامعة عين الشمس‪ ,‬السنة ـ ـ الثامنة‪ ,‬العدد األول يناير ‪1966 ,‬م‪.‬‬

‫‪154‬‬


‫فهرس الموضوعات‬ ‫المقدمة‪1... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :‬‬ ‫الباب األول‪8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬تقسيم العالم عند الفقهاء ‪9.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬فكرة تقسيم العالم ‪10... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬دار االسالم ودار الحرب ‪12. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬دار العهد ‪17 .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬أثر تقسيم العالم عند الفقهاء ‪19 .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث األول‪:‬المعامالت المالية‪20. . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬أحكام الدماء‪22. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬فكرة الدارين في المعايير اإلسالمية‪37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬نظرية تقسيم الثنائي للعالم‪49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬دوافع التقسيم الثنائي‪50 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬نقد النظريات التقسيمات القديم‪56 . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬ضرورة تجديد النظر الفقهي ‪62. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ...‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬إعادة النظر في اإلرث الفقهي القديم ‪66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬التأصيل الفقهي للواقع المعاصر ‪67... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬بعض آليات اإلجتهاد المتنور‪70. . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬كيفية تطبيق الشروط الفقهية على الواقع‪72. . .. . . . . . . . . . . . . . . . . .....‬‬

‫‪155‬‬


‫الباب الثاني‪76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬العلم و أهميته في القصد الجنائي‪78 . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬العلم و المعرفة ‪79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مصادر العلم ‪86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬مستوى العلم ‪99 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . .. . . .‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬العلم بالوقائع ‪104 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬الوقائع المتفق عليها‪105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . .. . . . . ..‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬العلم بالشروط المفترضة ‪110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . .‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العلم بالحكم الشرعي ‪114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬تعريف الحكم ‪115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . .. . .‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬العلم بالحكم و أثره ‪131 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . .‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬العلم بالقانون و أثره‪137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . .‬‬ ‫الخاتمة و التوصيات‪140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . .. . . . :‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‪145 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . :‬‬ ‫فهرس الموضوعات‪155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . .. . . . . . . . .‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪156‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.