سنوات صدام إنها الوامر فل داعي للنقاش! ،سلسلة من الطخطاء الفادحة والتصرفات الترتجالية في مؤسسة الرئاسة سنوات صدام ـ الحلقة الولى تأليف :سامان عبدالمجيد حتى آطخر لحظة ،ظنن ُ ت أن الحرب قد ل تنشب ،فبعد أن ظّل لزمٍن طويل يرفض ي تنازٍل قبل تقديم أ َّ صّدام حسين في نهاية المطاف أن يخّفف من ُغلّوه وعناده ،فأمر بتدمير صواتريخ "الصمود" ،وسمح ق في أجواء العراق .كن ُ ت للطائرة الستكشافية الميركية من طراز "يو "2بأن ُتحلّ ِ على اقتناع بأن صّدام سيخرج من جعبته وترقته الطخيرة ،وبأّن الزمة ستنتهي إلى مخرج نهائي على نحو ما انتهت .الزمات السابقة لقد ظلل ُ ت أعمل إلى جانبه طخلل الفترة التي تعّقدت فيها الزمة ،وكنت أعلم أّن صّدام كان أقدتر على التصرف بكثير من البراغماتية على الرغم من تصوتره التقليدي للشرف والعّزة، ،وكنت أعرف أيضا ً بفضل المعلومات التي كنا ننقلها إليه ،أنه كان يعي طخطوترة الوضع ..حق الوعي .في الغالب كان صّدام ينهض في حدود الخامسة صباحًا ،وقد شعرنا حقاً طخلل الشهوتر الستة التي سبقت الحرب أنه لم يذق طعم الراحة قط .كان ُيرسل إلينا بريده بواسطة حّراسه ،في أي ساعة من ساعات .الليل أو النهاتر كان جهاز نقل الرسائل ُمرّوضا ً ترويضا ً ُمتقنًا ،ففي الوقات العادية كان ترج ٌل من ترجال المن يحمل ترسائلنا إلى الرئيس فيسّلمها إلى مكتب الستقبال في بناية سّرية تقع طخاترج القصر، فيتكّفل ترج ٌل ثاٍن من المن بنقلها إلى سكرتير الرئيس الخاص ،عبد حمود الذي كان يضطلع بفتحها، ول شيء من كل
هذا تغّير أثناء الزمة ،فقد ظل صّدام ُيمسك بزمام العراق حتى النهاية .أما ُنهى زوجتي فقد كانت على :اقتناع بأن المأساة قادمة ل محالة ،ولذلك ما فتئت تذّكرني .يجب أن نفكر في جلب مخزون من المؤونة الغذائية - كنت أتراها عند كل عودٍة من القصر ،في ساعات الليل المتأطخرةُ ،تعّد العّدة تأهبا ً لي طاترئ ،فأحاول في كل مرة لطمأنتها ،فقد كنت على اقتناع بأَّن الحرب لو قامت فعلً فلن تكون إل حربا ً طفيفة وبعيدة .كنت أحّد ث نفسي بأن ال ّ صراع لو قّدتر له أن ينفجر ،فإن المقاومة العراقية سوف تصمد لسابيع عديدة ،فل .يمكن للنظام أن ينهاتر كما ينهاتر قص ٌر من وترق ول أطخفيكم أنني من الناحية العملية لم أستبق الحدا ث بأي حال ،فلم أكن قد أعدد ُ ت أ ّ ي شيء ،حين طلب جوترج بوش من الرئيس صدام مغادترة البلد قبل بداية الصراع بأيام .ومع ذلك ،فقد جعلني هذا النذاتر الطخير أدترك أن الحرب قائمة ل محالة ،لكّن الرئيس ما كان ليقبل بمثل هذا الذلل ول ليرضى .بالمنفى بدي ً ل ،وقد كان الميركيون يدتركون ذلك حين وضعوا السكين على ترقبته أنا وزوجتي وأطفالي الثلثة غادترنا الشقة الوظيفية التي أقمنا فيها منذ ما يقاترب التربع سنوات في شاترع أبو نواس على طول نهر دجلة .كان ذلك قبل قيام الحرب بيومين فقط ،كنا آطخر من يهرب من .سكان العماترة ،وأقمنا عند أطخت زوجتي في حي الضباط بالزيتونة وقد تركت معظم أغراضي بالبيت ،ما عدا التلفزيون والحاسوب ،فلم نحمل معنا إل .الشياء الضروترية وقد حرص ْ ت زوجتي على أن ُتتلف كل ما من شأنه أن يعرضنا للخطر .لم أفهم في الحال السبب الذي .جعلها تفّك من على الجداتر ال ّ صوَتر التي كنت أترافق فيها الرئيس لماذا تفعلين هذا؟ -
ل ينبغي أن يعرف أح ٌد أنك كنت تعمل مع صّدام ،سيعّرضنا ذلك لكثير من - !المتاعب ت لها مؤكداً :قل ُ !اسمعي! الوضُع على أ ّ ي حال لن يتدهوتر إلى هذا الحّد - كانت ُنهى تح ّ ب وتخريب وسرقة وعنف ،كانت س بما كان سيأتي من أحدا ث ،من نه ٍ تعلم أّن السكان .سينتقمون من عملء النظام القديم في المواقع البديلة كانت ترئاسة الجمهوترية تمتلك العديد من المساكن والعماترة الفاترغة في بغداد ،وحتى يحبط القصف الميركي الذي ما فتئ ينهال على العاصمة العراقية على مدى عشر سنوات ،تعّود النظام على ترحيل المكاتب في حالت الخطر ،فكان تاترة يستقر لبعض الوقت في بنايات عادية ،وكان الموظفون وأهم أصحاب المقام يقيمون في عماترة عادية للغاية ،مثلما كان المر أثناء القصف الذي تعرضت له بغداد .في شهر ديسمبر عام 1998 وكنا نسّمي تلك المساكن بالمواقع البديلة .لقد كان القادة يعون جيداً المخاطر التي ،كانت تحدق بهم فحرصوا على أن ينظموا أنفسهم حتى ل يمّسهم أي أذى ،كان ذلك على أي حال ما يمكن أن يعتقده أي .مراقب طخاترج النظام ،لكّن الواقع كان مختلفا ً كل الطختلف في شهر أكتوبر 2002تلقت الوزاترات المر بالشروع في ترحيل أترشيفاتها ،كان العراق قد قبل للتو عودة طخبراء منظمة المم المتحدة في نزع السل،ح ،مبرزاً بذلك إترادته الطيبة ونيته الحسنة في تهدئة الزمة القائمة بينه وبين الوليات المتحدة .كان علينا أن نخفي الملفات المهمة قبل وصول المفتشين .إلى بغداد
كنا نعلم أن معظم أولئك المفتشين كانوا جواسيس حقيقيين ،فقد قدموا إلى العراق من أجل البحث عن عتاد محظوتر ،ولكن أيضاً من أجل الستحواذ على الوثائق .لقد وضعنا إذن أترشيفنا ،في مكان آمٍن ليس من أجل إطخفاء المعلومات التي من شأنها أن تعرضنا للخطر في مجال التسلح، ولكن لننا لم نكن نرغب في أن يكتشف الميركيون أسراتر دواليب الرئاسة .وقد تلقينا المر أيضا ً بإطخفاء حواسيبنا .للحيلولة دون حصول الميركيين على نسخ من القراص الصلبة وأذكر أنني حاولت التدطخل لدى أعضاء أمن القصر لثنيهم عن هذا المر ،إيمانا ً مني بأن إطخفاء الحواسيب قد يكون أكثر الموتر إثاترة للشبهات من منظوتر المفتشين ،فإن نحن وضعنا أنفسنا في حالة دفاع فإن ذلك يعني اعترافنا بالتهم الموجهة إلينا .بداية كّلف شخصان بفرز الوثائق، وبعد مروتر يومين نقل الرجلن كل الوثائق بل تمييز إلى مكاٍن بديل ،وهو المكان نفسه الذي لجأنا إليه أثناء .القصف في ديسمبر 1998 ت الرئيس بما فيها ت لقاءا ِ وقد ضّمت هذه الوثائق ،على الخصوص ،محاضر جلسا ِ اللقاءات غير المسبوقة .ولم تتصل هذه الوثائق من قريب أو بعيد بأسلحة الدماتر الشامل! ولذلك فقد حّيرني إطخفاء :هذا النوع من المعلومات .لقد كان المن كلما سألت سؤالً في هذا الشأن ترّد قائل ولماذا نعطيهم هذه الوثائق؟ - .وقد أمر صّدام أيضاً بأن يلتزم موظفو الرئاسة كافة بتدتريب عسكري صاترم !نحن على وشك أن نواجه العدو - علينا أن نعّد أنفسنا ،وأنتم الذين تلزمون الرئيس يجب أن تحاتربوا حتى آطخر ترجل! هكذا كانوا يقولون .لنا
وهكذا شاترك أعضا ٌء من أمن الرئيس الخاص في تدتريبات فدائية جد قاسية .فقد كان عليهم أن يقطعوا مشياً على القدام مسافة تزيد على عشرة كيلو مترات كل يوم ،وأن يتدتربوا على :سائر أنواع السلحة كلشينكوف ،قاذفات صاتروطخية من طراز اتر .بي .جي وأسلحة الدفاع المضاد ...للطائرات الخ وإذا كان تكوين هؤلء مكثفاً وفي غاية الجدية والصرامة ،فلم يكن ذلك شأن موظفي .القصر الطخرين أما فيما يخصنا نحن ،فقد كان مقرتراً أن نتلقى على مدى ثلثة أشهر ساعتين من التدتريب العسكري صباحا ً والقدتر نفسه من التدتريب عصرًا ،أما أنا فلم أحضر هذه الدتروس إل ثلثة أيام فقط ،فسرعان ما أعفي عدد كبير من الموظفين ترفيعي المستوى من هذه التدتريبات ،فقد كان إعداد .البرنامج سّيئا ً وقد أضحت التماترين عديمة الجدوى :لقد عّلمونا في السبوع الول السير بخطى ثابتة ،وفي الثاني تركيب الكلشينكوف وتفكيكه ،وفي الثالث لم نجد شيئا ً نفعله ،وقد كان مقرتراً لنا س في تقنيات دتر ٌ حرب العصابات داطخل المدن ،لكّن حتى ضباط الصف كانوا يقّرون بأن في المر مضيعة للوقت ،وكنا كلما ذهبنا إلى ميدان الرمي لم يكن في حوزة كل واحد مّنا سوى ثل ث طلقات .قبل اندلع العمليات العسكرية ،كان الموظفون يعيشون في حالة من نفاد الصبر ومن القلق بسبب الخطر الوشيك ،فكانوا :يسألونني لماذا ل نغادتر مكاتبنا؟ - بعد النذاتر الطخير الذي أطلقه جوترج بوش في اتجاه صّدام ،توجه ُ ت على الفوتر إلى ،علي عبدا :سكرتير الرئيس الصحافي بذلك السؤال ،فقال لي ل يمكنكم أن تتخذوا قراتر الطخلء من طرف واحد ،فسوف يقال عنكم إنكم جبناء- ، :فقلت له
لكن الميركيين سوف يقصفون العراق وسوف نكون أهدافا ً ممّيزة! لكن عبد - حمود ،سكرتير صّدام الخاص ما لبث أن ترطخص لنا بنقل مكاتبنا في اليوم التالي لذلك النذاتر ،أي قبل الحرب بيومين ،فقد تلقينا في الطخير المر بالتراجع نحو الموقع البديل الذي أُِعَّد لنا طخ ّ صيصا ً في حي ،الحاترثية الرئاسي ليس بعيدًا عن قصر السلم الرئاسي ،الذي قصفه الميركيون بعد ذلك نحو طخمس أو .ست مرات تصرفات اترتجالية كنت قبل الحرب قد ذهبت للتعرف على المكان .كان المكان عباترة عن فيل واسعة ،من طابق واحد ُ طليت جدترانها باللون المغر ،تقع بشاترع الزيتون ،وهي بيت مجهول في حي ثري .من أحياء العاصمة كان هذا البيت في السابق ملكاً لصل،ح عمر العلي التكريتي وهو قريب لصدام وسفير سابق في الوليات المتحدة حتى تاتريخ اترتداده العام ،1982فبعد فراتره قامت الدولة بمصادترة .بيته وهنا أيضاً كم كانت التصرفات اترتجالية! قبل عمليات القصف الميركية العام 1998 كنا وترثنا بيتا ً في مجّمع الوزتراء بحي المنصوتر حيث كان ُيقيم أكثر من طخمسين من مسؤولي العراق .ترفيعي المستوى كان المكان غير لئق للحتماء ،فقد اكتشفنا بعد الزمة أن المساكن المجاوترة كانت قد ُأطخليت من قبل .سكانها لّن الحّي كان يأوي معسكراً لتدتريب المن الخاص بالرئيس لذلك لم ينُج هذا الحّي من القصف المكثف ،فهذا الطختياتر دليل على مدى حماقة القادة العراقيين في اتخاذ القراترات التي تقع على عاتقهم ،كّلما كان المر ل يمت بصلة مباشرة بحياة .الرئيس شخصيا ً فحين جاء عابد حمود في شهر فبراير يقتر،ح علينا الرجوع إلى المجّمع الوزاتري بالمنصوتر ،لم نترّدد في ترفض هذا العرض ،فلم يجد بداً من أن ينصحنا بالتوجه إلى مسؤول إداترة المواقع البديلة حتى يدلنا .على مكان آطخر نأوي إليه
ت متواتريا ً وقد بدا لنا حّي الحاترثية الذي لجأنا إليه في الطخير هادئا ً ساكنا ،فقد كان البي ُ طخلف أحد السواتر مّما يجعله طخفياً عن النظاتر ،لكن ما لبثنا أن علمنا بعد حين أن عدداً كبيراً من مسؤولي البعث الحزب الوحيد في سلطة بغداد -ومنهم طه ياسين ترمضان ،الرجل الوفي لصدام- ، كانوا ُيقيمون على .بعد طخمسين متراً فقط عن ذلك المكان وكان الحي يأوي أيضاً مدترسة للحزب ،وهو ما يعني أننا كنا محاطين بأهداف كامنة. وقد كان هذا البيت الذي أمكننا أن نقوم فيه بواجبنا حتى لحظة سقوط بغداد قد أُِعَّد ملجأ ً لرئيس الديوان الذي ترفض العودة إليه بسبب موقعه غير المن ،فما دام المر كذلك فما الذي جعلهم يمنحوننا إياه؟ والسبب في ذلك بل شك عدم كفاءة أحد مسؤولي الرئاسة ومتابعٍة سيئة للملفات ،فضلً عن أن مكتب إعلمنا لم .يكن بالهمية ذاتها للمن المقرب من الرئيس في الوقت ذاته ُنقلت مصالح الرئاسة الطخرى إلى الضفة الطخرى من نهر دجلة ،ليس بعيداً عن الحاترثية ،في أحياء اليرموك والمنصوتر ،أما المصالح القل أهمية ،المرتبطة أساسا ً بالشرطة فقد تم إطخفاؤها في إحدى المداترس ،ولم ننقل أ ّ ي عتاد ،وقد ظل الموظفون يترّددون على مكاتبهم حتى تحت .القصف ولم يتوقف الترتجال عند هذا الحّد ،فقد جاء سائقان مكلفان بنقل البريد إلى الرئيس يشكوان من أن هذه الترتيبات المنية لم تشملهما حيث لم يقتر،ح عليهما أح ٌد أ ّ ي موقع بديل يلجآن إليه ،ولما كانا يعيشان على مقربة من القصر الجمهوتري فقد طخشيا كثيراً على حياتهما .كن ُ ت على ،استعداد ليوائهما .لكّن علي عبدا لم يوافق على ذلك وعلى الرغم من أن عملهما كان وثيق الصلة بعملنا فقد ظل علي عبدا يعتبر أنهما ل يمثلن جزءاً
من مكتبنا .فلسباب المن والسرّية لم يكن من حّقهما أن يعرفا من كان يدطخل ويخرج من بيتنا في الحاترثية ،فلم يجد هؤلء بّداً من العودة إلى بناياتهم التي تعرضت للصواتريخ الميركية الولى التي ،ح، استهدفت القصر منذ بداية الحرب .وقد عاد إلينا أحد السائقين الذي تعرض لجرو ٍ ،معصوب الرأس متوسلً إلينا أن نأويه في محلتنا ،وأطخيراً وضع السكرتير الصحافي تحت تصرفهما .غرفة معزولة وقد استغرق ترحالنا الكثير من الوقت ،غير أنه على الرغم مّما أصابنا من قلق وجزع فلم نكن على عجلة من أمرنا ،كنا نعتقد جميعاً أننا سنتحاشى الحرب ،فلم ننقل إل العتاد الضروتري ،لعملنا كالحواسيب مث ً ل ،أما السرة والكراسي والمكيفات وأفران الطبخ فقد استعادتها .الرئاسة لم نتلق أي تعليمات طخاصة حول ما كان ينبغي علينا أن ننقله بالضروترة ،ومع ذلك فقد فكروا في الوقت ذاته في تفاصيل ثانوية ،ومن ذلك إقامة نظام من صواني الكل لموظفي الديوان الموزعين عبر ّ العاصمة ،لكن الداترة نسيت أن تخبرنا بذلك ،ولم نطلع على هذا النظام إل بعد بداية القصف بيومين أو ثلثة أيام ،فكنت كّل يوم أترسل من ملجئنا أحد السائقين ليأتينا بنحو عشرين من هذه الصواني من .الديوان الذي كان ينهال عليه واب ٌل من القنابل أطخطاء فادحة كان بحوزتنا جهاز لتوليد الكهرباء ،لكّن علي عبدا لم يكن يرغب في أن نستعمله كثيرًا ،فقد أصابه الهذيان بسبب الحدا ث حتى صاتر يخشى من أن يزعج صو ُ ت موّلد الكهرباء الجيران أو يكشف أمرنا للطائرات الميركية .وهنا أيضاً كم من أطخطاٍء فادحة اترتكبت من قبل مصالح !الرئاسة وفي تربيع عام 2002حصلنا علي عبدا وأنا على سياترة جديدة لكل واحد مّنا، وكانت من نوع
نيسان سيدتريك" .هذا النوع من السياترات كان محظوتراً بيعه للشعب حيث كان" مخصصا ً للمسؤولين الكباتر في الحزب وللمديرين العامين في الرئاسة .هذه الهدايا لم تكن طخافية على الجمهوتر ،لكّن مأتربنا في الحاترثية لم يكن يّتسع إ ّ ل لسياترة واحدة ،ولذلك لم أجد بّداً من أن أتركن سياترتي .في الشاترع وكان للسائقين سياترات من نوع "بيك أوب" المخ ّ صصة أيضا ً للمقربين من السلطة، فلم نكن إذاً كتومين جّدًا ،فكوننا لم نكن قادترين على أن نوقف سياتراتنا في مكان آمٍن وبعيداً عن النظاتر فقد كنا معرضين لمخاطر حقيقية ،فقد كنا نخشى أن يكشف أمرنا أحد الجيران ،أما أنا شخصيا ً فقد كانت طخشيتي أكثر وأكبر من الجماعات الترهابية المرتبطة بالمعاترضة في الخاترج أكثر من طخشيتي من .القصف الميركي ،ولم ُيعّين المسؤولون أي حاترس يحرسنا حول البيت وقد أحضرنا كمية من الشموع والمصابيح البترولية تحّسباً لي انقطاع في الكهرباء، كما أعددنا مخزوناً من البطاتريات لتأمين الستماع للذاعة ،فقد كان الراديو آطخر وسيلة إعلمية في متناولنا لطلع صّدام بما يطرأ من أطخباتر ،لكننا في الليلة التي انقطعت فيها الكهرباء فوجئنا بعدم توفر المصابيح البترولية لن العامل المكّلف بالعتاد كان قد نسيها في الرئاسة .وما إن تمكنا من الحصول على المصابيح حتى تعّذتر الحصول على البترول ،فلم أجد بداً من التوجه إلى بيتنا لحضر زجاجات من .البنزين لم يكن سكرتير الرئيس الصحافي الوحيد الذي اصابه الذعر ،فبعد مروتر أتربعة أيام على بداية الحرب أصدتر إلينا السكرتير الشخصي لصدام أمراً بعدم استعمال الحواسيب والنترنت، حتى ل يكشف الميركيون أمرنا ،ولذلك اضطرترنا لن نحّرتر بخط اليد نشرات الطخباتر المخصصة للرئيس ،فكنا نستعمل وترق الكربون حتى تظل نسخة من النص في حوزتنا .قرا ٌتر ل معنى له! ففي بيتنا كنت أشتغل
على النترنت ،وكان ابني يمضي أيامه في السباحة على أمواج النترنت ،فقلت ذلك :للمن هناك على القل مائه ألف حاسوب في بغداد موصولة بالنترنت ،كيف يمكن - للميركيين أن يكشفوا أمرنا؟ !إنها الوامر ،ل داعي للنقاش - وأعدنا ترتيب أموترنا من جديد ،فهيأت نظاماً للعمل بالفريق المحدود ،حتى نحّد من الخسائر في التروا،ح البشرية إْن نحن تعرضنا لي قصف .كان ستة أو سبعة من الموظفين موجودين بشكل دائم على مداتر الساعة ،وقد تضاعف عملنا طخلل الحرب ،لن الرئيس كان قد اشترط مّنا أن نرسل إليه ف من ملخصات الطخباتر التي كنا نرسلها في الفترات العادية. ضعفي أو ثلثة أضعا ٍ كان الجميع يحضر إلى العمل باستثناء موظف في الطباعة كان اضطر لمغادترة بيته الذي كان يتعرض للقصف المتواصل .بجانب وزاترة العلم كان قد تأجّر شقة بالقرب من بيت حماه في بعقوبة الواقعة على بعد ثمانين كيلو متراً من بغداد ،فقد كان يصعب عليه المجيء إلى المكتب ،وقد ألححت عليه بأن يواصل العمل معنا ،فقد كان قطع المسافة يعرضه للقدتر نفسه من المخاطر التي كان يعرضه لها تخليه عن منصبه ،ناهيك عن أننا كّنا نخضع .لمراقبة مستمرة والحق أقول إننا حتى في اليام التي سبقت سقوط بغداد يوم التاسع من أبريل كّنا أكثر تفاؤ ً ل .فقد كان العّمال صامدين باستثناء عاملين أو ثلثة .وكان أكثرهم وجلً الجاسوس الذي كان يعمل لحساب أمن الرئيس ،أما مساعداي فلم يباليا بالمر كثيرًا ،فعلى عكس حرب عام 1991فقد كان القصف متواصل ت أطخشى عليهم كثيراً .أناء الليل وأطراف النهاتر ،وكن ُ
أثناء الحرب اطختيرت فيلتنا كنقطة للتقاء الشخصيات المدعوة من قبل الرئيس ،وكان ترسو ٌل طخاص ينقل لنا الستدعاءات ،وكنا نتصل عن طريق الهاتف بالشخص المعني ،وبعد أن دّمر المركز الهاتفي .المركزي لماعون قبل انتهاء المعاترك بعشرة أيام أترسلنا ُمراسلينا لطخباترهم بذلك فكانوا كلما وصلوا إلى الحاترثية اقتيدوا نحو مكان سر ّ ي ،وهناك يغيرون السائق قبل الوصول إلى مكان ثالث حيث يختبئ الرئيس .وقد جاء لزياترتنا مرات عديدة محمد الصّحاف وزير العلم المعروف بغليانه ،ولطيف نصيف جاسم نائب مدير المكتب العسكري لحزب البعث قبل ان .يلتحقا بصدام حسين تنقل بل انقطاع كان الرئيس يتنّقل بل انقطاع .في اليام الولى أقام في بيت قريب من بيتنا ،فقد عرف ُ ت ذلك لّن علي عبدا كان يقطع المسافة إلى الرئيس في سياترة المن في وقت وجيز ،وقد كان كثير الترّدد على ذلك .المكان ،حيث كان الرئيس يجتمع بل انقطاع بأعضاء قيادة الحزب ومسؤولي الجيش وأكثر من ذلك ،فقد انعقد في اليام الولى للحرب اجتماعان في مكان ل يصّدق ،في بيت يقع عند مدطخل القصر الجمهوتري الذي كان قد تعرض للقصف ليلة ذلك اللقاء ،وهو ما يؤكد أن نقاط اللقاءات كان يتم اطختياترها يوما ً بيوم تبعا ً للضربات الميركية .وكان صّدام بعد ذلك قد قضى أياما ً عديدة في فيل المنصوتر بالقرب من مطعم الساعة .وقد قام الميركيون الذين اعتقدوا العثوتر عليه بذلك المكان بقصف المنطقة يوم السابع من أبريل .وقد كادوا أن يصيبوه في ذلك القصف لنه لم يكن بعيداً عن ذلك المكان .كثيراً لقد تعّود صدام منذ العام 1990أن يقيم بشكل سر ّ ي في عدد من البيوت العادية في العاصمة ،وأذكر أنني توجه ُ ت العام 1991عن غير قصد بالقرب من أحد تلك البيوت .فذات مساء، ،وأنا عائد إلى البيت
أطخبرني السائق بأنه سيعّرج على الرئيس حتى يسّلمه بريداً مهمًا ،فدطخلنا في شاترع هادئ بحي .اليرموك لم نلمس أي إجراء أمنّي واضح فيه فقد كانت القامة بعيدة عن النظاتر ،غير أنه حين اقتربنا من باب المدطخل فوجئنا بحاترسين يطلن علينا من وتراء إحدى الشجاتر .ولم يستغرق تسليمهما البريد الموّجه للرئيس سوى ثوان! قيل مراتراً إن صّدام يعتصم في داطخل غرف حصينة تحت الترض .أجل لقد وجدت هذه الحصون بالفعل ،لكّن صّدام لم .يتقهقر إليها أثناء الحرب ،فقد كان في الواقع يتخفى بين صفوف شعبه وكانت وسائل العلم الغربية قد أفرطت كثيراً في تصوتر "ُنسخ" الرئيس ،مّدعيةً بأنه كان محاطا ً بأشخاص مشابهين له ،فأنا لم ألتق قط بأي واحد منهم .ويبدو أن أحد أطباء صّدام الفرنسيين قد استقبل يوماً من طرف أحد هؤلء الشباه ،لكّن الطبيب لم يتعّرف عليه ،بطبيعة .الحال كان الرئيس يلجأ إلى استخدام هذه "الّنسخ" كوسائل للخداع ،فحين كانت بعض ،المواكب تعبر المدينة كانوا يوهمون الناس ،من طخلل أحد هؤلء الشباه ،بأن صّدام متواجد في هذه ،المرسيدس أو تلك والواقع أن الرئيس كان يتنقل في سياترة عادية ل تثير أي اهتمام ،غير أن الرئيس، في المقابل ،لم يكن .يعهد بالمهمات الخاصة لهذه "الّنسخ لقد كان صّدام يحس أنه وحيد .وعلى الرغم من بعض مؤشرات التذبذب والحيرة"، فقد ظل صدام يقود البلد حتى النهاية ،فقد كان يلتقي بانتظام بوزترائه ويطلع على بريده .وبينما كانت المعاترك على أشدها ،استمر صّدام في تجسيد الشخصية اللغز العصّية الغامضة ،التي ما فتئ يمثلها في أعيننننا .جميعا ً وهكذا ،وبينما كنا نعيش ساعات مأساوية ،دعاني لكي أترجم إلى العربية محاوترة من طخمس عشرة
صفحة كان قد أدلى بها صهره السابق كامل حسين .ويعود تاتريخ هذا الحديث لثمانية ،أعوام مضت وكانت قد نشرت في التردن التي كان قد لجأ إليها العام 1995قبل أن تتم تصفيته في بغداد بعد ذلك بستة أشهر .لم يكن للحواتر أي أهمية ول أي صلة بما كان يحد ث من حولنا ،فقد كنت منهكا ً كثيراً مع الراديو الذي كان علي أن أستمر في الستماع إليه بل انقطاع حتى أطلع صدام بما .يجّد من أطخباتر :قلت لسكرتيره !إنها مضيعة للوقت - .أنا موافق ،ولكنها الوامر - ُ.ترى لماذا الهتمام بهذا الشيء في مثل هذا الوقت؟ ل أحد يدتري كتاب ـ سنوات صدام ـ الحلقة الثانية عندما بكى وزير الدفاع العراقي ،الحاسة السادسة تنقذ صدام من القصف لدى غياب قائد المخابرات الرجل ذو النظاترة المحرشفة الغليظة ،الذي طخاطب العراقيين يوم الخميس 20ماترس ،2003كان صّدام حسين بالفعل ،وليس أحد أشباهه ،كما اعتقد الكثيرون وأّكدوا في تلك الفترة، فقد سّجل الرئيس مداطخلته في البيت المجاوتر لبيتنا ،حيث أقام في اليام الولى من الزمة .في الصبا،ح كنت في المكان .عينه ،في حدود التاسعة بشاترع الزيتون ،كانت سياترة علي عبدا وهي من نوع "نيسان سدتريك" مركونة أمام الفيل ،قيل لي إنه كان يقضي الليل بمكاتبنا ،وحين استيقظ في حدود العاشرة سألته عن سبب وجوده بذلك المكان ،فشر،ح لي أنه استيقظ في حدود السادسة وكأنه أحس بوجوب الذهاب إلى العمل قبل الموعد المعتاد ،وقال ما إن وصلت إلى المكتب .حتى أبلغني ترجل من المن بأن الرئيس قد أترسل في طلبي
توجه علي عبدا إلى مكتب الرئيس يرافقه أحد الحراس ،وسأله الرئيس الذي اعّد طخطابه في دفتر صغير ترأيه في البناء النحوي للنص ،وأجرى السكرتير الصحافي بعض التصويبات، ثم سّجل صدام مداطخلته التلفزيونية للحرب بعد بدايتها ببضع ساعات .وعلى غير عادته ،لبس صدام نظاترته فدهش علي عبدا أن يظهر الرئيس الحريص على مظهره دومًا ،بذلك المظهر على .الشاشة سيدي الرئيس لماذا تضع النظاترة؟ - !إننا في حرب يا علي - كان النهاتر قد بدأ في الطلوع ،لكن الغرفة كانت ل تزال غاترقة في العتمة .في العادة كان صّدام ل يحب أن ُيظهر أنه حسير البصر ،ولذلك اعتقدنا أنا نفسي وأسرتي وأصدقائي أنه شخص آطخر ،لكّن علي :عبدا ما لبث أن صّححني .أستطيع أن أؤكد لك مئة بالمئة أنه صّدام حسين - تذبذب في القيادة في اليام الولى للصراع ساد شيء من التذبذب في قيادة البلد ،الناتج إلى حّد كبير عن تحرك القيادة وابتعادها ،فقد تقلصت مهامنا إلى حدود الشياء الساسية ،كتحرير أوامر الرئيس المكتوبة ونشرات الطخباتر الموجهة إليه .وقد صاترت تعليمات صّدام أكثر كثافة مما كانت عليه في .العادة ف وطخمسمئة من ففي السبوع الول من الحرب وّجه ترسالة من ثل ث صفحات إلى أل ٍ مسؤولي الجيش .الكباتر تسّلموها عن طريق المراسلين .وكان ذلك عملً هائلً وقد أمرنا عبد حمود سكرتير صّدام الشخصي بطبع هذه الرسائل على حواسبنا، مخالفا ً بذلك الوامر
التي كّنا قد تلقيناها قبل بضعة أيام بعدم استعمالها .ومرة أطخرى كانت الجابة الوحيدة :التي تلقيتها .الوامر هي الوامر - وبعث صدام ترسالة أطخرى إلى طخمسة آلف عضو في الحزب ،وهي ترسالة طخطية ،اضطرترنا لتصويرها وأترسل ترسالة أطخرى إلى شخص ُيدعى عادل عبدا المهدي ،قائد المكتب العسكري للحزب بالناصرية في جنوب العراق ،حيث كانت المقاومة العراقية صامدة في وجه الجيش الميركي وحلفائه .البريطانيين ب أن أضيف هنا أن هذه الميليشيات قد لعبت دوتراً مهما ً في إقناع الفرق واح ّ العسكرية والسكان .وبالقوة أحيانًا ،بأن ل يستسلموا لنداءات الغزاة وبأن ل يتعاونوا معهم وأطخيراً حّرتر صدام ترسالة أطخيرة موجهة إلى قيادات العشائر وإلى مسؤولي الطوائف فكان العدد بذلك هائ ً ل ،مّما اضطرنا إلى البحث عن قائمة هؤلء في مكتب العشائر المنزوي في أحد بيوت حي المنصوتر .ونظراً لتعّقد أسماء السر العشائرية فقد كان إعداد القوائم عملً غاية في .الصعوبة في هذه الرسائل كان الرئيس ُيقّدم النصائح العسكرية ،ويؤجج الّرو،ح الوطنية للمقاومة .كان يريد أن يُِعَّد لمعركة بغداد طخير إعداٍد .كيف يمكن تأجيل تقّدم قوات العدو حتى قلب العاصمة؟ كيف يمكن مماترسة حرب العصابات داطخل المدن؟ كيف ترفض حرب المجابهة واطختاتر الهجوم على الفرق الميركية بواسطة مجموعات صغيرة من الفدائيين .لقد تطلب منا انجاز المهمة المطلوبة ثلثة .أيام وثل ث ليال .وقد كنت عند الضروترة الملحة أستغني عن العمل بوساطة الفرق كنت أعود إلى البيت في ساعات متأطخرة ،ليس قبل الساعة الحادية عشرة ليلً في الحوال كافة ،كان
الجو العام قد أصبح مريعًا ،فقد أصبحت شواترع بغداد طخالية ،ولم تعد هناك كهرباء، وكانت عاصفة ُ الرمال تزيد من حّدة ذلك النطباع بالكاترثة .لم أكن أمّيز الشيء الكثير وأنا أسوق .سياترتي .كنت طخائفا ً كان القصف يهّز العاصمة هّزًا .كان مسّدسي في متناول يدي ،كانت مصالح المن قد زودتنا بقطعة ضل ُ كلشنيكوف ،لكن استعمالها في السياترة كان غير عملّي ،فتركتها في المكتب وف ّ ت الحتفاظ .بمسدسي في متناول اليد ومع ذلك كله ،فقد ظلت معنوياتي جيدة .وعند نهاية شهر ماترس ،وبعد مروتر عشرة أيام على بداية الحرب ،عاد إلي علي عبدا واثقاً من نفسه من اجتماع مع الرئيس والمسؤولين العسكريين من .الجبهتين الجنوبية والشمالية الوضعية العسكرية على ما يرام .إنهم يعّدون لهجوم مضاد سوف يفاجئ - .الميركيين :هكذا قال لي متحدثا ً عن صّدام ،لكنني أجبته !بيني وبينك" هذا مستحيل" - :بعد لحظات من التأمل قال لي بل ترّدد !إنك على حق - من المستحيل أن يخسرالميركيون هذه الحرب .فإن هُم تعرضوا لي هزيمة- ، تصّوتروا كم سيكون شعوتره بالقوة والعظمة ،وهو يهزم أول قوة في العالم .سوف يجعل الخطر يخّيم على ،المنطقة برمتها وسوف يثير الرعب في قلب الكثير من العرب .هذا السيناتريو ،حتى وإن كان في صالح بلدنا ،فهو أم ٌر .ل يتصوتره العقل .ان انتصاترنا مستحيل حتما ً
كان علي عبدا ،مثلي تمامًا ،ترجلً تقنيا في طخدمة النظام .هذا الشيعي ،ذو الصل البابلي ،كان يعمل في الديوان منذ ثلثين عامًا .وكان في السنوات العشر الطخيرة سكرتيراً صحافيا ً للرئيس .كان يحضر كل اللقاءات ما بين صّدام وضيوفه بمن فيهم العراقيين ،وكان يحّرتر التقاترير الرسمية المخ ّ صصة لتلفزيون الدولة ،ولكنه لم يكن مغفّ ً ل ،حيث كنا ننتقد النظام أحيانا ً بصوت طخافت، ونحرص في ذلك .على ألّ يسمعنا أحد ولم يترّدد هذا المناضل البعثي القديم يوماً في فضح انحراف الحزب منذ وصول ،صدام إلى السلطة ف :وكان يأسف لذلك أّيما أس ٍ !لم يعد البعث ذلك الحزب الذي انتمي ُ ت إليه في الستينات - كان علي عبدا بعثيا ً تاتريخياً ،ولم يكن ذلك شأن التسعين بالمئة من المنخرطين في ،هذا الحزب الذين كانوا يأطخذون بطاقات الحزب ،بدافع المتثال للقاعدة الساترية ،وطمعا ً في كسب )منصب عمل أو :مهنة سريعة أو بعثة تدتريبية إلى الخاترج( .في هذا الشأن كثيراً ما كان يقول لي هل تعرف كيف ُتمّيز ما بين بعثّي حقيقي وما بين بعثّي انتهازي؟ يكفي أن تسأله - في أ ّ ي تاتريخ كان .انخراطه في الحزب :ومع ذلك ،فقد كان علي عبدا يعتصم ببعض المل هل نسيت الصومال؟ ألم يضطر الميركيون في النهاية إلى النسحاب منها بعد - الفشل الذي لحق بهم؟ :قلت له !تأجيل نتائج الحرب هو كل ما يمكننا أن نأمل فيه ،وأنت تعرف ذلك جيداً يا علي - عند قراءتي للرسائل التي كان صدام ُيوّجهها لقادة الجيش ،كنت أحّد ُ ث نفسي بأن الحرب مسألة من
اطختصاص المحترفين ،والحال أن صدام لم يكن محترفًا ،فمعه لم يكن للطختصاصيين .أي حق في الكلمة فحتى عندما كان يتظاهر بإعطاء العسكريين حرية قيادة العمليات على نحو ما فعل مع الفريق ماهر .ترشيد ،أحد أبطال الحرب العراقية ـ اليرانية حيث عينه مستشاترًا للقيادة العسكرية ،كان هو السيد المر الوحيد ،فقد كان في الواقع ل يثق بالجيش ول سيما وزير الدفاع سلطان هاشم ،فقد وضعه تحت القامة شبه الجبرية قبل الحرب بقليل .فقد كانت سياترة من المن الرئاسي تأطخذه لحضوتر اجتماعات القيادة العامة ،وهكذا كان الرئيس يراقب عن كثب .كل حركاته صدام في العظمية كان محمد الصحاف ،وزير العلم ،يشحذ معنوياتنا بتصريحاته الملتهبة ،وقد ظل ُيبدي الكثير من التفاؤل حتى النهاية .وقد أُِطخذ عليه إصراتره على الكذب عن قصد ،لكّن الصّحاف لم يكن له أ ّ ي طخياتر آطخر :فإما أن يغادتر العراق وإما أن يظل فيه ويتظاهر بأنه ُيصّدق ما يقول ،فلم يكن الصّحاف أحمق ول غبيًا ،على نحو ما كان يحلو لوسائل العلم أن تصفه به ،وإنما كان يتحد ث لغات كثيرة وكان بيته .مليئا ً بالكتب ما لبث ظهوتر صّدام العلني المفاجئ يوم الجمعة 4ابريل في حي العظمية ،الذي كان له فيه أنصاتر كثر أن شّدد عزمنا ،فقد ترا،ح بزّيه الطخضر الزيتوني "البيريه" الذي يعتمره ُيوّزع البتسامات وُيحّيي بيده جمعا ً من الفضوليين السّذج .كان ذلك أسلوباً من أساليب استهزائه غير المتوقعة .بالميركيين وكان هذا الشخص هو صّدام بالفعل وليس "نسخة" من ُنسخه كما توّهم العديد من الطختصاصيين الذين أنفقوا الساعات في تفّحص شريط الفيديو الخاص بهذه الجولة المفاجئة ،حتى يقيسوا طول أذنيه
وأنفه ونسيج شعره وأشياء أطخرى ،في محاولة يائسة للتمييز ما بين صدام الحقيقي وما بين إحدى .نسخه لكّن شيئا ً بسيطا ً لم ينتبه إليه سوى القليل منا يثبت أن صّدام بذاته هو الذي ترآه الجمهوتر :فقد كان أحد حراسه يرتدي القميص نفسه الذي كان يرتديه ليلة ذلك الظهوتر حين جاء يسلمنا ،ترسالة من الرئيس فقد تعرفت على زّيه من مرّبعاته الكبيرة اللفتة للنظر ،فلم نعتد على ترؤية حراس الرئيس بالز ّ ي المدني ،فقد كانوا في العادة يظهرون بالزي الكاكي ،يا لهم من مساكين! فقد كانوا يمرون بلحظات .عسيرة كنا نتعامل مع ثلثة أو اتربعة منهم كانوا الشخاص أنفسهم دائمًا .ذات مرة استأذننا أُحدهم في استعمال .الحّمام ،فقد كنا نح ّ س بأّن حياتهم كانت غايةً في القساوة وحتى لحظة تدمير مركز ماعون كانوا يتدافعون على مكاتبنا لجراء العديد من المكالمات الهاتفية ،لن ذلك كان متعّذتراً عليهم من الموقع الذي كانوا يختبئون فيه مع صدام ،فحين كانوا يمّرون لتسّلم البريد أو لتسليمه لم نكن نجرؤ قط على السؤال عن حال الرئيس بشكل مباشر ،بل كنا نكتفي بالقول ".شلونك؟" أو "شلون الوضع؟" كان ذلك أسلوبنا في الوصول إلى الجديد من الطخباتر .لقد كنا بعيدين عن صدام ولكننا على اتصال به .من طخلل بريده وكنا نتطلع لمعرفة المزيد عنه عندما سيطر الميركيون على المطاتر في اليوم التالي لظهوتر صدام في العلن يوم 5 ابريل ،أطخبرني أحد الصدقاء أن العديد من جنود العدو قد لقوا حتفهم في المعاترك ،وقد ترفع ذلك معنوياتي قلي ً ل ،لكن .الوضع ما لبث أن انقلب في اليوم التالي وظل يسير من سييء إلى أسوأ
ومنذ ذلك الوقت صرنا معزولين عن صدام ،وصاتر البريد الذي كنا نرسله إليه يعود إلينا بعد بضع ساعات من دون أن يكون قد اطلع عليه أحد ،فقد كان السائقون الذين كنا نعهد إليهم به يقولون لنا إنهم لم يعثروا على أي شخص في المواقع المرصودة لستلم هذا البريد ،فل شك أن صّدام قد اضطر .لسباب أمنية أن يغّير ملجئه باستمراتر وأن ل يخبر بذلك إلّ أقل عدد ممكن من الناس ،فلم يعد حّراسه الذين كانوا سعاته يعرفون أماكن وجوده ،فقد كان يقال قبل الحرب إن الشخصين الوحيدين اللذين كانا يعرفان مكان وجوده باستمراتر هما ابنه الصغر قصّي ،واترثه والمسؤول عن حرسه الخاص ،ثم عبد حمود ذتراعه .اليمنى وكون أن البريد لم يكن يصله فذاك أمر تعودنا عليه في الماضي وكان مرّده لتشّوش في الداترة ،أما هذه المرة فقد كان المر مثاتر قلق وحيرة ،حيث أحسست أن الوضع على غير ما .يرام في السابع من ابريل ذهبت إلى مكتبي لطخر مرة .وعلى الرغم من أننا كنا فقد فقدنا الصلة مع الرئيس فل شيء كان ينبئ بالهزيمة الوشيكة ،فقد قيل لي إن صّدام كان قد عقد اجتماعين مع ،المقربين إليه فالتصال إذن لم ينقطع ما بين القادة العراقيين .أحد هذين اللقاءين جمع ما بين .أعضاء من أسرته حيث داعب صّدام هؤلء ومازحهم على ما يبدو ،وكان يحمل حزاما ً من المتفجرات حول طخصره ،مثلما كان يفعل قصّي وعد ّ ي .ويقال إنه داعب عليّاً نجل الفريق حسين ترشيد ،وهو ترجل من ترجال أمنه :القوياء ،حيث قال له ضاحكا ً كم لك من الطفال يا علي؟ وأنت يا حسين كيف حالك؟ - وقد تركوا صّدام ،وهم يشعرون أنه أتراد أن يوهمهم بأنه ،على الرغم من طخطوترة الوضع القصوى ،لم
يفقد ترباطة جأشه ،وكان قبل ساعات من ذلك الجتماع قد اصطحب أصيل زوجة قصي واطفالها الثلثة لكي يوّدعوا أطفال ترغد وترنا وهالة بنات صدام الثلثة ،وقد افترقوا في حي .المنصوتر أين ذهبت الدفاعات؟ في اليوم نفسه قام الميركيون بقصف المكان ظنا ً منهم أن صّدام وعائلته موجودون فيه ،ومرة أطخرى أنقذت الحاسة السادسة حياة الرئيس ،لكن الميركيين لم يضلوا الطريق كثيرًا :فقد كان الرئيس يحتل أحد البيوت في الحي ،وكان قد استدعى ابنيه قصي وعدي وأهم المسؤولين في .المن وفي لحظة اللقاء المتفق عليها لحظ أحد المقربين من صدام ،اللواء عبدالجليل الحّبوش ،غياب قائد الستخباترات ،فرا،ح يتساءل في ذهول عن سبب تأطخره ،وما لبث أن فهم في تلك اللحظة أن جاسوسه .الرئيسي قد غدتر به وهكذا أدترك صّدام وقصي وعبد حمود أن المؤامرة قد بدأت تحدق بهم ،فساترعوا بإطخلء الشقة ،وما هي إل لحظات حتى حّولت الصواتريخ الميركية البيت إلى انقاض ،فلم يبق من البيت سوى فوهة فاغرة ،وقد نجا صدام من الموت ،لكنه أدترك أن الخيانة باتت تحاصره وأن سلطته قد بدأت تتأترجح من .الداطخل وعندما ترأيت في اليوم نفسه على القناة الميركية "فوكس نيوز" صوتر المدترعات وهي تتوغل في قلب بغداد ،دون أن تعترضها أي مواجهة من الجيش العراقي لم ُتصدق عيناي تلك ،الصوتر والمشاهد .فقد كانت الدبابات تمر أمام أحد المساجد وكانت جثث الشهداء ملقاة على الطريق .وقد كانت هذه القوات آتية من المطاتر تتقدم بسرعة ثمانين
كيلو متراً في الساعة من دون أن يعترض سبيلها أي عائق من العوائق .كنا في المكتب نتابع تلك المشاهد بكثير من الذهول ،لكننا كنا نثق في الحرس الجمهوتري وفي الحرس الخاص للرئيس ،ونعلم .أنهما كانا قد نصبا القذائف والصواتريخ دفاعا ً عن العاصمة :لكّن أحد السائقين ما لبث أن سألنا في تريبة وذهول ولكن أين ذهبت دفاعات بغداد؟ وأين وصلت هذه المدترعات الميركية المجنونة؟ - :قلت له .إنها بالقرب من تمثال شواف - !مستحيل! لقد ملت طخّزان السياترة بالبنزين هناك! لم أتر أي مدترعة - .لعل المر مجرد تركيب صوتر - كان الميركيون بالفعل ُيظهرون أنهم قادترون على الدطخول إلى بغداد والخروج منها بسهولة وبل .مقاومة ،ومن هنا بدأ الذهول يتملكني في اليوم التالي ،يوم 8ابريل ،تناولت فطوتري في البيت .كانت زوجتي ل ترغب في أن أذهب إلى العمل ،وظللت أنتظر حتى الساعة الحادية عشرة ،وظل القصف متواص ً ل ،لكنني لم أكن أستطيع أن .أتأطخر أكثر من ذلك عن عملي .وفّكرت ،عا ٌتر عليك أن تبقى هنا هادئ البال وترفاقك هناك يقاسون في العمل وتركبت سياترتي وانطلقت ،كان علّي أن أعبر نهر دجلة حتى أصل إلى المكتب ،كان الجسر الول ،جسر الجمهوترية ،مغلقًا ،وكذلك الجسر الثاني والثالث ،أما الجسر الوحيد الذي كان ل يزال مفتوحا ً للسير فكان يقع بالقرب من المدينة الطبية في العظمية .كانت الطرقات على الجانب الطخر ،من ضفة النهر :طخالية ،لكّن أحد الطفال استوقفني متسائلً
إلى أين يا سيدي؟ - :إني ذاهب إلى العمل ..إلى مكتبي ،فقهقه مستغربا ً - .أي مكتب؟ فالميركيون عند نهاية الشاترع - هذا مستحيل -قلت لنفسي -أمس فقط كنت هنا ،وكذلك الحكومة والجنود" ...".العراقيون لم أعد أفهم شيئاً في تلك الوضعية ،وبدأت أفكر في داطخلي أن ل شيء يمكن أن يفسر هذا التشتت .والنهزام سوى الخيانة ،وترجعت أدتراجي نحو البيت لم أكن أنا الوحيد الذي وقع في الحيرة والضطراب ،فقد تروى لي أحد الشهود ليلة سقوط بغداد انه ترأى وزير الدفاع سلطان هاشم -الذي كان ترجلً سييء الصيت على أعلى مستويات السلطة على الرغم من طخبرته الكبيرة -وهو يبكي أمام تقّدم القوات الميركية ،فلم يجد بّداً بعد محاولته اليائسة من :أن يتقهقر وُيذعن للخصم وهو يقول !ُقصّي دّمر الجيش وعبد حمود دمر الدولة - لم نتل َّ ق على الطلق أي أوامر بالتفرق .في اليوم التاسع من ابريل مكثت في بيت أطخت زوجتي في حي .زيتونة ،الذي كان ملذي مع السرة في الصبا،ح حاولت مرة أطخرى أن ألتحق بالمكتب لكن دون جدوى ،فقد ظللت مشدوداً إلى الذاعات الجنبية الناطقة بالعربية ،البي بي سي أو إذاعة مونتي كاترلو ،التي ما لبثت أن أكدت سقوط النظام .طخلل عصر ذلك اليوم .وبذلك دقت ساعة فراتر أهم القادة العراقيين كان صدام يحتفظ بثلثة سائقين لم يكن أ ّ ي منهم يعرف الطخرين ،كان أحدهم ينتمي لعشيرة الغزاوي
وآطخر لعشيرة الدليمي والثالث للعشيرة الرئاسية من التكريتيين .فقبل الحرب بقليل، كان الرئيس قد حصرهم في ثلثة مواقع مختلفة من بغداد ،وكان العديد من الحراس يراقبونهم، وظني أن صّدام قد لجأ .إلى أحدهم حتى يفّر من بغداد الواقعة لتوها في قبضة الميركيين كان استسلم المدينة يجري في أجواء غريبة ،فما زلنا نذكر تفكيك تمثال الرئيس في ساحة الفردوس .في قلب بغداد ،لكن صوتر الحد ث تعرضت للكثير من التلعب فهناك كان عدد الصحافيين الذين هّللوا وصفقوا للحد ث يفوق عدد العراقيين بكثير، وباستثناء الحياء الّشيعية الفقيرة ،التي تعرضت لقمع النظام في السابق ،فلم تكن البهجة على موعد مع ،ذلك الحد ث على الرغم من أن الغلبية الساحقة من العراقيين كانت مسروترة بما كان يجري من .أحدا ث وبينما كانت مشاهد النهب تتضاعف عبر البلد تحت أنظاتر الميركيين ال ّ لمبالية، كانت مشاعر الخشية .والفزع من تقلبات ما بعد صّدام قد بدأت تدب في النفوس وفي عصر التاسع من ابريل ،كان محمد الصحاف وزير العلم ل يزال في استوديوهات القناة التلفزيونية الفضائية العراقية ،حين تلقى ترسالة مكتوبة من طرف الرئيس .وقد قرأ مقطعا ً قصيراً منها .أمام الموظفين الباقين معه .إن الرئيس سيزوترنا بعد قليل - بعد ذلك بلحظات مرت ثل ث سياترات دون التوقف أمام الستوديوهات ،فقد كانت تنطلق نحو الشمال في .اتجاه تكريت ،وبذلك فهم الصحاف أن كل شيء قد انتهى فأطلق بدوتره ساقيه للريح وفي يوم السبت 12ابريل مّر الصحاف ثانية بالقرب من استوديوهات التلفزيون، التي كانت قد تحولت إلى أنقاض ،وتوجه نحو بيت مقابل كان يأوي معهداً للتكوين السمعي البصري .وكان حاترسه الخاص
.يراقب مدطخل المكان عن كثب ،كان الصّحاف يمسك بيده كمية من الشرطة وكان يبحث عن مهندس لتركيبها ،فوجد هناك نجل ابن عمتي ،مقدم البرامج الذاعية ،باللغة الكردية الذي قّدم له يد المساعدة .كان المر يتعلق بخطاب لصدام يقول فيه الرئيس "إّن ...".المعركة لم تنته في تلك الثناء كانت سياترة "التويوتا ،"44التي جاء فيها محمد الصحاف قد ُفككت وُجّردت من كل .مكوناتها
سنوات صدام ـ الحلقة الثالثة ـ من الذي غدتر ببغداد؟ صدام :سكان الجنوب أشجع من المقّربين الذين طخانوني على الرغم مّما أصابني من دهشة للسرعة التي استولى بها الميركيون على بغداد، فإني ل أجد بداً من القراتر بأني قد ذهلت أيما ذهول ،حين علمت بعد مروتر ثلثة أيام على سقوط النظام أن محمد الصحاف ،وزير العلم ،كان ول يزال يسعى لسماع صوت الرئيس العراقي .فقد اطختبأ في بيته لبضعة .أسابيع ،ترافضاً أي مقابلة حتى إذا كانت مدفوعة الجر وبعد ذلك استسلم للميركيين ،الذين ما لبثوا أن أطلقوا سراحه ،فهو القائد العراقي الوحيد الذي عرف .كيف يتخلص بلباقة من المأزق بعد سقوط بغداد بأيام قليلة ،ظهر صدام لطخر مرة في العظمية ،حيث ترا،ح ُيحيي من داطخل سياترته بعض الناس ،ومن بينهم امرأة عجوز تقدمت منه لكي تمّد له سبحتها وهي تقول على :ما يبدو حفظك ا!" .ثم تقدمت السياترة حتى منتصف الجسر حيث طخرج صدام منها ،ثم" التفت نحو العظمية ،وترا،ح ينظر إليها في حركة أشبه بوداع لحي أعّزه وتعلق به كثيرًا ،ثم صعد في السياترة قبل .أن يختفي عن النظاتر
في اليوم نفسه ،كان صّدام قد سجل شريطاً أذاعته محطة الجزيرة أكد فيه" :إّن أقرب الناس إلّي هم الذين وجهوا لي طعنة من الخلف" ،لم يستعمل صّدام كلمة "طخيانة" لكن وكأنه قالها .بالفعل وقبل فراتره قيل لي إنه توقف عند أحد أصدقائه لبعض دقائق بالعظمية وقال له وهو يضع يده على :فخذه ـ سكان الجنوب أشجع من المقربين إلّي الذين طخانوني ،فهؤلء ليسوا أفضل من نعل .حذائي موجة الخيانات في الشهوتر التي سبقت الحرب ،سعى الميركيون للتقرب من ترجال أعمال ومسؤولين عراقيين عن طريق الهاتف ،وقد كانت الرسالة واضحة" :إن هزيمة العراق وشيكة فلماذا تظلون إلى جانب المهزومين؟ التحقوا بنا! فسوف تكسبون المال ،وسوف تحتلون مناصب في العراق الحر الذي سوف ".نبنيه معا ً وقد زعم بعضهم أن الميركيين قد نجحوا في إقناع الكثير منهم ،وقد ُذكر اسم أحمد حسين ترئيس ّ الديوان .ويقال إن الميركيين قد اتصلوا أيضا ً بأكرم عطا مدير مصلحة الديوان بالرئاسة بوساطة مراسل أجنبي ،وأن هذا الطخير قد قال له بأن الحرب ل معنى منها ،ونصحه بأن ،ينسحب من النظام لكن أكرم ع ّ طا ترفض العرض ،غير أنه مع ذلك لم ُيطلع ترجال المن بهذا التصال مع العدو ،تربما بدافع .الخوف من النتقام أما أنا فل أحد سعى لللتقاء بي ،لكن وزير الداطخلية العراقية الجديد نوتري بدتران، الذي اطختاتره الميركيون للتعاون معه ومع أعضاء آطخرين من المعاترضة ،ما لبثوا أن صاتروا صلة وصل ما بين
وكالة الستخباترات الميركية وما بين ضباط عراقيين زّودهم الوزير بهواتف نقالة متطوترة ،كان النظام قد حظر استعمالها تحت طائلة ملحقات صاترمة ،فقد كانت هذه الهواتف مخصصة للقادة .وحدهم ،وكان قصي ،مث ً ل ،قد جلب منها مئات عديدة من أحد البلدان المجاوترة أمام تضاعف هذا النوع من العترافات ،صاترت موجة الخيانات ل تثير أي شك اليوم .لقد صدترت الوامر بعدم محاتربة الميركيين الزاحفين على بغداد ،وأنا على يقين من كل ذلك. ،فحول محيط المطاتر كانت قيادة إحدى الوحدات قد طلبت من ترجالها أن تنتظر وصول المدد والعون ،قبل أن تبدأ في .استعمال السلحة وفي غضون ذلك ،كانت عشرات عديدة من المدترعات الميركية تنق ّ ض على بغداد، بل وحتى في داطخل الوحدات النخبوية فضل بعض الرجال المتناع عن طخوض المعركة ،فقد قال لي أحدهم إن قائده قد منعه .من تفجير اللغام المزتروعة تحت الجسوتر :فقد أمره هذا القائد قائلً !ـ ابق مكانك! واسحب ترجالك وفي شرق بغداد ،كان جسر ديالى ممتلئاً بالعبوات الناسفة ،لكن لم تنفجر منها أي !واحدة لكن من الذي غدتر بصدام؟ فحتى يحبط تقدم الميركيين ،تلقى اللواء ماهر سفيان التكريتي المر بإطلق صواتريخ على بغداد ،حتى وإن طخّلف ذلك طخسائر في أتروا،ح المدنيين العراقيين .كان قريب صّدام هذا قد عّين العام 2002قائداً لوحدة المرافقين أي حراس صدام ،وهي الوظيفة التي حل محله فيها قبل الحرب ببضعة أشهر العميد .حبيب
كان ماهر سفيان ترج ً ل من ترجال الظل ،على غراتر كل قادة الرئيس ،فقد اقتربت منه من حيث ل أدتري العام ،1998كنت أنتظر سكرتير الرئيس الخاص في مكتب ترئيس الديوان أحمد حسين ،حين دطخل ترجل أشقر بزي مدني ،وقد تبادلنا الحديث نحو طخمس دقائق قبل أن يغادتر المكتب .بعد طخروجه أطخذ علّي أحد .كّتاب الديوان عدم تقديمي المراعاة والتقدير اللئقين بمرتبته كنت بالفعل أجهل هذا الرجل ،الذي كنت أتحد ث معه للتو .وحسب التقاترير فإن ماهر سفيان قد تسّلم طخمسة وعشرين مليون دولتر مقابل الخيانة .وقد اعترف ضمنيا ً بهذه التهامات فيما بعد ،فقد با،ح سره :لبعض المقربين إليه قائلً ـ لم أترتكب أي طخيانة ،بل على العكس وفرت طخسائر عراقية حين ترفضت معركة غير متكافئة أمام .الميركيين وثمة مؤشر آطخر يؤكد الشكوك الدائرة حوله ،وهو أن اسمه لم يرد ذكره في قائمة الشخصيات العراقية .الخمسة والخمسين التي ألح الميركيون في البحث عنها وثمة أيضاً مسؤولون آطخرون يشتبه في اترتكابهم للخيانة ،ومنهم حبوش ترئيس ،المصالح الستخباترية والذي لم نسمع عنه طخبراً منذ بداية الحرب ،والفريق حسين ترشيد المين العام لقيادة القوات المسلحة ونجله علي الذي كان يعمل إلى جانب قصّي .وقد وترد أيضا ً ذكر صهر صّدام جمال مصطفى السلطان الذي كان مسؤولً عن مكتب العشائر ،والذي كان قد ُعّين العام 2002مساعداً لعبد حمود .وقد استسلم جمال مصطفى للميركيين في التاسع عشر من ابريل بعد مروتر عشرة أيام فقط على .سقوط بغداد مترجم صّدام ت ،مترجما ً ت ،حين كبر ُ ت وأنا طف ٌل أحلم بأن أكون طّياتراً حربيًّا ،لكني صر ُ كن ُ طخاصا ً لصّدام ،وما زل ُ ت
ي معجزٍة أوصلتني إلى ما حتى هذا اليوم أسائل نفسي ،حين أنظر إلى الوتراء ،أ َّ وصلت؟ فلعله القدتر أو إْن شئتم "المكتوب" كما يسّمونه في الشرق الوسط ،ومع ذلك فقد بدأ ْ ت الحياةُ بالنسبة لي على سوء .تفاهم ،في الول من ابريل من عام 1945في بغداد في تلك الثناء لم تكن إداترة الحالة المدنية منضبطة في كل الحوال .وعلى الرغم من ذلك ،فقد جاء تسجيل ميلدي في موعده على طخلف إطخوتي وأطخواتي جميعًا .في ذلك المساء كان ،عبدالمجيد ،والدي ،ح، في أحد النوادي برفقة بعض الصدقاء .وحين بلغه الخبر السعيد فر،ح له أّيما فر ٍ ولّما حاول أن :يتواترى عن صحبه ليلتحق بوالدتي قهقه الصحب وقالوا إنها كذبة ابريل! ل تغادترنا!" فوالدي إذْن لم يعلم بميلدي إل في آطخر ساعة في" الليل ،ولذلك فمثل !هذا اليوم من ابريل ل يمكن أن ُينسى بأي حال تَُعوُد أصولي الكردية بجذوترها إلى السليمانية في شمال العراق ،التي انحدترت منها ُسللت والدي ووالدتي .في بغداد كنا نتحد ث الكردية داطخل البيت ،لكننا لم نكن نتحد ث طخاترجه غير العربية ،اللغة السائدة ،فقد كنت أتحد ث بكلتا اللغتين منذ الطفولة .وكان والدي يغضب أحيانا ً حين يراني أتبادل الحديث بالعربية مع إطخوتي أو أصدقائي ،فيرّدد في سخٍط وتذّمر" :علينا أن نحافظ على لغتنا!" .لقد .كان أبي متمّسكاً بتقاليدنا العائلية أيما تمسك ،مولعا ً بعاداتنا أّيما ولع كان والدي ،الموظف بالجماترك قليل الهتمام بالسياسة .كان مكّلفا ً بمطاتردة المهربين الذين كانوا ينتشرون بكثرة في العراق ،فقد كان هؤلء المتاجرون يسرّبون الكحول في اتجاه الكويت والعربية السعودية عن طريق قنوات سرية ،أما مع إيران فكانوا ُيقايضون الشاي بحمولت من الفول السوداني والفستق .كان هؤلء المهّربون ينعمون بهذه التجاترة كثيرًا ،لّن حدود العراق مع جيرانه كانت من
التساع والمتداد بما يجعلها ل تخضع لي مراقبة ،ولم يتغير هذا الوضُع اليوَم .كثيراً وسوف أظل أذكر دوماً ذلك الهلع الذي أصابني ذات صبا،ح حين اكتشفنا طخنجراً مغروزاً على باب البيت ،فقد كنا جميعاً تحت وقع الصدمة ،كان ذلك العمل تهديداً سافراً ضد والدي، الذي كان قد أوقف للتو إحدى العصابات ،لكّن ذلك التهديد لم ينل من عناد والدي وإصراتره على أن ل يستسلم للتهديد .والبتزاز في الخمسينات والستينات ،كانت الحياة في بغداد تبدو مهتزة مرتجة .كان الجو العام فيها متحّرتراً طليقًا .كنا نذهب إلى السينما لمشاهدة الفلم الميركية ،وكنت مولعا ً بالفلم التي يمثل فيها برت لنكستر ،وكنت أقرأ الترجمة العربية لروايات موتريس لوبلن وأهيم بمغامرات أترسين لوبين .وكنت .أذهب مع العائلة إلى حفلت المطربة اللبنانية الكبيرة صبا،ح قبل العام 1968كانت الحكومات الملكية أو الجمهوترية قد فرضت قيما ً حضرية على القرويين وسكان الترياف القادمين للستقراتر في العاصمة .وقد كان النازحون الجدد يسعون إلى "الّتبغدد" بالتخلي عن .لهجتهم الريفية ،حتى ل يبدو عليهم مظهر التخلف ومع قدوم صدام وقومه من التكريتيين إلى السلطة ،طخلل السبعينات ،انقلبت الظاهرة .ترأسا ً على عقب فقد صاترت الترياف هي التي تفرض عاداتها ونمط حياتها على البغداديين .وهكذا صاترت القيم .العشائرية تقرض وتقضم شيئا ً فشيئًا ،الطابع الغربي لتلك الحياة التي أحببُتها كثيراً كنت ،منذ الطفولة ،قد تعلمت النجليزية بالمعهد الميركي لّلغات في بغداد .وعند نهاية دتراستي الثانوية ترغبت في أن أحّقق أحلمي في اللتحاق بالقوات الجوية ،لكّن والدي ما لبث أن ترفض هذه الرغبة لما في هذه المهنة ،حسب ترأيه ،من طخطوترة بالغة ،ناهيك عن أن أبناء الطبقة البرجوازية ل
يحق لهم أن يكونوا غير أطباء أو محامين أو مهندسين ،ولذلك لجأ إلى حيلة من حيله الماكرة حتى :أعدل عن تلك الفكرة ،حيث قال لي ـ إذا تنازلت عن فكرة انخراطك في الجيش ،فسأدفع عنك تكاليف أتربع سنوات دتراسة في انجلترا لكي .تصبح مهندسا ً وعن طيب طخاطر قبل ُ ت بالعرض ،وقد تملكني الفضول في اكتشاف الغرب ول سيما انجلترا ،تلك القوة التي كانت تحتل العراق يومًا .وهكذا وجدت نفسي عام 1962في ثانوية "ُبولتون" في منطقة مانشستر .غير أنني سرعان ما أدتركت أنني ل أملك أ ّ ي موهبة في الرياضيات أو ،الهندسة أو الفيزياء بل كنت مولعاً بالدب النجليزي أيما ولع ،فكنت أمضي الساعات في التهام شتى أنواع الروايات .وكنت .أعلم أنني لن أصبح مهندسا ً بأي حال من الحوال وبعد مروتر عام عد ُ ت إلى العراق لقضاء إجازات الصيف ،وكان السفر بقطاتر الشرق السريع ،الذي اشتهر في تلك الفترة حتى اسطنبول على القل ،وقد استغرق السفر بعد هذه المدينة أتربعة أيام ،أدترك ُ ت بعدها بغداد ،التي وصلتها ذات يوم أحد ،فوجدت والدي وقد أنهكه إعيا ٌء ما لبث أن فاترق على إثره الحياة في اليوم التالي ،وكأنه آثر انتظاتري حتى يلفظ ما بقي به من أنفاس ،ولذلك لم أفكر في العودة إلى انجلترا لنهاء الدتراسة ،واطخترت اللتحاق بدائرة الداب النجليزية في جامعة .بغداد بدأ ُ ت حياتي المهنية بعيداً عن ضّفتي دجلة ،ففي الستينات كانت بلد الخليج تستقطب الكفاءات من سائر البلدان العربية ،فكان المصريون والفلسطينيون والعراقيون يذهبون إلى هذه البلدان ليساهموا في بنائها بعقولهم وسواعدهم .وقد أترسل العرا ُ ق أفواجاً من المدترسين إلى السعودية، وكنت واحداً من هؤلء ،فحصل ُ ت على وظيفة أستاذ للنجليزية في السعودية .ووجدُتني في دهيبة وهي منطقة نائية في
.شمال البلد كان يعيش في هذه القرية نحو طخمسة آلف من البدو تأويهم بيو ٌ ت بسيطة ،قوامها الطوب والتراب المدكوك ،وقد طخلت من أسباب لين العيش ،فل ماء ول كهرباء .إذ ل ثلجات ول تكييف ،كان زادنا من الفواكه والخضر الطازجة يأتينا مرة أو مرتين في الشهر ،تحمله إلينا إحدى الشاحنات المقبلة من العقبة ،الميناء التردني المجاوتر ،وكانت هذه المؤونة تشّح أحيانًا ،فأتراني أمّني النفس بشيء من .الحليب الرايب ومن البندوترة ،ولو أتاني بها أح ٌد لعطيته كامل الراتب في قرية دهيبة كنت أحسّني بعيدًا ،فقد كانت بغداد وحياتها المضطربة تبدوان بعيدتين نائيتين ،فلم يكن بالمكان سوى مظهر واحد للحداثٍة هو مبنى المدترسة الجديد الوهاج ،الذي شيدته شركة إيطالية في .وسط القرية كان يزاملني بهذه المدترسة نحو عشرة من اللبنانيين والمصريين والفلسطينيين .أما إداترة هذه المدترسة فلم تكن تحق لغير سعودي ،وكان الرجل يحترمني ويقّدترني كثيراً ولكنه كثيراً ما كان يقول لي :في تذمّر ب كفاءة واقتداتر ولكنكم عنيفون عصبّيون ،وتغضبون لتفه ـ أنتم العراقيون أصحا ُ !السباب على مدى ثل ث سنوات ظللت أعيش حياة البساطة والتقشف ،فكانت ساعا ُ ت لَْهِوي الوحيدة سهرا ُ ت الّسمر الطويلة التي كن ُ ت أقضيها على الشاطئ مع زملء المدترسة .فتحت النجوم كنا نستذكر العالم ونتأمل غروب الشمس ،ونحن نستمع إلى أم كلثوم على أمواج إذاعة "صوت العرب" التي كانت تبث .من القاهرة .كانت تلك الفترة فترة انتصاتر الناصرية ف كنت كل عام أسافر إلى العراق أنفق فيه ما كسبته في السعودية .وفي آطخر صي ٍ ترغبت قبل العودة إلى
بلدي في زياترة القاهرة وبيروت .في العاصمة المصرية استأجرت غرفةً من ترجل عجوز ،وذات مساء اكتشفت أن كل مدطخراتي قد اطختفت ،وكانت قناعتي أّن صاحب البيت هو الذي جنى علّي فرفع ُ ت شكواي :إلى المحافظة التي أشفقت على الرجل ،فلم تجد بّداً من القول ـ بالمكان أن نعّذب صاحبك حتى يقّر بفعلته ،لكنه كما ترى طاعن في السّن ،وقد !يموت بين أيدينا ت إلى بغداد ُمفلسًاُ ،معدما ً !فشعرت بالمراترة وعد ُ تحديات لغوية لكن الحظ ما لبث أن ضحك لي ،فقد بلغني أن وزاترة الصناعة العراقية كانت تبحث عن مترجمين عن النجليزية .وما إن حصل ُ ت على الوظيفة حتى وجدُتني متآلفا ً مع عالٍم جديد ،عالم الداترة .والحصائيات ،لكّن كَّل ذلك لم ُيثبط َولَِعي بالثقافات الجنبية وتعّلم الّلغات وهكذا شرع ُ ت ،بمحض الصدفة المطلقة ،في تعّلم الفرنسية :كنت في الواقع أترغب في تعميق لغتي العربية ،لكن الدتراسات في جامعة المستنصرية كانت تدوم أتربع سنوات ،بينما في المقابل لم تكن دتروس الفرنسية تدوم أكثر من عامين .وهكذا ،بقليل من الكسل وكثير من الفضول، انطلقت في تعلم .لغة موليير بعد عامين من الدتراسة حصل ُ ت على الشهادة ،فقد صاترت فرنسيتي سليمة ،غير أنني ظلل ُ ت أعاني من نقص كثير في التحد ث وفي الكتابة على السواء ،فلم أجد بداً من اللتحاق بالمركز ،الثقافي الفرنسي طلباً لمزيد من الدتروس في المحادثة .وهنا أيضا ً تربما كان قدتري مكتوبا ً وحسن طالعي متألقًا ،ففي هذا المركز الثقافي الفرنسي تعرفت على زوجتي ُنهى .ولم يزدني اكتشاف الفرنسية إل .حماسة وإقبالً
كان العام 1967فترة ذهبية في العلقات الفرنسية العراقية ،فقد حصلت المؤسسات الفرنسية على عقود تلو العقود .وقد أبرمت وزاترتا الصناعة في البلدين العديد من اتفاقيات التعاون، اترتبطت إحداهما بالمركز الوطني للداترة الذي كنت انتقلت إليه .وبفضل شهر العسل هذا ،حظيت بقضاء سنة كاملة في .باتريس بمعهد الداترة العامة لكّن مفاجأتي كانت كبيرة حين أدتركت أن الفرنسية ،التي تعّلمتها في بغداد ،بعيدة كل البعد عن فرنسية الباتريسيين ،فهي تكاد أن تكون لغة أطخرى مختلفة .ولذلك ترحت أعمل بل انقطاع ول تأّن وأطخّزن من المفردات اللغوية ما وسعني التخزين ،لدترجة أنني أنهيت امتحانات معهد الداترة العامة النهائية الول .على طلبة الشرق الوسط ،وهكذا هزمت تحديا ً لغويا ً ولم يكن ذلك سوى بداية بعد مروتر بضعة أشهر على عودتي إلى بغداد العام 1980أعلن التلفزيون العراقي أن البلد ستنظم بعد عامين في بغداد قمة للبلدان غير المنحازة .وحتى تُِعَّد هذا الحد ث ،الذي كان صّدام حسين ُيريد أن يصنع منه واجهًة ،وّجه ْ ت وزاترة العلم نداًء للشباب الذين يعرفون لغات عديدة أن يتقدموا بترشيحاتهم للحصول على وظائف كمترجمين ومترجمين فوتريين ،ومن يقع عليهم الطختياتر يذهبون .إلى الخاترج لفترة اتقاٍن تدوم عامين في مدترسة للترجمة ولم أدع هذه الفرصة تفلت منّي ،فقد كانت انجليزيتي أفضل من فرنسيتي ،فتقدمت بملف ترشح لمعهٍد للغات في انجلترا ،لكن الذين ترشحوا لمعهد لندن كانوا ثلثة آلف ،بينما لم يزد عدد المرشحين لمعهد باتريس عن الخمسمئة ،ولما كنت أملك قواعد جيدة في الفرنسية فقد ترشحوني تلقائيا ً لمتحان أّولي في .هذه اللغة ،وفي هذا المتحان ُأقصي نصف المرشحين في الحال كان السلطات ُتولي اهتماما ً بالغا ً لتنظيم هذه القمة الذي فُّوض أمرها لطه ياسين ترمضان ،أحد أعضاء
قيادة الثوترة ،الجهاز العلى في العراق .ولذلك كان من غير الواترد على الطلق إترسال مرشحين من .المدعومين" أو من الكسلء والطائشين .وبالفعل ،لم يتم قبول سوى أفضل العناصر" ولهذا الغرض استقدمت وزاترة العلم إلى بغداد أستاذين فرنسيين من المعهد العالي للترجمة الفوترية والترجمة "إيزيت" لجراء الفرز الطخير .وكانت السلطات العراقية تريد الحتفاظ بعشرة طلب ،لكن حين وقع حكم اطختصاصيي "إيزيت" لم يبق من المرشحين الذين يملكون المستوى المطلوب للدتراسة .في باتريس سوى طخمسة ،وكنت من هؤلء المحظوظين كانت ظروف حياتنا في باتريس ظروفاً غاية في اليسر .كنا نتقاضى عن كّل شهر نحو سبعة آلف فرنك فرنسي .وقد سكنت في بيت من ثل ث غرف في حي الدفاع "لديفونس" .وأكثر من ذلك فقد أمكنني شراء سياترة ،فقد كانت حكومتنا تفي بالنفقات في الحال .في مجموعة العراقيين بمعهد "ايزيت" كان اندفاع البعض للمتع التي توفرها العاصمة الفرنسية كثيراً ما يطغى على أي حافز عندهم لتعّلم تقنيات .الترجمة أما أنا فقد كان الخوف من الفشل يستبّد بي كالوسواس ،فكنت مع زميلتي العراقية ميسون وطالب من تونس ُنراجع الدتروس معًا .وكنت بعد العودة إلى البيت مساًء أشاهد أفلم "نادي السينما" على التلفزيون ،وكنت أترجم الحواترات لزوجتي التي لم تكن تعرف الفرنسية كثيرًا، وكانت تلك وسيلة .إضافية لي على طريق التقان لم نكن ،نحن المتدتربين على نفقة حكومتنا ،مضطرين لمتابعة فترة دتراسية كاملة ،فقد أعدت لنا إداترة المعهد برنامجا ً طخاصًا ،لكن بعد مروتر ستة أشهر ،كنت وزميلتي ميسون قد قطعنا شوطا ً من التقدم والنجا،ح ،مما جعل الداترة تقتر،ح إدتراجنا ضمن قائمة الدفعة الرسمية للمدترسة وإعداد الدبلوم .إّن
إيزيت" مركز للتكوين الصطفائي عالي المستوى ،فالمدترسون فيه ليسوا منظرين" بل محترفون .للترجمة والترجمة الفوترية فقد كان أحد الكوميديين يعّلمنا تقنيات التنفس وكيفيات بث الصوت وتحسين اللقاء واللعب على النبرات .وكنا نستعمل الفيديو أيضاً حتى نتدترب على ترصد الطخطاء ،ففي "إيزيت" تحديداً تعّلمت قواعد مهنتي ،وقد أفادتني نصائح أساتذتي على مدى حياتي المهنية :ألّ أذهب لي حديث بدون تربطة عنق ،وأن أتفادى شرب الكحول حتى ولو من أجل التخلص من التعب العصبي المرتبط بالتركيز المكثف ،وأل أدّطخن كثيرًا ،وأن أقرأ الصحف يوميا ً حتى ل أنقطع عن الحدا ث... .إلخ وقد حصلت على الدبلوم في يونيو ،1982وعند إعلن النتائج قال لي أحد أعضاء لجنة التحكيم ،وهو مترجم في "الفاو" ،منظمة المم المتحدة للتغذية والزتراعة ،دون مقدمات :أنت مترجم ممتاز ،هل .ترغب في العمل في تروما لحسابنا؟ لقد أحضر ُ ت معي استماترة توظيف كان اقتراحه مغريًا ،لكن في واقع المر كان الواجب يعذبني :فلم يكن يسعني أن أتخلى عن بلدي التي موّلت دتراساتي ،وفي النهاية ترفضت العرض في أدب ،مخّيبا ً بذلك أمل زوجتي التي لم تغفر لي يوما ً .ذلك الرفض وعند عودتي إلى بغداد ،كانت مفاجأة سيئة في انتظاتري ،حيث اكتشفت أن قمة البلدان غير المنحازة التي كنت أعّد لها نفسي منذ عامين لن تعقد في العاصمة العراقية ولكن في نيودلهي بالهند! فالحرب ما بين العراق وإيران جعلت هذا اللقاء مستحي ً ل ،وشعرت بالخيبة والحباط ،لكنني وجدت عزائي في .المهنة التي منحتها لي السنتان اللتان قضيتهما في فرنسا تحت ترئاسة ناجي صبري
لكن فرصة القفز من جديد لم تطل كثيرًا ،فقد عينت ترئيسا ً لدائرة الترجمة لندوات داتر المأمون .فداتر النشر هذه ،التابعة لوزاترة العلم والثقافة ،مختصة في منشوترات طخطب الرئيس صدام حسين ،فقد كانت تصدتر صحيفة بالنجليزية "بجداد أوبزترفر" وكذلك نشرة "بجداد" وهي مجلة شهرية بالفرنسية .في تلك الفترة كان مديري ُيدعى ناجي صبري ،وقد صاتر وزيراً للشؤون الخاترجية العام 2001. وما إن تسلمت الوظيفة حتى اقترحت عليه بأن "ُيعّرق" قطاع الترجمة ،فقد كان العديد من مترجمينا لبنانيين أو مصريين لقاء مكافآت كبيرة .ولذلك فإن إحلل عراقيين كان الكثيرون منهم عائدين مثلي لتوهم من تكوين في أوتروبا ،مكانهم كان سيكلفنا مبالغ أقل ،وقد اقترحت أيضا ً أن ُيوَّزع نصف المال الذي نجنيه من الندوات على المترجمين من أجل تحفيزهم .وبدون ترّدد قبل ناجي صبري هذا التوطين" .هذه السنوات التي قضيتها في داتر المأمون كانت سنوات من الحرية" الحقيقية .فقد كنت ُمولعا ً بعملي أيما ولٍع ،وقد ترّددت مرات عديدة على فيينا ونيقوسيا والبحرين، مترجما ً للندوات التي كانت تنظمها الوكالة الدولية للطاقة الذترية .وقد عملت أيضا ً بشكل منتظم لحساب وكالت متخصصة ".تابعة لمنظمة المم المتحدة مثل "الونروا" وكذلك "الفاو ثم ذات يوم من أيام 1987دعاني ناجي صبري إلى مكتبه .ولن أنسى تلك اللحظات على الطلق ،فقد :أعلن لي قائلً .ـ سّمان ،ستعّين مترجما ً ترسميا ً لدى الرئيس وأحسستني في السماء السابعة وكأن عناية ا قد أحاطت بي .في الظاهر ،كان مترجم صّدام طخليل الخوتري ،وهو لجئ سياسي سوتري يعاني من بعض المشكلت الشخصية ،فكان لبد من استبداله ،وقد :أضاف ناجي صبري قائلً
ـ لقد اطخترتك ليس فقط لّن فرنسيتك ممتازة ،ولكن أيضا ً لن الشخص الذي سيعمل لحساب الرئيس ينبغي أن يكون مهذبا ً مثقفًا .فمترجم الرئيس سيحضر في الولئم الرسمية ،وهذا الرجل سوف يكون .أنت ،هيا اتركب! إن الوزير في انتظاترنا كان لطيف نصيف جاسم ،الذي كان يحظى بتقدير صدام حسين ،يشغل منصب وزير ،العلم والثقافة :وما إن جلس ُ ت بجانبه حتى سألني هذا السؤال المربك ـ ماذا كانت نتائجك في الجامعة؟ :إلى الحد الذي جعلني ل أستوعب معنى هذا السؤال ـ آسف ،سيدي الوزير ،أي جامعة تقصدون؟ ـ لقد دترست الترجمة ،أليس كذلك ،فهل كنت تلميذاً نجيبًا؟ ".ـ أجل سيدي الوزير ،لقد حصلت على 16من 20بدبلوم "اليزيت .ـ جيد ،جيد ،شكرًا ،إلى اللقاء .ذلك هو الحديث الذي اضطرني إليه وزير العلم والثقافة في السابيع الولى اعتقدت أنهم سيطلبونني أو أن مصالح الرئاسة ستستدعيني لكي تستجوبني ،لكّن شيئاً من ذلك لم يحد ث على مدى شهوتر عديدة ،فلم أتلق مكالمة هاتفية واحدة .وقد بدأ هذا الصمت يشغل بالي ،ووضعت ذلك على حساب تدهوتر الوضاع في العراق .كانت الحرب ضد ايران قد استنفدت مواترد البلد ،فقد كان اللف من الشباب يذهبون إلى ساحات المعاترك .وحتى يكثف تعبئة المجتمع أنشأ النظام الجيش الشعبي ،فقد صاتر كل الناس ،من شباب ودون الشبابُ ،يستدعون لقضاء أتربعة إلى .ستة أشهر في هذا الجيش
وقد شاتركت أنا نفسي في هذه الخدمة ،حيث أترسلوني إلى منطقة زاطخو الواقعة في الشمال على الحدود التركية .وفي طخلل إجازة مدتها أسبوع واحد في بغداد ،انتهزت الفرصة لزياترة أصدقائي وزملئي بالوزاترة ،وبعد أن غادترتهم صعدت إلى مكتب ناجي صبري للقي التحية عليه .وما أن ترآني حتى :ترشقني بالسؤال ـ هل تسلمت الرسالة؟ ـ ل ،ما المر؟ !ـ ولكننا في انتظاترك منذ أسبوع ،فالرئاسة في حاجة إلى طخدماتك :وعلى الفوتر استقبلني لطيف ناصيف جاسم ،حيث سألني !ـ هل أنهيت طخدمتك في الجيش الشعبي .وشرحت له أنني كنت في إجازة ،وبأنني سأعود إلى الجبهة في صبا،ح اليوم التالي !ـ هذا غير واترد ،ستبقى هنا ثم طلب سكرتيره وأملى عليه ترسالة موجهة إلى قيادة الجيش الشعبي" :نحن في حاجة إلى سّمان ".عبدالمجيد ،ولذلك يجب أن ُيعفى من الخدمة العسكرية الجباترية وأطخذت الرسالة وتوجهت بها إلى قيادتي في الجيش التي أنهت تجنيدي .وبعد يومين عدت أدتراجي إلى بغداد ،حيث وجدت ترسالة كان لطيف ناصيف جاسم قد تركها لي .كان علي أن أظل على أهبة .الستعداد ،وأن انتظر التصال في أي لحظة سنوات صدام ـ الحلقة الرابعة هوس مطلق بالمن والسلمة ،أمن صدام عالم مغلق يقوم على التدقيق والمراقبة المستمرين
طخلل طخمسة عشر عاماً لم أدطخل مكتب صدام حسين سوى مرة واحدة .كان ذلك العام 1987أثناء مهمتي الولى بمناسبة الزياترة الرسمية للرئيس التشادي حسن صبري .لقد أدهشني الديكوتر المفرط في بساطته ،حيث ل تلفزيون وقليل من الملفات المعلقة ،فهل كان صّدام ل يدطخل هذا المكتب إل للعمل ليس إل؟ لقد كان هذا المكتب أكثر ازدحاماً من مكتب عبد حمود سكرتيره الخاص، لكن نشاط صّدام ظل .دوما ً سّراً طخفيا ً ففي التسعينات كانت الصحافة العالمية قد تحدثت عن إصابته بأحد السرطانات لكننا لم نلحظ أي طخلل في جدول زمنه ،بل ولقد ضحكنا كثيراً حين أعلنت إذاعة "البي بي سي" عام 2000 أنه كان على مشاترف الموت .فليلة هذا العلن ،كنا قد ترأيناه في كامل صحته! غير أنني ،بالنظر للسرية التي كانت تحيط به ،ل يسعني الجزم بأنه لم يكن مريضًا ،لكننا لم نلمس فيه أي عرض من .أعراض المرض في الحقيقة كان الرئيس يتمتع بطاقة كبيرة في العمل .فقد كان يسهر لساعات متأطخرة من الليل ،ففي كثير من الحيان كان موظف الدوام في المكتب الصحافي يدعوني لللتحاق بالمكتب في حدود الساعة الحادية عشرة لي ً ل لمراجعة البريد .وكان البريد بعد أن نرسله إلى الديوان يعود إلينا في حدود الساعة الواحدة أو الثانية صباحًا ،مع التصحيحات الخطية لصدام ومرفقة بعباترة" :يرسل "إلى المرسل إليه وفي حالت الستعجال كانت هذه الرحلة المكوكية بيننا وبين الرئيس تستمر لساعات جد متأطخرة من .الليل حد ث ذلك مثلً في طخريف عام 2002عندما أترسل صّدام حسين ترسالة إلى قادة الدول العربية موضحا ً لهم موقفه إزاء مشروعات الغزو الميركية .فقد شر،ح لهم أن العراق كان قد قبل للتو بعودة مفتشي في نزع السلحة التابعين لمنظمة المم المتحدة ،وقد واصل الميركيون على الرغم من .ذلك تهديداتهم
ولذلك فقد دعت تلك الرسالة البلدان العربية إلى مساندة بغداد ،ملتمسة منها مماترسة الضغط على .الميركيين لتفادي العدوان الذي أتراده جوترج بوش ضد العراق وصلتنا الرسالة الخطية وعليها ملحظة "0عاجل" ،وقد عادت إليه مطبوعة بعد ساعتين ،ثم عادت إلينا ثانية في حدود الساعة الثامنة مساء مرفقة بإضافات عديدة .فقد كان صدام متعوداً على مراجعة نصوصه وطخطبه مراجعة مستفيضة .وقد أترسلنا إليه الرسالة بعد التعديلت الجديدة في حدود الساعة .العاشرة لي ً ل ،حملها إليه أحد حراسه الذي كان ينتظر في المكتب وأمكنني في الطخير أن أعود إلى البيت في حدود منتصف الليل ،لكني فوجئت بمكالمة ما لبثت أن دعتني للعودة إلى القصر ،وحين وصلت وجدت علي عبدا غاترقا ً في العمل ُيرافقه ناسخان ،فقد أدطخل الرئيس تعديلته النهائية على النص ،مع المر بإترسال البريد بعد تصويره بأسرع ما يمكن ،إلى العضاء الثمانية عشر في القيادة القليمية للبعث ،وقد كان صدام ينتظر تعليقاتهم عليها قبل منتصف .اليوم التالي لقد عملنا في تلك الليلة حتى الفجر .وقد جاءت الردود على تلك الرسالة عند منتصف ،النهاتر بالضبط وقد تأطخر ترّدان أو ثلثة عن تلبية النداء ،لن المرسل اليهم كانوا طخاترج بغداد ،لكّن صّدام لم يكلف نفسه البحث عن اسباب تغيبهم ،وقد أترسل إلينا نسخته النهائية في حدود الساعة ،الخامسة عصراً طالباً منا إترسالها إلى قادة الدول العربية ونشرها وترجمتها إلى النجليزية -مع ظهوتر النترنت صرنا ندترج على موقع الديوان مجموع طخطب الرئيس وترسائله بالعربية والنجليزية معا ً - اجمالً استمرت .الرحلة المكوكية بيننا وبين الرئيس أكثر قليلً من أتربع وعشرين ساعة ملحظات نقدية للرئيس
كان صدام دكتاتوترًا ،لكنه كما يثبته هذا المثال ،لم يكن يتخذ قراتراته بمفرده .لقد جهل الكثيرون هذا الجانب من مماترسته للسلطة .فلم يكن يحّرتر أي طخطاب مهم من دون عرض محتواه على أعضاء القيادة .فعلى هذا النحو ،في طخمس مناسبات أو ست -كما حد ث يوم 6يناير ،يوم ذكرى انشاء الجيش أو 16يوليو يوم الحتفال بذكرى الثوترة البعثية -كان صدام يرسل إليهم النسخة ،النهائية من الخطاب لكن أغلبية العضاء كانوا ل يخاطرون بأي تعليق ،فيكتفون بإجابات تمد،ح وتثني على الصيغ .المستنيرة" و"الرائعة" للخطب ،التي ،في ترأيهم ،ستظل طخالدة في تاتريخ العراق" كان طاترق عزيز وُهدى عّماش ،المرأة الوحيدة التي تقلدت مقاليد القيادة القطرية ،للبعث العام 2001 الوحيدين القادترين على إبداء ملحظاتهما النقدية ،فقد كان عزيز ،في غالب الحيان، يضيف ملحظات فنية حول السياسة الخاترجية .ففي العام 2001مثلً وبينما كان الرئيس ينتقد البلدان الوتروبية .المنحازة للوليات المتحدة أضاف طاترق عزيز على هامش النص "إنني اقتر،ح عليكم أن ل تذكروا فرنسا لننا نعمل في الوقت الحالي على بعث الدفء في علقاتنا مع باتريس" .وقد أطخذ صّدام بهذه الملحظات في طخطابه واستثنى فرنسا من ذلك النقد ،أما ملحظات ُهدى عّماش ،على العكس ،فقد كانت أكثر جرأة بل وتلمس أحيانا ً .حدود الوقاحة ،فقد كانت ترسل إليه احياناً ثل ث أو أتربع صفحات من النقد فقد حّرترت ذات مرة ملحظاتها على طخطاب لصدام اّدعى فيه أن العراق كان قبل وصول البعث إلى الحكم عام 1968بلداً من الصعاليك ،فالعراق الحديث في ترأيه قد ولد مع البعث. وعلى هذا الدعاء ترّدت ُهدى عّماش بالقول بأن ذلك قد يسيء إلى بعض الشخاص ويجرحهم ،وقالت للرئيس" :إنني اقتر،ح عليكم إلغاء هذا المقطع من طخطابكم" ،لقد قالت ذلك بصراحة نادترة ،لكن مع السف -لنها كانت .محقة فيما قالت -لم يأطخذ صدام باقتراحها
وبشكل عام كان صّدام يأطخذ بعين العتباتر الملحظات المرتبطة بالعلقات الخاترجية وليس المرتبطة منها بوضعيتنا الداطخلية .لكن لماذا كانت هدى عماش تجرؤ على تحديه؟ فحتى وإن كانت حديثة العهد بإداترة الحزب ،فلم تكن تجهل المخاطر التي كانت معرضة لها ،والتي قد تصل إلى حّد الفصل .فهذه .المرأة التي كان والدها وزيراً سابقاً للدفاع ،كانت ببساطة امرأة شجاعة ليس إل لقد كان صّدام يرّدد ،في كل اجتماع ،على أعضاء القيادة وعلى الوزتراء ،بأنه حريص على معرفة آترائهم حول هذا الموضوع أو ذاك ،أو هذا القراتر أو ذاك ،لكّن محدثيه لم يكونوا يوّجهون إليه سوى المد،ح والثناء والطراء ،فقد كانوا يخشونه ويخافون من عواقب غضبه ،على الرغم من أنهم كثيراً ما كانوا يفرطون في وصف غضب الرئيس .ومّما ل شك فيه أّن مناخ الرعب الداطخلي، الذي صنعه صّدام وأشاعة ،ما لبث أن طخدم مصالحه ،فلم يعد في النهاية محاطا ً إلّ بالممالقين المداهنين، وهو ما أساء .إلى مسيرة البلد أيما إساءة ل أحد كان يعرف متى يأطخذ صدام إجازاته ،لكننا كنا نلحظ أّن نشاطه كان يقل في ،بعض الفترات وكنت أشير بذلك إلى صديقي علي عبدا .فقد كان صدام يذهب إلى صيد السمك، وكان ذلك من هواياته المفضلة ،أو إلى صيد الخنزير البري والغزال .وقد كان يستوترد الحيوانات من الخاترج ليتم إطلقها في مزاترع شاسعة بالقرب من تكريت .وكان يح ّ ب الحساس بالخطر وما فيه من إثاترة .فعند عودتي ذات يوم من مهمة تفتيشية على أحد القصوتر قال لي عبد حمود الذي كان يقوم ببعض :المناوترات الخطيرة على متن المروحية التي كان يقودها ..مبتسما ً آه لو كنت إلى جانب الرئيس عندما كنا نخرج للصيد بالمروحية! لم نكن مطمئنين - !على أي حال هوس بالمن
كان صّدام مهووساً بأمنه وسلمته ،فلم يكن يسمح لحد بالقتراب منه إل لقلة قليلة من الناس .ولم يستقبل يوما ً أيّا ً من ضيوفه من دون مرافقة أحد حّراسه ،يسانده حاترسان شرسان آطخران أو ثلثة على أهبة الستعداد قريبا ً من صّدام .ومن باب الحيطة كان عبد حمود ،الذي كان حاترسه الخاص لفترة طويلة ،يحمل السل،ح هو الطخر ،ونادتراً ما كان الرئيس يستغني عن سلحه ،وهو عباترة عن مسّدس من نوع "براونينغ" 9ملليمتر .ففي عشيرته كان الباء يدّتربون أطفالهم على الرماية .منذ الصغر وفي عامة الثاني عشر ،كان مولود قصي الول ،مصطفى الذي ُقتل في الهجوم الذي شنه الميركيون على البيت الذي كان يختبئ فيه مع أطخيه الكبر ،كان مولود قصي هذا يتقن استعمال .بندقية الصيد كان حراس صّدام يمثلون جزءاً من وحدة المرافقين .وقد كان هناك نحو عشرين منهم ،وكلهم من أقاترب صّدام المباشرين ،وكانوا يشكلون النواة الصلبة في هذه الوحدة ،وكنا ندعوهم ".ب"الخط الول فقد كان يقودهم اللواء ماهر سفيان التكريتي المتهم بالخيانة .والحال أن هذا الطخير قد طخلفه العقيد حبيب في شهر ديسمبر ،2002أي قبل الحرب بأتربعة أشهر فقط ،فلعل صّدام ،الذي ،كان يحذتر الجميع .لم يطمئن لهذا الشخص كان المن هو المصلحة الكثر أداًء وكفاءةً في الديوان ،فقد كان ُيشّكل كيانا ً قائما ً بذاته ،تابعا ً مباشرةً لمن الرئيس ،الذي كان يقوده ُقصي بمساعدة عبد حمود .فقد كان المن عالما ً ُمغلقًا، وقد كان يقوم بعملية التدقيق والمراقبة قبل توظيف أي موظف جديد بالرئاسة ،ولقد سبق وأن قلت إن المن كان يضع واحداً من عناصره في كل مكتب من المكاتب ،إذ كان يعمل في أماكن محاطة بكامل السرية ،فل .أحد كان يعرف دواليب سيره
وقد كان الفضل على أي حال ألّ يعرف أحد عن سيره شيئًا ،غير أنني ما لبثت أن أدتركت أّن إحدى البنايات المجاوترة لبنايتنا كانت تأوي نشاطاته .فقد كان مجهزاً عند المدطخل بنظام من الشعة تحت الحمراء ،تطلق إنذاتراً كلما اجتاز أحدهم الممّر المؤَّمن .وقد كان أعضاء المن الخاص ل يقبلون بأي .زياترة ،وكانوا يتكتمون على أسراتر وطخفايا أعدائهم وتنقلتهم وطخلل ثلثة عشر عاماً من الوجود في القصر ،أمكنني مع ذلك أن ألتقي بالعديد من أعضاء المن الخاص بصّدام .وقد كانوا قساة في تصرفاتهم ،وينّفذون الوامر بالّدقة وبالحرف .وقد حد ث في عام أن جاء أحد الحراس ليسّلم في حدود الواحدة صباحاً ترسالة ترئاسية لسكرتير 2002 .الصحافة في تلك الساعة كان علي عبدا قد عاد إلى بيته وقد ناب عنه أحد الموظفين ،وقد تضمنت تلك الرسالة طخطاباً للرئيس ولم يكن هذا الخطاب في حاجة إلى تصحيح ،وقد اقتر،ح موظف النابة أن يوقع وثيقة :استلم إثباتا ً لوصول الرسالة ،لكّن الحاترس ترفض ذلك قائلً لقد ُأبلغت بتسليم الرسالة إلى السكرتير الصحافي شخصيًا ،ولن اغادتر المكان قبل - .أن أسّلمه الرسالة :وترّد عليه المناوب قائلً .لقد تعودت النابة عنه عند غيابه - لكّن الحاترس ظل مصّمما ً على ترأيه ،مّما اضطر علي عبدا إلى العودة إلى المكتب في تلك الساعة المتأطخرة من الليل ليستلم تلك الرسالة العادية جّدًا .ولذا كان لمن الرئاسة الكلمة .الطخيرة في كل شيء والحال أن الترتجال كان ساترياً حتى في داطخل المن .فقد كانت "الواسطة" متفشية في هذا الجهاز وتربما أكثر مّما كانت متفشية في مكان آطخر ،ل سيما وأن معظم أعضاء هذا الجهاز ينتمون لعشيرة .الرئيس ،أي التكريتيين
لقد ذكرت لكم كم كان من السهل علّي أن أدطخل قنبلة إلى الديوان ،لكّن ذلك لم يكن سهلً علّي أنا وحدي لنني كنت معروفًا ،فالخادمات كّن هّن أيضاً ل يخضعن للتفتيش -في النهاية -فقد كان الحراس ،بعد قدومهن بأسبوع واحٍد ،يكتفون بالتأكد من هوياتهّن من غير تفتيش .وحتى يخلص من الروتين أعّد المن فترات من الستنفاتر كل ثلثة أشهر تقريبًا ،ففي هذه الوقات كان يكّثف إجراءات التفتيش .الصاترمة ،لكن ذلك لم يكن إل مؤقتا ً قبل وصوله على ترأس البلد بقليل ،اتخذ صّدام إجراءات جد صاترمة ،فلم يعد لقاؤه بالجماهير أمراً واترداً على الطلق .فأثناء الحرب ضد إيران ،ما بين عامي 1982و ،1983بدأ ترجال حزب الدعوة ينظمون عملياتهم العسكرية الولى ،فبينما كان يكفي صّدام من قبل أن يغطي ترأسه بكوفية ،حتى ل يتعرف عليه أحد ،فقد قّرتر الرئيس في الطخير أن يصرف النظر عن اللتحام .بالجمهوتر وقد عملت حرب الخليج العام 1991والتهديدات الميركية ضد شخصه على تعزيز "تح ّ صنه" الذي اتخذ أبعاداً ل يصدقها العقل ،ففي منتصف التسعينات قدم إلى بغداد فريق من مجلة "نيوزويك" ليصّوتر الرئيس لغلف المجلة ،لكن مصالح المن ترفضت للفريق ذلك التصوير ترفضا ً :قاطعا ً إننا نملك آلف الصوتر تحت تصرفكم ،اطختاتروا منها ما يناسبكم ،ومصوتركم ل - يمكن أن يقترب من .الرئيس الرجل غير المرئي لقد كانت لمصالح المن بالتأكيد مّبرتراتها في أن تكون حذترة متحرزة :ألم يعرض الميركيون مكافأة مالية على كل من يلقي القبض على صّدام أو يقضي عليه؟
ناهيك عن أّن مواقع عديدة مؤمنة وطخفية كانت دوما ً على استعداد ليواء الرئيس .للقامة أو للجتماع ففي العام 1995وبعد مواقف صهريه اللذين كانا في الوقت نفسه من حراسه، تغيرت المواقع الرئاسية لنها كانت معروفة من قبل "الخونة" أو بالحرى الخائنين ،اللذين كشفا عن مكان هذه .المواقع للميركيين أثناء استجوابهما في احد البلدان وقد علمت شيئا ً فشيئاً بالصدفة ان قاعة بالطابق الول من بناية مجاوترة لمكتبي قد أغلقت فجأة .وهكذا استخلصت أنني قد عملت لسنوات عديدة بجواتر موقع ترئاسي من حيث ل أدتري ،فل شك أن مصالح .المن قد هيأت مقرات ترئاسية جديدة وقد صاتر صّدام ،منذ أن أصبح مطاترداً من الميركيين ،أكثر حركية مّما كان دومًا. فكان كلما أوقف أقاتربه والمقربون منه غّير للتو مخابئه ،فهو متعّود على ذلك ،لكن المر صاتر أصعب بعد أن صاتر .صّدام وحيداً وعلى مّر اليام ،صاتر الرئيس شيئا ً فشيئا ً ترجلً غير مرئي ،ومع ذلك فقد حرص حتى النهاية على اللتقاء بالعراقيين ،فالتقاليد تقضي بأن يظل التواصل مباشراً مع الشعب .فالرئيس .يستقبل في مضيفه وقد كان صّدام يقول بأن هذه اللقاءات ل غنى له عنها حتى يعرف ما يجول في أعماق عقول الناس ويطلع على حاجاتهم ،فقد كان يعتبر نفسه كخليفة جديدة ،فيتحد ث عن التاتريخ كثيرًا، مركزاً على قرون أوتروبا الغاترقة في الظلمات ،في الوقت الذي كانت فيه بغداد في أوج مجدها .وعظمتها يوميًا ،ولغاية شهر يناير ،2003كان صّدام يستقبل ممثلين عن جميع شرائح المجتمع بمعدل ستين شخصاً كل يوم .كان اللقاء يبدأ في السادسة صباحا ً وينتهي عند الثامنة .كان ضيوفه يدطخلون إليه في جماعات من أتربعة أشخاص فيتحاوتر كل واحد معه لبعض اللحظات ،وعند طخروج هذا الشخص كان
ُ.يسَّلم له ظرفا ً به مبلغ من المال في بداية ترئاسته ،كان الناس يلتقون به بحرية ليطلبوا منه طخدمة أو مساعدة ،ثم بعد ذلك صاترت طلبات الستقبال ُترسل إلى مكتب طخاص )مكتب المخابرات( لينظر في الملفات ويبت فيها .وهكذا !صاترت العملية أشبه باليانصيب :أنت تكتب و"إن شاء ا" يستقبلك الرئيس فضلً عن أن مدة المقابلة قد قُّلصت أيضًا .وأطخيرًا ،وطخلل الشهوتر الستة الطخيرة، كان صّدام قد أشاتر إلى أن الذين كان لهم الشرف بلقائه من قبل ل يحق لهم في أن يقابلوه من جديد ،فقد كان البعض .بالفعل يلتمسون مقابلته للمرة الثالثة أو الرابعة لم تكن هذه المقابلت فرصة للتعبير عن الرأي حول النظام ،فقد كان الضيوف يأتون طلبا ً لخدمة أو مساعدة ،فقد جاء أحد الزملء كان قد أقيل من منصبه في الثمانينات لمقابلة الرئيس ليطلب العودة إلى منصبه مقّدما يمين الولء .وبعد أن أقّر صّدام بأن الفصل كان تعسفا ً في حقه أعادهُ .إلى وظيفته وكانت بعض الشكاوى مرفوضة ترفضا ً باتًا ،وهي الشكاوى المتعلقة بطلب السكن في بغداد ،فقد ن ّ ص القانون على أّن َمْن لم يكن يقيم في العاصمة منذ العام 1977ل ح ّ ق له في امتلك .بيت أو شقة فيها وقد كان الكثير من العراقيين يأتون لصّدام تجاوزاً للمحظوتر ،لكن صّدام كان عنيداً ل يثنيه عن قراتره :أي استعطاف !القانون هو القانون - وطخلل الشهرين الطخيرين ،اللذين سبقا الحرب ،لم يستقبل صّدام سوى العسكريين بمعدل مئتين كل يوم .وكان هذا اللقاء فرصة لرفع معنويات الفرق ولستعراض إعداداتهم العسكرية. وقد بدأ بالقيادات العليا ثم انتقل تدتريجياً إلى ضباط المحافظات ،كان يعطيهم الكلمة ويسألهم عن أوضاع وحداتهم
والمشكلت التي تواجههم ،لكّن أصحاب الرتب العليا كانوا يحبذون اللغة الرسمية، فكان أكثرهم جرأة :ل يطلب من الرئيس أكثر من بضع سياترات "البيكاب" الضافية ،وقد كانوا يرددون !كل شيء على ما يرام ..والمعنويات عالية جدًا ..ونحن على استعداد للمعركة - كان ُقصي ،البن الكبر للرئيس ،يحضر كل هذه الجتماعات مع احتفاظه بالصمت الكامل .وقد سرت إشاعة ٌ مفادها أّن ُقصي كان ُيعاني من مشاكل في التعبير والنطق ،أما ُعدي فلم يكن ُيسمح له بحضوتر هذه اللقاءات إل في حال حضوتر ميليشياته إلى الرئيس مع قائدها فاتح الراوي ،وهو قائد سابق لتركان الحرب .وقد وقع بعد ذلك في أسر الميركيين ،أما جيش القدس فلم يحظ بلقاء الرئيس .لضيق الوقت هذه اللقاءات التي كانت ُتب ّ ث على التلفزيون لم تكن تروق للعراقيين ول تؤثر فيهم. فبينما كان صّدام :يسأل أحد الضباط ،كان هذا الطخير يجيبه بلهجة ترسمية مفّخمة إّن جنودي يشعرون بالحزن لذهابهم في إجازات؛ لنهم في دياترهم ل ينعمون - بالطعام الذي يتناولونه في الثكنة ،ففي فَْيلَِقي يأكل الجميع كل يوم اللحم والخضاتر والفواكه بينما في بيوتهم !ل يشبعون آه لو يعلم الناس كم يجوع هؤلء الجنود وهم ل يأكلون سوى القليل من الخبز والبصل! أكثر من ذلك أضاف هذا الضابط أن كل عسكري يحمل ملبس داطخلية يوفرها له الجيش ،والحقيقة أّن الجنود !العراقيين كانوا أشبه بالمتشردين وكثيراً تساءلت ما الذي يدعو صّدام لهذه الكوميدما ،هل كان الرئيس في حاجة إلى مثل هذه المجالس الدنيئة حتى يصون عظمته؟ هل كان ينخدع بهذه الكاذيب الفظة؟ لم يكن صّدام يجهل شيئا ً مّما كان يحد ث في بلده ،كان يدترك أّن محّدثيه كانوا يكذبون عليه وبأن الجيش كان يدّبر المؤامرات ضده .كان .طخليقاً به طخاترج تصوير الكاميرات أن يأمر زّواتره بقول الحقيقة
.لكنه لم يفعل ذلك قط ،ولذلك لم يجرؤ أي ضابط على التعبير عن أي نقد
سنوات صدام ـ الحلقة الخامسة عبد حمود ..ظل صدام" ،أبو القلم" يشق طريقه إلى المرتبة الرابعة في قائمة المطلوبين كان عبد حمود ،ترجل الرئاسة الذي كنت على تواصل معه في غالب الحيان، شخصا ً يلّفه غموض كثيف ،فقد كان مكتب الصحافة تابعاً له ،وكذلك فريق المترجمين .وقد كانت المذكرات التي نحّرترها تمّر عن طريقه ،قبل أن تصل إلى الرئيس .كان قريب صّدام هذا ،البالغ من العمر أتربعين عاما ،والتكريتي الصل مثله ،ترجله التابع المخلص المين .وكان عبد حمود إذا طلبنا في الهاتف ل نعرف إن كان .يتحد ث باسمه أو باسم صّدام ،فقد كانت الثقة بينهما كاملة مطلقة فقد عاشا معا ً منذ ثلثين عامًا .وكان الرئيس العراقي ُيقّدتر استقامته وكتمانه وحّبه للنظام .وكان عبد حمود يدعوه "سيدي" لما في هذه الكلمة في العربية من احترام وتوقير ،وقد حرص على أن يحتفظ .بعلقات طيبة مع أعضاء السرة بما فيهم ُعَد ْ ي وقد تروى لي مازن الزهاوي ،مترجم الرئيس السابق عن النجليزية ،الذي كان يعرف الرجلين حق المعرقة ،أسباب إطخلص عبد حمود لصدام وتفانيه .فذات يوم ،وهو في الخامسة عشرة تقريبًا ،لمح ي ،وهو يقود قاتربا ً في نهر دجلة ليس بعيداً عن الشاب عبد حمود صدام بزي بدو ّ تكريت ،فاقترب :الصبي من الضفة وقال لقريبه .سيدي نائب الرئيس ..إنني أترغب في طخدمتك كحاترس شخصي -
.عليك أّو ً ل بإنهاء دتراستك ،بعد ذلك ستجدني بانتظاترك - وعمل عبد حمود بنصيحة صّدام ،فالتحق بالمدترسة العسكرية في بغداد قبل أن يبدأ حياته المهنية .بالرئاسة ،كعضٍو أّولً ثم كقائد لوحدة المرافّقين وسكرتير طخاص للرئيس صدام وكان الشائع عنه أنه كان يحمل شهادة في العلوم السياسية حول الستراتيجية السرائيلية إزاء العالم العربي ،وأنه ناقش أطروحة دكتوتراه طخ ّ صصها لتحرير جزيرة الفاو من قبل الجيوش العراقية أثناء الحرب على إيران .على أي حال تلك كانت الصوترة الرسمية لمساتر هذا الرجل، غير أنني أتساءل أمام .جهله لّلغات الجنبية وترداءة لغته العربية ،إن كان لهذا الدعاء أساس من الصحة الرجل الثاني كان عبد حمود ،المتزوج من قريبة مهندسة ،أباً لستة أطفال أعطى لذكوترهم التربعة أسماء الخلفاء الراشدين :عمر وعلي وعثمان وأبو بكر .وكان له إطخوة كان أحدهم مديراً لفندق بابل ،إحدى أكبر .منشآت العاصمة العراقية في الجادترية ما بين ذتراعي نهر دجلة وكان يمتلك شقة بالقصر الجمهوتري وقصراً صغيراً على ضفتي النهر -استولى عليه أحد الحزاب الكردية بعد سقوط النظام -يقع إلى جانب قصر هالة ،البنة الصغرى لصدام ،ليس بعيداً عن قصوتر ُقصي وُعدي الباذطخة .وكان يعشق الديكوترات البراقة اللماعة من كوترنيشات مغربية وحنفيات .الحمامات الذهبية وصفائح من المرمر لقد ظل هاوي ترياضة الكاتراتيه هذا في طخدمة الرئاسة منذ أكثر من عشرين عامًا، وقد طّوتر حقا ً وظيفة السكرتير الشخصي لرئيس الدولة .وقبل تعيينه عام 1991كان يشغل هذا المنصب حامد حمادي وزير .الثقافة حتى تاتريخ قيام الحرب ،الذي كان يدير على الخصوص بريد صّدام وأجندته
في الجتماعات كان عبد حمود ،على عكس سلفه ،يقف دائما ً طخلف الرئيس وكأنه .حاترسه الرئيسي كان يحمل مسدسا ً بشكل دائم حتى برفقة صّدام ،وهو المتياز الذي يتقاسمه مع قصي الذي كان يخفي مسدسا ً تحت سترته .وكثيراً ما كنت أقول لنفسي إنهما الوحيدان القادتران على إبطال مفعول صّدام .لفرط اقترابهما منه في داطخل الديوان كانت العلقات الشخصية مع الرئيس أهم من العلقات التي يحكمها .السّلم الداتري فمن وجهة نظر إداترية ،كان عبد حمود يحتل مرتبة أدنى من ترتبة أحمد حسين ،لكن ،عمليا ً كان يمثل إن صّح القول ،الرقم الثاني في النظام ،وهو وصف في غير موضعه طالما لم يكن .ثمة ترقم ثاٍن حقا ً وقد كان هذا الوضع مصدتراً لتنافس طخفي ما بين الرجلين ،لكّن هذا التنافس لم يؤّد قط إلى أي صراع مفتو،ح ،لّن ك ً ل من الرجلين كان يدترك أن الرئيس لم يكن يحب التدطخل في هذا النوع من الخلفات ما .بين مرؤوسيه كان عبد حمود مفتا،ح الوصول إلى الرئيس .فقد كان الوزتراء يهابونه وعلى شبه استعداد لطاعة أوامره .فالفريق عبد ،أو الجنرال عبد ،طالما أن تلك كانت ترتبته في الجيش ،لم يكن يترّدد في مخالفتهم الرأي ،فبمناسبة احدى الزياترات لحد القصوتر الرئاسية التي دعاني إليها عام ،1998لم يترّدد في توجيه إنذاتر لوزير البترول ،الفريق عامر ترشيد ،الذي كان يريد أن يحّل محّلي في ترجمة محادثاتنا مع مفتشي نزع السل،ح التابعين للمم المتحدة ،ولم يذهب عبد حمود إلى هناك إل ليكون .عين صدام على ما يجري من محادثات فصدام كان يعرف على هذا النحو أن المعلومات ،كل المعلومات ،ستعود إليه بشكل مباشر في فترة حاسمة من العلقات ما بين العراق ومنظمة المم المتحدة .فقد كان الرئيس يحترس من ترفاق الطريق
.الطخرين الذين لم يكن معظمهم من عشيرة التكريتيين وفي أثناء زياترة أحد القصوتر الرئاسية ،قال عبد حمود لشاترل ديولفر ،أحد المستشاترين الرئيسيين في :نزع السل،ح في المم المتحدة .انني بمثابة مستشاتر للمن القومي لدى الرئيس العراقي - وفي المروحية التي كان يقودها ما بين تكريت والموصل شّبه عبد نفسه ب)زيغنيو )بريجنسكي :المستشاتر السابق للمن القومي في عهد الرئيس جيمي كاترتر ،وقد أضاف قائلً .إذا كان لديك ما تريد قوله يمكنك مناقشته معي - كانت الرسالة واضحة :فقد كان الوسيط المباشر والوفي لصّدام .فشاترل ديولفر ،كما نّعرف ،كان ينتمي لمصالح الستخباترات الميركية )سي .أي .إي( ،لكنه ترفض المساعدة التي عرضها .عليه عبد حمود وعلى مدى الوقت الذي استغرقه تفتيش القصوتر الرئاسية ،ظل الفريق عبد حمود .يبدو واثقا ً بنفسه هل كانت السلحة المحظوترة مطموسة الثر إلى الحّد الذي تعّذتر معه العثوتر عليها؟ أم إنه كان ببساطة يعرف أن العراق ل يملك تلك السلحة؟ على أي حاٍل كانت القضية بالنسبة إليه قضية مفروغا ً منها ،بل .وكان يمز،ح مع ديولفر -فقد كان ترجلً مّزاحا ً -أثناء فترات الستراحة هل تعتقد حقاً أنكم ستعثرون على أسلحة محظوترة بهذا السلوب ،هل وجدتم أسلحة - في القصوتر الطخرى؟ :لكّن ديولفر كان يكتفي بالقول .سوف نرى - .لم يكن الحواتر بينهما يذهب بعيداً إلّ عندما يتحدثان في الرياضة
:إنني ألعب كرة المضرب! يقول عبد حمود متفاطخرًا ،فيرد عليه ديولفر - .أما أنا فإنني ألعب الكاتراتيه - يا لها من فرصٍة مناسبة؟ أنا مثلك لعب كاتراتيه جيد! هل تريد أن نبدأ المباتراة في - الحال؟ وبينما كانا يحّلقان في أجواء العراق على متن المروحية ،وبينما كان ديولفر يمد،ح قدتراته في القيادة :أجاب حمود !ومع ذلك ،فأنا لم أَقُْد منذ العام ،1990لكن كّن مطمئنا ً - كان عبد حمود يهتم بكل شيء ،بشؤون الرئيس الشخصية ،وباستبدال أجهزة ،الكمبيوتر القديمة :فكثيراً ما كان صّدام يقول !تراجْع المر مع عبد حمود - "أبو القلم" كان عبد حمود يدّون الوامر التي يصدترها صّدام أثناء مقابلته -منح التأشيرات، ...الهبات المالية الخ .ومن هنا لّقب عبد ب"أبو القلم" .وقد كان الرجلن يتحادثان بصراحة ،فحين كنت أسمعهما وهما يتناقشان ،كان حديثهما يجري هادئا ً مرتخياً في معظم الحيان ،فكان من الواضح أّن صّدام كان يهتم .بآترائه كان عبد حمود يعمل أتربع عشرة ساعة في اليوم على القل ،فقد كان حجم بريده هائ ً ل .وفي المساء كثيراً ما كان يحمل معه حقيبة مليئة بالملفات ليشتغل عليها في البيت .كان شاتربه الكثيف ،الذي يقطع وجهه ،يمنحه مظهراً من القساوة والعبوس .لم يكن يحتمل أي طخطأ من الطخطاء ،فقد كان يغضب أّيما غضب لمجرد ترسالة لم توضع في مكانها الصحيح .كان شديد النضباط وحريصا ً على أن يحذو
معاونوه هذا الحذو ،ولم يكن يترّدد في أن يفصل في الحال الكسلء أو من ليس لهم كفاءة في إداترة .العمل وقد جعلته طخبرته الماضية ،كحاترس سابق ،مرهف الح ّ س لي طخطر ،فقد كان على أهبة الستعداد لن يموت من أجل ترئيسه .يذّكرني هذا بالزياترة التي قام بها لبغداد حسن غوليد ترئيس جيبوتي عام فعند وصوله دعاه صّدام للقيام بجولة في العاصمة .وقد تركب صّدام وضيفه 1988، السياترة على .الرغم من البروتوكول الذي لم يكن يتوقع تلك المبادترة الرئاسية كنت أجلس في المقعد الخلفي لمرسيدس صّدام إلى جانب عبد حمود ،وما إن طخرجنا من المساتر المؤَّمن حتى أطخرج مسدسه من حزامه ،وظل إصبعه على الزناد ،متواتريا ً وتراء زجاج السياترة الملّون أثناء تجوالنا في حي الكرادة .في تلك الفترة كان صّدام يسعه أن يتجول في العاصمة، ولكنه لم يكن .ليجرؤ على مثل تلك الجولة بعد الحرب على الكويت كان عبد حمود يدعوني بـ "الدكتوتر سمان" ،وظني أنه كان يقّدترني أحسن التقدير. فقد كنت ألجأ إليه أحياناً لكي ألتمس مساعدته في تحسين أوضاعي المهنية اليومية ،فهو الذي قبل بأن أعمل بنصف دوام على مدى ثلثة أعوام ما بين 1994و ،1997حتى يتسنى لي متابعة الدتراسة، فقد استأنفت .دتروسي سعياً لنهاء الدكتوتراه في علم اللغة والترجمة كنت أحد ث نفسي بأن عملي في الرئاسة قد ل يدوم إلى ما ل نهاية ،ولذلك فمن الفضل لي أن ُأؤّمن طخلفياتي تحسباً للمستقبل ،وقد كانت وظيفته كسكرتير شخصي للرئيس تسمح له بأن يعالج أكثر الوضاع إترباكا ً وتعقيدًا .وفي يوم امتحاني الطخير تلقيت في حدود الساعة الثامنة .صباحا ً وفي اللحظة التي كنت أتأهب لمغادترة البيت مكالمة من الرئاسة ،فقد كان الرئيس في .حاجة إلى مترجم
ل في ذلك اليوم ،فلم يدم النتظاتر قبل المقابلة طويلً ومن حسن الحظ أنه كان مستعج ً حيث انتهى كل شيء في حدود العاشرة والنصف ،وما لبثت أن عدت للتو إلى عبد حمود وشرحت له الوضعية .قلت :له ل يزال أمامي الوقت لجراء المتحان ،لكن مبدئيا ً ل ُيسمح بالتأطخر عن الموعد- ، :فرّد علّي قائلً .ل تحمل هّمًا ،سنحّل هذه المشكلة - واتصل أحد معاونينا بمركز المتحانات لكي يخبر المسؤولين بأن غيابي كان بطلب من الرئيس شخصيًا ،وعند وصولي إلى الجامعة وجدتهم في انتظاتري عند باب القاعة ،وقد أمكنني أن أنهي .المتحان في حينه ترابع المطلوبين ُترى من كان يعرف عبد حمود في الخاترج؟ فعلياً ل أحد كان يعرفه على الطلق، ومع ذلك فالميركيون لم يخطئوا التقدير حول سعة سلطته وحجمها ،فقد وضعوه في الرتبة الرابعة على قائمة الشخصيات الخمسة والخمسين المطلوبين على الخصوص بعد سقوط النظام ،فقد كان عبد حمود ينّسق بالفعل مع قصّي شؤون المن الخاص بصدام ،فهما وحدهما اللذان كانا يعرفان على الّدوام كيف .وأين يتصلن به لقد ألقي عليه القبض في السابع عشر من يونيو 2003بالقرب من تكريت ،غير أنني أشك في أن يكون قد أذاع أسراتراً مهمة .فعلى عكس ما كان ينتظره الميركيون فلم يتح لهم القبض عليه القبض على صّدام ،فقد كان يعرف أسراتر النظام قبل الحرب وبعض مخابئ الرئيس الهاترب ،ولكّن وفاءه .لعشيرته حال دون إفشائه لي سّر
كان باقي ترجال الرئاسة الرئيسيون يعملون إّما في الظل وإّما بعيداً عن عبد حمود، فقد كان أحمد حسين ،الذي كان ترئيساً للديوان منذ منتصف التسعينات ،تحت إمرة الفريق ،وكان صّدام يثّمن .مواصفاته في التسيير ،فقد كان لفترة طويلة وزيره للمالية أما نحن الموظفون ،فقد كان تقديرنا له أقل من ذلك بكثير ،إذ كان أحمد حسين التي من بلدة قرب تكريت ،ترجلً وسيما ً معروفاً بصرامته وبتقشفه المالي ،فقد كان ُيدير الديوان كما ُيدير عطا ٌتر حريص على مصالحه دكانه ،وكثيراً ما كان ُيعطل الطلبات من أجل تحسين سير هذا المكتب أو ذاك من المكاتب .وأكثر من ذلك ،فحتى الزيادات في الجوتر ،على الرغم من اعتماد الرئيس لها ،كانت تظل .على مكتبه لسابيع كاملة قبل دطخولها حّيز التطبيق مثال آطخر :كانت سياترات مصلحتنا قديمة ،لكن أحمد حسين كان يعترض مبدئيا ً على احلل سياترات جديدة محلها .كنا مع ذلك نعرف أن الرئاسة تمتلك مرآبا ً كبيراً مليئا ً بالسياترات الجديدة التي دطخلت العراق عن طريق التهريب .ففي قراتر المم المتحدة المسمى ب"النفط مقابل الغذاء" ل شيء كان مرصوداً لمصالح صّدام ،فهذه المصالح لم يكن حق لها الستفادة من أي إيراد من مبيعات النفط .العراقي لشراء تجهيزاتها كانت الستثماترات تذهب أولً لوزاترات الصحة والنقل والتربية ،لكّن صّدام كان يتدّبر أمره في الحتيال على المحظوترات ،فغرف من مخزونات بيجو 406وتويوتا والبيكاب المخصصة لوزاترة التجاترة .فنحن لدينا اذن ألوف السياترات الجديدة القابعة في الكاتراجات ،لكن أحمد حسين يرفض السما،ح لنا باستعمالها .فقبل الحرب كّل هذه السياترات نقلت إلى مطاتر المثنى القديم في بغداد، ليس بعيداً عن المخابئ الترضية التي أطخفيت فيها بعض طائرات الجيش ،وقد تعرضت هذه الطائرات للقصف .واستحالت السياترات الجديدة إلى ترماد
في الديوان كانت بعض النساء يرتدين ملبس على الطريقة الوتروبية .وقد طالب أحمد حسين بأن تقوم لجنة طخاصة بتحديد الطول المسمو،ح به للفساتين ،فقيل له إّن المر مستحيل ،إذ لم يكن ُيعقل أن يقيس أحدهم بالمسطرة كل صبا،ح فساتين الموظفات في الديوان! فتراجع أحمد حسين عن فكرته ،لكنه على الرغم من ذلك نشر مذكرة تدعو النساء إلى "اترتداء ملبس محتشمة" .فلم يكن يرغب في إغاظة الرئيس في أي شيء من الشياء ول أن يثير أي ترّد فعل من قبله ،فقد كان شديد .الحذتر كان أحمد حسين يسكن في مجمع الوزتراء بالقرب من حي المنصوتر ،وهو مجمع مسَّوتر يضم نحو مئة من البيوت الفاطخرة للمسؤولين الكباتر في العراق .وقد انتقل هذا المكان إلى ايدي أحد الحزاب الكردية منذ سقوط بغداد .كان أحمد حسين ترجلً نظيف اليد ،ولم يتعرض للسر من قبل .الميركيين ترجال الرئاسة القوياء كان تروكان الرزوقي ترج ً ل آطخر من ترجال الرئاسة القوياء ،وكان ُيدير بكثير من الرصانة والسرية مكتب العشائر الذي أنشأه صدام ،الذي حرص على أن يكون قريبا ً من العشائر بعد .هزيمة العام 1991 كان هذا المسؤول السابق عن وحدة المحاتربين ،وهم الحرس المقرب من الرئيس، ُين ّ ظم لقاءات .مستمرة مع ترؤساء العشائر ،وقد كان تعاونهم ضروتريّاً للحفاظ على المن في البلد وكان تروكان ُيدير القضايا الحّساسة التي يطرحها هؤلء الشيوخ من ذوي الشهامة. وفي العراق الكثير من هؤلء الشيوخ لكن ل تشهد أ ّ ي وثيقة على صفتهم .لذلك كان ل بد من التدقيق في ملفات كل واحد منهم أو السهر على أن تكون كل مقابلة متلفزة لرئيس من ترؤساء العشائر متبوعة في اليوم التالي .بمقابلة أطخرى
وكانت تلك فرصةً أيضا ً لمكافأة أكثرهم وداعًة ،مّمن يقبلون طواعية لعبة تقاسم السلطة مع نظاٍم كان في أمس الحاجة لستعادة أنفاسه ،فقد كان تروكان نفسه سليل عشيرة صدام ،لكن فرعه ،وهو فرع الغفوتر ،كان من فرع صهريه حسين وصّدام كامل .أما أطخوه ،وهو نقيب في الجيش، فقد ُقتل في .المواجهة التي جرت وفقاً للعادة البدوية بين الخائنين وبين عشيرتهم الصلية وبعد إصابته الدماغية التي عالجها في باتريس ،لم يتماثل تروكان للشفاء تماثلً كام ً ل. وقد لجأ أثناء الحرب إلى الّرمادي ،على بعد مسافة مئة كيلومتر شمالي بغداد عند صديق قوي وهو ترجل أعمال من كوكبة صّدام ،وكان ينزل بفندق "تريتر" في باتريس حين كان يذهب إليها لبرام العقود ،ويقال إنه مات تحت القصف .وقد كانت نهايته صوترة للمصير المأساوي الذي لقيه البعض من المقربين من صّدام
سنوات صدام ـ الحلقة السادسة بدأ الكتابة بدافع الملل ،صدام يراجع مسودات تروايته الطخيرة تحت القصف في ماترس 2003كانت الحرب في بداياتها الولى .كانت بغداد غاترقةً تحت القنابل. هل كان صدام يعد مخططات لهجوم مضاد مع جنرالته؟ أم أنه كان ينظم دفاعات العاصمة مع ابنه قصي؟ في هذه الساعات المأساوية أترسل صدام مبعوثاً إلى المكتب الصحافي ليطلب مسودات تروايته الطخيرة! كنت أعرف منذ زمن طويل أنه كان يؤلف كتبًا ،لنني كنت مكلفا ً بترجمتها إلى النجليزية .وبإعادة قراءتها لكنني لم أكن أتصوتر يوماً أنه سيعهد إلي بمثل هذا العمل في مثل هذه الظروف الحاسمة .ول أطخفي .أنني حتى النهاية لم أفهم شيئا ً من شخصية الرئيس العراقي
كان "عمله" الطخير ،الذي ظل في شكله المخطوط ،يحمل عنوان" :اطخرجوا أيها الشياطين!" .عنوان ل شك غريب يبرتره صدام في إحدى المقدمات .قديما ً كانت السرة في القرى العراقية إذا أصاب أحد أفرادها مرض استدعت معالج القرية لستئصال المرض ..فيقوم هذا الرجل بربط ذلك المريض بالسرير :ثم يشرع في ضربه وهو يصرخ !أطخرجوا أيها الشياطين الرواية الطخيرة كانت الرواية بالفعل شحنة شرسة ضد اليهود" ..الشياطين" كما يصفهم صدام ،لقد تخيل قصةً تجري أحداثها في العراق في عهد نبي ا إبراهيم ،وهي تصوتر أحد الجداد ويدعى إبراهيم ،وأحفاده الثلثة زكريا وعيسى ويوسف ،الذين يرمزون لرسل الديانات السماوية الثل ث موسى وعيسى ومحمد عليهم .السلم .فقد كان صدام يريد أن يقدم ترجمته الشخصية عن ميلد البشرية فزكريا الذي يحمل اسما ً تقليدياً يمثل الشر بعينه ،وقد ألبسه صدام بشكل كاتريكاتوتري ساطخر كل العيوب والنقائص والفات .فهذا الشخص ،الذي كان ل يطاق منذ طفولته ،كان متسما ً ببخله الذي كان يسري في دمه ،وكان يعشق تدبير المؤامرات .أما أطخواه عيسى ويوسف فقد كانا ،على ،العكس منه ،كريمين .صادقين وشجاعين في بداية الرواية يدعي زكريا أمام جده إبراهيم أن المال هو أهم وأثمن شيء في :الحياة !الفضل أن تستثمر ترأسمالك من أن تتعب نفسك في العمل والكد - صدم هذا الكلم إبراهيم ،مثال الفضيلة ،وبالمثل أثاتر غضب حفيديه الطخرين ،فرد أحدهما على زكريا :قائلً
.ل! إن الهم في الوجود هو الشرف والكرامة والطخلق - وأطخيرًا ،وبعد العديد من التطوترات الطاترئة ،طرد إبراهيم زكريا من البيت العائلي .وأقصاه من القبيلة لكن قبل أن يغادتر أعطاه إبراهيم حصته من التر ث .ومنذ ذلك الوقت صاتر زكريا مرابيًا ،وهكذا عاش .من المال الذي كان يقرضه .وشيئا ً فشيئا ً صاتر غنيًا ،وانطلق في تجاترة السلحة ولم يعرف تعطشه للسلطة وللمال حداً من الحدود ،فصاتر ،بمكيافيليته ،يستأجر الشباب لكي يحرض القبائل بعضها على البعض الطخر ،فيبيعون لها السيوف والدتروع .وهكذا صاترت القبائل تتقاتل فيما .بينها ،وصاتر زكريا يكسب ،ويراكم ويدطخر التربا،ح فوق التربا،ح في منتصف الرواية يدس صدام قصة عاطفية ،حيث يقع زكريا ،وبكثير من الوله، في حب فتاة موعودة لحد أقاتربه ،فيحاول بشتى الوسائل أن يغزو قلبها .ويذهب في ذلك إلى حد ،محاولة اطختطافها .لكن الجميلة تتمكن في الطخير من الفلت من أنيابه الشرسة وفي الطخير تنجو الطخلق وينتصر الخير ،ويسقط القناع عن زكريا ،الذي يقتله ترجال مستقيمون ،بعد معركة حاسمة تجري أحداثها في سهول بلد ما بين النهرين .وبذلك يخلص صدام، بعد هذه الحدا ث الفوضوية ،إلى أن العراق قد شهد فترة طويلة من الزدهاتر والنمو ،لن الشياطين قد هزموا شر .هزيمة ترى من أين جاءته كراهيته لليهود؟ إن صدام -كما ذكرت سلفا ً -كان يولي أهمية طخاصة للقضية الفلسطينية ،التي كان يصفها في الدعاية الرسمية بالقضية المركزية .ومع ذلك ،فقد كان الجميع يحرص في الخطابات العراقية الرسمية ،مثلما هو الشأن في طخطابات الدول العربية الطخرى ،على التمييز بين "اليهودية" وبين "الصهيونية" ،وبين "يهودي" و "إسرائيلي" .ففي القرآن الكريم يمثل .اليهود ،على غراتر المسيحيين تمامًا ،جزءاً من أهل الكتاب
والحال أن صدام في حدود العام 1999قد اطخترق هذه القاعدة عن قصد وسبق إصراتر .ففي إحدى طخطبه هاجم اليهود هجوما ً مباشراً بصفتهم يهودًا ..." :وأقول اليهود لن اليهود أشراتر ..ول أقول الصهيونية فقط بصفتها حركة سياسية" .هذه القوال لم تأت على أي حال من اترتجالت المنابر أو زلةً من زلت اللسان ،فقد كان صدام يريد أن يصدم لكي يتحدى إسرائيل ويستفزها .لقد أتراد أن يقول بهذه !".الكيفية" :لست أطخاف من أحد وأنا أقول ما أفكر به لكن لنعد لروايات صدام .لقد كتب صدام مخطوطته الولى في منتصف التسعينات. كان يرسل النص إلى مكتب الصحافة لطباعته بمعدل طخمسين إلى ثمانين صفحة مكتوبة في كل مرة .كان طخطه أنيقًا ،وكانت طريقة نسخه تقوم على الخطوط الطويلة .كان السكرتير الصحافي علي عبدا يصحح الطخطاء الملئية والنحوية ،وكان صدام يطلب منه أيضاً التحقق من المراجع التاتريخية ومن .التواتريخ أيضا ً كثيراً ما كنت أسائل نفسي كيف كان صدام ينظم أموتره ،فقد كان ينهك نفسه في العمل ،ولم يكن ينام إل قلي ً ل .وفي الشهر التي سبقت الحرب ،وفي الوقت الذي كنا نتصوتر أنه غاترق في قضايا الدولة ،كان ل ينقطع عن إترسال عشرات الصفحات المكتوبة بخط يده لطباعتها وتصحيحها ،وقد كنا نعيدها إليه في بضع ساعات ،وكانت تعود إلينا في اليوم نفسه مصححة مدققة .وأكثر من ذلك ،فقد كان يحد ث أن .يشتغل على العديد من النصوص في الوقت نفسه في البداية ،كنت أظن أن صدام كان يسعى لن يجلب لنفسه مجداً آطخر غير المجد .السياسي ،مجداً أدبيا ً فلعله كان يريد أيضاً الهروب من ضغوط حياة السلطة اليومية وأن يترك بصمةً ،مكتوبة في التاتريخ وحين ترجمت ترواياته أدتركت أن صدام كان يعبر فيها عن ذاته تعبيراً كام ً ل .كان يتناول الكثير من
الفكاتر ومن الموضوعات ،ففي الظاهر لم يكن يقتنع بخطبه وبظهوتره المتكرتر في التلفزيون ،فقد كان .في حاجة لن يتواصل بوسيلة أطخرى أيضا ً دتروس في التاتريخ كانت الكتابة بالنسبة إليه فرصةً أيضاً لعطاء العراقيين دتروسا ً في التاتريخ .ففي تروايته "القلعة الحصينة" ،وهو كتابه الثاني ،تأتي البداية أشبه بدليل سياحي حقيقي .فقد جمع وثائق كثيرة حول المدن التي تنتصب على سهول نهر دجلة ،وقد طلب فيما بعد من علي عبدا استشاترة المؤترطخين .وعلماء الثاتر لثراء هذه المخطوطة تجري الحبكة بعد الحرب اليرانية ـ العراقية مباشرة .وبطل القصة ويدعى "صبا،ح" ،وهو ضابط في الجيش العراقي ،يقع في أسر اليرانيين .وبعد أن يهدأ الصراع ينتسب "صبا،ح" إلى كلية الحقوق .بجامعة بغداد ،وهناك يلتقي بالبطلة "شاترين" وهي فتاة كردية في تلك الثناء ،كان على الطلبة أن يتلقوا تدتريبا ً عسكريا ً في الجيش .وفي الرواية يجري هذا التدتريب في الموصل ،المدينة الكبرى الواقعة شمال العراق .يذهب "صبا،ح" بسياترته إلى التدتريب ترافقه شاترين" وأطخوها محمود ،وطالبة أطخرى تدعى عايدة ،وعلى الطريق من بغداد إلى" الموصل ،تصبح .كل مدينة يمرون بها موضوعا ً لوصف دقيق وحين يصل إلى تكريت ،مسقط ترأس صدام ،ينطلق الراوي في استطراد طويل على مدى طخمس صفحات أو ست ،فيروي أن المدينة كانت في البداية مسيحية قبل أن يفتحها المسلمون ،ويذكر قصة القس "سطيح" ،الذي بدلً من أن يسلم ويعلن اسلمه ،فضل أن يرمي نفسه من على حصانه في بحر .دجلة من على جرف صخري
ونكتشف في الرواية أيضاً أن تكريت هي المدينة التي ولد فيها قائد الحرب الشهير الكردي الصل صل،ح الدين ،الذي صد الصليبيين طخاترج حدود القدس عام ألف ومئة وسبعة وثمانين ميلدي .وقد كان .صل،ح الدين بطلً عند صدام وعند المسلمين كافة أيضا ً وكان صدام يتناول في كثير من الحيان موضوعات تهمه كثيرًا ،كموضوع تربط الحاضر بالماضي والستفادة منه لبناء المستقبل .فقد كان يكتب هذه المقاطع على انفراد ويطلب من علي عبدا أن يدترجها في المكان الذي يختاتره هو بعد أن يعيد صياغتها في شكل حواترات .وقد كان هذا الستطراد يأتي طويلً أحياناً إلى الحد الذي يستدعي تقسيمه إلى أجزاء كثيرة وتوزيعه على .شخصيتين أو ثل ث كان هؤلء الشخاص يحاوترون أنفسهم على مدى أتربع أو طخمس صفحات ،وفي أسلوب ثقيل وغامض في كثير من الحيان .لم تكن عربية صدام ترديئةً ولكنه كان يكتب على عجل .فقد كان يضع أفكاتره على الوترق بل ترتيب على نحو ما تتبادتر إلى ذهنه .وحتى حين كان يعرض أفكاتراً بسيطة كان يصيغها بأسلوب معقد وجمل حافلة بالسماء الموصولة والضمائر الشخصية والنعوت من كل .نوع وكان يتوه في التلميح والتعريض وفي التفاصيل التي ل قيمة لها .ولذلك فقد كنت أجد صعوبة في ترجمتها إلى النجليزية ،لنني كنت مضطراً إلى تقطيعها إلى جمل ل نهاية لها. وكان القاترئ ل يلبث بعد قراءة بضع صفحات أن يدترك أن صدام لم يكن كاتبا ً جيدًا ،فليس كل كاتب شبيها ً .بنجيب محفوظ حديقة صدام السرية لكن هذه الروايات كانت حديقة صدام السرية .فبواسطتها كان ينقل أفكاتره إلى العراقيين حول كل الموضوعات وليس فقط السياسية منها .كان مثلً يقدم نصائح للنجا،ح في الحياة الزوجية" :على
الرجل أن يحترم زوجته وأن يفي بحاجاتها! وعلى المرأة من ناحيتها أن تكون ،مطيعة لسلطة زوجها ".لنه صاحب الكلمة الطخيرة ولنه ترب أسرة ومسؤول عن هذه السرة وكان يناشد الباء أيضاً العمل على تقوية شخصية أطفالهم بواسطة بعض اللعاب. ففي "زبيدة والملك" ،تروايته الولى ،يطر،ح صدام تأملته حول السلطة ونمط الحكومة ،فهو يقدتر أن القادة يجب أن يكونوا قريبين من الشعب .ومن طخلل "زبيدة" ،وهي فتاة فقيرة ،يستطيع الملك المعزول عن الحقائق ان يعيد بناء الصلت مع الرعية .ومع ذلك ل يمكننا القول إن صدام كان يطبق هذه المبادئ في .الواقع بل كان في غالب الحيان يعكس تلك المبادئ كانت أعمال صدام "تباع" ترسمياً في العراق ،لكنها كانت على وجه الخصوص، توزع على أعضاء حزب البعث ،وعلى أعضاء الحكومة والموظفين في الدولة .لم يكن صدام يوقع هذه العمال إل بكلمة المؤلف" ،لكن جميع الناس كانوا يعرفون صاحب تلك العمال .وقد كان السر" ،معلوما ً من قبل الكافة فقد كانت عباتراته المفضلة المعروفة عند كل العراقيين هي التي تكشف أمره ،وقد كان الناس يكتشفون .بسهولة جمله "المقدسة" عنده بالطبع كانت الصحافة العراقية تمدحه وتتملقه .فقد وصفه ناقد أدبي مشهوتر ب"الكاتب العبقري" ،وبـ مؤلف هذا الكتاب الجدير بالحترام" ،وهي العباترة التي لم يستعملها مع أي كاتب" آطخر قط .فقد أضاف !".هذا الناقد" :بتواضعه الجم وموهبته الهائلة ترفض المؤلف الكشف عن اسمه وقد امتزج تعاظم صدام اذن ببعض التكتم والسرية .فأثناء ترجمة "زبيدة والملك" اتصل بي هاتفيا ً أحد المترجمين ،وهو سلمان الواسطي ،وكان عاترفاً بالشعر ،ليخبرني أنه كان ينوي أن يوجه ترسالة للرئيس حتى يقتر،ح عليه تعديلت أدبية وأسلوبية تشجيعا ً له على توقيع الرواية باسمه ..وقد تكون .الحروف الولى من اسمه "ص، .ح ".كافية لهذا الغرض
وقد نقل السكرتير الصحافي هذا القترا،ح إلى الرئيس ،لكن هذا المترجم لم يتلق أي .ترد على الطلق كان صدام قد بدأ في الكتابة بدافع الضجر والسأم .فعند الكتاب العراقيين تعني كلمة "ترواية" "الملحمة الحربية" وتعني "القصة العاطفية" ونادتراً ما تعني الثنتين معا ً ول تعني شيئا ً آطخر غيرهما .لكن صدام ما لبث بعد حرب الخليج الثانية أن تحول على التلفزيون إلى ناقد أدبي ،مناشداً المؤلفين دمج النواع .الدبية فيما بينها عندما تكتبون ترواية ل تكتفوا فقط بذكر الحدا ث العسكرية ،بل حاولوا أن تدترجوا - قصةً عاطفية ما !بين ترجل وامرأة على طخلفية من الحرب ،ما بين ضابط وممرضة مثلً في 1992استدعى صدام ثلثة كتاب مشهوترين إلى القصر .كان يريد تكليفهم بكتابة مذكرات غزو الكويت .كان عليهم أن يرووا قصة "أم المعاترك" ،ولكن ليس بكيفية جافة أو بطريقة عملية فقط .فقد :كان صدام يريد قصة حية تروي قصة جنود الفرق والضباط العراقيين ل تكتبوا أن القصف الميركي قد بدأ في ساعة كذا وأن الرئيس أو ذاك الفريق قد - أعطى المر بفعل هذا الشيء أو ذاك ،بل اكتبوا "عند الفجر استيقظ قائد الوحدة في ساعة مبكرة ،فقد كان عليه أن يلتحق بخط المواجهة ،وبينما كان يحلق ذقنه ،إذا به يسمع دوي عمليات القصف ...".الميركية الولى على مدى شهوتر عديدة ،ظل المؤلفون الثلثة يتحاوترون طويلً مع العساكر الذين شاتركوا في غزو الكويت ،إلى أن صدتر كتاب سميك تحت عنوان "مسيرة أم المعاترك" .وقد أعاد صدام شخصيا ً قراءة النصوص وسجل ملحظاته عليها ،مضيفاً إليها على الخصوص هذا المقطع" :في الساعة الخامسة صباحاً من ذلك اليوم الثاني من شهر أغسطس ،1990نظر الرئيس في ساعته ثم التفت إلى مساعده
في المعسكر قائ ً ل" :لقد دطخل ترفاقك الن!" ،فرد عليه هذا الطخير غير مصدق: "دطخلوا إلى أين يا "!سيدي!؟" فرد عليه الرئيس بل تردد" :إلى الكويت مكتبة الرئيس في المكتب الصحافي ،كانت إحدى مهماتنا تتمثل في شراء كتب مخصصة لمكتبة صدام .فقد كان يشترط جلب نسختين أو ثل ث من كل عنوان ،وكنا نشتري ما ل يقل عن مئتين إلى ثلثمئة كتاب كل سنة ،وكانت القوائم التي يرسلها إلينا جد متنوعة .كان يميل إلى كتب التاتريخ وكتب الدين ،وكان يحب مذكرات الشخصيات التاتريخية ،كمذكرات الجنرال الميركي "نوترمان .شواترزكوف" حول حرب الخليج وكان مفتوناً ب"ستالين" و"نلسون مانديل" والجنرال "ديغول" الذي كان يرى فيه الرجل الوطني الذي يملك الشجاعة في مواجهة الهيمنة الميركية في العالم ،وكان صدام يطلب منا كتاب "المسر،ح العالمي" ل"بريجنستاي" الخبير السابق في قضايا المن في البيت البيض ،والذي كان يتناول القضايا .الجيوسياسية وكان آطخر كتاب طلبه منا كتاباً لـ "هوشي منه" حول الفييتكونع وتقنيات حرب العصابات داطخل المدنفلعله كان يريد الستفادة من هذه التقنيات قبل المواجهة مع الميركيين ،وقد تمكنا في الطخير من العثوتر على هذا الكتاب بعد جهد جهيد .وكان يطلب منا أحيانا ً مؤلفات نفدت نسخها أو قديمة جداً فلم .نكن نجد بداً من البحث عنها في المكتبات وعند بائعي الكتب القديمة لم ولن أعرف على الطلق إن كان ولع صدام بالدب وبالشعر ولعا ً حقيقيا ً أم مجرد .تصنع ومخادعة فعلى غراتر الخلفاء العباسيين ،كان صدام يسعى لن يكون حامي الفنون،ففي 1998 طلب من أحد الشعراء وكان يعمل في المكتب الصحافي ،أن يحضر إلى القصر مرتين أو ثلثا ً كل أسبوع ليَلقنه قواعد
كتابة الشعر والعروض والقوافي،وكان كثيراً ما يسرب إلى ترواياته أبياتا ً شعرية من قريحته .ففي قلب :طخطابه المتلفز في بداية الحرب في ماترس 2003أدترج بعضا ً من أشعاتره أشهروا سيوفكم بل طخوف ستشهد عليكم النجوم أوقدوا ناتركم ودعوا اللهيب يشتعل لترهبوا عدوكم الذي يريد أن يجعل !منا عبيده وكان على علي عبدا أن يتحقق من جديد من أن الرئيس لم يرتكب أطخطاء نحوية أو !لغوية ثقافة ..بالعافية كان صدام يتصرف كنصير للداب ،فيدلل الشعراء ويغدق عليهم العطاء .وكان كلما نشرت الصحف نشيداً وطنيا ً أعطى صاحبه مبلغا ً يتراو،ح ما بين 000,200إلى مليون ديناتر )من 100إلى 500 دولتر( ،وهو مبلغ مهم إذا ما قوترن بمرتب الموظف الذي ل يجاوز طخمسة دولترات شهرية فبقصيدتين !شعريتين في كل شهر يستطيع الشاعر أن يأطخذ أكثر مما يأطخذ وزير وكان صدام قد أنشأ نظاماً لمكافأة الشعراء داطخل وزاترة الثقافة .ففي كل طخميس كانت تجتمع لجنة طخاصة لنتقاء العمال الشعرية .لم يكن يشترط في هذه العمال أن تكون أصيلة بل كان يجب أن تخضع لقوانين الشعر العربي وأن تمد،ح الثوترة والرئيس .وكان الشعراء يوزعون .إلى فئات عديدة وكانت نخبة هؤلء تنتمي إلى طبقة شعراء أم المعاترك )أي شعراء حرب الخليج لعام ،(1991وإلى ).شعراء القادسية )أي شعراء الحرب اليرانية -العراقية
وكانت تتفرع عن نخبة القافية هذه ثل ث فئات أطخرى بمكافآت مصنفة على التوالي بـ 000,100ديناتر دولترًا( و 000,50ديناتر ) 25دولترًا( و 000,25ديناتر ) 5,12دولترًا((50 . وكانت الكرامية تسري أيضاً على برامج التلفزيون ،فإن تراق لصدام حصة من حصصه ،منح مبلغا ً قد يصل إلى مليوني ديناتر .دولتر( لمنشط حواتر سياسي أو ثقافي مثلً (1000 وقد صاتر صدام في الفترة الطخيرة أكثر سخاًء تجاه الفنانين ،فمنذ العام ،2000 وحتى يحسن أوضاعهم ويعوضهم عن اترتفاع السعاتر ،أصدتر أمره لوزاترة الثقافة بإعداد قائمة بكل الفنانين العراقيين .وقد صنفوا إلى ثل ث فئات ،وصاتروا يتلقون علوة تحدد تبعا ً لعماترهم )من 000,50 إلى 000,150ديناتر شهريًا ،أي ما يعادل من 25إلى 75دولترًا( ،وقد كانت المجموعة الولى تضم فئة من أطلق عليهم اسم "الرواد" أي القدماء من الفنانين ،وكانت أسر المفقودين منهم تتقاضى الكرامية .عنهم كان فنانو "الدولة" ،أي واجهة النظام البعثي ،يتلقون أفضل المكافآت ،بل وأكثر من ذلك ،كان هذا النظام يشجعهم على السفر إلى الخاترج للمشاتركة في المعاترض والمهرجانات والحفلت الساهرة .ففي عهد صدام كان على الثقافة المدعومة بقوة أن تنمو وتتطوتر في إطاتر غاية في الصرامة ،على غراتر ما .كانت عليه الثقافة في عهد ستالين أو موسوليني لم يكن من الضروتري أن يكون المثقف مسجلً في حزب البعث حتى يستفيد من تشجيعات الدولة ،لكن أي فنان منشق أو مرتبط بالمعاترضة من قريب أو بعيد مصيره القصاء من هذه القائمة .أما الفنانون المخربون" أو المهمشون فقد كان ينظر إليهم كفنانين "سيئين" ،لنهم ل يساهمون" في بناء المجتمع .من أجل ترطخاء الشعب وإن هم احجموا عن مهاجمة الرئيس أو النظام بشكل مباشر ،فل أحد يتعرض لهم ،بالسجن أو التعذيب
بل كانت مصالح المن تكتفي بتجاهلهم ،تاتركة إياهم أحراتراً يماترسون فنهم دون أي مضايقة أو إزعاج
سنوات صدام ـ الحلقة السابعة إكرامية لكاوندا وبقشيش لحبري ،مئة لقاء تسفر عن العجز عن فهم لغز شخصية صدام في السبعينات كان صّدام قد بدأ يستقطب حوله بعض "الزبائن" الفاترقة .فقد صاتر جزء من الريع النفطي ُيعاد ضّخه في هذه البلدان النامية ،في شكل مساعدات مباشرة أو استثماترات. ،وقد مّول صّدام مث ً ل ،العديد من المشروعات الزتراعية في موتريتانيا ،ذلك البلد الذي كان ُيقيم علقات تعاون وثيق مع .بغداد ،المر الذي أتا،ح لحزب البعث أن يماترس تأثيره على نواكشوط وفي ،1987وبعد أن أنهى للتو حواتراً مع حسين صبري ،وضع صّدام يده على كتفي وهو يقول لضيفه :الفريقي هذا الرجل الطيب سُيسّلمك هذا المساء مبلغاً بقيمة مليون دولتر! لقد أذهلني أن أترى الرئيس وهو يوّزع مثل هذا المبلغ ،وكأنه يوّزع بقشيشًا .لقد اكتشفت أن الهبة اللزامية صاترت ".موضة" حكومية بقشيش ومرسيدس مع غروب الشمس ،قدم حميد حّمادي سكرتير الرئاسة وبيده شنطة المال ،كنا واقفين أمام مدطخل إقامة الجانب ،وكان أمر صّدام واضحًا :فأنا الذي أسّلم المبلغ لصاحبه ،لم أكن أشعر بالراحة وأنا ألعب دوتر :المصرفي الخفي" ،وسألني السكرتير"
هل تريد أن تذهب إليه وحدك؟ - .ل فرق عندي ،وإن شئت أن ترافقني - ودطخلنا معًا ،وسّلم ُ ت المليون دولتر لحسين حبري .وفي اليوم التالي ترافقه صّدام شخصيا ً إلى المطاتر :بسياترته المرسيدس ،وقد شكر له الزائر هديته السخية ،فقال له الرئيس ل شكر على واجب ،سيصلك كل عام ما يعادل مليونا من الدولترات ،لك ولمن - .حولك وكان قادة أفاترقة آطخرون ،وآسيويون أيضًا ،يستفيدون من هبات الرئيس العراقي .فقد كان صّدام يحب إظهاتر سخائه تجاه زعماء بلدان العالم الثالث ،التي كان يسعى لن يثبت تضامنه معها ،فهي بالنسبة إليه وسيلة لشراء مساندتها له وولئها في داطخل الهيئات الدولية ،فكثيراً ما كان يذّكر بأن بلده .زوترق كبير" ل تهزه الريا،ح بفضل جوده وكرمه" وقد كان حسن غوليد ترئيس جيبوتي ،مث ً ل ،يتلقى بانتظام مساعدة مالية لبلده وله شخصيًا .في المقابل لم يكن وفاء هؤلء المستفيدين السعداء يخلو من عيوب ومن طخلل .ففي ،1990وقبل بداية حرب الخليج ،قّرترت البلدان العربية المجتمعة في قمة القاهرة دعم اللجوء إلى القوة لترغام العراق على النسحاب من الكويت .وعلى هذا النحو ،انضمت هذه البلدان إلى التحالف الذي قادته الوليات المتحدة .ضد العراق وكان حسن غوليد ،ترئيس جيبوتي ،قد عاترض في اليوم نفسه هذا التحالف مع واشنطن ،لكنه ما لبث بعد استراحة قصيرة ما بين الجلسات أن غّير موقفه كليًا .وقد أذهل هذا الموقف المفاجئ أعضاء الوفد العراقي ،الذين لم يستبعدوا أن يكون الكويتيون قد ماترسوا ضغوطهم على غوليد .وقد سخط صّدام
واغتاظ لهذا التحول بعد أن كان قد أعطاه مبالغ مالية هائلة في الماضي .وقد ظل صّدام يرغي بكلم ":غاضب عن "أطخيه الجيبوتي أ ّ ي نكراٍن للجميل هذا ...بعد كل الذي قدمته له!؟ - وأحياناً كان بعض الرؤساء المفلسين يطلبون منه صراحة أن يتكفل بحاجاتهم الشخصية .ولم يكن ذلك يزعج صدام على الطلق ،فقد كان عن طيب طخاطر يلبي طلباتهم وُيغدق في العطاء .ولم يكن يترّدد في أن يسحب من صندوقه 000,50أو 000,200 000,100من الدولترات السائلة حتى يساعد هذا أو .ذاك الرئيس وحتى عهد قريب ،تلقى الملقب ب"غاندي السود" وأبي استقلل زامبيا )العام (1964،كنيث كاوندا الكثير من المال من صّدام حسين .ففي شهر نوفمبر 2002وجوابا ً وعلى سؤال وجهه إليه الرئيس :أثناء استقبال بالقصر الرئاسي عن أحواله ،ترّد كنيث عليه قائلً على غير ما يرام ،ففي بلدي نسي الناس أنني ترئيسهم ،كان عندي سائق وسياترة - وظيفية ،لكنني !الن بل سياترة ول سائق :فرّد عليه صّدام قائلً كيف هذا وأنت ترجل الستقلل في بلدك تجد نفسك الن محرومًا؟ ل تقلق فإني لن - أدعك ولن أتخلى !عنك وعلى إثر ذلك الستقبال منحه صّدام 000,200دولتر ،وفقا ً للجراءات المعهودة. فقد سّلم عبد حمود أمراً مكتوباً لمصالح المحاسبة في بروتوكول الديوان .وبعد ذلك حمل أحد الموظفين المبلغ إلى إقامة كنيث كاوندا .وكان ترئيس زامبيا السابق قد شر،ح أثناء المحادثات بأن شخصين من أقاتربه كانا قد أنشآ
شركة بترولية ويطلبان تسهيلت للتعامل مع العراق ،وقد ترحب صّدام بالطلب من .دون أي ترّدد :وقد عاد كنيث كاوندا إلى بغداد في فبراير ،2003وعند مغادترته لصّدام قال له سيدي الرئيس ،إّني أعر ُ ف أن بلدكم تمر بمرحلة صعبة ،لكن وضعيتي المالية في - ،حالة من التدهوتر .وأنا في حاجة للمزيد من المال وطخيل إلّي أنني ترأيت في عيني صّدام شراترة من السخط ،لكن صدام ما لبث أن التفت إلى عبد حمود :سائلً إياه عبد ،كم أعطيناه في المرة الطخيرة؟ - !دولتر ،سيدي الرئيس - 000,200 !أعطوه 000,100هذه المرة - كان صّدام مضرب المثل في الجود والسخاء من الخزانة العراقية ،فكل من يلتقي به ل يمكن أن يرجع صفر اليدين .ومع ذلك فقد كانت تدهشني عنايته الفائقة تجاه كنيث كاوندا .وقد تروى لي عبدا السر الذي كان يربط ما بين الرجلين ،ففي نهاية السبعينات سئل الرئيس الزامبي بشيء من الوقاحة أثناء :مؤتمر صحافي .يقال إن علقات صداقة تربطكم بصدام حسين ..إنه مع ذلك ترجل دكتاتوتري - :فغضب كنيث كاوندا واحتّد لذلك ،وترّد على ذلك الصحافي صدام حسين ترجل دولة ،وحين يرد ذكره على لسانك فإنه طخليق بك أن تستعمل - .اللفاظ الملئمة !فالرئيس صدام حسين ليس سائقًا ،وإن تماديت في شتمه فاغرب عّني وقام المن بطرد ذلك الصحافي .وقد أكد لي علي عبدا أن صدام قد علم بالحادثة، فتوطدت بذلك
صداقته مع كنيث كاوندا .وكان ذلك أيضاً سمة من سمات شخصيته .فقد كان يرافق الرئيس الزامبي السابق حتى سياترته وينتظر حتى ينطلق السائق فيحييه بيده.،فقد كان يخص "أصدقاءه" بهذا الحترام من أمثال أحمد بن بيلل ،ترئيس الجزائر السبق كما كان يخص بهذا الحترام أيضا ً ضيوفا ً مميزين من أمثال كوفي عنان .وفي العادة ُيحيي صَّدام ضيوفه في قاعة الستقبال وكّنا نخرج من .دونه في الغرب كثيراً ما يشاع أّن أنصاتر القضية العراقية من أمثال جانيت لوبان ،زوجة الزعيم اليميني الفرنسي ،أو النائب العمالي البريطاني جوترج غالوي قد استفادوا من الهبات نفسها، فالمر واتر ٌد بالفعل ،لكنني ل أملك أي دليل مباشر على ذلك .كان صّدام يهوى البهاتر ،فكلما زاتره ترئيس أجنبي حرص على أن يقّدم هدية لزوجته ،فتبعا ً لمرتبة الضيف وأهميته أعّد البروتوكول أنواعا ً مختلفة من ".الساعات السويسرية الذهبية ول سيما "الرولكس" أو "البيجايه والوزتراء وترؤساء الوفود لم يكن لهم الحق سوى في الماتركات القل سحراً وجاذبية، وكثيراً ما كان السجاد الشرقي الفاطخر يقَّدم كهدايا أيضًا .كان صّدام يحب المغالة في الحديث ،وكان يسعى دائما ً للتحكم في نبرات صوته ،فقد كان يجد في أحاديثه الخاصة من الراحة ما ل يجده في ،أحاديثه العامة .وهو محاط بجهاز أمني صاترم وكان إذا قام بزياترة مدينة من المدن حرص على أن يحيي الجمهوتر تحية سريعة من شرفة داتر البلدية أو المدترسة قبل أن يغادتر المكان .وتعود آطخر أطول طخطبة إلى نهاية السبعينات ،أثناء العلن عن الميثاق الوطني" وهو البرنامج السياسي الذي يتضمن العلقات الدولية وتسوية" الصراع بالسبل .السلمية في المناسبات الرسمية ،كان صّدام يلقي طخطبه بصوت طخفيض ترتيب طخال من كل حماسة ،وكان أحيانا ً
يتعثر في الكلمات ،وكأنه يقرأ النص لول مرة .في هذا السياق كان أصدقائي كثيراً :ما يقولون لي ليس هو الذي يكتب طخطبه ،فهو بالضروترة يستعين بمساعٍد ُيعّد له ما يشاء من - !طخطب :وكنت في كل مرة أحاول أن أفّند ظنونهم .أؤكد أن صّدام يكتب طخطبه بنفسه ،فقد صّححنا هذا النص في المكتب الصحافي - ناهيك عن أن صدام كان ضعيف النظر ،ولذلك كنا نطبع نصوصه بالحرف الكبيرة. فالصفحة الواحدة .لم تكن تتضمن أكثر من طخمسة أسطر كان صدام في لقاءاته الخاصة يسعى للتأثير على محدثيه .فقد كان يستعمل جاذبيته الكاتريزميه حتى يفرض الحترام والقناع من دون اللجوء إلى أسلوب التعالي .وعلى عكس ملك المغرب حسن الثاني ملك المغرب ،لم يستقبل يوما ً أي صحافي أو ضيف من على من ّ صته ،فقد كان بروتوكوله دائما ً غاية في .البساطة في الغرفة الخلفية كان زواتره يسألونني قبل اللتقاء به كم سيستغرق اللقاء من وقت، فكنت اترّد عليهم :دوما ً ليس ثمة قواعد ثابتة ،فأنتم ضيوف الرئيس ،واعلموا أنه لن يفرض أحد حّداً لزمن - اللقاء ،فقد .يستغرق حديثه معكم ساعات كاملة نكات صدام كان صدام يعشق المز،ح والطرفة سعيا ً منه لتلطيف الجواء .لم تكن نكتتهُ المف ّ ضلة ،ظريفة بالضروترة ع كردي :ذات مرة سأل الجندي الراعي كيف فكثيراً ما كان يروي قصة جندي مع ترا ٍ ُيطعم غنمه ،فرّد
عليه ذلك الرجل الريفي قائ ً ل" :إني ُأطعمهم قمحًا!" ،فغضب الجندي وقال" :كيف يمكنك أن تعطي قمحاً لخرافك بينما الشعب يموت جوعًا؟!" ،وبعد أن أشبعه ضربا ً وعده الراعي بأنه سيغّير طعام .قطيعه وبعد مروتر بعض الوقت جاءه جندي آطخر وسأله السؤال نفسه ،فرّد عليه الراعي بأنه !يطعمها أترزاً فغضب هذا الجندي أيما غضب وقال له" :كيف يمكنك أن تطعم غنمك أترزاً والشعب "يموت جوعًا؟ وبعد أسبوع جاءه جندي ثالث ،فبادتره الراعي في وجل قائلً بعد أن حفظ الدترس: "إني أعطي لغنمي نقودًا لتشتري بها ما طاب لها من السوق" .طخلل حواتراته وأحاديثه ،إذن ،كان صّدام يبدي الكثير من .الظرف وبعض المجاملة وشتان بين هذه الصوترة وبين صوترة الرجل صاحب القبضة الحديدية الذي يهابه الشعب ويخشاه! فقد كان أصدقائي يسألونني كيف تطيق العمل مع مثل هذا الطاغية؟ فكنت أوضح لهم أّن صّدام في علقاته معي كان لطيفا ً ودودًا ،ولكنهم لم يكونوا يصدقون ،ظناً منهم أنني ل أجرؤ على انتقاد "معّلمي" طخوفا ً .من انتقامه مّني ول شك أن هذه الشخصية المزدوجة كانت لغزاً بالنسبة لي ،فالرجل في الحياة الخاصة كان سخيا ً ودودًا ،أما في الحياة السياسية فقد كان يبسط الرعب على كل البلد ،ول يتوانى عن سحق كل من يعاترضه .ولذا كنت أعيش في تناقض دائم ،فقد كانت الصحافة الدولية تشبهه بالغول وكنت أتراه دائما ً هادئا ً ولطيفا ً بشوشًا .كان الخاترج والعراقيون يخشون فيه طاغية دمويًا ،بينما كنت أنا أحتك برجل .مهّذب مجامل كنت وأنا أعمل معه أقّدتر جانبه البسيط ،المباشر ،فكثيراً ما كان يقول لي ،مقاطعا ً :الحديث مع محدثه
!سمان! اشرب شايك قبل أن يبرد - طخلل هذه اللقاءات ،كنت أحمل في جيبي منديلً حتى أمسح به جبيني من العرق ،فأنا كثير التعّرق في الجواء الحاترة .فالقاعات التي كان صدام يستقبل فيها زّواتره لم تكن مكيفة لنه كان يعاني من آلم في الظهر .وحين كانت قطرات العرق تسيل على وجهي كان صّدام يلحظها فيأمر مصالح المن بأن ترفع .مستوى التكييف بمناسبة زياترة حسين حبري للعراق العام ،1987أقام صّدام مأدبة على شرفه في أحد القصوتر ،وكانت طاولة الكل على شكل الحرف "يو" النجليزي .وكان البروتوكول قد وضع الكرسي الخاص بي في داطخل هذا "اليو" .كان صّدام وصبري يأكلن إلى جانبي ،وكانت أطباق الكل تتوالى بل انقطاع .ولما ق كبير به تشكيلة كان يصعب علّي أن أطخدم نفسي بنفسي فقد جاءني أحد الخدم بطب ٍ .كاملة من الطعام كان صدام وصبري إلى جانبي ،وكنت أترجم ما كان يجري بينهما من كلم ،لكن صّدام ما لبث أن نادى :ترئيس التشريفات قائلً له !لماذا ل يأكل مترجمنا كما نأكل نحن؟ إعلْم أنه أيضا ً واح ٌد من ضيوفي - فوترات الغضب لكّن ذلك لم يكن يمنع صّدام من أين يدطخل أحياناً في فوترات من الغضب الشديد ،فقد كان إذا قّرتر شيئا ً ل يطيق أن يتأطخر تنفيذ أوامره على وجه السرعة أو أن ُيساء فهم هذه الوامر .فأثناء زياترة حبري بالذات ،كان قد طلب من مساعديه أن يرافقوا القائد التشادي إلى الفاو المدينة المحّرترة آنذاك .وقد .حرص على أن يضع طائرة مروحية تحت تصرفه لكي يحلق فوق المدينة المدّمرة :في اليوم التالي عندما عاد حبري من جولته في تلك المقاطعة ،سأله صّدام قائلً هل حلقت فوق الفاو؟ -
.لقد ذهبنا إلى المكان بالسياترات - .فاستشاط صدام غضبًا ،واستدعى مدير التشريفات هل يجب أن أقوم بكل شيء بنفسي؟ ألم أقل لكم بأن تنقلوا ضيفي بالمروحية؟ لماذا - ل تطيعون أوامري؟ وغمغم مدير التشريفات ببعض كلمات العتذاتر ،وهو يتلقى تأنيبات الرئيس .بل أي اعتراض وأحب أن أقّر هنا أنني أتحمل قسطاً من المسؤولية في هذه الحادثة ،فقد اعطى صّدام المر داطخل السياترة الرئاسية بحضوتر الرئيس التشادي وأحد الحّراس ،وكنت قد ترجمت أوامر الرئيس ،لكن ل أحد .نقل المعلومة إلى البروتوكول ،فقد كان علّي أن أتكفل بتلك المهمة كانت بعض الموضوعات تغرقه حتماً في أسوأ حالت الغضب ،على نحو ما حد ث ذات مرة مع الكاتردينال أشيل سيلفستريني ،المبعو ث الخاص للبابا يوحنا بولس الثاني في منتصف التسعينات .كانت العقوبات الدولية قد بدأت بعواقبها المأساوية تنعكس على الشعب العراقي .ساعتها اقتر،ح هذا المبعو ث على صّدام أن يعتّرف بدولة اسرائيل كمؤشر للترادة الطيبة الدالة على أن العراق يرغب في تطبيع .علقاته مع المجتمع الدولي :فأثاتر ذلك حفيظة صّدام ،الذي ترا،ح يعّنف ويوّبخ محدثه قائلً إن ما تقترحونه علينا يخالف مبادئنا .إن ما نعانيه من آلم تحت الحصاتر لن يثني - عزيمتنا ،فاعلموا أنني ترج ٌل صاحب مبادئ ،وكان عليكم أن تتحروا أمري قبل لقائكم بي! عند نهاية ،هذا اللقاء الصاطخب أعطى الرئيس المر لسكرتيره الصحافي بنشر فحوى هذا اللقاء .ولم يكن هذا السلوب معهودًا .ففي العادة كانت مصالح الرئاسة تنشر بيانا ً مقتضبا ً يشير إلى أن صّدام قد استقبل هذه الشخصية أو تلك للحديث عن تطوير التعاون ما بين الطرفين أو في موضوعات ذات اهتمام مشترك، أما الفحوى الدقيق
.للمحادثات فقد كان يظل سّراً طخفيا ً وبصفتي شاهداً على الحادثة ُكلّفِ ُ ت بتحرير محضر المحادثات ،الذي أترسل فيما بعد .إلى وسائل العلم أما حول الصراع السرائيلي العربي ،فقد كان لصّدام تردود أفعال غاية في الحساسية ،فقد كان يرى أن أي تنازل عن القضية هو بمثابة استسلم ُمذّل وقد ظل هذا الموضوع من التابوهات حتى النهاية .وفي مناشداته للمقاومة ضد المحتل الميركي ،التي كان يوجهها للعراقيين بواسطة الشرطة الصوتية ،لم .يهمل مّرة الشاترة إلى النزاع السرائيلي -الفلسطيني بعد حرب 1991بقليل ،وبينما كان يوّزع الّوسمة على العساكر ،اشتكى له أحد الضباط من مصاعب :الحياة اليومية ،ثم قال لعل الفضل لنا أن نكون أكثر مرونة تجاه اسرائيل ،فطالما ظلت مواقفنا في هذا - الشأن بهذا القدتر من الصرامه فسوف نظل نعاني أسوأ العواقب ،لماذا نكون أقل مرونة من الفلسطينيين !أنفسهم؟ :ولم يكن ليقبل صّدام بهذا التجاوز ،فرا،ح يوّبخ هذا "الجبان" بعنف شديد كم أنا نادم على منحك هذا الوسام! هل هكذا تشكرني على هذا الوسام؟ هل يعقل أن - يخرج من هذا الصدتر المزّين مثل هذا الهذتر والسخف؟! كيف تجرؤ على مصالحة الصهيونية؟ وفي ،بداية التسعينات تلقى مسؤول كبير في حزب البعث هو الطخر دترساً من الصعب أن ينساه ،فقد اقتر،ح فكرة غريبة لملء :طخزائن الدولة سيدي الرئيس ،إننا نملك مواترد يمكن أن تساعدنا في التغلب على مصاعبنا ،لماذا - ل نبيع الذهب الذي يغّلف قبب مساجدنا؟ ب شديد انهال عليه من صّدام الذي استشاط لم ينله من ترّد على هذا السؤال سوى ضر ٍ :غضبا ً
!كيف لك أن تفكر في التخلص من تراثنا الديني؟ أنت لست جديراً بمنصبك - قليل من شخصيات النظام من كانت تجرؤ على انتقاد الرئيس .ومع ذلك ،فقد كانت بعض هذه الشخصيات من أمثال نزاتر حمدون تنتقد الرئيس بالفعل ،بل وقد ذهب ممثل العراق لدى منظمة المم المتحدة ،الذي توفي في يوليو 2003بعد إصابته بالسرطان ،في انتقاده للرئيس أبعد ،مّما كان يحق له فبعد هروب حسين كامل العام ،1995وّجه هذا الممثل ترسالة إلى صّدام من سبع .صفحات وقد حملت صراحة أقواله التي بلغت دترجة المساس بالذات الوطنية بما يثير الذهول حقًا .فقد ترا،ح هذا السفير ينصح صّدام بمزيد من النفتا،ح على العالم الخاترجي ،وبتجريد المجتمع من السل،ح ،وإلغاء :الصفة العسكرية عنه قائلً إن زيك العسكري لم يعد له ما يبّرتره لّن الحرب قد انتهت ،فهي تعطي النطباع - بأننا نُِعّد لصراع جديد .فالزي المدني سوف يطمئن العراقيين والمجتمع الدولي إلى نواياك السلمية، كل شيء صاتر .ترمزيا ً في ترسالته هذه انتقد نزاتر حمدون أيضاً السلطات المفرطة التي منحها صّدام لصهره الخائن والذي وصفه بـ "الطفل المدّلل" .هذه الرسالة وترّد الرئيس عليها نوقشا طخلل اجتماع ،لمجلس قيادة الثوترة الذي كان كل أعضائه يساندون صّدام .وقد ترّد هذا الطخير طبقا ً لملحظات "ترفاقه" في مجلس قيادة الثوترة .وقد وبخ صّدام سِفيره من حيث الشكل أكثر مما وبّخه من حيث موضوع الرسالة .فقد أطخذ عليه كتابته الرسالة على حاسوب كان يمكن أن يقع في فّخ وكالة الستخباترات الميركية: "إذا كان لديك شيء تريد أن تقوله فقد كان من الفضل أن تكتب ترسالتك بخط اليد وترسلها عن طريق الحقيبة ".الدبلوماسية أو أن تأتي إلي وتبّلغني الرسالة مشافهةً
مع ترفاقي في الرئاسة اعتقدنا أن نزاتر حمدون قد صاتر "مذمومًا" من صّدام ،وأنه سّيسحب على الفوتر من منصبه في نيويوترك ،لكن المفاجأة الكبرى أنه لم يعد إلى بغداد إل بعد ثل ث سنوات ،في شهر .فبراير 1998بمناسبة زياترة كوفي أنان الذي جاء لتسوية أزمة القصوتر الرئاسية ولم تتعرض له مصالح المن بأي مساءلة ،وعاد مطمئن البال إلى منصبه في المم المتحدة .وفي .نهاية المطاف تخلى صدام عن زيه العسكري في مناسبات لم تكن تبّرتر ذلك السلوك تشدد وتساهل إذا كان نزاتر حمدون قد تجرأ على هذا النحو على انتقاد صّدام ،فذاك لن صداقة طويلة ظلت تربط بين الرجلين منذ زمن بعيد .فقد ناضل معاً في صفوف حزب البعث منذ العام ،1963 وظننت على أي حال أن مثل هذه الرسالة ،حتى ما بين "الرفاق" ،ل يمكن أن تظل بل عقاب ،لكنّي كنت على طخطأ في هذا .الظن ،فقد كان صّدام يعرف كيف يكون حليما ً كريم النفس وقد كان بوسع صّدام أن يكون في آن متشّدداً ومتساه ً ل ،فأي غلطة أو طخطأ ل يؤديان بصاحبهما بالضروترة إلى المشنقة أو إلى سجن أبو غريب المشؤوم كما تبين لي ذلك في .مناسبات كثيرة بعد حرب الخليج عام ،1991أصدتر صّدام أوامره بعقد أول مؤتمر عام لحزب البعث ،الذي أطلق عليه اسم "مؤتمر الجهاد وإعادة التعمير" .وعلى مدى أسبوع كامل ترحنا نعمل في المكتب الصحافي ليل نهاتر من أجل إعداد طخطابه المطّول ووثائق الندوة ،فقد كان الخطاب وحده يمتد على مدى ستين .صفحة لكن صدام ما لبث ليلة المؤتمر أن غير الخطاب ترأسا ً على عقب ،فلم نجد بّداً من أن نعيد كل شيء من
الصفر .عند منتصف الليل قل ُ ت لعبد الجباتر محسن ،السكرتير الصحافي في تلك الفتره إننا قد ل نتمكن من إنهاء العمل في الوقت المحّدد ،من طباعٍة وتصحيحات وتصوير ألف نسخة لمجموع المشاتركين في .المؤتمر في نهاية المر ُ ص صّدام على مطابع جريدة "القادسية" ،لكْن عند قراءته أمام طبع ن ّ المؤتمرين توقف صّدام فجأة وترا،ح يرشق بنظراته السكرتير الصحافي الذي كّرتر صفحة وأهمل أطخرى! وكم أدهشنا صّدام حين جاء بعد بضعة أيام يزوترنا في المكتب الصحافي ،وكانت تلك أّول مرة تطأ فيها قدماهُ هذا .المكان كانت مكاتبنا غير مرّتبة ،وقد ازدحمت فيها الوتراق من كل الشكال .وبدلً من أن ُيوّبخنا ويعّنفنا جاء لكي يرفع معنوياتنا ويشجعنا .وقد ظل يتحد ث مع عبدالجباتر محسن نحو عشر دقائق، ثم صافحني :وحيا بقية الموظفين تحية وّد وإطخاٍء .وعند مغادترته المكتب قال لنا !إّن من يعمل كثيراً قد ل ينجو من الطخطاء - لقد كانت شخصية الرئيس عقدة حقيقية من المتناقضات ،ففي ذاته كان يتعايش الجود .والسوأ معا ً فعلى الرغم من نحو مئة لقاء شاتركت فيها لم أفلح يوما ً في فهم هذه الشخصية .الغامضة فهما ً كاملً صح عنه إلى الن ،جمع ذات يوم ما بين صدام من هذه اللقاءات هناك لقاء لم ُيف َ ومبعو ث للرئيس .الميركي بيل كلينتون ،وهو مثال على هذا التعقيد فقد قّرتر صاحب البيت البيض الجديد أن يعيد التصال بصدام ،فأترسل إلى بغداد سّراً عن طريق طاترق عزيز واحداً من مقربيه الصدقاء .قبل اللقاء أتراني الرجل صوتراً يظهر فيها إلى ،جانب بيل كلينتون ولم يخف علّي هدف الزياترة وهو يحمل نوعا ً من الشهادة موقعة بخط الرئيس :الميركي
لقد جئت لنقل تحيات الرئيس كلينتون للرئيس صّدام حسين .وعلى مدى الزمن - الذي استغرقه النتظاتر في الغرفة الخلفية ،ترا،ح هذا الزائر الموّقر يروي قصصا ً غريبة .وقد أوصيته في حذتر أن ل :يدع لسانه يزّل بالمز،ح أثناء الحديث مع الرئيس إن المزحات غالبا ً ما يصُعب ترجمتها ،وإن هي لم ُتضحك الرئيس فقد يصير - !الموقف مزعجا ً وطخلل اللقاء شر،ح الميركي للرئيس ،إجما ً ل ،أن الرئيس الميركي الجديد على استعداد لفتح صفحة جديدة في العلقات الميركية العراقية ،والنطلق من جديد على أسس من الصداقة وعلى قواعد جديدة .ففي ترأيه أن كل الحتمالت كانت قائمة وممكنة ،ولم يقّدم أي اقتراحات ملموسة ،ولْم يشر إلى ترفع عقوبات المم المتحدة ،ولم يذكر أي برنامج زمني محّدد ،بل جاء ليضع المعالم الولى للحواتر .ويمّد إليه يد بيل كلينتون لكن كم أدهشني الرئيس المتعاظم ،الذي ظل غير متأثر بهذه اللفتة ،واكتفى بالعودة :إلى أفكاتره الثابتة عظمة العراق وحضاترته الخالدة وشعبه البي الشجاع .وقد تروى كفاحاته الخفية في حزب البعث في الستينات والتقائه بطاترق عزيز ،ولم يحاول في أي لحظة أن ينتهز الفرصة المتاحه ول أن يجيب عن .طلب كلينتون وبعد طخروجي من الحواتر ،عّبر ُ ت عن أسفي صراحة لعلي عبدا ،فقد أضاع صّدام فرصةً هائلة ،ترى ما الذي جعله يدير ظهره لهذا المنعطف الجديد؟ أأزعجه كون أن مبعو ث البيت البيض ليس شخصية ترسمية؟ إني أشك في ذلك ،طالما أّن صّدام يف ّ ضل التصالت الشخصية على المداولت الرسمية ،وقد .فهم كلينتون هذا الجانب من شخصية صّدام في الواقع كان صّدام يخشى "بيع" نفسه للميركيين ،فالتصرف بعناٍد كان مسألة ،شرف بالنسبة إليه
فلم يكن صّدام يشك في كون أن كلينتون لو كان حقا ً صادقا ً وجاّداً في إترادته في إعادة بناء الجسوتر مع العراق ،لكان أترسل مبعوثين آطخرين ،ولم يدترك صّدام ان ترئيس دولة أول قوة في العالم حين أترسل إليه على عجل صديقا ً شخصيًا ،يكون قد قام ببادترة قوية تكاد تكون مذّلة .وترفض صّدام لليد الممدودة إليه .تشهد على عدم فهم قاتل للعالم الخاترجي وبينما كان صّدام يتوقع وصول اشاترات أميركية جديدة اعتبر كلينتون الملف مطويًّا، ففي ترأيه لم يعد ثمة شيء يمكن انتظاتره من الرئيس العراقي .وفي منتصف التسعينات ترفض كلينتون تمويل عمليات سرية لقلب النظام العراقي نظمتها وكالة الستخباترات الميركية بالتعاون مع المعاترضة العراقية في .المهجر وفي 1998لم يترّدد في شّن عملية قطع ترأس النظام "ثعلب الصحراء" وفي قصف البلد أيضًا ،وقبل سنوات كان يرفض أن "يباع" ،لكّن صدام ما لبث أن صاتر نهائيا ً غير قابل لن ُ".يشترى" من جديد
سنوات صدام ـ الحلقة الثامنة ملياتردير يعاني من البخل الشديد ،عدي مصاب بهوس إطلق الناتر ويعتز بأتربع ترصاصات استقرت في جسمه في 1993تلقيت مكالمة هاتفية من أمانة ُعدي ،تطلب مترجما ً عن النجليزية تريده ،في اليوم نفسه وفي الساعة الثامنة والنصف مساًء بالضبط .لم يكن يهمني كثيراً أن أكون مترجما ً ،لبن صّدام البكر المعروف بنزواته العنيفة ،فأترسلت واحداً من زملئي ،الذي أطخبرني في اليوم التالي أن الموتر جرت .على ما يرام
بعد مروتر أسبوع واحد ،طلب عدي مترجماً مرة أطخرى ،لكن سكرتيره أديب شعبان "الستاذ" ،كما كان يدعوه مرؤوسوه ،اشترط أن يكون مترجم والده -وهو أنا -هو الذي يجب أن .يستجيب لهذا الطلب :واستجبت في أدب جّم ككل موظف في الرئاسة .إنه لشرف عظيم لي ..وسأكون في الموعد - كان ُعدي يستعد لستقبال وفد من الميركيين من أصل عراقي الذين كانوا ل يتحدثون العربية .وكان اللقاء بالضيوف في مقر اللجنة الولمبية التي كان يتولى ترئاستها في حي زيونة، وهي البناية التي قصفها الميركيون بكثافة .في العادة كان ُعدي يعطي مواعيده بالقصر الجمهوتري في جنا،ح كبير كان .والده قد أهداه إياه ،وكان مقره الرئاسي كان هذا البيت يطل على بهو واسع ينفتح على قاعتين للجتماعات ثم على مسبح، وفي الطابق الترضي على قاعة للرياضة البدنية .فقد كان عدي مثل كل أعضاء السرة الصدامية يعشق المكان .الواسع الشاسع حين التقي ُ ت به ،اكتشفت ُعديّا ً مختلفاً عن ذلك العدي الذي كنت أتخيله ،بل لقد وجدته لطيفا ً وغاية في الوّد ،وهو يصافحني بحراترة ،شاكراً تلبية الدعوة .وقد عرف كيف يجّنبني شّره ونزواته على مدى فترة التعاون التي استمرت حتى عام ،2003فلم يكن يجهل أنني كنت المترجم .الخاص لوالده كنت أجد مهمة الترجمة معه أقسى وأمّر من طخدمتي لصّدام نفسه بكثير .فمع الرئيس كان كل شيء يجري في يسر ونظام ،لكن ُعدي ،الحاصل على دبلوم في الهندسة المدنية من جامعة بغداد ،كان يّدعي أنه يفهم النجليزية ،وكثيراً ما كان يقاطعني وهو يقول إنه فهم كل شيء ،لكنه يعود :بعد لحظات ليقول
!ساعدني يا سمان ..فأنت مترجمي - .كان يفرط في تقدير معلوماته اللغوية ،وكان يرطن بالنجليزية فيتكّلم بما ل يفهم الملياتردير البخيل كان ُعدي ترج ً ل كثير الشغال ،فمن بين مسؤولياته الرسمية كان ترئيسا ً للتحرير في العديد من الجرائد وعضواً في البرلمان وترئيساً لنادي الجادترية .وقلما كان يحترم المواعيد .كنت أحيانا ً أضطر لنتظاتره ساعات طويلة مع ضيوفه من دون أن أجد ما أقوله لهم ،فقد حد ث أن استغرق مسؤولون ترياضيون !ُكوترّيون في النوم من فرط النتظاتر وكان يعتذتر بالقول إن شؤونه كثيرة ،والحال أنه ،باستثناء قيادته لفدائيي صّدام ،فقد كانت مسؤولياته .الطخرى قليلة الهمية كان معروفاً ببخله ،فلم يكن يدفع لموظفيه سوى أجوتر زهيدة .وبعد حصتي الثانية معه في الترجمة قال :لي أحد كّتابه ض عنك كثيراً وسوف يمنحك مكافأة شهرية - .إّن ُعدي ترا ٍ لكّن المبلغ الذي وعدني به هذا السكرتير لم يأت قط ،فقد اكتفى ُعدي بإعطائي عشرة دولترات عن كل ترجمة ،أي نحو ُعشر ما كنت آطخذه من والده .ومع ذلك ،فقد كان يملك ثروة فاحشة، وكانت نفقاته مسجلة في ملفات ،وبعد العتداء الذي تّعرض له في 1996أبعده والده عن السباق نحو كرسي الرئاسة ،ومنحه في المقابل حصة كبرى من عائد التهريب )بترول -سجائر ...إلخ( واليوم كل الناس !في العراق يتساءلون أين ذهبت ثروته الطائلة؟ كان ُعدي على اقتناع بأنه نجا بأعجوبة .فهل لذلك السبب كان يبّدد الموال تبديدًا؟ في الثاني عشر من
ديسمبر 1996أطلق عليه قناصون متخّفون ثلثين ترصاصة اطخترقت جميعها جسمه بينما كان يقود سياترته "البوترش" في حي تراق من أحياء المنصوتر .وقد كان في حالة موت إكلينيكي ،حين وصل إلى مستشفى ابن سينا الكائن داطخل القصر الجمهوتري .وكان العراق قد استفسر من الفرنسيين إن كانوا .يقبلون معالجته ،لكّن باتريس ترفضت الطلب كانت فرنسا قبل ذلك بثلثة أسابيع قد استقبلت تروكان الرزوقي قائد حرس صّدام الذي تعّرض لحاد ث دماغي .وما ان طخرج هذا الطخير من مستشفى "بيتييه سالبتريير" حتى ترا،ح يستمتع بحياة باتريس الليلية برفقة إحدى فتيات الليل في حي بيغال .والفرنسيون لم يحبُذوا استقبال أي ،مسؤول كبير عراقي .ولسيما إذا كان هذا المسؤول شخصا ً أترعن مثل ُعدي ومع ذلك ،فإن صلته بالطب الفرنسي هي التي أنقذته ،فمنذ العام 1984كان ُعدي يترّدد بانتظام على مجّبر )أي مقّوم أعضاء( باتريسي ،وهو طبيب عسكري سابق صاتر صديقا ً له مع اليام ،ولو على ض بعض الشيء .وقد أترسل له هذا الطبيب على عجل فريقا ً طبيّا ً من فرنسا مض ٍ يتكون من أتربعة جراحين ،فزترعوا له طقما ً معدنياً في الرجل اليسرى ـ وهو ما حرص الميركيون على استعراضه .لتوثيق بدنه بعد الهجوم القاتل على منزل الموصل الذي لجأ إليه مع أطخيه ومن حادثة المنصوتر احتفظ ُعدي بأتربع ترصاصات في بدنه .وقد كان فخوتراً بذلك أيما افتخاتر ،فقد كان على يقين أّن ا قد أودعه مهمًة ،فقد كان مهووسا ً بصحته ،ولم يكن يثق بالطب العراقي .ففضلً عن صديقه الفرنسي الذي أجرى له عملية جراحية في باتريس العام 1986بعد تعرضه للتواء في مفصل الرجل اليسرى أثناء مباتراة في كرة القدم ،كان ُعدي يستشير بانتظام اطختصاصيين ألمانا ً في التدليك الطبي ،واطختصاصية فرنسية في علم الجنس ،وممّسدة كانت تجيئه طخصيصا ً من .منطقة الكاتريبي
بعض هؤلء الطختصاصين كانوا يتقاضون مبالغ كبيرة :كان عدي يقّدم نحو مئة وطخمسين ألف يوترو مقابل ثلثة أشهر من العلج ،لكّن هذه المهّمة لم تخل من ضغوط .لقد قبعت ساحرا ُ ت ُعدي في فندق الرشيد حتى ل تتّسرب أطخباترهّن ،ولما كَّن يعلمن بولع مريضهَّن بسحر الصبايا وبحساسيته لهّن ،فقد آثرت بعضهَّن اصطحاب بعض ال ّ صبايا الممرضات معهّن إلى العراق .وعلى هذا النحو أيضا ً تعر ّ ضت .العديد من طالبات جمعية فرنسا ـ العراق لنزوات ُعدي الجنسية استطاع ُعدي أن يعود لمشيته الطبيعية شيئا ً فشيئًا ،فقد كان بعض الخلل في الحركة العضلية آطخر آثاتر إطلق الناتر الذي تعرض له ،وقد كانت ترجله اليسرى إذا مشى ل تستجيب استجابة كاملة فتنحرف جانبا ً بعض النحراف ،لكّن ُعدي كان عنيداً ومصّراً على أن يجلب من الخاترج آطخر ما أنتجته التقنية من أجهزة إعادة التقويم العضلي .كان مدطخل مقر إقامته في القصر كثير الزدحام ،إذ كان يستشير من .الطختصاصيين من يشاء وقد استقدم طخبيراً أوتروبيا ً في الدماغ كان يّدعي ابتكاتره لطريقة ثوترية في الجراحة الدماغية لفحص عضلت الرجل ،وقد ترجم ُ ت حديثهما :إذ حّذتر هذا الطخصائي الطباء العراقيين الموجودين حول ُعدي من أن العملية تنطوي على كثير من المخاطر ،وكان هؤلء قد حّذتروا ُعدي في السابق من هذه :العملية ،لكنه أبى إلّ أن يخالف تحفظاتهم ،قائلً بل تفكير .ـ أتريد أن أطخوض هذه التجربة لكن الحرب ما لبثت أن قامت ولم تمهله حتى يجري تلك العملية .غير أن ُعدي ما فتئ يرّدد لطبيبه :الفرنسي !ـ سأصبح عادياً عندما أستطيع أن ألعب لعبة السكواش كما كنت ألعبها من قبل .ـ ولكنك تعافيت
ـ لقد ُشفيت ،ولكني حين أطلق الناتر ببندقيتي الكلشينكوف أشعر بأن ترجلي اليسرى لم تعد مستقرة كما .في السابق هوس اطلق الناتر لقد اقتر،ح عليه طبيبه أكثر من مئتي نموذج من الطقم المختلفة ،لكّن ُعدي كان مصابا ً بهوس إطلق الناتر بالكلشنكوف بحضوتر أصدقائه في ناديه الخاص بالجادترية ،وهو ناد تراق مخ ّ صص للنخبة ،به حدائق غناء تمتد على طول نهر دجلة ،الذي كان يرسو به قاتربه الخاص المعروف ".باسم "القادسية .كان الحفل عادة ما يبدأ بأغنية وطنية يشدو بها مطرب من مّداحي صّدام وكلما سمع ُعدي اسم والده ترا،ح يطلق ترشقات من الطلقات على جدتران النادي الليلي ،ومن حوله الصبايا وقد وضعن أيديهّن على آذانهَّن .لم يكن ُعدي سوى طفل مدّلل ،يسعى ،للتباهي بنفسه وبوالده !بل ولقد جاء ذات يوم إلى النادي بسياترته "البوترش" الخردلية اللون ذات يوم ذهبت إلى ناديه ،وهو مكان منّفر ل ذوق فيهُ ،زّين بكنبات مترفة ومرايا كبيرة .ويذكرك هذا المكان بنوادي الستينات الليلية في أوتروبا .وعلى الرغم من ان النادي ترديء فإنه غاٍل ـ الشتراك السنوي فيه يتراو،ح ما بين مئة ألف وأتربعمئة ألف ديناتر )ما بين 50و 200دولتر( وفقا ً للمزايا المتوفرة والمسبح والمواقف المجانية ..الخ .وفي الجادترية ،حيث كان يقيم أصحاب ،النفوذ في النظام كان لُعدي العديد من البيوت الفخمة أيضًا ..صالونات واسعة من المرمر ومسابح وأفران لشي الخرفان .وما إلى ذلك كان ُعدي سييء الذوق ،وهو ما كان يثير الحراج أحيانًا ،فلم يكن يزعجه أن يستقبل وفداً وهو يلبس جّبة تجاوز بدنه طو ً ل ،أو بدلة بكمين مبرقشين ،فقد كان يحب طخليط اللوان الّبراقة، وكل ذلك بدافع
.حب التظاهر وكان الولع الستحواذي بالجنس الطخر طخطيئته الكبرى ،فقد كان أحيانا ً يهاتف بصوته الناعم الجهير :صبية مجهولة بدعوى أّن والد هذه الصبية ترجل أعمال في العراق ،فيقول لها هامسا ً !عيوني ،عيوني! عيونك حلوة - لقد بلغ من الجرأة حداً جعل النساء يخشين الخروج ،طخوفا ً من أن يقعن ضحية لنزواته التي تجاوزت كل الحدود وذات صبا،ح اتصل بي حتى يسألني كيف نترجم إلى النجليزية عباترة "!".أنت أموترة وكان يحب الدتردشة على النترنت ولكم أن تتخيلوا مع َمن ،وقد طلب مني أيضا ً أن أترجم له كتابا ً عنوانه "كيف تقوي ذاكرتك لكي تصبح قادتراً على قراءة كتاب كامل في دقيقتين". لقد أمضيت شهرين كاملين في ترجمة الكتيبين والشرطة الثمانية لهذه الخدعة الف ّ ظة .لقد قلت له إن المر مجرد دعاية !كاذبة حتى ل يتهمني فيما بعد بأنني غششته كان عدي يحب الشرب ولعب القماتر ،وكان يهوى السهر طوعا ً وعن إكراه أيضًا. فقد كان يعلم أن ل أحد يحبه ،ولذلك كان يختفي عن أعين الناس ،ويعزل نفسه عن عالم الواقع ،محاطا ً دوما ً بنحو عشرة من الحراس .وفض ً ل عن ذلك ،كانت مقاتر لهوه طخالية كئيبة ،ولم يكن يجرؤ على الستمتاع بحدائقه الخضراء لما في ذلك من طخطر على حياته ،فلم تكن السواتر العالية المحيطة بممتلكاته كافية لقناعه .بأن يتمتع بحياته في هدوء وطمأنينة وقد أطخذ ُعدي نظام جهازه المني عن جهاز والده ،حيث كان يقف أمام المبنى الذي يفترض أنه موجود فيه ،طخمسة ٌ أو ستة حراس يحرسونه بشكل متواصل ،بينما كان يقف ثلثة أو أتربعة .آطخرون من طخلفه .فمثل صدام اذن كان ُعدي حريصا ً على أمنه وعصيّا ً على من يحاول العتداء عليه
غير أّن ُعدي على عكس والده ،كان حّراسه يرتدون الزي المدني ول يعرضون أسلحتهم ،فهم شباب من البدو ،تتراو،ح أعماترهم ما بين العشرين والخامسة والعشرين ،ومن أصول تكريتية ،قصيري الشعر غير مرتاحين في بدلتهم وتربطات العنق ،ولكنهم على استعداد لترتكاب كّل الحماقات من أجل ".حماية "الستاذ وكان أقاتربه يستفيدون من وضعهم الممّيز في ميدان العمال والصفقات والكسب: فقد استغل هؤلء عشرة ترجال أعمال فرنسيين كانوا في حاجة إلى تأشيرة في مطاتر بغداد ،فاشترطوا عشرة آلف دولتر .من كل واحد منهم حتى يحصلوا على التأشيرة وقد كان الناس يّدعون أن ُعدي كان له صنو )شخص مشابه( وهو لطيف ليا من عائلة ميسوترة ،وقد ترأينا نحن الذين نعرفه أن الشاعة غريبة ،لكن لطيف كان يستغل بالفعل شبهه بُعدي للدطخول إلى الماكن الحساسة حتى يعاكس ويتوّدد للصبايا اللواتي يعجبنه ،فقد كان لطيف صنواً ،مهتّما ً بالمر .وهو الذي كان يّدعي أنه "نسخة" من ُعدي ،ول أظن أّن ُعديا ً قد لجأ يوما ً لخدماته كان ُعدي يستقبل زائرين أجانب كل شهرين تقريبًا .كان هؤلء في معظم الحيان من الوسط الرياضي ومن البلدان السيوية طخصوصًا ،مدترب كاتراتيه ياباني كان يأتي ليعرض طخدماته، وترؤساء بعثات الفرق الرياضية المدعوة لبغداد ،وكان هؤلء الزواتر أيضاً ترجال أعمال ،بمن فيهم الفرنسيون القادمون للتماس دعم مقابل عمولت مغرية ،وكانت المحادثات في الغالب قصيرة، ولم يكن ُعدي في .حاجة لمساعدتي ،لن مبادئه في النجليزية كانت كافية للحديث في قضايا العمال فقد كان يتفق مع شركائه حول مبلغ مكافأته ويتكفل سكرتيره أديب شعبان بالبقية. وكان ُعدي يلتقي أيضاً برجال السياسة من أمثال النمساوي جوترج هايدتر الذي يتعامل معه في قضايا المال .وقد جرى
العرف أن يجيء معظم ترجال السياسة إلى بغداد وبرفقتهم "مستشاتروهم" في .الشؤون المالية ويذكرني هذا بإيطالية ممثلة لحدى الشركات النفطية ،جاءت يوما ً لتعرض ترغبتها في تسويق النفط العراقي .وقد شرحت لي قبل لقائها بابن الرئيس المزايا التي كانت تنوي جنيها من ،وتراء هذه الصفقة ففض ً ل عن المكافأة ،كانت تفكر في جعل مدير الفدترالية الّرياضية العراقية يستفيد من علقاتها الطيبة :مع الفرق الرياضية .وبعد ساعة من النتظاتر قال لها أديب شعبان إن السيد ُعدي يأسف لتعذتر التحد ث معك ،وسنقوم أنا وأنت بالنظر في تفاصيل - .العقد وقد اقترحت طخدماتي على السكرتير ،لكنه ترفضها ولجأ إلى مترجمين مَمن يثق بهم .في المن الخاص وكان ُعدي يتدطخل في مجال التسليح البالغ الحساسية .ويروي في هذا الشأن أنه كان دائم الشكوى من :أطخيه لدى والده ،وقد استشاط ذات يوم غضبا ً ما هذا؟ أأترك أطخي يتعدى على اطختصاصي؟ - وكان يتفادى اللجوء إلّي في سهراته "الخاصة" التي كان يدعو إليها فتيات الليل، ويستقبل فيها نساءً من الخاترج .ذات يوم جاءني أديب شعبان ليسألني ُدون ذكر الّسبب إّن كنت أستطيع أن أنصحه بمترجم :للنجليزية ،فاقترحت عليه القيام شخصياً بهذه المهمة ،لكن السكرتير أجابني !ل ،يا دكتوتر سمان إن ُعدي مصّر على أن ل يزعجك - ونصح ُ ت بأشخاص عديدين من دون ذكر أي واحد من الشرطة السرية .فُعدي ل يرضى بهؤلء طخشية .أن ينقلوا أطخباتره إلى والده غير أن ُعدي ،عندما كان يلتقي بأطبائه الجانب ،كان في الغالب يلجأ إلّي ،فقد كان ل يثق بالطباء
العراقيين النجلوفونيين ،لنه كان يخشى أن ل ينقلوا إليه بأمانة عتاب وملمة .زملئهم الجانب وقد تأثر في ذلك بما حد ث مع أمه ساجدة ،فقد كان ُعدي طفلها المفضل ،وكانت تنظر بعين الملمة إلى زواج والده الثاني بسميرة شهبندتر ،زوجة مدير الخطوط الجوية العراقية .كنت موجوداً في مستشفى ابن سينا عندما كان أطباء أجانب عديدون يفحصون ساجدة ،فقد كانت تعاني من ،التواٍء في المفاصل .وكان أحد الطباء العراقيين قد نصحها باستعمال الماء الساطخن لتهدئة اللم وحين تروت ذلك للطباء الوتروبيين قالوا لها إن كمادة من الماء الباترد أفضل ألف مرة ،ومنذ ذلك الوقت ،صاتر ُعدي يلح على أن أكون إلى جانبه أثناء أحاديثه مع الطباء الذين يعالجونه ،فقد كان يقول :لي بإصراتر !أتريدك إلى جانبي وإل كذب علّي العراقيون - ولنه لم يكن يثق بهم ،ألّح على أن تجرى له إحدى العمليات في باتريس العام .1986 وكانت مجرد .عملية التواء مفاصل الركبة شطط وتعسف الحال ان شطط عدي وتعسفه ونزواته تعود لسنوات طفولته الولى ،فقد كان دوما ً متمّرداً على القوانين .وقد كان صّدام واعياً لنحرافات بكره ،ولم يكن يجهل إساءته لصوترة العائلة بل وحتى لصوترة العراق .وكان يعاقبه على افعاله أحيانًا .ففي نهاية التسعينات دطخل صّدام، وهو في أوج الغضب والغيظ ،إلى المرآب الذي كانت ت ْ صطف فيه سياترات ُعدي "البوترش" ،وأعطى المر للمن بأن .يضرموا الناتر في نحو عشرين من سياتراته الفخمة لقد كان ُعدي طفلً ُمدلّلً دائمًا .صحيح أن والده كان يعاقبه من حين لطخر ،لكن ما إن يطلق له العنان
من جديد حتى يعود لجنونه مرة أطخرى .كان صّدام يظّن أن ُعدي سيتعّقل ويتهذب يومًا ،وقد كان حبه له أقوى من أن ُيلزمه جادة الحق ،فهو ابنه البكر بل منافس -البكر الذي يمنحه لقب .أبوُعدي الواقع أن ُعدي لو لم يكن بهذا الشطط لكان طمع في كرسي صّدام ،وقد أدترك الرئيس بعد محاولة الغتيال التي تعرض لها ُعدي العام 1996أن هذه الخطوة غير واتردة ،وقد استبعده شيئا ً فشيئًا ،مانحا ً إياه سلسلة من المناصب الشرفية .وكان ُعدي يجد عزاءه في التهريب الذي كان ُيماترسه على مرأى .ومسمع من منظمة المم المتحدة وترغم أنفها والحقيقة أن صّدام كان يستخدم ُعدي لغراضه .فقد كان ُعدي يستقبل الشخصيات التي لم يكن والده يرغب في مقابلتها أثناء زياترتها لبغداد .فقد تناوب صدام وُعدي مثلً على استقبال الميركي لويس .فاترطخان ،النشط الميركي المسؤول عن "أمة السلم" ،والبريطاني جوترج غالواي وكان الرئيس يلجأ أيضا ً لصحف ُعدي ليمرتر ترسائله إلى العراقيين .فقد تم تشجيع إصداتر ما سّمي بالصحف الخاصة ،حيث ترأت نحو عشر دوتريات النوتر وأسبوعيات واسعة النتشاتر مع زوايا اجتماعية باترزة وأحدا ث عامة ،وصوتر لفتيات شبه عاتريات .وقد كانت هذه الصحف والسبوعيات تمَّول من .طخزينة حزب ُعدي ،ويقودها أفراد من أقاتربه والمقربين إليه أما صحيفة "بابل" ،ترائدة مجموعته الصحافية ،فقد كانت واحدة من الفضاءات النادترة المفتوحة لحريات النقد وتصفية الحسابات .وكان وزير العلم عبدالغني عبد الغفوتر قد قّرتر العام 1996إغلق بابل" لمدة ثلثة أيام ،لكن النواب وفي حركة جماعية ،ما لبثوا أن أعادوا فتح" ،الصحيفة اليومية وهو ما أتا،ح لعدي أن يضيف على الصفحة الولى عنوانا ً جديداً "منشوتر بإترادة الشعب" ،وما هي إل أيام قليلة بعد الصدوتر حتى تراحت سلسلة من المقالت تهاجم بعنف "وزيراً شبه أمّي يحتل مناصب
".مهمة بفضل الحزب وبفضل السيد الرئيس وقد أدت حملة القد،ح والتشهير هذه إلى إقالة عبدالغفوتر .فقد ُطخّيل للوزير المسكين أنه قد أحسن عملً :حين استشاتر الرئيس قبل إغلق "بابل" ،فأجابه صّدام قائلً !قول مسؤولياتك! فنحن نعيش في ديمقراطية - كان ُعدي يعرف أنه قد انتهى سياسيًا ،فقد صاتر منبوذاً إلى هذا الحّد من العراقيين، لدترجة أنه لو لم يمت برصاص الجنود الميركيين لكانت نهايته مأساوية مثل نهاية ترئيس الوزتراء العراقي السبق .نوتري سعيد ،الذي اغتيل العام 1958عند سقوط الملكية فقد نبش قبره وأطخرجت جثته ،وُتربطت في دتراجة ناترية وُجّرت في شواترع بغداد جّراً وكأنها غنيمة !صيد وعندما شاهدت جثتي ُعدي وقصي في استعراض الميركيين لهما ،قل ُ ت لنفسي :لقد كانت نهايتهما مشرفة والسل،ح في أيديهما .فلم يكن ُعدي وُقصي يمثلن أي ترمز من الرموز في أعين العراقيين ،لكن لو كان ألقي عليهما القبض ووضعت الصفاد في أيديهما لكان أمرهما أسوأ بكثير ،مما لقياه من مصير فل شك أن الكثير كانوا سيرون في تلك النهاية إذللً زائداً بحقهما ،أيا ً كانت .مشاعرنا نحوهما
سنوات صدام ـ الحلقة التاسعة عندما تحد ث ضيف صدام عن "الكوبرا" ،صدام يعطي عنان محاضرة عن قانون حموترابي كنت أنتظر كوفي عنان في القصر الجمهوتري ،كان هذا اللقاء أصعب لقاء في حياتي المهنية .صحيح
أن المين العام لمنظمة المم المتحدة كان "زبونا" كأي مبعو ث عادي كما تعلمنا ذلك في معهد ايزيت" لكن الظرف كان حاسما ،فأي فشل في مهمته كان سيؤدي إلى عواقب" مأساوية ،فقد كان الميركيون يهددون العراق ،وكانت الصحافة الدولية قد بدأت تتهاطل على بغداد ،فقد كانت الزمة .الجديدة مع الوليات المتحدة تقطع أنفاس العالم منذ أسابيع عديدة في الثامن والعشرين من فبراير 1998قام عنان بزياترة لصدام من أجل إقناعه بتغيير مواقفه ،فقد صمم بعض مفتشي نزع السل،ح في المم المتحدة ،الواثقين بأن صدام كان يخفي أسلحة للدماتر الشامل في قصوتره ،على أن يفتشوا هذه القصوتر ،لكن صدام ظل يرفض ما كان يعتبره .تدطخل عن غير حق كانت عمليات التفتيش الولى في العراق قد بدأت في .1991وكان طخبراء المم المتحدة قد دمروا كميات هائلة من المكونات التي يمكن أن تدطخل في صناعة السلحة المحظوترة ،لكنهم في النهاية لم يكتشفوا الكثير مما كانوا يبحثون عنه ،وبالتحديد "الجوهرة النادترة" في الترسالة العراقية ،التي كانوا يثيرون حولها ضجيجا كثيرا ،لكن الميركيين ما فتئوا يلحون على مواصلة "حر ث" .البلد حرثا ولم تغير موقف الميركيين هذا استقالة ترئيس بعثة مفتشي نزع السل،ح ،السويدي ترالف إيكيوس الذي اعترف قبل ذلك بعام واحد ،أي العام 1997بأن طخمسة وتسعين بالمائة من مهمته التفتيشية في .العراق قد انتهت نهائيا ،فقد اعتدنا في النهاية على هذه اللعبة التافهة لكن هل كانت الخمسة بالمائة المتبقية من التفتيش تشكل حقا تهديدا للمنطقة ،ومن باب أولى على الوليات المتحدة تحديدا؟ بالطبع ل! فاليوم نسمع مفتشين سابقين يقرون بتلك الحقيقة، لذلك كان على أميركا أن تجد ذتريعة أطخرى حتى تثقل الملف العراقي ،فقد صاتر الميركيون يقولون إن الحصاتر لن
يرفع عن العراق إل حين يغادتر صدام السلطة ،فقد كانت الطاحة به في الواقع هي هدفهم السياسي .الوحيد ،وكانوا في حاجة إلى معلومات حديثة حول جهازه الوقائي وكان بيل كلينتون يزيد الطين بلة بما كان يشيعه من تصوترات حول اتساع قصوتر صدام ،فقد ادعى أن بعض الجنحة قد حولت إلى وترشات لصناعة الجمرة الخبيثة ،فقد كان كلينتون المتوترط في علقته الجنسية مع مونيكا لوينسكي ،في حاجة إلى استعادة الرأي العام لصالحه ،ولم يكن ترئيس البيت البيض يجهل أنه بطلبه الدطخول إلى القصوتر الرئاسية ،سيلمس نقطة حساسة عند الرئيس .ألم يوضح صدام قبل ذلك ببضعة أشهر "الحصاتر سوف يرفع ،أيا كان الثمن ،وسواء أعجب ذلك الوليات المتحدة أو لم يعجبها!"؟! فقد كانت المواجهة تبدو محتومة ل محالة ،وكان العراق على ما يبدو هو المحرض .على الزمة في أكتوبر 1997كنا قد اشترطنا ترحيل المفتشين الميركيين ،فقد كان بعضهم جواسيس لحساب وكالة الستخباترات الميركية أو في طخدمة استخباترات البنتاغون .فقد اعترف ترسميون أميركيون بتلك الحقيقة بعد ذلك ببضعة أشهر ،لذلك فقد كان المخرج الوحيد من المأزق الذي طوقنا به المنطق الميركي -أي الرفض الكامل لرفع الحصاتر -هو أن يتبنى العراق موقف التحدي .والستفزاز فقد ترا،ح العراق يصعد الضغط حتى يضع أقدامه على أترضية سياسية ،لكن منظمة ،المم المتحدة وبسبب سوء نية أعضاء مجلس المن ،ما فتئت ترفض اللتزام بهذا المسلك ،فلم ترغب منظمة المم المتحدة يوما ،تحت ضغوط الميركيين والبريطانيين على الخصوص ،أن ترد على ،السؤال الساسي وهو :هل كان العراق يشكل في نهاية التسعينيات طخطرا على أمن المنطقة واستقراترها؟ لن المنظمة لو !كانت تردت على السؤال لكانت الجابة :ل ...حتما
ساعتها قلت لنفسي" :مسكينة منظمة المم المتحدة هذه التي يتملقها الميركيون اليوم حتى يتخلصوا من مصاعبهم في العراق ،بعد أن استغلوها أسوأ استغلل ثم أهملوها بكامل الغطرسة والكبرياء" ،ففي تلك الثناء كان غياب جرد كامل لترسانة العراق يفسح المجال لكل التجاوزات والمناوترات .وقد أدتركنا ذلك بالفعل العام 2002عندما أثبت الميركيون وأصدقاؤهم البريطانيون عدم قدترتهم على إسناد ملف .اتهام صدام بصلته مع شبكة القاعدة ومما ل شك فيه أن كوفي عنان لم يكن يجهل أي شيء من كل ذلك ،عندما وصل إلى بغداد ،فقد أطخرجت له وكالت منظمة المم المتحدة العديدة في العراق كميات هائلة من .المعلومات وقد كان يعرف أيضا التدهوتر البطيء والمنتظم للوضعية النسانية في البلد ولبنياتها التحتية ،على الرغم من القراتر المسمى بـ "النفط مقابل الغذاء" ،ولم يكن يجهل أيضا الكوابح والعوائق التي كانت الوليات المتحدة وبريطانيا تفرضانها على لجنة العقوبات في المم المتحدة في نيويوترك في مسألة .توزيع العقود على الشركات الجنبية الراغبة في المتاجرة قانونا مع بغداد كلم عن الكوبرا لقد كان صدام يصر دائما على أن تترجم أقواله من قبل عراقيين ،ترافضا ترفضا قاطعا المترجمين المرافقين لضيوفه الجانب .فقد كانت أسباب المن والفعالية هي المحرك لهذا المبدأ الصاترم ،ولم يكن مستبعدا بالفعل أن يدلي بعض محدثيه بأقوال معادية للعراق قد ل يجرؤ المترجم الجنبي على ترجمتها .ترجمة وافية ،فقد كنا نحن العراقيين نعلم أن صدام كان يحب سماع كل شيء في العادة كنا مترجمين اثنين ،وفي تلك المرة كنت وحدي ،فقد تعرض زميلي إبراهيم جلل لحاد ث سير على طريق القصر .وكان مدير التشريفات قد سألني إن كان غيابه ل يعوق عملي، فأجبته بأنني سأتدبر
أمري ،وبشكل عام كنت أعد ترجماتي بالبحث في ماضي ضيف صدام والبلد الذي يمثله ،فقد كان هذا البحث يوفر علي الوقوع في أطخطاء طخرقاء ،ل سيما إذا كان هؤلء الضيوف قادمين من الدول الصغيرة .التي ل نعرف عنها الشيء الكثير أذكر مثل أنني قبل زياترة الرئيس عبدا ترئيس جزتر القمر الولى لبغداد ،كنت قد تصفحت إحدى الموسوعات واكتشفت أن )جزتر القمر( تشتهر بفاكهة تسمى "كوبرا" باسم الحية الشهيرة ،وفي اليوم التالي حين سأله صدام عما جاء به من اقتراحات في إطاتر المبادلت الثنائية ،تحد ث ضيفه عن .الكوبرا" ،فحمدت ا أنني كنت أعرف أنه لم يكن يتحد ث عن الحيات" أما مع كوفي عنان فلم يكن العداد في حالته يجدي نفعا ،فقد كنت أعرف الموضوع جيدا ،ففي كل يوم تقريبا كنت أعد للرئيس تقاترير حول مواقف منظمة المم المتحدة في الشأن العراقي، وقد اكتفيت بـ .مراجعة" القراترات المتخذة منذ العام 1990تفاديا للوقوع في طخطأ الترقيم" كنت قبل بداية اللقاء أسأل كوفي عنان إن كان يرغب في التحد ث بالنجليزية أم بالفرنسية ،ولما كان أعضاء وفده يجيدون لغة شكسبير بشكل أفضل ،فقد أجابني بأنه سيتحد ث بالنجليزية .في بداية الحديث وتلطيف للجو ترا،ح صدام وكوفي عنان يتبادلن بعض المزا،ح .وفي هذا السياق هنأ المين العام للمم المتحدة الرئيس على تربطة العنق ذات اللوان الزاهية .وقد كنت قلقا وفخوترا وأنا أعيش هذه .اللحظات المهمة كان كوفي عنان محاطا بالعديد من المستشاترين ،وكان صدام حسين محاطا بطاترق عزيز ،المحرك الرئيسي للصلت مع منظمة المم المتحدة ،وعبد حمود سكرتيره الشخصي .في بدايات الحواتر تركز كوفي عنان على العواقب النسانية المترتبة على استمراتر الحصاتر المفروض على العراق ،واستحضر
تاتريخ بلد ما بين النهرين ،وأزا،ح الجوانب السياسية للزمة إلى المحل الثاني من الحديث .وقد تحد ث ".عن "الدم العراقي الذي كان ينبغي أل يسيل من جديد وقد تأثر صدام لقوال محدثه أيما تأثر ،وأدترك أن وتراء المين العام لمنظمة المم المتحدة كان يخاطب ترجل حريصا على إنسانية الشعب العراقي وترفاهه .فقد كان ضيفه يتحد ث بصوت ناعم ل غلو فيه ول .تهديد ،وهكذا سرعان ما سرى تياتر النسجام ما بين الرجلين وقد بدأ صدام ،الحريص دوما على أن يعي كل ضيف من ضيوفه أنه يقف على بلد ليس كأي بلد إفريقي أو في الشرق الوسط ،بدأ حديثه كعادته بمقدمة طويلة عن تاتريخ العراق العريق .فهنا في العراق حرتر النسان أول قانون مدني ،قانون حموترابي ،الذي أسس المساواة ما بين ،الرجال والنساء :ثم دطخل في تفاصيل بيانه حول صلب الملف العراقي قائل ـ ليس من المنطق أن يخفي بلد ،أي بلد ،أسلحة للدماتر الشامل في قصوتره، ،فالميركيون يعرفون هذا أنظروا كم هم يبالغون ،ولو من حيث المساحة ،ففي ترأيهم أن القصوتر تغطي ثمانين كيلو مترا مربعا بينما المساحة الحقيقية ل تتعدى واحدا وثلثين كيلومترا مربعا .إن هدفهم هو التجسس على العراق وانتزاع معلومات ل يسعهم الحصول عليها إل عن طريق هذا السلوب ،إنها مجرد مناوترة تجسسية ل .بد من أن نتصدى لها كان صدام يكثر من استعمال كلمة "كرامة" ،فقد أطال الحديث عن السيادة الوطنية. :وقال ـ إذا أصر الجانب على الدطخول إلى القصوتر الرئاسية التي هي في الواقع ملكا للشعب ،فإنهم بذلك سيسيئون إلى كرامة العراقيين كافة ،ونحن على اقتناع بأنه حتى وإن ترضخنا واستسلمنا ،فسوف يتذترع الميركيون بمبرترات أطخرى حتى ل يرفع الحصاتر عنا ،إذن ما الذي يجبرنا على القبول؟
:وكان طاترق عزيز ل يرى إل ما يراه القائد ،وقد ترد عليه كوفي عنان قائل ـ إننا نعلم أنكم ل يمكن أن تخفوا أسلحة محظوترة في هذه القصوتر ،لكن علينا أن نثبت أنكم ل تملكون .أي سل،ح محظوتر ،إنها مسألة شكلية وقد كان كوفي عنان يقر ،من دون العتراف بذلك صراحة ،أن ثمة مناوترة أميركية، وتابع حديثه :يقول ـ كلنا يتحد ث عن حسن نية ،إن القراترات التي سنتخذها اليوم سوف يكون لها أثر حاسم على مستقبل شعبكم ،لكن إذا كان البعض يبدون سوء النية فل يجوز أن ندعهم يجرون العالم نحو كاترثة ،علينا أن .نبذل جهدا وأن نشعل ناترا مضادة وقد حرص على أل يذكر الميركيين بالسم ،لكن التلميح كان واضحا شفافا ،وقد :أضاف قائل ـ ثم أنت محام ،وتعرف أن الدطخول إلى القصوتر قد صاتر من الناحية القانونية مدترجا ضمن قراترات .المم المتحدة ،فل طخياتر أمامك سوى القبول حتى وإن كنت غير تراض عن القراتر .وقد تردد كوفي عنان هذه الجملة مرات عديدة ،حتى أغاظ ذلك صدام .ـ سمان ،قل له إنه حتى وإن كنت أحمل شهادة في القانون ،فلم أكن يوما محاميا كان صدام ينظر إلى نفسه كرجل دولة ،وليس كرجل قانون غامض .كانت تلك لحظة ،غضبه الوحيدة لكن الحواتر ،على الرغم من لهجته الهادئة ،فقد ظل متعثرا ،وما فتئ الرئيس يردد :بل كلل ـ أنت على حق ،ولكننا بلد ذو سيادة ،فلو ترضخنا اليوم فسوف يطلب منا الميركيون غدا تنازلت جديدة ،ولن يكتفوا بذلك ،إذن لماذا التنازل مرة أطخرى؟
وقد أضاف صدام إلى هذه القوال جملة ما فتئت تلزم أحاديثه على مدى سنوات حكمه الثنتين :والعشرين .ـ نحن ترجال مبادئ ،ول نقبل بأي أمر يفرض علينا بالقوة غياب المرونة كان انعدام المرونة سمة ترئيسية في طبعه ،فحتى آطخر لحظة ،وإلى أيام قليلة قبل بداية الحرب ،لم يقدم أي تنازل ،ضاتربا عرض الحائط بالهجرة التي اقترحت عليه لتجنب الصراع مع .الوليات المتحدة بعد ساعة ونصف الساعة من الحواتر ،بحضوتر الوفدين ،التفت كوفي عنان نحوي :وهو يقول .ـ اسأل صدام حسين إن كنا نستطيع مواصلة الحديث في جلسة مغلقة ما لبث صدام أن أعطى موافقته ،وأمر بأن ينسحب الوفدان من المكان ،وأصر كوفي عنان على أن :يهنئني أمام صدام قائل .ـ أنت محظوظ بمثل هذا المترجم الجيد ومن باب التواضع ليس إل اكتفيت بشكره ،وقد حدق فّي كوفي عنان قبل أن يضيف إن كلمه غير :موجه لي بل للرئيس ،ولم أجد بدا من ترجمة هذه الكلمات ،وقد ترد عليه صدام قائل .ـ قل له إننا نعرف ذلك وظل كوفي عنان وصدام وأنا واقفين بعض اللحظات .وهما يسيران تبادل بعض أحاديث الظرف ،فقد انشغل صدام كثيرا براحة إقامة ضيفه وبمدة إقامته الدقيقة .وبعد أن عرض عليه سيجاترا تواصل الحواتر .كنت أتوقع أن يقدم كوفي عنان اقتراحا للخروج من الطريق المسدود ،لكنه استمر في التركيز .على الجانب النساني للزمة
ـ لندع جانبا وظيفتي باعتباتري المين العام لمنظمة المم المتحدة ،ولنتحد ث ترجل لرجل ،لنفكر في مصلحة شعبك ،ونتساءل كيف نستطيع أن نحبط ما تسمونه ب"المكائد الميركية"، ونخدم قضية السلم التي نتمسك بها نحن الثنان؟ إن هدف الميركيين هو أن يجعلوكم ترفضون كل اتفاق على .الدطخول إلى القصوتر ،إن ترفضكم يمنحهم الذتريعة لضربكم وقد علمنا فيما بعد أن مادلين أولبرايت ،وزيرة طخاترجية بيل كلينتون ،قد اتصلت به هاتفيا مرات عديدة أثناء إقامته في بغداد ،فقد كانت توجه له أوامر بعدم توقيع أي شيء مع العراق، وكان ذلك دليل جديدا .على ترغبة الميركيين بتخريب مهمة آطخر فرصة لتفادي الزمة وحتى يبرتر ترفضه للستسلم ،ترا،ح صدام يركز على سلوك مفتشي المم المتحدة .لنزع السلحة ـ هؤلء ل هم لهم سوى إيجاد المزيد من المشكلت مع العراقيين ،فهم يطلبون منا ،أشياء غير مقبولة .وهم يعلمون جيدا أننا سنرفضها ،إنهم يريدون الزمة أحد هؤلء المفتشين وهو سكوت تريتر ،ترئيس البعثة "الردع" كثيرا ما كان موضع انتقاد بسبب سلوكات ترعاة البقر التي كان يسلكها ،فقد توجه مع فريقه من دون إعداد سابق إلى أحد معسكرات الحرس الجمهوتري في عز الليل ،وطلب منهم أن يفتحوا له باب مدطخل المعسكر ،وقد انتظر المفتشون نصف ساعة كاملة قبل أن يحصلوا على إذن بالدطخول ،وهو ما جعل تريتر يردد بأن العراقيين قد .استغلوا هذا النتظاتر حتى ينقلوا سرا السلحة المحظوترة ومع ذلك فقد كان قد أبرم بروتوكول بين المم المتحدة وبغداد مفاده أن العراقيين ينبغي أن يخطروا .مسبقا بزياترات مفتشي نزع السلحة
وقد فوجئنا بعد مروتر سنتين ،العام ،2000أن تريتر قد غير مبادئه وعاد إلى العراق ليدافع عن قضيتنا ،ويقول بصوت عال بأن عملية نزع السل،ح كانت شبه كاملة ،لكننا لم نأمن جانبه ،فهل صاتر الجاسوس القديم الناطق باسمنا؟ لقد تصوترناه يلعب هذه المسرحية حتى يتا،ح له المزيد من التجسس .علينا وقد لمح صدام إلى هذا النوع من النزلق من دون أن يذكر سكوت تريتر بالسم ،فلم يكن يحب الدطخول .في تفاصيل السماء مع محدثيه ،فقد كان دوما يضع نفسه على مستوى المبادئ ـ أتريدون ،مع هذا النوع من السلوك ،أن أدع المفتشين يدطخلون إلى القصوتر؟ تصوتروا قليل ما الذي .يمكن أن يفعلوه في داطخل هذه القصوتر :وقد ترد عليه كوفي عنان قائل ـ إنهم أشخاص قد يرتكبون أطخطاء ،وإطاتر مهمتهم إطاتر واضح ومحدد ،لكن الفراد أحيانا يتصرفون .بكيفية غير محسوبة ،وتأكدوا أن منظمة المم المتحدة ل تكفل هذا النوع من السلوك بكثير من الحذق ترا،ح المين العام للمم المتحدة يبرئ منظمته ،بإلقائه مسؤولية النحرافات على الفراد ،وقد أعطى الضمان بأن أي تفتيشات محتملة سوف تجرى بل أية سلوكات .استفزازية ـ علينا أن نأطخذ بالعتباتر أن المر يتعلق بمواقع حساسة ،وبأماكن تتميز بقيمة ترمزية عالية ،فل يمكن أن نزوترها كما نزوتر وزاترة من الوزاترات ،وينبغي أن يتلقى مفتشونا تعليمات في .هذا التجاه الحفرة تتعمق على الرغم من استمراتر الحديث ثل ث ساعات كاملة ما بين الرجلين ،فلم يظهر أي بصيص من النوتر
في نهاية النفق .في نفسي كنت أفكر بأن الحفرة ما فتئت تتعمق وتتعمق ،فالجلسة السرية ما بين الرجلين لم تضع على السطح أية أفكاتر جديدة قادترة على فك عقدة الزمة ،فقد ظل صدام يرفض :التنازل عن مواقفه ،لذلك فقد دهشت أيما اندهاش وقد ترأيته يعلن التنازل فجأة .فقال ـ بعد أن عرضتم علي القضية على هذا النحو ،وبدا لي منكم أنكم قد فكرتم في كامل الحتمالت ،فإنني أثق في منظمة المم المتحدة الثقة التي تجعلنا نحترم التفاق المبرم بيننا احتراما صاترما ،لكن يجب أن تعلموا أنني أفعل ذلك على مضض ،وإني لعلى يقين أن الميركيين سوف يختلقون ذترائع جديدة ،فلديهم الترادة في ضربنا ،وهذا التفاق لن ينهي طخلفنا .ولكن وكما طلبتم مني ،فلن أمنحهم المبرتر الذي .يبحثون عنه من أجل ضرب العراق وحتى نثبت مرة أطخرى حسن نوايانا سنقبل باقتراحكم ،وإنها لمجاملة منا تجاهكم طالما أنكم كلفتم نفسكم مشقة الرحلة حتى بغداد .وترأيت طلعة كوفي عنان وقد عله البتهاج ،فقد .صاتر يشع بالفرحة وقد تراودني الحساس بأنه قد يرتمي في حضن صدام ويقبله ،فقد أوشك أن يفقد كل أمل في جعله .يتراجع عن مواقفه في الواقع كان صدام قد أعد ضربته ،ففي مجرد استقباله للمين العام اشاترة لنواياه. لقد كان تسلسل هذا الحديث المطول ينطبق على سيكولوجية الرئيس ،فقد كان فكره معقدا وملتبسا، وكان ،باللتفاف حول الموضوع من دون الدطخول في صميم الشياء ،يفضل أن يعطي النطباع أو يوحي بأنه يقدم حل .وسطا بدل من أن يوافق مباشرة على المقترحات المقدمة إليه طخلل ذلك اللقاء اقتر،ح صدام أن يرافق المفتشين دبلوماسيون محنكون لتفادي أي انزلق .كانت الفكرة مطروحة ،وكان العراقيون قد أكدوا النقاط التي يمكن أن يتفقوا عليها مع منظمة المم المتحدة ،ومنها .الفكرة التي اقترحها صدام
في هذا الشأن تم إعداد مسودة اتفاق قبل اللقاء .وقد صدق الرجلن على مبدأ أن ل يقوم المفتشون بأي زياترات مفاجئة ،وبأن كل تفتيش يجب أن يعلن عنه مسبقا وبشكل دقيق .وقد قبل صدام أيضا .بتشكيل فرق الدبلوماسيين حتى تدطخل التفاقات الموقع عليها حيز التطبيق بل تأطخير في الجلسة المغلقة نفسها تصافح الرجلن بحراترة ،فقد أعطى صدام فرصة للسلم أعلن من طخللها أنه لم يخف شيئا ،وقد كان كوفي عنان الرابح الكبر من الزمة .وترد فعل الداترة الميركية المحرجة كاف .للتدليل على ذلك ترى لماذا قبل صدام في النهاية أن يلين موقفه؟ فضل عن احترامه للصول ،فقد وجد صدام نفسه أمام متحد ث قد فهم الحقيقة بينما لم يكن قد التقى به من قبل قط ،فقد تمكن كوفي عنان من أن يفرض مناطخا وديا .لم يأت إلى بغداد لكي يعطي دتروسا ،ولم يسع إلى اللعب بالمشاعر ،وقد طخاطب في صدام حسين .نواياه ،وبذلك أثبت أنه دبلوماسي غير عادي ول شك أن في هذا الحديث عبرة ،فاطختياتر الجلسة المغلقة كان تركيزا على البعد الشخصي للقاء ،بينما في الساس لم يغير هذا اللقاء شيئا ،فقد عرف كوفي عنان كيف يمد،ح ويطري ذاتية صدام ،مقدما بذلك .الدليل على أن هذا الطخير لم يضع ،تعسفا ،أي عائق في طريق أي حل معقول ومزيد من الحواتر معه أمر ممكن جدا شريطة أل يحكم عليه مسبقا .الشيء نفسه كان يمكن أن يحد ث ثانية العام ،2003لكن هذه المرة كان الميركيون ناقمين على كوفي عنان ،وكانوا يسعون إلى الحرب .بأي ثمن بعد أن لم يبق عندهم شيء يتفاوضون حوله :على إثر هذا الحواتر كنت منهكا .عند طخروجنا أمسك صدام حسين يدي وقال لي .ـ سمان! لقد أديت عمل جيدا .فل شك أنك متعب
ل قواعد مع صدام أما طاترق عزيز ،الذي ما لبث أن التحق بنا ،فقد مدحني هو الطخر ببضع كلمات ودية ،ثم طلب الرئيس من مصوتره الشخصي أن يأطخذ لنا صوترا معا .واعتقدت أنني سأقبض مكافأة مجزية، فقد كنت أنوي تغيير السياترة .ففي العادة كان عبد حمود ،كلما كانت ثمة ترغبة في مكافأتي ،يسلمني ترسالة لكي أسلمها بدوتري إلى المحاسب ،غير أنني لم أستلم شيئا مما توقعته ،إلى أن جاء اليوم التالي ،فمنحت ما يعادل ثمانين دولترا ،وهو مبلغ زهيد مقابل مهمة غاية في الهمية ،وكانت الحجة أن ل قواعد مع .صدام بعد مضى بضعة أسابيع كلفت بمرافقة عبد حمود والمفتشين بصفة مترجم ترسمي. وقد كانت الرئاسة تحمل القضية على محمل من الجد .لم يكن صدام يريد الكتفاء بتقرير الوزتراء الموجودين أثناء عمليات التفتيش ،من أمثال عامر ترشيد الذي وضع على ترأس إداترة البترول .وقد قمنا بزياترة كل القصوتر ،قصوتر العاصمة وقصوتر المحافظات على السواء ،وكان طاترق عزيز وأحمد حسين ترئيس .الديوان يلتحقان بنا من حين لطخر ولن أطخفي أن مهمة التفتيش قد جرت في جو كامل من المزا،ح .فقد كان السفراء المكلفون بمراقبة المفتشين ،الموزعين على مختلف المواقع ،يتبادلون النكات .في المقابل كان مفتشو نزع السل،ح يؤدون عملهم بعناية .فقد انشغلوا في الواقع بإعداد مخططات القامات الرئاسية أكثر مما انشغلوا بتفتيش تلك المقاتر .ومن تصرفاتهم اقتنعنا بأن هذه الزياترات لم تكن سوى ذتريعة لتصعيد الخلف ما .بين الميركيين والعراقيين وحين تعرضت هذه القصوتر الخالية بعد ثمانية شهوتر للقصف المكثف ،أدتركنا الهدف الحقيقي من تلك
المناوترة ،أل وهو التعرف بشكل أفضل على مخططات القصوتر حتى يتسنى ضرب أهم ترموز السلطة .من دون أي مجازفة