محاكمة الالحاد في ضوء المنهج العلمي

Page 1

‫محاكمة اإللحاد‬ ‫في ضوء المنهج العلمي‬ ‫أحمد البياتي‬


‫الكتــــــــــــــاب‪:‬‬ ‫تـــأليــــــــــــف‪:‬‬ ‫تصميم الغــــالف‪:‬‬ ‫المراجعة اللغويـة‪:‬‬ ‫رقــــم اإليــــداع‪:‬‬ ‫الترقيــم الدولــي‪:‬‬ ‫اإلخــراج الفنـــي‪:‬‬

‫محاكمة اإللحاد في ضوء المنهج العلمي‬ ‫أحمد البياتي‬ ‫رامي أحمد‬ ‫إبداع للترجمة والنشر والتوزيع‬ ‫‪2015 / 14940‬‬ ‫‪978 - 977 - 779 - 028 - 4‬‬ ‫إبداع للترجمة والنشر والتوزيع‬ ‫المدير العام‪ :‬عيد إبراهيم عبدالله‬ ‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫و�أي اقتبا�س �أو تقليد‪� ،‬أو �إع��ادة طبع‪� ،‬أو ن�شر دون موافقة‬ ‫قانونية مكتوبة يعر�ض �صاحبه للم�ساءلة القانونية‪ ،‬والآراء‬ ‫وال�م��ادة ال ��واردة وحقوق الملكية الفكرية بالكتاب خا�صة‬ ‫بالم�ؤلف فقط ال غير‪.‬‬ ‫االعنوان‪ 6 :‬ش التحرير‪ ،‬الدور ‪ ،18‬أمام محطة مترو البحوث‪ ،‬الدقي‪ ،‬الجيزة‬ ‫هاتف‪ - 0237621688 :‬موبايل‪01142050403 :‬‬ ‫الموقع اإللكتروني‪www.prints.ibda3-tp.com :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‪info@ibda3-tp.com:‬‬


‫محاكمة اإللحاد‬ ‫في ضوء المنهج العلمي‬ ‫أحمد البياتي‬



‫"أنا أري ُد أن َ‬ ‫أعرف اإلل َه الذي َخلَق العا َل َم‪ ،‬أريد أن أعرف أفكاره‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫وكل ما عدا ذلك مجر ُد تفاصيل"‬ ‫ألبرت آينشتاين‬

‫‪5‬‬


6


‫اإلهداء الخاص‬ ‫�إلى �أح َّبائي‬ ‫مريم‪ ،‬فاطمة‪ ،‬عبا�س‪� ،‬إبراهيم‬ ‫الحب الدائم‬ ‫مع ُ‬ ‫ ‬

‫‪7‬‬


‫اإلهداء العام‬ ‫�إلى الم� ِؤمنين ‪..‬‬ ‫�إلى ال ُم ِلحدين ‪..‬‬ ‫مع التقدير‬

‫ ‬

‫‪8‬‬


‫مقدمة‬ ‫تحجر الفكر وانغالقه لن يغير الواقع فعجلة التطور والتغيير لن تتوقف والمفرو�ض على الإن�سان‬ ‫�أن يحاور الجميع بمن فيهم المخت ِلفين معه في ال ِفكر الذي يتبناه �سواء كان مورو ًثا �أو مكت�س ًبا‬ ‫ُ‬ ‫ال�ضعف والقوة في فكره‪ ،‬وعليه �إال يحيد‬ ‫مكام ِن‬ ‫ِلما في ذلك ِمن مناف َع كثيرة �أهمها‬ ‫ِ‬ ‫اكت�شاف ِ‬ ‫ع َّما يراه الأقرب للحق والمنطق‪ ،‬ولو خا َل َف ذلك موروثه الثقافي والديني‪ ،‬وكما عليه �أن ُيفرق‬ ‫بين الدين والثقافة فالكثير من العادات الثقافية �أ�صبحت دي ًنا بمرور الزمن‪.‬‬ ‫أقرب‬ ‫وبنا ًء على هذا ال َمنهج والطريق دخلتُ عا َل َم ال ُم ِلحدين لع ِّلي � ِأج ُد الحقيقة �أو المنطقَ ال َ‬ ‫أكتف بالقراء ِة والنقا�ش‪ ،‬بل ذهبتُ �إلى م�ؤتمرا ِتهم‪ ،‬وح�ضرتُ لقا َءا ِتهم الأ�سبوعي َة‪،‬‬ ‫لها‪ ،‬فلم � ِ‬ ‫وبحثتُ و َتحققتُ ِمن ما يقولونه‪ ،‬وق��ر�أتُ ُك ُت َبهم المختلف َة‪َّ ،‬‬ ‫واطلعتُ على ُح َج ِجهم وطريق ِة‬ ‫تفكيرهم‪ ،‬وكان ال ِنتاج هذا الكتاب الذي بين يديك‪.‬‬ ‫حد َث االنفجا ُر الكبير‪ ،‬وبد�أ عا َل ٌم جديد بالتك ّون‪� ،‬سنوات‬ ‫ق ْب َل ما يق ُر ُب ِمن �أربعة ع�شر بليون �سنة َ‬ ‫والعمل الدءوب بين مك ِّونات العا َل ِم الجديد المختلفة لت�ؤد َِّي‬ ‫و�سنوات من التفاعالت والتغ ّيرات‬ ‫ِ‬ ‫بكثير مما كنا ُ‬ ‫�إلى النتيجة التي نحن عليها اليوم‪ُ ،‬‬ ‫نعرف‬ ‫اليوم حول الكون والحياة �أكثر ٍ‬ ‫نعرف َ‬ ‫�ساب ًقا‪ ،‬ولكننا على الرغم ِمن ذلك ال ُ‬ ‫َ‬ ‫القليل والقليل جدً ا‪" ،‬وما �أوتيتُم‬ ‫نملك من الحقائق �إال‬ ‫‪9‬‬


‫المعرفي الكبير الكثير من الفر�ضيات والنظريات(ال ِعلم‬ ‫النق�ص‬ ‫من العلم �إال قليلاً ‪ ،‬يقا ِب ُل هذا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫حدث ع ْب َر التاريخ الطويل من‬ ‫الن�سبي) التي تحاول �أن تجد‬ ‫التف�سيرات العلمي َة المادي َة ِلما َ‬ ‫ِ‬ ‫الأمور التي ال يمكننا �أن نالحظها‪.‬‬ ‫حدث قبل �أربعة ع�شر بليون �سنة؟‬ ‫قد تب ُرز لدى‬ ‫البع�ض �أ�سئل ٌة مثل كيف ع َرفنا �أن االنفجا َر َ‬ ‫ِ‬ ‫المجاهيل؟�ستجد الجواب �أو ما يدل عليه‬ ‫وما ال َفرق بين الحقائق والنظر َّيات؟ وما هي تلك‬ ‫ِ‬ ‫الكتاب لي�س كتا ًبا‬ ‫ولكن يجب �أن تعرف ‪-‬عزيزي القارئ‪�-‬أن هذا‬ ‫الح ًقا بين �صفحات الكتاب‪ِ .‬‬ ‫َ‬ ‫نظريات وفر�ضيات ال ِعلم الن�سبي �ستتغير بالت�أكيد في‬ ‫اليوم من‬ ‫ِ‬ ‫علم ًيا؛ فال ِعلم متغير وما نعرفه َ‬ ‫النظريات المذكورة فيه قد‬ ‫الم�ستقبل‪ ،‬لذا َمن يقر�أ هذا الكتاب بعد ع�شرين �سنة قد يجد بع�ض‬ ‫ِ‬ ‫تغيرت و�أ�صبحت من الأحفور ّيات العلمية‪ ،‬ولكنه �سيجد وبكل ت�أكيد نف�س ال�سياقات التي يتبعها‬ ‫الملحدون والم�ؤمنون‪.‬‬ ‫كما �أن هذا الكتاب لي�س كتا ًبا دين ًيا؛ فالدِّ ين تتم مناق�شته بعد �أن نتجاوز م�س�أل َة الخالق و�إن‬ ‫كتاب‬ ‫كنا تكلمنا في بع�ض الأمور الدينية التي ينتقدها الملحدون‪ ،‬والكتاب الذي بين يديك ُ‬ ‫الكتاب ال ُيدافع عن‬ ‫اختلطت على الكثيرين‪،‬هذا‬ ‫لمفاهيم وتعابي َر‬ ‫بحث وتدقيق وعر�ض وتحليل‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خالق ورف�ضه‬ ‫الخالق‪ ،‬ولكن يهدف �إلى تو�ضيح الموقف الفكري القائم على االعتقاد بوجود ٍ‬ ‫ربط العلم بالإلحاد‪.‬‬ ‫ب�شكل �أو ب�آخ َر على مجموع ٍة من النظريات العلمية الحديثة والتي يتم‬ ‫اليوم يعتمد ٍ‬ ‫الإلحاد َ‬ ‫�دد من‬ ‫مب�سط عن طريق مجموع ٍة من الوكاالت الإعالمية‪ ،‬وع� ٍ‬ ‫ت�سوي ُقها بين النا�س ٍ‬ ‫ب�شكل َّ‬ ‫َ‬ ‫الهدف من هذا الت�سويق هو‬ ‫العلماء ال ُم ِلحدين �أو القريبين من الإلحاد‪ ،‬قد يظن البع�ض �أن‬ ‫ن�شر ال ِعلم‪ ،‬ولكنَّ الحقيقة �أن هذه‬ ‫الوكاالت الإعالمي َة ال�ضخمة تعمل �ض ْمنَ‬ ‫ِ‬ ‫التب�شير بالإلحاد �أو ِ‬ ‫‪10‬‬


‫الربح المادي هو العامل الأ�سا�سي‪،‬وال َ‬ ‫فرق لديهم بين الوثائقيات التي‬ ‫مناخ ر�أ�سمالي يكون فيه ُ‬ ‫ٍ‬ ‫تتحدث عن النظريات العلمية �أو تلك التي تتناول فنونَ الطبخ �أو تلك التي تتناول الموا�ضي َع‬ ‫بقد ِر الربح المادي المتح ّقق‪.‬‬ ‫الإباحي َة‪� ،‬إال ْ‬ ‫َ‬ ‫فكرهم الإلحادي‪ ،‬حيث تقر�أ ُك ُت ًبا‬ ‫�أ َّما ِمن ناحية العلماء ال ُم ِلحدين ف�إن‬ ‫الهدف الوا�ضح هو ن�ش ُر ِ‬ ‫هدف علمي وا�ضح‪ ،‬و�إنما الهدف الوا�ضح هو ن�شر وجه ِة نظر العا ِلم‬ ‫كامل ًة لعلما َء كبا ٍر لي�س لها ٍ‬ ‫الخا�صة بالدين‪� ،‬أ ّما بخ�صو�ص الجامعات الراعية له�ؤالء العلماء فمِ ن م�صلحتها �أن ي�شتهِ ر‬ ‫العلما ُء الذين يعملون فيها‪ ،‬حيث �سي�ؤدي ذلك �إلى ج ْل ِب المزيد من الطلبة باعتبار كالم العالم‬ ‫الجامعات‬ ‫دعاي ًة مجاني ًة للجامعات التي يعملون فيها‪َ ،‬ومن يعي�ش في �أمريكا يعرف تَ�صا ُر َع‬ ‫ِ‬ ‫(ع ْلم)‬ ‫على الطلبة‪،‬‬ ‫وحجم الأموال التي ُت�ص َرف على الدعاية‪ ،‬وهكذا بال ُمح�صلة ف�إن ال ِع َلم كـ ِ‬ ‫َ‬ ‫ركب لتمرير وجهة نظر‬ ‫مظلو ٌم �ض ْمنَ هذه المعادلة التي تَ�ستخدمه كو�سيل ٍة لجلب الأموال �أو ك َم ٍ‬ ‫المتك ِّلم الدينية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لغر�ض �أن يكون‬ ‫لبع�ض الم�صطلحات‬ ‫في الف�صل الأول من الكتاب حاولتُ �إعطا َء‬ ‫ِ‬ ‫تعاريف ِ‬ ‫الكتاب َ‬ ‫َ‬ ‫النقا�ش �أو قد‬ ‫ف�شل‬ ‫�سهل الكلمات‪ ،‬وكذلك حاولتُ �أن �أُب ِّينَ بع�ض ال ُمغالطات التي قد ُت ِ‬ ‫ُ‬ ‫ب�شكل‬ ‫ت�ؤدي �إلى عدم الخروج بالنتيجة المرج ّوة منه‪،‬فالنقا�ش لن ي�ؤدي �إلى تغيير القناعات ٍ‬ ‫�أني و�إنما هو فر�صة َّ‬ ‫لالطالع على الفكر المختلف وبعد ذلك ي�ستمر البحث والتدقيق الذي قد‬ ‫أياما �أو �شهو ًرا وحتى �سنين ل�صياغة القناعة ال�شخ�صية؛ فالنقا�شات المثمر ُة البعيدة‬ ‫ي�ستغرق � ً‬ ‫محطات مه ّم ًة في رحلة الباحث ولي�ست وجهات ي�ستقر عندها ويطمئن‪.‬‬ ‫عن الجدل العقيم‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الف�صل الثاني ِّ‬ ‫نظريتي التطو ِر واالنفجار الكبير‪ ،‬وكذا الت�صميم الذكي‪ ،‬ولم‬ ‫ليو�ضح‬ ‫وقد جاء‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫بقدر مناق�ش َة عالق ِتها بالخالق وبالإلحاد‪.‬‬ ‫يكن‬ ‫الهدف من ذلك هو مناق�شة النظريات علم ًيا ْ‬ ‫‪11‬‬


‫ُ‬ ‫فقد جاء ّ‬ ‫ليو�ضح مباني الإلحاد الجديد حيث ناق�ش كتاب ْي ِن مه ّمين ِمن ُكت ُِب‬ ‫�أ ّما‬ ‫الف�صل الثالث ْ‬ ‫"وهم الإله" و"الإله النظرية الفا�شلة"وتم اختيار الكتاب الأول ل�شهرته‪،‬‬ ‫الإلحاد الجديد وهُ ما ْ‬ ‫والكتاب الثاني لأنه ْيدح�ض وجود الخالق في �ضوء المنهج العلمي كما يدعي‪ ،‬وبالتالي ف�إن له‬ ‫عالقة بمو�ضوع الكتاب‪ ،‬ويجب الت�أكيد على �أن مناق�شة هذين الكتابين لي�ست ً‬ ‫عر�ضا مف�ص ًال‬ ‫لهما ومن يريد التف�صيل عليه بقراءتهما‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ال�سجاالت والنقا�شات في موا�ضيع ذات عالقة‬ ‫الف�صل الرابع والأخير قد احتوى على بع�ض ِّ‬ ‫بالعلم والإلحاد والدين‪.‬‬ ‫قد َر الإمكان لي�شكل محط ًة متوا�ضع ًة من محطات النقا�ش حول‬ ‫َ�صر ْ‬ ‫الكتاب جاء ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ب�شكل مخت ٍ‬ ‫واحد‪ ،‬وكذلك‬ ‫كتاب ٍ‬ ‫العلم والدين والإلحاد؛ فلي�س بالإمكان الإحاط ُة بكافة جوانب المو�ضوع في ٍ‬ ‫جاء مخت�ص ًرا لمجاراة روح الع�صر التي ال تتقبل التف�صيل ال ُممل وكثرة الكالم‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫الفصل األول‬

‫مصطلحات ومغا َلطات‬

‫ب�شكل دق�ي� ٍ�ق م��ن �أه��م مفاتيح النقا�ش ال ُمثمر‪ ،‬ول��ذا ج��اء تعريف‬ ‫تعريف الم�صطلحاتُ‬ ‫ٍ‬ ‫الم�صطلحات في بداية الكتاب‪ُ ،‬‬ ‫بع�ض الم�صطلحاتٌ خا�صة بالم�ؤ ِّلف ِوم��ن وحي �أفكاره‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تعريفات ح�صري ًة �أو كاملة‪ ،‬و�إنما هي‬ ‫م�صطلحات �أو‬ ‫وبع�ضها متداو ٌل ومعروف‪ ،‬وهي لي�ست‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫للكتاب الذي بين يديك‪� ،‬أ َّما المغالطات فهي محاول ُة لتقييم بع�ض الأخطاء التي‬ ‫مفاتيح‬ ‫مجرد‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫نقع فيها �أثناء النقا�ش �أو �أثناء قراءة حوار‪:‬‬ ‫دليل على‬ ‫خالق للكون‪ ،‬واالدِّعا ُء �أن الحيا َة ال ُم�س ِّب َب لها بدون �إعطاء ٍ‬ ‫نفي وجو ِد ٍ‬ ‫اإللحاد‪ :‬هو ُّ‬ ‫هذا االدِّعاء‪.‬المعنى اللُّغوي للإلحاد هو االنحراف‪ ،‬ولذا �إذا وجدنا في كتب التراث �أن فال ًنا‬ ‫َ‬ ‫انحرف عن م�سا ٍر معين‪ ،‬ال ُّنفاة هو اللقب‬ ‫ملح ٌد فال يعني ذلك �أنه ُينكر وجو َد الخالق‪ ،‬و�إنما‬ ‫م�ستخدما �ساب ًقا لو�صف الملحدين لأنهم نفوا وجود خالق‪.‬‬ ‫الذي كان‬ ‫ً‬ ‫دليل مادي َيخ�ض ُع للمنهج العلمي الذي‬ ‫خالق للكون لعدم وجود ٍ‬ ‫نفي وجو ِد ٍ‬ ‫اإللحاد الجديد‪ :‬هو ُّ‬ ‫ُ‬ ‫اال�ستدالل به على وجود خالق‪ ،‬في هذا الكتاب عندما نتكلم عن الإلحاد ف�إننا نتكلم غال ًبا‬ ‫يمكن‬ ‫ِ‬ ‫عن الإلحاد الجديد‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫نف�سه المعبو ُد ِمن‬ ‫خ�ص ي� ِؤمن بوجود ٍ‬ ‫الربوبي‪�َ :‬ش ٌ‬ ‫خالق‪ ،‬ولكنه ال يعتقد ب�أن هذا الخا ِلق هو ُ‬ ‫الديانات المختلفة الموجودة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫خ�ص ي� ِؤمن ب�أن الأديانَ �صناع ٌة ب�شرية‪ ،‬وقد يقترب الالديني من الإلحاد �إذا كان‬ ‫الالديني‪�َ :‬ش ٌ‬ ‫خالق‪� ،‬أو ِمن الربوبية �إن كان يعتقد بوجود خالق‪.‬‬ ‫ال يعتقد بوجود ٍ‬ ‫�شخ�ص يقول �إن الأدل َة على وجود خالق من عدمه مت�ساوي ٌة‪ ،‬ولذلك ال ي�ستطيع �أن‬ ‫الال أدري‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫َحام َل الكثي ُر من الم�ؤمنين والملحدين على الال�أدريين لأنهم َّ‬ ‫عطلوا‬ ‫يقرر هل هناك �إل ٌه �أم ال‪ ،‬ت َ‬ ‫المنهج العقلي في �إثبات الخالق �أو �إنكاره فتركوا التفكير والبحث والتدقيق ُ‬ ‫ور�ضوا بالال�أدرية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خالق‪ ،‬ويت ِّبع دي ًنا من الأديان"ال�شرائع" الموجودة في العالم‪.‬‬ ‫خ�ص ي� ِؤمن بوجود ٍ‬ ‫المؤ ِمن‪ :‬هو َ�ش ٌ‬ ‫الم�صطلحات �أعاله (الإلحاد‪ ،‬الإلحاد الجديد‪ ،‬الربوبي‪ ،‬الالديني‪،‬‬ ‫وم َّما تجدر الإ�شار ُة �إليه �أن‬ ‫ِ‬ ‫نظر دينية خال�صة‪.‬‬ ‫الال �أدري‪ ،‬الم�ؤمن) هي وجهاتُ ٍ‬ ‫َ‬ ‫العقلي)‪ :‬ال َمنهج الذي يعتمد المنطقَ‬ ‫والعقل للو�صول‬ ‫المنطقي (البرهان‬ ‫العقلي‬ ‫المنهج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عام مثل وجود الخالق وغاية‬ ‫�إلى النتائج‪ ،‬وهو المنهج الذي يتناول الق�ضايا الفل�سفي َة ٍ‬ ‫ب�شكل ٍ‬ ‫الحكم على نتائج التجارب‬ ‫الحياة‪ ،‬وكذلك يتناول الق�ضايا غير الفل�سفية؛ حيث ن�ستخدمه في ُ‬ ‫م�صطلحا م� َّشو ً�شا ب�سبب عدم التفريق بين م�سائل‬ ‫المنهج و�أ�ضحى‬ ‫الح�سية‪ ،‬وقد ت َ​َ�ش َّو َه هذا‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الفل�سفة وم�سائل ال ِعلم‪ ،‬وقد �أنكر المنهج العلمي الحالي هذا المنهج بالرغم من �أنه الأ�سا�س‬ ‫في �إلحاد بع�ض كبار العلماء و�إيمان البع�ض الآخر منهم‪ ،‬و�أبقى على الفل�سفة الح�سية (فل�سفة‬ ‫العلم)‪.‬‬ ‫المادي)‪ :‬المنهج الذي يعتمد الم�شاهَ د َة والتجرب َة‬ ‫الحسي (البرهان‬ ‫التجريبي‬ ‫المنهج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪14‬‬


‫العلوم‬ ‫للو�صول �إل��ى النتائج‪ ،‬وهو المنهج ال��ذي يتناول الق�ضايا المادي َة‪ ،‬وي�شمل مخت َل َف‬ ‫ِ‬ ‫التطبيقية مثل الكيمياء والفيزياء‪� ،‬أدوا ِته مح�صور ٌة في الأمور الماد ّية فقط‪.‬‬ ‫يمكن �أن ن�ستدل به على حقيقة وجو ِدها‪ ،‬ويكون هذا‬ ‫الحقائق‪ :‬هي الأمور التي لها �أث ٌر ّ‬ ‫مادي ِ‬ ‫مادي‬ ‫الوجود �إ َّما‬ ‫مت�ضمنا للحقيقة و�إ ّما داال عليها مثل م�س�ألة وجود الخالق‪ ،‬حيث �إن هناك �أث ٌر ٌّ‬ ‫ِّ‬ ‫ممكن �أن ن�ستدل منه على وجود الخالق‪ ،‬وبالتالي يمكن القول �أن الخالق حقيقة‪.‬‬ ‫والوه ُم‬ ‫يمكن �أن ن�ستدل به على حقيقة وجودها‪ْ ،‬‬ ‫األوهام‪ :‬هي الأمور التي لي�س لها �أث ٌر ّ‬ ‫مادي ِ‬ ‫بطبيعة الحال ليوجد ما يدل عليه مثل �سانتاكلوز �أو �إناء ال�شاي الذي يدور حول المريخ‪ ،‬حيث‬ ‫مادي على وجود ال�سانتاكلوز‪ ،‬وبالتالي فهو َو ْهم‪.‬‬ ‫ال يوجد �أث ٌر ٌّ‬ ‫يمكن مالحظتُه‪ ،‬وم�شاهد ُته‪� ،‬أو ت�صو ُّره لوجود �أدل ٍة مادي ٍة تدل عليه‪،‬‬ ‫ال ِعلم‪ :‬هو التعامل مع ما ِ‬ ‫فال قيمة للمنهج العقلي المنطقي �أمام المنهج التجريبي الح�سي‪ ،‬وال ِعلم ال يتعامل مع �أي‬ ‫اخت�صا�صه‬ ‫تعليل ِمن ما وراء الطبيعة لعدم �إمكانية �إثباته ماد ًّيا‪ ،‬ف�أمور ما وراء الطبيعة خارج‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الظواهر الح�سية ِمن حولنا وال قدرة له �أبدً ا على‬ ‫وحدوده‪ ،‬وال ِع ُلم يحاول تف�سي َر طريقة عمل‬ ‫ِ‬ ‫تعليل وجودها‪ ،‬فعلى �سبيل المثال ال ِعلم قد يف�سر كيف حدث االنفجار الكبير ولكن ال يعلل‬ ‫�سب َبه‪ ،‬فهو يحاول الإجاب َة عن �س�ؤال "كيف" ولي�س ً‬ ‫"لماذا‪.‬‬

‫أقسام ال ِعلم‪:‬‬ ‫ثابت ال يمكن �أن يتغير مهما تطورت �أدوا ُتنا ومهما تط َّور ال ِعلم‪،‬فمث ًال‬ ‫يقيني‪ :‬وهو ِعلٌم ٌ‬ ‫ِعل ٌم ّ‬ ‫يقيني‪ ،‬واحتمال �أن تتغير كنظرية �أو يتغير �أحد عنا�صرها احتما ٌل‬ ‫نظرية فيثاغور�س هي ِعل ٌم ٌ‬ ‫�ضعيف جدً ا‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫النظريات العلمية التي تتعامل مع ت�صورات �أو تو ّقعات لكيفية‬ ‫لم نسبي ( ِعلم الثغرات)‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِع ٌ‬ ‫أمر ُمع َّين ا�ستغرق حدوثه ماليين ال�سنين �أو ال يتكرر ب�شكل م�ستمر بحيث ال يمكننا‬ ‫حدوث � ٍ‬ ‫ر�ؤيتُه �أو تجربته فعل ًيا‪ ،‬ويمكن �أن نط ِلق عليها ال ِعلم الن�سبي لأنه اعتمد ب�شكل كامل على الأدوات‬ ‫أدوات في تطو ٍر م�ستمِ ر‬ ‫المتوفرة حال ًيا وعلى التطور العلمي للمرحلة الحالية‪ ،‬ولكن بما �أن ال ِ‬ ‫حقل من الرمال المتحركة‪ ،‬وال يمكن التيقن من �أن ال ِعلم في‬ ‫وال ِعلم كذلك فك�أننا نقف على ٍ‬ ‫الم�ستقبل �سيدعم مثل هذه النظرية و ُيبقيها �أو يرف�ضها؟‬ ‫وهذا ينطبق على كافة النظريات التي تحتوي على بع�ض الثغرات مثل التطور وغيرها‪ ،‬فاحتمال‬ ‫مفهوم‬ ‫�أن يتغير �أحد عنا�صرها كاالنتقاء الطبيعي احتما ٌل وارِد جدً ا‪ ،‬ففي �أقل من قرن مث ًال تغ َّير‬ ‫ُ‬ ‫االنتقاء الطبيعي �إلى االنتقاء الطبيعي التراكمي‪ ،‬وظ َه َر مفهوم الجين الأناني وغيره‪،‬فعلى‬ ‫مفتوحا لتغيير‬ ‫الرغم من �أن ِعلم الثغرات يحتوي على الكثير من ال�صحة‪،‬لكن يبقى الباب‬ ‫ً‬ ‫النظريات نتيجة لتلكم الثغرات ‪.‬‬ ‫العلم الزائف‪ :‬ا�ستخدام ال ِعلم لنفي �أو �إثبات �أمو ٍر تقع خارج منهجه وحدوده مثل نفي الخالق‪.‬‬ ‫االختصاصات غير المتداخلة‪ :‬م�صطلح يراد منه ف�صل الأمور الميتافيزيقية عن الأمور‬ ‫الطبيعة باعتبارها اخت�صا�صات غير متداخلة‪ ،‬وبالتالي ف�إن العلم والدين ي�سيران في َّ‬ ‫خطان‬ ‫وخ�صو�صا عندما‬ ‫متوازيان‪ ،‬وهذا الكالم فيه الكثير من ال�صحة كما �أن فيه الكثير من الخط�أ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫دح�ضها ب�سهولة‪.‬‬ ‫ي�شتمل الدين على ُخرافات القرون ال�سابقة حيث يمكن للعلم ْ‬

‫أدوات ال ِعلم ‪:‬‬ ‫أو ًال‪ :‬الأدوات التي يتم ا�ستخدا ُمها للك�شف والبحث والتح ّري كالتل�سكوبات والمختبرات‬ ‫‪16‬‬


‫وغيرها‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬المعرفة العلمية المتراكمة عبر ال�سنين التي هي في حالة نم ٍو م�ستمر‪ ،‬و ُتب َنى النظرياتُ‬ ‫بنا ًء على �آخر ما تو�صلت له المعرف ُة العلمية الإن�سانية‪ ،‬وبتقدم المعرفة تختلف اال�ستنتاجات‬ ‫نيت على َ‬ ‫(علم الثغرات)‪.‬‬ ‫دالئل واحد ٍة عندما يتعلق الأمر بال ِعلم الن�سبي ّ ِ‬ ‫التي قد تكون ُب ْ‬ ‫أدوات لإنجاح التجارب‬ ‫ثالثا‪:‬العن�صر الواعي الف َّعال وهو العن�صر الذي يوفر الأج��واء وال ِ‬ ‫المختبرية وغير المختبرية‪ ،‬فال تجربة تتم �أو تنجح بدون وجوده �أبدً ا على الرغم من �أن هذه‬ ‫حدث بمح�ض ال�صدفة وبدون وجود العن�صر‬ ‫التجارب المفرو�ض �أنها تحاكي واق ًعا حيات ًّيا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الواعي الفعال‪ ،‬وهذا العن�صر يمثله الإن�سان الذي يقوم بالتجربة ويحدد ال ُم َ‬ ‫والظروف‬ ‫الت‬ ‫دخ ِ‬ ‫التي ترافق �إجرا َء التجربة ويتابعها بدقة ‪.‬‬ ‫كعمود فقري لها‪ ،‬والتي تدل‬ ‫التطور‪ :‬نظري ٌة علمية ُمعت َبرة ومبنية على المكت�شفات الأُحفورية‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫المكت�شفات‬ ‫على �أن الأحيا َء قبل �آالف ال�سنين تختلف عن الأحياء اليوم‪ ،‬وكذلك الكثير من‬ ‫الحالية كالـ دي �إن �آي والوراثة ‪.‬‬ ‫اإلله الشخصي‪ :‬ت� ّصو ٌر عن الخالق يكون فيه الخالق في عالق ٍة مبا�شرة ذات طبيعية دكتاتورية‬ ‫وقاتل � ً‬ ‫أي�ضا‪.‬‬ ‫وح�سود‬ ‫ومنفعل‬ ‫ب�شخ�ص مغرو ٍر‬ ‫ومت�س ِّلطة مع الإن�سان‪ ،‬يكون فيه الإله �أ�شبه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وحاقد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فالإله ال�شخ�صي فكرة ناتجة عن المفهوم اليهودي لم�صائب الحياة‪ ،‬حيث يت�صور اليهود‬ ‫يتر�صدها الخالق ويردها‬ ‫�أن �سبب الم�صائب التي ت�صيب الإن�سان هي معا�صيه الخفية التي َّ‬ ‫ال�صاع �صاعين‪ ،‬وبالرغم من اعتقاد بع�ض الم�سلمين بذلك �إال �أن الخالق وفق المنظور القر�آني‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫تماما كحال العبد الطالح‬ ‫يغفر الذنوب جمي ًعا �إذا تاب العبد‪ ،‬والعبد ال�صالح‬ ‫معر�ض لم�صائب ً‬ ‫‪17‬‬


‫بغ�ض النظر عن معا�صي هذا وذاك لغر�ض االبتالء والتمحي�ص‪.‬‬ ‫إنتاجه عام ‪2014‬‬ ‫ولمعرفة معنى الإله ال�شخ�صي يمكن م�شاهدة فيلم "الخروج" الذي تم � ُ‬ ‫حري�ص على االنتقام من الفرعونيين ب�أق�سى الو�سائل‬ ‫والذي ي� َّصور فيه الإله على �أنه �إل ٌه منف ِع ٌل‬ ‫ٌ‬ ‫لوال تهدئة مو�سى له بالحكمة �أحيا ًنا وبال�صراخ �أحيا ًنا �أخرى‪.‬‬ ‫تاريخهم‪ ،‬وع��د ُد الأ�سفار‬ ‫العهد القديم‪ :‬وهو مجموع ُة الأ�سفار التي جمعها اليهو ُد ع ْب َر ِ‬ ‫مخت َل ٌف فيه بين الكني�سة الكاثوليكية والأرثودك�سية التي تقبل ‪�ِ 46‬سف ًرا من جهة‪ ،‬والكنائ�س‬ ‫البروت�ستانتية التي تقبل ‪�ِ 39‬سف ًرا فقط من جهة ثانية‪ِ ،‬من هذه الأ�سفار هناك فقط خم�سة‬ ‫ن�سب ل�سيدنا مو�سى والتي ت�س َّمى التوراة‪ ،‬وحتى هذه الأ�سفار الخم�سة فيها كال ٌم حول‬ ‫�أ�سفار ُت َ‬ ‫َمن َكتَبها على اعتبار �أن فيها و�ص ًفا لكيفية وفاة مو�سى ومكان دف ِنه‪ ،‬وي�ش ِّكل العه ُد القديم‬ ‫الجز َء الأول من الكتاب المق َّد�س لدى الم�سيحين‪.‬‬ ‫العهد الجديد‪ :‬وهو الجزء الثاني ِمن الكتاب المقد�س لدى الم�سيحين‪ ،‬يتكون من الأناجيل‬ ‫الأربعة المن�سوبة �إلى �أ�صحاب ال�سيد الم�سيح‪ ,‬ثمان �أ�سفا ٍر من�سوبة �إلى تالميذ الم�سيح ور�سله‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الن�صف من العهد الجديد‪ ،‬ويتكون من‬ ‫بالإ�ضافة لر�سائل القدي�س بول�ص التي ت�ش ِّكل ما يقرب‬ ‫‪�ِ 27‬سف ًرا‪.‬‬ ‫النظرية النهائية "نظرية كل شيء"‪ :‬ت�س َّمى � ً‬ ‫الحلم" وهي النظرية التي ِمن‬ ‫أي�ضا "النظرية ُ‬ ‫الفراغات في النظريات العلمية الخا�صة بال ِعلم الن�سبي وتعطي الإجابة على‬ ‫المفرو�ض �أن تملأ‬ ‫ِ‬ ‫كل �شيء في الم�ستقبل‪.‬‬ ‫نوع‬ ‫�شخ�ص يعتقد ب�أن الإن�سان وبقي َة‬ ‫الخلوقي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫الكائنات ُخ ِلقوا على ما هُ م عليه ويرف�ض �أي ٍ‬ ‫ّ‬ ‫‪18‬‬


‫والخلوقي هو �شخ�ص م�ؤمن بوجود خالق‪.‬‬ ‫من �أنواع التطور‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التطوري‪� :‬شخ�ص يعتقد ب�صحة التطور‪ ،‬والتطوري قد يكون �شخ�ص م�ؤمن �أو ملحد‪.‬‬ ‫التعقيد غير القابل لالختزال‪ :‬هو التعقيد الموجود في بع�ض �أجهزة الج�سم �أو بع�ض‬ ‫المعني مكون من عدة �أج��زاء؛ ال يمكن لهذه الأج��زاء �أن‬ ‫يالحظ �أن الجهاز‬ ‫الكائنات حيث َ‬ ‫ّ‬ ‫تعمل بمفردها وال يمكن للجهاز المعني �أن يعمل �إن ُفقدت �أحد �أجزائه‪ .‬وهذا التعقيد غير‬ ‫القابل لالختزال �أو التب�سيط ي�ستخدمه البع�ض لإثبات الت�صميم �أو التعبير عن عدم اقتناعهم‬ ‫ب�إمكانية التطور الع�شوائي على �إنتاج الحياة المعقدة‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪19‬‬


‫المغالطات‪:‬‬ ‫لغر�ض ت�صحيح ُط� ُر ِق التفكير ولالبتعاد عن المغالطات التي تجعل �أحكامنا غير منطقية‬ ‫ِ‬ ‫ونقا�شاتنا عقيمة نحاول �أن نو�ضح بع�ض الفخاخ التي قد نقع فيها �أثناء النقا�ش �أو �أثناء قراءتنا‬ ‫لنقا�شات ال�سابقين‪:‬‬

‫المغا َلطة األولى‪ :‬طبقة النقاش‬ ‫حد �سواء في نقا�شاتهم المختلفة‪ ،‬لنفتر�ض‬ ‫مغالط ٌة كبيرة يقع فيها الم�ؤمنون وال ُم ِلحدون على ٍ‬ ‫الملحد على‬ ‫وم�سيحي وملح ٌد‬ ‫النقا�ش الآتي الذي ي�شترك فيه م�سل ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫ويهودي‪ ،‬حيث يعتر�ض ِ‬ ‫ٌ‬ ‫فكرة قيام الم�سيح ِمن بين الأموات باعتبار �أن ال دليل عليه‪ ،‬فيجيبه الم�سيحي ولكن اهلل قاد ٌر‬ ‫الم�سيح لم ُيقتَل و�إنما‬ ‫على كل �شيء! فيع ِّلق الم�س ِلم ب�أن اهلل بالطبع قاد ٌر على كل �شيء ولكن‬ ‫َ‬ ‫ُ�ش ِّبه القتل لأ�صحابه وقد َر َفعه اهلل �إليه‪ ،‬ي�أتي اليهودي ليقول �إن الم�سيح لم ي� ِأت لليوم ونحن‬ ‫بانتظاره‪.‬‬ ‫وهكذا يعلق كل طرف على الحوار من وجهة نظره من دون مراعاة لطبقة النقا�ش‪،‬حيث �إن‬ ‫الملحد يبحث عن �أدلة مادية عن قيام الم�سيح ولكن الم�سيحي يعزُوا �سبب القيام للخالق وهي‬ ‫‪20‬‬


‫معجزة وبالتالي كان المفرو�ض �أن يتم النقا�ش في طبقة �إثبات الخالق �أو نفيه ولي�س في طبقة‬ ‫ت�أتي بعد �إثبات الخالق �أو نفيه وهي المعجزات‪� ،‬أما الم�سلم ف�إنه لم يتلفت �إلى �أن الم�سيحي ال‬ ‫ي�ؤمن بقر�آن الم�سلمين و�إنما حاججه به وبهذا انتقل �إلى طبقة متقدمة في الكالم مع الم�سيحي‬ ‫في حين كان المفرو�ض �أن يبد�أ معه بطبقة هل القر�آن كتاب اهلل �أم ال؟؟ نف�س ال�شيء مع‬ ‫اليهودي‪.‬‬ ‫الح َجر الأ�سود والتي‬ ‫مثا ٌل �آخر‪ ،‬يقول محمد عمارة ب�أنه �شرح لنوال ال�سعداوي ق�ضية تقبيل َ‬ ‫منهج عقلي ﻻ نقلي وبدون �آيات �أو �أحاديث‪ ،‬وكان ال�شرح كالآتي‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫اعتر�ضت عليها وفق ٍ‬ ‫كثير من ق�ضايا‬ ‫"هنالك �أحكا ٌم فقهية في الإ�سالم ت�ستند �إلى ٍ‬ ‫�سبب �أو ِعلة معروفة مثل ٍ‬ ‫المعامالت‪ ،‬وهنالك �أحكا ٌم فقهية ﻻ نعرف ِع َّلتَها �أن اهلل ا�ست�أثرها لنف�سه مثل �سبب كون‬ ‫عد ِد ركعات �صالة الظهر �أرب ًعا ﻻ ثال ًثا وق�ضية الحجر الأ�سود من النوع الثاني"‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫ملحد ب�أن جواب محمد عمارة فيه مغالطة منطقية وا�ضحة �إذ قال �إنه �سي�شرح الأمر‬ ‫قد يع ِّلق ِ‬ ‫عقل ًيا و�شرحه باال�ستناد �إلى النقل و�ض َر َب مث ًال ولم ي�ستدل عليه ب�شيء‪ ،‬في حين �أن المغالط َة‬ ‫الملح َد لم يلتفت �إلى الأ�سا�س الذي اعتمده محمد عمارة واعتمده ك�أ�سا�س‬ ‫الحقيقة هي �أن ِ‬ ‫كملحد‪ ،‬و�إنما يناق�ش نوال ال�سعداوي‬ ‫لفهم الحوار‪ ،‬وهو �أن محمد عمارة لم يكن يناق�شه هو ِ‬ ‫التي ال تقول �إنها ملحدة‪ ،‬ولكنها ثائر ٌة على الموروث‪ ،‬وبالتالي فهو عندما يناق�شها بمقارنة‬ ‫الملحد الذي يرف�ض‬ ‫بع�ض الأحكام ببع�ضها الآخر لأنه يعتقد ب�أنها توافق على المبد�أ بعك�س ِ‬ ‫للملحد القفز في منت�صف‬ ‫أ�سا�سه‪ ،‬وبالتالي النقا�ش ال ُبد �أن يكون مختل ًفا وال يمكن ِ‬ ‫المبد�أَ من � ِ‬ ‫النقا�ش ليعتر�ض على مفرداته من وجهة نظر �إلحادية؛ لأننا بب�ساطة ال ن�ستطيع �أن نجزم ب�أن‬ ‫الملح َد ولي�س نوال ال�سعداوي‪.‬‬ ‫جواب محمد عمارة �سيكون مماث ًال لو كان يناق�ش ِ‬ ‫‪21‬‬


‫ملحدً ا وم�س ِل ًما يتناق�شان في جزئي ٍة �إيمانية مثل بع�ض‬ ‫نف�س المغالط ِة نجدها عندما نرى ِ‬ ‫ُ‬ ‫المعجزات كتح ّول الع�صا �إلى �أفعى‪ ،‬فمِ ثل هذا النقا�ش يعتبر مغالطة من الأ�سا�س‪ ،‬لأن الأ�سا�س‬ ‫تماما والنقا�ش �سيكون عقي ًما‪ ،‬فالنقا�ش لكي‬ ‫الذي ي�ستند عليه كل ٍ‬ ‫طرف مخت ِل ٌف عن الآخر ً‬ ‫يعطي نتائج �إيجابية يجب �أن يكون بالتدريج ِومن الأعلى �إلى الأ�سفل‪ ،‬فعندما يتكلم الملحد مع‬ ‫الم�ؤمن فال قيمة لنقا�شهما حول المعجزات‪ ،‬و�إنما يجب �أن يبد�أ النقا�ش حول وجود الخالق ف�إذا‬ ‫الخالق كالنبو ٍة وال َمعاد والمعجزات لن يكون بالإمكان‬ ‫لم يتو�صال �إلى نتيجة فكل ما هو دون‬ ‫ِ‬ ‫التو�صل �إلى نتيج ٍة فيه الختالف المباني الفكرية لدى كل طرف‪.‬‬ ‫وال�س ّني ال يتناق�شان حول المعجزات والخالق والنبوة و�إنما فيما دون‬ ‫لذا عندما يتناق�ش‬ ‫ال�شيعي ُّ‬ ‫ّ‬ ‫للملحد �أن ي�أتي ليقول �إن هذا النقا�ش فيه مغالطة منطقية لأن الخالق �أ�ص ًال غير‬ ‫ذلك وال يحق ِ‬ ‫موجود لأنه لي�س طر ًفا بالحوار ولو كان طر ًفا بالحوار الختلف الحوار جملة وتف�صي ًال‪.‬‬ ‫هذه المغالطة و َق َع فيها للأ�سف الأ�ستاذ "�سيد القمني" عند مناظرته لأحد ال�شيوخ في برنامج‬ ‫َ‬ ‫التحالف الم�سيحي‬ ‫"�أ�سرار ِمن تحت الكوبري" على قناة "القاهرة والنا�س"‪ ،‬حيث انتقد‬ ‫الق�سي�س ال�شيخَ هل الم�سيح �إله؟ لقال "يا نهار‬ ‫ن�صه "لو �س�أل‬ ‫الإ�سالمي �ضد الإلحاد وقال ما ُّ‬ ‫ُ‬ ‫�أ�سود"‪ ،‬ولو �س�أل ال�شيخُ‬ ‫الق�سي�س هل محمد ر�سول اهلل؟ لقال "يا دي الم�صيبة"‪ ،‬فت�س�أل �سيد‬ ‫َ‬ ‫القمني هنا "� ًإذا لماذا اتفقتم على الإلحاد؟"‬ ‫وهذا مثال وا�ضح للمق�صود بهذه المغالطة حيث لم يتلفت ال�سيد القمني �إلى طبقة الحوار التي‬ ‫هي حول الخالق‪ ،‬وبالتالي هي �أعلى من تفا�صيل الأديان وبالتالي اتفاقهم �أمر طبيعي و�إ�شكاله‬ ‫على هذا االتفاق ناتج من عدم �إدراكه لطبقة النقا�ش‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫َ‬ ‫الملحد‬ ‫آيات قر�آنية في هذا الكتاب ف�إن‬ ‫كنتيج ٍة يجب التنويه �أنه عند ِذكر � ٍ‬ ‫المخاط َب بها لي�س ِ‬ ‫كر �آيات اهلل‪ ،‬و�إنما بالحوار حول وجود الخالق من عدمه‪.‬‬ ‫فالحوا ُر مع ِ‬ ‫الملحد ال يكون ِبذ ِ‬

‫المغا َلطة الثانية‪ :‬االختصاص‬ ‫مخت�ص في نظريات الفيزياء والأحياء الحديثة التي يجدها في ُكتُب‬ ‫�شخ�ص غي ُر‬ ‫عندما يتكلم‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫خ�صي�صا لن�شر الإلحاد ولي�س لت ْبيان العلم بحد ذاته ف�إنه يقع في‬ ‫الملحدين المكتوبة‬ ‫العلماء ِ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫فخ ْين‪:‬‬ ‫عدم �إمكانية فهم �أبعاد وحدود النظريات‪ ،‬فال هو فيزيائي وال �أحيائي وال هو‬ ‫الفخ الأول‪ :‬فخ ِ‬ ‫القدرات والمختبرات الختبارها بنف�سه‪ ،‬بالتالي �سي�س ِّلم بها ت�سلي ًما كام ًال بكل فروعها‬ ‫يملك‬ ‫ِ‬ ‫و�إ�شكالياتها‪ ،‬وتتحول من احتمال كبير �إلى حقيقة مطلقة بكل ما ي�ضاف �إليها من توابل‪.‬‬ ‫الكتب ب�شكل كامل بما فيها من دعوة‬ ‫الفخ الثاني والأخطر‪ :‬نتيج ًة للفخ الأول فهو �سيق َبل هذه َ‬ ‫للإلحاد كهدف رئي�سي‪ ،‬فهذه الكتب في النهاية �إلحادية ولي�ست علمية فهي ال تكتفي بتبيان‬ ‫النظريات ب�شكل علمي‪ ،‬ولكنها تت�ضمن وجهة نظر الكاتب الدينية الإلحادية والتي تعمل َ‬ ‫عمل‬ ‫طبيب التجميل وخبرا ِء الماكياج لإعطاء �أبعاد �إلحادية للنظريات العلمية‪ ،‬في حين �أن ال ِعلم‬ ‫ِ‬ ‫كما هو معلوم "ال �أدري" و�سيبقى ال �أدر ًيا عندما يتعلق الأمر بالغيبيات و�أكثر من ذلك ا�ستخدام‬ ‫العلم كمبرر للإلحاد هو نوع من العلم الزائف‪.‬‬ ‫وقد يعتر�ض �أحدهم على هذا الكالم ب�أن يقول "�إننا نعرف فوائد الأ�سبرين �أو غيره من الأدوية‬ ‫التي ن�ستخدمها ل�صداع الر�أ�س‪ ،‬بدون �أية معرفة لرموزها الكيميائية �أو طريقة �صنعها‪ ،‬و�أنت‬ ‫‪23‬‬


‫ت�ستطيع �أن ت�ؤكد للنا�س فائدة الطائرات‪ ،‬بدون الحاجة لمعرفة تفا�صيل قيادتها �أو �صناعتها‪،‬‬ ‫وكذلك ن�صدق بال ِعلم والعالج الطبي وكالم علماء الكون والفيزيائيين والكيميائيين‪ ،‬بدون �أن‬ ‫نكون خبرا َء في � ٍأي منها‪ ،‬لأننا نثق في العلم"‪.‬‬ ‫�شخ�ص َفهِ م ال ِع َلم وطريق َة عم ِله فال يوجد �شيء ا�سمه �أ ِثق في‬ ‫واالعترا�ض �أعاله ال ينتج عن‬ ‫ٍ‬ ‫ال ِعلم �أو �أ� ِؤم��ن بال ِعلم‪ ،‬فهذا الكالم العاطفي ال�ش ّفاف ال �أ�صل علمي له‪،‬الإن�سان العلمي يثق‬ ‫في الأدلة ويتبعها‪ ،‬وفي نف�س الوقت يفهم محدودي َة ال ِعلم في الأمور الغيبية‪ ،‬و ِق َ�صر �أدواته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫االحتمال الأقرب للحقيقة بنا ًء على الأدلة‬ ‫فنحن ال نثق في النظريات و�إنما نق َبل بها على �أنها‬ ‫المتواجدة بين �أيدينا‪ ،‬وفي نف�س الوقت ندرك حجم الثغرات العلمية ونتفهمها‪ ،‬فنحن نفرق‬ ‫الن�سبي"علم الثغرات" الذي ي�ستغل‬ ‫المعتر�ض �أعاله وال ِعلم‬ ‫بين ال ِعلم اليقيني وهو ما �أ�شار �إليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لإثبات التوجهات الإلحادية ولن يقع الإن�سان العلمي في فخ الكتب الإلحادية التي تتم�سح بال ِعلم‬ ‫الن�سبي‪.‬‬

‫المغا َلطة الثالثة‪ :‬العودة إلى المربع األول‬ ‫نتائج معين ٍة‪ ،‬لن ُقل مث ًال ب�ضرورة‬ ‫عندما يفكر البع�ض في �أمور الخ ْلق والكون ف�إنه ي�صل �إلى َ‬ ‫وجود خالق‪ ،‬ولكن عندما يواجه �س�ؤال ديني ال يمكنه الإجابة عليه يعود �إلى المربع الأول في‬ ‫بح ِثه وينكر وجود الخالق‪ ،‬وهذا خط�أ كبي ٌر‪ ،‬فعدم القدرة على الإجابة عن �س�ؤال مع ّين ال تعني‬ ‫عدم القدرة على الإجابة‬ ‫ب�أية حال من الأحوال العود َة �إلى المربع الأول و�إنما تعني بب�ساطة َ‬ ‫على هذا ال�س�ؤال‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫لتقريب ال�صورة نذكر المحادث َة �أدناه التي غال ًبا ما تتكرر مع الكثير من الملحدين والمت�شككين‬ ‫في مو�ضوع الخالق‪ ،‬فهو مث ًال وبعد التفكير والتدقيق يتو�صل �إلى نتيج ٍة مفادُها �أن الكونَ الوا�سع‬ ‫َ‬ ‫والظروف المحيطة به ال يمكن �أن ت�أتي ِمن‬ ‫والقوانين الدقيق َة الحاكمة‪ ،‬والحيا َة والإن�سان‬ ‫ال�ص َدف ال�سعيدة (�صدفة االنفجار الكبير‪� ،‬صدفة القوانين الدقيقة‬ ‫اجتماع الماليين من ُّ‬ ‫الحاكمة‪� ،‬صدفة الخلية الأول��ى‪� ،‬صدفة الأج��واء المالئمة‪� ،‬صدفة التطور‪� ،‬صدفة الإن�سان‬ ‫الواعي المف ِّكر) فاحتمالية �أن ت�أتي كل هذه الأمور بال�صدفة تقترب من ال�صفر‪ ،‬والقبول بهذه‬ ‫االحتمالية نو ٌع من االنتحار العقلي‪.‬‬ ‫نف�سه مث ًال ما الغاية ِمن الخلق؟‬ ‫وبالتالي ي�صل �إلى �أن هناك خال ًقا ِ‬ ‫ومبد ًعا للكون‪ ،‬ولكن ي�س�أل َ‬ ‫وما الغاية من وجودنا في هذا الكون الف�سيح؟وعندما ال يجد جوا ًبا �شاف ًيا ين�سف كل الأ�س�س‬ ‫المنطقية ال�سابقة ويعود �إلى المربع الأول! على الرغم من عدم وجود مبرر لربط ال�س�ؤال‬ ‫بالأ�س�س المنطقية التي قادته �إلى االعتراف بوجود خالق‪.‬‬

‫الحكم على الفرد بجريرة المشهور!‬ ‫المغا َلطة الرابعة‪ُ :‬‬ ‫بوهم المعرفة‪،‬‬ ‫هذه المغا َلطة غال ًبا ما يقع فيها الطائفيون والمتع�صبون‪ ،‬وكذلك َمن اب ُت ِلي ْ‬ ‫الملحد و�أثناء نقا�شه مع الم� ِؤمن يعتقد �أن الم�ؤمنَ وبمجرد �إيمانه بالإ�سالم �أو‬ ‫فمث ًال نجد‬ ‫َ‬ ‫الم�سيحية فهو يعتقد بكل كبير ٍة و�صغيرة من المتعا َرف عليه بين النا�س حول ذلك الدين‪ ،‬بما‬ ‫أنا�س ال معرفة لنا بهم عا�شوا‬ ‫في ذلك الكثير من الخرافات التي ملأت َ‬ ‫الكتب التراثية و َكتَبها � ٌ‬ ‫الخا�ص‬ ‫قبل مئات ال�سنين نتيج ًة لظروفهم الخا�صة وثقافة ع�صرهم التي �أنتجت ف ْه َمهم‬ ‫َ‬ ‫‪25‬‬


‫للن�صو�ص‪.‬‬ ‫وهذه مغا َلطة كبرى لأن ال�صحيح �أن تَحكم على الفرد واعتقاداته ِمن خالل �س�ؤاله ولي�س من‬ ‫خالل الم�شهور عن دي ِنه �أو مذهبه‪.‬‬

‫المغا َلطة الخامسة‪ :‬اعتبار آرا ِء السابقين ُحج ًة على الفهم الصحيح‬ ‫هذا �أم ٌر يعاني منه الكثير ممن يحاول �أن يناق�ش ملحدً ا له دراية ببع�ض ُكت ُِب التراث التف�سيرية‬ ‫والحديثية وال�سيرة‪ ،‬حيث ُي�صر الملحد على �صحة التف�سير �أو الحديث الذي ينقله ِمن ُكت ُِب‬ ‫التراث و�أنه الحقيقة التي ال ريب فيها بالرغم من وجود تفا�سير �أخرى قد تعطينا وجهة نظر‬ ‫مغايره وعندما تعطيه تف�سي ًرا �أو ر�أ ًيا مغاي ًرا ِلما َنقله يرف�ضه ب�شدة وي�صر على اعتماد التف�سير‬ ‫ناتج عن اقتناعه ب�صحة ما ينقله‬ ‫�أو الحديث �أو الحادثة التي نقلها‪ ،‬هذا الإ�صرار بالطبع غير ٍ‬ ‫المناه َ�ض للدين وهوى نف�سه‪.‬‬ ‫و�إنما نات ٌج عن �أن ما ينقله يالءم موق َفه‬ ‫ِ‬ ‫والحجج �إل��ى نقا�ش الهوى وما يالئمه‪،‬‬ ‫وه��ذا يعني �أننا انتقلنا من نقا�ش المنطق والعقل ُ‬ ‫والنقا�ش �ضمن هذه الظروف م�ضيعة للوقت‪ ،‬فال يوجد مبرر يدفع �أي �إن�سان لفر�ض �أفكار‬ ‫أمران‪:‬‬ ‫الأقدمين على �شخ�ص له فيها وجهة نظر‪ ،‬وقد يكون من المفيد في مثل هذه النقا�شات � ِ‬ ‫كثير مثال في تف�سير الآية ال ُفالنية‪،‬‬ ‫الأول تخ ِبره بو�ضوح ومنذ البداية �أنك ال ترى ما يراه ابنُ ٍ‬ ‫اطالعه وثقافته الناتجة‬ ‫و�أنك غير ملزَ م �أ�ص ًال بتف�سير فالن لأن تف�سي َره يع ِّبر عن ر�أيه ومقدار‬ ‫ِ‬ ‫عن ظروف زمانه فال هو مع�صو ٌم من الخط�أ وال تف�سيره‪ ،‬والأمر ينطبق على جميع ُكت ُِب التراث‬ ‫بدون ا�ستثناء فهي تع ِّبر عن �آراء َمن ك َت َبها وقد نتفق مع بع�ض الموجود فيها وقد نختلف مع‬ ‫‪26‬‬


‫نف�سه‪.‬‬ ‫البع�ض الآخر بمقدار ما يقترب التف�سير من المنطق والقر� ِآن ِ‬ ‫كما و�أن على َمن ي َّدعي �أن تف�سير فالن هو ال�صحيح ويجب �أن نتب َعه (لغاي ٍة في نف�سه) �أن ي�شرح‬ ‫المف�سر الفالني باعتباره التف�سير ال�صحيح؟ فمجرد‬ ‫ما هي الأ�سباب التي دعته العتماد تف�سير ِّ‬ ‫نقل الكالم ال يكفي و�إنما يجب عليه �أن يدا ِفع عن موقفه ولماذا اعتمد ر� َأي فالن وترك بقية‬ ‫ِ‬ ‫الآراء؟ القر�آن الكريم ب�صورة عامة ينتقد االتبا َع الأعمى للأقدمين‪ ،‬وي�صر على �أن الإن�سان‬ ‫أكيد على ال�صحة‬ ‫م�سئول عن البحث واالطالع وتقييم ما وجده جاه ًزا بين يديه من التراث‪ ،‬الت� َ‬ ‫دين ِمن‬ ‫المطلقة للآراء المتطرفة لبع�ض ال�سابقين �أمر �أ�سا�سي لكل ِ‬ ‫ملحد �أو متع�صب �ضد ٍ‬ ‫الأديان؛ لأنه يهوى تلك الآراء التي ت� ِّصور الأديانَ كما يريدها الملحد �أو المتع�صب مجرد كذب ٍة‬ ‫مليئة بالخرافات ما يجعل هذا الدينَ �أو الفكر فري�س ًة �سهلة لالنتقاد‪.‬‬ ‫ومحاوالت تجميلي ًة ال قيمة لها لأنها تهز‬ ‫خروجا عن الدين‬ ‫�أ ّما �آراء المعا�صرين فيعتبرها‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫�إلحا َده �أو موق َفه و ُتف ِقده الماد َة الد�سمة التي يمكن انتقادُها ب�سهولة‪ ،‬فهو َيكره الآرا َء الأكثر‬ ‫قر ًبا للمنطق التي ال تتناق�ض مع الدين لأنها تجبره على التفكير بعمق والبحث بعمق لإيجاد‬ ‫�أمور ت�ؤكد �سالم َة موقفه ال�سلبي من الدين‪.‬‬ ‫مث ًال عند الكالم عن التطور قد ي�أتي م�سلم ويقول �أنا في القر�آن عندما �أقر�أ قوله تعالى في‬ ‫�سورة نوح‪َ :‬و َق ْد َخ َل َق ُك ْم �أَ ْط َوا ًرا (‪� )١٤‬أَ َل ْم َت َر ْوا َك ْي َف َخ َلقَ ال َّلـ ُه َ�س ْب َع َ�س َما َو ٍات ِط َبا ًقا (‪َ )١٥‬و َج َع َل‬ ‫ا ْل َق َم َر فِيهِ نَّ ُنو ًرا َو َج َع َل َّ‬ ‫ال ْر ِ�ض َن َباتًا (‪ ،)١٧‬ف�أنني �أجد‬ ‫ال�ش ْم َ�س ِ�س َر ًاجا (‪َ )١٦‬وال َّلـ ُه �أَن َب َت ُكم ِّمنَ َْ أ‬ ‫في الأطوار والأنبات �إ�شارة �إلى التطور‪ ،‬في�أتي الملحد وكذلك الم�سلم المت�شدد ويرف�ض هذا‬ ‫المفهوم ً‬ ‫رف�ضا قاط ًعا على اعتبار �أن القرطبي وابن كثير نق ًال عن ابن عبا�س قوله في الأطوار‬ ‫�إنها مراحل الجنين‪ .‬وك�أن الملحد والم�سلم المت�شدد يتوقع من ابن عبا�س والقرطبي وابن‬ ‫‪27‬‬


‫كثير رحمهم اهلل وغيرهم ممن ف�سر القر�أن في الع�صور ال�سابقة �أن يفهموه كما نفهمه اليوم‪،‬‬ ‫وحي منزل‪ ،‬وبالتالي من ال�ضروري‬ ‫في حين �أن فهمهم كان مطاب ًقا لمعارف ع�صرهم ولي�س ٌ‬ ‫�أن يكون فهمنا مطابق لمعارف ع�صرنا‪ ،‬وهذا ما قد ت�شير �إليه الآية الكريمة في �سورة �ص‬ ‫واجب في المت�شابه من �آيات القر�آن الكريم‪.‬‬ ‫( َو َل َت ْع َل ُمنَّ َن َب�أَ ُه َب ْع َد ِح ٍين) (‪ )٨٨‬وهذا ٌ‬

‫المغا َلطة السادسة‪ :‬العنوان والمضمون‬ ‫الحكم على الأ�شياء‪ ،‬وهذه �إحدى �أهم‬ ‫يجب تدقيق الم�ضمون وعدم االعتماد على العنوان في ُ‬ ‫َ‬ ‫دين مع ّين ليقولوا �إن زعي َمنا َ‬ ‫الحلول‬ ‫و�ض َع‬ ‫عالم ٍ‬ ‫ُط ُر ِق اال�ستغفال التي الحظتُها‪ ،‬فمث ًال ي�أتي �أ ْت َباع ِ‬ ‫الواقعية‪ ،‬ويكون هذا هو العنوان العري�ض ولكن عند النظر في التفا�صيل نجد �أن ما َّ‬ ‫تف�ضل به‬ ‫عبارات رنانة و�شعارات ال قيمة لها ولكن الكثيرون ال يكلفون �أنف�سهم‬ ‫الزعيم لم يكن �أكثر ِمن‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫عناء تدقيق و�إنما يعتقدون بتطابق الم�ضمون مع العنوان‪ ،‬فمث ًال في نقا�ش مع �أحد الملحدين‬ ‫ثبت �أن ال وجود للخالق ودليله على ذلك كتاب "الإله الفر�ضية‬ ‫المتحم�سين قال لي �إن ال ِعلم �أَ َ‬ ‫الفا�شلة"‪ ،‬وهو بالحقيقة لم يقر�أ الكتاب و�إنما �أعتمد على عنوانه ظ ًنا منه �أن المحتوى يطابق‬ ‫العنوان‪ ،‬وهذا لي�س �صحيح بالمرة كما �سنناق�ش ذلك بالتف�صيل الح ًقا‪.‬‬ ‫غيره فعليك �أن تدقق لتعرف هل‬ ‫يوم من الأيام مقال ًة للرد على هذا الكتاب �أو ِ‬ ‫لذا ف�إن قر�أتَ في ٍ‬ ‫عنوان بال م�ضمون؟‬ ‫كاف �أم �أن المقال َة مجر ُد ٍ‬ ‫هذا الر ُّد ٍ‬

‫المغا َلطة السابعة‪ :‬اعتبار المؤ ِمن عا ِل ًما بكل شيء‬ ‫ُ‬ ‫نقا�ش مع الم� ِؤمن الب�سيط الذين يلتقون به في الأ�سواق والمقاهي‬ ‫بع�ض الملحدين يحاولون ْبد َء ٍ‬ ‫َ‬ ‫الزمان وفلت َة الأكوان‪ ،‬فيبا ِدرون‬ ‫الب�سيط عا ِل َم‬ ‫وغيرها من الأماكن‪ ،‬حيث يعتبرون هذا الم�ؤمن‬ ‫ِ‬ ‫‪28‬‬


‫�إلى �س�ؤاله بمخت َلف �أنواع الأ�سئلة الفل�سفية والعلمية والت�شريعية والدينية وغيرها‪ ،‬والتي اطلعوا‬ ‫عليها ِمن المواقع الداعية للإلحاد والتي تم نق ُلها على الأغلب ب�شكل خاطئ! وعندما ال يجدون‬ ‫غير دقيق يمثل ثقاف َة‬ ‫الجواب �أو يخ ِبرهم الم�ؤمن �أنه لم ي�سمع بهذه الجزئية‪� ،‬أو يخبرهم بر� ٍأي ِ‬ ‫َ‬ ‫اطالعا على‬ ‫ال�شارع ال ر� َأي الدين‪ ،‬يبا ِدر الملحدون �إلى �إعالن انت�صارِهم باعتبارهم الأكثر‬ ‫ً‬ ‫نف�سه‪� ،‬أو باعتبار �أن ر�أ َيهم ال�سلبي في الدين �صحيح‪ ،‬وكيف ال وقد‬ ‫دين الم�ؤمن من الم�ؤمن ِ‬ ‫�أ َّي َده عا ِلم الزمان وفلتة الأكوان؟!‬ ‫ممار�سات‬ ‫النا�س في غالبيتهم يعرفون عن دينهم ما يحتاجونه من‬ ‫ٍ‬ ‫وهنا يجب �أن ندرك �أن َ‬ ‫يومية ال �أكثر‪ ،‬فال وقت لدى الكثيرين لالطالع‪ ،‬وهذا �أم ٌر طبيعي وال ب�أ�س به‪ ،‬ولذا جاء الأمر‬ ‫الإلهي بان تتف َّق َه طائف ٌة ِمن النا�س في الدين‪ ،‬وحتى هذه الطائفة المتفقهة لي�ست على نف�س‬ ‫الم�ستوى من الذكاء واالطالع والت َّب ُحر في الآراء المختلفة‪ ،‬ففوق كل ذي ِع ٍلم عليم‪،‬والخال�ص ُة‬ ‫�أن هذا النوع من النقا�شات يفت ِقر �إلى الأ�س�س الالزمة لها‪.‬‬

‫المغا َلطة الثامنة‪ :‬ال ُم َ‬ ‫دخالت المقبولة ٌ‬ ‫لنتائج مقبولة‬ ‫شرط‬ ‫َ‬ ‫ال يمكن �أن تتوقع جوا ًبا منطق ًيا مق ِن ًعا عن �س� ٍؤال افترا�ضي غير �صحيح‪ ،‬مث ًال عندما يع ِّرف‬ ‫خالق ِمن عا َلم وراء‬ ‫"ريت�شارد داوكنز" الإل َه في كتابه ْ‬ ‫"وهم الإله" ب�أنه"كلمة تدل على ٍ‬ ‫الطبيعة‪ ،‬و�شيء جدير ب�أن نتوجه �إليه بالعبادة"‪ ،‬ف�إذا التزمنا بحدود هذا التعريف الذي و�ضعه‬ ‫داوكنز �أ�صبح �س�ؤال هل يمكن �أن يخلق الخالقُ �صخر ًة �أكب َر منه حج ًما؟ �س�ؤ ً‬ ‫اال غب ًيا وال قيمة‬ ‫له؛ لأن ال�صخر َة تنتمي �إلى العالم المادي‪ ،‬والخالق ح�سب التعريف ينتمي �إلى عالم ما وراء‬ ‫‪29‬‬


‫الطبيعة غير المحدود‪ ،‬وبالتالي ف�إن الق�ضية لي�ست قدر َة الخالق و�إنما عدم �إمكانية الفعل‬ ‫نف�سه الختالف طبيعة الأمرين وبالتالي تعريف داوكنز للخالق يتعار�ض مع الكثير من �إ�شكاالته‬ ‫حول الخالق‪.‬‬ ‫ ‬

‫المغا َلطة التاسعة‪َ :‬تطا ُبق المو ّدة‬ ‫نظر خاطئة لأم��ر معين بين طرفين متناق�ضين ال‬ ‫وه��ذه نجدها عند التَطا ُب ِق في وجهة ٍ‬ ‫يجمعهما جامع‪ ،‬مث ًال التطابق في وجهات النظر بين الملحدين والفكر التكفيري المتمثل‬ ‫بداع�ش والقاعدة؛ حيث اتفق الطرفان على �أن الفكر التكفيري هو الممثل الحقيقي للإ�سالم‪،‬‬ ‫�أو التطابق الذي �أبداه ريت�شارد داوكنز و�ستينجر كما �سي�أتي ِذكره الح ًقا مع الخلوقيين في‬ ‫رف�ضهم لمبد�أ االخت�صا�صات غير المتداخلة على اعتبار �أنه الموقف ال�صحيح وكل ما عداه‬ ‫نفاق وكذب‪.‬‬ ‫وهذا التطابق هو تطابق مو َّد ٍة َوم�صالح لأنه يخدم م�صلحة كال الطرفين‪ ،‬فت�أكي ُد الملحدين‬ ‫العرب على �أن ف ْه َم التكفيريين هو الفهم ال�صحيح للإ�سالم هدفه �ضرب الإ�سالم‪ ،‬وت�أكيد‬ ‫ريت�شارد داوكنز موافقت َه الخلوقيين على رف�ضهم مبد�أ االخت�صا�صات غير المتداخلة هدفه‬ ‫�ضرب الدين من جذوره‪ ،‬فهذا التطابق لي�س تطاب ًقا فكر ًيا و�إنما هو تطاب ٌق بهدف �إثبات وجهة‬ ‫نظر ال�شخ�ص ولو جدل ًيا‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫المغالطة العاشرة‪ :‬الكالم بنكه ٍة علمية‪:‬‬ ‫الملحدون الكبار هُ م ب�شكل �أو ب�آخر مقد�سون لدى الملحدين؛ لذا يدافع عنهم الملحدون‬ ‫ِ‬ ‫ويبرون �أفعالهم ب�شكل يذ ِّكرنا بموقف ال�شيوعيين من ِ�ستالين وحتى الم�سلمين ِمن بع�ض‬ ‫ال�شخ�صيات‪ ،‬ولكن الدفاع عن الملحدين الكبار ال يتم عن طريق تقدي�سهم‪ ،‬ولكن عن طريق‬ ‫�إ�ضفاء نكهة علمية ِلما يقولونه بمنا�سبة وغير منا�سبة‪ ،‬وبالتالي كل َمن يقف �ضدهم و�ضد‬ ‫�أفكارهم هو متخ ّلف �ضد ال ِعلم والتطور‪ ،‬على �سبيل المثال �أثير مو�ضو ٌع للجدال حول كالم �أحد‬ ‫العلماء الملحدين من قوانين الطبيعة م�صد ُرها الإن�سان ولي�س �أم ًرا ن�ش�أ مع الكون‪ ،‬وهو كالم‬ ‫غير علمي بالمرة رف�ضه �إجماع العلماء الفيزيائيين و�سنناق�شه بالتف�صيل الح ًقا‪ ،‬ولكن المهم‬ ‫في المو�ضوع �أن الملحدين تباروا للدفاع عن هذه المقولة باعتبارها �ضمن المنهج العلمي‬ ‫كلمات مبهرجة وتنا�سوا �أنهم بنقا�شهم هذا خالفوا‬ ‫و� َّأطروها ب�أنها فر�ضية! و�أد َلجوها �ضمن‬ ‫ٍ‬ ‫�سياقات و�ضعها الإن�سان في‬ ‫�إجما َع الفيزيائيين وجعلوا من القوانين الطبيعة الحاكمة مجر َد‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫اكت�شاف ما لم ُي َ‬ ‫كت�شفه منها‪.‬‬ ‫حين الواقع ي�ؤكد �أنها �سياقاتٌ يكت�شفها الإن�سان ويحاول‬ ‫َ‬ ‫و�سائل علمي ٍة وهو‬ ‫المالحظ �أن دفاعهم كان عن طريق �إ�ضفاء �صبغ ٍة علمية ولي�س با�ستخدام‬ ‫منهج خطير نالحظه كثي ًرا في نقا�شات �أتباع الإلحاد الجديد‪ ،‬مثال �آخر يذكره "�آنتوني فلو"‬ ‫في كتابه "هناك �إله" حيث يقول �إنه عندما �أعلن �إيمانه بوجود خالق عام ‪ 2004‬بعد �سنين‬ ‫وح�سب‪ ،‬اعت َر َ�ض عليه‬ ‫طويل ٍة من �إلحاده حيث ب َّين �أنه ال يعتقد ب�أن �أ�صل الحياة قد بد�أ بالمادة‬ ‫ْ‬ ‫المجالت‬ ‫يواكب �آخر التطورات العلمية في هذا المجال ولم يقر�أ‬ ‫ِ‬ ‫الكثيرون واتهموه ب�أنه لم ِ‬ ‫غير حية‪ ،‬يع ِّلق "انتوني فلو" على هذه‬ ‫العلمية التي تكلمت عن �إمكانية تو ّلد الحياة من موا َّد ِ‬ ‫‪31‬‬


‫االعترا�ضات بقوله �إنهم لم ينتبهوا لمغزى كالمي حيث لم يكن مغزى كالمي هذه النظرية‬ ‫�أو تلك النظرية‪ ،‬ولكن كان المغزى الأ�سا�سي هو الت�سا�ؤل ما معنى �أن يكون ال�شيء ح ًيا؟ وما‬ ‫عالقة الحياة بج�سم قائم على التفاعالت الكيميائية والجينات‪� ،‬أنا �أنظر للمو�ضوع ك ُكل ولي�س‬ ‫كتفا�صيل‪ .‬حيث نالحظ �أن الإجابة على فكرته كانت بعيدة كل البعد عن المغزى بالرغم من‬ ‫النكهة العلمية التي احتوتها‪.‬‬ ‫يجب �أن يكون الجدال من جن�س الأمر الذي يتم الجدال حوله بعيدً ا عن التفرعات واال�ستخدام‬ ‫الفج لبع�ض الأمثلة العلمية‪ ،‬عندما نتكلم عن الخالق فنحن نتكلم ب�شيء �أكبر بكثير من تف�صيل ٍة‬ ‫هنا �أو تف�صيل ٍة هناك‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫الفصل الثاني‬ ‫نظريات‬

‫ذات العالقة بمو�ضوع الكتاب يجب الت�أكيد على �أن‬ ‫ق ْب َل‬ ‫الدخول في مناق�شة بع�ض النظريات ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫بهدف علمي و�إنما مناق�شة النظرية فيما يتعلق بمو�ضوع الإلحاد والخا ِلق ولي�س‬ ‫عر�ضها لي�س ٍ‬ ‫طرحه من �أفكار حول النظريات �سيرف�ضه‬ ‫ِمن منظورها العلمي البحت‪،‬ومعظم ما �سيتم ُ‬ ‫�سبب مق ِنع وذلك لأنه وللأ�سف الكثير منهم تا ِب ٌع ويكرر ما يقر�أ في ُكتُب‬ ‫الملحدون بدون تقديم ٍ‬ ‫الملحدين‪ ،‬فكل معلوم ٍة غي ُر مكتوبة في هذه الكتب لن يعتبرها ذا قيم ٍة لأنه لم يفهم ال َ‬ ‫أ�صل‬ ‫العلمي للمو�ضوع ‪.‬‬

‫نظرية التطور‪:‬‬ ‫َ‬ ‫وعلم‬ ‫نظري ٌة علمية محت َرمة ت�صل �إلى مرحلة الجزم بال�صحة طبقا للأحفوريات‬ ‫المكت�شفة ِ‬ ‫الكائنات الحي َة تطورت عبر الزمن نتيج ًة‬ ‫وعلم الأحياء‪ ،‬حيث تقترح هذه النظري ُة �أن‬ ‫ِ‬ ‫الوراثة ِ‬ ‫لأمر ْين هُ ما االنتخاب الطبيعي‪ ،‬والطفرات الوراثية‪ ،‬وحتى نفهم النظري َة و�أبعا َدها ال ُبد من‬ ‫فهم هذ ْين الأمر ْين‪:‬‬ ‫‪33‬‬


‫االنتخاب (االنتقاء) الطبيعي‪ :‬ع َّب َر عنه ريت�شارد داوكنز في كتابه "�صانع ال�ساعات الأعمي"‬ ‫فت من ِق َبل داروين‪،‬‬ ‫الذي �أ َّل َفه عام ‪ 1986‬ب�أنه عمليات عمياء‪ ،‬غير واعية‪ ،‬و�أوتوماتيكية اكت ُِ�ش ْ‬ ‫االنتخاب الطبيعي‬ ‫اليوم �أنها التف�سير للوجود الهادف ظاهر ًيا لكل �أنواع الحياة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ونحن ندرك َ‬ ‫ؤ�شرات �أو‬ ‫ال هدف له فهو ال يملك عق ًال وال عي ًنا‪ ،‬وال يخطط للم�ستقبل‪ ،‬فهو ال يملك ر�ؤية �أو م� ٍ‬ ‫رغبنا في ت�شبيه دورِه بدور �صانع ال�ساعة فهو �صانع �ساع ٍة �أعمى‪.‬‬ ‫محددات‪ ،‬و�إذا ِ‬ ‫ُي�ست َفاد من تعريف ريت�شارد داوكنز �أمران مه ّمان هُ َما �أن داروين لم ي� ِأت بنظرية التطور كما هو‬ ‫ومالحظ ًة ق ْب َل داروين‪ ،‬و�إنما ما ابتدعه داروين كان �آلية‬ ‫م�شهور‪ ،‬و�إنما النظرية كانت موجود ًة‬ ‫َ‬ ‫التطور �أو لن ُقل عمودها الفقري وهو االنتخاب الطبيعي والذي ح َّول النظري َة من نظري ٍة علمية‬ ‫كبقية النظريات الموجودة في ال�ساحة �إلى نظري ٍة م�شهورة لأنها �أ�صبحت جز ًء من النقا�ش‬ ‫كتاب يتحدث عن الإلحاد‪.‬‬ ‫حول وجود الخالق من عدمه‪ ،‬ولهذا ال�سبب بالذات �أنا �أُدر ُِجها �ضمن ٍ‬ ‫االنتخاب الطبيعي �أعمى بال خط ٍة وبال هدف‪ ،‬ولكن الملحدين ي�صرون على‬ ‫الأمر الآخر �أن‬ ‫َ‬ ‫هدف وعمياء‪،‬‬ ‫�أنها عملية علمية غير ع�شوائية‪ ،‬يعني لي�ست �صدفة على الرغم من �أنها بال ٍ‬ ‫ولتو�ضيح عدم وجود �صدفة في المو�ضوع ب َّينَ ريت�شارد داوكنز �أنها عملية انتقائية تراكمية‪،‬‬ ‫بمعنى �أنه عندما يتم انتقا ُء �صف ِة معينة ِمن ِق َبل الطبيعة نتيجة لتالءم ال�صفة مع الطبيعة ف�إن‬ ‫هذه ال�صف َة تبقى‪ ،‬وبالتالي ال عودة �إلى نقطة البداية و�إنما يتم البناء على النتيجة الحالية‪،‬‬ ‫بناء على ذلك يتم ا�ستنتاج �أن ما و�صل �إليه ج�سم الإن�سان لي�س ع�شوائ ًيا وال �صدفة‪ ،‬و�إنما نتيجة‬ ‫عمليات ا�ستغرقت ماليين ال�سنين يعتمد �أحدُها على الآخر‪.‬‬ ‫خرج العملي َة بر َّم ِتها من دائرة ال�صدفة ولو اعتر�ض‬ ‫وطبعا هذا الكالم الإن�شائي الجميل ال ُي ِ‬ ‫بكالم �إن�شائي �شعائري‬ ‫مترجم ْ‬ ‫الملحدون‪ ،‬كما فعل البغدادي ِ‬ ‫"وهم الإله" في �أحد اليوتيوبات ٍ‬ ‫‪34‬‬


‫ليقول �إن ال�صدف َة ال تن ِتج �شي ًئا جمي ًال و�إن التطو َر لي�س �صدفة‪ ،‬وفي الحقيقة هو �صدف ٌة بحتة‬ ‫فالأجواء والبيئة والظروف على الأر�ض التي تنتقي وتنتخب ال�صف َة المالئمة جاءت بال�صدفة‪،‬‬ ‫وحتى ال�صفة المالئمة جاءت بال�صدفة‪ ،‬فال ملحد يقول �إن الأجوا َء والبيئة والظروف على‬ ‫وخ�صو�صا �إذا َع َرفنا �أن بع�ض الكائنات‬ ‫مخطط وبالتالي هي �صدفة‪،‬‬ ‫الأر�ض جاءت نتيجة‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫أ�صلح‬ ‫اندثرت ب�سبب الظروف الجوية الطارئة القا�سية‪ ،‬على الرغم من �أنها تملك‬ ‫ِ‬ ‫ال�صفات ال َ‬ ‫والأقوى حتى قيل البقاء للأوفر ً‬ ‫حظا ولي�س للأ�صلح‪.‬‬ ‫م�صمم‪ ،‬اعتماد كل مرحلة من‬ ‫واالنتخاب الطبيعي في حد ذاته �صدفة فلم ِ‬ ‫يوجده خال ٌق �أو ِّ‬ ‫�ارج نطاق ال�صدفة �أب��دً ا فهو ُو ِجد‬ ‫مراحل االنتخاب على المرحلة التي ت�سبقها ال يجعله خ� َ‬ ‫ٌ‬ ‫وجدت بال�صدفة وال�صفة القادمة التي �ستبنى على ال�صفات‬ ‫بال�صدفة وتحيط به‬ ‫ظروف ِ‬ ‫الموجودة �ستكون بال�صدفة � ً‬ ‫أي�ضا‪ ،‬وال بد من �إ�شار ٍة �إلى نقطة مهمة لم يذكرها �أحد لليوم‬ ‫ح�سبما �أعتقد‪ ،‬وهو �أن هناك عالقة متبادلة بين االنتخاب الطبيعي والبيئة المحيطة بمعنى‬ ‫ال�صفات بنا ًء على متطلبات‬ ‫�أن البيئ َة تحدد ال�صف َة الأقوى والأ�صلح‪ ،‬واالنتخاب الطبيعي يط ِّور‬ ‫ِ‬ ‫أنتج ما يتوافق مع البيئة ولي�س ب�سبب‬ ‫البيئة‪ ،‬فنتيجة لذلك يمكن القول �إن‬ ‫َ‬ ‫االنتخاب الأعمى � َ‬ ‫االنتخاب الع�شوائي الأعمى‬ ‫�أن البيئة مالئمة‪ ،‬وهذه نقط ٌة مهمة جدً ا تجعلنا نت�ساءل �إنْ كان‬ ‫ُ‬ ‫التراكمي حقيق ًة فلماذا لم يعمل في المريخ مثال؟‬ ‫خلل في ترتيب �أو ت�سل�سل ال�شفرة الوراثية التي هي عبارة عن‬ ‫الطفرات الوراثية‪ :‬عبار ٌة عن ٍ‬ ‫�صف طويل من الأحما�ض النووية‪ ،‬والطفر ُة �صدف ٌة مئة بالمائة كما ع َّبر ريت�شارد داوكنز في‬ ‫ٍ‬ ‫الطفرات ع�شوائية‪ ،‬بعك�س االنتخاب‬ ‫كتاب "�صانع ال�ساعات الأعمى" الف�صل الثاني بقوله "�إن‬ ‫ِ‬ ‫الطبيعي"‪ ،‬هناك كال ٌم كثير حول �إمكانية �أن ت�ؤدي الطفراتُ الوراثي ُة �إلى بزوغ �صفات �إيجابية‬ ‫‪35‬‬


‫نتائج كارثية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وخ�صو�صا �أن الم�شاهَ د والمالحظ من الطفرات �أن �أغلبها ي�ؤدي �إلى َ‬ ‫الخط�أ الكبير الذي يقع فيه الكثير ِمن الذين يناق�شون نظري َة التطور هو �أنهم يناق�شون التطو َر‬ ‫ذاتَه وهل َ‬ ‫أحفوريات (الهياكل العظمية) المكت َ​َ�شفة‬ ‫حدث �أو لم يحدث‪ ،‬في حقيقة الأمر ف�إن ال‬ ‫ِ‬ ‫�شكل‬ ‫تغيير في الكائنات الحية و�أ�شكالها ع ْب َر الزمن‪ ،‬وهذا ال يمكن �إنكا ُره ب�أي ٍ‬ ‫تدل على حدوث ٍ‬ ‫من الأ�شكال‪ ،‬والتطو ُر في حد ذا ِته ال يعار�ض الإيمان بوجود خالق‪ ،‬فالأمر الإلهي في القر�آن‬ ‫ي�ؤكد على ال�سير في الأر�ض ومعرف ِة كيف بد�أ الخلق‪ ،‬وبالتالي لي�س هناك جز ٌم في مو�ضوع‬ ‫الخلق ما ي�شاء‬ ‫الخلق لنقول �إن التطور يعار�ض القر�آن‪ ،‬بالعك�س القر�آن ي�ؤكد �أن اهلل يزيد في ِ‬ ‫ب�سطة في الج�سم بعد قوم نوح‪ ،‬وهكذا فالأمر في الحقيقة مفتو ٌح‬ ‫وي�ؤكد �أن الب�شرية ازدادت ْ‬ ‫وال ِعلم والدين ن�سبي في هذه الجزئية‪.‬‬ ‫لذا عند نقا�ش التطور ونتيجة لتحوله �إلى مو�ضوع خا�ص بالإلحاد والإيمان �أكثر منه مو�ضوع‬ ‫جناح ْي التطور‬ ‫تان ِ‬ ‫ال�ص ْد َف ِ‬ ‫اللتان تمثالن َ‬ ‫يم�س الإلحاد والإيمان وهما ُّ‬ ‫علمي‪ ،‬يجب �أن نناق�ش ما ّ‬ ‫الم�ؤدي �إلى الإلحاد وهُ َما الطفرات الوراثية واالنتخاب الطبيعي ولي�س التطور بحد ذاته‪ ،‬هذان‬ ‫ال�سبب الرئي�سي في انتقال الدينا�صور لي�صبح طي ًرا مث ًال‪� ،‬أو‬ ‫العامالن في نظر الملحدين هما‬ ‫َ‬ ‫كائن ال نعرفه عل ًما �أنه ال يوجد‬ ‫انحدار الإن�سان وال�شمبانزي من ال ِقردة الأُم‪ ،‬وال ِقردة الأُم ِمن ٍ‬ ‫لدينا � ُّأي ت�صو ٍر �أو دليل ح�سي تجريبي عن كيفية حدوث هذا االنتقال وال عن الفترة الزمنية‬ ‫ُ‬ ‫نوعا جديدً ا‪،‬‬ ‫التي ا�ستغرقها‪.‬‬ ‫والتعليل هو �أن االنتخاب الطبيعي ي�ستغرق ماليين ال�سنين لينتج ً‬ ‫كنتيجة لكل ما �سبق ف�إن االنتخاب الطبيعي يحل محل الخالق في نظر الملحد‪ ،‬فهو الم�سئول‬ ‫عن تطور الأنواع وظهور الإن�سان بريقه الحالي ومن حق الم�ؤمن �أن يعتر�ض ويقول �إن كان الأمر‬ ‫نوع راقٍ �أوحد وهو الإن�سان؟‬ ‫انتخا ًبا ع�شوائ ًيا بال م�صمم وال خالق فما هو ال�سبب في بروز ٍ‬ ‫‪36‬‬


‫وبالت�أكيد ال جواب على ذلك‪.‬‬ ‫االنتخاب الطبيعي هو الميكانيكية الوحيدة التي يمكن للعلم �أن يقبل بها لتف�سير الحياة‬ ‫فبالرغم من احتماليته المعدومة �إال �أنه الأكثر مقبولية في �ضوء المنهج العلمي من القول‬ ‫بوجود قوة ذكية م�صممة‪ ،‬وبالتالي لي�س �أمام العلم �إال �أن يتقبل فر�ضية االنتخاب الطبيعي‬ ‫مج َب ًرا ال ُمخي ًرا؛ �ألي�س كذلك؟ ولكن من �شاهد االنتخاب الطبيعي؟ من �شاهد انتقال نوع �إلى‬ ‫نوع �آخر باالنتخاب الطبيعي ولي�س بال�صناعي كما في بع�ض التجارب؟‬ ‫الجواب ال يوجد ولكن يبقى التعليل عن طريق االنتخاب الطبيعي بمجمله الأقرب للمنهج العلمي‬ ‫بكثير من القول بالت�صميم والخالق‪ ،‬بالنتيجة �أ�صبح وجود الإن�سان في �ضوء العلم ما هو �إال‬ ‫ُ‬ ‫القبول بوجود م�ص ِّم ٍم ال وجود له في‬ ‫�صدفة‪ ،‬لأنه �إذا تم ا�ستبعا ُد ال�صدفة ولو للحظه‪ ،‬ف�سيتم‬ ‫م�سرحا له‪.‬‬ ‫العا َلم المادي الذي يتخذه ال ِعلم‬ ‫ً‬ ‫االنتخاب الطبيعي والطفرات الوراثية غير مق ِن َع ْي ِن بالمرة لتطور الحياة على الأر�ض‪ ،‬ولكن‬ ‫ال ِعلم م�ضطر لقبولهما لحين �إيجاد �أو اكت�شاف نظرية "كل �شيء"‪ ،‬وهكذا تح َّول ال ِع ُلم ِمن‬ ‫وقد َيظن‬ ‫تجرب ٍة‬ ‫ورج ٍم بالغيب في انتظار نظرية "كل �شيء"‪ْ .‬‬ ‫َ‬ ‫ومالحظ ٍة وتدقيق �إلى �صدف ٍة ْ‬ ‫الملحد �أن عدم االقتناع بهذ ْين الجناح ْين نات ٌج عن االنحياز لفكرة وجود الخالق‪ ،‬ولكني‬ ‫اقتناعهم ب�إمكانية االنتخاب الطبيعي‬ ‫بب�ساطة �أُحيله �إلى بيان الـ ‪ 400‬عا ِلم الذين �أبدوا �صعوب َة‬ ‫ِ‬ ‫على �إنتاج الحياة المتطورة التي نراها‪ ،‬وطالبوا بالمزيد من البحث والتدقيق‪ ،‬ه�ؤال ِء العلما ُء‬ ‫الذين يحملون على الأقل �شهاد َة الدكتوراه في اخت�صا�صات بيولوجية �أو كيميائية �أو فيزيائية �أو‬ ‫ن�صه‪:‬‬ ‫ريا�ضية �أو هند�سية �أو غيرها من العلوم الطبيعة كتبوا ما ُّ‬ ‫‪37‬‬


‫"نحن ن�شكك في قدرة الطفرات الوراثية الع�شوائية واالنتخاب الطبيعي على �إنتاج التعقيد‬ ‫الحياتي الموجود‪ ،‬ون�شجع على المبا�شرة بفح�ص دقيق لأدلة الداروينية"‪.‬‬ ‫ويمكنك االطالع على ن�سخ ٍة محدثة من البيان باللغة الإنكليزية مع �أ�سما ِء العلماء واخت�صا�صاتهم‬ ‫في نهاية الكتاب‪ِ ،‬عل ًما ب�أن عدد العلماء المو ِّقعين في زيادة م�ستمرة‪ ،‬وقد نو ِق َ�ش هذا البيانُ في‬ ‫وب�شكل وا�ضح‬ ‫كتاب "الإله الفر�ضية الفا�شلة"‪ .‬ولكن كما هو وا�ضح ف�إن ه�ؤالء العلما َء ي�شككون‬ ‫ٍ‬ ‫جناح ْي التطور على �إنتاج التعقيد الحياتي الذي نراه ِمن حولنا‪ ،‬وهذا �أم ٌر طبيعي‬ ‫في قدرة َ‬ ‫ُ‬ ‫تبج ٍح فار ٍغ ال قيم ًة علمي ًة له‪.‬‬ ‫وفطري‬ ‫والقول بخالفه مجرد ُّ‬

‫تجربة ال ِبكتريا التطورية‪:‬‬ ‫ِمن الجيد �أن نذكر �إحدى �أهم التجارب التي غال ًبا ما ي�ؤكد عليها الملحدون في نقا�شاتهم عن‬ ‫�صحة االنتخاب الطبيعي والطفرات الوراثية في �إنتاج التنوع الحياتي‪ ،‬هذه التجربة تمت على‬ ‫نوع من �أنواع ِبكتيريا القولون وهي م�ستمرة منذ ال�شهر الثاني من عام ‪ 1988‬و�إلى اليوم في‬ ‫ظروف‬ ‫أجيال ِمن هذه ال ِبكتريا �ضمن‬ ‫ٍ‬ ‫جامعة مي�شيغان الأمريكية‪ ،‬يتم االختبار عن طريق و�ضع � ٍ‬ ‫مختلفة‪ ،‬وبالتالي ونتيج ًة لتكاثرها ال�سريع تَحدث تغييرات مختلفة نتيج ًة الختالف الظروف‪،‬‬ ‫وهذا دلي ٌل على �صحة االنتخاب الطبيعي‪ ،‬كذلك عندما تم � ُ‬ ‫بع�ض الطفرات الوراثية‬ ‫إحداث ِ‬ ‫ال�صناعية لوحظ �أنها ت�ؤدي �إلى تغييرات مختلفة وهذا دلي ٌل على �صحة الطفرات الوراثية في‬ ‫أجيال مختلفة‪ ،‬على العموم هناك الكثير من االنتقادات وخ�صو�صا �أن بع�ض الطفرات‬ ‫�إنتاج � ٍ‬ ‫ت�شوهات ويمكن للباحث التو�سع‪.‬‬ ‫أفرزت‬ ‫� ْ‬ ‫ٍ‬ ‫‪38‬‬


‫و�إن مقارنة بكتيريا يتم التالعب بها مختبريا تحت ت�أثير ومتابعة العن�صر الواعي الفعال‬ ‫(الإن�سان) بالحياة على الأر�ض ومحاولة جعل التعقيد الكبير والدقيق الموجود في الإن�سان‬ ‫َ‬ ‫وخ�صو�صا �أن ال ِبكتريا‬ ‫الجد‪،‬‬ ‫مثال م�شابها ِلما يحدث لبكتريا ب�سيطة �أم ٌر ال يمكن حم ُله‬ ‫محمل ِ‬ ‫ً‬ ‫نوع جديد و�إنما مجرد تغييرات طفيفة كتحول لون ب�شرة الإن�سان نتيج ًة لتعر�ضه‬ ‫لم تتحول �إلى ٍ‬ ‫العن�صر الواعي الفعال في توجيه التجربة‪ ،‬وهنا يمكننا الت�سا�ؤل �إن‬ ‫لل�شم�س‪ ،‬وال نن�سى دو َر‬ ‫ِ‬ ‫كانت تجربة البكتريا الب�سيطة احتاجت �إلى العن�صر الواعي الفعال فلماذا ننكر وجو َده في‬ ‫الحياة المعقدة والمق�صود به الم�ص ِّمم الخالق ونفتر�ض �أن كل ما حدث كان �صدفة؟‬ ‫�شر َف على التجربة"ريت�شارد لين�سكي" وكان بيننا الحوا ُر التالي‪:‬‬ ‫را�سلتُ ال ُم ِ‬ ‫قمت بها �أن التطو َر حقيقة؟‬ ‫السؤال األول‪ :‬هل تث ِبت التجرب ُة التي َ‬ ‫الجواب‪ :‬لقد ر�أينا التطو َر َيحدث في هذه التجربة‪ ،‬لذلك نعم‪ ،‬التجرب ُة تث ِبت �أن التطور من‬ ‫الممكن �أن َ‬ ‫حدث فع ًال (بالإ�ضافة �إلى هذه التجربة هناك تجار ب�أخرى وم�شاهدات‬ ‫يحدث وقد َ‬ ‫ت�ؤكد على التطور)‬ ‫السؤال الثاني‪:‬هل تثبت هذه التجربة �أن الحياة تطورت من خلي ٍة �أولية واحدة؟‬ ‫الجواب‪ :‬كال‪ ،‬التجربة ال تتناول التطور التاريخي‪� ،‬إنها بخ�صو�ص مراحل التطور الآنية التي‬ ‫يمكن م�شاهد ُتها‪ ،‬فالتطور التاريخي يمكن االطالع على �أدل ِته من خالل الأحفوريات والدرا�سات‬ ‫دت قبل الأحياء الأكثر تعقيدً ا‪.‬‬ ‫وج ْ‬ ‫المقارنة التي تدل على �أن الأحياء الب�سيط َة ِ‬ ‫السؤال الثالث‪ :‬هل تقودُنا هذه التجربة �إلى االعتقاد بعا َل ٍم بدون خا ِلق؟‬ ‫الجواب‪ :‬ال ِعلم يوفر �أدل ًة حول العا َلم الطبيعي و�أدواته‪� ،‬إن الأمر عائ ٌد لك ولنظرتك ال�شخ�صية‬ ‫‪39‬‬


‫للأمور‪ ،‬بما في ذلك الخالق‪ ،‬حيث �إن��ك يمكن �أن تق ِّيم الأدل � َة العلمية والإيمانية‪"-‬انتهى‬ ‫الحوار"‪-‬‬ ‫وك ُمح�صل ٍة نهائية لمو�ضوع التطور ف�إن الم�ؤمنَ لي�س ِمن المفرو�ض �أن تكون له �أي ُة م�شكل ٍة مع‬ ‫اقتراحها ك�آلي ٍة لعمل التطور‪ ،‬واالعتقاد بوجود‬ ‫التطور‪ ،‬ولكن لدينا م�شكلة مع ال�صدفة التي تم‬ ‫ُ‬ ‫حال من الأحوال �أن يكون الخ ْلق جاء في مرحلة واحدة‪ ،‬فالقر�آن‬ ‫م�صمم ال يعني ب�أي ِة ٍ‬ ‫خالق ِّ‬ ‫َ‬ ‫المراحل‬ ‫آدم فمِ ن بين َمن تم ا�صطفا�ؤه؟ وكذا القر�آن نف�سه يثبت‬ ‫مثال يثبت ا�صطفا َء ِ‬ ‫�سيدنا � َ‬ ‫المختلف َة للخلق ولكن بدون تف�صيل و�إنما �أَ َمرنا بال�سير في الأر�ض والنظر كيف بد�أ الخلق‪،‬‬ ‫وبالتالي فالباب مفتوح على م�صراعيه �أمام الم�س ِلم للبحث والتدقيق واالطالع على عمليات‬ ‫بد ِء الخلق‪.‬‬

‫االنفجار الكبير‬ ‫ب�سيط جدً ا وهو �أن ال�سيد "�أدوين هوبل" َ‬ ‫اكت�ش َف في‬ ‫نيت على �أ�سا�س ٍ‬ ‫نظري ٌة علمية محت َرمة ُب ْ‬ ‫الثالثينيات �أو الع�شرينات من القرن الما�ضي �أن الكون يتو�سع‪ ،‬بما معناه �أن الم�ساف َة بين‬ ‫اليوم هي �أكب ُر ِمن الم�سافة ق ْب َل يوم ْين‪ ،‬وق ْب َل يوم ْين �أكب َر منها قبل �أ�سبوع ْين‬ ‫ج�سم ْين في الكون َ‬ ‫وهكذا‪ ،‬وبالتالي �إذا �أمكننا معرفة ال�سرعة التي يتو�سع بها الكون ومعرفة �أبعد نقطة في الكون‬ ‫ وبما �أن ال�سرعة هي الم�سافة على الزمن‪ -‬ف�سنتمكنُ وبب�ساط ٍة من معرفة الزمن الذي كان‬‫فهمت "االنفجار‬ ‫فيه الكونُ كل الكون في نقطة واحدة‪ .‬انتهى المو�ضوع و�أتمنى �أن تكون قد َ‬ ‫الكبير" بهذه ال ُ‬ ‫أ�سطر‪ ،‬فنحن لم نرجع �إلى ‪ 14‬مليار �سنة لنكت�شف كيف حدث االنفجار وال‬ ‫‪40‬‬


‫�سبيل للت�أكد من حدو ِثه �أ�ص ًال‪.‬‬ ‫ولمزيد من التف�صيل ال ُبد من الإ�شارة �إلى �أن ال�سيد �أدوين هوبل �أتى وطبقا لم�شاهداته بقانون‬ ‫ٍ‬ ‫لقيا�س ال�سرعة‪ ،‬وهذا القانون يعتمد على الم�سافة‪ ،‬حيث كلما زادت الم�سافة زادت ال�سرعة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫�ضرب الم�سافة في "ثابت هوبل" الذي اختلفت قيمتُه اليوم كثي ًرا عن‬ ‫وال�سرعة تكون‬ ‫حا�صل ِ‬ ‫قيم ِته �أيام هوبل لوجود خط�أ في ح�سابا ِته‪ ،‬المهم �أ�صبح لدينا معادلة فيها عن�صرين هما‬ ‫ال�سرعة والم�سافة‪.‬‬ ‫�إذن �إذا تمكنا بطريقة �أو ب�أخرى من معرفة �أبعاد الكون المنظور وهذا ما ح�صل ( وقد تتغير‬ ‫م�سافة الكون المنظور في �أي لحظة) �سنتمكن من الح�صول على ال�سرعة وبما �أن ال�سرعة هي‬ ‫الم�سافة على الزمن ف�أ�صبح الح�صول على الزمن �أم ًرا من �أب�سط ما يكون‪ ،‬وبهذه الب�ساطة‬ ‫ح�صلنا على عمر الكون الذي هو تقريبا ‪ 14‬بليون �سنة‪ ،‬طب ًعا هناك بع�ض الفر�ضيات التي ال‬ ‫يمكن الت�أكد من �صحتها بالمطلق والتي قد تغ ِّير مفاهي َمنا في �أي لحظة مثل �أبعد نقطة م�شاهَ دة‬ ‫في الكون المنظور والتي تم اعتمادُها في ح�ساب عمر الكون بناء على قوة التلي�سكوبات قد‬ ‫تتغير بزيادة قوة التل�سكوبات ‪ ..‬وهكذا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قول بع�ض‬ ‫خالل ِ‬ ‫القرن الما�ضي حدث تغيي ٌر كبير جدً ا في نظرتنا للكون‪ ،‬وهذا يثبت بطالنَ ِ‬ ‫النظريات تتطور وال تتغير عندما يتم انتقادهم لبنائهم الكثير من الآراء على‬ ‫الملحدين �أن‬ ‫ِ‬ ‫النظريات والأفكا َر العلمي َة التي‬ ‫نظريات قد تتغير في �أي نقطة‪ ،‬الواقع يثبت العك�س‪ ،‬و�إن‬ ‫ِ‬ ‫يعتنقها ال ِعلم لفترة من الفترات قد ت�صبح �أُكذوب ًة وماد ًة للمزاح وال�ضحك للفترة التي تليها‪،‬‬ ‫فمثال في عام ‪ 1925‬كان ال�سائ ُد بين العلماء �أن الكون يتكون من مجر ٍة واحدة فقط موجود ٍة‬ ‫عدد كبير جدً ا من المجرات و�أن‬ ‫منذ الأزل وباقية �إلى الأزل‪� ،‬أ ّما اليوم فيعتقد ال ِعلم في وجود ٍ‬ ‫‪41‬‬


‫ؤوالن ِ �إلى‬ ‫هذا العدد الكبير بد�أ باالنفجار الكبير‪� ،‬أي له بداية محددة ومجر ُتنا والكون �سي� ِ‬ ‫النهاية في يوم من الأيام‪ ،‬نالحظ اختال ًفا كبي ًرا جدً ا لنظرة العلم حول المو�ضوع‪ ،‬ولكن نظرية‬ ‫االنفجار الكبير و�ضعت الملحدين في م�شكلة وجود بداية‪ ،‬وهذه البداية كما هو حال التطور هل‬ ‫م�صمم؟ وما هو ال�سبب؟‬ ‫هي �صدفة �أم هناك ِّ‬ ‫بالنتيجة ال ِعلم يقودنا �إلى خيا ٍر من اثن ْين �إ ّما ال�صدفة و�إ ّما الم�ص ِّمم‪ ،‬وهنا تبقى الق�ضي ُة وجه َة‬ ‫نف�سه �ضمن المنهج العقلي ال المنهج الح�سي‪ ،‬طب ًعا للهروب من هذه الم�شكلة‬ ‫نظر ال�شخ�ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫اليوم لدينا نظري ٌة جديدة وهي نظرية الأكوان المتعددة التي تقترح �أن كوننا الحالي قد �أتى ِمن‬ ‫نيت على‬ ‫كون �آخ َر وهكذا فلم يكن هناك كو ٌن ِمن ال �شيء و�إنما ِمن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كون �آخر‪ ،‬هذه النظرياتُ ُب ْ‬ ‫تجارب مختبري ٍة �أو م�شاهدات وبالتالي ال يمكننا فع ًال الت�أكد‬ ‫�أمو ٍر ريا�ضية بحتة ولم ُت ْبنَ على‬ ‫َ‬ ‫أكوان متعددة‪.‬‬ ‫من وجود � ٍ‬ ‫قابلت م�ؤ ِّلف كتاب " َكون ِمن ال �شيء" العا ِلم الفيزيائي المتوا�ضع لوران�س كراو�س في �إحدى‬ ‫وحدثت بيننا المرا�سلة الآتية‪:‬‬ ‫الم�ؤتمرات الإلحادية في �أمريكا‬ ‫ْ‬ ‫السؤال األول‪ :‬نحن ال ن�ستطيع اختبا َر النظريات في المختبرات وال م�شاهدتَها في الطبيعة‪،‬‬ ‫ولكنها في نف�س الوقت ال تخالف قوانين الفيزياء ولأجل ذلك نعتبرها حقيقة‪ .‬هل هذا �صحيح؟‬ ‫الجواب‪ :‬النظرياتُ لي�ست حقيق َة‪ ،‬بب�ساط ٍة هي لي�ست خط�أ ولكنها �إن توافقت مع الم�شاهدات‬ ‫فيمكننا �أن نعتبرها جز ًء من الحقيقة‪ ،‬ولكن لي�س كل الحقيقة ‪.‬‬ ‫السؤال الثاني‪ :‬هل يمكن �أن نقول �إن الكون وقوانين الطبيعة الحاكمة كالهما ن�ش�آ معا‬ ‫بال�صدفة؟‬ ‫‪42‬‬


‫الجواب‪� :‬إنها تبدو كذلك بالت�أكيد‪.‬‬ ‫السؤال الثالث‪� :‬أعتقد �أن هناك طريق ْين لتف�سير ن�ش�أة الكون والقوانين الطبيعية الحاكمة‬ ‫وهُ َما ال�صدفة �أو الخالق‪ ،‬هل هذا �صحيح؟‬ ‫الجواب‪ :‬بالطبع‪ ،‬ال�شخ�ص لن ي�ستطيع �أن يعرف حتى يج ِّرب ويح�صل على نظرية جيدة‪ ،‬من‬ ‫المحت َمل �أن قوانين الطبيعة تتطلب كو ًنا م�شاب ًها لكوننا‪.‬‬ ‫السؤال الرابع‪ :‬عندما يتكلم العا ِلم عن الإله ف�إنه يتكلم عن نظرته ال�شخ�صية للإله‪ ،‬وعندما‬ ‫دين مع ّين ف�إنه يتكلم عن م�شاهدا ِته والثقافة الدينية المتبعة في محيطه‪،‬‬ ‫يتكلم العا ِلم عن ٍ‬ ‫وعندما يتكلم العا ِلم عن اخت�صا�صه العلمي ف�إنه يتكلم عن حقائقَ ‪ ،‬هل هذا �صحيح؟‬ ‫الجواب‪� :‬أنا ال �أ�ستطيع �أن �أقول ماذا يق�صد العلما ُء الآخرون عندما يتكلمون عن الخالق �أو عن‬ ‫دين مع ّين‪ ،‬عندما يتكلم العلما ُء عن �أمو ٍر خارج اخت�صا�صهم العلمي ف�إنهم يتكلمون ِمن نف�س‬ ‫ٍ‬ ‫المنط َلق الذي يتكلم به بقية النا�س عن هذه الأمور‪،‬بدون �أية �إ�ضافات خا�ص ٍة ب�سبب طبيعتهم‪،‬‬ ‫العلما ُء لهم خبر ٌة في مجال العا َلم الطبيعي �ضمن اخت�صا�صهم‪ ،‬هذا كل ما هنالك‪.‬‬ ‫السؤال الخامس‪ :‬ال ِعلم يجيب عن �س�ؤال "كيف"‪ ،‬والدينُ يدعي �أنه يجيب عن �س�ؤال ً‬ ‫"لماذا‪،‬‬ ‫اخت�صا�صات غي َر متداخلة؟ طبيعة �أن ال ِعلم َ‬ ‫دح�ض بع�ض الخرافات‬ ‫هل هذا يجعل ال ِع َلم‬ ‫ٍ‬ ‫الثقافية �أو الدينية‪ ،‬ولكن �أنا هنا �أتكلم عن فكرة الخالق بالتحديد‪.‬‬ ‫الجواب‪ :‬الدين ال يجيب عن �س�ؤال ً‬ ‫"لماذا‪ ،‬الدين و َّف َر الإجاب َة قبل حتى �أن يتم الت�سا�ؤل‪.‬‬ ‫السؤال السادس‪ :‬الدين في عيون الأوروبيين يختلف عن الدين في عيون الأمريكان ب�سبب دور‬ ‫الدين في �أوروبا مختلف عن دوره في �أمريكا‪ ،‬لذلك معظم العلماء المالحدة من �أوروبا‪ .‬ماذا‬ ‫‪43‬‬


‫تعتقد؟‬ ‫الجواب‪ :‬بالت�أكيد �أوروبا �أكثر ابتعادًا عن الدين في الوقت الحالي‪ ،‬ولكنَّ الالجئين الم�سلمين‬ ‫يغيرون ذلك‪.‬‬ ‫بني على ال�سبب والم�س ِّبب‪ ،‬لماذا عندما ن�صل �إلى الكون‬ ‫السؤال السابع‪ :‬كل �شيء في حياتنا َم ٌّ‬ ‫وقوانين الطبيعية نرت�ضي ب�أنها مجرد �صدفة و�أن ال �سبب وراءها؟ هل هذا يجعل الملحدين‬ ‫مجرد م�ؤمنين بعدم وجود خالق ب�سبب رف�ضهم لل�سببية في هذا المو�ضوع؟‬ ‫الجواب‪ :‬االدعا ُء ب�أن ال�سببية والتفكي َر المنطقي والم�شاهدة تمكننا من ف ْه ِم العا َلم لي�س مثل‬ ‫االدعاء ب�أن هناك هدف �أو غاية للكون‪.‬‬ ‫ت�صورات مبني ًة على فهمنا الحالي و�أدوات�ن��ا الحالية‬ ‫السؤال الثامن‪ :‬الفر�ضيات تعطينا‬ ‫ٍ‬ ‫واكت�شافاتنا الحالية‪ ،‬بمعنى �أننا ال ن�ستطيع َ‬ ‫تماما هو ما حدث لأننا ال ن�ستطيع‬ ‫القول �إن هذا ً‬ ‫�أن نجزم ب�أن التجربة تماثل الواقع‪� ،‬أي �أنه ال�سيناريو الأف�ضل ولي�س ما حدث فع ًال‪ ،‬هل هذا‬ ‫�صحيح؟‬ ‫أحداث‬ ‫الجواب‪ :‬هذا �صحيح في كل العلوم‪ ،‬حتى في العلوم المختبرية‪ ،‬نحن نختبر تف�سيرا ِتنا ل ٍ‬ ‫أحداث م�ستق َبلية‪ ،‬حيث نتنب�أ بالنتائج لأحداث‬ ‫�سابقة عن طريق عمل ت�صورات (تنب�ؤات) ل ٍ‬ ‫لم تحدثْ كاختبا ٍر لهذه الفر�ضيات‪ ،‬وبنا ًء على ذلك تعتبر نظرية االنفجار الكبير من �أف�ضل‬ ‫النظريات المختب َرة في الفيزياء‪ ...‬انتهى‬

‫‪44‬‬


‫تعقيب‪:‬‬ ‫كرها كما هي‪.‬‬ ‫بع�ض الأجوبة ال عالقة لها بال�س�ؤال‪ ،‬ولكن للأمانة ال ُبد ِمن ِذ ِ‬

‫ال ِعلم والدين‬ ‫وب�شكل‬ ‫نظري ُة االنفجار الكبير والتطور ال يتعار�ضان مع فكرة وجود الخالق‪ ،‬نعم ال ِعلم يتعار�ض‬ ‫ٍ‬ ‫حازم مع بع�ض الخرافات التي لحقت بالدين‪ ،‬مث ًال في العهد القديم يمكن ا�ستخراج �أن‬ ‫والمكت�شفات العلمي َة‪ ،‬ونعم يتعار�ض ال ِع ُلم مع الكثير من‬ ‫عمر الأر�ض �صغي ٌر جدً ا ال يتنا�سب‬ ‫ِ‬ ‫التف�سيرات التي ال تتالءم مع العرف والمنطق للقر�آن الكريم‪ ،‬مث ًال اعتبار ال�ستة �أيام التي‬ ‫ُ‬ ‫مقيا�سا مختل ًفا لليوم‬ ‫أيام ِمن �أيامنا في حين �أن القر�آن يعطي‬ ‫ً‬ ‫�أن�ش�أ اهلل فيها الكونَ هي �ست ُة � ٍ‬ ‫ق�صد به حقب َة زمنية‪ ،‬ال ِعلم ِّ‬ ‫ي�شذب ف ْه َمنا لآيات‬ ‫الإلهي عن اليوم الإن�ساني‪ ،‬وبالتالي فاليوم ُي َ‬ ‫لرج ِل الدين �أن‬ ‫اهلل المت�شابهات ويو�ضح الأخطا َء التي وقع فيها المف�سرون ال�سابقون‪ ،‬ال يجوز ُ‬ ‫حديث َمر ِو ٍي عن فالن‬ ‫يقول �شيئا مخا ِلفا للعلم اليقيني؛ لأنه يتعار�ض مع تف�سير فالن �أو مع ٍ‬ ‫عن فالن عن فالن عن ر�سول اهلل‪ ،‬فال ُبد من �أن يكون الخلل في ن�سيان فالن �أو فالن �أو فالن‬ ‫وخ�صو�صا �إذا كان غي َر م�س َن ٍد قر�آنيا‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫َ‬ ‫اعتر�ض‬ ‫في نف�س الوقت نعتر�ض على تحميل ال ِعلم الن�سبي �أكثر مما يتحمل‪ ،‬ونعم نعتر�ض مثلما‬ ‫العلما ُء الـ ‪ 400‬وغيرهم على دور ال�صدفة في �إنتاج الحياة المعقدة لأن الق�ضي َة �أكب ُر بكثير من‬ ‫التطور واالنفجار الكبير‪ ،‬الأمر يتعلق بالأ�سباب التي �أوجدت التطو َر واالنفجار الكبير‪ ،‬ال ِعلم‬ ‫أ�سباب وال التعليل‪ ،‬و�إنما كل ما يمكنه القيام به هو التف�سير الظني (ال ِعلم ِن�سبي)‬ ‫ال يعطينا ال َ‬ ‫هاتان النظريتان �إلى ِع ٍلم يقيني فال يعني ذلك عدم الحاجة �إلى‬ ‫ِلما َ‬ ‫حدث‪ ،‬وحتى لو تحولت ِ‬ ‫وجود خالق فكما ُقلنا �إن �أق�صى ما يمكن لل ِعلم �أن يب َّي َنه لنا هو "كيف حدث الأمر"ولكن لي�س‬ ‫"لماذا حدث الأمر"‪� ،‬إذن �سيبقى الم�ؤمن ي�س�أل لماذا حدث؟ والجواب �سيبقى الم�س ِّبب الأول‬ ‫وهو الخالق‪.‬‬ ‫خالق تتجاوز م�س�ألت َْي التطور واالنفجار الكبير �إلى م�س�ألة‬ ‫الأهم من كل هذا �أن الحاج َة �إلى ٍ‬ ‫القوانين الحاكمة و�أ�صل الحياة‪� ،‬أ ّما القوانين الحاكمة ف�إن �إعجا َزها يتجاوز م�س�أل َة وجو ِدها‬ ‫كقوانين تحكم الكونَ من �أق�صاه �إلى �أق�صاه �إلى م�س�ألة خ�صائ�ص هذه القوانين من حيث‬ ‫تال�ؤمها مع بع�ضها البع�ض وعالميتها‪ ،‬حيث نجدها حيثما ي�صل �إليه �إدرا ُكنا ووع ُينا و�أدواتنا‬ ‫و�أخيرا تعا�ضدها مع بع�ضها البع�ض في �إن�شاء الكون الذي نعي�ش به‪� ،‬أ ّما �أ�صل الحياة فنظرية‬ ‫التطور ال تتطرق �إليه من الأ�صل وال ت�شرح لنا كيفية تك ّو ِن الخلي ِة الأولى‪ ،‬و�إنما تقت�صر على مد ٍة‬ ‫زمنية ق�صيرة من حياة الكون والإن�سان‪.‬‬

‫التصميم الذكي أم التصميم الفعال؟‬ ‫ببرهان النظم البرهان القائل ب�ضرورة �أن‬ ‫الت�صميم الذكي هو م�س َّم ًى جديد ِلما ُيع َرف تاريخ ًيا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫يكون للأر�ض وال�سماء والإن�سان والكائنات خالق وال يمكن �أن يكون وجود الوجود مجرد �صدفة‬ ‫والم�شاهدات العابرة‬ ‫عابرة‪ ،‬يح�سب الت�صميم الذكي بن�سخته الحالية �أنه لم يعتمد الفل�سف َة‬ ‫ِ‬ ‫‪46‬‬


‫أدوات علمية من خالل الوقوف على تعقيد بع�ض الم�شاهدات و�إثبات �أنها ال‬ ‫و�إنما ا�ستند على � ٍ‬ ‫يمكن �أن تكون مح�ض �صدفة (االنتخاب الطبيعي �أو الطفرات الع�شوائية) وبالتالي ُيعزَ ى هذا‬ ‫الت�صميم الذكي ال يعتمد ال ُكت َُب الديني َة لإثبات‬ ‫التعقيد �إلى ق َوىً ذكي ٍة عاقلة وهي الإله الخالق‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ادعاءه‪ ،‬ولكن في نف�س الوقت ال يمكن اعتباره ماد ًة علمية يمكن �أن ُتد َّر�س في درو�س العلوم‬ ‫ب�سبب �أنه ال يقدم تف�سيرات تقع �ضمن نطاق المنهج العلمي الذي افتر�ض حدودًا للتفكير بما‬ ‫يمكن �أن ت�صل له �أدواتنا الحالية‪.‬‬ ‫االنتقا�ص منها‬ ‫الملحدون‬ ‫ِمن احتجاجات المعتقدون بالت�صميم الذكي‪ ،‬العين الب�شرية (يحاول ِ‬ ‫َ‬ ‫العين وموق ُعها المهم والحماية المتوفرة لها من الجانب عن‬ ‫كما �سنناق�ش الح ًقا)‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ت�صميم ِ‬ ‫و�سائد �شحمي ٍة المت�صا�ص ال�صدمات‪،‬‬ ‫عين مع‬ ‫َ‬ ‫طريق التجويف العظمي الذي ت�ستقر فيه كل ٍ‬ ‫ب�شكل �إرادي وال �إرادي لحمايتها وترطيبها‪ ،‬وتفا�صيل العين‬ ‫ِومن الأمام الجفون التي تعمل ٍ‬ ‫التعقيد الموجود‪ِ ،‬من �أجزاء العين ال�شبكية التي تغطي ُث ُل َثي‬ ‫حجم‬ ‫ِ‬ ‫الدقيقة التي تك�شف لنا َ‬ ‫كر ِة العين ِمن الداخل وهي الجزء الح�سي من العين الذي يحتوي على م�ستق ِبالت ال�ضوء‪،‬‬ ‫وال َقرنية الطبقة ال�شفافة التي ت�ستقبل ال�ضو َء‪ ،‬والعد�سة التي تعمل على تركيز ال�ضوء و�إ�سقاطه‬ ‫على ال�شبكية وتت�صل بها الع�ضالتُ ال ُه ْدبية والم�شيمية وهي الطبقة الغن ّية بالأوعية الدموية‬ ‫الم�سئولة عن تغذية العين وتوفير الأوك�سجين لها‪ ،‬وغيرها من عجائب التعقيد الموجود في‬ ‫العين ‪ ..‬حيث يجا ِدل الم�ؤمنون بنظرية الت�صميم الذكي في �أن �أجزاء العين ال يمكن �أن تكون‬ ‫أحدها مك ِّم ٌل للآخر‪.‬‬ ‫تطورت لأن � َ‬ ‫ب�شكل متوازٍ وك�أنه كان هناك ت�صمي ٌم ليقوم كل جزءٍ بدو ٍر محدد‪،‬‬ ‫وبتعبير �آخ َر �إن بنا َءها تم ٍ‬ ‫الملح ُد على هذا الكالم ب�أن الم�ص ِّمم‬ ‫وهذا ال يمكن �أن يكون تطو ًرا و�إنما هو ت�صميم‪ ،‬يجيب ِ‬ ‫‪47‬‬


‫يحتاج �إلى دليل! وهنا نقع في الفخ الأكبر‪ ،‬لأن الدليل الذي يطا ِلب به الملحد هو دلي ٌل مادي‬ ‫مبا�شر ويجب الت�أكيد على كلمة "مبا�شر" فهو يرف�ض الأدل َة الدال َة على الم�ص ِّمم كالت�صميم‬ ‫خارج حدو ِد الزمان‬ ‫نف�سه‪ ،‬ولن ينفع القول �إن‬ ‫نف�سه‪ ،‬و�إنما يريد �أن يرى‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الم�صمم َ‬ ‫الم�صم َم َ‬ ‫والمكان والمادة‪.‬‬ ‫ولتقريب الكالم ن�ضرب الم َث َل الآتي والأمثال ُت�ض َرب وال تقا�س‪ ،‬عندما تحد ُ​ُث �سرق ٌة فنحن‬ ‫كاف جدً ا على وجود‬ ‫ن�ستدل على وجود �سارق نتيج ًة مث ًال لفقدان بع�ض الحاجيات وهذا الدليل ٍ‬ ‫�سارق‪ ،‬ولكن في حالة الملحد ف�إنه يقول �أحتاج �إلى ر�ؤية ال�سارق لأت�أكد ِمن وجو ِده‪.‬‬ ‫وعند محاكمة نظرية الت�صميم الذكي علم ًيا ف�إنها تف�شل لي�س ل�ضعف الأدلة ولكن لعدم موافقة‬ ‫نتائج الت�صميم الذكي المقت َرحة لقوانين المنهج العلمي التي تتعامل مع الواقع المادي ح�ص ًرا‪،‬‬ ‫إجراءات‬ ‫بعبار ٍة �أخرى يتم رف�ض الدعوى لي�س لكذب الم َّدعي �أو لف�ساد �أدل ِته ولكن لأنه لم ي َّت ِبع ال‬ ‫ِ‬ ‫القانوني َة في رفع الدعوى‪ ،‬وهذه نقط ٌة ح�سا�س ٌة يجب ف ْه ُمها لكل َمن يريد �أن يفهم كيف يعمل‬ ‫المنهج العلمي ب�شكل �إق�صائي مع كل الأفكار التي ال تتبع م�سا َره‪.‬‬ ‫كاف‬ ‫رف�ض الت�صميم الذكي لمجرد �أنه ال ُيلبي متطلبات المنهج العلمي قد ال يكون �سبب ٍ‬ ‫�صاح ُب كتاب "الإله الفر�ضية الفا�شلة" قال �إن الكثير من العلماء يعتر�ضون على‬ ‫لرف�ضه‪ ،‬لذا ِ‬ ‫الدور الكبير الذي تعطيه نظرية التطور لالنتخاب الطبيعي والطفرات الع�شوائية‪ ،‬وقد غفلوا‬ ‫م�صمم‪.‬‬ ‫عن التنظيم الذاتي والذي هو يعمل عمل الت�صميم ولكنه ذاتي بدون الحاجة �إلى ِّ‬ ‫قوله هذا لتقليل من م�أزق الت�صميم الذكي حيث حاول �أن ي�ستبدله بالتنظيم الذاتي‪ ،‬ولأجل‬ ‫هذا �أعطانا مث ًال ً‬ ‫ب�سيطا ال يرقى ِلما نتكلم عنه من تعقيد لتجربة تمت تحت �سيطرة كاملة‬ ‫‪48‬‬


‫من العن�صر الواعي الفعال وبا�ستخدام الحا�سوب‪ ،‬يعطي الم�ؤلف للتنظيم الذاتي دو ًرا كبي ًرا‬ ‫وخ�صو�صا في م�س�ألة بدء الحياة حتى ليقول �إن دوره يكفي لإبعاد الخالق عن ال�صورة ولكن‬ ‫ً‬ ‫ما الدليل على �صحة فري�ضة التنظيم الذاتي �أكثر من تجربة الحا�سوب؟ هذا مثال لهروب‬ ‫الملحدين من الحقائق على �أ�سا�س جدلي لغوي بنكهة علمية‪.‬‬ ‫ِمن ال َمخارج الأخرى التي �أوجدها الملحدون لم�س�ألة الت�صميم الذكي وعدم �إمكانية ن�شوء‬ ‫ح�س َب علمي هو الدكتور "فرن�سي�س‬ ‫الحياة بال�صدفة هي الكائنات الف�ضائية و�أول َمن قال بها ْ‬ ‫كريك" الحائز على جائزة نوبل نتيج ًة الكت�شافه جزيء الـ "دي �إن �آي ‪ -‬ال�شفرة الوراثية"‪،‬‬ ‫نوع من الكائنات الف�ضائية‬ ‫هذا العا ِلم عندما �شاهد دق َة ت�صميم ال�شفرة الوراثية اقتنع بوجود ٍ‬ ‫التي زرعت هذه ال�شفر َة على الأر�ض‪ ،‬حيث ا�ضطر لهذا التف�سير لأنه بديه ًيا ال يمكن �أن نعتقد‬ ‫ب�إمكانية تك ِّو ِن جزيء الدي �أن �أي بال�صدفة‪.‬‬ ‫"وهم الإله" لريت�شارد داوكنز نجد �إ�شارت ْي ِن وا�ضحت ْين على اعتقاد ريت�شارد بذلك‬ ‫في كتاب ْ‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا بالرغم من نفيه ذلك في �أحد الم�ؤتمرات بعد ظهوره في فيديو له يتكلم فيه عن الكائنات‬ ‫الف�ضائية‪ ،‬في الف�صل الثاني من كتا ِبه وعند كالمه عن "الال�أدرية" يتكلم عن الحياة خارج‬ ‫رف�ضه‪ ،‬في نف�س‬ ‫الكرة الأر�ضية ويقول �إن هناك �آرا ًء جيدة في اتجاه �إثبات ذلك وفي اتجاه ِ‬ ‫الف�صل وتحت عنوان "الأقزام الخ�ضر" يتكلم عن ال�أدرية وجود كائنات ف�ضائية‪ ،‬ولكنه ي�سهِ ب‬ ‫كثي ًرا في تبيان حالهم �إن كانوا موجودين و�أنهم �سيكونون خارقين بمقيا�سنا ولي�سوا خارقين‬ ‫للطبيعة‪ ،‬و�سيكون حالنا مقارن ًة بهم كحالنا اليوم بالع�صور المظلمة التي مرت الإن�ساني ُة بها‪،‬‬ ‫و�ستكون �أدواتهم كمعجزات مو�سى وهارون‪.‬‬ ‫ب�شكل ِجدي‪ ،‬وعند ج ْم ِع كل ما قاله عن المو�ضوع نخرج‬ ‫وهذا دليل وا�ضح �أنه يفكر في الأمر ٍ‬ ‫‪49‬‬


‫بنتيج ٍة مفادُها �أنه يميل لر�أي الدكتور فرن�سي�س كريك‪ ،‬وال ُبد من الإ�شارة �إلى �أن الكالم عن‬ ‫الكائنات الف�ضائية �أم ٌر ذكرته كل الح�ضارات الإن�سانية من �سومرية وفرعونية وهي تت�شابه �إلى‬ ‫ِ‬ ‫وخ�صو�صا النظرية الإ�سالمية التي‬ ‫آدم وحواء ككائنات متح�ضرة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حد ٍ‬ ‫ً‬ ‫كبير مع دعوى الأديان ب� َ‬ ‫آدم متع ِّل ٌم حيث ع َّل َمه ر ُّبه‬ ‫قد نجد في ثناياها وجو َد‬ ‫ٍ‬ ‫آدم قد �أف�سدت في الأر�ض‪ ،‬و� ُ‬ ‫كائنات قبل � َ‬ ‫كتاب منف�صل‪ ،‬ولكن َ‬ ‫القول‬ ‫الأ�سما َء كلها‪ ،‬وهذا مو�ضوع يحتاج �إلى‬ ‫تف�صيل ممكن �أن يكون في ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�إن الإن�ساني َة تطورت ب�شكل تلقائي عليه الكثير من عالمات اال�ستفهام؛ لأننا وحتى اليوم نجد‬ ‫بع�ض القبائل تعي�ش حياة بدائي ًة جدً ا ال ت�صل �إلى مرحلة ال�سومريين مث ًال‪ ،‬فلو كانت الإن�سانية‬ ‫تطورت تلقائ ًيا ف�أين ه�ؤالء ِمن التطور التلقائي؟ ولذا فهناك عدة �آراءٍ تقول �إن هناك مع ِّلما ع َّل َم‬ ‫الب�شري َة‪ ،‬وهذا ما ت�شير �إليه جميع الح�ضارات الإن�سانية القديمة وكذلك الأديان‪ ،‬فهناك ِ�شبه‬ ‫اتفاقٍ على ذلك وهو م�شابه لالعتقاد القائل بالكائنات الف�ضائية‪.‬‬

‫المآخذ على التصميم الذكي‪:‬‬ ‫الت�صميم‪ ،‬وهذا يجعله خارج‬ ‫ملعب ق َوى خارق ٍة ذكية �أوجدت‬ ‫المأخذ األول‪ :‬رمي الكر ِة في ِ‬ ‫َ‬ ‫نطاق المنهج العلمي‪.‬‬ ‫ل�سبب �أو لآخر داللة على كمال‬ ‫المأخذ الثاني‪ :‬كلمة "الذكي" حيث �أ�صبحت هذه الكلمة ٍ‬ ‫الت�صميم‪ ،‬وبالتالي �إذا ولد طفل بعاه ٍة خلقي ٍة مع َّينة‪� ،‬أو �أ�صيب طفل ب�سرطان �أدى �إلى موته‪،‬‬ ‫وانتخاب‬ ‫وكذلك الزالزل والفي�ضانات وغيرها �أدلة على عدم وجود ذكاء‪ ،‬والق�ضي َة فو�ضى‬ ‫ٌ‬ ‫طبيعي وطفراتٌ ع�شوائية‪ ،‬وهذه الم�شكلة حلها القر�آن ح ًال جذر ًيا لأن الحياة هي مجرد مرحل ٍة‬ ‫‪50‬‬


‫وفيها ابتالء ونق�ص في الأموال والثمرات والأنف�س وغيرها‪ ،‬وبالتالي �إذا فر�ضنا �أن الت�صميم‬ ‫نظري ٌة �صحيحة ف�إن الم�ص ِّمم �أخبرنا ب�أن الغاية من ت�صميمه ال تقت�ضي َ‬ ‫كمال الت�صميم‪ ،‬و�إنما‬ ‫تقت�ضي فعالي َة الت�صميم وعمله‪ ،‬ولهذا ال�سبب �أ�صبح من ال�ضروري تغيي َر الكلم ِة من الت�صميم‬ ‫"الذكي" الذي �أثارت كلمة "ذكي" فيه حفيظة الكثيرين ممن فهموا الذكاء على �أنه كمال في‬ ‫الت�صميم �إلى الت�صميم "الفعال" الذي تعني كلمة فعال فيه �أنه ي�ؤدي الحكمة �أو الغر�ض من‬ ‫�إيجاده‪.‬‬ ‫المأخذ الثالث‪ :‬هو االعتقاد ب�أن الت�صميم الذكي �أو الفعال يقف بال�ضد من الإبداع العلمي‬ ‫الباب على‬ ‫لأنه عندما ي�صل �إلى مرحلة االعتقاد ب�أن التعقيد هو ت�صميم �إلهي �أو ذكي ف�إنه يغلق َ‬ ‫البحوث العلمية لك�شف تفا�صيل هذا التعقيد‪ ،‬وهذا الأمر واقع غير متحقق‪ ،‬وبالتالي هو تخوف‬ ‫ال دليل عليه‪ ،‬فقد يكون م�صدر هذا الت�صور هو النظرة ال�سطحية للأديان وكونه يعطي �إجابة‬ ‫جاهزة لكل �شيء وهذا ما يفعله بع�ض رجال الدين عند كالمهم في اخت�صا�صات علمية بعيدً ا‬ ‫عن ثقافتهم واطالعهم وبمنا�سبة وبغير منا�سبة‪.‬‬ ‫المأخذ الرابع‪ :‬ال يوجد ت�صميم ذكي من الأ�صل‪ ،‬وهذا ما �أ�شار �إليه "دانيال دينيت" �أحد‬ ‫فر�سان الإلحاد الجديد‪ ،‬وهو يتكلم عن �أدوات التفكير‪ ،‬حيث �أَد َرج هذه ال�صور وبين �أن ال�صورة‬ ‫على الي�سار هي لبيت النمل الأبي�ض اال�سترالي "الأر�ضة" وال�صورة التي على اليمين هي لكني�سة‬ ‫م�شهورة‪،‬‬

‫‪51‬‬


‫يريد دانيال ديينت �أن يقنعنا �أن ال�صورت ْين مت�شابهتان‪ ،‬و�أن ال�صورة التي على ال�شمال تب ِّين‬ ‫الع�شوائي َة الداروينية في ن�شوء الحياة‪ ،‬ويقارنها مع عمارة الكني�سة التي اعتمدت على العقل‬ ‫ت�صميم‬ ‫والخطوات المت�سل�سلة على اليمين‪ ،‬وك�أنه يريد �أن يقول لنا �إن بيت النمل ال يحتاج �إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ذكي‪ ،‬فال رئي�س وال مهند�س وال تفكير وال هُ م يحزنون‪ ،‬و�إنما مجرد عمل ع�شوائي �أنتج لنا هذه‬ ‫العمار َة‪ ،‬وهذا هو حال الأر�ض والكون والتطور الأحيائي‪ ،‬ال نحتاج �إلى ت�صميم ذكي بالرغم‬ ‫من الوجود يظهر لنا ك�أنه نتج عن الت�صميم‪ .‬هو يريد �أن يقول �إن الأم��ر في الواقع مجرد‬ ‫محاوالت �أخط�أ الكثير منها ونجحت محاولة الأر�ض‪ ،‬في حين �أن مثال بيت النمل يثبت عك�س‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك؛ ففي مجتمع النمل الم�شار �إليه هناك الجنود والع َّمال وال َم ِلكة وك ٌّل ي�ؤدي دو َره وارتفاع‬ ‫البيت بهذا ال�شكل �ضروري جدً ا لحماية المملكة وقت الفي�ضان‪ ،‬وكذلك هناك عم ٌق لهذا البناء‬ ‫لغر�ض توفير درجة حرارة معينة لحفظ الطعام وغير ذلك من الأمور الدقيقة التي ت�ؤدي �إلى‬ ‫ناتجا ع�شوائ ًيا ولكن العمليات التي �أدت‬ ‫�أن ال ع�شوائي َة فيه �أبدً ا‪ ،‬نعم قد يكون الناتج ال�شكلي ً‬ ‫‪52‬‬


‫�إليه �أبع ُد ما تكون عن الع�شوائية و�إنما هي علميات دقيقة ناتجة عن علم ومعرفة بالظروف‬ ‫المحيطة والخا�صة بمجتمع النمل هذا تم غر�سها في هذه الكائنات‪.‬‬ ‫دانيال عندما ي�ستر�سل في الكالم عن المو�ضوع يب ِّين �أن النظري َة الدارويينة تعمل من الأ�سفل‬ ‫�إلى الأعلى‪�،‬أي من الال تعقيد والب�ساطة باتجاه التعقيد‪ ،‬في حين �أن الت�صميم الذكي يعمل من‬ ‫الأعلى �إلى الأ�سفل‪�،‬أي �أن التعقيد ابتدائي‪ ،‬وهذا الكالم فيه مغالط ٌة كبيرة لأن التعقيد كائنٌ‬ ‫كامنٌ في �أول خلية‪ ،‬في �أول �شفرة وراثية وال يوجد في الكون‬ ‫ِمن �أول يوم في هذا الكون‪ ،‬التعقيد ِ‬ ‫ب�سيط ليعمل من الأ�سفل �إلى الأعلى‪.‬‬ ‫في النهاية ال بد من الإ�شارة �إلى �أن الت�صميم الذكي ف�شل علميا على الرغم من �أنه �أكثر واقعي ًة‬ ‫من ال�صدفة والكائنات الف�ضائية‪ ،‬وال�سبب الرئي�سي في ذلك هو خروجه عن حدود المنهج‬ ‫العلمي باقتراحه وجود ق َوى فوق طبيعية م�سئولة عن الت�صميم‪ ،‬وهذا �أم ٌر يقع خارج حدود‬ ‫المنهج العلمي و�ضوابطه كما �سنو�ضح ذلك بالتف�صيل الح ًقا‪.‬‬ ‫وهكذا نرى �أن المنهج العلمي هو الذي يحدد تعام َلنا مع الأدلة ِمن حولنا‪ ،‬وطريقة �صياغة‬ ‫النظرية ولي�ست الأدل��ة هي التي تحدد مفاهيمنا وطريقة �صياغة النظريات‪ ،‬وهذا نوع من‬ ‫والم�شاهدات ِمن حولنا تدلنا‬ ‫الدكتاتورية في المنهج العلمي‪،‬وال ُبد من الت�أكيد على �أن الأدل َة‬ ‫ِ‬ ‫على وجود الت�صميم الفعال‪ ،‬وال ينكره �أحد على الرغم من �أنهم يختلفون على �أ�صله وهل حدث‬ ‫"وهم الإله"‬ ‫م�صم ٍم �أم نتيجة االنتخاب الطبيعي؟ كما ب َّينَ ريت�شارد داوكنز في كتابه ْ‬ ‫نتيجة ِّ‬ ‫ن�صه �إن االنتخاب الطبيعي قاد ٌر على �إنتاج �صور ٍة متميزة من‬ ‫في الف�صل الثالث حيث قال ما ُّ‬ ‫الت�صميم‪ ،‬وهو نف�س ر�أي دانييل دانييت َك ْون الأمر حدث من الأ�سفل �إلى الأعلى‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫وهكذا نجد �أن الجميع متفقون على وجود الت�صميم‪ ،‬وهذا �أم ٌر منطقي فلوال الت�صميم والتنظيم‬ ‫َل َما �أمكننا �أن نتنب�أ بظواهر الخ�سوف والك�سوف التي �ستحدث بعد ع�شرات ال�سنين من يومنا‪،‬‬ ‫و َل َما انتظمت ال�سن ُة ال�شم�سية والقمرية‪ ،‬و َل َما تم حماية القلب بالقف�ص ال�صدري والدماغ‬ ‫بعظام الجمجمة ومجرى التنف�س عند الأكل بل�سان المزمار وغيرها من الأدلة التي ال يغفلها‬ ‫�إال مكابر‪ ،‬وقد ذ َك َر الفيزيائي "هيو رو�س" ثالثا وثالثين خا�صي ًة في الكون دال ًة على الت�صميم‬ ‫في كتابه "الخالق والكون" ويمكن للمهتم االطال ُع عليها‪ ،‬وبالمح�صلة ف�إن الت�صميم موجود وال‬ ‫يمكن �إنكاره كما التطور ولكن النقا�ش في �أ�صل هذا الت�صميم �أو التطور‪.‬‬

‫ ‬

‫‪54‬‬


‫الفصل الثالث‬

‫موجة اإللحاد الجديدة‬ ‫بع�ض المتكلمين من القرون‬ ‫قام ال ُم ِ‬ ‫ناظر الم� ِؤمن يقدم �أدلتَه على وجود اهلل م�ستندً ا على �أدلة ِ‬ ‫بنف�سه‪،‬‬ ‫نف�سه ِ‬ ‫ال�سابقة قائال‪ :‬هذا الكون �إ ّما �أن يكون قد �أتى بدون �سبب‪� ،‬أو قد يكون قد �أو َل َد َ‬ ‫و�إ ّما �أن يكون هناك خا ِل ٌق ومد ِّبر للكون‪ ،‬فالقول �إنه �أتى بدون �سبب �أم ٌر ال يقول به عاق ٌل‪ ،‬فال‬ ‫بنف�سه في�شبه القول ب�أن امر�أ ًة‬ ‫نف�سه ِ‬ ‫يوجد �شيء ال �سبب له‪ ،‬و�أ ّما القول ب�أن الكونَ قد �أو َل َد َ‬ ‫بنف�سها وهذا �أم ٌر م�ستحيل‪ ،‬وبالتالي يبقى �أمامنا خيا ٌر واحد وهو �أن للكون خال ًقا‬ ‫نف�سها ِ‬ ‫ت ِلد َ‬ ‫ومد ِّب ًرا‪.‬‬ ‫ناظر الملحد ليقول له وبب�ساط ٍة‪َ :‬ومن قال‬ ‫َ‬ ‫ناظ ُر الم� ِؤمن ليعتلي ال ٌم ِ‬ ‫بعد هذه المقدمة جل�س ال ُم ِ‬ ‫لك �إن الكونَ يهتم لنظام ال�سببية الذي تتكلم به! � َ‬ ‫المناظر الم�ؤمن في هذه المناظرة‬ ‫أغفل‬ ‫ِ‬ ‫�أنه �أمام موج ٍة جديدة من الإلحاد تحمل في طياتها الكثي َر ِمن مبادئ الإلحاد القديم‪ ،‬ولكنها‬ ‫"وهم المعرفة" فل�سفة جديدة ا�ستفادت من تجارب الملحدين ال�سابقين و�أتت‬ ‫م�س َّلح ٌة بـ ْ‬ ‫ب�أجوبة جدلي ٍة (ولي�ست علمية) جديدة‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫عام ْي ‪ 2006‬و‪ 2007‬ممثل ًة ب�أربع ِة ُكت ٍُب هاجمت‬ ‫ظهرت الموج ُة الجديدة في �أمريكا بين َ‬ ‫بالخ�صو�ص الديان َة الم�سيحية‪ ،‬وتم اختيار �أمريكا لأنها البلد العلماني المتطور الأكثر تد ُّي ًنا‬ ‫(التدين هنا بمعنى الإيمان بالخالق واليوم ال ِآخ��ر) وللأ�سف كان لهجمات تنظيم القاعدة‬ ‫التكفيري في الحادي ع�شر من �سبتمبر عام ‪ 2001‬دور مهم في ظهور هذه الموجة والتي ال‬ ‫حال من الأحوال موج ًة جديدة‪ ،‬و�إنما هي ا�ستمرار لموجات �إلحادية تظهر‬ ‫يمكن اعتبا ُرها ب�أية ٍ‬ ‫با�ستمرار منذ َف ْجر التاريخ الإن�ساني ولم تتوقف‪ ،‬ولكن مايميز هذه الموج َة �أنها تعتمد المنهج‬ ‫العلمي في محاربة الأديان وت�سفيهها‪ ،‬ولكن حتى هذا التمييز ي ِقل بري ُقه عند اطالعنا على‬ ‫التاريخ كما �سنف�صل ذلك الح ًقا‪.‬‬ ‫وال ٌكتٌب الأربع التي مثلت موج َة الإلحاد الجديد هي‪:‬‬ ‫محا�ضر بجامعة‬ ‫(وهم الإله) – لـ ريت�شارد داوكنز‪ ،‬وهو عا ِلم �أحيائي تطوري بريطاني‬ ‫أوال‪ْ :‬‬ ‫ِ‬ ‫�أُك�سفورد‪ ،‬وقد ك َّر�س حياتَه للكالم في الأديان‪ ،‬ويحاول البع�ض �أن ُي ِلحق به لقب فلي�سوف وهو‬ ‫ِمن مواليد ‪.1941‬‬ ‫ثانيا‪( :‬ر�سالة �إلى الأُمة الم�سيحية) – لـ �سام هاري�س‪ ،‬وهو عا ِلم �أع�صاب �أمريكي‪ ،‬ويحاول‬ ‫البع�ض �أن ُي ِلحق با�سمِ ه لقب فيل�سوف وهو ِمن مواليد ‪.1967‬‬ ‫ثالثا‪( :‬ك�سر ال�سحر‪ ،‬الدين كظاهرة طبيعية) – لـ دانيال دينيت‪ ،‬وهو فيل�سوف �أمريكي مهتم‬ ‫بفل�سفة العلم ِمن مواليد ‪.1942‬‬ ‫هاجر‬ ‫رابعا‪( :‬الإله لي�س عظيما) – لـ كري�ستوفر هيت�شنز‪ ،‬وهو كاتب �صحفي بريطاني �أمريكي َ‬ ‫�إلى �أمريكا عام ‪ 1981‬وعمِ ل �صحف ًيا معظم حياته‪ ،‬له عدة ُكت ٍُب غير م�شهورة تتناول موا�ضي َع‬ ‫‪56‬‬


‫�سيا�سية‪ ،‬ب َرز نج ُمه بعد كتابه (�ضد الدين) ك�أحد فر�سان الإلحاد الأربعة ‪-‬كما �س َّماهم‬ ‫ريت�شارد داوكنز‪ِ -‬من مواليد عام ‪ 1949‬وتوفى عام ‪ 2011‬بال�سرطان ‪.‬‬ ‫وللم�ؤلفين �أعاله عدة ُكت ٍُب تتناول موا�ضيع الدين والإلحاد قبل ‪ 2006‬ولكن هذه الكتب �شكلت‬ ‫وبتن�سيق وا�ضح بينهم‪،‬‬ ‫البداي َة الحقيقة لكونها نزلت مجتمِ ع ًة �ضمن فتر ٍة زمنية متقاربة‬ ‫ٍ‬ ‫وحققت �أعلى المبيعات في وقت كانت �أمريكا لم ت ِفق ِمن هجمات �سبتمبر التي اتهم بها الدينُ‬ ‫كمح ِّفز �أ�سا�سي‪ ،‬وكما هو وا�ضح ف�إن خلفية الم�ؤلفين خلفية متنوعة وال يجمعهم جامع �سوى‬ ‫موقفهم من الدين والإله‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫(و ْهم اإلله – ريتشارد داوكنز)‬ ‫النسخة المترجمة للعربية‬

‫َ‬ ‫الموروث والتقاليد ب�شكل رئي�سي مع قليل من التركيز على‬ ‫كتاب مهم في اعتقادي يناق�ش‬ ‫ٌ‬ ‫مو�ضوع الخالق‪ ،‬نتيج ًة لذلك وقع الكثيرون في مغالطة "العنوان والم�ضمون" التي ذكرناها‬ ‫في المغالطات الكبرى‪ ،‬فال خالف بالت�أكيد على �ضرورة تنقيح الموروث والتقاليد التي ال �أ�صل‬ ‫كتاب م�ستقل لأن هدفي في هذا الكتاب هو مناق�شة م�س�ألة‬ ‫ديني لها‪ ،‬وهذا الأمر قد �أناق�شه في ٍ‬ ‫الحا ِبل بال َّنا ِبل كما فعل ريت�شارد داوكنز في‬ ‫الخالق ولن �أناق�ش الموروث‬ ‫َ‬ ‫والتقاليد حتى ال �أخلط َ‬ ‫"وهم الإله"‪.‬‬ ‫كتابه‪ ،‬ولذا ف�إنني �س�أحاول التركيز على ما يخت�ص بالخالق في كتاب ْ‬

‫مقدمة و ْهم اإلله‪:‬‬ ‫َ‬ ‫مفهوم االنتخاب الطبيعي الذي تكلمنا عنه عند الكالم عن نظرية‬ ‫ا�ستعمال‬ ‫الكاتب‬ ‫يحاول‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫التطور على الأديان والعادات والتقاليد‪ ،‬وعلى الرغم من قوله "ب�أن االنتخاب الطبيعي مح�صور‬ ‫بتف�سير العالم الحي ولكنه ي�ستدرك هذه المقول َة بقوله "�إن با�ستطاعته �أن يرفع م�ستوى‬ ‫‪58‬‬


‫الوعي للإدراك" وقد فعل ذلك فع ًال في مواق َع عد ٍة من كتابه‪ ،‬وال �أ�ستغرب ذلك فاالنتخاب‬ ‫الطبيعي هو مجال اخت�صا�صه وعم ِله‪ ،‬ولكن ال ُبد من الت�أكيد على �أن هذه النظرة �إلى التاريخ‬ ‫الإن�ساني نظر ٌة غير علمية‪ ،‬فالواقع يثبت �أن لدينا �أديا ًنا م�ستمرة منذ �آالف ال�سنين‪ ،‬يحاول‬ ‫الملحدون �أن يقرروا �أن الأديان ابتد�أت بعبادة �أكثر من �إله ِومن َثم تطورت لعبادة الإله الواحد‬ ‫باالنتقاء الطبيعي‪ِ ،‬ومن َثم �ستنتقل لرف�ض مفهوم الخالق‪ ،‬ولكن هذا كالم غير تاريخي لأن‬ ‫جميع الأديان القديمة لديها �إل ٌه واحد م�سيطر‪ ،‬وحتى م�شركي مك َة كانوا يعبدون َ‬ ‫اهلل الخالقَ‬ ‫الواحد‪ ،‬والأ�صنام ما هي �إال و�سائل للتق ُّرب منه‪ ،‬فادِّعا ُء الملحدين هذا �أم ٌر ال يمكن �إثباته‬ ‫علم ًيا لأنه ال يمكن �أن نثبت �أن �أول �إن�سان عابد كان يعبد عدة �آلهة في نف�س الوقت و�إنما‬ ‫البديهي �أنه بد�أ بعبادة � ٍإله واحد‪� ،‬صحيح ُيقال �إنه كان يعبد الظواه َر الطبيع َة لخوفه منها‬ ‫ا�ستنتاج غير ناه�ض و�سنتناول هذا المو�ضوع الح ًقا‪.‬‬ ‫ولكنه مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت من ال�شك والح ْيرة التي مر بها‪ ،‬و�شكره لزوجته التي كانت‬ ‫المالحظة الثانية‪ :‬كال ُمه عن ٍ‬ ‫عو ًنا له خالل هذه الحاالت‪ ،‬ولنا �أن نت�ساءل هل في ال ِعلم ٌ‬ ‫�شك وح ْيرة �أم �أن ال ِعلم يمثل الحقيق َة‬ ‫المحا�ضر يتكلم عن‬ ‫التي يمكننا �أن نثق بها!؟�أثناء ح�ضوري لم�ؤتمر للملحدين في �أمريكا وكان‬ ‫ِ‬ ‫الأديان وكيف يمكن اختبا ُرها‪ ،‬وقال �إن الإلحاد ال يمكن اختبا ُره لأنه �شك‪ ،‬ف�أجبتُه لو كان �ش ًكا‬ ‫لأ�صبح ال �أدري ًة ولي�س �إلحادًا‪.‬‬ ‫المالحظة الثالثة‪َ :‬ذ َكر نقط ًة مهمة ب َّينَ فيها �أنه من ال�صعوبة تنظيم الملحدين لأنهم غير‬ ‫ال�س ُلطات الفكرية‪ ،‬ف ُهم معتادون على التفكير الم�ست ِقل‪،‬‬ ‫نوع من ُّ‬ ‫معتادين على االن�صياع لأي ٍ‬ ‫وهذه حقيقة ولكن ما يجمعهم هو موقفهم من الدين‪ ،‬وهذا الذي لم يذكره ريت�شارد‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫‪59‬‬


‫الأ�سا�س يحاولون تنظيم �أنف�سهم �سيا�س ًيا واجتماع ًيا‪.‬‬ ‫المالحظة الرابعة‪ :‬تك َّل َم داوكنز عن نقط ٍة مهمة وهي �سوء اقتبا�س كالمه وو�ضعه في غير‬ ‫باقتبا�س خاطئ لبع�ض كالمه لي�صبح في �صالح توجها ِتهم الدينية‪،‬‬ ‫محله‪ ،‬حيث يقوم الم�ؤمنون‬ ‫ٍ‬ ‫تماما معه في �ضرورة عدم اقتطاع الكالم خارج الن�ص لخدمة فكرة معينة وهذا‬ ‫وهنا �أنا �أتفق ً‬ ‫ما �أكدته في كتاب "نبتة �إبلي�س" الذي قمت بت�أليفه ون�شره العام الما�ضي‪.‬‬

‫و ْهم اإلله – الفصل األول‬ ‫�أول �صفح ٍة من هذا الف�صل تحمل ما يمكن ت�سميته الفي�صل بين اعتبار الإلحاد الجديد �إلحادًا‬ ‫منكفئ‬ ‫طفل‬ ‫علم ًيا �أم مجرد وجهة نظر �شخ�صية غير علمية‪ ،‬حيث يتكلم ريت�شارد داوكنز عن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الطفل‬ ‫منده�ش ِل َما يرى حوله من الأع�شاب المت�شابكة والح�شرات‪ ،‬وينتقل نظ ُر‬ ‫على الع�شب‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ليف�سر ما ينظر �إليه بم�صطلحات دينية قادته في �آخر المطاف ليكون َ‬ ‫رجل‬ ‫فج�أة �إلى الكون ِّ‬ ‫ق�سا في مدر�سة داوكنز‪ ،‬وكان داوكنز معج ًبا به كثي ًرا! يعلق داوكنز على هذه التجربة‬ ‫ٍ‬ ‫دين يعمل ً‬ ‫بقوله �إنه كان من الممكن �أن يمر هو �شخ�ص ًيا بنف�س التجربة ولكنها �ستدفعه باتجاه معاك�س‬ ‫للدين لي�صبح بالنتيجة ملحدً ا‪.‬‬ ‫نظر‬ ‫هذه التجرب ُة التي يخبرنا بها ريت�شارد داوكنز "�شيخ الملحدين" والتي قد تنتج وجهت َْي ٍ‬ ‫ملحدة ِّ‬ ‫تلخ�ص الم�ساف َة بين الإلحاد والإيمان‪ ،‬فالق�ضية‬ ‫مختلفت ْين �إحداهما م� ِؤمنة والأخرى ِ‬ ‫نظر �شخ�صية ولي�ست وجه َة نظر علمية‪.‬‬ ‫وجهة ٍ‬ ‫َ‬ ‫الف�صل بمقولة لأين�شتاين يع ِّبر فيها عن كونه ال ي�ؤمن ب� ٍإله �شخ�صي ويحاول‬ ‫يبد�أ داوكنز هذا‬ ‫‪60‬‬


‫إلحاح عجيب �أن �آين�شتاين ملح ٌد نتيج ًة لعدم �إيمانه بالإله ال�شخ�صي العتقاد داوكنز‬ ‫�أن يثبت ب� ٍ‬ ‫الخاطئ ب�أن عدم االعتقاد بـ (بالإله ال�شخ�صي) معناه الإلحاد‪ ،‬على الرغم من �أن �آين�شتاين‬ ‫�أنكر �إلحا َده‪ ،‬ولكن قام ريت�شارد داوكنز باالجتزاء من كالم �آين�شتاين بما يوا ِفق هواه َ‬ ‫وترك ما‬ ‫عداه على الرغم من �أنه ا�شتكى من االجتزاء في مقدمة كتا ِبه‪.‬‬ ‫م�ساحات وا�سع ًة من كتابه ليثبت �إلحا َد بع�ض ال�شخ�صيات المهمة ع ْب َر التاريخ‬ ‫ا�ستغرق داوكنز‬ ‫ٍ‬ ‫كالر�ؤ�ساء الأمريكان وبع�ض �أن�صار الطبيعية و�آين�شتاين‪ ،‬وهذا دليل �آخر على �سطحية الكتاب‬ ‫و ُب ِعد العنوان عن الم�ضمون‪ِ ،‬عل ًما ب�أن هذا الدفا َع الم�سعور عن �إلحاد بع�ض ال�شخ�صيات‬ ‫التاريخية نات ٌج عن عقدة قلة العدد التي يعاني منها الملحدون‪ ،‬والتي تَظهر هنا وهناك في‬ ‫كتاباتهم ولذا تراهم يحاولون جعل الال�أدريين والالدينيين وحتى الأطفال ملحدين بطبيعتهم‬ ‫�أو على الأقل �ضمن مع�سكرهم‪.‬‬ ‫ي�سميهم "�أن�صار الطبيعة" ملحدين � ً‬ ‫أي�ضا‪ ،‬وت�ستمر محاوال ُته‬ ‫ِومن العجيب �أنه يحاول ج ْع ِل ِمن ِّ‬ ‫في �إثبات �إلحاد بع�ض ال�شخ�صيات حتى الف�صل الثاني‪ ،‬ثم ونتيج ًة لعدم كفاية الأدلة يقول في‬ ‫مو�ضوع فرعي با�سم (العلمانية والآباء الم�ؤ�س�سون والدين في �أمريكا) ما‬ ‫الف�صل الثاني تحت‬ ‫ٍ‬ ‫ن�صه "�سواء �أكان جفر�سون"رئي�س �أمريكي" وزمال�ؤه م�ؤمنين‪� ،‬ألوهيين‪ ،‬ال �أدريين‪� ،‬أم ملحدين‬ ‫ُّ‬ ‫لحد كبير‪ ،‬وهنا ِمن حق القارئ َّ‬ ‫المط ِلع �أن يت�ساءل ما دخْ ل علمانية‬ ‫ف ُهم بالت�أكيد علمانيون ٍ‬ ‫جفر�سون وزمالئه بالكالم عن دي ِنه واعتقا ِده؟ فما العلمانية �إال نظا ٌم �سيا�سي يقوم على ف�صل‬ ‫م�ؤ�س�سات الدولة عن دين �أفرادها‪ ،‬وفي نف�س الوقت يحمي حري َة التدين لأفرادها ويحفظ لهم‬ ‫حقو َقهم ويبين لهم واجبا ِتهم‪.‬‬ ‫مراد وهبة في كتابه "الأ�صولية والعلمانية" حيث اعتبرالعلمانية نظري ٌة في المعرفة واعتبرها‬ ‫‪61‬‬


‫نظرية ال�أدرية (الحقيقة ن�سبية) وبالتالي فهي تقف بال�ضد من الأ�صولية الدينية باعتبارها‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا نظرية في المعرفة تقرر �أن الحقيقة واحدة ومحتكرة من قبل الم�ؤمنين بالدين (الحقيقة‬ ‫مطلقة) وهو هنا خلط ب�شكل �أو ب�آخر بين العلمانية كنظام �سيا�سي �أو فكرة تحترم التباين بين‬ ‫النا�س وبين ما يمكن ت�سميته بالعلمانية ال�سيئة التي ترف�ض الدين وال تقدر �إنجازاته الخ ِّيرة‬ ‫وتطلب �إبعاده من ال�ساحة ومثاله لينين و�ستالين وهذا مو�ضوع طويل يمكن نقا�شه في كتاب‬ ‫منف�صل‪ .‬ولكن في كل الأحوال يبقى الأمر بعيدً ا عن م�س�ألة الإيمان بالخالق وبعيدً ا كل البعد‬ ‫المتع�صب‬ ‫الحر غير الم�ؤدلج وغير‬ ‫ِّ‬ ‫عن م�س�ألة هل الخالق موجود �أم ال! القارئ ذو التفكير ُ‬ ‫"وهم الإله" هل هذا كتاب يتناول الخالقَ �أم مجرد دعاية‬ ‫�سيت�ساءل كثيرا وهو يقر�أ كتاب ْ‬ ‫�سمجة للفكر الإلحادي مع اعترا�ضات على مورثات ثقافية ومجتمعية يعتر�ض عليها الم�ؤمن‬ ‫حد �سواء!‬ ‫والملحد على ٍ‬ ‫عندما يحاول اعتبار �آين�شتاين ملحدً ا لكونه غير م�ؤمن ب� ٍإله �شخ�صي‪ ،‬هذا �سو ُء ف ْه ٍم كبير‬ ‫لمفهوم الإله ال يمكن غفرانه لداوكنز‪ ،‬والأدهى منه اعتبار �أن كل َمن ال ي�ؤمن بالإله ال�شخ�صي‬ ‫ملحد كما نالحظ ذلك في الف�صل الثالث "الدليل على وجود اهلل" ال�صفحة ‪ 104‬حيث يتناول‬ ‫ُ‬ ‫الم�شارك في‬ ‫بالتحليل درا�س ًة عن �آراء �أع�ضاء الجمعية ال َم َلكية البريطانية عن الدين ويع ِّبر‬ ‫مقيا�س من �سبع درجات‪ ،‬حيث تع ِّبر الدرج ُة الأولى‬ ‫الدرا�سة عن ر�أيه في الإله ال�شخ�صي على‬ ‫ٍ‬ ‫عن "عدم الموافقة ب�شدة" وتدرج �إلى الدرجة ال�سابعة التي تع ِّبر عن "موافق وب�شدة" حيث‬ ‫�أ�شارت الدرا�سة �إل��ى �أن ‪ %3.3‬فقط وافقوا على مفهوم الإل��ه ال�شخ�صي‪ ،‬ا�ستنتج داوكنز‬ ‫من هذه النتيجة وب�شكل مخا ِدع �أن �أكثر ِمن ت�سعين بالمائة من العلماء الذين �شاركوا بالدرا�سة‬ ‫ملحدون ‪ ..‬وهذا كذب وا�ضح من ناحيت ْين‪:‬‬ ‫‪62‬‬


‫�أو ًال‪َ :‬من ال ي�ؤمن بم�صطلح "الإله ال�شخ�صي" ال يعني �أنه ملحد‪.‬‬ ‫الم�ستخدم في الدرا�سة يتكون من �سبع درجات‪َ ،‬ف َع َلى �أي �أ�سا�س علمي اعتبرت‬ ‫ثانيا‪ :‬المقيا�س‬ ‫َ‬ ‫�أن �ست درجات منها تمثل علما َء ملحدين!؟ بالطبع لن تجد جوا ًبا علم ًيا‪.‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬الدرا�سة �شملت ‪ 1047‬ع� ًضوا وا�شترك فيها فقط ‪� %23‬أي ما يقرب من ‪ 250‬ع� ًضوا‪ ،‬وتم‬ ‫�إجرا�ؤها ما بين ‪ 2006‬و‪ ،2006‬ولم يو�ضح لنا داوكنز وغي ُره طريقة �إجراء اال�ستبيان وهو �أمر‬ ‫لم يو�ضحه داوكنز لقرائه‪ ،‬فمث ًال �إن كان اال�ستبيان قد تم �إر�ساله �إلى جميع الأع�ضاء ولم‬ ‫تكن العينة ع�شوائية ف�إن النتائج ال يمكن تعمميها و�إنما تكون فقط ممثلة لمن قام بالإجابة‬ ‫وذلك لأن التعميم مع ن�سبة خط�أ ال يكون �إال للعينات الع�شوائية فقط‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى �أنه �إذا‬ ‫كان اال�ستبيان قد �أر�سل �إلى جميع الأع�ضاء فمن البديهي �أن يجيب �أ�صحاب الموقف المت�شدد‬ ‫�أما المتذبذبين وحتى الم�ؤمنين فلن يهمهم الأمر وهذا معروف من الناحية النف�سية في مجال‬ ‫�إجراء اال�ستبيان‪.‬‬ ‫لذا دائ ًما ما يف�ضل �أن تكون العينة ع�شوائية لتجاوز هذا الخلل‪ ،‬وهنا يجب الت�أكيد على �أنه‬ ‫توج ِه العلماء ف�إن الـ ‪ 400‬عا ِلم الذين �شككوا‬ ‫�إذا �أمكننا اعتبار �إجابة ‪ 250‬عا ِل ًما م� ِّؤ�شرا على ُّ‬ ‫باالنتخاب الطبيعي والطفرات الع�شوائية‪-‬و�أ�سما�ؤهم مر َف َقة في نهاية الكتاب‪ -‬يمثلون � ً‬ ‫أي�ضا‬ ‫توج َه العلماء �ضد فكرة ريت�شارد داوكنز الذي �أفنى فيها عم َره وهي االنتخاب الطبيعي‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫نتائج درا�سة �أخرى قامت بها‬ ‫نف�س الأ�سلوب غير العلمي‬ ‫َ‬ ‫ا�ستخد َمه داوكنز في ُ‬ ‫الحكم على ِ‬ ‫المجلة ال ِعلمية "الطبيعة" في عام ‪ 1998‬لمجموعة من العلماء الأمريكيين‪ ،‬وكان ‪%7‬منهم‬ ‫ي�ؤمنون ب� ٍإله �شخ�صي ‪ ..‬حيث ا�ستنتج داوكنز �أن البقي َة ملحدون! وكما ب َّي َنا �ساب ًقا ف�إن عدم‬ ‫‪63‬‬


‫الإيمان ب� ٍإله �شخ�صي �أم ٌر طبيعي وال يعني الإلحاد ب�أية حال من الأحوال‪ ،‬ولن�ست ِعن ب�آين�شتاين‬ ‫مرات كثيرة كما‬ ‫الذي اتهمه داوكنز بالإلحاد‪ ،‬حيث يرف�ض �آين�شتاين‬ ‫االدعاءات ب�أنه ملحد في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ورد في كتاب "�آين�شتاين والدين" ال�صادر عام ‪ 2000‬لـ "ماك�س جامر" وهو مخت�ص في تاريخ‬ ‫ال ِعلم‪:‬‬ ‫"�أنا ل�ستُ ملحدً ا‪ ،‬وال �أعتبر نف�سي ِمن القائلين بوحدة الوجود‪ ،‬نحن في موقف م�شابه‬ ‫طفل �صغير يدخل �إلى مكتب ٍة مليئة بالكتب المكتوبة بلغات مختلفة‪ ،‬الطفل يعرف‬ ‫لموقف ٍِ‬ ‫�أن هناك َمن قام بكتابتها ولكن ال يعرف كيف‪ ،‬الطفل ال يعرف اللغ َة التي ُك ِتبت بها هذه الكتب‬ ‫ولكن يعتقد �أو ي�شك في وجود نوع من الترتيب ولكنه ال يعرفه‪ ،‬هذا الموقف ي�شد الإن�سان‬ ‫نحو الخالق‪ ،‬نحن نرى الكونَ َّ‬ ‫وخا�ضع لمجموعة من القوانين التي‬ ‫مثير للت�سا�ؤل‬ ‫منظما ٍ‬ ‫ب�شكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ب�سيط"‪.‬‬ ‫ب�شكل ٍ‬ ‫نفهمها ٍ‬ ‫حديث لآين�شتاين �أعلن وب�صراحة �أن الأ�شخا�ص الملحدين يجعلونه ي�شعر بالغ�ضب لأنهم‬ ‫و�أثناء ٍ‬ ‫يقتب�سون من كالمه ما يدعمون به �إلحادهم‪� ،‬آين�شتاين رف�ض الإلحاد بالرغم من رف�ضه لمفهوم‬ ‫الإله ال�شخ�صي‪� ،‬آين�شتاين رف�ض الإل َه ال�شخ�صي المنفعل الذي يفرح برائحة دم الأ�ضاحي‪،‬‬ ‫واختار َ�شع ًبا مميزً ا دون ال�شعوب وغي َرها من الأمور‪ ،‬والكثير من الم�ؤمنين يرف�ضونه‪ُ ،‬‬ ‫رف�ض‬ ‫الإل ِه ال�شخ�صي ال يعني بالت�أكيد َ‬ ‫رف�ض الخالق‪ ،‬وهذا دليل �آخر على خداع ريت�شارد داوكنز‬ ‫لقارئيه باعتباره كل من ال ي�ؤمن من العلماء ب�إله �شخ�صي ملحد‪.‬‬ ‫داوكنز في الف�صل الأول من كتابه يعطينا تعري ًفا للإله تع َّه َد على نف�سه بتب ِّنيه في ف�صول‬ ‫خالق ِمن عالم وراء الطبيعة‪ ،‬و�شيء جدير ب�أن نتوجه‬ ‫كتابه حيث يقول "�إنها كلمة تدل على ٍ‬ ‫�إليه بالعبادة" وكما نالحظ ف�إن هذا التعريف يتناق�ض مع م�صطلح "الإله ال�شخ�صي"‪ ،‬وعلى‬ ‫‪64‬‬


‫العموم �س�أقوم �شخ�ص ًيا في كتابي هذا با�ستخدام تعريف داوكنز من باب �إلزام المقابل بما‬ ‫نف�سه وبقي َة الملحدين ال يلتزمون بهذا التعريف‪.‬‬ ‫� َ‬ ‫نف�سه و�سنب ِّين للقارئ كيف �أن داوكنز َ‬ ‫ألزم به َ‬ ‫وعلى �سبيل المثال ال الح�صر في الف�صل الثاني "فر�ضية الإله" وفي معر�ض كالمه عن �إمكانية‬ ‫هلل يقول في ال�صفحة ‪ 61‬من الن�سخة المترجمة �إن عدم وجود �أدلة علمية‬ ‫�أن َينفي ال ِع ُلم وجو َد ا ِ‬ ‫دفعت �إلى ظهور مفهوم عدم التداخل بين الدين وال ِعلم‪ ،‬وي�ؤكد على �أن‬ ‫على وجود الخالق ْ‬ ‫مفهوم الإله مجرد فر�ضي ٍة علمية‪ ،‬وهنا ِمن حق �أي �شخ�ص َّ‬ ‫مط ِلع على معنى الفر�ضيات العلمية‬ ‫�أن ي�س�أل داوكنز‪ :‬كيف يمكن اعتبار �شيء افتر�ضت �أنه ِمن"عالم ما وراء الطبيعة"فر�ضي ًة‬ ‫منهج علمي يمكنه �أن يتعامل مع ما وراء الطبيعة يا �سيد داوكنز؟!!‬ ‫علمية؟ و�أي ٍ‬ ‫الحلم بالنظرية النهائية "نظرية كل �شيء‪ ،‬وكالمه كان على‬ ‫تك َّل َم في الف�صل الأول عما �أ�سماه ُ‬ ‫بالحلم لأن �ستيفن واينبرغ‬ ‫ل�سان عالم الفيزياء "�ستيفن وانبرغ" وح�س ًنا ف َع َل عندما ع َّبر عنها ُ‬ ‫ع َّبر في مقابلة مع داوكنز نف�سه بما ن�صه "لي�س من المفرو�ض �أن تتم اال�ستهانة بم�شكلة �أنه في‬ ‫النهاية لن يكون ب�إمكاننا تف�سير الكون" وقد تكون هذه المقابلة بعد �صدور كتابه "وهم الإله"‪.‬‬ ‫ومما يثير اال�ستغراب �أن الملحدين ي�أخذون على الم�ؤمنين �إيمانهم بالغيب وفي نف�س الوقت‬ ‫عندما ت�س�ألهم عن بع�ض الإ�شكاليات يقولون �إن ال ِعلم �سيجيب عنها الح ًقا! �ألي�س هذا رج ًما‬ ‫بالغيب مبن ًيا على افترا�ضات غير علمية بالمرة؟ قال داوكنز في الف�صل الأول ما ن�صه‬ ‫كامل با�ستخدام‬ ‫ب�شكل ٍ‬ ‫"�سنتمكن في الم�ستقبل من تقديم تف�سيرات للظواهر غير المفهومة ٍ‬ ‫قوانين الطبيعة‪ ،‬ولم ُيخبرنا �سيد داوكنز �أي نظرية علمية ا�ستخدمها في ا�ستنتاجه هذا‪،‬‬ ‫�صعب وبعي ُد االحتمال كما ع َّبر �ستيفن واينبرغ‪ ،‬فكيف �سيف�سر وجود القوانين الطبيعة‬ ‫وهو ٌ‬ ‫وم�صد َرها؟‬ ‫‪65‬‬


‫تَك ُثر في الف�صل الأول كما في بقية الف�صول الكثير من العبارات ال�شعاراتية الكالمية التي ال‬ ‫قيمه علمية �أو فل�سفية لها و�إنما مجرد وجهات نظر �ضيقة للدين‪ ،‬حيث يقول في ال�صفحة ‪22‬‬ ‫الم�س َّلمات والتي َيقبل بها الجميع تقري ًبا في مجتمعنا الإن�ساني‪،‬‬ ‫من الن�سخة المترجمة‪ِ :‬‬ ‫"من َ‬ ‫حتى غير المتدينين‪� ،‬أن الإيمان الديني هو فكر ٌة ه�شة و�ضعيفة �أمام النقد"وال �أدري هل هذه‬ ‫أوهام وخرافات في ذهن داوكنز؟‬ ‫الم�س َّلمات ُب ْ‬ ‫نيت على �إح�صاءات علم ّية معتبر �أم هي مجرد � ٍ‬ ‫وخ�صو�صا �أن الم�ؤمنين هُ م الأغلبية ع ْب َر الع�صور والأوقات وال يرون �أيمانهم فكرة ّ‬ ‫ه�شة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وكذلك حاول فر�ض ر�أيه على الفيزيائيين حيث طالبهم بالتوقف عن ا�ستعمال كلمة (اهلل)‬ ‫بمعناها المجازي "كما يعتقد" لأنها خيان ٌة فكرية على �أعلى الم�ستويات كما يع ِّبر‪ ،‬وهذا‬ ‫الأ�سلوب في �إطالق و�صف الخيانة على َمن يتعامل مع الأمور ب�أ�سلوب مختلف يذ ِّكرني ب�أ�سلوب‬ ‫القيادات القمعية التي تَعت ِبر كل المقوالت التي ال تخدم �أفكا َرها خيان ًة قومية �أو وطنية �أو‬ ‫�أخالقية �أو علمية‪ ،‬وفي حالة داوكنز الذي ا�ستخدم تعابي َر كالمية بعيد ًة عن ال ِعلم و�أدواته مثل‬ ‫"كل جملة تقطر بالجبن الفكري والأخـالقي"‪ ،‬في �سبيل الت�أثير على قارئيه بالغ ًيا ا�ستخدم‬ ‫فر�ضية "لو"غير العلمية في كالمه كما في فر�ضيته عن ماذا �ستكون ردة فعل المجتمع الدولي‬ ‫لو ب َّرر نظام الف�صل العن�صري ال�سابق في جنوب �إفريقيا �أفعاله تبري ًرا دين ًيا‪ ،‬وكذلك في‬ ‫حروب دينية ولي�س حروبا �إقليمية وعالمية‬ ‫تحويله الحروب الجارية في العراق وغيرها �إلى‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫الخالف‬ ‫ا�ستغالل‬ ‫هد ُفها ال�سيطرة على م�صادر الثروة وب�سط النفوذ م�ستغل ًة في ذلك �أب�ش َع‬ ‫ٍ‬ ‫َنا�سى مجاز َر الملحدين في كوريا واالتحاد‬ ‫الطائفي القائم منذ مئات ال�سنين‪ ،‬وال �أعرف لماذا ت َ‬ ‫ال�سوفيتي وال�صين وغيرها؟اللهم �إال �إذا كانوا ال يمثلون الإلحاد ال�صحيح!‬ ‫‪66‬‬


‫الكثير من الكالم ال�شعاراتي الذي ال قيمة له ولن �أ�ضيع وقت القارئ في �سرد الأمثلة لأنه في‬ ‫كل الأحوال لي�س له عالقة ب�إثبات �أو نفي وجود الخالق‪.‬‬ ‫كالم علمي له عالقة بوجود الخالق من عدمه‪ ،‬فهو يتكلم حول �أمور‬ ‫لم �أجد في هذا الف�صل � َّأي ٍ‬ ‫أحداث كثيرة مثل بع�ض قرارات المحاكم في‬ ‫نظر �شخ�صية حول � ٍ‬ ‫ثقافية و�سيا�سية ووجهات ٍ‬ ‫�أمريكا والر�سوم الم�سيئة لر�سول الإ�سالم ورد فعل بع�ض قليلي الثقافة من الم�سلمين وغيرها‪.‬‬

‫الفصل الثاني – فرضية اإلله‬ ‫َ‬ ‫زمن ما‪ ،‬هو الت�سلية الأدبية‬ ‫يبد�أ الكاتب هذا‬ ‫الف�صل بمقولة"رالف والدو �إيمر�سون" دينُ ٍ‬ ‫للزمن ال��ذي يليه"‪ ،‬هذه المقولة ال تحتاج كثي ًرا من الوقت لنثبت عدم �صحتها‪ ،‬فالتاريخ‬ ‫الإن�ساني المكتوب بد�أ منذ اكت�شاف الكتابة قبل ما يقرب ‪� 5500‬سنة‪ ،‬والح�ضارة الإن�سانية‬ ‫المتمثلة في الإن�سان الذكي المزارِع يعود تاريخ ظهورها �إلى ما يقرب من ‪� 8000‬سنة‪ ،‬ولدينا‬ ‫أحقاب بعيدة جدً ا‪ ،‬وبالتالي هناك �أديان لم تتحول �إلى الت�سلية الأدبية‬ ‫لليوم �أديان تعود �إلى � ٍ‬ ‫لأوقات طويلة من التاريخ �إال �إذا كان الفا�صل الزمني الذي يتكلم عنه رالف يتجاوز التاريخ‬ ‫الإن�ساني‪ ،‬نعم هناك بع�ض الأمور التي تجا َو َزها الب�شر مثل بع�ض الديانات المتعددة نتيج ًة‬ ‫لتثقيف الأنبياء وعم ِلهم‪ ،‬حيث �إن الموحدين ي�ؤمنون ب�إر�سال الكثير من ال ّر ُ�سل ع ْب َر التاريخ‬ ‫انتقال من الإن�سان الوح�شي �إلى الإن�سان الم�سئول‪ ،‬كما‬ ‫آدم الذي ُيعت َبر مرحل َة‬ ‫ٍ‬ ‫الإن�ساني منذ � َ‬ ‫يذهب البع�ض‪ ،‬وهو الم�ستخلف لدى الم�ؤمنين ِمن ِق َبل الخالق‪.‬‬ ‫التوحيد هو �صف ٌة مالزِمة للإن�سان‪ ،‬نعم الخرافات التي ارتبطت بالأديان نتيج ًة‬ ‫وبالتالي ف�إن‬ ‫َ‬ ‫لموروث ثقافي يمكن �أن تنطبق عليها هذه العبارة‪� ،‬أن��ا ناق�شتُ مرة �أح��د الملحدين وقال‬ ‫‪67‬‬


‫ألح َد ب�سبب �أن �أُ َّمه عندما مات �أبوه رف�ضت �أن تدف َنه لأنها ت�ؤمن ب�أن الم�سيح‬ ‫بالحرف �إنه � َ‬ ‫ناتجا عن �صدمة �أو قلة ف ْه ٍم �أو موروث ثقافي �أو �أ�شياء‬ ‫�س ُيرجعه للحياة‪ ،‬ف�أجبتُه هذا قد يكون ً‬ ‫�أخرى‪ ،‬ولكن في كل الأحوال هو لي�س �سب ًبا كاف ًيا لت ُِلحد‪.‬‬ ‫الكاتب في بداية هذا الف�صل مقارنة بين الإله في العهد القديم والعهد الجديد‪ ،‬وهذا‬ ‫َيذكر‬ ‫ُ‬ ‫نف�سه‬ ‫�أم ٌر حقيقي ووا�ضح حيث �إن هناك فر ًقا كبيرة بحيث ال يمكن اعتبار �إل ِه العهد القديم ِ‬ ‫العهد الجديد‪ ،‬ولكن للأ�سف ونتيجة لق�صور الكاتب وعدم اطالعه على القر�آن كما الكثير‬ ‫�إل َه ِ‬ ‫غيره من الملحدين �أعتقد �أن القر�آن ما هو �إال امتداد �أو ن�سخة مق ّلدة من العهد القديم‪،‬‬ ‫وهذا خالف الواقع حيث �أن القر�آن يختلف اختال ًفا كبي ًرا عن العهد القديم من ناحية الفكر‬ ‫والفل�سفة والنظرة �إلى �آلية وتفا�صيل ق�ص�ص الأنبياء وغيرها‪ ،‬ولكن الوا�ضح وكما ع َّبر داوكنز‬ ‫تدقيق وتمحي�ص‪،‬وبالتالي ال �أتوقع منه‬ ‫اطالعه على الأديان نات ٌج عن محيطه ولي�س عن‬ ‫�أن‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫نظر ًة من�صف ًة للقر�آن �أو �أي دين �آخر خارج عن محيطه وبيئته التي ن�ش�أ بها‪.‬‬ ‫فتر�ض الكاتب في هذا الف�صل �أن الأديان ظهرت متعددة الآلهة‪ ،‬وهذا ادعا ٌء ي�صعب �إثبا ُته‬ ‫َي ِ‬ ‫وقد ي�ستحيل �أن نثبت �أول �إن�سان بد�أ بالعبادة قد عبد عدة �آله ٍة في يوم واحد‪ ،‬وهذا الكالم من‬ ‫وجهة نظر الملحدين‪�،‬أ ّما ِمن وجهة نظر الم�ؤمنين ف�إن الإن�سان الأول الذكي الم�ستخ َلف كان‬ ‫م�س ِلما هلل موحدً ا وهو �آدم‪ ،‬طب ًعا من وجهة نظر من�صفة ال يمكن �إثبات � ٍأي ِمن وجهت َْي النظر‬ ‫ال�سابقتين‪ ،‬فال يمكن القول �إن الأديان بد�أت متعددة‪ ،‬وال يمكن القول �إن الأديان بد�أت موحدة‬ ‫لأنه بب�ساطة هناك فجو ٌة زمنية بين تاريخ اكت�شاف الكتابة وبين تاريخ ظهور الح�ضارة‪ ،‬ولكن‬ ‫بب�ساطة ال يمكن �أن نقول �إن �أول �شخ�ص بد�أ بعبادة �إله عبد عدة �آلهة في يوم واحد‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫نظر الح�ضارات الأول��ى كالبابلية والم�صرية‬ ‫كما �أننا ال يمكننا �أن نفهم ب�شكل كامل وجه َة ِ‬ ‫وثائق ذلك‬ ‫الفرعونية بخ�صو�ص الأديان و َت َبا ُي ِنها بين �أفراد المجتمع نتيج ًة ل�ضياع الكثير من ِ‬ ‫الزمان‪ ،‬والذي و�صل �إلينا قد يكون مح�صو ًرا في الطبقات الغنية الحاكمة التي كان لها القابلية‬ ‫على الكتابة والتوثيق‪ ،‬وكذلك نتيج ًة الختالف فهْمِ نا لما هو مكتوب في الألواح الوا�صلة �إلينا‬ ‫وكذلك لقلة المعلومات في هذه الألواح واحتمالية الخط�أ الكبير في الترجمة كما بين عالم‬ ‫�سبيط النيلي في كالمه عن ملحمة كلكام�ش‪،‬ع َلى �سبيل المثال نحن لليوم ن�شاهد وجو َد �سو ِء‬ ‫واتهامات متبادلة بين مختلف الأديان والمذاهب كما ع َّبر داوكنز في هذا الف�صل‬ ‫ف ْه ٍم كبير‬ ‫ٍ‬ ‫والهندو�س معروفون بتعدد الآلهة ولكن ب َّينَ داوكنز �أنهم يعتقدون في‬ ‫الهندو�س‪،‬‬ ‫عندما ذ َك َر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أقوام يعي�شون في وقتنا الحا�ضر‬ ‫الإله الواحد (براهما الخالق)وهذا �سو ُء ف ْه ٍم‬ ‫ٍ‬ ‫حا�صل بين � ٍ‬ ‫حيث نالحظ ً‬ ‫َ‬ ‫لمواقف �سيا�سية وثقافية وتراثية وغيرها من الأمور التي ينتقدها‬ ‫وا�ضحا‬ ‫خلطا‬ ‫ً‬ ‫أقوام عا�شوا قبل �آالف ال�سنين ال نعرف ثقافتَهم‬ ‫داوكنز ظ ًنا منه �أنه ينتقد الدين‪ ،‬فما بالك ب� ٍ‬ ‫وال التنو َع الديني الذي كان �سائدً ا بينهم‪.‬‬ ‫ولتو�ضيح المو�ضوع ب�شكل �أكبر‪ :‬في الم�سيحية القدي�س بول�ص كتب �أكثر ِمن ن�صف العهد‬ ‫الم�سيح في حياته‪ ،‬وظهرت كتابا ُته بعد الم�سيح بحوا َل ْي �ستين �سنة‪ ،‬وهناك‬ ‫الجديد وهو لم ي َر‬ ‫َ‬ ‫الكثير من الكالم حول مدى مطابقة �أفكار القدي�س بول�ص لأفكار الم�سيح وتعاليمه‪ ،‬حتى �أن‬ ‫نف�سه‪ ،‬وهذا هو ال�سبب الذي جعل �صاحب‬ ‫ن�سب �إلى بول�ص �أكثر ِمن الم�سيح ِ‬ ‫الم�سيحية اليوم ُت َ‬ ‫الم�سيح في المرتبة الثالثة‪،‬‬ ‫كتاب "ال�شخ�صيات الأكث َر ت�أثي ًرا في التاريخ" �إلى و�ضع ال�سيد‬ ‫َ‬ ‫�سيدنا‬ ‫َ‬ ‫و�سيدنا محمدً ا في المرتبة الأولى على الرغم من �أن �أَتباع الم�سيح �أكثر عددًا من �أَتباع ِ‬ ‫‪69‬‬


‫محمد لأنه ب َّين �أن ر�سول الإ�سالم كان هو المحرك للإ�سالم في حين �أن بول�ص هو المحرك‬ ‫الأ�سا�سي للم�سيحية فهو الذي �أوجد عقائدها وكتبها وبينها‪.‬‬ ‫مغزى الفكرة �أن مدة ال�ستين �سنة الفا�صلة بين الم�سيح وبول�ص كانت �سب ًبا كاف ًيا لن�ستفهم عن‬ ‫مدى ف ْهم القدي�س بول�ص لأفكار الم�سيح‪،‬فكيف بمدى فهْمِ نا لأفكار الأقوام الذين عا�شوا قبلنا‬ ‫ب�آالف ال�سنين‪ ،‬وهذا المعنى َذ َكره � ً‬ ‫أي�ضا ريت�شارد داوكنز في الف�صل الثالث من كتابه‪ ،‬حيث‬ ‫تكلم عن ُط ُرق كتابة العهد الجديد َومن َكتَبه وهل كان متحيزًا �أم ال‪َ ،‬ومن َن َ�سخه وكيف عرف‬ ‫عن المو�ضوع الذي َكتَبه وغيرها من الأ�سئلة التي يهدف منها �إلى الت�شكيك في المعلومات‬ ‫ال��واردة فيه‪ ،‬و�إنْ كان الأم��ر كذلك فمِ ن حقنا �أن ن�شكك في المعلومات ال��واردة في الأل��واح‬ ‫القديمة و�أن نطرح نف�س الأ�سئلة‪.‬‬ ‫ومما يثير اال�ستغراب �أن داوكنز في هذا الف�صل ال�صفحة ‪ 37‬وهو يتكلم عن تعددية الآلهة وهل‬ ‫�أ�سماء الآلهة القديمة للح�ضارات المختلفة هي �أ�سما ُء لنف�س الإله مثال "فينو�س" هو ا�سم �آخر‬ ‫لـ "�أفروديت"�أم �إل ٌه مختلف؟يقول (ولكن َمن الذي يهتم بهذا؟ الحياة �أق�صر ِمن �أن ننفقها‬ ‫لمعرفة ال َفرق بين �أبناء الخيال ه�ؤالء) وهذا كال ٌم �صحيح فالحياة ق�صيرة ولكن بما �أنه لي�س‬ ‫وقت لتبحث وتعرف فلي�س ِمن حقك �أن تحكم في هذا المو�ضوع‪،‬ولي�س ِمن حقك �أن تحدد‬ ‫لديك ٌ‬ ‫�أن التعدد هو الأ�صل ولي�س التوحيد‪ ،‬لن ُق ْل بب�ساط ٍة ال نعرف‪ ،‬فهذا هو الأ�سلوب العلمي ولي�س‬ ‫كتاب يتكلم عن الآلهة‪.‬‬ ‫الهروب لنقول َمن يهتم‪ ،‬و�أنت م�ؤ ِّلف ٍ‬ ‫� ً‬ ‫نوع من الآلهة‪ ،‬ولكن ي�أتي ليقول في‬ ‫أي�ضا يذكر في ال�صفحة ‪� 38‬أنه يهاجم كل الآلهة‪� ،‬أي ٍ‬ ‫ال�صفحة ‪" 40‬مالم �أحدد نوع الدين ف�إن الدين الم�سيحي هو المق�صود‪ ،‬لي�س ل�شيء �إال كونه‬ ‫‪70‬‬


‫م�ألو ًفا لدي �أكثر من غيره"‪ .‬وهذا الكالم م�شكلة لأنه يحاول �أن يطبق ف ْه َمه للم�سيحية على‬ ‫كافة الأديان‪ ،‬والأكثر من ذلك �أنه يبرر بذلك بقوله في نف�س ال�صفحة"الفروق ال تهم بقدر‬ ‫الت�شابهات بين الديانات الثالثة" ويقول في مكان �آخر "�إن الأديان الثالثة يمكن اعتبارها دي ًنا‬ ‫الرجل في كتابه وال نعرف َمن‬ ‫واحدً ا‪ .‬وهكذا نجد �أنف�سنا �أمام فر�ضيات �ضخمة يفر�ضها هذا ُ‬ ‫قال له �إنها �صحيحة‪ ،‬و الم�ألوف لديه دينٌ واحد فقط من الأديان وهو الم�سيحية؟‬ ‫ِومن المغا َلطات التي يحملها الكتاب هو اعتبار الديانات التوحيدية متمثلة بالديانات الإبراهيمية‬ ‫فقط بالرغم من �أنه قال في مكان �سابق �إنه حتى الهندو�سية يمكن اعتبارها ديانة توحيدية‪،‬‬ ‫دين اعتنقه الإن�سان المفكر‬ ‫وهذا الخط�أ �شائع في الحقيقة‪ ،‬التوحي ُد في نظر الم�ؤمنين هو �أول ٍ‬ ‫خ�صو�صا �أنه‬ ‫وهو دين �آدم‪ ،‬وبالتالي ال يمكن �أن نقول �إن الأديان التوحيدية �أ�صلها �إبراهيمي‬ ‫ً‬ ‫إبراهيم مت�ساويان علم ًيا من حيث �أنه ال توجد �أدلة مادية على‬ ‫من ناحية منطقية ف�إن �آدم و�‬ ‫َ‬ ‫وجودهما و�سنتكلم عن ذلك الح ًقا‪ .‬بالتالي ت�أكيد داوكنز على ن�سبة الأديان التوحيدية �إلى‬ ‫�إبراهيم هد ُفه اعتبار �أن الدين التوحيدي قد ظهر الح ًقا على يد �إبراهيم و�أن تعدد الآلهة هو‬ ‫الأ�صل‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫تناق�ض مع تعريفه للخالق‬ ‫في هذا الف�صل يقترح داوكنز �أن وجود اهلل هو نظرية علمية‪ ،‬وهذا‬ ‫نف�سه باعتباره قو ًة ما ورائية وال ِعلم ال يمكن �أن يتعامل مع الأمور الماورائية كما هو‬ ‫الذي �ألزم به َ‬ ‫معروف‪ ،‬ونجد في هذا الف�صل جدول الحتمالية وجود خالق من عدمه مكو ًنا من �سبع درجات‪،‬‬ ‫المفاجئ في الأمر �أنه ي�صنف‬ ‫تماما‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تماما والدرجة ال�سابعة "ملحد ً‬ ‫الدرجة الأولى "م�ؤمن ً‬ ‫�شخ�ص ي�ؤ ِّلف‬ ‫نف�سه �ضمن المرتبة ال�ساد�سة والتي تعني �أن هناك احتما ًال �ضعي ًفا لوجود خالق!!‬ ‫ٌ‬ ‫‪71‬‬


‫احتمال �ضعيف �أكبر من ال�صفر‬ ‫"وهم الإله" ِومن َثم يقول لنا �إنه يعتقد في وجود‬ ‫كتابا عنوانه ْ‬ ‫ٍ‬ ‫في وجود خالق‪� ،‬أم ُر ذو دالل ٍة وا�ضحة �أن المو�ضوع لي�س علميا �أو لن ُق ْل لي�س من العلم اليقيني‬ ‫و�إنما من ال ِعلم الن�سبي‪ ،‬ولذا ال ي�ستطيع داوكنز �أن يجزم بعدم وجود �إله‪ ،‬وال ي�ستطيع �أن يعتبره‬ ‫فر�ضي ًة علمية يمكن �إثبات ف�ش ِلها كما ي َّدعي‪ ،‬ولو كان الأمر كذلك لكان المفرو�ض �أن ي�صنف‬ ‫نف�سه �ضمن المرتبة ال�سابعة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫�إبري ٌق ال�شاي من الأوه��ام والأمثلة الم�ضحكة التي يرددها الملحدون ويحاولون في بع�ض‬ ‫أنف�سهم كمفكرين‪ ،‬وبب�ساط ٍة ف�إن ال َمثل يقترح‬ ‫الأحيان تغيي َر الكالم مع �إبقاء المعنى ليظهروا � َ‬ ‫كوكب بعيد �أو خلفه‪ ،‬بحيث ال يمكن لتل�سكوباتنا �أن‬ ‫ج�سم مع َّي ٍن ك�إبريق �شاي يدور حول ٍ‬ ‫وجو َد ٍ‬ ‫تراه‪ ،‬بالتالي �إذا جاء �أحدهم وقال هناك �إبريق �شاي فال يمكن لأحد �أن ينفيه لأن �أدواته (‬ ‫تل�سكوباته في هذه الحالة) ال يمكن �أن ت�صل لمكان الإبريق وال يمكن لأحد �أن يثبته � ً‬ ‫أي�ضا لنف�س‬ ‫ال�سبب‪ ،‬الملحد يقول �إن حال الخالق كحال �إبريق ال�شاي ال يمكن �إثباته وال يمكن نفيه‪ ،‬هذه‬ ‫المقاربة من �أغبى المقاربات‪ ،‬فهذا ال�شخ�ص و�أمثاله ال يف ِّرقون بين الحقائق والأوهام التي‬ ‫ذكرناها في ف�صل الم�صطلحات‪ ،‬ولذا وقعوا في هذه الأمثلة الكارثية التي ُتظهِ ر مدى النظرة‬ ‫ال�سطحية التي يملكونها لمفهوم الخالق‪ ،‬وبطبيعة الحال َمن يملك مثل هذه النظرة لأهمية‬ ‫أ�س�س‬ ‫مبني على � ٍ‬ ‫الخالق ومكانته ف�إن م�صي َره الإلحاد ولكن ليكن من�ص ًفا وال يقول لنا �إن �إلحا َده ٌّ‬ ‫�صريحا ويقول هذا ف ْهمي وتلك نظرتي للخالق‪.‬‬ ‫علمية‪ ،‬و�إنما ليكن‬ ‫ً‬ ‫�إبريقُ ال�شاي ُذ ِكر في هذا الف�صل مع �أمثلة �أخرى مثل بابا نويل (�سانتا كلوز) وغيرها‪ ،‬وال‬ ‫�أعرف كيف يمكن مقارنة هذه الأمثلة ال�سطحية بالخالق و�آثارِه؟ ف�أمثلتُهم ال �أثر لها وال �سبب‬ ‫تماما‪ ،‬وقد طرحت هذا ال�س� َؤال على البروف�سور مانو �سنكهام‬ ‫�أ ّما الخالق فالمو�ضوع مختلف ً‬ ‫‪72‬‬


‫�أثناء �إلقائه محا�ضرة بعنوان كيف �أن الأدلة المنطقية تقودنا �إلى االعتقاد بعدم وجود خالق"‬ ‫في م�ؤتمر الملحدين والإن�سانين في مدينه بت�سبورغ الأمريكية عام ‪ ,2014‬حيث �ش َّب َه الإله‬ ‫قادرات على الكتابة بالالتينية في مزرعة في مكان ناءٍ ال يمكن‬ ‫بقرات‬ ‫في محا�ضرته ب�سب ِع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�أن ن�صل �إليه"نف�س المثال ولكن بكلمات مختلفة"‪ ,‬فقلتُ له لماذا �أ�ؤم��ن �أ�ص ًال بوجود هذه‬ ‫البقرات؟ وما الدليل على وجودها؟ ويمكن �أن ن�س�أل نف�س ال�س�ؤال لكافة الأمثلة الم�شابهة‪،‬‬ ‫فقال ال �سبب هناك‪ ،‬وكذا الخالق‪ ،‬فقلتُ له غير �صحيح‪� ،‬إيماني بالخالق له � ُ‬ ‫�سبب و�سبب‬ ‫ألف ٍ‬ ‫فهذا الكون والحياة وقوانين الطبيعة وغيرها الكثير من الأدلة على وجود ق َوى خارقة‪ ،‬ولكن ما‬ ‫أمر ب َّي َنه �آين�شتاين حيث‬ ‫الدليل على البقرات �أو �إبريق ال�شاي؟ فبهت بالحقيقة‪ ،‬وهذا نات ٌج عن � ٍ‬ ‫قال " َرج ُل ال ِعلم �ضعيف في الفل�سفة"‪.‬‬ ‫ِمن الإ�شكاليات التي يرددها الملحدون كثي ًرا كالببغاء هو ما َذ َكره داوكنز في ال�صفحة ‪55‬‬ ‫خالق تقع على عاتق الم� ِؤمن ولي�س‬ ‫من هذا الف�صل‪ ،‬وهي �أن م�س�ؤولية البرهان على وجود ٍ‬ ‫�شخ�ص م�سئول عن‬ ‫الملحد"‪ ،‬وفي حقيقة الحال �إن م�س�ؤولية البرهان م�س�ؤولية فردية‪ ،‬فكل‬ ‫ٍ‬ ‫جواب لهذه الم�س�ألة المهمة التي هي جز ٌء من فطرته‪ ،‬فحتى الملحد لوال فطرته‬ ‫البحث و�إيجاد ٍ‬ ‫لما بحث المو�ضوع و�أنكره‪ ،‬فال يوجد �إن�سا ٌن ال ي�س�أل نف�سه هذا ال�س�ؤال وهذه هي الفطرة‪.‬‬ ‫"وهم الإله" يهاجم الكثي َر من الظواهر االجتماعية‬ ‫وال ُبد من الت�أكيد مر ًة ثانية �أن كتاب ْ‬ ‫والثقافية‪ ،‬والكثي ُر ِمن الم�ؤمنين في ال�شرق والغرب لديهم نف�س الم�شكلة مع هذه الظواهر‬ ‫ويقفون بال�ضد منها‪ ،‬ولكن �أن يتم اتخاذ هذه الظواهر و�سيل ًة لمحاربة الأديان فهذا ما ال يق ُّره‬ ‫أ�س�س علمية‪.‬‬ ‫�شخ�ص عاق ٌل ف�ض ًال عن‬ ‫مبني على � ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�شخ�ص ي َّدعي �أن َ‬ ‫ٌ‬ ‫كالمه ٌّ‬ ‫في هذا الف�صل تك َّلم عن تجربة الدعاء و�سنتكلم عنها الح ًقا بالتف�صيل‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫ومن الأمور المهمة في هذا الف�صل �صفحة ‪� ،86‬أنه تكلم عن الم�ؤمنين الذين َيقبلون بنظرية‬ ‫التطور وبدل �أن يمدح تفهمهم لنظريته وموقفهم الإيجابي منها نجده يتخذ موقفا مت�شددا‬ ‫منهم ال يختلف كثي ًرا عن موقف الملحدين تجاه المعتدلين �إ�سالم ًيا‪ ،‬فمث ًال غال ًبا ما ي�ست�شهد‬ ‫َ‬ ‫الممثل الحقيقي للإ�سالم بينما بقية الم�سلمين‬ ‫الملحدون ب�أفعال القاعدة وداع�ش ويعتبرونهم‬ ‫مجرد منافقين �أو مغفلين‪ ،‬نف�س الموقف يتكرر حيث نجد داوكنز يرى �أن البابا يوحنا بول�س‬ ‫الثاني مناف ًقا نتيجة لأنه َكتَب ر�سال ًة يدعم فيها الداروينية‪ ،‬نعم اتهمه بالنفاق و�أنه ِّ‬ ‫يف�ضل عليه‬ ‫متطر ًفا �صاد ًقا‪ ،‬وهذه �إحدى المغالطات الكبرى التي تكلمنا عنها �ساب ًقا‪.‬‬ ‫ِومن حقنا الت�سا�ؤل لماذا اتهم داوكنز البابا بالنفاق لمجرد �أنه وافق على نظرية التطور �أو‬ ‫َق ِب َلها �أو �شيء من هذا القبيل؟ لماذا ُي�صر الملحدون على اعتبار الدواع�ش هُ م الم�سلمون‬ ‫الحقيقيون وغيرهم ِمن المعتدلين مجر َد مر ِّقعين �أو مغفلين �أو منافقين؟؟ال�سبب وا�ضح جدً ا‬ ‫كبير في زيادة القناعة لديهم ب�صحة موقفهم من الدين‪،‬‬ ‫وهو �أن المتطرفين ي�ساهمون ٍ‬ ‫ب�شكل ٍ‬ ‫�أ ّما المعتدلون ف�إنهم يزيدون من �شكهم و�ضياعهم الفكري لذا تراهم يف�ضلون المتطرفين‬ ‫ويعتبرونهم هُ م ال�صادقين وما دو َنهم منافقون ومر ِّقعون‪ ،‬فال�سبب نف�سي بالدرجة الأولى ولي�س‬ ‫علميا‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى �أن داوكنز ال ينظر �إلى نظرية التطور كنظرية علمية ولكن ك�أداة لنفي‬ ‫الإيمان‪ ،‬وبالتالي ال ي�ستوعب وجود م�ؤمن يقبل بالنظرية‪ ،‬يوافق داوكنز على ما ذهب �إليه �أحد‬ ‫زمالئه عندما ب َّينَ �أن طبيعية الخالف الحقيقة هي لي�ست بين التطوريين والخلوقيين و�إنما‬ ‫غيبي وال ِعلم عقالني‬ ‫هي حرب ِ‬ ‫الح ْظ تعبير حرب‪ -‬بين العقالنية والغيب َّية باعتبار �أن الدين ّ‬‫كما ي ّدعي‪.‬‬ ‫ِوم��ن الجميل �أن يعترف داوكنز في هذا الف�صل ب��أن الخلوقيين �أمثاله (متفقين معه) ال‬ ‫‪74‬‬


‫معين للأ�سف‬ ‫يعترفون بمبد�أ االخت�صا�صات غير المتداخلة‪ ،‬وهذا التطابق الفكري في‬ ‫مو�ضوع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ال يعترف به الملحدون العرب عندما تبين لهم �أن موقفهم من الدين هو كموقف الدواع�ش‬ ‫والقاعدة والتكفيريين نتيجة لتطابق المودة الذي تكلمنا عنه في المغالطات‪.‬‬

‫الفصل الثالث – الدليل على وجود الخالق‬ ‫َيعر�ض داوكنز في هذا الف�صل َ‬ ‫خالق منها الأدلة الفل�سفية‪� ،‬أو الأدلة‬ ‫بع�ض الأدلة على وجود ٍ‬ ‫دليل‬ ‫العرفانية المتمثل ًة في الأح�لام �أو التجارب ال�شخ�صية‪ ،‬والبد من التنويه �إلى �أن �أي ٍ‬ ‫عرفاني ال ي�صح �أن يعت َبر دلي ًال على وجود الخالق لأنه �إنْ َ�ص َّح فهو دلي ٌل فردي �شخ�صي ال قيمة‬ ‫حقيقة له بين النا�س وال يمكن اعتباره حجة عليهم‪ ،‬وهذا ما غفل عنه ريت�شارد داوكنز فال‬ ‫يمكنه �أن يعر�ض �أدلة الكتب المقد�سة وهو ال ي�ؤمن بوجود خالق فاالعتقاد بالخالق ي�أتي �أو ًال‬ ‫ومن َث َّم يتم البحث في الكتب المقد�سة لتبيان منطقيتها ومنطقية الأدلة التي ت�سوقها‪ ،‬الكتب‬ ‫أوامره ونواهيه‪ ،‬الإيمان بالخالق هو‬ ‫المقد�سة غال ًبا ما يكون بها‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات عن �صفات الخالق و� ِ‬ ‫عقيم ال �أول له وال �آخر‬ ‫والر�سل‪ ،‬و�إغفال هذه النقطة يدخلنا في ٍ‬ ‫�أول المراحل قبل الكتب ُ‬ ‫نقا�ش ٍ‬ ‫�شخ�ص بالخالق لأن فال ًنا ِمن النا�س‬ ‫وهو لي�س دلي ًال على وجود خالق من الأ�صل فكيف ي�ؤمن‬ ‫ٌ‬ ‫ي�ؤمن به؟‬ ‫توضيح آخر لنفس النقطة‪:‬‬ ‫ر�سول الإ�سالم عندما بد�أ دعوته لم ي�أمر النا�س بال�صالة والزكاة في �أول الأمر لأن هذه الأمور‬ ‫ت�أتي بعد الإيمان‪ ،‬فكان العمل الأول له في مكة هو دعوة النا�س �إلى الإ�سالم وتبيان الأ�سباب‬ ‫المنطقية لدعوته‪ ،‬ولذا بعد �أن ق ِبل النا�س بالدعوة و�آمنوا بوجود خالق انتقل الأمر �إلى تبيان‬ ‫‪75‬‬


‫عبادتهم ومعامالتهم‪،‬والأدلة التي ق َّدمها الر�سول على وجود خالق �أدلة فهمها النا�س ولم تكن‬ ‫بال�ضرورة من القر�آن الكريم‪ ،‬تمام كما روي عن �سبب �إ�سالم �سيدنا الحمزة وقوله �أن ي�سير‬ ‫في الليل وينظر ويعتقد بوجود خالق‪ ،‬حيث لم ي�أتي �إلى الر�سول وقال له �أعطني �أدلة على وجود‬ ‫خالق‪ ،‬و�إنما هو تو�صل لوجود الخالق بم�شاهدته ومالحظته وكان الر�سول م�صدر اطمئنان‬ ‫لهم‪ ،‬ونف�س الحال مع �سيدنا �إبراهيم الذي بحث و�أيقن بوجود الخالق حتى قبل �أن ي�صبح نبيا‬ ‫مر�سال‪.‬‬

‫الفصل الرابع – لماذا االحتمال األكبر هو عدم وجود خالق؟‬ ‫كالم فل�سفي �أ�شب َه ما يكون‬ ‫في هذا الف�صل لم يقدِّ م ريت�شارد داوكنز �شي ًئا جديدً ا �أكثر من ٍ‬ ‫االنتخاب الطبيعي لي�س �صدفة‪ ،‬على اعتبار �أن احتمالية �أن الكون ن�ش�أ من‬ ‫بالنحيب حول �أن‬ ‫َ‬ ‫ال�صدفة هو احتمال �ضئيل ال يمكن �أن ي�ضعه الإن�سان العاقل �ض ْمنَ اعتبارا ِته‪ ،‬وبالتالي هو‬ ‫ب�شكل عجيب بين الكون‬ ‫يريد �أن يبعد �صف َة ال�صدف ِة عن االنتخاب الطبيعي‪ ،‬ولكنه خ َل َط ٍ‬ ‫والتطور‪،‬فنظرية التطور نظرية بيولوجية لدينا م�شاهدات ح�سية عليها بينما الكون �أمر �آخر‪،‬‬ ‫�سند علمي‬ ‫هذا �إذا كنا نريد �أن نتكلم ب�شكل علمي ولي�س ب�شكل فل�سفي‪ ،‬ولكنه حاول وبدون �أي ٍ‬ ‫�أن يطبق مفهوم االنتخاب الطبيعي على الكون كله‪.‬‬ ‫الأدلة التي قدمها داوكنز ليثبت �أن االنتخاب الطبيعي لي�س �صدف ًة هو نقله لكالم روائي ا�سمه‬ ‫"دوغال�س �آدم"– الحظ روائي ولي�س عالم –حيث قر�أ هذا الروائي كتا َب ْي ريت�شارد داوكنز‬ ‫"الجين الأناني" و"�صانع ال�ساعات الأعمى" واقتنعـ حيث �إن اقتناع الروائي هو الدليل الذي‬ ‫‪76‬‬


‫يقدمه داوكنز لمقلديه ومرديه على �صحة ادعائه‪،‬وال �أعرف ما المطلوب من القارئ الحر‬ ‫�أن يفعل؟ هل عليه �أن يقتنع بكالم �آدم دوغال�س بدون �أن َّ‬ ‫يط ِلع على الأدلة؟ و�إذا كان الأمر‬ ‫كذلك ف�أنا � ِّ‬ ‫أف�ضل �أن �أتبع الأربعمائة دكتور الذين لم يق ِنعهم االنتخاب الطبيعي على �أن �أتبع‬ ‫ر�أي الروائي �آدم دوغال�س‪� .‬آدم دوغال�س تو ِّفي عام ‪ 2001‬وكتاب ريت�شارد داوكنز �صدر عام‬ ‫‪2006‬وبالبرغم من �أن داوكنز يعتقد ب�أن الموت هو النهاية‪ ،‬يقول عن �آدم دوغال�س في الف�صل‬ ‫�سي�ضح ُكه!! كيف ي�ضحكه و�أين‪ ,‬هذه ال يعرفها �إال الرا�سخون‬ ‫"وهم الإله"‬ ‫�إنه يتمنى �أن كتاب ْ‬ ‫ِ‬ ‫في الإلحاد‪.‬‬ ‫كذلك وليثبت �أن االنتخاب الطبيعي لي�س �صدفة �أتى بمقول ٍة للفيل�سوف دانيال دانيت يقول فيها‬ ‫"فكرة الحاجة لأ�شيا َء معقد ٍة ذكية لعمل �أ�شيا َء �أقل تعقيدً ا‪ ،‬نظرية الخلق المنزّل‪،‬حيث لم ن َر‬ ‫محا ي�صنع �صانع رماح"ما يريد �أن يقوله دانيت �أنه من ال�صعوبة �أن نقتنع ب�أن الت�صميم‬ ‫�أبد�أ ُر ً‬ ‫الذي نراه في الأ�شياء جاء من ال �شيء(انتخاب طبيعي)‪ ،‬لأننا تعودنا �أن الت�صميم غال ًبا ما‬ ‫ينتج عن م�صمم �أكثر تعقيدً ا‪.‬‬ ‫وبالتالي وح�سب الفيل�سوف دانيت ف�إن الم�شكلة ال ‪ 400‬دكتور الذين لم تقنعهم فر�ضية االنتخاب‬ ‫الطبيعي لي�ست في قلة الأدلة واالحتمالية ال�ضعيفة وتعار�ض المو�ضوع مع المنطق و�إنما لأنها‬ ‫نعتده‪ .‬هذا التب�سيط لأمر معقد يراد منا قبوله بال �أدلة �أمر غير مقبول والأدهى �أن‬ ‫فقط �أمر لم ْ‬ ‫ي�ستعين عالم مثل داوكنز مخت�ص في االنتخاب الطبيعي بفيل�سوف ليثبت �أن االنتخاب الطبيعي‬ ‫حقيقة‪.‬ويعلق داوكنز على هذه المقولة بقوله "�إن اكت�شاف داروين لعملية فعالة تناق�ض الحد�س‬ ‫ب�شكل كامل يجعل م�ساهمتَه في الأفكار الإن�سانية ثوري ًة ب�شكل كبير وم�شحون ًة بطاقة هائلة لرفع‬ ‫‪77‬‬


‫م�ستوى الوعي " وال �أدري هل نحن ب�صدد مناق�شة �إ�سهامات داروين في هذا الف�صل �أم ب�صدد‬ ‫�إثبات فعالية الت�صميم الذكي و تبيان �أن الكون ال يحتاج �إلى خالق؟‬ ‫يعلم َّ‬ ‫المط ِلعون �أن ِمن الأفكار التي ت�ستخدم للكالم عن احتمالية �أن الكون �أتى من ال�صدفة‬ ‫فكرة القرد الالمتناهية‪ ،‬والتي تقول لو �أن قردًا يطبع على �آله كاتبة ب�شكل ع�شوائي ولمدة غير‬ ‫ن�صا مع ّي ًنا مثل �أعمال �شك�سبير‪،‬وهذا بالفعل ما حدث‪،‬‬ ‫محدودة �سينتج وب�شكل ِ�شبه م�ؤكد ً‬ ‫حيث �إن الكون الوا�سع احتوى على محاوالت عدة ال نهاية لها وكلها ع�شوائية بال غاية‪ ،‬و�أحد‬ ‫ألت � َّأي عا ِلم ريا�ضيات لقال �إن هناك احتمالي ًة لحدوث‬ ‫هذه المحاوالت �أنتجت الأر�ض‪،‬لو �س� َ‬ ‫ذلك �أكبر من ال�صفر‪ ،‬ال�شخ�ص غير العلمي وغير َّ‬ ‫المط ِلع قد يقتنع بهذا الهراء ويقول بما �أن‬ ‫هناك عددًا كبي ًرا جدً ا من الكواكب فاحتمال ن�شوء الحياة وتطور الإن�سان والأجواء المثالية‬ ‫في الأر�ض بال�صدفة بدون وجود خالق �أم ٌر محت َمل‪ ،‬لتو�ضيح الفكرة ب�شكل �أف�ضل نذكرها على‬ ‫�شكل خطوات كالآتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تقترح الفكرة زم ًنا ال محدودًا (ال ُم َت َنا ٍه)‪ ،‬وهذا �أمر غير موجود على �أر�ض الواقع و�إنما‬ ‫م�صطلح ريا�ضي‪�.‬إذن هي فكرة غير قابله للتطبيق من الأ�صل‪ ،‬وبالتالي هي مجرد كالم‬ ‫مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫فل�سفي غير علمي‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الفكرة احتمال ًيا ممكنة ولكن واقع ًيا م�ستحيلة‪ ،‬وهنا يكمن الف ْر ُق بين المخت�ص في‬ ‫وال�شخ�ص الذي يتعامل مع العلوم التطبيقية با�ستخدام الريا�ضيات‪.‬‬ ‫الريا�ضيات البحتة‬ ‫ِ‬ ‫الحدث على عدد مرات المحاولة‪ ،‬فمث ًال �إذا كان‬ ‫حدوث‬ ‫ثالثا‪ :‬االحتمالي ُة ت�ساوي �إمكانية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪78‬‬


‫أ�سحب الكر َة‬ ‫كي�س يحتوي على ُك َرت ْي ِن �إحداهما بي�ضاء والأخرى �سوداء ف�إن احتمالية �أن � َ‬ ‫هناك ٌ‬ ‫أ�سحب الكر َة‬ ‫البي�ضاء �أو ًال ت�ساوي ½ �أي ‪ ،%50‬ولكن �إذا كان لدينا كي�سان ف�إن احتمالية �أن � َ‬ ‫أ�سحب الكر َة‬ ‫البي�ضاء من كال الكي�س ْين �أوال �ستكون م�ساوي ًة �إلى حا�صل �ضرب احتمالية �أن � َ‬ ‫البي�ضاء �أو ًال من الكي�س الأول م�ضروبة في احتمالية �أن �أ�سحب الكر َة البي�ضا َء �أو ًال من الكي�س‬ ‫الثاني‪ ،‬وبالتالي االحتمالية �ستكون‬ ‫‪4/1= 2/2X1/1‬‬ ‫�أي �ستكون خم�سة وع�شرين بالمائة‪ ،‬هذا �إذا كان االحتماالن ال يعتمد �أحدهما على الآخر‪� ،‬أي‬ ‫�أنهما م�ستقالن‪� ،‬أ ّما �إذا كانا غي َر م�ستقل ْين فالمو�ضوع مختلف‪ ،‬الآن ل َن ُعد ونح�سب احتمالية‬ ‫وح ّبا في ريت�شارد‬ ‫�أن يقوم القرد بطباعة كلمة واحدة فقط ولي�س �أعمال �شك�سبير ‪-‬تنا ُزال ِم ّنا ُ‬ ‫داوكنز‪ -‬ولتكن الكلمة هي "�شك�سبير" ونعطي للقرد لوح َة مفاتيح فيها �سبع ٌة وع�شرون حر ًفا‪،‬‬ ‫بالتالي �ستكون احتمالية كل حرف من الحروف ال�ستة هي‬ ‫‪27/1‬‬ ‫وبالتالي ف�إن االحتمالية �ست�ساوي‪:‬‬

‫‪27/1×27/1×27/1×27/1×27/1×27/1 =0.00000003=000 ،000 ،1000/3‬‬ ‫بمعنى�آخ َر �إن �إمكانية حدوث الأمر هو ‪ 3‬من �أ�صل مليار محاولة‪ ،‬وهذه الن�سبة قليلة بالرغم‬ ‫ً‬ ‫ألت عا ِل َم الريا�ضيات حول �إمكانية تحقق هذه االحتمالية‬ ‫من التنازل الذي ق َّدمناه‪ ،‬ولكن لو �س� َ‬ ‫ألت � َّأي عا ِلم في الهند�سة �أو في‬ ‫لأجاب ب�إمكاني ِتها لأنه يتكلم بالأرقام ال بالواقع‪ ،‬ولكن لو �س� َ‬ ‫العلوم التطبيقية لقال �إن مثل هذه الن�سبة م�ستحيل ُة الح�صول وته َمل‪ ،‬و ِن َ�سب �أكبر منها بكثير‬ ‫‪79‬‬


‫ته َمل وال نعيرها � َّأي اهتمام‪ ،‬كما ال ُبد من مالحظة �أن هذه التجرب َة ب�سيط ٌة وذاتُ اتجا ٍه واحد‬ ‫وال يمكن مقارنتُها بتعقيد الكون والحياة والتطور وغيرها من الأمور التي ُيراد �أن ن�صدق �أنها‬ ‫مح�ض �صدف ٍة �أو ق َوىً عمياء‪.‬‬ ‫وفي محاولة لزيادة هذه االحتمالي َة قام داوكنز بافترا�ض �أنه عند حدوث طفرة مالئمة ف�إنه‬ ‫ب�شكل تراكمي كما بي َّنا �ساب ًقا عند الكالم عن نظرية التطور‪ ،‬وهكذا ولكن‬ ‫يتم البنا ُء عليها ٍ‬ ‫تبقى االحتمالي ُة قليل ًة وقليلة جدً ا‪ ،‬وقد َق ِب َل داوكنز هذه االحتمالية ال�ضئيل َة وقال عنها �إنها‬ ‫تحطم اقتراح نظرية الت�صميم لملء الفراغات! وهذا كالم عجيب وك�أن الق�ضي َة مجرد معاند ٍة‬ ‫و�صراع ِد َيكة ‪ُ � ..‬‬ ‫أقبل بالن�سبة ال�ضئيلة لأنني ال �أحب فكرة الخالق‪ ،‬وهذه الن�سبة ال�ضئيلة تحطم‬ ‫منهجا علم ًيا فمِ ن حق الم�ؤمن �أن يقول‬ ‫نظرية الت�صميم‪ ،‬و�إذا كان الأمر كذلك والق�ضية لي�ست ً‬ ‫�إن الت�صميم و�إنْ كانت ن�سبتُه قليل ًة ف�إنه يحطم فر�ضية االنتخاب الطبيعي!‬ ‫بعيدً ا عن االحتماالت فقد تم �إجراء تجربه القرد ب�شكل عملي من ِق َبل طالب جامعة بليماوث‬ ‫خم�س �صفحات‬ ‫الأمريكية با�ستخدام قردة حقيقية‪ ،‬والنتائج كانت كارثي ًة حيث لم تن ِتج �سوى ِ‬ ‫حرف واحد فقط‪.‬‬ ‫مكونة من ٍ‬ ‫التعقيد غير القابل‬ ‫"وهم الإله" وال��ذي يحاول انتقا َد‬ ‫ِ‬ ‫نرجع �إل��ى الف�صل الرابع من كتاب ْ‬ ‫بكالم �إن�شائي‪ ،‬حيث �أجاب بجواب جدلي ال علمي عن ت�سا�ؤل كيف تطورت العين‬ ‫لالختزال ٍ‬ ‫و�أجزائها تعمل ب�شكل متكامل بحيث لو انتفى �أي جزء لما عملت العين‪ ،‬حيث قال"مري�ضة ماء‬ ‫العين المع ِتم التي رفعت عد�سة عينها جراحيا ال ت�ستطيع ر�ؤية �صورة وا�ضحة بدون نظارات‬ ‫ولكنها ترى ما يكفي لتفادي اال�صطدام ب�شجرة �أو الوقوع من حافة جبل‪،‬وكما هو وا�ضح فالرد‬ ‫ال ي�شرح لنا كيف تطورت �أجزاء العين الواحدة تلو الأخرى �أو ب�شكل متوازٍ �أو ب�أي �شكل �آخر مع‬ ‫‪80‬‬


‫الأدلة المنطقية العلمية ليقنع به �صاحب الت�سا�ؤل بطريقة علمية و�إنما كان الجواب جدل ًيا ال‬ ‫رائحة للعلم فيه وهذا الجواب للأ�سف �صادر من �شخ�ص �أف َنى حياتَه في الكالم عن التطور‬ ‫و�آلياته كما يدعي‪ ،‬ولكن الوا�ضح �أنه �أفنى حياته في الجدال حول الخالق حتى �أ�صبحت �أجوبته‬ ‫جدالية �أكثر منها علمية‪.‬‬

‫الفصل الخامس – جذور الدين‬ ‫اليمين وذات‬ ‫في هذا الف�صل يحاول داوكنز التعرف على �أ�سباب وجود الدين‪،‬حيث تخبط ذاتَ‬ ‫ِ‬ ‫مجال خارج اخت�صا�صه الأكاديمي‪،‬اعترف عن عجز ال ِعلم‬ ‫ال�شمال وخ�صو�صا �أنه يتكلم في ٍ‬ ‫في معرفة �أ�سباب �أمور �سطحية مثل ظاهرة"التنميل" حيث تقوم بع�ض �أنواع الطيور ب�إدخال‬ ‫النمل في ري�شها ويقول ال �أحد يعرف بال�ضبط الغاي َة من التنميل‪،‬على الرغم من وجود ع�شرات‬ ‫النظريات والمفرو�ض �أنه ي�ستخدم نف�س المنطق عند الإ�شارة �إلى بدء الحياة وغيرها من‬ ‫الأمور بدل �أن يعد مريديه بنظرية "كل �شيءٍ " كما �أو�ضحنا �ساب ًقا‪.‬‬ ‫على العموم يمكن اخت�صار الف�صل ب�أنه محاولة لإثبات �أن للدين �أ�سبا ًبا عديدة منها �أ�سباب‬ ‫نف�سية‪ ،‬و�أ�سباب �سيا�سية‪ ،‬و�أ�سباب اجتماعية‪ ،‬و�أ�سباب ثقافية‪ ،‬و�أ�سباب ع�سكرية‪ ،‬وحتى �أ�سباب‬ ‫غريزية‪،‬حيث نقل عن عا ِل ٍم ا�س ُمه "بلوم" في ال�صفحة ‪� 182‬أن الب�شر لديهم �صف ٌة طبيعية من‬ ‫�صلب الدماغ ت� ِّؤمن ت�أهي ًال طبيع ًيا لتق ُّبل الأفكار الدينية –وهذه هي الفطرة‪-‬وبالتالي ف�إنه‬ ‫يعتقد ب�أن الدين نات ٌج َع َر�ضي لهذه الأ�سباب‪ ،‬لكن هنا ممكن ل�شخ�ص �أن يختلف معه ويقول ال‬ ‫يمكن علميا تحديد َمن ناتج َمن‪ ،‬هل الدين نات ٌج عن هذه الأ�سباب؟�أم هذه الأ�سباب هي ظواه ُر‬ ‫وعوار�ض ومتطلباتٌ للدين؟ فمثال القر�آن احتوى على �شرائ َع مجتمعي ٍة وو�صايا �أخالقي ٍة وقتالية‬ ‫وغيرها‪ ،‬والنتيجة �أن هذه الظواهر �أو المتطلبات‬ ‫و�أوام َر مالي ٍة وقوانين للتوريث و�أمو ٍر نف�سية ِ‬ ‫‪81‬‬


‫إ�سالم و�إنما الإ�سالم �أنت َ​َجها �أو و�ضعها �ضمن اعتباراته‪.‬‬ ‫تنتج ال َ‬ ‫لم ِ‬ ‫�أما �إذا فر�ضنا �أنه يتكلم عن بدايات الأديان ف�إنه � ً‬ ‫أي�ضا ال ي�ستطيع الجزم �إال �إذا كان لديه‬ ‫ٌ‬ ‫وه ًما ف�ستكون وجهة نظره �أن الدين نات ٌج ع َر�ضي‬ ‫موقف م�س َّبق من الدين ويعتبره �أفيو ًنا �أو ْ‬ ‫ِل َما �سبق‪،‬بالنتيجة ادعاءه �أن الدين ناتج عر�ضي للأ�سباب المذكورة �ساب ًقا �أي �أن الدين �أمر‬ ‫اخترعه الإن�سان �أمر ال يمكن �إثباته؛ لأنه بب�ساطة الأمر كلم ٍة مقا ِب َل كلمة‪ ،‬فهذا يقول �إن الدين‬ ‫َنزَ ل مع الإن�سان بظواهره ومتطلباته التي تتال َءم مع احتياجات الإن�سان وفطرته‪ ،‬وهذا يقول �إن‬ ‫الدين كان مرحلة مت�أخرة عن مرحلة ظهور الإن�سان ب�شكله الحالي‪ ،‬وبالتالي من باب الإن�صاف‬ ‫نقول �إن الق�ضي َة متعادل ٌة والدين له ت�أثيراتٌ وفوائ ُد كبيرة �ضمن كافة المجاالت ال يمكن �إنكارها‬ ‫لكل من�صف فهو كان العونَ وال َ‬ ‫أمل للإن�سان عبر التاريخ‪.‬‬ ‫يحاول داوكنز وكما م َّه َد في المقدمة �أن ي�أتي بمفهوم االنتخاب الطبيعي الذي اعتر�ض عليه‬ ‫وعلى قدراته الـ ‪ 400‬عا ِلم‪ ،‬ويجعله منظوم ًة �ضخمة تخطط للم�ستقبل وتملك �إ�ستراتيجية‬ ‫ن�صه "�إن االنتخاب‬ ‫وا�ضحة ولي�س منظوم ًة ع�شوائية تَراكمية‪ ،‬فمث ًال يقول في ال�صفحة ‪ 183‬ما ُّ‬ ‫الطبيعي قد �ش َّكل عقو َلنا لفعل ذلك ‪-‬القدرة على البقاء‪ -‬ب�شكل فعال و�سريع‪ ،‬فهل يمكن �أن‬ ‫تخدمنا مثنويتنا وغائيتنا لهذا الهدف؟"‪ .‬بعبارة �أخرى يحاول �أن يقول �إن رغبتنا في وجود‬ ‫غاية للكون وفرقٍ بين الروح والمادة (المثنوية) هي �أمر �أوجده االنتخاب الطبيعي في الإن�سان‬ ‫لأنه �أم ٌر ي�ساعده على البقاء واال�ستمرار!‬ ‫"وهم الإله" نف�سه في بع�ض الأحيان قارئا لرواية خيال علمي‬ ‫وب�صراحة قد يجد قارئ كتاب ْ‬ ‫مبنية على �أوه��ا ٌم وفر�ضيات ال �سبيل �إلى �إثباتها على �أر���ض الواقع فمن ذا الذي ي�ستطيع‬ ‫‪82‬‬


‫�أن يثبت �أن االنتخاب الطبيعي �شكل عقولنا لفعل ذلك واالعتقاد به‪،‬وكذلك يقول في نف�س‬ ‫�صفات‬ ‫ال�صفحة‪" :‬الأ�شياء الحية لي�ست م�صمم ًة ولكن االنتخاب الطبيعي الدارويني �أعطاها‬ ‫ِ‬ ‫المبد�أ الت�صميمي"! كنتيجة لكالمه ن�ستنتج �أن االنتخاب الطبيعي الع�شوائي التراكمي يعطي‬ ‫�صفات ت�صميمية‬ ‫وي�شكل وله غاية وهدف! اال�ستنتاج من هذا الكالم �أن داوكنز يعترف بوجود‬ ‫ٍ‬ ‫للأ�شياء الحية وهذا �أمر ينكره الكثير من الملحدين‪.‬‬ ‫الأكث ُر ِمن هذا �أنه يقول في ال�صفحة رقم ‪" 185‬بالنتيجة ف�إن االنتخاب الطبيعي �شكل َ‬ ‫العقل‬ ‫ليمكنه من ا�ستعمال المبد�أ الغائي كطريق مخت�صر‪ ،‬نحن مبرمجون تركيب ًيا لن�سب الغايات‬ ‫للكائنات التي يهمنا ت�صرف ًها‪ .‬يعني �إ�ضافة ميزة �أخ��رى لالنتخاب الطبيعي وهي برمجة‬ ‫الإن�سان‪ ،‬الم�شكلة في هذا الكالم �أن االنتخاب الطبيعي ِمن الممكن �أن يعمل على تطوير ع� ٍضو‬ ‫َ‬ ‫الظروف المحيطة بالكائن‪،‬‬ ‫من �أع�ضاء الج�سم على الم�ستوى البعيد بحيث يتبنى هذا الع� ُضو‬ ‫َ‬ ‫العقول ليعطيها قدر ًة‬ ‫فالتطور ما هو �إال عملي ُة َت َبنٍّ للظروف‪ ،‬ولكن �أن يبرمج الأفكار وي�شكل‬ ‫م�صم ٌم وال يمكن‬ ‫على ف ْه ِم الظواهر بطريقة غائية مما ي�ساهم في بقائها فهذا �أم ٌر ال يفعله �إال ِّ‬ ‫غير مدرك ٍة ولو َح َر�ص داوكنز على ذلك من خالل كتا ِبه "الجين الأناني"‪.‬‬ ‫ِن�سبتُه لق َوىً عميا َء ِ‬

‫الفصل السادس – منشأ األخالق‬ ‫يتكلم في هذا الف�صل عن َمن�ش�أ الأخالق وهل من�ش�أها الأديان؟جاء هذا الف�صل ك�أغلب ف�صول‬ ‫الكتاب ال عالقة له بوجود الخالق من عدمه‪،‬حيث يبد�أ الم�ؤ ِّل ُف ب�سرد مجموعة من الر�سائل‬ ‫ذات الن َف�س التهجمي والكلمات البذيئة التي و�صلته محاوال الإيحاء �أن الم�ؤمنين لي�سوا ذوي‬ ‫‪83‬‬


‫ذات الن َف�س‬ ‫�أخالق‪ ،‬و�أن الدين لي�س هو من�ش�أ الأخالق‪ ،‬طب ًعا لم يذكر لنا داوكنز عد َد الر�سائل ِ‬ ‫الطيب والأخالق العالية التي و�صلته من الم�ؤمنين ولم يخبرنا بن�سبة هذا وذاك‪ ،‬لأن الهدف‬ ‫لي�س المو�ضوعي َة والإن�صاف و�إنما التركيز على ما يدعم وجهة نظره‪.‬‬ ‫بب�ساط ٍة يمكن �أن نقول �إن الأخالق �أم ٌر يعود �إلى الإن�سان وتربيته وثقافته‪ ،‬وهو �أمر ي�ست�شعر‬ ‫الإن�سان جماله بغ�ض النظر عن دي ِنه فهو �أم ٌر فطري وبديهي‪ ،‬والأديان تتالءم وتن�سجم مع‬ ‫أمران مترابطان هذا من ناحية‪ِ ،‬ومن ناحية �أخرى لي�س‬ ‫فطرة الإن�سان وبديهيات الكون ف ُه َما � ِ‬ ‫ؤمن بال�ضرورة خلو ًقا‪ ،‬فالإيمان �شيء والأخالق �شيء �آخر‪ ،‬وفي نف�س الوقت ال يمكن �إنكار‬ ‫كل م� ٍ‬ ‫�إ�سهامات الأديان في تقويم التوجه الأخالقي للإن�سان عبر التاريخ وبخالفه لما كان هناك‬ ‫حدود لأفعال الإن�سان وت�صرفاته‪ ،‬اليوم ال��دول المتقدمة لديها قوانين �صارمة للمجرمين‬ ‫وال َقتَلة والم�شتغلين بالدعارة والمتاجرين بالمخدرات‪ ،‬وهذا �أمر اتفقت ودعت �إليه الأديان من‬ ‫واحد من الثقافة والأخالق وحتى‬ ‫زمن بعيد ‪ ...‬ومحاولة اعتبار جميع الم�ؤمنين على م�ست َوىً ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الإيمان كال ٌم ال قيمة علمية له وال ي�ستحق �أن نتكلم عنه كثيرا‪.‬ونف�س ال�شيء بالن�سبة للملحدين‪.‬‬ ‫الدين و�ضح المبادئ العامة للأخالق في زمان كان البع�ض يعي�ش فيه كالوحو�ش بال قيم وال‬ ‫مبادئ‪.‬‬

‫الفصل السابع – الكتاب (الصالح) وأخالقيات روح العصر المتغيرة‬ ‫ا�ستمرا ًرا للف�صل ال�سابق يتناول داوكنز في هذا الف�صل َ‬ ‫بع�ض الأم��ور المذكورة في العهد‬ ‫القديم والعهد الجديد م�ؤكدا �أن الدين لي�س من الممكن �أن يكون م�صد ًرا للأخالق‪ ،‬للأ�سف‬ ‫وب�سبب ما ب َّي َنه داوكنز في بداية كتابه وهو �أن ثقافته واطالعه م�سيحية‪ ،‬لذا ف�إنه لم يذكر �شي ًئا‬ ‫عن القر�آن‪،‬وقد ينتقد �أحدهم داوكنز بقوله كيف يحاكم داوكنز الأديانَ ال�سماوي َة وهو ال يعرف‬ ‫‪84‬‬


‫وال ينقل وجهة نظر الدين الثاني من ناحية العدد والت�أثير عالميا وهو الإ�سالم؟!‬ ‫�سيدنا نوح لأبيهما لغر�ض ممار�سة الجن�س معه‬ ‫ِومن الق�ص�ص التي تناولها ق�ص�ص ت�سكير ابنت َْي ِ‬ ‫كما ذكرت في العهد القديم‪ ،‬وق�صة �أن �سيدنا هارون هو َمن َ�ص َنع ال ِع َ‬ ‫جل لقوم �سيدنا مو�سى‪،‬‬ ‫وغيرها من الق�ص�ص التي قد يكفي لردِّها ال�س� ُؤال عن وجهة النظر القر�آنية في المو�ضوع‪،‬‬ ‫وهذا �أمر مهم يجب االنتباه �إليه حيث يقع الكثير من الملحدين وحتى من الم�سلمين في خط�أ‬ ‫القول �إن الق�ص�ص في القر�آن ما هي �إال ن�سخ ٌة من العهد القديم والعهد الجديد‪ .‬وهذا كالم‬ ‫بعيد عن ال�صحة؛ فالعنوان هو فقط المت�شابه �أ ّما الغاية والتفا�صيل فمختلفة تماما‪ ،‬ولأجل هذا‬ ‫بعثَ ُ‬ ‫تماما فما الداعي لإر�ساله؟‬ ‫اهلل َ‬ ‫�سيدنا محمدا؛ و �إال لو كانت الق�ص�ص مت�شابه ً‬ ‫ن�صه "�إن‬ ‫َ‬ ‫بعد �أن �أَن َهى داوكنز َ‬ ‫كالمه عن العهد القديم انتقل �إلى العهد الجديد‪ ،‬وهنا يذكر ما ُّ‬ ‫ابتعد عنه كثي ًرا"‪ .‬وهذا �إ�شكا ٌل يجب �أن‬ ‫الم�سيح لم ي�أخذ �أخالقيا ِته من الكتاب المقد�س‪ ،‬بل َ‬ ‫َ‬ ‫العهد القديم كتابا �سماويا َ‬ ‫كامل‬ ‫يجيب عليه الم�سيحيون �أنف�سهم على اعتبار �أنهم يعتبرون َ‬ ‫ومتمما للعهد الجديد‪ .‬الم�سلمون متفقون مع داوكنز حيث لي�س من المعقول �أن يكون‬ ‫الأهلية ِّ‬ ‫م�صححا‬ ‫العهد القديم والجديد من م�صدر واحد فالإ�سالم يعتقد �أن ال�سيد الم�سيح جاء‬ ‫ِّ‬ ‫لالنحراف الفكري ال��ذي ح�صل ل��دى المجتمع اليهودي‪ ،‬وبالتالي من الطبيعي �أن تكون‬ ‫�أخالقيا ُته مختلفة‪.‬‬ ‫ينتقد داوكنز َ‬ ‫عقوق الم�سيح مع والد ِته في العهد الجديد‪ ،‬وكذلك دعوتَه لأ�صدقائه �أن يتركوا‬ ‫�أه َلهم‪ ،‬وطبعا مر ًة ثانية لو كان َّ‬ ‫مط ِلعا على وجهة النظر الإ�سالمية الخت َل َف المو�ضو ُع لأن‬ ‫إ�سالم ر َّد على جزئية عقوق الم�سيح لوالد ِته وكو ِنه كان َبا َّرا بها‪ ،‬وكذلك بالن�سبة لترك الأهل‬ ‫ال َ‬ ‫ي�صاح َب الفر ُد الم�س ِلم �أه َله في الدنيا على الرغم من االختالف‬ ‫ف�إن القر�آن ب َّينَ �ضرورة �أن‬ ‫ِ‬ ‫‪85‬‬


‫العقائدي معهم‪ ،‬وهذا �أمر طبيعي لأن المر�سلين ي�صححون ما اختلط والت َب َ�س على النا�س من‬ ‫الر�سل ال�سابقين لهم‪ .‬و من الأمور التي يذكرها الذ ْن ُب المت�أ�صل في الإن�سان نتيجة‬ ‫ر�ساالت ً‬ ‫لخطيئة �سيدنا �آدم كما يعتقد الم�سيحيون حيث تخل�ص النا�س منه ب�صلب الم�سيح‪ ،‬والإ�سالم‬ ‫نفى هذه الجزئية بمقولة التزر وازرة وزر �أخرى‪ ،‬ب�شكل �أو ب�آخر اتفق داوكنز في هذا الف�صل‬ ‫مع النظرية القر�آنية في النظرة �إلى مفردات العهد القديم والجديد‪.‬‬ ‫ذكر هتلر و�ستالين و�أفعا َلهما كنموذج ْين ملحد ْين‪ ،‬وهنا نجد ً‬ ‫فا�ضحا فعلى الرغم من‬ ‫تخبطا‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫م�شكوك في �إلحاده �إال �أنه ب َّين �أن م�س�ألة الإلحاد والتدين لي�ست مهمة بالن�سبة‬ ‫ت�أكيده �أن هتلر‬ ‫ل�شخ�ص �شرير كما �أنه لي�س هناك دلي ٌل على �أن الإلحاد ي�ؤثر على النا�س ب�شكل منتظم لعمل‬ ‫الأ�شياء ال�شريرة!و�إذا كان الأمر بهذه الب�ساطة فمِ ن الممكن �أن نطبق هذا الكالم على الدين‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا ونقول �إن بريد الكراهية الذي ي�صل �إليه لي�س له عالقة بالدين و�إنما راجع �إلى ال�شخ�ص‬ ‫نف�سه‪،‬من ناحية �أخرى �إذا كان داوكنز مقتنعا بكالمه فال �أعرف لماذا خ�ص�ص ِق�س ًما من هذا‬ ‫ٌ‬ ‫الم�سيحية؟؟تناق�ض‬ ‫الف�صل لإثبات �أن �إلحاد هتلر كان م�شكوكا فيه و�أنه ت�أثر بتربيته ون�ش�أته‬ ‫وا�ضح‪.‬‬ ‫ن�سي ريت�شارد داوكنز �أن من َع �أي مظهر من مظاهر التدين في االتحاد ال�سوفيتي على يد �ستالين‬ ‫َ‬ ‫الملحد لم يكن نتيجة درا�سات علمية �أو نتيجة عقدة نف�سية ل�ستالين‪ ،‬و�إنما ناتج عن ف ْهم‬ ‫ي�شترك فيه جميع الملحدين باعتبار الم�ؤمنين مجرد جهلة والدين و�سيلة لتركيع المجتمعات‬ ‫واقتيادها كالقطعان‪ ،‬كذلك يتغافل داوكنز وب�شكل مف�ضوح عن الكالم عن �ستالين في هذا‬ ‫الف�صل وي�ؤكد على �أ�صول هتلر الم�سيحية‪ ،‬في حين هو يقول �إن ال�شر والطيبة ال عالقة لهما‬ ‫بالإلحاد �أو التدين!!! على العموم �أفعال �ستالين هي نتيجة طبيعة لإلحاده‪ ،‬و�إيما ِنه ب�أن الدين‬ ‫‪86‬‬


‫هو �أفيون قاتل لل�شعوب كما ع َّبر لينين في ر�سالة كتبها عام ‪ 1913‬بقوله‪�" :‬أي فكرة دينية‪،‬‬ ‫كل �إله ولو كان �صغي ًرا‪ ،‬هو قذارة ال تو�صف‪ ،‬قذارة من �أخطر الأنواع والطاعون الأكثر فت ًكا‪"،‬‬ ‫طبعا �أكاد �أجزم �أن كل ملحد من الملحدين المتع�صبين �سيوافق على هذه المقولة للينين‬ ‫وب�شدة‪،‬ولنا �أن نت�صور ماذا �سيح�صل لو �سيطر ه�ؤالء المتع�صبون على الحكم في �أي بلد‪،‬‬ ‫لن�شاهد ما فعله لينين نف�سه عندما �سيطر على الحكم‪:‬‬ ‫ولماذا نذهب بعيدً ا؟‬ ‫ِ‬ ‫المر�سوم الأول الذي‬ ‫الحكم عام ‪� ،1917‬أ�صدر‬ ‫َ‬ ‫يوم ٍ‬ ‫واحد من �سيطرة الثورة البل�شفية على ُ‬ ‫َ‬ ‫فبعد ٍ‬ ‫َكتَبه لينين بيده والذي يقت�ضي بم�صادرة جميع الأرا�ضي التابعة للكني�سة والرهبان‪.‬‬ ‫بعد �شهر من الثورة البل�شفية �صدر مر�سو ٌم يق�ضي بحرمان الكني�سة الأرثوذك�سية من كافة‬ ‫ممتلكاتها‪.‬‬ ‫بعد �شهر و�أ�سبوع واحد من الثورة البل�شفية تم �إغالق جميع الأديرة‪.‬‬ ‫بعد �شهر و�أ�سبوعين تم �إلغاء الزواج الم�سيحي وا�ستبداله بالزواج المدني‪.‬‬ ‫في ال�شهر الثاني من عام ‪� 1918‬أي بعد ما يقرب الأربعة �أ�شهر على الثورة البل�شفية �أ�صدر‬ ‫مر�سوما بف�صل الدين عن الدولة‪ ،‬قد يعتقد العلمانيون �أن هذا �أمر طبيعي وهو �أمر‬ ‫لينين‬ ‫ً‬ ‫طبيعي فع ًال في الدول العلمانية ولي�س في الدول التي يقودها ملحدون لأن الأمور �ستكون �أكثر‬ ‫بعده �ستالين لي�س ف�صل الدين عن الدولة و�إنما ف�صل‬ ‫ب�شاع ًة كما �سنرى‪ ،‬لأن مق�صد لينين ِومن َ‬ ‫الدين عن الإن�سان وبالقوة �إن تطلب الأمر‪ ،‬وال ن�ستغرب مثل هذه القرارات ممن يعتبر الدين‬ ‫طاعو ًنا ومدم ًرا للب�شرية‪ ،‬حيث قام لينين بالقب�ض على الآالف من الم�ؤمنين ِمن الق�سي�سين‬ ‫والرهبان والراهبان ونقلهم �إلى مع�سكرات العمل (�سجون خا�صة) ليعملوا فيها بالقوة وذلك‬ ‫‪87‬‬


‫وهم وما يقوم به ه�ؤالء ت�ضليل للنا�س‬ ‫�أمر طبيعي لدى الملحد الذي يعتقد �أن الدين مجرد ٍ‬ ‫بالقوة‪،‬ومن ال ي�ستطيع َ‬ ‫العمل يكون‬ ‫فمِ ن الأف�ضل للب�شرية �أن يتم ا�ستغاللها في �أمور �أف�ضل ولو‬ ‫َ‬ ‫م�صيره ر�صا�صة في الر�أ�س فهو ال ي�ستحق �أن تَ�صرف عليه الدولة �أكثر من ثمن الر�صا�صة‬ ‫ليحيا المجتمع الحر ب�أمان و�سالم‪ ،‬وهذا حدث في �ألمانيا حيث كان يتم حرق وقتل الكبار‬ ‫في ال�سن والمعوقين والمنغوليين تحت القاعدة الداروينية المعروفة البقاء للأ�صلح‪ ،‬وبالطبع‬ ‫يحا�سب‬ ‫تطور الأمر باالنتخاب الطبيعي حتى �أ�صبح تعليم الأطفال الدينَ جريم ًة عام ‪َ 1927‬‬ ‫عليها بال�سجن ع�شر �سنوات (رقم الفقرة في القانون ‪ )10-58‬و�أ�صبحت حرية ال�صالة هلل‬ ‫م�سموحة �إذا كان َمن ي�سمع ال�صالة اهلل فقط!‬ ‫قد يقول قائل ٌ �إن لينين و�ساتلين وماوت�سي تونغ وكا�سترو وغي َرهم لي�سوا ملحدين و�إنما هم‬ ‫�شيوعيون‪ ،‬وهذا كالم غير واقعي لأن محاربتهم للدين كانت مبني ًة على �أ�سا�س فكرهم الإلحادي‬ ‫ولي�س ال�شيوعي‪ ،‬كارل مارك�س وهو �أب ال�شيوعية لم ي ُقل �سوى مقولته الم�شهورة "الدين �أفيون‬ ‫ال�شعوب" ور َّكزَ في حياته على االقت�صاد وكان يعتقد �أن بتحقيق الم�ساواة �سيتم ترك الدين‪،‬‬ ‫وبالتالي لم يكن من �أهداف ال�شيوعية جبر النا�س على ترك التدين وغلق الكنائ�س وما �إلى‬ ‫ذلك‪ ،‬وال بد من الت�أكيد على �ضرورة ف ْه ِم الفرق بين دولة يقودها ملحد ودول ٍة يقودها علماني؛‬ ‫حيث �إن الد�ستور الأمريكي بالرغم من �إقراره بف�صل الدين عن الدولة �إال �أنه في نف�س الوقت‬ ‫يقر ب�ضرورة احترام جميع الم�ؤ�س�سات الدينية واحترام حرية �أفرادها بممار�سة تعاليمهم‬ ‫طم�س الدين و�إلغا َءه‬ ‫و�شعائرهم بكل حرية‪ ،‬فالدولة التي يقودها الملحد يكون هدفها الأ�سا�سي َ‬ ‫من حياة مواطنيها ولي�س مجرد َمن ي�ستغل الدين لتحقيق مناف َع معين ٍة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من كل هذا قد يقول قائ ٌل �إن �أعمال �ستالين ولينين كانت بهدف �سيا�سي ولي�س‬ ‫‪88‬‬


‫نتيجة موقفهما الإلحادي‪ ،‬وهذا الكالم يمكن الإجابة عليه بب�ساطة عن طريق درا�سة واقع‬ ‫الحكومات الدكتاتورية التي على الرغم من عدم �إيمانها �إال �أنها لم ت�صطدم بالم�ؤمنين �إال‬ ‫عندما يقف الم�ؤمنون بال�ضد من م�شروعها ال�سيا�سي كما في العراق في عهد �صدام ح�سين‬ ‫وفي ليبيا في عهد معمر القذافي وفي �سوريا كذلك‪ ،‬ولم ي�ؤ ِّد ذلك في كل الأحوال �إلى محاولة‬ ‫عزل الدين عن النا�س و�إنما �إلى عزل الدين ورجاله عن ال�سلطة‪ ،‬وهذا يثبت �أن ما حدث في‬ ‫االتحاد ال�سوفيتي هو نتيجة الموقف الإلحادي للينين و�ستالين‪.‬‬ ‫للأ�سف ي�صرف الملحدون الكثي َر من الجهد والوقت في محاولة فا�شلة لإبعاد �أفعال �ستالين عن‬ ‫�إلحاده فتارة يقولون هو نز َع الملكي َة الفردية من الجميع �سواء �أكانوا م�ؤمنين �أم غير م�ؤمنين‪،‬‬ ‫وهذا �أمر وا�ضح باعتباره �شيوعيا‪ ،‬فبب�ساط ٍة يمكننا معرفة �سبب موقفه من الملكية الفردية‬ ‫ولكن ال يمكننا فهم موقفه من الدين بعيدً ا عن �إلحاده و�إيمانه ب�أن الدين و�أ ْت َب َاعه مجرد‬ ‫حمقى ال فائدة ترتجى منهم وهذا هو الدافع من وراء حر ِبه الوا�ضحة �ضد الدين والمتدينين‪،‬‬ ‫و�ضوحا‬ ‫وخ�صو�صا �إذا علمنا �أن ال�شيوعية في حد ذاتها ال عالقة لها بالدين‪ ،‬وحتى �أكون �أكثر‬ ‫ً‬ ‫ف�إنني بالت�أكيد ال �أق��ول �إن جميع الملحدين لديهم التوجه ال�ستاليني اللينيني ولكن يجب‬ ‫ت�صرفات القادة الملحدين الإجرامية ك �ستالين لم تكن لتحدث لوال �إلحاده‬ ‫االعتراف ب�أن‬ ‫ِ‬ ‫فهذا الموقف العدائي تجاه الدين لم يكن نتيجة لل�شيوعية ولم ينتج لأ�سباب �سيا�سية � ً‬ ‫أي�ضا‪.‬‬ ‫بعد �أن ينتهي داوكنز من محاوالته لإثبات �أن هتلر كان م�سيح ًيا على الرغم من �إقراره ب�أن ال�شر‬ ‫وب�شكل بهلواني �أن يقلب الطاولة‬ ‫والطيبة ال يتعلقان بكون ال�شخ�ص ملحدا �أو م�سيح ًيا‪ ،‬يريد‬ ‫ٍ‬ ‫على الم�ؤمنين مرة �أخرى في نهاية الف�صل متنا�س ًيا كل الدماء التي �أ�سا َلها الملحدون ليقول‪" :‬‬ ‫الكتب ال�سماوية‪،-‬‬ ‫نحن نبرر قتل ِ‬ ‫بع�ضنا البع�ض من خالل الإ�شارة �إلى كتابات قديمة‪-‬يق�صد َ‬ ‫‪89‬‬


‫إ�شارات في ُكت ٍُب قديمة‬ ‫َمن كان يعتقد ب�أن �شيئا م�أ�ساويا كهذا يمكن �أن يحدث؟" وال �أدري � َّأي � ٍ‬ ‫ا َّت َبعها �ستالين ولينين وغيرهما؟ و�أي �إ�شارات يتبعها الملحدون وهُ م يتهمون كافة الم�ؤمنين‬ ‫بالجهل والتخلف وقلة الب�صيرة وغير ذلك؟؟‬ ‫�آخر �سطر في هذا الف�صل �أكد داوكنز على �أمر مهم قد ناق�شته مرات عديدة وهو لو كانت‬ ‫الإن�ساني ُة ملحد ًة فهل �سنجد َمن ي�ضحي في �سبيل القيم والمبادئ؟‪ ،‬هل �سنجد َمن هو م�ستعد‬ ‫لأن ي�ست�شهد في �سبيل الحرية وال�شرف والوطن والآخرين؟ هل �سنجد ملحدً ا م�ستعد �أن يعطي‬ ‫فر�صتَه الع�شوائية في الحياة والتي بنهايتها ينتهي كل �شيء لفائدة �شخ�ص �آخر؟�أجاب داوكنز‬ ‫"من ذا الذي �س َيخرج للحرب ب�سبب عدم الإيمان‬ ‫في نهاية هذا الف�صل ٍ‬ ‫وا�ضح حيث قال‪َ :‬‬ ‫ب�شكل ٍ‬ ‫ب�شيء ما؟" وك�أن الحروب ال �سبب لها �سوى الإيمان ب�شيء ولي�س للحروب �أهداف منها الدفاع‬ ‫عن النف�س والدفاع عن الحقوق الم�شروعة‪ ،‬داوكنز ونتيجة لموقفه المتطرف من الدين ال يرى‬ ‫�ش ًرا في عالم �إال ويرى الدين المحرك الأ�سا�سي له‪.‬‬ ‫الف�صل الثامن – ما هي م�شكلة الدين؟ ما �سبب كل هذه العدوانية؟‬ ‫ي�ستمر م�سل�سل الكالم في هذا الف�صل عن كل �شيء ما عدا م�س�أل َة وجو ِد الخالق من عدمه!‬ ‫حيث يتكلم عن �أن �إيمان الم�ؤمنين ناتج عن قراءة ُك ُت ِبهم المقد�سة فقط وك�أنهم ال يفكرون‬ ‫كتاب وجدوه‪ ،‬وهذه نظرة �سطحية وا�ضحة‬ ‫فيما حولهم من ظواهر‪ ،‬و�إنما فقط هم �آمنوا لأجل ٍ‬ ‫لإيمان الم�ؤمنين‪.‬‬ ‫داوكنز في كالمه يعبر عن �أنه ي�ؤمن بالأدلة وهذه الأدلة تعني الحقيق َة بالن�سبة له‪،‬وي�ضيف �أنه‬ ‫ي�ؤمن بالتطور لأن الأدلة ت�شير له فهو حقيقة و�سينقلب �ضدها بين ليل ٍة و�ضحاها عندما تظهر‬ ‫‪90‬‬


‫�أدلة �ضدها! الخط�أ الذي وقع فيه داوكنز في هذه الكلمات هو قوله "�أ�ؤمن بالأدلة" والمفرو�ض‬ ‫يقول "�أنا �أقبل الأدلة" وذلك لأن الق�ضية لي�ست م�س�ألة �إيمان من عدمه و�إنما هي تجربة‬ ‫ومالحظة‪ ،‬ولكن هو ا�ضطر لأن يقول "�أ�ؤمن" لأن ال م�شاهدة حقيقية على التطور بال�شكل الذي‬ ‫يدعيه ِّ‬ ‫وينظر له بمعنى ال يمكن �أن نقوم بتجربة مختبرية تثبت �أن خلي ًة معينة ن�شاهدها تتطور‬ ‫عن طريق االنتخاب الطبيعي لت�صبح �إن�سا ًنا عاق ًال‪ ،‬وبالتالي هي مجرد ت�صو ٍر وتو ُّقع ِل َما حدث‬ ‫تدخل �إلهي �أو‬ ‫في �ضوء المعطيات والمكت�شفات ولكن هل يمكن �أن نثبت �أن التطو َر حدث بدون ٍ‬ ‫فعل ع�شوائي؟‬ ‫�أنه مجرد ٍ‬ ‫الخط�أ الثاني ال��ذي وقع فيه داوكنز هو اعتباره التخمينات العلمية بنا ًء على المكت�شفات‬ ‫والأدوات حقائقَ ‪ ،‬وفي الحقيقة هي لي�ست حقائقَ و�إنما دالئل ت�شير �إلى مو�ضوع معين ويتم‬ ‫ف ْهم هذه الدالئل عن طريقين الطريق الأول هو مقدار العلم والمعرفة التي لدينا‪ ،‬والثاني‬ ‫الأدوات التي ن�ستخدمها‪ .‬وكال الأمرين قاب ٌل للتطور فال ِعلم الن�سبي يتطور با�ستمرار‪ ،‬ولذا لدينا‬ ‫نظريات ي�ضرب �أحدها الآخر بمقدار ‪ 180‬درجة كما �أ�شرنا �سابقا‪ ،‬ولذا تعابير مثل �أ�ؤمن‬ ‫بالعلم والحقائق لي�ست تعابير �صحيحة عندما نتكلم عن ال ِعلم الن�سبي‪.‬‬ ‫يب ِّين داوكنز في هذا الف�صل �أن عدا َءه للدين �سببه التطرف الديني لأنه يقوم على الإ�ساءة‬ ‫للم�شاريع العلمية ب�شكل متوا�صل و�أنه يعلمنا �أن ال نغير ر�أينا وال يريد لنا �أن نتعلم المعلومات‬ ‫المثيرة المتوفرة‪ .‬كالم داوكنز هذا يتعار�ض مع ما ذكره في الف�صل الثاني �صفحة ‪ 70‬من‬ ‫الن�سخة العربية التي هاجم فيها الم�ؤمنين الذين ال م�شكلة عندهم مع نظرية التطور كالبابا‬ ‫يوحنا بول�س الثاني الذي و�صفه بالمنا ِفق‪ ،‬و�أن الخالف الحقيقي هو بين العقالنية والغيبية‪-‬‬ ‫‪91‬‬


‫كما يظن وفي حقيقة الأمر الدين لي�س غيبيا كما �سنو�ضح‪ -‬حيث �سمى َمن ي�ؤمن بالتطور ِمن‬ ‫الم�ؤمنين بالمتملقين‪ ،‬وهنا �أ�شعر ب�أن داوكنز ال يعرف ما يريد و�إنما حاله حال الزوج الغا�ضب‬ ‫الذي يلوم زوجتَه على كل �شيء‪ ،‬فلو وجد غبا ًرا على الطاولة �صرخ عليها و�إنْ م�سحت الغبار‬ ‫هاتف مهم‪ ،‬وهكذا �إن كان الم�ؤمن يقر بالتطور فهو‬ ‫كتب عليه رقم ٍ‬ ‫�أي�ضا �صرخ عليها ُ‬ ‫بحجة �أنه َ‬ ‫منافق‪ ،‬و�إن كان يقف �ضده فهو يقف �ضد ال ِعلم وهذا �سبب عدائه‪.‬‬ ‫�أكثر من ذلك يقول داوكنز �إن االعتدال الديني يفتح الباب للتطرف حيث يعلل ذلك بقوله �إن‬ ‫جو الإيمان الديني المعتدل هو المناخ الذي يزدهر فيه التطرف‪ ،‬وهكذا وبب�ساطة ي�صبح الدين‬ ‫هو الهدف وال �أجد فرقا كبيرا بين كالم داوكنز هذا ور�سالة لينين عام ‪1913‬واعتباره الدين‬ ‫عبارة عن طاعون‪ ،‬و�أنا مت�أكد �أن �ستالين وهتلر وغيرهما لديهم نف�س الفكر �إزاء الم�ؤمنين‬ ‫فعدم الثقة بالم�ؤمن موجودة لدى داوكنز بغ�ض النظر عن موقفه من العلم‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة �إن الملحد في العالم العربي يملك نف�س وجهة النظر تجاه الدين حيث يعتبره‬ ‫�سببا لعدم التفكير وتجميد العقل ويقبل ب�أي تف�سير �أكل عليه الزمان و�شرب وبدون �أن يفكر في‬ ‫التف�سيرات الأخرى �أو يطلع عليها وذلك �ضمن قادة تطابق المو ّدة على الرغم من �أن القر�آن‬ ‫يدعو الم�سلمين �إلى الم�سير في الأر�ض والنظر كيف بد�أ الخلق ويدعوهم للقراءة‪ ،‬والأمثلة‬ ‫كثيرة في هذا المجال‪�.‬أ ّما على الواقع العملي فالم�سلمون في �أوروبا و�أمريكا وبقية الم�ؤمنين‬ ‫هُ م في الطليعة‪ ،‬والملحدون �أقلية على كل الأحوال‪،‬ووجود كم متطرف �ضد بع�ض النظريات‬ ‫ناتجا عن موقف َمن ي�ؤمن بالتطور من الدين وهو موقف غير علمي‬ ‫العلمية كالتطور قد يكون ً‬ ‫موقف متخوف من نظرية �أو اثنتين ولي�س من العلم ب�شكل عام‪،‬‬ ‫دف َع بع�ض الم�ؤمنين التخاذ ٍ‬ ‫‪92‬‬


‫وبالطبع لكل فعل رد فعل وبغ�ض النظر عن الأ�سباب ف ُهم قلة وال يمكن �أن نقول ب�شكل علمي‬ ‫�إن كل الم�ؤمنين متطرفون ولديهم موقف غير �إيجابي من العلوم‪ ،‬فمثل هذا القول ي ُن ُّم تع�صب‬ ‫القائل وجه ِله‪.‬‬ ‫وليثبت داوكنز وجهة نظره نجده ي�ستعين بكلمات بع�ض الأمريكان المتع�صبين‪ ،‬وهذا �أمر ال‬ ‫إح�صائيات علمي ًة دقيقة حول عدد المتطرفين والمعتدلين‬ ‫ي�ستحق �أن يرد عليه ما دام ال يوفر �‬ ‫ٍ‬ ‫في �أمريكا‪.‬‬ ‫يدافع داوكنز في هذا الف�صل عن الإجها�ض والمثلية الجن�سية وبالطبع جميع الملحدين العرب‬ ‫لديهم نف�س الموقف‪ ،‬وال�سبب �أن الأديان حرمت هذه الأمور ولو �أن الأديان �أباحتها العتر�ضوا‬ ‫عليها � ً‬ ‫أي�ضا وقالوا �أي �إله َيقبل بالإجها�ض وال�شذوذ!؟ على العموم ال يهمني موق ُفه من هذه‬ ‫الأمور لأن ال عالقة له بجزئية وجود خالق من عدمها ولكن ال ُبد من الإ�شارة �إلى �أن موقف‬ ‫الملحدين من هذه الأمور نات ٌج ب�سبب موقف الدين منها ولذلك هُ م تبنوها كجزء من رف�ضهم‬ ‫للدين‪ ،‬ولو �أن الدين �أقر الإجها�ض والمثلية لر�أيت الملحدين �أول َمن يعار�ضها على اعتبار �أن‬ ‫الإجها�ض قت ٌل لنف�س ب�شرية‪ ،‬و�أن المثلية هي �أمر �شاذ عن الطبيعة الإن�سانية‪ ،‬ما � ِأحب �أن �أذكره‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا �أنه يقارن بين حاالت الإعدام والإجها�ض ويقول �إنه ربما �سينال المحكومون بالإعدام‬ ‫َ‬ ‫بع�ض الرحمة �إنْ �أخبروا الق�ضا َة ب�أنهم كانوا في يوم من الأيام بوي�ضة‪ ،‬هذه المقارنة �سخيفة‬ ‫يولد بع ُد قد يكبر وي�صبح عا ِل ًما‬ ‫طفل لم ْ‬ ‫وال �أعرف ب�أي منطق كتبها فما عالقة عملية �إجها�ض ٍ‬ ‫ك�آين�شتاين �أو حتى مجرما ك�أ�سام َة ِبن الدن ب�إن�سان مجرم ُح ِكم عليه بالإعدام؟مثل هذا‬ ‫الت�سا�ؤل لن يجيب عليه �إال الرا�سخون في الإلحاد‪.‬‬ ‫‪93‬‬


‫تماما‪ ،‬عن �أن و�صف المجرم �أ�سامة‬ ‫يثير داوكنز في هذا الف�صل �أم ًرا مه ًما و�أنا �أتفق فيه معه ً‬ ‫بن الدن بـ ال�شرير هو محاولة للتهرب من الإجابة ال�صريحة ل�س�ؤال مهم جدً ا‪ ،‬والإجابة كما‬ ‫يراها داوكنز هو �أن ابن الدن ي�ؤمن بحقيقة القر�آن حرف ًيا‪ .‬طب ًعا �أنا �أتفق مع الجزء وهو �أن‬ ‫كاف بالمرة‪ ،‬و�إنما على الم�س ِلم �أن يو�ضح لماذا هو‬ ‫ت�سمية ابن الدن بال�شرير فقط �أم ٌر غير ٍ‬ ‫�شرير؟ وهل هو يوافق القر�آن حرف ًيا �أم ال؟‬ ‫وهنا �أنا �أختلف مع داوكنز حول �أنه يطبق القر�آن حرف ًيا كما يدعي‪ ،‬ودليلي على ذلك هو كتاب‬ ‫"نبتة �إبلي�س" الذي �أ َّلفتُه ليب ِّين لأمثال ريت�شارد داوكنز خط�أَ نظر ِتهم و�أن الخلل لي�س في الدين‬ ‫�أو الإ�سالم �أو القر�آن و�إنما في طريقة ف ْهم المت�شددين‪ ،‬و�أ َّما ما ذهب �إليه داوكنز في هذا‬ ‫الف�صل ب�أنه علينا �أن نلوم الدينَ نف�سه ولي�س التطرف الديني فهو ناتج عن ك�سل داوكنز وعدم‬ ‫رغبته في ف ْهم مباني الإره��اب والمتطرفين‪ ،‬وفي فهمه ال�سطحي للدين حيث يظن �أن هذا‬ ‫كذاك وذاك كهذا‪ ،‬وهذا هو االتجاه الأعم والأغلب عند الملحدين فكلهم يعتبرون �أنف�سهم‬ ‫�أع َل َم من الم�ؤمنين ب�أديانهم‪.‬‬ ‫يقول "�سام هاري�س"‪" :‬المتدين المعتدل هو مزيج من المعرفة العلمانية والجهل ب�أ�صول الدين"‬ ‫آيات قر�آنية يفهمونها‬ ‫وهكذا الكثير من الملحدين العرب حيث غالبا ما يتحججون بانتقائهم � ٍ‬ ‫ب�شكل خاطئ نتيجة االجتزاء الذي يقومون به ويقولون هذا هو الفهم ال�صحيح والذي غال ًبا‬ ‫وينقلون من الأحاديث �أ�سو�أ ما فيها ومن‬ ‫ما يكون م�شاب ًها لفهم المتطرفين كداع�ش والقاعدة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال�سيرة �أ�سو�أها‪ ،‬وبما يتالءم مع �إيمانهم الإلحادي حيث تتوقف عقولهم عن �أي فهم معتدل‬ ‫لهذه الآيات �أو حتى �أن يكونوا من�صفين بنقل الأحاديث والروايات التي تناق�ض ما ينقلونه من‬ ‫‪94‬‬


‫�ضعاف الروايات حتى قال �أحدهم متهك ًما خذوا دينكم عن المالحدة‪ ،‬فالحق الحق �أقول لكم‬ ‫�إنهم وحدهم َمن يعرف َمن يمثل الإ�سالم" ‪!..‬‬ ‫ف�صل تكلم فيه داوكنز عن الإ�سالم‪ ،‬ولكنه لم ي�ستخدم �أفكاره‬ ‫قد يكون هذا الف�صل �أكثر ٍ‬ ‫أنا�س �آخرين وطب ًعا الكالم لم يكن عن الخالق‬ ‫لقلة معرفته بالإ�سالم ولكنه ا�ستعان ب�أفكار � ٍ‬ ‫من عدمه و�إنما عن التكفير والإرهاب‪ .‬من بين من نقل عنهم "باتريك �سكاديو"مدير وكالة‬ ‫منتم �إلى الديانة الم�سيحية ‪-‬من � ٍأب‬ ‫الدرا�سات الإ�سالمية والم�سيحية في لندن‪،‬هذا ال�شخ�ص ٍ‬ ‫هندو�سي و�أُ ٍم م�س ِلمة‪ -‬وي َّت َهم ب�أنه ِمن المتع�صبين �ضد الدين الإ�سالمي‪ ،‬كوكتيل من التناق�ض؛‬ ‫داوكنز الملحد ي�ستعين بكلمات �شخ�ص م�سيحي معروف تطرفه �ضد الإ�سالم في كتاب يتكلم‬ ‫"وهم الإله"ليعبر عن وجهة نظره في تعاليم الإ�سالم ولي�س عن وجود الأخالق من عدمه!!‬ ‫عن ْ‬ ‫المهم يتكلم ال�سيد باتريك عن ما ي�سميه الخليط من �آي��ات الجهاد وال�سالم في القر�آن‬ ‫فيقول‪":‬لو �أردتَ ال�سالم ف�ستجد �آيات ال�سالم‪ ،‬ولو �أردتَ الجهاد ف�ستجد �آيات الجهاد" و ُيعيد‬ ‫نف�س ال�شبهة القائلة ب�أن القر�آن ال َمكي �أكثر ر�أف ًة ورحم ًة من القر�آن ال َمدني في حين �أن �آيات‬ ‫ال �إك��راه في الدين و�ضرورة البر والق�سط مع المخالفين كلها �ضمن الفترة المدنية‪ ،‬وقد‬ ‫�أ�ش َبع كتاب" نبتة �إبلي�س" هذه النقطة بح ًثا وتف�صي ًال وهي نقطة ب�صراحة مبتذلة و�سخيفة‪،‬‬ ‫وي�ستعين بكلمات جماعة متطرفة ا�سمها "الغرباء" في لندن ليثبت وجهة نظره وال �أعرف لماذا‬ ‫ال ي�ستعين بكلمات جماعة معتدلة لتدح�ض وجهة نظره؟ �أو على الأقل ومن باب الإن�صاف ينقل‬ ‫وجهات النظر المختلفة‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫الفصل التاسع – الطفولة (االنتهاك والهرب من الدين)‬ ‫كالعادة ال ُبد و�أن ي�ضع الملحدون بع�ض المق ِّبالت والتوابل في كالمهم عن الإله‪ ،‬و�إنْ كان كتاب‬ ‫"وهم الإله" كله مقبالت وتوابل‪ِ ،‬ومن هذه المقبالت ق�ضية الأطفال وانتمائهم الديني وهل‬ ‫ْ‬ ‫يجب �أن ن�سميهم م�سلمين �أم م�سيحيين �أم ملحدين �أم ال �أدريين �أم ال �شيء؟ فالطفل مهما‬ ‫يكن ا�سمه �أو ما ُيك َنى به ف�إنه �سيختار طريقه بعد البلوغ‪ ،‬ولو كانت الأفكار تورث لكان ال�شعب‬ ‫العراقي اليوم ذا �أغلبي ٍة �شيوعية؛ حيث �إن جيل ال�ستينيات في العراق كان جي ًال �شيوع ًيا‪ ،‬ولكن‬ ‫وكما هو وا�ضح �أن الأطفال يكون لهم ر�أيهم في الدين وال�سيا�سية وغيرها‪ ،‬وهذا الر�أي قد يت�أثر‬ ‫بالمحيط ولكنه م�ستقل و�سنناق�ش هذا المو�ضوع الح ًقا‪.‬‬ ‫ولكن ما يمكن �أن نقوله ون�ؤكد عليه �أنه كما �أن ِمن حق الأب الملحد �أن يدر�س وينقل لأبنائه‬ ‫اعتقاده فكذا ِمن حق الأب الم�ؤمن وبالنتيجة يختار الأطفال ما يريدون عندما يكبرون‪�،‬أ ّما‬ ‫وخ�صو�صا في‬ ‫م�س�ألة ت�سمية هذا الطفل ملحدا �أو م�ؤمنا فال قيمة فعلية لها على الم�ستوى البعيد‬ ‫ً‬ ‫وقتنا الحا�ضر وقت �سهولة الو�صول �إلى المعلومة‪ ،‬ممكن في الع�صور ال�سابقة ونتيجة ل�صعوبة‬ ‫تداول المعلومات وال�سفر يمكن القول بالقوالب الجاهزة‪،‬ولكن التاريخ يخبرنا �أنه حتى في‬ ‫ذلك الوقت كانت هنالك االختالفات والنقا�شات والتحوالت الدينية والثقافية وغيرها‪.‬‬ ‫من الطريف �أن �إحدى �أكبر المنظمات الإلحادية في �أمريكا وهي منظمة "الحرية من الدين"‬ ‫تن�شر �صو ًرا فيها �أطفال َّ‬ ‫ور�ضع وتقول �إنهم ملحدون وقد التقيتُ ال�سيد َة"�آني غايلور" مديرة‬ ‫المنظمة في م�ؤتمر �إلحادي في بتر�سبورغ في والية بن�سلفانيا و�س�ألتُها عن هذه ال�صور وكيف‬ ‫يتم و�صف الأطفال بالملحدين فقالت ما ن�صه "�إنه �شيء جميل �أن ن�صور العائلة بكاملها‬ ‫‪96‬‬


‫وقد بانت �سعادتها نتيجة لموقفها الإلحادي"!! وهو �أمر م�ضحك كيف يقبلون هذا الأمر على‬ ‫�أتباعهم وي�ستنكرونه على الم�ؤمنين؟‬

‫تخلف المنطقة العربية‬ ‫�سبب ِ‬ ‫البع�ض يقول �إن التعليم الديني والإيمان بالمقد�س ورجال الدين ُ‬ ‫مث ًال‪ ،‬طب ًعا هذا الكالم يتم دح�ضه بب�ساطة عند النظر �إلى خارطة العالم وبالخ�صو�ص في دول‬ ‫العالم الثالث لنجدها موزعة في كل العالم �أوروبا ال�شرقية‪� ،‬آ�سيا‪� ،‬إفريقيا‪� ،‬أمريكا الجنوبية‪،‬‬ ‫�أمريكا الو�سطى‪ ،‬فتخلُّف الدول ناتج عن تخلف الم�ؤ�س�سة الحاكمة‪ ،‬وكنتيجة لذلك يتخلف‬ ‫رجال‬ ‫النظام االقت�صادي والتعليمي والعمراني وكل �شيء بما في ذلك النظام الديني‪ .‬فتخلُّف ِ‬ ‫دين معتدل ومثقف ف�سي�صفه‬ ‫الم�ؤ�س�سة الدينية هو نتيجة ولي�س �سب ًبا ِعل ًما ب�أنه و�إنْ ظهر رج ُل ٍ‬ ‫الملحدون ب�أنه منافق ومر َّقع‪،‬لأنهم يلعبون على الحبل ْين �إن كان متخل ًفا فهو عز الطلب ويركزون‬ ‫عليه ليثبتوا وجهة نظرهم ويعتبرونه الممثل الحقيقي للدين‪ ،‬و�إن كان مثق ًفا ومعتد ًال ف�إنه منافق‬ ‫ومر َّقع وال قيمة حقيقية لكالمه �سوى التجميل ِل َما ال يمكن تجميله‪.‬‬

‫‪97‬‬


‫الفصل العاشر‪ :‬الفجوة المهمة ج ًدا‬ ‫هذا الف�صل ي�شير �إلى نقط ٍة مهمة وهي الأثر الروحي للدين‪ ،‬وطب ًعا يعالج داوكنز هذا الأمر‬ ‫بنظرته ال�سطحية المعهودة حيث ي�شبه الدين في هذا الف�صل بال�صديق غير الحقيقي الذي‬ ‫يتخيله الطفل في �صغره ويقول ما ن�صه "في اعتقادي �أن ال�صديق التخيلي له عالقة مبا�شرة‬ ‫بالأديان" وهذا االعتقاد ال ي�ستحق �أن نقف عنده طوي ًال ولكن هذا االعتقاد مهم من حيث �إنه‬ ‫يو�ضح لنا ت�صور داوكنز ال�سطحي لمفهوم الإله و�أنه ال يفرق بين الأوهام كال�صديق التخيلي‬ ‫للأطفال �أو �سانتاكلوز �أو �إناء ال�شاي ال�صيني الذي يدور حول القمر‪ ،‬وبين الحقائق التي يقودنا‬ ‫�إليها الواقع‪ ،‬فعندما تحدث �سرقة مث ًال ال ننتظر �أن نرى ال�سارق لنعرف �أن َمن قام بال�سرقة هو‬ ‫ال�سارق‪ ،‬و�إنما ما دل على وجوده هو ال�سرقة فوجود ال�سارق هو حقيقة و�إنْ كنا ال نراه‪.‬‬ ‫�أجتمِ ُع �أ�سبوع ًيا مع مجموعة من الملحدين الذين يناق�شون كل �أ�سبوع فكر ًة‪ ،‬و�صادف �أنهم‬ ‫تكلموا عن ال�سعادة في �أحد الأ�سابيع وتم االقتبا�س من كالم "مارتن �سليجمان"‪-‬عا ِلم نف�س‬ ‫�أمريكي ورئي�س �سابق لمنظمة علماء النف�س‪ ،‬يعمل مد ِّر ً�سا في جامعة بن�سلفانيا الأمريكية –‬ ‫ب َّين فيه �أنه يمكن القول �إن هناك ثالثة �أنواع من ال�سعادة يمكن �أن يح�صل عليها الإن�سان في‬ ‫حياته‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬الحياة البهيجة – حيث يح�صل بها الإن�سان على �أكبر قد ٍر ممكن من البهجة‬ ‫عن طريق الت�سوق وال�سفر وحتى المخدرات وعن طريق �إيجاد ُط ُرقٍ مختلفة للح�صول على‬ ‫�أكبر فائدة وبهجة ممكنة من هذه الأمور‪،‬الم�شكلة �أن هذا النوع من ال�سعادة وقتي ويفقد طع َمه‬ ‫وقيمته بمرور الزمن ‪.‬‬ ‫‪98‬‬


‫النوع الثاني‪ :‬الحياة الجيدة – وهذا النوع يتحقق عندما نقوم بعمل نحبه �أو قراءة‬ ‫كتاب م�شوق حيث يمر الوقت دون �أن ن�شعر به‪ ،‬ولكن على الرغم من عدم �شعورنا بالوقت‬ ‫الذي نق�ضيه ف�إننا ن�شعر ب�سعادة حقيقة‪ .‬م�شكلة هذا النوع من ال�سعادة �أنها معزولة عن حياتنا‬ ‫الفعلية فقد تكون مجرد لحظات ا�ستراحة‪.‬‬ ‫النوع الثالث‪ :‬الحياة ذات المعنى – هذه الحياة نح�صل عليها عندما يكون لحياتنا معنى‬ ‫�أبعد و�أكبر من م�صلحتنا ال�شخ�صية وحياتنا اليومية‪.‬‬ ‫وو�ضح مارتن �سليجمان الحقيقة يمكن �أن نح�صل عليها من النوع الثالث ح�ص ًرا‪.‬‬ ‫َت َنا َق َ�ش �أفراد المجموعة حول ما يمكن �أن يعطي للحياة معنى حقيقي بحيث نتجاوز به ال�سعادة‬ ‫الوقتية ولحظات اال�ستراحة؟الم�شكلة هي كيف يمكن �أن يكون للحياة معنى والملحد يعتقد �أن‬ ‫الحياة بال معنى ومجرد �صدفة؟ �صدفة االنفجار الكبير‪� ،‬صدفة الأر�ض‪� ،‬صدفة الحياة و�صدفة‬ ‫التطور‪ ،‬والأهم من كل ذلك ال عدالة في الحياة‪ ،‬ع�شوائية كاملة حيث ال عدل وال م�ساواة!‬ ‫وانتهى الحوار بدون التو�صل �إلى �إجابة مقنعة ولكن داوكنز في كتابه كان �أكثر جر�أة حيث‬ ‫اعترف بهذه الم�شكلة وقال ما ن�صه "حتى لو �أننا قدمنا تناز ًال كبي ًرا وحتى لو تبين ب�شكل‬ ‫حا�سم �أن الإيمان بوجود اهلل �ضروري و�أ�سا�سي لال�ستقرار النف�سي والعاطفي‪ ،‬وحتى لو �أن كل‬ ‫الملحدين م�صابون بقلق انتحاري ب�سبب ال�شعور بالفراغ الكوني فلن يعتبر �أي مما �سبق وب�أي‬ ‫�شكل مهما كان �صغي ًرا دلي ًال على �أن الإيمان الديني حقيقي"‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫اعتراف �صريح ب�أهمية الدين وجماله والقيمة التي يعطيها للحياة‪،‬فالإن�سان بدون الدين‬ ‫وهذا‬ ‫ممزوجا بطعم العبث والظلم‬ ‫والإل��ه والعدالة الموعودة �سيكون كل �شيء في الحياة عنده‬ ‫ً‬ ‫‪99‬‬


‫والالمعنى‪� ،‬أما قول داوكنز ف�إن ذلك لن ي�ساهم في كون الدين حقيقة وهذا �أمر متوقع منه‪،‬‬ ‫وكيف ال وهو ي�شبه الإله بالطفل التخيلي �ساع ًة وب�إناء ال�شاي �ساع ًة �أخرى؟ ما يجعل الحياة‬ ‫جميلة وذات معنى هو حقيقة وجود الخالق ولن ي�ساهم فهم داوكنز ال�سطحي لدين بانتفاء هذه‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وفي حقيقة الأمر �أن كل من يفهم ويت�صور الخالق بنف�س �سطحية فهم داوكنز بالطبع‬ ‫�سيكون ملحدً ا‪ ،‬الحياة ذات المعنى التي ي�شير مارتن �سليجمان �إليها ال نجدها �إال مع اهلل ( َو َمنْ‬ ‫�أَ ْع َر َ�ض َعن ِذ ْك ِري َف ِ�إنَّ َل ُه َم ِع َ‬ ‫ي�ش ًة َ�ضن ًكا َو َن ْح ُ�ش ُر ُه َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة �أَ ْع َمى) �سورة طه‪.‬‬ ‫�أوغ�ست كونت (عالم اجتماع وفيل�سوف اجتماعي فرن�سي �شهير عا�ش في القرن التا�سع ع�شر)‬ ‫قبل داوكنز بكثير تنبه لأهمية الدين في حياة النا�س حتى �أنه اعتبره �ضرور ًيا وال بد منه‬ ‫بالرغم من عدم قناعته بالأديان‪ ،‬وهذا االعتقاد دفعه لت�أ�سي�س دين �أ�سماه الدين الإن�ساني‬ ‫ليوفر الأجواء الإيجابية على ال�صعيد االجتماعي والنف�سي التي يوفرها الدين لغير الم�ؤمنين‪,‬‬

‫(و ْهم اإلله – الخاتمة)‬ ‫"وهم الإله " والهدف من هذه العر�ض ال�سريع هو نقل نموذج‬ ‫مررنا‬ ‫وب�شكل �سريع على كتاب ْ‬ ‫ٍ‬ ‫عن ُكت ُِب الملحدين وطريقة تفكيرهم وتعاملهم مع المو�ضوع‪ ،‬ريت�شارد داوكنز عالم �أحياء‬ ‫اخت�صا�صه العلمي و�إنما نقل لنا وجهة نظره ال�شخ�صية و�أعتق ُد‬ ‫لم يناق�ش في هذا الكتاب‬ ‫َ‬ ‫وتقاليد‬ ‫�أن الكتاب لم يناق�ش مفردة الخالق ب�شكل ِجدي و�إنما ر ّكز كثي ًرا على �أمور ثقافية‬ ‫َ‬ ‫ت�صرفات و�أفكا ًرا قد يقوم بها بع�ض الم�ؤمنين‪ ،‬ولكن‬ ‫اجتماعي ٍة وقانونية لبع�ض البلدان وانتقد‬ ‫ٍ‬ ‫في نف�س الوقت ينتقدها م�ؤمنون �آخرين وبالتالي ف�إنها ال تعتبر دلي ًال ذا قيم ٍة لم�س�ألة وجود‬ ‫‪100‬‬


‫معالم �أو �أفكارا يلتف‬ ‫الخالق من عدمه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فالكتاب لي�س كتا ًبا علم ًيا بل هو ٌ‬ ‫كتاب نثري الحظنا فيه َ‬ ‫حولها الكثير من الملحدين منها‪:‬‬ ‫أوال ‪ -‬الموقف من الم�ؤمنين المعتدلين حيث يتم اعتبارهم منافقين �أو جهلة ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ -‬الت�ضخيم الال مب َّرر لم�س�ألة الأطفال وتعليمهم‪.‬‬ ‫ويحجمه وقد يكون بع�ض‬ ‫ثالثا – اعتبار �أن الدين ُيعطي � ٍ‬ ‫إجابات جاهز ًة مقد�سة ويمنع التفكير ِّ‬ ‫رجال الدين هم ال�سبب في هذه النظرة للدين‪.‬‬ ‫بع�ض ال�شخ�صيات المهمة عبر‬ ‫رابعا – ُع َقدة النق�ص‪ ،‬حيث يحاول معظم الملحدين ج ْع َل ِ‬ ‫�شخ�صيات ملحد ًة كما فعل داوكنز مع �آين�شتاين‪ ،‬وكذا يحاول بع�ض الملحدين العرب‬ ‫التاريخ‬ ‫ٍ‬ ‫نف�س ال�شيء مع الدكتور فرج فودة‪ ،‬والدكتور علي الوردي‪.‬‬ ‫ف ْع َل ِ‬ ‫خامسا ‪ -‬الفهم ال�سطحي للدين وم�س�ألة الخالق‪.‬‬ ‫سادسا ‪ -‬الت�أكيد واالقتبا�س من �أفكار المتطرفين والمجرمين واعتبارهم الممثل الر�سمي‬ ‫للدين و�أ�صحاب الماركة التجارية المعت َرف بها ر�سميا في عالم الملحدين‪.‬‬ ‫سابعا ‪ -‬الموقف من الإجها�ض والمثلية‪ ،‬عل ًما ب�أن هذا الموقف نتيجة لموقف الأدي��ان من‬ ‫هذين الأمرين ولو كان موقف الأديان �إيجا ًبا لكان موقف الملحدون �سلب ًيا‪.‬‬ ‫ثامنا‪ -‬الإيمان الغيبي بالنظرية النهائية (نظرية كل �شيء) و�أنها �ست�أتي في يوم من الأيام ال‬ ‫محالة‪.‬‬ ‫وغيرها من المت�شابهات التي يجتمع حولها �أغلب الملحدين‪ ،‬هذا الت�شابه في المواقف بين‬ ‫الملحدين يتجاوز م�س�ألة الخالق بكثير يعطينا �صالحية لت�سمية الإلحاد "دينا باالعتماد على‬ ‫‪101‬‬


‫مرتكزات الملحدين �أنف�سهم‪ ،‬وكدليل على ذلك العبارة التي ا�ستخدمها داوكنز في مقدمة‬ ‫�شخ�ص واحد من‬ ‫كتابه على ل�سان "روبرت باير�سنك" التي تن�ص على الآتي "عندما يعاني‬ ‫ٌ‬ ‫الوهم ي�س َّمى جنو ًنا‪ ،‬وعندما يعاني مجموعة من الأ�شخا�ص من نف�س الوهم ي�س َّمى دي ًنا‪.‬‬ ‫فهذا الن�ص ينطبق تماما على الكثير من مواقف الملحدين المت�شابهة والتي ال تتجاوز الأوهام‬ ‫وخ�صو�صا �أنه ال عالقة لها بوجود خالق من عدمه‪َ ،‬من يقر�أ هذا الكتاب بدقة �سيخرج بنتيج ٍة‬ ‫ً‬ ‫مفادُها �أن الإلحاد وجهة نظر غير علمية‪،‬و�إنما وجهة نظر دينية �شخ�صية تجمع الأ�شخا�ص‬ ‫حول مواقف محدد ٍة وهو يحمل مالمح الدين ح�سب التعريف �أعاله‪،‬كذلك ممكن �أن ن�ستخدم‬ ‫"وهم الإله"على ل�سان "�سام هاري�س" كدليل على �أن‬ ‫ما ورد في الف�صل الثالث من كتاب ْ‬ ‫الإلحاد لي�س فقط وجهة نظر دينية و�إنما دين متكامل حيث قال "نحن نملك �أ�سما َء للأ�شخا�ص‬ ‫�سند عقلي‪ ،‬عندما يكون هذا الإيمان �شائ ًعا بين‬ ‫الذين ي�ؤمنون(يعتقدون) ب�أ�شيا َء معين ٍة بال ٍ‬ ‫مجموعة من النا�س ن�سميهم متدينين وبخالفه يمكن ت�سميتُهم غا�ضبين �أو متوهمين"‪.‬‬ ‫قد يعتر�ض بع�ض الملحدين على طريقة اال�ستنتاج �أعاله ولكن للأ�سف �أنا �أ�ضطر �أن �ألزم‬ ‫نف�سه عندما يكون كالمه مجرد كالم �إن�شائي بال قاعدة علمية ي�ستند‬ ‫المقابل بما �ألزم به َ‬ ‫وكدليل ثالث نذكر لقاء ريت�شارد داوكنز مع �إذاعة الـ بي بي �سي حيث‬ ‫عليها‪.‬ومن هذا الباب‬ ‫ٍ‬ ‫�س�أله المقدم ال�س�ؤال الآتي‪" :‬ما هو ال�شيء الذي ت�ؤمن به وال تملك دلي ًال عليه؟" ف�أجاب ما‬ ‫ن�صه‪" :‬جوابي �سيكون حول الداروينية لأنها اخت�صا�صي‪ ،‬الداروينية مخت�صة بالحياة على‬ ‫ُّ‬ ‫�سطح الأر�ض‪ ،‬ولكن �أنا �أ�ؤمن �أن كل الذكاء وكل الإبداع‪ ،‬وكل الت�صميم في �أي مكان في الكون‬ ‫هو نتيجة مبا�شرة �أو غير مبا�شرة لالنتقاء الطبيعي الدارويني بمعنى �أن الت�صميم � ٍآت ب�شكل‬ ‫مت�أخر للكون بعد فترة من التطور الدارويني‪ .‬الت�صميم ال يمكن �أن يتقدم على التطور‪ ،‬وبالتالي‬ ‫‪102‬‬


‫ويمكن متابعة ن�ص اللقاء على موقع م�ؤ�س�سة ريت�شارد‬."‫ال يمكن �أن يكون الميزة الأ�سا�سية‬ ‫داوكنز‬ what-do--67/http://old.richarddawkins.net/articles you-believe-to-be-true-but-cannot-prove

103


‫ما يهمنا ِمن هذا الحوار هو �أن عالم بيولوجي يتحدث عن الكون وال يتحدث بمنطق علمي‬ ‫و�إنما بمنطق �أنا �أ�ؤمن وبدون دليل وبالطبع ال يملك دلي ًال على ما يقوله لأنه بعيد كل البعد عن‬ ‫"وهم الإله" ينطبق عليه قول ديفيد هيوم‪�" :‬إنْ َ‬ ‫و�ضعنا‬ ‫اخت�صا�صه‪ ،‬لذا كتاب ريت�شارد داوكنز ْ‬ ‫�أيدينا على �أي كتاب من الالهوت �أو مدر�سة الميتافيزيقيا‪ ،‬مثال دعونا ن�س�أل‪ ،‬هل يحتوي‬ ‫الكتاب على منطق مجرد يتناول العدد �أو الكمية؟ الجواب �سيكون كال‪ ،‬هل يحتوي الكتاب على‬ ‫�أي منطق تجريبي يتناول الواقعية والوجود؟ الجواب �سيكون كال ‪� .‬ألقوه في النار �إذ ًا لأنه ال‬ ‫يحتوي �سوى على ال�سف�سطة والوهم "‪.‬‬

‫‪104‬‬


‫اإلله الفرضية الفاشلة– فيكتور ستينجر‬ ‫النسخة المترجمة للعربية‬

‫تناق�ش �أحدهم مع ملحد وب َّين له �إن العلم ال يمكن �أن ينفي وجود اهلل؛ لأن اهلل كما ع َّبر عنه‬ ‫أر�سل له ً‬ ‫رابطا لكتاب‬ ‫داوكنز �أم ٌر يفوق الطبيعي َة‪،‬وال ِع ُلم يتناول الأمور الطبيعية المادية‪ ،‬ف� َ‬ ‫"الإله الفر�ضية الفا�شلة"‪ .‬الوا�ضح �أن الملحد لم يقر�أ الكتاب حيث اعتقد �أن الكتاب يثبت‬ ‫علم ًيا �أن الخالق فر�ضية عملية فا�شلة وا�ستنتج ذلك من العنوان الذي �أخذه كحقيقة مط َلقة‪،‬‬ ‫حيث وقع �ضحي ًة لمغا َلطة العنوان والم�ضمون‪ .‬وبما �أن الكتاب الذي بين يديك يناق�ش الإلحاد‬ ‫من وجهة نظر علمية لذا كان من الواجب مراجعة كتاب "الإله الفر�ضية الفا�شلة"‪،‬ال بد من‬ ‫الت�أكيد على �أن المراجعة هي مجرد عر�ض �سريع وال تغني عن قراءة الكتاب كام ًال لمن يريد‬ ‫التو�سع‪.‬‬ ‫الحر الالديني" و�أجد من‬ ‫في بداية الكتاب ي�ضع‬ ‫ِ‬ ‫المترج ُم الئح َة مطا َلبات ِل َما �أ�سماه "الحزب ُ‬ ‫ال�ضروري �إدراج بع�ض هذه المطالبات مع التعليق عليها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫أول‪:‬العمل وبال ه��وادة‪ ،‬من �أج��ل ف�صل الدين عن كل ال�ش�ؤون الزمنية‪� ،‬أي عن‬ ‫ال َمطلب ال‬ ‫‪105‬‬


‫ال�سيا�سية والتعليم والحياة العائلية ‪ ...‬الخ ‪.‬‬ ‫ال�سياق العام لهذا الهدف يعطيك ن َف ً�سا علمان ًيا وقد تكون التجربة العلمانية في �إدارة الدولة هي‬ ‫نجاحا في الدول متعددة الأديان وال ب�أ�س بذلك ولكن ت�صطدم بعبارة ف�صل الدين عن‬ ‫الأكثر ً‬ ‫الحياة العائلية‪ ،‬فماذا يق�صدون بذلك؟ والأهم كيف يتم ذلك؟ هل نتبع الأ�سلوب ال�سوفييتي‬ ‫بتجريم تعليم الطفل مبادئ الدين من قبل �أبويه؟ َومن يفعلها ي�سجن؟ والأهم ِمن ذلك ما‬ ‫المق�صود بـ �إلى �آخره "الخ"؟ ماذا يريدون �أكثر؟؟و�أي قمع للحريات �سي�ستخدمونه تحت �شعار‬ ‫ف�صل الدين؟‬ ‫الثاني‪:‬ف�ضح مدى انحراف رجال الدين في �سلوكهم عن الجوهر الأ�سا�سي للدين‪ ،‬مع‬ ‫ال َمطلب‬ ‫ُ‬ ‫الأخذ في االعتبار �أن الأديان كانت ال�سبب الرئي�سي في التفرقة و�أن الهدف الأ�سمى هو توحيد‬ ‫قوى ال�شعب المبعثرة‪.‬‬ ‫والحقيقة �أن اعتبار جميع رجال الدين منحرفين كال ٌم غير منطقي بالمرة وكالم ال يمكن من‬ ‫الأ�صل الت�أكد منه وال ي�ستحق مناق�شته‪ ،‬الإن�سان الحر يت�ساءل عن �سبب التعميم‪ ،‬وال �سبب‬ ‫معقول غير الإلحاد لهذه النظرة المتطرفة لرجال الدين والإلحاد كما ذكرنا �إنما هو دين‪� ،‬أو‬ ‫رجال دينيين مختلفين �أم ٌر طبيعي‪،‬‬ ‫في �أح�سن الأحوال وجهة نظر دينية وبالتالي التحا�سد بين ٍ‬ ‫و�سبب للفرقة هي بداي ٌة لتق�سيم المجتمع‬ ‫هذه النظرة التعميمية للآخر على �أ�سا�س �أنه منحرف ٌ‬ ‫و�إيجاد م�شاكل �إ�ضافية في مجتمعات مليئة بالم�شاكل كالمجتمعات العربية �أمر مثير ل�شكوك‬ ‫من �أطراف ت َّدعي �أنها تعمل لخدمة المجتمع ورِفع ِته‪.‬‬ ‫أنف�سهم؟ بالت�أكيد ال ولكنها تبقى‬ ‫هل لهذه النظرة �آثا ٌر �سلبية ك�آثار التكفيريين الذي ُي ِّ‬ ‫فجرون � َ‬ ‫‪106‬‬


‫ُم�ضر ًة لأنها ت�ساهم في التفرقة و�شيوع التباغ�ض بين �أبناء المجتمع الواحد‪� ،‬أ َّما م�س�ألة �أن‬ ‫الأديان كانت هي ال�سبب الرئي�سي في التفرقة فكالم ال قيمة له فلدينا االتحاد ال�سوفييتي الذي‬ ‫حارب الأديانَ بكل قوته وتف َّرق بعد ذلك‪ ،‬ولدينا الواليات المتحدة التي بقيت متحدة كدول ٍة‬ ‫ُعظ َمى على الرغم من �سيطرة اليمين المتطرف على بع�ض المفا�صل فيها‪ ،‬فاال�ستنتاج من‬ ‫هذه التجارب التاريخية �أن ال�شعوب تتفرق عند قمع الحريات ومنها حرية العبادة التي بعك�س‬ ‫المطلب الأول الداعي �إلى ف�صل الدين عن العائلة و�إلى �آخره وبعك�س المطلب الثاني الذي‬ ‫يعمم ب�أن جميع رجال الدين منحرفون‪ ،‬و�أ�سباب تف ُّر ِق ال�شعوب كثير ٌة منها الجوع واللعب على‬ ‫الم�شاعر الإن�سانية وا�ستقطابها طائفيا وغيرها ولكن الدين كدين ال عالقة له بالمو�ضوع‪.‬‬ ‫ال َمطلب الثالث‪:‬عق ُد اجتماعات عامة بهدف تعريف النا�س ب�أحدث الأفكار العلمية واالجتماعية‪.‬‬ ‫من حقنا �أن نت�ساءل ما هي الخلفية العلمية له�ؤالء بحيث يمكنهم تعريف النا�س بالأفكار العلمية‬ ‫واالجتماعية وما هي الطرق التي يتبعونها؟ بالطبع �سيتم انتقاء الأفكار التي تنا�سب توجها ِتهم‬ ‫الإلحادي َة ف ُهم لي�سوا بعلما َء ولي�س لهم قدرة على اختبار النظريات وتمحي�صها‪ ،‬و�إنما فقط‬ ‫وكمثال على هذا المطلب ما تقوم به جماع ٌة ُتع َرف‬ ‫يرددون ما يقوله بع�ض العلماء الملحدين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بـ"م�شروع الترجمة العراقي" من ترجمة لوثائقيات و ُكت ٍُب الكثير منها تدعم الإلحاد وذلك‬ ‫ب�سبب اعتقادهم �أن الدين هو �سبب الم�آ�سي الحا�صلة وبالتالي انحرف الم�شروع من غير ق�صد‬ ‫كما �أعتقد‪ -‬ليخدم �أجندة الإلحاد والعمل على ن�ش َره ولي�س �أجنده العلم ون�شره‪ ،‬والمفرو�ض‬‫الكتب ذاتَ التوج ِه الآخر مثل "هناك �إله"‬ ‫على �أقل تقدير ومن باب الإن�صاف �أن يترجموا َ‬ ‫لأنتوني فلو وغيرها‪ ،‬ف�أي ثقاف ٍة ووعي يمكن ن�شره عن طريق تطبيق ثقافة اللون الواحد؟‬ ‫لنرجع �إلى مطالب الحزب الحر الالديني التي يتفق عليها �أغلب الملحدين اليوم وي�شعرون‬ ‫‪107‬‬


‫ب�ضرورتها ولكن المفاج�أة في هذا �أن المطالب �صدرت عام ‪ 1929‬في العراق! �أي قبل ما يقارب‬ ‫القرن وقبل ظهور موجة الإلحاد الجديد واالنفجار الكبير واالنتقاء الطبيعي التراكمي‪ ،‬وقبل‬ ‫داوكنز وقبل حتى �أن نعرف �أن الكون له حدود �أبعد من مجموعتنا ال�شم�سية‪ ،‬وقبل الحروب‬ ‫الأهلية الدينية في البلدان العربية‪ ،‬وقبل الهوة ال�شا�سعة بين الغرب وال�شرق‪ ،‬وقبل اال�ستقطاب‬ ‫المذهبي الحا�صل اليوم‪.‬‬ ‫بعبارة �أخرى �إن التطور العلمي االنفجاري الذي ح�صل خالل الفترة ال�سابقة لم يغ ِّير من عقلية‬ ‫ألحد نتيجة االكت�شافات العلمية الحديثة �أو �شيء‬ ‫الإلحاد وفهمِ ه للدين فال ي َّدعي �أحدهم انه � َ‬ ‫من هذا القبيل و�إن كان يعتقد ذلك فهو مخدوع؛ لأن الأمر ال عالقة له بال ِعلم و�إنما الإلحاد هو‬ ‫موقف من الدين‪ ،‬الإلحاد الجديد قد يمكن اعتباره �أقل ُرق ًيا وتقدما من الناحية المنطقية من‬ ‫توج ٍه م�شا ِبه ظهر في بدايات القرن الما�ضي وبالخ�صو�ص عام ‪ 1922‬و�سمي بـ "حلقة فين ًنا"‬ ‫ِّ‬ ‫حيث �أثرت هذه الحركة الفل�سفية في الكثيرين وكانت تدعو �إلى اعتماد المنهج التجريبي‬ ‫الح�سي في الو�صول �إلى الحقائق‪ ،‬وتعتبر جميع المناهج الأخرى كمنهج البرهان العقلي �أمو ًرا‬ ‫أي�ضا وت�صفه ب�أنه � ً‬ ‫بال معنى‪ ،‬ولكنها كانت تهاجم الإلحاد � ً‬ ‫أي�ضا بال قيمة �أو معنى‪ ،‬لأنه ينفي‬ ‫�أم ًرا غير موجود �أ�ص ًال! وهذا الرقي في المفهوم مهم لأنه ال يخلق العدا َء الذي تخلقه موجة‬ ‫الإلحاد الجديد بين �أفراد المجتمع‪.‬‬ ‫المترجم لعدم نجاحها ويعلل ال�سبب في ذلك بوقوف رجال‬ ‫لنرجع للمطالبات حيث ت� َّأ�س َف‬ ‫ِ‬ ‫مطالبات تهاجمهم‬ ‫الدين في وجهها! وال �أعرف ماذا كان يتوقع �أن يكون موقف رجال الدين من‬ ‫ٍ‬ ‫في العموم وت�صفهم بالجهل والتخلف وتطالب بف�صل مقد�ساتهم حتى عن الحياة العائلية على‬ ‫‪108‬‬


‫طريقة لينين و�ستالين على الأغلب على اعتبار �أن المطالب جاءت بعد الثورة البل�شفية‪ ،‬مثل‬ ‫هكذا �أ�سلوب متطرف وعن�صري ومتحامل بالطبع �سيقف رجال الدين َومن ي�ؤيدهم �ضده ولن‬ ‫داع للت� ُّأ�سف لأن النتيج َة مح�سوم ٌة وال �سبيل لنجاحها بالعك�س هذا الفكر‬ ‫يكتب له النجاح فال ٍ‬ ‫مق�سم‪،‬ومثاله‬ ‫المتطرف يقوم ب�إ�ضافة م�شاكل نحن في ِغنى عنها ويق�سم المجتمع �أكثر مما هو َّ‬ ‫ما يقوم به �أحمد القبانجي �صاحب دين الوجدان الذي يهاجم الأدي��ان �أكثر مما يركز على‬ ‫تو�ضيح معالم دينه الوجداني‪ ،‬وهنا تكمن الم�شكلة حيث �إن هذا الدور �سي�ؤدي �إلى بروز تيا ٍر‬ ‫وحاقد على �أفراد المجتمع المتدينين لأنه يعتقد �أن دين المجتمع هو ال�سبب بكل م�شاكله‬ ‫متعال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ولي�س �سوء النظام ال�سيا�سي واالقت�صادي والتعليمي‪ ،‬وكنتيجة لهذا النوع من التفكير كتب �أحد‬ ‫الملحدين الم�صريين ما ن�صه‪:‬‬ ‫"لإعادة بعث الأمة الم�صرية البد من قتل معظم ال�شعب ب�أفظع الطرق والتمثيل بجثثهم‬ ‫حتى يرتعد البقية و�إلغاء الدين واللغة العربية بالقوة" هذه النظرة الخاطئة للواقع وم�شاكله‬ ‫لن ت�ساهم في تطور المجتمع ومداواة جراحه ب�أي �شكل من الأ�شكال‪.‬‬

‫مقدمة كتاب "اإلله الفرضية الفاشلة"‪.‬‬ ‫�صفحات تقريبا‪ ،‬وهي مقدمة طويلة تم تناول الكثير من‬ ‫تتكون مقدمة الكتاب من ع�شر‬ ‫ٍ‬ ‫الموا�ضيع منها العدالة الإلهية حيث �إن م�س�ألة العدالة الإلهية ت�شكل �أحد مرتكزات الإلحاد‬ ‫ولكن لن يناق�شها هذا الكتاب لأن الكتاب يتناول الإلحاد من منظور المنهج العلمي‪ ،‬ولكن‬ ‫باخت�صار ُبنيت المقدمة على �أمرين ي�شترك فيهما الملحدون وهما �سوء الظن بالدين‪،‬‬ ‫‪109‬‬


‫واعتبار الأديان الثالثة (الإ�سالم والم�سيحية واليهودية) واحد ًة لها نف�س الأدوات والأفكار‪،‬‬ ‫وهذه مغالطة بالت�أكيد وقع القر�آن �ضحية لها نتيجة لترجمة و�شيوع �أفكار العهد القديم والعهد‬ ‫الجديد في الغرب على ح�ساب القر�آن‪.‬‬ ‫الكـتاب ينتقد المقولة التي انتقدها داوكنز وهي �أن الدين وال ِعلم اخت�صا�صاتٌ غير متداخلة‪،‬‬ ‫وبما �أن الم�ؤلف ي�سعى �إلى محاكمة الخالق واعتباره فر�ضية علمية خاطئة فمِ ن الطبيعي �أن‬ ‫ُيهاجم ويرف�ض هذه المقول َة في المقدمة‪�،‬أ�شار كذلك �إلى ا�ستبيان عام ‪1998‬و�أن ‪ %7‬فقط من‬ ‫طبيعي في ظل مفهوم الإله ال�شخ�صي الذي يرف�ضه‬ ‫العلماء ي�ؤمنون بالإله ال�شخ�صي وهذا �أم ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫كل �إن�سان عاقل‪ ،‬ومن الغريب �أن الم�ؤلف عندما يتكلم عن الفترات التي �سبقت ميالد الم�سيح‬ ‫ال ُي�سميها قبل الميالد‪ ،‬و�إنما قبل الحقبة ال�شائعة! انظر �إلى �أين و�صل التطرف بالملحدين؟‬ ‫حتى التعابير التي ال قيمة فعلية لها تزعجهم ‪.‬‬ ‫ولغر�ض �إثبات خط�أ فر�ضية الإله يلج�أ الم�ؤلف �إلى فر�ض فر�ض ّيات ليتمكن من اختبارها تجري ًبا‬ ‫ِ‬ ‫�أو عن طريق المالحظة‪ ،‬فاعتمد الم�ؤلف في فر�ضيته على وجهة نظره ال�شخ�صية للخالق‪ ،‬وهي‬ ‫راف�ض للإله‪ ،‬مما يجعل الفر�ضية على �أقل تقدير ال تمثل وجهة نظر‬ ‫وجهة نظر‬ ‫�شخ�ص ٍ‬ ‫ملحد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الم�ؤمنين فهو يحاكم فكرته عن الإله ال فكرة الم�ؤمنين‪ .‬يبين الم�ؤلف �أن مفهوم الإله غير‬ ‫داع‬ ‫معرف ب�شكل كامل بين الأديان الثالثة وهذا �أمر طبيعي فلو اتفقت الأديان َل َما كان هناك ٍ‬ ‫العلم‬ ‫لإر�سال �سيدنا عي�سى �أو �سيدنا محمد بعد �إر�سال مو�سى و�إنزال �شريعته‪ ،‬وبين‬ ‫الكاتب �أن َ‬ ‫ُ‬ ‫يت�أتى عن طريق الم�شاهدات المو�ضوعية بالعين وبالآلة وبناء النماذج لو�صف هذه الم�شاهدات‬ ‫واعتبار النماذج �صحيحة �إذا اتفقت مع الم�شاهدات‪ ،‬وبالتالي َب َنى كتا َبه على قناعة �أن الخالق‬ ‫‪110‬‬


‫يمكن اال�ستدالل عليه بط ُرقٍ علمية لأن هلل دو ًرا مركز ًيا في الحياة والكون‪ ،‬وللآن الكالم جميل‬ ‫وال ب�أ�س به‪،‬ولكنه ي�ضيف عبارة "�إنْ كان اهلل موجودًا‪ ،‬ال ُبد �أن يظهر في مكان ما �ضمن فراغات‬ ‫�أو �أخطاء النماذج العلمية"‪.‬‬ ‫الم�شكلة في هذه العبارة �أنه لم يو�ضح لنا كيف يظهر؟يظهر ج�سدً ا؟ يظهر خيا ًال؟ قانو ًنا؟�أم‬ ‫الفجوات‬ ‫كيف؟ لنعتبر هذا الظهور دلي ًال على وجوده‪،‬ولكن بما �أنه يقول في نف�س ال�صفحة �إن‬ ‫ِ‬ ‫الفراغات في العلم والتي عجز العلم عن �إيجاد "تف�سير" لها لي�ست ا�ستد ً‬ ‫الال علم ًيا كاف ًيا‬ ‫�أو‬ ‫ِ‬ ‫لوجود الخالق فهذا قد يعني �أنه يريد من اهلل �أن َيظهر له ك�شيء مادي �أو ك�سر لقانون طبيعي‬ ‫بنا ًء على رغبته �أو �شيء من هذا القبيل‪ ،‬لأن الأدلة على وجود قوة خالقة عاقلة ك�أ�صل للحياة‬ ‫والقوانين والتنظيم والت�صميم ال يعتبرها الم�ؤلف �أدلة كافية‪ ،‬وهذا قد يعني �أنه يبحث عن‬ ‫الإله المادي الذي يمكنه ر�ؤيته‪ ،‬وربما الم�ؤلف يت�صور الإله كرجل ُم ِ�سن مع لحية كبيرة وكر�ش‬ ‫كبير كما ت�صوره بع�ض الأفالم‪.‬‬ ‫ا�ستك�شاف ف�ضائي‬ ‫وقد �أقر بهذا عندما قال في ال�صفحات الالحقة ما ن�صه "لعله �سيظهر في‬ ‫ٍ‬ ‫م�ستقبلي �أو في تجرب ٍة ما في معجل ج�سيمات �ضخم"! وبقوله هذا تت�ضح مخالفة فري�ضته‬ ‫للإله لفر�ضية الم�ؤمنين بالإله‪ .‬على الرغم من ادعاءه البحث عن هذا الإله المادي ف�إنه ال‬ ‫يخفي ُعقدتَه ال�شخ�صية من الخالق الذي يعتقد به الم�ؤمنون ليقول ما ن�صه "و�إن حدث هذا‬ ‫الأمر ف�إن هذا الإله لي�س الخالق المزعوم!" وهذا ي�شير �إلى ما يواجهه الملحد نتيجة لمفهومه‬ ‫الخاطئ عن الإله‪ ،‬فدي ُنهم الإلحادي ي�صور لهم الخالق ب�شكل مزعج ومرعب ومري�ض جدً ا‬ ‫نفي وجو ِده ليناموا بهدوء‪.‬‬ ‫بحيث يحاولون بكل ما ي�ستطيعون من قوة و�إدراك ومعلومات َ‬ ‫‪111‬‬


‫كما يجب الت�أكيد على كلم ًة ا�ستخدمها الم�ؤلف في المقدمة وهي عجز العلم عن �إيجاد تف�سير‬ ‫ولي�س �إيجاد م�صدر �أو �سبب لأن العلم قام �أو قعد لن يقدم �أكثر من تف�سير لم�شاهدات مث ًال‬ ‫كيف تدور الأر�ض حول ال�شم�س وحول نف�سها؟ �أما الم�صدر �أو ال�سبب مث ًال لماذا تدور الأر�ض‬ ‫حول ال�شم�س وحول نف�سها؟فال يمكن للعلم �أن يجيب عليه ال اليوم وال غدً ا وال بعد مليون �سنة‬ ‫لأنه خارج اخت�صا�صه‪.‬‬ ‫بعد كل هذا يبين الكاتب �أن مبد�أ كتابه هو �إخ�ضاع العمليات غير المادية لالختبار با�ستخدام‬ ‫طرق اختبار مادية!!الملحدون َّ‬ ‫الم�شاهدات القائم َة‬ ‫المط ِلعون يعرفون �أن المنهج العلمي يتبع‬ ‫ِ‬ ‫على �أ�سا�س التجربة‪ ،‬وبالتالي هُ م يعرفون �أن ال تجربة ُيمكن �أن نقيمها على الأمور غير المادية‪،‬‬ ‫والم�ؤلف �أدرك هذا الأمر ولذا رف�ض كل ر� ٍأي علمي قد يعار�ض منهجه وقال بالن�ص "البيانات‬ ‫العلنية لبع�ض العلماء والمنظمات الوطنية ب�أن العلم ال يملك ما يفعله مع غير المادي هو �أمر‬ ‫ينافي الوقائع"! و�سنالحظ الح ًقا �أن م�ؤلف هذا الكتاب "فيكتور �ستينغر" �سيخالف في مواق َع‬ ‫كثيرة �آراء بقي ِة العلماء لإثبات دينه الإلحادي حتى لو �أدى ذلك �إلى مخالفته لآراء العلماء‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫يتكلم الم�ؤلف عن فجوات العلم وعجزه في الكثير من المفا�صل العلمية وبد ًال من االعتراف‬ ‫بذلك وبكل توا�ضع ف�إنه ُيحيل هذه الفجوات �إلى الم�ؤمنين م َّتهِ ًما الخالقَ ب�أنه �إله الفجوات! وهو‬ ‫يذهب كما ذهب داوكنز في الحلم بالنظرية النهائية حيث يقول �إنه يوما ما �سيتم ملء هذه‬ ‫الفراغات ُ‬ ‫بطرق معقولة‪ ،‬الكالم ال�شاعري حول الم�ستقبل والنظرية النهائية ما هي �إال و�سيلة‬ ‫ل َنق ِْل م�شكالتهم الحالية والمتمثلة في الفجوات العلمية �إلى الم�ستقبل‪ ،‬وبالتالي ال حاجة لأن‬ ‫يوما في الم�ستقبل ويحلها ويثبت‬ ‫ن�شغل �أنف�سنا كثي ًرا بهذه الثغرات؛ لأن العالم المخ ِّل�ص �سي�أتي ً‬ ‫‪112‬‬


‫�أن الدين الإلحادي هو ال�صحيح‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �سخافة االتكال على الم�ستقبل وبناء اال�ستنتاجات عليه‪ ،‬ف�إن"ان�ستيفن‬ ‫واينبرغ"عالم الفيزياء الفائز بجائزة نوبل الذي َن�سب داوكنز النظري َة النهائية (الحلم)‬ ‫له قال في حوا ٍر تليفزيوني مع داوكنز" "�إنه لي�س من ال�صحيح �أن نقلل من حجم الم�شكلة‬ ‫التي نحن فيها و�أننا في النهاية قد ال يكون ب�إمكاننا �أن نف�سر العالم‪ ،‬و�أن هناك مجموعة من‬ ‫القوانين الطبيعية التي لن نتمكن من فهمها وال تحويلها �إلى معادالت ريا�ضية و�سيبقى ال�س�ؤال‬ ‫لماذا قوانين الطبيعية على هذه الحال ولي�ست على حال مختلف"‪ .‬بالطبع الملحد �سيرمي بهذا‬ ‫الكالم عر�ض الحائط على الرغم من �أنه �صادر عن عا ِل ٍم فيزيائي ملحد و�سيظل يكرر �سنملأ‬ ‫الفراغات يوما حتى يثبت �إلحاده‪.‬‬ ‫ِ‬

‫الفصل األول – نماذج وطرائق‬ ‫باب يقفز فج�أة‬ ‫باب هو يتكلم في منهجية كتابه‪ِ ،‬ومن ٍ‬ ‫هذا الف�صل َب َدا لي غي َر منظم‪ ،‬فمِ ن ٍ‬ ‫�إلى الفل�سفة‪ ،‬الكاتب يقول في هذا الف�صل ما معناه �أن فتح �شخ�ص �أي �صفحة ع�شوائية من‬ ‫القر�آن �أو العهد القديم ويقر�أ لوهل ٍة فلن ي�ستغرقه الأمر طوي ًال �أن يجد ق ً‬ ‫وال �أو فع ًال هلل مت�ضار ًبا‬ ‫مع ت�صورات ال�شخ�ص نف�سه للخير والطيبة‪،‬عبارة مقاربة كتبها �سام هاري�سون في �أحد كتبه‬ ‫وهي" تقري ًبا في كل �صفحة في القر�آن فيها توجيه للم�سلمين باحتقار غيرهم" هذه العبارة‬ ‫اقتب�سها "بيل ماهر" مقدم البرنامج الأمريكي الم�شهور عند لقائه النائب الأمريكي الم�سلم‬ ‫كيث �ألي�سون فكان جواب كيث �أن هذا كالم �سخيف وغير �صحيح‪ ،‬وذكر له عدة �أمثله من‬ ‫‪113‬‬


‫القر�آن تثبت كذب هذا االدع��اء ف�س�أله بيل �إذن من �أين ي�أتي الإرهابيون؟ ف�أجابه كيث من‬ ‫االجتزاء و�إخراج الآيات عن ن�صو�صها و�أنهم ي�ستخدمون الدين لخدمة م�صالحهم ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫لم يكلف م�ؤلف الكتاب نف�سه وال بيل ماهر وال �سام هير�سن �أنف�سهم لالطالع ب�شكل فعلي على‬ ‫القر�آن قبل �إطالق هذه الأحكام الخاطئة وغير الواقعية بالمرة‪ ،‬وال �أعرف كم مر ًة فتحوا فيها‬ ‫منهج علمي يقول عند فتح �أي �صفحة ب�شكل‬ ‫القر�آن ليجدوا ما يدعون؟ وال �أعرف على �أي ٍ‬ ‫ت�صورات الخير �أو الطيبة‪ ،‬وما هي هذه الت�صورات‬ ‫ع�شوائي في القر�آن �سيجد فيه ما يخالف‬ ‫ِ‬ ‫�أ�ص ًال؟ وما هي حدودها؟‬ ‫كرر الم�ؤلف في هذا الف�صل رف�ضه وعدم اقتناعه بر�ؤية الكثير من العلماء وهي�أن العلم ال‬ ‫يتعامل مع الأمور الالمادية �أو الفوق طبيعية‪ ،‬وهذا �أمر متفق عليه كما �أ�شار هو بقوله "معظم‬ ‫بيانات ت�ؤكد �أن العلم يقت�صر‬ ‫الجمعيات العلمية الوطنية والمنظمات الم�ؤيدة للعلم قد �أ�صدرت‬ ‫ٍ‬ ‫على تناول العمليات والظواهر الطبيعية؛ فمث ًال �أعلنت الأكاديمية الوطنية للعلوم في الواليات‬ ‫المتحدة �أن العلم هو طريقة لمعرفة العالم الطبيعي وهو يقت�صر على تف�سير العالم الطبيعي‬ ‫من خالل �أ�سباب طبيعية"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫التعريف لأنه �سي�ساعد في فهم طبيعة النزاع الذي يجري‬ ‫رجا ًء عزيزي القارئ ت َ​َذ َّك ْر هذا‬ ‫الكاتب هذا التعريف ً‬ ‫تاما‬ ‫في المحاكم الأمريكية حول الت�صميم الذكي الح ًقا‪ ،‬رف�ض‬ ‫رف�ضا ً‬ ‫ُ‬ ‫ل�سبب ْين‪ :‬ال�سبب الأول �أن هذا التوجه يعار�ض فكرة كتابه وين�سفها‪ ،‬وبالتالي �إن ق ِب َل بهذا‬ ‫التعريف فال قيمة لكتابه‪ ،‬وال�سبب الثاني هو اعتقاده �أن مثل هذا المنهج يقدم خدمة للم�ؤمنين‬ ‫ويح�صن �إيمانهم من مطرقة العلم‪.‬ال ال�سبب الأول وال ال�سبب الثاني يمكن اعتبارهما �أ�سبا ًبا‬ ‫‪114‬‬


‫أ�سباب لخدمة فكره الإلحادي ومنهجه الجدلي‪.‬‬ ‫علمية ناه�ضة و�إنما مجرد � ٍ‬ ‫ن َق َل في هذا الف�صل َ‬ ‫بع�ض الأدلة الفل�سفية التي في اعتقاده �أنها تدح�ض فكرة الخالق وقد‬ ‫ح�شرها ح�ش ًرا فال عالقة لها بمو�ضوع كتابه فهي لي�ست �أدلة علمية وال ب�أ�س ب�أن نذكرها مع‬ ‫التعليق عليها‪:‬‬ ‫أوال‪ -‬معضلة الشر‪:‬‬ ‫"�إنْ كان اهلل موجودًا‪ ،‬فاهلل يتوافق مع ال�شر‪.‬‬ ‫�صفات اهلل ال تتوافق مع ال�شر‪.‬‬ ‫لهذا‪ ،‬فاهلل لي�س وال يمكن وجوده"‪.‬‬ ‫انتهى‬ ‫وحتى نجيب على الإ�شكالية �أعاله يجب �أن ن�ستعين بنظرة الدين باعتباره المع ِّرف بالخالق‬ ‫و�صفاته و�سيكون جوابي من وجهة نظر قر�آنية‪ ،‬والجواب هو بب�ساطة ال يوجد �شيء ا�سمه �شر‪،‬‬ ‫فال�شر والخير مت�ساويان‪ ،‬والحياة في فل�سفة القر�آن مجرد تجرب ٍة يمر بها الإن�سان وهو ممتحن‬ ‫في الخيرات كما هو الحال في االبتالءات‪ ،‬فالخيرات واالبتالءات مت�ساوية كما ب َّينَ في �سورة‬ ‫ات‬ ‫الأعراف " َو َق َّط ْع َناهُ ْم ِفي ْ أ‬ ‫ال�صا ِل ُحونَ َو ِم ْن ُه ْم دُونَ َذ ِل َك َو َب َل ْو َناهُ م ِبا ْل َح َ�س َن ِ‬ ‫الَ ْر ِ�ض �أُ َم ًما ِّم ْن ُه ُم َّ‬ ‫ات َل َع َّل ُه ْم َي ْر ِج ُعونَ "الأعراف ‪ ،168‬وكذلك ما جاء في �سورة الملك الآية الثانية(ا َّل ِذي‬ ‫ال�س ِّي َئ ِ‬ ‫َو َّ‬ ‫َخ َلقَ ا ْل َم ْوتَ َوا ْل َح َيا َة ِل َي ْب ُل َو ُك ْم �أي ُك ْم �أَ ْح َ�سنُ َع َملاً هُ َو ا ْل َع ِزي ُز ا ْل َغ ُفو ُر" الملك ‪.2‬‬ ‫فال�شر �أو كما ي�سميه القر�آن ال�سيئات هي مجرد �أدا ٍة للتمحي�ص واالختبار وهذا هو هدف‬ ‫فالمعتر�ض‬ ‫الحياة‪ ،‬وهذا الأمر ينطبق على الزالزل والبراكين وغيرها من الكوارث الطبيعية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫‪115‬‬


‫عليها وعلى هدفها عليه �أن يعتر�ض على الموت وال�شيخوخة والأمرا�ض وغيرها من الأمور‬ ‫التي تقتل الإن�سانَ ‪ ،‬و�إذا كان يعتبر ال��زالزل والبراكين خل ًال في النظام العام فعليه كذلك‬ ‫�أن يعتبر الموتَ والزيادة في العمر وال َ‬ ‫أمرا�ض خلال في النظام‪ ،‬ولكنه ال يعتبرها كذلك لأنه‬ ‫يقر بالقوانين الحاكمة والتي ت�ؤدي �إليها‪ ،‬وكل َمن يعتبر �أن هذه الأمور ِمن ال�شرور فهذا ناتج‬ ‫لنظرته ال�شخ�صية للأمور وق�صر فهمه للغاية وال�سبب‪.‬‬ ‫وهذا هو بال�ضبط حال �سيدنا مو�سى مع عبد اهلل ال�صالح حيث رف�ض �سيدنا مو�سى في القر�آن‬ ‫�أفعاله ولم ي�ستطع معه �صب ًرا لأنه لم يكن يدرك الغاية والهدف واعتبر �أعماله �شريرة وال مبرر‬ ‫لها وال هدف حتى ع َّرفه العبد ال�صالح بالأ�سباب والمبررات‪ ،‬فاختلف موقف �سيدنا مو�سى‬ ‫تماما‪ .‬ولذا قال القر�آن "وما �أ�صابك من �سيئة فمن نف�سك"‪ ،‬يعني ب�سبب نظرتكم للأمور و�إال‬ ‫ً‬ ‫ف�إنها كالح�سنة كلتاهما لها نف�س الهدف والمفعول وكالهما من عند اهلل تعالى‪ ،‬وبالتالي القول‬ ‫بوجود ال�شر ي�ؤدي �إلى نتيجة مفادها عدم وجود خالق �أم ٌر ال قيمة له في �ضوء معرفتنا لمعنى‬ ‫ال�شر في نظر الخالق‪.‬‬ ‫ثانيا‪ -‬الخالق الكامل‪:‬‬ ‫"�إنْ كان اهلل موجودًا‪ ،‬فهو كامل‬ ‫�إن كان اهلل موجودًا‪ ،‬فهو �صانع الكون‬ ‫�إن كان اهلل كام ًال‪ ،‬فكل ما ي�صنعه كامل‬ ‫ولكن الكون غير كامل‬ ‫‪116‬‬


‫لذا‪ ،‬ي�ستحيل �أن يكون كائنٌ كام ٌل هو �صانع الكون‬ ‫لذا‪ ،‬ي�ستحيل وجود اهلل"‬ ‫انتهى‬ ‫هذه الإ�شكالية هي الم�ستخدمة في االنتقا�ص من الت�صميم الذكي باعتباره غير ذكي لأنه‬ ‫منقو�ص وغير كامل‪ ،‬وللإجابة على هذه الإ�شكالية يجب �أن ن�ضع تعري ًفا لمعنى الكمال الذي‬ ‫نن�شده في الكون‪ ،‬وهل �أخبرنا الخالق عن طريق ُر ُ�س ِله �أن غاية الكون هي الكمال؟ �إن كان‬ ‫والر�سل‬ ‫الر�سل �أخبرونا ب�أن الهدف هو الكمال فالإ�شكالية �أعاله �صحيحة‪ ،‬وال يوجد كمال‬ ‫ُ‬ ‫كاذبون‪ ،‬ولكن النظرية القر�آنية وا�ضحة "اهبطوا بع�ضكم لبع�ض عدو" ‪َ ".‬و َل َن ْب ُل َو َّن ُكم ِب َ�ش ْيءٍ ِّمنَ‬ ‫ال ْم َو ِال َو َْ أ‬ ‫ْ�ص ِّمنَ َْ أ‬ ‫ال�صا ِب ِرينَ "‪َ " ،‬و َمن ُّن َع ِّم ْر ُه ُن َن ِّك ْ�س ُه‬ ‫ا ْل َخ ْو ِف َوا ْل ُجو ِع َو َنق ٍ‬ ‫الن ُف ِ�س َوال َّث َم َر ِات َو َب ِّ�ش ِر َّ‬ ‫ا�س َمن َي ْع ُب ُد ال َّلـ َه َع َلى َح ْر ٍف َف�إِنْ �أَ َ�صا َب ُه َخ ْي ٌر ْاط َم�أَنَّ ِب ِه‬ ‫ِفي ا ْل َخ ْل ِق �أَ َفلاَ َي ْع ِق ُلونَ "‪َ " ،‬و ِمنَ ال َّن ِ‬ ‫َو�إِنْ �أَ َ�صا َب ْت ُه ِف ْت َن ٌة ان َق َل َب َع َلى َو ْجهِ ِه َخ ِ�س َر ال ُّد ْن َيا َو ْال ِآخ َر َة َذ ِل َك هُ َو ا ْل ُخ ْ�س َرانُ ا ْل ُم ِبينُ "‪ ،‬وغيرها‬ ‫من الآيات الكريمة التي تدل وت�ؤكد على ق�صدية عدم الكمال‪ ،‬فالكمال يمكن الح�صول عليه‬ ‫بمالئمة الهدف المن�شود ولي�س بمالئمة ما يريده �صاحب الإ�شكالية ولذا �أنا اقترحت فكرة‬ ‫"الت�صميم الفعال" بد ًال من "الت�صميم الذكي"‪.‬‬ ‫كلي الحضور‪:‬‬ ‫ثال ًثا(‪-)1‬ال يمكن لكائن متعا ٍل أن يكون َّ‬ ‫متعال (�أي خارج الزمان والمكان)‪.‬‬ ‫"�إن كان اهلل موجودًا‪ ،‬فهو ٍ‬ ‫كلي الح�ضور (حا�ضر في كل مكان)‬ ‫�إن كان اهلل موجودًا‪ ،‬فهو ّ‬ ‫‪117‬‬


‫كي يكون متعال ًيا‪ ،‬ال يمكن �أن يوجد في �أي مكان‪.‬‬ ‫كلي الح�ضور‪ ،‬يجب �أن يوجد الكائن في كل مكان‬ ‫كي يكون َّ‬ ‫لذا ي�ستحيل �أن يكون اهلل موجودًا‬ ‫انتهى‬ ‫ذات أن يكون غير مادي‪:‬‬ ‫ثال ًثا‪ )2( -‬ال يمكن لكائن ذي ٍ‬ ‫�إنْ كان اهلل موجودًا فهو غير مادي‬ ‫�إن كان موجودًا فهو ذات‬ ‫الذات يجب �أن تكون مادية‬ ‫لذا ي�ستحيل وجود اهلل"‬ ‫انتهى‬ ‫�إذا كان الم�ؤلف ي�ؤمن بالإ�شكالية الثالثة رقم (‪ )2‬و�أن الخالق غير مادي فلماذا كتب كتا َبه؟‬ ‫الكاتب كما هو وا�ضح لي�س �صاحب منهجي ٍة علمية و�إنما فقط يحاول ج ْم َع كافة الأدلة المتوفرة‬ ‫التي تثبت ب�شكل �أو ب�آخر عدم وجود خالق و�إن كان يناق�ض �إحداها الأخرى‪.‬‬ ‫كلي الح�ضور‬ ‫كلي الح�ضور‪ ،‬و�إن كان َّ‬ ‫لنعود �إلى الإ�شكالية‪� ،‬إنْ كان اهلل متعال ًيا فال يمكن �أن يكون َّ‬ ‫فال يمكن �أن يكون متعال ًيا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية �أخرى �إنْ كان موجودًا فهو مادة وذات وبما‬ ‫�أنه ال مادي فهو غير موجود!! حل الإ�شكالية � ً‬ ‫أي�ضا يكمن في تعريفنا للمتعالي وكلي الح�ضور‪،‬‬ ‫على العموم الإ�سالم َّ‬ ‫حل هذه الإ�شكالية منذ قرون والحلول الإلهي في كل �شيء هو لي�س الحل‬

‫‪118‬‬


‫المادي و�إنما المعرفي قال تعالى ( ُق ْل ِ�إن تُخْ ُفوا َما ِفي ُ�صدُو ِر ُك ْم �أو ُت ْبدُو ُه َي ْع َل ْم ُه ال َّلـ ُه َو َي ْع َل ُم َما‬ ‫الَ ْر ِ�ض َوال َّلـ ُه َع َلى ُك ِّل َ�ش ْيءٍ َق ِدير‪� .‬آل عمران ‪)29‬‬ ‫اوات َو َما ِفي ْ أ‬ ‫ال�س َم ِ‬ ‫ِفي َّ‬ ‫لعوام َل منها اللغة‬ ‫قلناها مرا ًرا وتكرا ًرا م�شكلة ه�ؤالء هو عدم اطالعهم على النظرية القر�آنية ِ‬ ‫واختالف المحيط الديني الذي ن�ش�أوا فيه‪ ،‬ولكن ال يمكن �أن نعذر الملحدين العرب التخاذهم‬ ‫هذه الإ�شكاليات بدون تدقيق وتمحي�ص‪ ،‬الأمر الذي ال ينتج �إال عن الك�سل والرغبة في الحلول‬ ‫الجاهزة‪.‬‬ ‫هل وجود اهلل مادي �أم غير مادي؟ الجواب وجودُه لي�س ماد ًيا فهو خالق المادة التي نعرفها‬ ‫ولي�س كمثله �شي وال تقع عليه الحوادث‪ ،‬يعني ال يمكن �أن نقول �إنْ كان موجود فهذا يعني �أنه‬ ‫مادة‪ ،‬لأنه َمن �أوجد الوجود المادي ف َمن �أوجد الوجود هو من �أوجد المادة‪ ،‬وبالتالي ال يمكن‬ ‫كنت تريد �أن تناق�ش الم�ؤمنين فعليك �أن تناق�ش‬ ‫�أن يكون ماد ًيا‪،‬وهذه هي نظرية الم�ؤمنين ف�إذا َ‬ ‫مبانيهم و�أفكارهم ولي�س اعتقاداتك و�أفكارك‪� .‬أثناء ح�ضوري �أحد الم�ؤتمرات الإلحادية في‬ ‫�أمريكا وبعدما ع َرفوني كم�ؤمن رف�ضوا �أن �أتكلم �أو �أن �أناق�ش وبعدما �س�ألتهم عن ال�سبب �أجابني‬ ‫�أحدهم بقوله "�إننا نرغب �أن نتناق�ش �ضمن محيطنا بهدوءٍ " وال�س�ؤال المهم هو كيف تناق�ش‬ ‫�أفكار الآخرين واعتقاداتهم و�أنت ال ت�سمح لهم حتى ببيان ر�أيهم و�أفكارهم؟‬ ‫مخت�صر لأنها ال عالقة لها بمو�ضوع‪ ،‬وبما �أن‬ ‫وب�شكل‬ ‫من الأمور المهمة التي يجب مناق�شتها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الكالم هل �أن الخالق مادة �أم ال‪ ،‬هو توجه المذهب ال�سلفي عند الم�سلمين �إلى �إثبات �أن هلل قد ٌم‬ ‫وعينٌ وغيرها‪ ،‬ولكن لي�س كمثله �شيء من باب �إثبات هلل ما �أثبت لنف�سه في القر�آن و�أدخلوا هذا‬ ‫االعتقاد من �ضمن التوحيد و�أ�سموه توحيد ال�صفات والأ�سماء‪ ،‬ولكن من حق بقية الم�سلمون �أن‬ ‫‪119‬‬


‫ي�س�ألوا؟ لماذا يحتاج اهلل للعين والقدم وهل ي�ستخدم القدم لي�سير بها والعين لينظر بها �أم ال؟‬ ‫ومن حقهم �أن يت�ساءلوا � ً‬ ‫أي�ضا ما دامت اللغة العربية تحمل على المجاز ومادام القر�آن يحتوى‬ ‫على المجاز اللغوي ومادام هناك �إمكانية لحمل هذه الآيات على المجاز فلماذا هذا الإ�صرار‬ ‫على جعل الخالق مادة وج�سم؟ المو�ضوع قد يطول وال مجال هنا لمناق�شته‪.‬‬ ‫راب ًعا‪ -‬القدرة المطلَقة‪:‬‬ ‫�إ ّما �أن يكون اهلل قاد ًرا على خلق �صخرة وال ي�ستطيع رف َعها‪� ،‬أو غير قادر على خلق �صخرة ال‬ ‫ي�ستطيع رف َعها‪.‬‬ ‫كلي القدرة‪.‬‬ ‫�إنْ كان اهلل قاد ًرا على خلق �صخرة ال ي�ستطيع رف َعها‪ ،‬فلي�س َّ‬ ‫كلي القدرة‪.‬‬ ‫�إنْ كان اهلل غير قاد ٌر على خلق �صخرة ال ي�ستطيع رف َعها‪ ،‬فلي�س ّ‬ ‫كلي القدرة‬ ‫لهذا فاهلل لي�س َّ‬ ‫انتهى‬ ‫مر ًة ثانية ال �أعرف ِمن �أين �أتى �صاحب هذه الإ�شكالية بهذه المفاهيم حيث ي�صور الخالق ك�أنه‬ ‫مادة محدودة الأبعاد بحيث ي�ستطيع �أن يخلق �صخرة �أكبر ال ي�ستطيع رفعها‪ ،‬ولكن ال�س�ؤال �إن‬ ‫كان هو من يخلقها ويخلق القدرة فكيف ال ي�ستطيع �أن يخلق القدرة التي تمكنه من رفعه؟ و�إن‬ ‫افتر�ضنا �أنه لم يخلق القوة التي ي�ستطيع �أن يرفع بها ال�صخرة‪ ،‬فهل هذا �سيجعله غير كلي‬ ‫القدرة �أم فقط غير راغب بذلك‪ ،‬كذلك من حقنا �أن ن�س�أل �أين �سي�ضع ال�صخرة؟ وما مدة‬ ‫حمله لها؟ فال يكفي �أن تطرح �إ�شكالية و�إنما عليك �أن تب ِّين �إمكانية تحققها في �ضوء مفهوم‬ ‫‪120‬‬


‫الإله الذي ي�ؤمن به الم�ؤمنون‪ ،‬ولي�س في �ضوء مفهومك ل ٍإله تنكره وتلحد به‪ ،‬مع مالحظة �أن‬ ‫الم�ؤمنين لديهم مفاهيم مختلفة للإله ك ُّل ح�سب ثقافته ّ‬ ‫واطالعه وبيئته‪.‬‬ ‫يمدح الكاتب موقف العلم من النظريات العلمية وقابلية تغييرها وتعديلها وك�أن هذا الموقف‬ ‫وح�سنة للعلم في حين �إنها من �صميم عمل العلم وبخالفه‪ ،‬فال قيمة لعلم فهي لي�ست‬ ‫ميزة َ‬ ‫ميزة و�إنما واقع حال‪ ،‬في نف�س الوقت ينتقد الكاتب الدينَ باعتباره جمودا ال �سبيل �إلى تغييره‪،‬‬ ‫الر�سل �أنف�سهم‪ ،‬فالم�سيح عي�سى لم ير�سله اهلل بر�سالته ولم يخرج‬ ‫وهذا المفهوم يتناق�ض مع ُ‬ ‫وت�صحيحا له‪ ،‬وكذا ر�سول الإ�سالم محمد لم يقاتله قومه �إال لأنه‬ ‫بر�سالته �إال انتقادًا للموروث‬ ‫ً‬ ‫انتقد مور َثهم الديني والثقافي‪ ،‬ولم يت�آمر عليه اليهود في المدينة �إال لنف�س ال�سبب‪ ،‬الأديان‬ ‫دعوات �إلى الجمود‬ ‫ثورات فكري ًة على الموروث ولم تكن في يوم من الأيام‬ ‫ٍ‬ ‫ع ْب َر التاريخ كانت ٍ‬ ‫ومع �أنني ال �أُنكر �أن الدين لدى البع�ض م��وروث جامد وهذا �سبب الكثير من الويالت لدى‬ ‫الم�سلمين اليوم ولدى غيرهم عبر التاريخ ولكن ال يمكن تعميم هذه النظرة ال�ضيقة للدين على‬ ‫وجهات نظرهم‪ ،‬فمث ًال الم�ؤلف ال يقول �إن‬ ‫جميع الم�ؤمنين‪ ،‬المتع�صبون يركزون على ما يوافق‬ ‫ِ‬ ‫البروت�ستانت هي حركة دينية ثورية على الجمود والت�سلط الذي قامت به الكني�سة البابوية‪ ،‬وال‬ ‫يقول �إن الح�ضارة الإ�سالمية كان لها دو ٌر في تطوير ونقل العلوم �إلى الغرب لأن مثل هذه الأمثلة‬ ‫تنتقد مزاعمه حول الت�أثير ال�سلبي للدين‪ ،‬وال ُبد من الإ�شارة مرة ثانية �إلى �أننا ا�ستخدمنا �آيات‬ ‫القر�آن لنناق�ش الإ�شكاليات �أعاله لأنها تعنى بمفهوم الإله والطريقة الوحيدة لمعرفة مفهوم‬ ‫الأديان حول الإله هي ُكتُب هذه الأديان‪ ،‬وهنا قد اخترت القر�آن لأنني م�ؤمنٌ فيه‪.‬‬ ‫ينتقد الكاتب م�صطلح االنتقاء ال�صدفوي �أو انتقاء ال�صدفة ومثالها على ذلك �إيمان البع�ض‬ ‫نتيجة لحلمهم ب�أمر معين �أو نتيجة لتحقق حلم معين ولكن يغفل هذا البع�ض �أن ماليين الأحالم‬ ‫‪121‬‬


‫مبني على هذا المنهج؛ فمن باب �أولى‬ ‫لم تتحقق‪ ،‬وهنا اتفق معه ولكن �إن كان رف�ضنا للأمور ٌ‬ ‫�أن نتبع نف�س المنهج مع �آلية الطفرات التي تعتبر �أحد �آليات التطور‪ ،‬وبالتالي ننكرها ب�شكل‬ ‫كامل وهنا �أنا ال �أدافع عن الأحالم ف�أنا ال �أعتقد فيها � ً‬ ‫أي�ضا ولكن �أتكلم عن طريقة الحكم على‬ ‫الأمور‪ ،‬فهذه كتلك فكما �أن ماليين الأحالم لم تتحقق فكذا ماليين الطفرات لم تقدم �شي ًئا‬ ‫في ال�سلم التطوري فلماذا ال يمكننا �أن ن�شكك في االنتخاب الطبيعي كما �شكك الـ ‪ 400‬عا ِلم؟‬ ‫في نهاية الف�صل الطويل يبين الم�ؤلف نموذج الإله العلمي والذي من المفرو�ض �أن يخ�ضعه‬ ‫للتجربة العلمية‪ ،‬النموذج هو‪:‬‬ ‫*اهلل هو الخالق وحافظ الكون‪.‬‬ ‫*اهلل هو مهند�س تركيب الكون وم�ؤلف قوانين الطبيعة ‪.‬‬ ‫*اهلل يتدخل كما ي�شاء في تغيير م�سار الأح��داث‪ ،‬بما في ذل��ك انتهاك قوانينه ه��و‪ ،‬مثال‬ ‫كا�ستجابته لتو�سالت الب�شر‪(.‬ما الدليل على هذه ال�صفة؟ وهل اال�ستجابة للدعاء هي انتهاك‬ ‫مقدمات كما �سنتناول ذلك بالتف�صيل‬ ‫وخ�صو�صا �أن للدعاء‬ ‫لقوانينه؟ �أم من �ضمن قوانينه؟‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫الح ًقا؟)‪.‬‬ ‫*اهلل هو الخالق وحافظ الحياة والب�شرية‪.‬‬ ‫أرواحا �أبدية غير مادية‪ ،‬موجودة با�ستقالل عن �أج�سادهم وتحمل جوهر‬ ‫*اهلل قد وهب للب�شر � ً‬ ‫�شخ�صية الفرد وذاتيتَه‪( .‬كيف �سيثبت وجود �أو عدم وجود الأرواح علم ًيا بما �أنه افتر�ض �أنها‬ ‫غير مادية)‬ ‫"وهم الإله" تم تو�ضيح‬ ‫*اهلل هو م�صدر الأخالق والقيم الب�شرية‪(.‬عند مناق�شة كتاب ريت�شارد ْ‬ ‫‪122‬‬


‫العالقة بين الأخالق والأديان و�أن �إحداهما مكملة للأخرى‪ ،‬والإن�سان بفطرته يحب الأخالق‪،‬‬ ‫والأديان جاءت متوافقة ومبينة لذلك) ‪.‬‬ ‫*اهلل قد �أظهر حقائق في الكتب المقد�سة‪ ،‬وبالتخاطب مبا�شرة مع �أف��راد م�صطفين عبر‬ ‫التاريخ‪( .‬طب ًعا هذه الحقائق في الكتب المقد�سة تم رف�ضها �أو تحريفها‪ ،‬ولذا بعث اهلل الأنبياء‬ ‫دخل عليها‪ ،‬ولذا ال يمكن اعتبار �أن الكتب المقد�سة كالعهد القديم‬ ‫الح ًقا كثور ٍة ت�صحيحية ِل َما �أُ ِ‬ ‫والجديد معبر ٌة عن الحقائق التي �أرادها اهلل‪ ،‬وكذلك ال يمكن اعتبار الكتب المقد�سة بما فيها‬ ‫القر�آن ُك ُت ًبا علمية تعطينا حقائقَ علمية و�إنما هي ُكت ٌُب لهداية الإن�سان قد تحتوي على بع�ض‬ ‫الإ�شارات العلمية ولكن في الأ�صل هي كت ُ​ُب هداية)‬ ‫نف�سه عمدً ا عن �أي �إن�سان منفتح لإيجاد الأدلة على وجوده‪(.‬نعم‪ ،‬ولكن يجب‬ ‫*اهلل ال ُيخفي َ‬ ‫التركيز على مفردة الأدلة‪ ،‬وما تعريفه للأدلة؟ وهل يريد ا�ستك�شافه في تل�سكوب ف�ضائي قوي‬ ‫ك�شخ�ص �أمام عينه؟)‪.‬‬ ‫الكاتب �أن َيظهر له اهلل‬ ‫القدرة؟ �أم يريد‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الكاتب �أن برهانه العلمي على عدم وجود خالق �سيكون عن طريق �إثبات‬ ‫بعد تو�ضيح ذلك ب َّينَ‬ ‫ُ‬ ‫افترا�ضات معينة من �صميم وجود الخالق ح�سب وجهة‬ ‫�أنه ال توجد �أدلة عليه‪ ،‬حيث يفتر�ض‬ ‫ٍ‬ ‫نظره ال�شخ�صية‪ ،‬ومن ثم يثبت خط�أ هذه االفترا�ضات‪ ،‬وبالتالي ف�إن هذه �ست�ؤدي �إلى �إثبات‬ ‫عدم وجود خالق‪ ،‬االفترا�ضات الخم�سة هي‪:‬‬ ‫*الخالق ي�ؤدي دو ًرا مه ًما في الكون‪.‬‬ ‫َ‬ ‫*افتر�ض �أن اهلل لديه �صفاتٌ خا�صة قد توفر �أدلة مو�ضوعية على وجوده؟‬ ‫*البحث عن هذه الأدلة بعقل منفتح‪.‬‬ ‫‪123‬‬


‫*�إن ُو ِجدت �أدلة كهذه‪ ،‬ا�ستنتج �أن اهلل قد يكون موجودًا‪.‬‬ ‫*�إنْ لم توجد �أدل��ة مو�ضوعية كهذه‪ ،‬ا�ستنتج بما يتجاوز ال�شكل العقالني �أن الخالق بهذه‬ ‫ال�صفات غير موجود‪.‬‬ ‫انتهى‬ ‫الم�شكلة التي يطرحها الم�ؤمنون على هذا النموذج هو رف�ضهم لكثير من فر�ضيات هذا النموذج‬ ‫مفهوما �شخ�ص ًيا يختلف عن مفهوم الم�ؤمنين �أنف�سهم عن الإله‬ ‫ال�صادرة من �شخ�ص يحمل‬ ‫ً‬ ‫فهذا النموذج يمثل ت�صور الم�ؤلف الذين ين�صب نف�سه خ�صما" وحكما" في �أن واحد‪ .‬كما �أن‬ ‫تفا�صيل النموذج غام�ضة وال�شيطان يكمن في التفا�صيل‪.‬‬

‫الفصل الثاني – و ْهم التصميم‬ ‫كان من المفتر�ض �أن يقدم �أدلة على بطالن القول بالت�صميم الذكي في هذا الف�صل‪ ،‬ولكنه‬ ‫التقاليد البالية‬ ‫تكلم في كل �شيء ما عدا مناق�شه �أدلة الت�صميم ب�شكل مبا�شر‪ ،‬حيث ناق�ش‬ ‫َ‬ ‫التي يجب رف�ضها ونحن نتفق معه بذلك كقول �أن الأر�ض م�سطحة �ساكنة في مركز الكون‪،‬‬ ‫أ�شخا�ص عا�شوا في ع�صور‬ ‫مفاهيم ل‬ ‫وهذا الن�ص ال يقول به �أغلب الم�ؤمنون اليوم‪ ،‬و�إنما مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫�سابقة وكان ذلك هو ال�سائد نتيجة الأدوات العلمية ال�سائدة في ذلك الوقت‪ ،‬حيث ف�سروا بع�ض‬ ‫جبرين ب�أية‬ ‫الآيات تف�سي ًرا خاط ًئا يتنا�سب مع مبلغ علمهم‪ ،‬و�أنا وغيري الكثيرين اليوم غير ُم ٍ‬ ‫حال من الأحوال ب�إتباع تف�سيرات القدماء و�إن كان للأ�سف مفتي ال�سعودية الحالي والذي قبله‬ ‫ما زالوا ي�صرون على �أن ال�شم�س تدور حول الأر�ض باعتبار �أن الآية القر�آنية تقول �إن ال�شم�س‬ ‫‪124‬‬


‫تجري لم�ستقر لها‪ ،‬في حين �أن الآية ال عالقة لها فيمن يدور حول من‪ ،‬مما ا�ضطرهم لال�ستناد‬ ‫على الأحاديث المو�ضوعة التي ُك ِتبت بعد مئات ال�سنين من وفاة ر�سول الإ�سالم‪.‬‬ ‫�أ�شار الم�ؤلف �إلى نقطة مهمة يغفل عنها الكثير في بداية هذا الف�صل‪ ،‬حيث قال ما ن�صه فكرة‬ ‫التطور كانت متداول ًة لفترة‪ ،‬حتى �أن َج َّد ت�شارلز داروين كان ن�صي ًرا مه ًما لها وهذا ما �أ�شرنا‬ ‫�إليه في الكالم عن التطور وو�ضحنا �أن داروين جاء باالنتخاب الطبيعي ولي�س بالتطور نف�سه‪.‬‬ ‫يتكلم الم�ؤلف في هذا الف�صل حاله حال بقية ُكتُب الإلحاد عن المعركة مع الخلوقيين عبر‬ ‫التاريخ وكيف منع تدري�س التطور في بع�ض المدار�س الأمريكية‪ ،‬وكيف يمنع اليوم تدري�س‬ ‫الت�صميم الذكي في المدار�س وغيرها من معالم ال�صراع في �أمريكا بين الخلوقيين والتطوريين‪،‬‬ ‫وهو �صراع مفت َعل ال قيمة له وال�سبب الرئي�سي في هذا ال�صراع هو محاولة الخلوقيين جعل‬ ‫نظرية الخلق نظرية علمية ولذا يحاولون �أن يجعلوها �إحدى درو�س مادة العلوم‪ ،‬من جانب‬ ‫أبعاد دينية تعني ب�شكل �أو ب�آخر موت‬ ‫�آخر محاولة الملحدين جعل نظرية التطور نظري ًة ذات � ٍ‬ ‫الخالق ونتيجة لذلك رف�ضها الخلوقيون لأنها تخالف الدين‪،‬ولذا �أي�ضا يجب منع تدري�سها وفق‬ ‫الد�ستور الأمريكي‪.‬‬ ‫اليوم يعتبر الملحدون رف�ض عدة محاكم في �أمريكا تدري�س الت�صميم الذكي كمادة في در�س‬ ‫غريب‬ ‫العلوم داللة على �أن ال �صحة على الت�صميم الذكي وهكذا يتخذ ه�ؤالء الملحدون‬ ‫وب�شكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قرار المحكمة على �أنه دليل عقلي منطقي لرف�ض الت�صميم‪ ،‬وهذا خط�أ فادح للأ�سباب الآتية‪:‬‬ ‫قا�ض قانوني لتفريق العلم عن الال علم (العلم الزائف) وهذا �أمر‬ ‫�أوال‪�:‬إنهم اعتمدوا على ٍ‬ ‫م�ضحك‪ ،‬و�إن كان الأم��ر كذلك فما يقولون فيما حدث عام ‪ 1925‬عندما جرمت المحكمة‬ ‫‪125‬‬


‫مد ِّر َ�س الأحياء "جون �سكوب�س" لتدري�سه التطور؟ هذا الفرح ال�صبياني بقرار محكمة وترديده‬ ‫من ِق َبل الملحدين �أم ٌر م�ضحك فع ًال حيث �أنتج الملحدون برامج وثائقي ًة لالبتهاج بهذا الن�صر‬ ‫المزعوم‪ ،‬والحقيقة �أن كل ما في الأمر �أن الق�ضاة يعتمدون على موا َّد قانوني ٍة وخبرا َء لتعريف‬ ‫العلم وتبيانه‪،‬وبالتالي عندما تم التَّحاكم �إلى الق�ضاء بخ�صو�ص الت�صميم الذكي ف�إن العلم‬ ‫كما تكلمنا �ساب ًقا يتعامل مع الواقع المادي وما يمكن م�شاهدته واختباره ح�ص ًرا‪ ،‬وبما �أن‬ ‫نظرية الت�صميم الذكي تحيل الم�س�ألة �إلى جود قوى خارق ٍة غير مادية‪� ،‬إذن الت�صميم الذكي‬ ‫ال يتوافق مع حدود المنهج العلمي وال يمكن اعتباره ماد ًة علمية يمكن �أن تد َّر�س في المدار�س‬ ‫الت�صميم الذكي لأن �أدلته غير حقيقة �أو غير‬ ‫لأنها تخالف تعريف العلم‪ ،‬فالق�ضاة لم يرف�ضوا‬ ‫َ‬ ‫ذات قيمة‪ ،‬ولكن لأن الفكرة تتعار�ض مع تعريف العلم‪.‬‬ ‫ثانيا‪:‬الأمر المهم الآخر �أنه ونتيج ًة لف�صل الدين عن الدولة د�ستوريا في �أمريكا فال يمكن‬ ‫تدري�س الدين في المدار�س‪ ،‬ولذلك يحاول الخلوقيون � َ‬ ‫إدخال الدين عن طريق در�س العلوم‬ ‫م�ستخدمين نظرية الت�صميم الذكي كح�صان طروادة‪ ،‬ولأجل ذلك يحدث هذا اللف والدوران‬ ‫لأجل �أن يدر�س الت�صميم �ضمن درو�س العلوم‪.‬‬ ‫المح ِبط في هذا الف�صل �أن الم� َ‬ ‫ؤلف ال ينا ِق�ش �أدل َة الت�صميم الذكي ب�شكل مبا�شر‪ ،‬و�إنما يحاول‬ ‫عنوان فرعي ا�سمه "�أ�سفين الت�صميم الذكي"تكلم عن‬ ‫�أن يلف و�أن يدور حولها‪ ،‬مثال في‬ ‫ٍ‬ ‫الهدف والغاية من القول بالت�صميم الذكي‪ ،‬وكما نعلم ف�إن هناك فر ًقا كبي ًرا بين مناق�شة‬ ‫�أدلة الت�صميم وبين مناق�شة مدلوالته وهدفه‪ ،‬حيث ان�شغل بالكالم عن المنظمات التي تم ِّول‬ ‫الدرا�سات التي يقوم بها دُعاة الت�صميم الذكي والهدف منها ومحاولة تجنب المنع الد�ستوري‬ ‫ِ‬ ‫‪126‬‬


‫الخا�ص بالمواد الدينية في المدار�س الأمريكية وغيرها‪ ،‬ولكن للأ�سف لم يناق�ش الأدل َة ب�صور ٍة‬ ‫مجردة‪.‬‬ ‫والقارئ من خارج �أمريكا قد يت�ساءل ما دخلي �أنا بهذا الكالم؟ كلمني عن الت�صميم و�أدلته‪،‬‬ ‫قد يقول البع�ض �أنه يناق�ش النتيجة والهدف ويحكم على الأدلة بنا ًء على النتائج والأهداف‪،‬‬ ‫وهذا �أمر خطير لأن الهدف والنتيجة قد تختلف من زمان �إلى �آخر ومن مكان �إلى �آخر ولكن‬ ‫الأدلة الموجبة للمو�ضوع �أمر �آخر‪َ ،‬‬ ‫انتقل بعد ذلك �إلى ما ي�سمى بالتعقيد الالمختزل وا َّد َعى‬ ‫�أن ال�ضرورة قادت الم�ؤمنين �إلى التعقيد الالمختزل وع َّل َل ب�أن �أدلة الت�صميم الذكي لم ت�صمد‬ ‫في موا�ضي َع كثيرة كما لم ين�شر من عملهم �شيء في مجالت علمية محترمة‪ ،‬ومن حق المطلع‬ ‫�أن يت�ساءل كيف تن�شر في مجالت علمية محترمة �أو غير محترمة وهي تتجاوز حدود العلم‪.‬‬ ‫المهم ل َن ُعد �إلى التعقيد الالمختزل لع ّل وع�سى �أن يناق�شه الكاتب ب�صورة علمية مجردة هذه‬ ‫المرة ولي�س باللف وال��دوران كما فعل بمو�ضوع الت�صميم الذكي‪ ،‬بد�أ بذكر كتاب "�صندوق‬ ‫داروين الأ�سود‪ ،‬التحدي البيوكيميائي للتطور"لم�ؤلفه "بيهي" الذي قدم فكرة التعقيد غير‬ ‫القابل لالختزال وهو بب�ساط ٍة اختيار مر َّك ٍب ع�ضوي يتكون من عدة �أجزاء وال يمكنه العمل �إذا‬ ‫تم رفع �أحد هذه الأجزاء‪،‬وبالتالي يعتبر هذا المركب ثغر ًة �أو دلي ًال على عدم �صحة االنتخاب‬ ‫(الح ْظ �أخي القارئ عدم �صحة االنتخاب الطبيعي ولي�س التطور)‪ ،‬للأ�سف لم يناق�ش‬ ‫الطبيعي ِ‬ ‫الم�ؤلف الأمثل َة التي طرحها "بيهي" و�إنما �أحال ُق َّرا َءه لغيره من العلماء حيث قال عنهم "�إنهم‬ ‫فندوا برهان "بيهي" تف�صي ًال حيث �سرد الإحيائيون التطوريون �أمثل ًة عديدة في الطبيعية يغير‬ ‫النظام الع�ضوي فيها وظائفه خالل تطوره حتى قبل �أن يجل�س "بيهي" ليكتب‪.‬‬ ‫‪127‬‬


‫وكل ما ذكره الم�ؤلف في الرد على التعقيد غير القابل لالختزال هو مثال الباندا ذو ال�ست‬ ‫إبهامه المقابل لي�س �إ�صبعا‪ ،‬بل عظم في ر�سغه ت�ضخم لي�شكل بروزا �صلبا‬ ‫�أ�صابع حيث �إن � َ‬ ‫ي�ستفيد منه في �إم�ساك عود براعم الخيزران‪ ،‬غذاء الباندا الوحيد! حيث نقل عن عالم �آخر‬ ‫يعتقد �أن هذا البروز تطور نتيجة الحتياج الباندا له‪ ،‬ولم يخبرنا ال الم�ؤلف وال العالم الذي نقل‬ ‫الم�ؤلف عنه كيف كان ي�أكل قبل ذلك‪ ،‬قد يقول قائل �إن هذا مجرد ت�صور ِل َما حدث‪ ،‬فال يوجد‬ ‫دليل ناه�ض �أن البروز ال�صلب في يد الباندا لم يكن عن طريق خطة م�سبقة‪ ،‬وخ�صو�صا �أنه‬ ‫يحتاجه في �إم�ساك عود براعم الخيزران غذائه الوحيد‪.‬‬ ‫"بيهي" يعطي مثاال على التعقيد غير القابل لالختزال بالإ�شارة �إلى نوع من �أنواع ال ِبكتريا‬ ‫لها �سوط ي�ساعدها في ال�سباحة �ضمن الو�سط الذي تعي�ش فيه‪ ،‬ويقول �إن هذا التعقيد غير‬ ‫قابل لالختزال حيث ال يمكن لهذه ال ِبكتيريا �أن توجد وتعي�ش بدون هذا ال�سوط‪ ،‬وال يمكن �أن‬ ‫بمراحل االنتقاء الطبيعي والتطور‪ ،‬وبالتالي هناك ت�صميم‪ ،‬وبالتالي هناك‬ ‫يمر هذا ال�سوط‬ ‫ِ‬ ‫اال�ستنتاج وال ينكر الم�شاهد َة �أو المالحظة‪ ،‬ولكن اال�ستنتاج‬ ‫خالق‪ .‬هنا يرف�ض ال ِع ُلم هذا‬ ‫َ‬ ‫العلم للتطور على ح�ساب‬ ‫يرف�ضه لي�س لعدم �صالحيته و�إنما لوقوعه خارج تغطيته‪،‬ولذا يميل ُ‬ ‫الت�صميم‪.‬‬ ‫لنرجع لنقا�ش �سوط البكتيريا حيث يقول من ال يعتقد بالت�صميم �أنه كان له وظيفة �أخرى‬ ‫قبل �أن ي�صبح �سوطا‪ ،‬في حقيقة الأمر ال يمكن ب�أية حال من الأحوال �إثبات هل ال�سوط تطور‬ ‫باالنتخاب الطبيعي �أم تطور بتدخل �إلهي �أم ُخ ِلق بهذا ال�شكل! بالتالي الق�ضية وجهة نظر‬ ‫ولكن هناك وجهة نظر يقبلها العلم لأنها تقع �ضمن تغطيته‪ ،‬ووجهة نظر ال يتقبلها العلم لأنها‬ ‫‪128‬‬


‫ربط مع الخالق لكلتَا وجهتي النظر‪،‬‬ ‫لي�ست �ضمن تغطيته‪� ،‬أ ّما عالقتها بالخالق فيمكن �إيجاد ٍ‬ ‫فعندما نقول ت�صميم فالخالق هو َمن �ص ّممه‪ ،‬وعندما نقول تطور �أو تنظيم ذاتي فالخالق َمن‬ ‫أوجد القانون ووفر الظروف ليتطور وينتج ما نراه ت�صميما هند�سيا‪ ،‬فالبيوت م�صممة وتتطور‬ ‫� َ‬ ‫�أثناء البناء‪ ،‬وال�سيارات م�صممة وتتطور �أثناء الت�صنيع فالمهند�س الإن�شائي م�ص ِّمم البيت‪،‬‬ ‫والمهند�س م�صمم ال�سيارة‪ ،‬والخالق م�صمم �سوط البكتيريا‪ ،‬فالخالق هو العن�صر الواعي‬ ‫الفعال‪.‬‬ ‫كالمه عن هذه ال ِبكتريا ب�أ�سلوب جدلي م�ستخدمين مثال‬ ‫يناق�ض معار�ضو فكرة "بيهي" َ‬ ‫م�صيدة الفئران التي �إن فقدت �أحد �أجزائها يمكن �أن ت�ستعمل في مجال �آخر‪ ،‬وهذا كالم في‬ ‫الحقيقة �سخيف وال يناق�ش �أ�صل المو�ضوع‪.‬‬ ‫َت َه َّج َم الم� ُ‬ ‫ؤلف على "بيهي" باعتباره عا ِلم بيوكيمياء ولي�س �إحيائيا تطوريا‪،‬ولذلك وقع في فخ‬ ‫�إله الفجوات! في حين �أن "�ستينجر" م�ؤلف كتاب "الإله الفر�ضية الفا�شلة" � ً‬ ‫أي�ضا لي�س �إحيائيا‬ ‫فنف�سه ينطبق‬ ‫تطوريا و�إنما ذو خلفي ٍة فيزيائية‪ ،‬وبالتالي �إذا كان االنتقاد هنا لـ "بيهي" ذا �أ�صل ُ‬ ‫على �ستينجر‪.‬‬ ‫ينتقل �ستينجر للكالم حول العين ويذكر كالم ريت�شارد داوكنز حول العين الب�شرية في كتابه‬ ‫"�صانع ال�ساعات الأعمى" وكونها مربوطة بالعك�س‪ ،‬وبالطبع ال �أنا وال �ستينجر نفهم ما‬ ‫المق�صود ب�أنها مربوطة بالعك�س! ولكنه مجرد ُحكم غير من�صف يردده الملحدون في و�سيلة‬ ‫لالنتقا�ص من ت�صميم العين الب�شرية‪ ،‬حيث ي�أتي داوكنز وب�سبب موقفه من الإله والت�صميم‬ ‫ليقول �إنها م�صمم ٌة بالمقلوب‪ ،‬والأغرب من ذلك �أنه خالل لقاءٍ تليفزيوني في (ريفلي�شن تي‬ ‫في) يقول �إنه ب�سبب هذا الت�صميم المعكو�س ف�إننا نملك عيونا � َ‬ ‫أف�ضل من عيون الأُخطبوطات‬ ‫‪129‬‬


‫َ‬ ‫عوامل تاريخي ٍة و�إلى االنتخاب‬ ‫�سبب هذه الأف�ضلي ِة �إلى‬ ‫التي ت�صميمها غير مقلوب‪ ،‬و ُي ِعزي َ‬ ‫الطبيعي الذي عمل على تح�سين �أداء العين ولذا قلب الت�صميم!‬ ‫معكو�سا‪،‬‬ ‫ت�صميم العين ويعتبره‬ ‫�أنا �أت�ساءل هل يوجد كال ٌم فارغ و�إن�شائي �أكثر من هذا؟ ينتقد‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ِومن ثم يقول �إن هذا الت�صميم المعكو�س يعمل � َ‬ ‫أف�ضل من الت�صميم ال�صحيح‪ ،‬و�أُعطينا عيو ًنا‬ ‫�أف�ضل تقوم بعملها على �أكمل وجه وذلك كله بف�ضل االنتخاب الطبيعي! يمكنك متابعة ن�ص‬ ‫اللقاء على لينك اليوتيوب الآتي‪:‬‬ ‫‪https://www.youtube.com/watch?v=fzERmg4PU3c‬‬ ‫ب�صراح ٍة�أكثر �أنا ال �أعتقد �أنه يوجد �شيء يمكن �أن ي�سيء �إلى العلم �أكثر من هذا الكالم‬ ‫الإن�شائي القائم على وجهات نظر �شخ�صية ِل َما هو معكو�س و ِل َما هو �صحيح و ِل َما هو �أف�ضل و ِل َما‬ ‫هو ت�صميم و ِل َما هو انتقاء ع ْبر ماليين ال�سنين بدون تجربة �أو م�شاهدة مجرد ت�صورات‪،‬ونكرر‬ ‫ن�سب له �أمو ًرا خارقة وك�أنه‬ ‫�أن ال م�شكلة لنا مع التطور و�إنما م�شكلتنا مع االنتقاء الطبيعي الذي ُت َ‬ ‫م�ص ّمم وعا ِلم وقادر‪.‬‬ ‫ينتقل الم�ؤلف بعد الكالم عن "بيهي"�إلى الكالم عن �شخ�ص �آخ َر ِمن الذين ي�ؤمنون بالت�صميم‬ ‫الذكي ا�سمه "دمب�سكي" م�ؤلف كتاب "الت�صميم الذكي‪ :‬الج�سر بين ال ِعلم والالهوت" حيث‬ ‫دفاعه الديني الوا�ضح في عنوان الكتاب‪ ،‬وك�أن دفاع �ستينجر عن دينه‬ ‫ي�ستنكر �ستينجر عليه َ‬ ‫الإلحادي غير وا�ضح في عنوان كتابه! الم�شكلة المتكررة في هذا الف�صل �أن �ستينجر ال يرد على‬ ‫�إ�شكاليات الت�صميم‪ ،‬ولكنه يحيل القارئ �إلى �آخرين تناولوا المو�ضوع فهو يقول في معر�ض رده‬ ‫على دمب�سكي ما ن�صه " ِل ُح�سن الحظ‪ ،‬فقد تح َّمل عدة خبرا َء م�شق َة تفح�ص �أعمال دمب�سكي‬ ‫‪130‬‬


‫ب�إمعان‪ ،‬وقد �أظهروا بالإجماع تقري ًبا (لنر ِّكز على تقريبا) �أن فيه �أخطاء عميقة"‪.‬‬ ‫قطيع ليخبرهم �أن هناك علما َء در�سوا وفندوا �أقوال‬ ‫هل الملحدون بالن�سبة ل�ستينجر مجرد ٍ‬ ‫معلومات ليحكم على الموا�ضيع بعقله ال بعقل غيره‪،‬‬ ‫دمب�سكي وبيهي؟ الإن�سان المفكر يريد‬ ‫ٍ‬ ‫وبخالفه فهو م�ؤمن بالإلحاد �شاء �أم �أ َبى‪ ،‬ثم ماذا يق�صد �ستينجر بكلمة "تقري ًبا وماذا عن‬ ‫البقية؟! هل اتفقوا مع دمب�سكي �أم ماذا؟ بعبارة �أخرى هل تتقبل م ِّني عزيزي القارئ �أن �أقول‬ ‫�إن الكثير من العلماء فندوا االنتخاب الطبيعي بدون �شرحه لك؟‬ ‫ِمن المالحظات التي ال ب�أ�س بذكرها هنا هو �أن بع�ض الم�شاريع الإلحادية المت�سترة ب�ستار‬ ‫العلم في العالم العربي والتي تدعو �إلى القراءة والتطور في المجال العلمي تترجم كل كتاب‬ ‫الكتب المقابلة والتي ذكرنا بع�ضها �أعاله مثل‬ ‫يقع بين �أيديها يدعو �إلى الإلحاد‪ ،‬وال تترجم َ‬ ‫الوثائقيات المختلف َة التي تدعو‬ ‫كتاب بيهي وديمب�سكي و�أنتوني فلو‪ ،‬كذلك نجدها تترجم‬ ‫ِ‬ ‫وجهات النظر المخالفة‪ ،‬مثال اليوم‬ ‫الوثائقيات التي تحمل‬ ‫�إلى الإلحاد وتر ِّوج له‪ ،‬وال تترجم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الذكي"ترج َمته جماع ٌة‬ ‫�شاهدتُ وثائقيا على اليوتيوب ا�سمه "يوم الحكم‪:‬محاكمة الت�صميم‬ ‫َ‬ ‫ملحدة مت�سترة ب�ستار المعرفة العلمية �ضمن الم�شروع العراقي للترجمة‪.‬‬ ‫فرحة بمثل هذه الوثائقيات على الرغم من �أنها ال تف�سر �سبب رف�ض المحاكم لتدري�س‬ ‫والجماعة ِ‬ ‫الت�صميم الذكي ب�شكل من�صف ولكونه يخالف مبادئ المنهج العلمي ويتجاوز حدوده كما ب َّينا‪،‬‬ ‫و�إنما تحاول القول �إنه �أمر �سخيف وال �أ�صل له وهكذا بدال من �إفهام النا�س ماذا يجري وب�شكل‬ ‫من�صف ف�إنها تزيد من تجهيل المجتمع‪ .‬حيث لم تترجم هذه الجماعات وثائقَ وال كتا ًبا يطرح‬ ‫جوانب مختلف ٍة‪،‬‬ ‫وجهة النظر المقابلة للإلحاد من باب الإن�صاف واالطالع على المو�ضوع من‬ ‫َ‬ ‫‪131‬‬


‫وكذلك لم يترجموا كتابا هند�سيا �أو اقت�صاديا من الممكن �أن ي�ساهم في دفع عجلة الأمة �إلى‬ ‫الغرب اليوم يعي�ش حالة من ال ُّر ِقي‬ ‫الأمام ولكن اهتمامهم هو الدين فقط‪ ،‬وه�ؤالء تنا�سوا �أن‬ ‫َ‬ ‫ونقدها وتنقيتها‪ ،‬فلو كانوا يعي�شون مثل ظروفنا لكانت‬ ‫والتطور ت�ؤهله للكالم في �أمور الدين ِ‬ ‫الأولوية للعلوم التي ت�ساهم في رفعة المجتمع من الموا�ضيع ال�سيا�سية واالقت�صادية وال�سيطرة‬ ‫النوعية وطرق التدري�س وغيرها‪ ،‬ف�أمور التطور واالنتخاب الطبيعي والإلحاد والدين تعتبر تر ًفا‬ ‫فكر ًيا ل�شعوب يمزقها التخلف والجهل والدكتاتورية وانعدام الخدمات وانعدام الإن�سانية‪.‬‬ ‫عنوان فرعي ا�سمه "المعركة ال�سيا�سية اليوم" م�ؤكدا �أن‬ ‫ينتقل �ستينجر من دمب�سكي فج�أة �إلى ٍ‬ ‫الجمعيات العلمي َة الكبرى في الواليات المتحدة تدعم التطو َر وترف�ض الت�صميم الذكي‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬ ‫المنهج التجريبي الح�سي‪ ،‬فالأمر ال عالقة له بال�صحة‬ ‫�أمر طبيعي فالجمعيات العلمية تتبع‬ ‫َ‬ ‫والخط�أ و�إنما ب�سبب منهج الو�صول �إلى اال�ستنتاجات في الت�صميم الذكي (المنهج العقلي)‬ ‫والذي يختلف عن منهج الو�صول �إلى اال�ستنتاجات في نظرية التطور‪ ،‬وقد كررتُ هذا الأمر‬ ‫مرات كثير ًة لأن الإ�شكاليات التي ُتط َرح هي ب�سبب عدم فهم �أو تجاهل هذه النقطة الح�سا�سة‬ ‫ٍ‬ ‫التي نحتاج �أن نفهم المنهج العلمي ب�شكل كامل لنفهمها‪ ،‬وبالتالي تتقبل الجامعات والمحاكم‬ ‫وا�ضحا‬ ‫ما يتالءم مع تعريف المنهج العلمي القائم على التجربة والم�شاهدة‪ ،‬وهذا الأمر نجده‬ ‫ً‬ ‫عندما ندر�س ب�شفافية حيثيات قرار المحكمة الفيدرالية في والية بن�سلفانيا الأمريكية برف�ض‬ ‫ديني‪ ،‬وبالتالي ف�إن تدري�سه �أم ٌر غير د�ستوري‬ ‫تدري�س الت�صميم الذكي كمنهج علمي لأن دافعه ٌّ‬ ‫على اعتبار �أن الد�ستور الأمريكي ي ِقر بف�صل الدين عن الدولة‪ ،‬حيث �إن قرار المحكمة اعتمد‬ ‫على كون العلم يمتلك الخ�صائ�ص الآتية بنا َء على �شهادة الفيل�سوف مايكل روز في المحكمة‪:‬‬ ‫‪132‬‬


‫التطور‬

‫المنهج العلمي‬ ‫نعم‬ ‫يقوده القانون الطبيعي‬ ‫يجب تف�سريه ا�ستنادا لقانون نعم‬ ‫لذا مت اللجوء �إىل ما ي�سمى‬ ‫الطبيعي‬ ‫باالنتقاء الطبيعي حيث ُيعزَ ى‬ ‫له كل اجلمال والدقة يف‬ ‫الكون‪ ،‬ولوال ذلك ملا �أ�صبح‬ ‫التطور عل ًما وقبل بتدري�سه‬ ‫يف اجلامعات واملدار�س‪،‬‬ ‫و�إمنا جمرد دليل على وجود‬ ‫خالق وم�صمم �أبدع يف جمع‬ ‫الأجزاء املختلفة �ضمن نظام‬ ‫حمكم‬ ‫ميكن اختباره مقابل العامل نعم ولكن �ضمن حدود‬ ‫التجريبي‬ ‫نعم‬ ‫ا�ستنتاجاته م�ؤقتة‬ ‫نعم‬ ‫قابل للتخطئة‬

‫التصميم الذكي‬

‫نعم‬ ‫كال‬ ‫ال يف�سره و�إمنا يعزيه �إىل‬ ‫قوى ذكية وخارقة‬

‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬

‫وكما نالحظ النقطة التي �أ ّدت �إلى رف�ض المحكمة الفيدرالية تدري�س الت�صميم الذكي هي �أنه‬ ‫يحيل �إ�شكالية الت�صميم �إلى قوى خارقة ال يمكن تف�سيرها في �ضوء القانون الطبيعي الذي‬ ‫يعتمد الح�س والتجربة‪ ،‬ونتيجة لذلك ف�إنه ال يمكن اختبار هذه القوة مختبريا والت�أكد من‬ ‫�صحة المزاعم التي ي�سوقها الت�صميم الذكي‪ ،‬ولكن هذا ال ينفي وجود الت�صميم من حولنا‬ ‫وهذه نقطة �أ�سا�سية يجب فهمها عند الكالم عن المحكمة ولماذا رف�ض الت�صميم الذكي‬ ‫وقبل التطور‪.‬العلماء الذي رف�ضوا الت�صميم الذكي قاموا ب�إق�صاء م�شاهدات ح�سية وتجريبية‬ ‫‪133‬‬


‫تدل على الت�صميم (والذي هو تجمع لعدة �أجزاء تعمل م ًعا للقيام بهدف معين)وهنا تكمن‬ ‫دكتاتورية المنهج العلمي‪ ،‬حيث يتم منع التفكير والتف�سير �ضمن نطاق المنهج العقلي البرهاني‬ ‫للعقل لمجرد �أن هذا التفكير يقع خارج الحدود التي و�ضعوها كمنهج للعلم ‪.‬‬ ‫م�ؤلف كتاب "الإله الفر�ضية الفا�شلة" يعتر�ض على قرار المحكمة ويعتبر �أن الت�صميم الذكي‬ ‫ِعلم ويمكن تخطئته‪ ،‬و�أن ق��رار المحكمة يعطيه ح�صانة غير مبررة‪ ،‬وال �أع��رف كيف غير‬ ‫وخ�صو�صا �أن الت�صميم الذكي يحتوي على مخالفة �صريحة للمنهج العلمي كما هو‬ ‫مبررة؟‬ ‫ً‬ ‫الحال في كتاب "الإله الفر�ضية الفا�شلة" وب�سبب ذلك ترى الم� َ‬ ‫منزعجا من هذا الحكم‬ ‫ؤلف‬ ‫ً‬ ‫لأننا لو حاكمنا كتا َبه على نف�س المنهج لرف�ض � ً‬ ‫أي�ضا‪ .‬باعتقادي ال�شخ�صي �أن قرا َر المحكم ِة‬ ‫لم يكن غير مبر ٍر بالعك�س كان قرا ًرا �سلي ًما في �ضوء المنهج العلمي‪.‬‬ ‫التنظيم الذاتي مو�ضو ٌع فرعي �آخر في هذا الف�صل‪� ،‬أم ٌر ُ‬ ‫ا�ضط َر �إليه الم�ؤلف والعلماء لكون‬ ‫الأدلة ت�شير �إلى ما هو �أبعد من الطفرات الع�شوائية واالنتخاب الطبيعي‪ ،‬وبما �أن العلم ال يمكن‬ ‫�أن يعترف بالت�صميم الذكي فقد ا�ضطر �إلى �إيجاد ما ي�سمى بالتنظيم الذاتي‪ ،‬ولكن ما الفرق‬ ‫بين التنظيم الذاتي والت�صميم الذكي؟الجواب هو بكل ب�ساطة �أم ٌر واح ٌد فقط هو �أن الت�صميم‬ ‫الذكي يحيل المو�ضوع �إلى قوة عاقلة خالقة‪ ،‬والتنظيم الذاتي يحيلها �إلى عملية طبيعية ِ�صرفة‪،‬‬ ‫�أي بعبارة �أخرى ُيحيلها �إلى ال�صدفة التي يقبلها العلم و�إن كانت فكرة م�ستحيلة لأنها تف�سر‬ ‫الت�صميم �ضمن القانون الطبيعي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كتاب مز َّينٌ بال�صور بعنوان "النق�ش الذي‬ ‫الدليل على التنظيم الذاتي الذي ي�سوقه الم�ؤلف هو ٌ‬ ‫الكتاب �أمثل ًة على ت�شكل الأنماط في الطبيعة مثل الظهور المتكرر‬ ‫�ص َنع ذاتَه" حيث يعطي‬ ‫ُ‬ ‫حد عبار ًة عن مجموع االثنين ال�سابقين مثل ‪،6 ،4 ،2 ،2 ،0:‬‬ ‫لمتوالي ٍة عددية يكون فيها كل ٍ‬ ‫‪134‬‬


‫‪10‬وهكذا حيث �إن الرقم ‪ 4‬جاء من مجموع الح َّد ْين ال�سابقين ‪ 2+2‬و‪ 10‬جاء من مجموع الح َّد ْين‬ ‫ال�سابق ْين ‪ 4+6‬وهكذا وهذا الترتيب يظهر في �أوراق (بتالت) الأزهار واعتبر ذلك دلي ًال على‬ ‫العمليات الطبيعي َة (ال�صدفة) قادر ٌة على �إنتاج معلومات معقدة محددة‪ ،‬ودلي ُله هذا في‬ ‫�أن‬ ‫ِ‬ ‫الكالم‬ ‫ت�صاميم معقد ٍة و�إنما‬ ‫الحقيقة ال قيمة له لأن الخالف لي�س حول وجود �أو عدم وجود‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫حول م�صدر هذا التعقيد وهل هو عمليات طبيعية ع�شوائية (�صدفة)؟�أم تخطيط م�سبق؟‬ ‫وكنتيج ٍة لدقة الكون ِمن حولنا ال ن�ستغرب مثل هذه المتواليات والخالق ممكن �أن يوجد هذه‬ ‫المتواليات بكل ب�ساطه ولعله �أدرك �ضعف هذا المثال فع َّز َزه بتجربة �أُقيمت عام ‪1992‬حيث‬ ‫مجال مغناطي�سي عمودي‬ ‫ُو ِ�ض ْ‬ ‫عت قطيراتٌ من ٍ‬ ‫�سائل ممغنط على غ�شاء من الزيت‪ ،‬وتم ت�سليط ٍ‬ ‫القطرات �إلى الجوانب‪ ،‬حيث‬ ‫و�س ِّلط مجا ٌل �آخر ليدفع‬ ‫ِ‬ ‫عليها مما �أدى �إلى تنافرها عن بع�ض‪ُ ،‬‬ ‫نف�سها في لولب مزدوج المظهر‪ ،‬وبالتالي �آلية تك ُّون اللولب فيزيائية‬ ‫لوح َظ �أن‬ ‫القطيرات َر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تبت َ‬ ‫نماذج معقد ٍة وهل هي �آلية‬ ‫ولي�ست بيولوجية! (وك�أن الخالف والكالم كان حول �آلية ظهور‬ ‫َ‬ ‫فيزيائية �أم بيولوجية!!) على العموم ي�ستمر في �سرد الأمثلة حيث ي�ؤكد �إن هذه التجربة يمكن‬ ‫عملها حا�سوب ًيا � ً‬ ‫برنامجا‬ ‫فتحا علم ًيا جديدً ا وهو ي�ستخدم‬ ‫ً‬ ‫أي�ضا‪ ،‬وقد ظن �ستينجر �أنه حقق ً‬ ‫حا�سوب ًيا ً‬ ‫ب�سيطا لمحاكاة التجربة �أعاله‪.‬‬ ‫يجب الت�أكيد �أن هذه التجارب ال عالقة لها بالواقع‪ ،‬وال يمكن االعتقاد ب�أن مثل هذه التجارب‬ ‫أ�سباب �أهمها‬ ‫تحاكي واق َع تك ِّو ِن الأزهار �أو الأنماط المعقدة الأخرى في الطبيعة وذلك لعدة � ٍ‬ ‫�أن العملية التي �أدت �إلى تج ُّمع القطرات عملي ٌة خ�ضعت لقوانين فيزيائية فمِ ن �أين �أتت هذه‬ ‫القوانين؟وجود العن�صر الواعي الفعال وهو الإن�سان في التجربة �أعاله حيث �أتى بالقطرات‬ ‫َ‬ ‫المجال المغناطي�سي‪ ،‬جميع العوامل المختبرية الأخرى بحيث لو �أُب ِع َد �أي م� ٍؤثر‬ ‫و�س َّل َط عليها‬ ‫‪135‬‬


‫قد ي�ؤدي �إلى عدم �إعطاء نتائج‪ ،‬بالتالي مثل هذه التجارب ال تثبت ب�أية حال من الأحوال ب�أن‬ ‫ما يحدث ِمن حولنا هو عمليات ع�شوائية �أو تنظيم ذاتي‪،‬بالعك�س هذه التجربة تثبت �أن كل ما‬ ‫يحدث ِمن حولنا َيخ�ضع لقوانين �صارم ٍة تحت ت�أثير العن�صر الواعي الفعال (نظرية العن�صر‬ ‫ذات العالقة)‪.‬‬ ‫الواعي الفعال هي فكر ٌة جديدة ولم يتم تداولها في الكتب ِ‬ ‫ينتقل الم�ؤلف بعد ذلك �إلى ما ي�سمى بالت�صميم الرديء‪ ،‬حيث تكلم عن مقالة بعنوان"لو بني‬ ‫�شخ�صنَ َ‬ ‫تعديالت ب�سيط ًة‬ ‫نقاط الخلل في ج�سم الإن�سان و�أظهر كيف �أن‬ ‫الب�شر كي يدوموا‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫يمكن �أن ت�ساهم في زيادة عمر الإن�سان �إلى مائة عام �أو �أكثر‪ ،‬ي�ستر�سل الم�ؤلف في كالمه عن‬ ‫عيد ُ‬ ‫ربطها‪،‬‬ ‫الإن�سان المثالي الذي يعي�ش لفترة �أطول و�أنه يجب �أن يملك �أُ ُذن ْين �أكبر‪ ،‬وعيونا �أُ َ‬ ‫ورقبة مقو�سة‪ ،‬وجذعا يميل للأمام‪ ،‬و�أطرافا وقامة �أق�صر‪ ،‬ح�شوة �أكبر حول المفا�صل‪ ،‬ومزيدً ا‬ ‫َ‬ ‫والمزيد‪ ،‬والنتيجة‬ ‫ومف�صل رقب ٍة معكو�سا‬ ‫وطبقات فقرية �أ�سمك‪،‬‬ ‫من الع�ضالت وال�شحوم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫تكون كما يقول الم�ؤلف "لن يبدو جميال جدً ا‪� ( ،‬أي لن يتحقق قوله تعالى لقد خلقنا الإن�سان‬ ‫في �أح�سن تقويم‪ ،‬والأح�سن هنا هو المراعاة بين مختلف المظاهر الجمالية والقدرة على ت�أدية‬ ‫النقد الالمبرر بقوله ولكن رغم ق�صورها ما تزال الأجزاء‬ ‫الوظائف)‪ ،‬يتدارك الم�ؤلف هذا َ‬ ‫المختلفة لج�سم الإن�سان والأن��واع الأخرى ت�ؤدي وظائفها ويكيل الف�ضل والعرفانَ لالنتخاب‬ ‫الطبيعي الذي كما يزعم ال ي�سعى للكمال �أو الحياة الرغيدة الأبدية (الحظ كلمة ي�سعى)‬ ‫فالج�سم يفت َر�ض به �أن يعي�ش بما يكفي ليتكاثر وير ِّبي �صغا َره‪ ،‬وبقاء النوع ال يتطلب �أن يبقى‬ ‫كب�شر نبقى‪ ،‬رغم حيويتنا المتناق�صة لأن التطور الب�شري‬ ‫الأفراد طوي ًال بعد تكاثرهم‪ ،‬ولكننا ٍ‬ ‫�سنوات كي تن�ضج‪ ،‬و�أجداد تبقت لديهم �سنوات كافية للم�ساعدة في‬ ‫نتجت عنه ذري ٌة تتطلب‬ ‫ٍ‬ ‫‪136‬‬


‫رعايتهم‪� ،‬إذ � ُ‬ ‫كج ٍد �أقول‪� :‬شك ًرا �أيها التطور!‬ ‫أتحدث َ‬ ‫كالم لأر َّد به على هذا الكالم الإن�شائي غير العلمي وال�شكر والتبرير‬ ‫توقفتُ طويال لأبحث عن ٍ‬ ‫لالنتخاب الطبيعي وك�أنه قو ٌة عاقلة وكيا ٌن معين ليتم �شكره‪ ،‬الأمر الم�ضحك هو كيف يُظهِ رون‬ ‫محا�سنَ االنتخاب وينتقدون الت�صميم على الرغم من �أن النتيجة واحدة؟والكالم عن �شيء‬ ‫واحد ولكن الفرق �أن االنتخاب يتنا�سب مع عقليتهم الإلحادية‪ ،‬والت�صميم ال يتنا�سب معها‪.‬‬ ‫بقي ُة الكتاب – نتيج ًة لعدم اعتراف المنهج العلمي التجريبي الح�سي ب�أي محاولة لتجربة الأمور‬ ‫الالمادية �أو الفوق طبيعية‪ -‬كما �سبق‪ ،‬لذا ف�إنني لن �أُ�ض ِّيع وقت القارئ في الكالم كثي ًرا عن‬ ‫هذا الكتاب لأنه منهجية غير علمية‪ ،‬و�إنما مجر كالم �إن�شائي و�س�أكتفي بنقل بع�ض المالحظات‬ ‫من بقية ف�صول الكتاب وب�شكل �سريع‪ ،‬ويمكن للمهتم مراجعة الكتاب والكالم الإن�شائي الكثير‬ ‫فيه ووجهة النظر لأمور تاريخية مثل نظرة اليهود لليوم ال ِآخر والإغريق واليونانيين وغيرهم‪،‬‬ ‫وخ�صو�صا فيما يخ�ص الأمور‬ ‫واليوم هناك الكثير من النقاط التي يتم �إثارتها هنا وهناك‬ ‫ً‬ ‫كعرب مختلفون في �أحوال و�أفعال و�أفكار ر�ؤ�ساء‬ ‫التاريخية‪ ،‬وهذا بح ٌر متالطمة �أمواجه‪،‬فنحن ٍ‬ ‫عا�شوا بيننا كـ ُح�سني مبارك‪ ،‬والقذافي‪ ،‬و�ص َّدام فكيف ب َمن عا�شوا قبل �آالف ال�سنين؟‬ ‫في ال�صفحة ‪ 124‬من الن�سخة العربية يقول ما ن�صه‪:‬‬ ‫"وكما �أكدتُ ِمن قبل ف�إن برهان �إله الفجوات على وجود اهلل يف�شل حين يمكن تقديم تف�سير‬ ‫علمي معقول للفجوة في المعرفة الحا�ضرة‪�،‬إنني ال �أ�شك في �أن الطبيعة الدقيقة لأ�صل الكون‬ ‫ما تزال فجوة في المعرفة العلمية‪ ،‬ولكني �أرف�ض فكرة �أ َّنا محرومون من �أي طريقة معقولة‬ ‫لتف�سير هذا الأ�صل علميا‪ ،‬باخت�صار؛ تدل الأدلة التجريبية والنظريات التي و�صفت بنجاح هذه‬ ‫‪137‬‬


‫هادف يمكننا �أن نفهم الكثير من فكر الملحدين‬ ‫خلق ٍ‬ ‫البيانات على �أن كو ًنا لم ين�ش�أ من خالل ٍ‬ ‫ومبانيهم من هذه المقولة‪:‬‬ ‫�أوال – تف�سير علمي معقول‪� :‬أتت كلمة "معقول" ولي�س (حقيقي) لأنه في الأمور التي حدثت‬ ‫قبل ماليين ال�سنين ال يمكن �أن يكون تف�سيرنا مطاب ًقا للواقع لكثرة المتغيرات والم�ؤثرات التي‬ ‫ال �سبيل �إلى ح�صرها ب�شكل كامل‪،‬التف�سير �سيو�ضح لنا "كيف" حدث الأمر ولكن لن يكون‬ ‫بمقدوره �أن يو�ضح لنا "لماذا حدث الأمر‪ ،‬هذه نقطة مهمة جدً ا في منهج العلم الذي يتعامل‬ ‫فقط مع الموجود �أي "كيف" تعمل ظاهرة معينة بعد �أن تتم معاينتها ب�أدواتنا الحالية وهذه‬ ‫الأدوات تتطور بمرور الزمن‪ ،‬وبتطورها قد تختلف الم�شاهدات وبالتالي اال�ستنتاجات وهذه‬ ‫النظريات ومعرفتَنا الحالية بالت�أكيد‬ ‫اال�ستنتاجات تقودنا �إلى النظريات‪ ،‬وكما نعرف ف�إن‬ ‫ِ‬ ‫�سيطر�أُ عليها الكثير �أو القليل من التعديالت �أو التغييرات م�ستقب ًال‪ ،‬وبالتالي حتى الإجابة عن‬ ‫إجابات عن "لماذا" بكل‬ ‫"كيف" التي يوفرها العلم الن�سبي قائم ٌة على رمال متحركة وال تعطي � ٍ‬ ‫حال من الأحوال‪ ،‬بالتالي حتى لو كانت هناك غاية و�إجابة ل�س�ؤال "لماذا" ف�إن العلم ال يتعامل‬ ‫ب�شكل كامل‪.‬‬ ‫معها؛ لأنها خارج تغطي ِته ومنهجه و�سيتجاهلها ٍ‬ ‫ثانيا‪ -‬بنا ًء على النقطة الأولى وكون �أن العلم الن�سبي في �أح�سن الأحوال يعطي ت�صو ًرا "معق ً‬ ‫وال"‬ ‫ولي�س "حقيق ًيا" عن �س�ؤال كيف حدث الأمر‪ ،‬ف�إنه بكل ت�أكيد لن يجيب عن �س�ؤال"لماذا" حدث‪،‬‬ ‫خلق هادف‬ ‫وبالتالي مقولة الكاتب في نهاية االقتبا�س والتي تقول �إن الكون لم ين�ش�أ من خالل ٍ‬ ‫�شعارات �إلحادية‪.‬‬ ‫مقول ٌة ال قيمة علمية لها وال تتجاوز كونها‬ ‫ٍ‬ ‫"علم الفجوات" وهو ما �أ�سميه‬ ‫ثالثا – ال يوجد ما ي�سمى "�إله الفجوات" و�إنما يوجد بالت�أكيد ِ‬ ‫العلم الن�سبي‪ ،‬وهذا ما يجب �أن نعرفه وبو�ضوح‪ ،‬فلوال كثرة الفجوات في العلم الن�سبي َل َما‬ ‫‪138‬‬


‫ع َرفنا ب�شيء ا�سمه "�إله الفجوات"‪.‬‬ ‫راب ًعا‪ -‬على الرغم من قوله �إنه ال يوجد هناك خل ٌق هادف ف�إنه في ال�صفحة رقم ‪ 125‬يتكلم عن‬ ‫�شوه َد عام ‪ 1682‬قال عنه �إ�سحاق نيوتن �إنه �سيعود عام ‪ 1759‬وقد عاد بالفعل ومازال‬ ‫مذ َّنب ِ‬ ‫يعود كل �ست و�سبعين �سنة‪ ،‬والأمر �أكثر من ذلك فاليوم نحن نعرف متى �سيحدث الك�سوف‬ ‫والخ�سوف لمئات ال�سنين م�ستقب ًال‪ ،‬نحن نعرف �أن الأر�ض تدور حول نف�سها ب�شكل يومي‪ ،‬وحول‬ ‫ال�شم�س ب�شكل �سنوي منذ ماليين ال�سنين‪ ،‬والحال م�ستمرة وغيرها الكثير من الأمثلة‪ ،‬ولوال‬ ‫النظام والت�صميم الموجود في الكون َل َما َع َرفنا و َل َما بقيت الحال على ما هي عليه! فهل هذا‬ ‫الأمر مجرد �صدفة؟ �أم �أن الخلق َّ‬ ‫منظ ٌم وهادف؟‬ ‫الحر يقر بذلك‪� ،‬أ ّما العقل الم�ؤ ْدلج فيتم�سك ب�شعارات‬ ‫الأمر �أكثر من �صدفة بالت�أكيد‪ ،‬والعقل ُ‬ ‫لرف�ض كل هذه الأدلة من حوله ليحم تجربة ال ِبكتيريا �أكثر مما تتحمل بكثير‪ ،‬حيث ي�ستنتج‬ ‫من تجربة بكتريا يتم تجميدُها مختبريا لأيام طويلة فتفقد بع�ض خ�صائ�صها كدليل على تطور‬ ‫الحياة من ال �شيء وبال�صدفة في كون ن�ش�أ بال�صدفة! �سيعتر�ض الملحدون مرة �أخرى ويقولون‬ ‫�إن التطور لي�س �صدفة‪ ،‬و�أنا لم �أتكلم عن التطور هنا و�إنما عن �أ�صل الحياة والكون وهُ ما �صدفة‬ ‫بالت�أكيد فال انتخاب طبيعي وال هُ م يحزنون‪.‬‬ ‫ِمن �أين �أتت قوانين الفيزياء؟‬ ‫هذا المو�ضوع الفرعي في �أ�سفل ال�صفحة ‪ 125‬من كتاب �ستينجر �أعتقد �أنه ال�شعر ٌة التي‬ ‫العلم و�إجماع العلماء‬ ‫ق�صمت ظهر الزرافة‪ ،‬حيث يثبت هذا المو�ضوع �أن الملحدين يتجاوزون َ‬ ‫في �سبيل �إثباتهم مبانيهم الإلحادي َة‪ ،‬والدليل هو قوله في نهاية هذا المو�ضوع (�صفحة ‪)127‬‬ ‫‪139‬‬


‫حيث قال ما ن�صه "ال �شك �أن هذه الفكر َة �صعب ُة الفهم‪ ،‬و�آرائي في هذا المو�ضوع بالذات ال‬ ‫تماما و�شائع"‪.‬‬ ‫أ�ستخدمه ٌ‬ ‫يتقبلها �إجماع الفيزيائيين‪ ،‬رغم �أنني �أُ ِ�صر على �أن العلم الذي � ِ‬ ‫مثبت ً‬ ‫هذا المثبت وال�شائع الذي ال يتقبله �إجماع الفيزيائيين ويحاول �ستينجر �إثباتَه بقوله �إن القوانين‬ ‫َ‬ ‫�ضوابط و�ضعها الإن�سان �أو كما عبر �ستينجر �أنها تقييدات للطريقة التي‬ ‫في الطبيعة مجر ُد‬ ‫َ‬ ‫ال�سلوك‪ ،‬وقد دافع الملحدون بغرابة عن هذا الكالم عندما ناق�شتهم‬ ‫يف�سر بها الفيزيائيون‬ ‫به‪ ،‬وال �أ�ستغرب �أن يدافعوا عن �شيوخهم ومراجعهم‪ ،‬فالقوانين في الطبيعة وم�صدرها و�سببها‬ ‫�أمر مزعج للملحد كثي ًرا‪ ،‬ولذا لج�أ �ستينجر �إلى هذا ال َمه َرب الذي على الرغم من �أنه يخالف‬ ‫�إجماع الفيزيائيين ف�إنه يراه �شائ ًعا ومثبتًا والأدلة عليه كثيرة‪.‬‬ ‫�أنا �أتعامل مع القوانين ب�شكل يومي لذا �أتفهم ما يقوله �ستينجر حيث �إننا فع ًال نتعامل مع‬ ‫�ضوابط ولي�س مع قوانين �صارمة‪ ،‬مثال قوانين الهند�سة والميكانيكا ن�ضطر في الكثير من‬ ‫الأحيان لإهمال االحتكاك والجاذبية ودرجة الحرارة وغيرها لنتجنب التعقيد‪ ،‬ولكن هذا ال‬ ‫يعني �أن القانون مجرد �ضوابط‪ ،‬و�إنما يعني �أن الواقع يحكمه قانون محكم ودقيق جدً ا وت�صميم‬ ‫�أعقد بكثير من القانون الذي و�ضعناه ون�ستخدمه يوم ًيا‪.‬‬ ‫وال ب�أ�س هنا �أن نتكلم عن قوانين الفيزياء التي تعتبر �أحد �أهم �أدلة الت�صميم (عندما �أقول‬ ‫راجع الم�صطلحات)‬ ‫الت�صميم فال �أق�صد الت�صميم الذكي و�إنما �أق�صد الت�صميم الفعال‪ِ ،‬‬ ‫فهذه القوانين ك�أ�صل للحياة و�أ�صل ٍ للكون ولي�س �أمامنا خيار �سوى �أن نقول �إنها �أتت �صدفة �أو‬ ‫�إنها �أتت نتيجة لوجود م�ص ّمم بديع‪،‬ولذا لم يكن �أمام الفيزيائي "لورن�س كراو�س" �أال �أن يقول‬ ‫�إن هذه القوانين �أتت �صدفة‪ ،‬وهو �صادق بقوله بعك�س الكثير من الملحدين‪ ،‬وهذا هو ال َمخرج‬ ‫‪140‬‬


‫الوحيد للملحدين بدون فل�سفة كالمية م�شابه لتبرير �ستينجر بقوله �إن القوانين ن�ش�أت من‬ ‫َ‬ ‫�ضوابط و�ضعناها لفهم كيف يعمل الكون ‪....‬‬ ‫داخل الكون ولي�س ِمن خارجه و�أنها مجرد‬ ‫م�صمم مبدع‪،‬‬ ‫وال فرق �إن كانت ِمن داخل الكون �أو ِمن خارجه فهي �إما �أتت �صدفة و�إما نتيجة ِّ‬ ‫هو يريد �أن ي�ؤكد ولو ب�أ�سلوب جدلي �أن القوانين ن�ش�أت من داخل الكون و�أنها لم ت�� ِأت من‬ ‫خارجه لأنه يعتقد �أن هذا الإثبات ي�ؤدي بال�ضرورة �إلى عدم وجود خالق‪ ،‬ولكن ال �ضرورة لذلك‬ ‫فالخالق المبدع لي�س كما يعتقد �ستينجر مارد عالء الدين الذي ي�أتي بالق�صر في ليلة واحدة‬ ‫بدون مقدمات وال �أ�سباب!! ففي نظر الملحدين �أن عالء الدين هو الم�ؤمن‪ ،‬والمارد هو الخالق‬ ‫ف�إذا �أثبتوا �أن الق�صر ُب ِني َب�أيادي عاملين ومهند�سين وبا�ستخدام موا ِد البناء ف�إن المارد كذب‬ ‫وعالء الدين م�ؤمن بخرافة! وهذه نظرة �سطحية لإيمان الم�ؤمنين‪ ،‬فالم�ؤمن لي�س عالء الدين‪،‬‬ ‫والخالق لي�س المار َد‪ ،‬والإيمان لي�س بهذه الب�ساطة وال�سطحية‪ ،‬والخالق عندما يخلق ال يعني‬ ‫َ‬ ‫ال�ضوابط الكوني َة التي �أوجدها‪ ،‬بل يكون �ضمن ال�ضوابط الكونية التي و�ضعها �ضمن‬ ‫�أنه يك�سر‬ ‫الكون وال ي�أتي فج�أة‪.‬‬ ‫فالقر�آن مثال في �سورة هود يقول هو الذي �أن�ش�أكم من الأر���ض يعني �أن � َ‬ ‫أ�صل الإن�سان من‬ ‫الأر�ض ولي�س كن فيكون‪ ،‬وهكذا فاهلل �سبحانه وتعالى ي�أخذ بالأ�سباب ولذلك جاء قوله تعالى‬ ‫�أن �أعدوا ما ا�ستطعتم من قوة لتنت�صروا وغيرها من التوجيهات التي ت�ؤكد �أن الخالق ي�ؤكد على‬ ‫اعتماد القوانين الجارية لن�صرته ر�سوله والم�ؤمنين‪.‬‬ ‫َ‬ ‫�ضوابط و�ضعناها �أو كما ع َّبر �ستيجر �أنها تقييدات للطريقة التي‬ ‫�أ ّما القول ب�أن القوانين مجرد‬ ‫يف�سر بها الفيزيائيون ال�سلوك‪ ،‬فهو كالم غير �صحيح لأن �سلوك المادة يتبع القانون ولي�س‬ ‫‪141‬‬


‫العك�س‪ ،‬فمختلف المواد تتبع �سلوكا محددا يفر�ضه القانون الطبيعي‪.‬‬ ‫بع�ض الفال�سفة والعلماء وبدال من الرد عليها ب�شكل‬ ‫من الأمور الأخرى �أن الكتاب يذكر �آرا َء ِ‬ ‫عبارات لأ�شخا�ص ا�ستهز�ؤوا بها! وهذا �شيء م�ستغرب في كتاب‬ ‫علمي ف�إنه ي�ستهزئ بها �أو يورد‬ ‫ٍ‬ ‫من المفرو�ض �أن يكون كتابا علم ًيا‪ ،‬مثال في ال�صفحة ‪ 137‬ينقل كالم الفيل�سوف الألماني‬ ‫"غوتفيد" الذي عا�ش في القرن الثامن ع�شر حيث قال "�إننا ن�سكن في خير العوالم الممكنة"‬ ‫فكان جواب �سيتنجر �أن نقل ا�ستهزا ًء لفيل�سوف فرن�سي ورد في ق�صه ق�صيرة كتبها!‬ ‫وق ْب َل االنتهاء من المرور على هذا الكتاب ال بد �أن نذكر ما ذكره في الف�صل الرابع على ل�سان‬ ‫الفيل�سوف المعروف "ديفيد هيوم" عند انتقاده لفكرة المعجزات حيث قال �إنه يمكن التعرف‬ ‫على ثالثة �أنواع من المعجزات ‪:‬‬ ‫�أوال‪ :‬اختراقات لقوانينَ طبيع ٍة ثابتة‪.‬‬ ‫ثانيا‪� :‬أحداث غير مف�سرة‬ ‫ثالثا‪ :‬م�صادفات غير محتملة‬ ‫ن�سي ُ‬ ‫بع�ضه ً‬ ‫بع�ضا‪ ،‬ولكن مقولة ديفيد هيوم تثبت‬ ‫وقد ع َّلقَ عليها فيكتور �ستينجر بكالم طويل ُي ِ‬ ‫اختراقات لقانون‬ ‫بالحقيقة �أن الكون هو معجزة حقيقة فالعلم اليوم يثبت �أن الكون يحتوي‬ ‫ٍ‬ ‫الطبيعية ال يمكننا �أن نف�سرها ب�شكل كامل (�أح��داث غير مف�سرة) وكذلك م�صادفات غير‬ ‫محتملة عديدة تمثلت في الكون المالئم والخلية الأولى والـ دي �إن �آي‪ ،‬ودوران الأر�ض حول‬ ‫ال�شم�س وحول نف�سها وغيرها من الم�صادفات الكثير التي تقودنا �إلى �أن احتمالية تواجدها في‬ ‫الكون بهذه الت�شكيلة ت�صل �إلى �أقل بكثير من واحد في مليون تريليون كما ب َّين العا ِل ُم الفيزيائي‬ ‫‪142‬‬


‫"هيو رو�س" في كتابه "الخالق والكون"‪ ،‬وهكذا يبرز لنا الواقع الذي نعي�ش فيه وفق المنهج‬ ‫التجريبي الح�سي �أنه معجزة كبيرة ودليل على وجود قوة قادرة ذكية وخارقة ح�سب مقيا�س‬ ‫الفيل�سوف ديفيد هيوم‪.‬‬ ‫القدر من الكتاب حتى ال نقع في فخ التف�صيل ال ُممل بالإ�ضافة �إلى �أن الكتاب كما‬ ‫نكتفي بهذا ْ‬ ‫يتم�سح بال ِعلم‪.‬‬ ‫هو وا�ضح ال يع ِّبر عن عنوانه وهو لي�س فعال كتابا علميا ولكنه َّ‬

‫‪143‬‬


‫هناك إله – أنتوني فلو‬ ‫َ‬ ‫الف�صل �س�أ ُمر مرور الكرام وباخت�صار �شديد على كتاب‬ ‫ِمن باب الإن�صاف وقبل �أن �أختم هذا‬ ‫�أنتوني فلو – "هناك �إله" ‪.‬‬ ‫بداي ًة َمن هو �أنتوني فلو؟‬ ‫ٌ‬ ‫فيل�سوف �إنكليزي ا�شتهر بكتاباته في فل�سفة الأديان‪ ،‬وقد در�س في �أك�سفورد‪ ،‬ولد‬ ‫�أنتوني فلو‬ ‫عام ‪ 1923‬وتوفي في عام ‪ 2010‬وكان ِمن المدافعين عن الإلحاد م�شدِّ دا على �ضرورة �أن يتبنى‬ ‫ال�شخ�ص الإلحاد حتى يتم الح�صول على �أدل ٍة مادية تثبت وجود خالق‪ ،‬وكان ينتقد فكرة وجود‬ ‫حياة بعد الموت وقد �أ َّل َف الكثير من الم�ؤلفات الم�شهورة منها "التطور الدارويني" (‪)1984‬‬ ‫الج َمل الفل�سفية التي تنفي وجو َد الخالق‪،‬وما يزال الملحدون ي�ستخدمونها لليوم‬ ‫وله العديد من ُ‬ ‫وقد يكون �ستينجر قد ا�ستخدم مفرداته في كتابه "الإله الفر�ضية الفا�شلة"‪ .‬في عام ‪2004‬‬ ‫َفاج�أ العالم بتحوله �إلى االعتقاد بوجود خالق للكون خالل ندوة جمعته‬ ‫وبعد ٍ‬ ‫عقود من �إلحاده ت َ‬ ‫بعلماء �آخرين بع�ضهم ملحد وبع�ضهم م�ؤمن مع ِّلال ذلك ب�أنه اتخذ عهدً ا على نف�سه ب�أن يتبع‬ ‫الأدلة حيثما تقوده وهكذا قاده العلم �إلى الخالق‪.‬‬ ‫‪144‬‬


‫في الجزء الأول من كتابه "هناك �إله" تكلم عن رف�ضه لفكرة وجود خالق وكيف بد�أت ولماذا‪،‬‬ ‫الفعل على ما �شاهده‬ ‫وق�صته قد ُت�شا ِبه‬ ‫ق�ص�ص الكثير من ملحدي العالم وهي بب�ساط ٍة ردة ٍ‬ ‫َ‬ ‫من مظاهر توحي بالعبث والالعدالة في الحياة‪ ،‬حيث يقول تو�صلت �إلى ا�ستنتاج عدم وجود‬ ‫خالق ب�شكل �سريع جدا وب�شكل �سهل جدا‪ ،‬ونتيج ًة لذلك اكت�شفتُ بعد فترة طويلة من الزمن‬ ‫�أن �أ�سبابي كانت خاطئة ِومن �أهم تلك الأ�سباب م�س�ألة ال�شر في الكون‪ ،‬حيث كنت �أ�سافر مع‬ ‫والدي اللذ ْين كانا ِمن الم�سيحيين البروت�ستانت �إلى �ألمانيا وفرن�سا في ال�صيف‪ ،‬وقد ت�أثرتُ‬ ‫َّ‬ ‫الالفتات خارج ال ُمدن‬ ‫الحرب العالمية الثانية حيث كنت �أرى‬ ‫ب�شدة خالل الأ�سفار التي �سبقت‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫القوات الع�سكري َة النازية‬ ‫مرحب باليهود هنا" وكنت �أ�شاهد‬ ‫ال�صغيرة والتي ُيكتَب عليها "غير‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫والجناح الع�سكري للحزب النازي بمالب�سهم ال�سوداء مع عالمة الجمجمة والعظمت ْين عليها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫هذه التجارب �أثارت عندي الت�سا�ؤالت حول وجود الإله ال ُم ِحب العطوف والتي �أدت في النهاية‬ ‫�إلى �أن �أُ�صبح ملحدا في �سن الخام�سة ع�شر من عمري‪.‬‬ ‫لدي الجر�أ ُة لأناق�ش والدي في المو�ضوع �أو حتى �أخبره لعوامل كثيرة منها �أنني ال‬ ‫ولكن لم تكن َّ‬ ‫�أريد �أن �أكون �سب ًبا لو�ضع غير مريح في المنزل‪ .‬وفي �سن الثالثة والع�شرين‪� ،‬أخبرت والدي �أنه‬ ‫من الم�ستحيل �أن �أعود عن موقفي‪ ،‬يعقب توني فلو على هذه الحادثة بقوله "�أ�ستطيع �أن �أقول‬ ‫�إن والدي �سيكون �سعيدا جدا لو َع ِل َم بموقفي اليوم"‪ .‬ي�ستمر �أنتوني فلو ب�سرد رحلته حيث يقول‪،‬‬ ‫خالل تلك الفترة كنتُ قد �شكلت بع�ض الر�ؤى الف�سلفية لموقفي حتى قبل �أن �أدر�س الفل�سف َة‬ ‫ولكنها لم تكن نا�ضج ًة ب�شكل كامل‪ ،‬خالل تلك الفترة انجذبتُ للي�سار اال�شتراكي ولكنني‬ ‫أنتم للحزب ال�شيوعي كما فعل الكثير من رِفاقي‪ ،‬وال�سبب في ذلك هو ت�صرفات الحزب‬ ‫لم � ِ‬ ‫ؤ�س�سات الحزب‬ ‫ال�شيوعي البريطاني وطاعتُه العمياء للأوامر التي ت�أتيه من مو�سكو‪ ،‬حيث �إن م� ِ‬ ‫‪145‬‬


‫بد�أت تعلن َ‬ ‫رف�ضها للحرب �ضد �ألمانيا النازية باعتبارها حربا ال فائدة منها‪ ،‬وا�ستمر هذا‬ ‫الموقف حتى عام ‪ 1940‬عندما كان البلد مع َّر�ضا لالحتالل الألماني ولكن بين ليل ٍة ُ‬ ‫و�ضحاها‬ ‫داعم للحرب �ضد �ألمانيا النازية عندما قامت �ألمانيا‬ ‫تح َّول موقف م�ؤ�س�سات الحزب �إلى ٍ‬ ‫باجتياح االتحاد ال�سوفييتي‪ ،‬وبالتالي لم يكن لهم عالقة مع ال�شعب البريطاني‪(.‬مالحظة ‪:‬‬ ‫ال�شاعر العراقي المعروف بدر �شاكر ال�سياب يذكر في مذكراته موق ًفا مماث ًال من الحزب‬ ‫ال�شيوعي العراقي ولنف�س الأ�سباب وقد ن�شرت في �إحدى ال�صحف العراقية في وقتها وموجودة‬ ‫على �شكل كتاب مطبوع اليوم)‪.‬‬ ‫خالل الندوة التي جمعته مع علماء �آخرين و�أعلن فيها انتقاله �إلى الإيمان قال �إن ِمن بين‬ ‫�أعظم اكت�شافات ال ِعلم الحديث هو اكت�شاف الخالق‪ ،‬حيث تم �س�ؤاله هل كان للأعمال الخا�صة‬ ‫ب�أ�صل الحياة دو ٌر في موقفه الجديد؟ وكان جوا ُبه نعم ‪ ..‬ال�شفرة الوراثية وتعقيدها �أثبتت بما ال‬ ‫يقبل ال�شك �أنها بحاجة �إلى م�ص ِّمم َع َ‬ ‫مل على جمع هذه الأجزاء وجعلها تعمل �سوي ًة (لقد ذكرنا‬ ‫�سابقا �إن تعقيد ال�شفرة الوراثية دفع العا ِل َم الحائزة على جائزة نوبل �إلى االعتقاد في وجود‬ ‫نوع من الكائنات الف�ضائية قامت بزراعة ال�شفرة الوراثية على الأر�ض! وال ندري َمن َخ َلق هذه‬ ‫ٍ‬ ‫الكائنات على فر�ض وجودها؟)‪ .‬ي�ضيف �أنتوني فلو �إن هذا الإعالن هو تغيير كبير في حياتي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ولكنه يندرج �ضمن الموقف الذي تبنيتُه منذ ال�صغر في حياتي وهو �أن �أتبع الدليل �إلى نهايته‬ ‫و�س�أقبل بالنتيجة مهما كانت‪.‬‬ ‫المقوالت التي‬ ‫انتقد‬ ‫خالق‪ ،‬حيث َ‬ ‫ِ‬ ‫في الجزء الثاني من كتا ِبه يبد�أ بالكالم عن اكت�شافه وجو َد ٍ‬ ‫بتف�سير ل�سبب وجود الكون‪،‬‬ ‫يرددها بع�ض الملحدين ِمن قبيل "لي�س من المفرو�ض �أن نطالب‬ ‫ٍ‬ ‫‪146‬‬


‫الكون موجود وهذا هو المهم"‪�" ،‬إننا ال ن�ستطيع �أن نقبل بوجود عامل ال مادي لوجود الكون‪،‬‬ ‫لذا نقبل بالم�ستحيل(ال�صدف)"‪" ،‬الحياة ن�ش�أت بال�صدفة من المادة"‪" ،‬القوانين الطبيعية‬ ‫هي لي�ست قوانين حقيقة و�إنما �أم ٌر اخترعناه"‪.‬وقال �إنها قد تبدو محتوية على بع�ض المنطق‬ ‫ولكنها في الحقيقة ال تحتوي على �أي دليل ي�ساندها‪ ،‬وكذلك قال في هذا الجزء "�أنا اليوم‬ ‫�أعتقد �أن الكون �أنتجته قو ٌة عاقلة ذكية وتحكمه قوانين تدل على عظمه الخالق‪� ،‬أنا �أ�ؤمن �أن‬ ‫خلقت بتدخل �إلهي ولكن قد يت�ساءل البع�ض لماذا �أ�ؤمن بذلك؟‬ ‫الحياة ْ‬ ‫والجواب بب�ساطة لأن �صورة العالم الم�ستخل�صة من العلوم الحديثة‪ ،‬كما �أراها‪ ،‬ت�س ِّلط ال�ضو َء‬ ‫على ثالثة �أبعاد ت�شير �إلى وجود خالق‪ :‬البعد الأول �أن الطبيعة تقاد من القوانين‪ ،‬البعد الثاني‬ ‫هو الحياة المنظمة بذكاء والتي تتجه �إلى هدف‪ ،‬البعد الثالث هو وجود الطبيعة نف�س ًها‪ .‬ويقول‬ ‫� ً‬ ‫تدخل‬ ‫أي�ضا �إنني يجب �أن �أ�ؤكد �أن �إيماني بالخالق تم على م�ستوى الواقع ال�صرف بدون �أي ٍ‬ ‫لأي نموذج ديني موجود �أو �أي تجربة �شخ�صية مع الخالق‪ ،‬باخت�صار‪ ،‬اكت�شافي للخالق تم من‬ ‫خالل مقدمات منطقية ولي�ست �إيمانية‪.‬‬ ‫ِمن الأمثلة الذي َذ َكرها في هذا الجزء قوله(لو فر�ضنا �أن جهاز موبايل لديه �إمكانية االت�صال‬ ‫عن طريق الأقمار ال�صناعية و َق� َع في جزيرة ت�سكنها قبيل ٌة بدائية لم تت�صل �سابقا مع �أي‬ ‫ح�ضار ٍة �إن�سانية‪� ،‬سيقوم �سكانُ القبيلة بنقر الأرقام ب�شكل ع�شوائي ونتيج ًة لذلك �سي�ستمعون‬ ‫�إلى �أ�صوات مختلفة‪� ،‬أبناء القبيلة الأذكياء "العلماء" �سيقومون بالتجربة مرة �أخرى و�سي�سمعون‬ ‫الأ�صواتَ مرة �أخرى‪ ،‬اال�ستنتاج �سيكون وا�ضحا لهم‪ ،‬وهو �أن الجهاز فيه �أجزاء تت�ضارب مع‬ ‫بع�ضها البع�ض لتعطي �صوتا م�شابها ل�صوت الإن�سان‪ .‬وهذا يعني �أن الأ�صواتَ تَ�صدر ِمن �أجزاء‬ ‫‪147‬‬


‫الجهاز نف�سه‪ ،‬رئي�س القبيلة اجتمع بعلماء قبيل ِته للنقا�ش وطلب منهم المزيد من التحقيق حول‬ ‫احتمالية وجود نوع من االت�صال مع ح�ضارات ب�شرية �أخرى‪ ،‬ولكنَّ العلما َء �ضحكوا على هذه‬ ‫االحتمالية وقالوا له لو ك�سرنا الجهاز َل َما �سمعنا الأ�صوات‪ ،‬وهذا معناه �أن ت�ضارب �أجزائه هو‬ ‫ح�ضارات �أخرى خارج حدود جزيرتنا)‪.‬‬ ‫ما ي�سبب ال�صوتَ ولي�س االت�صال مع‬ ‫ٍ‬

‫خاتمة الفصل الثالث‬ ‫يحتجون‬ ‫يالحظ المتت ِّبع لكتا َب ْي ْ‬ ‫"وهم الإله" و"الإله الفر�ضية الفا�شلة" �أن الملحدين غالبا ما ُّ‬ ‫بموا ِّد هذين الكتاب ْين وين�سبونها �إلى �أنف�سهم في عملية �سرق ٍة وا�ضحة للمعلومات‪ .‬والأذكياء‬ ‫منهم يحاولون �أن يغيروا الأمثل َة والتعابير الواردة ب�أمثل ٍة وتعابي َر م�ستخل�ص ٍة من بيئتهم‪ ،‬لذا‬ ‫كان من الواجب تو�ضيح معالم هذ ْين الكتابين مع الردود عليها لأنه في الرد على مثل هذه‬ ‫الكتب يمكن الرد على الكثير من �إ�شكاليات الملحدين و�أفكارهم‪ .‬بالن�سبة لكتاب �أنتوني فلو‬ ‫فقد م��ررتُ عليه م��رور الكرام‪ ،‬وتعتبر تجربته �إح��دى التجارب المهمة ويجب على المهتم‬ ‫االطالع على الكتاب ب�شكل �أكثر تف�صيال‪.‬‬

‫‪148‬‬


‫الفصل الرابع‬ ‫ال ُمساجالت (نقاشات في العلم والدين)‬ ‫كتاب واح ٌد ال يكفي‪ ،‬لذا‬ ‫هناك الكثي ُر من ال ُم�ساجالت التي يمكن �أن ندرجها هنا‪ ،‬ولكن بالطبع ٌ‬ ‫ندرج هنا ع ّين ًة من الم�ساجالت والنقا�شات التي تتالءم مع مو�ضوع الكتاب‪�،‬سيتم اال�ست�شهاد‬ ‫بالآيات القر�آنية في الف�صل وهي حجة على الم�ؤمن بالقر�آن ولي�س على الملحد‪ ،‬وال�سبب‬ ‫الأ�سا�سي لال�ست�شهاد بهذه الآي��ات هو �أنه ال يمكن تبيان وجهة نظر الدين بدون النقل من‬ ‫القر�آن‪.‬‬ ‫ما عالقة ال ِعلم بالإلحاد؟ وهل الإلحاد نتيجة طبيعية ل َمن يتبع ال ِعلم؟‬ ‫للإجابة على هذا ال�س�ؤال يجب �أن نعرف مفهوم العلم ومنهجه وكما ب َّينا �سابقا العلم هو المنهج‬ ‫القائم على التجربة والم�شاهدة‪،‬فكل ما يمكن تجربتُه وم�شاهدته يدخل �ضمن نطاق المعلوم‬ ‫مفتوحا على م�صراعيه‪،‬‬ ‫نقا�ش م�سبباته‬ ‫باب ِ‬ ‫القطعي الذي ال �سبيل �إلى مناق�شته‪ ،‬ولكن يبقى َ‬ ‫ً‬ ‫فمث ًال الما ُء مك َّو ٌن من ذرت ْين من الهيدروجين وذرة من الأوك�سجين ِعل ٌم قطعي‪ ،‬وال يختلف فيه‬ ‫اثنان‪ ،‬وبالتالي �أثبت العلم في هذه النقطة كفا َءتَه على تمييز مكونات الماء‪ ،‬وب�شكل قطعي‬ ‫‪149‬‬


‫ولي�س ب�شكل معقول �أو مقبول‪،‬ولكن كيف تك َّون الماء وكيف تك َّونت مكوناته �أمر �آخر‪،‬ولكن‬ ‫لو رجعنا �إلى �أمور ال يمكن لنا �أن نجربها مختبريا �أو �أمو ٍر ال يمكن لنا �أن ن�شاهدها وحاول‬ ‫وال �أو مقب ً‬ ‫العلم �أن يعطي ر�أيه فيها ف�سيكون معق ً‬ ‫وال �ضمن حدود العلم الن�سبي ولن يكون قطع ًّيا‬ ‫أمران ال‬ ‫بالمرة‪ ،‬وهذه المعقولية �أو المقبولية ناتجة عن �أدوات العلم الحالية‪ ،‬والأدوات يمثلها � ِ‬ ‫ثالث لهما؛ وهما المعدات المختبرية التي يتم ا�ستخدامها والمعرفة الآنية المتراكمة المتمثلة‬ ‫في معرفتنا بما حدث عن طريق مخت َل ِف البحوث والنظريات والفر�ضيات ذات العالقة وحتى‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫العلم‬ ‫وكما هو‬ ‫معروف ف�إن معدا ِتنا المختبري َة ومعرفتَنا الآني َة تتطوران بمرور الزمن‪ ،‬فلم يغلق ُ‬ ‫�أبوا َبه‪ ،‬ولم ُت�س ِّرح المختبراتُ منت�سبيها‪ ،‬وبالتالي ال يمكن لأي �إن�سان عاقل �أن ي�ساوي بين‬ ‫المنهج التجريبي‬ ‫العلم القطعي والعلم الن�سبي (علم الفجوات) فهناك فر ٌق بين �أن �أط ِّبق‬ ‫َ‬ ‫الح�سي (المنهج العلمي)في �أمر ن�شاهده يوميا ويمكن تجربته مختبر ًيا‪ ،‬و�أم� ٍ�ر حدث قبل‬ ‫ماليين ال�سنين ال يمكن م�شاهدته يوم ًيا �أو تجربته مختبر ًيا‪ .‬وهذا الفرق يتلخ�ص في الفرق‬ ‫بين النتيجة القطعية والنتيجة المقبولة‪ .‬وقد �أ�شار �إلى ذلك ك ُّل ِمن ريت�شارد داوكنز ولوران�س‬ ‫كراو�س في لقاءٍ َّ‬ ‫نظ َماه معا‪ ،‬قال فيه لوران�س في الدقيقة الـ ‪ 29‬منه �إن ريت�شارد قد �أ�شار‬ ‫�إلى َح َجر الزاوية عندما ع َّبر عن النظريات التي تنفي وجود الإله ب�أنها "معقولة" والكلمة‬ ‫بالإنكليزية تعني‪.Plausibility‬‬ ‫وال�س�ؤال لماذا (معقولة) ولي�ست (حقيقة قطعية)؟ والجواب هو �أن العلم لن يعطي الحقيق َة‬ ‫نف�سه هو ال�ضابط‬ ‫لأمور ال يمكن اختبا ُرها وم�شاهدتها كما �أ�سلفنا؛ لأن ال�ضابط الذي � َ‬ ‫ألزم به َ‬ ‫الح�سي التجريبي‪،‬قد ي�س�أل �سائ ٌل كيف يمكننا �أن ن�أتي بنظري ٍة معقول ٍة لأمر ال يمكن م�شاهدته‬ ‫‪150‬‬


‫وال يمكن تجربته؟والجواب �أن الأمر نات ٌج عن وجود �أدلة يمكن م�شاهدتها قد تدفعنا �إلى تب ِّني‬ ‫مقتطفات زمنية ولي�ست‬ ‫النظرية باعتبارها التحليل الأكثر معقولية‪ ،‬ولكن هذه الأدلة هي مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫علم قطعي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫علم معقول �إلى ٍ‬ ‫عمليات كاملة‪ ،‬ولو ح�صلنا على العمليات الكاملة لتحول من ٍ‬ ‫عندما نتكلم عن ما وراء الطبيعية فالعلم ال ُيبدي ر�أيه فيها ال ب�شكل قطعي وال ب�شكل ن�سبي‪،‬‬ ‫فهو �أمر خارج اخت�صا�صه بالمطلق‪ ،‬ومن هذا الأ�سا�س يمكن �أن ن�سمي العلما َء الذين ُيط ِلقون‬ ‫أحكام على ما ال يمكن تجربته وال يمكن م�شاهدته وال توجد �أدلة ت�شير عليه ب�أ�صحاب "العلم‬ ‫ال َ‬ ‫الحكم �أو النظر في هذه‬ ‫الزائف"‪ ،‬وال�سبب في ذلك بكل ب�ساطة هو �أن العلم بمنهجه ال يمكنه ُ‬ ‫الأمور‪ ،‬وكما قال ديفيد هيوم �أحد �أهم الفال�سفة الذين �أكدوا على المنهج التجريبي الح�سي‬ ‫اللحظات الحا�سم َة التي لم يكن لنا فيها تجربة ت�شبه تلك التي لنا‬ ‫"ي�ستحيل �إثبات وجود �أن‬ ‫ِ‬ ‫فيها تجربة" وهذا الكالم طبيعي ومعقول لمن فهِ َم العلم(المنهج التجريبي الح�سي) و�أدوا ِته‪.‬‬ ‫المنهج العلمي ال يمكن �أن يقود �إلى الإلحاد؛ لأن الإلحاد يقع‬ ‫الجزم ب�أن‬ ‫ونتيجة لذلك يمكن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خارج حدوده‪ ،‬نعم المنهج العلمي يك�شف الكثير من الأمور الخرافية التي لحقت بالأديان ع ْب َر‬ ‫الأجيال‪ ،‬وهذا �شيء جيد جدً ا وال يجب على علماء الدين الوقوف بوجهه و�إنما تق ُّبله وتو�ضيحه‬ ‫ورف�ض الن�سبي منه الذي يتعار�ض مع وجود خالق؛ لأنه ُب ِن َي على �آراءٍ �شخ�صية للعلماء الملحدين‬ ‫ولي�س على �أ�سا�س علمي‪.‬‬ ‫ما اإليمان؟‬ ‫َ‬ ‫تعاريف‪ ،‬ولكنَّ هناك تعريف ْين ُيعتب َران الأكث َر ُقربا لهوى الملحد‬ ‫يع ِّرف الملحدون الإيمانَ بعد ٍة‬ ‫وهُ ما‪:‬‬ ‫‪151‬‬


‫الإيمان‪:‬هو االعتقاد بال �أدلة‪.‬‬ ‫الإيمان‪ :‬هو التظاهر بمعرفة �شيء ال تعرفه‪.‬‬ ‫يقول �أحد الملحدين الأمريكيين �إنه ِمن الممكن �أن نتنازل ونقول �إنه من الممكن �إثبات وجود‬ ‫عي�سى تاريخيا‪ ،‬وقد يمكن �أن نثبت �أنه ُر ِف َع على ال�صليب‪� ،‬أ َّما اعتبار �أن هذا دليل على �أنه �إله‬ ‫فهو اعتقا ٌد بال �أدلة!‬ ‫هنا تبرز نقطة يجب الإ� �ش��ارة �إليها ول��و على عجل وه��ي تحميل الن�ص الديني �أكثر مما‬ ‫النا�س عنه‪،‬‬ ‫يحتمل؛حيث �أن الخرافة والأم��ور التراثية تث ِق ُل الدين بالحواجز التي تبعد‬ ‫َ‬ ‫وخ�صو�صا �أن الإن�سان الواعي لن يقبل الخرافة‪ ،‬وهذا ما يجب �أن ينتبه له الم�سلمون لأنهم‬ ‫وقعوا في هذا الفخ ومازالوا يحملون بين ظهرانيهم ِت ْرك َة الأمور التراثية والخرافية التي لحقت‬ ‫إ�سالم النقي لفقدنا ال َ‬ ‫أمل وتركنا‬ ‫بالإ�سالم‪ ،‬ولوال القر�آن ووقو ُفه ٍ‬ ‫منيع يحمل ال َ‬ ‫ك�سد �شامخ ٍ‬ ‫الكتابة ُ‬ ‫هلل على َخل ِقه‪.‬‬ ‫وبط ْلت حج ُة ا ِ‬ ‫نعود لأ�صل المو�ضوع وهل الدين �إيما ٌن بال �أدلة؟ الإن�سان بفطرته ال�سليمة يدرك �أن هناك‬ ‫مح ِّركا وهد ًفا وقوىً عاقل ًة �أوجدت ما نراه ِمن حولنا‪ ،‬فالإيمان ب�أن ال�صدف َة هي ال�سبب كالم ال‬ ‫يمكن �أن ي�صدق به عاقل‪،‬مما ي�ؤدي �إلى �أن يدرك الإن�سان وجود الخالق‪ ،‬وبما �أن الخالق يمثل‬ ‫الق َوىً العاقل ٌة الواعية التي �أبدعت الكون فيدرك �أن هذا الخالق ال يمكن �أن َيقبل بالظلم‪ ،‬ولكن‬ ‫يوم تتحقق فيه العدالة من‬ ‫الحياة كلها ظلم ووح�شية‪ ،‬وبالتالي ي�ؤدي هذا �إلى االعتقاد بوجود ٍ‬ ‫قبل الخالق العاقل الواعي وهذا هو يوم الح�ساب‪.‬‬ ‫الر�سل والكتب ال�سماوية يمكن �أن ن�صل �إلى حقيقة وجود الخالق ويوم‬ ‫وبدون الحاجة �إلى ُ‬ ‫‪152‬‬


‫الح�ساب وفق البرهان العقلي والبرهان الح�سي‪ ،‬حيث قادنا البرهان الح�سي �إلى وجود قوى‬ ‫عاقلة ذكية‪ ،‬وقادنا البرهان العقلي �إلى �أنه البد �أن ترف�ض هذه القوى العاقلة الذكية كل �أ�شكال‬ ‫الظلم‪.‬‬ ‫الر�سل لتو�ضيح ر�سالة الخالق ب�شكل �أكثر تف�صي ًال‪ ،‬لذا ي�ؤمن الم�ؤمنون‬ ‫ولكننا نبقى بحاجة �إلى ُ‬ ‫الر�س َل دالين عليه‪ ،‬وحتى الإيمان بالغيب الذي ي�ؤمن به الم�سلمون وي�ستخدمه‬ ‫ب�أن اهلل �أر�سل ُ‬ ‫الملحدون لالنتقا�ص منهم هو لي�س �إيما ًنا بال دليل وال �إيمانا �أعمى‪ ،‬و�إنما �إيما ٌن نتيجة لوجود‬ ‫�شواهد دال ٍة على وجود قوة قادرة خالقة للكون ي�سميها الملحد القوى العمياء �أو االنتخاب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الف�ضل فيما نراه حولنا ِمن الأر�ض المنا�سبة للعي�ش‬ ‫الطبيعي �أو الجين الأناني‪ ،‬و َين�سب لها‬ ‫والإن�سان المتمكن منها وعلى كل ما فيها‪ ،‬القر�آن الكريم ال يدعونا للإيمان بالغيب وكفى‪،‬‬ ‫باب يدعونا للتفكر في خلق‬ ‫بالحجة والمنطق‪ ،‬فهو من ٍ‬ ‫و�إنما يب ِّين لنا الأ�سباب وال ِ‬ ‫آيات و ُيحاجج ُ‬ ‫باب ُيعطي‬ ‫باب يدعونا للنظر في �أحوال الأمم ِومن خلق الإن�سان‪ ،‬ومن ٍ‬ ‫ال�سموات والأر�ض‪ ،‬ومن ٍ‬ ‫بع�ض التنب�ؤات والمعجزات العلمية كدوران الأر�ض بتعبير "وجعلنا الأر�ض ِمهادًا وترى الجبال‬ ‫ال�سماوات وال َ‬ ‫أر�ض كانتا رت ًقا‪ ،‬و�أن الإن�سان ن�ش�أ من‬ ‫تح�سبها جامدة وهي تمر مر ال�سحاب‪ ،‬و�أن‬ ‫ِ‬ ‫الأر�ض‪ ،‬و�أن اهلل يزيد في الخلق وغيرها‪.‬‬ ‫باب حياة الأنبياء وت�أثيرهم الكبير الذي ال ُينكر على الإن�سانية ما�ض ًيا وحا�ض ًرا وم�ستقب ًال‪،‬‬ ‫ومن ٍ‬ ‫فال يمكن �أن ُيقال �إن �إيمان الم�ؤمنين بدون �أدلة‪ ،‬ولكن حتى نكون من�صفين ف�إن �إلحاد الملحدين‬ ‫هو الذي بدون �أدلة فال يوجد دليل علمي واحد ي�ستطيع �أن يقدمه الملحد ليثبت عدم وجود‬ ‫خالق‪،‬الملحدون في حقيقة الأمر ال يملكون غير الكالم الفل�سفي‪ .‬فالإلحاد هو االدعاء بدون‬ ‫�أدلة والتظاهر بمعرفة �شيء ال تعرفه‪ ،‬وهذا ال ينطبق على الإيمان القائم على الم�شاهدات ِل َما‬ ‫‪153‬‬


‫حولنا‪� ،‬أي المنهج الح�سي وعلى التفكير ال�سليم �أي المنهج العقلي‪.‬‬ ‫الثواب والجزاء‬ ‫الملحدون هل ِمن المعقول �أن يكون الرب الخالق القادر الالمحدود يهتم لأمر �إن�سان‬ ‫يت�ساءل ِ‬ ‫ال قيمة وال حجم معتبر له مقارن ًة بحجم الكون وطوله وعر�ضه؟ كيف نقبل �أن هذا الإله‬ ‫الالمحدود يغ�ضب وينفعل لأ�سباب �شخ�صية و َي ْ�ش َت ُّم رائح َة دما ِء الأ�ضاحي وغيرها؟‬ ‫الإ�شكالية في الت�سا�ؤل �أعاله هي �إ�شكالية الإله ال�شخ�صي‪ ،‬المتتبع للقر�آن يعرف �أن غ�ضب اهلل‬ ‫وعقا َبه ي�أتيان من العدالة الواجب تحقيقها‪ ،‬فالق�ضية لي�ست �شخ�صية بقدر ما هي منطقية‪،‬‬ ‫�أما موا�صفات الإله ال�شخ�صي فهذه بالعموم مرفو�ضة‪ ،‬فهذا الخالق الدقيق القادر الواجب‬ ‫الوجود يجب �أن يهتم لأمر هذا الإن�سان ال�ضعيف‪ ،‬و�أن يقت�ص من الظالمين‪ ،‬ف�أي � ٍإله حكيم‬ ‫وقادر يخلق النا�س ليت�ساوى فيهم الظالم والمظلوم؟ ويا ليت الأمر يتوقف على الت�ساوي و�إنما‬ ‫ينت�صر الظالم ويفوز في حال كان �إ�شكال الملحدين على تدخل الإله الالمحدود �صحيح ولم‬ ‫يتدخل الإله في حال وجوده!‬ ‫هذا لي�س من الحكمة والعدل والقدرة في �شيء ف�أي قادر وحكيم ي�سمح ب�أن ي�سود الظالم‬ ‫وينت�صر‪ .‬نف�س ال�شيء بالن�سبة لمنع الزنا والعالقة بدون زواج وال�سرقة والقتل فكل هذه الأمور‬ ‫ال تهم الخالقَ في �شيء بقدر ما هي �أمور لتنظيم حياة الب�شر ومنع الظلم‪ ،‬وهذا ي�ؤكد على‬ ‫حكمة وعطف الخالق‪ ،‬ولذلك ف�إن الحدود مثال ال تكون في الأمور التي بين الإن�سان وربه‪ ،‬و�إنما‬ ‫في الأمور االجتماعية فقط التي قد تع ِّر�ض المجتم َع للخطر في حالة تجاوز الإن�سان على �إن�سان‬ ‫كحد ُيف َر�ض لكبت‬ ‫�آخر‪ ،‬وال�شيء بال�شيء يذ َكر فال ُبد �أن ن�ؤكد �أن هذا دليل على ف�ساد حد الردة ٍ‬ ‫‪154‬‬


‫الحريات‪.‬‬ ‫والتنظيم لحياة النا�س على الخالق فنزيد لهم‬ ‫الملحدون ي�ستكثرون الرعاي َة واللطف‬ ‫و�إذا كان ِ‬ ‫َ‬ ‫من ِّ‬ ‫ال�شعر بيتا ونقول �إن الخالق وفْقَ النظرية القر�آنية حتى الحيوانات ينت�صف لها‪،‬وكما جاء‬ ‫الَ ْر ِ�ض َو اَل َطا ِئ ٍر َي ِطي ُر ِب َج َن َاح ْي ِه �إال �أُ َم ٌم �أَ ْم َثا ُل ُكم َّما َف َّر ْط َنا ِفي‬ ‫في القر�آن " َو َما ِمن َدا َّب ٍة ِفي ْ أ‬ ‫َاب ِمن َ�ش ْيءٍ ُث َّم �إِ َلى َر ِّبهِ ْم ُي ْح َ�ش ُرونَ "الأنعام ‪.٣٨‬‬ ‫ا ْل ِكت ِ‬ ‫العتر�ض المعتر�ضون � ً‬ ‫َ‬ ‫أي�ضا ولقالوا �أي � ٍإله قادر وحكيم‬ ‫ولو كانت الحيا ُة بال جزاءٍ ودون ثواب‬ ‫يخلق الخلقَ ويتركه ي�أكل ُ‬ ‫فالملحدون‬ ‫بع�ضه بع�ضا بال وعد بمحا�سبة الظالم وتعوي�ض المظلوم؟‬ ‫ِ‬ ‫يعتر�ضون ويعتر�ضون ولن ير�ضوا منك ب�أية �سبيل ما دامت تخالف �سبي َلهم وفكرهم فتراهم‬ ‫ي�ستنكرون على الإله معاقبة الجناة بالرغم من اتفاق العقالء على �أن جريم ًة بدون عقاب �أم ٌر‬ ‫�سيئ ‪.‬‬ ‫ال�س َما ِء َف َظلُّوا ِفي ِه َي ْع ُر ُجونَ ‪-١٤‬الحجر َل َقا ُلوا �إنما ُ�س ِّك َر ْت �أَ ْب َ�صا ُر َنا‬ ‫َ"و َل ْو َفت َْح َنا َع َل ْيهِ م َبا ًبا ِّمنَ َّ‬ ‫َب ْل َن ْحنُ َق ْو ٌم َّم ْ�س ُحو ُرونَ "الحجر ‪.١٥‬‬ ‫�أخي ًرا ال بد من الت�أكيد على بع�ض المعاني الخا�صة بالخالق والتي و�ضحها القر�آن فمث ًال �شم‬ ‫رائحة دماء الأ�ضاحي المذكورة في العهد القديم جاء القر�آن ً‬ ‫راف�ضا لها تماما مبي ًنا �أن اهلل‬ ‫لن ينال لحوم الأ�ضاحي وال دمائها و�إنما ما يناله هو تقوى الم�ؤمنين ( َلن َي َن َال ال َّلـ َه ُل ُحو ُم َها‬ ‫َو اَل ِد َما�ؤُهَ ا َو َل ِـكن َي َنا ُل ُه ال َّت ْق َوى ِمن ُك ْم َكذ ِل َك َ�س َّخ َرهَ ا َل ُك ْم ِل ُت َك ِّب ُروا ال َّلـ َه َع َلى َما هَ َدا ُك ْم َو َب ِّ�ش ِر‬ ‫ا ْل ُم ْح ِ�س ِنينَ ) الحج ‪.٣٧‬‬

‫‪155‬‬


‫الشرور‬ ‫الحكام الظ َلمة؟ الزالزل والفي�ضانات‬ ‫�أين الإل ُه ِمن كل هذه ال�شرور ِمن حولنا؟ �أين الإل ُه من ُ‬ ‫والفقر والجوع؟‬ ‫�سبق �أن تكلمنا عن هذا الأمر وقلنا �إنه ح�سب النظرية القر�آنية ال يوجد �شيء ا�سمه �شر و�إنما‬ ‫�أنت و�أنا نراه �ش ًرا (�أي َن َما َت ُكو ُنوا ُي ْدرِك ُّك ُم ا ْل َم ْوتُ َو َل ْو ُكنت ُْم ِفي ُب ُر ٍوج ُّم َ�ش َّي َد ٍة َو ِ�إن ُت ِ�ص ْب ُه ْم َح َ�س َن ٌة‬ ‫َي ُقو ُلوا هَ ِـذ ِه ِمنْ ِع ِند ال َّلـه َو ِ�إن ُت ِ�ص ْب ُه ْم َ�س ِّي َئ ٌة َي ُقو ُلوا هَ ِذ ِه ِمنْ ِع ِند َك ُق ْل ُك ٌّل ِّمنْ ِع ِند ال َّلـ ِه َف َم ِال‬ ‫هَ ـ�ؤُ اَل ِء ا ْل َق ْو ِم اَل َي َكادُونَ َي ْف َق ُهونَ َح ِدي ًثا ‪٧٨‬الن�ساء َّما �أَ َ�صا َب َك ِمنْ َح َ�س َن ٍة َفمِ نَ ال َّلـ ِه َو َما �أَ َ�صا َب َك ِمن‬ ‫َ�س ِّي َئ ٍة َفمِ ن َّنف ِْ�س َك َو َ�أ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫ا�س َر ُ�س اًول َو َك َفى ِبال َّلـ ِه َ�شهِ يدً ا) الن�ساء ‪.٧٩‬‬ ‫اك ِلل َّن ِ‬ ‫خير و�شر فين�سبون الخي َر هلل (باعتبارهم‬ ‫يق�سم الأمور �إلى ٍ‬ ‫الآية الأولى تتكلم عن حال من ِّ‬ ‫يغ�ضب‬ ‫م�شركين ي�ؤمنون باهلل) وين�سبون ال�شر �إلى الر�سول باعتباره قد �أتى بفكر جديد قد ِ‬ ‫عليهم ال�سما َء في�أتيهم الجواب �أنه كله ِمن عند اهلل‪ ،‬ما تراه �ش ًرا وما تراه خي ًرا‪ ،‬ومن ثم تنتقل‬ ‫القوم ال يفقهون الحديث التي‬ ‫الآية الثانية لتو�ضح �أكثر ويتم فيها مخاطبة الر�سول لعلة �أن َ‬ ‫كنت تراها �سيئ ًة فمِ ن نف�سك‬ ‫بعده �إن َ‬ ‫ُذ ِكرت في الآية الأولى‪ ،‬فيقول اهلل لر�سوله وللأُمة ِمن ِ‬ ‫كنت تراها خيرا فمِ ن اهلل‪ ،‬ف�أنت قد ترى ال�سيئ‬ ‫لأنك تفهمها على �أنها �سيئة (�شر) �أ ّما �إن َ‬ ‫والح�سن في الحياة الدنيا مت�ساويان في الغر�ض‬ ‫خي ًرا �إذا فهمت نظرية القر�آن و�أن ال�سيئ َ‬ ‫والهدف �إال وهو االبتالء بق�صد الداللة على وجود الخالق و�ضعف الإن�سان وهلل الحج ُة البالغة‬ ‫ات‬ ‫( َو َق َّط ْع َناهُ ْم ِفي ْ أ‬ ‫ال�س ِّي َئ ِ‬ ‫ال�صا ِل ُحونَ َو ِم ْن ُه ْم دُونَ َذ ِل َك َو َب َل ْو َناهُ م ِبا ْل َح َ�س َن ِ‬ ‫الَ ْر ِ�ض �أُ َم ًما ِّم ْن ُه ُم َّ‬ ‫ات َو َّ‬ ‫َل َع َّل ُه ْم َي ْر ِج ُعونَ ) الأعراف ‪.١٦٨‬‬ ‫‪156‬‬


‫ْ‬ ‫لننتقل الآنَ من الواقع النظري �إلى الواقع العملي فالفيرو�سات والأمرا�ض كانت حافزا للبحث‬ ‫والتقدم العلمي وتعزيز ا�ستخالف الإن�سان في الأر���ض‪ ،‬وال��زالزل والفي�ضانات كانت حافزا‬ ‫بحوث �ساهمت في زيادة معرفتنا بهذه الظواهر الطبيعية وتطوير �أ�ساليب البناء‪ ،‬وهكذا‬ ‫في ٍ‬ ‫فبالإ�ضافة �إلى هدف االبتالء نجد �أن لهذه ال�شرور كما ن�سميها حافزًا مبا�ش ًرا للإن�سانية‬ ‫لتبحثَ وتبتكر وتتطور‪.‬‬ ‫جماعات �أخرى‪،‬‬ ‫�أحد ال�شرور المفت َر�ضة هو القتل الذي يقوم به بع�ض الأفراد �أو الجماعات �ضد‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫هذا يقع �ضمن حرية االختيار الممنوحة للإن�سان‪ ،‬فلو َّ‬ ‫القاتل‬ ‫ب�شكل مبا�شر لمنع‬ ‫تدخ َل الخالقُ ٍ‬ ‫تكا�س َل الإن�سان في البحث عن �أ�ساليب‬ ‫ِمن القتل مثال َل�سقطت حرية االختيار الممنوحة �أو ًال‪ ,‬و َل َ‬ ‫النجاة والدفاع عن نف�سه ثان ًيا‪ .‬وتكون النتيجة �أننا ن�صبح كالأطفال في ح�ضانة‪ ,‬ال ابتالء وال‬ ‫ا�ستخالف وال هُ م يحزنون‪ .‬وقد يكون التدخل الإلهي واج ًبا لو �أن الب�شر خلقوا غير مت�ساوين‬ ‫ولكن الجميع لديهم نف�س الم�ؤهالت فلم يخلق ُ‬ ‫اهلل مجموع ًة من النا�س لها ما لي�س للآخرين‬ ‫وبالتالي ال ُف َر�ص مت�ساوية للجميع‪.‬‬ ‫ولو لم يكن الإن�سان حرا في خياراته ل�سقط الح�ساب على ت�صرفاته الظالم ًة والجائرة‪ .‬وهذا‬ ‫التدافع هو ِمن ُ�س َنن الخالق كما في �سورة الحج الآية ‪( 40‬ا َّل ِذينَ �أُخْ ِر ُجوا ِمن ِد َيار ِ​ِهم ِب َغ ْي ِر‬ ‫ا�س َب ْع َ�ض ُهم ِب َب ْع ٍ�ض َّل ُه ِّد َم ْت َ�ص َو ِام ُع َو ِب َي ٌع َو َ�ص َل َواتٌ‬ ‫َح ٍ ّق �إال �أَن َي ُقو ُلوا َر ُّب َنا ال َّلـ ُه َو َل ْو اَل َد ْف ُع ال َّلـ ِه ال َّن َ‬ ‫ن�ص ُر ُه ِ�إنَّ ال َّلـ َه َل َق ِو ٌّي َع ِزيزٌ)‪ .‬قد‬ ‫ن�ص َرنَّ ال َّلـ ُه َمن َي ُ‬ ‫ا�س ُم ال َّلـ ِه َك ِثي ًرا َو َل َي ُ‬ ‫َو َم َ�س ِاج ُد ُي ْذ َك ُر ِفي َها ْ‬ ‫الر�سل ف� َ‬ ‫و�ساع َد الم�سلمين في معركة‬ ‫يت�ساءل ِ‬ ‫أنقذ مو�سى َ‬ ‫الملح ُد هنا �ألم يتدخل اهلل في حياة ُ‬ ‫الر�سل و ْف��قَ النظرية القر�آنية حالة‬ ‫الأح��زاب كما ي َّد َعي الم�ؤمنون؟ والإجابة على ذلك �أن ُ‬ ‫‪157‬‬


‫خا�صة وهذا جز ٌء من معجزاتهم‪ ،‬فانت�صار ر�سول الإ�سالم ال�سيا�سي والع�سكري واالقت�صادي‬ ‫والثقافي والفكري والديني واالجتماعي خالل فترة ع�شرين �سنة معجزة بكل المقايي�س‪ ،‬وقد‬ ‫َّ‬ ‫و�ض َح القر�آن ذلك في �سورة ال�صافات ( َو َل َق ْد َ�س َب َق ْت َك ِل َم ُت َنا ِل ِع َبا ِد َنا ا ْل ُم ْر َ�س ِلينَ ‪� ١٧١‬إِ َّن ُه ْم َل ُه ُم‬ ‫فالر�سل حال ٌة خا�صة ولي�ست عامة‪.‬‬ ‫ا ْل َم ُ‬ ‫ن�صو ُرونَ ‪َ ١٧٢‬و ِ�إنَّ ُج َند َنا َل ُه ُم ا ْل َغا ِل ُبونَ ‪ُ )١٧٣‬‬ ‫الفقر المالي بالإ�ضافة �إلى �أنها ابتال ٌء وا�ضح ف�إنها �أم ٌر يدفع الإن�ساني َة للبحث والعمل‬ ‫م�س�أل ُة ِ‬ ‫بجد ال�ستغالل م��وارد الأر���ض؛ مما ي ��ؤدي �إل��ى التدافع الإيجابي ال��ذي نرى �آث��ا َره في جميع‬ ‫حيوان ن�أكل وننام‪،‬‬ ‫جد النا�س �أرزاقهم بين �أيديهم لأ�صبحنا حديقة‬ ‫االتجاهات‪ ،‬وبخالفه لو َو َ‬ ‫ٍ‬ ‫وقد ي�ؤدي بنا الملل �إلى ما ال ُيح َمد ُعق َباه‪ ،‬فالعمل والجهد المبذول ِمن �أرقى و�أجمل ما يختبره‬ ‫الإن�سان في حياته‪ ،‬فكل �شيء ت ِق ُّل متعتُه مع مرور الزمن �إال متع َة العمل وتحدياته‪ ،‬وفي واقع‬ ‫الأمر كلنا فقراء‪ ،‬وال ِغ َنى المالي هو جزء ب�سيط من �أنواع االكتفاء ال ينفي الفق َر في ال�صحة‬ ‫والعمر والجمال وغيرها من الأمور‪ ،‬وقد �أ�شار القر�آن �إلى ذلك بقوله تعالى ( َو َل ْو َب َ�س َط ال َّلـ ُه‬ ‫الَ ْر ِ�ض َو َل ِـكن ُي َن ِز ُّل ِب َق َد ٍر َّما َي َ�شا ُء �إِ َّن ُه ِب ِع َبا ِد ِه َخ ِبي ٌر َب ِ�صي ٌر)ال�شورى ‪٢٧‬‬ ‫الر ْز َق ِل ِع َبا ِد ِه َل َب َغ ْوا ِفي ْ أ‬ ‫ِّ‬ ‫ومن الأمثلة على �ضرر ت�ساوي الرزق هو ما حدث في الدول اال�شتراكية التي حاولت تطبيق‬ ‫اال�شتراكية ب�شكل �سيء‪.‬‬ ‫في �إح��دى المحا�ضرات الدرا�سية �س�ألنا الأ�ستاذ لماذا ندر�س و ُنت ِعب �أنف�سنا؟ فاختلفت‬ ‫�صادما لي في ذلك الوقت هو ِمن �أجل المال الذي‬ ‫الإجابات‪� ،‬أما جواب الأ�ستاذ الذي كان‬ ‫ً‬ ‫نحتاجه لنعي�ش ولوال الحاجة َل َما بذلنا كل هذه الجهود‪ ،‬وهذا هو التدافع الذي �ساهَ َم في كل‬ ‫التطور الحا�صل في كل مجاالت الحياة الذي نتج ب�شكل مبا�شر عن حاجة الإن�سان ومناف�سته‬ ‫‪158‬‬


‫للآخرين في �سبيل تحقيق النجاح ال�ضامن لتمكنه من العي�ش‪ ،‬فلو كانت الأموال متوفر ًة َل َما‬ ‫د َر�س الإن�سان ولما اجتهد و َل َما ع َّمر ال َ‬ ‫أر�ض ِمن الأ�صل‪.‬‬ ‫أبعاد متعددة‪ ،‬ولكن �أهمها هو امتناع‬ ‫م�س�أل ُة الجو ِع ال�شديد الذي يقع في �إفريقيا م�شكل ٌة ذات � ٍ‬ ‫الإن�سانية عن ن�صرة المظلوم والم�ست�ض َعف‪ ،‬فت ْر ُك ه�ؤال ِء فري�سة لحكوماتهم الع�سكرية وجه ِلهم‬ ‫وفقرهم �أدى �إلى ما �أدى عليه بالإ�ضافة �إلى ن�صرة الدول الكبرى لذلك النظام �أو هذا لأنه‬ ‫نق�صا في الموارد‬ ‫يمثل م�صالح الدول الكبرى على ح�ساب ال�شعوب المحرومة‪.‬الم�شكلة لي�ست ً‬ ‫و�إنما �سو ٌء في التنظيم والإدارة حيث نرى مقدار البذخ والإ�سراف في المطاعم الأمريكية مثال‬ ‫الفقر والعوز في �إفريقيا‪ .‬فالموار ُد موجودة ولكن الجهل والبخل واال�ستغالل خ َلقَ هذه‬ ‫ومقدا َر ِ‬ ‫الفجو َة الكبيرة‪.‬‬ ‫قد يعتر�ض �أحدهم ويقول �أال توجد طريقة �أف�ضل لالبتالء والتحفيز؟ وهنا ِمن حقنا �أن نت�ساءل‬ ‫ما هي الطريقة الأف�ضل في نظرك؟ وما يدرينا �أنك لن تعتر�ض على الطريقة الأخرى؟ وهذا‬ ‫�أمر ن�سمعه دائما فالبع�ض يعتر�ض لأجل االعترا�ض‪ ،‬فتراه يقول لماذا لم ت� ِأت الآية القر�آنية‬ ‫بهذا ال�شكل لي�سهل فه ُمها؟ ولماذا ال َيظهر لنا الخالق؟ �أو كما ذهب داوكنز في انتقاده للعين‬ ‫على الرغم من اعترافه �أنها ت�ؤدي وظيفتها ب�شكل �أف�ضل بت�صميمها الحالي‪� ،‬أو كما اعتر�ض‬ ‫�ستينجر في كتابه على ت�صميم الإن�سان الحالي حيث اقترح ت�صمي ًما يزيد في ُعمر الإن�سان‬ ‫ولكنه اعترف ب�أنه لن يكون جميال‪ ،‬حتى على الت�صميم الذي يقترحه يعتر�ض! لذا عزيزي‬ ‫المعتر�ض‪ :‬قبل �أن تعتر�ض ْ‬ ‫حاول �أن تت�صور نو َع البديل الذي تعتبره منا�س ًبا لأداء نف�س الغر�ض‬ ‫ِ‬ ‫وبعد ذلك حاول �أن تقارن بين البديل ْين‪ِ ،‬ومن هنا قد تكت�شف مدى م�صداقية اعترا�ضك‪ ،‬وهل‬ ‫‪159‬‬


‫جدل ال متنا ٍه و�سل�سلة من االعترا�ضات ال غاي َة منها �أم ال؟‬ ‫هو مجرد ٍ‬ ‫ال�صا ِب ِرينَ َو َن ْب ُل َو �أَخْ َبا َر ُك ْم) �سورة محمد ‪.٣١‬‬ ‫( َو َل َن ْب ُل َو َّن ُك ْم َحتَّى َن ْع َل َم ا ْل ُم َج ِاه ِدينَ ِمن ُك ْم َو َّ‬ ‫ال�صا ِب ِرينَ )‬ ‫ال ْم َو ِال َو َْ أ‬ ‫ْ�ص ِّمنَ َْ أ‬ ‫( َو َل َن ْب ُل َو َّن ُكم ِب َ�ش ْيءٍ ِّمنَ ا ْل َخ ْو ِف َوا ْل ُجو ِع َو َنق ٍ‬ ‫الن ُف ِ�س َوال َّث َم َر ِات َو َب ِّ�ش ِر َّ‬ ‫�سورة البقرة ‪.١٥٥‬‬ ‫�صحيحا‪ ،‬حيث يعتبرون �أن �أمو ًرا مثل‬ ‫قد يعتر�ض الكثير على هذا المنظور ويرف�ضونه و�إن كان‬ ‫ً‬ ‫�سرطان الأطفال والحروب دليل على غطر�سة الخالق وعدم رحمته ويقولون �إن ِمتْنا والتقينا‬ ‫بالخالق �سنقول له ذلك‪ ،‬وطب ًعا هنا من حقهم االعترا�ض ومن حقهم �أن ال يروا حكمة في‬ ‫أمر‪،‬تماما كما فعل �إبلي�س واعتر�ض على حكمة وهدف ال�سجود لآدم ولكن هذا ال يعني عدم‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫وجود خالق‪.‬‬

‫الهداية والضالل‪:‬‬ ‫يعتر�ض الملحد ويقول ما دام اهلل يهدي َمن ي�شاء و ُي ِ�ضل َمن ي�شاء فال قيمة لإلحادي‪ ،‬وال قيمة‬ ‫ِ‬ ‫لإيماني‪ ،‬و�إنما هو �أمر �أراده اهلل‪ .‬فلماذا تعتر�ض على ما �أراده اهلل؟‬ ‫قال تعالى‪�" :‬أتريدون �أن تهدوا َمن �أ�ضل اهلل َومن ُي�ض ِل ِل ُ‬ ‫اهلل فلن تجد له �سبيلاً (الن�ساء ‪)88‬‬ ‫والهدى‪،‬علة ذلك �أنه تعالى يعطي‬ ‫ين�سب لنف�سه كل �شيء ال�ش َّر والخي َر وال�ضاللة‬ ‫ِ‬ ‫اهلل تعالى ِ‬ ‫وحب المال والتكبر والغرور والجبروت‪ِ ،‬ومن باب �آخر‬ ‫للإن�سان مقومات ال�ضاللة كال�شهوة ُ‬ ‫والحب‪،‬ثم يترك له حري َة‬ ‫ف�إنه يعطيه‬ ‫ِ‬ ‫مقومات الهداية من الإن�سانية والأخالق والرحمة والر�أفة ُ‬ ‫االختيار ف�إن �أقبل على الخيرات ما منعه و�إنْ �أق َب َل على ال�شهوات ما منعه‪،‬فهو بالتالي هداه‬ ‫‪160‬‬


‫مقومات ال�ضاللة ف�سبحانه وتَعالى‬ ‫لأنه �أعطاه مقومات الهداية‪ ،‬وبالتالي �أ�ضله لأنه �أعطاه‬ ‫ِ‬ ‫ومنحها حرية االختيار بهدف التمحي�ص واالبتالء؛( ِ�إ َّنا‬ ‫النف�س الإن�سانية الفجو َر والتقوى َ‬ ‫�أ ْل َهم َ‬ ‫ا�ست َ​َح ُّبوا‬ ‫هَ َد ْي َنا ُه َّ‬ ‫ال�س ِب َيل �إِ َّما َ�ش ِاك ًرا َو ِ�إ َّما َك ُفو ًرا الإن�سان ‪ ،٣‬و قال تعالى‪�( :‬أَ َّما َث ُمو ُد َف َه َد ْي َناهُ ْم َف ْ‬ ‫إلهون ِب َما َكا ُنوا َي ْك ِ�س ُبونَ ) ف�صلت ‪.١٧‬‬ ‫ا ْل َع َمى َع َلى َ‬ ‫اب � ِ‬ ‫الهدى َف�أَ َخ َذ ْت ُه ْم َ�ص ِاع َق ُة ا ْل َع َذ ِ‬ ‫ولكن هلل تعالى الحجة البالغة بالرغم من ذلك لأنه حذر وب َّين �صراطه الم�ستقيم عن طريق‬ ‫الر�سل والأنبياء فال حجة لإن�سان ليقول �أنا ع�صيت لأنك �أعطيتني حرية االختيار والرغبة‬ ‫أي�ضا حذرك و�أعطاك َ‬ ‫لأنه تعالى � ً‬ ‫دليل م�ستخدم كامل �إذا �أتبعته تتبع ال�صراط الم�ستقيم و�إذا‬ ‫خالفته ت�صبح من ال�ضالين‪ .‬بعبارة �أخرى ك�أن اهلل تعالى يكرر مع كل �شخ�ص منا ق�صة �سيدنا‬ ‫�آدم عليه ال�سالم ومازلنا نخطئ كل يوم نف�س الخط�أ‪.‬‬ ‫عبودية البشر هلل‪:‬‬ ‫الملحدون غالبا ما يعتر�ضون على م�س�ألة العبودية‪ ،‬و�أي � ٍإله عظيم هذا الذي يحتاج �إلى عبادة‬ ‫ِ‬ ‫مجموع ٍة من الب�شر يعي�شون على كوكب ال يتجاوز حج ُمه ذر َة الرمل بالقيا�س �إلى الكون بحيث‬ ‫يجعل غاي َة الخلق عبادتَه؟!‬ ‫وللإجابة على هذا الت�سا�ؤل يجب نقا�ش ب�ضعة �أمور‪:‬‬ ‫ال�سبب‬ ‫�أوال‪ :‬النظرية القر�آنية تدلنا على عدة غايات للخلق‪ ،‬وعباد ُة الخالق �إحداها ولي�ست‬ ‫َ‬ ‫الوحيد‪ ،‬فمِ ن الغايات االبتالء والتمحي�ص مثل قو ِله في �سورة الأنعام الآية ‪َ ( 165‬وهُ َو ا َّل ِذي‬ ‫الَ ْر ِ�ض َو َر َف َع َب ْع َ�ض ُك ْم َف ْو َق َب ْع ٍ�ض َد َر َج ٍات ِّل َي ْب ُل َو ُك ْم ِفي َما �آتَا ُك ْم �إِنَّ َر َّب َك َ�س ِري ُع‬ ‫َج َع َل ُك ْم َخلاَ ِئ َف ْ أ‬ ‫‪161‬‬


‫)وغيرها الكثير من الآيات الدالة على نف�س المعنى‪ ،‬وكذلك غاية‬ ‫اب َو ِ�إ َّن ُه َل َغ ُفو ٌر َّر ِحي ٌم‬ ‫ا ْل ِع َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫الإيمان والتي تت�شابه كثيرا مع غاية العبادة وغاية �إقامة العدل والق�سط بين النا�س كما جاء في‬ ‫أقرب للتقوى ‪.‬‬ ‫قوم على �أال تعدلوا اعدلوا هو � ُ‬ ‫القر�آن بما معناه �أن ال يجرمنكم َ�ش َن�آن ٍ‬ ‫ثانيا‪ :‬النظرية القر�آنية في م�س�ألة العبادة هلل تت�شابه �إلى حد كبير مع م�س�ألة الإيمان‪ ،‬فكلتاهُ ما‬ ‫ال تتم �إال عن طريق المعرفة‪ ،‬فال يمكنك �أن ت�ؤمن باهلل وتعبده �إال بعد �أن تعرفه و�أن تبحث عنه‬ ‫في طيات الكتب وفي خلق اهلل ِمن حولك‪ ،‬فالعبادة هي المعرفة‪ ،‬وهي �أمر يحتاجه الب�شر وال‬ ‫يحتاجه اهلل‪ ،‬فهم بفطرتهم ي�س�ألون عن الخالق ويتناق�شون في غاية الكون‪ ،‬وتنتج عن ذلك‬ ‫�أفكا ًرا مختلف ًة يمكن �إجمال نتيجتها في الإيمان �أو الإلحاد‪ ،‬وبالتالي �إذا نظرنا �إليها من هذه‬ ‫الزاوية فهي حاجة ب�شرية نف�سية‪ ،‬والنا�س بحاجة �إلى معرفتها‪ .‬بالإ�ضافة �إلى �أن هناك من‬ ‫يقول �إن العبادة هي العمل الجيد بمعنى �أن اهلل تعالى يرف�ض الأعمال ال�سيئة وما خلق الإن�سان‬ ‫�إال للأعمال ال�صالحة‪.‬‬ ‫والنا�س جمي ًعا م�سلمين وملحدين وال�أدريين هم عبي ٌد هلل‪ ،‬هذا هو‬ ‫ثالثا‪:‬الم�س ِلمون عبا ٌد هلل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫منطق القر�آن وهو منطق دقيق‪ ،‬كما في �سورة �آل عمران الآية‬ ‫‪(182‬ذ ِل َك ِب َما َق َّد َم ْت � ِأيدي ُك ْم َو�أَنَّ‬ ‫ال َّلـ َه َل ْي َ�س ِب َظلاَّ ٍم ِّل ْل َع ِب ِيد) فالآية تتكلم عمن قتل الأنبياء وتتوعدهم بالعذاب وت�سميهم عبيدا‪�،‬أ ّما‬ ‫ات ال َّلـ ِه‬ ‫ا�س َمن َي ْ�ش ِري َنف َْ�س ُه ا ْب ِت َغا َء َم ْر َ�ض ِ‬ ‫الم�ؤمنون ف�سنجد في �سورة البقرة رقم ‪َ ( 207‬و ِمنَ ال َّن ِ‬ ‫َوال َّلـ ُه َر ُء ٌ‬ ‫وف ِبا ْل ِع َبا ِد) وهكذا بقية الآيات فلن تجد �آية ت�شير للم�ؤمنين على �أنهم عبيد �إال من‬ ‫كب�شر عبي ٌد للقوانين الطبيعة وغيرها �سواء‬ ‫باب تعميم جميع الخلق‪ .‬وال�سبب في ذلك �أننا ٍ‬ ‫أ�صبحت عابدً ا‪.‬‬ ‫عرفت اهلل �‬ ‫كنت ملحدً ا �أو م�ؤمنا ف�أنت عب ٌد ولكن �إنْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫�أر�ضينا �أم �أبينا‪ ،‬ف�إنك �إنْ َ‬ ‫يقول "�ستيفن هاوكنغ" عا ِلم الفيزياء المعروف‬ ‫‪162‬‬


‫‪It is hard to imagine how free will can operate if our‬‬ ‫‪behavior is determined by physical law، so it seems that‬‬ ‫‪we are no more than biological machine and that free‬‬ ‫‪will is just an illusion‬‬ ‫والترجمة‪(:‬من ال�صعب الت�صو ُر كيف يمكن �أن تعمل الإرادة الحرة �إذا كانت ت�صرفاتنا‬ ‫ِ‬ ‫محكوم ًة بقوانين الفيزياء‪ ،‬لذلك ف�إن من الوا�ضح �أننا ل�سنا �أكثر من مكائن بيولوجية والإرادة‬ ‫وهم) ‪.‬‬ ‫الحرة مجرد ْ‬ ‫عبيد �شئنا �أم �أبينا نكبر في العمر ون�أكل وننام ونموت ونحن‬ ‫نعم َ�ص َدق �ستيفن فنحن مجرد ٍ‬ ‫مجبورون على كل ذلك‪ ،‬ولي�س لنا �أن نختار عدم النوم �أو الأكل �أو الزيادة في العمر ولكن‬ ‫الحرية الوحيدة الممنوحة لنا هي حرية التفكير وحرية الت�صرف �ضمن حدود‪ ،‬ولذا حرية‬ ‫أعظم �شيء يملكه الإن�سان ليختار ما ي�شاء‪ ،‬وهذا االختيار هو �سبب وجودنا ف�إنْ منعناه‬ ‫التفكير � َ‬ ‫ف�إننا بال�ضرورة نمنع ُ�س َّن ًة من ُ�س َنن اهلل تعالى‪.‬‬ ‫اك َع َل ْيهِ ْم َح ِف ً‬ ‫قال تعالى‪َ ( :‬و َل ْو َ�شا َء ال َّلـ ُه َما �أَ ْ�ش َر ُكوا َو َما َج َع ْل َن َ‬ ‫نت َع َل ْيهِ م ِب َو ِك ٍيل )‬ ‫يظا َو َما �أَ َ‬ ‫الأنعام ‪.107‬‬ ‫بنا ًء على هذه الآية يقول الم�شرك �أنا �أ�شركت بم�شيئة اهلل فما دخْ لي؟ والحقيقة �أن م�شيئة اهلل‬ ‫المق�صودة هي �أن اهلل �شاء �أن يعطي حرية االختيار للنا�س‪ ،‬ولهم الحق �أن ي�ؤمنوا �أو �أن يلحدوا‬ ‫مادام الأمر بعيدا عن العناد والتكبر والهوى ومبن ًيا على البحث المن�صف مع النف�س‪.‬ولو �شاء‬ ‫اهلل لأجبر الجميع على عبادته عبادة خال�صة ولكن لن يكون لفرد فيها ف�ضل �أو جهد فكري‬ ‫‪163‬‬


‫حقيقي‪.‬‬ ‫قد يقول قائ ٌل �إننا ال نملك حتى حرية التفكير وذلك لأن حرية التفكير مبني ٌة على المعلومات‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الظروف دون االطالع على ما يكفي من معلومات‪ .‬وهذا‬ ‫المدخلة للعقل الب�شري وقد ت َُحول‬ ‫حدود لتفكيرنا وهذه‬ ‫الكالم �صحيح ولكنه ال يعني عدم وجود حرية تفكير و�إنما يعني وجود ٍ‬ ‫الحدود قد تتو�سع وقد ت�ضيق طبقا الطالعنا واهلل تعالى �سيحا�سبنا على مقدار اطالعنا وهذا‬ ‫يعني �أن الق�ضية ن�سبية‪ .‬القر�آن رف�ض �أن ي َّدعي ٌ‬ ‫طرف المعرف َة المط َلقة على ح�ساب طرف‬ ‫وح َ�صر المعرف َة المطلقة فيه تعالى َّ‬ ‫وو�ضح �أنه �سيب ِّين‬ ‫وو�صف َمن يقوم بذلك ب�أنه ال يعلم‪َ ،‬‬ ‫للنا�س ما كانوا فيه يختلفون‪ ،‬وهذا التبيان لن يكون �إال يوم القيامة‪.‬‬ ‫الر َج ِال َوال ِّن َ�سا ِء َوا ْل ِو ْل َد ِان اَل َي ْ�ست َِطي ُعونَ ِحي َل ًة َو اَل َي ْه َتدُونَ َ�س ِبيلاً البقرة ‪٩٨‬‬ ‫(ا ْل ُم ْ�ست َْ�ض َع ِفينَ ِمنَ ِّ‬ ‫َف�أو َلـ ِئ َك َع َ�سى ال َّلـ ُه �أَن َي ْع ُف َو َع ْن ُه ْم َو َكانَ ال َّلـ ُه َع ُف ًّوا َغ ُفو ًرا) البقرة ‪.٩٩‬‬ ‫َو َقا َل ِت ا ْل َي ُهو ُد َل ْي َ�س ِت ال َّن َ�صا َرى َع َلى َ�ش ْيءٍ َو َقا َل ِت ال َّن َ�صا َرى َل ْي َ�س ِت ا ْل َي ُهو ُد َع َلى َ�ش ْيءٍ َوهُ ْم َي ْت ُلونَ‬ ‫َاب َك َذ ِل َك َق َال ا َّل ِذينَ اَل َي ْع َل ُمونَ ِم ْث َل َق ْولِهِ ْم َفال َّلـ ُه َي ْح ُك ُم َب ْي َن ُه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ِفي َما َكا ُنوا ِفي ِه‬ ‫ا ْل ِكت َ‬ ‫َيخْ َت ِل ُفونَ البقرة‪.١١٣‬‬ ‫الصدفة في الميالد على دين صحيح‬ ‫الملحدون والالدينيون للتقليل من �ش�أن الأديان اعتبا ُرهم‬ ‫�أحد �أهم النقاط التي ي�ستخدمها ِ‬ ‫تابع لمكان والدة الفرد‪ .‬وهذا الكالم جزئ ًيا �صحيح ولكنه‬ ‫�أن الدين مجرد �صدفة ومجرد � ٍ‬ ‫أمر ٍ‬ ‫للأ�سف عام و�سطحي للأ�سباب ولكنه ال ينفي الدين من �أ�صله بقدر ما يقلل من فعالية �أدواتنا‬ ‫‪164‬‬


‫في االطالع على الأفكار الدينية المختلفة‪ ،‬لذا يجب �أن يناق�ش المو�ضوع بال�شكل الآتي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬لنعمل �إح�صائية تقريبية بعدد الأدي��ان اليوم وهي الإ�سالم‪ ،‬والم�سيحية‪ ،‬واليهودية‪،‬‬ ‫والهندو�سية‪ ،‬وال�سيغ‪ ،‬والبوذية (على الرغم من �أن البع�ض ال يعتبرها دي ًنا)‪،‬والإلحاد‪،‬‬ ‫والربوبية‪ ..‬وهذه هي الأدي��ان الرئي�سية في العالم التي ت�شكل الن�سب َة الأكبر من الب�شر مع‬ ‫ن�سب ٍة قليلة متبقية موزعة هنا وهناك ال وزن فعلي لها‪ ،‬بالن�سبة للبوذية فهي لي�ست ديانة وهي‬ ‫الجماعة الوحيدة التي لي�س لدى الكثير من �أتباعها ٌ‬ ‫موقف ديني كما َي َّدعون فال ي�ؤمنون بوجود‬ ‫�إله وال ينكرونه لأنهم يعتبرون الإنكار �إيمانا مط َلقا بالمادة وكــ�أن البوذية تقترب من الال�أدرية‬ ‫وجهات‪.‬‬ ‫في هذه النقطة‪ ،‬وبالتالي بعد ا�ستثناء البوذية يبقى لدينا �سب ُع‬ ‫ٍ‬ ‫و�إمكانية �أن يو َلد المر ُء على الموقف الديني ال�صحيح هي �إمكانية واردة جدا وت�ساوي تقري ًبا‬ ‫‪ %15‬وهي �أكثر بكثير من ن�سبة وجود الحياة والكون وبقية خ�صائ�ص الكون مجتمعة والتي‬ ‫ت�صل �إلى ن�سبة معدومة‪ ،‬وبما �أن القر�آن يخبرنا عن م�ستويات مختلفة من الإيمان تتدرج من‬ ‫ثان يتمثل باالعتقاد باهلل‬ ‫الر�سل وهم الم�سلمين �إلى م�ستوى �إيمان ٍ‬ ‫ال ٍ‬ ‫إيمان ب�سيدنا محمد وبقي ِة ُ‬ ‫واليوم ال ِآخر والعمل ال�صالح وهم الذين ال خوف عليهم وال هم يحزنون ف�إنه يمكننا اعتبار‬ ‫الديانات الثالثة (اليهودية والم�سيحية والإ�سالم) �ضمن الدين ال�صحيح‪ ،‬وهذا يرفع احتمالي َة‬ ‫الميالد على الدين ال�صحيح �إلى ما يقرب من ‪ %43‬وهي ن�سبة عالية ومحترمة‪� .‬إذا انتقلنا‬ ‫�إلى الم�ستوى الثالث في القر�آن وهم الأ�شخا�ص الذين لم يت�سنى لهم الو�صول �إلى الدين من‬ ‫الم�ست�ضعفين في الأر�ض وه�ؤالء م�ؤمل لهم الغفران‪ ،‬وبالتالي على هناك ن�سبة عالية جدً ا من‬ ‫الرحمة للنا�س �أجمعين ما عدً ا المعاند المكابر وه�ؤالء قلة قليلة جدً ا فالكثير من الملحدين‬ ‫‪165‬‬


‫�أ�صلاً لي�سوا معاندين مكابرين‪ ،‬وبالتالي هذه الإ�شكالية لي�ست ناه�ضة‪.‬‬ ‫هذا �إذا فر�ضنا جد ًال �سيرث دين الموقع الجغرافي الذي ولد فيه بالتمام والكمال وك�أنه بال‬ ‫عقل وال تفكير وال موقف‪ ،‬لو حاولنا عمل �إح�صائية على �أي عائلة �سنجد �أن �أفرادها مختلفون‬ ‫ٍ‬ ‫تماما على الرغم من �أن �أهلهم حاولوا وح�سب مقدرتهم واطالعهم ِومن باب حر�صهم‬ ‫فكر ًيا ً‬ ‫على �أوالدهم �أن ينقلوا لهم موقفهم الفكري �سوا ٌء �أكان �إلحاديا‪� ،‬أم �إ�سالميا‪� ،‬أم ربوبيا ولكن‬ ‫يبقى كل �إن�سان له فكره ونظرته الخا�صة للأمور‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬وفْقَ النظرية القر�آنية فالق�ضية لي�ست بهذه الب�ساطة وال�سطحية التي يت�صورها وير ّوج‬ ‫لها الملحد‪ ،‬الق�ضية لي�ست �أن تو َلد م�س ِلما وتعي�ش م�س ِلما وتموت وتذهب �إلى الجنة وكل َمن لم‬ ‫قوالب جاهزة هذا م�س ْل ٌم في الجنة وذاك "ال‬ ‫يولد م�سلما يموت ويذهب �إلى النار‪ ،‬فالأمر لي�س َ‬ ‫�أدري" في النار‪ .‬فبالإ�ضافة �إلى الإيمان هناك العمل ال�صالح ومن دون العمل ال نفع للأيمان‪.‬‬ ‫ُون ال َّلـ ِه َو ِل ًّيا َو اَل‬ ‫َاب َمن َي ْع َم ْل ُ�سو ًء ُي ْجزَ ِبه ِ َو اَل َي ِجد ْ َله ُ ِمن د ِ‬ ‫( َّل ْي َ�س ِب�أَ َما ِن ِّي ُك ْم َو اَل �أَ َما ِن ِّي �أَ ْه ِل ا ْل ِكت ِ‬ ‫َن ِ�صي ًرا) الن�ساء ‪.١٢٣‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬ال�صدفة لي�ست دائ ًما مبر ًرا لعدم العتبار الموروث �أمر خاطئ فاللعبة ب�إثبات �أن‬ ‫الموروث �أمر خاطئ بالأدلة‪.‬‬ ‫راب ًعا‪ :‬الإن�سان بطبعه باحثٌ ‪ ،‬وهذا البحث والتدقيق فيما حوله �إنْ كان ب�شكل جاد ينفي الوراث َة‬ ‫الفكرية جمل ًة وتف�صي ًال‪.‬‬

‫‪166‬‬


‫نوع الثواب واألوامر‬ ‫يعتر�ض الملحدون على تفا�سير بع�ض �أن ��واع النعيم ف��ي الجنة‪ ،‬مثال ال�ح��ور ووظيفتهم‬ ‫ِ‬ ‫و�أعدادهم(علما ب�أن �أعداد الحور من الأمور المت�أخرة وغير موجودة في القر�آن) وفي الحقيقة‬ ‫م�س�ألة الحور كم�س�ألة ال ِغلمان هل هدفهم الخدمة فقط؟�أم التزويج الفعلي؟ وخ�صو�صا �أن‬ ‫القر�آن ي�ستخدم مفردة نكاح ولي�س زواج عن الإ�شارة �إلى التزاوج ولذا �سمي عقد النكاح لذا‬ ‫ف�إن هذه الآيات في الحقيقة مت�شابهة بما ال يقبل ال�شك‪ ،‬وقد ا�شتبه �أم ُرها على الم�سلمين وال‬ ‫يمكن الجزم بمعناها الفعلي‪ .‬بما �أنها ال غير مرتبطة بعقيدة وال بعبادات الم�سلم اليومية فال‬ ‫مبرر لنقا�شها بتف�صيل‪.‬‬ ‫وكذا يعتر�ض البع�ض على قوله تعالى (وق�ضى ربك �أال تعبدوا �إال �إياه وبالوالدين �إح�سا ًنا) ويقول‬ ‫والدي؟ وهكذا تجد مختلف �أنواع االعترا�ضات وحتى‬ ‫هل �أنا فعال محتاج لأمر �إلهي لأُ ِ‬ ‫ح�سن �إلى َّ‬ ‫اعترا�ضات على ما كان و�سيكون‪ .‬هذه االعترا�ضات‬ ‫لو لم تكن الأمور �أعاله موجود ًة َل َ�سمِ عنا‬ ‫ٍ‬ ‫لي�ست جديد ًة‪ ،‬وعلينا �أن نفهم �أن لي�س جمي ُع النا�س في م�ستوى ثقافي واحد‪ ،‬وما قد �أعتبره‬ ‫�أنا تاف ًها قد يعتبره الآخر هدفا مهما من �أهداف حياته‪ ،‬وما قد �أعت ِبره �أنا �أم ًرا بديه ًيا واج ًبا‬ ‫قد يعتبره الآخر �أم ًرا كمال ًيا ال مبرر له وال طاقة له عليه‪ ،‬وبالتالي ف�آيات القر�آن المفرو�ض �أن‬ ‫تراعي الجميع لأنها تخاطب الجميع‪ ،‬فالقر�آن الكريم ال يخاطب م�ستوى المثقفين مثال بحيث‬ ‫ال يفهمه وال ينجذب �إليه الآخرون‪ ،‬و�إنما يخاطب جميع الم�ستويات وبالتالي ال يقع في الفخ‬ ‫الذي يقع فيه الكثير من المفكرين والمثقفين والقادة نتيجة �إ�صدارهم كت ًبا تخاطب طبقة دون‬ ‫طبقة معينة دون النا�س مما ي�ؤدي �إلى انعزالهم وانعزال كتبهم عن مجتمعاتهم‪ ،‬ف�إذا كانت‬ ‫‪167‬‬


‫محفزة بالن�سبة لك فهذا �أم ٌر جيد والآية القر�آنية ال تخاطبك‪ ،‬و�إنما تخاطب‬ ‫بع�ض الآيات غي َر ٍ‬ ‫الم�ستوى الآخر‪.‬‬ ‫ومثال ذلك اعترا�ض هن ُد بنت ُعتبة على بنود البيعة لر�سول اهلل لنف�س ال�سبب �أعاله حيث كان‬ ‫الحرة؟" يعني بالن�سبة لم�ستواها‬ ‫�أحد بنود البيعة هو عدم الزنا‬ ‫ْ‬ ‫فاعتر�ضت وقالت "هل تزني ُ‬ ‫هذا الأمر لي�س في الح�سبان‪ ،‬ولكن كما ب َّينا فالق�ضية عامة َومن كان متر ِّف ًعا عن جزئية هنا‬ ‫ن�سب �إلى ر�سول الإ�سالم قو ُله‪" :‬خيا ُركم في‬ ‫�أو هنا ل�سبب �أو لآخر فهذا �أمر جيد جدً ا‪ ،‬لذا ُي َ‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬خيا ُركم في الجاهلية"‪ ،‬فالإ�سالم �أتى ليتفق مع الفطرة ال�سليمة ويدعمها وي�ؤكدها‬ ‫ولي�س العك�س‪.‬‬ ‫المتشابه في القرآن‪:‬‬ ‫آيات مت�شا ِبهات وذلك في قوله تعالى (هُ َو ا َّل ِذي َ�أنزَ َل‬ ‫القر�آنُ ي�ص ِّرح ب�شفافي ٍة كعاد ِته بوجود � ٍ‬ ‫َاب َو�أُ َخ ُر ُمت َ​َ�شا ِبهَاتٌ َف َ�أ َّما ا َّل ِذينَ ِفي ُق ُلوبِهِ ْم َز ْي ٌغ‬ ‫َاب ِم ْن ُه �آياتٌ ُّم ْح َك َماتٌ هُ نَّ �أُ ُّم ا ْل ِكت ِ‬ ‫َع َل ْي َك ا ْل ِكت َ‬ ‫َف َي َّت ِب ُعونَ َما ت َ​َ�شا َب َه ِم ْن ُه ا ْب ِت َغا َء ا ْل ِف ْت َن ِة َوا ْب ِت َغا َء َت�أوي ِل ِه َو َما َي ْع َل ُم َت�أوي َل ُه �إال ال َّلـ ُه َوال َّر ِا�س ُخونَ ِفي ا ْل ِع ْل ِم‬ ‫اب) �آل عمران‪.٧ :‬‬ ‫َي ُقو ُلونَ � َآم َّنا ِب ِه ُك ٌّل ِّمنْ ِع ِند َر ِّب َنا َو َما َي َّذ َّك ُر �إال �أو ُلو ْ أ‬ ‫الَ ْل َب ِ‬ ‫والوا�ضح من �سياق الآية �أن ت�أويل هذه الآيات ال يعلمه �إال اهلل تعالى‪ ،‬و�إن الذين في قلوبهم‬ ‫زي ٌغ يتبعون المت�شا ِب َه وي�صرون عليه ابتغا َء الفتن ِة وابتغا َء ت�أوي ِله لخدمة م�صالحهم الم�شبوهة‪،‬‬ ‫الم�صالح قد تكون �سيا�سي ًة �أو اقت�صادية �أو �أمو ًرا �أخرى‪ ،‬بع�ض الآيات المت�شابهة �أَ َقر‬ ‫وهذه‬ ‫ُ‬ ‫القر�آن ب�إمكانية معرفة ت�أويلها ولكن بعد حين وذلك في قوله تعالى‪" :‬و َل َت ْع َل ُمنَّ َن َب�أَ ُه َب ْع َد ِح ٍين"‬ ‫‪168‬‬


‫�ص‪.)88:‬وبع�ض الآيات لن نعرف ت�أوي َلها حتى يوم القيامة فهي جزء من االبتالء‪" :‬هَ ْل َي ُ‬ ‫نظ ُرونَ‬ ‫�إال َت�أوي َل ُه َي ْو َم َي ْ�أ ِتي َت�أوي ُل ُه َي ُق ُ‬ ‫ول ا َّل ِذينَ َن ُ�سو ُه ِمن َق ْب ُل َق ْد َجا َء ْت ُر ُ�س ُل َر ِّب َنا ِبا ْل َح ِّق َف َهل َّل َنا ِمن‬ ‫ُ�ش َف َعا َء َف َي ْ�ش َف ُعوا َل َنا �أو ُن َر ُّد َف َن ْع َم َل َغ ْي َر ا َّل ِذي ُك َّنا َن ْع َم ُل َق ْد َخ ِ�س ُروا �أَن ُف َ�س ُه ْم َو َ�ض َّل َع ْن ُهم َّما َكا ُنوا‬ ‫الج َمل بما‬ ‫َي ْف َت ُرونَ " الأعراف‪ ،٥٣ :‬وهذا يقودنا �إلى �إحدى المغالطات التي َذ َكرنا وهي َت ْرك َ‬ ‫َح َمل عند عدم القدرة على �إجابة �أحد الأ�سئلة‪ ،‬القر�آن فيه �آياتٌ ُمح َكماتٌ هُ نَّ ُ�أ ّم الكتاب‪،‬‬ ‫وهُ نَّ كافياتٌ �شافيات وبالتالي عند اختالف الم�سلمين على تف�سير الآيات المت�شابهات �أمر‬ ‫طبيعي‪،‬وعندما يحاول �أحدهم تف�سير الآيات المت�شابهة ف�سيكون تف�سيره ناب ًعا من ثقافته وروح‬ ‫ع�صره الذي عا�ش فيه‪.‬‬ ‫فال يمكننا �أن نت�صور ب�أي حال من الأحوال �أن يكون تف�سير ابن كثير �أو غيره لقوله تعالى (و َت َرى‬ ‫ال�س َحاب ُ�ص ْنع َ ال َّلـ ِه ا َّل ِذي �أَ ْت َقنَ ُك َّل َ�ش ْيءٍ ِ�إ َّنه َخ ِبي ٌر ِب َما‬ ‫ا ْل ِج َب َال ت َْح َ�س ُب َها َج ِام َد ًة َو ِه َي َت ُم ُّر َم َّر َّ‬ ‫َت ْف َع ُلونَ )‪ –٨٨‬النمل‪ ،‬م�شابه لتف�سيرنا ونظرتنا للكون اليوم في �ضوء المكت�شفات العلمية‪ ،‬و�إذا‬ ‫حاول �أحدهم تقدي�س تف�سير ابن كثير �أو غيره ف�إنه يقع في خلل كبير يجعله يتعار�ض مع �أدواتنا‬ ‫ً‬ ‫تعار�ضا كبي ًرا مما يجعل نظرته للقر�آن ال تتجاوز نظرة الطفل ال�صغير الذي ال يعني‬ ‫الحالية‬ ‫�شيئا عن الكون من حوله‪ .‬ومهما كان اعتقادنا واختالفنا في الآيات المت�شابهات فهو مقبو ٌل‬ ‫مادام ال يقود �إلى الفتنة وال �إلى القول بالخرافة نتيجة لتعار�ضه مع الثوابت العلمية‪ ،‬وبما �أننا‬ ‫ذكرنا هذه الآي َة ونتيج ًة لوجود جزء من الم�سلمين يعتقد ب�أن َمن يعلم الآيات المت�شابهات هو‬ ‫اهلل والرا�سخون في العلم‪ ،‬مع �أن الآية تب ِّين �أن الرا�سخون في العلم يقولون �آم ّنا به ك ٌّل ِمن عند‬ ‫تف�سير هذه‬ ‫ربنا‪ ،‬فال ب�أ�س ب�أن نذكر ما ورد في ُخطبة الأ�شباح المن�سوبة ل�سيدنا الإمام علي في‬ ‫ٍ‬ ‫الآية في نهج البالغة لنرى من موقف الرا�سخون في العلم من مت�شابه الآيات‪.‬‬ ‫‪169‬‬


‫ال�س َد ِد ا ْل َم ْ�ض ُرو َب ِة دُونَ‬ ‫" َو ْاع َل ْم �أَنَّ ال َّر ِا�س ِخينَ ِفي ا ْل ِع ْل ِم هُ ُم ا َّل ِذينَ �أَ ْغ َناهُ ْم َع ِن ا ْق ِت َح ِام ُّ‬ ‫وب‪َ ،‬ف َم َد َح ُ‬ ‫اهلل َت َعا َلى ْاع ِت َرا َف ُه ْم‬ ‫وب‪ ،‬الإ ْق َرا ُر ِب ُج ْم َل ِة َما َجهِ ُلوا َتف ِْ�سي َر ُه ِمنَ ا ْلغ ْي ِب ا ْل َم ْح ُج ِ‬ ‫ا ْل ُغ ُي ِ‬ ‫اول َما َل ْم ُي ِح ُ‬ ‫يطوا ِب ِه ِع ْلم ًا‪َ ،‬و َ�س َّمى َت ْر َك ُه ُم ال َّت َع ُّمقَ ِف َيما َل ْم ُي َك ِّل ْف ُه ُم ا ْل َب ْحثَ َعنْ ُك ْنهِ ِه‬ ‫ِبا ْل َع ْج ِز َعنْ َت َن ِ‬ ‫هلل ُ�س ْب َحا َن ُه َع َلى َق ْد ِر َع ْق ِل َك َف َت ُكونَ ِمنَ الها ِل ِكينَ "‪.‬‬ ‫ُر ُ�سوخ ًا‪ ،‬فا ْقت َِ�ص ْر َع َلى َذ ِل َك‪َ ،‬و َال ُت َقدِّ ْر َع َظ َم َة ا ِ‬

‫�إذن كنتيجة لما �سبق نجد في القر�أن الكريم نوعين من الآيات وهما‪ :‬الآيات‬ ‫المحكمة والآيات المت�شابهة‪ ،‬تمثل الآيات المحكمة �أ�صل العقيدة والعبادات‬ ‫مث ًال‪ :‬وهلل على النا�س حج البيت من ا�ستطاع �إليه �سبي ًال‪ ،‬و"اهلل ال �إله �إال‬ ‫هو" وغيرها من الآيات التي ال ي�شتبه في معناها العقالء‪ ،‬وهناك الآيات‬ ‫المت�شابهات‪ ،‬وهذه الآيات ت�شابهت على النا�س لأمور عديدة؛ منها �أنها تعالج‬ ‫�أمو ًرا حدثت في الما�ضي‪� ،‬أو �أمو ًرا �ستحدث في الم�ستقبل‪ ،‬وهذا الم�ستقبل‬ ‫قد يكون الحياة �أو ما بعد الحياة كنعيم الجنة وعذاب الآخرة‪..‬‬ ‫هذه االي��ات ج��اءت بلغة العرب وا�ستخدمت كلماتهم لو�صف ما ال يمكن‬ ‫مجازي‪ ،‬مث ًال عندما ي�صف القر�آن‬ ‫أ�سلوب‬ ‫ت�صوره‪ ،‬فهنا الكلمات ُت�ستخدم ب� ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الخالق ويحاول تقريبه من الأذهان يعطي َم َثل النور ال�صادر من زجاجة �إلى‬ ‫�آخر الو�صف‪ ،‬حيث يبقى الو�صف و�ص ًفا ال يمكننا �أن نت�أكد من مدى ُقربه �أو‬ ‫ُبعده عن الحقيقة‪ ،‬لأن المو�صوف لم ي َره من قر�أ الو�صف‪.‬‬ ‫مثال �آخر هو �شجرة الزقوم وثمارها التي ت�شبه ر�ؤو�س ال�شياطين‪ ،‬ولكن من‬ ‫منا �شاهد فيه حياته ر�أ�س ال�شيطان؟ ال �أحد‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫و�صف ال ُيمكننا �أن ُنحدد‬ ‫مالمحه‪ ،‬وبالتالي تكون لدى كل �شخ�ص �صورة مختلفة عن ال�شخ�ص الآخر‬ ‫‪170‬‬


‫لهذه الأو�صاف طب ًقا لثقافة ال�شخ�ص واطالعه و م�ستواه الفكري‪.‬‬ ‫ومن هنا نتجت الحقيقة الن�سبية‪ ،‬فالحقيقة في ذاتها مطلقة‪ ،‬فاهلل واح ٌد‬ ‫و�شجرة ال��زق��وم ذات �شكل واح��د‪ ،‬ولكن نتيجة لق�صر الكلمات ونتيجة‬ ‫الختالف مداركنا الفكرية �أ�صبحت الحقيقة ن�سبية‪ ،‬وكل منا له ت�صو ٌر معينٌ‬ ‫لنف�س الو�صف‪.‬‬ ‫وبالرغم من �أنه ال �إ�شكال في هذا االختالف الفكري؛ �إال �أن الكثيرين جعلوا‬ ‫ت�صورهم لبع�ض الآيات المت�شابهة عقيدة �إ�سالمية يك ُفر من يخالفها �أو على‬ ‫�أح�سن االحوال ينتق�ص من تفكيره وتوحيده‪ ،‬مثال ذلك التعابير القر�آنية‬ ‫التي تن�سب �إل��ى الخالق اليد وال�ساق وغيرها‪ ،‬حيث �أ�صبح �إثباتها لدى‬ ‫ال�سلفية جزء من التوحيد �أ�سموه توحيد ال�صفات والأ�سماء‪ ،‬واعتبروا �أن‬ ‫هذه التعابير تعابير حقيقة تدل على �أن هلل �سا ٌق وي ٌد‪ ،‬ولكن لي�س كمثلهما‬ ‫�شيء‪ ،‬وبالتالي كل من يقول ب َم َجاز َّية هذه التعابير و�أن لي�س هلل يد �أو �ساق‬ ‫مطعون في توحيده‪.‬‬ ‫وقد ذهب البع�ض �إل��ى القول ببدعة ال�س�ؤال عن الكيف و�ضرورة القبول‬ ‫بظاهر الن�ص‪ ،‬فلم يقولوا بحقيقة التعابير وال بمجازيتها كالقول المن�سوب‬ ‫�إلى الإمام مالك بخ�صو�ص ا�ستواء الرحمن على العر�ش‪ ،‬حيث ن�سب �إليه‬ ‫قول �إن اال�ستواء معلو ٌم والكيف مجهو ٌل وال�س�ؤال بدعة‪ ،‬و�أ�صبح هذا المذهب‬ ‫عقيدة لدى البع�ض � ً‬ ‫أي�ضا‪.‬‬ ‫‪171‬‬


‫ويذهب الآخ��رون �إلى مجازية هذه التعابير وغيرها و�أنها جاءت لتقريب‬ ‫المعنى ال لتبيان كيفيته وحالته‪ .‬وكان الأولى القبول باالختالف في المت�شابه‬ ‫من الآيات‪ ،‬حيث �إن مذهب القبول باالختالف الناتج عن اختالف مدارك‬ ‫النا�س واطالعهم هو المذهب المحمود‪ ،‬حيث ال يكفر من ُيخالف هذا �أو‬ ‫ذاك‪ ،‬وال ينتق�ص من توحيده‪ .‬فما �أ�شبه من يت�ش َّدد في تثبيت �صورة واحدة‬ ‫لآية مت�شابهة في كتاب اهلل العزيز بالجاهل المغرور بر�أيه البعيد عن روح‬ ‫القر�آن الكريم‪.‬‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا يقودنا ذلك �إلى �أن نطلب �أن يبقي المت�شابه مت�شاب ًها كما �أراده اهلل‬ ‫وال يفتح البع�ض العنان لأفكاره المري�ضة وغريزته الطافحة لت�أويل المت�شابه‬ ‫مو�صوف فلدينا في‬ ‫وخ�صو�صا �إن كان هذا المت�شابه غير‬ ‫بما ت�شتهي نف�سه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫مو�صوف ا�ستدل ْلنا منه على الكثرة والوفرة في نعيم‬ ‫بع�ض الأحيان مت�شاب ٌه‬ ‫الجنان كما في الأنهار والكواعب والحدائق والأعناب‪ ،‬وهناك مت�شابه غير‬ ‫مو�صوف‪ ،‬مث ًال قررت الآية التزويج بحور العين وطواف الغلمان المخلدون‬ ‫وهذه �أ�سماء لأمور لم تو�ضحها الآيات و�أفعال لم تبينها فما هدف التزويج‬ ‫والطواف؟ عل ًما �أن القر�آن ي�ستخدم تعبير النكاح في عقود الزواج‪ ،‬وهكذا‬ ‫تعط تفا�صيل كافية وبالتالي ال يمكننا �أن نفهم على نحو‬ ‫نجد �أن الآيات لم ِ‬ ‫اليقين وال حتى على نحو اال�ستدالل ما هو المق�صود‪ ،‬وبالرغم من هذا ي�أتي‬ ‫انتقا�ص‬ ‫من يقرر العدد والوظيفة وتفا�صيل الج�سد!! وهذا على �أقل التقدير‬ ‫ٌ‬ ‫ممن لم يورد التف�صيل‪.‬‬ ‫‪172‬‬


‫المنهج العلمي‪:‬‬ ‫يقوم المنهج العلمي الحديث على �أمر ْين رئي�سي ْين وهُ ما التجربة والم�شاهدة‪ ،‬وبالتالي ما‬ ‫ال يمكن تجربتُه وم�شاهدته ال يمكن للعلم �أن يحكم فيه‪ ،‬وكل ر� ٍأي خارج عن نطاق التجربة‬ ‫والم�شاهَ دة هو ر� ٌأي غير علمي‪ ،‬ومن هنا نتجت دكتاتورية المنهج العلمي في الحكم على‬ ‫الأ�شياء‪ ،‬فمهما كان العقل والأدلة ت�شير �إلى وجود قوى خارق ٍة �ساهمت في �إيجاد الكون والحياة‬ ‫وما بينهما ف�إن المنهج العلمي يرف�ض هذه الآراء ويرحب بالآراء الأخرى مهما كانت �سخيف ًة‬ ‫وبعيد ًة عن المنطق ما دامت توفر تف�سي ًرا ماد ًيا بحتًا‪.‬‬ ‫بنظريات مادية لتف�سير هذه الكون‪ ،‬مث ًال القوى العمياء �أو‬ ‫لذا ترى العلما َء ي�ضطرون للخروج‬ ‫ٍ‬ ‫االنتخاب الطبيعي �أو حتى ال�صدفة على الرغم من �أنهم يدركون �أن هذه التف�سيرات هي مجرد‬ ‫م�سميات لأمر مجهول غير معلوم ُيعزَ ى له كل ما نراه ِمن حولنا وفينا ولكن يتم القبول بها‬ ‫ٍ‬ ‫مادامت تعتمد في النهاية على تف�سير مادي و�إنْ كانت الأدلة العلمية عليها �ضعيف ًة َومن يقول‬ ‫مهرطقا ومخ ِّرفا‬ ‫من العلماء ب�أنه يعتقد بوجود �شيء غير مادي م�سئول عما نراه حولنا يعتبر ِ‬ ‫ويتم التقليل من �ش�أنه و�ش�أن كالمه‪ ،‬وبالتالي فنتيج ًة لدكتاتورية العلم والتقييد الممار�س به‬ ‫تف�سيرات مادية بحتة تم القبول بمختلف النظريات والفر�ضيات المادية‪،‬‬ ‫والت�شديد على �إيجاد‬ ‫ٍ‬ ‫‪173‬‬


‫وبالتالي يمكن لأي �شخ�ص �أن ي�أتي بفر�ضية مادية ويتم قبولها ما دامت ال تتعار�ض مع �أدواتنا‬ ‫ومعلوماتنا العلمية الحالية‪ ،‬وال يمكن رف�ضها �إلى �أن يتم �إثبات العك�س‪.‬‬ ‫فمثال مو�ضوع االنتقال بالزمن �إلى الع�صور ال�سحيقة حيث �إن هذا المو�ضوع علم ًيا جائز‬ ‫وممكن وعلى الرغم من �سخافة الأمر �إال �أن �آين�شتاين جعل الزمنَ �أمر ن�سبي َ‬ ‫وو�ض َعه �ضمن‬ ‫معادل ٍة وبالتالي ال يمكن لعا ِل ٍم يعتبر الزمنَ �أم ًرا ن�سب ًيا �أن يرف�ضه‪ ،‬نعم قد يرف�ضه عقل ًيا ولكن‬ ‫لي�س علم ًيا ولكن العلم يرف�ض ما ن�سميه عقل ًيا �أو منطق ًيا حتى قال لوران�س كراو�س الفيزيائي‬ ‫"من قال لك �إن الكون يهتم ِل َما تعتبره منطقيا؟"‪.‬فعندما نقول هل ِمن المنطق �أن‬ ‫ال�شهير‪َ :‬‬ ‫الكون �أتى من فراغ �أو مح�ض �صدفة؟ هل من المنطق �أن قوانين الفيزياء الدقيقة مجرد‬ ‫�صدفة؟ هل من المنطق �أن الخلية الأولى على الأر�ض مجرد �صدف ٍة وعمل ع�شوائي؟ هل من‬ ‫العمليات المت�سل�سل َة التي تحدث ب�شكل �إرادي وال �إرادي في ج�سم الإن�سان �صدفة‬ ‫المنطق �أن‬ ‫ِ‬ ‫ال�شم�س تدور حول نف�سها وحول الأر�ض بهذا النظام‬ ‫بال تخطيط م�سبق؟ هل من المنطق �أن‬ ‫َ‬ ‫الم�ستمر منذ مئات ماليين ال�سنين نتيجة ال�شيء؟‬ ‫ي�أتي الجواب وبب�ساطه من قال لك �إن الكون يعتبره منطق ًيا �أو كما قال الفيل�سوف دانييت هذا‬ ‫مجرد ما تعودنا عليه ولي�س بال�ضرورة �أن يكون هو المنطق ال�صحيح! بالنتيجة رف�ض المنهج‬ ‫العلمي ما ن�سميه منط ًقا لأنه يفر�ض عليه قوى خارقة ال يمكنه تف�سيرها‪ .‬ومما ورد �أعاله يمكننا‬ ‫�أن ن�ستفيد الأمو َر الآتية‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬ال يمكن نفي المعجزات التي ي َّدعيها الم�ؤمنون على �أ�سا�س المنهج العلمي لكونها حدثت‬ ‫في �أزمان غابرة وال �سبيل لفح�صها �أو م�شاهدتها‪� ،‬أ َّما القيا�س على �أ�سا�س معلوماتنا الحالية‬ ‫ف�أم ٌر غير علمي وخ�صو�صا �أنه �إذا ا�ستخدمنا نف�س القيا�س ف�أن تكون الـ دي �إن �آي بال�صدفة‬ ‫‪174‬‬


‫�أكثر �إعجازا من كل المعجزات التي ي ّدعيها الم�ؤمنون‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬المنهج العلمي في �أيامنا الحا�ضرة �سيذكر له التاريخ �أن العلماء الم�شتغلين �ضمن‬ ‫�إط��اره كانوا يخ�شون �أن ي�صرحوا بمعتقدهم و�أفكارهم حتى ال يتم اتهامهم بف�ساد المنهج‬ ‫العلمي الذي يعتقدونه ولذا نجد �أن الـ ‪ 400‬عا ِلم الذين اعتر�ضوا على كون الطفرات الوراثية‬ ‫كاف للتطور على ا�ستحياء ‪.‬‬ ‫واالنتخاب الطبيعي غير ٍ‬ ‫ثالثا‪ :‬مادام قبول الفر�ضية في المنهج العلمي يعتمد على توافقها مع معارفنا المرحلية وحتى‬ ‫يتم نق�ضها بالدليل فلماذا ال ن�ستخدم نف�س الأ�سلوب في م�س�ألة الإله ويعتبر قائما مادام يمثل‬ ‫�ضرورة لملء الفراغات مادام يوافق معارفنا المرحلية وحتى يتم نق�ضه بالدليل؟ طبعا الجواب‬ ‫وا�ضح وهو القبول بوجود قوى خارقة عاقلة �أمر يخالف المنهج العلمي‪ ،‬ولذا ال ب�أ�س ب�أن ُنعزي‬ ‫وانتخاب طبيعي وحتى كائنات ف�ضائية ال دليل مادي على وجودها‪� ،‬أهم‬ ‫الأمر �إلى قوى عميا َء‬ ‫ٍ‬ ‫�شيء �أن نعزيها �إلى �أمر مادي ولي�س �إلى �أمر ال مادي‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬ال يمكن �أن ن�ساوي بين النظريات التي تتعامل مع الواقع اليومي المعا�ش‪ ،‬والنظريات‬ ‫واقع حدث قبل ماليين ال�سنين‪ ،‬فالنظريات الأولى يمكن �أن نقول �إنها تمثل‬ ‫التي تتعامل مع ٍ‬ ‫المنهج العلمي الحقيقي الثابت الذي يمكن �أن نختبره ون�شاهده‪،‬بينما النظريات الثانية تمثل‬ ‫َ‬ ‫والت�صورات ِل َما حدث قبل‬ ‫اال�ستنتاجات‬ ‫المنهج العلمي الظني (العلم الن�سبي) الذي يعتمد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ماليين ال�سنين بنا ًء على ما وجدناه �أو اكت�شفناه‪ ،‬ولكن ال �سبيل لم�شاهدتها ب�شكل كامل‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬هذا المنهج هو ال�صحيح‪ ،‬وهو الحل الأمثل والمفرو�ض اتباعه عندما نتعامل مع الأمور‬ ‫الواقعية اليومية كالأمرا�ض وال ِبناء وال�صناعات وغيرها بعيدا عن الخرافات‪ .‬حيث يجب علينا‬ ‫‪175‬‬


‫والتجارب للتطوير والتحديث ومن ثم الم�شاهدات للتطوير والتحديث مر ًة‬ ‫الم�شاهدات‬ ‫�أن نتبع‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫�أخرى‪ ،‬ويجب �أن ت�ستمر الدور ُة ِل َما في ذلك من �إبداع واكت�شافات ومعرفة لكيفية عمل ما يمكن‬ ‫اختبا ُره وم�شاهدته‪ ،‬وباعتبار الإن�سان م�ستخ َل ًفا في الأر�ض فلي�س ِمن الم�ستغ َرب �أن ي�أتي اليوم‬ ‫الذي ُيخ َلق فيه �إن�سان كامل في المختبرات برعاية العن�صر الواعي الفعال الإن�ساني‪ ،‬وبف�ضل‬ ‫تقدمنا العلمي ومعرفتنا المتزايدة ع ْب َر الزمن نتيجة المنهج العلمي‪ .‬وال ف�ضل لل�صدفة وال‬ ‫لالنتقاء الطبيعي التراكمي بالمو�ضوع ‪.‬‬ ‫سادسا‪ :‬جمال المنهج العلمي في �سع ُيه الحثيث نحو المعرفة وك�شف المجهول‪ .‬وهذا الأمر‬ ‫يجذبنا جميعا نحن �أبناء المنهج العلمي ولكن للأ�سف يقوم بع�ض المنتمين �إل��ى المنهج‬ ‫العلمي بتحميل الفر�ضيات والنظريات �أكثر مما تدل عليه حتى �أ�صبحت دينا جديدا له ثوابت‬ ‫وقواعد ومب�شرين‪،‬وبالتالي عندما ت�س�أل ملحدا ال عالقة له بالبيولوجي فتراه ينقل كالم ِّ‬ ‫مب�شر‬ ‫(عالم بيولوجي ملحد) بالتف�صيل وهو ال يعرف فعليا عما يتكلم‪ ،‬وعندما تخبره عن بع�ض‬ ‫اعترا�ضاتك �أو مالحظاتك يقول لك اقر�أْ‬ ‫الكتاب الفالني �أو َّ‬ ‫اط ِلع على ال�صفحة الفالنية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫تماما مثل المتطرف ال��ذي ال يعرف �شيئا عن القر�آن ويخبرك �أن كل الحلول والنظريات‬ ‫والأفكار موجود ٌة فيه !!‬ ‫سابعا‪ :‬المنهج العلمي منهج ال�أدري عندما يتعلق الأمر بالخالق‪ ،‬وال�سبب ب�سيط وهو �أن الخالق‬ ‫المفت َر�ض هو ال مادي‪ ،‬والمنهج العلمي ال يتعامل �إال مع الأمور المادية وبالتالي هو ال ي�ستطيع‬ ‫نفي وجود �شيء يقع خارج اخت�صا�صه‪ ،‬وهذه الحال �ستبقى كذلك اليوم وغدا وبعد مليون �سنة‪.‬‬ ‫ثامنا‪ :‬المنهج العلمي منهج ال �أدري عندما يتعلق الأمر بما لم ت�صل �إليه �أدواتنا وال اكت�شافاتنا‪.‬‬ ‫‪176‬‬


‫لذا القول بالنظرية النهائية �أو النظرية الحلم وان العلم �سيكت�شف هذا ال�شيء �أو ذاك‬ ‫بالم�ستقبل‪ .‬هو كالم غير علمي وال قيمه له‪.‬‬

‫الدين مع الدين‬ ‫تعا ُرض ِ‬ ‫ُ‬ ‫يتعار�ض دينٌ مع دين ويختلف ما دامت الأديان من م�صدر واحد ؟‬ ‫ما الدين ال�صحيح؟ ولم �إذا‬ ‫ال�سبب في �إلحاد المئات في الغرب وال�شرق باعتبار �أنَّ ال دين �صحيح و�أن‬ ‫هذا ال�س� ُؤال كان‬ ‫َ‬ ‫لي�س للأديان م�صدر واحد والق�ضي ُة ال تتجاوز كو َنها �أم ًرا اخت َل َقه الب�ش ُر وقام بت�شذي ِبه الأذكيا ُء‬ ‫منهم‪ ،‬وهو �إ�شكا ٌل مهم و�صحي ٌح في ظاهره ولكن هذا التعار�ض �أمر طبيعي ولذا �أر�سل اهلل‬ ‫تعالى الأنبياء والر�سل على مراحل لتهذيب ما طر�أ على الأديان من االنحرافات التي حدثت‬ ‫فترات زمنية �سابقة ولو لم يكن‬ ‫نتيجة لتقادم الزمان وتخلُّف ُط ُر ِق التدوين �أو �صعوبتها في‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫داع لإر�سال ُر ُ�س ٍل �آخرين وبالتالي وهذا التهذيب‬ ‫انحراف‬ ‫هناك‬ ‫واختالف َل َما كان هناك �أي ٍ‬ ‫والت�صحيح داللة وا�ضحة على م�صدرها الواحد و�أن التعار�ض لي�س من الم�صدر و�إنما من‬ ‫الظروف المحيطة وفهم �أتباع الدين الذي قد يطر�أ عليه ما يطر�أ عبر الع�صور‪.‬‬ ‫ِمن ناحي ٍة �أخرى هذا التعار�ض ال يلغي م�س�ؤولي َة الإن�سان في البحث والتدقيق و�صوال للدين‬ ‫الأقرب لل�صحة ح�سبما يراه‪ ،‬وال يعني �أن يرميها كلها عر�ض الحائط بال فح�ص �صادق لها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قد َر �إمكانيا ِته فهو‬ ‫الو�صول‬ ‫الو�صول فهو على الخير وحتى َمن لم ي�ستطع‬ ‫ف َمن ا�ستطاع‬ ‫وحاول ْ‬ ‫�صحيحا‬ ‫على خير‪ ،‬وعلى العموم كما ب َّين القر�آن وب�شكل وا�ضح �أن َمن يتبع ال ُه َدى الذي يظنه‬ ‫ً‬ ‫معاند وال متك ِّبر ( ُق ْل َنا ْاه ِب ُطوا ِم ْن َها َجمِ ي ًعا َف ِ�إ َّما َي�أْ ِت َي َّن ُكم ِّم ِّني‬ ‫كثير ما دام غي َر ٍ‬ ‫فهو على خير ٍ‬ ‫هُ دً ى َف َمن َت ِب َع هُ َداي َفلاَ َخ ْو ٌف َع َل ْيهِ ْم َو اَل هُ ْم َي ْحزَ ُنونَ ) البقرة ‪٣٨-‬‬ ‫‪177‬‬


‫الدعاء واإلجابة‬ ‫ِمن الأمور التي ُتذ َكر في �أغلب ُكت ُِب الملحدين المعا�صرة تجربة الدعاء الكبرى‪ ،‬وهي باخت�صار‬ ‫تجرب ٌة قامت بها بع�ض المنظمات الدينية الم�سيحية‪ ،‬حيث ُيط َلب من �أ�شخا�ص �أن يدعوا‬ ‫لأ�شخا�ص �آخرين ال يعرفونهم في الم�ست�شفى طل ًبا لل�شفاء في نف�س الوقت يوجد �أ�شخا�ص‬ ‫�آخرون يعانون من نف�س الحالة المر�ضية في نف�س الم�ست�شفى ال �أحد يدعو لهم‪ .‬ومن ثم يتم‬ ‫بنتائج‬ ‫النتائج الطبية للجميع لقيا�س اثر الدعاء ل َمن تم الدعا ُء لهم ومقارنتُها‬ ‫النظر �إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َمن لم يتم الدعاء لهم‪ ،‬التجربة ِمن المفرو�ض �أن تتم في �سري ٍة تامة بحيث ال يعلم �أحد َمن‬ ‫و�ص ِرفت الماليين على هذه التجربة بهدف الإجابة عن‬ ‫تم الدعاء له َومن لم يتم الدعاء له‪ُ ،‬‬ ‫�س�ؤال‪ :‬هل ت�ساعد ال�صال ُة ال َم ْر َ�ضى على ال�شفاء؟ حيث �إن كانت ال�صالة ت�ساعد فهذا يعني‬ ‫�أن هناك خالق ي�ستجيب الدعوات! هذه التجربة في اعتقادي ال�شخ�صي ال قيمه لها و�سخيفة‬ ‫على كل الم�ستويات‪ ،‬وك�أن هذا الخالق ما هو �إال عامل تو�صيل ي�ستجيب لمن يدعوه ويترك من‬ ‫أكد‬ ‫ال يدعوه و�أن ال قيمه للقوانين الطبيعية التي و�ضعها هو بنف�سه‪ ،‬ف�إذا كان هدف التجربة الت� َ‬ ‫من وجود خالق فلي�س بهذه التجارب ن�ستدل على وجود خالق؟ ولي�س الخالق بهذه العقلية ل ُيظهِ ر‬ ‫نف�سه لأظهرها ول َر َفع َ‬ ‫العقل‬ ‫نف�سه للنا�س بنا ًء على �أدعي ٍة عميا َء فلو �شاء الخالق �أن يُظهِ ر َ‬ ‫َ‬ ‫والتفكير و�إال فما الداعي لهما �إن كنا ال ن�ستخدمها لال�ستدالل على الأمور المختلفة ومنها وجود‬ ‫خالق من عدمه؟ وقد ع َّبر �أحد الم�ؤمنين عن التجربة بقوله‪" :‬لو �أراد اهلل �أن يرينا وجو َده لوجد‬ ‫طريقا � َ‬ ‫أف�ضل من التحيز في �إح�صائيات تجربة �شفائية ل َم ْر َ�ضى القلب"‪.‬‬ ‫‪178‬‬


‫فل�سف ُة الدعا ِء في الإ�سالم مختلفة و�إنْ كان المجتمع الم�سلم للأ�سف لم يلتفت �إليها حتى اليوم‪،‬‬ ‫فترى �أ�صحاب المنابر يدعون كل �أ�سبوع بالويل والثبور على �أعدائهم وال ا�ستجابة لأنهم ابتعدوا‬ ‫عن فل�سفة الدعاء في الإ�سالم الذي ي�أتي بعد اال�ستعداد والعزم على �إتمام الأمر فالدعاء في‬ ‫الم�صباح ال�سحري الذي يحقق الأحالم‪ ،‬وال �سبيل �إلى تحقيق �أي ُح ٍلم بدون العلم‬ ‫الإ�سالم لي�س‬ ‫َ‬ ‫وال�سعي له؛ فهذا ر�سول اهلل ي�أمره اهلل باال�ستعداد لقتال َمن يحاول االعتدا َء عليه‪ ،‬وال ي�أمره‬ ‫بالدعاء لالنت�صار عليهم‪ ،‬وهذه ال�سيدة مريم ي�أمرها ب�أن تهز جذ َع النخلة ليت�سا َق َط عليها‬ ‫الرطب‪،‬وال تدعو اهلل ليت�ساقط عليها‪ ،‬ومن ال يتبع الأ�سباب ال يحقق النجاح ولو كان الر�سول‬ ‫وال�صحابة في موكبه وهذا ما حدث في معركة �أحد‪.‬‬ ‫وهكذا �أي دعاءٍ بدون عمل ال قيمة له لأن اهلل تعالى حكي ٌم يع ِّلمنا اتبا َع الأ�سباب وقوانين الطبيعة‬ ‫كاتب كتاب "محنتي مع القر�آن"الذي على‬ ‫الحاكمة‪ ،‬وبخالفه نقع في‬ ‫ٍ‬ ‫مطبات كارثية كما وقع ُ‬ ‫فر�ض �صحة ق�ص ِته ف�إنه يبني كتا َبه على �أ�سا�س �أن اهلل لم ي�ستجب لدعائه وبالتالي رف�ض فكرة‬ ‫ِ‬ ‫الخالق و�ألحد ولم يو�ضح الم�ؤلف على فر�ض �أنه �شخ�صي ٌة حقيقة ماذا عمل هو ليتحقق دعا�ؤه‪.‬‬ ‫وعدم ف ْه ِم فل�سفة الدعاء الإ�سالمي فيرو�س منت�شر في الأُمة حتى لن�سمع الكثير ِمن النا�س‬ ‫يقولون عن الظالم مثال‪":‬اهلل ينتقم منه" وهُ م ال يقومون ب�أي دور للدفاع عن المظلوم �أكثر من‬ ‫الكالم! في حين �أن اهلل قد خولهم الق�صا�ص منه وطالبهم بعدم الركون �إليه وقتاله �إن �أقت�ضى‬ ‫الأمر وهم بفعلهم هذا يخالفون �أوامر اهلل تعالى وحجتهم بذلك اال�ستدالل ببع�ض الآيات على‬ ‫�أن اهلل ي�ستجيب الدعا َء ولكنهم يغفلون عن بقية الآيات التي تدل �أن ال�ستجابة الدعاء �شروطا‪،‬‬ ‫ونتيج ًة لهذه الغ َفلة ف�إنهم ال يدركون فل�سفة الإ�سالم في الدعاء القائمة على �أ�سا�س العزم‬ ‫‪179‬‬


‫والعمل بعد التوكل على اهلل‪ ،‬ولي�س على النوم والك�سل بعد دعاء اهلل‪.‬‬ ‫حيث �إن��ه من ال�ضروري �أن يكون الدعاء �ضمن طاقة الفرد‪ ،‬فال ُيت�صور �أن��ه يدعوا مارد‬ ‫الم�صباح ال�سحري‪ ،‬فبالرغم من �أن اهلل قادر وهو على كل �شيء قدير؛ �إال �أن للحياة قوانين‬ ‫ت�سير بموجبها‪ ،‬وعندما ُتك�سر هذه القوانين تحدث المعجزات التي لم تكن �إال للأنبياء كدليل‬ ‫على �صدق دعواهم‪ ،‬وبالتالي يجب �أن يكون الدعاء �ضمن �إمكانية الفرد والظروف‪ ،‬فلو طلب‬ ‫الفرد من اهلل ليل نهار �أن ي�صبح طبي ًبا مث ًال وهو غير م�ؤهل فلن يكون له ذلك‪ .‬ولذا خ�سر‬ ‫الم�سلمون معركة �أحد بالرغم من وجود الر�سول وكبار ال�صحابه وذلك لأن البع�ض لم يتبع‬ ‫الأ�سباب الموجبة لتحقق الن�صر وكذا الأمر في الدعاء‪ .‬وال نن�سى �أن الحكمة من الأمور يعلمها‬ ‫اهلل‪ ،‬ولذا جاء قوله تعالى في �سورة البقرة (كتب َع َل ْي ُك ُم ا ْل ِقت َُال َوهُ َو ُك ْر ٌه َّل ُك ْم َو َع َ�سى �أَن َت ْك َرهُ وا‬ ‫َ�ش ْي ًئا َوهُ َو َخ ْي ٌر َّل ُك ْم َو َع َ�سى �أَن ُت ِح ُّبوا َ�ش ْي ًئا َوهُ َو َ�ش ٌّر َّل ُك ْم َوال َّلـ ُه َي ْع َل ُم َو�أَنت ُْم اَل َت ْع َل ُمونَ )(‪)٢١٦‬‬ ‫فالكثير من االمور نطلبها وهي �شر والعك�س �صحيح‪.‬‬

‫عبودية البشر للبشر‪:‬‬ ‫الإ�سالم ت َ‬ ‫المالمح الآتية‪:‬‬ ‫طريق تحمل‬ ‫َعامل مع العبودية ب� ٍ‬ ‫أ�سلوب منطقي‪ ،‬وو�ضع لها خارط َة ٍ‬ ‫َ‬ ‫الح�ساب على �أ�سا�س الإيمان والعمل ال�صالح‬ ‫الحر والعبد �أمام اهلل تعالى‪ ،‬وج ْعل‬ ‫ِ‬ ‫�أوال‪ :‬م�ساواة ُ‬ ‫ا�س ِ�إ َّنا َخ َل ْق َنا ُكم ِّمن َذ َك ٍر َو�أُن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم‬ ‫بعيدا عن المنزلة االجتماعية ‪ ..‬قال تعالى‪َ :‬يا �أَ ُّي َها ال َّن ُ‬ ‫ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِنَّ �أَ ْك َر َم ُك ْم ِع َند ال َّلـ ِه �أَ ْت َقا ُك ْم �إِنَّ ال َّلـ َه َع ِلي ٌم َخ ِبي ٌر الحجرات ‪ ... ١٣‬وهذا‬ ‫�أمر مهم حيث ثبت ع ْبر التجربة الأمريكية �أن مجرد �إ�صدار قانون ال يزيل النظر َة الدوني َة‬ ‫‪180‬‬


‫للعبيد حيث لم ُي ِزل قانون لنكولن عام ‪1854‬ميالدية النظر ُة الدونية لأ�صحاب الب�شرة ال�سوداء‬ ‫في �أمريكا حتى ال�سبعينيات من القرن الما�ضي‪ ،‬وب�شكل �أقل حدة حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫ثانيا‪� :‬إجبا ُر‬ ‫العبد على تحريره �إنْ طلب العب ُد ذلك‪ ،‬وذلك في قوله تعالى ( َوا َّل ِذينَ‬ ‫�صاحب ِ‬ ‫ِ‬ ‫َاب ِم َّما َم َل َك ْت �أي َما ُن ُك ْم َف َكا ِت ُبوهُ ْم �إِنْ َع ِل ْمت ُْم فِيهِ ْم َخ ْي ًرا َو�آ ُتوهُ م ِّمن َّم ِال ال َّلـ ِه ا َّل ِذي‬ ‫َي ْب َت ُغونَ ا ْل ِكت َ‬ ‫عبده �إذا طلب‬ ‫أمر وا�ضح لل�سيد بتحرير ِ‬ ‫�آتَا ُك ْم ) جزء من �أية ‪ -٣٣‬النور ‪ .‬والآية ت�شتمل على � ٍ‬ ‫وعقد �شرعي‪ ،‬وقد ورد في البخاري �أن �أحد ال�صحابة رف�ض مكاتبة عبده‬ ‫ذلك وفْقَ مكاتب ٍة ٍ‬ ‫ال�سيد الذي رف�ض مكاتبة عبده وهو يتلو هذه‬ ‫فا�شتكى �إلى الخليفة َعم َر ِبن الخطاب ف�ضرب‬ ‫َ‬ ‫الآية‪،‬وبغ�ض النظر عن �صحة الحادثة من عدمها فالآية وا�ضحة‪ ،‬فالإن�سان ُح ٌر ولكل �شخ�ص‬ ‫ظرو ُفه وبالتالي �إعطاء الحق باالختيار هو الأم��ر الأكثر منطقي ًة وعدالة‪ ،‬فالعبودية نظا ٌم‬ ‫اجتماعي واقت�صادي يوفر الغذا َء والم�سكن‪،‬وكان متغلغال وجز ًء من البناء المجتمعي‪،‬و�إلغا�ؤه‬ ‫بين ليل ٍة و�ضحاها �سي�ؤدي �إلى ظهور طبق ٍة اجتماعية ت�شكل عب ًئا على المجتمع واختالال وا�ضحا‬ ‫في �سير الحياة اليومية مما ي�ؤدي بطبيعة الحال �إلى الحروب مثلما حدث في �أمريكا‪ِ .‬ومن هنا‬ ‫ت�أتي عظمة القر�آن من خالل عمله في اتجاه ْين �أو ًال‪� :‬إذابة الحد المعنوي بين العبد وال�سيد‬ ‫�سيده على مكاتبته‬ ‫بجعلهما �سوا�سي ًة �أمام اهلل‪ ،‬والثاني‪� :‬إعطاء العبد حري َة االختيار و�إجبار ِ‬ ‫في حال رغبته في الحرية‪ ،‬فهو في حقيقة الأمر َم َنحه حريتَه المعنوية والمادي َة في � ٍآن واحد ‪.‬‬ ‫�سيده على‬ ‫أمر قر�آني ب�ضرورة دفع الأم��وال من بيت المال للعبد الذي كات َ​َب َ‬ ‫ثالثا‪� :‬إ�صدار � ٍ‬ ‫ال�ص َد َقاتُ ِل ْل ُف َق َرا ِء‬ ‫مبلغ من المال تحت م�س ّمى "في الرقاب" ‪ ،‬قال تعالى‪�( :‬إنما َّ‬ ‫الحرية مقابل ٍ‬ ‫اب َوا ْل َغار ِ​ِمينَ َو ِفي َ�س ِب ِيل ال َّلـ ِه َوا ْب ِن‬ ‫الر َق ِ‬ ‫َوا ْل َم َ�س ِاك ِين َوا ْل َع ِام ِلينَ َع َل ْي َها َوا ْل ُم َ�ؤ َّل َف ِة ُق ُلو ُب ُه ْم َو ِفي ِّ‬ ‫ال�س ِب ِيل َف ِر َ‬ ‫ي�ض ًة ِّمنَ ال َّلـ ِه َوال َّلـ ُه َع ِلي ٌم َح ِكي ٌم) �سورة التوبة ‪ ،٦٠‬وهذا �أمر مهم جدا لي�ضمن‬ ‫َّ‬ ‫‪181‬‬


‫لل�سيد ح ّقه في حالة �أن د َف َع �أم ً‬ ‫واال ل�شراء العبد‪ ،‬وي�ضمن للعبد �إمكانية د ْف ِع الأموال ل�سيده‬ ‫ل�ضمان حريته‪� ،‬أو يدفع له َ‬ ‫المال �إن كان في �شدة لتحقيق نوع من االكتفاء االقت�صادي �إذا كان‬ ‫�سيدُه غي َر قادر‪.‬‬ ‫الطفل ب�أبيه حتى �أ�صبح‬ ‫زواجا �شرع ًيا‪ ،‬ويجب �إلحاق‬ ‫رابعا‪ :‬يجب �أن يكون‬ ‫ِ‬ ‫الزواج من الجواري ً‬ ‫ُ‬ ‫بع�ض الأمراء والخلفاء �أبنا َء جوارٍ‪ ،‬و َت َق َّب َل المجتم ُع ال�صحراوي هذا الأمر برحابة �صدر بف�ضل‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬وهذا الزواج الذي هو ع ْق ٌد بين طرف ْين متكافئ ْي ِن يلغي م�س�ألة عبودية الجارية المتز َّوج‬ ‫منها بالتمام والكمال‪،‬كما يحفظ َ‬ ‫�شرف وعف َة الجارية غير المتزوجة‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬و َمنْ َل ْم‬ ‫نات‬ ‫نات َفمِ نْ ما َم َل َك ْت �أيما ُن ُك ْم ِمنْ َفتَيا ِت ُك ُم ا ْل ُم�ؤ ِْم ِ‬ ‫نات ا ْل ُم�ؤ ِْم ِ‬ ‫َي ْ�ست َِط ْع ِم ْن ُك ْم َط ْو ًال �أَنْ َي ْن ِك َح ا ْل ُم ْح َ�ص ِ‬ ‫وف‬ ‫واللهَّ ُ �أَ ْع َل ُم ِب�أيما ِن ُك ْم َب ْع ُ�ض ُك ْم ِمنْ َب ْع ٍ�ض َفا ْن ِك ُحوهُ نَّ ِب�إِ ْذ ِن �أَ ْهلِهِ نَّ و�آ ُتوهُ نَّ �أُ ُجو َرهُ نَّ ِبا ْل َم ْع ُر ِ‬ ‫فاح َ�ش ٍة َف َع َل ْيهِ نَّ ِن ْ�ص ُف‬ ‫ذات �أَخْ ٍ‬ ‫نات َغ ْي َر ُم�سا ِف ٍ‬ ‫ُم ْح َ�ص ٍ‬ ‫دان َف�إذا �أُ ْح ِ�صنَّ َف ِ�إنْ �أَ َت ْينَ ِب ِ‬ ‫حات وال ُمت َِّخ ِ‬ ‫ذاب ذ ِل َك ِل َمنْ َخ ِ�ش َي ا ْل َع َن َت ِم ْن ُك ْم و�أَنْ ت َْ�ص ِب ُروا َخ ْي ٌر َل ُك ْم واللهَّ ُ‬ ‫ما َع َلى ا ْل ُم ْح َ�ص ِ‬ ‫نات ِمنَ ا ْل َع ِ‬ ‫تزاوج وهذا‬ ‫َغ ُفو ٌر َرحي ٌم)(‪ )25‬الن�ساء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فالنكاح كما هو معروف ع ْق ٌد �شرعي ولي�س مجر َد ٍ‬ ‫نات ُث َّم َط َّل ْق ُت ُموهُ نَّ ِمنْ َق ْب ِل‬ ‫نراه وا�ضح ًا في قوله تعالى‪( :‬يا �أي َها ا َّلذينَ � َآم ُنوا �إذا َن َك ْحت ُ​ُم ا ْل ُم�ؤ ِْم ِ‬ ‫و�س ِّر ُحوهُ نَّ َ�سراح ًا َجمي ًال) الأحزاب‬ ‫�أَنْ َت َم ُّ�سوهُ نَّ َفما َل ُك ْم َع َل ْيهِ نَّ ِمنْ ِع َّد ٍة َت ْع َت ُّدو َنها َف َم ِّت ُعوهُ نَّ َ‬ ‫فالنكاح في هذه الآية الكريمة يدل على ال َعقد ال على الزواج بداللة عدم الم�س ‪.‬‬ ‫(‪،)49‬‬ ‫ُ‬ ‫يكتف القر�آن بهذه الإجراءات ال َع َملية لتحرير العبيد وب�شكل مدرو�س وتدريجي كما‬ ‫خام�سا‪ :‬لم ِ‬ ‫الحظنا‪ ،‬و�إنما �أ�ضاف �إلى ذلك بع�ض الحوافز من خالل جعل ِعت ِْق الرقبة و�سيل ًة للتقرب �إلى‬ ‫اهلل‪ ،‬وبع�ض الأوامر من خالل جعل ِعت ِْق الرقب ِة و�سيل ًة لتكفير عن الذنوب ‪.‬‬ ‫با�سم الإ�سالم ِمن ال�سبي وغيره في الحروب التي ال‬ ‫طب ًعا للأ�سف ف�إن ما حدث من‬ ‫َ‬ ‫جرائم ِ‬ ‫‪182‬‬


‫تكت�سب �شرعيتَها من القر�آن � َ‬ ‫أجه�ض الم�شرو َع الإ�سالمي القر�آني في مجال تحرير العبيد ب�شكل‬ ‫وا�ضح‪ ،‬وهذا �أمر ال ي�ضر الإ�سالم‪ ،‬بالعك�س �إنما الإ�سالم توعد �أمثال ه�ؤالء المجرمين بالعذاب‪،‬‬ ‫وهذا الأمر لي�س ِمن باب الدفاع عن القر�آن ولكنه واقع الحال حيث �إن التمييز العن�صري وعزْ َل‬ ‫ي�ضر َ‬ ‫موقف لنكولن وقانو َنه �شي ًئا‪.‬‬ ‫ال�سو ِد في �أماكنَ معين ٍة لقرون في �أمريكا لم ِ‬

‫الدليل على وجود الخالق‪ ،‬مسؤولية َمن؟‬ ‫ؤمن باهلل ﻻ يعني‬ ‫ِمن دعاوى الملحدين �أنه يجب �أن نميز بين الإيمان وعدم الإيمان‪ ،‬فغي ُر الم� ِ‬ ‫�أنه ي�ؤمن بعدم وجود اهلل‪ ،‬على اعتبار �أنه ال ي�ؤمن بوجود خالق لعدم كفاية الأدلة التي يقدمها‬ ‫الم�ؤمن!‬ ‫المفرو�ض �أن يوجه �أ�صحاب هذه الدعوى كالمهم �إلى داوكنز و�ستينجر وغيرهم من علماء‬ ‫الإلحاد الذي ي�صرون على عدم وجود خالق! لذا �أ�صل هذه الدعوة غير �صحيح لأن الملحد ال‬ ‫يكتف برف�ض وجود خالق و�إنما ينفي وجود خالق‪ .‬ففي م�س�ألة الخالق الملحد لي�س ال �أدري و�إنما‬ ‫يعتقد بعدم بوجوده مما يعني �أن الق�ضية لي�ست مجرد عدم كفاية الأدلة على وجوده‪ .‬وبما �أنه‬ ‫نفى وجود هذا الخالق فعليه �أن يقدم �أدل ٍة على ذلك‪ .‬لأن الأمر لي�س مجرد عدم اقتناع ب�أدلة‬ ‫الم�ؤمن حيث �إن عدم االقتناع ي�ؤدي �إلى رف�ض الفكرة ولي�س نف َيها‪ ،‬باخت�صار ُ‬ ‫رف�ض الفكر ِة‬ ‫النفي‪ ،‬والإلحاد هو النفي‪ ،‬وبالتالي على الملحد �أن يقدم �أدلة على‬ ‫لعدم كفاية الأدلة ال يعني َ‬ ‫النفي ‪.‬‬ ‫قد يعتقد البع�ض �أن المق�صود بتقديم الأدلة هو تقديمها �إلى الآخرين ودفعهم �إلى االقتناع‬ ‫‪183‬‬


‫بها‪ ،‬ولي�س هذا ما �أق�صده و�إنما ما �أق�صده هو �أن يقدم الملحد الأدلة المقنعة �إلى نف�سه هو‬ ‫ويقتنع هو بها وال يطالب الآخرين ب�أن يقدموا له �أدلة على وجود � ٍإله �أو عدم وجو ِده؛ لأن هذه‬ ‫الم�س�أل َة م�س�أل ٌة �شخ�صية يفكر فيها الإن�سان بطبعه وفطرته‪،‬لذا عليه �أن يجد �أدلة مقنع ًة له‬ ‫على �أقل تقدير للإثبات �أو النفي وال ينتظر ذلك من الآخرين‪ .‬المنهج العلمي يطلب ِمن كل َمن‬ ‫ي�أتي بفر�ضي ٍة �أو نظرية �أن يقدم الإثباتات الممكنة على �صحتها‪ .‬للأ�سف الملحدون يحاولون‬ ‫تطبيق نف�س المنهج على الخالق‪ِ ،‬ومن هنا جاءت المقولة التي يرددها الملحدون ب�أن على‬ ‫تقديم الأدلة على وجود الخالق‪ ،‬في حين �أن م�س�ألة الخالق لي�ست نظري ًة ي�أتي بها‬ ‫الم�ؤمن‬ ‫َ‬ ‫بحث وتدقيق‪،‬و�إنما �أمر �شغل الإن�سان بغ�ض النظر عن ثقافته واطالعه منذ َف ْج ِر‬ ‫عا ِل ٌم بعد ٍ‬ ‫"وهم الإله"وهو‬ ‫العلم النف�سي عند مناق�شة كتاب ْ‬ ‫تاريخه‪ ،‬فهو �أمر في فطرته كما ب َّينا وب َّينَ ُ‬ ‫مطالب بالبحث‬ ‫�إحدى خ�صائ�ص الإن�سان‪ ،‬فكل �إن�سان �سواء �أكان ملحدا �أم م�ؤمنا �أم ال �أدريا‬ ‫ٌ‬ ‫والتدقيق وتقديم الأدلة المقنعة لنف�سه �أوال‪ ،‬وال ينتظر ِمن الآخرين �أن يقدموا له الأدلة‪.‬‬ ‫وفي حقيقة الأمر ف�إن الأدل� َة المنطقية على وجود خالق موجود ٌة‪ ،‬فال يمكن �أن يكون كل ما‬ ‫حولنا مجر َد �صدف ٍة �سعيدة‪ ،‬وليتها كانت �صدف ًة واحدة و�إنما ال نهاية من ال�صدف التي �أتت‬ ‫بالكون‪ ،‬وبالأر�ض التي تدور حول نف�سها وحول ال�شم�س‪ ،‬وبالحياة وبالتطور وغيرها الكثير‬ ‫والكثير‪ .‬ولأجل هذا ف�إن م�س�ألة ت�ساوي الأدلة على وجود الخالق ونفيه كما ي َّدعي البع�ض غير‬ ‫�صحيحة منطق ًيا‪.‬‬ ‫الإن�سان يمكن �أن ي�صل �إلى االقتناع بوجود خالق من خالل البحث والتفكير‪ ،‬وتكون حاله‬ ‫إبراهيم الذي تو�صل �إلى هذه القناعة من دون الحاجة �إلى ُر ُ�س ٍل وال �إلى كتاب‬ ‫كحال �سيدنا �‬ ‫َ‬ ‫مقد�س‪ ،‬ولكن عندما ي�صل �إلى �س�ؤال ماذا يريد الخالق‪ ،‬ي�صبح �إر�سال الر�سل �ضرورة كما‬ ‫‪184‬‬


‫ع َّبر �سيدنا �إبراهيم بعد تي ُّقنه بوجود خالق ولكن ال يعرف ما يريد منه بقوله‪َ ( :‬ل ِئن َّل ْم َي ْه ِد ِني‬ ‫َر ِّبي َ ألَ ُكو َننَّ ِمنَ ا ْل َق ْو ِم َّ‬ ‫الر�سل‪ .‬ف�سيدنا �إبراهيم‬ ‫ال�ضا ِّلينَ )وهنا ت�أتي مرحلة البحث في دعاوى ُ‬ ‫و�صل �إلى مرحلة االقتناع بالخالق بدون ر�سال ٍة وال ر�سول‪ ،‬و�إنما بجهده ال�شخ�صي ولذا فر�ض‬ ‫اهلل على الم�سلمين اتبا َع ملة �إبراهيم‪ ،‬ف َع َلى الم�ؤمن �أن يعرف اهلل ويت�أكد من وجوده ب�شكل‬ ‫وبعد معرفة اهلل والت�أكد من وجوده تبد�أ مرحلة البحث في الأديان‬ ‫منطقي ولي�س ب�شكل وراثي َ‬ ‫الختيار ما يمكن �أن يكون ممثال للر�سالة ال�سماوية‪ ،‬ولهذا ال�سبب على الرغم من �أن �إبراهيم‬ ‫هده اهلل‪،‬ولهذا ال�سبب �أر�سل ُ‬ ‫اهلل ُر ُ�س َله للنا�س‬ ‫و�صل �إلى ر ِّبه �إال �أنه بين �أنه كان �سيظل �إذا لم ُي ِ‬ ‫للتبيان والهداية‪.‬‬

‫أين كان الخالق؟ متى ُو ِجد الخالق؟‬ ‫ن�ؤكد �أن الحديثَ عن �أ�سماء الخالق وخ�صائ�صه ال يمكن �أن يكون نقا�شا ذا مغزىً ما لم يكن‬ ‫�سم �أم َره من م�س�ألة وجود الخالق من عدمه‪ ،‬فال يجوز منطق ًيا �أن تنا ِق َ�ش �أم ًرا‬ ‫المنا ِق ُ�ش قد َح َ‬ ‫نف�سه �أو مع الآخرين‬ ‫�أنت ال تعتقد في وجوده‪ .‬ف�إذا َ‬ ‫اعتقد �شخ�ص بالخالق ْ‬ ‫فقد يت�ساءل بي َنه وبين ِ‬ ‫يوجد الكون؟‬ ‫�أين كان الخالق قبل �أن يخلق الكون؟ متى ُو ِجد الخالق‪ ,‬منذ كم �سن ًة مثال قبل �أن ِ‬ ‫وحتى نفهم ال�س� َؤال ب�شكل وا�ضح ف�إنه بب�ساطة يتكلم عن مكان الخالق ق ْبل الخلق والزمان‬ ‫وج َد فيه الخالق قبل الخلق � ً‬ ‫جوهره يحتوي على �إ�شكالية الزمان‬ ‫الذي ِ‬ ‫أي�ضا‪ .‬وال�س� ُؤال هنا في ِ‬ ‫ثان باالنفجار الكبير‪� ،‬أو‬ ‫أمران ُم َ‬ ‫�ستحد ِ‬ ‫والمكان‪ ،‬فالزمان والمكان ُو ِجدا مع وجود الكون‪َ ،‬ف ُه َما � ِ‬ ‫عند تك ُّو ِن كو ِننا بنظرية تعدد الأكوان المفتر�ضة‪ ،‬وبالتالي المكانُ والزمانُ بمفهومنا ال يجوزان‬ ‫لنقل‬ ‫أوج َدهما‪ .‬فعندما ي�صنع �أحدُهم كب�سول ًة �صغيرة جدا ُت َ‬ ‫�ستخدم ِ‬ ‫على الخالق لأنه هو َمن � َ‬ ‫بع�ض المواد داخل جهازٍ معين �أو ج�سم معين‪ ،‬وفي هذه الكب�سولة مكا ٌن و�ساعة خا�صة تح�سب‬ ‫‪185‬‬


‫الوقت بوحدات ا�سمها اليوم الكب�سولي مث ًال‪ .‬حيث ابتد�أ الوقت بال�صفر لحظ َة ابتدا ِء الكب�سولة‬ ‫يوما كب�سول ًيا ق�ضى ق ْب َل‬ ‫في العمل‪ .‬فهل يجوز �أن نقول �أين مكانُ الم�صمم في الكب�سولة؟ وكم ً‬ ‫بدء عمل الكب�سولة؟ الجواب‪ ,‬بالطبع ال‪.‬‬

‫األغلبية متطرفة أم معتدلة؟‬ ‫الملح ُد الأفكار الإ�سالمي َة المعتدلة التي تهز �إلحا َده ف�إنه يجد راحتَه وما يثبت‬ ‫عندما َي�سمع ِ‬ ‫�إلحا َده في مقولة �إن هذه الأفكار ال قيمة لها؛ لأن �أغلبي َة الم�سلمين ال يعتقدون فيها!‬ ‫وال �أع ��رف م��اذا يق�صد ب�أغلبية الم�سلمين‪ ،‬ه��ل يق�صد ال �ح�َّلف اَّ َق ف��ي م�ن�ط�ق� ِت��ه؟�أم بائ َع‬ ‫طبيب الأُ ُذن والحنجرة الذي زار عيادته قبل �سنتين مثلاً ؟�أم �سائقَ التاك�سي!‬ ‫الخ�ضروات؟؟�أم َ‬ ‫أغلب الم�سلمين معلوما ُتهم الفقهية ب�سيطة وال تتجاوز م�س�أل َة ال�صال ِة وال�صوم‬ ‫في الحقيقة � ُ‬ ‫إ�سالم ال يطالبهم‬ ‫ِ‬ ‫وبع�ض المتعلقات الأخرى‪ ،‬وهذا �أم ٌر طبيعي الن�شغال النا�س بحيا ِتهم‪ .‬وال ُ‬ ‫تح�صيل معا�شهم لأجل التفقه في الدين‪ ،‬ولذا �أ ْو َج َب‬ ‫باالنقطاع عن حياتهم اليومية وعدم‬ ‫ِ‬ ‫على جماع ٍة من النا�س التف ُّق َه في الدين لينذروا الآخرين كما جاء في القر�آن الكريم والحظ‬ ‫�أن التعبير جاء لينذروا ولي�س ليفر�ضوا عن طريق �إقامة دولة الخالفة �أو �شيء من هذا القبيل‪.‬‬ ‫مما يعني �أن القول �إن �أغلبي َة الم�سلمين توا ِفق على حدِّ الرد ِة مثال �أم ٌر غير �صحيح‪� ،‬أغلبي ُة‬ ‫الم�سلمين غي ُر مطلعين على حد الردة‪.‬‬ ‫وعندما نتعرف على �آراء الفقهاء نجدهم مختلفين فمِ نهم َمن يثبته بالمطلق‪ِ ،‬ومنهم َمن يثبته‬ ‫ب�شروط‪،‬ومنهم َمن يعتبره �أمرا تاريخيا ل�سد الطريق �أمام َمن ذكروا بالقر�آن بقوله تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫َاب � ِآم ُنوا ِبا َّل ِذي �أُ ِنز َل َع َلى ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا َو ْج َه ال َّن َها ِر َوا ْك ُف ُروا � ِآخ َر ُه‬ ‫( َو َقا َلت َّطا ِئ َف ٌة ِّمنْ �أَ ْه ِل ا ْل ِكت ِ‬ ‫‪186‬‬


‫َل َع َّل ُه ْم َي ْر ِج ُعونَ )‪� -٧٢‬أل عمران‪ِ ،‬ومنهم َمن يرى �أن ال �أ�صل له‪ ،‬بالتالي على م�ستوى التخ�ص�ص‬ ‫ف�إنه ال �أغلبية معتقدة به‪� .‬أ َّما معرفة ر�أي الأغلبية الم�س ِلمة كر�أي الحلاَّ ق‪ ،‬وبائع الخ�ضراوات‪،‬‬ ‫والمهند�س‪ ،‬والطبيب في حدِّ الرد ِة مثال فال يتم حتى ُنط ِل َعه على جميع الآراء الفقهية المتعلقة‬ ‫بالمو�ضوع‪ ،‬وبعد ذلك يمكننا �أن ن�س�أله عن ر�أ ِيه‪.‬‬ ‫في حقيقة الأمر نجد �أن �أغلبية الم�سلمين ال يجوز ت�صنيفهم �ضمن القوالب المذهبية ال�سائدة‪،‬‬ ‫فمث ًال ي�أتي �شخ�ص ليقول �أنا حنفي المذهب ولكن عندما يعتر�ضه عار�ض ال ي�ستطيع معالجته‬ ‫وفق المذهب الحنفي و�إنما يذهب �إلى عالم مخت�ص بالفقه الحنفي فهو بالنتيجة لي�س حنفي‬ ‫إبا�ضي والإ�سماعيلي وال�شيعي وال�سني‪ ،‬فهم مجرد‬ ‫النه ال يعلم �شيئا عن الفقه الحنفي وكذا ال ّ‬ ‫مقلدة‪ .‬وللأ�سف نرى هذا الأمر ين�سحب �إلى العقيدة في حين �أن المفرو�ض �أن يبحث الإن�سان‬ ‫عن عقائده بنف�سه بخالف الفقه الذي يجوز له اتباع الفقيه فيه‪ .‬فتجد البع�ض يقول �أنا �سلفي‬ ‫العقيدة �أو �أ�شعري العقيدة وهو ال يعرف الفرق بين هذا وذاك‪.‬‬

‫جازما �أنه في‬ ‫القول �إن الأغلبي َة �ضد الأفكار المعتدلة م�س�أل ٌة ال �أ�سا�س لها‪ ،‬بالعك�س �أنا �أعتق ُد ً‬ ‫‪187‬‬


‫حال َّ‬ ‫عت الأغلبي ُة على الآرا ِء المختلفة ف�إنها �ستميل �إلى �أكثر الآراء اعتداال َومن يعتقد َ‬ ‫خالف‬ ‫اط َل ِ‬ ‫ذلك عليه �أن يج ِّر َب �أن يلتقي �أغلبي َة الم�سلمين ليث ِبت!ال ُم َّ‬ ‫خطط �أدناه َي�ستخدمه الملحدون‬ ‫الحركات التكفيري َة الإجرامية المنت�سبة للإ�سالم هي الممثل الحقيقي‬ ‫في محاول ٍة لإثبات �أن‬ ‫ِ‬ ‫له‪�،‬أ َّما المليار م�س ِلم الذي يعي�شون حياتَهم ب�شكل طبيعي ف ُهم مجموع ُة مغفلين ال يعلمون عن‬ ‫الإ�سالم �شي ًئا‪ ،‬وهذا دليل وا�ضح على مقدار الوهم المعرفي الذي يعي�شه الملحدون ومقدا ِر‬ ‫جهلهِ م بالدين‪ ،‬طب ًعا هذا ال ُم َّ‬ ‫درا�سات علمية معت َبرة‪ ،‬و�إنما مجرد وجهة‬ ‫خطط لم ينتج عن �أي‬ ‫ٍ‬ ‫أوج� َ�ده ف َت َل َق َّفه الملحدون لأنه يالءم هواهم بالرغم من محاكمه مليار وك�سر‬ ‫ٍ‬ ‫نظر تمثل َمن � َ‬ ‫�سبيل الترفيه‪:‬‬ ‫م�سلم بمعيار واحد �أمر ال يقول به عاقل‪ .‬ونر ِف ُقه هنا على ِ‬

‫َمن الممثل لإلسالم ؟‬ ‫يت�ساءل البع�ض �إذا كان الم�سلمين مختلفون في الكثير من الم�سائل ف َمن الممثل الحقيقي‬ ‫للإ�سالم هل هم العثمانيون؟�أم ال�صفويون؟�أم ال�سعودية؟�أم �إي��ران؟�أم الأزه��ر؟�أم َمن؟ وهو‬ ‫�س�ؤا ٌل مهم‪ ،‬ولكن َمن قال �إن هناك ممث ًال للإ�سالم؟ ِمن �أين �أتينا �أ�صال بفكرة �أن هناك‬ ‫إ�سالم ف َمن ب�إمكانه �أن يقرر �أن‬ ‫َمن يمثل الإ�سالم؟ و�إذا كان هناك واح ٌد �أو مجموعة تمثل ال َ‬ ‫تلكم المجموعة تمثل الإ�سالم دون غيرها؟ الملحد �أم �أفراد المجموعة نف�سها �أم المذهب‬ ‫المخالف؟ ِمن مجموعة الأ�سئلة �أعاله يت�ضح لنا �أن �أ�صل ال�س�ؤال ال يمكن الإجابة عليه لأنه‬ ‫بب�ساطة �إن كانت الإجاب ُة �صادر ًة ِمن ملحد فمِ ن الممكن �أن نطعن فيها‪ ،‬و�إنْ كانت �صادر ًة‬ ‫نف�سها فمِ ن الممكن �أن نطعن فيها‪ ،‬و�إنْ كانت �صادر ًة من الجماعة المخالفة في‬ ‫من الجماعة ِ‬ ‫المذهب �أو الدين فمِ ن الممكن �أن نطعن فيها � ً‬ ‫طرف‬ ‫أي�ضا‪ ،‬لذا نجد �أن ِمن ال�صعوبة �إيجا َد ٍ‬ ‫‪188‬‬


‫محايد ليقول لنا َمن هو الممثل الحقيقي للإ�سالم‪ .‬ولذا جاء �أم ُر اهلل تعالى بعدم تزكية �أنف�سنا‬ ‫ٍ‬ ‫�أو الآخرين وت ْر ِك الأمر هلل تعالى في هذا المجال؛ لأنه الأعلم بنا وب�أحوالنا كما جاء في �سورة‬ ‫النجم في جزءٍ من الآية رقم ‪:32‬‬ ‫(هُ َو �أَ ْع َل ُم ِب ُك ْم �إِ ْذ َ�أ َ‬ ‫ال ْر ِ�ض َو�إِ ْذ َ�أنت ُْم �أَ ِج َّن ٌة ِفي ُب ُط ِون �أُ َّم َها ِت ُك ْم َفلاَ تُزَ ُّكوا َ�أن ُف َ�س ُك ْم هُ َو‬ ‫ن�ش�أَ ُكم ِّمنَ ْ َ أ‬ ‫�أَ ْع َل ُم ِب َم ِن ا َّت َقى)‬ ‫ولكن يبقى ال�س� ُؤال �أين نجد الإ�سالم �إذ ًا؟ والجواب هو نجده في كل َمن قال ال �إله �إال اهلل‬ ‫َ‬ ‫ثم ا�ستقام كما ب َّين ُ‬ ‫انق�سم‬ ‫عوامل‬ ‫ر�سول اهلل ‪�-‬صلوات اهلل و�سالمه عليه‪-‬اليوم ونتيج ًة لعدة‬ ‫َ‬ ‫مذاهب مختلف ٍة‪ ،‬وهذا �أمر طبيعي وكلها على خير ومتِّبعوها على خير مادامت‬ ‫الم�سلمون �إلى‬ ‫َ‬ ‫�أياديهم لم َّ‬ ‫تلطخْ بالدماء وما داموا ملتزمين بالعمل ال�صالح الذي ي�أمرنا به القر�آن الكريم‪،‬‬ ‫وتبقى م�س�ؤولي ُة الم�سلم الفرد �أن يتبع �أح�سن ما ي�صل �إليه من الكالم‪ ،‬و�أال يتبع المجرمين‬ ‫ال َقتَل َة كما �أمر اهلل تعالى‪( :‬ا َّل ِذينَ َي ْ�س َتمِ ُعونَ ا ْل َق ْو َل َف َي َّت ِب ُعونَ �أَ ْح َ�س َن ُه �أو َلـ ِئ َك ا َّل ِذينَ هَ َداهُ ُم ال َّلـ ُه‬ ‫اب) الزمر‪ ١٨ :‬وكذلك قوله تعالى‪( :‬ا َّت ِب ُعوا �أَ ْح َ�سنَ َما ُ�أ ِنز َل ِ�إ َل ْي ُكم ِّمن‬ ‫َو�أو َلـ ِئ َك هُ ْم �أو ُلو ْ أ‬ ‫الَ ْل َب ِ‬ ‫اب َب ْغ َت ًة َو َ�أنت ُْم اَل ت َْ�ش ُع ُرونَ ) الزمر‪.٥٥ :‬‬ ‫َّر ِّب ُكم ِّمن َق ْب ِل �أَن َي�أْ ِت َي ُك ُم ا ْل َع َذ ُ‬ ‫القر�آن الكريم يمثل الحقيق َة المطلقة بال �شائب ٍة كما قال تعالى في �سورة ُف ِّ�صلت‪ :‬اَّ‬ ‫(ل َي�أْ ِتي ِه‬ ‫َنزي ٌل ِّمنْ َح ِك ٍيم َحمِ ٍيد)وهو ِمن الناحية العقائدية ال يختلف‬ ‫ا ْل َب ِاط ُل ِمن َب ْي ِن َي َد ْي ِه َو اَل ِمنْ َخ ْل ِف ِه ت ِ‬ ‫في �شيء عن الر�ساالت ال�سماوية التي �سبقته كما في قوله تعالى في �سورة ف�صلت � ً‬ ‫أي�ضا‪َّ ( :‬ما‬ ‫اب �أَ ِل ٍيم) فالدين عند اهلل‬ ‫ُي َق ُال َل َك �إال َما َق ْد ِق َيل ِلل ُّر ُ�س ِل ِمن َق ْب ِل َك ِ�إنَّ َر َّب َك َل ُذو َم ْغ ِف َر ٍة َو ُذو ِع َق ٍ‬ ‫واح ٌد مذ خلقَ الأر�ض بمن عليها وهو الإ�سالم بمفهومه العام وهو الت�سليم للخالق وتوحيده ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫االختالف بين النا�س فيه وفي غيره م�صداقا لقوله‬ ‫القر�آن الذي يحمل الحقيق َة المط َلقة �أق َّر‬ ‫‪189‬‬


‫ُ‬ ‫فاالختالف‬ ‫ا�س �أُ َّم ًة َو ِاح َد ًة َو اَل َيزَ ا ُلونَ ُمخْ َت ِل ِفينَ )‬ ‫تعالى في �سورة هود‪َ ( :‬و َل ْو َ�شا َء َر ُّب َك َل َج َع َل ال َّن َ‬ ‫هو نتيج ٌة طبيعية لحرية االختيار الممنوحة للنا�س جميعا‪ ،‬ولذا �أخب َر ُ‬ ‫الكريم‬ ‫اهلل تعالى ر�سو َله‬ ‫َ‬ ‫محمدا �أنه لي�س با�ستطاع ِته هداية النا�س جميعا �إلى طريق واحد َومن يعتقد بذلك �سوا ٌء �أعن‬ ‫طريق الحكمة �أم الجبر ف�إنه ِمن الجاهلين‪ ،‬ونجد ذلك في قوله تعالى‪َ ( :‬و�إِن َكانَ َك ُب َر َع َل ْي َك‬ ‫ِ�إ ْع َر ُ‬ ‫ال�س َما ِء َف َت�أْ ِت َي ُهم ِب�أي ٍة َو َل ْو َ�شا َء‬ ‫ا�ست َ​َط ْع َت َ�أن َت ْب َت ِغ َي َن َف ًقا ِفي ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض �أو ُ�س َّل ًما ِفي َّ‬ ‫ا�ض ُه ْم َف ِ�إ ِن ْ‬ ‫الهدى َفلاَ َت ُكو َننَّ ِمنَ ا ْل َج ِاه ِلينَ ) والأكثر ِمن ذلك اعت َبر القر�آن الكريم �أن‬ ‫ال َّلـ ُه َل َج َم َع ُه ْم َع َلى َ‬ ‫َمن يعتقد ب�أنه على الحق وغيره على الباطل ِمن غير العارفين � ً‬ ‫أي�ضا وذلك في قوله تعالى‪:‬‬ ‫( َو َقا َل ِت ا ْل َي ُهو ُد َل ْي َ�س ِت ال َّن َ�صا َرى َع َل َ‬ ‫ى�ش ْيءٍ َو َقا َل ِت ال َّن َ�صا َرى َل ْي َ�س ِت ا ْل َي ُهو ُد َع َلى َ�ش ْيءٍ َوهُ ْم َي ْت ُلونَ‬ ‫َاب َك َذ ِل َك َق َال ا َّل ِذينَ اَل َي ْع َل ُمونَ ِم ْث َل َق ْولِهِ م ْ َفال َّلـ ُه َي ْح ُك ُم َب ْي َن ُه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ِفي َما َكا ُنوا ِفي ِه‬ ‫ا ْل ِكت َ‬ ‫َيخْ َت ِل ُفونَ ) والأكثر ِمن ذلك � ً‬ ‫النا�س ِمن �أتباع الر�ساالت‬ ‫أي�ضا‬ ‫ُ‬ ‫الت�صريح ب�أن اهلل تعالى �سين ِّبئ َ‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬وفي هذا �إ�شار ٌة‬ ‫ال�سماوية وحتى الم�شركين عن من�ش�أ اختال ِفهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫و�سيف�صل بينهم َ‬ ‫َ‬ ‫االنتماءات المذهبي َة �أو‬ ‫كم بين النا�س يتجاوز‬ ‫قر�آنية وا�ضح ُة المعالم‪�،‬إال �أن‬ ‫ِ‬ ‫والح َ‬ ‫الف�صل ُ‬ ‫ح�سب‬ ‫الديني َة والتي في �أغلبها ما هي �إال نتيج ٌة لموقع الميالد الجغرافي واطالع الأفراد وك ٌّل َ‬ ‫طاق ِته وا�ستطاعته‪ ،‬ونجد ذلك في قوله تعالى في �سورة الحج‪�ِ ( :‬إنَّ ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا َوا َّل ِذينَ هَ ادُوا‬ ‫و�س َوا َّل ِذينَ �أَ ْ�ش َر ُكوا �إِنَّ ال َّلـ َه َيف ِْ�ص ُل َب ْي َن ُه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ِ�إنَّ ال َّلـ َه‬ ‫َو َّ‬ ‫ال�صا ِب ِئينَ َوال َّن َ�صا َرى َوا ْل َم ُج َ‬ ‫َع َلى ُك ِّل َ�ش ْيءٍ َ�شهِ يدٌ) وكذلك في قوله تعالى‪َ ( :‬و َل َق ْد َب َّو ْ�أ َنا َب ِني �إِ ْ�س َرا ِئ َيل ُم َب َّو َ�أ ِ�ص ْدقٍ َو َر َز ْق َناهُ م‬ ‫ِّمنَ َّ‬ ‫ات َف َما اخْ َت َل ُفوا َحتَّى َجا َءهُ ُم ا ْل ِع ْل ُم ِ�إنَّ َر َّب َك َيق ِْ�ضي َب ْي َن ُه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ِفي َما َكا ُنوا ِفي ِه‬ ‫الط ِّي َب ِ‬ ‫َيخْ َت ِل ُفونَ )‪.‬‬ ‫َ‬ ‫اختالف‬ ‫كتاب يحمل في طياته الحقيق َة المط َلقة �إال �أنه �أ َق َّر‬ ‫وهكذا فالقر�آن على الرغم من �أنه ٌ‬ ‫‪190‬‬


‫باب حري ِة التعبد وتعدد‬ ‫ِ‬ ‫م�ستويات النجاة ولم يح�صرها في م�ستوىً واحد‪ ،‬والقر�آن الكريم فت َ​َح َ‬ ‫َ‬ ‫لعوامل كثير ٍة ي�ص ُع ُب ح�ص ُرها والحكم عليها في‬ ‫الأدي��ان وال�شرائع كنتيج ٍة طبيعة وحتمية‬ ‫كل هذه الأمور �إال بردها هلل تعالى ( ُث َّم ُر ُّدوا �إلى ال َّلـ ِه َم ْو اَلهُ ُم ا ْل َح ِّق �إال َل ُه ا ْل ُح ْك ُم َوهُ َو �أَ ْ�س َر ُع‬ ‫ا ْل َح ِا�س ِبينَ )‪ ،‬فالقر�آنُ الكريم عطاء �إلهي ك ٌّل ي�أخذ منه ح�سب ا�ستطاعته وقدرته‪ ،‬وقد نجد‬ ‫الكثي َر من الم�ست�ض َعفين في الأر�ض الذين لم تٌ�س ِعفهم قدر ُتهم للو�صول �إلى القر�آن �أو �آخرين‬ ‫خطوات ال�شيطان‪ ،‬وكذلك الكثير ممن هُ م ب ْينَ ب ْين كما ع َّبر القر�آن في‬ ‫�أ�سا�ؤا فه َمه واتبعوا‬ ‫ِ‬ ‫ال�س ْي ُل َز َبدً ا‬ ‫ال�س َما ِء َما ًء َف َ�سا َل ْت �أو ِد َي ٌة ِب َق َدرِهَ ا َف ْاح َت َم َل َّ‬ ‫موا�ض َع عدة ‪ ...‬قال تعالى‪�( :‬أَنزَ َل ِمنَ َّ‬ ‫َّرا ِب ًيا َو ِم َّما ُيو ِقدُونَ َع َل ْي ِه ِفي ال َّنا ِر ا ْب ِت َغا َء ِح ْل َي ٍة �أو َمت ٍَاع َز َب ٌد ِّم ْث ُل ُه َكذ ِل َك َي ْ�ض ِر ُب ال َّلـ ُه ا ْل َحقَّ َوا ْل َب ِاط َل‬ ‫الَ ْم َث َال)‪.‬‬ ‫الَ ْر ِ�ض َكذ ِل َك َي ْ�ض ِر ُب ال َّلـ ُه ْ أ‬ ‫ا�س َف َي ْم ُكثُ ِفي ْ أ‬ ‫َف�أَ َّما ال َّز َب ُد َف َي ْذهَ ُب ُج َفا ًء َو�أَ َّما َما َين َف ُع ال َّن َ‬ ‫حازما من الكافرين والكافرين هنا لي�سوا غير الم�سلمين‬ ‫في نف�س الوقت يقف القر�آن موق ًفا ً‬ ‫و�إنما من عرف الحق ولم يتبعه �إما تكب ًرا ك�إبلي�س و�إما عنادًا و�إما لهوى النف�س‪ .‬وكذلك توعد‬ ‫المجرمين المف�سدين بالأر�ض‪.‬‬

‫بح ّجة التفكير‬ ‫عدم التفكير ُ‬ ‫واللقاءات التليفزيونية لإثبات وجو ِدهم‬ ‫يقيم الملحدون الكثي َر من الم�ؤتمرات والمناق�شات‬ ‫ِ‬ ‫الكالم عن البديهيات والتي‬ ‫خالق للكون‪ ،‬ولكن عندما يتم‬ ‫وفكرتهم الأ�سا�سية في عدم وجود ٍ‬ ‫ُ‬ ‫منها على �سبيل المثال �أن ال �شيء ي�أتي ِمن ال �شيء‪ ،‬و�أن الأث َر يدل على الم�سير وبالتالي ال يمكن‬ ‫�أن يكون كل ما حو َلنا قد حدث بمح�ض ال�صدفة‪ ،‬ف�إنهم يتفقون على عدم التفكير ويقولون َمن‬ ‫بدليل‪ ،‬ف َمن ي َّدعي ادعا ًء عليه الدليل وك�أن الأمر مح�صور‬ ‫يريد �أن يثبت وجو َد الخالق فلي� ِأت ٍ‬ ‫‪191‬‬


‫والمناق�شات وغي َرها من‬ ‫ؤتمرات‬ ‫في الم�ؤمنين وهُ م َ‬ ‫ِ‬ ‫وحدهم َمن يتكلم عن الخالق‪ ،‬وك�أن الم� ِ‬ ‫"ال�سال�سا وكيفية عمل كيكة الأعرا�س‪.‬‬ ‫الأعمال التي يقيمونها هد ُفها مناق�شة رق�صة‬ ‫ً‬

‫اإللحاد دي ٌن أم ِعلم؟‬ ‫في نهاية كتاب "كون ِمن ال �شيء" لعا ِلم الفيزياء النظرية لوران�س كراو�س �أجاب عن �س�ؤال هل‬ ‫العلم نوعا ِمن �أنواع الإيمان بقوله "�أنه قد يكون نوعا من الإيمان‪ ،‬ولكنه لي�س‬ ‫يمكن �أن نعتبر َ‬ ‫مو�ضوع ما �إذا تغيرت الحقائقُ بكل ب�ساطة"‪.‬‬ ‫فالعلم يمكن �أن يغير ر�أ َيه في‬ ‫�إيمانا ال يتزعزع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫نوعا من الإيمان بالرغم من‬ ‫هذا‬ ‫جواب غريب‪ ،‬لأن العلم لم ولن يكون ً‬ ‫ُ‬ ‫الجواب من لوران�س ً‬ ‫بع�ض الجهلة الذي يرفعون �شعار" �أنا �أ�ؤمن بالعلم‪ ،‬في حقيقة الأمر نحن َنق َب ُل بالأدلة التي‬ ‫العلم مع اعتقادنا ب�أن العلم الن�سبي هو مجرد احتمالي ٍة قد تتغير في �أي وقت‪.‬‬ ‫يقدمها ُ‬ ‫خالق لم َي ُقم على‬ ‫ولكن لو �س�أل �سائ ٌل هل الإلحا ُد �إيمان؟ فالجواب بالت�أكيد نعم لأن نفي وجو ِد ٍ‬ ‫�أي منهج علمي ح�سي تجريبي بل على المنهج العقلي فقط‪ ،‬بعك�س الإيمان بالخالق القائم على‬ ‫وا�ضحا في مقوالت كبار علماء الذين يتخذهم‬ ‫المنهج العقلي وعلى المنهج الح�سي‪ ،‬ونجد ذلك ً‬ ‫الملحدون مثال �أعلى لهم‪:‬‬ ‫داروين في ر�سال ٍة �إلى عا ِلم النبات الأمريكي "�أ�سا غراي" َكتَبها عام في ‪� 22‬آيار عام ‪1860‬‬ ‫ن�صه‪" :‬ال �أق��در �أن �أرى بب�ساطة كما يفعل الآخ��رون‪ ،‬و�أتمنى �أن �أق��در‪ ،‬الأدل��ة على‬ ‫يقول ما ُّ‬ ‫الت�صميم والنفع في كل ما يحيط بنا‪� .‬إذ يبدو لي �أن هناك ب�ؤ�سا كثيرا جدا في العالم‪ .‬ال‬ ‫يمكنني �إقناع نف�سي ب�أن خالقا رحي ًما و ُكلي القدرة لي�صمم زنابير االكنومونيدا بق�صد �صريح‬ ‫هو �أن تتغذى يرقا ُتها داخل الأج�ساد الحية للجراد‪� ،‬أو �أن القطط تلعب بالفئران‪".‬‬ ‫‪192‬‬


‫وهنا نرى �أن داروين قد �أق َّر�أنه ال ي�ستطيع �أن يرى المو�ضو َع كما يراه الآخرون‪ ،‬هذا تقري ًبا‬ ‫نف�س ما كتبه ريت�شارد داوكنز في ال�صفحة الأولى من الف�صل الأول من كتابه حول اال�ستلقاء‬ ‫على الع�شب والتفكر ومن ثم اال�ستنتاج بوجود �إله �أو عدم وجوده‪ .‬في الحقيقة موقف داروين‬ ‫ناتج بب�ساطة عن عدم فهمه لغاية ما يراه ف�أتبع المنهج العقلي الذي �أو�صله �إلى �أن ال خالق‬ ‫رحيم موجود‪ ،‬على الرغم من �أن هناك كالم حول �إلحاد �أو �إيمان داروين ولكن لي�س هذا بيت‬ ‫الق�صيد و�إنما المق�صود هو كيفية النظر للأمور وهل �أن اعتقادنا بعبثية الكون �أو ت�صميمه‬ ‫العقلي!عدم معرف ِة الإجابة على غاي ٍة من الغايات ال تلغي التفكي َر‬ ‫ناتج عن المنهج الح�سي �أو‬ ‫ُ‬ ‫المنطقي الذي �سبقه‪.‬‬ ‫ن�صه‪" :‬للكون الذي ن�شهده‬ ‫داوكنز في كتاب "النهر الخارج من عدن" عام ‪َ 1995‬كتَب ما ُّ‬ ‫تحديدً ا تلك ال�صفات التي نتوقعها لو كان في قراره ال ي�شتمل على ت�صميم‪ ،‬هدف‪ ،‬خير‪ ،‬ال�شيء‬ ‫�إال الالمباالة عديمة الرحمة"‪ .‬بالطبع ال يوجد منه ٌج علمي يمكنه �أن ي�ستدل على وجود الخير‬ ‫من عدمه‪ ،‬وبالتالي النتيجة التي تو�صل �إليها داوكنز معتمد ٌة على المنهج العقلي ولي�س على‬ ‫ن�صه‪" :‬‬ ‫المنهج العلمي التجريبي‪� .‬ستيفن هاوكينغ في كتابه "تاريخ موجز للزمن" يقول ما ُّ‬ ‫ُ‬ ‫افترا�ض �أن له خال ًقا‪ .‬ولكن �إنْ كان الكونُ في الواقع يحتوي ذاتَه‬ ‫مادام للكون بداية‪ ،‬يمكننا‬ ‫مكان �إذ ًا‬ ‫حدود �أو حافات‪ ،‬فلن يكون له بداية وال نهاية‪ ،‬بل �سيكون فح�سب‪ُّ � .‬أي ٍ‬ ‫بالكامل‪ ،‬دون ٍ‬ ‫�سيت�سع لخال ِقه؟"‬ ‫هل يمكن للمنهج العلمي �أن يو�ضح لنا ذات الكون؟ وما هو؟ وكيف يحتوي ذاتَه بالكامل؟ ولماذا‬ ‫ال يت�سع لخالقه؟ كل هذا الكالم قائما على المنهج العقلي ولي�س على المنهج العلمي‪.‬‬ ‫‪193‬‬


‫نالحظ �أن العلما َء وعلى الرغم من اعتما ِدهم على المنهج العلمي �إال �أنهم عندما يتكلمون‬ ‫�إذ ًا ِ‬ ‫المنهج العقلي الذي يعني الكالم الفل�سفي‪ ،‬ولذلك ال يمكن‬ ‫في مو�ضوع الخالق ف�إنهم ينتهجون‬ ‫َ‬ ‫تدري�س الإلحاد في مدار�س ال��دول العلمانية‪ ،‬كما ال يمكن تدري�س الت�صميم الذكي لأنهما‬ ‫ُ‬ ‫يتجاوزان حدو َد المنهج العلمي‪ .‬وكنتيج ٍة لكل ما �سبق ال يمكن اعتبا ُر �أن الإلحا َد علم‪.‬‬ ‫ِ‬

‫العلماء الملحدون والفلسفة الكالمية‪:‬‬ ‫غال ًبا ما يعتمد العلماء الملحدون على الف�سلفة الكالمية لإثبات عدم وجود خالق �أو عدم‬ ‫الحاجة �إلى وجود خالق‪ ،‬وذلك ما ا�ستخدمه العالم الفيزيائي "لوران�س كراو�س" في كتابه‬ ‫"لماذا هناك �شيء بد ًال من ال�شيء"‪ ،‬حيث ا�ستخدم التعابير الكالمية الم�ؤثرة في عدة مواقع‬ ‫منها‪:‬‬ ‫األول‪ :‬عند تعبيره عن الال�شيء‪ ،‬فهو ال يق�صد الال�شيء فع ًال و�إنما يق�صد مادة بدون كتلة �أو‬ ‫�شيئا من هذا القبيل فهو ال يعني الال�شيء المتداول بين النا�س كم�صطلح فل�سفي يعني العدم‬ ‫التام‪ ،‬هو ي�ستخدم الم�صطلح الفل�سفي ولكنه يعطيه ُبعدً ا �آخ َر‪ ،‬ويقع للأ�سف البع�ض في هذا‬ ‫المطب باعتقاده �أن الكون �أتى من ال�شيء والحاجة �إلى وجود خالق‪ ،‬في حين هذا الال�شيء‬ ‫فينظر لوران�س على �أنه �شيء له �صفات ومحددات‬ ‫الثاني‪ :‬عنوان الكتاب‪ :‬ا�ستخدم لوران�س الفل�سفة الكالمي َة �أولنقل اللعب بالكلمات‪ ،‬حيث يقول‬ ‫في الف�صل التا�سع من كتابه الم�سمى "الال�شيء هو �شيء"‪�" :‬س�أفتر�ض المعنى الحقيقي لل�س�ؤال‬ ‫هو "كيف هناك �شيء بد ًال من ال�شي" ب�سبب �أن ال�س�ؤال الذي يبد�أ بكيف هو ال�شيء الوحيد‬ ‫الذي ن�ستطيع �إجابتَه من خالل درا�سة الطبيعة‪� ،‬أ َّما الأ�سئلة التي تبد�أ بلماذا فال ن�ستطيع لأنها‬ ‫تت�ضمن ال�س� َؤال عن الهدف �أو الغاية‪ ،‬وهكذا نجد �أنه حتى عنوان كتابه "لماذا هناك �شيء بد ًال‬ ‫‪194‬‬


‫نوعا من الفل�سفة الكالمية؛ لي�ضيف على كتابه هال ًة �إعالمي ًة ت�ؤدي �إلى‬ ‫من ال �شي" ا�ستخدم فيه ً‬ ‫زيادة مبيعات كتا ِبه‪� ،‬أما حقيقة الأمر ف�إنه ال يجيب على هذا ال�س�ؤال و�إنما يتكلم في "كيف"‪,‬‬ ‫للأ�سف يقع الكثي ُر في هذه المطبات حتى عندما تخبره عن ا�ستخدام الفل�سفة الكالمية يقول‬ ‫غيرمتفق عليها بين‬ ‫هي م�صطلحاتٌ ي�ستخدمها العلما ُء‪ ،‬في حين �أن الكثي َر منها م�صطلحاتُ‬ ‫ٍ‬ ‫لعب بالكلمات وي�ستخدمها العا ِل ُم الملحد‬ ‫العلماء‪� ،‬أو هي غير علمية من الأ�صل‪ ،‬و�إنما مجرد ٍ‬ ‫ليثبت فكرتَه الإلحادية‪.‬‬ ‫ِومن الدالئل على ا�ستخدام الفل�سلفة الكالمية كالم ريت�شارد داوكنز‪" :‬كلنا �سنموت‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يجعلنا الأوف َر ً‬ ‫النا�س لن يموتوا �أبدً ا؛ لأنهم لم يو َلدوا �أبدً ا‪� ،‬إن عد َد النا�س الذين‬ ‫أغلب ِ‬ ‫حظا‪ُ � ...‬‬ ‫ذرات رمال ال�صحاري‪،‬‬ ‫كان ب�إمكانهم �أن يكونوا مكاني هنا لكنهم لم يروا �ضو َء النهار‪ ،‬يفوق ِ‬ ‫أعظم ِمن‬ ‫أعظم ِمن كيت�س وعلما َء � َ‬ ‫وبال �شك �إن ِمن بين �أولئك الأ�شباح الذين لم يو َلدوا �شعرا َء � َ‬ ‫نيوتن! انتهى االقتبا�س‪ .‬وهذا كال ٌم وا�ضح �أنه بعي ٌد عن العلم وحتى عن الفل�سفة التي تحترم‬ ‫نا�سا‬ ‫نف�سها فما معنى �أغلب النا�س لن يموتوا لأنهم لم يولدوا؟! و�إذا لم يو َلدوا فكيف �أ�صبحوا �أُ ً‬ ‫َ‬ ‫أ�شباح بينها َمن هو �أعظم ِمن‬ ‫من الأ�صل!!؟ وكيف تحول ه�ؤالء الذين لم يو َلدوا بقدر ِة قاد ٍر �إلى � ٍ‬ ‫نف�سه‪ ،‬كال ٌم ال يحمل � َّأي قيم ٍة فل�سفية �أو علمية �أو فكرية ولكن ترى الكثير من الملحدين‬ ‫نيوتن ِ‬ ‫يترجمونه ويكررونه معتقدين ب�أنه يحمل قيمه علمية �أو فل�سلفية معينة‪.‬‬

‫القوالب الجاهزة ودو ُرها في نهضة ا ُألمم‪:‬‬ ‫يحاول الملحد العربي تغيي َر واق ِعه وواق ِع مجتم ِعه‪ ،‬ولتحقيق هذا التغيير يحتاج �إلى َم َث ٍل �أعلى �أو‬ ‫‪195‬‬


‫الدول الغربية ف َيعمل على تقليدها‪ ،‬ولكن بماذا يبد�أ؟ هل‬ ‫أمامه �سوى ِ‬ ‫قدو ٍة يقتدي بها‪ ،‬وال يجد � َ‬ ‫ليتكلم في‬ ‫الالزم‬ ‫بتقليدها على الم�ستوى ال�صناعي؟ للأ�سف ال يملك الأدواتَ وال االطال َع‬ ‫يبد�أ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هذا المو�ضوع‪ ،‬هل يبد�أ على الم�ستوى االقت�صادي؟ للأ�سف � ً‬ ‫المقومات الالزم َة‬ ‫أي�ضا ال يملك‬ ‫ِ‬ ‫م�سموح له بذلك ولن‬ ‫ليتكلم في هذا المو�ضوع‪ ،‬هل يتكلم على الم�ستوى ال�سيا�سي؟ للأ�سف غير‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ي�سمعه �أحد وال يعرف من �أين يبد�أ‪.‬‬ ‫وعجزَ مجتم ِعه عن مواكبة ال��دول‬ ‫وهكذا ينتقل من م�ستوى �إل��ى م�ستوى ويكت�شف عجزَ ه ْ‬ ‫المجتمعات الغربي َة تركت‬ ‫أمامه �سوى الم�ستوى الديني نتيج ًة العتقا ِده �أن‬ ‫ِ‬ ‫المتقدمة‪ ،‬فال يبقى � َ‬ ‫أفالم الأمريكية‪ ،‬وقد �أخب َرني‬ ‫وخ�صو�صا �أن‬ ‫الدينَ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫اطالعه على المجتمع الغربي ال يتجاوز ال َ‬ ‫الكثي ُر من الملحدين العرب �أنه يعمل جاهدً ا لتنوير النا�س و�إبعادهم عن الدين الذي د َّم َر بالده‬ ‫ال�شعوب وازدهارِها‬ ‫الملح َد اطلع ب�شكل �أو�سع على �أ�سباب تق ُّد ِم‬ ‫كما يعتقد‪ ،‬ب�صراح ٍة لو �أن ِ‬ ‫ِ‬ ‫فال�شعوب ُت��دار بالقوانين ال�سيا�سية والإداري��ة واالقت�صادية وال‬ ‫َل َما تك َّلم �أ�ص ًال في الدين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُيل َتفتُ �إلى اعتقا ِد �أفرادها‪ ،‬فهذا الملحد الذي يحاول تنوي َر مجتم ِعه ‪-‬كما ي َّدعي‪ -‬بالكالم‬ ‫بلده‪ ،‬وال عن طريق ط ْر ِح الحلول الكفيلة‬ ‫عن دين �أف��راده ال عن طريق الكالم عن جامعات ِ‬ ‫لتطوير النظام االقت�صادي وال�سيا�سي والإداري الفا�سد في مجتم ِعه‪ ،‬هو جز ٌء كبير من الم�شكلة‬ ‫وم�ساه ٌم �أ�سا�سي في �إطالة ُعمر التخلف‪ ،‬فالتقدم العملي وازدهار المجتمع ينتج عن درا�س ِة‬ ‫ِ‬ ‫معاهدبحث علمي فاعلةت�ستطيع تطبيق البحوث والنتائج في‬ ‫العلوم وتطبي ِقها عن طريق �إن�شاء‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك�شعوب لإنتاج المعرفة‪ .‬هذا هو طريق التنوير‪.‬‬ ‫والمعامل بما ي�ؤهلنا‬ ‫�أر�ض الواقع؛ في الم�صان َع‬ ‫ٍ‬ ‫�أ ّما دين الأفراد فهذا �ش�أ ُنهم الخا�ص‪ ،‬وبالطبع ِمن حق الملحد �أن ُي ِلحد ولكن ليع ِّبر عن وجهة‬ ‫يحمل الواق َع الديني كل م�شاكل المجتمع‪ ،‬فهذا التحامل دلي ٌل على جهل‬ ‫نظره‬ ‫باحترام وال ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫‪196‬‬


‫المتكلم وعدم م�صداقي ِته‪ .‬وهذا الكالم ال يعني �أن الواق َع الديني ال �شائب َة ت�شو ُبه‪ ،‬بل �إن‬ ‫العك�س‪ ،‬وهناك الكثير من الم�شاكل على الم�ؤ�س�سات الدينية �أن تعمل وبجدي ٍة على‬ ‫الواقع ُيثبت‬ ‫َ‬ ‫بكثير من الم�ؤ�س�سات الدينية ودورِها‪.‬‬ ‫أ�سباب ت� ُّأخ ِر مجتمعا ِتنا �أكب ُر ٍ‬ ‫معالج ِتها ولكنَّ � َ‬

‫المرتدون‪:‬‬ ‫معظم الآيات القر�آنية التي ت�صر على حرية التعبير و َل ُكم دي ُنكم ولي‬ ‫ُح ْك ُم‬ ‫ِ‬ ‫المرتد ُح ْك ٌم يخا ِل ُف َ‬ ‫باهت ومخت َل ٌف فيه وفي تفا�صيله اختال ًفا كبي ًرا جدً ا بين المدار�س الفقهية‬ ‫دين‪ ،‬وهو حك ٌم ٌ‬ ‫المختلفة‪ .‬ومما تجب الإ�شارة �إليه �أنه ال يمكن اعتبا ُر الم�س ِلم بالوراثة مرتدً ا �إذا �أعلنَ �إلحا َده؛‬ ‫يت�سنَّ له �أن َي َّط ِلع على الإ�سالم ليقتنع به و ُيعلن‬ ‫لأنه لم يكن في يوم من الأيام م�س ِل ًما‪ ،‬ولم َ‬ ‫إ�سالمه‪ ،‬وكل ما في المو�ضوع �أن �أبو ْيه كانا م�سلم ْين � ً‬ ‫أي�ضا حيث �إن �إ�سالم الوراثه ال طعم له‬ ‫� َ‬ ‫أحدهم هل �أنت م�سيحي؟‬ ‫وال معنى‪ ،‬هذه النقط ُة يجب االلتفاتُ �إليها‪ .‬في �أمريكا عندما ت�س�أل � َ‬ ‫عاما‪ ،‬فهو ال يقول �إنه �أ�صبح م�سيح ًيا‬ ‫يقول لك نعم‪� ،‬أ�صبحتُ م�سيح ًيا عندما كان عمري ع�شرين ً‬ ‫منذ والد ِته و�إنما عندما اقتن َع بالفكرة‪ .‬ولذلك الم�سلمون بالوراثة ما لم يقتنعوا ويت�أكدوا من‬ ‫عقائد الإ�سالم فال يمكن و�ص ُفهم بالم�سلمين ح ًقا‪ ،‬و�إعالنُ �إلحا ِدهم ال يعني ارتدا َدهم‪ ،‬و�إنما‬ ‫فقط يعني �أنهم لم يقتنعوا بالإ�سالم الذي وجدوا �أبائهم عليه واقتنعوا بما هو دو َنه نتيج ًة‬ ‫تعاليم الدين‬ ‫لتق�صيروا�ضح لعلماء الم�سلمين في ع�صرنا الحا�ضر تجا َوز هذا التق�صي ُر ت�شوي َه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫�إلى ُ‬ ‫التباغ ِ�ض بين الم�سلمين و�إلى �أنها ٍر ِمن الدماء‪.‬‬

‫‪197‬‬


‫الخاتمة‬ ‫ب�شغف المتنا ٍه‪ ،‬وي�ستمر‬ ‫تبد�أ رحلة البحث لدى الإن�سان منذ طفولته؛ حيث ي�س�أل وي�س�أل ويبحث ٍ‬ ‫جماح هذا ال�شغف في‬ ‫البحث طوال حياته‬ ‫ِ‬ ‫م�ستخد ًما �أدوا ِته العقلي َة والح�سية‪ ،‬وال يمكن ك ْب ُح ِ‬ ‫البحث عن الحقيقة‪ُ .‬يخطئ َمن يظن �أنه يروي عط�ش فطرتَه الباحث َة عن الخالق عند تحميله‬ ‫الحلم "نظرية كل‬ ‫تقديم الدليل على وجود الخالق �أو انتظار اكت�شاف النظرية ُ‬ ‫ال َآخ َر م�س�ؤولي َة ِ‬ ‫�شيء" �أو اعتماد العلم الزائف‪.‬‬ ‫الإلحا ُد الجديد ما هو �إال فرقع ٌة انت�شرت كر ِّد ِف ٍعل على �أو�ضاع المجتمع المتردية على مخت َلف‬ ‫الأ�صعدة في ظل ت�صاعد الفكر التكفيري وانح�سا ِر الفكر الإ�سالمي نتيج َة لموازين الق َوى‬ ‫والمال في العا َل ِم العربي‪ ،‬وفي نف�س الوقت نتيج ًة لغياب الجهد الإ�سالمي العربي على الأقل في‬ ‫ِ‬ ‫ترجم ِة الكتب التي َت ُّرد على ُكت ُِب الملحدين وهي كثير ٌة؛ فنتيجة لهذه الفجوة َظنَّ الكثي ُر من‬ ‫�صحيح‪ ،‬الإلحا ُد يبقى �أقلي ًة‬ ‫ألح َد‪ ،‬وهذا غي ُر‬ ‫ال�شباب العربي �أن َ‬ ‫كالم الملحدين و� َ‬ ‫الغرب َت َق َّب َل َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ارتبطت بالأديان‪ ،‬ويرف�ض‬ ‫الخرافات التي‬ ‫البع�ض‬ ‫�ض ْمن جمي ِع المجتمعات‪ ،‬نعم قد يرف�ض‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫الخالق �أم� ٌر �آخر ال �سبيل له في عقول الباحثين حتى‬ ‫الأدي��انَ بنا ًء على ذلك‪ ،‬ولكنَّ ر ْف َ�ض‬ ‫ِ‬ ‫الب�سطاء منهم‪.‬‬ ‫الخيال والخرافات‪ ،‬كما �أن البحثَ‬ ‫جماح‬ ‫المنهج الح�سي‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫التجريبي (العلمي) مهم جدً ا لك ْب ِح ِ‬ ‫‪198‬‬


‫ِّ‬ ‫المتح�ض ِر للتطو ِر والبنا ِء والتقدم‪ ،‬وال ِغ َنى عنه لكل ال�شعوب ف�أكث ُر‬ ‫العلمي هو و�سيل ُة العا َل ِم‬ ‫ومعاهد البحث العلمي‪ ،‬ولكن يجب‬ ‫�شعوب العا َل ِم ت َ​َح ُّ�ض ًرا و َت َم ُّد ًنا �أكث ُرها اعتمادًا على العلوم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حدوده‪ ،‬فال يجو ُز �أن ن�صل في ا ِّتباع المنهج العلمي لمهزلة مقارن ِة الإيمان بالخالق‬ ‫�إبقاءه �ض ْمنَ‬ ‫ٍ‬ ‫ومبررا ِته ب�إناء ال�شاي الذي يدور حول المريخ‪ .‬تبني المنهج العلمي بما ي�ساهم برفعة المجتمع‬ ‫و�صراعات جانبي ٍة ال قيمة لها وال‬ ‫الدين و�إ�شغال المجتمع في دهاليز العلم الن�سبي‬ ‫ٍ‬ ‫ال يبد�أ بت ْر ِك ِ‬ ‫مناهج التدري�س ُ‬ ‫البحث العلمي لإنتاج‬ ‫وتفعيل‬ ‫وط ُر ِقها‪،‬‬ ‫الجامعات بتطوير‬ ‫هدف‪ ،‬و�إنما يبد�أ ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحرب العالمية الثانية كانت َب�ضا ِئ ُعها ذاتَ جود ٍة رديئة والت�ستطي ُع‬ ‫بعد‬ ‫المعرفة‪ .‬فهذه اليابانُ َ‬ ‫ِ‬ ‫نظام �إدارة الجودة ال�شاملة �إلى م�صانعها َفتَحقَّقَ لها ما ت َ​َح َّقق‪،‬‬ ‫�أن ت�س ِّو َق منتجا ِتها حتى �أَ ْد َخلت َ‬ ‫الدين وال بالدعا ِء � ً‬ ‫بالعمل والجهد في االتجاه ال�صحيح‪،‬‬ ‫أي�ضا‪ ،‬و�إنما‬ ‫ِ‬ ‫ولم يكن ذلك ال بت ْر ِك ِ‬ ‫النظر ع َّما �أعت ِقدُه �أنا وما تعت ِقدُه �أنت‪َ ،‬ف َل َك ِدي ُنك‬ ‫أ�سلوب �سنتطو ُر ِب َغ ِّ�ض‬ ‫ِ‬ ‫و�إذا ا َّت َبعنا هذا ال َ‬ ‫الدين �أن يتوافقَ‬ ‫أحتر ُمك مهما تكن‪ ،‬و�أنت ِ‬ ‫ولي ديني‪� .‬أنا � ِ‬ ‫تحتر ُمني كما �أنا‪ .‬كما �أن َع َلى َر ُج ِل ِ‬ ‫َ‬ ‫ي�شتغل في الدين ويعمل على دعو ِة النا�س بالتي هي �أح�سن‪ ،‬ولي�س‬ ‫الثوابت العلمية‪ ،‬و�أن‬ ‫مع‬ ‫ِ‬ ‫عجزه و ِقل ِة ثقاف ِته‪ ،‬وعليه �أال‬ ‫ِ‬ ‫بتهديدهم بحدِّ الرد ِة‪ ،‬وال بقانون ازدرا ِء الأديان كو�سيل ٍة لتغطي ِة ِ‬ ‫يتكلم ُ‬ ‫ل�ساعات في موا�ضيع طبية مث ًال‬ ‫بع�ض رجال الدين‬ ‫اخت�صا�صه‬ ‫خارج‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فعجيب �أن َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫يتكلم َ‬ ‫معتمدين على خرافات القرون ال�سابقة حيث يل�صقونها بالدين ُزو ًرا وبهتا ًنافي حين المفرو�ض‬ ‫وبحكم درا�ستهم �أن يكونوا �آخر من يتكلم في هذه الأمور �أو يتكلمون في َ‬ ‫مر الكون‬ ‫الخ ِلق ُ‬ ‫وع ِ‬ ‫والنظر‬ ‫أر�ض‬ ‫نق ًالعن ُكت ُِب التراث بال تف ُّك ٍر وال تحقيق وال تدقيق وك�أنَّ �أَ ْم َر ا ِ‬ ‫هلل بال�سير في ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫حول كيف بد�أَ الخ ْلقُ ال يعنيهم �أو ن�سخ بروايات من القرون ال�سابقة!‬ ‫لقد َ‬ ‫لمنهج‬ ‫حاول هذا‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب �أن ُيب ِّين عالقة الإلحاد بالمنهج العلمي و�أن الإلحاد ما هو �إال نتيجة ٍ‬ ‫‪199‬‬


‫فل�سفي قديم يعتمد على البرهان العقلي في �إثبات وجو ِده‪ ،‬فال عالقة له بالعلم وال بالمنهج‬ ‫العلمي و�إنْ َ‬ ‫نظرهم الإلحادية‪ ،‬هناك‬ ‫يتم�سحوا بالعلم ل ِ‬ ‫إثبات وجه ِة ِ‬ ‫حاول العلما ُء الملحدون �أن َّ‬ ‫الكثي ُر من الكالم الذي ِمن الممكن �أن َ‬ ‫قد َر‬ ‫يقال في هذا المجال‪ ،‬ولكني حاولت االخت�صار ْ‬ ‫الباحث المهتَم للإبحار في رحل ِة البحث‬ ‫مفتوحا على م�صراعيه �أمام‬ ‫الباب‬ ‫ِ‬ ‫الإمكان‪ ،‬تا ِر ًكا َ‬ ‫ً‬ ‫أجمل الأبعاد‪ ،‬ومهما‬ ‫عن الجواب‪ ،‬وهي رحل ٌة ِمن �أجمل الرحالت التي تعطي للحياة ُبعدً ا من � ِ‬ ‫كانت النتيجة فمادمنا ُمخ ِل�صينَ فنحن على خير ‪...‬‬

‫تم بحمد اهلل‬

‫‪200‬‬


‫قائمة األربعمائة عالم الذي يشككون في إمكانية االنتقاء الطبيعي‬ ‫والطفرات العشوائية على إنتاج تعقيد الحياة‪.‬‬

‫ال�صفحة �أدناه هي ال�صفحة الأولى من �أ�صل ع�شرين �صفحة يمكن للمهتم زيارة الموقع الإلكتروني‬ ‫لالطالع على �أ�سماء العلماء واخت�صا�صاتهم ‪www.dissentfromdarwin.org‬‬

‫‪201‬‬


‫فهرس الموضوعات‬ ‫المقدمة ‪9..........................................................................‬‬ ‫الفصل األول – م�صطلحات ومغالطات ‪13.........................................‬‬ ‫الفصل الثاني – نظريات ‪33......................................................‬‬ ‫نظرية التطور ‪33....................................................................‬‬ ‫االنفجار الكبير ‪40.................................................................‬‬ ‫الت�صميم الذكي �أم الت�صميم الفعال ‪46............................................‬‬ ‫الفصل الثالت –موجة الإلحاد الجديد‪55...........................................‬‬ ‫َو ْهم الإله ‪58........................................................................‬‬ ‫الإله الفر�ضية الفا�شلة ‪105.........................................................‬‬ ‫هناك �إله ‪144......................................................................‬‬ ‫الفصلالرابع–الم�ساجالت (نقا�شات فيالعلموالدين)‪149........................‬‬ ‫الخاتمة ‪196........................................................................‬‬ ‫ملحق بقائمة الأربعمائة عالم ‪199..................................................‬‬

‫‪202‬‬


‫المؤلف في سطور‬ ‫اال�سم‪� :‬أحمد البياتي‬ ‫م�ؤلف كتاب‪ :‬نبتة �إبلي�س‬ ‫للتواصل مع الكاتب‬ ‫البريد اإللكتروني‪:‬‬ ‫‪thinkerahmed3@gmail.com‬‬ ‫الصفحة الرسمية للكاتب على الفيسبوك ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aalbayati1‬‬

‫‪203‬‬


‫لالطالع على أحدث إصدارات مؤسسة إبداع‬ ‫يرجى زيارة الموقع اإللكتروني‬ ‫‪www.prints.ibda3-tp.com‬‬

‫‪204‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.