الثأر قد عاد قصة قصيرة
بقلم كال من:
أحمد مجدى
و
ياسمين أحمد
”“Cairo Pharmacy | 2020
ON Group
"ياسمين أحمد" نظر بعينيه الناعستين لطفليه ....إنهما ليستا ناعستين لحاجتهما الى النوم بل لخلوهما من الحياة ككل شيء أخر فى حياته ...يرى ابنتيه الصغيرتين يلعبان ال تباليان وكأن الوقت ال يمضى تاركهما فى لهوهما منغمسان ....فى هذه الحديقة الواسعة يراهما من بعيد ....وحولهما كل تلك االشجار المرتفعة والخضرة الزاهية ....مزيج من االلوان التى توثر فيك رغما عنك ....ويتنفس بعمق ...كأن يدخل هواء بارد فى جوفه فيغسل هذه الحرارة المنبعثة من صدره المتألم ...ويستشعر انسيابه بين اعضاءه ليطرح عنه القليل من المعاناة ....وفى زفيره راحة تعجبه ....يجلس على ذلك المقعد فى المتنزه ....وتلك الروائح المنبعثة من حوله ترسل اليه هي االخرى راحة تعجبه.
"أحمد مجدى" رغم ذلك الشعور الذى كسى كل جوانب نفسه إال أن عقله لم يتوقف قط ،فمنذ ما حدث فى هذه الليلة وهو لم يعرف للراحة أى مكان فى نفسه ،أصبح يعي تماما أن ذلك الشعور الذى يسرى في خالياه من النسيم ليس إال متعة زائلة ستمر كما الريح تمتعنا للحظات ثم تختفى من بعدها!..
فكيف لعقله أن يهدأ وهو يعرف بأن الخطر يحيط بمن تبقى من عائلته ،نيران تحترق فى أعماق نفسه ال تطفئها أى وسيلة ،تزفر معها دموع تهرب من عينيه ،وكلما حاول أن يوقفها حتى ال يشعر به أحد يزداد األلم بداخله!..
سؤال واحد ال يتوقف فى عقله "كيف للماضي أن يعود؟" ،فقد علمونا دائما أن الوقت ُ المنقضي ال يرجع مرة أخرى ،ولكن ما حدث هو باب أغلق منذ زمن بعيد وشاء القدر أن ُيفتح من جديد ،وقد عاد خاطفا معه شريكة حياته وملجأه الدافئ ،زوجته التى لم يبقى له منها سوى ابنتيه واخر كلمة سمعها اثناء ما حدث" ،مهما تأخر الوقت فالقدر لن يتغير والثأر قد عاد."!..
"ياسمين أحمد" استفاق للحظة فنظر فى ساعته والحظ انقضاء الكثير ...قد حان وقت رحيله فلديه الليلة خطة البد وان يضع اركانها ودعائمها ...مع ابنتيه هوا اب حنون ولكن مع نفسه يثق ان وحشا كاسرا سينطلق قريبا محطما كل القيود ...يفكر ويفكر وال ينقطع تفكيره ....ويقتل كل جميل فى قلبه عدا ما يخص هاتين الفتاتين وامهما فى سباتها العميق بال استيقاظ ....ويستبدل كل شيء بالغضب والثورة...فويحك ...اقترب من ابنتيه وبكل عطف ناداهما "مي ،ملك...هيا سنعود للمنزل وسأعد لكم اليوم اللحم المشوي الذى تحبان ...وعندما يحين الليل سأرسلكما لجارة جدتكم لتلعبا مع صغارها فلدى والدكم عمل شاق الليلة ".
"أحمد مجدى" أخذهما في سيارته الحمراء الصغيرة ،ما زالت المرآه التي بجانب المقود يتدلى منها صورته مع زوجته داخل اطار تلك القالدة التى اهدته اياها فى عيد زواجهما األخير ،قاد السيارة ولحسن حظه كان وصولهم سريعا ليعد لهما الطعام ويجلس يشاهدهما يتناوالنه بهدوء ،يداعبان بعضهما البعض ويضحكان كما كانت والدتهما تضحك فهما يحمالن كل معالمها!..
بعد ان انتهيا انطلق بهما نحو جارة جدتهما التى كانت بمثابة الجدة التى لم يجدوها، فكما اعتبرها اباهما ام له منذ زمن اعتبرت هي بناته احفادا لها ،تركهما عندها وعاد هو إلى منزله من جديد ،جلس على مكتبه يركز بعينيه فى األوراق التى أمامه وال يحرك أى ساكنا ،فقد اختطف داخل ذكريات الماضي ليتذكر كل ما حدث سابقا!..
"ياسمين أحمد" دخل منزله تلك الليلة يحمل ازهارا حمراء ...انها النوع الذى تفضله زوجته ...وكانت هي فى االنتظار مهيأة ...فقد كان عيد زواجهما وقد استعدا لالحتفال ....اخبرها يومها انه سيأتي اليها ليأخذها فيحتفال خارجا ...نعم زوجين سعيدين يتحمال بعضهما ويتساندان ويتشاركان من اللحظات امتعها ومن الوجود اجمله .....قابلته بابتسامتها الحنون وهنأها بمرور 6سنوات على زواجهما المتكامل واخذها كما وعدها ليتنزها ويحتفال ووصال الى ذلك المطعم الفاخر الذى اعتادا ان يقضيا به مناسباتهم السعيدة حتى اصبح جزءا من عائلتهم الصغيرة ....وقضيا ليلة ال تنسي ...وفى طريقيهما الى المنزل وجدا شجرة ساقطة فى وسط طريق مظلم لتسده سدا ....فما كان من الزوج اال ان نزل ليتبين االمر وفى ظل بحثه ابتعد قليال ولم ينتبه اال حينما سمع صرخاتها وهى تستغيث.
"أحمد مجدى" عاد مسرعا نحوها ليرى ماذا اصابها ،وجدها ترتعش بداخل السيارة وتصرخ وعالمات الفزع قد ارتسمت علي كل مالمح وجهها ،يحاول أن يعلم ما اصابها وهي ال تجيبه فقط تركز بعينيها علي مكان ما بعيد يتخفى وسط أشجار منزل ال يظهر منه أى شيء، انطلق بسيارته وقد قرر أن يستقل طريقا أخر ،عاد فى النهاية إلى المنزل وما زالت الرجفة تسرى فى كل جسدها وال يتوقف عن االهتزاز ،استندت عليه حتى دخل إلى شقتهما يعلمان أن ال أحد بها فقد ترك طفلتيهما لدى جارة جدتهما كالعادة ،أدخلها إلى غرفتهما وأجلسها على الفراش وحاول تهدئتها بكل الكلمات ولكن لم يفلح ،خرج من بين شفتيها كلمات مبهمة يصعب تمييزها ولكن كل ما ميزه " هي واقفة تبتسم "، لم يفهم أى شيء تركها علي حالتها ثم ذهب إلى المطبخ ليعد لها أى شيء يهدئها!..
يقف فى المطبخ يعد لها بعض عصير الليمون البارد ويفكر فيما قد رأته ،وفجأة قطع تفكيره صوت صراخها المرتفع ،ليسقط الكوب من يده وينكسر على األرض ويعود مسرعا نحو غرفتهما ليجد ما لم يكن يتوقعه ابدا!..
انها هي كما رآها أول مرة تقف أمامه وتقبض بيدها نحو عنق زوجته ،ترفعها عن األرض بيد واحدة ،رغم جمالها إال أن بشاعة ابتسامتها المخيفة وشحوب وجهها ما زال يبعث الرعب فى كل من يراها ،عباءتها السوداء وعيناها التي لم يختلف لونهما وشعرها الطويل المتدلي على بشرتها البيضاء واسنانها الناصعة التى تبرز من خلف شفتيها، رغم كل ذلك الجمال الذى ال يقاوم إال أن ذكرى الماضي تثير الخوف فى نفسه لتكرار رؤيتها ،انها "ذات المحاسن"!..
"ياسمين أحمد" "اتركيها ايتها المخبولة" يصرخ ويهتز مسرعا نحوها ليجذبها فى عنف وال يبالى وبكل قوته يضربها وينزع قبضاتها عن زوجته ولكنها بكل ثبات تتسلل من بين يديه وتبتعد لتخرج من بين عباءتها سكين حاد وتطعن الزوجة فى قلبها وتسرع خارجا من النافذة كما دخلت وقد اسندت فى مقابلتها سلما .....اما الزوج فال يتحرك من هول الحادثة ...سكت تماما ال يهمس بحرف ناظرا الى زوجته مغرقه فى دماءها وكأن كل شيء قد توقف وقد اسلمت الروح لربها ...غير مصدق ....ال يعلم ان كان هذا واقعا بالفعل ...وظل هكذا جالسا فى زاوية من زوايا الغرفة ناظرا الى زوجته المتوفاة الى ان طلع النهار وتذكر ان ابنتيه عائدتان قريبا ....فما كان منه اال ان قام بكل هدوء ليحمل زوجته المدرجة بدمائها صريعة بين يديه ليغسلها ويكفنها وينظف المكان من دماءها المتناثر فى انحاءه واعد كل شيء لجنازتها ...وكأن شيئا يسيرا قد حدث ...وكأنه هدوء قبل العاصفة!..
"أحمد مجدى" عاد من تلك الذكريات على صوت ضحكات يأتيه من ركن مظلم فى الغرفة ،نظر نحوه بفزع شديد وهو يرتجف وقد سالت الدموع من عينيه على ذكرى زوجته ،خرجت من ذلك الركن بخطوات هادئة بابتسامتها كما هي وقالت" :اما زلت تظن أنه سكين كما قصت لك جدتك تلك السيدة الشمطاء كبيرة السن ،الم تقل لكم انهما يداي فقط، اتذكر كيف كانت تحذركم منى وأال تقربوا المقابر وانت قد فعلتها ،اتذكر كيف قتلتها وجدتموها معلقة من سقف الغرفة وقد محوت كل مالمح وجهها بالنيران ،كانت تقول لكم انني سأحقق لكم طلب واحد مقابل شرط ال يعرفه أحد"!..
اردف بصوت مبحوح" :ما هو شرطك ما الذى تريدينه أخذتي جدتي ووالدتي وزوجتيمن تريدين بعد؟"
أكملت ويبدو عليها االستمتاع من اخافته" :شرطي الذى لم يعرفه أحد هو أمنيةواحدة مقابل 5أرواح سيدات من أقرب الناس إليك"!..
-قال وقد ارهبته الصدمة" :خمسة!! ..لقد أخذتي 3من تبقى ليس لدى أحد أخر"!..
-اردفت" :ال أم نسيت أن لديك طفلتين"
-اجابها مسرعا" :اال بناتي ال تقربيهما ابدا"
ضحكت بصوت مرتفع وهى تقول" :ال اقربهما كيف وقد نالهما مثل ما نال والدتهما منذقليل ،لقد أخطأت حين تركتهما بمفردهما كان عليك أنت بنفسك أن تحميهم ولكن ليس هناك سبيل للعودة عن ما حدث".
يبدو أن الكلمات قد صمت مسامعه وادمت عينيه بالدموع وهو يسمع اآلن عن حتف ابنتيه وانهما رحلتا كما رحلت والدتهما ليبقى بمفرده فى هذه الحياة ليس له أى أجد
لم تتركه هكذا كثيرا فقد سمع صوتها يأتيه قائلة" :واالن جاء ميعاد أمنيتك التى تمنيتها من قبل حين أتيت إلى المقابر منذ أن كنت صغيرا".
فاق من صدمته على تلك الكلمات لينظر لها ويبدو عليه أنه تذكر ماذا كان قد تمنى، فقد تذكر يوم أن نهره أباه ليخرج من المنزل متجها نحو مقابر البلدة ليجدها هناك ويطلب منها أن تأخذ روحه ليسكن المقابر بعيدا عن بيت أبيه الذى يعامله بكل جفاء.
وقد حققتها له!..
(تمت بحمد هللا) 4172-71-71
Fopcu 2020 صيدلة Talent عندها
ON Group
“Cairo Pharmacy | 2020”