حوار العدد
الدكتور عبد الواحد احلميد للحوار:
في غياب الحوار تتراكم الش��كوك تجاه «اآلخ��ر» ويتحول
الحوار -مجلة فكرية ثقافية فصلية -العدد - 14رجب 1435هـ /مايو 2014
60
المجتمع إلى جزر منعزلة.
البعثات التعليمية واحدة من أنجح وأبرز المنجزات في مجال «التنمية البشرية» بالمملكة.
تخو�ض اململكة العربية ال�سعودية اليوم حتوالت كربى يف ظل ظروف حملية و�إقليمية ودولية معقدة ؛ حت��والت متعددة الوجهة وامل��ك��ان ،يف التنمية، واالقت�صاد ،والإعالم ،واملجتمع ،رمبا �أ�صبح احلوار حولها اليوم مع املخت�صني والأكادمييني وامل�س�ؤولني �أهم �آليات الوقوف على تلك امللفات ،للإطالع على طبيعتها و�آفاقها ؛ فمن ال�سعودة� ،إىل التعليم� ،إىل الإع�لام ،واملجتمع ،كان حلوارنا فيها مع نائب وزير العمل ال�سابق والأكادميي املرموق الدكتور عبد الواحد احلميد ؛ حمطات لأ�سئلة متعددة و�إجابات متميزة ،ك�شف خاللها الدكتور عبد الواحد عن ر�ؤيته وموقفه حيال تلك امللفات التي ا�شتغل على بع�ضها من مواقع امل�س�ؤولية ،والدرا�سة الأكادميية ،مما جعل لإفاداته يف هذا احلوار قيمة م�ضافة بحكم ذلك اال�شتغال . حاوره :حممد جميل �أحمد ت�شكل البدايات حتديا للذات وال �سيما يف زمن احلياة املعي�شية ويف مقدمتها امل�صباح الكهربائي الذي �صعب حيال املعرفة ،وال��ق��راءة ،والثقافة ....ا�ستع�ضت عنه ب�سراج الكريو�سني. كيف كانت البدايات و�شغفها ؟ مل يكن التميز الن�سبي الذي متتعت به يف احل�صول
الحوار -مجلة فكرية ثقافية فصلية -العدد - 14رجب 1435هـ /مايو 2014
ولدت ون�ش�أت يف �سكاكا مبنطقة اجلوف .وكانت البيئة حمدودة ،لكنني كنت حمظوظ ًا ،فقد كان والدي متعلم ًا وقارئ ًا جيد ًا وكان يعمل مرا� ً سال ل�صحيفة اجلزيرة يف اجلوف بالإ�ضافة �إىل عمله احلكومي الر�سمي .ويف بيتنا كانت هناك مكتبة منزلية �صغرية توجد فيها بع�ض الكتب واملجالت .من ح�سن احلظ ،مل يكن البث التلفزيوين قد و�صل �إىل اجل��وف يف ذل��ك ال��زم��ان فكانت ال�ق��راءة هي نافذتي الرئي�سية على العامل ،بالإ�ضافة �إىل املذياع .لكن الظرف التنموي كان �صعب ًا ،فلم تكن الكهرباء قد و�صلت �إىل معظم �أنحاء اجلوف مبا يف ذلك احلي الذي كنا ن�سكن فيه ،ومل ت�صل الكهرباء �إال يف عقد ال�سبعينيات امليالدية بعد �أن غادرت اجلوف للدرا�سة اجلامعية ،مع كل ما يعنيه عدم توفر الكهرباء من حمدودية يف التعامل مع �أ�سا�سيات
على الكتاب واملجلة واجلريدة يعني �أنها متوفرة بال�شكل الذي كنت �أمتناه ،فعلى �سبيل املثال مل يكن باجلوف مكتبة جتارية واحدة عندما تفتحت عيناي على القراءة وكانت ال�صحف ت�صلنا مت�أخرة عدة �أي��ام ب�سبب عدم انتظام الرحالت اجلوية �إىل اجلوف .ولكن يف مرحل ٍة ما اكت�شفت املكتبة العامة التي �أن�ش�أها يف �سكاكا الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري �أم�ير منطقة اجل��وف �آن��ذاك والتي �أ�صبحت ن��واه مل�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الثقافية التي تقوم حالي ًا ب�إ�صدار جمالت ثقافية وكتب يف �شتى املجاالت ،وقد كان ذلك االكت�شاف مبثابة عثور على كنز ثقايف كبري حيث قر�أت العديد من الكتب يف الأدب العاملي والعربي وق�ضايا الع�صر يف ال�سيا�سة واالقت�صاد وغريها.
61
حوار العدد
الحوار -مجلة فكرية ثقافية فصلية -العدد - 14رجب 1435هـ /مايو 2014
62
م��ع نهاية املرحلة املتو�سطة ب��د�أت �أوىل حماوالتي والأفكار وانهيار �سلطة الرقيب. الكتابية ،فكتبت ق�صة ق�صرية حني ك��ان عمري خم�س باخت�صار ،ثمة مت��اث��ل يف ل��ذة ال �ق��راءة واخ�ت�لاف ع�شرة �سنة ون�شرتها جريدة اجلزيرة يف عددها ال�صادر يف الأوعية املتنوعة للمعلومات بني ذاك الزمان وزمننا بتاريخ 2رجب 1388ه�ـ املوافق � 24سبتمرب 1968م .مل الراهن. �أ�صدق نف�سي حني ر�أيت الق�صة من�شورة! بعدها ،عرفت طريقي �إىل ال�صحافة ،فبد�أت �أر�سل امل��واد ال�صحفية كيف ميكن للم�ؤ�س�سة �أن تلعب دورا يف توظيف واملقاالت �إىل جريدة الندوة وجريدة اجلزيرة ،وكانت تلك املعرفة وحتويلها �إىل ذائقة متاحة للمجتمع؟ يف ك��ل م�ك��ان م��ن ال �ع��امل يتحدث ال�ن��ا���س الآن عن هي البداية� .أحببت الدرا�سة حب ًا جما حني دخلت الق�سم الأدبي يف املرحلة الثانوية ،وعندما تخرجت كان ترتيبي «جمتمع امل �ع��رف��ة» ،وق��د �أ�صبحت �سيا�سات «التنمية الأول على املنطقة ال�شمالية والثاين على اململكة� .أخذتني الثقافية» الر�سمية للحكومات تتوجه �إىل �إقامة «جمتمع احلياة بعد ذلك يف دروبها املت�شابكة ،والزالت القراءة هي امل�ع��رف��ة» .ولكي يتحقق ذل��ك بال�شكل امل�لائ��م ،يتطلب ع�شقي الأول ومنها يتفرع كل ما �أعتربه جمي ًال يف حياتي .الأم��ر �إقامة جتهيزات �أ�سا�سية و ُبنى معلوماتية متينة، مفارقة الوفرة يف م�صادر املعرفة احلديثة عرب وه��ذا ما ال ت�ستطيع �إجن��ازه �سوى احلكومات من خالل االن�ترن��ت تبدو بعيدة ج��دا ع��ن زم��ن ال��ق��راءة تخ�صي�ص ميزانيات كافية لإقامة تلك البنى املعلوماتية و�شغف البدايات هل ثمة متاثل واختالف بني والتجهيزات الأ�سا�سية امل��ادي��ة ال�لازم��ة مثل �شبكات االت�صال ذات الكفاءة العالية التي هي حجر الأ�سا�س الزمنني. يف «جمتمع املعرفة» .وقد �أ�صبحت «املعرفة» ،بتعريفها يف علم االقت�صاد نتحدث عن «الندرة» ،ومن الندرة الوا�سع وال�ضيق� ،شرط ًا �ضروري ًا يف زمننا الراهن للفرد ت�أخذ الأ�شياء قيمتها الن�سبية .ولأن م�صادر املعرفة كانت كيما يتعامل مع معطيات ع�صره �سواء يف املنزل �أو املكتب ً يف ال�سابق نادرة حقا فقد كنا ن�ستمد منها «منفعة حدية» �أو يف تفاعله مع الغري .و�إذا كان املق�صود بـ «امل�ؤ�س�سة» هو عالية ح�سب التعبري االقت�صادي .لقد كنا نتداول الكتاب «احلكومة» فدورها جوهري لأنها هي التي تقود فعاليات اجليد فينتقل من يدٍ �إىل يد حتى يكاد يتلف! اليوم ي�ستطيع املجتمع الر�سمية والأهلية �إىل �إقامة «جمتمع املعرفة». الواحد منا «تنزيل» �أي كتاب على جهاز «الآي ب��اد» او «الكندل» يف �أقل من خم�س دقائق وباملجان �أو �شبه املجان .مت ت�صنيف اململكة ب�أنها الأول يف العامل جلهة البعثات التعليمية قيا�سا بعدد ال�سكان كيف بالطبع تظل القراءة هي القراءة �سواء عرب الإنرتنت ميكنكم تقييم هذا الت�صنيف ؟ �أو عرب �أوعية املعلومات التقليدية مثل الكتاب الورقي �أو كانت فكرة البعثات التعليمية واحدة من �أجنح و�أبرز ال�صحيفة الورقية .ولكن ب�سبب الندرة الن�سبية �سابق ًا، وقت كانت لذة الظفر بكتاب جيد حينذاك �أك�بر بكثري مما املنجزات يف جمال «التنمية الب�شرية» باململكة منذ ٍ هي عليه الآن .لكنني �أحمد اهلل الذي �أمد بعمري حتى مبكر عندما �أر�سلت احلكومة طالئع البعثات �إىل م�صر �شهدتُ هذه الثورة يف و�سائل االت�صال وان�سياب املعلومات ثم �أمريكا و�أوروبا يف اخلم�سينيات وال�ستينيات امليالدية من القرن املا�ضي وكانت خمرجات تلك الطالئع هي الأ�سا�س الذي قامت عليه التنظيمات الإدارية والأكادميية «المزايا النسبية» التي نه�ضت مب�شروع التنمية عندما انطلق يف بداية ال�سبعينيات امليالدية من خالل خطط التنمية املمنهجة لالقتصاد أهم والر�سمية للدولة .ثم جاءت املوجة الثانية الكربى للبعثات شروط التنمية يف عقد ال�سبعينيات امليالدية وكان ملخرجاتها �أبرز الأثر يف دفع قوى التنمية �إىل الأم��ام .ويف ال�سنوات الأخ�يرة المستدامة انطلق برنامج خادم احلرمني ال�شريفني للبعثات الذي
فاق يف الكم والكيف كل ما حتقق �سابق ًا. �إنني �أجزم �أن برنامج البعثات الأخري �سيحقق نقلة تنموية يف ر�أ�س املال الب�شري الوطني غري م�سبوقة يف تاريخ اململكة ،وعلينا منذ الآن �أن نتهي�أ ال�ستيعاب هذه الألوف من �أبناء وبنات الوطن العائدين من �أرقى اجلامعات يف العامل وو�ضع الإن�سان املنا�سب يف املكان املنا�سب لكي ُن َع ِّظم العائد املتحقق من هذه البعثات.
وم��ع ذل��ك �أق��ول� :إن ال�شهادة اجلامعية قد ال تكون �ضرورية يف معظم املهن ،وقد نكون �أحوج �إىل كوادر مدربة يف املجال التقني والفني واملهني ..وتلك هي جتربة العديد من الدول ال�صناعية املتقدمة. �شروط املواطنة وحقوق الإن�سان من �أهم رهانات التعليم احل��دي��ث كيف ميكن ت�أ�سي�س مقررات جديدة يف هذا االجتاه ؟
�إن من �أهم ما يجب �أن تكر�سه املناهج املدر�سية يف جمال الرتبية هي فكرة االنتماء واملواطنة وحقوق املواطن وحقوق الإن�سان عموم ًا ،وهذا يتطلب االرتقاء باملناهج والأ�ساليب الرتبوية من م�ستوى التلقني �إىل م�ستوى �إعمال الفكر والتحري�ض على التفكري و�إثارة الأ�سئلة واالحتفاء بالنقد والعقل الناقد وتن�شيط امل�شاركة الطالبية يف احلوار عن معنى االنتماء الوطني وحقوق املواطن وتي�سري القنوات التي يتمكن من خاللها التدرب على ممار�سة مواطنته وانتمائه.
الحوار -مجلة فكرية ثقافية فصلية -العدد - 14رجب 1435هـ /مايو 2014
خمرجات التعليم العايل ال تتنا�سب طرديا مع �سوق العمل جلهة الن�سبة والتنا�سب �إذ تظل ن�سبة اخلريجني �أعلى بكثري من الفر�ص الوظيفية يف القطاعني العام واخلا�ص �أي��ن تكمن معادلة الن�سبة والتنا�سب بني الطرفني؟ فر�ص العمل كثرية جد ًا يف �سوق العمل ال�سعودي بدليل �أننا ن�ستقدم املاليني من العمالة الوافدة� .أما امل�شكلة التي نواجهها فهي اختالل بنية االقت�صاد ال�سعودي منذ �أيام الطفرة الأوىل يف عقد ال�سبعينيات امليالدي بحيث �أ�صبح هذا االقت�صاد يف �صميم تركيبته معتمد ًا ب�شكل رئي�سي على العمالة الوافدة ذات الأجور املنخف�ضة ،و�صار �سوق العمل عندنا يعاين تبع ًا لذلك من خلل ف��ادح يف هيكل الأجور .اقت�صادنا ال�سعودي ،بكل �أ�سف ،ال تعمل فيه �آليات العر�ض والطلب ب�شكل منطقي فقد ك�سرنا قوانني الندرة من خالل ا�ستقدام العمالة الوافدة ب�شكل جائر ف�أ�صبح جانب العر�ض وجانب الطلب على اليد العاملة يعمالن مبعزل عن طبيعة امل��وارد الب�شرية الوطنية كم ًا وكيف ًا. تُ�ضاف �إىل ذل��ك ،امل�شكلة الكربى التي تواجهها امل��ر�أة ال�سعودية يف جمال التوظيف ،فنحن لدينا �أع��داد هائلة من اجلامعيات ال�سعوديات الالتي ُي ْح َر ْمنَ من دخول �سوق العمل يف حني ن�ستقدم عمالة وافدة يف نف�س تخ�ص�صات ه�ؤالء اجلامعيات من خمتلف دول العامل.
نحن بحاجة �إىل �إع ��ادة نظر ومراجعة للمقررات واملناهج التعليمية فهي الزال��ت تعتمد �أ�سلوب التلقني واحل�شو ،ولذلك ال نرى ت�أثري ًا كبري ًا لهذه املناهج على خمرجات التعليم لدينا فيما يتعلق بال�سلوك والتفاعل االجتماعي الإيجابي .طالبنا ُيلقَّنون وهم على مقاعد الدرا�سة مفاهيم �إ�سالمية عظيمة مثل «�إن �أكرمكم عند اهلل �أتقاكم» لكنهم ال يناق�شون داخل ال�صف املدر�سي كيف يتفق ذلك مع املمار�سات االجتماعية املنحازة واملتعن�صرة قبلي ًا ومناطقي ًا .هم ُي َلقَّنون مفاهيم �إ�سالمية عظيمة عن النظرة املتقدمة للإ�سالم جتاه املر�أة لكنهم ال يتناق�شون داخل الف�صل املدر�سي حول امل�شاكل الفعلية التي تعاين منها املر�أة يف املجتمع.
63
حوار العدد
م ��ع وزراء عمل دول جمموع ��ة الع�شرين �أمام مبن ��ى الكوجنر� ��س الأمريك ��ي ويب ��دو د .عبد الواح ��د يف نهاي ��ة ال�صف الثالث م ��ن الوزراء على ميني الناظر �إىل ال�صورة
م���ع اف��ت��ت��اح ج��ام��ع��ة امل��ل��ك ع��ب��د اهلل للعلوم والتكنولوجيا (ك��او���س��ت) اجتهت اململكة �إىل جغرافية ج��دي��دة ال�ستيعاب مناهج معرفية (�شرق �آ�سيا) ما هي ر�ؤيتكم حيال هذه التجربة ؟ فكرة االنفتاح على التجارب التنموية الآ�سيوية رائعة لأن هذه التجارب �أثبتت جناحها كما ت�شهد بذلك التجربة اليابانية والكورية واملاليزية وغريها� .أ�ضف �إىل ذلك �أن هذه املجتمعات �أقرب �إىل طبيعة جمتمعنا ،وبالتايل ف�إن �إمكانية اال�ستفادة منها تبدو كبرية جد ًا.
الحوار -مجلة فكرية ثقافية فصلية -العدد - 14رجب 1435هـ /مايو 2014
64
بو�سعنا �أن نتعلم الكثري م��ن ال��درو���س وال�ع�بر من التجارب التنموية الآ�سيوية .وقد و�ضعت الدول الآ�سيوية الناجحة ا�سرتاتيجيات تعليمية نابعة م��ن ثقافاتها ال�شرقية مع اال�ستفادة من التجارب الغربية الناجحة. و�أج��زم �أن توطني ه��ذه التجارب لدينا بعد �أقلمتها مع بيئتنا واحتياجاتنا وتعزيزها بالتجارب الغربية الناجحة �سوف ي�سهم يف حتقيق التنمية املن�شودة يف بالدنا .ويف هذا املجال ،ميكن �أن تكون جامعة امللك عبداهلل للعلوم والتكنولوجيا مبثابة «معمل» و «خمترب» يتم من خالله توظيف تلك املناهج املعرفية يف �صوغ ر�ؤي��ة وممار�سة تنموية تزاوج بني �أف�ضل ما هو موجود يف التجربة الآ�سيوية والتجربة الغربية.
يف كتابك ال�سعودة �أو الطوفان ثمة معادلة �صعبة يف ا�ستيعاب التناق�ض بني العمالة الوافدة ون�سب البطالة يف ال�سعودية كيف ميكن اخلروج من هذا امل�أزق الإ�سرتاتيجي ؟ كاقت�صادي� ،أنا �شديد الإميان �أنه ال ميكن لبلد بناء اقت�صاد متني وتنمية م�ستدامة �إال من خالل االعتماد على «املزايا الن�سبية» التي يتمتع بها ذلك البلد .وقد تورطنا خالل العقود املا�ضية يف ت�شييد ُبنية اقت�صادية ال تقوم على املزايا الن�سبية لبالدنا وذلك من خالل اال�ستقدام املفرط للعمالة الوافدة ،ف�أ�صبحنا نت�صرف كما لو �أننا منلك موارد ال نهائية من الأيدي العاملة الرخي�صة وذلك بفتح �أب��واب اال�ستقدام على م�صراعيها مما �أدى �إىل هبوط م�ستوى �أجور الأيدي العاملة ومل يعد ال�سعودي قادر ًا على مناف�سة العامل الوافد الذي ير�ضى بالأجر املنخف�ض يف حني �أن م�ستوى املعي�شة يف ال�سعودية وااللتزامات االجتماعية الكثرية التي يواجهها املواطن ال�سعودي ال متكنه من قبول ذلك الأجر املنخف�ض ،ف�أ�صبحت املناف�سة بني العامل الوافد والعامل ال�سعودي غري متكافئة وخرج ال�سعودي من �سوق العمل مف�سح ًا املجال للمزيد من الأيدي الوافدة .وهنا برزت االزدواجية املتمثلة يف ارتفاع معدل البطالة بني ال�سعوديني وارتفاع �أعداد العمالة امل�ستقدمة من اخل��ارج .وقد كنت وال �أزال �أ�ؤم��ن ب��أن هذا الت�شويه الذي حلق ب�سوق العمل ال�سعودي لن يتم �إ�صالحه �إال عن طريق تر�شيد اال�ستقدام و�أن نتحمل امل�صاعب والآالم التي �ستحدث من ج��راء ذلك يف امل��دى الق�صري واملدى املتو�سط ،وهذا هو جوهر ا�سرتاتيجية التوظيف ال�سعودية التي وافق عليها جمل�س ال��وزراء يف �أواخ��ر عهد الدكتور غازي الق�صيبي كوزير للعمل .وبالتوازي مع ذلك البد من العمل ب�شكل منهجي على ت�صحيح املفاهيم االجتماعية البالية التي الزالت تعرقل م�شاركة املر�أة يف �سوق العمل بال �أي مربرات دينية حقيقية. هل هناك �صيغة ما لتقريب الفجوة بني القرار الر�سمي والإرادة ال�شعبية يف حتقيق معدالت ال�سعودة بح�سب اخلطط املر�سومة؟ حتقيق معدالت ال�سعودة �إىل امل�ستوى ال��ذي يجعل البطالة بني ال�سعوديني وال�سعوديات ال تتجاوز معدل
ليس هناك وصفة سحرية تحقق السعودة دون آالم وتضحيات «البطالة الطبيعي» ال��ذي يقدره االقت�صاديون بحوايل 3باملائة هو «ق�ضية وطنية» ،وبالتايل ف ��إن العمل على حتقيقها يجب �أن يكون �أولوية وطنية .ومن امل�ؤكد �أن هذا ال ميكن �أن يتم ب��دون ق��رار ر�سمي .لكن املهم �أ َّال يكون هناك تراجع عندما ت�أتي �ضغوط من رجال الأعمال ومن بع�ض الفئات املتنفذة التي قد تتعار�ض م�صاحلها �أحيان ًا مع ال�سعودة ،ولي�ست هناك و�صفة �سحرية حتقق ال�سعودة دون �آالم وت�ضحيات. تخو�ض اململكة العربية ال�سعودية حتديات يف املعرفة والتطور �إىل �أي مدى ميكن ملنهجية احلوار �أن حتقق النجاح حيال تلك التحديات ؟
الواقع ال�سعودي ي�شهد حراك ًا ثقافي ًا وتعليمي ًا رائع ًا، ففي ال�سابق كنا نتحدث عن «الركود الأدبي» ،على �سبيل املثال ،بينما الآن نتحدث عن ظاهرة «�إنفجار» الرواية ت�صدرت قوائم جوائز الرواية العربية، ال�سعودية التي َّ ويف ال�سابق كان عندنا �أقل من ع�شر جامعات بينما �أ�صبح لدينا الآن �أكرث من ثالثني جامعة وما يقارب من مئتي �ألف مبتعث ومبتعثة �إىل جامعات الدول املتقدمة ،ويف ال�سابق كانت املر�أة حمرومة من التعليم بينما �صارت املر�أة ت�شكل يف الوقت احلا�ضر �أغلبية الكتلة الطالبية يف اجلامعات. بالطبع لدينا نواق�ص ،ففي املجال الثقايف ال �أفهم عدم حما�س اجلهات امل�س�ؤولة لتن�شيط احلركة امل�سرحية وال �أفهم غياب ال�سينما ،ويف املجال التعليمي نحتاج �إىل �إ�صالح �شامل يف مناهج التعليم والرتبية .وباخت�صار� ،أرى �أنه يف ظل هذه املعطيات �أن م�ستقبلنا واعد ،لكننا نحتاج �إىل ت�سريع عجلة التنمية وال �أقول حرق املراحل ف�أنا من امل�ؤمنني ب�أن عن�صر «الوقت» هو من العنا�صر الرئي�سية يف معادلة التنمية ال�شاملة. ه��ل ميكننا ال��ق��ول �أن اخل�صو�صية ال�سعودية وعالقتها بت�صور ما للإ�سالم يف الإطار اجلغرايف والتاريخي؛ هل ميكن �أن تكون هذه اخل�صو�صية بت�أويلها ذاك مانعا من قراءة املجتمع ال�سعودي قراءة مقارنة مع املجتمعات الأخرى ؟
اع�ت�ق��د �أن ه �ن��اك مبالغة يف ا��س�ت�خ��دام م�صطلح «اخل�صو�صية ال�سعودية» .ففي النهاية نحن �شعب عربي م�سلم ج��زء من الأم��ة العربية والإ�سالمية .و�أن��ا �أقبل ا�ستخدام ه��ذا امل�صطلح فقط يف �سياق احل��دي��ث عن اخل�صائ�ص املحلية التي جندها يف كل بلد من بلدان ال�ع��امل .وحتى يف اململكة هناك خ�صائ�ص حملية لكل منطقة ،ولكن ال يعني ه��ذا �أن ثمة خ�صو�صيات تقف كال�سدود املنيعة �أمام فكرة التمازج والتالقح ،بل ميكن �أن تكون تلك اخل�صائ�ص املحلية من �أ�سباب الرثاء الثقايف واحل�ضاري واالجتماعي واالقت�صادي وكل جماالت العي�ش امل�شرتك املتناغم .ولذلك �أنا �أرف�ض فكرة الو�صاية التي معرفة الواقع �شرط لقراءته كيف تقر�أ م�ستقبل قد يرغب البع�ض يف ممار�ستها على الآخرين يف املجتمع التعليم والثقافة يف اململكة العربية ال�سعودية يف بحجة حماية اخل�صو�صية ال�سعودية.
الحوار -مجلة فكرية ثقافية فصلية -العدد - 14رجب 1435هـ /مايو 2014
منهجية احلوار هي منهجية ح�ضارية متقدمة لتحقيق الإ��ص�لاح والتطور والتعاي�ش يف املجتمع واالق�ت�راب من احلقيقة .ويف غياب احلوار ترتاكم ال�شكوك جتاه «الآخر» ويتحول املجتمع �إىل جزر منعزلة تع�ش�ش فيها فكرة امل�ؤامرة و�إ�ساءة الظن ويكون ذلك املجتمع يف حالة احتقان وتوتر حتى لو تظاهر بغري ذلك .و�أنا �أقبل فكرة احلوار حتى لو من �أجل تر�سيخ فكرة احلوار يف مراحل معينة من م�سرية التقدم االجتماعي والثقايف لكنني �أتخوف من غياب نتائج وثمار ملمو�سة للحوار ،ففي غياب نتائج يلم�سها املواطنون وخا�صة الفئات املت�ضررة يفقد النا�س اهتمامهم بفكرة احلوار فينظرون �إليه على �أنه م�ضيعة للوقت ال طائل من ورائه .وب�سبب ذلك �أرى �أن منهجية احلوار التي تخو�ضها اململكة جيدة ،ولكن يجب �أن تتوازى معها نتائج ملمو�سة وخا�صة يف امللفات ال�شائكة التي تُناق�ش يف ندوات احلوار الوطني.
�ضوء معطيات هذا الواقع ؟
65
المحتويات الحوار -مجلة فكرية ثقافية فصلية -العدد - 14رجب 1435هـ /مايو 2014
16 21 28 30 66 84
قناة حوارات المملكة بمركز الملك
عبدالعزيز للحوار خدمة حوارية فاعلة على اليوتيوب
ندوة العدد :أساليب التعبير عن األفكار والرؤى بالنظر ألدبيات الحوار ووسائله
60
الحصين بقية السلف الصالح
حوار القمم ( ٫٫يا بني أحبك) 71
ثقافة الكراهية
فن الكاريكاتير السعودي
مقاربة في الحوار البصري
العدد - 14رجب 1435هـ /مايو 2014
مجلة فكرية ثقافية فصلية
خادم الحرمين الشريفين شخصية العام في جائزة الشيخ زايد 2014
في لقاء خاص
المفكر رضوان السيد:
المعلومة الخاطئة
البد من صون الدين في أزمنة التغير
هدم القيم املثلى للحوار حتت �شعار احلرية
مختص��ون :اإلنتاج الفكري ..هل من دور للمنافس��ة عربيًا ودوليًا ؟