مجلة الحوار 14

Page 1

‫حوار العدد‬

‫الدكتور عبد الواحد احلميد للحوار‪:‬‬

‫في غياب الحوار‬ ‫تتراكم الش��كوك تجاه «اآلخ��ر» ويتحول‬

‫الحوار ‪ -‬مجلة فكرية ثقافية فصلية ‪ -‬العدد ‪ - 14‬رجب ‪ 1435‬هـ‪ /‬مايو ‪2014‬‬

‫‪60‬‬

‫المجتمع إلى جزر منعزلة‪.‬‬

‫البعثات التعليمية واحدة من أنجح وأبرز المنجزات في‬ ‫مجال «التنمية البشرية» بالمملكة‪.‬‬


‫تخو�ض اململكة العربية ال�سعودية اليوم حتوالت كربى يف ظل ظروف حملية‬ ‫و�إقليمية ودولية معقدة ؛ حت��والت متعددة الوجهة وامل��ك��ان‪ ،‬يف التنمية‪،‬‬ ‫واالقت�صاد‪ ،‬والإعالم‪ ،‬واملجتمع‪ ،‬رمبا �أ�صبح احلوار حولها اليوم مع املخت�صني‬ ‫والأكادمييني وامل�س�ؤولني �أهم �آليات الوقوف على تلك امللفات‪ ،‬للإطالع على‬ ‫طبيعتها و�آفاقها ؛ فمن ال�سعودة‪� ،‬إىل التعليم‪� ،‬إىل الإع�لام‪ ،‬واملجتمع‪ ،‬كان‬ ‫حلوارنا فيها مع نائب وزير العمل ال�سابق والأكادميي املرموق الدكتور عبد‬ ‫الواحد احلميد ؛ حمطات لأ�سئلة متعددة و�إجابات متميزة‪ ،‬ك�شف خاللها‬ ‫الدكتور عبد الواحد عن ر�ؤيته وموقفه حيال تلك امللفات التي ا�شتغل على‬ ‫بع�ضها من مواقع امل�س�ؤولية‪ ،‬والدرا�سة الأكادميية‪ ،‬مما جعل لإفاداته يف هذا‬ ‫احلوار قيمة م�ضافة بحكم ذلك اال�شتغال ‪.‬‬ ‫حاوره‪ :‬حممد جميل �أحمد‬ ‫ت�شكل البدايات حتديا للذات وال �سيما يف زمن احلياة املعي�شية ويف مقدمتها امل�صباح الكهربائي الذي‬ ‫�صعب حيال املعرفة‪ ،‬وال��ق��راءة‪ ،‬والثقافة ‪ ....‬ا�ستع�ضت عنه ب�سراج الكريو�سني‪.‬‬ ‫كيف كانت البدايات و�شغفها ؟‬ ‫مل يكن التميز الن�سبي الذي متتعت به يف احل�صول‬

‫الحوار ‪ -‬مجلة فكرية ثقافية فصلية ‪ -‬العدد ‪ - 14‬رجب ‪ 1435‬هـ‪ /‬مايو ‪2014‬‬

‫ولدت ون�ش�أت يف �سكاكا مبنطقة اجلوف‪ .‬وكانت البيئة‬ ‫حمدودة‪ ،‬لكنني كنت حمظوظ ًا‪ ،‬فقد كان والدي متعلم ًا‬ ‫وقارئ ًا جيد ًا وكان يعمل مرا� ً‬ ‫سال ل�صحيفة اجلزيرة يف‬ ‫اجلوف بالإ�ضافة �إىل عمله احلكومي الر�سمي‪ .‬ويف بيتنا‬ ‫كانت هناك مكتبة منزلية �صغرية توجد فيها بع�ض الكتب‬ ‫واملجالت‪ .‬من ح�سن احلظ‪ ،‬مل يكن البث التلفزيوين قد‬ ‫و�صل �إىل اجل��وف يف ذل��ك ال��زم��ان فكانت ال�ق��راءة هي‬ ‫نافذتي الرئي�سية على العامل‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل املذياع‪ .‬لكن‬ ‫الظرف التنموي كان �صعب ًا‪ ،‬فلم تكن الكهرباء قد و�صلت‬ ‫�إىل معظم �أنحاء اجلوف مبا يف ذلك احلي الذي كنا ن�سكن‬ ‫فيه‪ ،‬ومل ت�صل الكهرباء �إال يف عقد ال�سبعينيات امليالدية‬ ‫بعد �أن غادرت اجلوف للدرا�سة اجلامعية‪ ،‬مع كل ما يعنيه‬ ‫عدم توفر الكهرباء من حمدودية يف التعامل مع �أ�سا�سيات‬

‫على الكتاب واملجلة واجلريدة يعني �أنها متوفرة بال�شكل‬ ‫الذي كنت �أمتناه‪ ،‬فعلى �سبيل املثال مل يكن باجلوف مكتبة‬ ‫جتارية واحدة عندما تفتحت عيناي على القراءة وكانت‬ ‫ال�صحف ت�صلنا مت�أخرة عدة �أي��ام ب�سبب عدم انتظام‬ ‫الرحالت اجلوية �إىل اجلوف‪ .‬ولكن يف مرحل ٍة ما اكت�شفت‬ ‫املكتبة العامة التي �أن�ش�أها يف �سكاكا الأمري عبدالرحمن‬ ‫بن �أحمد ال�سديري �أم�ير منطقة اجل��وف �آن��ذاك والتي‬ ‫�أ�صبحت ن��واه مل�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الثقافية‬ ‫التي تقوم حالي ًا ب�إ�صدار جمالت ثقافية وكتب يف �شتى‬ ‫املجاالت‪ ،‬وقد كان ذلك االكت�شاف مبثابة عثور على كنز‬ ‫ثقايف كبري حيث قر�أت العديد من الكتب يف الأدب العاملي‬ ‫والعربي وق�ضايا الع�صر يف ال�سيا�سة واالقت�صاد وغريها‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫حوار العدد‬

‫الحوار ‪ -‬مجلة فكرية ثقافية فصلية ‪ -‬العدد ‪ - 14‬رجب ‪ 1435‬هـ‪ /‬مايو ‪2014‬‬

‫‪62‬‬

‫م��ع نهاية املرحلة املتو�سطة ب��د�أت �أوىل حماوالتي والأفكار وانهيار �سلطة الرقيب‪.‬‬ ‫الكتابية‪ ،‬فكتبت ق�صة ق�صرية حني ك��ان عمري خم�س‬ ‫باخت�صار‪ ،‬ثمة مت��اث��ل يف ل��ذة ال �ق��راءة واخ�ت�لاف‬ ‫ع�شرة �سنة ون�شرتها جريدة اجلزيرة يف عددها ال�صادر يف الأوعية املتنوعة للمعلومات بني ذاك الزمان وزمننا‬ ‫بتاريخ ‪ 2‬رجب ‪1388‬ه�ـ املوافق ‪� 24‬سبتمرب ‪1968‬م‪ .‬مل الراهن‪.‬‬ ‫�أ�صدق نف�سي حني ر�أيت الق�صة من�شورة! بعدها‪ ،‬عرفت‬ ‫طريقي �إىل ال�صحافة‪ ،‬فبد�أت �أر�سل امل��واد ال�صحفية كيف ميكن للم�ؤ�س�سة �أن تلعب دورا يف توظيف‬ ‫واملقاالت �إىل جريدة الندوة وجريدة اجلزيرة‪ ،‬وكانت تلك املعرفة وحتويلها �إىل ذائقة متاحة للمجتمع؟‬ ‫يف ك��ل م�ك��ان م��ن ال �ع��امل يتحدث ال�ن��ا���س الآن عن‬ ‫هي البداية‪� .‬أحببت الدرا�سة حب ًا جما حني دخلت الق�سم‬ ‫الأدبي يف املرحلة الثانوية‪ ،‬وعندما تخرجت كان ترتيبي «جمتمع امل �ع��رف��ة»‪ ،‬وق��د �أ�صبحت �سيا�سات «التنمية‬ ‫الأول على املنطقة ال�شمالية والثاين على اململكة‪� .‬أخذتني الثقافية» الر�سمية للحكومات تتوجه �إىل �إقامة «جمتمع‬ ‫احلياة بعد ذلك يف دروبها املت�شابكة‪ ،‬والزالت القراءة هي امل�ع��رف��ة»‪ .‬ولكي يتحقق ذل��ك بال�شكل امل�لائ��م‪ ،‬يتطلب‬ ‫ع�شقي الأول ومنها يتفرع كل ما �أعتربه جمي ًال يف حياتي‪ .‬الأم��ر �إقامة جتهيزات �أ�سا�سية و ُبنى معلوماتية متينة‪،‬‬ ‫مفارقة الوفرة يف م�صادر املعرفة احلديثة عرب وه��ذا ما ال ت�ستطيع �إجن��ازه �سوى احلكومات من خالل‬ ‫االن�ترن��ت تبدو بعيدة ج��دا ع��ن زم��ن ال��ق��راءة تخ�صي�ص ميزانيات كافية لإقامة تلك البنى املعلوماتية‬ ‫و�شغف البدايات هل ثمة متاثل واختالف بني والتجهيزات الأ�سا�سية امل��ادي��ة ال�لازم��ة مثل �شبكات‬ ‫االت�صال ذات الكفاءة العالية التي هي حجر الأ�سا�س‬ ‫الزمنني‪.‬‬ ‫يف «جمتمع املعرفة»‪ .‬وقد �أ�صبحت «املعرفة»‪ ،‬بتعريفها‬ ‫يف علم االقت�صاد نتحدث عن «الندرة»‪ ،‬ومن الندرة الوا�سع وال�ضيق‪� ،‬شرط ًا �ضروري ًا يف زمننا الراهن للفرد‬ ‫ت�أخذ الأ�شياء قيمتها الن�سبية‪ .‬ولأن م�صادر املعرفة كانت كيما يتعامل مع معطيات ع�صره �سواء يف املنزل �أو املكتب‬ ‫ً‬ ‫يف ال�سابق نادرة حقا فقد كنا ن�ستمد منها «منفعة حدية» �أو يف تفاعله مع الغري‪ .‬و�إذا كان املق�صود بـ «امل�ؤ�س�سة» هو‬ ‫عالية ح�سب التعبري االقت�صادي‪ .‬لقد كنا نتداول الكتاب «احلكومة» فدورها جوهري لأنها هي التي تقود فعاليات‬ ‫اجليد فينتقل من يدٍ �إىل يد حتى يكاد يتلف! اليوم ي�ستطيع املجتمع الر�سمية والأهلية �إىل �إقامة «جمتمع املعرفة»‪.‬‬ ‫الواحد منا «تنزيل» �أي كتاب على جهاز «الآي ب��اد» او‬ ‫«الكندل» يف �أقل من خم�س دقائق وباملجان �أو �شبه املجان‪ .‬مت ت�صنيف اململكة ب�أنها الأول يف العامل جلهة‬ ‫البعثات التعليمية قيا�سا بعدد ال�سكان كيف‬ ‫بالطبع تظل القراءة هي القراءة �سواء عرب الإنرتنت ميكنكم تقييم هذا الت�صنيف ؟‬ ‫�أو عرب �أوعية املعلومات التقليدية مثل الكتاب الورقي �أو‬ ‫كانت فكرة البعثات التعليمية واحدة من �أجنح و�أبرز‬ ‫ال�صحيفة الورقية‪ .‬ولكن ب�سبب الندرة الن�سبية �سابق ًا‪،‬‬ ‫وقت‬ ‫كانت لذة الظفر بكتاب جيد حينذاك �أك�بر بكثري مما املنجزات يف جمال «التنمية الب�شرية» باململكة منذ ٍ‬ ‫هي عليه الآن‪ .‬لكنني �أحمد اهلل الذي �أمد بعمري حتى مبكر عندما �أر�سلت احلكومة طالئع البعثات �إىل م�صر‬ ‫�شهدتُ هذه الثورة يف و�سائل االت�صال وان�سياب املعلومات ثم �أمريكا و�أوروبا يف اخلم�سينيات وال�ستينيات امليالدية‬ ‫من القرن املا�ضي وكانت خمرجات تلك الطالئع هي‬ ‫الأ�سا�س الذي قامت عليه التنظيمات الإدارية والأكادميية‬ ‫«المزايا النسبية»‬ ‫التي نه�ضت مب�شروع التنمية عندما انطلق يف بداية‬ ‫ال�سبعينيات امليالدية من خالل خطط التنمية املمنهجة‬ ‫لالقتصاد أهم‬ ‫والر�سمية للدولة‪ .‬ثم جاءت املوجة الثانية الكربى للبعثات‬ ‫شروط التنمية‬ ‫يف عقد ال�سبعينيات امليالدية وكان ملخرجاتها �أبرز الأثر‬ ‫يف دفع قوى التنمية �إىل الأم��ام‪ .‬ويف ال�سنوات الأخ�يرة‬ ‫المستدامة‬ ‫انطلق برنامج خادم احلرمني ال�شريفني للبعثات الذي‬


‫فاق يف الكم والكيف كل ما حتقق �سابق ًا‪.‬‬ ‫�إنني �أجزم �أن برنامج البعثات الأخري �سيحقق نقلة‬ ‫تنموية يف ر�أ�س املال الب�شري الوطني غري م�سبوقة يف تاريخ‬ ‫اململكة‪ ،‬وعلينا منذ الآن �أن نتهي�أ ال�ستيعاب هذه الألوف‬ ‫من �أبناء وبنات الوطن العائدين من �أرقى اجلامعات يف‬ ‫العامل وو�ضع الإن�سان املنا�سب يف املكان املنا�سب لكي‬ ‫ُن َع ِّظم العائد املتحقق من هذه البعثات‪.‬‬

‫وم��ع ذل��ك �أق��ول‪� :‬إن ال�شهادة اجلامعية قد ال تكون‬ ‫�ضرورية يف معظم املهن‪ ،‬وقد نكون �أحوج �إىل كوادر مدربة‬ ‫يف املجال التقني والفني واملهني‪ ..‬وتلك هي جتربة العديد‬ ‫من الدول ال�صناعية املتقدمة‪.‬‬ ‫�شروط املواطنة وحقوق الإن�سان من �أهم رهانات‬ ‫التعليم احل��دي��ث كيف ميكن ت�أ�سي�س مقررات‬ ‫جديدة يف هذا االجتاه ؟‬

‫�إن من �أهم ما يجب �أن تكر�سه املناهج املدر�سية يف‬ ‫جمال الرتبية هي فكرة االنتماء واملواطنة وحقوق املواطن‬ ‫وحقوق الإن�سان عموم ًا‪ ،‬وهذا يتطلب االرتقاء باملناهج‬ ‫والأ�ساليب الرتبوية من م�ستوى التلقني �إىل م�ستوى �إعمال‬ ‫الفكر والتحري�ض على التفكري و�إثارة الأ�سئلة واالحتفاء‬ ‫بالنقد والعقل الناقد وتن�شيط امل�شاركة الطالبية يف‬ ‫احلوار عن معنى االنتماء الوطني وحقوق املواطن وتي�سري‬ ‫القنوات التي يتمكن من خاللها التدرب على ممار�سة‬ ‫مواطنته وانتمائه‪.‬‬

‫الحوار ‪ -‬مجلة فكرية ثقافية فصلية ‪ -‬العدد ‪ - 14‬رجب ‪ 1435‬هـ‪ /‬مايو ‪2014‬‬

‫خمرجات التعليم العايل ال تتنا�سب طرديا مع‬ ‫�سوق العمل جلهة الن�سبة والتنا�سب �إذ تظل ن�سبة‬ ‫اخلريجني �أعلى بكثري من الفر�ص الوظيفية‬ ‫يف القطاعني العام واخلا�ص �أي��ن تكمن معادلة‬ ‫الن�سبة والتنا�سب بني الطرفني؟‬ ‫فر�ص العمل كثرية جد ًا يف �سوق العمل ال�سعودي بدليل‬ ‫�أننا ن�ستقدم املاليني من العمالة الوافدة‪� .‬أما امل�شكلة التي‬ ‫نواجهها فهي اختالل بنية االقت�صاد ال�سعودي منذ �أيام‬ ‫الطفرة الأوىل يف عقد ال�سبعينيات امليالدي بحيث �أ�صبح‬ ‫هذا االقت�صاد يف �صميم تركيبته معتمد ًا ب�شكل رئي�سي‬ ‫على العمالة الوافدة ذات الأجور املنخف�ضة‪ ،‬و�صار �سوق‬ ‫العمل عندنا يعاين تبع ًا لذلك من خلل ف��ادح يف هيكل‬ ‫الأجور‪ .‬اقت�صادنا ال�سعودي‪ ،‬بكل �أ�سف‪ ،‬ال تعمل فيه �آليات‬ ‫العر�ض والطلب ب�شكل منطقي فقد ك�سرنا قوانني الندرة‬ ‫من خالل ا�ستقدام العمالة الوافدة ب�شكل جائر ف�أ�صبح‬ ‫جانب العر�ض وجانب الطلب على اليد العاملة يعمالن‬ ‫مبعزل عن طبيعة امل��وارد الب�شرية الوطنية كم ًا وكيف ًا‪.‬‬ ‫تُ�ضاف �إىل ذل��ك‪ ،‬امل�شكلة الكربى التي تواجهها امل��ر�أة‬ ‫ال�سعودية يف جمال التوظيف‪ ،‬فنحن لدينا �أع��داد هائلة‬ ‫من اجلامعيات ال�سعوديات الالتي ُي ْح َر ْمنَ من دخول �سوق‬ ‫العمل يف حني ن�ستقدم عمالة وافدة يف نف�س تخ�ص�صات‬ ‫ه�ؤالء اجلامعيات من خمتلف دول العامل‪.‬‬

‫نحن بحاجة �إىل �إع ��ادة نظر ومراجعة للمقررات‬ ‫واملناهج التعليمية فهي الزال��ت تعتمد �أ�سلوب التلقني‬ ‫واحل�شو‪ ،‬ولذلك ال نرى ت�أثري ًا كبري ًا لهذه املناهج على‬ ‫خمرجات التعليم لدينا فيما يتعلق بال�سلوك والتفاعل‬ ‫االجتماعي الإيجابي‪ .‬طالبنا ُيلقَّنون وهم على مقاعد‬ ‫الدرا�سة مفاهيم �إ�سالمية عظيمة مثل «�إن �أكرمكم عند‬ ‫اهلل �أتقاكم» لكنهم ال يناق�شون داخل ال�صف املدر�سي كيف‬ ‫يتفق ذلك مع املمار�سات االجتماعية املنحازة واملتعن�صرة‬ ‫قبلي ًا ومناطقي ًا‪ .‬هم ُي َلقَّنون مفاهيم �إ�سالمية عظيمة عن‬ ‫النظرة املتقدمة للإ�سالم جتاه املر�أة لكنهم ال يتناق�شون‬ ‫داخل الف�صل املدر�سي حول امل�شاكل الفعلية التي تعاين‬ ‫منها املر�أة يف املجتمع‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫حوار العدد‬

‫م ��ع وزراء عمل دول جمموع ��ة الع�شرين �أمام‬ ‫مبن ��ى الكوجنر� ��س الأمريك ��ي ويب ��دو د‪ .‬عبد‬ ‫الواح ��د يف نهاي ��ة ال�صف الثالث م ��ن الوزراء‬ ‫على ميني الناظر �إىل ال�صورة‬

‫م���ع اف��ت��ت��اح ج��ام��ع��ة امل��ل��ك ع��ب��د اهلل للعلوم‬ ‫والتكنولوجيا (ك��او���س��ت) اجتهت اململكة �إىل‬ ‫جغرافية ج��دي��دة ال�ستيعاب مناهج معرفية‬ ‫(�شرق �آ�سيا) ما هي ر�ؤيتكم حيال هذه التجربة ؟‬ ‫فكرة االنفتاح على التجارب التنموية الآ�سيوية رائعة‬ ‫لأن هذه التجارب �أثبتت جناحها كما ت�شهد بذلك التجربة‬ ‫اليابانية والكورية واملاليزية وغريها‪� .‬أ�ضف �إىل ذلك �أن‬ ‫هذه املجتمعات �أقرب �إىل طبيعة جمتمعنا‪ ،‬وبالتايل ف�إن‬ ‫�إمكانية اال�ستفادة منها تبدو كبرية جد ًا‪.‬‬

‫الحوار ‪ -‬مجلة فكرية ثقافية فصلية ‪ -‬العدد ‪ - 14‬رجب ‪ 1435‬هـ‪ /‬مايو ‪2014‬‬

‫‪64‬‬

‫بو�سعنا �أن نتعلم الكثري م��ن ال��درو���س وال�ع�بر من‬ ‫التجارب التنموية الآ�سيوية‪ .‬وقد و�ضعت الدول الآ�سيوية‬ ‫الناجحة ا�سرتاتيجيات تعليمية نابعة م��ن ثقافاتها‬ ‫ال�شرقية مع اال�ستفادة من التجارب الغربية الناجحة‪.‬‬ ‫و�أج��زم �أن توطني ه��ذه التجارب لدينا بعد �أقلمتها مع‬ ‫بيئتنا واحتياجاتنا وتعزيزها بالتجارب الغربية الناجحة‬ ‫�سوف ي�سهم يف حتقيق التنمية املن�شودة يف بالدنا‪ .‬ويف‬ ‫هذا املجال‪ ،‬ميكن �أن تكون جامعة امللك عبداهلل للعلوم‬ ‫والتكنولوجيا مبثابة «معمل» و «خمترب» يتم من خالله‬ ‫توظيف تلك املناهج املعرفية يف �صوغ ر�ؤي��ة وممار�سة‬ ‫تنموية تزاوج بني �أف�ضل ما هو موجود يف التجربة الآ�سيوية‬ ‫والتجربة الغربية‪.‬‬

‫يف كتابك ال�سعودة �أو الطوفان ثمة معادلة �صعبة‬ ‫يف ا�ستيعاب التناق�ض بني العمالة الوافدة ون�سب‬ ‫البطالة يف ال�سعودية كيف ميكن اخلروج من هذا‬ ‫امل�أزق الإ�سرتاتيجي ؟‬ ‫كاقت�صادي‪� ،‬أنا �شديد الإميان �أنه ال ميكن لبلد بناء‬ ‫اقت�صاد متني وتنمية م�ستدامة �إال من خالل االعتماد على‬ ‫«املزايا الن�سبية» التي يتمتع بها ذلك البلد‪ .‬وقد تورطنا‬ ‫خالل العقود املا�ضية يف ت�شييد ُبنية اقت�صادية ال تقوم‬ ‫على املزايا الن�سبية لبالدنا وذلك من خالل اال�ستقدام‬ ‫املفرط للعمالة الوافدة‪ ،‬ف�أ�صبحنا نت�صرف كما لو �أننا‬ ‫منلك موارد ال نهائية من الأيدي العاملة الرخي�صة وذلك‬ ‫بفتح �أب��واب اال�ستقدام على م�صراعيها مما �أدى �إىل‬ ‫هبوط م�ستوى �أجور الأيدي العاملة ومل يعد ال�سعودي قادر ًا‬ ‫على مناف�سة العامل الوافد الذي ير�ضى بالأجر املنخف�ض‬ ‫يف حني �أن م�ستوى املعي�شة يف ال�سعودية وااللتزامات‬ ‫االجتماعية الكثرية التي يواجهها املواطن ال�سعودي ال‬ ‫متكنه من قبول ذلك الأجر املنخف�ض‪ ،‬ف�أ�صبحت املناف�سة‬ ‫بني العامل الوافد والعامل ال�سعودي غري متكافئة وخرج‬ ‫ال�سعودي من �سوق العمل مف�سح ًا املجال للمزيد من الأيدي‬ ‫الوافدة‪ .‬وهنا برزت االزدواجية املتمثلة يف ارتفاع معدل‬ ‫البطالة بني ال�سعوديني وارتفاع �أعداد العمالة امل�ستقدمة‬ ‫من اخل��ارج‪ .‬وقد كنت وال �أزال �أ�ؤم��ن ب��أن هذا الت�شويه‬ ‫الذي حلق ب�سوق العمل ال�سعودي لن يتم �إ�صالحه �إال عن‬ ‫طريق تر�شيد اال�ستقدام و�أن نتحمل امل�صاعب والآالم‬ ‫التي �ستحدث من ج��راء ذلك يف امل��دى الق�صري واملدى‬ ‫املتو�سط‪ ،‬وهذا هو جوهر ا�سرتاتيجية التوظيف ال�سعودية‬ ‫التي وافق عليها جمل�س ال��وزراء يف �أواخ��ر عهد الدكتور‬ ‫غازي الق�صيبي كوزير للعمل‪ .‬وبالتوازي مع ذلك البد من‬ ‫العمل ب�شكل منهجي على ت�صحيح املفاهيم االجتماعية‬ ‫البالية التي الزالت تعرقل م�شاركة املر�أة يف �سوق العمل‬ ‫بال �أي مربرات دينية حقيقية‪.‬‬ ‫هل هناك �صيغة ما لتقريب الفجوة بني القرار‬ ‫الر�سمي والإرادة ال�شعبية يف حتقيق معدالت‬ ‫ال�سعودة بح�سب اخلطط املر�سومة؟‬ ‫حتقيق معدالت ال�سعودة �إىل امل�ستوى ال��ذي يجعل‬ ‫البطالة بني ال�سعوديني وال�سعوديات ال تتجاوز معدل‬


‫ليس هناك وصفة‬ ‫سحرية تحقق‬ ‫السعودة دون آالم‬ ‫وتضحيات‬ ‫«البطالة الطبيعي» ال��ذي يقدره االقت�صاديون بحوايل‬ ‫‪ 3‬باملائة هو «ق�ضية وطنية»‪ ،‬وبالتايل ف ��إن العمل على‬ ‫حتقيقها يجب �أن يكون �أولوية وطنية‪ .‬ومن امل�ؤكد �أن هذا‬ ‫ال ميكن �أن يتم ب��دون ق��رار ر�سمي‪ .‬لكن املهم �أ َّال يكون‬ ‫هناك تراجع عندما ت�أتي �ضغوط من رجال الأعمال ومن‬ ‫بع�ض الفئات املتنفذة التي قد تتعار�ض م�صاحلها �أحيان ًا‬ ‫مع ال�سعودة‪ ،‬ولي�ست هناك و�صفة �سحرية حتقق ال�سعودة‬ ‫دون �آالم وت�ضحيات‪.‬‬ ‫تخو�ض اململكة العربية ال�سعودية حتديات يف‬ ‫املعرفة والتطور �إىل �أي مدى ميكن ملنهجية احلوار‬ ‫�أن حتقق النجاح حيال تلك التحديات ؟‬

‫الواقع ال�سعودي ي�شهد حراك ًا ثقافي ًا وتعليمي ًا رائع ًا‪،‬‬ ‫ففي ال�سابق كنا نتحدث عن «الركود الأدبي»‪ ،‬على �سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬بينما الآن نتحدث عن ظاهرة «�إنفجار» الرواية‬ ‫ت�صدرت قوائم جوائز الرواية العربية‪،‬‬ ‫ال�سعودية التي َّ‬ ‫ويف ال�سابق كان عندنا �أقل من ع�شر جامعات بينما �أ�صبح‬ ‫لدينا الآن �أكرث من ثالثني جامعة وما يقارب من مئتي �ألف‬ ‫مبتعث ومبتعثة �إىل جامعات الدول املتقدمة‪ ،‬ويف ال�سابق‬ ‫كانت املر�أة حمرومة من التعليم بينما �صارت املر�أة ت�شكل‬ ‫يف الوقت احلا�ضر �أغلبية الكتلة الطالبية يف اجلامعات‪.‬‬ ‫بالطبع لدينا نواق�ص‪ ،‬ففي املجال الثقايف ال �أفهم عدم‬ ‫حما�س اجلهات امل�س�ؤولة لتن�شيط احلركة امل�سرحية وال‬ ‫�أفهم غياب ال�سينما‪ ،‬ويف املجال التعليمي نحتاج �إىل‬ ‫�إ�صالح �شامل يف مناهج التعليم والرتبية‪ .‬وباخت�صار‪� ،‬أرى‬ ‫�أنه يف ظل هذه املعطيات �أن م�ستقبلنا واعد‪ ،‬لكننا نحتاج‬ ‫�إىل ت�سريع عجلة التنمية وال �أقول حرق املراحل ف�أنا من‬ ‫امل�ؤمنني ب�أن عن�صر «الوقت» هو من العنا�صر الرئي�سية يف‬ ‫معادلة التنمية ال�شاملة‪.‬‬ ‫ه��ل ميكننا ال��ق��ول �أن اخل�صو�صية ال�سعودية‬ ‫وعالقتها بت�صور ما للإ�سالم يف الإطار اجلغرايف‬ ‫والتاريخي؛ هل ميكن �أن تكون هذه اخل�صو�صية‬ ‫بت�أويلها ذاك مانعا من قراءة املجتمع ال�سعودي‬ ‫قراءة مقارنة مع املجتمعات الأخرى ؟‬

‫اع�ت�ق��د �أن ه �ن��اك مبالغة يف ا��س�ت�خ��دام م�صطلح‬ ‫«اخل�صو�صية ال�سعودية»‪ .‬ففي النهاية نحن �شعب عربي‬ ‫م�سلم ج��زء من الأم��ة العربية والإ�سالمية‪ .‬و�أن��ا �أقبل‬ ‫ا�ستخدام ه��ذا امل�صطلح فقط يف �سياق احل��دي��ث عن‬ ‫اخل�صائ�ص املحلية التي جندها يف كل بلد من بلدان‬ ‫ال�ع��امل‪ .‬وحتى يف اململكة هناك خ�صائ�ص حملية لكل‬ ‫منطقة‪ ،‬ولكن ال يعني ه��ذا �أن ثمة خ�صو�صيات تقف‬ ‫كال�سدود املنيعة �أمام فكرة التمازج والتالقح‪ ،‬بل ميكن �أن‬ ‫تكون تلك اخل�صائ�ص املحلية من �أ�سباب الرثاء الثقايف‬ ‫واحل�ضاري واالجتماعي واالقت�صادي وكل جماالت العي�ش‬ ‫امل�شرتك املتناغم‪ .‬ولذلك �أنا �أرف�ض فكرة الو�صاية التي‬ ‫معرفة الواقع �شرط لقراءته كيف تقر�أ م�ستقبل قد يرغب البع�ض يف ممار�ستها على الآخرين يف املجتمع‬ ‫التعليم والثقافة يف اململكة العربية ال�سعودية يف بحجة حماية اخل�صو�صية ال�سعودية‪.‬‬

‫الحوار ‪ -‬مجلة فكرية ثقافية فصلية ‪ -‬العدد ‪ - 14‬رجب ‪ 1435‬هـ‪ /‬مايو ‪2014‬‬

‫منهجية احلوار هي منهجية ح�ضارية متقدمة لتحقيق‬ ‫الإ��ص�لاح والتطور والتعاي�ش يف املجتمع واالق�ت�راب من‬ ‫احلقيقة‪ .‬ويف غياب احلوار ترتاكم ال�شكوك جتاه «الآخر»‬ ‫ويتحول املجتمع �إىل جزر منعزلة تع�ش�ش فيها فكرة امل�ؤامرة‬ ‫و�إ�ساءة الظن ويكون ذلك املجتمع يف حالة احتقان وتوتر‬ ‫حتى لو تظاهر بغري ذلك‪ .‬و�أنا �أقبل فكرة احلوار حتى لو‬ ‫من �أجل تر�سيخ فكرة احلوار يف مراحل معينة من م�سرية‬ ‫التقدم االجتماعي والثقايف لكنني �أتخوف من غياب نتائج‬ ‫وثمار ملمو�سة للحوار‪ ،‬ففي غياب نتائج يلم�سها املواطنون‬ ‫وخا�صة الفئات املت�ضررة يفقد النا�س اهتمامهم بفكرة‬ ‫احلوار فينظرون �إليه على �أنه م�ضيعة للوقت ال طائل من‬ ‫ورائه‪ .‬وب�سبب ذلك �أرى �أن منهجية احلوار التي تخو�ضها‬ ‫اململكة جيدة‪ ،‬ولكن يجب �أن تتوازى معها نتائج ملمو�سة‬ ‫وخا�صة يف امللفات ال�شائكة التي تُناق�ش يف ندوات احلوار‬ ‫الوطني‪.‬‬

‫�ضوء معطيات هذا الواقع ؟‬

‫‪65‬‬


‫المحتويات‬ ‫الحوار ‪ -‬مجلة فكرية ثقافية فصلية ‪ -‬العدد ‪ - 14‬رجب ‪ 1435‬هـ‪ /‬مايو ‪2014‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪84‬‬

‫قناة حوارات المملكة بمركز الملك‬

‫عبدالعزيز للحوار خدمة حوارية فاعلة‬ ‫على اليوتيوب‬

‫ندوة العدد‪ :‬أساليب التعبير عن‬ ‫األفكار والرؤى بالنظر ألدبيات‬ ‫الحوار ووسائله‬

‫‪60‬‬

‫الحصين بقية السلف الصالح‬

‫حوار القمم ‪ ( ٫٫‬يا بني أحبك)‬ ‫‪71‬‬

‫ثقافة الكراهية‬

‫فن الكاريكاتير السعودي‬

‫مقاربة في الحوار البصري‬


‫العدد ‪ - 14‬رجب ‪ 1435‬هـ‪ /‬مايو ‪2014‬‬

‫مجلة فكرية ثقافية فصلية‬

‫خادم الحرمين الشريفين‬ ‫شخصية العام في جائزة الشيخ زايد ‪2014‬‬

‫في لقاء خاص‬

‫المفكر رضوان السيد‪:‬‬

‫‫المعلومة الخاطئة‬

‫البد من صون الدين‬ ‫في أزمنة التغير‬

‫هدم القيم املثلى للحوار حتت �شعار احلرية‬‬

‫مختص��ون ‪ :‬اإلنتاج الفكري ‪ ..‬هل من دور للمنافس��ة عربيًا ودوليًا ؟‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.