لن أسري وحدي
لن أسير وحدي! ومواقف حياتيّة ٍ واقعيّة ٍ ُ قصص ٌ الشباب والمراهقة ِ ِ ق وأوضح َ لمرحلة ِ لفهمٍ أعم َ س البشر ي ّة من خلال علم النفس والقرآن ال كريم والنف ِ
تأليف :أمل طعمة التدقيق اللغويّ :عبير الحكيم
1
لن أسري وحدي
2
لن أسري وحدي
بسمِ اهللِ الرّمحنِ الرّحيم
ﭽ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ الشعراء٢2 :
ﭽﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﭼ سورة القيامة
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡ ﭼ سورة العصر
عرف رب ّه" َ عرف نفسه ُ فقد َ ق ِيل " :م َن
3
لن أسري وحدي
حب ووفاء ٌ حب فاتّ جه قلبي إليه. بساط ال ِّ َ ل أن أعرفه ،وم ّد إليّ إلى الذي دل ّني عليه قب َ والمؤنس الخالد ،إلى سي ّدي ِ حبيب الباقي، ل ،إلى ال ِ ِ إلى صاحب الأمر ِ والفض ِ ومولايَ وخالق َي الذي إليه ِ مآلي ومصيري.
حب رب العبادِ ،إلى الذي علّم َنا معاني َ ال ِّ صاحب اليدِ البيضاء ِ في معرفة ِ ِّ ِ إلى
س ومداخل َها، ق ال ّ ِ والوفاء ِ ،ودل ّنا على طر ي ِ حق والخ ير ،وألهم َنا طرقَ معرفة ِ النف ِ ل طاقاتِها ...إليك سيدي رسول الل ّه . وقيادتَها وتفعي َ
ق ومصابيح َها علامات الطر ي ِ ِ حب الل ّه ِ ومعرفت َه ُ ،ووض َع ّ ل في ّ ل م َن أشع َ إلى ك ّ ِ ل الواقع. ِ وسط َ غياهب الظلا ِم وثق ِ
كلمات العطاء ِ والوفاء. ِ طرتُ إلى م َن كانا سببا ًلوجودي ،وبصبر ِهما وعطائِهما س ّ وأخص رفيقة َ دربي ،والسند َ المتينَ في مسيرة ِ حياتي ،ودفعي في طر يق الحق ّ والخ ير ،إلى من كانت لمساتُها الحانية ُ معينا ً ومؤازرا ً في ظهور هذا الكتاب، وكانت كلماتُها العطرة ُ مسلّيا ً وأنيسا ً ...إليك أمي. ي أو روحيّ ،وكانَ لعب َر َاته ِ دفء ٌ ودف ٌع، ل م َن له َ فض ٌ إلى ك ّ ِ ل عليّ ،في مددٍ مادّ ّ ٍ ولدعائ ِه ِ أثر ٌ وفعل.
سه ِ ،ليقود َها نحو َ معال ِم الع ُلا والسعادة. ل حائر ٍ يريد ُ أن يسبر َ أغوار َ نف ِ إلى ك ّ ِ إليكم جميعا ً أهدي ... 4
لن أسري وحدي ن الر ّحيم بس ِم الل ّه ِ الر ّحم ِ
لماذا " لن أسير َ وحدي " !
في ليلة ٍ شديدة ٍ البرودة ِ ،اكتسَت حل ّت ُها لونا ً رمادي ّا ً حت ّى قاربَ مؤنس. ٍ ق ،ولا السواد َ ،بلا رفي ٍ ل الدفء ُ عبر َ مساراته ِ خافت ،يتسل ّ ُ ٌ يلو ُ ح من بعيدٍ ضوء ٌ
ل ،م ُعيدا ً القو ّة َ ل والتفاؤ ِ المضيئة ِ ،حاملا ً عبر َ ذرّاته ِ غبار َ الأم ِ القلب ،ونور َ المعرفة ِ في ِ ل في جسدِ الحياة ِ ،والحنانَ إلى مداخ ِ خلايا العقل. ل وحدة ُ وات واضحة ِ المعال ِم ،وتتب ّد ُ ح ،وتسير ُ بخط ٍ فتنشط الجوار ُ ُ ق ليزدحم َ أفرادا ً وجماعات. الطر ي ِ 5
لن أسري وحدي
ح الجديدة ُ ّرت الرو ُ ل ،وغي ِ فقد ب ّدد َ النور ُ والمعرفة ُ ظلام َ اللي ِ رب! درب ،قائدا ً للس ِ ٍ ق ق الوحشة ،وغدا الباحثُ عن رفي ِ طر ي َ خوف ،قو يا ً يلوذ ُ به ِ الرفاقُ والأغرابُ . ن ال ِ وأمسى المذعور ُ م َ ل. ت الأفعا ُ ت الهيئة ُ ،وتغي ّر ِ لقد تب ّدل ِ النفس غير ُ التي كانت ،والجسد ُ لم يمُي ّز شكل َه ُ ورسم َه ُ! ُ وإذا ل ذلك! لك ّ كيف تب ّد َ َ هذا الكتابُ يجيب ُك! شمس المعرفة ِ بعد َ ظلا ِم الجهل! ُ ل أن تشرقَ فما أجم َ ق وما أروعَ أن يُدرك َ الإنسانُ نفسَه ،ويسير َ في الحياة ِ ،واث َ العقبات ،في ُجان ِب ُها ويتجاوز ُها بثقة ِ ِ ق ويتوق ّ ُع يعرف الطر ي َ ُ الخ ُطا، العارف العالم! ِ
٢
لن أسري وحدي
ك ،تُس ِ ّر ُ ما أحلى الحياة َ لو وجد َت يدا ً ممت ّدة ً إليك ،تكونُ مع َ ك النصائح َ ،وتجيبُ عن تساؤلات ِك ،ولا تستغربُ م ِن إلي َ غراب َت ِها! ن كنتُ قد وعدتُ نفسي َ أن أس ّ طر َ كتابا ً عندما أغدو في س ّ ِ
ِ اذف قلبي جميع الأسئلة ِ التي كان َت تتق ُ النضج ،وأجيبَ عن ِ ل رحلة ِ شبابي في هذه ِ الحياة! وعقلي خلا َ
الكتاب؛ وقد آنَ لي أن أفي َ ِ هذا هو الداف ُع الحقيقيّ وراء َ هذا
بوعدي.
ل من الشباب أو ما ت ُسمّى "المراهقة" ،هي فترة ُ الانتقا ِ ِ فمرحلة ُ الطفولة ِ إلى الشباب ،ولهذه ِ المرحلة ِ أسرار ُها وتساؤ ُلاتُها الشاب أو الفتاة ُ المرور َ منها بسلام، ّ ن استطاعَ ومشاكل ُها ،فإ ِ ن والحياة ،ومعالم َ ن من رس ِم صورة ٍ واضحة ِ المعال ِم لل كو ِ ك َ وتم ّ وعرف نفسَه ،عندئذٍ َ ّف على قوانين ِها لنفسه ِ وشخصي ّته ،وتعر َ 7
لن أسري وحدي
ِ النجاح في الدنيا والفوزِ خطوات ِ ل يكونُ قد وض َع قدم َه ُ على أ ّو ِ بالآخرة. الكتاب هو أن ّي لم أجد في المكتبة ِ ِ أمّا السببُ الثاني لهذا الإسلامي ّة ِ م َن يخاطبُ هذه ِ الفئة َ بلغتهم وأسئلتهم ومواقفهم ل أو الأكبر َ ومشكلاتهم ،فال كتبُ الموجودة ُ إمّا تخاطبُ الأق ّ منه ُم سن ّا ً ،أما مرحلة الإعدادية والثانو ية فكأ ّنها قد أجدب َت ي مم ّن يكتبُ عنها رغم َ أهم ّي ّت ِها ،فإن تحدثتِ ال كتبُ عنها ،فه َ س، تخاطبُ الأمّ أو المرب ّي أو الطالبَ الجامعيّ في كل ّي ّة ِ علم ِ النف ِ يكتشف مشكلاتِها و يساهم َ في حل ّها ،وهذا َ ّف طبيعت َها و ليتعر َ جي ّدٌ وضروريّ ،ل كن ّنا بحاجة ٍ إلى أن ننصتَ إليهم ويسمع ُوا من ّا
ِ ل ويبعد ُهم عن الصحيح الذي يجن ّب ُهم الزل َ ل لتتم ّ عملي ّة ُ التواص ِ
ل! فإ ّنهم خطوات عرجاء َ قد توصل ُهم لتجارِ ِ ٍ بدء ِ حياتِهم ب ب فش ٍ
ح التغيير ِ وفه ِم ذاتِهم وقوانينَ كوا مفاتي َ حظ وأدر ُ إن حالف َهم ُ ال ّ ل إلى آخر الحياة ِ نج َوا ،وأفل ُ حوا ،وإن تلعثم َت خطواتُهم من فش ٍ 8
لن أسري وحدي
س ورب ّما يكونُ مآلُهم إلى مهاوٍ فقد يق َعونَ فريسة َ الإحباطِ واليأ ِ لا ت ُحم َد ُ ع ُقباها. الشاب أو الفتاة َ يدا ً بيد ،وفكرا ً بفكر، ّ إ ّنها محاولة ٌ لأساعد َ ق ،برؤ ية ٍ واضحة ٍ ،ونظرٍ وخطوة ً بخطوة ،لنسير َ معا ً على الطر ي ِ يعرف قدر َ ُ عارف بمفاوزِ الحياة ِ ،سابر ٍ لأغوارِها وقوانين ِها، ٍ ثاقب ٍ سه ِ وي ُدرِك ُ قدرات ِه ِ التي وهب َها الل ّه ُ له ،فيضع ُها في محال ّ ِها نف ِ
المناسبة ِ ،ويسير ُ بها نحو رفعة ِ مجتمع ِه ِ ونهضت ِه ِ ،يجم ُع بينَ العلم ِ ِ ك النجاح في الدنيا لأن ّه ُ يمل ُ ج بينَ العظيم ،يزاو ُ ن الحديثِ والقرآ ِ ِ ِ بنعيم الآخرة ِ وسعادتِها النجاح فيها ،وبينَ الفوزِ ومهارات ِ علوم َها ِ
ض عالما ً ض؛ فيسير ُ في الأر ِ برب السماء ِ والأر ِ ل ِّ لأن ّه ُ موصو ٌ عارف بقوانين ِه ِ ٌ الأسباب، ِ رب ِّ بأسبابِها ،وقلب ُه ُ متطل ّ ٌع إلى وشرع ِه ِ الحقّ ِ الم ُبين. الشاب والفتاة. ّ هذا الكتابُ حت ّى لا تسير َ وحد َك َ أ ّيها 9
لن أسري وحدي
ح الكتاب أغلبَ الأسئلة ِ التي كانت تل ّ ُ ِ ض في حاولتُ أن أعر ِ َ عليّ عندما كنتُ في هذا العمر ،وكنتُ أتمن ّى لو أجد ُ من يجيبُ خوف م ِن سخر ية ٍ ٍ ح له مشاعري وخواطري دونَ عنها أو أشر ُ التعليم لهذه ِ المرحلة ِ ل خبرتي في ك م ِن خلا ِ استغراب ،وكذل َ ٍ أو ِ والنقاشات التي كانت تحدثُ بيني وبينَ طالباتي، ِ ن الأسئلة ِ وم َ حت لي الفرصة ُ لأق ّدم َها ل كم ،عسى فسج ّلت ُها في ذاكرتي حت ّى سن َ والتعب ،فأض َع بينَ أيديكم زبدة َ ِ الوقت ِ ن أن أوف ّر َ عنكم بعضا ً م ِ َ الخ برة ِ النفسي ّة ِ والعملي ّة ِ والديني ّة. ل الل ّه َ أن يكونَ قد وف ّق َني لذلك ،وأخذتُ بيدِكم حت ّى لا أسأ ُ
ق كي تمش ُوا على بصيرة ٍ، تسيروا وحد َكم ،وكشفتُ ل كم الطر ي َ
وتح ّققوا أهداف َكم وغايت َكم في الحياة ِ. ن الكتاب طر يقة ً حوار ي ّة ً قصصي ّة ً لمجموعة ٍ م ِ َ ِ وقد سل كتُ في بيت ،ومن المواقف المنفصلة ِ ،تحدثُ لفتاة ٍ في المدرسة ِ وال ِ ِ 11
لن أسري وحدي
ن وقوانينِ الحياة ِ والتغيير، ل إلى فه ِم ذاتِها وال كو ِ خلال ِها تص ُ ن العلم ِ الحديثِ س البشر ي ّة ِ مستمِ ّدة ً ذلك م ِ َ وإدرا ٍ ك لطبيعة ِ النف ِ ن ال كري ِم وعلم ِ ن القرآ ِ س والشخصي ّة ِ ومقاييس ِها ،وم ِ َ في علم ِ النف ِ هارات التفكير ِ ِ ن العلو ِم الحديثة ِ في تنمية ِ م س الإسلاميّ ،وم ِ َ النف ِ ل المشكلات. واتخاذِ القرارِ وح ّ ِ مشكلات يومي ّة ً حياتي ّة ً، ٍ المواقف ِ ك ل تل َ وقد عرضتُ خلا َ ح ص م ِن خلال ِها المعرفة ُ والخ برة ُ ،وتفت ُ مدرسي ّة ً ومنزلي ّة ،ي ُستخل َ ُ آفاقَ الأسئلة ِ والعلم ِ. واستخدمتُ لغة ً سهلة ً سلسة ً ،لتناسب مرحلة الناشئة والشباب من المرحلة الإعدادية والثانو ية. ن الأسئلة ِ ن كثيرا ً م ِ َ الكتاب فتاة ٌ ،إلا أ ّ ِ ن بطلة َ و رغم َ أ ّ ض ن في بع ِ الشاب أيضا ً ،وقد يختلفا ِ ِّ والمواقف تتشابه ُ مع ِ ن ل إلى التفكير ِ العاطفيّ م ِ َ والسمات؛ فالفتاة ُ أمي َ ُ ِ الاهتمامات ِ 11
لن أسري وحدي
ن نوعا ً ما في مستوى الشاب ،ل كنّهما في هذه ِ المرحلة ِ متقاربا ِ ِّ الشاب أكثر َ ِّ ن النضج الفكريّ والانفعاليّ ،فبالرغ ِم م ِن كو ِ ِ س البشر ي ّة ِ جرأة ً واستقلالا ً ،ل كنّهما يلتقيا ِ ن في طبيعة ِ النف ِ ن وقوانينِ الحياة؛ ق تغيير ِها وإصلاحِها ،وفي أسئلة ِ ال كو ِ وطر ِ ن الطفولة ِ ن مِ َ سمات هذه ِ المرحلة ِ ذاتها ،فكلاه ُما ينتقلا ِ ِ ن كما أ ّ س وأسئلت ِها الشباب والمسؤولي ّة ِ ،و يتعر ّضا ِ ِ إلى ن لمفاوزِ النف ِ واكتشاف ِ الحائرة ِ في فه ِم ذاتِها ومعرفة ِ نقاطِ ضعف ِها وقو ّتِها،
ِ النجاح في الحياة ِ. ق طر ِ
ل والنف َع منه ُ ،وأن يجعل َه ُ عملا ً صالحا ً ق والقبو َ ل الل ّه َ التوفي َ نسأ ُ ن .إن ّه هو ال كريم ُ الرحيم ُ ،وعلى الل ّه ِ متقب ّلا ً عند َه ثقيلا ً في الميزا ِ ل. قصد ُ السبي ِ أمل طعمة
2115/1/3م الموافق /12ربيع الأول 143٢/ه
12
لن أسري وحدي
13
لن أسري وحدي
- 1-
نحو الرشدُ (معرفةُ طبيعةُ النفسُ البشريُةُ والتدربُ على قيادتُها ُ هما مفتاحُ النجاحُ في املرحلةُ التي تسمُى "املراهقة") ُ لباس النو ِم ملق ًى على سريري، ُ يوم ٌ عاديّ م ِن أي ّا ِم حياتي، المكتب والطاولة. ِ كتبي مبعثرة ٌ على خرة ً عن موعدِ لقد استيقظتُ كالعادة ِ متكاسلة ً ،متململة ً ،ومتأ ّ ق ،ألقيتُ التحي ّة َ على أهلي، مدرستي؛ لبستُ بسرعة ِ البر ِ البيت والآخر ُ تمتمتُ به ِ ِ ل فانقسم َت شطر ين ،شطر ٌ سمع َه ُ أه ُ 14
لن أسري وحدي
ل حينا ً وأمشي مشيا ً سر يعا ً حينا ً ل ...أخذتُ أهرو ُ ج المنز ِ خار َ ل إليها أن ن عقاربَ الساعة ِ وأنا أتوسّ ُ آخر َ وعيناي لا تفارقا ِ تقف قليلا ً أو تتراج َع ول كن دونَ جدوى. َ س ،تسلل ّتُ سر يعا ً إلى وصلتُ أخيرا ً إلى المدرسة ِ مع رن ّة ِ الجر ِ ألقت المدرّسة ُ علينا ِ ن حت ّى ص ّفي ومقعدي ،وما هي إلا ثوا ٍ تحي ّت َها المعتادة َ بابتسامة ٍ خفيفة ٍ ولهجة ٍ شابَها الج ِ ّد والحنو ّ معاً. ل ي المفقود ،وأثار َ السؤا َ بعض نشاط َ َ كانَ درسا ً ممتعا ً أعاد َ لي ل يتردّد ُ في خاطري :من أنا؟ وماذا أريد ُ؟ وإلى الذي لا يزا ُ ل في هذه الحياة؟ ن سأص ُ أي َ ديرات ماثلة ً ِ سات الق ات المتمث ّلة ِ بالمدرّ ِ ج الشخصي ّ ِ كان َت نماذ ُ ج في عقلي وقلبي معاً ،كانت المقارنات تمو ُ ِ وآلاف ُ أمام َ عينيّ، ت يشتاقُ قلبي ات تثير ُ إعجابي وتقديري ،وشخصي ّا ٌ هناك َ شخصي ّ ٌ ات لبسمة ٍ ترتسم ُ على وجوه ِها ،وأخرى أثارت فيّ تساؤل ٍ وأفكار. 15
لن أسري وحدي
هذا جزء ٌ يسير ٌ م ِن أفكاريَ المختلفة ِ والمضطربة ِ ،وكأ ّنها تبحثُ
ليس كنزا ً مدفونا ًفي ِ قاع البحارِ ينتظر ُ محقّقا ً عن شيء ٍ ثمينٍ؛ إن ّه ُ َ ن في داخلي ول كن دونَ أن أو كشّافا ً ليكتشف َه ُ ،إن ّه ُ مدفو ٌ أدري. أي ّام ٌ كثيرة ٌ تمضي متشابهة ً في سَمت ِها وأحداثِها ،ل كنّ الأفكار َ ظل ّت حبيسة ً في داخلي تنتظر ُ ر ُب ّانا ً ماهرا ً كي يدل ّها على كنز ِها، وكنتُ في المدرسة ِ أبحثُ عن ذاك َ الر ب ّان. ل عنها أمر بها ،ي ُقا ُ قرأتُ كثيرا ً عن طبيعة ِ المرحلة ِ العمر ي ّة ِ التي ّ
ل س (فترة ُ المراهقة ِ) .وأي ّا ً كانَ اسم ُها فهي تحم ُ في علم ِ النف ِ
ن ويتجاوز ُها إمّا بسلا ٍم أو قد ل إنسا ٍ صفات معي ّنة ً يمر ّ بها ك ّ ٍ ل قابعة ً في شخصي ّته ِ. كدورات أو الآثارِ التي تظ ّ ِ بعض ال ت ُصيب ُه ُ ُ ل عن هذه ِ ل ما قي َ ُ لقد استحوذ َ على فكريَ استكشاف ك ّ ِ
ِ الضياع (إن جاز َ لي َ ض أحس فيها ببع ِ ّ المرحلة ِ ،رب ّما لأن ّي ل( :ما شاء َ الل ّه) ن م َن يراني يقو ُ التعبير ُ بهذه ِ الكلمة ِ) ،رغم َ أ ّ 1٢
لن أسري وحدي
ن الأفكارِ بأمواج م ِ َ أحس ّ ثناء ً على ات ّزاني وتع ّقلي ،إلا أن ّي ٍ ل في داخلي ،تُشعرني أن ّي وعشرات المشاعر ِ تعتم ُ ِ تتصارع ُ،
غريبة ٌ في هذه ِ الدنيا ،وأخرى أشعر ُ أن ّي لا أجيد ُ فهم َها أو فهم َ ل ل ذل َ س م ِن حولي .ك ّ النا ِ ك يدفع ُني إلى محاولة ِ تحلي ِ أمر بها ،عل ّني أفهم ُ أو أجد ُ والأحداث التي ِ ات الشخصي ّ ِ ّ
الإجابات التي أبحثُ عنها. ِ -
انتبهن ...
سات وهي صوت إحدى المدرّ ِ ِ لم أفق م ِن هذه ِ الخواطرِ إلا على تمر ّ بجانبي وقد لاحظَت شرودي ،فحاول َت إخراجي م ِن ن :انتبهن. وصوت حا ٍ ٍ أفكاري بنقرة ٍ خفيفة ٍ على مقعدي بادلت ُها بابتسامة ٍ صغيرة ٍ ،واحمر ّ وجهي خجلاً ،ثم ّ رك ّزتُ نظري الدرس بانتباه ٍ وبمشاركة ٍ إ يجابي ّة ٍ ،محاو َلة ً َ على السب ّورة ِ وتابعتُ س. ل الد ّر ِ ت خلا َ من ّي للاعتذارِ عم ّا بدر َ من ّي م ِن تشت ّ ٍ
ِ جميع س المحب ّبة ُ لدى ي ،وكان َت رن ّة ُ الجر ِ انتهى الد ّوام ُ المدرس ّ 17
لن أسري وحدي
ن الدراسة ِ، الرفيقات وانقضاء ِ يو ٍم م ِ َ ِ ق ن لحظة َ فرا ِ الطالبات تعل ُ ِ ل واحدة ٍ ن الأطعمة ِ التي تحلم ُ ك ّ ل بينَ طي ّاته ِ أطيافا ً م ِ َ كما يحم ُ من ّا بتناول ِها عند َ عودتِها إلى منزل ِها.
ِ المطبخ ،فقد شممتُ ألقيتُ التحي ّة َ على أم ّي ،وأسرعتُ إلى رائحة ً أمي ّز ُها تماماً ،هي م ِن طعامي َ المفضّ ل .أسرعتُ نحو أم ّي جت متلعثمة ً وأنا أقب ّل ُها وألث ِم ُ يد َها الحبيبة َ ،وكلماتُ الشكر ِ خر َ
ل غرفتي وأجهّز ُ نفسي للغداء ِ. أدخ ُ
الل ّه!!! ما أطيبَ طعام َ أم ّي ...قلت ُها وأنا أستع ّد للاستلقاء ِ قليلا ً ن النوم؛ ن أفكاري منعتني م ِ َ ل الغداء ِ .إلا أ ّ في سريري بعد َ تناو ِ ل وأخذ َت يدايَ تتلاعبُ به ،باحثة ً تناولتُ حاسوبي َ المحمو َ ٍ موقع ن المراهقة ِ وسماتِها .توق ّفتُ عند َ ع َن مواضي َع تتح ّدثُ ع َ ِ
ال كترون ٍيّ يتح ّدثُ عن معنى المراهقة: ق أي اقتربَ ،فيكونُ معناها (المراهقة ُ لغو ي ّا ً مشت ّقة ٌ م ِن ر َه َ َ س فتعني ن الاقترابُ م ِ َ النضج والر ّشدِ ،أمّا في علم ِ النف ِ ِ 18
لن أسري وحدي
ي والاجتماعيّ. ي والعقليّ والنفس ّ النضج الجسم ّ ن الاقترابَ م ِ َ ِ ي، جسدي وتغي ّرٍ نفس ّ قفزات في النموِ ّ ال ٍ حدوث ِ ل على وهذا يد ّ ِّ ِ رات ن التغي ّ ِ الصراع ن ق نوعٌ م َ فينشأ عند َ المراه ِ الناتج ع ِ ِ الفيز يولوجي ّة ِ والنفسي ّة ِ التي طرأت عليه ِ ،بالإضافة ِ إلى تأث ّر ِه ِ مر بها في مرحلة ِ الطفولة ِ. ِ بالخ برات السابقة ِ التي ّ
ل عا ٍم ل التجارِبُ على أ ّ وتد ّ ن النظ ُم َ الاجتماعي ّة َ والمجتم َع بشك ٍ ل المراهقة ِ ق ،فمشاك ُ أزمات للمراه ِ ٍ ل عم ّا يحدثُ م ِن هو المسؤو ُ جتمعات ِ جتمعات الغربي ّة ِ أكثر ُ بكثيرٍ م ِن نظيراتِها في الم ِ في الم ل م ِن هذه ِ ن أن تجع َ العربي ّة ِ والإسلامي ّة ِ؛ فالمجتمعاتُ يمك ُ المرحلة ِ مرحلة ً انتقالي ّة ً بسيطة ً أو تجعل َها قاسية ً). جتمعات العربي ّة ِ والإسلاميّة ِ ِ قلتُ في نفسي :ت ُرى لماذا في الم ل؟ أهي طبيعة ُ الأفكارِ السائدة ِ؟ أم تأث ّر ُ ل المراهقة ِ أق ّ مشاك ُ ن؟ ....ثم ّ قررتُ متابعة َ التربية ِ العربي ّة ِ بأفكارِ الإسلا ِم والقرآ ِ القراءة ِ: 19
لن أسري وحدي
ق نتيجة َ الشعورِ (وقد تكونُ الصراعاتُ التي يعاني منها المراه ُ ق ن الأسرة ِ أو الاعتمادِ عليها ،فالمراه ُ بالحاجة ِ إلى الاستقلا ِ لع ِ سه ِ الوقت نف ِ ِ ل وفي يريد ُ أن يشعر َ بذات ِه ِ وبقدرت ِه ِ على الاستقلا ِ ك لا نفسي ّا ً ولا اجتماعي ّا ً ولا اقتصادي ّاً؛ فإذا هو غير ُ مستع ٍّد لذل َ ن المسؤولي ّة ِ والالتزا ِم ن نوعا ً م ِ َ كانتِ الأسرة ُ والمجتم ُع يعطيا ِ ق بالر ّعاية ِ والاهتما ِم فلن ن حدودٍ مع إحاطة ِ المراه ِ والحر ي ّة ِ ضم َ ِ ِ الصراع. ن النوع م ِ َ يشعر َ بهذا
ٍ ك فات الطفولة ِ م ِن سلو ٍ بصراع بين مخل ّ ِ ق ك قد يشعر ُ المراه ُ كذل َ بات الرجولة ِ أو الأنوثة ِ؛ وكل ّما كانَ هناك َ ومشاعرَ وبينَ متطل ّ ِ
ل مع احترام ِه ِ ك المراه ِ تفهّمٌ لسلو ِ ل الكام ِ ق وعد ِم معاملته ِكالرج ِ ِ الصراع سهلا ً وممكناً. ل كانَ تجاوز ُ هذا ل المستقب ِ كرج ِ
ق يعاني صراعا ً بين شهوات ِه ِ الداخلي ّة ِ والتقاليدِ ن المراه َ كما أ ّ ن أن يتلاشى تدر يجي ّا ً إذا كانَ الاجتماعي ّة ِ؛ هذا الصراع ُ يمك ُ الشاب أو الشاب ّة ُ قد نشأا في بيئة ٍ تبني القيم َ الأخلاقي ّة َ الع ُليا ّ 21
لن أسري وحدي
ل وقتَ فراغه ِ بما هو والشهوات ،وتشغ ُ ِ وتصع ّ ِد ُ وترتقي بالمشاعر ِ ل إنساني ّة ٍ مفيدٌ وراقٍ ،وتفر ّغ ُ قدرات ِه ِ في الر ياضة ِ والقيا ِم بأعما ٍ
ِ للمجتمع). ت ُشعر ُه ُ بأهم ّي ّته ِ وأهم ّي ّة ِ ما يقوم ُ به ِ
قلت في نفسي :الآنَ فهمت ..ح ّقا ً الأسرة ُ في مجتمع ِنا تواكبُ ابن َها حت ّى ينهي َ مسيرت َه ُ العلمي ّة َ ويبدأ مشوراه ُ المهنيّ ،أمّا عند َ ل إمّا عادة ً ك المنز ِ يج ب َر َ على تر ِ الغرب فلا يبل ُغ الثامنة َ عشر َ حت ّى ُ ِ
عادات الم ِ ن مؤونت َه ُ المالي ّة َ ن والديه يستثقلا ِ جتمع أو أ ّ ِ م ِن
الجامعي ّة َ. تنه ّدتُ قليلا ً ،و زاد َ إصراري على متابعة ِ القراءة ِ ،ولسانُ حالي
ل حملي. يحمد ُ الل ّه َ أن ّي و ُلدتُ في مجتم ٍع وأسرة ٍ إسلامي ّة ٍ لا تستثق ُ وتابعت:
ق يشكو الاغتراب والتمر ّدِ ،فالمراه ُ ِ ن ق مِ َ (كما قد يشكو المراه ُ ل ،وبالتالي م ِن أ ّ ن والديه لايفهمان ِه ،فيلجأ إلى معارضة ِ الأه ِ ل قد يكونُ يسيرا ً في ض آرائِهم وسلطت ِهم ،والح ّ التمر ّدِ على بع ِ 21
لن أسري وحدي
ش أساسا ً ن الحوارِ والنقا ِ ل مِ َ ل أسرة ٍ متفهّمة ٍ منفتحة ٍ ،تجع ُ ظ ِّ ات التمر ّدِ لبناء ِ شخصي ّة ِ ابن ِهم أو ابنت ِهم ،مم ّا يجعل ُه يبتعد ُ عن سلوكي ّ ِ
أو العنادِ أو العدواني ّة.
ل والانطواء ِ وهناك َ مظهر ٌ مضادّ للتمر ّدِ ،فقد يشعر ُ المراه ُ ق بالخج ِ
ضعف أو ٍ ق م ِن ك طبقا ً لطبيعة ِ شخصي ّة ِ المراه ِ ل التمر ّدِ ،وذل َ بد َ قو ّة ٍ.
ِ الطبع ،نتيجة ً لما يريد ُ تحقيق َه ُ ق العصبي ّة َ وح ّدة ً وقد يُظه ِر ُ المراه ُ
ل إزعاجا ً كبيرا ً للآخرين والوالد َين. ك ُ العنف ،مم ّا ي ُش ّ ِ بالقو ّة ِ أو لهرمونات ِ ت ُشير ُ الدراساتُ إلى وجودِ علاقة ٍ قو ية ٍ بينَ وظيفة ِ ا ل العاطفيّ ِ عند َ المراهقين؛ التي تزداد ُ في هذه ِ المرحلة ِ والتفاع ِ
ت مزاجي ّة ٍ فالمستو ياتُ الهرموني ّة ُ المرتفعة ُ تؤدّي إلى تفاعلا ٍ
ٍ طبع عند َ الذكورِ غالبا ً غضب وح ّدة ِ ٍ ل كبيرة ٍ تأخذ ُ شك َ الإناث ،مم ّا يجعل ُه ُ أحيانا ً يغرقُ في ِ واكتئاب عند َ ٍ وغضب ٍ العنف والإجرا ِم، ِ ص الروايات البوليسي ّة ِ أو قص ِ ِ خيالات أو ِ ال 22
لن أسري وحدي
وارتكاب الأخطاء ِ وتقليدِ ِ المغامرات ِ حب ل ل ِّ فهو يمي ُ الآخرين). تنهيدة ٌ أخرى أطلقت ُها ،وقلتُ في نفسي: الآنَ عرفتُ سببَ انفعالاتي السر يعة ِ أحيانا ً مع أم ّي أو أبي حدوث المشكلة ِ أجد ُه ُ غير َ ِ رغم َ أن ّي عندما أنظر ُ إلى الأمر ِ بعد َ ل شديد ...آه ...شكرا ً يا أمّي وأبي ن انفعا ٍ جدير ٍ بما فعلت ُه ُ م ِ َ ليس بعذرٍ ،بل ك َ ن ذل َ وأخوتي كم تحم ّلتم! ل كن ّي أعلم ُ أيضا ً أ ّ عليّ أن أدرّبَ نفسي على ضبطِ مشاعر ِها ،كما قالت أم ّي :إن ّما الحلم بالتحل ّم. توضح ُ هذه ِ المعلوماتُ تشحذ ُ هم ّتي في متابعة ِ القراءة ِ لأ ّنها بات َت ّ ن لي َ ال كثير َ م ِن تصرّفات ِي َ التي أحيانا ً لا أفهم ُها ،أو أظنّ أ ّ ل في نفسي لماذا فعلتُ ن لا يشعرونَ بي ،أو أحيانا ً أقو ُ الآخري َ كذا؟ ل هذه ِ الخواطرِ كان َت تجعل ُني أحرّك ُ عينيّ بينَ أسطرِ المقالة ِ ك ّ 23
لن أسري وحدي
ل إلى نهايت ِها: بسرعة ٍ عجيبة ٍ ،وكأن ّي لا أصبر ُ حت ّى أص َ
ِ إثبات ِ الاندفاع ومحاولة ِ ل سلوكي ّاتُ الفتاة ِ المراهقة ِ إلى (فقد تمي ُ ح ل لها ،وتجن ُ رات الجسدي ّة ِ التي تحصِ ُ ن التغي ّ ِ ل مِ َ ِ الذات والخج ِ لتقليدِ أمّها أو رفيقاتِها ،وتتذبذبُ عواطف ُها ،فتغضبُ بسرعة ٍ، وتصفو بسرعة ٍ). تمتمتُ ......امممم .....نعم صحيح ....عذرا ً يا والديّ . ثم ّ أكملتُ القراءة َ: ك حرافات التي قد تظهر ُ في سلو ِ ِ ن الان (وتشير ُ الدراساتُ إلى أ ّ ل ق في المنز ِ ن المراه ِ والمراهقات تحدثُ نتيجة َ حرما ِ ِ المراهقينَ ك والإشراف وكذل َ ِ ن والرعاية ِ العطف والحنا ِ ِ ن والمدرسة ِ م ِ َ لضعف التوجيه ِ الدين ّي. ِ الهدف ِ ق :فقدانُ الهو ي ّة ِ وافتقاد ُ وأبرز ُ المخاطرِ التي يعيش ُها المراه ُ القيم التي يعيش ُها ،فضلا ً عن مشكلة ِ وتناقض ُ الذي يسعى إليه ِ، ِ
الفراغ.
24
لن أسري وحدي
ِ ك س والتربية ِ على أهمي ّة ِ إشرا ِ وات ّف َ الاجتماع وعلماء ُ النف ِ ق خبراء ُ
ج ظمة ِ التي تتناولُ علا َ المناقشات العلمي ّة ِ المن ّ ِ ق في المراه ِ
ِ طرح مشكلات ِه ِ ،ومناقشت ِها مع الكبارِ في مشكلات ِه ِ ،وتعويد َه ُ على
ن أكثر َ من %81 ت الدراساتُ العلمي ّة ُ أ ّ ثقة ٍ وصراحة ٍ؛ وأكدّ ِ مشكلات المراهقينَ في عالم ِنا العربيّ هي نتيجة ٌ مباشرة ٌ ِ من بموجب آرائِهم وعاداتِهم ِ لمحاولة ِ أولياء ِ الأمورِ تسيير َ أولادِهم
ن الحوارِ م َع أهل ِهم يح ِ وتقاليدِ مجتمعاتِهم ،وم ِن ثم ّ ُ جم ُ الأبناء ُ ،ع ِ
ن الآباء َ إمّا لا يهمّهم أن يعرف ُوا مشكلاتِهم، لأ ّنهم يعتقدون أ ّ
أو لا يستطيعون فهم َها أو حل ّها).
ٍ ك منحت َني رب لأن ّ َ مرتفع :الحمد ُ لل ّه ِ ،أشكرك َ يا ّ بصوت ٍ قلتُ
أمر بها و يجيدان التربية َ والد َي ِ ن متفهّم َينِ لطبيعة ِ المرحلة ِ التي ّ
ك أبي... رب ..كم أحب ّكِ أم ّي ،كم أحب ّ َ السليمة َ ..أحمد ُك َ يا ّ
ل ل أيديه ِما ....ل كنّ داف َع الفضو ِ أشعر ُ برغبة ٍ قو ي ّة ٍ في تقبي ِ يسوق ُني لمتابعة ِ القراءة ِ: 25
لن أسري وحدي
ن سأ ّ (وقد أجمع َت الاتجاهاتُ الحديثة ُ في دراسة ِ ِّ طب النف ِ ن إ يجاد َ ل لمشكلاتِها .كما أ ّ السن هي الح ّ ك الأذنَ المصغية َ في تل َ ِّ ل المسؤولي ّة ِ والرعاية ِ التواز ِ س وتحم ّ ِ ن بينَ الاعتمادِ على النف ِ ل صداقة ٍ حميمة ٍ (كما عل ّم َنا ل الوالدي ِ ن في شك ِ والحنوِ ّ م ِن ق ِب َ ِ
رات وبناء ِ ل الخ ب ِ ل الل ّه ِ ) يمك ُ رسو ُ ن أن تبني َ جسرا ً متينا ًلنق ِ أزمات). ٍ صراعات أو ٍ ق المت ّزنة ِ دونَ شخصي ّة ِ المراه ِ
1
أغلقتُ الحاسوبَ ،وألقيتُ رأسي خلف َاً ،أتفك ّر ُ فيما قرأتُ من ت التي أجد ُها ن السلوكي ّا ِ أفكارٍ كثيرة ٍ ،بعض ُها ف َسّر َ لي كثيرا ً م ِ َ حولي أو أقوم ُ بها أحيانا ً ...وصورة ُ أم ّي ببسمت ِها الحانية ِ لا ضت عليّ م ِن حنانِها الشيء َ ال كثير َ ورغم َ تفارقُ خيالي ،لقد أفا َ
ل الآراء ِ ن الحر ّي ّة ِ والمناقشة ِ وتباد ِ كت لي بحبوحة ً م ِ َ ك فقد تر َ ذل َ
مم ّا ساعد َني كثيرا ً في بناء ِ آراء ٍ ل ا لم ِ جتمع وقيم صحيحة ٍ حو َ ٍ
- 11لمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع ،انظر كتاب (تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس ،د .محمد السيد محمد الزعبلاوي)
2٢
لن أسري وحدي
ق ت الآنَ أشعر ُ برغبة ٍ في فهمِه ِ والتعمّ ِ ن ،والذي ب ِ ّ وال كو ِ ك قوانين ِه ِ. بإدرا ِ
ن أشعر ُ بعد ِم انسجا ٍم م َع الم ِ جتمع، ن الأحيا ِ ح أن ّي في كثيرٍ م ِ َ صحي ٌ
أحب تقاليد َه ُ أو بعضا ً م ِن قيمِه ِ ..لا أقصد ُ القيم َ ّ وأن ّي لا ن ل صح ّت ِها لأ ّنها مستم ّدة ٌ م ِ َ خلاف حو َ ل لل ِ الأصيلة َ التي لامجا َ ن والأحداث. ل مع الآخري َ الدي ِ ن ،بل أقصِ د ُ ق ِي َم َه ُ في التعام ِ كان َتِ التساؤلاتُ كثيرة ً عندي :وأبرز ُها يتمحور ُ في تحديدِ ما ن اللو ِم :يجبُ ألا تفعلي كذا.. هو الصوابُ ؟ أسم ُع كثيرا ً م ِ َ الناس نظرة ً لا احترام َ ُ ك ..سينظر ُ إليكِ ك أن تقو ِمي بذل َ إ ي ّا ِ ن الأمثلة ِ والأوامر ِ التي لا أقتن ُع بها فيها ...وال كثير ُ ال كثير ُ م ِ َ أحياناً! تضارب وتكاثر ِ الأفكارِ في رأسي ِ أسدلتُ جفوني هروبا ً م ِن ك الأسئلة ِ التي حام َت ح قليلا ً أو انتظارا ً للأجوبة ِ ع َن تل َ لأرتا َ مرت في حياتي َ ن الصور َ المتع ّددة َ في عقل ِي ،إلا أ ّ لمواقف شت ّى ّ 27
لن أسري وحدي
ألح ّت عليّ فأخذتُ أحل ّل ُها م ِن جديد. ن المدرسة ِ وأنا غاضبة ٌ الموقف أتذك ّره ُ تماما ً ،عدتُ م ِ َ ُ نعم هذا رغم َ أن ّه ُ لم يحدث مايثير ُ غضبي ،حت ّى استغربتُ أنا نفسي م ِن
فليس هناك َ م ِن ٍ كلمات ٍ داع لأنفجر َ بالبكاء بعد َ َ تصرّفي هذا، بسيطة ٍ واستفسارٍ م ِن أم ّي ع َن حالي ،لقد صرختُ بأعلى صوتي بكلمات لم يتبي ّن لأم ّي معناها ،ثم ّ دخلتُ غرفتي ،وانفجرتُ ٍ
بالبكاء ِ كالطفلة ِ.
وهذه ِ صورة ٌ أخرى أعرف ُها وكأ ّنها حدث َت معي َ البارحة؛ طلبتُ خر َ في تلبية ِ طلبي ،عاملت ُه ُ يومَها بفظاظة ٍ م ِن أخي مساعدة ً ،فتأ ّ غريبة ٍ لا تتناسبُ م َع معاني الأخو ّة ِ والمحب ّة. الأمثلة ُ عديدة ٌ ...جميع ُها كنتُ أندم ُ بعدها أش ّد الند ِم ل على ما بدر َ من ّي س ّيما ش ّدة َ انفعالي وعدم َ التواز ِ ن بينَ الفع ِ وردّة ِ الفعل. الآن بدأتُ أفهم ُ ...إذن هي مشكلة ٌ طبيعي ّة ٌ في مرحلتي هذه ِ، 28
لن أسري وحدي
ن بينَ انفعالاتي ومشاعري ل إلى التواز ِ ص َ عليّ معالجت ُها لأ ِ ل والقيم ،وإبعادِ أهوائ ِي ونفسي تتحكّم ُ بسلوكي ،عليّ أن والعق ِ س العلاقات بينَ النا ِ ِ ق أكثر َ في فه ِم ذاتي ،وفه ِم أتعمّ َ لص ٍ حيح. ل معهم بشك ٍ والتواص ِ
ت ُرى أيّ المصادرِ الموثوقة ِ أعتمد ُ في هذا الفه ِم؟ ل لم أجب عنه ُ فقد قطع َه ُ صوتُ أخي الصغير ِ وهو يناديني: سؤا ٌ ن به ِ خللا ً ل هذا الجهاز ُ؟ أشعر ُ أ ّ كيف يعم ُ َ أعرف ُ أختي لا ل كما يجبُ . فهو لا يعم ُ أجبت ُه ُ قائلة ً :كيف؟ أرني. عليمات ٍ ل ت وبعد ملاحظتي للجهازِ سألت ُه ُ :هل للجهازِ م ِن دلي ِ ق معه ُ في علبت ِه ِ ..ابحث ل م ُرف َ ٍ (كاتلوج)؟ أظنّ أن ّه ُ لاب ّد م ِن دلي ٍ عنه. ل :وهل بحثَ أخي حت ّى وجد َه ُ ،فجاء َني به ِ ،ثم ّ ابتدر َني بالسؤا ِ
سبب الخلل؟ أو عد ِم ِ تظن ّينَ أن ّنا سنجد ُ الجوابَ الشافي لمعرفة ِ 29
لن أسري وحدي
قيام ِه ِ بعمل ِه ِكما يجب؟ ل الجهازِ، ك ،وعينايَ تبحثا ِ هززتُ رأسي مؤكّدة ً ذل َ ن في دلي ِ وبعد َ فترة ٍ ليست بقصيرة ٍ وجدتُ ضال ّتي ،وبدأتُ أت ّب ُع ق أخي ل ،حت ّى أطل َ كتي ّ ِ التعليمات التي ورد َت في ُ ِ ب الدلي ِ
صيحة َ ٍ أكب عليّ يعانق ُني وكلماتُ الشكر ِ انهال َت عليّ ّ فرح ،ثم ّ ل .قبّلت ُه ُ وسألت ُه ُ ع َن ِ كالقذائف فرحا ً بعودة ِ جهازِه ِ إلى العم ِ
واجبات ِه ِ وهل أنهاها فاطمأننتُ عليه ،ثم ّ ع ُدتُ إلى مكاني في غرفتي فعاد َت إليّ أفكاري م ِن جديد. ثم ّ لمع َت فكرة ٌ ..إ ّنها ليست جديدة ً أو غريبة ً عليّ! بل إن ّي للتوِ ّ أكّدتُها لأخي ! تعليمات ٍ ن ل الجهازِ الذي صنع َته ُ الشركة ُ هو بالتأكيدِ يتضمّ ُ دلي ُ
ٍ ل عمل ِه ِ أي استفسارٍ حو َ ن عم َ تضم َ ُ ل الجهازِ بنجاح ،وتجيبُ ع َن ّ ِ
ض لها وكيفي ّة ِ ل التي قد يتعر ّ ُ ض الأخطاء ِ والأعطا ِ أو بع ِ
حها. إصلا ِ 31
لن أسري وحدي
ق الإنسانَ وأعطاه ُ دليلا ً مرفقاً ،كي ل خل َ عز وج ّ نعم !! والل ّه ُ ّ
لص ٍ حيح. يعم َ ل الإنسانُ و يؤدّيَ دور َه ُ بشك ٍ كيف فاتتني هذه ِ الفكرة ُ! َ
ل سيرِ ن ال كري ِم ،دلي ُ أجل ،لن يجيب َني ع َن تساؤلاتي سوى القرآ ِ
ن بن ٍ ل علاجا ً جاح في هذه ِ الحياة ِ ،ولاب ّد أن ّه ُ سيحم ُ الإنسا ِ للأخطاء ِ تعترض الإنسانَ في هذه ِ الحياة ِ؛ يا لها ُ والعقبات التي ِ من فكرة ٍ واضحة ٍ جلي ّة ٍ ل كنّها كان َت غائبة ً عن ّي.
ومرة ً أخرى أخذ َت أصابعي أسرعتُ إلى حاسوبي م ِن جديدٍّ .
ن ل القرآ ِ كتب حو َ ٍ تتحر ّك ُ بحثا ً في الشابكة ِ (الانترنيت) عن
س البشر ي ّة ِ. ال كري ِم وعلاج النف ِ ِ
ٍ ظمٍ .الإعجاز ُ القرآنيّ .وهناك َ ل ومن ّ يا الل ّه .ياله ُ م ِن موقع جمي ٍ ن ال كري ِم) للدكتور عبد ي في القرآ ِ كتابُ ( :روائ ُع الإعجازِ النفس ِ ّ
الدائم كحيل...جزاه ُ الل ّه ُ خيراً .أستطي ُع تنز يل َه ُ مباشرة ً وقراءَتَه.
ح لديّ الكتابُ بنسخت ِه ِ الال كتروني ّة ِ. الحمد لل ّه ،لقد أصب َ 31
لن أسري وحدي
سأفتح ُه. الانفعالات ": ِ ن "التحكّم ِ ب ل في مق ّدمة ِكتاب ِه ِ وتحتَ عنوا ِ إن ّه ُ يقو ُ ف قام َ به ِ؟ وم َن (م َن من ّا لم يندم يوما ً على كلمة ٍ قال َها أو تصرّ ٍ من ّا لم يفك ّر يوما ً بضبطِ انفعالات ِه ِ ومشاعر ِه؟ وم َن من ّا لا يتمن ّى أن يتحكّم َ بعواطف ِه ِ وتصرّفات ِه تجاه َ الآخرين؟ هذه ِ أسئلة ٌ أحببتُ ن ي م ِن خلال ِها فكرة ً عن مضمو ِ أن أبدأ بها هذا البحثَ لأعط َ أحب أن ألفتَ انتباه َ ّ ك ل ذل َ ف عليه اليو ِم .ول كن قب َ ما سنتعر ّ ُ
ن ال كتبَ التي تتناولُ ئ لشيء ٍ قد لفتَ انتباهي وهو أ ّ القار ِ المبيعات الأكثر َ على ِ ق التساؤلات تح ّق ُ ِ ل هذه ِ الإجابة َ عن مث ِ مستوى العال ِم!) ل: ثم ّ ي ُكمل ُ الكاتبُ شرح َه ُ فيقو ُ
يس والعواطف والأحاس َ َ الانفعالات ِ ن اكتشف العلماء ُ أ ّ َ (لقد
ل عشوائ ِ ٍيّ كما كانَ يُظنّ في الماضي، عند َ الإنسا ِ ن لا تسير ُ بشك ٍ
ق يتحكّم ُ فيها). ك برنامج ٌ دقي ٌ بل هنال َ 32
لن أسري وحدي
ك؟ " : كيف تتحكّم ُ بعواطف ِ َ َ ثم ّ يمضي بعنوان " ن بسيطٍ ج فقط لمعرفة ِ قانو ٍ (إ ّنها عملية ٌ بغاية ِ البساطة ِ وتحتا ُ ك عقلا ً باطنا ً ن هنال َ وممارسة ِ هذا القانون .يخ بر ُنا العلماء ُ اليوم َ بأ ّ ن وانفعالات ِه ِ ومشاعر ِه ِ بل بعواطف الإنسا ِ ِ هو الذي يتحكّم ُ
ن. ل باط ٌ ل مباشرة ً لأن ّه ُ عق ٌ وتصرّفات ِه ِ! ول كن ّنا لا ندرك ُ هذا العق َ أي خفيّ . ل الواعي ن العق َ ول كنّ التجارِبَ أثبت َت حقيقة ً علمي ّة ً وهي أ ّ بقنوات ٍ ن ل معه ُ يت ّص ُ والذي نفك ّر ُ فيه ِ ونتعام ُ ل مع العق ِ ل الباط ِ ك ن بأن ّ َ ي إ يحاء ً لعقل ِ َ ضي ّقة ٍ؛ فأنتَ مثلا ً تستطي ُع أن تعط َ ك الباط ِ
ل ن العق َ ل شيئا ً ما ،وم َع تكرارِ هذا الإ يحاء ِ فإ ّ يجبُ أن تفع َ ن يستجيبُ ،ويبدأ فعلا ً بالتغيير. الباط َ ل ُ ن الفترة َ التي لقد وجد َ العلماء ُ بأ ّ ينشط فيها الات ّصال بينَ العق ِ
ق ،وفترة ُ ما ل النو ِم بدقائ َ ن هي فترة ُ ما قب َ الواعي والعق ِ ل الباط ِ
ق أيضاً .فهذا هو الدكتور ن النو ِم بدقائ َ بعد َ الاستيقاظِ م ِ َ 33
لن أسري وحدي
التجارب في كتابه ِ ِ آلاف ِ ج بنتيجة ٍ بعد َ (جوز يف ميرفي) يخر ُ ن" ،والذي بي َع منه ُ أكثر ُ م ِن مليون نسخة! "قو ّة ُ عقل َ ك الباط ِ عالات ِ ل طر يقة ٍ للتحكّم ِ في الانف ن أفض َ هذه ِ النتيجة ُ هي أ ّ ل النو ِم وبعد َ الاستيقاظِ ل يو ٍم قب َ والغضب هي َ أن تردِّد َ ك ّ ِ ح م ِن هذه ِ اللحظة ِ إنسانا ً هادئا ً ومت ّزنا ً "سوف أصب ُ َ ل: عبارات مث َ ٍ وسوف تظهر ُ هذه ِ النتيجة ُ في سلوكي َ الانفعالات، ِ وبعيدا ً عن غداً". ل النو ِم وما بعد َ فترات ما قب َ ِ ل ل باستغلا ِ عز وج ّ لقد أمرَنا الل ّه ُ ّ
ل هاتينِ الفترتينِ بالدعاء ِ( :الله ّم إن ّي الاستيقاظِ ،وأمرَنا باستغلا ِ ك ،وألجأتُ ظهري ك ،وفو ّضتُ أمري إلي َ أسلمتُ وجهي إلي َ
ك، ك إلا إلي َ ك ،لا ملجأ ولا منجى من َ ك رغبة ً ورهبة ً إلي َ إلي َ ك الذي أرسلتَ ) صدقَ ك الذي أنزلتَ وبنبي ّ َ آمنتُ بكتاب ِ َ
رسو ُل الل ّه ِ
تأمل معي كم تحوي هذه ِ الكلماتُ م ِن تفر ٍ يغ
ل اجتماعي ّة ٍ تراكم َت طيلة َ اليو ِم! وكم حنات ومشاك َ لهمو ٍم وش ٍ 34
لن أسري وحدي
ل أن ينام َ. ي لم َن يقول ُها قب َ ن واستقرارٍ نفس ٍ ّ تحوي م ِن اطمئنا ٍ
ل ...يا آلل ّه ...لقد وجدتُها .وجدتُ بصوت عا ٍ ٍ صرختُ ن ع َن تساؤلاتي. ن القرآنَ والسن ّة َ سيجيبا ِ ضال ّتي .الحمد ُ لل ّه ِ إ ّ
ل الل ّه ِ " :تَفَك ّر ُ سَاعَة ٍ لقد أدركتُ الآنَ سرّ حديثِ رسو ِ خطاب ِ ن التفك ّر َ هو الوسيلة ُ ل ك لأ ّ خ َير ٌ م ِن ق ِيَا ِم لَيلَة ٍ" ،1ذل َ العق ِ ل ،وبالتالي تغيير ِ الأفكارِ والتي بدورِها ستغي ّر ُ المشاعرَ والسلوك َ معاً.
ل معها الفكري ونتعام ُ ن مجموعَ الأفكارِ التي نضع ُها في مخزون ِنا إ ّ ِّ ل المبادئ َ والمشاعرَ ،وم ِن ثم ّ ك ُ ي تش ّ كحقيقة ٍ خط ِرة ٌ ج ّدا ً فه َ
ك علينا أن نهتم ّ ل الشخصي ّة َ؛ لذل َ ك ُ السلوك َ والعادة َ ،وأخيرا ً تش ّ كثيرا ً بما نخاطبُ به ِ أنفسَنا ،وما نزرع ُه ُ في عقول ِنا م ِن أفكارٍ. ن الل ّه َ لا يغي ّر ُ ما بقو ٍم حت ّى يغي ّر ُوا ما ح ّقا ً صدقَ الل ّه ُ العظيم " :إ ّ بأنفس ِهم".
-1
من شعب الايمان للبيهقي ،موسوعة الحديث ،رقم الحديث( 117 :حديث موقوف) 35
لن أسري وحدي
ن ،وهذا ما أثبت َه ُ العلم ُ ح التغيير ِ في يدِ الإنسا ِ ل الل ّه ُ مفاتي َ لقد جع َ
والعبارات التي نخاطبُ بها ِ الحديثُ ؛ البداية ُ أن نهتم ّ بالأفكارِ
ن سنا وال كو ِ ل أنف ِ أنفسَنا ،ونصوغَ بها جملة َ معتقدات ِنا حو َ والأحداث. ِ س والنا ِ ف هذه ِ الأفكار ُ بد َت وكأ ّنها تقش ُع الغمام َ أمام َ عقلي وتكش ُ ن أن أغي ّر َها وكيف يمك ُ َ ق لنفسي، ل وفه ٍم أعم َ عن رؤ يا أشم َ وأصوغ َها كما أرغبُ . ج ع َن نقدِ الآخرين ،والتي ن اكتئابي َ الذي نت َ جني م ِ َ إ ّنها تخر ُ ل ضات حو َ ِ ت ُشعر ُني بضجرٍ كبيرٍ أمام َ إحساسي بكثرة ِ الاعترا تصرّفاتي .هذا الشعور ُ تشاطر ُني إ ي ّاه ُ أغلبُ رفيقاتي ،وهو محور ُ حديث ِنا وتأف ّف ِنا م ِن آراء ِ الكبارِ وتوجيهاتِهم ،وشعورِنا بأن ّنا لا
ح لشيء ٍ ثم ّ استسلام ُ بعضِ نا لهذه ِ الفكرة ِ ومقابلة ُ بعضنا نصل ُ ل هو حال ُنا! الآخر ِ ذل َ ك بالتمر ّدِ على الكبارِ ونصائح ِهم .هذا بالفع ِ لقد عرفتُ الآنَ خطئ ِي وخطأ هذا التفكير ِ .فما نشعر ُ فيه أنا 3٢
لن أسري وحدي
ج ل هذه ِ المرحلة ِ ،لأن ّنا نل ُ ل عمري طبيعيّ لم َن في مث ِ وم َن في مث ِ ل إلى مرحلة ٍ أقربَ إلى عال ِم الكبارِ، ف عليه ِ ،إن ّنا ننتق ُ العالم َ ونتعر ّ ُ
ل بساطة ٍ ص ِرنا لذا فهم يحرِصون على تنبيه ِنا للأخطاء ِ ،لأن ّنا بك ّ ِ
ح ل النص َ كالكبارِ بأشكال ِنا وأجسام ِنا .فعلا ً يجبُ ألا أقاب َ ن فهم َ آلي ّة ِ س والإحباطِ .وإ ّ ض أو اليأ ِ والإرشاد َ بالإعرا ِ ل ل الأمرَ ويدعونا للتفاؤ ِ س يسهّ ُ التغيير ِ في النفو ِ ل بك ّ ِ ل والأم ِ ل. خيرٍ لما هو مقب ٌ
ل م َع وكيف أتعام ُ َ ل نفسي عليّ أن أعيد َ النظر َ في أفكاري حو َ الآخرين. ن والسن ّة)؟ التعليمات الربانيّ (القرآ ِ ِ ل هل هي ح ّقا ً حسبَ دلي ِ ن (التلفاز َ والأنترنيت) والأصحابَ صاغوا أفكاري دونَ أم إ ّ أن أدري؟ ج لعقلي ،وأبرمج ُ بها كانَ لاب ّد أن أص ّف َي (أفلتر) الأفكار َ التي تل ُ نفسي. 37
لن أسري وحدي
ل الم َهمّة ِ التي الوقت نف ِ ِ أشعر ُ بسعادة ٍ كبيرة ٍ ،وفي سه ِ أشعر ُ بثق ِ يجبُ أن أبدأ بها. صوت أم ّي تسأل ُني إن كنتُ أقوم ُ ِ أفقتُ م ِن هذه ِ الأفكارِ على بواجباتي َ المدرسي ّة ِ ،فأسرعتُ نحوها مطمئنة ً إ ي ّاها أن ّي سأبدأ رحيم) ن ال الآنَ .ثم ّ بدأتُ بهمّة ٍ ونشاطٍ وب (بس ِم الل ّه ِ الرحم ِ ِ فتحتُ كتبي ودفاتري.
38
لن أسري وحدي
-2-
( الغيرةُ غشاءُ يمنعُ رؤيةُ الحقُ ) ُ
أحب سماح ..ولا أرغبُ بأن أسم َع ّ -لقد قلتُ ل كم إن ّي لا
أيّ شيء ٍ عنها.
ت الغرابة ُ على وجوه ِ زميلاتي! لم أنه ِكلماتي حت ّى بد َ ِ غرابت ُهنّ جعلتني أنتبه ُ إلى ما تل ّفظتُ به ِ ،وأراج ُع نفسي. 39
لن أسري وحدي
ظ به!!! لماذا قلتُ هذا الكلام َ؟! الأمرُ لم يكن يستحقّ أن أتل ّف َ ن انتهاء َ الدوا ِم جرس المدرسة ِكانَ قد أعل َ َ ن لم يردّ عليّ أحدٌ إذ إ ّ
ِ ن ي ،وجميع ُهنّ انشغل َ المدرس ّ بترتيب حقائب ِهنّ استعدادا ً للانصراف. ِ ل طر يقي إلى بيتي. ل كن وجوه َهنّ كان َت لا تفارقُ مخيّلتي طوا َ
الكلمات بحقّ ِ سماح؟! ِ فعلا ً ل ِم َ تل ّفظتُ بهذه ِ
هل ح ّقا ً أنا لا أحبّها؟ ماذا فعل َت حت ّى أجد ُني مستاء َة ً لهذا
الح ّد!
وصلتُ البيتَ ،وساعدتُ أم ّي ثم ّ اتّ جهتُ إلى غرفتي وأنا شاردة ُ ن. الذه ِ ن هذا ما استغرب َته ُ ما أزعجني أو ما صدم َني هو تصرّفي! وأجزم ُ أ ّ الكلمات اتّ جاه َ ِ ل هذه ِ زميلاتي ،فهنّ لم يعتدنَ من ّي سماعَ مث ِ 41
لن أسري وحدي
الآخرين. ك أرّقني ...كل ّما لم أستطع أن أجد َ مبر ّرا ً لما فعلتُ .ل كنّ ذل َ أدرس ،تعود ُ وجوه ُ رفيقاتي أمام َ ناظريّ ... ُ حاولتُ إبعاد َه ُ وأنا ن دافعتُ هذه الخواطر َ كثيرا ً ل كنّها أصرّت على إشغالي ع ِ الدراسة ِ. فلم أجد ب ُدّا ً م ِن أن أض َع الأمرَ بينَ يدي أم ّي ،عل ّها ت ُفهم ُني
السببَ فيما وقعتُ فيه.
الموقف .وانتظرتُ منها الجوابَ . َ شرحتُ لأم ّي َ ل: فابتدرتني بالسؤا ِ ن بالغيرة ِ منها؟ هل تشعري َ -أنا !!!!!! ولماذا أغار ُ منها هي !!!!!!
41
لن أسري وحدي
نظر َت أم ّي بابتسامة ٍ ..ثم ّ قالت: وكيف علاقت ُها م َع مدرّست ِكِ المفضّ لة ِ؟ أعني هل تحبّها أيضاً؟لم أرِد في البداية ِ أن أجيبَ أم ّي ،فطأطأتُ رأسي وحاولتُ أن ل: ألتف على السؤا ِ ّ ن المدرّسة َ تحبّها. لا أظنّ أ ّك يا علا ع َن محب ّة ِ المدرّسة ِ لها! بل سألت ُكِ عنها ل كن ّي لم أسأل ِح؟ حب المدرّسة َ .هل هذا صحي ٌ هي َ إن كانت ت ّ ك ،بل ص على إظهارِ ذل َ نعم ...نعم تحبّها كثيراً ،وتحرِ ُس حت ّى تنتبه َ ل ملفتة ٍ للنظرِ في الدر ِ وتتعمّد ُ أن تقوم َ بأعما ٍ ك بما قلت ُه ُ أنا؟! المدرّسة ُ لها .ول كن ما علاقة ُ ذل َ سم َت أم ّي وقال َت :أنتِ قولي لي ما العلاقة ُ؟ تب ّ
42
لن أسري وحدي
لا توجد ُ علاقة ٌ يا أم ّي. أمتأكّدة ٌ أنتِ يا علا؟ لا علاقة؟ أم ّي ...قلتُ لا علاقة ......ٍ مرتفع ،وأشحتُ بوجهي بعيداً ،وكأن ّي أهربُ م ِن بصوت ٍ قلت ُها
ل. صمت طو ي ٌ ٌ شيء ٍ .وساد َ الغرفة َ حت ّى هدأتُ قليلاً ،فقلتُ لأم ّي: -أنتِ ما رأيكِ ؟
ِ مازلت ِ لسماع ما أريد ُ قول َه ُ؟ أم أنت مستع ّدة ً ح ّقا ً ِ هلمنزعجة ً؟ ِ س أحب أن أتكل ّم َ في هذا ّ لا أدري ..لاالموضوع ،وبنف ِ ل في معرفة ِ رأيكِ ،ل كن ّي صراحة ً الوقت أشعر ُ برغبة ٍ وفضو ٍ ِ 43
لن أسري وحدي
أخاف ألا يعجب َني. ُ ِ سماع كنت خائفة ً وترغبينَ في ِ اممم ..لا داعي إذا ً للكلا ِم إنن سماع َه ُ! ما يرضيكِ فقط ،فإن لم يعجبكِ فلا تودّي َ لا يا أم ّي ...ول كن.هذه ِ هي الحقيقة ُ يا علا .على عينيكِ غشاوة ٌ لا تر يدين أنتبصري إلا ماترين َه! فعلام َ الكلام ُ! لن يعجب َك ما سأقول ُه. أم ّي .الأمرُ ليس سهلا ً كما تتصو ّرين.ِ سماع الحقّ ِ. ك تماما ً يا علا .نفس ُك لا ترغبُ في أعلم ُ ذل َأم ّي ...ماذا تقصدين؟ما أقصد ُ قول ُه ُ هو أن ّني لن أتح ّدثَ حت ّى يذهبَ عنكِ شيطان ُكِ ،أو تهدأ نفس ُكِ . 44
لن أسري وحدي
أسرعتُ إلى غرفتي ،وكأن ّي لا أريد ُ سماعَ المزيدِ. جواب! حاولتُ لا أدري ..لقد تصرّفتُ وكأن ّي أهربُ من ال ِ
ِ بالموضوع ..ول كن عبثاً. ألّا أفك ّر َ
قمتُ إلى صلاتي متكاسلة ً ،ولازلتُ أشعر ُ بضي ٍ ق ،فتذك ّرتُ دعاء ً علّمتنا إياه ُ م ُدرّسة ُ التربية ِ الدينية ِ ،فرفعتُ يديّ أدعو به ِ:
ل باطلا ً الله ّم أرِني الحقّ ح ّقا ً وارزقني ات ّباع َه ُ وأرِني الباط َ وارزقني اجتناب َه ،وأعن ّي على نفس ِي فإن ّه ُ لا يعينُ على الحقّ ِ ك ولا غير ُك ،ولا تكلن ِي لنفسي طرفة َ عينِ ولا أصغر َ م ِن ذل َ ل الله ّم على سي ّدِنا محم ّدٍ وعلى آله ِ وصحب ِه ِ وسل ّم. أكبر َ ،وص ّ ِ وسماع جواب أم ّي ِ أحسستُ بعد َ الدعاء ِ بأن ّني أقوى على معرفة ِ نصيحت ِها التي توق ّعتُ أ ّنها لن تعجب َني. ثم ّ ذهبتُ إلى أم ّي. 45
لن أسري وحدي
أعتذر ُ يا أم ّي على ما بدر َ من ّي ،لقد صل ّيتُ ،فأنا الآنَِ سماع رأي ِكِ ؛ سامحيني يا حبيبتي. ن نفسَا ً ،وأقدر ُ على أسكَ ُ هل ستجيبين ع َن سؤالي؟ ل ك ،المه ّم أن ي ُدرك َ الإنسانُ خطأه ُ ،و يعم َ غفر َ الل ّه ُ ل ِ
-
ل عدم َ تكرارِه .أمّا عن رأيي حه ِ ،و يحاو َ على إصلا ِ
ك يا علا. أردت ذل َ ِ فسأجيب ُكِ إن -
ل جهدي يا أم ّي .نعم أريد ُ سماع َ رأيكِ م ِن فضل ِكِ . سأبذ ُ
-
ن أن يشعر َ ت به ِ يا حبيبتي هو شعور ٌ طبيعيّ يمك ُ ما شعر ِ رت م ِن زميلت ِكِ ص .إ ّنها الغيرة ُ .لقد غِ ِ به ِ أيّ شخ ٍ ت أن لمحاولاتِها التقر ّبَ م ِن مدرّست ِكِ المفضّ لة ِ ،وخشي ِ ح؟ جاب واهتما ِم المدرّسة ِ لها أكثر َ منكِ .صحي ٌ تحوز َ على إع ِ -
ن أن نتجاوز َ هذه ِ النقطة َ؟ أم ّي ألا يمك ُ 4٢
لن أسري وحدي
-
سبب المشكلة ِ هو الذي ِ ن تحديد َ ن .لأ ّ لا ..لا يمك ُ سيحل ّها.
-
امممم ......نعم ،رب ّما ...رب ّما هذه ِ الحقيقة ُ التي كنتُ أهربُ منها.
-
الغيرة ُ يا بنتي نوعان ،منها ماهو محمود ٌ ،ومنها ما هو س ّ يء ٌ ك ،فيملأ قلب َه ُ غلا ً أو شرّا ً، ي ُردي صاحب َه ُ إلى المهال ِ
ل قبيحة ٍ .ألا تذكرين قصّ ة َ أولادِ النبيّ وقد يدفع ُه ُ لأعما ٍ يوسف عليه ِ السلام؟ َ يعقوبَ م َع أخيهم سي ّدِنا -
نعم يا أم ّي أذكر ُها جي ّداً.
-
يوسف منه ،لحظوته ِ عند َ أبيهم ،فكاد ُوا َ لقد غار َ إخوة ُ له حت ّى فك ّروا في قتل ِه ِ.
-
ل شائنة ٍ أو غبي ّة ٍ، ل المرء َ يقوم ُ بأعما ٍ صحيح .الغيرة ُ تجع ُ 47
لن أسري وحدي
كما فعلتُ أنا. الربط بينَ الحادثت َين، َ سم َت أم ّي لأن ّي قد وف ّرتُ عليها تب ّ ق نحو الحقّ ِ. نصف الطر ي ِ ُ واعتراف ِي بخطئ ِي .وكانَ هذا ت بخطئ ِكِ . ت يا علا ..أنا فخورة ٌ بكِ لأن ّكِ اعترف ِ أحسن ِهذه ِ هي الغيرة ُ السي ّئة ُ ،وماهي الغيرة ُ المحمودة ُ؟ٍ صالح ،فتحمل ُكِ غيرت ُكِ ل هي أن تغاري مم ّن يقوم ُ بعم ٍت على القيا ِم به ِ أيضاً .مثلا ً رفيقات ُكِ بالدراسة ِ اجتهدنَ فغر ِ ظ علامات أكثر َ .حف ُ ٍ ت أكثر َ كي تنالي منهنّ واجتهد ِ
ن ...مساعدة ُ الفقراءِ .الأمثلة ُكثيرة ٌ. القرآ ِ
الكلمات التي ِ ك آه ...فهمتُ .ما أغباني إذ تل ّفظتُ بتل َل يا أم ّي حت ّى لا يعاود ُني جت نتيجة َ غيرتي؛ ماذا أفع ُ خر َ هذا الشعور؟ 48
لن أسري وحدي
يا علا ..أنتِ تحب ّين هذه ِ المدرّسة َ لل ّه ،لأ ّنها علّمتكِ أشياء َكثيرة ً نافعة ً ،ول كثرة ِ خصال ِها الجميلة ِ التي أعجب َتك ،هل هذا ح؟ صحي ٌ نعم صحيح.ك ،فما تطلبين َه ُ م ِن أن تكوني أنتِ إذا ً عليكِ أن تذكري ذل َك، ل إلى غير ِ ِ فقط المفضّ لة ُ أناني ّة ٌ منكِ ،وحظر ٌ للخير ِ أن يص َ
س وطلباتِها .و قد أمرنا الله بعد ِم ات ّ ِ باع وهو م ِن أهواء ِ النف ِ َ ّ ُ
الهوى حت ّى لا يهوي بنا ..مت ّفقة ٌ معي على ذلك؟ شاق على نفسي. ّ ك -نعم يا أم ّي .ل كنّ ذل َ
ل الل ّه ُ ثواب َه ُ الجن ّة. ك جع َ ل ذل َ صحيح .وم ِن أج ِس. آه يا أم ّي ..ما أسه َل هذا الكلام َ ،وما أصعب َه ُ على النف ِ الناس في منازل ِهم ُ ل كلام ُكِ حقّ يا علا ،وبهذا يتفاض ُ49
لن أسري وحدي
ن الل ّه ِ عند َ ر ّبهم؛ هذا هو الاختبار ُ ،ليس الامتحانُ م ِ َ ل حالت ِكِ هذه ِ، مصيبة ً أو ش ّدة ً فقط ،قد يكونُ مث َ سكِ أم وامتحان ُكِ هل ستت ّقينَ الل ّه َ وتنصفين َها من نف ِ
ت الآنَ بلسان ِكِ ؟ ن الأذى كما فعل ِ ك ،وينالُها م ِ َ ستت ّبعينَ هوا ِ ل ق الل ّه َ قد يغر يه ِ الشيطانُ كما قت َ فإذا لم ينتبه ِ المسلم ُ ،ويت ّ ِ
يوسف. َ ل إخوة ُ ل ،و كما فع َ ل هابي َ قابي ُ ج. بدا عليّ الانزعا ُ -
كيف الموقف هو خبرة ٌ لتتعل ّمي منه ُ َ ُ لا تنزعجي يا علا .هذا ت ك ،إن أحسن ِ ن نفسَكِ ،ولا تسترسلينَ مع هوا ِ تجاهدي َ ن الل ّه ِ لأن ّه ُ ك ،وتربية ٌ م ِ َ الموقف هو كس ٌ ُ التعلّم َ فهذا بل ِ ك. يحب ّكِ ،و يريد ُ أن يطهّر َ ِ
ن الل ّه َ يحب ّني لأن ّه الكلمات الرائعة ِ .ح ّقا ً إ ّ ِ أشرق َت نفسي بهذه ِ س وأهوائِها. ِ يربيني بهذه ِ المواقف حت ّى أصفو َ م ِن أكدارِ النف ِ 51
لن أسري وحدي
رب. ك يا ّ شكرا ً ل َ ح كلام ُكِ ك يا أم ّي .لقد مس َ الحمد ُ لل ّه ِ ...الحمد ُ لل ّه ِ ...أشكر ُ ِأعرف سبب َه ُ؛ أمّا الآنَ َ ع َن قلبي ثقلا ً كبيرا ً ،لم أستطع أن ت الصورة ُ واضحة ً جلي ّة ً بعد َ أن كان َت فبكلمات ِكِ المضيئة ِ بد َ ِ ٍ ك سماح وانزعاجي منها .أشكر ُ ِ ل ضبابي ّة ً لا أرى منها إلا أفعا َ
ل قلبي. م ِن ك ّ ِ ٍ ق أمام َ سماح ،وتقولي كلمة َ ح ّ ٍ لا تنس َي أن ت ُثني علىل ك ،حت ّى تكتم َ زميلات ِكِ الل ّاتي أسأ ِ ت أمام َهنّ بقول ِ ِ خص العباد َ ليس فقط ح التوبة ِ التي ت ّ توبت ُكِ ؛ فإصلا ُ حه ِ م َع العبدِ. بالاستغفارِ بل لاب ّد م ِن إصلا ِ ك كثيراً. ت يا أم ّي .أشكر ُ ِ صدق ِبالذهاب إلى غرفتي. ِ رأس أم ّي ،ثم ّ استأذنت ُها َ قبّلتُ 51
لن أسري وحدي
ن فيهما توبتي أحببتُ أن أرك َع بينَ يدي الل ّه ِ ركعتين أعل ُ وامتناني أن هداني ،وأعان َني على نفسي ،وأراني الحقّ ، وساعدني في ألّا تأخذ َني العز ّة ُ بالإث ِم. ك ل وجه ِ َ ك الحمد ُ حمدا ً طي ّبا ً مباركا ً كما ينبغي لجلا ِ الله ّم ل َ ك. وعظيم سلطان ِ َ ِ الركعات التي سجدتُها في ِ ن م ِن أحلى ن الركعتا ِ لقد كان َت هاتا ِ والقرب لأن ّي جاهدتُ ِ حياتي ...رب ّما أكرم َني بمشاعر ِ الودِّ هوايَ وانتصفتُ م ِن نفسي. ك ل جلال ُ َ ن لتثبيت ِه ِ على الحقّ ِ .ج ّ ٌ ح ّقا ً هناك َ عطاءات إلهي ّة ٌ للمؤم ِ الرب الحبيبُ القريبُ ،تعلم ُ السر ّ ّ ك ،أنتَ ك وأعظم َ َ ما أكرم َ َ ك. وأخفى .سبحان َ َ ك لا ك .سبحان َ َ ن الثناء ِ علي َ يعجز ُ لساني ع َن شكرك َ ،وكلماتي ع َ ِ ك رب ّي. ك .أحب ّ َ س َ ك أنتَ كما أثنيتَ على نف ِ نحصي ثناء ً علي َ
52
لن أسري وحدي
–3-
أغوارها يحتاجُ إلى بح ُار بارعُ ليقودُها وسبر ُ (معرفةُ مداخلُ النفسُ ُ نحو شاطئُ األمان) ُ ُ
الهاتف يرنُ ....آلو ....نعم إ ّنها ه ُنا ..دقيقة ٌ م ِن ِ جرس ُ فضلك. الهاتف. ِ علا ..علا ...ردّي علىكيف حال ُك؟ َ حاضر يا أم ّي ..ألو ...أهلا ً حنان..ك ...ما أخبار ُك؟ ل ِم َ صوت ُكِ حزي ٌن؟ ماذا اشتقتُ ل ِ ل؟ حص َ 53
لن أسري وحدي
-لا شيء َ يا علا.
-إن ّي أعرف ُكِ جي ّدا ً يا حنانُ .صوت ُكِ حزينٌ .ما الأمرُ؟
رفيقتي سمر .تعلمين كم أضم ِر ُ لها م ِن أخو ّة ٍ ومحبّة ٍ .هناك َ م َنأخبر َها أن ّي انتقدتُ تصرّفاتِها في المدرسة ِ ،فانزعج َت كثيرا ً ل؛ ترفض التح ّدثَ معي أو حت ّى تبرير َ ما حص َ ُ وهي الآنَ ن التي أخبرتها. آه لو أعلم ُ م َ ِ ك ح ّقا ً يا حنان؟ فعلت ذل َ ِ وهلن َ ك ،ول كن حاولتُ أن في الحقيقة ِ .فعلتُ ذل َأعرف م َ ِ التي أخبرتها كي أخاصم َها ،وأبتعد َ عنها. قاطعت ُها قائلةً: أليس كذلك؟ َ ليس هذا هو المه ّم يا حنان، لا .هذا هامّ ج ّدا ً يا علا ،فلولاها ما خاصم َتني سمر.قمت حنانُ .المشكلة ُ ليسَت فيمن أخبر َها .المشكلة ُ هو ما ِ54
لن أسري وحدي
أنتِ به ِ .هل هذا صحيح؟ ل ما حصلَ .ثم ّ إن ّي لم ل كن لو لم يخ برها أحدٌ لما حص َأقصدِ الإساءة َ لها. ل المشكلة، رب ّما يا حنانُ لم تقصدي ،ل كن لا تلت ّفي حو َك الصديقة ُ حت ّى تتوع ّديها، فليس المه ّم أن تعرفي م َن تل َ َ
نسيت قو َل رسو ِل الل ّه ِ ِ ن المشكلة ُ أن ّكِ ول ك ِ
ن ن المؤم َ إ ّ
أليس كذلك؟ َ قمت به هو غيبة ٌ، ح ،وما ِ ح ولا يفض ُ ينص ُ ل كن ّي لم أقصدِ الإساءة َ.ك لا ينفي أن ّكِ اغتبت ِها؟ هل هذا صحيح؟ ن ذل َ أعلم .إلا أ ّأعرف ُكِ يا حنانُ محبة ً للحقّ ِ وصادقة ً مع نفسكِ . س أن ل النف ُ كيف تحاو ُ َ صحيح .شكرا ً لكِ .سبحانَ الل ّهن حت ّى لا تض َع اللوم َ عليها .جزا ِ تلتف على الإنسا ِ ّ ك الل ّه ُ ح عندما أتح ّدثُ أعرف تماما ً أن ّي سأرتا ُ ُ خيرا ً يا علا. معكِ . 55
لن أسري وحدي
سمعت الحقّ رغم َ قسوت ِه ِ ِ ك يا حنانُ لأن ّكِ بل أنا التي أشكر ِس بل غلظت ِه ِ ،فلم تنتصري لنفسِكِ .حقّا ً أحيانا ً على النف ِ إن ّكِ صديقة ٌ ممتازة ٌ. ل الآنَ؟ ماذا أفع ُللعلاج عندما ل نصف الطر ي ِ ِ وصلت إلى ِ إن ّكِق الموص ِ ِ سكِ ،ولم تنتصري لها ،أمّا تتم ّت ُه فعليكِ أن ت مع نف ِ صدق ِ تتوبي أ ّولا ً ،ثم ّ تذك ُريها بالخ ير ِ أمام َ من استغبت ِها عند َهنّ ،
ِ لموقف، ِ وشرح ا ث مع سمر ك غدا ً في التح ّد ِ وسأساعد ُ ِ ِ شرح صدرِها لتفهم َ الأمرَ. ن الل ّه ِ سيعين ُنا في وبإذ ِ
ك ل قلبي .جزا ِ ح فؤادي يا علا .أشكر ُ ِ لقد انشر َك م ِن ك ّ ِ ن الدعاء ِ. الل ّه خيراً .لا تنسَيني م ِ َ
أهلا ً وسهلا ً بكِ يا حنان .مع السلامة .وأنتِ أيضا ًدعوات ِك. أغلقتُ السماعة َ ،وقد سرّني صدقُ حنانَ وسرعة ُ استجابت ِها للحقّ ِ 5٢
لن أسري وحدي
ديقات ٍ مواقف كثيرة ٍ لص َ مرت في ذهني صور ُ وإذعانِها له ،ثم ّ ّ
ن ل الكلا ِم ونشر ِه ِ مع كثيرٍ م ِ َ لي خض َ ن بالغيبة ِ والنميمة ِ ونق ِ
ل والبهارِ .حت ّى أنا أجدني أق ُع فيها أحيانا ً دونَ أن أشعرَ! التعدي ِ ن الإنسانَ يستطي ُع أن يرى عيبَ غير ِه ِ كيف أ ّ َ غريبٌ ! مواقف أخرى! َ ح في ج هو نفس ُه ُ النص َ و ينصح َه ُ ،بينما يحتا ُ ل ن ،كما قا َ ن للإنسا ِ ك كانَ التناصح ُ هو صم ّام ُ أما ٍ ل ذل َ ر ب ّما لأج ِ الل ّه ُ تعالى في سورة ِ العصر ِ. ك صوتُ أم ّي وسؤال ُها: قط َع أفكاري تل َ ما بكِ يا علا؟موقف حنانَ وسرعة ُ اعتراف ِها ُ لا شيء َ يا أم ّي ،لقد أعجبنيبالخطأ ِ الذي يق ُع به ِ أكثر ُنا دونَ أن نشعر َ.
ما هو يا بنتي ؟57
لن أسري وحدي
ن الغيبة َ فعلا ً ظاهرة ٌ منتشرة ٌ في الم ِ جتمع س ّيما الغيبة ُ يا أم ّي .إ ّل الحقّ ِ ف حو َ عند َ النساء ِ ،فالغيبة ُ والنميمة ُ والغيرة ُ والالتفا ُ
أمراض منتشرة ٌ إلا م َن ٌ الذات .كل ّها ِ ق مع وعدم ُ الصد ِ ل يعود ُ سبب ُها إلى هذه ِ رحم َ رب ّي .وإ ّ ن أغلبَ المشاك ِ
ك بالم ِ ِض بنيانه ُ. جتمع ،وتقو ّ ُ ض التي تفت ِ ُ الأمرا ِ
-أنتِ مح ّقة ٌ يا علا ..لا غرو َ أن شبه َها الل ّه تعالى بهذا التشبيه
المقز ّزِ :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ. 1 موقف حنانَ الصادقَ مع نفس ِها وسرعة َ َ -لقد أكبرتُ ح ّقا ً
58
لن أسري وحدي
حها. ل ح ّقا ً على صلا ِ انقيادِها للحقّ ِ مم ّا يد ّ يضعف أحيانا ً ل كن ّه ُ يؤوبُ إلى ُ ن ،قد هذا هو حا ُل المؤم ِ ح ما أفسد َ ،مم ّا يرف ُع منزلت َه ُ رب ّه ِ سر يعا ً ،فيتوبُ إليه ِ و ي ُصل ِ ُ ن الأخطاء ِ فيزداد ُ كمالاً. عند َ رب ّه ِ ،ويساعد ُه للتعل ّم ُ م ِ َ
59
لن أسري وحدي
-4-
ً فتبصر خطأُكُُ ،ويتُسعُ ُ أل خططئُ ،ولكنُ أنُ خكونُ صادقا (ليستُ البطولةُ في ُ ً صدركُ لنصيحةُ اآلخرين ،ثمُ خمتلكُ الجرأةُ والصدقُ معا لتصحُحُ ما أفسدُت) ُ ُ
جرس الباحة ِ ... ُ رن ...رن ... لأقف على أخبارِ حنانَ وصديقت ِها سمر. َ أسرعتُ إلى الباحة ِ -
ل؟ طمئنيني يا حنانُ .ماذا حص َ
-
شكرا ً لنصيحت ِك الغالية ِ يا علا .ح ّقا ً لقد تعل ّمتُ درسا ً لن ٢1
لن أسري وحدي
خبرات في حيات ِنا ٍ ن الل ّهِ .الحمد ُ لل ّه ِ ،ما نمر ّ به ِ م ِن أنساه ُ بإذ ِ ل هو الذي تساعد ُنا في بناء ِ قي َمِنا وشخصي ّت ِنا ،فالإنسانُ العاق ُ
ل اليأس يدخ ُ َ يتعل ّم ُ م ِن أخطائ ِه ِ وأخطاء ِ غير ِه ِ ،ولايدع ُ
ق قلبي يا علا. ك م ِن أعما ِ قلب َه ُ .أشكر ِ لابأس عليكِ ..فهذا واجبُ الأخو ّة ِ ..التناصح ُ. َ ل ك ،لقد تعل ّمتُ منكِ الامتثا َ بل أنا التي ينبغي أن تشكر َ ِس .ح ّقا ً صدقَ الل ّه ُ العظيم: للحقّ ِ مهما كانَ صعبا ً على النف ِ
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠ ﭡﭼ
1
ل النص ِ ح ،وقل ّة ٌ م ِن لقد ضربتِ مثلا ً رائعا ً يا حنانُ في قبو ِ ن النقد َ ،ولو كانَ ك ،أو يتقب ّل َ ن ذل َ رفيقات ِنا م َن يقبل َ
٢1
لن أسري وحدي
ق سكِ بالأخلا ِ سه ِ والتم ّ الإنسانُ صادقا ً في هدف ِه ِ للرق ِيّ بنف ِ ق ل ،و يح ّق َ الرفيعة ِ ومعرفة ِ عيوبه ِ لارتقى حت ّى يقاربَ ال كما َ أهداف َه ُ. -
ت يا علا. صدق ِ
ل س معل ِنا ً انتهاء َ الباحة ِ ،فأسرع َت ك ّ قط َع كلام َنا صوتُ الجر ِ من ّا إلى ص ّف ِها.
ي عدتُ إلى منزلي ،وصورة ُ حنانَ وعند َ نهاية ِ الدوا ِم المدرس ّ ل ذل َ ن خيالي ،وك ّ وموقف ُها لا يفارقا ِ ك جعل َني أكثر َ اعتزازا ً وحرصا ً على صحبت ِها. ل ،وألقيتُ التحي ّة َ ،وأسرعتُ لمساعدة ِ أم ّي َ التي دخلتُ إلى المنز ِ بد َت أ ّنها في حاجة ٍ إلى م َن يعين ُها. ل الطعام َ، خ مسرعا ً فارتطم َ بي وأنا أحم ُ ل أخي الصغير ُ المطب َ دخ َ ٢2
لن أسري وحدي
فصرختُ في وجهه ِ ،ووبّ خت ُه ُ بش ّدة ٍ ،فانفجر َ بالبكاء ِ؛ نظر َت أم ّي وعتاب ،فما كانَ من ّي إلا أن صحتُ :لا تلوميني، ٍ إليّ نظرة َ لو ٍم ض. كاد َ أن يوق َع الطعام َ م ِن يدي وينسكبَ على الأر ِ بعنف ،ثم ّ ٍ ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي ،وأغلقتُ البابَ ورائي
انفجرتُ بالبكاء ِ.
بسبب بكائي ،ولم يخطر ِ ظللتُ أبكي لفترة ٍ طو يلة ٍ دونَ أن أفك ّر َ في بالي أبدا ً أن ألوم َ نفسي ،ثم ّ استسلمتُ للنو ِم بعد َ أن أخبرتُهم بعد ِم رغبتي في الطعا ِم. صوت أم ّي توقظني للصلاة ِ. ِ أفقتُ على أسرعتُ وتوضأتُ ثم ّ صليتُ ،وتذك ّرتُ ما حدثَ ،كنتُ في أعترف بخطئي أو أعتذر َ لأخي. َ أرفض أن ُ ق نفسي أعما ِ ك. ٌ نادتني أم ّي :علا .... هاتف ل ِ ٢3
لن أسري وحدي
-
أهلا ً حنان ...
ن ما إن تل ّفظتُ باسم ِها حت ّى تذك ّرتُ موقف َها وإعجابي بما فعلته ُ م ِ َ حه ِ ...ثم ّ أخذتُ أقارنُ بينَ ما قمتُ اعتراف بخطئ ِها ثم ّ إصلا ِ ٍ ل ك المقارنة ِ طوا َ وموقف حنان! كنتُ مشغولة ً بتل َ ِ به ِ اليوم َ محادثتي لها حت ّى بدا عليّ الشرود ُ رغم َ محاولتي بعد ِم إظهارِ
شيء ٍ ،فسارعتُ في إنهاء ِ المحادثة ِ ،ثم ّ عدتُ إلى غرفتي .أخذتُ
ل إلى قلبي؛ لقد أفك ّر ُ فيما حدثَ و ردّة ِ فعلي ،فبدأ الندم ُ يتسل ّ ُ ن ردّة َ فعلي لا تتناسبُ مع ما بدر َ ارتكبتُ أخطاء ً ع ّدة ،أول ُها أ ّ م ِن أخي الصغير ِ الذي أخطأ سهواً ،ثانيها وهي الأخطر ُ عدم ُ
ن الطعا ِم اعترافي بالخطأ ِ وهروبي منه ُ ،ثم ّ بعد َ ذل َ ك إضرابي ع َ ِ ل ي الأسريّ عند َ تناو ِ الذي صنعته ُ والدتي وتكديريَ الجو ّ الحميم ّ لسبب تافه ٍ. ٍ الطعا ِم معا ً و ل حنانَ ،ثم ّ ف كنتُ البارحة َ أكب ِر ُ عم َ تعجّ بتُ م ِن نفسي كي َ ٢4
لن أسري وحدي
سه ِ الآنَ! أقوم ُ بعك ِ بكيتُ كثيرا ً.. كيف لم أستطع أن ألتزم َ بالقيمة ِ َ بكيتُ لأن ّي تفاجأتُ بنفسي، التي أعجبتُ بها أمس ،وقمتُ بعكس ِها؟! حها ،وتر ب ّتُ على كتفي. لم يوقف دموعي إلا يد َ أم ّي َ وهي تمس ُ ن. بصوت حنو ٍ ٍ ه ّدئي م ِن روع ِكِ ..قالتها أم ّينظرتُ إليها ،ثم ّ ارتميتُ في أحضانِها ،وانفجرتُ في البكاء ِ. ن فؤادِي، حب ما أسك َ ن ال ِّ ئ فيه م ِ َ عذب هاد ٍ ٍ بصوت ٍ قالت لي و طي ّبَ خاطري: ت؟ هو ّني عليك يا بنتي ..هل أنتِ نادمة ٌ على ما فعل ِ نعم ..كثيرا ً يا أم ّي ..لم أكن أظنّ أن ّني ....وانفجرتُ٢5
لن أسري وحدي
بالبكاء ِ ثانية ً. ن قيمة َ تأ ّ علا ..مابكِ ؟ هل خابَ ظن ّكِ بنفسكِ ؟ حسب ِت الاعتراف بالخطأ ِ قيمة ً ثابتة ً ،أصيلة ً في نفسكِ ثم ّ تفاجأ ِ ِ ك؟ س ذل َ بتصر ّف ِكِ الدا ّ ِ ل على عك ِ ك الملاك َ تماما ً يا أم ّي ..لقد كرهتُ نفسي ،البارحة ُكنتُ ذل َح حنانَ ،واليوم َ انظري ماذا فعلتُ ! خ الذي ينص ُ أو الشي َ لا تجزعي يا بني ّة ..هذا شيء ٌ طبيعيّ.باستغراب :طبيعيّ! ٍ مسحتُ دموعي ،و قلتُ نعم يا علا فمعرفت ُنا بالقيمة ِ وإعجاب ُنا بها لايعني أن ّنا قادرون علىالالتزا ِم بتطبيق ِها دوما ً. -
كيف يا أم ّي؟ لم أفهم! َ
-
ن شخصي ّت ِنا ح جزءا ً م ِن تكوي ِ ن المبدأ حت ّى يصب َ يا علا إ ّ ٢٢
لن أسري وحدي
ل حت ّى يغدو َ تمث ُل ّا ً . وسلوك ِنا يمر ّ بمراح َ فالإنسانُ قد يرى تصرّفا ً ،أو يسم ُع خطابا ً أو محاضرة ً ك لا يعني أن ّه ُ قادر ٌ ن ذل َ فتعجب ُه القيمة ُ أو المبدأ ،إلا أ ّ
ِ الظروف؛ فلا ب ّد أ ّولا ً ِ جميع مباشرة ً على الالتزا ِم به ِ في
جاب به ِ والتفكير ِ م ِن معرفة ِ القيمة ِ والمبدأ ِ ،ثم ّ الإع ِ
بأهم ّي ّت ِه ِ وفوائدِه ِ ونتائج ِه ِ الإ يجابي ّة ِ في الحياة ِ والم ِ جتمع ثم ّ س على تطبيق ِه ِ مرة ٍ ،وحم ِ ل النف ِ مرة ً بعد َ ّ محاولة ِ تطبيق ِه ِ ّ ك المر ّة ُ تلو َ الأخرى ،وقد تنجحينَ مرة ً ومجاهدتِها على ذل َ ك على ن متابعت ِكِ وإصرارِ ِ وتفشلينَ أخرى ،إلا أ ّ القلب ِ تنفيذِها هو الذي يحو ّل ُها إلى عقيدة ٍ تتعقد ُ في سكِ ،حت ّى ح بها فتغدو قيمة ً أصيلة ً في نف ِ فتلتزم ُ الجوار ُ ل مثلا ً الناس فيكِ كخصلة ٍ م ِن شخصي ّت ِكِ ؛ فيقا ُ ُ يعرف ُها ِ جميع ن الصدقَ عند َه ُ قيمة ٌ ين ّفذ ُها في ن صادقٌ لأ ّ فلا ٌ
تضحيات ،فما عند َ الل ّه ِ خير ٌ ٍ الظروف ،ومهما كل ّفته ُ م ِن ِ ٢7
لن أسري وحدي
ن الدنيا ومافيها. وأبقى م ِ َ اكتساب المبدأ ِ يا علا.. ِ ل الاستجابة ِ أو هذه ِ هي مراح ُ ك عليكِ أن تجاهدي نفسَكِ وتحاسبيها على تنفيذِ لذل َ ق بل ج ّددي الهمّة َ. القيمة ِ ،ولا تيئ َسي عند َ الإخفا ِ فالمه ّم هو الثباتُ على المبدأ ِ والاستقامة ُ عليه ِ حت ّى ك وعقدة ً في قلبكِ ، ح جزءا ً م ِن تركيبة ِ عقلكِ وفكر ِ ِ يصب َ عندئذٍ يظهر ُ على سلوك ِكِ . ت عن ّي الهمّ ،وفهمتُ ح ّقا ً ك يا أم ّي .لقد أزح ِ أشكر ُ ِ الفرقَ بينَ معرفة ِ المبدأ ِ وتطبيق ِه ِ والالتزا ِم به؛ ل كنّ ليس سهلا ً أبداً. الأمرَ َ القيم والأفكارِ ن ن هناك َ جبالا ً م ِ َ أم ّي أشعر ُ أحيانا ً أ ّ ِ أحس عليّ تغيير ُها ،حت ّى أن ّي أيئس م ِن نفسي ،وأحيانا ً ّ
قض؟! ق الرفيعة ِ .ما هذا التنا ُ أن ّي في قم ّة ِ القو ّة ِ والأخلا ِ ٢8
لن أسري وحدي
ل نك ّ ق شديدٍ عندما أرتكبُ خطأ ً ما ،وكأ ّ أشعر ُ بضي ٍ س ل لدرجة ِ الإحسا ِ أخطائي أمام َ ناظريّ ،وأتضاء ُ
ِ الصراع الأرض حت ّى أنتهي َ م ِن هذا ُ بالتمن ّي أن تبتلعني َ الداخليّ! -
أعلم ُ يا بنتي ما تشعري َن به ِ ،لا تستغربي ..فكل ّنا في هذه ِ ك. المرحلة ِكانَ يشعر ُ بذل َ
-
ق ذ َرعا ً م ِن هذه ِ المرحلة ِ التي لن أم ّي أكاد ُ أضي ُ
-
ما بكِ يا علا؟ لماذا أنتِ يائسة ٌ لهذه ِ الدرجة ِ! الأمرُ لا
ٍ تصويب! ٍ إصلاح و ج إلى ل شيء ٍ فيها يحتا ُ تنتهي ...ك ّ ك. ل ذل َ يستحقّ ك ّ
كل ّنا نخطئ ُ ،وهذه ِ هي َ طبيعة ُ البشر ِ .وقد تكونُ
أخطاؤك الآنَ أكثر َ أو تلاحظين َها وتدركينَ حجم َها
ن ،وتتعرفينَ على الحياة ِ ق لأن ّكِ تكبري َ أدق وأعم َ ل ّ بشك ٍ س البشر ي ّة ِ ونقاطِ قو ّتِها ومعناها ،وعلى طبيعة ِ النف ِ ٢9
لن أسري وحدي
ك في مجاهدة ِ ن على صبر ِ ِ وضعف ِها؛ تذك ّري أن ّكِ تؤجَر ِي َ س له أجر ٌ كبير ٌ؛ ك على أذى النا ِ ك صبر ُ ِ سكِ ،وكذل َ نف ِ ي هناك، هذه هي الحياة ُ الدنيا ،أمّا الحياة ُ الحقيقية ُ فه َ إ ّنها الحياة ُ الآخرة ُ ،حيثُ الخلود ُ الدائم ُ والسعادة ُ لاتعرف الحزنَ والشقاء َ ،ل كن ّنا لن نتمت َع ُ المطلقة ُ التي بهذه ِ السعادة ِ الح ّقة ِ إلا بعد َ دفع ِنا لثمن ِها هنا في الدنيا، ِ الإصلاح. ل على س و العم ُ حيثُ مجاهدة ُ النف ِ
-
س. ّ صعب يا أم ّي. ٌ شاق على النف ِ الأمرُ
-
ن الأجر َ عظيم ٌ. ك لأ ّ ح ،ذل َ كلام ُكِ صحي ٌ
-
ادعي الل ّه َ لي يا أم ّي أن يعين َني.
ح ما أفسدتُ ..عليّ أن أطلبَ و الآنَ ..يجبُ أن أصل َ
ح م ِن أخي الصغير ِ ،وأطي ّبَ خاطر َه ُ. السما َ -
ت يا علا ..جمّل َكِ الل ّه ُ بالحلم ِ والرحمة ِ والحكمة ِ أحسن ِ
سك. ق ،وأعان َكِ على إصلاح نف ِ والصد ِ
71
لن أسري وحدي
-
مرة ً أخرى أشكر ُك ُ يا أم ّي ..لاحرم َني الل ّه ُ منكِ .أعتذر ُ ّ
-
ل صبرٍ أجر ُه. لا عليكِ يا بنتي .فلك ّ ِ
يا حبيبتي.
ح ما الابتسامات وأسرعتُ إلى أخي كي أصل َ ِ تبادلنا أفسدت ُه.
71
لن أسري وحدي
- 5-
ُ ُ ُ (مفتاحُ حلُ أيُ مشكلةُ يكمنُ في معرفةُ أصلُ املشكلةُ وخحديدُ سببُها ،وليسُ في آلثارها ونتائجُها! ) ُ البحثُ عنُ حلُ ُ ُ
حه ِ ونصر ِه ِ ك م ِن خير ِ هذا اليو ِم ،فت ِ يوم ٌ جديد ٌ " الله ّم إن ّي أسأل ُ َ ك م ِن شرِّ ما فيه ِ وشرِّ ما ونورِه ِ وبركت ِه ِ وهدايت ِه ِ وأعوذ ُ ب َ بعد َه ُ".
1
72
لن أسري وحدي
ل منطلقة ً إلى المدرسة ِ. ق بابَ المنز ِ تمتمتُ بهذا الدعاء ِ وأنا أغل ُ ن التقيتُ بهنّ م ِن ّ دخلتُ الصف بابتسامة ٍ وزّعت ُها على ك ّ ِ ل مَ ِ زميلاتي فبادلن َن ِي مثل َها. ت الباحة ُ... ب وجاء َ ِ حصص الدرسي ّة ُ على نحوٍ طي ّ ٍ ت ال ُ ض ِ م َ
كانتِ الضحكاتُ تتعالى ه ُنا وه ُناك ،فقد كان َت رفيقة ٌ لنا تجيد ُ
النكت وتمثيل َها بأداء ٍ ٍ ق رائع ،تجعلكِ تضحكينَ م ِن أعما ِ ِ إلقاء َ
جرس بدء َ الحصّ ة ِ ن ال ُ الوقت حيثُ أعل َ ِ قلب ِكِ ،فلم نشعر بمرور الصف فإذا بالمدرّسة ِ تنظر ُ إلينا ِّ ثلاث دقائقَ ،سارعنا إلى ِ منذ ُ
الصف ،وبدا الاعتذار ُ ّ بوجه ٍ يعلوه ُ الغضبُ ..ساد الصمتُ عتب ثم ّ قالت: ٌ سما ً فيه ت المدرّسة ُ تب ّ باديا ً على وجوه ِنا ،فابتسم َ ِ ك سن ّكنّ ،انتبهن في المرة ِ القادمة ِ كي لا أفرحكُنّ الل ّه ُ و أضح َ
73
لن أسري وحدي
يسرقكنّ الوقتُ . ل واحدة ٍ من ّا الامتنانُ ثم ّ بدأت درس َها الممت َع ،وفي خاطرِ ك ّ ِ ل أدب َنا والإعجابُ لتجاوزِها ع َن هفوت ِنا برحمة ٍ وحز ٍم؛ ولع ّ سنا بالذنبِ والند ِم على ما قمنا به ِ هو الذي دفع َها لتجاوزِ وإحسا َ خطئ ِنا. حظات الأخيرة َ منها فقد حدثَ ما ِ ت الحصّ ة ُ بسرورٍ إلا الل ض ِ م َ جت من إحدى رفيقات ِنا ن .سمعنا ضحكة ً خر َ لم يكن في الحسبا ِ جنا م ِن صمت ِنا إلى كت ِبَ على السب ّورة ِ ،مم ّا أخر َ ل ما ُ ونحن نسج ّ ُ ن المدرّسة ِ لرفيقت ِنا ومعاقبت ِها عقابا ً شديد َ اللهجة ِ. عتاب شديدٍ م ِ َ ٍ
س م ُعلنا ً نهاية َ انفجر َت زميلت ُنا بالبكاء ِ الذي شقّه ُ صوتُ الجر ِ الحصّ ة ِ. ك عن ت المدرّسة ُ وقد غاب َت عنها ابتسامت ُها المعهودة ُ وكذل َ ج ِ خر َ وجوه ِنا؛ أسرعنا إلى زميلت ِنا نستخبر ُ منها ماحدثَ ..لم نفهم
شيئا ً م ِن ش ّدة ِ البكاء ِ ،وسرعانَ ما عدنا إلى مقاعدِنا عند بداية ِ 74
لن أسري وحدي
الحصّ ة الدرسي ّة ِ. ل عقاربَ الساعة ِ حت ّى تنتهي َ الحصّ ة ُ لنسرعَ إلى كن ّا نستعج ُ زميلت ِنا ونستفهم َ ما حدثَ . كانَ الجمي ُع يواسونَها ،و يضعونَ اللوم َ على المدرّسة ِ في عتابِها على ضَ حكة ٍ غير ِ مقصودة ٍ ..كانَ هذا رأيُهنّ . لانصراف ِ لم أستطع أن أتح ّدثَ م َع صديقت ِي بما أريد ُه ُ ،وعند َ ا ل :ما كان َت رفيقت ِي تبحثُ عن ّي ،وسرعانَ ما بادرتني بالسؤا ِ رأي ُكِ فيما حدثَ ؟ ردّدتُ فورا ً :إن ّي أرغبُ أن أسم َع منكِ ،ما رأيكِ أنتِ ؟ قال َت :أعلم ُ أن ّي مخطئ َة ٌ ول كن لم أكن أقصد ُ ،وفي الحقيقة ِ لقدِ ل خبر ِ ما انزعجتُ كثيرا ً م ِن عتابِها ،ومم ّا زاد َ في انزعاجي وصو ُ ِ أسماع مدرّسة ِ اللغة ِ العربي ّة ِ التي تعلمينَ كم أكنّ لها حدثَ إلى
75
لن أسري وحدي
حب ،فعاتبتني كثيراً. ن الاحترا ِم وال ِّ مِ َ ل خبر ُه ُ إليها؛ إن ّي ل وص َ لقد سئمتُ يا علا ..إن ّني كل ّما قمتُ بعم ٍ ن المدرسة ِ. ل مِ َ أفك ّر ُ ج ّدي ّا ً في الانتقا ِ صعقني َ الخ بر ُ ..فلم أنبس بكلمة ٍ وكان َت علائم ُ وجهي يسود ُها الاستغرابُ الشديد ُ. سألتني رفيقت ِي :ما رأي ُكِ ؟ قلتُ لها :في ماذا ؟ن المدرسة ِ. ل مِ َ في الانتقا ِك فعلا ً! هل تقصدين ذل َجاب. هز ّت رأس َها بالإ ي ِ ل الخ بر ِ إلى قلتُ لها :هل المشكلة ُ في المدرسة ِ هو وصو ُ المدرّسة ِ التي تحبينها؟ هل هذا هو جوهر المشكلة وسبب ُها 7٢
لن أسري وحدي
برأيك؟ صمت َت كثيرا ً وأطرق َت. ثم ّ أضفتُ قائلة ً : تعلمينَ يا هبة ُ أن ّي أحب ّكِ ،وأنا أعلم ُ أن ّكِ تحب ّينَ الصراحة َن رأيي ح ّقا ًمهما كانَ؟ والحقّ .هل هذا صحيح؟ وهل تريدي َ حكِ لي. ق نص ِ ق في رأيكِ وصد ِ بالتأكيدِ نعم ،فأنا أث ُن بما حدثَ ،يجبُ أن ليست المشكلة ُ في معرفة ِ فلا ٍ ِ يا هبة ُالالتفاف حول َها أو َ ل ننظر َ إلى جوهرِ المشكلة ِ ،ولا نحاو َ ن المشكلة َ ستعود ُ للظهورِ في الهروبَ منها ،لاشكّ أ ّ مت به ِ، ك الذي ق ِ ن المشكلة َ في السلو ِ المدرسة ِ الأخرى ،لأ ّ ن؟! ل تغيير ُ المكا ِ فكيف يكونُ الح ّ َ ن! ليس في المكا ِ و َ ن في تغيير ِ المدرسة ِ ،بل يجبُ أن ل يكم ُ ن الح ّ لا أظنّ أ ّ 77
لن أسري وحدي
ونصحح َه ُ .هذا رأيي ،هل توافقين َني ِّ ك ننتبه َ أكثر َ إلى السلو ِ عليه؟ لم تخي ّب هبة ُ ظن ّي بها ،فقد هز ّت رأس َها وقال َت : ك أي ّت ُها صدق ِك ،لقد أريت ِني مالم أر َه ُ ..شكرا ً ل ِ ت ،وشكرا ً ل ِ الصديقة ُ الصدوقة ُ. ق ف لنفترقَ في الطر ي ِ و لم ننه ِ الحديثَ إلا أن ّه ُكانَ علينا أن نتوق ّ َ ل من ّا إلى منزل ِها. حت ّى تعود َ ك ّ ل في نفسي :ح ّقا ً كنتُ أسير ُ ببطء ٍ وأنا أفك ّر ُ فيما حدثَ ،وأقو ُ
لص ٍ حيح إلا إذا استفاد َ م ِن إ ّ ن الإنسانَ أحيانا ً لا يرى بشك ٍ للموقف م ِن بعيدٍ أو م ِن زاو ية ٍ أخرى، ِ س ينظرون آراء ِ أنا ٍ الموقف أكثر َ وضوحا ً واكتمالاً. ِ ل صورة َ ك يجع ُ ن ذل َ لأ ّ موقف هبة َ لاهتمام ِها بمعرفة ِ رؤ ية ِ م َن يرى َ ح ّقا ً لقد أكبرتُ 78
لن أسري وحدي
م ِن بعيدٍ ،و يصدق ُها النص َ ح ..إ ّنها ح ّقا ً تريد ُ الحقّ ولا شيء َ ِ إصلاح نفس ِها على الرغ ِم م ِن سواه ُ .إ ّنها مخلصة ٌ وصادقة ٌ في ن الحقيقة ِ وعن رؤ ية ِ أ ّنها في لحظة ٍ ما كادت أن تبتعد َ ع ِ ل المشكلة ِ وجوهرِها. أص ِ بيت وقد بدا على وجهي التفكير ُ ،فسألتني أم ّي: وصلتُ إلى ال ِ ما الخ بر ُ يا علا؟ بم َ تفك ّرين؟ لا شيء َ يا أم ّي ..ثم ّ أخبرتُها القصّ ة َ.فابتسم َت ورب ّت َت على كتفي وقالت : ح لصديقت ِكِ ،وأعنت ِها ت النص َ أحسنت يا علا .لقد أخلص ِ ِ ل على ِ على رؤ ية ِ الحقّ ِ وتتب ّ ِع سبب المشكلة ِ وبالتالي العم ِ
حل ِها. س ك لأن ّه ُ يح ّ ن " صاحبَ المشكلة ِ أعمى" ،ذل َ لإ ّ وقد قي َ قف، ل المو ِ فقط بألم ِه ِ ،هذا الشعور ُ يبعد ُه ُ عن رؤ ية ِ كام ِ 79
لن أسري وحدي
فلا ينظر ُ إلا م ِن وجهة ِ نظرِه ِ .قاطعتُ أم ّي قائلة َ: ليس الذي ل" َ ل يقو ُ أليس هناك َ مث َ ٌ َ ح يا أم ّي ل كن صحي ٌي كم َن يع ّدها"؟ كيف نجم ُع بينَ المثل َين يا أم ّي؟ ل العص ّ يأك ُ ت يا ب ُني ّتي ،ل كنّ الجم َع بينَ هذين المثل َين هو الذي صدق ِل يوضح ُها على نحو عاد ٍ ي ُضفِي على الصورة ِ شفافية ً ،و ّ ن بالأل ِم يجعل ُه لا يرى إلا ألم َه ُ، ل ،فشعور ُ الإنسا ِ وكام ٍ ضنا ل لن يشعر َ أحدٌ بألم ِه ِ ،وهذه ِ رسالة ٌكي يعذر َ بع ُ وبالمقاب ِ ص المتأل ّ ِم فنرحم َه، بعضا ً ،ونض َع أنفسَنا مكانَ هذا الشخ ِ ل فهم َ موقف ِه ِ أيضا ً ،عندئذٍ يمكن ُنا أن ن ُسديَ له ونحاو َ ل ،دونَ تحميله ِ وزر َا ً لم يرتكبه ُ ،وهذا ح برحمة ٍ واعتدا ٍ النص َ ِ عرفت السرّ يابنتي؟ ِ للنصح .هل ما يجعل ُه ُ أكثر َ تقب ّلا ً
ق في عينيّ ،لقد فهمتُ هززتُ رأسي َ بابتسامة ٍكبيرة ٍ وبر ي ٍح ليكونَ وسيلة َ مساعدة ٍ للآخرين، كيف أق ّدم ُ النص َ َ ل رأيَ الآخرين فيّ ،بل ف وأتقب ّ َ وكيف عليّ أن أتصرّ َ َ 81
لن أسري وحدي
الموقف على حقيقت ِه ِ ح ّقاً. ُ وأسعى لمعرفت ِها حت ّى يظهر َ ل ثيابي ،ثم ّ مساعدتِها في َ قبّلتُ رأس أم ّي ،وأسرعتُ لتبدي ِ إعدادِ الطعا ِم. وعند َ المساء ِ سج ّلتُ في دفتر ِ ذكر ياتي : والمواقف م ِن جم ِ يع ِ لقد تعل ّمتُ اليوم َ أن أنظر َ إلى الأمورِ ل رأيَ الآخرين لأ ّنهم يرونَ الصورة َ الجوانبِ ،وأحترم َ وأتقب ّ َ ل الصورة ُ، م ِن زاو ية ٍ ثانية ٍ لا أراها أنا ،وعندئذٍ فقط تكتم ُ ل جلاله ُ سبحان َه وتعالى. وتغدو واضحة ًكما يراها الل ّه ُ ج ّ
81
لن أسري وحدي
- ٢-
أو خنشطُ إل أسرار هللا ،لها موطن عندُ خالقُها ،فال تستأنس ُ ُ سر منُ (الروحُ ُ وسر وجوده) ُ قوةُ اإلنسانُ ُ بالخُصالُ به ،وهي مكمنُ ُ
عدتُ إلى منزلي متعبة ً مرهقة ً ،لا أدري السببَ ،فدخلتُ ولم أسل ّم على أحدٍ وأسرعتُ إلى غرفتي. ك م ِن عادتي ،غير َ باستغراب ،فلم يكن ذل َ ٍ كانَ الجمي ُع ينظر ُ إليّ ن أحدا ً منهم لم ينب ِس بكلمة ٍ. أ ّ بدّلتُ ثيابي واستلقيتُ على سريري دونَ أن أفك ّر َ بشيء ٍ معي ّنٍ..
ل شيء ٍ؛ بد َت لي نفسي شاردة ً ،تعاني المل َ ل ..لم أرغب في عم ِ
ل الغداء ِ ،فقمتُ متكاسلة ً وكأن ّي ل بيتي َ لتناو ِ سمعتُ نداء َ أه ِ 82
لن أسري وحدي
أجرّ أثقالا ً خلفي ،ألقيتُ السلام َ ،ثم ّ جلستُ في مكاني َ المعتاد. ك يا علا؟ بادر َني أخي الصغير ُ بسؤا ٍ ل :كيف حال ِ حاولتُ رسم َ الابتسامة ِ على وجهي أمام َ وجهه ِ الملائك ِيّ
ل طعامي ..ساعدتُ ّب ،وقلتُ له ُ :الحمد ُ لل ّه ِ .ثم ّ تابعتُ تناو َ الطي ِ
ِ المطبخ دونَ أن أتكل ّم َ ،ثم ّ وترتيب ِ ن ل الصحو ِ أم ّي في غس ِ عدتُ بهدوء ٍ إلى غرفت ِي.
لا أدري ما سببُ الكآبة ِ التي جعلتني هادئة ً غير َ راغبة ٍ في
أي شيء ٍ. الكلا ِم أو عم ِ ل ِّ
حاسوب على ِ أمضيتُ أكثر َ م ِن ساعة ٍ وأنا بينَ النافذة ِ وال
البحث عن شيء ٍ معي ّنٍ؛ حت ّى ِ (الفيس بوك) ،ول كن دونَ
لصديقات لم أشعر بمتعة ٍ فيه. ِ ل على الفيس مع ا التواص ُ النكت التي بد َت لا نكهة َ لها ،ولم تستطع أن ِ ومثلُه منشوراتُ ق شديدٍ دونما ي ابتسامة ً واحدة ً ..أشعر ُ بضي ٍ ترسم َ على وجه َ 83
لن أسري وحدي
سبب. ٍ درج خزانتِي، ن ال (شكولا) في ن لديّ قالبا ً م ِ َ تذك ّرتُ أ ّ ِ أسرعتُ وقطعتُ منه قطعة ً بدأتُ أذيب ُها ببطء ٍ شديدٍ ،حت ّى جرا ً! لم يجعلني آكل ُه ُ بشهي ّة ٍكما هو المعتاد ُ. طعم ُها بدا م ُض ِ تعجّ بتُ م ِن نفسي كثيراً ،ولم أعرف ما بي! وأخيرا ً قررتُ أن أذهبَ إلى أم ّي لأستشير َها. س حيثُ كان َت تشربُ الشايَ مع ذهبتُ إلى غرفة ِ الجلو ِ ل: والدي ،ألقيتُ التحي ّة َ وجلستُ قليلاً ،بادرتني أم ّي بالسؤا ِ ن الشاي؟ قلتُ لها :لا ،و أنا أغادر ُ ن مِ َ هل ترغبينَ بفنجا ٍ الغرفة َ مت ّجهة ً إلى غرفت ِي. أغلقتُ البابَ خلفي و تنه ّدتُ ،ثم ّ ألقيتُ نفسي على السرير ِ، باب ويبدو أن ّي قد غفوتُ قليلاً ،لم أستفق إلا على صرير ِ ِ ت ل أم ّي ففرحتُ ،ل كنّها سرعانَ ما أغلق َ ِ غرفتي ،لمحتُ خيا َ 84
لن أسري وحدي
البابَ عندما رأتني نائمة ً ،فناديتُ :أم ّي ،لستُ نائمة ً ..فعاد َت ن مختلفة ً هذا اليوم؟ إلى غرفت ِي وسألتن ِي :ما بكِ يا عزيزتي؟ تبدي َ ل في المدرسة ِ؟ خطب جديدٍ حص َ ٍ هل م ِن أجبت ُها :لا ..ثم ّ تابعتُ : ل شيء ٍ.. ٍ ل ،ضجرٍ، اكتئاب ،لا أرغبُ في عم ِ ول كن ّي أشعر ُ بمل ٍ
ل شيء ٍ روتينيّ ...حت ّى الأشياء ُ التي أحبّها فقد َت طعم َها.. ك ّ ن ل هذا م ِن دو ِ حت ّى الشكولا يا أم ّي لم تعد تسعد ُني ....ك ّ
موقف ليكونَ سببا ً لما أشعر ُ به ِ! ٍ سبب ..لم يحصل أيّ ٍ ت؟ سم َت أم ّي قائلة ً :هل صلي ِ تب ّ قلتُ :نعم .و لم يتغي ّر شيء ٌ. ن روح َكِ رب ّت َت على كتفي قائلة ً :لا تجزعي يا بنتي ...يبدو أ ّ
بعض الغذاء ِ. ج َ تحتا ُ
85
لن أسري وحدي
ج إلى غذاء ٍ؟ باستغراب :روحي تحتا ُ ٍ نظرتُ إليها ن المدرسة ِ، قالت أم ّي :نعم ..ألم تتناولي طعام َكِ بعد َ عودت ِكِ م ِ َ بعض العافية ِ والقو ّة ِ؟ دت َ كنت منهكة ً فاسترد َ ِ ِ و جاب. هززتُ رأسي َ بالإ ي ِ ج إلى طعا ٍم. ك روح ُكِ تحتا ُ قالت :كذل َ قلتُ :و ل كن ّي صل ّيتُ . ن؟ كيف صل ّي ِ َ فقالت: ت؟ و أنتِ شاردة ُ الذه ِ مرة ً أخرى :نعم . هززتُ رأسي َ ّ ن هذه ِ ج إلى طعا ٍم ،وهو الصلة ُ بخالق ِها ،و بدو ِ ح تحتا ُ الرو ُل أو ك عندما تشعري َ ل ،كالجسدِ تماماً ..لذل َ الصلة ِ تعت ّ ن بالمل ِ حكِ للطعا ِم الروح ِيّ وليس لطعا ِم الضجرِ فهو مؤش ّر ٌ لحاجة ِ رو ِ 8٢
لن أسري وحدي
الجسدِ .لذا لن تسعدي بالشكولا التي تحبين َها ..أو رب ّما قد حظات قليلة ٍ. ن ول كن لل ٍ تسعدي َ ك دونَ قلب ِك. ت بجسدِ ِ أمّا صلات ُكِ فقد صل ّي ِ قلب ُكِ هو مستودع ُ السعادة ِ ،وهو مكانُ نظرِ الل ّه ِ إليكِ .وهو يت وقلب ُكِ ن به ِ حلاوة َ الصلة ِ بالل ّه ِ؛ فإن صل ّ ِ الذي تستشعري َ
ن الل ّه ِ بأشياء َ أخرى لن تذوقي شيئا ً م ِن هذه ِ المعاني، مشغو ٌ لع ِ
ل المطعم َ فنظر َ إلى الأطعمة ِ الشهي ّة ِ ثم ّ غادر َ فتكونينَ كم َن دخ َ ل منها شيئاَ! دونَ أن يتناو َ -
ق هو ن سببَ ما أشعر ُ به م ِن الضي ِ ن يا أم ّي أ ّ تقصدي َ نقص في غذائي َ الروحيّ؟ ٌ
هز ّت أم ّي رأس َها موافقة ً. -
ول كن ّي لا أشعر ُ بالرغبة ِ حت ّى في الصّ لاة ِ أو قراءة ِ 87
لن أسري وحدي
ن. القرآ ِ سم َت أم ّي ،وقال َت: تب ّ مرضت منذ ُ فترة ٍ ،فلم تشتهي الطعام َ ِ ن عندما هل تذكري َل رفضت ِه ِ! هل تذكرين؟ ضكِ ! حت ّى طعام ُكِ المفضّ ُ ل مر ِ خلا َ ك بما نتح ّدثُ ح يا أم ّي ،ول كن ما علاقة ُ ذل َ نعم ،هذا صحي ٌبه؟ ح عندما ك الرو ُ يعاف الطعام َ ،وكذل َ ُ يمرض ُ الجسد ُ عندماتمرض لا تستس ُغ الطعام َ الروحيّ. ُ باستغراب ،فقد كانَ التشبيه ُ بليغا ً بالنسبة ِ لي ،لم ٍ فتحتُ فمي يخطر في بالي مطلقاً! فتابع َت أم ّي :
88
لن أسري وحدي
ك علينا أن نجاهد َ أنفسَنا ل كي نطعم َها ما ل ذل َ م ِن أج ِل تحتاج ُه ُ وإلا اعتل ّت ،وعلى هذا نؤجر ُ أيضاً؛ ألم تسمعي قو َ ن الل ّه َ لم َع سب ُل َنا وإ ّ ن جاهد ُوا فينا لنهدينّهم ُ الل ّه ِ تعالى( :و الذي َ المحسنين).1
ّف على نفسي ،وما صني ال كثير ُ لأتعر َ آه يا أم ّي كم ينق ُحها ،و يجعل ُها صحيحة ً سليمة ً. يصل ُ أحب ّ المغرب معاً ،فأنا ِ أم ّي هلا ّ ساعدت ِني وصل ّينا صلاة َ ك يساعد ُني أكثر َ ل ذل َ ن ال كري ِم ،لع ّ صوت َكِ مترن ّمة ً بالقرآ ِ في قيادة نفسي؟ حسنا ً ...استع ّدي للصلاة ِ. -شكرا ً يا أم ّي .
1
سورة العنكبوت. ٢9 : ،89
لن أسري وحدي
ن شيئا ً م ِن روحي قد ارت ّد ،ثم ّ أسرعتُ قب ّلتُ يديها ،وكأ ّ
للوضوء ِ.
جم ُ تح ِ ج م َن يعين ُه ُ على الطاعة ِ عندما ُ فعلا ً الإنسانُ أحيانا ً يحتا ُ ن صالح َينِ يعيناني النفس و تتمر ّد ُ ..الحمد ُ لل ّه ِ أن أكرم َني بوالد َي ِ ُ على طاعت ِه. الهاتف ،وسمعتُ صوتَ أم ّي تناديني :علا ،ارفعي ِ جرس ُ ن ثم ّ ر ُ ّ السمّاعة َ ..إ ّنها رفيقت ُك. -
كيف حال ُك؟ أنا بخ يرٍ ولل ّه ِ الحمد ُ ... َ أهلا ً سمر
ك. ل أم ّي و أخبر ُ ِ اممم .........سأسأ ُ ن رفيقات يحفظ َ ٌ أم ّي ما رأيكِ أن أذهبَ مع سمر ،لديهاالقرآنَ و يتعل ّمن الدين؟ ن ض التح ّ ن ببع ِ موافقة ٌ طبعا ً يا بنتي .و أظن ّك ستشعري َس ِ 91
لن أسري وحدي
ن م ِن صحبة ٍ ن عافيت َكِ الروحي ّة َ؛ فلا ب ّد للإنسا ِ وتستردّي َ خري. صالحة ٍ .وف ّقكِ الل ّه ُ يا بنتي ول كن لا تتأ ّ ن الل ّه ِ. خر بإذ ِ -شكرا ً يا أم ّي ،لن أتأ ّ
91
لن أسري وحدي
-7-
(مُنُ ابتعدُ عنُ الفطرةُ ضل ،ومُنُ حادُ عنُ الطريقُ شرد ،ومُنُ حامُ حولُ الشبهاتُ والشهواتُ سقط) ُ
ت اليوم َ طالبة ٌ جديدة ٌ إلى ص ّف ِنا ،كان َت غريبة َ الأطوارِ انضمّ ِ ل ن أسود َ كالعينِ وأشكا ٌ بعض الشيء ِ ،على يدِها وشوم ٌ بلو ٍ َ هندسي ّة ٌ غريبة ٌ. لا أدري ...لم أجدها قريبة ً إلى قلبي ،شيء ٌ غريبٌ يبعد ُني
عنها ،رغم َ أن ّي لم أر َ منها شيئا ً سي ِّئاً!
92
لن أسري وحدي
سات اللواتي بدا على بعض المدرّ ِ ك ُ الجمي ُع كانَ حذِرا ً منها ،وكذل َ
ِ ظماً، ن شعر َها لم يكن من ّ الارتياح لهيئ َتها ،إذ إ ّ وجههنّ عدم ُ
ك الوشوم ُ الغريبة ُ زادت نظرة َ الريبة ِ إليها. وتل َ باستثناء مدرّستي التي أفضّ ل ُها عن غير ِها لما تمتاز ُ به ِ م ِن حكمة ٍ
ن تعرف ك ّ ُ وصبرٍ وبصيرة ٍ نافذة ٍ ،أشعر ُ وك أ ّنها ل شيء ٍ ع ِ ل شيء.... س ،ك ّ ن والنا ِ ال كو ِ حها ،ل كنّها ح ّقا ً إ ّنها رائعة ٌ ..رب ّما لأن ّي أحبّها استفضتُ في مد ِ ل معنى الكلمة ِ ،تح ترم ُ الجمي َع .لم أتوق ّع أن ح ّقا ً مدرّسة ٌ قديرة ٌ بك ّ ِ تعامل َها باحترا ٍم ،بل و تتودّد َ إليها بابتسامت ِها الهادئة ِ الرزينة ِ ،رب ّما كثيرات من ّا ،حت ّى أنا ِ ل أو الاستغرابَ عند َ ال ك التساؤ َ أثار َ ذل َ
ئ الأمر ِ ،إلا أن ّي تذك ّرتُ مواقف َها الحكيمة َ استغربتُ في باد ِ وكيفي ّة َ استيعابِها لمشكلات ِنا وردودِ أفعال ِنا العنيفة ِ أحيانا ً أو ل المذنبَ من ّا يستشعر ُ ن ،تجع ُ المألوف بحنكة ٍ و حنا ٍ ِ ن الخارجة ِ ع ِ 93
لن أسري وحدي
سه ِ :ما أغباني ،إذ أزعجتُ ل في نف ِ كم هو مخطئ ٌ في ح ّق ِها ،و يقو ُ هذه الإنسانة َ الرائعة َ.
صوت زميلتي: ِ استفقتُ م ِن أفكاري على ما رأيكِ بــ ؟!! ...وغمزتني في اتّ جاه ِ هذه ِ الطالبة ِ الجديدة ِ.بعض الشيء ِ ،لأن ّي ح ّقا ً نظرات رب ّما بد َت غريبة ً َ ٍ نظرتُ إليها ل مدرّستي المفضّ لة ِ لم أملكِ الجوابَ ،كانَ يشغل ُني أسلوبُ تعام ِ ِ ارتياح؟ معها ،لم َ كان َت ودودة ً رغم َ شعورِنا جميعا ً بعد ِم ال
ل وأعرف السرّ ..ل كن ّه ُ ظ ّ َ تمن ّيتُ لو أستطي ُع أن أسأل َها لأتعل ّم َ ك. ل ذل َ حبيسا ً في أفكاري ،فلم أ ُ كن أجرؤ ُ على فع ِ ل ذهني َ هذه ِ س تشغ ُ ع ُدتُ إلى منزلي وأنا صامتة ٌ مطرقة ُ الرأ ِ الأفكار. وصلتُ البيتَ ،وسل ّمتُ على أم ّي ،وقبّلتُ يد َها ،ثم ّ خطر َ لي أن 94
لن أسري وحدي
أسأل َها ،عل ّي أجد ُ الجوابَ الشافي. الطالبات ِ ل صصتُ عليها ما رأيتُ وخواطري وردود َ أفعا ِ ق َ ّسات .وأم ّي تستمت ُع بانتباه ٍ شديدٍ؛ وعندما انتهيتُ سألت ُها: والمدر ِ ما رأي ُك؟! ل أن ت ُدلي َ تعرف رأيي قب َ َ ل ذات ِه ِ .وأصرّت أن فبادر َتني بالسؤا ِ برأيِها .فقلتُ لها: شارات والرموزِ التي تضع ُها ،ل كن ّي ِ أعرف معنى هذه الإ ُ أنا لا ل الابتعاد َ عنها ،وكنتُ أظنّ لم أشعر بالراحة ِ لها ،وجميع ُنا فضّ َ ن احتواء َ مدرّستي لها وتودّدها ن ما فعلناه ُ هو الصائبُ ،غير َ أ ّ أ ّ لها جعل َني أستغربُ و أعيد ُ النظر َ في تصرّفاتي .فهل أنا على
صواب ٍ يا أم ّي؟ صواب في الحذرِ ،ر يثما تعلمين ٍ أنت على نعم ..نعم يا بنتي ِ ...صواب. ٍ هو ي ّة َ معتقداتِها ..و أيضا ً المدرّسة ُ على 95
لن أسري وحدي
ن معا ً على صواب؟؟ ن الاثنتا ِ باستغراب :كيف!!!! نح ُ ٍ رددتُ همهم َت و قالت :اممم ...نعم ...ض!! كيف؟ كلانا على طرف َي نقي ٍ َ ول كنامات، ِ ما رأي ُكِ أن نبحثَ معا ً على (النت) عن معنى ً لهذه ِ العلجماعات الشبابي ّة ِ التي بدأت ِ أذكر ُ أن ّي قرأتُ شيئا ً عن إحدى ال خرا ً ،ولها وشوم ٌ تشبه ُ ما ذكرت ِه ِ.. تنتشر ُ مؤ ّ حسناً .........و ركضتُ إلى غرفت ِي لأحضر َ حاسوبي.بعد َ ِ البحث وجدنا مقالا ً يشير ُ إلى جماعة ٍ ت ُدعى ِ ن ربع ساعة ٍ م ِ َ " " Emoو هي مختصر ٌ للجملة ِ الآتية ِ: Emotive Driven Hardcor Punkأي متمر ّدونَ ذوو نفسية ٍ ساسة. ح ّ و هي جماعة ٌ سم ّوها بالبداية ِ على ٍ ن الموسيقا التي تبدأ هادئة ً نوع م ِ َ 9٢
لن أسري وحدي
س وموسيقا معي ّنين ثم ّ تشت ّد ،وس ُم ّي َت لجماعة ٍ تتب ُع نظام َ لب ٍ وتسر يحة ِ شعرٍ خاصّ ة ٍ بهم ،هذه ِ الظاهرة ُ منتشرة ٌ في شر يحة ِ المراهقين بينَ ((عمر َي ))17-12،وم َن يتع ّدى سنّ ال ( )17سيتخل ّى عن هذه ِ الجماعة ِ !!..انتشر َت في أوربا وأمريكا في ،1984أفراد ُها يستمعونَ إلى موسيقا الهاردروك
الصاخبة.
ل وصار َت م ِن أكثر ِ الظواهرِ انتشارا ً بينَ المراهقينَ ،في الدو ِ ل كبيرٍ. ل الشرقي ّة ِ وفي البلدا ِ ض الدو ِ الغربي ّة ِ وبع ِ ن العربي ّة ِ بشك ٍ ِ أنواع الموسيقا ينتمي إلى الروك و موسيقى الإيمو نوعٌ م ِن ن ن الأل ِم والحز ِ ن ،هذه ِ الموسيقا تفتقر ُ إلى اللح ِ والميتال ..تحكي ع َ ِ الغنائ ِيّ ،وتكونُ الموسيقا مزعجة ً ج ّدا ً. تع ّد الإيمو المرحلة َ الأولى في إفسادِ المراهقينَ الناشئين ،وهي ن شعورٍ إلى المرحلة ِ الثانية ِ م ِن ل لجعل ِهم ينتقلونَ بدو ِ الأفض ُ ل عامّ . ِ الشباب المسلمينَ خاصّ ة ً ِ طة ِ إفسادِ خ ّ والعرب بشك ٍ 97
لن أسري وحدي
والمرحلة ُ الثانية ُ هي :الميتال: الصاخب جزء ٌ م ِن ِ ن صوت الموسيقا الرن ّا ِ ِ ح يعب ّر ُ ع َن مصطل ٌموسيقا الروك الصاخبة ِ ل كن بإ ٍ يقاع أسرعَ وسوداو ي ّة ٍ أكثر َ.
حروب الموت والفنتاز يا وال ِ ِ ن مضمونُ هذه ِ الموسيقا يحكي ع ِن والشيطاني ّة ِ والوثني ّة ِ والحز ِ يتمي ّز ُ معظم ُ مستمعي الميتال بتصر ّفاتِهم ُ الغريبة ِ ،غير ِ المت ّزنة ِعقلي ّا ً ،شخصيّتُهم انعزالي ّة ٌ ،وسوداو ي ّة ٌ ،ومريضة ٌ ،ومع ّقدة ٌ ..طبعا ً إلا ما رحم َ رب ّي. ماعات مراهقينَ ِ جهم م ِن ج الشباب باستدرا ِ ِ وبالتالي يتم ّ تدمير ُ جماعات (الميتال) التي ت ُعتبر ُ أقربَ ِ معجبينَ بموسيقا معي ّنة ٍ ل ناتج ن ،و يؤدّي ذل َ جماعات لعبدة ِ الشيطا ِ ِ ال ك إلى خل ٍ ل اجتماع ٍيّ ٍ حراف. قيم الرذيلة ِ والان ِ القيم والمباد ِ ك ع َن تر ِ ئ الفاضلة ِ واتباع ِ ِ ن القراءة ِ ...ولم أعد أرغبُ بأن أكمل َ. توق ّفتُ ع َ ِ 98
لن أسري وحدي
-
ن الفسادِ ل مِ َ أم ّي ..ألهذا الح ّدِ هناك َ ٌ أناس بهذا الشك ِ والإفسادِ؟!!
سم َت أم ّي وقال َت: تب ّ -
ل زمان ومكان. الخ ير ُ والشرّ يا بنتي موجودان ،في ك ّ ق اختياراتِهم تكونُ عاقبت ُهم هذا هو امتحانُ البشر ِ ،ووف َ التكليف في ُ إمّا الجن ّة ُ أو النار ُ والعياذ ُ بالل ّه ،ولولا هذا بب في ن الشرّ لما كانَ هناك َ س ٌ تتب ّ ِع الخ ير ِ والابتعادِ ع َ ِ العقاب أو المثوبة ِ. ِ
ن ل المزيد َ م ِ َ ن الدنيا تدور ُ بي ،ولا أحتم ُ أحسستُ أ ّ الأفكارِ ،شعرتُ بأن ّي أريد ُ أن أهربَ م ِن هذه ِ الأفكارِ، لا أريد ُ أن أواجه َ نفسي بحقيقة ِ الدنيا والم ِ جتمع ...ففضّ لتُ
ن النو ِم. أن أستأذنَ أم ّي في أخذِ قسطٍ م ِ َ ن جاب على ما طلبتُ ،ل كنّها قال َت :ألا تريدي َ أشار َت أم ّي بالإ ي ِ 99
لن أسري وحدي
ف مدرّست ِكِ ... رأيي في تصر ّف ِكِ وتصر ّ ِ أستيقظ إن شاء َ الل ّه ُ. ُ هززتُ برأسي وقلتُ لها :عندما بأي شيء ٍ، ألقيتُ برأسي َ المثق ِ ل على وسادتي ،لم أشأ أن أفك ّر َ ّ ِ ورغم َ عد ِم سهولة ِ استسلامي للنو ِم ل كثرة ِ الأفكارِ التي أخذ َت ل في ذهني ،إلا أن ّي نمتُ بعدها قُرابة َ ساعة. تجو ُ ض النشاطِ العقليّ استيقظتُ -ولل ّه ِ الحمد ُ -وشعرتُ ببع ِ ِ شرب ِ المطبخ ل والجسديّ ..خرجتُ م ِن غرفت ِي ،واتّ جهتُ إلى ن القهوة ِ. ن مِ َ عصيرٍ أو فنجا ٍ غمرتُ نفسي َ بالدراسة ِ حت ّى انتهيتُ ،وعندها أطلقتُ تنهيدة ً ل في (النت) و أرى صفحت ِي طو يلة ً ،ثم ّ تناولتُ حاسوبي لأتجو ّ َ في "الفيس بوك". ق و أنا أغالبُ نفسي في ألّا أفك ّر برفيقت ِنا غريبة ِ مرت دقائ ُ ّ 111
لن أسري وحدي
الأطوارِ التي انضمّت إلينا ،ل كن عبثا ً حاولتُ .وجدتُ نفسي ن المدرسة ِ ووصولا ًلكلا ِم الأحداث بدءا ً م ِ َ ِ يط أفك ّر ُ ،وأعيد ُ شر َ أم ّي ،و ما قرأناه ُ. ف مدرّستي ن تصرّفي وتصرّ َ ل أم ّي" إ ّ لم أصل لنتيجة ٍ في تفسير ِ قو ِ صحيحان ". غادرتُ غرفتي باحثة ً ع َن أم ّي ،وأنا أتمن ّى أن أجد َها غير َ منشغلة ٍ. ق ما تمنيتُ ..ألقيتُ عليها التحي ّة َ. الحمد ُ لل ّه ِ تح ّق َ فسألتني: ت دراست ِكِ ؟ حت ،و أنهي ِ هل ارت ِنعم يا أم ّي و لل ّه ِ الحمد.111
لن أسري وحدي
ل الموضوع ُ الذي تح ّدثنا عنه ُ يشغلُ سم َت وقال َت :وهل مازا َ تب ّ بال َك؟ -
ِ الواقع! كنتُ أظن ّه صدمتُ ب كثيراً ..في الحقيقة ِ كأن ّي ُ ل م ِن ذلك! أجم َ
ل: تب ّ سم َت أم ّي بهدوئِها المعتادِ الجمي ِ -
عاف أناس ض ُ ك هذه ِ هي الحياة ُ ،هناك َ ٌ يا علا ،كما قلتُ ل ِ
ن ات ّ ِ باع النفو ِ س يغلب ُهم ُ الشيطانُ والشهواتُ والأهواء ُ ع ِ أناس يضحّ ونَ بحياتِهم ٌ والقيم الرفيعة ِ ،وهناك َ الفضيلة ِ ِ
القيم الرفيعة ِ؛ هذه ِ هي الحياة ُ الواقعي ّة ُ، ل هذه ِ م ِن أج ِ ِ ن ات ّ ِ باع الحقّ ِ والفضيلة ِ أو والإنسانُ مخ يّر ٌ فيما يختار ُه ُ م ِ َ
ات ّ ِ التكليف والاختبار ُ ُ ن؛ وهذا هو باع الهوى والشيطا ِ ف الإيمانُ الذي سن ُثابُ عليه ِ أو ن ُعاق َبُ ؛ و أحيانا ً يضع ُ ُ ن الحقّ ِ ونرتكبُ الأخطاء َ ،وأخرى نغلبُ فينا فنمي ُ لع ِ 112
لن أسري وحدي
حرب س وننتصر ُ للحقّ ِ والخ ير ِ؛ وال ِ الشيطانَ و هوى النف ِ ن ،وكل ّما زاد َ س البشر ي ّة ِ سجالٌ ،لا تهدأ ولا تسك ُ في النف ِ ن، س والشيطا ِ الإيمانُ سه َ ل الانتصار ُ على هوى النف ِ وبالعكس. وما الذي يساعد ُني في تقو ية ِ إيماني يا أم ّي كي يحالف َنيح والانتصار ُ على نفسي وشيطاني؟ النجا ُ وينقص ،تزيد ُه ُ الطاعاتُ والعباداتُ ُ الإيمانُ يزيد ُبآيات الل ّه ِ ونعمه ِ وفضله ِ ،مم ّا يزيد ُ ِ والمعرفة ُ بالل ّه ِ والتفك ّر ُ محب ّت َه ُ في قلب ِك ،و يجعل ُكِ تخجلينَ أو تخشينَ القيام َ بما الأنس به ِ والتي يضفيها ِ حظات ِ ك عن ل لايرضيه ،أو يبعد ُ ِ صكِ على رضاه. عليكِ نتيجة َ استقامت ِكِ على أمر ِه ِ ،وحر ِ يس أخاف م ِن نفسي َ ح ّقا ً! الأمرُ ل َ ُ أم ّي كلام ُك يجعل ُنيسهلا ً على الإطلاق.
113
لن أسري وحدي
ل على الجن ّة ِ لا يتطل ّبُ منكِ ن الحصو َ كإ ّ وم َن قا َلل ِ ك لطاعت ِه؟ ن على محب ّت ِكِ لل ّه ِ وإيثارِ ِ تقديم َ البرها ِ ح ،ول كن ّي خائفة ٌ ح ّقاً. كلام ُكِ صحي ٌق ل على صد ِ سكِ ،فهي الدلي ُ يا بنتي ،عليكِ بمجاهدة ِ نف ِحب ن سيدّعي أن ّه ُ ي ّ طلب ِكِ لل ّه ِ ومحب ّت ِكِ له ،وإلا فأيّ إنسا ٍ ل! ك دونَ برها ٍ ل ذل َ س يفع ُ ن النا ِ الل ّه َ ،وكثير ٌ م ِ َ ن ودلي ٍ
يرفض الأوامرَ الإلهي ّة َ فلا يريد ُ أن يصل ّي َ ،ولا ت ُريد ُ ُ فتراه ُ
ل إ ّنها أن تتحجّ بَ ،أو تلتزم َ بالأوامر ِ الإلهي ّة ِ ...ثم ّ تقو ُ حب الل ّه َ! ت ّ ك كثيراً. ح يا أم ّي .إن ّي أسم ُع ذل َ -صحي ٌ
هل إذا طلبتُ منكِ عملا ً ما ،أو نهيت ُك عن شيء ٍ ،ثم ّك ،وأتيت ِني تقسمينَ بالل ّه ِ إن ّكِ ل ذل َ ت أنتِ ك ّ رفض ِ مت لي دليلا ً ن أن أص ّدق َكِ ؟ أو هل ق ّد ِ تحبينني! هل يمك ُ 114
لن أسري وحدي
على محب ّت ِك تجعل ُني أص ّدِق ُكِ ؟ ك ستجعلني أسرع ُ في تلبية ِ ما لا طبعا ً يا أم ّي! محب ّتي ل ِن ما تطلبين َه من ّي تطلبين َه خصوصا ً أن ّي أعلم ُ تماما ً أ ّ لمصلحت ِي. ك م َع الل ّه ِ يجبُ ل الأعلى ،فكذل َ تماما ً يا بنتي ..ولل ّه ِ المث ُأن تق ّدمي برهانا ً لمحب ّت ِكِ م ِن صلاة ٍ وعبادة ٍ وطاعة ٍ في ِ جميع ما أمرَه ُ.
امم ..كثيرا ً يا أم ّي ما وقفتُ عاجزة ً عن إعطاء ِ هذه ِحب الل ّه َ ثم ّ يصرّ ألا يصل ّي َ أو يقوم َ الحجُ ّة ِ لم َن ي ّدعي أن ّه ُ ي ّ ن المحب ّة َ في قلب ِه ِ والل ّه ُ أعلم ُ بها. بما أمرَه ُ الل ّه ُ ..بحج ّة ِ أ ّ
التكليف ،وفي ِ ن للهروب م ِ َ ِ س البشر ي ّة ِ إ ّنها مراوغة ُ النف ِتعترف بخطئ ِها أو ضعف ِها في تنفيذِ َ الوقت ذات ِه ِ لا تريد ُ أن ِ ن البشر َ لا يقبلونَ في ل المحب ّة ِ ،م َع أ ّ أمر ِ الل ّه ِ ،وتقدي ِم دلي ِ
115
لن أسري وحدي
ن الأبناء ِ، ل ..الأمّ تطلب ُه ُ م ِ َ ِ إثبات محب ّت ِهم لبعض ِهم إلا بدلي ٍ ن وتحايل ُه ِ! جيب أمرُ الإنسا ِ ج والزوجة ُ ...ع ٌ الزو ُ سنا .ول كن ّكِ ت .أعان َنا الل ّه ُ على أنف ِ ح يا أم ّي ..صدق ِ -صحي ٌ
ن كلينا أصابَ في تصرّف ِه ِ وشعورِه ِ كيف أ ّ َ لم تخ بريني ك الفتاة ِ ؟! م َع تل َ
لمعلومات التي ِ تعرف هذه ِ ا ُ لا تستغربي يا بنتي .مدرّست ُكِجهة ٌ، ن (النت) على ما يبدو ،وهي مربّية ٌ ومو ّ عرفناها م َ هذه ِ هي رسالت ُها في الحياة ِ ،إن تصرّف َت بغير ِ ودٍّ تِ جاه َها ل هذه ِ حها فيما بعد ُ ،فلع ّ فلن تستطي َع الاقترابَ منها لنص ِ ل الأفكار َ الخاطئة َ الطالبة َ تقلّد ُ أحدا ً فقط ،أي رب ّما لاتحم ُ س ،وقلّد َت تقليدا ً أعمى ،مجر ّد َ ن النا ِ لهذه ِ المجموعة ِ م ِ َ ت. "موضة" أو سم ّيها "صرعة" أو "تقليعة" ..سم ّيها ما شئ ِ
ِ ن التنك ّر ِ والابتعادِ عنها أو الإصلاح لا يأتي م ِ َ ل فسبي ُ 11٢
لن أسري وحدي
استغراب. ٍ بنظرات احتقارٍ أو ِ رمي ِها ت المعلومات ،واستشعر ِ ِ أمّا أنتِ ،فلا تعلمينَ هذه ِ دت ريثما ن الأمرَ فيه ِ رِ يبة ٌ ،فابتع ِ بفطرت ِكِ السليمة ِ أ ّ ِ الموقف المناسبَ ، َ الموضوع لتت ّخذي ن تعلمينَ أكثر َ ع َ ِ صواب في موقف ِكِ هذا. ٍ فأنتِ على ت ابتسامة ُ ٍ فرح كبيرة ٍ على وجهي ،وألقيتُ بنفسي ارتسم َ ِ على يدِ أم ّي أقب ّل ُها: ت الصورة ُ واضحة ً ج ّداً .ول كن.. ك يا أم ّي ..لقد بد َ ِ أشكر ُ ِف الآنَ معها بعد َما علمتُ خطأ كيف أتصرّ ُ لو َ ماذا أفع ُ فات والأفكارِ التي رب ّما تنتمي إليها هذه ِ الطالبة ُ؟ هذه ِ التصر ّ ِ هل لديكِ القدرة ُ على مساعدتِها في إظهارِ خطأ ِ هذه ِالمعتقدات وتوضيحِها لها؟ ِ ستشف من ّي ّ ك وهي َ تنظر ُ إلى عينيّ بدق ّة ٍ لت سألتني أم ّي ذل َ 117
لن أسري وحدي
ما يدور ُ في ذهن ِي. وبالقيم ن قويّ بالل ّه ِ سبحان َه ُ أظنّ أن ّي أستطي ُع ..فلديّ إيما ٌِ الفاضلة ِ. ل إ يجاب ٍيّ فيجبُ ألّا ِ إذاكنت تستطيعينَ التأثير َ بها بشك ٍ ق بكِ ،دونَ تبادرِ يها الجفاء َ ،بل عليكِ التوددّ إليها حت ّى تث َ
ِ ت مستنقع الأفكارِ الخاطئة ِ ،وإن شعر ِ ك هي إلى أن تجر ّ ِ ت لطف ،أمّا إذا قد َر ِ بدأت تتأث ّرين ابتعدِي بسرعة ٍ و ٍ ِ أن ّكِ
ج رأيِها بهذه ِ الأفكارِ على نقل ِها إلى أجواء ٍ نقي ّة ٍ فحاولي استنتا َ
عف ن حج ّت َكِ أض ُ والوشو ِم ،ثم ّ حاولي إقناع َها ،وإذا رأيتِ أ ّ م ِن حُ ج ّتها وستؤث ّر ُ عليكِ سلبا ً ابتعدي بهدوء ٍ ولا تخوضي
ظة ً ،ولا تجعليها معها ،والزمي الحياد َ ،فلا تكوني ف ّ ك. ش لأساعد َ ِ ل معكِ م ِن نقا ٍ صديقت َكِ ،وأخبريني ما يحص ُ ك ح يا أم ّي .هذا هو التصرّ ُ صحي ٌف السليم ُ .شكرا ً ل ِ 118
لن أسري وحدي
ياحبيبتي ،لا حرمني الل ّه ُ منكِ وم ِن توجهيات ِكِ ،وسأطلع ُكِ على ما يحدثُ معي أ ّولا ً بأ ّول.
رأس أم ّي وسارعتُ للوضوء ِ والصلاة ِ ثم ّ إلى النو ِم. َ قبّلتُ
119
لن أسري وحدي
- 8 -
ُ ُ ُ ً مشاعر خُبتذل ،هو خضحيةُ وعطاء، ُ كلمة خقال ،أو (الحبُ ليسُ ُ وبذلُ وعمل) ُ
ل أم ّي ....أم ّي ...أحب ّكِ يا أم ّي .دخلتُ مسرعة ً إلى المنز ِوبهذه ِ العاطفة ِ الجي ّاشة ِ قبّلتُ يديها... أحب ،وأنا يا بنتي!! خيرا ً !!ما بك؟ ّ َت ابتسامت َها التي سم ِ تب ّلا شيء َ يا حبيبتي .ل كنّ الإنسانَ أحيانا ً م ِن كثرة ِ تعوّدِه ِ111
لن أسري وحدي
على النعمة ِ لا يراها .لا تستغربي يا أم ّي ...اليوم َ قصّ ت عليّ ن أمّها مشغولة ٌ عنها ،ولا تجد ُ أحدا ً عندما كيف أ ّ َ صديقتي ل ،وحت ّى بعد َ عودة ِ أمّ ِها فهي مشغولة ٌ عنها ولا تعود ُ إلى المنز ِ
ٍ موضوع مهما كانَ بأي تكاد ُ تستطي ُع أن تتح ّدثَ معها ِّ ل يشغل ُها ،فأحسستُ بالنعمة ِ ال كبرى التي لم أحمده ُ عليها ج ّ ك عليها ،فخشيتُ أن يسلب َها من ّي .لهذا جلال ُه ُ ،ورب ّما لم أشكر ِ
ل ك يا غاليتي؛ هذه ِ هي ك ّ أسرعتُ إليكِ أشكر ُ رب ّي ،وأشكر ُ ِ القصّ ة ِ. سم َت أم ّي بحنانِها المعتادِ الساحر ِ ،فارتميتُ في أحضانِها تب ّ ل بهذه ِ النعمة ِ التي أتمن ّى ألا يحرم َني الل ّه ُ منها أبداً. الدافئة ِ أستظ ّ -مسكينة ٌ وفاء ُ يا أم ّي ..تشعر ُ بالوحدة ِ ولا تجد ُ م َن يجيب ُها
حس العطف والحنانَ ،وت ّ َ عن تساؤلاتِها ،وتفتقد ُ ض لدرجة ِ أ ّنها تشعر ُ بعد ِم محب ّت ِها لأمّ ِها! بالامتعا ِ 111
لن أسري وحدي
ك مشاعرَها عند َما تتح ّدثُ ُ كيف َ لا أدري يا أ ِم ّي أصف ل ِ
ن كيف يمك ُ َ عنها ..ح ّقا ً أشعر ُ بالأسى لحال ِها ،ولا أدري
أن أساعد َها. ض رحمت ِه ِ ،ويهديَها ل الل ّه َ أن ي ُسب َغ عليها م ِن في ِ نعم نسأ ُل الل ّه ِ وهو يتيم ٌ ل بمحب ّت ِه ِ .لقد ترب ّى رسو ُ لدرب ِه ِكي تستظ ّ يا علا ،هل هذا صحيح؟ نعم...صحيح.ل العناية ِ الإلهي ّة ِ وإقبال ِه ِ على محامدِ الأمورِ لا وبفض ِن والرحمة ِ ،ولم يجعله ُ ن الحنا ِ سفاسف ِها أسب َغ الل ّه ُ عليه ِ م ِ َ يتيما ً ساخطا ً على القدرِ أو الم ِ جتمع .فالإيمانُ بالل ّه ِ ومحب ّت ِه ِ
ل على الل ّه ِ ،فهو ن المحنة ِ التي يعيش ُها فرصة ً للإقبا ِ ل مِ َ يجع ُ
ل الرحيم ُ القريبُ الودود ُ الذي هو أقربُ إلينا م ِن حب ِ ح هذه الحالة ُ التي تشفقين عليها الوريدِ؛ فعندئذٍ يا بنتي تصب ُ 112
لن أسري وحدي
فيها هي التي تقود ُها إلى سعادة ِ الدنيا والآخرة ِ. ن الل ّهِ .ول كنّها ليست صحي ٌح يا أم ّي .ما أعذبَ كلام َكِ ع ِ ج إلى م َن يأخذ ُ بيدِها ويدل ّها ناضجة ً لهذه ِ الدرجة ِ ،إ ّنها تحتا ُ
ِ يس الصحيح ،لتتذوّقَ هذه المعاني ،والأمرُ ل َ ق على الطر ي ِ
سهلاً.
مرب يعين ُه ُ وصحبة ٍ صالحة ٍ ٍّ ج الإنسانُ إلى ل يا بنتي يحتا ُ بالفع ِن فهناك َ ستجد ُ س القرآ ِ تأخذ ُ بيدِه ِ؛ خذيها معكِ إلى در ِ م َن يجيب ُها ع َن أسئلت ِها؛ وستكونينَ أنتِ ورفيقاتكِ ن ِعم َ الصحبة ُ الصالحة ُ لها ،ويمكن ُكِ أن تستضيفيها عندنا في أحدِ الأيا ِم على أن تخ بريني كي أع ّد ل كما طعاما ً ممي ّزا ً؛ ما رأيك؟ ك أنت يا أم ّي ....ما أجمل َكِ وما أرق ّكِ .الله ّم ل َ رائعة ٌ ِالحمد ُ حمدا ً كثيرا ً على أن وهبتني أمّا ً رائعة ً مثل َك. حسنا ً يا بطلة ...قومي وساعديني في إعدادِ الطعام...113
لن أسري وحدي
لا ........نظرت إليّ أمي مبتسمة ً. س ح فقط ...طبعا ً على العينِ والرأ ِ هههه ..كنتُ أمز ُك أقبّلها. ك .هاتي يد ِ ل ثيابي وأساعد ُ ِ يا أحلى أمّ ،سأب ّد ُ الهاتف فإذا هي صديقتي حنانُ ،تح ّدثتُ معها ،ثم ّ ِ جرس ُ ن ر ّ الوقت مضى ِ ن الهاتف جانباً ،لا أدري كم م ِ َ ِ وضعتُ سم ّاعة َ صوت أم ّي تناديني كي ِ ن ،لم أستفق إلا على وأنا شاردة ُ الذه ِ أساعد َها ،حاولتُ المماطلة َ إلا أن ّي شعرتُ بصوتِها في المر ّة ِ
الرابعة ِ انزعاجا ً لعد ِم تلبية ِ النداء ِ ،فذهبتُ مسرعة ً. كنت؟ ولماذا لم تلبيني فوراً؟ ِ ن أي َن. عذرا ً يا أم ّي ..كنتُ شاردة َ الذه ِ -تعال َي وأكملي عن ّي فإن ّي أشعر ُ بدوار.
114
لن أسري وحدي
خري عنها .ما أغباني. أحسستُ كم أنا مذنبة ٌ لتأ ّ أم ّي ما بك؟ أم ّي ....أم ّي ......صرختُ أنادي أبي...أبي ...أبي. ل أم ّي إلى سرير ِها؛ كان َت حرارتُها جاء َ أبي وتساعدنا في حم ِ
ادات بعض ال كم ّ ِ َ بالطبيب ،ووضعنا ِ ل أبي مرتفعة ً جدّاً .ات ّص َ
ق واضحا ً على وجه ِ أبي. الباردة ِ؛ بدا القل ُ الفحوصات اللازمة َ ،وأنا أتابع ُه ُ بنظري ِ جاء َ الطبيبُ وأجرى كيف لم أستجب لأم ّي َ مدهوش ،وضميري يؤن ّب ُني: ٌ وعقلي
ل ،ول كنّها مرات عديدة ً م ِن قب ُ ٍ بسرعة ٍ؟! لقد قمتُ بالخطأ ِ ذات ِه ِ الآنَ كان َت بحاجة ٍ إليّ. حب ثم ّ أتكاسل! ل هذا ال ِّ كيف أحبّها ك ّ أحب أم ّي فقط لأ ّنها تعطيني الحنان؟ كم أنا أناني ّة ٌ! عندما ّ أ 115
لن أسري وحدي
ت الصور ُ القديمة ُ ن إشارتِها ...ثم ّ أخذ َ ِ احتاجتني لم تجدني ره َ ل أمام َ سريري كيف سهر َت ليا ٍ َ ل في خاطري ،صورتُها تجو ُ حت ّى تعافيتُ ،يد ُها الحنونُ ته ّدئ ُ من روعي وأنا محمومة ٌ ،وهنا أجد ُها أمام َ ناظريّ فورا ً بعد َ أن فتحتُ عينيّ ،ولم أحتج إلى أن أناديَها. الطبيب يتح ّدثُ مع والدي ِ ل هذه ِ الخواطرِ وأنا أسم ُع صوتَ ك ّ ج .أسرعتُ إلى أم ّي أتأمّل ُها ض ،وها هو يخر ُ بصوت منخف ٍ ٍ ن. بحنا ٍ كيف أم ّي يا أبي؟ َ ثم ّ أسرعتُ إلى أبي: ن الل ّه ِ ،يتوق ّ ُع الطبيبُ أن ّه ُ فيروس ،ول كن ّه ُ شديدٌ بأس بإذ ِ لا َبعض الشيء ِ .سأذهبُ لأحضر َ الدواء َ ،كوني عند َ أمّكِ ولا َ تغادريها.
طبعا ً يا أبي.11٢
لن أسري وحدي
ب ،وأضعُ ق المتصب ّ ِ قطرات العر ِ ِ ح عدتُ إلى أم ّي الحبيبة ِ أمس ُ ل وجه َها الجميل .لاحرم َني َ الل ّه ُ منكِ مادات الباردة َ ،وأتأمّ ُ ِ لها ال ك
يا أم ّي .سامحيني ..لقد أخطأتُ في ح ّقكِ .أخطأتُ في حقّ ِ
حب الذي بيننا ..يا أغلى ما عندي .سامحيني يا حبيبتي .كنتُ ال ِّ أحدّثُ نفسي ودموعي تنهمر ُ. حت أم ّي عين َيها بابتسامة ٍ خفيفة ٍ ...طار َ عقلي.. فت َ أم ّي ...حبيبتي ...قب ّلت ُها و قب ّلتُ يديها. حمدا ً لل ّه ِ على سلامت ِكِ يا حبيبتي.سم َت ولسانُها يرسم ُ كلمة َ الحمدِ دونَ أن أسمع َها ،ثم ّ عاد َت تب ّ إلى غفوتِها الرقيقة ِ والابتسامة ُ ملء ُ محي ّاها. ثم ّ عاد َت لي خواطري السابقة َ وتذك ّرتُ خطئ ِي ،وكنتُ حب ثم ّ أتراخى في كيف أحبّها هذا ال ّ َ مستغربة ً م ِن نفسي 117
لن أسري وحدي
الاستجابة ِ لها!!! ل وسلوك ٌ هذا ما عل ّم َتني إ ي ّاه ُ أمّي واقعا ً حب تضحية ٌ وعم ٌ ال ّ كلمات رقيقة ً! ٍ ل أن ت ُسمع َني إ ي ّاه ملموسا ً قب َ النفس الأمّارة ُ بالسوء ِ ،نعم أظنّ هذا ما كانت ستقول ُه ُ لي ُ إ ّنها أم ّي .وهذا حقّ . ق وغلب َت حب ّي ،يجبُ أن أجاهد َها لقد انتصر َت نفسي لدقائ َ
ِ الواقع، سد ُ ف ي ل تتج ّ كلمات تُقالُ ،بل هو أفعا ٌ ٍ ليس حب َ فال ّ وسلوك ٌ يظهر ُ في الحياة ِ. ل أمام َ أم ّي ،فنمتُ على أر يكة ٍ بقر بِها ،كما ظل َلتُ طوا َ ل اللي ِ ك معي. ل ذل َ كان َت تفع ُ حبيب ،وتنس ّ ِم رائحت ِها العطرة ِ. استمتعتُ بالنظرِ لوجه ِها ال ِ ك يا حبيبة ُ. -ما أبها ِ
118
لن أسري وحدي
ضت حت عينيها ،وكانتِ الحرارة ُ قد انخف َ وبعد َ صلاة ِ الفجرِ فت َ
وعاد َ لوجه ِها لون ُه ُ الطبيعيّ .أشار َت إليّ كي أساعد َها في الوضوء ِ لتصلي َ الفجر َ. ما أروع َكِ يا أم ّي.
استيقظ على غير ِ َ صل ّيتُ أنا وأم ّي ووالدي وأخي الصغير ُ الذي عادت ِه ِ ،كي يطمئ ّن على أم ّي. س ،ثم ّ ثم ّ عاد َت إلى السرير ِ ،وظللتُ بقر بِها حت ّى شرو ِ ق الشم ِ ساعات؛ ولم أذهب يوم َها إلى المدرسة ِ. ٍ غفوتُ بض َع ل النهارِ كان َت أم ّي تستردّ عافيت َها -ولل ّه ِ الحمد ُ -بسرعة ٍ. وخلا َ مرة ٍ كانت تبتسم ُ دونَ أن تردّ اعتذرتُ منها مراراً ،وفي ك ّ ِ ل ّ جاب. عليّ ،كانت تكتفي بأن تهز ّ رأس َها بالإ ي ِ
ِ سماع ضحكات ِنا جميعا ً البيت إلى عهدِه ِ بعد َ ِ ل وفي المساء ِ عاد َ جما ُ 119
لن أسري وحدي
مع أم ّي الحبيبة ِ ،وقد تعل ّمتُ البارحة َ درسا ً لن أنساه .وهو أن ل. حب الأصي ُ ل ،فهذا هو ال ّ أترجم َ حب ّي إلى عم ٍ
121
لن أسري وحدي
-9-
(التقنيّةّ ٌ سالح ذو حدين ،واإلنسانّ هو املقودّ الّذي يوجّهّهّ إما لسعادتّهّ أو شقائّهّ) ّ
ل بادية ٌ على وجه ِها .لم اقترب َت من ّي ببطء ٍ شديدٍ وأماراتُ الخج ِ ل تلقي عليّ السلام َ إلا نادراً ،ل كن ّي كنتُ أرى تكن م ِن قب ُ الصف أو ِّ نظرات الاحترا ِم ترمق ُني بها كل ّما مررتُ بقر بِها في ِ الفسحة ِ. اقترب َت كثيرا ً ووجهّت نظر َها إليّ وكأ ّنها تداف ُع الدم َع م ِن 121
لن أسري وحدي
عينيها ...استغربتُ كثيراً ،فبادرتُها السلام َ م َع ابتسامة ٍ خفيفة ٍ والاضطراب الل ّذ َين كانا بادي َين على ِ ق ل مظاهر َ القل ِ لأز ي َ ن السكينة ِ ل م َ وجه ِها ،فارتسم َ ِ ت ابتسامة ٌ رقيقة ٌ مع قلي ٍ والطمأنينة ِ. مرحبا ً ...هل أستطي ُع التحدّثَ إليكِ ؟ك يا مها؟ َ سعة ِ، الرحب وال ّ ِ طبعا ً علىكيف حال ُ ِ الحمد ُ لل ّه ِ ......في الحقيقة ِ قد تستغربينَ اقتحامي وطلبيالتح ّدثَ معكِ ،رغم َ عد ِم وجودِ علاقة ٍ وطيدة ٍ بيننا. س ،لقد أسعدت ِني ..تفضّ لي و تح ّدثي بما تشائين. لا على العك ِك كثيراً ،لطالما كنتُ أنظر ُ إليكِ باحترا ٍم وتقدير ٍ ،فما أشكر ُ ِن من أحدٍ ..ص ّدقيني .. مرة ُ تغتابين أحداً ،ولا تسخري َ سمعت ُكِ ّ
رب ّما لم أتح ّدث إليكِ أو حت ّى ألق َي السلام َ عليكِ كثيراً ،ل كن ّكِ
122
لن أسري وحدي
ل الطالبة ِ المه ّذبة ِ الخلوقة ِ كنت قدوة ً لي ..مثا َ ِ في قرارة ِ نفسي المجتهدة ِ. ل أن أكونَ ك كثيراً ،لستُ أهلا ًلما تقولين َه ،ل كن ّي أحاو ُ أشكر ُ ِل لذل َ ل ،وأتمن ّى أن أص َ عز وج ّ خلوقة ًكما ي ّ ك ..شكرا ً حب ر ب ّنا ّ ِ المديح الذي لا أستح ّقه ُ.. ل هذا هات ماعند َ ِ ِ ك.. ل ِ ك ،بعد َ ك ّ ِ ابتسم َت قائلة ً : لا أنتِ تستح ّقين َه...حت هذه ِ الابتساماتُ ال كثير َ من الابتسامات وقد أزا َ ِ تبادلنا والاضطراب عن وجه ِها. ِ ق القل ِ حاسوب ِ ن مدرّسة َ مادّة ِ ال كيف أبدأ ...تذكري َ َ أعرف ُ -لا
ِ ل الفيس بوك ل الاجتماع ِيّ مث َ عندما نبّهتنا على مواقع التواص ِ ث مع ل التحاد ِ والتو يتر ،وتحدّث َت عن أهمي ّة ِ الانتباه ِ خلا َ 123
لن أسري وحدي
ن هذه ِ التقني ّة َ قد تكونُ نعمة ً إن أحسن ّا ص نجهل ُهم ...وأ ّ أشخا ٍ استخدام َها ،وقد تكونُ نقمة ً إن أسأنا أو دخلنا مواق َع مشبوهة ً، هل تذكرين؟ ك كنت لا تؤي ّدين َها كثيرا ً وكذل َ ِ نعم أذكر ُ تماما ً ...وأذكر ُ أن ّكِبعض زميلات ِك. ُ ق ت اعتراضاتي وأحيانا ً سخريتي بأخلا ٍ صحيح ...وقد قابل َ ِراقية .ل كن ّي كنتُ غافلة ً ولم أتنبه ..و يا ليتني فعلت! تغي ّر َ وجهي و وجه ُها .ولمحتُ دمعة ً في عينيها ،وشعرتُ أ ّنها ل لي كارثة ً! ستقو ُ كانَ كلام ُ المدرّسة ِ صائبا ً تماماً ،ل كن ّي لم أستمع للنصيحة ِفوقعتُ في شرِّ أعمالي. وكيف؟ َ ق بادية ً على وجهي ،سألت ُها: ظهر َت ملامح ُ القل ِ 124
لن أسري وحدي
ِ ل ل م ِن مجموعة ٍ لأخرى على لقد كنتُ أتن ّق ُموقع التواص ِ ل عا ٍمّ م َع الاجتماعيّ الفيس بوك ،ويسعد ُني التخاطبُ بشك ٍ
ال ِ ل الاجتماعيّ؛ قد يضعون الصداقات والتواص َ ِ أحب ّ جميع فأنا حكات خفيفة ٌ لا تعليقات بريئة ٌ وض ٌ ٌ ق وهكذا... النكات ونعل ّ ُ ِ ل تحم ُ ل معاني َ سوى التسلية ِ ...إلى أن ازداد َ الاهتمام ُ م ِن ق ِب ِ حها بش ّدة ٍ مبديا ً ق عليها ويمد ُ ص بتعليقاتي وصار َ يعل ّ ُ أحدِ الأشخا ِ ق. إعجابه ُ بكاتبة ِ هذا المنشورِ أو التعلي ِ امم .....ثم ّ ماذا؟ل الخاصّ ة ِ في الفيس بوك.. ثم ّ تحادثنا بواسطة ِ الرسائ ِق قلبي به! ثم ّ تعل ّ َ ِ ل. تستطع الإكما َ وانفجر َت بالبكاء ِ ..ولم ل؛ ثم ّ تمال كَت حاولتُ أن أه ّدِئ َ م ِن روع ِها ،ول كن عبثا ً أحاو ُ 125
لن أسري وحدي
نفس َها بعد َ فترة ٍ ليست بالقليلة ِ. ك -أنا أعلم ُ أن ّكِ أمينة ٌ ولن تخ بري أحدا ً بما قلت ُه أو سأقول ُه ُ ،لذل َ
ِ الراجح ودينكِ .ماذا ق بعقلكِ لجأتُ إلى مشورت ِكِ ،لأن ّي أث ُ ل؟ أخبريني. أفع ُ ك لقد استمر ّ التحادثُ بيننا أشهرا ً عديدة ً ،وكنتُ أظنّ أن ّي أمل ُ ف أشعر ُ ف بأية ِ لحظة ٍ ،ل كن ّي للأس ِ قلبي ،وأستطي ُع أن أتوق ّ َ بعد ِم قدرتي على ذلك. ص مم ّا أنا فيه ِ ..أنا متعل ّقة ٌ به ِ وكل ّما وعدتُ نفسي ألا أريد ُ التخل ّ َ ساعات.. ٍ ح الفيس بوك ،أجد ُني أنكثُ عهدي بعد َ أفت َ تلاحظ شرودي ُ لم أخبر أحداً .حت ّى أم ّي لا تعلم ُ ،ل كنّها ل عن سببه ِ .ماذا أفعل؟ وتتساء ُ أعرف ماذا ُ كانَ سؤال ُها غريبا ً أو غير َ متوق ّ ٍع ،أو رب ّما لأن ّي لا 12٢
لن أسري وحدي
كستُ رأسي ،وصو ّبتُ أجيب ُها ....أحسستُ بالعجزِ تماما ً ،فن ّ ض ،و لم أنب ِس بكلمة ٍ ..أمّا هي فكانت ترم ُق ُني عينيّ نحو الأر ِ الفانوس السحريّ الذي ُ ل وكأن ّي َ ن الح ّ ِ بنظراتِها التي تبحثُ ع ِ ل بسهولة ٍ. سيجد ُ لها الح ّ ق: ل إلى قل ٍ ل صمتي ،فبدا التعجّ بُ على وجه ِها ثم ّ تحو ّ َ طا َ س أو الريبة ِ ل معاني َ التو ّ ن إليّ الآنَ نظرة ً تحم ُ لعل ّكِ تنظري َج ِ ك ،وما أبعد َني كيف تجر ّأتُ على ذل َ َ من ّي ،وتقولينَ في نفسكِ : بنت لا تستحقّ ٌ غاضب من ّي ،أو أن ّي ٌ ن الل ّه ِ ...وأ ّ ع ِ ن الل ّه َ
الاحترام َ.
ك. -كلا ...كلا ...سامحكِ الل ّه ُ ...لا والل ّه ِ ما خطر َ لي ذل َ
ط في يدي أو أشعر ُ ل كن ّي لم أعرف بماذا أجيبكِ ؟ كأن ّه أسق ِ َ
ن آدم َ خ ّ ل اب ِ ل؟ .ك ّ ل أو أقو ُ بِ ح َيرة ِ ولا أدري ماذا أفع ُ طاء ٌ ل الل ّه ِ . طائينَ الت ّوابون ...هذا ما علّم َنا إ ي ّاه ُ رسو ُ وخير ُ الخ ّ 127
لن أسري وحدي
ح ما أفسدنا كل ّنا قد يخطئ ُ ..المهم ُ أن نؤوبَ إلى الل ّه ِ ونصل َ فيتوبَ الل ّه ُ علينا ونعود َ كمن لا ذنبَ له.
ح على وجه ِها: بدا الارتيا ُ ق. خروج من هذا المأز ِ لم أسئ في اختياري ل ِك كمعينة ٍ لي لل ِ و ل كن ّي .................. ات لأن ّنا ل الجملة ِ فقد ناد َت علينا إحدى المدرّس ِ لم تستطع إكما َ ن س الفسحة ِ الذي أعل َ ن نتحادثُ ،ولم ننتب ِه لجر ِ نسينا أنفسَنا ونح ُ بدء َ الحصّ ة ِ الدرسي ّة ِ. ت لأبحثَ عن مها ،ل كن ّي لم بعد َ انتهاء ِ الحصّ ة ِ والدوا ِم تل ّف ّ البيت وأنا أفك ّر ُ في قصّ ت ِها ،حائرة ً ِ أجدها ،فعدتُ أدراجي نحو َ حها. بماذا أنص ُ ن ،لدرجة ِ أن ّي نسيتُ أن ألق َي وصلتُ المنز َ ل وأنا شاردة ُ الذه ِ 128
لن أسري وحدي
جهتُ لغرفتي فورا ً؛ ألقيتُ نفسي على السلام َ على أم ّي ،وتو ّ لسقف غرفتي طو يلا ً ِ خلف رأسي ،ونظرتُ َ السرير ِ و يداي إلى أن غفوتُ ،فما أحسستُ إلا بلمسة ِ يدِ أم ّي َ الحانية ِ تنبّهني ل ثيابي وأتوجّه َ لغرفة ِ الطعا ِم. كي أب ّد َ ل طعامي. ي الشرود ُ حت ّى وأنا أتناو ُ بدا على وجه َ ك اليوم َ على غير ِ عادتكِ ! حت ّى أن ّكِ ماذا بكِ يا علا؟ أرا ِالبيت؟ هل من ِ ت إلى ت إلقاء َ السلا ِم عندما دخل ِ نسي ِ
خطب؟
لا يا أم ّي ...عفوا ً ..أعتذر ُ بش ّدة ٍ ،لم أنتبه ..لا شيء َيا حبيبتي ،ول كن ّي مشغولة ٌ بقصّ ة ٍ لإحدى زميلاتي في
ت تستطيعين؟ المدرسة ِ ،رب ّما بعد َ الطعا ِم أحادث ُكِ إن كن ِ أحب الاستماعَ لقصصِ كِ . ّ هذا يسعد ُني كثيراً ...فأنا129
لن أسري وحدي
ل في خاطري ،يا أحلى ل ما يجو ُ أحب أن أخبر َ ِ ّ وأناك بك ّ ِ أمّ. جلستُ مع أم ّي بعد َ تناول ِنا للطعا ِم ،وحظيتُ مع َها بجلسة ِ س ،فأخبرتُها بما قالته ُ لي مها ،ثم ّ سألت ُها صفاء ٍ في غرفة ِ الجلو ِ
عن رأيِها ،فقالَت: ِ تصحيح الخطأ ِ أن تدرك َ أنّها مخطئ َة ،وتقر ّر َ الامتناع َ بداية ُك ،فهي قد تعل ّقت بوه ٍم كاذب، عن الاستمرارِ في ذل َ ل ليوقع َها في شباكه ِ ،عليها أن تفهم َ أحب ّت كلام َه ُ المعسو َ ل هذه ِ الحقيقة َ ،وتدرك َ أ ّ ن إنشاء َ الأسرة ِ غاية ٌ نبيلة ٌ م ِن أج ِ
نفع الم ِ ل قادرٍ على ِ ل نتيجة َ جتمع ،ولن يكونَ هذا الجي ُ جي ٍ ك وض َع الل ّه ُقوانينَ ل ذل َ ٍ علاقات خاطئة ٍ أو مشبوهة ٍ .م ِن أج ِ
المغامرات التي قد تُشقيها، ِ ن حفظ كرامة َ المرأة ِ ،وتحميها م ِ َ ت ُ للعب طمة ً نتيجة َ ا ِ أو تملأ قلب َها حزنا ً وتجعل ُها إنسانة ً مح ّ 131
لن أسري وحدي
فالشخص الذي يستح ّقها لن يكونَ هو ذاك َ ُ بمشاعر ِها، ل الذي لايعي أهمي ّة َ هذه ِ العلاقة ِ الإنسانُ غير ُ المسؤو ِ
ل نواة َ الم ِ ك سنّ جتمع؛ لذل َ ك ُ الزوجي ّة ِ والأسرة َ التي تش ّ
العلاقات الاجتماعي ّة ِ التي تُقيم ُ الأسرة َ ِ أسس َ الإسلام ُ
لم ٍ س غارقا ً ل ،ولي َ جتمع سعيدٍ ومنتج وفاع ٍ السعيدة َ ،م ِن أج ِ ٍ بالقلب يابنتي كم َن ِ وسفاسف الأمورِ؛ فاللعبُ ِ المغامرات ِ في
ك أن تغتر ّي ك شرر َها .فإ ي ّا ِ يلعبُ بالنارِ ،لاب ّد أن يصيب َ َ ل عليه ِ سك وتظن ّي أن ّكِ صالحة ٌ ،قو ية ُ الإرادة ِ ...فقد قا َ بنف ِ مات ل المحر ّ ِ الصلاة ُ والسلام ُ مشبّ ِها ً م َن يتلاعبُ حو َ فترس ك الذئبُ أن ي َ ل السورِ فيوش َ كالراعي يرعى غنم َه ُ حو َ إحدى غنمات ِه ِ.
يقو ُل
هات ل بيِّنٌ ،والحرام ُ بيِّنٌ ،وبين َهما مُشَبّ ٌ ":الحلا ُ
هات استبر َأ لدينِه ن ات ّقى المُشَبّ ِ لايعلم ُها كثير ٌ من الناسِ ،فم َ ِ وعِرضِه،
وم َن
وقَع
في
هات شب ُ ِ ال ّ
ك ٍ َراع 131
لن أسري وحدي
ل ك أن يواق ِع َه ،ألا وإ ّ ش ُ ل الحِمى يو ِ يرعى حو َ ن لك ّ ِ ن في محارِم ُه ،ألا وإ ّ ملكٍ حِمى ،ألا وإن حِمى الل ّه ِ في أرضِه َ الجسدِ م ُضغ َة ً :إذا صلَحَت صلَح الجسد ُ كل ّه ،وإذا فسَد َت فسَد الجسد ُ كل ّه ،ألا وهي القلبُ " .1 والثبات ِ ك المعاني وأهمي ّت ِها يعين ُها في اتّ خاذِ القرارِ كها لتل َ إدرا ُ ل المفيدِ وتبتعد َ عن عليه ِ ،ثم ّ عليها أن تشغ َ ل نفس َها بالعم ِ ن قراءة ً وتدب ّراً، ل على القرآ ِ النت نهائي ّا ً لفترة مؤق ّتة ٍ ،وتُقب َ اهرات ٍ حبات ط ن الل ّه ِ المعونة َ .ولتنظر َ إلى صو ي ٍ وتطلبَ م ِ َ النفس في َ حات يُعِنّها على نفس ِها؛ فالبيئة ُ الصالحة ُ تساعد ُ صال ٍ ل معينٍ المستقيم ،ولتكوني معها أفض َ الاستقامة ِ على الصراطِ ِ وخير َ دليل.
:
:
-
:
-
132
لن أسري وحدي
ل طبعا ً ستتأل ّم ُ ،وستعاني في البداية ِ ،ل كنّ ألم َها الآنَ أفض ُ أحداث أش ّد ألما ً قد ٍ ن استمرارِها في الخطأ ِ ثم ّ ت ُعاني م ِن مِ َ ل منها إنسانة ً شقي ّة ً. تؤث ّر ُ على حياتِها كل ّ ِها ،وتجع َ ف عن هذا الخطأ ِ سيساعد ُها كثيراً. ن صدق َها في التوق ّ ِ إ ّ ل ول كن لتحاول أن تشغل نفس َها بما تحب ّه ،وتجتهد َ بالأعما ِ ل الحركي ّة ِ حت ّى لاتفك ّر َ ن الأعما ِ المنزلي ّة ِ والر ياضة ِ وغير ِها م ِ َ ل النو ِم ،وحاولي يابنتي أن تتح ّدثي إليها وتذك ّريها بنع ِم بشيء ٍ قب َ
الل ّه ِ ورعايت ِه ِ لنا جميعا ً ورحمت ِه ِ وكرم ِه ِ وجودِه ِ ،فهذا يساعد ُها في محب ّة ِ الل ّه ِ والتودّدِ إليه ِ والاستعانة ِ به.
ل الإنسانُ أن ك ألا يحاو َ ك يا بنتي كنتُ أخبر ُ ِ ل ذل َ من أج ِ ن الأشياء ِ الموصلة ِ للخطأ ِ ،أو يغتر ّ بنفسه ِ و يظنّ أن ّه يقربَ م ِ َ
ل عندما عز وج ّ سه ،لأ ّ قويّ وقادر ٌ على ضبطِ نف ِ ن الل ّه َ ّ
الشبهات يعلم ُ تماما ً طبيعة َ ِ ل طلبَ من ّا الابتعاد َ أو الحوم َ حو َ 133
لن أسري وحدي
التعليمات ِ ك سنّ لنا القوانينَ و والقلب ،لذل َ ِ س البشر ي ّة ِ النف ِ التعليمات ،وعلينا الالتزام ُ به كي ِ في كتابه ِ الذي هو دفتر ُ نسعد َ ولا نق َع فيما نكره ُه. ل ل بإذ ِ ت يا أم ّي .وسأفع ُ صدق ِن الل ّه ِ ما في وسعي م ِن أج ِ ن توبت ُها. أن تبدأ بداية ً جديدة ً وتحس ُ َ
134
لن أسري وحدي
- 11 -
تسيير أمورُ عبادُهُ ،هي جبالُ الثقةُ باهلل في ُ (معرفةُ قوانينُ هللاُ في القلبُ وشراعُ العقلُ في سفينةُ الحياة) ُ
أتممتُ واجباتي ودراستي ،أسرعتُ إلى أم ّي كي أطمئ ّن عليها الوقت معها. ِ بعض وأمضي َ كيف المدرسة ُ؟ َ سألتني: -
الحمد ُ لل ّه ِ تمام.
-
ك يا ع ُلا؟ أرى في وجه ِكِ أسئلة ً. مال ِ 135
لن أسري وحدي
-
وقت ٍ لا شيء َ يا أم ّي ،ل كن ّي أحيانا ًأشعر ُ أن ّي بحاجة ٍ إلى
أحس أن ّي ّ ل كي أفهم َ هذا الواق َع الذي أعيش ُه ُ، طو ي ٍ غير َ متوافقة ٍ معه! هل أنا طبيعي ّة؟ سم َت أم ّي قائلة ً :اطمئن ّي ،هذا شيء ٌ طبيعيّ. تب ّ طبيعيّ يا أم ّي! هذا الشعور ُ بعد ِم الانسجا ِم م َع الم ِجتمع! ك ،طبيعيّ. ل عمر ِ نعم ،لم َن في مث ِكيف!أنتِ الآن تكبرين وقدرات ُكِ الفكر ي ّة ِ والمنطقي ّة ِ اكتملتعادات ِ والمواقف وال َ فصرت تحل ّلينَ الأحداثَ ِ تقريبا ً، كنت صغيرة ً لم ِ والتقاليد َ وسلوك َ الآخرين ...أمّا عندما ل أمام َكِ ك مازا َ اللعب والمتعة ِ .لذل َ ِ يكن يهمّكِ سوى ك وتمي ّزي ال كثير ُ كي تتعل ّميه ِ لتشعري بفه ٍم أكثر َ لم َن حول ِ 13٢
لن أسري وحدي
العادات التي هي م ِن ِ الصوابَ والخطأ ،عندها ستقبلينَ ليس منه. ن عم ّا َ دين ِنا وتبتعدي َ صواب يا أم ّي ،أشعر ُ أن ّي بحاجة ٍ إلى بناء ِ ٌ ل ما قلت ِه ِ نعم ك ّن الخطأ ِ ،حت ّى س ومعايير َ لحياتي ،كي أمي ّز َ الصوابَ م ِ َ أس ٍ أعيش بسعادة ٍ. َ أعرف أن ّكِ أنشأت ِنا على ُ ك يا أم ّي؟ ل على ذل َ كيف أحص ُ َ ل المفاهيم ُ جميع ُها س صحيحة ٍ ،ول كن أتمن ّى لو تكتم ُ أس ٍ ك ن ذل َ لديّ ،فتكونُ عندي قوانين ُ مرق ّمة ٌ ..3 ،2 ،1فإ ّ ي ُشعرني بفه ٍم أوس َع للحياة ِ. ق التعليمات م ِن خال ِ ِ ن ال كري ِم فهو كتابُ عليكِ بالقرآ ِن؛ اقرئيه بفه ٍم و تدب ّر ٍ. الإنسا ِ نعم ...نعم ...عليّ أن أبحثَ ..شكرا ً يا أمي.قمت مسرعة ً؟ ن ِ إلى أي َ137
لن أسري وحدي
ك يا حبيبتي. إلى البحث يا أم ّي ...قبلة ٌكبيرة ٌ ل ِن أنتَ يا حاسوبي ؟ سأبحثُ في النت ..أي َ ن ،لننظر َ ماذا ستكونُ البحث :قوانينُ القرآ ِ ِ ك سأكتبُ في محر ّ ِ النتيجة ُ! ...كل هذا!! لا ..أريد ُ شيئا ً تخصّ صي ّا ً أكثر َ .نعم هذا ما كنتُ أبحثُ عنه ُ: س والحياة ِ. قواعد ُ قرآني ّة ٌ في النف ِ ن هذا الذي أبحثُ عنه. البداية ُ جميلة ٌ ج ّدا ً وجذّابة ٌ .يبدو أ ّ ن ال كريم .وهذا ن القرآ ِ مقالات أخرى عن قوانينِ الل ّه ِ م ِ َ ٌ وهذه ِ
ِ للموضوع ذاتِه ِ .قوانينُ الل ّه ِ في الأم ِم والأفرادِ كتاب ال كترونيّ ٌ ن ال كري ِم .عظيم ٌ ....سأحمّله ُكي أقرأه ُ بهدوء ٍ وتر ٍّو. ن القرآ ِ مِ َ
ومقالات مفيدة ٌ .لأبدأ ...م ِن ٌ كتاب ٌ ح لديّ الحمد ُ لل ّه ِ ...أصب َ ن أبدأ يا ت ُرى؟؟؟؟؟ أي َ 138
لن أسري وحدي
ل عصر ٌ ذهبيّ للمعرفة ِ ،ول كن ّه ُ ِ ن ل مِ َ كم ّ هائ ٌ المعلومات!! بالفع ِ ل هذه ِ القدرات العقلي ّة ِ التنظيمي ّة ِ ،ولع ّ ِ ن ج إلى ال كثير ِ م ِ َ يحتا ُ شاب وشاب ّة ٍكما أخبرتنا مدرّستي ٍّ ل إحدى ضرور ي ّ ِ ات العصر ِ لك ّ ِ المفضّ لة. ك ...ثم ّ أسرعتُ وأحضرتُ ورقا ً كبيرا ً وقلما ً .لقد تمتمتُ بذل َ ن أ ّولاً. تصنيف هذه ِ العناوي ِ ِ ل أن أبدأ محاولة َ قر ّرتُ قب َ س م ِن ف؟! لأحاول أن أصن َّف ما يتعل ّ ُ كيف سأصن ّ ُ َ ق بالنف ِ ومعتقدات اتجاه ٍ ذات ٍيّ أوّلاً. ِ أفكارٍ ق بكيفيّة ِ تصرّفي مع ل ...ثم ّ سأض ُع منها ما يتعل ّ ُ نعم هذا أفض ُ ترتيب ِ ن هذا منطقيّ وسيساعدني في الآخرين ...أظنّ أ ّ ل صدق َت مدرّستي المفضّ لة ُ جزاها أفكاري خلا َ ل القراءة ِ .بالفع ِ المعلومات وتنظيمِها ،لقد ِ تصنيف ِ الل ّه ُ خيرا ً ،فقد درّب َتنا على
خص التفكير َ المنطقيّ وتنظيم َ تعلّمتُ منها الشيء َ ال كثير َ مم ّا ي ّ 139
لن أسري وحدي
أسباب محب ّتي لها واحترامي وتقديري ِ ن هذا أحد ُ الفكر ِ ...أظنّ أ ّ لشخص ِها. ل لنر َ الآنَ .سأسج ّ ُ س بشك ٍ ل الأفكار َ والمبادئ َ المتعل ّقة َ بالنف ِ ل: متسلس ٍ سه ِ بصيرة. ل الإنسانُ على نف ِ )1ب ِ )2ولقد كر ّمنا بني آدم َ. )3ألم نخل ُقك ُم م ِن ماء ٍ م َهين! ق الإنسانُ م ِن عجل. )4خ ُل ِ َ ق الإنسانُ ضعيفاً. )5وخ ُل ِ َ )٢و م َن يوقَ ُ سه. شح ّ نف ِ
ن الل ّه ُ فما له ُ م ِن م ُكر ِم. )7و م َن يُه ِ
ل ذرّة ٍ خيرا ً يره. )8فم َن يعمل مثقا َ ِ ن ك مِ َ تنس نصيب َ َ وابتغ فيما آتاك َ الل ّه ُ الدار َ الآخرة َ ولا َ )9 ن الل ّه ُ إليك. الدنيا وأحسن كما أحس َ
)11ما أصابك ُم م ِن مصيبة ٍ فبما كسب َت أيديك ُم.
141
لن أسري وحدي
ق المكر ُ السي ّئ إلا بأهله ِ. )11ولا يحي ُ ن افترى. )12و قد خابَ م َ ِ
)13قل لا يستوي الخبيثُ من الطيب. )14والعاقبة ُ للمتقين.
ن آمنوا ات ّقوا الل ّه َ وكونوا م َع الصادقين. )15يا أ ّيها الذي َ ن جاهد ُوا فينا لنهدينّهم سب ُلنا. )1٢والذي َ )17وم َن يتوكّل على الل ّه ِ فهو حسب ُه. )18فاستقم كما أم ِرتَ .
ل فخذوه. )19وما أتاكم ُ الرسو ُ
ك فاعلم أن ّما يت ّبعونَ أهواء َهم. )21فإن لم يستجيب ُوا ل َ )21فإذا فرغتَ فانصب.
)22وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو خير ٌ ل كم وعسى أن تحب ّوا شيئا ً وهو شرّ ل كم والل ّه ُ يعلم ُ وأنتم لاتعلمون.
ن الل ّه ُ م َن ينصر ُه. )23و ل َي َنص ُر َ ّ
ل يفيدني في الآياتُ كثيرة ٌ ول كن ّي أظنّ أني قد سج ّلتها بشك ٍ 141
لن أسري وحدي
ل تتح ّدثُ عن ن الست ّة َ الأوائ َ ل الآنَ .كأ ّ ِ ترتيب بحثي .لأتأمّ ِ ن برب ّه ِ، س البشر ي ّة ِ ،والبقي ّة ُ تتح ّدثُ عن صلة ِ الإنسا ِ طبيعة ِ النف ِ رط يات الأقدارِ م ِن عسرٍ ويسرٍ ش َ وعلاقت ِه ِ م َع الآخرين و مجر ِ كيف َ ن ل إنسا ٍ ن الل ّه ِ .إ ّنها قوانينُ هامّة ٌ ل كي يفهم َ ك ّ النصرة ِ م ِ َ
ِ بالنجاح في الدنيا والآخرة. يفوز ُ
ِ كتاب آخر ُ عنوان ُه ُ " :السنن ُ الموقع ...إن ّه ُ ٌ لأبحث أيضا ً في هذا جماعات والأفرادِ في الشر يعة ِ الإسلامي ّة ِ" ِ الإلهي ّة ُ في الأم ِم وال ن مختلفة ً ،إلا أ ّنها للدكتور عبدِ ال كريم زيدان ..إن ّه يض ُع عناوي َ أكثر ُ تنظيماً ،وإن كنتُ أظنّ أ ّنها تتشابه ُ مع سابقت ِها : بات ( السببي ّة ) . الأسباب والمسب ّ ِ ِ -1قانونُ -2قانونُ ات ّ ِ ض عنه. باع هدى الل ّه ِ والإعرا ِ ِ ل. -3قانونُ التدافع بينَ الحقّ ِ و الباط ِ -4قانونُ الفتنة ِ و الابتلاء ِ. ل. -5قانونُ الظلم ِ والعد ِ
142
لن أسري وحدي
ن والطغاة ِ. -٢قانونُ الطغيا ِ
ل والأضداد) ن والمختلفين ( التماث ُ -7قانونُ الل ّه ِ في المتساوي َ الاختلاف والمختلفين. ِ -8قانونُ والسيئات. ِ الذنوب ِ -9قانونُ
ل الصالح. -11قانونُ التقوى والإيما ِ ن والعم ِ الاستدراج. -11قانونُ ِ
-12قانونُ المكر ِ والماكرين.
طلب الدنيا والآخرة ِ. ِ -13قانون -14قانونُ الرزق.
-15قانون الفظاظة ِ والغلاظة ِ والرفق. الترف والمترفين . ِ -1٢قانونُ
- 17قانونُ بطرِ النعمة ِ وتغييرها. علا ...علا ...تح ّدثي على الهاتف.كيف الحال؟ ...الحمد ُ لل ّه ..ماذا أفعل؟ أقرأ َ أهلا ً سلوى...143
لن أسري وحدي
أحب ّ كتب وأصن ُّف أفكار َها ...نعم... ِ ض ال في بع ِ أعيش فيه. ُ ال كتبَ لأ ّنها تشب ُع رغبتي في معرفة ِ العال ِم الذي اممم .....نعم .نعم ..أعلم ُ أن ّكِ لا تحب ّينَ القراءة َكثيراً.. ل كن صدقيني إنّها تساعد ُك في فه ِم الحياة. ن الآخرين وعلاقات ِه ُ ن الإنسانَ يتعل ّم ُ م َ ح ما تقولين َه إ ّ صحي ٌ بهم ..و ل كن في أكثر ِ الأحيا ِ ن يشعر ُ أن ّه ُ بحاجة ٍ إلى مبادئ َ ق منها في تعامله ِ ..ألا توافقيني الرأي؟ قيم أو أفكارٍ ينطل ُ أو ٍ ك ما الذي دعاني إلى القراءة ِ ..إن ّني أشعر ُ حسنا ً سأشر ُ حل ِ أحس ّ بعدم قدرتي على الإحاطة ِ بصورة ِ الحياة ِكاملة ً ،فلا أن ّني محيطة ٌ بتفاصيل ِها أو قيمِها الأصيلة ِ التي يجبُ أن ن وفق َها، ل م َع الآخري َ ص عليها ،والتي يمكنني أن أتعام َ أحر ِ َ أحس برغبة ٍ شديدة ٍ ّ فلا أصابُ بالأذى ولا أؤذي أحدا ً.
س التي أبني عليها حياتي بنج ٍ اح. في فه ِم هذه ِ الأس ِ
144
لن أسري وحدي
ك لا تضحكي أو تسخري من ّي.. أرجو ِن ميولَنا مختلفة ٌ بعض الشيء ،ل كن ّني متأكّدة ٌ م ِن أن حأ ّ صحي ٌعملي صواب.... مازلت مصرّة ً على الضّ حك!! ِ ت لقد ح ّدثت ُكِ بشفافية ٍ وأجبت ُكِ عم ّا يدور ُ في ذهني ،فإن كن ِِ سماع ذلك ،سأعتذر ُ منكِ وأنهي المحادثة. غير َ راغبة ٍ في
ت السمّاعة َ في وجهي!!! أغلق َ ِ انزعجتُ كثيراً. باستغراب. ٍ الهاتف ِ دخل َت أم ّي ورأتني أنظر ُ إلى سم ّاعة ِ فابتسم َت وقال َت: الغضب بادية ٌ على ِ ما بكِ يا علا؟ لم َ الاستغرابُ وملامح ُ145
لن أسري وحدي
وجه ِك؟ ل فسخر َت من ّي تصو ّري يا أم ّي أخبرتُ رفيقتي ماذا أفع ُن ك وأن ّي سأنهي المكالمة إ ِ ل ذل َ وعندما طلبتُ منها ألا تفع َ الهاتف بوجهي! َ أغلقت ِ استمر ّت بسخريت ِها س لا يحسنونَ ن النا ِ لا عليكِ يابنتي ،لا تنزعجي ..كثير ٌ م َف ،أو رب ّما لم تتوقع منكِ هذا الكلام. التصر ّ َ أم ّي لا تبر ّري لها ..لقد كان َت مخطئة ً.ل أن أعطي َكِ احتمالا ً وتفسيرا ً لما حصل. أنا أحاو ُأغلقت السمّاعة َ وسخر َت منكِ ؟ ِ لم َ أنتِ منزعجة ٌ الآن ؟ ألأ ّنها ك على ماتقومينَ به ِ؟ وهل سخريت ُها في محل ّها؟ هل سيؤث ّر ُ ذل َ ف ،وسخريت ُها لا طبعاً ،لن يؤث ّر ذلك على قناعت ِي بما أتصرّ ُليست صحيحة ً ..بل أنا مؤمنة ٌ بما أقوم ُ به ِ.. 14٢
لن أسري وحدي
انتهى الموضوع ُ إذاً ..أنتِ التي تختارين إذا كان َت أفعالالآخرين ستزعج ُكِ وتعك ّر ُ صفو َ ِ ك ،أو ترمينَ ما يقولونَ وراء َ دمت على صواب. ِ ك وتتابعين بإصرارٍ ما ظهرِ ِ
ل صعب يا أم ّي ..أعني ألا يتأث ّر َ الإنسانُ بأفعا ِ ٌ ك ل كنّ ذل َالآخرين ..صح؟ يف يقود ُ ن أن يتعل ّم َ ك َ ح يا بنتي ،ول كن على الإنسا ِ -صحي ٌ
ِ ح لأحدٍ أن يؤثــّر َ النجاح و يمشي قد ُما ً ،ولا يسم ُ نفسه ُ إلى ل فكرت ِه ِ أو هدفه ِ ،فنحن عليه سلباً ،أو يفقد َه ُ حما َ سه ُ في سبي ِ ك التحكّم َ ك أن ن ُغي ّر َ الآخرين وتصرفاتِهم ،ول كن ّنا نمل ُ لا نمل ُ في سلوك ِنا وردودِ أفعال ِنا. ك ك دف َع الضر ِّ إن أصاب َنا أحدٌ ما بذلك ،ل كن ّنا نمل ُ قد لا نمل ُ ل الضرّ ردّة َ فعل ِنا؛ هل ستجعل ُنا أشقياء َ تعساء ،أم نقاب ُ
ل هذا وسيلة ً لتقو ية ِ ق ،فنصبر ُ ونجع ُ بالحكمة ِ و رق ِيّ الأخلا ِ 147
لن أسري وحدي
إيمان ِنا وصبر ِنا وشخصي ّت ِنا. ن م َن نقر ّر ُ ماذا ك أن نغي ّر َ حد َثا ً ما ،ل كن ّنا نح ُ قد لا نمتل ُ حدث ،هل سيحب ُطنا ونتراجعُ أم سنزداد ُ ل اتجاه َ ال ِ نفع ُ
ِ ل. ن إصراراً؟ هذا هو الفرقُ بينَ الإنسا ِ الناجح والفاش ِ أليس كذلك يا أم ّي؟ َ -كلام ٌ رائ ٌع رغم َ صعوبت ِه ِ.
ل على الل ّه ِ فهو ن استعانَ بالل ّه ِ (وم َن يتوكّ ُ طبعاً ،إلا م َ ِحسب ُه ُ) أي "كافيه ِ " يا علا. أحب ّكِ كثيرا ً يا أم ّي .تعطيني زبدة َ الكلا ِم وما أحتاج ُه ُح ّقاً. قبّلتُ أم ّي وأسرعتُ إلى غرفتي بهمّة ٍ ونشاطٍ لأتاب َع عملي. س: ن النف ِ لأبدأ بالقاعدة ِ الأولى التي تتح ّدثُ ع ِ ( بل الإنسانُ على نفسه ِ بصيرة ولو ألقى معاذيره) 148
لن أسري وحدي
ق أن تُقر ّ لل ّه ِ السلف :أنف ُع الصد ِ ِ لفتَ نظري مقولة ٌ لأحدِ بعيوب نفسكِ . ِ فلا يجبُ أن يغتر ّ الإنسانُ بما يمتدح ُه ُ الآخرون ،بل يستفيد ُ من سه ِ وإصلاحِها. ل نف ِ نص ِ حهم له لتكمي ِ تمتمتُ قائلةً: ح حب النص َ ق .فأغلب ُنا لا ي ّ قاعدة ٌ عظيمة ٌ ،ل كنّها صعبة ُ التطبي ِ ح وإن كان ليس فينا ! حب المد َ وإن كانَ ح ّقاً .و ي ّ س البشر ي ّة ِ!!! ح ّقا ً طبائع ُها ذاتُها منذ آدم َ إلى يو ِم عجبا ً للنف ِ القيامة ِ. ح ل أجد ُ صعوبة ً في مجابهة ِ نفسي بحقيقت ِها ،أحيانا ً أنج ُ بالفع ِ ل .الله ّم أعن ّي على معرفة ِ نفسي وتزكيت ِها. والأغلبُ أن ّي أفش ُ لأنتقل إلى القاعدت َينِ المتضادّتين : 149
لن أسري وحدي
(ولقد كر ّمنا بني آدم َ ) و ( ألم نخلقكم من ماء ٍ م َهين) عجيبة ٌ هي الصور ُ التي توالت في مخي ّلتي! صور ُ التكري ِم وسجودِ ل الملائكة ِ ،وصورة ٍ مغايرة ٍ تماما ًفي استخدا ِم اللفظِ والتذكير ِ بأص ِ النشأة ِ! هكذا بكلمتين ( :ماء ٍ م َهين ) ! ن الجم ُع بين َهما! فالقرآنُ ذكر َهما معاً ،فلاب ّد أن ّه ُ كيف يمك ُ َ يا ت ُرى يريد ُ من ّا أن نجم َع بينَ هاتينِ الحقيقتين! ن تعطيه ِ م ِن معاني القو ّة ِ والتكري ِم نعم إ ّنها صورة ٌ متكاملة ٌ للإنسا ِ ما يحمل ُه ُ على الوفاء ِ بالوعدِ ،وأن يكونَ على قدرِ هذه ِ المسؤولي ّة ِ والأمانة ِ ،فيسخّ ر َ إمكاناته ِ التي وهب َها الل ّه ُ له ليقيم َ شرع َه ُ وخلافت َه ُ ق سننِ الل ّه ِ و قوانين ِه ِ ،أمّا إذا اغتر ّ بمواهب ِه ِ ذك ّره ُ الل ّه ُ أن ّه ُ إن ّما وف َ
151
لن أسري وحدي
ك أ ّيها ق م ِن ماء ٍ م َهين ..فعلى ماذا تغتر ّ وتتبغدد ُ 1بنفس َ خ ُل َ الإنسانُ! نعم هذا هو المعنى .هذا الذي يريد ُنا الل ّه ُ أن نفهم َه عن ذوات ِنا. ل بر ب ّ ِنا ،فلسنا بحاجة ٍ إلى القدرات الهائلة ِ عندما نت ّص ُ ِ ن لدينا م ِ َ س رسائ َ ل إ يجابي ّة ٍ أكثر َ م ِن هذا المعنى ،فمهما أوتي َ علماء ُ النف ِ الشباب لن يبلغوا ِ ل إ يقاظِ همّة ِ ن العبارة ِ م ِن أج ِ م ِن فه ٍم وحس ِ ن القراءة َ والتدب ّر َ؛ ثم ّ ن المسلم ِ إن أحس َ كما تبل ُغ هذه الآياتُ م ِ َ ل الافتقارِ إليه ِ يريد ُ الل ّه ُ من ّا أن نرف َع أك ّفنا إليه ِ ونجم َع بينَ ذ ّ ِ ن الل ّه ِ ن ما بنا من نعمة ٍ فم َ نأ ّ ل ،مستشعر ي َ ورجاء ِ قبو ِ ل العم ِ منصب فم ِن فضله ِ ٍ ل أو وحد َه ُ ،وما حصّ لنا عليه ِ م ِن مرتبة ٍ أو ما ٍ
151
لن أسري وحدي
ض ،فلا ن على الأر ِ سبحانه ُ؛ عندها فقط تستقيم ُ حركة ُ الإنسا ِ س فيقعد ،ولايغتر ّ فيبطش. ييئ َ ُ ٍ بارتياح وقو ّة ٍ ونشاطٍ . ما أعظم َ هذه ِ المعاني! ...يا الل ّه !...أشعر ُ ك الحمد ُ. الله ّم ل َ ك في دفتر ِ ذكر ياتي: ل ذل َ سأسج ّ ُ اليوم َ عرفتُ نفسي أو جانبا ً كبيرا ً منها! تمن ّيتُ ل ِ ن معرفة َ ن ما تعل ّمت ُه اليوم .ح ّقا ً إ ّ جميع رفيقاتي أن يعلم َ ِ النجاح. ق إلى نصف الطر ي ِ ُ س النف ِ
152
لن أسري وحدي
– 11 -
(من عرف نفس ــه عرف ربــه) ُ
ل أن ل قب َ وقت طو ي ٌ ٌ ل لديّ اليوم َ أنهيتُ واجباتي باكراً ،ولازا َ أخلد َ إلى النوم. ل (المطبخ) هو ل ،وطبعا ً كانَ المكانُ المفضّ ُ ل في المنز ِ قمتُ أتجو ّ ُ ل و لاس ّيما (الثلاجة) ،أدخلتُ رأسي َ فيها ولم أخرجه ُ إلا الأمث ُ عندما سمعتُ نقرا ً على ساعدي ...آه ..إن ّه ُ أخي الصغير. قلتُ له :ماذا تريد؟ فتبس ّم َ بسمة ً طفولي ّة ً رائعة ً ،فقب ّلت ُه وأعطيته ُ 153
لن أسري وحدي
حلوى كان َت في الثلاجة ِ ،ثم ّ عدتُ أدراجي إلى غرفتي ،فتحتُ ص تسير ُ هنا وهناك. السيارات والأشخا ِ ِ النافذة َ ونظرتُ إلى كانَ الجو ّ رائعا ً. ذهبتُ إلى أخي الصغير ِ :هل تريد ُ أن نلعبَ سو ي ّا ً ؟ قفز َ أخي م ِن على سرير ِه ِ وابتسامت ُه ُ قد ارتسمت على وجهه ِ حتى أعرف اسم َها ،علّم َني ُ وصلت إلى أذنيه .ثم أحضر َ لعبة ً لا اللعب فيها ..ولم أتركها حت ّى ِ ن اندمجتُ في قواعد َها ،وما لبثتُ أ ِ سمعتُ نداء َ أم ّي تذك ّر ُنا بالصلاة ِ. ل: صل ّيتُ مع والدتي فلم ّا انتهت بادرتُها بالسؤا ِ أم ّي ..م َن أنا؟الاستغراب. ِ فظهر َت على وجهها أماراتُ ماذا تقصدين؟154
لن أسري وحدي
بادلت ُها الابتسامة َ قائلة ً: أعلم يا أمي م َن أنا ..و أنتِ أم ّي ...وضحكنا معاً. ل عامّ. أقصد ُ الإنسانَ بشك ٍلبحث عن ذاتكِ ..اقرئي ِ نا امممم ...رب ّما تحتاجينَ لمزيدٍ م ِ َوسوف أعطيكِ كتابا ً يجيب ُكِ عن أسئلت ِك. َ القرآنَ بتدب ّر ٍ ك يا أم ّي. شكرا ً ل ِأحضر َت أم ّي َ الكتابَ ثم ّ أردف َت قائلة ً: بعض المساعدة ِ .وأنا ق ،وقد تحتاجينَ َ ي ودقي ٌ كتاب علم ّ أعلم ُ أن ّه ُ ٌعلى استعدادٍ لتقديم ِها كالعادة ِ؛ ل كن ّه ُ قد يعر ّف ُكِ على ذات ِكِ ل أكبر. بشك ٍ 155
لن أسري وحدي
ملفت للنظرِ (أنا تتح ّدثُ عن ٌ الكتاب ِ شكرا ً يا أم ّي ..عنوانُل كبيرٍ نفس ِها) 1لقد جذب َني العنوانُ كثيرا ً .أشعر ُ الآنَ بفضو ٍ ك أم ّي... لقراءت ِه ِ ..شكرا ً ل ِ قب ّلت ُها ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي مسرورة ًكمن وجد َ ما كانَ يبحثُ عنه ُ. ف رب ّه) َرف نفسَه عر َ عبارة ٌ رائعة ٌ (م َن ع َ يعرف رب ّه ُ؟ َ ف ذاته ُ يستطي ُع أن ن م َن يعرِ ُ يا ترى هل معناه ُ أ ّ ول كن كيف؟ لأكشف وأسبر َ أغوارها. َ عبارة ٌ عميقة ُ المعنى ،أثار َت فضولي ن الل ّه َ قد أعطانا شيئا ً ل يأخذ بل ّبي في أن أستشعر َ أ ّ شعور ٌ جمي ٌ حب ،والنسبة ِ ل ،وال ِّ م ِن صفاته ِ ..إن ّه ُ شعور ُ التكري ِم ،والدلا ِ
-1
أنا تتحدث عن نفسها ،د .عمرو شر يف. 15٢
لن أسري وحدي
ل هذه ِ المشاعر ِ مختلطة ً جال َت في قلبي وأنا أقرأ معاني إليه ...ك ّ س وبينَ ن النا ِ ل مِ َ ك العبارة ِ رغم َ أن ّه ُ شت ّانَ بينَ م َن بل َغ ال كما َ تل َ صفات رب ّي. ِ ك اللفتة ُ ،أن ّنا لا ندرك ُ معاني َ أسماء ِ الل ّه ِ وصفات ِه ِ ثم ّ أعجبتني تل َ فكيف ندرك ُ َ والصفات، ِ إلا إذا مارسنا وتذ ّوقنا هذه ِ الأسماء َ معنى اس ِم " الحليم" مالم نكن قد مارسنا "الحلم"؟ كما أن ّنا لن نفهم َ يف فنعرف ك َ َ حب، حب الل ّه َ حت ّى نتذ ّوقَ معاني َ ال ِّ معنى أن ن ّ
ل أن يرضى محبوب ُه ،وكل ّما ل غا ٍ حب ك ّ يبذلُ الم ّ س م ِن أج ِ ل ونفي ٍ حب هو ح هوى الم ِّ س أصب َ ِ حب خالصا ً م ِن كانَ ال ّ طلبات النف ِ س والهوى. ِ مايحب ّه ُ محبوبه ُ ،وليس ما يطلب ُه هو م ِن رغبات النف ِ عز َ نعرف َ ن عظيمة ٌ إذا لم نعشها فلن معا ٍ كيف نق ّدم ُها تقر ّبا ً لل ّه ِ ّ
ل. وج ّ
ح ّقا ً إ ّنها فكرة ٌ رائعة ٌ. 157
لن أسري وحدي
ن الأمور َ حها الكاتبُ ،فهي أ ّ أمّا الفكرة ُ الجميلة ُ الأخرى التي طر َ ضعف نفسه ِ استشعر َ قو ّة َ خالقه ِ، َ عرف َ عرف بأضدادها ،فم َن تُ ُ عرف رب ّه ُ بغناه ُ ،فإذا عرفنا محدودي ّة َ َ سه ِ عرف فقر َ نف ِ َ وم َن صفات ر ب ّ ِنا وع ِظم َ قدرِه. ِ ل إمكاني ّات ِنا ونقائص َها عرفنا كما َ اممم ...رائع. الكتاب ِ ل يلحّ عليّ .رب ّما لن أصبر َ بأن أسير َ في ل كنّ سؤالي لا يزا ُ صفحة ً صفحة س. ن الفهر ِ ...سأبحثُ عم ّا أريد ُ ضم َ اممم ............وجدتُها. ح، ل ،القلبُ ،الرو ُ هذا عنوان :الذاتُ الإنساني ّة ُ :الجسد ُ ،العق ُ النفس. ُ ن آخر ُ :م َن أنا؟ و عنوا ٌ 158
لن أسري وحدي
ج ن هذا الكلام َ صعبُ الفه ِم قليلا ً بالنسبة ِ لي ،رب ّما أحتا ُ كأ ّ ل إلى مساعدة؛ لأبحث في (النت) أ ّولا ً رب ّما أجد ُ شيئا ً أسه َ ن س البشر ي ّة ِ م ِ َ منه ،أستطي ُع استيعابه ُ بسهولة ٍ ....صفاتُ النف ِ ن ال كري ِم ..آه ..هذا ما أبحثُ عنه ُ ،وسأبدأ به ِ .بس ِم الل ّه ِ: القرآ ِ الصفة ُ الأولى :الشحّ {وَم َن يُوقَ ُ ك هُم ُ الم ُفلِحُونَ} [الحشر]9 : سه ِ ف َأولَئ ِ َ شح ّ نَف ِ الشحّ
ل فيه المن ُع ،ثم ّ يكونُ ل مادت ِه ِ اللغو ية "الأص ُ في أص ِ
ل م َع حِرص. ص ،ومن ذلك الش ُحّ ،وهو البُخ ُ منعا ً م َ َع حِر ٍ سه}: ن في قوله ِ تعالى{ :وم َن يوقَ شح ّ نف ِ ن المفس ّري َ قال جم ٌع م َ هو ألّا يأخذ َ شيئا ً مم ّا نهاه ُ الل ّه ُ عنه ُ ،ولا يمن ُع شيئا ً أمره ُ الل ّه ُ ن تيمي ّة َ رحمه ُ الل ّه ُ: ل اب ُ بأدائه ِ ،و يقو ُ
لب ِ منع ما جبُ البخ َ س يو ِ "فالشحّ الذي هو ش ّدة ُ حر ِ ص النف ِ 159
لن أسري وحدي
جبُ قطيعة َ الرح ِم، ل الغير ِ ،و يو ِ هو عليه ِ؛ والظلم َ بأخذِ ما ِ و يوجبُ الحسد َ. لنفوس ُ جبلت ا الأنفس الش ُحّ } أيُ : ُ ت وقول ُه تعالى{ :وأحضر َ ِ
حرص ن ،وال ُ ل ما على الإنسا ِ على الشحِّ ،وهو :عدم ُ الرغبة ِ في بذ ِ ك بطبيعت ِها ،والمعنى: فالنفوس مجبولة ٌ على ذل َ ُ على الحقّ ِ الذي له ُ،
صوا على ِ ق الدنيء ِ م ِن قلع هذا الخل ِ إن ّه ُ ينبغي ل كم أن تحر ُ ك ل الحقّ ِ الذي علي َ سكم ،وتستبدل ُوا به ِ السماحة ِ ،وهو بذ ُ نفو ِ ض الحقّ ِ الذي لك. والاقتناع ُ ببع ِ ل في ل؟ وهل يدخ ُ ت ُرى ما معنى هذا الكلا ِم؟ هل هو البخ ُضه ُ أحيانا ً م ِن إعطاء ِ أخي نصيب َه ُ م ِن طعا ٍم، ك ما أرف ُ ذل َ
ل ما أشتهيه ِكل ّه ِ أو أغلب ِه ِ؟ وأناني ّتي في أك ِ المواقف تتزاحم ُ في مُخي ّلتي ...نعم أيضا ً ِ يا و يلتاه ....عشراتُ ن معي ّنٍ في س بمكا ٍ بسبب حرصي في الجلو ِ ِ رفيقتي هند ..أزعجت ُها 1٢1
لن أسري وحدي
ب كاف ...عجي ٌ ٍ الصف ..نعم ..لم تكن نفسي سمحة ً بقدرٍ ِّ حرص على أن يستحوذ َ حب نفسَه ُ و ي ُ كيف ي ّ َ ن ح ّقا ً! أمرُ الإنسا ِ س ل شيء ٍ ،خصلة ٌ سي ّئة ٌ ح ّقاً .هي موجودة ٌ في ك ّ ِ على ك ّ ِ ل نف ٍ بشر ي ّة ٍ إلى أن يتطهر َ الإنسانُ منها ،و يجاهد َ نفسه ُ. ِ المطبخ وأحضرتُ لأخي حلوى كنتُ قد خب ّأتُها أسرعتُ إلى لأستأثر َ بها لنفسي ،وقدّمتُها له. ح فم َه ُ متعجّ با ً م ِن فعلي .ثم ّ قب ّل َني وشكرَني. لقد فت َ ح ّقا ً هذه ِ السعادة ُ والقبلة ُ م ِن أخي تساوي أكثر َ بكثيرٍ م ِن طع ِم الحلوى في فمي. ن لنفسه ِ ..آه.. ن استئثارِ الإنسا ِ ل و أعلى م ِ َ ح ّقا ً هناك َ أمور ٌ أج ّ إن ّه ُ شعور ٌ رائ ٌع ذاك َ الذي ينتابُ الإنسانَ عندما ينتصر ُ على موقف معي ّنٍ .سبحانَ الل ّه! ٍ نفسه ِ في 1٢1
لن أسري وحدي
ل. الل ّه ّم ل َ ك الحمد ُ والشكر ُ على ما أنعمتَ عليّ م ِن فه ٍم وعم ٍ ل لها سعادتي في انتصاري على نفسي أسرعتُ إلى أم ّي كي أنق َ ّف عليها. وخطوات التعر ِ ِ -
ك سعيدة ً. ايه ..ما القصّ ة ؟ أرا ِ
-
نعم يا أم ّي .
-
خيرا ً إن شاء َ الل ّه ُ.
-
أم ّي لقد أعطيتُ أخي حلوى كنتُ قد خب ّأتُها حت ّى آكل َها وحدي ..ثم ّ ....
-
أكملي ..ثم ّ ماذا؟
-
ن أن تقولي شيئا ً لي؟ فقط ...ألا تريدي َ
سم َت أم ّي قائلة ً : تب ّ 1٢2
لن أسري وحدي
-
القلب وتحب ّين أخاك ،وستؤثرين َه على ِ أنا أعلم ُ أن ّكِ طيبة ُ ج الأمرُ ..فلا أعلم ُكِ بخيلة ً. ن احتا َ نفسكِ إ ِ
-
ل كن ّي ح ّقا ً يا أم ّي كنتُ أنوي أن آكل َها وحدي ،إلا س البشر ي ّة ِ ،فقرأتُ أن ّي كنتُ أبحثُ عن طبيعة ِ النف ِ مقالات تتح ّدثُ عن ٍ مقالة ً أو هي َ عبارة ٌ عن سلسلة ِ ن ال كري ِم. ن القرآ ِ س البشر ي ّة ِ م ِ َ طبيعة ِ النف ِ
-
ت؟ حث رائ ٌع ..وماذا وجد ِ جي ّد ..ب ٌ
-
ِ جميع قرأتُ عن صفة ِ ( الشحّ ) إ ّنها موجودة ٌ عند َ س ،وعلينا أن نجاهد َ أنفسَنا لتشذيب ِها. النا ِ
-
ح يا بنتي .بارك َ الل ّه ُ بكِ ..لقد فهمتُ الآنَ مدى صحي ٌ
أحسنت ِ ت به ِ ...بارك َ الل ّه ُ بكِ ياحبيبتي؛ حكِ بما قم ِ فر ِ صنعاً. فهم َا ً و ُ
1٢3
لن أسري وحدي
-
ن شيئا ً من ّي يا أم ّي؟ ..سأذهبُ لأتاب َع هل تريدي َ القراءة َ.
-
ك. لا ...وف ّقك الل ّه ،وس ّدد َ خطا ِ
ن أسرعتُ إلى حاسبي وإلى ذاك َ الموق ِع بفضو ِ ل ل كي أقرأ ع ِ س البشر ي ّة ِ: الصفة ِ الثانية ِ للنف ِ ل ف َأبَينَ ض و َالج ِبَا ِ َات و َالأر ِ سم َاو ِ ( ِإن ّا ع َرَضنَا الأم َانَة َ عَلَى ال ّ
جه ُول ًا ن م ِنهَا وَحَمَلَه َا ال ِإنس َانُ ِإن ّه ُك َانَ ظَلُوم ًا َ أن ي َحم ِلنَهَا و َأشف َق َ ( )) 72 ل القراءة َ : صفة ُ ( الظلم ِ ) و ( الجه ِل ) ..اممم ..لأكم ِ س الإنساني ّة ِ أ ّنها تظلم ُ نفس َها وتظلم ُ غير َها؛ ِ ن من إ ّ صفات النف ِ س البشر ي ّة ِ إن ك ح ّذرنا الل ّه ُ م َ لذل َ ن الظلم ِ ونبّهنا إلى طبيعة ِ النف ِ
المستقيم. ق لم نأخذ بقيادِها إلى الطر ي ِ ِ
1٢4
لن أسري وحدي
فالنفس ُ والظلم ُ ه ُنا معناه ُ الشرك ُ كما فس ّره ُ النبيّ في الحديثِ ، الإنساني ّة ُ عندما تظلم ُ نفس َها بشركِها وكفرِها بالل ّه ِ ،لو استطاع َت ن النارِ لما بخلت على نفس ِها ،ول كنّها ل وال كنوزِ م ِ َ أن تفتديَ بالما ِ عندما ترى النار َ تندم ُ على ما فعلت م ِن ظلم ٍ. ظن ِ ل و والنفس الإنساني ّة ُ تظلم ُ غير َها :باللسا ِ ُ ن والفع ِ القلب و ّ ِ
والقذف والشتيمة ُ وتحقير ُ ُ السوء ِ ...فالغيبة ُ والنميمة ُ والحسد ُ ل بينَ ن والسخر ية ُ منهم والسرقة ُ والضربُ وعدم ُ العد ِ الآخري َ الأولادِ وفي المؤسّ سات بينَ الموظفين ....الأمثلة ُكثيرة ُ لاتع ّد س. ل بينَ النا ِ تحصى م ِن أمثلة ِ الج َورِ وعد ِم العد ِ ولا ُ ِ ِ ل الل ّه ُ تعالى ( :يَا أ ّيهَا ال ّذِي َ يقو ُ ن آم َنُوا كُونُوا قَو ّام ِينَ للّه شُهَد َاء َ
ب ِالق ِسطِ و َلا َيَجرِم َن ّك ُم شَن َآنُ قَو ٍم عَلَى ألّا تَعدِلُوا اعدِل ُوا ه ُو َ أقر َبُ ن اللّه َ خَب ِير ٌ بِمَا تَعم َلُونَ))) لِلتقو َى و َات ّق ُوا اللّه َ ِإ ّ
( )8سورة المائدة.
بغض قو ٍم على أن تجوروا عليهم وتتجاوزوا الح ّد المعنى لا يحملن ّكم ُ 1٢5
لن أسري وحدي
ل اعدلوا فيهم وإن أساؤوا إليكم ،وأحسنوا إليهم ،وإن فيهم ،ب ِ بالغوا في الإساءة إليكم. ق بألّا خطاب عامّ ،ومعناه :أمرُ الل ّه ِ تعالى جمي َع الخل ِ ٌ فهذا
ل والإنصاف ،وتر ِ ِ ل ل العد ِ ك المي ِ يعاملوا أحدا ً إلّا على سبي ِ والاعتساف. ِ والظلم ِ استرخيتُ قليلا ً وأنا أتذك ّر ُ صورا ً للظلم ِ في التلفازِ ..ح ّقا ًإ ّ ن وراء َ ل ٍ قبح و فسادِ ظلم ٌ ومن ٌع للحقوق.. ك ِّ و تذك ّرتُ موقفا ً حدثَ لرفيقتي سمر ..وفجأة ً أسرعتُ إلى أم ّي ل حاسوبي: و أنا أحم ُ -
ن سمر؟ أم ّي ..أم ّي ..هل تذكري َ
-
نعم ..ما بها؟
-
ستي الموقف الذي ظلمتني به ِ أمام َ م ّدرِ َ َ ن ذاك َ أتذكري َ 1٢٢
لن أسري وحدي
المفضّ لة؟ -
ل؟ هل ك ..مابكِ ؟ ماذا حص َ نعم يا علا ..أذكر ُ ذل َ ات ّصل َت بكِ ؟
-
ن، لا يا أم ّي ..كنتُ أقرأ عن صفة ِ الظلم ِ عند َ الإنسا ِ ض وقت َها ،لأ ّنها وفجأة ً تذك ّرتُ أن ّي أحسستُ بشعورٍ بغي ٍ
ل م ِن مكانتي تكل ّم َت عن ّي أمام َ م ّدرِستي بسوء ٍ لتقل ّ َ عند َها ،ل كنّ ما حدثَ اليوم جعلني أعيد ُ النظر َ في
ِ الصاع صاع َين ،فقد لمّحتُ ردّة ِ فعلي ،إن ّي رد َدت لها
ن المدرّسات، حب م ِ َ ض مواقف ِها السي ّئة ِ عند َ م َن ت ّ لبع ِ وقد شعرتُ بالسعادة ِ وقت َها ،ولم يراود ضميري أيّ ن الظلم ِ .أم ّي هل ظلمت ُها؟ ٍ تأنيب! إلى أن قرأتُ الآنَ ع ِ -
أليس كذلك؟ َ ت لها الصاع َ صاعين. ت رد َد ِ أنتِ قل ِ
-
نعم. 1٢7
لن أسري وحدي
-
ت أنتِ الظالمة. إذا ً أصبح ِ
-
ن ردّي عليها ول كن يا أم ّي هي التي بدأت؛ وأحسبُ أ ّ ل أن تفك ّر َ القيام َ حساب قب َ ٍ ألف سيجعل ُها تحسبَ لي َ مرة ً أخرى. بذل َ ك ّ
-
هل أنتِ مقتنعة ٌ بكلامك تماماً؟
-
ل ...هناك َ منادٍ في نفسي قليلاً .ههههه .أصد ُقكِ القو َ ل لا. ل و يقو ُ يقول نعم وآخر يمقتُ الفع َ
-
ل أحسنت ياعلا ...هناك صوتُ الحقّ ِ والضمير ِ يقو ُ ِ ن الظلم ِ .وهناك َ ِ سمعت تلك ِ لا ،س ّيما بعدما الكلمات ع ِ ل نعم. سكِ الأمّارة ُ بالسوء ِ تقو ُ صوتُ نف ِ
-
ولأي منهما أستم ُع يا أم ّي؟ ٍّ
-
حسب هدفكِ في الحياة ِ.. ِ ك على ك أنتِ ؟ ذل َ ما رأي ُ 1٢8
لن أسري وحدي
هل تفك ّرين فقط بأن تحصلي على ماترغبين َه ُ في الدنيا
ِ برفع مرتبت ِكِ عند َ ولايهمّكِ أمرُ آخرت ِكِ ؟ أم ترغبينَ الل ّه ِ ،و تحرصينَ على رضاه ُ عنك؟ ت هذه ِ الأسئلة ُ يجبُ أن تجيبي عنها بمفردِك ..فإن كن ِ ن الدنيا تؤثري َ ن ما يحب ّه ُ الل ّه ُ ورسول ُه ،وترغبينَ بالآخرة ِ ع ِ كنت لا ِ ك ،وإن صوت ضمير ِ ِ ِ الفانية ِ فستستمعينَ إلى ك جنة ٌ أم نار ٌ فيمكن ُكِ تبالينَ بآخرت ِكِ ولا إلى مصير ِ ِ سكِ ،وتنساقي وراء َ ظلم ِكِ . أن تستمعي لهوى نف ِ أحب أن أكونَ تلكَ ّ أم ّي لقد صع ّبت ِها عليّ كثيرا ً ..أناالفتاة َ الخلوقة َ البارّة َ القريبة َ من ر ّبِها ..هذه ِ صورتي ك أحب أن أرسم َها في مخي ّلتي .ل كنّ ذل َ ّ ال ّتي أتمن ّى أو صعب عليّ. ٌ س البشر ي ّة ِ ..وهذا هو سببُ ٌ طبعا ًصعب على النف ِ 1٢9
لن أسري وحدي
س ت ّتجه ُ نحو َ نأ ّ التكليف ..فعندما تجدي َ ِ ن طبيعة َ النف ِ ل سه ،فهنا يحص ُ ي يأمرُها بعك ِ أمر ٍ معي ّنٍ ،والأمرُ الإله ّ
الامتحانُ الذي إمّا أن يسوق َكِ إلى جن ّة ٍ أو نارٍ والعياذ ُ بالل ّه.
ل سهلا ً تكليف الل ّه ِ وأوامر ِه ..فلو كانَ العد ُ ِ وهذا سرّ ن ،لأن ّه ُ م ِن طبيعت ِه ِ ،و لم ل إنسا ٍ س لقام َ به ِك ّ على النفو ِ
ن صدقَ محب ّته ِ لل ّه ِ والالتزا ِم بأوامر ِه ِ. يجاهد نفسَه ُ ليبره َ ل َ س وحبّ ِها لذاتِها م ِن أج ِ جبل َنا الل ّه ُ على استئثارِ النف ِ
الحفاظِ عليها ،ل كنّها إن لم تعرف حدود َها هذه ِ ،وتجتهد في تشذيبِ نفس ِها أخذ َت أكثر َ من ح ّق ِها ،فعاث َت ل ض؛ ولقد جع َ فسادا ً في الأر ِ ل الل ّه ُ غاية َ إرساله ِ للرس ِ
ل الل ّه ُ تعالى في سورة ِ الحديد: ل ،قا َ إقامة َ العد ِ
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ 171
لن أسري وحدي
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠﭡ ﭢﭣﭤﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ
الحديد،
أساس ُ أساس الملكِ ،لأن ّه ُ ُ ل ن العد َ وكما قيل ،فإ ّ
ِ الصلاح والخ ير ِ في الفردِ والأسرة ِ والم ِ جتمع ،فإذا كانت هذه ِ القيمة ُ هي القيمة ُ الأساسي ّة ُ ال ّتي ي ُرب ّى عليها الفرد ُ،
العلاقات في الم ِ ل والدولة ِ ِ وتُبنى على جتمع والعم ِ
الناس بسلا ٍم ُ وعاش َ جالات الحياة ِ، ِ ازدهرت جمي ُع م ن وخيرٍ عميم. وأما ٍ فعلينا يا بنتي أن نراعي َ هذه القيمة َ الهامّة َ ،ونجعل َها
الأساس في بناء ِ الفردِ والم ِ ح جتمع ،ونولي َها ح ّقها لتصب َ َ جزءا ً لا يتجز ّأ من منظومة ِ قيم وثقافة ِ الم ِ جتمع ،عندها ِ
ل فردٍ، فقط نكونُ قد بنينا دولة َ الإسلا ِم في ِ قلب ك ّ ِ 171
لن أسري وحدي
ل فردِ ض لينعم َ ك ّ و بها فقط تُبنى دولة ُ العدالة ِ في الأر ِ ن. فيها بالخ ير ِ والأما ِ -
ل الل ّه َ أن صعب .أسأ ُ ٌ ح ما تقولين َه ُ يا أم ّي ل كن ّه ُ صحي ٌ
يعين َني على نفسي.
أم ّي هل تسمحينَ لي أن أكمل َ القراءة َ معكِ حت ّى ل عليّ؟ تشرحي لي ما استشك َ -
سعة ِ يا بنتي ..هات ِي ما عند َك. الرحب و ال ّ ِ على
-
شكرا ً يا حبيبتي.
-
ن ن التي ورد َت في القرآ ِ للصفات الأخرى للإنسا ِ ِ نأتي بصوت عالٍ: ٍ ال كري ِم ،سأقرأ
ﭧﭨ 172
لن أسري وحدي
ﭽ ﭻﭼ ﭽﭾ ﭿﮀﮁﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﭼ
المعارج22 - 19 :
الهلع :الضجر ،الجزع :الخوف ن ن والأما ِ ن المأم ِ فشعور ُ المرء ِ (بالجزع) يجعل ُه ُ يبحثُ ع ِ رؤوف ِ العليم ،ال حكيم ِ والتي لن يجد َها إلا عند َ القادرِ ال ِ
صلات ُه هي ال كفيلة ُ بأن تعطي َه ُ هذا الأمانَ الذي الرحيمِ ،و َ يبحثُ عنه إن أحسن َها وأتقن َها. س البشر ي ّة ِ لا يعني أن ّنا ِ ل عز وج ّ بصفات النف ِ وإقرار ُ الل ّه ِ ّ
ل جلال ُه ص منها ،بل تعني أن ّه ُ ينبّ ِه ُنا ج ّ لا نستطي ُع أن نتخل ّ َ سنا ن هذه الصفة َ موجودة ٌ ،فإن لم نس َع لتزكية ِ أنف ِ إلى أ ّ س، وتشذيب ِها فسيظهر ُ أثر ُها السلب ِيّ و ي َعظم ُ حجم ُها في النف ِ فنعاني من آلام ِها ونتائج ِها السلبي ّة ِ في حياتنِا وشخصي ّت ِنا.
ل( :إلا ل وعلا قا َ وطر يقة ُ التشذيبِ تكونُ بالصلاة ِ ،لأن ّه ُ ج ّ 173
لن أسري وحدي
المصل ّين). خاف النفس فلا تجزع ُ ولا ت ُ َ أم ّي ...كيف تصوغ ُ الصلاة ُولا تمن ُع الخ ير َ؟ تصف المصل ّين؟ ُ الآيات التي ِ ت قراءة َ بقي ّة ِ هلا ّ أكمل ِيصف المصل ّين : ُ اممم ..صحيح .إ ّن الل ّه َ
ﭧﭨﭽ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯﮰ ﮱﯓﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜ ﯝﯞﯟﯠ ﯡ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ 174
لن أسري وحدي
ﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﭼ ات ن السلوكي ّ ِ ن الصلاة َ يا بنتي ت ُملي عليه ِ مجموعة ً م ِ َ إ ّلاحظت ذلك؟ ِ والمعتقدات؛ هل ِ نعم يا أم ّي واستغربتُ .الصفة ُ الأولى وهي الاستمرار ُ علىل حرص عليها أفهم ُها ،ول كن ّه ُ ج ّ المحافظة ِ على الصلاة ِ وال ُ ن ن الزكاة ِ ثم ّ عقيدة ِ الإيما ِ وعلا يتجاوز ُ ذل َ ك إلى الحديثِ ع ِ الزواج، عذاب الل ّه ِ ،ثم ّ العفة ِ في ِ خوف م ِن باليو ِم الآخر ِ وال ِ ِ ك ل والأمانة ِ في الكلمة ِ وذل َ ل أو الأمانة ِ في الما ِ والعفة ِ في الما ِ ل جلال ُه ُ ويرك ّز ُ على فكرة ِ بالشهادة ِ الصادقة ِ ،ثم ّ يعود ُ ج ّ المحافظة ِ على الصلاة ِ. الصفات نبّه َنا إلى المداومة ِ على الصلاة ِ ،وهنا يرك ّز ُ ِ في بداية ِ ل وعلا على المحافظة ِ عليها ..ما الفرقُ يا أم ّي؟ ج ّ 175
لن أسري وحدي
ن المحافظة ِ؛ فدوام ُهم أحسنت يا علا ،الدوام ُ ي ُ ِ ختلف ع ِ عليها أن يحافظوا على أدائِها لا يخل ّونَ بها ولا يشتغلون عنها
ل ،ومحافظت ُهم عليها أن يراع ُوا إسباغَ بشيء ٍ م َ ن الشواغ ِ
الوضوء ِ لها ومواقيت َها ،و يقيموا أركانَها ،و يكملوها بسنن ِها باقتراب المأث ِم؛ ِ ن الإحباطِ وآدابِها وخشوعِها ،و يحفظوها م ِ َ الصلوات نفس ِها ،والمحافظة ُ إلى أحوال ِها. ِ فالدوام ُ يرج ُع إلى
عندما تصل ّين يا بنتي خاشعة ً ،مدركة ً أن ّكِ بينَ يدي الجب ّارِ
ل منه مهما علا شأنه ُ ل شيء ٍ لن تخافي مم ّن أق ّ القادرِ على ك ّ ِ فهو مجر ّد ُ عبدٍ عند َ م َن تقفينَ بينَ يديه ،عندما تصل ّينَ وأنتِ ن هذه ِ ن ،و أ ّ مدركة ٌ أن ّكِ تقفينَ مع أعلى سلطة ٍ في ال كو ِ ل ما سكِ ،م ّ سلطة َ عادلة ٌ ،تعلم ُ مافي نف ِ ال ّ طلعة ً وعليمة ً بك ّ ِ يجري ،ولا يخفى عليها شيء ٌ م ِن أمورِ العبادِ ،تعلم ُ السر ّ
فكيف تخافين! َ وأخفى،
17٢
لن أسري وحدي
يف الأقدارِ بلطف الل ّه ِ وحكمت ِه ِ في تصر ِ ِ وعندما تثقينَ فكيف لا تطمئن ّين! وعندما تتذك ّرين َ ومحب ّت ِه ِ للمؤمنينَ به، ن حقوقَ فكيف لا تؤدّي َ َ حساب وتخافينَ عذابَ الل ّه ِ، ِ يوم َ ال الوقت ذات ِه ِ ستعلمينَ ِ العبادِ وتعدلينَ فيما مل كَت يداكِ؟ وفي صه ُ في اليو ِم ل العبادِ سيأتيكِ ق َصا ُ أ ّ ن أيّ ظلم ٍ م ِن ق ِب َ ِ ل في قلبكِ الاطمئنانَ والسكينة َ، الآخر ِ ..وهذا سي ُدخ ُ ل الل ّه ِ. والثقة َ بعد ِ هذه ِ هي صفة ُ الصلاة ِ التي يجبُ أن توصل َكِ إلى تلك ن والأمانَ والسكينة َ المعاني ،والتي تسكبُ في قلب ِكِ الأم َ والاطمئنانَ. ما أعذبَ كلام َكِ يا أم ّي ...ما أعظم َ هذه ِ المعاني!مرتين أحسستُ مرة ً أو ّ هذه ِ الصلاة ُ لم أصل ّها كثيراً ،رب ّما ّ بمشاعر ِ الحضورِ أو ال ِ خشوع ل كنّها لا تتجاوز ُ ر ُكيعات.
177
لن أسري وحدي
داومت على صلات ِكِ بخشوعِها وحضورِها مع الل ّه ِ ِ لوت عليها م ِن جبل ِ لصاغ َت نفسَكِ ،وحمتكِ م ِن صفاتِها التي ُ
ٍ ٍ ومنع للخير ِ. وهلع خوف ٍ
س فعلا ً يا أم ّي هذا القرآنُ عظيم ٌ ...يشر ُح طبيعة َ النف ِ ل عنه! وفيه كيف نغف ُ َ ن واحدٍ، ج بآ ٍ البشر ي ّة ِ و يعطينا العلا َ ح سعادت ِنا ؟! مفاتي ُ ح ّقا ً ما أغبانا عندما نقرؤ ُه ُ دونَ أن نتفك ّر َ ونتدب ّر َ! ..إن ّنا ك ن السعادة ِ .أشكر ُ ِ نخسر ُ ال كنوز َ التي فيه ِ ،ونبتعد ُ ع َن مكام ِ ق قلبي.. يا أم ّي م ِن أعما ِ سكِ إن ّي سعيدة ٌ يا بنتي لهمّت ِكِ وسعي ِكِ في تشذيبِ نف ِحب ر ب ّنا ..أكملي يا بنتي القراءة َ. ل على صوغ ِها كما ي ّ والعم ِ ك الحمد ُ أن أكرمت َني بأ ٍمّ حنونة ٍ، مل َ ك يا حبيبتي ..الله ّ أشكر ُ ِك .سأكمل ُ يا غالية: ك وتحب ّ َ تعرف ُ َ 178
لن أسري وحدي
ل س البشر ي ّة ِ :الع َج َ ُ صفة ُ النف ِ
ﭧ ﭨ ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬﭼ
سورة الأنبياء ( ) 37
ﭧ ﭨ ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﭼ
الإسراء ( . )11
ل كثيرا ً من أمنيات ِه ِ طب َع الإنسانُ على العجلة ِ ،فيستعج ُ أي ُ وطلبات نفسه ِ ،وإن كان َت مضرّة ً أو فيها هلاك ُه ُ وهو لايعلم! ِ هدف ٍ ن محر ّكا ًيحر ّكه ُ نحو ل في الإنسا ِ ن هذه ِ الع َجَلَة َ تمث ّ ُ كما أ ّ الأهداف أمام َه ُ مرسومة ٌ ،وليس عنده ُ داف ٌع َ ن ما ،فلو أ ّ كبَ في يدفع ُه ُ نحوها ،لبق َي في مكانه ِ ساك نا ً .لذلك ر ُ ِّ ق م ِن ن الإنسانَ عَجول .خ ُل َ ن ما وصف َه القرآنُ بأ ّ الإنسا ِ 179
لن أسري وحدي
عَجَل. ن دوافعُ ق في الإنسا ِ هذه الع َجَلَة ُ بمعنى السرعة ،أي خ ُل ِ َ قو ية ٌ تدفع ُه ُ إلى أهدافه ِ. ل ،وتستله ِم عز وج ّ هذه ِ القو ّة ُ المحر ّكة ُ إن لم تهتدِ به َدي الل ّه ِ ّ ح قو ّة ً مدم ِّرة ً، ن ،وتلتزم أمرَ الل ّه ِ ونهي َه ِ تصب ُ ق ال كو ِ م ِن خال ِ
كب َت فينا إلى هلاكِ نا ،فالخطأ أيّ تفضي العجلة ُ التي ر ُ ِّ كت ن هذه ِ العجلة َ تحر ّ َ ليس في العجلة ِ ،ول كنّ الخطأ في أ ّ
ٍ شرع يهتدي به ِ الإنسانُ إلى سواء ِ ن ن م ِقو َد ،م ِن دو ِ م ِن دو ِ ل. السبي ِ -
أم ّي ..لم أفهم بدق ّة ٍ ...العجلة ُ هي جزء ٌ م ِن تركيب ِنا، ِ بشرع الل ّه ِ. ح مضرّة ً إن لم نلتزم ل كنّها تصب ُ
ن اندفاعي نحو َ شيء ٍ كيف أعلم ُ أ ّ َ ول كن كيف؟ أقصد ُ
ل في استحوذ َ على فكري هو عجلة ٌ مفرطة ٌ؟ ولا أتساه ُ 181
لن أسري وحدي
ل عنه بحج ّة ِ أن ّي لا أريد ُ أن أكونَ ل شيء ٍ وأتكاس ُ عم ِ كيف أوازنُ يا أم ّي بينَ المفهومين؟ َ عجولة ً؟ -
أناس يتكاسلونَ أو يتماهلونَ أدركتُ ما تقصدين .هناك َ ٌ ل ويستدل ّونَ في أعمال ِهم بحج ّة ِ أن ّنا يجبُ ألا نستعج َ بالآية.
-
ل شيء ٍ و يقولونَ توكّلنا ح يا أم ّي ..لا يريدونَ فع َ صحي ٌ على الل ّه ِ ..لو أراد َ الل ّه ُ الأمرَ لحدث!
-
ن وعد ِم الحركة ِ أي ق بينَ الركو ِ هناك َ فرقٌ دقي ٌ ل على الل ّه ِ وعد ِم ل ،وبينَ الحركة ِ م َع التوكّ ِ التواك ِ ل الأمر ِ؛ فالل ّه ُ أم َرَنا بالحركة ِ ،وركّ بَ فينا هذا استعجا ِ ِ ودفع عجلة ِ الحياة ِ ،ول كن ل المحرّك َ الذي يدفع ُنا لتعجي ِ ن وهو يتحر ّك ُ وي ّتخذ ُ ق وحكمة ٍ بليغة ٍ ،فالمؤم ُ ن دقي ٍ بتواز ٍ
ل شيء ٍ يسير ُ بقدرِ الل ّه ِ ن ك ّ الأسباب يعلم ُ أ ّ ِ جمي َع 181
لن أسري وحدي
ل والحركة ِ، وحكمت ِه ِ ..يدرك ُ أن ّه ُ مجر ّد ُ وسيلة ٍ للعم ِ
ِ الصحيح الذي ول كنّ حركت َه ُ هذه ِ قد لا تكونُ بالاتجاه ِ
الموقف كل ّه ُ ،و يقصر ُ نظر َه ُ عن َ يسعد ُه ،لأنه ُ لا ي ُدرك ُ ق س توفي َ ك يتلم ّ ُ الغيب وما يدور ُ وراء َه ...لذل َ ِ معرفة ِ ق حركت ُه قدر َ الل ّه ِ الخ ي ّر َ ،فلا الل ّه ِ في حركت ِه ِ ،حت ّى تواف َ ل فترة ِ الانتظارِ ل م ِن طو ِ ل النتائج َ ولا يم ّ يستعج ُ ق بيدِ الل ّه ِ التي لا ل ..إن ّه ُ يث ُ والترق ّ ِ ج أو نتيجة ِ عم ٍ ب لف َر َ ٍ ل ،و يدعو ل دونَ استعجا ٍ تقود ُه إلا إلى خيرٍ ..فيعم ُ بوقت معي ّنٍ.. ٍ ل طلب للحصو ِ ٍ ل أو عز وج ّ ل دونَ مل ٍ الل ّه َ ّ
ن ل أمورِه ِ .هذا هو المؤم ُ إن ّه ُ يتل ّ ُ مس نور َ الل ّه ِ وهدي َه ِ في ك ّ ِ ن س ،يعلم ُ أ ّ يابنتي ..يسير ُ على نورٍ م ِن رب ّه ِ ،هادئ َ النف ِ
بوقت معي ّنٍ ..وما عليه ِ ٍ ق بقد ٍر محكمٍ و ل شيء ٍ خ ُل ِ َ ك ّ
ل ويتوكّ َ إلا أن يعم َ ل على الل ّه ِ ،ويسلّم َ أمرَه ُ للحكيمِ ِ ن ل؛ لذا فالمؤم ُ ِ جميع الخبير ِ بعد َ استنفاد الأسباب للعم ِ 182
لن أسري وحدي
خاف من أحدٍ ،ولا يجزع ُه ُ شيء ٌ ،ولا ي ُ ل لا ُ مطمئ ّن البا ِ
ل الل ّه ِ : ل .وهناك َ دعاء ٌ علّم َنا إ ي ّاه ُ رسو ُ يقلق ُه ُ المستقب ُ
ك وبارك لي فيما ق ُ ّدر َ لي ،حت ّى ( الله ّم رضّ ني بقضائ ِ َ
ل ما أخّرتَ ،ولا تأخير َ ما عجّلتَ ) أحب تعجي َ ّ لا ل القلبَ ..هذه ِ هي يا الل ّه ُ ما أحلى الإيمانَ عندما ي ُداخ ُالسعادة ُ ح ّقاً .رائ ٌع كلام ُكِ يا أم ّي ..رائع ..
أقبلتُ على يدِ أم ّي أقب ّل ُها وأحتض ُ ن هذا القلبَ العامرَ ن... بالإيما ِ
ن ِ شكرا ً يا أم ّي ..جمي ُعالكلمات لاتكفي و لا تعب ّر ُ ع ِ ل أن وهبني أمّا ً عز وج ّ امتناني وشكري ل ِ ك ،وحمدي لل ّه ِ ّ ك ل وجه َ ك الحمد ُ حمدا ً كثيرا ً كما ينبغي لجلا ِ مثل َكِ ..الله ّم ل َ
ك. وعظيم سلطان ِ َ ِ
ل كنت تطلبينَ من ّي عدم َ استعجا ِ ِ أتذك ّر ُ كلمات ِكِ عندما 183
لن أسري وحدي
ق ....كنتُ أستم ُع إليكِ ب والقل ِ ل في الترق ّ ِ الدعاء ِ أو المل ِ وأهز ّ رأسي ل كن ّي لم أستوعب ح ّقا ً هذه ِ المعاني ،كنتُ ل وتطلبُ من ّي كيف لا أستعج ُ َ ل في نفسي أنظر ُ إليكِ وأقو ُ ق!! لقد بذلتُ مافي وسعي أم ّي أن أكونَ صبورة ً ولا أقل ُ ل على ماسعيتُ إليه ِ. وأريد ُ أن أحص َ كيف يسم ُع الكلام َ أحيانا ً َ غريبٌ يا أم ّي هذا الإنسانُ ل كن ّه ُ لا يعي! يسم ُع بأذنيه ِ لا بعقل ِه ِ وقلب ِه ِ!! أعتذر ُ ياأم ّي عم ّا ل .ح ّقا ً لم أفهم وقتذاك َ ماذا بدر َ من ّي سابقا ً م ِن تأف ّ ٍ ف وتملم ٍ للأسف لو وعيتُ ما تقولينَ لوف ّرتُ على نفسي ِ تقصدين، عناء ً كثيراً. لا عليكِ يابنتي ،إ ّنها طبيعة ُ البشر ،كل ّما اقتربوا من ر ّبهمرق ّت قلو بُهم ووع َت عقول ُهم ،وكل ّما غف ِلوا وانشغل ُوا بالدنيا
القلب ِ ن الهدى ،واستما ِع وأسرف ُوا في الملذ ّ ِ ات كانوا أبعد َ ع ِ
ِ ك أطلبُ منكِ دائما ً أن تكوني للنصح والحقّ ِ .لذل َ ل والعق ِ 184
لن أسري وحدي
ات طلب الدنيا والآخرة ِ ،بينَ الطاعة ِ والملذ ّ ِ ِ متوازنة ً في جبُ عقل ُكِ يح َ ل ،فلا ت ُسرفي وتتماد َي فيقسو قلب ُكِ و ُ الحلا ِ ِ سماع الحقّ ِ. عن
ح يابنتي هي التي ت ُشع ِر ُ الإنسانَ بالسعادة ِ ،وسعادتُها ن الرو َ إ ّ
ح وليسَت مادّة ً.. ليست في الأشياء ِ المادي ّة ِ ،لأ ّنها رو ٌ
ل تعالى( :ونفختُ فيه ِ م ِن سعادتُها في ات ّصال ِها بأصل ِها ..قا َ ِ حنا ن رو َ روح الل ّه ِ ..إ ّ ت هذا المعنى؟ م ِن روحي) هل وعي ِ وتأنس بذكر ِه ِ ُ ل به ِ تنتمي إلى هناك ..لذا فهي تتطل ّ ُع للات ّصا ِ وتسعد ُ بقرب ِه ِ ..وهذه ِ هي السعادة ُ .أمّا الجسد ُ فطعام ُه ُ ل والشربُ والمت ُع الحسي ّة ُ م ِن مناظر َ طبيعي ّة ٍ وروائح َ الأك ُ ل فغذاؤه ُ العلم ُ والمعرفة ُ ...والإنسانُ جميلة ٍ ....وأمّا العق ُ المت ّز ِنُ والسعيد ُ هو الذي يوازنُ بينَ مكوناته ِ جميعا ً ،و يعطي ت فهي روح ُكِ حق ح ّقه ُ م ِن طعام ِه ِ ،فإذا ملل ِ ل ذي ّ ٍ ك ّ ك ..وغذاؤها التي قد مل ّت وتطلبُ غذاء َها ،وليس جسد ُ ِ 185
لن أسري وحدي
ل بخالق ِها .و أحيانا ً عندما تقرئين علوما ً العبادة ُ والات ّصا ُ ل ك على تناو ِ ن الل ّه ِ وتخاطبُ روح َكِ فهي تساعد ُ ِ تقر ّب ُك م ِ َ ِ غذاء ِ ح شهي ّت َكِ بالفيتامينات التي تفت ُ ِ الروح ،إ ّنها أشبه ُ
ك ما كتبت ُه ُ وعيت ما أقو ُ ِ عرفت و ِ للعبادة ِ ..هل ل؟ سأقرأ ل ِ ِ ل الاجتماعيّ (الفيس بوك) قبل فترة ٍ في موقع التواص ِ
ِ الموضوع : ل هذا حو َ
سك ..فاعلم شتات في نف ِ ٍ ك أو ض في قلب َ إذا أحسستَ بقب ٍ لركب ِ ك كي تلتفتَ إلى ا خ روح َ َ أن ّه ُ نداء ٌ علويّ يستصر ُ ن السائر ِ إلى الل ّه ِ ،فتوحّد َ القبلة َ و تذر َ ما أنتَ غارقٌ فيه ِ م ِ َ ل ص والأشياء ِ ..وت ّتجه َ بكل ّي ّت َ ق بالأشخا ِ العلائ ِ ك إلى أص ِ ِ منبع سمو ّك َ.. وجودِك َ و
ك تستجيبُ لنداء ِ ( و نفختُ فيه ِ من روحي) ن روح َ إ ّ فأيّ ( ياء ٍ ) أعظم ُ من هذه !!!!!
18٢
لن أسري وحدي
ِ ك نائم ٌ!!! سماع النداء ِ فاعلم أن ّ َ ّت الآذانُ عن فإذا صُم ِ ل ،ل كنّ اممم ....نعم يا أم ّي ..لقد أخبرت ِني م ِن قب ُل ل معه ُ ،وكأن ّي أو ُ ل عقلي وقلبي ويتفاع ُ كلام َكِ الآنَ يدخ ُ مرة ٍ أسمع ُه! ّ
ل غريبٌ هذا نعم ..بل أ ّو ُ مرة ٍ أعيه ِ ح ّقاً .بالفع ِ ل ّ
الإنسانُ!!! غريبٌ ح ّقا ً!
ن ف اليوم َ وأتاب ُع غدا ً بإذ ِ ق ..أظنّ أن ّي سأتوق ّ ُ أشعر ُ بالإرها ِ الل ّه ،فأنا الآنَ جاهزة ٌ للنوم. سمت أم ّي وهز ّت رأس َها قائلةً: تب ّ ف عن ن رأسك يؤلم ُك ،ونفسَكِ تطلبُ منكِ التوق َ -لاب ّد أ ّ
ِ أليس كذلك؟ َ الاستماع ،فقد أسمعت ُها مايُؤلم ُها.
ههههه ..صحيح ..لقد سمع َت كلاما ً قاسيا ً عليها ،أعان َني187
لن أسري وحدي
الل ّه ُ على نفسي َ الأمّارة ِ بالسوء ِ ....تصبحينَ على خيرٍ أم ّي. ض الأذكارِ وأنتِ بخ يرٍ يا علا ..لا تنس َي أن تقومي ببع ِل النوم. قب َ ن الل ّه ِ يا أم ّي. ل بإذ ِ سأفع ُثم ّ قبّلتُ رأس َها ويد َها ،وقلبي يدعو لها ويحمد ُ الل ّه َ على أن ن مثلها. منّ عليّ بأ ٍمّ حنو ٍ
188
لن أسري وحدي
– 12ّ ّ ّ ّ ّ
(إذا انشغل هذا الطائر باملأكولت وامللهيات في قفصه الجميل ،وظن أن هذا هو كونه وفضاؤهُ ،ظل بقية عمره حبيس قفصهُ ،ولن يذوق حالوة الحرية خارج قفصه .مع أن السماء هي بيته الحقيقي وليس القفص) ُ
ك شاردة ً يا علا؟ مالي أرا ِلا شيء َ يا أم ّي كنتُ أفك ّر ُ فقط.189
لن أسري وحدي
ن المدرسة ِ وأنتِ مشغولة ُ البا َ ت مِ َ بماذا؟ منذ ُ أن جئ ِل .خيرا ً إن شاء َ الل ّه ُ؟ قفزتُ إلى أم ّي وقبّلتُ وجنتيها الدافئتينِ وقلتُ : ح ،أن ّكِ تعرفينني أكثر َ م ِن نفسي ..أحب ّكِ ياأم ّي. صحي ٌأعرف ...هههههه ...ماذا بعد َ ذلك؟ ُ ن أن تعرفي بماذا أفك ّر؟ ك يا أم ّي ...تريدي َ امممم ...ما أحلا ِت البارحة َ ،وقد أحضر َت صور َ حفلت ِها خطب َ ِ رفيقتي مها ُ وشاهدناها جميعاً. ك الزينة ُ م ِن ل ج ّداً ،وكذل َ تبدو حفلة ً رائعة ً ،ثو بُها جمي ٌ أساور َ و قلائد ...كان َت تبدو سعيدة ً ج ّداً. ك. ك زوجا ً صالحا ً يسعد ُ ِ مبارك ٌ لها ..أسأ ُل الل ّه َ ل ِ لابأس به ِ ،أيقظتني تنهيدة ُ أم ّي َ كلمات أم ّي وقتا ً ِ شردتُ في 191
لن أسري وحدي
وسؤال ُها: ن هناك َ ل ذلك؟!!! لاب ّد أ ّ ثم ّ ماذا يا علا؟ أحفلة ٌ تشغل ُكِ ك ّشيئا ً آخر َ. احمر ّ وجهي خجلا ً ،وبدوتُ كأن ّي أراوغ ُ ولا أريد ُ الحديثَ ،أو كيف أسرد ُ خواطري. َ ل أو لعل ّي لم أعرف ماذا أقو ُ الزواج ،ولماذا ن وحقيقة ِ فكرة ِ ل يا أم ّي عن دورِ الإنسا ِ أتساء ُِ ومانسيات ٍ نر الفتيات يصبح َ ِ عندما ترد ُ هذه ِ الفكرة ُ أغلبُ
ٍ رحب؟ ٍ واسع ل ن في خيا ٍ ن بفتى أحلام ِهنّ ،و يحل ّق َ و يحلم َ ن؟ أهي م ِن طبيعة ِ الفتاة ِ والإنسا ِ ابتسم َت أم ّي قائلةً:
ن ،وهو جزء ٌ م ِن طبيعة ِ ج دور ٌ طبيعيّ في حياة ِ الإنسا ِ الزوا ُالشهوات ِ ق ن الل ّه َ خل َ س البشر ي ّة ِ ،تطلب ُه ُ وترغبُ به ِ ،لأ ّ النف ِ 191
لن أسري وحدي
الشاب والفتاة ُ في هذا الدور. ّ ن حت ّى يرغبَ عند َ الإنسا ِ ليس دورا ً سهلاً ،فهم بهذا الارتباطِ ينشئونَ أسرة ً، إن ّه َ ل ما في والتي بدورِها ستكونُ مسؤولة ً عن إنتاج أفض ِ ِ ق.. الوجودِ م ِن خل ٍ ك لاب ّد أن ل ذل َ إن ّه الإنسانُ خليفة ُ الل ّه ِ في أر ِ ضه ِ ..من أج ِ التضحيات لأسرت ِه ِ ،وترغبَ ِ ج بتقدي ِم هذه ِ يرغبَ الزو ُ
ل إعمارِ هذه ِ الأسرة ِ و بناء ِ الزوجة ُ بتقديم ِها هي أيضا ً من أج ِ ن اللازم َينِ لاحتواء ِ المولودِ الجديد. ن الدفء ِ والحنا ِ جوٍ ّ م ِ َ
ل الل ّه ُ في تركيبت ِهما حب ّا ً التعب جع َ ِ خف عناء ُ هذا فل ِكي ي ّ تعب الدنيا ِ خفيف ح ّدة ِ ل ت ِ وشهوة ً تجم ُع بينهما من أج ِ ل القصّ ة ِ. ومسؤوليات الأولادِ والأسرة ِ؛ هذه ِ هي ك ّ ِ ِ ض. ن الانقرا ِ النوع البشريّ م ِ َ حفظ ُ الزواج ن فالغاية ُ م ِ َ ِ سمتُ قائلة ً: تب ّ 192
لن أسري وحدي
سطينَ الأمور َ والأحداثَ ما أبهى حديث َكِ يا أم ّي وأنتِ تب ّن واحد. حولي ،وتجعلين َها سهلة َ الفه ِم وعميقة َ المعنى بآ ٍ الأحداث ِ التفصيلات و ِ ن في الفتيات يغرق َ ِ بعض َ ول كنّ الجانبي ّة ِ ،فينسَينَ هذا المعنى الراقي. ك يابنتي أوضح َ القرآنُ ال كريم ُ هذا المفهوم َ ل كي ل ذل َ من أج ِن الخاسرين. ك نكن م ِ َ نشتط ،فإن ّنا إن فعلنا ذل َ ّ لا
ﭧﭨﭽ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﭼ
1
ن هي خلافة ُ الل ّه ِ في ن الغاية َ م ِن وجودِ الإنسا ِ وأوضح َ أ ّ
1
سورة الحجرات 13 :193
لن أسري وحدي
أرضه ِ:
ﭧﭨﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯﭼ
1
ن لهذا لاب ّد م ِن وض ِع الحدودِ والضوابطِ في هذه ِ العلاقة ِ ضم َ ل م ِن هذه ِ الشهوة ِ أو الغريزة ِ حفظ هذه ِ الغاية َ ،ولا تجع ُ أطرٍ ت ُ خلوقات الحيواني ّة ِ أو تهدم ُ ِ مدارج الم تهبط به ِ إلى ُ أداة ً ِ المجتم َع.
ﭧﭨﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
1
سورة البقرة31 :194
لن أسري وحدي
ﭘ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭼ
1
ن الحدودِ ن أن يض َع شهوت َه ُ ضم َ لقد أراد َ الل ّه ُ م ِن هذا الإنسا ِ
شهوات جسدِه ِ ِ التي تجعل ُه ُ يبني مجتمعا ً صالحا ً ،و يتوازنُ بينَ ٍ ومتطلبات روحه ِ التي تسمو ِ ونكاح، وشراب ٍ ل م ِن أك ٍ
بقيمِه ِ وأفكارِه ،فتصن ُع منه ُ ذاك َ الإنسانَ الراقي الذي ي ُسعد ُ ك الشطط في ذل َ ُ مجتمع َه ُ ويبنيه ِ ،في َسع َد ُ ويُسع ِد ُ غير َه .أمّا الغرب أو حت ّى في واقع ِنا العرب ِيّ ِ ن في فإن ّه ُ يابني ّتي كما تري َ ق للأسف لم يجلب لنا إلا الدمار َ والفساد َ .فسبحانَ الل ّه ِ الخال ِ ِ
ق إلى سعادت ِه ِ ل والطر ِ الذي د ّ ل الإنسانَ على أيسر ِ السب ِ ليجن ّبه ُ الشقاء َ والخرابَ . باب ن ما قام َت به ِ صديقتي اليوم َ هو م ِن ِ ت يا أم ّي ..إ ّ صدق ِالشططِ ،لقد جعلتنا بهذه ِ الصورِ نذهبُ بخيال ِنا بعيداً ...إلى
- 1سورة النساء27 : 195
لن أسري وحدي
حيثُ لا معنى ً ولا سمو ّ. حظات ،ل كن ّه ُ على ل أحيانا ً قد يُسعد لل ٍ ن هذا الخيا َ حأ ّ صحي ٌ الشخص حزينا ً بائسا ً ،وعلينا أن ّ ل هذا المدى البعيدِ يجع ُ سنا بابا ً يصعبُ إغلاقُه ُ ،أو لسنا ح على أنف ِ ننتبه َ جي ّدا ً فلا نفت َ ق أو لا، بحاجة ٍ إليه ِ الآنَ ..فنكونُ كم َن يحلم ُ بأشياء َ قد تتحق ُ
لأبواب لا نملك مفاتيح ُها. ٍ ح العنانَ فنفت ُ
ق ت لي حقائ َ ق قلبي يا أم ّي ..لقد كشف ِ ك م ِن أعما ِ أشكر ُ ِ كان َت غائمة ً وضبابي ّة ً ،فغد َت جلي ّة ً بي ّنة ً.. هبط به ِ إلى ن ..الجسد ُ قد ي ُ المشكلة ُ فعلا ً في طبيعة ِ الإنسا ِ ح عكس ُه ُ تماما ً.. ن أن يتخي ّل َه ُ المرء ُ ...والرو ُ أدنى مستوىً يمك ُ
ص يريد ُ أن يغادر َه ُ إلى حيثُ س في قف ٍ إ ّنها كالطائر ِ المحبو ِ الفضاء ُ الرحبُ .
ن تماما ً. ل الإنسا ِ ق ما يحدثُ داخ َ ن هذا التشبيه َ يواف ُ أشعر ُ أ ّ
ات ل هذا الطائر ُ بالمأكول ِ ح يابنتي ...فإذا انشغ َ صحي ٌ19٢
لن أسري وحدي
ن هذا هو كون ُه ُ وفضاؤه ُ ل ،وظنّ أ ّ ِ والملهيات في قفصه ِ الجمي ِ حبيس قفصِ ه ِ ولن يذوقَ حلاوة َ الحر ّي ّة ِ َ ل بقي ّة َ عمره ِ ظ ّ ن السماء َ هي بيت ُه ُ الحقيقيّ وليس ج قفصِ ه ِ ،مع أ ّ خار َ
ق زائف ،مهما كانَ جميلا ً فهو ضي ّ ٌ ٌ بيت القفص ٌ ُ القفص... ُ وليس حقيقي ّا ً. ما أروعَ تشبيه َكِ يا أم ّي.يعرف طبيعت َه ُ تماما ً، َ لاب ّد يا بني ّتي أن يتوازنَ الإنسانُ ،ون سه ِ حقّها م ِن دو ِ نات نف ِ ن م ِن مكو ّ ِ ل مكو ّ ٍ و يعطي ك ّ إسراف. ٍ ج الصالح ُ في مجتمع ِه ِ والسعيد ُ ل المنت ُ هذا هو الإنسانُ الفع ّا ُ ِ ل بات الجسدِ ن بينَ متطل ّ ِ في حيات ِه ِ ،تواز ٌ والروح والعق ِ
والقلب معاً. ِ ن ن مداركي قد ات ّسع َت ،وأ ّ ن روحي قد أشرق َت ،وأ ّ أشعر ُ بأ ّ197
لن أسري وحدي
ٍ ل ووضوح .ح ّقا ً ك ّ ن حولي بدأت ترتسم ُ بدق ّة ٍ معالم َ ال كو ِ من ّا بحاجة ٍ إلى أن يفهم َ نفسَه ُ وال كونَ حول َه ُكما يريد ُ خالق ُنا أن نفهم َه ُ ،عندئذٍ تكونُ رؤيت ُنا شاملة ً وصحيحة ً. ن ك لأن ّكِ قريبة ٌ من ّي تشعري َ ك الل ّه ُ خيرا ً يا أم ّي ...أشكر ُ ِ جزا ِ
بما أحتاج ُه ُ و يخطر ُ في بالي دونَ أن أقول َه ُ ..أكرم َكِ الل ّه ُ
ياحبيبتي.
ك ويرضيه ِ عنكِ . بارك َ الل ّه ُ بكِ ،و أقر ّ عيني بما يسعد ُ ِحب. حضن ِها الداف ِئ أستم ّد منه ُ النور َ وال ّ قب ّلت ُها وقب ّلتني وارتميتُ في ِ جهتُ إلى غرفتي استعدادا ً للنوم. ثم ّ تو ّ مض كانت كلماتُ أم ّي تتردّد ُ في أذنيّ ،كل ّما حاولتُ أن أغ َ عينيّ أسمع ُها كأنّها تقول ُها الآن: فإذا انشغل هذا الطائر بالمأكولات والملهيات في قفصه الجميل 198
لن أسري وحدي
وظن أن هذا هو كونه وفضاؤه ،ظل بقية عمره حبيس قفصه ولن يذوق حلاوة الحر ية خارج قفصه ..مع أن السماء هي بيته الحقيقي وليس القفص.. ق وليس زائف ..مهما كان جميلا ً فهو ضي ٌ ٌ بيت ٌ القفص حقيقياً. حاولتُ مرارا ً أن أرغم َ نفسي على النو ِم ،ل كن هيهات.. أحسستُ برغبة ٍ قو ي ّة ٍ في أن أتوضّ أ وأصل ّي َ ركعتينِ ،أشعر ُ برغبة ٍ ق روحي نحو بيت ِها الحقيقيّ ...هناك َ حيثُ ل لتنطل َ في أن أحاو َ تسعد ُ وتسمو. قفزتُ م ِن سريري ...توضّ أتُ وصل ّيتُ . أقف وأناجي َ هاجس واحدٌ ..أن ٌ صل ّيتُ وأنا لا يشغل ُني إلا ح روحي في فضائ ِه ِ ،عل ّها ل بأنوارِه ِ العلو ي ّة ِ وتسب َ خالقي لأت ّص َ تنعم ُ هناك َ بموطن ِها الأصليّ.. 199
لن أسري وحدي
الوقت وأنا مستغرقة ٌ في هذه ِ الأفكارِ!! لا ِ ن مر م َ لا أعلم ُ كم ّ
ك الشعورِ أن ّي أصل ّي وكأن ّي أراه ... ل أن ّي وصلتُ إلى ذل َ أقو ُ صلة َ قلبي بدأت تتح ّدد ُ وجهت ُها بدق ّة ٍ، ن بو ِ ل كن ّي أشعر ُ أ ّ
تصاغرت أمامي َ أشياء كثيرة ٌ كنتُ أحسب ُها م ِن أه ِ ّم الأشياء ِ ُ َ ِ الاستمتاع مع رفيقاتي باللهوِ والضحكِ ،التلفاز، ل لديّ مث ُ ن الال كترونيات.. النت ..الجو ّال ...الموضة ..اقتناء ُ الجديدِ م َ أشياء ُ كثيرة ٌ بد َت باهتة ً؛ شعور ٌ غريبٌ ح ّقا ً لم أعهده ُ م ِن ل شيء ٍ ..أحسستُ أن ّي كنتُ أسير ُ في نفسي .استصغرتُ ك ّ
ِ ل ق ملتوٍ ،أو يدخ ُ الصحيح ..كم َن يمشي في طر ي ٍ الاتجاه ِ غير ِ ِ الفروع ،لا أدري ب ،متع ّددة ِ ن طرقٍ فرعي ّة ٍ ،كثيرة ِ التشع ّ ِ ضم َ ل بي إلى وجهتي ل كثرة ِ تشع ّب ِها! لعل ّها لا تص ُ ج أكثر َ ،وأحسستُ أن ّي أصبحتُ أكثر َ بدأت أفكاري تنض ُ فهما ً لنفسي وهدف ِها. 211
لن أسري وحدي
ن حب الدي ِ ّ ل ،رغم َ أن ّي نشأتُ في بيئة ٍ زرع َت فينا بالفع ِ لأحداث ِ ق السامية ِ ،ل كن ّي كنتُ منشغلة ً برفيقاتي وا والأخلا ِ
ٍ ت وأفراح ،ضحكا ٍ ل التي تمر ّ معنا في المدرسة ِ م ِن مشاك َ وأن ّات ..كل ّها أجد ُها اليوم َ لا طعم َ لها ..انشغلتُ بها كثيرا ً، ل كنّها بلا فائدة! كيف أضعتُ هذه ِ الأوقات .لم أفك ّر َ أستغربُ من نفسي ح ّقا ً هدف ٍ ن أسير ُ؟ وهل هذه ِ الخطواتُ ستوصل ُني إلى للحظة ٍ إلى أي َ أعيش م ِن أجل ِه ِ؟؟ َ ق يستحقّ أن را ٍ ل هذه ِ الأفكارِ بد َت غريبة ً ،وكأ ّنها تخطر ُ في بالي أو أفك ّر ُ بها ك ّ ل مرة ٍ! مع أ ّنها ليست جديدة ً ! لأ ّو ِ ت س م ِن نفسي ،ل كثرة ِ لهوِها وتشت ّ ُ ِ أشعر ُ أحيانا ً باليأ ِ ن حديثَ أم ّي اليوم َ جعل َني أتنب ّه ُ إلى تقصيري اهتماماتِها ...إلا أ ّ
جهة ٌ ن متو ّ في غذاء ِ روحي .إن ّي نادرا ً ما أصل ّي وأنا حاضرة ُ الذه ِ 211
لن أسري وحدي
بكل ّي ّتي إلى الل ّه! ل أه ّم شيء ٍ لم أنتبه أن ّي مقص ّرة ٌ في حقّ (روحي) والتي تمث ّ ُ وأثمن َه ُ فيّ! ك المعاني ،الل ّه ّم أعن ّي على نفسي ك الحمد ُ أن وف ّقتني لتل َ الله ّم ل َ وخ ُذ بقيادِها إليك.
212
لن أسري وحدي
- 13-
للعلو والرخقاء) ُ ُ (العترافُ بالخطأُ صمُامُ أمانُ
لن أتكلّم َ مرة ً أخرى مع هبة.ج م ِن عينيّ. ك الجملة ِ والشرر ُ يخر ُ تمتمتُ بتل َ الغضب الذي صب َبت ُه على ِ استغرب َتِ ال كثيراتُ مم ّن حولي حجم َ ح ما بيننا. رفيقة ِ هبة عندما تكل ّم َت عنها لتصل َ لم أستطع أن أسم َع منها أيّ كلمة ٍ ،صم َمتُ أذنيّ وابتعدتُ كلي ّا ً 213
لن أسري وحدي
عنهنّ . ل ِ وفي داخلي شعور ٌ بالاستغراب من نفسي ،بدأ يتنامى بشك ٍ كبيرٍ ساعة ً بعد َ ساعة ٍ. طبة ُ الوجه ِ ،ألقيتُ التحي ّة َ بجفاء ٍ ثم ّ ل وأنا م ُق ّ عدتُ إلى المنز ِ غريب بدّلتُ ثيابي ثم ّ استلقيتُ ٍ ل أسرعتُ إلى غرفتي ..وبتكاس ٍ أحس أن ّي ّ ل؛ بأي عم ٍ على الأر يكة ِ لا أشعر ُ بالرغبة ِ في القيا ِم ّ ِ مسلوبة ُ الهمّة ِ ،منهكة ٌ ،متعبة ٌ .وأنا أستغربُ م ِن نفسي سببَ ذلك. سنوات ،كان َت من صديقاتي ٍ ثلاث ِ فهبة ُ رفيقتي منذ ُ حق ك ،كن ّا ب ّ ٍ ات ،كنتُ لا أخفي عنها سرّاً ،وهي كذل َ المقر ّب ِ ن الأخرى بجانب ِها أو تتح ّدث معها؛ أينما و ُجد َت إحدانا تك ِ ل معنى الكلمة ،أخو ّة ٌ صادقة ٌ. كان َت علاقة ً حميمة ً بك ّ ِ ات لا أدري منذ ُ ثلاثة ِ أشهرٍ تعر ّف َت هبة ُ على إحدى الطالب ِ 214
لن أسري وحدي
الج ُددِ في المدرسة ِ ،وصار َت رفيقت َها الدائمة ،كل ّما طلبت ُها أجد ُها بجوارِها! ئ الأمر ِ اعتقدتُ أ ّنها مجرد ُ مشاعر ِ اللهفة ِ لطالبة ٍ جديدة ٍ في باد ِ لا تعلم ُ كثيرا ً م ِن أمورِ المدرسة ِ ،وهي تساعد ُها ل كونِها جارة ً ن ت أتشاح ُ بدأت الأمور ُ تتطو ّر ُ حت ّى ب ِ ّ ِ جديدة ً لها في منزل ِها ،ثم ّ ت المشكلة ُ فالسببُ الجوهريّ هو ل يو ٍم ..ومهما اختلف َ ِ مع هبة َك ّ ل مشكلاتي "ناديا" ؛ لقد غد َت ناديا عد ّويَ الل ّدود َ ،فهي أص ُ م َع هبة ..ثم ّ تطو ّر َ الأمرُ حت ّى غد َت مشاعري اتّ جاه هبة َ باردة ً،
ل الفسحة ِ،ابتعدتُ عنها البحث عنها خلا َ ِ لم أعد أهتم ّ بلقائِها أو بالعتاب الذي كانَ ينتهي ِ تدر يجي ّا ً دونَ أن أشعر َ ،ثم ّ بدأت ل الأمدِ. دوما ً بالمشادّة ِ أو الخصا ِم طو ي ِ ل هذه ِ الأفكارِ كان َت تدور ُ في ذهني ،فشغلتني حت ّى لم ألحظ ك ّ ل أم ّي لغرفتي. دخو َ 215
لن أسري وحدي
ضب َة ً ..ما الأمرُ؟ ك اليوم َ م ُغ َ ما بك يا علا؟ أرا ِهبة ُ يا أم ّي ..ما بها؟خاصمات التي كان َت ِ ن الم ضا ً م َ صصتُ على أم ّي مشاعري وبع َ ق َ تق ُع بيني وبينها ،والتي ازداد َ عدد ُها حت ّى صار َت يومي ّة ً. لقد قر ّرتُ يا أم ّي أن أقط َع علاقتي م َع هبة َ.استغرب َت أم ّي ورفع َت كتفيها وحاجب َيها ،ثم ّ قال َت لي : أتعلمين ما نوع ُ المشاعر ِ التي تجتاح ُكِ ؟ لا يا أم ّي؟ إ ّنها الغيرة ُ. الغيرة ُ ! مم ّن ؟21٢
لن أسري وحدي
الغيرة ُ يا بنتي فطرة ٌ أودع َها الل ّه ُ فينا كي تدفع َنا لمعالي الأمورِ،جت عن هدف ِها ظلم َت نفس َها وغير َها. طت وخر َ فإذا اشت ّ
ن الغيرة ِ .هل أنا أم ّي هذه ِ المر ّة ُ الثانية ُ التي تتح ّدثين فيها ع ِغيورة ٌ إلى هذه ِ الدرجة ِ؟ ن الغيرة َ تدف ُع الإنسانَ إذا رأى إنسانا ً كثير َ ك يا علا ..إ ّ أذك ّر ِق ك مسل ك َه ُ ،أو إذا كانَ ذا خ ُل ٍ العلم ِ أن يكونَ مثل َه ،فيسل َ ل الاقتداء َ به ِ ..وهذه ِ غيرة ٌ حسنة ٌ. كري ٍم أن يتعلّم َ منه ُ و يحاو َ
حب التمل ّكِ أو الأناني ّة ِ والأث َرة ِ ختلط الغيرة ُ ب ِّ أمّا عندما ت ُ س؛ فمثلا ً عندما ن النا ِ عند َها تشت ّط وتظلم ُ نفس َها وغير َها م ِ َ تغارين م ِن ناديا لأ ّنها غد َت أقربَ إلى رفيقت ِكِ هبة َ فكأن ّكِ
تمتل كين حقّ ِ ك! منع هبة َ م ِن صداقة ِ غير ِ ِ -لا يا أم ّي ..ليس تمل ّكاً!!
حب أحيانا ً إلى ح ّدِ الشعورِ ك يا بنتي ..فقد يبل ُغ ال ّ إن ّه ُكذل َ217
لن أسري وحدي
ب ل مركّ ٌ ط ،فالغيرة ُ انفعا ٌ بتمل ّكِ الآخر ِ ،وم ِن هنا كانَ الشط َ ُ ت به ِ م ِن والغضب ،وهذا يفس ّر ُ ما قم ِ ِ حب التمل ّك ِّ يجم ُع بينَ البيت! ِ ت إلى ك خاط ٍئ منذ ُ أن عد ِ سلو ٍ ن وهذا ما يح دثُ أحيانا ً بينَ الأخوة ِ إذا شعر َ أحد ُهم أ ّ حب أحد َ أخوته ِ أكثر َ منه ،ودليله ُ ما والديه ِ أو أحد ُهما ي ّ ن هذه يوسف عليه ِ السلام ُ ،ألا تتذك ّري َ َ حدثَ م َع إخوة ِ ن ال كري ِم؟ القصّ ة َ في القرآ ِ ِ الموضوع ذات ِه ِ، ل نعم ،أذكر ُ ذل َك وقد تح ّدثنا عنها م ِن أج ِ يوسف في ختمتي َ قريب كنتُ أقرأ سورة َ ٍ وقت ٍ ومنذ ُ ت النبو ّة ِ، ل هذا وه ُم في بي ِ كيف يحص ُ َ اليومي ّة ِ ،واستغربتُ ص م ِن ل غيرتُهم إلى التفكير ِ بالتخل ّ ِ كيف تص ُ َ فأبوهم نب ّي! ن! ل الغيرة ُ بالإنسا ِ ن أن تص َ يوسف! ألهذا الح ّدِ يمك ُ َ سي ّدِنا ل! إلى ح ّدِ الإيذاء ِ أو التفكير ِ بالقت ِ
218
لن أسري وحدي
بغيض يشعر ُ به ِ الإنسانُ عادة ً ٌ ل الغيرة ُ المر َضي ّة ُ يا بنتي انفعا ٌص المحب وبَ يوجّه ُ انتباه َه ُ إلى شخصٍ ن الشخ َ أحس أ ّ ّ إذا ب توجد ُ به ِ عناصر ُ ل مركّ ٌ ل الغيرة ِ انفعا ٌ آخر َ غير ِه؛ وانفعا ُ ك ل ال كره ِ ،ولذل َ انفعالات أخرى ،وخاصّ ة ً انفعا ُ ٍ من ع ّدة ِ غالبا ً ما تكونُ الغيرة ُ مصحوبة ً بال كره ِ والحقدِ والرغبة ِ في
الهروب ِ ص منه ُ أو ص الذي ي ُثير ُ الغيرة َ ،أو التخل ِ إيذاء ِ الشخ ِ والابتعاد! ل كن ّي لستُ غيورة ً يا أم ّي ..هذه المر ّة ُ الثانية ُ التي تقولينَ ليل!! لستُ غيورة ً يا أم ّي (وكانَ صوتي مرتفعاً). هذا القو َ وفي المر ّة ِ الأولى هل ح ّقا ً لم تكوني غيورة؟ل، ل أن أهربَ م ِن هذا السؤا ِ طأطأتُ رأسي وكأن ّي أحاو ُ فالتزمتُ الصمتَ ،وقمتُ م ُغضبة ً إلى غرفتي. أناقش نفسي ،ففتحتُ َ ظللتُ عامّة َ يومي منزعجة ً ،ولم أرغب أن 219
لن أسري وحدي
صفحات (الن ّت والفيس بوك)، ِ ل بينَ الحاسبَ وأخذتُ أتنق ُ ن محب ّتي لأم ّي وإغضابي لها وكأن ّي أهربُ م ِن نفسي ،إلا أ ّ الوقت ذات ِه ِ ِ ح بها موقفي ،ول كن ّي في جعلاني أفك ّر ُ بطر يقة ٍ أصل ُ الاعتراف بغيرتي! أو أن ّي على خطأ. َ أشعر ُ أن ّي لا أريد ُ ذهبتُ إلى أم ّي. أم ّي أنا آسفة.ن أضيف شيئاً ،وكأ ّنها كان َت تنتظر ُ من ّي مزيدا ً م ِ َ َ لم أستطع أن
ِ الإيضاح ،إلا أن ّي لم أفعل.
ي؛ إن ّي ك لم يُع ِد لي هدوئي َ النفس ّ عدتُ إلى غرفتي ،ل كنّ ذل َ ل أحب أم ّي ،ولا أستطي ُع أن أشعر َ أن ّي أغضبت ُها .حاولتُ إشغا َ ّ نفسي ل كن ّي مازلتُ منزعجة ً ج ّداً ..لا أستطي ُع أن أبعد َ فكري عم ّا حدثَ ،ولا أستطي ُع أن أرك ّز َ في دراستي ..يبدو أن ّه لاب ّد من أن أواجه َ نفسي ،لا مفر ّ. 211
لن أسري وحدي
أنت سببُ تعاستي وأخطائي.. ت تشقين َنيِ .. نفس مازل ِ ُ آه ٍ يا أف منك ..أداف ُع عنكِ دونَ أن أشعر َ ،فأزيد ُ خطئي خطأ ً ٍّ مرة ً أخرى .هل أعجب َكِ ما زججتني به ِ آخر َ! عليّ الآنَ أن أعتذر َ ّ
الآنَ من ظلم؟
أعترف بخطئ ِي ! آه ٍ منكِ . َ ك حت ّى لا ل ذل َ وك ّ ك لا يعجب ُكِ . نعم أنا غرتُ .هذه ِ هي الحقيقة ُ وإن كانَ ذل َ اج من كنتُ أتح ّدثُ م َع نفسيَ . ليس جنوناً .بل أشعر ُ بانزع ٍ نفسي ح ّقاً. أعترف بخطئي وأن ّي َ ل ألا غريبٌ أمري! ك ّ ل ما فعلت ُه م ِن أج ِ ّف ل تكلفة َ الل ّ ِ ل الحقيقة َ وما أثق َ غرتُ م ِن رفيقتي! ما أسه َ س .لو اعترفتُ ولم أتكب ّر لانتهى والدورا ِ ن وعد ِم مجابهة ِ النف ِ ن صورة! ُ النقاش م َع أم ّي بك ّ ِ ل بساطة ٍ وعلى أحس ِ 211
لن أسري وحدي
ركضتُ إلى أم ّي ... مرة ً عندما غرتُ م ِن مرتينّ . أم ّي أنا آسفة ،لقد أخطأتُ ّالاعتراف بهذا الخطأ. َ ناديا والثانية ُ عندما رفضتُ
ت ومرة ً ثالثة ً عندما ارتف َع صوت ُكِ ،وغادر ِ تب ّ سم َت أم ّي وقالَتّ :
المكانَ غاضبة ً.
حتني بسمة ُ أم ّي: احمر ّ وجهي خجلا ً وقد أرا َ ات .أنا آسفة. مر ٍ صحي ٌح يا أم ّي ..أخطأتُ ثلاثَ ّ لا عليكِ يا بنتي .المه ّم أن تؤوبي إلى الحقّ ِ بسرعة ٍ ،أمّا الخطأحب الأوابين) .والأه ّم ن الل ّه َ ي ّ ك ( .إ ّ ل ذل َ فجميع ُنا يفع ُ
ل النصيحة ِ، الاعتراف بالخطأ ِ ،و تقب ّ َ َ يابنتي أن تعتاد َ نفس ُكِ جت فهي صفة ُ الأمّة ِ التي اختار َها الل ّه ُ ( :كنتم خير َ أمّة ٍ أخر َ
ن المنكر ِ وتؤمنونَ بالل ّه ِ ). ِ س تأمرونَ للنا ِ بالمعروف وتنه َونَ ع ِ 212
لن أسري وحدي
ن حه ِ هو صم ّام ُ أما ٍ الاعتراف بالخطأ ِ ورؤيت ِه ِ وتصحي ِ ِ ن مبدأ إ ّ للفردِ والم ِ ك ض ذل َ جتمع ،به ِ يتق ّدم ُ و يتطوّر ُ ،أمّا عندما يرف ُ ن الرفعة ِ والتطورِ؛ ويسقف نفسَه ُ بحدودٍ دنيا م ِ َ ُ فإن ّه ُ يتقز ّم ُ سكِ بهذه ِ القيمة ِ. فاحرصي يا حبيبتي على التم ّ رأس أم ّي ،وارتميتُ في أحضانِها فر َحا ً بقول ِها ،وبادل َتني َ قبّلتُ بضمّة ٍ ملؤ ُها الحنانُ والرحمة ُ: ت يا أم ّي ..الله ّم أعن ّي.. صدق ِل مشكلتي مع ناديا وهبة؟ أم ّي ..ماذا أفع ُل الآنَ م ِن أج ِ ألا ينف ُع أن تكوني أنتِ و ناديا صديقت َينِ حميمت َينِ لهبة!قط! لماذا أردتُ أن تكونَ اممم ..لم يخطر في بالي! لم أفك ّر ّهبة ُ لي وحدي! ن! س الإنسا ِ آه ٍ يا أم ّي ما أقسى حقيقة َ نف ِ 213
لن أسري وحدي
حب أحب أن أكونَ أناني ّة ً ،لا أ ّ ّ صورة ٌ ليست بجميلة ٍ ...لا ك الآخر َ إذا أحببت ُه ...لا أريد ُ هذه ِ الصورة َ البشعة َ! أن أمتل َ ب برات والتجارِ ِ ِ هو ّني عليكِ يا بنتي ،يمر ّ الإنسانُ بهذه ِ الخس سه ِ ووسوسة َ الشيطا ِ ل نف ِ كي يعلم َ مداخ َ ن وهوى النف ِ و يجاهد َهم فيفوز َ. ل ل القصّ ة ِ؛ فلا تضخّ مي الموضوعَ ،الأمرُ أسه ُ هذه ِ هي ك ّ
كيف تتعاملين َ ت ت كثيراً ،وتعلّم ِ ك ...لقد استفد ِ م ِن ذل َ كيف َ ت ت مشاعرَ الغيرة ِ ،والآنَ عرف ِ سكِ ،وفهم ِ م َع نف ِ ن أو كيف تعترفينَ بالخطأ ِ ولا تتكب ّري َ َ ت تجتازين َها ،وتعلّم ِ
ك العز ّة ُ بالإثم. تأخذ ُ ِ ل هذا؟ تك ّ كيف عرف ِ َ ح ّقا ً ..أنتِ رائعة ٌ يا أم ّي.ِ س الحياة ُ والخ برة ُ واطّ لاعي على هذه ِالمواضيع في علم ِ النف ِ يعرف مداخل َها، ُ النفس ،و َ الحديثِ والعلم ِ الذي يزك ّي 214
لن أسري وحدي
و يجاهد َها في ديننا الحنيف. ك كثيرا ً يا أم ّي ،أنتِ لا تعلمين مدى الراحة ِ التي أشعر ُ أشكر ُ ِن الل ّه ِ أنا وناديا صديقتَين مخلصتَين ِ ح بإذ ِ بها الآن ،سأصب ُ لهبة. ل! صفات حسنة ً لم أكن أراها من قب ُ ٍ ك ن ناديا تمتل ُ حقا ً إ ّ فات ن! كنتُ لا أرى إ يجابي ّة ً واحدة ً في ص ِ غريبٌ أمرُ الإنسا ِ ناديا! وكأن ّي كنتُ لا أرى!
هذا الظلم ُ يا علا ،عندما ينظر ُ الإنسانُ بعينِ هواه ُ لا يبصر ُق هواه ُ وليست كما هي في الحقيقة ِ! ح ّقاً ،يرى صورة ً وف َ ن كيف يظلم ُ الإنسانُ نفسَه ُ بظلم ِه ِ لغيره ِ فيعاني م ِ َ َ آه ٍ يا أم ّيك ،فلو جاهدنا أنفسَنا الأل ِم الشديدِ ،والأمرُ أبسطُ م ِن ذل َ ولم نت ّ ِ ي والذي هو بع الهوى لأرحناها م ِن عناء ِ الأل ِم النفس ّ 215
لن أسري وحدي
س. أكثر ُ إيلاما ً م ِن أل ِم مجاهدة ِ النف ِ ل أن الحمد ُ لل ّه ِ أن أكرم َني الل ّه ُ بكِ ،وأعانني فرأيتُ الحقّ قب َ أتمادى أكثر َ في ظلم ِ نفسي وظلم ِ الآخرين.
سنا وأهوائ ِنا بارك َ الل ّه ُ بكِ يا علا ،وأعان َنا جميعا ً على أنف ِك ياعلا ،المه ّم أن تعو ّدي نفسَك وشيطان ِنا .أعود ُ وأقو ُ لل ِ الخضوعَ للحقّ ِ ولو كانَ ض ّد هواها ،وأسرعي في الأوبة ِ إلى ِ ن أمر ليس بيسيرٍ ،ول كن ّه سه ٌ ل على م ِ الل ّه ،واعلمي أن ّه ُ ٌ استعانَ بالل ّه ِ عليه ِ. ل جهدي في قيادة ِ نفسي وإخضاعِها للحقّ ِ ن الل ّه ،سأبذ ُ بإذ ِل الل ّه َ العونَ والسداد. مراً .أسأ ُ مهما كان ّ
21٢
لن أسري وحدي
- 14 -
خنتظر مُنُ ينقــبُ عنها ويكتشفُها) ُ ُ (الكنوزُ التي أودعُها هللاُ فينا مُنُ قدرات ومواهب
ل البحثَ عنه ُ ل كن ّي كل ّما أم ّي لقد ضقتُ ذرعا ً وأنا أحاو ُكتب التي لم تجبني. ِ وسط ركا ِم ال َ بحثتُ ضعتُ وما الذي تبحثين عنه؟س البشر ي ّة ِ. ن الشخصي ّة ِ وعلم ِ النف ِ إن ّي أبحثُ ع ِك؟ س والشخصي ّة! ما الذي خطر َ ببال ِ علم ُ النف ِ217
لن أسري وحدي
لأعرف نفسي ،شخصي ّتي ،مواهبي، َ أشعر ُ بحاجة ٍ شديدة ٍاختصاص الجامعة ِ فيما بعد ُ ،ما الذي يناسب ُني َ كيف أح ّدد ُ َ من مهنة ٍ أو دراسة ٍ؟ ت كلمات كن ِ ٍ ل هذه ِ الأسئلة ِ تلحّ عليّ بش ّدة ٍ .وتذك ّرتُ ك ّ ن س ،فشعرتُ أ ّ قد شرحت ِها لي في كيفي ّة ِ التغيير وعلم ِ النف ِ ل به ِ بغيتي. هذا العلم َ هو الذي سيجيبُ عن أسئلت ِي ،وأنا ُ ت على اتّ خاذِ قرارِ معكِ حقّ يا بنتي ،فأنتِ قد شارف ِك واتجاه َكِ التخصّ ِ ك أن تعرفي ميول َ ِ ص الجامعيّ ،ولاب ّد ل ِ وشخصي ّت َكِ ،وما يناسب ُكِ من دراسة ٍ جامعي ّة ٍ أو تخصّ صٍ ك. مهن ٍيّ؛ وهذا هو العلم ُ الذي سيساعد ُ ِ ك ساعديني. ول كن ّي تهتُ فيه ِ يا أم ّي ..أرجو ِك ما تريدين. ل ِ هناك َ ال كثير ُ م ِ َن الأمورِ التي تعر ّفتُ عليها وفهمت ُها ،وأشياء ُ 218
لن أسري وحدي
كثيرة ٌ لم أفهمها. لنبدأ بما فهمت ِه.ن الذكاءات المتع ّددة ِ والتي فهمتُ منها أ ّ ِ قرأتُ عن نظر ي ّة ِالناس مختلفونَ ومتنو ّعونَ في ذكاءاتِهم ومستو ياتِها ،وقد َ تصف شيئا ً م ِن شخصي ّة ِ ُ الذكاءات ِ ن هذه ِ لاحظتُ أ ّ ل والاتّ جاه ِ؛ وأنواعُ ن ،وتساعد ُ في تحديدِ الميو ِ الإنسا ِ الذكاءات هي: ِ -1الذكاء ُ اللغويُ : ك الكلمات بفعالي ّة ٍ سواء ً كانَ ذل َ ِ وهو القدرة ُ على استخدا ِم
خطاب ،أو العمل السياسي) ٍ ل :رواية ٍ أو قصة ٍ ،أو شفو ي ّا ً (مث ُ التأليف ،والنثر ِ، ِ شعرِ ،و ل ال ِّ ل الكتابة ِ ( مث ُ أو من خلا ِ والصحافة ِ).
ف على تركيب وبناء ِ اللغة ِ ،والتعر ّ َ ِ ن القدرة َ على و يتضمّ ُ 219
لن أسري وحدي
ات الخاصّ ة ِ باللغة ِ ،وعلى معنى اللغة ،والأبعادِ العملي ّة ِ الصوتي ّ ِ ِ إقناع الآخرين ن استخدام َ اللغة ِ في لاستخداماتِها ،كما يتضمّ ُ
والتأثير ِ عليهم كي يتصرّفوا بطر يقة ٍ معي ّنة ٍ ،واستخدام َ اللغة ِ في
ِ لومات ،وفي ِ ل المع المعلومات، ِ تذك ّر ِ والشرح أو استخدام َها في نق ِ ن اللغة ِ ذاتِها ودراست ِها. الحديثِ ع ِ ن الشعراء َ والكتّابَ والصحفي ّين والإعلامي ّين أظنّ يا أم ّي أ ّيمتل كون نسبا ً عالية ً من هذا الذكاء ِ. ت يا بنتي. صدق ِي – المنطقيّ : -2الذكّاء ُ الر ياض ّ ونعني به ِ القدرة َ على استخدا ِم الأعدادِ بكفاءة ٍ (مثلُ علماء ِ
ل الإحصاء ِ) ،والتفكير َ ات ،والمحاسبين ،والعاملينَ بمجا ِ الر ياضي ّ ِ ل العلو ِم ،مبرمجي ل العلماء ِ خاصة ً في مجا ِ بصورة ٍ جي ّدة ٍ (مث ُ ن ل المنطق) .وهذا الذكاء ُ يتضمّ ُ الكمبيوتر ،أو العاملينَ في مجا ِ 221
لن أسري وحدي
ل الحساسية َ للأشكا ِ
ت والعلاقا ِ
المنطقي ّة ِ،
والصياغات ِ
وظائف ِ ن ،والسببُ والنتيجة ُ -وال ل :إذا....؛فإ ّ والعبارات -مث ُ ِ جردات. ِ والم
ات المستخدمة ِ في خدمة ِ الذكاء ِ الر ياض ِ ّ ن أنواعَ العملي ّ ِ إ ّ ي المنطقيّ ِ
ل ،والتصميم َ، التصنيف ،والتجمي َع ،والاستدلا َ َ ن: تتضمّ ُ
ض. العمليات الحسابي ّة َ ،واختبار َ الفرو ِ ِ و ن الذكاء ِ اللغويّ بنسب مرتفعة ٍ م ِ َ ٍ ن الل ّه َ قد حباني أشعر ُ يا أم ّي أ ّي. والر ياض ّ
ك .نسألُ الل ّه َ أن يوف ّق َكِ في استخدام ِهما نعم وأنا لاحظتُ ذل َفيما يحب ّه ُ ويرضيه.
-3الذكاء ُ المكانيّ ( البصريّ ): ك العال ِم المكانيّ – المرئيّ بصورة ٍ دقيقة ٍ ونعني به ِ القدرة َ على إدرا ِ ل :أدلا ّء ُ السياحة ِ ،والقن ّاصون) والقيام َ ل المثا ِ (على سبي ِ 221
لن أسري وحدي
ل مهندسي ك (مث ُ خيلات معي ّنة ٍ نتيجة ً لهذا الإدرا ِ ٍ بتمثيلات وت ٍ الديكور الداخليّ ،والمهندسين المعمار يي ّن ،والفن ّانين ،أو المبتكرين). ل ن ،وال ّ ِ ن الحساسي ّة َ لل ّو ِ ن هذا الذكاء َ يتضمّ ُ إ ّ خط ،والشك ِ والعلاقات الكائنة ِ بينَ هذه ِ العناصر ِ. ِ ن والمساحة ِ والتلوي ِ
ن يا أم ّي رفيقتي سما التي ذهبتُ معها إلى حفلة ِ هل تذكري َإحدى صديقاتِنا؟ ِ الطرقات بذكائِها ِ الضياع في ن نعم ...وأذكر ُ أ ّنها أنقذتكنّ م ِ َالمكان ِيّ الحادّ. ك ذكاء ً مكاني ّا ً أو بصر ي ّا ً رائعا ً. نعم يا أم ّي ...إ ّنها تمل ُت ...لنكمل. أحسن ِ-4الذكاء ُ الحركيّ – الجسمانيّ: 222
لن أسري وحدي
ص المتخصّ صينَ في استخدا ِم الجس ِم ل هذا الذكاء ُ في الأشخا ِ ويتمث ّ ُ
حاب ل الممث ّلين ،وأص ِ ن الأفكارِ والمشاعر ِ (مث ُ كك ّ ٍ ل للتعبير ِ ع ِ الصامت ،والراقصين) و يكون أيضا ً بسهولة ِ استخدا ِم ِ ل التمثي ِ
ل الفني ّة ِ ل صانعي الأعما ِ ل الأشياء ِ (مث ُ الأيدي في إنتاج وتحو ي ِ ِ ن هذا اليدو ي ّة ِ ،والمث ّالين ،والميكانيكي ّين ،والجر ّاحين )...إ ّ
ل الترابطِ ، المهارات الحركي ّة َ الدقيقة َ مث َ ِ ن الذكاء َ يتضمّ ُ ن ،والقو ّة ِ ،والمرونة ِ والسرعة ِ. والتواز ِ
المعلومات ..أنا ِ تعرف هذه ِ ُ ن مدرّستي المفضّ لة َ أم ّي ...إ ّمتأكّدة ً. كيف؟الصف ِّ إ ّنها يا أم ّي استطاع َت أن تستخدم َ ذكاء َ زميلة ٍ لنا فيف بالحركة ِ ال كثيرة ِ الشيء ُ الذي يجعلها لا تثبتُ في تت ّصِ ُ
لصف الصف ،فجعلتها مساعدة ً لها في إدارة ِ ا ّ ِ ِّ مكانِها في 223
لن أسري وحدي
وتوفير ِ وسائل ِه ِ وإحضارِها ،كنتُ
أستغربُ
كيف َ
ن استطاع َت أن تحتويَ بصبر ِها حركت َها الزائدة َ ،رغم َ أ ّ ات يفقدنَ سات الأخر ي ِ ن المدرّ ِ ل العديد َ م َ ك تجع ُ طبيعتها تل َ صبر َه ُنّ مع َها. الفروقات الفردي ّة ِ بينَ ِ ن معرفة َ رب ّما صد َقَ ظن ّكِ يا بنتي ،إ ّل النا ِ ن التعام ِ س وتنو ِّع ذكاءاتِهم يساعد ُنا في فهمِهم وحس ِ مع َهم. -5الذكاء ُ الموسيقيّ : ل (مثلُ ل في القدرة ِ على إدرا ِ يتمث ّ ُ ك الموسيقا ،والتمييز ِ والتوصي ِ ل ف الموسيقيّ ) ،والتعبير ِ عن كاف ّة ِ الأشكا ِ الناقدِ والمؤل ّ ِ العازف و المنشد ومقرئ القرآن.).. ِ ل الموسيقي ّة ِ (مث ُ
ِ صوت ِ للإيقاع ،وطبقة ِ ال ن الحساسية َ ن هذا الذكاء َ يتضمّ ُ إ ّ (اللحن) وغير ِ ذلك.
224
لن أسري وحدي
-٢الذكاء ُ الاجتماعيّ ( الخارجيّ): ك وتمييز ِ الحالة ِ المزاجي ّة ِ ،والنوايا، ل في القدرة ِ على إدرا ِ ويتمث ّ ُ
ِ ل الحساسية َ والدوافع ،والمشاعر ِ ،لدى الآخرين ،وهذا يشم ُ والإشارات، ِ الإيماءات، ِ الصوت ،و ِ للتعبيرات الوجهي ّة ِ ،و ِ
ٍ ل الخاصّ ة ِ أنواع مختلفة ٍ م ِ َ والقدرة َ على التعبير ِ بينَ ن الدلائ ِ ل بينَ الأفرادِ ،والقدرة َ على الاستجابة ِ بكفاءة ٍ لهذه ِ بالتفاع ِ ن ق واقعي ّة ٍ وهادفة ٍ فيؤث ّرونَ بسهولة ٍ في الآخري َ ل بطر ٍ الدلائ ِ ولديهم قدرة ً في قيادتِهم؛ وهذا الذكاء ُ هامّ ج ّدا ً للدعاة ِ
والمدرّسينَ والقادة ِ.
بعض ن نسبة َ الذكاء ِ الاجتماع ِيّ لديّ منخفضة ً َ أظنّ يا أم ّي أ ّالشيء ِ.
ك ..لنتابع: -لا عليكِ ..سنتح ّدثُ في ذل َ
225
لن أسري وحدي
ي ( الداخليّ ): -7الذكاء ُ الشخص ّ س ل على أسا ٍ الذات والتكي ِ ِ وهو القدرة ُ على معرفة ِ ّف في التعام ِ ن أن يكونَ لدى الفردِ ن هذا الذكاء َ يتضمّ ُ م ِن هذه ِ المعرفة ِ؛ إ ّ
بالمزاج سه ِ (نقاطِ قو ّته ِ وضعف ِه) ،والمعرفة ِ صورة ً دقيقة ً عن نف ِ ِ
ل والتفكير ِ في كيفي ّة ِ الداخليّ والقدرة ِ على التخطيطِ والتأمّ ِ س ينتمونَ بش ّدة ٍ ل العق ِ عم ِ ل والتفكير ِ ...فالفلاسفة ُ وعلماء ُ النف ِ لهذا الذكاء ِ.
ت هذه ِ النظر ي ّة َ تماماً.. ت وفهم ِ ت وأفض ِ ك قد أسهب ِ -اممم ..أرا ِ
أليس َ بعض الشيء ِ في معرفة ِ ميول ِك، َ وأظنّ أ ّنها قد ساعدتكِ
كذلك؟ ل وواضحة ً، نعم ولل ّه ِ الحمد ُ .هذه ِ النظر ي ّة ُ كان َت سهلة َ المنا ِِ جالات التي ِ ملامح شخصي ّتي أو الم وجعلتني أح ّدد ُ شيئا ً م ِن ن ل إنسا ٍ نك ّ ل :إ ّ أجيد ُها ،وقد أحببتُ في هذه ِ النظر ي ّة ِ أ ّنها تقو ُ 22٢
لن أسري وحدي
عف التي يلمس ُها في شخصي ّت ِه ِ بعض جوانبِ الضّ ِ َ يستطي ُع أن يقو ّيَ ك ،وبدأتُ ق التدريبِ ،وقد حاولتُ فعلا ً تجريبَ ذل َ عن طر ي ِ ألاحظ تطو ّري. ُ ك وتحاولين ماهي الجوانبُ التي تجدينها منخفضة َ النسبة ِ عند َ ِتطوير َها؟ ِ -كانت نسبة ُ الذكاء الاجتماع ِيّ قليلة ً عندي ،أمّا الذكاء ُ
الطبيع ِيّ والموسيقيّ فأظنّهما بمستوى الوسط ،ل كنّ الذكاء َ
ن نسبت َها مرتفعة ٌ ،والبص َريّ اللغويّ والمنطقيّ والداخليّ فأظنّ أ ّ لابأس به ِ ،أظن ّه فوقَ الوسط. َ ض؟ فعلت لتطوير ِ المنخف ِ ِ -جي ّدٌ ج ّداً ،وماذا
النشاطات الجماعي ّة ِ في المدرسة ِ، ِ ل أن أشر ِك َ نفسي في -أحاو ُ
ن رفيقت ِي الجديدة َ "سيما" لديها قدرة ٌ هائلة ٌ في الذكاء ِ كما أ ّ
ل ن هذه ِ أسه ُ الاجتماعيّ ،فأنا أتعل ّم ُ منها ال كثير َ ،ويبدو أ ّ 227
لن أسري وحدي
طر يقة ٍ للتعل ّم ِ. ِ لنوع الشخصي ّة ِ ق التعلّم ِ ومناسبت ِها ولقد قرأتُ أيضا ً عن طر ِ خاص السمعي ّون وهم أنماط التعلّم ِ" ،فهناك الأش ُ َ و يسمّونَها " ِ ل َ سماع المعلومة ِ ق الذين يتعل ّمونَ ع َن طر ي ِ وليس القراءة ،وبالفع ِ
ل ما تسمع ُه دونَ حفظ مباشرة ًك ّ الصف ت ُ ِّ أعرف زميلة ً لي في ُ
ِ ص الكتاب -ما شاء َ الل ّه-؛ ومن خصائ ِ ِ للرجوع إلى الحاجة ِ المتعل ّم ِ السمعيّ :أن ّه ُ يواجه ُ صعوبة ً في ات ّ ِ جيهات الكتابي ّة ِ، ِ باع التو
المعلومات التي يسمع ُها ،و يتشت ّتُ انتباه ُه ُ ِ ن و يتذك ّر ُ نسبة ًكبيرة ً م ِ َ ج ،كما يصع ُبُ عليه ِ أن المواقف التي يسود ُ فيها الإزعا ُ ِ بسهولة ٍ في
ح بالمناقشات الص ّفي ّة ِ ،و يرتا ُ ِ ل بهدوء ٍ لفترة ٍ طو يلة ٍ ،و يستمت ُع يعم َ رات صوتي ّة ٌ ،وهو مستم ٌع جي ّدٌ، علومات التي ترافق ُها مؤث ّ ٌ ِ للم حب الكلام َ ،و يستمت ُع بالموسيقا أو الأناشيد. وي ّ طات المفاهيمي ّة ِ ط ِ خاص البص َر ي ّونَ فيحب ّونَ الصور َ والمخ ّ أمّا الأش ُ صات ،و يجيدون التعلّم َ م ِن خلال ِها؛ فالمتعل ّم ُ البصريّ ِ والملخّ 228
لن أسري وحدي
ج إلى أن يرى الأشياء َ ليعرف َها ،و يتذك ّر َ ما يقرؤ ُه ُ أو يكتب ُه، يحتا ُ
ض البصر ي ّة ِ ،و يواجه ُ صعوبة ً في و يستمت ُع بالأنشطة ِ والعرو ِ
ِ التوجيهات اللفظي ّة ِ فقط ،لديه ِ ِ للمحاضرات ،و تتب ّ ِع ِ الاستماع ن التعل ّم ِ، ن ،كما يستمت ُع بتز يينِ مكا ِ قدرات فن ّي ّة ٌ و اهتمام ٌ بالألوا ِ ٌ
ل إلى الهدوء ِ ولا يتكل ّم ُ كثيرا ً، ظم ُ المواد َ التعلمي ّة َ ،و يمي ُ وين ّ المواقف التي تتطل ّبُ الاستماعَ لفترة ٍ طو يلة ٍ، ِ و يفقد ُ صبر َه ُ في ل واس ٌع. ولديه ِ خيا ٌ خاص الحسي ّونَ الحركي ّونَ فهؤلاء ِ يحب ّونَ الحركة َ وأمّا الأش ُ ل الأنشطة ِ الحركي ّة ِ أكثر َ م ِن نمطَي والنشاط ،ويتعل ّمونَ م ِن خلا ِ َ ي الحركيّ يكونُ تعل ّم ُه في السمعي ّينَ أو البصر ي ّين؛ فالمتعلّم ُ الحس ّ ّ س ل الأشياء َ بيديه ،و يستمت ُع بالدرو ِ ل صورة ٍ عندما يفع ُ أفض ِ
س بهدوء ٍ، ن أنشطة ً عملي ّة ً ،كما يواجه ُ صعوبة ً في الجلو ِ التي تتضمّ ُ
وقدرات جسمي ّة ٌ ور ياضي ّة ٌ جي ّدة ٌ، ٌ لديه ِ تآزر ٌ حركيّ جي ّدٌ
ك، ل جي ّدٍ ويستمتعُ بذل َ و يستطي ُع تجمي َع الأشياء ِ وتركيب َها بشك ٍ 229
لن أسري وحدي
و يتمت ّ ُع بذاكرة ٍ حركي ّة ٍ جي ّدة ٍ (يتذك ّر ُ الأشياء َ التي فعل َها وجرّ بَها
ن اهتمام ِه ِ ودافعي ّت ِه ِ ،فهو يتعل ّم ُ عملي ّا ً في الماضي ،و يعب ّر ُ حركي ّا ً ع ِ ل وليس يديه ِ فقط، ل أفض َ ل عندما يستخدم ُ جسم َه كك ّ ٍ بشك ٍ
الوقت ،ولا يستمعُ ِ ل شيء ٍ ما معظم َ ل إلى الانشغا ِ يمي ُ ل بعم ِ كاف .1 ٍ ل جي ّد َا ً ،ولا ينتبه ُ للعرو ِ ض البصر ي ّة بشك ٍ ل! المعلومات تعلّمت ِها! لم تخ بريني من قب ُ ِ ل هذه ِ ماشاء َ الل ّه ،ك ّ أردتُ أن أفاجئ َكِ ،ول كن ّي تعثرتُ كما أخبرت ُكِ .ن ك غير َ تائهة ٍ! فأي َ أحسنت يا بنتي ..ل كن ّي حت ّى الآنَ أجد ِ ِ ت؟ ضع ِ ِ ات الشخصي ّة ِ واختباراتِها. ضعتُ في نظر ي ّ ِ ِختلف يات كثيرة وهي ت ُ -لا عليكِ يا بنتي ،هذا العلم ُ فيه ِ نظر ٌ
1
لمزيد من الاطلاع :كتاب (قياس وتقييم قدرات الذكاءات المتعددة ،عبد الهادي حسين).231
لن أسري وحدي
وتقسيمات للشخصي ّة ِ ،وواضعوها ٍ مصطلحات ٍ فيما بين َها م ِن ات ،ثم ّ مختلفونَ فيما بين َهم ،وجميع ُهم يجتهدونَ و يفترضونَ نظر ي ّ ٍ وللأسف حت ّى الآنَ لا توجد ُ نظر ي ّة ٌ ِ مقاييس لها؛ َ يضعونَ س ،فأغلبُ الباحثين المسلمين إسلامي ّة ٌ واضحة ُ المعال ِم في علم ِ النف ِ ِ طرح الآن في مرحلة ِ الأخذِ ثم ّ النقدِ ،ولم يبلغ ُوا بعد ُ مرحلة َ خطوات ٍ س ،ل كنّهم بدؤوا يخط ُون نظر ي ّة ٍ متكاملة ٍ في علم ِ النف ِ
ِ س للنظر ي ّة ِ ات الغربي ّة ِ لابأس بها في نقدِ النظر ي ّ ِ َ ووضع أس ٍ ل الإسلامي ّة ِ؛ و لقد قرأتُ كتابا ً منذ ُ فترة ٍ ليست بالطو يلة ِ حو َ
ِ وضع س ،و كانَ مؤل ّف ُه ُ موف ّقا ً في التأصي ِ ل الإسلام ِيّ لعلم ِ النف ِ س ،وهي الخطوة ُ الأولى والتي س لبناء ِ نظر ي ّة ٍ في علم ِ النف ِ الأس ِ
ن واحتياجات ِه ِ ن للإنسا ِ ن فهم َ القرآ ِ ات ،لأ ّ يجبُ أن تتبع َها خطو ٌ الغرب التي جعل َت ِ ات وطر يقة ِ السموِ ّ به ِ مغايرة ٌ تماما ً لنظر ي ّ ِ ل العال ِم "فرويد" هي إشباع ُ ن -في بعض ِها -مث ُ اهتمام َ وغاية َ الإنسا ِ ك ،وهي نظر ية ٌ ن في ذل َ الغريزة ِ وكأن ّه ُ يض ُع الإنسانَ بمرتبة ِ الحيوا ِ 231
لن أسري وحدي
ن الغربَ أنفس َهم قد أثبتوا خطأها ،و ل كن رغم َ شهرتِها ،إلا أ ّ ات علم ِ جامعات العربي ّة ِ في كلي ّ ِ ِ س في ال للأسف مازالت تدرّ ُ ِ النفس!
1
ِ س الإسلام ِيّ تستم ّد إن ّنا بحاجة ٍ ح ّقا ًإلى وضع نظر ي ّة ٍ في علم ِ النف ِ
ل الله ل ِ جميع الباحثينَ السموات والأر ِ ِ ق أصول َها م ِن خال ِ ض .نسأ ُ ّ َ ق. المخلصينَ التوفي َ
ات نفسي ّة ٍ ،فهذه ِ متاهات نظر ي ّ ٍ ِ ل في لا أريد ُ يا أم ّي أن أدخ َك منها حينَ حاولتُ البحثَ . التي شكوتُ ل ِ ل فيما رب ّما إذا وجدتُ نفسي أتّ جه ُ في الاهتما ِم في هذا المجا ِ ص جامع ٍيّ أتوسّ ُع وأبحثُ وأذهبُ إلى أولي بعد كتخصّ ٍ ن لأعرف مواط َ َ ص ،أمّا الآنَ فأريد ُ أن أفهم َ نفسي الاختصا ِ أعرف ُ الضعيف منها ،ثم ّ ِ ل على تقو ية ِ والضعف ،فأعم َ ِ القو ّة ِ 1
-لمزيد من الاطلاع :كتاب (تمهيد في التأصيل ،رؤ ية في التأصيل الإسلامي لعلم النفس .د .عبد الل ّه بن
ناصر الصبيح)
232
لن أسري وحدي
ل. ح لها من أعما ٍ ماهي ممي ّزاتُها وما يصل ُ سمات ِ ات التي اهتمّت بربطِ حسنا ًأنتِ ترغبينَ بمعرفة ِ النظر ي ّ ِوسمات ٍ قدرات ٍ ن من الشخصي ّة ِ وصفاتِها وبينَ ما تحتاج ُه ُ المه ُ شخصي ّة؟ نعم يا أم ّي م ِن فضل ِكِ .ل ات تعطيكِ فكرة ً حو َ ل هناك َ نظر ي ّ ٌ حسنا ً يا بنتي .بالفع ِقدرات ٌ الشخص الذي لديه ِ ُ اختيارِ تخصّ صكِ المستقبليّ ،فمثلا ً
جالات الخدمي ّة ِ ِ س في الم ن الذكاء ِ الاجتماعيّ أقدر ُ النا ِ مرتفعة ٌ م َ
والتدريس والتدريبِ والقيادة ِ ...وهكذا. ِ الطب ّ والقيادي ّة ِك جي ّد هذا ما أحتاج ُه ُ الآنَ بالضبطِ .فما هي هذه ِ النظر ي ّة ُ أوالنظر ي ّاتُ يا أم ّي؟ المعلومات عنها ِ بعض َ ح حاسبي فقد خزّنتُ دعيني أفت ٍُ السمات وفق َها و يفس ّر ُ النتائج َ وهو ِ يقيس ُ بموقع جي ّدٍ واحتفظتُ 233
لن أسري وحدي
حتما ً سيفيد ُك. ك حاسب َكِ فوراً. كم أنتِ رائعة ً يا أم ّي ،سأحضر ُ ل ِ-امم ...انظري إلى هذه ِ الأقوال:
ِ ادات، ِ الدوافع ،والع ن: مزيج م ِ َ ن من كو ّنُ شخصي ّة ُ الإنسا ِ تت ّ ٍ العواطف ،والآراء ِ والعقائدِ ،والأفكارِ، ِ ل ،و والميو ِ ل ،والعق ِ الاستعدادات، ِ و
القدرات، ِ و
والمشاعر ِ،
س، والأحاسي ِ
السمات. ِ و ن ج لتكوّنَ شخصي ّة َ الإنسا ِ نات أو أغلب ُها تمتز ُ ل هذه ِ المكو ّ ِ ك ّ الطبيعي ّة َ. وهذه ِ هي المقالة ُ التي تحتاجين َها ،إ ّنها نظر ي ّة ُ (جون هولاند) في الاختيارِ المهنيّ.
1
1
لمزيد من الاطلاع :كتاب (نظر يات الارشاد والنمو المهني ،د .سهام درويش أبو عيطة)234
لن أسري وحدي
هناك َ ست ّة ُ أنماطٍ للشخصي ّة ِ هي: النمط الواقعيّ Realistic Type ُ -1 خاص هنا يتعاملونَ مع البيئة ِ بطر يقة ٍ موضوعي ّة ٍ وملموسة ٍ أو الأش ُ والأهداف التي تتطل ّبُ الذاتي ّة َ أو َ محسوسة ٍ .لا يحب ّونَ الأنشطة َ قدرات ِ المهارات الاجتماعي ّة ِ أو الذكاء ِ أو ال ِ تتطل ّبُ استخدام َ
الفن ّي ّة ِ ،ي ُوصفونَ بأ ّنهم غير ُ اجتماعي ّين ،مستقر ّون انفعالي ّا ً، ومادي ّون ،يت ّسمونَ بأ ّنهم ذكور ي ّون أو مسترجلون ،يفضّ لون ن الزراعي ّة َ والتقني ّة َ والهندسي ّة َ والميكانيكي ّة َ وما شابه َها، المه َ مهارات حركي ّة ً أو استخدام َ ٍ يحب ّون الأنشطة َ التي تتطل ّبُ
ل مع الأشياء ِ والأدوات ،والروتين .والعم َ ِ الآلات والأجهزة ِ ِ والعددِ كالم ُزارعين ،ومهندسي الميكانيك ،والر ياضي ّين أيضا ً، ش وغيرها). ل الور ِ ومثلهم عم ّال الحرف كالنج ّارين ،وأعما ُ
هؤلاء ِ يرغبون بمها ٍمّ محسوسة ٍ ملموسة ٍ لا مجر ّد َة ،وتفاعل ُهم 235
لن أسري وحدي
قوي .أحيانا ً يعب ّر ُ عن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب الاجتماعيّ غير ُ ّ ٍ (الحركيّ .)Motoric ن كبيرٍ في مستوى ن هؤلاء ِ يعانونَ م ِن تد ٍّ اممم ..أظنّ أ ّأليس كذلك؟ َ الذكاء ِ الاجتماعيّ.
ِ لنمط الآخر: لنتابع ا َ ت تحل ّلين نفسي ّا ً ...ههههه .. آه ..أصبح ِ-2النمط البحثيّ Investigative Type ق استخدا ِم الذكاء ِ الأفراد ُ هنا يتفاعلون مع البيئة ِ ع َن طر ي ِ والكلمات والرموز، ِ والتفكير ِ المجر ّدِ ،واستخدا ِم الأفكارِ لغات ٍ يفضّ لون م ِهنا ً علمي ّة ً ،ومهامّا ً نظر ي ّة ً ،م ِن قراءة ٍ ،أو جبرٍ ،أو الأدب والموسيقا وغير ِها من ِ ل أجنبي ّة ٍ ،وأشياء َ إبداعي ّة ٍ مث ُ المواقف الاجتماعي ّة ِ ،يرون ِ الأشياء ِ المجر ّدة ،يحاولون تجن ّبَ أنفس َهم غير َ اجتماعي ّينَ وم ِن صفاتِهم أنّهم ذكور ي ّونَ أو مسترجلونَ ،ومثابرونَ أكاديمي ّونَ ،منطوونَ يحب ّونَ العزلة َ. 23٢
لن أسري وحدي
الغالب لا ِ جالات العلمي ّة ِ والأكاديمي ّة ِ وفي ِ إنجاز ُهم يكونُ في الم ل ت مث َ ل م َع المعلوما ِ لوظائف القيادة ِ ،يحب ّونَ العم َ ِ يصلحونَ
ل علماء ِ ال كيمياء ِ والفيز ياء ِ ات .مث َ الأفكارِ المجر ّدة ِ والنظر ي ّ ِ ن العلو ِم .أحيانا ً يعب ّر ُ ع َن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب وغير ِها م ِ َ (العقليّ .)Intellectual ق يا أم ّي ...هههه ..لنتابع ،ول كن أظنّ هؤلاء ِ لن أعل ّ َأيضا ً عندهم المشكلة ُ ذاتُها ل كنّه ُم يمتل كونَ ذكاء ً ر ياضي ّا ً أو منطقي ّا ً.
النمط الفن ّيّ Artistic Type ُ -3 ِ الإبداع ق و ق الخل ِ الأفراد ُ ه ُنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ الأدب ِيّ والفن ّ ِيّ ،و يعتمدونَ على انطباعاتِهم وتخي ّلاتِهم ُ الذاتية ِ في ن الموسيقي ّة َ، ل ،يفضّ لونَ المه َ البحث عن حلو ٍ ِ ل للمشاك ِ والأدبي ّة َ ،والثقافة َ الدراماتي ّة ،والأنشطة َ الشبيهة َ بها والتي 237
لن أسري وحدي
تتطل ّبُ إبداعا ً (رسام ،كاتب ،روائي ،فن ّان) .لا يحب ّونَ
ِ ارات إصلاح السي ّ ِ ل الأنشطة َ الرجولي ّة َ أو الأدوار َ الذكور ي ّة َ مث َ الأدب، ِ الفن و أو الأنشطة ِ الر ياضي ّة ِ ،يعب ّرونَ عن أنفسهم ب ّ ِ يرونَ أنفس َهم غير َ اجتماعي ّين ،وأنثو ي ّين ،خاضع ِينَ أو مطيع ِينَ،
ساسين ،ومرنين ،ومندفعينَ ،ومستقل ّين، واستبطاني ّينَ ،وح ّ ومنبسط ِين ،وخيالي ّين؛ أحيانا ً يعب ّر ُ عن هذا النمط أو التوجه ب (الجماليّ .)Esthetic ن ذكاء َهم ُ الل ّغويّ مرتف ٌع ،أو قد يكونُ الفنيّ أو هؤلاء ِ أظنّ أ ّك يا أم ّي؟ أليس كذل َ َ الداخليّ..
ق ت و -لل ّه ِ الحمد ُ-فهم َ وتطبي َ ت ،أرى أن ّكِ قد أجد ِ نعم أحسن ِالذكاءات المتع ّددة ِ .لنتابع يا حبيبتي: ِ نظر ي ّة ِ النمط الاجتماعيّ Social Type ُ -4 مهارات ِ ق استخدا ِم الأفراد ُ ه ُنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ 238
لن أسري وحدي
ل م َع الآخرين ،وه ُم معروفونَ بمهاراتِهم ُ الاجتماعي ّة ِ التعام ِ الوظائف التربو ي ّة َ َ ل م َع م َن حولَهم ،يفضّ لونَ وحاجت ِهم للتفاع ِ خدمات الاجتماعي ّة َ ،والموسيقا، ِ والعلاجي ّة َ والديني ّة َ ،وال ن والقراءة َ ،.والاهتمام َ بالمشاك ِ ل الاجتماعي ّة ِ ،يبتعدون ع ِ ل العقلي ّة ِ المع ّقدة ِ ،يرونَ أنفس َهم ِ المهارات الجسمي ّة ِ أو المشاك ِ اجتماعي ّينَ ،ومرنينَ ،ومرحينَ ،ومحافظينَ ،وهم مسؤولونَ، ل التي تتضمّن جزونَ ،ومتقب ّلونَ لذواتِهم ،يرغبونَ بالأعما ِ م ُن ِ ل أخصائي خدمة ٍ اجتماعي ّة ٍ ،مرشدٍ، مساعدة َ الآخرين مث َ س .أحيانا ً يعب ّ َر ُ عن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب (الم ُسَان ِد م ُدرّ ٍ .)Supportive ات في ن الذكاء ِ نسب مختلفة ٍ م ِ َ ٍ ن وجود َ ل يا أم ّي أ ّ أرى بالفع ِص الواحدِ تعطيه ِ طاب َعا ً م ُعي ّنا ً واتّ جاها ً في اختيارِ المهنة ِ، الشخ ِ ص فيعطيه ِ ن هناك َ ذكاء ً أو أكثر َ يكونُ عاليا ً عند َ الشخ ِ وأ ّ
التوجه َ العامّ أو السمة َ العامّة َ ،أمّا الذكاءاتُ الأخرى التي
239
لن أسري وحدي
ل أكثر َ. ل أخرى حيثُ تح ّدد ُ الميو َ ل فتضفي تفاصي َ بنسب أق ّ ٍ ك؟ أليس كذل َ َ ج رائ ٌع ج ّدا ً يا بنتي .ل ِ الأنماط َ نتابع ح ،ماشاء َ الل ّه ،استنتا ٌ -صحي ٌ
الأخرى:
النمط المغامر Enterprising Type ُ -5 ح ق ممارسة ِ أنشطة ٍ تسم ُ الأفراد هنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ س ،والاندفاعي ّة ِ ن المغامرة ِ ،والسيطرة ِ ،والحما ِ لهم بالتعبير ِ ع ِ
ِ الإقناع ،لديهم صفونَ بأ ّنهم قادرونَ على وقيادة ِ الآخرين ،يو َ
قدرة ٌ لفظي ّة ٌ ،انبساطي ّون ،واثقونَ بأنفس ِهم ،متقب ّلون لها، ن التي فيها بي ٌع ،أو جريئون ،واستعراضي ّون .يفضّ لونَ المه َ ل على إشراف ،أو قيادة ٌ تشب ُع حاجت َهم للسيطرة ِ والحصو ِ ٌ ل صاحب أعما ٍ ِ مبيعات ،أو ٍ ندوب ِ الاعتراف وإظهارِ القو ّة ِ (كم ِ أو شركة ٍ) .أحيانا ً يعب ّر ُ عن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب (الإقناعيّ 241
لن أسري وحدي
.) Persuasive النمط التقليديّ Conventional Type ُ -٢ ق اختيارِ الأنشطة ِ التي الأفراد ُ ه ُنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ ل م َع تؤدّي إلى الاستحسا ِ ن الاجتماعيّ ،طر يقت ُهم في التعام ِ ليس بها أصالة المواقف روتيني ّة ٌ وتقليدي ّة ٌ وصحيحة ٌ َ ِ
1
.يعطون
ظمين ،وهم ُ اجتماعي ّون ومحافظون. انطباعا ً حسنا ً بكونِهم من ّ يفضّ لون الأنشطة َ السكرتار ي ّة َ والتنظيمي ّة َ التي تتطل ّبُ تنظيم َ والبيانات ،و يضعونَ قيمة ً عالية ً على الأمورِ ِ المعلومات ِ الاقتصادي ّة ِ ،يرونَ أنفس َهم أ ّنهم غير ُ مرنين ،وهم مستقر ّونَ، ي ،يميلونَ ن الاستعدادِ اللفظ ّ ي أكثر َ م ِ َ ولديهم ُ استعداد ٌ ر ياض ّ والتعليمات ،يعملونَ ِ إلى الروتينِ وين ّفذونَ الأنظمة َ والقواعد َ ف الواضحة َ حاب السلطة ِ والنفوذِ ،يفضّ لونَ المهامّ والوظائ َ م َع أص ِ
241
لن أسري وحدي
غموض ،أحيانا ي ُعب ّر ُ عن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب ٌ ليس فيها التي َ (الم ُ ِ ل .)Conforming طيع أو الم ُمتث ِ
الأنماط الثلاث َة َ الأولى لم َن ذكاؤ ُه ُ الذاتيّ َ ن ل يا أم ّي أجد ُ أ ّ بالفع ِالأنماط الثلاثة ُ الأخيرة ُ فلذوي ُ ل ج ّداً ،وأمّا أو الداخليّ عا ٍ
ت الذكاء ِ الاجتماع ِيّ العالي ،ثم ّ يتمايزونَ حسبَ الذكاءا ِ
الأخرى م ِن ذكاء ٍ أليس َ ي، لغوي أو منطقيٍّ أو حرك ٍيّ وحس ّ ٍّ كذلك؟
ح يا بنتي ،ما شاء َ الل ّه تحلي ٌ صحي ٌل رائ ٌع؛ أرى أن ّكِ تمل كينَ ذكاء ً ِ ل: لنتابع المقا َ ر ياضي ّا ً عالياً. ف تحتَ أحدِ تلكَ ن أن ي ُصن ّ َ ص يمك ُ ن أيّ شخ ٍ يرى هولاند أ ّ الأنماطِ إمّا بواسطة ِ ميوله ِ التعليمي ّة ِ أو المهني ّة ِ أو بواسطة ِ ل س الميو ِ الدرجات التي يحص ُ ِ ل عليها عند َ أخذِه ِ لأحدِ مقايي ِ المهني ّة ِ. 242
لن أسري وحدي
بيئات مهني ّة ٍ: ٍ ست وهناك َ ّ ل واحدة ٍ لها بيئات مهني ّة ٍ ك ّ ٍ ست ّ الأنماط الست ّة َ َ ك ل تل َ يقاب ُ خاص الذين يعملونَ بها: خصائص تمي ّز ُ الأش َ ُ بات معي ّنة ٌ ولها متطل ّ ٌ -1البيئة ُ الواقعي ّة ُ Realistic Environment
مهارات ميكانيكي ّة ٍ ومثابرة ٍ ٍ الأنشطة ُ ه ُنا حسي ّة ٌ جسمي ّة ٌ تتطل ّبُ ل المهارات الاجتماعي ّة ِ ،مث ُ ِ ن وحركة ٍ جسمي ّة ٍ ،وح ٍّد أدنى م ِ َ ل حلاقة ٍ، محطة ِ بنزين ،ميكانيكا ،مزرعة ٍ ،شركة ِ بناء ،مح ّ ِ الآلات، ِ ل مع ن وآلات ..الخ .العم ُ ل مكائ َ سباكة ٍ ،تشغي ُ الطائرات ،زراعة ٍ ،وهندسة الخ... ِ ارات ،و ارات ،والسي ّ ِ والجر ّ ِ -2البيئة ُ البحثي ّة ُ Investigative Environment
ن القدرات المجر ّدة ِ والإبداعي ّة ِ بدلا ً م ِ َ ِ تتطل ّبُ استخدام َ ِ الإ دراكات الشخصي ّة ِ ،والأداء ُ الم ُرضي يتطل ّبُ الذكاء َ 243
لن أسري وحدي
ل تح ّ ئج؛ و ُ والتخي ّ َ ل ،أمّا الإنجاز ُ فيتطل ّبُ وقتا ً طو يلا ً لرؤ ية ِ النتا ِ ل ل العقلي ّة ِ؛ و يكونُ العم ُ ِ ل باستخدا ِم المشاك ُ القدرات والوسائ ِ س. مع الأفكارِ والأشياء ِ وليس م َع النا ِ
حوث ،مكتبة ٌ ،جماعة ُ ل :مختبر ٌ أو مركز ُ ب ٍ ن العم ِ أمثلة ٌ على أماك ِ حث ،بيئة ُ العلماء ِ والفلاسفة ِ. ب ِ
ح بالنسبة ِ لي .ماهي البيئاتُ -رائ ٌع يا أم ّي ..الأمرُ بدأ يت ّض ُ
الأخرى؟
-3البيئة ُ الفن ّي ّة ُ Artistic Environment
ل الأدبي ّة ِ ،واستخدام َ تتطل ّبُ الاستخدام َ الإبداعيّ للأشكا ِ س ،والعاطفة ِ ،والاعتماد َ على معايير َ ذاتي ّة ٍ المعرفة ِ ،والحد ِ ل ل يتطل ّبُ التزاما ًعميقا ًطو ي َ المعلومات؛ العم ُ ِ وشخصي ّة ٍ للحكم ِ على ح ،استديو فن ّيّ أو ل :مسر ٌ ن العم ِ المدى؛ أمّا أمثلة ُ أماك ِ ن ،قسم ُ الموسيقا ،وهي بيئة ُ الفن ّانينَ، موسيقيّ ،مركز ُ فنو ٍ 244
لن أسري وحدي
والموسيقي ّينَ والمنشدين ،والممث ّلينَ ،والرسّ امين. -4البيئة ُ الاجتماعي ّة ُ Social Environment
ك الإنسان ِيّ ،ورغبة ً في ل وتفسير ِ السلو ِ تتطل ّبُ القدرة َ على تعدي ِ ل م َع الآخرين؛ الاهتما ِم والتعام ِ علاقات شخصي ّة ً متكر ّرة ً وطو يلة َ الأمدِ؛ ومخاطر ُ ٍ ل يتطل ّب العم ُ ل الرئيسي ّة ُ مخاطر ٌ انفعالي ّة ٌ وعاطفي ّة ٌ كقاعة ٍ ص ّفيّة ٍ ،وقاعة ِ العم ِ حاضرات في جامعة ٍ ،ومكاتبِ إرشادٍ ،ومستشفى للصح ّة ِ ٍ م النفسي ّة ِ ،ومكاتبِ الدعوة ِ والإرشادِ الدين ّي ،ومكاتبَ تعليمي ّة ٍ ِ س ،والأخصائ ِيّ والترويح :وهي بيئة ُ المدرّ ِ أو مراكز ِ الاستجما ِم
ي ،والموجّه ِ المهن ِيّ ..الخ. الاجتماع ِيّ أو النفس ِ ّ ِ الإقناع Enterprising Environment -5بيئة ُ المغامرة ِ أو ِ إقناع الآخرين؛ و يتطل ّبُ مهارات لفظي ّة ً لتوجيه ِ أو ٍ تتطل ّبُ خطيط الأنشطة ِ التي يقوم ُ بها الآخرونَ أو ل توجيه َ أو ت َ العم ُ 245
لن أسري وحدي
ل م َع الآخرين ول كن على مستوىً التحكّم َ فيها رغبة ً في التعام ِ ن مكتب عقارٍ ،ومكا ِ ِ ل ي مقارنة ً بالبيئة ِ الاجتماعي ّة ِ ،مث ُ سطح ٍ ّ
ِ مبيعات ،إدارة ِ ٍ ن ،وإدارة ِ ارات ،وشركة ِ دعاية ٍ وإعلا ٍ بيع سي ّ ٍ
ل ل ورجا ِ ل الخ .وهي بيئة ُ السياسي ّينَ ومدراء ِ الأعما ِ أعما ٍ ن والمحاماة. ل القانو ِ المبيعات ورجا ِ ِ -٢البيئة ُ التقليدي ّة ُ Conventional Environment
علومات اللفظي ّة ِ ِ تتطل ّبُ تعاملا ً م ُنتظما ً وروتيني ّا ً ومحسوسا ً م َع الم والر ياضي ّة ِ والأرقا ِم؛ مهامّها متكررّة ٌ وقصيرة ُ المدى وبات ّ ِ باع
ن مهارات اجتماعي ّة ً قليلة ً حيثُ إ ّ ٍ إجراءات واضحة ٍ ،تتطل ّبُ ٍ ل :شركة ِ محاسبة ٍ، المكتب .مث ُ ِ وأدوات ِ جهيزات ِ ل م َع ت العم َ ل ،وسكرتار ية، ِ ات، مكتب بريدٍ ،وغرفة ِ مل ّف ٍ ِ و مكتب عم ٍ اف بنكٍ الخ .بيئة ٌ يغلبُ عليها الاهتمام ُ ل ،وصرّ ِ واستقبا ٍ والتعليمات والروتين (محاسبة ٌ ،واقتصاد ٌ ،وسكرتار ية، ِ بالقواعدِ 24٢
لن أسري وحدي
ل مكتبي ّة). وأعما ٌ ق بها أفراد ٌ البيئات السابقة ِ يلتح ُ ِ ن ل بيئة ٍ م ِ َ نك ّ ح هولاند أ ّ يقتر ُ فترض أ ّنهم ك البيئة ِ ،و ي ُ ُ ات تل َ شخصي ّاتُهم شبيهة ٌ بشخصي ّ ِ سيسعدونَ وينتجونَ في بيئة ٍ مناسبة ٍ لنمطِ شخصي ّاتِهم ،و يكونونَ نمط شخصي ّاتِهم. ن أو م ُنت ِجينَ في بيئة ٍ لا تناسبُ َ غير َ سعيدي َ ن رأي ّه ُكانَ صائبا ً يا أم ّي ،بق َي عليّ أن أقوم َ باختبارِ أظنّ أ ّالذكاءات المتع ّددة ِ واختبارِ هولاند. ِ ارات ،كما س هذه ِ الاختب ِ هل تعرفينَ المواق َع التي تقوم ُ بقيا ِ أخبرتني؟ ك الموق َع ،إن ّه موق ٌع موثوقٌ لمنتدى نعم يا بنتي ،لقد فتحتُ ل ِس النفسي ّة ِ ..ها هو. المقايي ِ و ل كن ألم تلاحظي شيئا ً آخر َ يمكن ُكِ أن تستنتجيه ِ مم ّا سبق؟ لا ،ما هو يا أم ّي؟247
لن أسري وحدي
ِ ل ،أي لا يوجد ُ أنواع الشخصي ّ ِ اختلاف ُ ات ليس للتفضي ِ صنف ٍ لنوع معي ّنٍ ٍ ل حك ّ ل من الآخر ...وإنّما يصل ُ صنف أفض ُ ٌ فاختلاف أنماطِ ُ ن يكونُ فيها أكثر َ إنتاجا ً وإبداعا ً.. مِ َ ن المه ِ ل مهامّ ِنا ،أي لنكونَ متكاملينَ في مهارات ِنا، شخصي ّاتنا و ُ ِ جد َ لتكام ِ ل ق هو الذي يمُي ّز ُ المجا َ ضنا بعضا ً؛ ل كنّ الإنسانَ الموف ّ َ يش ّد بع ُ ق قدرات ِه ِ التي أنعم َ الل ّه ُ بها عليه ِ، الذي يجيد ُه ويبدع ُ فيه ِ وف َ
ص لميوله ِ ل شخ ٍ والمجتم ُع الناجح ُ هو الذي يساعد ُ في معرفة ِ ك ّ ِ
ِ المناسب في موضع ِه ِ ِ ن لوضع الإنسا ِ ومهنت ِه ِ ،ثم ّ يوف ّر ُ ف ُرصا ً
ل فردٍ المسافات لإدرا ِ ِ ل ،فيختصر ُ ِ ك ك ِّ المناسب بأيسر ِ السب ُ ِ ل المناسبة ِ ،كما َ ل إبداع ِه ِ ومهارات ِه ِ ،و يق ّدم ُ له ُ مجا َ فرص العم ِ ف ليكونَ ل على تطوير ِ نقاطِ القو ّة ِ وتحسينِ نقاطِ الضع ِ يعم ُ أكثر َ إنتاجا ً. بالقدرات أو ِ ج ( ..لا ت َباهي اممم ...هامّ ج ّدا ً هذا الاستنتا ُق له). ل ميس ّر ٌ ل ِما خ ُل ِ َ المناصب ...ك ّ ِ 248
لن أسري وحدي
تماما ً يا بنتي ..أرأيتِ ؟ نظرة ٌ صحيحة ٌ لإمكانات ِنا وعطاء ِ الل ّه ِل، ِ ن وغايت ِه ِ م ِ َ اختلاف قدرات ِنا تجعلُنا متكاملينَ في العطاء ِ والعم ِ
ض! ل بع ٍ ضنا عم َ ن ،ولا يحقر ُ بع ُ لا متفاضلينَ ،أو متكب ّري َ صاحب صنعة ٍ أو ِ س أو المعل ّم ِ أو للطبيب على المهند ِ ِ ل فلا فض َ
ل نظافة ٍ ،جميع ُنا لنا دور ٌ هامّ في الم ِ جتمع ،ونتفاضلُ بمدى عام ِ ل ..هذا المفهوم ُ ل ،لا في طبيعة ِ العم ِ إتقانِنا وإخلاصِنا في العم ِ يا بنتي هو سبيلُ الرق ِيّ والنهضة ِ بمجتمعات ِنا ورؤي ِتها الصحيحة ِ خلص ل من ّا دور َه ُ في الحياة ِ فيتقن َه ُ و ي َ ل؛ لاب ّد أن يدرك َ ك ّ للعم ِ ل رفعة َ الدنيا والآخرة ِ معاً. لل ّه ِ ،فينا َ ن ومجتمع ِه ِ ل أن ينظر َ الإنسانُ إلى ال كو ِ رائ ٌع يا أم ّي ،ما أجم َضه ن م َع العلم ِ! يش ّد بع ُ ل الدي ُ ل أن يتكام َ بعينٍ صحيحة ٍ ،ما أجم َ ك يا أمّاه على هذه ِ اللفتة ِ الرائعة ِ. بعضاً ...شكرا ً ل ِ الصف وصديقات ِي ..فأنا ِّ سأنشر ما تعل ّمت ُه ُ اليوم َ بينَ زميلاتي في 249
لن أسري وحدي
ل لغز َ الحياة ِ، الآنَ أشعر ُ براحة ٍكبيرة ٍ ،إذ إن ّي يوما ً بعد َ يو ٍم أح ّ ِ لمجتمع م ِن حولي ،وهذا بالضبطِ ما يحتاج ُه ُ م َن وأزداد ُ فهما ً ل ل عمري. في مث ِ ت فينا ق ِي َما ً جميلة ً منذ ُ الصغرِ، ألاحظ يا أم ّي أن ّكِ قد بني ِ ُ إن ّني القيم ن ول كن ّي أستغربُ م ِن نفسي أن ّني رغم َ ما ترب ّيتُ عليه ِ م ِ َ ِ ل أو يبحثُ عنها... ن عقلي َ الآنَ بدأ يتساء ُ لسنوات عديدة ٍ ،إلا أ ّ ٍ
قيم علمت ِني إن ّي أستغربُ م ِن نفسي ،فأنا الآنَ أتصارع ُ معها على ٍ
ق! أو هل عليّ ل هل هي َ صالحة ٌ للتطبي ِ إ ي ّاها منذ ُ الصغرِ ،وأتساء ُ
ك غريبا ً يا أم ّي؟ أليس ذل َ َ أن ألز ِم َ نفسي َ بها؟ ليس غريباً. لا َكيف وأنا قد ترب ّيتُ عليها! َ ح ّقاً؟جكِ ل قدرات ِكِ العقلي ّة ِ ونض ِ لأن ّكِ الآنَ يا بنتي في طورِ اكتما ِن ل عن أشياء َ تم ّ إدخال ُها إليه ِ بدو ِ الفكري ،لقد بدأ عقل ُكِ يتساء ُ ِّ 251
لن أسري وحدي
ك أن وعي منه ُ! وهذا طبيعيّ في مرحلة ِ عمرِك ..إذ لاب ّد ل ِ ٍ ٍ اقتناع ،وقيم َكِ عن م ُعتق َدٍ يعتمد ُ على فه ٍم ن تختاري دين َكِ ع ِ القيم في الحياة ِ. ك ك حقيقيٍّ لأهمي ّة ِ تل َ ودراية ٍ وإدرا ٍ ِ
قيم حيات ِكِ التي ترغبينَ أن في هذه ِ المرحلة ِ يا بنتي يتم ّ اختيار ُ ِ
ك هذه ِ المرحلة ُ مُهمّة ٌ، تصوغي حيات َكِ وشخصي ّتكِ وفق َها؛ لذل َ رت على ح وف ّ ِ ق الصحي َ واخترت القيم َ والطر ي َ ِ وإن وف ّقكِ الل ّه ُ جازات رائعة ً ٍ ت إن ل ،وح ّقق ِ نف ِ سكِ عناء َ تصويبِ أخطاء ِ المستقب ِ ن أهمي ّة ُ هذه المرحلة ِ م ِن عمرِك ،إ ّنها أثناء َ حياتكِ ؛ وم ِن ه ُنا تكم ُ
ك إن ق ّدم َ المجتمعُ والقيم ،لذل َ ق مرحلة ُ الاختيارِ ..اختيارِ الطر ي ِ ِ
ل الأسئلة ِ سي ُجن ّبُ الناشئة َ ل عمرِ ِ ك أجوبة ً عن ك ّ ِ لم َن في مث ِ ال كثير َ م ِن عناء ِ ل الصراعات الداخلي ّة ِ وسيضع ُهم على أ ّو ِ ِ ِ النجاح والفوزِ في الدنيا والآخرة ِ. خطوات ِ
كم أنا محاطة ٌ بنعمة ٍكبيرة ٍ يا أم ّي لم أكن أشعر ُ بعظمِها .نعم أنان الحنا ِ ت عليّ م ِ َ أحب ّكِ لأن ّكِ أفض ِ ن والرحمة ِ والرعاية ِ الشيء َ 251
لن أسري وحدي
ال كثير َ ...ل كنّ النعمة َ الع ُظمى هي هذه ِ الحواراتُ التي تجيبني ل نك ّ حرج؛ أتمن ّى لو أ ّ ل ما يخطر ُ ببالي دونَ أدنى فيها عن ك ّ ِ ٍ ل خيرٍ . ك عن ّي ك ّ أ ٍمّ مثل ُك .أكرم َكِ الل ّه ُ وجزا ِ ك أقب ّلها يا حبيبتي. الحمد ُ لل ّه ِ أن أكرم َني بك ..هات ِي يد َ ِ -رضي َ الل ّه ُ عنك يا بنتي ووف ّق َكِ لما يحب ّه ُ و يرضاه ُ ،وأسعدك
الذكاءات ِ اختبارات الشخصي ّة ِ و ِ في الدنيا والآخرة ِ .هي ّا قو ِمي ب ل عف فنعم َ ن القوة ِ لديكِ فننمي َها ونقاطِ الض ِ لنتعر َ ّف على مواط ِ على تحسين ِها.
بالنتائج ..أنا عظيمة ُ ك الاختبارات وأخبر ُ ِ ِ حسنا ً يا أم ّي سأقوم ُ بِ ق ،ولأقارنَ بينَ ما ل مح ّددٍ ودقي ٍ َ ق الشو ِ لأعرف م ُيولي َ بشك ٍ ونتائج الاختبار َين. توق ّعت ُه ِ
252
لن أسري وحدي
– 15 -
القرار يمكنُ اكتسابُها باملعرفةُ الصحيحةُ والتدربُ عليها) ُ ُ (مهارةُ
الهاتف وأنا شاردة ُ الذهن. ِ أغلقتُ سم ّاعة َ ما بكِ يا علا؟لا شيء َ يا أم ّي ،رفيقتي هند ُ ،أخت ُها تُجابه ُ قرارا ً صعبا ً ،ك ن ّاخص ،وهي حائرة ٌ ولا نتح ّدثُ بشأنه ِ ،فقد تق ّدم َ لخطبت ِها ش ٌ
253
لن أسري وحدي
ل ن عمر َها لا يق ّ كيف عليها أن ت ّتخذ َ قرار َها ،رغم َ أ ّ َ تعرف ُ ن الثانية ِ والعشرين. ع ِ سم َت أم ّي قائلة ً: تب ّ ت صاحبت َه؟ و هل ساعدتِها باتّ خاذِ القرارِ أم كن ِسمتُ رغم َ شرودي: تب ّ كيف ي ُ ّتخذ ُ القرار ُ َ ل عا ٍمّ لا يا أم ّي ..هند ُ كان َت تسأل ُني بشك ٍك لعلم ِها أن ّي أطال ُع كثيرا ً م ِن هذه ِ العلو ِم ح ،وذل َ الصحي ُ الحديثة ِ. ما شاء َ الل ّه ...وهل أجبت ِها؟ك أنا أفك ّر ُ ،يا ت ُرى ماهي الخطواتُ الصحيحة لا يا أم ّي ،لذل َقرارات مصير ي ّة ٌ ٌ لاتّ خاذِ القرارِ؟ حت ّى لا يندم َ المرء ُ ،فهناك َ ل كبيرٍ. مث ُ ل هذا القرارِ الذي سيؤث ّر ُ على مستقبل ِها بشك ٍ
254
لن أسري وحدي
خطوات اتّ خاذِ القرار؟ ِ ح يا علا .ألم تبحثي عن صحي ٌك .هل تساعدين َني؟ ل ذل َ ليس بعد ُ ،ل كن ّي أنوي فع َ لا يا أم ّي َن لديكِ خبرة ً طو يلة ً في ممارست ِها أنتِ وأبي. لاب ّد أ ّ دعيني أ ّولا ًأنصح ُكِ بخطأ ٍ يقوم ُ به ِ ال كثيرونَ دونَ أن يشعرواوهي نقطة ٌ ج ّدا ً هامّة. ما هي يا أم ّي؟ل ل مؤث ّرة ٌ ،سلبا ً أو إ يجابا ً ،عوام ُ ل قرارٍ أو مشكلة ٍ عوام ُ لك ّ ٍذاتي ّة ٌ شخصي ّة ٌ أو أسر ي ّة ٌ اجتماعي ّة ٌ أو اقتصادي ّة ٌ ،انفعالي ّة ٌ عاطفي ّة ٌ أو جسمي ّة ٌ ......هل هذا صحيح؟ ل القرار َ صعبا ً عندما تكثر ُ هذه ِ نعم يا أم ّي ،وهذا ما يجع ُك وتتع ّقد ُ ،فلا يستطي ُع المرء ُ أن يمي ّز َ بين َها أو ل وتتشاب ُ العوام ُ
ل فيما يهتم ّ به ِ و يعتبر ُه ُ عاملا ً مؤث ّ ِرا ً في قرارِه. يفاض َ
255
لن أسري وحدي
ل دونَ ن المشكلة ُ ،لاس ّيما عندما يسيطر ُ عام ٌ نعم وه ُنا تكم ُل بورقة ٍ منفصلة ٍ عن آخر َ على تفكير ِنا؛ فلنشب ّه مثلا ً ك ّ ل عام ٍ ق لط الأورا ِ ن غالبا ً ما نق ُع فيه ِما :خ ُ ن اللتا ِ غير ِه ..فالمشكلتا ِ والنظر ُ إلى ورقة ٍ واحدة ٍ فقط. ح أكثر؟ لم أفهم يا أم ّي ،عذرا ً هل يمكن ُكِ الإيضا ُن ل في ورقة ٍ منفصلة ٍ ...وأنتِ تريدي َ كما قلنا ،تخي ّلي ك ّل عام ٍ ل معلومات حو َ ٍ خطوات أن تجمعي ِ ل ال أن ت ّتخذي قرارا ً ،فأ ّو ُ ل في ورقة ٍ ل المؤث ّرة ِ فيه ِ ،ثم ّ ضعي ك ّ ل عام ٍ القرارِ والعوام ِ ل ل عشوائ ٍيّ في تفكير ِ ِ ك م ِن عام ٍ منفصلة ٍ ،ولا تنتقلي بشك ٍ س تشويش أو إحسا ٍ ٍ لآخر َ كي لا يحصل ما قلت ُه ُ سابقا ً م ِن الموقف وعد ِم القدرة ِ على اتّ خاذِ القرارِ. ِ بتع ّقدِ ل مؤث ّرة ً ،وتسيطر ُ على الفكر ِ ول كنّ هذه ِ العوام َل تكونُ بالفع ِ ل الإنسانُ بتفكير ِه ِ إليها. و بلا قصدٍ ينتق ُ 25٢
لن أسري وحدي
البعض عند َ اتّ خاذِ قرارٍ ُ وهذه ِ هي المشكلة ُ التي يعاني منهال ل المؤث ّرة ُ و يعتاد ُ صاحب ُه أن يُغل ّبَ العام َ تتكاثر ُ فيه ِ العوام ُ الانفعاليّ أكثر َ م ِن غير ِه ِ. آه ...فهمتُ ما تقصدين ..اممم ..صحيح ،ول كن يا أم ّيي أو الانفعاليّ يؤث ّر ُ بش ّدة ٍ. ل النفس ّ ل فالعام ُ بالفع ِ ي أو ل النفس ّ ن العام َ ن أن يدرِّبَ نفسَه ُ ،و يعلّم َها أ ّ على الإنسا ِل كغير ِه ِ ..فإذا نظرنا إليه ِ ل مؤث ّ ِر ٌ ل كن ّه ُ عام ٌ الانفعاليّ هو عام ٌ جانب أو زاو ية ٍ واحدة ٍ ،وغالبا ً ٍ فقط نكونُ كم َن ينظر ُ م ِن س هذه ِ الزاو ية ُ ليست واضحة َ الرؤ يا لأ ّنها تتأث ّر ُ بهوى النف ِ حب أو شهوة ٍ.. ٍّ م ِن أل ٍم أو ن فهي ل أو العاطفة ِ هامّ ج ّدا ً لدى الإنسا ِ ن دور َ الانفعا ِ إ ّ ل لحركت ِه ِ ،ول كن علينا أن نتذك ّر َ أنها الدافع المحرّك ُ أو المشغ ّ ُ ل والو َقود للحركة ِ ،أمّا المقود ُ فيجبُ أن يسيطر َ عليه ِ العق ُ 257
لن أسري وحدي
الموقف م ِن ج ِ ِ ميع َ الصحيح ،فيرى و يقود َه ُ في الاتّ جاه ِ
ِ ارات الأخرى بالتساوي وإلا جميع السي ّ ِ الزوايا ،وينظر ُ إلى فقد يصطدم ُ بسي ّارة ٍ لم ي ُعرها اهتمام َه! ل الحماسة َ وتعطي الو َقود تشبيه ٌ رائ ٌع يا أم ّي ...العاطفة ُ تشع ُل المؤث ّرة ِ، ن ،بينما العق َ لحركة ِ الإنسا ِ ل يرى جمي َع العوام ِ و يعطي َها وزنَها الحقيقيّ بالتساوي وكما هي ح ّقاً ...رائ ٌع ياأم ّي. ل عامّ؟ ول كن م ِن أي َ ن أستم ّد المعايير َ بشك ٍ ن ل عامّ أ ّولا ً تُستم ّد م ِ َ سؤا ٌل جي ّدٌ يا علا .المعايير ُ بشك ٍ ص، يات هذا الشخ ِ ل الهامّة ِ المؤث ّرة ِ في القرارِ ،و أولو ِ العوام ِ ل ل المعاييرِ لم َن يحم ُ فيأتي الدي ُ ن ومصلحة ُ الآخرة ِ في أوائ ِ لهدف ِ الاتّ جاه َ الدين ّي ،ثم ّ الأولو ياتُ أو الأكثر تحقيق َا ً ل ،ثم ّ ِ ل المؤث ّرة ُ في ص ،أو العوام ُ الشخ ِ الاختيارات والبدائ ِ ن هذه ِ المعايير ِ ،أي تكونُ الخطوة ُ التي بعدها وهي توزي ُ 258
لن أسري وحدي
ق ل المتاحة ِ وف َ إعطاؤ ُها وزنَها بالنسبة ِ لأهمي ّة ِ البدائ ِ ل أو المعاييرِ ٍ الأهداف ،يمكنكِ مثلا ً وض ُع ِ علامات للعوام ِ ك لتقدير ِ أ ّيهما ل ،ثم ّ حسابُها ،وذل َ ل بدي ٍ م ِن ( ) 11- 1لك ّ ِ فهمت عليّ؟ ِ أكثر ُ تحقيقا ً للمعايير ِ .هل فأدرس أ ّيهما ُ ن ن مثلا ً أن ّه ُ إذا كانَ هناك بديلا ِ هل تقصدي َل ك قد قي ّمتُ البدائ َ أكثر ُ فائدة ً أو تحقيقا ًللمعايير ِ فأكونُ بذل َ ق المعايير ِ ؟ وف َ ت. نعم ،أحسن ِل واحدٍ اممم ...ل كنّ الحالة َ ه ُنا يا أم ّي لا يوجد ُ فيها غير ُ بدي ٍهو ذاك َ الخاطبُ . ل ح ،لقد آثرتُ أن أشر َ صحي ٌحل ِ ك مهارة َ اتّ خاذِ القرارِ بشك ّ ٍ
259
لن أسري وحدي
ل ِ ل عا ٍمّ ..1أمّا سؤا ُ أخت رفيقت ِكِ فهي دراسة ُ هذا البدي ِ ل المؤث ّرة ِ دونَ أن تدعَ عاملا ً يسيطر ُ على م ِن م ِ ختلف العوام ِ ت ج منها أن تنظر َ إلى الإ يجابي ّا ِ ك يحتا ُ البقي ّة ِ ،وذل َ ل المؤث ّرة ِ سلبا ً وإيجابا ً، َ ات، والسلبي ّ ِ فتقيس جمي َع العوام ِ ات ،فأ ّيهما رجح َ تكونُ ات والإ يجابي ّ ِ ل بينَ السلبي ّ ِ وت ُفاض َ ال ك ّفة ُ الغالبة ُ. ل أه ّم م ِن غير ِها أو هي مختلفة ٌ ل كن يا أم ّي هناك َ عوام ُفكيف نساوي بين َهم؟ َ ص، ل شخ ٍ حسبَ أهم ّي ّت ِها عند َ ك ّ ِ ختلف أهم ّي ّت ُها عند َ كرت يا علا ،طبعا ً هناك َ أمور ٌ ت ُ ح ما ذ ِ صحي ٌق أهم ّي ّت ِها عند َ ل وف َ ل شخ ٍ ص ،و ترتيبُ هذه ِ العوام ِ ك ِّ ل أهم ّي ّة ً ات أي نرت ّبُ الأه ّم فالأق ّ ص ندعوها بالأولو ي ّ ِ الشخ ِ ل وهكذا ...فعند َ اتخاذِنا للقرارِ يمكن ُنا أن نرت ّبَ العوام َ 1
-لمزيد من الاطلاع حول مهارة اتخاذ القرار انظر كتاب( :هندسة التفكير ،أمل طعمة و رند العظمة)،
وكتاب (اتخاذ القرار والسلوك القيادي ،أمل طعمة).
2٢1
لن أسري وحدي
ات مشتركة ٌ، ات؛ وهناك َ أولو ي ّ ٌ ق هذه ِ الأولو ي ّ ِ (المعايير ) وف َ
فمثلا ً في هذه ِ الحالة ِ يرت ّبُ لنا رسو ُل الل ّه ِ
و يض ُع أولو ي ّة َ
ل التي يجبُ أن نأخذ َها بعين ِ الدي ِ ن في أعلى سل ّم ِ العوام ِ الزواج ،وهناك َ طبعا ً معيار ُ (ال كفاءة ِ) الاعتبارِ عند َ قرارِ ِ أي أن يكونَ كفوا ً لها ،وهذا المعيار ُ ذكره ُ الفقهاء ُ في شروطِ
ل. القبو ِ
لقد وضح َت لي الفكرة ُ .لاب ّد أن أسارعَ الآنَ لأتح ّدثَ معرفيقتي وأعلّم َها ما عل ّمت ِني إ ي ّاه ُ ،لعل ّها تساعد ُ أخت َها في اتّ خاذِ ك يا أم ّي. القرارِ ....شكرا ً ل ِ الحمد ُ لل ّه ِ ..هي ّا يا بنتي ،و ل كن لاتنس َي أن تذك ّر يها بالقيا ِمض أمر ِها لل ّه ِ. بصلاة ِ الاستخارة ِ وتفو ي ِ
شكرا ً يا أم ّي ...صلاة ُ الاستخارة ِ هامّة ٌ ج ّداً.ل عقله ِ الإنسانُ يا بنتي يجتهد ُ – كما أمره ُ رب ّه -بإعما ِ2٢1
لن أسري وحدي
ّض أمرَه ُ إلى الل ّه ِ ،و يطلبُ منه ُ واستشارة ِ الآخرين ،ثم ّ يفو ُ
الغيب والشهادة ِ ،الحكيم ُ الخبير ُ. ِ العونَ والمدد َ فهو عالم ُ
2٢2
لن أسري وحدي
- 1٢ -
ّ ّ
أفكاركُ يتغيُ ُر واملشاعر وليدةُ األفكار ،غي ُر ُ ُ (السلوكُ نتيجةُ املشاعرُ، ومشاعرك) ُ ُ سلوكُكُ
أفقتُ على كلا ِم أخي: ما بكِ يا أختي؟ لم أزل أتح ّدثُ معكِ وأنتِ شاردة ً عن ّي! لقدت كثيرة َ الشرودِ ،وقليلا ً ما تلعبينَ معي؟ أصبح ِ ك بش ّدة ٍ. ك حقّ ..أعتذر ُ من َ عفوا ً يا أحمد ..مع َ2٢3
لن أسري وحدي
ن أن تلعبي معي قليلاً. حسنا ً ..هل م َن الممك ِ هي ّا ....س وجلستُ أنهيتُ اللعبَ م َع أخي ثم ّ ذهبتُ إلى غرفة ِ الجلو ِ قليلا ً م َع أم ّي. ت اللعبَ مع أخيكِ ؟ أنهي ِنعم يا أم ّي.ك كثيرة َ الشرودِ هذه ِ الأيام. كأن ّني أرا ِحديث بينَ صديقاتي ٍ لا شيء َ يا أم ّي ،أتذك ّر ُ وأفك ّر ُ ما دار َ م ِنل الفسحة ِ. خلا َ
ن؟ ع ّم كنت ّن تتحدث َئات؛ فئة ٌ ترى نقاش حادّ ج ّدا ً بينَ فئتين ،بل ثلاثة ِ ف ٍ لقد دار َ ٌ2٢4
لن أسري وحدي
ن الشبابُ في هذا العمرِ يحقّ لنا أن نشعر َ باستقلالي ّت ِنا أن ّنا نح ُ
القرارات دونَ تدخّل ِهم ،وهؤلاء ِ ينافحونَ بش ّدة ٍ ِ عن أهل ِنا ،ونتخذ َ وبأصوات. ٍ
العقيم. آه .لقد كانت مناقشة ً م ُزعجة ً بأصواتِها ونقاش ِها ِ ل منها؟ ِ وما هي بقي ّة ُالفئات؟ وما حج ّة ُك ّ ٍ والنقاش ،فما إن بدأ الحوار ُ َ المشكلة ُ يا أم ّي أن ّنا لا نجيد ُ الحوار َن و يلمزنَ و يوجهن الشتائم َ علت الأصواتُ ،وبدأنَ يغمز ِ ِ حت ّى ِ لتدافع النقاش با ُ والكلمات اللاذعة ِ لبعضهنّ ،حت ّى انتهى ِ لأي نتيجة ٍ. ل والتشابكِ بالأيدي دونَ الوصو ِ ِّ ن احترا ِم رأي طبعا ً الفئة ُ الثانية ُ ض ّد ُ الفئة ِ الأولى ،فلاب ّد م ِ َ
ِ جهونه ُ بالأصلح ،وجمي ُع ما يو ّ ن وعد ِم ممانعت ِهم لأ ّنهم أعلم ُ الوالدي ِ
ٍ س حب ّا ً منازع أكثر ُ النا ِ م ِن أوامرَ هو لمصلحة ِ أبنائهم ،فهم بلا
لأولادِهم وحرصا ً على مصلحت ِهم.
2٢5
لن أسري وحدي
وم َن هي الفئة ُ الثالثة ُ؟ت الصمتَ ،ثم ّ كانَ الفئة ُ الثالثة ُ بقي َت تستم ُع للفئتينِ والتزم َ ِّات .هههههه ل بين القو ِ لها دور ُ الحكم ِ و الفص ِ أظن ّكِ منهنّ ؟ت يا أم ّي. ح ..حزر ِ صحي ٌق كما عهدت ُكِ . وما رأيُكِ أنتِ ؟ تكل ّمي بشفافي ّة ٍ وصد ٍ الحقيقة ُ .إن ّي أجد ُ في نفسي هذا الشعور َ بأن ّي قد كبرتُ وعلىخاص .وقد يكونُ ن أن يشعر ُوا بي ككائ ٍن له ُ رأي ُه ُ ال ّ الآخري َ ل رأيي خاطئاً ،ل كن ّي لا أستسي ُغ أن يعامل َني الكبار ُ م ِن خلا ِ أحب أن تكونَ المناقشة ُ ّ الأوامر ِ فقط ودونَ مناقشة ٍ أو حوارٍ ،و س فيها احترام ٌ لرأيي مهما كان ،إلى أن أرى الحقّ ؛ و في نف ِ مصيري فأشعر ُ تماما ً أن ّي ق بقرارٍ الوقت إذا كانَ الأمرُ يتعل ّ ُ ِ ٍّ 2٢٢
لن أسري وحدي
أحب أن يتم ّ ّ ج عن رأيِهما ،ل كن ّي بحاجة ٍ لوالديّ ولن أخر َ ل هذا ماتفعلانه ِ أنتما ص كبير ِ أي شخ ٍ نقاشي مث ُ السن .وبالفع ِ ِّ ل ِّ – حفظَكما الل ّه ُ– معي. ن على ك لم أستطيع أن أكونَ إحدى الفئتين ،فأنا أظنّ أ ّ لذل َ
ِ الوقت ِ لنصح والد ِيهم وعليهم الطاعة ُ ،وفي الأبناء ِ أن يستمعوا
نفسه ِ أتمن ّى ل ِ كيف تعاملون َنا باحترا ٍم َ جميع رفيقاتي أن يروا بسبب ِ الموقف كما ترون َه ُ ،لأن ّه ُ َ وشفافية ٍ حت ّى نرى الحقّ ونبصر َ ل. خبرت ِكما في الحياة ِ والمعرفة ِ تكونُ نظرت ُكما أوس َع وأشم َ كيف َ أحسنت يا بنتي ...هذا صحيحٌ .لقد عل ّم َنا رسو ُل الل ّه ِ ِ ل م َع أولادِنا في هذا العمرِ ،وهو أن نصاحب َهم ..وعلّم َ نتعام ُ "ليس من ّا م َن لم يرحم صغير َنا َ أولاد َنا أن يح ترم ُوا الكبار َ ،فقالَ: ل بين َنا وبين َكم. و يح ترم كبير َنا" .وهذا يرسم ُ لنا طبيعة َ التعام ِ فعلينا أن نخاطب َكم كأصدقاء َ لتنمو َ مل َكة ُ التفكير ِ وتستفيدوا م ِن 2٢7
لن أسري وحدي
ح ممر ّاتُ الحوارِ بيننا مفتوحة ً على خبرت ِنا في الحياة ِ ،عندئذٍ تصب ُ ن الحياة ِ لاب ّد م ِن أن يكونَ ل موازي ُ أوسع ِها؛ وحت ّى لا تخت ّ الاحترام ُ والطاعة ُ لأولي الأمر ِ ،حت ّى يحم ُوا أولاد َهم م ِن أنفس ِهم ل فترة ِ تكوين ِهم لآرائِهم وقي َمهم وفكر ِهم. خلا َ ن الفئة ِ الأولى ،فأظنّ ل صديقاتي م ِ َ يا ليتكِ تتعر ّفينَ على أه ِأ ّنهم لو اقتنعوا بفكرت ِك لن تكونَ رفيقاتي بهذا العنادِ. مهارات الفكر ي ّة ِ يبدأ ِ ج ال ن نض َ يا بنتي م ِن طبيعة ِ مرحلت ِكنّ أ ّسليم لاب ّد للكبارِ أن يلعبوا هذا الدور َ ل فيها ،فحت ّى تنض َ ج بشك ٍ ٍ ش ليعل ّموهم طرقَ التفكير ِ السليمة ِ ،ويبنونَ في الحوارِ والنقا ِ
ق الحوارِ الملَ َكة َ الفكر ي ّة َ لديهم ،وهذا لا يتم ّ إلا عن طر ي ِ
ِ ق ،و بناء ِ المعاييرِ مهارات التفكير ِ والمنط ِ ِ والإقناع وتعليمهم
مهارات التفكير ِ واتّ خاذِ القرارِ، ِ الصحيحة ِ التي يستخدمونَ فيها موقف يجابه ُهم. ٍ و يحكمونَ وفق َها في أيّ 2٢8
لن أسري وحدي
ل بقي ّة ِ زميلاتي. صحي ٌح يا أم ّي .أنا محظوظة ٌ بكم ،وحزينة ٌ م ِن أج ِ ل الفئة الأولى؟ ل لو كنت ُم مث َ ولا أدري ماذا كنتُ سأفع ُ ل أه ِ ف؟ هل سأكونُ مثل َهم؟ كيف كنتُ سأتصرّ ُ َ يا ت ُرى
ض جدلا ً أن ّي استطعتُ أن أقن َع هؤلاء ِ ل يا أم ّي ..لنفر ِ بالفع ِ كنّ كيف سيتم ّ َ ل لوالد ِيهم ،أو كيف أستطي ُع الوصو َ َ بفكرت ِك، ل هذه ِ الفكرة ِ لهم؟ م ِن إيصا ِ ن أهل َهنّ ك عليهنّ أن يناقش َ ن بذل َ ن اقتنع َ ل رائ ٌع يا علا ...إ ِ سؤا ٌن الصوابَ وإن كان ض ّد هوى أنفس ِهنّ ،عندئذٍ بأدب ،و يلتزم َ ٍ وحب الاستقلالي ّة ِ، ِّ يرى ذووهنّ أ ّنهنّ لا يعاندنَ لمجر ّدِ العنادِ ل كيفي ّة ِ بأدب حو َ ٍ ن ل يرغبنَ بالتعلّم ِ ،وعليهنّ أن يتناقش َ بل بالفع ِ ن محب ّت َهنّ واستعداد َهنّ لتنفيذِ أوامر ِهم ولو كانَ الحوارِ ويبدي َ رأيُهنّ مخالفا ً لذلك ،وأ ّنهنّ يريدنَ م ِن حوارِهنّ مع َهم أن يتعل ّموا ن هذا القيم ومعايير ِ الحياة ِ .إ ّ ك السليم وإدرا ِ كيفي ّة َ التفكير ِ ِ ِ
سيساعد ُ والديهم على فه ِم هذه ِ الحاجة ِ والطر يقة ِ التي توصل ُهنّ
2٢9
لن أسري وحدي
والإضراب الأسريّ . ِ ن المعاندة ِ إلى ما يريدنَ دونَ مزيدٍ م َ ل محور ُ ٍ نزاع ل يا أم ّي إقناع َهنّ ،لأ ّ سأحاو ُن هذه ِ القضي ّة َ بالفع ِ ن الطلبة ِ وذويهم. عند َ كثيرٍ م َ ِ -الحر ّي ّة ُ يا بنتي لها حدود ٌ ،فحر ّي ّة ُ الأبناء يجبُ ألا تتجاوز َ أوامرَ
س على أولادِهم ويتمن ّون لهم أحرص النا ِ ُ الوالد َين ،لأ ّنهم
ن الخ برة ِ لم َ السعادة َ الدائمة َ ،و هذا بالإضافة ِ إلى امتلا ِ ك الأه ِ ل أولاد َهم بحاجة ٍ إلى معرفت ِها ليختصروا على والعلم ِ ما يجع ُ ن الحر ّي ّة َ تنتهي عند َ حدودِ سنوات من الخ برة ِ؛ كما أ ّ ٍ أنفس ِهم الآخرين ،فلا ض َرر َ ولا ض ِرار .هذا ما عل ّم َنا إ ي ّاه ُ الحبيبُ المصطفى. ات لي ل هناك َ رفيق ٌ أنا أفهم ُ يا أم ّي هذا الكلام َ ،ول كن بالفع ِن والد ِيهم لا يفهمن ذلكَ .رب ّما – أعتذر ُ ول كن هذه ِ حقيقة ٌ-لأ ّ ل الل ّه ِ، ك الأسلوبَ الذي عل ّم َنا إ ي ّاه ُ رسو ُ لا يستخدمونَ ذل َ 271
لن أسري وحدي
وأحمد ُ الل ّه َ أن ّي أتمت ّ ُع به ِ.
يف أساعد ُ وهؤلاء ِ نسبة ٌ ليسَت بالقليلة .وهو واق ٌع موجود ٌ ،فك َ ِ بشرائع الإسلا ِم ،ولا ملتزمات ٍ رفيقاتي؟ وهنّ أصلا ً غير ُ
ن هذا الأمرَ ج ّد غضب الوالد َين وعقوق ِهما ،م َع أ ّ ِ ن لمغب ّة ِ يكترث َ ل ك رسو ُ ل النار َ كما ذكر َ ذل َ ل لن يدخ َ فالعاق مهما فع َ ّ خطير،
الل ّه ِ ؟ ت أن توصلي هذه ِ الفكرة َ وتعل ّميها لهنّ فإن ّكِ يا بنتي إذا استطع ِك يسل ك ُه ُ الإنسانُ م ِن ل سلو ٍ بذلك تفيديهنّ مدى العمر؛ فك ّ ك نتائج ُه ،والناجح ُ ل سلو ٍ ٍ ل غاية ٍ أو هدف يسعى له ُ ،ولك ّ ِ أج ِ ل سلوك َه مح ّققا ًلأهداف ِه ِ ،فإن كان َت ق م َن يستطي ُع أن يجع َ والموف ّ ُ ن هذا السلوك َ خاطئ ٌ، ق هدف َه ُ ،فنحكم ُ أ ّ نتائج ُ سلوكه ِ لا تح ّق ُ
ف ل بساطة ٍ لم يوصله ُ إلى هدفه ِ؛ فما فائدة ُ أن أتصرّ َ لأن ّه ُ بك ّ ِ ح؟ تصرّفا ً لا يوصل ُني إلى ما أريد ُ! هل هذا صحي ٌ 271
لن أسري وحدي
-
ح ج ّدا ً ج ّدا ً ...تابعي يا أم ّي. صحي ٌ
-
فما فائدة ُ أن أعاند َ أم ّي وأبي في أمر ٍ ما لأثبتَ أن ّي مستقل ّة ُ ل على ما أريد ُ! الفكر ِ أو الرأي! ثم ّ لن أستطي َع أن أحص َ فالأبناء ُ في هذا العمرِ يحتاجونَ للرعاية ِ الصحّ ي ّة ِ والمالي ّة ِ
ق في بيتي، ل المنازعة َ والضي َ و ....فما الجدوى من أن أجع َ
ل على ما أريد ُ؟ بينما إذا كانَ موقفي ح ّقا ً ولن أحص َ ل ُ ق عندما فيمكنني إقناع ُهم بالمنط ِ أعرض رأيي بشك ٍ ات الأمر ِ وسلبي ّاته ِ محايدٍ ،أي عليّ أن أفك ّر َ في إ يجابي ّ ِ ونتائج ِه ،وأدرس َها وأعرض َها على أهلي. ن الأه َ إ ّ ل يا علا إذا رأوا أولاد َهم يفك ّرون بشك ٍ ل منطقيٍّ
سليم لن يتردّدوا في تلبية ِ ما يتمن ّون َه ُ إذا لم تكن رغباتُهم ٍ م ُضرّة ً بهم.
-
ن كيف أوفي الل ّه َ ح ّقه ُ م َ َ أعرف ُ ك ج ّدا ً ،ولا أنا ممتن ّة ٌ ل ِ 272
لن أسري وحدي
الشكر ِ وأوفيكم حقّكم .شرح ُكِ رائ ٌع يا أم ّي .أنتِ تعل ّميني لص ٍ ل عليه للأسف لا يحص ُ ِ حيح ،وهذا َ كيف أفك ّر ُ بشك ٍ
ل سن ّي .كم أحب ّكِ يا أم ّي. كثير ٌ مم ّن في مث ِ -
ل الل ّه ِ علينا يا حبيبتي ،ول كنّ هذه ِ النعمة َ هذا م ِن فض ِ تضع ُك في دائرة ِ المسؤوليّة ِ .فكما علّمت ُكِ عليكِ أن تعل ّمي ل الل ّه َ ينف ُع بكِ فتكسبينَ الأجر َ، زميلات ِكِ و تفيديهنّ ،لع ّ ن حقّ الل ّه ِ عليكِ ،فهذه ِ زكاة ُ العلم ِ. و تؤدّي َ
-
أو َ للعلم ِ زكاة؟
-
الاعتراف بهذه ِ النعمة ِ َ نعم يا بنتي ..شكر ُ الل ّه ِ لا يعني يم نعمه ِ علينا، ِ ن فقط ،بل يعني انجذابَ باللسا ِ القلب له لعظ ِ ثم ّ تسخير َ هذه ِ النعمة ِ في خدمة ِ العبادِ والم ِ ن جتمع؛ فكما أ ّ
ك العلم ُ ل ،وكذل َ ك الما َ ج لم َن لا يمل ُ تخر َ ُ ل لها زكاة ٌ ُ نعمة َ الما ِ عليكِ أن تعل ّميه ِ ولا تبخلي به ِ لتؤدّي زكات َه ُ لم َن لا يعلم. 273
لن أسري وحدي
-
ح النفس أحيانا ً تجن ُ َ ما أروع َ هذه ِ المعاني يا أم ّي .ل كنّ ق م ِن ن وتسربل ُه بأناني ّت ِه ِ ،وتجعل ُه ُ يظنّ أن ّه ُ إذا أنف َ بالإنسا ِ علم ِه ِ أو مال ِه ِ فسيخسر ُ ،ويذهبُ جهد ُه ُ في التعل ّم ِ أو ل منه ُ قدرا ً أو م َل َك َة ً. ل لم َن هو أق ّ اكتساب الما ِ ِ
-
ن الآخرين سببه ُ اعتقاد ٌ خاطئ، هذا الشعور ُ في العلو ِّ ع ِ وكسب ِ ل أو علم ٍ بجهدِه ِ يظنّ أن ّه جم َع هذه ِ النعم َ م ِن ما ٍ ل يمينه ِ ..و ينسى أن ّه ُ مجر ّد ُ عبدٍ لل ّه ،هو الذي أعطاه ُ العق َ ل ..فم َن صاحبُ ج و يكتسبَ الما َ ل فينت َ ليفك ّر َ ويتعل ّم َ و يعم َ الإنتاج والمواد َ الخام ،ثم ّ أدوات ِ ل ؟ هل الذي أعطاه الما ِ ِ ك منها شيئاً؟ بعثَ له م َن يعلّم ُه ُ؟ أم هو الذي لا يمل ُ
-
آه ٍ يا أم ّي ..حقيقة ٌ واضحة ٌ لم َن يرى بنورِ الل ّه ِ ..جعل َني ل ورفيقاتي منهم .ولا حرم َني منك ...سأبذ ُ ل ما تعل ّمت ُه لك ّ ِ ل الل ّه َ أن يعطي َني القو ّة َ م َن يريد ُ ولن أردّ سائلاً ..أسأ ُ 274
لن أسري وحدي
والصبر َ والإرادة َ. رأس أم ّي ويديها ،ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي ،فتحتُ َ قبل ّتُ ل الأفكارِ دفتري الذي أكتبُ فيه ِ خواطري و بدأتُ بتسجي ِ ن الهامّة ِ التي علمتني إ ي ّاها أم ّي حت ّى لا أنساها ،ثم ّ وضعتُ ضم َ ل كبيرٍ العبارة َ الآتية: مستطي ٍ ق ك نتائج ُه ُ ،والموف ّ ُ ل سلو ٍ ٌ ك ل سلو ٍ هدف م ِن وراءِه ،ولك ّ ِ لك ّ ِ والسعيد ُ م َن وافق َت نتائج ُه ُ أهداف َه.
275
لن أسري وحدي
– 17-
والتدربُ عليها ُ (التفكير السليمُ مجموعةُ مهاراتُ ،يجبُ شحذُها ُ ً حتُى خصبحُ جزءا مُنُ عاداتُ العقل) ُ
أعيش طو يلا ً في هذه ِ الحياة. َ لا أتمن ّى أنِ مسمع أم ّي كالصاعقة. وق َع كلامي على ماذا؟! لم أسمع!ف لأعرف كي َ َ أم ّي أشعر ُ أن ّي بحاجة ٍ أكبر َ لأفهم َ الحياة َ،27٢
لن أسري وحدي
موقف ..مع الآخرين. ٍ ل أتعام ُ ل في ك ّ ِ أحس أن ّي عاجزة ٌ ع َن فهمِها أو معرفة ِ كيف ّ أشياء ُ كثيرة ٌ يجبُ عليّ أن أفك ّر َ!
ق به ِ صدري. شعور ٌ مزع ج ٌ ،يضي ُ ناقش كيف عليّ أن أفكر َ وأ َ َ أم ّي ....هل يمكنكِ أن تعلميني ٍ موضوع؟ موقف أو ٍ أيّ
أعلم ُ أن ّنا تحدثنا كثيرا ً ،ل كن ّي مازلتُ أشعر ُ بحاجة ٍكبيرة ٍ لأرت ّبَ ن التفكير ِ كالكبارِ نم َ ك َ ك كي أتم ّ ج ذل َ أفكاري ،أشعر ُ أن ّي أحتا ُ ك سيساعد ُني حتما ً في شعوريَ بالثقة ِ، ن ذل َ وأتجن ّبَ الخطأ ..إ ّ الزلات التي تضطر ّني للاعتذارِ. ِ المتاعب أو ِ ن وسيبعد ُني ع ِ ل معاني الرحمة ِ ارتسم َت على وجه ِ أم ّي ابتسامة ٌ ساحرة ٌ عذبة ٌ تحم ُ ن السكينة ِ. حب ،أحسستُ فيها بشيء ٍ م ِ َ وال ِّ
ن به ِ طبيعيّ. ل ما تشعري َ طبعا ً يا بنتي ،ول كن هو ّني عليكِ ،ك ّ277
لن أسري وحدي
طبيعيّ يا أم ّي إحساسي َ بالعجز!-إن ّكِ تهو ّلينَ الأمرَ ،وتجعلين َه ُ أعظم َ مم ّا ينبغي.
ت تنتقلينَ ل بساطة ٍ معناه ُ أن ّكِ بدأ ِ نعم طبيعيّ ،لأ ّ ن هذا و بك ّ ِ
النضج والوعي الفكريّ ،فعقل ُكِ يطالب ُكِ بالتعل ّم؛ إلى مرحلة ِ ِ ل مافي الأمر ِ! هذا ك ّ عقلي يطالب ُني بالتعل ّم! ما أروع َك يا أم ّي وما أعظم َ قدرت َكِ علىل اليد .اشرحي لي تبسيطِ الأمورِ وجعل ِها سهلة ً في متناو ِ ياحبيبتي .لا حرم َني الل ّه ُ منكِ . ل نحو أخذِ أنتِ تكبري َن و تنتقلينَ في هذه ِ المرحلة ِ إلى الم َي ِ ن هناك َ قوانينَ لا تفهمين َها، نأ ّ ل الكبار ُ ،فتشعري َ الأمورِ كما يفع ُ ن الآخرين بدؤوا ينظرون إليكِ نظرتَهم صك؛ كما أ ّ أو معرفة ً تنق ُ أخطأت ،و يتوق ّعون منكِ ِ الناس ينبّهونكِ إن ُ ح للكبار ،فأصب َ الصواب ،بينما في المرحلة ِ السابقة ِ م ِن عمرِك ،كانوا ِ ل فع َ 278
لن أسري وحدي
ك يتوق ّعونَ منكِ الخطأ فيعطون َكِ أعذارا ً أكثر َ .وهذا طبعا ً يدفع ُ َ ل أكبر َ ك بحاجة ٍ إلى معرفة ٍ أكثر َ وإعما ِ للشعورِ أن ّ َ ل بشك ٍ ل العق ِ ن بالحاجة ِ إلى التعلّم ِ ز يادة ً على ماقد ّف .فتشعري َ ل التصر ِ قب َ ن طر يقة َ ن عقل َكِ قد أتق َ ك لايعني أ ّ تعلّمت ِه ِ سابقاً ،ل كنّ ذل َ ن ك عندما تري َ تدريب ،لذل َ ٍ ج إلى التفكير ِ السليمة ِ ،إن ّه ُ يحتا ُ
ن بالعجزِ. ت بشيء ٍ تظن ّينَ أن ّكِ تعرفين َه ُ تشعري َ نفسَكِ قد أخفق ِ أليس كذلك؟ َ ح يا أم ّي ...أصابُ بالإحباطِ عندما أرى نفسي لا -هذا صحي ٌ
لص ٍ حيح رغم َ تذك ّري لكلام ِك! أتصرّ ُ ف بشك ٍ
سسا ً لكلامي أو تصرّفاتي معهنّ .. كما رفيقاتي صرنَ أكثر َ تح ّ ل أشعر ُ ن أكثر َ م ِ َ لقد بتنا نتشاح ُ ن السابقِ .لا أدري!! بالفع ِ قلت يا أم ّي. أن ّي بحاجة ٍ لأتعل ّم .كما ِ ك يا حبيبتي أحب أن ألفتَ نظر َ ِ ّ طلبت، ِ ل أن أتح ّدث عم ّا قب َ279
لن أسري وحدي
مادمت لاتصرّ ين ِ ك، أخطأت فلا عيبَ في ذل َ ِ أن ّه حت ّى لو
على الخطأ ِ عنادا ً وتكب ّرا ً ،فالخطأ وارد ٌ لل ِ جميع ،بل إن ّه ُ سمة ٌ في
ن آدم َ خطّاء ٌ وخير ُ ل اب ِ ل الل ّه ِ ( :ك ّ ن آدم َ كما أخبر َنا رسو ُ اب ِ ج إن ك حر ٌ ك لا يكن في صدرِ ِ الخطائينَ التوابون) لذل َ أخطأت ،عليكِ بالتوبة ِ وإصطلاحه فورا ً.. ِ ل جهد َه ُ في ن أن يبذ َ ن على الإنسا ِ ح في أ ّ ول كنّ كلام َكِ صحي ٌ ل ذي همّة ٍ هدف يطلب ُه ُك ّ ٌ ك ب الخطأ ِ ما استطاعَ ،فذل َ تجن ّ ِ وإرادة ٍ. ِ الصحيح ق التفكير ِ طر ِ حسنا ً يا أم ّي .ح ّدثيني م ِن فضل ِكِ عن ُل الحكم ِ عليه. ٍ أي موقف م ِن أج ِ عند َ دراسة ِ ّ ِ ك بش ّدة ٍ ...حسناً. ن هذا الأمرَ يشغل ُ ِ يبدو أ ّموقف ،عليكِ أن تنظري ٍ ن الحكم َ على أمر ٍ ما أو عندما تريدي َ
ِ ك ولمَن إليه ِ م ِن جميع النواحي :السلبي ّة ِ والإ يجابي ّة ِ وبالنسبة ِ ل ِ 281
لن أسري وحدي
والموقف أو حت ّى أحيانا ًالم ِ جتمع ِ ك أو م َن لهم علاقة ٌ بالأمر ِ حول َ ِ ك بموضوعي ّة ٍ ودونَ تح ي ّزٍ ضعي ل؛ ول كي تتمكّني م ِن ذل َ كك ّ كيف َ ص، ك الشخ ِ كنت مكانَ ذل َ ِ نفسَكِ مكانَهم ،تخي ّلي لو كيف ستكونُ ردّة ُ فعل ِك؟ عندئذٍ يابنتي َ سيكونُ وقع ُه ُ عليكِ ؟
ن الأخطاء ِ التي نق ُع فيها نتيجة َ التفكير ِ ستكتشفينَ ال كثير َ م ِ َ
ن فقط ،وتح يّز ِنا الأحاديّ ،أي نتيجة َ التفكير ِ م ِن رؤيت ِنا نح ُ فالنفس الإنساني ّة ُ تضخّ م ُ ُ حدث؛ الموقف أو ال ِ ِ سنا في فه ِم لأنف ِ الموقف أو الحد َثَ فتعطيه ِ أكثر َ م ِن حجمِه ِ ،وكل ّما زاد َ َ أحيانا ً الموقف الذي ترين َه ُ أضعافا ً مضاعفة ً ِ ي كبر َ حجم ُ الألم ُ النفس ّ وقت عندما ٍ النفس بعد َ َ ن هذه ِ ع َن حجمِه ِ الأصليّ ،والغريبُ أ ّ الموقف مختلفا ً تماما ً، َ الموقف وألم ُها ترى ِ تهدأ أو يذهبُ أثر ُ هذا كيف كانَ ينظر ُ إليه ِ بهذه ِ الضخامة ِ سه ِ َ ويستغربُ المرء ُ م ِن نف ِ
ِ حت ّى سيطر َ على جميع جوانبِ حيات ِه ِ! ويزداد ُ هذا الأمرُ سوءا ً
سه ِ ،أو مغرورا ً ومعجبا ً بها، إذا كانَ المرء ُ م ُعتاد َ الانتصارِ لنف ِ
281
لن أسري وحدي
جّه َ أحدٌ إليها اللوم َ! ن الخطأ ِ أو أسمى م ِن أن يو ِ أو يراها أكبر َ م ِ َ القلب يصيب ُه ُ نتيجة َ تضخّ ِم "الأنا" ِ مرض في ٌ وهذا طبعا ً كل ّه ُ جاب بنفسه ِ ،وهو ض التكب ّر ِ والغرورِ والإع ِ عند َه ُ ووجود ُ مر ِ س كما عل ّم َنا خالق ُنا. ن الرؤ ية ِ القرآني ّة ِ للنف ِ نتيجة ُ البعدِ ع ِ شاق .ول كن ّه ُ صحيح ،فأنا أتذك ّر ُ ّ يا و يلي! ك ّل هذا !!!! الأمرُ
ك ،كنتُ أتأل ّم ُ كثيرا ً ،وتسيطر ُ أن ّي مررتُ بتجارِبَ تشبه ُ ذل َ والانزعاج ،حت ّى أشعر َ أن ّي أكره ُ على نفسي معاني َ الإحباطِ ِ ل الأمرُ بي إلى أعيش فيها ،وأحيانا ً يص ُ َ أحب أن ّ الدنيا ولا
ل س سي ّئة ُ التعامل! وأصد ُقكِ القو َ ل النا ِ ل :ك ّ أن أعم ّم َ فأقو َ ن الحقّ كل ّه ُ معي! ح وأ ّ ن هذا صحي ٌ كنتُ أجد ُ أ ّ مرة ً أخرى .هذا شيء ٌ طبيعيّ! سأقو ُلل ِ ك ّ طبيعيّ يا أم ّي أن أجع َل الحدثَ أكبر َ م ِن حجمِه! فأتأل ّم َ كثيرا ً ل هذا الوقت! أقف عند َه ُك ّ وهو لا يستحقّ أن َ 282
لن أسري وحدي
كيف تروّضينَ نفسَكِ وتعلميها َ طبيعيّ يا بنتي إذا لم تتعل ّميلص ٍ حيح .فلا يدفع ُها الألم ُ إلى الغلو ّ. َ كيف تفك ّر ُ بشك ٍ
كتب الديني ّة ِ م ِن أهم ّي ّة ِ ِ ن ما قرأت ُه ُ في ال كنتُ أظنّ يا أم ّي أ ّّب إلى الل ّه ِ حسنات ِ وكسب ال ِ س فقط هو للتقر ِ مجاهدة ِ النف ِ ل الغشاوة َ ل إلى الجن ّة ِ فقط ،ل كنّ حديث َكِ الآنَ أزا َ والوصو ِ كيف تعاملتُ فيها َ ن الأمورِ التي أذكر ُها الآنَ تماما ً عن كثيرٍ م ِ َ ي اعتبارٍ م ِن منط ِ ق النف ِ س والشعورِ بها وحد َها فقط ،دونَ أ ّ ِ س ص آخر َ غير ِ نفسي! وعرفتُ الآنَ أ ّ لأي شخ ٍ ن مجاهدة َ النف ِ ِّ ن الل ّه ِ ،بل حت ّى أكونَ التقرب م ِ َ ِ ل على الجن ّة ِ أو ليسَت للحصو ِ
ح في علاقتي مع ذاتي كيف أنج ُ َ وأعرف َ سعيدة ً في الدنيا، والآخرين دونَ أن أخسر َ آخرتي؛ إن ّي أتذك ّر ُ الآنَ قانونا ً م ِن ن كنتُ قد قرأتُها منذ ُ فترة ٍ في قول ِه ِ تعالى : قوانينِ القرآ ِ
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ 283
لن أسري وحدي
ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪﭫﭼ
.1
ن العداوة َ والبغضاء لا تسود ُ في أسرة ٍ أو شركة ٍ أو م ٍ جتمع أي إ ّ َ
إلا نتيجة َ نسيانِهم لأمر ٍ م ِن أوامر ِ الل ّه ِ؛ فالقانونُ يقول :م َن نسي َ
أمرَ الل ّه ِ تظهر ُ العداوة ُ فيم َن حول َه.
ف مداخل َها حت ّى لا ن أن يجاهد َ نفسه ُ و يعرِ َ ح ّقا ً على الإنسا ِ قرارات ٍ ف بأشياء َ يندم ُ عليها في حيات ِه ،أو تؤث ّر ُ سلبا ً في يتصرّ َ مصير ي ّة ٍ قد تغي ّر ُ مجرى حيات َه ُ!
ن ،وأستشعر ُ عظم َ نعمة ِ كل ّما تحدثتُ معكِ يا أم ّي أشعر ُ بالأما ِ الل ّه ِ عليّ أن أكرم َني بكِ لتعل ّميني وترشديني.
1
سورة المائدة14،284
لن أسري وحدي
ن الم ِ َ ميزت ُكِ يا أم ّي أن ّكِ تجيدي َ راس مع النف ِ س ،فأنتِ ما شاء َ ن ن القرآ ِ س ومعرفة ٍ بقوانينِ الل ّه ِ م ِ َ الل ّه ُ على دراية ٍ بعلم ِ النف ِ ن ّهات صديقاتي لا يتمت ّع َ ال كري ِم وسن ّة ِ رسوله ِ ؛ وكثير ٌ من أم ِ صفات. ِ بهذه ِ ال و هذا يحمّلك واجبَ تعلميهنّ مم ّا أنقله ُ لكِ ،أقصد ُ مم ّا علّمناالل ّه. ن الل ّه ِ يا أم ّي .م ِن فضل ِكِ أكملي كلام َكِ ،فأنا ل بإذ ِ سأفع ُل قلبي وعقلي جعل َني أبصر ُ أمورا ً لم ن نورا ً دخ َ أشعر ُ الآنَ أ ّ ل. أعهدها م ِن نفسي م ِن قب ُ ح الل ّه ُ عليكِ يا بنتي وزاد َك فهماً ...سأكمل ُ. فت َِ جميع النواحي :السلبي ّة ِ للموقف م ِن ِ ن عليكِ أن تنظري قلنا إ ّ والإ يجابي ّة ِ و م ِن حيثُ أثر ُه ِ و نتائج ِه ِ عليكِ وعلى الم ِ جتمع وم ِن
جالات جميع ِها ،النفسي ّة ِ والاجتماعي ّة ِ والمادي ّة ِ ِ ل الم خلا ِ 285
لن أسري وحدي
والفكر ي ّة ِ و ........وعلى المدى القريبِ والبعيدِ. انتظري قليلاً ،هذا كثير.ل الموقف م ِن خلا ِ َ مهارات يا بنتي ...تعالج ينَ ٍ إ ّنها ثلاثُسنوات ،على أن ٍ رؤ ية ِ نتائج ِه ِ القريبة ِ والبعيدة ِ على مدى ختلف النواحي ،أي ات م ِن م ِ ات والإ يجابي ّ ِ تنظري إلى السلبي ّ ِ ائج القريبة ِ ات والإ يجابي ّ ِ مهارة ُ رؤ ية ِ السلبي ّ ِ ات ومهارة ُ رؤ ية ِ النت ِ ِ ِ ل للموضوع ،على أن تنظري للأمر ِ م ِن والبعيدة ِ جميع العوام ِ مهارات ِ برامج تنمية ِ المؤث ّرة ِ فيه ِ .وهذه المهاراتُ تسمّى في بع ِ ض ِ التفكير ِ ب :مهارة ِ معالجة ِ الأفكارِ (السلبيّات والإيجابي ّات)، ِ النتائج.1 ل ،ومهارة ُ ومهارة ُ اعتبارِ جميع العوام ِ ِ
ت الأفكار ُ في عقلي .بق َي عليّ أن أدرّبَ -رائ ٌع .الآنَ انتظم َ ِ
-1انظر (هندسة التفكير ،أمل طعمة و رند العظمة) .و(اتخاذ القرار والسلوك القيادي ،أمل طعمة) 28٢
لن أسري وحدي
ك. عقلي لذل َ ح يا بنتي ،فلا تكفي معرفة ُ الطر يقة ِ الصحيحة ِ للتفكير ِ، صحي ٌمرة ٍ على استخدا ِم هذه ِ بل يجبُ أن تدرّ بي نفسَكِ ك ّ ل ّ
ك ،يقوم ُ بها ح طر يقة ً معتادة ً في تفكير ِ ِ المهارات حت ّى تصب َ ِ عقل ُكِ دونَ شعورٍ منكِ .
ل أن ك يا أم ّي ج ّدا ً ج ّدا ً ج ّدا ً ..سأحاو ُ رائ ٌع ج ّداً ...أشكر ُ ِمر معي ،وسأكتبُ على الورقة ِ دراستي له ُ حسبَ أتذك ّر َ موقفا ً ّ المهارات ثم ّ أعرض ُها عليكِ لتصو ّبي لي. ِ هذه ِ
ك. أحسنت يا بنتي ..هي ّا أنا في انتظارِ ِ ِ -
287
لن أسري وحدي
- 18 -
(وشاورهم في األمر ،فإذا عزمُتُ فتوكُلُ على هللا) ُ
س ،ل كن ّي لم أشأ أن أسأل َها فور َ بد َت أم ّي حزينة ً ،م ُطرقة َ الرأ ِ للبيت. ِ وصولي ن انتهى الغداء ُ وكانَ الوجوم ُ باديا ً على والدي أيضاً ،فعرفتُ أ ّ
ق بالأسرة ِ أو ما بين َهما. الأمرَ يتعل ّ ُ
288
لن أسري وحدي
أسرعتُ إلى غرفتي ،لم أستطع أن أرك ّز َ في دراستي كالعادة ِ، فح ُزنُ أم ّي أثـــّ ر َ فيّ كثيراً ،لم أعتد عليها إلا وهي باسمة ُ الثغرِ مشرقة ُ الوجه. ِ ِ أستكشف َ وصنع الشاي ل المطبخ بالذهاب إلى ِ ل حاولتُ التعل ّ َ
ِ ل الأخبار َ ،فوجدتُ أخي في المطبخ أيضاً ،يبدو أن ّه ُ يقوم ُ بالعم ِ ل الآخر َ ،فبادرت ُه ممازحة ً: ن كلانا يسأ ُ ذاته ِ ،التقت أنظار ُنا وكأ ّ ن الحلوى؟ هل جعتَ يا محم ّد؟ أم تراك َ تبحثُ ع ِأبحثُ عن أم ّي.ِ لوقع جوابه ِ أثرا ً بليغاً ،فتغي ّر َت ملامحي وبدا عليّ الحزنُ، كانَ
ن خروج أخي م ِ َ وشردتُ مع أفكاري ،حت ّى أن ّي لم أنتبه إلى ِ ِ ن جاهز ي ّة َ ق الماء ِ مد ّو ية ً تعل ُ المطبخ بعد َ أن سمعتُ ص ّفارة َ إبر ي ِ كوب ِ ل إعدادي ل الماء ِ ،كنتُ أتحر ّك ُ ببطء ٍ شديدٍ خلا َ ل أم ّي عم ّا يحزنُها كيف أستطي ُع أن أسأ َ َ الشاي ،لا أدري ِ
289
لن أسري وحدي
ل إلى غرفت ِها ،فإذا بي وكيف أبدأ؟ كنتُ أفك ّر ُ بحيلة ٍ لأدخ َ َ أجد ُ أم ّي أمامي .أفقتُ م ِن شرودي مدهوشة ً ...حت ّى علامات وجهي ،بادرتني بالسؤال: ِ استغرب َت أم ّي هل تصنعينَ الشايَ يا علا؟بكوب؟ ٍ نعم يا أم ّي ؟ هل ترغبينَطبعاً ،ظننت ُك ستحضرين َه ُ لي !ل يدي ل كي أحسستُ بغبائي ،فقد كانَ هناك َ عذر ٌ في متناو ِ ل عليها في غرفت ِها. أدخ َ ك كوب َكِ يا أم ّي في غرفت ِكِ .هل ذهبَ والدي؟ سأحضر ُ ل ِل الغداء ِ مباشرة ً ،أحضري كوبا ً ك بعد َ تناو ِ نعم ذهبَ أبو ِض الحلوى. ن الشاي مع بع ِ مِ َ
291
لن أسري وحدي
أسرعتُ بتحضير ِ الشاي ،وتبعتُها إلى غرفتِها ولم أتحم ّل الانتظار َ
ِ بطرح سؤالي وأنا أق ّدم ُه لها. أكثر َ حيثُ قمتُ -أم ّي أريد ُ أن أسألَكِ .لماذا أنتِ حزينة ٌ؟
عدّل َت أم ّي م ِن جلست ِها ،وتغي ّر َت ملامح ُ وجه ِها وقال َت: هل بدوتُ حزينة ً؟ك أبي .كانَ طيلة َ الغداء ِ يظهر ُ على وجهه ِ نعم يا أم ّي .وكذل َالهدوء ُ الحذِر ُ أو الحزين. ق العاصفة يا بنتي. لا تخافي ليس هدوءا ً يسب ُن السكينة ِ ل ابتسامة ً رائعة ً ،فيها م ِ َ ورسم َت على ثغرِها الجمي ِ والوقارِ ما أحب ّه ُ. أم ّي هل تخفينَ عن ّي؟ وأنا ابنت ُك المفضّ لة.291
لن أسري وحدي
الابتسامات ،وقال َت: ِ تبادلنا راتب مغرٍ ل في بلد ٍ أجنب ٍيّ و ب ٍ لقد جاء َت لأبيكِ فرصة ُ عم ٍك فعلي ّا ً. العرض ،بل قر ّر َ ذل َ َ ل ج ّداً ،وهو يفك ّر ُ أن يقب َ فتحتُ فمي ،وأنا لا أص ّدقُ ما أسم ُع. هل تمزحينَ يا أم ّي؟ و لم َ لم تخ برونا؟ٍ ك، بارتياح لذل َ لأن ّي حت ّى الآنَ متردّدة ٌ منقبضة ٌ ،لا أشعر ُك أم ّي دونَ أحب وطني كثيرا ً ولا أرغبُ في تر ِ ّ رب ّما لأن ّي ك البلد ِ العناية ِ بها ،كما أن ّه لن يستطي َع أن يرت ّبَ إقامتَنا في ذل َ إلا بعد َ سنة ٍ. طبعا ً كما عل ّمت ُكِ لا ينبغي لمشاعر ِنا أن تسيطر َ على قرارِنا ،ل كن ّي ات كثيرة ٍ يقع ضكم لتح ّدي ٍ ن السفر َ إلى بلد ٍ أجنب ٍيّ قد يعر ّ ُ أرى أ ّ فيها م َن يستقر ّ في بلد ٍ غير ِ إسلاميّ.
292
لن أسري وحدي
ِ جميع لأي أمر ٍ م ِن نعم لقد عل ّمت ِني يا أم ّي أ ّن علينا أن ننظر َ ّ ِ الجوانبِ . ض جوانبِ الأمر ِ، ح ..رغم َ اختلافي م َع أبيك في بع ِ صحي ٌل ما أستطيع ُه ُ لإن ِ جاح ما يريد ُ. ل كن لاب ّد أن أدعم َه ُ بك ّ ِ
أنتِ رائعة ٌ يا أم ّي.هذا واجبي يا بنتي ،فمهما اختلفنا في الرأي يبقى القرار ُ الأخير ُلرب وقائدِ الأسرة ِ. ِّ لفتة ٌكريمة ٌ رائعة ٌ منكِ يا أم ّي.يا بنتي هذا هو ما يجبُ القيام ُ به ِ إزاء َ قرارِ القائدِ وأتباع ِه ِ سواء ًل. في المنز ِ ل أو العم ِ
وضح ينَ لي يا أم ّي؟ -هل ت ّ
293
لن أسري وحدي
ح صوا النص َ يخل ُ يا بنتي للقائدِ أن يشاور َ م َن حول َه ُ ،وعليهم أن ُح الأمر ِ في غير ِ رأيِهم، له ُ و يقولوا رأيَهم ،ول كن ّه ُ إن رأى صلا َ ل ما أوتوا ،هذه ِ فعليهم أن يطيعوه ،بل ويدعموه ُ بعد َ ذل َ ك بك ّ ِ جالات جميع ِها؛ ِ القاعدة ُ الهامّة ُ ليست في الأسرة ِ فقط ،بل في الم ح القائد ُ للمرؤوسين ن سرّ القيادة ِ الناجحة ِ أن يفس َ ح أ ّ فصحي ٌ
ن عليهم ن الراحة ِ والشفافية ،إلا أ ّ حر ي ّة َ إبداء ِ الرأي في ج ٍو ّ م ِ َ
ووقت ،وإلا ٍ ل ما أوتوا م ِن جهدٍ حقّ الطاعة ِ ودعم َ قرارِه ِ بك ّ ِ خاص، س له رأيه ُ ال ّ ل مرؤو ٍ ل الجماعيّ؛ تخي ّلي لو ك ّ ح العم ُ لما نج َ ح فكيف يتم ّ الأمرُ وينج ُ َ ل منهم يريد ُ أن يسود َ هذا الرأي، وك ّ ٌ
ل؟ العم ُ
ات القيادة ِ الحديثة ِ مهما كانَ نوع ُها ومفهوم ُها ن جمي َع نظر ي ّ ِ إ ّ ق ن الطر ي ِ ق على ضرورة ِ دع ِم قرارِ القائدِِ ّ ، تت ّف ُ بغض النظرِ ع ِ الذي تم ّ اتّ خاذ ُ القرارِ فيه. ك فأنتِ ستدعمينَ قرار َ أبي رغم َ فهمتُ الآنَ يا أم ّي ..لذل َ294
لن أسري وحدي
عد ِم قناعت ِكِ به ِكثيراً. ك قد رأى أمورا ً لا أراها ..فما دمنا قد تشاورنا ن أبا ِ لاب ّد أ ّل على الل ّه ِ ونسأل ُه ُ تعالى أن يختار َ الخ ير َ، واستخرنا فإن ّنا نتوكّ ُ ضينا فيه. وييسر َه ُ لنا ،و ي ُر ّ حقيقة ً يا أم ّي لقد أخاف َني الخ بر ُ وأقلق َني.ل مازال أمرُ انتقال ِنا إلى ل الأحوا ِ لا تقلقي يا بنتي .في ك ّ ِل الل ّه َ الرضا. هناك َ بعيداً .نسأ ُ
ح يا أم ّي .يبدو أن ّكِ الآنَ أكثر َ ارتياحا ً م ِن قبل. صحي ٌك ،رب ّما لأن ّي وأنا أتح ّدثُ معكِ ترت ّب َت نعم ...أشعر ُ بذل َت الصورة ُ أوضح َ أمامي ،وذك ّرتُ نفسي أفكاري أكثر َ ،وبد َ ِ لأسباب ِ برب ا ِّ ق ن أن ي ّتخذ َ الأسبابَ ثم ّ يث َ بأ ّ ن على المؤم ِ ك يا بنتي. ويتوكّ َ ل عليه .شكرا ً ل ِ 295
لن أسري وحدي
الصف ِّ هل تعرفين يا أم ّي ،لقد دار َ حديثٌ بينَ رفيقاتي فيل ح ّقهنّ في حر ي ّة ِ إبداء ِ الرأي ،فبعض ُهنّ كُنّ يردّدنَ أن ّه حو َ يحقّ لهنّ اتّ خاذ ُ قرارِهنّ بأنفسه ِنّ ،وعلى والديهم أن يح ترموا اش ل؛ وكانَ النق ُ رغباتِهنّ و يوافقوا على قرارهنّ دونَ تدخ َ ٍ ِ ن الشرع والدي ِ حامي الوطيس ،لم أستطع أن أقنعهنّ بحجة ِ
ن ،ولم ملتزمات بالدي ِ ٍ ن بذلك ،فهنّ غير ُ للأسف لا يعترف َ ِ لأ ّنهنّ ل الفكرة ِ لهنّ ..الآنَ فقط أستطيعُ أجد لهنّ حج ّة ً منطقي ّة ً لإيصا ِ أن أحاور َهنّ .ج ُزيتِ خيرا ً ياأم ّي .سأذهبُ إلى غرفتي لأبدأ الدراسة. سمتُ و قبّلتُ يد َها ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي . تب ّ
29٢
لن أسري وحدي
- 19-
أسرار ُ سر مُنُ (خزكيةُ النفسُ وبناءُ عاداتُ عقليُةُ سليمةُ ُ الرخقاءُ والنجاح) ُ
ن ما تقولين َه عن هندٍ صحيح ،فهند ُ تحب ّكِ لا أظنّ يا سلوى أ ّك أبداً ،هذا ما أعرف ُه ُ عنها .صدقيني. ولم تقصد أن تسيء َ ل ِ
الموقف وأحسني الظنّ بها. ِ أعيدي النظر َ في حسنا ً ..مع السلامة.
ل: الهاتف وأنا مغضَبة ٌ .بادرتني أم ّي بالسؤا ِ ِ أغلقتُ سماعة َ مابكِ يا علا؟ لم َ أنتَ واجمة؟297
لن أسري وحدي
ن الحياة َ ليست سهلة ً! لا أدري يا أم ّي؟ كأ ّسم َت أم ّي ابتسامتَها اللطيفة َ ،وقال َت: تب ّ خيرا ً يا علا؟ ماذا حصل؟ هل هناك َ مشكلة ٌ بينَ زميلات ِك؟ل منهما لا تريد ُ أن نعم يا أم ّي .أظنّ أن ّه ُ سوء ُ تفاه ٍم ،ل كن ك ّتسم َع إلا ما تريد ُ سماع َه؛ لقد تكل ّمتُ مع َهما معاً ،وشرحتُ
ل منهما ،ل كنّهما لم تستمعا ،وكأن ّي أتحدّثُ لهما وجهة َ نظرِ ك ّ ٍ
ل واحدة ٍ في الهواء ِ ،ما إن أنتهي م ِن كلامي حت ّى تتكل ّم َ ك ّ قط ..تعيد لي كلامها هي ووجهة َ نظرِها! منهما وكأ ّنها لم تسمعني ّ جيب أمرُهما! ع ٌ
للأسف إحدى أخطائنا ..إن ّنا لم نعتد إلا ِ ليس عجيبا ً ...هذه ِ َل من ّا يجهّز ُ جلسات الحوارِ يقب ُع ك ّ ِ سماعَ صوت ِنا نحن؛ حت ّى في وللأسف يقوم ُ ِ الكلمات التي سيقول ُها دونَ أن يصغي َ للآخر! ِ 298
لن أسري وحدي
حنيف ن دين َنا ال َ تثبيت هذه الثقافة ِ الخاطئة ِ ،مع أ ّ ِ التلفاز ُ ببرامج ِه ِ ب ل كانوا مهما اختلفوا يصغونَ و يعترفونَ بالآخر ِ وعلماء َنا الأوائ َ
حرج ،يفرحونَ لرؤ ية ِ الحقّ ِ أينما كانَ ولو م َع أو بخطئ ِهم دون َما ٍ نظير ِهم أو منافس ِهم. لماذا يا أم ّي ؟س البشر ي ّة ِ أن تتحي ّز َ لرأيِها ورؤيت ِها يا بنتي إ ّن م ِن طبيعة ِ النف ِ س البشر ي ّة ِ م ِن وذاتِها ونظرتِها ..هذه ِ تركيبة ٌ موجودة ٌ في النف ِ
اعات ته ّدد ُ ٌ س إن واجهتها صر ل أن تستمر ّ في الحياة ِ ولا تيئ َ أج ِ
ن الوقو ِع فريسة َ ل بنسبة ٍ معي ّنة ٍ تحميها م ِ َ وجود َها ،على أن تظ ّ
س اليأ ِ س أو عد ِم الثقة ِ؛ هذه ِ هي الحكمة ُ م ِن وجودِها في النف ِ لتحافظ َ البشر ي ّة ِ ،ل كنّها طبعا ًتكبر ُ وتنمو إذا لم يتم ّ وض ُع حدودٍ لها ل للج َورِ أو ظلم ِ الآخرين والتع ّدي على أداء ِ وظيفت ِها دونَ أن تص َ
ل عز وج ّ على فكر ِهم أو آرائِهم؛ هذه ِ الحدود ُ هي التي طالب َنا الل ّه ُ ّ 299
لن أسري وحدي
وطلب الحقّ ِ أينما كانَ ولو عكس ِ سنا والارتقاء ِ بها بتزكية ِ أنف ِ ل ك ،ونحمي أنفس َنا م ِ َ ما نهوى؛ وم ِن ه ُنا نؤج َر ُ على ذل َ ن الزل ِ
ِ والوقوع في مهاوي الظلم ِ.
ل اممم ...فهمٌ رائ ٌع يا أم ّي لم يخطر في بالي أبداً .أحيانا ً مث ُالمواقف ت ُشعر ُ الإنسانَ بالإحباطِ ،ل كنّ شرح َكِ الآنَ ِ هذه ِ ن هذا شيء ٌ طبيعيّ إذا لم يق ِم الإنسانُ بتزكية ِ نفسه ِ يُظه ِر ُ أ ّ والارتقاء ِ بها. ح يا بنتي ...لا ت ُصابي بالإحباطِ إن رأيتِ إنسانا ً متدي ّنا ً صحي ٌل أقسى الكلا ِم ن عنه ،وانزا ِ ك ،أو تقومي بنفي الدي ِ ل ذل َ وهو يفع ُ فيه ..قد يكونُ مخطئا ً ،لأن ّه ُ لم يفهم هذا الجانبَ ،أو ضعف َت النقاش إلى ته ٍم َ ّلت الموقف ،ل كن ّكِ إذا حو ِ ِ نفس ُه ُ في هذا ل إلى الفكرة ِ التي ي ،لن يستطي َع أبدا ً أن يص َ ل شخص ّ تقذفين َها بشك ٍ
ِ ِ المدافع عن المنافح و حها ،لأن ّكِ ببساطة ٍ وضعته ِ بدورِ ن طر َ تودّي َ 311
لن أسري وحدي
لنحافظ على استمرار ي ّة ِ وجودِنا َ نفسه ِ ،وهي طبيعة ٌ خلق َنا الل ّه ُ بها
لموقف يه ّدد ُ وجود َنا ،ل كن ّه ُ تعالى ترك َ لنا مهمّة َ ٍ إن تعر ّضنا ِ الصحيح ،بينَ ح ّدي احترا ِم ن سنا بغية َ وضع ِها في المكا ِ تزكية ِ أنف ِ
س ل النقدِ والتصويبِ وبينَ عد ِم الإحباطِ واليأ ِ الآخر ِ وقبو ِ ل أحد ُهم تثبيط َنا أو زعزعة َ الثقة ِ بكيان ِنا و وجودِنا. مهما حاو َ ل ن الوصو َ س البشر ي ّة ِ وأ ّ وهذا الأمرُ يحتا ُ ج إلى فه ِم طبيعة ِ النف ِ ق الل ّه ِ وعطاء ٍ منه ُ سبحانه ُ ،فلا يغتر ّ أحد ُنا إن للحقّ ِ هو م ِن توفي ِ ن أن ي ُعطي َه ُ ح والصوابُ ،بل يرى أن ّه ُ عطاء ٌ يمك ُ حالف َه ُ النجا ُ
ج س ،فعليه ِ تتب ُع الحقّ ِ أينما كانَ ،وهذا يحتا ُ ن النا ِ الل ّه ُ لغيره ِ م ِ َ وعي وفه ٍم لهذه ِ الحقيقة ِ. س م َع ٍ إلى تدريب ومجاهدة ٍ للنف ِ ٍ
ِ مرة ً ن أعل َ ن إنسا ٌ فالمتدي ّ ُ ن أن ّه ُ يريد ُ أن يلتزم َ بشرع رب ّه ِ ،ل كن ّه ُ ّ
ل فكرت َنا أو ندل ّه ُ على ح ..فحت ّى نستطي َع أن نوص َ ق وأخرى ينج ُ يخف ُ ل الخطأ ِ يه ّدد ُ شخصي ّت َه ُ أو نجعل َها خطئ ِه ِ ،علينا أن نبتعد َ عن جع ِ
ِ للدفاع ،ونض ُع على عينيه ِ تبدو موقفا ً شخصي ّاً ،لأنّنا بهذا سندفع ُه 311
لن أسري وحدي
ل ص ٍ حيح دونَ التأث ّر ِ ِ ل رؤ ية َ غشاء ً نفسي ّا ً يجع ُ الموقف بشك ٍ ل إلا م َن رحم َ رب ّي و وهبه ُ الصدقَ بالذات ضربا ً م ِ َ ِ ن المستحي ِ
ح أو التربية َ والإخلاص والتجرد َ للحقّ ِ؛ ل كنّ م َن يريد ُ الإصلا َ َ عز ك قا َ س لا تستطيع ُه ُ ،ولذل َ ن أغلبَ النا ِ يجبُ أن يعلم َ أ ّ ل الل ّه ُ ّ
وج ّل منبّ ِها ً رسول َه ُ ال كريم :ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻﭼ
آل عمران.159 :
ِ ل أقوا ٍم يفعلون ل الل ّه ِ يقول :ما با ُ نصح رسو ِ و كانَ أغلبُ ح بالاس ِم و يشير ُ أمام َ الملأ ِ كذا ...و لم يكن عليه ِ السلام ُ يصرّ ُ ل الخسائر ِ و أيسر ِ ن المرب ّي يهمّه ُ أن يتم ّ الإصلا ُ ك ،لأ ّ بذل َ ح بأق ّ ِ س بما لا يتنافى ق؛ هذا هو جوهر ُ دين ِنا ..التيسير ُ على النا ِ الطر ِ ل ن ومقاصدِه ،وهذا يقاربُ الفطرة َ وأيسر ُ لقبو ِ ل الدي ِ م َع أصو ِ 312
لن أسري وحدي
للأسف ظهر َت كثيرا ً في الآونة ِ ِ ح؛ وهذه ِ مشكلة ٌ و س النص َ النف ِ
ن النص ِ ح إلى جماعات م ِ َ ِ الأخيرة ِ ،بينَ الأفرادِ وال ن ابتعادٍ ع ِ
ِ وقذف الته ِم أو التكفير! ِ القدح
للأسف يا أم ّي .الآنَ فهمتُ ما جرى بينَ رفيقاتي؛ وكأن ّكِ ِ معنا يا أم ّي كلمة ً بكلمة. سم َت أم ّي وقال ّت: تب ّ لأ ّنها طبيعة ُ البشر ِ أينما كانوا إلا إذا وع َوا ودرّ ب ُوا أنفس َهمل لوقت ،وأن يبدأ ك ّ ٍ ج وجاهد ُوها لتزكيت ِها؛ وكما قلتُ هذا يحتا ُ
ِ النصح ج النبو ّة ِ في ن بنفسه ِ و يكونَ قدوة ً أ ّولاً ،ثم ّ يلتزم َ نه َ إنسا ٍ ِ س. والإصلاح بينَ النا ِ والإرشادِ
ل ل يلحّ عليّ وقد فس ّرت ُه ُ قليلا ً في كلام ِكِ ،ول كن مازا َ سؤا ٌس شيء ٌ. في النف ِ
ن الحقّ واحدٌ؟ أحيانا ً حت ّى لو كانَ ختلف بالرأي م َع أ ّ لماذا ن ُ 313
لن أسري وحدي
ي إلا ل الكلام َ إلى أمر ٍ شخص ٍ ّ يحو ّ ِ الآخر ُ موضوعي ّا ً في كلامه ِ ولم ُ ن الآخر َ يصعبُ عليه ِ رؤ ية ُ ما يقول ُه ُ أحياناً؟ أ ّ
حدث ج رؤيت َه ُ لل ِ ل يا بنتي يحكم ُ على الأمورِ أو يستنت ُ العق ُالقيم والعقائدِ والأفكارِ ن ق مجموعة ٍ م ِ َ والموقف و يفس ّر ُه ُ وف َ ِ ِ ل عملي ّة ِ التفكير ِ. ل التي تعو ّد َ أن يستخدم َها خلا َ ِ وعادات العق ِ
حت عادة ً عقلي ّة ً وانتبهي ه ُنا" ،طر يقة ُ التفكير ِ التي اعتاد َها أصب َ بموقف مشابه ٍ ،فإن ّه ُ ي ّتخذ ُ الأسلوبَ نفسَه ُ في ٍ مر لديه" .كل ّما ّ مواجهت ِه ِ ،فإن كانَ قد عوّد َ فكر َه ُ على رؤ ية ِ وجهة ِ نظره ِ فقط،
ليس لديه ِ هذه ِ ل أن ينظر َ في النواحي الأخرى ،أو َ ولا يحاو ُ يضيف لرأيه ِ رأيَ الآخرين كي تكونَ نظرت ُه ُ َ القناعة ُ بأهمي ّة ِ أن ل عندئذٍ سيت ّب ُع أسلوبَ الرأي الأوحد! ق وأشم َ أعم َ ك المشاعرُ ...جمي ُع هذه ِ النفس وهواها دور َها ،وكذل َ ُ كما تلعبُ
ِ ص أو اتجاهه ِ وفكره ِ ،فإذا صنع رأي الشخ ِ ل تتشارك ُ في العوام ِ
قيم وأفكارٍ لم يكن للشخ ِ ص وعي ٌ فيما ي ُدخل ُه ُ إلى عقله ِ م ِن ٍ 314
لن أسري وحدي
العادات الصحيحة ِ ِ ومعلومات ،ولم يس َع إلى تدريبِ عقله ِ على ٍ لناس كثيرا ً. ختلف ا ُ ل هذه ِ الغشاوة ُ و ي ُ في التفكير ِ عندئذٍ تحص ُ س وعاداتُ تفكيرٍ. فلك ّ ٍ ل منهم هوى نف ٍ مرعب ح ّقا ً يا أم ّي .لم أتخي ّل أهمي ّة َ الوعي فيما أسم ُع أو ٌ -شيء ٌ
كلمات وآراء ٍ ...وما أدخلُه ُ إلى عقلي ...ولم ِ قط أع ّ ٍ أقرأ م ِن ل. عادات التفكير ِ السليمة ِ ...لم تذكريها لي يا أم ّي م ِن قب ُ ِ فكرة َ ك باسم ِها ل كن ّي يا عزيزتي أقوم ُ بتطبيق ِها صحي ٌح لم أذكرها ل ِ ح عادة ً لديك. طرقَ التفكير ِ السليمة َ حت ّى تصب َ ك ،وأعل ّم ُكِ ُ أمام َ َ ل ل قلبي ،أسأ ُ ما أروع َكِ م ِن أ ٍمّ ...أشكر ُ ِك يا حبيبتي م ِن ك ّ ِ ق ما تنصحينني به ،وتوجهيني م ِن خلاله، الل ّه َ أن يعينني فأطب ّ َ ل وعلا أن يوفق َني لأكونَ كما فأنا في نعمة ٍ عظيمة ٍ ،أسأل ُه ُ ج ّ
ل فيت ّبعون ن الذين يستمعونَ القو َ حب ويرضى ،وأكونَ م ِ َ ي ّ أحسن َه. 315
لن أسري وحدي
ن الل ّه ِ يا حبيبتي ،هذا دعائي دائما ًلي ول كم؛ مادام َ الإنسانُ بإذ ِطلب الحقّ ِ فلاب ّد أن يعين َه الل ّه ُ مهما أخطأ فإن ّه ُ سر يعُ ِ صادقا ً في
ِ الصحيح؛ هذه ِ هي أه ّم خاصيّة ٍ في ق الأوبة ِ والعودة ِ للطر ي ِ المؤمن ،فاحرصي عليها.
ك الل ّه ُ خيرا ً يا حبيبتي وأعانني كي أقر ّ ل إن شاء َ الل ّه ُ .جزا ِ أفع ُك. عين َكِ وأسعد َ ِ
ل قبّلتُ أم ّي وعدتُ إلى غرفت ِي وفتحتُ دفتر َ مذك ّراتي كي أسج ّ َ ما تعلّمت ُه ُ حت ّى لا أنساه ،فما تعلّمته اليوم َ هامّ ج ّداً ،عليّ أن أسعى لتطبيق ِه ِ ،وهي طر يقة ٌ علمتني إ ي ّاها أم ّي ،وأجد ُها نافعة ً قد ق ق فبينَ السب ِ ن الطر ي ِ أعانتني كثيرا ً عندما أنسى وأبتعد ُ ع ِ الهدف. َ خر ِ تذّكر ُ والتأ ّ
31٢
لن أسري وحدي
– 21-
السلوك
المشاعر
ّ
األفكار
ّ
بقوم حتّى يّغيروا ما بأنفسّهم") ّ التغيير "إنّ هّ ّ (معادلةّ للا ال يغي ّر ما ٍ
ك لل ّه ِ " ح المل ُ ُ "أصبحنا وأصب َ تمتمتُ بها عندما أصبحتُ ،وأخذتُ أفك ّر ُ بمعانيها وأنا أستع ّد للصلاة.
317
لن أسري وحدي
ت ُرى ما الحكمة ُ م ِن هذا الدعاء ِ وبهذه ِ العبارة ِ بالذات؟ وماهي ل إلى عقلي؟ وماهي الفكرة ُ التي يريد ُ الل ّه ُ من ّي الرسالة ُ التي ستص ُ
أن أبرمج َ عقلي َ وفق َها؟
ج عن مل كه ِ شيء ٌ سبحانه ُ. ل شيء ٍ بيده ِ ،ولا يخر ُ ك لل ّه ِ) ك ّ (المل ُ
ك ورقة ُ شجرٍ أن تق َع إلا بعلمه ِ ،ﭧ ﭨ ﭽ ﯬ فلا تمل ُ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰂﰃﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭼ سورة الأنعام. ل جلاله ُ ،فيجبُ أن ل شيء ٍ يق ُع تحتَ سيطرته ِ وفي م ُل كه ِ ج ّ ك ّ ن س فيها ،إلا أ ّ ك الحقيقة ِ التي لا لب َ أبدأ يومي وأنا متذك ّرة ٌ لتل َ ح واثقة ً الاعتياد َ عليها قد يجعل ُها غائبة ً عن ّا ،وعند َ تذك ّر ِها أصب ُ ن مل كه ِ وهو الرحيم ُ الودود ُ، ومتوكّلة ً ومطمئن ّة ً لوجوديَ ضم َ 318
لن أسري وحدي
العزيز ُ المقتدر ُ ،فلا أخشى أحداً. ح خائف ،و يفر َ ن ال ُ ح المتعبُ ،و يأم َ ن حت ّى يرتا َ إ ّنها رسالة ُ اطمئنا ٍ ِ ل ل معها الأم َ الصباح لتحم َ ل وجهه ُ مع إشراقة ِ المحزونُ ،ويتهل ّ َ ِ ل ق من الأب ِ وفتح المغل ِ ن الأمورِ، في تيسير ِ المعس ّر ِ م ِ َ واب ،وتبدي ِ
ن منه. ل بأحس َ الحا ِ ن ل منها جزءا ً م ِن مخزو ِ ل يو ٍم يجع ُ هذه ِ الرسالة ُ وتكرار ُها ك ّ القلب ،فيصدر ُ عنه ِ َقدي الذي ي ُعق َد ُ في ن الإنسا ِ الفكري والع ّ ِ ِّ ق والب ِشر. السلوك ُ بالإشرا ِ ن س معاني َ العزة ِ والاطمئنا ِ وإ ّ ن تكرار َها يومي ّا ً ل َيبعثُ في النف ِ النفس الإنساني ّة ُكي تبدأ ُ والثقة ِ والسكينة ِ ،وهذا ما تحتاج ُه ُ ل إعمارِ ال كون. حها سعيا ً و ِ فتنشط جوار ُ َ يوم َها به ِ جدّا ً في سبي ِ ن تكرارها دونَ تفك ّر ٍ يفقد ُها بر يق َها وأثر َها، ن جميلة ٌ .إلا أ ّ معا ٍ ن في هدف الإنسا ِ َ الهدف والغاية َ منها؛ كما أن َ فنخسر ُ عندئذٍ 319
لن أسري وحدي
ج حب خالق ُه مطابقا ً لهداه ُ وشرع ِه ِ يحتا ُ ق ما ي ّ ن وف َ إعمارِ ال كو ِ الأحداث .وم ِن ه ُنا ِ دائما ً لم َن يذك ّر ُه ُ به ِ حت ّى لا يحجب َه غبار ُ
كان َت روعة ُ دعاء ِ رسو ِل الل ّه ِ
ل وتعليمِه ِ لنا بتذك ّر ِ هدف ِنا ك ّ
ٍ ن حكماء َنا يقولون " الهدف .إذ إ ّ ِ ق صباح حت ّى تستقيم َ حيات ُه وف َ
لهدف َ ن ا الهدف" ،إ ّنهم يدركون أ ّ َ ق والتأخر ِ تذك ّر ُ بينَ السب ِ ي ُنسى أحيانا ً تحتَ وطأة ِ الحياة ِ ومشاغل ِها ،و أن سرّ ن ِ جاح م َن
ٍ صباح. ل ح ّققوا أهداف َهم هي أ ّنهم جعلوها نصبَ أعين ِهم ك ّ
ل في دين ِنا ولو ل قو ٍ يا آلل ّه! كم م ِ َ ل وفع ٍ ن الحك َم ِ والمعاني في ك ّ ِ فقهناها لس ُدنا العالم َ أجم َع! ح وأحمد ُ وأثني على الل ّه ِ كما أنهيتُ صلاتي وتأمّلي و بدأتُ أسب ّ ُ
أمرَنا ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ الأحزاب.
للذهاب إلى المدرسة ِ ِ ن دفعاني فأحسستُ بنشاطٍ وطاقة ٍكبيري ِ 311
لن أسري وحدي
دونَ تأخيرٍ؛ رتّبتُ غرفتي و سريري ،وخرجتُ أمشي مشية َ ن وسرور ،فيها من الهمّة ِ والنشاطِ ما لم أعهده ُ في نفسي اطمئنا ٍ ل ،ثم ّ أخذتُ ألقي التحي ّة َ بابتسامة ٍ لطيفة ٍ على زميلاتي م ِن قب ُ ك اليوم َ ل :نرا ِ اللواتي شعرنَ بنشاطي وحبوري فبادلنني السؤا َ نشيطة ً سعيدة ً ،خيرا ً إن شاء َ الل ّه ُ ؟ ..يوما ً مباركا ً ومشرقا ً
عبارات كثيرة ٌ لم أحفظها، ٌ ك الل ّه ُ بابتسامت ِك ... ياعلا ..هن ّأ ِ ل كنّها زادتني هم ّة ً وقو ّة.
ي حت ّى الحصّ ة ُ الأخيرة ُ وأنا أشارك ُ في مضى اليوم ُ الدراس ّ البسمات في ص ّف َي والباحة ِ .وفي الاستراحة ِ ِ س وأنشر ُ الدر ِ سألتني رفيقتي المحظي ّة ُ عندي :لاحظتُ أن ّكِ اليوم َ مبتهجة ٌ أكثر َ أي يو ٍم مضى ،فالحمد ُ لل ّه ِ ول كن أعلميني ما السرّ؟ ابتسمتُ م ِن ّ ِ ل في خاطري وما قرأت ُه ُ البارحة ،فبرق َت عيناها وقلتُ لها ما جا َ ت انسجاما ً وات ّفاقا ً م َع أفكاري ،فقد كان َت تهز ّ رأس َها وأبد َ ِ ت. ل بينَ الفينة ِ والأخرى :صدق ِ وتقو ُ 311
لن أسري وحدي
كانَ يوما ً جميلا ً م ِن أيا ِم حياتي أحسستُ بأن ّي عثرتُ على كنزٍ
ٍ مفتاح ثمينٍ كنتُ قد أضعت ُه. أو
البيت وبدا لي منزلي جميلا ً سعيداً ،كل ما فيه ِ يشدو ِ عدتُ إلى ويبتسم. خبريني ما الخ بر ؟ سأل َت أم ّي.ل. ن السؤا ِ المستغرب م َ ِ -لا شيء َ ! ...أجبت ُها م َع ابتسامة ِ
ن ألاحظ أن ّكِ اليوم َ سعيدة ٌ ،لاب ّد أ ّ ُ بلطف :ل كن ّي ٍ ردّتل السرور َ إلى قلب ِك. هناك حد َثا ً ما أدخ َ -ص ّدقيني لا شيء َ ،غير َ أن ّي أعيد ُ برمجة َ نفسي م ِن جديدٍ.
باستغراب: ٍ نظر َت إليّ -ماذا تقصدين؟
ن نحو َ السماء ِ م ِن نافذة ِ ن وعينايَ تنظرا ِ بصوت حا ٍ ٍ أجبت ُها ِ المطبخ:
312
لن أسري وحدي
لقد تفك ّرتُ يا أمّي في قوله ِ تعالى ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼالرعد. ك وض َع وسيلة َ التغيير ِ ل ورحيم ٌ لذل َ ن الل ّه َ عاد ٌ وعرفتُ أ ّ تفت م ِن عزائم ِنا. الظروف تحبط ُنا أو ّ َ بأيدينا حت ّى لا ندعَ
ن أفكارا ً سلبي ّة ً كثيرة ً ن ّدخر ُها في عقول ِنا، لقد اكتشفتُ أ ّ جها دونَ أن وبالتالي تؤث ّر ُ على طر يقة ِ تفكير ِنا وسلوكِ نا ،ننته ُ ندرك َ آثار َها السلبي ّة َ ،علينا أن نستبدل َها بأفكارٍ صحيحة ٍ من ن (القرآن). ل إلى الإنسا ِ التعليمات الم ُنز َ ِ ِ ل دلي ِ لقد أحسستُ بالقو ّة ِ الهائلة ِ التي أودع َها الل ّه ُ فينا وأعطانا
ن م َن نح ّد م ِن طاقات ِنا وقو ّة ِ إ ي ّاها في هذه ِ الآية ِ ،ل كن ّنا نح ُ التغيير ِ لدينا. ل ماذا يا بنتي؟ مث ُ313
لن أسري وحدي
ن نعرف أ ّ ُ ن ك نا له شيء ٌ آخر .فنح ُ ن معرفت َنا شيء ٌ ،وإدرا َ إ ّك ولو استشعرناه ُ ل شيء ٍ ،ل كن ّنا لم نستشعر ذل َ الل ّه َ بيدِه ِ ك ّ ن ص أو مكر ِه ِ يمك ُ ح ّقا ً فما م ِن قو ّة ٍ ولا سطوة ٍ ولا ذكاء ِ شخ ٍ ل؛ هذه الحقيقة يجبُ أن تنف َي أن ي ُفزِع َنا ،فالل ّه ُ أكبر ُ وأج ّ ن، ق للامتحا ِ ق اتّ جاه َ أيّ شيء ٍ يواجه ُنا ..فلا قل َ مشاعرَ القل ِ
ل ... خوف م ِ َ َ ولا ن المستقب ِ
ن ل م ِن شخصي ّة ِ الإنسا ِ ق تجع ُ خاوف والقل ِ وجمي ُع هذه ِ الم ِ شخصي ّة ً ضعيفة ً ،غير َ مبادرة ٍ ،سلبي ّة ،وهذا مالا يريد ُه ُ الل ّه ُ، ن الل ّه َ لا يغي ّر ُ ما بقو ٍم حت ّى ك ز ّود َنا بالقو ّة ِ الهائلة ِ (إ ّ لذل َ
ل جهدي ك يا أم ّي قررتُ أن أبذ َ يغي ّر ُوا ما بأنفس ِهم) لذل َ
ل ،ولن أق َع خوف أو قل ٍ ٍ ل عليه ِ دونَ وأتوكّ َ ق اتّ جاه َ المستقب ِ ن الل ّه ِ فريسة َ الإحباطِ بل سأشم ّر ُ عن ساعدِ الج ِدّ، بإذ ِ ل نصيحة ٍ أو نقدٍ بناء ٍ ،ولن أدعَ حساسيتي وأستم ُع إلى ك ّ ِ حاجزا ً يبعد ُني عن تطوير ِ نفسي وتنميت ِها. 314
لن أسري وحدي
أدوات ِ لقد أنعم َ الل ّه ُ عليّ يا أم ّي بأن عل ّمت ِني َ ال كثير َ م ِن
ك الل ّه ُ خيراً ،وعليّ الآنَ أن أتدرّبَ عليها التغيير ِ ،فجزا ِ ِ موضع التنفيذِ لتثمر َ هذه ِ المعرفة َ ،وإلا كانت وأضع َها في حب، حج ّة ً عليّ أمام َ رب ّي ،فقد أهداني م َن يعلّم ُني بحنوٍ ّ و ٍّ ق ماعلمتنيه ِ وأغي ّر َ نفسي .أسأ ُ وواجبي الآنَ أن أطب ّ َ ل الل ّه َ
العونَ والسداد َ.
ّب .بارك َ الل ّه ُ بكِ ت يا بنتي .نتائج ُ تفكيرٍ مثمرِ وطي ٍ بورك ِووف ّقكِ لما يحب ّه ُ ويرضاه.
قبّلتُ أم ّي وشكرتُها لاستماعِها واهتمام ِها وتفاعل ِها معي ،ثم ّ ل ثيابي. أسرعتُ إلى غرفتي لتبدي ِ
315
لن أسري وحدي
- 21-
(التعميمُ الخاطئُ أحدُ األخطاءُ الفكريُةُ الشائعةُ التي يجبُ خجنُبُها) ُ
ل كلمة ٍ فيه ،تكل ّم َت م ِن خلالِه ِ كانَ حديثا ً شائقا ً استمتعتُ بك ّ ِ ت الالتزام َ صديقتي حنانُ ع َن تجرِ بت ِها الإيماني ّة ِ عند َما قرر َ ِ جاب الإسلام ِيّ ،و بدء َ مشوارِها إلى الل ّه. بالح ِ ك أسلوبا ً ممي ّزا ً في الكلا ِم ،يش ّد الآخرين لسماع ِه ِ؛ ح ّقا ً إ ّنها تمل ُ إن ّي أحبّها في الل ّه ِ ،فمنذ ُ اللحظة ِ التي رأيت ُها شعرتُ بأ ّنها قريبة ٌ من ّي، ن أحب هذه ِ الطبيعة َ المرِحة َ والجادّة َ بآ ٍ ّ رب ّما شخصي ّت ُها ،أو لأن ّي 31٢
لن أسري وحدي
ق ما تريد ُ، وكيف تح ّق ُ َ ف ماذا تريد ُ، واحدٍ ،واضحة ُ الرؤ ية ِ تعرِ ُ قو ي ّة ُ الإرادة ِ ،صادقة ٌ في مشاعر ِها وأقوال ِها. الصفات أعشق ُها وأحبّها ،ولقد اجتمع َت في شخصي ّت ِها؛ ِ ل هذه ِ ك ّ ك ،كلانا الوقت وأنا حر يصة ٌ على صحبت ِها وهي كذل َ ِ ك ومنذ ُ ذل َ
ِ قد تعاهدنا على المحب ّة ِ في الل ّه ِ حتني وكم والنصح لدين ِه ِ؛ فكم نص َ
نصحت ُها ،وكم تعلّمتُ منها وتعل ّم َت من ّي. ل هذه ِ الأفكارِ كان َت تدور ُ في خل َدي وأنا أستم ُع إلى حديث ِها، ك ّ ف عنها الخبثُ الصف (هيا) ،عُر ِ َ ِّ إلى أن جاء َت زميلة ٌ لنا في حت بنا: والمكيدة ُ وال كذبُ ،جاء َت وصا َ
ن مدرّسة َ واهمات بكلا ِم الآخرين .هل تعرف َ ٌ خدوعات و ٌ -أنتنَ م
ِ ن الإسلا ِم التاريخ التي درّستنا السنة َ الماضية َ وكان َت تح ّدث ُنا ع ِ الفتوحات ورفعة ِ الدين؟ ِ ن كثيرا ً وع ِ ن ن عا ٍمّ م َع مجموعة ٍ م ِ َ وترقص في مكا ٍ ُ لقد رأيت ُها البارحة َ تلهو 317
لن أسري وحدي
ق والأص ِ الرفا ِ حاب ،أمّا أخت ُها المحجّ بة ُ والملتزمة ُ فقد ظلمتني كثيرا ً في السنة ِ الماضية ِ ،وكان َت تسعى إلى تحطيمي لأن ّي غير ُ ملتزمة ٍ، ن الاختبارات الشفهي ّة ِ كثيرا ً م ِن دو ِ ِ صت علاماتي في فأنق َ ذنب. ٍ وق َع علينا الكلام ُ كالصاعقة ِ ،لم تنطق أي ّة ُ واحدة ٍ من ّا بكلمة ٍ ،إلّا خت بأعلى صوتِها: سارة ُ التي صر َ ن فلا أرغبُ بالالتزا ِم به ِ. إن كانَ هذا هو الدي ُ جرس الفرصة ِ مؤذنا ً بانتهائِها ،فعدنا لمقاعدِنا ل كن ّي ظللتُ ُ ن ر ّ
ِ جميع م َن ك عند َ عامّة َ يومي مشغولة ً بما حدثَ ،وأحسب ُه ُكذل َ
ن ما دار َ بين َنا. سمع َ ل حزينة ً مهمومة ً .كنتُ أتشو ّقُ لرؤ ية ِ أمّي عدتُ إلى المنز ِ ل الذي حي ّر َني: ح عليها هذا السؤا َ لأطر َ 318
لن أسري وحدي
ل أن يتغي ّر َ الإنسانُ بهذه ِ السهولة ِ؟ أو هل هي ن المعقو ِ هل م ِ َ ل الدين؟ تمث ّ ُ لا أدري مئاتُ الأسئلة ِ دار َت في خاطري حت ّى أحسستُ بالدوارِ ل كثرة ِ التخب ّطِ بين َها. ل ،أسرعتُ إلى غرفتي وتوضّ أتُ ل كن ّي لم أجد أم ّي في المنز ِ
ِ المطبخ كي أع ّد مائدة َ الغداء ِ ،ل كنّ ذهني كانَ وتوجّهتُ إلى ُ مشغولاً ،فاحترق َت بعض الأطعمة ِ ،ولم أنتبه لها إلى أن جاء َ
أخي وأنقذ َها.
ص ن أخي العزيز َ ق ّ لاحظَت أم ّي على الغداء ِ شرودي ،س ّيما أ ّ ِ ق سبب حر ِ ِ المطبخ عندما سألتني عن ل في عليها ما حص َ
الطعا ِم. سألتني بعد َ الغداء ِ وأثناء َ شرب ِنا الشايَ : 319
لن أسري وحدي
ن ما بكِ يا علا؟ لقد احترقَ الطعام ُ على غير ِ عادت ِك! كما أ ّن على وجه ِكِ .ما بكِ ؟ بوادر َ اله ِ ّم والشرودِ يبدوا ِ قصصتُ عليها ما حدثَ ،ثم ّ توق ّفتُ فلم أعل ّق بشيء ٍ. ك ك لم تخ بريني بمشاعر ِ ِ وأنتِ ما رأي ُكِ بما حدثَ يا علا؟ أرا ِت؟ أو ماذا فعل ِ ت. أنا ...أنا ........ثم ّ سك ّق .حت ّى قطع َه ُ صوتُ أم ّي: ع ّم السكونُ دقائ َ موقف ،وتستعملي ٍ كيف عليكِ أن تحل ّلي أيّ َ -لقد عل ّمت ُكِ يا علا
ن المفاجأة َ أي شيء ٍ ،ول كن يبدو أ ّ ِ مهارات التفكير ِ للحكم ِ على ّ ِ
ن استخدام ِها! هل هذا صحيح؟ أذهل َتكِ ع ِ سقط في يدي .لا أدري ح يا أم ّي .أشعر ُ أن ّي مذهولة ٌ ،أ َ صحي ٌل أنا لا أستطي ُع التفكير َ بشيء ٍ. ماذا أقولُ .ول كن بالفع ِ
321
لن أسري وحدي
ك ك لتستعيدي فكر َ ِ حسنا ً سأساعد ُ ِك ،ويذهبَ عنكِ ذهول ُ ِ تذك ّري: ح أم لا؟ هناك َ ثلاثُ نقاطٍ أساسي ّة ً :أولا ً هل حديثُ هيا صحي ٌق بنبأ ٍ ن آمنوا إن جاء َكم فاس ٌ ن قول َه ُ تعالى (يا أ ّيها الذي َ ألا تذكري َ حوا على ما فعلتم نادمين)؟ فتبي ّنوا أن تصيب ُوا قوما ً بجهالة ٍ فتصب ُ
ن فنلتزم ُ به ِ أم لا أمّا النقطة ُ الثانية ُ والأه ّم :هل نحكم ُ على الدي ِ ل حه ِ أم من خلا ِ ن وصلا ِ وقيم هذا الدي ِ م ِن خلا ِ ل مبادئ َ ِ
ن (بغض النظرِ إن كان ُوا يمث ّلونَ الملتزمينَ بالدي ِ ّ ِ ص ك أشخا ٍ سلو ِ أم لا)؟ ن آدم َ ل اب ِ ل الل ّه ِ (ك ّ أمّا النقطة ُ الثالثةُ :تعرفينَ حديثَ رسو ِ طاء ٌ وخير ُ الخطائينَ التو ّابون)؟ خ ّ نعم أعرف ُه ُ يا أم ّي.321
لن أسري وحدي
ل النا ِ ن الخطأ وارد ٌ ومحتم ٌ أي إ ّس ،وتكل ّمنا كثيرا ً ل م ِن ك ّ ٍ س البشر ي ّة ِ وضعف ِها؟ هل هذا صحيح؟ ع َن طبيعة ِ النف ِ ح ن المه ّم أن يتوبَ الإنسانُ و يصحّ َ ح ،وقلنا إ ّ نعم يا أم ّي صحي ٌخطأه ُ. ن مهما بل َغ ل إنسا ٍ نك ّ ن النقطة ِ الثالثة ِ ،أ ّ ما أقصد ُه ُ يا بنتي م ِ َم ِن علو ٍّ في المرتبة ِ الاجتماعي ّة ِ أو الديني ّة ِ فرب ّما يخطئ ُ ،فلا يجوز ُ
أن ننظر َ إليه ِ نظرة َ قداسة ٍ مطلقة ٍ وكأن ّه ُ نب ّي لا يخطئ ُ أبداً ،وفي
ن لدينا ،ثم ّ نعمّم ُ مقاييس الدي ِ ُ الوقت ذات ِه ِ إذا أخطأ تنهار ُ ِ ن أو ن ومشايخ ُه ُ هكذا فلا أريد ُ ات ّباعَ الدي ِ ل :إذا كانَ الدي ُ ونقو ُ تعلّم َه ُ على أيدي المشايخ! فهذا خطأ ٌ في التصو ّرِ وفي التفكير ِ.
خطأ ٌ في التصو ّرِ لأن ّنا ق ّدسنا المشايخ َ وأنزلناهم مرتبة َ الأنبياء ِ، طاء ٌ) ن آدم َ خ ّ ل اب ِ ل(ك ّ ل الرسو ِ ودين ُنا واضح ٌ صريح ٌ في قو ِ 322
لن أسري وحدي
فلا أعيبُ على أحدٍ خطأه ُ ،و إن ك ن ّا م َن فعلناه ُ فالعيبُ أن الاعتراف به ِ ،و نظنّ أن ّنا فوق الخطأ. ِ ن ُصرّ على عد ِم رؤيته ِ أو
ِ المشايخ وأولي العلم ِ فيجبُ أن يكونَ ات ّباعا ً م ُبصراً، و أمّا ات ّباع ُ
للكتاب و السن ّة ِ .هذا هو ِ لا تقليدا ً أعمى ،فأوافق ُه مادام َ موافقا ً
الطر ي ُق كما عل ّم َناه إ ي ّاه ُ رسو ُل الل ّه ِ
وصحابت ُه الميامين ،فقد
ل سي ّد ُنا أبو بكر ٍ رضي َ الل ّه ُ عنه ُ عندما ولي َ الخلافة َ: قا َ
( فإن ّي قد و ُل ّيتُ عليكم ولستُ بخ ير ِكم ،فإن أحسنتُ فأعينوني؛ وإن أسأتُ فقو ّموني) .1 ق وفه ِم ل الأقوم ُ لاختيارِ الطر ي ِ هذه ِ الرؤ ية ُ المتوازنة ُ هي السبي ُ بب ارتقائِها س البشر ي ّة ِ ،وس ِ ِ يات الإيماني ّة ِ المستو ِ وضعف النف ِ تارة ً وهبوطِها أخرى. خ أو و أما الخطأ في التفكير ِ فهو التعميم ُ ،أي إذا أخطأ شي ٌ ″
″ 323
لن أسري وحدي
عالم ٌ ،رفضتُ التعلّم َ م ِن مصادرِ العلم ِ و علمائِها ومشايخ ِها. ن الخطأ وارد ٌ ،فلا أجرّد ُه ُ س وأ ّ و الصوابُ أن أعي َ طبيعة َ النف ِ ن المل ّة ِ لمجر ّدِ خروج ع ِ م ِن علم ِه ِ أو دينه ِ ،أو أقذف ُه ُ بال كفرِ وال ِ
خطأ ٍ إلا إذا كانَ خطأ ً في عقيدة ِ التوحيدِ ،بل عليّ أن أتاب َع
ووعي ،و ميزاني هو كتابُ الل ّه ِ وسنة ُ نبي ّه ِ العلماء َ عن بصيرة ٍ ٍ ن يا أم ّي ثلاثَ نقاطٍ هامّة ٍ: أنتِ تثيري َالأولى :عليّ التأكّد ُ من صح ّة ِ الخ بر ِ. ل مبادئ ِه ِ وقيمه ِ ن ونحكم ُ عليه ِ م ِن خلا ِ الثانية :هل نأخذ ُ الدي َ ص؟ ل الأشخا ِ وأحكامه ِ أم م ِن خلا ِ تقديس ٍ س مهما عل َت مرتبت ُهم نظرة َ والثالثة :ألا أنظر َ إلى النا ِ وجعله ِم بشرا ً لا يخطئون ،فإذا ما أخطأ أحد ُهم قلبتُ
324
لن أسري وحدي
ن م ِن مصادرِه ِ و علمائ ِه ِ، المِجنّ 1و عم ّمتُ ورفضتُ تعلّم َ الدي ِ بل عليّ أن أتبع َهم ات ّباعا ً م ُبص ِرا ً لا تقليد َ الأعمى ،معتمدة ً كتاب الل ّه ِ وسن ّة ِ رسوله ِ . هل هذا ما قصدت ِه؟ ِ على نعم يا علا .النقطة ُ الثانية ُ هي جوابُ ما سألت ِه ِ ،ول كن ّي أحببتُل عامّ. ك الموضوعَ م ِن م ِ أن أشر َ حل ِ ختلف نواحيه ِ ،وبشك ٍ ن الإنسانَ يتأث ّر ُ بالآخرين وسلوكِهم ،وأغلب ُنا ح يا أم ّي ،لأ ّ صحي ٌص. ل الأشخا ِ ئ م ِن خلا ِ ن أو المباد ِ يحكم ُ على الدي ِ ح وه ُنا الطامّة ُ ال كبرى. صحي ٌن أن توضحي أكثر َ يا أم ّي؟ طامّة! هل بالإمكا ِس حزب أو دي ٍن لي َ ٍ ن :أيّ جماعة ٍ أو ن ومكا ٍ أي زما ٍ أعطني في ّ ِل س والإرادة ِ ،دخ َ ُ في أنصارِه ِ ومت ّبعيه ِ م َن هو ضعيف النف ِ
325
لن أسري وحدي
ن تقية ً أو مصلحة ً أو ر ياءً؟ الدي َ قصص أخطاء ِ ُ ل الل ّهِ؟ ألم ترد ألم يوجد منافقونَ في عهدِ رسو ِ ض الصحابة ِ؟ بع ِ ليس عيبا ًل كنّ المكابرة َ وعدم َ الأوبة ِ إلى الل ّه ِ هي المشكلة ُ الخطأ َ ن ن الدي َ ل؛ كما أ ّ ال كبرى ،أمّا الإنسانُ فلا يوجد ُ أحدٌ كام ٌ س حر ي ّة ِ الاعتقادِ أو الالتزا ِم به ِ. أعطى للنا ِ ل كن يا أم ّي .لا أدري.ف ل تصرّ ِ ن م ِن خلا ِ سؤالي :هل يجوز ُ أن أحكم َ على الدي ِض؟ البع ِ لا.حزب أو دي ٍن التزم َ جمي ُع أفرادِها بمبادئ ِه ِ هل هناك َ جماعة ٌ ل ٍكاملة ً؟ 32٢
لن أسري وحدي
لا .النفس البشر ي ّة َ متفاوتة ٌ في صفاتِها وصدق ِها َ ن طبعا ً لا ،لأ ِّ ن جميع الأديا ِ وأهداف ِها وطبيعت ِها وقدرتِها على السموِ ّ والرق ِيّ؛ وفي
ل كانَ هناك َ م ِن أتباعِهم م َن أخطأ وعندما بعثَ الل ّه ُ الرس َ
ق وخانَ رسول َه ُ. وأساء َ ،بل وناف َ
س ل يدعو إلى خير ِ النا ِ ن م ِن صن ِع الل ّه ِ ،والل ّه ُ كام ٌ الدي ُ ل صفاتُهم الخُلقي ّة ُ ول كن ّه ُ يمتحن ُهم الناس لا تكتم ُ حهم ،و ُ وصلا ِ
والقيم والتزام ِهم بها ،وعلى ئ ليرى مدى تطبيق ِهم لهذه ِ المباد ِ ِ
هذا يكونُ الحكم ُ عليهم يوم َ القيامة ِ إلى جن ّة ٍ أو نارٍ.
ق والعلم ِ ،فإن ّنا عندما نقوم ُ وم ِن جهة ٍ أخرى إذا أردنا رأيَ المنط ِ
ٍ واضح هو :التعميم ُ الخاطئ ُ، فكري ك نكونُ قد قمنا بخطأ ٍ بذل َ ٍّ ل! وهو خل ّل فأخذنا أمثلة ً وعم ّمنا النتيجة َ ،وق ِسنا الجزء َ على الك ّ ل ومفك ّر. في التفكير ِ واضح ٌ يعلم ُ خطأه ُك ّ ل عاق ٍ
327
لن أسري وحدي
ل ن م ِن خلا ِ ح ،يجبُ ألّا نحكم َ على الدي ِ اممم ......صحي ٌن م ِن عندِ الل ّه ِ. ن الدي َ ص ،لأ ّ الأشخا ِ ص ع َن ل الأشخا ِ ن م ِن خلا ِ ل يا أم ّي :هل نحكم ُ على الدي ِ سؤا ٌ قصدٍ أم بغير ِ قصد؟ فكري وثقافة ٍ عامّة ٍ ك لأن ّنا نقوم ُ بخطأ ٍ ل ذل َ أقصد ُ هل نفع ُ ٍّ ِ بسبب آخر َ؟ ٍ للمجتمع أم
بسبب تأثير ِ التفكير ِ العاطفيّ ِ وعد ِم وجودِ ِ ك ضنا يقوم ُ بذل َ -بع ُ
هارات التفكيرِ ِ كم بنى ً منطقي ّة ٍ فكر ي ّة ٍ صحيحة ٍ لديه ،فلا يمتل ُ
ق معايير َ صحيحة ٍ، ن الحكم ِ على الأمورِ وف َ كن ُه ُ م ِ َ الناقدِ التي تم ّ س والعاطفة ِ في فلا يستطي ُع أن يبتعد َ عن تحكّم ِ هوى النف ِ
والمواقف. ِ الحكم ِ على الأشياء ِ والأفكارِ
وبعض ُهم يقومون بذل َ ك ع َن قصدٍ ،بغية َ تشو يه ِ الأفكارِ والقيمِ
سكِ ض دنيئة ٍ ،حت ّى يبر ّروا لأنفس ِهم ولغير ِهم عدم َ التم ّ لأغرا ٍ
328
لن أسري وحدي
بالدين. الصنف الصادقُ بالتزامه ِ ُ ن ذاك َ ل في هذا الزما ِ وللأسف ق ّ ِ ك ،فازداد َت صور ُ ن السلو ِ ل الدي َ في دينه ِ ،وكثر ُ م َن فص َ نع ِ
ٍ ل والحياة ِ. ذب أو الع ُب ّادِ مع ك ٍ خداع في العم ِ
ن ل الدي َ ن م َن نمث ّ ُ ك يجبُ أن يدفع َنا لأن نكونَ نح ُ ن ذل َ إلا أ ّ َ ج حياة ٍ ،لا أن ح ّقاً ،عبادة ً وسلوكا ًوفكرا ً ومنه َ نقذف مبادئ َ ُرض الإسلام ُ حنيف و قيم َه ُ بالته ِم الباطلة ِ! ولو ع َ الإسلا ِم ال ِ ل دونَ تح يّزٍ أو ل ذي ٍّ لب وعق ٍ بفكر ِه ِ وقيمه ِ ومبادئ ِه ِ على ك ّ ِ ل لحياة ٍ ف ُضلى؛ وهذا ما عب ّر َ ب لوجد َه ُ الأسلوبَ الأمث َ تعصّ ٍ
عنه ُكثير ٌ م ِن علماء ِ الغرب المنصفين. ِ
ن ح يا أم ّي .المشكلة ُ أن ّنا أسأنا للإسلا ِم بتصر ّفات ِنا ،م َع أ ّ صحي ٌن. ن ومكا ٍ ل زما ٍ الإسلام َ دي ٌن رائ ٌع يصل ُ ح لك ّ ِ ن ن في الإنسا ِ س والعاطفة َ يتحكّ ما ِ لأ ّ لم أكن أتخي ّ ُ ن هوى النف ِ 329
لن أسري وحدي
لهذه ِ الدرجة ِ. ن به ِ، س حديثٌ خفيّ لا تشعري َ المشكلة ُ يا أم ّي أ ّ ن حديثَ النف ِ الأوقات نوافق ُه ُ لأن ّنا نظنّ ِ أغلب ِ ل ،وفي فهو يخاطب ُنا م ِ َ ن الداخ ِ ن أن تنظري إلى ن ما يدور ُ في بالنا هو م ِن ذات ِنا! فم َ أ ّ ن الممك ِ حبب لنا ،وهذه ِ سم ٌ ٍ ص وسوسة ِ شخ ٍ بارتياب ،ل كنّ حديثَ النف ِ هي الطامّة ُ. ك ،فإن ّه ُ يساعد ُنا صدقت يا بنتي ،إن القرآن عندما ينبّهنا لذل َ ِ مدارج ال كمال. كي نرتق َي في ِ س والشيطان؟ َ ول كنكيف أمي ّز ُ بينَ حديثِ النف ِ ذنب تقترفينه ُ ،المه ّم ٍ ن تتمي ّز ُ بأن ّه ُ لا يهمّه ُ أيّ وسوسة ُ الشيطا ِك اليأس م ِن صلا ِ َ يضيف إليه ِ ُ أن تعصي الل ّه َ ثم ّ حكِ ،و يبحثُ ل ِ ك أو صوتُ يستيقظ ضمير ُ ِ َ ع َن شركاء َ في هذه ِ المعصية ِ حت ّى لا
ق تهوين. أي وادٍ سحي ٍ الرحم ِ ن و فطرت ُكِ في داخلكِ ،فلا يهمّه ُ في ّ ِ 331
لن أسري وحدي
ذنب أو شهوة ٍ ٍ النفس الأمّارة ُ بالسوء ِ فتلحّ على فكرة ٍ أو ُ أمّا ك بصفات ذكرناها سابقا ً فهي تأمرُ ِ ٍ صف معي ّنة ٍ ،كما أ ّنها تت ّ ُ س ،وجحودِ النعمة ِ ،والتكب ّر ل ،والقنوطِ ،واليأ ِ بالشحِّ ،والبخ ِ والغلو ّ ....هذه الصفاتُ علينا أن نجاهد َ أنفس َنا في عد ِم ات ّباعِها ل بها إلى الحدودِ التي يرضى بها ر ب ّنا ولا أو على الأقل الوصو ُ ل بمجاهدتِها ،والأخذِ عز وج ّ تضرّ أحداً؛ لذل َ ك أمرَنا الل ّه ُ ّ ل السعادة َ في الدنيا والآخرة ِ. ق الحقّ ِ لننا َ بقيادِها إلى طر ي ِ ن الل ّه َ لم َ َع المحسنين). سب ُل َنا وإ ّ ن جاهد ُوا فينا لنهدي َنّهم ُ (والذي َ شاق يا أم ّي ...آه . ّ الأمرُالسموات ِ ض ات عرض ُها كعر ِ معكِ حقّ ،ول كنّها جن ّ ٌت يا بنتي بعينِ الفاحصة ِ ل هذا لو نظر ِ ض ،وقب َ والأر ِ ل ك ِّ ن ك وقوانينِ الل ّه ِ التي نبّهنا إليها في القرآ ِ والمحل ّلة ِ لأفعا ِ ل م َن حول َ ِ ق علوي أمرنا به ِ إلا وفيه ِ تحقي ٌ ت أن ّه ُ ما م ِن أمر ٍ لوجد ِ ٍّ 331
لن أسري وحدي
ل أن نأخذ َ أجر َه ُ في الآخرة؛ فعندما من َع لسعادت ِنا في الدنيا قب َ الميت وهو ِ ل ِ الغيبة َ وحرّم َها وشبّهها بهذا التشبيه ِ المقيت في أك ِ
ك لأثر ِ الغيبة ِ المؤل ِم وال كبير ِ في المج ِ ل تمع ،فهو يعم ُ حيّ ،إن ّما ذل َ ِ جاب ت أمرَ الح ِ وزرع الأحقادِ وال كره ِ؛ و لو تأمّل ِ ككه ِ على تف ّ
س الضعيفة ِ التي هوت إلى ن النفو ِ لرأيت أن ّه ُ يحميها م ِ َ ِ للمرأة ِ ض ،فهو كما يرف ُع قدر َها، ن وخلد َت إلى الأر ِ مرتبة ِ الحيوا ِ ل ،فيطلبُ الشرع ُ منه ُ أن يرقى لينظر َ و يداني منزلت َها لمنزلة ِ الرج ِ ل ،دونَ أن تكونَ إلى المرأة ِ وهو يحاور ُها فكرا ً بفكر ٍ وقولا ً بقو ٍ تهبط بمنزلة ِ المرأة ِ وتجعل ُها سلعة ً ُ ض رخيصة ٍ، مطمعا ً لأغرا ٍ ومتاعا ً له ..فهو تكريم ٌ للمرأة ِ ورف ٌع لشأنِها ،قب َ ل أن يكونَ قيدا ً على جزء ٍ م ِن حرّ ي ّت ِها الشخصي ّة ،فهو قد أعطاها أكثر َ مم ّا أخذ َ منها ،وحمى المجتم َع وارتقى به ِ م ِن تفكيرٍ حيوان ٍيّ شهوان ٍيّ إلى
ِ لمجتمع أن إنسان ٍيّ ربانيّ ،وما أعظم َ الفارقَ بين َهما! إن ّه يريد ُ ل الشهوات ،و يضع َها في موضع ِها الذي يجعلُ منه ُ ِ ن يمي َ ل ع ِ 332
لن أسري وحدي
مجتمعا ً راقيا ً م ِن جميع النواحي. ن مناقشت َكِ الفكر ي ّة َ والمنطقي ّة َ لقد ازددتُ اقتناعا ً يا أم ّي ..إ ّل َ ل ل َتز ي ُ الغبش عن عينيّ وتُشعر ُني أن ّي أفهم ُ الإسلام َ بشك ٍ
ِ مطلب ٌ والطمع في الجن ّة ِ وهو طبعا ً ل الآخرة ِ ختلف َ م ٍ ليس لأج ِ ق عظيم ٌ ،بل إن ّه ُ جاء َ ليسعد َنا في الدنيا ،و يعطي َنا خارطة َ طر ي ٍ نسير ُ وفق َها ،لنسعد َ في الدنيا والآخرة ،و أعجبتني فكرت ُك التي
ل يدعو إلى خير ِ ن م ِن صن ِع الل ّهِ ،والل ّه ُ كام ٌ ن الدي َ طرحت ِها ،أ ّ
ل صفاتُهم الخُلقي ّة ُ ول كن ّه ُ والناس لا تكتم ُ ُ س وصلاحِهم، النا ِ
والقيم والتزامِهم ئ يمتحنُهم ليرى مدى تطبيق ِهم لهذه ِ المباد ِ ِ
بها ،وانتبهتُ إلى فكرة ٍ هامة وهي أن الإنسانَ الملتزم َ بدينه ِ قد
أمر بديهيّ ،فيجبُ ألّا أجرّد َه ُ م ِن يخطئ ُ لأن ّه ُ بشر ٌ ،وهذا ٌ
طاء ٌ وخير ُ ن آدم َ خ ّ ل اب ِ دين ِه ِ لمجر ّدِ هفوت ِه ِ أو ضعف ِه ِ ،فك ّ
للأسف غالبا ً ما ننزع ُ عنه ُ صفة َ ِ طائينَ التو ّابونَ ،ول كن ّنا الخ ّ ن لمجر ّدِ وقوع ِه ِ في خطأ ٍ ما .وتعل ّمتُ ألّا أعم ّم َ تعميما ً الدي ِ 333
لن أسري وحدي
ض ،وأن ف البع ِ ل تصر ّ ِ ل م ِن خلا ِ خاطئاً ،فلا أحكم ُ على الك ّ ِ ل أن أنشر َه ُ أو أقبل َه ُ كحقيقة. أي خبرٍ قب َ أتث ّبتَ م ِن ّ ِ أحسنت ،وف ّق َكِ الل ّه ُ يا بنتي لما يحب ّه ُ ويرضاه، ِ إ يجاز ٌ رائ ٌع،ك الخ ير َ والهداية َ. ل في يد ِ ح العارفين ،وجع َ ح عليكِ فتو َ وفت َ
ق ما تعلّمت ُه. ك يا أم ّي ،أعانني الل ّه ِ على تطبي ِ شكرا ً ل ِ -آمين.
334
لن أسري وحدي
- 22ه ه ً للا ملّكا عليهّ ّ ت ّ قلبك ...إنّ جعلّ ّ (رتب ه ّ ً عباداّ ، ّ ت ،فإنّ أحببّ ه ّ ت وفز ه ّ ت ّ ارتحّ ه ّ ه فـ (بهّ ولهّ وفيهّ) ّ
ل حنان؟ بالذهاب إلى منز ِ ِ أم ّي .هل تسمحينَ لين ز يارات ِك لها قد كث ُر َت؟ هل تحض ّران مشروعا ًمشتركا ً أرى أ ّبينكما؟ ك سببا ً مفيدا ً للاجتما ِع؟ أليس ذل َ َ ندرس معاً، ُ ن لا ،نح ُ335
لن أسري وحدي
ك وقت َكما؟ فأنا أعلم ُ أن ّكِ ح الل ّه ُ عليكما ،ول كن ...ألا يضي ّ ُع ذل َ فت َك ،ما الذي تغي ّر؟ تحب ّينَ الدراسة َ بمفردِ ِ
أدرس وحدي ُ ك ،فأنا أحب ذل َ ّ ح ،ما زلتُ كلام ُكِ صحي ٌنتناقش؛ حنانُ ذكاؤها اجتماعيّ ،فهي تجيد ُ الدراسة َ ُ أ ّولا ً ثم ّ ل معرفتي ص آخر َ ،لذل َ ل عليها عندما تكونُ م َع شخ ٍ وتسه ُ ك بفض ِ الذكاءات المتع ّددة ِ وجدتُ طر يقة ً تفيد ُنا معا ً. ِ بنظر ي ّة ِ ت منها الذكاءات ،أرى أن ّكِ استفد ِ ِ ق جي ّدٌ لنظر ي ّة ِ اممم ..تطبي ٌكثيراً. ل هذه ِ النظر ي ّة ِ أن أفهم َ صحي ٌح يا أم ّي لقدِ استطعتُ بفض ِ ل معهم ن وأعذر َهم ،ثم ّ أجد ُ طر يقة ً أفض َ الآخري َ ل للتواص ِ حسبَ ذكاءاتِهم. رائ ٌع يا بنتي ..أنا فخورة ٌ بكِ ،ل كن ّي أقصد ُ شيئا ً آخر َ.33٢
لن أسري وحدي
ن يا أم ّي؟ ماذا تقصدي َأشعر ُ أن ّكِ أصبح ِت متعل ّقة ً بحنانَ جدّا ً ،تحب ّينَ صحبت َها كثيرا ً البيت ،تزورين َها ِ ن أغلبَ وقت ِكِ مع َها ،في المدرسة ِ ثم ّ في لدرجة ِ أ ّ ت الهاتف ،أرى أن ّكِ قد أكثر ِ ِ أو تزور ُك أو تتح ّدثينَ معها على
ك؟ ن ذل َ ن التزاورِ والصحبة ِ؛ ألا تري َ بعض الشيء ِ م ِ َ َ
صفات كثيرة ً أحبّها ،وقد ٍ ك في الحقيقة ِ يا أم ّي ،حنانُ تمل ُل الوقتَ ل ،وهي طالبة ٌ مُج ّدة ٌ ،ثم ّ إنّنا نستغ ّ أخبرت ُكِ عنها م ِن قب ُ بالهاتف. ِ بالدراسة ِ ولا نضي ّع ُه ُ حت ّى عند َ تح ّدث ِنا صكِ تنظيم وقت ِكِ ،وأعلم ُ تماما ً حر َ ق بكِ وبقدرت ِكِ على أنا أث ُِ ل ٍ ق بحنانَ ،فقد رأيت ُها ن ِعم َ ك أث ُ نافع ،وكذل َ على استثمارِه بشك ٍ الصاحبة ُ والأختُ الصادقة ُ. ن المشكلة ُ إذا ً يا أم ّي؟ أي َ337
لن أسري وحدي
سم َت أم ّي وقال َت: تب ّ ل ليسَت هناك َ مشكلة ٌ ،إلا أن ّه ُ لفتُ نظرٍ فقط ،حت ّى لاتتحو ّ َك توازن َكِ ، ق شديدٍ ،يغلبُ عليكِ و يفقد ُ ِ المحبة ُ في الل ّه ِ إلى تعل ّ ٍ ت السيطرة َ عليها؛ لسبب ما ،اهتز ّت نفس ُكِ وفقد ِ ٍ فإذا فقدتِها ك مفارق ُه. ل :أحب ِب م َن شئتَ فإن ّ َ وكما قي َ ك المرتبة ِ التي أشعر ُ ن أن أدري -لتل َ يبدو أن ّي وصلتُ -م ِن دو ِأن ّي لا أستطي ُع فراق َها أبداً! ص و يقر ّب َه ُ بصفات شخ ٍ ِ جبَ الإنسانُ ن الطبيعيّ يا علا أن ي ُع َ م ِ َن الأخو ّة َ والمحبة َ في الل ّه ِ تساعد ُ على الطاعة ِ منه ويتخذ َه ُ أخا ًله ،لأ ّ وخاصّة ً إن كانوا يتناصحون فيما بينهم ،فيرق َونَ في تزكية ِ أنفس ِهم ح هدفا ً بح ّدِ وطر يق ِهم إلى الل ّه ِ ،على ألّا تغلبَ هذه ِ المحب ّة ُ وتصب َ مصاعب ِ ن على ب إلى الل ّه ِ وعو ٌ ذاتِها ،بينما هي وسيلة ٌ للتقر ّ ِ
الحياة ِ ومزالق ِها. 338
لن أسري وحدي
حب في الله ِ تعل ّقا ً ،يبدأ الإنسانُ ب ّ ِ الترنح في ح ال ّ عندما يصب ُ ّ س ص هدفا ًبأصل ِه ِ للاستئنا ِ ح لقاء ُ هذا الشخ ِ ق ،حت ّى يصب َ الطر ي ِ
ح تعل ّقا ً، حرف المحب ّة ُ في الل ّه ِ وتصب ُ بحديث ِه ِ و ...........عند َها تن ُ
ك ح هذا الشخص شاغلا ً تفكير َ ِ بل قد تزيد ُ عن محب ّة ِ الل ّه ِ ،فيصب ُ ت. ت وذهب ِ ل نهار ،حت ّى وأنتِ تقفين في الصلاة ِ ،أينما حلل ِ لي َ للأسف أنتِ تصفينَ حالي ،وكأن ّكِ نفسي! ِ -
ب الل ّه َ ،لا كيف نح ّ َ ل أن تعلّم َنا -المحب ّة ُ في الل ّه ِ يا علا م ِن أج ِ
نستعيض بها عن محب ّته! َ أن كيف؟ َ -لم أفهم.
ل الإنسانَ في خ ُ المحب ّة ُ في الل ّه ِ دوحة ٌ ر ب ّاني ّة ٌ دنيو ي ّة ٌ ،فهي ت ُد ِيعرف الإنسانُ ما ُ حب شعوراً ،وفهما ً ،وسلوكا ً؛ بها ن ال ِّ ميادي ِ كهم وكيف يكونُ شعور ُهم ،وأقوال ُهم وسلو ُ َ ل المحب ّين، هو حا ُ ل م ِن هذه ِ المعرفة ِ سبيلا ً إلى محب ّة ِ الل ّه ِ؛ فبعد َ معرفة ِ معاني ليجع َ 339
لن أسري وحدي
ال ِّ حب لن يدّعي أحدٌ محب ّته ُ لل ّه ِ إذا لم يشغله ُ الل ّه ُ شعورا ً وفكرا ً
ق في التودّدِ مم ّن يحب ّون ،وأحوالا ً ن للمحب ّينَ طرائ َ وعملاً ...يعلم ُ أ ّ
ل في محب ّت ِهم ،وانشغالا ًبمحبو بهم عن ذاتِهم وطلباتِها ،فهم في مقاب ِ
ت إرضاء ِ محبو بِهم يتنازلون عن كثيرٍ م ِن أهوائِهم وطلبا ِ ل ل شيء ٍ مقاب َ ل فع ُ أنفس ِهم ،بل وكرامت ِهم ،فلا يعظم ُ ولا يستحي ُ
حبوب والتودّدِ إليه ِ. إرضاء ِ هذا الم ِ
ل الجميلة ِ الرائعة ِ التي فإن لم ينتقلوا م ِن هذه ِ المشاعر ِ والأحوا ِ ل الإنسانَ عظيم َ القدرة ِ ،قويّ الإرادة ِ ،يستسهلُ تجع ُ للمحبوب و وفاء ً له ُ ،أمام َ ِ ل ما لديه ِ عربونا ً ل ،و يق ّدم ُ ك ّ المستحي َ
ك مفارق ُه ) ويرتحلونَ الحقيقة ِ ال كبرى ( :أحب ِب م َن شئتَ فإن ّ َ ن ي الذي لايموتُ ،ويدركونَ أ ّ ي الفاني إلى الح ِّ ن الح ِّ بمحب ّت ِهم م ِ َ ل حب الوالدي ِ ِّ مروا بها م ِن مراتبَ ال ِّ ن المعطاء ِ بلا مقاب ٍ حب التي ّ
ل ينهلونَ ويرشفونَ منه ُكما الذي تذ ّوقوا فيه ِ معاني َ ال ِّ حب الأصي ِ الزوج أو الأخو ّة ِ في حب ِّ ل ،ثم ّ إلى يشاؤونَ دونَ أدنى مقاب ٍ ِ
341
لن أسري وحدي
حب الذي ل فيها المحب ّونَ الأخذ َ والعطاء َ ،ثم ّ إلى ال ِّ الل ّه ِ التي يتباد ُ
ك قد تذ ّوقوا جمي َع ل ،فيكونونَ بذل َ يعطون َه ُ إلى أولادِهم بلا مقاب ٍ
ِ حب م ِن أخذٍ بغير ِ أجر ٍ ،وأخذٍ وعطاء ٍ ،ثم ّ عطاء ٍ أنواع ال ِّ ن سكينة َ قلو بِهم وثباتَ ل ...ليجدوا بعد َ هذه ِ الرحلة ِ أ ّ كام ٍ حبوب الحقيقيّ ِ فهو جهوها إلى الم ِ أفئدتِهم لن ينالوها إلا إذا و ّ ِ حب ،كي يتعر ّفوا هذه ِ المعاني أنواع ال ِّ ل الذي أنعم َ عليهم بك ّ ِ و يحب ّونه ُ حقّ المحب ّة ِ ..حالا ً وقولا ً وسلوكا ً وحياة ً. ل على ك يد ّ ق لأحوا ِ أذهلني وصف ُكِ الدقي ُل المحبّينَ يا أم ّي ،قول ُ ِ ن! ئ الأما ِ خاض غمار َها ووص َ َ م َن ل إلى شاط ِ ت يا بنتي ...اجعلي م ِن محب ّت ِكِ لحنانَ محبة ً في الل ّه ِ، صدق ِص تتعل ّقين ل جلالُه ،لا انشغالا ً عنه ُ بأشخا ٍ ك حب ّا ً له ُ ج ّ تزيد ُ ِ سك.. بهم لدرجة ِ الاستحواذِ على نف ِ ضع ِي الحدود َ المناسبة َ ،ولا تنس َي هدف َكِ حت ّى لا تعاني فيما 341
لن أسري وحدي
ق ق باللقاء ِ ثم ّ أل ِم الفرا ِ تعب التعل ّ ِ ل العاشقين م ِن ِ بعد ُ م ِن أحوا ِ أو الغيرة ِ القاتلة ِ؛ فالمشكلة ُ يابنتي أن ّنا أحيانا ً نبدأ صلت َنا
لص ٍ ق حيح و لل ّه ِ ،ول كنّ عدم َ فهمِنا لهذه ِ الحقائ ِ بالآخرين بشك ٍ ك تجعل ُنا نهوي في متاعبَ كثيرة ٍ ،و يختلطُ علينا التي ذكرتُها ل ِ
ل لتيه ٍ قد لا ق ،فقد نبدأ لل ّه ِ أو نظنّ ذلك ،إلا أن ّنا نص ُ الطر ي ُ نعلم ُ سبب َه أحياناً. ن هذا القلبُ أو ك َ حط نظرِ الل ّه ِ ،و لن ير َ ن القلبَ يا بنتي م ّ إ ّ
ك منه ُ، ح ذل َ حب الل ّهِ .فإن صل َ ِّ ن إلا إذا ذاقَ معاني َ يسك َ
ص في الل ّه ِ لا تتجاوز ُ قدر َها. ح محب ّت ُه ُ للأشخا ِ عندئذٍ تصب ُ
لقلب ثم ّ ن محب ّة َ الل ّه ِ يجبُ أن تكونَ لها المنزلة ُ الأولى في ا ِ إ ّ ت ما ت ووع َي ِ خاص في الل ّه ِ كمرتبة ٍ ثانية ٍ .هل فهم ِ تحب ّينَ الأش َ
ل؟ أقو ُ نعم ...أريت ِني ما لم أكن أراه ،وحميت ِني م ِن نفسي كي نكونَ342
لن أسري وحدي
حق (على س ُررٍ متقابلين) في محب ّة ِ الل ّه ِ ،عندئذٍ أنا وحنانُ ب ّ ٍ ونتدارس ما يقر ّب ُنا إليه ِ. ُ نجتم ُع في الل ّه ِ ،نذكر ُه ُ سو ي ّاً،
ليس سهلاً .ادعي الل ّه َ لي يا أم ّي .وجزيتِ عن ّي خيراً. الأمرُ َ
343
لن أسري وحدي
- 23-
أليس رائعا ً يا أم ّي؟ َ ل البحر َ! ما أجم َك .أظن ّكِ تحب ّينَ البحر َ كما أحب ّه ُ. نعم .إن ّه ُكذل َكثيراً .رب ّما أكثر ُ منكِ ...هههه.ما الذي تحبين َه ُ في البحرِ يا علا؟344
لن أسري وحدي
ق، أحب مداه ُ الواس َع ،أشعر ُ فيه ِ بالحر ّي ّة ِ ،والانطلا ِ ّ ن نفسي َ المحدودِ إلى حس أن ّه ُ يُخر ُ واللامحدودِ ،أ ّ جني م ِن سج ِ
واسع ،بصفاء ٍ ٍ ل السماء ِ تماما ً؛ فاللونُ غريب ...مث َ ٍ رحب، ٍ ق أف ٍ ح والنقاء َ ،إن ّه ُ ينقل ُني م ِن س الارتيا َ السماويّ يبعثُ في النف ِ ل خ ُ ل ،أمواجه ُ ت ُد ِ ل والجما ُ عالمي إلى عال ٍم آخر َ ،يجتمعُ فيه ِ الجلا ُ ق ح بلونه ِ الأزر ِ ل ،ومداه ُ الفسي ُ في نفسي َ الهيبة َ والوقار َ والجلا َ
ِ البديع يسكبُ فيها السكينة َ والطمأنينة .سماء ٌ و بحر ٌ، الصافي
ل هذا يجتم ُع في هذا المنظرِ ق ولا محدود ٌ .ك ّ أبيض وأزرق ،أف ٌ ُ ن الطبيعي ّة ِ الأثيرة ِ على قلبي. ِّ أمامي ،إن ّه ُ أحد ُ أحب الأماك ِ ن قصائد َ في البحرِ الوصف وكأن ّي بكِ ستنثري َ ِ أطنبت في ِ لقدوالسماء ِ! لم أكن أعلم ُ أن ّكِ تحب ّين َه ُ لهذه ِ الدرجة ِ! فاليوم ُ إذا ً م ِن
أسعدِ أي ّا ِم حيات ِكِ ؟ نعم .أحمد ُ الل ّه َ أن ألهم َك القدوم َ إلى البحرِ ،فقد أمتعت ِني بهذا345
لن أسري وحدي
المنظرِ الأخّاذ ،إن ّه يذهبُ بلب ّي و يأس ِر ُ قلبي وعقلي. الحمد ُ لل ّه.لترتيب أفكاري ،و يوضح ُ كثيرا ً م ِن ِ ن منظر َه ُ يا أم ّي يدفع ُني إ ّشر يطِ حياتي ،كل ّما رأيتُ البحر َ أحسستُ أن ّه ُ يأخذني نحو َ ل نفسي َ وال كون. ح بابَ الأسئلة ِ حو َ صفاء ِ الرؤ ية ِ و يفت ُ
صرت شاعرة ً وفيلسوفة ً .هههه. ِ ك احم .احم ...أرا ِأم ّي! هذه مشاعري .لا تسخري منها.لا أسخر ُ يا حبيبتي ..إن ّما أداعب ُكِ فقط ،بل يعجب ُني ما تقولين َه ُكثيراً .هاتي أسئلت َكِ إذاً. أم ّي أجد ُني مختلفة ً عن معظ ِم رفيقاتي .إ ّنهنّ ينشغلن باللهوِك ،وأنا ل ذل َ ِ والزينة ِ والتفاخر ِ بالثياب وتسر يحة ِ الشعرِ ...وك ّ ِ ل هذا الاهتما ِم؛ هل ن هذه ِ الأمور َ ثانو ي ّة ٌ ،لا تستحقّ ك ّ أجد ُ أ ّ 34٢
لن أسري وحدي
أنا التي ترى الأمور َ على غير ِ هيئت ِها! أم هنّ ؟ ل؟ وكيف تحاولينَ الإجابة َ عن هذا السؤا ِ َ ك سألت ُكِ . أعرف لذل َ ُ لاق معايير َ صحيحة ٍ، أي أمر ٍ وف َ لقد عل ّمت ُكِ يا علا أن تحكمي على ّ ِفبرأيكِ ماهو المعيار ُ الذي علينا الاحتكام ُ إليه؟ لا أدري.ن ...هل هذا ن القرآ ِ للموقف م ِ َ ِ ل عز وج ّ نحتكم ُ لرؤ ية ِ الل ّه ِ ّصحيح؟
ح يا أم ّي. ح لنا ...صحي ٌ نعم .لأن ّه ُ خالق ُنا وهو أعلَم ُ بما يصل ُالآيات التي تشير ُ إلى تكري ِم ِ ن ن بعضا ً م ِ َ أنتِ تحفظينَ أو تتذك ّري َض؟ ن وأن ّه ُ خليفة ُ الل ّه ِ في الأر ِ الل ّه ِ للإنسا ِ 347
لن أسري وحدي
ل جلال ُه ُ مخاطبا ً بني آدم َ جميعهم: ل لنا ج ّ نعم يا أم ّي ،فقد قا َض) (إن ّا جعلناك َ خليفة ً في الأر ِ ل ٍ ن حيات َنا خُل ِق َت ل وعلا أ ّ أحسنت ...فرؤيت ُه ُ ج ّ ِ لهدف نبي ٍ
ٍ ن بعد َ لمنصب أعلى سلطة ٍ في ال كو ِ ِ ق بم َن ر ِ ُّشح َ ورفيع ،فهل يلي ُ
ل ِ بمتع الدنيا حت ّى تلهي َه ُ عن ض أن ينشغ َ الل ّه ِ ،وممثّله ِ في الأر ِ عمل ِه ِ الأصليّ؟ ن مل ِك َه ُ سيقل ُيه ُ 1و يعزلُه. ك لاب ّد أ ّ ل ذل َ لا .إن ّه ُ إن فع َق الل ّه ُ لنا مت َع الدنيا لتؤنس َنا وتساعد َنا في -تماما ً يا علا ...لقد خل َ
ل مشوارِ الحياة ِ الطو يلة ِ ،فهي ليست هدفا ً بح ّد ذاتِها ،هي إكما ِ ق ،فإن جعلناها هدفا ً وغاية ً، ل الطر ي ِ ل تسلية ٍ خلا َ مجر ّد ُ وسائ ِ
ل ما أنعم َ عليه ِ مل ك ُه ُ م ِن عطاء ٍ ص ِرنا كالوزير ِ الذي استخدم َ ك ّ ل راحت ِه ِ ومتعت ِه ِ، ون ِع َ ٍم ووسائ َ ل معينة ٍ لإنجازِ مهمّت ِه ِ في سبي ِ
348
لن أسري وحدي
فأخلد َ إلى هذه ِ ِ المتع ،ونسي َ عملَه ُ ،حت ّى إذا جاء َ يوم ُ المحاسبة ِ. ل ما ك الوزير ُ ،وخسر َ ك ّ ماذا فعلتَ ؟ ولماذا قص ّرتَ ؟ ...هل َ
ل بساطة ٍ كانَ سخيفا ً وساذجا ً في نظرته ِ كانَ يتمت ُع به ِ لأن ّه ُ بك ّ ِ
ك رفع َه ُ ،وهو أخلد َ ورت َع في ن المل َ وتقديره ِ للنع ِم والعطاءِ .إ ّ ل واضح ٌ؟ سفاسف الأمورِ؛ هل المثا ُ ِ ل. ن السؤا ِ واضح ٌ ج ّدا ً يا أم ّي ،لقد أجبت ِني ع ِل في نع ِم الل ّه ِ ،ول كن ليسَت ن الزينة ِ والتمت ِّع الحلا ِ -فلا ضير َ م ِ َ
ل وقت ِكِ في النظرِ للمرآة ِ والموضة ِ هي غاية ُ حيات ِكِ ،تنفقينَ ج ُ ّ ن ت نفس َكِ م ِ َ ك أنزل ِ ت ذل َ ل صيحة ٍ ،إن ّكِ إن فعل ِ وتتابعينَ ك ّ ك الذي أكرم َكِ الل ّه ُ به ِ. المنزلة ِ الرفيعة ِ إلى مرتبة ٍ دونَ قدرِ ِ أرأيتِ يا أم ّي ما أحلى البحر.ل -ههههههه ....نعم إن ّه ُ يجعل ُكِ أكثر َ صفاء ً ونقاء ً في قبو ِ
والقيم ...ههههههه. الأفكارِ ِ
349
لن أسري وحدي
ك. ت ذل َ سآتي بكِ كل ّما احتج ِ ك إلا في حضرة ِ أم ّي ....هل تري َن ح ّقا ً أن ّي لا أنصِ تُ ل ِ البحر؟ ن جليلة ٍ. اممم ..حضرة ُ البحرِ ...تشبيه ٌ له معا ٍن قرب م ِ َ ن في نفسي معاني َ ال ِ خلا ِ البحر ُ والسماء ُ يا أم ّي ي ُد ِل هو الذي يذك ّرني بالل ّه ِ عندما ل والجما ِ ل اجتماعَ الجلا ِ الل ّهِ .لع ّ أرى البحر َ. ل عيوبي .فالبحر ُ له ُ تح ّدثي يا أم ّي ما بدا ل ِ ك و أخبريني عن ك ّ ِ ك مح ّقة ً في سحر ُه ُ على نفس ِي ،ووقع ُه في قلبي وعقلي .وأجد ُ ِ وصف ِكِ لي أن ّي م َع البحرِ أكثر ُ صفاء ً وقبولا ً للنصيحة ِ. ن، ههههه ...بارك َ الل ّه ُ بكِ يا علا وجعل َكِ م ِن سعداء ِ الداري ِولا حرم َكِ البحر َ.
351
لن أسري وحدي
ل آخر َ؟ ن ذلكَ .هل لي بسؤا ٍ ت تجدي َ حسنا ً ما دم ِاسألي ما تحب ّين .فأنتِ م َع البحرِ رائعة ٌ في المناقشة ِ والاستجابة ِ.أم ّي !!!!لا عليكِ يا حبيبتي ...فقط أمازح ُك.ل مثلاً، بعض رفيقاتي في المدرسة ِ مفتون ٍ أجد ُ َن أو ممث ّ ٍ ات بمغ ّ ٍ ن يمضينَ أوقاتا ً كثيرة ً في متابعة ِ أخبارهم ،حت ّى إ ّنهنّ يحاول َ ل هذا؟ تتب ّ َع لو ِ ن لباس ِهم وشكل ِه ِ أو قصّ ة ِ شعرها؛ ما رأيكِ بك ّ ِ ل؟! ألم يُج ِبك ما تح ّدثنا به ِ قب َل قلي ٍ حب تقليدِ ّ ل أعمارِنا بلى .ول كن .ل ِم َ يغلبُ على م َن في مث ِن لدرجة ٍ غير ِ عادي ّة ٍ؟ الآخري َ هذا طبيعيّ يا بنتي ،فالطفلُ يقل ّد ُ أمّه ُ أو أباه ُ م ِن غير ِ أن يشعر َ،351
لن أسري وحدي
حب والإعجابُ و الحاجة ُ إلى تقليدِ الأكبرِ ك ال ّ يدفع ُه ُ لذل َ ليكتسبَ م ِن مهارات ِه ِ ما يجعل ُه ُ أهلا ً لاحترا ِم الآخرين أو مجاراة ً س غريبا ً في ل مثل َهم أو أن ّه ُ منهم و لي َ للكبارِ حت ّى يشعر َ أن ّه ُ يفع ُ
تصرّفات ِه ِ ،إن ّه ُ يسعى ليشعر َ أن ّه ُ م َع الم ِ جموع ،و هذا ما دفعكِ
وليس جميع َهنّ َ ن رفيقات ِكِ أغلب َهنّ شعرت أ ّ ِ لتسأليني اليوم؛ لقد سكِ هذه ِ الأسئلة ُ، الاهتمامات ،فثار َت في نف ِ ِ ن عنكِ في يختلف َ سليم. ق وفكر ٍ ك بمنط ٍ ن الل ّه َ حبا ِ لأ ّ ٍ
ح ك ،و هل هذا صحي ٌ ل ذل َ أمّا م َن يقلّد ُ دونَ أن يفك ّر َ لماذا يفع ُ أم لا ..فإن ّه ُ يقلّد ُ م َن يظنّ أن ّه ُ يستحقّ أن يكونَ قدوة ً ،ومعيار ُه ُ ص وتقديم ُ الصحافة ِ له ُ على ك الشهرة ُ ،شهرة ُ هذا الشخ ِ في ذل َ ل هذه ِ للأسف ك ّ ِ ل و .... ل يحتذى به ِ أو بدعة ٌ من الجما ِ أن ّه ُ مثا ٌ ل المعايير ِ غير ِ الصحيحة ِ يق ّدم ُها المجتم ُع والصحافة ُ أحياناً ،مم ّا يجع ُ أسباب ِ سفاسف الأمورِ ،وربّما هذا أحد ُ ِ الشباب ت ّتجه ُ نحو ِ هم َم َ تنهض َ ن أن ل الإعلا ِم والصحافة ِ يمك ُ ن وسائ َ ضعف المسلمين؛ إ ّ ِ 352
لن أسري وحدي
ل السافلين. بالأمّة ِ وم ِ َ ن أن تردّها إلى أسف ِ ن الممك ِ ن حوارات ِنا ونقاشاتِنا جعلتني أنظر ُ للأمورِ ح يا أم ّي .إ ّ صحي ٌكثيرات يفتقدنَ ِ ل عمري ،ل كنّ ال لم ٍ ختلف عم ّن في مث ِ بشك ٍ ل وتر يه ِ مالم يرى ،إ ّنها ح أف َ حوارات التي تفت ُ ِ ل هذه ِ ال مث َ ق العق ِ تعطيه ِ معنى الحياة ِ وت ُق ّدم ُها له ُ بصورتِها الصحيحة ِ. ما أعظم َ النعمة َ التي أنا فيها ،ج ُزيتِ خيرا ً يا أم ّي؛ ال كثيرون ل سن ّي يفتقدونَ القدوة َ الصحيحة َ إ ّنهم يت ّبعون يا أم ّي مم ّن في مث ِ قدوات تنحصر ُ في موهبة ِ ٌ ل صيحة ٍ و (موضة ٍ) وأشخاصٍ، ك ّ تضيف تلكَ القدوة ُ لحياتِهم قيمة ً راقية ً أو ُ صوت أو جمالٍ ،فلا ٍ
ِ مصاف ِّ ينهض بالأمّة ِ ،و يجعل ُنا في ُ والنجاح الذي مثالا ً للفاعلي ّة ِ
ل المتق ّدمة ِ ،فماذا يعني هذا التقليد ُ الذي يجعل ُني مسخا ً لا الدو ِ الثياب وهيئة ِ الشعرِ. ِ أفق َه ُ م ِن حياتي سوى ل هذا؟ وهل حياتي سخيفة ٌ ل كي يكونَ هدف ُها هل خ ُل ِقنا لمث ِ 353
لن أسري وحدي
التقليد ُ الأعمى؟؟ قلت يا علا .المشكلة ُ ليست في التقليدِ ،إن ّما التقليد ُ الأعمى كما ِق معايير َ صحيحة ٍ ،أمّا تقليد ُ ل ولا يقلّد ُ وف َ ّش العق َ الذي يهم ُ
ن ٍ ناجح في حيات ِه ِ ومجتمع ِه ِ ق ّدم َ الخ ير َ والنف َع وكانَ مثالا ً إنسا ٍ والقيم الرفيعة ِ فلا ضير َ فيه ِ ،بل يساعد ُ الإنسانَ، للنزاهة ِ ِ ِ للنجاح؛ ولا يستطي ُع الإنسانُ أن و يشجّ ع ُه ُ ،ويرسم ُ له ُ طر يقا ً ل ،ليق ّدم َ ل هذا بعثَ الل ّه ُ الرس َ ٍ يعيش دونَ َ قدوات ،لأج ِ ج ل ويشربُ و يتز ّو ُ للبشر ي ّة ِ مثالا ً صحيحا ً م ِن أنفس ِهم يأك ُ
ج القي ِم الرفيعة ِ كيف يتم ّ مز ُ َ س ل ....إن ّه ُ يق ّدم ُ مثالا ًللنا ِ و يعم ُ في حياة ٍ طبيعي ّة ٍ فاعلة ٍ ،روح ُه ُ مت ّصلة ٌ بالسماء ِ وجسد ُه ُ يبني
ض صروحا ً أرضي ّة ً ول كن في قي َ ٍم علو ي ّة ٍ سماو ية ٍ. على الأر ِ ل والفكر ِ ،ونب ّه َ الإنسانَ لقد دعا القرآنُ يا علا لإعما ِ ل العق ِ ل ن أن يسأ َ هدف ،وعلى الإنسا ِ ٌ ك وراء َه ُ ل سلو ٍ ن ك ّ إلى أ ّ 354
لن أسري وحدي
الهدف الذي ُ نفسَه ُ ما هدفي م ِن عملي أو سلوكي هذا؟ وما هو ل إن كان َت ني ّت ُنا هدف نبي ٌ ٌ ل إليه ِ ...فحت ّى مت ُع الدنيا لها سأص ُ ِ ل أو العبادة ِ بمفهوم ِها ل متابعة ِ العم ِ س من أج ِ ن النف ِ للترويح ع ِ
ٍ صالح تبتغينَ به ِ وجه َ الل ّهَ. ل العا ِمّ ...فالعبادة ُ هي ك ّ ل عم ٍ عبادات إن كانت ٌ دراست ُكِ ،ومساعدت ُكِ للآخرين ....كل ّها
لل ّه ِ. ما أعظم َ دين َنا يا أم ّي .إن ّه ُ يصن ُع أفرادا ً يقودونَ أنفس َهم،ويمل كونَ زمام َ قراراتِهم واختياراتِهم ،ويتفاعلون م َع لأي مصلحة ٍ ذاتيّة ٍ ،إن ّه ُ ل َ مجتمع ِهم على نحوٍ إ يجاب ٍيّ وفع ّا ٍ ليس ّ ِ ل جمي َع قدرات ِنا و يضع ُها في خدمة ِ الم ِ جتمع ورفعت ِه ِ ونهضتِه ِ. ي ُفع ّ ِ ُ
حه ُ وغايات ِه بتعاليم دين ِنا ،وفقه ِنا رو ِ ت يا علا ...لو التزمنا صدق ِِ ل. ل وأفض َ لكان َتِ الحياة ُ أجم َ فترات ذهبي ّة ً قاد َ المسلمونَ فيها العالم َ إلى خير ِ ٍ والتاريخ ُ يشهد ُ 355
لن أسري وحدي
الإنساني ّة ِ ،وعندما ابتعد ُوا عن دين ِهم لم يخسروا هم فقط ،بل ن أجمع. ن لل كو ِ خسر َ العالم ُ قيادة َ الخ ير ِ والسلا ِم والأما ِ ح التاريخ َ والحاضر َ ل البحرَ! إن ّه ُ يثير ُ الشجونَ و يفت ُ أرأيتِ ما أجم َل تصويب ِها، والمستقب َ ل في رؤ ية ٍ لامحدودة ٍ للأخطاء ِ م ِن أج ِ
ل التخطيطِ له. ل م ِن أج ِ وللمستقب ِ ك الأفكار َ في حيات ِكِ أنا فخورة ٌ بكِ يا علا ...أتمن ّى أن تحو ّلي تل َك يا حبيبتي أن يزيد َ ِ ل؛ سأدعو ل ِ ك علما ً ونورا ً إلى سلوكٍ وعم ٍ ل الصالح َ والحركة َ الراشدة َ الفاعلة َ المنتجة َ وفهما ً ،ويرزق َكِ العم َ ينهض بالأمّة ِ ...فأنتم أمل ُنا. ُ حب ويرضى و بما في أرضه ِكما ي ّ ك الل ّه ُ خيرا ً يا أم ّي ...أعلم ُ أن ّي ل كي أؤديَ شكر َ الل ّه ِ فيما جزا ِك... أنعمه ُ عليّ ،يجبُ أن أنشر َه ُ وأعل ّمه ُ وأكونَ قدوة ً في ذل َ لعل ّي أساعد ُ رفيقاتي في ِ سقف اهتماماتِهنّ إلى مستوىً ِ رفع
ق بتكري ِم الل ّه ِ لهنّ . يلي ُ 35٢
لن أسري وحدي
ك .ما أحلى البحر َ. وف ّقكِ الل ّه ُ يا بنتي ورعا ِك أقب ّلها. -ههههههههههه ..بل ما أجمل َكِ يا أم ّي .هات ِي يد ِ
357
لن أسري وحدي
- 24 -
صفحات دفتر ِ مذك ّراتي. ِ قل ّبتُ لمات ،إلا يات والك ِ ك الذكر ِ سنوات أو تزيد ُ مضت على تل َ ٍ عشر ُ مرة ً أخرى في شر يطِ حياتي، أ ّنها ماثلة ٌ أمامي كأن ّي أشاهد ُها ّ ومر ِها ،بأفعال ِها الحميدة ِ وشقاوتِها المتعبة ِ. بحلو ِها ّ
ص ل ،تنغ ّ ُ مشكلات كان َت عندما تجابه ُني أحس ّها عظيمة ًكالجبا ِ ٌ عليّ حياتي أي ّاما ً ولرب ّما أسابي َع وأشهر! إن ّي أشعر ُ بها الآنَ أ ّنها ما كانت تستحقّ من ّي هذا العناء َ أو الألم َ كل ّه ُ!
358
لن أسري وحدي
ك حقّاً! ت ُرى لماذا كانَ لحظة َ وقوع ِه ِ عظيما ً أستغربُ م ِن ذل َ لت الألوان! ّرت الحجوم ُ وتب ّد ِ سنوات تغي ِ ٍ وبعد َ ن م ِن أتذك ّر ُ أن ّي سمعتُ سرّ هذه ِ الأحجا ِم المتباينة ِ م َع مرورِ الزم ِ أم ّي ،هذه ِ المعل ّمة ُ المر ب ّية ُ الرائعة ُ التي لن أجد َ لها مثيلاً. ن! بينَ آراء ِ ك المفارقة ُ العجيبة ُ بينَ الأحجا ِم والألوا ِ أعجبُ ح ّقا ً تل َ جاهات اليو ِم والغدِ! ِ البارحة ِ واتّ ب ن الصع ِ أمور ٌ كثيرة ٌ تبدّلَت ،أشياء ُ عديدة ٌ كنتُ أظنّ م ِ َ ل الل ّه ِ وتوجيهات أم ّي غد َت واقعاً ،أعيش ُه ُ ِ تغيير ُها ،ل كن ّي بفض ِ ل تجرِبتي لغيري. وأعلّم ُه ُ من خلا ِ فسبحانَ الل ّه ِ الذي يغي ّر ُ ولا يتغي ّر ُ ،والحمد ُ لل ّه ِ الذي أعان َني فصبرتُ ،وتعلّمتُ فعملتُ ،فجعلتُ في الحفرة ِ التي وقعتُ فيها ترابا ً فسددتُها ،وكتبتُ لافتة ً عليها مح ّذرة ً ومنبّهة ً حت ّى لا يق َع غيري بمثل ِها ،وبص ُرتُ طر يقا ً رائعا ً فوصفت ُه ُ لم َن حولي، 359
لن أسري وحدي
ح لهم عقبات ِه ِ وطرق َه ُ المختصرة. وطفقتُ أشر ُ وليس عيباً، َ هذه هي رحلة ُ الحياة ِ ....م ِ َ ن الطبيعيّ أن نخطئ َ
ن الحقيقيّ ِ ،فلا ك حج ِم الإنسا ِ ل للتربية ِ ولإدرا ِ بل هو السبي ُ ن استعز ّ بالل ّه ِ ،وضي ٌع إن نسبَ الن ّعم َ غرور َ ولا مهانة َ ،كريم ٌ إ ِ جدِها وم ُنعمِها عليه. إلى غير ِ م ُو ِ ن، عرف نفسَه ُ وموقع َه ُ في خر يطة ِ ال كو ِ َ فما دام َ الإنسانُ قد عندها تكونُ حركت ُه ُ راشدة ً حكيمة ً ،تدرك ُ هدف َها ومبتغاها، يزعزها شيء ٌ مهما عظ ُم َ ،فالل ّه ُ أكبر ُ وترسم ُ مسار َها وسبيل َها ،لا ُ
ص طات م ِن أشخا ٍ عقبات ومثب ّ ٌ ٌ ل ،ولايثنيها عن عزم ِها وأج ّ ن القو ّة ِ العظمى مم ّن له مواقف ،لأ ّنها استم ّدت عونَها م ِ َ َ و ق سيستب ّد ل قلب َه ُ أو أيّ قل ٍ السيادة ُ المطلقة ُ؛ فأيّ أل ٍم سيداخ ُ ل لا تعب الحياة ِ إلا م ِن حر ٍ ِ بلب ِّه؟! وهل سببُ ص على مستقب ٍ
خوف قد يحدثُ أو لا يحدثُ ،أو ٍ ق م ِن يعلم ُه ُ إلا الل ّه ُ ،أو قل ٍ 3٢1
لن أسري وحدي
ائب منه ُ لموقف قد حدثَ وانتهى شأنه ُ ،فالإنسانُ بينَ ت ٍ ٍ تأل ّ ٍم ومتعلّم ٍ أو متأ ّوه ٍ متباكٍ ،لا هو تعلّم َ فاستفاد َ ،ولا تابَ فارتقى! ل مستقبلا ً ولا ل ،فلا حصّ َ ل صر ي َع التباكي على الأطلا ِ فظ ّ أعاد َ ماضياً! وبعد َ هذه ِ السنين أجد ُ هذه ِ الحكمة َ واضحة َ المعال ِم والمعاني ،سهلة َ ك عندما أخبرتني بها أم ّي! الفه ِم والإدراكِ .ل كنّها لم تكن كذل َ ل ما الدرس الصعبَ ،وتذل ّ ُ َ ل برات ل َتسهّ ُ ِ ن الأيام َ والخ إ ّ ل للعق ِ صادف عقلا ً واعياً ،وأذنا ً للحقّ ِ م ُصغية؛ َ ل عليه ِ إذا استشكِ َ س حصيف م َن تعلّم َ م ِن حكم ِ المجر ّبينَ ودرو ِ ُ ق ال والإنسانُ الموف ّ ُ
التجارب أو ِ العقارب. ِ لدغ ِ ل أن يلتاعَ بِ ح َرِ ّ الآخرين قب َ
ات ،وأختم َ الكلمات لأنهي َ بها دفتر َ الذكر ي ِ ِ ل هذه ِ ولعل ّني سأسج ّ ُ والشباب: ِ النضج بها مرحلة َ انتقالي إلى ِ ٍ ك يا غلام ُ ،إن ّي أعل ِّم ُ َكلمات :احف َظِ الل ّه َ يحف َظك ،احف َظِ الل ّه َ 3٢1
لن أسري وحدي
ل الل ّهَ ،وإذا استعنتَ فاستع ِن تج ِده تُجاه َك ،إذا سألتَ فاسأ ِ ن الأمة َ لو اجتمعت على أن ينفعوك َ بشيءٍ ،لم بالل ّهِ ،واعلم أ ّ ن اجتمعوا على أن ينفعوك َ إلا بشيء ٍ قد كتب َه ُ الل ّه ُ لك ،وإ ِ َت يضُرّوك َ بشيء ٍ لم يضُرّوك َ إلا بشيء ٍ قد كتب َه ُ الل ّه ُ عليك( ،ر ُف ِع ِ
ُف). ت الصّ ح َ ج ّف ِ الأقلام ُ و َ
حرص حفظ محارم َه ُ وت ُ ن أن تكونَ في معي ّة ِ الل ّه ِ ،ت ُ فصمّام ُ الأما ِ ن رحاب القرآ ِ ِ على أوامر ِه ِ ،وتبتعد ُ عن نواهيه ،ثم ّ تبحر ُ في ن م ِن خالقه ِ ،فلا ريح َ تهابُها، ال كري ِم مستم ّدا ً معاني قو ّة ِ الإنسا ِ ك. ك وهدف ِ َ ك عن درب ِ َ ق سيثنون َ َ طاعَ طر ي ٍ ولا ق ّ ل الله ّم على سي ّدِنا محمدٍ و ص ِّ
معلّم ِ النا ِ س الخ ير َ ،مبش ّرا ً
ونذيراً ،وداعيا ً إلى الل ّه ِ بإذنه ِ وسراجا ً منيراً.
3٢2
لن أسري وحدي
المراجع أولاً :ال كتب -1اتخاذ القرار والسلوك القيادي ،أمل طعمة ،مركز ديبونو لتعليم التفكير ،عم ّان ،الأردن ،الطبعة الأولى 211٢
-2أنا تتحدث عن نفسها ،د .عمرو شر يف ،مكتبة الشروق الدولية، القاهرة ،مصر .الطبعة الأولى .2113
-3تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس ،د .محمد السيد محمد الزعبلاوي ،مؤسسة ال كتب الثقافية ومكتبة التوبة ،الطبعة الرابعة
بيروت ،لبنان.
-4تمهيد في التأصيل ،رؤ ية في التأصيل الإسلامي لعلم النفس .د .عبد الل ّه بن ناصر الصبيح ،دار كنوز إشبيليا ،الر ياض ،السعودية ،الطبعة
الثانية 2119
جماعات والأفرادِ في الشر يعة ِ الإسلاميّة ِ"، ِ -5السننُ الإلهي ّة ُ في الأم ِم وال د .عبدِ ال كريم زيدان ،مؤسسة الرسالة ناشرون .بغداد.1992 ،
-٢سنن الل ّه في الأمم من القرآن ال كريم ،د .حسن بن صالح الحميد ،دار الفضيل ،الر ياض ،السعودية ،الطبعة الثانية .2111
-7قواعد قرآنية ،د .عبد الل ّه بن عمر المقبل ،مركز تدبر للاستشارات التربو ية والتعليمية ،الر ياض ،السعودية ،الطبعة الثالثة .2113
3٢3
لن أسري وحدي
-8قياس وتقييم قدرات الذكاءات المتعددة ،عبد الهادي حسين ،دار الفكر ،الطبعة الأولى.
-9نظر يات الارشاد والنمو المهني ،د .سهام درويش أبو عيطة ،دار الفكر ،الطبعة الأولى 2115م
-11هندسة التفكير ،أمل طعمة و رند العظمة ،دمشق ،سور يا ،الطبعة الأولى .2113
ثانيا ً :مواقع مفيدة من النت :
أكاديمية علم النفس ،المنتدى التعليمي: http://www.acofps.com/vb/showthread.php?t=7707
المنتدى العربي لإدارة الموارد البشر ية : http://www.hrdiscussion.com/mbti.html
موقع ال كحيل للإعجاز العلمي في القرآن والسنة: /http://www.kaheel7.com/ar
3٢4
لن أسري وحدي
فهرس الموضوعات
EMO
3٢5
لن أسري وحدي
3٢٢
لن أسري وحدي
ّ
3٢7