لن أسير وحدي للكاتبة أمل طعمة

Page 1


‫لن أسري وحدي‬

‫لن أسير وحدي!‬ ‫ومواقف حياتيّة ٍ واقعيّة ٍ‬ ‫ُ‬ ‫قصص‬ ‫ٌ‬ ‫الشباب والمراهقة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق وأوضح َ لمرحلة ِ‬ ‫لفهمٍ أعم َ‬ ‫س البشر ي ّة من خلال علم النفس والقرآن ال كريم‬ ‫والنف ِ‬

‫تأليف‪ :‬أمل طعمة‬ ‫التدقيق اللغويّ ‪ :‬عبير الحكيم‬

‫‪1‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪2‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫بسمِ اهللِ الرّمحنِ الرّحيم‬

‫ﭽ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ‬ ‫الشعراء‪٢2 :‬‬

‫ﭽﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﭼ‬ ‫سورة القيامة‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡ ﭼ‬ ‫سورة العصر‬

‫عرف رب ّه"‬ ‫َ‬ ‫عرف نفسه ُ فقد‬ ‫َ‬ ‫ق ِيل ‪" :‬م َن‬

‫‪3‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حب ووفاء‬ ‫ٌ‬ ‫حب فاتّ جه قلبي إليه‪.‬‬ ‫بساط ال ِّ‬ ‫َ‬ ‫ل أن أعرفه‪ ،‬وم ّد إليّ‬ ‫إلى الذي دل ّني عليه قب َ‬ ‫والمؤنس الخالد‪ ،‬إلى سي ّدي‬ ‫ِ‬ ‫حبيب الباقي‪،‬‬ ‫ل‪ ،‬إلى ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫صاحب الأمر ِ والفض ِ‬ ‫ومولايَ وخالق َي الذي إليه ِ مآلي ومصيري‪.‬‬

‫حب‬ ‫رب العبادِ‪ ،‬إلى الذي علّم َنا معاني َ ال ِّ‬ ‫صاحب اليدِ البيضاء ِ في معرفة ِ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬

‫س ومداخل َها‪،‬‬ ‫ق ال ّ ِ‬ ‫والوفاء ِ‪ ،‬ودل ّنا على طر ي ِ‬ ‫حق والخ ير‪ ،‬وألهم َنا طرقَ معرفة ِ النف ِ‬ ‫ل طاقاتِها‪ ...‬إليك سيدي رسول الل ّه ‪. ‬‬ ‫وقيادتَها وتفعي َ‬

‫ق ومصابيح َها‬ ‫علامات الطر ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫حب الل ّه ِ ومعرفت َه ُ‪ ،‬ووض َع‬ ‫ّ‬ ‫ل في ّ‬ ‫ل م َن أشع َ‬ ‫إلى ك ّ ِ‬ ‫ل الواقع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وسط‬ ‫َ‬ ‫غياهب الظلا ِم وثق ِ‬

‫كلمات العطاء ِ والوفاء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫طرتُ‬ ‫إلى م َن كانا سببا ًلوجودي‪ ،‬وبصبر ِهما وعطائِهما س ّ‬ ‫وأخص رفيقة َ دربي‪ ،‬والسند َ المتينَ في مسيرة ِ حياتي‪ ،‬ودفعي في طر يق الحق‬ ‫ّ‬ ‫والخ ير‪ ،‬إلى من كانت لمساتُها الحانية ُ معينا ً ومؤازرا ً في ظهور هذا الكتاب‪،‬‬ ‫وكانت كلماتُها العطرة ُ مسلّيا ً وأنيسا ً‪ ...‬إليك أمي‪.‬‬ ‫ي أو روحيّ‪ ،‬وكانَ لعب َر َاته ِ دفء ٌ ودف ٌع‪،‬‬ ‫ل م َن له َ فض ٌ‬ ‫إلى ك ّ ِ‬ ‫ل عليّ‪ ،‬في مددٍ مادّ ّ ٍ‬ ‫ولدعائ ِه ِ أثر ٌ وفعل‪.‬‬

‫سه ِ‪ ،‬ليقود َها نحو َ معال ِم الع ُلا والسعادة‪.‬‬ ‫ل حائر ٍ يريد ُ أن يسبر َ أغوار َ نف ِ‬ ‫إلى ك ّ ِ‬ ‫إليكم جميعا ً أهدي ‪...‬‬ ‫‪4‬‬


‫لن أسري وحدي‬ ‫ن الر ّحيم‬ ‫بس ِم الل ّه ِ الر ّحم ِ‬

‫لماذا " لن أسير َ وحدي " !‬

‫في ليلة ٍ شديدة ٍ البرودة ِ‪ ،‬اكتسَت حل ّت ُها لونا ً رمادي ّا ً حت ّى قاربَ‬ ‫مؤنس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ق‪ ،‬ولا‬ ‫السواد َ‪ ،‬بلا رفي ٍ‬ ‫ل الدفء ُ عبر َ مساراته ِ‬ ‫خافت‪ ،‬يتسل ّ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫يلو ُ‬ ‫ح من بعيدٍ ضوء ٌ‬

‫ل‪ ،‬م ُعيدا ً القو ّة َ‬ ‫ل والتفاؤ ِ‬ ‫المضيئة ِ‪ ،‬حاملا ً عبر َ ذرّاته ِ غبار َ الأم ِ‬ ‫القلب‪ ،‬ونور َ المعرفة ِ في‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫في جسدِ الحياة ِ‪ ،‬والحنانَ إلى مداخ ِ‬ ‫خلايا العقل‪.‬‬ ‫ل وحدة ُ‬ ‫وات واضحة ِ المعال ِم‪ ،‬وتتب ّد ُ‬ ‫ح‪ ،‬وتسير ُ بخط ٍ‬ ‫فتنشط الجوار ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق ليزدحم َ أفرادا ً وجماعات‪.‬‬ ‫الطر ي ِ‬ ‫‪5‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ح الجديدة ُ‬ ‫ّرت الرو ُ‬ ‫ل‪ ،‬وغي ِ‬ ‫فقد ب ّدد َ النور ُ والمعرفة ُ ظلام َ اللي ِ‬ ‫رب!‬ ‫درب‪ ،‬قائدا ً للس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ق‬ ‫ق الوحشة‪ ،‬وغدا الباحثُ عن رفي ِ‬ ‫طر ي َ‬ ‫خوف‪ ،‬قو يا ً يلوذ ُ به ِ الرفاقُ والأغرابُ ‪.‬‬ ‫ن ال ِ‬ ‫وأمسى المذعور ُ م َ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫ت الأفعا ُ‬ ‫ت الهيئة ُ‪ ،‬وتغي ّر ِ‬ ‫لقد تب ّدل ِ‬ ‫النفس غير ُ التي كانت‪ ،‬والجسد ُ لم يمُي ّز شكل َه ُ ورسم َه ُ!‬ ‫ُ‬ ‫وإذا‬ ‫ل ذلك!‬ ‫لك ّ‬ ‫كيف تب ّد َ‬ ‫َ‬ ‫هذا الكتابُ يجيب ُك!‬ ‫شمس المعرفة ِ بعد َ ظلا ِم الجهل!‬ ‫ُ‬ ‫ل أن تشرقَ‬ ‫فما أجم َ‬ ‫ق‬ ‫وما أروعَ أن يُدرك َ الإنسانُ نفسَه‪ ،‬ويسير َ في الحياة ِ‪ ،‬واث َ‬ ‫العقبات‪ ،‬في ُجان ِب ُها ويتجاوز ُها بثقة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق ويتوق ّ ُع‬ ‫يعرف الطر ي َ‬ ‫ُ‬ ‫الخ ُطا‪،‬‬ ‫العارف العالم!‬ ‫ِ‬

‫‪٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك‪ ،‬تُس ِ ّر ُ‬ ‫ما أحلى الحياة َ لو وجد َت يدا ً ممت ّدة ً إليك‪ ،‬تكونُ مع َ‬ ‫ك النصائح َ‪ ،‬وتجيبُ عن تساؤلات ِك‪ ،‬ولا تستغربُ م ِن‬ ‫إلي َ‬ ‫غراب َت ِها!‬ ‫ن‬ ‫كنتُ قد وعدتُ نفسي َ أن أس ّ‬ ‫طر َ كتابا ً عندما أغدو في س ّ ِ‬

‫ِ‬ ‫اذف قلبي‬ ‫جميع الأسئلة ِ التي كان َت تتق ُ‬ ‫النضج‪ ،‬وأجيبَ عن‬ ‫ِ‬ ‫ل رحلة ِ شبابي في هذه ِ الحياة!‬ ‫وعقلي خلا َ‬

‫الكتاب؛ وقد آنَ لي أن أفي َ‬ ‫ِ‬ ‫هذا هو الداف ُع الحقيقيّ وراء َ هذا‬

‫بوعدي‪.‬‬

‫ل من‬ ‫الشباب أو ما ت ُسمّى "المراهقة"‪ ،‬هي فترة ُ الانتقا ِ‬ ‫ِ‬ ‫فمرحلة ُ‬ ‫الطفولة ِ إلى الشباب‪ ،‬ولهذه ِ المرحلة ِ أسرار ُها وتساؤ ُلاتُها‬ ‫الشاب أو الفتاة ُ المرور َ منها بسلام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ن استطاعَ‬ ‫ومشاكل ُها‪ ،‬فإ ِ‬ ‫ن والحياة‪ ،‬ومعالم َ‬ ‫ن من رس ِم صورة ٍ واضحة ِ المعال ِم لل كو ِ‬ ‫ك َ‬ ‫وتم ّ‬ ‫وعرف نفسَه‪ ،‬عندئذٍ‬ ‫َ‬ ‫ّف على قوانين ِها‬ ‫لنفسه ِ وشخصي ّته‪ ،‬وتعر َ‬ ‫‪7‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ِ‬ ‫النجاح في الدنيا والفوزِ‬ ‫خطوات‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫يكونُ قد وض َع قدم َه ُ على أ ّو ِ‬ ‫بالآخرة‪.‬‬ ‫الكتاب هو أن ّي لم أجد في المكتبة ِ‬ ‫ِ‬ ‫أمّا السببُ الثاني لهذا‬ ‫الإسلامي ّة ِ م َن يخاطبُ هذه ِ الفئة َ بلغتهم وأسئلتهم ومواقفهم‬ ‫ل أو الأكبر َ‬ ‫ومشكلاتهم‪ ،‬فال كتبُ الموجودة ُ إمّا تخاطبُ الأق ّ‬ ‫منه ُم سن ّا ً ‪ ،‬أما مرحلة الإعدادية والثانو ية فكأ ّنها قد أجدب َت‬ ‫ي‬ ‫مم ّن يكتبُ عنها رغم َ أهم ّي ّت ِها‪ ،‬فإن تحدثتِ ال كتبُ عنها‪ ،‬فه َ‬ ‫س‪،‬‬ ‫تخاطبُ الأمّ أو المرب ّي أو الطالبَ الجامعيّ في كل ّي ّة ِ علم ِ النف ِ‬ ‫يكتشف مشكلاتِها و يساهم َ في حل ّها‪ ،‬وهذا‬ ‫َ‬ ‫ّف طبيعت َها و‬ ‫ليتعر َ‬ ‫جي ّدٌ وضروريّ ‪ ،‬ل كن ّنا بحاجة ٍ إلى أن ننصتَ إليهم ويسمع ُوا من ّا‬

‫ِ‬ ‫ل ويبعد ُهم عن‬ ‫الصحيح الذي يجن ّب ُهم الزل َ‬ ‫ل‬ ‫لتتم ّ عملي ّة ُ التواص ِ‬

‫ل! فإ ّنهم‬ ‫خطوات عرجاء َ قد توصل ُهم لتجارِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بدء ِ حياتِهم ب‬ ‫ب فش ٍ‬

‫ح التغيير ِ وفه ِم ذاتِهم وقوانينَ‬ ‫كوا مفاتي َ‬ ‫حظ وأدر ُ‬ ‫إن حالف َهم ُ ال ّ‬ ‫ل إلى آخر‬ ‫الحياة ِ نج َوا‪ ،‬وأفل ُ‬ ‫حوا‪ ،‬وإن تلعثم َت خطواتُهم من فش ٍ‬ ‫‪8‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫س ورب ّما يكونُ مآلُهم إلى مهاوٍ‬ ‫فقد يق َعونَ فريسة َ الإحباطِ واليأ ِ‬ ‫لا ت ُحم َد ُ ع ُقباها‪.‬‬ ‫الشاب أو الفتاة َ يدا ً بيد‪ ،‬وفكرا ً بفكر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إ ّنها محاولة ٌ لأساعد َ‬ ‫ق‪ ،‬برؤ ية ٍ واضحة ٍ‪ ،‬ونظرٍ‬ ‫وخطوة ً بخطوة‪ ،‬لنسير َ معا ً على الطر ي ِ‬ ‫يعرف قدر َ‬ ‫ُ‬ ‫عارف بمفاوزِ الحياة ِ‪ ،‬سابر ٍ لأغوارِها وقوانين ِها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ثاقب‬ ‫ٍ‬ ‫سه ِ وي ُدرِك ُ قدرات ِه ِ التي وهب َها الل ّه ُ له‪ ،‬فيضع ُها في محال ّ ِها‬ ‫نف ِ‬

‫المناسبة ِ‪ ،‬ويسير ُ بها نحو رفعة ِ مجتمع ِه ِ ونهضت ِه ِ‪ ،‬يجم ُع بينَ العلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫النجاح في الدنيا لأن ّه ُ يمل ُ‬ ‫ج بينَ‬ ‫العظيم‪ ،‬يزاو ُ‬ ‫ن‬ ‫الحديثِ والقرآ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بنعيم الآخرة ِ وسعادتِها‬ ‫النجاح فيها‪ ،‬وبينَ الفوزِ‬ ‫ومهارات‬ ‫ِ‬ ‫علوم َها‬ ‫ِ‬

‫ض عالما ً‬ ‫ض؛ فيسير ُ في الأر ِ‬ ‫برب السماء ِ والأر ِ‬ ‫ل ِّ‬ ‫لأن ّه ُ موصو ٌ‬ ‫عارف بقوانين ِه ِ‬ ‫ٌ‬ ‫الأسباب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رب‬ ‫ِّ‬ ‫بأسبابِها‪ ،‬وقلب ُه ُ متطل ّ ٌع إلى‬ ‫وشرع ِه ِ الحقّ ِ الم ُبين‪.‬‬ ‫الشاب والفتاة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هذا الكتابُ حت ّى لا تسير َ وحد َك َ أ ّيها‬ ‫‪9‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ح‬ ‫الكتاب أغلبَ الأسئلة ِ التي كانت تل ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ض في‬ ‫حاولتُ أن أعر ِ َ‬ ‫عليّ عندما كنتُ في هذا العمر‪ ،‬وكنتُ أتمن ّى لو أجد ُ من يجيبُ‬ ‫خوف م ِن سخر ية ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ح له مشاعري وخواطري دونَ‬ ‫عنها أو أشر ُ‬ ‫التعليم لهذه ِ المرحلة ِ‬ ‫ل خبرتي في‬ ‫ك م ِن خلا ِ‬ ‫استغراب‪ ،‬وكذل َ‬ ‫ٍ‬ ‫أو‬ ‫ِ‬ ‫والنقاشات التي كانت تحدثُ بيني وبينَ طالباتي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ن الأسئلة ِ‬ ‫وم َ‬ ‫حت لي الفرصة ُ لأق ّدم َها ل كم‪ ،‬عسى‬ ‫فسج ّلت ُها في ذاكرتي حت ّى سن َ‬ ‫والتعب‪ ،‬فأض َع بينَ أيديكم زبدة َ‬ ‫ِ‬ ‫الوقت‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫أن أوف ّر َ عنكم بعضا ً م ِ َ‬ ‫الخ برة ِ النفسي ّة ِ والعملي ّة ِ والديني ّة‪.‬‬ ‫ل الل ّه َ أن يكونَ قد وف ّق َني لذلك‪ ،‬وأخذتُ بيدِكم حت ّى لا‬ ‫أسأ ُ‬

‫ق كي تمش ُوا على بصيرة ٍ‪،‬‬ ‫تسيروا وحد َكم‪ ،‬وكشفتُ ل كم الطر ي َ‬

‫وتح ّققوا أهداف َكم وغايت َكم في الحياة ِ‪.‬‬ ‫ن‬ ‫الكتاب طر يقة ً حوار ي ّة ً قصصي ّة ً لمجموعة ٍ م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫وقد سل كتُ في‬ ‫بيت‪ ،‬ومن‬ ‫المواقف المنفصلة ِ‪ ،‬تحدثُ لفتاة ٍ في المدرسة ِ وال ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪11‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن وقوانينِ الحياة ِ والتغيير‪،‬‬ ‫ل إلى فه ِم ذاتِها وال كو ِ‬ ‫خلال ِها تص ُ‬ ‫ن العلم ِ الحديثِ‬ ‫س البشر ي ّة ِ مستمِ ّدة ً ذلك م ِ َ‬ ‫وإدرا ٍ‬ ‫ك لطبيعة ِ النف ِ‬ ‫ن ال كري ِم وعلم ِ‬ ‫ن القرآ ِ‬ ‫س والشخصي ّة ِ ومقاييس ِها‪ ،‬وم ِ َ‬ ‫في علم ِ النف ِ‬ ‫هارات التفكير ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن العلو ِم الحديثة ِ في تنمية ِ م‬ ‫س الإسلاميّ‪ ،‬وم ِ َ‬ ‫النف ِ‬ ‫ل المشكلات‪.‬‬ ‫واتخاذِ القرارِ وح ّ ِ‬ ‫مشكلات يومي ّة ً حياتي ّة ً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫المواقف‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل تل َ‬ ‫وقد عرضتُ خلا َ‬ ‫ح‬ ‫ص م ِن خلال ِها المعرفة ُ والخ برة ُ‪ ،‬وتفت ُ‬ ‫مدرسي ّة ً ومنزلي ّة‪ ،‬ي ُستخل َ ُ‬ ‫آفاقَ الأسئلة ِ والعلم ِ‪.‬‬ ‫واستخدمتُ لغة ً سهلة ً سلسة ً‪ ،‬لتناسب مرحلة الناشئة والشباب‬ ‫من المرحلة الإعدادية والثانو ية‪.‬‬ ‫ن الأسئلة ِ‬ ‫ن كثيرا ً م ِ َ‬ ‫الكتاب فتاة ٌ‪ ،‬إلا أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن بطلة َ‬ ‫و رغم َ أ ّ‬ ‫ض‬ ‫ن في بع ِ‬ ‫الشاب أيضا ً‪ ،‬وقد يختلفا ِ‬ ‫ِّ‬ ‫والمواقف تتشابه ُ مع‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ل إلى التفكير ِ العاطفيّ م ِ َ‬ ‫والسمات؛ فالفتاة ُ أمي َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الاهتمامات‬ ‫ِ‬ ‫‪11‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن نوعا ً ما في مستوى‬ ‫الشاب‪ ،‬ل كنّهما في هذه ِ المرحلة ِ متقاربا ِ‬ ‫ِّ‬ ‫الشاب أكثر َ‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫النضج الفكريّ والانفعاليّ‪ ،‬فبالرغ ِم م ِن كو ِ‬ ‫ِ‬ ‫س البشر ي ّة ِ‬ ‫جرأة ً واستقلالا ً‪ ،‬ل كنّهما يلتقيا ِ‬ ‫ن في طبيعة ِ النف ِ‬ ‫ن وقوانينِ الحياة؛‬ ‫ق تغيير ِها وإصلاحِها‪ ،‬وفي أسئلة ِ ال كو ِ‬ ‫وطر ِ‬ ‫ن الطفولة ِ‬ ‫ن مِ َ‬ ‫سمات هذه ِ المرحلة ِ ذاتها‪ ،‬فكلاه ُما ينتقلا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫كما أ ّ‬ ‫س وأسئلت ِها‬ ‫الشباب والمسؤولي ّة ِ‪ ،‬و يتعر ّضا ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫ن لمفاوزِ النف ِ‬ ‫واكتشاف‬ ‫ِ‬ ‫الحائرة ِ في فه ِم ذاتِها ومعرفة ِ نقاطِ ضعف ِها وقو ّتِها‪،‬‬

‫ِ‬ ‫النجاح في الحياة ِ‪.‬‬ ‫ق‬ ‫طر ِ‬

‫ل والنف َع منه ُ‪ ،‬وأن يجعل َه ُ عملا ً صالحا ً‬ ‫ق والقبو َ‬ ‫ل الل ّه َ التوفي َ‬ ‫نسأ ُ‬ ‫ن‪ .‬إن ّه هو ال كريم ُ الرحيم ُ‪ ،‬وعلى الل ّه ِ‬ ‫متقب ّلا ً عند َه ثقيلا ً في الميزا ِ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫قصد ُ السبي ِ‬ ‫أمل طعمة‬

‫‪ 2115/1/3‬م الموافق ‪/12‬ربيع الأول‪ 143٢/‬ه‬

‫‪12‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪13‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 1-‬‬

‫نحو الرشدُ‬ ‫(معرفةُ طبيعةُ النفسُ البشريُةُ والتدربُ على قيادتُها ُ‬ ‫هما مفتاحُ النجاحُ في املرحلةُ التي تسمُى "املراهقة") ُ‬ ‫لباس النو ِم ملق ًى على سريري‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يوم ٌ عاديّ م ِن أي ّا ِم حياتي‪،‬‬ ‫المكتب والطاولة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كتبي مبعثرة ٌ على‬ ‫خرة ً عن موعدِ‬ ‫لقد استيقظتُ كالعادة ِ متكاسلة ً‪ ،‬متململة ً‪ ،‬ومتأ ّ‬ ‫ق‪ ،‬ألقيتُ التحي ّة َ على أهلي‪،‬‬ ‫مدرستي؛ لبستُ بسرعة ِ البر ِ‬ ‫البيت والآخر ُ تمتمتُ به ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫فانقسم َت شطر ين‪ ،‬شطر ٌ سمع َه ُ أه ُ‬ ‫‪14‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل حينا ً وأمشي مشيا ً سر يعا ً حينا ً‬ ‫ل‪ ...‬أخذتُ أهرو ُ‬ ‫ج المنز ِ‬ ‫خار َ‬ ‫ل إليها أن‬ ‫ن عقاربَ الساعة ِ وأنا أتوسّ ُ‬ ‫آخر َ وعيناي لا تفارقا ِ‬ ‫تقف قليلا ً أو تتراج َع ول كن دونَ جدوى‪.‬‬ ‫َ‬ ‫س‪ ،‬تسلل ّتُ سر يعا ً إلى‬ ‫وصلتُ أخيرا ً إلى المدرسة ِ مع رن ّة ِ الجر ِ‬ ‫ألقت المدرّسة ُ علينا‬ ‫ِ‬ ‫ن حت ّى‬ ‫ص ّفي ومقعدي‪ ،‬وما هي إلا ثوا ٍ‬ ‫تحي ّت َها المعتادة َ بابتسامة ٍ خفيفة ٍ ولهجة ٍ شابَها الج ِ ّد والحنو ّ معاً‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ي المفقود‪ ،‬وأثار َ السؤا َ‬ ‫بعض نشاط َ‬ ‫َ‬ ‫كانَ درسا ً ممتعا ً أعاد َ لي‬ ‫ل يتردّد ُ في خاطري‪ :‬من أنا؟ وماذا أريد ُ؟ وإلى‬ ‫الذي لا يزا ُ‬ ‫ل في هذه الحياة؟‬ ‫ن سأص ُ‬ ‫أي َ‬ ‫ديرات ماثلة ً‬ ‫ِ‬ ‫سات الق‬ ‫ات المتمث ّلة ِ بالمدرّ ِ‬ ‫ج الشخصي ّ ِ‬ ‫كان َت نماذ ُ‬ ‫ج في عقلي وقلبي معاً‪ ،‬كانت‬ ‫المقارنات تمو ُ‬ ‫ِ‬ ‫وآلاف‬ ‫ُ‬ ‫أمام َ عينيّ‪،‬‬ ‫ت يشتاقُ قلبي‬ ‫ات تثير ُ إعجابي وتقديري‪ ،‬وشخصي ّا ٌ‬ ‫هناك َ شخصي ّ ٌ‬ ‫ات‬ ‫لبسمة ٍ ترتسم ُ على وجوه ِها‪ ،‬وأخرى أثارت فيّ تساؤل ٍ‬ ‫وأفكار‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫هذا جزء ٌ يسير ٌ م ِن أفكاريَ المختلفة ِ والمضطربة ِ‪ ،‬وكأ ّنها تبحثُ‬

‫ليس كنزا ً مدفونا ًفي ِ‬ ‫قاع البحارِ ينتظر ُ محقّقا ً‬ ‫عن شيء ٍ ثمينٍ؛ إن ّه ُ َ‬ ‫ن في داخلي ول كن دونَ أن‬ ‫أو كشّافا ً ليكتشف َه ُ‪ ،‬إن ّه ُ مدفو ٌ‬ ‫أدري‪.‬‬ ‫أي ّام ٌ كثيرة ٌ تمضي متشابهة ً في سَمت ِها وأحداثِها‪ ،‬ل كنّ الأفكار َ‬ ‫ظل ّت حبيسة ً في داخلي تنتظر ُ ر ُب ّانا ً ماهرا ً كي يدل ّها على كنز ِها‪،‬‬ ‫وكنتُ في المدرسة ِ أبحثُ عن ذاك َ الر ب ّان‪.‬‬ ‫ل عنها‬ ‫أمر بها‪ ،‬ي ُقا ُ‬ ‫قرأتُ كثيرا ً عن طبيعة ِ المرحلة ِ العمر ي ّة ِ التي ّ‬

‫ل‬ ‫س (فترة ُ المراهقة ِ)‪ .‬وأي ّا ً كانَ اسم ُها فهي تحم ُ‬ ‫في علم ِ النف ِ‬

‫ن ويتجاوز ُها إمّا بسلا ٍم أو قد‬ ‫ل إنسا ٍ‬ ‫صفات معي ّنة ً يمر ّ بها ك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ل قابعة ً في شخصي ّته ِ‪.‬‬ ‫كدورات أو الآثارِ التي تظ ّ‬ ‫ِ‬ ‫بعض ال‬ ‫ت ُصيب ُه ُ ُ‬ ‫ل عن هذه ِ‬ ‫ل ما قي َ‬ ‫ُ‬ ‫لقد استحوذ َ على فكريَ‬ ‫استكشاف ك ّ ِ‬

‫ِ‬ ‫الضياع (إن جاز َ لي َ‬ ‫ض‬ ‫أحس فيها ببع ِ‬ ‫ّ‬ ‫المرحلة ِ‪ ،‬رب ّما لأن ّي‬ ‫ل‪( :‬ما شاء َ الل ّه)‬ ‫ن م َن يراني يقو ُ‬ ‫التعبير ُ بهذه ِ الكلمة ِ)‪ ،‬رغم َ أ ّ‬ ‫‪1٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الأفكارِ‬ ‫بأمواج م ِ َ‬ ‫أحس‬ ‫ّ‬ ‫ثناء ً على ات ّزاني وتع ّقلي‪ ،‬إلا أن ّي‬ ‫ٍ‬ ‫ل في داخلي‪ ،‬تُشعرني أن ّي‬ ‫وعشرات المشاعر ِ تعتم ُ‬ ‫ِ‬ ‫تتصارع ُ‪،‬‬

‫غريبة ٌ في هذه ِ الدنيا‪ ،‬وأخرى أشعر ُ أن ّي لا أجيد ُ فهم َها أو فهم َ‬ ‫ل‬ ‫ل ذل َ‬ ‫س م ِن حولي‪ .‬ك ّ‬ ‫النا ِ‬ ‫ك يدفع ُني إلى محاولة ِ تحلي ِ‬ ‫أمر بها‪ ،‬عل ّني أفهم ُ أو أجد ُ‬ ‫والأحداث التي‬ ‫ِ‬ ‫ات‬ ‫الشخصي ّ ِ‬ ‫ّ‬

‫الإجابات التي أبحثُ عنها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫انتبهن ‪...‬‬

‫سات وهي‬ ‫صوت إحدى المدرّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لم أفق م ِن هذه ِ الخواطرِ إلا على‬ ‫تمر ّ بجانبي وقد لاحظَت شرودي‪ ،‬فحاول َت إخراجي م ِن‬ ‫ن‪ :‬انتبهن‪.‬‬ ‫وصوت حا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أفكاري بنقرة ٍ خفيفة ٍ على مقعدي‬ ‫بادلت ُها بابتسامة ٍ صغيرة ٍ‪ ،‬واحمر ّ وجهي خجلاً‪ ،‬ثم ّ رك ّزتُ نظري‬ ‫الدرس بانتباه ٍ وبمشاركة ٍ إ يجابي ّة ٍ‪ ،‬محاو َلة ً‬ ‫َ‬ ‫على السب ّورة ِ وتابعتُ‬ ‫س‪.‬‬ ‫ل الد ّر ِ‬ ‫ت خلا َ‬ ‫من ّي للاعتذارِ عم ّا بدر َ من ّي م ِن تشت ّ ٍ‬

‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫س المحب ّبة ُ لدى‬ ‫ي‪ ،‬وكان َت رن ّة ُ الجر ِ‬ ‫انتهى الد ّوام ُ المدرس ّ‬ ‫‪17‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الدراسة ِ‪،‬‬ ‫الرفيقات وانقضاء ِ يو ٍم م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ن لحظة َ فرا ِ‬ ‫الطالبات تعل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل واحدة ٍ‬ ‫ن الأطعمة ِ التي تحلم ُ ك ّ‬ ‫ل بينَ طي ّاته ِ أطيافا ً م ِ َ‬ ‫كما يحم ُ‬ ‫من ّا بتناول ِها عند َ عودتِها إلى منزل ِها‪.‬‬

‫ِ‬ ‫المطبخ‪ ،‬فقد شممتُ‬ ‫ألقيتُ التحي ّة َ على أم ّي‪ ،‬وأسرعتُ إلى‬ ‫رائحة ً أمي ّز ُها تماماً‪ ،‬هي م ِن طعامي َ المفضّ ل‪ .‬أسرعتُ نحو أم ّي‬ ‫جت متلعثمة ً وأنا‬ ‫أقب ّل ُها وألث ِم ُ يد َها الحبيبة َ‪ ،‬وكلماتُ الشكر ِ خر َ‬

‫ل غرفتي وأجهّز ُ نفسي للغداء ِ‪.‬‬ ‫أدخ ُ‬

‫الل ّه!!! ما أطيبَ طعام َ أم ّي ‪ ...‬قلت ُها وأنا أستع ّد للاستلقاء ِ قليلا ً‬ ‫ن النوم؛‬ ‫ن أفكاري منعتني م ِ َ‬ ‫ل الغداء ِ‪ .‬إلا أ ّ‬ ‫في سريري بعد َ تناو ِ‬ ‫ل وأخذ َت يدايَ تتلاعبُ به‪ ،‬باحثة ً‬ ‫تناولتُ حاسوبي َ المحمو َ‬ ‫ٍ‬ ‫موقع‬ ‫ن المراهقة ِ وسماتِها‪ .‬توق ّفتُ عند َ‬ ‫ع َن مواضي َع تتح ّدثُ ع َ ِ‬

‫ال كترون ٍيّ يتح ّدثُ عن معنى المراهقة‪:‬‬ ‫ق أي اقتربَ ‪ ،‬فيكونُ معناها‬ ‫(المراهقة ُ لغو ي ّا ً مشت ّقة ٌ م ِن ر َه َ َ‬ ‫س فتعني‬ ‫ن‬ ‫الاقترابُ م ِ َ‬ ‫النضج والر ّشدِ‪ ،‬أمّا في علم ِ النف ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪18‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ي والاجتماعيّ‪.‬‬ ‫ي والعقليّ والنفس ّ‬ ‫النضج الجسم ّ‬ ‫ن‬ ‫الاقترابَ م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ي‪،‬‬ ‫جسدي وتغي ّرٍ نفس ّ‬ ‫قفزات في النموِ ّ ال‬ ‫ٍ‬ ‫حدوث‬ ‫ِ‬ ‫ل على‬ ‫وهذا يد ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫رات‬ ‫ن التغي ّ ِ‬ ‫الصراع‬ ‫ن‬ ‫ق نوعٌ م َ‬ ‫فينشأ عند َ المراه ِ‬ ‫الناتج ع ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفيز يولوجي ّة ِ والنفسي ّة ِ التي طرأت عليه ِ‪ ،‬بالإضافة ِ إلى تأث ّر ِه ِ‬ ‫مر بها في مرحلة ِ الطفولة ِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بالخ‬ ‫برات السابقة ِ التي ّ‬

‫ل عا ٍم‬ ‫ل التجارِبُ على أ ّ‬ ‫وتد ّ‬ ‫ن النظ ُم َ الاجتماعي ّة َ والمجتم َع بشك ٍ‬ ‫ل المراهقة ِ‬ ‫ق‪ ،‬فمشاك ُ‬ ‫أزمات للمراه ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ل عم ّا يحدثُ م ِن‬ ‫هو المسؤو ُ‬ ‫جتمعات‬ ‫ِ‬ ‫جتمعات الغربي ّة ِ أكثر ُ بكثيرٍ م ِن نظيراتِها في الم‬ ‫ِ‬ ‫في الم‬ ‫ل م ِن هذه ِ‬ ‫ن أن تجع َ‬ ‫العربي ّة ِ والإسلامي ّة ِ؛ فالمجتمعاتُ يمك ُ‬ ‫المرحلة ِ مرحلة ً انتقالي ّة ً بسيطة ً أو تجعل َها قاسية ً)‪.‬‬ ‫جتمعات العربي ّة ِ والإسلاميّة ِ‬ ‫ِ‬ ‫قلتُ في نفسي‪ :‬ت ُرى لماذا في الم‬ ‫ل؟ أهي طبيعة ُ الأفكارِ السائدة ِ؟ أم تأث ّر ُ‬ ‫ل المراهقة ِ أق ّ‬ ‫مشاك ُ‬ ‫ن؟ ‪ ....‬ثم ّ قررتُ متابعة َ‬ ‫التربية ِ العربي ّة ِ بأفكارِ الإسلا ِم والقرآ ِ‬ ‫القراءة ِ‪:‬‬ ‫‪19‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق نتيجة َ الشعورِ‬ ‫(وقد تكونُ الصراعاتُ التي يعاني منها المراه ُ‬ ‫ق‬ ‫ن الأسرة ِ أو الاعتمادِ عليها‪ ،‬فالمراه ُ‬ ‫بالحاجة ِ إلى الاستقلا ِ‬ ‫لع ِ‬ ‫سه ِ‬ ‫الوقت نف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل وفي‬ ‫يريد ُ أن يشعر َ بذات ِه ِ وبقدرت ِه ِ على الاستقلا ِ‬ ‫ك لا نفسي ّا ً ولا اجتماعي ّا ً ولا اقتصادي ّاً؛ فإذا‬ ‫هو غير ُ مستع ٍّد لذل َ‬ ‫ن المسؤولي ّة ِ والالتزا ِم‬ ‫ن نوعا ً م ِ َ‬ ‫كانتِ الأسرة ُ والمجتم ُع يعطيا ِ‬ ‫ق بالر ّعاية ِ والاهتما ِم فلن‬ ‫ن حدودٍ مع إحاطة ِ المراه ِ‬ ‫والحر ي ّة ِ ضم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصراع‪.‬‬ ‫ن‬ ‫النوع م ِ َ‬ ‫يشعر َ بهذا‬

‫ٍ‬ ‫ك‬ ‫فات الطفولة ِ م ِن سلو ٍ‬ ‫بصراع بين مخل ّ ِ‬ ‫ق‬ ‫ك قد يشعر ُ المراه ُ‬ ‫كذل َ‬ ‫بات الرجولة ِ أو الأنوثة ِ؛ وكل ّما كانَ هناك َ‬ ‫ومشاعرَ وبينَ متطل ّ ِ‬

‫ل مع احترام ِه ِ‬ ‫ك المراه ِ‬ ‫تفهّمٌ لسلو ِ‬ ‫ل الكام ِ‬ ‫ق وعد ِم معاملته ِكالرج ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصراع سهلا ً وممكناً‪.‬‬ ‫ل كانَ تجاوز ُ هذا‬ ‫ل المستقب ِ‬ ‫كرج ِ‬

‫ق يعاني صراعا ً بين شهوات ِه ِ الداخلي ّة ِ والتقاليدِ‬ ‫ن المراه َ‬ ‫كما أ ّ‬ ‫ن أن يتلاشى تدر يجي ّا ً إذا كانَ‬ ‫الاجتماعي ّة ِ؛ هذا الصراع ُ يمك ُ‬ ‫الشاب أو الشاب ّة ُ قد نشأا في بيئة ٍ تبني القيم َ الأخلاقي ّة َ الع ُليا‬ ‫ّ‬ ‫‪21‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل وقتَ فراغه ِ بما هو‬ ‫والشهوات‪ ،‬وتشغ ُ‬ ‫ِ‬ ‫وتصع ّ ِد ُ وترتقي بالمشاعر ِ‬ ‫ل إنساني ّة ٍ‬ ‫مفيدٌ وراقٍ‪ ،‬وتفر ّغ ُ قدرات ِه ِ في الر ياضة ِ والقيا ِم بأعما ٍ‬

‫ِ‬ ‫للمجتمع‪).‬‬ ‫ت ُشعر ُه ُ بأهم ّي ّته ِ وأهم ّي ّة ِ ما يقوم ُ به ِ‬

‫قلت في نفسي‪ :‬الآنَ فهمت‪ ..‬ح ّقا ً الأسرة ُ في مجتمع ِنا تواكبُ‬ ‫ابن َها حت ّى ينهي َ مسيرت َه ُ العلمي ّة َ ويبدأ مشوراه ُ المهنيّ‪ ،‬أمّا عند َ‬ ‫ل إمّا عادة ً‬ ‫ك المنز ِ‬ ‫يج ب َر َ على تر ِ‬ ‫الغرب فلا يبل ُغ الثامنة َ عشر َ حت ّى ُ‬ ‫ِ‬

‫عادات الم ِ‬ ‫ن مؤونت َه ُ المالي ّة َ‬ ‫ن والديه يستثقلا ِ‬ ‫جتمع أو أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫م ِن‬

‫الجامعي ّة َ‪.‬‬ ‫تنه ّدتُ قليلا ً‪ ،‬و زاد َ إصراري على متابعة ِ القراءة ِ‪ ،‬ولسانُ حالي‬

‫ل حملي‪.‬‬ ‫يحمد ُ الل ّه َ أن ّي و ُلدتُ في مجتم ٍع وأسرة ٍ إسلامي ّة ٍ لا تستثق ُ‬ ‫وتابعت‪:‬‬

‫ق يشكو‬ ‫الاغتراب والتمر ّدِ‪ ،‬فالمراه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ق مِ َ‬ ‫(كما قد يشكو المراه ُ‬ ‫ل‪ ،‬وبالتالي‬ ‫م ِن أ ّ‬ ‫ن والديه لايفهمان ِه‪ ،‬فيلجأ إلى معارضة ِ الأه ِ‬ ‫ل قد يكونُ يسيرا ً في‬ ‫ض آرائِهم وسلطت ِهم‪ ،‬والح ّ‬ ‫التمر ّدِ على بع ِ‬ ‫‪21‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ش أساسا ً‬ ‫ن الحوارِ والنقا ِ‬ ‫ل مِ َ‬ ‫ل أسرة ٍ متفهّمة ٍ منفتحة ٍ‪ ،‬تجع ُ‬ ‫ظ ِّ‬ ‫ات التمر ّدِ‬ ‫لبناء ِ شخصي ّة ِ ابن ِهم أو ابنت ِهم‪ ،‬مم ّا يجعل ُه يبتعد ُ عن سلوكي ّ ِ‬

‫أو العنادِ أو العدواني ّة‪.‬‬

‫ل والانطواء ِ‬ ‫وهناك َ مظهر ٌ مضادّ للتمر ّدِ‪ ،‬فقد يشعر ُ المراه ُ‬ ‫ق بالخج ِ‬

‫ضعف أو‬ ‫ٍ‬ ‫ق م ِن‬ ‫ك طبقا ً لطبيعة ِ شخصي ّة ِ المراه ِ‬ ‫ل التمر ّدِ‪ ،‬وذل َ‬ ‫بد َ‬ ‫قو ّة ٍ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫الطبع‪ ،‬نتيجة ً لما يريد ُ تحقيق َه ُ‬ ‫ق العصبي ّة َ وح ّدة ً‬ ‫وقد يُظه ِر ُ المراه ُ‬

‫ل إزعاجا ً كبيرا ً للآخرين والوالد َين‪.‬‬ ‫ك ُ‬ ‫العنف‪ ،‬مم ّا ي ُش ّ‬ ‫ِ‬ ‫بالقو ّة ِ أو‬ ‫لهرمونات‬ ‫ِ‬ ‫ت ُشير ُ الدراساتُ إلى وجودِ علاقة ٍ قو ية ٍ بينَ وظيفة ِ ا‬ ‫ل العاطفيّ ِ عند َ المراهقين؛‬ ‫التي تزداد ُ في هذه ِ المرحلة ِ والتفاع ِ‬

‫ت مزاجي ّة ٍ‬ ‫فالمستو ياتُ الهرموني ّة ُ المرتفعة ُ تؤدّي إلى تفاعلا ٍ‬

‫ٍ‬ ‫طبع عند َ الذكورِ غالبا ً‬ ‫غضب وح ّدة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫كبيرة ٍ تأخذ ُ شك َ‬ ‫الإناث‪ ،‬مم ّا يجعل ُه ُ أحيانا ً يغرقُ في‬ ‫ِ‬ ‫واكتئاب عند َ‬ ‫ٍ‬ ‫وغضب‬ ‫ٍ‬ ‫العنف والإجرا ِم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ص‬ ‫الروايات البوليسي ّة ِ أو قص ِ‬ ‫ِ‬ ‫خيالات أو‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫‪22‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫وارتكاب الأخطاء ِ وتقليدِ‬ ‫ِ‬ ‫المغامرات‬ ‫ِ‬ ‫حب‬ ‫ل ل ِّ‬ ‫فهو يمي ُ‬ ‫الآخرين)‪.‬‬ ‫تنهيدة ٌ أخرى أطلقت ُها‪ ،‬وقلتُ في نفسي‪:‬‬ ‫الآنَ عرفتُ سببَ انفعالاتي السر يعة ِ أحيانا ً مع أم ّي أو أبي‬ ‫حدوث المشكلة ِ أجد ُه ُ غير َ‬ ‫ِ‬ ‫رغم َ أن ّي عندما أنظر ُ إلى الأمر ِ بعد َ‬ ‫ل شديد‪ ...‬آه ‪ ...‬شكرا ً يا أمّي وأبي‬ ‫ن انفعا ٍ‬ ‫جدير ٍ بما فعلت ُه ُ م ِ َ‬ ‫ليس بعذرٍ‪ ،‬بل‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذل َ‬ ‫وأخوتي كم تحم ّلتم! ل كن ّي أعلم ُ أيضا ً أ ّ‬ ‫عليّ أن أدرّبَ نفسي على ضبطِ مشاعر ِها‪ ،‬كما قالت أم ّي‪ :‬إن ّما‬ ‫الحلم بالتحل ّم‪.‬‬ ‫توضح ُ‬ ‫هذه ِ المعلوماتُ تشحذ ُ هم ّتي في متابعة ِ القراءة ِ لأ ّنها بات َت ّ‬ ‫ن‬ ‫لي َ ال كثير َ م ِن تصرّفات ِي َ التي أحيانا ً لا أفهم ُها‪ ،‬أو أظنّ أ ّ‬ ‫ل في نفسي لماذا فعلتُ‬ ‫ن لا يشعرونَ بي‪ ،‬أو أحيانا ً أقو ُ‬ ‫الآخري َ‬ ‫كذا؟‬ ‫ل هذه ِ الخواطرِ كان َت تجعل ُني أحرّك ُ عينيّ بينَ أسطرِ المقالة ِ‬ ‫ك ّ‬ ‫‪23‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل إلى نهايت ِها‪:‬‬ ‫بسرعة ٍ عجيبة ٍ‪ ،‬وكأن ّي لا أصبر ُ حت ّى أص َ‬

‫ِ‬ ‫إثبات‬ ‫ِ‬ ‫الاندفاع ومحاولة ِ‬ ‫ل سلوكي ّاتُ الفتاة ِ المراهقة ِ إلى‬ ‫(فقد تمي ُ‬ ‫ح‬ ‫ل لها‪ ،‬وتجن ُ‬ ‫رات الجسدي ّة ِ التي تحصِ ُ‬ ‫ن التغي ّ ِ‬ ‫ل مِ َ‬ ‫ِ‬ ‫الذات والخج ِ‬ ‫لتقليدِ أمّها أو رفيقاتِها‪ ،‬وتتذبذبُ عواطف ُها‪ ،‬فتغضبُ بسرعة ٍ‪،‬‬ ‫وتصفو بسرعة ٍ)‪.‬‬ ‫تمتمتُ ‪ ......‬امممم ‪ .....‬نعم صحيح ‪ ....‬عذرا ً يا والديّ ‪.‬‬ ‫ثم ّ أكملتُ القراءة َ‪:‬‬ ‫ك‬ ‫حرافات التي قد تظهر ُ في سلو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن الان‬ ‫(وتشير ُ الدراساتُ إلى أ ّ‬ ‫ل‬ ‫ق في المنز ِ‬ ‫ن المراه ِ‬ ‫والمراهقات تحدثُ نتيجة َ حرما ِ‬ ‫ِ‬ ‫المراهقينَ‬ ‫ك‬ ‫والإشراف وكذل َ‬ ‫ِ‬ ‫ن والرعاية ِ‬ ‫العطف والحنا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫والمدرسة ِ م ِ َ‬ ‫لضعف التوجيه ِ الدين ّي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الهدف‬ ‫ِ‬ ‫ق‪ :‬فقدانُ الهو ي ّة ِ وافتقاد ُ‬ ‫وأبرز ُ المخاطرِ التي يعيش ُها المراه ُ‬ ‫القيم التي يعيش ُها‪ ،‬فضلا ً عن مشكلة ِ‬ ‫وتناقض‬ ‫ُ‬ ‫الذي يسعى إليه ِ‪،‬‬ ‫ِ‬

‫الفراغ‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ِ‬ ‫ك‬ ‫س والتربية ِ على أهمي ّة ِ إشرا ِ‬ ‫وات ّف َ‬ ‫الاجتماع وعلماء ُ النف ِ‬ ‫ق خبراء ُ‬

‫ج‬ ‫ظمة ِ التي تتناولُ علا َ‬ ‫المناقشات العلمي ّة ِ المن ّ‬ ‫ِ‬ ‫ق في‬ ‫المراه ِ‬

‫ِ‬ ‫طرح مشكلات ِه ِ‪ ،‬ومناقشت ِها مع الكبارِ في‬ ‫مشكلات ِه ِ‪ ،‬وتعويد َه ُ على‬

‫ن أكثر َ من ‪%81‬‬ ‫ت الدراساتُ العلمي ّة ُ أ ّ‬ ‫ثقة ٍ وصراحة ٍ؛ وأكدّ ِ‬ ‫مشكلات المراهقينَ في عالم ِنا العربيّ هي نتيجة ٌ مباشرة ٌ‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫بموجب آرائِهم وعاداتِهم‬ ‫ِ‬ ‫لمحاولة ِ أولياء ِ الأمورِ تسيير َ أولادِهم‬

‫ن الحوارِ م َع أهل ِهم‬ ‫يح ِ‬ ‫وتقاليدِ مجتمعاتِهم‪ ،‬وم ِن ثم ّ ُ‬ ‫جم ُ الأبناء ُ‪ ،‬ع ِ‬

‫ن الآباء َ إمّا لا يهمّهم أن يعرف ُوا مشكلاتِهم‪،‬‬ ‫لأ ّنهم يعتقدون أ ّ‬

‫أو لا يستطيعون فهم َها أو حل ّها)‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫ك منحت َني‬ ‫رب لأن ّ َ‬ ‫مرتفع‪ :‬الحمد ُ لل ّه ِ‪ ،‬أشكرك َ يا ّ‬ ‫بصوت‬ ‫ٍ‬ ‫قلتُ‬

‫أمر بها و يجيدان التربية َ‬ ‫والد َي ِ‬ ‫ن متفهّم َينِ لطبيعة ِ المرحلة ِ التي ّ‬

‫ك أبي‪...‬‬ ‫رب ‪ ..‬كم أحب ّكِ أم ّي‪ ،‬كم أحب ّ َ‬ ‫السليمة َ ‪ ..‬أحمد ُك َ يا ّ‬

‫ل‬ ‫ل أيديه ِما ‪ ....‬ل كنّ داف َع الفضو ِ‬ ‫أشعر ُ برغبة ٍ قو ي ّة ٍ في تقبي ِ‬ ‫يسوق ُني لمتابعة ِ القراءة ِ‪:‬‬ ‫‪25‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن‬ ‫سأ ّ‬ ‫(وقد أجمع َت الاتجاهاتُ الحديثة ُ في دراسة ِ ِّ‬ ‫طب النف ِ‬ ‫ن إ يجاد َ‬ ‫ل لمشكلاتِها‪ .‬كما أ ّ‬ ‫السن هي الح ّ‬ ‫ك‬ ‫الأذنَ المصغية َ في تل َ‬ ‫ِّ‬ ‫ل المسؤولي ّة ِ والرعاية ِ‬ ‫التواز ِ‬ ‫س وتحم ّ ِ‬ ‫ن بينَ الاعتمادِ على النف ِ‬ ‫ل صداقة ٍ حميمة ٍ (كما عل ّم َنا‬ ‫ل الوالدي ِ‬ ‫ن في شك ِ‬ ‫والحنوِ ّ م ِن ق ِب َ ِ‬

‫رات وبناء ِ‬ ‫ل الخ ب ِ‬ ‫ل الل ّه ِ ‪ ) ‬يمك ُ‬ ‫رسو ُ‬ ‫ن أن تبني َ جسرا ً متينا ًلنق ِ‬ ‫أزمات‪).‬‬ ‫ٍ‬ ‫صراعات أو‬ ‫ٍ‬ ‫ق المت ّزنة ِ دونَ‬ ‫شخصي ّة ِ المراه ِ‬

‫‪1‬‬

‫أغلقتُ الحاسوبَ ‪ ،‬وألقيتُ رأسي خلف َاً‪ ،‬أتفك ّر ُ فيما قرأتُ من‬ ‫ت التي أجد ُها‬ ‫ن السلوكي ّا ِ‬ ‫أفكارٍ كثيرة ٍ‪ ،‬بعض ُها ف َسّر َ لي كثيرا ً م ِ َ‬ ‫حولي أو أقوم ُ بها أحيانا ً ‪ ...‬وصورة ُ أم ّي ببسمت ِها الحانية ِ لا‬ ‫ضت عليّ م ِن حنانِها الشيء َ ال كثير َ ورغم َ‬ ‫تفارقُ خيالي‪ ،‬لقد أفا َ‬

‫ل الآراء ِ‬ ‫ن الحر ّي ّة ِ والمناقشة ِ وتباد ِ‬ ‫كت لي بحبوحة ً م ِ َ‬ ‫ك فقد تر َ‬ ‫ذل َ‬

‫مم ّا ساعد َني كثيرا ً في بناء ِ آراء ٍ‬ ‫ل ا لم ِ‬ ‫جتمع‬ ‫وقيم صحيحة ٍ حو َ‬ ‫ٍ‬

‫‪ - 11‬لمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع‪ ،‬انظر كتاب (تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس‪ ،‬د‪ .‬محمد‬ ‫السيد محمد الزعبلاوي)‬

‫‪2٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق‬ ‫ت الآنَ أشعر ُ برغبة ٍ في فهمِه ِ والتعمّ ِ‬ ‫ن‪ ،‬والذي ب ِ ّ‬ ‫وال كو ِ‬ ‫ك قوانين ِه ِ‪.‬‬ ‫بإدرا ِ‬

‫ن أشعر ُ بعد ِم انسجا ٍم م َع الم ِ‬ ‫جتمع‪،‬‬ ‫ن الأحيا ِ‬ ‫ح أن ّي في كثيرٍ م ِ َ‬ ‫صحي ٌ‬

‫أحب تقاليد َه ُ أو بعضا ً م ِن قيمِه ِ‪ ..‬لا أقصد ُ القيم َ‬ ‫ّ‬ ‫وأن ّي لا‬ ‫ن‬ ‫ل صح ّت ِها لأ ّنها مستم ّدة ٌ م ِ َ‬ ‫خلاف حو َ‬ ‫ل لل ِ‬ ‫الأصيلة َ التي لامجا َ‬ ‫ن والأحداث‪.‬‬ ‫ل مع الآخري َ‬ ‫الدي ِ‬ ‫ن‪ ،‬بل أقصِ د ُ ق ِي َم َه ُ في التعام ِ‬ ‫كان َتِ التساؤلاتُ كثيرة ً عندي‪ :‬وأبرز ُها يتمحور ُ في تحديدِ ما‬ ‫ن اللو ِم‪ :‬يجبُ ألا تفعلي كذا‪..‬‬ ‫هو الصوابُ ؟ أسم ُع كثيرا ً م ِ َ‬ ‫الناس نظرة ً لا احترام َ‬ ‫ُ‬ ‫ك‪ ..‬سينظر ُ إليكِ‬ ‫ك أن تقو ِمي بذل َ‬ ‫إ ي ّا ِ‬ ‫ن الأمثلة ِ والأوامر ِ التي لا أقتن ُع بها‬ ‫فيها‪ ...‬وال كثير ُ ال كثير ُ م ِ َ‬ ‫أحياناً!‬ ‫تضارب وتكاثر ِ الأفكارِ في رأسي‬ ‫ِ‬ ‫أسدلتُ جفوني هروبا ً م ِن‬ ‫ك الأسئلة ِ التي حام َت‬ ‫ح قليلا ً أو انتظارا ً للأجوبة ِ ع َن تل َ‬ ‫لأرتا َ‬ ‫مرت في حياتي‬ ‫َ‬ ‫ن الصور َ المتع ّددة َ‬ ‫في عقل ِي‪ ،‬إلا أ ّ‬ ‫لمواقف شت ّى ّ‬ ‫‪27‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ألح ّت عليّ فأخذتُ أحل ّل ُها م ِن جديد‪.‬‬ ‫ن المدرسة ِ وأنا غاضبة ٌ‬ ‫الموقف أتذك ّره ُ تماما ً‪ ،‬عدتُ م ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫نعم هذا‬ ‫رغم َ أن ّه ُ لم يحدث مايثير ُ غضبي‪ ،‬حت ّى استغربتُ أنا نفسي م ِن‬

‫فليس هناك َ م ِن ٍ‬ ‫كلمات‬ ‫ٍ‬ ‫داع لأنفجر َ بالبكاء بعد َ‬ ‫َ‬ ‫تصرّفي هذا‪،‬‬ ‫بسيطة ٍ واستفسارٍ م ِن أم ّي ع َن حالي‪ ،‬لقد صرختُ بأعلى صوتي‬ ‫بكلمات لم يتبي ّن لأم ّي معناها‪ ،‬ثم ّ دخلتُ غرفتي‪ ،‬وانفجرتُ‬ ‫ٍ‬

‫بالبكاء ِ كالطفلة ِ‪.‬‬

‫وهذه ِ صورة ٌ أخرى أعرف ُها وكأ ّنها حدث َت معي َ البارحة؛ طلبتُ‬ ‫خر َ في تلبية ِ طلبي‪ ،‬عاملت ُه ُ يومَها بفظاظة ٍ‬ ‫م ِن أخي مساعدة ً‪ ،‬فتأ ّ‬ ‫غريبة ٍ لا تتناسبُ م َع معاني الأخو ّة ِ والمحب ّة‪.‬‬ ‫الأمثلة ُ عديدة ٌ ‪ ...‬جميع ُها كنتُ أندم ُ بعدها أش ّد الند ِم‬ ‫ل‬ ‫على ما بدر َ من ّي س ّيما ش ّدة َ انفعالي وعدم َ التواز ِ‬ ‫ن بينَ الفع ِ‬ ‫وردّة ِ الفعل‪.‬‬ ‫الآن بدأتُ أفهم ُ ‪ ...‬إذن هي مشكلة ٌ طبيعي ّة ٌ في مرحلتي هذه ِ‪،‬‬ ‫‪28‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن بينَ انفعالاتي ومشاعري‬ ‫ل إلى التواز ِ‬ ‫ص َ‬ ‫عليّ معالجت ُها لأ ِ‬ ‫ل والقيم‪ ،‬وإبعادِ أهوائ ِي ونفسي تتحكّم ُ بسلوكي‪ ،‬عليّ أن‬ ‫والعق ِ‬ ‫س‬ ‫العلاقات بينَ النا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق أكثر َ في فه ِم ذاتي‪ ،‬وفه ِم‬ ‫أتعمّ َ‬ ‫لص ٍ‬ ‫حيح‪.‬‬ ‫ل معهم بشك ٍ‬ ‫والتواص ِ‬

‫ت ُرى أيّ المصادرِ الموثوقة ِ أعتمد ُ في هذا الفه ِم؟‬ ‫ل لم أجب عنه ُ فقد قطع َه ُ صوتُ أخي الصغير ِ وهو يناديني‪:‬‬ ‫سؤا ٌ‬ ‫ن به ِ خللا ً‬ ‫ل هذا الجهاز ُ؟ أشعر ُ أ ّ‬ ‫كيف يعم ُ‬ ‫َ‬ ‫أعرف‬ ‫ُ‬ ‫أختي لا‬ ‫ل كما يجبُ ‪.‬‬ ‫فهو لا يعم ُ‬ ‫أجبت ُه ُ قائلة ً ‪ :‬كيف؟ أرني‪.‬‬ ‫عليمات‬ ‫ٍ‬ ‫ل ت‬ ‫وبعد ملاحظتي للجهازِ سألت ُه ُ‪ :‬هل للجهازِ م ِن دلي ِ‬ ‫ق معه ُ في علبت ِه ِ‪ ..‬ابحث‬ ‫ل م ُرف َ ٍ‬ ‫(كاتلوج)؟ أظنّ أن ّه ُ لاب ّد م ِن دلي ٍ‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫ل‪ :‬وهل‬ ‫بحثَ أخي حت ّى وجد َه ُ‪ ،‬فجاء َني به ِ‪ ،‬ثم ّ ابتدر َني بالسؤا ِ‬

‫سبب الخلل؟ أو عد ِم‬ ‫ِ‬ ‫تظن ّينَ أن ّنا سنجد ُ الجوابَ الشافي لمعرفة ِ‬ ‫‪29‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫قيام ِه ِ بعمل ِه ِكما يجب؟‬ ‫ل الجهازِ‪،‬‬ ‫ك‪ ،‬وعينايَ تبحثا ِ‬ ‫هززتُ رأسي مؤكّدة ً ذل َ‬ ‫ن في دلي ِ‬ ‫وبعد َ فترة ٍ ليست بقصيرة ٍ وجدتُ ضال ّتي‪ ،‬وبدأتُ أت ّب ُع‬ ‫ق أخي‬ ‫ل‪ ،‬حت ّى أطل َ‬ ‫كتي ّ ِ‬ ‫التعليمات التي ورد َت في ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب الدلي ِ‬

‫صيحة َ ٍ‬ ‫أكب عليّ يعانق ُني وكلماتُ الشكر ِ انهال َت عليّ‬ ‫ّ‬ ‫فرح‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ل‪ .‬قبّلت ُه ُ وسألت ُه ُ ع َن‬ ‫ِ‬ ‫كالقذائف فرحا ً بعودة ِ جهازِه ِ إلى العم ِ‬

‫واجبات ِه ِ وهل أنهاها فاطمأننتُ عليه‪ ،‬ثم ّ ع ُدتُ إلى مكاني في‬ ‫غرفتي فعاد َت إليّ أفكاري م ِن جديد‪.‬‬ ‫ثم ّ لمع َت فكرة ٌ‪ ..‬إ ّنها ليست جديدة ً أو غريبة ً عليّ! بل إن ّي للتوِ ّ‬ ‫أكّدتُها لأخي !‬ ‫تعليمات‬ ‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫ل الجهازِ الذي صنع َته ُ الشركة ُ هو بالتأكيدِ يتضمّ ُ‬ ‫دلي ُ‬

‫ٍ‬ ‫ل عمل ِه ِ‬ ‫أي استفسارٍ حو َ‬ ‫ن عم َ‬ ‫تضم َ ُ‬ ‫ل الجهازِ بنجاح‪ ،‬وتجيبُ ع َن ّ ِ‬

‫ض لها وكيفي ّة ِ‬ ‫ل التي قد يتعر ّ ُ‬ ‫ض الأخطاء ِ والأعطا ِ‬ ‫أو بع ِ‬

‫حها‪.‬‬ ‫إصلا ِ‬ ‫‪31‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق الإنسانَ وأعطاه ُ دليلا ً مرفقاً‪ ،‬كي‬ ‫ل خل َ‬ ‫عز وج ّ‬ ‫نعم !! والل ّه ُ ّ‬

‫لص ٍ‬ ‫حيح‪.‬‬ ‫يعم َ‬ ‫ل الإنسانُ و يؤدّيَ دور َه ُ بشك ٍ‬ ‫كيف فاتتني هذه ِ الفكرة ُ!‬ ‫َ‬

‫ل سيرِ‬ ‫ن ال كري ِم‪ ،‬دلي ُ‬ ‫أجل‪ ،‬لن يجيب َني ع َن تساؤلاتي سوى القرآ ِ‬

‫ن بن ٍ‬ ‫ل علاجا ً‬ ‫جاح في هذه ِ الحياة ِ‪ ،‬ولاب ّد أن ّه ُ سيحم ُ‬ ‫الإنسا ِ‬ ‫للأخطاء ِ‬ ‫تعترض الإنسانَ في هذه ِ الحياة ِ؛ يا لها‬ ‫ُ‬ ‫والعقبات التي‬ ‫ِ‬ ‫من فكرة ٍ واضحة ٍ جلي ّة ٍ ل كنّها كان َت غائبة ً عن ّي‪.‬‬

‫ومرة ً أخرى أخذ َت أصابعي‬ ‫أسرعتُ إلى حاسوبي م ِن جديدٍ‪ّ .‬‬

‫ن‬ ‫ل القرآ ِ‬ ‫كتب حو َ‬ ‫ٍ‬ ‫تتحر ّك ُ بحثا ً في الشابكة ِ (الانترنيت) عن‬

‫س البشر ي ّة ِ‪.‬‬ ‫ال كري ِم‬ ‫وعلاج النف ِ‬ ‫ِ‬

‫ٍ‬ ‫ظمٍ‪ .‬الإعجاز ُ القرآنيّ‪ .‬وهناك َ‬ ‫ل ومن ّ‬ ‫يا الل ّه‪ .‬ياله ُ م ِن‬ ‫موقع جمي ٍ‬ ‫ن ال كري ِم) للدكتور عبد‬ ‫ي في القرآ ِ‬ ‫كتابُ ‪( :‬روائ ُع الإعجازِ النفس ِ ّ‬

‫الدائم كحيل‪...‬جزاه ُ الل ّه ُ خيراً‪ .‬أستطي ُع تنز يل َه ُ مباشرة ً وقراءَتَه‪.‬‬

‫ح لديّ الكتابُ بنسخت ِه ِ الال كتروني ّة ِ‪.‬‬ ‫الحمد لل ّه‪ ،‬لقد أصب َ‬ ‫‪31‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫سأفتح ُه‪.‬‬ ‫الانفعالات "‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ن "التحكّم ِ ب‬ ‫ل في مق ّدمة ِكتاب ِه ِ وتحتَ عنوا ِ‬ ‫إن ّه ُ يقو ُ‬ ‫ف قام َ به ِ؟ وم َن‬ ‫(م َن من ّا لم يندم يوما ً على كلمة ٍ قال َها أو تصرّ ٍ‬ ‫من ّا لم يفك ّر يوما ً بضبطِ انفعالات ِه ِ ومشاعر ِه؟ وم َن من ّا لا يتمن ّى‬ ‫أن يتحكّم َ بعواطف ِه ِ وتصرّفات ِه تجاه َ الآخرين؟ هذه ِ أسئلة ٌ أحببتُ‬ ‫ن‬ ‫ي م ِن خلال ِها فكرة ً عن مضمو ِ‬ ‫أن أبدأ بها هذا البحثَ لأعط َ‬ ‫أحب أن ألفتَ انتباه َ‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ل ذل َ‬ ‫ف عليه اليو ِم‪ .‬ول كن قب َ‬ ‫ما سنتعر ّ ُ‬

‫ن ال كتبَ التي تتناولُ‬ ‫ئ لشيء ٍ قد لفتَ انتباهي وهو أ ّ‬ ‫القار ِ‬ ‫المبيعات الأكثر َ على‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫التساؤلات تح ّق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل هذه ِ‬ ‫الإجابة َ عن مث ِ‬ ‫مستوى العال ِم!)‬ ‫ل‪:‬‬ ‫ثم ّ ي ُكمل ُ الكاتبُ شرح َه ُ فيقو ُ‬

‫يس‬ ‫والعواطف والأحاس َ‬ ‫َ‬ ‫الانفعالات‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫اكتشف العلماء ُ أ ّ‬ ‫َ‬ ‫(لقد‬

‫ل عشوائ ِ ٍيّ كما كانَ يُظنّ في الماضي‪،‬‬ ‫عند َ الإنسا ِ‬ ‫ن لا تسير ُ بشك ٍ‬

‫ق يتحكّم ُ فيها)‪.‬‬ ‫ك برنامج ٌ دقي ٌ‬ ‫بل هنال َ‬ ‫‪32‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك؟ " ‪:‬‬ ‫كيف تتحكّم ُ بعواطف ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ثم ّ يمضي بعنوان "‬ ‫ن بسيطٍ‬ ‫ج فقط لمعرفة ِ قانو ٍ‬ ‫(إ ّنها عملية ٌ بغاية ِ البساطة ِ وتحتا ُ‬ ‫ك عقلا ً باطنا ً‬ ‫ن هنال َ‬ ‫وممارسة ِ هذا القانون‪ .‬يخ بر ُنا العلماء ُ اليوم َ بأ ّ‬ ‫ن وانفعالات ِه ِ ومشاعر ِه ِ بل‬ ‫بعواطف الإنسا ِ‬ ‫ِ‬ ‫هو الذي يتحكّم ُ‬

‫ن‪.‬‬ ‫ل باط ٌ‬ ‫ل مباشرة ً لأن ّه ُ عق ٌ‬ ‫وتصرّفات ِه ِ! ول كن ّنا لا ندرك ُ هذا العق َ‬ ‫أي خفيّ ‪.‬‬ ‫ل الواعي‬ ‫ن العق َ‬ ‫ول كنّ التجارِبَ أثبت َت حقيقة ً علمي ّة ً وهي أ ّ‬ ‫بقنوات‬ ‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫ل معه ُ يت ّص ُ‬ ‫والذي نفك ّر ُ فيه ِ ونتعام ُ‬ ‫ل مع العق ِ‬ ‫ل الباط ِ‬ ‫ك‬ ‫ن بأن ّ َ‬ ‫ي إ يحاء ً لعقل ِ َ‬ ‫ضي ّقة ٍ؛ فأنتَ مثلا ً تستطي ُع أن تعط َ‬ ‫ك الباط ِ‬

‫ل‬ ‫ن العق َ‬ ‫ل شيئا ً ما‪ ،‬وم َع تكرارِ هذا الإ يحاء ِ فإ ّ‬ ‫يجبُ أن تفع َ‬ ‫ن يستجيبُ ‪ ،‬ويبدأ فعلا ً بالتغيير‪.‬‬ ‫الباط َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ن الفترة َ التي‬ ‫لقد وجد َ العلماء ُ بأ ّ‬ ‫ينشط فيها الات ّصال بينَ العق ِ‬

‫ق‪ ،‬وفترة ُ ما‬ ‫ل النو ِم بدقائ َ‬ ‫ن هي فترة ُ ما قب َ‬ ‫الواعي والعق ِ‬ ‫ل الباط ِ‬

‫ق أيضاً‪ .‬فهذا هو الدكتور‬ ‫ن النو ِم بدقائ َ‬ ‫بعد َ الاستيقاظِ م ِ َ‬ ‫‪33‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫التجارب في كتابه ِ‬ ‫ِ‬ ‫آلاف‬ ‫ِ‬ ‫ج بنتيجة ٍ بعد َ‬ ‫(جوز يف ميرفي) يخر ُ‬ ‫ن"‪ ،‬والذي بي َع منه ُ أكثر ُ م ِن مليون نسخة!‬ ‫"قو ّة ُ عقل َ‬ ‫ك الباط ِ‬ ‫عالات‬ ‫ِ‬ ‫ل طر يقة ٍ للتحكّم ِ في الانف‬ ‫ن أفض َ‬ ‫هذه ِ النتيجة ُ هي أ ّ‬ ‫ل النو ِم وبعد َ الاستيقاظِ‬ ‫ل يو ٍم قب َ‬ ‫والغضب هي َ أن تردِّد َ ك ّ‬ ‫ِ‬ ‫ح م ِن هذه ِ اللحظة ِ إنسانا ً هادئا ً ومت ّزنا ً‬ ‫"سوف أصب ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‪:‬‬ ‫عبارات مث َ‬ ‫ٍ‬ ‫وسوف تظهر ُ هذه ِ النتيجة ُ في سلوكي‬ ‫َ‬ ‫الانفعالات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وبعيدا ً عن‬ ‫غداً‪".‬‬ ‫ل النو ِم وما بعد َ‬ ‫فترات ما قب َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ل باستغلا ِ‬ ‫عز وج ّ‬ ‫لقد أمرَنا الل ّه ُ ّ‬

‫ل هاتينِ الفترتينِ بالدعاء ِ‪( :‬الله ّم إن ّي‬ ‫الاستيقاظِ ‪ ،‬وأمرَنا باستغلا ِ‬ ‫ك‪ ،‬وألجأتُ ظهري‬ ‫ك‪ ،‬وفو ّضتُ أمري إلي َ‬ ‫أسلمتُ وجهي إلي َ‬

‫ك‪،‬‬ ‫ك إلا إلي َ‬ ‫ك‪ ،‬لا ملجأ ولا منجى من َ‬ ‫ك رغبة ً ورهبة ً إلي َ‬ ‫إلي َ‬ ‫ك الذي أرسلتَ ) صدقَ‬ ‫ك الذي أنزلتَ وبنبي ّ َ‬ ‫آمنتُ بكتاب ِ َ‬

‫رسو ُل الل ّه ِ ‪‬‬

‫تأمل معي كم تحوي هذه ِ الكلماتُ م ِن تفر ٍ‬ ‫يغ‬

‫ل اجتماعي ّة ٍ تراكم َت طيلة َ اليو ِم! وكم‬ ‫حنات ومشاك َ‬ ‫لهمو ٍم وش ٍ‬ ‫‪34‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل أن ينام َ‪.‬‬ ‫ي لم َن يقول ُها قب َ‬ ‫ن واستقرارٍ نفس ٍ ّ‬ ‫تحوي م ِن اطمئنا ٍ‬

‫ل ‪ ...‬يا آلل ّه ‪ ...‬لقد وجدتُها‪ .‬وجدتُ‬ ‫بصوت عا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صرختُ‬ ‫ن ع َن تساؤلاتي‪.‬‬ ‫ن القرآنَ والسن ّة َ سيجيبا ِ‬ ‫ضال ّتي‪ .‬الحمد ُ لل ّه ِ إ ّ‬

‫ل الل ّه ِ ‪ " :‬تَفَك ّر ُ سَاعَة ٍ‬ ‫لقد أدركتُ الآنَ سرّ حديثِ رسو ِ‬ ‫خطاب‬ ‫ِ‬ ‫ن التفك ّر َ هو الوسيلة ُ ل‬ ‫ك لأ ّ‬ ‫خ َير ٌ م ِن ق ِيَا ِم لَيلَة ٍ" ‪ ،1‬ذل َ‬ ‫العق ِ‬ ‫ل‪ ،‬وبالتالي تغيير ِ الأفكارِ والتي بدورِها ستغي ّر ُ المشاعرَ‬ ‫والسلوك َ معاً‪.‬‬

‫ل معها‬ ‫الفكري ونتعام ُ‬ ‫ن مجموعَ الأفكارِ التي نضع ُها في مخزون ِنا‬ ‫إ ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ل المبادئ َ والمشاعرَ‪ ،‬وم ِن ثم ّ‬ ‫ك ُ‬ ‫ي تش ّ‬ ‫كحقيقة ٍ خط ِرة ٌ ج ّدا ً فه َ‬

‫ك علينا أن نهتم ّ‬ ‫ل الشخصي ّة َ؛ لذل َ‬ ‫ك ُ‬ ‫السلوك َ والعادة َ‪ ،‬وأخيرا ً تش ّ‬ ‫كثيرا ً بما نخاطبُ به ِ أنفسَنا‪ ،‬وما نزرع ُه ُ في عقول ِنا م ِن أفكارٍ‪.‬‬ ‫ن الل ّه َ لا يغي ّر ُ ما بقو ٍم حت ّى يغي ّر ُوا ما‬ ‫ح ّقا ً صدقَ الل ّه ُ العظيم‪ " :‬إ ّ‬ ‫بأنفس ِهم"‪.‬‬

‫‪-1‬‬

‫من شعب الايمان للبيهقي‪ ،‬موسوعة الحديث‪ ،‬رقم الحديث‪( 117 :‬حديث موقوف)‬ ‫‪35‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن‪ ،‬وهذا ما أثبت َه ُ العلم ُ‬ ‫ح التغيير ِ في يدِ الإنسا ِ‬ ‫ل الل ّه ُ مفاتي َ‬ ‫لقد جع َ‬

‫والعبارات التي نخاطبُ بها‬ ‫ِ‬ ‫الحديثُ ؛ البداية ُ أن نهتم ّ بالأفكارِ‬

‫ن‬ ‫سنا وال كو ِ‬ ‫ل أنف ِ‬ ‫أنفسَنا‪ ،‬ونصوغَ بها جملة َ معتقدات ِنا حو َ‬ ‫والأحداث‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫والنا ِ‬ ‫ف‬ ‫هذه ِ الأفكار ُ بد َت وكأ ّنها تقش ُع الغمام َ أمام َ عقلي وتكش ُ‬ ‫ن أن أغي ّر َها‬ ‫وكيف يمك ُ‬ ‫َ‬ ‫ق لنفسي‪،‬‬ ‫ل وفه ٍم أعم َ‬ ‫عن رؤ يا أشم َ‬ ‫وأصوغ َها كما أرغبُ ‪.‬‬ ‫ج ع َن نقدِ الآخرين‪ ،‬والتي‬ ‫ن اكتئابي َ الذي نت َ‬ ‫جني م ِ َ‬ ‫إ ّنها تخر ُ‬ ‫ل‬ ‫ضات حو َ‬ ‫ِ‬ ‫ت ُشعر ُني بضجرٍ كبيرٍ أمام َ إحساسي بكثرة ِ الاعترا‬ ‫تصرّفاتي‪ .‬هذا الشعور ُ تشاطر ُني إ ي ّاه ُ أغلبُ رفيقاتي‪ ،‬وهو محور ُ‬ ‫حديث ِنا وتأف ّف ِنا م ِن آراء ِ الكبارِ وتوجيهاتِهم‪ ،‬وشعورِنا بأن ّنا لا‬

‫ح لشيء ٍ ثم ّ استسلام ُ بعضِ نا لهذه ِ الفكرة ِ ومقابلة ُ بعضنا‬ ‫نصل ُ‬ ‫ل هو حال ُنا!‬ ‫الآخر ِ ذل َ‬ ‫ك بالتمر ّدِ على الكبارِ ونصائح ِهم‪ .‬هذا بالفع ِ‬ ‫لقد عرفتُ الآنَ خطئ ِي وخطأ هذا التفكير ِ‪ .‬فما نشعر ُ فيه أنا‬ ‫‪3٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ج‬ ‫ل هذه ِ المرحلة ِ‪ ،‬لأن ّنا نل ُ‬ ‫ل عمري طبيعيّ لم َن في مث ِ‬ ‫وم َن في مث ِ‬ ‫ل إلى مرحلة ٍ أقربَ إلى عال ِم الكبارِ‪،‬‬ ‫ف عليه ِ‪ ،‬إن ّنا ننتق ُ‬ ‫العالم َ ونتعر ّ ُ‬

‫ل بساطة ٍ ص ِرنا‬ ‫لذا فهم يحرِصون على تنبيه ِنا للأخطاء ِ‪ ،‬لأن ّنا بك ّ ِ‬

‫ح‬ ‫ل النص َ‬ ‫كالكبارِ بأشكال ِنا وأجسام ِنا‪ .‬فعلا ً يجبُ ألا أقاب َ‬ ‫ن فهم َ آلي ّة ِ‬ ‫س والإحباطِ ‪ .‬وإ ّ‬ ‫ض أو اليأ ِ‬ ‫والإرشاد َ بالإعرا ِ‬ ‫ل‬ ‫ل الأمرَ ويدعونا للتفاؤ ِ‬ ‫س يسهّ ُ‬ ‫التغيير ِ في النفو ِ‬ ‫ل بك ّ ِ‬ ‫ل والأم ِ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫خيرٍ لما هو مقب ٌ‬

‫ل م َع‬ ‫وكيف أتعام ُ‬ ‫َ‬ ‫ل نفسي‬ ‫عليّ أن أعيد َ النظر َ في أفكاري حو َ‬ ‫الآخرين‪.‬‬ ‫ن والسن ّة)؟‬ ‫التعليمات الربانيّ (القرآ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫هل هي ح ّقا ً حسبَ دلي ِ‬ ‫ن (التلفاز َ والأنترنيت) والأصحابَ صاغوا أفكاري دونَ‬ ‫أم إ ّ‬ ‫أن أدري؟‬ ‫ج لعقلي‪ ،‬وأبرمج ُ بها‬ ‫كانَ لاب ّد أن أص ّف َي (أفلتر) الأفكار َ التي تل ُ‬ ‫نفسي‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل الم َهمّة ِ التي‬ ‫الوقت نف ِ‬ ‫ِ‬ ‫أشعر ُ بسعادة ٍ كبيرة ٍ‪ ،‬وفي‬ ‫سه ِ أشعر ُ بثق ِ‬ ‫يجبُ أن أبدأ بها‪.‬‬ ‫صوت أم ّي تسأل ُني إن كنتُ أقوم ُ‬ ‫ِ‬ ‫أفقتُ م ِن هذه ِ الأفكارِ على‬ ‫بواجباتي َ المدرسي ّة ِ‪ ،‬فأسرعتُ نحوها مطمئنة ً إ ي ّاها أن ّي سأبدأ‬ ‫رحيم)‬ ‫ن ال‬ ‫الآنَ‪ .‬ثم ّ بدأتُ بهمّة ٍ ونشاطٍ وب (بس ِم الل ّه ِ الرحم ِ‬ ‫ِ‬ ‫فتحتُ كتبي ودفاتري‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-2-‬‬

‫( الغيرةُ غشاءُ يمنعُ رؤيةُ الحقُ ) ُ‬

‫أحب سماح ‪ ..‬ولا أرغبُ بأن أسم َع‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬لقد قلتُ ل كم إن ّي لا‬

‫أيّ شيء ٍ عنها‪.‬‬

‫ت الغرابة ُ على وجوه ِ زميلاتي!‬ ‫لم أنه ِكلماتي حت ّى بد َ ِ‬ ‫غرابت ُهنّ جعلتني أنتبه ُ إلى ما تل ّفظتُ به ِ‪ ،‬وأراج ُع نفسي‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ظ به!!!‬ ‫لماذا قلتُ هذا الكلام َ؟! الأمرُ لم يكن يستحقّ أن أتل ّف َ‬ ‫ن انتهاء َ الدوا ِم‬ ‫جرس المدرسة ِكانَ قد أعل َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫لم يردّ عليّ أحدٌ إذ إ ّ‬

‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ي‪ ،‬وجميع ُهنّ انشغل َ‬ ‫المدرس ّ‬ ‫بترتيب حقائب ِهنّ استعدادا ً‬ ‫للانصراف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ل طر يقي إلى بيتي‪.‬‬ ‫ل كن وجوه َهنّ كان َت لا تفارقُ مخيّلتي طوا َ‬

‫الكلمات بحقّ ِ سماح؟!‬ ‫ِ‬ ‫فعلا ً ل ِم َ تل ّفظتُ بهذه ِ‬

‫هل ح ّقا ً أنا لا أحبّها؟ ماذا فعل َت حت ّى أجد ُني مستاء َة ً لهذا‬

‫الح ّد!‬

‫وصلتُ البيتَ ‪ ،‬وساعدتُ أم ّي ثم ّ اتّ جهتُ إلى غرفتي وأنا شاردة ُ‬ ‫ن‪.‬‬ ‫الذه ِ‬ ‫ن هذا ما استغرب َته ُ‬ ‫ما أزعجني أو ما صدم َني هو تصرّفي! وأجزم ُ أ ّ‬ ‫الكلمات اتّ جاه َ‬ ‫ِ‬ ‫ل هذه ِ‬ ‫زميلاتي‪ ،‬فهنّ لم يعتدنَ من ّي سماعَ مث ِ‬ ‫‪41‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الآخرين‪.‬‬ ‫ك أرّقني‪ ...‬كل ّما‬ ‫لم أستطع أن أجد َ مبر ّرا ً لما فعلتُ ‪ .‬ل كنّ ذل َ‬ ‫أدرس‪ ،‬تعود ُ وجوه ُ رفيقاتي أمام َ ناظريّ ‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫حاولتُ إبعاد َه ُ وأنا‬ ‫ن‬ ‫دافعتُ هذه الخواطر َ كثيرا ً ل كنّها أصرّت على إشغالي ع ِ‬ ‫الدراسة ِ‪.‬‬ ‫فلم أجد ب ُدّا ً م ِن أن أض َع الأمرَ بينَ يدي أم ّي‪ ،‬عل ّها ت ُفهم ُني‬

‫السببَ فيما وقعتُ فيه‪.‬‬

‫الموقف‪ .‬وانتظرتُ منها الجوابَ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫شرحتُ لأم ّي َ‬ ‫ل‪:‬‬ ‫فابتدرتني بالسؤا ِ‬ ‫ن بالغيرة ِ منها؟‬ ‫هل تشعري َ‬‫‪ -‬أنا !!!!!! ولماذا أغار ُ منها هي !!!!!!‬

‫‪41‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫نظر َت أم ّي بابتسامة ٍ‪ ..‬ثم ّ قالت‪:‬‬ ‫وكيف علاقت ُها م َع مدرّست ِكِ المفضّ لة ِ؟ أعني هل تحبّها أيضاً؟‬‫لم أرِد في البداية ِ أن أجيبَ أم ّي‪ ،‬فطأطأتُ رأسي وحاولتُ أن‬ ‫ل‪:‬‬ ‫ألتف على السؤا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن المدرّسة َ تحبّها‪.‬‬ ‫لا أظنّ أ ّ‬‫ك يا علا ع َن محب ّة ِ المدرّسة ِ لها! بل سألت ُكِ عنها‬ ‫ل كن ّي لم أسأل ِ‬‫ح؟‬ ‫حب المدرّسة َ‪ .‬هل هذا صحي ٌ‬ ‫هي َ إن كانت ت ّ‬ ‫ك‪ ،‬بل‬ ‫ص على إظهارِ ذل َ‬ ‫ نعم ‪ ...‬نعم تحبّها كثيراً‪ ،‬وتحرِ ُ‬‫س حت ّى تنتبه َ‬ ‫ل ملفتة ٍ للنظرِ في الدر ِ‬ ‫وتتعمّد ُ أن تقوم َ بأعما ٍ‬ ‫ك بما قلت ُه ُ أنا؟!‬ ‫المدرّسة ُ لها‪ .‬ول كن ما علاقة ُ ذل َ‬ ‫سم َت أم ّي وقال َت‪ :‬أنتِ قولي لي ما العلاقة ُ؟‬ ‫تب ّ‬

‫‪42‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ لا توجد ُ علاقة ٌ يا أم ّي‪.‬‬‫ أمتأكّدة ٌ أنتِ يا علا؟ لا علاقة؟‬‫ أم ّي ‪ ...‬قلتُ لا علاقة ‪......‬‬‫ٍ‬ ‫مرتفع‪ ،‬وأشحتُ بوجهي بعيداً‪ ،‬وكأن ّي أهربُ م ِن‬ ‫بصوت‬ ‫ٍ‬ ‫قلت ُها‬

‫ل‪.‬‬ ‫صمت طو ي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫شيء ٍ‪ .‬وساد َ الغرفة َ‬ ‫حت ّى هدأتُ قليلاً‪ ،‬فقلتُ لأم ّي‪:‬‬ ‫‪-‬أنتِ ما رأيكِ ؟‬

‫ِ‬ ‫مازلت‬ ‫ِ‬ ‫لسماع ما أريد ُ قول َه ُ؟ أم‬ ‫أنت مستع ّدة ً ح ّقا ً‬ ‫ِ‬ ‫ هل‬‫منزعجة ً؟‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫أحب أن أتكل ّم َ في هذا‬ ‫ّ‬ ‫ لا أدري‪ ..‬لا‬‫الموضوع‪ ،‬وبنف ِ‬ ‫ل في معرفة ِ رأيكِ ‪ ،‬ل كن ّي صراحة ً‬ ‫الوقت أشعر ُ برغبة ٍ وفضو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫‪43‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أخاف ألا يعجب َني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫سماع‬ ‫كنت خائفة ً وترغبينَ في‬ ‫ِ‬ ‫اممم ‪ ..‬لا داعي إذا ً للكلا ِم إن‬‫ن سماع َه ُ!‬ ‫ما يرضيكِ فقط‪ ،‬فإن لم يعجبكِ فلا تودّي َ‬ ‫لا يا أم ّي‪ ...‬ول كن‪.‬‬‫هذه ِ هي الحقيقة ُ يا علا‪ .‬على عينيكِ غشاوة ٌ لا تر يدين أن‬‫تبصري إلا ماترين َه! فعلام َ الكلام ُ! لن يعجب َك ما سأقول ُه‪.‬‬ ‫أم ّي‪ .‬الأمرُ ليس سهلا ً كما تتصو ّرين‪.‬‬‫ِ‬ ‫سماع الحقّ ِ‪.‬‬ ‫ك تماما ً يا علا‪ .‬نفس ُك لا ترغبُ في‬ ‫أعلم ُ ذل َ‬‫أم ّي ‪ ...‬ماذا تقصدين؟‬‫ما أقصد ُ قول ُه ُ هو أن ّني لن أتح ّدثَ حت ّى يذهبَ عنكِ شيطان ُكِ ‪،‬‬‫أو تهدأ نفس ُكِ ‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أسرعتُ إلى غرفتي‪ ،‬وكأن ّي لا أريد ُ سماعَ المزيدِ‪.‬‬ ‫جواب! حاولتُ‬ ‫لا أدري‪ ..‬لقد تصرّفتُ وكأن ّي أهربُ من ال ِ‬

‫ِ‬ ‫بالموضوع‪ ..‬ول كن عبثاً‪.‬‬ ‫ألّا أفك ّر َ‬

‫قمتُ إلى صلاتي متكاسلة ً‪ ،‬ولازلتُ أشعر ُ بضي ٍ‬ ‫ق‪ ،‬فتذك ّرتُ دعاء ً‬ ‫علّمتنا إياه ُ م ُدرّسة ُ التربية ِ الدينية ِ‪ ،‬فرفعتُ يديّ أدعو به ِ‪:‬‬

‫ل باطلا ً‬ ‫الله ّم أرِني الحقّ ح ّقا ً وارزقني ات ّباع َه ُ وأرِني الباط َ‬ ‫وارزقني اجتناب َه‪ ،‬وأعن ّي على نفس ِي فإن ّه ُ لا يعينُ على الحقّ ِ‬ ‫ك ولا‬ ‫غير ُك‪ ،‬ولا تكلن ِي لنفسي طرفة َ عينِ ولا أصغر َ م ِن ذل َ‬ ‫ل الله ّم على سي ّدِنا محم ّدٍ وعلى آله ِ وصحب ِه ِ وسل ّم‪.‬‬ ‫أكبر َ‪ ،‬وص ّ‬ ‫ِ‬ ‫وسماع‬ ‫جواب أم ّي‬ ‫ِ‬ ‫أحسستُ بعد َ الدعاء ِ بأن ّني أقوى على معرفة ِ‬ ‫نصيحت ِها التي توق ّعتُ أ ّنها لن تعجب َني‪.‬‬ ‫ثم ّ ذهبتُ إلى أم ّي‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ أعتذر ُ يا أم ّي على ما بدر َ من ّي‪ ،‬لقد صل ّيتُ ‪ ،‬فأنا الآنَ‬‫ِ‬ ‫سماع رأي ِكِ ؛ سامحيني يا حبيبتي‪.‬‬ ‫ن نفسَا ً‪ ،‬وأقدر ُ على‬ ‫أسكَ ُ‬ ‫هل ستجيبين ع َن سؤالي؟‬ ‫ل‬ ‫ك‪ ،‬المه ّم أن ي ُدرك َ الإنسانُ خطأه ُ‪ ،‬و يعم َ‬ ‫غفر َ الل ّه ُ ل ِ‬

‫‪-‬‬

‫ل عدم َ تكرارِه‪ .‬أمّا عن رأيي‬ ‫حه ِ‪ ،‬و يحاو َ‬ ‫على إصلا ِ‬

‫ك يا علا‪.‬‬ ‫أردت ذل َ‬ ‫ِ‬ ‫فسأجيب ُكِ إن‬ ‫‪-‬‬

‫ل جهدي يا أم ّي‪ .‬نعم أريد ُ سماع َ رأيكِ م ِن فضل ِكِ ‪.‬‬ ‫سأبذ ُ‬

‫‪-‬‬

‫ن أن يشعر َ‬ ‫ت به ِ يا حبيبتي هو شعور ٌ طبيعيّ يمك ُ‬ ‫ما شعر ِ‬ ‫رت م ِن زميلت ِكِ‬ ‫ص‪ .‬إ ّنها الغيرة ُ‪ .‬لقد غِ ِ‬ ‫به ِ أيّ شخ ٍ‬ ‫ت أن‬ ‫لمحاولاتِها التقر ّبَ م ِن مدرّست ِكِ المفضّ لة ِ‪ ،‬وخشي ِ‬ ‫ح؟‬ ‫جاب واهتما ِم المدرّسة ِ لها أكثر َ منكِ ‪ .‬صحي ٌ‬ ‫تحوز َ على إع ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ن أن نتجاوز َ هذه ِ النقطة َ؟‬ ‫أم ّي ألا يمك ُ‬ ‫‪4٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬‬

‫سبب المشكلة ِ هو الذي‬ ‫ِ‬ ‫ن تحديد َ‬ ‫ن‪ .‬لأ ّ‬ ‫لا‪ ..‬لا يمك ُ‬ ‫سيحل ّها‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫امممم ‪ ......‬نعم‪ ،‬رب ّما ‪ ...‬رب ّما هذه ِ الحقيقة ُ التي‬ ‫كنتُ أهربُ منها‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫الغيرة ُ يا بنتي نوعان‪ ،‬منها ماهو محمود ٌ‪ ،‬ومنها ما هو س ّ‬ ‫يء ٌ‬ ‫ك‪ ،‬فيملأ قلب َه ُ غلا ً أو شرّا ً‪،‬‬ ‫ي ُردي صاحب َه ُ إلى المهال ِ‬

‫ل قبيحة ٍ‪ .‬ألا تذكرين قصّ ة َ أولادِ النبيّ‬ ‫وقد يدفع ُه ُ لأعما ٍ‬ ‫يوسف عليه ِ السلام؟‬ ‫َ‬ ‫يعقوبَ م َع أخيهم سي ّدِنا‬ ‫‪-‬‬

‫نعم يا أم ّي أذكر ُها جي ّداً‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫يوسف منه‪ ،‬لحظوته ِ عند َ أبيهم‪ ،‬فكاد ُوا‬ ‫َ‬ ‫لقد غار َ إخوة ُ‬ ‫له حت ّى فك ّروا في قتل ِه ِ‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫ل شائنة ٍ أو غبي ّة ٍ‪،‬‬ ‫ل المرء َ يقوم ُ بأعما ٍ‬ ‫صحيح‪ .‬الغيرة ُ تجع ُ‬ ‫‪47‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫كما فعلتُ أنا‪.‬‬ ‫الربط بينَ الحادثت َين‪،‬‬ ‫َ‬ ‫سم َت أم ّي لأن ّي قد وف ّرتُ عليها‬ ‫تب ّ‬ ‫ق نحو الحقّ ِ‪.‬‬ ‫نصف الطر ي ِ‬ ‫ُ‬ ‫واعتراف ِي بخطئ ِي‪ .‬وكانَ هذا‬ ‫ت بخطئ ِكِ ‪.‬‬ ‫ت يا علا‪ ..‬أنا فخورة ٌ بكِ لأن ّكِ اعترف ِ‬ ‫أحسن ِ‬‫هذه ِ هي الغيرة ُ السي ّئة ُ‪ ،‬وماهي الغيرة ُ المحمودة ُ؟‬‫ٍ‬ ‫صالح‪ ،‬فتحمل ُكِ غيرت ُكِ‬ ‫ل‬ ‫هي أن تغاري مم ّن يقوم ُ بعم ٍ‬‫ت‬ ‫على القيا ِم به ِ أيضاً‪ .‬مثلا ً رفيقات ُكِ بالدراسة ِ اجتهدنَ فغر ِ‬ ‫ظ‬ ‫علامات أكثر َ‪ .‬حف ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ت أكثر َ كي تنالي‬ ‫منهنّ واجتهد ِ‬

‫ن‪ ...‬مساعدة ُ الفقراءِ‪ .‬الأمثلة ُكثيرة ٌ‪.‬‬ ‫القرآ ِ‬

‫الكلمات التي‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫آه‪ ...‬فهمتُ ‪ .‬ما أغباني إذ تل ّفظتُ بتل َ‬‫ل يا أم ّي حت ّى لا يعاود ُني‬ ‫جت نتيجة َ غيرتي؛ ماذا أفع ُ‬ ‫خر َ‬ ‫هذا الشعور؟‬ ‫‪48‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫يا علا ‪ ..‬أنتِ تحب ّين هذه ِ المدرّسة َ لل ّه‪ ،‬لأ ّنها علّمتكِ أشياء َ‬‫كثيرة ً نافعة ً‪ ،‬ول كثرة ِ خصال ِها الجميلة ِ التي أعجب َتك‪ ،‬هل هذا‬ ‫ح؟‬ ‫صحي ٌ‬ ‫نعم صحيح‪.‬‬‫ك‪ ،‬فما تطلبين َه ُ م ِن أن تكوني أنتِ‬ ‫إذا ً عليكِ أن تذكري ذل َ‬‫ك‪،‬‬ ‫ل إلى غير ِ ِ‬ ‫فقط المفضّ لة ُ أناني ّة ٌ منكِ ‪ ،‬وحظر ٌ للخير ِ أن يص َ‬

‫س وطلباتِها‪ .‬و قد أمرنا الله بعد ِم ات ّ ِ‬ ‫باع‬ ‫وهو م ِن أهواء ِ النف ِ‬ ‫َ ّ ُ‬

‫الهوى حت ّى لا يهوي بنا‪ ..‬مت ّفقة ٌ معي على ذلك؟‬ ‫شاق على نفسي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫‪-‬نعم يا أم ّي‪ .‬ل كنّ ذل َ‬

‫ل الل ّه ُ ثواب َه ُ الجن ّة‪.‬‬ ‫ك جع َ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫ صحيح‪ .‬وم ِن أج ِ‬‫س‪.‬‬ ‫آه يا أم ّي ‪ ..‬ما أسه َ‬‫ل هذا الكلام َ‪ ،‬وما أصعب َه ُ على النف ِ‬ ‫الناس في منازل ِهم‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫كلام ُكِ حقّ يا علا‪ ،‬وبهذا يتفاض ُ‬‫‪49‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الل ّه ِ‬ ‫عند َ ر ّبهم؛ هذا هو الاختبار ُ‪ ،‬ليس الامتحانُ م ِ َ‬ ‫ل حالت ِكِ هذه ِ‪،‬‬ ‫مصيبة ً أو ش ّدة ً فقط‪ ،‬قد يكونُ مث َ‬ ‫سكِ أم‬ ‫وامتحان ُكِ هل ستت ّقينَ الل ّه َ وتنصفين َها من نف ِ‬

‫ت الآنَ بلسان ِكِ ؟‬ ‫ن الأذى كما فعل ِ‬ ‫ك‪ ،‬وينالُها م ِ َ‬ ‫ستت ّبعينَ هوا ِ‬ ‫ل‬ ‫ق الل ّه َ قد يغر يه ِ الشيطانُ كما قت َ‬ ‫فإذا لم ينتبه ِ المسلم ُ‪ ،‬ويت ّ ِ‬

‫يوسف‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ل إخوة ُ‬ ‫ل‪ ،‬و كما فع َ‬ ‫ل هابي َ‬ ‫قابي ُ‬ ‫ج‪.‬‬ ‫بدا عليّ الانزعا ُ‬ ‫‪-‬‬

‫كيف‬ ‫الموقف هو خبرة ٌ لتتعل ّمي منه ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫لا تنزعجي يا علا‪ .‬هذا‬ ‫ت‬ ‫ك‪ ،‬إن أحسن ِ‬ ‫ن نفسَكِ ‪ ،‬ولا تسترسلينَ مع هوا ِ‬ ‫تجاهدي َ‬ ‫ن الل ّه ِ لأن ّه ُ‬ ‫ك‪ ،‬وتربية ٌ م ِ َ‬ ‫الموقف هو كس ٌ‬ ‫ُ‬ ‫التعلّم َ فهذا‬ ‫بل ِ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫يحب ّكِ ‪ ،‬و يريد ُ أن يطهّر َ ِ‬

‫ن الل ّه َ يحب ّني لأن ّه‬ ‫الكلمات الرائعة ِ‪ .‬ح ّقا ً إ ّ‬ ‫ِ‬ ‫أشرق َت نفسي بهذه ِ‬ ‫س وأهوائِها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يربيني بهذه ِ‬ ‫المواقف حت ّى أصفو َ م ِن أكدارِ النف ِ‬ ‫‪51‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫رب‪.‬‬ ‫ك يا ّ‬ ‫شكرا ً ل َ‬ ‫ح كلام ُكِ‬ ‫ك يا أم ّي‪ .‬لقد مس َ‬ ‫الحمد ُ لل ّه ِ‪ ...‬الحمد ُ لل ّه ِ ‪ ...‬أشكر ُ ِ‬‫أعرف سبب َه ُ؛ أمّا الآنَ‬ ‫َ‬ ‫ع َن قلبي ثقلا ً كبيرا ً‪ ،‬لم أستطع أن‬ ‫ت الصورة ُ واضحة ً جلي ّة ً بعد َ أن كان َت‬ ‫فبكلمات ِكِ المضيئة ِ بد َ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ك‬ ‫سماح وانزعاجي منها‪ .‬أشكر ُ ِ‬ ‫ل‬ ‫ضبابي ّة ً لا أرى منها إلا أفعا َ‬

‫ل قلبي‪.‬‬ ‫م ِن ك ّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ق أمام َ‬ ‫سماح‪ ،‬وتقولي كلمة َ ح ّ ٍ‬ ‫ لا تنس َي أن ت ُثني على‬‫ل‬ ‫ك‪ ،‬حت ّى تكتم َ‬ ‫زميلات ِكِ الل ّاتي أسأ ِ‬ ‫ت أمام َهنّ بقول ِ ِ‬ ‫خص العباد َ ليس فقط‬ ‫ح التوبة ِ التي ت ّ‬ ‫توبت ُكِ ؛ فإصلا ُ‬ ‫حه ِ م َع العبدِ‪.‬‬ ‫بالاستغفارِ بل لاب ّد م ِن إصلا ِ‬ ‫ك كثيراً‪.‬‬ ‫ت يا أم ّي‪ .‬أشكر ُ ِ‬ ‫صدق ِ‬‫بالذهاب إلى غرفتي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫رأس أم ّي‪ ،‬ثم ّ استأذنت ُها‬ ‫َ‬ ‫قبّلتُ‬ ‫‪51‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن فيهما توبتي‬ ‫أحببتُ أن أرك َع بينَ يدي الل ّه ِ ركعتين أعل ُ‬ ‫وامتناني أن هداني‪ ،‬وأعان َني على نفسي‪ ،‬وأراني الحقّ ‪،‬‬ ‫وساعدني في ألّا تأخذ َني العز ّة ُ بالإث ِم‪.‬‬ ‫ك‬ ‫ل وجه ِ َ‬ ‫ك الحمد ُ حمدا ً طي ّبا ً مباركا ً كما ينبغي لجلا ِ‬ ‫الله ّم ل َ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫وعظيم سلطان ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫الركعات التي سجدتُها في‬ ‫ِ‬ ‫ن م ِن أحلى‬ ‫ن الركعتا ِ‬ ‫لقد كان َت هاتا ِ‬ ‫والقرب لأن ّي جاهدتُ‬ ‫ِ‬ ‫حياتي‪ ...‬رب ّما أكرم َني بمشاعر ِ الودِّ‬ ‫هوايَ وانتصفتُ م ِن نفسي‪.‬‬ ‫ك‬ ‫ل جلال ُ َ‬ ‫ن لتثبيت ِه ِ على الحقّ ِ‪ .‬ج ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ح ّقا ً هناك َ‬ ‫عطاءات إلهي ّة ٌ للمؤم ِ‬ ‫الرب الحبيبُ القريبُ ‪ ،‬تعلم ُ السر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ك‪ ،‬أنتَ‬ ‫ك وأعظم َ َ‬ ‫ما أكرم َ َ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫وأخفى‪ .‬سبحان َ َ‬ ‫ك لا‬ ‫ك‪ .‬سبحان َ َ‬ ‫ن الثناء ِ علي َ‬ ‫يعجز ُ لساني ع َن شكرك َ‪ ،‬وكلماتي ع َ ِ‬ ‫ك رب ّي‪.‬‬ ‫ك‪ .‬أحب ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ك أنتَ كما أثنيتَ على نف ِ‬ ‫نحصي ثناء ً علي َ‬

‫‪52‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪–3-‬‬

‫أغوارها يحتاجُ إلى بح ُار بارعُ ليقودُها‬ ‫وسبر ُ‬ ‫(معرفةُ مداخلُ النفسُ ُ‬ ‫نحو شاطئُ األمان) ُ‬ ‫ُ‬

‫الهاتف يرنُ ‪ ....‬آلو ‪ ....‬نعم إ ّنها ه ُنا‪ ..‬دقيقة ٌ م ِن‬ ‫ِ‬ ‫جرس‬ ‫ُ‬ ‫فضلك‪.‬‬ ‫الهاتف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ علا ‪ ..‬علا ‪ ...‬ردّي على‬‫كيف حال ُك؟‬ ‫َ‬ ‫ حاضر يا أم ّي ‪ ..‬ألو ‪ ...‬أهلا ً حنان‪..‬‬‫ك ‪ ...‬ما أخبار ُك؟ ل ِم َ صوت ُكِ حزي ٌن؟ ماذا‬ ‫اشتقتُ ل ِ‬ ‫ل؟‬ ‫حص َ‬ ‫‪53‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪ -‬لا شيء َ يا علا‪.‬‬

‫‪ -‬إن ّي أعرف ُكِ جي ّدا ً يا حنانُ‪ .‬صوت ُكِ حزينٌ‪ .‬ما الأمرُ؟‬

‫ رفيقتي سمر‪ .‬تعلمين كم أضم ِر ُ لها م ِن أخو ّة ٍ ومحبّة ٍ‪ .‬هناك َ م َن‬‫أخبر َها أن ّي انتقدتُ تصرّفاتِها في المدرسة ِ‪ ،‬فانزعج َت كثيرا ً‬ ‫ل؛‬ ‫ترفض التح ّدثَ معي أو حت ّى تبرير َ ما حص َ‬ ‫ُ‬ ‫وهي الآنَ‬ ‫ن التي أخبرتها‪.‬‬ ‫آه لو أعلم ُ م َ ِ‬ ‫ك ح ّقا ً يا حنان؟‬ ‫فعلت ذل َ‬ ‫ِ‬ ‫ وهل‬‫ن‬ ‫َ‬ ‫ك‪ ،‬ول كن حاولتُ أن‬ ‫ في الحقيقة ِ‪ .‬فعلتُ ذل َ‬‫أعرف م َ ِ‬ ‫التي أخبرتها كي أخاصم َها‪ ،‬وأبتعد َ عنها‪.‬‬ ‫قاطعت ُها قائلةً‪:‬‬ ‫أليس كذلك؟‬ ‫َ‬ ‫ ليس هذا هو المه ّم يا حنان‪،‬‬‫ لا‪ .‬هذا هامّ ج ّدا ً يا علا‪ ،‬فلولاها ما خاصم َتني سمر‪.‬‬‫قمت‬ ‫ حنانُ‪ .‬المشكلة ُ ليسَت فيمن أخبر َها‪ .‬المشكلة ُ هو ما ِ‬‫‪54‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أنتِ به ِ‪ .‬هل هذا صحيح؟‬ ‫ل ما حصلَ‪ .‬ثم ّ إن ّي لم‬ ‫ ل كن لو لم يخ برها أحدٌ لما حص َ‬‫أقصدِ الإساءة َ لها‪.‬‬ ‫ل المشكلة‪،‬‬ ‫ رب ّما يا حنانُ لم تقصدي‪ ،‬ل كن لا تلت ّفي حو َ‬‫ك الصديقة ُ حت ّى تتوع ّديها‪،‬‬ ‫فليس المه ّم أن تعرفي م َن تل َ‬ ‫َ‬

‫نسيت قو َل رسو ِل الل ّه ِ ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ن المشكلة ُ أن ّكِ‬ ‫ول ك ِ‬

‫ن‬ ‫ن المؤم َ‬ ‫إ ّ‬

‫أليس كذلك؟‬ ‫َ‬ ‫قمت به هو غيبة ٌ‪،‬‬ ‫ح‪ ،‬وما ِ‬ ‫ح ولا يفض ُ‬ ‫ينص ُ‬ ‫ ل كن ّي لم أقصدِ الإساءة َ‪.‬‬‫ك لا ينفي أن ّكِ اغتبت ِها؟ هل هذا صحيح؟‬ ‫ن ذل َ‬ ‫ أعلم‪ .‬إلا أ ّ‬‫أعرف ُكِ يا حنانُ محبة ً للحقّ ِ وصادقة ً مع نفسكِ ‪.‬‬ ‫س أن‬ ‫ل النف ُ‬ ‫كيف تحاو ُ‬ ‫َ‬ ‫ صحيح‪ .‬شكرا ً لكِ‪ .‬سبحانَ الل ّه‬‫ن حت ّى لا تض َع اللوم َ عليها‪ .‬جزا ِ‬ ‫تلتف على الإنسا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ك الل ّه ُ‬ ‫ح عندما أتح ّدثُ‬ ‫أعرف تماما ً أن ّي سأرتا ُ‬ ‫ُ‬ ‫خيرا ً يا علا‪.‬‬ ‫معكِ ‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫سمعت الحقّ رغم َ قسوت ِه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك يا حنانُ لأن ّكِ‬ ‫ بل أنا التي أشكر ِ‬‫س بل غلظت ِه ِ‪ ،‬فلم تنتصري لنفسِكِ ‪ .‬حقّا ً‬ ‫أحيانا ً على النف ِ‬ ‫إن ّكِ صديقة ٌ ممتازة ٌ‪.‬‬ ‫ل الآنَ؟‬ ‫ ماذا أفع ُ‬‫للعلاج عندما‬ ‫ل‬ ‫نصف الطر ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫وصلت إلى‬ ‫ِ‬ ‫ إن ّكِ‬‫ق الموص ِ‬ ‫ِ‬ ‫سكِ ‪ ،‬ولم تنتصري لها‪ ،‬أمّا تتم ّت ُه فعليكِ أن‬ ‫ت مع نف ِ‬ ‫صدق ِ‬ ‫تتوبي أ ّولا ً‪ ،‬ثم ّ تذك ُريها بالخ ير ِ أمام َ من استغبت ِها عند َهنّ ‪،‬‬

‫ِ‬ ‫لموقف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وشرح ا‬ ‫ث مع سمر‬ ‫ك غدا ً في التح ّد ِ‬ ‫وسأساعد ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫شرح صدرِها لتفهم َ الأمرَ‪.‬‬ ‫ن الل ّه ِ سيعين ُنا في‬ ‫وبإذ ِ‬

‫ك‬ ‫ل قلبي‪ .‬جزا ِ‬ ‫ح فؤادي يا علا‪ .‬أشكر ُ ِ‬ ‫ لقد انشر َ‬‫ك م ِن ك ّ ِ‬ ‫ن الدعاء ِ‪.‬‬ ‫الل ّه خيراً‪ .‬لا تنسَيني م ِ َ‬

‫ أهلا ً وسهلا ً بكِ يا حنان‪ .‬مع السلامة‪ .‬وأنتِ أيضا ً‬‫دعوات ِك‪.‬‬ ‫أغلقتُ السماعة َ‪ ،‬وقد سرّني صدقُ حنانَ وسرعة ُ استجابت ِها للحقّ ِ‬ ‫‪5٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ديقات‬ ‫ٍ‬ ‫مواقف كثيرة ٍ لص‬ ‫َ‬ ‫مرت في ذهني صور ُ‬ ‫وإذعانِها له‪ ،‬ثم ّ ّ‬

‫ن‬ ‫ل الكلا ِم ونشر ِه ِ مع كثيرٍ م ِ َ‬ ‫لي خض َ‬ ‫ن بالغيبة ِ والنميمة ِ ونق ِ‬

‫ل والبهارِ‪ .‬حت ّى أنا أجدني أق ُع فيها أحيانا ً دونَ أن أشعرَ!‬ ‫التعدي ِ‬ ‫ن الإنسانَ يستطي ُع أن يرى عيبَ غير ِه ِ‬ ‫كيف أ ّ‬ ‫َ‬ ‫غريبٌ !‬ ‫مواقف أخرى!‬ ‫َ‬ ‫ح في‬ ‫ج هو نفس ُه ُ النص َ‬ ‫و ينصح َه ُ‪ ،‬بينما يحتا ُ‬ ‫ل‬ ‫ن‪ ،‬كما قا َ‬ ‫ن للإنسا ِ‬ ‫ك كانَ التناصح ُ هو صم ّام ُ أما ٍ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫ر ب ّما لأج ِ‬ ‫الل ّه ُ تعالى في سورة ِ العصر ِ‪.‬‬ ‫ك صوتُ أم ّي وسؤال ُها‪:‬‬ ‫قط َع أفكاري تل َ‬ ‫ما بكِ يا علا؟‬‫موقف حنانَ وسرعة ُ اعتراف ِها‬ ‫ُ‬ ‫لا شيء َ يا أم ّي‪ ،‬لقد أعجبني‬‫بالخطأ ِ الذي يق ُع به ِ أكثر ُنا دونَ أن نشعر َ‪.‬‬

‫ما هو يا بنتي ؟‬‫‪57‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الغيبة َ فعلا ً ظاهرة ٌ منتشرة ٌ في الم ِ‬ ‫جتمع س ّيما‬ ‫الغيبة ُ يا أم ّي‪ .‬إ ّ‬‫ل الحقّ ِ‬ ‫ف حو َ‬ ‫عند َ النساء ِ‪ ،‬فالغيبة ُ والنميمة ُ والغيرة ُ والالتفا ُ‬

‫أمراض منتشرة ٌ إلا م َن‬ ‫ٌ‬ ‫الذات‪ .‬كل ّها‬ ‫ِ‬ ‫ق مع‬ ‫وعدم ُ الصد ِ‬ ‫ل يعود ُ سبب ُها إلى هذه ِ‬ ‫رحم َ رب ّي‪ .‬وإ ّ‬ ‫ن أغلبَ المشاك ِ‬

‫ك بالم ِ‬ ‫ِض بنيانه ُ‪.‬‬ ‫جتمع‪ ،‬وتقو ّ ُ‬ ‫ض التي تفت ِ ُ‬ ‫الأمرا ِ‬

‫‪-‬أنتِ مح ّقة ٌ يا علا‪ ..‬لا غرو َ أن شبه َها الل ّه تعالى بهذا التشبيه‬

‫المقز ّزِ ‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ‬ ‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ‬ ‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ‪. 1‬‬ ‫موقف حنانَ الصادقَ مع نفس ِها وسرعة َ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬لقد أكبرتُ ح ّقا ً‬

‫‪58‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حها‪.‬‬ ‫ل ح ّقا ً على صلا ِ‬ ‫انقيادِها للحقّ ِ مم ّا يد ّ‬ ‫يضعف أحيانا ً ل كن ّه ُ يؤوبُ إلى‬ ‫ُ‬ ‫ن‪ ،‬قد‬ ‫هذا هو حا ُ‬‫ل المؤم ِ‬ ‫ح ما أفسد َ‪ ،‬مم ّا يرف ُع منزلت َه ُ‬ ‫رب ّه ِ سر يعا ً‪ ،‬فيتوبُ إليه ِ و ي ُصل ِ ُ‬ ‫ن الأخطاء ِ فيزداد ُ كمالاً‪.‬‬ ‫عند َ رب ّه ِ‪ ،‬ويساعد ُه للتعل ّم ُ م ِ َ‬

‫‪59‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-4-‬‬

‫ً‬ ‫فتبصر خطأُكُ‪ُ ،‬ويتُسعُ‬ ‫ُ‬ ‫أل خططئُ‪ ،‬ولكنُ أنُ خكونُ صادقا‬ ‫(ليستُ البطولةُ في ُ‬ ‫ً‬ ‫صدركُ لنصيحةُ اآلخرين‪ ،‬ثمُ خمتلكُ الجرأةُ والصدقُ معا لتصحُحُ ما أفسدُت) ُ‬ ‫ُ‬

‫جرس الباحة ِ ‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫رن ‪ ...‬رن ‪...‬‬ ‫لأقف على أخبارِ حنانَ وصديقت ِها سمر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أسرعتُ إلى الباحة ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ل؟‬ ‫طمئنيني يا حنانُ‪ .‬ماذا حص َ‬

‫‪-‬‬

‫شكرا ً لنصيحت ِك الغالية ِ يا علا‪ .‬ح ّقا ً لقد تعل ّمتُ درسا ً لن‬ ‫‪٢1‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫خبرات في حيات ِنا‬ ‫ٍ‬ ‫ن الل ّهِ‪ .‬الحمد ُ لل ّه ِ‪ ،‬ما نمر ّ به ِ م ِن‬ ‫أنساه ُ بإذ ِ‬ ‫ل هو الذي‬ ‫تساعد ُنا في بناء ِ قي َمِنا وشخصي ّت ِنا‪ ،‬فالإنسانُ العاق ُ‬

‫ل‬ ‫اليأس يدخ ُ‬ ‫َ‬ ‫يتعل ّم ُ م ِن أخطائ ِه ِ وأخطاء ِ غير ِه ِ‪ ،‬ولايدع ُ‬

‫ق قلبي يا علا‪.‬‬ ‫ك م ِن أعما ِ‬ ‫قلب َه ُ‪ .‬أشكر ِ‬ ‫لابأس عليكِ ‪ ..‬فهذا واجبُ الأخو ّة ِ‪ ..‬التناصح ُ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‬‫ل‬ ‫ك‪ ،‬لقد تعل ّمتُ منكِ الامتثا َ‬ ‫ بل أنا التي ينبغي أن تشكر َ ِ‬‫س‪ .‬ح ّقا ً صدقَ الل ّه ُ العظيم‪:‬‬ ‫للحقّ ِ مهما كانَ صعبا ً على النف ِ‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟ‬ ‫ﭠ ﭡﭼ‬

‫‪1‬‬

‫ل النص ِ‬ ‫ح‪ ،‬وقل ّة ٌ م ِن‬ ‫لقد ضربتِ مثلا ً رائعا ً يا حنانُ في قبو ِ‬ ‫ن النقد َ‪ ،‬ولو كانَ‬ ‫ك‪ ،‬أو يتقب ّل َ‬ ‫ن ذل َ‬ ‫رفيقات ِنا م َن يقبل َ‬

‫‪٢1‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق‬ ‫سكِ بالأخلا ِ‬ ‫سه ِ والتم ّ‬ ‫الإنسانُ صادقا ً في هدف ِه ِ للرق ِيّ بنف ِ‬ ‫ق‬ ‫ل‪ ،‬و يح ّق َ‬ ‫الرفيعة ِ ومعرفة ِ عيوبه ِ لارتقى حت ّى يقاربَ ال كما َ‬ ‫أهداف َه ُ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ت يا علا‪.‬‬ ‫صدق ِ‬

‫ل‬ ‫س معل ِنا ً انتهاء َ الباحة ِ‪ ،‬فأسرع َت ك ّ‬ ‫قط َع كلام َنا صوتُ الجر ِ‬ ‫من ّا إلى ص ّف ِها‪.‬‬

‫ي عدتُ إلى منزلي‪ ،‬وصورة ُ حنانَ‬ ‫وعند َ نهاية ِ الدوا ِم المدرس ّ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫ن خيالي‪ ،‬وك ّ‬ ‫وموقف ُها لا يفارقا ِ‬ ‫ك جعل َني أكثر َ اعتزازا ً‬ ‫وحرصا ً على صحبت ِها‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬وألقيتُ التحي ّة َ‪ ،‬وأسرعتُ لمساعدة ِ أم ّي َ التي‬ ‫دخلتُ إلى المنز ِ‬ ‫بد َت أ ّنها في حاجة ٍ إلى م َن يعين ُها‪.‬‬ ‫ل الطعام َ‪،‬‬ ‫خ مسرعا ً فارتطم َ بي وأنا أحم ُ‬ ‫ل أخي الصغير ُ المطب َ‬ ‫دخ َ‬ ‫‪٢2‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫فصرختُ في وجهه ِ‪ ،‬ووبّ خت ُه ُ بش ّدة ٍ‪ ،‬فانفجر َ بالبكاء ِ؛ نظر َت أم ّي‬ ‫وعتاب‪ ،‬فما كانَ من ّي إلا أن صحتُ ‪ :‬لا تلوميني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إليّ نظرة َ لو ٍم‬ ‫ض‪.‬‬ ‫كاد َ أن يوق َع الطعام َ م ِن يدي وينسكبَ على الأر ِ‬ ‫بعنف‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي‪ ،‬وأغلقتُ البابَ ورائي‬

‫انفجرتُ بالبكاء ِ‪.‬‬

‫بسبب بكائي‪ ،‬ولم يخطر‬ ‫ِ‬ ‫ظللتُ أبكي لفترة ٍ طو يلة ٍ دونَ أن أفك ّر َ‬ ‫في بالي أبدا ً أن ألوم َ نفسي‪ ،‬ثم ّ استسلمتُ للنو ِم بعد َ أن أخبرتُهم‬ ‫بعد ِم رغبتي في الطعا ِم‪.‬‬ ‫صوت أم ّي توقظني للصلاة ِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أفقتُ على‬ ‫أسرعتُ وتوضأتُ ثم ّ صليتُ ‪ ،‬وتذك ّرتُ ما حدثَ ‪ ،‬كنتُ في‬ ‫أعترف بخطئي أو أعتذر َ لأخي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أرفض أن‬ ‫ُ‬ ‫ق نفسي‬ ‫أعما ِ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫نادتني أم ّي‪ :‬علا ‪....‬‬ ‫هاتف ل ِ‬ ‫‪٢3‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬‬

‫أهلا ً حنان ‪...‬‬

‫ن‬ ‫ما إن تل ّفظتُ باسم ِها حت ّى تذك ّرتُ موقف َها وإعجابي بما فعلته ُ م ِ َ‬ ‫حه ِ ‪ ...‬ثم ّ أخذتُ أقارنُ بينَ ما قمتُ‬ ‫اعتراف بخطئ ِها ثم ّ إصلا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫ك المقارنة ِ طوا َ‬ ‫وموقف حنان! كنتُ مشغولة ً بتل َ‬ ‫ِ‬ ‫به ِ اليوم َ‬ ‫محادثتي لها حت ّى بدا عليّ الشرود ُ رغم َ محاولتي بعد ِم إظهارِ‬

‫شيء ٍ‪ ،‬فسارعتُ في إنهاء ِ المحادثة ِ‪ ،‬ثم ّ عدتُ إلى غرفتي‪ .‬أخذتُ‬

‫ل إلى قلبي؛ لقد‬ ‫أفك ّر ُ فيما حدثَ و ردّة ِ فعلي‪ ،‬فبدأ الندم ُ يتسل ّ ُ‬ ‫ن ردّة َ فعلي لا تتناسبُ مع ما بدر َ‬ ‫ارتكبتُ أخطاء ً ع ّدة‪ ،‬أول ُها أ ّ‬ ‫م ِن أخي الصغير ِ الذي أخطأ سهواً‪ ،‬ثانيها وهي الأخطر ُ عدم ُ‬

‫ن الطعا ِم‬ ‫اعترافي بالخطأ ِ وهروبي منه ُ‪ ،‬ثم ّ بعد َ ذل َ‬ ‫ك إضرابي ع َ ِ‬ ‫ل‬ ‫ي الأسريّ عند َ تناو ِ‬ ‫الذي صنعته ُ والدتي وتكديريَ الجو ّ الحميم ّ‬ ‫لسبب تافه ٍ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الطعا ِم معا ً و‬ ‫ل حنانَ‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ف كنتُ البارحة َ أكب ِر ُ عم َ‬ ‫تعجّ بتُ م ِن نفسي كي َ‬ ‫‪٢4‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫سه ِ الآنَ!‬ ‫أقوم ُ بعك ِ‬ ‫بكيتُ كثيرا ً‪..‬‬ ‫كيف لم أستطع أن ألتزم َ بالقيمة ِ‬ ‫َ‬ ‫بكيتُ لأن ّي تفاجأتُ بنفسي‪،‬‬ ‫التي أعجبتُ بها أمس‪ ،‬وقمتُ بعكس ِها؟!‬ ‫حها‪ ،‬وتر ب ّتُ على كتفي‪.‬‬ ‫لم يوقف دموعي إلا يد َ أم ّي َ وهي تمس ُ‬ ‫ن‪.‬‬ ‫بصوت حنو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ه ّدئي م ِن روع ِكِ ‪ ..‬قالتها أم ّي‬‫نظرتُ إليها‪ ،‬ثم ّ ارتميتُ في أحضانِها‪ ،‬وانفجرتُ في البكاء ِ‪.‬‬ ‫ن فؤادِي‪،‬‬ ‫حب ما أسك َ‬ ‫ن ال ِّ‬ ‫ئ فيه م ِ َ‬ ‫عذب هاد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت‬ ‫ٍ‬ ‫قالت لي‬ ‫و طي ّبَ خاطري‪:‬‬ ‫ت؟‬ ‫هو ّني عليك يا بنتي ‪ ..‬هل أنتِ نادمة ٌ على ما فعل ِ‬‫ نعم‪ ..‬كثيرا ً يا أم ّي ‪ ..‬لم أكن أظنّ أن ّني ‪ ....‬وانفجرتُ‬‫‪٢5‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫بالبكاء ِ ثانية ً‪.‬‬ ‫ن قيمة َ‬ ‫تأ ّ‬ ‫ علا ‪ ..‬مابكِ ؟ هل خابَ ظن ّكِ بنفسكِ ؟ حسب ِ‬‫ت‬ ‫الاعتراف بالخطأ ِ قيمة ً ثابتة ً‪ ،‬أصيلة ً في نفسكِ ثم ّ تفاجأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك؟‬ ‫س ذل َ‬ ‫بتصر ّف ِكِ الدا ّ ِ‬ ‫ل على عك ِ‬ ‫ك الملاك َ‬ ‫ تماما ً يا أم ّي ‪ ..‬لقد كرهتُ نفسي‪ ،‬البارحة ُكنتُ ذل َ‬‫ح حنانَ‪ ،‬واليوم َ انظري ماذا فعلتُ !‬ ‫خ الذي ينص ُ‬ ‫أو الشي َ‬ ‫ لا تجزعي يا بني ّة ‪ ..‬هذا شيء ٌ طبيعيّ‪.‬‬‫باستغراب‪ :‬طبيعيّ!‬ ‫ٍ‬ ‫مسحتُ دموعي‪ ،‬و قلتُ‬ ‫ نعم يا علا فمعرفت ُنا بالقيمة ِ وإعجاب ُنا بها لايعني أن ّنا قادرون على‬‫الالتزا ِم بتطبيق ِها دوما ً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كيف يا أم ّي؟ لم أفهم!‬ ‫َ‬

‫‪-‬‬

‫ن شخصي ّت ِنا‬ ‫ح جزءا ً م ِن تكوي ِ‬ ‫ن المبدأ حت ّى يصب َ‬ ‫يا علا إ ّ‬ ‫‪٢٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل حت ّى يغدو َ تمث ُل ّا ً ‪.‬‬ ‫وسلوك ِنا يمر ّ بمراح َ‬ ‫فالإنسانُ قد يرى تصرّفا ً‪ ،‬أو يسم ُع خطابا ً أو محاضرة ً‬ ‫ك لا يعني أن ّه ُ قادر ٌ‬ ‫ن ذل َ‬ ‫فتعجب ُه القيمة ُ أو المبدأ‪ ،‬إلا أ ّ‬

‫ِ‬ ‫الظروف؛ فلا ب ّد أ ّولا ً‬ ‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫مباشرة ً على الالتزا ِم به ِ في‬

‫جاب به ِ والتفكير ِ‬ ‫م ِن معرفة ِ القيمة ِ والمبدأ ِ‪ ،‬ثم ّ الإع ِ‬

‫بأهم ّي ّت ِه ِ وفوائدِه ِ ونتائج ِه ِ الإ يجابي ّة ِ في الحياة ِ والم ِ‬ ‫جتمع ثم ّ‬ ‫س على تطبيق ِه ِ‬ ‫مرة ٍ‪ ،‬وحم ِ‬ ‫ل النف ِ‬ ‫مرة ً بعد َ ّ‬ ‫محاولة ِ تطبيق ِه ِ ّ‬ ‫ك المر ّة ُ تلو َ الأخرى‪ ،‬وقد تنجحينَ مرة ً‬ ‫ومجاهدتِها على ذل َ‬ ‫ك على‬ ‫ن متابعت ِكِ وإصرارِ ِ‬ ‫وتفشلينَ أخرى‪ ،‬إلا أ ّ‬ ‫القلب‬ ‫ِ‬ ‫تنفيذِها هو الذي يحو ّل ُها إلى عقيدة ٍ تتعقد ُ في‬ ‫سكِ ‪ ،‬حت ّى‬ ‫ح بها فتغدو قيمة ً أصيلة ً في نف ِ‬ ‫فتلتزم ُ الجوار ُ‬ ‫ل مثلا ً‬ ‫الناس فيكِ كخصلة ٍ م ِن شخصي ّت ِكِ ؛ فيقا ُ‬ ‫ُ‬ ‫يعرف ُها‬ ‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫ن الصدقَ عند َه ُ قيمة ٌ ين ّفذ ُها في‬ ‫ن صادقٌ لأ ّ‬ ‫فلا ٌ‬

‫تضحيات‪ ،‬فما عند َ الل ّه ِ خير ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫الظروف‪ ،‬ومهما كل ّفته ُ م ِن‬ ‫ِ‬ ‫‪٢7‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الدنيا ومافيها‪.‬‬ ‫وأبقى م ِ َ‬ ‫اكتساب المبدأ ِ يا علا‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ل الاستجابة ِ أو‬ ‫هذه ِ هي مراح ُ‬ ‫ك عليكِ أن تجاهدي نفسَكِ وتحاسبيها على تنفيذِ‬ ‫لذل َ‬ ‫ق بل ج ّددي الهمّة َ‪.‬‬ ‫القيمة ِ‪ ،‬ولا تيئ َسي عند َ الإخفا ِ‬ ‫فالمه ّم هو الثباتُ على المبدأ ِ والاستقامة ُ عليه ِ حت ّى‬ ‫ك وعقدة ً في قلبكِ ‪،‬‬ ‫ح جزءا ً م ِن تركيبة ِ عقلكِ وفكر ِ ِ‬ ‫يصب َ‬ ‫عندئذٍ يظهر ُ على سلوك ِكِ ‪.‬‬ ‫ت عن ّي الهمّ‪ ،‬وفهمتُ ح ّقا ً‬ ‫ك يا أم ّي‪ .‬لقد أزح ِ‬ ‫أشكر ُ ِ‬ ‫الفرقَ بينَ معرفة ِ المبدأ ِ وتطبيق ِه ِ والالتزا ِم به؛ ل كنّ‬ ‫ليس سهلا ً أبداً‪.‬‬ ‫الأمرَ َ‬ ‫القيم والأفكارِ‬ ‫ن‬ ‫ن هناك َ جبالا ً م ِ َ‬ ‫أم ّي أشعر ُ أحيانا ً أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫أحس‬ ‫عليّ تغيير ُها‪ ،‬حت ّى أن ّي أيئس م ِن نفسي‪ ،‬وأحيانا ً ّ‬

‫قض؟!‬ ‫ق الرفيعة ِ‪ .‬ما هذا التنا ُ‬ ‫أن ّي في قم ّة ِ القو ّة ِ والأخلا ِ‬ ‫‪٢8‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫نك ّ‬ ‫ق شديدٍ عندما أرتكبُ خطأ ً ما‪ ،‬وكأ ّ‬ ‫أشعر ُ بضي ٍ‬ ‫س‬ ‫ل لدرجة ِ الإحسا ِ‬ ‫أخطائي أمام َ ناظريّ ‪ ،‬وأتضاء ُ‬

‫ِ‬ ‫الصراع‬ ‫الأرض حت ّى أنتهي َ م ِن هذا‬ ‫ُ‬ ‫بالتمن ّي أن تبتلعني َ‬ ‫الداخليّ!‬ ‫‪-‬‬

‫أعلم ُ يا بنتي ما تشعري َن به ِ‪ ،‬لا تستغربي‪ ..‬فكل ّنا في هذه ِ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫المرحلة ِكانَ يشعر ُ بذل َ‬

‫‪-‬‬

‫ق ذ َرعا ً م ِن هذه ِ المرحلة ِ التي لن‬ ‫أم ّي أكاد ُ أضي ُ‬

‫‪-‬‬

‫ما بكِ يا علا؟ لماذا أنتِ يائسة ٌ لهذه ِ الدرجة ِ! الأمرُ لا‬

‫ٍ‬ ‫تصويب!‬ ‫ٍ‬ ‫إصلاح و‬ ‫ج إلى‬ ‫ل شيء ٍ فيها يحتا ُ‬ ‫تنتهي‪ ...‬ك ّ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫ل ذل َ‬ ‫يستحقّ ك ّ‬

‫كل ّنا نخطئ ُ‪ ،‬وهذه ِ هي َ طبيعة ُ البشر ِ‪ .‬وقد تكونُ‬

‫أخطاؤك الآنَ أكثر َ أو تلاحظين َها وتدركينَ حجم َها‬

‫ن‪ ،‬وتتعرفينَ على الحياة ِ‬ ‫ق لأن ّكِ تكبري َ‬ ‫أدق وأعم َ‬ ‫ل ّ‬ ‫بشك ٍ‬ ‫س البشر ي ّة ِ ونقاطِ قو ّتِها‬ ‫ومعناها‪ ،‬وعلى طبيعة ِ النف ِ‬ ‫‪٢9‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك في مجاهدة ِ‬ ‫ن على صبر ِ ِ‬ ‫وضعف ِها؛ تذك ّري أن ّكِ تؤجَر ِي َ‬ ‫س له أجر ٌ كبير ٌ؛‬ ‫ك على أذى النا ِ‬ ‫ك صبر ُ ِ‬ ‫سكِ ‪ ،‬وكذل َ‬ ‫نف ِ‬ ‫ي هناك‪،‬‬ ‫هذه هي الحياة ُ الدنيا‪ ،‬أمّا الحياة ُ الحقيقية ُ فه َ‬ ‫إ ّنها الحياة ُ الآخرة ُ‪ ،‬حيثُ الخلود ُ الدائم ُ والسعادة ُ‬ ‫لاتعرف الحزنَ والشقاء َ‪ ،‬ل كن ّنا لن نتمت َع‬ ‫ُ‬ ‫المطلقة ُ التي‬ ‫بهذه ِ السعادة ِ الح ّقة ِ إلا بعد َ دفع ِنا لثمن ِها هنا في الدنيا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الإصلاح‪.‬‬ ‫ل على‬ ‫س و العم ُ‬ ‫حيثُ مجاهدة ُ النف ِ‬

‫‪-‬‬

‫س‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫صعب يا أم ّي‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫شاق على النف ِ‬ ‫الأمرُ‬

‫‪-‬‬

‫ن الأجر َ عظيم ٌ‪.‬‬ ‫ك لأ ّ‬ ‫ح ‪ ،‬ذل َ‬ ‫كلام ُكِ صحي ٌ‬

‫‪-‬‬

‫ادعي الل ّه َ لي يا أم ّي أن يعين َني‪.‬‬

‫ح ما أفسدتُ ‪ ..‬عليّ أن أطلبَ‬ ‫و الآنَ ‪ ..‬يجبُ أن أصل َ‬

‫ح م ِن أخي الصغير ِ‪ ،‬وأطي ّبَ خاطر َه ُ‪.‬‬ ‫السما َ‬ ‫‪-‬‬

‫ت يا علا ‪ ..‬جمّل َكِ الل ّه ُ بالحلم ِ والرحمة ِ والحكمة ِ‬ ‫أحسن ِ‬

‫سك‪.‬‬ ‫ق‪ ،‬وأعان َكِ على إصلاح نف ِ‬ ‫والصد ِ‬

‫‪71‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬‬

‫مرة ً أخرى‬ ‫أشكر ُك ُ يا أم ّي ‪ ..‬لاحرم َني الل ّه ُ منكِ ‪ .‬أعتذر ُ ّ‬

‫‪-‬‬

‫ل صبرٍ أجر ُه‪.‬‬ ‫لا عليكِ يا بنتي‪ .‬فلك ّ ِ‬

‫يا حبيبتي‪.‬‬

‫ح ما‬ ‫الابتسامات وأسرعتُ إلى أخي كي أصل َ‬ ‫ِ‬ ‫تبادلنا‬ ‫أفسدت ُه‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 5-‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫(مفتاحُ حلُ أيُ مشكلةُ يكمنُ في معرفةُ أصلُ املشكلةُ وخحديدُ سببُها‪ ،‬وليسُ في‬ ‫آلثارها ونتائجُها! ) ُ‬ ‫البحثُ عنُ حلُ ُ‬ ‫ُ‬

‫حه ِ ونصر ِه ِ‬ ‫ك م ِن خير ِ هذا اليو ِم‪ ،‬فت ِ‬ ‫يوم ٌ جديد ٌ " الله ّم إن ّي أسأل ُ َ‬ ‫ك م ِن شرِّ ما فيه ِ وشرِّ ما‬ ‫ونورِه ِ وبركت ِه ِ وهدايت ِه ِ وأعوذ ُ ب َ‬ ‫بعد َه ُ"‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪72‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل منطلقة ً إلى المدرسة ِ‪.‬‬ ‫ق بابَ المنز ِ‬ ‫تمتمتُ بهذا الدعاء ِ وأنا أغل ُ‬ ‫ن التقيتُ بهنّ م ِن‬ ‫ّ‬ ‫دخلتُ‬ ‫الصف بابتسامة ٍ وزّعت ُها على ك ّ ِ‬ ‫ل مَ ِ‬ ‫زميلاتي فبادلن َن ِي مثل َها‪.‬‬ ‫ت الباحة ُ‪...‬‬ ‫ب وجاء َ ِ‬ ‫حصص الدرسي ّة ُ على نحوٍ طي ّ ٍ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫م َ‬

‫كانتِ الضحكاتُ تتعالى ه ُنا وه ُناك‪ ،‬فقد كان َت رفيقة ٌ لنا تجيد ُ‬

‫النكت وتمثيل َها بأداء ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ق‬ ‫رائع‪ ،‬تجعلكِ تضحكينَ م ِن أعما ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلقاء َ‬

‫جرس بدء َ الحصّ ة ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫الوقت حيثُ أعل َ‬ ‫ِ‬ ‫قلب ِكِ ‪ ،‬فلم نشعر بمرور‬ ‫الصف فإذا بالمدرّسة ِ تنظر ُ إلينا‬ ‫ِّ‬ ‫ثلاث دقائقَ‪ ،‬سارعنا إلى‬ ‫ِ‬ ‫منذ ُ‬

‫الصف‪ ،‬وبدا الاعتذار ُ‬ ‫ّ‬ ‫بوجه ٍ يعلوه ُ الغضبُ ‪ ..‬ساد الصمتُ‬ ‫عتب ثم ّ قالت‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫سما ً فيه‬ ‫ت المدرّسة ُ تب ّ‬ ‫باديا ً على وجوه ِنا‪ ،‬فابتسم َ ِ‬ ‫ك سن ّكنّ ‪ ،‬انتبهن في المرة ِ القادمة ِ كي لا‬ ‫أفرحكُنّ الل ّه ُ و أضح َ‬

‫‪73‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫يسرقكنّ الوقتُ ‪.‬‬ ‫ل واحدة ٍ من ّا الامتنانُ‬ ‫ثم ّ بدأت درس َها الممت َع‪ ،‬وفي خاطرِ ك ّ ِ‬ ‫ل أدب َنا‬ ‫والإعجابُ لتجاوزِها ع َن هفوت ِنا برحمة ٍ وحز ٍم؛ ولع ّ‬ ‫سنا بالذنبِ والند ِم على ما قمنا به ِ هو الذي دفع َها لتجاوزِ‬ ‫وإحسا َ‬ ‫خطئ ِنا‪.‬‬ ‫حظات الأخيرة َ منها فقد حدثَ ما‬ ‫ِ‬ ‫ت الحصّ ة ُ بسرورٍ إلا الل‬ ‫ض ِ‬ ‫م َ‬ ‫جت من إحدى رفيقات ِنا‬ ‫ن‪ .‬سمعنا ضحكة ً خر َ‬ ‫لم يكن في الحسبا ِ‬ ‫جنا م ِن صمت ِنا إلى‬ ‫كت ِبَ على السب ّورة ِ‪ ،‬مم ّا أخر َ‬ ‫ل ما ُ‬ ‫ونحن نسج ّ ُ‬ ‫ن المدرّسة ِ لرفيقت ِنا ومعاقبت ِها عقابا ً شديد َ اللهجة ِ‪.‬‬ ‫عتاب شديدٍ م ِ َ‬ ‫ٍ‬

‫س م ُعلنا ً نهاية َ‬ ‫انفجر َت زميلت ُنا بالبكاء ِ الذي شقّه ُ صوتُ الجر ِ‬ ‫الحصّ ة ِ‪.‬‬ ‫ك عن‬ ‫ت المدرّسة ُ وقد غاب َت عنها ابتسامت ُها المعهودة ُ وكذل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خر َ‬ ‫وجوه ِنا؛ أسرعنا إلى زميلت ِنا نستخبر ُ منها ماحدثَ ‪ ..‬لم نفهم‬

‫شيئا ً م ِن ش ّدة ِ البكاء ِ‪ ،‬وسرعانَ ما عدنا إلى مقاعدِنا عند بداية ِ‬ ‫‪74‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الحصّ ة الدرسي ّة ِ‪.‬‬ ‫ل عقاربَ الساعة ِ حت ّى تنتهي َ الحصّ ة ُ لنسرعَ إلى‬ ‫كن ّا نستعج ُ‬ ‫زميلت ِنا ونستفهم َ ما حدثَ ‪.‬‬ ‫كانَ الجمي ُع يواسونَها‪ ،‬و يضعونَ اللوم َ على المدرّسة ِ في عتابِها على‬ ‫ضَ حكة ٍ غير ِ مقصودة ٍ‪ ..‬كانَ هذا رأيُهنّ ‪.‬‬ ‫لانصراف‬ ‫ِ‬ ‫لم أستطع أن أتح ّدثَ م َع صديقت ِي بما أريد ُه ُ‪ ،‬وعند َ ا‬ ‫ل ‪ :‬ما‬ ‫كان َت رفيقت ِي تبحثُ عن ّي‪ ،‬وسرعانَ ما بادرتني بالسؤا ِ‬ ‫رأي ُكِ فيما حدثَ ؟‬ ‫ردّدتُ فورا ً ‪ :‬إن ّي أرغبُ أن أسم َع منكِ ‪ ،‬ما رأيكِ أنتِ ؟‬ ‫قال َت ‪ :‬أعلم ُ أن ّي مخطئ َة ٌ ول كن لم أكن أقصد ُ‪ ،‬وفي الحقيقة ِ لقدِ‬ ‫ل خبر ِ ما‬ ‫انزعجتُ كثيرا ً م ِن عتابِها‪ ،‬ومم ّا زاد َ في انزعاجي وصو ُ‬ ‫ِ‬ ‫أسماع مدرّسة ِ اللغة ِ العربي ّة ِ التي تعلمينَ كم أكنّ لها‬ ‫حدثَ إلى‬

‫‪75‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حب‪ ،‬فعاتبتني كثيراً‪.‬‬ ‫ن الاحترا ِم وال ِّ‬ ‫مِ َ‬ ‫ل خبر ُه ُ إليها؛ إن ّي‬ ‫ل وص َ‬ ‫لقد سئمتُ يا علا‪ ..‬إن ّني كل ّما قمتُ بعم ٍ‬ ‫ن المدرسة ِ‪.‬‬ ‫ل مِ َ‬ ‫أفك ّر ُ ج ّدي ّا ً في الانتقا ِ‬ ‫صعقني َ الخ بر ُ‪ ..‬فلم أنبس بكلمة ٍ وكان َت علائم ُ وجهي يسود ُها‬ ‫الاستغرابُ الشديد ُ‪.‬‬ ‫سألتني رفيقت ِي ‪ :‬ما رأي ُكِ ؟‬ ‫ قلتُ لها ‪ :‬في ماذا ؟‬‫ن المدرسة ِ‪.‬‬ ‫ل مِ َ‬ ‫ في الانتقا ِ‬‫ك فعلا ً!‬ ‫ هل تقصدين ذل َ‬‫جاب‪.‬‬ ‫هز ّت رأس َها بالإ ي ِ‬ ‫ل الخ بر ِ إلى‬ ‫قلتُ لها ‪ :‬هل المشكلة ُ في المدرسة ِ هو وصو ُ‬ ‫المدرّسة ِ التي تحبينها؟ هل هذا هو جوهر المشكلة وسبب ُها‬ ‫‪7٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫برأيك؟‬ ‫صمت َت كثيرا ً وأطرق َت‪.‬‬ ‫ثم ّ أضفتُ قائلة ً ‪:‬‬ ‫تعلمينَ يا هبة ُ أن ّي أحب ّكِ ‪ ،‬وأنا أعلم ُ أن ّكِ تحب ّينَ الصراحة َ‬‫ن رأيي ح ّقا ًمهما كانَ؟‬ ‫والحقّ ‪ .‬هل هذا صحيح؟ وهل تريدي َ‬ ‫حكِ لي‪.‬‬ ‫ق نص ِ‬ ‫ق في رأيكِ وصد ِ‬ ‫ بالتأكيدِ نعم‪ ،‬فأنا أث ُ‬‫ن بما حدثَ ‪ ،‬يجبُ أن‬ ‫ليست المشكلة ُ في معرفة ِ فلا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يا هبة ُ‬‫الالتفاف حول َها أو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ننظر َ إلى جوهرِ المشكلة ِ‪ ،‬ولا نحاو َ‬ ‫ن المشكلة َ ستعود ُ للظهورِ في‬ ‫الهروبَ منها‪ ،‬لاشكّ أ ّ‬ ‫مت به ِ‪،‬‬ ‫ك الذي ق ِ‬ ‫ن المشكلة َ في السلو ِ‬ ‫المدرسة ِ الأخرى‪ ،‬لأ ّ‬ ‫ن؟!‬ ‫ل تغيير ُ المكا ِ‬ ‫فكيف يكونُ الح ّ‬ ‫َ‬ ‫ن!‬ ‫ليس في المكا ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن في تغيير ِ المدرسة ِ‪ ،‬بل يجبُ أن‬ ‫ل يكم ُ‬ ‫ن الح ّ‬ ‫لا أظنّ أ ّ‬ ‫‪77‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ونصحح َه ُ‪ .‬هذا رأيي‪ ،‬هل توافقين َني‬ ‫ِّ‬ ‫ك‬ ‫ننتبه َ أكثر َ إلى السلو ِ‬ ‫عليه؟‬ ‫لم تخي ّب هبة ُ ظن ّي بها‪ ،‬فقد هز ّت رأس َها وقال َت ‪:‬‬ ‫ك أي ّت ُها‬ ‫صدق ِ‬‫ك‪ ،‬لقد أريت ِني مالم أر َه ُ‪ ..‬شكرا ً ل ِ‬ ‫ت‪ ،‬وشكرا ً ل ِ‬ ‫الصديقة ُ الصدوقة ُ‪.‬‬ ‫ق‬ ‫ف لنفترقَ في الطر ي ِ‬ ‫و لم ننه ِ الحديثَ إلا أن ّه ُكانَ علينا أن نتوق ّ َ‬ ‫ل من ّا إلى منزل ِها‪.‬‬ ‫حت ّى تعود َ ك ّ‬ ‫ل في نفسي‪ :‬ح ّقا ً‬ ‫كنتُ أسير ُ ببطء ٍ وأنا أفك ّر ُ فيما حدثَ ‪ ،‬وأقو ُ‬

‫لص ٍ‬ ‫حيح إلا إذا استفاد َ م ِن‬ ‫إ ّ‬ ‫ن الإنسانَ أحيانا ً لا يرى بشك ٍ‬ ‫للموقف م ِن بعيدٍ أو م ِن زاو ية ٍ أخرى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫س ينظرون‬ ‫آراء ِ أنا ٍ‬ ‫الموقف أكثر َ وضوحا ً واكتمالاً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ل صورة َ‬ ‫ك يجع ُ‬ ‫ن ذل َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫موقف هبة َ لاهتمام ِها بمعرفة ِ رؤ ية ِ م َن يرى‬ ‫َ‬ ‫ح ّقا ً لقد أكبرتُ‬ ‫‪78‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫م ِن بعيدٍ‪ ،‬و يصدق ُها النص َ‬ ‫ح‪ ..‬إ ّنها ح ّقا ً تريد ُ الحقّ ولا شيء َ‬ ‫ِ‬ ‫إصلاح نفس ِها على الرغ ِم م ِن‬ ‫سواه ُ‪ .‬إ ّنها مخلصة ٌ وصادقة ٌ في‬ ‫ن الحقيقة ِ وعن رؤ ية ِ‬ ‫أ ّنها في لحظة ٍ ما كادت أن تبتعد َ ع ِ‬ ‫ل المشكلة ِ وجوهرِها‪.‬‬ ‫أص ِ‬ ‫بيت وقد بدا على وجهي التفكير ُ‪ ،‬فسألتني أم ّي‪:‬‬ ‫وصلتُ إلى ال ِ‬ ‫ما الخ بر ُ يا علا؟ بم َ تفك ّرين؟‬ ‫لا شيء َ يا أم ّي ‪ ..‬ثم ّ أخبرتُها القصّ ة َ‪.‬‬‫فابتسم َت ورب ّت َت على كتفي وقالت ‪:‬‬ ‫ح لصديقت ِكِ ‪ ،‬وأعنت ِها‬ ‫ت النص َ‬ ‫أحسنت يا علا‪ .‬لقد أخلص ِ‬ ‫ِ‬ ‫‬‫ل على‬ ‫ِ‬ ‫على رؤ ية ِ الحقّ ِ وتتب ّ ِع‬ ‫سبب المشكلة ِ وبالتالي العم ِ‬

‫حل ِها‪.‬‬ ‫س‬ ‫ك لأن ّه ُ يح ّ‬ ‫ن " صاحبَ المشكلة ِ أعمى"‪ ،‬ذل َ‬ ‫لإ ّ‬ ‫وقد قي َ‬ ‫قف‪،‬‬ ‫ل المو ِ‬ ‫فقط بألم ِه ِ‪ ،‬هذا الشعور ُ يبعد ُه ُ عن رؤ ية ِ كام ِ‬ ‫‪79‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫فلا ينظر ُ إلا م ِن وجهة ِ نظرِه ِ‪ .‬قاطعتُ أم ّي قائلة َ‪:‬‬ ‫ليس الذي‬ ‫ل" َ‬ ‫ل يقو ُ‬ ‫أليس هناك َ مث َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ح يا أم ّي ل كن‬ ‫ صحي ٌ‬‫ي كم َن يع ّدها"؟ كيف نجم ُع بينَ المثل َين يا أم ّي؟‬ ‫ل العص ّ‬ ‫يأك ُ‬ ‫ت يا ب ُني ّتي‪ ،‬ل كنّ الجم َع بينَ هذين المثل َين هو الذي‬ ‫ صدق ِ‬‫ل‬ ‫يوضح ُها على نحو عاد ٍ‬ ‫ي ُضفِي على الصورة ِ شفافية ً‪ ،‬و ّ‬ ‫ن بالأل ِم يجعل ُه لا يرى إلا ألم َه ُ‪،‬‬ ‫ل‪ ،‬فشعور ُ الإنسا ِ‬ ‫وكام ٍ‬ ‫ضنا‬ ‫ل لن يشعر َ أحدٌ بألم ِه ِ‪ ،‬وهذه ِ رسالة ٌكي يعذر َ بع ُ‬ ‫وبالمقاب ِ‬ ‫ص المتأل ّ ِم فنرحم َه‪،‬‬ ‫بعضا ً‪ ،‬ونض َع أنفسَنا مكانَ هذا الشخ ِ‬ ‫ل فهم َ موقف ِه ِ أيضا ً‪ ،‬عندئذٍ يمكن ُنا أن ن ُسديَ له‬ ‫ونحاو َ‬ ‫ل‪ ،‬دونَ تحميله ِ وزر َا ً لم يرتكبه ُ‪ ،‬وهذا‬ ‫ح برحمة ٍ واعتدا ٍ‬ ‫النص َ‬ ‫ِ‬ ‫عرفت السرّ يابنتي؟‬ ‫ِ‬ ‫للنصح‪ .‬هل‬ ‫ما يجعل ُه ُ أكثر َ تقب ّلا ً‬

‫ق في عينيّ‪ ،‬لقد فهمتُ‬ ‫ هززتُ رأسي َ بابتسامة ٍكبيرة ٍ وبر ي ٍ‬‫ح ليكونَ وسيلة َ مساعدة ٍ للآخرين‪،‬‬ ‫كيف أق ّدم ُ النص َ‬ ‫َ‬ ‫ل رأيَ الآخرين فيّ‪ ،‬بل‬ ‫ف وأتقب ّ َ‬ ‫وكيف عليّ أن أتصرّ َ‬ ‫َ‬ ‫‪81‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الموقف على حقيقت ِه ِ ح ّقاً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وأسعى لمعرفت ِها حت ّى يظهر َ‬ ‫ل ثيابي‪ ،‬ثم ّ مساعدتِها في‬ ‫َ‬ ‫قبّلتُ‬ ‫رأس أم ّي‪ ،‬وأسرعتُ لتبدي ِ‬ ‫إعدادِ الطعا ِم‪.‬‬ ‫وعند َ المساء ِ سج ّلتُ في دفتر ِ ذكر ياتي ‪:‬‬ ‫والمواقف م ِن جم ِ‬ ‫يع‬ ‫ِ‬ ‫لقد تعل ّمتُ اليوم َ أن أنظر َ إلى الأمورِ‬ ‫ل رأيَ الآخرين لأ ّنهم يرونَ الصورة َ‬ ‫الجوانبِ ‪ ،‬وأحترم َ وأتقب ّ َ‬ ‫ل الصورة ُ‪،‬‬ ‫م ِن زاو ية ٍ ثانية ٍ لا أراها أنا‪ ،‬وعندئذٍ فقط تكتم ُ‬ ‫ل جلاله ُ سبحان َه وتعالى‪.‬‬ ‫وتغدو واضحة ًكما يراها الل ّه ُ ج ّ‬

‫‪81‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- ٢-‬‬

‫أو خنشطُ إل‬ ‫أسرار هللا‪ ،‬لها موطن عندُ خالقُها‪ ،‬فال تستأنس ُ‬ ‫ُ‬ ‫سر منُ‬ ‫(الروحُ ُ‬ ‫وسر وجوده) ُ‬ ‫قوةُ اإلنسانُ ُ‬ ‫بالخُصالُ به‪ ،‬وهي مكمنُ ُ‬

‫عدتُ إلى منزلي متعبة ً مرهقة ً‪ ،‬لا أدري السببَ ‪ ،‬فدخلتُ ولم‬ ‫أسل ّم على أحدٍ وأسرعتُ إلى غرفتي‪.‬‬ ‫ك م ِن عادتي‪ ،‬غير َ‬ ‫باستغراب‪ ،‬فلم يكن ذل َ‬ ‫ٍ‬ ‫كانَ الجمي ُع ينظر ُ إليّ‬ ‫ن أحدا ً منهم لم ينب ِس بكلمة ٍ‪.‬‬ ‫أ ّ‬ ‫بدّلتُ ثيابي واستلقيتُ على سريري دونَ أن أفك ّر َ بشيء ٍ معي ّنٍ‪..‬‬

‫ل شيء ٍ؛‬ ‫بد َت لي نفسي شاردة ً‪ ،‬تعاني المل َ‬ ‫ل‪ ..‬لم أرغب في عم ِ‬

‫ل الغداء ِ‪ ،‬فقمتُ متكاسلة ً وكأن ّي‬ ‫ل بيتي َ لتناو ِ‬ ‫سمعتُ نداء َ أه ِ‬ ‫‪82‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أجرّ أثقالا ً خلفي‪ ،‬ألقيتُ السلام َ‪ ،‬ثم ّ جلستُ في مكاني َ المعتاد‪.‬‬ ‫ك يا علا؟‬ ‫بادر َني أخي الصغير ُ بسؤا ٍ‬ ‫ل‪ :‬كيف حال ِ‬ ‫حاولتُ رسم َ الابتسامة ِ على وجهي أمام َ وجهه ِ الملائك ِيّ‬

‫ل طعامي‪ ..‬ساعدتُ‬ ‫ّب‪ ،‬وقلتُ له ُ ‪ :‬الحمد ُ لل ّه ِ‪ .‬ثم ّ تابعتُ تناو َ‬ ‫الطي ِ‬

‫ِ‬ ‫المطبخ دونَ أن أتكل ّم َ‪ ،‬ثم ّ‬ ‫وترتيب‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ل الصحو ِ‬ ‫أم ّي في غس ِ‬ ‫عدتُ بهدوء ٍ إلى غرفت ِي‪.‬‬

‫لا أدري ما سببُ الكآبة ِ التي جعلتني هادئة ً غير َ راغبة ٍ في‬

‫أي شيء ٍ‪.‬‬ ‫الكلا ِم أو عم ِ‬ ‫ل ِّ‬

‫حاسوب على‬ ‫ِ‬ ‫أمضيتُ أكثر َ م ِن ساعة ٍ وأنا بينَ النافذة ِ وال‬

‫البحث عن شيء ٍ معي ّنٍ؛ حت ّى‬ ‫ِ‬ ‫(الفيس بوك)‪ ،‬ول كن دونَ‬

‫لصديقات لم أشعر بمتعة ٍ فيه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ل على الفيس مع ا‬ ‫التواص ُ‬ ‫النكت التي بد َت لا نكهة َ لها‪ ،‬ولم تستطع أن‬ ‫ِ‬ ‫ومثلُه منشوراتُ‬ ‫ق شديدٍ دونما‬ ‫ي ابتسامة ً واحدة ً‪ ..‬أشعر ُ بضي ٍ‬ ‫ترسم َ على وجه َ‬ ‫‪83‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫سبب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫درج خزانتِي‪،‬‬ ‫ن ال (شكولا) في‬ ‫ن لديّ قالبا ً م ِ َ‬ ‫تذك ّرتُ أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫أسرعتُ وقطعتُ منه قطعة ً بدأتُ أذيب ُها ببطء ٍ شديدٍ‪ ،‬حت ّى‬ ‫جرا ً! لم يجعلني آكل ُه ُ بشهي ّة ٍكما هو المعتاد ُ‪.‬‬ ‫طعم ُها بدا م ُض ِ‬ ‫تعجّ بتُ م ِن نفسي كثيراً‪ ،‬ولم أعرف ما بي! وأخيرا ً قررتُ أن‬ ‫أذهبَ إلى أم ّي لأستشير َها‪.‬‬ ‫س حيثُ كان َت تشربُ الشايَ مع‬ ‫ذهبتُ إلى غرفة ِ الجلو ِ‬ ‫ل‪:‬‬ ‫والدي‪ ،‬ألقيتُ التحي ّة َ وجلستُ قليلاً‪ ،‬بادرتني أم ّي بالسؤا ِ‬ ‫ن الشاي؟ قلتُ لها ‪ :‬لا‪ ،‬و أنا أغادر ُ‬ ‫ن مِ َ‬ ‫هل ترغبينَ بفنجا ٍ‬ ‫الغرفة َ مت ّجهة ً إلى غرفت ِي‪.‬‬ ‫أغلقتُ البابَ خلفي و تنه ّدتُ ‪ ،‬ثم ّ ألقيتُ نفسي على السرير ِ‪،‬‬ ‫باب‬ ‫ويبدو أن ّي قد غفوتُ قليلاً‪ ،‬لم أستفق إلا على صرير ِ ِ‬ ‫ت‬ ‫ل أم ّي ففرحتُ ‪ ،‬ل كنّها سرعانَ ما أغلق َ ِ‬ ‫غرفتي‪ ،‬لمحتُ خيا َ‬ ‫‪84‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫البابَ عندما رأتني نائمة ً‪ ،‬فناديتُ ‪ :‬أم ّي‪ ،‬لستُ نائمة ً‪ ..‬فعاد َت‬ ‫ن مختلفة ً هذا اليوم؟‬ ‫إلى غرفت ِي وسألتن ِي ‪ :‬ما بكِ يا عزيزتي؟ تبدي َ‬ ‫ل في المدرسة ِ؟‬ ‫خطب جديدٍ حص َ‬ ‫ٍ‬ ‫هل م ِن‬ ‫أجبت ُها‪ :‬لا ‪ ..‬ثم ّ تابعتُ ‪:‬‬ ‫ل شيء ٍ‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ل‪ ،‬ضجرٍ‪،‬‬ ‫اكتئاب‪ ،‬لا أرغبُ في عم ِ‬ ‫ول كن ّي أشعر ُ بمل ٍ‬

‫ل شيء ٍ روتينيّ‪ ...‬حت ّى الأشياء ُ التي أحبّها فقد َت طعم َها‪..‬‬ ‫ك ّ‬ ‫ن‬ ‫ل هذا م ِن دو ِ‬ ‫حت ّى الشكولا يا أم ّي لم تعد تسعد ُني‪ ....‬ك ّ‬

‫موقف ليكونَ سببا ً لما أشعر ُ به ِ!‬ ‫ٍ‬ ‫سبب ‪ ..‬لم يحصل أيّ‬ ‫ٍ‬ ‫ت؟‬ ‫سم َت أم ّي قائلة ً ‪ :‬هل صلي ِ‬ ‫تب ّ‬ ‫قلتُ ‪ :‬نعم‪ .‬و لم يتغي ّر شيء ٌ‪.‬‬ ‫ن روح َكِ‬ ‫رب ّت َت على كتفي قائلة ً‪ :‬لا تجزعي يا بنتي ‪ ...‬يبدو أ ّ‬

‫بعض الغذاء ِ‪.‬‬ ‫ج َ‬ ‫تحتا ُ‬

‫‪85‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ج إلى غذاء ٍ؟‬ ‫باستغراب ‪ :‬روحي تحتا ُ‬ ‫ٍ‬ ‫نظرتُ إليها‬ ‫ن المدرسة ِ‪،‬‬ ‫قالت أم ّي‪ :‬نعم ‪ ..‬ألم تتناولي طعام َكِ بعد َ عودت ِكِ م ِ َ‬ ‫بعض العافية ِ والقو ّة ِ؟‬ ‫دت َ‬ ‫كنت منهكة ً فاسترد َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫جاب‪.‬‬ ‫هززتُ رأسي َ بالإ ي ِ‬ ‫ج إلى طعا ٍم‪.‬‬ ‫ك روح ُكِ تحتا ُ‬ ‫قالت ‪ :‬كذل َ‬ ‫قلتُ ‪ :‬و ل كن ّي صل ّيتُ ‪.‬‬ ‫ن؟‬ ‫كيف صل ّي ِ‬ ‫َ‬ ‫فقالت‪:‬‬ ‫ت؟ و أنتِ شاردة ُ الذه ِ‬ ‫مرة ً أخرى‪ :‬نعم ‪.‬‬ ‫هززتُ رأسي َ ّ‬ ‫ن هذه ِ‬ ‫ج إلى طعا ٍم‪ ،‬وهو الصلة ُ بخالق ِها‪ ،‬و بدو ِ‬ ‫ح تحتا ُ‬ ‫الرو ُ‬‫ل أو‬ ‫ك عندما تشعري َ‬ ‫ل ‪ ،‬كالجسدِ تماماً‪ ..‬لذل َ‬ ‫الصلة ِ تعت ّ‬ ‫ن بالمل ِ‬ ‫حكِ للطعا ِم الروح ِيّ وليس لطعا ِم‬ ‫الضجرِ فهو مؤش ّر ٌ لحاجة ِ رو ِ‬ ‫‪8٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الجسدِ‪ .‬لذا لن تسعدي بالشكولا التي تحبين َها‪ ..‬أو رب ّما قد‬ ‫حظات قليلة ٍ‪.‬‬ ‫ن ول كن لل ٍ‬ ‫تسعدي َ‬ ‫ك دونَ قلب ِك‪.‬‬ ‫ت بجسدِ ِ‬ ‫أمّا صلات ُكِ فقد صل ّي ِ‬ ‫قلب ُكِ هو مستودع ُ السعادة ِ‪ ،‬وهو مكانُ نظرِ الل ّه ِ إليكِ ‪ .‬وهو‬ ‫يت وقلب ُكِ‬ ‫ن به ِ حلاوة َ الصلة ِ بالل ّه ِ؛ فإن صل ّ ِ‬ ‫الذي تستشعري َ‬

‫ن الل ّه ِ بأشياء َ أخرى لن تذوقي شيئا ً م ِن هذه ِ المعاني‪،‬‬ ‫مشغو ٌ‬ ‫لع ِ‬

‫ل المطعم َ فنظر َ إلى الأطعمة ِ الشهي ّة ِ ثم ّ غادر َ‬ ‫فتكونينَ كم َن دخ َ‬ ‫ل منها شيئاَ!‬ ‫دونَ أن يتناو َ‬ ‫‪-‬‬

‫ق هو‬ ‫ن سببَ ما أشعر ُ به م ِن الضي ِ‬ ‫ن يا أم ّي أ ّ‬ ‫تقصدي َ‬ ‫نقص في غذائي َ الروحيّ؟‬ ‫ٌ‬

‫هز ّت أم ّي رأس َها موافقة ً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ول كن ّي لا أشعر ُ بالرغبة ِ حت ّى في الصّ لاة ِ أو قراءة ِ‬ ‫‪87‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن‪.‬‬ ‫القرآ ِ‬ ‫سم َت أم ّي‪ ،‬وقال َت‪:‬‬ ‫تب ّ‬ ‫مرضت منذ ُ فترة ٍ‪ ،‬فلم تشتهي الطعام َ‬ ‫ِ‬ ‫ن عندما‬ ‫هل تذكري َ‬‫ل رفضت ِه ِ! هل تذكرين؟‬ ‫ضكِ ! حت ّى طعام ُكِ المفضّ ُ‬ ‫ل مر ِ‬ ‫خلا َ‬ ‫ك بما نتح ّدثُ‬ ‫ح يا أم ّي‪ ،‬ول كن ما علاقة ُ ذل َ‬ ‫نعم‪ ،‬هذا صحي ٌ‬‫به؟‬ ‫ح عندما‬ ‫ك الرو ُ‬ ‫يعاف الطعام َ‪ ،‬وكذل َ‬ ‫ُ‬ ‫يمرض‬ ‫ُ‬ ‫الجسد ُ عندما‬‫تمرض لا تستس ُغ الطعام َ الروحيّ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫باستغراب‪ ،‬فقد كانَ التشبيه ُ بليغا ً بالنسبة ِ لي‪ ،‬لم‬ ‫ٍ‬ ‫فتحتُ فمي‬ ‫يخطر في بالي مطلقاً!‬ ‫فتابع َت أم ّي ‪:‬‬

‫‪88‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك علينا أن نجاهد َ أنفسَنا ل كي نطعم َها ما‬ ‫ل ذل َ‬ ‫م ِن أج ِ‬‫ل‬ ‫تحتاج ُه ُ وإلا اعتل ّت‪ ،‬وعلى هذا نؤجر ُ أيضاً؛ ألم تسمعي قو َ‬ ‫ن الل ّه َ لم َع‬ ‫سب ُل َنا وإ ّ‬ ‫ن جاهد ُوا فينا لنهدينّهم ُ‬ ‫الل ّه ِ تعالى‪( :‬و الذي َ‬ ‫المحسنين)‪.1‬‬

‫ّف على نفسي‪ ،‬وما‬ ‫صني ال كثير ُ لأتعر َ‬ ‫ آه يا أم ّي كم ينق ُ‬‫حها‪ ،‬و يجعل ُها صحيحة ً سليمة ً‪.‬‬ ‫يصل ُ‬ ‫أحب‬ ‫ّ‬ ‫المغرب معاً‪ ،‬فأنا‬ ‫ِ‬ ‫أم ّي هلا ّ ساعدت ِني وصل ّينا صلاة َ‬ ‫ك يساعد ُني أكثر َ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫ن ال كري ِم‪ ،‬لع ّ‬ ‫صوت َكِ مترن ّمة ً بالقرآ ِ‬ ‫في قيادة نفسي؟‬ ‫ حسنا ً ‪ ...‬استع ّدي للصلاة ِ‪.‬‬‫‪ -‬شكرا ً يا أم ّي ‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ سورة العنكبوت‪. ٢9 : ،‬‬‫‪89‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن شيئا ً م ِن روحي قد ارت ّد‪ ،‬ثم ّ أسرعتُ‬ ‫قب ّلتُ يديها‪ ،‬وكأ ّ‬

‫للوضوء ِ‪.‬‬

‫جم ُ‬ ‫تح ِ‬ ‫ج م َن يعين ُه ُ على الطاعة ِ عندما ُ‬ ‫فعلا ً الإنسانُ أحيانا ً يحتا ُ‬ ‫ن صالح َينِ يعيناني‬ ‫النفس و تتمر ّد ُ‪ ..‬الحمد ُ لل ّه ِ أن أكرم َني بوالد َي ِ‬ ‫ُ‬ ‫على طاعت ِه‪.‬‬ ‫الهاتف‪ ،‬وسمعتُ صوتَ أم ّي تناديني‪ :‬علا ‪ ،‬ارفعي‬ ‫ِ‬ ‫جرس‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ثم ّ ر ُ ّ‬ ‫السمّاعة َ‪ ..‬إ ّنها رفيقت ُك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كيف حال ُك؟ أنا بخ يرٍ ولل ّه ِ الحمد ُ ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫أهلا ً سمر‬

‫ك‪.‬‬ ‫ل أم ّي و أخبر ُ ِ‬ ‫اممم ‪ .........‬سأسأ ُ‬ ‫ن‬ ‫رفيقات يحفظ َ‬ ‫ٌ‬ ‫أم ّي ما رأيكِ أن أذهبَ مع سمر‪ ،‬لديها‬‫القرآنَ و يتعل ّمن الدين؟‬ ‫ن‬ ‫ض التح ّ‬ ‫ن ببع ِ‬ ‫موافقة ٌ طبعا ً يا بنتي‪ .‬و أظن ّك ستشعري َ‬‫س ِ‬ ‫‪91‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن م ِن صحبة ٍ‬ ‫ن عافيت َكِ الروحي ّة َ؛ فلا ب ّد للإنسا ِ‬ ‫وتستردّي َ‬ ‫خري‪.‬‬ ‫صالحة ٍ‪ .‬وف ّقكِ الل ّه ُ يا بنتي ول كن لا تتأ ّ‬ ‫ن الل ّه ِ‪.‬‬ ‫خر بإذ ِ‬ ‫‪ -‬شكرا ً يا أم ّي‪ ،‬لن أتأ ّ‬

‫‪91‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-7-‬‬

‫(مُنُ ابتعدُ عنُ الفطرةُ ضل‪ ،‬ومُنُ حادُ عنُ الطريقُ شرد‪ ،‬ومُنُ حامُ حولُ‬ ‫الشبهاتُ والشهواتُ سقط) ُ‬

‫ت اليوم َ طالبة ٌ جديدة ٌ إلى ص ّف ِنا‪ ،‬كان َت غريبة َ الأطوارِ‬ ‫انضمّ ِ‬ ‫ل‬ ‫ن أسود َ كالعينِ وأشكا ٌ‬ ‫بعض الشيء ِ‪ ،‬على يدِها وشوم ٌ بلو ٍ‬ ‫َ‬ ‫هندسي ّة ٌ غريبة ٌ‪.‬‬ ‫لا أدري ‪ ...‬لم أجدها قريبة ً إلى قلبي‪ ،‬شيء ٌ غريبٌ يبعد ُني‬

‫عنها‪ ،‬رغم َ أن ّي لم أر َ منها شيئا ً سي ِّئاً!‬

‫‪92‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫سات اللواتي بدا على‬ ‫بعض المدرّ ِ‬ ‫ك ُ‬ ‫الجمي ُع كانَ حذِرا ً منها‪ ،‬وكذل َ‬

‫ِ‬ ‫ظماً‪،‬‬ ‫ن شعر َها لم يكن من ّ‬ ‫الارتياح لهيئ َتها‪ ،‬إذ إ ّ‬ ‫وجههنّ عدم ُ‬

‫ك الوشوم ُ الغريبة ُ زادت نظرة َ الريبة ِ إليها‪.‬‬ ‫وتل َ‬ ‫باستثناء مدرّستي التي أفضّ ل ُها عن غير ِها لما تمتاز ُ به ِ م ِن حكمة ٍ‬

‫ن‬ ‫تعرف ك ّ‬ ‫ُ‬ ‫وصبرٍ وبصيرة ٍ نافذة ٍ‪ ،‬أشعر ُ وك أ ّنها‬ ‫ل شيء ٍ ع ِ‬ ‫ل شيء‪....‬‬ ‫س‪ ،‬ك ّ‬ ‫ن والنا ِ‬ ‫ال كو ِ‬ ‫حها‪ ،‬ل كنّها‬ ‫ح ّقا ً إ ّنها رائعة ٌ‪ ..‬رب ّما لأن ّي أحبّها استفضتُ في مد ِ‬ ‫ل معنى الكلمة ِ‪ ،‬تح ترم ُ الجمي َع‪ .‬لم أتوق ّع أن‬ ‫ح ّقا ً مدرّسة ٌ قديرة ٌ بك ّ ِ‬ ‫تعامل َها باحترا ٍم‪ ،‬بل و تتودّد َ إليها بابتسامت ِها الهادئة ِ الرزينة ِ‪ ،‬رب ّما‬ ‫كثيرات من ّا‪ ،‬حت ّى أنا‬ ‫ِ‬ ‫ل أو الاستغرابَ عند َ ال‬ ‫ك التساؤ َ‬ ‫أثار َ ذل َ‬

‫ئ الأمر ِ‪ ،‬إلا أن ّي تذك ّرتُ مواقف َها الحكيمة َ‬ ‫استغربتُ في باد ِ‬ ‫وكيفي ّة َ استيعابِها لمشكلات ِنا وردودِ أفعال ِنا العنيفة ِ أحيانا ً أو‬ ‫ل المذنبَ من ّا يستشعر ُ‬ ‫ن‪ ،‬تجع ُ‬ ‫المألوف بحنكة ٍ و حنا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫الخارجة ِ ع ِ‬ ‫‪93‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫سه ِ‪ :‬ما أغباني‪ ،‬إذ أزعجتُ‬ ‫ل في نف ِ‬ ‫كم هو مخطئ ٌ في ح ّق ِها‪ ،‬و يقو ُ‬ ‫هذه الإنسانة َ الرائعة َ‪.‬‬

‫صوت زميلتي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫استفقتُ م ِن أفكاري على‬ ‫ما رأيكِ بــ ؟!!‪ ...‬وغمزتني في اتّ جاه ِ هذه ِ الطالبة ِ الجديدة ِ‪.‬‬‫بعض الشيء ِ‪ ،‬لأن ّي ح ّقا ً‬ ‫نظرات رب ّما بد َت غريبة ً َ‬ ‫ٍ‬ ‫نظرتُ إليها‬ ‫ل مدرّستي المفضّ لة ِ‬ ‫لم أملكِ الجوابَ ‪ ،‬كانَ يشغل ُني أسلوبُ تعام ِ‬ ‫ِ‬ ‫ارتياح؟‬ ‫معها‪ ،‬لم َ كان َت ودودة ً رغم َ شعورِنا جميعا ً بعد ِم ال‬

‫ل‬ ‫وأعرف السرّ‪ ..‬ل كن ّه ُ ظ ّ‬ ‫َ‬ ‫تمن ّيتُ لو أستطي ُع أن أسأل َها لأتعل ّم َ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫ل ذل َ‬ ‫حبيسا ً في أفكاري‪ ،‬فلم أ ُ‬ ‫كن أجرؤ ُ على فع ِ‬ ‫ل ذهني َ هذه ِ‬ ‫س تشغ ُ‬ ‫ع ُدتُ إلى منزلي وأنا صامتة ٌ مطرقة ُ الرأ ِ‬ ‫الأفكار‪.‬‬ ‫وصلتُ البيتَ ‪ ،‬وسل ّمتُ على أم ّي‪ ،‬وقبّلتُ يد َها‪ ،‬ثم ّ خطر َ لي أن‬ ‫‪94‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أسأل َها‪ ،‬عل ّي أجد ُ الجوابَ الشافي‪.‬‬ ‫الطالبات‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صصتُ عليها ما رأيتُ وخواطري وردود َ أفعا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ّسات‪ .‬وأم ّي تستمت ُع بانتباه ٍ شديدٍ؛ وعندما انتهيتُ سألت ُها‪:‬‬ ‫والمدر ِ‬ ‫ما رأي ُك؟!‬ ‫ل أن ت ُدلي َ‬ ‫تعرف رأيي قب َ‬ ‫َ‬ ‫ل ذات ِه ِ‪ .‬وأصرّت أن‬ ‫فبادر َتني بالسؤا ِ‬ ‫برأيِها‪ .‬فقلتُ لها‪:‬‬ ‫شارات والرموزِ التي تضع ُها‪ ،‬ل كن ّي‬ ‫ِ‬ ‫أعرف معنى هذه الإ‬ ‫ُ‬ ‫أنا لا‬ ‫ل الابتعاد َ عنها‪ ،‬وكنتُ أظنّ‬ ‫لم أشعر بالراحة ِ لها‪ ،‬وجميع ُنا فضّ َ‬ ‫ن احتواء َ مدرّستي لها وتودّدها‬ ‫ن ما فعلناه ُ هو الصائبُ ‪ ،‬غير َ أ ّ‬ ‫أ ّ‬ ‫لها جعل َني أستغربُ و أعيد ُ النظر َ في تصرّفاتي‪ .‬فهل أنا على‬

‫صواب ٍ يا أم ّي؟‬ ‫صواب في الحذرِ‪ ،‬ر يثما تعلمين‬ ‫ٍ‬ ‫أنت على‬ ‫نعم ‪ ..‬نعم يا بنتي ‪ِ ...‬‬‫صواب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫هو ي ّة َ معتقداتِها‪ ..‬و أيضا ً المدرّسة ُ على‬ ‫‪95‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن معا ً على صواب؟؟‬ ‫ن الاثنتا ِ‬ ‫باستغراب‪ :‬كيف!!!! نح ُ‬ ‫ٍ‬ ‫رددتُ‬‫ همهم َت و قالت ‪ :‬اممم ‪ ...‬نعم ‪...‬‬‫ض!!‬ ‫كيف؟ كلانا على طرف َي نقي ٍ‬ ‫َ‬ ‫ ول كن‬‫امات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ما رأي ُكِ أن نبحثَ معا ً على (النت) عن معنى ً لهذه ِ العل‬‫جماعات الشبابي ّة ِ التي بدأت‬ ‫ِ‬ ‫أذكر ُ أن ّي قرأتُ شيئا ً عن إحدى ال‬ ‫خرا ً ‪ ،‬ولها وشوم ٌ تشبه ُ ما ذكرت ِه ِ‪..‬‬ ‫تنتشر ُ مؤ ّ‬ ‫حسناً‪ .........‬و ركضتُ إلى غرفت ِي لأحضر َ حاسوبي‪.‬‬‫بعد َ ِ‬ ‫البحث وجدنا مقالا ً يشير ُ إلى جماعة ٍ ت ُدعى‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ربع ساعة ٍ م ِ َ‬ ‫" ‪ " Emo‬و هي مختصر ٌ للجملة ِ الآتية ِ‪:‬‬ ‫‪ Emotive Driven Hardcor Punk‬أي متمر ّدونَ ذوو نفسية ٍ‬ ‫ساسة‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫و هي جماعة ٌ سم ّوها بالبداية ِ على ٍ‬ ‫ن الموسيقا التي تبدأ هادئة ً‬ ‫نوع م ِ َ‬ ‫‪9٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫س وموسيقا معي ّنين‬ ‫ثم ّ تشت ّد‪ ،‬وس ُم ّي َت لجماعة ٍ تتب ُع نظام َ لب ٍ‬ ‫وتسر يحة ِ شعرٍ خاصّ ة ٍ بهم‪ ،‬هذه ِ الظاهرة ُ منتشرة ٌ في شر يحة ِ‬ ‫المراهقين بينَ ((عمر َي‪ ))17-12،‬وم َن يتع ّدى سنّ ال‬ ‫(‪ )17‬سيتخل ّى عن هذه ِ الجماعة ِ‪ !!..‬انتشر َت في أوربا وأمريكا‬ ‫في ‪ ،1984‬أفراد ُها يستمعونَ إلى موسيقا الهاردروك‬

‫الصاخبة‪.‬‬

‫ل‬ ‫وصار َت م ِن أكثر ِ الظواهرِ انتشارا ً بينَ المراهقينَ‪ ،‬في الدو ِ‬ ‫ل كبيرٍ‪.‬‬ ‫ل الشرقي ّة ِ وفي البلدا ِ‬ ‫ض الدو ِ‬ ‫الغربي ّة ِ وبع ِ‬ ‫ن العربي ّة ِ بشك ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أنواع الموسيقا ينتمي إلى الروك‬ ‫و موسيقى الإيمو نوعٌ م ِن‬ ‫ن‬ ‫ن الأل ِم والحز ِ‬ ‫ن‪ ،‬هذه ِ الموسيقا تفتقر ُ إلى اللح ِ‬ ‫والميتال‪ ..‬تحكي ع َ ِ‬ ‫الغنائ ِيّ‪ ،‬وتكونُ الموسيقا مزعجة ً ج ّدا ً‪.‬‬ ‫تع ّد الإيمو المرحلة َ الأولى في إفسادِ المراهقينَ الناشئين‪ ،‬وهي‬ ‫ن شعورٍ إلى المرحلة ِ الثانية ِ م ِن‬ ‫ل لجعل ِهم ينتقلونَ بدو ِ‬ ‫الأفض ُ‬ ‫ل عامّ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الشباب المسلمينَ خاصّ ة ً‬ ‫ِ‬ ‫طة ِ إفسادِ‬ ‫خ ّ‬ ‫والعرب بشك ٍ‬ ‫‪97‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫والمرحلة ُ الثانية ُ هي‪ :‬الميتال‪:‬‬ ‫الصاخب جزء ٌ م ِن‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫صوت الموسيقا الرن ّا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح يعب ّر ُ ع َن‬ ‫ مصطل ٌ‬‫موسيقا الروك الصاخبة ِ ل كن بإ ٍ‬ ‫يقاع أسرعَ وسوداو ي ّة ٍ أكثر َ‪.‬‬

‫حروب‬ ‫الموت والفنتاز يا وال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ مضمونُ هذه ِ الموسيقا يحكي ع ِ‬‫ن والشيطاني ّة ِ والوثني ّة ِ‬ ‫والحز ِ‬ ‫ يتمي ّز ُ معظم ُ مستمعي الميتال بتصر ّفاتِهم ُ الغريبة ِ‪ ،‬غير ِ المت ّزنة ِ‬‫عقلي ّا ً‪ ،‬شخصيّتُهم انعزالي ّة ٌ‪ ،‬وسوداو ي ّة ٌ‪ ،‬ومريضة ٌ‪ ،‬ومع ّقدة ٌ‪ ..‬طبعا ً‬ ‫إلا ما رحم َ رب ّي‪.‬‬ ‫ماعات مراهقينَ‬ ‫ِ‬ ‫جهم م ِن ج‬ ‫الشباب باستدرا ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبالتالي يتم ّ تدمير ُ‬ ‫جماعات (الميتال) التي ت ُعتبر ُ أقربَ‬ ‫ِ‬ ‫معجبينَ بموسيقا معي ّنة ٍ ل‬ ‫ناتج‬ ‫ن‪ ،‬و يؤدّي ذل َ‬ ‫جماعات لعبدة ِ الشيطا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ك إلى خل ٍ‬ ‫ل اجتماع ٍيّ ٍ‬ ‫حراف‪.‬‬ ‫قيم الرذيلة ِ والان ِ‬ ‫القيم والمباد ِ‬ ‫ك‬ ‫ع َن تر ِ‬ ‫ئ الفاضلة ِ واتباع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن القراءة ِ ‪ ...‬ولم أعد أرغبُ بأن أكمل َ‪.‬‬ ‫توق ّفتُ ع َ ِ‬ ‫‪98‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬‬

‫ن الفسادِ‬ ‫ل مِ َ‬ ‫أم ّي‪ ..‬ألهذا الح ّدِ هناك َ ٌ‬ ‫أناس بهذا الشك ِ‬ ‫والإفسادِ؟!!‬

‫سم َت أم ّي وقال َت‪:‬‬ ‫تب ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ل زمان ومكان‪.‬‬ ‫الخ ير ُ والشرّ يا بنتي موجودان‪ ،‬في ك ّ‬ ‫ق اختياراتِهم تكونُ عاقبت ُهم‬ ‫هذا هو امتحانُ البشر ِ‪ ،‬ووف َ‬ ‫التكليف في‬ ‫ُ‬ ‫إمّا الجن ّة ُ أو النار ُ والعياذ ُ بالل ّه‪ ،‬ولولا هذا‬ ‫بب في‬ ‫ن الشرّ لما كانَ هناك َ س ٌ‬ ‫تتب ّ ِع الخ ير ِ والابتعادِ ع َ ِ‬ ‫العقاب أو المثوبة ِ‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ن‬ ‫ل المزيد َ م ِ َ‬ ‫ن الدنيا تدور ُ بي‪ ،‬ولا أحتم ُ‬ ‫أحسستُ أ ّ‬ ‫الأفكارِ‪ ،‬شعرتُ بأن ّي أريد ُ أن أهربَ م ِن هذه ِ الأفكارِ‪،‬‬ ‫لا أريد ُ أن أواجه َ نفسي بحقيقة ِ الدنيا والم ِ‬ ‫جتمع‪ ...‬ففضّ لتُ‬

‫ن النو ِم‪.‬‬ ‫أن أستأذنَ أم ّي في أخذِ قسطٍ م ِ َ‬ ‫ن‬ ‫جاب على ما طلبتُ ‪ ،‬ل كنّها قال َت‪ :‬ألا تريدي َ‬ ‫أشار َت أم ّي بالإ ي ِ‬ ‫‪99‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ف مدرّست ِكِ ‪...‬‬ ‫رأيي في تصر ّف ِكِ وتصر ّ ِ‬ ‫أستيقظ إن شاء َ الل ّه ُ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫هززتُ برأسي وقلتُ لها‪ :‬عندما‬ ‫بأي شيء ٍ‪،‬‬ ‫ألقيتُ برأسي َ المثق ِ‬ ‫ل على وسادتي‪ ،‬لم أشأ أن أفك ّر َ ّ ِ‬ ‫ورغم َ عد ِم سهولة ِ استسلامي للنو ِم ل كثرة ِ الأفكارِ التي أخذ َت‬ ‫ل في ذهني‪ ،‬إلا أن ّي نمتُ بعدها قُرابة َ ساعة‪.‬‬ ‫تجو ُ‬ ‫ض النشاطِ العقليّ‬ ‫استيقظتُ ‪ -‬ولل ّه ِ الحمد ُ ‪ -‬وشعرتُ ببع ِ‬ ‫ِ‬ ‫شرب‬ ‫ِ‬ ‫المطبخ ل‬ ‫والجسديّ ‪ ..‬خرجتُ م ِن غرفت ِي‪ ،‬واتّ جهتُ إلى‬ ‫ن القهوة ِ‪.‬‬ ‫ن مِ َ‬ ‫عصيرٍ أو فنجا ٍ‬ ‫غمرتُ نفسي َ بالدراسة ِ حت ّى انتهيتُ ‪ ،‬وعندها أطلقتُ تنهيدة ً‬ ‫ل في (النت) و أرى صفحت ِي‬ ‫طو يلة ً‪ ،‬ثم ّ تناولتُ حاسوبي لأتجو ّ َ‬ ‫في "الفيس بوك"‪.‬‬ ‫ق و أنا أغالبُ نفسي في ألّا أفك ّر برفيقت ِنا غريبة ِ‬ ‫مرت دقائ ُ‬ ‫ّ‬ ‫‪111‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الأطوارِ التي انضمّت إلينا‪ ،‬ل كن عبثا ً حاولتُ ‪ .‬وجدتُ نفسي‬ ‫ن المدرسة ِ ووصولا ًلكلا ِم‬ ‫الأحداث بدءا ً م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫يط‬ ‫أفك ّر ُ‪ ،‬وأعيد ُ شر َ‬ ‫أم ّي‪ ،‬و ما قرأناه ُ‪.‬‬ ‫ف مدرّستي‬ ‫ن تصرّفي وتصرّ َ‬ ‫ل أم ّي" إ ّ‬ ‫لم أصل لنتيجة ٍ في تفسير ِ قو ِ‬ ‫صحيحان "‪.‬‬ ‫غادرتُ غرفتي باحثة ً ع َن أم ّي‪ ،‬وأنا أتمن ّى أن أجد َها غير َ‬ ‫منشغلة ٍ‪.‬‬ ‫ق ما تمنيتُ ‪ ..‬ألقيتُ عليها التحي ّة َ‪.‬‬ ‫الحمد ُ لل ّه ِ تح ّق َ‬ ‫فسألتني‪:‬‬ ‫ت دراست ِكِ ؟‬ ‫حت‪ ،‬و أنهي ِ‬ ‫ هل ارت ِ‬‫نعم يا أم ّي و لل ّه ِ الحمد‪.‬‬‫‪111‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل الموضوع ُ الذي تح ّدثنا عنه ُ يشغلُ‬ ‫سم َت وقال َت‪ :‬وهل مازا َ‬ ‫تب ّ‬ ‫بال َك؟‬ ‫‪-‬‬

‫ِ‬ ‫الواقع! كنتُ أظن ّه‬ ‫صدمتُ ب‬ ‫كثيراً‪ ..‬في الحقيقة ِ كأن ّي ُ‬ ‫ل م ِن ذلك!‬ ‫أجم َ‬

‫ل‪:‬‬ ‫تب ّ‬ ‫سم َت أم ّي بهدوئِها المعتادِ الجمي ِ‬ ‫‪-‬‬

‫عاف‬ ‫أناس ض ُ‬ ‫ك هذه ِ هي الحياة ُ‪ ،‬هناك َ ٌ‬ ‫يا علا‪ ،‬كما قلتُ ل ِ‬

‫ن ات ّ ِ‬ ‫باع‬ ‫النفو ِ‬ ‫س يغلب ُهم ُ الشيطانُ والشهواتُ والأهواء ُ ع ِ‬ ‫أناس يضحّ ونَ بحياتِهم‬ ‫ٌ‬ ‫والقيم الرفيعة ِ‪ ،‬وهناك َ‬ ‫الفضيلة ِ‬ ‫ِ‬

‫القيم الرفيعة ِ؛ هذه ِ هي الحياة ُ الواقعي ّة ُ‪،‬‬ ‫ل هذه ِ‬ ‫م ِن أج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ات ّ ِ‬ ‫باع الحقّ ِ والفضيلة ِ أو‬ ‫والإنسانُ مخ يّر ٌ فيما يختار ُه ُ م ِ َ‬

‫ات ّ ِ‬ ‫التكليف والاختبار ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن؛ وهذا هو‬ ‫باع الهوى والشيطا ِ‬ ‫ف الإيمانُ‬ ‫الذي سن ُثابُ عليه ِ أو ن ُعاق َبُ ؛ و أحيانا ً يضع ُ ُ‬ ‫ن الحقّ ِ ونرتكبُ الأخطاء َ‪ ،‬وأخرى نغلبُ‬ ‫فينا فنمي ُ‬ ‫لع ِ‬ ‫‪112‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حرب‬ ‫س وننتصر ُ للحقّ ِ والخ ير ِ؛ وال ِ‬ ‫الشيطانَ و هوى النف ِ‬ ‫ن‪ ،‬وكل ّما زاد َ‬ ‫س البشر ي ّة ِ سجالٌ‪ ،‬لا تهدأ ولا تسك ُ‬ ‫في النف ِ‬ ‫ن‪،‬‬ ‫س والشيطا ِ‬ ‫الإيمانُ سه َ‬ ‫ل الانتصار ُ على هوى النف ِ‬ ‫وبالعكس‪.‬‬ ‫ وما الذي يساعد ُني في تقو ية ِ إيماني يا أم ّي كي يحالف َني‬‫ح والانتصار ُ على نفسي وشيطاني؟‬ ‫النجا ُ‬ ‫وينقص‪ ،‬تزيد ُه ُ الطاعاتُ والعباداتُ‬ ‫ُ‬ ‫ الإيمانُ يزيد ُ‬‫بآيات الل ّه ِ ونعمه ِ وفضله ِ‪ ،‬مم ّا يزيد ُ‬ ‫ِ‬ ‫والمعرفة ُ بالل ّه ِ والتفك ّر ُ‬ ‫محب ّت َه ُ في قلب ِك‪ ،‬و يجعل ُكِ تخجلينَ أو تخشينَ القيام َ بما‬ ‫الأنس به ِ والتي يضفيها‬ ‫ِ‬ ‫حظات‬ ‫ِ‬ ‫ك عن ل‬ ‫لايرضيه‪ ،‬أو يبعد ُ ِ‬ ‫صكِ على رضاه‪.‬‬ ‫عليكِ نتيجة َ استقامت ِكِ على أمر ِه ِ‪ ،‬وحر ِ‬ ‫يس‬ ‫أخاف م ِن نفسي َ ح ّقا ً! الأمرُ ل َ‬ ‫ُ‬ ‫ أم ّي كلام ُك يجعل ُني‬‫سهلا ً على الإطلاق‪.‬‬

‫‪113‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل على الجن ّة ِ لا يتطل ّبُ منكِ‬ ‫ن الحصو َ‬ ‫كإ ّ‬ ‫ وم َن قا َ‬‫لل ِ‬ ‫ك لطاعت ِه؟‬ ‫ن على محب ّت ِكِ لل ّه ِ وإيثارِ ِ‬ ‫تقديم َ البرها ِ‬ ‫ح‪ ،‬ول كن ّي خائفة ٌ ح ّقاً‪.‬‬ ‫ كلام ُكِ صحي ٌ‬‫ق‬ ‫ل على صد ِ‬ ‫سكِ ‪ ،‬فهي الدلي ُ‬ ‫ يا بنتي‪ ،‬عليكِ بمجاهدة ِ نف ِ‬‫حب‬ ‫ن سيدّعي أن ّه ُ ي ّ‬ ‫طلب ِكِ لل ّه ِ ومحب ّت ِكِ له‪ ،‬وإلا فأيّ إنسا ٍ‬ ‫ل!‬ ‫ك دونَ برها ٍ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫س يفع ُ‬ ‫ن النا ِ‬ ‫الل ّه َ‪ ،‬وكثير ٌ م ِ َ‬ ‫ن ودلي ٍ‬

‫يرفض الأوامرَ الإلهي ّة َ فلا يريد ُ أن يصل ّي َ‪ ،‬ولا ت ُريد ُ‬ ‫ُ‬ ‫فتراه ُ‬

‫ل إ ّنها‬ ‫أن تتحجّ بَ ‪ ،‬أو تلتزم َ بالأوامر ِ الإلهي ّة ِ‪ ...‬ثم ّ تقو ُ‬ ‫حب الل ّه َ!‬ ‫ت ّ‬ ‫ك كثيراً‪.‬‬ ‫ح يا أم ّي‪ .‬إن ّي أسم ُع ذل َ‬ ‫‪ -‬صحي ٌ‬

‫ هل إذا طلبتُ منكِ عملا ً ما‪ ،‬أو نهيت ُك عن شيء ٍ‪ ،‬ثم ّ‬‫ك‪ ،‬وأتيت ِني تقسمينَ بالل ّه ِ إن ّكِ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫ت أنتِ ك ّ‬ ‫رفض ِ‬ ‫مت لي دليلا ً‬ ‫ن أن أص ّدق َكِ ؟ أو هل ق ّد ِ‬ ‫تحبينني! هل يمك ُ‬ ‫‪114‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫على محب ّت ِك تجعل ُني أص ّدِق ُكِ ؟‬ ‫ك ستجعلني أسرع ُ في تلبية ِ ما‬ ‫ لا طبعا ً يا أم ّي! محب ّتي ل ِ‬‫ن ما تطلبين َه من ّي‬ ‫تطلبين َه خصوصا ً أن ّي أعلم ُ تماما ً أ ّ‬ ‫لمصلحت ِي‪.‬‬ ‫ك م َع الل ّه ِ يجبُ‬ ‫ل الأعلى‪ ،‬فكذل َ‬ ‫ تماما ً يا بنتي‪ ..‬ولل ّه ِ المث ُ‬‫أن تق ّدمي برهانا ً لمحب ّت ِكِ م ِن صلاة ٍ وعبادة ٍ وطاعة ٍ في‬ ‫ِ‬ ‫جميع ما أمرَه ُ‪.‬‬

‫ امم ‪ ..‬كثيرا ً يا أم ّي ما وقفتُ عاجزة ً عن إعطاء ِ هذه ِ‬‫حب الل ّه َ ثم ّ يصرّ ألا يصل ّي َ أو يقوم َ‬ ‫الحجُ ّة ِ لم َن ي ّدعي أن ّه ُ ي ّ‬ ‫ن المحب ّة َ في قلب ِه ِ والل ّه ُ أعلم ُ بها‪.‬‬ ‫بما أمرَه ُ الل ّه ُ‪ ..‬بحج ّة ِ أ ّ‬

‫التكليف‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫للهروب م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫س البشر ي ّة ِ‬ ‫ إ ّنها مراوغة ُ النف ِ‬‫تعترف بخطئ ِها أو ضعف ِها في تنفيذِ‬ ‫َ‬ ‫الوقت ذات ِه ِ لا تريد ُ أن‬ ‫ِ‬ ‫ن البشر َ لا يقبلونَ في‬ ‫ل المحب ّة ِ‪ ،‬م َع أ ّ‬ ‫أمر ِ الل ّه ِ‪ ،‬وتقدي ِم دلي ِ‬

‫‪115‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الأبناء ِ‪،‬‬ ‫ل‪ ..‬الأمّ تطلب ُه ُ م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫إثبات محب ّت ِهم لبعض ِهم إلا بدلي ٍ‬ ‫ن وتحايل ُه ِ!‬ ‫جيب أمرُ الإنسا ِ‬ ‫ج والزوجة ُ‪ ...‬ع ٌ‬ ‫الزو ُ‬ ‫سنا‪ .‬ول كن ّكِ‬ ‫ت‪ .‬أعان َنا الل ّه ُ على أنف ِ‬ ‫ح يا أم ّي‪ ..‬صدق ِ‬ ‫‪ -‬صحي ٌ‬

‫ن كلينا أصابَ في تصرّف ِه ِ وشعورِه ِ‬ ‫كيف أ ّ‬ ‫َ‬ ‫لم تخ بريني‬ ‫ك الفتاة ِ ؟!‬ ‫م َع تل َ‬

‫لمعلومات التي‬ ‫ِ‬ ‫تعرف هذه ِ ا‬ ‫ُ‬ ‫ لا تستغربي يا بنتي‪ .‬مدرّست ُكِ‬‫جهة ٌ‪،‬‬ ‫ن (النت) على ما يبدو‪ ،‬وهي مربّية ٌ ومو ّ‬ ‫عرفناها م َ‬ ‫هذه ِ هي رسالت ُها في الحياة ِ‪ ،‬إن تصرّف َت بغير ِ ودٍّ تِ جاه َها‬ ‫ل هذه ِ‬ ‫حها فيما بعد ُ‪ ،‬فلع ّ‬ ‫فلن تستطي َع الاقترابَ منها لنص ِ‬ ‫ل الأفكار َ الخاطئة َ‬ ‫الطالبة َ تقلّد ُ أحدا ً فقط‪ ،‬أي رب ّما لاتحم ُ‬ ‫س‪ ،‬وقلّد َت تقليدا ً أعمى‪ ،‬مجر ّد َ‬ ‫ن النا ِ‬ ‫لهذه ِ المجموعة ِ م ِ َ‬ ‫ت‪.‬‬ ‫"موضة" أو سم ّيها "صرعة" أو "تقليعة"‪ ..‬سم ّيها ما شئ ِ‬

‫ِ‬ ‫ن التنك ّر ِ والابتعادِ عنها أو‬ ‫الإصلاح لا يأتي م ِ َ‬ ‫ل‬ ‫فسبي ُ‬ ‫‪11٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫استغراب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بنظرات احتقارٍ أو‬ ‫ِ‬ ‫رمي ِها‬ ‫ت‬ ‫المعلومات‪ ،‬واستشعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫أمّا أنتِ ‪ ،‬فلا تعلمينَ هذه ِ‬ ‫دت ريثما‬ ‫ن الأمرَ فيه ِ رِ يبة ٌ‪ ،‬فابتع ِ‬ ‫بفطرت ِكِ السليمة ِ أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫الموقف المناسبَ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الموضوع لتت ّخذي‬ ‫ن‬ ‫تعلمينَ أكثر َ ع َ ِ‬ ‫صواب في موقف ِكِ هذا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فأنتِ على‬ ‫ت ابتسامة ُ ٍ‬ ‫فرح كبيرة ٍ على وجهي‪ ،‬وألقيتُ بنفسي‬ ‫ارتسم َ ِ‬ ‫على يدِ أم ّي أقب ّل ُها‪:‬‬ ‫ت الصورة ُ واضحة ً ج ّداً‪ .‬ول كن‪..‬‬ ‫ك يا أم ّي‪ ..‬لقد بد َ ِ‬ ‫أشكر ُ ِ‬‫ف الآنَ معها بعد َما علمتُ خطأ‬ ‫كيف أتصرّ ُ‬ ‫لو َ‬ ‫ماذا أفع ُ‬ ‫فات والأفكارِ التي رب ّما تنتمي إليها هذه ِ الطالبة ُ؟‬ ‫هذه ِ التصر ّ ِ‬ ‫هل لديكِ القدرة ُ على مساعدتِها في إظهارِ خطأ ِ هذه ِ‬‫المعتقدات وتوضيحِها لها؟‬ ‫ِ‬ ‫ستشف من ّي‬ ‫ّ‬ ‫ك وهي َ تنظر ُ إلى عينيّ بدق ّة ٍ لت‬ ‫سألتني أم ّي ذل َ‬ ‫‪117‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ما يدور ُ في ذهن ِي‪.‬‬ ‫وبالقيم‬ ‫ن قويّ بالل ّه ِ سبحان َه ُ‬ ‫أظنّ أن ّي أستطي ُع‪ ..‬فلديّ إيما ٌ‬‫ِ‬ ‫الفاضلة ِ‪.‬‬ ‫ل إ يجاب ٍيّ فيجبُ ألّا‬ ‫ِ‬ ‫ إذا‬‫كنت تستطيعينَ التأثير َ بها بشك ٍ‬ ‫ق بكِ ‪ ،‬دونَ‬ ‫تبادرِ يها الجفاء َ‪ ،‬بل عليكِ التوددّ إليها حت ّى تث َ‬

‫ِ‬ ‫ت‬ ‫مستنقع الأفكارِ الخاطئة ِ‪ ،‬وإن شعر ِ‬ ‫ك هي إلى‬ ‫أن تجر ّ ِ‬ ‫ت‬ ‫لطف‪ ،‬أمّا إذا قد َر ِ‬ ‫بدأت تتأث ّرين ابتعدِي بسرعة ٍ و ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أن ّكِ‬

‫ج رأيِها بهذه ِ الأفكارِ‬ ‫على نقل ِها إلى أجواء ٍ نقي ّة ٍ فحاولي استنتا َ‬

‫عف‬ ‫ن حج ّت َكِ أض ُ‬ ‫والوشو ِم‪ ،‬ثم ّ حاولي إقناع َها‪ ،‬وإذا رأيتِ أ ّ‬ ‫م ِن حُ ج ّتها وستؤث ّر ُ عليكِ سلبا ً ابتعدي بهدوء ٍ ولا تخوضي‬

‫ظة ً‪ ،‬ولا تجعليها‬ ‫معها‪ ،‬والزمي الحياد َ‪ ،‬فلا تكوني ف ّ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫ش لأساعد َ ِ‬ ‫ل معكِ م ِن نقا ٍ‬ ‫صديقت َكِ ‪ ،‬وأخبريني ما يحص ُ‬ ‫ك‬ ‫ح يا أم ّي‪ .‬هذا هو التصرّ ُ‬ ‫ صحي ٌ‬‫ف السليم ُ‪ .‬شكرا ً ل ِ‬ ‫‪118‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ياحبيبتي‪ ،‬لا حرمني الل ّه ُ منكِ وم ِن توجهيات ِكِ ‪ ،‬وسأطلع ُكِ‬ ‫على ما يحدثُ معي أ ّولا ً بأ ّول‪.‬‬

‫رأس أم ّي وسارعتُ للوضوء ِ والصلاة ِ ثم ّ إلى النو ِم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قبّلتُ‬

‫‪119‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 8 -‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫مشاعر خُبتذل‪ ،‬هو خضحيةُ وعطاء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كلمة خقال‪ ،‬أو‬ ‫(الحبُ ليسُ ُ‬ ‫وبذلُ وعمل) ُ‬

‫ل‬ ‫أم ّي ‪ ....‬أم ّي ‪ ...‬أحب ّكِ يا أم ّي‪ .‬دخلتُ مسرعة ً إلى المنز ِ‬‫وبهذه ِ العاطفة ِ الجي ّاشة ِ قبّلتُ يديها‪...‬‬ ‫أحب‪ ،‬وأنا يا بنتي!! خيرا ً !!ما بك؟‬ ‫ّ‬ ‫َت ابتسامت َها التي‬ ‫سم ِ‬ ‫ تب ّ‬‫لا شيء َ يا حبيبتي‪ .‬ل كنّ الإنسانَ أحيانا ً م ِن كثرة ِ تعوّدِه ِ‬‫‪111‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫على النعمة ِ لا يراها‪ .‬لا تستغربي يا أم ّي ‪ ...‬اليوم َ قصّ ت عليّ‬ ‫ن أمّها مشغولة ٌ عنها‪ ،‬ولا تجد ُ أحدا ً عندما‬ ‫كيف أ ّ‬ ‫َ‬ ‫صديقتي‬ ‫ل‪ ،‬وحت ّى بعد َ عودة ِ أمّ ِها فهي مشغولة ٌ عنها ولا‬ ‫تعود ُ إلى المنز ِ‬

‫ٍ‬ ‫موضوع مهما كانَ‬ ‫بأي‬ ‫تكاد ُ تستطي ُع أن تتح ّدثَ معها‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫يشغل ُها‪ ،‬فأحسستُ بالنعمة ِ ال كبرى التي لم أحمده ُ عليها ج ّ‬ ‫ك عليها‪ ،‬فخشيتُ أن يسلب َها من ّي‪ .‬لهذا‬ ‫جلال ُه ُ‪ ،‬ورب ّما لم أشكر ِ‬

‫ل‬ ‫ك يا غاليتي؛ هذه ِ هي ك ّ‬ ‫أسرعتُ إليكِ أشكر ُ رب ّي‪ ،‬وأشكر ُ ِ‬ ‫القصّ ة ِ‪.‬‬ ‫سم َت أم ّي بحنانِها المعتادِ الساحر ِ‪ ،‬فارتميتُ في أحضانِها‬ ‫تب ّ‬ ‫ل بهذه ِ النعمة ِ التي أتمن ّى ألا يحرم َني الل ّه ُ منها أبداً‪.‬‬ ‫الدافئة ِ أستظ ّ‬ ‫‪ -‬مسكينة ٌ وفاء ُ يا أم ّي‪ ..‬تشعر ُ بالوحدة ِ ولا تجد ُ م َن يجيب ُها‬

‫حس‬ ‫العطف والحنانَ‪ ،‬وت ّ‬ ‫َ‬ ‫عن تساؤلاتِها‪ ،‬وتفتقد ُ‬ ‫ض لدرجة ِ أ ّنها تشعر ُ بعد ِم محب ّت ِها لأمّ ِها!‬ ‫بالامتعا ِ‬ ‫‪111‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك مشاعرَها عند َما تتح ّدثُ‬ ‫ُ‬ ‫كيف‬ ‫َ‬ ‫لا أدري يا أ ِم ّي‬ ‫أصف ل ِ‬

‫ن‬ ‫كيف يمك ُ‬ ‫َ‬ ‫عنها‪ ..‬ح ّقا ً أشعر ُ بالأسى لحال ِها‪ ،‬ولا أدري‬

‫أن أساعد َها‪.‬‬ ‫ض رحمت ِه ِ‪ ،‬ويهديَها‬ ‫ل الل ّه َ أن ي ُسب َغ عليها م ِن في ِ‬ ‫ نعم نسأ ُ‬‫ل الل ّه ِ ‪ ‬وهو يتيم ٌ‬ ‫ل بمحب ّت ِه ِ‪ .‬لقد ترب ّى رسو ُ‬ ‫لدرب ِه ِكي تستظ ّ‬ ‫يا علا‪ ،‬هل هذا صحيح؟‬ ‫ نعم‪...‬صحيح‪.‬‬‫ل العناية ِ الإلهي ّة ِ وإقبال ِه ِ على محامدِ الأمورِ لا‬ ‫ وبفض ِ‬‫ن والرحمة ِ‪ ،‬ولم يجعله ُ‬ ‫ن الحنا ِ‬ ‫سفاسف ِها أسب َغ الل ّه ُ عليه ِ م ِ َ‬ ‫يتيما ً ساخطا ً على القدرِ أو الم ِ‬ ‫جتمع‪ .‬فالإيمانُ بالل ّه ِ ومحب ّت ِه ِ‬

‫ل على الل ّه ِ‪ ،‬فهو‬ ‫ن المحنة ِ التي يعيش ُها فرصة ً للإقبا ِ‬ ‫ل مِ َ‬ ‫يجع ُ‬

‫ل‬ ‫الرحيم ُ القريبُ الودود ُ الذي هو أقربُ إلينا م ِن حب ِ‬ ‫ح هذه الحالة ُ التي تشفقين عليها‬ ‫الوريدِ؛ فعندئذٍ يا بنتي تصب ُ‬ ‫‪112‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫فيها هي التي تقود ُها إلى سعادة ِ الدنيا والآخرة ِ‪.‬‬ ‫ن الل ّهِ‪ .‬ول كنّها ليست‬ ‫ صحي ٌ‬‫ح يا أم ّي‪ .‬ما أعذبَ كلام َكِ ع ِ‬ ‫ج إلى م َن يأخذ ُ بيدِها ويدل ّها‬ ‫ناضجة ً لهذه ِ الدرجة ِ‪ ،‬إ ّنها تحتا ُ‬

‫ِ‬ ‫يس‬ ‫الصحيح‪ ،‬لتتذوّقَ هذه المعاني‪ ،‬والأمرُ ل َ‬ ‫ق‬ ‫على الطر ي ِ‬

‫سهلاً‪.‬‬

‫مرب يعين ُه ُ وصحبة ٍ صالحة ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ج الإنسانُ إلى‬ ‫ل يا بنتي يحتا ُ‬ ‫ بالفع ِ‬‫ن فهناك َ ستجد ُ‬ ‫س القرآ ِ‬ ‫تأخذ ُ بيدِه ِ؛ خذيها معكِ إلى در ِ‬ ‫م َن يجيب ُها ع َن أسئلت ِها؛ وستكونينَ أنتِ ورفيقاتكِ ن ِعم َ‬ ‫الصحبة ُ الصالحة ُ لها‪ ،‬ويمكن ُكِ أن تستضيفيها عندنا في أحدِ‬ ‫الأيا ِم على أن تخ بريني كي أع ّد ل كما طعاما ً ممي ّزا ً؛ ما رأيك؟‬ ‫ك‬ ‫أنت يا أم ّي ‪ ....‬ما أجمل َكِ وما أرق ّكِ ‪ .‬الله ّم ل َ‬ ‫ رائعة ٌ ِ‬‫الحمد ُ حمدا ً كثيرا ً على أن وهبتني أمّا ً رائعة ً مثل َك‪.‬‬ ‫ حسنا ً يا بطلة‪ ...‬قومي وساعديني في إعدادِ الطعام‪...‬‬‫‪113‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ لا ‪........‬‬‫نظرت إليّ أمي مبتسمة ً‪.‬‬ ‫س‬ ‫ح فقط ‪ ...‬طبعا ً على العينِ والرأ ِ‬ ‫ هههه‪ ..‬كنتُ أمز ُ‬‫ك أقبّلها‪.‬‬ ‫ك‪ .‬هاتي يد ِ‬ ‫ل ثيابي وأساعد ُ ِ‬ ‫يا أحلى أمّ‪ ،‬سأب ّد ُ‬ ‫الهاتف فإذا هي صديقتي حنانُ‪ ،‬تح ّدثتُ معها‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ِ‬ ‫جرس‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ر ّ‬ ‫الوقت مضى‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫الهاتف جانباً‪ ،‬لا أدري كم م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫وضعتُ سم ّاعة َ‬ ‫صوت أم ّي تناديني كي‬ ‫ِ‬ ‫ن‪ ،‬لم أستفق إلا على‬ ‫وأنا شاردة ُ الذه ِ‬ ‫أساعد َها‪ ،‬حاولتُ المماطلة َ إلا أن ّي شعرتُ بصوتِها في المر ّة ِ‬

‫الرابعة ِ انزعاجا ً لعد ِم تلبية ِ النداء ِ‪ ،‬فذهبتُ مسرعة ً‪.‬‬ ‫كنت؟ ولماذا لم تلبيني فوراً؟‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫أي َ‬‫ن‪.‬‬ ‫عذرا ً يا أم ّي ‪ ..‬كنتُ شاردة َ الذه ِ‬‫‪ -‬تعال َي وأكملي عن ّي فإن ّي أشعر ُ بدوار‪.‬‬

‫‪114‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫خري عنها‪ .‬ما أغباني‪.‬‬ ‫أحسستُ كم أنا مذنبة ٌ لتأ ّ‬ ‫أم ّي ما بك؟ أم ّي ‪ ....‬أم ّي ‪ ......‬صرختُ أنادي أبي‪...‬‬‫أبي ‪ ...‬أبي‪.‬‬ ‫ل أم ّي إلى سرير ِها؛ كان َت حرارتُها‬ ‫جاء َ أبي وتساعدنا في حم ِ‬

‫ادات‬ ‫بعض ال كم ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫بالطبيب‪ ،‬ووضعنا‬ ‫ِ‬ ‫ل أبي‬ ‫مرتفعة ً جدّاً‪ .‬ات ّص َ‬

‫ق واضحا ً على وجه ِ أبي‪.‬‬ ‫الباردة ِ؛ بدا القل ُ‬ ‫الفحوصات اللازمة َ‪ ،‬وأنا أتابع ُه ُ بنظري‬ ‫ِ‬ ‫جاء َ الطبيبُ وأجرى‬ ‫كيف لم أستجب لأم ّي‬ ‫َ‬ ‫مدهوش‪ ،‬وضميري يؤن ّب ُني‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫وعقلي‬

‫ل‪ ،‬ول كنّها‬ ‫مرات عديدة ً م ِن قب ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بسرعة ٍ؟! لقد قمتُ بالخطأ ِ ذات ِه ِ‬ ‫الآنَ كان َت بحاجة ٍ إليّ‪.‬‬ ‫حب ثم ّ أتكاسل!‬ ‫ل هذا ال ِّ‬ ‫كيف أحبّها ك ّ‬ ‫أحب أم ّي فقط لأ ّنها تعطيني الحنان؟ كم أنا أناني ّة ٌ! عندما‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫‪115‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ت الصور ُ القديمة ُ‬ ‫ن إشارتِها‪ ...‬ثم ّ أخذ َ ِ‬ ‫احتاجتني لم تجدني ره َ‬ ‫ل أمام َ سريري‬ ‫كيف سهر َت ليا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ل في خاطري‪ ،‬صورتُها‬ ‫تجو ُ‬ ‫حت ّى تعافيتُ ‪ ،‬يد ُها الحنونُ ته ّدئ ُ من روعي وأنا محمومة ٌ‪ ،‬وهنا‬ ‫أجد ُها أمام َ ناظريّ فورا ً بعد َ أن فتحتُ عينيّ‪ ،‬ولم أحتج إلى‬ ‫أن أناديَها‪.‬‬ ‫الطبيب يتح ّدثُ مع والدي‬ ‫ِ‬ ‫ل هذه ِ الخواطرِ وأنا أسم ُع صوتَ‬ ‫ك ّ‬ ‫ج‪ .‬أسرعتُ إلى أم ّي أتأمّل ُها‬ ‫ض‪ ،‬وها هو يخر ُ‬ ‫بصوت منخف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ن‪.‬‬ ‫بحنا ٍ‬ ‫كيف أم ّي يا أبي؟‬ ‫َ‬ ‫ثم ّ أسرعتُ إلى أبي‪:‬‬ ‫ن الل ّه ِ‪ ،‬يتوق ّ ُع الطبيبُ أن ّه ُ فيروس‪ ،‬ول كن ّه ُ شديدٌ‬ ‫بأس بإذ ِ‬ ‫لا َ‬‫بعض الشيء ِ‪ .‬سأذهبُ لأحضر َ الدواء َ‪ ،‬كوني عند َ أمّكِ ولا‬ ‫َ‬ ‫تغادريها‪.‬‬

‫ طبعا ً يا أبي‪.‬‬‫‪11٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ب‪ ،‬وأضعُ‬ ‫ق المتصب ّ ِ‬ ‫قطرات العر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫عدتُ إلى أم ّي الحبيبة ِ أمس ُ‬ ‫ل وجه َها الجميل‪ .‬لاحرم َني َ الل ّه ُ منكِ‬ ‫مادات الباردة َ‪ ،‬وأتأمّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫لها ال ك‬

‫يا أم ّي‪ .‬سامحيني‪ ..‬لقد أخطأتُ في ح ّقكِ ‪ .‬أخطأتُ في حقّ ِ‬

‫حب الذي بيننا‪ ..‬يا أغلى ما عندي‪ .‬سامحيني يا حبيبتي‪ .‬كنتُ‬ ‫ال ِّ‬ ‫أحدّثُ نفسي ودموعي تنهمر ُ‪.‬‬ ‫حت أم ّي عين َيها بابتسامة ٍ خفيفة ٍ‪ ...‬طار َ عقلي‪..‬‬ ‫فت َ‬ ‫أم ّي ‪ ...‬حبيبتي ‪ ...‬قب ّلت ُها و قب ّلتُ يديها‪.‬‬ ‫حمدا ً لل ّه ِ على سلامت ِكِ يا حبيبتي‪.‬‬‫سم َت ولسانُها يرسم ُ كلمة َ الحمدِ دونَ أن أسمع َها‪ ،‬ثم ّ عاد َت‬ ‫تب ّ‬ ‫إلى غفوتِها الرقيقة ِ والابتسامة ُ ملء ُ محي ّاها‪.‬‬ ‫ثم ّ عاد َت لي خواطري السابقة َ وتذك ّرتُ خطئ ِي‪ ،‬وكنتُ‬ ‫حب ثم ّ أتراخى في‬ ‫كيف أحبّها هذا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫مستغربة ً م ِن نفسي‬ ‫‪117‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الاستجابة ِ لها!!!‬ ‫ل وسلوك ٌ هذا ما عل ّم َتني إ ي ّاه ُ أمّي واقعا ً‬ ‫حب تضحية ٌ وعم ٌ‬ ‫ال ّ‬ ‫كلمات رقيقة ً!‬ ‫ٍ‬ ‫ل أن ت ُسمع َني إ ي ّاه‬ ‫ملموسا ً قب َ‬ ‫النفس الأمّارة ُ بالسوء ِ‪ ،‬نعم أظنّ هذا ما كانت ستقول ُه ُ لي‬ ‫ُ‬ ‫إ ّنها‬ ‫أم ّي‪ .‬وهذا حقّ ‪.‬‬ ‫ق وغلب َت حب ّي‪ ،‬يجبُ أن أجاهد َها‬ ‫لقد انتصر َت نفسي لدقائ َ‬

‫ِ‬ ‫الواقع‪،‬‬ ‫سد ُ ف ي‬ ‫ل تتج ّ‬ ‫كلمات تُقالُ‪ ،‬بل هو أفعا ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ليس‬ ‫حب َ‬ ‫فال ّ‬ ‫وسلوك ٌ يظهر ُ في الحياة ِ‪.‬‬ ‫ل أمام َ أم ّي‪ ،‬فنمتُ على أر يكة ٍ بقر بِها‪ ،‬كما‬ ‫ظل َلتُ طوا َ‬ ‫ل اللي ِ‬ ‫ك معي‪.‬‬ ‫ل ذل َ‬ ‫كان َت تفع ُ‬ ‫حبيب‪ ،‬وتنس ّ ِم رائحت ِها العطرة ِ‪.‬‬ ‫استمتعتُ بالنظرِ لوجه ِها ال ِ‬ ‫ك يا حبيبة ُ‪.‬‬ ‫‪-‬ما أبها ِ‬

‫‪118‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ضت‬ ‫حت عينيها‪ ،‬وكانتِ الحرارة ُ قد انخف َ‬ ‫وبعد َ صلاة ِ الفجرِ فت َ‬

‫وعاد َ لوجه ِها لون ُه ُ الطبيعيّ‪ .‬أشار َت إليّ كي أساعد َها في الوضوء ِ‬ ‫لتصلي َ الفجر َ‪.‬‬ ‫ما أروع َكِ يا أم ّي‪.‬‬

‫استيقظ على غير ِ‬ ‫َ‬ ‫صل ّيتُ أنا وأم ّي ووالدي وأخي الصغير ُ الذي‬ ‫عادت ِه ِ‪ ،‬كي يطمئ ّن على أم ّي‪.‬‬ ‫س‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ثم ّ عاد َت إلى السرير ِ‪ ،‬وظللتُ بقر بِها حت ّى شرو ِ‬ ‫ق الشم ِ‬ ‫ساعات؛ ولم أذهب يوم َها إلى المدرسة ِ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫غفوتُ بض َع‬ ‫ل النهارِ كان َت أم ّي تستردّ عافيت َها ‪ -‬ولل ّه ِ الحمد ُ‪ -‬بسرعة ٍ‪.‬‬ ‫وخلا َ‬ ‫مرة ٍ كانت تبتسم ُ دونَ أن تردّ‬ ‫اعتذرتُ منها مراراً‪ ،‬وفي ك ّ ِ‬ ‫ل ّ‬ ‫جاب‪.‬‬ ‫عليّ‪ ،‬كانت تكتفي بأن تهز ّ رأس َها بالإ ي ِ‬

‫ِ‬ ‫سماع ضحكات ِنا جميعا ً‬ ‫البيت إلى عهدِه ِ بعد َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وفي المساء ِ عاد َ جما ُ‬ ‫‪119‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫مع أم ّي الحبيبة ِ‪ ،‬وقد تعل ّمتُ البارحة َ درسا ً لن أنساه‪ .‬وهو أن‬ ‫ل‪.‬‬ ‫حب الأصي ُ‬ ‫ل‪ ،‬فهذا هو ال ّ‬ ‫أترجم َ حب ّي إلى عم ٍ‬

‫‪121‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-9-‬‬

‫(التقنيّةّ ٌ‬ ‫سالح ذو حدين‪ ،‬واإلنسانّ هو املقودّ الّذي يوجّهّهّ إما‬ ‫لسعادتّهّ أو شقائّهّ) ّ‬

‫ل بادية ٌ على وجه ِها‪ .‬لم‬ ‫اقترب َت من ّي ببطء ٍ شديدٍ وأماراتُ الخج ِ‬ ‫ل تلقي عليّ السلام َ إلا نادراً‪ ،‬ل كن ّي كنتُ أرى‬ ‫تكن م ِن قب ُ‬ ‫الصف أو‬ ‫ِّ‬ ‫نظرات الاحترا ِم ترمق ُني بها كل ّما مررتُ بقر بِها في‬ ‫ِ‬ ‫الفسحة ِ‪.‬‬ ‫اقترب َت كثيرا ً ووجهّت نظر َها إليّ وكأ ّنها تداف ُع الدم َع م ِن‬ ‫‪121‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫عينيها‪ ...‬استغربتُ كثيراً‪ ،‬فبادرتُها السلام َ م َع ابتسامة ٍ خفيفة ٍ‬ ‫والاضطراب الل ّذ َين كانا بادي َين على‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ل مظاهر َ القل ِ‬ ‫لأز ي َ‬ ‫ن السكينة ِ‬ ‫ل م َ‬ ‫وجه ِها‪ ،‬فارتسم َ ِ‬ ‫ت ابتسامة ٌ رقيقة ٌ مع قلي ٍ‬ ‫والطمأنينة ِ‪.‬‬ ‫مرحبا ً ‪ ...‬هل أستطي ُع التحدّثَ إليكِ ؟‬‫ك يا مها؟‬ ‫َ‬ ‫سعة ِ‪،‬‬ ‫الرحب وال ّ‬ ‫ِ‬ ‫طبعا ً على‬‫كيف حال ُ ِ‬ ‫الحمد ُ لل ّه ِ ‪ ......‬في الحقيقة ِ قد تستغربينَ اقتحامي وطلبي‬‫التح ّدثَ معكِ ‪ ،‬رغم َ عد ِم وجودِ علاقة ٍ وطيدة ٍ بيننا‪.‬‬ ‫س‪ ،‬لقد أسعدت ِني ‪..‬تفضّ لي و تح ّدثي بما تشائين‪.‬‬ ‫ لا على العك ِ‬‫ك كثيراً‪ ،‬لطالما كنتُ أنظر ُ إليكِ باحترا ٍم وتقدير ٍ‪ ،‬فما‬ ‫ أشكر ُ ِ‬‫ن من أحدٍ‪ ..‬ص ّدقيني ‪..‬‬ ‫مرة ُ تغتابين أحداً‪ ،‬ولا تسخري َ‬ ‫سمعت ُكِ ّ‬

‫رب ّما لم أتح ّدث إليكِ أو حت ّى ألق َي السلام َ عليكِ كثيراً‪ ،‬ل كن ّكِ‬

‫‪122‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل الطالبة ِ المه ّذبة ِ الخلوقة ِ‬ ‫كنت قدوة ً لي‪ ..‬مثا َ‬ ‫ِ‬ ‫في قرارة ِ نفسي‬ ‫المجتهدة ِ‪.‬‬ ‫ل أن أكونَ‬ ‫ك كثيراً‪ ،‬لستُ أهلا ًلما تقولين َه‪ ،‬ل كن ّي أحاو ُ‬ ‫ أشكر ُ ِ‬‫ل لذل َ‬ ‫ل‪ ،‬وأتمن ّى أن أص َ‬ ‫عز وج ّ‬ ‫خلوقة ًكما ي ّ‬ ‫ك‪ ..‬شكرا ً‬ ‫حب ر ب ّنا ّ‬ ‫ِ‬ ‫المديح الذي لا أستح ّقه ُ‪..‬‬ ‫ل هذا‬ ‫هات ماعند َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‪..‬‬ ‫ل ِ‬ ‫ك‪ ،‬بعد َ ك ّ ِ‬ ‫ابتسم َت قائلة ً ‪:‬‬ ‫لا أنتِ تستح ّقين َه‪...‬‬‫حت هذه ِ الابتساماتُ ال كثير َ من‬ ‫الابتسامات وقد أزا َ‬ ‫ِ‬ ‫تبادلنا‬ ‫والاضطراب عن وجه ِها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫القل ِ‬ ‫حاسوب‬ ‫ِ‬ ‫ن مدرّسة َ مادّة ِ ال‬ ‫كيف أبدأ‪ ...‬تذكري َ‬ ‫َ‬ ‫أعرف‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬لا‬

‫ِ‬ ‫ل الفيس بوك‬ ‫ل الاجتماع ِيّ مث َ‬ ‫عندما نبّهتنا على‬ ‫مواقع التواص ِ‬ ‫ث مع‬ ‫ل التحاد ِ‬ ‫والتو يتر‪ ،‬وتحدّث َت عن أهمي ّة ِ الانتباه ِ خلا َ‬ ‫‪123‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن هذه ِ التقني ّة َ قد تكونُ نعمة ً إن أحسن ّا‬ ‫ص نجهل ُهم‪ ...‬وأ ّ‬ ‫أشخا ٍ‬ ‫استخدام َها‪ ،‬وقد تكونُ نقمة ً إن أسأنا أو دخلنا مواق َع مشبوهة ً‪،‬‬ ‫هل تذكرين؟‬ ‫ك‬ ‫كنت لا تؤي ّدين َها كثيرا ً وكذل َ‬ ‫ِ‬ ‫ نعم أذكر ُ تماما ً‪ ...‬وأذكر ُ أن ّكِ‬‫بعض زميلات ِك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ت اعتراضاتي وأحيانا ً سخريتي بأخلا ٍ‬ ‫ صحيح ‪ ...‬وقد قابل َ ِ‬‫راقية‪ .‬ل كن ّي كنتُ غافلة ً ولم أتنبه ‪ ..‬و يا ليتني فعلت!‬ ‫تغي ّر َ وجهي و وجه ُها‪ .‬ولمحتُ دمعة ً في عينيها‪ ،‬وشعرتُ أ ّنها‬ ‫ل لي كارثة ً!‬ ‫ستقو ُ‬ ‫كانَ كلام ُ المدرّسة ِ صائبا ً تماماً‪ ،‬ل كن ّي لم أستمع للنصيحة ِ‬‫فوقعتُ في شرِّ أعمالي‪.‬‬ ‫وكيف؟‬ ‫َ‬ ‫ق بادية ً على وجهي‪ ،‬سألت ُها‪:‬‬ ‫ظهر َت ملامح ُ القل ِ‬ ‫‪124‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ل م ِن مجموعة ٍ لأخرى على‬ ‫لقد كنتُ أتن ّق ُ‬‫موقع التواص ِ‬ ‫ل عا ٍمّ م َع‬ ‫الاجتماعيّ الفيس بوك‪ ،‬ويسعد ُني التخاطبُ بشك ٍ‬

‫ال ِ‬ ‫ل الاجتماعيّ؛ قد يضعون‬ ‫الصداقات والتواص َ‬ ‫ِ‬ ‫أحب‬ ‫ّ‬ ‫جميع فأنا‬ ‫حكات خفيفة ٌ لا‬ ‫تعليقات بريئة ٌ وض ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ق وهكذا‪...‬‬ ‫النكات ونعل ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫تحم ُ‬ ‫ل معاني َ سوى التسلية ِ‪ ...‬إلى أن ازداد َ الاهتمام ُ م ِن ق ِب ِ‬ ‫حها بش ّدة ٍ مبديا ً‬ ‫ق عليها ويمد ُ‬ ‫ص بتعليقاتي وصار َ يعل ّ ُ‬ ‫أحدِ الأشخا ِ‬ ‫ق‪.‬‬ ‫إعجابه ُ بكاتبة ِ هذا المنشورِ أو التعلي ِ‬ ‫ امم ‪ .....‬ثم ّ ماذا؟‬‫ل الخاصّ ة ِ في الفيس بوك‪..‬‬ ‫ثم ّ تحادثنا بواسطة ِ الرسائ ِ‬‫ق قلبي به!‬ ‫ثم ّ تعل ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫تستطع الإكما َ‬ ‫وانفجر َت بالبكاء ِ ‪ ..‬ولم‬ ‫ل؛ ثم ّ تمال كَت‬ ‫حاولتُ أن أه ّدِئ َ م ِن روع ِها‪ ،‬ول كن عبثا ً أحاو ُ‬ ‫‪125‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫نفس َها بعد َ فترة ٍ ليست بالقليلة ِ‪.‬‬ ‫ك‬ ‫‪-‬أنا أعلم ُ أن ّكِ أمينة ٌ ولن تخ بري أحدا ً بما قلت ُه أو سأقول ُه ُ‪ ،‬لذل َ‬

‫ِ‬ ‫الراجح ودينكِ ‪ .‬ماذا‬ ‫ق بعقلكِ‬ ‫لجأتُ إلى مشورت ِكِ ‪ ،‬لأن ّي أث ُ‬ ‫ل؟ أخبريني‪.‬‬ ‫أفع ُ‬ ‫ك‬ ‫لقد استمر ّ التحادثُ بيننا أشهرا ً عديدة ً‪ ،‬وكنتُ أظنّ أن ّي أمل ُ‬ ‫ف أشعر ُ‬ ‫ف بأية ِ لحظة ٍ‪ ،‬ل كن ّي للأس ِ‬ ‫قلبي‪ ،‬وأستطي ُع أن أتوق ّ َ‬ ‫بعد ِم قدرتي على ذلك‪.‬‬ ‫ص مم ّا أنا فيه ِ‪ ..‬أنا متعل ّقة ٌ به ِ وكل ّما وعدتُ نفسي ألا‬ ‫أريد ُ التخل ّ َ‬ ‫ساعات‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ح الفيس بوك‪ ،‬أجد ُني أنكثُ عهدي بعد َ‬ ‫أفت َ‬ ‫تلاحظ شرودي‬ ‫ُ‬ ‫لم أخبر أحداً‪ .‬حت ّى أم ّي لا تعلم ُ‪ ،‬ل كنّها‬ ‫ل عن سببه ِ‪ .‬ماذا أفعل؟‬ ‫وتتساء ُ‬ ‫أعرف ماذا‬ ‫ُ‬ ‫كانَ سؤال ُها غريبا ً أو غير َ متوق ّ ٍع‪ ،‬أو رب ّما لأن ّي لا‬ ‫‪12٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫كستُ رأسي‪ ،‬وصو ّبتُ‬ ‫أجيب ُها‪ ....‬أحسستُ بالعجزِ تماما ً‪ ،‬فن ّ‬ ‫ض‪ ،‬و لم أنب ِس بكلمة ٍ‪ ..‬أمّا هي فكانت ترم ُق ُني‬ ‫عينيّ نحو الأر ِ‬ ‫الفانوس السحريّ الذي‬ ‫ُ‬ ‫ل وكأن ّي َ‬ ‫ن الح ّ ِ‬ ‫بنظراتِها التي تبحثُ ع ِ‬ ‫ل بسهولة ٍ‪.‬‬ ‫سيجد ُ لها الح ّ‬ ‫ق‪:‬‬ ‫ل إلى قل ٍ‬ ‫ل صمتي‪ ،‬فبدا التعجّ بُ على وجه ِها ثم ّ تحو ّ َ‬ ‫طا َ‬ ‫س أو الريبة ِ‬ ‫ل معاني َ التو ّ‬ ‫ن إليّ الآنَ نظرة ً تحم ُ‬ ‫لعل ّكِ تنظري َ‬‫ج ِ‬ ‫ك‪ ،‬وما أبعد َني‬ ‫كيف تجر ّأتُ على ذل َ‬ ‫َ‬ ‫من ّي‪ ،‬وتقولينَ في نفسكِ ‪:‬‬ ‫بنت لا تستحقّ‬ ‫ٌ‬ ‫غاضب من ّي‪ ،‬أو أن ّي‬ ‫ٌ‬ ‫ن الل ّه ِ‪ ...‬وأ ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن الل ّه َ‬

‫الاحترام َ‪.‬‬

‫ك‪.‬‬ ‫‪ -‬كلا ‪ ...‬كلا‪ ...‬سامحكِ الل ّه ُ‪ ...‬لا والل ّه ِ ما خطر َ لي ذل َ‬

‫ط في يدي أو أشعر ُ‬ ‫ل كن ّي لم أعرف بماذا أجيبكِ ؟ كأن ّه أسق ِ َ‬

‫ن آدم َ خ ّ‬ ‫ل اب ِ‬ ‫ل؟‪ .‬ك ّ‬ ‫ل أو أقو ُ‬ ‫بِ ح َيرة ِ ولا أدري ماذا أفع ُ‬ ‫طاء ٌ‬ ‫ل الل ّه ِ ‪. ‬‬ ‫طائينَ الت ّوابون ‪ ...‬هذا ما علّم َنا إ ي ّاه ُ رسو ُ‬ ‫وخير ُ الخ ّ‬ ‫‪127‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ح ما أفسدنا‬ ‫كل ّنا قد يخطئ ُ ‪ ..‬المهم ُ أن نؤوبَ إلى الل ّه ِ ونصل َ‬ ‫فيتوبَ الل ّه ُ علينا ونعود َ كمن لا ذنبَ له‪.‬‬

‫ح على وجه ِها‪:‬‬ ‫بدا الارتيا ُ‬ ‫ق‪.‬‬ ‫خروج من هذا المأز ِ‬ ‫ لم أسئ في اختياري ل ِ‬‫ك كمعينة ٍ لي لل ِ‬ ‫و ل كن ّي ‪..................‬‬ ‫ات لأن ّنا‬ ‫ل الجملة ِ فقد ناد َت علينا إحدى المدرّس ِ‬ ‫لم تستطع إكما َ‬ ‫ن‬ ‫س الفسحة ِ الذي أعل َ‬ ‫ن نتحادثُ ‪ ،‬ولم ننتب ِه لجر ِ‬ ‫نسينا أنفسَنا ونح ُ‬ ‫بدء َ الحصّ ة ِ الدرسي ّة ِ‪.‬‬ ‫ت لأبحثَ عن مها‪ ،‬ل كن ّي لم‬ ‫بعد َ انتهاء ِ الحصّ ة ِ والدوا ِم تل ّف ّ‬ ‫البيت وأنا أفك ّر ُ في قصّ ت ِها‪ ،‬حائرة ً‬ ‫ِ‬ ‫أجدها‪ ،‬فعدتُ أدراجي نحو َ‬ ‫حها‪.‬‬ ‫بماذا أنص ُ‬ ‫ن‪ ،‬لدرجة ِ أن ّي نسيتُ أن ألق َي‬ ‫وصلتُ المنز َ‬ ‫ل وأنا شاردة ُ الذه ِ‬ ‫‪128‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫جهتُ لغرفتي فورا ً؛ ألقيتُ نفسي على‬ ‫السلام َ على أم ّي‪ ،‬وتو ّ‬ ‫لسقف غرفتي طو يلا ً‬ ‫ِ‬ ‫خلف رأسي‪ ،‬ونظرتُ‬ ‫َ‬ ‫السرير ِ و يداي‬ ‫إلى أن غفوتُ ‪ ،‬فما أحسستُ إلا بلمسة ِ يدِ أم ّي َ الحانية ِ تنبّهني‬ ‫ل ثيابي وأتوجّه َ لغرفة ِ الطعا ِم‪.‬‬ ‫كي أب ّد َ‬ ‫ل طعامي‪.‬‬ ‫ي الشرود ُ حت ّى وأنا أتناو ُ‬ ‫بدا على وجه َ‬ ‫ك اليوم َ على غير ِ عادتكِ ! حت ّى أن ّكِ‬ ‫ماذا بكِ يا علا؟ أرا ِ‬‫البيت؟ هل من‬ ‫ِ‬ ‫ت إلى‬ ‫ت إلقاء َ السلا ِم عندما دخل ِ‬ ‫نسي ِ‬

‫خطب؟‬

‫لا يا أم ّي ‪ ...‬عفوا ً ‪ ..‬أعتذر ُ بش ّدة ٍ‪ ،‬لم أنتبه‪ ..‬لا شيء َ‬‫يا حبيبتي‪ ،‬ول كن ّي مشغولة ٌ بقصّ ة ٍ لإحدى زميلاتي في‬

‫ت تستطيعين؟‬ ‫المدرسة ِ‪ ،‬رب ّما بعد َ الطعا ِم أحادث ُكِ إن كن ِ‬ ‫أحب الاستماعَ لقصصِ كِ ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هذا يسعد ُني كثيراً‪ ...‬فأنا‬‫‪129‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل في خاطري‪ ،‬يا أحلى‬ ‫ل ما يجو ُ‬ ‫أحب أن أخبر َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫وأنا‬‫ك بك ّ ِ‬ ‫أمّ‪.‬‬ ‫جلستُ مع أم ّي بعد َ تناول ِنا للطعا ِم‪ ،‬وحظيتُ مع َها بجلسة ِ‬ ‫س‪ ،‬فأخبرتُها بما قالته ُ لي مها‪ ،‬ثم ّ سألت ُها‬ ‫صفاء ٍ في غرفة ِ الجلو ِ‬

‫عن رأيِها‪ ،‬فقالَت‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫تصحيح الخطأ ِ أن تدرك َ أنّها مخطئ َة‪ ،‬وتقر ّر َ الامتناع َ‬ ‫بداية ُ‬‫ك‪ ،‬فهي قد تعل ّقت بوه ٍم كاذب‪،‬‬ ‫عن الاستمرارِ في ذل َ‬ ‫ل ليوقع َها في شباكه ِ‪ ،‬عليها أن تفهم َ‬ ‫أحب ّت كلام َه ُ المعسو َ‬ ‫ل‬ ‫هذه ِ الحقيقة َ‪ ،‬وتدرك َ أ ّ‬ ‫ن إنشاء َ الأسرة ِ غاية ٌ نبيلة ٌ م ِن أج ِ‬

‫نفع الم ِ‬ ‫ل قادرٍ على ِ‬ ‫ل نتيجة َ‬ ‫جتمع‪ ،‬ولن يكونَ هذا الجي ُ‬ ‫جي ٍ‬ ‫ك وض َع الل ّه ُقوانينَ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫ٍ‬ ‫علاقات خاطئة ٍ أو مشبوهة ٍ‪ .‬م ِن أج ِ‬

‫المغامرات التي قد تُشقيها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫حفظ كرامة َ المرأة ِ‪ ،‬وتحميها م ِ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫للعب‬ ‫طمة ً نتيجة َ ا ِ‬ ‫أو تملأ قلب َها حزنا ً وتجعل ُها إنسانة ً مح ّ‬ ‫‪131‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫فالشخص الذي يستح ّقها لن يكونَ هو ذاك َ‬ ‫ُ‬ ‫بمشاعر ِها‪،‬‬ ‫ل الذي لايعي أهمي ّة َ هذه ِ العلاقة ِ‬ ‫الإنسانُ غير ُ المسؤو ِ‬

‫ل نواة َ الم ِ‬ ‫ك سنّ‬ ‫جتمع؛ لذل َ‬ ‫ك ُ‬ ‫الزوجي ّة ِ والأسرة َ التي تش ّ‬

‫العلاقات الاجتماعي ّة ِ التي تُقيم ُ الأسرة َ‬ ‫ِ‬ ‫أسس‬ ‫َ‬ ‫الإسلام ُ‬

‫لم ٍ‬ ‫س غارقا ً‬ ‫ل‪ ،‬ولي َ‬ ‫جتمع سعيدٍ‬ ‫ومنتج وفاع ٍ‬ ‫السعيدة َ‪ ،‬م ِن أج ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بالقلب يابنتي كم َن‬ ‫ِ‬ ‫وسفاسف الأمورِ؛ فاللعبُ‬ ‫ِ‬ ‫المغامرات‬ ‫ِ‬ ‫في‬

‫ك أن تغتر ّي‬ ‫ك شرر َها‪ .‬فإ ي ّا ِ‬ ‫يلعبُ بالنارِ‪ ،‬لاب ّد أن يصيب َ َ‬ ‫ل عليه ِ‬ ‫سك وتظن ّي أن ّكِ صالحة ٌ‪ ،‬قو ية ُ الإرادة ِ‪ ...‬فقد قا َ‬ ‫بنف ِ‬ ‫مات‬ ‫ل المحر ّ ِ‬ ‫الصلاة ُ والسلام ُ مشبّ ِها ً م َن يتلاعبُ حو َ‬ ‫فترس‬ ‫ك الذئبُ أن ي َ‬ ‫ل السورِ فيوش َ‬ ‫كالراعي يرعى غنم َه ُ حو َ‬ ‫إحدى غنمات ِه ِ‪.‬‬

‫يقو ُل ‪‬‬

‫هات‬ ‫ل بيِّنٌ‪ ،‬والحرام ُ بيِّنٌ‪ ،‬وبين َهما مُشَبّ ٌ‬ ‫‪ ":‬الحلا ُ‬

‫هات استبر َأ لدينِه‬ ‫ن ات ّقى المُشَبّ ِ‬ ‫لايعلم ُها كثير ٌ من الناسِ‪ ،‬فم َ ِ‬ ‫وعِرضِه‪،‬‬

‫وم َن‬

‫وقَع‬

‫في‬

‫هات‬ ‫شب ُ ِ‬ ‫ال ّ‬

‫ك ٍ‬ ‫َراع‬ ‫‪131‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫ك أن يواق ِع َه‪ ،‬ألا وإ ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫ل الحِمى يو ِ‬ ‫يرعى حو َ‬ ‫ن لك ّ ِ‬ ‫ن في‬ ‫محارِم ُه‪ ،‬ألا وإ ّ‬ ‫ملكٍ حِمى‪ ،‬ألا وإن حِمى الل ّه ِ في أرضِه َ‬ ‫الجسدِ م ُضغ َة ً ‪ :‬إذا صلَحَت صلَح الجسد ُ كل ّه‪ ،‬وإذا فسَد َت‬ ‫فسَد الجسد ُ كل ّه‪ ،‬ألا وهي القلبُ " ‪.1‬‬ ‫والثبات‬ ‫ِ‬ ‫ك المعاني وأهمي ّت ِها يعين ُها في اتّ خاذِ القرارِ‬ ‫كها لتل َ‬ ‫إدرا ُ‬ ‫ل المفيدِ وتبتعد َ عن‬ ‫عليه ِ‪ ،‬ثم ّ عليها أن تشغ َ‬ ‫ل نفس َها بالعم ِ‬ ‫ن قراءة ً وتدب ّراً‪،‬‬ ‫ل على القرآ ِ‬ ‫النت نهائي ّا ً لفترة مؤق ّتة ٍ‪ ،‬وتُقب َ‬ ‫اهرات‬ ‫ٍ‬ ‫حبات ط‬ ‫ن الل ّه ِ المعونة َ‪ .‬ولتنظر َ إلى صو ي ٍ‬ ‫وتطلبَ م ِ َ‬ ‫النفس في‬ ‫َ‬ ‫حات يُعِنّها على نفس ِها؛ فالبيئة ُ الصالحة ُ تساعد ُ‬ ‫صال ٍ‬ ‫ل معينٍ‬ ‫المستقيم‪ ،‬ولتكوني معها أفض َ‬ ‫الاستقامة ِ على الصراطِ‬ ‫ِ‬ ‫وخير َ دليل‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫‪:‬‬

‫‪-‬‬

‫‪:‬‬

‫‪-‬‬

‫‪132‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫طبعا ً ستتأل ّم ُ‪ ،‬وستعاني في البداية ِ‪ ،‬ل كنّ ألم َها الآنَ أفض ُ‬ ‫أحداث أش ّد ألما ً قد‬ ‫ٍ‬ ‫ن استمرارِها في الخطأ ِ ثم ّ ت ُعاني م ِن‬ ‫مِ َ‬ ‫ل منها إنسانة ً شقي ّة ً‪.‬‬ ‫تؤث ّر ُ على حياتِها كل ّ ِها‪ ،‬وتجع َ‬ ‫ف عن هذا الخطأ ِ سيساعد ُها كثيراً‪.‬‬ ‫ن صدق َها في التوق ّ ِ‬ ‫إ ّ‬ ‫ل‬ ‫ول كن لتحاول أن تشغل نفس َها بما تحب ّه‪ ،‬وتجتهد َ بالأعما ِ‬ ‫ل الحركي ّة ِ حت ّى لاتفك ّر َ‬ ‫ن الأعما ِ‬ ‫المنزلي ّة ِ والر ياضة ِ وغير ِها م ِ َ‬ ‫ل النو ِم‪ ،‬وحاولي يابنتي أن تتح ّدثي إليها وتذك ّريها بنع ِم‬ ‫بشيء ٍ قب َ‬

‫الل ّه ِ ورعايت ِه ِ لنا جميعا ً ورحمت ِه ِ وكرم ِه ِ وجودِه ِ‪ ،‬فهذا يساعد ُها‬ ‫في محب ّة ِ الل ّه ِ والتودّدِ إليه ِ والاستعانة ِ به‪.‬‬

‫ل الإنسانُ أن‬ ‫ك ألا يحاو َ‬ ‫ك يا بنتي كنتُ أخبر ُ ِ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫من أج ِ‬ ‫ن الأشياء ِ الموصلة ِ للخطأ ِ‪ ،‬أو يغتر ّ بنفسه ِ و يظنّ أن ّه‬ ‫يقربَ م ِ َ‬

‫ل عندما‬ ‫عز وج ّ‬ ‫سه‪ ،‬لأ ّ‬ ‫قويّ وقادر ٌ على ضبطِ نف ِ‬ ‫ن الل ّه َ ّ‬

‫الشبهات يعلم ُ تماما ً طبيعة َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫طلبَ من ّا الابتعاد َ أو الحوم َ حو َ‬ ‫‪133‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫التعليمات‬ ‫ِ‬ ‫ك سنّ لنا القوانينَ و‬ ‫والقلب‪ ،‬لذل َ‬ ‫ِ‬ ‫س البشر ي ّة ِ‬ ‫النف ِ‬ ‫التعليمات‪ ،‬وعلينا الالتزام ُ به كي‬ ‫ِ‬ ‫في كتابه ِ الذي هو دفتر ُ‬ ‫نسعد َ ولا نق َع فيما نكره ُه‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ل بإذ ِ‬ ‫ت يا أم ّي‪ .‬وسأفع ُ‬ ‫صدق ِ‬‫ن الل ّه ِ ما في وسعي م ِن أج ِ‬ ‫ن توبت ُها‪.‬‬ ‫أن تبدأ بداية ً جديدة ً وتحس ُ َ‬

‫‪134‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 11 -‬‬

‫تسيير أمورُ عبادُهُ‪ ،‬هي جبالُ الثقةُ باهلل في‬ ‫ُ‬ ‫(معرفةُ قوانينُ هللاُ في‬ ‫القلبُ وشراعُ العقلُ في سفينةُ الحياة) ُ‬

‫أتممتُ واجباتي ودراستي‪ ،‬أسرعتُ إلى أم ّي كي أطمئ ّن عليها‬ ‫الوقت معها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫وأمضي َ‬ ‫كيف المدرسة ُ؟‬ ‫َ‬ ‫سألتني‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫الحمد ُ لل ّه ِ تمام‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫ك يا ع ُلا؟ أرى في وجه ِكِ أسئلة ً‪.‬‬ ‫مال ِ‬ ‫‪135‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬‬

‫وقت‬ ‫ٍ‬ ‫لا شيء َ يا أم ّي‪ ،‬ل كن ّي أحيانا ًأشعر ُ أن ّي بحاجة ٍ إلى‬

‫أحس أن ّي‬ ‫ّ‬ ‫ل كي أفهم َ هذا الواق َع الذي أعيش ُه ُ‪،‬‬ ‫طو ي ٍ‬ ‫غير َ متوافقة ٍ معه! هل أنا طبيعي ّة؟‬ ‫سم َت أم ّي قائلة ً‪ :‬اطمئن ّي‪ ،‬هذا شيء ٌ طبيعيّ‪.‬‬ ‫تب ّ‬ ‫طبيعيّ يا أم ّي! هذا الشعور ُ بعد ِم الانسجا ِم م َع الم ِ‬‫جتمع!‬ ‫ك‪ ،‬طبيعيّ‪.‬‬ ‫ل عمر ِ‬ ‫نعم‪ ،‬لم َن في مث ِ‬‫كيف!‬‫أنتِ الآن تكبرين وقدرات ُكِ الفكر ي ّة ِ والمنطقي ّة ِ اكتملت‬‫عادات‬ ‫ِ‬ ‫والمواقف وال‬ ‫َ‬ ‫فصرت تحل ّلينَ الأحداثَ‬ ‫ِ‬ ‫تقريبا ً‪،‬‬ ‫كنت صغيرة ً لم‬ ‫ِ‬ ‫والتقاليد َ وسلوك َ الآخرين‪ ...‬أمّا عندما‬ ‫ل أمام َكِ‬ ‫ك مازا َ‬ ‫اللعب والمتعة ِ‪ .‬لذل َ‬ ‫ِ‬ ‫يكن يهمّكِ سوى‬ ‫ك وتمي ّزي‬ ‫ال كثير ُ كي تتعل ّميه ِ لتشعري بفه ٍم أكثر َ لم َن حول ِ‬ ‫‪13٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫العادات التي هي م ِن‬ ‫ِ‬ ‫الصوابَ والخطأ‪ ،‬عندها ستقبلينَ‬ ‫ليس منه‪.‬‬ ‫ن عم ّا َ‬ ‫دين ِنا وتبتعدي َ‬ ‫صواب يا أم ّي‪ ،‬أشعر ُ أن ّي بحاجة ٍ إلى بناء ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ل ما قلت ِه ِ‬ ‫نعم ك ّ‬‫ن الخطأ ِ‪ ،‬حت ّى‬ ‫س ومعايير َ لحياتي‪ ،‬كي أمي ّز َ الصوابَ م ِ َ‬ ‫أس ٍ‬ ‫أعيش بسعادة ٍ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أعرف أن ّكِ أنشأت ِنا على‬ ‫ُ‬ ‫ك يا أم ّي؟‬ ‫ل على ذل َ‬ ‫كيف أحص ُ‬ ‫َ‬ ‫ل المفاهيم ُ جميع ُها‬ ‫س صحيحة ٍ‪ ،‬ول كن أتمن ّى لو تكتم ُ‬ ‫أس ٍ‬ ‫ك‬ ‫ن ذل َ‬ ‫لديّ ‪ ،‬فتكونُ عندي قوانين ُ مرق ّمة ٌ ‪ ..3 ،2 ،1‬فإ ّ‬ ‫ي ُشعرني بفه ٍم أوس َع للحياة ِ‪.‬‬ ‫ق‬ ‫التعليمات م ِن خال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ال كري ِم فهو كتابُ‬ ‫عليكِ بالقرآ ِ‬‫ن؛ اقرئيه بفه ٍم و تدب ّر ٍ‪.‬‬ ‫الإنسا ِ‬ ‫نعم ‪ ...‬نعم ‪ ...‬عليّ أن أبحثَ ‪..‬شكرا ً يا أمي‪.‬‬‫قمت مسرعة ً؟‬ ‫ن ِ‬ ‫ إلى أي َ‬‫‪137‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك يا حبيبتي‪.‬‬ ‫إلى البحث يا أم ّي‪ ...‬قبلة ٌكبيرة ٌ ل ِ‬‫ن أنتَ يا حاسوبي ؟‬ ‫سأبحثُ في النت‪ ..‬أي َ‬ ‫ن‪ ،‬لننظر َ ماذا ستكونُ‬ ‫البحث ‪ :‬قوانينُ القرآ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫سأكتبُ في محر ّ ِ‬ ‫النتيجة ُ! ‪...‬كل هذا!!‬ ‫لا‪ ..‬أريد ُ شيئا ً تخصّ صي ّا ً أكثر َ‪ .‬نعم هذا ما كنتُ أبحثُ عنه ُ‪:‬‬ ‫س والحياة ِ‪.‬‬ ‫قواعد ُ قرآني ّة ٌ في النف ِ‬ ‫ن هذا الذي أبحثُ عنه‪.‬‬ ‫البداية ُ جميلة ٌ ج ّدا ً وجذّابة ٌ‪ .‬يبدو أ ّ‬ ‫ن ال كريم‪ .‬وهذا‬ ‫ن القرآ ِ‬ ‫مقالات أخرى عن قوانينِ الل ّه ِ م ِ َ‬ ‫ٌ‬ ‫وهذه ِ‬

‫ِ‬ ‫للموضوع ذاتِه ِ‪ .‬قوانينُ الل ّه ِ في الأم ِم والأفرادِ‬ ‫كتاب ال كترونيّ‬ ‫ٌ‬ ‫ن ال كري ِم‪ .‬عظيم ٌ ‪ ....‬سأحمّله ُكي أقرأه ُ بهدوء ٍ وتر ٍّو‪.‬‬ ‫ن القرآ ِ‬ ‫مِ َ‬

‫ومقالات مفيدة ٌ‪ .‬لأبدأ ‪ ...‬م ِن‬ ‫ٌ‬ ‫كتاب‬ ‫ٌ‬ ‫ح لديّ‬ ‫الحمد ُ لل ّه ِ ‪ ...‬أصب َ‬ ‫ن أبدأ يا ت ُرى؟؟؟؟؟‬ ‫أي َ‬ ‫‪138‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل عصر ٌ ذهبيّ للمعرفة ِ‪ ،‬ول كن ّه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ل مِ َ‬ ‫كم ّ هائ ٌ‬ ‫المعلومات!! بالفع ِ‬ ‫ل هذه ِ‬ ‫القدرات العقلي ّة ِ التنظيمي ّة ِ‪ ،‬ولع ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ج إلى ال كثير ِ م ِ َ‬ ‫يحتا ُ‬ ‫شاب وشاب ّة ٍكما أخبرتنا مدرّستي‬ ‫ٍّ‬ ‫ل‬ ‫إحدى ضرور ي ّ ِ‬ ‫ات العصر ِ لك ّ ِ‬ ‫المفضّ لة‪.‬‬ ‫ك ‪ ...‬ثم ّ أسرعتُ وأحضرتُ ورقا ً كبيرا ً وقلما ً‪ .‬لقد‬ ‫تمتمتُ بذل َ‬ ‫ن أ ّولاً‪.‬‬ ‫تصنيف هذه ِ العناوي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل أن أبدأ محاولة َ‬ ‫قر ّرتُ قب َ‬ ‫س م ِن‬ ‫ف؟! لأحاول أن أصن َّف ما يتعل ّ ُ‬ ‫كيف سأصن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ق بالنف ِ‬ ‫ومعتقدات اتجاه ٍ ذات ٍيّ أوّلاً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أفكارٍ‬ ‫ق بكيفيّة ِ تصرّفي مع‬ ‫ل‪ ...‬ثم ّ سأض ُع منها ما يتعل ّ ُ‬ ‫نعم هذا أفض ُ‬ ‫ترتيب‬ ‫ِ‬ ‫ن هذا منطقيّ وسيساعدني في‬ ‫الآخرين‪ ...‬أظنّ أ ّ‬ ‫ل صدق َت مدرّستي المفضّ لة ُ جزاها‬ ‫أفكاري خلا َ‬ ‫ل القراءة ِ‪ .‬بالفع ِ‬ ‫المعلومات وتنظيمِها‪ ،‬لقد‬ ‫ِ‬ ‫تصنيف‬ ‫ِ‬ ‫الل ّه ُ خيرا ً‪ ،‬فقد درّب َتنا على‬

‫خص التفكير َ المنطقيّ وتنظيم َ‬ ‫تعلّمتُ منها الشيء َ ال كثير َ مم ّا ي ّ‬ ‫‪139‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أسباب محب ّتي لها واحترامي وتقديري‬ ‫ِ‬ ‫ن هذا أحد ُ‬ ‫الفكر ِ‪ ...‬أظنّ أ ّ‬ ‫لشخص ِها‪.‬‬ ‫ل‬ ‫لنر َ الآنَ‪ .‬سأسج ّ ُ‬ ‫س بشك ٍ‬ ‫ل الأفكار َ والمبادئ َ المتعل ّقة َ بالنف ِ‬ ‫ل‪:‬‬ ‫متسلس ٍ‬ ‫سه ِ بصيرة‪.‬‬ ‫ل الإنسانُ على نف ِ‬ ‫‪ )1‬ب ِ‬ ‫‪ )2‬ولقد كر ّمنا بني آدم َ‪.‬‬ ‫‪ )3‬ألم نخل ُقك ُم م ِن ماء ٍ م َهين!‬ ‫ق الإنسانُ م ِن عجل‪.‬‬ ‫‪ )4‬خ ُل ِ َ‬ ‫ق الإنسانُ ضعيفاً‪.‬‬ ‫‪ )5‬وخ ُل ِ َ‬ ‫‪ )٢‬و م َن يوقَ ُ‬ ‫سه‪.‬‬ ‫شح ّ نف ِ‬

‫ن الل ّه ُ فما له ُ م ِن م ُكر ِم‪.‬‬ ‫‪ )7‬و م َن يُه ِ‬

‫ل ذرّة ٍ خيرا ً يره‪.‬‬ ‫‪ )8‬فم َن يعمل مثقا َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ك مِ َ‬ ‫تنس نصيب َ َ‬ ‫وابتغ فيما آتاك َ الل ّه ُ الدار َ الآخرة َ ولا َ‬ ‫‪)9‬‬ ‫ن الل ّه ُ إليك‪.‬‬ ‫الدنيا وأحسن كما أحس َ‬

‫‪ )11‬ما أصابك ُم م ِن مصيبة ٍ فبما كسب َت أيديك ُم‪.‬‬

‫‪141‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق المكر ُ السي ّئ إلا بأهله ِ‪.‬‬ ‫‪ )11‬ولا يحي ُ‬ ‫ن افترى‪.‬‬ ‫‪ )12‬و قد خابَ م َ ِ‬

‫‪ )13‬قل لا يستوي الخبيثُ من الطيب‪.‬‬ ‫‪ )14‬والعاقبة ُ للمتقين‪.‬‬

‫ن آمنوا ات ّقوا الل ّه َ وكونوا م َع الصادقين‪.‬‬ ‫‪ )15‬يا أ ّيها الذي َ‬ ‫ن جاهد ُوا فينا لنهدينّهم سب ُلنا‪.‬‬ ‫‪ )1٢‬والذي َ‬ ‫‪ )17‬وم َن يتوكّل على الل ّه ِ فهو حسب ُه‪.‬‬ ‫‪ )18‬فاستقم كما أم ِرتَ ‪.‬‬

‫ل فخذوه‪.‬‬ ‫‪ )19‬وما أتاكم ُ الرسو ُ‬

‫ك فاعلم أن ّما يت ّبعونَ أهواء َهم‪.‬‬ ‫‪ )21‬فإن لم يستجيب ُوا ل َ‬ ‫‪ )21‬فإذا فرغتَ فانصب‪.‬‬

‫‪ )22‬وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو خير ٌ ل كم وعسى أن تحب ّوا‬ ‫شيئا ً وهو شرّ ل كم والل ّه ُ يعلم ُ وأنتم لاتعلمون‪.‬‬

‫ن الل ّه ُ م َن ينصر ُه‪.‬‬ ‫‪ )23‬و ل َي َنص ُر َ ّ‬

‫ل يفيدني في‬ ‫الآياتُ كثيرة ٌ ول كن ّي أظنّ أني قد سج ّلتها بشك ٍ‬ ‫‪141‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل تتح ّدثُ عن‬ ‫ن الست ّة َ الأوائ َ‬ ‫ل الآنَ‪ .‬كأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ترتيب بحثي‪ .‬لأتأمّ ِ‬ ‫ن برب ّه ِ‪،‬‬ ‫س البشر ي ّة ِ‪ ،‬والبقي ّة ُ تتح ّدثُ عن صلة ِ الإنسا ِ‬ ‫طبيعة ِ النف ِ‬ ‫رط‬ ‫يات الأقدارِ م ِن عسرٍ ويسرٍ ش َ‬ ‫وعلاقت ِه ِ م َع الآخرين و مجر ِ‬ ‫كيف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل إنسا ٍ‬ ‫ن الل ّه ِ‪ .‬إ ّنها قوانينُ هامّة ٌ ل كي يفهم َ ك ّ‬ ‫النصرة ِ م ِ َ‬

‫ِ‬ ‫بالنجاح في الدنيا والآخرة‪.‬‬ ‫يفوز ُ‬

‫ِ‬ ‫كتاب آخر ُ عنوان ُه ُ ‪" :‬السنن ُ‬ ‫الموقع‪ ...‬إن ّه ُ ٌ‬ ‫لأبحث أيضا ً في هذا‬ ‫جماعات والأفرادِ في الشر يعة ِ الإسلامي ّة ِ"‬ ‫ِ‬ ‫الإلهي ّة ُ في الأم ِم وال‬ ‫ن مختلفة ً‪ ،‬إلا أ ّنها‬ ‫للدكتور عبدِ ال كريم زيدان‪ ..‬إن ّه يض ُع عناوي َ‬ ‫أكثر ُ تنظيماً‪ ،‬وإن كنتُ أظنّ أ ّنها تتشابه ُ مع سابقت ِها ‪:‬‬ ‫بات ( السببي ّة ) ‪.‬‬ ‫الأسباب والمسب ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -1‬قانونُ‬ ‫‪ -2‬قانونُ ات ّ ِ‬ ‫ض عنه‪.‬‬ ‫باع هدى الل ّه ِ والإعرا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫‪ -3‬قانونُ‬ ‫التدافع بينَ الحقّ ِ و الباط ِ‬ ‫‪ -4‬قانونُ الفتنة ِ و الابتلاء ِ‪.‬‬ ‫ل‪.‬‬ ‫‪ -5‬قانونُ الظلم ِ والعد ِ‬

‫‪142‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن والطغاة ِ‪.‬‬ ‫‪ -٢‬قانونُ الطغيا ِ‬

‫ل والأضداد)‬ ‫ن والمختلفين ( التماث ُ‬ ‫‪ -7‬قانونُ الل ّه ِ في المتساوي َ‬ ‫الاختلاف والمختلفين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ -8‬قانونُ‬ ‫والسيئات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الذنوب‬ ‫ِ‬ ‫‪ -9‬قانونُ‬

‫ل الصالح‪.‬‬ ‫‪ -11‬قانونُ التقوى والإيما ِ‬ ‫ن والعم ِ‬ ‫الاستدراج‪.‬‬ ‫‪ -11‬قانونُ‬ ‫ِ‬

‫‪ -12‬قانونُ المكر ِ والماكرين‪.‬‬

‫طلب الدنيا والآخرة ِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ -13‬قانون‬ ‫‪ -14‬قانونُ الرزق‪.‬‬

‫‪ -15‬قانون الفظاظة ِ والغلاظة ِ والرفق‪.‬‬ ‫الترف والمترفين ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ -1٢‬قانونُ‬

‫‪ - 17‬قانونُ بطرِ النعمة ِ وتغييرها‪.‬‬ ‫ علا ‪ ...‬علا‪ ...‬تح ّدثي على الهاتف‪.‬‬‫كيف الحال؟ ‪...‬الحمد ُ لل ّه‪ ..‬ماذا أفعل؟ أقرأ‬ ‫َ‬ ‫ أهلا ً سلوى‪...‬‬‫‪143‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أحب‬ ‫ّ‬ ‫كتب وأصن ُّف أفكار َها‪ ...‬نعم‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ض ال‬ ‫في بع ِ‬ ‫أعيش فيه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ال كتبَ لأ ّنها تشب ُع رغبتي في معرفة ِ العال ِم الذي‬ ‫اممم ‪ .....‬نعم‪ .‬نعم ‪ ..‬أعلم ُ أن ّكِ لا تحب ّينَ القراءة َكثيراً‪..‬‬ ‫ل كن صدقيني إنّها تساعد ُك في فه ِم الحياة‪.‬‬ ‫ن الآخرين وعلاقات ِه ُ‬ ‫ن الإنسانَ يتعل ّم ُ م َ‬ ‫ح ما تقولين َه إ ّ‬ ‫صحي ٌ‬ ‫بهم‪ ..‬و ل كن في أكثر ِ الأحيا ِ‬ ‫ن يشعر ُ أن ّه ُ بحاجة ٍ إلى مبادئ َ‬ ‫ق منها في تعامله ِ‪ ..‬ألا توافقيني الرأي؟‬ ‫قيم أو أفكارٍ ينطل ُ‬ ‫أو ٍ‬ ‫ك ما الذي دعاني إلى القراءة ِ‪ ..‬إن ّني أشعر ُ‬ ‫حسنا ً سأشر ُ‬ ‫حل ِ‬ ‫أحس‬ ‫ّ‬ ‫بعدم قدرتي على الإحاطة ِ بصورة ِ الحياة ِكاملة ً‪ ،‬فلا‬ ‫أن ّني محيطة ٌ بتفاصيل ِها أو قيمِها الأصيلة ِ التي يجبُ أن‬ ‫ن وفق َها‪،‬‬ ‫ل م َع الآخري َ‬ ‫ص عليها‪ ،‬والتي يمكنني أن أتعام َ‬ ‫أحر ِ َ‬ ‫أحس برغبة ٍ شديدة ٍ‬ ‫ّ‬ ‫فلا أصابُ بالأذى ولا أؤذي أحدا ً‪.‬‬

‫س التي أبني عليها حياتي بنج ٍ‬ ‫اح‪.‬‬ ‫في فه ِم هذه ِ الأس ِ‬

‫‪144‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك لا تضحكي أو تسخري من ّي‪..‬‬ ‫ أرجو ِ‬‫ن ميولَنا مختلفة ٌ بعض الشيء‪ ،‬ل كن ّني متأكّدة ٌ م ِن أن‬ ‫حأ ّ‬ ‫صحي ٌ‬‫عملي صواب‪....‬‬ ‫مازلت مصرّة ً على الضّ حك!!‬ ‫ِ‬ ‫‬‫ت‬ ‫لقد ح ّدثت ُكِ بشفافية ٍ وأجبت ُكِ عم ّا يدور ُ في ذهني‪ ،‬فإن كن ِ‬‫ِ‬ ‫سماع ذلك‪ ،‬سأعتذر ُ منكِ وأنهي المحادثة‪.‬‬ ‫غير َ راغبة ٍ في‬

‫ت السمّاعة َ في وجهي!!!‬ ‫أغلق َ ِ‬ ‫انزعجتُ كثيراً‪.‬‬ ‫باستغراب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الهاتف‬ ‫ِ‬ ‫دخل َت أم ّي ورأتني أنظر ُ إلى سم ّاعة ِ‬ ‫فابتسم َت وقال َت‪:‬‬ ‫الغضب بادية ٌ على‬ ‫ِ‬ ‫ ما بكِ يا علا؟ لم َ الاستغرابُ وملامح ُ‬‫‪145‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫وجه ِك؟‬ ‫ل فسخر َت من ّي‬ ‫ تصو ّري يا أم ّي أخبرتُ رفيقتي ماذا أفع ُ‬‫ن‬ ‫ك وأن ّي سأنهي المكالمة إ ِ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫وعندما طلبتُ منها ألا تفع َ‬ ‫الهاتف بوجهي!‬ ‫َ‬ ‫أغلقت‬ ‫ِ‬ ‫استمر ّت بسخريت ِها‬ ‫س لا يحسنونَ‬ ‫ن النا ِ‬ ‫ لا عليكِ يابنتي‪ ،‬لا تنزعجي‪ ..‬كثير ٌ م َ‬‫ف‪ ،‬أو رب ّما لم تتوقع منكِ هذا الكلام‪.‬‬ ‫التصر ّ َ‬ ‫ أم ّي لا تبر ّري لها‪ ..‬لقد كان َت مخطئة ً‪.‬‬‫ل أن أعطي َكِ احتمالا ً وتفسيرا ً لما حصل‪.‬‬ ‫ أنا أحاو ُ‬‫أغلقت السمّاعة َ وسخر َت منكِ ؟‬ ‫ِ‬ ‫لم َ أنتِ منزعجة ٌ الآن ؟ ألأ ّنها‬ ‫ك على ماتقومينَ به ِ؟ وهل سخريت ُها في محل ّها؟‬ ‫هل سيؤث ّر ُ ذل َ‬ ‫ف‪ ،‬وسخريت ُها‬ ‫ لا طبعاً‪ ،‬لن يؤث ّر ذلك على قناعت ِي بما أتصرّ ُ‬‫ليست صحيحة ً‪ ..‬بل أنا مؤمنة ٌ بما أقوم ُ به ِ‪..‬‬ ‫‪14٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ انتهى الموضوع ُ إذاً‪ ..‬أنتِ التي تختارين إذا كان َت أفعال‬‫الآخرين ستزعج ُكِ وتعك ّر ُ صفو َ ِ‬ ‫ك‪ ،‬أو ترمينَ ما يقولونَ وراء َ‬ ‫دمت على صواب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ك وتتابعين بإصرارٍ ما‬ ‫ظهرِ ِ‬

‫ل‬ ‫صعب يا أم ّي ‪ ..‬أعني ألا يتأث ّر َ الإنسانُ بأفعا ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ك‬ ‫ ل كنّ ذل َ‬‫الآخرين ‪ ..‬صح؟‬ ‫يف يقود ُ‬ ‫ن أن يتعل ّم َ ك َ‬ ‫ح يا بنتي‪ ،‬ول كن على الإنسا ِ‬ ‫‪ -‬صحي ٌ‬

‫ِ‬ ‫ح لأحدٍ أن يؤثــّر َ‬ ‫النجاح و يمشي قد ُما ً‪ ،‬ولا يسم ُ‬ ‫نفسه ُ إلى‬ ‫ل فكرت ِه ِ أو هدفه ِ‪ ،‬فنحن‬ ‫عليه سلباً‪ ،‬أو يفقد َه ُ حما َ‬ ‫سه ُ في سبي ِ‬ ‫ك التحكّم َ‬ ‫ك أن ن ُغي ّر َ الآخرين وتصرفاتِهم‪ ،‬ول كن ّنا نمل ُ‬ ‫لا نمل ُ‬ ‫في سلوك ِنا وردودِ أفعال ِنا‪.‬‬ ‫ك‬ ‫ك دف َع الضر ِّ إن أصاب َنا أحدٌ ما بذلك‪ ،‬ل كن ّنا نمل ُ‬ ‫قد لا نمل ُ‬ ‫ل الضرّ‬ ‫ردّة َ فعل ِنا؛ هل ستجعل ُنا أشقياء َ تعساء‪ ،‬أم نقاب ُ‬

‫ل هذا وسيلة ً لتقو ية ِ‬ ‫ق‪ ،‬فنصبر ُ ونجع ُ‬ ‫بالحكمة ِ و رق ِيّ الأخلا ِ‬ ‫‪147‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫إيمان ِنا وصبر ِنا وشخصي ّت ِنا‪.‬‬ ‫ن م َن نقر ّر ُ ماذا‬ ‫ك أن نغي ّر َ حد َثا ً ما‪ ،‬ل كن ّنا نح ُ‬ ‫قد لا نمتل ُ‬ ‫حدث‪ ،‬هل سيحب ُطنا ونتراجعُ أم سنزداد ُ‬ ‫ل اتجاه َ ال ِ‬ ‫نفع ُ‬

‫ِ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫ن‬ ‫إصراراً؟ هذا هو الفرقُ بينَ الإنسا ِ‬ ‫الناجح والفاش ِ‬ ‫أليس كذلك يا أم ّي؟‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬كلام ٌ رائ ٌع رغم َ صعوبت ِه ِ‪.‬‬

‫ل على الل ّه ِ فهو‬ ‫ن استعانَ بالل ّه ِ (وم َن يتوكّ ُ‬ ‫ طبعاً‪ ،‬إلا م َ ِ‬‫حسب ُه ُ) أي "كافيه ِ " يا علا‪.‬‬ ‫ أحب ّكِ كثيرا ً يا أم ّي‪ .‬تعطيني زبدة َ الكلا ِم وما أحتاج ُه ُ‬‫ح ّقاً‪.‬‬ ‫قبّلتُ أم ّي وأسرعتُ إلى غرفتي بهمّة ٍ ونشاطٍ لأتاب َع عملي‪.‬‬ ‫س‪:‬‬ ‫ن النف ِ‬ ‫لأبدأ بالقاعدة ِ الأولى التي تتح ّدثُ ع ِ‬ ‫( بل الإنسانُ على نفسه ِ بصيرة ولو ألقى معاذيره)‬ ‫‪148‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق أن تُقر ّ لل ّه ِ‬ ‫السلف‪ :‬أنف ُع الصد ِ‬ ‫ِ‬ ‫لفتَ نظري مقولة ٌ لأحدِ‬ ‫بعيوب نفسكِ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فلا يجبُ أن يغتر ّ الإنسانُ بما يمتدح ُه ُ الآخرون‪ ،‬بل يستفيد ُ من‬ ‫سه ِ وإصلاحِها‪.‬‬ ‫ل نف ِ‬ ‫نص ِ‬ ‫حهم له لتكمي ِ‬ ‫تمتمتُ قائلةً‪:‬‬ ‫ح‬ ‫حب النص َ‬ ‫ق‪ .‬فأغلب ُنا لا ي ّ‬ ‫قاعدة ٌ عظيمة ٌ‪ ،‬ل كنّها صعبة ُ التطبي ِ‬ ‫ح وإن كان ليس فينا !‬ ‫حب المد َ‬ ‫وإن كانَ ح ّقاً‪ .‬و ي ّ‬ ‫س البشر ي ّة ِ!!! ح ّقا ً طبائع ُها ذاتُها منذ آدم َ إلى يو ِم‬ ‫عجبا ً للنف ِ‬ ‫القيامة ِ‪.‬‬ ‫ح‬ ‫ل أجد ُ صعوبة ً في مجابهة ِ نفسي بحقيقت ِها‪ ،‬أحيانا ً أنج ُ‬ ‫بالفع ِ‬ ‫ل‪ .‬الله ّم أعن ّي على معرفة ِ نفسي وتزكيت ِها‪.‬‬ ‫والأغلبُ أن ّي أفش ُ‬ ‫لأنتقل إلى القاعدت َينِ المتضادّتين ‪:‬‬ ‫‪149‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫(ولقد كر ّمنا بني آدم َ ) و ( ألم نخلقكم من ماء ٍ م َهين)‬ ‫عجيبة ٌ هي الصور ُ التي توالت في مخي ّلتي! صور ُ التكري ِم وسجودِ‬ ‫ل‬ ‫الملائكة ِ‪ ،‬وصورة ٍ مغايرة ٍ تماما ًفي استخدا ِم اللفظِ والتذكير ِ بأص ِ‬ ‫النشأة ِ! هكذا بكلمتين ‪ ( :‬ماء ٍ م َهين ) !‬ ‫ن الجم ُع بين َهما! فالقرآنُ ذكر َهما معاً‪ ،‬فلاب ّد أن ّه ُ‬ ‫كيف يمك ُ‬ ‫َ‬ ‫يا ت ُرى‬ ‫يريد ُ من ّا أن نجم َع بينَ هاتينِ الحقيقتين!‬ ‫ن تعطيه ِ م ِن معاني القو ّة ِ والتكري ِم‬ ‫نعم إ ّنها صورة ٌ متكاملة ٌ للإنسا ِ‬ ‫ما يحمل ُه ُ على الوفاء ِ بالوعدِ‪ ،‬وأن يكونَ على قدرِ هذه ِ المسؤولي ّة ِ‬ ‫والأمانة ِ‪ ،‬فيسخّ ر َ إمكاناته ِ التي وهب َها الل ّه ُ له ليقيم َ شرع َه ُ وخلافت َه ُ‬ ‫ق سننِ الل ّه ِ و قوانين ِه ِ‪ ،‬أمّا إذا اغتر ّ بمواهب ِه ِ ذك ّره ُ الل ّه ُ أن ّه ُ إن ّما‬ ‫وف َ‬

‫‪151‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك أ ّيها‬ ‫ق م ِن ماء ٍ م َهين‪ ..‬فعلى ماذا تغتر ّ وتتبغدد ُ‪ 1‬بنفس َ‬ ‫خ ُل َ‬ ‫الإنسانُ!‬ ‫نعم هذا هو المعنى‪ .‬هذا الذي يريد ُنا الل ّه ُ أن نفهم َه عن ذوات ِنا‪.‬‬ ‫ل بر ب ّ ِنا‪ ،‬فلسنا بحاجة ٍ إلى‬ ‫القدرات الهائلة ِ عندما نت ّص ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫لدينا م ِ َ‬ ‫س‬ ‫رسائ َ‬ ‫ل إ يجابي ّة ٍ أكثر َ م ِن هذا المعنى‪ ،‬فمهما أوتي َ علماء ُ النف ِ‬ ‫الشباب لن يبلغوا‬ ‫ِ‬ ‫ل إ يقاظِ همّة ِ‬ ‫ن العبارة ِ م ِن أج ِ‬ ‫م ِن فه ٍم وحس ِ‬ ‫ن القراءة َ والتدب ّر َ؛ ثم ّ‬ ‫ن المسلم ِ إن أحس َ‬ ‫كما تبل ُغ هذه الآياتُ م ِ َ‬ ‫ل الافتقارِ إليه ِ‬ ‫يريد ُ الل ّه ُ من ّا أن نرف َع أك ّفنا إليه ِ ونجم َع بينَ ذ ّ ِ‬ ‫ن الل ّه ِ‬ ‫ن ما بنا من نعمة ٍ فم َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ل‪ ،‬مستشعر ي َ‬ ‫ورجاء ِ قبو ِ‬ ‫ل العم ِ‬ ‫منصب فم ِن فضله ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ل أو‬ ‫وحد َه ُ‪ ،‬وما حصّ لنا عليه ِ م ِن مرتبة ٍ أو ما ٍ‬

‫‪151‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ض‪ ،‬فلا‬ ‫ن على الأر ِ‬ ‫سبحانه ُ؛ عندها فقط تستقيم ُ حركة ُ الإنسا ِ‬ ‫س فيقعد‪ ،‬ولايغتر ّ فيبطش‪.‬‬ ‫ييئ َ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بارتياح وقو ّة ٍ ونشاطٍ ‪.‬‬ ‫ما أعظم َ هذه ِ المعاني! ‪ ...‬يا الل ّه‪ !...‬أشعر ُ‬ ‫ك الحمد ُ‪.‬‬ ‫الله ّم ل َ‬ ‫ك في دفتر ِ ذكر ياتي‪:‬‬ ‫ل ذل َ‬ ‫سأسج ّ ُ‬ ‫اليوم َ عرفتُ نفسي أو جانبا ً كبيرا ً منها!‬ ‫تمن ّيتُ ل ِ‬ ‫ن معرفة َ‬ ‫ن ما تعل ّمت ُه اليوم‪ .‬ح ّقا ً إ ّ‬ ‫جميع رفيقاتي أن يعلم َ‬ ‫ِ‬ ‫النجاح‪.‬‬ ‫ق إلى‬ ‫نصف الطر ي ِ‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫النف ِ‬

‫‪152‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪– 11 -‬‬

‫(من عرف نفس ــه عرف ربــه) ُ‬

‫ل أن‬ ‫ل قب َ‬ ‫وقت طو ي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ل لديّ‬ ‫اليوم َ أنهيتُ واجباتي باكراً‪ ،‬ولازا َ‬ ‫أخلد َ إلى النوم‪.‬‬ ‫ل (المطبخ) هو‬ ‫ل‪ ،‬وطبعا ً كانَ المكانُ المفضّ ُ‬ ‫ل في المنز ِ‬ ‫قمتُ أتجو ّ ُ‬ ‫ل و لاس ّيما (الثلاجة)‪ ،‬أدخلتُ رأسي َ فيها ولم أخرجه ُ إلا‬ ‫الأمث ُ‬ ‫عندما سمعتُ نقرا ً على ساعدي‪ ...‬آه‪ ..‬إن ّه ُ أخي الصغير‪.‬‬ ‫قلتُ له‪ :‬ماذا تريد؟ فتبس ّم َ بسمة ً طفولي ّة ً رائعة ً‪ ،‬فقب ّلت ُه وأعطيته ُ‬ ‫‪153‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حلوى كان َت في الثلاجة ِ‪ ،‬ثم ّ عدتُ أدراجي إلى غرفتي‪ ،‬فتحتُ‬ ‫ص تسير ُ هنا وهناك‪.‬‬ ‫السيارات والأشخا ِ‬ ‫ِ‬ ‫النافذة َ ونظرتُ إلى‬ ‫كانَ الجو ّ رائعا ً‪.‬‬ ‫ذهبتُ إلى أخي الصغير ِ‪ :‬هل تريد ُ أن نلعبَ سو ي ّا ً ؟‬ ‫قفز َ أخي م ِن على سرير ِه ِ وابتسامت ُه ُ قد ارتسمت على وجهه ِ حتى‬ ‫أعرف اسم َها‪ ،‬علّم َني‬ ‫ُ‬ ‫وصلت إلى أذنيه‪ .‬ثم أحضر َ لعبة ً لا‬ ‫اللعب فيها‪ ..‬ولم أتركها حت ّى‬ ‫ِ‬ ‫ن اندمجتُ في‬ ‫قواعد َها‪ ،‬وما لبثتُ أ ِ‬ ‫سمعتُ نداء َ أم ّي تذك ّر ُنا بالصلاة ِ‪.‬‬ ‫ل‪:‬‬ ‫صل ّيتُ مع والدتي فلم ّا انتهت بادرتُها بالسؤا ِ‬ ‫أم ّي ‪ ..‬م َن أنا؟‬‫الاستغراب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فظهر َت على وجهها أماراتُ‬ ‫ ماذا تقصدين؟‬‫‪154‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫بادلت ُها الابتسامة َ قائلة ً‪:‬‬ ‫أعلم يا أمي م َن أنا ‪ ..‬و أنتِ أم ّي ‪...‬‬‫وضحكنا معاً‪.‬‬ ‫ل عامّ‪.‬‬ ‫أقصد ُ الإنسانَ بشك ٍ‬‫لبحث عن ذاتكِ ‪ ..‬اقرئي‬ ‫ِ‬ ‫نا‬ ‫ امممم ‪ ...‬رب ّما تحتاجينَ لمزيدٍ م ِ َ‬‫وسوف أعطيكِ كتابا ً يجيب ُكِ عن أسئلت ِك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫القرآنَ بتدب ّر ٍ‬ ‫ك يا أم ّي‪.‬‬ ‫ شكرا ً ل ِ‬‫أحضر َت أم ّي َ الكتابَ ثم ّ أردف َت قائلة ً‪:‬‬ ‫بعض المساعدة ِ‪ .‬وأنا‬ ‫ق‪ ،‬وقد تحتاجينَ َ‬ ‫ي ودقي ٌ‬ ‫كتاب علم ّ‬ ‫أعلم ُ أن ّه ُ ٌ‬‫على استعدادٍ لتقديم ِها كالعادة ِ؛ ل كن ّه ُ قد يعر ّف ُكِ على ذات ِكِ‬ ‫ل أكبر‪.‬‬ ‫بشك ٍ‬ ‫‪155‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ملفت للنظرِ (أنا تتح ّدثُ عن‬ ‫ٌ‬ ‫الكتاب‬ ‫ِ‬ ‫شكرا ً يا أم ّي‪ ..‬عنوانُ‬‫ل كبيرٍ‬ ‫نفس ِها)‪ 1‬لقد جذب َني العنوانُ كثيرا ً‪ .‬أشعر ُ الآنَ بفضو ٍ‬ ‫ك أم ّي‪...‬‬ ‫لقراءت ِه ِ‪ ..‬شكرا ً ل ِ‬ ‫قب ّلت ُها ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي مسرورة ًكمن وجد َ ما كانَ يبحثُ‬ ‫عنه ُ‪.‬‬ ‫ف رب ّه)‬ ‫َرف نفسَه عر َ‬ ‫عبارة ٌ رائعة ٌ (م َن ع َ‬ ‫يعرف رب ّه ُ؟‬ ‫َ‬ ‫ف ذاته ُ يستطي ُع أن‬ ‫ن م َن يعرِ ُ‬ ‫يا ترى هل معناه ُ أ ّ‬ ‫ول كن كيف؟‬ ‫لأكشف وأسبر َ أغوارها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عبارة ٌ عميقة ُ المعنى‪ ،‬أثار َت فضولي‬ ‫ن الل ّه َ قد أعطانا شيئا ً‬ ‫ل يأخذ بل ّبي في أن أستشعر َ أ ّ‬ ‫شعور ٌ جمي ٌ‬ ‫حب‪ ،‬والنسبة ِ‬ ‫ل‪ ،‬وال ِّ‬ ‫م ِن صفاته ِ‪ ..‬إن ّه ُ شعور ُ التكري ِم‪ ،‬والدلا ِ‬

‫‪-1‬‬

‫أنا تتحدث عن نفسها‪ ،‬د‪ .‬عمرو شر يف‪.‬‬ ‫‪15٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل هذه ِ المشاعر ِ مختلطة ً جال َت في قلبي وأنا أقرأ معاني‬ ‫إليه‪ ...‬ك ّ‬ ‫س وبينَ‬ ‫ن النا ِ‬ ‫ل مِ َ‬ ‫ك العبارة ِ رغم َ أن ّه ُ شت ّانَ بينَ م َن بل َغ ال كما َ‬ ‫تل َ‬ ‫صفات رب ّي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ك اللفتة ُ‪ ،‬أن ّنا لا ندرك ُ معاني َ أسماء ِ الل ّه ِ وصفات ِه ِ‬ ‫ثم ّ أعجبتني تل َ‬ ‫فكيف ندرك ُ‬ ‫َ‬ ‫والصفات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫إلا إذا مارسنا وتذ ّوقنا هذه ِ الأسماء َ‬ ‫معنى اس ِم " الحليم" مالم نكن قد مارسنا "الحلم"؟ كما أن ّنا لن نفهم َ‬ ‫يف‬ ‫فنعرف ك َ‬ ‫َ‬ ‫حب‪،‬‬ ‫حب الل ّه َ حت ّى نتذ ّوقَ معاني َ ال ِّ‬ ‫معنى أن ن ّ‬

‫ل أن يرضى محبوب ُه‪ ،‬وكل ّما‬ ‫ل غا ٍ‬ ‫حب ك ّ‬ ‫يبذلُ الم ّ‬ ‫س م ِن أج ِ‬ ‫ل ونفي ٍ‬ ‫حب هو‬ ‫ح هوى الم ِّ‬ ‫س أصب َ‬ ‫ِ‬ ‫حب خالصا ً م ِن‬ ‫كانَ ال ّ‬ ‫طلبات النف ِ‬ ‫س والهوى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مايحب ّه ُ محبوبه ُ‪ ،‬وليس ما يطلب ُه هو م ِن‬ ‫رغبات النف ِ‬ ‫عز‬ ‫َ‬ ‫نعرف‬ ‫َ‬ ‫ن عظيمة ٌ إذا لم نعشها فلن‬ ‫معا ٍ‬ ‫كيف نق ّدم ُها تقر ّبا ً لل ّه ِ ّ‬

‫ل‪.‬‬ ‫وج ّ‬

‫ح ّقا ً إ ّنها فكرة ٌ رائعة ٌ‪.‬‬ ‫‪157‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الأمور َ‬ ‫حها الكاتبُ ‪ ،‬فهي أ ّ‬ ‫أمّا الفكرة ُ الجميلة ُ الأخرى التي طر َ‬ ‫ضعف نفسه ِ استشعر َ قو ّة َ خالقه ِ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫عرف‬ ‫َ‬ ‫عرف بأضدادها‪ ،‬فم َن‬ ‫تُ ُ‬ ‫عرف رب ّه ُ بغناه ُ‪ ،‬فإذا عرفنا محدودي ّة َ‬ ‫َ‬ ‫سه ِ‬ ‫عرف فقر َ نف ِ‬ ‫َ‬ ‫وم َن‬ ‫صفات ر ب ّ ِنا وع ِظم َ قدرِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫إمكاني ّات ِنا ونقائص َها عرفنا كما َ‬ ‫اممم ‪ ...‬رائع‪.‬‬ ‫الكتاب‬ ‫ِ‬ ‫ل يلحّ عليّ‪ .‬رب ّما لن أصبر َ بأن أسير َ في‬ ‫ل كنّ سؤالي لا يزا ُ‬ ‫صفحة ً صفحة‬ ‫س‪.‬‬ ‫ن الفهر ِ‬ ‫‪ ...‬سأبحثُ عم ّا أريد ُ ضم َ‬ ‫اممم ‪ ............‬وجدتُها‪.‬‬ ‫ح‪،‬‬ ‫ل‪ ،‬القلبُ ‪ ،‬الرو ُ‬ ‫هذا عنوان ‪ :‬الذاتُ الإنساني ّة ُ‪ :‬الجسد ُ‪ ،‬العق ُ‬ ‫النفس‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ن آخر ُ ‪ :‬م َن أنا؟‬ ‫و عنوا ٌ‬ ‫‪158‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ج‬ ‫ن هذا الكلام َ صعبُ الفه ِم قليلا ً بالنسبة ِ لي‪ ،‬رب ّما أحتا ُ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ل‬ ‫إلى مساعدة؛ لأبحث في (النت) أ ّولا ً رب ّما أجد ُ شيئا ً أسه َ‬ ‫ن‬ ‫س البشر ي ّة ِ م ِ َ‬ ‫منه‪ ،‬أستطي ُع استيعابه ُ بسهولة ٍ‪ ....‬صفاتُ النف ِ‬ ‫ن ال كري ِم‪ ..‬آه ‪ ..‬هذا ما أبحثُ عنه ُ‪ ،‬وسأبدأ به ِ‪ .‬بس ِم الل ّه ِ‪:‬‬ ‫القرآ ِ‬ ‫الصفة ُ الأولى‪ :‬الشحّ‬ ‫{وَم َن يُوقَ ُ‬ ‫ك هُم ُ الم ُفلِحُونَ} [الحشر‪]9 :‬‬ ‫سه ِ ف َأولَئ ِ َ‬ ‫شح ّ نَف ِ‬ ‫الشحّ‬

‫ل فيه المن ُع‪ ،‬ثم ّ يكونُ‬ ‫ل مادت ِه ِ اللغو ية "الأص ُ‬ ‫في أص ِ‬

‫ل م َع حِرص‪.‬‬ ‫ص‪ ،‬ومن ذلك الش ُحّ ‪ ،‬وهو البُخ ُ‬ ‫منعا ً م َ َع حِر ٍ‬ ‫سه}‪:‬‬ ‫ن في قوله ِ تعالى‪{ :‬وم َن يوقَ شح ّ نف ِ‬ ‫ن المفس ّري َ‬ ‫قال جم ٌع م َ‬ ‫هو ألّا يأخذ َ شيئا ً مم ّا نهاه ُ الل ّه ُ عنه ُ‪ ،‬ولا يمن ُع شيئا ً أمره ُ الل ّه ُ‬ ‫ن تيمي ّة َ رحمه ُ الل ّه ُ‪:‬‬ ‫ل اب ُ‬ ‫بأدائه ِ‪ ،‬و يقو ُ‬

‫لب ِ‬ ‫منع ما‬ ‫جبُ البخ َ‬ ‫س يو ِ‬ ‫"فالشحّ الذي هو ش ّدة ُ حر ِ‬ ‫ص النف ِ‬ ‫‪159‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫جبُ قطيعة َ الرح ِم‪،‬‬ ‫ل الغير ِ‪ ،‬و يو ِ‬ ‫هو عليه ِ؛ والظلم َ بأخذِ ما ِ‬ ‫و يوجبُ الحسد َ‪.‬‬ ‫لنفوس‬ ‫ُ‬ ‫جبلت ا‬ ‫الأنفس الش ُحّ } أي‪ُ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫وقول ُه تعالى‪{ :‬وأحضر َ ِ‬

‫حرص‬ ‫ن‪ ،‬وال ُ‬ ‫ل ما على الإنسا ِ‬ ‫على الشحِّ ‪ ،‬وهو‪ :‬عدم ُ الرغبة ِ في بذ ِ‬ ‫ك بطبيعت ِها‪ ،‬والمعنى‪:‬‬ ‫فالنفوس مجبولة ٌ على ذل َ‬ ‫ُ‬ ‫على الحقّ ِ الذي له ُ‪،‬‬

‫صوا على ِ‬ ‫ق الدنيء ِ م ِن‬ ‫قلع هذا الخل ِ‬ ‫إن ّه ُ ينبغي ل كم أن تحر ُ‬ ‫ك‬ ‫ل الحقّ ِ الذي علي َ‬ ‫سكم‪ ،‬وتستبدل ُوا به ِ السماحة ِ‪ ،‬وهو بذ ُ‬ ‫نفو ِ‬ ‫ض الحقّ ِ الذي لك‪.‬‬ ‫والاقتناع ُ ببع ِ‬ ‫ل في‬ ‫ل؟ وهل يدخ ُ‬ ‫ت ُرى ما معنى هذا الكلا ِم؟ هل هو البخ ُ‬‫ضه ُ أحيانا ً م ِن إعطاء ِ أخي نصيب َه ُ م ِن طعا ٍم‪،‬‬ ‫ك ما أرف ُ‬ ‫ذل َ‬

‫ل ما أشتهيه ِكل ّه ِ أو أغلب ِه ِ؟‬ ‫وأناني ّتي في أك ِ‬ ‫المواقف تتزاحم ُ في مُخي ّلتي‪ ...‬نعم أيضا ً‬ ‫ِ‬ ‫يا و يلتاه ‪ ....‬عشراتُ‬ ‫ن معي ّنٍ في‬ ‫س بمكا ٍ‬ ‫بسبب حرصي في الجلو ِ‬ ‫ِ‬ ‫رفيقتي هند‪ ..‬أزعجت ُها‬ ‫‪1٢1‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ب‬ ‫كاف ‪ ...‬عجي ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫الصف ‪ ..‬نعم ‪..‬لم تكن نفسي سمحة ً بقدرٍ‬ ‫ِّ‬ ‫حرص على أن يستحوذ َ‬ ‫حب نفسَه ُ و ي ُ‬ ‫كيف ي ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ح ّقا ً!‬ ‫أمرُ الإنسا ِ‬ ‫س‬ ‫ل شيء ٍ‪ ،‬خصلة ٌ سي ّئة ٌ ح ّقاً‪ .‬هي موجودة ٌ في ك ّ ِ‬ ‫على ك ّ ِ‬ ‫ل نف ٍ‬ ‫بشر ي ّة ٍ إلى أن يتطهر َ الإنسانُ منها‪ ،‬و يجاهد َ نفسه ُ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫المطبخ وأحضرتُ لأخي حلوى كنتُ قد خب ّأتُها‬ ‫أسرعتُ إلى‬ ‫لأستأثر َ بها لنفسي‪ ،‬وقدّمتُها له‪.‬‬ ‫ح فم َه ُ متعجّ با ً م ِن فعلي‪ .‬ثم ّ قب ّل َني وشكرَني‪.‬‬ ‫لقد فت َ‬ ‫ح ّقا ً هذه ِ السعادة ُ والقبلة ُ م ِن أخي تساوي أكثر َ بكثيرٍ م ِن طع ِم‬ ‫الحلوى في فمي‪.‬‬ ‫ن لنفسه ِ‪ ..‬آه‪..‬‬ ‫ن استئثارِ الإنسا ِ‬ ‫ل و أعلى م ِ َ‬ ‫ح ّقا ً هناك َ أمور ٌ أج ّ‬ ‫إن ّه ُ شعور ٌ رائ ٌع ذاك َ الذي ينتابُ الإنسانَ عندما ينتصر ُ على‬ ‫موقف معي ّنٍ‪ .‬سبحانَ الل ّه!‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه ِ في‬ ‫‪1٢1‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل‪.‬‬ ‫الل ّه ّم ل َ‬ ‫ك الحمد ُ والشكر ُ على ما أنعمتَ عليّ م ِن فه ٍم وعم ٍ‬ ‫ل لها سعادتي في انتصاري على نفسي‬ ‫أسرعتُ إلى أم ّي كي أنق َ‬ ‫ّف عليها‪.‬‬ ‫وخطوات التعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ك سعيدة ً‪.‬‬ ‫ايه ‪ ..‬ما القصّ ة ؟ أرا ِ‬

‫‪-‬‬

‫نعم يا أم ّي ‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫خيرا ً إن شاء َ الل ّه ُ‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫أم ّي لقد أعطيتُ أخي حلوى كنتُ قد خب ّأتُها حت ّى‬ ‫آكل َها وحدي‪ ..‬ثم ّ ‪....‬‬

‫‪-‬‬

‫أكملي ‪ ..‬ثم ّ ماذا؟‬

‫‪-‬‬

‫ن أن تقولي شيئا ً لي؟‬ ‫فقط ‪ ...‬ألا تريدي َ‬

‫سم َت أم ّي قائلة ً ‪:‬‬ ‫تب ّ‬ ‫‪1٢2‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬‬

‫القلب وتحب ّين أخاك‪ ،‬وستؤثرين َه على‬ ‫ِ‬ ‫أنا أعلم ُ أن ّكِ طيبة ُ‬ ‫ج الأمرُ‪ ..‬فلا أعلم ُكِ بخيلة ً‪.‬‬ ‫ن احتا َ‬ ‫نفسكِ إ ِ‬

‫‪-‬‬

‫ل كن ّي ح ّقا ً يا أم ّي كنتُ أنوي أن آكل َها وحدي‪ ،‬إلا‬ ‫س البشر ي ّة ِ‪ ،‬فقرأتُ‬ ‫أن ّي كنتُ أبحثُ عن طبيعة ِ النف ِ‬ ‫مقالات تتح ّدثُ عن‬ ‫ٍ‬ ‫مقالة ً أو هي َ عبارة ٌ عن سلسلة ِ‬ ‫ن ال كري ِم‪.‬‬ ‫ن القرآ ِ‬ ‫س البشر ي ّة ِ م ِ َ‬ ‫طبيعة ِ النف ِ‬

‫‪-‬‬

‫ت؟‬ ‫حث رائ ٌع ‪ ..‬وماذا وجد ِ‬ ‫جي ّد ‪ ..‬ب ٌ‬

‫‪-‬‬

‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫قرأتُ عن صفة ِ ( الشحّ ) إ ّنها موجودة ٌ عند َ‬ ‫س‪ ،‬وعلينا أن نجاهد َ أنفسَنا لتشذيب ِها‪.‬‬ ‫النا ِ‬

‫‪-‬‬

‫ح يا بنتي‪ .‬بارك َ الل ّه ُ بكِ ‪ ..‬لقد فهمتُ الآنَ مدى‬ ‫صحي ٌ‬

‫أحسنت‬ ‫ِ‬ ‫ت به ِ‪ ...‬بارك َ الل ّه ُ بكِ ياحبيبتي؛‬ ‫حكِ بما قم ِ‬ ‫فر ِ‬ ‫صنعاً‪.‬‬ ‫فهم َا ً و ُ‬

‫‪1٢3‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬‬

‫ن شيئا ً من ّي يا أم ّي؟ ‪ ..‬سأذهبُ لأتاب َع‬ ‫هل تريدي َ‬ ‫القراءة َ‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫ك‪.‬‬ ‫لا ‪ ...‬وف ّقك الل ّه‪ ،‬وس ّدد َ خطا ِ‬

‫ن‬ ‫أسرعتُ إلى حاسبي وإلى ذاك َ الموق ِع بفضو ِ‬ ‫ل ل كي أقرأ ع ِ‬ ‫س البشر ي ّة ِ‪:‬‬ ‫الصفة ِ الثانية ِ للنف ِ‬ ‫ل ف َأبَينَ‬ ‫ض و َالج ِبَا ِ‬ ‫َات و َالأر ِ‬ ‫سم َاو ِ‬ ‫( ِإن ّا ع َرَضنَا الأم َانَة َ عَلَى ال ّ‬

‫جه ُول ًا‬ ‫ن م ِنهَا وَحَمَلَه َا ال ِإنس َانُ ِإن ّه ُك َانَ ظَلُوم ًا َ‬ ‫أن ي َحم ِلنَهَا و َأشف َق َ‬ ‫( ‪)) 72‬‬ ‫ل القراءة َ ‪:‬‬ ‫صفة ُ ( الظلم ِ ) و ( الجه ِ‬‫ل )‪ ..‬اممم‪ ..‬لأكم ِ‬ ‫س الإنساني ّة ِ أ ّنها تظلم ُ نفس َها وتظلم ُ غير َها؛‬ ‫ِ‬ ‫ن من‬ ‫إ ّ‬ ‫صفات النف ِ‬ ‫س البشر ي ّة ِ إن‬ ‫ك ح ّذرنا الل ّه ُ م َ‬ ‫لذل َ‬ ‫ن الظلم ِ ونبّهنا إلى طبيعة ِ النف ِ‬

‫المستقيم‪.‬‬ ‫ق‬ ‫لم نأخذ بقيادِها إلى الطر ي ِ‬ ‫ِ‬

‫‪1٢4‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫فالنفس‬ ‫ُ‬ ‫والظلم ُ ه ُنا معناه ُ الشرك ُ كما فس ّره ُ النبيّ في الحديثِ ‪،‬‬ ‫الإنساني ّة ُ عندما تظلم ُ نفس َها بشركِها وكفرِها بالل ّه ِ‪ ،‬لو استطاع َت‬ ‫ن النارِ لما بخلت على نفس ِها‪ ،‬ول كنّها‬ ‫ل وال كنوزِ م ِ َ‬ ‫أن تفتديَ بالما ِ‬ ‫عندما ترى النار َ تندم ُ على ما فعلت م ِن ظلم ٍ‪.‬‬ ‫ظن‬ ‫ِ‬ ‫ل و‬ ‫والنفس الإنساني ّة ُ تظلم ُ غير َها‪ :‬باللسا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن والفع ِ‬ ‫القلب و ّ ِ‬

‫والقذف والشتيمة ُ وتحقير ُ‬ ‫ُ‬ ‫السوء ِ‪ ...‬فالغيبة ُ والنميمة ُ والحسد ُ‬ ‫ل بينَ‬ ‫ن والسخر ية ُ منهم والسرقة ُ والضربُ وعدم ُ العد ِ‬ ‫الآخري َ‬ ‫الأولادِ وفي المؤسّ سات بينَ الموظفين‪ ....‬الأمثلة ُكثيرة ُ لاتع ّد‬ ‫س‪.‬‬ ‫ل بينَ النا ِ‬ ‫تحصى م ِن أمثلة ِ الج َورِ وعد ِم العد ِ‬ ‫ولا ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ل الل ّه ُ تعالى‪ ( :‬يَا أ ّيهَا ال ّذِي َ‬ ‫يقو ُ‬ ‫ن آم َنُوا كُونُوا قَو ّام ِينَ للّه شُهَد َاء َ‬

‫ب ِالق ِسطِ و َلا َيَجرِم َن ّك ُم شَن َآنُ قَو ٍم عَلَى ألّا تَعدِلُوا اعدِل ُوا ه ُو َ أقر َبُ‬ ‫ن اللّه َ خَب ِير ٌ بِمَا تَعم َلُونَ)))‬ ‫لِلتقو َى و َات ّق ُوا اللّه َ ِإ ّ‬

‫(‪ )8‬سورة المائدة‪.‬‬

‫بغض قو ٍم على أن تجوروا عليهم وتتجاوزوا الح ّد‬ ‫المعنى لا يحملن ّكم ُ‬ ‫‪1٢5‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل اعدلوا فيهم وإن أساؤوا إليكم‪ ،‬وأحسنوا إليهم‪ ،‬وإن‬ ‫فيهم‪ ،‬ب ِ‬ ‫بالغوا في الإساءة إليكم‪.‬‬ ‫ق بألّا‬ ‫خطاب عامّ‪ ،‬ومعناه‪ :‬أمرُ الل ّه ِ تعالى جمي َع الخل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫فهذا‬

‫ل‬ ‫والإنصاف‪ ،‬وتر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ل العد ِ‬ ‫ك المي ِ‬ ‫يعاملوا أحدا ً إلّا على سبي ِ‬ ‫والاعتساف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والظلم ِ‬ ‫استرخيتُ قليلا ً وأنا أتذك ّر ُ صورا ً للظلم ِ في التلفازِ‪ ..‬ح ّقا ًإ ّ‬ ‫ن وراء َ‬ ‫ل ٍ‬ ‫قبح و فسادِ ظلم ٌ ومن ٌع للحقوق‪..‬‬ ‫ك ِّ‬ ‫و تذك ّرتُ موقفا ً حدثَ لرفيقتي سمر ‪ ..‬وفجأة ً أسرعتُ إلى أم ّي‬ ‫ل حاسوبي‪:‬‬ ‫و أنا أحم ُ‬ ‫‪-‬‬

‫ن سمر؟‬ ‫أم ّي ‪ ..‬أم ّي ‪ ..‬هل تذكري َ‬

‫‪-‬‬

‫نعم ‪ ..‬ما بها؟‬

‫‪-‬‬

‫ستي‬ ‫الموقف الذي ظلمتني به ِ أمام َ م ّدرِ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ذاك َ‬ ‫أتذكري َ‬ ‫‪1٢٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫المفضّ لة؟‬ ‫‪-‬‬

‫ل؟ هل‬ ‫ك‪ ..‬مابكِ ؟ ماذا حص َ‬ ‫نعم يا علا ‪ ..‬أذكر ُ ذل َ‬ ‫ات ّصل َت بكِ ؟‬

‫‪-‬‬

‫ن‪،‬‬ ‫لا يا أم ّي ‪ ..‬كنتُ أقرأ عن صفة ِ الظلم ِ عند َ الإنسا ِ‬ ‫ض وقت َها‪ ،‬لأ ّنها‬ ‫وفجأة ً تذك ّرتُ أن ّي أحسستُ بشعورٍ بغي ٍ‬

‫ل م ِن مكانتي‬ ‫تكل ّم َت عن ّي أمام َ م ّدرِستي بسوء ٍ لتقل ّ َ‬ ‫عند َها‪ ،‬ل كنّ ما حدثَ اليوم جعلني أعيد ُ النظر َ في‬

‫ِ‬ ‫الصاع صاع َين‪ ،‬فقد لمّحتُ‬ ‫ردّة ِ فعلي‪ ،‬إن ّي رد َدت لها‬

‫ن المدرّسات‪،‬‬ ‫حب م ِ َ‬ ‫ض مواقف ِها السي ّئة ِ عند َ م َن ت ّ‬ ‫لبع ِ‬ ‫وقد شعرتُ بالسعادة ِ وقت َها‪ ،‬ولم يراود ضميري أيّ‬ ‫ن الظلم ِ‪ .‬أم ّي هل ظلمت ُها؟‬ ‫ٍ‬ ‫تأنيب! إلى أن قرأتُ الآنَ ع ِ‬ ‫‪-‬‬

‫أليس كذلك؟‬ ‫َ‬ ‫ت لها الصاع َ صاعين‪.‬‬ ‫ت رد َد ِ‬ ‫أنتِ قل ِ‬

‫‪-‬‬

‫نعم‪.‬‬ ‫‪1٢7‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬‬

‫ت أنتِ الظالمة‪.‬‬ ‫إذا ً أصبح ِ‬

‫‪-‬‬

‫ن ردّي عليها‬ ‫ول كن يا أم ّي هي التي بدأت؛ وأحسبُ أ ّ‬ ‫ل أن تفك ّر َ القيام َ‬ ‫حساب قب َ‬ ‫ٍ‬ ‫ألف‬ ‫سيجعل ُها تحسبَ لي َ‬ ‫مرة ً أخرى‪.‬‬ ‫بذل َ‬ ‫ك ّ‬

‫‪-‬‬

‫هل أنتِ مقتنعة ٌ بكلامك تماماً؟‬

‫‪-‬‬

‫ل ‪ ...‬هناك َ منادٍ في نفسي‬ ‫قليلاً‪ .‬ههههه‪ .‬أصد ُقكِ القو َ‬ ‫ل لا‪.‬‬ ‫ل و يقو ُ‬ ‫يقول نعم وآخر يمقتُ الفع َ‬

‫‪-‬‬

‫ل‬ ‫أحسنت ياعلا ‪ ...‬هناك صوتُ الحقّ ِ والضمير ِ يقو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن الظلم ِ‪ .‬وهناك َ‬ ‫ِ‬ ‫سمعت تلك‬ ‫ِ‬ ‫لا‪ ،‬س ّيما بعدما‬ ‫الكلمات ع ِ‬ ‫ل نعم‪.‬‬ ‫سكِ الأمّارة ُ بالسوء ِ تقو ُ‬ ‫صوتُ نف ِ‬

‫‪-‬‬

‫ولأي منهما أستم ُع يا أم ّي؟‬ ‫ٍّ‬

‫‪-‬‬

‫حسب هدفكِ في الحياة ِ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ك على‬ ‫ك أنتِ ؟ ذل َ‬ ‫ما رأي ُ‬ ‫‪1٢8‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫هل تفك ّرين فقط بأن تحصلي على ماترغبين َه ُ في الدنيا‬

‫ِ‬ ‫برفع مرتبت ِكِ عند َ‬ ‫ولايهمّكِ أمرُ آخرت ِكِ ؟ أم ترغبينَ‬ ‫الل ّه ِ‪ ،‬و تحرصينَ على رضاه ُ عنك؟‬ ‫ت‬ ‫هذه ِ الأسئلة ُ يجبُ أن تجيبي عنها بمفردِك‪ ..‬فإن كن ِ‬ ‫ن الدنيا‬ ‫تؤثري َ‬ ‫ن ما يحب ّه ُ الل ّه ُ ورسول ُه‪ ،‬وترغبينَ بالآخرة ِ ع ِ‬ ‫كنت لا‬ ‫ِ‬ ‫ك‪ ،‬وإن‬ ‫صوت ضمير ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفانية ِ فستستمعينَ إلى‬ ‫ك جنة ٌ أم نار ٌ فيمكن ُكِ‬ ‫تبالينَ بآخرت ِكِ ولا إلى مصير ِ ِ‬ ‫سكِ ‪ ،‬وتنساقي وراء َ ظلم ِكِ ‪.‬‬ ‫أن تستمعي لهوى نف ِ‬ ‫أحب أن أكونَ تلكَ‬ ‫ّ‬ ‫أم ّي لقد صع ّبت ِها عليّ كثيرا ً ‪ ..‬أنا‬‫الفتاة َ الخلوقة َ البارّة َ القريبة َ من ر ّبِها‪ ..‬هذه ِ صورتي‬ ‫ك‬ ‫أحب أن أرسم َها في مخي ّلتي‪ .‬ل كنّ ذل َ‬ ‫ّ‬ ‫ال ّتي أتمن ّى أو‬ ‫صعب عليّ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫س البشر ي ّة ِ ‪ ..‬وهذا هو سببُ‬ ‫ٌ‬ ‫طبعا ً‬‫صعب على النف ِ‬ ‫‪1٢9‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫س ت ّتجه ُ نحو َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫التكليف‪ ..‬فعندما تجدي َ‬ ‫ِ‬ ‫ن طبيعة َ النف ِ‬ ‫ل‬ ‫سه‪ ،‬فهنا يحص ُ‬ ‫ي يأمرُها بعك ِ‬ ‫أمر ٍ معي ّنٍ‪ ،‬والأمرُ الإله ّ‬

‫الامتحانُ الذي إمّا أن يسوق َكِ إلى جن ّة ٍ أو نارٍ والعياذ ُ‬ ‫بالل ّه‪.‬‬

‫ل سهلا ً‬ ‫تكليف الل ّه ِ وأوامر ِه‪ ..‬فلو كانَ العد ُ‬ ‫ِ‬ ‫وهذا سرّ‬ ‫ن‪ ،‬لأن ّه ُ م ِن طبيعت ِه ِ‪ ،‬و لم‬ ‫ل إنسا ٍ‬ ‫س لقام َ به ِك ّ‬ ‫على النفو ِ‬

‫ن صدقَ محب ّته ِ لل ّه ِ والالتزا ِم بأوامر ِه ِ‪.‬‬ ‫يجاهد نفسَه ُ ليبره َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫س وحبّ ِها لذاتِها م ِن أج ِ‬ ‫جبل َنا الل ّه ُ على استئثارِ النف ِ‬

‫الحفاظِ عليها‪ ،‬ل كنّها إن لم تعرف حدود َها هذه ِ‪ ،‬وتجتهد‬ ‫في تشذيبِ نفس ِها أخذ َت أكثر َ من ح ّق ِها‪ ،‬فعاث َت‬ ‫ل‬ ‫ض؛ ولقد جع َ‬ ‫فسادا ً في الأر ِ‬ ‫ل الل ّه ُ غاية َ إرساله ِ للرس ِ‬

‫ل الل ّه ُ تعالى في سورة ِ الحديد‪:‬‬ ‫ل‪ ،‬قا َ‬ ‫إقامة َ العد ِ‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫‪171‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ‬ ‫ﭞﭟ ﭠﭡ ﭢﭣﭤﭥﭦ‬ ‫ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ‬

‫الحديد‪،‬‬

‫أساس‬ ‫ُ‬ ‫أساس الملكِ ‪ ،‬لأن ّه ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ن العد َ‬ ‫وكما قيل‪ ،‬فإ ّ‬

‫ِ‬ ‫الصلاح والخ ير ِ في الفردِ والأسرة ِ والم ِ‬ ‫جتمع‪ ،‬فإذا كانت‬ ‫هذه ِ القيمة ُ هي القيمة ُ الأساسي ّة ُ ال ّتي ي ُرب ّى عليها الفرد ُ‪،‬‬

‫العلاقات في الم ِ‬ ‫ل والدولة ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتُبنى على‬ ‫جتمع والعم ِ‬

‫الناس بسلا ٍم‬ ‫ُ‬ ‫وعاش‬ ‫َ‬ ‫جالات الحياة ِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ازدهرت جمي ُع م‬ ‫ن وخيرٍ عميم‪.‬‬ ‫وأما ٍ‬ ‫فعلينا يا بنتي أن نراعي َ هذه القيمة َ الهامّة َ‪ ،‬ونجعل َها‬

‫الأساس في بناء ِ الفردِ والم ِ‬ ‫ح‬ ‫جتمع‪ ،‬ونولي َها ح ّقها لتصب َ‬ ‫َ‬ ‫جزءا ً لا يتجز ّأ من منظومة ِ قيم وثقافة ِ الم ِ‬ ‫جتمع‪ ،‬عندها‬ ‫ِ‬

‫ل فردٍ‪،‬‬ ‫فقط نكونُ قد بنينا دولة َ الإسلا ِم في ِ‬ ‫قلب ك ّ ِ‬ ‫‪171‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل فردِ‬ ‫ض لينعم َ ك ّ‬ ‫و بها فقط تُبنى دولة ُ العدالة ِ في الأر ِ‬ ‫ن‪.‬‬ ‫فيها بالخ ير ِ والأما ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ل الل ّه َ أن‬ ‫صعب‪ .‬أسأ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ح ما تقولين َه ُ يا أم ّي ل كن ّه ُ‬ ‫صحي ٌ‬

‫يعين َني على نفسي‪.‬‬

‫أم ّي هل تسمحينَ لي أن أكمل َ القراءة َ معكِ حت ّى‬ ‫ل عليّ؟‬ ‫تشرحي لي ما استشك َ‬ ‫‪-‬‬

‫سعة ِ يا بنتي ‪ ..‬هات ِي ما عند َك‪.‬‬ ‫الرحب و ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫على‬

‫‪-‬‬

‫شكرا ً يا حبيبتي‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫ن‬ ‫ن التي ورد َت في القرآ ِ‬ ‫للصفات الأخرى للإنسا ِ‬ ‫ِ‬ ‫نأتي‬ ‫بصوت عالٍ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال كري ِم‪ ،‬سأقرأ‬

‫ﭧﭨ‬ ‫‪172‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ﭽ ﭻﭼ ﭽﭾ ﭿﮀﮁﮂ ﮃ ﮄﮅ‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﭼ‬

‫المعارج‪22 - 19 :‬‬

‫الهلع ‪ :‬الضجر ‪ ،‬الجزع ‪ :‬الخوف‬ ‫ن‬ ‫ن والأما ِ‬ ‫ن المأم ِ‬ ‫فشعور ُ المرء ِ (بالجزع) يجعل ُه ُ يبحثُ ع ِ‬ ‫رؤوف‬ ‫ِ‬ ‫العليم‪ ،‬ال‬ ‫حكيم‬ ‫ِ‬ ‫والتي لن يجد َها إلا عند َ القادرِ ال ِ‬

‫صلات ُه هي ال كفيلة ُ بأن تعطي َه ُ هذا الأمانَ الذي‬ ‫الرحيمِ‪ ،‬و َ‬ ‫يبحثُ عنه إن أحسن َها وأتقن َها‪.‬‬ ‫س البشر ي ّة ِ لا يعني أن ّنا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫عز وج ّ‬ ‫بصفات النف ِ‬ ‫وإقرار ُ الل ّه ِ ّ‬

‫ل جلال ُه‬ ‫ص منها‪ ،‬بل تعني أن ّه ُ ينبّ ِه ُنا ج ّ‬ ‫لا نستطي ُع أن نتخل ّ َ‬ ‫سنا‬ ‫ن هذه الصفة َ موجودة ٌ‪ ،‬فإن لم نس َع لتزكية ِ أنف ِ‬ ‫إلى أ ّ‬ ‫س‪،‬‬ ‫وتشذيب ِها فسيظهر ُ أثر ُها السلب ِيّ و ي َعظم ُ حجم ُها في النف ِ‬ ‫فنعاني من آلام ِها ونتائج ِها السلبي ّة ِ في حياتنِا وشخصي ّت ِنا‪.‬‬

‫ل‪( :‬إلا‬ ‫ل وعلا قا َ‬ ‫وطر يقة ُ التشذيبِ تكونُ بالصلاة ِ‪ ،‬لأن ّه ُ ج ّ‬ ‫‪173‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫المصل ّين)‪.‬‬ ‫خاف‬ ‫النفس فلا تجزع ُ ولا ت ُ‬ ‫َ‬ ‫أم ّي ‪ ...‬كيف تصوغ ُ الصلاة ُ‬‫ولا تمن ُع الخ ير َ؟‬ ‫تصف المصل ّين؟‬ ‫ُ‬ ‫الآيات التي‬ ‫ِ‬ ‫ت قراءة َ بقي ّة ِ‬ ‫هلا ّ أكمل ِ‬‫يصف المصل ّين ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫اممم ‪ ..‬صحيح‪ .‬إ ّ‬‫ن الل ّه َ‬

‫ﭧﭨﭽ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ‬ ‫ﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯﮰ ﮱﯓﯔﯕ‬ ‫ﯖ ﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜ ﯝﯞﯟﯠ ﯡ‬ ‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬ ‫‪174‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬ ‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﭼ‬ ‫ات‬ ‫ن السلوكي ّ ِ‬ ‫ن الصلاة َ يا بنتي ت ُملي عليه ِ مجموعة ً م ِ َ‬ ‫إ ّ‬‫لاحظت ذلك؟‬ ‫ِ‬ ‫والمعتقدات؛ هل‬ ‫ِ‬ ‫نعم يا أم ّي واستغربتُ ‪ .‬الصفة ُ الأولى وهي الاستمرار ُ على‬‫ل‬ ‫حرص عليها أفهم ُها‪ ،‬ول كن ّه ُ ج ّ‬ ‫المحافظة ِ على الصلاة ِ وال ُ‬ ‫ن‬ ‫ن الزكاة ِ ثم ّ عقيدة ِ الإيما ِ‬ ‫وعلا يتجاوز ُ ذل َ‬ ‫ك إلى الحديثِ ع ِ‬ ‫الزواج‪،‬‬ ‫عذاب الل ّه ِ‪ ،‬ثم ّ العفة ِ في‬ ‫ِ‬ ‫خوف م ِن‬ ‫باليو ِم الآخر ِ وال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل والأمانة ِ في الكلمة ِ وذل َ‬ ‫ل أو الأمانة ِ في الما ِ‬ ‫والعفة ِ في الما ِ‬ ‫ل جلال ُه ُ ويرك ّز ُ على فكرة ِ‬ ‫بالشهادة ِ الصادقة ِ‪ ،‬ثم ّ يعود ُ ج ّ‬ ‫المحافظة ِ على الصلاة ِ‪.‬‬ ‫الصفات نبّه َنا إلى المداومة ِ على الصلاة ِ‪ ،‬وهنا يرك ّز ُ‬ ‫ِ‬ ‫في بداية ِ‬ ‫ل وعلا على المحافظة ِ عليها‪ ..‬ما الفرقُ يا أم ّي؟‬ ‫ج ّ‬ ‫‪175‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن المحافظة ِ؛ فدوام ُهم‬ ‫أحسنت يا علا‪ ،‬الدوام ُ ي ُ‬ ‫ِ‬ ‫‬‫ختلف ع ِ‬ ‫عليها أن يحافظوا على أدائِها لا يخل ّونَ بها ولا يشتغلون عنها‬

‫ل‪ ،‬ومحافظت ُهم عليها أن يراع ُوا إسباغَ‬ ‫بشيء ٍ م َ‬ ‫ن الشواغ ِ‬

‫الوضوء ِ لها ومواقيت َها‪ ،‬و يقيموا أركانَها‪ ،‬و يكملوها بسنن ِها‬ ‫باقتراب المأث ِم؛‬ ‫ِ‬ ‫ن الإحباطِ‬ ‫وآدابِها وخشوعِها‪ ،‬و يحفظوها م ِ َ‬ ‫الصلوات نفس ِها‪ ،‬والمحافظة ُ إلى أحوال ِها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فالدوام ُ يرج ُع إلى‬

‫عندما تصل ّين يا بنتي خاشعة ً‪ ،‬مدركة ً أن ّكِ بينَ يدي الجب ّارِ‬

‫ل منه مهما علا شأنه ُ‬ ‫ل شيء ٍ لن تخافي مم ّن أق ّ‬ ‫القادرِ على ك ّ ِ‬ ‫فهو مجر ّد ُ عبدٍ عند َ م َن تقفينَ بينَ يديه‪ ،‬عندما تصل ّينَ وأنتِ‬ ‫ن هذه ِ‬ ‫ن‪ ،‬و أ ّ‬ ‫مدركة ٌ أن ّكِ تقفينَ مع أعلى سلطة ٍ في ال كو ِ‬ ‫ل ما‬ ‫سكِ ‪ ،‬م ّ‬ ‫سلطة َ عادلة ٌ‪ ،‬تعلم ُ مافي نف ِ‬ ‫ال ّ‬ ‫طلعة ً وعليمة ً بك ّ ِ‬ ‫يجري‪ ،‬ولا يخفى عليها شيء ٌ م ِن أمورِ العبادِ‪ ،‬تعلم ُ السر ّ‬

‫فكيف تخافين!‬ ‫َ‬ ‫وأخفى‪،‬‬

‫‪17٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫يف الأقدارِ‬ ‫بلطف الل ّه ِ وحكمت ِه ِ في تصر ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعندما تثقينَ‬ ‫فكيف لا تطمئن ّين! وعندما تتذك ّرين‬ ‫َ‬ ‫ومحب ّت ِه ِ للمؤمنينَ به‪،‬‬ ‫ن حقوقَ‬ ‫فكيف لا تؤدّي َ‬ ‫َ‬ ‫حساب وتخافينَ عذابَ الل ّه ِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يوم َ ال‬ ‫الوقت ذات ِه ِ ستعلمينَ‬ ‫ِ‬ ‫العبادِ وتعدلينَ فيما مل كَت يداكِ؟ وفي‬ ‫صه ُ في اليو ِم‬ ‫ل العبادِ سيأتيكِ ق َصا ُ‬ ‫أ ّ‬ ‫ن أيّ ظلم ٍ م ِن ق ِب َ ِ‬ ‫ل في قلبكِ الاطمئنانَ والسكينة َ‪،‬‬ ‫الآخر ِ‪ ..‬وهذا سي ُدخ ُ‬ ‫ل الل ّه ِ‪.‬‬ ‫والثقة َ بعد ِ‬ ‫هذه ِ هي صفة ُ الصلاة ِ التي يجبُ أن توصل َكِ إلى تلك‬ ‫ن والأمانَ والسكينة َ‬ ‫المعاني‪ ،‬والتي تسكبُ في قلب ِكِ الأم َ‬ ‫والاطمئنانَ‪.‬‬ ‫ما أعذبَ كلام َكِ يا أم ّي‪ ...‬ما أعظم َ هذه ِ المعاني!‬‫مرتين أحسستُ‬ ‫مرة ً أو ّ‬ ‫هذه ِ الصلاة ُ لم أصل ّها كثيراً‪ ،‬رب ّما ّ‬ ‫بمشاعر ِ الحضورِ أو ال ِ‬ ‫خشوع ل كنّها لا تتجاوز ُ ر ُكيعات‪.‬‬

‫‪177‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫داومت على صلات ِكِ بخشوعِها وحضورِها مع الل ّه ِ‬ ‫ِ‬ ‫لو‬‫ت عليها م ِن‬ ‫جبل ِ‬ ‫لصاغ َت نفسَكِ ‪ ،‬وحمتكِ م ِن صفاتِها التي ُ‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومنع للخير ِ‪.‬‬ ‫وهلع‬ ‫خوف‬ ‫ٍ‬

‫س‬ ‫فعلا ً يا أم ّي هذا القرآنُ عظيم ٌ ‪ ...‬يشر ُ‬‫ح طبيعة َ النف ِ‬ ‫ل عنه! وفيه‬ ‫كيف نغف ُ‬ ‫َ‬ ‫ن واحدٍ‪،‬‬ ‫ج بآ ٍ‬ ‫البشر ي ّة ِ و يعطينا العلا َ‬ ‫ح سعادت ِنا ؟!‬ ‫مفاتي ُ‬ ‫ح ّقا ً ما أغبانا عندما نقرؤ ُه ُ دونَ أن نتفك ّر َ ونتدب ّر َ!‪ ..‬إن ّنا‬ ‫ك‬ ‫ن السعادة ِ‪ .‬أشكر ُ ِ‬ ‫نخسر ُ ال كنوز َ التي فيه ِ‪ ،‬ونبتعد ُ ع َن مكام ِ‬ ‫ق قلبي‪..‬‬ ‫يا أم ّي م ِن أعما ِ‬ ‫سكِ‬ ‫ إن ّي سعيدة ٌ يا بنتي لهمّت ِكِ وسعي ِكِ في تشذيبِ نف ِ‬‫حب ر ب ّنا‪ ..‬أكملي يا بنتي القراءة َ‪.‬‬ ‫ل على صوغ ِها كما ي ّ‬ ‫والعم ِ‬ ‫ك الحمد ُ أن أكرمت َني بأ ٍمّ حنونة ٍ‪،‬‬ ‫مل َ‬ ‫ك يا حبيبتي‪ ..‬الله ّ‬ ‫أشكر ُ ِ‬‫ك‪ .‬سأكمل ُ يا غالية‪:‬‬ ‫ك وتحب ّ َ‬ ‫تعرف ُ َ‬ ‫‪178‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫س البشر ي ّة ِ ‪ :‬الع َج َ ُ‬ ‫صفة ُ النف ِ‬

‫ﭧ ﭨ ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬ ‫ﭫﭬﭼ‬

‫سورة الأنبياء ( ‪) 37‬‬

‫ﭧ ﭨ ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ‬ ‫ﮁ ﮂﮃ ﭼ‬

‫الإسراء ( ‪. )11‬‬

‫ل كثيرا ً من أمنيات ِه ِ‬ ‫طب َع الإنسانُ على العجلة ِ‪ ،‬فيستعج ُ‬ ‫أي ُ‬ ‫وطلبات نفسه ِ‪ ،‬وإن كان َت مضرّة ً أو فيها هلاك ُه ُ وهو لايعلم!‬ ‫ِ‬ ‫هدف‬ ‫ٍ‬ ‫ن محر ّكا ًيحر ّكه ُ نحو‬ ‫ل في الإنسا ِ‬ ‫ن هذه ِ الع َجَلَة َ تمث ّ ُ‬ ‫كما أ ّ‬ ‫الأهداف أمام َه ُ مرسومة ٌ‪ ،‬وليس عنده ُ داف ٌع‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ما‪ ،‬فلو أ ّ‬ ‫كبَ في‬ ‫يدفع ُه ُ نحوها‪ ،‬لبق َي في مكانه ِ ساك نا ً‪ .‬لذلك ر ُ ِّ‬ ‫ق م ِن‬ ‫ن الإنسانَ عَجول‪ .‬خ ُل َ‬ ‫ن ما وصف َه القرآنُ بأ ّ‬ ‫الإنسا ِ‬ ‫‪179‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫عَجَل‪.‬‬ ‫ن دوافعُ‬ ‫ق في الإنسا ِ‬ ‫هذه الع َجَلَة ُ بمعنى السرعة‪ ،‬أي خ ُل ِ َ‬ ‫قو ية ٌ تدفع ُه ُ إلى أهدافه ِ‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬وتستله ِم‬ ‫عز وج ّ‬ ‫هذه ِ القو ّة ُ المحر ّكة ُ إن لم تهتدِ به َدي الل ّه ِ ّ‬ ‫ح قو ّة ً مدم ِّرة ً‪،‬‬ ‫ن‪ ،‬وتلتزم أمرَ الل ّه ِ ونهي َه ِ تصب ُ‬ ‫ق ال كو ِ‬ ‫م ِن خال ِ‬

‫كب َت فينا إلى هلاكِ نا‪ ،‬فالخطأ‬ ‫أيّ تفضي العجلة ُ التي ر ُ ِّ‬ ‫كت‬ ‫ن هذه ِ العجلة َ تحر ّ َ‬ ‫ليس في العجلة ِ‪ ،‬ول كنّ الخطأ في أ ّ‬

‫ٍ‬ ‫شرع يهتدي به ِ الإنسانُ إلى سواء ِ‬ ‫ن‬ ‫ن م ِقو َد‪ ،‬م ِن دو ِ‬ ‫م ِن دو ِ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫السبي ِ‬ ‫‪-‬‬

‫أم ّي‪ ..‬لم أفهم بدق ّة ٍ‪ ...‬العجلة ُ هي جزء ٌ م ِن تركيب ِنا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بشرع الل ّه ِ‪.‬‬ ‫ح مضرّة ً إن لم نلتزم‬ ‫ل كنّها تصب ُ‬

‫ن اندفاعي نحو َ شيء ٍ‬ ‫كيف أعلم ُ أ ّ‬ ‫َ‬ ‫ول كن كيف؟ أقصد ُ‬

‫ل في‬ ‫استحوذ َ على فكري هو عجلة ٌ مفرطة ٌ؟ ولا أتساه ُ‬ ‫‪181‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل عنه بحج ّة ِ أن ّي لا أريد ُ أن أكونَ‬ ‫ل شيء ٍ وأتكاس ُ‬ ‫عم ِ‬ ‫كيف أوازنُ يا أم ّي بينَ المفهومين؟‬ ‫َ‬ ‫عجولة ً؟‬ ‫‪-‬‬

‫أناس يتكاسلونَ أو يتماهلونَ‬ ‫أدركتُ ما تقصدين‪ .‬هناك َ ٌ‬ ‫ل ويستدل ّونَ‬ ‫في أعمال ِهم بحج ّة ِ أن ّنا يجبُ ألا نستعج َ‬ ‫بالآية‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫ل شيء ٍ و يقولونَ توكّلنا‬ ‫ح يا أم ّي ‪ ..‬لا يريدونَ فع َ‬ ‫صحي ٌ‬ ‫على الل ّه ِ ‪ ..‬لو أراد َ الل ّه ُ الأمرَ لحدث!‬

‫‪-‬‬

‫ن وعد ِم الحركة ِ أي‬ ‫ق بينَ الركو ِ‬ ‫هناك َ فرقٌ دقي ٌ‬ ‫ل على الل ّه ِ وعد ِم‬ ‫ل‪ ،‬وبينَ الحركة ِ م َع التوكّ ِ‬ ‫التواك ِ‬ ‫ل الأمر ِ؛ فالل ّه ُ أم َرَنا بالحركة ِ‪ ،‬وركّ بَ فينا هذا‬ ‫استعجا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ودفع عجلة ِ الحياة ِ‪ ،‬ول كن‬ ‫ل‬ ‫المحرّك َ الذي يدفع ُنا لتعجي ِ‬ ‫ن وهو يتحر ّك ُ وي ّتخذ ُ‬ ‫ق وحكمة ٍ بليغة ٍ‪ ،‬فالمؤم ُ‬ ‫ن دقي ٍ‬ ‫بتواز ٍ‬

‫ل شيء ٍ يسير ُ بقدرِ الل ّه ِ‬ ‫ن ك ّ‬ ‫الأسباب يعلم ُ أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫جمي َع‬ ‫‪181‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل والحركة ِ‪،‬‬ ‫وحكمت ِه ِ‪ ..‬يدرك ُ أن ّه ُ مجر ّد ُ وسيلة ٍ للعم ِ‬

‫ِ‬ ‫الصحيح الذي‬ ‫ول كنّ حركت َه ُ هذه ِ قد لا تكونُ بالاتجاه ِ‬

‫الموقف كل ّه ُ‪ ،‬و يقصر ُ نظر َه ُ عن‬ ‫َ‬ ‫يسعد ُه‪ ،‬لأنه ُ لا ي ُدرك ُ‬ ‫ق‬ ‫س توفي َ‬ ‫ك يتلم ّ ُ‬ ‫الغيب وما يدور ُ وراء َه‪ ...‬لذل َ‬ ‫ِ‬ ‫معرفة ِ‬ ‫ق حركت ُه قدر َ الل ّه ِ الخ ي ّر َ‪ ،‬فلا‬ ‫الل ّه ِ في حركت ِه ِ‪ ،‬حت ّى تواف َ‬ ‫ل فترة ِ الانتظارِ‬ ‫ل م ِن طو ِ‬ ‫ل النتائج َ ولا يم ّ‬ ‫يستعج ُ‬ ‫ق بيدِ الل ّه ِ التي لا‬ ‫ل‪ ..‬إن ّه ُ يث ُ‬ ‫والترق ّ ِ‬ ‫ج أو نتيجة ِ عم ٍ‬ ‫ب لف َر َ ٍ‬ ‫ل‪ ،‬و يدعو‬ ‫ل دونَ استعجا ٍ‬ ‫تقود ُه إلا إلى خيرٍ‪ ..‬فيعم ُ‬ ‫بوقت معي ّنٍ‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫طلب للحصو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ل أو‬ ‫عز وج ّ‬ ‫ل دونَ مل ٍ‬ ‫الل ّه َ ّ‬

‫ن‬ ‫ل أمورِه ِ‪ .‬هذا هو المؤم ُ‬ ‫إن ّه ُ يتل ّ ُ‬ ‫مس نور َ الل ّه ِ وهدي َه ِ في ك ّ ِ‬ ‫ن‬ ‫س‪ ،‬يعلم ُ أ ّ‬ ‫يابنتي‪ ..‬يسير ُ على نورٍ م ِن رب ّه ِ‪ ،‬هادئ َ النف ِ‬

‫بوقت معي ّنٍ‪ ..‬وما عليه ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ق بقد ٍر محكمٍ و‬ ‫ل شيء ٍ خ ُل ِ َ‬ ‫ك ّ‬

‫ل ويتوكّ َ‬ ‫إلا أن يعم َ‬ ‫ل على الل ّه ِ‪ ،‬ويسلّم َ أمرَه ُ للحكيمِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ل؛ لذا فالمؤم ُ‬ ‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫الخبير ِ بعد َ استنفاد‬ ‫الأسباب للعم ِ‬ ‫‪182‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫خاف من أحدٍ‪ ،‬ولا‬ ‫يجزع ُه ُ شيء ٌ‪ ،‬ولا ي ُ‬ ‫ل لا ُ‬ ‫مطمئ ّن البا ِ‬

‫ل الل ّه ِ ‪:‬‬ ‫ل‪ .‬وهناك َ دعاء ٌ علّم َنا إ ي ّاه ُ رسو ُ‬ ‫يقلق ُه ُ المستقب ُ‬

‫ك وبارك لي فيما ق ُ ّدر َ لي‪ ،‬حت ّى‬ ‫( الله ّم رضّ ني بقضائ ِ َ‬

‫ل ما أخّرتَ ‪ ،‬ولا تأخير َ ما عجّلتَ )‬ ‫أحب تعجي َ‬ ‫ّ‬ ‫لا‬ ‫ل القلبَ ‪ ..‬هذه ِ هي‬ ‫ يا الل ّه ُ ما أحلى الإيمانَ عندما ي ُداخ ُ‬‫السعادة ُ ح ّقاً‪ .‬رائ ٌع كلام ُكِ يا أم ّي ‪ ..‬رائع ‪..‬‬

‫أقبلتُ على يدِ أم ّي أقب ّل ُها وأحتض ُ‬ ‫ن هذا القلبَ العامرَ‬ ‫ن‪...‬‬ ‫بالإيما ِ‬

‫ن‬ ‫ِ‬ ‫شكرا ً يا أم ّي ‪ ..‬جمي ُع‬‫الكلمات لاتكفي و لا تعب ّر ُ ع ِ‬ ‫ل أن وهبني أمّا ً‬ ‫عز وج ّ‬ ‫امتناني وشكري ل ِ‬ ‫ك‪ ،‬وحمدي لل ّه ِ ّ‬ ‫ك‬ ‫ل وجه َ‬ ‫ك الحمد ُ حمدا ً كثيرا ً كما ينبغي لجلا ِ‬ ‫مثل َكِ ‪ ..‬الله ّم ل َ‬

‫ك‪.‬‬ ‫وعظيم سلطان ِ َ‬ ‫ِ‬

‫ل‬ ‫كنت تطلبينَ من ّي عدم َ استعجا ِ‬ ‫ِ‬ ‫أتذك ّر ُ كلمات ِكِ عندما‬ ‫‪183‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق ‪ ....‬كنتُ أستم ُع إليكِ‬ ‫ب والقل ِ‬ ‫ل في الترق ّ ِ‬ ‫الدعاء ِ أو المل ِ‬ ‫وأهز ّ رأسي ل كن ّي لم أستوعب ح ّقا ً هذه ِ المعاني‪ ،‬كنتُ‬ ‫ل وتطلبُ من ّي‬ ‫كيف لا أستعج ُ‬ ‫َ‬ ‫ل في نفسي‬ ‫أنظر ُ إليكِ وأقو ُ‬ ‫ق!! لقد بذلتُ مافي وسعي‬ ‫أم ّي أن أكونَ صبورة ً ولا أقل ُ‬ ‫ل على ماسعيتُ إليه ِ‪.‬‬ ‫وأريد ُ أن أحص َ‬ ‫كيف يسم ُع الكلام َ أحيانا ً‬ ‫َ‬ ‫غريبٌ يا أم ّي هذا الإنسانُ‬ ‫ل كن ّه ُ لا يعي! يسم ُع بأذنيه ِ لا بعقل ِه ِ وقلب ِه ِ!! أعتذر ُ ياأم ّي عم ّا‬ ‫ل‪ .‬ح ّقا ً لم أفهم وقتذاك َ ماذا‬ ‫بدر َ من ّي سابقا ً م ِن تأف ّ ٍ‬ ‫ف وتملم ٍ‬ ‫للأسف لو وعيتُ ما تقولينَ لوف ّرتُ على نفسي‬ ‫ِ‬ ‫تقصدين‪،‬‬ ‫عناء ً كثيراً‪.‬‬ ‫لا عليكِ يابنتي‪ ،‬إ ّنها طبيعة ُ البشر‪ ،‬كل ّما اقتربوا من ر ّبهم‬‫رق ّت قلو بُهم ووع َت عقول ُهم‪ ،‬وكل ّما غف ِلوا وانشغل ُوا بالدنيا‬

‫القلب‬ ‫ِ‬ ‫ن الهدى‪ ،‬واستما ِع‬ ‫وأسرف ُوا في الملذ ّ ِ‬ ‫ات كانوا أبعد َ ع ِ‬

‫ِ‬ ‫ك أطلبُ منكِ دائما ً أن تكوني‬ ‫للنصح والحقّ ِ‪ .‬لذل َ‬ ‫ل‬ ‫والعق ِ‬ ‫‪184‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ات‬ ‫طلب الدنيا والآخرة ِ‪ ،‬بينَ الطاعة ِ والملذ ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫متوازنة ً في‬ ‫جبُ عقل ُكِ‬ ‫يح َ‬ ‫ل‪ ،‬فلا ت ُسرفي وتتماد َي فيقسو قلب ُكِ و ُ‬ ‫الحلا ِ‬ ‫ِ‬ ‫سماع الحقّ ِ‪.‬‬ ‫عن‬

‫ح يابنتي هي التي ت ُشع ِر ُ الإنسانَ بالسعادة ِ‪ ،‬وسعادتُها‬ ‫ن الرو َ‬ ‫إ ّ‬

‫ح وليسَت مادّة ً‪..‬‬ ‫ليست في الأشياء ِ المادي ّة ِ‪ ،‬لأ ّنها رو ٌ‬

‫ل تعالى‪( :‬ونفختُ فيه ِ م ِن‬ ‫سعادتُها في ات ّصال ِها بأصل ِها‪ ..‬قا َ‬ ‫ِ‬ ‫حنا‬ ‫ن رو َ‬ ‫روح الل ّه ِ ‪ ..‬إ ّ‬ ‫ت هذا المعنى؟ م ِن‬ ‫روحي) هل وعي ِ‬ ‫وتأنس بذكر ِه ِ‬ ‫ُ‬ ‫ل به ِ‬ ‫تنتمي إلى هناك‪ ..‬لذا فهي تتطل ّ ُع للات ّصا ِ‬ ‫وتسعد ُ بقرب ِه ِ‪ ..‬وهذه ِ هي السعادة ُ‪ .‬أمّا الجسد ُ فطعام ُه ُ‬ ‫ل والشربُ والمت ُع الحسي ّة ُ م ِن مناظر َ طبيعي ّة ٍ وروائح َ‬ ‫الأك ُ‬ ‫ل فغذاؤه ُ العلم ُ والمعرفة ُ‪ ...‬والإنسانُ‬ ‫جميلة ٍ‪ ....‬وأمّا العق ُ‬ ‫المت ّز ِنُ والسعيد ُ هو الذي يوازنُ بينَ مكوناته ِ جميعا ً‪ ،‬و يعطي‬ ‫ت فهي روح ُكِ‬ ‫حق ح ّقه ُ م ِن طعام ِه ِ‪ ،‬فإذا ملل ِ‬ ‫ل ذي ّ ٍ‬ ‫ك ّ‬ ‫ك‪ ..‬وغذاؤها‬ ‫التي قد مل ّت وتطلبُ غذاء َها‪ ،‬وليس جسد ُ ِ‬ ‫‪185‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل بخالق ِها‪ .‬و أحيانا ً عندما تقرئين علوما ً‬ ‫العبادة ُ والات ّصا ُ‬ ‫ل‬ ‫ك على تناو ِ‬ ‫ن الل ّه ِ وتخاطبُ روح َكِ فهي تساعد ُ ِ‬ ‫تقر ّب ُك م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫غذاء ِ‬ ‫ح شهي ّت َكِ‬ ‫بالفيتامينات التي تفت ُ‬ ‫ِ‬ ‫الروح‪ ،‬إ ّنها أشبه ُ‬

‫ك ما كتبت ُه ُ‬ ‫وعيت ما أقو ُ‬ ‫ِ‬ ‫عرفت و‬ ‫ِ‬ ‫للعبادة ِ‪ ..‬هل‬ ‫ل؟ سأقرأ ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل الاجتماعيّ (الفيس بوك)‬ ‫قبل فترة ٍ في‬ ‫موقع التواص ِ‬

‫ِ‬ ‫الموضوع ‪:‬‬ ‫ل هذا‬ ‫حو َ‬

‫سك‪ ..‬فاعلم‬ ‫شتات في نف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ك أو‬ ‫ض في قلب َ‬ ‫إذا أحسستَ بقب ٍ‬ ‫لركب‬ ‫ِ‬ ‫ك كي تلتفتَ إلى ا‬ ‫خ روح َ َ‬ ‫أن ّه ُ نداء ٌ علويّ يستصر ُ‬ ‫ن‬ ‫السائر ِ إلى الل ّه ِ‪ ،‬فتوحّد َ القبلة َ و تذر َ ما أنتَ غارقٌ فيه ِ م ِ َ‬ ‫ل‬ ‫ص والأشياء ِ‪ ..‬وت ّتجه َ بكل ّي ّت َ‬ ‫ق بالأشخا ِ‬ ‫العلائ ِ‬ ‫ك إلى أص ِ‬ ‫ِ‬ ‫منبع سمو ّك َ‪..‬‬ ‫وجودِك َ و‬

‫ك تستجيبُ لنداء ِ ( و نفختُ فيه ِ من روحي)‬ ‫ن روح َ‬ ‫إ ّ‬ ‫فأيّ ( ياء ٍ ) أعظم ُ من هذه !!!!!‬

‫‪18٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ِ‬ ‫ك نائم ٌ!!!‬ ‫سماع النداء ِ فاعلم أن ّ َ‬ ‫ّت الآذانُ عن‬ ‫فإذا صُم ِ‬ ‫ل‪ ،‬ل كنّ‬ ‫اممم ‪ ....‬نعم يا أم ّي ‪ ..‬لقد أخبرت ِني م ِن قب ُ‬‫ل‬ ‫ل معه ُ‪ ،‬وكأن ّي أو ُ‬ ‫ل عقلي وقلبي ويتفاع ُ‬ ‫كلام َكِ الآنَ يدخ ُ‬ ‫مرة ٍ أسمع ُه!‬ ‫ّ‬

‫ل غريبٌ هذا‬ ‫نعم ‪ ..‬بل أ ّو ُ‬ ‫مرة ٍ أعيه ِ ح ّقاً‪ .‬بالفع ِ‬ ‫ل ّ‬

‫الإنسانُ!!! غريبٌ ح ّقا ً!‬

‫ن‬ ‫ف اليوم َ وأتاب ُع غدا ً بإذ ِ‬ ‫ق‪ ..‬أظنّ أن ّي سأتوق ّ ُ‬ ‫أشعر ُ بالإرها ِ‬ ‫الل ّه‪ ،‬فأنا الآنَ جاهزة ٌ للنوم‪.‬‬ ‫سمت أم ّي وهز ّت رأس َها قائلةً‪:‬‬ ‫تب ّ‬ ‫ف عن‬ ‫ن رأسك يؤلم ُك‪ ،‬ونفسَكِ تطلبُ منكِ التوق َ‬ ‫‪-‬لاب ّد أ ّ‬

‫ِ‬ ‫أليس كذلك؟‬ ‫َ‬ ‫الاستماع‪ ،‬فقد أسمعت ُها مايُؤلم ُها‪.‬‬

‫ههههه ‪ ..‬صحيح ‪ ..‬لقد سمع َت كلاما ً قاسيا ً عليها‪ ،‬أعان َني‬‫‪187‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الل ّه ُ على نفسي َ الأمّارة ِ بالسوء ِ‪ ....‬تصبحينَ على خيرٍ أم ّي‪.‬‬ ‫ض الأذكارِ‬ ‫وأنتِ بخ يرٍ يا علا‪ ..‬لا تنس َي أن تقومي ببع ِ‬‫ل النوم‪.‬‬ ‫قب َ‬ ‫ن الل ّه ِ يا أم ّي‪.‬‬ ‫ل بإذ ِ‬ ‫سأفع ُ‬‫ثم ّ قبّلتُ رأس َها ويد َها‪ ،‬وقلبي يدعو لها ويحمد ُ الل ّه َ على أن‬ ‫ن مثلها‪.‬‬ ‫منّ عليّ بأ ٍمّ حنو ٍ‬

‫‪188‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪– 12‬‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫(إذا انشغل هذا الطائر باملأكولت وامللهيات في قفصه‬ ‫الجميل‪ ،‬وظن أن هذا هو كونه وفضاؤهُ‪ ،‬ظل بقية عمره‬ ‫حبيس قفصهُ‪ ،‬ولن يذوق حالوة الحرية خارج قفصه‪ .‬مع أن‬ ‫السماء هي بيته الحقيقي وليس القفص) ُ‬

‫ك شاردة ً يا علا؟‬ ‫مالي أرا ِ‬‫لا شيء َ يا أم ّي كنتُ أفك ّر ُ فقط‪.‬‬‫‪189‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن المدرسة ِ وأنتِ مشغولة ُ البا َ‬ ‫ت مِ َ‬ ‫بماذا؟ منذ ُ أن جئ ِ‬‫ل‪ .‬خيرا ً‬ ‫إن شاء َ الل ّه ُ؟‬ ‫قفزتُ إلى أم ّي وقبّلتُ وجنتيها الدافئتينِ وقلتُ ‪:‬‬ ‫ح‪ ،‬أن ّكِ تعرفينني أكثر َ م ِن نفسي‪ ..‬أحب ّكِ ياأم ّي‪.‬‬ ‫صحي ٌ‬‫أعرف ‪ ...‬هههههه ‪ ...‬ماذا بعد َ ذلك؟‬ ‫ُ‬ ‫‬‫ن أن تعرفي بماذا أفك ّر؟‬ ‫ك يا أم ّي‪ ...‬تريدي َ‬ ‫امممم ‪ ...‬ما أحلا ِ‬‫ت البارحة َ‪ ،‬وقد أحضر َت صور َ حفلت ِها‬ ‫خطب َ ِ‬ ‫رفيقتي مها ُ‬ ‫وشاهدناها جميعاً‪.‬‬ ‫ك الزينة ُ م ِن‬ ‫ل ج ّداً‪ ،‬وكذل َ‬ ‫تبدو حفلة ً رائعة ً‪ ،‬ثو بُها جمي ٌ‬ ‫أساور َ و قلائد‪ ...‬كان َت تبدو سعيدة ً ج ّداً‪.‬‬ ‫ك‪.‬‬ ‫ك زوجا ً صالحا ً يسعد ُ ِ‬ ‫مبارك ٌ لها‪ ..‬أسأ ُ‬‫ل الل ّه َ ل ِ‬ ‫لابأس به ِ‪ ،‬أيقظتني تنهيدة ُ أم ّي‬ ‫َ‬ ‫كلمات أم ّي وقتا ً‬ ‫ِ‬ ‫شردتُ في‬ ‫‪191‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫وسؤال ُها‪:‬‬ ‫ن هناك َ‬ ‫ل ذلك؟!!! لاب ّد أ ّ‬ ‫ثم ّ ماذا يا علا؟ أحفلة ٌ تشغل ُكِ ك ّ‬‫شيئا ً آخر َ‪.‬‬ ‫احمر ّ وجهي خجلا ً‪ ،‬وبدوتُ كأن ّي أراوغ ُ ولا أريد ُ الحديثَ ‪ ،‬أو‬ ‫كيف أسرد ُ خواطري‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ل أو‬ ‫لعل ّي لم أعرف ماذا أقو ُ‬ ‫الزواج‪ ،‬ولماذا‬ ‫ن وحقيقة ِ فكرة ِ‬ ‫ل يا أم ّي عن دورِ الإنسا ِ‬ ‫أتساء ُ‬‫ِ‬ ‫ومانسيات‬ ‫ٍ‬ ‫نر‬ ‫الفتيات يصبح َ‬ ‫ِ‬ ‫عندما ترد ُ هذه ِ الفكرة ُ أغلبُ‬

‫ٍ‬ ‫رحب؟‬ ‫ٍ‬ ‫واسع‬ ‫ل‬ ‫ن في خيا ٍ‬ ‫ن بفتى أحلام ِهنّ ‪ ،‬و يحل ّق َ‬ ‫و يحلم َ‬ ‫ن؟‬ ‫أهي م ِن طبيعة ِ الفتاة ِ والإنسا ِ‬ ‫ابتسم َت أم ّي قائلةً‪:‬‬

‫ن‪ ،‬وهو جزء ٌ م ِن طبيعة ِ‬ ‫ج دور ٌ طبيعيّ في حياة ِ الإنسا ِ‬ ‫ الزوا ُ‬‫الشهوات‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ن الل ّه َ خل َ‬ ‫س البشر ي ّة ِ‪ ،‬تطلب ُه ُ وترغبُ به ِ‪ ،‬لأ ّ‬ ‫النف ِ‬ ‫‪191‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الشاب والفتاة ُ في هذا الدور‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ن حت ّى يرغبَ‬ ‫عند َ الإنسا ِ‬ ‫ليس دورا ً سهلاً‪ ،‬فهم بهذا الارتباطِ ينشئونَ أسرة ً‪،‬‬ ‫إن ّه َ‬ ‫ل ما في‬ ‫والتي بدورِها ستكونُ مسؤولة ً عن‬ ‫إنتاج أفض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق‪..‬‬ ‫الوجودِ م ِن خل ٍ‬ ‫ك لاب ّد أن‬ ‫ل ذل َ‬ ‫إن ّه الإنسانُ خليفة ُ الل ّه ِ في أر ِ‬ ‫ضه ِ‪ ..‬من أج ِ‬ ‫التضحيات لأسرت ِه ِ‪ ،‬وترغبَ‬ ‫ِ‬ ‫ج بتقدي ِم هذه ِ‬ ‫يرغبَ الزو ُ‬

‫ل إعمارِ هذه ِ الأسرة ِ و بناء ِ‬ ‫الزوجة ُ بتقديم ِها هي أيضا ً من أج ِ‬ ‫ن اللازم َينِ لاحتواء ِ المولودِ الجديد‪.‬‬ ‫ن الدفء ِ والحنا ِ‬ ‫جوٍ ّ م ِ َ‬

‫ل الل ّه ُ في تركيبت ِهما حب ّا ً‬ ‫التعب جع َ‬ ‫ِ‬ ‫خف عناء ُ هذا‬ ‫فل ِكي ي ّ‬ ‫تعب الدنيا‬ ‫ِ‬ ‫خفيف ح ّدة ِ‬ ‫ل ت ِ‬ ‫وشهوة ً تجم ُع بينهما من أج ِ‬ ‫ل القصّ ة ِ‪.‬‬ ‫ومسؤوليات الأولادِ والأسرة ِ؛ هذه ِ هي ك ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض‪.‬‬ ‫ن الانقرا ِ‬ ‫النوع البشريّ م ِ َ‬ ‫حفظ‬ ‫ُ‬ ‫الزواج‬ ‫ن‬ ‫فالغاية ُ م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫سمتُ قائلة ً‪:‬‬ ‫تب ّ‬ ‫‪192‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫سطينَ الأمور َ والأحداثَ‬ ‫ما أبهى حديث َكِ يا أم ّي وأنتِ تب ّ‬‫ن واحد‪.‬‬ ‫حولي‪ ،‬وتجعلين َها سهلة َ الفه ِم وعميقة َ المعنى بآ ٍ‬ ‫الأحداث‬ ‫ِ‬ ‫التفصيلات و‬ ‫ِ‬ ‫ن في‬ ‫الفتيات يغرق َ‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫َ‬ ‫ول كنّ‬ ‫الجانبي ّة ِ‪ ،‬فينسَينَ هذا المعنى الراقي‪.‬‬ ‫ك يابنتي أوضح َ القرآنُ ال كريم ُ هذا المفهوم َ ل كي‬ ‫ل ذل َ‬ ‫من أج ِ‬‫ن الخاسرين‪.‬‬ ‫ك نكن م ِ َ‬ ‫نشتط‪ ،‬فإن ّنا إن فعلنا ذل َ‬ ‫ّ‬ ‫لا‬

‫ﭧﭨﭽ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬ ‫ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﮊﮋﭼ‬

‫‪1‬‬

‫ن هي خلافة ُ الل ّه ِ في‬ ‫ن الغاية َ م ِن وجودِ الإنسا ِ‬ ‫وأوضح َ أ ّ‬

‫‪1‬‬

‫ سورة الحجرات ‪13 :‬‬‫‪193‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أرضه ِ‪:‬‬

‫ﭧﭨﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭭﭮ ﭯﭼ‬

‫‪1‬‬

‫ن‬ ‫لهذا لاب ّد م ِن وض ِع الحدودِ والضوابطِ في هذه ِ العلاقة ِ ضم َ‬ ‫ل م ِن هذه ِ الشهوة ِ أو الغريزة ِ‬ ‫حفظ هذه ِ الغاية َ‪ ،‬ولا تجع ُ‬ ‫أطرٍ ت ُ‬ ‫خلوقات الحيواني ّة ِ أو تهدم ُ‬ ‫ِ‬ ‫مدارج الم‬ ‫تهبط به ِ إلى‬ ‫ُ‬ ‫أداة ً‬ ‫ِ‬ ‫المجتم َع‪.‬‬

‫ﭧﭨﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫‪1‬‬

‫ سورة البقرة‪31 :‬‬‫‪194‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ﭘ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭼ‬

‫‪1‬‬

‫ن الحدودِ‬ ‫ن أن يض َع شهوت َه ُ ضم َ‬ ‫لقد أراد َ الل ّه ُ م ِن هذا الإنسا ِ‬

‫شهوات جسدِه ِ‬ ‫ِ‬ ‫التي تجعل ُه ُ يبني مجتمعا ً صالحا ً‪ ،‬و يتوازنُ بينَ‬ ‫ٍ‬ ‫ومتطلبات روحه ِ التي تسمو‬ ‫ِ‬ ‫ونكاح‪،‬‬ ‫وشراب‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫م ِن أك ٍ‬

‫بقيمِه ِ وأفكارِه‪ ،‬فتصن ُع منه ُ ذاك َ الإنسانَ الراقي الذي ي ُسعد ُ‬ ‫ك‬ ‫الشطط في ذل َ‬ ‫ُ‬ ‫مجتمع َه ُ ويبنيه ِ‪ ،‬في َسع َد ُ ويُسع ِد ُ غير َه‪ .‬أمّا‬ ‫الغرب أو حت ّى في واقع ِنا العرب ِيّ‬ ‫ِ‬ ‫ن في‬ ‫فإن ّه ُ يابني ّتي كما تري َ‬ ‫ق‬ ‫للأسف لم يجلب لنا إلا الدمار َ والفساد َ‪ .‬فسبحانَ الل ّه ِ الخال ِ‬ ‫ِ‬

‫ق إلى سعادت ِه ِ‬ ‫ل والطر ِ‬ ‫الذي د ّ‬ ‫ل الإنسانَ على أيسر ِ السب ِ‬ ‫ليجن ّبه ُ الشقاء َ والخرابَ ‪.‬‬ ‫باب‬ ‫ن ما قام َت به ِ صديقتي اليوم َ هو م ِن ِ‬ ‫ت يا أم ّي‪ ..‬إ ّ‬ ‫صدق ِ‬‫الشططِ ‪ ،‬لقد جعلتنا بهذه ِ الصورِ نذهبُ بخيال ِنا بعيداً‪ ...‬إلى‬

‫‪ - 1‬سورة النساء‪27 :‬‬ ‫‪195‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حيثُ لا معنى ً ولا سمو ّ‪.‬‬ ‫حظات‪ ،‬ل كن ّه ُ على‬ ‫ل أحيانا ً قد يُسعد لل ٍ‬ ‫ن هذا الخيا َ‬ ‫حأ ّ‬ ‫صحي ٌ‬ ‫الشخص حزينا ً بائسا ً‪ ،‬وعلينا أن‬ ‫ّ‬ ‫ل هذا‬ ‫المدى البعيدِ يجع ُ‬ ‫سنا بابا ً يصعبُ إغلاقُه ُ‪ ،‬أو لسنا‬ ‫ح على أنف ِ‬ ‫ننتبه َ جي ّدا ً فلا نفت َ‬ ‫ق أو لا‪،‬‬ ‫بحاجة ٍ إليه ِ الآنَ‪ ..‬فنكونُ كم َن يحلم ُ بأشياء َ قد تتحق ُ‬

‫لأبواب لا نملك مفاتيح ُها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ح العنانَ‬ ‫فنفت ُ‬

‫ق‬ ‫ت لي حقائ َ‬ ‫ق قلبي يا أم ّي ‪ ..‬لقد كشف ِ‬ ‫ك م ِن أعما ِ‬ ‫أشكر ُ ِ‬ ‫كان َت غائمة ً وضبابي ّة ً‪ ،‬فغد َت جلي ّة ً بي ّنة ً‪..‬‬ ‫هبط به ِ إلى‬ ‫ن ‪ ..‬الجسد ُ قد ي ُ‬ ‫المشكلة ُ فعلا ً في طبيعة ِ الإنسا ِ‬ ‫ح عكس ُه ُ تماما ً‪..‬‬ ‫ن أن يتخي ّل َه ُ المرء ُ‪ ...‬والرو ُ‬ ‫أدنى مستوىً يمك ُ‬

‫ص يريد ُ أن يغادر َه ُ إلى حيثُ‬ ‫س في قف ٍ‬ ‫إ ّنها كالطائر ِ المحبو ِ‬ ‫الفضاء ُ الرحبُ ‪.‬‬

‫ن تماما ً‪.‬‬ ‫ل الإنسا ِ‬ ‫ق ما يحدثُ داخ َ‬ ‫ن هذا التشبيه َ يواف ُ‬ ‫أشعر ُ أ ّ‬

‫ات‬ ‫ل هذا الطائر ُ بالمأكول ِ‬ ‫ح يابنتي‪ ...‬فإذا انشغ َ‬ ‫صحي ٌ‬‫‪19٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن هذا هو كون ُه ُ وفضاؤه ُ‬ ‫ل‪ ،‬وظنّ أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫والملهيات في قفصه ِ الجمي ِ‬ ‫حبيس قفصِ ه ِ ولن يذوقَ حلاوة َ الحر ّي ّة ِ‬ ‫َ‬ ‫ل بقي ّة َ عمره ِ‬ ‫ظ ّ‬ ‫ن السماء َ هي بيت ُه ُ الحقيقيّ وليس‬ ‫ج قفصِ ه ِ‪ ،‬مع أ ّ‬ ‫خار َ‬

‫ق‬ ‫زائف‪ ،‬مهما كانَ جميلا ً فهو ضي ّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بيت‬ ‫القفص ٌ‬ ‫ُ‬ ‫القفص‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫وليس حقيقي ّا ً‪.‬‬ ‫ ما أروعَ تشبيه َكِ يا أم ّي‪.‬‬‫يعرف طبيعت َه ُ تماما ً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫لاب ّد يا بني ّتي أن يتوازنَ الإنسانُ‪ ،‬و‬‫ن‬ ‫سه ِ حقّها م ِن دو ِ‬ ‫نات نف ِ‬ ‫ن م ِن مكو ّ ِ‬ ‫ل مكو ّ ٍ‬ ‫و يعطي ك ّ‬ ‫إسراف‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ج الصالح ُ في مجتمع ِه ِ والسعيد ُ‬ ‫ل المنت ُ‬ ‫هذا هو الإنسانُ الفع ّا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫بات الجسدِ‬ ‫ن بينَ متطل ّ ِ‬ ‫في حيات ِه ِ‪ ،‬تواز ٌ‬ ‫والروح والعق ِ‬

‫والقلب معاً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ن مداركي قد ات ّسع َت‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ن روحي قد أشرق َت‪ ،‬وأ ّ‬ ‫أشعر ُ بأ ّ‬‫‪197‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫ووضوح‪ .‬ح ّقا ً ك ّ‬ ‫ن حولي بدأت ترتسم ُ بدق ّة ٍ‬ ‫معالم َ ال كو ِ‬ ‫من ّا بحاجة ٍ إلى أن يفهم َ نفسَه ُ وال كونَ حول َه ُكما يريد ُ خالق ُنا‬ ‫أن نفهم َه ُ‪ ،‬عندئذٍ تكونُ رؤيت ُنا شاملة ً وصحيحة ً‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ك لأن ّكِ قريبة ٌ من ّي تشعري َ‬ ‫ك الل ّه ُ خيرا ً يا أم ّي‪ ...‬أشكر ُ ِ‬ ‫جزا ِ‬

‫بما أحتاج ُه ُ و يخطر ُ في بالي دونَ أن أقول َه ُ‪ ..‬أكرم َكِ الل ّه ُ‬

‫ياحبيبتي‪.‬‬

‫ك ويرضيه ِ عنكِ ‪.‬‬ ‫بارك َ الل ّه ُ بكِ ‪ ،‬و أقر ّ عيني بما يسعد ُ ِ‬‫حب‪.‬‬ ‫حضن ِها الداف ِئ أستم ّد منه ُ النور َ وال ّ‬ ‫قب ّلت ُها وقب ّلتني وارتميتُ في ِ‬ ‫جهتُ إلى غرفتي استعدادا ً للنوم‪.‬‬ ‫ثم ّ تو ّ‬ ‫مض‬ ‫كانت كلماتُ أم ّي تتردّد ُ في أذنيّ‪ ،‬كل ّما حاولتُ أن أغ َ‬ ‫عينيّ أسمع ُها كأنّها تقول ُها الآن‪:‬‬ ‫فإذا انشغل هذا الطائر بالمأكولات والملهيات في قفصه الجميل‬ ‫‪198‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫وظن أن هذا هو كونه وفضاؤه‪ ،‬ظل بقية عمره حبيس قفصه‬ ‫ولن يذوق حلاوة الحر ية خارج قفصه‪ ..‬مع أن السماء هي‬ ‫بيته الحقيقي وليس القفص‪..‬‬ ‫ق وليس‬ ‫زائف‪ ..‬مهما كان جميلا ً فهو ضي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بيت‬ ‫ٌ‬ ‫القفص‬ ‫حقيقياً‪.‬‬ ‫حاولتُ مرارا ً أن أرغم َ نفسي على النو ِم‪ ،‬ل كن هيهات‪..‬‬ ‫أحسستُ برغبة ٍ قو ي ّة ٍ في أن أتوضّ أ وأصل ّي َ ركعتينِ‪ ،‬أشعر ُ برغبة ٍ‬ ‫ق روحي نحو بيت ِها الحقيقيّ ‪ ...‬هناك َ حيثُ‬ ‫ل لتنطل َ‬ ‫في أن أحاو َ‬ ‫تسعد ُ وتسمو‪.‬‬ ‫قفزتُ م ِن سريري‪ ...‬توضّ أتُ وصل ّيتُ ‪.‬‬ ‫أقف وأناجي‬ ‫َ‬ ‫هاجس واحدٌ‪ ..‬أن‬ ‫ٌ‬ ‫صل ّيتُ وأنا لا يشغل ُني إلا‬ ‫ح روحي في فضائ ِه ِ‪ ،‬عل ّها‬ ‫ل بأنوارِه ِ العلو ي ّة ِ وتسب َ‬ ‫خالقي لأت ّص َ‬ ‫تنعم ُ هناك َ بموطن ِها الأصليّ‪..‬‬ ‫‪199‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الوقت وأنا مستغرقة ٌ في هذه ِ الأفكارِ!! لا‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫مر م َ‬ ‫لا أعلم ُ كم ّ‬

‫ك الشعورِ أن ّي أصل ّي وكأن ّي أراه ‪...‬‬ ‫ل أن ّي وصلتُ إلى ذل َ‬ ‫أقو ُ‬ ‫صلة َ قلبي بدأت تتح ّدد ُ وجهت ُها بدق ّة ٍ‪،‬‬ ‫ن بو ِ‬ ‫ل كن ّي أشعر ُ أ ّ‬

‫تصاغرت أمامي َ أشياء كثيرة ٌ كنتُ أحسب ُها م ِن أه ِ ّم الأشياء ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الاستمتاع مع رفيقاتي باللهوِ والضحكِ ‪ ،‬التلفاز‪،‬‬ ‫ل‬ ‫لديّ مث ُ‬ ‫ن الال كترونيات‪..‬‬ ‫النت‪ ..‬الجو ّال ‪ ...‬الموضة‪ ..‬اقتناء ُ الجديدِ م َ‬ ‫أشياء ُ كثيرة ٌ بد َت باهتة ً؛ شعور ٌ غريبٌ ح ّقا ً لم أعهده ُ م ِن‬ ‫ل شيء ٍ‪ ..‬أحسستُ أن ّي كنتُ أسير ُ في‬ ‫نفسي‪ .‬استصغرتُ ك ّ‬

‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ق ملتوٍ‪ ،‬أو يدخ ُ‬ ‫الصحيح‪ ..‬كم َن يمشي في طر ي ٍ‬ ‫الاتجاه ِ غير ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفروع‪ ،‬لا أدري‬ ‫ب‪ ،‬متع ّددة ِ‬ ‫ن طرقٍ فرعي ّة ٍ‪ ،‬كثيرة ِ التشع ّ ِ‬ ‫ضم َ‬ ‫ل بي إلى وجهتي ل كثرة ِ تشع ّب ِها!‬ ‫لعل ّها لا تص ُ‬ ‫ج أكثر َ‪ ،‬وأحسستُ أن ّي أصبحتُ أكثر َ‬ ‫بدأت أفكاري تنض ُ‬ ‫فهما ً لنفسي وهدف ِها‪.‬‬ ‫‪211‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن‬ ‫حب الدي ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‪ ،‬رغم َ أن ّي نشأتُ في بيئة ٍ زرع َت فينا‬ ‫بالفع ِ‬ ‫لأحداث‬ ‫ِ‬ ‫ق السامية ِ‪ ،‬ل كن ّي كنتُ منشغلة ً برفيقاتي وا‬ ‫والأخلا ِ‬

‫ٍ‬ ‫ت‬ ‫وأفراح‪ ،‬ضحكا ٍ‬ ‫ل‬ ‫التي تمر ّ معنا في المدرسة ِ م ِن مشاك َ‬ ‫وأن ّات‪ ..‬كل ّها أجد ُها اليوم َ لا طعم َ لها‪ ..‬انشغلتُ بها كثيرا ً‪،‬‬ ‫ل كنّها بلا فائدة!‬ ‫كيف أضعتُ هذه ِ الأوقات‪ .‬لم أفك ّر‬ ‫َ‬ ‫أستغربُ من نفسي ح ّقا ً‬ ‫هدف‬ ‫ٍ‬ ‫ن أسير ُ؟ وهل هذه ِ الخطواتُ ستوصل ُني إلى‬ ‫للحظة ٍ إلى أي َ‬ ‫أعيش م ِن أجل ِه ِ؟؟‬ ‫َ‬ ‫ق يستحقّ أن‬ ‫را ٍ‬ ‫ل هذه ِ الأفكارِ بد َت غريبة ً‪ ،‬وكأ ّنها تخطر ُ في بالي أو أفك ّر ُ بها‬ ‫ك ّ‬ ‫ل مرة ٍ! مع أ ّنها ليست جديدة ً !‬ ‫لأ ّو ِ‬ ‫ت‬ ‫س م ِن نفسي‪ ،‬ل كثرة ِ لهوِها وتشت ّ ُ ِ‬ ‫أشعر ُ أحيانا ً باليأ ِ‬ ‫ن حديثَ أم ّي اليوم َ جعل َني أتنب ّه ُ إلى تقصيري‬ ‫اهتماماتِها‪ ...‬إلا أ ّ‬

‫جهة ٌ‬ ‫ن متو ّ‬ ‫في غذاء ِ روحي‪ .‬إن ّي نادرا ً ما أصل ّي وأنا حاضرة ُ الذه ِ‬ ‫‪211‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫بكل ّي ّتي إلى الل ّه!‬ ‫ل أه ّم شيء ٍ‬ ‫لم أنتبه أن ّي مقص ّرة ٌ في حقّ (روحي) والتي تمث ّ ُ‬ ‫وأثمن َه ُ فيّ!‬ ‫ك المعاني‪ ،‬الل ّه ّم أعن ّي على نفسي‬ ‫ك الحمد ُ أن وف ّقتني لتل َ‬ ‫الله ّم ل َ‬ ‫وخ ُذ بقيادِها إليك‪.‬‬

‫‪212‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 13-‬‬

‫للعلو والرخقاء) ُ‬ ‫ُ‬ ‫(العترافُ بالخطأُ صمُامُ أمانُ‬

‫لن أتكلّم َ مرة ً أخرى مع هبة‪.‬‬‫ج م ِن عينيّ‪.‬‬ ‫ك الجملة ِ والشرر ُ يخر ُ‬ ‫تمتمتُ بتل َ‬ ‫الغضب الذي صب َبت ُه على‬ ‫ِ‬ ‫استغرب َتِ ال كثيراتُ مم ّن حولي حجم َ‬ ‫ح ما بيننا‪.‬‬ ‫رفيقة ِ هبة عندما تكل ّم َت عنها لتصل َ‬ ‫لم أستطع أن أسم َع منها أيّ كلمة ٍ‪ ،‬صم َمتُ أذنيّ وابتعدتُ كلي ّا ً‬ ‫‪213‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫عنهنّ ‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫وفي داخلي شعور ٌ‬ ‫بالاستغراب من نفسي‪ ،‬بدأ يتنامى بشك ٍ‬ ‫كبيرٍ ساعة ً بعد َ ساعة ٍ‪.‬‬ ‫طبة ُ الوجه ِ‪ ،‬ألقيتُ التحي ّة َ بجفاء ٍ ثم ّ‬ ‫ل وأنا م ُق ّ‬ ‫عدتُ إلى المنز ِ‬ ‫غريب بدّلتُ ثيابي ثم ّ استلقيتُ‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫أسرعتُ إلى غرفتي‪ ..‬وبتكاس ٍ‬ ‫أحس أن ّي‬ ‫ّ‬ ‫ل؛‬ ‫بأي عم ٍ‬ ‫على الأر يكة ِ لا أشعر ُ بالرغبة ِ في القيا ِم ّ ِ‬ ‫مسلوبة ُ الهمّة ِ‪ ،‬منهكة ٌ‪ ،‬متعبة ٌ‪ .‬وأنا أستغربُ م ِن نفسي سببَ‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫سنوات‪ ،‬كان َت من صديقاتي‬ ‫ٍ‬ ‫ثلاث‬ ‫ِ‬ ‫فهبة ُ رفيقتي منذ ُ‬ ‫حق‬ ‫ك‪ ،‬كن ّا ب ّ ٍ‬ ‫ات‪ ،‬كنتُ لا أخفي عنها سرّاً‪ ،‬وهي كذل َ‬ ‫المقر ّب ِ‬ ‫ن الأخرى بجانب ِها أو تتح ّدث معها؛‬ ‫أينما و ُجد َت إحدانا تك ِ‬ ‫ل معنى الكلمة‪ ،‬أخو ّة ٌ صادقة ٌ‪.‬‬ ‫كان َت علاقة ً حميمة ً بك ّ ِ‬ ‫ات‬ ‫لا أدري منذ ُ ثلاثة ِ أشهرٍ تعر ّف َت هبة ُ على إحدى الطالب ِ‬ ‫‪214‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الج ُددِ في المدرسة ِ‪ ،‬وصار َت رفيقت َها الدائمة‪ ،‬كل ّما طلبت ُها أجد ُها‬ ‫بجوارِها!‬ ‫ئ الأمر ِ اعتقدتُ أ ّنها مجرد ُ مشاعر ِ اللهفة ِ لطالبة ٍ جديدة ٍ‬ ‫في باد ِ‬ ‫لا تعلم ُ كثيرا ً م ِن أمورِ المدرسة ِ‪ ،‬وهي تساعد ُها ل كونِها جارة ً‬ ‫ن‬ ‫ت أتشاح ُ‬ ‫بدأت الأمور ُ تتطو ّر ُ حت ّى ب ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫جديدة ً لها في منزل ِها‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ت المشكلة ُ فالسببُ الجوهريّ هو‬ ‫ل يو ٍم‪ ..‬ومهما اختلف َ ِ‬ ‫مع هبة َك ّ‬ ‫ل مشكلاتي‬ ‫"ناديا" ؛ لقد غد َت ناديا عد ّويَ الل ّدود َ‪ ،‬فهي أص ُ‬ ‫م َع هبة‪ ..‬ثم ّ تطو ّر َ الأمرُ حت ّى غد َت مشاعري اتّ جاه هبة َ باردة ً‪،‬‬

‫ل الفسحة ِ‪،‬ابتعدتُ عنها‬ ‫البحث عنها خلا َ‬ ‫ِ‬ ‫لم أعد أهتم ّ بلقائِها أو‬ ‫بالعتاب الذي كانَ ينتهي‬ ‫ِ‬ ‫تدر يجي ّا ً دونَ أن أشعر َ‪ ،‬ثم ّ بدأت‬ ‫ل الأمدِ‪.‬‬ ‫دوما ً بالمشادّة ِ أو الخصا ِم طو ي ِ‬ ‫ل هذه ِ الأفكارِ كان َت تدور ُ في ذهني‪ ،‬فشغلتني حت ّى لم ألحظ‬ ‫ك ّ‬ ‫ل أم ّي لغرفتي‪.‬‬ ‫دخو َ‬ ‫‪215‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ضب َة ً‪ ..‬ما الأمرُ؟‬ ‫ك اليوم َ م ُغ َ‬ ‫ما بك يا علا؟ أرا ِ‬‫هبة ُ يا أم ّي ‪..‬‬‫ما بها؟‬‫خاصمات التي كان َت‬ ‫ِ‬ ‫ن الم‬ ‫ضا ً م َ‬ ‫صصتُ على أم ّي مشاعري وبع َ‬ ‫ق َ‬ ‫تق ُع بيني وبينها‪ ،‬والتي ازداد َ عدد ُها حت ّى صار َت يومي ّة ً‪.‬‬ ‫لقد قر ّرتُ يا أم ّي أن أقط َع علاقتي م َع هبة َ‪.‬‬‫استغرب َت أم ّي ورفع َت كتفيها وحاجب َيها ‪ ،‬ثم ّ قال َت لي ‪:‬‬ ‫ أتعلمين ما نوع ُ المشاعر ِ التي تجتاح ُكِ ؟‬‫ لا يا أم ّي؟‬‫ إ ّنها الغيرة ُ‪.‬‬‫ الغيرة ُ ! مم ّن ؟‬‫‪21٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ الغيرة ُ يا بنتي فطرة ٌ أودع َها الل ّه ُ فينا كي تدفع َنا لمعالي الأمورِ‪،‬‬‫جت عن هدف ِها ظلم َت نفس َها وغير َها‪.‬‬ ‫طت وخر َ‬ ‫فإذا اشت ّ‬

‫ن الغيرة ِ‪ .‬هل أنا‬ ‫ أم ّي هذه ِ المر ّة ُ الثانية ُ التي تتح ّدثين فيها ع ِ‬‫غيورة ٌ إلى هذه ِ الدرجة ِ؟‬ ‫ن الغيرة َ تدف ُع الإنسانَ إذا رأى إنسانا ً كثير َ‬ ‫ك يا علا‪ ..‬إ ّ‬ ‫ أذك ّر ِ‬‫ق‬ ‫ك مسل ك َه ُ‪ ،‬أو إذا كانَ ذا خ ُل ٍ‬ ‫العلم ِ أن يكونَ مثل َه‪ ،‬فيسل َ‬ ‫ل الاقتداء َ به ِ‪ ..‬وهذه ِ غيرة ٌ حسنة ٌ‪.‬‬ ‫كري ٍم أن يتعلّم َ منه ُ و يحاو َ‬

‫حب التمل ّكِ أو الأناني ّة ِ والأث َرة ِ‬ ‫ختلط الغيرة ُ ب ِّ‬ ‫أمّا عندما ت ُ‬ ‫س؛ فمثلا ً عندما‬ ‫ن النا ِ‬ ‫عند َها تشت ّط وتظلم ُ نفس َها وغير َها م ِ َ‬ ‫تغارين م ِن ناديا لأ ّنها غد َت أقربَ إلى رفيقت ِكِ هبة َ فكأن ّكِ‬

‫تمتل كين حقّ ِ‬ ‫ك!‬ ‫منع هبة َ م ِن صداقة ِ غير ِ ِ‬ ‫‪ -‬لا يا أم ّي ‪ ..‬ليس تمل ّكاً!!‬

‫حب أحيانا ً إلى ح ّدِ الشعورِ‬ ‫ك يا بنتي ‪ ..‬فقد يبل ُغ ال ّ‬ ‫ إن ّه ُكذل َ‬‫‪217‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ب‬ ‫ل مركّ ٌ‬ ‫ط‪ ،‬فالغيرة ُ انفعا ٌ‬ ‫بتمل ّكِ الآخر ِ‪ ،‬وم ِن هنا كانَ الشط َ ُ‬ ‫ت به ِ م ِن‬ ‫والغضب‪ ،‬وهذا يفس ّر ُ ما قم ِ‬ ‫ِ‬ ‫حب التمل ّك‬ ‫ِّ‬ ‫يجم ُع بينَ‬ ‫البيت!‬ ‫ِ‬ ‫ت إلى‬ ‫ك خاط ٍئ منذ ُ أن عد ِ‬ ‫سلو ٍ‬ ‫ن‬ ‫وهذا ما يح دثُ أحيانا ً بينَ الأخوة ِ إذا شعر َ أحد ُهم أ ّ‬ ‫حب أحد َ أخوته ِ أكثر َ منه‪ ،‬ودليله ُ ما‬ ‫والديه ِ أو أحد ُهما ي ّ‬ ‫ن هذه‬ ‫يوسف عليه ِ السلام ُ‪ ،‬ألا تتذك ّري َ‬ ‫َ‬ ‫حدثَ م َع إخوة ِ‬ ‫ن ال كري ِم؟‬ ‫القصّ ة َ في القرآ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الموضوع ذات ِه ِ‪،‬‬ ‫ل‬ ‫نعم‪ ،‬أذكر ُ ذل َ‬‫ك وقد تح ّدثنا عنها م ِن أج ِ‬ ‫يوسف في ختمتي‬ ‫َ‬ ‫قريب كنتُ أقرأ سورة َ‬ ‫ٍ‬ ‫وقت‬ ‫ٍ‬ ‫ومنذ ُ‬ ‫ت النبو ّة ِ‪،‬‬ ‫ل هذا وه ُم في بي ِ‬ ‫كيف يحص ُ‬ ‫َ‬ ‫اليومي ّة ِ‪ ،‬واستغربتُ‬ ‫ص م ِن‬ ‫ل غيرتُهم إلى التفكير ِ بالتخل ّ ِ‬ ‫كيف تص ُ‬ ‫َ‬ ‫فأبوهم نب ّي!‬ ‫ن!‬ ‫ل الغيرة ُ بالإنسا ِ‬ ‫ن أن تص َ‬ ‫يوسف! ألهذا الح ّدِ يمك ُ‬ ‫َ‬ ‫سي ّدِنا‬ ‫ل!‬ ‫إلى ح ّدِ الإيذاء ِ أو التفكير ِ بالقت ِ‬

‫‪218‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫بغيض يشعر ُ به ِ الإنسانُ عادة ً‬ ‫ٌ‬ ‫ل‬ ‫ الغيرة ُ المر َضي ّة ُ يا بنتي انفعا ٌ‬‫ص المحب وبَ يوجّه ُ انتباه َه ُ إلى شخصٍ‬ ‫ن الشخ َ‬ ‫أحس أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫إذا‬ ‫ب توجد ُ به ِ عناصر ُ‬ ‫ل مركّ ٌ‬ ‫ل الغيرة ِ انفعا ٌ‬ ‫آخر َ غير ِه؛ وانفعا ُ‬ ‫ك‬ ‫ل ال كره ِ‪ ،‬ولذل َ‬ ‫انفعالات أخرى‪ ،‬وخاصّ ة ً انفعا ُ‬ ‫ٍ‬ ‫من ع ّدة ِ‬ ‫غالبا ً ما تكونُ الغيرة ُ مصحوبة ً بال كره ِ والحقدِ والرغبة ِ في‬

‫الهروب‬ ‫ِ‬ ‫ص منه ُ أو‬ ‫ص الذي ي ُثير ُ الغيرة َ‪ ،‬أو التخل ِ‬ ‫إيذاء ِ الشخ ِ‬ ‫والابتعاد!‬ ‫ل كن ّي لستُ غيورة ً يا أم ّي‪ ..‬هذه المر ّة ُ الثانية ُ التي تقولينَ لي‬‫ل!! لستُ غيورة ً يا أم ّي (وكانَ صوتي مرتفعاً)‪.‬‬ ‫هذا القو َ‬ ‫وفي المر ّة ِ الأولى هل ح ّقا ً لم تكوني غيورة؟‬‫ل‪،‬‬ ‫ل أن أهربَ م ِن هذا السؤا ِ‬ ‫طأطأتُ رأسي وكأن ّي أحاو ُ‬ ‫فالتزمتُ الصمتَ ‪ ،‬وقمتُ م ُغضبة ً إلى غرفتي‪.‬‬ ‫أناقش نفسي‪ ،‬ففتحتُ‬ ‫َ‬ ‫ظللتُ عامّة َ يومي منزعجة ً‪ ،‬ولم أرغب أن‬ ‫‪219‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫صفحات (الن ّت والفيس بوك)‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ل بينَ‬ ‫الحاسبَ وأخذتُ أتنق ُ‬ ‫ن محب ّتي لأم ّي وإغضابي لها‬ ‫وكأن ّي أهربُ م ِن نفسي‪ ،‬إلا أ ّ‬ ‫الوقت ذات ِه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح بها موقفي‪ ،‬ول كن ّي في‬ ‫جعلاني أفك ّر ُ بطر يقة ٍ أصل ُ‬ ‫الاعتراف بغيرتي! أو أن ّي على خطأ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أشعر ُ أن ّي لا أريد ُ‬ ‫ذهبتُ إلى أم ّي‪.‬‬ ‫أم ّي أنا آسفة‪.‬‬‫ن‬ ‫أضيف شيئاً‪ ،‬وكأ ّنها كان َت تنتظر ُ من ّي مزيدا ً م ِ َ‬ ‫َ‬ ‫لم أستطع أن‬

‫ِ‬ ‫الإيضاح‪ ،‬إلا أن ّي لم أفعل‪.‬‬

‫ي؛ إن ّي‬ ‫ك لم يُع ِد لي هدوئي َ النفس ّ‬ ‫عدتُ إلى غرفتي‪ ،‬ل كنّ ذل َ‬ ‫ل‬ ‫أحب أم ّي‪ ،‬ولا أستطي ُع أن أشعر َ أن ّي أغضبت ُها‪ .‬حاولتُ إشغا َ‬ ‫ّ‬ ‫نفسي ل كن ّي مازلتُ منزعجة ً ج ّداً‪ ..‬لا أستطي ُع أن أبعد َ فكري‬ ‫عم ّا حدثَ ‪ ،‬ولا أستطي ُع أن أرك ّز َ في دراستي‪ ..‬يبدو أن ّه لاب ّد‬ ‫من أن أواجه َ نفسي‪ ،‬لا مفر ّ‪.‬‬ ‫‪211‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أنت سببُ تعاستي وأخطائي‪..‬‬ ‫ت تشقين َني‪ِ ..‬‬ ‫نفس مازل ِ‬ ‫ُ‬ ‫آه ٍ يا‬ ‫أف منك‪ ..‬أداف ُع عنكِ دونَ أن أشعر َ‪ ،‬فأزيد ُ خطئي خطأ ً‬ ‫ٍّ‬ ‫مرة ً أخرى‪ .‬هل أعجب َكِ ما زججتني به ِ‬ ‫آخر َ! عليّ الآنَ أن أعتذر َ ّ‬

‫الآنَ من ظلم؟‬

‫أعترف بخطئ ِي ! آه ٍ منكِ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ك حت ّى لا‬ ‫ل ذل َ‬ ‫وك ّ‬ ‫ك لا يعجب ُكِ ‪.‬‬ ‫نعم أنا غرتُ ‪ .‬هذه ِ هي الحقيقة ُ وإن كانَ ذل َ‬ ‫اج من‬ ‫كنتُ أتح ّدثُ م َع نفسي‪َ .‬‬ ‫ليس جنوناً‪ .‬بل أشعر ُ بانزع ٍ‬ ‫نفسي ح ّقاً‪.‬‬ ‫أعترف بخطئي وأن ّي‬ ‫َ‬ ‫ل ألا‬ ‫غريبٌ أمري! ك ّ‬ ‫ل ما فعلت ُه م ِن أج ِ‬ ‫ّف‬ ‫ل تكلفة َ الل ّ ِ‬ ‫ل الحقيقة َ وما أثق َ‬ ‫غرتُ م ِن رفيقتي! ما أسه َ‬ ‫س‪ .‬لو اعترفتُ ولم أتكب ّر لانتهى‬ ‫والدورا ِ‬ ‫ن وعد ِم مجابهة ِ النف ِ‬ ‫ن صورة!‬ ‫ُ‬ ‫النقاش م َع أم ّي بك ّ ِ‬ ‫ل بساطة ٍ وعلى أحس ِ‬ ‫‪211‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ركضتُ إلى أم ّي ‪...‬‬ ‫مرة ً عندما غرتُ م ِن‬ ‫مرتين‪ّ .‬‬ ‫أم ّي أنا آسفة‪ ،‬لقد أخطأتُ ّ‬‫الاعتراف بهذا الخطأ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ناديا والثانية ُ عندما رفضتُ‬

‫ت‬ ‫ومرة ً ثالثة ً عندما ارتف َع صوت ُكِ ‪ ،‬وغادر ِ‬ ‫تب ّ‬ ‫سم َت أم ّي وقالَت‪ّ :‬‬

‫المكانَ غاضبة ً‪.‬‬

‫حتني بسمة ُ أم ّي‪:‬‬ ‫احمر ّ وجهي خجلا ً وقد أرا َ‬ ‫ات‪ .‬أنا آسفة‪.‬‬ ‫مر ٍ‬ ‫صحي ٌ‬‫ح يا أم ّي‪ ..‬أخطأتُ ثلاثَ ّ‬ ‫لا عليكِ يا بنتي‪ .‬المه ّم أن تؤوبي إلى الحقّ ِ بسرعة ٍ‪ ،‬أمّا الخطأ‬‫حب الأوابين)‪ .‬والأه ّم‬ ‫ن الل ّه َ ي ّ‬ ‫ك‪ ( .‬إ ّ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫فجميع ُنا يفع ُ‬

‫ل النصيحة ِ‪،‬‬ ‫الاعتراف بالخطأ ِ‪ ،‬و تقب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫يابنتي أن تعتاد َ نفس ُكِ‬ ‫جت‬ ‫فهي صفة ُ الأمّة ِ التي اختار َها الل ّه ُ ‪( :‬كنتم خير َ أمّة ٍ أخر َ‬

‫ن المنكر ِ وتؤمنونَ بالل ّه ِ )‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫س تأمرونَ‬ ‫للنا ِ‬ ‫بالمعروف وتنه َونَ ع ِ‬ ‫‪212‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن‬ ‫حه ِ هو صم ّام ُ أما ٍ‬ ‫الاعتراف بالخطأ ِ ورؤيت ِه ِ وتصحي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن مبدأ‬ ‫إ ّ‬ ‫للفردِ والم ِ‬ ‫ك‬ ‫ض ذل َ‬ ‫جتمع‪ ،‬به ِ يتق ّدم ُ و يتطوّر ُ‪ ،‬أمّا عندما يرف ُ‬ ‫ن الرفعة ِ والتطورِ؛‬ ‫ويسقف نفسَه ُ بحدودٍ دنيا م ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫فإن ّه ُ يتقز ّم ُ‬ ‫سكِ بهذه ِ القيمة ِ‪.‬‬ ‫فاحرصي يا حبيبتي على التم ّ‬ ‫رأس أم ّي‪ ،‬وارتميتُ في أحضانِها فر َحا ً بقول ِها‪ ،‬وبادل َتني‬ ‫َ‬ ‫قبّلتُ‬ ‫بضمّة ٍ ملؤ ُها الحنانُ والرحمة ُ‪:‬‬ ‫ت يا أم ّي‪ ..‬الله ّم أعن ّي‪..‬‬ ‫ صدق ِ‬‫ل مشكلتي مع ناديا وهبة؟‬ ‫ أم ّي‪ ..‬ماذا أفع ُ‬‫ل الآنَ م ِن أج ِ‬ ‫ألا ينف ُع أن تكوني أنتِ و ناديا صديقت َينِ حميمت َينِ لهبة!‬‫قط! لماذا أردتُ أن تكونَ‬ ‫اممم ‪ ..‬لم يخطر في بالي! لم أفك ّر ّ‬‫هبة ُ لي وحدي!‬ ‫ن!‬ ‫س الإنسا ِ‬ ‫آه ٍ يا أم ّي ما أقسى حقيقة َ نف ِ‬ ‫‪213‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حب‬ ‫أحب أن أكونَ أناني ّة ً‪ ،‬لا أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫صورة ٌ ليست بجميلة ٍ‪ ...‬لا‬ ‫ك الآخر َ إذا أحببت ُه‪ ...‬لا أريد ُ هذه ِ الصورة َ البشعة َ!‬ ‫أن أمتل َ‬ ‫ب‬ ‫برات والتجارِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫هو ّني عليكِ يا بنتي‪ ،‬يمر ّ الإنسانُ بهذه ِ الخ‬‫س‬ ‫سه ِ ووسوسة َ الشيطا ِ‬ ‫ل نف ِ‬ ‫كي يعلم َ مداخ َ‬ ‫ن وهوى النف ِ‬ ‫و يجاهد َهم فيفوز َ‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ل القصّ ة ِ؛ فلا تضخّ مي الموضوعَ‪ ،‬الأمرُ أسه ُ‬ ‫هذه ِ هي ك ّ‬

‫كيف تتعاملين‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت كثيراً‪ ،‬وتعلّم ِ‬ ‫ك‪ ...‬لقد استفد ِ‬ ‫م ِن ذل َ‬ ‫كيف‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت مشاعرَ الغيرة ِ‪ ،‬والآنَ عرف ِ‬ ‫سكِ ‪ ،‬وفهم ِ‬ ‫م َع نف ِ‬ ‫ن أو‬ ‫كيف تعترفينَ بالخطأ ِ ولا تتكب ّري َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫تجتازين َها‪ ،‬وتعلّم ِ‬

‫ك العز ّة ُ بالإثم‪.‬‬ ‫تأخذ ُ ِ‬ ‫ل هذا؟‬ ‫تك ّ‬ ‫كيف عرف ِ‬ ‫َ‬ ‫ ح ّقا ً ‪ ..‬أنتِ رائعة ٌ يا أم ّي‪.‬‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫ الحياة ُ والخ برة ُ واطّ لاعي على هذه ِ‬‫المواضيع في علم ِ النف ِ‬ ‫يعرف مداخل َها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫النفس‪ ،‬و‬ ‫َ‬ ‫الحديثِ والعلم ِ الذي يزك ّي‬ ‫‪214‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫و يجاهد َها في ديننا الحنيف‪.‬‬ ‫ك كثيرا ً يا أم ّي‪ ،‬أنتِ لا تعلمين مدى الراحة ِ التي أشعر ُ‬ ‫ أشكر ُ ِ‬‫ن الل ّه ِ أنا وناديا صديقتَين مخلصتَين ِ‬ ‫ح بإذ ِ‬ ‫بها الآن‪ ،‬سأصب ُ‬ ‫لهبة‪.‬‬ ‫ل!‬ ‫صفات حسنة ً لم أكن أراها من قب ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ك‬ ‫ن ناديا تمتل ُ‬ ‫حقا ً إ ّ‬ ‫فات‬ ‫ن! كنتُ لا أرى إ يجابي ّة ً واحدة ً في ص ِ‬ ‫غريبٌ أمرُ الإنسا ِ‬ ‫ناديا! وكأن ّي كنتُ لا أرى!‬

‫ هذا الظلم ُ يا علا‪ ،‬عندما ينظر ُ الإنسانُ بعينِ هواه ُ لا يبصر ُ‬‫ق هواه ُ وليست كما هي في الحقيقة ِ!‬ ‫ح ّقاً‪ ،‬يرى صورة ً وف َ‬ ‫ن‬ ‫كيف يظلم ُ الإنسانُ نفسَه ُ بظلم ِه ِ لغيره ِ فيعاني م ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ آه ٍ يا أم ّي‬‫ك‪ ،‬فلو جاهدنا أنفسَنا‬ ‫الأل ِم الشديدِ‪ ،‬والأمرُ أبسطُ م ِن ذل َ‬ ‫ولم نت ّ ِ‬ ‫ي والذي هو‬ ‫بع الهوى لأرحناها م ِن عناء ِ الأل ِم النفس ّ‬ ‫‪215‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫س‪.‬‬ ‫أكثر ُ إيلاما ً م ِن أل ِم مجاهدة ِ النف ِ‬ ‫ل أن‬ ‫الحمد ُ لل ّه ِ أن أكرم َني الل ّه ُ بكِ ‪ ،‬وأعانني فرأيتُ الحقّ قب َ‬ ‫أتمادى أكثر َ في ظلم ِ نفسي وظلم ِ الآخرين‪.‬‬

‫سنا وأهوائ ِنا‬ ‫بارك َ الل ّه ُ بكِ يا علا‪ ،‬وأعان َنا جميعا ً على أنف ِ‬‫ك ياعلا‪ ،‬المه ّم أن تعو ّدي نفسَك‬ ‫وشيطان ِنا‪ .‬أعود ُ وأقو ُ‬ ‫لل ِ‬ ‫الخضوعَ للحقّ ِ ولو كانَ ض ّد هواها‪ ،‬وأسرعي في الأوبة ِ إلى‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫أمر ليس بيسيرٍ‪ ،‬ول كن ّه سه ٌ‬ ‫ل على م ِ‬ ‫الل ّه‪ ،‬واعلمي أن ّه ُ ٌ‬ ‫استعانَ بالل ّه ِ عليه ِ‪.‬‬ ‫ل جهدي في قيادة ِ نفسي وإخضاعِها للحقّ ِ‬ ‫ن الل ّه‪ ،‬سأبذ ُ‬ ‫ بإذ ِ‬‫ل الل ّه َ العونَ والسداد‪.‬‬ ‫مراً‪ .‬أسأ ُ‬ ‫مهما كان ّ‬

‫‪21٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 14 -‬‬

‫خنتظر مُنُ ينقــبُ عنها ويكتشفُها) ُ‬ ‫ُ‬ ‫(الكنوزُ التي أودعُها هللاُ فينا مُنُ قدرات ومواهب‬

‫ل البحثَ عنه ُ ل كن ّي كل ّما‬ ‫ أم ّي لقد ضقتُ ذرعا ً وأنا أحاو ُ‬‫كتب التي لم تجبني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وسط ركا ِم ال‬ ‫َ‬ ‫بحثتُ ضعتُ‬ ‫ وما الذي تبحثين عنه؟‬‫س البشر ي ّة ِ‪.‬‬ ‫ن الشخصي ّة ِ وعلم ِ النف ِ‬ ‫ إن ّي أبحثُ ع ِ‬‫ك؟‬ ‫س والشخصي ّة! ما الذي خطر َ ببال ِ‬ ‫ علم ُ النف ِ‬‫‪217‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫لأعرف نفسي‪ ،‬شخصي ّتي‪ ،‬مواهبي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ أشعر ُ بحاجة ٍ شديدة ٍ‬‫اختصاص الجامعة ِ فيما بعد ُ‪ ،‬ما الذي يناسب ُني‬ ‫َ‬ ‫كيف أح ّدد ُ‬ ‫َ‬ ‫من مهنة ٍ أو دراسة ٍ؟‬ ‫ت‬ ‫كلمات كن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ل هذه ِ الأسئلة ِ تلحّ عليّ بش ّدة ٍ‪ .‬وتذك ّرتُ‬ ‫ك ّ‬ ‫ن‬ ‫س‪ ،‬فشعرتُ أ ّ‬ ‫قد شرحت ِها لي في كيفي ّة ِ التغيير وعلم ِ النف ِ‬ ‫ل به ِ بغيتي‪.‬‬ ‫هذا العلم َ هو الذي سيجيبُ عن أسئلت ِي‪ ،‬وأنا ُ‬ ‫ت على اتّ خاذِ قرارِ‬ ‫ معكِ حقّ يا بنتي‪ ،‬فأنتِ قد شارف ِ‬‫ك واتجاه َكِ‬ ‫التخصّ ِ‬ ‫ك أن تعرفي ميول َ ِ‬ ‫ص الجامعيّ‪ ،‬ولاب ّد ل ِ‬ ‫وشخصي ّت َكِ ‪ ،‬وما يناسب ُكِ من دراسة ٍ جامعي ّة ٍ أو تخصّ صٍ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫مهن ٍيّ؛ وهذا هو العلم ُ الذي سيساعد ُ ِ‬ ‫ك ساعديني‪.‬‬ ‫ ول كن ّي تهتُ فيه ِ يا أم ّي ‪ ..‬أرجو ِ‬‫ك ما تريدين‪.‬‬ ‫ل ِ‬‫ هناك َ ال كثير ُ م ِ َ‬‫ن الأمورِ التي تعر ّفتُ عليها وفهمت ُها‪ ،‬وأشياء ُ‬ ‫‪218‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫كثيرة ٌ لم أفهمها‪.‬‬ ‫ لنبدأ بما فهمت ِه‪.‬‬‫ن‬ ‫الذكاءات المتع ّددة ِ والتي فهمتُ منها أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ قرأتُ عن نظر ي ّة ِ‬‫الناس مختلفونَ ومتنو ّعونَ في ذكاءاتِهم ومستو ياتِها‪ ،‬وقد‬ ‫َ‬ ‫تصف شيئا ً م ِن شخصي ّة ِ‬ ‫ُ‬ ‫الذكاءات‬ ‫ِ‬ ‫ن هذه ِ‬ ‫لاحظتُ أ ّ‬ ‫ل والاتّ جاه ِ؛ وأنواعُ‬ ‫ن‪ ،‬وتساعد ُ في تحديدِ الميو ِ‬ ‫الإنسا ِ‬ ‫الذكاءات هي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫‪-1‬الذكاء ُ اللغويُ ‪:‬‬ ‫ك‬ ‫الكلمات بفعالي ّة ٍ سواء ً كانَ ذل َ‬ ‫ِ‬ ‫وهو القدرة ُ على استخدا ِم‬

‫خطاب‪ ،‬أو العمل السياسي)‬ ‫ٍ‬ ‫ل‪ :‬رواية ٍ أو قصة ٍ‪ ،‬أو‬ ‫شفو ي ّا ً (مث ُ‬ ‫التأليف‪ ،‬والنثر ِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫شعرِ‪ ،‬و‬ ‫ل ال ِّ‬ ‫ل الكتابة ِ ( مث ُ‬ ‫أو من خلا ِ‬ ‫والصحافة ِ)‪.‬‬

‫ف على‬ ‫تركيب وبناء ِ اللغة ِ‪ ،‬والتعر ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن القدرة َ على‬ ‫و يتضمّ ُ‬ ‫‪219‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ات الخاصّ ة ِ باللغة ِ‪ ،‬وعلى معنى اللغة‪ ،‬والأبعادِ العملي ّة ِ‬ ‫الصوتي ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫إقناع الآخرين‬ ‫ن استخدام َ اللغة ِ في‬ ‫لاستخداماتِها‪ ،‬كما يتضمّ ُ‬

‫والتأثير ِ عليهم كي يتصرّفوا بطر يقة ٍ معي ّنة ٍ‪ ،‬واستخدام َ اللغة ِ في‬

‫ِ‬ ‫لومات‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬ ‫ل المع‬ ‫المعلومات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تذك ّر ِ‬ ‫والشرح أو استخدام َها في نق ِ‬ ‫ن اللغة ِ ذاتِها ودراست ِها‪.‬‬ ‫الحديثِ ع ِ‬ ‫ن الشعراء َ والكتّابَ والصحفي ّين والإعلامي ّين‬ ‫أظنّ يا أم ّي أ ّ‬‫يمتل كون نسبا ً عالية ً من هذا الذكاء ِ‪.‬‬ ‫ت يا بنتي‪.‬‬ ‫صدق ِ‬‫ي – المنطقيّ ‪:‬‬ ‫‪-2‬الذكّاء ُ الر ياض ّ‬ ‫ونعني به ِ القدرة َ على استخدا ِم الأعدادِ بكفاءة ٍ (مثلُ علماء ِ‬

‫ل الإحصاء ِ)‪ ،‬والتفكير َ‬ ‫ات‪ ،‬والمحاسبين‪ ،‬والعاملينَ بمجا ِ‬ ‫الر ياضي ّ ِ‬ ‫ل العلو ِم‪ ،‬مبرمجي‬ ‫ل العلماء ِ خاصة ً في مجا ِ‬ ‫بصورة ٍ جي ّدة ٍ (مث ُ‬ ‫ن‬ ‫ل المنطق)‪ .‬وهذا الذكاء ُ يتضمّ ُ‬ ‫الكمبيوتر‪ ،‬أو العاملينَ في مجا ِ‬ ‫‪221‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫الحساسية َ للأشكا ِ‬

‫ت‬ ‫والعلاقا ِ‬

‫المنطقي ّة ِ‪،‬‬

‫والصياغات‬ ‫ِ‬

‫وظائف‬ ‫ِ‬ ‫ن‪ ،‬والسببُ والنتيجة ُ‪ -‬وال‬ ‫ل‪ :‬إذا‪....‬؛فإ ّ‬ ‫والعبارات ‪-‬مث ُ‬ ‫ِ‬ ‫جردات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والم‬

‫ات المستخدمة ِ في خدمة ِ الذكاء ِ الر ياض ِ ّ‬ ‫ن أنواعَ العملي ّ ِ‬ ‫إ ّ‬ ‫ي المنطقيّ ِ‬

‫ل‪ ،‬والتصميم َ‪،‬‬ ‫التصنيف‪ ،‬والتجمي َع‪ ،‬والاستدلا َ‬ ‫َ‬ ‫ن‪:‬‬ ‫تتضمّ ُ‬

‫ض‪.‬‬ ‫العمليات الحسابي ّة َ‪ ،‬واختبار َ الفرو ِ‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ن الذكاء ِ اللغويّ‬ ‫بنسب مرتفعة ٍ م ِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ن الل ّه َ قد حباني‬ ‫أشعر ُ يا أم ّي أ ّ‬‫ي‪.‬‬ ‫والر ياض ّ‬

‫ك‪ .‬نسألُ الل ّه َ أن يوف ّق َكِ في استخدام ِهما‬ ‫ نعم وأنا لاحظتُ ذل َ‬‫فيما يحب ّه ُ ويرضيه‪.‬‬

‫‪-3‬الذكاء ُ المكانيّ ( البصريّ )‪:‬‬ ‫ك العال ِم المكانيّ – المرئيّ بصورة ٍ دقيقة ٍ‬ ‫ونعني به ِ القدرة َ على إدرا ِ‬ ‫ل‪ :‬أدلا ّء ُ السياحة ِ‪ ،‬والقن ّاصون) والقيام َ‬ ‫ل المثا ِ‬ ‫(على سبي ِ‬ ‫‪221‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل مهندسي‬ ‫ك (مث ُ‬ ‫خيلات معي ّنة ٍ نتيجة ً لهذا الإدرا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بتمثيلات وت‬ ‫ٍ‬ ‫الديكور الداخليّ‪ ،‬والمهندسين المعمار يي ّن‪ ،‬والفن ّانين‪ ،‬أو‬ ‫المبتكرين)‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ن‪ ،‬وال ّ ِ‬ ‫ن الحساسي ّة َ لل ّو ِ‬ ‫ن هذا الذكاء َ يتضمّ ُ‬ ‫إ ّ‬ ‫خط‪ ،‬والشك ِ‬ ‫والعلاقات الكائنة ِ بينَ هذه ِ العناصر ِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ن والمساحة ِ‬ ‫والتلوي ِ‬

‫ن يا أم ّي رفيقتي سما التي ذهبتُ معها إلى حفلة ِ‬ ‫ هل تذكري َ‬‫إحدى صديقاتِنا؟‬ ‫ِ‬ ‫الطرقات بذكائِها‬ ‫ِ‬ ‫الضياع في‬ ‫ن‬ ‫ نعم‪ ...‬وأذكر ُ أ ّنها أنقذتكنّ م ِ َ‬‫المكان ِيّ الحادّ‪.‬‬ ‫ك ذكاء ً مكاني ّا ً أو بصر ي ّا ً رائعا ً‪.‬‬ ‫ نعم يا أم ّي‪ ...‬إ ّنها تمل ُ‬‫ت‪ ...‬لنكمل‪.‬‬ ‫ أحسن ِ‬‫‪-4‬الذكاء ُ الحركيّ – الجسمانيّ‪:‬‬ ‫‪222‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ص المتخصّ صينَ في استخدا ِم الجس ِم‬ ‫ل هذا الذكاء ُ في الأشخا ِ‬ ‫ويتمث ّ ُ‬

‫حاب‬ ‫ل الممث ّلين‪ ،‬وأص ِ‬ ‫ن الأفكارِ والمشاعر ِ (مث ُ‬ ‫كك ّ ٍ‬ ‫ل للتعبير ِ ع ِ‬ ‫الصامت‪ ،‬والراقصين) و يكون أيضا ً بسهولة ِ استخدا ِم‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫التمثي ِ‬

‫ل الفني ّة ِ‬ ‫ل صانعي الأعما ِ‬ ‫ل الأشياء ِ (مث ُ‬ ‫الأيدي في‬ ‫إنتاج وتحو ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن هذا‬ ‫اليدو ي ّة ِ‪ ،‬والمث ّالين‪ ،‬والميكانيكي ّين‪ ،‬والجر ّاحين‪ )...‬إ ّ‬

‫ل الترابطِ ‪،‬‬ ‫المهارات الحركي ّة َ الدقيقة َ مث َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫الذكاء َ يتضمّ ُ‬ ‫ن‪ ،‬والقو ّة ِ‪ ،‬والمرونة ِ والسرعة ِ‪.‬‬ ‫والتواز ِ‬

‫المعلومات‪ ..‬أنا‬ ‫ِ‬ ‫تعرف هذه ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن مدرّستي المفضّ لة َ‬ ‫أم ّي ‪ ...‬إ ّ‬‫متأكّدة ً‪.‬‬ ‫كيف؟‬‫الصف‬ ‫ِّ‬ ‫ إ ّنها يا أم ّي استطاع َت أن تستخدم َ ذكاء َ زميلة ٍ لنا في‬‫ف بالحركة ِ ال كثيرة ِ الشيء ُ الذي يجعلها لا تثبتُ في‬ ‫تت ّصِ ُ‬

‫لصف‬ ‫الصف‪ ،‬فجعلتها مساعدة ً لها في إدارة ِ ا ّ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫مكانِها في‬ ‫‪223‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫وتوفير ِ وسائل ِه ِ وإحضارِها‪ ،‬كنتُ‬

‫أستغربُ‬

‫كيف‬ ‫َ‬

‫ن‬ ‫استطاع َت أن تحتويَ بصبر ِها حركت َها الزائدة َ‪ ،‬رغم َ أ ّ‬ ‫ات يفقدنَ‬ ‫سات الأخر ي ِ‬ ‫ن المدرّ ِ‬ ‫ل العديد َ م َ‬ ‫ك تجع ُ‬ ‫طبيعتها تل َ‬ ‫صبر َه ُنّ مع َها‪.‬‬ ‫الفروقات الفردي ّة ِ بينَ‬ ‫ِ‬ ‫ن معرفة َ‬ ‫رب ّما صد َقَ ظن ّكِ يا بنتي‪ ،‬إ ّ‬‫ل‬ ‫النا ِ‬ ‫ن التعام ِ‬ ‫س وتنو ِّع ذكاءاتِهم يساعد ُنا في فهمِهم وحس ِ‬ ‫مع َهم‪.‬‬ ‫‪-5‬الذكاء ُ الموسيقيّ ‪:‬‬ ‫ل (مثلُ‬ ‫ل في القدرة ِ على إدرا ِ‬ ‫يتمث ّ ُ‬ ‫ك الموسيقا‪ ،‬والتمييز ِ والتوصي ِ‬ ‫ل‬ ‫ف الموسيقيّ )‪ ،‬والتعبير ِ عن كاف ّة ِ الأشكا ِ‬ ‫الناقدِ والمؤل ّ ِ‬ ‫العازف و المنشد ومقرئ القرآن‪.)..‬‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫الموسيقي ّة ِ (مث ُ‬

‫ِ‬ ‫صوت‬ ‫ِ‬ ‫للإيقاع‪ ،‬وطبقة ِ ال‬ ‫ن الحساسية َ‬ ‫ن هذا الذكاء َ يتضمّ ُ‬ ‫إ ّ‬ ‫(اللحن) وغير ِ ذلك‪.‬‬

‫‪224‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-٢‬الذكاء ُ الاجتماعيّ ( الخارجيّ)‪:‬‬ ‫ك وتمييز ِ الحالة ِ المزاجي ّة ِ‪ ،‬والنوايا‪،‬‬ ‫ل في القدرة ِ على إدرا ِ‬ ‫ويتمث ّ ُ‬

‫ِ‬ ‫ل الحساسية َ‬ ‫والدوافع‪ ،‬والمشاعر ِ‪ ،‬لدى الآخرين‪ ،‬وهذا يشم ُ‬ ‫والإشارات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الإيماءات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الصوت‪ ،‬و‬ ‫ِ‬ ‫للتعبيرات الوجهي ّة ِ‪ ،‬و‬ ‫ِ‬

‫ٍ‬ ‫ل الخاصّ ة ِ‬ ‫أنواع مختلفة ٍ م ِ َ‬ ‫والقدرة َ على التعبير ِ بينَ‬ ‫ن الدلائ ِ‬ ‫ل بينَ الأفرادِ‪ ،‬والقدرة َ على الاستجابة ِ بكفاءة ٍ لهذه ِ‬ ‫بالتفاع ِ‬ ‫ن‬ ‫ق واقعي ّة ٍ وهادفة ٍ فيؤث ّرونَ بسهولة ٍ في الآخري َ‬ ‫ل بطر ٍ‬ ‫الدلائ ِ‬ ‫ولديهم قدرة ً في قيادتِهم؛ وهذا الذكاء ُ هامّ ج ّدا ً للدعاة ِ‬

‫والمدرّسينَ والقادة ِ‪.‬‬

‫بعض‬ ‫ن نسبة َ الذكاء ِ الاجتماع ِيّ لديّ منخفضة ً َ‬ ‫أظنّ يا أم ّي أ ّ‬‫الشيء ِ‪.‬‬

‫ك ‪ ..‬لنتابع‪:‬‬ ‫‪-‬لا عليكِ ‪ ..‬سنتح ّدثُ في ذل َ‬

‫‪225‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ي ( الداخليّ )‪:‬‬ ‫‪-7‬الذكاء ُ الشخص ّ‬ ‫س‬ ‫ل على أسا ٍ‬ ‫الذات والتكي ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهو القدرة ُ على معرفة ِ‬ ‫ّف في التعام ِ‬ ‫ن أن يكونَ لدى الفردِ‬ ‫ن هذا الذكاء َ يتضمّ ُ‬ ‫م ِن هذه ِ المعرفة ِ؛ إ ّ‬

‫بالمزاج‬ ‫سه ِ (نقاطِ قو ّته ِ وضعف ِه)‪ ،‬والمعرفة ِ‬ ‫صورة ً دقيقة ً عن نف ِ‬ ‫ِ‬

‫ل والتفكير ِ في كيفي ّة ِ‬ ‫الداخليّ والقدرة ِ على التخطيطِ والتأمّ ِ‬ ‫س ينتمونَ بش ّدة ٍ‬ ‫ل العق ِ‬ ‫عم ِ‬ ‫ل والتفكير ِ‪ ...‬فالفلاسفة ُ وعلماء ُ النف ِ‬ ‫لهذا الذكاء ِ‪.‬‬

‫ت هذه ِ النظر ي ّة َ تماماً‪..‬‬ ‫ت وفهم ِ‬ ‫ت وأفض ِ‬ ‫ك قد أسهب ِ‬ ‫‪-‬اممم ‪ ..‬أرا ِ‬

‫أليس‬ ‫َ‬ ‫بعض الشيء ِ في معرفة ِ ميول ِك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وأظنّ أ ّنها قد ساعدتكِ‬

‫كذلك؟‬ ‫ل وواضحة ً‪،‬‬ ‫نعم ولل ّه ِ الحمد ُ‪ .‬هذه ِ النظر ي ّة ُ كان َت سهلة َ المنا ِ‬‫ِ‬ ‫جالات التي‬ ‫ِ‬ ‫ملامح شخصي ّتي أو الم‬ ‫وجعلتني أح ّدد ُ شيئا ً م ِن‬ ‫ن‬ ‫ل إنسا ٍ‬ ‫نك ّ‬ ‫ل‪ :‬إ ّ‬ ‫أجيد ُها‪ ،‬وقد أحببتُ في هذه ِ النظر ي ّة ِ أ ّنها تقو ُ‬ ‫‪22٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫عف التي يلمس ُها في شخصي ّت ِه ِ‬ ‫بعض جوانبِ الضّ ِ‬ ‫َ‬ ‫يستطي ُع أن يقو ّيَ‬ ‫ك‪ ،‬وبدأتُ‬ ‫ق التدريبِ ‪ ،‬وقد حاولتُ فعلا ً تجريبَ ذل َ‬ ‫عن طر ي ِ‬ ‫ألاحظ تطو ّري‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ك وتحاولين‬ ‫ماهي الجوانبُ التي تجدينها منخفضة َ النسبة ِ عند َ ِ‬‫تطوير َها؟‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬كانت نسبة ُ الذكاء الاجتماع ِيّ قليلة ً عندي‪ ،‬أمّا الذكاء ُ‬

‫الطبيع ِيّ والموسيقيّ فأظنّهما بمستوى الوسط‪ ،‬ل كنّ الذكاء َ‬

‫ن نسبت َها مرتفعة ٌ‪ ،‬والبص َريّ‬ ‫اللغويّ والمنطقيّ والداخليّ فأظنّ أ ّ‬ ‫لابأس به ِ‪ ،‬أظن ّه فوقَ الوسط‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ض؟‬ ‫فعلت لتطوير ِ المنخف ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬جي ّدٌ ج ّداً‪ ،‬وماذا‬

‫النشاطات الجماعي ّة ِ في المدرسة ِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ل أن أشر ِك َ نفسي في‬ ‫‪-‬أحاو ُ‬

‫ن رفيقت ِي الجديدة َ "سيما" لديها قدرة ٌ هائلة ٌ في الذكاء ِ‬ ‫كما أ ّ‬

‫ل‬ ‫ن هذه ِ أسه ُ‬ ‫الاجتماعيّ‪ ،‬فأنا أتعل ّم ُ منها ال كثير َ‪ ،‬ويبدو أ ّ‬ ‫‪227‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫طر يقة ٍ للتعل ّم ِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لنوع الشخصي ّة ِ‬ ‫ق التعلّم ِ ومناسبت ِها‬ ‫ولقد قرأتُ أيضا ً عن طر ِ‬ ‫خاص السمعي ّون وهم‬ ‫أنماط التعلّم ِ"‪ ،‬فهناك الأش ُ‬ ‫َ‬ ‫و يسمّونَها "‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫سماع المعلومة ِ‬ ‫ق‬ ‫الذين يتعل ّمونَ ع َن طر ي ِ‬ ‫وليس القراءة‪ ،‬وبالفع ِ‬

‫ل ما تسمع ُه دونَ‬ ‫حفظ مباشرة ًك ّ‬ ‫الصف ت ُ‬ ‫ِّ‬ ‫أعرف زميلة ً لي في‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ص‬ ‫الكتاب ‪-‬ما شاء َ الل ّه‪-‬؛ ومن خصائ ِ‬ ‫ِ‬ ‫للرجوع إلى‬ ‫الحاجة ِ‬ ‫المتعل ّم ِ السمعيّ‪ :‬أن ّه ُ يواجه ُ صعوبة ً في ات ّ ِ‬ ‫جيهات الكتابي ّة ِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫باع التو‬

‫المعلومات التي يسمع ُها‪ ،‬و يتشت ّتُ انتباه ُه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫و يتذك ّر ُ نسبة ًكبيرة ً م ِ َ‬ ‫ج‪ ،‬كما يصع ُبُ عليه ِ أن‬ ‫المواقف التي يسود ُ فيها الإزعا ُ‬ ‫ِ‬ ‫بسهولة ٍ في‬

‫ح‬ ‫بالمناقشات الص ّفي ّة ِ‪ ،‬و يرتا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل بهدوء ٍ لفترة ٍ طو يلة ٍ‪ ،‬و يستمت ُع‬ ‫يعم َ‬ ‫رات صوتي ّة ٌ‪ ،‬وهو مستم ٌع جي ّدٌ‪،‬‬ ‫علومات التي ترافق ُها مؤث ّ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫للم‬ ‫حب الكلام َ‪ ،‬و يستمت ُع بالموسيقا أو الأناشيد‪.‬‬ ‫وي ّ‬ ‫طات المفاهيمي ّة ِ‬ ‫ط ِ‬ ‫خاص البص َر ي ّونَ فيحب ّونَ الصور َ والمخ ّ‬ ‫أمّا الأش ُ‬ ‫صات‪ ،‬و يجيدون التعلّم َ م ِن خلال ِها؛ فالمتعل ّم ُ البصريّ‬ ‫ِ‬ ‫والملخّ‬ ‫‪228‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ج إلى أن يرى الأشياء َ ليعرف َها‪ ،‬و يتذك ّر َ ما يقرؤ ُه ُ أو يكتب ُه‪،‬‬ ‫يحتا ُ‬

‫ض البصر ي ّة ِ‪ ،‬و يواجه ُ صعوبة ً في‬ ‫و يستمت ُع بالأنشطة ِ والعرو ِ‬

‫ِ‬ ‫التوجيهات اللفظي ّة ِ فقط‪ ،‬لديه ِ‬ ‫ِ‬ ‫للمحاضرات‪ ،‬و تتب ّ ِع‬ ‫ِ‬ ‫الاستماع‬ ‫ن التعل ّم ِ‪،‬‬ ‫ن‪ ،‬كما يستمت ُع بتز يينِ مكا ِ‬ ‫قدرات فن ّي ّة ٌ و اهتمام ٌ بالألوا ِ‬ ‫ٌ‬

‫ل إلى الهدوء ِ ولا يتكل ّم ُ كثيرا ً‪،‬‬ ‫ظم ُ المواد َ التعلمي ّة َ‪ ،‬و يمي ُ‬ ‫وين ّ‬ ‫المواقف التي تتطل ّبُ الاستماعَ لفترة ٍ طو يلة ٍ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫و يفقد ُ صبر َه ُ في‬ ‫ل واس ٌع‪.‬‬ ‫ولديه ِ خيا ٌ‬ ‫خاص الحسي ّونَ الحركي ّونَ فهؤلاء ِ يحب ّونَ الحركة َ‬ ‫وأمّا الأش ُ‬ ‫ل الأنشطة ِ الحركي ّة ِ أكثر َ م ِن نمطَي‬ ‫والنشاط‪ ،‬ويتعل ّمونَ م ِن خلا ِ‬ ‫َ‬ ‫ي الحركيّ يكونُ تعل ّم ُه في‬ ‫السمعي ّينَ أو البصر ي ّين؛ فالمتعلّم ُ الحس ّ ّ‬ ‫س‬ ‫ل الأشياء َ بيديه‪ ،‬و يستمت ُع بالدرو ِ‬ ‫ل صورة ٍ عندما يفع ُ‬ ‫أفض ِ‬

‫س بهدوء ٍ‪،‬‬ ‫ن أنشطة ً عملي ّة ً‪ ،‬كما يواجه ُ صعوبة ً في الجلو ِ‬ ‫التي تتضمّ ُ‬

‫وقدرات جسمي ّة ٌ ور ياضي ّة ٌ جي ّدة ٌ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫لديه ِ تآزر ٌ حركيّ جي ّدٌ‬

‫ك‪،‬‬ ‫ل جي ّدٍ ويستمتعُ بذل َ‬ ‫و يستطي ُع تجمي َع الأشياء ِ وتركيب َها بشك ٍ‬ ‫‪229‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫و يتمت ّ ُع بذاكرة ٍ حركي ّة ٍ جي ّدة ٍ (يتذك ّر ُ الأشياء َ التي فعل َها وجرّ بَها‬

‫ن اهتمام ِه ِ ودافعي ّت ِه ِ‪ ،‬فهو يتعل ّم ُ‬ ‫عملي ّا ً في الماضي‪ ،‬و يعب ّر ُ حركي ّا ً ع ِ‬ ‫ل وليس يديه ِ فقط‪،‬‬ ‫ل أفض َ‬ ‫ل عندما يستخدم ُ جسم َه كك ّ ٍ‬ ‫بشك ٍ‬

‫الوقت‪ ،‬ولا يستمعُ‬ ‫ِ‬ ‫ل شيء ٍ ما معظم َ‬ ‫ل إلى الانشغا ِ‬ ‫يمي ُ‬ ‫ل بعم ِ‬ ‫كاف ‪.1‬‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫جي ّد َا ً‪ ،‬ولا ينتبه ُ للعرو ِ‬ ‫ض البصر ي ّة بشك ٍ‬ ‫ل!‬ ‫المعلومات تعلّمت ِها! لم تخ بريني من قب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل هذه ِ‬ ‫ماشاء َ الل ّه‪ ،‬ك ّ‬‫ أردتُ أن أفاجئ َكِ ‪ ،‬ول كن ّي تعثرتُ كما أخبرت ُكِ ‪.‬‬‫ن‬ ‫ك غير َ تائهة ٍ! فأي َ‬ ‫أحسنت يا بنتي ‪ ..‬ل كن ّي حت ّى الآنَ أجد ِ‬ ‫ِ‬ ‫‬‫ت؟‬ ‫ضع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات الشخصي ّة ِ واختباراتِها‪.‬‬ ‫ضعتُ في نظر ي ّ ِ‬ ‫ ِ‬‫ختلف‬ ‫يات كثيرة وهي ت ُ‬ ‫‪-‬لا عليكِ يا بنتي‪ ،‬هذا العلم ُ فيه ِ نظر ٌ‬

‫‪1‬‬

‫ لمزيد من الاطلاع‪ :‬كتاب (قياس وتقييم قدرات الذكاءات المتعددة‪ ،‬عبد الهادي حسين)‪.‬‬‫‪231‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫وتقسيمات للشخصي ّة ِ‪ ،‬وواضعوها‬ ‫ٍ‬ ‫مصطلحات‬ ‫ٍ‬ ‫فيما بين َها م ِن‬ ‫ات‪ ،‬ثم ّ‬ ‫مختلفونَ فيما بين َهم‪ ،‬وجميع ُهم يجتهدونَ و يفترضونَ نظر ي ّ ٍ‬ ‫وللأسف حت ّى الآنَ لا توجد ُ نظر ي ّة ٌ‬ ‫ِ‬ ‫مقاييس لها؛‬ ‫َ‬ ‫يضعونَ‬ ‫س‪ ،‬فأغلبُ الباحثين المسلمين‬ ‫إسلامي ّة ٌ واضحة ُ المعال ِم في علم ِ النف ِ‬ ‫ِ‬ ‫طرح‬ ‫الآن في مرحلة ِ الأخذِ ثم ّ النقدِ‪ ،‬ولم يبلغ ُوا بعد ُ مرحلة َ‬ ‫خطوات‬ ‫ٍ‬ ‫س‪ ،‬ل كنّهم بدؤوا يخط ُون‬ ‫نظر ي ّة ٍ متكاملة ٍ في علم ِ النف ِ‬

‫ِ‬ ‫س للنظر ي ّة ِ‬ ‫ات الغربي ّة ِ‬ ‫لابأس بها في نقدِ النظر ي ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ووضع أس ٍ‬ ‫ل‬ ‫الإسلامي ّة ِ؛ و لقد قرأتُ كتابا ً منذ ُ فترة ٍ ليست بالطو يلة ِ حو َ‬

‫ِ‬ ‫وضع‬ ‫س‪ ،‬و كانَ مؤل ّف ُه ُ موف ّقا ً في‬ ‫التأصي ِ‬ ‫ل الإسلام ِيّ لعلم ِ النف ِ‬ ‫س‪ ،‬وهي الخطوة ُ الأولى والتي‬ ‫س لبناء ِ نظر ي ّة ٍ في علم ِ النف ِ‬ ‫الأس ِ‬

‫ن واحتياجات ِه ِ‬ ‫ن للإنسا ِ‬ ‫ن فهم َ القرآ ِ‬ ‫ات‪ ،‬لأ ّ‬ ‫يجبُ أن تتبع َها خطو ٌ‬ ‫الغرب التي جعل َت‬ ‫ِ‬ ‫ات‬ ‫وطر يقة ِ السموِ ّ به ِ مغايرة ٌ تماما ً لنظر ي ّ ِ‬ ‫ل العال ِم "فرويد" هي إشباع ُ‬ ‫ن ‪-‬في بعض ِها‪ -‬مث ُ‬ ‫اهتمام َ وغاية َ الإنسا ِ‬ ‫ك‪ ،‬وهي نظر ية ٌ‬ ‫ن في ذل َ‬ ‫الغريزة ِ وكأن ّه ُ يض ُع الإنسانَ بمرتبة ِ الحيوا ِ‬ ‫‪231‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الغربَ أنفس َهم قد أثبتوا خطأها‪ ،‬و ل كن‬ ‫رغم َ شهرتِها‪ ،‬إلا أ ّ‬ ‫ات علم ِ‬ ‫جامعات العربي ّة ِ في كلي ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫س في ال‬ ‫للأسف مازالت تدرّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫النفس!‬

‫‪1‬‬

‫ِ‬ ‫س الإسلام ِيّ تستم ّد‬ ‫إن ّنا بحاجة ٍ ح ّقا ًإلى‬ ‫وضع نظر ي ّة ٍ في علم ِ النف ِ‬

‫ل الله ل ِ‬ ‫جميع الباحثينَ‬ ‫السموات والأر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫أصول َها م ِن خال ِ‬ ‫ض‪ .‬نسأ ُ ّ َ‬ ‫ق‪.‬‬ ‫المخلصينَ التوفي َ‬

‫ات نفسي ّة ٍ‪ ،‬فهذه ِ‬ ‫متاهات نظر ي ّ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ل في‬ ‫لا أريد ُ يا أم ّي أن أدخ َ‬‫ك منها حينَ حاولتُ البحثَ ‪.‬‬ ‫التي شكوتُ ل ِ‬ ‫ل فيما‬ ‫رب ّما إذا وجدتُ نفسي أتّ جه ُ في الاهتما ِم في هذا المجا ِ‬ ‫ص جامع ٍيّ أتوسّ ُع وأبحثُ وأذهبُ إلى أولي‬ ‫بعد كتخصّ ٍ‬ ‫ن‬ ‫لأعرف مواط َ‬ ‫َ‬ ‫ص‪ ،‬أمّا الآنَ فأريد ُ أن أفهم َ نفسي‬ ‫الاختصا ِ‬ ‫أعرف‬ ‫ُ‬ ‫الضعيف منها‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ِ‬ ‫ل على تقو ية ِ‬ ‫والضعف‪ ،‬فأعم َ‬ ‫ِ‬ ‫القو ّة ِ‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬لمزيد من الاطلاع‪ :‬كتاب (تمهيد في التأصيل‪ ،‬رؤ ية في التأصيل الإسلامي لعلم النفس‪ .‬د‪ .‬عبد الل ّه بن‬

‫ناصر الصبيح)‬

‫‪232‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل‪.‬‬ ‫ح لها من أعما ٍ‬ ‫ماهي ممي ّزاتُها وما يصل ُ‬ ‫سمات‬ ‫ِ‬ ‫ات التي اهتمّت بربطِ‬ ‫ حسنا ًأنتِ ترغبينَ بمعرفة ِ النظر ي ّ ِ‬‫وسمات‬ ‫ٍ‬ ‫قدرات‬ ‫ٍ‬ ‫ن من‬ ‫الشخصي ّة ِ وصفاتِها وبينَ ما تحتاج ُه ُ المه ُ‬ ‫شخصي ّة؟‬ ‫ نعم يا أم ّي م ِن فضل ِكِ ‪.‬‬‫ل‬ ‫ات تعطيكِ فكرة ً حو َ‬ ‫ل هناك َ نظر ي ّ ٌ‬ ‫حسنا ً يا بنتي‪ .‬بالفع ِ‬‫قدرات‬ ‫ٌ‬ ‫الشخص الذي لديه ِ‬ ‫ُ‬ ‫اختيارِ تخصّ صكِ المستقبليّ‪ ،‬فمثلا ً‬

‫جالات الخدمي ّة ِ‬ ‫ِ‬ ‫س في الم‬ ‫ن الذكاء ِ الاجتماعيّ أقدر ُ النا ِ‬ ‫مرتفعة ٌ م َ‬

‫والتدريس والتدريبِ والقيادة ِ ‪ ...‬وهكذا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الطب‬ ‫ّ‬ ‫والقيادي ّة ِك‬ ‫ جي ّد هذا ما أحتاج ُه ُ الآنَ بالضبطِ ‪ .‬فما هي هذه ِ النظر ي ّة ُ أو‬‫النظر ي ّاتُ يا أم ّي؟‬ ‫المعلومات عنها‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫َ‬ ‫ح حاسبي فقد خزّنتُ‬ ‫دعيني أفت ُ‬‫ٍ‬ ‫السمات وفق َها و يفس ّر ُ النتائج َ وهو‬ ‫ِ‬ ‫يقيس‬ ‫ُ‬ ‫بموقع جي ّدٍ‬ ‫واحتفظتُ‬ ‫‪233‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حتما ً سيفيد ُك‪.‬‬ ‫ك حاسب َكِ فوراً‪.‬‬ ‫كم أنتِ رائعة ً يا أم ّي‪ ،‬سأحضر ُ ل ِ‬‫‪-‬امم ‪ ...‬انظري إلى هذه ِ الأقوال‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ادات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الدوافع‪ ،‬والع‬ ‫ن‪:‬‬ ‫مزيج م ِ َ‬ ‫ن من‬ ‫كو ّنُ شخصي ّة ُ الإنسا ِ‬ ‫تت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫العواطف‪ ،‬والآراء ِ والعقائدِ‪ ،‬والأفكارِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ل‪ ،‬و‬ ‫والميو ِ‬ ‫ل‪ ،‬والعق ِ‬ ‫الاستعدادات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫و‬

‫القدرات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫و‬

‫والمشاعر ِ‪،‬‬

‫س‪،‬‬ ‫والأحاسي ِ‬

‫السمات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ج لتكوّنَ شخصي ّة َ الإنسا ِ‬ ‫نات أو أغلب ُها تمتز ُ‬ ‫ل هذه ِ المكو ّ ِ‬ ‫ك ّ‬ ‫الطبيعي ّة َ‪.‬‬ ‫وهذه ِ هي المقالة ُ التي تحتاجين َها‪ ،‬إ ّنها نظر ي ّة ُ (جون هولاند) في‬ ‫الاختيارِ المهنيّ‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫ لمزيد من الاطلاع‪ :‬كتاب (نظر يات الارشاد والنمو المهني‪ ،‬د‪ .‬سهام درويش أبو عيطة)‬‫‪234‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫هناك َ ست ّة ُ أنماطٍ للشخصي ّة ِ هي‪:‬‬ ‫النمط الواقعيّ ‪Realistic Type‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-1‬‬ ‫خاص هنا يتعاملونَ مع البيئة ِ بطر يقة ٍ موضوعي ّة ٍ وملموسة ٍ أو‬ ‫الأش ُ‬ ‫والأهداف التي تتطل ّبُ الذاتي ّة َ أو‬ ‫َ‬ ‫محسوسة ٍ‪ .‬لا يحب ّونَ الأنشطة َ‬ ‫قدرات‬ ‫ِ‬ ‫المهارات الاجتماعي ّة ِ أو الذكاء ِ أو ال‬ ‫ِ‬ ‫تتطل ّبُ استخدام َ‬

‫الفن ّي ّة ِ‪ ،‬ي ُوصفونَ بأ ّنهم غير ُ اجتماعي ّين‪ ،‬مستقر ّون انفعالي ّا ً‪،‬‬ ‫ومادي ّون‪ ،‬يت ّسمونَ بأ ّنهم ذكور ي ّون أو مسترجلون‪ ،‬يفضّ لون‬ ‫ن الزراعي ّة َ والتقني ّة َ والهندسي ّة َ والميكانيكي ّة َ وما شابه َها‪،‬‬ ‫المه َ‬ ‫مهارات حركي ّة ً أو استخدام َ‬ ‫ٍ‬ ‫يحب ّون الأنشطة َ التي تتطل ّبُ‬

‫ل مع الأشياء ِ‬ ‫والأدوات‪ ،‬والروتين‪ .‬والعم َ‬ ‫ِ‬ ‫الآلات والأجهزة ِ‬ ‫ِ‬ ‫والعددِ كالم ُزارعين‪ ،‬ومهندسي الميكانيك‪ ،‬والر ياضي ّين أيضا ً‪،‬‬ ‫ش وغيرها)‪.‬‬ ‫ل الور ِ‬ ‫ومثلهم عم ّال الحرف كالنج ّارين‪ ،‬وأعما ُ‬

‫هؤلاء ِ يرغبون بمها ٍمّ محسوسة ٍ ملموسة ٍ لا مجر ّد َة‪ ،‬وتفاعل ُهم‬ ‫‪235‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫قوي‪ .‬أحيانا ً يعب ّر ُ عن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب‬ ‫الاجتماعيّ غير ُ ّ ٍ‬ ‫(الحركيّ ‪.)Motoric‬‬ ‫ن كبيرٍ في مستوى‬ ‫ن هؤلاء ِ يعانونَ م ِن تد ٍّ‬ ‫ اممم‪ ..‬أظنّ أ ّ‬‫أليس كذلك؟‬ ‫َ‬ ‫الذكاء ِ الاجتماعيّ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫لنمط الآخر‪:‬‬ ‫لنتابع ا َ‬ ‫ت تحل ّلين نفسي ّا ً‪ ...‬ههههه ‪..‬‬ ‫ آه ‪ ..‬أصبح ِ‬‫‪-2‬النمط البحثيّ ‪Investigative Type‬‬ ‫ق استخدا ِم الذكاء ِ‬ ‫الأفراد ُ هنا يتفاعلون مع البيئة ِ ع َن طر ي ِ‬ ‫والكلمات والرموز‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والتفكير ِ المجر ّدِ‪ ،‬واستخدا ِم الأفكارِ‬ ‫لغات‬ ‫ٍ‬ ‫يفضّ لون م ِهنا ً علمي ّة ً‪ ،‬ومهامّا ً نظر ي ّة ً‪ ،‬م ِن قراءة ٍ‪ ،‬أو جبرٍ‪ ،‬أو‬ ‫الأدب والموسيقا وغير ِها من‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫أجنبي ّة ٍ‪ ،‬وأشياء َ إبداعي ّة ٍ مث ُ‬ ‫المواقف الاجتماعي ّة ِ‪ ،‬يرون‬ ‫ِ‬ ‫الأشياء ِ المجر ّدة‪ ،‬يحاولون تجن ّبَ‬ ‫أنفس َهم غير َ اجتماعي ّينَ وم ِن صفاتِهم أنّهم ذكور ي ّونَ أو‬ ‫مسترجلونَ‪ ،‬ومثابرونَ أكاديمي ّونَ‪ ،‬منطوونَ يحب ّونَ العزلة َ‪.‬‬ ‫‪23٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الغالب لا‬ ‫ِ‬ ‫جالات العلمي ّة ِ والأكاديمي ّة ِ وفي‬ ‫ِ‬ ‫إنجاز ُهم يكونُ في الم‬ ‫ل‬ ‫ت مث َ‬ ‫ل م َع المعلوما ِ‬ ‫لوظائف القيادة ِ‪ ،‬يحب ّونَ العم َ‬ ‫ِ‬ ‫يصلحونَ‬

‫ل علماء ِ ال كيمياء ِ والفيز ياء ِ‬ ‫ات‪ .‬مث َ‬ ‫الأفكارِ المجر ّدة ِ والنظر ي ّ ِ‬ ‫ن العلو ِم‪ .‬أحيانا ً يعب ّر ُ ع َن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب‬ ‫وغير ِها م ِ َ‬ ‫(العقليّ ‪.)Intellectual‬‬ ‫ق يا أم ّي ‪ ...‬هههه ‪ ..‬لنتابع ‪ ،‬ول كن أظنّ هؤلاء ِ‬ ‫ لن أعل ّ َ‬‫أيضا ً عندهم المشكلة ُ ذاتُها ل كنّه ُم يمتل كونَ ذكاء ً ر ياضي ّا ً أو‬ ‫منطقي ّا ً‪.‬‬

‫النمط الفن ّيّ ‪Artistic Type‬‬ ‫‪ُ -3‬‬ ‫ِ‬ ‫الإبداع‬ ‫ق و‬ ‫ق الخل ِ‬ ‫الأفراد ُ ه ُنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ‬ ‫الأدب ِيّ والفن ّ ِيّ‪ ،‬و يعتمدونَ على انطباعاتِهم وتخي ّلاتِهم ُ الذاتية ِ في‬ ‫ن الموسيقي ّة َ‪،‬‬ ‫ل‪ ،‬يفضّ لونَ المه َ‬ ‫البحث عن حلو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ل للمشاك ِ‬ ‫والأدبي ّة َ‪ ،‬والثقافة َ الدراماتي ّة‪ ،‬والأنشطة َ الشبيهة َ بها والتي‬ ‫‪237‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫تتطل ّبُ إبداعا ً (رسام‪ ،‬كاتب‪ ،‬روائي‪ ،‬فن ّان)‪ .‬لا يحب ّونَ‬

‫ِ‬ ‫ارات‬ ‫إصلاح السي ّ ِ‬ ‫ل‬ ‫الأنشطة َ الرجولي ّة َ أو الأدوار َ الذكور ي ّة َ مث َ‬ ‫الأدب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الفن و‬ ‫أو الأنشطة ِ الر ياضي ّة ِ‪ ،‬يعب ّرونَ عن أنفسهم ب ّ ِ‬ ‫يرونَ أنفس َهم غير َ اجتماعي ّين‪ ،‬وأنثو ي ّين‪ ،‬خاضع ِينَ أو مطيع ِينَ‪،‬‬

‫ساسين‪ ،‬ومرنين‪ ،‬ومندفعينَ‪ ،‬ومستقل ّين‪،‬‬ ‫واستبطاني ّينَ‪ ،‬وح ّ‬ ‫ومنبسط ِين‪ ،‬وخيالي ّين؛ أحيانا ً يعب ّر ُ عن هذا النمط أو التوجه ب‬ ‫(الجماليّ ‪.)Esthetic‬‬ ‫ن ذكاء َهم ُ الل ّغويّ مرتف ٌع‪ ،‬أو قد يكونُ الفنيّ أو‬ ‫هؤلاء ِ أظنّ أ ّ‬‫ك يا أم ّي؟‬ ‫أليس كذل َ‬ ‫َ‬ ‫الداخليّ‪..‬‬

‫ق‬ ‫ت و ‪-‬لل ّه ِ الحمد ُ‪-‬فهم َ وتطبي َ‬ ‫ت‪ ،‬أرى أن ّكِ قد أجد ِ‬ ‫ نعم أحسن ِ‬‫الذكاءات المتع ّددة ِ‪ .‬لنتابع يا حبيبتي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫نظر ي ّة ِ‬ ‫النمط الاجتماعيّ ‪Social Type‬‬ ‫‪ُ -4‬‬ ‫مهارات‬ ‫ِ‬ ‫ق استخدا ِم‬ ‫الأفراد ُ ه ُنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ‬ ‫‪238‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل م َع الآخرين‪ ،‬وه ُم معروفونَ بمهاراتِهم ُ الاجتماعي ّة ِ‬ ‫التعام ِ‬ ‫الوظائف التربو ي ّة َ‬ ‫َ‬ ‫ل م َع م َن حولَهم‪ ،‬يفضّ لونَ‬ ‫وحاجت ِهم للتفاع ِ‬ ‫خدمات الاجتماعي ّة َ‪ ،‬والموسيقا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والعلاجي ّة َ والديني ّة َ‪ ،‬وال‬ ‫ن‬ ‫والقراءة َ‪ ،.‬والاهتمام َ بالمشاك ِ‬ ‫ل الاجتماعي ّة ِ‪ ،‬يبتعدون ع ِ‬ ‫ل العقلي ّة ِ المع ّقدة ِ‪ ،‬يرونَ أنفس َهم‬ ‫ِ‬ ‫المهارات الجسمي ّة ِ أو المشاك ِ‬ ‫اجتماعي ّينَ‪ ،‬ومرنينَ‪ ،‬ومرحينَ‪ ،‬ومحافظينَ‪ ،‬وهم مسؤولونَ‪،‬‬ ‫ل التي تتضمّن‬ ‫جزونَ‪ ،‬ومتقب ّلونَ لذواتِهم‪ ،‬يرغبونَ بالأعما ِ‬ ‫م ُن ِ‬ ‫ل أخصائي خدمة ٍ اجتماعي ّة ٍ‪ ،‬مرشدٍ‪،‬‬ ‫مساعدة َ الآخرين مث َ‬ ‫س‪ .‬أحيانا ً يعب ّ َر ُ عن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب (الم ُسَان ِد‬ ‫م ُدرّ ٍ‬ ‫‪.)Supportive‬‬ ‫ات في‬ ‫ن الذكاء ِ‬ ‫نسب مختلفة ٍ م ِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ن وجود َ‬ ‫ل يا أم ّي أ ّ‬ ‫أرى بالفع ِ‬‫ص الواحدِ تعطيه ِ طاب َعا ً م ُعي ّنا ً واتّ جاها ً في اختيارِ المهنة ِ‪،‬‬ ‫الشخ ِ‬ ‫ص فيعطيه ِ‬ ‫ن هناك َ ذكاء ً أو أكثر َ يكونُ عاليا ً عند َ الشخ ِ‬ ‫وأ ّ‬

‫التوجه َ العامّ أو السمة َ العامّة َ‪ ،‬أمّا الذكاءاتُ الأخرى التي‬

‫‪239‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل أكثر َ‪.‬‬ ‫ل أخرى حيثُ تح ّدد ُ الميو َ‬ ‫ل فتضفي تفاصي َ‬ ‫بنسب أق ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ك؟‬ ‫أليس كذل َ‬ ‫َ‬ ‫ج رائ ٌع ج ّدا ً يا بنتي‪ .‬ل ِ‬ ‫الأنماط‬ ‫َ‬ ‫نتابع‬ ‫ح‪ ،‬ماشاء َ الل ّه‪ ،‬استنتا ٌ‬ ‫‪-‬صحي ٌ‬

‫الأخرى‪:‬‬

‫النمط المغامر ‪Enterprising Type‬‬ ‫‪ُ -5‬‬ ‫ح‬ ‫ق ممارسة ِ أنشطة ٍ تسم ُ‬ ‫الأفراد هنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ‬ ‫س‪ ،‬والاندفاعي ّة ِ‬ ‫ن المغامرة ِ‪ ،‬والسيطرة ِ‪ ،‬والحما ِ‬ ‫لهم بالتعبير ِ ع ِ‬

‫ِ‬ ‫الإقناع‪ ،‬لديهم‬ ‫صفونَ بأ ّنهم قادرونَ على‬ ‫وقيادة ِ الآخرين‪ ،‬يو َ‬

‫قدرة ٌ لفظي ّة ٌ‪ ،‬انبساطي ّون‪ ،‬واثقونَ بأنفس ِهم‪ ،‬متقب ّلون لها‪،‬‬ ‫ن التي فيها بي ٌع‪ ،‬أو‬ ‫جريئون‪ ،‬واستعراضي ّون‪ .‬يفضّ لونَ المه َ‬ ‫ل على‬ ‫إشراف‪ ،‬أو قيادة ٌ تشب ُع حاجت َهم للسيطرة ِ والحصو ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ل‬ ‫صاحب أعما ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مبيعات‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫ندوب‬ ‫ِ‬ ‫الاعتراف وإظهارِ القو ّة ِ (كم‬ ‫ِ‬ ‫أو شركة ٍ)‪ .‬أحيانا ً يعب ّر ُ عن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب (الإقناعيّ‬ ‫‪241‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪.) Persuasive‬‬ ‫النمط التقليديّ ‪Conventional Type‬‬ ‫‪ُ -٢‬‬ ‫ق اختيارِ الأنشطة ِ التي‬ ‫الأفراد ُ ه ُنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ‬ ‫ل م َع‬ ‫تؤدّي إلى الاستحسا ِ‬ ‫ن الاجتماعيّ‪ ،‬طر يقت ُهم في التعام ِ‬ ‫ليس بها أصالة‬ ‫المواقف روتيني ّة ٌ وتقليدي ّة ٌ وصحيحة ٌ َ‬ ‫ِ‬

‫‪1‬‬

‫‪ .‬يعطون‬

‫ظمين‪ ،‬وهم ُ اجتماعي ّون ومحافظون‪.‬‬ ‫انطباعا ً حسنا ً بكونِهم من ّ‬ ‫يفضّ لون الأنشطة َ السكرتار ي ّة َ والتنظيمي ّة َ التي تتطل ّبُ تنظيم َ‬ ‫والبيانات‪ ،‬و يضعونَ قيمة ً عالية ً على الأمورِ‬ ‫ِ‬ ‫المعلومات‬ ‫ِ‬ ‫الاقتصادي ّة ِ‪ ،‬يرونَ أنفس َهم أ ّنهم غير ُ مرنين‪ ،‬وهم مستقر ّونَ‪،‬‬ ‫ي‪ ،‬يميلونَ‬ ‫ن الاستعدادِ اللفظ ّ‬ ‫ي أكثر َ م ِ َ‬ ‫ولديهم ُ استعداد ٌ ر ياض ّ‬ ‫والتعليمات‪ ،‬يعملونَ‬ ‫ِ‬ ‫إلى الروتينِ وين ّفذونَ الأنظمة َ والقواعد َ‬ ‫ف الواضحة َ‬ ‫حاب السلطة ِ والنفوذِ‪ ،‬يفضّ لونَ المهامّ والوظائ َ‬ ‫م َع أص ِ‬

‫‪241‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫غموض‪ ،‬أحيانا ي ُعب ّر ُ عن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب‬ ‫ٌ‬ ‫ليس فيها‬ ‫التي َ‬ ‫(الم ُ ِ‬ ‫ل ‪.)Conforming‬‬ ‫طيع أو الم ُمتث ِ‬

‫الأنماط الثلاث َة َ الأولى لم َن ذكاؤ ُه ُ الذاتيّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل يا أم ّي أجد ُ أ ّ‬ ‫بالفع ِ‬‫الأنماط الثلاثة ُ الأخيرة ُ فلذوي‬ ‫ُ‬ ‫ل ج ّداً‪ ،‬وأمّا‬ ‫أو الداخليّ عا ٍ‬

‫ت‬ ‫الذكاء ِ الاجتماع ِيّ العالي‪ ،‬ثم ّ يتمايزونَ حسبَ الذكاءا ِ‬

‫الأخرى م ِن ذكاء ٍ‬ ‫أليس‬ ‫َ‬ ‫ي‪،‬‬ ‫لغوي أو منطقيٍّ أو حرك ٍيّ وحس ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫كذلك؟‬

‫ح يا بنتي‪ ،‬ما شاء َ الل ّه تحلي ٌ‬ ‫صحي ٌ‬‫ل رائ ٌع؛ أرى أن ّكِ تمل كينَ ذكاء ً‬ ‫ِ‬ ‫ل‪:‬‬ ‫لنتابع المقا َ‬ ‫ر ياضي ّا ً عالياً‪.‬‬ ‫ف تحتَ أحدِ تلكَ‬ ‫ن أن ي ُصن ّ َ‬ ‫ص يمك ُ‬ ‫ن أيّ شخ ٍ‬ ‫يرى هولاند أ ّ‬ ‫الأنماطِ إمّا بواسطة ِ ميوله ِ التعليمي ّة ِ أو المهني ّة ِ أو بواسطة ِ‬ ‫ل‬ ‫س الميو ِ‬ ‫الدرجات التي يحص ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل عليها عند َ أخذِه ِ لأحدِ مقايي ِ‬ ‫المهني ّة ِ‪.‬‬ ‫‪242‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫بيئات مهني ّة ٍ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ست‬ ‫وهناك َ ّ‬ ‫ل واحدة ٍ لها‬ ‫بيئات مهني ّة ٍ ك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ست‬ ‫ّ‬ ‫الأنماط الست ّة َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل تل َ‬ ‫يقاب ُ‬ ‫خاص الذين يعملونَ بها‪:‬‬ ‫خصائص تمي ّز ُ الأش َ‬ ‫ُ‬ ‫بات معي ّنة ٌ ولها‬ ‫متطل ّ ٌ‬ ‫‪-1‬البيئة ُ الواقعي ّة ُ ‪Realistic Environment‬‬

‫مهارات ميكانيكي ّة ٍ ومثابرة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الأنشطة ُ ه ُنا حسي ّة ٌ جسمي ّة ٌ تتطل ّبُ‬ ‫ل‬ ‫المهارات الاجتماعي ّة ِ‪ ،‬مث ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫وحركة ٍ جسمي ّة ٍ‪ ،‬وح ٍّد أدنى م ِ َ‬ ‫ل حلاقة ٍ‪،‬‬ ‫محطة ِ بنزين‪ ،‬ميكانيكا‪ ،‬مزرعة ٍ‪ ،‬شركة ِ بناء‪ ،‬مح ّ ِ‬ ‫الآلات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ل مع‬ ‫ن وآلات‪ ..‬الخ‪ .‬العم ُ‬ ‫ل مكائ َ‬ ‫سباكة ٍ‪ ،‬تشغي ُ‬ ‫الطائرات‪ ،‬زراعة ٍ‪ ،‬وهندسة الخ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ارات‪ ،‬و‬ ‫ارات‪ ،‬والسي ّ ِ‬ ‫والجر ّ ِ‬ ‫‪-2‬البيئة ُ البحثي ّة ُ ‪Investigative Environment‬‬

‫ن‬ ‫القدرات المجر ّدة ِ والإبداعي ّة ِ بدلا ً م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫تتطل ّبُ استخدام َ‬ ‫ِ‬ ‫الإ‬ ‫دراكات الشخصي ّة ِ‪ ،‬والأداء ُ الم ُرضي يتطل ّبُ الذكاء َ‬ ‫‪243‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫تح ّ‬ ‫ئج؛ و ُ‬ ‫والتخي ّ َ‬ ‫ل‪ ،‬أمّا الإنجاز ُ فيتطل ّبُ وقتا ً طو يلا ً لرؤ ية ِ النتا ِ‬ ‫ل‬ ‫ل العقلي ّة ِ؛ و يكونُ العم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل باستخدا ِم‬ ‫المشاك ُ‬ ‫القدرات والوسائ ِ‬ ‫س‪.‬‬ ‫مع الأفكارِ والأشياء ِ وليس م َع النا ِ‬

‫حوث‪ ،‬مكتبة ٌ‪ ،‬جماعة ُ‬ ‫ل‪ :‬مختبر ٌ أو مركز ُ ب ٍ‬ ‫ن العم ِ‬ ‫أمثلة ٌ على أماك ِ‬ ‫حث‪ ،‬بيئة ُ العلماء ِ والفلاسفة ِ‪.‬‬ ‫ب ِ‬

‫ح بالنسبة ِ لي‪ .‬ماهي البيئاتُ‬ ‫‪-‬رائ ٌع يا أم ّي ‪ ..‬الأمرُ بدأ يت ّض ُ‬

‫الأخرى؟‬

‫‪-3‬البيئة ُ الفن ّي ّة ُ ‪Artistic Environment‬‬

‫ل الأدبي ّة ِ‪ ،‬واستخدام َ‬ ‫تتطل ّبُ الاستخدام َ الإبداعيّ للأشكا ِ‬ ‫س‪ ،‬والعاطفة ِ‪ ،‬والاعتماد َ على معايير َ ذاتي ّة ٍ‬ ‫المعرفة ِ‪ ،‬والحد ِ‬ ‫ل‬ ‫ل يتطل ّبُ التزاما ًعميقا ًطو ي َ‬ ‫المعلومات؛ العم ُ‬ ‫ِ‬ ‫وشخصي ّة ٍ للحكم ِ على‬ ‫ح‪ ،‬استديو فن ّيّ أو‬ ‫ل‪ :‬مسر ٌ‬ ‫ن العم ِ‬ ‫المدى؛ أمّا أمثلة ُ أماك ِ‬ ‫ن‪ ،‬قسم ُ الموسيقا‪ ،‬وهي بيئة ُ الفن ّانينَ‪،‬‬ ‫موسيقيّ ‪ ،‬مركز ُ فنو ٍ‬ ‫‪244‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫والموسيقي ّينَ والمنشدين‪ ،‬والممث ّلينَ‪ ،‬والرسّ امين‪.‬‬ ‫‪-4‬البيئة ُ الاجتماعي ّة ُ ‪Social Environment‬‬

‫ك الإنسان ِيّ‪ ،‬ورغبة ً في‬ ‫ل وتفسير ِ السلو ِ‬ ‫تتطل ّبُ القدرة َ على تعدي ِ‬ ‫ل م َع الآخرين؛‬ ‫الاهتما ِم والتعام ِ‬ ‫علاقات شخصي ّة ً متكر ّرة ً وطو يلة َ الأمدِ؛ ومخاطر ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫يتطل ّب العم ُ‬ ‫ل الرئيسي ّة ُ مخاطر ٌ انفعالي ّة ٌ وعاطفي ّة ٌ كقاعة ٍ ص ّفيّة ٍ‪ ،‬وقاعة ِ‬ ‫العم ِ‬ ‫حاضرات في جامعة ٍ‪ ،‬ومكاتبِ إرشادٍ‪ ،‬ومستشفى للصح ّة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫م‬ ‫النفسي ّة ِ‪ ،‬ومكاتبِ الدعوة ِ والإرشادِ الدين ّي‪ ،‬ومكاتبَ تعليمي ّة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫س‪ ،‬والأخصائ ِيّ‬ ‫والترويح‪ :‬وهي بيئة ُ المدرّ ِ‬ ‫أو مراكز ِ الاستجما ِم‬

‫ي‪ ،‬والموجّه ِ المهن ِيّ‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫الاجتماع ِيّ أو النفس ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫الإقناع ‪Enterprising Environment‬‬ ‫‪-5‬بيئة ُ المغامرة ِ أو‬ ‫ِ‬ ‫إقناع الآخرين؛ و يتطل ّبُ‬ ‫مهارات لفظي ّة ً لتوجيه ِ أو‬ ‫ٍ‬ ‫تتطل ّبُ‬ ‫خطيط الأنشطة ِ التي يقوم ُ بها الآخرونَ أو‬ ‫ل توجيه َ أو ت َ‬ ‫العم ُ‬ ‫‪245‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل م َع الآخرين ول كن على مستوىً‬ ‫التحكّم َ فيها رغبة ً في التعام ِ‬ ‫ن‬ ‫مكتب عقارٍ‪ ،‬ومكا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ي مقارنة ً بالبيئة ِ الاجتماعي ّة ِ‪ ،‬مث ُ‬ ‫سطح ٍ ّ‬

‫ِ‬ ‫مبيعات‪ ،‬إدارة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن‪ ،‬وإدارة ِ‬ ‫ارات‪ ،‬وشركة ِ دعاية ٍ وإعلا ٍ‬ ‫بيع سي ّ ٍ‬

‫ل‬ ‫ل ورجا ِ‬ ‫ل الخ‪ .‬وهي بيئة ُ السياسي ّينَ ومدراء ِ الأعما ِ‬ ‫أعما ٍ‬ ‫ن والمحاماة‪.‬‬ ‫ل القانو ِ‬ ‫المبيعات ورجا ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-٢‬البيئة ُ التقليدي ّة ُ ‪Conventional Environment‬‬

‫علومات اللفظي ّة ِ‬ ‫ِ‬ ‫تتطل ّبُ تعاملا ً م ُنتظما ً وروتيني ّا ً ومحسوسا ً م َع الم‬ ‫والر ياضي ّة ِ والأرقا ِم؛ مهامّها متكررّة ٌ وقصيرة ُ المدى وبات ّ ِ‬ ‫باع‬

‫ن‬ ‫مهارات اجتماعي ّة ً قليلة ً حيثُ إ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إجراءات واضحة ٍ‪ ،‬تتطل ّبُ‬ ‫ٍ‬ ‫ل‪ :‬شركة ِ محاسبة ٍ‪،‬‬ ‫المكتب‪ .‬مث ُ‬ ‫ِ‬ ‫وأدوات‬ ‫ِ‬ ‫جهيزات‬ ‫ِ‬ ‫ل م َع ت‬ ‫العم َ‬ ‫ل‪ ،‬وسكرتار ية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ات‪،‬‬ ‫مكتب بريدٍ‪ ،‬وغرفة ِ مل ّف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫مكتب عم ٍ‬ ‫اف بنكٍ الخ‪ .‬بيئة ٌ يغلبُ عليها الاهتمام ُ‬ ‫ل‪ ،‬وصرّ ِ‬ ‫واستقبا ٍ‬ ‫والتعليمات والروتين (محاسبة ٌ‪ ،‬واقتصاد ٌ‪ ،‬وسكرتار ية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بالقواعدِ‬ ‫‪24٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل مكتبي ّة)‪.‬‬ ‫وأعما ٌ‬ ‫ق بها أفراد ٌ‬ ‫البيئات السابقة ِ يلتح ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ل بيئة ٍ م ِ َ‬ ‫نك ّ‬ ‫ح هولاند أ ّ‬ ‫يقتر ُ‬ ‫فترض أ ّنهم‬ ‫ك البيئة ِ‪ ،‬و ي ُ ُ‬ ‫ات تل َ‬ ‫شخصي ّاتُهم شبيهة ٌ بشخصي ّ ِ‬ ‫سيسعدونَ وينتجونَ في بيئة ٍ مناسبة ٍ لنمطِ شخصي ّاتِهم‪ ،‬و يكونونَ‬ ‫نمط شخصي ّاتِهم‪.‬‬ ‫ن أو م ُنت ِجينَ في بيئة ٍ لا تناسبُ َ‬ ‫غير َ سعيدي َ‬ ‫ن رأي ّه ُكانَ صائبا ً يا أم ّي‪ ،‬بق َي عليّ أن أقوم َ باختبارِ‬ ‫أظنّ أ ّ‬‫الذكاءات المتع ّددة ِ واختبارِ هولاند‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ارات‪ ،‬كما‬ ‫س هذه ِ الاختب ِ‬ ‫هل تعرفينَ المواق َع التي تقوم ُ بقيا ِ‬ ‫أخبرتني؟‬ ‫ك الموق َع‪ ،‬إن ّه موق ٌع موثوقٌ لمنتدى‬ ‫نعم يا بنتي‪ ،‬لقد فتحتُ ل ِ‬‫س النفسي ّة ِ‪ ..‬ها هو‪.‬‬ ‫المقايي ِ‬ ‫و ل كن ألم تلاحظي شيئا ً آخر َ يمكن ُكِ أن تستنتجيه ِ مم ّا سبق؟‬ ‫لا ‪ ،‬ما هو يا أم ّي؟‬‫‪247‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ِ‬ ‫ل‪ ،‬أي لا يوجد ُ‬ ‫أنواع الشخصي ّ ِ‬ ‫اختلاف‬ ‫ُ‬ ‫‬‫ات ليس للتفضي ِ‬ ‫صنف ٍ‬ ‫لنوع معي ّنٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫حك ّ‬ ‫ل من الآخر‪ ...‬وإنّما يصل ُ‬ ‫صنف أفض ُ‬ ‫ٌ‬ ‫فاختلاف أنماطِ‬ ‫ُ‬ ‫ن يكونُ فيها أكثر َ إنتاجا ً وإبداعا ً‪..‬‬ ‫مِ َ‬ ‫ن المه ِ‬ ‫ل مهامّ ِنا‪ ،‬أي لنكونَ متكاملينَ في مهارات ِنا‪،‬‬ ‫شخصي ّاتنا و ُ ِ‬ ‫جد َ لتكام ِ‬ ‫ل‬ ‫ق هو الذي يمُي ّز ُ المجا َ‬ ‫ضنا بعضا ً؛ ل كنّ الإنسانَ الموف ّ َ‬ ‫يش ّد بع ُ‬ ‫ق قدرات ِه ِ التي أنعم َ الل ّه ُ بها عليه ِ‪،‬‬ ‫الذي يجيد ُه ويبدع ُ فيه ِ وف َ‬

‫ص لميوله ِ‬ ‫ل شخ ٍ‬ ‫والمجتم ُع الناجح ُ هو الذي يساعد ُ في معرفة ِ ك ّ ِ‬

‫ِ‬ ‫المناسب في موضع ِه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫لوضع الإنسا ِ‬ ‫ومهنت ِه ِ‪ ،‬ثم ّ يوف ّر ُ ف ُرصا ً‬

‫ل فردٍ‬ ‫المسافات لإدرا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‪ ،‬فيختصر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ك ك ِّ‬ ‫المناسب بأيسر ِ السب ُ ِ‬ ‫ل المناسبة ِ‪ ،‬كما‬ ‫َ‬ ‫ل إبداع ِه ِ ومهارات ِه ِ‪ ،‬و يق ّدم ُ له ُ‬ ‫مجا َ‬ ‫فرص العم ِ‬ ‫ف ليكونَ‬ ‫ل على تطوير ِ نقاطِ القو ّة ِ وتحسينِ نقاطِ الضع ِ‬ ‫يعم ُ‬ ‫أكثر َ إنتاجا ً‪.‬‬ ‫بالقدرات أو‬ ‫ِ‬ ‫ج‪ ( ..‬لا ت َباهي‬ ‫اممم ‪ ...‬هامّ ج ّدا ً هذا الاستنتا ُ‬‫ق له)‪.‬‬ ‫ل ميس ّر ٌ ل ِما خ ُل ِ َ‬ ‫المناصب‪ ...‬ك ّ‬ ‫ِ‬ ‫‪248‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫تماما ً يا بنتي‪ ..‬أرأيتِ ؟ نظرة ٌ صحيحة ٌ لإمكانات ِنا وعطاء ِ الل ّه ِ‬‫ل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫وغايت ِه ِ م ِ َ‬ ‫اختلاف قدرات ِنا تجعلُنا متكاملينَ في العطاء ِ والعم ِ‬

‫ض!‬ ‫ل بع ٍ‬ ‫ضنا عم َ‬ ‫ن‪ ،‬ولا يحقر ُ بع ُ‬ ‫لا متفاضلينَ‪ ،‬أو متكب ّري َ‬ ‫صاحب صنعة ٍ أو‬ ‫ِ‬ ‫س أو المعل ّم ِ أو‬ ‫للطبيب على المهند ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫فلا فض َ‬

‫ل نظافة ٍ‪ ،‬جميع ُنا لنا دور ٌ هامّ في الم ِ‬ ‫جتمع‪ ،‬ونتفاضلُ بمدى‬ ‫عام ِ‬ ‫ل‪ ..‬هذا المفهوم ُ‬ ‫ل‪ ،‬لا في طبيعة ِ العم ِ‬ ‫إتقانِنا وإخلاصِنا في العم ِ‬ ‫يا بنتي هو سبيلُ الرق ِيّ والنهضة ِ بمجتمعات ِنا ورؤي ِتها الصحيحة ِ‬ ‫خلص‬ ‫ل من ّا دور َه ُ في الحياة ِ فيتقن َه ُ و ي َ‬ ‫ل؛ لاب ّد أن يدرك َ ك ّ‬ ‫للعم ِ‬ ‫ل رفعة َ الدنيا والآخرة ِ معاً‪.‬‬ ‫لل ّه ِ‪ ،‬فينا َ‬ ‫ن ومجتمع ِه ِ‬ ‫ل أن ينظر َ الإنسانُ إلى ال كو ِ‬ ‫ رائ ٌع يا أم ّي‪ ،‬ما أجم َ‬‫ضه‬ ‫ن م َع العلم ِ! يش ّد بع ُ‬ ‫ل الدي ُ‬ ‫ل أن يتكام َ‬ ‫بعينٍ صحيحة ٍ‪ ،‬ما أجم َ‬ ‫ك يا أمّاه على هذه ِ اللفتة ِ الرائعة ِ‪.‬‬ ‫بعضاً‪ ...‬شكرا ً ل ِ‬ ‫الصف وصديقات ِي ‪ ..‬فأنا‬ ‫ِّ‬ ‫سأنشر ما تعل ّمت ُه ُ اليوم َ بينَ زميلاتي في‬ ‫‪249‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل لغز َ الحياة ِ‪،‬‬ ‫الآنَ أشعر ُ براحة ٍكبيرة ٍ‪ ،‬إذ إن ّي يوما ً بعد َ يو ٍم أح ّ‬ ‫ِ‬ ‫لمجتمع م ِن حولي‪ ،‬وهذا بالضبطِ ما يحتاج ُه ُ م َن‬ ‫وأزداد ُ فهما ً ل‬ ‫ل عمري‪.‬‬ ‫في مث ِ‬ ‫ت فينا ق ِي َما ً جميلة ً منذ ُ الصغرِ‪،‬‬ ‫ألاحظ يا أم ّي أن ّكِ قد بني ِ‬ ‫ُ‬ ‫إن ّني‬ ‫القيم‬ ‫ن‬ ‫ول كن ّي أستغربُ م ِن نفسي أن ّني رغم َ ما ترب ّيتُ عليه ِ م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل أو يبحثُ عنها‪...‬‬ ‫ن عقلي َ الآنَ بدأ يتساء ُ‬ ‫لسنوات عديدة ٍ‪ ،‬إلا أ ّ‬ ‫ٍ‬

‫قيم علمت ِني‬ ‫إن ّي أستغربُ م ِن نفسي‪ ،‬فأنا الآنَ أتصارع ُ معها على ٍ‬

‫ق! أو هل عليّ‬ ‫ل هل هي َ صالحة ٌ للتطبي ِ‬ ‫إ ي ّاها منذ ُ الصغرِ‪ ،‬وأتساء ُ‬

‫ك غريبا ً يا أم ّي؟‬ ‫أليس ذل َ‬ ‫َ‬ ‫أن ألز ِم َ نفسي َ بها؟‬ ‫ليس غريباً‪.‬‬ ‫لا َ‬‫كيف وأنا قد ترب ّيتُ عليها!‬ ‫َ‬ ‫ح ّقاً؟‬‫جكِ‬ ‫ل قدرات ِكِ العقلي ّة ِ ونض ِ‬ ‫لأن ّكِ الآنَ يا بنتي في طورِ اكتما ِ‬‫ن‬ ‫ل عن أشياء َ تم ّ إدخال ُها إليه ِ بدو ِ‬ ‫الفكري‪ ،‬لقد بدأ عقل ُكِ يتساء ُ‬ ‫ِّ‬ ‫‪251‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك أن‬ ‫وعي منه ُ! وهذا طبيعيّ في مرحلة ِ عمرِك‪ ..‬إذ لاب ّد ل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اقتناع‪ ،‬وقيم َكِ عن م ُعتق َدٍ يعتمد ُ على فه ٍم‬ ‫ن‬ ‫تختاري دين َكِ ع ِ‬ ‫القيم في الحياة ِ‪.‬‬ ‫ك‬ ‫ك حقيقيٍّ لأهمي ّة ِ تل َ‬ ‫ودراية ٍ وإدرا ٍ‬ ‫ِ‬

‫قيم حيات ِكِ التي ترغبينَ أن‬ ‫في هذه ِ المرحلة ِ يا بنتي يتم ّ اختيار ُ ِ‬

‫ك هذه ِ المرحلة ُ مُهمّة ٌ‪،‬‬ ‫تصوغي حيات َكِ وشخصي ّتكِ وفق َها؛ لذل َ‬ ‫رت على‬ ‫ح وف ّ ِ‬ ‫ق الصحي َ‬ ‫واخترت القيم َ والطر ي َ‬ ‫ِ‬ ‫وإن وف ّقكِ الل ّه ُ‬ ‫جازات رائعة ً‬ ‫ٍ‬ ‫ت إن‬ ‫ل‪ ،‬وح ّقق ِ‬ ‫نف ِ‬ ‫سكِ عناء َ تصويبِ أخطاء ِ المستقب ِ‬ ‫ن أهمي ّة ُ هذه المرحلة ِ م ِن عمرِك‪ ،‬إ ّنها‬ ‫أثناء َ حياتكِ ؛ وم ِن ه ُنا تكم ُ‬

‫ك إن ق ّدم َ المجتمعُ‬ ‫والقيم‪ ،‬لذل َ‬ ‫ق‬ ‫مرحلة ُ الاختيارِ‪ ..‬اختيارِ الطر ي ِ‬ ‫ِ‬

‫ل الأسئلة ِ سي ُجن ّبُ الناشئة َ‬ ‫ل عمرِ ِ‬ ‫ك أجوبة ً عن ك ّ ِ‬ ‫لم َن في مث ِ‬ ‫ال كثير َ م ِن عناء ِ‬ ‫ل‬ ‫الصراعات الداخلي ّة ِ وسيضع ُهم على أ ّو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النجاح والفوزِ في الدنيا والآخرة ِ‪.‬‬ ‫خطوات‬ ‫ِ‬

‫كم أنا محاطة ٌ بنعمة ٍكبيرة ٍ يا أم ّي لم أكن أشعر ُ بعظمِها‪ .‬نعم أنا‬‫ن الحنا ِ‬ ‫ت عليّ م ِ َ‬ ‫أحب ّكِ لأن ّكِ أفض ِ‬ ‫ن والرحمة ِ والرعاية ِ الشيء َ‬ ‫‪251‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ال كثير َ ‪ ...‬ل كنّ النعمة َ الع ُظمى هي هذه ِ الحواراتُ التي تجيبني‬ ‫ل‬ ‫نك ّ‬ ‫حرج؛ أتمن ّى لو أ ّ‬ ‫ل ما يخطر ُ ببالي دونَ أدنى‬ ‫فيها عن ك ّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ل خيرٍ ‪.‬‬ ‫ك عن ّي ك ّ‬ ‫أ ٍمّ مثل ُك‪ .‬أكرم َكِ الل ّه ُ وجزا ِ‬ ‫ك أقب ّلها يا حبيبتي‪.‬‬ ‫الحمد ُ لل ّه ِ أن أكرم َني بك ‪ ..‬هات ِي يد َ ِ‬ ‫‪ -‬رضي َ الل ّه ُ عنك يا بنتي ووف ّق َكِ لما يحب ّه ُ و يرضاه ُ‪ ،‬وأسعدك‬

‫الذكاءات‬ ‫ِ‬ ‫اختبارات الشخصي ّة ِ و‬ ‫ِ‬ ‫في الدنيا والآخرة ِ‪ .‬هي ّا قو ِمي ب‬ ‫ل‬ ‫عف فنعم َ‬ ‫ن القوة ِ لديكِ فننمي َها ونقاطِ الض ِ‬ ‫لنتعر َ‬ ‫ّف على مواط ِ‬ ‫على تحسين ِها‪.‬‬

‫بالنتائج‪ ..‬أنا عظيمة ُ‬ ‫ك‬ ‫الاختبارات وأخبر ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫حسنا ً يا أم ّي سأقوم ُ ب‬‫ِ‬ ‫ق‪ ،‬ولأقارنَ بينَ ما‬ ‫ل مح ّددٍ ودقي ٍ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫الشو ِ‬ ‫لأعرف م ُيولي َ بشك ٍ‬ ‫ونتائج الاختبار َين‪.‬‬ ‫توق ّعت ُه‬ ‫ِ‬

‫‪252‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪– 15 -‬‬

‫القرار يمكنُ اكتسابُها باملعرفةُ الصحيحةُ والتدربُ عليها) ُ‬ ‫ُ‬ ‫(مهارةُ‬

‫الهاتف وأنا شاردة ُ الذهن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أغلقتُ سم ّاعة َ‬ ‫ما بكِ يا علا؟‬‫لا شيء َ يا أم ّي‪ ،‬رفيقتي هند ُ‪ ،‬أخت ُها تُجابه ُ قرارا ً صعبا ً‪ ،‬ك ن ّا‬‫خص‪ ،‬وهي حائرة ٌ ولا‬ ‫نتح ّدثُ بشأنه ِ‪ ،‬فقد تق ّدم َ لخطبت ِها ش ٌ‬

‫‪253‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫ن عمر َها لا يق ّ‬ ‫كيف عليها أن ت ّتخذ َ قرار َها‪ ،‬رغم َ أ ّ‬ ‫َ‬ ‫تعرف‬ ‫ُ‬ ‫ن الثانية ِ والعشرين‪.‬‬ ‫ع ِ‬ ‫سم َت أم ّي قائلة ً‪:‬‬ ‫تب ّ‬ ‫ت صاحبت َه؟‬ ‫ و هل ساعدتِها باتّ خاذِ القرارِ أم كن ِ‬‫سمتُ رغم َ شرودي‪:‬‬ ‫تب ّ‬ ‫كيف ي ُ ّتخذ ُ القرار ُ‬ ‫َ‬ ‫ل عا ٍمّ‬ ‫لا يا أم ّي ‪ ..‬هند ُ كان َت تسأل ُني بشك ٍ‬‫ك لعلم ِها أن ّي أطال ُع كثيرا ً م ِن هذه ِ العلو ِم‬ ‫ح‪ ،‬وذل َ‬ ‫الصحي ُ‬ ‫الحديثة ِ‪.‬‬ ‫ما شاء َ الل ّه ‪ ...‬وهل أجبت ِها؟‬‫ك أنا أفك ّر ُ‪ ،‬يا ت ُرى ماهي الخطواتُ الصحيحة‬ ‫لا يا أم ّي‪ ،‬لذل َ‬‫قرارات مصير ي ّة ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫لاتّ خاذِ القرارِ؟ حت ّى لا يندم َ المرء ُ‪ ،‬فهناك َ‬ ‫ل كبيرٍ‪.‬‬ ‫مث ُ‬ ‫ل هذا القرارِ الذي سيؤث ّر ُ على مستقبل ِها بشك ٍ‬

‫‪254‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫خطوات اتّ خاذِ القرار؟‬ ‫ِ‬ ‫ح يا علا‪ .‬ألم تبحثي عن‬ ‫صحي ٌ‬‫ك‪ .‬هل تساعدين َني؟‬ ‫ل ذل َ‬ ‫ليس بعد ُ‪ ،‬ل كن ّي أنوي فع َ‬ ‫لا يا أم ّي َ‬‫ن لديكِ خبرة ً طو يلة ً في ممارست ِها أنتِ وأبي‪.‬‬ ‫لاب ّد أ ّ‬ ‫دعيني أ ّولا ًأنصح ُكِ بخطأ ٍ يقوم ُ به ِ ال كثيرونَ دونَ أن يشعروا‬‫وهي نقطة ٌ ج ّدا ً هامّة‪.‬‬ ‫ما هي يا أم ّي؟‬‫ل‬ ‫ل مؤث ّرة ٌ‪ ،‬سلبا ً أو إ يجابا ً‪ ،‬عوام ُ‬ ‫ل قرارٍ أو مشكلة ٍ عوام ُ‬ ‫لك ّ ٍ‬‫ذاتي ّة ٌ شخصي ّة ٌ أو أسر ي ّة ٌ اجتماعي ّة ٌ أو اقتصادي ّة ٌ‪ ،‬انفعالي ّة ٌ‬ ‫عاطفي ّة ٌ أو جسمي ّة ٌ‪ ......‬هل هذا صحيح؟‬ ‫ل القرار َ صعبا ً عندما تكثر ُ هذه ِ‬ ‫ نعم يا أم ّي‪ ،‬وهذا ما يجع ُ‬‫ك وتتع ّقد ُ‪ ،‬فلا يستطي ُع المرء ُ أن يمي ّز َ بين َها أو‬ ‫ل وتتشاب ُ‬ ‫العوام ُ‬

‫ل فيما يهتم ّ به ِ و يعتبر ُه ُ عاملا ً مؤث ّ ِرا ً في قرارِه‪.‬‬ ‫يفاض َ‬

‫‪255‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل دونَ‬ ‫ن المشكلة ُ‪ ،‬لاس ّيما عندما يسيطر ُ عام ٌ‬ ‫نعم وه ُنا تكم ُ‬‫ل بورقة ٍ منفصلة ٍ عن‬ ‫آخر َ على تفكير ِنا؛ فلنشب ّه مثلا ً ك ّ‬ ‫ل عام ٍ‬ ‫ق‬ ‫لط الأورا ِ‬ ‫ن غالبا ً ما نق ُع فيه ِما‪ :‬خ ُ‬ ‫ن اللتا ِ‬ ‫غير ِه‪ ..‬فالمشكلتا ِ‬ ‫والنظر ُ إلى ورقة ٍ واحدة ٍ فقط‪.‬‬ ‫ح أكثر؟‬ ‫لم أفهم يا أم ّي‪ ،‬عذرا ً هل يمكن ُكِ الإيضا ُ‬‫ن‬ ‫ل في ورقة ٍ منفصلة ٍ‪ ...‬وأنتِ تريدي َ‬ ‫كما قلنا‪ ،‬تخي ّلي ك ّ‬‫ل عام ٍ‬ ‫ل‬ ‫معلومات حو َ‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات أن تجمعي‬ ‫ِ‬ ‫ل ال‬ ‫أن ت ّتخذي قرارا ً‪ ،‬فأ ّو ُ‬ ‫ل في ورقة ٍ‬ ‫ل المؤث ّرة ِ فيه ِ‪ ،‬ثم ّ ضعي ك ّ‬ ‫ل عام ٍ‬ ‫القرارِ والعوام ِ‬ ‫ل‬ ‫ل عشوائ ٍيّ في تفكير ِ ِ‬ ‫ك م ِن عام ٍ‬ ‫منفصلة ٍ‪ ،‬ولا تنتقلي بشك ٍ‬ ‫س‬ ‫تشويش أو إحسا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لآخر َ كي لا يحصل ما قلت ُه ُ سابقا ً م ِن‬ ‫الموقف وعد ِم القدرة ِ على اتّ خاذِ القرارِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بتع ّقدِ‬ ‫ل مؤث ّرة ً‪ ،‬وتسيطر ُ على الفكر ِ‬ ‫ول كنّ هذه ِ العوام َ‬‫ل تكونُ بالفع ِ‬ ‫ل الإنسانُ بتفكير ِه ِ إليها‪.‬‬ ‫و بلا قصدٍ ينتق ُ‬ ‫‪25٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫البعض عند َ اتّ خاذِ قرارٍ‬ ‫ُ‬ ‫وهذه ِ هي المشكلة ُ التي يعاني منها‬‫ل‬ ‫ل المؤث ّرة ُ و يعتاد ُ صاحب ُه أن يُغل ّبَ العام َ‬ ‫تتكاثر ُ فيه ِ العوام ُ‬ ‫الانفعاليّ أكثر َ م ِن غير ِه ِ‪.‬‬ ‫آه ‪ ...‬فهمتُ ما تقصدين‪ ..‬اممم ‪ ..‬صحيح ‪ ،‬ول كن يا أم ّي‬‫ي أو الانفعاليّ يؤث ّر ُ بش ّدة ٍ‪.‬‬ ‫ل النفس ّ‬ ‫ل فالعام ُ‬ ‫بالفع ِ‬ ‫ي أو‬ ‫ل النفس ّ‬ ‫ن العام َ‬ ‫ن أن يدرِّبَ نفسَه ُ‪ ،‬و يعلّم َها أ ّ‬ ‫على الإنسا ِ‬‫ل كغير ِه ِ‪ ..‬فإذا نظرنا إليه ِ‬ ‫ل مؤث ّ ِر ٌ ل كن ّه ُ عام ٌ‬ ‫الانفعاليّ هو عام ٌ‬ ‫جانب أو زاو ية ٍ واحدة ٍ‪ ،‬وغالبا ً‬ ‫ٍ‬ ‫فقط نكونُ كم َن ينظر ُ م ِن‬ ‫س‬ ‫هذه ِ الزاو ية ُ ليست واضحة َ الرؤ يا لأ ّنها تتأث ّر ُ بهوى النف ِ‬ ‫حب أو شهوة ٍ‪..‬‬ ‫ٍّ‬ ‫م ِن أل ٍم أو‬ ‫ن فهي‬ ‫ل أو العاطفة ِ هامّ ج ّدا ً لدى الإنسا ِ‬ ‫ن دور َ الانفعا ِ‬ ‫إ ّ‬ ‫ل لحركت ِه ِ‪ ،‬ول كن علينا أن نتذك ّر َ أنها الدافع‬ ‫المحرّك ُ أو المشغ ّ ُ‬ ‫ل‬ ‫والو َقود للحركة ِ‪ ،‬أمّا المقود ُ فيجبُ أن يسيطر َ عليه ِ العق ُ‬ ‫‪257‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الموقف م ِن ج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ميع‬ ‫َ‬ ‫الصحيح‪ ،‬فيرى‬ ‫و يقود َه ُ في الاتّ جاه ِ‬

‫ِ‬ ‫ارات الأخرى بالتساوي وإلا‬ ‫جميع السي ّ ِ‬ ‫الزوايا‪ ،‬وينظر ُ إلى‬ ‫فقد يصطدم ُ بسي ّارة ٍ لم ي ُعرها اهتمام َه!‬ ‫ل الحماسة َ وتعطي الو َقود‬ ‫تشبيه ٌ رائ ٌع يا أم ّي‪ ...‬العاطفة ُ تشع ُ‬‫ل المؤث ّرة ِ‪،‬‬ ‫ن‪ ،‬بينما العق َ‬ ‫لحركة ِ الإنسا ِ‬ ‫ل يرى جمي َع العوام ِ‬ ‫و يعطي َها وزنَها الحقيقيّ بالتساوي وكما هي ح ّقاً‪ ...‬رائ ٌع ياأم ّي‪.‬‬ ‫ل عامّ؟‬ ‫ول كن م ِن أي َ‬ ‫ن أستم ّد المعايير َ بشك ٍ‬ ‫ن‬ ‫ل عامّ أ ّولا ً تُستم ّد م ِ َ‬ ‫سؤا ٌ‬‫ل جي ّدٌ يا علا‪ .‬المعايير ُ بشك ٍ‬ ‫ص‪،‬‬ ‫يات هذا الشخ ِ‬ ‫ل الهامّة ِ المؤث ّرة ِ في القرارِ‪ ،‬و أولو ِ‬ ‫العوام ِ‬ ‫ل‬ ‫ل المعاييرِ لم َن يحم ُ‬ ‫فيأتي الدي ُ‬ ‫ن ومصلحة ُ الآخرة ِ في أوائ ِ‬ ‫لهدف‬ ‫ِ‬ ‫الاتّ جاه َ الدين ّي‪ ،‬ثم ّ الأولو ياتُ أو الأكثر تحقيق َا ً‬ ‫ل‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ِ‬ ‫ل المؤث ّرة ُ في‬ ‫ص‪ ،‬أو العوام ُ‬ ‫الشخ ِ‬ ‫الاختيارات والبدائ ِ‬ ‫ن هذه ِ المعايير ِ‪ ،‬أي‬ ‫تكونُ الخطوة ُ التي بعدها وهي توزي ُ‬ ‫‪258‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق‬ ‫ل المتاحة ِ وف َ‬ ‫إعطاؤ ُها وزنَها بالنسبة ِ لأهمي ّة ِ البدائ ِ‬ ‫ل أو المعاييرِ‬ ‫ٍ‬ ‫الأهداف‪ ،‬يمكنكِ مثلا ً وض ُع‬ ‫ِ‬ ‫علامات للعوام ِ‬ ‫ك لتقدير ِ أ ّيهما‬ ‫ل‪ ،‬ثم ّ حسابُها‪ ،‬وذل َ‬ ‫ل بدي ٍ‬ ‫م ِن ( ‪ ) 11- 1‬لك ّ ِ‬ ‫فهمت عليّ؟‬ ‫ِ‬ ‫أكثر ُ تحقيقا ً للمعايير ِ ‪ .‬هل‬ ‫فأدرس أ ّيهما‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ن مثلا ً أن ّه ُ إذا كانَ هناك بديلا ِ‬ ‫هل تقصدي َ‬‫ل‬ ‫ك قد قي ّمتُ البدائ َ‬ ‫أكثر ُ فائدة ً أو تحقيقا ًللمعايير ِ فأكونُ بذل َ‬ ‫ق المعايير ِ ؟‬ ‫وف َ‬ ‫ت‪.‬‬ ‫ نعم‪ ،‬أحسن ِ‬‫ل واحدٍ‬ ‫اممم ‪ ...‬ل كنّ الحالة َ ه ُنا يا أم ّي لا يوجد ُ فيها غير ُ بدي ٍ‬‫هو ذاك َ الخاطبُ ‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ح‪ ،‬لقد آثرتُ أن أشر َ‬ ‫صحي ٌ‬‫حل ِ‬ ‫ك مهارة َ اتّ خاذِ القرارِ بشك ّ ٍ‬

‫‪259‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫عا ٍمّ ‪ ..1‬أمّا سؤا ُ‬ ‫أخت رفيقت ِكِ فهي دراسة ُ هذا البدي ِ‬ ‫ل المؤث ّرة ِ دونَ أن تدعَ عاملا ً يسيطر ُ على‬ ‫م ِن م ِ‬ ‫ختلف العوام ِ‬ ‫ت‬ ‫ج منها أن تنظر َ إلى الإ يجابي ّا ِ‬ ‫ك يحتا ُ‬ ‫البقي ّة ِ‪ ،‬وذل َ‬ ‫ل المؤث ّرة ِ سلبا ً وإيجابا ً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ات‪،‬‬ ‫والسلبي ّ ِ‬ ‫فتقيس جمي َع العوام ِ‬ ‫ات‪ ،‬فأ ّيهما رجح َ تكونُ‬ ‫ات والإ يجابي ّ ِ‬ ‫ل بينَ السلبي ّ ِ‬ ‫وت ُفاض َ‬ ‫ال ك ّفة ُ الغالبة ُ‪.‬‬ ‫ل أه ّم م ِن غير ِها أو هي مختلفة ٌ‬ ‫ل كن يا أم ّي هناك َ عوام ُ‬‫فكيف نساوي بين َهم؟‬ ‫َ‬ ‫ص‪،‬‬ ‫ل شخ ٍ‬ ‫حسبَ أهم ّي ّت ِها عند َ ك ّ ِ‬ ‫ختلف أهم ّي ّت ُها عند َ‬ ‫كرت يا علا‪ ،‬طبعا ً هناك َ أمور ٌ ت ُ‬ ‫ح ما ذ ِ‬ ‫صحي ٌ‬‫ق أهم ّي ّت ِها عند َ‬ ‫ل وف َ‬ ‫ل شخ ٍ‬ ‫ص‪ ،‬و ترتيبُ هذه ِ العوام ِ‬ ‫ك ِّ‬ ‫ل أهم ّي ّة ً‬ ‫ات أي نرت ّبُ الأه ّم فالأق ّ‬ ‫ص ندعوها بالأولو ي ّ ِ‬ ‫الشخ ِ‬ ‫ل‬ ‫وهكذا‪ ...‬فعند َ اتخاذِنا للقرارِ يمكن ُنا أن نرت ّبَ العوام َ‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬لمزيد من الاطلاع حول مهارة اتخاذ القرار انظر كتاب‪( :‬هندسة التفكير‪ ،‬أمل طعمة و رند العظمة)‪،‬‬

‫وكتاب (اتخاذ القرار والسلوك القيادي‪ ،‬أمل طعمة)‪.‬‬

‫‪2٢1‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ات مشتركة ٌ‪،‬‬ ‫ات؛ وهناك َ أولو ي ّ ٌ‬ ‫ق هذه ِ الأولو ي ّ ِ‬ ‫(المعايير ) وف َ‬

‫فمثلا ً في هذه ِ الحالة ِ يرت ّبُ لنا رسو ُل الل ّه ِ ‪‬‬

‫و يض ُع أولو ي ّة َ‬

‫ل التي يجبُ أن نأخذ َها بعين ِ‬ ‫الدي ِ‬ ‫ن في أعلى سل ّم ِ العوام ِ‬ ‫الزواج‪ ،‬وهناك َ طبعا ً معيار ُ (ال كفاءة ِ)‬ ‫الاعتبارِ عند َ قرارِ‬ ‫ِ‬ ‫أي أن يكونَ كفوا ً لها‪ ،‬وهذا المعيار ُ ذكره ُ الفقهاء ُ في شروطِ‬

‫ل‪.‬‬ ‫القبو ِ‬

‫لقد وضح َت لي الفكرة ُ‪ .‬لاب ّد أن أسارعَ الآنَ لأتح ّدثَ مع‬‫رفيقتي وأعلّم َها ما عل ّمت ِني إ ي ّاه ُ‪ ،‬لعل ّها تساعد ُ أخت َها في اتّ خاذِ‬ ‫ك يا أم ّي‪.‬‬ ‫القرارِ‪ ....‬شكرا ً ل ِ‬ ‫الحمد ُ لل ّه ِ‪ ..‬هي ّا يا بنتي‪ ،‬و ل كن لاتنس َي أن تذك ّر يها بالقيا ِم‬‫ض أمر ِها لل ّه ِ‪.‬‬ ‫بصلاة ِ الاستخارة ِ وتفو ي ِ‬

‫شكرا ً يا أم ّي‪ ...‬صلاة ُ الاستخارة ِ هامّة ٌ ج ّداً‪.‬‬‫ل عقله ِ‬ ‫ الإنسانُ يا بنتي يجتهد ُ – كما أمره ُ رب ّه ‪ -‬بإعما ِ‬‫‪2٢1‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ّض أمرَه ُ إلى الل ّه ِ‪ ،‬و يطلبُ منه ُ‬ ‫واستشارة ِ الآخرين‪ ،‬ثم ّ يفو ُ‬

‫الغيب والشهادة ِ‪ ،‬الحكيم ُ الخبير ُ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫العونَ والمدد َ فهو عالم ُ‬

‫‪2٢2‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 1٢ -‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬

‫أفكاركُ يتغيُ ُر‬ ‫واملشاعر وليدةُ األفكار‪ ،‬غي ُر ُ‬ ‫ُ‬ ‫(السلوكُ نتيجةُ املشاعرُ‪،‬‬ ‫ومشاعرك) ُ‬ ‫ُ‬ ‫سلوكُكُ‬

‫أفقتُ على كلا ِم أخي‪:‬‬ ‫ما بكِ يا أختي؟ لم أزل أتح ّدثُ معكِ وأنتِ شاردة ً عن ّي! لقد‬‫ت كثيرة َ الشرودِ‪ ،‬وقليلا ً ما تلعبينَ معي؟‬ ‫أصبح ِ‬ ‫ك بش ّدة ٍ‪.‬‬ ‫ك حقّ ‪ ..‬أعتذر ُ من َ‬ ‫عفوا ً يا أحمد‪ ..‬مع َ‬‫‪2٢3‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن أن تلعبي معي قليلاً‪.‬‬ ‫حسنا ً ‪ ..‬هل م َ‬‫ن الممك ِ‬ ‫هي ّا ‪....‬‬‫س وجلستُ‬ ‫أنهيتُ اللعبَ م َع أخي ثم ّ ذهبتُ إلى غرفة ِ الجلو ِ‬ ‫قليلا ً م َع أم ّي‪.‬‬ ‫ت اللعبَ مع أخيكِ ؟‬ ‫ أنهي ِ‬‫نعم يا أم ّي‪.‬‬‫ك كثيرة َ الشرودِ هذه ِ الأيام‪.‬‬ ‫كأن ّني أرا ِ‬‫حديث بينَ صديقاتي‬ ‫ٍ‬ ‫لا شيء َ يا أم ّي‪ ،‬أتذك ّر ُ وأفك ّر ُ ما دار َ م ِن‬‫ل الفسحة ِ‪.‬‬ ‫خلا َ‬

‫ن؟‬ ‫ ع ّم كنت ّن تتحدث َ‬‫ئات؛ فئة ٌ ترى‬ ‫نقاش حادّ ج ّدا ً بينَ فئتين‪ ،‬بل ثلاثة ِ ف ٍ‬ ‫لقد دار َ ٌ‬‫‪2٢4‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الشبابُ في هذا العمرِ يحقّ لنا أن نشعر َ باستقلالي ّت ِنا‬ ‫أن ّنا نح ُ‬

‫القرارات دونَ تدخّل ِهم‪ ،‬وهؤلاء ِ ينافحونَ بش ّدة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عن أهل ِنا‪ ،‬ونتخذ َ‬ ‫وبأصوات‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫العقيم‪.‬‬ ‫آه‪ .‬لقد كانت مناقشة ً م ُزعجة ً بأصواتِها ونقاش ِها‬ ‫ِ‬ ‫ل منها؟‬ ‫ِ‬ ‫وما هي بقي ّة ُ‬‫الفئات؟ وما حج ّة ُك ّ ٍ‬ ‫والنقاش‪ ،‬فما إن بدأ الحوار ُ‬ ‫َ‬ ‫المشكلة ُ يا أم ّي أن ّنا لا نجيد ُ الحوار َ‬‫ن و يلمزنَ و يوجهن الشتائم َ‬ ‫علت الأصواتُ ‪ ،‬وبدأنَ يغمز ِ‬ ‫ِ‬ ‫حت ّى‬ ‫ِ‬ ‫لتدافع‬ ‫النقاش با‬ ‫ُ‬ ‫والكلمات اللاذعة ِ لبعضهنّ ‪ ،‬حت ّى انتهى‬ ‫ِ‬ ‫لأي نتيجة ٍ‪.‬‬ ‫ل‬ ‫والتشابكِ بالأيدي دونَ الوصو ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ن احترا ِم رأي‬ ‫طبعا ً الفئة ُ الثانية ُ ض ّد ُ الفئة ِ الأولى‪ ،‬فلاب ّد م ِ َ‬

‫ِ‬ ‫جهونه ُ‬ ‫بالأصلح‪ ،‬وجمي ُع ما يو ّ‬ ‫ن وعد ِم ممانعت ِهم لأ ّنهم أعلم ُ‬ ‫الوالدي ِ‬

‫ٍ‬ ‫س حب ّا ً‬ ‫منازع أكثر ُ النا ِ‬ ‫م ِن أوامرَ هو لمصلحة ِ أبنائهم‪ ،‬فهم بلا‬

‫لأولادِهم وحرصا ً على مصلحت ِهم‪.‬‬

‫‪2٢5‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫وم َن هي الفئة ُ الثالثة ُ؟‬‫ت الصمتَ ‪ ،‬ثم ّ كانَ‬ ‫الفئة ُ الثالثة ُ بقي َت تستم ُع للفئتينِ والتزم َ ِ‬‫ّات‪ .‬هههههه‬ ‫ل بين القو ِ‬ ‫لها دور ُ الحكم ِ و الفص ِ‬ ‫ أظن ّكِ منهنّ ؟‬‫ت يا أم ّي‪.‬‬ ‫ح ‪ ..‬حزر ِ‬ ‫ صحي ٌ‬‫ق كما عهدت ُكِ ‪.‬‬ ‫ وما رأيُكِ أنتِ ؟ تكل ّمي بشفافي ّة ٍ وصد ٍ‬‫ الحقيقة ُ‪ .‬إن ّي أجد ُ في نفسي هذا الشعور َ بأن ّي قد كبرتُ وعلى‬‫خاص‪ .‬وقد يكونُ‬ ‫ن أن يشعر ُوا بي ككائ ٍن له ُ رأي ُه ُ ال ّ‬ ‫الآخري َ‬ ‫ل‬ ‫رأيي خاطئاً‪ ،‬ل كن ّي لا أستسي ُغ أن يعامل َني الكبار ُ م ِن خلا ِ‬ ‫أحب أن تكونَ المناقشة ُ‬ ‫ّ‬ ‫الأوامر ِ فقط ودونَ مناقشة ٍ أو حوارٍ‪ ،‬و‬ ‫س‬ ‫فيها احترام ٌ لرأيي مهما كان‪ ،‬إلى أن أرى الحقّ ؛ و في نف ِ‬ ‫مصيري فأشعر ُ تماما ً أن ّي‬ ‫ق بقرارٍ‬ ‫الوقت إذا كانَ الأمرُ يتعل ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫‪2٢٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أحب أن يتم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ج عن رأيِهما‪ ،‬ل كن ّي‬ ‫بحاجة ٍ لوالديّ ولن أخر َ‬ ‫ل هذا ماتفعلانه ِ أنتما‬ ‫ص كبير ِ‬ ‫أي شخ ٍ‬ ‫نقاشي مث ُ‬ ‫السن‪ .‬وبالفع ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ل ِّ‬ ‫– حفظَكما الل ّه ُ– معي‪.‬‬ ‫ن على‬ ‫ك لم أستطيع أن أكونَ إحدى الفئتين‪ ،‬فأنا أظنّ أ ّ‬ ‫لذل َ‬

‫ِ‬ ‫الوقت‬ ‫ِ‬ ‫لنصح والد ِيهم وعليهم الطاعة ُ‪ ،‬وفي‬ ‫الأبناء ِ أن يستمعوا‬

‫نفسه ِ أتمن ّى ل ِ‬ ‫كيف تعاملون َنا باحترا ٍم‬ ‫َ‬ ‫جميع رفيقاتي أن يروا‬ ‫بسبب‬ ‫ِ‬ ‫الموقف كما ترون َه ُ‪ ،‬لأن ّه ُ‬ ‫َ‬ ‫وشفافية ٍ حت ّى نرى الحقّ ونبصر َ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫خبرت ِكما في الحياة ِ والمعرفة ِ تكونُ نظرت ُكما أوس َع وأشم َ‬ ‫كيف‬ ‫َ‬ ‫أحسنت يا بنتي‪ ...‬هذا صحيحٌ‪ .‬لقد عل ّم َنا رسو ُل الل ّه ِ ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫‬‫ل م َع أولادِنا في هذا العمرِ‪ ،‬وهو أن نصاحب َهم‪ ..‬وعلّم َ‬ ‫نتعام ُ‬ ‫"ليس من ّا م َن لم يرحم صغير َنا‬ ‫َ‬ ‫أولاد َنا أن يح ترم ُوا الكبار َ‪ ،‬فقالَ‪:‬‬ ‫ل بين َنا وبين َكم‪.‬‬ ‫و يح ترم كبير َنا"‪ .‬وهذا يرسم ُ لنا طبيعة َ التعام ِ‬ ‫فعلينا أن نخاطب َكم كأصدقاء َ لتنمو َ مل َكة ُ التفكير ِ وتستفيدوا م ِن‬ ‫‪2٢7‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ح ممر ّاتُ الحوارِ بيننا مفتوحة ً على‬ ‫خبرت ِنا في الحياة ِ‪ ،‬عندئذٍ تصب ُ‬ ‫ن الحياة ِ لاب ّد م ِن أن يكونَ‬ ‫ل موازي ُ‬ ‫أوسع ِها؛ وحت ّى لا تخت ّ‬ ‫الاحترام ُ والطاعة ُ لأولي الأمر ِ‪ ،‬حت ّى يحم ُوا أولاد َهم م ِن أنفس ِهم‬ ‫ل فترة ِ تكوين ِهم لآرائِهم وقي َمهم وفكر ِهم‪.‬‬ ‫خلا َ‬ ‫ن الفئة ِ الأولى‪ ،‬فأظنّ‬ ‫ل صديقاتي م ِ َ‬ ‫ يا ليتكِ تتعر ّفينَ على أه ِ‬‫أ ّنهم لو اقتنعوا بفكرت ِك لن تكونَ رفيقاتي بهذا العنادِ‪.‬‬ ‫مهارات الفكر ي ّة ِ يبدأ‬ ‫ِ‬ ‫ج ال‬ ‫ن نض َ‬ ‫يا بنتي م ِن طبيعة ِ مرحلت ِكنّ أ ّ‬‫سليم لاب ّد للكبارِ أن يلعبوا هذا الدور َ‬ ‫ل‬ ‫فيها‪ ،‬فحت ّى تنض َ‬ ‫ج بشك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ش ليعل ّموهم طرقَ التفكير ِ السليمة ِ‪ ،‬ويبنونَ‬ ‫في الحوارِ والنقا ِ‬

‫ق الحوارِ‬ ‫الملَ َكة َ الفكر ي ّة َ لديهم‪ ،‬وهذا لا يتم ّ إلا عن طر ي ِ‬

‫ِ‬ ‫ق‪ ،‬و بناء ِ المعاييرِ‬ ‫مهارات التفكير ِ والمنط ِ‬ ‫ِ‬ ‫والإقناع وتعليمهم‬

‫مهارات التفكير ِ واتّ خاذِ القرارِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الصحيحة ِ التي يستخدمونَ فيها‬ ‫موقف يجابه ُهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫و يحكمونَ وفق َها في أيّ‬ ‫‪2٢8‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل بقي ّة ِ زميلاتي‪.‬‬ ‫صحي ٌ‬‫ح يا أم ّي‪ .‬أنا محظوظة ٌ بكم‪ ،‬وحزينة ٌ م ِن أج ِ‬ ‫ل الفئة الأولى؟‬ ‫ل لو كنت ُم مث َ‬ ‫ولا أدري ماذا كنتُ سأفع ُ‬ ‫ل أه ِ‬ ‫ف؟ هل سأكونُ مثل َهم؟‬ ‫كيف كنتُ سأتصرّ ُ‬ ‫َ‬ ‫يا ت ُرى‬

‫ض جدلا ً أن ّي استطعتُ أن أقن َع هؤلاء ِ‬ ‫ل يا أم ّي ‪ ..‬لنفر ِ‬ ‫بالفع ِ‬ ‫كنّ‬ ‫كيف سيتم ّ‬ ‫َ‬ ‫ل لوالد ِيهم‪ ،‬أو‬ ‫كيف أستطي ُع الوصو َ‬ ‫َ‬ ‫بفكرت ِك‪،‬‬ ‫ل هذه ِ الفكرة ِ لهم؟‬ ‫م ِن إيصا ِ‬ ‫ن أهل َهنّ‬ ‫ك عليهنّ أن يناقش َ‬ ‫ن بذل َ‬ ‫ن اقتنع َ‬ ‫ل رائ ٌع يا علا‪ ...‬إ ِ‬ ‫سؤا ٌ‬‫ن الصوابَ وإن كان ض ّد هوى أنفس ِهنّ ‪ ،‬عندئذٍ‬ ‫بأدب‪ ،‬و يلتزم َ‬ ‫ٍ‬ ‫وحب الاستقلالي ّة ِ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫يرى ذووهنّ أ ّنهنّ لا يعاندنَ لمجر ّدِ العنادِ‬ ‫ل كيفي ّة ِ‬ ‫بأدب حو َ‬ ‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫ل يرغبنَ بالتعلّم ِ‪ ،‬وعليهنّ أن يتناقش َ‬ ‫بل بالفع ِ‬ ‫ن محب ّت َهنّ واستعداد َهنّ لتنفيذِ أوامر ِهم ولو كانَ‬ ‫الحوارِ ويبدي َ‬ ‫رأيُهنّ مخالفا ً لذلك‪ ،‬وأ ّنهنّ يريدنَ م ِن حوارِهنّ مع َهم أن يتعل ّموا‬ ‫ن هذا‬ ‫القيم ومعايير ِ الحياة ِ‪ .‬إ ّ‬ ‫ك‬ ‫السليم وإدرا ِ‬ ‫كيفي ّة َ التفكير ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫سيساعد ُ والديهم على فه ِم هذه ِ الحاجة ِ والطر يقة ِ التي توصل ُهنّ‬

‫‪2٢9‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫والإضراب الأسريّ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ن المعاندة ِ‬ ‫إلى ما يريدنَ دونَ مزيدٍ م َ‬ ‫ل محور ُ ٍ‬ ‫نزاع‬ ‫ل يا أم ّي إقناع َهنّ ‪ ،‬لأ ّ‬ ‫سأحاو ُ‬‫ن هذه ِ القضي ّة َ بالفع ِ‬ ‫ن الطلبة ِ وذويهم‪.‬‬ ‫عند َ كثيرٍ م َ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬الحر ّي ّة ُ يا بنتي لها حدود ٌ‪ ،‬فحر ّي ّة ُ الأبناء يجبُ ألا تتجاوز َ أوامرَ‬

‫س على أولادِهم ويتمن ّون لهم‬ ‫أحرص النا ِ‬ ‫ُ‬ ‫الوالد َين‪ ،‬لأ ّنهم‬

‫ن الخ برة ِ‬ ‫لم َ‬ ‫السعادة َ الدائمة َ‪ ،‬و هذا بالإضافة ِ إلى امتلا ِ‬ ‫ك الأه ِ‬ ‫ل أولاد َهم بحاجة ٍ إلى معرفت ِها ليختصروا على‬ ‫والعلم ِ ما يجع ُ‬ ‫ن الحر ّي ّة َ تنتهي عند َ حدودِ‬ ‫سنوات من الخ برة ِ؛ كما أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أنفس ِهم‬ ‫الآخرين‪ ،‬فلا ض َرر َ ولا ض ِرار‪ .‬هذا ما عل ّم َنا إ ي ّاه ُ الحبيبُ‬ ‫المصطفى‪.‬‬ ‫ات لي‬ ‫ل هناك َ رفيق ٌ‬ ‫أنا أفهم ُ يا أم ّي هذا الكلام َ‪ ،‬ول كن بالفع ِ‬‫ن والد ِيهم‬ ‫لا يفهمن ذلكَ‪ .‬رب ّما – أعتذر ُ ول كن هذه ِ حقيقة ٌ‪-‬لأ ّ‬ ‫ل الل ّه ِ‪،‬‬ ‫ك الأسلوبَ الذي عل ّم َنا إ ي ّاه ُ رسو ُ‬ ‫لا يستخدمونَ ذل َ‬ ‫‪271‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫وأحمد ُ الل ّه َ أن ّي أتمت ّ ُع به ِ‪.‬‬

‫يف أساعد ُ‬ ‫وهؤلاء ِ نسبة ٌ ليسَت بالقليلة ‪ .‬وهو واق ٌع موجود ٌ‪ ،‬فك َ‬ ‫ِ‬ ‫بشرائع الإسلا ِم‪ ،‬ولا‬ ‫ملتزمات‬ ‫ٍ‬ ‫رفيقاتي؟ وهنّ أصلا ً غير ُ‬

‫ن هذا الأمرَ ج ّد‬ ‫غضب الوالد َين وعقوق ِهما‪ ،‬م َع أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن لمغب ّة ِ‬ ‫يكترث َ‬ ‫ل‬ ‫ك رسو ُ‬ ‫ل النار َ كما ذكر َ ذل َ‬ ‫ل لن يدخ َ‬ ‫فالعاق مهما فع َ‬ ‫ّ‬ ‫خطير‪،‬‬

‫الل ّه ِ ‪ ‬؟‬ ‫ت أن توصلي هذه ِ الفكرة َ وتعل ّميها لهنّ فإن ّكِ‬ ‫يا بنتي إذا استطع ِ‬‫ك يسل ك ُه ُ الإنسانُ م ِن‬ ‫ل سلو ٍ‬ ‫بذلك تفيديهنّ مدى العمر؛ فك ّ‬ ‫ك نتائج ُه‪ ،‬والناجح ُ‬ ‫ل سلو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ل غاية ٍ أو‬ ‫هدف يسعى له ُ‪ ،‬ولك ّ ِ‬ ‫أج ِ‬ ‫ل سلوك َه مح ّققا ًلأهداف ِه ِ‪ ،‬فإن كان َت‬ ‫ق م َن يستطي ُع أن يجع َ‬ ‫والموف ّ ُ‬ ‫ن هذا السلوك َ خاطئ ٌ‪،‬‬ ‫ق هدف َه ُ‪ ،‬فنحكم ُ أ ّ‬ ‫نتائج ُ سلوكه ِ لا تح ّق ُ‬

‫ف‬ ‫ل بساطة ٍ لم يوصله ُ إلى هدفه ِ؛ فما فائدة ُ أن أتصرّ َ‬ ‫لأن ّه ُ بك ّ ِ‬ ‫ح؟‬ ‫تصرّفا ً لا يوصل ُني إلى ما أريد ُ! هل هذا صحي ٌ‬ ‫‪271‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬‬

‫ح ج ّدا ً ج ّدا ً ‪ ...‬تابعي يا أم ّي‪.‬‬ ‫صحي ٌ‬

‫‪-‬‬

‫فما فائدة ُ أن أعاند َ أم ّي وأبي في أمر ٍ ما لأثبتَ أن ّي مستقل ّة ُ‬ ‫ل على ما أريد ُ!‬ ‫الفكر ِ أو الرأي! ثم ّ لن أستطي َع أن أحص َ‬ ‫فالأبناء ُ في هذا العمرِ يحتاجونَ للرعاية ِ الصحّ ي ّة ِ والمالي ّة ِ‬

‫ق في بيتي‪،‬‬ ‫ل المنازعة َ والضي َ‬ ‫و‪ ....‬فما الجدوى من أن أجع َ‬

‫ل على ما أريد ُ؟ بينما إذا كانَ موقفي ح ّقا ً‬ ‫ولن أحص َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق عندما‬ ‫فيمكنني إقناع ُهم بالمنط ِ‬ ‫أعرض رأيي بشك ٍ‬ ‫ات الأمر ِ وسلبي ّاته ِ‬ ‫محايدٍ‪ ،‬أي عليّ أن أفك ّر َ في إ يجابي ّ ِ‬ ‫ونتائج ِه‪ ،‬وأدرس َها وأعرض َها على أهلي‪.‬‬ ‫ن الأه َ‬ ‫إ ّ‬ ‫ل يا علا إذا رأوا أولاد َهم يفك ّرون بشك ٍ‬ ‫ل منطقيٍّ‬

‫سليم لن يتردّدوا في تلبية ِ ما يتمن ّون َه ُ إذا لم تكن رغباتُهم‬ ‫ٍ‬ ‫م ُضرّة ً بهم‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫ن‬ ‫كيف أوفي الل ّه َ ح ّقه ُ م َ‬ ‫َ‬ ‫أعرف‬ ‫ُ‬ ‫ك ج ّدا ً‪ ،‬ولا‬ ‫أنا ممتن ّة ٌ ل ِ‬ ‫‪272‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الشكر ِ وأوفيكم حقّكم‪ .‬شرح ُكِ رائ ٌع يا أم ّي‪ .‬أنتِ تعل ّميني‬ ‫لص ٍ‬ ‫ل عليه‬ ‫للأسف لا يحص ُ‬ ‫ِ‬ ‫حيح‪ ،‬وهذا‬ ‫َ‬ ‫كيف أفك ّر ُ بشك ٍ‬

‫ل سن ّي‪ .‬كم أحب ّكِ يا أم ّي‪.‬‬ ‫كثير ٌ مم ّن في مث ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ل الل ّه ِ علينا يا حبيبتي‪ ،‬ول كنّ هذه ِ النعمة َ‬ ‫هذا م ِن فض ِ‬ ‫تضع ُك في دائرة ِ المسؤوليّة ِ‪ .‬فكما علّمت ُكِ عليكِ أن تعل ّمي‬ ‫ل الل ّه َ ينف ُع بكِ فتكسبينَ الأجر َ‪،‬‬ ‫زميلات ِكِ و تفيديهنّ ‪ ،‬لع ّ‬ ‫ن حقّ الل ّه ِ عليكِ ‪ ،‬فهذه ِ زكاة ُ العلم ِ‪.‬‬ ‫و تؤدّي َ‬

‫‪-‬‬

‫أو َ للعلم ِ زكاة؟‬

‫‪-‬‬

‫الاعتراف بهذه ِ النعمة ِ‬ ‫َ‬ ‫نعم يا بنتي‪ ..‬شكر ُ الل ّه ِ لا يعني‬ ‫يم نعمه ِ علينا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ن فقط‪ ،‬بل يعني انجذابَ‬ ‫باللسا ِ‬ ‫القلب له لعظ ِ‬ ‫ثم ّ تسخير َ هذه ِ النعمة ِ في خدمة ِ العبادِ والم ِ‬ ‫ن‬ ‫جتمع؛ فكما أ ّ‬

‫ك العلم ُ‬ ‫ل‪ ،‬وكذل َ‬ ‫ك الما َ‬ ‫ج لم َن لا يمل ُ‬ ‫تخر َ ُ‬ ‫ل لها زكاة ٌ ُ‬ ‫نعمة َ الما ِ‬ ‫عليكِ أن تعل ّميه ِ ولا تبخلي به ِ لتؤدّي زكات َه ُ لم َن لا يعلم‪.‬‬ ‫‪273‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬‬

‫ح‬ ‫النفس أحيانا ً تجن ُ‬ ‫َ‬ ‫ما أروع َ هذه ِ المعاني يا أم ّي‪ .‬ل كنّ‬ ‫ق م ِن‬ ‫ن وتسربل ُه بأناني ّت ِه ِ‪ ،‬وتجعل ُه ُ يظنّ أن ّه ُ إذا أنف َ‬ ‫بالإنسا ِ‬ ‫علم ِه ِ أو مال ِه ِ فسيخسر ُ‪ ،‬ويذهبُ جهد ُه ُ في التعل ّم ِ أو‬ ‫ل منه ُ قدرا ً أو م َل َك َة ً‪.‬‬ ‫ل لم َن هو أق ّ‬ ‫اكتساب الما ِ‬ ‫ِ‬

‫‪-‬‬

‫ن الآخرين سببه ُ اعتقاد ٌ خاطئ‪،‬‬ ‫هذا الشعور ُ في العلو ِّ ع ِ‬ ‫وكسب‬ ‫ِ‬ ‫ل أو علم ٍ بجهدِه ِ‬ ‫يظنّ أن ّه جم َع هذه ِ النعم َ م ِن ما ٍ‬ ‫ل‬ ‫يمينه ِ‪ ..‬و ينسى أن ّه ُ مجر ّد ُ عبدٍ لل ّه‪ ،‬هو الذي أعطاه ُ العق َ‬ ‫ل‪ ..‬فم َن صاحبُ‬ ‫ج و يكتسبَ الما َ‬ ‫ل فينت َ‬ ‫ليفك ّر َ ويتعل ّم َ و يعم َ‬ ‫الإنتاج والمواد َ الخام‪ ،‬ثم ّ‬ ‫أدوات‬ ‫ِ‬ ‫ل ؟ هل الذي أعطاه‬ ‫الما ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك منها شيئاً؟‬ ‫بعثَ له م َن يعلّم ُه ُ؟ أم هو الذي لا يمل ُ‬

‫‪-‬‬

‫آه ٍ يا أم ّي ‪ ..‬حقيقة ٌ واضحة ٌ لم َن يرى بنورِ الل ّه ِ‪ ..‬جعل َني‬ ‫ل‬ ‫ورفيقاتي منهم‪ .‬ولا حرم َني منك‪ ...‬سأبذ ُ‬ ‫ل ما تعل ّمت ُه لك ّ ِ‬ ‫ل الل ّه َ أن يعطي َني القو ّة َ‬ ‫م َن يريد ُ ولن أردّ سائلاً‪ ..‬أسأ ُ‬ ‫‪274‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫والصبر َ والإرادة َ‪.‬‬ ‫رأس أم ّي ويديها‪ ،‬ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي‪ ،‬فتحتُ‬ ‫َ‬ ‫قبل ّتُ‬ ‫ل الأفكارِ‬ ‫دفتري الذي أكتبُ فيه ِ خواطري و بدأتُ بتسجي ِ‬ ‫ن‬ ‫الهامّة ِ التي علمتني إ ي ّاها أم ّي حت ّى لا أنساها‪ ،‬ثم ّ وضعتُ ضم َ‬ ‫ل كبيرٍ العبارة َ الآتية‪:‬‬ ‫مستطي ٍ‬ ‫ق‬ ‫ك نتائج ُه ُ‪ ،‬والموف ّ ُ‬ ‫ل سلو ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ك‬ ‫ل سلو ٍ‬ ‫هدف م ِن وراءِه‪ ،‬ولك ّ ِ‬ ‫لك ّ ِ‬ ‫والسعيد ُ م َن وافق َت نتائج ُه ُ أهداف َه‪.‬‬

‫‪275‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪– 17-‬‬

‫والتدربُ عليها‬ ‫ُ‬ ‫(التفكير السليمُ مجموعةُ مهاراتُ‪ ،‬يجبُ شحذُها‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫حتُى خصبحُ جزءا مُنُ عاداتُ العقل) ُ‬

‫أعيش طو يلا ً في هذه ِ الحياة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لا أتمن ّى أن‬‫ِ‬ ‫مسمع أم ّي كالصاعقة‪.‬‬ ‫وق َع كلامي على‬ ‫ماذا؟! لم أسمع!‬‫ف‬ ‫لأعرف كي َ‬ ‫َ‬ ‫أم ّي أشعر ُ أن ّي بحاجة ٍ أكبر َ لأفهم َ الحياة َ‪،‬‬‫‪27٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫موقف‪ ..‬مع الآخرين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫أتعام ُ‬ ‫ل في ك ّ ِ‬ ‫أحس أن ّي عاجزة ٌ ع َن فهمِها أو معرفة ِ كيف‬ ‫ّ‬ ‫أشياء ُ كثيرة ٌ‬ ‫يجبُ عليّ أن أفك ّر َ!‬

‫ق به ِ صدري‪.‬‬ ‫شعور ٌ مزع ج ٌ‪ ،‬يضي ُ‬ ‫ناقش‬ ‫كيف عليّ أن أفكر َ وأ َ‬ ‫َ‬ ‫أم ّي ‪ ....‬هل يمكنكِ أن تعلميني‬ ‫ٍ‬ ‫موضوع؟‬ ‫موقف أو‬ ‫ٍ‬ ‫أيّ‬

‫أعلم ُ أن ّنا تحدثنا كثيرا ً‪ ،‬ل كن ّي مازلتُ أشعر ُ بحاجة ٍكبيرة ٍ لأرت ّبَ‬ ‫ن التفكير ِ كالكبارِ‬ ‫نم َ‬ ‫ك َ‬ ‫ك كي أتم ّ‬ ‫ج ذل َ‬ ‫أفكاري‪ ،‬أشعر ُ أن ّي أحتا ُ‬ ‫ك سيساعد ُني حتما ً في شعوريَ بالثقة ِ‪،‬‬ ‫ن ذل َ‬ ‫وأتجن ّبَ الخطأ‪ ..‬إ ّ‬ ‫الزلات التي تضطر ّني للاعتذارِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫المتاعب أو‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫وسيبعد ُني ع ِ‬ ‫ل معاني الرحمة ِ‬ ‫ارتسم َت على وجه ِ أم ّي ابتسامة ٌ ساحرة ٌ عذبة ٌ تحم ُ‬ ‫ن السكينة ِ‪.‬‬ ‫حب‪ ،‬أحسستُ فيها بشيء ٍ م ِ َ‬ ‫وال ِّ‬

‫ن به ِ طبيعيّ‪.‬‬ ‫ل ما تشعري َ‬ ‫طبعا ً يا بنتي‪ ،‬ول كن هو ّني عليكِ ‪ ،‬ك ّ‬‫‪277‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫طبيعيّ يا أم ّي إحساسي َ بالعجز!‬‫‪-‬إن ّكِ تهو ّلينَ الأمرَ‪ ،‬وتجعلين َه ُ أعظم َ مم ّا ينبغي‪.‬‬

‫ت تنتقلينَ‬ ‫ل بساطة ٍ معناه ُ أن ّكِ بدأ ِ‬ ‫نعم طبيعيّ‪ ،‬لأ ّ‬ ‫ن هذا و بك ّ ِ‬

‫النضج والوعي الفكريّ ‪ ،‬فعقل ُكِ يطالب ُكِ بالتعل ّم؛‬ ‫إلى مرحلة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل مافي الأمر ِ!‬ ‫هذا ك ّ‬ ‫عقلي يطالب ُني بالتعل ّم! ما أروع َك يا أم ّي وما أعظم َ قدرت َكِ على‬‫ل اليد‪ .‬اشرحي لي‬ ‫تبسيطِ الأمورِ وجعل ِها سهلة ً في متناو ِ‬ ‫ياحبيبتي‪ .‬لا حرم َني الل ّه ُ منكِ ‪.‬‬ ‫ل نحو أخذِ‬ ‫أنتِ تكبري َ‬‫ن و تنتقلينَ في هذه ِ المرحلة ِ إلى الم َي ِ‬ ‫ن هناك َ قوانينَ لا تفهمين َها‪،‬‬ ‫نأ ّ‬ ‫ل الكبار ُ‪ ،‬فتشعري َ‬ ‫الأمورِ كما يفع ُ‬ ‫ن الآخرين بدؤوا ينظرون إليكِ نظرتَهم‬ ‫صك؛ كما أ ّ‬ ‫أو معرفة ً تنق ُ‬ ‫أخطأت‪ ،‬و يتوق ّعون منكِ‬ ‫ِ‬ ‫الناس ينبّهونكِ إن‬ ‫ُ‬ ‫ح‬ ‫للكبار‪ ،‬فأصب َ‬ ‫الصواب‪ ،‬بينما في المرحلة ِ السابقة ِ م ِن عمرِك‪ ،‬كانوا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫فع َ‬ ‫‪278‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك‬ ‫يتوق ّعونَ منكِ الخطأ فيعطون َكِ أعذارا ً أكثر َ‪ .‬وهذا طبعا ً يدفع ُ َ‬ ‫ل أكبر َ‬ ‫ك بحاجة ٍ إلى معرفة ٍ أكثر َ وإعما ِ‬ ‫للشعورِ أن ّ َ‬ ‫ل بشك ٍ‬ ‫ل العق ِ‬ ‫ن بالحاجة ِ إلى التعلّم ِ ز يادة ً على ماقد‬ ‫ّف‪ .‬فتشعري َ‬ ‫ل التصر ِ‬ ‫قب َ‬ ‫ن طر يقة َ‬ ‫ن عقل َكِ قد أتق َ‬ ‫ك لايعني أ ّ‬ ‫تعلّمت ِه ِ سابقاً‪ ،‬ل كنّ ذل َ‬ ‫ن‬ ‫ك عندما تري َ‬ ‫تدريب‪ ،‬لذل َ‬ ‫ٍ‬ ‫ج إلى‬ ‫التفكير ِ السليمة ِ‪ ،‬إن ّه ُ يحتا ُ‬

‫ن بالعجزِ‪.‬‬ ‫ت بشيء ٍ تظن ّينَ أن ّكِ تعرفين َه ُ تشعري َ‬ ‫نفسَكِ قد أخفق ِ‬ ‫أليس كذلك؟‬ ‫َ‬ ‫ح يا أم ّي‪ ...‬أصابُ بالإحباطِ عندما أرى نفسي لا‬ ‫‪-‬هذا صحي ٌ‬

‫لص ٍ‬ ‫حيح رغم َ تذك ّري لكلام ِك!‬ ‫أتصرّ ُ‬ ‫ف بشك ٍ‬

‫سسا ً لكلامي أو تصرّفاتي معهنّ ‪..‬‬ ‫كما رفيقاتي صرنَ أكثر َ تح ّ‬ ‫ل أشعر ُ‬ ‫ن أكثر َ م ِ َ‬ ‫لقد بتنا نتشاح ُ‬ ‫ن السابقِ‪ .‬لا أدري!! بالفع ِ‬ ‫قلت يا أم ّي‪.‬‬ ‫أن ّي بحاجة ٍ لأتعل ّم‪ .‬كما ِ‬ ‫ك يا حبيبتي‬ ‫أحب أن ألفتَ نظر َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫طلبت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ل أن أتح ّدث عم ّا‬ ‫قب َ‬‫‪279‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫مادمت لاتصرّ ين‬ ‫ِ‬ ‫ك‪،‬‬ ‫أخطأت فلا عيبَ في ذل َ‬ ‫ِ‬ ‫أن ّه حت ّى لو‬

‫على الخطأ ِ عنادا ً وتكب ّرا ً‪ ،‬فالخطأ وارد ٌ لل ِ‬ ‫جميع‪ ،‬بل إن ّه ُ سمة ٌ في‬

‫ن آدم َ خطّاء ٌ وخير ُ‬ ‫ل اب ِ‬ ‫ل الل ّه ِ ‪ ( :‬ك ّ‬ ‫ن آدم َ كما أخبر َنا رسو ُ‬ ‫اب ِ‬ ‫ج إن‬ ‫ك حر ٌ‬ ‫ك لا يكن في صدرِ ِ‬ ‫الخطائينَ التوابون) لذل َ‬ ‫أخطأت‪ ،‬عليكِ بالتوبة ِ وإصطلاحه فورا ً‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ل جهد َه ُ في‬ ‫ن أن يبذ َ‬ ‫ن على الإنسا ِ‬ ‫ح في أ ّ‬ ‫ول كنّ كلام َكِ صحي ٌ‬ ‫ل ذي همّة ٍ‬ ‫هدف يطلب ُه ُك ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ك‬ ‫ب الخطأ ِ ما استطاعَ ‪ ،‬فذل َ‬ ‫تجن ّ ِ‬ ‫وإرادة ٍ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الصحيح‬ ‫ق التفكير ِ‬ ‫طر ِ‬ ‫حسنا ً يا أم ّي‪ .‬ح ّدثيني م ِن فضل ِكِ عن ُ‬‫ل الحكم ِ عليه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫موقف م ِن أج ِ‬ ‫عند َ دراسة ِ ّ ِ‬ ‫ك بش ّدة ٍ‪ ...‬حسناً‪.‬‬ ‫ن هذا الأمرَ يشغل ُ ِ‬ ‫يبدو أ ّ‬‫موقف‪ ،‬عليكِ أن تنظري‬ ‫ٍ‬ ‫ن الحكم َ على أمر ٍ ما أو‬ ‫عندما تريدي َ‬

‫ِ‬ ‫ك ولمَن‬ ‫إليه ِ م ِن‬ ‫جميع النواحي‪ :‬السلبي ّة ِ والإ يجابي ّة ِ وبالنسبة ِ ل ِ‬ ‫‪281‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫والموقف أو حت ّى أحيانا ًالم ِ‬ ‫جتمع‬ ‫ِ‬ ‫ك أو م َن لهم علاقة ٌ بالأمر ِ‬ ‫حول َ ِ‬ ‫ك بموضوعي ّة ٍ ودونَ تح ي ّزٍ ضعي‬ ‫ل؛ ول كي تتمكّني م ِن ذل َ‬ ‫كك ّ‬ ‫كيف‬ ‫َ‬ ‫ص‪،‬‬ ‫ك الشخ ِ‬ ‫كنت مكانَ ذل َ‬ ‫ِ‬ ‫نفسَكِ مكانَهم‪ ،‬تخي ّلي لو‬ ‫كيف ستكونُ ردّة ُ فعل ِك؟ عندئذٍ يابنتي‬ ‫َ‬ ‫سيكونُ وقع ُه ُ عليكِ ؟‬

‫ن الأخطاء ِ التي نق ُع فيها نتيجة َ التفكير ِ‬ ‫ستكتشفينَ ال كثير َ م ِ َ‬

‫ن فقط ‪ ،‬وتح يّز ِنا‬ ‫الأحاديّ ‪ ،‬أي نتيجة َ التفكير ِ م ِن رؤيت ِنا نح ُ‬ ‫فالنفس الإنساني ّة ُ تضخّ م ُ‬ ‫ُ‬ ‫حدث؛‬ ‫الموقف أو ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫سنا في فه ِم‬ ‫لأنف ِ‬ ‫الموقف أو الحد َثَ فتعطيه ِ أكثر َ م ِن حجمِه ِ‪ ،‬وكل ّما زاد َ‬ ‫َ‬ ‫أحيانا ً‬ ‫الموقف الذي ترين َه ُ أضعافا ً مضاعفة ً‬ ‫ِ‬ ‫ي كبر َ حجم ُ‬ ‫الألم ُ النفس ّ‬ ‫وقت عندما‬ ‫ٍ‬ ‫النفس بعد َ‬ ‫َ‬ ‫ن هذه ِ‬ ‫ع َن حجمِه ِ الأصليّ‪ ،‬والغريبُ أ ّ‬ ‫الموقف مختلفا ً تماما ً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الموقف وألم ُها ترى‬ ‫ِ‬ ‫تهدأ أو يذهبُ أثر ُ هذا‬ ‫كيف كانَ ينظر ُ إليه ِ بهذه ِ الضخامة ِ‬ ‫سه ِ َ‬ ‫ويستغربُ المرء ُ م ِن نف ِ‬

‫ِ‬ ‫حت ّى سيطر َ على‬ ‫جميع جوانبِ حيات ِه ِ! ويزداد ُ هذا الأمرُ سوءا ً‬

‫سه ِ‪ ،‬أو مغرورا ً ومعجبا ً بها‪،‬‬ ‫إذا كانَ المرء ُ م ُعتاد َ الانتصارِ لنف ِ‬

‫‪281‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫جّه َ أحدٌ إليها اللوم َ!‬ ‫ن الخطأ ِ أو أسمى م ِن أن يو ِ‬ ‫أو يراها أكبر َ م ِ َ‬ ‫القلب يصيب ُه ُ نتيجة َ تضخّ ِم "الأنا"‬ ‫ِ‬ ‫مرض في‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا طبعا ً كل ّه ُ‬ ‫جاب بنفسه ِ‪ ،‬وهو‬ ‫ض التكب ّر ِ والغرورِ والإع ِ‬ ‫عند َه ُ ووجود ُ مر ِ‬ ‫س كما عل ّم َنا خالق ُنا‪.‬‬ ‫ن الرؤ ية ِ القرآني ّة ِ للنف ِ‬ ‫نتيجة ُ البعدِ ع ِ‬ ‫شاق‪ .‬ول كن ّه ُ صحيح‪ ،‬فأنا أتذك ّر ُ‬ ‫ّ‬ ‫يا و يلي! ك ّ‬‫ل هذا !!!! الأمرُ‬

‫ك‪ ،‬كنتُ أتأل ّم ُ كثيرا ً‪ ،‬وتسيطر ُ‬ ‫أن ّي مررتُ بتجارِبَ تشبه ُ ذل َ‬ ‫والانزعاج‪ ،‬حت ّى أشعر َ أن ّي أكره ُ‬ ‫على نفسي معاني َ الإحباطِ‬ ‫ِ‬ ‫ل الأمرُ بي إلى‬ ‫أعيش فيها‪ ،‬وأحيانا ً يص ُ‬ ‫َ‬ ‫أحب أن‬ ‫ّ‬ ‫الدنيا ولا‬

‫ل‬ ‫س سي ّئة ُ التعامل! وأصد ُقكِ القو َ‬ ‫ل النا ِ‬ ‫ل‪ :‬ك ّ‬ ‫أن أعم ّم َ فأقو َ‬ ‫ن الحقّ كل ّه ُ معي!‬ ‫ح وأ ّ‬ ‫ن هذا صحي ٌ‬ ‫كنتُ أجد ُ أ ّ‬ ‫مرة ً أخرى‪ .‬هذا شيء ٌ طبيعيّ!‬ ‫سأقو ُ‬‫لل ِ‬ ‫ك ّ‬ ‫طبيعيّ يا أم ّي أن أجع َ‬‫ل الحدثَ أكبر َ م ِن حجمِه! فأتأل ّم َ كثيرا ً‬ ‫ل هذا الوقت!‬ ‫أقف عند َه ُك ّ‬ ‫وهو لا يستحقّ أن َ‬ ‫‪282‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫كيف تروّضينَ نفسَكِ وتعلميها‬ ‫َ‬ ‫طبيعيّ يا بنتي إذا لم تتعل ّمي‬‫لص ٍ‬ ‫حيح‪ .‬فلا يدفع ُها الألم ُ إلى الغلو ّ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كيف تفك ّر ُ بشك ٍ‬

‫كتب الديني ّة ِ م ِن أهم ّي ّة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ما قرأت ُه ُ في ال‬ ‫كنتُ أظنّ يا أم ّي أ ّ‬‫ّب إلى الل ّه ِ‬ ‫حسنات‬ ‫ِ‬ ‫وكسب ال‬ ‫ِ‬ ‫س فقط هو للتقر ِ‬ ‫مجاهدة ِ النف ِ‬ ‫ل الغشاوة َ‬ ‫ل إلى الجن ّة ِ فقط‪ ،‬ل كنّ حديث َكِ الآنَ أزا َ‬ ‫والوصو ِ‬ ‫كيف تعاملتُ فيها‬ ‫َ‬ ‫ن الأمورِ التي أذكر ُها الآنَ تماما ً‬ ‫عن كثيرٍ م ِ َ‬ ‫ي اعتبارٍ‬ ‫م ِن منط ِ‬ ‫ق النف ِ‬ ‫س والشعورِ بها وحد َها فقط‪ ،‬دونَ أ ّ ِ‬ ‫س‬ ‫ص آخر َ غير ِ نفسي! وعرفتُ الآنَ أ ّ‬ ‫لأي شخ ٍ‬ ‫ن مجاهدة َ النف ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ن الل ّه ِ‪ ،‬بل حت ّى أكونَ‬ ‫التقرب م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل على الجن ّة ِ أو‬ ‫ليسَت للحصو ِ‬

‫ح في علاقتي مع ذاتي‬ ‫كيف أنج ُ‬ ‫َ‬ ‫وأعرف‬ ‫َ‬ ‫سعيدة ً في الدنيا‪،‬‬ ‫والآخرين دونَ أن أخسر َ آخرتي؛ إن ّي أتذك ّر ُ الآنَ قانونا ً م ِن‬ ‫ن كنتُ قد قرأتُها منذ ُ فترة ٍ في قول ِه ِ تعالى ‪:‬‬ ‫قوانينِ القرآ ِ‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫‪283‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬ ‫ﭩﭪﭫﭼ‬

‫‪.1‬‬

‫ن العداوة َ والبغضاء لا تسود ُ في أسرة ٍ أو شركة ٍ أو م ٍ‬ ‫جتمع‬ ‫أي إ ّ‬ ‫َ‬

‫إلا نتيجة َ نسيانِهم لأمر ٍ م ِن أوامر ِ الل ّه ِ؛ فالقانونُ يقول‪ :‬م َن نسي َ‬

‫أمرَ الل ّه ِ تظهر ُ العداوة ُ فيم َن حول َه‪.‬‬

‫ف مداخل َها حت ّى لا‬ ‫ن أن يجاهد َ نفسه ُ و يعرِ َ‬ ‫ح ّقا ً على الإنسا ِ‬ ‫قرارات‬ ‫ٍ‬ ‫ف بأشياء َ يندم ُ عليها في حيات ِه‪ ،‬أو تؤث ّر ُ سلبا ً في‬ ‫يتصرّ َ‬ ‫مصير ي ّة ٍ قد تغي ّر ُ مجرى حيات َه ُ!‬

‫ن‪ ،‬وأستشعر ُ عظم َ نعمة ِ‬ ‫كل ّما تحدثتُ معكِ يا أم ّي أشعر ُ بالأما ِ‬ ‫الل ّه ِ عليّ أن أكرم َني بكِ لتعل ّميني وترشديني‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ سورة المائدة‪14،‬‬‫‪284‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الم ِ َ‬ ‫ميزت ُكِ يا أم ّي أن ّكِ تجيدي َ‬ ‫راس مع النف ِ‬ ‫س‪ ،‬فأنتِ ما شاء َ‬ ‫ن‬ ‫ن القرآ ِ‬ ‫س ومعرفة ٍ بقوانينِ الل ّه ِ م ِ َ‬ ‫الل ّه ُ على دراية ٍ بعلم ِ النف ِ‬ ‫ن‬ ‫ّهات صديقاتي لا يتمت ّع َ‬ ‫ال كري ِم وسن ّة ِ رسوله ِ ‪‬؛ وكثير ٌ من أم ِ‬ ‫صفات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بهذه ِ ال‬ ‫و هذا يحمّلك واجبَ تعلميهنّ مم ّا أنقله ُ لكِ‪ ،‬أقصد ُ مم ّا علّمنا‬‫الل ّه‪.‬‬ ‫ن الل ّه ِ يا أم ّي‪ .‬م ِن فضل ِكِ أكملي كلام َكِ ‪ ،‬فأنا‬ ‫ل بإذ ِ‬ ‫سأفع ُ‬‫ل قلبي وعقلي جعل َني أبصر ُ أمورا ً لم‬ ‫ن نورا ً دخ َ‬ ‫أشعر ُ الآنَ أ ّ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫أعهدها م ِن نفسي م ِن قب ُ‬ ‫ح الل ّه ُ عليكِ يا بنتي وزاد َك فهماً‪ ...‬سأكمل ُ‪.‬‬ ‫فت َ‬‫ِ‬ ‫جميع النواحي‪ :‬السلبي ّة ِ‬ ‫للموقف م ِن‬ ‫ِ‬ ‫ن عليكِ أن تنظري‬ ‫قلنا إ ّ‬ ‫والإ يجابي ّة ِ و م ِن حيثُ أثر ُه ِ و نتائج ِه ِ عليكِ وعلى الم ِ‬ ‫جتمع وم ِن‬

‫جالات جميع ِها‪ ،‬النفسي ّة ِ والاجتماعي ّة ِ والمادي ّة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل الم‬ ‫خلا ِ‬ ‫‪285‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫والفكر ي ّة ِ و‪ ........‬وعلى المدى القريبِ والبعيدِ‪.‬‬ ‫انتظري قليلاً‪ ،‬هذا كثير‪.‬‬‫ل‬ ‫الموقف م ِن خلا ِ‬ ‫َ‬ ‫مهارات يا بنتي ‪ ...‬تعالج ينَ‬ ‫ٍ‬ ‫إ ّنها ثلاثُ‬‫سنوات‪ ،‬على أن‬ ‫ٍ‬ ‫رؤ ية ِ نتائج ِه ِ القريبة ِ والبعيدة ِ على مدى‬ ‫ختلف النواحي‪ ،‬أي‬ ‫ات م ِن م ِ‬ ‫ات والإ يجابي ّ ِ‬ ‫تنظري إلى السلبي ّ ِ‬ ‫ائج القريبة ِ‬ ‫ات والإ يجابي ّ ِ‬ ‫مهارة ُ رؤ ية ِ السلبي ّ ِ‬ ‫ات ومهارة ُ رؤ ية ِ النت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫للموضوع‪ ،‬على أن تنظري للأمر ِ م ِن‬ ‫والبعيدة ِ‬ ‫جميع العوام ِ‬ ‫مهارات‬ ‫ِ‬ ‫برامج تنمية ِ‬ ‫المؤث ّرة ِ فيه ِ‪ .‬وهذه المهاراتُ تسمّى في بع ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫التفكير ِ ب ‪ :‬مهارة ِ معالجة ِ الأفكارِ (السلبيّات والإيجابي ّات)‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫النتائج‪.1‬‬ ‫ل‪ ،‬ومهارة ُ‬ ‫ومهارة ُ اعتبارِ‬ ‫جميع العوام ِ‬ ‫ِ‬

‫ت الأفكار ُ في عقلي‪ .‬بق َي عليّ أن أدرّبَ‬ ‫‪-‬رائ ٌع‪ .‬الآنَ انتظم َ ِ‬

‫‪ -1‬انظر (هندسة التفكير‪ ،‬أمل طعمة و رند العظمة)‪ .‬و(اتخاذ القرار والسلوك القيادي‪ ،‬أمل طعمة)‬ ‫‪28٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك‪.‬‬ ‫عقلي لذل َ‬ ‫ح يا بنتي‪ ،‬فلا تكفي معرفة ُ الطر يقة ِ الصحيحة ِ للتفكير ِ‪،‬‬ ‫صحي ٌ‬‫مرة ٍ على استخدا ِم هذه ِ‬ ‫بل يجبُ أن تدرّ بي نفسَكِ ك ّ‬ ‫ل ّ‬

‫ك‪ ،‬يقوم ُ بها‬ ‫ح طر يقة ً معتادة ً في تفكير ِ ِ‬ ‫المهارات حت ّى تصب َ‬ ‫ِ‬ ‫عقل ُكِ دونَ شعورٍ منكِ ‪.‬‬

‫ل أن‬ ‫ك يا أم ّي ج ّدا ً ج ّدا ً ج ّدا ً‪ ..‬سأحاو ُ‬ ‫ رائ ٌع ج ّداً‪ ...‬أشكر ُ ِ‬‫مر معي‪ ،‬وسأكتبُ على الورقة ِ دراستي له ُ حسبَ‬ ‫أتذك ّر َ موقفا ً ّ‬ ‫المهارات ثم ّ أعرض ُها عليكِ لتصو ّبي لي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هذه ِ‬

‫ك‪.‬‬ ‫أحسنت يا بنتي ‪ ..‬هي ّا أنا في انتظارِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫‪287‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 18 -‬‬

‫(وشاورهم في األمر‪ ،‬فإذا عزمُتُ فتوكُلُ على هللا) ُ‬

‫س‪ ،‬ل كن ّي لم أشأ أن أسأل َها فور َ‬ ‫بد َت أم ّي حزينة ً‪ ،‬م ُطرقة َ الرأ ِ‬ ‫للبيت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وصولي‬ ‫ن‬ ‫انتهى الغداء ُ وكانَ الوجوم ُ باديا ً على والدي أيضاً‪ ،‬فعرفتُ أ ّ‬

‫ق بالأسرة ِ أو ما بين َهما‪.‬‬ ‫الأمرَ يتعل ّ ُ‬

‫‪288‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أسرعتُ إلى غرفتي‪ ،‬لم أستطع أن أرك ّز َ في دراستي كالعادة ِ‪،‬‬ ‫فح ُزنُ أم ّي أثـــّ ر َ فيّ كثيراً‪ ،‬لم أعتد عليها إلا وهي باسمة ُ الثغرِ‬ ‫مشرقة ُ الوجه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أستكشف‬ ‫َ‬ ‫وصنع الشاي ل‬ ‫المطبخ‬ ‫بالذهاب إلى‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫حاولتُ التعل ّ َ‬

‫ِ‬ ‫ل‬ ‫الأخبار َ‪ ،‬فوجدتُ أخي في‬ ‫المطبخ أيضاً‪ ،‬يبدو أن ّه ُ يقوم ُ بالعم ِ‬ ‫ل الآخر َ‪ ،‬فبادرت ُه ممازحة ً‪:‬‬ ‫ن كلانا يسأ ُ‬ ‫ذاته ِ‪ ،‬التقت أنظار ُنا وكأ ّ‬ ‫ن الحلوى؟‬ ‫هل جعتَ يا محم ّد؟ أم تراك َ تبحثُ ع ِ‬‫أبحثُ عن أم ّي‪.‬‬‫ِ‬ ‫لوقع جوابه ِ أثرا ً بليغاً‪ ،‬فتغي ّر َت ملامحي وبدا عليّ الحزنُ‪،‬‬ ‫كانَ‬

‫ن‬ ‫خروج أخي م ِ َ‬ ‫وشردتُ مع أفكاري‪ ،‬حت ّى أن ّي لم أنتبه إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن جاهز ي ّة َ‬ ‫ق الماء ِ مد ّو ية ً تعل ُ‬ ‫المطبخ بعد َ أن سمعتُ ص ّفارة َ إبر ي ِ‬ ‫كوب‬ ‫ِ‬ ‫ل إعدادي ل‬ ‫الماء ِ‪ ،‬كنتُ أتحر ّك ُ ببطء ٍ شديدٍ خلا َ‬ ‫ل أم ّي عم ّا يحزنُها‬ ‫كيف أستطي ُع أن أسأ َ‬ ‫َ‬ ‫الشاي‪ ،‬لا أدري‬ ‫ِ‬

‫‪289‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل إلى غرفت ِها‪ ،‬فإذا بي‬ ‫وكيف أبدأ؟ كنتُ أفك ّر ُ بحيلة ٍ لأدخ َ‬ ‫َ‬ ‫أجد ُ أم ّي أمامي‪ .‬أفقتُ م ِن شرودي مدهوشة ً‪ ...‬حت ّى‬ ‫علامات وجهي‪ ،‬بادرتني بالسؤال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫استغرب َت أم ّي‬ ‫هل تصنعينَ الشايَ يا علا؟‬‫بكوب؟‬ ‫ٍ‬ ‫نعم يا أم ّي ؟ هل ترغبينَ‬‫طبعاً‪ ،‬ظننت ُك ستحضرين َه ُ لي !‬‫ل يدي ل كي‬ ‫أحسستُ بغبائي‪ ،‬فقد كانَ هناك َ عذر ٌ في متناو ِ‬ ‫ل عليها في غرفت ِها‪.‬‬ ‫أدخ َ‬ ‫ك كوب َكِ يا أم ّي في غرفت ِكِ ‪ .‬هل ذهبَ والدي؟‬ ‫سأحضر ُ ل ِ‬‫ل الغداء ِ مباشرة ً‪ ،‬أحضري كوبا ً‬ ‫ك بعد َ تناو ِ‬ ‫نعم ذهبَ أبو ِ‬‫ض الحلوى‪.‬‬ ‫ن الشاي مع بع ِ‬ ‫مِ َ‬

‫‪291‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أسرعتُ بتحضير ِ الشاي‪ ،‬وتبعتُها إلى غرفتِها ولم أتحم ّل الانتظار َ‬

‫ِ‬ ‫بطرح سؤالي وأنا أق ّدم ُه لها‪.‬‬ ‫أكثر َ حيثُ قمتُ‬ ‫‪-‬أم ّي أريد ُ أن أسألَكِ‪ .‬لماذا أنتِ حزينة ٌ؟‬

‫عدّل َت أم ّي م ِن جلست ِها‪ ،‬وتغي ّر َت ملامح ُ وجه ِها وقال َت‪:‬‬ ‫هل بدوتُ حزينة ً؟‬‫ك أبي‪ .‬كانَ طيلة َ الغداء ِ يظهر ُ على وجهه ِ‬ ‫نعم يا أم ّي‪ .‬وكذل َ‬‫الهدوء ُ الحذِر ُ أو الحزين‪.‬‬ ‫ق العاصفة يا بنتي‪.‬‬ ‫لا تخافي ليس هدوءا ً يسب ُ‬‫ن السكينة ِ‬ ‫ل ابتسامة ً رائعة ً‪ ،‬فيها م ِ َ‬ ‫ورسم َت على ثغرِها الجمي ِ‬ ‫والوقارِ ما أحب ّه ُ‪.‬‬ ‫أم ّي هل تخفينَ عن ّي؟ وأنا ابنت ُك المفضّ لة‪.‬‬‫‪291‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الابتسامات‪ ،‬وقال َت‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫تبادلنا‬ ‫راتب مغرٍ‬ ‫ل في بلد ٍ أجنب ٍيّ و ب ٍ‬ ‫لقد جاء َت لأبيكِ فرصة ُ عم ٍ‬‫ك فعلي ّا ً‪.‬‬ ‫العرض‪ ،‬بل قر ّر َ ذل َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ج ّداً‪ ،‬وهو يفك ّر ُ أن يقب َ‬ ‫فتحتُ فمي‪ ،‬وأنا لا أص ّدقُ ما أسم ُع‪.‬‬ ‫هل تمزحينَ يا أم ّي؟ و لم َ لم تخ برونا؟‬‫ٍ‬ ‫ك‪،‬‬ ‫بارتياح لذل َ‬ ‫لأن ّي حت ّى الآنَ متردّدة ٌ منقبضة ٌ‪ ،‬لا أشعر ُ‬‫ك أم ّي دونَ‬ ‫أحب وطني كثيرا ً ولا أرغبُ في تر ِ‬ ‫ّ‬ ‫رب ّما لأن ّي‬ ‫ك البلد ِ‬ ‫العناية ِ بها‪ ،‬كما أن ّه لن يستطي َع أن يرت ّبَ إقامتَنا في ذل َ‬ ‫إلا بعد َ سنة ٍ‪.‬‬ ‫طبعا ً كما عل ّمت ُكِ لا ينبغي لمشاعر ِنا أن تسيطر َ على قرارِنا‪ ،‬ل كن ّي‬ ‫ات كثيرة ٍ يقع‬ ‫ضكم لتح ّدي ٍ‬ ‫ن السفر َ إلى بلد ٍ أجنب ٍيّ قد يعر ّ ُ‬ ‫أرى أ ّ‬ ‫فيها م َن يستقر ّ في بلد ٍ غير ِ إسلاميّ‪.‬‬

‫‪292‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫لأي أمر ٍ م ِن‬ ‫نعم لقد عل ّمت ِني يا أم ّي أ ّ‬‫ن علينا أن ننظر َ ّ ِ‬ ‫الجوانبِ ‪.‬‬ ‫ض جوانبِ الأمر ِ‪،‬‬ ‫ح‪ ..‬رغم َ اختلافي م َع أبيك في بع ِ‬ ‫صحي ٌ‬‫ل ما أستطيع ُه ُ لإن ِ‬ ‫جاح ما يريد ُ‪.‬‬ ‫ل كن لاب ّد أن أدعم َه ُ بك ّ ِ‬

‫أنتِ رائعة ٌ يا أم ّي‪.‬‬‫هذا واجبي يا بنتي‪ ،‬فمهما اختلفنا في الرأي يبقى القرار ُ الأخير ُ‬‫لرب وقائدِ الأسرة ِ‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫لفتة ٌكريمة ٌ رائعة ٌ منكِ يا أم ّي‪.‬‬‫يا بنتي هذا هو ما يجبُ القيام ُ به ِ إزاء َ قرارِ القائدِ وأتباع ِه ِ سواء ً‬‫ل‪.‬‬ ‫في المنز ِ‬ ‫ل أو العم ِ‬

‫وضح ينَ لي يا أم ّي؟‬ ‫‪-‬هل ت ّ‬

‫‪293‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ح‬ ‫صوا النص َ‬ ‫يخل ُ‬ ‫يا بنتي للقائدِ أن يشاور َ م َن حول َه ُ‪ ،‬وعليهم أن ُ‬‫ح الأمر ِ في غير ِ رأيِهم‪،‬‬ ‫له ُ و يقولوا رأيَهم‪ ،‬ول كن ّه ُ إن رأى صلا َ‬ ‫ل ما أوتوا‪ ،‬هذه ِ‬ ‫فعليهم أن يطيعوه‪ ،‬بل ويدعموه ُ بعد َ ذل َ‬ ‫ك بك ّ ِ‬ ‫جالات جميع ِها؛‬ ‫ِ‬ ‫القاعدة ُ الهامّة ُ ليست في الأسرة ِ فقط‪ ،‬بل في الم‬ ‫ح القائد ُ للمرؤوسين‬ ‫ن سرّ القيادة ِ الناجحة ِ أن يفس َ‬ ‫ح أ ّ‬ ‫فصحي ٌ‬

‫ن عليهم‬ ‫ن الراحة ِ والشفافية‪ ،‬إلا أ ّ‬ ‫حر ي ّة َ إبداء ِ الرأي في ج ٍو ّ م ِ َ‬

‫ووقت‪ ،‬وإلا‬ ‫ٍ‬ ‫ل ما أوتوا م ِن جهدٍ‬ ‫حقّ الطاعة ِ ودعم َ قرارِه ِ بك ّ ِ‬ ‫خاص‪،‬‬ ‫س له رأيه ُ ال ّ‬ ‫ل مرؤو ٍ‬ ‫ل الجماعيّ؛ تخي ّلي لو ك ّ‬ ‫ح العم ُ‬ ‫لما نج َ‬ ‫ح‬ ‫فكيف يتم ّ الأمرُ وينج ُ‬ ‫َ‬ ‫ل منهم يريد ُ أن يسود َ هذا الرأي‪،‬‬ ‫وك ّ ٌ‬

‫ل؟‬ ‫العم ُ‬

‫ات القيادة ِ الحديثة ِ مهما كانَ نوع ُها ومفهوم ُها‬ ‫ن جمي َع نظر ي ّ ِ‬ ‫إ ّ‬ ‫ق‬ ‫ن الطر ي ِ‬ ‫ق على ضرورة ِ دع ِم قرارِ القائدِ‪ِ ّ ،‬‬ ‫تت ّف ُ‬ ‫بغض النظرِ ع ِ‬ ‫الذي تم ّ اتّ خاذ ُ القرارِ فيه‪.‬‬ ‫ك فأنتِ ستدعمينَ قرار َ أبي رغم َ‬ ‫فهمتُ الآنَ يا أم ّي‪ ..‬لذل َ‬‫‪294‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫عد ِم قناعت ِكِ به ِكثيراً‪.‬‬ ‫ك قد رأى أمورا ً لا أراها‪ ..‬فما دمنا قد تشاورنا‬ ‫ن أبا ِ‬ ‫لاب ّد أ ّ‬‫ل على الل ّه ِ ونسأل ُه ُ تعالى أن يختار َ الخ ير َ‪،‬‬ ‫واستخرنا فإن ّنا نتوكّ ُ‬ ‫ضينا فيه‪.‬‬ ‫وييسر َه ُ لنا‪ ،‬و ي ُر ّ‬ ‫حقيقة ً يا أم ّي لقد أخاف َني الخ بر ُ وأقلق َني‪.‬‬‫ل مازال أمرُ انتقال ِنا إلى‬ ‫ل الأحوا ِ‬ ‫لا تقلقي يا بنتي‪ .‬في ك ّ ِ‬‫ل الل ّه َ الرضا‪.‬‬ ‫هناك َ بعيداً‪ .‬نسأ ُ‬

‫ح يا أم ّي‪ .‬يبدو أن ّكِ الآنَ أكثر َ ارتياحا ً م ِن قبل‪.‬‬ ‫صحي ٌ‬‫ك‪ ،‬رب ّما لأن ّي وأنا أتح ّدثُ معكِ ترت ّب َت‬ ‫نعم‪ ...‬أشعر ُ بذل َ‬‫ت الصورة ُ أوضح َ أمامي‪ ،‬وذك ّرتُ نفسي‬ ‫أفكاري أكثر َ‪ ،‬وبد َ ِ‬ ‫لأسباب‬ ‫ِ‬ ‫برب ا‬ ‫ِّ‬ ‫ق‬ ‫ن أن ي ّتخذ َ الأسبابَ ثم ّ يث َ‬ ‫بأ ّ‬ ‫ن على المؤم ِ‬ ‫ك يا بنتي‪.‬‬ ‫ويتوكّ َ‬ ‫ل عليه‪ .‬شكرا ً ل ِ‬ ‫‪295‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الصف‬ ‫ِّ‬ ‫هل تعرفين يا أم ّي‪ ،‬لقد دار َ حديثٌ بينَ رفيقاتي في‬‫ل ح ّقهنّ في حر ي ّة ِ إبداء ِ الرأي‪ ،‬فبعض ُهنّ كُنّ يردّدنَ أن ّه‬ ‫حو َ‬ ‫يحقّ لهنّ اتّ خاذ ُ قرارِهنّ بأنفسه ِنّ ‪ ،‬وعلى والديهم أن يح ترموا‬ ‫اش‬ ‫ل؛ وكانَ النق ُ‬ ‫رغباتِهنّ و يوافقوا على قرارهنّ دونَ تدخ َ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫الشرع والدي ِ‬ ‫حامي الوطيس‪ ،‬لم أستطع أن أقنعهنّ بحجة ِ‬

‫ن‪ ،‬ولم‬ ‫ملتزمات بالدي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن بذلك‪ ،‬فهنّ غير ُ‬ ‫للأسف لا يعترف َ‬ ‫ِ‬ ‫لأ ّنهنّ‬ ‫ل الفكرة ِ لهنّ ‪ ..‬الآنَ فقط أستطيعُ‬ ‫أجد لهنّ حج ّة ً منطقي ّة ً لإيصا ِ‬ ‫أن أحاور َهنّ ‪ .‬ج ُزيتِ خيرا ً ياأم ّي‪ .‬سأذهبُ إلى غرفتي لأبدأ‬ ‫الدراسة‪.‬‬ ‫سمتُ و قبّلتُ يد َها ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي ‪.‬‬ ‫تب ّ‬

‫‪29٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 19-‬‬

‫أسرار‬ ‫ُ‬ ‫سر مُنُ‬ ‫(خزكيةُ النفسُ وبناءُ عاداتُ عقليُةُ سليمةُ ُ‬ ‫الرخقاءُ والنجاح) ُ‬

‫ن ما تقولين َه عن هندٍ صحيح‪ ،‬فهند ُ تحب ّكِ‬ ‫ لا أظنّ يا سلوى أ ّ‬‫ك أبداً‪ ،‬هذا ما أعرف ُه ُ عنها‪ .‬صدقيني‪.‬‬ ‫ولم تقصد أن تسيء َ ل ِ‬

‫الموقف وأحسني الظنّ بها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أعيدي النظر َ في‬ ‫حسنا ً ‪ ..‬مع السلامة‪.‬‬

‫ل‪:‬‬ ‫الهاتف وأنا مغضَبة ٌ‪ .‬بادرتني أم ّي بالسؤا ِ‬ ‫ِ‬ ‫أغلقتُ سماعة َ‬ ‫مابكِ يا علا؟ لم َ أنتَ واجمة؟‬‫‪297‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الحياة َ ليست سهلة ً!‬ ‫لا أدري يا أم ّي؟ كأ ّ‬‫سم َت أم ّي ابتسامتَها اللطيفة َ‪ ،‬وقال َت‪:‬‬ ‫تب ّ‬ ‫خيرا ً يا علا؟ ماذا حصل؟ هل هناك َ مشكلة ٌ بينَ زميلات ِك؟‬‫ل منهما لا تريد ُ أن‬ ‫نعم يا أم ّي‪ .‬أظنّ أن ّه ُ سوء ُ تفاه ٍم‪ ،‬ل كن ك ّ‬‫تسم َع إلا ما تريد ُ سماع َه؛ لقد تكل ّمتُ مع َهما معاً‪ ،‬وشرحتُ‬

‫ل منهما‪ ،‬ل كنّهما لم تستمعا‪ ،‬وكأن ّي أتحدّثُ‬ ‫لهما وجهة َ نظرِ ك ّ ٍ‬

‫ل واحدة ٍ‬ ‫في الهواء ِ‪ ،‬ما إن أنتهي م ِن كلامي حت ّى تتكل ّم َ ك ّ‬ ‫قط‪ ..‬تعيد لي كلامها هي ووجهة َ نظرِها!‬ ‫منهما وكأ ّنها لم تسمعني ّ‬ ‫جيب أمرُهما!‬ ‫ع ٌ‬

‫للأسف إحدى أخطائنا‪ ..‬إن ّنا لم نعتد إلا‬ ‫ِ‬ ‫ليس عجيبا ً ‪ ...‬هذه ِ‬ ‫ َ‬‫ل من ّا يجهّز ُ‬ ‫جلسات الحوارِ يقب ُع ك ّ‬ ‫ِ‬ ‫سماعَ صوت ِنا نحن؛ حت ّى في‬ ‫وللأسف يقوم ُ‬ ‫ِ‬ ‫الكلمات التي سيقول ُها دونَ أن يصغي َ للآخر!‬ ‫ِ‬ ‫‪298‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حنيف‬ ‫ن دين َنا ال َ‬ ‫تثبيت هذه الثقافة ِ الخاطئة ِ‪ ،‬مع أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫التلفاز ُ ببرامج ِه ِ ب‬ ‫ل كانوا مهما اختلفوا يصغونَ و يعترفونَ بالآخر ِ‬ ‫وعلماء َنا الأوائ َ‬

‫حرج‪ ،‬يفرحونَ لرؤ ية ِ الحقّ ِ أينما كانَ ولو م َع‬ ‫أو بخطئ ِهم دون َما‬ ‫ٍ‬ ‫نظير ِهم أو منافس ِهم‪.‬‬ ‫لماذا يا أم ّي ؟‬‫س البشر ي ّة ِ أن تتحي ّز َ لرأيِها ورؤيت ِها‬ ‫يا بنتي إ ّ‬‫ن م ِن طبيعة ِ النف ِ‬ ‫س البشر ي ّة ِ م ِن‬ ‫وذاتِها ونظرتِها‪ ..‬هذه ِ تركيبة ٌ موجودة ٌ في النف ِ‬

‫اعات ته ّدد ُ‬ ‫ٌ‬ ‫س إن واجهتها صر‬ ‫ل أن تستمر ّ في الحياة ِ ولا تيئ َ‬ ‫أج ِ‬

‫ن الوقو ِع فريسة َ‬ ‫ل بنسبة ٍ معي ّنة ٍ تحميها م ِ َ‬ ‫وجود َها‪ ،‬على أن تظ ّ‬

‫س‬ ‫اليأ ِ‬ ‫س أو عد ِم الثقة ِ؛ هذه ِ هي الحكمة ُ م ِن وجودِها في النف ِ‬ ‫لتحافظ‬ ‫َ‬ ‫البشر ي ّة ِ‪ ،‬ل كنّها طبعا ًتكبر ُ وتنمو إذا لم يتم ّ وض ُع حدودٍ لها‬ ‫ل للج َورِ أو ظلم ِ الآخرين والتع ّدي‬ ‫على أداء ِ وظيفت ِها دونَ أن تص َ‬

‫ل‬ ‫عز وج ّ‬ ‫على فكر ِهم أو آرائِهم؛ هذه ِ الحدود ُ هي التي طالب َنا الل ّه ُ ّ‬ ‫‪299‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫وطلب الحقّ ِ أينما كانَ ولو عكس‬ ‫ِ‬ ‫سنا والارتقاء ِ بها‬ ‫بتزكية ِ أنف ِ‬ ‫ل‬ ‫ك‪ ،‬ونحمي أنفس َنا م ِ َ‬ ‫ما نهوى؛ وم ِن ه ُنا نؤج َر ُ على ذل َ‬ ‫ن الزل ِ‬

‫ِ‬ ‫والوقوع في مهاوي الظلم ِ‪.‬‬

‫ل‬ ‫اممم ‪ ...‬فهمٌ رائ ٌع يا أم ّي لم يخطر في بالي أبداً‪ .‬أحيانا ً مث ُ‬‫المواقف ت ُشعر ُ الإنسانَ بالإحباطِ ‪ ،‬ل كنّ شرح َكِ الآنَ‬ ‫ِ‬ ‫هذه ِ‬ ‫ن هذا شيء ٌ طبيعيّ إذا لم يق ِم الإنسانُ بتزكية ِ نفسه ِ‬ ‫يُظه ِر ُ أ ّ‬ ‫والارتقاء ِ بها‪.‬‬ ‫ح يا بنتي‪ ...‬لا ت ُصابي بالإحباطِ إن رأيتِ إنسانا ً متدي ّنا ً‬ ‫صحي ٌ‬‫ل أقسى الكلا ِم‬ ‫ن عنه‪ ،‬وانزا ِ‬ ‫ك‪ ،‬أو تقومي بنفي الدي ِ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫وهو يفع ُ‬ ‫فيه‪ ..‬قد يكونُ مخطئا ً‪ ،‬لأن ّه ُ لم يفهم هذا الجانبَ ‪ ،‬أو ضعف َت‬ ‫النقاش إلى ته ٍم‬ ‫َ‬ ‫ّلت‬ ‫الموقف‪ ،‬ل كن ّكِ إذا حو ِ‬ ‫ِ‬ ‫نفس ُه ُ في هذا‬ ‫ل إلى الفكرة ِ التي‬ ‫ي‪ ،‬لن يستطي َع أبدا ً أن يص َ‬ ‫ل شخص ّ‬ ‫تقذفين َها بشك ٍ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المدافع عن‬ ‫المنافح و‬ ‫حها‪ ،‬لأن ّكِ ببساطة ٍ وضعته ِ بدورِ‬ ‫ن طر َ‬ ‫تودّي َ‬ ‫‪311‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫لنحافظ على استمرار ي ّة ِ وجودِنا‬ ‫َ‬ ‫نفسه ِ‪ ،‬وهي طبيعة ٌ خلق َنا الل ّه ُ بها‬

‫لموقف يه ّدد ُ وجود َنا‪ ،‬ل كن ّه ُ تعالى ترك َ لنا مهمّة َ‬ ‫ٍ‬ ‫إن تعر ّضنا‬ ‫ِ‬ ‫الصحيح‪ ،‬بينَ ح ّدي احترا ِم‬ ‫ن‬ ‫سنا بغية َ وضع ِها في المكا ِ‬ ‫تزكية ِ أنف ِ‬

‫س‬ ‫ل النقدِ والتصويبِ وبينَ عد ِم الإحباطِ واليأ ِ‬ ‫الآخر ِ وقبو ِ‬ ‫ل أحد ُهم تثبيط َنا أو زعزعة َ الثقة ِ بكيان ِنا و وجودِنا‪.‬‬ ‫مهما حاو َ‬ ‫ل‬ ‫ن الوصو َ‬ ‫س البشر ي ّة ِ وأ ّ‬ ‫وهذا الأمرُ يحتا ُ‬ ‫ج إلى فه ِم طبيعة ِ النف ِ‬ ‫ق الل ّه ِ وعطاء ٍ منه ُ سبحانه ُ‪ ،‬فلا يغتر ّ أحد ُنا إن‬ ‫للحقّ ِ هو م ِن توفي ِ‬ ‫ن أن ي ُعطي َه ُ‬ ‫ح والصوابُ ‪ ،‬بل يرى أن ّه ُ عطاء ٌ يمك ُ‬ ‫حالف َه ُ النجا ُ‬

‫ج‬ ‫س‪ ،‬فعليه ِ تتب ُع الحقّ ِ أينما كانَ‪ ،‬وهذا يحتا ُ‬ ‫ن النا ِ‬ ‫الل ّه ُ لغيره ِ م ِ َ‬ ‫وعي وفه ٍم لهذه ِ الحقيقة ِ‪.‬‬ ‫س م َع‬ ‫ٍ‬ ‫إلى‬ ‫تدريب ومجاهدة ٍ للنف ِ‬ ‫ٍ‬

‫ِ‬ ‫مرة ً‬ ‫ن أعل َ‬ ‫ن إنسا ٌ‬ ‫فالمتدي ّ ُ‬ ‫ن أن ّه ُ يريد ُ أن يلتزم َ بشرع رب ّه ِ‪ ،‬ل كن ّه ُ ّ‬

‫ل فكرت َنا أو ندل ّه ُ على‬ ‫ح‪ ..‬فحت ّى نستطي َع أن نوص َ‬ ‫ق وأخرى ينج ُ‬ ‫يخف ُ‬ ‫ل الخطأ ِ يه ّدد ُ شخصي ّت َه ُ أو نجعل َها‬ ‫خطئ ِه ِ‪ ،‬علينا أن نبتعد َ عن جع ِ‬

‫ِ‬ ‫للدفاع‪ ،‬ونض ُع على عينيه ِ‬ ‫تبدو موقفا ً شخصي ّاً‪ ،‬لأنّنا بهذا سندفع ُه‬ ‫‪311‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل ص ٍ‬ ‫حيح دونَ التأث ّر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل رؤ ية َ‬ ‫غشاء ً نفسي ّا ً يجع ُ‬ ‫الموقف بشك ٍ‬ ‫ل إلا م َن رحم َ رب ّي و وهبه ُ الصدقَ‬ ‫بالذات ضربا ً م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن المستحي ِ‬

‫ح أو التربية َ‬ ‫والإخلاص والتجرد َ للحقّ ِ؛ ل كنّ م َن يريد ُ الإصلا َ‬ ‫َ‬ ‫عز‬ ‫ك قا َ‬ ‫س لا تستطيع ُه ُ‪ ،‬ولذل َ‬ ‫ن أغلبَ النا ِ‬ ‫يجبُ أن يعلم َ أ ّ‬ ‫ل الل ّه ُ ّ‬

‫وج ّل منبّ ِها ً رسول َه ُ ال كريم‪ :‬ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬ ‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫ﭺﭻﭼ‬

‫آل عمران‪.159 :‬‬

‫ِ‬ ‫ل أقوا ٍم يفعلون‬ ‫ل الل ّه ِ ‪ ‬يقول ‪ :‬ما با ُ‬ ‫نصح رسو ِ‬ ‫و كانَ أغلبُ‬ ‫ح بالاس ِم و يشير ُ أمام َ الملأ ِ‬ ‫كذا ‪ ...‬و لم يكن عليه ِ السلام ُ يصرّ ُ‬ ‫ل الخسائر ِ و أيسر ِ‬ ‫ن المرب ّي يهمّه ُ أن يتم ّ الإصلا ُ‬ ‫ك‪ ،‬لأ ّ‬ ‫بذل َ‬ ‫ح بأق ّ ِ‬ ‫س بما لا يتنافى‬ ‫ق؛ هذا هو جوهر ُ دين ِنا‪ ..‬التيسير ُ على النا ِ‬ ‫الطر ِ‬ ‫ل‬ ‫ن ومقاصدِه‪ ،‬وهذا يقاربُ الفطرة َ وأيسر ُ لقبو ِ‬ ‫ل الدي ِ‬ ‫م َع أصو ِ‬ ‫‪312‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫للأسف ظهر َت كثيرا ً في الآونة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح؛ وهذه ِ مشكلة ٌ و‬ ‫س النص َ‬ ‫النف ِ‬

‫ن النص ِ‬ ‫ح إلى‬ ‫جماعات م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫الأخيرة ِ‪ ،‬بينَ الأفرادِ وال‬ ‫ن ابتعادٍ ع ِ‬

‫ِ‬ ‫وقذف الته ِم أو التكفير!‬ ‫ِ‬ ‫القدح‬

‫للأسف يا أم ّي‪ .‬الآنَ فهمتُ ما جرى بينَ رفيقاتي؛ وكأن ّكِ‬ ‫ِ‬ ‫‬‫معنا يا أم ّي كلمة ً بكلمة‪.‬‬ ‫سم َت أم ّي وقال ّت‪:‬‬ ‫تب ّ‬ ‫ لأ ّنها طبيعة ُ البشر ِ أينما كانوا إلا إذا وع َوا ودرّ ب ُوا أنفس َهم‬‫ل‬ ‫لوقت‪ ،‬وأن يبدأ ك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ج‬ ‫وجاهد ُوها لتزكيت ِها؛ وكما قلتُ هذا يحتا ُ‬

‫ِ‬ ‫النصح‬ ‫ج النبو ّة ِ في‬ ‫ن بنفسه ِ و يكونَ قدوة ً أ ّولاً‪ ،‬ثم ّ يلتزم َ نه َ‬ ‫إنسا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫س‪.‬‬ ‫والإصلاح بينَ النا ِ‬ ‫والإرشادِ‬

‫ل‬ ‫ل يلحّ عليّ وقد فس ّرت ُه ُ قليلا ً في كلام ِكِ ‪ ،‬ول كن مازا َ‬ ‫ سؤا ٌ‬‫س شيء ٌ‪.‬‬ ‫في النف ِ‬

‫ن الحقّ واحدٌ؟ أحيانا ً حت ّى لو كانَ‬ ‫ختلف بالرأي م َع أ ّ‬ ‫لماذا ن ُ‬ ‫‪313‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ي إلا‬ ‫ل الكلام َ إلى أمر ٍ شخص ٍ ّ‬ ‫يحو ّ ِ‬ ‫الآخر ُ موضوعي ّا ً في كلامه ِ ولم ُ‬ ‫ن الآخر َ يصعبُ عليه ِ رؤ ية ُ ما يقول ُه ُ أحياناً؟‬ ‫أ ّ‬

‫حدث‬ ‫ج رؤيت َه ُ لل ِ‬ ‫ل يا بنتي يحكم ُ على الأمورِ أو يستنت ُ‬ ‫ العق ُ‬‫القيم والعقائدِ والأفكارِ‬ ‫ن‬ ‫ق مجموعة ٍ م ِ َ‬ ‫والموقف و يفس ّر ُه ُ وف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل عملي ّة ِ التفكير ِ‪.‬‬ ‫ل التي تعو ّد َ أن يستخدم َها خلا َ‬ ‫ِ‬ ‫وعادات العق ِ‬

‫حت عادة ً عقلي ّة ً‬ ‫وانتبهي ه ُنا‪" ،‬طر يقة ُ التفكير ِ التي اعتاد َها أصب َ‬ ‫بموقف مشابه ٍ‪ ،‬فإن ّه ُ ي ّتخذ ُ الأسلوبَ نفسَه ُ في‬ ‫ٍ‬ ‫مر‬ ‫لديه"‪ .‬كل ّما ّ‬ ‫مواجهت ِه ِ‪ ،‬فإن كانَ قد عوّد َ فكر َه ُ على رؤ ية ِ وجهة ِ نظره ِ فقط‪،‬‬

‫ليس لديه ِ هذه ِ‬ ‫ل أن ينظر َ في النواحي الأخرى‪ ،‬أو َ‬ ‫ولا يحاو ُ‬ ‫يضيف لرأيه ِ رأيَ الآخرين كي تكونَ نظرت ُه ُ‬ ‫َ‬ ‫القناعة ُ بأهمي ّة ِ أن‬ ‫ل عندئذٍ سيت ّب ُع أسلوبَ الرأي الأوحد!‬ ‫ق وأشم َ‬ ‫أعم َ‬ ‫ك المشاعرُ ‪ ...‬جمي ُع هذه ِ‬ ‫النفس وهواها دور َها‪ ،‬وكذل َ‬ ‫ُ‬ ‫كما تلعبُ‬

‫ِ‬ ‫ص أو اتجاهه ِ وفكره ِ‪ ،‬فإذا‬ ‫صنع رأي الشخ ِ‬ ‫ل تتشارك ُ في‬ ‫العوام ِ‬

‫قيم وأفكارٍ‬ ‫لم يكن للشخ ِ‬ ‫ص وعي ٌ فيما ي ُدخل ُه ُ إلى عقله ِ م ِن ٍ‬ ‫‪314‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫العادات الصحيحة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومعلومات‪ ،‬ولم يس َع إلى تدريبِ عقله ِ على‬ ‫ٍ‬ ‫لناس كثيرا ً‪.‬‬ ‫ختلف ا ُ‬ ‫ل هذه ِ الغشاوة ُ و ي ُ‬ ‫في التفكير ِ عندئذٍ تحص ُ‬ ‫س وعاداتُ تفكيرٍ‪.‬‬ ‫فلك ّ ٍ‬ ‫ل منهم هوى نف ٍ‬ ‫مرعب ح ّقا ً يا أم ّي‪ .‬لم أتخي ّل أهمي ّة َ الوعي فيما أسم ُع أو‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬شيء ٌ‬

‫كلمات وآراء ٍ‪ ...‬وما أدخلُه ُ إلى عقلي‪ ...‬ولم ِ‬ ‫قط‬ ‫أع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أقرأ م ِن‬ ‫ل‪.‬‬ ‫عادات التفكير ِ السليمة ِ‪ ...‬لم تذكريها لي يا أم ّي م ِن قب ُ‬ ‫ِ‬ ‫فكرة َ‬ ‫ك باسم ِها ل كن ّي يا عزيزتي أقوم ُ بتطبيق ِها‬ ‫صحي ٌ‬‫ح لم أذكرها ل ِ‬ ‫ح عادة ً لديك‪.‬‬ ‫طرقَ التفكير ِ السليمة َ حت ّى تصب َ‬ ‫ك‪ ،‬وأعل ّم ُكِ ُ‬ ‫أمام َ َ‬ ‫ل‬ ‫ل قلبي‪ ،‬أسأ ُ‬ ‫ ما أروع َكِ م ِن أ ٍمّ ‪ ...‬أشكر ُ ِ‬‫ك يا حبيبتي م ِن ك ّ ِ‬ ‫ق ما تنصحينني به‪ ،‬وتوجهيني م ِن خلاله‪،‬‬ ‫الل ّه َ أن يعينني فأطب ّ َ‬ ‫ل وعلا أن يوفق َني لأكونَ كما‬ ‫فأنا في نعمة ٍ عظيمة ٍ‪ ،‬أسأل ُه ُ ج ّ‬

‫ل فيت ّبعون‬ ‫ن الذين يستمعونَ القو َ‬ ‫حب ويرضى‪ ،‬وأكونَ م ِ َ‬ ‫ي ّ‬ ‫أحسن َه‪.‬‬ ‫‪315‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن الل ّه ِ يا حبيبتي‪ ،‬هذا دعائي دائما ًلي ول كم؛ مادام َ الإنسانُ‬ ‫ بإذ ِ‬‫طلب الحقّ ِ فلاب ّد أن يعين َه الل ّه ُ مهما أخطأ فإن ّه ُ سر يعُ‬ ‫ِ‬ ‫صادقا ً في‬

‫ِ‬ ‫الصحيح؛ هذه ِ هي أه ّم خاصيّة ٍ في‬ ‫ق‬ ‫الأوبة ِ والعودة ِ للطر ي ِ‬ ‫المؤمن‪ ،‬فاحرصي عليها‪.‬‬

‫ك الل ّه ُ خيرا ً يا حبيبتي وأعانني كي أقر ّ‬ ‫ل إن شاء َ الل ّه ُ‪ .‬جزا ِ‬ ‫ أفع ُ‬‫ك‪.‬‬ ‫عين َكِ وأسعد َ ِ‬

‫ل‬ ‫قبّلتُ أم ّي وعدتُ إلى غرفت ِي وفتحتُ دفتر َ مذك ّراتي كي أسج ّ َ‬ ‫ما تعلّمت ُه ُ حت ّى لا أنساه‪ ،‬فما تعلّمته اليوم َ هامّ ج ّداً‪ ،‬عليّ أن أسعى‬ ‫لتطبيق ِه ِ‪ ،‬وهي طر يقة ٌ علمتني إ ي ّاها أم ّي‪ ،‬وأجد ُها نافعة ً قد‬ ‫ق‬ ‫ق فبينَ السب ِ‬ ‫ن الطر ي ِ‬ ‫أعانتني كثيرا ً عندما أنسى وأبتعد ُ ع ِ‬ ‫الهدف‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خر ِ تذّكر ُ‬ ‫والتأ ّ‬

‫‪31٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪– 21-‬‬

‫السلوك‬

‫المشاعر‬

‫ّ‬

‫األفكار‬

‫ّ‬

‫بقوم حتّى يّغيروا ما بأنفسّهم") ّ‬ ‫التغيير "إنّ هّ‬ ‫ّ‬ ‫(معادلةّ‬ ‫للا ال يغي ّر ما ٍ‬

‫ك لل ّه ِ "‬ ‫ح المل ُ ُ‬ ‫"أصبحنا وأصب َ‬ ‫تمتمتُ بها عندما أصبحتُ ‪ ،‬وأخذتُ أفك ّر ُ بمعانيها وأنا أستع ّد‬ ‫للصلاة‪.‬‬

‫‪317‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ت ُرى ما الحكمة ُ م ِن هذا الدعاء ِ وبهذه ِ العبارة ِ بالذات؟ وماهي‬ ‫ل إلى عقلي؟ وماهي الفكرة ُ التي يريد ُ الل ّه ُ من ّي‬ ‫الرسالة ُ التي ستص ُ‬

‫أن أبرمج َ عقلي َ وفق َها؟‬

‫ج عن مل كه ِ شيء ٌ سبحانه ُ‪.‬‬ ‫ل شيء ٍ بيده ِ‪ ،‬ولا يخر ُ‬ ‫ك لل ّه ِ) ك ّ‬ ‫(المل ُ‬

‫ك ورقة ُ شجرٍ أن تق َع إلا بعلمه ِ‪ ،‬ﭧ ﭨ ﭽ ﯬ‬ ‫فلا تمل ُ‬

‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ‬ ‫ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰂﰃﰄﰅ‬ ‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭼ سورة الأنعام‪.‬‬ ‫ل جلاله ُ‪ ،‬فيجبُ أن‬ ‫ل شيء ٍ يق ُع تحتَ سيطرته ِ وفي م ُل كه ِ ج ّ‬ ‫ك ّ‬ ‫ن‬ ‫س فيها‪ ،‬إلا أ ّ‬ ‫ك الحقيقة ِ التي لا لب َ‬ ‫أبدأ يومي وأنا متذك ّرة ٌ لتل َ‬ ‫ح واثقة ً‬ ‫الاعتياد َ عليها قد يجعل ُها غائبة ً عن ّا‪ ،‬وعند َ تذك ّر ِها أصب ُ‬ ‫ن مل كه ِ وهو الرحيم ُ الودود ُ‪،‬‬ ‫ومتوكّلة ً ومطمئن ّة ً لوجوديَ ضم َ‬ ‫‪318‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫العزيز ُ المقتدر ُ‪ ،‬فلا أخشى أحداً‪.‬‬ ‫ح‬ ‫خائف‪ ،‬و يفر َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ح المتعبُ ‪ ،‬و يأم َ‬ ‫ن حت ّى يرتا َ‬ ‫إ ّنها رسالة ُ اطمئنا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ل معها الأم َ‬ ‫الصباح لتحم َ‬ ‫ل وجهه ُ مع إشراقة ِ‬ ‫المحزونُ‪ ،‬ويتهل ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ق من الأب ِ‬ ‫وفتح المغل ِ‬ ‫ن الأمورِ‪،‬‬ ‫في تيسير ِ المعس ّر ِ م ِ َ‬ ‫واب‪ ،‬وتبدي ِ‬

‫ن منه‪.‬‬ ‫ل بأحس َ‬ ‫الحا ِ‬ ‫ن‬ ‫ل منها جزءا ً م ِن مخزو ِ‬ ‫ل يو ٍم يجع ُ‬ ‫هذه ِ الرسالة ُ وتكرار ُها ك ّ‬ ‫القلب‪ ،‬فيصدر ُ عنه‬ ‫ِ‬ ‫َقدي الذي ي ُعق َد ُ في‬ ‫ن‬ ‫الإنسا ِ‬ ‫الفكري والع ّ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ق والب ِشر‪.‬‬ ‫السلوك ُ بالإشرا ِ‬ ‫ن‬ ‫س معاني َ العزة ِ والاطمئنا ِ‬ ‫وإ ّ‬ ‫ن تكرار َها يومي ّا ً ل َيبعثُ في النف ِ‬ ‫النفس الإنساني ّة ُكي تبدأ‬ ‫ُ‬ ‫والثقة ِ والسكينة ِ‪ ،‬وهذا ما تحتاج ُه ُ‬ ‫ل إعمارِ ال كون‪.‬‬ ‫حها سعيا ً و ِ‬ ‫فتنشط جوار ُ‬ ‫َ‬ ‫يوم َها به ِ‬ ‫جدّا ً في سبي ِ‬ ‫ن تكرارها دونَ تفك ّر ٍ يفقد ُها بر يق َها وأثر َها‪،‬‬ ‫ن جميلة ٌ‪ .‬إلا أ ّ‬ ‫معا ٍ‬ ‫ن في‬ ‫هدف الإنسا ِ‬ ‫َ‬ ‫الهدف والغاية َ منها؛ كما أن‬ ‫َ‬ ‫فنخسر ُ عندئذٍ‬ ‫‪319‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ج‬ ‫حب خالق ُه مطابقا ً لهداه ُ وشرع ِه ِ يحتا ُ‬ ‫ق ما ي ّ‬ ‫ن وف َ‬ ‫إعمارِ ال كو ِ‬ ‫الأحداث‪ .‬وم ِن ه ُنا‬ ‫ِ‬ ‫دائما ً لم َن يذك ّر ُه ُ به ِ حت ّى لا يحجب َه غبار ُ‬

‫كان َت روعة ُ دعاء ِ رسو ِل الل ّه ِ ‪‬‬

‫ل‬ ‫وتعليمِه ِ لنا بتذك ّر ِ هدف ِنا ك ّ‬

‫ٍ‬ ‫ن حكماء َنا يقولون "‬ ‫الهدف‪ .‬إذ إ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫صباح حت ّى تستقيم َ حيات ُه وف َ‬

‫لهدف‬ ‫َ‬ ‫ن ا‬ ‫الهدف"‪ ،‬إ ّنهم يدركون أ ّ‬ ‫َ‬ ‫ق والتأخر ِ تذك ّر ُ‬ ‫بينَ السب ِ‬ ‫ي ُنسى أحيانا ً تحتَ وطأة ِ الحياة ِ ومشاغل ِها‪ ،‬و أن سرّ ن ِ‬ ‫جاح م َن‬

‫ٍ‬ ‫صباح‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ح ّققوا أهداف َهم هي أ ّنهم جعلوها نصبَ أعين ِهم ك ّ‬

‫ل في دين ِنا ولو‬ ‫ل قو ٍ‬ ‫يا آلل ّه! كم م ِ َ‬ ‫ل وفع ٍ‬ ‫ن الحك َم ِ والمعاني في ك ّ ِ‬ ‫فقهناها لس ُدنا العالم َ أجم َع!‬ ‫ح وأحمد ُ وأثني على الل ّه ِ كما‬ ‫أنهيتُ صلاتي وتأمّلي و بدأتُ أسب ّ ُ‬

‫أمرَنا ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬ ‫ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ الأحزاب‪.‬‬

‫للذهاب إلى المدرسة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن دفعاني‬ ‫فأحسستُ بنشاطٍ وطاقة ٍكبيري ِ‬ ‫‪311‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫دونَ تأخيرٍ؛ رتّبتُ غرفتي و سريري‪ ،‬وخرجتُ أمشي مشية َ‬ ‫ن وسرور‪ ،‬فيها من الهمّة ِ والنشاطِ ما لم أعهده ُ في نفسي‬ ‫اطمئنا ٍ‬ ‫ل‪ ،‬ثم ّ أخذتُ ألقي التحي ّة َ بابتسامة ٍ لطيفة ٍ على زميلاتي‬ ‫م ِن قب ُ‬ ‫ك اليوم َ‬ ‫ل‪ :‬نرا ِ‬ ‫اللواتي شعرنَ بنشاطي وحبوري فبادلنني السؤا َ‬ ‫نشيطة ً سعيدة ً‪ ،‬خيرا ً إن شاء َ الل ّه ُ ؟ ‪ ..‬يوما ً مباركا ً ومشرقا ً‬

‫عبارات كثيرة ٌ لم أحفظها‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ك الل ّه ُ بابتسامت ِك ‪...‬‬ ‫ياعلا‪ ..‬هن ّأ ِ‬ ‫ل كنّها زادتني هم ّة ً وقو ّة‪.‬‬

‫ي حت ّى الحصّ ة ُ الأخيرة ُ وأنا أشارك ُ في‬ ‫مضى اليوم ُ الدراس ّ‬ ‫البسمات في ص ّف َي والباحة ِ‪ .‬وفي الاستراحة ِ‬ ‫ِ‬ ‫س وأنشر ُ‬ ‫الدر ِ‬ ‫سألتني رفيقتي المحظي ّة ُ عندي‪ :‬لاحظتُ أن ّكِ اليوم َ مبتهجة ٌ أكثر َ‬ ‫أي يو ٍم مضى‪ ،‬فالحمد ُ لل ّه ِ ول كن أعلميني ما السرّ؟ ابتسمتُ‬ ‫م ِن ّ ِ‬ ‫ل في خاطري وما قرأت ُه ُ البارحة‪ ،‬فبرق َت عيناها‬ ‫وقلتُ لها ما جا َ‬ ‫ت انسجاما ً وات ّفاقا ً م َع أفكاري‪ ،‬فقد كان َت تهز ّ رأس َها‬ ‫وأبد َ ِ‬ ‫ت‪.‬‬ ‫ل بينَ الفينة ِ والأخرى‪ :‬صدق ِ‬ ‫وتقو ُ‬ ‫‪311‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫كانَ يوما ً جميلا ً م ِن أيا ِم حياتي أحسستُ بأن ّي عثرتُ على كنزٍ‬

‫ٍ‬ ‫مفتاح ثمينٍ كنتُ قد أضعت ُه‪.‬‬ ‫أو‬

‫البيت وبدا لي منزلي جميلا ً سعيداً‪ ،‬كل ما فيه ِ يشدو‬ ‫ِ‬ ‫عدتُ إلى‬ ‫ويبتسم‪.‬‬ ‫ خبريني ما الخ بر ؟ سأل َت أم ّي‪.‬‬‫ل‪.‬‬ ‫ن السؤا ِ‬ ‫المستغرب م َ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬لا شيء َ !‪ ...‬أجبت ُها م َع ابتسامة ِ‬

‫ن‬ ‫ألاحظ أن ّكِ اليوم َ سعيدة ٌ‪ ،‬لاب ّد أ ّ‬ ‫ُ‬ ‫بلطف ‪ :‬ل كن ّي‬ ‫ٍ‬ ‫ ردّت‬‫ل السرور َ إلى قلب ِك‪.‬‬ ‫هناك حد َثا ً ما أدخ َ‬ ‫‪ -‬ص ّدقيني لا شيء َ‪ ،‬غير َ أن ّي أعيد ُ برمجة َ نفسي م ِن جديدٍ‪.‬‬

‫باستغراب‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫نظر َت إليّ‬ ‫‪-‬ماذا تقصدين؟‬

‫ن نحو َ السماء ِ م ِن نافذة ِ‬ ‫ن وعينايَ تنظرا ِ‬ ‫بصوت حا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أجبت ُها‬ ‫ِ‬ ‫المطبخ‪:‬‬

‫‪312‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫لقد تفك ّرتُ يا أمّي في قوله ِ تعالى ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬ ‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼالرعد‪.‬‬ ‫ك وض َع وسيلة َ التغيير ِ‬ ‫ل ورحيم ٌ لذل َ‬ ‫ن الل ّه َ عاد ٌ‬ ‫وعرفتُ أ ّ‬ ‫تفت م ِن عزائم ِنا‪.‬‬ ‫الظروف تحبط ُنا أو ّ‬ ‫َ‬ ‫بأيدينا حت ّى لا ندعَ‬

‫ن أفكارا ً سلبي ّة ً كثيرة ً ن ّدخر ُها في عقول ِنا‪،‬‬ ‫لقد اكتشفتُ أ ّ‬ ‫جها دونَ أن‬ ‫وبالتالي تؤث ّر ُ على طر يقة ِ تفكير ِنا وسلوكِ نا‪ ،‬ننته ُ‬ ‫ندرك َ آثار َها السلبي ّة َ‪ ،‬علينا أن نستبدل َها بأفكارٍ صحيحة ٍ من‬ ‫ن (القرآن)‪.‬‬ ‫ل إلى الإنسا ِ‬ ‫التعليمات الم ُنز َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫دلي ِ‬ ‫لقد أحسستُ بالقو ّة ِ الهائلة ِ التي أودع َها الل ّه ُ فينا وأعطانا‬

‫ن م َن نح ّد م ِن طاقات ِنا وقو ّة ِ‬ ‫إ ي ّاها في هذه ِ الآية ِ‪ ،‬ل كن ّنا نح ُ‬ ‫التغيير ِ لدينا‪.‬‬ ‫ل ماذا يا بنتي؟‬ ‫مث ُ‬‫‪313‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن‬ ‫نعرف أ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ك نا له شيء ٌ آخر‪ .‬فنح ُ‬ ‫ن معرفت َنا شيء ٌ‪ ،‬وإدرا َ‬ ‫إ ّ‬‫ك ولو استشعرناه ُ‬ ‫ل شيء ٍ‪ ،‬ل كن ّنا لم نستشعر ذل َ‬ ‫الل ّه َ بيدِه ِ ك ّ‬ ‫ن‬ ‫ص أو مكر ِه ِ يمك ُ‬ ‫ح ّقا ً فما م ِن قو ّة ٍ ولا سطوة ٍ ولا ذكاء ِ شخ ٍ‬ ‫ل؛ هذه الحقيقة يجبُ أن تنف َي‬ ‫أن ي ُفزِع َنا‪ ،‬فالل ّه ُ أكبر ُ وأج ّ‬ ‫ن‪،‬‬ ‫ق للامتحا ِ‬ ‫ق اتّ جاه َ أيّ شيء ٍ يواجه ُنا‪ ..‬فلا قل َ‬ ‫مشاعرَ القل ِ‬

‫ل ‪...‬‬ ‫خوف م ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ولا‬ ‫ن المستقب ِ‬

‫ن‬ ‫ل م ِن شخصي ّة ِ الإنسا ِ‬ ‫ق تجع ُ‬ ‫خاوف والقل ِ‬ ‫وجمي ُع هذه ِ الم ِ‬ ‫شخصي ّة ً ضعيفة ً‪ ،‬غير َ مبادرة ٍ‪ ،‬سلبي ّة‪ ،‬وهذا مالا يريد ُه ُ الل ّه ُ‪،‬‬ ‫ن الل ّه َ لا يغي ّر ُ ما بقو ٍم حت ّى‬ ‫ك ز ّود َنا بالقو ّة ِ الهائلة ِ (إ ّ‬ ‫لذل َ‬

‫ل جهدي‬ ‫ك يا أم ّي قررتُ أن أبذ َ‬ ‫يغي ّر ُوا ما بأنفس ِهم) لذل َ‬

‫ل‪ ،‬ولن أق َع‬ ‫خوف أو قل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ل عليه ِ دونَ‬ ‫وأتوكّ َ‬ ‫ق اتّ جاه َ المستقب ِ‬ ‫ن الل ّه ِ فريسة َ الإحباطِ بل سأشم ّر ُ عن ساعدِ الج ِدّ‪،‬‬ ‫بإذ ِ‬ ‫ل نصيحة ٍ أو نقدٍ بناء ٍ‪ ،‬ولن أدعَ حساسيتي‬ ‫وأستم ُع إلى ك ّ ِ‬ ‫حاجزا ً يبعد ُني عن تطوير ِ نفسي وتنميت ِها‪.‬‬ ‫‪314‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أدوات‬ ‫ِ‬ ‫لقد أنعم َ الل ّه ُ عليّ يا أم ّي بأن عل ّمت ِني َ ال كثير َ م ِن‬

‫ك الل ّه ُ خيراً‪ ،‬وعليّ الآنَ أن أتدرّبَ عليها‬ ‫التغيير ِ‪ ،‬فجزا ِ‬ ‫ِ‬ ‫موضع التنفيذِ لتثمر َ هذه ِ المعرفة َ‪ ،‬وإلا كانت‬ ‫وأضع َها في‬ ‫حب‪،‬‬ ‫حج ّة ً عليّ أمام َ رب ّي‪ ،‬فقد أهداني م َن يعلّم ُني بحنوٍ ّ و ٍّ‬ ‫ق ماعلمتنيه ِ وأغي ّر َ نفسي‪ .‬أسأ ُ‬ ‫وواجبي الآنَ أن أطب ّ َ‬ ‫ل الل ّه َ‬

‫العونَ والسداد َ‪.‬‬

‫ّب‪ .‬بارك َ الل ّه ُ بكِ‬ ‫ت يا بنتي‪ .‬نتائج ُ تفكيرٍ مثمرِ وطي ٍ‬ ‫ بورك ِ‬‫ووف ّقكِ لما يحب ّه ُ ويرضاه‪.‬‬

‫قبّلتُ أم ّي وشكرتُها لاستماعِها واهتمام ِها وتفاعل ِها معي‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ل ثيابي‪.‬‬ ‫أسرعتُ إلى غرفتي لتبدي ِ‬

‫‪315‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 21-‬‬

‫(التعميمُ الخاطئُ أحدُ األخطاءُ الفكريُةُ الشائعةُ التي يجبُ خجنُبُها) ُ‬

‫ل كلمة ٍ فيه‪ ،‬تكل ّم َت م ِن خلالِه ِ‬ ‫كانَ حديثا ً شائقا ً استمتعتُ بك ّ ِ‬ ‫ت الالتزام َ‬ ‫صديقتي حنانُ ع َن تجرِ بت ِها الإيماني ّة ِ عند َما قرر َ ِ‬ ‫جاب الإسلام ِيّ‪ ،‬و بدء َ مشوارِها إلى الل ّه‪.‬‬ ‫بالح ِ‬ ‫ك أسلوبا ً ممي ّزا ً في الكلا ِم‪ ،‬يش ّد الآخرين لسماع ِه ِ؛ ح ّقا ً‬ ‫إ ّنها تمل ُ‬ ‫إن ّي أحبّها في الل ّه ِ‪ ،‬فمنذ ُ اللحظة ِ التي رأيت ُها شعرتُ بأ ّنها قريبة ٌ من ّي‪،‬‬ ‫ن‬ ‫أحب هذه ِ الطبيعة َ المرِحة َ والجادّة َ بآ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫رب ّما شخصي ّت ُها‪ ،‬أو لأن ّي‬ ‫‪31٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق ما تريد ُ‪،‬‬ ‫وكيف تح ّق ُ‬ ‫َ‬ ‫ف ماذا تريد ُ‪،‬‬ ‫واحدٍ‪ ،‬واضحة ُ الرؤ ية ِ تعرِ ُ‬ ‫قو ي ّة ُ الإرادة ِ‪ ،‬صادقة ٌ في مشاعر ِها وأقوال ِها‪.‬‬ ‫الصفات أعشق ُها وأحبّها‪ ،‬ولقد اجتمع َت في شخصي ّت ِها؛‬ ‫ِ‬ ‫ل هذه ِ‬ ‫ك ّ‬ ‫ك‪ ،‬كلانا‬ ‫الوقت وأنا حر يصة ٌ على صحبت ِها وهي كذل َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ومنذ ُ ذل َ‬

‫ِ‬ ‫قد تعاهدنا على المحب ّة ِ في الل ّه ِ‬ ‫حتني وكم‬ ‫والنصح لدين ِه ِ؛ فكم نص َ‬

‫نصحت ُها‪ ،‬وكم تعلّمتُ منها وتعل ّم َت من ّي‪.‬‬ ‫ل هذه ِ الأفكارِ كان َت تدور ُ في خل َدي وأنا أستم ُع إلى حديث ِها‪،‬‬ ‫ك ّ‬ ‫ف عنها الخبثُ‬ ‫الصف (هيا)‪ ،‬عُر ِ َ‬ ‫ِّ‬ ‫إلى أن جاء َت زميلة ٌ لنا في‬ ‫حت بنا‪:‬‬ ‫والمكيدة ُ وال كذبُ ‪ ،‬جاء َت وصا َ‬

‫ن مدرّسة َ‬ ‫واهمات بكلا ِم الآخرين‪ .‬هل تعرف َ‬ ‫ٌ‬ ‫خدوعات و‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬أنتنَ م‬

‫ِ‬ ‫ن الإسلا ِم‬ ‫التاريخ التي درّستنا السنة َ الماضية َ وكان َت تح ّدث ُنا ع ِ‬ ‫الفتوحات ورفعة ِ الدين؟‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫كثيرا ً وع ِ‬ ‫ن‬ ‫ن عا ٍمّ م َع مجموعة ٍ م ِ َ‬ ‫وترقص في مكا ٍ‬ ‫ُ‬ ‫لقد رأيت ُها البارحة َ تلهو‬ ‫‪317‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق والأص ِ‬ ‫الرفا ِ‬ ‫حاب‪ ،‬أمّا أخت ُها المحجّ بة ُ والملتزمة ُ فقد ظلمتني كثيرا ً‬ ‫في السنة ِ الماضية ِ‪ ،‬وكان َت تسعى إلى تحطيمي لأن ّي غير ُ ملتزمة ٍ‪،‬‬ ‫ن‬ ‫الاختبارات الشفهي ّة ِ كثيرا ً م ِن دو ِ‬ ‫ِ‬ ‫صت علاماتي في‬ ‫فأنق َ‬ ‫ذنب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وق َع علينا الكلام ُ كالصاعقة ِ‪ ،‬لم تنطق أي ّة ُ واحدة ٍ من ّا بكلمة ٍ‪ ،‬إلّا‬ ‫خت بأعلى صوتِها‪:‬‬ ‫سارة ُ التي صر َ‬ ‫ن فلا أرغبُ بالالتزا ِم به ِ‪.‬‬ ‫إن كانَ هذا هو الدي ُ‬ ‫جرس الفرصة ِ مؤذنا ً بانتهائِها‪ ،‬فعدنا لمقاعدِنا ل كن ّي ظللتُ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ر ّ‬

‫ِ‬ ‫جميع م َن‬ ‫ك عند َ‬ ‫عامّة َ يومي مشغولة ً بما حدثَ ‪ ،‬وأحسب ُه ُكذل َ‬

‫ن ما دار َ بين َنا‪.‬‬ ‫سمع َ‬ ‫ل حزينة ً مهمومة ً‪ .‬كنتُ أتشو ّقُ لرؤ ية ِ أمّي‬ ‫عدتُ إلى المنز ِ‬ ‫ل الذي حي ّر َني‪:‬‬ ‫ح عليها هذا السؤا َ‬ ‫لأطر َ‬ ‫‪318‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل أن يتغي ّر َ الإنسانُ بهذه ِ السهولة ِ؟ أو هل هي‬ ‫ن المعقو ِ‬ ‫هل م ِ َ‬ ‫ل الدين؟‬ ‫تمث ّ ُ‬ ‫لا أدري مئاتُ الأسئلة ِ دار َت في خاطري حت ّى أحسستُ‬ ‫بالدوارِ ل كثرة ِ التخب ّطِ بين َها‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬أسرعتُ إلى غرفتي وتوضّ أتُ‬ ‫ل كن ّي لم أجد أم ّي في المنز ِ‬

‫ِ‬ ‫المطبخ كي أع ّد مائدة َ الغداء ِ‪ ،‬ل كنّ ذهني كانَ‬ ‫وتوجّهتُ إلى‬ ‫ُ‬ ‫مشغولاً‪ ،‬فاحترق َت‬ ‫بعض الأطعمة ِ‪ ،‬ولم أنتبه لها إلى أن جاء َ‬

‫أخي وأنقذ َها‪.‬‬

‫ص‬ ‫ن أخي العزيز َ ق ّ‬ ‫لاحظَت أم ّي على الغداء ِ شرودي‪ ،‬س ّيما أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫سبب حر ِ‬ ‫ِ‬ ‫المطبخ عندما سألتني عن‬ ‫ل في‬ ‫عليها ما حص َ‬

‫الطعا ِم‪.‬‬ ‫سألتني بعد َ الغداء ِ وأثناء َ شرب ِنا الشايَ ‪:‬‬ ‫‪319‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن‬ ‫ ما بكِ يا علا؟ لقد احترقَ الطعام ُ على غير ِ عادت ِك! كما أ ّ‬‫ن على وجه ِكِ ‪ .‬ما بكِ ؟‬ ‫بوادر َ اله ِ ّم والشرودِ يبدوا ِ‬ ‫قصصتُ عليها ما حدثَ ‪ ،‬ثم ّ توق ّفتُ فلم أعل ّق بشيء ٍ‪.‬‬ ‫ك‬ ‫ك لم تخ بريني بمشاعر ِ ِ‬ ‫ وأنتِ ما رأي ُكِ بما حدثَ يا علا؟ أرا ِ‬‫ت؟‬ ‫أو ماذا فعل ِ‬ ‫ت‪.‬‬ ‫أنا ‪ ...‬أنا ‪ ........‬ثم ّ سك ّ‬‫ق‪ .‬حت ّى قطع َه ُ صوتُ أم ّي‪:‬‬ ‫ع ّم السكونُ دقائ َ‬ ‫موقف‪ ،‬وتستعملي‬ ‫ٍ‬ ‫كيف عليكِ أن تحل ّلي أيّ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬لقد عل ّمت ُكِ يا علا‬

‫ن المفاجأة َ‬ ‫أي شيء ٍ‪ ،‬ول كن يبدو أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫مهارات التفكير ِ للحكم ِ على ّ ِ‬

‫ن استخدام ِها! هل هذا صحيح؟‬ ‫أذهل َتكِ ع ِ‬ ‫سقط في يدي‪ .‬لا أدري‬ ‫ح يا أم ّي‪ .‬أشعر ُ أن ّي مذهولة ٌ‪ ،‬أ َ‬ ‫صحي ٌ‬‫ل أنا لا أستطي ُع التفكير َ بشيء ٍ‪.‬‬ ‫ماذا أقولُ‪ .‬ول كن بالفع ِ‬

‫‪321‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك‬ ‫ك لتستعيدي فكر َ ِ‬ ‫حسنا ً سأساعد ُ ِ‬‫ك‪ ،‬ويذهبَ عنكِ ذهول ُ ِ‬ ‫تذك ّري‪:‬‬ ‫ح أم لا؟‬ ‫هناك َ ثلاثُ نقاطٍ أساسي ّة ً‪ :‬أولا ً هل حديثُ هيا صحي ٌ‬‫ق بنبأ ٍ‬ ‫ن آمنوا إن جاء َكم فاس ٌ‬ ‫ن قول َه ُ تعالى (يا أ ّيها الذي َ‬ ‫ألا تذكري َ‬ ‫حوا على ما فعلتم نادمين)؟‬ ‫فتبي ّنوا أن تصيب ُوا قوما ً بجهالة ٍ فتصب ُ‬

‫ن فنلتزم ُ به ِ أم لا‬ ‫أمّا النقطة ُ الثانية ُ والأه ّم‪ :‬هل نحكم ُ على الدي ِ‬ ‫ل‬ ‫حه ِ أم من خلا ِ‬ ‫ن وصلا ِ‬ ‫وقيم هذا الدي ِ‬ ‫م ِن خلا ِ‬ ‫ل مبادئ َ‬ ‫ِ‬

‫ن‬ ‫(بغض النظرِ إن كان ُوا يمث ّلونَ الملتزمينَ بالدي ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ص‬ ‫ك أشخا ٍ‬ ‫سلو ِ‬ ‫أم لا)؟‬ ‫ن آدم َ‬ ‫ل اب ِ‬ ‫ل الل ّه ِ (ك ّ‬ ‫أمّا النقطة ُ الثالثةُ‪ :‬تعرفينَ حديثَ رسو ِ‬ ‫طاء ٌ وخير ُ الخطائينَ التو ّابون)؟‬ ‫خ ّ‬ ‫نعم أعرف ُه ُ يا أم ّي‪.‬‬‫‪321‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل النا ِ‬ ‫ن الخطأ وارد ٌ ومحتم ٌ‬ ‫أي إ ّ‬‫س‪ ،‬وتكل ّمنا كثيرا ً‬ ‫ل م ِن ك ّ ٍ‬ ‫س البشر ي ّة ِ وضعف ِها؟ هل هذا صحيح؟‬ ‫ع َن طبيعة ِ النف ِ‬ ‫ح‬ ‫ن المه ّم أن يتوبَ الإنسانُ و يصحّ َ‬ ‫ح‪ ،‬وقلنا إ ّ‬ ‫نعم يا أم ّي صحي ٌ‬‫خطأه ُ‪.‬‬ ‫ن مهما بل َغ‬ ‫ل إنسا ٍ‬ ‫نك ّ‬ ‫ن النقطة ِ الثالثة ِ‪ ،‬أ ّ‬ ‫ما أقصد ُه ُ يا بنتي م ِ َ‬‫م ِن علو ٍّ في المرتبة ِ الاجتماعي ّة ِ أو الديني ّة ِ فرب ّما يخطئ ُ‪ ،‬فلا يجوز ُ‬

‫أن ننظر َ إليه ِ نظرة َ قداسة ٍ مطلقة ٍ وكأن ّه ُ نب ّي لا يخطئ ُ أبداً‪ ،‬وفي‬

‫ن لدينا‪ ،‬ثم ّ نعمّم ُ‬ ‫مقاييس الدي ِ‬ ‫ُ‬ ‫الوقت ذات ِه ِ إذا أخطأ تنهار ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن أو‬ ‫ن ومشايخ ُه ُ هكذا فلا أريد ُ ات ّباعَ الدي ِ‬ ‫ل‪ :‬إذا كانَ الدي ُ‬ ‫ونقو ُ‬ ‫تعلّم َه ُ على أيدي المشايخ!‬ ‫فهذا خطأ ٌ في التصو ّرِ وفي التفكير ِ‪.‬‬

‫خطأ ٌ في التصو ّرِ لأن ّنا ق ّدسنا المشايخ َ وأنزلناهم مرتبة َ الأنبياء ِ‪،‬‬ ‫طاء ٌ)‬ ‫ن آدم َ خ ّ‬ ‫ل اب ِ‬ ‫ل‪(‬ك ّ‬ ‫ل الرسو ِ‬ ‫ودين ُنا واضح ٌ صريح ٌ في قو ِ‬ ‫‪322‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫فلا أعيبُ على أحدٍ خطأه ُ‪ ،‬و إن ك ن ّا م َن فعلناه ُ فالعيبُ أن‬ ‫الاعتراف به ِ‪ ،‬و نظنّ أن ّنا فوق الخطأ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ن ُصرّ على عد ِم رؤيته ِ أو‬

‫ِ‬ ‫المشايخ وأولي العلم ِ فيجبُ أن يكونَ ات ّباعا ً م ُبصراً‪،‬‬ ‫و أمّا ات ّباع ُ‬

‫للكتاب و السن ّة ِ‪ .‬هذا هو‬ ‫ِ‬ ‫لا تقليدا ً أعمى‪ ،‬فأوافق ُه مادام َ موافقا ً‬

‫الطر ي ُق كما عل ّم َناه إ ي ّاه ُ رسو ُل الل ّه ِ ‪‬‬

‫وصحابت ُه الميامين‪ ،‬فقد‬

‫ل سي ّد ُنا أبو بكر ٍ رضي َ الل ّه ُ عنه ُ عندما ولي َ الخلافة َ‪:‬‬ ‫قا َ‬

‫( فإن ّي قد و ُل ّيتُ عليكم ولستُ بخ ير ِكم ‪ ،‬فإن أحسنتُ فأعينوني؛‬ ‫وإن أسأتُ فقو ّموني) ‪.1‬‬ ‫ق وفه ِم‬ ‫ل الأقوم ُ لاختيارِ الطر ي ِ‬ ‫هذه ِ الرؤ ية ُ المتوازنة ُ هي السبي ُ‬ ‫بب ارتقائِها‬ ‫س البشر ي ّة ِ‪ ،‬وس ِ‬ ‫ِ‬ ‫يات الإيماني ّة ِ‬ ‫المستو ِ‬ ‫وضعف النف ِ‬ ‫تارة ً وهبوطِها أخرى‪.‬‬ ‫خ أو‬ ‫و أما الخطأ في التفكير ِ فهو التعميم ُ‪ ،‬أي إذا أخطأ شي ٌ‬ ‫‪″‬‬

‫‪″‬‬ ‫‪323‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫عالم ٌ‪ ،‬رفضتُ التعلّم َ م ِن مصادرِ العلم ِ و علمائِها ومشايخ ِها‪.‬‬ ‫ن الخطأ وارد ٌ‪ ،‬فلا أجرّد ُه ُ‬ ‫س وأ ّ‬ ‫و الصوابُ أن أعي َ طبيعة َ النف ِ‬ ‫ن المل ّة ِ لمجر ّدِ‬ ‫خروج ع ِ‬ ‫م ِن علم ِه ِ أو دينه ِ‪ ،‬أو أقذف ُه ُ بال كفرِ وال ِ‬

‫خطأ ٍ إلا إذا كانَ خطأ ً في عقيدة ِ التوحيدِ‪ ،‬بل عليّ أن أتاب َع‬

‫ووعي‪ ،‬و ميزاني هو كتابُ الل ّه ِ وسنة ُ نبي ّه ِ ‪‬‬ ‫العلماء َ عن بصيرة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ن يا أم ّي ثلاثَ نقاطٍ هامّة ٍ‪:‬‬ ‫ أنتِ تثيري َ‬‫الأولى‪ :‬عليّ التأكّد ُ من صح ّة ِ الخ بر ِ‪.‬‬ ‫ل مبادئ ِه ِ وقيمه ِ‬ ‫ن ونحكم ُ عليه ِ م ِن خلا ِ‬ ‫الثانية‪ :‬هل نأخذ ُ الدي َ‬ ‫ص؟‬ ‫ل الأشخا ِ‬ ‫وأحكامه ِ أم م ِن خلا ِ‬ ‫تقديس‬ ‫ٍ‬ ‫س مهما عل َت مرتبت ُهم نظرة َ‬ ‫والثالثة‪ :‬ألا أنظر َ إلى النا ِ‬ ‫وجعله ِم بشرا ً لا يخطئون‪ ،‬فإذا ما أخطأ أحد ُهم قلبتُ‬

‫‪324‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن م ِن مصادرِه ِ و علمائ ِه ِ‪،‬‬ ‫المِجنّ ‪ 1‬و عم ّمتُ ورفضتُ تعلّم َ الدي ِ‬ ‫بل عليّ أن أتبع َهم ات ّباعا ً م ُبص ِرا ً لا تقليد َ الأعمى‪ ،‬معتمدة ً‬ ‫كتاب الل ّه ِ وسن ّة ِ رسوله ِ ‪ . ‬هل هذا ما قصدت ِه؟‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫نعم يا علا‪ .‬النقطة ُ الثانية ُ هي جوابُ ما سألت ِه ِ‪ ،‬ول كن ّي أحببتُ‬‫ل عامّ‪.‬‬ ‫ك الموضوعَ م ِن م ِ‬ ‫أن أشر َ‬ ‫حل ِ‬ ‫ختلف نواحيه ِ‪ ،‬وبشك ٍ‬ ‫ن الإنسانَ يتأث ّر ُ بالآخرين وسلوكِهم‪ ،‬وأغلب ُنا‬ ‫ح يا أم ّي‪ ،‬لأ ّ‬ ‫صحي ٌ‬‫ص‪.‬‬ ‫ل الأشخا ِ‬ ‫ئ م ِن خلا ِ‬ ‫ن أو المباد ِ‬ ‫يحكم ُ على الدي ِ‬ ‫ح وه ُنا الطامّة ُ ال كبرى‪.‬‬ ‫ صحي ٌ‬‫ن أن توضحي أكثر َ يا أم ّي؟‬ ‫ طامّة! هل بالإمكا ِ‬‫س‬ ‫حزب أو دي ٍن لي َ‬ ‫ٍ‬ ‫ن‪ :‬أيّ جماعة ٍ أو‬ ‫ن ومكا ٍ‬ ‫أي زما ٍ‬ ‫أعطني في ّ ِ‬‫ل‬ ‫س والإرادة ِ‪ ،‬دخ َ‬ ‫ُ‬ ‫في أنصارِه ِ ومت ّبعيه ِ م َن هو‬ ‫ضعيف النف ِ‬

‫‪325‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن تقية ً أو مصلحة ً أو ر ياءً؟‬ ‫الدي َ‬ ‫قصص أخطاء ِ‬ ‫ُ‬ ‫ل الل ّهِ؟ ألم ترد‬ ‫ألم يوجد منافقونَ في عهدِ رسو ِ‬ ‫ض الصحابة ِ؟‬ ‫بع ِ‬ ‫ليس عيبا ًل كنّ المكابرة َ وعدم َ الأوبة ِ إلى الل ّه ِ هي المشكلة ُ‬ ‫الخطأ َ‬ ‫ن‬ ‫ن الدي َ‬ ‫ل؛ كما أ ّ‬ ‫ال كبرى‪ ،‬أمّا الإنسانُ فلا يوجد ُ أحدٌ كام ٌ‬ ‫س حر ي ّة ِ الاعتقادِ أو الالتزا ِم به ِ‪.‬‬ ‫أعطى للنا ِ‬ ‫ ل كن يا أم ّي‪ .‬لا أدري‪.‬‬‫ف‬ ‫ل تصرّ ِ‬ ‫ن م ِن خلا ِ‬ ‫ سؤالي‪ :‬هل يجوز ُ أن أحكم َ على الدي ِ‬‫ض؟‬ ‫البع ِ‬ ‫ لا‪.‬‬‫حزب أو دي ٍن التزم َ جمي ُع أفرادِها بمبادئ ِه ِ‬ ‫ هل هناك َ جماعة ٌ ل ٍ‬‫كاملة ً؟‬ ‫‪32٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫لا ‪.‬‬‫النفس البشر ي ّة َ متفاوتة ٌ في صفاتِها وصدق ِها‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫طبعا ً لا‪ ،‬لأ ّ‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫جميع الأديا ِ‬ ‫وأهداف ِها وطبيعت ِها وقدرتِها على السموِ ّ والرق ِيّ؛ وفي‬

‫ل كانَ هناك َ م ِن أتباعِهم م َن أخطأ‬ ‫وعندما بعثَ الل ّه ُ الرس َ‬

‫ق وخانَ رسول َه ُ‪.‬‬ ‫وأساء َ‪ ،‬بل وناف َ‬

‫س‬ ‫ل يدعو إلى خير ِ النا ِ‬ ‫ن م ِن صن ِع الل ّه ِ‪ ،‬والل ّه ُ كام ٌ‬ ‫الدي ُ‬ ‫ل صفاتُهم الخُلقي ّة ُ ول كن ّه ُ يمتحن ُهم‬ ‫الناس لا تكتم ُ‬ ‫حهم‪ ،‬و ُ‬ ‫وصلا ِ‬

‫والقيم والتزام ِهم بها‪ ،‬وعلى‬ ‫ئ‬ ‫ليرى مدى تطبيق ِهم لهذه ِ المباد ِ‬ ‫ِ‬

‫هذا يكونُ الحكم ُ عليهم يوم َ القيامة ِ إلى جن ّة ٍ أو نارٍ‪.‬‬

‫ق والعلم ِ‪ ،‬فإن ّنا عندما نقوم ُ‬ ‫وم ِن جهة ٍ أخرى إذا أردنا رأيَ المنط ِ‬

‫ٍ‬ ‫واضح هو‪ :‬التعميم ُ الخاطئ ُ‪،‬‬ ‫فكري‬ ‫ك نكونُ قد قمنا بخطأ ٍ‬ ‫بذل َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ل! وهو خل ّل‬ ‫فأخذنا أمثلة ً وعم ّمنا النتيجة َ‪ ،‬وق ِسنا الجزء َ على الك ّ‬ ‫ل ومفك ّر‪.‬‬ ‫في التفكير ِ واضح ٌ يعلم ُ خطأه ُك ّ‬ ‫ل عاق ٍ‬

‫‪327‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫ن م ِن خلا ِ‬ ‫ح‪ ،‬يجبُ ألّا نحكم َ على الدي ِ‬ ‫اممم ‪ ......‬صحي ٌ‬‫ن م ِن عندِ الل ّه ِ‪.‬‬ ‫ن الدي َ‬ ‫ص‪ ،‬لأ ّ‬ ‫الأشخا ِ‬ ‫ص ع َن‬ ‫ل الأشخا ِ‬ ‫ن م ِن خلا ِ‬ ‫ل يا أم ّي‪ :‬هل نحكم ُ على الدي ِ‬ ‫سؤا ٌ‬ ‫قصدٍ أم بغير ِ قصد؟‬ ‫فكري وثقافة ٍ عامّة ٍ‬ ‫ك لأن ّنا نقوم ُ بخطأ ٍ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫أقصد ُ هل نفع ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫بسبب آخر َ؟‬ ‫ٍ‬ ‫للمجتمع أم‬

‫بسبب تأثير ِ التفكير ِ العاطفيّ ِ وعد ِم وجودِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ضنا يقوم ُ بذل َ‬ ‫‪-‬بع ُ‬

‫هارات التفكيرِ‬ ‫ِ‬ ‫كم‬ ‫بنى ً منطقي ّة ٍ فكر ي ّة ٍ صحيحة ٍ لديه‪ ،‬فلا يمتل ُ‬

‫ق معايير َ صحيحة ٍ‪،‬‬ ‫ن الحكم ِ على الأمورِ وف َ‬ ‫كن ُه ُ م ِ َ‬ ‫الناقدِ التي تم ّ‬ ‫س والعاطفة ِ في‬ ‫فلا يستطي ُع أن يبتعد َ عن تحكّم ِ هوى النف ِ‬

‫والمواقف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الحكم ِ على الأشياء ِ والأفكارِ‬

‫وبعض ُهم يقومون بذل َ‬ ‫ك ع َن قصدٍ‪ ،‬بغية َ تشو يه ِ الأفكارِ والقيمِ‬

‫سكِ‬ ‫ض دنيئة ٍ‪ ،‬حت ّى يبر ّروا لأنفس ِهم ولغير ِهم عدم َ التم ّ‬ ‫لأغرا ٍ‬

‫‪328‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫بالدين‪.‬‬ ‫الصنف الصادقُ بالتزامه ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن ذاك َ‬ ‫ل في هذا الزما ِ‬ ‫وللأسف ق ّ‬ ‫ِ‬ ‫ك‪ ،‬فازداد َت صور ُ‬ ‫ن السلو ِ‬ ‫ل الدي َ‬ ‫في دينه ِ‪ ،‬وكثر ُ م َن فص َ‬ ‫نع ِ‬

‫ٍ‬ ‫ل والحياة ِ‪.‬‬ ‫ذب أو‬ ‫الع ُب ّادِ مع ك ٍ‬ ‫خداع في العم ِ‬

‫ن‬ ‫ل الدي َ‬ ‫ن م َن نمث ّ ُ‬ ‫ك يجبُ أن يدفع َنا لأن نكونَ نح ُ‬ ‫ن ذل َ‬ ‫إلا أ ّ‬ ‫َ‬ ‫ج حياة ٍ‪ ،‬لا أن‬ ‫ح ّقاً‪ ،‬عبادة ً وسلوكا ًوفكرا ً ومنه َ‬ ‫نقذف مبادئ َ‬ ‫ُرض الإسلام ُ‬ ‫حنيف و قيم َه ُ بالته ِم الباطلة ِ! ولو ع َ‬ ‫الإسلا ِم ال ِ‬ ‫ل دونَ تح يّزٍ أو‬ ‫ل ذي ٍّ‬ ‫لب وعق ٍ‬ ‫بفكر ِه ِ وقيمه ِ ومبادئ ِه ِ على ك ّ ِ‬ ‫ل لحياة ٍ ف ُضلى؛ وهذا ما عب ّر َ‬ ‫ب لوجد َه ُ الأسلوبَ الأمث َ‬ ‫تعصّ ٍ‬

‫عنه ُكثير ٌ م ِن علماء ِ‬ ‫الغرب المنصفين‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ن‬ ‫ح يا أم ّي‪ .‬المشكلة ُ أن ّنا أسأنا للإسلا ِم بتصر ّفات ِنا‪ ،‬م َع أ ّ‬ ‫صحي ٌ‬‫ن‪.‬‬ ‫ن ومكا ٍ‬ ‫ل زما ٍ‬ ‫الإسلام َ دي ٌن رائ ٌع يصل ُ‬ ‫ح لك ّ ِ‬ ‫ن‬ ‫ن في الإنسا ِ‬ ‫س والعاطفة َ يتحكّ ما ِ‬ ‫لأ ّ‬ ‫لم أكن أتخي ّ ُ‬ ‫ن هوى النف ِ‬ ‫‪329‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫لهذه ِ الدرجة ِ‪.‬‬ ‫ن به ِ‪،‬‬ ‫س حديثٌ خفيّ لا تشعري َ‬ ‫المشكلة ُ يا أم ّي أ ّ‬ ‫ن حديثَ النف ِ‬ ‫الأوقات نوافق ُه ُ لأن ّنا نظنّ‬ ‫ِ‬ ‫أغلب‬ ‫ِ‬ ‫ل‪ ،‬وفي‬ ‫فهو يخاطب ُنا م ِ َ‬ ‫ن الداخ ِ‬ ‫ن أن تنظري إلى‬ ‫ن ما يدور ُ في بالنا هو م ِن ذات ِنا! فم َ‬ ‫أ ّ‬ ‫ن الممك ِ‬ ‫حبب لنا‪ ،‬وهذه ِ‬ ‫سم ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ص‬ ‫وسوسة ِ شخ ٍ‬ ‫بارتياب‪ ،‬ل كنّ حديثَ النف ِ‬ ‫هي الطامّة ُ‪.‬‬ ‫ك‪ ،‬فإن ّه ُ يساعد ُنا‬ ‫صدقت يا بنتي‪ ،‬إن القرآن عندما ينبّهنا لذل َ‬ ‫ِ‬ ‫‬‫مدارج ال كمال‪.‬‬ ‫كي نرتق َي في‬ ‫ِ‬ ‫س والشيطان؟‬ ‫َ‬ ‫ول كن‬‫كيف أمي ّز ُ بينَ حديثِ النف ِ‬ ‫ذنب تقترفينه ُ‪ ،‬المه ّم‬ ‫ٍ‬ ‫ن تتمي ّز ُ بأن ّه ُ لا يهمّه ُ أيّ‬ ‫وسوسة ُ الشيطا ِ‬‫ك‬ ‫اليأس م ِن صلا ِ‬ ‫َ‬ ‫يضيف إليه ِ‬ ‫ُ‬ ‫أن تعصي الل ّه َ ثم ّ‬ ‫حكِ ‪ ،‬و يبحثُ ل ِ‬ ‫ك أو صوتُ‬ ‫يستيقظ ضمير ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ع َن شركاء َ في هذه ِ المعصية ِ حت ّى لا‬

‫ق تهوين‪.‬‬ ‫أي وادٍ سحي ٍ‬ ‫الرحم ِ‬ ‫ن و فطرت ُكِ في داخلكِ ‪ ،‬فلا يهمّه ُ في ّ ِ‬ ‫‪331‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ذنب أو شهوة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫النفس الأمّارة ُ بالسوء ِ فتلحّ على فكرة ٍ أو‬ ‫ُ‬ ‫أمّا‬ ‫ك‬ ‫بصفات ذكرناها سابقا ً فهي تأمرُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫صف‬ ‫معي ّنة ٍ‪ ،‬كما أ ّنها تت ّ ُ‬ ‫س‪ ،‬وجحودِ النعمة ِ‪ ،‬والتكب ّر‬ ‫ل‪ ،‬والقنوطِ ‪ ،‬واليأ ِ‬ ‫بالشحِّ ‪ ،‬والبخ ِ‬ ‫والغلو ّ ‪ ....‬هذه الصفاتُ علينا أن نجاهد َ أنفس َنا في عد ِم ات ّباعِها‬ ‫ل بها إلى الحدودِ التي يرضى بها ر ب ّنا ولا‬ ‫أو على الأقل الوصو ُ‬ ‫ل بمجاهدتِها‪ ،‬والأخذِ‬ ‫عز وج ّ‬ ‫تضرّ أحداً؛ لذل َ‬ ‫ك أمرَنا الل ّه ُ ّ‬ ‫ل السعادة َ في الدنيا والآخرة ِ‪.‬‬ ‫ق الحقّ ِ لننا َ‬ ‫بقيادِها إلى طر ي ِ‬ ‫ن الل ّه َ لم َ َع المحسنين)‪.‬‬ ‫سب ُل َنا وإ ّ‬ ‫ن جاهد ُوا فينا لنهدي َنّهم ُ‬ ‫(والذي َ‬ ‫شاق يا أم ّي‪ ...‬آه ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الأمرُ‬‫السموات‬ ‫ِ‬ ‫ض‬ ‫ات عرض ُها كعر ِ‬ ‫معكِ حقّ ‪ ،‬ول كنّها جن ّ ٌ‬‫ت يا بنتي بعينِ الفاحصة ِ‬ ‫ل هذا لو نظر ِ‬ ‫ض‪ ،‬وقب َ‬ ‫والأر ِ‬ ‫ل ك ِّ‬ ‫ن‬ ‫ك وقوانينِ الل ّه ِ التي نبّهنا إليها في القرآ ِ‬ ‫والمحل ّلة ِ لأفعا ِ‬ ‫ل م َن حول َ ِ‬ ‫ق‬ ‫علوي أمرنا به ِ إلا وفيه ِ تحقي ٌ‬ ‫ت أن ّه ُ ما م ِن أمر ٍ‬ ‫لوجد ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫‪331‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل أن نأخذ َ أجر َه ُ في الآخرة؛ فعندما من َع‬ ‫لسعادت ِنا في الدنيا قب َ‬ ‫الميت وهو‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫الغيبة َ وحرّم َها وشبّهها بهذا التشبيه ِ‬ ‫المقيت في أك ِ‬

‫ك لأثر ِ الغيبة ِ المؤل ِم وال كبير ِ في المج ِ‬ ‫ل‬ ‫تمع‪ ،‬فهو يعم ُ‬ ‫حيّ‪ ،‬إن ّما ذل َ‬ ‫ِ‬ ‫جاب‬ ‫ت أمرَ الح ِ‬ ‫وزرع الأحقادِ وال كره ِ؛ و لو تأمّل ِ‬ ‫ككه ِ‬ ‫على تف ّ‬

‫س الضعيفة ِ التي هوت إلى‬ ‫ن النفو ِ‬ ‫لرأيت أن ّه ُ يحميها م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫للمرأة ِ‬ ‫ض‪ ،‬فهو كما يرف ُع قدر َها‪،‬‬ ‫ن وخلد َت إلى الأر ِ‬ ‫مرتبة ِ الحيوا ِ‬ ‫ل‪ ،‬فيطلبُ الشرع ُ منه ُ أن يرقى لينظر َ‬ ‫و يداني منزلت َها لمنزلة ِ الرج ِ‬ ‫ل‪ ،‬دونَ أن تكونَ‬ ‫إلى المرأة ِ وهو يحاور ُها فكرا ً بفكر ٍ وقولا ً بقو ٍ‬ ‫تهبط بمنزلة ِ المرأة ِ وتجعل ُها سلعة ً‬ ‫ُ‬ ‫ض رخيصة ٍ‪،‬‬ ‫مطمعا ً لأغرا ٍ‬ ‫ومتاعا ً له‪ ..‬فهو تكريم ٌ للمرأة ِ ورف ٌع لشأنِها‪ ،‬قب َ‬ ‫ل أن يكونَ قيدا ً‬ ‫على جزء ٍ م ِن حرّ ي ّت ِها الشخصي ّة‪ ،‬فهو قد أعطاها أكثر َ مم ّا أخذ َ‬ ‫منها‪ ،‬وحمى المجتم َع وارتقى به ِ م ِن تفكيرٍ حيوان ٍيّ شهوان ٍيّ إلى‬

‫ِ‬ ‫لمجتمع أن‬ ‫إنسان ٍيّ ربانيّ‪ ،‬وما أعظم َ الفارقَ بين َهما! إن ّه يريد ُ ل‬ ‫الشهوات‪ ،‬و يضع َها في موضع ِها الذي يجعلُ منه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫يمي َ‬ ‫ل ع ِ‬ ‫‪332‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫مجتمعا ً راقيا ً م ِن جميع النواحي‪.‬‬ ‫ن مناقشت َكِ الفكر ي ّة َ والمنطقي ّة َ‬ ‫لقد ازددتُ اقتناعا ً يا أم ّي‪ ..‬إ ّ‬‫ل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل َتز ي ُ‬ ‫الغبش عن عينيّ وتُشعر ُني أن ّي أفهم ُ الإسلام َ بشك ٍ‬

‫ِ‬ ‫مطلب‬ ‫ٌ‬ ‫والطمع في الجن ّة ِ وهو طبعا ً‬ ‫ل الآخرة ِ‬ ‫ختلف َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ليس لأج ِ‬ ‫ق‬ ‫عظيم ٌ‪ ،‬بل إن ّه ُ جاء َ ليسعد َنا في الدنيا‪ ،‬و يعطي َنا خارطة َ طر ي ٍ‬ ‫نسير ُ وفق َها‪ ،‬لنسعد َ في الدنيا والآخرة‪ ،‬و أعجبتني فكرت ُك التي‬

‫ل يدعو إلى خير ِ‬ ‫ن م ِن صن ِع الل ّهِ‪ ،‬والل ّه ُ كام ٌ‬ ‫ن الدي َ‬ ‫طرحت ِها‪ ،‬أ ّ‬

‫ل صفاتُهم الخُلقي ّة ُ ول كن ّه ُ‬ ‫والناس لا تكتم ُ‬ ‫ُ‬ ‫س وصلاحِهم‪،‬‬ ‫النا ِ‬

‫والقيم والتزامِهم‬ ‫ئ‬ ‫يمتحنُهم ليرى مدى تطبيق ِهم لهذه ِ المباد ِ‬ ‫ِ‬

‫بها‪ ،‬وانتبهتُ إلى فكرة ٍ هامة وهي أن الإنسانَ الملتزم َ بدينه ِ قد‬

‫أمر بديهيّ‪ ،‬فيجبُ ألّا أجرّد َه ُ م ِن‬ ‫يخطئ ُ لأن ّه ُ بشر ٌ‪ ،‬وهذا ٌ‬

‫طاء ٌ وخير ُ‬ ‫ن آدم َ خ ّ‬ ‫ل اب ِ‬ ‫دين ِه ِ لمجر ّدِ هفوت ِه ِ أو ضعف ِه ِ‪ ،‬فك ّ‬

‫للأسف غالبا ً ما ننزع ُ عنه ُ صفة َ‬ ‫ِ‬ ‫طائينَ التو ّابونَ‪ ،‬ول كن ّنا‬ ‫الخ ّ‬ ‫ن لمجر ّدِ وقوع ِه ِ في خطأ ٍ ما‪ .‬وتعل ّمتُ ألّا أعم ّم َ تعميما ً‬ ‫الدي ِ‬ ‫‪333‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ض‪ ،‬وأن‬ ‫ف البع ِ‬ ‫ل تصر ّ ِ‬ ‫ل م ِن خلا ِ‬ ‫خاطئاً‪ ،‬فلا أحكم ُ على الك ّ ِ‬ ‫ل أن أنشر َه ُ أو أقبل َه ُ كحقيقة‪.‬‬ ‫أي خبرٍ قب َ‬ ‫أتث ّبتَ م ِن ّ ِ‬ ‫أحسنت‪ ،‬وف ّق َكِ الل ّه ُ يا بنتي لما يحب ّه ُ ويرضاه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ إ يجاز ٌ رائ ٌع‪،‬‬‫ك الخ ير َ والهداية َ‪.‬‬ ‫ل في يد ِ‬ ‫ح العارفين‪ ،‬وجع َ‬ ‫ح عليكِ فتو َ‬ ‫وفت َ‬

‫ق ما تعلّمت ُه‪.‬‬ ‫ك يا أم ّي‪ ،‬أعانني الل ّه ِ على تطبي ِ‬ ‫ شكرا ً ل ِ‬‫‪ -‬آمين‪.‬‬

‫‪334‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ ‪- 22‬‬‫ه ه ً‬ ‫للا ملّكا عليهّ ّ‬ ‫ت ّ‬ ‫قلبك‪ ...‬إنّ جعلّ ّ‬ ‫(رتب ه ّ‬ ‫ً‬ ‫عبادا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ت‪ ،‬فإنّ أحببّ ه ّ‬ ‫ت‬ ‫وفز ه ّ‬ ‫ت ّ‬ ‫ارتحّ ه ّ‬ ‫ه‬ ‫فـ (بهّ ولهّ وفيهّ) ّ‬

‫ل حنان؟‬ ‫بالذهاب إلى منز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ أم ّي‪ .‬هل تسمحينَ لي‬‫ن ز يارات ِك لها قد كث ُر َت؟ هل تحض ّران مشروعا ًمشتركا ً‬ ‫أرى أ ّ‬‫بينكما؟‬ ‫ك سببا ً مفيدا ً للاجتما ِع؟‬ ‫أليس ذل َ‬ ‫َ‬ ‫ندرس معاً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫لا‪ ،‬نح ُ‬‫‪335‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك وقت َكما؟ فأنا أعلم ُ أن ّكِ‬ ‫ح الل ّه ُ عليكما‪ ،‬ول كن‪ ...‬ألا يضي ّ ُع ذل َ‬ ‫فت َ‬‫ك‪ ،‬ما الذي تغي ّر؟‬ ‫تحب ّينَ الدراسة َ بمفردِ ِ‬

‫أدرس وحدي‬ ‫ُ‬ ‫ك‪ ،‬فأنا‬ ‫أحب ذل َ‬ ‫ّ‬ ‫ح‪ ،‬ما زلتُ‬ ‫كلام ُكِ صحي ٌ‬‫نتناقش؛ حنانُ ذكاؤها اجتماعيّ‪ ،‬فهي تجيد ُ الدراسة َ‬ ‫ُ‬ ‫أ ّولا ً ثم ّ‬ ‫ل معرفتي‬ ‫ص آخر َ‪ ،‬لذل َ‬ ‫ل عليها عندما تكونُ م َع شخ ٍ‬ ‫وتسه ُ‬ ‫ك بفض ِ‬ ‫الذكاءات المتع ّددة ِ وجدتُ طر يقة ً تفيد ُنا معا ً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بنظر ي ّة ِ‬ ‫ت منها‬ ‫الذكاءات‪ ،‬أرى أن ّكِ استفد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق جي ّدٌ لنظر ي ّة ِ‬ ‫اممم‪ ..‬تطبي ٌ‬‫كثيراً‪.‬‬ ‫ل هذه ِ النظر ي ّة ِ أن أفهم َ‬ ‫صحي ٌ‬‫ح يا أم ّي لقدِ استطعتُ بفض ِ‬ ‫ل معهم‬ ‫ن وأعذر َهم‪ ،‬ثم ّ أجد ُ طر يقة ً أفض َ‬ ‫الآخري َ‬ ‫ل للتواص ِ‬ ‫حسبَ ذكاءاتِهم‪.‬‬ ‫رائ ٌع يا بنتي ‪ ..‬أنا فخورة ٌ بكِ ‪ ،‬ل كن ّي أقصد ُ شيئا ً آخر َ‪.‬‬‫‪33٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ن يا أم ّي؟‬ ‫ماذا تقصدي َ‬‫أشعر ُ أن ّكِ أصبح ِ‬‫ت متعل ّقة ً بحنانَ جدّا ً‪ ،‬تحب ّينَ صحبت َها كثيرا ً‬ ‫البيت‪ ،‬تزورين َها‬ ‫ِ‬ ‫ن أغلبَ وقت ِكِ مع َها‪ ،‬في المدرسة ِ ثم ّ في‬ ‫لدرجة ِ أ ّ‬ ‫ت‬ ‫الهاتف‪ ،‬أرى أن ّكِ قد أكثر ِ‬ ‫ِ‬ ‫أو تزور ُك أو تتح ّدثينَ معها على‬

‫ك؟‬ ‫ن ذل َ‬ ‫ن التزاورِ والصحبة ِ؛ ألا تري َ‬ ‫بعض الشيء ِ م ِ َ‬ ‫َ‬

‫صفات كثيرة ً أحبّها‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫ك‬ ‫في الحقيقة ِ يا أم ّي‪ ،‬حنانُ تمل ُ‬‫ل الوقتَ‬ ‫ل‪ ،‬وهي طالبة ٌ مُج ّدة ٌ‪ ،‬ثم ّ إنّنا نستغ ّ‬ ‫أخبرت ُكِ عنها م ِن قب ُ‬ ‫بالهاتف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بالدراسة ِ ولا نضي ّع ُه ُ حت ّى عند َ تح ّدث ِنا‬ ‫صكِ‬ ‫تنظيم وقت ِكِ ‪ ،‬وأعلم ُ تماما ً حر َ‬ ‫ق بكِ وبقدرت ِكِ على‬ ‫أنا أث ُ‬‫ِ‬ ‫ل ٍ‬ ‫ق بحنانَ‪ ،‬فقد رأيت ُها ن ِعم َ‬ ‫ك أث ُ‬ ‫نافع‪ ،‬وكذل َ‬ ‫على استثمارِه بشك ٍ‬ ‫الصاحبة ُ والأختُ الصادقة ُ‪.‬‬ ‫ن المشكلة ُ إذا ً يا أم ّي؟‬ ‫أي َ‬‫‪337‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫سم َت أم ّي وقال َت‪:‬‬ ‫تب ّ‬ ‫ل‬ ‫ليسَت هناك َ مشكلة ٌ‪ ،‬إلا أن ّه ُ لفتُ نظرٍ فقط‪ ،‬حت ّى لاتتحو ّ َ‬‫ك توازن َكِ ‪،‬‬ ‫ق شديدٍ‪ ،‬يغلبُ عليكِ و يفقد ُ ِ‬ ‫المحبة ُ في الل ّه ِ إلى تعل ّ ٍ‬ ‫ت السيطرة َ عليها؛‬ ‫لسبب ما‪ ،‬اهتز ّت نفس ُكِ وفقد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فإذا فقدتِها‬ ‫ك مفارق ُه‪.‬‬ ‫ل‪ :‬أحب ِب م َن شئتَ فإن ّ َ‬ ‫وكما قي َ‬ ‫ك المرتبة ِ التي أشعر ُ‬ ‫ن أن أدري ‪-‬لتل َ‬ ‫يبدو أن ّي وصلتُ ‪-‬م ِن دو ِ‬‫أن ّي لا أستطي ُع فراق َها أبداً!‬ ‫ص و يقر ّب َه ُ‬ ‫بصفات شخ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫جبَ الإنسانُ‬ ‫ن الطبيعيّ يا علا أن ي ُع َ‬ ‫م ِ َ‬‫ن الأخو ّة َ والمحبة َ في الل ّه ِ تساعد ُ على الطاعة ِ‬ ‫منه ويتخذ َه ُ أخا ًله‪ ،‬لأ ّ‬ ‫وخاصّة ً إن كانوا يتناصحون فيما بينهم‪ ،‬فيرق َونَ في تزكية ِ أنفس ِهم‬ ‫ح هدفا ً بح ّدِ‬ ‫وطر يق ِهم إلى الل ّه ِ‪ ،‬على ألّا تغلبَ هذه ِ المحب ّة ُ وتصب َ‬ ‫مصاعب‬ ‫ِ‬ ‫ن على‬ ‫ب إلى الل ّه ِ وعو ٌ‬ ‫ذاتِها‪ ،‬بينما هي وسيلة ٌ للتقر ّ ِ‬

‫الحياة ِ ومزالق ِها‪.‬‬ ‫‪338‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حب في الله ِ تعل ّقا ً‪ ،‬يبدأ الإنسانُ ب ّ ِ‬ ‫الترنح في‬ ‫ح ال ّ‬ ‫عندما يصب ُ‬ ‫ّ‬ ‫س‬ ‫ص هدفا ًبأصل ِه ِ للاستئنا ِ‬ ‫ح لقاء ُ هذا الشخ ِ‬ ‫ق‪ ،‬حت ّى يصب َ‬ ‫الطر ي ِ‬

‫ح تعل ّقا ً‪،‬‬ ‫حرف المحب ّة ُ في الل ّه ِ وتصب ُ‬ ‫بحديث ِه ِ و ‪ ...........‬عند َها تن ُ‬

‫ك‬ ‫ح هذا الشخص شاغلا ً تفكير َ ِ‬ ‫بل قد تزيد ُ عن محب ّة ِ الل ّه ِ‪ ،‬فيصب ُ‬ ‫ت‪.‬‬ ‫ت وذهب ِ‬ ‫ل نهار‪ ،‬حت ّى وأنتِ تقفين في الصلاة ِ‪ ،‬أينما حلل ِ‬ ‫لي َ‬ ‫للأسف أنتِ تصفينَ حالي‪ ،‬وكأن ّكِ نفسي!‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ب الل ّه َ‪ ،‬لا‬ ‫كيف نح ّ‬ ‫َ‬ ‫ل أن تعلّم َنا‬ ‫‪ -‬المحب ّة ُ في الل ّه ِ يا علا م ِن أج ِ‬

‫نستعيض بها عن محب ّته!‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫كيف؟‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬لم أفهم‪.‬‬

‫ل الإنسانَ في‬ ‫خ ُ‬ ‫المحب ّة ُ في الل ّه ِ دوحة ٌ ر ب ّاني ّة ٌ دنيو ي ّة ٌ‪ ،‬فهي ت ُد ِ‬‫يعرف الإنسانُ ما‬ ‫ُ‬ ‫حب شعوراً‪ ،‬وفهما ً‪ ،‬وسلوكا ً؛ بها‬ ‫ن ال ِّ‬ ‫ميادي ِ‬ ‫كهم‬ ‫وكيف يكونُ شعور ُهم‪ ،‬وأقوال ُهم وسلو ُ‬ ‫َ‬ ‫ل المحب ّين‪،‬‬ ‫هو حا ُ‬ ‫ل م ِن هذه ِ المعرفة ِ سبيلا ً إلى محب ّة ِ الل ّه ِ؛ فبعد َ معرفة ِ معاني‬ ‫ليجع َ‬ ‫‪339‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ال ِّ‬ ‫حب لن يدّعي أحدٌ محب ّته ُ لل ّه ِ إذا لم يشغله ُ الل ّه ُ شعورا ً وفكرا ً‬

‫ق في التودّدِ مم ّن يحب ّون‪ ،‬وأحوالا ً‬ ‫ن للمحب ّينَ طرائ َ‬ ‫وعملاً‪ ...‬يعلم ُ أ ّ‬

‫ل‬ ‫في محب ّت ِهم‪ ،‬وانشغالا ًبمحبو بهم عن ذاتِهم وطلباتِها‪ ،‬فهم في مقاب ِ‬

‫ت‬ ‫إرضاء ِ محبو بِهم يتنازلون عن كثيرٍ م ِن أهوائِهم وطلبا ِ‬ ‫ل‬ ‫ل شيء ٍ مقاب َ‬ ‫ل فع ُ‬ ‫أنفس ِهم‪ ،‬بل وكرامت ِهم‪ ،‬فلا يعظم ُ ولا يستحي ُ‬

‫حبوب والتودّدِ إليه ِ‪.‬‬ ‫إرضاء ِ هذا الم ِ‬

‫ل الجميلة ِ الرائعة ِ التي‬ ‫فإن لم ينتقلوا م ِن هذه ِ المشاعر ِ والأحوا ِ‬ ‫ل الإنسانَ عظيم َ القدرة ِ‪ ،‬قويّ الإرادة ِ‪ ،‬يستسهلُ‬ ‫تجع ُ‬ ‫للمحبوب و وفاء ً له ُ‪ ،‬أمام َ‬ ‫ِ‬ ‫ل ما لديه ِ عربونا ً‬ ‫ل‪ ،‬و يق ّدم ُ ك ّ‬ ‫المستحي َ‬

‫ك مفارق ُه ) ويرتحلونَ‬ ‫الحقيقة ِ ال كبرى ‪ ( :‬أحب ِب م َن شئتَ فإن ّ َ‬ ‫ن‬ ‫ي الذي لايموتُ ‪ ،‬ويدركونَ أ ّ‬ ‫ي الفاني إلى الح ِّ‬ ‫ن الح ِّ‬ ‫بمحب ّت ِهم م ِ َ‬ ‫ل‬ ‫حب الوالدي ِ‬ ‫ِّ‬ ‫مروا بها م ِن‬ ‫مراتبَ ال ِّ‬ ‫ن المعطاء ِ بلا مقاب ٍ‬ ‫حب التي ّ‬

‫ل ينهلونَ ويرشفونَ منه ُكما‬ ‫الذي تذ ّوقوا فيه ِ معاني َ ال ِّ‬ ‫حب الأصي ِ‬ ‫الزوج أو الأخو ّة ِ في‬ ‫حب‬ ‫ِّ‬ ‫ل‪ ،‬ثم ّ إلى‬ ‫يشاؤونَ دونَ أدنى مقاب ٍ‬ ‫ِ‬

‫‪341‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حب الذي‬ ‫ل فيها المحب ّونَ الأخذ َ والعطاء َ‪ ،‬ثم ّ إلى ال ِّ‬ ‫الل ّه ِ التي يتباد ُ‬

‫ك قد تذ ّوقوا جمي َع‬ ‫ل‪ ،‬فيكونونَ بذل َ‬ ‫يعطون َه ُ إلى أولادِهم بلا مقاب ٍ‬

‫ِ‬ ‫حب م ِن أخذٍ بغير ِ أجر ٍ‪ ،‬وأخذٍ وعطاء ٍ‪ ،‬ثم ّ عطاء ٍ‬ ‫أنواع ال ِّ‬ ‫ن سكينة َ قلو بِهم وثباتَ‬ ‫ل‪ ...‬ليجدوا بعد َ هذه ِ الرحلة ِ أ ّ‬ ‫كام ٍ‬ ‫حبوب الحقيقيّ ِ فهو‬ ‫جهوها إلى الم ِ‬ ‫أفئدتِهم لن ينالوها إلا إذا و ّ‬ ‫ِ‬ ‫حب‪ ،‬كي يتعر ّفوا هذه ِ المعاني‬ ‫أنواع ال ِّ‬ ‫ل‬ ‫الذي أنعم َ عليهم بك ّ ِ‬ ‫و يحب ّونه ُ حقّ المحب ّة ِ‪ ..‬حالا ً وقولا ً وسلوكا ً وحياة ً‪.‬‬ ‫ل على‬ ‫ك يد ّ‬ ‫ق لأحوا ِ‬ ‫أذهلني وصف ُكِ الدقي ُ‬‫ل المحبّينَ يا أم ّي‪ ،‬قول ُ ِ‬ ‫ن!‬ ‫ئ الأما ِ‬ ‫خاض غمار َها ووص َ‬ ‫َ‬ ‫م َن‬ ‫ل إلى شاط ِ‬ ‫ت يا بنتي ‪ ...‬اجعلي م ِن محب ّت ِكِ لحنانَ محبة ً في الل ّه ِ‪،‬‬ ‫صدق ِ‬‫ص تتعل ّقين‬ ‫ل جلالُه‪ ،‬لا انشغالا ً عنه ُ بأشخا ٍ‬ ‫ك حب ّا ً له ُ ج ّ‬ ‫تزيد ُ ِ‬ ‫سك‪..‬‬ ‫بهم لدرجة ِ الاستحواذِ على نف ِ‬ ‫ضع ِي الحدود َ المناسبة َ‪ ،‬ولا تنس َي هدف َكِ حت ّى لا تعاني فيما‬ ‫‪341‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق‬ ‫ق باللقاء ِ ثم ّ أل ِم الفرا ِ‬ ‫تعب التعل ّ ِ‬ ‫ل العاشقين م ِن ِ‬ ‫بعد ُ م ِن أحوا ِ‬ ‫أو الغيرة ِ القاتلة ِ؛ فالمشكلة ُ يابنتي أن ّنا أحيانا ً نبدأ صلت َنا‬

‫لص ٍ‬ ‫ق‬ ‫حيح و لل ّه ِ‪ ،‬ول كنّ عدم َ فهمِنا لهذه ِ الحقائ ِ‬ ‫بالآخرين بشك ٍ‬ ‫ك تجعل ُنا نهوي في متاعبَ كثيرة ٍ‪ ،‬و يختلطُ علينا‬ ‫التي ذكرتُها ل ِ‬

‫ل لتيه ٍ قد لا‬ ‫ق‪ ،‬فقد نبدأ لل ّه ِ أو نظنّ ذلك‪ ،‬إلا أن ّنا نص ُ‬ ‫الطر ي ُ‬ ‫نعلم ُ سبب َه أحياناً‪.‬‬ ‫ن هذا القلبُ أو‬ ‫ك َ‬ ‫حط نظرِ الل ّه ِ‪ ،‬و لن ير َ‬ ‫ن القلبَ يا بنتي م ّ‬ ‫إ ّ‬

‫ك منه ُ‪،‬‬ ‫ح ذل َ‬ ‫حب الل ّهِ‪ .‬فإن صل َ‬ ‫ِّ‬ ‫ن إلا إذا ذاقَ معاني َ‬ ‫يسك َ‬

‫ص في الل ّه ِ لا تتجاوز ُ قدر َها‪.‬‬ ‫ح محب ّت ُه ُ للأشخا ِ‬ ‫عندئذٍ تصب ُ‬

‫لقلب ثم ّ‬ ‫ن محب ّة َ الل ّه ِ يجبُ أن تكونَ لها المنزلة ُ الأولى في ا ِ‬ ‫إ ّ‬ ‫ت ما‬ ‫ت ووع َي ِ‬ ‫خاص في الل ّه ِ كمرتبة ٍ ثانية ٍ‪ .‬هل فهم ِ‬ ‫تحب ّينَ الأش َ‬

‫ل؟‬ ‫أقو ُ‬ ‫نعم‪ ...‬أريت ِني ما لم أكن أراه‪ ،‬وحميت ِني م ِن نفسي كي نكونَ‬‫‪342‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حق (على س ُررٍ متقابلين) في محب ّة ِ الل ّه ِ‪ ،‬عندئذٍ‬ ‫أنا وحنانُ ب ّ ٍ‬ ‫ونتدارس ما يقر ّب ُنا إليه ِ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫نجتم ُع في الل ّه ِ‪ ،‬نذكر ُه ُ سو ي ّاً‪،‬‬

‫ليس سهلاً‪ .‬ادعي الل ّه َ لي يا أم ّي‪ .‬وجزيتِ عن ّي خيراً‪.‬‬ ‫الأمرُ َ‬

‫‪343‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 23-‬‬

‫أليس رائعا ً يا أم ّي؟‬ ‫َ‬ ‫ل البحر َ!‬ ‫ ما أجم َ‬‫ك‪ .‬أظن ّكِ تحب ّينَ البحر َ كما أحب ّه ُ‪.‬‬ ‫نعم‪ .‬إن ّه ُكذل َ‬‫كثيراً‪ .‬رب ّما أكثر ُ منكِ ‪ ...‬هههه‪.‬‬‫ما الذي تحبين َه ُ في البحرِ يا علا؟‬‫‪344‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ق‪،‬‬ ‫أحب مداه ُ الواس َع‪ ،‬أشعر ُ فيه ِ بالحر ّي ّة ِ‪ ،‬والانطلا ِ‬ ‫ّ‬ ‫‬‫ن نفسي َ المحدودِ إلى‬ ‫حس أن ّه ُ يُخر ُ‬ ‫واللامحدودِ‪ ،‬أ ّ‬ ‫جني م ِن سج ِ‬

‫واسع‪ ،‬بصفاء ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ل السماء ِ تماما ً؛ فاللونُ‬ ‫غريب‪ ...‬مث َ‬ ‫ٍ‬ ‫رحب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ق‬ ‫أف ٍ‬ ‫ح والنقاء َ‪ ،‬إن ّه ُ ينقل ُني م ِن‬ ‫س الارتيا َ‬ ‫السماويّ يبعثُ في النف ِ‬ ‫ل‬ ‫خ ُ‬ ‫ل‪ ،‬أمواجه ُ ت ُد ِ‬ ‫ل والجما ُ‬ ‫عالمي إلى عال ٍم آخر َ‪ ،‬يجتمعُ فيه ِ الجلا ُ‬ ‫ق‬ ‫ح بلونه ِ الأزر ِ‬ ‫ل‪ ،‬ومداه ُ الفسي ُ‬ ‫في نفسي َ الهيبة َ والوقار َ والجلا َ‬

‫ِ‬ ‫البديع يسكبُ فيها السكينة َ والطمأنينة‪ .‬سماء ٌ و بحر ٌ‪،‬‬ ‫الصافي‬

‫ل هذا يجتم ُع في هذا المنظرِ‬ ‫ق ولا محدود ٌ‪ .‬ك ّ‬ ‫أبيض وأزرق‪ ،‬أف ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ن الطبيعي ّة ِ الأثيرة ِ على قلبي‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫أمامي‪ ،‬إن ّه ُ أحد ُ‬ ‫أحب الأماك ِ‬ ‫ن قصائد َ في البحرِ‬ ‫الوصف وكأن ّي بكِ ستنثري َ‬ ‫ِ‬ ‫أطنبت في‬ ‫ِ‬ ‫لقد‬‫والسماء ِ! لم أكن أعلم ُ أن ّكِ تحب ّين َه ُ لهذه ِ الدرجة ِ! فاليوم ُ إذا ً م ِن‬

‫أسعدِ أي ّا ِم حيات ِكِ ؟‬ ‫نعم‪ .‬أحمد ُ الل ّه َ أن ألهم َك القدوم َ إلى البحرِ‪ ،‬فقد أمتعت ِني بهذا‬‫‪345‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫المنظرِ الأخّاذ‪ ،‬إن ّه يذهبُ بلب ّي و يأس ِر ُ قلبي وعقلي‪.‬‬ ‫الحمد ُ لل ّه‪.‬‬‫لترتيب أفكاري‪ ،‬و يوضح ُ كثيرا ً م ِن‬ ‫ِ‬ ‫ن منظر َه ُ يا أم ّي يدفع ُني‬ ‫إ ّ‬‫شر يطِ حياتي‪ ،‬كل ّما رأيتُ البحر َ أحسستُ أن ّه ُ يأخذني نحو َ‬ ‫ل نفسي َ وال كون‪.‬‬ ‫ح بابَ الأسئلة ِ حو َ‬ ‫صفاء ِ الرؤ ية ِ و يفت ُ‬

‫صرت شاعرة ً وفيلسوفة ً‪ .‬هههه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫احم‪ .‬احم ‪ ...‬أرا ِ‬‫أم ّي! هذه مشاعري‪ .‬لا تسخري منها‪.‬‬‫لا أسخر ُ يا حبيبتي ‪ ..‬إن ّما أداعب ُكِ فقط‪ ،‬بل يعجب ُني ما تقولين َه ُ‬‫كثيراً‪ .‬هاتي أسئلت َكِ إذاً‪.‬‬ ‫أم ّي أجد ُني مختلفة ً عن معظ ِم رفيقاتي‪ .‬إ ّنهنّ ينشغلن باللهوِ‬‫ك‪ ،‬وأنا‬ ‫ل ذل َ‬ ‫ِ‬ ‫والزينة ِ والتفاخر ِ‬ ‫بالثياب وتسر يحة ِ الشعرِ‪ ...‬وك ّ ِ‬ ‫ل هذا الاهتما ِم؛ هل‬ ‫ن هذه ِ الأمور َ ثانو ي ّة ٌ‪ ،‬لا تستحقّ ك ّ‬ ‫أجد ُ أ ّ‬ ‫‪34٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫أنا التي ترى الأمور َ على غير ِ هيئت ِها! أم هنّ ؟‬ ‫ل؟‬ ‫وكيف تحاولينَ الإجابة َ عن هذا السؤا ِ‬ ‫َ‬ ‫‬‫ك سألت ُكِ ‪.‬‬ ‫أعرف لذل َ‬ ‫ُ‬ ‫لا‬‫ق معايير َ صحيحة ٍ‪،‬‬ ‫أي أمر ٍ وف َ‬ ‫لقد عل ّمت ُكِ يا علا أن تحكمي على ّ ِ‬‫فبرأيكِ ماهو المعيار ُ الذي علينا الاحتكام ُ إليه؟‬ ‫لا أدري‪.‬‬‫ن‪ ...‬هل هذا‬ ‫ن القرآ ِ‬ ‫للموقف م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫عز وج ّ‬ ‫نحتكم ُ لرؤ ية ِ الل ّه ِ ّ‬‫صحيح؟‬

‫ح يا أم ّي‪.‬‬ ‫ح لنا‪ ...‬صحي ٌ‬ ‫نعم‪ .‬لأن ّه ُ خالق ُنا وهو أعلَم ُ بما يصل ُ‬‫الآيات التي تشير ُ إلى تكري ِم‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ن بعضا ً م ِ َ‬ ‫أنتِ تحفظينَ أو تتذك ّري َ‬‫ض؟‬ ‫ن وأن ّه ُ خليفة ُ الل ّه ِ في الأر ِ‬ ‫الل ّه ِ للإنسا ِ‬ ‫‪347‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل جلال ُه ُ مخاطبا ً بني آدم َ جميعهم‪:‬‬ ‫ل لنا ج ّ‬ ‫نعم يا أم ّي‪ ،‬فقد قا َ‬‫ض)‬ ‫(إن ّا جعلناك َ خليفة ً في الأر ِ‬ ‫ل‬ ‫ٍ‬ ‫ن حيات َنا خُل ِق َت‬ ‫ل وعلا أ ّ‬ ‫أحسنت‪ ...‬فرؤيت ُه ُ ج ّ‬ ‫ِ‬ ‫‬‫لهدف نبي ٍ‬

‫ٍ‬ ‫ن بعد َ‬ ‫لمنصب أعلى سلطة ٍ في ال كو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق بم َن ر ِ ُّشح َ‬ ‫ورفيع‪ ،‬فهل يلي ُ‬

‫ل ِ‬ ‫بمتع الدنيا حت ّى تلهي َه ُ عن‬ ‫ض أن ينشغ َ‬ ‫الل ّه ِ‪ ،‬وممثّله ِ في الأر ِ‬ ‫عمل ِه ِ الأصليّ؟‬ ‫ن مل ِك َه ُ سيقل ُيه ُ‪ 1‬و يعزلُه‪.‬‬ ‫ك لاب ّد أ ّ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫لا‪ .‬إن ّه ُ إن فع َ‬‫ق الل ّه ُ لنا مت َع الدنيا لتؤنس َنا وتساعد َنا في‬ ‫‪-‬تماما ً يا علا‪ ...‬لقد خل َ‬

‫ل مشوارِ الحياة ِ الطو يلة ِ‪ ،‬فهي ليست هدفا ً بح ّد ذاتِها‪ ،‬هي‬ ‫إكما ِ‬ ‫ق‪ ،‬فإن جعلناها هدفا ً وغاية ً‪،‬‬ ‫ل الطر ي ِ‬ ‫ل تسلية ٍ خلا َ‬ ‫مجر ّد ُ وسائ ِ‬

‫ل ما أنعم َ عليه ِ مل ك ُه ُ م ِن عطاء ٍ‬ ‫ص ِرنا كالوزير ِ الذي استخدم َ ك ّ‬ ‫ل راحت ِه ِ ومتعت ِه ِ‪،‬‬ ‫ون ِع َ ٍم ووسائ َ‬ ‫ل معينة ٍ لإنجازِ مهمّت ِه ِ في سبي ِ‬

‫‪348‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫فأخلد َ إلى هذه ِ ِ‬ ‫المتع‪ ،‬ونسي َ عملَه ُ‪ ،‬حت ّى إذا جاء َ يوم ُ المحاسبة ِ‪.‬‬ ‫ل ما‬ ‫ك الوزير ُ‪ ،‬وخسر َ ك ّ‬ ‫ماذا فعلتَ ؟ ولماذا قص ّرتَ ؟ ‪ ...‬هل َ‬

‫ل بساطة ٍ كانَ سخيفا ً وساذجا ً في نظرته ِ‬ ‫كانَ يتمت ُع به ِ لأن ّه ُ بك ّ ِ‬

‫ك رفع َه ُ‪ ،‬وهو أخلد َ ورت َع في‬ ‫ن المل َ‬ ‫وتقديره ِ للنع ِم والعطاءِ‪ .‬إ ّ‬ ‫ل واضح ٌ؟‬ ‫سفاسف الأمورِ؛ هل المثا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫ن السؤا ِ‬ ‫واضح ٌ ج ّدا ً يا أم ّي‪ ،‬لقد أجبت ِني ع ِ‬‫ل في نع ِم الل ّه ِ‪ ،‬ول كن ليسَت‬ ‫ن الزينة ِ والتمت ِّع الحلا ِ‬ ‫‪-‬فلا ضير َ م ِ َ‬

‫ل وقت ِكِ في النظرِ للمرآة ِ والموضة ِ‬ ‫هي غاية ُ حيات ِكِ ‪ ،‬تنفقينَ ج ُ ّ‬ ‫ن‬ ‫ت نفس َكِ م ِ َ‬ ‫ك أنزل ِ‬ ‫ت ذل َ‬ ‫ل صيحة ٍ‪ ،‬إن ّكِ إن فعل ِ‬ ‫وتتابعينَ ك ّ‬ ‫ك الذي أكرم َكِ الل ّه ُ به ِ‪.‬‬ ‫المنزلة ِ الرفيعة ِ إلى مرتبة ٍ دونَ قدرِ ِ‬ ‫ أرأيتِ يا أم ّي ما أحلى البحر‪.‬‬‫ل‬ ‫‪-‬ههههههه ‪ ....‬نعم إن ّه ُ يجعل ُكِ أكثر َ صفاء ً ونقاء ً في قبو ِ‬

‫والقيم‪ ...‬ههههههه‪.‬‬ ‫الأفكارِ‬ ‫ِ‬

‫‪349‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك‪.‬‬ ‫ت ذل َ‬ ‫سآتي بكِ كل ّما احتج ِ‬ ‫ك إلا في حضرة ِ‬ ‫أم ّي ‪ ....‬هل تري َ‬‫ن ح ّقا ً أن ّي لا أنصِ تُ ل ِ‬ ‫البحر؟‬ ‫ن جليلة ٍ‪.‬‬ ‫اممم ‪ ..‬حضرة ُ البحرِ‪ ...‬تشبيه ٌ له معا ٍ‬‫ن‬ ‫قرب م ِ َ‬ ‫ن في نفسي معاني َ ال ِ‬ ‫خلا ِ‬ ‫البحر ُ والسماء ُ يا أم ّي ي ُد ِ‬‫ل هو الذي يذك ّرني بالل ّه ِ عندما‬ ‫ل والجما ِ‬ ‫ل اجتماعَ الجلا ِ‬ ‫الل ّهِ‪ .‬لع ّ‬ ‫أرى البحر َ‪.‬‬ ‫ل عيوبي‪ .‬فالبحر ُ له ُ‬ ‫تح ّدثي يا أم ّي ما بدا ل ِ‬ ‫ك و أخبريني عن ك ّ ِ‬ ‫ك مح ّقة ً في‬ ‫سحر ُه ُ على نفس ِي‪ ،‬ووقع ُه في قلبي وعقلي‪ .‬وأجد ُ ِ‬ ‫وصف ِكِ لي أن ّي م َع البحرِ أكثر ُ صفاء ً وقبولا ً للنصيحة ِ‪.‬‬ ‫ن‪،‬‬ ‫ههههه ‪ ...‬بارك َ الل ّه ُ بكِ يا علا وجعل َكِ م ِن سعداء ِ الداري ِ‬‫ولا حرم َكِ البحر َ‪.‬‬

‫‪351‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل آخر َ؟‬ ‫ن ذلكَ‪ .‬هل لي بسؤا ٍ‬ ‫ت تجدي َ‬ ‫حسنا ً ما دم ِ‬‫اسألي ما تحب ّين‪ .‬فأنتِ م َع البحرِ رائعة ٌ في المناقشة ِ والاستجابة ِ‪.‬‬‫أم ّي !!!!‬‫لا عليكِ يا حبيبتي ‪ ...‬فقط أمازح ُك‪.‬‬‫ل مثلاً‪،‬‬ ‫بعض رفيقاتي في المدرسة ِ مفتون ٍ‬ ‫أجد ُ َ‬‫ن أو ممث ّ ٍ‬ ‫ات بمغ ّ ٍ‬ ‫ن‬ ‫يمضينَ أوقاتا ً كثيرة ً في متابعة ِ أخبارهم‪ ،‬حت ّى إ ّنهنّ يحاول َ‬ ‫ل هذا؟‬ ‫تتب ّ َع لو ِ‬ ‫ن لباس ِهم وشكل ِه ِ أو قصّ ة ِ شعرها؛ ما رأيكِ بك ّ ِ‬ ‫ل؟!‬ ‫ألم يُج ِبك ما تح ّدثنا به ِ قب َ‬‫ل قلي ٍ‬ ‫حب تقليدِ‬ ‫ّ‬ ‫ل أعمارِنا‬ ‫بلى‪ .‬ول كن‪ .‬ل ِم َ يغلبُ على م َن في مث ِ‬‫ن لدرجة ٍ غير ِ عادي ّة ٍ؟‬ ‫الآخري َ‬ ‫هذا طبيعيّ يا بنتي‪ ،‬فالطفلُ يقل ّد ُ أمّه ُ أو أباه ُ م ِن غير ِ أن يشعر َ‪،‬‬‫‪351‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫حب والإعجابُ و الحاجة ُ إلى تقليدِ الأكبرِ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫يدفع ُه ُ لذل َ‬ ‫ليكتسبَ م ِن مهارات ِه ِ ما يجعل ُه ُ أهلا ً لاحترا ِم الآخرين أو مجاراة ً‬ ‫س غريبا ً في‬ ‫ل مثل َهم أو أن ّه ُ منهم و لي َ‬ ‫للكبارِ حت ّى يشعر َ أن ّه ُ يفع ُ‬

‫تصرّفات ِه ِ‪ ،‬إن ّه ُ يسعى ليشعر َ أن ّه ُ م َع الم ِ‬ ‫جموع‪ ،‬و هذا ما دفعكِ‬

‫وليس جميع َهنّ‬ ‫َ‬ ‫ن رفيقات ِكِ أغلب َهنّ‬ ‫شعرت أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫لتسأليني اليوم؛ لقد‬ ‫سكِ هذه ِ الأسئلة ُ‪،‬‬ ‫الاهتمامات‪ ،‬فثار َت في نف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن عنكِ في‬ ‫يختلف َ‬ ‫سليم‪.‬‬ ‫ق وفكر ٍ‬ ‫ك بمنط ٍ‬ ‫ن الل ّه َ حبا ِ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ٍ‬

‫ح‬ ‫ك‪ ،‬و هل هذا صحي ٌ‬ ‫ل ذل َ‬ ‫أمّا م َن يقلّد ُ دونَ أن يفك ّر َ لماذا يفع ُ‬ ‫أم لا‪ ..‬فإن ّه ُ يقلّد ُ م َن يظنّ أن ّه ُ يستحقّ أن يكونَ قدوة ً‪ ،‬ومعيار ُه ُ‬ ‫ص وتقديم ُ الصحافة ِ له ُ على‬ ‫ك الشهرة ُ‪ ،‬شهرة ُ هذا الشخ ِ‬ ‫في ذل َ‬ ‫ل هذه ِ‬ ‫للأسف ك ّ‬ ‫ِ‬ ‫ل و ‪....‬‬ ‫ل يحتذى به ِ أو بدعة ٌ من الجما ِ‬ ‫أن ّه ُ مثا ٌ‬ ‫ل‬ ‫المعايير ِ غير ِ الصحيحة ِ يق ّدم ُها المجتم ُع والصحافة ُ أحياناً‪ ،‬مم ّا يجع ُ‬ ‫أسباب‬ ‫ِ‬ ‫سفاسف الأمورِ‪ ،‬وربّما هذا أحد ُ‬ ‫ِ‬ ‫الشباب ت ّتجه ُ نحو‬ ‫ِ‬ ‫هم َم َ‬ ‫تنهض‬ ‫َ‬ ‫ن أن‬ ‫ل الإعلا ِم والصحافة ِ يمك ُ‬ ‫ن وسائ َ‬ ‫ضعف المسلمين؛ إ ّ‬ ‫ِ‬ ‫‪352‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل السافلين‪.‬‬ ‫بالأمّة ِ وم ِ َ‬ ‫ن أن تردّها إلى أسف ِ‬ ‫ن الممك ِ‬ ‫ن حوارات ِنا ونقاشاتِنا جعلتني أنظر ُ للأمورِ‬ ‫ح يا أم ّي‪ .‬إ ّ‬ ‫صحي ٌ‬‫كثيرات يفتقدنَ‬ ‫ِ‬ ‫ل عمري‪ ،‬ل كنّ ال‬ ‫لم ٍ‬ ‫ختلف عم ّن في مث ِ‬ ‫بشك ٍ‬ ‫ل وتر يه ِ مالم يرى‪ ،‬إ ّنها‬ ‫ح أف َ‬ ‫حوارات التي تفت ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل هذه ِ ال‬ ‫مث َ‬ ‫ق العق ِ‬ ‫تعطيه ِ معنى الحياة ِ وت ُق ّدم ُها له ُ بصورتِها الصحيحة ِ‪.‬‬ ‫ما أعظم َ النعمة َ التي أنا فيها‪ ،‬ج ُزيتِ خيرا ً يا أم ّي؛ ال كثيرون‬ ‫ل سن ّي يفتقدونَ القدوة َ الصحيحة َ إ ّنهم يت ّبعون‬ ‫يا أم ّي مم ّن في مث ِ‬ ‫قدوات تنحصر ُ في موهبة ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ل صيحة ٍ و (موضة ٍ) وأشخاصٍ‪،‬‬ ‫ك ّ‬ ‫تضيف تلكَ القدوة ُ لحياتِهم قيمة ً راقية ً أو‬ ‫ُ‬ ‫صوت أو جمالٍ‪ ،‬فلا‬ ‫ٍ‬

‫ِ‬ ‫مصاف‬ ‫ِّ‬ ‫ينهض بالأمّة ِ‪ ،‬و يجعل ُنا في‬ ‫ُ‬ ‫والنجاح الذي‬ ‫مثالا ً للفاعلي ّة ِ‬

‫ل المتق ّدمة ِ‪ ،‬فماذا يعني هذا التقليد ُ الذي يجعل ُني مسخا ً لا‬ ‫الدو ِ‬ ‫الثياب وهيئة ِ الشعرِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أفق َه ُ م ِن حياتي سوى‬ ‫ل هذا؟ وهل حياتي سخيفة ٌ ل كي يكونَ هدف ُها‬ ‫هل خ ُل ِقنا لمث ِ‬ ‫‪353‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫التقليد ُ الأعمى؟؟‬ ‫قلت يا علا‪ .‬المشكلة ُ ليست في التقليدِ‪ ،‬إن ّما التقليد ُ الأعمى‬ ‫كما ِ‬‫ق معايير َ صحيحة ٍ‪ ،‬أمّا تقليد ُ‬ ‫ل ولا يقلّد ُ وف َ‬ ‫ّش العق َ‬ ‫الذي يهم ُ‬

‫ن ٍ‬ ‫ناجح في حيات ِه ِ ومجتمع ِه ِ ق ّدم َ الخ ير َ والنف َع وكانَ مثالا ً‬ ‫إنسا ٍ‬ ‫والقيم الرفيعة ِ فلا ضير َ فيه ِ‪ ،‬بل يساعد ُ الإنسانَ‪،‬‬ ‫للنزاهة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للنجاح؛ ولا يستطي ُع الإنسانُ أن‬ ‫و يشجّ ع ُه ُ‪ ،‬ويرسم ُ له ُ طر يقا ً‬ ‫ل‪ ،‬ليق ّدم َ‬ ‫ل هذا بعثَ الل ّه ُ الرس َ‬ ‫ٍ‬ ‫يعيش دونَ‬ ‫َ‬ ‫قدوات‪ ،‬لأج ِ‬ ‫ج‬ ‫ل ويشربُ و يتز ّو ُ‬ ‫للبشر ي ّة ِ مثالا ً صحيحا ً م ِن أنفس ِهم يأك ُ‬

‫ج القي ِم الرفيعة ِ‬ ‫كيف يتم ّ مز ُ‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫ل‪ ....‬إن ّه ُ يق ّدم ُ مثالا ًللنا ِ‬ ‫و يعم ُ‬ ‫في حياة ٍ طبيعي ّة ٍ فاعلة ٍ‪ ،‬روح ُه ُ مت ّصلة ٌ بالسماء ِ وجسد ُه ُ يبني‬

‫ض صروحا ً أرضي ّة ً ول كن في قي َ ٍم علو ي ّة ٍ سماو ية ٍ‪.‬‬ ‫على الأر ِ‬ ‫ل والفكر ِ‪ ،‬ونب ّه َ الإنسانَ‬ ‫لقد دعا القرآنُ يا علا لإعما ِ‬ ‫ل العق ِ‬ ‫ل‬ ‫ن أن يسأ َ‬ ‫هدف‪ ،‬وعلى الإنسا ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ك وراء َه ُ‬ ‫ل سلو ٍ‬ ‫ن ك ّ‬ ‫إلى أ ّ‬ ‫‪354‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الهدف الذي‬ ‫ُ‬ ‫نفسَه ُ ما هدفي م ِن عملي أو سلوكي هذا؟ وما هو‬ ‫ل إن كان َت ني ّت ُنا‬ ‫هدف نبي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ل إليه ِ‪ ...‬فحت ّى مت ُع الدنيا لها‬ ‫سأص ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل أو العبادة ِ بمفهوم ِها‬ ‫ل متابعة ِ العم ِ‬ ‫س من أج ِ‬ ‫ن النف ِ‬ ‫للترويح ع ِ‬

‫ٍ‬ ‫صالح تبتغينَ به ِ وجه َ الل ّهَ‪.‬‬ ‫ل‬ ‫العا ِمّ‪ ...‬فالعبادة ُ هي ك ّ‬ ‫ل عم ٍ‬ ‫عبادات إن كانت‬ ‫ٌ‬ ‫دراست ُكِ ‪ ،‬ومساعدت ُكِ للآخرين‪ ....‬كل ّها‬

‫لل ّه ِ‪.‬‬ ‫ما أعظم َ دين َنا يا أم ّي‪ .‬إن ّه ُ يصن ُع أفرادا ً يقودونَ أنفس َهم‪،‬‬‫ويمل كونَ زمام َ قراراتِهم واختياراتِهم‪ ،‬ويتفاعلون م َع‬ ‫لأي مصلحة ٍ ذاتيّة ٍ‪ ،‬إن ّه ُ‬ ‫ل َ‬ ‫مجتمع ِهم على نحوٍ إ يجاب ٍيّ وفع ّا ٍ‬ ‫ليس ّ ِ‬ ‫ل جمي َع قدرات ِنا و يضع ُها في خدمة ِ الم ِ‬ ‫جتمع ورفعت ِه ِ ونهضتِه ِ‪.‬‬ ‫ي ُفع ّ ِ ُ‬

‫حه ُ وغايات ِه‬ ‫بتعاليم دين ِنا‪ ،‬وفقه ِنا رو ِ‬ ‫ت يا علا‪ ...‬لو التزمنا‬ ‫صدق ِ‬‫ِ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫ل وأفض َ‬ ‫لكان َتِ الحياة ُ أجم َ‬ ‫فترات ذهبي ّة ً قاد َ المسلمونَ فيها العالم َ إلى خير ِ‬ ‫ٍ‬ ‫والتاريخ ُ يشهد ُ‬ ‫‪355‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫الإنساني ّة ِ‪ ،‬وعندما ابتعد ُوا عن دين ِهم لم يخسروا هم فقط‪ ،‬بل‬ ‫ن أجمع‪.‬‬ ‫ن لل كو ِ‬ ‫خسر َ العالم ُ قيادة َ الخ ير ِ والسلا ِم والأما ِ‬ ‫ح التاريخ َ والحاضر َ‬ ‫ل البحرَ! إن ّه ُ يثير ُ الشجونَ و يفت ُ‬ ‫أرأيتِ ما أجم َ‬‫ل تصويب ِها‪،‬‬ ‫والمستقب َ‬ ‫ل في رؤ ية ٍ لامحدودة ٍ للأخطاء ِ م ِن أج ِ‬

‫ل التخطيطِ له‪.‬‬ ‫ل م ِن أج ِ‬ ‫وللمستقب ِ‬ ‫ك الأفكار َ في حيات ِكِ‬ ‫أنا فخورة ٌ بكِ يا علا‪ ...‬أتمن ّى أن تحو ّلي تل َ‬‫ك يا حبيبتي أن يزيد َ ِ‬ ‫ل؛ سأدعو ل ِ‬ ‫ك علما ً ونورا ً‬ ‫إلى سلوكٍ وعم ٍ‬ ‫ل الصالح َ والحركة َ الراشدة َ الفاعلة َ المنتجة َ‬ ‫وفهما ً‪ ،‬ويرزق َكِ العم َ‬ ‫ينهض بالأمّة ِ‪ ...‬فأنتم أمل ُنا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حب ويرضى و بما‬ ‫في أرضه ِكما ي ّ‬ ‫ك الل ّه ُ خيرا ً يا أم ّي‪ ...‬أعلم ُ أن ّي ل كي أؤديَ شكر َ الل ّه ِ فيما‬ ‫جزا ِ‬‫ك‪...‬‬ ‫أنعمه ُ عليّ‪ ،‬يجبُ أن أنشر َه ُ وأعل ّمه ُ وأكونَ قدوة ً في ذل َ‬ ‫لعل ّي أساعد ُ رفيقاتي في ِ‬ ‫سقف اهتماماتِهنّ إلى مستوىً‬ ‫ِ‬ ‫رفع‬

‫ق بتكري ِم الل ّه ِ لهنّ ‪.‬‬ ‫يلي ُ‬ ‫‪35٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك‪ .‬ما أحلى البحر َ‪.‬‬ ‫وف ّقكِ الل ّه ُ يا بنتي ورعا ِ‬‫ك أقب ّلها‪.‬‬ ‫‪-‬ههههههههههه‪ ..‬بل ما أجمل َكِ يا أم ّي‪ .‬هات ِي يد ِ‬

‫‪‬‬

‫‪357‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 24 -‬‬

‫صفحات دفتر ِ مذك ّراتي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قل ّبتُ‬ ‫لمات‪ ،‬إلا‬ ‫يات والك ِ‬ ‫ك الذكر ِ‬ ‫سنوات أو تزيد ُ مضت على تل َ‬ ‫ٍ‬ ‫عشر ُ‬ ‫مرة ً أخرى في شر يطِ حياتي‪،‬‬ ‫أ ّنها ماثلة ٌ أمامي كأن ّي أشاهد ُها ّ‬ ‫ومر ِها‪ ،‬بأفعال ِها الحميدة ِ وشقاوتِها المتعبة ِ‪.‬‬ ‫بحلو ِها ّ‬

‫ص‬ ‫ل‪ ،‬تنغ ّ ُ‬ ‫مشكلات كان َت عندما تجابه ُني أحس ّها عظيمة ًكالجبا ِ‬ ‫ٌ‬ ‫عليّ حياتي أي ّاما ً ولرب ّما أسابي َع وأشهر! إن ّي أشعر ُ بها الآنَ أ ّنها ما‬ ‫كانت تستحقّ من ّي هذا العناء َ أو الألم َ كل ّه ُ!‬

‫‪358‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ك حقّاً! ت ُرى لماذا كانَ لحظة َ وقوع ِه ِ عظيما ً‬ ‫أستغربُ م ِن ذل َ‬ ‫لت الألوان!‬ ‫ّرت الحجوم ُ وتب ّد ِ‬ ‫سنوات تغي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وبعد َ‬ ‫ن م ِن‬ ‫أتذك ّر ُ أن ّي سمعتُ سرّ هذه ِ الأحجا ِم المتباينة ِ م َع مرورِ الزم ِ‬ ‫أم ّي‪ ،‬هذه ِ المعل ّمة ُ المر ب ّية ُ الرائعة ُ التي لن أجد َ لها مثيلاً‪.‬‬ ‫ن! بينَ آراء ِ‬ ‫ك المفارقة ُ العجيبة ُ بينَ الأحجا ِم والألوا ِ‬ ‫أعجبُ ح ّقا ً تل َ‬ ‫جاهات اليو ِم والغدِ!‬ ‫ِ‬ ‫البارحة ِ واتّ‬ ‫ب‬ ‫ن الصع ِ‬ ‫أمور ٌ كثيرة ٌ تبدّلَت‪ ،‬أشياء ُ عديدة ٌ كنتُ أظنّ م ِ َ‬ ‫ل الل ّه ِ‬ ‫وتوجيهات أم ّي غد َت واقعاً‪ ،‬أعيش ُه ُ‬ ‫ِ‬ ‫تغيير ُها‪ ،‬ل كن ّي بفض ِ‬ ‫ل تجرِبتي لغيري‪.‬‬ ‫وأعلّم ُه ُ من خلا ِ‬ ‫فسبحانَ الل ّه ِ الذي يغي ّر ُ ولا يتغي ّر ُ‪ ،‬والحمد ُ لل ّه ِ الذي أعان َني‬ ‫فصبرتُ ‪ ،‬وتعلّمتُ فعملتُ ‪ ،‬فجعلتُ في الحفرة ِ التي وقعتُ فيها‬ ‫ترابا ً فسددتُها‪ ،‬وكتبتُ لافتة ً عليها مح ّذرة ً ومنبّهة ً حت ّى لا يق َع‬ ‫غيري بمثل ِها‪ ،‬وبص ُرتُ طر يقا ً رائعا ً فوصفت ُه ُ لم َن حولي‪،‬‬ ‫‪359‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ح لهم عقبات ِه ِ وطرق َه ُ المختصرة‪.‬‬ ‫وطفقتُ أشر ُ‬ ‫وليس عيباً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫هذه هي رحلة ُ الحياة ِ‪ ....‬م ِ َ‬ ‫ن الطبيعيّ أن نخطئ َ‬

‫ن الحقيقيّ ِ ‪ ،‬فلا‬ ‫ك حج ِم الإنسا ِ‬ ‫ل للتربية ِ ولإدرا ِ‬ ‫بل هو السبي ُ‬ ‫ن استعز ّ بالل ّه ِ‪ ،‬وضي ٌع إن نسبَ الن ّعم َ‬ ‫غرور َ ولا مهانة َ‪ ،‬كريم ٌ إ ِ‬ ‫جدِها وم ُنعمِها عليه‪.‬‬ ‫إلى غير ِ م ُو ِ‬ ‫ن‪،‬‬ ‫عرف نفسَه ُ وموقع َه ُ في خر يطة ِ ال كو ِ‬ ‫َ‬ ‫فما دام َ الإنسانُ قد‬ ‫عندها تكونُ حركت ُه ُ راشدة ً حكيمة ً‪ ،‬تدرك ُ هدف َها ومبتغاها‪،‬‬ ‫يزعزها شيء ٌ مهما عظ ُم َ‪ ،‬فالل ّه ُ أكبر ُ‬ ‫وترسم ُ مسار َها وسبيل َها‪ ،‬لا‬ ‫ُ‬

‫ص‬ ‫طات م ِن أشخا ٍ‬ ‫عقبات ومثب ّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ل‪ ،‬ولايثنيها عن عزم ِها‬ ‫وأج ّ‬ ‫ن القو ّة ِ العظمى مم ّن له‬ ‫مواقف‪ ،‬لأ ّنها استم ّدت عونَها م ِ َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ق سيستب ّد‬ ‫ل قلب َه ُ أو أيّ قل ٍ‬ ‫السيادة ُ المطلقة ُ؛ فأيّ أل ٍم سيداخ ُ‬ ‫ل لا‬ ‫تعب الحياة ِ إلا م ِن حر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بلب ِّه؟! وهل سببُ‬ ‫ص على مستقب ٍ‬

‫خوف قد يحدثُ أو لا يحدثُ ‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫ق م ِن‬ ‫يعلم ُه ُ إلا الل ّه ُ‪ ،‬أو قل ٍ‬ ‫‪3٢1‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ائب منه ُ‬ ‫لموقف قد حدثَ وانتهى شأنه ُ‪ ،‬فالإنسانُ بينَ ت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تأل ّ ٍم‬ ‫ومتعلّم ٍ أو متأ ّوه ٍ متباكٍ‪ ،‬لا هو تعلّم َ فاستفاد َ‪ ،‬ولا تابَ فارتقى!‬ ‫ل مستقبلا ً ولا‬ ‫ل‪ ،‬فلا حصّ َ‬ ‫ل صر ي َع التباكي على الأطلا ِ‬ ‫فظ ّ‬ ‫أعاد َ ماضياً!‬ ‫وبعد َ هذه ِ السنين أجد ُ هذه ِ الحكمة َ واضحة َ المعال ِم والمعاني‪ ،‬سهلة َ‬ ‫ك عندما أخبرتني بها أم ّي!‬ ‫الفه ِم والإدراكِ‪ .‬ل كنّها لم تكن كذل َ‬ ‫ل ما‬ ‫الدرس الصعبَ ‪ ،‬وتذل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫برات ل َتسهّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن الأيام َ والخ‬ ‫إ ّ‬ ‫ل للعق ِ‬ ‫صادف عقلا ً واعياً‪ ،‬وأذنا ً للحقّ ِ م ُصغية؛‬ ‫َ‬ ‫ل عليه ِ إذا‬ ‫استشكِ َ‬ ‫س‬ ‫حصيف م َن تعلّم َ م ِن حكم ِ المجر ّبينَ ودرو ِ‬ ‫ُ‬ ‫ق ال‬ ‫والإنسانُ الموف ّ ُ‬

‫التجارب أو ِ‬ ‫العقارب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لدغ‬ ‫ِ‬ ‫ل أن يلتاعَ بِ ح َرِ ّ‬ ‫الآخرين قب َ‬

‫ات‪ ،‬وأختم َ‬ ‫الكلمات لأنهي َ بها دفتر َ الذكر ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل هذه ِ‬ ‫ولعل ّني سأسج ّ ُ‬ ‫والشباب‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫النضج‬ ‫بها مرحلة َ انتقالي إلى‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ك‬ ‫ يا غلام ُ‪ ،‬إن ّي أعل ِّم ُ َ‬‫كلمات‪ :‬احف َظِ الل ّه َ يحف َظك‪ ،‬احف َظِ الل ّه َ‬ ‫‪3٢1‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ل الل ّهَ‪ ،‬وإذا استعنتَ فاستع ِن‬ ‫تج ِده تُجاه َك‪ ،‬إذا سألتَ فاسأ ِ‬ ‫ن الأمة َ لو اجتمعت على أن ينفعوك َ بشيءٍ‪ ،‬لم‬ ‫بالل ّهِ‪ ،‬واعلم أ ّ‬ ‫ن اجتمعوا على أن‬ ‫ينفعوك َ إلا بشيء ٍ قد كتب َه ُ الل ّه ُ لك‪ ،‬وإ ِ‬ ‫َت‬ ‫يضُرّوك َ بشيء ٍ لم يضُرّوك َ إلا بشيء ٍ قد كتب َه ُ الل ّه ُ عليك‪( ،‬ر ُف ِع ِ‬

‫ُف)‪.‬‬ ‫ت الصّ ح َ‬ ‫ج ّف ِ‬ ‫الأقلام ُ و َ‬

‫حرص‬ ‫حفظ محارم َه ُ وت ُ‬ ‫ن أن تكونَ في معي ّة ِ الل ّه ِ‪ ،‬ت ُ‬ ‫فصمّام ُ الأما ِ‬ ‫ن‬ ‫رحاب القرآ ِ‬ ‫ِ‬ ‫على أوامر ِه ِ‪ ،‬وتبتعد ُ عن نواهيه‪ ،‬ثم ّ تبحر ُ في‬ ‫ن م ِن خالقه ِ‪ ،‬فلا ريح َ تهابُها‪،‬‬ ‫ال كري ِم مستم ّدا ً معاني قو ّة ِ الإنسا ِ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫ك وهدف ِ َ‬ ‫ك عن درب ِ َ‬ ‫ق سيثنون َ َ‬ ‫طاعَ طر ي ٍ‬ ‫ولا ق ّ‬ ‫ل الله ّم على سي ّدِنا محمدٍ‬ ‫و ص ِّ‬

‫‪‬‬

‫معلّم ِ النا ِ‬ ‫س الخ ير َ‪ ،‬مبش ّرا ً‬

‫ونذيراً‪ ،‬وداعيا ً إلى الل ّه ِ بإذنه ِ وسراجا ً منيراً‪.‬‬

‫‪3٢2‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫المراجع‬ ‫أولاً‪ :‬ال كتب‬ ‫‪ -1‬اتخاذ القرار والسلوك القيادي‪ ،‬أمل طعمة‪ ،‬مركز ديبونو لتعليم‬ ‫التفكير‪ ،‬عم ّان‪ ،‬الأردن‪ ،‬الطبعة الأولى ‪211٢‬‬

‫‪ -2‬أنا تتحدث عن نفسها‪ ،‬د‪ .‬عمرو شر يف‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ .‬الطبعة الأولى ‪.2113‬‬

‫‪ -3‬تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس‪ ،‬د‪ .‬محمد السيد محمد‬ ‫الزعبلاوي‪ ،‬مؤسسة ال كتب الثقافية ومكتبة التوبة‪ ،‬الطبعة الرابعة‬

‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪ -4‬تمهيد في التأصيل‪ ،‬رؤ ية في التأصيل الإسلامي لعلم النفس‪ .‬د‪ .‬عبد‬ ‫الل ّه بن ناصر الصبيح‪ ،‬دار كنوز إشبيليا‪ ،‬الر ياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة‬

‫الثانية ‪2119‬‬

‫جماعات والأفرادِ في الشر يعة ِ الإسلاميّة ِ"‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ -5‬السننُ الإلهي ّة ُ في الأم ِم وال‬ ‫د‪ .‬عبدِ ال كريم زيدان‪ ،‬مؤسسة الرسالة ناشرون‪ .‬بغداد‪.1992 ،‬‬

‫‪ -٢‬سنن الل ّه في الأمم من القرآن ال كريم‪ ،‬د‪ .‬حسن بن صالح الحميد‪ ،‬دار‬ ‫الفضيل‪ ،‬الر ياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.2111‬‬

‫‪ -7‬قواعد قرآنية‪ ،‬د‪ .‬عبد الل ّه بن عمر المقبل‪ ،‬مركز تدبر للاستشارات‬ ‫التربو ية والتعليمية‪ ،‬الر ياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪.2113‬‬

‫‪3٢3‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪ -8‬قياس وتقييم قدرات الذكاءات المتعددة‪ ،‬عبد الهادي حسين‪ ،‬دار‬ ‫الفكر‪ ،‬الطبعة الأولى‪.‬‬

‫‪ -9‬نظر يات الارشاد والنمو المهني‪ ،‬د‪ .‬سهام درويش أبو عيطة ‪ ،‬دار‬ ‫الفكر‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 2115‬م‬

‫‪ -11‬هندسة التفكير‪ ،‬أمل طعمة و رند العظمة‪ ،‬دمشق‪ ،‬سور يا‪ ،‬الطبعة‬ ‫الأولى ‪.2113‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬مواقع مفيدة من النت ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أكاديمية علم النفس‪ ،‬المنتدى التعليمي‪:‬‬ ‫‪http://www.acofps.com/vb/showthread.php?t=7707‬‬

‫‪‬‬

‫المنتدى العربي لإدارة الموارد البشر ية ‪:‬‬ ‫‪http://www.hrdiscussion.com/mbti.html‬‬

‫‪‬‬

‫موقع ال كحيل للإعجاز العلمي في القرآن والسنة‪:‬‬ ‫‪/http://www.kaheel7.com/ar‬‬

‫‪3٢4‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫‪EMO‬‬

‫‪3٢5‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫‪3٢٢‬‬


‫لن أسري وحدي‬

‫ّ‬

‫‪3٢7‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.