من صفات ...
قداسة ﷲ ب ا ْل ُج ُنو ِد ُّوس َر ُّ ُّوسُ ،قد ٌ ُّوسُ ،قد ٌ ُقد ٌ ض )إش(٣ :٦ َم ْج ُد ُه ِملْ ُء ُكل ِّ األَ ْر ِ
٢٠١٠
ھاني رفعت
ربما من أصعب المواضيع التي يمكن التحدث فيھا ھو موضوع "قداسة " .ما أبعد ھذا الموضوع عن فكرنا المحدود وعن أمثلتنا البشرية وعن عالمنا الوضيع .ولكن ليس من الممكن أن نكتب موضوعا ً مختصراً عن قداسة دون الرجوع لألصحاح السادس من سفر أشعياء .لقد إنشغل معظم المؤمنون بھذا النص على مر األجيال وصارت عبارة "قدوس قدوس قدوس رب الجنود" عالمة من عالمات العبادة المسيحية جيالً بعد جيل. يخلط الكثيرون بين قداسة وبر ،ويعتبر الكثيرون أن قداسة ھي أن "بال خطية" وأن بر ھو أن "بال خطية أيضاً" .ولكن لألسف رغم أن ھذا المعنى صحيح بنوع ما لكنه قاصر جداً .إن ھذا ھو ما يسمى بالالھوت الكبادوكي إعتاد أن يصف عن طريق نفي بعض الصفات عنه ،ويسمونه الالھوت السلبي ،فا Bبال خطية ،وغير محدود، وغير محتوى ،وغير متغير وھكذا ...ولكن ھذه الطريقة السلبية لوصف ليست من أفضل الطرق لفھم .إن علينا أن نلتزم بالتعابير الكتابية عندما نقترب من طبيعة وصفاته .إن وصف عن طريق نفي بعض الصفات عنه تضع اإلنسان مقياسا ً .Bبما أن اإلنسان محدود ومحتوى ومتغير وبه خطية فا Bبالتالي غير محدود وغير محتوى وغير متغير وبال خطية .وھكذا صار اإلنسان المحدود مقياسا ً لفھم .وھذا يعطي فكرة قاصرة تماما ً عن ،ألنه يظھر كأنه فقط مشابه لإلنسان ولكنه فقط أفضل منه في كل جانب. إن كلمة بر ،ولسنا في مجال لدراستھا ،تتكلم عن إستقامة السلوك بما يتفق مع مقياس سام. وھي في األصل تتحدث عن عدل أي عن معامالته العادلة البارة مع األخرين .لذا فھي ال تعني فقط أنه بال خطية ولكن تعني أنه في تصرفاته وتعامالته يتفق مع مقياس سام جدا ً عن كل مقاييس البشر. ومن الناحية األخرى ،تختلف قداسة عن بر .ففي العھد القديم تستخدم كلمة "قادوش" العبرية )קָ דֹוׁש( والتي تأتي من األصل العبري "قدش" التي تعني أن يكون شيئا ً ما منفصال ً متميزاً أو مخصصا ً ألمر ما .وفي العھد الجديد تستخدم كلمة "ھاجيوس" اليونانية )(ἅγιος والتي تعني نقي من كل جانب ويدعو إلثارة اإلعجاب واإلجالل والتبجيل واإلكرام .وھكذا فكلمة قدوس أو قداسة ال تعني فقط إنه بال خطية بل تعني أن " +منفصل ٌ وحده في فئة ي من كل جانب بشكل يثير الرھبة خاصة به ،وليس بھا غيره ،فھو متمي ٌز ومتفر ُد ونق ٌ متعال عن كل ما عداه". والمخافة واإلعجاب واإلجالل والتقدير واإلكرام في سمو ٍ وإن ذھبنا لألصحاح السادس من سفر أشعياء حيث كتبت العبارة الشھيرة " ُقدُّوسٌ ُ ،ق ُّدوسٌ، ض" )إش (٣ :٦وتفحصنا ما يحيط بھا سنجد الكثير ُقدُّوسٌ رَ بُّ ْال ُج ُنو ِد َمجْ ُدهُ ِم ْل ُء ُك ِّل األَرْ ِ
جداً من النور اإللھي يطل علينا من ھذا النص كاشفا ً لنا أبعادا ً في ذاك اإلله العجيب الذي نعبده. الخلفية التي تمت فيھا أحداث ھذا النص: لم تكن قد مضت عدة شھور على وفاة الملك عزيا إذ كتب أشعياء "فِي سَ َن ِة َو َفا ِة ع ُِّزيَّا ْال َملِكِ " ) (١ :٦مؤرخا ً لھذه الحادثة الرؤيوية .وليس إعتباطا ً كتب ھذا التأريخ ألننا إن رجعنا لتاريخ حياة عزيا نجد أنه " َكانَ ع ُِّزيَّا ا ْبنَ سِ َّ ْن ت عَ َشرَ َة سَ َن ًة حِينَ َم َلكََ ،و َم َل َ ك ا ْث َن َتي ِ ْ َو َخمْسِ ينَ سَ َن ًة فِي أُو ُر َشلِي َم ،وَ اسْ ُم أ ُ ِّم ِه َي ُك ْليَا مِنْ أُو ُر َشلِي َمَ .وعَ ِم َل المُسْ َتقِي َم فِي عَ ْي َنيِ الرَّبِّ َ حَ سَ بَ ُك ِّل مَا عَ ِم َل أَ َمصْ يَا أَبُوهَُ .و َكانَ ي ْ َ .وفِي أَي َِّام َّام ز َك ِريَّا ْال َفاھ ِِم ِب َم َناظِ ِر ِ َطلُبُ َ فِي أي ِ َط َل ِب ِه الرَّبَّ أَ ْنجَ حَ ُه ُ" )٢أخ (٥-٣ :٢٦وإن قرأت عزيزي القارئ األعداد من ٦إلى ١٥ سوف تجد قائمة بنجاحات وإنجازات عزيا. ولكننا لألسف نقرأ " َو َلمَّا َت َشدَّدَ ارْ َت َفعَ َق ْل ُب ُه إِ َلى ْال َھ َ الكِ َو َخانَ الرَّ بَّ إِل َھهَُ ،ودَ َخ َل َھ ْي َك َل الرَّبِّ ْ ور" )٢أخ (١٦ :٢٦وحاول أن يقوم بعمل كھنوتي رغم أنه ليس من َح ْال َب ُخ ِ ِليُوقِدَ عَ َلى مَذب ِ سبط الوي وال من أبناء ھارون مستھينا بشريعة وھيكل الربَ " .ودَ َخ َل َورَ ا َءهُ َ عَزرْ يَا ْ ك يَا ك َو َقالُوا َل ُهَ » :ل ْيسَ َل َ سَ .و َق َاومُوا ع ُِّزيَّا ْال َم ِل َ ْال َكاھِنُ َومَعَ ُه َثمَا ُنونَ مِنْ َك َھ َن ِة الرَّبِّ َبنِي ْالبَأ ِ َ ِس ألَ َّن َك ُخنْتَ ِإلي َقا ِد .ا ُ ْخرُجْ مِنَ ا ْل َم ْقد ِ ع ُِّزيَّا أنْ ُتوقِدَ لِلرَّ بِّ َ ،ب ْل ل ِْل َك َھ َن ِة َبنِي ھَارُونَ ْال ُم َق َّدسِ ينَ ل ِ ِإلي َقا ِدَ .وعِ ْن َد َو َليْسَ َل َك مِنْ َكرَ ا َم ٍة مِنْ عِ ْن ِد الرَّ بِّ اإلِل ِه«َ .فحَ ِنقَ ع ُِّزيَّاَ .و َكانَ فِي َي ِد ِه مِجْ مَرَ ةٌ ل ِ ت الرَّ بِّ ِبجَ ا ِن ِ ْ ْ ُ ور. حَ َن ِق ِه عَ َلى ْال َك َھ َن ِة َخرَ جَ بَرَ صٌ فِي جَ ْب َھ ِت ِه أَمَا َم ْال َك َھ َن ِة فِي َب ْي ِ ب مَذب َِح ال َبخ ِ َف ْال َتفَتَ َنحْ َوهُ َ عَزرْ يَاھُو ْال َكاھِنُ الر َّْأسُ َو ُك ُّل ْال َك َھ َن ِة وَ إِ َذا ھ َُو أَبْرَ صُ فِي جَ ْب َھ ِت ِهَ ،ف َطرَ دُوهُ مِنْ َ َ ْ ْ َ َ ْ ك أبْرَ صَ إِلى ُوج ألنَّ الرَّ بَّ ضَ رَ َب ُهَ .و َكانَ ُع ِّزيَّا ال َملِ ُ ُھ َنا َ ك حَ َّتى إِ َّن ُه ھُوَ َنف ُس ُه بَادَرَ إِلى ال ُخر ِ َ َ َ َ ُ َ َ َ ْ ُ َ َّ ُ ت الرَّ بِّ ،وَ كانَ يُوثا ُم ا ْبن ُه عَ لى ض أبْرَ صَ ألنه قطِ عَ مِنْ َب ْي ِ ي َْو ِم َوفا ِتهَِ ،وأقا َم فِي َب ْي ِ ت المَرَ ِ ض" )٢أخ(٢١-١٧ :٢٦ ت ْال َملِكِ َيحْ ُك ُم عَ َلى َشعْ ِ َب ْي ِ ب األَرْ ِ وھكذا مات عزيا ألجل أنه خان الرب ،وظھر البرص في جبھته دليالً على فساد أفكاره ونجاسته وعدم لياقته بمقادس العلي .إذا ً ھناك ملكا ً مقطوعا ً من بيت الرب ،حاول التعدي واإلدعاء بأنه قادر على القيام بدور كھنوتي فكشفه الرب أنه أبرص الفكر وبالتالي نجس وال يستحق سوى الموت ألنه خائن وليس له كرامة وال مكان له في مقادس الرب .إذا النجاسة ھنا ھي عدم التوافق مع مقاييس وال شريعة .وإن كانت النجاسة ھي الفكرة المقابلة للقداسة فإن رفض عزيا جاء على أساس عدم توافقه مع قداسة .على ھذه الخلفية ظھر الرب ألشعياء.
المشھد السماوي: كان ھناك مشھدا ً سماويا ً في ھذه الرؤيا .يقول اشعياء "رَ أَ ْي ُ ت ال َّس ِّي َد جَ الِسًا عَ َلى ُكرْ سِ يٍّ عَ ال َومُرْ َتف ٍِع ،وَ أَ ْذيَالُ ُه َتمْأل ُ ْال َھ ْي َك َل" )أش .(١ :٦والسيد ھي الكلمة العبرية "أدوناي" وھي أحد أسماء في العھد القديم .لقد رأى أشعياء ھنا اإلبن حيث يقتبس الرسول يوحنا أش:٦ ٩ثم يضيف " َقا َل إِ َشعْ يَا ُء َ ھذا حِينَ رَ أَى َمجْ دَ هُ َو َت َك َّل َم عَ ْن ُه" )يو (٤١ :١٢وھو يشير للرب يسوع. وأما كلمة كرسي فھي الكلمة العبرية "كيساي" وتعني عرش .أي أن من رآه أشعياء في الرؤيا ھو ملكا ً ألنه جالس على عرش .ولكنه إذ أضاف كلمتي عال ومرتفع فھو بھذا يشير لسمو سلطان ھذا الملك العظيم .فھذا العرش يستقر في السماء ولكن أذيال ثياب ھذا الملك تنحدر لألرض حتى تمأل الھيكل .فالرب يسوع في ھذه الرؤيا ملكا ً ذو سلطان عظيم أعلى من كل سلطان ألي ملك على وجه األرض .أعلى بما ال يقاس .أعلى من السماوات. وھكذا تظھر كلمة قدوس بشكل مخفى حيث أنه الرؤيا تشدد على تميز وتفرد السيد كملك ملوك ورب أرباب جالس على عرش تخطى السماوات وسلطانه ممتد على ھذه األرض. ولكن العجيب أن أذيال ثيابه تمأل الھيكل .وكأن الرب يري أشعياء أن ھناك شخصا ً واحدا ً يمكنه أن يصير ملكا ً وكاھنا في نفس الوقت .ولكنه ليس كاھنا ً عاديا ً ألنه قدوس متفرد متميز منفصل وصار أعلى من السماوات .فأذياله تمأل الھيكل أي أنه يمأل الدور الكھنوتي بالكامل وبالتمام مثلما يمأل الدور الملوكي وبتميز شديد عن كل ما عداه من كھنة الويين جاءوا وعاشوا وكھنوا وماتوا ،فھو القدوس. ومن سمات عجائبه أنه جالس في الھيكل .فعند دراستنا ألثاث خيمة اإلجتماع نجد أنه ليس ِن َي ُقو ُم )يقف( ُك َّل ي َْو ٍم بھا كرسي .ويقول كاتب العبرانيين عن كھنة العھد القديم " َو ُك ُّل َكاھ ٍ ي َْخ ِد ُم َو ُي َق ِّد ُم مِرَ ارً ا َكثِيرَ ًة ت ِْلكَ َّ الذبَائِحَ عَ ْي َنھَا ،ا َّلتِي الَ َتسْ َتطِ ي ُع ْال َب َّت َة أَنْ َت ْن ِزعَ ْال َخطِ َّي َة" )عب (١١ :١٠وفي األصل تعني كلمة يقوم أنه يقف .فكل الكھنة واألنبياء لسانھم لسان حال إيليا ً ت أَمَا َم ُه" )١ملَ " .(١ :١٧وأَمَّا َ "حَ يٌّ ھ َُو الرَّ بُّ إِل ُه إِسْ رَ ائِي َل ا َّلذِي َو َق ْف ُ عَن ھذا َف َبعْ دَ مَا َق َّد َم ِ " )عب .(١٢ :١٠فتقديم الذبائح يوميا ً ِين ِ ْال َخ َطايَا َذ ِبيحَ ًة َواحِدَ ًة ،جَ َلسَ إ ِ َلى األَ َب ِد عَ نْ َيم ِ يعبر عن عدم كفاية العمل أما تقديم ذبيحة واحدة ثم الجلوس في عرش ملوكي فيعبر عن ِيق ِب َنا رَ ئِيسُ َك َھ َن ٍة م ِْث ُل َ إكتمال وتفرد وتميز العمل الكھنوتي للرب يسوع" .ألَ َّن ُه َكانَ َيل ُ ھذا، ت ا َّلذِي َل ْيسَ َل ُه َاوا ِ سَ ،ق ِد ا ْن َفصَ َل عَ ِن ْال ُخ َطا ِة َوصَارَ أَعْ َلى مِنَ ال َّسم َ ُقدُّوسٌ ِبالَ َشرّ َوالَ دَ َن ٍ
اء ْال َك َھ َن ِة أَنْ ُي َق ِّد َم َذبَائِحَ أَوَّ ال ً عَ نْ َخ َطايَا َن ْفسِ ِه ُث َّم عَ نْ َخ َطايَا اضْ طِ رَ ا ٌر ُك َّل ي َْو ٍم م ِْث ُل ر َُؤسَ ِ ال َّشعْ بِ ،ألَ َّن ُه َفعَ َل ھ َذا مَرَّ ًة وَ احِدَ ًة ،إ ِ ْذ َق َّد َم َن ْفسَ ُه" )عب(٢٧ ،٢٦ :٧ وھكذا يصرخ النص نفسه بتميز القدوس وتفرده عن عزيا وعن داود وعن ھارون وعن كل بشر ثم ينقلنا النص نقلة جديدة فيرينا وجھة تميز وتفرد )قداسة( جديدة في ربنا يسوع المسيح فيقول إشعياء "السَّرَ افِي ُم َوا ِق ُفونَ َف ْو َق ُه )فوق الھيكل في السماء حول العرش(ِ ،ل ُك ِّل ْ ْ ْ َ ْن يَطِ ي ُر" )إش.(٢ :٦ ْن يُغَ ِّطي ِرجْ َل ْيهَِ ،وبَاث َني ِ ْن يُغَ ِّطي َوجْ َھهَُ ،و ِباث َني ِ َوا ِح ٍد سِ َّت ُة أجْ نِحَ ةٍِ ،باث َني ِ والسرافيم ھي صيغة جمع الكلمة العبرية سراف وھي رتبة مالئكية ومعنى إسمه "مشتعل". وواضح أنھا مالئكة مختصة بالخدمة حول العرش اإللھي .ومن معنى إسمھا نعرف أنھا غاية في النقاء والسمو ومن وظيفتھا حول العرش نعرف أنھا مالئكة متميزة عن باق المالئكة ومتفرده عنھا .ولكننا ندرك من سلوكيات ھذه الرتبة المالئكية السامية أنھا ما زالت بعيدة عن كل البعد .لقد علت ھذه الرتبة وسمت وقربت من عرش ولكنھا ما زالت ما أبعدھا عنه .لم ُيج ِد إرتفاعھا وسموھا في أن تقترب من مقاييس قداسة قيد شعرة .يظل الرب متفرداً بنفس الدرجة حتى عن ھذه الرتبة المالئكية السامية. نرى أوالً أن السراف يغطي وجھه ،معلنا بذلك أنه ال يستطيع النظر .Bففي مقاييس تفرد ،أي قداسة ،ال يستطيع حتى مالك من فئة السرافيم أن يرى .فھو ال يستحق .بل نراه أيضا ً يغطي رجليه وكأنه يقول أنه ال يحق له أن يترائى في محضر .فما أبعد عن مخلوقاته مھما سمت .ونراه أيضا ً يطير بجناحين ،فھو ليس يقف أو يجلس ،حاشا .بل ھو يطير منفذاً ما يؤمر به .فالرب يسوع المسيح ھو وحده الجالس على عرشه ،وحوله " ْال ُك ُّل َقا ِئ ٌلَ » :مجْ ٌد«" )مز .(٩ :٢٩وحتى " َمالَ ِئ َك َت ُه ْال ُم ْق َتد ِِرينَ ُقوَّ ًة "،فھم " ْال َفاعِ لِينَ أَمْ رَ هُ عِ ْندَ ت َكالَ ِم ِه" )مز.(٢٠ :١٠٣ َاع صَ ْو ِ سَ م ِ ونشاھد ونسمع بعد ذلك أن كل سراف واألخر ،ال يخاطبا كأنھما ال يستحقا ذلك بل يخاطبان بعضھما البعض ھكذا " َو َ ھذا َنادَ ى َذاكَ َو َقا َل» :قُدُّوسٌ ُ ،قدُّوسٌُ ،قدُّوسٌ رَ بُّ ْال ُج ُنو ِد. ض«" )إش .(٣ :٦وھنا نرى أن حتى الطبقات الممجدة جداً من المالئكة َمجْ ُدهُ ِم ْل ُء ُك ِّل األَرْ ِ تنادي بقداسة وتدرك تفرده الكامل الرھيب عنھا وتحدث بعضھا البعض وال توجه كلماتھا للرب بل لبعضھا البعض في مخافة واضحة ورھبة بادية. َّار ِخ" أي أنھا ولكنه ليس خطابا ً عادياً ،إنھا مناداة .ويسمى السراف في العدد الرابع " الص ِ عال كأنه مناداة عن طريق الصراخ ويتميز الصراخ بأنه نوع من التحذير والرھبة بصوت ٍ
إنذار وإعالن موجه للجميع .والمناداة بصوت عا ٍل تتحدث عن رھبة يشعر بھا كل سراف رغم سمو نوعية خلقته ورغم أنه مخلوق كأنه "لھيب نار" )عب (٧ :١وإسمه يعني اإل ْنسَ انُ الرِّ َّم ُة ،وَ ابْنُ آ َد َم الدُّودُ؟" )أي (٦ :٢٥عليه ان "مشتعل" .آه يا إخوتي " َف َك ْم ِب ْالحَ ِريِّ ِ يفعل في محضر القدوس. وھكذا يتحدث النص عن تميز ھذا الجالس وتفرده المعبر عنه في كلمة قدوس في ھذا المشھد السماوي ،ولكن ھناك مشھداً أخر أرضياً، المشھد األرضي: فبعد أن رأينا السموات تتزلزل )معنوياً( من قداسة الجالس على العرش نرى أيضا ً أن الھيكل "المقدس" محل حضور الرب نفسه يتجاوب ھو األخر " َفاھْ َت َّزتْ أَسَ اس ُ ب َات ْالعَ َت ِ َّار ِخَ ،وامْ َتألَ ْال َبي ُ ْت د َُخا ًنا" )إش .(٤ :٦واإلھتزاز يتحدث )عوارض الباب( مِنْ صَ ْو ِ ت الص ِ عن ضعف وھشاشة الھيكل بالنسبة لمجد الجالس على العرش .أما الدخان فمن سفر الرؤيا َ +ومِنْ نفھم أنه يتحدث عن مجد وقدرته إذ يقول يوحنا "وَ امْ َتألَ ْال َھ ْي َك ُل د َُخا ًنا مِنْ مَجْ ِد ِ ُقدْ رَ ِت ِه" )رؤ .(٨ :١٥وفي سفر الخروج أيضا ً يكتب موسى " َو َكانَ جَ َب ُل سِ ي َنا َء ُك ُّل ُه يُدَ ِّخنُ مِنْ َ َ ج ًّدا" ونَ ،وارْ َتجَ فَ ُك ُّل ْالجَ ب َِل ِ ان األَ ُت ِ ارَ ،وصَ عِدَ د َُخا ُن ُه َكد َُخ ِ أجْ ِل أنَّ الرَّ بَّ َن َز َل َع َل ْي ِه ِبال َّن ِ )خر .(١٨ :١٩وذلك "ألَنَّ »إِل َھ َنا َنا ٌر آ ِك َل ٌة«" )عب (١٩ :٢فمن فرط تفرد او قداسة مجده، وقدرته ،ونقائه ،وبره ،وسلطانه حتى الجبال ترتجف أمامه وتمتلئ من دخان حريقه. ولكن نفھم من ذلك أنه حتى دينونة متفرده أو ھي دينونة مقدسة مخيفة ألنه فيھا سيتقابل الخاطئ مع تفرد أي قداسته فھو متفرد في مقاييس مطاليب عدله ومتفرد في شدة عقابه للخطية وغضبه عليھا إذ يتحدث عنه الرسول فيقول عن من يرفض المسيح أنه عليه " ُقبُو ُل ار عَ تِيدَ ةٍ أَنْ َتأْ ُك َل ْالمُضَا ِّدينَ " )عب" (٢٧ :١٠وَ َيصْ عَ ُد د َُخانُ عَ َذ ِاب ِھ ْم دَ ْي ُنو َن ٍة ُمخِيفٌ َ ،وغَ ْيرَ ةُ َن ٍ اآلبدِينَ ) ".رؤ (١١ :١٤فتتجلى قداسة في الحكم على الخاطئ ويتجلى مجد إِ َلى أَ َب ِد ِ حتى في الحكم بالعذاب األبدي على الخطاه. وفي ضوء ھذا المشھد الجليل المھيب ،ما كان من أشعياء إال أن صرخ " َو ْي ٌل لِي! إِ ِّني َھ َل ْك ُ ْن ،ألَنَّ عَ ْي َنيَّ َق ْد رَ أَ َتا ْن ،وَ أَ َنا سَ اكِنٌ َب ْينَ َشعْ ٍ س ال َّش َف َتي ِ ب َن ِج ِ ت ،ألَ ِّني إِ ْنسَ انٌ َن ِجسُ ال َّش َف َتي ِ ْ ُ ك رَ بَّ ال ُجنو ِد" )إش .(٥ :٦ھا قد تحدث أشعياء عن نجاسة شفتيه .ولكن ،لماذا الشفتين ْال َملِ َ بالذات؟ ھل كان النبي كذابا ً أو شتاما ً أو مجدفاً ،بالطبع ال .ولكنه إذ رأى وسمع رد فعل السرافيم ،وأنھم يسبحون بقداسة ليال ً نھارا ً وليس على شفتيھم سوى ما يقدم له المجد
واإلكرام ،شعر أنه نجس الشفتين .شعر أن شفتيه تم إستخدامھما في أشياء كثيرة غير األشياء التي تمجد وتكرمه .شعر أنه في ضوء محضر قداسة أي تفرده وتميزه كان على شفتيه ان تكونا خادمتين مطيعتين لمجد فقط .شعر أن أفضل ما فيه كنبي يتحدث بكالم أي شفتيه ناقص جدا ً وقليل جدا ً بما يتطلب ويستحق من إكرام وتبجيل ومھابة وإجالل ،لقد شعر بقداسة .ليس أنه كان معتاداً أن يشتم ويجدف وما إلى ذلك ولكنه فقط في ضوء تفرد وجد أنه لم يعطي المجد واإلكرام الالئق به وأن شفتيه المقدستين كنبي ،Bحتى ھاتين ،ھما نجستين في ضوء ما يتطلبه تفرد من رھبة وإجالل .فكيف له أن يقترب من وتقع عيناه على ذاك الذي من فرط تفرده وتميزه تغطي حتى المالئكة وجوھھا حتى ال تنظره. كيف نقترب P؟ ولكن من ذا الذي يستطيع أن يفي بمقاييس المتفردة في العدل؟ من ذا الذي يمكنه أن يواجه قداسة موفيا ً بما تتطلبه من تكريس كامل وتوافق دائم مع مطاليب تفوق تخيلنا من فرط سموھا وجاللھا .واإلجابة" ...ليس وال واحد" )رو .(١٢ :٣لذا يتحدث نصنا ھذا عن شخص كريم ھو ملك وكاھن عظيم في نفس الوقت .كان يمكنه أن يملك فقط ولكنه إختار أيضا ً أن يكون كاھناً .فوظيفة الكاھن ھي أن يقترب بالشعب .Bولكن إقترابه بالشعب Bلم يكن ليصلح بسبب عدم إيفاء الشعب لمطاليب سمو قداسة .فما كان عليه سوى أن واجه قداسة بمطاليبھا الرھيبة بدالً من شعبه المفديين .فنقرأ عنه أن "جَ عَ َل ا َّلذِي َل ْم َيعْ ِرفْ فِي ِه" )٢كو (٢١ :٥وأنه "صَ ارَ َلعْ َن ًة ألَجْ ِل َنا" َخطِ ي ًَّةَ ،خطِ ي ًَّة ألَجْ ِل َناِ ،ل َنصِ يرَ َنحْ نُ ِبرَّ ِ )غل .(١٣ :٣نعم كان البد له أن يتجسد ويصير إنسانا ً ثم ينوب عن المؤمنين ويقف أمام قداسة بدالً منھم .لقد واجه القدوس وھو حامل خطايانا إذ "حَ َم َل ھ َُو َن ْف ُس ُه َخ َطايَا َنا فِي جَ سَ ِد ِه عَ َلى ْال َخ َش َب ِة )الصليب(" )١بط.(٢٤ :٢ ونحن نعلم أن اإلبن ھو ولكنه لكما تجسد وقفت أمام كإنسان وإله في نفس الوقت نائبا ً عن الخطاة .لذا فإن صفات كما واجھه المسيح ھي صفات الجالس على العرش الذي ھو اإلبن في نفس الوقت .نعم تواجه ربنا يسوع مع تفرد وتميز الذي إھتزت له أساسات عتب ھيكل ،وإرتجف جبل سيناء امامه ،وإشتعل بالنار والحريق وإمتأل من محضره ھيكل الرب بالدخان ،تقابل وھو حامل للخطية مع من إرتعد منه النبي أشعياء لمجرد أن شفتيه لم تكن تكرما بالقدر الكاف .وقف ألجلنا ذاك الحمل في حالة اللعنة وحمل الخطية أمام ذاك من مالئكة جبارة من طبقة السرافيم قد صرخت وتغطت وغطت وجھھا حتى ال تتطلع في وجه قداسة مجده .كان ھو في ذاته كما قال عنه المالك يوم ميالده " ْال ُقدُّوسُ "
) "Bفي .(٦ :٢فھو الوحيد إذا ً )لو .(٣٥ :١ھو اإلنسان الوحيد الذي في نفس الوقت "مُعَ ا ِدالً ِ الذي يستطيع أن يدخل لمحضر ويجلس دون أن يغطي وجھه أو رجليه .فھو الوحيد ْن". الذي "ا ْنسَ َك َب ِ ت ال ِّنعْ َم ُة" )مز (٢ :٤٥على شفتيه ،بينما كل البشر ھم " َن ِجسُ ال َّش َف َتي ِ ِيرينَ " )أش .(١٢ :٥٣فكيف تعامل ولكنه عند وقوفه أمام ألجنا كان قد "حَ َم َل َخطِ َّي َة َكث ِ معه ؟ ھل لفرط قداسة المسيح الشخصية تغاضى عن الخطايا التي حملھا في محضره؟ ال وبالطبع ال ،وھنا نرى مقدار تميز قداسة وفرط تفرده الذي ال يقبل أي شيء ال يتوافق مع طبيعته حتى وإن كان من يحمله ھو القدوس ذاته ،اإلبن. بل لقد واجه المسيح قداسة أو قل تفرد غضب الرھيب المخيف ضد الخطية فيقول أرميا ب سَ َخطِ ِه بلسان المسيح في نبوة واضحة "أَ َنا ھ َُو الرَّ ُج ُل )المسيح( الَّذِي رأَى م ََذ َّل ًة ِب َقضِ ي ِ )سخط أي شدة غضب ().فا Bالغاضب( َقادَ نِي َوسَ يَّرَ نِي فِي َّ الظالَ ِم َوالَ ُنورَ .حَ ًّقا إِ َّن ُه ج ْلدِيَ .كسَّرَ عِ َظامِي )معنويا ً يتحدث عن َيعُو ُد َو َي ُر ُّد عَ َليَّ يَدَ هُ ْالي َْو َم ُك َّل ُه ( ) .أَ ْب َلى َلحْ مِي َو ِ َ ْ َ اآلالم النفسية والروحية(َ .ب َنى عَ َليَّ )مثل المدينة المحاصرة بواسطة عدو( َوأحَ اطنِي ِبعَ ل َق ٍم َو َم َش َّق ٍة .أَسْ َك َننِي فِي ُ ْ ِدَم .سَ يَّجَ )بنى حولي سوراً( عَ َليَّ َفالَ أَسْ َتطِ ي ُع ظلُمَا ٍ ت َكم َْو َتى الق ِ ْال ُخرُوجَ َ .ث َّق َل سِ ْلسِ َلتِي .أَ ْيضًا حِينَ أَصْ ُر ُخ وَ أَسْ َتغ ُ صالَتِي )لما قال له إلھي إلھي ِيث َي ُ ص ُّد َ لماذا تركتني( .سَ يَّجَ ُ ط ُرقِي ِبحِجَ ارَ ٍة َم ْنحُو َت ٍةَ .ق َلبَ )يقطع العدو طرق اإلمداد على المدن المحاصرة لكي يمنعوا عنھا أي معونة( ُس ُبلِي .ھُوَ ) ( لِي دُبٌّ َكامِنٌ ،أَسَ ٌد فِي م ََخ ِابى َء. َم َّي َل ُ ض لِل َّسھ ِْم .أَ ْد َخ َل فِي ُك ْل َي َتيَّ ِنبَا َل ط ُرقِي َوم ََّز َقنِي .جَ عَ َلنِي َخرَ ابًاَ .م َّد َق ْوسَ ُه َو َنصَ َبنِي َكغَ رَ ٍ ُ َ َ َ ْ ً ً َّ ً ْ ْ ْ َ ُ ُ جُعْ َب ِت ِه .صِ رْ ُ ت ضُحْ َكة ِلك ِّل َشعْ ِبيَ ،وأ ْغ ِنيَة ل ُھمُ الي َْو َم كل ُه .أشبَعَ نِي مَرَ ائِرَ َوأرْ َوانِي أفسَ نتِينا، َوجَ رَ شَ ِب ْالحَ صَ ى أَسْ َنا ِنيَ .كبَسَ نِي ِبالرَّ مَا ِد" )مراثي(١٦-١ :٣ لقد وفى المسيح له المجد في عمله الكھنوتي الكامل الذي جعل ثيابه تمأل الھيكل كل مطاليب ين ،ا َّلذِينَ أَسَ ا ُس ُھ ْم فِي ال ُّترَ ابِ، تفرد أو قل قداسة .فجعل أناس مثلنا " ُس َّكانُ ُبيُو ٍ ت مِنْ طِ ٍ َويُسْ حَ ُقونَ م ِْث َل ْالع ِّ ُث" )أي (١٩ :٤لھم شركة مع القدوس رغم مقاييسه السامية العالية َاس« ِبد َِم َيسُوعَ " )عب .(١٩ :١٠تلك األقداس التي ترتجف ولھم " ِث َق ٌة ِبال ُّد ُخ ِ ول إ ِ َلى »األَ ْقد ِ لھا الطبيعة وتحترق ،ويرتعب منھا األنبياء ويرتعد ألجلھا المالئكة السامية الرتبة .فنحن لنا " )عب.(٢١ :١٠ " َكاھِنٌ عَ ظِ يمٌ عَ َلى َب ْي ِ ت ِ وھكذا نقرأ في رسالة أفسس أن المسيح وضعنا في مكانة حتى المالئكة القديسين ال ت َاويَّا ِ يستطيعون أن يصلوا لھا فيقول عن أبينا أنه "أَجْ َلسَ َنا مَعَ ُه )مع المسيح( فِي ال َّسم ِ ْ يح َيسُوعَ " )أف .(٦ :٢ھل قال أنه "أجلسنا"؟ نعم .لقد رأى أشعياء جالس وحيد ھو فِي المَسِ ِ
ِين الرب يسوع بعد أن أكمل العمل إذ " َق َّد َم عَ ِن ْال َخ َطايَا َذ ِبيحَ ًة َواحِدَ ةً ،جَ َلسَ إ ِ َلى األَ َب ِد عَ نْ َيم ِ " )عب (١٢ :١٠ولكن بولس الرسول يرانا نحن أيضا ً جالسين ويتكرر ھذا األمر كثيراً ِ في العھد الجديد. ولكن كيف تقابل القدوس معنا نحن الخالئق الساقطة؟ ذاك ألن أبونا أحضرنا إليه عن طريق إبنه إذ قدمه كفارة توفي مطاليب قداسته فاصبحنا " ِق ِّديسِ ينَ َو ِبالَ َل ْو ٍم ُقدَّا َم ُه فِي ْالمَحَ َّب ِة" )أف .(٤ :١نعم فھو ليس فقط لم يعد يرانا بال لوم بل أيضا ً قديسين .أي أننا أصبحنا في حالة تؤھلنا للشركة الكاملة معه التي ال يتمتع بھا حتى السرافيم ألننا صرنا مقدسين في ب" القدوس .فنحن اآلن عرفنا أشياء ونتمتع بأشياء في " َت ْش َت ِھي ْال َمالَ ِئ َك ُة المسيح " ْال َمحْ بُو ِ أَنْ َت َّطلِعَ عَ َل ْيھَا" )١بط.(١٢ :١ أيھا األخوة كم نحن مديونون للمسيح و Bأبينا؟ كم علينا أن نعيش بتفرد سام عجيب عن ما حولنا ،تاركين من القلب ليس الخطية فقط بل كل ما ال يتفق مع قداسة أي تفرده الكامل، وعاملين كل ما يمجد ذاك الذي واجه قداسة ويكرم أبينا .إنه نحن ھم من حري بھم أن يعيشوا ما قاله للشعب في القديم " َو َت ُكو ُنونَ لِي ِق ِّديسِ ينَ ألَ ِّني ُقدُّوسٌ أَ َنا الرَّبُّ َ ،و َق ْد َمي َّْز ُت ُك ْم ب ِل َت ُكو ُنوا لِي" )ال.(٢٦ :٢٠ )أصبحتم متفردين( مِنَ ال ُّشعُو ِ أخي أختي ،كيف ستقابل القدوس؟ ھل تمتعت بتغطية كفارته الوحيدة التي من الممكن أن تعطيك أن تتقابل مع القدوس مقابلة للسالم والبركة وليس للعنة والحريق؟ "ھ َُو َذا اآلنَ َو ْق ٌ ت ص" )٢كو ،(٢ :٦تحدث معه اآلن وإقبله المسيح ربا ً ومخلصاً. َم ْقبُو ٌل .ھ َُو َذا اآلنَ ي َْومُ َخالَ ٍ أختي وأخي ،يا من تمتعت بغفران وبكفارة المسيح ،ھل تعيش قديسا ً B؟ ھل أنت متميز ومتفرد عن من حولك؟ ھل تنفصل عن كل صور الشر والفساد؟ ھل ال تعيش وال تفعل إال ما يمجد قداسة القدوس المتفردة؟ آه كم حري بنا أن نفعل؟ وللرب كل المجد