األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية
ابن خلدون :مساهمة يف تطور الفكر العلمي يف عصره Ibn Khaldun a Contribution to the Development of Scientific Thought in his Period زدك حممد أمني سنة ثانية دكتوراه فلسفة
جامعة معسكر -كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية -قسم الفلسفة aminezdake@yahoo.fr
ملخص جاء ابن خلدون في الفترة ،التي اكتملت فيها جميع العلوم والمعارف في الحضارة اإلسالمية ،بحيث أصبح من الممكن القيام بتقويم موضوعي ،لذلك لم يكن من الصعب على عقل مثل ذلك الذي امتلكه ابن خلدون، معرفة أماكن الخلل والسعي لتصحيحها ،وقد قدم لنا تعريفا جديدا للعلم مفاده أن التصورات األقرب إلى الواقع هي المكونة للمعرفة العلمية ،كما انه تعامل مع األشياء المعرضة للتغيير على أنها يمكن أن تصبح موضوع للمعرفة العلمية ،خالفا لما كانت تميل إليه النظرة المثالية التي كانت سائدة من قبله ،وانتقل أيضا إلى المنهج االستقرائي وليس تتبع التصورات العقلية المجردة التي اعتمدها الفالسفة المسلمين أخذا من منطق أرسطو الصوري. الكلمات الدالة :المعرفة ،العلم ،المنهج ،التصورات. Abstract Ibn Khaldun came in a period, Was completed in which all sciences and knowledge so that it became the evaluation is objectively possible, So it was not difficult for the mind, such as that possessed ibn khaldoun, to see the places of flaw and seek to correct them, he had Introduced us a new definition of science and perceptions closer to reality, he was dealing with things changing apt to become the subject of scientific knowledge, Unlike tend idealism that existed before, he also moved to the inductive approach rather than the abstract mental the perceptions adopted by Muslim philosophers from Aristotle's formal logic. Keywords: knowledge, Science, Method, perceptions.
مقدمة بعد اإلط�لاع على ال��دراس��ات اليت متت حول فكر ابن خلدون اتضح لي أن هناك جانبا مازال مل ينل حقه من البحث والدراسة وإن كان هناك شيء متعلق به قد مت الكالم فيه فإنه مل يفه حقه من البحث فقد الحظت الكثري من البحوث اليت متت حول اجن��ازات اب��ن خلدون يف ميادين املعرفة والعلم ،كانت فيما تعلق بعلم التاريخ وعلم العمران وفلسفة التاريخ ،باإلضافة إىل حتليل كالم ابن خلدون ومواقفه من العلوم والفلسفة يف عصره .ولكن فيما تعلق بتطوير الفكر العلمي كلية وتقديم إضافة ملا كان موجود سابقا مل أجد هذه النقطة قد استوفت
نصيبها من البحث لذا أردت أن تكون هذه املساهمة سدا لتلك الثغرة ،كون ابن خلدون مل يطور أو يبتكر العلوم االجتماعية فحسب ،بل إن عمله جتاوز ذلك إىل التطوير يف مفهوم العلم مبعناه الواسع ،وإن كانت تلك املساهمة مل تكن مقصودة بشكل مباشر وإمنا جاءت إضافة عرضية مقارنة باهلدف الذي وضعه ابن خلدون لنفسه وهو ضم علم التاريخ إىل علوم احلكمة، واستنباط علم العمران البشري ليكون أداة منهجية حتقق للتاريخ مكانة احلقيقية وتبعده عن حيز الوضعية اإلشكالية؛ وعمل كهذا ال ميكن أن يصدر إال من فيلسوف علم ،لكن على الرغم من إقرار الباحثني بأن ابن خلدون كان ساعيا إىل
األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب /قسم اآلداب والفلسفة العدد - 12جوان . 2014ص48-45 .
45
زدك حممد أمني
دراسة املوضوعية للظواهر ،وذلك غري ما هو دارج يف التصورات حضارة قد أشرفت على السقوط. العلمية حلقائق األشياء آن��ذاك بني املفكرين والفالسفة يف العلم يف عصر ابن خلدون: القرون الوسطى ،على الرغم من ذلك كله ،بقي احلديث عن إضافات خلدونية يف فلسفة العلم وتصوره وش��روط وجوده أن ابن خلدون مل يكن مهتما بصياغة وبلورة نظرية يف املعرفة وكيفيته نشوءه موضوع دون البحث؛ وهنا ما جعلنا نطرح أو العلم بشكل واضح ولكن ما ذكره ابن خلدون يف املقدمة السؤال التالي :هل كان هناك تصور ومفهوم جديدين للعلم مما يتصل باملوضوع دفعه إىل ذلك دراس��ة للتاريخ والعمران يف فكر ابن خلدون سواء بوعي منه أو بدون وعي ،أم انه أضاف البشريني .أي أن إسهامات ابن خلدون اإلبستمولوجية كانت علم العمران كموضوع جديد للمعرفة فقط ،لكن وفق مناهج يف سياق معني ومل تكن غاية يف ذاتها؛ ومع ذلك فهي على قدر من اإلبداع واجلدة مما تستحق الدراسة .وميكن اعتبار مقررة سلفا ودون اخلروج عما هو سائد؟ ولكن قبل الشروع يف املوضوع مباشرة علينا إلقاء نظرة على اكرب العوامل مساهمة يف صياغة نظرية خلدونية يف العلم حال املعرفة العلمية يف عصر ابن خلدون ،مستعينني يف ذلك هي نقد ابن خلدون ملكانة العقل يف الفلسفة اليونانية وعند بنصوص من املقدمة ليتبني لنا تشخيص صاحب املقدمة ،وعلى من تابعهم من املفكرين العرب واملسلمني ،للمنطق والفلسفة أي أساس مت جتاوزه ،فقد امتاز "بسعة اطالعه على ما كتب اإلهلية ،بل هذا باإلضافة إىل نزوع صاحب املقدمة إىل معرفة األقدمون وعلى أحوال البشر ،وكان قادرا على استعراض اآلراء الظاهرة اإلنسانية معرفة علمية.
ونقدها ،دقيق املالحظة أثناء ذلك كله ،مع حرية يف التفكري مكانة العقل عند ابن خلدون: وإنصاف ألصحاب اآلراء املخالفة لرأيه ...ثم إن ابن خلدون إن العقل حسب مفكرنا " مفطور على إدراك العامل الطبيعي، مفكر متزن ال مييل مع اهلوى ،بل تراه يقيد استنتاجاته كلها مهيأ ل�لاس��ت��دالل على م��ا فوقه ب��آث��اره .وه��ذا العقل تتجلى مبا هو مشاهد يف االجتماع اإلنساني ،أو مبا عرفه أو بلغه من فاعليته يف مستويات ثالثة ،متدرجة يف كماهلا ،هي :العقل ()1 األحوال أو مبا تضافرت عليه األدلة" التمييزي -العقل التجرييب -العقل النظري* )5(".ذلك أن ابن املعرفة يف عصر ابن خلدون: خلدون يعترب أن الفالسفة من قبله كانوا خمطئني ملا أرادوا كانت العلوم يف احلضارة العربية اإلسالمية ،ماعدا العلوم أن يصلوا إىل معرفة ما وراء الطبيعة بالعقل وحده خصوصا الشرعية هي نفسها العلوم العقلية اليت وضعها اليونان وأخذها ملا كان من املؤكد عجز احلواس عن مساندته يف ذلك ،فعامل عنهم املسلمون؛ مع االعرتاف حبدوث تغيريات أملتها ظروف الغيبيات أوسع من نطاق العقل " وليس ذلك بقادح يف العقل تارخيية ،ومفكرنا " اشتغل باملعرفة العربية اإلسالمية وهي ومداركه فهو ميزان صحيح ،فأحكامه يقينية ال كذب فيها... يف حالة امتالء وان��س��داد واقعيني ،وه��ذه احلالة أصبحت يف لكن للعقل حد يقف عنده وال يتعدى ط��وره ،حتى يكون له عهده قابلة للمالحظة ،ومتس امليادين املعرفية برمتها النقلية أن حييط باهلل وبصفاته ،فإنه ذرة من ذرات الوجود احلاصل والعقلية )2(".ول��ي��س أدل على ذل��ك م��ن تصرحيات صدرت منه"()6والعقل عند ابن خلدون جزأ من النفس البشرية وهي عن ابن خلدون نفسه فهو القائل " :ولقد كسدت هلذا العهد بدورها أساس اإلدراك واملعرفة؛ فهو يرى أن اإلنسان"مركب أسواق العلم باملغرب ،لتناقص العمران فيه ،وانقطاع سند العلم من جزئني أحدهما جسماني واآلخر روحاني ممتزج به ولكل والتعليم ،كما قدمناه يف الفصل قبله ،وما ادري ما فعل اهلل واحد من اجلزئني مدارك خمتصة به ،واملٌ ْد ِر ُك فيها واحد وهو ـباملشرق" ( )3وهذا يعين أن العرب واملسلمني كانوا آنذاك كان اجل��زء الروحاني ي��درك ت��ارة م��دارك روحانية ،وت��ارة مدارك جسمانية ،إال أن املدارك الروحانية يدركها بذاته بغري واسطة قد جتاوزا فرتة استيعاب علوم السابقني وامتالكها "وعمدوا واملدارك اجلسمانية يدركها بواسطة آالت اجلسم من الدماغ يف نفس الوقت إىل()4تصحيحها ثم إضافة معارف جديدة مل واحلواس"()7ويقسم ابن خلدون النفوس العارفة وفق مبدئه يسبقهم إليها احد ".وابن خلدون قد جاء يف فرتة متأخرة عن يف االستحالة والرتقي من أسفل إىل أعلى؛ من ع��امل احلس ذلك من احلضارة اإلسالمية ،كانت قد فقدت فيها مضامني إىل ع��امل املالئكة اىل"()8ثالث أص��ن��اف :صنف عاجز بالطبع املعرفة اليونانية بريقها ،فاستطاع إن يراها على حقيقتها دون عن الوصول إىل اإلدراك الروحاني ،فينقطع باحلركة إىل أن تلقى يف قلبه تعظيما يصرفه عن مكامن اخللل ،فأمكنه اجلهة السفلى* حنو امل��دارك احلسية واخليالية ،وتركيب ذل��ك من التعرض للعلم السابق عليه بالنقد والتمحيص ،املعاني من احلافظة والواهمة على قوانني حمصورة وترتيب وتقديم البديل .أي أن اب��ن خلدون ك��ان بشكل من األشكال خ��اص يستفيدون ب��ه العلوم التصورية والتصديقية اليت فيلسوف علم قام بثورة أحدثت قطيعة ابستمولوجية مع ما للفكر يف البدن ... ،وهذا هو يف األغلب نطاق اإلدراك البشري كان موجود ،متثلت يف انتقال العلم من البحث عن ماهيات اجلسماني وإليه تنتهي مدارك العلماء وفيه ترسخ أقدامهم". األشياء إىل البحث عن اخلصائص املوضوعية هلا ،عن طريق ( )9وأما الصنف اآلخر فهم الذين ميكنهم التوجه حبركاتهم االستقراء ،والتحرر من النزعة املثالية يف املعرفة اليت ترى أن الفكرية دون االفتقار لآلالت البدنية (احل��واس) ،حنو العامل احلقيقة تكمن فقط يف الثابت ،وأن املتغري يستحيل أن تقوم الروحاني وهم األولياء أهل العلوم الدينية وهم ال يدخلون حوله معرفة علمية؛ لكن مل يكتب هلا االستمرار لظهورها يف ضمن نطاق حبثنا ،هم وصنف آخ��ر يستطيع االن��س�لاخ من 46
األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب /قسم اآلداب والفلسفة العدد - 12جوان . 2014ص48-45 .
ابن خلدون مساهمة يف تطور الفكر العلمي يف عصره
بشريته يف فرتات معينة ،ليصبح يف طور املالئكة وهم األنبياء. وهم غري معنيني بالعلوم العقلية أو الفلسفية .وإىل هذا احلد يتبني لنا أن املعرفة العلمية يقوم بها العقل واحلواس وحتديد العقل النظري هو املنوطة به حتصيل العلوم إذ يقول عنه ابن خلدون أنه "يحُ ّ َص ُل به يف تصور املوجودات غائبا وشاهدا على ما هي عليه"( )10أي معرفة الوجود مبا هو موجود وتصوره كما هو ال كما ينبغي أن يكون أو من خالل أقييسة وجتريدات ذهنية قد ال يكون هناك ما يربط واقعها بتصورها. موضوع العلم عند ابن خلدون: صحيح أن ع��امل احل��س هو ما ميكن اإلن��س��ان معرفته حبكم مالئمة م��ا ميتلكه اإلن��س��ان م��ن وس��ائ��ل لطبيعة ه��ذا العامل وخصائصه ،اب��ن خ��ل��دون ينطلق م��ن م��ب��دأ عقلي م��ف��اده أن الطبيعة متسقة مطردة القوانني وحتت طبيعة ظاهرة ،فـ" كل حادث من احلوادث ذات كان أم فعال البد له من طبيعة ختصه يف ذاته وفيما يعرض له من أحواله"( )11وتقع يف مدارك النفس "على نظام وترتيب ،ألن الطبيعة حمصورة للنفس وحت��ت طورها"( )12وه��و قسمني ذوات وأف��ع��ال :وه��و يقبل الن حتيط به العلوم معرفة .ووظيفة البحث العلمي حسب مفكرنا هي تتبع األعراض الذاتية وهو هذه االخرية عبارة عن مفهوم اقتبسه ابن خلدون من عند اإلمام الغزالي الذي فصل فيه يف كتابه مقاصد الفالسفة ،حيث يقول عن األع��راض الذاتية " ونعين بها :اخلــواص ال�تي تقـــع يف موضــوع ذل��ك الــعلم، وال تقـــع خارجــة عــنه ،كاملـــــثلث واملـــربع لبعض املقادير، واالحن��ن��اء واالستقامة لبعضها ،وه��ي أع��راض ذاتية ملوضوع اهلندسة ،وكالزوجية والفردية للعدد ،وكاالتفاق واالختالف للنغمات ،أعين التناسب ،وكاملرض والصحة للحيوان ،والبد يف أول كل علم من فهم األعراض الذاتية حبدودها على سبيل التصور .أما وجودها يف املوضوعات فإمنا يستفاد من متام ذلك العلم ،إن مراد العلم أن يربهن عليه فيه"()13و"العلم بهذا املعنى يبحث يف خواص األشياء اليت تشكل موضوعه"()14وهي تصورات نامجة عن املالحظة املباشرة أي قريبة من الواقع غري مبالغة يف التجريد كما هو احلال يف النهج الذي اتبعه السابقون عليه. ابن خلدون واملنهج القديم: وبعد أن ضبط ابن خلدون حدود اجملال الذي ميكن للعقل أن يبحث فيه عن معرفة علمية ،جنده يشري إىل الطريقة اليت على العقل أن يتبعها يف سبيل امتالك معرفة صحيحة منطقيا وواقعيا ،أي أنه تكلم يف منهج معني عربه فقط يستطيع اإلنسان أن يتكشف العلوم باحلقائق .يصرح اب��ن خ��ل��دون أن املنهج العلمي هو استقرائي يتتبع خصائص املوضوع الذاتية من خالل املالحضة املباشرة ،واخلطاب العلمي عنده يكتفي بالتعبري عن ()15 " املعاني العينية اليت ما تزال الصـورة احلسيــة عالــــقة بــها" من خــالل نقده للمنــطق ومن خــالل عبـــارات جندهـــا متفرقة يف أحناء شتى من املقدمة تشري بشكل واضح إىل أهم مالمح منهجه اجلديد. وعلينا التذكري أن املنهج ال��ذي كان سائدا قبله هو املنطق
األرسطي الساعي إىل الوصول إىل ماهيات األشياء ،باعتبار هذه األخرية متثل " مجلة اخلصائص الثابتة يف الشيء واليت بها يتم تصوره"()16لكن ابن خلدون كان له موقفه اخلاص والذي نلمسه يف حديثه عن إبطال الفلسفة اإلهلية ،اليت جعلت مسارها ونهجها يف أن ينظر الذهن يف "املوجودات الشخصية فيجرد منها أوال صورا ...وهذه اجملردة من احملسوسات تسمى املعقوالت األوائ���ل ...ثم جترد ثانيا إن شاركها غريها وثالثا إىل أن ينتهي التجريد إىل املعاني البسيطة الكلية املنطبقة على مجيع املعاني واألشخاص وال يكون منها جتريد بعد هذا، وهي األجناس العالية ،فإذا نظر الفكر يف هذه املعقوالت اجملردة وطلب تصور الوجود كما هو فالبد للذهن من إضافة بعضها إىل بعض ونفي بعضها عن بعض"()17وهذا هو املنطق .ولقد انتهى ابن خلدون بعد الفحص املعمق إىل رفض هذا النوع من املعرفة على أساس أنها معرفة علمية ،وكان سبب اعرتاض ابن خلدون هو" أن املطابقة بني النتائج الذهنية اليت تستخرج باحلدود واألقييسة ...وبني ما يف اخلارج غري يقيين ،ألن تلك أحكام ذهنية كلية عامة وامل��وج��ودات اخلارجية مشخصة مبوادها"( )18وهذا اعرتاض وجيه نابع من نزعة واقعية صارمة، اجنر عنها رفض للمنهج السابق متمثال يف املنطق األرسطي؛ على الرغم من املكانة املرموقة اليت كان حيظى بها يف األوساط املعرفية اإلسالمية آنذاك .لكن دون أن ننسى أن املعنيني بنقده هم املتأخرون من فالسفة اإلسالم ،وقد اخذ ابن خلدون على هؤالء أنهم يوجهون كل عنايتهم إىل (( منطق الصورة )) أو (( الشكل )) وهو الذي يدرس القضية من حيث شكلها وصورتها فقط ،ويغفلون منطق املادة ،وهو الذي يدرس القضية من حيث مادتها ،أي من حيث صدق عناصرها وانطباقها على الواقع، أو ال يوجهون إليه إال يسريا من عنايتهم ،مع انه أهم كثريا من منطق الصورة .،ومن ثم أغفلوا النظر يف الكتب اخلمسة املتعلقة مبنطق املادة من كتاب أرسطو ،وهي"( (( )19الربهان واجل��دل واخلطابة ،والشعر والسفسطة ،ورمب��ا يلم بعضهم باليسري منها إملاما ،وأهملوها كأن مل تكن ،وهي املهم املعتمد يف هذا الفن )) )20(".وهذا دليل واضح من ابن خلدون على نزوعه حنو التفكر املرتبط بالواقع والتلبس بصوره وخصائصه وعلى انه استشعر جانب النقص الذي كان يشوب املعرفة العلمية، وال��ذي تسببت فيه نزعة مثالية متعلقة بفلسفة القيم لدى اليونان ،كما يعتب على املتأخرين من املسلمني اقتصارهم على املنطق الصوري الذي أدى إىل استمرار تلك النزعة املثالية يف الفكر اإلسالمي. املنهج العلمي عند ابن خلدون: يبقى اىل حد اآلن س��ؤال املنهج مطروحا يف فكر ابن خلدون العلمي .ولكي يتجلى بشكل اوض��ح نذكر بأنه على الرغم من االنتقادات اليت وجهها ابن خلدون ملنهج املناطقة إىل انه مل يرتكه بالكلية ففي استخدامه ملنهجه اجلديد مل يلغي اخلطوات أربعة تعارف عليها املناطقة واشرتطوها لكل علم، وه��ي :املوضوع واألع��راض الذاتية واملسائل واملقدمات ،وإمنا ترك اخلطوة األخرية واملتعلقة بالربهان ألن ذلك ليس من نوع
األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب /قسم اآلداب والفلسفة العدد - 12جوان . 2014ص48-45 .
47
زدك حممد أمني
العلوم اليت يريد ابن خلدون اخلوض فيها فهو عندما يتحدث عن علم العمران يقول ":وكأن هذا علم مستقل بنفسه .فهو ذو موضوع ،وهو العمران البشري واالجتماع اإلنساني ،وهو ذو مسائل وهي بيان ما يلحقه من العوارض لذاته واحدة بعد أخ��رى ،وه��ذا شأن كل علم وضعيا كان آو عقليا )21(".وابن خلدون يذهب بدل اعتماد اخلطوة الرابعة من خطوات املناطقة اليت هي الربهان يذهب إىل اعتبار االستقراء كمنهج وظيفة الفكر فيه أن "يتوجه إىل واحد واحد من احلقائق وينظر ما يعرض له لذاته واحد بعد آخر ويتمرن على ذلك حتى يصري إحلاق العوارض بتلك احلقائق ملكة له ،فيكون حينئذ علمه مبا يعرض لتلك احلقيقة علما خمصوصا"( )22وبيان العوارض ال ميكن ان يكون إال بتتبعها كما قال هو واحدا واحدا ،وهذا هو شأن االستقراء ألن العلم حسب فيلسوفنا يرتكز على تصورات " ال تبعد عن احل��س كل البعد وال يتعمق فيها الناظر؛ بل كلها تدرك بالتجربة وبها يستفاد ،ألنها معاني جزئية تتعلق باحملسوسات وصدقها وكذبها ،يظهر قريبا يف الواقع ،فيستفيد ()23 طالبها حصول العلم بها من ذلك". اخلامتة
-4ج�لال مظهر :احلضارة اإلسالمية أس��اس التطور العلمي احلديث، مركز كتب الشرق األوسط ،مصر1969 ،م ،ص.68 -5فائز الربازي ،ابن خلدون واالجتماع العربي ،مركز دمشق للدراسات النظرية واحلقوق املدنية ،سوريا08-07-2007 ،مhttp://www.mokarabat. ، com/s2511.htm
-6املقدمة ،ص.468-469 -7املقدمة ،ص .566 -8اجلياللي ابن التهامي مفتاح ،فلسفة اإلنسان عند ابن خلدون ،دار الكتب العلمية ،لبنان2011 ،م ،الطبعة األوىل ،ص .135 -9املقدمة ،ص .112بتصرف. -10املقدمة ،ص .481 -11املقدمة ،ص.50 -12املقدمة ،ص .467 -13الغزالي أبو حامد ،مقاصد الفالسفة ،حتقيق وتقديم :حممود بيجو، مطبعة الصباح ،سوريا1420 ،هـ 2000 -م الطبعة األوىل ،ص .57 -14حممد عابد اجلابري ،فكر ابن خلدون العصبية والدولة :معامل نظرية خلدونية يف التاريخ ،مركز دراس��ات الوحدة العربية ،لبنان1994،م، الطبعة السادسة ،ص .104
يف األخري نستنتج أن احلس النقدي اخللدوني قد امتد ليشمل حتى املستوى االبستمولوجي من املعرفة يف احلضارة العربية اإلسالمية وق��د ع��دل م��ا ارت���آه احن���راف ع��ن مقاصد املعرفة -16حممود يعقوبي ،معجم الفلسفة ،مكتبة الشركة اجلزائرية، العلمية اليت جتعل من احلقيقة هدفا هلا خاصة وأن��ه كان اجلزائر1399 ،هـ 1979 -م ،ص .213 ميتلك فكرا منفتح وم��ب��دع مس��ح ل��ه ب��ان يفكر خ��ارج األطر -17املقدمة ،ص 563بتصرف. اليت وضعها اآلخ��رون ،فوضع لنا تصور للعلم أكثر واقعية -18املقدمة ،ص .565 وموضوعية وطور يف مبادئ ومنطلقات العلم ،حبيث تتالئم -19علي عبد الواحد وايف ،عبقريات ابن خلدون ،عكاظ ،اململكة العربية مع ما كان يصبو اليه من إضافة املعرفة باإلنسان إىل حقل السعودية1404 ،هـ 1984 -م ،الطبعة الثانية ،ص .181 العلوم احلكمية والفلسفية اليت تعترب إنسانية ال ختتص بأمة أو ملة معينة ،ومن هنا تفجرت إبداعاته يف جماالت معرفية -20املقدمة ،ص .518 وعلمية شتى وجعلته من أرائه تعرف أطول فرتة من الراهنية -21املقدمة ،ص .53 -22املقدمة ،ص .437 واالستمرار عرب التاريخ. -15حممود اليعقوبي ،أص��ول اخلطاب الفلسفي (،ط2؛ اجلزائر :ديوان املطبوعات اجلامعية2009 ،م ) ،ص .75
-23املقدمة ،ص .478
اهلوامش -1عمر فروخ ،تاريخ الفكر العربي إىل أيام ابن خلدون ،دار العلم للماليني، لبنان1983 ،م ،الطبعة الرابعة ،ص .694 -2س��امل مح��ي��ش ،اخللدونية يف ض��وء فلسفة ال��ت��اري��خ ،دار الطليعة، لبنان1998،م ،الطبعة األوىل ،ص.17 -3عبد الرمحن اب��ن خلدون ،املقدمة ،دار الفكر ،لبنان2007 ،م ،طبعة جديدة ومنقحة ومصححة ،ص .444
48
األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب /قسم اآلداب والفلسفة العدد - 12جوان . 2014ص48-45 .