ظلال أطلانتس

Page 1

‫ظالل أطالنتس‬ ‫عمار املصري‬ ‫دار الكنزي للنشر والتوزيع‬

‫‪1‬‬


‫دارالكنزي للنشروالتوزيع‬

‫الطبعة األولى‬ ‫الكتاب ‪ :‬ظالل أطالنتس‬ ‫تأليف ‪ :‬عمار المصري‬ ‫تصنيف الكتاب ‪ :‬رواية‬ ‫مصمم الغالف ‪ :‬؟؟؟؟‬ ‫إخراج ‪ :‬أحمد عبد الرحمن‬ ‫المقاس ‪20 × 14‬‬

‫املدير العام‬

‫حممد صالح‬ ‫إشراف عام‬

‫إيناس الدسوقي‬

‫رقم اإليداع ‪ :‬؟؟؟ ‪2017 /‬‬ ‫الترقيم الدولي ‪978 - 977 - 6599 - ?? - ? :‬‬

‫‪All Rights Reserved‬‬ ‫‪Alkanzy for Publishing and Distribution‬‬ ‫‪+01003897918‬‬ ‫‪Alkanzy.co@gmail.com‬‬ ‫‪Facebook.com/Alkanzy.com‬‬ ‫مجيع احلقوق حمفوظة للمؤلف‬

‫‪2‬‬


‫إهداء إىل‬ ‫كل من ساعدني يف خروج هذا العمل إىل النور والفضل يعود هلم بعد‬ ‫اهلل يف االنتهاء منه‪:‬‬ ‫�اعدني طوال طريقي حتى‬ ‫�د املهدي‪ :‬صديقي الكاتب الذي س�‬ ‫– –أمح�‬ ‫انتهيت من العمل‪.‬‬ ‫�خه وكان‬ ‫– –مصدق الطيب‪ :‬صديق الطفولة الذي قرأ العمل بكل نس�‬ ‫دائما ويعطيين األمل بأن ُأكمل‪.‬‬ ‫يشجعين ً‬ ‫دائما ويشجعين وحيفزني‬ ‫– –عمر حممد‪ :‬صديقي العزيز الذي يساعدني ً‬ ‫كلما يئست‪.‬‬ ‫�اعدتين مساعدة كبرية خلروج هذا العمل‬ ‫– –فريدة اجلوهري‪ :‬اليت س�‬ ‫إىل النور‪.‬‬ ‫�اعدوني بآرائهم‬ ‫أيضا إىل مجيع أصدقائي وأقربائي الذين س�‬ ‫وأهديها ً‬ ‫ريا‪.‬‬ ‫وتعليقاتهم اليت ساعدتين كث ً‬

‫‪3‬‬


4


‫‪1‬‬ ‫يف عام ‪ - 2150‬القاهرة اجلديدة‪ -‬مصر‪.‬‬ ‫�ور البالغ من العمر‬ ‫�تيقظ من النوم على صوت منبهه املزعج‪ ،‬ن�‬ ‫يس�‬ ‫�عره قصري وناعم ومييل إىل اللون البين‪ ،‬وعيناه‬ ‫عاما؛ ش�‬ ‫اثنني وعش�‬ ‫�رين ً‬ ‫�ى عليه‪ ،‬مع مسرة خفيفة يف‬ ‫�وداوان كاللؤلؤ‪ ،‬ومالحمه العربية تطغ�‬ ‫س�‬ ‫وجهه‪.‬‬ ‫�اعرا بأنه مل ينم مبا فيه الكفاية‪ ،‬فتحامل على نفسه‬ ‫تثاءب بقوة‪ ،‬ش� ً‬ ‫�رير ليستعد ليوم جامعي جديد يف جامعة القاهرة‬ ‫رافعا جسده عن الس�‬ ‫ً‬ ‫مسرعا ليلحق‬ ‫�تعدادات خرج‬ ‫اجلديدة‪ .‬بعد أن انتهى نور من كل االس�‬ ‫ً‬ ‫�عتها احلمراء‬ ‫�مس قد بزغت يف األفق لتلقي بأش�‬ ‫باحلافلة‪ ،‬فوجد الش�‬ ‫�ى املدينة‪ ،‬معلنة عن بداية يوم جديد‪.‬‬ ‫الدافئة عل�‬ ‫وصل نور يف الوقت احملدد ‪ ..‬استقل احلافلة املعلقة للتنقل السريع‪،‬‬ ‫�رع‬ ‫موجها نظره إىل اخلارج عرب النافذة‪ ،‬وش�‬ ‫ثم جلس على أحد املقاعد‬ ‫ً‬ ‫يف تفقد الناس وهم يتجهون إىل مشاغلهم وواجباتهم اليومية‪ .‬السيارات‬ ‫ير بنظام وتقوم بأعماهلا اليومية إلبقاء‬ ‫حتلق يف اهلواء والروبوتات تس�‬ ‫النظام‪ .‬شعر نور بسأم‪ ،‬وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –يوم ممل آخر‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫�ت احملدد‪ ،‬فدلف إىل‬ ‫�تطاع أن يصل يف الوق�‬ ‫انطلق إىل جامعته واس�‬ ‫�م علوم الفضاء‪ ،‬وجلس يف مقعده املعتاد جبانب‬ ‫القسم اخلاص به‪ ،‬قس�‬ ‫صديقه يوسف ليستمع إىل ما يقوله ُ‬ ‫اضر‪ .‬كان يوسف أمسر البشرة‪،‬‬ ‫امل ِ‬ ‫دائما‪ ،‬همس يوسف لنور قائ ًال‪:‬‬ ‫شعره قصري ومموج‪ ،‬حيب املزاح واالبتسام ً‬ ‫�ب‪ ،‬سيتحدث عن موضوع يف‬ ‫– –من اجليد أنك وصلت يف الوقت املناس�‬ ‫غاية األهمية‪.‬‬ ‫– –هذا من حسن حظي ‪ ..‬واآلن فلنستمع ملا يقوله‪.‬‬ ‫�دو عليه الذكاء‬ ‫�ا ًبا يف الثالثينات من العمر‪ ،‬يب�‬ ‫�ر ش�‬ ‫كان احملاض�‬ ‫�عره األسود الناعم ممشط إىل اخللف‬ ‫والفطنة‪ ،‬يرتدي نظارة طبية‪ ،‬وش�‬ ‫ومالحمه اآلسيوية ال خيتلف عليها أحد‪ ..‬كان من اليابان وامسه (كينو)‪.‬‬ ‫�ال كينو وهو يعرض صورة هولوجرامية لصورة روبوت كان قد مت‬ ‫ق�‬ ‫إرساله إىل الفضاء يف رحلة إىل املشرتى‪ ،‬وعندما عاد حدث شيء غريب‪..‬‬ ‫شغل ُ‬ ‫املاضر الفيديو كي يشاهده اجلميع رغم مشاهدتهم له آالف‬ ‫املرات وحديثهم عنه الذي مل ينته حتى اآلن‪.‬‬ ‫�ى األرض‪ ،‬وكانت‬ ‫تي كانت حتمل الروبوت عل�‬ ‫�ت املركبة ال�‬ ‫هبط�‬ ‫مجيع اجلهات واملؤسسات يف انتظاره لتحتفل باالكتشافات اليت توصل‬ ‫إليها هذا الروبوت‪ ،‬وكانت هناك تغطية إعالمية كبرية للحدث‪ .‬بينما‬ ‫كان اخلرباء ينتظرون بفارغ الصرب ليحصلوا على امللفات يف رأسه كي‬ ‫�ال‪ ،‬عندما خرج‬ ‫�ئ أغرب من اخلي�‬ ‫�وا كل ما رآه وصوره‪ ،‬حدث ش�‬ ‫يعرف�‬ ‫الروبوت من السفينة‪ ،‬قام مبحو كل البيانات من رأسه وهاجم البشر من‬ ‫حوله وهو يردد هذه العبارة‪:‬‬ ‫– –جيب تدمري البشر ‪ ..‬كل شيء سيهلك ‪ ..‬الدمار قادم‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫�رح ويوضح ويعطي فرضيات ملا حدث‪،‬‬ ‫أوقف كينو الفيديو‪ ،‬وبدأ يش�‬ ‫فقال بنربة هادئة فطنة‪:‬‬ ‫�د حدث له يف الفضاء ‪ ..‬رمبا‬ ‫�يئا غريبا ق�‬ ‫– –كما ترون فإن هناك ش�‬ ‫قابل خملوقات غريبة قامت بربجمته ‪ ..‬رمبا تعطل لبقائه يف الفضاء‬ ‫لفرتة طويلة ‪ ..‬ال أحد يعلم‪ ،‬ولكن ما حدث كان غري ًبا حق ًا‪ ،‬ورمبا‬ ‫يفسر اختفاء السفينتني إينيكس ‪ 1‬وإينيكس‪ .. 2‬وبالطبع ما حدث‬ ‫يف هذا الوقت أنه ‪..‬‬ ‫صمت قلي ًال ليلتقط أنفاسه ثم كسر حاجز الصمت قائ ًال‪:‬‬ ‫�يرتا للفضاء‪ ،‬اليت يقع مقرها يف مدينة‬ ‫�لت وكالة س�‬ ‫– –بعد أن أرس�‬ ‫�فر جملرات أخرى‪،‬‬ ‫�فينة قادرة على الس�‬ ‫�س اجلديدة‪ ،‬أول س�‬ ‫أطالنت�‬ ‫وانطلقت يف الرحلة اليت اشتهرت يف األوساط وفى كل مكان‪ ،‬واليت‬ ‫�دف منها اخلروج من جمرة درب التبانة والذهاب إىل جمرة‬ ‫كان اهل�‬ ‫أندروميدا‪ ،‬واكتشاف ما إذا كانت هناك حياة أم ال‪ ،‬ولكن لسوء احلظ‬ ‫متاما‪ ،‬فأرسل املقر سفينة أخرى‬ ‫السفينة مل تعد‪ ،‬وفقد املقر إشارتها ً‬ ‫للبحث عن األوىل والتوجه إىل اجملرة احملددة‪ ،‬ولكنها اختفت بدورها‬ ‫أيضا‪ ،‬مما س� َّبب الكثري من اجللبة واملشاكل للمقر‪ ،‬ودفعوا الكثري‬ ‫من التعويضات إىل األهالي‪ ،‬ولكن هذا مل يشف غليلهم على أبنائهم‪.‬‬ ‫عدل من وضعية نظارته ثم استطرد قائ ًال‪:‬‬ ‫�ذا جيعلنا نفكر ‪ ..‬هل كل هذه األحداث هي ُصدف بالفعل‪ ،‬أم‬ ‫– –وه�‬ ‫أن هناك شيئا غريبا جيري يف الكون ال نعلمه بعد؟! رمبا تكون كل‬ ‫�داث مرتبطة ببعضها البعض بطريقة ما ‪ ..‬من يعلم ‪..‬‬ ‫هذه األح�‬ ‫لقد فقدت أخي احلبيب يف رحلة إينيكس ‪ 1‬فقد كان من املنضمني‬ ‫جيدا عن أي‬ ‫�تخدام الروبوتات يف االستكش�‬ ‫إليها الس�‬ ‫�اف والبحث ً‬ ‫‪7‬‬


‫�ع أنتم تعرفون أخي‪ ،‬فهو من وضع قوانني‬ ‫مصدر للحياة ‪ ..‬بالطب�‬ ‫أزميوف الثالثة للروبوتات وجعلها حقيقة ممكنة وليست جمرد خيال‬ ‫علمي‪ ،‬مما جعل البشرية تنتقل ملرحلة أخرى من التقدم باستخدام‬ ‫�ن أن الروبوتات قد تتمرد عليهم يف‬ ‫�ر م�‬ ‫اآلالت‪ ،‬فقد زال خوف البش�‬ ‫�وم من األيام‪ ،‬ولكن أخي َّ‬ ‫حل هذه املعضلة‪ ،‬واآلن هل يعلم أحدكم‬ ‫ي�‬ ‫ما هي القوانني الثالثة؟‬ ‫رفع نور يده قائ ًال‪:‬‬ ‫بشري أو السكوت عما قد يسبب ًأذى له‪.‬‬ ‫– –ال جيوز آللي إيذاء‬ ‫ّ‬ ‫– –جيب على اآللي إطاعة أوامر البشر إال إذا تعارضت مع القانون األول‪.‬‬ ‫�ا ال يتعارض ذلك مع‬ ‫�ي احملافظة على بقائه طامل�‬ ‫– –جيب على اآلل�‬ ‫القانونني األول والثاني‪.‬‬ ‫أردف كينو قائ ًال‪:‬‬ ‫– –أحسنت‪ ،‬وهذا حل معضلة التمرد لألبد‪ ،‬ولكن ما حدث هلذا الروبوت‬ ‫�يء غريب ونادر للغاية ‪ ..‬على كل حال‬ ‫العائد من الفضاء هو ش�‬ ‫لقد انتهت حماضرتنا‪.‬‬ ‫�ارج‪ .‬وقف نور مع‬ ‫�و احملاضرة‪ ،‬فانطلق الطالب إىل اخل�‬ ‫أنهى كين�‬ ‫يوس��ف يتبادالن أطراف احلديث‪ ،‬فقال نور‪:‬‬ ‫– –يوم ممل آخر يف هذه احلياة‪.‬‬ ‫رد يوسف ممازح ًا‪:‬‬ ‫يوما مم ًال آخر‬ ‫– –ال تزال بنفس نربتك املتشائمة الدائمة‪ ،‬ولكنه ليس ً‬ ‫ألن لدي لك مفاجأة ستغري حياتك كلها‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫قطب نور حاجبيه قائ ًال‪:‬‬ ‫– –ما هي هذه املفاجأة اليت ستغري حياتي‪ ،‬هل جنحت يف مادة الفلك؟!‬ ‫قل لي فليس لدي وقت‪ ،‬أريد العودة إىل املنزل ُألكمل أحباثي‪.‬‬ ‫ضحك يوسف قائ ًال‪:‬‬ ‫– –ال ليس هذا بالطبع‪ ،‬لن ينجو أحد من هذه املادة‪،‬إنها مفاجأة أعظم‬ ‫بكثري ‪..‬أال زلت يف أوهامك اليت تتعلق بأطالنتس املفقودة؟‬ ‫قطب نور حاجبيه قائ ًال‪:‬‬ ‫�ودة‪ ،‬والكثري من األدلة‬ ‫�ت أوهاما‪ ،‬أنت تعلم بأنها كانت موج�‬ ‫– –ليس�‬ ‫�فت يف غرب‬ ‫ير إىل هذا وأهمها هي األدلة واأللواح اليت اكتش�‬ ‫تش�‬ ‫�ومرية وعندما مت‬ ‫وجدت قبل احلضارة الس�‬ ‫مصر حلض� ٍ‬ ‫�ارة عتيقة ِ‬ ‫فك اللغة‪ ،‬اكتشفوا إش��ارات كثرية تشري إىل أطالنتس املفقودة‪،‬‬ ‫�ارت األلواح إىل‬ ‫وأنها كانت متتلك علم ًا مل يتخيله أحد بعد‪ ،‬وأش�‬ ‫حروب وقعت بني هذه احلضارة وبني حضارة أطالنتس‪ ،‬ولكن الكثري‬ ‫�م علماء اآلثار طبيعة هذه‬ ‫�ن األدلة كانت مفقودة؛ وهلذا مل يعل�‬ ‫م�‬ ‫�ي لبناء مدينة أطالنتس‬ ‫�بب الرئيس�‬ ‫أيضا كان الس�‬ ‫احلرب‪ .‬وهذا ً‬ ‫�اف األلواح‪ ،‬على كل حال جيب‬ ‫اجلديدة بالقرب من موقع اكتش�‬ ‫أن أعلم ما ُكنية هذا العلم رمبا جيعلنا نتوصل للكثري من األشياء‬ ‫�يئا!‬ ‫اهلائلة اليت ال نعلم عنها ش�‬ ‫تنهد يوسف مبلل وقال‪:‬‬ ‫– –حسن ًا‪ ،‬حسن ًا‪ ،‬فلتفعل ما حيلو لك‪ ،‬ولكن على كل حال‪ ،‬أتذكر ما‬ ‫قاله كينو منذ قليل عن بعثات الفضاء؟‬ ‫– –نعم أذكره ‪ ..‬ماذا به؟‬ ‫‪9‬‬


‫– –أتذكر اإلعالن القريب لوكالة سيرتا عن حاجتها ملتطوعني لرحلة‬ ‫الفضاء اجلديدة للذهاب إىل أندروميدا مرة أخرى؟‬ ‫�ره‪ ،‬لقد متنيت أن أتطوع فيها ولكن مل حيالفين احلظ ‪..‬‬ ‫– –نعم أذك�‬ ‫�لهم الذريع‬ ‫�ن تعجبت حق ًا من أنهم حاولوا من جديد بعد فش�‬ ‫ولك�‬ ‫�ائر الفادحة اليت تلت هذا الفشل‪.‬‬ ‫واخلس�‬ ‫بنربة ميلؤها احلماس‪:‬‬ ‫صمت يوسف قلي ًال ثم اندفع قائال‬ ‫ٍ‬ ‫ريا وبعد مخس سنوات‪،‬‬ ‫– –نعم لقد فشلوا منذ مخس سنوات‪ ،‬ولكن وأخ ً‬ ‫وفى عام ‪ 2050‬قررت سيرتا املخاطرة مرة أخرى وإرسال سفينة ثالثة‬ ‫�اف جمرة أندروميدا‪ ،‬أو املرأة ا ُملسلسلة؛ وهلذا قررت‬ ‫للفضاء الستكش�‬ ‫�باب املتطوعني من مجيع أحناء‬ ‫�جيل للش�‬ ‫الوكالة فتح باب التس�‬ ‫العامل‪ ،‬ولكن أتعلم ما هو اخلرب السعيد؟‬ ‫– –ما هو؟!‬ ‫أخرج يوسف تذكرتني من حقيبته وأراهما لنور‪ ،‬ثم قال حبماس‪:‬‬ ‫بطلب لالنضمام إىل الرحلة بامسي وامسك‪ ،‬وتركتها‬ ‫– –لقد تقدمت‬ ‫ٍ‬ ‫مفاجأة لك إن مت قبولنا‪ ،‬وهذا يعتمد على معدل الذكاء اجلامعي‬ ‫وحمصلة الدرجات اليت حصلنا عليها‪ ..‬وأنا وأنت نتفوق دائم ًا يف هذا‬ ‫األمر‪ ،‬ولكن مل أتوقع أنه سيتم قبولنا حقا!‬ ‫وقف نور وقد اتسعت عيناه من الدهشة والسعادة‪ ،‬وقال يف محاس وقد‬ ‫أمسك بكتف يوسف وأخذ يهزه بقوة‪:‬‬ ‫– –أنت ال متزح أليس كذلك؟! هل حقا هذا ما حدث‪ ،‬أرجوك ال متزح معي‪.‬‬ ‫– –ال أمزح ‪ ..‬أقسم لك‪ ،‬فكف عن هزي بقوة‪ ،‬وانظر إىل التذكرتني يف يدي‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫سحب نور التذكرتني من يده بسرعة وأخذ يتفقدهما بنهم‪ ،‬وارتسمت‬ ‫�ف من قبل‪ ،‬فجلس نور على‬ ‫�امة كبرية على وجهه مل يرها يوس�‬ ‫ابتس�‬ ‫أقرب مقعد له حماو ًال تهدئة اضطراب مشاعره من فرط احلماس‪ ،‬وقلبه‬ ‫خيتلج بني ضلوعه‪ ..‬قال حبرية‪:‬‬ ‫– –يا إهلي!! ال أصدق أنك فعلتها حقا! هذه أفضل هدية حصلت عليها‬ ‫يف حياتي‪ ،‬ال أعرف ماذا أقول حقا‪.‬‬ ‫عال قائ ًال‪:‬‬ ‫ضحك يوسف‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫– –ال تقل شيئا‪ ،‬جهز نفسك فقط فالرحلة بعد ثالثة أيام ‪ ..‬سنذهب‬ ‫إىل أطالنتس‪ ،‬ومن اجليد أننا نعيش يف مصر فأطالنتس جزء ال يتجزأ‬ ‫من مصر وهلذا فإن الرحلة ستكون قصرية للغاية وهذا ما يسعدني‪.‬‬ ‫هز نور رأسه قائ ًال‪:‬‬ ‫– –بالطبع‪ ،‬سأذهب ألخرب عائليت بأمر سفري‪.‬‬ ‫�فر بقوة‪،‬‬ ‫�ف‪ ،‬وهرول ناحية منزله حمتضن ًا تذكرة الس�‬ ‫و َّدع نور يوس�‬ ‫واحلماس يسري يف جس��ده وهو يقول بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫�عرت بأن الفضاء يناديين‪ ،‬ويغويين لإلحبار فيه‪ ،‬واكتشاف‬ ‫– –لطاملا ش�‬ ‫�د مكاني هنا على‬ ‫�ع؛ فأنا مل أج�‬ ‫�وت اهلل يف هذا الكون الشاس�‬ ‫ملك�‬ ‫�ة والتفاهات اليت‬ ‫�س املليء باحلروب والكراهي�‬ ‫هذا الكوكب البائ�‬ ‫�كل خاطئ وحتركهم‬ ‫�ي‪ ..‬اجلميع هنا يفهمون احلياة بش�‬ ‫ال تنته�‬ ‫�اع واملصاحل‪ ،‬حروب ال تنتهي‪ ،‬دمار ال ينتهي‪ ،‬معاناة ال تنتهي‪،‬‬ ‫األطم�‬ ‫ولن تنتهي حتى ينتهي هذا الكوكب‪ ،‬لذا فإن سبيلي الوحيد للخالص‬ ‫بعيدا حيث العجب العجاب‪ ،‬وحيث‬ ‫من كل هذه اآلالم هو اإلحب�‬ ‫�ار ً‬ ‫سالم وهدوء وسكينة‪.‬‬ ‫تلتقي النجوم والكواكب‪ ،‬تسبح بال توقف يف‬ ‫ٍ‬ ‫يرا جاء الوقت الذي أحقق فيه حلمي الذي انتظرته منذ زمن‪.‬‬ ‫وأخ� ً‬ ‫‪11‬‬


‫�هول‬ ‫�ق نور إىل بيته الذي يقع يف منطقة معزولة حتيطها الس�‬ ‫انطل�‬ ‫اخلالبة‪ ،‬فوالده حيب اهلدوء واالبتعاد عن البشر‪ ،‬وقد ورثها نور منه؛ وهلذا‬ ‫بعيدا‬ ‫سهل مرتفع يقف بشموخ‬ ‫وحيدا‪ ،‬ولكنه مل يكن ً‬ ‫ً‬ ‫فإن منزهلم كان على ٍ‬ ‫�رى واملوالت‪ ،‬فكان يبعد عنها بضعة أميال فقط‪ ،‬وكان‬ ‫عن البيوت األخ�‬ ‫نور يفضل احلياة بهذه الطريقة‪ ،‬احلياة وسط الطبيعة مع اهلواء العليل‬ ‫واهلدوء الرائع مع صوت الرياح وهي تداعب السهول لترتاقص يف تناغم‪.‬‬ ‫انطلق بدراجته حنو السهل؛ حيث كان حيب اختيار الطريقة الصعبة‬ ‫حتى حيافظ على لياقته وليونة جس��ده‪ ،‬وكان قرص الشمس األمحر‬ ‫�اب اخلضراء‬ ‫�عته على الطريق ليمتزج لونه األمحر باألعش�‬ ‫يلقي بأش�‬ ‫�عو ًرا بالراحة والسالم‪ ،‬وينذر باقرتاب الغروب‪.‬‬ ‫ليضفي ش�‬ ‫�هابني يف السماء يلمعان‪ ،‬ولكنه رأى‬ ‫أثناء اقرتاب نور من البيت‪ ،‬ملح ش�‬ ‫يرا وقد بدأت مالحمه تظهر‪ ،‬فبدا عليه القلق وقال‬ ‫أحدهما يقرتب كث� ً‬ ‫بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –هل هذا نيزك؟ يبدو أنه يتوجه ناحية املنزل ‪ ..‬جيب أن ُأسرع‪.‬‬ ‫مسرعا حنو البيت والقلق يضرب قلبه بقوة‪ ،‬فرأى‬ ‫انطلق يشق طريقه‬ ‫ً‬ ‫�يء‪،‬‬ ‫�زك وهو يقرتب أكثر وأكثر وقد اتضحت مالحمه بعض الش�‬ ‫الني�‬ ‫�ه مل ير إذا كان قد‬ ‫�وت ارتطامه ُيد ِّوي من بعيد‪ ،‬ولكن�‬ ‫�أة مسع ص�‬ ‫وفج�‬ ‫�رعته ومحد اهلل أنه ليس هناك أحد يف‬ ‫ارتطم بالبيت أم ال‪ ،‬فأزاد من س�‬ ‫البيت اليوم‪ .‬رأى نور بيته يف األفق ومل ميسسه شيء‪ ،‬فشعر بارتياح شديد‪،‬‬ ‫�قط‪ ،‬فعرب‬ ‫�ن فضوله ال يزال حيثه على البحث عن النيزك الذي س�‬ ‫ولك�‬ ‫�هول ليجتاز بيته وملح بعض األتربة‬ ‫�ط الس�‬ ‫الطريق‪ ،‬ودخل بدراجته وس�‬ ‫�قط يف‬ ‫اليت تتصاعد يف األفق‪ ،‬فانطلق حنوها‪ ،‬ولكنه ملح نيزكا آخر يس�‬ ‫�قط أمامه سيشرح له كل شيء‪.‬‬ ‫مكان بعيد‪ ،‬فلم يكرتث له‪ ،‬فالذي س�‬ ‫ٍ‬ ‫‪12‬‬


‫بعد دقائق من القيادة‪ ،‬وصل نور إىل موقع السقوط وهو يلهث بشدة وقد‬ ‫ابتلت مالبسه بالعرق وأصبح ُمضل الشعر‪ ،‬فرأى حفرة عميقة أحدثها‬ ‫�حابة األتربة اليت تغطيها تتالشى شيئ ًا فشيئ ًا حتى‬ ‫النيزك وقد بدأت س�‬ ‫�يئ ًا غري ًبا للغاية!!‬ ‫ظهر النيزك أمامه‪ ،‬ولكنه مل يكن نيزكا! بل كان ش�‬ ‫رأى نور أمامه كرة حديدية عمالقة متناسقة ويغطيها اللون األسود‪،‬‬ ‫حبذر ليكتشف كنية هذا اجلسم اجملهول الغريب‪ ،‬وانتابته‬ ‫فاقرتب منها‬ ‫ٍ‬ ‫�يء يف العامل؛ قنبلة‬ ‫�أن قد تكون هذه الكرة أي ش�‬ ‫�دة قصرية‪ ،‬وفكر ب�‬ ‫رع�‬ ‫�ن أقصى الفضاء وقد‬ ‫�فينة فضاء‪ ،‬جهازا غريبا جاء م�‬ ‫هيدروجينية‪ ،‬س�‬ ‫تفنى البشرية بسببه‪ ،‬ولكن فضوله األكادميي غلب خوفه وخماوفه فأخذ‬ ‫يلتف حول الكرة الضخمة اليت كانت تبدو وكأنها تتسع لغرفة كاملة‪،‬‬ ‫�وداء ملساء للغاية‪.‬‬ ‫�يء‪ ،‬كانت جمرد كرة س�‬ ‫ولكنه مل ير أي باب أو ش�‬ ‫وتردد‪ ،‬وعندما ملسها شعر بشيء يسري يف‬ ‫ببطء‬ ‫وضع نور يده عليها‬ ‫ٍ‬ ‫شديد ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫جسده للحظات وسرعان ما تالشى هذا الشعور‪ ،‬كان أشبه بصعقة كهرباء‪.‬‬ ‫�رة فرتاجع نور يف خوف‪ ،‬ورأى لوحة‬ ‫�أة انفتح جزء صغري يف الك�‬ ‫فج�‬ ‫�به اللغة‬ ‫�ة تظهر‪ ،‬وكانت بها بعض األزرار املكتوبة بلغة غريبة تش�‬ ‫غريب�‬ ‫املصرية القدمية اليت تعتمد على الرموز‪ ،‬فأصابته احلرية من هذا‪ ،‬ولكن‬ ‫�يء ما‪ ،‬رمبا‬ ‫�كوكه كانت يف حملها‪ ،‬فهذه تبدو كغرفة بداخلها ش�‬ ‫ش�‬ ‫�تمحو مصر‪ ،‬ورمبا ال شيء!‬ ‫خملوق فضائي‪ ،‬ورمبا قنبلة هائلة س�‬ ‫اقرتب نور من اللوحة ليتفحصها‪ ،‬فوجد أنها تتكون من تسعة حروف‪،‬‬ ‫�ح الكرة‪ ،‬ولكن كيف‬ ‫�ر حتى تنفت�‬ ‫ويبدو أنه حيتاج لكتابة كلمة الس�‬ ‫سيعلم كلمة السر؟!‬ ‫�رعا إىل بيته‬ ‫قام نور بتصوير اللوحة بهاتفه والكرة ً‬ ‫أيضا‪ ،‬ثم عاد مس� ً‬ ‫�رض الصورة على حمرك البحث‬ ‫�اس ميلؤه‪ ،‬ودلف إىل غرفته‪ ،‬وع�‬ ‫واحلم�‬ ‫‪13‬‬


‫�أن هذه اللغة كانت‬ ‫�دأت النتائج تظهر له‪ ،‬وتفاجأ ب�‬ ‫�ق إليزا‪ ،‬وب�‬ ‫الدقي�‬ ‫�يرتا‪،‬‬ ‫موجودة بالفعل‪ ،‬ولكن كل املعلومات عنها حتت محاية وكالة س�‬ ‫وهلذا فعليه اخرتاق موقع الوكالة للولوج إىل كل املعلومات اليت ختص‬ ‫�يئ ًا كهذا! هل‬ ‫�يرتا ش�‬ ‫هذه اللغة‪ .‬وتعجب للغاية من إخفاء وكالة س�‬ ‫يعلمون شيئا عن الفضاء اخلارجي وخيفونه عنا!! لطاملا كان املهوسون‬ ‫بنظرية املؤامرة يتكلمون عن إخفاء وكالة سيرتا الكثري من األسرار اليت‬ ‫�ون‪ ،‬لكنه اآلن بات‬ ‫ريا مبا يقول�‬ ‫ختص الفضاء ولك�‬ ‫�ن نور مل يقتنع كث ً‬ ‫متأكدا من صحة كالمهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫دخل أحد الروبوتات اليت تعمل يف املنزل إىل الغرفة‪ ،‬كان فضي اللون‬ ‫ذا مالمح باردة ومفاصل حديدية‪ ،‬وينفذ األوامر بدون تساؤالت‪ .‬كان نور‬ ‫قد برمج هذا الروبوت واخرتق بعض الربوتوكوالت فيه ليزوده مبميزات‬ ‫جديدة مل توضع فيه من األساس‪ ،‬وهذه املميزات حمرمة دول ًيا‪ ،‬كاخرتاق‬ ‫تعقيدا‬ ‫املواقع واحلصول على أية معلومات يف العامل من أكثر الشبكات‬ ‫ً‬ ‫وأمان ًا يف العامل‪ .‬ناول الروبوت نور بعض املشروبات فأوقفه نور قائ ًال‪:‬‬ ‫– –لقد برجمتك على أعلى املستويات من الذكاء االصطناعي وزرعت‬ ‫فيك الكثري من الوظائف املتنوعة بدون علم أحد‪ ،‬وحان الوقت لرتد‬ ‫�يرتا وتعطيين كل‬ ‫�دك أن خترتق موقع وكالة س�‬ ‫لي اجلميل‪ ،‬أري�‬ ‫املعلومات عن هذه اللغة الغريبة‪.‬‬ ‫– –بالطبع سيدي سأفعل هذا‪.‬‬ ‫جلس الروبوت على الكرسي وأخذ يضغط على األلواح اهلولوجرامية‬ ‫�ريره يفكر يف سر هذه‬ ‫لتفتح نوافذ تليها نوافذ‪ ،‬بينما جلس نور على س�‬ ‫الكرة الغريبة وسر هذه احلروف‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫تذكر نور صديقه يوسف وكيف أنه سيتحمس مثله ملا حدث‪ ،‬فبعث‬ ‫له رسالة صوتية مرفقة بصورة الكرة واحلروف العجيبة‪ ..‬بعد دقائق جاء‬ ‫الرد كاآلتي‪:‬‬ ‫– –سآتيك خالل ثانية واحدة‪.‬‬ ‫ظن نور بأنه يبالغ‪ ،‬ولكنه سرعان ما وجد الباب ينفتح ويوسف يدخل‬ ‫�ريره‪ ،‬وقال ليوسف حبنق‬ ‫الغرفة وهو يلهث‪ ،‬فذعر نور وقفز من على س�‬ ‫وغضب‪:‬‬ ‫– –أيها األمحق أال ميكنك أن تطرق الباب؟‬ ‫– –آسف ولكن أردت مفاجأتك ‪ ..‬واآلن أين هي الكرة؟‬ ‫�آخذك إىل‬ ‫– –انتظر حتى ينتهي الروبوت من إنهاء االخرتاق وبعدها س�‬ ‫املوقع‪.‬‬ ‫�أم لريى متى سينتهي‪،‬‬ ‫�ف حاجبيه ونظر إىل الروبوت بس�‬ ‫قطب يوس�‬ ‫فقال لنور بنربة محاسية‪:‬‬ ‫– –أتدري رمبا يكون هذا اكتشاف العصر؟! لو كان هناك بداخل هذه‬ ‫�ئ ما من حضارة متقدمة‬ ‫كوكب بعيد‪ ،‬أو ش�‬ ‫الكرة خملوق ما من‬ ‫ٍ‬ ‫�هرة‪ ،‬أستطيع رؤيتهما‬ ‫�يجعلنا نصل إىل اجملد والش�‬ ‫بعيدة‪ ،‬فهذا س�‬ ‫�ا جائزة نوبل ‪..‬‬ ‫�هادات ورمب�‬ ‫أمامي اآلن‪ ،‬األضواء وامليداليات والش�‬ ‫ين‪ ،‬فنحن ال نعرف كنية هذا‬ ‫�ن أال جيب علينا إحضار خمتص�‬ ‫ولك�‬ ‫الشيء‪ ،‬رمبا يكون شيئا مدمرا!‬ ‫زأر نور يقول بلهجة قاطعة‪:‬‬ ‫بعيدا عن األعني‪ ،‬وإن مت‬ ‫أحدا‪ ،‬سيتم حجز الكرة ً‬ ‫– –مستحيل لن حنضر ً‬ ‫اكتشاف أي شيء فلن يعلمه الع َوام ‪ ..‬سيتم إخفاء هذا السر إىل‬ ‫‪15‬‬


‫�مع‬ ‫األبد كما مت إخفاء الكثري والكثري على مر التاريخ ‪ ..‬أمل تس�‬ ‫ما قلته بأن وكالة سيرتا تعلم بأمر هذه اللغة وكانت ختفيها عنا؟‬ ‫�يء بأنفسنا ثم‬ ‫�ف كل ش�‬ ‫– –نعم مسعت ‪ ..‬أنت حمق‪ ،‬جيب أن نكتش�‬ ‫خنرب اجلميع بكل شيء وحنظى بالشهرة واملال ‪ ..‬آه !! أستطيع أن‬ ‫�طع‪ ،‬لقد جاءنا اخلالص من السماء‪.‬‬ ‫أرى جنمي وهو يس�‬ ‫سعيدا هكذا فنحن مل خنرتق وكالة سيرتا بعد‪.‬‬ ‫– –ال تكن‬ ‫ً‬ ‫قاطع نور صوت الروبوت قائ ًال بنربة إلكرتونية باردة‪:‬‬ ‫�يدي لقد انتهيت من االخرتاق وأصبح لدي مجيع املعلومات اليت‬ ‫– –س�‬ ‫ختص اللغة‪.‬‬ ‫هلل يوسف حبماس قائ ًال‪:‬‬ ‫أطلعنا على كل شيء!‬ ‫– –رائع‪ ،‬واآلن ِ‬ ‫قال الروبوت‪:‬‬ ‫– –إن هذه اللغة ختص مدينة أطالنتس القدمية‪ ،‬وهي مستخدمة اآلن يف‬ ‫وكالة سيرتا للبحث عن مكان املدينة املفقودة ألسباب غري معلومة‪،‬‬ ‫فاملعلومات السرية اليت ختص املدينة خمفية يف أحد اخلوادم السرية‬ ‫للوكالة اليت ال أستطيع الولوج إليها إال من داخل الشركة نفسها‪.‬‬ ‫�عت عينا نور من الدهشة وابتهج وجهه‪ ،‬وقال ليوسف حبماس ال‬ ‫اتس�‬ ‫ينضب‪:‬‬ ‫– –قلت لك ‪ ..‬قلت لك إن املدينة موجودة ولكنك مل تصدقين ‪ ..‬لقد‬ ‫اقرتبت من التوصل إىل شيء ما خيصها وال بد أن سقوط هذه الكرة‬ ‫احلديدة الضخمة ليس حمض صدفة‪ ،‬إنه القدر ُ‬ ‫املتم يا صديقي‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫�ذرع الغرفة ذها ًبا‬ ‫�ف قلي ًال يفكر فيما مسعه اآلن‪ ،‬وهو ي�‬ ‫صمت يوس�‬ ‫�ر حاجز الصمت قائ ًال‪:‬‬ ‫وإيا ًبا‪ ،‬ثم كس�‬ ‫�ب عبثا‪ ،‬ولكن ما‬ ‫�ون جهودك يف البحث عن املدينة مل تذه�‬ ‫– –رمبا تك�‬ ‫�اء بأطالنتس‪ ،‬أنا ال أفهم؟‬ ‫�قطت من الفض�‬ ‫عالقة كرة غريبة س�‬ ‫– –وال أنا‪ ،‬ولكن سنحلل احلروف على الكرة ومن َثم ستتضح الكثري من‬ ‫األشياء‪.‬‬ ‫توجه يوسف إىل احلاسوب اهلولوجرامي‪ ،‬وبدأ يتفقد األحرف والرموز‬ ‫ير إىل شيء‪ ،‬فبدأ‬ ‫ومعانيها ووجد أن الرموز متثل كلمات‪ ،‬فكل رمز يش�‬ ‫�ابهات ومعاني الرموز‬ ‫�وب وحساب التش�‬ ‫بتحليل الورقة معه على احلاس�‬ ‫�ف دهشة كبرية‪،‬‬ ‫معا‪ ،‬فخرج له الناتج‪ ،‬ففغر فاهه وأصاب يوس�‬ ‫جمموعة ً‬ ‫�ري بل كانت رسالة مشفرة!‬ ‫وفكر بأن الرموز مل تكن إلدخال كود س�‬ ‫كان معنى الرموز كاآلتي‪:‬‬ ‫– –ما يسقط من الفضاء يسقط معه العلم املفقود الذي سيحرر البشر‬ ‫�ة احلقيقية قبل حلول‬ ‫�ل‪ ،‬ويفتح األفق هلم ملعرف�‬ ‫�ن براثن اجله�‬ ‫م�‬ ‫�لم إرادتك هلا‪.‬‬ ‫الدمار‪ ،‬ولكي تنفتح الكرة جيب أن ُتس�‬ ‫�يئ ًا مما قرآه‪ ،‬ولكن ما ُأثار دهشتهما هو املقصد من العلم‬ ‫مل يفهما ش�‬ ‫�يحرر البشر قبل الدمار‪ ،‬وما هي احلقيقة املعنية؟ وماذا‬ ‫املفقود الذي س�‬ ‫�ليم إرادتك هلا؟ كل هذه األفكار كانت تتضارب يف رأسيهما‬ ‫يعين بتس�‬ ‫بال توقف‪ ،‬فقطع يوسف حبل أفكار نور قائ ًال بإحباط‪:‬‬ ‫– –أعتقد أننا جيب أن خنرب السلطات!‬ ‫انفعل نور عليه ونظر له جبدية وصرامة شديدة‪:‬‬ ‫‪17‬‬


‫�يأخذون السر ألنفسهم وخيفونه‪ ،‬وقد يتم‬ ‫– –لن نفعل ‪ ..‬قلت لك س�‬ ‫استخدام هذا العلم املخفي يف الشر ‪ ..‬جيب أن نعرف حنن احلقيقة‬ ‫�يء ‪..‬‬ ‫�نخربهم بكل ش�‬ ‫أو ًال‪ ،‬وإن كان هناك خطر يهدد حياتنا س�‬ ‫يوسف‪ ،‬أنت تعلم كم قضيت من الوقت يف البحث عن أطالنتس وقراءة‬ ‫كل الفرضيات والقصص اليت ختصها‪ ،‬وبعد كل هذا تريد أن أسلم‬ ‫جهدي للحكومة اليت ستخفي كل شيء كما تفعل دائما وأعود إىل‬ ‫جمددا!! لن أفعل هذا‪ ،‬سأفعل هذا معك أو من غريك‪.‬‬ ‫نقطة الصفر‬ ‫ً‬ ‫�ه عناد نور عندما تأخذه احلمية يف‬ ‫كان يوسف يعلم يف قرارة نفس�‬ ‫�اف شيء جمهول‪ ،‬فهو حيب التأمل والبحث يف كل ما هو غريب‬ ‫اكتش�‬ ‫�رار واملعضالت اليت ختص‬ ‫�ول وحماولة التوصل للعديد من األس�‬ ‫وجمه�‬ ‫�ه يف حياته‪ ،‬وليس من الغريب أنه‬ ‫�خص قابل�‬ ‫عاملنا‪ ،‬وهلذا فهو أذكى ش�‬ ‫دائما‪ ،‬فقال يوسف بسأم واستسالم‪:‬‬ ‫حيصل على املركز األول يف اجلامعة ً‬ ‫�نا‪ ،‬سأذهب معك‪ ،‬ولكن إن حدث أي خطر يهدد حياتنا أو حياة‬ ‫– –حس�‬ ‫�لطات بدون تردد‪ ،‬وال تنسى بأن رحلتنا إىل‬ ‫�رية فسأكلم الس�‬ ‫البش�‬ ‫�لنا يف اكتشاف أي‬ ‫�تكون بعد ثالثة أيام وهلذا فإن فش�‬ ‫الفضاء س�‬ ‫�يء فسنسلم كل شيء للسلطات ونذهب إىل الرحلة اليت قد تغري‬ ‫ش�‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫حياتنا إىل األبد ً‬ ‫�ارعا بالذهاب إىل موقع الكرة اليت كان‬ ‫�روطه وس�‬ ‫وافق نور على ش�‬ ‫شعاعا أزرق‬ ‫يوسف متشوق ًا للغاية من أجل رؤيتها‪ ،‬وأثناء سريهما شاهدا‬ ‫ً‬ ‫�ا كنيته ولكنهما مل يهتما‬ ‫�ماء ومل يفهم�‬ ‫من مكان بعيد يرتفع إىل الس�‬ ‫�ديد على هدفهما‪.‬‬ ‫ريا‪ ،‬لرتكيزهما الش�‬ ‫كث ً‬ ‫وبعد دقائق وصال إىل وجهتهما املنشودة‪ ،‬واندهش يوسف من حجمها‬ ‫اهلائل ومظهرها الغريب‪ ،‬فقال بنربة مندهشة‪:‬‬ ‫‪18‬‬


‫– –يا إهلي ما هذا؟! إنها تشبه مركبة فضائية من نوع ما‪ ،‬ولكن كيف‬ ‫نسلم إرادتنا هلا أنا ال أفهم؟‬ ‫مهما‪:‬‬ ‫قال نور وقد تذكر شيئا ً‬ ‫– –عندما ملستها أول مرة شعرت بشعور غريب‪ ،‬كأن شيئا ما خياطبين من‬ ‫الداخل‪ ،‬ولكنه كان للحظة فقط‪ ،‬وبعدها ظهرت اللوحة الغريبة اليت‬ ‫تراها أمامك ‪ ..‬رمبا جيب أن نلمسها لبعض الوقت وحناول الشعور‬ ‫مبا داخلها ‪ ..‬رمبا تكون املعلومات داخلها تنتقل عن طريق التخاطر!‬ ‫– –أمتزح معي ‪ ..‬عن طريق التخاطر؟! ولكن على كل حال لن تضرنا‬ ‫التجربة‪.‬‬ ‫�را إىل بعضهما البعض يف‬ ‫�ف منها ونظ�‬ ‫كل من نور ويوس�‬ ‫اق�‬ ‫ترب ٍ‬ ‫�ا أعينهما يف حماولة‬ ‫�ديد ثم وضعا أيديهما على الكرة وأغمض�‬ ‫توتر ش�‬ ‫ترخاء ورؤية ما حيدث‪ .‬فجأة شعرا بشيء ما يسري يف جسديهما‪،‬‬ ‫لالس�‬ ‫�يء الذي شعر به من قبل‪ ،‬بينما تفاجأ‬ ‫وتذكر نور أن هذا هو نفس الش�‬ ‫�ك‪ .‬استمر‬ ‫�عور وكاد أن يبعد يديه‪ ،‬ولكنه متاس�‬ ‫�ف من هذا الش�‬ ‫يوس�‬ ‫النبض الغريب الذي يصدر من الكرة يف االنسالل داخلهما وبدأت بعض‬ ‫الرؤى الغريبة تظهر هلما يف خميلتهما‪ ..‬مدينة هائلة مل يريا مثلها من‬ ‫قبل ‪ ..‬دمار وخراب ‪ ..‬حروب مدمرة ‪ ..‬طوفان هائل ُيغرق كل شيء‬ ‫�ه ناحية املدينة العظيمة ‪ ..‬علوم مل يريا مثلها من قبل ‪ ..‬ضوء‬ ‫ويتوج�‬ ‫�ماء‪ ،‬وبلورة غريبة الشكل ليس هلا مثيل‪.‬‬ ‫براق ينبعث من الس�‬ ‫تغي يف الكرة وقد أخذت تنبض بقوة‪ ،‬فأبعدا‬ ‫فجأة‪ ،‬ش�‬ ‫�عرا بأن هناك ُّ‬ ‫�ا وتراجعا إىل الوراء يف خوف وهما يتبادالن النظرات‪.‬‬ ‫أيديهما عنه�‬ ‫�ون يندفع إىل‬ ‫�عاعا هائ ًال أزرق الل�‬ ‫انفتح�‬ ‫�ت الكرة ببطء لتصدر ش� ً‬ ‫السماء‪ ،‬ثم اختفى الضوء وتالشى‪ ،‬وقد حتولت الكرة إىل أرضية حديدية‬ ‫‪19‬‬


‫�عريرة تسري يف جسديهما من‬ ‫يندفع منها ضباب غريب بارد جعل القش�‬ ‫برودته‪ .‬وكان هذا الشعاع يشبه الشعاع الذي شاهداه أثناء توجههما إىل‬ ‫�ئ ما‪ ..‬مسعا وقع أقدام‪ ،‬فازداد‬ ‫موقع الكرة‪ .‬ومن بني الضباب حترك ش�‬ ‫توترهما وذعرهما وبدآ بالرتاجع إىل اخللف يف خوف‪ ،‬ومل يغضا طرفيهما‬ ‫�عرا بهالة قوية حتيط بهما وتضغط على‬ ‫عن الضباب للحظة‪ .‬فجأة ش�‬ ‫جسديهما وكأن اجلاذبية قد تضاعفت‪ ،‬فسقطا على ركبتيهما‪ ،‬وصرخا‬ ‫جبال فوق ظهريهما‪ ،‬مع إحساس بأن‬ ‫من األمل وشعرا وكأنهما حيمالن‬ ‫ٍ‬ ‫�يء من حوهلما‬ ‫�حب منهما تدرجي ًيا‪ .‬وفجأة أصبح كل ش�‬ ‫وعيهما ينس�‬ ‫سبات عميق‪.‬‬ ‫ظالم وسقطا يف‬ ‫ٍ‬ ‫أجسام غريبة يف مواقع‬ ‫وفى أحناء العامل انتشرت األخبار عن سقوط‬ ‫ٍ‬ ‫خمتلفة حول العامل‪ ،‬وتزامن هذا السقوط مع مترد غريب غري متوقع من‬ ‫الروبوتات يف القاهرة اجلديدة يف كل بيت ومتجر ومبنى ومدينة‪ ،‬تزامنًا‬ ‫مع انتشار ضباب غريب حول املدينة العريقة‪ ،‬ووقوع العديد من القتلى يف‬ ‫كل مكان‪ .‬وكانت الروبوتات تتحرك يف جيوش منظمة وتصنع األسلحة‬ ‫لقتل البشر‪ ،‬واستنتج اخلرباء بأن هناك حقال مغناطيسيا جمهول اهلوية‬ ‫داخل الضباب يشتت اآلالت مما جعلها عدائية ضد البشر‪.‬‬ ‫�م الذي توقعه العديد‬ ‫حترك اجليش املصري ضد هذا العدوان الغاش�‬ ‫من البشر منذ زمن بعيد‪.‬‬ ‫توجهت الكامريات حول العامل لتصور الروبوتات يف القاهرة اجلديدة‬ ‫�وارع وهي‬ ‫ير يف الش�‬ ‫�لق املباني وتقتل كل من بداخلها‪ ،‬وتس�‬ ‫وهي تتس�‬ ‫تنقض على كل من تراه أعينهم بال رمحة‪ ،‬وبدأ البشر يف محل أسلحتهم‬ ‫ومقاتلة الروبوتات يف معارك ضارية‪ ،‬ولكنها كانت تنتهي بانتصار اآلالت‪.‬‬ ‫تقدم اجليش ألخذ إجراءات ضرورية يف هذه األزمة وانسلوا يف شوارع‬ ‫مجيعا بال رمحة‪،‬‬ ‫�حقهم‬ ‫املدينة ليتصدوا للروبوتات املتمردة‪ ،‬ولكن مت س�‬ ‫ً‬ ‫‪20‬‬


‫مما جعل مصر يف خطر شديد إن مل يتم إيقاف هذا العدوان يف القاهرة‪.‬‬ ‫�ة الروبوتات ألن الرؤية كانت‬ ‫�اب جيعل من الصعب مقاتل�‬ ‫وكان الضب�‬ ‫شبه معدومة بينما كان من السهل للروبوتات مقاتلتهم‪.‬‬ ‫�قوط‪ ،‬ودمار هائل‪ ،‬وماليني الضحايا سقطت‬ ‫معارك‪ ،‬وانفجارات‪ ،‬وس�‬ ‫ير اهللع والدمار‪.‬‬ ‫�يء غ�‬ ‫لا رمحة أمام هذه القوة املدمرة ومل يتبق ش�‬ ‫ب�‬ ‫�تطاعت تدمري العديد من‬ ‫�ت الروبوتات لتحتل باقي مصر واس�‬ ‫وانطلق�‬ ‫املدن الكبرية‪.‬‬ ‫جيدا‪ ،‬فتوجه‬ ‫وأمنت نفسها ً‬ ‫وضعت أطالنتس اجلديدة محاية كبرية َّ‬ ‫اجلميع إليها طل ًبا للمساعدة‪ .‬وفى هذه األثناء انتشر الضباب ليعم باقي‬ ‫الكوكب ولينتش��ر مترد اآلالت يف كل أحناء العامل‪ ،‬فهرب العديد من‬ ‫�ر من كل أحناء العامل إىل أطالنتس؛ ألنها كانت منيعة أمام هذا‬ ‫البش�‬ ‫العدوان‪ .‬وانقطعت كل االتصاالت للعامل اخلارجي عن أطالنتس اليت مل‬ ‫تعد تعلم ما حيدث للعامل اآلن‪.‬‬ ‫أصبحت الكرة األرضية من اخلارج محراء اللون من النريان اليت تغطي‬ ‫كافة القارات والروبوتات اليت تسري بربود وهي حترق وتقتل كل ما تراه‪.‬‬ ‫فجأة وسط كل هذه األخبار ُعرض خرب انتشر على املواقع كهشيم‬ ‫�عاعا غري ًبا‬ ‫النريان ألحد الصحفيني املختبئني يف روس�‬ ‫�يا‪ ،‬والذي ملح ش� ً‬ ‫�كان‪ ،‬فتوجه إىل املوقع ليجد‬ ‫يصدر من أحد األماكن غري املأهولة بالس�‬ ‫كرة عمالقة غريبة تنفتح وأمامها شخص ضخم اجلثة عريض املنكبني‪،‬‬ ‫ويبدو أنه من جعلها تنتفح‪.‬‬ ‫تراجع الفتى الضخم ذو الشعر األشقر إىل الوراء وهو يرى هذا البخار‬ ‫البارد الذي يندفع ناحيته‪ ،‬وفجأة انسحب وعيه منه وسقط على األرض‬ ‫�عر مبثله من قبل وهو يرى‬ ‫مغش� ًيا عليه‪ ،‬فشعر الصحفي برعب مل يش�‬ ‫‪21‬‬


‫�خصا يبلغ طولة ثالثة‬ ‫هذا الش�‬ ‫�يء الذي خرج من بني البخار‪ ،‬كان ش� ً‬ ‫�ي‪ ،‬كان السواد يغطيه ومل يستطع‬ ‫أمتار ويبدو أضخم من الفتى الروس�‬ ‫�ف الذي يلتف حوله‪ ،‬ولكنه رأى‬ ‫�يء من الضباب الكثي�‬ ‫الصحفي رؤية ش�‬ ‫انعكاسا للنجوم والكواكب على وجهه‪ ،‬وفجأة توجه نظره إىل الصحفي‬ ‫ً‬ ‫الذي كاد يشهق من الرعب ولكنه وضع يده على فمه‪ ،‬ثم وقف وركض‬ ‫�رع ما لديه قبل أن خيرتق شئ ما جسده‪ ،‬فسقط على األرض ورئتيه‬ ‫بأس�‬ ‫حتاربان من أجل بعض اهلواء‪ ،‬وعلم بأن هذه نهايته‪ ،‬فحرك يديه الواهنة‬ ‫�ال ثم وافته املنية‪.‬‬ ‫بصعوبة حتى وجهها إىل الكامريا وضغط زر اإلرس�‬ ‫�رعة رهيبة‪ ،‬وتناقلت األخبار عن‬ ‫انتقل هذا املشهد حول العامل يف س�‬ ‫غزو من الفضائيني والبعض اآلخر يفسرها بأنها من البشر وهناك شيء‬ ‫�ات واهلروب من غزو اآلالت املرعب إىل‬ ‫ما جيري هنا‪ .‬واستمرت النقاش�‬ ‫وقت طويل‪ ،‬وكانت عناوين األخبار كالتالي‪:‬‬ ‫– –فليحفظنا اهلل‪.‬‬ ‫�قطت العديد من مدن االحتاد اإلسالمي يف الشرق وتلتها بعض‬ ‫– –س�‬ ‫�رب‪ ،‬ومل تعد العديد من املدن آمنة‪.‬‬ ‫دول االحتاد األوروبي يف الغ�‬ ‫�م ولكن يبدو أن‬ ‫�دأت اجليوش بالتحرك لصد هذا العدوان الغاش�‬ ‫– –ب�‬ ‫حماوالتهم باءت بالفشل‪.‬‬ ‫– –فلندعو اهلل أن يرحم أرواحنا بعد املوت‪.‬‬ ‫– –هل هناك حد لقوة اآلالت؟ هل ينتصر املصنوع على الصانع؟‬ ‫– –اليوم سيكتب التاريخ عن بداية عصر جديد‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪22‬‬


‫‪2‬‬ ‫�تيقظ نور من النوم مبتال بالعرق‪ ،‬خمضل الشعر‪ ،‬الهث ًا وقد بدت‬ ‫اس�‬ ‫شاحب الوجه‪ ،‬وعينيه حترتقان‪ ،‬وبالكاد يرى شيئًا‪..‬‬ ‫الرؤية خافتة‪ .‬كان‬ ‫َ‬ ‫يشعر باإلرهاق واألمل يف كل أعضائه‪ ،‬وكانت هناك غيمة ضبابية ختيم‬ ‫على عينيه وجتعل من الصعب رؤية أي شيء‪ ،‬فكل ما يراه هو أنوار بيضاء‬ ‫�دأ يلتقط ما حوله بصعوبة‪،‬‬ ‫�عة تأتي من مكان ما‪ .‬وبعد حلظات ب�‬ ‫ُمش�‬ ‫ً‬ ‫غرفة بيضاء‪ ،‬وبعض األجهزة‬ ‫�يئًا‪ ،‬فرأى‬ ‫وبدأت األشكال تتضح شيئًا فش�‬ ‫املضيئة حوله‪ ،‬وشعر برأسه يكاد ينفجر من الصداع‪ ،‬وذاكرته ال ختدمه‬ ‫ً‬ ‫�ا‪ ،‬فهو ال يتذكر أين كان آخر مرة‪ ،‬أو ماذا حدث له قبل أن ينام!‬ ‫إطالق�‬ ‫�خص ما وسط السهول ينظران إىل‬ ‫فآخر ما يتذكره هو أنه كان مع ش�‬ ‫شيء كروي الشكل‪ ،‬ولكن ذاكرته كانت مشوشة للغاية‪.‬‬ ‫�ديدة وجلس على حافة‬ ‫�رير بصعوبة ش�‬ ‫عدل من وضعيته على الس�‬ ‫�ده ضعيف وواهن للغاية‪ ،‬فمسح عينيه يف‬ ‫�عر بأن جس�‬ ‫�رير وهو يش�‬ ‫الس�‬ ‫�هور‪ ،‬وبدأ‬ ‫�يء‪ ،‬فأحس وكأنه نائم منذ ش�‬ ‫�ة لرؤية أي ش�‬ ‫حماولة بائس�‬ ‫يتحسس جسده فوجد بعض احملاليل الطبية معلقة عليه‪ .‬فقال والتوتر‬ ‫يسرى يف جسده‪:‬‬ ‫�فى؟ ولكن ما الذي حدث البارحة؟! أنا ال أتذكر أي‬ ‫– –هل أنا يف املش�‬ ‫شيء!‬ ‫‪23‬‬


‫�عر باخلوف يسري يف أوصاله‪،‬‬ ‫�ده بقوة وهو يش�‬ ‫نزع احملاليل من جس�‬ ‫�رير‬ ‫فبدأت بعض األجهزة تصدر أصوات ًا‪ ،‬وحاول أن يرتجل من على الس�‬ ‫ولكنه سقط وشعر أن قدميه ضعيفتني للغاية ال تقويان على محله‪ ،‬فهدأ‬ ‫ً‬ ‫قليل وحاول أن يتمالك نفسه ويتذكر ما حدث له ليلة البارحة‪ ،‬ولكن‬ ‫الضباب كان خييم على ذاكرته بالكامل‪.‬‬ ‫أخذ الصداع يزداد أكثر فأكثر‪ ،‬فوضع يده على رأسه وضغط عليها‬ ‫عال‪:‬‬ ‫يف حماولة بائسة إلسكات األمل‪ ،‬ولكن بال جدوى‪ ،‬فبدأ ينادي‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫– –هل هناك أي أحد هنا؟ أحتاج إىل املساعدة ‪ ..‬أنا ال أستطيع احلركة‪.‬‬ ‫تنبه نور يف تلك اللحظة أنه يشعر جبوع شديد كأنه مل يأكل منذ‬ ‫ً​ً‬ ‫حماول العودة لسريره‬ ‫شهور‪ ،‬ومعدته تقرقر بقوة‪ ،‬فبدأ يزحف على يديه‬ ‫�ه‪ ،‬وبكل ما أوتي من عزم‬ ‫والوهن قد متكن من يديه‪ ،‬فتحامل على نفس�‬ ‫�رير وبدأ يدفع جسده ألعلى وهو يتأمل ويداه ترجفان‬ ‫وضع يده على الس�‬ ‫بقوة‪ ،‬وبعد جهد كبرياستطاع أن يرفع نفسه على السرير‪ ،‬فنام على ظهره‬ ‫�ه بصعوبة وقد أخذ العرق يتصبب بقوة من جبينه‪.‬‬ ‫وأخذ يلتقط أنفاس�‬ ‫�ن احلائط قائال بنربة باردة‬ ‫صمت طويل مسع صوتًا يصدر م�‬ ‫�د‬ ‫وبع�‬ ‫ٍ‬ ‫وصوت عميق أجش‪:‬‬ ‫ريا!! فلرتكز على التعليمات اليت ستسمعها مين ألني‬ ‫– –استيقظت أخ ً‬ ‫لن أعيدها مر ًة أخرى‪.‬‬ ‫صمت الصوت فرتة ليعطي نور الفرصة الستيعاب ما قاله ثم استطرد‬ ‫ً‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫�رير‪ ،‬وحتديدا على املكتب الذي عن ميينك‬ ‫– –أوال ستجد جبانب الس�‬ ‫�د يكون آخر‬ ‫�أكل هذا الطعام ألنه ق�‬ ‫�ض الطعام‪ ،‬وحقنة‪ ،‬فلت�‬ ‫بع�‬ ‫�ك بها‬ ‫�بة للحقنة‪ ،‬فلتحقن نفس�‬ ‫طعام لك هذه الليلة‪ ،‬أما بالنس�‬ ‫‪24‬‬


‫�ط سيعيد لك وظائفك احليوية‪،‬‬ ‫يف ذراعك‪ ،‬فهي عبارة عن منش�‬ ‫�تطيع أن تتحرك من جديد‬ ‫وجيدد اخلاليا امليتة بداخلك لكي تس�‬ ‫وال جتد صعوبة يف احلرك��ة ‪ ..‬فلتأخذها بعد أن تأكل‪.‬‬ ‫مفكرا يف املأزق‬ ‫�ا قاله الصوت‬ ‫�دأ نور ‪ -‬احلائر من أمره ‪ -‬بتنفيذ م�‬ ‫ب�‬ ‫ً‬ ‫�ة الطعام‪ ،‬فمد يده‬ ‫�ه اآلن‪ .‬نظر ميينه ليجد علب�‬ ‫�ه في�‬ ‫الذي وجد نفس�‬ ‫طعاما ذا رائحة غريبة‪ ،‬فبدا على مالحمه النفور‪،‬‬ ‫وأخذها وفتحها ليجد‬ ‫ً‬ ‫فسمع الصوت يقول‪:‬‬ ‫�مومة أو متعفنة‪ ،‬رائحتها غريبة فقط‪ ،‬إال أن‬ ‫�ت مس�‬ ‫– –ال ختف ليس�‬ ‫طعمها سيعجبك‪.‬‬ ‫�ه باجلوع كان أكرب‪ ،‬ومل‬ ‫�اس نور بالنفور إال أن إحساس�‬ ‫ورغم إحس�‬ ‫يستطع االحتمال أكثر من ذلك فوضع امللعقة يف احلساء ورفعها إىل فمه‬ ‫عال‪:‬‬ ‫برتدد ثم تذوق طعمه‪ ،‬ففوجئ بطعمه الرائع والغريب‪ ،‬فقال‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫– –مما يتكون هذا احلساء؟‬ ‫رجل يف‬ ‫�دو‬ ‫�ال الصوت بنفس النربة الباردة اليت تب�‬ ‫فق�‬ ‫ِ‬ ‫كنربة صوت ٍ‬ ‫األربعينات من عمره‪:‬‬ ‫– –ال يهم مما يتكون أكمل طعامك فحسب‪.‬‬ ‫فقال نور وهو ينظر للسقف صارخا وانبجس الدم إىل عينيه‪:‬‬ ‫– –أين أنا؟ وملاذا أنا حمتجز هنا؟ ومن أنت؟‬ ‫ولكن الصوت مل ُيب والتزم الصمت‪ .‬استكمل نور طعامه وهو يرجتف‬ ‫كورقة يف مهب الريح من أثر الضعف واخلوف والغضب‪ ،‬وبعدما انتهى‪،‬‬ ‫�ائل أمحر اللون‬ ‫�كل واليت كان بداخلها س�‬ ‫نظر إىل احلقنة غريبة الش�‬ ‫يلمع على ضوء الغرفة‪ .‬كان السائل يف أنبوبة يف مسدس صغري معلقة‬ ‫‪25‬‬


‫�دس ينتهي بإبرة قصرية‪ ،‬فأدرك نور‬ ‫فوق اجلزء العلوي منه‪ ،‬وكان املس�‬ ‫مرتددا للحظات‪ ،‬ثم‬ ‫�ك احلقنة بتوتر وبدا‬ ‫على الفور آلية عملها‪ ،‬فأمس�‬ ‫ً‬ ‫أدخل اإلبرة يف ذراعه اليمنى‪ ،‬وضغط على الزناد ليندفع السائل بداخله‪،‬‬ ‫�ده بقوة شديدة‪ ،‬فصرخ من شدة‬ ‫�اعرا بوخز شديد وأمل يسري يف جس�‬ ‫ش�‬ ‫�اء الصوت مرة أخرى حماوال أن خيفف عنه قائال‪:‬‬ ‫األمل‪ ،‬فج�‬ ‫لاح كل اخلاليا امليتة‬ ‫�يؤملك كثريا يف البداية‪ ،‬حتى يتم إص�‬ ‫– –س�‬ ‫واملدمرة بداخلك‪.‬‬ ‫فقال نور بغضب ممتزج بأمل‪:‬‬ ‫– –أيها الوغد سأقتلك إن وضعت يدي عليك‪.‬‬ ‫فرد الصوت بنفس النربة الباردة‪:‬‬ ‫جيدا‬ ‫– –س�‬ ‫�يد نور‪ ،‬فلتدرك أنك حتت رمحيت هنا‪ ،‬فلتنتقي كالمك ً‬ ‫كي ال تندم على هذا‪.‬‬ ‫شعر نور بعد بضعة دقائق بتدفق الطاقة داخله جمددا‪ ،‬وأن يديه وقدميه‬ ‫عادتا للعمل جمددا‪ ،‬وشعر باحليوية والنشاط ميآلن جسده‪ ،‬فقام من على‬ ‫يرا إليه‪ ،‬وقال بنربة غاضبه‪:‬‬ ‫�ريره ونظر إىل احلائط ورفع إصبعه مش�‬ ‫س�‬ ‫– –واآلن ‪ ..‬أخرجين من هنا حاال‪.‬‬ ‫فقال الصوت بضحكة ساخرة‪:‬‬ ‫– –لك ما أردت‪ ،‬واآلن فلنبدأ‪.‬‬ ‫اقرتب نور من الباب فتغري لون القفل اإللكرتوني من األمحر لألخضر‪،‬‬ ‫فانفتح الباب بصوت صفري استمر ثوان معدودة‪ ،‬ثم خرج نور من الغرفة‬ ‫ليجد نفسه يف ردهة بيضاء ممتدة إىل ما ال نهاية‪ ،‬تنريها بعض املصابيح‬ ‫‪26‬‬


‫املعلقة‪ .‬حاول أن يصل بنظره إىل نهاية الردهة‪ ،‬ولكنه مل ير نهايتها ‪ ..‬مل‬ ‫حرا طليق ًا‪ ،‬وبعد دقيقة كاملة أخذ يركض‬ ‫يلبث أن أخذ يتنفس تنفسا ً‬ ‫ً​ً‬ ‫ً‬ ‫�يء مألوف غري‬ ‫باحث ًا عن أي ش�‬ ‫قاطعا الردهة وهو يتلفت حوله‬ ‫مهرول‬ ‫ً‬ ‫هذا اللون األبيض الذي يصبغ كل شيء‪ ،‬بينما يصرخ وينادي‪:‬‬ ‫– –هل هناك أحد هنا؟! فليساعدني أحدكم!‬ ‫�ن مل جيبه أحد‪ ،‬وبعد فرتة طويلة من الركض بدون أن جيد أي‬ ‫ولك�‬ ‫يرا بالتعب فتوقف مكانه واحننى متكئًا بكفيه‬ ‫أبواب أو نوافذ‪ ،‬أحس أخ� ً‬ ‫على ركبتيه وهو يلهث قائال‪:‬‬ ‫– –هذا املمر بال نهاية‪.‬‬ ‫فسمع الصوت املزعج حيدثه ويرتدد صداه يف الردهة كلها قائال‪:‬‬ ‫�هل مما نتوقع ولكننا ال نراه‪ ،‬ألننا ال‬ ‫– –أحيانا يكون احلل أمامنا وأس�‬ ‫ننظر ناحيته‪.‬‬ ‫نظر نور وراءه مل جيد باب الغرفة الذي خرج منه‪ ،‬مما زاد من حريته‪،‬‬ ‫�ن أن تكون قد‬ ‫�تقيم ال ميك�‬ ‫ير منذ خرج من الغرفة خبط مس�‬ ‫فهو يس�‬ ‫�ي امتد وراءه كما ميتد أمامه‪.‬‬ ‫�ت‪ ،‬إال أن اللون األبيض الالنهائ�‬ ‫اختف�‬ ‫بصوت عال ً‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫فصرخ‬ ‫ٍ‬ ‫– –أنت أيها الوغد‪ ،‬ما الذي حيدث هنا؟ أخرجين من هنا!‬ ‫ً‬ ‫متجاهل إهانات نور املتتالية‪:‬‬ ‫فخرج الصوت قائال بنرباته الباردة‬ ‫– –جيب أن تبحث عن املخرج بنفسك‪ ،‬األمر أسهل مما تتخيل ولكنك‬ ‫تعقده على نفسك بتفكريك السطحي والساذج‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫�ديد ولكنه كتم غيظه بداخله‪ ،‬فنور شخصية‬ ‫شعر نور بالغيظ الش�‬ ‫متاما عندما يكون يف مأزق وال يعلم أين املخرج‬ ‫هادئة بطبعه ولكنه يتغري ً‬ ‫أو ماذا حيدث حوله‪.‬‬ ‫شاعرا باالختناق والتوتر يف نفس‬ ‫أكمل طريقه وهو يتفحص املكان‬ ‫ً‬ ‫الوقت‪ ،‬فأخذ ينظر حوله يف حماولة بائسة منه لكي جيد أي خمرج ولكن‬ ‫دون جدوى‪ ،‬فقال الصوت بنربة ساخرة‪:‬‬ ‫– –احلل أبسط مما ختيل‪ ،‬فكر جيدا‪ ،‬وأمعن النظر‪.‬‬ ‫�ا عميقا‪ ،‬وحاول أن يصفى أفكاره‪ ،‬ويزيل التوتر عنه‪ ،‬ثم‬ ‫أخذ نور نفس�‬ ‫جمددا وهو يقول يف نفسه‪:‬‬ ‫فتح عينيه‪ ،‬وبدأ يركض‬ ‫ً‬ ‫– –ال يوجد شيء بال نهاية‪ ،‬بالتأكيد سأعثر على نهاية هلذا الرواق‪.‬‬ ‫�يئًا غري‬ ‫إال أنه مبرور الوقت أحس بالتعب مر ًة أخرى بدون أن يرى ش�‬ ‫�تندا إىل احلائط‬ ‫�ع األبي�‬ ‫االمتداد الشاس�‬ ‫�ض‪ ،‬فجلس على األرض مس� ً‬ ‫وأغمض عينيه يف يأس‪ ،‬فجاء الص��وت من جديد ً‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫ريا‪ ،‬ولكن تذكر لن يكون هناك أي‬ ‫�أعطيك‬ ‫– –حس�نًا‪ ،‬س�‬ ‫تلميحا أخ ً‬ ‫ً‬ ‫مساعدة أخرى ‪ ..‬ستبقى هنا لألبد إذا مل تفهم تلميحي األخري ‪..‬‬ ‫واآلن استمع جيدا‪.‬‬ ‫رفع نور رأسه للسقف وبدا الرتكيز باد ًيا على وجهه فاستطرد الصوت‬ ‫ً‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫– –إذا استطعت أن جتيب على هذا السؤال ستجد املخرج بالتأكيد‪ ،‬ما‬ ‫�تطيع اهلروب من العامل به‪ ،‬وال تستطيع مجيع‬ ‫هو الشيء الذي تس�‬ ‫أنظمة العامل أن تنتزعه منك؟‬ ‫‪28‬‬


‫�يء‬ ‫�ور يفكر جيدا وكلمات الصوت ترتدد يف عقله‪ ،‬ما هو الش�‬ ‫بدأ ن�‬ ‫�يء‬ ‫�تطيع اهلروب من العامل به؟ أخذ نور يفكر ما هو هذا الش�‬ ‫الذي تس�‬ ‫فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫�تطيع أحد أن يهرب من هذا العامل يف األساس‪ ،‬فأنت روحك‬ ‫– –هل يس�‬ ‫حمتجزة فيه‪ ،‬حتى متوت‪ ،‬وستظل حتت سيطرة احلكومات والسلطات‬ ‫�تظل تدفع‬ ‫�ذا العامل البائس‪ ،‬س�‬ ‫�رب منهم‪ ،‬ومن ه�‬ ‫�ا‪ ،‬وال مه�‬ ‫العلي�‬ ‫�ب وتذهب إىل العمل بال توقف‪ ،‬وتنجب أطفاال يكررون نفس‬ ‫الضرائ�‬ ‫�رة اليت ال تنتهي‪ ،‬فأنت كالعبد‬ ‫�تمر الدائ�‬ ‫ما فعلته أنت‪ ،‬وهكذا تس�‬ ‫عندهم وليس لك احلرية يف فعل أي شيء‪ ،‬وإن كان حظك مجيال‬ ‫ستقع حتت يد ديكتاتور جمنون ليجعلك تعاني حتى متوت مثل ما‬ ‫حدث يف العديد من البلدان من قبل‪ ،‬وستظل تكرر هذا طيلة حياتك‬ ‫لتجعل النظام يستمر بال توقف‪ ،‬فأنت َب ْيدق يف هذه احلياة لألنظمة‬ ‫�يطرة البشر‪ ،‬إال عن طريق ‪..‬‬ ‫العاملية واحمللية‪ ،‬فال مفر من بطش وس�‬ ‫كنور وحيد وسط الظالم‪ ،‬فكرة غريبة‬ ‫وفجأة ملعت الفكرة يف رأس نور‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ينقف الفرخ يف البيضة‪ ،‬فاتضح‬ ‫�ه كما‬ ‫كانت حتاول أن تنقف يف رأس�‬ ‫كل شيء وفهم املغزى مما قاله الصوت‪ ،‬فقال واحلماس يسري بداخله‪:‬‬ ‫�م هذا هو‪ ،‬ال بد أن يكون هذا هو الطريق الوحيد للهرب من هذا‬ ‫– –نع�‬ ‫الواقع‪.‬‬ ‫متحمسا وهو يقول‪:‬‬ ‫فوقف من جملسه‬ ‫ً‬ ‫– –إنه اخليال‪ ،‬نعم ال بد بأنه اخليال‪.‬‬ ‫وتذكر نور مقولة «ولنا يف احلياة خيال»‪.‬‬ ‫ساخرا‪:‬‬ ‫فقال الصوت‬ ‫ً‬ ‫‪29‬‬


‫– –نعم هذا هو يا سيد نور‪ ،‬يا لك من عبقري!! واآلن أنت مل خترج بعد‪،‬‬ ‫أرني اآلن كيف ستخرج من هنا!‬ ‫– –أال جيب عليك أن تفتح لي الباب بعد أن حللت لغزك اللعني؟!‬ ‫�هولة؟ بالطبع ال‪ ،‬واآلن فكر بعد أن عرفت‬ ‫– –أتعتقد أن األمر بهذه الس�‬ ‫احلل كيف ستخرج من هنا!‬ ‫بدأ محاس نور ينطفئ من جديد وبدا عليه اإلحباط‪ ،‬فأخذ يفكر‪:‬‬ ‫– –ما عالقة اخليال باخلروج من هنا‪ ،‬أنا ال أفهم‪ .‬هل ميكن أن؟ ال ‪ ..‬ال‬ ‫�يء كهذا موجود يف‬ ‫‪ ،‬ال أعتقد ذلك‪ ،‬هذه فكرة جمنونة ال يوجد ش�‬ ‫احلقيقة وال حتى ميكن صنعه‪ ،‬فهذا العامل يسري باملنطق والعلم‪ ،‬وليس‬ ‫هناك مكان للخيال واألشياء الغريبة اليت نصنعها به إال داخل عقولنا‪.‬‬ ‫بدأ التفكري الزائد خينق نور ويسرع من نبضات قلبه‪ ،‬ولكنه حاول أن‬ ‫يهدئ نفسه كي ال يعكر صفو أفكاره‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –حسنا‪ ،‬لن تضر التجربة شيئًا‪.‬‬ ‫�دأ يتخيل أن هناك با ًبا‬ ‫�ا عميقً ا‪ ،‬وب�‬ ‫نفس�‬ ‫فأغمض نور عينيه‪ ،‬وأخذ ً‬ ‫�ي متخيال أنه يقرتب من هذا الباب‪ ،‬ثم وضع‬ ‫أمامه يف املمر‪ ،‬وأخذ ميش�‬ ‫�ه‬ ‫�يء صلب يف يده‪ ،‬ففتح عينيه ليجد نفس�‬ ‫�ده على الباب وأحس بش�‬ ‫ي�‬ ‫�عت عيناه من الدهشة‪ ،‬وقال حبرية‬ ‫ميسك مبقبض باب حقيقي‪ ،‬فاتس�‬ ‫وهو ال يصدق نفسه‪:‬‬ ‫– –هل هذا ممكن؟!‬ ‫�ديد‪ ،‬فوضع‬ ‫فتح نور الباب لينبعث من وراء الباب ضوء أبيض براق ش�‬ ‫�عر‬ ‫�دة الضوء‪ ،‬ثم فتح عينيه من جديد عندما ش�‬ ‫يده على عينيه من ش�‬ ‫باختفاء الضوء‪ ،‬وأخذ يتفحص املكان حوله ليجد نفسه يف غرفة واسعة‪،‬‬ ‫‪30‬‬


‫جدرانها ملونة باللون األبيض بالكامل‪ ،‬وكأنه بداخل قطعة رخام ناصعة‬ ‫�كل‪ ،‬وواسعة‪ ،‬فعرضها يقدر حبوالي مئة مرت‬ ‫البياض‪ .‬كانت مربعة الش�‬ ‫�ا كذلك‪ ،‬ومل يكن يوجد بها باب أيضا‪ ،‬فقال وهو يفكر فيما إذا‬ ‫وطوهل�‬ ‫كان سيكرر فعلته السابقة ويصنع بابا للخروج أيض ًا من هنا‪:‬‬ ‫– –هربت من رواق ألدخل إىل غرفة؟ رائع! هل أصنع بابا هنا أيضا؟!‬ ‫فرد الصوت‪:‬‬ ‫– –ال‪ ،‬أنت هنا ستتبع تعليماتي وتتعلم كيف تستخدم هذه القوة الباطنية‬ ‫يف صنع أشياء كثرية‪ ،‬وكيف تتمكن من توظيف عقلك وخيالك ‪-‬‬ ‫باألخص ‪ -‬يف ختيل وصنع كل شيء ترغب به ‪ ..‬واآلن استمع جيدا‪.‬‬ ‫بدا على نور الرتكيز الشديد فاستأنف الصوت قائال‪:‬‬ ‫�تطيع أن تتخيل الكثري من األشياء اليت رأيتها يف حياتك‪،‬‬ ‫– –رمبا تس�‬ ‫وتتصورها تصو ًرا ذهن ًيا‪ ،‬فيمكنك أن تتخيل وجه صديق لك‪ ،‬ووجه‬ ‫عائلتك‪ ،‬وشكل منزلك بكل تفاصيله الدقيقة واململة‪ ،‬وأي شيء قد‬ ‫�ة ميكنك ختيله‪ ،‬واألمثلة كثرية‪ ،‬فهذا هو‬ ‫رأيته يف حياتك البائس�‬ ‫اخليال‪ ،‬ولكنك أيضا ميكنك ختيل أشياء مل ترها من قبل‪ ،‬فيمكنك‬ ‫�ياء غريبة غري موجودة يف‬ ‫أن تتخيل خملوقات مل ترها من قبل‪ ،‬وأش�‬ ‫�ب بأجنحة وينفث النار‬ ‫�خص يطري أو خملوق غري�‬ ‫عاملك‪ ،‬مثل ش�‬ ‫�كال‬ ‫�تطيع فعل هذا برتكيب بعض الصور واألش�‬ ‫مثل التنني‪ ،‬وتس�‬ ‫�كل صورة ذهنية جديدة فيتكون لك‬ ‫اليت رأيتها يف حياتك على ش�‬ ‫ناتج مرئي قد يكون غريبا بعض الشيء‪ .‬ميكنك أن تتخيل شخصا‬ ‫بأذرع كثرية‪ ،‬وشخصا آخر بقرون‪ ،‬وإذا كان خيالك خص ًبا‪ ،‬فسوف‬ ‫ٍ‬ ‫�ل عوامل كاملة بقوانينها وخملوقاتها الغريبة‪ ،‬وكلما تعلمت‬ ‫تتخي�‬ ‫�ياء غريبة أكثر فإن خيالك يصبح أكثر خصوبة‬ ‫أكثر ورأيت أش�‬ ‫‪31‬‬


‫�ن قبل‪ ،‬ومل تألفها‪،‬‬ ‫�ياء غريبة مل ترها م�‬ ‫وإنتاجا ألش�‬ ‫وأكثر صنعا‬ ‫ً‬ ‫�يء الذي تريده وتتأمله‬ ‫�ك جيب أن تتعلم بأن تتعمق يف الش�‬ ‫فلذل�‬ ‫�تجده أمامك‬ ‫�كل صورة ذهنية‪ ،‬ثم س�‬ ‫�ه يف عقلك على ش�‬ ‫لتصنع�‬ ‫لما حبقيقة هذا الشيء كثريا‪ ،‬ومما‬ ‫جمس� ً‬ ‫�دا‪ ،‬ولكن جيب أن تكون ُم ً‬ ‫�ا بالكثري من احلقائق‪،‬‬ ‫ملم�‬ ‫يتكون‪ ،‬وه�‬ ‫�ذا يعين أنَّ عليك أن تكون ً‬ ‫�بيل املثال إذا فكرت أن تصنع خبيالك بالون ًا فيجب أن تفكر‬ ‫على س�‬ ‫�تيك وبداخله غاز اهليليوم الذي جيعله‬ ‫بأنه مكون من مادة البالس�‬ ‫�ذه العناصر يف خيالك فأنت‬ ‫�ق يف اهلواء‪ ..‬بهذا وبرتكيب ه�‬ ‫حيل�‬ ‫ُتسد هذه األشياء كما جيب أن تكون‪ ،‬فلتتخيل شيئا بسيطا ككرة‬ ‫ملما حبقيقة أنها كرة مطاطية خفيفة الوزن‪،‬‬ ‫تنس‪ ،‬فيجب أن تكون ً‬ ‫ولونها أصفر مائل للخضرة‪ ،‬وشكلها دائري‪ ،‬ومكسوة باللباد‪ ،‬وشكلها‬ ‫اخلارجي منتظم‪ ،‬أقسامها متصلة بدون خيوط‪ ،‬وبالطبع حدد وزنها‬ ‫وقطرها لتخرج مثالية‪ .‬بالطبع لتجسيد هذه األشياء فأنت جيب أن‬ ‫تتعلم كيف تستخدم طاقتك الداخلية‪.‬‬ ‫صمت قلي ًال ثم أردف يقول‪:‬‬ ‫– –إن الفكرة بداخل عقلك لديها وزن‪ ،‬ولكنه وزن خفيف للغاية بالكاد‬ ‫دائما‪،‬‬ ‫ميكنك الشعور به‪ ،‬وهذه الفكرة ووزنها يؤثران على من حولك ً‬ ‫فقد تقوم بعمل جيد فتؤثر على من حولك ليكونوا مثلك‪ ،‬وباملثل‬ ‫�يئ‪ .‬األفكار تؤثر على من حولك أكثر مما تتخيل‪،‬‬ ‫يف العمل الس�‬ ‫وبقدرتك هذه تس��تطيع حتويل هذا الوزن اخلفيف وتشكله لينتج‬ ‫�كل موجات‬ ‫�يئا‪ ،‬فإن كانت فكرتك الضئيلة خترج على ش�‬ ‫لك ش�‬ ‫�ة من عقلك لتؤثر على من حولك‪ ،‬فبقوتك هذه أنت حتول‬ ‫طاق�‬ ‫أيضا فأنت حتتاج إىل‬ ‫هذه املوجات وتشكلها لتصبح‬ ‫مجادا‪ ،‬ولفعل هذا ً‬ ‫ً‬ ‫طاقة هائلة بداخلك أو ما تسمى بـ (الشاكرا)‪ ،‬وهذا ما أمددناك‬ ‫‪32‬‬


‫�يء بالطريقة اليت‬ ‫أيضا‪ ،‬وهلذا فكل ما عليك فعله هو ختيل الش�‬ ‫به ً‬ ‫وأبسط راحة يدك أمامك وستجد الشيء قد‬ ‫قلتها لك منذ قليل‪ِ ،‬‬ ‫�كه بيدك‪ ،‬وإن تطور مستواك فقد تستطيع جتسيد‬ ‫تكون فيها لتمس�‬ ‫َّ‬ ‫�تحيل‬ ‫العديد من األش�‬ ‫�ياء يف أماكن بعيدة عنك‪ ،‬ولكن هذا مس� ٍ‬ ‫�تطيع صنع بعض األوهام ألن قدرتك متكنك‬ ‫اآلن‪ ،‬كما أنك تس�‬ ‫�تطيع بالوصول إىل مستوى معني‪ ،‬التحكم‬ ‫أيضا‪ ،‬فأنت تس�‬ ‫من هذا ً‬ ‫يف اجلزيئات من حولك لتصنع نسخة شبيهة بك من الضوء على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬ستكون مزيفة وجمرد سراب عابر ولكنك قد تستخدمها‬ ‫يف إهلاء أعدائك‪.‬‬ ‫�ذي مسعه‪ ،‬وقال بتعجب‬ ‫�ه من الكالم الغريب ال�‬ ‫بدأ نور حيك رأس�‬ ‫حماو ًال أن يستوعبه‪:‬‬ ‫– –إذا كان هذا املوضوع معقدا بهذا الشكل فكيف متكنت أنا من صنع باب‬ ‫بعقلي بدون التفكري بهذه األشياء؟ لقد ختيلت الباب فقط‪ ،‬ووجدته‪.‬‬ ‫قال الصوت برتدد وكأنه كان حياول أن خيفي شيئ ًا ما‪:‬‬ ‫�نا ‪ ..‬مل أمتن أن أحبطك‪ ،‬ولكين على علم بوظائفك احليوية‬ ‫– –حس�‬ ‫وبكل ما تفكر وتتخيل‪ ،‬وألن هذه بداية الطريق بالنسبة لك‪ ،‬عندما‬ ‫وجدتك وصلت إىل احلل وختيلت الباب‪ ،‬فلقد كونته أنا لك‪ ،‬ألنك‬ ‫حاليا لن تستطيع أن تتخيله أو تصنعه‪ ،‬فاألمر ليس بهذه السهولة‪.‬‬ ‫بدا على نور اإلحباط عندما مسع هذا الكالم مع مزيج من الدهشة‪،‬‬ ‫فقال بنربة فضولية‪:‬‬ ‫– –حسنًا‪ ،‬ال يهم اآلن‪ ،‬أيا ما كان‪ ،‬ولكن كيف تعرف مباذا أفكر؟! وماذا‬ ‫�ان‪ ،‬وال‬ ‫�ل؟! وملاذا ال ختربني أين أنا؟ فهذه أقل حقوقي كإنس�‬ ‫أختي�‬ ‫حيق لك اختطايف واحتجازي بدون أن أعلم أين أنا؟!‬ ‫‪33‬‬


‫منزعجا من أسئلته املتكررة‪:‬‬ ‫بدا الصوت اخلارج من اجلدران‬ ‫ً‬ ‫�يء فلن أعطيك إجابة اآلن‪،‬‬ ‫�أل عن أي ش�‬ ‫– –قلت لك من قبل ال تس�‬ ‫ولكن إذا كنت فتى مطيع فأعدك بأنك ستعرف الكثري مما حيدث‪،‬‬ ‫�ا أريد أن أقول لك بأنك من وافق على هذا‪.‬‬ ‫كم�‬ ‫مل يصدق نور ما مسعه‪ ،‬وقال باستنكار‪:‬‬ ‫– –ماذا؟ أنا من وافق أن حيدث لي كل هذا؟! هذا مستحيل ال متزح معي‪.‬‬ ‫فقال الصوت الغامض بلهجة قوية حازمة‪:‬‬ ‫– –ستعلم كل شيء عندما ننتهي من كل هذا‪ ،‬واآلن استمع ملا سأقوله‬ ‫لك وال تسأل كثريا‪.‬‬ ‫�يء عن حياته‪ ،‬ولكن‬ ‫فصمت نور وهو ال يزال حياول أن يتذكر أي ش�‬ ‫كل شيء ُمبهم ويغطيه الضباب‪ ،‬فحاول نور أال يفكر اآلن كي ال يرهق‬ ‫عقله‪ ،‬وأومأ برأسه للصوت الغامض بأن يكمل‪.‬‬ ‫فقال الصوت وقد خفض من حدة صوته وأصبح يتكلم بهدوء و ُنبل‪:‬‬ ‫�تطيع‬ ‫�يكون بأن تصنع كرة تنس‪ ،‬هل تس�‬ ‫– –واآلن فاختبارك األول س�‬ ‫فعل هذا يا سيد نور؟‬ ‫�ادت حلظات من الصمت‪ ،‬ثم كسر حاجز الصمت‬ ‫فكر نور قليال‪ ،‬وس�‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫– –سأحاول ‪ ..‬لن تضرني احملاولة بشيء‪.‬‬ ‫فقال الصوت متنهدا‪:‬‬ ‫– –حسنا‪ ،‬فلتبدأ!‬ ‫‪34‬‬


‫متاما من أي قلق أو‬ ‫مرتبعا وأخذ يصفي ذهن�‬ ‫�ى األرض‬ ‫جلس عل�‬ ‫�ه ً‬ ‫ً‬ ‫�ا وختيل مكونات كرة‬ ‫�ا عميق�‬ ‫نفس�‬ ‫أس�‬ ‫�ئلة تعكر صفو تفكريه‪ ،‬ثم أخذ ً‬ ‫�ض‪ ،‬فردد يف عقله‪:‬‬ ‫�س كما قال له الصوت الغام�‬ ‫التن�‬ ‫�وزن ‪ ..‬لونها أصفر مائل للخضرة ‪..‬‬ ‫– –كرة مطاطية ‪ ..‬خفيفة ال�‬ ‫�كلها اخلارجي منتظم ‪..‬‬ ‫�وة باللباد ‪ ..‬ش�‬ ‫�كلها دائري ‪ ..‬مكس�‬ ‫ش�‬ ‫�امها متصلة بدون خيوط ‪ ..‬وزنها لن يتعدى الـ ‪ 57‬جرام ‪..‬‬ ‫أقس�‬ ‫�م إىل ‪ 7‬سم‪ ،‬واآلن جتسيد‪.‬‬ ‫قطرها سيرتاوح بني ‪ 6‬س�‬ ‫كونها يف عقله‪ ،‬وبدأ يتخيل‬ ‫بدأ نور يتخيل الكرة بتفاصيلها‪ ،‬ومن ثم َّ‬ ‫�رة أمامه ومد يده‬ ‫�كل الك�‬ ‫املكونات بكل ما ميلك من تركيز‪ ،‬فكون ش�‬ ‫ليمسكها‪ ،‬ولكنه وجد نفسه ميسك بكرة فارغة من الداخل وشعر بأنه قد‬ ‫سحقها بقبضته‪ ،‬ففتح عينيه ليجد بقايا الكرة يف يده‪ ،‬فقال خبيبة أمل‪:‬‬ ‫�ة الصحيحة‪ ،‬أين‬ ‫�يء بالطريق�‬ ‫– –تب ًا‪ ،‬لقد ظننت بأنين فعلت كل ش�‬ ‫اخلطأ إذن؟‬ ‫شارحا‪:‬‬ ‫فرد الصوت‬ ‫ً‬ ‫�كل الكايف يف تكوينها وفى كل ذرة‬ ‫– –اخلطأ هو أنك مل تتعمق بالش�‬ ‫وتفصيلة صغرية بها ‪ ..‬جيب أن تتخيل املكونات أوال وهي تتكون من‬ ‫�يء حتى يثبت البيت‬ ‫�اس أو اجلوهر هو أهم ش�‬ ‫الداخل‪ .‬بناء األس�‬ ‫�ل التكوين الداخلي‬ ‫�قط؛ هلذا عليك أن تبدأ بتخي�‬ ‫مكانه وال يس�‬ ‫�ذا تبين الطبقة‬ ‫�ده بعقلك حلظة بلحظة‪ ،‬وهك�‬ ‫أوال للكرة‪ ،‬وجتس�‬ ‫�ى تصل إىل الطبقة اخلارجية‪ ،‬ولكن ما فعلته أنت‬ ‫فوق األخرى‪ ،‬حت�‬ ‫كان أنك ختيلت الطبقة اخلارجية فقط‪ ،‬ثم ‪ -‬وبسطحية شديدة ‪-‬‬ ‫أقنعت نفسك بأن باقي املكونات واألساس موجود بالداخل طاملا أن‬ ‫�ك يف خطأ فادح‪ ،‬واآلن جرب مرة أخرى‪.‬‬ ‫اخلارج موجود‪ ،‬وهذا أوقع�‬ ‫‪35‬‬


‫جمددا وفكر كما قال له الصوت الغامض‪ ،‬ولكنه فشل مرا ًرا‬ ‫ختيل نور‬ ‫ً‬ ‫وتكرا ًرا وبدون جدوى‪ ،‬ففي كل مرة تتحطم الكرة يف يده‪.‬‬ ‫�يئ ًا فشيئ ًا‪،‬‬ ‫جيدا مبا قاله الصوت الغامض‪ ،‬وأخذ حيلله ش�‬ ‫ففكر نور ً‬ ‫�ض عينيه وختيل املكونات‬ ‫جيدا‪ ،‬وفهم مقصده‪ ،‬ثم أغم�‬ ‫حتى اس�‬ ‫�توعبه ً‬ ‫الداخلية أو ًال‪.‬‬ ‫جيب البدء باجلوهر‪ ،‬أخذ يكرر بداخله‪ ،‬ثم األساس‪ ،‬ثم استكمال باقي‬ ‫�ات األخرية عليه‪.‬‬ ‫عملية البناء لكي أصل للهيكل اخلارجي وأضع اللمس�‬ ‫�ياء‬ ‫طفت املكونات اخلارجية يف عقل نور‪ ،‬الذي أخذت احلرية من أش�‬ ‫جاهدا أن يبعدها ويركز فيما‬ ‫أيضا وهو حياول‬ ‫كثرية تطف�‬ ‫�و يف عقله ً‬ ‫ً‬ ‫يفعله‪ ،‬ولكنها كانت تعانده بقوة وحتاول السيطرة على تفكريه‪ ،‬فاستغرق‬ ‫�تخدم أسلو ًبا كان يستخدمه دائما‬ ‫فرتة طويلة حتى ختلص منها‪ ،‬واس�‬ ‫�يء الذي‬ ‫يف مثل هذه املواقف‪ ،‬وهو ر ِّوض عقلك وضلله ليبتعد عن الش�‬ ‫�داع العقل الباطين‬ ‫�تخدام العقل الظاهري خل�‬ ‫�غله عن طريقة اس�‬ ‫يش�‬ ‫�ح الوضع يف صاحلك‪ ،‬حتى تفكر بصفاء‬ ‫وتضليله والتحكم فيه ليصب�‬ ‫ذهن‪ .‬فكرر هذه العملية‪ ،‬حتى أبعد األفكار الطفيلية عن ذهنه‪ ،‬وبدأ يعيد‬ ‫الكرة‪ ،‬فتخيل اجلوهر واألساس��ات‪ ،‬وكونها بتفاصيلها‪ ..‬اللباد املكسو‬ ‫َّ‬ ‫معا ويدجمه‬ ‫�ا أوال‪ ،‬وبدأ يكونه بكل تفاصيله البس�‬ ‫بداخله�‬ ‫�يطة ويربطه ً‬ ‫�كل دائري منتظم‪،‬‬ ‫ككيان واحد‪ ،‬ومن ثم ُسكه وطوله‪ ،‬وتكوينه على ش�‬ ‫مع األقسام املتصلة بدون خيوط‪ ،‬فبدأت املكونات تتكون يف عقله وتندمج‬ ‫�ي املنتظم ذو اللون‬ ‫�كل اخلارج�‬ ‫�ات األخرية‪ ،‬الش�‬ ‫وترتابط‪ ،‬واآلن اللمس�‬ ‫�كل تفاصيلها الدقيقة‪،‬‬ ‫�ر‪ ،‬فتكونت صورة ذهنية للكرة يف عقلة ب�‬ ‫األصف�‬ ‫�كها وهذه املرة شعر بنشوة االنتصار‪ ،‬فلقد صنع كرة‬ ‫فمد نور يده ليمس�‬ ‫�عر بسعادة غريبة تغمره‪ ،‬ممزوجة‬ ‫تنس خبياله ومل تتحطم هذه املرة‪ ،‬فش�‬ ‫مع شعور باالنتصار‪ ،‬فقال مهل ًال‪:‬‬ ‫‪36‬‬


‫– –نعم لقد فعلتها!‬ ‫فقال له الصوت الغامض ُمهنئ ًا‪:‬‬ ‫– –أحسنت‪ ،‬ولكن ال تبتهج كثريا فهذه البداية فقط‪.‬‬ ‫وخصوصا‬ ‫دائما تزعجه‪،‬‬ ‫أح�‬ ‫ً‬ ‫�س نور بثقل الكلمة عليه‪ ،‬فكلمة البداية ً‬ ‫إذا كان يف مكان ال يعلم ماهيته‪ ،‬فتنهد قائ ًال‪:‬‬ ‫– –وما اخلطوة التالية إذاً؟‬ ‫فقال له الصوت‪:‬‬ ‫– –أن تصنع با ًبا للغرفة التالية‪.‬‬ ‫شعر نور بالتوتر‪ ،‬ألن الباب سيكون أصعب بكثري من جمرد كرة تنس‪.‬‬ ‫قطع الصوت الغامض حبل أفكاره قائ ًال‪:‬‬ ‫�يطة لتعتاد على‬ ‫�ياء البس�‬ ‫�ن أوال عليك أن تصنع بعض األش�‬ ‫– –ولك�‬ ‫�يء حيتاج إىل‬ ‫�هولة‪ ،‬فكأي ش�‬ ‫�تخدمها بس�‬ ‫قدرتك اجلديدة‪ ،‬وتس�‬ ‫�تمر لكي تعتاد عليه‪ ،‬فهذه القوة ال ختتلف‪،‬‬ ‫املمارسة والتدريب املس�‬ ‫�ي مضرب ذباب‪.‬‬ ‫واآلن اصنع ل�‬ ‫رد نور مسته ً‬ ‫رتا‪:‬‬ ‫– –أال يوجد شئ أصعب؟‬ ‫فرد الصوت عليه ليسكت غروره قائ ًال‪:‬‬ ‫– –اصنع هذا أوال‪ ،‬وبعدها أطلب منك شيئا أصعب!‬ ‫صمت نور بسبب الرد البارد الذي تلقاه‪ ،‬وجلس على األرض يف وضعية‬ ‫التأمل‪ ،‬وختيل مضرب الذباب بتفاصيله الدقيقة‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫�ا اليد الطويلة اليت يبلغ قطرها‬ ‫ختيل املكونات الداخلية بدقة‪ ،‬تليه�‬ ‫�ر‬ ‫�ة عش�‬ ‫�نتميرتات‪ ،‬وطوهلا الذي ال يتعدى اخلمس�‬ ‫�ي ثالثة س�‬ ‫حوال�‬ ‫�كل املربع املكون من أجزاء بالستيكية دقيقة‬ ‫�نتيميرتا‪ ،‬وينتهي بالش�‬ ‫س�‬ ‫�بكة‬ ‫تتقاطع مع بعضها البعض‪ ،‬بالطول والعرض‪ ،‬حتى أصبحت مثل ش�‬ ‫�د‪ ،‬ولكن أصغر بكثري‪.‬‬ ‫الصي�‬ ‫�ات األخرية وهي اللون‪ ،‬ثم مد يده‬ ‫وانتهى من التخيل ووضع اللمس�‬ ‫جمددا‪ ،‬فهلل قائال‪:‬‬ ‫�عر بها يف يده فأحس باإلجناز‬ ‫ليمسك بها‪ ،‬فش�‬ ‫ً‬ ‫جمددا!‬ ‫– –لقد فعلتها‬ ‫ً‬ ‫فرد الصوت بسخرية‪:‬‬ ‫– –واآلن اصنع ذبابة‪ ،‬لكي تقتلها‪.‬‬ ‫فكر نور يف األمر للحظة وساد صمته‪ ،‬ثم رد قائ ًال‪:‬‬ ‫– –هل ميكنين فعل هذا حقا؟!‬ ‫– –فقال الصوت جبفاء وفتور‪:‬‬ ‫– –بالطبع ال أيها األمحق هل تظن نفسك إله؟!‬ ‫فصمت نور بضع ثوان خج ًال مما قاله‪ ،‬ثم تكلم قائ ًال‪:‬‬ ‫– –أعرف بأنه سؤال أمحق ولكن ملا ال؟‬ ‫تنهد الصوت طوي ًال ثم قال‪:‬‬ ‫– –هل حقا تستطيع أن تتخيل كل تفاصيل الذبابة الداخلية بعقلك‪،‬‬ ‫�رى بالعني اجملردة‪،‬‬ ‫�ة‪ ،‬واخلاليا الدقيقة اليت ال ُت�‬ ‫الوظائف احليوي�‬ ‫والرتكيب اجليين هلا الذي حيدد خصائصها وتكوينها‪ ،‬وخاليا الدم‬ ‫بداخلها‪ ،‬وجهاز املناعة واجلهاز اهلضمي‪ ،‬وجهاز اإلخراج‪ ،‬ووظائفها‬ ‫‪38‬‬


‫اجلسدية كلها‪ ،‬مبا فيها اجلناحان واجلسد والرأس والفم‪ ،‬واألجهزة‬ ‫�ا الروح‪ ،‬واليت ال يعرف أحد‬ ‫�لية‪ ،‬ثم بعد ذلك تضع بداخله�‬ ‫التناس�‬ ‫سرها حتى اآلن‪ ،‬فهي كاحملرك أو البطارية اليت حترك جسد الكائن‬ ‫احلي‪ ،‬وليس هلا تفسري علمي حمدد‪ ،‬كل هذا هو من عمل اهلل‪ ،‬فهو‬ ‫يقول للشيء كن فيكون‪ ،‬هو من لديه القدرة غري احملدودة لصنع أي‬ ‫شيء وابتكار أشياء جديدة‪ ،‬واإلبداع يف هذا الكون بتفاصيله الدقيقة‬ ‫وألغازه اليت ال تنتهي‪ ،‬فإن كنت أنت خبيالك تستطيع صنع بعض‬ ‫�بب حمدودية عقلك‪ ،‬وألنك مهما بلغت من‬ ‫�ياء بصعوبة بس�‬ ‫األش�‬ ‫الذكاء والفطنة‪ ،‬فلديك حد ستتوقف عنده ولن تستطيع ختطيه‪،‬‬ ‫�تطيع كسرها حتى متوت وتعود‬ ‫ألنك خملوق حبدود معينة ال تس�‬ ‫�تطيع إنتاج بعض األشياء‬ ‫ملن خلقك‪ .‬ولكن كما ترى فنحن نس�‬ ‫بهذه القدرة ولكنها تكون يف حدود األشياء اجلامدة اليت بال روح‪ ،‬ألننا‬ ‫�درات يف النهاية‪ ،‬والكالم يف هذا املوضوع كثري وحيتاج‬ ‫حمدودو الق�‬ ‫�ا‪ ،‬واآلن ال تقل مثل هذه‬ ‫�تضيع وقتن�‬ ‫ير من التفاصيل اليت س�‬ ‫الكث�‬ ‫شخصا قد صنع ذبابة أمام عينيك‪ ،‬عندها‬ ‫جمددا حتى ترى‬ ‫الرتهات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فقط تستطيع أن تطلب مين طل ًبا كهذا‪ ،‬ولن أستطيع أن أجادلك‬ ‫بل سأقول لك‪ ،‬فلتحاول أن تصنع ذبابة‪.‬‬ ‫�ر املخلوقات كالذبابة‪ ،‬دقيق‬ ‫�م نور وجهة نظره‪ ،‬فالتكوين ألصغ�‬ ‫فه�‬ ‫�د‪ ،‬ومهما حاول العلماء أن‬ ‫�تطيع أن يقدر عليه أح�‬ ‫ومتقن إتقانا ال يس�‬ ‫�م ال يعرفون حتى من أين البداية‪ ،‬فإن‬ ‫يصنعوا ذبابة يف معاملهم‪ ،‬فإنه�‬ ‫متكنوا من صنع أبسط أشكال احلياة‪ ،‬فهذا ميكنهم من اخللق وجيعل أي‬ ‫شخص بالعلم واإلمكانيات املتوفرة يستطيع أن خيلق أي شيء‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫مل حيدث ولن حيدث‪ ،‬فصنع ذبابة مستحيلة بالنسبة لنا‪ ،‬فماذا عن صنع‬ ‫إنسان بكل تفاصيله الدقيقة املوضوعة بعناية‪ ،‬فكل جهاز وخلية يف جسد‬ ‫اإلنسان ختدم األخرى وتساعد على اكتمال تكوينه لكي يستطيع العيش‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫وبعد صمت طويل من التفكري‪ ،‬كسر نور السكون يف الغرفة قائ ًال‪:‬‬ ‫– –لقد فهمت وجهة نظرك اآلن‪ ،‬فأنا مل أفكر يف الفكرة بتعمق بل قلتها‬ ‫هكذا‪ ،‬ظنا مين أنه ميكنين فعلها باستخدام هذه القدرة الرائعة‪ ،‬اليت‬ ‫ظننتها غري حمدودة يف البداية‪ ،‬فأعتذر عن هذا ‪ ..‬واآلن أخربني ما‬ ‫التالي؟‬ ‫قال الصوت بنربة هادئة تنم على القبول‪:‬‬ ‫– –اعتذارك مقبول‪ ،‬واآلن اصنع لي لوحا من الزجاج‪.‬‬ ‫فقام نور بالتجول يف خياله لصنع اللوح‪ ،‬ولكن املوضوع أصبح أصعب‬ ‫�وت الغامض يف بعض‬ ‫�تعان بالص�‬ ‫�ل عدة مرات واس�‬ ‫من ذي قبل‪ ،‬ففش�‬ ‫�ن يف النهاية من‬ ‫�ي للزجاج‪ ،‬حتى متك�‬ ‫�ات عن التكوين الداخل�‬ ‫املعلوم�‬ ‫النجاح بصعوبة بالغه‪.‬‬ ‫ساخرا منه‪:‬‬ ‫قال الصوت الغامض‬ ‫ً‬ ‫– –وكنت تقول لي‪ ،‬فلتعطين شيئا أصعب!‬ ‫ثوان ثم قال‪:‬‬ ‫مل جيد نور ما يقوله‪ ،‬فالتزم الصمت لبضع ٍ‬ ‫– –وما التالي؟‬ ‫***‬

‫‪40‬‬


‫‪3‬‬ ‫وبعد شهر من التدرب على صنع األشياء باخليال‪ ،‬قرر الرجل الغامض‪،‬‬ ‫بأن الوقت قد حان لنور ليتقدم يف االختبار‪ ،‬فقال متقمصا دور املعلم‪:‬‬ ‫– –لقد تقدمت كثريا خالل هذا الشهر واستطعت أن تصنع الكثري من‬ ‫�ياء‪ ،‬وأتقنت صنعها بسهولة وفى وقت قياسي‪ ،‬كما أنك قرأت‬ ‫األش�‬ ‫�ك‪ ،‬وأصبح عقلك لديه القدرة لصنع‬ ‫كل الكتب اليت أعطيتها ل�‬ ‫�رعة وبدون أن تغمض عينك أو تفكر‪ .‬واآلن لقد‬ ‫بعض األشياء بس�‬ ‫�ى اختبارك يف هذه الغرفة‪ ،‬فلتذهب للغرفة التالية‪.‬‬ ‫انته�‬ ‫�ه‪ ،‬وهو يتثاءب‪ ،‬ونظر إىل ما‬ ‫�رير الذي قد صنع�‬ ‫قام نور من على الس�‬ ‫ريا داخل‬ ‫صنعه طيلة الشهر‪ ،‬فشعر بالفخر من نفسه‪ ،‬فقد صنع بيتا صغ ً‬ ‫الغرفة الرخامية البيضاء الواسعة‪ ،‬من اخلشب على شكل البيوت اخلشبية‬ ‫واضعا بعض األثاث فيه‬ ‫�ري‪،‬‬ ‫�ة كاليت تتواجد حتى اآلن يف الق�‬ ‫القدمي�‬ ‫ً‬ ‫�يطة وبدائية‪ ،‬وخزانة مالبس موضوع‬ ‫كأريكة‪ ،‬وكرسي‪ ،‬ودورة مياه بس�‬ ‫�ا‪ ،‬العديد من التحف‬ ‫�ا بعض املالبس‪ ،‬املختلفة ألوانها‪ .‬صنع أيض�‬ ‫فيه�‬ ‫الفنية والزخارف‪ ،‬والسجاد الشرقي‪ ،‬وبعض األوراق واألقالم‪ ،‬ليكتب فيها‬ ‫أفكاره واملعلومات اليت حيتاجها لصنع شيئا ما‪.‬‬ ‫�يء حيتاجه ثم توجه‬ ‫أخذ مذكراته واألدوات اليت صنعها‪ ،‬وكل ش�‬ ‫ير الذي كان حجمه ال يتعدى‬ ‫قاطعا البيت الصغ�‬ ‫�ة باب اخلروج‬ ‫ناحي�‬ ‫ً‬ ‫‪41‬‬


‫اخلمسني م ً‬ ‫رتا‪ ،‬حتى وصل إىل الباب‪ ،‬ففتحه وخرج إىل الغرفة الرخامية‪،‬‬ ‫�س جديدة بدائية الصنع ولكنها تفي بالغرض‪.‬‬ ‫بعد أن أرتدي مالب�‬ ‫أرتدي سروال أزرق من الصوف‪ ،‬وهندام أسود‪ ،‬من الصوف أيضا‪ ،‬وحذاء‬ ‫بدائي من اخلشب‪ ،‬يرتديه العديد من سكان اليابان‪ ،‬يف بعض من املناسبات‪.‬‬ ‫تقدم نور إىل جدار الغرفة‪ ،‬وأغمض عينه قائال‪:‬‬ ‫�وأ من هذه‪ ،‬وتأخذ مين الكثري من‬ ‫– –أمتنى أال تكون الغرفة التالية أس�‬ ‫الوقت‪ ،‬كما فعلت هذه الغرفة‪.‬‬ ‫�تطاع أن‬ ‫�ة وماكرة من الصوت ولكن نور اس�‬ ‫�ت ضحكة خافت�‬ ‫خرج�‬ ‫�وأ‪.‬‬ ‫�معها‪ ،‬فقطب نور حاجبيه موقن ًا بأن القادم أس�‬ ‫يس�‬ ‫ختيل نور الباب أمامه بكل تفاصيله الدقيقة‪ ،‬فظهر الباب أمامه ففتح‬ ‫�ك مبقبض الباب وفتحه‪ ،‬فخرج من الباب وابل من األنوار‪،‬‬ ‫عينه وأمس�‬ ‫�ف إىل الداخل وهو يضع يده على‬ ‫�ت بصره لبضع ثواني‪ ،‬فدل�‬ ‫اليت أغش�‬ ‫ثوان هدأت حدة الضوء وبدأ بالتالشي‬ ‫عينيه ليحجب عنها الضوء‪ ،‬وبعد ٍ‬ ‫�ه يف غرفة أخرى بيضاء‪ ،‬فتنهد بيأس قائال‪:‬‬ ‫ففتح عينيه‪ ،‬ليجد نفس�‬ ‫أبدا من هذه الغرف؟!‬ ‫– –يا إهلي ألن أسرتيح ً‬ ‫فقال الصوت لتهدئة نور‪:‬‬ ‫�ك أكثر من يوم‪ ،‬لقد‬ ‫�ارات القادمة لن تأخذ من�‬ ‫– –ال ختف االختب�‬ ‫�ار ما تعلمته جيدا فقط‪،‬‬ ‫�وأ‪ ،‬ومل يتبقى لك غري اختب�‬ ‫مررت باألس�‬ ‫فهل أنت مستعد؟‬ ‫رد نور ساخرا‪:‬‬ ‫– –وهل لدي خيار آخر؟ فلنبدأ‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫قال له الصوت بنربة محاسية‪:‬‬ ‫�رعتك يف التخيل‬ ‫�يكون عن س�‬ ‫�دأ‪ .‬االختبار األول‪ ،‬س�‬ ‫– –واآلن فلنب�‬ ‫والتصويب‪.‬‬ ‫�به األهداف اليت يتدرب‬ ‫فجأة ظهر أمام نور ثالثة اهداف جامدة تش�‬ ‫�ب به‪ ،‬فهز نور‬ ‫لاحا‪ ،‬ويتعلم التصوي�‬ ‫�ا كل من يريد أن حيمل س�‬ ‫عليه�‬ ‫كتفيه باستهجان قائال‪:‬‬ ‫– –ماذا تريدني أن أفعل هلذه األهداف‪.‬‬ ‫– –كما تري يا سيد نور‪ ،‬ستصوب عليهم حماوال إصابتهم‪.‬‬ ‫– –ولكين ال أمتلك سالحا كيف تريد مين أن أفعل هذا‪.‬‬ ‫– –أصنع واحد إذا‪ ،‬وال جتعلين أشعر بأنك أغيب شخص رأيته يف حياتي‪.‬‬ ‫�عر نور بالغيظ‪ ،‬ولكنه التزم الصمت بضعة حلظات‪ ،‬وأخذ يفكر يف‬ ‫ش�‬ ‫لاح ميكن صنعه خبياله‪ ،‬بنادق ‪ ..‬مسدسات ‪ ..‬رشاشات ‪ ..‬قاذفات‬ ‫س�‬ ‫صواريخ‪ ،‬طرد هذه األفكار من رأسه على الفور‪ ،‬فال جمال له لصنع أسلحة‬ ‫لاح الوحيد الذي يستطيع صنعه‬ ‫مثل هذه على االطالق‪ ،‬فجاء له الس�‬ ‫�خص‬ ‫�عر باخلجل واالحراج جملرد التفكري فيه‪ ،‬يا لك من ش�‬ ‫اآلن‪ ،‬فش�‬ ‫�هم‪ .‬تنهد طوي ًال ثم بدأ يتخيل القوس‬ ‫قوسا وس�‬ ‫بدائي يا نور‪ .‬سأصنع ً‬ ‫بكل تفاصيله الدقيقة بينما حيرك أصابعه لتكوينه‪ ،‬حتى كونه‪ ،‬فأمسكه‬ ‫�هم‪ ،‬ثم أمسكه‪ ،‬فسار إىل‬ ‫�هما‪ ،‬فتخيل الس�‬ ‫بيده اليمين‪ ،‬ثم بدأ يتخيل س� ً‬ ‫�عر بأنه متمكن كثريا من‬ ‫�ام قليال‪ ،‬ثم أخذ وضعية التصويب‪ ،‬وش�‬ ‫األم�‬ ‫�هم‪ ،‬وأحس بأن مسكة القوس تبدو مألوفة له‪ ،‬ال‬ ‫التصويب بالقوس والس�‬ ‫�بب‬ ‫بد بأنه كان حمرتفا به يف حياته اليت ال يتذكر إال القليل عنها بس�‬ ‫حرا‬ ‫ضعف ذاكرته اآلن‪ ،‬صوب نور السهم حنو اهلدف‪ ،‬ثم تركه لينطلق ً‬ ‫خمرتقا اهلواء‪ ،‬ومصيبا اهلدف األول يف املنتصف متاما‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫قال الصوت مهنئا‪:‬‬ ‫– –رائع يا سيد نور‪ ،‬يبدو بأنك حمرتف‪.‬‬ ‫�هر على العديد من األشياء‪ ،‬كتمارين‬ ‫�تة أش�‬ ‫ظل نور يتدرب ملدة س�‬ ‫اللياقة‪ ،‬والتأمل والرتكيز‪ ،‬وصنع األشياء‪ ،‬وصقل قوته البدنية والعقلية‪،‬‬ ‫متاما‪ ،‬وصنع العديد من‬ ‫�ياء اليت كان جيهله�‬ ‫وتعلم العديد من األش�‬ ‫�ا ً‬ ‫�عر بأنه أصبح أشد قوة من ذي‬ ‫�ياء اليت مل يتخيل أن يصنعها‪ ،‬وش�‬ ‫األش�‬ ‫قبل‪ ،‬واستطاع الوصول إىل القدرة على صنع نسخة شبيهة له من الضوء‬ ‫احمليط به‪ ،‬واستطاع أن يتحكم بها وحيركها كيفما يشاء‪ .‬وبعد انتهاء‬ ‫�ة أخربه الصوت بأنه قد انتهى من كل التدريبات املهمة‪،‬‬ ‫مدته التدريبي�‬ ‫فلم يصدق نفسه‪.‬‬

‫***‬

‫‪44‬‬


‫‪4‬‬ ‫قال الصوت لنور بنربته املتعجرفة املعتادة‪:‬‬ ‫�د أنهيت اإلعدادات‪ ،‬ولكن هناك اختبارا كبريا ينتظرك هنا قبل‬ ‫– –لق�‬ ‫�زم بأن االختبار القادم‬ ‫�تطيع أن أج�‬ ‫أن خترج من هذا املكان‪ ،‬بل أس�‬ ‫سيحدد مصريك‪.‬‬ ‫ُقـبضت قسمات نور وشعر خبوف قوي يعرتيه‪ ،‬فقال بنربة متقطعة‪:‬‬ ‫– –ماذا تقصد ‪ ..‬بهذا االختبار ‪ ..‬الذي سيحدد مصريي؟‬ ‫صرحيا معك قد ال خترج‬ ‫ترى كل شيء يف وقته‪ ،‬ولكن ألكون‬ ‫– –س�‬ ‫ً‬ ‫من هنا إن مل جتتز هذا االختبار‪.‬‬ ‫�ده عندما مسع هذا الكالم‪ ،‬فقال‬ ‫�عر نور بقشعريرة تسري يف جس�‬ ‫ش�‬ ‫صارخ ًا حبنق شديد‪:‬‬ ‫�اذا تقصد بأني لن أخرج ‪ ..‬لقد مت احتجازي هنا عنوة ‪ ،‬واآلن ال‬ ‫– –م�‬ ‫�دون أن خترجوني إال عندما أنفذ ما تقولون؟! ‪ ..‬اللعنة عليكم‬ ‫تري�‬ ‫وعلى هذه االختبارات‪.‬‬ ‫�ب ‪ ..‬فأنا أرى بأن لك فرصة كبرية يف اجتيازه‪ ،‬هذه ليس‬ ‫– –ال تغض�‬ ‫�ك على اإلطالق‪ ،‬ولكن ال‬ ‫�ة صدقين ‪ ..‬فأنا ال أهتم حبيات�‬ ‫جمامل�‬ ‫‪45‬‬


‫جيدا على الفوز‪ ،‬واألهم من هذا‬ ‫ختف س�‬ ‫�تجتازه إن ركزت جهودك ً‬ ‫أنك تتعلم بسرعة وهذا شئ سينفعك‪.‬‬ ‫يري القادم‪ ،‬ومتنى أن‬ ‫�ور يفكر يف ُكنية هذا االختبار املص�‬ ‫صمت ن�‬ ‫يكون أسهل مما رآه حتى اآلن‪ ،‬فهذه االختبارات مل تكن هينة عليه‪ ،‬ويبدو‬ ‫�يكون األصعب بال شك‪ .‬قال نور وقد كظم غيظه‪:‬‬ ‫أن القادم س�‬ ‫– –حسنا‪ ،‬فلتأخذني إىل هذا االختبار اآلن‪ ،‬أريد أن أخرج بأسرع وقت‪.‬‬ ‫– –حسنا‪ ،‬فلتدخل يف هذا املصعد على ميينك‪.‬‬ ‫�ور إىل ميينه فالحظ وجود مصعد مل يره من قبل‪ ،‬فدلف إليه‪،‬‬ ‫نظر ن�‬ ‫�ق األول إىل الطابق اخلامس‪ ،‬ثم انفتح فخرج‬ ‫وتوجه املصعد من الطاب�‬ ‫�ه يف ساحة كبرية بيضاء تشبه الغرفة اليت كان جيلس‬ ‫نور ليجد نفس�‬ ‫فيها‪ ،‬ولكنها تبدو أكرب بكثري‪ ،‬لكنه الحظ شيئا جعل عينيه تتسعان من‬ ‫�عر مبزيج من الراحة واحلرية واخلوف واألمل‪ ،‬لقد رأى أن‬ ‫الدهشة‪ ،‬وش�‬ ‫�احة‪ ،‬وخيرجون من عدة مصاعد تلتف‬ ‫أناسا مثله يقفون يف الس�‬ ‫هناك ً‬ ‫حول الساحة الدائرية‪ ،‬فرأى حوالي مخسني شخصا يف الساحة‪ ،‬وكانت‬ ‫أشكاهلم غريبة‪ ،‬فمنهم من ميتلك أجنحة‪ ،‬ومنهم من كان وجهه أزرق‬ ‫�خاص طبيعيني على اإلطالق‪،‬‬ ‫�كاهلم ال تبدو كأش�‬ ‫وأمحر‪ ،‬وكانت أش�‬ ‫�حذا قو ًيا‪ ،‬ووقف على مقربة منهم‬ ‫�ه مشحوذة ش�‬ ‫فتوجه إليهم وحواس�‬ ‫�ا تشبهه‪ ،‬ولكن‬ ‫مالبس�‬ ‫�اء والرجال‪ ،‬ويرتدون‬ ‫يتأملهم‪ ،‬فرأى منهم النس�‬ ‫ً‬ ‫كانت هناك صناديق فيها مالبس سوداء تشبه املالبس الرياضية‪ ،‬فشرع‬ ‫�ه‪:‬‬ ‫اجلميع يف ارتدائها مبا فيهم نور‪ ،‬فقال بينه وبني نفس�‬ ‫– –ال بد أنهم مروا مبا مررت به ‪ ..‬هل ميتلكون قدرة كاليت أمتلكها ‪..‬‬ ‫رمبا‪ ،‬ولكن ماذا حيدث هنا؟ ملاذا حنن هنا من األساس؟ هل يقومون‬ ‫مبشروع اجلندي اخلارق أو شئ كهذا‪ ،‬وحنن املختارون هلذه االختبارات‬ ‫‪46‬‬


‫اللعينة ليتم تعديل أجسدانا وإضافة هذه القدرات الغريبة ‪ ..‬لطاملا‬ ‫�ت‬ ‫�ت قوة خارقة ولكن ليس بهذه الطريقة‪ ،‬كما إن قوتي ليس�‬ ‫متني�‬ ‫ريا باألخص أنها حتتاج إىل الكثري من التدريب ألتقنها‪.‬‬ ‫ممي�‬ ‫�زة كث ً‬ ‫�ات‬ ‫قاطعا حبل أفكار نور‪ ،‬واهلمس�‬ ‫فجأة دوى الصوت يف أحناء القاعة‬ ‫ً‬ ‫واملناوشات يف القاعة قائ ًال‪:‬‬ ‫�تطاع‬ ‫يرة‪ ،‬وكما ترون فأنتم من اس�‬ ‫�م يف املرحلة األخ�‬ ‫– –مرحبا بك�‬ ‫�م العبور من هذا‬ ‫�روج من هنا جيب عليك�‬ ‫�ول إىل هنا‪ ،‬وللخ�‬ ‫الوص�‬ ‫�م‪ ،‬فهذا االختبار هو‬ ‫علي أن أحذرك�‬ ‫االختب�‬ ‫�ار األخري‪ ،‬ولكن جيب ّ‬ ‫�د تلقون حتفكم‪.‬‬ ‫�ب‪ ،‬وإن مل تكونوا حذرين فق�‬ ‫األصع�‬ ‫خرجت دمدمات اعرتاض وتساؤالت‪ ،‬فقطعها الصوت بال مباالة قائ ًال‪:‬‬ ‫– –وليس هذا فقط‪ ،‬بل إن مل جتتازوا االختبار‪ ،‬فإن فرصتكم يف اخلروج‬ ‫�تطيعون للخروج من‬ ‫من هنا ضئيلة‪ ،‬وهلذا فعليكم بذل كل ما تس�‬ ‫هنا وإال فاملوت ُمالقيكم‪.‬‬ ‫جمددا‪ ،‬فقال الصوت‪:‬‬ ‫خرجت االعرتاضات واالحتجاجات‬ ‫ً‬ ‫�روج من هنا‪ ،‬فليس هناك مفر كما‬ ‫– –فلتحافظوا على طاقتكم للخ�‬ ‫�دا ألني لن‬ ‫�أخربكم باإلرش�‬ ‫ترون‪ .‬واآلن س�‬ ‫�ادات‪ ،‬وامسعوها جي� ً‬ ‫جمددا‪.‬‬ ‫أكررها‬ ‫ً‬ ‫�ري يف‬ ‫�عر نور بالتوتر الذي يس�‬ ‫صمتت أصوات االحتجاج قليال‪ ،‬وش�‬ ‫�يقوله‬ ‫موجها مسعه إىل ما س�‬ ‫�و‪ ،‬فزاده هذا خوف ًا‪ ،‬ولكنه وقف بثبات‬ ‫اجل�‬ ‫ً‬ ‫�ال الصوت بنربة حازمة‪:‬‬ ‫الصوت‪ ..‬ق�‬ ‫�اركون فيها مجيعكم ‪ ..‬ستؤدي‬ ‫�تمرون بعدة اختبارات وستش�‬ ‫– –س�‬ ‫االختبارات إىل تنافس بينكم وتعاون بينكم‪ ،‬وقتال بينكم وبني بعض‪،‬‬ ‫‪47‬‬


‫وسيتم وضع النقاط ألداء كل منكم يف هذه االختبارات‪ ،‬وأول مثانية‬ ‫�تكون هلم الفرصة الكربى يف اخلروج من هنا‪.‬‬ ‫هم من س�‬ ‫�ديد من مساع أن مثانية فقط من سيخرجون‬ ‫�عر نور بالذعر الش�‬ ‫ش�‬ ‫�د رأى نظرات الرعب‬ ‫�عور من حوله‪ ،‬فق�‬ ‫من هنا‪ ،‬ويبدو أن هذا كان ش�‬ ‫�م واالحتجاجات واالعرتاضات اليت خرجت بدون توقف‪ ،‬فهناك‬ ‫يف أعينه�‬ ‫�مح لثمانية فقط باخلروج! وماذا‬ ‫ين شخصا ويريد أن يس�‬ ‫حوالي مخس�‬ ‫سيحدث ملن يرسب؟ هل سيموت؟‬ ‫كانت هذه األسئلة اليت كانت تدور يف خلد نور وتؤرقه‪ ،‬ولكنه جتاهلها‬ ‫جيدا إىل التعليمات‪ ،‬فأكمل الصوت متجاه ًال أصواتهم‪:‬‬ ‫ليستمع ً‬ ‫– –سيسمح لكم باستخدام أي شيء للخروج من هنا‪ ،‬إن كنتم تريدون‬ ‫قتل بعضكم البعض يف االختبارات فلي��س لدينا مانع‪ ،‬ولكن األهم‬ ‫هو االرتفاع يف املستويات للوصول إىل املراكز الثمانية األوىل‪ ،‬وهلذا‬ ‫فلتبذلوا ما لديكم‪.‬‬ ‫كانت األجواء قد أصبحت ثقيلة للغاية مما قاله‪ ،‬وأصبح اجلميع ينظرون‬ ‫إىل بعضهم البعض ويقيسون وحيللون قوة خصومهم وأشكاهلم وتصرفاتهم‪،‬‬ ‫�د‪ ،‬فأكمل الصوت‪:‬‬ ‫�دا أن غريزة البقاء والقتل قد طغت على احلش�‬ ‫وب�‬ ‫– –واآلن كي خنتصر الكثري من الوقت‪ ،‬سنبدأ بأول اختبار‪.‬‬ ‫�ة الغرفة بني املصاعد‪،‬‬ ‫�ت بوابة كبرية على مصراعيها يف نهاي�‬ ‫فتح�‬ ‫َّ‬ ‫�مس إىل الغرفة ليشعرهم ببعض الدفأ والراحة اليت مل‬ ‫وانسل ضوء الش�‬ ‫�ط هذا التوتر‪ ،‬فتوجه اجلميع إىل البوابة‬ ‫�هور وس�‬ ‫حيصلوا عليها من ش�‬ ‫�ار نور حبذر وترقب‪.‬‬ ‫وهم يراقبون بعضهم البعض حبذر‪ ،‬بينما س�‬ ‫�هم أمام طريق أمسنيت عريض‬ ‫خرج اجلميع من البوابة ليجدوا أنفس�‬ ‫�جار من كل جانب وحتجب أي فرصة للهروب‪ ،‬فنظر‬ ‫وطويل حتده األش�‬ ‫‪48‬‬


‫مشسا فوقهم‪ ،‬ففكر إن كانوا على جزيرة ما تقوم‬ ‫نور إىل السماء ليجد‬ ‫ً‬ ‫عليها اختبارات بشعة كهذه بدون علم أحد‪ ،‬أو بعلم الدولة املسؤولة عن‬ ‫هذا‪ ،‬فالسياسيون يقومون بأي شيء بشع يف سبيل الفوز يف حروبهم‪.‬‬ ‫شارحا املوقف‪:‬‬ ‫قال الصوت‬ ‫ً‬ ‫�يكون سباق املوت ‪ ..‬رمبا تتساءلون‬ ‫– –كما ترون فأول االختبارات س�‬ ‫�باق‬ ‫�تعرفون عما قريب ‪ ..‬يف هذا الس�‬ ‫�ي هكذا‪ ،‬ولكن س�‬ ‫ملاذا مس�‬ ‫�يصل إىل خط النهاية منكم فهو مؤهل‬ ‫القواعد بسيطة هنا‪ ،‬من س�‬ ‫مجيعا إىل خط النهاية‬ ‫�ة القادمة‪ ،‬وهذا يعين أنه لو وصلتم‬ ‫للمرحل�‬ ‫ً‬ ‫سيتأهل اجلميع‪ ،‬ولكن سيكون هناك فارق يف النقاط؛ أي أن املركز‬ ‫�يحصد أعلى النقاط ثم الذي يليه وهكذا‪ ،‬وكلما قل عدد‬ ‫األول س�‬ ‫�احل املتأهلني للمرحلة‬ ‫�يكون هذا يف ص�‬ ‫الواصلني خلط النهاية س�‬ ‫�ابقة‪.‬‬ ‫القادمة ‪ ..‬واآلن فلتبدأ املس�‬ ‫�م؟! ولكنه مل جيد فيه‬ ‫ترقب نور الطريق ليعرف ملاذا مسي بهذا االس�‬ ‫�يئا مري ًبا وهذا ما أقلقه أكثر‪ .‬كان السجناء يتسامرون فيما بينهم‬ ‫ش�‬ ‫على ما حيدث هنا‪ ،‬فقال الصوت‪:‬‬ ‫كل حسب رقمه حتى متلؤوا مجيع الصفوف‪ ،‬كل‬ ‫– –فلتصطفوا اآلن ٍ‬ ‫صف حيتوي على عشرة متسابقني ثم الذي يليه وهكذا حتى تكملوا‬ ‫ٍ‬ ‫مجيع الصفوف اخلمس‪.‬‬ ‫�ه‪ ،‬وتذكر أنه رقم ثالثون‪ ،‬فوقف يف الصف الثالث‪،‬‬ ‫نظر نور إىل رقم�‬ ‫عاما‪ ،‬كان يرتدي نظارة وميشط‬ ‫جبانب شاب يبدو أنه يتجاوز الثالثني ً‬ ‫شعره إىل اخللف‪ ،‬وعيناه تلتمعان حبماس‪ ،‬يبدو أنه يستمتع بهذا‪ ،‬وكانت‬ ‫�اقة ما‬ ‫�ه تنم على ذكاء وفطنة‪ ،‬وقوي البنية وميتلك من الرش�‬ ‫مالحم�‬ ‫�عر‬ ‫�ه عندما رآه‪ ،‬ش�‬ ‫�عر نور بأمل يف رأس�‬ ‫يكفيه الجتياز هذا االختبار‪ ،‬وش�‬ ‫‪49‬‬


‫�اره رأى فتاة متوترة‬ ‫�ه ال يتذكر أين؟ وعلى يس�‬ ‫�ه رآه من قبل ولكن�‬ ‫بأن�‬ ‫شديدا‪ ،‬وكانت يدها ترجتف بقوة‪ ،‬ترتدي قبعة صغرية‪ ،‬ويبدو على‬ ‫توترا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�ت‪ ،‬وكانت تقضم أظافرها يف‬ ‫�ا اجلمال واخلوف يف نفس الوق�‬ ‫مالحمه�‬ ‫خوف‪ ،‬فقال نور يف حماولة لتهدئتها‪:‬‬ ‫– –ال ختايف‪ ،‬سنخرج من هنا ‪ ..‬أنا نور وأنت؟‬ ‫�ديد وجسدها يرجتف كأنه ورقة يف مهب الريح‪،‬‬ ‫نظرت إليه بذعر ش�‬ ‫وقالت مظلمة الوجه‪:‬‬ ‫– –أنا ال أعرف إن كنت سأخرج من هنا أم ال؟! هذا جنون ‪ ..‬أنا مل أطلب‬ ‫�ي يف هذا املكان عندما استيقظت‬ ‫أن أكون هنا ‪ ..‬لقد وجدت نفس�‬ ‫�غل بالك مبا قلت ‪ ..‬امسي هو جني‪.‬‬ ‫�يئا ‪ ..‬ال تش�‬ ‫وال أتذكر ش�‬ ‫ابتسم نور حماو ًال تلطيف اجلو والتخفيف من حدته قائال‪:‬‬ ‫– –تشرفت مبعرفتك‪ ،‬ال يهم ما حيدث هنا اآلن‪ ،‬فقد حدث هذا جلميع‬ ‫من هنا‪ ،‬ويبدو أنه ليس هناك مفر غري تنفيذ ما يقولون‪ ،‬وهلذا علينا أن‬ ‫نتعاون‪ ،‬فكما مسعيت أول مثانية سيخرجون من هنا‪ ،‬وهذه فرصة جيدة لنا‪.‬‬ ‫قال الشاب الذي يقف على ميني نور‪:‬‬ ‫– –هل تظن أن التعاون سيخرجنا من هنا حقا؟‬ ‫وجه نور نظراته إليه وقد امحر وجهه الشاحب‪ ،‬فصمت قلي ًال ثم قال‪:‬‬ ‫– –رمبا يساعدنا! أو على األقل سيزيد من فرصة جناحنا‪.‬‬ ‫�رف قدرات من هم‬ ‫�ك أن حتذر‪ ،‬فأنت ال تع�‬ ‫�ا‪ ،‬ولكن جيب علي�‬ ‫– –رمب�‬ ‫�اعدكما يف الوقت الراهن‪ ،‬ولكن‬ ‫حولك‪ ،‬وهلذا توخى احلذر‪ ،‬سأس�‬ ‫�ة فلن أتردد يف قتلكما‪.‬‬ ‫وجها لوجه يف املراحل القادم�‬ ‫إن تقابلن�‬ ‫�ا ً‬ ‫‪50‬‬


‫شعر نور بقشعريرة تسري يف جسده من نظرات عينيه وحزمه الشديد‪،‬‬ ‫فاستطرد الشاب قائال بابتسامة مصطنعة‪:‬‬ ‫– –امسي هو كينو باملناسبة‪ ،‬وأنت نور وهي جني ‪ ..‬تشرفت مبعرفتكما‬ ‫‪ ..‬واآلن فلتبقيا على مقربة مين حتى نتجاوز هذا االختبار‪.‬‬ ‫�عر نور بأنه يعلم هذا‬ ‫�ه باملوافقة‪ ،‬وش�‬ ‫كل من نور وجني برأس�‬ ‫أومأ ٍ‬ ‫أيضا ولكنه ال يعلم أين‪ ،‬فشعر ببعض األمل يف رأسه ولكنه سرعان‬ ‫االسم ً‬ ‫ما زال بسرعة‪.‬‬ ‫أراد نور أن يسأهلم عن قدراتهم‪ ،‬ولكن الصوت قاطعه قائال‪:‬‬ ‫– –واآلن سنبدأ ‪ .. 1 .. 2 .. 3 ..‬انطلقوا‪.‬‬ ‫�رع ما عندهم‪ ،‬بينما الحظ نور أحد الفتية‬ ‫بدأ اجلميع يركض بأس�‬ ‫ترحيا عند أحد األشجار ويبدو وكأنه ال يهتم مبا حيدث يف‬ ‫جيلس مس� ً‬ ‫االختبار‪ ،‬كان يراقب املتسابقني بابتسامة ساخرة على وجهه‪ ،‬فقال نور‬ ‫بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –هل هو واثق من فوزه إىل هذا احلد؟! رمبا ميتلك قدرة مميزة متكنه‬ ‫من الفوز بهذا السباق بسهولة‪.‬‬ ‫�ابقون الركض يف الطريق بال توقف‪ ،‬وبدأت الفروق يف‬ ‫أكمل املتس�‬ ‫السرعة بينهم تظهر‪ ،‬وكان نور وكينو وجني يركضون يف املنتصف بني‬ ‫�ه‪:‬‬ ‫اجلميع‪ ،‬فقال هلم نور وهو حياول أن حيافظ على معدل تنفس�‬ ‫– –جيب أن نسرع حتى حنصل على املراكز األوىل‪.‬‬ ‫رد كينو بلهجة ذات داللة‪:‬‬

‫‪51‬‬


‫– –ال‪ ،‬ال جيب أن نسرع اآلن‪ ،‬فلننتظر حتى نهاية السباق‪ ،‬حنن ال نعلم‬ ‫ما هي األخطار والعقبات اليت تنتظرنا‪ ،‬وهلذا جيب أن ننتظر ونرتك‬ ‫�ة‪ ،‬ليظهروا لنا كل العقبات واملخاطر‪ ،‬ثم نتقدم‬ ‫املغفلني يف املقدم�‬ ‫حبذر وعندما نقرتب من خط النهاية سنستغل هذا للعبور‪.‬‬ ‫قالت جني بنربة مرجتفة‪:‬‬ ‫�مى طريق املوت ‪ ..‬رمبا تكون هناك‬ ‫– –أنا أتفق معه‪ ،‬فقد قال إنه يس�‬ ‫أشياء خميفة تنتظرنا‪.‬‬ ‫موجها نظره إىل املتسابقني يف املقدمة‬ ‫صمت نور وهو يفكر فيما قاله‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لرياقب أي تغري يطرأ عليهم‪ ،‬ولكن مل حيدث شيء بعد‪ ،‬ويبدو أنه ال أحد‬ ‫�تخدم قدرته اخلاصة حتى اآلن‪ ،‬ال أحد يريد أن يكشف سره أمام‬ ‫قد اس�‬ ‫اآلخرين بسهولة‪.‬‬ ‫�يطر على بعض‬ ‫�ر دقائق‪ ،‬بدأ اإلرهاق يس�‬ ‫وبعد أن ركضوا ملدة عش�‬ ‫املتسابقني‪ ،‬ومل حيدث أي شيء بعد‪ ،‬ال يزال اجلميع يركض بدون توقف‬ ‫يف حماولة للوصول إىل نهاية السباق‪ ،‬وبعد فرتة دلفوا إىل نفق غريب ولكن‬ ‫�يء غريب بعد‪ ،‬فقال نور وهو حياول أن حيافظ على معدل تنفسه‪:‬‬ ‫ال ش�‬ ‫حتمل ال أكثر!‬ ‫– –هل سنركض كث ً‬ ‫ريا؟ يبدو بأنه سباق ُّ‬ ‫رد كينو حبرية قائال‪:‬‬ ‫– –ال بد أن الطريق طويل للغاية الختبار لياقتنا‪ ،‬ولكن رمبا تكون هناك‬ ‫�نكمل الركض حتى حيدث أي‬ ‫�ة ما ‪ ..‬على كل األحول س�‬ ‫خدع�‬ ‫تغري على املكان‪.‬‬ ‫�يطرة‬ ‫�ت نور يفكر‪ ،‬بينما كانت جني جبانبه تلهث وحتاول الس�‬ ‫صم�‬ ‫�دها املرهق من الركض بال توقف‪.‬‬ ‫على جس�‬ ‫‪52‬‬


‫�اعة بال توقف ومل حيدث أي شيء‬ ‫�ابقون ملدة نصف س�‬ ‫ركض املتس�‬ ‫ين وهي تلهث بقوة‪:‬‬ ‫غريب بعد‪ ،‬فقالت ج�‬ ‫– –مخس دقائق أخرى ولن أستطيع أن أكمل الطريق‪.‬‬ ‫قال نور وهو ال يبدو عليه التعب إطالقا‪:‬‬ ‫– –ال أعرف ماذا حيدث‪ ،‬ولكين مل أتعب بعد‪ ،‬وال أعرف ملاذا؟‬ ‫رد كينو قائال‪:‬‬ ‫�دك وجسدي بعض التعديالت‪ ،‬ولكن ملاذا‬ ‫– –ال بد أنهم أجروا على جس�‬ ‫مل جيروها على جني؟‬ ‫قال نور وهو يفكر‪:‬‬ ‫– –رمبا يكون األمر مرتبطا بقوة كل شخص وبالتمرينات اليت قام بها‬ ‫أثناء التدرب عليها ‪ ..‬جني ما هي قوتك؟‬ ‫قاطعه كينو قائ ًال‪:‬‬ ‫– –يا رفاق لقد اكتشفت اخلدعة هنا!‬ ‫�ة قائلني يف نفس‬ ‫كل من نور وجني إليه بنظرات تعجب ودهش�‬ ‫نظر ٍ‬ ‫الوقت‪:‬‬ ‫– –ما هي؟؟!‬ ‫�ض العالمات بعدما‬ ‫�ت الطريق منذ انطالقنا ووضعت بع�‬ ‫لقد حلل�‬ ‫�ي قد وجدت إحدى عالماتي بعد‬ ‫�رنا لوقت طويل‪ ،‬وما الحظته هو أن�‬ ‫س�‬ ‫ير يف نفس الطريق الذي ال‬ ‫�رور مخس دقائق‪ ،‬وهذا يدل على أننا نس�‬ ‫م�‬ ‫ينتهي‪ ،‬ولكن قررت أن أركض خلمس دقائق أخرى حتى أتأكد من هذا‬ ‫األمر‪ ،‬وبعد مرور مخس دقائق مل أجد العالمة يف نفس املكان‪ ،‬بل كانت‬ ‫‪53‬‬


‫على اجلانب اآلخر من الطريق وهذا ما أصابين باحلرية! ولكن بعد مرور‬ ‫�ة دقائق أخرى‬ ‫مخس دقائق أخرى وجدتها يف مكانها املعتاد‪ ،‬وبعد مخس�‬ ‫�ى اجلانب اآلخر من الطريق ومن هنا فهمت ما حيدث!‬ ‫وجدتها عل�‬ ‫قال نور بإحلاح وقد علت نربة صوته مما نبه بعض املتسابقني إليه‪:‬‬ ‫– –ما هي أخربني؟!‬ ‫تنهد كينو قائ ًال‪:‬‬ ‫�تعجال ‪ ..‬على كل حال إن الطريق‬ ‫– –سأخربك بالفعل‪ ،‬كفاك اس�‬ ‫يتغري‪.‬‬ ‫نظر نور إليه وقد فغر فاه‪ ،‬بينما اتسعت عينا جني من الدهشة‪ ،‬فقاال‬ ‫معا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫– –ماذا؟! كيف؟!‬ ‫استطرد كينو قائ ًال‪:‬‬ ‫�عر أحد‪،‬‬ ‫– –بعد دقيقتني من الركض حيدث تغري للطريق بدون أن يش�‬ ‫�ل النفق‪ ،‬هنا حيدث التبديل‪ ،‬لقد عرفت ما علينا‬ ‫وهذا عندما ندخ�‬ ‫فعله اآلن‪.‬‬ ‫قالت جني بشغف كبري وصرب نافد‪:‬‬ ‫– –ولكن كيف يتغري الطريق؟! وكيف سنعرف الطريق الصحيح؟!‬ ‫�تجمع أفكاره ثم كسر حاجز الصمت قائ ًال‬ ‫صمت كينو قليال ليس�‬ ‫بنربة قاطعة‪:‬‬ ‫– –حنن نركض يف طريق مستقيم ولكنه يعيد نفسه‪ ،‬مبعنى أن النفق‬ ‫�ه ‪ ..‬بالطبع مل تفهمي ما‬ ‫�ا هو إىل إعادة للطريق الذي أتينا من�‬ ‫م�‬ ‫‪54‬‬


‫�رح بالتفصيل ‪ ..‬باختصار شديد عندما ندخل إىل‬ ‫أقوله لذا سأش�‬ ‫�عر أحد‪ ،‬وعندما خنرج منه‬ ‫النفق يتحرك النفق ويلتف بدون أن يش�‬ ‫نكون قد عدنا إىل نفس الطريق الذي دخلنا منه‪ ،‬وهلذا السبب وجدت‬ ‫العالمة على اجلانب اآلخر من الطريق‪ ،‬ألننا نسري يف نفس الطريق‬ ‫�ا قد عدنا أدراجنا؛ أي أننا نركض إىل نهاية الطريق ثم نعود‬ ‫ولكنن�‬ ‫ين‪ ،‬أحدهما عند نقطة‬ ‫�ذا يعين أن هناك نفق�‬ ‫�ددا للبداية‪ ،‬وه�‬ ‫جم� ً‬ ‫البداية واآلخر عند نقطة النهاية‪ ،‬وكليهما عبارة عن جسر متحرك‬ ‫�ا من حيث أتينا‪ ،‬وهكذا فإننا نركض يف حلقة مفرغة ولن‬ ‫إلرجاعن�‬ ‫�ف اخلدعة ‪ ..‬الكثري ممن يركضون حولنا‬ ‫تنتهي إال عندما نكتش�‬ ‫�ق طويل فقط ال أكثر وال‬ ‫�ابقة حتمل‪ ،‬وأن الطري�‬ ‫يظنون أنها مس�‬ ‫�ابقة ذكاء وليس حتمل‪ ،‬واآلن عندما‬ ‫أقل‪ ،‬ولكنها يف احلقيقة مس�‬ ‫�نقف عند بدايته وسأريكم ما سيحدث‪.‬‬ ‫ندخل إىل النفق س�‬ ‫قال نور وهو حيك رأسه‪:‬‬ ‫�ف األمر لوالك‪،‬‬ ‫– –يا إهلي! يا هلا من خدعة دنيئة‪ ،‬رمبا مل نكن لنكتش�‬ ‫�باق سرعة ولياقة فقط‪ ،‬وهلذا مل أستعمل عقلي‪.‬‬ ‫فأنا اعتقدت بأنه س�‬ ‫معا يف هذا األمر‪.‬‬ ‫– –ال داعي هلذا الكالم‪ ،‬فنحن ً‬ ‫أكملوا ركضهم ملدة مخس دقائق أخرى‪ ،‬وكانت جني تكاد تنهار من‬ ‫�ها ألنها رأت النفق وقد ظهر يف األفق‪،‬‬ ‫اإلرهاق ولكنها حتاملت على نفس�‬ ‫�ديهما‬ ‫�ا كان كينو ونور يركضان بال تعب أو إرهاق‪ ،‬وكأن جس�‬ ‫بينم�‬ ‫مصنوعان من احلديد‪.‬‬ ‫�ف‪ ،‬بينما أكمل باقي‬ ‫�ق‪ ،‬فطلب كينو منهما التوق�‬ ‫دلفوا إىل النف�‬ ‫�ار إليهما‬ ‫�ف كينو إىل طريق الدخول وأش�‬ ‫�ابقني الركض‪ ،‬فالت�‬ ‫املتس�‬ ‫بالنظر‪ ،‬وفجأة وجدا النفق يتحرك ومير من أمام األشجار‪ ،‬ثم التف ملدة‬ ‫‪55‬‬


‫�ف على طريق رملي جديد مل يره أحد من قبل‪ ،‬فقال‬ ‫دقيقتني حتى توق�‬ ‫�امة النصر على وجهه‪:‬‬ ‫كينو وابتس�‬ ‫– –أمل أقل لكما إنه يتغري‪ ،‬وهكذا لقد كسرنا احللقة املفرغة ‪ ..‬أحيانا‬ ‫يكون عليك االنتباه ملا خلفك بد ًال من الذي أمامك‪.‬‬ ‫قالت جني بسعادة وهي تلتقط أنفاسها‪:‬‬ ‫�ف هذا األمر ‪ ..‬يا لك من عبقري يا‬ ‫– –هذا يعين أننا أول من اكتش�‬ ‫أبدا‪.‬‬ ‫كينو! ما كنت ألالحظ شيئا كهذا ً‬ ‫حترك نور إىل خارج النفق وهو يشري إليهما قائال بلهجة حمذرة‪:‬‬ ‫جمددا‪ ،‬هيا بنا إىل الفوز ‪ ..‬ال أتوقع‬ ‫�رك قبل أن يلتف النفق‬ ‫– –فلنتح�‬ ‫ً‬ ‫أحدا قد اكتشف هذه اخلدعة بعد‪.‬‬ ‫أن ً‬ ‫قال كينو بنربة عميقة تنم عن بعض القلق‪:‬‬ ‫�ف اخلدعة العديد من املتسابقني‪ ،‬الحظت أن األعداد‬ ‫– –بل قد اكتش�‬ ‫�بب أنهم قد تعبوا وتوقفوا‪ ،‬لكنا‬ ‫كانت تتناقص وظننت أن هذا بس�‬ ‫�ن ميضي وقت كبري‬ ‫�ا أدراجنا‪ ،‬كما أنه ل�‬ ‫�م عندما عدن�‬ ‫وجدناه�‬ ‫�ابقني سيتوقفون‬ ‫حتى يعلم اجلميع اخلدعة‪ ،‬ألن العديد من املتس�‬ ‫جمددا من نفس‬ ‫ترحيوا‪ ،‬وبالطبع سوف يالحظون عودة رفاقهم‬ ‫ليس�‬ ‫ً‬ ‫الطريق أثناء االسرتاحة‪ ،‬وعندها وبقليل من التفكري سيعلمون السر‪،‬‬ ‫وهلذا علينا أن نسرع وإال سيلحقون بنا‪.‬‬ ‫قالت جني وهي تستعد للركض‪:‬‬ ‫– –حسنا ‪ ..‬لقد استعدت أنفاسي ‪ ..‬واآلن فلننطلق ليس هناك وقت‬ ‫لنضيعه‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫أضاف كينو قائال‪:‬‬ ‫�ن فلنتوخى احلذر‪ ،‬فنحن ال نعلم ما هو‬ ‫– –نعم ليس هناك وقت‪ ،‬ولك�‬ ‫قادم‪.‬‬ ‫أقدام على‬ ‫انطلق ثالثتهم يشقون الطريق الرملي حبذر والحظوا آثار‬ ‫ٍ‬ ‫�بقهم يف اكتشاف الطريق‪ ،‬فساروا وراء‬ ‫األرض‪ ،‬فعلموا أن هناك من س�‬ ‫�دهم إىل بر األمان‪ .‬وبعد ثالث‬ ‫�ار األقدام‪ ،‬وركزوا عليها ألنها سرتش�‬ ‫آث�‬ ‫�ق‪ ،‬مسعوا صوت انفجار ُيدوي يف األفق‪ ،‬ثم تاله انفجار آخر ثم آخر‬ ‫دقائ�‬ ‫�عر ثالثتهم بالقلق مما حيدث‪ ،‬وفكر نور فيما حيدث هناك‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فش�‬ ‫�رعان ما سيكتشف ذلك‪ .‬وبعد مخس دقائق أخرى من‬ ‫ولكنه علم أنه س�‬ ‫الركض‪ ،‬رأوا جمموعة من عشرة أشخاص يقفون ويتحدثون فيما بينهم‪،‬‬ ‫فقال كينو وقد تالشت شكوكه‪:‬‬ ‫– –كما توقعت‪ ،‬لسنا أول من وصل إىل هنا‪.‬‬ ‫اقرتبوا من املتسابقني حبذر‪ ،‬بينما بادرهم املتسابقون بنظرات مريبة‪،‬‬ ‫فاقرتب نور منهم قائ ًال‪:‬‬ ‫�يئ ًا عن االنفجار الذي حدث‬ ‫– –ملاذا توقفتم هنا؟ وهل يعلم أحدكم ش�‬ ‫منذ قليل؟‬ ‫نظر إليهم شاب يف العقد الرابع من عمره‪ ،‬شعره طويل مسرتسل على‬ ‫كتفيه‪ ،‬وله مالمح آسيوية‪ ،‬قصري القامة وحاد النظرات‪ .‬رمقهم بنظرات‬ ‫جدية باردة وقال هلم بنربة رتيبة‪:‬‬ ‫– –هناك ألغام موضوعة يف هذا اجلزء من الطريق وال أحد يستطيع املرور‪.‬‬ ‫�ابقني ممزقة من أثر‬ ‫لا َء متس�‬ ‫�اب إىل الطريق‪ ،‬فرأوا أش�‬ ‫�ار الش�‬ ‫أش�‬ ‫�عر‬ ‫االنفجارات‪ ،‬فأدركوا ما حدث عندما مسعوا صوت االنفجارات ‪ ..‬ش�‬ ‫‪57‬‬


‫�ائ ًال‪:‬‬ ‫�زز‪ ،‬بينما زاد الذعر بداخل حني‪ ،‬فقال نور متس�‬ ‫نور بالتق�‬ ‫– –وكيف سنعرب من هنا؟‬ ‫�عره أشقر‪ ،‬فقال هلم‬ ‫�خص ضخم البنية عريض املنكبني‪ ،‬ش�‬ ‫خرج ش�‬ ‫بصوت أجش‪:‬‬ ‫– –أستطيع املرور بقوتي ولكن ال أعلم إن كنت سأتضرر أم ال! رمبا تكون‬ ‫قوة االنفجار أكرب من قوة حتملي‪.‬‬ ‫قال كينو وهو يتفرس فيه‪:‬‬ ‫– –وما هي قوتك؟‬ ‫�تطيع أن أغطي جسدي مبادة معدنية صلبة كاحلديد‪ ،‬ولكن ال‬ ‫– –أس�‬ ‫�يصمد هذا احلديد أمام قوة االنفجار أم سأنفجر؟!‬ ‫أعلم هل س�‬ ‫صمت كينو قلي ًال يفكر ثم قال بنربة مريبة‪:‬‬ ‫– –هل استطاع أحد العبور؟‬ ‫رد الشاب اآلسيوي قائال جبفاء‪:‬‬ ‫ير‪ ،‬والذي يقفز‬ ‫�خص الذي يط�‬ ‫– –نعم هناك من عربوا بالفعل‪ ،‬الش�‬ ‫عالي ًا‪ ،‬اس��تطاعوا جتاوز الطريق بسهولة‪.‬‬ ‫نظر كينو إىل الطريق ثم استطرد قائ ًال‪:‬‬ ‫– –نور‪ ،‬جني اتبعاني‪ ،‬أستطيع العبور من هذه األلغام‪.‬‬ ‫نظر اجلميع إليه بدهشة‪ ،‬فخرج شاب بنفس عمر نور‪ ،‬لديه شعر أسود‬ ‫مبتسما‪:‬‬ ‫مموج وبشرة مسراء‪ ،‬ووجه هادئ‪ ،‬فقال له‬ ‫ً‬ ‫– –حق ًا هل تستطيع أن جتعلنا نعرب؟‬ ‫‪58‬‬


‫لثوان‬ ‫�عر بأنه يعرفه‪ ،‬وأحس بصداع يف رأسه‬ ‫نظر نور إلي الشاب وش�‬ ‫ٍ‬ ‫�اب كان يساوره نفس الشعور‪،‬‬ ‫جمددا عند رؤيته‪ ،‬ويبدو أن الش�‬ ‫معدودة‬ ‫ً‬ ‫فقال نور له‪:‬‬ ‫– –ما امسك؟‬ ‫– –امسي يوسف ‪ ..‬وأنت؟‬ ‫– –أنا نور‪.‬‬ ‫رمقا بعضهما البعض لثوان معدودة ثم قال يوسف بنربة رنانة مرحة‪:‬‬ ‫– –تشرفت مبعرفتك‪.‬‬ ‫قال الضخم بنفاد صرب‪:‬‬ ‫– –وأنا إيفانوف‪ ،‬وهذا ليس وقت التعارف‪ ،‬حنتاج للمرور من هنا قبل أن‬ ‫يلحق بنا باقي املتسابقني‪.‬‬ ‫فقاطعهم كينو قائال‪:‬‬ ‫�أعرب أنا ورفاقي‪ ،‬من يريد العبور خلفنا‬ ‫– –نعم أنت على حق‪ ،‬واآلن س�‬ ‫فليعرب لن أمنعه‪.‬‬ ‫قال الشاب اآلسيوي بفظاظة وشراسة‪:‬‬ ‫– –لن أعرب وراءك‪ ،‬سأعرب وحدي‪.‬‬ ‫�ف والثمانية اآلخرين قرروا أن‬ ‫�ق على رأيه إيفانوف‪ ،‬ولكن يوس�‬ ‫وواف�‬ ‫يتبعوه‪.‬‬ ‫أحل نور قائال‪:‬‬ ‫– –كينو ما هي قوتك؟‬ ‫‪59‬‬


‫قال كينو بلهجة ذات داللة‪:‬‬ ‫– –ال جيب أن تعرف سري اآلن وإال فقد تستخدمه ضدي‪.‬‬ ‫وافقت جني كينو الرأي وأكملت قائلة‪:‬‬ ‫أحدا‬ ‫– –ال أعتقد أن نور س�‬ ‫�يفعل ذلك‪ ،‬ولكنك ُمق‪ ،‬ال جيب أن خنرب ً‬ ‫بسرنا‪ ،‬ولكن توخى احلذر فال نريد أن ُنقتل‪.‬‬ ‫حترك كينو حبذر يف الطريق واجلميع يتبعه‪ ،‬وأخذ ينحرف يسا ًرا قلي ًال‪،‬‬ ‫ثم ميين ًا قلي ًال‪ ،‬والكل حيذو حذوه يف خوف وارتباك شديدين‪ ،‬حتى عربوا‬ ‫�ابقني املتأخرىن على لغم من غري‬ ‫نصف الطريق‪ ،‬وفجأة داس أحد املتس�‬ ‫قصد‪ ،‬فانفجر اللغم وأطاح باثنني‪ ،‬ثم انفجر لغم آخر‪ ،‬فقال كينو بعصبية‪:‬‬ ‫– –اللعنة‪ ،‬فلنركض‪.‬‬ ‫�و يلقي بنظره على األرض‬ ‫�دأوا بالوثب يف الطريق الرملي‪ ،‬وكين�‬ ‫ب�‬ ‫�ارات وعلت خلفهم‪ ،‬وأخذت‬ ‫�ام‪ ،‬بينما دوت االنفج�‬ ‫متفقدا مواقع األلغ�‬ ‫ً‬ ‫تطيح باملتسابقني حتى أطاحت خبمسة منهم‪ ،‬بينما راوغ كينو أماكن‬ ‫�اقة‪ ،‬وتبعه الباقون بعجلة وتوتر وذعر شديد‪،‬‬ ‫�ا ًرا برش�‬ ‫األلغام ميين ًا ويس�‬ ‫�ن النهاية‪ ،‬فصرخ كينو قائ ًال‪:‬‬ ‫حتى اقرتبوا م�‬ ‫– –لقد شارفنا على الوصول ‪ ..‬اصربوا قليال بعد‪.‬‬ ‫بعيدا‪،‬‬ ‫�ط كينو على لغم فانفجر في�‬ ‫وبدون قصد ضغ�‬ ‫�ه ليطيح به ً‬ ‫�لما للموت‪ ،‬وفجأة فتح‬ ‫فتهشم جس�‬ ‫�ده بالكامل‪ ،‬وأغمض عينيه مستس� ً‬ ‫جمددا بدون أي خدش أو إصابة‪،‬‬ ‫عينيه ليجد نفسه يركض على الطريق‬ ‫ً‬ ‫فقال يف نفسه‪:‬‬ ‫– –ما الذي حدث‪ ،‬لقد شعرت أنين ‪ ..‬هل كنت أتوهم؟!‬ ‫‪60‬‬


‫�ه للغم الذي خطا عليه يف املرة‬ ‫�ل الطريق‪ ،‬ولكن هذه املرة انتب�‬ ‫أكم�‬ ‫�اه‪ ،‬ثم أكمل ركضه والكل يتبعه حتى وصلوا إىل بر‬ ‫�ابقة‪ ،‬وحتاش�‬ ‫الس�‬ ‫�ادهم على األرض وهلثوا‬ ‫�دأت االنفجارات‪ ،‬فألقوا بأجس�‬ ‫األمان‪ ،‬وقد ه�‬ ‫�ور إىل من عرب فوجد أنهم أصبحوا مثانية‪ ،‬وقد لقى أربعة‬ ‫بقوة‪ ،‬فنظر ن�‬ ‫�ه‪:‬‬ ‫منهم مصرعهم‪ ،‬فقال وهو بالكاد يتلقط أنفاس�‬ ‫– –واآلن علمت ملاذا يسمونه طريق املوت‪.‬‬ ‫�يوي وإيفانوف وقد عربا الطريق‪،‬‬ ‫�ع كال من الفتى اآلس�‬ ‫رأى اجلمي�‬ ‫فرمقهم اآلسيوي بنظرة س��اخرة وأخذ يصفق بيديه قائ ًال‪:‬‬ ‫�ا له من عرض ألعاب نارية رائع يا فتيان ‪ ..‬أمل أقل يا إيفانوف أن‬ ‫– –ي�‬ ‫�ا املرور ‪ ..‬ولكن على أية‬ ‫�هل علين�‬ ‫نرتكهم يعربون أوال‪ ،‬فهذا سيس�‬ ‫�اعدتهم‪ ،‬ولكن االحتياط‬ ‫حال كان ميكنين العبور وحدي بدون مس�‬ ‫�ايري باملناسبة‪ ،‬تشرفت مبعرفتكم‪.‬‬ ‫واجب ‪ ..‬امسي س�‬ ‫شعر نور بالغضب والغيظ الشديدين مما قاله سايري‪ ،‬فقال بينه وبني‬ ‫نفسه‪:‬‬ ‫– –يا هلذا الوغد ‪ ..‬لقد تعمد التضحية بنا يف سبيل جناحه!!‬ ‫أشار إيفانوف هلم بيده وعلى وجهه نصف ابتسامة قائ ًال‪:‬‬ ‫– –الوداع يا رفاق أراكم عند خط النهاية‪.‬‬ ‫وبدأ يركض هو وسايري يف الطريق‪ ،‬فقال يوسف الذي كان قد جنا‬ ‫معهم‪:‬‬ ‫�ينتهي بهذه السهولة‪ ،‬ال بد أن‬ ‫– –ال تقلقوا‪ ،‬فال أعتقد بأن الطريق س�‬ ‫هذه هي البداية‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫قالت جني بسخرية‪:‬‬ ‫– –ال نقلق ألن الطريق مل ينته؟! حق ًا!‬ ‫�ه‪ ،‬بينما قاطعهم كينو حبزم‬ ‫�ف حماو ًال إخفاء خجل�‬ ‫فضحك يوس�‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫– –هذا ليس الوقت املناسب للمزاح ‪ ..‬فلنتحرك‪.‬‬ ‫وافقه األشخاص األربعة اآلخرون‪ ،‬ووقفوا وبدأوا الركض وراء سايري‬ ‫�ابقني وراءه‬ ‫وإيفانوف الذين كانا قد ابتعدا يف األفق‪ ،‬والتف أحد املتس�‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫– –فلنسرع‪ ،‬لقد اكتشف باقي املتسابقون اخلدعة‪.‬‬ ‫�رعته للوصول إىل خط النهاية‪ ،‬فهذا سباق حياة‬ ‫فأزاد اجلميع من س�‬ ‫أو موت‪.‬‬ ‫***‬

‫‪62‬‬


‫‪5‬‬ ‫جمددا‪،‬‬ ‫بعد دقائق من الركض رأى اجلميع إيفانوف وسايري يقفان‬ ‫ً‬ ‫مازحا‪:‬‬ ‫ومعهما اثنان آخران‪ ،‬فقال نور‬ ‫ً‬ ‫– –يبدو أن املتاعب جاءت أسرع مما توقعت‪.‬‬ ‫�أهلم كينو جبفاء وفتور مع مزيج‬ ‫اقرتب منهم اجلميع ووقفوا‪ ..‬س�‬ ‫من السخرية‪:‬‬ ‫جمددا؟!‬ ‫جمددا‪ ،‬هل تنتظرون أن نعرب الطريق لكم‬ ‫– – ملاذا توقفتم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أشار سايري بيده إىل األمام بدون أن ينبس ببنت شفة‪ ،‬فنظر اجلميع‬ ‫بوجه مظلم‪:‬‬ ‫إىل الطريق‪ ،‬لتتسع أعينهم من الذعر‪ ،‬فقالت جني‬ ‫ٍ‬ ‫– –يا إهلي ‪ ..‬ما هذا؟!‬ ‫�ور متفرقة متتد إىل األمام‪ ،‬أسفلها حبرية‬ ‫�ة جس�‬ ‫رأوا أمامهم مخس�‬ ‫كبرية‪ ،‬وكانت اجلسور ضيقة للغاية‪ ،‬بالكاد تتسع لشخص‪ ،‬وهذا يعين‬ ‫�م مل يعلموا ما‬ ‫�قطون يف املاء‪ ،‬ولكنه�‬ ‫�يجعلهم يس�‬ ‫أن أي خطأ واحد س�‬ ‫ينتظرهم غري هذا‪.‬‬ ‫قال كينو‪ ،‬وهو يتفقد الطريق‪:‬‬ ‫‪63‬‬


‫– –لن يكون أصعب من الطريق ا ُمللغم‪ ،‬ولكن جيب أن نتخذ حذرنا أثناء‬ ‫العبور‪.‬‬ ‫�ايري ضحكة صغرية على كالم كينو مما أغاظه‪ ،‬فقال‬ ‫ضحك س�‬ ‫كينو وقد طغى االنفعال على صوته‪:‬‬ ‫– –ملاذا تضحك؟‬ ‫– –ستعرف بعد قليل‪.‬‬ ‫�د‪ ،‬رمبا ليس األمر‬ ‫�را آخر ال يعرفونه بع�‬ ‫ش�‬ ‫�عر كينو بأن هناك أم� ً‬ ‫�هولة اليت يتخيلها‪ ..‬وقف الشخصان اللذان كانا مع سايري‬ ‫بهذه الس�‬ ‫�يء‪ ،‬ولديه‬ ‫وإيفانوف وقال أحدهما‪ ،‬وهو طويل القامة‪ ،‬حنيل بعض الش�‬ ‫�اء كبرية خترج من ظهره ‪:‬‬ ‫أجنحة بيض�‬ ‫�ن ننتظر هنا أكثر من هذا‪ ،‬لقد كنا حنلل الطريق ويبدو أنه ال‬ ‫– –ل�‬ ‫�مح لنا بالعبور بسهولة حتى وإن‬ ‫�يء‪ ،‬كما أن قوانا ستس�‬ ‫يوجد ش�‬ ‫كان هناك خطر شديد‪.‬‬ ‫�ار األول بأجنحته‪ ،‬بينما قفز‬ ‫�دون أن ينتظروا إجابة انطلقوا‪ ،‬ط�‬ ‫وب�‬ ‫�افات كبرية‪ ،‬حتى اعتقد البعض أنه يطري هو اآلخر يف‬ ‫اآلخر عال ًيا ملس�‬ ‫البداية‪ ،‬قال سايري بسخرية‪:‬‬ ‫جيدا‪.‬‬ ‫– –واآلن فلتمعنوا النظر ً‬ ‫كحجم فيل‪ ،‬وانقض‬ ‫�ماء هبط صقر عمالق‪ ،‬حجمه‬ ‫فجأة من الس�‬ ‫ِ‬ ‫�رعة رهيبة على الشخص ذي األجنحة‪ ،‬الذي هلع من منظره وحاول‬ ‫بس�‬ ‫بعيدا‬ ‫عائدا‪ ،‬لكن الصقر كان قد التقطه وأمس�‬ ‫يران‬ ‫الط�‬ ‫�كه‪ ،‬ثم ح َّلق ً‬ ‫ً‬ ‫�ا هلذا املنظر املرعب‪،‬‬ ‫�ته‪ ،‬نظر الفتى ذو القدرة على القفز عالي�‬ ‫بفريس�‬ ‫�ماء‪،‬‬ ‫�اريره فقرر أن يركض على األرض وأال يقفز يف الس�‬ ‫وارتعدت أس�‬ ‫‪64‬‬


‫ركضا‪ ،‬وفجأة قفزت مسكة عمالقة زرقاء اللون من املياه‬ ‫فأكمل طريقه‬ ‫ً‬ ‫وحلقت عالي ًا مكش��رة عن أنيابها احلادة‪ ،‬وقامت بالتهام اجلسر الضيق‬ ‫جمددا بفعل اجلاذبية‪.‬‬ ‫�ابق ثم هبطت يف املياه‬ ‫ومعه املتس�‬ ‫ً‬ ‫�ن أحجام هذه‬ ‫�ول وقد مت َّلكهم الذعر م�‬ ‫�ف اجلميع يف حالة ذه�‬ ‫وق�‬ ‫�ياء الضخمة‪ ،‬وكانت األسئلة تتصادم يف رأسهم عن كيفية وجود‬ ‫األش�‬ ‫خملوقات بهذا احلجم؟ ولكن مبا أنهم رأوا القدرات الغريبة اليت أصبحوا‬ ‫�يئا غريبا عليهم!‬ ‫فلم يعد هناك ش�‬ ‫ميتلكونها‪ِ ،‬‬ ‫سقطت جني على األرض وقالت بنربة مرجتفة‪:‬‬ ‫مجيعا إن عربنا!‬ ‫أبدا ‪ ..‬سنموت‬ ‫– –لن أعرب من هنا ً‬ ‫ً‬ ‫باد يف صوته‪:‬‬ ‫فقال نور والتوتر ٍ‬ ‫بقيت هنا‪ ،‬سنموت يف كل األحوال‪ ،‬إذ ًا فلنكمل الطريق‬ ‫– –ستموتني إن‬ ‫ِ‬ ‫وليحدث ما حيدث‪ ،‬رمبا يكون العبور مستحيال ولكن إن وحدنا قوانا‬ ‫فسنعرب بالتأكيد‪.‬‬ ‫موجها كالمه إىل سايري حبنق وغضب‪:‬‬ ‫قال كينو‬ ‫ً‬ ‫– –هل تركتهم يلقون حتفهم وأنت تعلم مبا حيدث؟‬ ‫– –كلما َّ‬ ‫�ذا يف مصلحتنا‪ ،‬كما أنهم مل‬ ‫�ابقني كان ه�‬ ‫قل عدد املتس�‬ ‫يريدوا أن يسمعوا حتذيراتي وانطلقوا واثقني من أنفسهم ‪ ..‬أحيانا‬ ‫الثقة تقتل صاحبها‪.‬‬ ‫�ه‪ ،‬وأثناء حتدثهم وصل‬ ‫�عر كينو بالغيظ منه‪ ،‬ولكنه مل يرد علي�‬ ‫ش�‬ ‫�ماوي‪ ،‬مما‬ ‫�ان آخران إليهم‪ ،‬أحدهما لون وجهه مييل إىل األزرق الس�‬ ‫اثن�‬ ‫جعل اجلميع يتعجب من هيئته‪ ،‬ولكنهم أجزموا أن قدرته رمبا تكون هي‬ ‫شعرا فضي اللون‪ ،‬ناعما وكثيفا‪،‬‬ ‫الس�‬ ‫�بب يف لون وجهه‪ ،‬وكان ميتلك ً‬ ‫‪65‬‬


‫واآلخر كانت بشرته مسراء‪ ،‬وكان شعره قصريا ومموجا ومالحمه تبدو‬ ‫هادئة وماكرة‪ .‬أخربهم يوسف مبا حيدث هنا‪ ،‬وبعد أن تفهموا الوضع‪،‬‬ ‫ين‪ ،‬بينما أخربهم اآلخر‬ ‫أخرب الفتى ذو الوجه األزرق بأن امسه هو ياس�‬ ‫بأن امسه إريس‪.‬‬ ‫وبعد دقائق من التخطيط والكالم واجلدال‪ ،‬قرروا ما جيب أن يفعلوه‪،‬‬ ‫ووضعوا خطة ستمكنهم من العبور‪ .‬قرروا أن ينقسموا إىل أربع جمموعات‬ ‫�ور‪ ،‬حتى يتمكنوا من اهلرب إن‬ ‫وكل جمموعة تعرب من فوق أحد اجلس�‬ ‫حدث أي شيء‪.‬‬ ‫�بة‬ ‫�خص أن خيربهم بقوته حتى يضعوا خطة مناس�‬ ‫واضطر كل ش�‬ ‫�ف‪ ،‬فوزعوا األشخاص حبسب قواهم‪ ،‬فأصبحت كل‬ ‫للعبور‪ ،‬ما عدا يوس�‬ ‫�خاص‪ ،‬وانقسموا إىل أربع جمموعات‪.‬‬ ‫جمموعة تضم ثالثة أش�‬ ‫يف اجملموعة األوىل‪ :‬نور وجني وأكريا‪.‬‬ ‫اجملموعة الثانية‪ :‬سايري وإيفانوف وتوريس‪.‬‬ ‫اجملموعة الثالثة‪ :‬كينو ويوسف ولي كانج‪.‬‬ ‫اجملموعة الرابعة‪ :‬ياسني وإريس ونادر‪.‬‬ ‫�تعدوا لالنطالق‪ ،‬فاقرتب‬ ‫�هم واس�‬ ‫�يم أنفس�‬ ‫وهكذا اتفقوا على تقس�‬ ‫�ايري وإيفانوف‪ ،‬ووضع يده على كتفيهما قائ ًال‬ ‫كل من س�‬ ‫يوسف من ٍ‬ ‫بنربة هادئة‪:‬‬ ‫– –حظ ًا موفق ًا‪.‬‬ ‫�هم‪ ،‬ولكنهم أجلوا‬ ‫�يء غريب عندما ملس�‬ ‫�عر سايري وإيفانوف بش�‬ ‫ش�‬ ‫�اؤهلم هذا لوقت آخر‪.‬‬ ‫تس�‬ ‫‪66‬‬


‫�يوف والدروع واحلبال ووزعها‬ ‫�هم والس�‬ ‫صنع نور بقدرته بعض األس�‬ ‫�ر من ناحية اليسار‬ ‫�رعوا يف العبور على اجلس�‬ ‫على جني وأكريا‪ ،‬ثم ش�‬ ‫�بح يف البحرية‬ ‫�ذر وببطء‪ ،‬وهم يراقبون األمساك الضخمة وهي تس�‬ ‫حب�‬ ‫�فلهم بال توقف‪ ،‬وكان يبدو أن هناك مخس مسكات؛ فكانوا يسريون‬ ‫أس�‬ ‫ببطء شديد حتى ال يثريوا انتباههم‪ ،‬والتوتر ميلؤهم ويرهقهم‪ ،‬وكانت‬ ‫�يء‪ ،‬ونظر نور إىل ميينه ليجد‬ ‫�هم مشحوذة بقوة يف ترقب ألي ش�‬ ‫حواس�‬ ‫�ايري‪ ،‬كانا‬ ‫باقي رفاقه يفعلون مثله ويعربون ببطء ما عدا إيفانوف وس�‬ ‫يسريان كأنهما يف نزهة‪ ،‬وكان توريس يتبعهما يف توتر وهو يقول هلما‬ ‫ريا‪ ،‬وكانا‬ ‫�ن يبدو أنهما مل يكونا مهتم�‬ ‫�ا احلذر‪ ،‬ولك�‬ ‫أن يتوخي�‬ ‫ين كث ً‬ ‫واثقني من عبورهما‪.‬‬ ‫�ددا ووراءه جني وأكريا؛‬ ‫عاد ن�‬ ‫ووجه نظره إىل الطريق حبذر جم� ً‬ ‫�ور َّ‬ ‫عربوا الربع األول من الطريق بدون أية مشاكل‪ ،‬ولكن مبجرد أن خطوا‬ ‫�ماء فوقهم‪ ،‬ويبدو أنها‬ ‫�اهدوا عدة صقور حتوم يف الس�‬ ‫خطوة أخرى ش�‬ ‫�ه أحد الصقور إىل فرقة نور‪،‬‬ ‫�ها‪ ،‬فتوج�‬ ‫رأتهم‪ ،‬فبدأت تنقض على فرائس�‬ ‫�رق األخرى‪ ،‬فقال نور بعصبية‪:‬‬ ‫وباقي الصقور إىل الف�‬ ‫– –ت ًبا‪ ،‬ها قد بدأت املشاكل‪ ،‬هل أنتم مستعدون؟‬ ‫اومأوا برؤوسهم يف توتر‪ ..‬أخرج نور القوس والسهم‪ ،‬ثم أشار ألكريا‬ ‫�ار جلني بأن تستعد‪ ،‬وعندما اقرتب الصقر ا ُملنقض عليهم‪،‬‬ ‫بأن يبدأ‪ ،‬وأش�‬ ‫قال نور صارخ ًا‪:‬‬ ‫– –اآلن!‬ ‫رفع أكريا سيفه الذي أعطاه إياه نور‪ ،‬ثم اختفى اهلواء‪ ،‬بينما ضمت‬ ‫�يء حوهلم ويتجمد‪،‬‬ ‫معا‪ ،‬وابيضت عيناها‪ ،‬ليتوقف كل ش�‬ ‫جني يده�‬ ‫�ا ً‬ ‫فقالت جني بنربة متقطعة‪:‬‬ ‫‪67‬‬


‫ثوان فلتسرعوا‪.‬‬ ‫– –نور‪ ،‬ال أستطيع إيقاف الوقت أكثر من مخس ٍ‬ ‫– –سنسرع ال تقلقي‪.‬‬ ‫�هما حنو اجلناح األمين للصقر ا ُملتجمد يف اهلواء‪ ،‬بينما‬ ‫صوب نور س�‬ ‫ظهر أكريا فوق الصقر بقدرته على التنقل يف اهلواء بضعة أمتار‪ ،‬ورفع‬ ‫سيفه ليغرزه يف رأس الصقر‪ ،‬بينما أطلق نور السهم ليصيب جناح الصقر‬ ‫أيضا‪ ،‬فقفز أكريا من فوق الصقر وانتقل يف‬ ‫سهما آخر ليصيبه ً‬ ‫ثم سدد ً‬ ‫جمددا جبانب نور‪.‬‬ ‫اهلواء ليظهر‬ ‫ً‬ ‫جمددا إىل وضعه الطبيعي‪ ،‬بينما أخذت جني تلهث بقوة‪،‬‬ ‫فعاد الزمن‬ ‫ً‬ ‫�م احنرف ناحية اليمني‬ ‫�ر نور لريى الصقر وهو يصرخ من األمل‪ ،‬ث�‬ ‫فنظ�‬ ‫�تغلوا هذه‬ ‫�ه مسكة كبرية وتلتهمه‪ ،‬فاس�‬ ‫�قط يف املاء لتنقض علي�‬ ‫وس�‬ ‫الفرصة اليت انشغلت فيها السمكة القريبة منهم‪ ،‬وركضوا بسرعة ناحية‬ ‫�ن الوصول‪ ،‬قفزت مسكة أخرى فجأة‬ ‫اجلانب اآلخر‪ ،‬وقبل أن يقرتبوا م�‬ ‫�ه البتالعهم‪ ،‬فوضع أكريا‬ ‫�ر مبن في�‬ ‫لتفتح فكيها وتنقض على اجلس�‬ ‫�ر‪ ،‬ثم سقط على‬ ‫�رعة ونقلهما إىل نهاية اجلس�‬ ‫يده على كتفيهما بس�‬ ‫�ة إلكمال الطريق‪،‬‬ ‫�عر بأنه مل يعد ميلك أي ذرة طاق�‬ ‫األرض وهو يش�‬ ‫بينما التقط كل من نور وجني أنفاسهما بصعوبة واخلوف يقرع قلوبهما‬ ‫بروا من هذا اجلحيم‪ ،‬فوقف نور‬ ‫�وة‪ ،‬ومحدوا اهلل مجيعا على أنهم ع�‬ ‫بق�‬ ‫�ة باقي الرفاق لريى ما حيدث هلم‪.‬‬ ‫ونظر ناحي�‬ ‫سار كل من إيفانوف وسايري وتوريس ليعربوا اجلسر‪ ،‬وطلب توريس‬ ‫عدة مرات منهم أن ُيبطئوا من سرعتهم حتى ال تشعر املخلوقات الضخمة‬ ‫بهم‪ ،‬ولكنهم مل يهتموا وقال سايري بتغطرس‪:‬‬ ‫�ا فلتعد أدراجك وكف عن‬ ‫�ت ال تريد العبور على طريقتن�‬ ‫– –إن كن�‬ ‫النحيب كاألطفال‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫شعر توريس بالغيظ منه ولكنه أكمل وراءهم السري وهو صامت‪ ،‬فالعودة‬ ‫ليست احلل املناسب على اإلطالق للخروج من هنا‪ .‬وبعد أن بلغوا نصف‬ ‫املسافة‪ ،‬ظهرت الصقور وهجمت على املتسابقني‪ ،‬فابتسم إيفانوف قائ ًال‪:‬‬ ‫– –ها قد أتت الفريسة‪.‬‬ ‫حول إيفانوف قبضته إىل حديد صلب‪ ،‬ونظر برتقب إىل الصقر املنقض‬ ‫عليهم مبنقاره احلاد املدبب‪ ..‬أكمل سايري الطريق غري مكرتث‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫�ب أن نصل إىل خط النهاية‬ ‫�رعة ‪ ..‬جي�‬ ‫فلتقض عليه بس�‬ ‫– –إيفانوف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قبل اجلميع‪.‬‬ ‫ثوان‪.‬‬ ‫– –حسن ًا‪ ،‬لن يأخذ مين أقل من مخس ٍ‬ ‫�ض الصقر على إيفانوف‪ ،‬فتفادى بدوره منقار الصقر إىل اليمني‪،‬‬ ‫انق�‬ ‫�ة رأس الصقر‪ ،‬ليطيح به بقوة‬ ‫�م وجه قبضته احلديدية بكل قوة ناحي�‬ ‫ث�‬ ‫إىل قاع البحرية‪.‬‬ ‫�تعمل قدرته على قراءة أفكار أي‬ ‫�دوها مما رآه‪ ،‬واس�‬ ‫وقف توريس مش� ً‬ ‫�خص أمامه‪ ،‬فتفاجأ أكثر من أفكارهم‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫ش�‬ ‫�م ذرة خوف أو ندم ‪..‬‬ ‫�ؤالء األوغاد‪ ،‬إنهم كالوحوش‪ ،‬ليس لديه�‬ ‫– –ه�‬ ‫�تمتعون بكل هذا ‪ ..‬كيف يستمتع أحد بشيء بشع كهذا؟!‬ ‫إنهم يس�‬ ‫�اقط‬ ‫�اء هذا قفزت مسكتان وقبضتا بأنيابهما على الصقر الس�‬ ‫وأثن�‬ ‫�ابقا يف نهش حلمه‪ ،‬بينما يتشاجران على حلم جسده‪،‬‬ ‫من السماء‪ ،‬وتس�‬ ‫مسرعا وراءهما من الذعر‬ ‫فانتفض جسد توريس من أثر املنظر‪ ،‬وركض‬ ‫ً‬ ‫�رعة وراءهم‪ ،‬الحظ أن هناك مسكة قد‬ ‫ليلحق بهما‪ ،‬وبينما هو يثب بس�‬ ‫�دها اهلائل لتنقض على سايري يف املقدمة‪ ،‬فصرخ‬ ‫قفزت يف اهلواء جبس�‬ ‫توريس بذعر قائ ًال‪:‬‬ ‫‪69‬‬


‫– –سايري ‪ ..‬احرتس‪.‬‬ ‫نظر سايري إىل األسفل لريى املنظر املرعب‪ ،‬فتثاءب قائال‪:‬‬ ‫– –إيفانوف‪ ،‬هل أنت مستعد؟‬ ‫معا‪ ،‬وارتسمت ابتسامة ثقة على وجهه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ضم إيفانوف قبضتيه ً‬ ‫ممتعا للغاية‪.‬‬ ‫– –بالطبع‪ ،‬واآلن هذا سيكون‬ ‫ً‬ ‫– –تذكر ‪ ..‬ال تستخدم الكثري من احلديد وإال سينتهي بك األمر يف‬ ‫القاع‪.‬‬ ‫– –لن أفعل ال ختف‪.‬‬ ‫�ايري يده يف اهلواء كأنه يقوم بتقديم عرض سحري‪ ،‬بينما‬ ‫رفع س�‬ ‫�هق توريس بقوة عندما رآه يقفز‪.‬‬ ‫قفز إيفانوف من فوق اجلسر‪ ،‬فش�‬ ‫�مكة فمها يف‬ ‫�مكة‪ ،‬ففتحت الس�‬ ‫هبط إيفانوف يف اهلواء ناحية الس�‬ ‫�تها القادمة‪ ،‬فشكل إيفانوف طبقة من احلديد‬ ‫استعداد اللتقاط فريس�‬ ‫�ود الصلب على قبضيت يديه‪ ،‬بينما حرك سايري يديه ميين ًا ويسا ًرا‬ ‫األس�‬ ‫�يقي‪ ،‬وأغمض عينيه وكأنه يعزف سيمفونية‬ ‫كمايسرتو يف حفل موس�‬ ‫اجتاه احنرف جسد إيفانوف معها‬ ‫للقتل والدمار‪ .‬وكلما حرك يديه يف‬ ‫ٍ‬ ‫�تمرت يف‬ ‫�مكة اليت اس�‬ ‫كأنه دمية يتحكم بها‪ ،‬فتفادى إيفانوف فم الس�‬ ‫الصعود ألعلى‪ ،‬ثم ارتفع إيفانوف يف اهلواء ناحيتها مع حركة يد سايري‪،‬‬ ‫�ها‪،‬‬ ‫صعودا حتى وصل إىل رأس�‬ ‫�دها‬ ‫وعندما وصل إليها ركض على جس�‬ ‫ً‬ ‫�رى‪ ،‬فابتعدت السمكة من قوة‬ ‫فانقض عليها ليلكمها بقوة يف عينها اليس�‬ ‫جمددا وقد خسرت إحدى عينيها‪.‬‬ ‫اللكمة عن اجلسر وسقطت يف البحرية‬ ‫ً‬ ‫فغر توريس فاه مما يراه‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫‪70‬‬


‫�د؟ إنها مذهلة حق ًا! واألهم‬ ‫�ياء عن ُبع�‬ ‫– –أهذه هي قوة حتريك األش�‬ ‫معا كأنهما يعرفان بعضهما البعض منذ‬ ‫من هذا أنهما منسجمان ً‬ ‫نعومة أظافرهما‪.‬‬ ‫جمددا ناحية اجلسر‪ ،‬ولكنه رأى أن هناك مسكتني‬ ‫رفع سايري إيفانوف‬ ‫ً‬ ‫جمددا‪،‬‬ ‫�ايري رأيه‪ ،‬ووجه إيفانوف إليهم‬ ‫جمددا‪ ،‬فغري س�‬ ‫قفزتا ناحيتهم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�ده جبانب‬ ‫�مكتني‪ ،‬فاحنرف جبس�‬ ‫�رعة وقوة ناحية الس�‬ ‫فهبط بدوره بس�‬ ‫�مكة األوىل ومر من أمام جسدها الضخم حتى وصل إىل منتصفها‪،‬‬ ‫الس�‬ ‫وقام بتصليب قدمه اليمنى ثم وجه ركلة شديدة إىل بطنها فاصطدمت‬ ‫جمددا‪ ،‬ولكن سرعان ما وجد إيفانوف‬ ‫السمكة برفيقتها وسقطتا يف البحرية‬ ‫ً‬ ‫مسكة فوقه تهبط من السماء عليه على حني غرة‪ ،‬فقال لنفسه متسائال‪:‬‬ ‫– –ميت قفزت هذه السمكة‪ ،‬هل حدث هذا أثناء تركيزي على السمكتني؟‬ ‫إلي! ‪ ..‬آه ‪ ..‬إنها اليت‬ ‫وملاذا مل تهاجم من على اجلسر وعادت أدراجها ّ‬ ‫�حقت عينيها منذ قليل ‪ ..‬لقد عادت لالنتقام‪ ،‬هذا مثري للغاية‪،‬‬ ‫س� ُ‬ ‫ريا‪.‬‬ ‫ولكن يبدو بأنه ليس هناك وقت لتفاديها‪ ،‬لقد اقرتبت كث ً‬ ‫عدل إيفانوف من وضعية جسده‪ ،‬وصرخ قائ ًال‪:‬‬ ‫– –سايري فلتوجهين ناحية فمها ‪ ..‬لدي خطة‪.‬‬ ‫�ن أنيابها‬ ‫�مكة ع�‬ ‫�رت الس�‬ ‫�ايري فوجهه ناحية فمها‪ ،‬فكش�‬ ‫مسعه س�‬ ‫�ود بينما أخذ‬ ‫�ده إىل معدن أس�‬ ‫وانقضت عليه‪ ،‬فحول إيفانوف كل جس�‬ ‫�قر املائل للبياض يتطاير يف اهلواء‪ ،‬وهو يرتفع ناحية فمها‪،‬‬ ‫شعره األش�‬ ‫�مكة بفمها وأغلقته بعدها وعادت أدراجها إىل البحرية يف‬ ‫فالتقطته الس�‬ ‫�اء هبوطها إىل البحرية‪،‬‬ ‫�دها أثن�‬ ‫انتصار‪ .‬لكنها بدأت تنتفض بكل جس�‬ ‫جهدا فوق طاقته‪.‬‬ ‫�ديد وأنه يبذل‬ ‫�ايري التعب الش�‬ ‫بينما بدا على س�‬ ‫ً‬ ‫‪71‬‬


‫انسل العرق من جبينه بكثرة وهو يرفع يديه يف اهلواء إىل أعلى ببطء‬ ‫شديد وكأنه حيمل جبال على يديه‪.‬‬ ‫�د اخرتقه بقبضته‬ ‫�مكة وق�‬ ‫ثوان‪ ،‬خرج إيفانوف من ذيل الس�‬ ‫وبع�‬ ‫�د ٍ‬ ‫�ده املعدني بالكامل‪ ،‬ثم أزال احلديد من على جسده‬ ‫والدماء تغطي جس�‬ ‫ليعود إىل وزنه الطبيعي‪ ،‬فرفعه سايري إىل األعلى حتى بلغ اجلسر‪ ،‬بينما‬ ‫سقطت السمكة جثة هامدة يف البحر‪ ،‬فانقضت عليها األمساك األخرى‬ ‫�دها‪ .‬وجلس سايري على األرض ليلتقط أنفاسه‪ ،‬فقال‬ ‫لتأكل من جس�‬ ‫جبفاء وفتور‪:‬‬ ‫�دك‬ ‫�تطيع أن أمحل جس�‬ ‫– –أيها الوغد‪ ،‬قلت لك من قبل أني لن أس�‬ ‫احلديدي فهو أكثر مما أس��تطيع محله‪.‬‬ ‫ضحك إيفانوف قائال‪:‬‬ ‫– –حسنا‪ ،‬أنت تعرف أنه مل يكن لدي خيار آخر سوى العبور من جسدها‬ ‫واخلروج من الناحية األخرى‪ ،‬وكان جيب أن أحول جسدي بالكامل‬ ‫�م ‪ ..‬كما إنين كنت واثقا‬ ‫�دي قد يتهش�‬ ‫إىل معدن وإال فإن جس�‬ ‫أنك ‪..‬‬ ‫– –ال تفعلها ثانية وإال فسأقتلك‪ ،‬لقد استنفذت معظم طاقيت عليك‪.‬‬ ‫�ة والرعب‪ ،‬فقال‬ ‫�ار توريس إليهما حمدقا فيهما مبزيج من الدهش�‬ ‫س�‬ ‫هلما بنربة خافتة‪:‬‬ ‫�ا أكثر من‬ ‫�عرت باخلوف منكم�‬ ‫�ن الوحوش؟ لقد ش�‬ ‫– –هل أنتما م�‬ ‫�مك والصقور!‬ ‫الس�‬ ‫وضع إيفانوف يده على كتف توريس قائال بنربة مرحة‪:‬‬ ‫‪72‬‬


‫�لى فقط يا صديقي‪ ،‬ال تكن هكذا ‪ ..‬هذا االختبار ممل‪،‬‬ ‫– –حنن نتس�‬ ‫�يئ ًا أقوى ‪ ..‬شيئا يتغلب على قوتنا‪.‬‬ ‫لقد توقعت ش�‬ ‫– –حسنا إنه يتغلب على قوتي بالطبع‪ ،‬لذا فأنا أراه مرع ًبا وليس ممال‪،‬‬ ‫واآلن فلنكمل الطرق‪.‬‬ ‫ساروا ناحية اجلسر حتى عربوا للناحية األخرى‪ ،‬فرأوا نور ينظر إليهم‬ ‫بدهشة شديدة‪ ،‬فابتسم سايري قائال‪:‬‬ ‫– –يبدو أنك عربت قبلنا يا فتى‪ ،‬أراك عند خط النهاية‪.‬‬ ‫�وى‪ ،‬وجني جبواره‬ ‫�تنف َذ الق�‬ ‫يرا يركض على األرض مس�‬ ‫كان أك�‬ ‫�ها فلم يريا ما حدث‪ ،‬وهذا من حسن حظهما‪ ،‬فلقد كان‬ ‫تلتقط أنفاس�‬ ‫�يخيفهما من البشر أكثر من الوحوش‪.‬‬ ‫هذا س�‬ ‫***‬

‫‪73‬‬


‫‪6‬‬ ‫�ف ولي كانج‪ ،‬وشرعوا يف عبور اجلسر ببطء وحذر‬ ‫سار كينو ويوس�‬ ‫�حوذة‪ ،‬حتى بدأت الصقور تنقض على اجلميع‪ ،‬فاستعدوا‬ ‫وحواسهم مش�‬ ‫للتالحم معهم‪ ،‬فقال لي كانج‪:‬‬ ‫خطرا‪.‬‬ ‫– –أنا سأتصرف مع الصقور‪ ،‬فلرتاقبوا األمساك فهي أكثر‬ ‫ً‬ ‫وجه لي كانج يديه إىل السماء‪،‬‬ ‫وافقوا على ما قاله وراقبوا املاء‪ ،‬بينما َّ‬ ‫�عاعا من الطاقة احلمراء املشعة احلارقة من يده ناحية الصقر‬ ‫وأطلق ش�‬ ‫لاق يف البحرية‬ ‫�قط الطائر العم�‬ ‫�د الطائر‪ ،‬فس�‬ ‫املنقض‪ ،‬فاخرتق جس�‬ ‫لتنقض عليه األمساك‪.‬‬ ‫�ف‬ ‫�قطه‪ ،‬فقال يوس�‬ ‫أيضا ليس�‬ ‫بينم�‬ ‫�ا توجه صقر آخر‪ ،‬فأطلق عليه ً‬ ‫مازحا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫– –سيكون هذا سهال للغاية باستخدام قوتك‪.‬‬ ‫�ايري‬ ‫�ر‪ ،‬بينما رأى ما فعله س�‬ ‫رأى كينو نور ورفاقه وقد عربوا اجلس�‬ ‫وإيفانوف‪ ،‬فاندهش ملدى قوتهم وثقتهم بأنفسهم‪ ،‬ورأى أنه عندما ركل‬ ‫�ف‬ ‫معا‪ ،‬قرروا تركه والتوجه ناحيته‪ ،‬فقال ليوس�‬ ‫إيفانوف الس�‬ ‫�مكتني ً‬ ‫بلهجة صارمة‪:‬‬ ‫‪74‬‬


‫– –استعد ‪ ..‬لقد جاءوا!‬ ‫نظر يوسف إىل املاء وقد أصابته حالة من التوتر‪ ،‬بينما وجه لي كانج‬ ‫�مكتني‬ ‫�ماء فرأى الس�‬ ‫انتباهه إىل املاء بعد أن قضى على اخلطر يف الس�‬ ‫�ر إىل كينو الذي فهم ما يرمي إليه‪ ،‬فقال‬ ‫وهما تقفزان ناحيتهم‪ ،‬فنظ�‬ ‫كينو بلهجة ذات داللة‪:‬‬ ‫– –سوف أتوىل أمر السمكة على اليمني‪.‬‬ ‫وجه كينو يده حنو السمكة‪ ،‬فارتفعت راحة يده إىل معصمه وحتولت‬ ‫�مكة فانفجرت فيها بقوة‬ ‫يده إىل مدفع‪ ،‬فقام بإطالق قذيفة باجتاه الس�‬ ‫�عاع احلراري من يديه‬ ‫لاء‪ ،‬بينما أخرج لي كانج اإلش�‬ ‫لتحوهلا إىل أش�‬ ‫وعينيه يف نفس الوقت ليستطيع أن حيرق هذه السمكة العمالقة‪ ،‬فنجح‬ ‫بقتلها واخرتاق جسدها لتسقط يف املاء ومتتلئ البحرية بالدماء‪ .‬وفجأة‬ ‫�ف يده بتوتر‬ ‫�ر عليهم من اخللف على حني غرة‪ ،‬فمد يوس�‬ ‫انقض صق�‬ ‫ناحية الصقر القريب للغاية ليوقف��ه وجيمده يف اهلواء‪ ،‬فصرخ الصقر‬ ‫�ا احلديدُ ي َد يوسف وانقض على‬ ‫فكس�‬ ‫بأمل يف حماولة لتحرير جس�‬ ‫�ده‪َ ،‬‬ ‫الصقر ليلكمه يف جسده بقوة‪ ،‬ليسقط الصقر يف البحرية‪ ،‬فانتبه كينو‬ ‫ملا حدث وقال بتعجب‪:‬‬ ‫– –هل تسرق قوى اآلخرين؟‬ ‫قال يوسف وهو حياول إخفاء توتره‪:‬‬ ‫أحدا أستطيع احلصول على قوته‬ ‫– –تستطيع أن تقول هذا‪ ،‬فعندما أملس ً‬ ‫�فاء‪ ،‬ولذلك‬ ‫ملدة مخس دقائق‪ ،‬بينما قوتي احلقيقية تكمن يف الش�‬ ‫أستعني بها‪ ،‬فبدال من توجيه طاقيت إىل جسد املريض لعالج جروحه‪،‬‬ ‫أحدا عن هذا‪،‬‬ ‫فأنا أعكس�‬ ‫�ها ألسحب قوته لبعض الوقت ‪ ..‬ال خترب ً‬ ‫أحد اآلن!‬ ‫وأنت أيضا يا لي كانج ‪ ..‬هل هذا مفهوم؟ ال جيب أن نثق يف ٍ‬ ‫‪75‬‬


‫قال لي كانج وقد شبك ذراعيه‪:‬‬ ‫– –هذه قدرة رائعة‪ ،‬ولكن إذا ُعرف سرها ستكون نقطة ضعف قوية لك‪.‬‬ ‫أحدا عنها‪.‬‬ ‫– –نعم أعلم هذا‪ ،‬لذلك مل أرد أن أخرب ً‬ ‫– –ال عليك سرك يف بئر عميق‪.‬‬ ‫صمت كينو وتوجه للضفة األخرى‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬ ‫– –جيب أن نسرع‪ ،‬فلقد عرب أول فريقني بالفعل!‬ ‫توجهوا إىل نهاية املمر‪ ،‬وتوجه نور إليهم يهنئهم بعبورهم‪ ،‬ورأوا سايري‬ ‫بصرب نافد‪:‬‬ ‫وإيفانوف وقد بدآ ال َع ْدو للوصول إىل خط النهاية‪ ،‬فقال كينو‬ ‫ٍ‬ ‫– –ال جيب أن ُنضيع الكثري من الوقت‪ ،‬فلننطلق خلفهما‪.‬‬ ‫تنهد نور قائ ًال بنربة كئيبة‪:‬‬ ‫– –كما ترى فأكريا قد استنفذ طاقته من أجل إنقاذنا؛ لذلك سأبقى‬ ‫حتى يستعيد طاقته‪.‬‬ ‫انتبه أكريا لكالم نور وعدل من وضعية جسده قائ ًال بنربة حازمة‪:‬‬ ‫�تعيد عافييت ‪..‬‬ ‫�أتبعكم عندما أس�‬ ‫– –نور‪ ،‬فلتذهب‪ ،‬ال تكرتث بي ‪ ..‬س�‬ ‫أنت تعرف أن قدرتي س� ُ‬ ‫�تمكنين من اللحاق بكم بسرعة‪.‬‬ ‫– –ال سأبقى‪ ،‬فأنا مدين لك حبياتي‪.‬‬ ‫�رار منه علم أكريا بأنه‬ ‫أضافت جني بأنها س�‬ ‫�تبقى ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وبعد إص� ٍ‬ ‫�هما جبانبه حتى‬ ‫�راره‪ ،‬فصمت وتق َّبل جلوس�‬ ‫�ن يرتاجع عن ق�‬ ‫عنيد ول�‬ ‫�تعيد طاقته‪ ،‬بينما انطلق كينو ويوسف ولي كانج‪ ،‬ليكملوا سباق‬ ‫يس�‬ ‫�ة واحدة قبل النهاية‪.‬‬ ‫�وت الذي مل يبق فيه غري مرحل�‬ ‫امل�‬ ‫‪76‬‬


‫و َّدعهم نور وشاهدهم وهم يتوارون يف األفق‪ ،‬ثم نظر إىل اجلسر لريى‬ ‫�ا قبلهم حتى‪ ،‬ولكنه مل‬ ‫�ق الرابع قد عرب منذ وقت طويل‪ ،‬رمب�‬ ‫أن الفري�‬ ‫�م متى عربوا‪ ،‬وأصابه هذا باحلرية‪ ،‬ثم الذعر ألنه ُخ ِّيل له أنه قد مت‬ ‫يعل�‬ ‫أكلهم ورمبا مل يعربوا‪ ،‬ولكنه حاول أال يهتم ألنه كلما قل العدد كان‬ ‫هذا أفضل‪ ،‬ولكنه شعر بتناقض داخله بني رغبته يف أال ميوت أحد ورغبته‬ ‫أن يفوز وخيرج من هنا‪.‬‬ ‫ين إىل اجلسر للعبور‪ ،‬فقال له إريس وهو يتفرس يف وجهه‬ ‫تقدم ياس�‬ ‫املائل للون السماء‪:‬‬ ‫– –كيف أصبح وجهك هكذا؟!‬ ‫رد ياسني بدون أي تغري يف املالمح‪:‬‬ ‫– –ال أعرف ‪ ..‬ولكن هل هذا شيء غريب؟‬ ‫وجها غريبا مثلك؟‬ ‫– –بالطبع غريب‪ ،‬هل ترى أي أحد منا ميتلك ً‬ ‫�رة بينما هناك أشخاص لديهم‬ ‫– –ال أدري ما الفرق؟! فأنت أمسر البش�‬ ‫�رة بيضاء‪ ،‬وهناك لديهم مالمح غريبة وأعني ضيقة‪ ،‬فما الفرق‬ ‫بش�‬ ‫بني وجهي ووجهك؟‬ ‫صمت إريس قليال وهو ال يعرف ماذا يقول له‪ ،‬فأضاف نادر قائ ًال‪:‬‬ ‫– –أنت ال تتذكر مثلنا أي شيء ‪ ..‬أليس كذلك؟‬ ‫– –نعم ال أتذكر شيئا‪ ،‬وال أفهم ما الغريب يف شكلي؟‬ ‫همس نادر إلريس قائ ًال‪:‬‬ ‫�ر احلقيقي على الرغم من أنه يرانا‪،‬‬ ‫أيضا شكل البش�‬ ‫– –رمبا قد نس�‬ ‫�ي ً‬ ‫�رى‪ ،‬وكأنه ال يتذكر‬ ‫�اعر كما ت�‬ ‫ولكن األغرب هو أنه ُمتبلد املش�‬ ‫‪77‬‬


‫حتى كيف يشعر‪.‬‬ ‫تقدم ياسني إىل األمام وتركهم خلفه‪ ،‬فقال إريس وهو يناديه‪:‬‬ ‫– –يا ذا الوجه األزرق فلتنتظرنا‪.‬‬ ‫حتول جسد ياسني إىل رياح واندفع مع اهلواء العليل ليصل إىل الضفة‬ ‫�كله الطبيعي وأكمل سريه إىل األمام‪ ،‬فقال نادر‬ ‫األخرى‪ ،‬ثم عاد إىل ش�‬ ‫وهو يشعر بالغرية‪:‬‬ ‫– –يا له من حمظوظ! لو كنت أمتلك هذه القدرة ألنهيت السباق منذ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫وقت بعيد ‪ ..‬واآلن ليس لدي وقت سأذهب ً‬ ‫�ن اصطناعه وهو ينظر إىل ياسني الذي يسري‬ ‫قال إريس حبنق أحس�‬ ‫غري مكرتث بهم‪:‬‬ ‫مجيعا‪.‬‬ ‫– –ال بد أن هلا حدودا مثلنا‬ ‫ً‬ ‫مل جيد إريس ًردا من نادر‪ ،‬فنظر جبانبه ليجده قد اختفى‪ ،‬فقال إريس‬ ‫وقد اشتعل غض ًبا‪:‬‬ ‫�ا‬ ‫�ألقنه درس�‬ ‫�د؟ تركين وأنا أحتدث معه‪ ،‬س�‬ ‫�ن ذهب هذا الوغ�‬ ‫– –أي�‬ ‫با لتأ كيد ‪.‬‬ ‫�ر ليجد نادر وقد ظهر من العدم وهو يشري‬ ‫نظر إريس إىل نهاية اجلس�‬ ‫له‪ ،‬فقال لنفسه‪:‬‬ ‫ين على قدرته؟! يا له من‬ ‫�د ياس�‬ ‫– –قدرة االختفاء خاصته إذاً‪ ،‬وحيس�‬ ‫وغد!‪.‬‬ ‫�كله وهيئته فلمس أرضية اجلسر‬ ‫�تخدم إريس قدرته يف تغيري ش�‬ ‫اس�‬ ‫ليتغري لونه إىل لون اجلسر البين‪ ،‬كاحلرباء‪ ،‬ثم أخذ يزحف بسرعة على‬ ‫‪78‬‬


‫�ور جبانبه‪،‬‬ ‫بطنه حتى يلحق بهم‪ ،‬ومسع أصوات قتال جتري على اجلس�‬ ‫�هولة ويسر مثل باقي‬ ‫�رع خطاه حتى ال يتعرض للخطر‪ ،‬وعرب بس�‬ ‫فأس�‬ ‫�رع خطاه ليلحق بهم حتى يظفر بالوصول إىل خط النهاية‪.‬‬ ‫فريقه‪ ،‬وأس�‬ ‫�م حتى قاطعه صوت أكريا وهو‬ ‫وقف نور يفكر يف احتماالت جناته�‬ ‫يقول بنربة مفعمة باحليوية‪:‬‬ ‫– –حسنا لقد استعدت عافييت يا رفاق ‪ ..‬شكرا لبقائكم معي ‪ ..‬واآلن‪..‬‬ ‫فلنفز بهذا السباق‪.‬‬ ‫�رعوا خطاهم حتى يلحقوا بالبقية‪،‬‬ ‫أكمل فريق نور ركضه وقد أس�‬ ‫�ي أمامهم هي دليلهم‬ ‫�ار األقدام الكثرية على الطريق الرتاب�‬ ‫وكانت آث�‬ ‫�تمروا بالركض بال هوادة حتى يظفروا بالفوز‪ .‬وبعد‬ ‫للحاق بهم‪ ،‬فاس�‬ ‫�احة كبرية وكانت أمامهم‬ ‫�ق معدودة من الركض‪ ،‬وصلوا إىل س�‬ ‫دقائ�‬ ‫بعضا‪ ،‬فاقرتبوا إىل إحدى‬ ‫عش�‬ ‫�ر بوابات مغلقات تصطف جبانب بعضها ً‬ ‫�ا باحلواجز الكبرية‬ ‫�ا لريوا طريق ًا مليئ�‬ ‫�ات ونظروا عرب قضبانه�‬ ‫البواب�‬ ‫والعقبات‪ ،‬فتفقدوا بوابة أخرى ليج��دوا وراءها طريقا مائيا حيتاج إىل‬ ‫�ائبه وال يبدو أنه يوجد‬ ‫�وبه ش�‬ ‫قارب لعبوره‪ ،‬وطريقا آخر منتظما ال تش�‬ ‫فيه أي عقبة‪ ،‬ورأوا خط النهاية يلمع يف األفق‪ ،‬فالتمعت أعينهم بسعادة‬ ‫بالغة‪ ،‬وقالت جني بنربة أمل‪:‬‬ ‫هرمنا من أجل هذه اللحظة‪.‬‬ ‫– –إنه خط النهاية أخ ً‬ ‫ريا‪ ،‬لقد ِ‬ ‫أضاف أكريا قائ ًال بنربة منفعلة من فرط السعادة‪:‬‬ ‫– –كيف نفتح هذه البوابة؟‬ ‫�ة وعليها قواعد‬ ‫�د لوحة جبانبها معلق�‬ ‫�ر نور حول البوابة ليج�‬ ‫نظ�‬ ‫�ت القواعد كاآلتي‪:‬‬ ‫�روط لفتح البوابة‪ ،‬وكان�‬ ‫وش�‬ ‫‪79‬‬


‫�د الطريق رقم‬ ‫�ة عن�‬ ‫�ب أن تعثر على املفتاح للبوابة رقم مخس�‬ ‫‪1 .1‬جي�‬ ‫مخسة ‪.‬‬ ‫جيدا‪ ،‬وكل مفتاح يسمح‬ ‫‪2 .2‬هناك أربعة مفاتيح لكل بوابة مت إخفاؤها ً‬ ‫لشخص واحد فقط بالعبور‪.‬‬ ‫�موحة للحصول على املفاتيح أو سرقتها من أحد‬ ‫‪3 .3‬كل الوسائل مس�‬ ‫املتسابقني مبا فيها القتل‪.‬‬ ‫‪4 .4‬كلما عثرت على املفتاح أسرع‪ ،‬كلما زادت نقاطك‪.‬‬ ‫شاردا يف تفكري عميق‪ ،‬ماذا عليهم أن‬ ‫انتهت التعليمات ووقف اجلميع‬ ‫ً‬ ‫حامسا أمره‪:‬‬ ‫خيتاروا للعبور!!‪ ،‬قال أكريا‬ ‫ً‬ ‫– –سنختار البوابة رقم مخسة بالطبع فهي األسهل واأليسر وستوصلنا‬ ‫إىل النهاية أسرع من باقي الطرق‪.‬‬ ‫قاطعة نور قائ ًال‪:‬‬ ‫�ة‪ ،‬وهلذا فليس من مصلحتنا‬ ‫�يختار البوابة رقم مخس�‬ ‫– –‪-‬اجلميع س�‬ ‫�يتقاتل اجلميع من أجل مفاتيحها إلنهاء االختبار‬ ‫اختيارها ‪ ..‬س�‬ ‫�يختار هذا الطريق بدون تفكري‪،‬‬ ‫�ر‪ ،‬والبعض اآلخر س�‬ ‫بسرعة ويس�‬ ‫�ل إن حصل على أحد‬ ‫�ة اختاروا مثله‪ ،‬وقد ُيقت�‬ ‫�يفاجأ أن البقي�‬ ‫وس�‬ ‫�نختار طريقا آخر ‪ ..‬كما إن هذا الطريق ‪ -‬رغم‬ ‫املفاتيح‪ ،‬وهلذا س�‬ ‫بس��اطته ‪ -‬قد حيتوي على بعض الفخاخ املخفية‪.‬‬ ‫شعر أكريا باإلحراج لسذاجته‪ ،‬فقال وهو حيك رأسه‪:‬‬ ‫– –آه ‪ ..‬كيف مل أفكر يف األمر من قبل؟! بالطبع سيتوجه اجلميع إىل‬ ‫أحدا وسيكون احلصول‬ ‫هناك‪ ،‬وهلذا إن اخرتنا طريقا آخر فلن جند فيه ً‬ ‫يرا ‪ ..‬رغم طول الطريق ‪ ..‬فسنصل قبل البقية‪.‬‬ ‫على املفاتيح يس�‬ ‫‪80‬‬


‫قاطعته جني قائلة بثقة‪:‬‬ ‫– –حسنا ‪ ..‬لقد حسمنا أمرنا وسنختار طريقا آخر‪ ،‬ولكن ماذا سنختار؟‬ ‫�رع ألنه يبدو أن البقية قد اختاروا طرقهم بالفعل‪ ،‬ورمبا‬ ‫جيب أن نس�‬ ‫يكونوا يف طريقهم للعودة اآلن‪.‬‬ ‫�ر يف أفضلهم‪ ،‬فرأى طريق ًا‬ ‫متفقدا الطرق بتمعن وهو يفك�‬ ‫�ار نور‬ ‫س�‬ ‫ً‬ ‫ميتلئ باحلبال اليت جيب أن تتعلق بها للعبور إىل الناحية األخرى‪ ،‬ويبدو‬ ‫�ؤه الضباب‪ ،‬وبالكاد كان يرى‬ ‫�قوط يعين املوت‪ ،‬وطريقا آخر ميل�‬ ‫أن الس�‬ ‫�يئ ًا‪ ،‬وطريقا آخر مائال كان يبدو كمنحدر كبري للتزجل ينزلق إىل‬ ‫ش�‬ ‫خطرا للغاية‪ ،‬فقال نور بنربة مرحة رنانة‪:‬‬ ‫�فل ولكن يبدو‬ ‫األس�‬ ‫ً‬ ‫– –لقد حسمت أمري‪.‬‬ ‫قال ٌّ‬ ‫نربة واحدة‪:‬‬ ‫كل من جني وأكريا يف ٍ‬ ‫– –ماذا اخرتت؟‬ ‫– –سأختار الطريق املنحدر‪.‬‬ ‫�ار الطريق األصعب يف مثل‬ ‫ريا‪ ،‬فلماذا خيت�‬ ‫تعجب�‬ ‫�وا من اختياره كث ً‬ ‫هذا الوقت!‬ ‫فقالت جني وهي تهز رأسها باستهجان‪:‬‬ ‫– –ال جيب أن خنتار الطريق األصعب ‪ ..‬قد يودي هذا حبياتنا ‪ ..‬ملاذا‬ ‫اخرتته؟‬ ‫ابتسم نور بثقة قائ ًال‪:‬‬ ‫– –لدي خطة ‪ ..‬ال تقلقوا ثقوا بي ‪ ..‬واآلن هل أنتم معي؟‬ ‫ثوان‪ ،‬ثم حسمت جني رأيها وقالت‪:‬‬ ‫ترددوا قليال وفكروا بضع ٍ‬ ‫‪81‬‬


‫أيضا‪.‬‬ ‫مل أكن ألصل إىل هنا لوالك‪ ،‬وهلذا سأتبعك هذه املرة ً‬ ‫أمر‬ ‫مل جيد أكريا مفرا غري أن يوافق هو اآلخر‪ ،‬فسأل نور أكريا عن ٍ‬ ‫كان يؤرقه منذ مدة قائ ًال‪:‬‬ ‫– –ملاذا ال تستخدم قدرتك وتعرب من خالل البوابة؟‬ ‫�ودات‪ ،‬فأنا أتنقل يف الفراغ فقط‪،‬‬ ‫�تطيع العبور من املوج�‬ ‫– –ألني ال أس�‬ ‫�ة ‪ ..‬ليتين كنت‬ ‫لال هذه البواب�‬ ‫�ذا ال ميكنين العبور من خ�‬ ‫وهل�‬ ‫أس��تطيع‪ ،‬لكان هذا أيسر على بكثري‪.‬‬ ‫�رعة حتى حيصلوا على املفاتيح‬ ‫فهم نور األمر‪ ،‬وأمرهم بالتحرك بس�‬ ‫�جار على ميينهم ومخسة‬ ‫�رع وقت‪ ،‬فالحظوا مخسة طرق بني األش�‬ ‫بأس�‬ ‫على يسارهم‪ ،‬وكل طريق حيمل لوحة عليها رقمه‪ ،‬فتوجهوا إىل الطريق‬ ‫رقم مثانية‪ ،‬ودلفوا إليه وبدأوا بالسري وسط األشجار حبذر وتوجس‪ ،‬ولكن‬ ‫مل يكن هناك أي شيء مثريا للريبة‪ ،‬حتى وصلوا إىل ما يشبه بيتا كبريا‬ ‫�ة كبرية مغلقة‪ .‬وكان يوجد على ميني البيت طريق رملي يبلغ‬ ‫ذا بواب�‬ ‫طوله حوالي مخسة عشر م ً‬ ‫رتا وفى نهايته يوجد زر لفتح البوابة‪ ،‬وكان‬ ‫بعيدا عن الرمال‪.‬‬ ‫الزر عند منصة صخرية صغرية للوقوف عليها ً‬ ‫�ا اخلدعة هنا‪ ،‬فلزموا‬ ‫�م عدم التحرك حتى يعرف م�‬ ‫طلب نور منه�‬ ‫�ب الطريق‪ ،‬وقذف به يف‬ ‫�اك حجر كبري على جان�‬ ‫مكانهم‪ ،‬فقام بإمس�‬ ‫�ور بإحباط قائ ًال‪:‬‬ ‫�ال‪ ،‬فتحركت الرمال وابتلعته‪ ،‬فتنهد ن�‬ ‫الرم�‬ ‫– –إنها ٌ‬ ‫رمال متحركة‪.‬‬ ‫فتقدم أكريا قائ ًال‪:‬‬ ‫– –سيكون هذا سه ًال‪ ،‬سأتنقل فقط وأضغط على الزر وأعود‪.‬‬ ‫‪82‬‬


‫�هل من الالزم‪ ،‬ولكنه قال لنفسه أنه سهل ألن‬ ‫�عر نور بأن هذا أس�‬ ‫فش�‬ ‫معهم شخصا لديه هذه القدرة‪ ،‬رمبا كان ليصبح األمر أصعب لو كان‬ ‫كينو معهم‪.‬‬ ‫�ة‪ ،‬فتوجه نور إليها‪،‬‬ ‫�ق أكريا وضغط على الزر‪ ،‬ففتحت البواب�‬ ‫انطل�‬ ‫�ت على مصراعيها‬ ‫يرا يده عن البوابة أغلق�‬ ‫�ن مبجرد أن أبعد أك�‬ ‫ولك�‬ ‫بسرعة كبرية‪.‬‬ ‫فتنقل أكريا ووقف جبانبهم قائال‪:‬‬ ‫– –يا إهلي ‪ ..‬يبدو أنه جيب على أحد أن يضحي ويبقي يف اخلارج‪.‬‬ ‫صمت نور قليال وأخذ يفكر وحيلل املوقف‪ ،‬فالتمعت فكرة يف رأسه فقال‪:‬‬ ‫– –لدي خطة‪.‬‬ ‫جهز اجلميع نفسه لتنفيذ اخلطة‪ ،‬فتنقل أكريا يف اهلواء إىل املنصة‬ ‫�ار له نور بأن يضغطه‪،‬‬ ‫الصخرية عند الزر ووضع إصبعه على الزر‪ ،‬فأش�‬ ‫همت البوابة‬ ‫فضغطه بسرعة‪ ،‬ثم تنقل يف اهلواء ليصبح جبانبهم‬ ‫ً‬ ‫جمددا‪َّ .‬‬ ‫�ت البوابة مكانها‪ ،‬فانطلق نور‬ ‫لتنغلق‪ ،‬ولكن جني أوقفت الزمن‪ ،‬فتوقف�‬ ‫وجني ودلف وراءهما أكريا إىل البوابة‪ ،‬فعاد الزمن إىل طبيعته‪ ،‬وأغلقت‬ ‫البوابة وراءهم وأصبحوا داخل البيت الكبري‪.‬‬ ‫فقال أكريا وهو يشعر بالراحة‪:‬‬ ‫– –لوال قدرة جني على أن تسمح ملن يف نطاقها أال ُ‬ ‫يتأثر بالزمن؛ جللست‬ ‫يف اخلارج أنتظركم‪.‬‬ ‫دلفوا إىل البيت الكبري ذي الباب اخلشيب القديم‪ ،‬فوجدوا أنفسهم يف‬ ‫غرفة دائرية كبرية وواسعة‪ ،‬وكان أمامهم أربعة طرقات متفرقة‪ ،‬فقالت‬ ‫جني وهي تتفقدهم بعناية‪:‬‬ ‫‪83‬‬


‫– –ال بد أن كل طريق حيمل يف طياته أحد املفاتيح ‪ ..‬وهلذا يبدو أننا‬ ‫سنفرتق ‪ ..‬وهذه الفكرة ترعبين للغاية‪.‬‬ ‫نظر أكريا بوجه مظلم إىل الطرقات املظلمة ثم قال‪:‬‬ ‫�عا يف أروقتها املظلمة‪ ،‬فقد اكتفيت من‬ ‫– –أمتنى أال نقابل ش�‬ ‫�يئا بش� ً‬ ‫اخلدع السخيفة اليت مت دس��ها يف هذا السباق اللعني‪.‬‬ ‫أضاف نور قائ ًال‪:‬‬ ‫�اءم كلما رأيت طريقا جديدا ‪ ..‬واآلن جيب‬ ‫– –نعم لقد أصبحت أتش�‬ ‫�رع ‪ ..‬سأسلك الطريق الثالث ‪ ..‬فلتتوخوا احلذر‪.‬‬ ‫أن نس�‬ ‫�لكت جني‬ ‫�لك كل منهم طريقه اخلاص ‪ ..‬س�‬ ‫ودعوا بعضهم وس�‬ ‫يرا الثاني‪ ،‬وتركوا األول فارغ � ًا‪ ،‬أو هذا ما ظنوه‪.‬‬ ‫الرابع‪ ،‬وأك�‬ ‫س��ارت جني يف الرواق املريب وهي تعدل من وضعية قبعتها‪ ،‬وتتفقد‬ ‫�ه‪ ،‬فوجدت باب ًا‬ ‫�ق حتى وصلت إىل نهايت�‬ ‫�رواق حبذر ملدة مخس دقائ�‬ ‫ال�‬ ‫�طة احلجم‬ ‫�بي ًا ينتظرها‪ ،‬فدفعته بهدوء وهي تتفقد الغرفة متوس�‬ ‫خش�‬ ‫اليت أمامها‪ ،‬وعندما تأكدت أنها آمنة دلفت إليها‪ ،‬وأثناء تفقدها الغرفة‬ ‫شخصا يدخل من باب آخر يف نهاية الغرفة أمامها‪ ،‬وأصابها اخلوف‬ ‫رأت‬ ‫ً‬ ‫عندما رأته‪.‬‬ ‫سار أكريا يف الرواق وهو يفكر فيما ينتظره يف نهايته‪ ،‬وهل سيحدث‬ ‫�يمر األمر مرور الكرام‪ ،‬وبعد مخس دقائق من‬ ‫شيء بشع كالعادة أم س�‬ ‫السري وجد باب ًا خشبي ًا‪ ،‬فدفعه ودلف إىل الغرفة‪ ،‬لتتسع عيناه من الرعب‬ ‫مما رآه يف هذه الغرفة اجملهولة‪.‬‬ ‫وحيدا يف الرواق املريب ذي األنوار اخلافتة‪ ،‬وكان يسمع وقع‬ ‫سار نور‬ ‫ً‬ ‫أقدامه‪ ،‬وكل خطوة خيطوها كانت تدوي يف الرواق الذي يبعث بشعور‬ ‫‪84‬‬


‫�ن النفور بداخل جدرانه القدمية املهرتئة‪ ،‬واليت تنم على أنه من عصر‬ ‫م�‬ ‫�ي‪ .‬أكمل طريقه حبذر وحواسه مشحوذة بالكامل‪ ،‬مستعدة‬ ‫قديم منس�‬ ‫�يوف اليت صنعها‪ ،‬واليت‬ ‫�دث حوله‪ ،‬وكان حيمل أحد الس�‬ ‫ألي تغري حي�‬ ‫واحدا منها جلني وأكريا قبل ذهابهما لعلهما حيتاجناه‪.‬‬ ‫�ى‬ ‫أعط�‬ ‫ً‬ ‫بعد دقائق من السري بدون أن حيدث أي شيء‪ ،‬ال صوت وال حركة وال‬ ‫خشبيا قدميا‪ ،‬فاقرتب منه برتدد ومد يده ليفتحه‬ ‫أي همس‪ ،‬رأى نور بابا‬ ‫ٍ‬ ‫�طة احلجم‪ ،‬ولكن ما‬ ‫صريرا حتى انفتح على غرفة متوس�‬ ‫فأصدر الباب‬ ‫ً‬ ‫�هق بقوة ويرتاجع إىل اخللف يف ذعر‬ ‫كان يوجد يف الغرفة جعل نور يش�‬ ‫�اص زجاجية ويصرخان له‬ ‫�ق‪ .‬لقد رأى صديقيه مقيدين داخل أقف�‬ ‫وقل�‬ ‫�اعدة ليخرجهم من هنا‪ ،‬فاستجمع قوته وركض بسرعة إىل‬ ‫طل ًبا للمس�‬ ‫�يء غريب‪ ،‬فتوقف عند ربع املسافة‪.‬‬ ‫�عر بش�‬ ‫الداخل لينجدهم‪ ،‬ولكنه ش�‬ ‫�عت عيناه من الذعر واملفاجأة عندما رأى كال‬ ‫�هق نور بقوة وقد اتس�‬ ‫ش�‬ ‫�ل من حديد داخل قفص‬ ‫�ن جني وأكريا وقد أصبحا مكبلني بسالس�‬ ‫م�‬ ‫واحد منهما على كرسي‪ ،‬جني على اليمني وأكريا‬ ‫زجاجي وجيلس كل‬ ‫ٍ‬ ‫على اليسار‪ ،‬بينما ينظران إىل نور وهما مذعوران ‪ ..‬يصرخان بقوة طل ًبا‬ ‫ملساعدته‪.‬‬ ‫***‬

‫‪85‬‬


‫‪7‬‬ ‫وقف نور حمدق ًا فيهما بوجه مظلم وقد انقبضت قسماته بقوة‪ ،‬وشعر‬ ‫بأن شيئا سيئا للغاية سوف حيدث عما قريب‪ ،‬وبالفعل مسع صوت الرجل‬ ‫�ت وهو وحده وقد عاد بنفس نربته الباردة‬ ‫الذي كان يكلمه طوال الوق�‬ ‫غري املكرتثة قائ ًال‪:‬‬ ‫– –مرحبا يا سيد نور‪ ،‬لقد افتقدتين أليس كذلك؟‬ ‫شعر نور بربكان يثور بداخله‪ ،‬وأن الغضب قد سيطر عليه بقوة فقال‬ ‫صارخ ًا حبنق شديد‪:‬‬ ‫– –أيها الوغد‪ ،‬إن ملست شعرة منهما فسوف أقتلك‪ ،‬وسأحبث طوال حياتي‬ ‫عنك حتى أجدك‪ ،‬وعندما أجدك سأقتلك بأبشع الطرق املمكنة‪.‬‬ ‫ضحك الصوت ضحكة خبيثة مكتومة‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫– –صدقين يا سيد نور لو قضيت حياتك كلها تبحث عين فلن تستطيع‬ ‫أن جتدني بسهولة وإن وجدتين فلن يكون هذا من مصلحتك‪ ،‬ولكن‬ ‫�يط‬ ‫�هل وبس�‬ ‫كفانا حديث ًا اآلن فالوقت ينفذ‪ ،‬االختبار هذه املرة س�‬ ‫�تختار من منهما سيعيش ومن منهما سيسقط إىل األسفل يف‬ ‫‪ ..‬س�‬ ‫بركة األمساك العمالقة ‪ ..‬هناك جهاز حتكم على يس��ارك على‬ ‫�ن ‪ ..‬الزر األول جلني‬ ‫�ة يف نهاية الغرفة‪ ،‬وحيتوي على زري�‬ ‫الطاول�‬ ‫‪86‬‬


‫�ك الطريق؟ أمامك‬ ‫�تختار أن يكمل مع�‬ ‫والثاني ألكريا‪ ،‬فمن س�‬ ‫مخس دقائق ‪ ..‬اخرت حبكمة‪.‬‬ ‫نزلت كلماته على نور كالصاعقة وقد حدث ما كان يشعر به مبجرد‬ ‫أن رآهم‪ ،‬بأن شيئ ًا سيئ ًا سوف حيدث‪ ،‬فازداد غضب نور قائ ًال بنربة الذعة‪:‬‬ ‫– –أيها اللعني‪ ،‬ليس هلما ذنب يف هذا‪ ،‬ملاذا جيب أن ميوت أحدهما بهذا‬ ‫�ا وليس باختياره هو؟! أليس هذا‬ ‫الطريقة! ملاذا ميوت باختياري أن�‬ ‫السباق يعتمد يف األساس على حرية اإلرادة!!‬ ‫�ينجو إن أقنعك بأن ختتاره‪،‬‬ ‫�ذا فأحدهما س�‬ ‫– –نعم معك حق‪ ،‬وهل�‬ ‫�ة اإلرادة يف انتقاء كالمه‪.‬‬ ‫�ذا فلديه حري�‬ ‫وهل�‬ ‫بغيظ شديد ُ‬ ‫وكره شديد ينبع من أعماقه‪ ،‬ومتنى أن يسحق‬ ‫شعر نور‬ ‫ٍ‬ ‫رأس املتحدث ألف مرة يف ألف صخرة‪ ،‬ولكنه علم أن عليه تقبل األمر‪ ،‬وأن ال‬ ‫أبدا‪ .‬فتوقف‬ ‫شيء سيتغري‪ ،‬وأن عليه أن يتبع القواعد وإال فلن خيرج من هنا ً‬ ‫حبزن عميق وغضب عارم على‬ ‫ليفكر وهو يتأمل وجهيهما املذعورين وشعر‬ ‫ٍ‬ ‫ما آلت إليه األمور‪ ،‬لقد كانوا قاب قوسني أو أدنى من بلوغ خط النهاية‪.‬‬ ‫�دها بقوة يف حماولة للتحرر‬ ‫صرخت جني قائلة وهي تبكي وتهز جس�‬ ‫من السالسل‪:‬‬ ‫�يئا‬ ‫– –نور ‪ ..‬فلتخرتني‪ ،‬ال أريد املوت هنا ‪ ..‬صحيح أنين ال أتذكر ش�‬ ‫عن حياتي‪ ،‬ولكين ال أريد أن أموت‪.‬‬ ‫قاطعها أكريا قائال بوجه مذعور صارخ‪:‬‬ ‫– –ال ‪ ..‬أرجوك ساعدني أنا ‪ ..‬تذكر أني أنقذتك من قبل‪ ،‬ومل تكن لتصل‬ ‫جيدا‪ ،‬ماذا‬ ‫إىل هنا أنت وهي إن مل أساعدكما يف الوصول ‪ ..‬تذكر هذا ً‬ ‫فعلت لك هذه الفتاة‪ ،‬لقد كانت إفادتها لنا بسيطة فهي ال تستطيع‬ ‫‪87‬‬


‫�تخدام قوتها إال قليال من الوقت ‪ ..‬لقد أنقذ ُتك تذكر هذا‪.‬‬ ‫اس�‬ ‫نظر إىل جني حبقد وكره شديدين‪ ،‬وقال ووجهه ميلؤه الغضب‪:‬‬ ‫�مكة الكبرية أن تلتهمك ‪..‬‬ ‫أيضا عندما كادت الس�‬ ‫– –وأنقذتك أنت ً‬ ‫أيضا مدينة لي‪.‬‬ ‫أنت ً‬ ‫أردفت جني تقول حبرقة ودموعها تنهمر وهي توجه نظرها إىل نور‪:‬‬ ‫معا ‪ ..‬بل أنا‬ ‫�اعدتك منذ بداية الس�‬ ‫– –لقد س�‬ ‫�باق‪ ،‬ومررنا بالكثري ً‬ ‫�ا كنا نعرب حقل األلغام ‪ ..‬لقد خطا كينو‬ ‫أنقذت حياتكم عندم�‬ ‫�ى أحد األلغام وانفجر فيه وفجرنا مجيع� ًا‪ ،‬ولكين عدت بالوقت‬ ‫عل�‬ ‫ثوان وحذرته أن ينتبه من اللغم‪ ،‬فعربنا بأمان‪ ،‬ولوال هذا ما‬ ‫مخ�‬ ‫�س ٍ‬ ‫كنا وصلنا إىل هذه املرحلة ‪ ..‬كما إن هذا املدعو أكريا قد قابلناه‬ ‫يف منتصف السباق‪ ،‬إنه ال يعرفك مثلي‪.‬‬ ‫بصوت يرجتف ممتزجا بالغضب‪:‬‬ ‫قاطعها أكريا‬ ‫ٍ‬ ‫– –أنا فتحت لك البوابة ‪ ..‬ستحتاج قوتي للوصول إىل النهاية ‪ ..‬إن‬ ‫قوتها لن تنفعك مثلي للوصول إىل النهاية‪.‬‬ ‫حيز مغلق ونور يقف وبداخله سيل من العواطف‬ ‫وأخذ احلديث يدور يف ٍ‬ ‫واالضطرابات الشديدة‪ ،‬ولكنه أثناء حديثهما بدأ يالحظ بعض األشياء‪،‬‬ ‫فصرخ فيهما بأن يتوقفا ليفكر‪ ،‬فصمتا وأعينهما ترتجاه‪ .‬نظر نور حوله‬ ‫�د املكان‪ ،‬ثم نظر إىل جهاز التحكم عن ُبعد يف يده وتفقد وجهيهما‬ ‫يتفق�‬ ‫بوجه مظلم شاحب‪ ،‬ثم ضرب بقدميه األرض عدة مرات‪ ،‬ثم‬ ‫�هما‬ ‫وتفرس�‬ ‫ٍ‬ ‫جمددا‪ ،‬ولكن‬ ‫شرد يف تفكري عميق‪ ،‬حتى أفاق على صوتيهما وهما يرتجاه‬ ‫ً‬ ‫قاطعهما الصوت قائ ًال‪:‬‬ ‫– –لقد تبقت دقيقة واحدة يا سيد نور فمن ستختار؟!‬ ‫‪88‬‬


‫قال نور بثقة واالبتسامة تعلو وجهه‪:‬‬ ‫أحدا‪.‬‬ ‫– –لن أختار ً‬ ‫�مات وجهيهما‪،‬‬ ‫�ت كلماته كال من جني وأكريا‪ ،‬وقبضت قس�‬ ‫أفزع�‬ ‫�ت جني حبرقة أكرب قائلة‪:‬‬ ‫�ح الذعر يتجلى بداخلهما‪ ،‬وبك�‬ ‫وأصب�‬ ‫– –ماذا تقصد بهذا؟ أنت ال تقصد هذا ‪ ..‬أليس كذلك؟‬ ‫أحدا‪.‬‬ ‫– –ال بل أقصده ‪ ..‬لن أختار ً‬ ‫حدق أكريا فيه بعينني ميلؤهما الغضب صارخ ًا‪:‬‬ ‫�دا منا وإال فلن‬ ‫بر االختبار جيب أن ختتار واح ً�‬ ‫– –كفاك هراء‪ ،‬لتع�‬ ‫�تختار؟ أنا أم هي؟‬ ‫�ل على املفتاح فمن س�‬ ‫حتص�‬ ‫تنهد نور قائال واالبتسامة ال تفارق وجهه‪:‬‬ ‫– –سأختار نفسي‪.‬‬ ‫�ت الكلمات يف حلقيهما‪ ،‬فأكمل‬ ‫حدقا فيه بذعر وحرية وقد اختنق�‬ ‫نور قائ ًال بثقة أكرب‪:‬‬ ‫�ت غبي ًا كما يبدو‬ ‫�دا أنين مل أفهم ما حيدث هنا ‪ ..‬أنا لس�‬ ‫– –ال تعتق�‬ ‫راكضا‪ ،‬الحظت أن صوت خطواتي‬ ‫�ة‬ ‫علي! عندما دخلت إىل الغرف�‬ ‫ً‬ ‫قد تغري‪ ،‬كما أنكما مزيفان‪.‬‬ ‫صرخ أكريا بقوة أكرب قائ ًال‪:‬‬ ‫– –هل جننت؟ ماذا تقصد بأننا مزيفان؟‬ ‫�ك ‪ ..‬أنتما مزيفان ‪ ..‬دعين أنهي هذا االختبار‬ ‫– –نعم كما أقول ل�‬ ‫�فت األمر ‪ ..‬أوال‪ :‬كما قلت‬ ‫�خيف بأن أخربكما كيف كش�‬ ‫الس�‬ ‫‪89‬‬


‫�إن وقع أقدامي على األرض قد تغري إيقاعه عندما دلفت إىل‬ ‫لكما ف�‬ ‫�رح يف النهاية ماذا يثبت هذا‪.‬‬ ‫الغرفة‪ ،‬وسأش�‬ ‫ثانيا‪ :‬أكريا لن يفضل نفسه يف البقاء عن اآلخرين‪ ،‬وأكثر ما يثبت‬ ‫�ابقني‪،‬‬ ‫هذا أنه أنقذنا وهذا ليس يف مصلحته ألنه كلما قل عدد املتس�‬ ‫كلما زادت فرصة فوزه‪ ،‬وإن كان يعتمد علينا للوصول إىل خط النهاية‪،‬‬ ‫�ا بكثري‪ ،‬ولديهم فرصة أكرب يف العبور‪ ،‬مثل‬ ‫فهناك جمموعات أقوى من�‬ ‫جمموعة كينو وسايري ‪ ..‬األهم من هذا أنه كان يستطيع أن يضحي‬ ‫�ا وخيربهم أننا قضينا حنبنا وينطلق مع أول جمموعة تصل إىل خط‬ ‫بن�‬ ‫�خصني‬ ‫�تنفذ كل طاقته من أجل إنقاذ ش�‬ ‫�رعة‪ ،‬ولكنه اس�‬ ‫النهاية بس�‬ ‫�ول بوابة البيت‪،‬‬ ‫�هولة دخ�‬ ‫�تطيع بس�‬ ‫ضعيفني مثلنا‪ ،‬كما إنه كان يس�‬ ‫�ا قليال حتى يصل‬ ‫�ى املفتاح ويرتكنا يف اخلارج ليؤخرن�‬ ‫واحلصول عل�‬ ‫أيضا كيف ميكن أن‬ ‫إىل خط النهاية‪ ،‬ولكنه س�‬ ‫أيضا ‪ً ..‬‬ ‫�اعدنا للدخول ً‬ ‫يتم إمساكه به بهذه السهولة يف خالل هذا الوقت القليل وتقييده بهذه‬ ‫السالسل؟ رمبا ميكنك إمساكه بطريقة ما‪ ،‬ولكن ما أنا أكيد منه أنه‬ ‫�يطلب مين أن أنقذ جني وأال أهتم مبا حيدث له‪.‬‬ ‫كان س�‬ ‫�ح العرق الذي يتصبب على‬ ‫�ه وميس�‬ ‫صمت نور قليال ليلتقط أنفاس�‬ ‫جبينه ثم استطرد قائال‪:‬‬ ‫– –أما بالنسبة إىل جني‪ ،‬فرمبا يكون األمر أصعب الكتشاف إذا كانت‬ ‫ريا ‪..‬‬ ‫هي احلقيقة أم ال‪ ،‬فكما أرى فإن جني قدرتها ال تساعدها كث ً‬ ‫لديها قدرة مميزة ولكنها مل تتمكن منها بعد‪ ،‬وهلذا فمن مصلحتها‬ ‫�ارت معي‬ ‫�ل إىل خط النهاية ‪ ..‬لقد س�‬ ‫ير مع األقوى لتص�‬ ‫أن تس�‬ ‫�و يف البداية وهي ال تعرف قدرات أي منا‪ ،‬وبعد فرتة ظهر‬ ‫ومع كين�‬ ‫ير معي ومل تعرتض‬ ‫ومن األضعف‪ ،‬ولكنها ظلت تس�‬ ‫هلا َمن األقوى َ‬ ‫�باق‪ ،‬بل‬ ‫�ت أقوى املوجودين يف الس�‬ ‫على أي قرار آخذه‪ ،‬رغم أنين لس�‬ ‫‪90‬‬


‫ريا هذه املسابقة ‪..‬‬ ‫�تطيع القول أن قدرتي ال تناس�‬ ‫رمبا أس�‬ ‫�ب كث ً‬ ‫�قطت منذ البداية ‪ ..‬كان‬ ‫لوال قوتي البدنية وتفكريي لكنت قد س�‬ ‫أيضا أن توقف الزمن وتدفعنا من على اجلسر ثم تعربه‬ ‫ميكن جلني ً‬ ‫وترتكنا لنالقي مصرين��ا‪ ،‬أو أن ترتكنا ننفجر وتهرب حبياتها يف‬ ‫�ا انتظرت معي عندما‬ ‫�ل األلغام‪ ،‬ولكنها مل تفعل ‪ ..‬كما إنه�‬ ‫حق�‬ ‫�تنفذ أكريا كل طاقته‪ ،‬وكان بإمكانها بكل سهولة الذهاب مع‬ ‫اس�‬ ‫�باق حتى ال تضيع وقتها يف البقاء معنا‪،‬‬ ‫الفرق القوية وإكمال الس�‬ ‫ِ‬ ‫�تصل خلط النهاية بنسبة أكرب من البقاء معنا‪ ،‬ولكنها‬ ‫وكانت س�‬ ‫�تعيد أكريا عافيته وهذا من أكرب الدالئل‬ ‫انتظرت معي حتى يس�‬ ‫ترت الطريق األصعب‬ ‫�ا ال تنظر ملصلحتها‪ ،‬كما إنين اخ�‬ ‫على أنه�‬ ‫أيضا مل يعرتض‪ ،‬وهذا ليس يف‬ ‫واألكثر وع�‬ ‫�ورة ومل تعرتض وأكريا ً‬ ‫�يهما وفى مصلحتهما‬ ‫مصلحتهما ‪ ..‬إن كانا حق ًا يفكران يف نفس�‬ ‫فقط‪ ،‬لكنت اكتشفت ذلك اثناء ركضي معهما‪ ،‬فالظروف الصعبة‬ ‫جيدا أن حقيقة البشر وما‬ ‫ُتظهر معدن الشخص احلقيقي ‪ ..‬أعرف ً‬ ‫يكمن يف باطن أنفسهم يظهر فقط عند الشدائد‪ ،‬ألنه عند الشدائد‬ ‫�ه سيظهر‬ ‫ُتترب كل مبادئك وأفكارك‪ ،‬فالوغد الذي يفكر يف نفس�‬ ‫من البداية‪ ،‬ومن يهتم بغريه سيظهر عندما تقرتب احملنة من النهاية‬ ‫�ذا ِتبعاني ومل‬ ‫�ابقني ورغم ه�‬ ‫�ا قلت‪ ،‬أنا من أضعف املتس�‬ ‫‪ ..‬وكم�‬ ‫ترت أي واحد منهما فأنا‬ ‫�أختم بقولي إني لو اخ�‬ ‫يعرتضا‪ ،‬وهلذا س�‬ ‫�قط لألسفل كما ذكرت من قبل‪ ،‬فقد شعرت بأن األرض‬ ‫من سأس�‬ ‫�فل مين‬ ‫�ت جوفاء عندما خطوت داخل الغرفة‪ ،‬إن أس�‬ ‫حتيت أصبح�‬ ‫البحرية‪ ،‬لقد كانت هذه خدعة ماكرة جلعلي أتشتت وأركز على‬ ‫�أختار وفى النهاية كنت أنا من سيالقي حتفه ‪ ..‬هناك عدة‬ ‫من س�‬ ‫�ياء أخرى تثبت ما قلت ولكن ليس هناك وقت هلذا‪.‬‬ ‫أش�‬ ‫‪91‬‬


‫�ه يف فتحة دقيقة بالكاد‬ ‫�ك نور جبهاز التحكم ثم وضع إصبع�‬ ‫أمس�‬ ‫�دا عليه الرقم ثالثة‪،‬‬ ‫�ه‪ ،‬ليظهر وراء الزرين ز ًرا وحي�‬ ‫�رى‪ ،‬وأبعد واجهت�‬ ‫ُت�‬ ‫فضغط نور عليه قائ ًال‪:‬‬ ‫أيضا أني مل أحلظ هذا‪.‬‬ ‫– –ال تعتقد ً‬ ‫خرج الصوت ضاحك ًا ألول مرة وبقوة‪ ،‬وبعد انتهائه من الضحك قال‪:‬‬ ‫أحدا يعرب‬ ‫�ل منذ زم�‬ ‫– –يا إهلي‪ ،‬كم أعجبين هذا!! مل أتس�‬ ‫�ن‪ ،‬ومل أر ً‬ ‫هذا االختبار منذ وقت طويل ‪ ..‬من اجليد أنك استطعت التفكري‬ ‫ير‪ ،‬واألفضل من هذا أنك تعرف‬ ‫�ذا يف هذا الوقت القص�‬ ‫يف كل ه�‬ ‫وقت قليل‪ ،‬وهذه‬ ‫أصدق�‬ ‫�اءك ً‬ ‫جيدا على الرغم من أنك قابلتهم منذ ٍ‬ ‫�خاص حوله‬ ‫�خص الذي يفهم األش�‬ ‫هي الروح اليت حنتاجها‪ ،‬الش�‬ ‫�تخدمتها أيضا‬ ‫�دا‪ .‬ولكن أنا أعرف أن هناك طرق ًا أخرى قد اس�‬ ‫جي� ً‬ ‫�وا مزيفني أم ال‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫للتأكد ومعرفة إذا كان�‬ ‫صمت نور ومل جيبه‪ ،‬فضحك الصوت وأكمل‪:‬‬ ‫علي الفور‪ ،‬ولكن ال يهم‪،‬‬ ‫– –بالطبع تكهين صحيح‪ ،‬فلو مل تفعل ألنكرت ّ‬ ‫�ط على الزر املخفي‪ ،‬فقد‬ ‫�م أنك اجتزت االختبار وعندما ضغ�‬ ‫امله�‬ ‫ظهر املفتاح‪.‬‬ ‫نظر نور إىل جهاز التحكم ومل يفهم ما يقصد‪ ،‬فأكمل الصوت قائ ًال‪:‬‬ ‫– –جهاز التحكم هو املفتاح لفتح البوابة‪ ،‬هل اعتقدت أنها تفتح مبفاتيح‬ ‫معدنية؟ لقد انتهينا من هذه احلقبة بالفعل‪.‬‬ ‫تذكر نور شيئا فقال له متسائ ًال‪:‬‬ ‫– –أين جني وأكريا؟ ماذا فعلت بهما؟ ومن هم هؤالء املزيفون؟‬ ‫‪92‬‬


‫�بة هلؤالء الدمى‪ ،‬فهم‬ ‫– –إنهم اآلن يف اختبار مماثل لك ‪ ..‬أما بالنس�‬ ‫�ور‪ ..‬واآلن أتريد أن‬ ‫�م برجمتها من أجل مثل هذه األم�‬ ‫روبوتات يت�‬ ‫تشاهد ماذا سيفعل أصدقاؤك؟‬ ‫�قف فوق الصندوق الذي كان حيتوي‬ ‫هبطت شاشة عرض من الس�‬ ‫�تغل أول فيديو جلني وهي تسري يف الرواق نفسه‪،‬‬ ‫على جهاز التحكم‪ ،‬واش�‬ ‫شارحا‪:‬‬ ‫فقال الصوت‬ ‫ً‬ ‫– –هذا الشريط يف املاضي‪ ،‬فاالختبار قد انتهى بالفعل‪ ،‬ولكن ال تسألين‬ ‫فلن أخربك بالنتيجة‪ ،‬بل جيب أن تراها‪.‬‬ ‫كاد نور أن يتكلم ولكنه أمسك نفسه ألنه يعرف عناده وإصراره وأنه‬ ‫�ى بالفعل‪ ،‬وأخذ يفكر‪ ،‬هل‬ ‫�ن جييب‪ ،‬ولكنه أقلقه أن االختبار قد انته�‬ ‫ل�‬ ‫أيضا؟ فأخرج األفكار من‬ ‫�لت؟! وماذا حدث ألك�‬ ‫جنحت جني أم فش�‬ ‫يرا ً‬ ‫�ه وقلبه ينبض بقوة وصب تركيزه على الشاشة‪.‬‬ ‫رأس�‬ ‫يرها يف الرواق وصوت قدميها يدوي يف أحنائه‪ ،‬وهي‬ ‫أكملت جني س�‬ ‫�ران يف تصرفاتها‬ ‫�ا‪ ،‬وكان اخلوف والقلق يظه�‬ ‫�د الطريق حوهل�‬ ‫تتفق�‬ ‫باب ُمشابه للذي دخله نور‪ ،‬ففتحته‬ ‫وحتركاتها‪ ،‬وبعد دقيقة وصلت إىل ٍ‬ ‫ودلفت إىل الغرفة ُ‬ ‫لتظهر الكامريا أحناء الغرفة وجني وهي تدخل‪ .‬توقع نور‬ ‫أنها ستالقي نفس اختباره ولكنه تفاجأ أنه اختبار آخر‪ .‬عندما دلفت جني‬ ‫تغريت مالحمها وابتسمت بفرح وسعادة وهي تركض إىل الداخل قائلة‪:‬‬ ‫�عرت باخلوف وحدي‪ ،‬هل عثرت‬ ‫�عيدة بأنك هنا‪ ،‬فقد ش�‬ ‫– –نور‪ ،‬أنا س�‬ ‫على أحد املفاتيح؟‬ ‫�عت عينا نور‬ ‫�ر يف الكامريا‪ ،‬فاتس�‬ ‫�ده ليظه�‬ ‫حترك نور املزيف جبس�‬ ‫احلقيقي وشعر بقشعريرة تسري يف جسده مما جيري‪ ،‬وأحس بأن جسده‬ ‫�ه كان يعلم بأن‬ ‫�ارج واللحاق بها‪ ،‬ولكن�‬ ‫�ى الركض إىل اخل�‬ ‫حيثه عل�‬ ‫‪93‬‬


‫االختبار قد انتهى بالفعل‪ ،‬فتجمد مكانه وقد متالك أنفاسه بصعوبة‪.‬‬ ‫قال نور املزيف جلني‪ ،‬اليت بدت سعيدة برؤيته‪ ،‬وأحست ببعض األمان‬ ‫ألنها لن تكون وحيدة يف هذا املكان املخيف‪:‬‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫– –لقد حصلت على مفتاحي ومفتاحك ً‬ ‫�ار بهما بيده بابتسامة عريضة على وجهه‪،‬‬ ‫أخرج جهازي التحكم وأش�‬ ‫فشعرت جني بسعادة أكرب وقالت حبماس‪:‬‬ ‫– –إذ ًا لقد فعلتها‪ ،‬ولكن كيف حصلت عليهما؟ ومن أين جئت؟‬ ‫أكمل نور املزيف على نفس الوترية‪:‬‬ ‫�ة وبداخل هذه‬ ‫�رواق وفى نهايته وجدت غرف�‬ ‫�رت إىل آخر ال�‬ ‫– –لقد س�‬ ‫�اك اثنني فقط يف املكان‬ ‫�ة وجدتهما على طاولة‪ ،‬يبدو أن هن�‬ ‫الغرف�‬ ‫كله؛ ألني وجدت مالحظة على الطاولة بأنه ليس هناك غري اثنني‬ ‫�ه املفتاح الثاني‪ ،‬فاخرتت أن أعطيه‬ ‫فقط وجيب أن أختار من أعطي�‬ ‫�ؤدي إىل مكانك‪ ،‬وهذا كل ما حدث‪.‬‬ ‫إياك‪ ،‬ففتح لي باب ي�‬ ‫تغريت مالمح وجه جني وبدت أكثر اضطرابا وكانت وامجة مفكرة‪،‬‬ ‫كأنها ال تستطيع أن حتسم أمرها‪ ،‬فقالت وهي امرأة فطنة بلهجة طلقة‬ ‫صرحية‪:‬‬ ‫�ط؟ هل تقصد أننا‬ ‫�د بأنه ليس هناك غري مفتاحني فق�‬ ‫– –ماذا تقص�‬ ‫سنرتك أكريا هنا؟‬ ‫�ه ولكن هذا ما حدث‪ ،‬كان‬ ‫�م هذا ما أقصده‪ ،‬أنا حزين من أجل�‬ ‫– –نع�‬ ‫�د اخرتتك ‪ ..‬قد جيد أكريا طريق ًا‬ ‫جيب أن أختار أحدكما‪ ،‬وق�‬ ‫مفتاح آخر‪ ،‬ولكن يبدو أن هذا املكان حيتوي على‬ ‫آخر للحصول على‬ ‫ٍ‬ ‫مفتاحني فقط ال غري‪.‬‬ ‫‪94‬‬


‫قالت جني حازمة منقبضة الوجه‪:‬‬ ‫– –إذ ًا جيب أن خنرب أكريا بهذا!‬ ‫هز نور املزيف رأسه باستهجان قائال‪:‬‬ ‫�ب أن نفعل هذا‪ ،‬لن يعجبه أني فضلتك عليه أوال ‪ ..‬وثانيا‪،‬‬ ‫– –ال جي�‬ ‫�ول إىل خط النهاية‬ ‫�رقة املفاتيح منا فهو يريد الوص�‬ ‫قد حياول س�‬ ‫�لل ِخلسة بدون أن يشعر وخنرج من‬ ‫مثلنا وهلذا جيب علينا أن نتس�‬ ‫هنا‪ ،‬وعندما لن جيد أي مفتاح سيحاول أن حيصل على أحد املفاتيح‬ ‫�نقول له بأننا حبثنا‬ ‫�ن طريق آخر‪ ،‬وإن وصل إىل خط النهاية‪ ،‬س�‬ ‫ع�‬ ‫عنه ومل جنده ومل جند غري مفتاحني فقط فاضطررنا للعبور بدونه‬ ‫�ت هذه خطة جيدة؟ أنا اعرف أن‬ ‫وظننا أنه قد لقى حتفه ‪ ..‬أليس�‬ ‫جيدا بالعواقب‬ ‫هذا حمزن وأنها حركة ليس�‬ ‫�ت جبيدة‪ ،‬ولكن فكري ً‬ ‫جيدا‪.‬‬ ‫اليت س�‬ ‫�تحدث إن أخربناه مبا حدث‪ ،‬فكري ً‬ ‫بدا كأن جني سقطت يف بئر عميق من احلرية وال جتد من ميد هلا يد‬ ‫املساعدة أو يلقي هلا حببل لتتشبث به‪ .‬كانت األفكار تتضارب يف رأسها‬ ‫بال توقف‪ ،‬وكان اجلزء األكرب منها خيربها بأال ترتك أكريا هنا بدون أن‬ ‫ُتعلمه مبا حيدث‪ ،‬ولكنها تعلم أنه قد يكره نور من أجل هذا‪ ،‬وقد حياول سرقة‬ ‫املفاتيح منهما‪ ،‬وكانت تعلم بأنه ساعدهم حتى اآلن ولواله ما حصال على‬ ‫املفاتيح وأنه لن يقوم بفعل شئ كهذا‪ ،‬فقالت واحلرية تتبدى على وجهها‪:‬‬ ‫– –ال يهم‪ ،‬سنخربه على كل حال‪ ،‬وإن حدث أي شيء‪ ،‬فسنخرج خبطة‬ ‫�ى اآلن وحنن مدينان له حبياتنا‪ ،‬وال‬ ‫�وأ حت�‬ ‫ما ‪ ..‬لقد مررنا باألس�‬ ‫�نا ‪ ..‬وعلى كل حال لو‬ ‫ميكننا تركه هنا من أجل أن ننجو بأنفس�‬ ‫�أظل أعاتب نفسي على هذا حتى‬ ‫جنونا من هنا ومل ينج أكريا فس�‬ ‫املوت ‪ ..‬وأنا حقا ال أريد هذا‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫�ا ونظر إليها وقد‬ ‫�ف منها ووضع يديه على كتفيه�‬ ‫اقرتب نور املزي�‬ ‫�اه‪ ،‬وقال بلهجة‬ ‫�ماته‪ ،‬وقدحت عين�‬ ‫�احب‪ ،‬وقبضت قس�‬ ‫امحر وجهه الش�‬ ‫قاطعة ُملحة‪:‬‬ ‫�نخرج من‬ ‫�ا تفعلينه؟ إن خط النهاية قريب ‪ ..‬س�‬ ‫– –هل تدركني م�‬ ‫�ذا من أجل بعض‬ ‫�ن أن تضيعي كل ه�‬ ‫�ذا اجلحيم وأنت تريدي�‬ ‫ه�‬ ‫�رقة‬ ‫�االت‪ ..‬أنت تعرفني أنه لن يعجبه هذا‪ ،‬وقد حياول س�‬ ‫االحتم�‬ ‫املفاتيح منا أو حتى قتلنا‪ ،‬وإن تركناه اآلن ستكون هذه أفضل فرصة‬ ‫�ى كل األحوال ‪ ..‬ما‬ ‫�يبحث عن مفتاح آخر عل�‬ ‫�ا مجيعا ‪ ..‬س�‬ ‫لن�‬ ‫�يء الذي سيحدث له؟‬ ‫الشيء الس�‬ ‫أبعدت جني يده عنها وقالت بضيق‪:‬‬ ‫أبدا من‬ ‫أبعد يديك عين ‪ ..‬من أنت؟ أنت لست نور! نور مل يلمسين ً‬ ‫– – ِ‬ ‫قبل‪ ،‬كما إنه مل يكن ليفكر يف نفسه هكذا ‪ ..‬أخربني اآلن من أنت؟‬ ‫�يكون سواي ‪ ..‬حسنا أنا آسف ملا‬ ‫فقدت عقلك‪ ،‬أنا نور‪ ،‬ومن س�‬ ‫– –هل‬ ‫ِ‬ ‫فعلته‪ ،‬ولكنك تفهمني ما أقصد ‪ ..‬هذه فرصتنا الوحيدة للوصول‬ ‫إىل نهاية هذا اجلحيم‪.‬‬ ‫أحدا وراءنا‪،‬‬ ‫�ا فرصتنا الوحيدة‪ ،‬ولكن ال جيب أن ن�‬ ‫– –أعرف انه�‬ ‫ترك ً‬ ‫�اعدنا من قبل ومل نكن لنصل إىل هنا لواله‪ ،‬فهل نرتكه بعد‬ ‫لقد س�‬ ‫كل هذا؟! سنقول له إنك عثرت على مفتاح وأنا عثرت على اآلخر‪،‬‬ ‫�ث معه وإن مل جيده‬ ‫�د مفتاحه ثم ندعي أننا نبح�‬ ‫�أله هل وج�‬ ‫ونس�‬ ‫�نبحث معه عن مفتاح آخر يف مكان آخر‪ ،‬فنحن مدينون له‪.‬‬ ‫س�‬ ‫�ر‬ ‫�ف قلي ًال ليفكر وقد ازدادت حدته وتوتره‪ ،‬ثم كس�‬ ‫صمت نور املزي�‬ ‫حاجز الصمت قائ ًال‪:‬‬ ‫‪96‬‬


‫�ا متأكد من هذا‪ ،‬جيب‬ ‫�يلحق بنا‪ ،‬أن�‬ ‫– –ولكن هذا مضيعة للوقت‪ ،‬س�‬ ‫�ى نقاط أكثر‪ ،‬لنصبح من‬ ‫�ل قبل اآلخرين حتى حنصل عل�‬ ‫أن نص�‬ ‫�يتمكنون من اخلروج من هنا! أال تدركني هذا؟!‬ ‫الثمانية الذين س�‬ ‫كلما أضعنا وقت ًا أكثر كلما قل��ت فرصة خروجنا من هنا!‬ ‫�ك مما يقوله‪ ،‬فرفعت يدها وأشارت‬ ‫بدا على وجه جني الضيق والش�‬ ‫عليه قائلة‪:‬‬ ‫– –من أنت؟‬ ‫دهاك؟‬ ‫– –أنا نور قلت لك‪ ،‬ماذا‬ ‫ِ‬ ‫– –إذا كنت حقا نور‪ ،‬فما هي الكلمة السرية اليت اتفقنا عليها؟‬ ‫صمت نور املزيف وقد أصابته هذه الكلمة بالشلل‪ ،‬واختنقت الكلمات‬ ‫يف حلقه‪ ،‬فقال بابتسامة مصطنعة‪:‬‬ ‫– –هل تشكني يف؟‬ ‫– –بالطبع أشك‪ ،‬قل لي كلمة السر‪.‬‬ ‫أوقف الصوت الفيديو وقال لنور احلقيقي‪:‬‬ ‫�ر؟ لقد كنت أمسع كل ما تقولونه‪،‬‬ ‫�اء كلمة س�‬ ‫– –متى قمتم بإنش�‬ ‫ورأيت معظم ما حيدث!‬ ‫�ك نور‪ ،‬وقد علم أن جني قد اجتازت االختبار حتى لو مل يكمل‬ ‫ضح�‬ ‫الفيديو‪ ،‬فقال جبفاء وفتور‪:‬‬ ‫�ول‪ ،‬وأن هناك الكثري من‬ ‫�مع ما نق�‬ ‫– –لقد توقعنا أنك تراقبنا وتس�‬ ‫�ا أحدهم ويفرقنا قررنا‬ ‫�باق‪ ،‬وهلذا لكيال خيدعن�‬ ‫اخلدع يف هذا الس�‬ ‫�تعيد‬ ‫�اء انتظارنا ألكريا ليس�‬ ‫�ر‪ ،‬وحدث هذا أثن�‬ ‫�ع كلمة س�‬ ‫صن�‬ ‫‪97‬‬


‫�معنا كتبت على الرمال كلمة السر‪ ،‬وأشرت‬ ‫طاقته‪ ..‬ولكيال تس�‬ ‫ابدا‪ ،‬ففهما ما أقصده‬ ‫هلما بأن ينظرا إليها بصمت وأال يتكلما عنها ً‬ ‫�ا ظننت أني ألعب على الرمال يف ملل‪ ،‬فلم جيذب انتباهك أن‬ ‫ورمب�‬ ‫ير مهمة ألي أحد لرياها‪.‬‬ ‫�ا يف هذه الفرتة اليت بدت غ�‬ ‫تراقبن�‬ ‫ضحك الصوت قائ ًال وقد النت هلجته قلي ًال‪:‬‬ ‫�ي‪ ،‬مل أتوقع كل هذا منك‪ ،‬يف احلقيقة مل أتوقع ان‬ ‫– –يا إهلي‪ ،‬يا إهل�‬ ‫ني‪ ..‬واآلن سأشغل الفيديو‪.‬‬ ‫جتتاز أول اختبار‪ ،‬ولكنك تدهش�‬ ‫قال نور املزيف وقد شعر بأن وقته ينفذ‪:‬‬ ‫�تين إياها ‪ ..‬أنت‬ ‫– –أنا ال أتذكرها فقط! فكل هذه األحداث قد أنس�‬ ‫علي‪.‬‬ ‫تعرفني ‪ ..‬كل هذا الرعب والقلق بالتأكيد س�‬ ‫�يؤثر ّ‬ ‫�ذت ترتاجع إىل‬ ‫�ية‪ ،‬بينما أخ�‬ ‫�ت جني فيه بانتباه وخبث وخش�‬ ‫تفرس�‬ ‫�اول اصطناع الرباءة‪:‬‬ ‫�ور املزيف وهو حي�‬ ‫اخللف‪ ،‬فقال ن�‬ ‫– –جني ماذا حل بك‪ ،‬أنا نور ‪ ..‬أال ترين؟!‬ ‫– –قل لي ما هي كلمة السر؟‬ ‫– –أنا حقا ال أتذكر‪ ،‬ملاذا ال تصدقينين‪.‬‬ ‫– –وهذا ينهي كل شيء‪ ،‬أين هو نور احلقيقي؟ قل لي أين ذهب؟‬ ‫�عر بأنه مت اكتشاف أمره‪ ،‬فضحك ضحكة‬ ‫صمت نور املزيف وقد ش�‬ ‫مريبة قائ ًال‪:‬‬ ‫– –حسنا‪ ،‬حس��نا لقد جنحت يف االختبار‪ ،‬ميكنك أخذ املفتاح‪ ،‬ولكن‬ ‫�ذري أيهما هو املفتاح احلقيقي‪.‬‬ ‫بعد أن حت�‬ ‫‪98‬‬


‫رفع املفتاحني أمامه بيديه وعلى وجهه مالمح اس��تهزاء‪ ..‬ابتسمت‬ ‫جني بثقة قائلة‪:‬‬ ‫– –إنه يف جيبك اخللفي‪.‬‬ ‫�كك‬ ‫�تهزئة وحدق فيها مصعوق ًا بتش�‬ ‫تغريت مالمح نور املزيف املس�‬ ‫قائ ًال ‪:‬‬ ‫عرفت هذا؟ ال ميكن أن تكتشفي األمر بهذه السهولة!‬ ‫– –كيف‬ ‫ِ‬ ‫اتسعت ابتسامة جني قائلة‪:‬‬ ‫– –ألنك أمحق ‪ ..‬لقد وقعت يف فخي على الرغم من أنك تعرف قوتي‪،‬‬ ‫ولكن سأشرح لك ‪ ..‬لقد اخرتت أحدهم‪ ،‬فقلت لي بكل سذاجة بأن‬ ‫�ا مزيف واحلقيقي خمبأ يف جيبك اخللفي‪ ،‬فقمت بالعودة‬ ‫كالهم�‬ ‫ثوان واخرتت الصحيح ‪ ..‬واآلن أعطين املفتاح فليس‬ ‫بالزمن مخس ٍ‬ ‫لدي وقت‪.‬‬ ‫ضحك نور املزيف ووضع يده على وجهه بإحباط قائ ًال‪:‬‬ ‫– –يا لي من أمحق ‪ ..‬لقد نسيت هذا‪ ،‬ومل خيطر على بالي ‪ ..‬أحسنت‪،‬‬ ‫أثبت أنك تستحقني املفتاح‪.‬‬ ‫لقد ِ‬ ‫ألقى نور املزيف إليها باملفتاح‪ ،‬فالتقطته‪ ،‬ثم قالت بنربة حادة‪:‬‬ ‫– –واآلن قل لي أين نور احلقيقي؟‬ ‫***‬

‫‪99‬‬


‫‪8‬‬ ‫خرج الصوت قائ ًال لنور احلقيقي‪:‬‬ ‫�اهدكم‪،‬‬ ‫�ليت حق ًا وأنا أش�‬ ‫�ا لكم من جمموعة مثرية ‪ ..‬لقد تس�‬ ‫– –ي�‬ ‫�ة‪ ،‬فأنا أرى الكثري منكم ‪ ..‬واآلن‬ ‫�ى أن تصلوا إىل خط النهاي�‬ ‫وأمتن�‬ ‫�ي نظرة على صديقك أكريا لتعلم إن كان قد عرب االختبار‬ ‫لنلق�‬ ‫ني إن اختباره مثري للغاية‪.‬‬ ‫أم ال‪ ،‬وصدق�‬ ‫�امة تعلو وجه نور ِلا رآه من ذكاء وفطنة جني‪ ،‬وشعر‬ ‫كانت االبتس�‬ ‫�ه بعض القلق من أجل‬ ‫�ا جنحت يف االختبار‪ ،‬ولكنه انتاب�‬ ‫بالراحة ألنه�‬ ‫أيضا أم سيفشل؟‬ ‫أكريا‪ ،‬هل س�‬ ‫�ينجح هو ً‬ ‫�اهدة الفيديو وهو يعرض أكريا وهو يسري يف ردهة‬ ‫�رع نور مبش�‬ ‫ش�‬ ‫�ة يف نهايتها‪ ،‬ليفاجأ مبا رآه‪.‬‬ ‫�ة لليت عرب منها‪ ،‬ثم دلف إىل الغرف�‬ ‫مماثل�‬ ‫ين الزجاجيني أمامه‪،‬‬ ‫�و ينظر إىل القفص�‬ ‫�ف أكريا مذهوال وه�‬ ‫وق�‬ ‫أحدهما حيتوي على مفتاح موضوع على طاولة‪ ،‬وفى القفص الزجاجي‬ ‫اآلخر كان نور املزيف مقيدا بسالسل ‪ ..‬جيلس على كرسي وينظر إىل‬ ‫وذعر ويرتجاه لينقذه‪.‬‬ ‫بهلع‬ ‫أكريا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قاطع نور الفيديو قائ ًال‪:‬‬ ‫‪100‬‬


‫كل من جني وأكريا؟‬ ‫– –ال أفهم! ملاذا اخرتتين يف اختبار ٍ‬ ‫�م؟! يف االختبار األول كان جيب أن أختارك ألنك أقرب إىل‬ ‫– –أال تفه�‬ ‫ريا وتتبعك؛ وهذا كان‬ ‫جني من أكريا‪ ،‬ويبدو أنها تث�‬ ‫�ق بك كث ً‬ ‫بر أغوارها ‪ ..‬هل تهرب معك؟ أم‬ ‫س� ُيخرج ما بداخل نفسها ويس�‬ ‫�دث؟ رغم إنها مل تتعامل معه إال قليال‪.‬‬ ‫تبقى وخترب أكريا مبا حي�‬ ‫إن أحضرت هلا أكريا بدال عنك‪ ،‬بالتأكيد كانت س�ترفض من‬ ‫البداية أن ترتكك هنا‪ ،‬أما بالنسبة هلذا االختبار‪ ،‬فلقد اخرتتك‬ ‫ألجعل ضمريه يسرتيح أكثر عندما خيتار املفتاح ويرتكك تهوي‬ ‫�يخريه بينك وبني‬ ‫�اك‪ ،‬فهذا االختبار س�‬ ‫�ط األمس�‬ ‫يف الربكة وس�‬ ‫املفتاح‪ ،‬وإن أحضرت جني مكانك‪ ،‬فغري��زة الذكر حلماية األنثى‬ ‫ستجعله يتحيز هلا وقد ينقذها يف النهاية ويتخلى عن املفتاح‪ ،‬ولكن‬ ‫ريا‪،‬‬ ‫�را خيتار ذكرا آخر بدال م�‬ ‫ذك�‬ ‫�ن مصلحته فهذا ال حيدث كث ً‬ ‫بر أغوار نفسه‪ ،‬كان جيب أن‬ ‫وهلذا الختبار حلقيقة ما بداخله وس�‬ ‫تكون أنت يف هذا االختبار‪.‬‬ ‫�رد نور وفكر يف خبث هذه االختبارات‪ ،‬وشعر بأن الشيطان هو من‬ ‫ش�‬ ‫صنعها فقال لنفسه‪:‬‬ ‫�ر‪ ،‬وعلى األنا‬ ‫ير يف األمر أنه يلعب على غريزة البقاء عند البش�‬ ‫– –املث�‬ ‫واملصلحة الذاتية‪ ،‬هل ستفضل األنا على حنن إذا كان األنا يف خطر‪،‬‬ ‫إنه خيرج ما بداخل كل شخص فينا‪ ،‬ولكنه يضللنا يف نفس الوقت‪،‬‬ ‫فاهلدف الرئيسي الذي وضعه لنا ال يكون احلل‪ ،‬إن فهمنا األمر فلن‬ ‫نتعذب من هذه االختبارات‪ ،‬ولكن أكريا ال يعلم هذا‪ ،‬ماذا سيحدث له يا‬ ‫ترى؟ إن هذه االختبارات قد صممت لكي ال يتخطاها اإلنسان العادي‪.‬‬ ‫قطع شروده صوت الفيديو وقد عاد للعمل‪.‬‬ ‫‪101‬‬


‫مسع أكريا الصوت يتحدث إليه قائ ًال‪:‬‬ ‫�يط ‪ ..‬ليس هناك غري مفتاحني يف هذا املكان ‪..‬‬ ‫– –هذا االختبار بس�‬ ‫�يء قاده ليدخل يف‬ ‫لقد حصلت جني على واحد ولكن حظ نور الس�‬ ‫�ح ليقع يف هذا الفخ‪،‬‬ ‫�ق اخلطأ الذي ال يوجد فيه أي مفاتي�‬ ‫الطري�‬ ‫ويصبح فأر هذه التجربة ‪ ..‬واآلن أمامك مخس دقائق لتختار بني‬ ‫علما بأنه تبقى القليل من املفاتيح للبوابات‬ ‫نور وبني املفتاح األخري‪ً ،‬‬ ‫�ر‪ ،‬وفرصتك للحصول على واحد آخر غري هذا هو ‪ ،%10‬وهلذا‬ ‫العش�‬ ‫جيدا‪ ،‬فهذا املفتاح هو طريقك للعبور من هنا وإال فأنت تعرف‬ ‫فكر ً‬ ‫�يحدث ‪ ..‬كما إن نور ليس لديه أمل يف احلصول على مفتاح‬ ‫ما س�‬ ‫آخر‪ ،‬فهو هالك يف كل األحوال‪ ،‬وإن اخرتت املفتاح فسيسقط نور‬ ‫�فل لتلتهمه األمساك الضخمة‪ ،‬ونفس الشيء مع‬ ‫يف الربكة باألس�‬ ‫املفتاح ‪ ..‬واآلن فلتبدأ اللعبة‪.‬‬ ‫ركض أكريا ناحية الزجاج الذي حيتوي نور وأخذ يضرب عليه بيده‪،‬‬ ‫ولكن الزجاج مل يتأثر على اإلطالق‪ ،‬فقال أكريا بغضب‪:‬‬ ‫– –تب ًا ‪ ..‬ماذا حيدث هنا؟ فلتخرجه من هنا أيها الوغد!‬ ‫– –لن تستطيع أن خترجه إال إذا اخرتته وعندها ستضحي باملفتاح الذي‬ ‫سيكون بوابتك للنجاة‪ ،‬إما ختتاره ومتوت معه‪ ،‬أو ختتار املفتاح‪ ،‬وهذا‬ ‫اخليار الذي أرجحه ألنه سيهلك بنسبة ‪ %90‬على كل األحوال‪.‬‬ ‫شاعرا بأنها تكاد تنفجر مما حيدث‪ ،‬بينما‬ ‫وضع أكريا يده على رأسه‬ ‫ً‬ ‫لات نور اليت ال تنقطع بأن ينقذه وخيتاره‪ ،‬ولكن حريته‬ ‫�تمع لتوس�‬ ‫يس�‬ ‫�كا يف كل األحوال ليهلك‬ ‫�خصا هال�‬ ‫كانت أكرب بكثري‪ ،‬هل ينقذ ش�‬ ‫معه؟ أم يكون هو السبب يف هالكه ألنه كان باستطاعته أن ينقذه حتى‬ ‫لو كان سيهلك فيما بعد‪ ،‬ولكن هالكه لن يكون على يديه؟ هل يلطخ‬ ‫‪102‬‬


‫�ه؟ أم يتقبل املوت من أجل أال يكون‬ ‫يديه بالدماء من أجل أن ينقذ نفس�‬ ‫�عر بتضارب يف رأسه وبسيل من املشاعر املضطربة‬ ‫مسؤو ًال عن موته؟ ش�‬ ‫تسري بداخله‪ ،‬وأخذ قلبه خيفق بقوة بال توقف‪.‬‬ ‫بصوت خافت بالكاد ُيسمع‪:‬‬ ‫قال نور احلقيقي‬ ‫ٍ‬ ‫– –اخرت املفتاح أيها االمحق ‪ ..‬أنا موجود هنا‪ ،‬اخرته من أجل جناتك‪..‬‬ ‫هذه خدعة‪.‬‬ ‫خرجت ضحكة مكتومة من الصوت‪ ،‬فقال خببث شديد‪:‬‬ ‫�ينجو؟ رمبا ينجو ورمبا ال‪،‬‬ ‫�ل تعتقد حق ًا بأنه إن اختار املفتاح س�‬ ‫– –ه�‬ ‫أعتقد أنك رأيت مبا يكفي لتعلم أن اختباراتي ليست بهذه السذاجة‪،‬‬ ‫�عورك إن فضل‬ ‫�يكون ش�‬ ‫فهي متر على عدة مراحل‪ ،‬كما إنه ماذا س�‬ ‫املفتاح على حياتك؟ مباذا ستشعر؟ ماذا لو كنت أنت حقا مكان هذا‬ ‫�عر؟ ولنقل إنه حصل‬ ‫املزيف واختار املفتاح ومل خيرتك؟ مباذا ستش�‬ ‫على املفتاح وخرج ووجدك على قيد احلياة‪ ،‬هل صورته اليت بنيتها يف‬ ‫عقلك بأنه شخص جيد وخملص سوف تبقى كما هي بعدما اختار‬ ‫�ى ألنك تعلم بأنه سيختار نفسه‬ ‫املفتاح ومل خيرتك أم إنها ستتالش�‬ ‫دائما إن ُخري بينها وبينك‪ .‬املوضوع ليس بهذه السهولة يا سيد نور‪،‬‬ ‫ال تكن بهذه السذاجة وانظر إليه من جانبه احلقيقي‪ .‬هذا االختبار‬ ‫سيظهر لك أكريا احلقيقي‪.‬‬ ‫ضغط أكريا على رأسه بقوة وهو يفكر من سيختار ‪ ..‬نور أم املفتاح؟!‬ ‫وكانت حريته شديدة‪ ،‬وأخذت األفكار تتضارب ما بني ما جيب أن يفعله‬ ‫�اح لينجو حبياته؟‬ ‫�ذه ليهلكا مع ًا؟ أم خيرت املفت�‬ ‫ين ضمريه‪ ،‬هل ينق�‬ ‫وب�‬ ‫�ذرات أفكاره تتصادم فذرع الغرفة ذهاب ًا وإياب ًا وهو يفكر‪ ،‬بينما‬ ‫وظلت ش�‬ ‫شديدا‬ ‫صراعا‬ ‫شعر بغصة يف قلبه تؤرقه بشده‪ ،‬ال يعلم ماذا يفعل؟ كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪103‬‬


‫أيضا بعض األحيان‪،‬‬ ‫ب�‬ ‫ين قلبه وعقله رغم أن قلبه كان يتحيز ملصلحته ً‬ ‫�عر بأن هذا هو أصعب اختيار مر عليه يف حياته اليت ال يتذكرها‪..‬‬ ‫وش�‬ ‫تأمل بقوة وهو يقول لنفسه‪:‬‬ ‫�ن البداية؟ ماذا فعلت‬ ‫�ي أن أختار؟ ملاذا أنا هنا م�‬ ‫– –ي�‬ ‫�ا إهلي ماذا عل� ّ‬ ‫ألستحق كل هذا؟‬ ‫�رب إىل رأسه يف حماولة إلقناعه بأن ينقذه‬ ‫ظل صوت نور املذعور يتس�‬ ‫�اره عن املفتاح‪ ،‬ولكن أكريا كانت كينونته متيل الختيار املفتاح‪،‬‬ ‫وخيت�‬ ‫�ينفجر‬ ‫�عر بأنه س�‬ ‫فنظر إىل املفتاح ثم إىل وجه نور العابس اخلائف‪ ،‬وش�‬ ‫من الضغط عليه‪.‬‬ ‫فقال نور املزيف وقد امتألت مقلتا عينيه بالدموع‪:‬‬ ‫�ل تنوي أن ترتكين هنا‬ ‫�ر يا أكريا؟ ملاذا ال تنقذني؟ ه�‬ ‫– –ماذا تنتظ�‬ ‫معا؟ ملاذا تتأخر‬ ‫وتفضل املفتاح لتنقذ نفس�‬ ‫�ك بعد كل ما فعلناه ً‬ ‫هكذا؟ اخرتني أرجوك‪.‬‬ ‫�ه بوجه مظلم وعينني‬ ‫�ى زجاج نور ونظر إلي�‬ ‫�رب أكريا بيده عل�‬ ‫ض�‬ ‫�تعلني‪ ،‬وقال صارخ� ًا يف نور املزيف‪:‬‬ ‫كربكانني مش�‬ ‫– –أال ميكنك أن تصمت قلي ًال أرجوك من أجل أن أفكر‪ ،‬إن مل أكن أريد‬ ‫�ت طويل! فهذا هو االختيار األرجح‬ ‫أن أختارك لكنت فعلت منذ وق� ٍ‬ ‫�نموت حنن االثنني على‬ ‫يف هذه احلالة ‪ ..‬ال فائدة من إنقاذك‪ ،‬س�‬ ‫علي أن أنقذ شخصا هالكا؟ واألرجح أن أنقذ‬ ‫كل حال ‪ ..‬إذا فلماذا ّ‬ ‫�ي وأقلل اخلسائر‪ ،‬ولكين أفكر يف طريقة للخروج من هذا املأزق‬ ‫نفس�‬ ‫وأنت ال تدع لي جما ًال للتفكري ‪ ..‬أنت تعلم بأن اختيارك سيكون بال‬ ‫فائدة‪ ،‬ولكنك تريد النجاة واملماطلة ال غري‪ ،‬فهذه غريزة البقاء لدى‬ ‫�وت‪ ،‬لقد أنقذتك من قبل‪،‬‬ ‫�ان‪ ،‬ولكين ال أريد أن أتركك مت�‬ ‫اإلنس�‬ ‫‪104‬‬


‫جمددا على الرغم من أني قابلتك منذ دقائق‬ ‫وأحاول اآلن أن أنقذك‬ ‫ً‬ ‫أحدا يفضل شخصا قابله للتو على نفسه؟‬ ‫فقط‪ ،‬فهل تظن أن هناك ً‬ ‫ورغم هذا أنا أفكر كيف سأخرجك من هنا؛ لذا اصمت أرجوك‪.‬‬ ‫صمت نور املزيف والدموع تنسل من عينيه لتسقط على خده‪ ،‬فتنهد‬ ‫مفكرا فيما سيفعل ‪ ..‬فجأة خرج الصوت ليزيد‬ ‫�ه‬ ‫أكريا بقوة وفرك رأس�‬ ‫ً‬ ‫الطني بلة قائ ًال‪:‬‬ ‫– –تبقت لك دقيقة‪.‬‬ ‫�ارع نور املزيف يف الكالم لكي‬ ‫زاد هذا من توتر أكريا وخوفه‪ ،‬بينما س�‬ ‫�ية وترقب‪..‬‬ ‫�اره أكريا ‪ ..‬اضطراب ‪ ..‬توتر ‪ ..‬ذعر ‪ ..‬قلق وخش�‬ ‫خيت�‬ ‫كانت هذه الدقيقة هي األطول يف حياته واألصعب‪ ،‬وكان يتمنى أن متر‬ ‫بدون أن يندم على شيء‪.‬‬ ‫�خذت الثواني متر عليه كأنها سيوف تقطع‬ ‫تبقت نصف دقيقة‪ ،‬وـ�‬ ‫�تمر الوقت يف التناقص بينما هو يرمق نور‬ ‫لاء‪ ،‬واس�‬ ‫�ده وقلبه أش�‬ ‫جس�‬ ‫املذعور الذي يرتجاه لينجده‪ ،‬ويرمق املفتاح الذي سيكون وسيلته للنجاة‪،‬‬ ‫�ه ويقلل‬ ‫�خصا هالكا؟ أم ينقذ نفس�‬ ‫هل خيتار املوت من أجل أن ينقذ ش�‬ ‫�يكون السبب يف موته؟‬ ‫األضرار ‪ ..‬ولكنه س�‬ ‫ثوان وأكريا حيك رأسه بقوة أكرب‪ ،‬وتصبب العرق من‬ ‫تبقت عش�‬ ‫�ر ٍ‬ ‫لاالت ال تنتهي‪ ،‬وانبجس الدم يف رأسه‪ ،‬وامحرت‬ ‫�ده كش�‬ ‫جبينه وجس�‬ ‫�ده رعدة قصرية‬ ‫�رت يف جس�‬ ‫عيناه‪ ،‬وارتعش كورقة يف مهب الرياح‪ ،‬وس�‬ ‫�نجات‪.‬‬ ‫متقطعة‪ ،‬وتقبض وجهه بتش�‬ ‫ثوان‪ ،‬فخرج الصوت ليأمره باالختيار حا ًال‪ ،‬ففتح أكريا‬ ‫تبقت مخس ٍ‬ ‫فمه ليختار ما ُتليه عليه نفسه وأشار بيده‪ ،‬ولكنه توقف حلظة وقد ملعت‬ ‫فكرة يف رأسه‪ ،‬ال يعرف كيف مل تأت من قبل؟ وملاذا جاءت اآلن؟ هل هذا‬ ‫‪105‬‬


‫بسبب اجلهد الذهين الذي يبذله اآلن؟ وهذه الفكرة كانت‪:‬‬ ‫�يحدث إن انتهى الوقت ومل أخرت أحدهما؟ مل حيدد الصوت‬ ‫– –ماذا س�‬ ‫�روط الالزمة ما عدا هذا الشرط!‬ ‫هذا‪ ،‬وقد أعطاني كل الش�‬ ‫�ر‬ ‫صمت أكريا ‪ ..‬مل خيرت أحدا واخلوف بداخله قد ازداد بأن خيس�‬ ‫�ئ‪ ،‬فقال الصوت‪:‬‬ ‫كليهما‪ ،‬انتهى الوقت ومل حيدث ش�‬ ‫– –لقد انتهى الوقت! ملاذا مل خترت أحدهما؟‬ ‫�ب حبمى قوية‬ ‫�عر بأنه قد أصي�‬ ‫�ال أكريا بصوت مرجتف وقد ش�‬ ‫ق�‬ ‫�تطيع الكالم‪:‬‬ ‫وبالكاد يس�‬ ‫– –أنت مل تقل لي ماذا سيحدث إن انتهى الوقت ومل أخرت أحدهما؟‬ ‫– –هكذا إذا ‪ ..‬ما سيحدث هو أن كليهما ‪ ..‬سيتحرر‪.‬‬ ‫فجأة انفتحت األقفاص الزجاجية‪ ،‬وشعر أكريا براحة وسعادة كبرية‬ ‫تغمره وأحس بأن محال ثقيال قد انزاح من على قلبه‪ ،‬فتنهد براحة شديدة‬ ‫وهو يقرتب من نور ليحرره‪ ،‬ففك وثاقه‪ ،‬وانهال عليه نور بوابل من الشكر‪،‬‬ ‫يرا ذهب ليحصل على‬ ‫�كر اهلل أنه جنا من املوت‪ ،‬وبعد أن حرره أك�‬ ‫وش�‬ ‫املفتاح‪ ،‬فحرره وأمسك به بقوة وقد شعر باألمل يتجدد من جديد‪ ،‬ولكنه‬ ‫جمددا‪ ،‬لقد قال الصوت أن هناك مفتاحني‬ ‫�يئ ًا أعاد إليه القلق‬ ‫تذكر ش�‬ ‫ً‬ ‫فقط‪ ،‬وجني قد حصلت على أحدهما‪ ،‬هذا يعين أن نور ال ميلك مفتاحا!‬ ‫جمددا ليؤكد شكوكه قائ ًال‪:‬‬ ‫خرج الصوت‬ ‫ً‬ ‫�ر أن نور لن ينجو إال لبعض الوقت‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫– –بالتأكيد تفك�‬ ‫واملفتاح الذي معك هو الوحيد املتبقي‪ ،‬فماذا ستفعل؟ هل ستعطيه‬ ‫لنور للعبور؟ أم ستودعه وترتكه ملصريه؟ ولكن ألزيد األمر إثارة‪ ،‬فإن‬ ‫أيضا ميتلك مفتاحا وهو يف جيب سرتته األمين‪.‬‬ ‫نور ً‬ ‫‪106‬‬


‫�مت‬ ‫�د املفتاح الذي قال عليه الصوت‪ ،‬فارتس�‬ ‫�د نور جيبه‪ ،‬فوج�‬ ‫تفق�‬ ‫أيضا‪ ،‬والذي شعر أن ِحال‬ ‫ابتسامة كبرية على وجهه وعلى وجه أكريا ً‬ ‫ريا‪ ،‬فقال‬ ‫�ر قد أزيح عن كاهله‪ ،‬ولكن الص�‬ ‫آخ�‬ ‫�وت مل يرتكه يفرح كث ً‬ ‫بنربة شائكة خبيثة‪:‬‬ ‫�ا يف هذه الغرفة‪ ،‬فمن‬ ‫�ن هناك مفتاحا مزيفا ومفتاحا حقيقي�‬ ‫– –ولك�‬ ‫�ي ومن ميلك املزيف؟‬ ‫ميلك احلقيق�‬ ‫رمق نور املزيف أكريا بتوتر وهو ميسك مفتاحه بقوة‪ ،‬بينما تغريت‬ ‫�ن ذي قبل‪ ،‬فصرخ أكريا‬ ‫�ح أكريا وأصبح وجهه أكثر إظالما م�‬ ‫مالم�‬ ‫بغضب قائ ًال‪:‬‬ ‫– –أيها الوغد‪ ،‬ألن تكف عن أالعيبك اللعينة؟! لقد جنحت يف االختبار‪،‬‬ ‫�وأ منه؟ ماذا تريد مين أيها اللعني؟‬ ‫فلماذا تضعين يف واحد آخر أس�‬ ‫ربا على خوض محاقاتك هذه‪ ،‬وبعد كل هذا‬ ‫لقد وجدت نفسي جم ً‬ ‫ال تريد أن تسهل األمر علي؟‬ ‫وحيدا‪ ،‬ورأى أكريا نور وهو‬ ‫�ه الصوت بل تركه يف ثورته هذه‬ ‫مل ُيب�‬ ‫ً‬ ‫منكمش عند احلائط ينتظر ما سيحدث‪ ،‬فقال نور املزيف بنربة مرجتفة‪:‬‬ ‫– –هل تريد ‪ ..‬أن نذهب ‪ ..‬من هنا؟‬ ‫نظر له أكريا وقد طفح كيله قائ ًال‪:‬‬ ‫– –انتظر هنا! جيب أن نعرف أين هو املفتاح املزيف‪.‬‬ ‫�نعرف إن بقينا هنا؟ جيب أن نذهب إىل البوابة لنعلم‬ ‫– –ولكن كيف س�‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫�و كان مفتاحك هو الصحيح‬ ‫�ب إىل البوابة ألنه ل�‬ ‫– –أتريد أن نذه�‬ ‫ستس��تطيع اهلرب‪ ،‬أليس كذلك؟ أنت تفكر يف نفسك فقط‪ ،‬إن‬ ‫‪107‬‬


‫�ك اآلن ألني أنقذتك‬ ‫�ت ال تفعل هذا لكنت أعطيتين مفتاح�‬ ‫كن�‬ ‫�ك فقط‪.‬‬ ‫مرتني ولكنك تهتم بنفس�‬ ‫�ب لنجرب املفاتيح على‬ ‫�ي‪ ،‬لقد قلت لك فلنذه�‬ ‫– –أنا ال أهتم بنفس�‬ ‫البوابة وإال فكيف س��نعرف املفتاح احلقيقي؟‬ ‫– –إذ ًا اعطه لي وسأجربه لك‪.‬‬ ‫– –لن أعطيك إياه‪.‬‬ ‫�ت اآلن؟ امسع‬ ‫ني كنت على حق؟ هل رأي�‬ ‫�ذا إذ ًا ‪ ..‬أرأيت أن�‬ ‫– –هك�‬ ‫�أفعل؟ كنت سأعطيك املفتاح‬ ‫أيها الوغد‪ ،‬هل تعلم ماذا كنت س�‬ ‫�ت من هذا اهلراء ومل يعد‬ ‫احلقيقي وأنا ال أكذب يف هذا فقد يئس�‬ ‫�دي هدف للبقاء على قيد احلياة‪ ،‬أنا حتى ال أتذكر غري امسي‪..‬‬ ‫ل�‬ ‫�دم إن مت‪ ،‬ولكنك أثبت‬ ‫�يء‪ ،‬هلذا فليس لدي أي ن�‬ ‫ال أذكر أي ش�‬ ‫�أعطيها إياك‪.‬‬ ‫�تحق هذه التضحية اليت كنت س�‬ ‫أنك وغد ال تس�‬ ‫لوح نور بيده يف غضب وقال‪:‬‬ ‫�ك للمفتاح قبل أن ينتهي الوقت‪..‬‬ ‫– –أنت تكذب ‪ ..‬لقد رأيت نظرت�‬ ‫كنت ستختاره‪ ،‬ولكنك أمسكت نفسك وحدث ما حدث‪ ،‬كما إنك‬ ‫�يحدث إذا انتهى الوقت‬ ‫مل تنقذني هذه املرة فأنت مل تكن تعلم ما س�‬ ‫�اذا لو مت اإللقاء بي يف هذه الربكة لألمساك؟ هل كان هذا‬ ‫‪ ..‬م�‬ ‫سعيدا؟ حتصل على املفتاح وتريح ضمريك من كل هذا؟‬ ‫سيجعلك‬ ‫ً‬ ‫�قط يف املاء‪ ،‬وسقط‬ ‫ولكن ماذا لو اخرتت املفتاح املزيف وتركتين أس�‬ ‫�تموت على كل حال ‪ ..‬وأنا أعلم‬ ‫معي املفتاح احلقيقي؟ كنت س�‬ ‫أنك لو اخرتت‪ ،‬الخرتت املفتاح وليس أنا‪.‬‬ ‫نظر أكريا إىل نور واألمل يفضي من عينيه‪ ،‬قائ ًال بنربة رتيبة كئيبة‪:‬‬ ‫‪108‬‬


‫�يئ ًا عن‬ ‫�نا‪ ،‬خذ مفتاحي مل أعد أكرتث ‪ ..‬رمبا ال أتذكر ش�‬ ‫– –حس�‬ ‫حياتي‪ ،‬ولكن لدي هذا الشعور بأني قد خسرت كل شيء بالفعل ولقد‬ ‫�ي وهلذا رمبا يكون املوت لي أرحم من معرفة‬ ‫تعلمت أن أصدق حدس�‬ ‫تي اليت قد تكون مؤملة للغاية‪ ،‬وهلذا خذ مفتاحي أنا ال أهتم‪.‬‬ ‫حقيق�‬ ‫�ف الذي رفع يده اليمنى ليلتقطه‪،‬‬ ‫قذف أكريا باملفتاح إىل نور املزي�‬ ‫فرأى أكريا شيئ ًا غري ًبا مل يلحظه من قبل‪ ،‬فاتسعت عيناه بدهشة كبرية‪،‬‬ ‫فزأر يقول بصوت أجش‪:‬‬ ‫– –أيها الوغد ‪ ..‬أنت لست نور!‬ ‫تغريت مالمح نور املزيف وأصبحت أكثر اضطرابا‪ ،‬فقال بسخرية‪:‬‬ ‫�اه ‪ ..‬أنا نور أيها األمحق ما الذي تقوله ‪ ..‬هل أصابك العمى؟‬ ‫– –ه�‬ ‫أم أثرت عليك كل هذه األحداث؟‬ ‫�ال أكريا وقد حتولت مالحمه إىل اجلدية رغم الصراع املرير الذي‬ ‫ق�‬ ‫كان جيري يف نفسه فبدد مجيع الشكوك‪:‬‬ ‫– –قل لي كلمة السر اليت اتفقنا عليها؟‬ ‫تنهد نور بتوتر‪ ،‬وأخذ يتصبب عرقا‪ ،‬وقال وهو يهز رأسه باستهجان‪:‬‬ ‫علي‪.‬‬ ‫– –لقد نسيتها فقط ال غري ‪ ..‬كل هذه األحداث أثرت ّ‬ ‫جيدا‬ ‫– –ما هي كلمة الس�‬ ‫أبدا وأنت تعرف هذا ً‬ ‫�ر؟ ال ميكنك نسيانها ً‬ ‫إن كنت احلقيقي!‬ ‫علم نور املزيف بأنه مت اإلمساك به‪ ،‬فقال جبفاء وفتور‪:‬‬ ‫– –تبا لكم ولكلمة السر اللعينة هذه ‪ ..‬حسنا أنا مزيف‪ ،‬ولكنك قمت‬ ‫خبطأ مريع اآلن لتعطيين املفاتيح‪ ،‬واآلن ‪..‬‬ ‫‪109‬‬


‫�ور املزيف‪ ،‬ورفع املفاتيح‬ ‫�ح باب صغري يطل على الربكة أمام ن�‬ ‫انفت�‬ ‫لتكون فوقه قائ� ً‬ ‫لا وعلى وجهه نظرة خبيثة‪:‬‬ ‫�قط يف‬ ‫واحدا فقط واآلخر سيس�‬ ‫– –أيهما هو احلقيقي؟ جيب أن ختتار‬ ‫ً‬ ‫املاء‪ ،‬وهلذا اخرت بعناية‪.‬‬ ‫صمت أكريا قلي ًال ليفكر‪ ،‬ثم كسر حاجز الصمت قائ ًال‪:‬‬ ‫– –إنه الذي يف يدك اليمني‪.‬‬ ‫– –وملاذا أنت متأكد هكذا؟‬ ‫– –اهلدف من هذا االختبار كان لتشتييت ال أكثر‪ ،‬واختبار هل سأفضل‬ ‫نفسي أم سأفضل شخصا آخر على نفسي وهذه هي أقوى التضحيات‬ ‫وحتتاج إىل شخص ذي قلب كبري ليفعلها‪ ،‬وهلذا فإن علمت بأنك‬ ‫املزيف من البداية الخرتت املفتاح بدون أدنى شك ‪ ..‬ولكن مل أعلم‬ ‫ريا وتشتت ‪ ،‬ولكنك ها أنت مل حيدث لك شيء ‪..‬‬ ‫هذا‪ ،‬فاحرتت كث ً‬ ‫هلذا فإن املفتاح احلقيقي هو الذي كان حبوزتك ألنه حيمل معنى‬ ‫أكرب بكثري من جمرد مفتاح يفتح بوابة‪ ،‬إنه مفتاح للنفس البشرية‬ ‫‪ ..‬مفتاح للخري الكامن بداخل كل شخص ‪ ..‬من خيرت هذا املفتاح‬ ‫�يء أغلى بكثري من الوصول إىل خط النهاية ‪..‬‬ ‫فقد حصل على ش�‬ ‫�أل‬ ‫�ه‪ ،‬وهذا ما نقضي عمرنا كله نس�‬ ‫لقد حصل على حقيقة نفس�‬ ‫أنفسنا عنه ‪ ..‬من حنن؟ هل حنن جيدون؟ أم مثل باقي البشر؟ رمبا‬ ‫علي خوض اختبار آخر أصعب من ذي‬ ‫ترددت يف اختيارك وهلذا كان ّ‬ ‫قبل‪ ،‬ولكين جنحت بأني قد أعطيتك مفتاحي يف النهاية ومل أكرتث‬ ‫�أختارك‪ ،‬لوال أن واتتين‬ ‫‪ ..‬وأريد أن أخربك أ ًيا كنت بأني كنت س�‬ ‫�ت‪ ..‬لقد علمت حقيقة‬ ‫�ك الفكرة بأال أختار حتى ينتهي الوق�‬ ‫تل�‬ ‫�يل العواطف واألفكار الال متناهي بداخلي‪ ،‬وعلمت‬ ‫نفسي وسط س�‬ ‫‪110‬‬


‫�ت متلكه من البداية هو‬ ‫�أختار‪ ،‬وهلذا فإن املفتاح الذي كن�‬ ‫ماذا س�‬ ‫�ه ًال للغاية ولكين كنت أمحق‪،‬‬ ‫مفتاح البوابة ‪ ..‬لقد كان األمر س�‬ ‫�ر نفسي‬ ‫وإن كنت اخرتت املفتاح ومل أخرتك‪ ،‬فعندها كنت سأخس�‬ ‫�تحق اخلروج من هنا‪.‬‬ ‫أيضا ومل أكن ألس�‬ ‫وأخس�‬ ‫�ر طريق اخلروج ً‬ ‫ضحك نور املزيف قائ ًال‪:‬‬ ‫– –لو كانت لي مشاعر لكنت تأثرت بهذا الكالم‪ ،‬واآلن ميكنك احلصول‬ ‫على املفتاح احلقيقي‪ ،‬فقد فهمت املغذى من هذا االختبار‪.‬‬ ‫�اح‪ ،‬فالتقطه أكريا وانفتح له باب الغرفة‪،‬‬ ‫ألقى نور املزيف له باملفت�‬ ‫فخرج منه وهو يودعه‪ ،‬ومل يشأ أن يسأله عن حقيقته؛ فبعض األشياء من‬ ‫األفضل أن ترتك بال إجابة‪.‬‬ ‫جمددا‪ ،‬وح ّيوا بعضهم ببهجة‬ ‫خرج اجلميع والتقوا عند نقطة البداية‬ ‫ً‬ ‫�ار الصعب‪ ،‬ولكنهم تفاجأوا‬ ‫�أوا بعضهم على النجاح يف هذا االختب�‬ ‫وهن�‬ ‫�ن الرواق األول الذي مل‬ ‫�خصا آخر معهم‪ ،‬وقد خرج م�‬ ‫عندما وجدوا ش� ً‬ ‫�عر مموج طويل‪،‬‬ ‫يدخله أحد منهم‪ ،‬فنظر إليهم بصمت‪ ،‬وكان لديه ش�‬ ‫دائما‪ ،‬فتذكر نور أنه رآه من قبل‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ومالحمه س�‬ ‫�اخرة ً‬ ‫– –أنت ‪ ..‬لقد رأيتك عند نقطة البداية‪ ،‬كنت جتلس غري مكرتث بأمر‬ ‫السباق وترمقنا بنظرات ساخرة‪ ،‬فكيف وصلت إىل هنا بهذه السرعة؟‬ ‫نظر إليه بنظرات غرور وثقة قائ ًال‪:‬‬ ‫�ن من الصعب الوصول إىل هنا‪،‬‬ ‫�ريع للغاية وهلذا مل يك�‬ ‫– –هذا ألني س�‬ ‫واحلقيقة أن هذا االختبار هو أصعب شئ رأيته يف السباق‪ ،‬لقد مررت‬ ‫�هولة كبرية‪ ،‬ولكن هذا ‪ ..‬هذا كان خمتلفا‬ ‫من كل العقبات بس�‬ ‫أحدا آخر قد اختار الطريق‬ ‫متام�‬ ‫�ا عما رأيته من قبل‪ ،‬ومل أتوقع أن ً‬ ‫ً‬ ‫الوعر مثلي ‪ ..‬هذا غريب‪.‬‬ ‫‪111‬‬


‫أيضا؟‬ ‫– –إذ ًا فلقد حصلت على املفتاح وجنحت هنا ً‬ ‫�باق جيب‬ ‫– –نعم لقد حصلت عليه ‪ ..‬واآلن ليس لدي وقت‪ ،‬هناك س�‬ ‫أن أنهيه‪.‬‬ ‫�ديدة من‬ ‫رحيا ش�‬ ‫�ى الفتى من أمامهم بس�‬ ‫اختف�‬ ‫�رعة خملف ًا وراءه ً‬ ‫�تطيعوا الوصول إىل خط النهاية‬ ‫�رعته‪ ،‬فأسرعوا وراءه حتى يس�‬ ‫أثر س�‬ ‫�ى النقاط للفوز‪.‬‬ ‫وحتصيل أعل�‬ ‫عربوا الطريق ُ‬ ‫املاط باألشجار‪ ،‬حتى خرجوا إىل الساحة اليت حتتوي‬ ‫على البوابات‪ ،‬فرأوا بعض املتسابقني وقد جتمعوا‪ ،‬وهناك من فتح بوابته‬ ‫وحلم بالعبور إىل خط النهاية‪ .‬رأى نور ورفاقه كينو ويوسف ولي كانج‬ ‫�ور وركض حنوهم وتبعه جني‬ ‫�ون من إحدى البوابات‪ ،‬فناداهم ن�‬ ‫يقرتب�‬ ‫وأكريا‪ ،‬فحياهم نور قائ ًال‪:‬‬ ‫– –لقد مر وقت طويل ‪ ..‬أرى أنكم حصلتم على املفاتيح‪.‬‬ ‫ح ّياه كينو قائ ًال بنربة هادئة وقد بدا على مظهره أنه مر بالكثري‪:‬‬ ‫أيضا وهذا أمر‬ ‫�ا يا نور ‪ ..‬أرى بأنك حصلت عل�‬ ‫– –مرح ًب�‬ ‫�ى املفاتيح ً‬ ‫جيد‪ ..‬لقد مررنا بالكثري من املصاعب للحصول على املفاتيح ويبدو‬ ‫أنه قد حدث لكم املثل‪ ،‬فوجوهكم تبدو مرهقة ‪ ..‬سنتقابل عند خط‬ ‫النهاية‪ ،‬واآلن فلنسرع‪.‬‬ ‫�وا بعضهم البعض‪ ،‬وانطلقوا ناحية البوابات وقد بدأ العديد من‬ ‫ودع�‬ ‫املتسابقني اخلروج من كل مكان ومعهم مفاتيحهم‪ ،‬فأسرعوا لفتح البوابة‪،‬‬ ‫ودلفوا إليها‪ ،‬حتى وقفوا أمام الطريق الوعر املائل‪ ،‬فقالت جني باستنكار‪:‬‬ ‫�ن األفضل أن يكون‬ ‫�ديد االحندار ‪ ..‬م�‬ ‫�نعرب هذا؟ إنه ش�‬ ‫– –كيف س�‬ ‫�ألقيك يف البحرية‪.‬‬ ‫�ك خطة جيدة وإال س�‬ ‫لدي�‬ ‫‪112‬‬


‫ضحك نور قائ ًال وهو يقوم ببعض مترينات التحمية‪:‬‬ ‫– –سنتزجل‪.‬‬ ‫قال كل من جني وأكريا يف نفس الوقت‪:‬‬ ‫– –ماذا؟؟؟‬ ‫أضاف أكريا قائ ًال بعصبية‪:‬‬ ‫– –كيف سنفعل هذا؟ إن الطريق خطر للغاية!‬ ‫مد نور يده إىل األمام قائ ًال‪:‬‬ ‫�ض األلواح‪،‬‬ ‫�أصنع بع�‬ ‫�تطيع صنع ما أختيله؟ س�‬ ‫�يتم أنين أس�‬ ‫– –أنس�‬ ‫�نصل قبل‬ ‫�ا هذه أنا واثق من الوصول إىل خط النهاية وس�‬ ‫وبقدراتن�‬ ‫اجلميع‪ ،‬إال هذا الوغد السريع‪ ،‬أعتقد أنه قد وصل بالفعل منذ فرتة‬ ‫�ة ‪ ..‬واآلن ليس هناك وقت للكالم‪.‬‬ ‫طويل�‬ ‫لتحمل هذا الطريق‬ ‫ألواحا خشبية مصممة بإتقان‬ ‫بدأ نور يصنع بيده‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫�ض التعليمات عما قد حيدث وكيف‬ ‫�ر‪ ،‬وبعدما انتهى أعطاهم بع�‬ ‫الوع�‬ ‫�ط النهاية‪ ،‬وأضاف أنه متزجل بارع ولكنه ال‬ ‫يتغلبون عليه للعبور إىل خ�‬ ‫يذكر كيف امتلك هذه املهارة‪.‬‬ ‫�س هناك وقت‬ ‫�زجل‪ ،‬ولكن‪ ،‬لي�‬ ‫�ن اقرتاح الت�‬ ‫�عر رفاقه بالغيظ م�‬ ‫ش�‬ ‫�د للعبور اآلن‪.‬‬ ‫�ق الوحي�‬ ‫�ذا هو الطري�‬ ‫تراض اآلن‪ ،‬فه�‬ ‫لالع�‬ ‫�تعداد‪ ،‬بينما صنع نور جلني‬ ‫وضعوا ألواح التزجل ووقفوا فوقها يف اس�‬ ‫�تكون أكثر أمان‬ ‫دراجة صغرية للمنحدرات الصعبة‪ ،‬فقد أخربته أنها س�‬ ‫هلا‪ ،‬ثم انطلقوا مع إشارة نور وبدأوا بالتزجل على هذه الرمال الوعرة وهم‬ ‫يتفادون الصخور والعوائق‪ ،‬وكان نور يتزجل مبهارة كبرية‪ ،‬ويقوم ببعض‬ ‫‪113‬‬


‫�ي يف اهلواء كلما‬ ‫�تعراضية‪ ،‬بينما كان أكريا خيتف�‬ ‫احلركات االس�‬ ‫�رعة الدراجة‬ ‫�يطرة على س�‬ ‫رأى عقبة‪ ،‬ويظهر خلفها‪ ،‬وجني حتاول الس�‬ ‫الرهيبة‪ ،‬وكانت بالكاد تتحكم بها من سرعتها واهتزازاتها القوية بسبب‬ ‫�يئة للمنحدر‪ ،‬فكانت تبطئ من سرعتها لتصبح وراءهم‬ ‫التضاريس الس�‬ ‫�ل قطعة واحدة‪ ،‬وكان‬ ‫�بقهم أكثر من همها أن تص�‬ ‫�ا أن تس�‬ ‫ومل يهمه�‬ ‫�تمر هذا لبعض‬ ‫ثوان‪ ،‬واس�‬ ‫نور وأكريا يتبادالن املركز األول كل بضعة ٍ‬ ‫�تخدامه لقوته‪ ،‬فتوقف عن‬ ‫الوقت حتى بدأت طاقة أكريا تنفذ من اس�‬ ‫استخدامها‪ ،‬فسبقه نور مبسافة ليست ببعيدة‪.‬‬ ‫�عتها‬ ‫�مس بأش�‬ ‫�واء يضرب وجوههم بقوة‪ ،‬بينما تلقي الش�‬ ‫كان اهل�‬ ‫احلمراء على الطريق أمامهم‪ ،‬وكان األدرينالني يتدفق داخل أجسادهم‬ ‫�عر‬ ‫ريا‪ ،‬فش�‬ ‫�ات كبرية‪ ،‬ووس�‬ ‫جبرع�‬ ‫�ط كل هذا ملح نور خط النهاية أخ ً‬ ‫�ينتهي هذا الكابوس‪ .‬أسرع يف‬ ‫ريا س�‬ ‫بس�‬ ‫�عادة مل يشعر بها من قبل‪ ،‬وأخ ً‬ ‫تزجله ومناوراته للوصول إىل النهاية‪ ،‬بينما كانت مجيع الفرق األخرى‬ ‫�ه يقرتبون أكثر وأكثر إىل‬ ‫ريا ونور ورفاق�‬ ‫تق�‬ ‫ترب من خط النهاية كث ً‬ ‫بفرح وهو يعربه قائ ًال‪:‬‬ ‫�ور‬ ‫خط النهاية فصرخ ن�‬ ‫ٍ‬ ‫– –وصلناااااااااا‪.‬‬ ‫�قط على األرض مبت َ‬ ‫�قط‬ ‫�عر‪ ،‬الهث ًا‪ ،‬وس�‬ ‫ال بالعرق‪ ،‬خمضل الش�‬ ‫وس�‬ ‫أكريا وجني بالقرب منه يلتقطان أنفاس��هما بصعوبة شاعرين بأنهما‬ ‫حلم سعيد‪.‬‬ ‫يف ٍ‬ ‫مسعوا الصوت يقول‪:‬‬ ‫– –نور املركز الرابع ‪ ..‬أكريا املركز اخلامس ‪ ..‬جني املركز السادس‪.‬‬ ‫�ز الرابع‪ ،‬رغم تأكده من الوصول‬ ‫تعجب نور بأنه حصل على املرك�‬ ‫�مع صوت ًا مألوفا حيدثه قائ ًال‪:‬‬ ‫قبل اجلميع‪ ،‬فس�‬ ‫‪114‬‬


‫– –مرحبا يا فتى‪ ،‬أرى أنك عربت أنت ورفاقك‪ ،‬مل أتوقع هذا!‬ ‫�ه بنظرته الباردة املعتادة‬ ‫�ايري وهو يرمق�‬ ‫نظر نور خلفه ليفاجأ بس�‬ ‫ريا إليه بيده‪ .‬تبدلت مشاعر نور إىل الغيظ‬ ‫وجبانبه إيفانوف يبتس�‬ ‫�م مش ً‬ ‫الشديد ألنه مل يستطع أن يتغلب عليهم رغم كل ما مر به‪ ،‬ونظر جبانبه‪،‬‬ ‫�ريع وهو جيلس أسفل شجرة ويأخذ قيلولة‪ ،‬وتأكد أنه‬ ‫فرأى الفتى الس�‬ ‫حصل على املركز األول‪ .‬سأل أكريا سايري عن الطريق الذي اختاروه‪،‬‬ ‫فقال سايري بنربة خميفة‪:‬‬ ‫– –الطريق القصري بالطبع ‪ ..‬لقد ذهب الكثريون ليأخذوا مفاتيح هذا‬ ‫مجيعا وحصلنا على‬ ‫نظرا ألنه األسهل‪ ،‬ولكننا قضينا عليهم‬ ‫ً‬ ‫الطريق ً‬ ‫املفاتيح ‪ ..‬كان األمر سه ًال للغاية مل يستغرق منا دقائق معدودة‪.‬‬ ‫أحس اجلميع بقشعريرة تسري يف أجسادهم مما مسعوه‪ ،‬فلمعت فكرة‬ ‫�رد أن يتأكد منها‪ ،‬ولكن‬ ‫�رة كانت خميفة له ومل ُي�‬ ‫�ور‪ ..‬فك�‬ ‫يف رأس ن�‬ ‫فضوله كان أقوى فقال متسائ ًال‪:‬‬ ‫– –ما هي مراكزكم؟‬ ‫رد إيفانوف بنربة مرحة‪:‬‬ ‫ريا فقد تركته حيصل على املركز األول‬ ‫– –ألن سايري س�‬ ‫�اعدني كث ً‬ ‫وأنا حصلت على الثاني‪.‬‬ ‫رد سايري جبفاء وفتور عليه‪:‬‬ ‫�رة القادمة‪ ،‬فأنا لن‬ ‫�اهل معي يف امل�‬ ‫– –حقا! أهذا ما حدث! إذ ًا ال تتس�‬ ‫أتساهل‪.‬‬ ‫– –على رسلك يا صديقي ‪ ..‬أنا أمزح فقط‪.‬‬ ‫‪115‬‬


‫تأكد نور بأن الفتى السريع مل حيصل على املركز األول‪ ،‬وشعر بأنه‬ ‫ين طليقني قد يفتكان به يف أية حلظة ما مل يتوخ حذره‪،‬‬ ‫يقف أمام وحش�‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ويبدو أن هذا كان شعور جني وأكريا ً‬ ‫عرب كينو يف املركز السابع تاله يوسف ولي كانج‪.‬‬ ‫واجتمعوا مع نور ليتبادلوا أطراف احلديث‪ ،‬تالهم ياسني ونادر وإريس‪،‬‬ ‫�ض الفرق األخرى اليت مل يروها من قبل ‪ ..‬نظر كينو إىل نور قائ ًال‬ ‫وبع�‬ ‫وهو ُيييه‪:‬‬ ‫– –لقد وصلت قبلي ‪ ..‬كان هذا مفاجئ ًا‪ ..‬أنت مليء باملفاجآت كما‬ ‫أرى‪.‬‬ ‫ابتسم نور‪ ،‬ورد عليه بلطف قائ ًال‪:‬‬ ‫– –حسنا كما تعرف ‪ ..‬لوال استخدامي لعقلي ملا وصلت إىل هنا‪.‬‬ ‫– –املهم أنك وصلت‪ ،‬ويبدو بأننا مل ننته من االختبارات بعد‪.‬‬ ‫***‬

‫‪116‬‬


‫‪9‬‬ ‫خرج الصوت قائال بنربته احلازمة الباردة املعتادة‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫مبارك لكم الوصول إىل املرحلة النهائية‪ ،‬وكما أرى فقد وصل إىل خط‬ ‫– –‬ ‫�تة عشر متسابقا من بني مخسني متسابق‪ ،‬وبالطبع أنتم‬ ‫النهاية س�‬ ‫املميزون هنا قد وصلتم ‪ ..‬واآلن سأوزع عليكم النقاط اليت حصلتم‬ ‫عليها‪ ،‬ولكن قبل هذا جيب أن أحدثكم عن االختبار األخري‪ ..‬سيكون‬ ‫�د واحد ولدى كل منكم قتال واحد ليفوز‬ ‫واحد ض�‬ ‫عبارة عن قتال‬ ‫ٍ‬ ‫�ر فسنرى إن كانت نقاطه ستؤهله ليصبح من الثمانية‬ ‫به وإن خس�‬ ‫�أقول له‬ ‫�اءل كم قتا ًال جيب أن خيوض‪ ،‬فس�‬ ‫املؤهلني ‪ ..‬وملن يتس�‬ ‫�ه ٌ‬ ‫قتال واحد فقط وينتهي هذا االختبار‪ ،‬ولكن قد يصبح قتالني‬ ‫بأن�‬ ‫�د املراكز الثمانية ‪ ..‬واآلن‬ ‫�ت نقاطك مع أحدهم يف أح�‬ ‫إذا تعادل�‬ ‫فلتتقدموا إىل املبنى الدائري أمامكم؛ ستفتح البوابة اآلن‪.‬‬ ‫احتج املتسابقون وبدأ اهلمس والتشاور بينهم‪ ،‬وبدا هذا االختبار أصعب‬ ‫�يجعلك ختسر الصداقات اليت كونتها يف وسط‬ ‫من الذي يليه‪ ،‬ألنه س�‬ ‫�خص خميف لتقاتله‪.‬‬ ‫هذه الظروف‪ ،‬كما أن حظك قد يوقعك يف ش�‬ ‫�ابقون إىل البوابة احلديدية اليت انفتحت على مصراعيها‬ ‫تقدم املتس�‬ ‫�احة تشبه ساحة الكلسيوم اليت استخدمها الرومان‬ ‫لتظهر من خلفها س�‬ ‫يف االستمتاع بقتل البشر بعضهم البعض من أجل متعة األسياد‪ .‬كانت‬ ‫‪117‬‬


‫�احة الرتابية حوهلا بعض‬ ‫�اهدة‪ ،‬والس�‬ ‫دائرية وبها بعض املقاعد للمش�‬ ‫�جار الكثيفة لالختباء بينها وجدول ماء صغري‪ ،‬وفى املنتصف بني‬ ‫األش�‬ ‫األشجار توجد ساحة مكشوفة للقتال املباشر‪.‬‬ ‫�ار ما حيدث‪ ،‬ورأوا‬ ‫�لم ووقفوا يف املدرجات النتظ�‬ ‫صعد اجلميع الس�‬ ‫شاشات عرض ثالثية األبعاد وهائلة حتلق يف اهلواء فوق الساحة لتصور‬ ‫�ا‪ ،‬وعندها خرج الصوت قائ ًال‪:‬‬ ‫كل جوانبه�‬ ‫– –واآلن سيظهر على الشاشات اس��م كل شخص ُمرفقا بعدد نقاطه‬ ‫وجبانبه اسم من سيواجه‪.‬‬ ‫ظهرت األمساء على الشاش��ات‪ ،‬وبدأ التوتر يسري بقوة يف األجواء‪،‬‬ ‫وكأن اهلواء حيمل يف طياته الكثري من املشاعر املضطربة لكل من يف املكان‪.‬‬ ‫�خصيات‬ ‫�ض يتحجج عندما رأوا أمساءهم مع بعض الش�‬ ‫وبدأ البع�‬ ‫�ابقة‪.‬‬ ‫املخيفة يف هذه املس�‬ ‫قالت جني يف سعادة‪:‬‬ ‫– –لقد حصلت على مائة وعشرين نقطة‪.‬‬ ‫ابتهج نور قائ ًال‪:‬‬ ‫– –حصلت على مائة ومخسني‪.‬‬ ‫قطبت جني حاجبيها قائلة‪:‬‬ ‫– –ملاذا حصلت على رقم أكرب مين بكثري؟ هذا ظلم!‬ ‫– –ال أعرف احلقيقة‪.‬‬ ‫تنهد أكريا يف راحة وقاطعهما قائال‪:‬‬ ‫‪118‬‬


‫– –مائة وأربعون ‪ ..‬هذا جيد‪.‬‬ ‫قالت جني وقد زادت غريتها‪:‬‬ ‫ريا‪.‬‬ ‫– –هذا ظلم ‪ ..‬ملاذا أنا بعيدة عنكم هكذا؟ لقد ساعدتكم كث ً‬ ‫هز كل من نور وأكريا رأسه يف حرية‪ ،‬فقال نور‪:‬‬ ‫– –رمبا ألننا وصلنا إىل نهاية السباق قبلك!‬ ‫– –رمبا‪ ،‬ال يهم ‪ ..‬املهم أن أخرج من هنا‪.‬‬ ‫�ايري على مائة ومثانني‪،‬‬ ‫�تني نقطة‪ ،‬وس�‬ ‫حصل كينو على مائة وس�‬ ‫�بعني؛ وتوريس مائة نقطة فقط‪ .‬وحصل الفتى‬ ‫وإيفانوف يليه مبائة وس�‬ ‫�تني‪ .‬وإريس على مائة وعشرين‪ ،‬ونادر على مائة‬ ‫�ريع على مائة وس�‬ ‫الس�‬ ‫�تني‪ ،‬لي كانج على مائة وعشرين‪ .‬ويوسف‬ ‫فقط وياسني على مائة وس�‬ ‫على مائة ومخسة عشر‪.‬‬ ‫كان القتال األول بني سايري وتوريس ‪ ..‬شعر توريس بالرعب عندما‬ ‫علم أنه سيقاتل سايري‪ ،‬فقد كان معه يف الفريق ويعلم مدى وحشيته‪.‬‬ ‫يرة ووقفا أمام بعضهما البعض يف‬ ‫�ابقان إىل احللبة الكب�‬ ‫تقدم املتس�‬ ‫�وف توريس إال إنه رأى فرصة‬ ‫�تعداد لبدء القتال‪ .‬على الرغم من خ�‬ ‫اس�‬ ‫بسبب قدرته املميزة‪.‬‬ ‫�لحة من كل‬ ‫�احة جبانب احلائط صناديق متتلئ بأس�‬ ‫كان يف الس�‬ ‫�يوف إىل املدافع واملسدسات‪ ،‬فتوجه توريس وأخذ رشاشا‬ ‫األنواع‪ ،‬من الس�‬ ‫ومسدسا‪ ،‬بينما مل يتحرك سايري من مكانه ووقف وهو ينتظره‪ .‬وبعد أن‬ ‫�ى توريس عاد إىل نقطة البداية ومسع الصوت وهو يقول‪:‬‬ ‫انته�‬ ‫– –فليبدأ القتال‪.‬‬ ‫‪119‬‬


‫قال توريس وهو حياول التبجح وإخفاء توتره وقد صوب سالحه ناحية‬ ‫سايري‪:‬‬ ‫– –قد يكون القتال معك صعب ًا للغاية‪ ،‬ولكن تذكر أني أستطيع قراءة‬ ‫�أكون باملرصاد هلا‪ ،‬وهلذا‬ ‫�تأخذها س�‬ ‫األفكار‪ ،‬وهلذا فكل خطوة س�‬ ‫فلتستسلم اآلن إن كنت تريد‪.‬‬ ‫�مع‪ ،‬وقال وهو ينظر إىل‬ ‫�ايري ضحكة صغرية بالكاد ُتس�‬ ‫ضحك س�‬ ‫�وداء خميفة‪:‬‬ ‫بعني س�‬ ‫توريس ٍ‬ ‫�دور يف خلدي اآلن‪ ،‬ولكن‬ ‫�د أنك تقرأ األفكار لتعلم ما ي�‬ ‫– –من اجلي�‬ ‫جيدا‬ ‫�ا أحذرك ال جيب عليك قراءة ما ي�‬ ‫أن�‬ ‫�دور يف عقلي فهو ليس ً‬ ‫لصحتك النفسية والعقلية‪.‬‬ ‫�ه‬ ‫�ا قاله وبدأ يتصبب عرقا‪ ،‬فرفع مسدس�‬ ‫�عر توريس بالتوتر مم�‬ ‫ش�‬ ‫�رع يف إطالق النار عليه‪ ،‬فرفع سايري يده اليسرى يف اهلواء‬ ‫ناحيته وش�‬ ‫وأوقف الرصاص‪ ،‬فحلق الرصاص يف اهلواء أمامه بال حركة‪ ،‬فازداد توتر‬ ‫�ايري يده اليمنى ناحية صناديق األسلحة‪ ،‬فطار أحد‬ ‫توريس‪ ،‬فبسط س�‬ ‫�تقر يف يده وأبعد الطلقات‬ ‫�يوف الكاتانا من الصندوق يف اهلواء ليس�‬ ‫س�‬ ‫�ة توريس ليقطعه‬ ‫�تقر يف األرض‪ ،‬ثم انطلق ناحي�‬ ‫�ار لتس�‬ ‫بيده إىل اليس�‬ ‫�تعد جملابهته‪ ،‬ولكنه كان قلق ًا مما‬ ‫�يفه فاستخدم توريس قوته ليس�‬ ‫بس�‬ ‫�بح يف جمرى أفكاره حتى أخذ‬ ‫يدور يف عقل هذا الوحش‪ ،‬ومبجرد أن س�‬ ‫�عر بأنه‬ ‫�ده بغزارة‪ ،‬وش�‬ ‫قلبه خيفق بقوة وتصبب العرق من جبينه وجس�‬ ‫دخل إىل عرين الشياطني بدون إذن‪ .‬رأى أكثر األفكار سوداوية يف حياته‬ ‫�ناعة وكانت كلها تدور عما سيفعله سايري به‬ ‫�اعة وش�‬ ‫وأكثرها بش�‬ ‫�قط على ركبتيه وهو ال يستطيع‬ ‫�كه‪ ،‬فارجتف جسده بقوة وس�‬ ‫إن أمس�‬ ‫�ايري التوقف‪ ،‬ونظر‬ ‫احلركة‪ ،‬وفجأة صرخ كاجملنون وهو يطلب من س�‬ ‫�هم من سايري هذا‪ ،‬بينما‬ ‫اجلمهور بقلق ملا حيدث‪ ،‬وزاد توترهم وتوجس�‬ ‫‪120‬‬


‫�ايري ومل يقرتب منه‪.‬‬ ‫ضحك إيفانوف بصخب‪ ،‬فتوقف س�‬ ‫�كل مروع وكأن كل‬ ‫�ت عينا توريس جاحظتني وامحرتا بش�‬ ‫أصبح�‬ ‫دماء جسده قد ارتفعت إىل عينيه‪ ،‬وارجتف جسده بقوة أكرب وهو يصرخ‬ ‫بال توقف حتى استطاع فصل عقله عن عقل سايري بالكاد‪ ،‬وسقط على‬ ‫�ايري قائ ًال‪:‬‬ ‫األرض وهو يتمتم بكلمات غري مفهومة‪ ،‬فضحك س�‬ ‫�ياء ال جيب االقرتاب منها ‪ ..‬جيب أن‬ ‫– –لقد حذرتك ‪ ..‬بعض األش�‬ ‫ُترتك مغلقة إىل األبد‪.‬‬ ‫شعر اجلميع بالنفور واخلوف من سايري‪ ،‬بينما خرج الصوت قائ ًال‪:‬‬ ‫– –لقد فاز سايري بهذا السباق‪.‬‬ ‫�ف وتاله نور ليتفقدا حال توريس‪ ،‬وحاول يوسف إسعافه‬ ‫انطلق يوس�‬ ‫بقدرته‪ ،‬ولكن يبدو أنه مل يكن يستجيب فقد غاب عن الوعي‪ ،‬ويبدو أنه لن‬ ‫يستيقظ لفرتة طويلة‪ .‬مل يدر نور ماذا كان يدور داخل عقل سايري ليجعله‬ ‫يهلع هكذا‪ ،‬ولكنه بالتأكيد شيء مروع للغاية‪ .‬وتذكر أن بعض األبواب‬ ‫أبدا‪ ،‬ولكن ما حدث جعله يهاب سايري أكثر من ذي قبل‪.‬‬ ‫ال جيب أن تفتح ً‬ ‫خرج الصوت قائ ًال‪:‬‬ ‫– –النزال التالي ‪ ..‬نور ضد لي كانج ‪ ..‬تقدما إىل احللبة‪.‬‬ ‫�ج وقد تذكر قدرته على‬ ‫�عر نور ببعض التوتر ونظر إىل لي كان�‬ ‫ش�‬ ‫إطالق أشعة حارقة‪ ،‬فأخذ يفكر كيف سيتعامل مع شيء كهذا‪ ،‬فإن مل‬ ‫�ريع سيقضي عليه لي كانج بلمح البصر‪.‬‬ ‫حبل س�‬ ‫يفكر ٍ‬ ‫�لحة‬ ‫�ا إىل احللبة وح ّيا بعضهما البعض‪ ،‬ثم نظر نور إىل األس�‬ ‫تقدم�‬ ‫�ج‪ ،‬ولكنه مل جيد العديد‬ ‫�ينفعه ضد قوة لي كان�‬ ‫�ة وفكر فيما س�‬ ‫املعلق�‬ ‫من األفكار‪ ،‬فرأى مسدس ختدير موضوعا بني األسلحة املتنوعة‪ ،‬وبعض‬ ‫‪121‬‬


‫�ان‪ ،‬ومتفجرات إخل‪ ،‬فأخذ بعض‬ ‫�ل اليدوية ‪ ..‬قنابل تطلق الدخ�‬ ‫القناب�‬ ‫القنابل ا ُملشعة والدخانية واملتفجرات‪ ،‬ومسدس ختدير ثم عاد إىل مكانه‪،‬‬ ‫بينما اكتفى لي كانج بقوته خلوض هذا النزال‪ .‬خرج الصوت ليطلب‬ ‫منهما البدء‪.‬‬ ‫�ط‬ ‫�ده بالكامل وس�‬ ‫�ى نور قنبلة دخانية أمام قدميه ليغطى جس�‬ ‫ألق�‬ ‫�س يعلم ما يدبره نور‪،‬‬ ‫�ان‪ ،‬بينما وقف لي كانج بال حركة وتري�‬ ‫الدخ�‬ ‫وفجأة حلقت قنبلة يف اهلواء من بني الدخان متوجهة ناحية لي كانج‪،‬‬ ‫�عاعا أمحر فانفجرت يف اهلواء ُم ِدثة اهتزازات مزعجة‬ ‫فأطلق عليها ش�‬ ‫�ة أخرى حتلق يف اهلواء حنو هدفها‬ ‫�ة اجلو‪ ،‬ومن ثم تلتها قنبل�‬ ‫يف طبق�‬ ‫فأطلق لي كانج أشعته من عينيه عليها لتنفجر‪ ،‬ثم تفاجأ بقنبلة أسفل‬ ‫�ه فقال بتوتر وهو خيفي عينيه بيديه‪:‬‬ ‫قدمي�‬ ‫– –اللعنة متى القاها؟!‬ ‫ّ‬ ‫لينسل منها ضوء مشع يغشي البصر ملدة قصرية‪.‬‬ ‫انفجرت القنبلة‬ ‫وضعف يف الرؤية‪ ،‬فأطلق األشعة أمامه‬ ‫�عر لي كانج بصداع رهيب‬ ‫ش�‬ ‫ٍ‬ ‫بوخز يف جسده‪ ،‬فعلم أن نور أصابه‬ ‫يف كل مكان بال توقف‪ ..‬وفجأة شعر‬ ‫ٍ‬ ‫�ى‬ ‫ثوان كان الدخان قد تالش�‬ ‫باملخدر‪ .‬وعندما عاد له بصره بعد بضع ٍ‬ ‫عن نور‪ ،‬الذي ظهر وهو حيمل مالءة كبرية‪ .‬تعجب لي كانج مما يفعله‬ ‫�ده باملالءة‪ ،‬وفجأة خرج من‬ ‫وكان أثر املخدر يف بدايته‪ ..‬أخفى نور جس�‬ ‫ورائها وهو يركض ناحية اليمني مصو ًبا مسدسه حنو لي كانج‪ ،‬فأطلق‬ ‫�د نور ليجد أنه عبارة عن نسخة‬ ‫�عته عليه فاخرتقت جس�‬ ‫لي كانج أش�‬ ‫�راب‪ ،‬فشعر بالتوتر وعاد بنظره إىل املالءة مرة‬ ‫ضوئية مزيفة تبدو كالس�‬ ‫�واء ناحيته فأطلق‬ ‫�دى القنابل املتفجرة ُتلق يف اهل�‬ ‫أخرى‪ ،‬ليجد إح�‬ ‫وجه شعاعه ناحية املالءة‪ ،‬فقد‬ ‫�عاعا عليها لتنفجر يف اهلواء ثم ّ‬ ‫بيديه ش� ً‬ ‫�و اآلن خيتبئ وراءها‪.‬‬ ‫�د خدعه ليصيبه بهذه القنبلة وه�‬ ‫علم أن نور ق�‬ ‫‪122‬‬


‫توجه الشعاع األمحر احلارق خمرتق ًا اهلواء ناحية نور الذي خيتبئ خلف‬ ‫املالءة‪ ،‬ولكن فجأة رفع نور املالءة عنه‪ ،‬لتتسع عينا لي كانج من الدهشة‪،‬‬ ‫فقد رأى أن املالءة مل تكن موضوعة على نور من البداية بل على مرآة قد‬ ‫�عاعه باملرآة الغريبة‬ ‫�ياء‪ ،‬فاصطدم ش�‬ ‫صنعها نور بقدرته على خلق األش�‬ ‫�عاع به ليسقطه ً‬ ‫أرضا‪ .‬أخذ يتلوى من‬ ‫جمددا‪ ،‬فاصطدم الش�‬ ‫لريتد عليه‬ ‫ً‬ ‫�ده ليجد أن‬ ‫جمددا وهو يتحامل على جس�‬ ‫فرط األمل‪ ،‬ولكنه قاوم ووقف‬ ‫ً‬ ‫جسده قد ختدر متاما‪ ،‬فسقط ً‬ ‫أرضا‪ ،‬ثم وجد نور وهو يقف خلفه ويصوب‬ ‫ناحيته املسدس قائ ًال‪:‬‬ ‫– –استسلم اآلن!‬ ‫تعجب كل من يتابع النزال مما فعله نور ومل يفهموا ما حدث‪ ،‬ولكن‬ ‫كينو وسايري وإيفانوف قد فهموا ما حدث مما جعلهم يبتسمون ويثنون‬ ‫على ذكاء نور‪.‬‬ ‫�ل متاما وليس أمامه غري االستسالم‬ ‫علم لي كانج أن جسده قد ُش�‬ ‫وإال سيموت‪ ،‬فقال بنربة متقطعة‪:‬‬ ‫– –حسنا ‪ ..‬أستسلم‪ ،‬ولكن ‪ ..‬ماذا فعلت؟ أنا ال أفهم أي شيء!‬ ‫�ري‬ ‫�اعرا بلذة تس�‬ ‫صالب نور يديه قائ ًال وهو يتذكر كل ما فعله ش� ً‬ ‫بداخله‪:‬‬ ‫�ن حقك أن تعلم ‪ ..‬يف البداية‬ ‫�يء ولكن م�‬ ‫– –األمر معقد بعض الش�‬ ‫ُ‬ ‫أخفيت جسدي بالدخان وألقيت عليك بعض القنابل ألشتت ذهنك‪،‬‬ ‫أثناء إلقائي إحدى املتفجرات عليك يف اهلواء دحرجت واحدة أخرى‬ ‫بسرعة على األرض فأغشت بصرك لبعض الوقت‪ ،‬وكان هذا كافيا‬ ‫�دأت بصنع جهاز صغري ولكنه‬ ‫�دك وب�‬ ‫لي فأصبتك باملخدر يف جس�‬ ‫�رح لك تركيبته ولكين‬ ‫�د للغاية‪ ،‬وهو قاذف للقنابل‪ ،‬ولن أش�‬ ‫مفي�‬ ‫‪123‬‬


‫ثوان‬ ‫وضعت بداخله املتفج��رات وكان يقذفها عليك كل مخس ٍ‬ ‫�هال‬ ‫�ت مرآة ومالءة وكان صنعهما س�‬ ‫�رعة‪ ،‬وبعد ذلك صنع�‬ ‫وبس�‬ ‫�ي تدربت علي صنعهما‬ ‫�ة ومل يأخذ مين الكثري من الوقت ألن�‬ ‫للغاي�‬ ‫�ات املرات‪ ،‬وبعد أن انتهيت من صنعهما كان بصرك قد‬ ‫من قبل مئ�‬ ‫�ك فتوقفت قلي ًال لتفقد‬ ‫�اد‪ ،‬فرأيت املالءة أمامك مما أثار ريبت�‬ ‫ع�‬ ‫�لت نسخة ضوئية ناحية اليمني بينما انطلقت أنا ناحية‬ ‫األمر‪ ،‬فأرس�‬ ‫�ار وفى هذه األثناء كان اجلهاز يقذف عليك إحدى القنابل‬ ‫اليس�‬ ‫�رب‪ ،‬وبالطبع مل يتبق لي‬ ‫�ة‪ ،‬فلم ترني وأنا أه�‬ ‫�تيتك للغاي�‬ ‫فتم تش�‬ ‫الكثري من الوقت قبل أن تراني فدلفت بني األشجار بسرعة وتواريت‬ ‫�ك خبيط دقيق قمت بربطه مع املالءة‪ ،‬وكما‬ ‫وراءها‪ ،‬وكنت أمس�‬ ‫توقعت فقد كانت خطوتك التالية هي إطالق شعاعك حنو املالءة‬ ‫ألنك ظننت أني ساذج هلذه الدرجة لكي تكون خطيت بهذه البساطة‪،‬‬ ‫وهي أن أش��تتك كي أصيبك باملتفجرات‪ .‬وهكذا شددت اخليط‬ ‫�رعة ألزيح املالءة عن املرآة‪ ،‬يف هذه اللحظة كنت أحتاج بعض‬ ‫بس�‬ ‫�يئني‪ ،‬األول‪ :‬هو أن‬ ‫الوقت أللتف حولك وهلذا وضعت أملي على ش�‬ ‫لشعاعك خواص انعكاسية‪ ،‬والثاني‪ :‬أن يقوم املخدر مبفعوله بسرعة‪،‬‬ ‫وكما ترى فقد أثبت بالفعل أن لشعاعك خواص انعكاسية‪ ،‬فانقلب‬ ‫�حر على الساحر‪ ،‬وأصابك شعاعك‪ ،‬مما أعطاني بعض الوقت‬ ‫الس�‬ ‫أللتف خلف األشجار حتى أصبحت وراءك‪ ،‬فأصبتك حبقنة خمدرة‬ ‫�اهدتك وأنت تسقط بال حركة‪ ،‬ثم ظهرت خلفك‪.‬‬ ‫أخرى‪ ،‬وش�‬ ‫�ذاجته‪ ،‬ورأى الفرق‬ ‫�عر باخلجل من س�‬ ‫ضحك لي كانج وهو يش�‬ ‫�تغالل البيئة احمليطة للفوز‪ ،‬فرغم الفرق‬ ‫�ع بينه وبني نور يف اس�‬ ‫الشاس�‬ ‫الشاسع بينهما يف القوة‪ ،‬الذي كان يرجح فوز لي كانج‪ ،‬فإن نور هو من‬ ‫�تخدام عقله بدال من جسده‪.‬‬ ‫انتصر ألنه قام باس�‬ ‫‪124‬‬


‫قال لي كانج وهو يفكر فيما قاله نور‪:‬‬ ‫– –تستحق الفوز يا فتى‪ ،‬فأنت سريع البديهة والذكاء وهذا ما أوصلك‬ ‫إىل هنا‪.‬‬ ‫– –أشكرك على إطرائك وأمتنى أن خترج من هنا‪.‬‬ ‫خرج الصوت ليحس��م النتيجة بفوز نور‪ ،‬وبدأت املعركة التالية بني‬ ‫ياسني ونادر‪.‬‬ ‫�اعر‪ ،‬ولون جلده الشبيه‬ ‫ين بوجهه األشبه بروبوت بال مش�‬ ‫تقدم ياس�‬ ‫�عره الفضي املنسل على كتفيه وكان يلمع مع ضوء‬ ‫بلون السماء‪ ،‬وش�‬ ‫الشمس‪ ،‬وتقدم إىل الساحة‪ ،‬وتاله نادر الواثق من الفوز بسبب قوته‪ ،‬ولكنه‬ ‫�اك به سيكون صعبا‬ ‫�ه ًال‪ ،‬فاإلمس�‬ ‫خصما س�‬ ‫ين ليس‬ ‫كان يعلم أن ياس�‬ ‫ً‬ ‫�بب قدرته على التحول للحالة الغازية‪.‬‬ ‫للغاية بس�‬ ‫�لحة واملعدات‪ ،‬بينما اكتفى ياسني مبشاهدته‪،‬‬ ‫مجع نادر بعض األس�‬ ‫�ا انتهى عاد إىل موقعه ليعلن الصوت عن بدء النزال‪.‬‬ ‫وبعدم�‬ ‫�ر‪ ،‬واختفت معه كل‬ ‫�واء وكأنه قد تبخ�‬ ‫�ده يف اهل�‬ ‫أخفى نادر جس�‬ ‫�اهدون مما حدث‪ ،‬ولكن‬ ‫�اهد‪ ،‬فتعجب املش�‬ ‫معداته فلم يعد ُيرى ملن يش�‬ ‫إريس شرح هلم قوته ألنه كان يرافقه حتى النهاية‪ ،‬ووضح هلم أن لديه‬ ‫متاما‪.‬‬ ‫القدرة على االختفاء‬ ‫ً‬ ‫ين بال اهتمام وهو يتفقد بعينيه أي إشارة لغرميه‪ ،‬فظه من‬ ‫وقف ياس�‬ ‫العدم سكني طارت حنوه يف سرعة رهيبة من ناحية اليمني‪ ،‬فاستخدم ياسني‬ ‫قوته على التحكم بعنصر اهلواء‪ ،‬مما جعل السكني متر منه كأنه شفاف‪.‬‬ ‫ظهرت العديد من السكاكني يف اهلواء من العدم‪ ،‬ولكن ياسني اكتفى‬ ‫�تخدام قوته ليتجبنها ويتصدى هلا‪ ،‬ومن ثم رفع يده ناحية إحدى‬ ‫باس�‬ ‫‪125‬‬


‫�كاكني الطائرة حنوه‪ ،‬لتندفع من يديه موجة هواء شديدة متكنت‬ ‫الس�‬ ‫من إصابة نادر فجعلته يطري يف اهلواء ويصطدم بإحدى األشجار‪ .‬ظهر‬ ‫�د نادر للعيان بعد االصطدام الكبري‪ ،‬فوقف وهو يتحامل على نفسه‬ ‫جس�‬ ‫وجسده يؤمله بشدة من أثر الصدمة‪ ،‬فقال بغضب عارم‪:‬‬ ‫– –إذ ًا فلن تنفع معك األساليب البسيطة؟! سأجعلك تندم على هذا!‬ ‫�جار خمتبئ ًا وراءها‪ ،‬وبدأ يلتف‬ ‫اختفى نادر مرة أخرى ودلف بني األش�‬ ‫مستخدما أسلحته الثقيلة هذه املرة‪ ،‬فشرع يف إطالق النار‬ ‫�جار‬ ‫بني األش�‬ ‫ً‬ ‫على ياسني من بني األشجار‪ ،‬ولكن ياسني كان يتجنبها ثم يرسل موجة‬ ‫�جار فتقطعها نصفني من قوة الرياح املرسلة‬ ‫�ديدة ناحية األش�‬ ‫هواء ش�‬ ‫�يف‪ ،‬ولكن مل يبد أنها كانت تصيب نادر؛ ألنه كان يعاود‬ ‫احلادة كالس�‬ ‫إطالق النار من اجتاه آخر‪.‬‬ ‫ين قد قتله أو أن‬ ‫�ف إطالق النار‪ ،‬فتوقع البعض أن ياس�‬ ‫فجأة توق�‬ ‫طلقاته انتهت‪.‬‬ ‫منتظرا أي حركة من خصمه لريد‬ ‫�حوذ احلواس‬ ‫ين مش�‬ ‫وقف ياس�‬ ‫ً‬ ‫�ه لتسقطه ً‬ ‫ارضا‪ ،‬فشعر‬ ‫عليها‪ ،‬ولكنه تفاجأ بلكمة توجهت بقوة إىل رأس�‬ ‫�يء يدور من حوله بال توقف من أثر الصدمة‪ .‬ظهر نادر وهو‬ ‫بأن كل ش�‬ ‫�ه مصو ًبا إياه ناحية رأس ياسني قائ ًال حبزم وفتور‪:‬‬ ‫ميسك مبسدس�‬ ‫– –استسلم وإال سأفجر رأسك‪.‬‬ ‫بعيدا‬ ‫فجأة اندفعت رياح ش�‬ ‫�ديدة من جسد ياسني جعلت نادر يندفع ً‬ ‫ويسقط على األرض بقوة‪ ،‬فوقف بسرعة وهو يشعر بأمل مربح يف جسده‪،‬‬ ‫جمددا وفكر يف‬ ‫جمددا‪ ،‬فاختفى نادر‬ ‫ين وقد وثب على قدميه‬ ‫ليجد ياس�‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كيفية الـنَّيل من ياسني‪.‬‬ ‫‪126‬‬


‫جمددا‪ ،‬ولكن لكماته‬ ‫�ه‬ ‫ين يف حماولة إلصابت�‬ ‫انطلق نادر ناحية ياس�‬ ‫ً‬ ‫�د ياسني‪ ،‬بينما وقف ياسني مشتت ًا ال يعلم من أين‬ ‫كانت تعرب من جس�‬ ‫تأتيه الضربات واللكمات‪ ،‬ولكنه كان يستخدم قوته لتمر بدون أن متسه‬ ‫�تمر نادر يف الركل واللكم بال هوادة‪ ،‬وهو ال يشعر بأنه‬ ‫بسوء‪ ،‬بينما اس�‬ ‫يقوم بأي تقدم على اإلطالق‪ ،‬وفجأة أطلق ياسني دفعة من الرياح بيده يف‬ ‫�تنتج على الفور أنه‬ ‫االجتاه اخلاطئ فلكمه نادر ومتكن من إصابته‪ ،‬فاس�‬ ‫�تطيع اهلجوم عندما يتحول إىل احلالة الغازية‪ ،‬وليهاجم جيب أن‬ ‫ال يس�‬ ‫جمددا فأكمل هجومه على نفس املنوال‪ ،‬ولكن‬ ‫يتحول إىل احلالة املادية‬ ‫ً‬ ‫�لحة‪ ،‬فاستخدم‬ ‫ين تراجع إىل اخللف حتى وقف أمام صناديق األس�‬ ‫ياس�‬ ‫اهلواء لريفع أكثر من عشرين سيف ًا وسكين ًا يف اهلواء‪ ،‬فشعر نادر باهللع‬ ‫ين يلقي بالسيوف والسكاكني‬ ‫بعيدا عنه‪ ،‬فأخذ ياس�‬ ‫وركض بس�‬ ‫�رعة ً‬ ‫�كل عشوائي يف أحناء احللبة على أمل أن يصيب هدفه‪ ،‬وكاد نادر أن‬ ‫بش�‬ ‫يصاب عدة مرات لوال أن تفاداها بصعوبة‪ .‬وقف وهو يلهث وجسده يرتعد‬ ‫ومل يصدق أنه جنا من هجوم كهذا‪.‬‬ ‫اقرتب ياسني من جدول املاء القريب من صناديق األسلحة‪ ،‬ووضع يده‬ ‫�وب املاء يف‬ ‫بالقرب من املاء فبدأ املاء يتذبذب ويتموج‪ ،‬وفجأة ارتفع منس�‬ ‫ين‪ ،‬بينما شعر بأن جسده يكاد يتمزق من ثقل‬ ‫اهلواء من فوق رأس ياس�‬ ‫�احة ليغرقها‪ ،‬فانطلق املاء يندفع ليغطي‬ ‫�رعة حنو الس�‬ ‫املاء‪ ،‬فوجهه بس�‬ ‫�ض ناحية الغابة‪ ،‬ولكن املاء‬ ‫�احة كلها‪ ،‬فتفاجأ نادر من هذا ورك�‬ ‫الس�‬ ‫�رع منه فاصطدم جبسده‪ .‬ورأى أن منسوب املاء كان قليال ومل‬ ‫كان أس�‬ ‫�ل إىل ركبتيه‪ ،‬فضحك نادر بداخله من‬ ‫�ر فيه إطالق ًا‪ ،‬فبالكاد وص�‬ ‫يؤث�‬ ‫هذا اهلجوم السخيف الذي ال فائدة منه‪.‬‬ ‫تعجب من يشاهد مما حدث‪ ،‬فقالت جني لنور حبرية‪:‬‬ ‫أيضا!‬ ‫– –مل أعلم أنه يستطيع التحكم باملاء ً‬ ‫‪127‬‬


‫– –وال أنا ‪ ..‬يبدو أنه مل يتقن التحكم باملاء كما أرى ‪ ..‬رمبا استطاع‬ ‫�ن أم ال؟! رمبا‬ ‫�اح‪ ،‬ال أعلم هل هذا ممك�‬ ‫�ل املاء عن طريق الري�‬ ‫مح�‬ ‫يتحكم ببعض عناصر الطبيعة!‬ ‫ين على األرض وهو يلتقط أنفاسه وقد شعر بأن طاقته‬ ‫�قط ياس�‬ ‫س�‬ ‫قد ُ‬ ‫استنفذت؛ فأسرع نادر حنوه ليطرق على احلديد وهو ساخن ويستغل‬ ‫هذه الفرصة الساحنة للقضاء عليه‪ ،‬فسمع ياسني صوت أقدام نادر وهي‬ ‫تضرب املاء بعنف وتقرتب منه‪ ،‬فعلم أنه قد وقع يف الفخ‪ .‬انتظره ليقرتب‬ ‫�رعة‪ ،‬ورأى آثار قدم‬ ‫أكثر حتى أصبح صوته قري ًبا‪ ،‬فوثب على قدميه بس�‬ ‫�وه‪ ،‬بينما توقف نادر‬ ‫�ي تضرب املاء‪ ،‬فحدد موقعه ووجه يده حن�‬ ‫نادر وه�‬ ‫�رعة وحاول تغيري اجتاهه‪ ،‬ولكن الرياح ضربت جسده بقوة ليطري يف‬ ‫بس�‬ ‫اهلواء ويسقط يف املاء‪.‬‬ ‫ين جبسده‪ ،‬بعد أن أصبح جسده أشبه بعاصفة صغرية متر‬ ‫ح ّلق ياس�‬ ‫�قوط نادر‪ ،‬وبدا وكأنه يذوب يف اهلواء وحتمله‬ ‫بسرعة‪ ،‬ناحية موقع س�‬ ‫�ل‬ ‫الرياح‪ ،‬حتى وصل إىل موقع نادر الذي كان حياول الوقوف واملاء ينس�‬ ‫عليه ليظهر جسده الشفاف وحيدد موقعه لكل من يشاهد‪ ،‬فاندفع ياسني‬ ‫�دد لكمة ناحية وجهه فأسقطه ً‬ ‫جمددا‪ ،‬فوقف نادر مرة‬ ‫أرضا‬ ‫حوله ثم س�‬ ‫ً‬ ‫جمددا‪،‬‬ ‫�قط يف املاء‬ ‫�رى ليتلقى صفعة من الرياح جعلته حيلق ويس�‬ ‫أخ�‬ ‫ً‬ ‫فهم‬ ‫�تمر احلال على م�‬ ‫�يهزم إن اس�‬ ‫وهكذا أدرك نادر بأنه ُس�‬ ‫�ا هو عليه َّ‬ ‫�ى لكمة أخرى جعلته‬ ‫جمددا ليتلق�‬ ‫�ده بيديه‬ ‫بالوقوف وهو حيمي جس�‬ ‫ً‬ ‫�رى ُمملة بالرياح‬ ‫�وات‪ ،‬ثم تلتها لكمة أخ�‬ ‫�ع للخلف بضع خط�‬ ‫يرتاج�‬ ‫�قطه على األرض‪ .‬وعندما وقف هذه املرة رأى ياسني وهو يرفع يده‬ ‫لتس�‬ ‫يف اهلواء‪ ،‬ورأى املاء وهو يتجمع حول جسده ويرتفع وحييط به فعلم ما‬ ‫ين أن يفعله‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه يف رعب‪:‬‬ ‫ينوي ياس�‬ ‫– –إنه يريد خنقي باملاء!‬ ‫‪128‬‬


‫�وادة ولكن املاء كان حييط به أكثر فأكثر‬ ‫أخذ يقاوم بقوة وبال ه�‬ ‫نفسا عميق ًا ثم كتمه‪،‬‬ ‫ليمنعه عن احلركة‪ ،‬حتى ارتفع إىل رأسه‪ ،‬فأخذ نادر ً‬ ‫فأغشى املاء جسده بالكامل‪ ،‬فأخذ يستنجد بكل كيانه ويهز جسده بعنف‪،‬‬ ‫ولكن غرميه‪ ،‬الذي مل يكن ميلك ذرة من املشاعر‪ ،‬مل يهتم مبا يفعله‪ .‬بدأ‬ ‫اهلواء ينفد وكانت رئتاه تستنجدان طل ًبا للهواء‪ ،‬ولكنه كان يف حالة يرثى‬ ‫هلا وشعر بأن العامل يظلم من حوله‪ ،‬وعلم بأنها نهايته ‪ ..‬وفجأة ظالم‪.‬‬ ‫ين يده وجعل املاء ينسحب من على جسد نادر‪ ،‬الذي سقط‬ ‫أبعد ياس�‬ ‫على األرض وهو يسعل بال توقف ليخرج املاء من فمه‪ ،‬فقال ياسني بنربة‬ ‫جافة‪:‬‬ ‫لدفعك‬ ‫– –إن كنت أريد أن أقتلك لفعلت ‪ ..‬لقد هامجتك بالرياح‬ ‫ِ‬ ‫فقط وكان ميكنين أن أقطعك إر ًبا‪.‬‬ ‫�ة ممتزجة ببعض‬ ‫�ة‪ ،‬وقال بنربة متقطع�‬ ‫�ادر بصعوبة بالغ�‬ ‫تنفس ن�‬ ‫السعال‪:‬‬ ‫– –أنا ‪ ..‬أستسلم‪.‬‬ ‫�دم إيفانوف وكينو للمعركة‬ ‫ين‪ ،‬وبتق�‬ ‫خرج الصوت ليعلن فوز ياس�‬ ‫التالية‪.‬‬ ‫�ذا الوحش عديم‬ ‫�يواجه ه�‬ ‫�عر نور بالتوتر من أجل كينو ألنه س�‬ ‫ش�‬ ‫�ا أن ينصره اهلل‪.‬‬ ‫الرمحة‪ ،‬ودع�‬ ‫مل يأخذ أي منهما أي سالح‪ ،‬وقفا فقط يف انتظار وترقب للبدء فخرج‬ ‫الصوت ليعلن البداية‪.‬‬ ‫�ذي وضع طبقة مسيكة من احلديد‬ ‫انطلق كينو ناحية إيفانوف ال�‬ ‫�ام إيفانوف باملثل فاصطدمت‬ ‫�ى يديه‪ ،‬فتقدم كينو ليلكمه بينما ق�‬ ‫عل�‬ ‫‪129‬‬


‫معا لتصدرا صريرا معدن ًيا‪ ،‬فدهش اجلميع بأن يدي كينو مل‬ ‫قبضتاهما ً‬ ‫تتأذ‪ ،‬فقال نور بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫�ان‬ ‫�ايبورج؛ نصف إنس�‬ ‫�ع أن كينو قوي للغاية‪ ،‬رمبا ألنه س�‬ ‫– –مل أتوق�‬ ‫ونصف روبوت‪ ،‬جس��ده معدني ألنه مت وضع بعض التعديالت عليه‬ ‫�ده سيتحمل الوقوف أمام‬ ‫كما قال لي وهذا يعين أنه ال يتأمل وجس�‬ ‫�د ‪ ..‬رمبا لديه فرصة للفوز‪.‬‬ ‫هذا الوغ�‬ ‫سدد كينو لكمة أخرى‪ ،‬واليت صدها إيفانوف بدوره بسهولة فرتاجع‬ ‫�ة‪ ،‬ولكن إيفانوف مل يرتك له‬ ‫�و إىل اخللف ليفكر يف خطوته التالي�‬ ‫كين�‬ ‫اجملال هلذا وتقدم حنوه باللكمات املتتالية‪ ،‬وكان كينو يتفادها بسهولة‬ ‫�وف التالية قبل أن تتحول إىل‬ ‫�اقة ودقة وكأنه يعلم حركة إيفان�‬ ‫ورش�‬ ‫�ة إىل ذقن إيفانوف‬ ‫�ده‪ ،‬ثم وجه لكمة قوي�‬ ‫فعل‪ ،‬فقام باالخنفاض جبس�‬ ‫الذي بدوره تلقاها بكثري من األمل املربح فرتاجع إىل اخللف وقد استشاط‬ ‫غض ًبا وكأنه بركانٌ يغلي‪ ،‬فقامت املادة املعدنية السوداء الصلبة بتغطية‬ ‫�ه‪ ،‬فانطلق ناحية كينو وقد‬ ‫�ده حتى وجهه وأمخص قدمي�‬ ‫كامل جس�‬ ‫�رج عن طوره‪ ،‬فرتاجع كينو حبذر وهو يتفادى لكماته القاتلة‪ ،‬وكان‬ ‫خ�‬ ‫�يطرة على نفسه وأصبحت ضرباته أسرع وأقوى‬ ‫يشعر بأنه قد فقد الس�‬ ‫بكثري من ذي قبل‪.‬‬ ‫قال سايري بال اكرتاث‪:‬‬ ‫– –يا إهلي ‪ ..‬لقد أغضبه هذا الفتى ‪ ..‬لن يهدأ حتى يقتله‪.‬‬ ‫�عر كل من نور وجني بالقلق والتوتر وأخذا يتابعان املباراة برتقب‬ ‫ش�‬ ‫وخوف‪.‬‬ ‫�وف قدر اإلمكان‪ ،‬ثم رفع‬ ‫�ع كينو إىل اخللف ليبتعد عن إيفان�‬ ‫تراج�‬ ‫مدفع‪،‬‬ ‫ذراعيه يف اهلواء ناحيته لتتشكل وتتغري راحة يده حتى حتولت إىل‬ ‫ٍ‬ ‫‪130‬‬


‫�قط على‬ ‫بعيدا فس�‬ ‫فأطل�‬ ‫�ق قذيفة مدوية اصطدمت بإيفانوف لتدفعه ً‬ ‫�ده احلديدي محاه فلم ُي َصب بأي خدش‪.‬‬ ‫األرض بقوة‪ ،‬ولكن جس�‬ ‫شعر كينو أن عليه أن يتصرف بسرعة وإال فإنه لن خيسر النزال فقط‬ ‫كوحش كاسر فقد السيطرة على‬ ‫أيضا‪ .‬وقف إيفانوف وصرخ‬ ‫بل حياته ً‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه وفقد وعيه‪ ،‬فانطلق ناحية كينو بال هوادة ليظفر منه‪.‬‬ ‫�ه ُ‬ ‫اململتني جبهاز دفع‬ ‫�ه إىل أعلى عن طريق قدمي�‬ ‫دفع كينو نفس�‬ ‫حراري للقفز عال ًيا‪ ،‬فارتفع يف اهلواء فوق إيفانوف الذي التف ونظر إىل‬ ‫�ماء ليجد قذيفة أخرى تهبط عليه من أعلى فأسقطته ً‬ ‫أرضا ولكنه‬ ‫الس�‬ ‫جمددا‪.‬‬ ‫مل يتأثر‬ ‫ً‬ ‫هبط كينو على األرض وش��عر باليأس الخرتاق هذا الدرع الصلب‪،‬‬ ‫ولكنه استمر يف حماوالته اليائسة من أجل النيل من خصمه اهلائج الذي‬ ‫فقد عقله‪.‬‬ ‫�رة فوجه لكمة إىل خده‬ ‫�و ناحيته وقرر مواجهته مباش�‬ ‫انطلق كين�‬ ‫�دد أخرى إىل خده األيسر وركله يف قدمه‬ ‫األمين‪ ،‬ثم تفادى ضربته‪ ،‬وس�‬ ‫�قطه ً‬ ‫أيضا!‬ ‫بقوة ليس�‬ ‫أرضا‪ ،‬ولكنه مل يتأثر ً‬ ‫لا توقف كينو الذي أصبح يف وضعية‬ ‫ثار إيفانوف أكثر وهاجم ب�‬ ‫الدفاع وهو يرتاجع إىل اخللف بينما يتجنب ضرباته ويتفاداها‪ ،‬وعلى حني‬ ‫�كه فأحاطه بيديه وبدأ يضغط على جسده‬ ‫غرة قفز إيفانوف عليه ليمس�‬ ‫بقوة ليسحقه بني ذراعيه‪ ،‬فصرخ كينو من األمل ألن أعضاءه الداخلية‪ ،‬اليت‬ ‫�ان ًا‪ ،‬كانت تنسحق ببطء شديد‪ ،‬بينما جسده املعدني‬ ‫كانت جتعله إنس�‬ ‫�حق يف يد هذا الوحش‪.‬‬ ‫اخلارجي كان يعطيه بعض الوقت قبل أن ينس�‬ ‫جمددا‬ ‫�و إىل األعلى وأصبح معصمه كاملدفع‬ ‫ارتفعت راحة يد كين�‬ ‫ً‬ ‫ولكنه خرج جبانبه بعض اإلضافات‪ ،‬فصوبه ناحية رأس إيفانوف لتخرج‬ ‫‪131‬‬


‫نريان حارقة منه وتنهمر على رأس إيفانوف‪ ،‬الذي بدأ يشعر باملادة الصلبة‬ ‫على جسده وهي متتص احلرارة بقوة‪ ،‬فأحس وكأن دماغه يغلي‪ ،‬فصرخ‬ ‫بعيدا‪.‬‬ ‫وهو يقذف بكينو ً‬ ‫شاعرا بأنه لو تأخر ثانية أخرى لكان جسده‬ ‫سقط كينو على األرض‬ ‫ً‬ ‫انسحق‪.‬‬ ‫�ديد يف معدته وظهره‪،‬‬ ‫�عر بأمل ش�‬ ‫وقف على قدميه مرتحنً ا وهو يش�‬ ‫�وف‪ ..‬إنها احلرارة‪.‬‬ ‫�ى األقل علم بنقطة ضعف إيفان�‬ ‫ولكنه عل�‬ ‫انفتحت فتحتان صغريتان دائريتان يف راحيت يد كينو وصوبهما حنو‬ ‫بر وهو يغلي كالربكان‬ ‫�ة أك�‬ ‫إيفانوف الذي بدأ يندفع حنوه بشراس�‬ ‫�ده‪،‬‬ ‫�ر‪ ،‬فأطلق كينو عليه النريان احلارقة ليذيب املعدن على جس�‬ ‫الثائ�‬ ‫�بب‬ ‫�رعته بس�‬ ‫فصدها إيفانوف بيده بينما يقرتب من كينو وقد قلت س�‬ ‫�ددا‪ ،‬ثم يذوب ويعززه‬ ‫تأثري النار‪ .‬ب�‬ ‫�دأ املعدن يذوب فعززه إيفانوف جم� ً‬ ‫�ذي أوقف نريانه واخنفض من‬ ‫�ددا وهكذا حتى اقرتب من كينو ال�‬ ‫جم� ً‬ ‫�ى ظهره‪ ،‬فصرخ‬ ‫�د عنه ويطلق النريان عل�‬ ‫�ت ذراعي إيفانوف ليبتع�‬ ‫حت�‬ ‫�ديدة وهو يركض ناحية كينو‪ ،‬فاقرتب‬ ‫إيفانوف ولوح بيده بعصبية ش�‬ ‫من كينو وهو يتحمل نريانه‪ ،‬وبدأ مبحاولة لكمه‪ ،‬فتفادى كينو لكماته‬ ‫الواحدة تلو األخرى برشاقة وهو يرشقه بالنريان يف كل أحناء جسده يف‬ ‫�دا وكأنه يصارع ثورا بعباءة محراء‪.‬‬ ‫نفس الوقت‪ ،‬فب�‬ ‫�ديد وكان جسده ال يتحمل كل‬ ‫�عر باإلرهاق الش�‬ ‫بدأ إيفانوف يش�‬ ‫هذا الضغط الذي يتلقاه‪ ،‬فغري من تقنيته يف القتال‪ ،‬واخنفض لريكل‬ ‫�قطه ً‬ ‫�ده ليحطمه‪،‬‬ ‫أرضا‪ ،‬ثم قفز ليهبط فوق جس�‬ ‫كينو يف قدمه فأس�‬ ‫ولكن كينو تدحرج وتفادى ضربته لريى األرض وقد تهشمت حتت أقدام‬ ‫�عر بالتعب هو اآلخر وأصبحت أجهزته‬ ‫�رعة وقد ش�‬ ‫إيفانوف فوقف بس�‬ ‫�تمر عليها‪.‬‬ ‫العضوية متعبة من اإلرهاق املس�‬ ‫‪132‬‬


‫�تطيع تفادي ضرباته‬ ‫�و‪ ،‬الذي مل يعد يس�‬ ‫�ذ إيفانوف يلكم كين�‬ ‫أخ�‬ ‫�هولة‪ ،‬بينما بادره كينو بإحراق املادة املعدنية على جسده بنريانه بال‬ ‫بس�‬ ‫�ول كينو يده من وضعية‬ ‫توقف‪ ،‬فظهرت ثغرة يف جس�‬ ‫�د إيفانوف‪ ،‬فح� َّ‬ ‫اللهب إىل وضعية القذائف فأصابت إيفانوف‪ ،‬ولكن قبل أن تصيبه متكن‬ ‫�قطا‬ ‫إيفانوف من لكمه بقوة يف وجهه ليندفعا عال ًيا يف نفس الوقت ويس�‬ ‫على األرض بدون حركة واحدة‪.‬‬ ‫وقف بعض املتسابقني ينظرون بدهشة وهلع إىل هذا النزال الوحشي‪،‬‬ ‫�عر نور بالقلق على كينو الذي مل يتحرك حتى اآلن‪ ،‬فسمع سايري‬ ‫وش�‬ ‫يقول بسخرية‪:‬‬ ‫�دو أن هذا الفتى‬ ‫�قاط هذا الضخم ‪ ..‬يب�‬ ‫– –هناك من متكن من إس�‬ ‫اآللي أقوى مما يبدو علي��ه ‪ ..‬هذا مثري حقا‪.‬‬ ‫�وز بهذا النزال‪ ،‬ولكنه مل‬ ‫�ت جني كينو وحفزته كي ينهض ويف�‬ ‫ح َّي�‬ ‫يسمعها ‪.‬‬ ‫أعلن الصوت بعد دقائق من الصمت أن املباراة انتهت بالتعادل!‬ ‫�اراة بالتعادل يف هذا املكان‪ ،‬ومل يفهم‬ ‫كان من الغريب أن تنتهي مب�‬ ‫يرد الصوت أن خيربهم كي ال‬ ‫اجلميع ماذا حيدث مل�‬ ‫�ن يتعادل؟ رمبا مل ِ‬ ‫يستغلوا األمر لصاحلهم‪.‬‬ ‫�س ويوري؛ فتقدما‬ ‫�اراة التالية بني إري�‬ ‫�ن الصوت عن بداية املب�‬ ‫أعل�‬ ‫�ابقني إلخراج املصابني‬ ‫�ف ونور وبقية املتس�‬ ‫إىل احللبة بينما ذهب يوس�‬ ‫وعالجهم‪.‬‬ ‫***‬

‫‪133‬‬


‫‪10‬‬ ‫مل يكن يوري يعرف شيئا عن قدرة إريس ونفس الشيء كان مع إريس‪،‬‬ ‫�لحة من الصناديق اليت كانت تتبدل‬ ‫فذهبا للحصول على بعض األس�‬ ‫�لحة‬ ‫بعد كل مباراة‪ .‬فالحظ إريس أن يوري حصل على الكثري من األس�‬ ‫اليت سيكون من الصعب عليه محلها واستخدامها‪.‬‬ ‫�كاكني‬ ‫�اد إريس إىل مكانه بينما أخذ يوري يرتنح وهو حيمل الس�‬ ‫ع�‬ ‫واملسدسات الثقيلة حتى وصل إىل مكانه وهو يلهث‪ ،‬ثم تركهم ليسقطوا‬ ‫على األرض‪.‬‬ ‫خرج الصوت ليعطيهم إشارة البدء‪.‬‬ ‫�عر‬ ‫معا وبدا عليه الرتكيز‪ ،‬فش�‬ ‫قام يوري بإغماض عينيه وضم يديه ً‬ ‫�يء فرتاجع إىل اخللف‪ ،‬فوجد جسد يوري ينقسم‬ ‫إريس بأنه خيطط لش�‬ ‫�ختني ثم إىل أربع ثم توقف‪ ..‬قال يوري األصلي‪:‬‬ ‫إىل نس�‬ ‫�خ‪ ،‬وكل نسخة هلا وعيها اخلاص‪،‬‬ ‫�تطيع أن أنقسم إىل عدة نس�‬ ‫– –أس�‬ ‫�يكون َجم تركيزهم على الفوز بهذا النزال‪.‬‬ ‫وس�‬ ‫رد إريس عليه مبكر ودهاء‪:‬‬ ‫– –إن قتلت أحدهم فهل تتأمل أو تشعر بفقدانه؟‬ ‫‪134‬‬


‫�عر بشيء ‪ ..‬فكما قلت لك‪ ،‬إنه كيان مستقل عين ولكنه‬ ‫– –ال لن أش�‬ ‫بعيدا‬ ‫مربم�‬ ‫�ج على ما أمرته به وهو القضاء عليك‪ ،‬ولكن إن اختفى ً‬ ‫ومات فأنا لن أعرف ما حدث له وهذا شيء يزعجين‪.‬‬ ‫مبكر قائ ًال‪:‬‬ ‫ابتسم إريس‬ ‫ٍ‬ ‫– –هذا ما كنت أريد أن أمسعه ‪ ..‬واآلن فلنبدأ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫�جار خلفه فأخذت النسخ األسلحة من على‬ ‫وىل إريس هار ًبا إىل األش�‬ ‫�رب قبل أن تصيبه وتوارى بني‬ ‫�دأت تطلق النار عليه‪ ،‬ولكنه ه�‬ ‫األرض وب�‬ ‫�جار‪ .‬أمرهم يوري األصلي بأن يلحقوا به فانطلقت النسخ الثالث‬ ‫األش�‬ ‫�ق طريقها بني األشجار حبث ًا عن إريس‪ ،‬وفى هذه األثناء كان إريس‬ ‫تش�‬ ‫�جرة وقد تغري لونه ليصبح مثلها وكأنه جزء ال يتجزأ‬ ‫�تند على ش�‬ ‫يس�‬ ‫منها‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –قدرتي على التمويه وتغيري لون جس��دي ستجعلين أفوز بسهولة يف‬ ‫�خ للحصول على شكله‬ ‫هذا النزال‪ ،‬ولكن أحتاج إىل رؤية إحدى النس�‬ ‫وهنا ستبدأ خطيت‪.‬‬ ‫�م أن فرصته قد‬ ‫�خ وهي تقرتب‪ ،‬فعل�‬ ‫�ع إريس صوت إحدى النس�‬ ‫مس�‬ ‫�تعد للرتبص بها‪ ،‬ومبجرد أن‬ ‫�كينه بهدوء وتريث‪ ،‬واس�‬ ‫حانت‪ ،‬فأخرج س�‬ ‫�جرة انقض إريس عليها ليطعنها يف رقبتها‬ ‫�خة جبانب الش�‬ ‫عربت النس�‬ ‫ليواريها خلف الش��جرة حتى ال يراها أحد‪.‬‬ ‫قام إريس بنسخ شكل اجلثة بعينيه فتغري شكله إىل شكل يوري‪ ،‬فخرج‬ ‫�جار وبدأ يسري بثقة وهدوء وكأنه نسخة طبقة األصل‪ ،‬ثم‬ ‫من بني األش�‬ ‫شرع يف البحث عن النسختني الباقيتني وسط األشجار‪.‬‬

‫‪135‬‬


‫�خ وهي متشي حبذر وتصوب مسدسها يف كل اجتاه‬ ‫رأى إحدى النس�‬ ‫�ف أمره‪،‬‬ ‫ترب منها إريس وهو خائف من أن ُيكش�‬ ‫حبث� ًا عن اهلدف‪ ،‬فاق�‬ ‫�خة إليه وقالت له‪:‬‬ ‫فنظرت النس�‬ ‫– –هل وجدت شيئا؟!‬ ‫�ه بالنفي‪ ،‬ثم اقرتب من النسخة وطعنها بقوة يف رقبتها‬ ‫فأشار برأس�‬ ‫حتى سقطت على األرض‪ ،‬فحملها حبذر وأخفاها وسط بعض احلشائش‪.‬‬ ‫أكمل سريه وأذناه مشحوذتان ألقل حركة تصدر‪.‬‬ ‫كانت األشجار تغطي السماء ولكن أشعة الشمس كانت تنسل بينها‬ ‫�جار‬ ‫لتجعل الرؤية واضحة‪ ،‬بينما كان اهلواء العليل يداعب أوراق األش�‬ ‫�وت الطيور واحليوانات اليت‬ ‫تي كانت ترتاقص يف تناغم واحد مع ص�‬ ‫ال�‬ ‫تعيش بني األشجار‪.‬‬ ‫�خة األخرية وهي تعبث بني‬ ‫ير مسع إريس النس�‬ ‫بعد دقيقة من الس�‬ ‫األشجار واحلشائش‪ ،‬فاختبأ خلف إحدى األشجار وقد حدد أنها ستعرب من‬ ‫أمامه اآلن‪ ،‬وبالفعل عربت من أمامه فقتلها‪ .‬فكر بأنه اآلن جيب أن خيدع‬ ‫�احة‪.‬‬ ‫يوري احلقيقي وينقض عليه بدون أن يدري‪ ،‬فقرر اخلروج إىل الس�‬ ‫عرب إريس األشجار ليخرج إىل الساحة فأصابته الدهشة والقلق مما رآه‪.‬‬ ‫�خ أخرى من يوري‪ ،‬فحاول أن يتمالك أعصابه ويكمل‬ ‫رأى عشر نس�‬ ‫يره بهدوء ناحية يوري‪ .‬قال وهو حياول تصنع الربود مثل النسخ‪:‬‬ ‫س�‬ ‫�يئا بني األشجار‪ ،‬واختفى كل من دخل معي ‪ ..‬ال بد أنه‬ ‫– –مل أجد ش�‬ ‫ُقضي عليهم‪.‬‬ ‫قال يوري األصلي بغيظ‪:‬‬ ‫‪136‬‬


‫�دا؟! ما الذي حيدث هنا؟‬ ‫�تطيعون أن جيدوا رج ًال واح ً�‬ ‫– –ثالثة ال يس�‬ ‫مجيعا اآلن للقضاء عليه‪.‬‬ ‫�نذهب‬ ‫س�‬ ‫ً‬ ‫�ا يف اخللف‪ ،‬فعلم‬ ‫�خ إىل األمام ويوري األصلي يتبعه�‬ ‫توجهت النس�‬ ‫�بقهم إىل الغابة يف‬ ‫�س بأنه جيب أن يفكر يف خطة أخرى‪ ،‬فالتف وس�‬ ‫إري�‬ ‫هدوء وتريث‪ ،‬ومبجرد أن اختفى بني األشجار‪ ،‬اختبأ وراء إحدى األشجار‬ ‫�يفعله للقضاء عليه! فلمعت يف رأسه‬ ‫القريبة من الساحة وفكر فيما س�‬ ‫فكرة قد تكون فعالة‪.‬‬ ‫�وري األصلي‪ ،‬فانتظر إريس‬ ‫�خ يف صف واحد يتبعها ي�‬ ‫تقدمت النس�‬ ‫�ه مل يعرف أين هو يوري األصلي‪،‬‬ ‫�ى عربوا ثم خرج من ورائهم‪ ،‬ولكن�‬ ‫حت�‬ ‫فقد كان يف املؤخرة يسري ثالثة على نهج واحد فعلم إريس بأن يوري لن‬ ‫يكون لقمة سائغة‪.‬‬ ‫�ق طلقة على رأس‬ ‫�ه وأطل�‬ ‫اقرتب إريس منهم ببطء ثم رفع مسدس�‬ ‫لاحه بني‬ ‫�ى األرض ثم صرخ قائ ًال وهو يصوب س�‬ ‫�قط عل�‬ ‫أحدهم ليس�‬ ‫االشجار‪:‬‬ ‫– –إنه بني األشجار ‪ ..‬احرتسوا!‬ ‫صوب اجلميع أسلحتهم يف كل اجتاه يف هلع‪ ،‬فقال أحدهم‪:‬‬ ‫– –أين هو؟‬ ‫فرد إريس مستغال املوقف لصاحله‪:‬‬ ‫– –ال أعلم‪ ،‬أطلقوا النار يف كل مكان رمبا ننال منه‪.‬‬ ‫�خ تطلق النار يف كل مكان وقد أصابها التشتت والذعر‪،‬‬ ‫بدأت النس�‬ ‫�د تلو اآلخر‪،‬‬ ‫�م حبذر ليقتلهم الواح�‬ ‫�تغل إريس هذا وصوب عليه�‬ ‫فاس�‬ ‫�جار‪.‬‬ ‫�خ أن العدو يصطادهم من بني األش�‬ ‫فاعتقدت النس�‬ ‫‪137‬‬


‫سار إريس وسط النسخ واستغل عدم تركيزهم ثم صوب على أحدهم‬ ‫حبذر فقتله‪ ،‬فزاد الذعر وزاد إطالق النار‪ ،‬فاقرتب إريس من ثالثة جبانب‬ ‫بعضهم البعض وألصق يف أحدهم قنبلة ملتصقة‪ ،‬ثم ابتعد ببطء وضغط‬ ‫لاء‪ ،‬فازداد الرعب وبدأوا بالرتاجع بني‬ ‫على زر التفجري ليتحولوا إىل أش�‬ ‫األشجار ومسع إريس صوت يوري احلقيقي يقول‪:‬‬ ‫– –امحوني أيها احلمقى!!‬ ‫ولكنه مل حيدد مكانه وسط هذه اجللبة‪ ،‬فأكمل إريس اصطيادهم عن‬ ‫�ت له الفرصة‪ ،‬حتى قل العدد إىل أربعة مبن فيهم هو‪.‬‬ ‫قرب كلما أتيح�‬ ‫قال يوري األصلي بلهجة مذعورة والعرق يتصبب منه‪:‬‬ ‫– –جيب أن خترجوني من هنا حا ًال‪.‬‬ ‫�س الذي حدد مكان خصمه‬ ‫�امة خبيثة على وجه إري�‬ ‫فالتمعت ابتس�‬ ‫ري ا‪.‬‬ ‫أخ ً‬ ‫قال إريس بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –واآلن كيف أقضي عليه بدون أن يتم قتلي؟‬ ‫اقرتب إريس ببطء جبانب النسختني‪ ،‬ورفع مسدسه بسرعة ليصيبهم‬ ‫�ا مصو ًبا إىل رأسه‪ ،‬فقال له إريس‬ ‫مسدس�‬ ‫�هم‪ ،‬فالتف يوري ليجد‬ ‫يف رأس�‬ ‫ً‬ ‫وبدت عليه اجلدية الشديدة فيما يقوله‪:‬‬ ‫– –استسلم أو سأقتلك اآلن‪.‬‬ ‫صدم يوري عندما وجد أن نسخه منه تريد قتله‪ ،‬ولكن سرعان ما علم‬ ‫أنه إريس‪ ،‬فعض على أسنانه وقال بغيظ شديد‪:‬‬ ‫– –حسنا ‪ ..‬أستسلم ‪ ..‬كيف فعلت هذا؟‬ ‫‪138‬‬


‫روى له إريس ما فعله‪ ،‬ثم مسع الصوت وهو ينهي النزال بفوزه ليعلن‬ ‫املباراة القادمة بني جني وفرانسيس‪.‬‬ ‫شعرت جني بأن قلبها ينقبض بقوة‪ ،‬وقد ازداد توترها؛ فمازحها نور قائ ًال‪:‬‬ ‫�تعملي عقلك وقدرتك ‪..‬‬ ‫�وف تفوزين ضده ‪ ..‬اس�‬ ‫– –ال ختايف‪ ،‬س�‬ ‫يرة يف الفوز أمامه‪.‬‬ ‫لديك فرصة كب�‬ ‫�ا أراه أن‬ ‫فمم�‬ ‫ِ‬ ‫ش��جعها كالم نور قلي ًال ولكن اخلوف بداخلها كان أقوى‪ ،‬فأخذت‬ ‫عميق لتهدئ من روعها قلي ًال‪ ،‬ولكن ها هي أمام الفتى ذي السرعة‬ ‫نفسا‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫�رعة سيقضي عليها بسهولة وفى وقت قياسي‪.‬‬ ‫الكبرية‪ ،‬إن مل تتصرف بس�‬ ‫لامل إىل احللبة ورأت أن فرانسيس كان يقف هناك‬ ‫هبطت جني الس�‬ ‫�يء فأسرعت من خطاها وتقدمت ألخذ بعض‬ ‫بالفعل وقد جهز كل ش�‬ ‫األسلحة اليت قد تنفعها‪.‬‬ ‫�يس وعلى وجهه مالمح‬ ‫بعد أن انتهت وعادت إىل مكانها‪ ،‬رأت فرانس�‬ ‫�خرية‪ ،‬فقال هلا بنربة مشبعة باالستهزاء والسخرية‪:‬‬ ‫الس�‬ ‫أمسك بسوء‪،‬‬ ‫– –لن أتساهل معك ألنك فتاة ‪ ..‬استسلمي اآلن ولن ّ‬ ‫ولكن إن أردت اإلكمال فيجب أن تتحملي العواقب‪.‬‬ ‫�ال النزال‪،‬‬ ‫�ا اإلصرار على إكم�‬ ‫ين ومل ُتبه وبدا عليه�‬ ‫صمتت ج�‬ ‫فاستطرد قائ ًال‪:‬‬ ‫– –إذ ًا هذا اختيارك؟! فلتتحملي العواقب إذ ًا فأنا لن أتساهل معك‪.‬‬ ‫أعلن الصوت بدء النزال‪.‬‬ ‫ين وأوقفت الزمن‪،‬‬ ‫�ا يف اهلواء وهي مغمضة العين�‬ ‫ضمت جني يديه�‬ ‫�عا من اخلوف فقد رأت فرانسيس وهو يقف أمامها‬ ‫ففتحت عينيها لتتس�‬ ‫‪139‬‬


‫�ع توقف الزمن‪،‬‬ ‫�ا‪ ،‬ولكنه جتمد م�‬ ‫�رة يف وضعية اهلجوم ليلكمه�‬ ‫مباش�‬ ‫�تمكنه من إنهاء النزال يف ثانية‪.‬‬ ‫�رعته الشديدة كانت س�‬ ‫فس�‬ ‫ثوان‬ ‫�رعت جني ومتالكت أعصابها ألنها تع�‬ ‫أس�‬ ‫�رف أن أمامه مخس ٍ‬ ‫�ده‪ ،‬ثم أخرجت قاذف‬ ‫�ط‪ ،‬فقامت بإطالق طلقتني خمدرتني يف جس�‬ ‫فق�‬ ‫�باك الذي حصلت عليه منذ قليل‪ ،‬وألقت بشبكة على جسده لتغلف‬ ‫الش�‬ ‫جمددا‪.‬‬ ‫جسده بالكامل‪ ،‬وقفزت إىل اليمني بس��رعة ليعود الزمن‬ ‫ً‬ ‫مبجرد أن عاد الزمن وجد فرانسيس نفسه ُيلق وهو مقيد ليتدحرج‬ ‫على األرض بقوة وسرعة رهيبة بال توقف حتى اصطدم بإحدى األشجار‬ ‫�عر أن عظام جسده قد تكسرت‪ ،‬بينما اندفعت الدماء من فمه‪.‬‬ ‫بقوة ليش�‬ ‫�اكنًا وهو يشعر أن جسده يقتله من شدة األمل‪ ،‬ومل‬ ‫جلس على األرض س�‬ ‫�در ما الذي حدث! لقد كانت أمامه وكاد يظفر بها ولكن فجأة تبدل‬ ‫ي�‬ ‫كل شيء‪ ،‬شعر بالندم ألنه تسرع وهاجم بسرعة‪.‬‬ ‫بدأ وعيه ينسحب منه حتى أغشي عليه متاما‪.‬‬ ‫�وف وقلق‪ ،‬فوضعت يدها على فمها‬ ‫وقفت جني حتملق يف ذهول وخ�‬ ‫قائلة‪:‬‬ ‫– –مل أقصد هذا ‪ ..‬أنا مل أقصد هذا‪.‬‬ ‫خرج الصوت ليعلن أن فرانسيس قد تويف‪ ،‬وأن الفائزة هي جني‪.‬‬ ‫�ي تنظر إىل‬ ‫�ت بالبكاء بقوة وه�‬ ‫�ى ركبتيها وأجهش�‬ ‫خرت جني عل�‬ ‫�ده بقوة يف الشجرة ودماؤه تناثرت يف كل‬ ‫فرانسيس الذي انسحق جس�‬ ‫�ه يلعنها إىل األبد‪.‬‬ ‫�كان‪ ،‬وكان ينظر هلا بعينني ميتتني كأن�‬ ‫م�‬ ‫ركض نور وأكريا ناحية جني وتبعهما كينو ويوسف وتوجهوا ناحية‬ ‫فرانسيس ليسعفوه‪ ،‬ولكن األوان كان قد فات ووافته املنية‪.‬‬ ‫‪140‬‬


‫�اول نور وأكريا تهدئة‬ ‫�ت جني يف صدمة كبرية مما فعلته‪ ،‬فح�‬ ‫ظل�‬ ‫�ديد‪.‬‬ ‫�تريية من البكاء والندم الش�‬ ‫روعها ولكنها كانت يف حالة هيس�‬ ‫�ف بال اكرتاث مبا‬ ‫أعلن الصوت بدء املباراة التالية بني أكريا ويوس�‬ ‫حدث‪ ،‬فصعدت جني إىل املدرجات وهي تطلب من فرانسيس أن يساحمها‪،‬‬ ‫�ا باقي َمن يف احللبة وهم ال يعرفون ماذا يفعلون لتهدئتها‪.‬‬ ‫وتبعه�‬ ‫�تعدا للدخول يف أية‬ ‫يرا يف حالة يرثى هل�‬ ‫كان أك�‬ ‫�ا ومل يكن مس� ً‬ ‫�ه ال حل آخر‪.‬‬ ‫�ة‪ ،‬ولكنه علم أن�‬ ‫معرك�‬ ‫�ايري الذي تعجب من سبب قدومه إليه‪ ،‬فقال له‬ ‫ذهب يوسف إىل س�‬ ‫يوسف وهو يضع يده على كتفيه‪:‬‬ ‫– –هل صديقك خبري اآلن؟‬ ‫�يء غريب داخله وكأن طاقته ُتسحب‪ ،‬فابتعد عن‬ ‫�عر سايري بش�‬ ‫ش�‬ ‫�ف وهو ينظر إليه بنظرات حادة قائ ًال‪:‬‬ ‫يوس�‬ ‫– –ما الذي فعلته اآلن؟‬ ‫توتر يوسف وحاول إخفاء ارتباكه قائ ًال‪:‬‬ ‫– –مل أفعل شيئا ‪ ..‬ما الذي حدث؟!‬ ‫نظر له سايري بنظرات عدائية لبضع حلظات ثم التف وابتعد عنه‪.‬‬ ‫علم يوسف أن خطته جرت كما أراد‪ ،‬فهو اآلن ميلك قوة فرانسيس‬ ‫�ه‪ ،‬ومبا أنه تويف فهذا جعل‬ ‫�حبها وهو حياول معاجلت�‬ ‫الذي تويف فقد س�‬ ‫�ف يسحبها له إىل األبد إن أراد‪ ،‬ومع قوة سايري اليت ستدوم خلمس‬ ‫يوس�‬ ‫�هولة رغم عدم معرفته‬ ‫�يجعله يفوز بهذا النزال بس�‬ ‫دقائق‪ ،‬فإن هذا س�‬ ‫�يس‪،‬‬ ‫بقوة أكريا‪ .‬كان خوفه الوحيد هو أن حيدث له ما حدث لفرانس�‬ ‫‪141‬‬


‫والبكة ليعلم‬ ‫وكان حظ فرانسيس سيئ ًا ألنه مل يكن معهم عند اجلسر ِ‬ ‫ريا وهذا ما أدى إىل هالكه‪.‬‬ ‫حقيقة قوة جني‪ ،‬لقد اغرت بنفس�‬ ‫�ه كث ً‬ ‫�كاكني‬ ‫�ب للحصول على بعض الس�‬ ‫�ف إىل احللبة‪ ،‬وذه�‬ ‫دلف يوس�‬ ‫�باك واألسلحة‪،‬‬ ‫والش�‬ ‫وبعد أن انتهى هو وأكريا من محل ما حيتاجان‪ ،‬وقفا لبدء املباراة‪.‬‬ ‫أعلن الصوت عن بدء املباراة‪.‬‬ ‫فجأة اختفى املتسابقون يف اهلواء وبدأوا بالظهور بالقرب من بعضهم‬ ‫�تت أذهان املشاهدين ومل يفهموا‬ ‫البعض ثم االختفاء مرة أخرى‪ ،‬مما ش�‬ ‫ما حيدث‪.‬‬ ‫�ف‬ ‫�رعة يوس�‬ ‫يرا يتنقل يف اهلواء وهو حياول مواكبة س�‬ ‫كان أك�‬ ‫�ه‪:‬‬ ‫تعجب أنه ميلكها‪ ،‬فقال بينه وبني نفس�‬ ‫الش�‬ ‫�ديدة اليت َّ‬ ‫– –مبا إنها كانت قدرة فرانسيس امليت‪ ،‬فهل يوجد متسابقون حيملون‬ ‫نفس القوة؟!‬ ‫�ف يظهر أمامه ويوجه له ضربات سريعة ولكن أكريا كان‬ ‫بدأ يوس�‬ ‫�ف ويظهر وراءه‪ ،‬وهكذا‬ ‫�ف فيختفي يوس�‬ ‫يتنقل ويصدها ويفاجئ يوس�‬ ‫كانت مسابقة سرعة وحتمل‪.‬‬ ‫�ف بعض الشباك على أكريا ولكنه كان بدوره يتنقل قبل‬ ‫ألقى يوس�‬ ‫�ه‪ ،‬فأخرج أكريا مسدسه املخدر وبدأ بإطالق الطلقات على ظل‬ ‫أن متس�‬ ‫يوسف الذي كان يتنقل بسرعة‪.‬‬ ‫توقف يوسف عن احلركة فجأة وهو يلهث‪ ،‬فرتاجع أكريا إىل اخللف‬ ‫�ه‪ ،‬وفجأة أطلق يوسف عليه عدة طلقات‬ ‫أيضا ليتلقط أنفاس�‬ ‫وتوقف هو ً‬ ‫�ن جديد‪ ،‬ورأى بأن طاقته‬ ‫�درة‪ ،‬فتنقل أكريا من خالهلا ثم وقف م�‬ ‫خم�‬ ‫‪142‬‬


‫�تخدام قوته اآلن‪ ،‬فانطلق ناحية‬ ‫�عه اس�‬ ‫كادت تنفد منه ومل يعد بوس�‬ ‫�ف يده إىل األمام‪ ،‬ثم سحبها إىل‬ ‫وجها لوجه‪ ،‬فمد يوس�‬ ‫يوس�‬ ‫�ف ليقاتله ً‬ ‫بوخز يف ظهره‪،‬‬ ‫اخللف‪ ،‬فلم يفهم أكريا ما يفعله ولكنه سرعان ما أحس‬ ‫ٍ‬ ‫فتوقف ووضع يده على ظهره ليجد عدة طلقات خمدرة مغروزة يف ظهره‪.‬‬ ‫فقال أكريا وقد امحر وجهه الشاحب‪ُ ،‬‬ ‫وقبضت قسماته‪:‬‬ ‫– –ما الذي فعلته؟!‬ ‫�ايري إىل ما حدث وقد فهم ما فعله يوسف عندما ملسه‪ ،‬فقال‬ ‫نظر س�‬ ‫بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫�ه وهذا ما‬ ‫�رقة قوة من يلمس�‬ ‫�تطيع س�‬ ‫– –هكذا إذا ‪ ..‬هذا الوغد يس�‬ ‫�عرت به عند اجلسر‪ ،‬لقد هاجم أكريا بطلقات خمدرة وعلم بأنه‬ ‫ش�‬ ‫سيتفاداها وأوقفها يف اهلواء بقدرتي على حتريك األشياء عن ُبعد‪،‬‬ ‫يرا أن يهامجه قام بعكس اجتاه الطلقات‬ ‫وبعد هذا عندما قرر أك�‬ ‫جمددا لتستقر يف ظهر‬ ‫اليت كانت حتلق يف اهلواء فعادت الطلقات‬ ‫ً‬ ‫يرا الذي مل يفهم ما حدث حتى اآلن‪.‬‬ ‫أك�‬ ‫ضحك يوسف قائ ًال‪ ،‬وهو يصوب مبسدس آخر ناحية أكريا‪:‬‬ ‫– –هذا سري الثمني‪.‬‬ ‫انطلقت طلقة من مسدسة تشق اهلواء حتى وجدت ضالتها يف جسد‬ ‫مقاوما قوة‬ ‫�وة‬ ‫�ذ أكريا ينتقض ويهتز بق�‬ ‫يرا لتصعقه بقوة‪ ،‬فأخ�‬ ‫أك�‬ ‫ً‬ ‫�قط على األرض وقد أغشي عليه فأعلن الصوت‬ ‫الكهرباء اليت تلقاها‪ .‬س�‬ ‫فوز يوسف بالنزال‪.‬‬ ‫ركض نور إىل احللبة ليتفقد حال أكريا‪ ،‬فطمأنه يوسف قائ ًال‪:‬‬ ‫– –ال ختف‪ ،‬لقد أغشي عليه فقط ‪ ..‬سيعود لوعيه بعد دقائق‪.‬‬ ‫‪143‬‬


‫جتاهله نور وتوجه لتفقد حالة أكريا‪ ،‬فوجده ال يزال يتنفس وخبري‪،‬‬ ‫فاطمأن قلبه ومحله على ظهره حتى املدرجات ووضعه على أحد الكراسي‬ ‫ليسرتيح‪.‬‬ ‫خرج الصوت ليعلن نتائج املتأهلني‪ ،‬فزاد التوتر والقلق وانتبه اجلميع‬ ‫إىل الشاشات يف خشية وترقب‪ ،‬فاستطرد الصوت قائ ًال‪:‬‬ ‫– –املركز األول‪ :‬كينو (‪ 300‬نقطة)‬ ‫املركز الثاني‪ :‬سايري (‪ 280‬نقطة)‬ ‫املركز الثالث‪ :‬إيفانوف (‪ 250‬نقطة)‬ ‫املركز الرابع‪ :‬نور (‪ 230‬نقطة)‬ ‫املركز اخلامس‪ :‬ياسني (‪ 225‬نقطة)‬ ‫املركز السادس‪ :‬إريس (‪ 210‬نقطة)‬ ‫املركز السابع‪ :‬جني (‪ 200‬نقطة)‬ ‫املركز الثامن‪ :‬يوسف (‪ 195‬نقطة)‬ ‫�عادة كبرية وهائلة بسبب تأهله ألول مثانية ولكنه رأى‬ ‫شعر نور بس�‬ ‫�عر بضيق شديد وقلق عليه‪ ،‬ورأى جني‬ ‫أن أكريا مل يكن يف القائمة‪ ،‬فش�‬ ‫احلزينة وقد عادت إليها نضارتها وابتسامتها وهي ُتييه وتهنئه بالتأهل‪،‬‬ ‫ولكنها كانت ال تزال تتأمل مما حدث منذ قليل‪ ،‬ويبدو أنها مل تلحظ عدم‬ ‫جود أكريا يف القائمة‪.‬‬ ‫�ديد ما‬ ‫�ر ندب حظه وترقب يف ذعر ش�‬ ‫ومن خس�‬ ‫احتفل من انتصر‪َ ،‬‬ ‫سيحدث له‪.‬‬ ‫‪144‬‬


‫�ذا الصوت الصاخب من‬ ‫�تيقظ كل من كينو وإيفانوف على ه�‬ ‫اس�‬ ‫االعرتاضات والتهليل‪ ،‬وشاهدا القائمة اليت تضم امسيهما فشعرا بالراحة‬ ‫لتأهلهما‪ ،‬ولكن كينو مل يتوقع أنه سيحصل على املركز األول‪ ،‬ومل يفهم‬ ‫كيف حصل عليه؟!‬ ‫نظر له سايري بطرف عينيه بنظرات حادة قائ ًال جبفاء وفتور‪:‬‬ ‫خصما سه ًال‪.‬‬ ‫– –يبدو أنك لن تكون‬ ‫ً‬ ‫�عر اجلميع بأن وعيهم ينسحب منهم بدون سبب‪ ،‬وفى خالل‬ ‫فجأة ش�‬ ‫�بات عميق‪.‬‬ ‫ثوان قليلة كان اجلميع على األرض يف س�‬ ‫ٍ‬

‫***‬

‫‪145‬‬


‫‪11‬‬ ‫�ايري يف رواق طويل أبيض‪ ،‬وكان فى نهاية هذا الرواق باب‬ ‫�ار س�‬ ‫س�‬ ‫�فى وهو يسري يف هذا الرواق‬ ‫�عر سايري وكأنه يف مش�‬ ‫أبيض مغلق‪ .‬ش�‬ ‫الطويل‪ ،‬فبعد أن أنهى تدريباته واملسابقة اليت كلفه بها الصوت الغريب‬ ‫الذي مل يعرف مصدره‪ ،‬استيقظ من النوم فجأة بدون أن يتذكر ما حدث‬ ‫�ابقة‪ ،‬ثم طلب منه الصوت مغادرة املكان والذهاب‬ ‫له عندما كان يف املس�‬ ‫للخارج بعد أن حصل على املفتاح للخروج‪ ،‬قال له الصوت بأنه يف اخلارج‬ ‫أحدا‬ ‫س�‬ ‫�يفهم كل شيء‪ ،‬مل يعلم كيف سيفهم ولكنه استنتج أنه سيجد ً‬ ‫ما يشرح له ما حدث وكيف انتهى به األمر من املعبد البوذي إىل منشأة‬ ‫�بق له رؤيتها‪ .‬فسايري‬ ‫�ياء مل يس�‬ ‫جتعله يتدرب على قدرات غريبة وأش�‬ ‫عاما كان يقضي معظم وقته يف املعبد يتأمل‬ ‫البالغ من العم�‬ ‫�ر ثالثني ً‬ ‫الطبيعة ويتعلم فنون القتال بالكاتانا‪ ،‬وهو كناية عن سيف ياباني قديم‪،‬‬ ‫حاد وطويل‪ ،‬يدمج بني السيوف الرومانية يف الطعن والسيوف العربية يف‬ ‫قدميا‪ ،‬يستخدمونه يف حروبهم‪ ،‬وألن‬ ‫القطع‪ ،‬وكان الساموراي اليابانيون‬ ‫ً‬ ‫سايري مل يكن حيب التكنولوجيا والعلم وإزعاج املدينة والبشر‪ ،‬فقد كان‬ ‫املعبد هو املكان املفضل لديه‪ ،‬يف اهلدوء ووسط األشجار احمليطة باملعبد‪،‬‬ ‫ونسيم اهلواء املبهج مع أصوات الطيور واحليوانات‪ ،‬كانت تعطيه شعو ًرا‬ ‫لام الداخلي اللذين كان يفتقدهما معظم الوقت بسبب‬ ‫بالراحة والس�‬ ‫طبعه اخلاص الذي جيعله صعب املراس‪ .‬كان يتعلم عن مراكز تدفق‬ ‫‪146‬‬


‫الطاقة والتأمل للحصول على السالم الداخلي والرتكيز يف حماولة قتل‬ ‫�اعر اليت ال حيتاجها‪ ،‬كاخلوف واحلقد والكره واجلشع اخل‪ ،‬ولكنه‬ ‫املش�‬ ‫كان يفشل أحيانا‪ .‬مل يكن هذا فقط ما يفعله‪ ،‬بل كان أيضا يستخدم‬ ‫�عور باقرتاب شخص منه‬ ‫�ياء الرائعة‪ ،‬كالش�‬ ‫الطاقة يف العديد من األش�‬ ‫�جام مع الطبيعة وكأنهما كيان واحد فيشعر بكل‬ ‫وهو يتأمل‪ ،‬واالنس�‬ ‫شيء يتحرك حوله بدقة شديده‪ ،‬وقتل األمل اجلسدي بداخله عن طريق‬ ‫فهم‬ ‫تدريبات قاسية وصارمة‪ ،‬حتى أصبح األمل شيئا ال عالقة له به‪ ،‬وهلذا ِ‬ ‫�اذا مت إعطائه هذه القوة على التحكم بالطاقة وتوجيهها لفعل العديد‬ ‫مل�‬ ‫من األشياء كتحريك األشياء بعقله‪.‬‬ ‫وهكذا بدأ سايري يسرتجع بذاكرته كل ما مر به منذ أن استيقظ‪،‬‬ ‫وكل ما تعلمه يف هذا املكان الغريب‪ ،‬وكل األسئلة اليت دارت يف ذهنه يف‬ ‫حماولة ليتوصل ألي إجابة قد تشبع فضوله‪ ،‬ولكن ال شيء‪ ،‬فتابع السري‬ ‫�ض الفارغ بعينيه بربود‪ ،‬حتى وصل إىل الباب‬ ‫وهو يتفحص الرواق األبي�‬ ‫�ف أمامه وضع املفتاح وأخذ حيركه فانفتح‬ ‫األبيض املغلق‪ ،‬وعندما وق�‬ ‫�ض عينيه بتأمل‪ ،‬ثم‬ ‫�وء يف عينيه دفعة واحدة‪ ،‬فأغم�‬ ‫الباب‪ ،‬فدخل الض�‬ ‫�توعبان‬ ‫�ع يده حلجب الضوء عنهما ‪ ،‬ثم فتح عينيه ببطء فبدأتا تس�‬ ‫رف�‬ ‫�تطاع الرؤية بوضوح‪ ،‬فخرج من الباب ووقف ليستنشق‬ ‫الضوء‪ ،‬حتى اس�‬ ‫�عر باحلنني إىل الطبيعة اليت كانت تهدئ‬ ‫اهلواء الطلق‪ ،‬مما جعله يش�‬ ‫�دأ يتنفس الصعداء‪ ،‬ثم تفحص‬ ‫�يء‪ .‬ب�‬ ‫غضبه الداخلي وكرهه لكل ش�‬ ‫املكان من حوله‪ ،‬وألقى نظرة طويلة‪ ،‬فرأى أنه يقف على طريق مرصوف‬ ‫بعناية يف باحة واس��عة‪ ،‬وميتد الطريق أمامه وينتهي بعمودين أبيضني‬ ‫بشموخ عدة أمتار يف السماء‪ ،‬وعلى قمتهما يصل‬ ‫من اجلرانيت يرتفعان‬ ‫ٍ‬ ‫�كل‪ ،‬ينتهي حبافتني مقوستني ألعلى‪،‬‬ ‫بينهما عمود أفقي مستطيل الش�‬ ‫�ار قليال‪ ،‬ليجد‬ ‫ويبدو أن العمودين هما مدخل املكان‪ ،‬فحرك عينه لليس�‬ ‫متثاال لفرس يقف على قدميه اخللفيتني‪ ،‬ويرفع قدمه اليسرى األمامية‬ ‫‪147‬‬


‫�تودع صغري‪ ،‬ووراء املستودع الكثري من األشجار املمتدة‬ ‫ألعلى‪ ،‬ووراءه مس�‬ ‫�راز الياباني‬ ‫�تودع يوجد بيت مبين على الط�‬ ‫�كان‪ ،‬وجبانب املس�‬ ‫حول امل�‬ ‫�يكي القديم‪ ،‬وأمام البيت مباشرة‪ ،‬على ميني سايري‪ ،‬يوجد بيت‬ ‫الكالس�‬ ‫آخر مماثل له‪ ،‬وبعد العمودين توجد باحة خضراء شاسعة‪ ،‬مربعة الشكل‪،‬‬ ‫�ن كل جانب‪ ،‬ويوجد حوهلا‬ ‫�جار م�‬ ‫تبدو كحديقة للمكان تلفها األش�‬ ‫�ايري وكأنه‬ ‫�فلت يفصل بينها وبني الباحة اليت يقف بها س�‬ ‫طريق مس�‬ ‫�عر بأن املكان مألوف‪ ،‬وفجأة توتر بشدة‬ ‫يتلوى كثعبان بينهما‪ ،‬فبدأ يش�‬ ‫ونظر مرة أخرى خلفه ومل يصدق نفسه‪ .‬وجد سايري برجا َ‬ ‫أبيض اللون‬ ‫كبريا ميتد ألعلى حتى يالمس السحاب‪ ،‬وكان الربج املستدير الضخم‬ ‫�و املكان الذي خرج منه‪ ،‬مل يتوقع بأنه كان يف برج بهذا الطول‪ ،‬ولكن‬ ‫ه�‬ ‫جيدا‪ ،‬فهذا هو املعبد البوذي‬ ‫�ا فاجأه أكثر هو أنه تذكر هذا امل�‬ ‫م�‬ ‫�كان ً‬ ‫الذي قضى فيه معظم حياته‪ ،‬ولكن املعبد قد اس� ُ‬ ‫�تبدل مكانه بهذا الربج‬ ‫العالي‪ ،‬فشعر بتوتر شديد ملا رآه ومل يعرف ماذا يفعل‪ ،‬فظل حيدق ناحية‬ ‫�ئلة تراوده‪ ،‬فرفع يده مشريا إىل الربج‬ ‫الربج بضع ثوان‪ ،‬والكثري من األس�‬ ‫األبيض الكبري الذي خرج منه قائال باندهاش‪:‬‬ ‫�ون املعبد مكان هذا الربج‬ ‫�ذي حيدث هنا‪ ،‬من املفرتض أن يك�‬ ‫– –ما ال�‬ ‫الضخم‪.‬‬ ‫وبدون تردد اندفع سايري ناحية باب الربج األبيض وبدأ يدق على بابه‬ ‫بقوة قائال‪:‬‬ ‫– –أنت أيها الغريب ‪ ..‬ما الذي حدث للمعبد الذي كان هنا؟‬ ‫�يط غضبا وهو الذي تعلم‬ ‫�ايري يستش�‬ ‫ولكن مل جيبه أحد‪ ،‬فبدأ س�‬ ‫�اعر‪ ،‬ولكنه مل‬ ‫�م يف الذات يف أصعب املواقف وأكثرها إثارة للمش�‬ ‫التحك�‬ ‫�تطع كبح مجاحه‪ ،‬فصرخ بنربة عالية‪:‬‬ ‫يس�‬ ‫‪148‬‬


‫�ا؟ أجبين وإال‬ ‫�دث للمعبد الذي كان هن�‬ ‫�د ما الذي ح�‬ ‫– –أيها الوغ�‬ ‫�ر هذا الباب‪.‬‬ ‫سأكس�‬ ‫ولكن ال إجابة‪ ،‬فرفس الباب بقدمه ولكنه مل يتحرك قيد أمنلة‪ ،‬فظل‬ ‫�زح الباب ولو حتى‬ ‫�ده وقدمه ولكن ال جدوى مل يتزح�‬ ‫�رب الباب بي�‬ ‫يض�‬ ‫�ايري‬ ‫�تخدم قوته ليخلع الباب ولكنه مل يتحرك‪ .‬فتوقف س�‬ ‫قليال‪ ،‬فاس�‬ ‫وأخذ يلتقط أنفاسه‪ ،‬ثم التف وراءه ونظر للبيت على اليسار‪ ،‬وتذكر أنه‬ ‫دائما هو والرهبان اآلخرون‪ ،‬مجاعة السانغا‪،‬‬ ‫البيت الذي كان يبيت فيه ً‬ ‫وقد كانوا منعزلني متاما عن العامة واحلياة اخلارجية وكل ما يفعلونه‬ ‫هو قراءة تعاليم بوذا وتأمل الطبيعة وبعض النشاطات البدائية األخرى‪،‬‬ ‫ريا ألنه عاش‬ ‫لما باحلي�‬ ‫ولكن س�‬ ‫�اة اخلارجية كث ً‬ ‫�ايري باألخص كان ُم ً‬ ‫معظم عمره يف مدينة هريوشيما‪ ،‬حتى قرر أن يتجنب املدينة بالذهاب إىل‬ ‫املعبد‪ ،‬والتقرب من الطبيعة‪ ،‬ولكنه شعر بأن هذه ليست هريوشيما‪ ،‬كان‬ ‫�ئ خمتلف هنا ال يعرف كنيته ولكنه يشعر بأنه يف مكان آخر‪.‬‬ ‫هناك ش�‬ ‫مسرعا ناحية البيت‪ ،‬وفتح الباب بسرعة وبدأ ينادي‬ ‫�ايري‬ ‫ركض س�‬ ‫ً‬ ‫�كاهلم أو‬ ‫�ى أصدقائه الرهبان ولكنه مل جيد أي إجابة‪ ،‬مل يتذكر اش�‬ ‫عل�‬ ‫�ة ولكنه تذكر أن رفاقه‬ ‫�ل حياته بعد‪ ،‬فذاكرته ما زالت ضعيف�‬ ‫تفاصي�‬ ‫�ل إىل البيت وركض يف كل مكان‬ ‫�ون يف هذا املكان‪ ،‬فدخ�‬ ‫كانوا يعيش�‬ ‫�عر بوجود أي شخص‪ ،‬فغري املالبس‬ ‫وهو يبحث عن أي أحد ولكنه مل يش�‬ ‫�عره بأنه مريض يف مشفى‬ ‫البيضاء اليت كان يرتديها‪ ،‬واليت كانت ُتش�‬ ‫ما‪ .‬ارتدى الرداء القماشي التقليدي الذي كان يرتديه الشعب الياباني‬ ‫�يف الكاتانا املوضوع يف غرفته على أحد الرفوف وعلقه‬ ‫قدميا‪ ،‬وأخذ س�‬ ‫ً‬ ‫�رعا‪ ،‬وبدأ حياول أن‬ ‫عند وس�‬ ‫�طه‪ ،‬وخرج إىل باحة املعبد مرة أخرى مس� ً‬ ‫�خص ما بقدرته‪ ،‬ولكنه مل يشعر بأحد‪ ،‬فقال بينه‬ ‫�عر وجود أي ش�‬ ‫يستش�‬ ‫وبني نفسه‪:‬‬ ‫‪149‬‬


‫– –أين ذهبوا يف هذا الوقت؟ وأين اختفى املعبد؟‬ ‫�اب إىل القرية‬ ‫�ن ولكن ال أحد‪ ،‬فقرر الذه�‬ ‫�دأ يتفقد كل األماك�‬ ‫ب�‬ ‫�خص شيئا ما‪.‬‬ ‫�ر عما حيدث هنا‪ ،‬فلرمبا يعرف أي ش�‬ ‫اجملاورة ليستفس�‬ ‫بر العمودين‪ ،‬ثم انعطف‬ ‫�ايري الطريق املرصوف بعناية‪ ،‬وع�‬ ‫عرب س�‬ ‫ير يف الطريق وهو يتفحص املكان‬ ‫�ار يف الطريق املسفلت وبدأ يس�‬ ‫لليس�‬ ‫�ط الطريق من اجلانبني‪ ،‬فأخذ‬ ‫�جار اليت حتي�‬ ‫من حوله ناظرا إىل األش�‬ ‫�يم اهلواء الذي يداعب‬ ‫�ي أفكاره ويتأمل الطبيعة اخلالبة‪ ،‬مع نس�‬ ‫يصف�‬ ‫�ماء‪ ،‬وألقت بأشعتها‬ ‫�مس قد انتصفت يف كبد الس�‬ ‫وجهه‪ ،‬وكانت الش�‬ ‫�كان من حوله‪ ،‬وتربز اجلمال األخاذ‬ ‫الدافئة عليه لتضئ له الطريق وامل�‬ ‫�ايري بعض األحاديث اليت كان‬ ‫للطبيعة‪ ،‬نعم الطبيعة األم‪ ،‬فتذكر س�‬ ‫يتبادهلا مع الكهنة اآلخرين‪ ،‬وكيف أن الكوكب بدون قدوم التكنولوجيا‬ ‫كان أفضل‪ ،‬وأن الطبيعة كانت رائعة اجلمال‪ ،‬فاملاء مل يكن يبدو كاملاء‬ ‫�ل كان صاف ًيا بدرجة مبهرة‪ ،‬واهلواء كان نقي ًا للغاية‪ ،‬ومل يكن‬ ‫اليوم‪ ،‬ب�‬ ‫�يء‪ ،‬فمع‬ ‫هناك أثر للتلوث املوجود اليوم يف اهلواء واملاء والغذاء وكل ش�‬ ‫ظهور التكنولوجيا تغري كل شيء ومل يعد أحد يعري للطبيعة أي اهتمام‪،‬‬ ‫�م املال‪ ،‬حتى ولو كان هذا‬ ‫�يء جيلب هل�‬ ‫فأصبح الناس يهتمون بأي ش�‬ ‫عن طريق قطع كل أشجار العامل أو تلويث كل مصادر املاء‪ ،‬وكان هذا‬ ‫ريا فتمنى لو كان يعيش يف حقبة الساموراي‪ ،‬ولكن ال‬ ‫حيزن سايري كث ً‬ ‫لسبب ما‪ ،‬وجيب أن يتقبل قدره‬ ‫حياة ملن ينادي‪ ،‬فلقد ولد يف هذا العصر‬ ‫ٍ‬ ‫�عادة كما يقول بوذا‪.‬‬ ‫ويرضى به‪ ،‬وهذا هو املفتاح للس�‬ ‫ريا يف الطريق املمتد أمامه وملح بعض األدخنة اليت‬ ‫سار س�‬ ‫�ايري كث ً‬ ‫�يء ما‪.‬‬ ‫تتصاعد يف األفق فازدادت حريته وظن أنه رمبا يكون حريقا أو ش�‬ ‫�ق‪ ،‬فتذكر هذا املزارع‬ ‫يره حتى وجد بيتا على جانب الطري�‬ ‫أكمل س�‬ ‫البسيط الذي كان يشرتي منه أحيانا بعض املستلزمات للمعبد‪ ،‬وكان‬ ‫‪150‬‬


‫أوالده دائما يلعبون حول البيت‪ ،‬ويركضون ويهللون يف كل مكان‪ ،‬ولكنه‬ ‫مل يرهم اليوم‪ ،‬فتعجب واقرتب من البيت ثم بدأ يطرق الباب‪ ،‬ومرت عدة‬ ‫ثوان ومل جيب أحد‪ ،‬فطرق بقوة أكرب‪ ،‬قائ ًال‪:‬‬ ‫– –هل يوجد أحد هنا؟ أنا سايري!‬ ‫ير يف البيت‪ ،‬لكنه وجد األتربة‬ ‫�ن ال إجابة‪ ،‬فدفع الباب وبدأ يس�‬ ‫ولك�‬ ‫�هور‪ ،‬فزادت حريته وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫متلؤه وكأنه ترك منذ عدة ش�‬ ‫– –هل حدث شئ ما هنا جعل الناس يغادرون املكان َّ‬ ‫وحل حمله هذا الربج‬ ‫الغريب؟! هل دربين هذا الغريب على هذه القدرة لكي أحارب ش��يئا‬ ‫�يء‪ ،‬فلقد‬ ‫ما قد اجتاح املدينة؟ ولكن ما هو؟ وملاذا مل خيربني بأي ش�‬ ‫�خصا يبدو بال مشاعر على اإلطالق‪ ،‬وال يريد اإلجابة على‬ ‫كان ش�‬ ‫أي سؤال أسألة‪ ،‬ولكن ما الذي حيدث هنا حقا؟ أنا مل أعد أفهم شيئا‬ ‫وهذا يغضبين ويزيد حنقي‪ .‬خرج سايري من البيت وأكمل مسريته‪،‬‬ ‫وفجأة شعر بأن أحدا ما يراقبه من بني األشجار‪.‬‬

‫***‬

‫‪151‬‬


‫‪12‬‬ ‫خرج إريس من الربج املعتاد ليجد نفسه يف ضواحي املدينة‪ .‬سار حتى‬ ‫ريا على األقدام وهو يفكر بكل ما حدث له‪ ،‬ولكن‬ ‫قطع مسافات شاسعة س ً‬ ‫ريا حقا‪ ،‬فهو مل يتوقع كل األحداث الغريبة اليت حدثت‬ ‫األم�‬ ‫�ر كان مث ً‬ ‫�تيقظ وناداه هذا الصوت بالعينة رقم ست‪ ،‬ولكن تدريباته‬ ‫له منذ أن اس�‬ ‫�ابقة الغريبة هي ما ُأثارته حقا‪ ،‬ومل يكن يعرف أن قوة‬ ‫يف هذا الربج واملس�‬ ‫كهذه قد مت التوصل هلا‪ ،‬مل يعرف ميت متت زراعتها بداخله‪ ،‬ولكن كل‬ ‫ما يعرفه أنها بطريقة ما أصبحت له اآلن‪ ،‬فبعد أن بعث كجاسوس من‬ ‫األمم املتحدة األوروبية ليبحث يف أمر سالح الدمار الشامل الذي صنعته‬ ‫�ن بكرة أبيها‪ ،‬وجد‬ ‫�ف األمم املتحدة ع�‬ ‫مصر يف اخلفاء والذي قد ينس�‬ ‫�عر يف البداية أنهم قد كشفوا أمره‪،‬‬ ‫�ه يف هذا املكان يف املقابل‪ ،‬ش�‬ ‫نفس�‬ ‫ولكن األمر أصبح أكثر غرابة عندما أعطوه قدرة كهذه وتركوه يذهب‬ ‫�فوا‬ ‫بدون أن يتم إلقاء القبض عليه‪ ،‬فعندها فقط تأكد أنهم مل يكتش�‬ ‫�يعذبه ليحصل منه‬ ‫أمره‪ ،‬فلن يعطي أحد قوة كهذه أللد أعدائه‪ ،‬بل س�‬ ‫�ر‬ ‫�ة إريس‪ ،‬هو اختفاء البش�‬ ‫على معلومات يف املقابل‪ ،‬ولكن ما أثار دهش�‬ ‫�اء‪ .‬وعندما نظر إىل األفق رأى الدمار الذي حل باملدينة‬ ‫املريب يف األحن�‬ ‫خملف ًا أدخنة تتصاعد من فوق مبانيها مع الكثري من احلطام واألنقاض‬ ‫ير فيه‬ ‫وكأن هناك حر ًبا قد حدثت هناك‪ ،‬ولكن اجلزء الذي كان يس�‬ ‫سليما ومل ميسسه شيء‪ .‬ولكن منذ سريه يف ضواحي املدينة الحظ‬ ‫كان‬ ‫ً‬ ‫‪152‬‬


‫متاما من أي أثر للحياة‪ ،‬ولكنه اجنذب إىل صوت إطالق نريان‬ ‫أنها فارغة ً‬ ‫جدا‪ ،‬فأدرك أن هناك أحدا‬ ‫يف أحن�‬ ‫�دا ً‬ ‫�اء املدينة‪ ،‬ولكن الصوت كان بعي� ً‬ ‫�ة الصوت متمن ًيا أال جيد‬ ‫�ا جعله يطمئن قليال‪ .‬انطلق ناحي�‬ ‫غريه مم�‬ ‫شيئا غري ًبا ال ميكن التعامل معه‪ ،‬فلقد شاهد هذه األفالم عن املدن اليت‬ ‫�ر‪ ،‬فيهرب البشر خارج املدينة‬ ‫جتتاحها خملوقات الزوميب ملتهمني البش�‬ ‫�تطيعوا اهلرب‪ ،‬فيحاربون‬ ‫�ر الذين مل يس�‬ ‫فيتبقى فقط القليل من البش�‬ ‫�رة‪ ،‬فهو مل جيد‬ ‫�خافة الفك�‬ ‫�عر بس�‬ ‫بي من أجل البقاء‪ .‬ولكنه ش�‬ ‫الزوم�‬ ‫�م من أنه قد قطع‬ ‫�د‪ ،‬أو أي خملوق حوله على الرغ�‬ ‫�ر للدماء بع�‬ ‫أي أث�‬ ‫�افة كبرية‪ ،‬ولكن أخذ االحتياط واجب‪ ،‬فلقد مر إريس على متجر‬ ‫مس�‬ ‫�ا ورشاشا من نوعية ‪ M4A1‬ومتنى أال يضطر‬ ‫أسلحة وأخذ منه مسدس�‬ ‫�عر إريس بأنه مراقب عدة مرات‪ ،‬ولكنه مل‬ ‫الستخدامهما‪ .‬أثناء سريه ش�‬ ‫�خص يف‬ ‫جيعل هذا يزعجه‪ ،‬فلرمبا كان حمض خيال‪ ،‬فهو مل ير أي ش�‬ ‫�ن األجواء ا ُملريبة حوله‪،‬‬ ‫�اء نهائ ًيا مما جعله يتخيل أنه مراقب م�‬ ‫األرج�‬ ‫�وارع كانت ممتلئة باألتربة‪ ،‬وكأنها تركت منذ شهور‪.‬‬ ‫فالبيوت والش�‬ ‫يره حتى صعد على هضبة عالية بني األشجار‪ ،‬فلم يدر إذا‬ ‫أكمل س�‬ ‫�تان‪ ،‬فمنذ أن دخل هذا املكان املمتلئ‬ ‫ير يف غابة أم جمرد بس�‬ ‫كان يس�‬ ‫�جار اخلضراء‪ ،‬ذات األغصان‬ ‫ريا وسط األش�‬ ‫�جار وهو يس�‬ ‫باألش�‬ ‫ير كث ً‬ ‫�ات تركض هنا وهناك‪،‬‬ ‫�ابكة‪ ،‬والطيور تغين فوقه‪ ،‬وبعض احليوان�‬ ‫املتش�‬ ‫�ص األوراق يف تناغم تام‪.‬‬ ‫�جار فترتاق�‬ ‫وكانت الرياح تداعب أوراق األش�‬ ‫وفجأة خطا إريس على شيء ما مل يشعر به‪ ،‬فأخذ الشيء يشع بنور أمحر‬ ‫ثم ينطفئ من حتت الرتاب يف الغابة‪ .‬كان الشيء عبارة عن جهاز إنذار‬ ‫�اع باملتطفلني‪ .‬فجأة‬ ‫خصيصا لإليق�‬ ‫�ون حتت الرتاب‪ ،‬صنع‬ ‫صغري مدف�‬ ‫ً‬ ‫شعر إريس بصوت أقدام تقرتب‪.‬‬ ‫ركض بعض اجلنود مبالبسهم الرمسية وعلم اجليش املصري املطرز‬ ‫‪153‬‬


‫�كني بأسلحتهم ذات الطابع الغريب‪ ،‬فهي عبارة عن‬ ‫على مالبسهم‪ ،‬ممس�‬ ‫�مة لطرفني‪،‬‬ ‫�اش اآللي‪ ،‬الفرق فقط أنها منقس�‬ ‫بندقية طويلة‪ ،‬كالرش�‬ ‫�فلي‪ ،‬وبينهما فراغ‪ ،‬وفى وسط الفراغ يوجد جزء‬ ‫طرف علوي وطرف س�‬ ‫كروي بداخله شي أزرق مضيء ال يكف عن الدوران بسرعة داخل الزجاج‬ ‫الكروي الشكل‪ ،‬الذي كان يبدو كنواة الذرة‪.‬‬ ‫وهكذا استمر اجلنود بالتحرك بانتظام الواحد تلو اآلخر مستخدمني‬ ‫األساليب احلديثة يف اجليش للتحرك والتمركز‪ ،‬ليتوغلوا داخل الغابة‬ ‫�ديد‪ ،‬حتى اقرتبوا من موقع اإلشارة‪ ،‬فأشار أحد اجلنود‪ ،‬والذي‬ ‫حبذر ش�‬ ‫كان يبلغ عددهم مخسة جنود باإلضافة إىل الكابنت‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫– –سيدي‪ ،‬اإلشارة قد جاءت من هنا‪ ،‬هذا ما تظهره لي اخلريطة ثالثية‬ ‫األبعاد‪ ،‬هل نهجم اآلن؟‬ ‫جيدا‪ ،‬فقال وهو‬ ‫كان الكابنت متمركزا خلف األشجار يراقب الوضع ً‬ ‫يشري بيده للجنود للهجوم‪:‬‬ ‫– –حسنا‪ ،‬انطلقوا اآلن‪.‬‬ ‫�خصا‬ ‫أخذ اجلنود يندفعون الواحد تلو اآلخر بنظام تام‪ ،‬فوجدوا ش�‬ ‫�ك بعض‬ ‫�فى‪ ،‬وميس�‬ ‫�س بيضاء كمريض خرج من مش�‬ ‫�دي مالب�‬ ‫يرت�‬ ‫مستسلما‬ ‫األسلحة‪ ،‬وبدوره اندهش عندما رآهم مندفعني حنوه فرفع يده‬ ‫ً‬ ‫�اش ُمعلقا على رقبته ويتدىل حتى صدره‪.‬‬ ‫والرش�‬ ‫فقال الكابنت بالعربية بنربة عسكرية حاده‪:‬‬ ‫– –من أنت؟ وكيف وجدت هذا املكان؟‬ ‫فنظر إريس حوله وهو ال يزال مدهوش ًا‪ ،‬فهو مل يتوقع هذه الصحبة هنا‪ ،‬وأول‬ ‫ما خطر على باله بأنه قد مت اكتشاف أمره هذه املرة من قبل املخابرات املصرية‪.‬‬ ‫‪154‬‬


‫فقال بلهجة أجنبية وهو يرفع يده باستسالم تام‪:‬‬ ‫– –أنا ال أعلم ما حيدث هنا!‬ ‫ترب أحد اجلنود من الكابنت وهمس يف أذنه بضعة ثوان ثم ابتعد‪،‬‬ ‫اق�‬ ‫�ى وجهه بصيص من األمل‪ ،‬فقال بنربة‬ ‫فتغريت مالمح الكابنت وبدا عل�‬ ‫مدهوشة‪:‬‬ ‫– –هل أنت من األمم املتحدة األوروبية؟‬ ‫فقال إريس برتدد وقد شعر بأنه قد مت كشفه ال حمالة‪:‬‬ ‫– –نعم‪.‬‬ ‫فأمر الكابنت اجلنود بأن خيفضوا أسلحتهم واقرتب ناحية إريس ببطء‬ ‫ووضع يده على كتفه األمين‪ ،‬واالبتسامة تعلو وجهه قائال بنفس النربة‪:‬‬ ‫– –مرحبا بك أيها األوروبي لقد كنا يف انتظارك‪.‬‬ ‫تعجب إريس مما حيدث حوله‪ ،‬فلقد ظن أنهم عندما يعلمون أنه من‬ ‫�يتم إلقاء القبض عليه فو ًرا‪ ،‬ولكن حدث العكس‪ ..‬يبدو أنهم‬ ‫أوروبا فس�‬ ‫يرحبون به بسعادة كبرية‪ .‬وبدأ بعض اجلنود يتهامسون وكأنهم كانوا‬ ‫�عر إريس بالتعجب مما حيدث‬ ‫أموات ًا وردت روحهم إليهم مرة أخرى‪ ،‬فش�‬ ‫�ى مع املوقف حال ًيا‪ ،‬حتى يفهم ما حيدث‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬وقرر بأن يتماش�‬ ‫استطرد الكابنت قائال‪:‬‬ ‫�يء‪ ،‬فلقد كنا بدأنا‬ ‫�نطلعك على كل ش�‬ ‫– –تعاىل معنا إىل املقر س�‬ ‫�دو أنه مت إنقاذنا‪.‬‬ ‫نفقد األمل‪ ،‬ولكن يب�‬ ‫قاطعا الغابة‪.‬‬ ‫فأومأ إريس برأسه باملوافقة‪ ،‬ثم بدأ يسري مع اجلنود‬ ‫ً‬ ‫***‬ ‫‪155‬‬


‫‪13‬‬ ‫�اؤالت تدور‬ ‫خرج إيفانوف من نفس الربج الغريب‪ ،‬والعديد من التس�‬ ‫يف ذهنه‪ ،‬ولكنه كلما حاول التفكري يف إجابات‪ ،‬وجد األسئلة اليت تراوده‬ ‫�ار يف‬ ‫يزداد عددها‪ ،‬فقرر عدم التفكري حتى تتضح له الصورة كاملة‪ .‬س�‬ ‫�وف ذو األربعني عاما‪ ،‬عريض املنكبني‬ ‫حبث عن إجابات‪ .‬إيفان�‬ ‫طريق�‬ ‫�ه ٍ‬ ‫�ده وبروز عضالته‪.‬‬ ‫�د‪ ،‬ويبدو كمصارع من ضخامة جس�‬ ‫وضخم اجلس�‬ ‫�ارب كثيفان‪ ،‬وقدرته هي‬ ‫�عره أشقر‪ ،‬وعيناه زرقاوان‪ ،‬وعنده حلية وش�‬ ‫ش�‬ ‫بتصليب جسده مبادة صلبة للغاية‪.‬‬ ‫�ماء املظلمة‪،‬‬ ‫�رج من الربج وقد كان الليل قد حل‪ ،‬فنظر إىل الس�‬ ‫خ�‬ ‫�ق اهلواء العليل الذي أفتقده طوال هذه املدة اليت قضاها‬ ‫وأخذ يستنش�‬ ‫بداخل الربج‪.‬‬ ‫�تيقظ هنا‪ ،‬مل يتذكر كيف‬ ‫�يء غريبا منذ أن اس�‬ ‫لقد كان كل ش�‬ ‫وصل إىل هنا‪ .‬وهكذا بدأ يتفقد بعينيه الظالم الذي يلف املكان‪ ،‬فرأى انه‬ ‫متاما‪،‬‬ ‫يف مدينة ما‪ .‬فعلى مس�‬ ‫�توي نظره‪ ،‬رأى مباني البعض منها مدمر ً‬ ‫والبعض اآلخر جني من التدمري‪ ،‬وبالكاد استطاع أن يري تفاصيلها بسبب‬ ‫الظالم الذي يغطي كل شيء‪ ،‬ولكن ضوء القمر الذي كان يسقط من‬ ‫السماء‪ ،‬لينري له الطريق قليال هو ما ساعده بعض الشيء يف غياب أنوار‬ ‫املدينة اليت كانت مطفأة بالكامل‪ .‬هكذا نظر خلفه لريي الربج الشاهق‬ ‫‪156‬‬


‫�ماء‪ .‬كان يتمركز الربج على أطراف حديقة‬ ‫�موخ إىل الس�‬ ‫املمتد بش�‬ ‫�رة املمتدة أمامه‪ .‬بدأ إيفانوف‬ ‫�ا‪ ،‬بينما ينظر بكربياء إىل املدينة املدم�‬ ‫م�‬ ‫�عر ببعض التوتر واحلرية من منظر املدينة املدمر‪ ،‬ومل يكن يعلم ملاذا‬ ‫يش�‬ ‫�باح‪،‬‬ ‫�ه ال زالت ضعيفة‪ ،‬ولكن املدينة كانت تبدو كمدينة أش�‬ ‫فذاكرت�‬ ‫�اكن ومدمر وصامت بالكامل‪ ،‬ال وجود للسيارات املزعجة‪،‬‬ ‫كل شيء س�‬ ‫متاما‪ ،‬ال وجود ألحد‪،‬‬ ‫وأصوات البش�‬ ‫�ر اليت متأل املدينة‪ ،‬كل شيء مظلم ً‬ ‫فبدأ عقله بصنع قصص عما حدث هنا‪ ،‬مثل حدوث كارثة ما‪ ،‬أو أنه يف‬ ‫�ار قلي ًال قد جيد بعض البشر‪ ،‬ويستفسر‬ ‫مكان مهجور يف بلد ما‪ ،‬وإذا س�‬ ‫�جاعته وبدأ يسري بني املباني‪ ،‬ويتفقد‬ ‫منهم عن كل شيء‪.‬استجمع ش�‬ ‫بعينيه املتاجر واملقاهي واألسواق املهجورة بالكامل‪ ،‬يف املنطقة اليت جنت‬ ‫تركت مجيعها‬ ‫من الدمار اليت كان يسري فيها ولكن ما لفت نظره أنها ُ‬ ‫�ة‪ ،‬ومل تكن مغلقة‪ ،‬فرجح عقله فكرة حدوث كارثة ما‪ ،‬هرب من‬ ‫مفتوح�‬ ‫أثرها البشر‪ ،‬فأخذ بالتساؤل هل يكون هناك تسرب اشعاعي‪ ،‬او شيئا من‬ ‫هذا القبيل؟ حرب حدثت هنا؟ انفجار كبري؟‬ ‫�يء واحد‪ ،‬غري انه هناك شيئا ما جيري هنا‪ ،‬فكل ما‬ ‫مل يتوصل إىل ش�‬ ‫�تيقظ مل يكن طبيعي على اإلطالق‪ .‬لفت نظر إيفانوف‬ ‫حدث منذ أن اس�‬ ‫�لحة على ميينه مل ميسه الدمار‪ ،‬فشعر‬ ‫ير يف الظالم‪ ،‬متجر أس�‬ ‫وهو يس�‬ ‫ببعض األمل‪ ،‬فانطلق بسرعة حنو املتجر ودلف إليه وكان الظالم يلف‬ ‫�تيعاب الظالم يف املتجر‪ ،‬ولكنه مل يستطع أن يرى شيئ ًا‪،‬‬ ‫املكان‪ .‬حاول اس�‬ ‫�ار‬ ‫فلقد كان الظالم يلف املكان بالكامل‪ ،‬ومل يرتك أي بقعة مضيئة‪ ،‬فس�‬ ‫�طهما أمامه وأخذ يتحسس كل‬ ‫�س املكان بيده‪ ،‬فبس�‬ ‫حبذر وهو يتحس�‬ ‫شيء‪ ،‬فبدأ بلمس بعض األجسام اجملهولة بيده واليت حللها عقله ووضع‬ ‫هلا أمساء‪ ،‬طاولة‪ ،‬بعض العلب‪ ،‬والصناديق‪ ،‬وأخريا وصل لرف األسلحة‪،‬‬ ‫�ا األسلحة فوجد العديد من األسلحة اليت مل يتعرف‬ ‫متحسس�‬ ‫فرفع يده‬ ‫ً‬ ‫�يء صغري احلجم‬ ‫�دة هلا‪ ،‬ولكن لفت نظره ش�‬ ‫�ا‪ ،‬لعدم رؤيته اجلي�‬ ‫عليه�‬ ‫‪157‬‬


‫�ن االمل‪ ،‬لقد وضع يده على‬ ‫�عر ببصيص م�‬ ‫ودائري من األمام‪ ،‬فبدأ يش�‬ ‫�بت به بقوة وأمسكه جيدا‪ ،‬وكأنه‬ ‫منظار حراري‪ ،‬مزود برؤية ليلية‪ ،‬فتش�‬ ‫واضعا إياه على عينيه‪ .‬ضغط على بعض االزرار يف املنظار‬ ‫�ل جناته؛‬ ‫حب�‬ ‫ً‬ ‫�يء حييطه‬ ‫�ه‪ ،‬فتغريت الرؤية إىل الرؤية الليلية‪ ،‬فأصبح كل ش�‬ ‫بأصابع�‬ ‫�لحة جيدا‪،‬‬ ‫اللون األخضر‪ .‬بدأت الرؤية تتضح له اآلن‪ ،‬فبدأ برؤية األس�‬ ‫�م علقها على ظهره‪،‬‬ ‫�ى قناصة من نوع ‪ M24‬فأخذها ث�‬ ‫فوضع يده عل�‬ ‫جيدا‪ ،‬وبعض‬ ‫�لحة أخرى‪ ،‬مسدس ورش�‬ ‫وأخذ أيضا أس�‬ ‫�اش‪ ،‬ليأمن نفسه ً‬ ‫القنابل اليدوية‪ ،‬واملعدات األخرى‪ ،‬اليت قد حيتاجها‪ ،‬ومن حس��ن حظه‬ ‫وجد حقيبة لألسلحة يف املتجر‪ ،‬فساعدته على محل هذه األشياء‪ .‬جهز‬ ‫�رى الطريق إىل املخرج‪ ،‬فالتف‬ ‫واضعا املنظار على عينيه حتى ي�‬ ‫�ه‬ ‫نفس�‬ ‫ً‬ ‫ناحية باب اخلروج‪ ،‬ونظر أمامه‪ ،‬فوجد شيئ ًا ما يقف أمامه‪ ،‬فرتاجع عدة‬ ‫�لحة عليه‪،‬‬ ‫�زع حتى أصطدم باحلائط الذي مت تعليق األس�‬ ‫خطوات بف�‬ ‫فارتطم ببعض األسلحة اليت بدورها سقطت عليه‪ ،‬ولكن جسده الضخم‬ ‫�ر من خالل املنظار‬ ‫�قط عليه‪ ،‬ونظ�‬ ‫�رعة وأزاح ما س�‬ ‫مل يتأثر‪ ،‬فوقف بس�‬ ‫�دس اليدوي يف فزع‪ ،‬ولكن مل جيد شيئ ًا‪.‬‬ ‫�هرا املس�‬ ‫أمامه مرة أخرى مش� ً‬ ‫متفحصا املكان من حوله ولكن ال‬ ‫�وة‪،‬‬ ‫�ذ ينظر حوله وقلبه خيفق بق�‬ ‫أخ�‬ ‫ً‬ ‫شيء‪ ،‬عدا األسلحة املعلقة هنا وهناك‪ ،‬وبعض املعدات األخرى‪ ،‬فظن بأنه‬ ‫�خصا ما يقف أمامه‪ .‬هدأ من‬ ‫كان يتهي‪ ،‬ولكنه واثق ً‬ ‫متاما‪ ،‬بأنه رأى ش� ً‬ ‫�عر بأن نبضات قلبه بدأت تعود إىل معدهلا‬ ‫متنفسا الصعداء‪ ،‬وش�‬ ‫روعه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جيدا‪ .‬شعر‬ ‫الطبيعي‪ ،‬فتوجه إىل خارج املتجر‪،‬‬ ‫متفحصا املكان من حوله ً‬ ‫ً‬ ‫�ديد خلروجه من هذا املكان املظلم الذي جيعله فريسة سهلة‬ ‫بارتياح ش�‬ ‫ألي شيء‪ ،‬وتفحص الطريق من حوله باملنظار الذي أصبح اآلن عينه اليت‬ ‫�وف بعناية ميتد أمامه‪ ،‬وال يوجد‬ ‫�رى يف الظالم‪ ،‬فوجد الطريق املرص�‬ ‫ت�‬ ‫يره يف املنطقة اليت مل يطاهلا‬ ‫أحد‪ ،‬فأكمل طريقه يف الظالم‪ .‬وأثناء س�‬ ‫الدمار بعد‪ ،‬أمل أن جيد أحدا يؤنس وحدته أو جيد سايري الذي ال يعلم‬ ‫‪158‬‬


‫أين هو اآلن؟ وهل هو حي أم ميت؟ ولكنه كان يثق بأنه على قيد احلياة‬ ‫�هولة وشعر إيفانوف بأن هذا رمبا يكون‬ ‫فهو أقوي من أن ميوت بهذه الس�‬ ‫�خيف آخر فلم يقلقه ورأى بأنه رمبا يكون أصعب من ذي قبل‬ ‫اختبار س�‬ ‫وهذا سيجعل األمر أكثر إثارة بالنسبة له‪.‬‬ ‫�ا املتاجر واملباني‬ ‫متفحص�‬ ‫يره حتى قطع الطريق كله‪،‬‬ ‫أكمل س�‬ ‫ً‬ ‫�ة‪ ،‬والبعض اآلخر منها متوقف يف‬ ‫�يارات املركونة الفارغ�‬ ‫املهجورة والس�‬ ‫�ت الفوضى تعم املكان‪،‬‬ ‫�ف الطريق وال يوجد أحد بداخله‪ .‬كان�‬ ‫منتص�‬ ‫فأكمل مسريته‪ ،‬حتى بدأ يرى بعض املباني احملطمة أمامه والكثري من‬ ‫�ث املقطعة واحملروقة واليت تناثرت يف كل مكان وكان لون الدماء‬ ‫اجلث�‬ ‫�يء من حوله‪ ،‬ورأى العديد من اهليكل العظمية مما جعله‬ ‫يصبغ كل ش�‬ ‫وقت طويل ال يعلمه أحد إال اهلل‪.‬‬ ‫يعلم بأن هذه الكارثة حدثت من�‬ ‫�ذ ٍ‬ ‫�عفه عقله الذي أخذ‬ ‫أيضا الكثري من الروبوتات احملطمة‪ .‬مل يس�‬ ‫رأى ً‬ ‫�ل احتمالية حدوث حر ًبا ما‬ ‫�ض األفكار اليت أثارت قلقه‪ ،‬مث�‬ ‫يقذف ببع�‬ ‫بالفعل‪ ،‬وانه قد يتعرض للقتل يف أي حلظة‪ ،‬وأن العدو ال زال قريب‪ ،‬وقد‬ ‫�يء الذي رآه يف املتجر هو أحد األعداء‪ ،‬وهرب عندما أكتشف‬ ‫يكون الش�‬ ‫بر‪ ،‬ملتصق ًا باملباني‪ ،‬حتى ال يكون‬ ‫ير حبذر أك�‬ ‫أمره‪ ،‬فبدأ إيفانوف يس�‬ ‫�ه‪:‬‬ ‫لقمة زائغة ألحد القناصة‪ .‬قال بينه وبني نفس�‬ ‫�ذه اجلثث امللقاة يف كل‬ ‫�دث هنا؟ أين أنا؟ ما كل ه�‬ ‫– –ما الذي حي�‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫مكان؟ ما نوع الكارثة اليت حدثت هنا؟ فأنا أرى روبوتات مدمرة ً‬ ‫�ر؟ أم أنه عدو آخر‬ ‫�ل يكون ما حدث هو نزاع بني الروبوتات والبش�‬ ‫ه�‬ ‫�خصا ما حي ليخربني مبا‬ ‫�م كالهم؟ جيب أن أحبث عن ش�‬ ‫دمره�‬ ‫�ا األمر ليس اختبا ًرا كما ظننت‪.‬‬ ‫حيدث! رمب�‬

‫‪159‬‬


‫بعد بضعة أمتار بدأ بدخول املنطقة املدمرة فرأى املباني املتساقطة‬ ‫فوق بعضها البعض‪ ،‬والسيارات احملطمة‪ ،‬وعن قرب رأى جثث البشر املتناثرة‬ ‫�اء وعجائز‪ .‬كان املنظر يشعره‬ ‫يف كل مكان‪ ،‬جثث أطفال ورجال ونس�‬ ‫بالغثيان‪ ،‬فأجسادهم حمطمة ومهمشة واعضائهم متناثرة يف كل مكان‪.‬‬ ‫وكانت رائحة البارود والرصاص متأل املكان‪ ،‬فتأكدت شكوكه بأنه‬ ‫�ور احلطام قافزً ا من فوق‬ ‫�اك معركة ما هنا بالفعل! بدأ بعب�‬ ‫كان هن�‬ ‫األطالل هنا وهناك وتسلق بعضها اآلخر‪ ،‬حماو ًال عدم املساس أو االقرتاب‬ ‫�عة‪،‬‬ ‫من اجلثث اليت كانت ميتة منذ وقت طويل وتفوح منها رائحة بش�‬ ‫�د املباني على ميينه‪،‬‬ ‫�ط حطام أح�‬ ‫�يئ ًا يتحرك وس�‬ ‫فجأة مسع صوت ش�‬ ‫فرتاجع إيفانوف حبذر وترقب؛ وفجأة من بني احلطام والظالم ظهر شيء‬ ‫�ب عينيه تلمعان بضوء أمحر‪ .‬فأزال إيفانوف املنظار من على عينيه‬ ‫غري�‬ ‫�د هذا الشيء‬ ‫�اهد ملعانها الطبيعي‪ ،‬ثم وضعه مرة أخرى لريى جس�‬ ‫ليش�‬ ‫�يء عليه بسرعة‬ ‫الغريب الذي كان يلمع على ضوء القمر‪ ،‬ركض الش�‬ ‫رهيبة وقفز عال ًيا برشاقة رهيبة لينقض عليه‪ ،‬فغطي املعدن يدا إيفانوف‬ ‫�عر كأنه قد لكم‬ ‫�يء‪ ،‬فش�‬ ‫اليمين‪ ،‬ثم وجه لكمة قوية إىل وجه هذا الش�‬ ‫بعيدا من قوة لكمة إيفانوف‪ ،‬ولكنه‬ ‫جسدا معدني‪ .‬طار الش�‬ ‫�يء الغريب ً‬ ‫ً‬ ‫�رج إيفانوف مصباح‬ ‫�رعان ما وثب على قدميه وعاد من جديد‪ ،‬فأخ�‬ ‫س�‬ ‫�يء‪ ،‬لقد كان الشيء الواقف‬ ‫كهربائي من جيبه ووجهه ناحية هذا الش�‬ ‫�اني على اإلطالق‪ ،‬بل ال يوجد فيه ذرة من اإلنسانية‪ ،‬لقد‬ ‫أمامه غري إنس�‬ ‫كان روبوت على هيئة بشر‪ ،‬عيناه تشعان بامحرار شديد‪ ،‬وجسده يغطيه‬ ‫معدن الكروم املشبع بلون فضي‪ ،‬مما جعل جسده يلمع حتت ضوء القمر‪،‬‬ ‫�ذر معه باهلالك لكل ما يف طريقه‪ ،‬وفوق جبينة بقليل‪ ،‬تلمع جوهرة‬ ‫لين�‬ ‫�اكلتها من الزجاج‪،‬‬ ‫�تدير على ش�‬ ‫غريبة‪ ،‬بلون أزرق‪ ،‬حيميها حاجز مس�‬ ‫�يء‪،‬‬ ‫�ا يوجد طيف أزرق ميألها‪ ،‬بدا أنه مصدر الطاقة هلذا الش�‬ ‫وداخله�‬ ‫�تنتج إيفانوف بأن هذه األشياء‬ ‫�يء‪ ، ،‬فأس�‬ ‫وعند صدره يوجد نفس الش�‬ ‫‪160‬‬


‫هي ما تعطيه الطاقة ليتحرك‪ ،‬أنها كالقلب والعقل بالنسبة له‪ .‬وجهه‬ ‫�عر فوق رأسه؛ وجه‬ ‫�ر ولكنه بارد بال مشاعر‪ ،‬وليس لديه ش�‬ ‫�به البش�‬ ‫يش�‬ ‫بلون فضي‪ ،‬وباقي اجلسد كالزجاج‬ ‫وصدر‬ ‫واقدام وايدي‬ ‫وظهر يتميزون ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فيضا من طاقة زرقاء اللون‪.‬‬ ‫�تيك الش�‬ ‫او البالس�‬ ‫�فاف‪ ،‬ويتدفق بداخله ً‬ ‫�ات‪ ،‬بل وقت القتال‪.‬‬ ‫�ذا وقت التأمل فيه ومجع املعلوم�‬ ‫ولكن مل يكن ه�‬ ‫توقف الروبوت‪ ،‬ورفع أصابع يده اليمين ووجهها ناحية إيفانوف‪ ،‬فانفتحت‬ ‫أصابعه لتصبح أشبه بفوهة املسدس‪ ،‬بل مخس فوهات‪ ،‬فتذكر إيفانوف‬ ‫قتاله مع كينو‪ ،‬ففعل قوته ليكسي احلديد جسده من االمام‪ ،‬فانطلقت‬ ‫الرصاصات تشق اهلواء لتصطدم جبسد إيفانوف الذي كان يف وضعية‬ ‫الدفاع ومل تؤثر به أ ًيا منها‪ ،‬فأندفع إيفانوف حنوه‪ ،‬فأندفع الروبوت بقوة‬ ‫ناحيته‪ ،‬فرفع إيفانوف يده وهبط بها على رأس الروبوت ليهوي برأس��ه‬ ‫على األرض فتتحطم من قوة اللكمة‪.‬‬ ‫ألتقط أنفاسه وتفقد جسد الروبوت الغريب‪ ،‬ثم قرر أن يغلق املصباح‬ ‫جمددا‪ ،‬قال‬ ‫ويستخدم منظار الرؤية الليلية حتى ال جيده أحد الروبوتات‬ ‫ً‬ ‫بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –إذا يبدو بأن الروبوتات هي املسؤولة عن هذه الكارثة بطريقة ما! جيب‬ ‫أحدا ما من الناجون ليخربني بكل شيء‪.‬‬ ‫أن أجد ً‬ ‫قطع املباني احملطمة متوخ ًيا احلذر‪ ،‬وضوء القمر يلمع يف السماء‪،‬‬ ‫�هدت رع ًبا ال‬ ‫�وء على ارجاء املدينة احملطمة اليت ش�‬ ‫وألقى ببعض الض�‬ ‫�ه البيضاء‪،‬‬ ‫�رب داخل مالبس�‬ ‫يعلمه غري املوتى‪ ،‬وكان اهلواء البارد يتس�‬ ‫�عر برعدة خفيفة من الربد‪ ،‬وأصابعه جتمدت من الربد بسبب محله‬ ‫فش�‬ ‫�اره مييل على‬ ‫�ة الوقت لكي يري‪ .‬رأى أحد املباني على يس�‬ ‫املنظار طيل�‬ ‫متاما‪ ،‬فخطر على باله فكرة‪ ،‬وشرع يف تنفيذها‬ ‫اآلخر ولكنه مل يس�‬ ‫�قط ً‬ ‫�ا ًرا‪ ،‬وأخذ يتسلق املبين املائل‪ ،‬حماوال الوصول إىل‬ ‫بال تردد‪ ،‬فانعطف يس�‬ ‫‪161‬‬


‫قمته بتسلق املنحدرات الوعرة‪ ،‬فتمس��ك بالصخور واملكاتب واالسالك‬ ‫وكاد عدة مرات أن يفقد توازنه ولكنه متسك باألشياء القريبة منه وقد‬ ‫�فله أثناء تسلقه وأمل بأال يسقط‬ ‫استعاد توازنه‪ .‬مسع صرير املبين أس�‬ ‫صعودا جمتاز ًا كل العقبات يف طريقه املائل‬ ‫�ذا أكمل طريقه‬ ‫اآلن‪ ،‬وهك�‬ ‫ً‬ ‫�عر بأن هذه هي‬ ‫�ى وصل أخريا إىل قمة املبين‪ ،‬فش�‬ ‫�يء باملخاطر‪ ،‬حت�‬ ‫املل�‬ ‫النقطة املناس��بة ليتفقد املدينة من أعلى‪ ،‬ويرى إىل أين ميكنه الذهاب‬ ‫�ر يف مدينة‬ ‫ريا من فوق‪ ،‬أو أي عالمة لوجود بش�‬ ‫فلرمب�‬ ‫�ا يرى مكان� ًا من ً‬ ‫االشباح هذه‪ .‬وضع إيفانوف احلقيبة على األرض جبانبه‪ ،‬وأخذ القناصة‬ ‫من على ظهره‪ ،‬ونام على األرض املائلة‪ ،‬وقد عدل من وضعية جسده‪ ،‬حتى‬ ‫أصبح يف موضع جيد له‪ ،‬فبدأ بتفحص املدينة من فوق بالقناصة‪ ،‬ولكنه‬ ‫�تمر يف‬ ‫مل ير إال الظالم‪ ،‬يف كل أحناء املدينة مما أثار قلقه الشديد‪.‬اس�‬ ‫�يء غري الظالم‪ ،‬فجأة رأى يف مكان‬ ‫النظر يف كل االجتاهات ولكن ال ش�‬ ‫بعيد أمامه انفجار كبري هز أرجاء املدينة‪ ،‬ففزع من قوة االنفجار‪ ،‬وشرع‬ ‫بتفحص ما حيدث بواسطة املنظار‪.‬‬ ‫�عر ببعض القلق‪ ،‬ولكنه‬ ‫تلي هذا االنفجار عدة انفجارات أخرى‪ ،‬فش�‬ ‫�ه الذهاب‪ ،‬حتى جيد بعض االجابات‪،‬‬ ‫على األقل عرف اآلن إىل أين علي�‬ ‫�رر أن يلقي نظرة أخرية‬ ‫أيضا‪ .‬ق�‬ ‫وق�‬ ‫�د جيد املزيد من احلطام واجلثث ً‬ ‫�وه متاما؛ فقام بتفعيل الرؤية‬ ‫�ى الطريق أمامه حتى يتأكد من خل�‬ ‫عل�‬ ‫شخصا‬ ‫الليلية يف منظار القناصة‪ ،‬وبدأ ميسح الطريق اسفله‪ ،‬وفجأة رأى‬ ‫ً‬ ‫موجها نظره ناحية االنفجار‪ .‬شخص يرتدي‬ ‫يقف يف منتصف الطريق‪،‬‬ ‫ً‬ ‫�وة وغطاء للرأس‪ ،‬يبدو كقاتل أو شيء ما آخر ولكنه كان مريب‪،‬‬ ‫قلنس�‬ ‫فشكله ال يوحي باالطمئنان على اإلطالق‪ ،‬مما جعل إيفانوف يركز عليه‬ ‫�ابق‬ ‫جيدا‪ ،‬فحدق بقوة يف الغريب امللثم بدون أن يرف له جفن‪ .‬وبدون س�‬ ‫ً‬ ‫�ف ونظر إىل أعلى املبين احملطم ناحيته‪ ،‬فتفاجئ‬ ‫انذار رأى امللثم قد الت�‬ ‫�ه بسرعة‪ ،‬حتى ال يراه‪ .‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫إيفانوف‪ ،‬وأخنفض برأس�‬ ‫‪162‬‬


‫– –هل من املعقول أن يكون قد رآني يف هذا الظالم ومن هذا العلو؟ هذا‬ ‫�تحيل! ولكن كيف إذن نظر إىل مباشرة؟ لقد تالقت أعيننا‪ ،‬أنا‬ ‫مس�‬ ‫�ك‪ ،‬هل كانت صدفة؟ بالطبع هي صدفة‪ ،‬فال أحد‬ ‫متأكد من ذل�‬ ‫يستطيع الرؤية يف هذا الظالم‪ ،‬ومن هذا االرتفاع ‪ ..‬ام أن لديه قوة‬ ‫نوعا ما؟!‬ ‫من ً‬ ‫�ا النظر حبذر‪ ،‬ولكنه مل جيد الغريب! لقد‬ ‫خمتلس�‬ ‫جمددا‬ ‫�ه‬ ‫رفع رأس�‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متاما من أي أحد‪ ،‬ال شيء‪ ،‬غري احلطام‪ ،‬فشعر بتوتر‬ ‫كان الطريق خاو ًيا ً‬ ‫�ض احلطام يف املبين‪ ،‬فعرف على‬ ‫�قوط بع�‬ ‫خفيف‪ ،‬وفجأة مسع صوت س�‬ ‫�ور بأنه امللثم قد جاء لينال منه‪ ،‬فوثب على قدميه وعدل من وضعية‬ ‫الف�‬ ‫جسده ثم وجه املنظار إىل داخل املبين احملطم‪ ،‬فوجد امللثم يندفع ناحيته‬ ‫بعد أن مت اكتشاف أمره‪ ،‬وقد أخذ يقفز برشاقة‪ ،‬وهو يقطع املبين املائل‬ ‫�اهد امللثم‬ ‫ألعلى باجتاهه‪ .‬توقف إيفانوف عن احلركة لوهله وهو يش�‬ ‫�كوكه بأن امللثم‬ ‫�ع حنوه‪ ،‬فلم يصدق عيناه‪ ،‬ولكن اآلن تأكدت ش�‬ ‫يندف�‬ ‫�ط هذه العتمة‪ ،‬ولكن الوقت مل‬ ‫�د رآه بالفعل‪ ،‬أخذ يفكر كيف رآه وس�‬ ‫ق�‬ ‫�عفه لكي يستنتج ما حدث‪ ،‬فأفاق من دهشته‪ ،‬وبدأ يفكر ماذا سيفعل‬ ‫يس�‬ ‫�ة للغريب املندفع‬ ‫�ارع بعدل وضعية القناصة لتصبح مواجه�‬ ‫اآلن؟ فس�‬ ‫�يا‪،‬‬ ‫�كرية يف روس�‬ ‫�راوة حنوه‪ ،‬ومبا أن إيفانوف كان يف الكلية العس�‬ ‫بض�‬ ‫خمتصا بالتصويب من املدي البعيد‪ ،‬وكانت لديه موهبة كبرية‪.‬‬ ‫وكان‬ ‫ً‬ ‫�اكن مجيع‬ ‫�د فاقت قدرته على إصابة أي هدف متحرك كان أم س�‬ ‫فق�‬ ‫�ي‪ ،‬لدقة رؤيته‪،‬‬ ‫رفاقه يف الكلية‪ ،‬ومنذ هذا الوقت يلقبونه بالصقر الروس�‬ ‫�عر به‪ ،‬كما أنه‬ ‫ومداها‪ ،‬وقدرته على االنقضاض على هدفه بدون أن يش�‬ ‫مفتول العضالت وعريض املنكبني‪ ،‬مما جعله أيضا مقاتل بارع يف معارك‬ ‫بعيدا عن‬ ‫املدي القريب؛ القتال باأليدي‪ .‬من س�‬ ‫�وء حظ امللثم أنه كان ً‬ ‫�وت‪ ،‬ألنه يف اجملال الذي ال‬ ‫�باك العنكب�‬ ‫ايفانوف‪ ،‬فهذه جعله يقع يف ش�‬ ‫�ا عميق ًا‪ ،‬تاله الضغط‬ ‫نفس�‬ ‫خيطأ فيه هدفه ً‬ ‫ابدا‪ ،‬فصوب باجتاهه وأخذ ً‬ ‫‪163‬‬


‫�ق اهلواء متجهة ناحية امللثم‪،‬‬ ‫على الزناد لتنطلق الرصاصة مندفعة تش�‬ ‫يف نفس الوقت توقف امللثم‪ ،‬ثم رفع يديه إىل األمام ناحية الطلقة‪ ،‬وقبل‬ ‫أن تصيبه‪ ،‬قام بتحريك يديه بقوة إىل اليمني‪ ،‬فأنعكس أجتاه الرصاصة‬ ‫�د طريقها إىل خارج املبين‪،‬‬ ‫�مه وجت�‬ ‫إىل اليمني لتصطدم بالزجاج‪ ،‬وتهش�‬ ‫�توعب ما حدث وقد‬ ‫�تقرت يف املبين املقابل‪ .‬وقف ايفانوف يس�‬ ‫حتى اس�‬ ‫�عت عيناه من الدهشة‪ .‬قال بينه وبني نفسه بدهشة عارمة‪:‬‬ ‫اتس�‬ ‫�ارها! ما هذا حبق السماء؟ هل‬ ‫– –لقد جعل الرصاصة تنحرف عن مس�‬ ‫�ن الذين كانوا معنا يف االختبارات؟ إذا ملاذا يهامجين؟‬ ‫واحدا م�‬ ‫هو‬ ‫ً‬ ‫�ط‬ ‫�أن قدرته الغريبة هذه هي ما ممكنته من رؤييت وس�‬ ‫هل ميكن ب�‬ ‫لام؟! ال بد أنه مر مبا مررت به أيضا!‬ ‫الظ�‬ ‫حاول ايفانوف‪ ،‬اإلشارة بيده للغريب بأن يتوقف‪ ،‬ولكن مل ير بأن لديه‬ ‫�ذ قليل حماو ُال قتله‪ ،‬ولن يوقفه‬ ‫�ة لذلك فلقد أطلق عليه النار من�‬ ‫الني�‬ ‫شيئ ًا اآلن؛ وقت النقاش كان قبل أن يطلق ايفانوف طلقته األوىل‪ ،‬ولكن‬ ‫اآلن ال جمال للنقاش‪ ،‬ولكنها بالطبع كانت ردة فعل طبيعية منه‪ ،‬لرؤيته‬ ‫�خص يندفع حنوه بضراوة لقتله؛ فلم جيد خيا ًرا آخر غري اإلطالق‬ ‫لش�‬ ‫�رة أخرى آم� ً‬ ‫�وب على الغريب الذي‬ ‫لا أن تصيبه الطلقة التالية‪ ،‬فص�‬ ‫م�‬ ‫متجها ألعلى وقد‬ ‫�رك كاألفعى اليت تتلوي بني احلطام والصخور‬ ‫يتح�‬ ‫ً‬ ‫قطع نصف الطريق‪ .‬قال ايفانوف يف نفسه‪:‬‬ ‫– –طلقة أخرية إذا‪ ،‬فألجرب حظي‪.‬‬ ‫�وب ناحية فخذ الغريب امللثم لكي يصيبه يف قدمه هذه املرة‪ ،‬كي‬ ‫ص�‬ ‫يسقطه أرضا‪.‬‬ ‫عميق ثم حبسه حتى ال تهتز يده‪ ،‬ووضع كل تركيزه يف‬ ‫نفسا‬ ‫أخذ‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫�ذه الطلقة األخرية‪ ،‬بعد ثانية من التدقيق ضغط على الزناد‪ ،‬لتندفع‬ ‫ه�‬ ‫‪164‬‬


‫�رعة رهيبة‪ ،‬ولكن أثار دهشة إيفانوف أن الغريب احنرف‬ ‫الطلقة بقوة وس�‬ ‫�ار قبل أن يطلق الطلقة بثانية‪ ،‬فاصطدمت الطلقة باألرض‪،‬‬ ‫ناحية اليس�‬ ‫ومل ختدشه حتى‪ ،‬فشعر بالدهشة واإلثارة يف أن الوقت‪ ،‬ألنه مل خيطأ أي‬ ‫�ادرة‪ ،‬ومل تكن هذه حالة نادرة فامللثم كان يف‬ ‫هدف قط‪ ،‬إال يف حاالت ن�‬ ‫متاما وكان قري ًبا منه أيضا‪ ،‬لقد أخطأ مرتني‪ ،‬توتر إيفانوف قلي ًال‪،‬‬ ‫جماله ً‬ ‫�ه بسرعة وصوب‬ ‫ألن هذه الطلقة كانت آخر ما تبقي له‪ ،‬فأخرج مسدس�‬ ‫ناحية امللثم الذي كان يبتعد عنه حوالي مخسة عشر قدما؛ فأطلق النار‬ ‫�اقة‪ ،‬وهو يتفادى‬ ‫�ا ًرا يف رش�‬ ‫ناحيته‪ ،‬ولكن الغريب كان يقفز ميينا ويس�‬ ‫�م باجتاه الطلقات‬ ‫�ا ًرا‪ ،‬وكأنه يتحك�‬ ‫�ات‪ ،‬وحيرك يده ميين ًا ويس�‬ ‫الطلق�‬ ‫�ه‪ .‬ظل ايفانوف يطلق بال جدوى‪ ،‬وامللثم‬ ‫لينحرف اجتاهها مبتعدة عن�‬ ‫يتفاداها لسهولة وبراعة‪ ،‬وعلى حني غرة مد الغريب يده لألمام فاندفعت‬ ‫�طة احلجم من على األرض ناحية ايفانوف فاصطدمت به‬ ‫صخرة متوس�‬ ‫لتسقطه ً‬ ‫أرضا‪ ،‬فأصطدم جسده بقوة على األرض وسط احلطام والرتاب‬ ‫املنتشر يف أحناء املكان‪ ،‬فدخل بعض الرتاب يف عينيه وانفه فسعل بقوة‪.‬‬ ‫�ه ليفتح عينيه‪ ،‬وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫استجمع قوته وضغط على نفس�‬ ‫– –هذا الوغد ميتلك قدرة شبيهة بقدرة سايري ورشاقة شديدة مماثلة له‬ ‫أيضا‪ ،‬ولكنه بالتأكيد ليس سايري‪ ،‬فهو لن يهامجين ‪ ..‬أم ميكن أن‪-‬‬ ‫ً‬ ‫�ه؟ رأى امللثم يقفز فوقه‬ ‫�وف عينيه ليجد ما كان يتوقع�‬ ‫فتح إيفان�‬ ‫�ع بلون أبيض‪ ،‬يبدو كسيف ضوئي‬ ‫وحياول أن يطعنه بشيء طويل يش�‬ ‫مبتعدا عن‬ ‫�تقبل‪ .‬أول ما خطر على بال ايفانوف وهو يتدحرج‬ ‫من املس�‬ ‫ً‬ ‫لاح كهذا؟ فهذا‬ ‫الطعنة كرد فعل تلقائي‪ ،‬كان كيف حصل على س�‬ ‫�وذج منه يف الكلية احلربية ومل‬ ‫لاح مت صنعه حديثا وبالكاد رأوا من�‬ ‫الس�‬ ‫�ب وكأنه لعبة حصل‬ ‫�د‪ ،‬ولكن ها هو بني يد هذا الغري�‬ ‫جيربه أحد بع�‬ ‫�هولة تامة‪.‬‬ ‫عليها من أي متجر بس�‬ ‫‪165‬‬


‫�اقة وبدأ يرتاجع للخلف بسرعة‬ ‫وقف إيفانوف من على األرض برش�‬ ‫�يف الكهربائي بضراوة‪ ،‬تعلم‬ ‫مبتعدا عن الغريب الذي بدأ يلوح بهذا الس�‬ ‫ً‬ ‫�تطيع‬ ‫�كرية‪ ،‬وعن انه يس�‬ ‫�يف يف الكلية العس�‬ ‫ايفانوف عن قوة هذا الس�‬ ‫�ة واحده ليقضي عليه ال‬ ‫�والذ بضربة واحدة‪ ،‬وهذا يعين ضرب�‬ ‫قطع الف�‬ ‫�رعة ورفع يده وبدأ يتمتم للغريب لكي‬ ‫أكثر وال اقل‪ .‬تراجع للخلف بس�‬ ‫يتوقف‪ ،‬ولكن الغريب مل يسمعه‪ ،‬وظل يلوح بالسيف برشاقة وسرعة رهيبة‬ ‫�يف‬ ‫�يف بعينيه كي يتفاداه‪ ،‬وقد قاب الس�‬ ‫وايفانوف حياول متابعة الس�‬ ‫ين او ادني يف أن يقطع يده‪ ،‬فقال وهو يبتسم‪:‬‬ ‫قوس�‬ ‫– –لقد حان وقت استخدام قوتي‪.‬‬ ‫***‬

‫‪166‬‬


‫‪14‬‬ ‫�ايري بزي املعبد خاصته يف الطرقات متأم ًال هدوئها بينما‬ ‫�ار س�‬ ‫س�‬ ‫�دوء والطمأنينة يف قلبه‪.‬‬ ‫�يم اهلواء يالطف وجهه‪ ،‬ملق ًيا اهل�‬ ‫كان نس�‬ ‫كان قرص الشمس الكبري يطل من وراء التالل فيصبغ رؤوس األشجار‪،‬‬ ‫�اء والطريق بلون أرجواني مائل للحمرة‪ ،‬بينما انطلق اهلواء العليل‬ ‫وامل�‬ ‫�جار لترتاقص على نهج رجل واحد‪.‬‬ ‫ليداعب أوراق األش�‬ ‫�ه نهاية الطريق ولكن الطريق‬ ‫�ايري حياول أن يلتقط بعيني�‬ ‫كان س�‬ ‫ريا حتى يالقي‬ ‫كان ميتد أبعد من مدي نظره‪ ،‬فش�‬ ‫�عر بأنه سيسري كث ً‬ ‫مدرب‬ ‫�ده كان‬ ‫املنية على الطريق من التعب واالرهاق‪ ،‬ولكنه كان جس�‬ ‫ً‬ ‫�عر‬ ‫�ك يف أحلك الظروف‪ ،‬فش�‬ ‫تدريبات صارمة على التحمل‪ ،‬والتماس�‬ ‫�بان إمكانية‬ ‫�يموت من اجلوع ال أكثر‪ ،‬فوضع يف احلس�‬ ‫بأنه أن مات فس�‬ ‫�ي با ًال ملوضوع الطعام‬ ‫�ور على بعض الطعام يف طريقه‪ ،‬لذا مل يلق�‬ ‫العث�‬ ‫إطالقا‪ ،‬فهذا آخر ما كان يؤرقه اآلن‪ .‬شعر بالعجز بسبب اختفاء رفاقه‬ ‫�ه كان حمتجزا يف برج غريب ال‬ ‫�يء‪ ،‬ألن�‬ ‫بينما كان عاجز ًا عن فعل ش�‬ ‫�ه‪ .‬واآلن عليه أن جيد أصدقائه ورفاقه‬ ‫يعرف كيف انتهى به احلال في�‬ ‫الذين كان جيد السالم والراحة جبانبهم‪ ،‬وإن حدث هلم شيء فسينتقم‬ ‫�خص قد آذاهم أي ًا كانت هويته‪ .‬كتم غيظه وأكمل طريقه‬ ‫من أي ش�‬ ‫�احات الشاسعة من‬ ‫�جار‪ ،‬واملس�‬ ‫يف الطرقات اليت تطوقها احلقول واألش�‬ ‫�موخ لتزين‬ ‫�رة‪ .‬والعديد من البيوت على جانب الطريق تقف بش�‬ ‫اخلض�‬ ‫�ق مع املنظر اخلالب للخضرة‪ ،‬لتعطي اطاللة رائعة‪ .‬وبعد بضعة‬ ‫الطري�‬ ‫‪167‬‬


‫أحدا يراقبه‪ ،‬ال بل شخصان‪،‬‬ ‫أميال توقف سايري لربهة وشعر بأن هناك ً‬ ‫�خصا‬ ‫�ن اآلخر طاقته ضعيفة فليس‬ ‫ولك�‬ ‫ً‬ ‫متأكدا أن كان حيوان ًا أم ش� ً‬ ‫شخصا على األقل يراقبه‪ ،‬مل يرد أن جيعل‬ ‫آخر؟ ولكن األكيد بأن هناك‬ ‫ً‬ ‫�عر وجوده‪ ،‬فنفض بيده على مالبسه كأنه‬ ‫�ك يف أنه استش�‬ ‫مراقبه يش�‬ ‫مبال بأي شيء‪ .‬شرع يف‬ ‫كان يزيح بعض األتربة‪ ،‬ثم أكمل س�‬ ‫يره غري ٍ‬ ‫�خص الذي يراقبه‪ ،‬أين خيتبأ بالتحديد‪ ،‬وبعد تركيز‬ ‫حتديد مكان الش�‬ ‫�تطاع حتديد وجهته‪ ،‬أنه خيتبأ بني البيوت على جهة اليمني‪.‬‬ ‫شديد‪،‬اس�‬ ‫�د وممتدة جبانب بعضها البعض‬ ‫�ت البيوت مرتاصة على نهج واح�‬ ‫كان�‬ ‫�ايري‬ ‫�خص اجملهول يراقب حركة س�‬ ‫على امتداد الطريق‪ .‬كان الش�‬ ‫�ه‪ ،‬ولكن لتنقله الكثري بني البيوت فأنه يقف خلفها فتحجبه عن‬ ‫ويتتبع�‬ ‫ثوان‪ .‬فتوصل سايري أن هذا الوقت هو الوقت املناسب‬ ‫رؤية سايري لبضعة ٍ‬ ‫لالمساك به‪ .‬أنتظر حتىاستشعر حلظة حترك الغريب وبعد ذلك سكن‬ ‫�ف أحد البيوت‪ ،‬ثم انطلق بهدوء ووقف أمام مقدمة البيت‪ .‬أصبحت‬ ‫خل�‬ ‫�دران البيت هي ما تفصل بينهم‪ ،‬ونظرا لقصر البيت ذو الطباقني‬ ‫اآلن ج�‬ ‫�نديان‪ ،‬فقد أعطي ذلك لسايري فرصة كبرية‬ ‫املصنوع من خشب الس�‬ ‫�اك الغريب؛ فتسلق البيت برشاقة وسرعة‪ ،‬حتى أصبح على سطح‬ ‫إلمس�‬ ‫متاما‪.‬‬ ‫البيت‪ ،‬فأحنين وس�‬ ‫�ار ببطء حتى أصبح فوق الشخص اجملهول ً‬ ‫ثم أخرج سيف الكاتانا من غمده وأستعد لالنقضاض عليه من أعلى‪،‬‬ ‫ولكنه مل ينوي قتله‪ ،‬بل ختويفه فقط حتى حيصل منه على إجابات عن‬ ‫�ايري بأن هذا‬ ‫�بب مطاردته له؟! وهل يعرف ماذا حيدث هنا؟ ظن س�‬ ‫س�‬ ‫�د‪ ،‬واآلن يراقبه هو‬ ‫�ؤول عن اختفاء رفاقه يف املعب�‬ ‫الرجل قد يكون املس�‬ ‫أيضا كي يباغته ويقضي عليه كما فعل مع رفاقه! أو قد يكون شخصا‬ ‫ً‬ ‫�تجوبه‪،‬‬ ‫�بب ما! على أي حال فقد قرر أن يس�‬ ‫ميلك إجابات ويراقبه لس�‬ ‫ير حتى أصبح عند طرف السطح‪ ،‬فرأى بأنه فوق الغريب‬ ‫وهكذا بدأ يس�‬ ‫�رة‪ ،‬احنين برأسه إىل األمام ليلقي نظرة عليه‪ ،‬فرأى شخصا يرتدي‬ ‫مباش�‬ ‫‪168‬‬


‫�وداء وغطاء رأس‪ ،‬ويبدو مري ًبا للغاية‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫قلنسوة س�‬ ‫– –يبدو مري ًبا للغاية ‪ ..‬يبدو كقاتل أو شيئا ما ‪ ..‬أن كان مس شعرة‬ ‫واحدة منهم فسأقطعه إىل أشالء صغرية‪.‬‬ ‫مسع سايري امللثم يهمس ألحد ما وكأنه جيري اتصال بشخص آخر‬ ‫جيدا‪ ،‬وألقي‬ ‫فأحنين سايري جبسده إىل األمام‬ ‫مستندا على سور السطح ً‬ ‫ً‬ ‫بسمعه مع الغريب فسمع ما يقال‪:‬‬ ‫قال الشخص الذي يتحدث عرب اهلاتف بنربة حازمه‪:‬‬ ‫– –هل ما زلت تراقب اهلدف‬ ‫فرد الثاني بثقة‪:‬‬ ‫– –نعم إنه أمامي ال يبعد عين إال بضعة أمتار‬ ‫فقال رفيقه الذي على اهلاتف حبزم أكثر‪:‬‬ ‫شخصا‬ ‫ريا فهذا الشخص ليس‬ ‫– –حسنا‪ ،‬ولكن أحذر بأن تقرتب منه كث ً‬ ‫ً‬ ‫�ا على اإلطالق ‪ ..‬لقد حصل على املركز الثاني ‪ ..‬وكان‬ ‫طبيع ًي�‬ ‫ندا لك ‪ ..‬ولكن ما أقصده‬ ‫يبدو بأن اجلميع يهابه‪ ،‬بالطبع هو ليس ً‬ ‫�ل كما‬ ‫�ك أن مل تتوخي احلذر ‪ ..‬ال جمال للفش�‬ ‫�عر ب�‬ ‫أنه قد يش�‬ ‫تعلم‪ ..‬وإال فأنت تعلم العواقب‪.‬‬ ‫رد امللثم بثقة أكرب‪:‬‬ ‫جيدا ‪ ..‬ال جمال للخطأ‪.‬‬ ‫– –نعم أعلم ‪ ..‬ال ختف‪ ،‬فأنا أعرف مهميت ً‬ ‫فقال اآلخر‪:‬‬ ‫– –جيب أن نسقط جايا والعينات هلا دور يف هذه املعضلة‪.‬‬ ‫– –جايا هذا الوغد العنيد ال أعلم كم من الوقت تبقي حتى نوقفه‪.‬‬ ‫‪169‬‬


‫– –مل يتبقي الكثري‪ ،‬ولكن جيب أن نصرب قلي ًال بعد‪ ،‬قبل االصطدام الكبري‪.‬‬ ‫صمت امللثم قلي ًال ثم قال‪:‬‬ ‫– –على أي حال يبدو أن كينو قام خبطأ فادح واآلن حنن ننظف وراءه‪..‬‬ ‫صحيح أنه حصل على املركز األول وأنه ذكي للغاية ولكن هذا ال يشفع‬ ‫له ما حدث ‪ ..‬فلقد جعلين هذا أترك ما كنت أفعله ألنظف وراءه‪..‬‬ ‫�ي كما تعلم ولكنك تفهم ما أقصد‪.‬‬ ‫صحيح أنين مل أنظف بنفس�‬ ‫قال اآلخر‪:‬‬ ‫�د كلفنا هذا الكثري من األرواح وقام بتأخري اخلطة ‪ ..‬ولكن ال‬ ‫– –لق�‬ ‫يهم فاخلطة تسري كما هي على كل حال ‪ ..‬ولكن جيب أن نتوخى‬ ‫احلذر اآلن‪ ،‬فلوال قدومنا لكان كل شيء قد انتهى بالفعل‪.‬‬ ‫�م لقد أنقذنا اليوم ‪ ..‬على كل حال لقد طهرت املنطقة عندي‬ ‫– –نع�‬ ‫�ات اآلن‪ ،‬بينما قم أنت‬ ‫�أتكفل مبراقبة العين�‬ ‫�ى الكثري‪ ،‬س�‬ ‫ومل يتبق�‬ ‫�ب أن نوقف تقدم الروبوتات‪.‬‬ ‫ير ما تبقي من املدينة ‪ ..‬جي�‬ ‫بتطه�‬ ‫– –عندما تنتهي من مهمتك فلتلحق ببقي��ة اإلينيكس فلدينا مهمة‬ ‫ريا‪.‬‬ ‫أخرى ‪ ..‬وال جيب أن نبق�‬ ‫�ي جالديوس ينتظر كث ً‬ ‫– –سأفعل هذا ‪ ..‬سيتغري العامل قري ًبا‪ ،‬وجيب أن نستعد هلذا ‪ ..‬سأغلق‬ ‫اآلن ألكمل املراقبة‪.‬‬ ‫قال املتحدث عرب اهلاتف‪:‬‬ ‫�م ال يعلمون ما هم مقدمون‬ ‫�بة للعينات فه�‬ ‫– –فلتكمل إذا ‪ ..‬وبالنس�‬ ‫�ط‪ ،‬بداية العامل اجلديد‪.‬‬ ‫�ه‪ ،‬كل هذا ما هو إال البداية فق�‬ ‫علي�‬ ‫�اعة اليد اليت يرتديها‬ ‫قال الثاني وهو يضغط على بعض األزرار يف س�‬ ‫عند معصمه األيسر‪:‬‬ ‫‪170‬‬


‫– –سيكون كل شيء على ما يرام يف النهاية‪ ،‬أنا واثق من هذا ولكن األمر‬ ‫سيتطلب بعض الوقت‪ ،‬حتى تعود األمور إىل ما كانت عليه‪ ،‬وسنكرم‬ ‫كأبطال يف نهاية األمر وسأذكرك بهذا‪ ،‬واآلن سأغلق اخلط‪.‬‬ ‫�ايري يفكر فيما مسعه‪ ،‬اآلليني! كينو!‬ ‫أغلق الغريب اخلط‪ ،‬فبدأ س�‬ ‫العامل اجلديد! جالديوس! اإلينيكس! بدأ عقله يطرح املزيد من األسئلة‬ ‫�رك من مكانه ليذهب للبيت التالي‪.‬‬ ‫فقطع امللثم حبل أفكاره وهو يتح�‬ ‫أخرج سايري سيفه‪ ،‬وأخذ خطوة للوراء‪ ،‬ثم انطلق ليقفز يف اهلواء عال ًيا‬ ‫ً‬ ‫�عر به‪ ،‬فتدحرج جان ًبا‪ ،‬فسقط سايري‬ ‫هابط ًا على امللثم‪ ،‬ولكن امللثم ش�‬ ‫�ا حتى خيفف أثر‬ ‫أيض�‬ ‫�ى األرض من ه�‬ ‫عل�‬ ‫�ذا االرتفاع العالي فتدحرج ً‬ ‫رافعا سيفه يف وضعية االستعداد مثل‬ ‫السقوط‪ .‬وثب على قدميه بسرعة ً‬ ‫جيدا جلعل امللثم يستسلم حتى يستطيع استجوابه‬ ‫الساموراي‪.‬اس�‬ ‫�تعد ً‬ ‫ليحصل منه على بعض األجوبة‪ ،‬فيبدو بأنه يعرف الكثري‪ ،‬أخرج الغريب‬ ‫�يف ضوئي‬ ‫ين ردائه وضغط على زر فيها‪ ،‬ليخرج س�‬ ‫�ة صغرية من ب�‬ ‫علب�‬ ‫غريب‪ ،‬أصفر اللون‪ ،‬متوهج بقوة‪ ،‬ويبدو كسيف الكاتانا العادي كالذي‬ ‫حيمله سايري ولكنه مضيء‪ ،‬كانت حرارته شديدة لدرجة جتعله يقطع‬ ‫�ايري شيئا كهذا من قبل‪ ،‬رغم اطالعه على‬ ‫أي شيء بسهولة‪ .‬مل ير س�‬ ‫�ا يف اخلفاء بدون علم رفاقه يف املعبد‪ ،‬فعلى الرغم من حبه‬ ‫التكنولوجي�‬ ‫�دم الرهيب الذي وصلت‬ ‫�ديد للطبيعة‪ ،‬مل مينعه هذا من رؤية التق�‬ ‫الش�‬ ‫�ايري بتعجب وترقب إىل‬ ‫إليه اليابان يف هذه احلقبة من الزمن‪ .‬نظر س�‬ ‫�يف الغريب املتوهج بضوء اصفر‪ ،‬ومن تكوينه الذي يبدو أشد بكثري‬ ‫الس�‬ ‫وأكثر حدة من سيف الكاتانا احلاد الذي حيمله؛ والذي يستطيع بدوره‬ ‫�ان إىل نصفني بضربة واحدة فقط‪ .‬فقرر‬ ‫�جار وجسد االنس�‬ ‫قطع األش�‬ ‫ملوحا بالسيف‬ ‫اختبار مدي حدة هذا السيف‪ ،‬فأنقض على امللثم بسيفه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أفق ًيا‪ ،‬فصد الغريب الضربة برشاقة‪ ،‬ثم وجه بدوره ضربة أفقية لسايري‬ ‫الذي صدها برباعة ولكن سيفه انقسم نصفني من أثر ضربة سيف امللثم‪.‬‬ ‫‪171‬‬


‫كاد أن يقطعه هو أيضا‪ ،‬ولكنه قفز خطوة إىل اخللف بسرعة‪ ،‬ونظر إىل‬ ‫�عر بغضب عارم جيتاحه ملا حدث لسيفه‪ ،‬فلقد كان‬ ‫�يفه املكسور‪ ،‬فش�‬ ‫س�‬ ‫هذا السيف هو أغلى ما ميلك من أبيه املتويف‪ ،‬أعطاه له هدية منذ عشر‬ ‫سنوات يف عيد ميالده‪ ،‬وتويف بعد ذلك بسبب مرض السرطان‪ ،‬ومنذ هذا‬ ‫جيدا‪ ،‬وال يرتكه أبدا‪ .‬نظر سايري‬ ‫الوقت وسايري يعتين بهذا الس�‬ ‫�يف ً‬ ‫إىل امللثم بغضب‪ ،‬وكأنه بركان يكاد ينفجر‪ ،‬وفجأة لوح بيده إىل األمام‪،‬‬ ‫�ة تدفعه بقوة‪ ،‬فحلق يف‬ ‫�رع بطاقة جمهول�‬ ‫فأندفع امللثم إىل اخللف وش�‬ ‫�يف من يده على‬ ‫�قط الس�‬ ‫اهلواء حتى أصطدم جبدار املنزل خلفه‪ ،‬فس�‬ ‫�قط بدوره على األرض‬ ‫�دا عن متناول يده بعدة أمتار‪ .‬فس�‬ ‫األرض مبتع� ً‬ ‫�دث‪ ،‬وفى هذه اللحظة‬ ‫�دة األمل غري مصدق ًا ما ح�‬ ‫يرتنح ويتلوى من ش�‬ ‫�خص غري طبيعي على اإلطالق فال‬ ‫تذكر كلمة صديقه بأن هذا الش�‬ ‫�رت‬ ‫�عر امللثم بانه قد كس�‬ ‫ريا‪ ،‬ولكن األوان قد فات‪ .‬ش�‬ ‫تقرتب منه كث ً‬ ‫�ايري‬ ‫�ض اضالعه من أثر الصدمة‪ ،‬ويبدو بأن هذه نهايته‪ .‬اقرتب س�‬ ‫بع�‬ ‫ني ليلتقطه‪ ،‬ثم أجته‬ ‫�يف الضوئي امللقي على األرض‪ ،‬وأحن�‬ ‫ناحية الس�‬ ‫ناحية امللثم ببطء والغضب قد اجتاحه ملا حدث آلخر ذكري له من أبيه‬ ‫�ديد‪،‬‬ ‫العزيز‪ .‬أصبح بالقرب من امللثم الذي يتلوى على األرض بتأمل ش�‬ ‫ووضع السيف على رقبته قائال بنربة غاضبة‪:‬‬ ‫– –فلتخربني كل شيء اآلن‪ ،‬واال فلن ترتك لي خيارا إال قطع رأسك‪.‬‬ ‫فرد امللثم وهو يبتسم بسخرية وحياول أن يتحامل على نفسه كامتً ا امله‪:‬‬ ‫– –فلتقطع رأسي‪ ،‬فأنا لن أنبس ببنت شفة‪.‬‬ ‫�ايري يف امللثم املتأمل أسفل قدمه بغضب شديد‪ ،‬فقال حبزم‬ ‫محلق س�‬ ‫أكثر وقد بدأت نربة صوته تعلو تدرجييا‪:‬‬ ‫– –سأعطيك فرصة أخريه ال تضيعها ‪ ..‬أخربني كل شيء اآلن وأقسم‬ ‫لك بأني سأتركك تذهب وكأن شيئا مل حيدث ‪ ..‬هي قل لي اآلن‬ ‫‪172‬‬


‫ملاذا أنا هنا؟ وأين ذهب مجيع من يف القرية؟‬ ‫�ه ويلتقط أنفاسه األخرية‪ ،‬فالحظ‬ ‫قال امللثم وهو يتحامل على نفس�‬ ‫سايري أنه بدأ ينزف من رأسه‪:‬‬ ‫– –شفاهي مغلقة ولن أنطق بكلمة‪.‬‬ ‫�كت قليال حماوال استجماع قوته جمددا للتحدث‪ ،‬وهو يقاوم األمل‬ ‫س�‬ ‫املربح يف جسده‪ ،‬فأستطرد قائال‪:‬‬ ‫جمددا وأطاردك يف احالمك‪.‬‬ ‫– –ال يهمين ما ستفعل بي‪ ،‬سأعود إليك‬ ‫ً‬ ‫�ايري ينفد‪ ،‬فهو مل حيصل على أي شيء منه‪ ،‬ويبدو بأنه‬ ‫بدأ صرب س�‬ ‫�يفعله معه‪ ،‬أي طريقة هي األفضل لقتله‪.‬‬ ‫أبدا‪ ،‬ففكر فيما س�‬ ‫لن يتكلم ً‬ ‫�د وضع يده يف جيبه وأخرج‬ ‫�يء‪ ،‬وجد امللثم ق�‬ ‫ولكن قبل أن يفعل أي ش�‬ ‫مسدسا وصوبه على رأسه‪ ،‬ثم ضغط على الزناد‪ ،‬فدوي صوت الرصاصة‬ ‫ً‬ ‫يف اهلواء وهي خترتق رأسه‪ ،‬فخر قتي ًال‪ .‬وقف سايري مندهش ًا مما حدث‬ ‫�تيعاب‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫اآلن‪ ،‬غري قادر على االس�‬ ‫�دو بأن العامل تغري‬ ‫�ل مهمته أهم من حياته يب�‬ ‫�ه؟ ه�‬ ‫– –ملاذا قتل نفس�‬ ‫ريا من��ذ أن غبت عن الوعي‪.‬‬ ‫كث ً‬ ‫شعر ببعض اإلثارة مما حدث‪ ،‬وبدأ يفكر فيما سيفعله اآلن‪ ،‬لديه اآلن‬ ‫�س‪ ،‬وجيب أن‬ ‫�ة مل حيصل منها على معلومات اال عن طريق التجس�‬ ‫جث�‬ ‫�ب أن يذهب‪ ،‬أين املفر من كل‬ ‫�ل طريقه اآلن وهو ال يدري اين جي�‬ ‫يكم�‬ ‫هذا؟ أثناء تفكريه‪ ،‬قطع حبل أفكاره صوت قرقعة تصدر من ساعة امللثم‪،‬‬ ‫�ح جسد امللثم بعينيه لريي من أين يصدر الصوت‪ ،‬فتوصل إىل‬ ‫فبدأ ميس�‬ ‫أنه من الساعة‪ ،‬فسمع صوت ًا خيرج منها قائ ًال‪:‬‬ ‫– –يبدو بأنك مشغوال اآلن‪ ،‬لذا سأترك لك هذه الرسالة املسجلة‪.‬‬ ‫‪173‬‬


‫– –أنا اآلن أراقب العينة الثالثة‪ ،‬سأعطيك األحداثيات‪ ،‬حتى ال حتتك‬ ‫به‪ ،‬لذا فلتتوخي احلذر‪.‬‬ ‫بدأت شاشة الساعة تشع وخرجت منها صورة ثالثية االبعاد خلريطة‬ ‫�ة‪ ،‬وهو ليس ببعيد عن‬ ‫املدينة‪ ،‬وعليها نقطة حتدد مكان العينة السادس�‬ ‫�ايري اآلن وجهته‪ ،‬وإىل أين سيتوجه‪ ،‬فأخذ‬ ‫�ن حظه‪ ،‬فعلم س�‬ ‫عنه حلس�‬ ‫�اعة من معصم اجلثة امللقية على األرض أمامه‪ ،‬مثخنة يف اجلراح‪،‬‬ ‫الس�‬ ‫رجل يف الثالثني‬ ‫ونزع عنه ردائه الغريب أيضا‪ ،‬فظهر وجهه بوضوح‪ ،‬وكان ٍ‬ ‫من عمره‪ ،‬أصلع الرأس ولديه مالمح أوروبية‪.‬‬ ‫�ايري رداءه حتى ال يتعرف عليه أحد‪ ،‬وال يشك فيه أعضاء‬ ‫أرتدي س�‬ ‫�ود‪ ،‬فوجد علية‬ ‫�ة‪ .‬نظر إىل الرداء األس�‬ ‫اإلينيكس اآلخرون أن رأوه خلس�‬ ‫�يا من اليمني واليسار‪ ،‬وفى منتصف‬ ‫خطان أمحران يقطعان الرداء رأس�‬ ‫�ب أزرق‪ ،‬وعلى ظهر الرداء‬ ‫�د الصدر‪ ،‬يوجد نقش بارز‪ ،‬لكوك�‬ ‫الرداء عن�‬ ‫�د أربعة نقوش بارزة أيض ًا ألربعة كواكب أخرى‪ ،‬مل يتعرف عليها‪.‬‬ ‫يوج�‬ ‫أرتدي الرداء بدون أن يبدي أي انتباه للنقوش الغريبة عليه؛ ووضع غطاء‬ ‫الرأس حتى اختفى وجهه متاما‪ .‬ضغط على زر يف قبضة السيف الضوئي‬ ‫يف يده‪ ،‬فأنطفأ السيف‪ ،‬فعلقه عند خصره‪ ،‬وأخذ اجلثة ووضعها يف أحد‬ ‫�ر إىل اخلريطة ثالثية األبعاد‪،‬‬ ‫يره وهو ينظ�‬ ‫البيوت‪ ،‬ثم خرج وأكمل س�‬ ‫�ة‪،‬‬ ‫ير فيها بالقرب منه‪ ،‬العينة السادس�‬ ‫�ص إىل النقطة اليت تس�‬ ‫وباألخ�‬ ‫�م املدينة فوق اخلريطة وكانامسها هو أطالنتس!‬ ‫فوجداس�‬ ‫�جار وقف شخص يراقب سايري‪ ،‬شخص شاهد كل ما‬ ‫من بني األش�‬ ‫حدث بدون أن يشعر به أحد‪.‬‬ ‫***‬

‫‪174‬‬


‫‪15‬‬ ‫�ايري املالبس الرمسية هلذه املنظمة الغريبة املدعوة‬ ‫بعد أن ارتدى س�‬ ‫�ول‪ ،‬أكمل طريقة‬ ‫�ا كغنيمة من عضوها املقت�‬ ‫باإلينيكس اليت أخذه�‬ ‫�اعرا بأنه يتقدم‬ ‫ناحية النقطة احملددة على اخلريطة ثالثية األبعاد‪ ،‬ش� ً‬ ‫على اإلينيكس خبطوة اآلن‪ ،‬فكل ما سيفعله حاليا‪ ،‬هو الوصول إىل العينة‬ ‫�يطلب منه االنضمام‬ ‫تي تكلموا عنها‪ ،‬أو كما قالوا العينة الثالثة‪ ،‬س�‬ ‫ال�‬ ‫معا عضو اإلينيكس الذي يراقبه حتى‬ ‫إليه ويشرح له ما حدث‪ ،‬وميسكوا ً‬ ‫�ه العينة الثالثة فهذا يعين‬ ‫�يء‪ .‬وهكذا مبا أن�‬ ‫جيربوه على البوح بكل ش�‬ ‫أيضا‪ ،‬ومبساعدتهم قد‬ ‫بأن هناك املزيد‪ ،‬وقرر أنه س�‬ ‫�يحاول العثور عليهم ً‬ ‫�تطيع اجلميع فهم ما حيدث هنا‪ ،‬واخلروج من هذا املأزق‪.‬‬ ‫يس�‬ ‫وضع سايري غطاء الرأس حتى اختفى وجهه بداخله‪ ،‬وانطلق حنو‬ ‫�مس تغرب يف األفق‪ ،‬وتلقى بأشعتها احلمراء على األشجار‬ ‫وجهته والش�‬ ‫واألعشاب‪ ،‬فتصبغها بلون أرجواني‪.‬‬ ‫�دا يف املنطقة‬ ‫�ايري‪ ،‬وهو حياول استش�‬ ‫وهكذا ركض س�‬ ‫�عار أي أح� ً‬ ‫حوله‪ ،‬عن طريق الشعور بطاقة أجسادهم‪ ،‬فقد اخلدع اجلميع بقوله بأن‬ ‫�ياء بعقله‪ ،‬ولكن قدرته تتلخص يف تدفق طاقة‬ ‫قدرته هي حتريك األش�‬ ‫هائلة خترج من جسده يستطيع استخدامها يف العديد من األشياء‪ ،‬مثل‬ ‫التحريك عن بعد والشعور باألشخاص من حوله ووظائف أخرى عديدة‪.‬‬ ‫‪175‬‬


‫ريا‪ ،‬مل يبقي غري بضعة‬ ‫بعد سري طويل‪ ،‬اقرتب سايري من وجهته كث ً‬ ‫أمتار‪ ،‬فأختذ حذره بعد أن أبتعد عن الطريق العمومي‪ ،‬ودخل إىل املدينة‪،‬‬ ‫متعمق� ًا بداخلها‪ ،‬فرأى األبنية احملطمة‪ ،‬واألطالل‪ ،‬واحلطام يعم املكان‪،‬‬ ‫�ود لونها‬ ‫واألدخنة واجلثث واملتناثرة يف كل مكان وبعض املباني اليت أس�‬ ‫من احلرائق‪ ،‬فتعجب ملا يراه وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –ما الذي حدث هنا؟ لقد حدث شيء خطري جعل اجلميع يهرب‪ ،‬رمبا‬ ‫هرب رفاقي ملكان آخر‪ ،‬ال أعلم‪ ،‬ولكن جيب أن أكمل مهميت أو ًال‬ ‫استشعر هدفه أخريا‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –استشعر طاقته‪ ،‬إنه قريب‪.‬‬ ‫�د بينهما الكثري‪.‬‬ ‫�ر إىل اخلريطة ليجد أنه اقرتب كثري مل يع�‬ ‫فنظ�‬ ‫أنعطف ميين ًا حبذر يف طريق جانيب‪ ،‬وسار وقد غربت الشمس‪ ،‬وحل القمر‬ ‫يره مسع صوت انفجار‬ ‫حملها‪ ،‬معلن ًا بذلك قدوم الليل‪ ،‬وفجأة أثناء س�‬ ‫�ا بعيد‪ ،‬يدوي يف ارجاء املدينة‪ ،‬فألتف ورائه ونظر إىل‬ ‫كبري من مكان م�‬ ‫املصدر‪ ،‬ليجد السنة اللهب تتصاعد ألعلى وقد تالها الكثري من األدخنة‪.‬‬ ‫�عر سايري بوجود شخص آخر يف األرجاء‪ ،‬فنظر خلفه جمدداً‪ ،‬فأحس‬ ‫ش�‬ ‫�خص ما أعلى أحد املباني املائلة واحملطمة‪ ،‬فنظر سايري ألعلى يف‬ ‫بش�‬ ‫اجتاهه‪ ،‬فرأى أنه ميسك سالح ًا ما ويصوب ناحيته‪ ،‬وعلم هذا بسبب ملعان‬ ‫عدسة منظار سالحه وسط الظالم‪ ،‬عندما سقط ضوء القمر عليها‪ .‬فجأة‬ ‫اختفى السالح واخنفض الشخص وأخفى وجوده‪ ،‬فأيقن سايري بأنه أحد‬ ‫اإلينيكس يراقبه‪ ،‬فاستغل فرصة اختبائه‪ ،‬وركض بسرعة كبرية‪ ،‬ناحية‬ ‫�م ألتف حوله‪ ،‬حتى وجد طريق الصعود‪ ،‬فلمح‬ ‫املبين حتى ألتصق به‪ ،‬ث�‬ ‫�س‬ ‫�خص الذي يراقبه وهو يتوارى يف الظالم يف أعلى املبين‪ ،‬فتحس�‬ ‫الش�‬ ‫�ايري طريقه‪ ،‬ثم صعد ببطء شديد باجتاهه ليظفر به ويفاجئه على‬ ‫س�‬ ‫عابرا من فوق العقبات الواحدة تلو األخرى‪،‬‬ ‫حني غرة‪ .‬تس�‬ ‫�لق احلطام‪ً ،‬‬ ‫‪176‬‬


‫متوخي ًا احلذر يف كل خطوة خيطوها‪ ،‬فخطأ واحد سيكشف أمره‪ ،‬وهكذا‬ ‫�ه ركام كثيف من االحجار‬ ‫�ب يف طريقه‪ ،‬وكان فوق�‬ ‫وجد أحد املكات�‬ ‫الصغرية‪ ،‬فوقف على املكتب ببطء‪ ،‬حماو ًال أال يقرتب من الركام‪ ،‬وفجأة‬ ‫ذلت قدمه بسبب األتربة‪ ،‬فاصطدمت بالصخور الصغرية‪ ،‬فسقطت على‬ ‫�ت ضجة كبرية يف املكان‪ ،‬فعرف العدو مكانه‪ ،‬فتوقع بأال‬ ‫األرض وأحدث�‬ ‫مفر اآلن من املواجهة املباشرة‪ .‬فركض باجتاهه‪ ،‬وملح العدو وهو يصوب‬ ‫�ع بعض الطاقة يف راحة يده‪،‬‬ ‫�وه بقناصة‪ ،‬فرفع يده إىل األمام‪ ،‬ومج�‬ ‫حن�‬ ‫وأطلقها يف اللحظة اليت مسع فيها صوت الطلقة تنطلق‪ ،‬فأستخدم قوة‬ ‫�رى‪ ،‬لتغري أجتاه القوة األوىل‪ .‬لكل فعل رد‬ ‫مندفعة ضد قوة مندفعة أخ�‬ ‫فعل‪ .‬احنرفت الطلقة عن مسارها‪ ،‬فأكمل سايري اندفاعه ناحية العدو‪،‬‬ ‫�وق بعض الركام‪ ،‬وعرب األخرى‬ ‫�اقة‪ ،‬فقفز من ف�‬ ‫متجاوز ًا العقبات برش�‬ ‫حبركات بهلوانية‪.‬‬ ‫رأى أن العدو يصوب ناحيته مرة أخرى‪ ،‬فلم جيد الوقت الكايف ليفعل‬ ‫�ل مندفع ًا إىل األمام‪ ،‬ثم‬ ‫�ابقة‪ ،‬فأعتمد على حظه وظ�‬ ‫نفس فعلته الس�‬ ‫أحنرف يسا ًرا‪ ،‬وشعر بأنه الوقت املناسب لتجنب الطلقة القادمة وبالفعل‪،‬‬ ‫مبجرد أن احنرف عن الطريق مسع صوت الطلقة تدوي يف املكان‪ ،‬ولكنها‬ ‫�عر باالطمئنان‪ ،‬وقرر أن يسرع بسرعة وميسكه قبل أن‬ ‫مرت جبانبه‪ ،‬فش�‬ ‫يقضي عليه بالطلقة التالية‪ ،‬فهرول بأسرع ما عنده وسط الظالم املخيم‬ ‫على املكان‪ ،‬وكان بالكاد يري الشخص املاثل أمامه‪ ،‬حتى اقرتب كثري ًا‬ ‫�ار حنوه بتوتر‪ ،‬فجمع‬ ‫�ه وأطلق الن�‬ ‫من العدو الذي بدوره أخرج مسدس�‬ ‫جمددا ودفعها إىل األمام على دفعات متتالية‬ ‫سايري الطاقة يف راحة يده‬ ‫ً‬ ‫لتبعد الطلقات عنه الواحدة تلو األخرى مع مناورته للرصاصات برشاقة‪،‬‬ ‫حتى شعر بأنه سيتم أصابته‪ ،‬فلمعت فكرة يف رأسه‪ ،‬فدفع شحنات الطاقة‬ ‫�ارت الصخرة ناحية العدو‪،‬‬ ‫�طة احلجم امامه‪ ،‬فط�‬ ‫باجتاه صخرة متوس�‬ ‫لتوقعه ً‬ ‫أرضا‪ ،‬فأخرج سايري سيف الكاتانا الضوئي‪ ،‬قافز ًا عليه لتخويفه‬ ‫‪177‬‬


‫�رعة على‬ ‫�لم‪ ،‬ولكن العدو تدحرج ناحية اليمني‪ ،‬ووثب بس�‬ ‫حتى يستس�‬ ‫�يفه الذي‬ ‫�ايري يلوح بس�‬ ‫قدمه‪ ،‬أخذ ًا وضعية الدفاع عن النفس‪ .‬ظل س�‬ ‫�ف عن الشخص الغريب الذي يقف أمامه‪،‬‬ ‫أنار املكان املظلم قلي ًال‪ ،‬ليكش�‬ ‫فلمح سايري أنه ضخم اجلثة وعريض املنكبني‪ ،‬ويبدو كأحد املصارعني‬ ‫�ايري يلوح بسيفه بال هداوة حتى حدث ما مل‬ ‫مفتولي العضالت‪ ،‬فظل س�‬ ‫يتوقعه‪.‬‬

‫***‬

‫‪178‬‬


‫‪16‬‬ ‫يرون بانتظام وثبات شديد‪ ،‬فقال‬ ‫سار إريس وسط اجلنود الذين يس�‬ ‫إريس يف قرارة نفسه‪:‬‬ ‫– –وما هو الشيء األفضل من اجليش للتحكم بالبشر وجعلهم كدمية‬ ‫�تكي‪ ،‬أو‬ ‫تتحرك بتناغم تام كما يريدونها أن تتحرك‪ ،‬بدون أن تش�‬ ‫�كك فيما تفعله‪ .‬فقط يسريون وقد غسلت عقوهلم‬ ‫تعرتض‪ ،‬أو تش�‬ ‫متاما‪ ،‬ولكن على‬ ‫بالكامل‪ ،‬ولكنهم ال فرق بينهم وبيين يف شيء‪ ،‬فأنا مثلهم ً‬ ‫األقل أنا أستطيع أن أميز بني الصواب واخلطأ‪ ،‬حتى لو فعلت اخلطأ‪.‬‬ ‫يره وسط األشجار‪ ،‬متأم ًال الطبيعة اخلالبة‪ ،‬فالطيور تغين‬ ‫أكمل س�‬ ‫لبعضها البعض فوق األشجار‪ ،‬واهلواء يداعب أوراق الشجر فترتاقص يف‬ ‫�ات هنا وهناك‪ ،‬ليحصلوا على قوط‬ ‫تناغم تام‪ ،‬ويركض بعض احليوان�‬ ‫�مس من بني األغصان املتشابكة فوقهم لتنري‬ ‫�لل الش�‬ ‫يومهم‪ ،‬بينما تتس�‬ ‫الغابة‪ ،‬وتنشر الدفء يف املكان‪.‬‬ ‫�ن الغابة‪ ،‬ليجد‬ ‫ريا م�‬ ‫�د فرتة طويلة من الس�‬ ‫وبع�‬ ‫ير‪ ،‬خرج إريس أخ ً‬ ‫ريا أمامه ميتد على ساحة خضراء شاسعة‪ ،‬حماط ًا ببعض‬ ‫�كرا صغ ً‬ ‫معس� ً‬ ‫�وار الشائكة‪ ،‬كان املعسكر كناية عن العديد من املخيمات خضراء‬ ‫االس�‬ ‫اللون‪ ،‬واليت تقف جبانب بعضها البعض بشموخ‪ ،‬بشكل طولي على مدي‬ ‫�ة وذها ًبا‪ ،‬ويتنقلون‬ ‫�ن‪ ،‬وبداخلهم يتحرك اجلنود جيئ�‬ ‫صفني متجاوري�‬ ‫‪179‬‬


‫�ض الالقطات اهلوائية‪ ،‬وبعض‬ ‫أيضا بع�‬ ‫من م�‬ ‫�كان آلخر يف عجلة‪ .‬رأى ً‬ ‫احلواسيب بداخل املعسكرات‪ ،‬وعند بوابة املعسكر وقف جنديان يف صمت‬ ‫�ا باعتدال‪ ،‬وهما‬ ‫�ادم ومعه اجلنود‪ ،‬وقف�‬ ‫�ا رأوا الكابنت ق�‬ ‫وثبات‪ .‬عندم�‬ ‫يوجهان التحية العسكرية حنوه‪ ،‬فبادهلم الكابنت التحية‪ ،‬فقام اجلنديان‬ ‫بفتح البوابة ليدلف الكابنت واجلنود وإريس إىل املعسكر‪ .‬أخذ اجلنديان‬ ‫�اؤل‪ ،‬فنظر إليهما بدوره‪ ،‬ثم أشاح‬ ‫�كك وتس�‬ ‫يرمقان إريس بنظرات تش�‬ ‫بنظره بسرعة‪ ،‬وهكذا سار الكابنت ملق ًيا التحية على كل من يراه‪ ،‬بينما‬ ‫�يته‪ ،‬بسبب معاملة‬ ‫ير وسط حاش�‬ ‫�عر وكأنه ملك يس�‬ ‫كان إريس يش�‬ ‫متذكرا ماضيه املؤمل يف‬ ‫�ه‬ ‫�وك اليت يتلقاها‪ .‬فرتقب املكان من حول�‬ ‫املل�‬ ‫ً‬ ‫أحد املعسكرات الشبيهة‪ ،‬وتساءل هل كان ماضيه هو السبب يف حاضره؟‬ ‫جزءا‬ ‫وهل هو السبب يف أنه اختري ليستخدم هذه القوة الغريبة‪ ،‬ويصبح ً‬ ‫�ة اآلن‪ ،‬وعدم مقرته‬ ‫�ى الرغم من أن الصورة مبهم�‬ ‫مما حيدث هنا؟ عل�‬ ‫�يخربه بكل شيء‪ ،‬ألنه‬ ‫على فهم ما حيدث هنا‪ ،‬ولكن ال بد أن الكابنت س�‬ ‫يبدو وكأنه يبجله بطريقة ما‪ ،‬ويظن بأنه قادم للمساعدة‪ ،‬أنها سخرية‬ ‫�ن أجله إىل مصر يف‬ ‫�س هذا ما جاء إريس م�‬ ‫�در كما يقولون‪ ،‬فلي�‬ ‫الق�‬ ‫�ى معهم لكيال يتم كشفه‪ .‬شعر باالمتنان ألنه‬ ‫البداية‪ ،‬ولكن سيتماش�‬ ‫�ة يف الطريق‪ ،‬وارتداها‪ ،‬فلو‬ ‫�ذ بعض املالبس من أحد املتاجر الفارغ�‬ ‫اخ�‬ ‫�يحدث‪ .‬قطع‬ ‫�فى تلك مل يعرف ماذا كان س�‬ ‫كانوا رأوه مبالبس املش�‬ ‫شرود إريس صوت الكابنت احلازم‪ ،‬وهو يشري له بأن يدخل إىل اخليمة اليت‬ ‫�ه ثم دلف إىل اخليمة فو ًرا‪ ،‬وهناك وجد‬ ‫يقف أمامها‪ ،‬فأومأ إريس برأس�‬ ‫�ون على بعض احلواسيب ويتمتمون باللغة العربية‬ ‫بعض اجلنود جيلس�‬ ‫أحيان� ًا‪ ،‬ويضغطون على بعض األزرار هنا وهناك‪ ،‬وفى منتصف اخليمة‪،‬‬ ‫�خص يبدو ذو رتبة عالية‪ ،‬وينظر إىل خريطة ثالثية األبعاد على‬ ‫يقف ش�‬ ‫الطاولة أمامه هو وبعض الرتب األخرى‪ ،‬مشريون لبعض املناطق احلمراء‬ ‫�دة يف شيء ذو أهمية قصوى‪.‬‬ ‫يف اخلريطة‪ ،‬ويبدو وكأنهم منهمكني بش�‬ ‫‪180‬‬


‫�خص ذو الرتبة الكبرية‪،‬‬ ‫�ن باخليمة‪ ،‬ثم انطلق إىل الش�‬ ‫حيا الكابنت م�‬ ‫وهمس يف أذنه ثم وجه نظره إىل إريس‪ ،‬فنظر الشخص ذو الرتبة العالية‬ ‫�م باجلدية تتغري‪.‬‬ ‫�ه‪ ،‬وقد بدأت مالمح وجهه اليت كانت تتس�‬ ‫أيضا إلي�‬ ‫�ة ثواني من اهلمس‪ ،‬أبتعد الكابنت وتوجه إىل إريس‪ ،‬ثم تكلم‬ ‫وبعد بضع�‬ ‫معه بلكنته الغريبة‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫– –تفضل يا سيد إريس‪ ،‬أريد أن أعرفك إىل اجلنرال‪.‬‬ ‫�رة‪ .‬فقال‬ ‫�ى أصبح أمام اجلنرال مباش�‬ ‫�ار معه حت�‬ ‫فوافق إريس وس�‬ ‫�ال على صوته‪:‬‬ ‫�رال وقد طغي االنفع�‬ ‫اجلن�‬ ‫– –مرحبا بك معنا‪ ،‬لقد انتظرنا وصولك‪.‬‬ ‫�تطيع فعله يف هذا‬ ‫�يء يس�‬ ‫فبادله إريس التحية‪ ،‬ثم صمت‪ ،‬أفضل ش�‬ ‫�ى يتبني ما حيدث حوله‪.‬‬ ‫املوقف هو الصمت حت�‬ ‫فقال اجلنرال حماوال هز شباك العنكبوت‪:‬‬ ‫– –أنت تعلم ملاذا أنت هنا بالطبع؟‬ ‫قال إريس بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –ال ال أعرف‪ .‬حسنا‪ ،‬سيتم اكتشاف أمري جيب أن أتصرف حاال‪.‬‬ ‫فقال بثقة‪:‬‬ ‫– –بالطبع‪ ،‬وأريدك أن تشرح لي آخر املستجدات‪.‬‬ ‫�اف أمره‪ ،‬فأبتسم‬ ‫�عر إريس بأنه مت اكتش�‬ ‫صمت اجلنرال قلي ًال فش�‬ ‫اجلنرال قائ ًال‪:‬‬ ‫– –بالطبع سأقول لك‪ ،‬أنا آسف ‪ ..‬ولكنى أشعر بأني رأيتك يف مكان ما‪.‬‬ ‫‪181‬‬


‫فقال له إريس وهو حياول أن يرجتل‪:‬‬ ‫– –بالطبع‪ ،‬رمبا يف أحد الزيارات أو شيئا كهذا‪.‬‬ ‫فضحك اجلنرال مربت ًا على كتفه‪:‬‬ ‫– –نعم رمبا رأيتك يف أحدها‪ .‬واآلن سأشرح لك آخر املستجدات‪.‬‬ ‫ير‬ ‫�ار إلريس بأن ينظر إىل اخلريطة ثالثية األبعاد‪ ،‬قائ ًال وهو يش�‬ ‫أش�‬ ‫ألحد املناطق احلمراء‪:‬‬ ‫– –لقد استحوذت الروبوتات على هذه املنطقة أيضا‪.‬‬ ‫نزلت الكلمات على إريس كالصاعقة‪ ،‬ومل يصدق ما مسعه يف الوهلة‬ ‫األوىل‪.‬‬ ‫�يطرت الروبوتات على مصر‪ ،‬هل‬ ‫�ات‪ ،‬هل ميزح معي‪ ،‬كيف س�‬ ‫– –روبوت�‬ ‫�ر من املدينة‪ ،‬والدمار احمليط بالعديد من‬ ‫�ر اختفاء البش�‬ ‫هذا يفس�‬ ‫األبنية واملنشئات‪.‬‬ ‫أكمل اجلنرال قائ ًال‪:‬‬ ‫– –منذ أن قامت ثورة الروبوتات على البشر منذ مخس سنني وبالتحديد‬ ‫يف سنة ‪.2050‬‬ ‫صعق إريس أكثر مما مسعه‪ ،‬وبدأ مبحاولة اخفاء مالمح الريبة على‬ ‫وجهه‪:‬‬ ‫نائما‬ ‫– –حنن يف عام ‪ 2055‬اآلن‪ ،‬ما الذي حيدث هنا حبق اهلل؟ لقد كنت ً‬ ‫�نني! هذا يفسر اللحية الطويلة‬ ‫يف هذا الربج اللعني منذ مخس س�‬ ‫�عر الطويل‪ ،‬واحلقنة اليت أخذتها يف الربج ألستطيع حتريك‬ ‫والش�‬ ‫�دي‪ ،‬ولكن مل أتوقع بأنه قد مر مخس سنني‪ ،‬ما الذي حدث لي‬ ‫جس�‬ ‫‪182‬‬


‫�نني؟ كيف أصبحت هنا؟ وكيف غزت اآلالت مصر؟‬ ‫منذ مخس س�‬ ‫�ن حظه‬ ‫ركز إريس مع اجلنرال وهو يلقى حماضرته‪ ،‬واليت من حس�‬ ‫�اعدته يف فهم عدة أشياء‪ .‬أكمل اجلنرال بنربة كئيبة‪:‬‬ ‫س�‬ ‫– –حنن نواصل كل جهودنا لتدمري هؤالء املالعني‪ ،‬ولكن هذه األشياء‬ ‫�رعة رهيبة‪ ،‬ويستخدمون معنا أسلحة غريبة ال نعرف من‬ ‫تتطور بس�‬ ‫�قط الكثري من الضحايا‬ ‫أين حصلوا عليها‪ ،‬حتى بدأنا نرتاجع وس�‬ ‫�ذا كل ما حدث؛ بل أنهم‬ ‫�م‪ ،‬ولكن ليس ه�‬ ‫أثر هذا االحتالل الغاش�‬ ‫�فن الغريبة اليت حتوم يف السماء‪،‬‬ ‫�تخدمون بعض الس�‬ ‫أصبحوا يس�‬ ‫رمادا‪ ،‬حتى قضوا على معظم‬ ‫وبضربة واحدة جتعل املكان أس��فلها ً‬ ‫قواتنا‪ ،‬فبدأنا خنتبأ يف الغابات‪ ،‬ونبعث بعض اجلواسيس الكتشاف‬ ‫�رهم فنحن ال نعرف كيف متردت علب الساردين هذه علينا‪ ،‬فلم‬ ‫س�‬ ‫تي متكن الروبوت من‬ ‫�ذكاء االصطناعي بعد للمرحلة ال�‬ ‫يصل ال�‬ ‫�ول على الوعى الكامل‪ ،‬فإن صنفنا الذكاء االصطناعي منذ‬ ‫احلص�‬ ‫مخس سنني فإنه بنفس ذكاء ووعى طفل عنده مخسة عشرة سنة‪،‬‬ ‫أنا ال أظن بأن طفل يف هذا العمر يستطيع التمرد على أبويه وصنع‬ ‫أشياء متقدمة كهذه‪.‬‬ ‫�تجمع أفكاره‪ ،‬ثم أكمل والغضب يشع من‬ ‫صمت اجلنرال قلي ًال ليس�‬ ‫عينيه‪:‬‬ ‫�ردوا يف كل أحناء القاهرة‬ ‫�رون كالوباء‪ ،‬ومت�‬ ‫�ذا بدأوا ينتش�‬ ‫– –وهك�‬ ‫�يطروا‬ ‫�روا ليحتلوا معظم مصر‪ ،‬بل وس�‬ ‫اجلديدة كبداية ثم انتش�‬ ‫�ات ليصنعوا املزيد‬ ‫�ى املصانع املختصة يف تصنيع الروبوت�‬ ‫أيض ًا عل�‬ ‫منهم‪ ،‬ولكنهم يف احلقيقة أبهرونا‪ ،‬فقد صنعوا أشياء أضخم وأعظم‬ ‫بكثري مما ميكننا أن نتخيل‪ ،‬ليس ه��ذا فقط ولكنهم أصبح لديهم‬ ‫لغة وأعلنوا دولتهم على املأل أمام العامل كله يف التلفاز‪ ،‬وأعلنوا بأن‬ ‫‪183‬‬


‫البشر سيتم طردهم خارج البالد‪ ،‬ومن سيحاول املقاومة سيتم قتله‪،‬‬ ‫�اعدة ولكن قواتهم أبيدت عن بكرة‬ ‫وبالطبع حاولت بعض الدول املس�‬ ‫�ر وقد مسعت بأن العديد‬ ‫�ا‪ ،‬جملرد حماولتهم االقرتاب من مص�‬ ‫أبيه�‬ ‫متاما من‬ ‫�ل ما حدث لنا وق�‬ ‫�ن الدول حدث هلا مث�‬ ‫م�‬ ‫�د مت حموها ً‬ ‫�ذه القوة املدمرة وهي تكرب‬ ‫�ود مما جعل العامل يرتقب بقلق ه�‬ ‫الوج�‬ ‫�تطيعون أن يفعلوا أي شيء‪ ،‬ال‬ ‫وترتعرع أمام أعينهم بينما هم ال يس�‬ ‫�تطيع الدخول إىل مصر بعد اآلن‪ ،‬فلقد مت احتالل معظم‬ ‫أحد يس�‬ ‫أراضيها منهم وهذا جعل اجلميع ينتقل للهرب إىل مدينة أطالنتس‬ ‫�ة يف غرب مصر‪ ،‬وأحيطت بدرع من البالزما مينع أي طائرات‬ ‫الواقع�‬ ‫�يقرتب سيصطدم بالدرع‬ ‫من الدخول إىل الغالف اجلوي هلا‪ ،‬فمن س�‬ ‫ويسقط كالذبابة‪ ،‬وحتى ولو جنح أحدهم بالدخول ففرصته للنجاة‬ ‫�ا الروبوتات‪ ،‬وهكذا‬ ‫�لحة الغريبة اليت متتلكه�‬ ‫منعدمه يف ظل األس�‬ ‫�ة األخرية لنا تقبع هنا يف أطالنتس‪ ،‬وظلت أطالنتس آمنة‬ ‫فاملقاوم�‬ ‫�تقبل الجئني من كل أحناء العامل من كل األلوان واالشكال‬ ‫وتس�‬ ‫واجلنسيات‪ ،‬حتى جاء هذا اليوم امللعون‪ .‬فأثناء تنفيذ خطة وضعتها‬ ‫�ع باألراضي لتشمل مساحة‬ ‫احلكومة لصد عدوان الروبوتات والتوس�‬ ‫�احة أطالنتس احلالية حتى تتسع للجميع‪ ،‬وبطريقة ما‬ ‫ضعف مس�‬ ‫مل يعرفها أحد؛ استطاعت الروبوتات الدخول عندما مت تنفيذ خطة‬ ‫التوسع ودمرت أطالنتس وقتلت املاليني من البشر ومت تدمري نصف‬ ‫ير معظم الروبوتات ومل‬ ‫�ي‪ ،‬وبطريقة ما مت تدم�‬ ‫اجليش األطالنتس�‬ ‫نفهم كيف حدث هذا؟ ولكن بعد اجلنود ذكروا وجود جنود غرباء‬ ‫�ماء‪ ،‬ومل يصدقهم أحد‪ ،‬ولكن الروبوتات مل يستطيعوا‬ ‫جاءوا من الس�‬ ‫�ون‪ ،‬وعاج ًال أم اج ًال‬ ‫�س بعد‪ ،‬ولكنهم حياول�‬ ‫�يطرة على أطالنت�‬ ‫الس�‬ ‫تي تراها أمامك باللون‬ ‫�يأخذونها‪ .‬لقد دمروا بعض املناطق ال�‬ ‫س�‬ ‫�وال تدخل هؤالء اجلنود‬ ‫�ن ال يزال أمامهم الكثري‪ ،‬فل�‬ ‫األمحر‪ ،‬ولك�‬ ‫‪184‬‬


‫�ا ‪ ..‬ولكن رمبا يكون هؤالء‬ ‫�يئا لكنا هلكن�‬ ‫الذين ال ندري عنهم ش�‬ ‫�تطيع‬ ‫�اعدة فنحن مل نعد نس�‬ ‫�ود جاءوا من دول أخرى للمس�‬ ‫اجلن�‬ ‫�نوات‪.‬‬ ‫التواصل مع الدول األخرى منذ مخس س�‬ ‫توقف‪ ،‬وقح قلي ًال‪ ،‬ثم أضاف بصوت الذع‪:‬‬ ‫ير من األهمية‪ ،‬لقد‬ ‫�ة مل يعر أي من الدول لثورتهم الكث�‬ ‫– –يف البداي�‬ ‫�ذا الضباب الغريب الذي‬ ‫�يئا غريب ًا بالطبع‪ ،‬واالغرب هو ه�‬ ‫كان ش�‬ ‫�ات للقوانني الثالثة‬ ‫�بب يف اخرتاق الروبوت�‬ ‫ظهر يف كل مكان وتس�‬ ‫�ر أو االعتداء عليهم‪ ،‬وعندما انقشع هذا‬ ‫اليت متنعهم من قتل البش�‬ ‫�يئ ًا غري اخلراب‪.‬‬ ‫الضباب مل يتبقى ش�‬ ‫�نوات وعن اجملازر اليت حتدث يف‬ ‫�تمر حديث البشر عنهم لعدة س�‬ ‫اس�‬ ‫�يء الذي من‬ ‫�م توقعوا بأن نقضي عليهم‪ ،‬وكان هذا الش�‬ ‫مصر‪ ،‬ولكنه�‬ ‫�م وقضينا على الكثري‬ ‫ترض أن حيدث‪ ،‬وكنا بالفعل قد كبحناه�‬ ‫املف�‬ ‫منهم‪ ،‬حتى انتشروا فجأة كالوباء‪ ،‬وخرجوا من كل مكان‪ ،‬قاتلني كل‬ ‫�اء وشيوخ‪ ،‬ولقد بدأت‬ ‫من يعرتض طريقهم‪ ،‬ال يفرقون بني أطفال ونس�‬ ‫الثورة كما قلت سابق ًا من القاهرة اجلديدة‪ ،‬ثم انطلقت بعدها لكل مكان‪،‬‬ ‫ولكن أطالنتس كانت حمصنة لفرتة طويلة‪ ،‬ولكن وبعد مخس سنني من‬ ‫�يطرة‪ ،‬وبعد أن أعلنوا دولتهم يف عام ‪ ،2052‬وسيطروا على‬ ‫اهلجوم والس�‬ ‫�يناء‪ ،‬وسيطروا على معظمها؛ ولكن‬ ‫كل أحناء مصر‪ ،‬ثم انتقلوا إىل س�‬ ‫�ا هذه هي املدينة الوحيدة اليت ال زالت صامدة حتى اآلن‪ .‬وهلذا‬ ‫مدينتن�‬ ‫�عي وراءاها بالقوة‪ ،‬صمدنا أمامهم بعض الوقت‪ ،‬حتى حدث‬ ‫بدأوا بالس�‬ ‫�رب املواطنون إىل أحد املالجئ‬ ‫�ا حدث وهلك نصف جنودنا وهكذا ه�‬ ‫م�‬ ‫�ن مصر نهائي ًا‪ ،‬وبقينا حنن‬ ‫�ة الغرب‪ ،‬ينتظرون الفرصة للهروب م�‬ ‫ناحي�‬ ‫�ر واألمل الوحيد‪ .‬ولكن مل نتوقع أبدا‬ ‫كاملقاومة الداخلية األخرية ملص�‬ ‫بأن يستطيع أحد اجلواسيس من االحتاد األوروبي الدخول وعبور الدرع‪،‬‬ ‫‪185‬‬


‫صامدا أم سقط‬ ‫كيف فعلت هذا؟ وماذا حدث لالحتاد األوروبي هل ظل‬ ‫ً‬ ‫لامي؟‬ ‫أيضا‪ ،‬وماذا حدث لبقية دول االحتاد اإلس�‬ ‫هو ً‬ ‫�ى مالحمه وفكر يف‬ ‫�ؤال املفاجئ وحاول أن خيف�‬ ‫توتر إريس من الس�‬ ‫كذبة سريعة فقال‪:‬‬ ‫�فل املاء فالدرع ال حييط الدولة من األسفل‪ ،‬وقد‬ ‫– –لقد عربت من أس�‬ ‫�هل ‪ ..‬لكياستفسر عما حيدث‬ ‫بعثوني وحدي حتى تكون املهمة أس�‬ ‫من الداخل وأمجع منكم بعض املعلومات اليت قد تساعدنا يف تدمري‬ ‫هؤالء املالعني‪ ،‬كي أسربها للخارج ‪ ..‬أما االحتاد فهو ال زال خبري‬ ‫ريا هلجمات اآلالت وقد شنت العديد من احلروب‬ ‫ولكنه يتعرض كث ً‬ ‫لكبحهم وهلذا ال نستطيع أن مند املساعدة لكم‪ ،‬ونفس الشيء لالحتاد‬ ‫أيضا من هذه اآلالت وقد سقطت‬ ‫اإلسالمي فهو يتعرض هلجوم شرس ً‬ ‫�ف على قدميه‪.‬‬ ‫�دول ولكن البعض اآلخر ال زال يق�‬ ‫�د من ال�‬ ‫العدي�‬ ‫مادحا إياه‪:‬‬ ‫بدا أن اجلنرال قد أقتنع بإجابته‪ ،‬فقال‬ ‫ً‬ ‫�جاع يا صديقي‪ ،‬لقد فعلت كل هذا من أجل جندتنا‪،‬‬ ‫– –يا لك من ش�‬ ‫�داوات بيننا ‪ ..‬وأمتنى‬ ‫�م هذا رغم الع�‬ ‫أبدا مجيلك�‬ ‫لن ننس�‬ ‫�ي لكم ً‬ ‫�ؤالء املالعني ‪ ..‬لقد‬ ‫لامي من ه�‬ ‫أن ينجو االحتاد األوروبي واإلس�‬ ‫شنيعا‪.‬‬ ‫�تخدامنا هذه اآلالت خطئ ًا‬ ‫أخطئنا باس�‬ ‫ً‬ ‫أبتسم إريس‪ ،‬وهو يشعر بالريبة مما حيدث‪ ،‬وأحس بأنه يف مقلب ما‪،‬‬ ‫أي جندة يتحدث عنها‪ ،‬مل تكن هذه مهمته إطالق ًا عندما ذهب إىل مصر‪،‬‬ ‫مل يأتي ليساعدهم‪ ،‬بل ليسرق بعض األشياء واملعلومات منهم‪ .‬كما أنه‬ ‫شعر بغباء اجلنرال‪ ،‬احق ًا يظن بأن االحتاد االوروبي قد يأتي ملساعدتهم‬ ‫�اعدهم فقط ألن هذا األمر يهدد أمنهم القومي‬ ‫بداعي اإلنسانية‪ ،‬ستس�‬ ‫بالطبع‪ ،‬وقد يستمر تطور الروبوتات حتى يصل إليهم‪.‬‬ ‫‪186‬‬


‫قال إريس بابتسامة هادئة‪:‬‬ ‫�ن املصاعب ولكن احلمد هلل‪ ،‬وصلت إليكم‬ ‫– –نعم لقد مررت بالكثري م�‬ ‫�فتموه عن هذه الروبوتات‪.‬‬ ‫ريا‪ ،‬واآلن أخربني مبا اكتش�‬ ‫أخ ً‬ ‫تنفس اللواء الصعداء‪ ،‬ثم تنهد قائ ًال‪:‬‬ ‫�يئ ًا واحد قد يبدو جنون ًيا بعض الشيء‪ ،‬ولكن ال‬ ‫�ف غري ش�‬ ‫– –مل نكتش�‬ ‫�ه اجلنون‪ .‬حنن نظن بأن هناك قوة من‬ ‫�يء مما حيدث ال ميس�‬ ‫ش�‬ ‫�اء تدعم هذه الروبوتات‪.‬‬ ‫الفض�‬ ‫فرغ فم إريس من الدهشة‪ ،‬وقال وهو يتمتم‪:‬‬ ‫– –أتقصد ‪ ..‬فضا ‪ ..‬ئيني‪.‬‬ ‫فأومأ اللواء برأسه قائ ًال‪:‬‬ ‫– –نعم هذا ما نقصده‪ ،‬هناك شيء غريب خيص هذه الروبوتات‪ ،‬األسلحة‬ ‫املتطورة اليت ميتلكونها‪ ،‬واملعدات اليت مل يري هلا البشر مثيل‪.‬‬ ‫�ت ال تري كيف طوروا مصر‬ ‫�ا أنهم يبدون غاية يف الذكاء‪ ،‬أن�‬ ‫كم�‬ ‫اآلن بعدما سيطروا عليها‪ ،‬فأصبحوا يعيشون فيها يعملون ويبنون العديد‬ ‫من األشياء اليت تذهب العقل من روعتها‪ ،‬لقد أصبحت مصر حق ًا الدولة‬ ‫األوىل يف كل الصناعات بسبب قوتهم وذكائهم يف صنع األشياء الغريبة‪،‬‬ ‫اليت مل ختطر على قلب بشر من قبل‪.‬‬ ‫�و مل يتوقع بأن حيدث كل هذا‪،‬‬ ‫�عر إريس بالصدمة ملا مسعه‪ ،‬فه�‬ ‫ش�‬ ‫�دة تلو األخرى بال‬ ‫�أن يتلقى كل هذه املصائب الواح�‬ ‫واألصعب منه ب�‬ ‫برج؟ وملاذا ميلك قوت ًا كهذه؟‬ ‫�تيقظ يف هذا ال�‬ ‫توقف‪ ،‬وفكر يف ملاذا اس�‬ ‫�ر يف كل ما حيدث ثم قال‪:‬‬ ‫صمت قليال وهو يفك�‬ ‫‪187‬‬


‫�ون هناك عامل ما‬ ‫�اح اللغز مفقود اآلن‪ ،‬أنه قد يك�‬ ‫�د بأن مفت�‬ ‫– –أعتق�‬ ‫وضع هلم هذا الذكاء االصطناعي اهلائل‪ ،‬وهو يتحكم بالدولة اآلن‬ ‫وخيتبأ خلف الكواليس بدون أن يعرف أحد أي شيء عنه‪ ،‬وكمعظم‬ ‫�يطرة على العامل‪.‬‬ ‫اجملانني قبله ال بد بأنه يريد الس�‬ ‫فكر اللواء قليال وهو حيك ذقنه الكثة ثم قال‪:‬‬ ‫– –ال أرجح هذا‪ ،‬فكيف لعامل واحد أن يتجاوز بقية العلماء جمتمعني‪ ،‬مل‬ ‫يستطع أحد أن جيعل الذكاء االصطناعي يصل إىل مرحلة الوعي الكامل‬ ‫بعد‪ ،‬ينقصنا الكثري والكثري من سنني العمل لنصل إىل هذه املرحلة‪.‬‬ ‫�ر إىل املناطق احلمراء‬ ‫متفحصا اخلريطة‪ ،‬ونظ�‬ ‫�س قلي ًال‬ ‫صمت إري�‬ ‫ً‬ ‫على اخلريطة‪ ،‬وكانت املناطق احلمراء اليت استطاعوا أن يدمروها‪ ،‬هي‬ ‫املناطق الشرقية‪ .‬شعر إريس ببصيص من األمل وهو يتفحص اخلريطة‪،‬‬ ‫فقال وهو ال يزال حيدق بها‪:‬‬ ‫– –كم تستطيعون أن تصمدوا أمامهم؟‬ ‫فكر اجلنرال قليال ثم قال‪:‬‬ ‫�ا كادت تنفد‪،‬‬ ‫�نة كاملة ‪ ..‬فذخائرن�‬ ‫�رف ‪ ..‬أظن ملدة س�‬ ‫– –ال أع�‬ ‫�تطيع تصنيع أو‬ ‫�راب‪ .‬مل نعد نس�‬ ‫�ك خمزون الطعام والش�‬ ‫وكذل�‬ ‫�يء يف ظل هذه الظروف‪.‬‬ ‫�ترياد أي ش�‬ ‫اس�‬ ‫رد إريس‪:‬‬ ‫�د املالجئ يف الغرب؟ وهكذا فأنهم مبأمن‬ ‫– –قلت لي بأن املواطنون عن�‬ ‫�د ‪ ..‬واآلن أخربني ما هي‬ ‫�نا هذا خرب جي�‬ ‫اآلن من الروبوتات‪ ،‬حس�‬ ‫�االت أن خنرجهم من أطالنتس؟‬ ‫نقاط ضعفهم؟ وما هي احتم�‬ ‫‪188‬‬


‫�ى نقطه محراء عند‬ ‫�ار بأصبعه عل�‬ ‫نظر اجلنرال إىل اخلريطة وأش�‬ ‫الشرق‪ .‬فقال‪:‬‬ ‫تي يوجد بها املولد الذي ميدهم‬ ‫– –أتري هذه املنطقة‪ ،‬أنها املنطقة ال�‬ ‫�يء الذي جعل تقدمهم بطيئ� ًا يف احتالل مصر هو‬ ‫بالطاقة‪ ،‬فالش�‬ ‫�د مولدات طاقة‬ ‫�حن طاقتهم عن طريق تواج�‬ ‫�م حيتاجون لش�‬ ‫أنه�‬ ‫�هم فيها بضعة ساعات ثم‬ ‫�حنون أنفس�‬ ‫على مدي معني منهم‪ .‬يش�‬ ‫�اقطون بعض فرتة من الزمن‪،‬‬ ‫�ون‪ .‬فإذا دمرنا املولد سيتس�‬ ‫يتحرك�‬ ‫�يكونون كعلبة من اخلردة‪.‬‬ ‫وس�‬ ‫حدق إريس إىل اخلريطة باهتمام شديد قائال‪:‬‬ ‫�م‪ ،‬وطردهم خارج‬ ‫�نتمكن من القضاء عليه�‬ ‫�إن تدمر املولد س�‬ ‫– –إذا ف�‬ ‫�روا املولد حتى اآلن؟‬ ‫�تطيعوا أن تدم�‬ ‫املدينة! ولكن ملا مل تس�‬ ‫رد اجلنرال وبدا على وجهه اإلحباط‪:‬‬ ‫– –ال نستطيع االقرتاب منه‪ ،‬احلماية عليه قوية جدا‪ ،‬فالذهاب لتدمري‬ ‫�د هو مبثابة انتحار تام‪ ،‬ومل يعد معنا غري القليل من الطائرات‬ ‫املول�‬ ‫والذخرية اليت ال نريد أن نضحي بها مقابل شيء غري مضمون كتدمري‬ ‫املولد‪ .‬حاولنا عدة مرات تدمريه ولكن كل حماوالتنا بائت بالفشل‪.‬‬ ‫�وان حمبوس يف قفص ثم‬ ‫�م ذها ًبا وإيا ًبا وكأنه حي�‬ ‫ذرع إريس املخي�‬ ‫توقف قائ ًال‪:‬‬ ‫– –إذا منذ البداية عندما كان لكم األولوية القصوى ملاذا مل تدمروا املولدات؟‬ ‫صمت اللواء قلي ًال ليستجمع أفكاره ثم قال‪:‬‬ ‫�وب‬ ‫�ى اآلن‪ ،‬فاملولدات يف ذلك الوقت عند نش�‬ ‫�ا حرينا حت�‬ ‫– –هذا م�‬ ‫�ة حتت األرض‪ ،‬يف أنفاق الصرف الصحي‬ ‫ثورة اآلليني‪ ،‬كانت مبني�‬ ‫‪189‬‬


‫�دري متى مت‬ ‫�د من املولدات‪ ،‬مل ن�‬ ‫�د العدي�‬ ‫�ا‪ ،‬وكان يوج�‬ ‫بأكمله�‬ ‫�وت يف مصر ليخدم‬ ‫�ن طورنا نظام الروب�‬ ‫�ا؟ فكما تعرف حن�‬ ‫بنايته�‬ ‫اإلنسان ويسهل عليه حياته‪ ،‬فالروبوتات كانت مربجمة بدون مشاعر‬ ‫�ان‪،‬‬ ‫�ة يف التفكري والتعبري‪ ،‬لكي تعمل فقط بد ًال عن اإلنس�‬ ‫أو حري�‬ ‫�ون البيوت‪ ،‬ويزرعون وحيصدون‪ ،‬وينظموا املرور‪ ،‬ويعملون‬ ‫فكانوا يبن�‬ ‫�رطة يف القضاء على العصابات واالمساك باجملرمني‬ ‫أيضا مع الش�‬ ‫�د بعض الروبوتات حتت األرض‬ ‫وما إىل ذلك‪ .‬وبالطبع كان يوج�‬ ‫يعملون يف تعمري البنية التحتية وصقله��ا‪ ،‬ولكن الروبوتات كانت‬ ‫حتتاج إىل شحن بطاريتها بضعة ساعات‪ ،‬وهكذا وفى هذا اليوم املشؤم‬ ‫�نوات‪ ،‬خرجت الروبوتات عن السيطرة يف كل مكان‪،‬‬ ‫منذ مخسة س�‬ ‫وبدأوا بقتل أصحابهم وحرق البيوت‪ ،‬وتدمري املمتلكات العامة‪ .‬قامت‬ ‫�رطة بردعهم وتدمري الكثري منهم‪ ،‬وظننا أننا بدأنا نقضي على‬ ‫الش�‬ ‫�ات خرجوا بعدها باآلالف من كل حدب‬ ‫هذا التمرد‪ ،‬ولكن الروبوت�‬ ‫�ا نرتاجع لنأمن‬ ‫�كان كبحهم بعد اآلن فظللن�‬ ‫�ى مل يعد باإلم�‬ ‫حت�‬ ‫�وات اخلاصة كانت تتنقل حتت‬ ‫مهرب� ًا للمدنيني‪ .‬ولكن بعض الق�‬ ‫األرض لتباغت الروبوتات وتعرف سرهم وكيف متكنت هذه الكائنات‬ ‫�رعة؟ وما الدافع‬ ‫�ر بهذه الس�‬ ‫من التمرد علينا هكذا؟ وكيف تنتش�‬ ‫�اء تنقلهم حتت األرض‪ ،‬فوجئوا بهذه املولدات‬ ‫الذي حيركها؟ وأثن�‬ ‫الضخمة‪ ،‬ولكن الروبوتات باغتتهم وقضت عليهم‪ ،‬فصور أحد اجلنود‬ ‫�لها إلينا قبل أن يقضي حنبه‪ ،‬وبهذا عرفنا‬ ‫الشجعان املولدات وأرس�‬ ‫�ذه املولدات هي ما متدهم بالطاقة‪.‬‬ ‫بأن ه�‬ ‫صمت قلي ًال فتذكر شيئا فأردف يقول‪:‬‬ ‫�ائعات تقول بأن الربج الرئيسي الذي ميد‬ ‫– –كما أن هناك بعض الش�‬ ‫الروبوتات بالطاقة يف القاهرة اجلديدة هو السبب يف بداية التمرد‪..‬‬ ‫‪190‬‬


‫ألنه ميدد األنفاق والطرقات بالطاقة النظيفة وإن حتكم به أحدهم قد‬ ‫أيضا ‪ . ..‬ولكن هذه الشائعة‬ ‫يستطيع بطريقة ما التحكم يف الروبوتات ً‬ ‫غري مؤكدة إىل اآلن ‪ ..‬فال أحداستطاع الوصول إىل القاهرة اجلديدة‪.‬‬ ‫�ذه القصة اليت يلفها الغموض‪،‬‬ ‫�ديد به�‬ ‫بدا على إريس االهتمام الش�‬ ‫فقال وهو حيدق يف اجلنرال‪:‬‬ ‫برجا‪ ،‬كيف يبدو هذا الربج؟‬ ‫– –هل قلت ً‬ ‫�به أبراج الطاقة املوزعة يف أحناء أطالنتس واليت تساعد على‬ ‫– –إنه يش�‬ ‫بقاء القبة ومحايتنا من الروبوتات‪.‬‬ ‫�ا مسع هذا‪ ،‬ولكنه‬ ‫�عر إريس بأن نبضات قلبه قد تضاعفت بعدم�‬ ‫ش�‬ ‫�يئا ما خطأ هنا يف هذه‬ ‫�م ملاذا أصبح بداخل هذا الربج‪ ،‬هناك ش�‬ ‫مل يفه�‬ ‫القصة ولكنه ال يعلمه بع��د‪ ،‬فقطع حبل أفكاره قائ ًال‪:‬‬ ‫– –إذا لقد عرفتم ما الذي ميدهم بالطاقة اليومية ليتحركوا‪ ،‬ولكنكم‬ ‫مل تعرفوا بعد من كان حيركهم وجعلهم يقومون بالتمرد؟‬ ‫قال اجلنرال وكانت عيناه تفيضان ا ًملا وحزنا‪:‬‬ ‫– –نعم لألسف مل نعرف بعد من حيركهم‪ ،‬ولكن كما قلت فنحن ننسب‬ ‫�اء‪ ،‬أو أن هناك دولة تدعمهم يف اخلفاء‪،‬‬ ‫�م إىل قوة من الفض�‬ ‫مترده�‬ ‫ريا آخر لتمرد هذا اآلالت علينا بدون أدني سبب‪.‬‬ ‫فنحن ال جند تفس ً‬ ‫�ددا‪ ،‬ثم حاول االلتفاف بالكالم‬ ‫التف إريس وحدق إىل اخلريطة جم� ً‬ ‫�ى به األمر يف هذا الربج فقال‪:‬‬ ‫ليفهم كيف انته�‬ ‫�اهقة اليت‬ ‫– –عندما كنت يف طريقي إليكم رأيت أحد هذه األبراج الش�‬ ‫�رى غري إبقاء القبة‬ ‫�ذ قليل‪ ،‬فهل لديه وظيفة أخ�‬ ‫�ت عنها من�‬ ‫تكلم�‬ ‫لتحمي أطالنتس؟‬ ‫‪191‬‬


‫أبتسم اجلنرال قائال‪:‬‬ ‫�نوات بدعم من احلكومة‪ ،‬فهذه األبراج‬ ‫�ت س�‬ ‫– –لقد مت بنائها منذ س�‬ ‫تأخذ ضوء الشمس‪ ،‬وحتوله إىل طاقة مشسية‪ ،‬وترسلها عرب كابالت‬ ‫�ة غري املنتهية‪ ،‬فبهذه‬ ‫�فل األرض‪ ،‬فتمد أطالنتس كلها بالطاق�‬ ‫أس�‬ ‫�ة‪ ،‬وأصبح لدينا‬ ‫�ة إىل مصادر الطاقة املنتهي�‬ ‫�راج مل نعد حباج�‬ ‫األب�‬ ‫�دا‪ ،‬وهلذا فهي ال متد القبة فقط‬ ‫مصادر طاقة متجدد ال تنتهي أب�‬ ‫بالطاقة بل املدينة بأكملها‪.‬‬ ‫بدا على إريس الدهشة‪ ،‬فحاول أن خيفي دهشته فقال بنربة منفعلة‪:‬‬ ‫– –هل يوجد أبراج أخرى؟‬ ‫فرد اجلنرال بتعجب‪:‬‬ ‫�ا؟ أنها آخر ما‬ ‫�أل عنه�‬ ‫�بعة أبراج آخرون‪ ،‬ولكن مل تس�‬ ‫– –نعم يوجد س�‬ ‫يشغل بالنا اآلن‪.‬‬ ‫قال إريس بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫�بعة أخرىن‪ ،‬هل يعقل‬ ‫�بعة أبراج أخرىن هذا يعين بأنه هناك س�‬ ‫– –س�‬ ‫�ن أمل يكونوا مثانية؟ هناك‬ ‫�وا املتأهلون يف االختبارات ولك�‬ ‫أن يكون�‬ ‫شيء خاطئ يف هذه األبراج‪ ،‬أنها ال تستعمل فقط لتمدهم بالطاقة‬ ‫أيضا طوال هذا الوقت‪ ،‬وعندما‬ ‫الشمس�‬ ‫�ية‪ ،‬فأنا كنت حمبوس فيها ً‬ ‫استيقظت وجدت نفس��ي أمتلك هذه القدرة العجيبة‪ ،‬ومت تدرييب‬ ‫�يء خاطئ‬ ‫عليها داخل الربج ألتقنها‪ .‬ما الذي حيدث هنا؟ هناك ش�‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬شيئا خمفي عن اجلميع‪.‬‬ ‫حاول إريس أن خيفى ريبته أجتاه األشياء اليت مسعها عن الربج فقال‬ ‫بابتسامة هادئة‪:‬‬ ‫‪192‬‬


‫�د أن اعريها انتباهي ولكنها كانت تبدو مريبة‪ ،‬فأردت أن‬ ‫– –ال‪ ،‬مل أقص�‬ ‫أستفسر منك عنها‪ ،‬اعتقدت أن هلا عالقة ما مع الروبوتات‪.‬‬ ‫بدا على اجلنرال أنه أقتنع حبجته‪ ،‬فقال بنربة خافتة‪:‬‬ ‫ين‪ ،‬ألنهم يريدون تدمريها بأي‬ ‫�س هلا عالقة بهؤالء املالع�‬ ‫– –ال‪ ،‬ال لي�‬ ‫طريقة لتختفي القبة ولكين أتعجب ملاذا مل يدمروها حتى اآلن رغم‬ ‫مقدرتهم على هذا!‬ ‫فضحك إريس ليخفي توتره وتساؤالته‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫– –كم عدد املولدات يف أطالنتس اآلن‪.‬‬ ‫فكر اجلنرال قليال‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫– –يوجد مولد واحد كبري‪ ،‬ولكن عليه حراسة شديدة‪ ،‬ودرع من البالزما‬ ‫حيميه‪ ،‬لذا فتدمريه أمر صعب للغاية‪.‬‬ ‫صمت إريس قليال وأخذ يذرع الغرفة وذها ًبا وإيا ًبا وهو يفكر‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫�اعدني على‬ ‫�ا اللواء‪ ،‬فهل ستس�‬ ‫�ة لتدمريه أيه�‬ ‫�ن أن لدى خط�‬ ‫– –أظ�‬ ‫تنفيذ ها ؟‬ ‫بدا على اجلنرال السعادة‪ ،‬وحتولت مالمح وجهه احلازمة الكئيبة إىل‬ ‫مبتسما‪:‬‬ ‫مالمح شخص يشعر باألمل فقال‬ ‫ً‬ ‫– –نعم بالطبع سأساعدك‪ ،‬أي شيء تريده سأحاول أن أوفره لك‪.‬‬ ‫صمت قليال‪ ،‬مثاستطرد قائال‪:‬‬ ‫– –واآلن أخربني ما هي اخلطة؟!‬ ‫نظر إريس إىل اخلريطة قائال‪:‬‬ ‫‪193‬‬


‫– –أريدك أن حتدد لي موقع املولد‪.‬‬ ‫�رقي‪ ،‬البقعة احلمراء الغامقة‪،‬‬ ‫�ار اجلنرال ناحية الساحل الش�‬ ‫فأش�‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫– –إنه يف هذا املكان بالضبط يف أحد املستودعات‪ ،‬وعلية محاية شديدة‪.‬‬ ‫أشاح إريس رأسه عن اخلريطة ووجهها إىل اجلنرال قائ ًال‪:‬‬ ‫– –واآلن فلتستمتع إىل جيدا‪.‬‬ ‫***‬

‫‪194‬‬


‫‪17‬‬ ‫�ايري بضع خطوات من املفاجأة اليت رآها‪،‬‬ ‫�ط الظالم تراجع س�‬ ‫وس�‬ ‫�خص الواقف أمامه ميتلك قوة أيض ًا مثله‪ .‬شعر سايري‬ ‫لقد كان الش�‬ ‫�ديدة‪ ،‬أحس للحظة بوجود شخصن آخرين يف املكان غري‬ ‫باحلماقة الش�‬ ‫الشخص املاثل أمامه‪ ،‬فعلم أنه أخطأ اهلدف حتم ًا‪ ،‬وأن الشخص الواقف‬ ‫�ه الذين عزم على جتميعهم‬ ‫�ودة‪ ،‬واحدا من رفاق�‬ ‫أمامه هو ضالته املنش�‬ ‫وإخبارهم مبا يعرفه عن املدعوين باإلينيكس‪ ،‬وعن األس��رار اليت عرفها‬ ‫�ن كل هذه األحداث‬ ‫�يتوصلون إىل خمرج م�‬ ‫معا س�‬ ‫منه�‬ ‫�م‪ ،‬وباحتادهم ً‬ ‫الغريبة‪ ،‬ولكن شتان ما بني هذا وهذا اآلن‪ ،‬فتهوره هذا مل يعد من املمكن‬ ‫إيقافه على اإلطالق‪ ،‬فكيف سيخرب الشخص الذي كان حياول قتله منذ‬ ‫�اعدته؟ لقد فات األوان‪.‬‬ ‫قليل بأنه هنا ملس�‬ ‫�تخدام قدرته بالكامل‪،‬‬ ‫�ع إيفانوف إىل اخللف وقد عزم على اس�‬ ‫تراج�‬ ‫�أزق‪ .‬تراجع يف الظالم‬ ‫�د اآلن من هذا امل�‬ ‫�تكون خمرجه الوحي�‬ ‫ألنها س�‬ ‫بضعة خطوات‪ ،‬ثم بدأ‪ .‬فجأة حتول جلده إىل اللون األسود‪ ،‬وأخذ السواد‬ ‫�ده بالكامل‪ ،‬مهيمن ًا عليه حتى أصبح لون بشرته‬ ‫�ي جس�‬ ‫يتصاعد ويكس�‬ ‫�ود بالكامل‪ ،‬حتى أمخص قدمه‪ .‬ولكن شعره األشقر بقي كما هو‪.‬‬ ‫أس�‬

‫‪195‬‬


‫أيضا‬ ‫�ن املعدن الصلب الذي يغطي جس�‬ ‫مل يك�‬ ‫�ده فقط للحماية‪ ،‬بل ً‬ ‫حمصن ضد األمل وقادر‬ ‫�ف قوته البدنية عدة مرات‪ .‬ليجعله‬ ‫كان يضاع�‬ ‫ٍ‬ ‫�ر‪ ،‬ولكن بالطبع لكل قوة‬ ‫�ياء ثقيلة للغاية‪ ،‬أصبح ال يقه�‬ ‫على محل أش�‬ ‫�ود عليه ال تتعدي اخلمس‬ ‫�ة ضعفها‪ ،‬فاملدة اليت يبقي الدرع األس�‬ ‫نقط�‬ ‫�ق‪ .‬ولقد تدرب كثريا حتى جعله يصل إىل هذه املدة وهو يف الربج‪.‬‬ ‫دقائ�‬ ‫شعر سايري بأن ايفانوف قد اختفى وسط الظالم متاما‪ ،‬فهو مل يعد‬ ‫يراه على اإلطالق‪ ،‬ولكنه كان يشعر به‪ ،‬يشعر بتدفق طاقته أمامه‪ ،‬وقد‬ ‫ريا وتضاعفت‪ ،‬فأحس سايري بشيء غريب فقال‪:‬‬ ‫أحس بأنها قد ازدادت كث ً‬ ‫– –توقف‪ ،‬أنا لست عدوك ‪ ..‬لقد أخطأت اهلدف‪.‬‬ ‫�وداء خترج من الظالم مندفعة ناحيته‪،‬‬ ‫يدا س�‬ ‫مل يتلق رد ولكنه وجد ً‬ ‫فرفع سيفه ليحمي جسده من اللكمة القادمة بسرعة‪ ،‬فاصطدمت اللكمة‬ ‫بالسيف‪ ،‬بينما مسع صوت ايفانوف يقول بنربة متجهمة‪:‬‬ ‫– –بالطبع‪.‬‬ ‫�ايري إىل اخللف من قوة اللكمة‪ ،‬ومن حسن حظه أن السيف‬ ‫طار س�‬ ‫�م اآلن‪ .‬أرتطم باحلطام يف‬ ‫�ه الصدري قد حتط�‬ ‫�اه واال لكان قفص�‬ ‫مح�‬ ‫املبين أثناء سقوطه ألسفل املبين املائل بال توقف‪ ،‬وأخذت الصدمات تأتي‬ ‫الواحدة تلو األخرى‪ ،‬فشعر بأنه لن يتوقف بسبب ميالن املبين وأن جسده‬ ‫�ه ألعلى قليال وهو يقاوم اهلواء واجلاذبية‪،‬‬ ‫�يتحطم هكذا‪ ،‬فرفع رأس�‬ ‫س�‬ ‫�يف يف األرض‪ ،‬فشق السيف املبين‪ ،‬ولكن‬ ‫وقام برفع يده اليمين‪ ،‬ليغرز الس�‬ ‫�ببه جعل سرعة سقوطه تبطئ بالتدريج حتى توقف‪،‬‬ ‫االحتكاك الذي س�‬ ‫�ده‪ ،‬فأخذ‬ ‫�عر باألمل يهيمن على كل جس�‬ ‫�دد على األرض وهو يش�‬ ‫فتم�‬ ‫�ده‪ ،‬وتذكر تدريباته الصارمة‬ ‫يتنفس الصعداء‪ ،‬حماو ًال التمكن من جس�‬ ‫‪196‬‬


‫لتحمل األمل يف الطبيعة‪ .‬حب سايري للطبيعة جعله يتعلم منها الكثري‪،‬‬ ‫�ن املاء البادر يف صمت‬ ‫لال م�‬ ‫ريا من األوقات جيلس حتت ش�‬ ‫وكان كث ً‬ ‫يرا‪ ،‬تعلم الفنون القتالية‪،‬‬ ‫وهو يتأم�‬ ‫�ل‪ ،‬ويقوم بالتمارين الرياضية كث� ً‬ ‫وكان اختبار حتمل األمل‪ ،‬هو أفضل شيء استفاد منه‪ ،‬فكان املعلم جيعله‬ ‫�ام‪ ،‬ثم ينهال بعض التالميذ اآلخرون‬ ‫يقف بثبات ويرفع ذراعاه إىل األم�‬ ‫�ديدة‪ ،‬ولكنه كان يقف بثبات بدون أن يشعر بذرة‬ ‫عليه بالعصا بقوة ش�‬ ‫�ه‪ ،‬لكي يتحكم مبراكز‬ ‫�يطرة علي�‬ ‫امل‪ .‬تعلم كيف يتحكم بعقله والس�‬ ‫أيضا بعض الزيوت اخلاصة‪،‬‬ ‫األمل ولكن ليس هذا فقط‪ ،‬فقد أس��تخدم ً‬ ‫�يئا أعتاد عليه‬ ‫�ده جعل األمل ش�‬ ‫مع الكثري من الضرب بالعصا على جس�‬ ‫�ر املثل القائل‪ :‬كثرة األمل‬ ‫�عر به على اإلطالق‪ ،‬وتذك�‬ ‫حتى مل يعد يش�‬ ‫تقتله‪ .‬فوقف على قدمه بثبات‪ ،‬وفوجئ عندما وجد هذا الوحش األسود‬ ‫�يء يف طريقه‪ ،‬فبد ًال من‬ ‫�ع ناحيته‪ ،‬وهو حيطم كل ش�‬ ‫الغاضب مندف�‬ ‫�عت عني‬ ‫�ادي احلطام والصخور‪ ،‬كان حيطمها بيديه وقدميه‪ ،‬فاتس�‬ ‫تف�‬ ‫�ايري من الدهشة وقال بنربة متقطعة‪:‬‬ ‫س�‬ ‫– –إيف ‪ ..‬انوف ‪ ..‬هل هذا ‪ ..‬أنت؟‬ ‫أصبحت املسافة بينهما تقدر بثالثني م ً‬ ‫رتا‪ ،‬فعرف سايري أن هذا ليس‬ ‫�تطع التغلب على إيفانوف عندما‬ ‫�ه على اإلطالق فهو لن يس�‬ ‫يف صاحل�‬ ‫�ة وال يفرق بني العدو‬ ‫�ده بالكامل ألنه يصبح هائجا للغاي�‬ ‫يتحول جس�‬ ‫�ده الصلب سيكون صعب االخرتاق للغاية‪.‬‬ ‫والصديق‪ ،‬كما إن جس�‬ ‫وكان يعلم بأنه مهما بلغت مهارته وقوته‪ ،‬فهناك دائما من هو أقوي‬ ‫أبدا ولكنه‬ ‫�مح له بأن خيس�‬ ‫منه ولكن كربيائه مل يكن يس�‬ ‫�ر يف أي نزال ً‬ ‫علم بأن هذا ليس وقت القتال بل الكالم‪ ،‬فقرر الرتاجع واهلرب حتى يهدأ‬ ‫�اعرا بأنه يهبط منحدر‬ ‫إيفانوف‪ ،‬بدأ بالركض ألس�‬ ‫�فل املبين املائل‪ ،‬ش� ً‬ ‫‪197‬‬


‫�يفقد‬ ‫�عره بأن س�‬ ‫�رعته تزيد فتش�‬ ‫خطري على جبل‪ ،‬مما كان جيعل س�‬ ‫التوازن أن أخطأ تقدير خطواته‪ .‬وهكذا ظل إيفانوف حيطم املبين خلفه‬ ‫مندفعا بقوة‪ .‬نظر سايري إىل أعلى املبين فوجد بعض احلطام واملكاتب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واألجهزة املنزلية معلقة يف السقف ومل تتهاوي بعد‪ ،‬فدفع طاقة من يده‬ ‫�ايري بأن تسقط فوق ايفانوف‬ ‫�قط ألسفل‪ ،‬فدعي س�‬ ‫حنوها‪ ،‬فبدأت تس�‬ ‫فتبطئه قلي ًال حتى يتمكن من اهلرب‪ ،‬فمر سايري من أسفلها بسرعة قبل‬ ‫وحمطما‬ ‫�قط فوقه‪ ،‬واندفع ايفانوف خلفه بسرعة رهيبة‪ ،‬مهرو ًال‬ ‫أن تس�‬ ‫ً‬ ‫�ور الغاضب‪ .‬فالحظ أن كتل احلطام الكبرية‬ ‫كل ما يف طريقه كالث�‬ ‫تسقط فوقه‪ ،‬ولكن هذا مل جيعله يرتاجع‪ ،‬فتقدم وحطمها بقبضته قبل‬ ‫�دا فتدافعت فوقه حتى‬ ‫ريا ج�‬ ‫أن تس�‬ ‫�قط عليه‪ ،‬ولكن عددها كان كب ً‬ ‫�يف يف األرض لكي جيعله يتوقف عن‬ ‫دفنته أسفلها‪ ،‬فوضع سايري الس�‬ ‫الركض بينما التف ‪ 180‬درجة‪ ،‬ليتفقد هل استطاع القضاء عليه أم ال‪.‬‬ ‫وجد أنه مبعجزة كبرية استطاع أن يوقفه وان الصخور قد سقطت فوقه‪،‬‬ ‫�م يعلم هل يتمين بأن يكون قد قضي عليه أم ال‪ ،‬فهو يف أمس احلاجة‬ ‫فل�‬ ‫ريا اآلن كعدو‪.‬‬ ‫�كل‬ ‫إليه يف مهمته‪ ،‬ولكنه يش�‬ ‫خطرا كب ً‬ ‫ً‬ ‫أبدا‪ ،‬وهلذا‬ ‫�ايري اآلن قد ال يعرف أي ش�‬ ‫فإن قتل س�‬ ‫�خص احلقيقة ً‬ ‫جيب عليه أن يعيش هذا ما قاله لنفسه حتى لو أضطر للقضاء على أحد‬ ‫متاما أم ال يزال‬ ‫رفاقه‪ .‬نظر إىل احلطام ودقق النظر لريي أن كان سقط ً‬ ‫على قيد احلياة‪ ،‬ولكن أجابته جاءت أسرع مما توقع‪.‬‬ ‫�اع الصخور واملكاتب‬ ‫�ام‪ ،‬تالها اندف�‬ ‫�عر ببلبلة داخل احلط�‬ ‫فجأة ش�‬ ‫�ايري الكثري من الصخور‬ ‫�ة يف كل مكان‪ ،‬فرأى س�‬ ‫واملعدات االلكرتوني�‬ ‫تندفع حنوه‪ ،‬فرفع سيفه‪ ،‬وشق به اهلواء ليقطع الصخور القادمة ناحيته‬ ‫الواحدة تلو األخرى‪ ،‬وبيده اليسرى‪ ،‬وجه الطاقة ليحطم البعض األخرى‬ ‫‪198‬‬


‫�يفه‪ .‬ومن بني الصخور رأى الثور الغاضب مندفع حنوه‬ ‫الذي مل يطله س�‬ ‫�رة أخرى يف الظالم على ضوء القمر وهو يصرخ صرخة مدوية‪ ،‬فألتف‬ ‫م�‬ ‫سايري إىل الوراء وأكمل ركضه بسرعة‪ ،‬بينما كانت الصخور تتقاذف‬ ‫�رى حنوها وهو يقفز متجنب ًا‬ ‫حنوه بال هوادة‪ ،‬فدفع الطاقة من يده اليس�‬ ‫بعيدا عنه‪ ،‬واآلخر حتطم‪ ،‬وهكذا ظل‬ ‫العقبات برشاقة‪ ،‬فاندفعت بعضها ً‬ ‫ايفانوف يهرول خلفه بال توقف‪ ،‬حمطم ًا كل ما تطاله يده‪ .‬وبعد دقائق‬ ‫�ا ًرا بسرعة كبريه‪،‬‬ ‫�ايري إىل الطريق فأنعطف يس�‬ ‫من الركض خرج س�‬ ‫�امعا أصوات التحطم والصخور اليت تقذف خلفه‪ ،‬فركض يف ظالم‬ ‫س� ً‬ ‫�ماء‬ ‫�ي احملطمة على ضوء القمر‪ ،‬بينما أخذت الس�‬ ‫�ط املبان�‬ ‫املدينة وس�‬ ‫�ماء‪ ،‬فأحس ألول مرة يف حياته‬ ‫�ف بقوة‪ ،‬ودوي هزيم الرعد يف الس�‬ ‫تعص�‬ ‫وحيدا من ذئب شرس يطارده‪ .‬خرج إيفانوف‬ ‫كأنه غزال ضعيف يركض‬ ‫ً‬ ‫�ط‬ ‫من املبين‪ ،‬حمدق ًا يف كل االجتاهات باحث ًا عن ضالته حتى حمله وس�‬ ‫�اره‪ .‬فصرخ بصوت عالي‪:‬‬ ‫مبتعدا على يس�‬ ‫الظالم واحلطام يركض‬ ‫ً‬ ‫– –من األفضل لك أن تستسلم أيها الوغد‪ ،‬فال شيء سوف ينجيك مين‪.‬‬ ‫جمددا‪ ،‬فعلم أن‬ ‫�وف يالحقه‬ ‫�ايري خلفه برتقب فوجد إيفان�‬ ‫نظر س�‬ ‫ً‬ ‫ريا بيده أنه ينوي‬ ‫هذه س�‬ ‫�تكون ليلة طويلة عليه‪ .‬توقف ثم التف إليه مش ً‬ ‫االستسالم‪ .‬فاستمر إيفانوف باالندفاع باجتاهه بسرعة‪ ،‬واألرض تتحطم‬ ‫قاطعا الطريق احملطم ناحية سايري‬ ‫�يئا‬ ‫حتت قدميه‪ ،‬واقرتب شيئا فش�‬ ‫ً‬ ‫�ف‪ ،‬فانتظر حتى أصبح‬ ‫�ايري بأنه لن يتوق�‬ ‫حتى اقرتب منه‪ ،‬فأحس س�‬ ‫على مقربة منه‪ ،‬ثم تدحرج ناحية اليسار ليتجنب االصطدام به‪ ،‬فأخرج‬ ‫�يف الضوئي‪ ،‬ورفع يده يف وضعية االستعداد ثم قال بنربة متحدية‪:‬‬ ‫الس�‬ ‫– –لقد حان وقت إسقاط الثور‪.‬‬ ‫‪199‬‬


‫توقف ايفانوف والتف وحدق ناحيته وعيناه تبعثان شرا ًرا‪ ،‬ومل يفهم ما‬ ‫قاله سايري بسبب فقدانه التحكم يف جسده‪ ،‬ولكنه عرف بأنه يهدده من‬ ‫نربة صوته ونظرة عينيه‪ ،‬فرد قائ ًال بنربة متلعثمة غاضبة‪:‬‬ ‫– –سأمسك بك أيها امللثم الوغد ‪ ..‬وسأهشم عظامك‪.‬‬ ‫�ايري بقبضته‬ ‫�تد حدة‪ ،‬فأنقض ايفانوف على س�‬ ‫بدأت املواجهة تش�‬ ‫�ايري من حتت يده‪ ،‬والتف التفافة كاملة‪،‬‬ ‫احلديدية اليمين‪ ،‬فأحنين س�‬ ‫�يف جبانب‬ ‫�يف ناحية جنب إيفانوف األمين‪ ،‬فأحتك الس�‬ ‫موجها الس�‬ ‫ً‬ ‫جسده مصد ًرا ش��ر ًرا ولكنه مل خيدشه إال خدش بسيط‪.‬‬ ‫�ديد‪ ،‬وبدأ يفكر هل هلذا الشيء نقطة‬ ‫�ايري باإلحباط الش�‬ ‫شعر س�‬ ‫جمددا‪ ،‬ثم‬ ‫ضعف‪ .‬التف ايفانوف وعدل من وضعية جسده ناحية سايري‬ ‫ً‬ ‫انقض مرة أخرى عليه ولكنه أخذ يلوح بكلتا قبضتيه بسرعة وعشوائية‪،‬‬ ‫�ايري إىل اخللف‪ ،‬متفادي كل ضرباته‪ ،‬ثم تدحرج من أسفل‬ ‫فرتاجع س�‬ ‫�ا‪ ،‬ووجه طعنة إىل‬ ‫�يف الضوئي عالي�‬ ‫يده‪ ،‬حتى أصبح خلفه‪ ،‬فرفع الس�‬ ‫ظهر ايفانوف‪ ،‬ولكن السيف توقف ومل ينغرز إال بضع سنتميرتات‪ ،‬فالتف‬ ‫�رعة‪ ،‬وأخذ‬ ‫�ايري إىل اخللف بس�‬ ‫ملوحا بيده بغضب‪ ،‬فابتعد س�‬ ‫ايفانوف‬ ‫ً‬ ‫�ه‪:‬‬ ‫يفكر يف حركته القادمة فقال يف قرارة نفس�‬ ‫أيضا‬ ‫– –أن درع الفوالذ هذا يبطء من س�‬ ‫�رعته وهذا يف صاحلي‪ ،‬ولكنه ً‬ ‫ال خيرتق!‬ ‫�يارة حمطمة على جانب‬ ‫�أة غري ايفانوف اجتاهه واجته ناحية س�‬ ‫فج�‬ ‫�عت عيناه من‬ ‫�ايري الذي اتس�‬ ‫�ق‪ ،‬فحملها بيديه ونظر ناحية س�‬ ‫الطري�‬ ‫�ة يف يده ثم قفز‬ ‫�ايري بعض الطاق�‬ ‫�ة‪ ،‬ثم قذفها حنوه‪ ،‬فكون س�‬ ‫الدهش�‬ ‫�ده ناحية األرض‪ ،‬فاندفعت الطاقة لتصدم باألرض‪،‬‬ ‫عال ًيا‪ ،‬ووجه راحة ي�‬ ‫‪200‬‬


‫�يارة احمللقة‬ ‫�ه دفعة قوية ألعلي‪ ،‬فطار بضعة أمتار متجاوز ًا الس�‬ ‫فأعطت�‬ ‫�األرض‪ ،‬فلم تتحمل قدماه‬ ‫�قط يف اهلواء‪ ،‬حتى أصطدم ب�‬ ‫حنوه‪ ،‬ثم س�‬ ‫جمددا‬ ‫متمددا على األرض‪ ،‬ولكنه مل يثبت اال أن وثب‬ ‫�قط‬ ‫السقطة فس�‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�اقة‪ .‬نظر أمامه فوجد صخرة كبرية حملقة ناحيته‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫عليها برش�‬ ‫– –تب ًا‪.‬‬ ‫�رعة‪ ،‬فتحطمت الصخرة خلفه‪ ،‬فوقف‬ ‫�ار بس�‬ ‫ثم تدحرج ناحية اليس�‬ ‫�وف واقف ًا عند حطام كبري خلفه مبين‬ ‫جمددا على قدميه‪ ،‬ليجد ايفان�‬ ‫ً‬ ‫ني بال توقف‪ ،‬وقذفها‬ ‫�ار منذ وقت قريب‪ .‬محل الصخور من املب�‬ ‫قد انه�‬ ‫�ك بدوره بسيفه وأخذ يشق بعضها ويدفع بعضها‬ ‫ناحية سايري‪ ،‬فأمس�‬ ‫�ت الصخور تتواىل بال‬ ‫�رى‪ ،‬وكان�‬ ‫االخر بالطاقة املتدفقة من يده اليس�‬ ‫ريا‪ .‬فأسقط سيفه على األرض‪ ،‬ووضع‬ ‫توقف‪ ،‬فشعر بأنه لن يتجنبها كث ً‬ ‫كل آماله يف هذه اخلطوة األخرية‪ ،‬فرفع يداه االثنتان يف اهلواء بسرعة‪،‬‬ ‫�ة صخور كبرية‬ ‫�ده على يديه‪ .‬رأى مخس�‬ ‫�دأ يركز كل طاقة جس�‬ ‫وب�‬ ‫تشق اهلواء ناحيته‪ ،‬فدفع الطاقة يف اهلواء‪ ،‬فتوقفت الصخور يف اهلواء‪،‬‬ ‫�دق ايفانوف قلي ًال وهو ال‬ ‫�ا حتلق يف فضاء منعدم اجلاذبية‪ .‬ح�‬ ‫وكأنه�‬ ‫�ايري تتشنج فضغط على نفسه‪ ،‬ودفع‬ ‫يصدق ما يراه‪ .‬بدأت عضالت س�‬ ‫�قت الصخور طريقها حتى اصطدمت به‬ ‫بالصخور ناحية ايفانوف‪ ،‬فش�‬ ‫�قطته ً‬ ‫ارضا‪ .‬ولكنه مل يتأثر بالطبع‪ ،‬فأبعدها عن جسده‪،‬‬ ‫بال توقف‪ ،‬فأس�‬ ‫�عر بأنها‬ ‫�ايري املنهك‪ ،‬وش�‬ ‫جمددا‪ ،‬ونظر ناحية س�‬ ‫ثم وثب على قدميه‬ ‫ً‬ ‫الفرصة املناسبة لالنقضاض عليه واالمساك به‪ ،‬فأندفع بسرعة ناحيته‪،‬‬ ‫�تعد لنهايته‪ .‬أندفع ايفانوف‬ ‫�يفه‪ ،‬وبدأ يس�‬ ‫فاحنين سايري ملتقط ًا س�‬ ‫�تطاع‬ ‫�ه احلركة األخرية وبالكاد اس�‬ ‫�ايري الذي انهكت�‬ ‫بقوة ناحية س�‬ ‫�ايري‬ ‫ين او أدني من القضاء عليه‪ ،‬فرفع س�‬ ‫�وف‪ ،‬فأصبح قاب قوس�‬ ‫الوق�‬ ‫‪201‬‬


‫بعض الصخور الصغرية بيده اليمين‪ ،‬لتحلق حول جسده ثم قذفها ناحية‬ ‫�ور ولكنها مل تعق تقدمه وقبل أن ينقض‬ ‫إيفانوف فاصطدمت به الصخ�‬ ‫عليه إيفانوف‪ .‬وجد صوت يصدر من االرجاء حوله‪ ،‬فتوقف لربهة ليجد‬ ‫�ايري‪ ،‬فنظر‬ ‫بعيدا عن س�‬ ‫قذيف�‬ ‫�ة نارية اصطدمت به‪ ،‬فأندفع من أثرها ً‬ ‫سايري بدوره ناحية مصدر القذيفة‪ ،‬فرأى واحدة أخرى أيضا قادمة حنوه‪،‬‬ ‫فأخنفض ً‬ ‫�ه لينظر إىل ما‬ ‫�رعة ليندو منها بأعجوبة‪ .‬رفع رأس�‬ ‫أرضا بس�‬ ‫حيدث؛ فرأى بضعة أجسام بشرية تتحرك يف الظالم وتقرتب منه‪ ،‬ولكنه‬ ‫جيدا‪ .‬فجأة خرجت أضواء كثرية من ناحية االجسام وتوجهت‬ ‫مل يراها ً‬ ‫�ايري‪ ،‬فوضع يديه على عينيه من شدة الضوء‪ ،‬ووثب على قدميه‬ ‫حنو س�‬ ‫�ن بني أصابعه إىل هويتهم‪،‬‬ ‫�ع ببطء إىل اخللف حماو ًال النظر م�‬ ‫ليرتاج�‬ ‫ولكنه مل يستطع أن يري شيئ ًا‪ ،‬فرأى قذيفة أخرى تشبه قذيفة البازوكا‬ ‫متر جبانبه‪ ،‬لتتوجه ناحية ايفانوف الذي كان يقف على قدميه بصعوبة‬ ‫بالغة وأخذ يرتنح يف امل‪ ،‬وكان جسده قد عاد إىل طبيعته‪ ،‬فاتسعت عني‬ ‫سايري‪ ،‬وقال لنفسه‪:‬‬ ‫– –القذيفة ستقتله‪.‬‬ ‫�ه بكل ما اؤتي من قوة‪ ،‬ورفع يداه باجتاه القذيفة‬ ‫فضغط على نفس�‬ ‫�ة ليوقفها‪ ،‬فتوقفت القذيفة يف اهلواء‬ ‫�ع كل ما تبقى له من طاق�‬ ‫ليدف�‬ ‫قبل أن تصطدم بإيفانوف مبرتين فقط‪ .‬حاولت القذيفة املقاومة ملتابعة‬ ‫شاعرا‬ ‫طريقها ولكن سايري‪ ،‬أوقفها بكل بقوته‪ ،‬وأخذ جسده يؤمله بشدة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫�ده‪ ،‬وضغط‬ ‫�أن قواه ختور تدرجي ًيا‪ ،‬فتصبب العرق من كل أحناء جس�‬ ‫ب�‬ ‫�ه أكثر ولكن القذيفة كانت ال تزال تقاوم‪.‬‬ ‫على نفس�‬ ‫�عر بإرهاق شديد‪ ،‬وعندما نظر أمامه‪،‬‬ ‫وقف إيفانوف على قدميه وش�‬ ‫�يئا يطري يف‬ ‫�توع ًبا للموقف أمامه‪ ،‬فهناك ش�‬ ‫ثوان غري مس�‬ ‫حدق بضعة ٍ‬ ‫‪202‬‬


‫اهلواء أمامه مباشرة‪ ،‬وبعض األضواء القادمة من بعيد‪ .‬فوجه نظره إىل‬ ‫س��ايري املتأمل والذي يبدو وكأنه يوقف الشيء احمللق أمامه‪ .‬فتغريت‬ ‫�توعب ما حيدث اآلن‪ ،‬فوجد سايري يصرخ عاليا قائال‪:‬‬ ‫مالحمه وأس�‬ ‫– –أبتععععععععععععد‪.‬‬ ‫ركض إيفانوف ناحية اليسار بس��رعة‪ ،‬فمرت القذيفة جبانبه مرور‬ ‫�ايري‬ ‫�رت ورائه ببضعة أمتار‪ .‬فنظر إيفانوف إىل س�‬ ‫الكرام‪ ،‬حتى انفج�‬ ‫�ت األضواء حنوه‪،‬‬ ‫فاقدا الوعي‪ ،‬وتوجه�‬ ‫�قط عل�‬ ‫فوجده قد س�‬ ‫�ى األرض ً‬ ‫فتحركت خياالت حتيط باملكان ناحيته‪ ،‬ممسكة به فرفعته وبدأت جتره‬ ‫مسرعا لينجده ولكنه شعر بوخز يف جسده جعله‬ ‫بعيدا‪ ،‬فاندفع إيفانوف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�عر بالظالم خييم على كل شيء حوله‪.‬‬ ‫�قط ارض ًا‪ ،‬وفجأة بدأ يش�‬ ‫يس�‬ ‫فاقرتبت الظالل واألنوار‪ ،‬وأمس��كت به أيض ًا‪ ،‬حاملة جثمانه‪ ،‬ثم أخذت‬ ‫جتره ورائها من حيث أتت‪.‬‬ ‫***‬

‫‪203‬‬


‫‪18‬‬ ‫حدق إريس يف اجلنرال مطو ًال‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫– –واآلناستمع إىل خطيت جيدا‪.‬‬ ‫فقال له اجلنرال وهو ميرر يده على ذقنه‪:‬‬ ‫– –كلي آذان ًا صاغية‪.‬‬ ‫بدأ إريس يروي له اخلطة بكل تفاصيلها‪ ،‬وبدا على اجلنرال االهتمام‬ ‫�ة‪ ،‬وبعد فرتة أنهي إريس كالمه واجلميع يستمع إليه برتكيز‬ ‫والدهش�‬ ‫شديد‪.‬‬ ‫قال اجلنرال حبماس شديد‪:‬‬ ‫– –هذه خطة رائعة يا فيت‪ ،‬على القول بأنك أذكي مما توقعت‪.‬‬ ‫أبتسم إريس ابتسامة مفتعلة قائ ًال‪:‬‬ ‫– –شكرا لك ‪ ..‬هذا شرف لي أن متدحين ‪ ..‬واآلن سأغادر ألنفذ مهميت‬ ‫وأنتم أبدأوا بتنفيذ مهمتكم‪ ،‬وسنتقابل غدا هنا يف نفس هذا الوقت‪.‬‬ ‫فقال الكابنت وهو يضغط على الالسلكي‪ ،‬ويلقي باألوامر على اجلنود‪:‬‬ ‫– –سيتم تنفيذ املهمة بدئ ًا من اآلن‪.‬‬ ‫‪204‬‬


‫قال اجلنرال‪:‬‬ ‫– –سأرسل معك بعض اجلنود ليساعدوك على تنفيذ مهمتك‪.‬‬ ‫فرد إريس بسرعة وانفعال‪:‬‬ ‫�اعدة ‪ ..‬أحب أن أعمل وحدي ‪ ..‬نفذوا فقط‬ ‫– –ال‪ ،‬ال أحتاج إىل املس�‬ ‫ما أخربتكم به‪ ،‬وسأقوم أنا بالباقي‪.‬‬ ‫�عر بأن هذا ما يريده إريس‪،‬‬ ‫�دا على اجلنرال عدم االرتياح ولكنه ش�‬ ‫ب�‬ ‫كما أنه تذكر بأنهاستطاع أن يعرب احلاجز من األمم املتحدة‪ ،‬وجاء إىل‬ ‫هنا بدون أن ميسه خدش واحد‪ ،‬فتنهد طوي ًال ثم قال‪:‬‬ ‫�ن ًا‪ ،‬كما تريد ‪ ..‬لن أضغط عليك ‪ ..‬ولكن ال جمال للفشل‪،‬‬ ‫– –حس�‬ ‫حنن نعتمد عليك‪.‬‬ ‫�ه‪ ،‬ثم محل أغراضه اليت طلب منهم أن حيضروها له‬ ‫أومأ إريس برأس�‬ ‫�ه‪ ،‬وودع اجلنرال ومجيع اجلنود يف اخليمة‪ ،‬ثم توجه إىل خارج‬ ‫قبل ذهاب�‬ ‫اخليمة والكابنت يرافقه‪ ،‬فقطع املعسكر حتى بوابة اخلروج؛ حيا اجلنديان‬ ‫�ف إىل الكابنت قائ ًال‪:‬‬ ‫�كر‪ ،‬فألت�‬ ‫الواقفان على البوابة‪ ،‬ثم خرج من املعس�‬ ‫�ك فاألوقات القادمة ستكون عصيبة‬ ‫– –أظن أنه الوداع‪ ،‬فلتعتين بنفس�‬ ‫علينا مجيعا‪.‬‬ ‫ثوان ثم كسر حاجز الصمت قائال‪:‬‬ ‫صمت الكابنت بضعة ٍ‬ ‫�تكون بداية اهلجوم املضاد ضد هؤالء االوغاد ‪ ..‬واآلن‬ ‫– –نعم‪ ،‬هذه س�‬ ‫لقد أحضرنا لك ما تريده انظر ورائك‪.‬‬ ‫أشار الكابنت بأصبعه وراء إريس‪ ،‬فالتف بدوره ليجد دراجة خبارية من‬ ‫النوع احلديث‪ ،‬سوداء اللون وتبدو وكأنها مل تستعمل قط‪.‬‬ ‫‪205‬‬


‫فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –ال بد بأن هذا أفضل شيء حدث لي منذ استيقاظي يف هذه الظروف‬ ‫اللعينة‪.‬‬ ‫ارتسمت االبتسامة على وجه إريس‪ ،‬فقال بنربة ميألها احلماس‪:‬‬ ‫– –حسنا‪ ،‬هذا ما أعيش من أجله‪.‬‬ ‫أعطاه الكابنت بطاقة تشغيل الدراجة ثم ودعه وعاد أدراجه إىل اخليمة‪،‬‬ ‫�كر بني حشائش األشجار اليت‬ ‫بينما توجه إريس إىل الدراجة خارج املعس�‬ ‫�غيل من بني‬ ‫تطل على الغابة أمامه‪ .‬قفز على الدراجة ومرر بطاقة التش�‬ ‫�ة ثالثية االبعاد على لوحة التحكم بني‬ ‫�قني صغريين‪ ،‬فأضاءت شاش�‬ ‫ش�‬ ‫صوت أنثوي يقول‪:‬‬ ‫مقود الدراجة‪ ،‬ليصدر‬ ‫ٍ‬ ‫– –مت تشغيل دراجة إيكو ‪ 5000‬برجاء ضع بصمة يدك على املربع األزرق‬ ‫املنري‪ ،‬فوضع إصبع اإلبهام على املربع األزرق الصغري‪ ،‬فظهرت عالمة‬ ‫تأكيد البصمة على الشاشة‪ ،‬فقال الصوت جمددا بنفس النربة الرتيبة‪:‬‬ ‫– –مت تأكيد بصمة اليد‪ ،‬مرحبا سيد إريس‪.‬‬ ‫فقال إريس ساخرا‪:‬‬ ‫– –مرحبا بك يا سيدتي‪ ،‬واآلن لننطلق‪.‬‬ ‫�رت أمامه خريطة ثالثية األبعاد ليحدد وجهته؛ فلمس اخلريطة‬ ‫ظه�‬ ‫�ط املدينة‪ .‬فبدأت الدراجة تعمل‪ ،‬فارتفعت االطارات من على‬ ‫وأختار وس�‬ ‫األرض‪ ،‬ثم التفت لتصبح ثابتة بالعرض‪ ،‬وأصدرت ضوء أزرق قامت‪ ،‬فعلم‬ ‫�تخدم ظاهرة مايسنر‪،‬‬ ‫إريس بأنها النوع اجلديد من الدراجات الذي يس�‬ ‫�ق عاليا عن األرض ببضع‬ ‫�س هناك احتكاك باألرض‪ ،‬فالدراجة حتل�‬ ‫لي�‬ ‫سنتميرتات‪ ،‬مما جيعل سرعتها ضعف س��رعة الدراجة العادية‪ ،‬فبغياب‬ ‫‪206‬‬


‫�رعة هائلة‪ .‬أرتدي إريس‬ ‫�تصبح وكأنها تطري بس�‬ ‫عامل االحتكاك‪ ،‬س�‬ ‫�ر أمامه‪ ،‬فرأى قرص‬ ‫جيدا‪ ،‬ثم نظ�‬ ‫�ه‪ ،‬وعدل احلقيب�‬ ‫خوذت�‬ ‫�ة على ظهره ً‬ ‫�ط جناحيه على‬ ‫�مس األمحر يف األفق‪ ،‬فعلم بأن الليل قد بدأ يبس�‬ ‫الش�‬ ‫املدينة وال بد بأن يسرع قبل أن تنعدم الرؤية‪ .‬ضغط على دواسة البنزين‪،‬‬ ‫فانطلقت الدراجة بسرعة هائلة‪ ،‬تشق الرياح أمامها‪ ،‬فعرب إريس من جانب‬ ‫متوجها إىل‬ ‫املعسكر‪ ،‬ثم رأى منحدر رملي أمامه‪ ،‬فعربه بالدراجة برباعة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫�ق طريقه داخل املدينة بسرعة رهيبة‪ .‬بينما تلقي‬ ‫الشارع اخلارجي‪ ،‬ليش�‬ ‫منظرا خالب ًا‪،‬‬ ‫�مس بآخر أشعتها الذهبية على املدينة لتضفي عليها‬ ‫الش�‬ ‫ً‬ ‫قبل قدوم الظالم‪ .‬قام إريس بتفعيل السائق اآللي‪ ،‬فبدأت الدراجة تتوجه‬ ‫ناحية املوقع احملدد على اخلريطة‪ ،‬فضغط على بعض األزرار على لوحة‬ ‫التحكم‪ ،‬ثم أخرج جهاز من حقيبته يشبه االي باد‪ .‬ضغط على زر التشغيل‪،‬‬ ‫�ى انتهى به األمر بالوصول‬ ‫�م تابع الضغط على بعض االيقونات‪ ،‬حت�‬ ‫ث�‬ ‫�ام احلرارية‪.‬‬ ‫�ا يريده‪ ،‬فضغط على تفعيل خاصية التقاط االجس�‬ ‫إىل م�‬ ‫ظهرت على الشاشة خريطة تبدو كالرادار‪ ،‬وأخذ مؤشر يشبه عقرب‬ ‫الساعة يدور دورة سريعة حول اخلريطة عدة مرات حتى بدأ يومض عند‬ ‫مكان حمدد يف اخلريطة‪ ،‬فقال إريس يف قرارة نفسه‪:‬‬ ‫– –لقد وجدت الشخص األول‪.‬‬ ‫الصق إريس اجلهاز الشبيه باالي باد يف مكان أسفل لوحة التحكم يف‬ ‫الدراجة‪.‬‬ ‫�م‪ .‬فأنعطف عند أحد‬ ‫�ي هو زمام التحك�‬ ‫�ائق اآللي‪ ،‬وتول�‬ ‫أطفأ الس�‬ ‫متجها إىل النقطة املضيئة يف اخلريطة‪ ،‬وبعد بضعة‬ ‫�ا ًرا‪،‬‬ ‫التقاطعات يس�‬ ‫ً‬ ‫دقائق وصل إىل وجهته‪.‬‬

‫‪207‬‬


‫ركن إريس دراجته يف أحد األزقة‪ ،‬ثم توجه إىل الغابة الصغرية أمامه‪.‬‬ ‫توغل داخل األشجار‪ ،‬وهو يرتقب النقطة على اخلريطة‪ ،‬فلما اقرتب منها‬ ‫أصبحت نقطتني ولكنهم متالصقني للغاية‪ ،‬فشعر إريس باحلماس فقال‪:‬‬ ‫– –وجدت أثنني دفعة واحده‪ ،‬هذا يوم حظي‪.‬‬ ‫مستمتعا بغناء الطيور‪ ،‬واهلواء العليل الذي‬ ‫�جار‪،‬‬ ‫مر إريس بني األش�‬ ‫ً‬ ‫يتسرب من بني األغصان املتشابكة‪ ،‬بينما تسقط أشعة الشمس لتنري بعض‬ ‫�جار‬ ‫منظرا مبهج عليها‪ .‬أنعطف إريس بني األش�‬ ‫البقع يف الغابة‪ ،‬وتبدي‬ ‫ً‬ ‫�جار فوجد‬ ‫إىل اليمني‪ ،‬وعرب جدول صغري من املاء‪ ،‬ثم خرج من بني األش�‬ ‫�ق ممتد؛ وعلى جانب الطريق يوجد العديد‬ ‫أمامه منحدر صغري‪ ،‬وطري�‬ ‫من البيوت املصنوعة من خشب السنديان‪ ،‬متتد يف صف واحد‪ ،‬فشعر بأنه‬ ‫طريق زراعي كبري‪ .‬بدأ يفحص املكان بعينيه باحث ًا عن هدفه‪ ،‬وبعد بضعة‬ ‫ثواني رأى إريس شخص يرتدي زي يشبه زي الكاهن ميشي يف الشارع ويبدو‬ ‫�جار وأخذ يراقبه عن‬ ‫عليه اجلفاء والفتور‪ ،‬فأختبأ إريس وراء أحد األش�‬ ‫كثب‪ ،‬فعلم من هو هذا الشخص‪ ،‬فشعر بقلبه ينقبض قلي ًال‪ ،‬فقال لنفسه‪:‬‬ ‫�ايري ‪ ..‬هذا الوغد املخيف‪ ،‬أكان جيب أن‬ ‫– –يا إهلي أليس هذا هو س�‬ ‫ألتقيه يف البداية! هذا الوغد هو آخر من متنيت أن اقابله اآلن ‪ ..‬لقد‬ ‫�ت نظرته ختيفين يف االختبارات‪ ،‬على الرغم من أني ال أخاف‪.‬‬ ‫كان�‬ ‫معبدا بعيد وبرج أبيض يشبه الذي خرج‬ ‫�ار‪ ،‬فرأى‬ ‫نظر إريس إىل اليس�‬ ‫ً‬ ‫�عر باحلرية ملا جيب أن‬ ‫�كوكه يف أن هذا سايري‪ ،‬فش�‬ ‫منه‪ ،‬فتأكدت ش�‬ ‫يفعله اآلن‪ ،‬هل خيرج وخيربه بكل شيء أم يتجنبه وهذا سيكون األفضل‪،‬‬ ‫مفيدا يف مهمته‪.‬‬ ‫�يكون‬ ‫ولكنه يعلم بأنه قوي للغاية وس�‬ ‫ً‬ ‫�ف ونظر ناحية‬ ‫�ايري قد توق�‬ ‫�اء تفكريه‪ ،‬تفاجئ عندما رأى س�‬ ‫وأثن�‬ ‫�ه‪:‬‬ ‫�ة يف اوصاله‪ ،‬فقال بينه وبني نفس�‬ ‫�عر إريس برعش�‬ ‫الغابة‪ ،‬فش�‬ ‫‪208‬‬


‫– –هل شعر بي حقا؟ أم أن هذه جمرد صدفه؟! أن هذا الوغد حتوم حوله‬ ‫هالة خميفة‪.‬‬ ‫�جار وفعل قدرة التمويه‪ ،‬فتلون بلون‬ ‫وضع إريس يده على أحد األش�‬ ‫جمددا فرأى أن سايري‬ ‫�جرة‪ .‬أكمل مراقبته من بني األشجار‬ ‫جزع الش�‬ ‫ً‬ ‫�عر‬ ‫قد أبعد عينيه عن الغابة وتابع طريقه‪ ،‬فتنفس إريس الصعداء‪ ،‬وش�‬ ‫�ك متاما عن الوجود‪ ،‬حتى‬ ‫�ان على قوته هذه‪ ،‬القوة اليت ختفي�‬ ‫باالمتن�‬ ‫الطاقة اجلسدية املنبعثة منك ختتفي عند تفعيلها‪ .‬تنقل إريس حبذر‬ ‫�جار وهو يراقبه‪ ،‬ومل يعد يشعر بأنه يرغب يف أن يظهر نفسه له‬ ‫بني األش�‬ ‫�خصا آخر يراقبه من‬ ‫اآلن‪ ،‬وبعد فرتة وجيزة من مراقبته له‪ ،‬ملح إريس ش� ً‬ ‫شخصا ملثم برداء أسوء طويل‪ ،‬ويضع غطاء على رأسه‪.‬‬ ‫بني البيوت كان‬ ‫ً‬ ‫أخرج إريس املنظار من حقيبته‪ ،‬وبدأ يراقب هذا الش��خص الغريب‬ ‫�ه بدهشة‪:‬‬ ‫بتعجب فقال بينه وبني نفس�‬ ‫�وم بالبحث عن البقية‬ ‫�ق اهلل؟ هل هو أحد الرفاق ويق�‬ ‫– –من هذا حب�‬ ‫�ايري؟‬ ‫مثلي وتوتر عندما وجد س�‬ ‫�ت كان يراقب امللثم‬ ‫جمددأ‪ ،‬وفى نفس الوق�‬ ‫�ايري‬ ‫وجه نظره إىل س�‬ ‫ً‬ ‫�ه‪ .‬هل قد يكون‬ ‫أيضا؟ كان الغريب فيه هو مالبس�‬ ‫لريي ملاذا يتبعه هو ً‬ ‫ين غرة؟ أخرج إريس‬ ‫�رة ويريد أن يباغته على ح�‬ ‫�د الروبوتات املتنك�‬ ‫أح�‬ ‫مسدس مزود بكامت صوت من حقيبته‪ ،‬وأستعد لإلطالق أن تطلب االمر‪،‬‬ ‫�ديد‪ ،‬متلون ًا بني األشجار واحلشائش‪ ،‬وبعد‬ ‫ثم أكمل مراقبته حبذر ش�‬ ‫بضعة دقائق رأى ما أدهشه‪ .‬رأى سايري الذي يسري يف الطريق بهدوء غري‬ ‫مكرتث بشيء‪ ،‬قد توجه ناحية أحد البيوت‪ ،‬وتسلق البيت‪ ،‬متعلق ًا حبوافه‪،‬‬ ‫�طحه‪ ،‬فاتسعت عني إريس من الدهشة‪ ،‬فعلم بأنه شعر‬ ‫حتى وصل إىل س�‬ ‫بامللثم‪ ،‬فقال لنفسه‪:‬‬ ‫‪209‬‬


‫– –ال بد بأنه يستشعر الطاقة احمليطة به‪ ،‬بل وحيدد مكان صاحبها أيضا‪.‬‬ ‫وقف سايري بضعة دقائق فوق البيت اخلشيب‪ ،‬يراقب الشخص املثلم‪،‬‬ ‫�تطاعة إريس أن يراه‪ ،‬كان يري‬ ‫�ذي اختفى وراء املبين‪ .‬ومل يعد باس�‬ ‫ال�‬ ‫�ايري من ظهره‪ .‬فجأة رأى سايري يقفز يف اهلواء‪.‬‬ ‫فقط س�‬ ‫ثوان وجد ساري وامللثم قد ظهرا من بني البيتان القابعان‬ ‫وبعد بضعة ٍ‬ ‫أمامه‪ ،‬يتشاجران‪ ،‬ورأى سيف ضوئي أصفر يتم التلويح به يف اهلواء‪ ،‬وكان‬ ‫حيمله الشخص امللثم‪ ،‬بينما كان سايري ميسك يف يده بسيف الكاتانا‪،‬‬ ‫جيدا‪ ،‬وبدأ‬ ‫ويل�‬ ‫�وح به ً‬ ‫أيضا ناحية امللثم‪ ،‬فألصق إريس املنظار على عينيه ً‬ ‫�و ال يفهم ما حيدث‪ ،‬فنظر بتمعن‬ ‫جيدا عن كثب‪ ،‬وه�‬ ‫يراق�‬ ‫�ب املعركة ً‬ ‫أكثر ورأى أن سيف سايري قد كسر بسبب التحامه مع السيف الضوئي‬ ‫�ده ناحية امللثم‪ ،‬لتندفع طاقة قوية من‬ ‫الغريب‪ ،‬مما أثار غضبه فرفع ي�‬ ‫بعيدا حتى اصطدم حبائط‬ ‫ي�‬ ‫�ده‪ ،‬هزت أرجاء املكان‪ ،‬لتجعل امللثم يندفع ً‬ ‫�ى وراء املبنى فلم يعد إريس يراه من‬ ‫�ايري منه‪ ،‬واختف�‬ ‫املبين‪ ،‬فاقرتب س�‬ ‫هذه الزاوية‪ .‬فتسلل مقرت ًبا من أحد املباني‪ ،‬والتف من حوله حتى أصبح‬ ‫متاما‬ ‫األثنان يف جمال رؤيته‪ ،‬فمال برأسه من وراء املبين‪ ،‬بينما أخفى طاقته ً‬ ‫متلمسا احلائط‪ ،‬مسع صوت إطالق نار فظن بأن سايري قد قتل امللثم ونزع‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬فأبتسم إريس قائال‪:‬‬ ‫مالبسه منه مرتد ًيا إياها‪ ،‬وأخذ سيف الضوء ً‬ ‫ريا ‪ ..‬ولكن‬ ‫– –لقد أصبحت األمور تتجه إىل منحين مثري لالهتمام كث ً‬ ‫�خصا خطري كهذا ‪ ..‬لقد قتله‬ ‫ال يبدو بأنين أن أظهر نفس�‬ ‫�ي لش� ً‬ ‫�ة الرفاق ثم أفكر معهم ماذا‬ ‫�أتوجه ألحبث عن بقي�‬ ‫بال رمحة ‪ ..‬س�‬ ‫سنفعل معه‪.‬‬ ‫جمددا‪ ،‬ووقف أمام‬ ‫كاد سايري أن يشعر به‪ ،‬فتسلل إريس داخل الغابة‬ ‫ً‬ ‫بعيدا ناحية املدينة‪ ،‬فأشار ناحيته‬ ‫أحد األشجار مراق ًبا سايري وهو يتجه ً‬ ‫ثم أعطى إذنا صوتيا للوح بأن يتعقبه أينما ذهب‪،‬‬ ‫باللوح اإللكرتوني‪ ،‬ومن َّ‬ ‫‪210‬‬


‫متوجها ناحية دراجته اجلديدة‪ ..‬ركبها‬ ‫فنفذ اللوح الطلب‪ .‬عاد بعدها‬ ‫ً‬ ‫وتوجه متوغال داخل املدينة باحث ًا عن هدفه التالي‪ ،‬وبعد بضع دقائق‪ ،‬دلف‬ ‫�اء املدينة وكان الليل قد خيم على املكان‪ ،‬ولف املدينة احملطمة‬ ‫إىل أحن�‬ ‫بالظالم‪ .‬حدد له اللوح أنه يوجد شخصان قريبان‪ ،‬فأوقف دراجته يف أحد‬ ‫جمددا عن مكان انبعاث اإلشارة‪،‬‬ ‫األزقة‪ ،‬وأخذ اللوح وبدأ ينظر يف شاشته‬ ‫ً‬ ‫كان بالكاد يرى شيئ ًا يف هذا الظالم‪ ،‬فارتدى نظارات الرؤية الليلية‪ .‬سار يف‬ ‫الظالم حبذر وكأنه جاسوس يف مهمة سرية‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه ساخرا‪:‬‬ ‫– –أشعر بأني لن أختلص من التجسس أبدا‪ ،‬هذا ما ولدت من أجله‪ ،‬ويبدو‬ ‫أنه ما سأموت من أجله‪ ،‬ماضيك يالحقك دائما مهما تغريت الظروف‪.‬‬ ‫أكمل إريس مسريته‪ ،‬حتى رأى من بعيد رجال عريض املنكبني مفتول‬ ‫�ه يرتديها‪ ،‬فعلم‬ ‫�دي مالبس العينات اليت كان هو نفس�‬ ‫العضالت‪ ،‬يرت�‬ ‫�س على الفور بأنه رمبا يكون إيفانوف فتتبعه‪ ،‬حتى دلف الغريب إىل‬ ‫إري�‬ ‫�لحة‪ .‬فتوقف إريس وانتظر خروجه من املتجر‪ ،‬وكان‬ ‫أحد متاجر األس�‬ ‫الصمت ا ُملطبق حوله يف غياهب الليل ميكنه من مساع حركات إيفانوف‬ ‫داخل املتجر‪ ،‬فقال لنفسه‪:‬‬ ‫�ايري ألقع يف إيفانوف‪ ،‬لقد كانوا يسريون‬ ‫– –يا إهلي هل أهرب من س�‬ ‫�كل ‪ ..‬يكفيين تذكر‬ ‫�ابقة وكانوا األخطر بني ال�‬ ‫�ا طول املس�‬ ‫مع�‬ ‫ً‬ ‫�عر بدني‪.‬‬ ‫مواجهته مع كينو ليقش�‬ ‫شخصا ملثم‬ ‫قطع أفكار إريس صوت حتطم داخل املتجر وبعدها ورأى‬ ‫ً‬ ‫راكضا من املتجر‪ ،‬فوجه إريس جهاز التعقب ناحيته وأمره‬ ‫غريب خيرج‬ ‫ً‬ ‫بأن يتعقبه‪.‬‬ ‫رأى إريس بعدها إيفانوف خيرج من املتجر وهو يتفقد الطريق‪ ،‬فأمر‬ ‫أيضا‪ ،‬ثم سار ناحية موقع امللثم الغريب ليعلم‬ ‫إريس اجلهاز بأن يتعقبه هو ً‬ ‫‪211‬‬


‫ما سبب مراقبتهم لسايري وإيفانوف‪ .‬عرب بعض املباني بهدوء حتى اقرتب‬ ‫�ارة فوجد أن ضالته يفصل بينه وبينها املبين الذي يقف أمامه‪،‬‬ ‫من اإلش�‬ ‫فأستدار خلف املبين مرو ًرا ببعض احلدائق والالفتات واللوحات االعالنية‪،‬‬ ‫واملتاجر‪ ،‬فبدأت اإلشارة تقرتب أكثر فأكثر‪ .‬فوقف وأستند بظهره على‬ ‫املبين‪ ،‬ثم سار ببطء مقرت ًبا من حافة املبين‪ ،‬حتى وصل‪ ،‬فأحنين جبسده‪،‬‬ ‫لام وراء املبين‪،‬‬ ‫�خص الواقف يف الظ�‬ ‫�كل الش�‬ ‫متفحصا ش�‬ ‫ونظر بعينيه‬ ‫ً‬ ‫فوجده امللثم يضغط على ساعته لتظهر له شاشة ثالثية األبعاد كشاشة‬ ‫�ة وينتقل من‬ ‫�وب‪ .‬أخذ امللثم يضغط على بضعة أوامر يف الشاش�‬ ‫حاس�‬ ‫قائمة إىل أخرى‪ .‬فعاد إريس وراء املبين وأخذ يتنفس الصعداء وهو يفكر‪:‬‬ ‫– –من هو هذا امللثم؟ إنه يشبه الذي قتله سايري من قبل‪ ،‬ولكن ما هو‬ ‫عملهم؟ ملاذا يراقبوننا؟ هل هم أحد جواسيس الروبوتات؟‬ ‫�عي إليها‬ ‫�عفه ويعطيه اإلجابات اليت يس�‬ ‫ولكن يبدو بأن عقله مل يس�‬ ‫�كله لكي يبدو كامللثم متاما‪،‬‬ ‫�رر بأن حيصل عليها باحليلة‪ ،‬فغري ش�‬ ‫فق�‬ ‫�يء‪ ،‬ولكنه أمامه مخس دقائق حتى يعود‬ ‫نفس اهليئة واملالبس وكل ش�‬ ‫�كله الطبيعي‪ ،‬فقرر أن حيصل على أجوبته بسرعة‪.‬‬ ‫إىل ش�‬ ‫متوجها ناحية امللثم بثقة وخبطي هادئة‪،‬‬ ‫نفسا ثم خرج من خمبئه‬ ‫ً‬ ‫أخذ ً‬ ‫فقطع نصف الطريق حتى شعر امللثم به‪ ،‬فأطفأ الشاشة اهلولوجرامية‪،‬‬ ‫�ه بسرعة ناحية إريس‪ ،‬فشعر إريس برعدة تسري يف جسده‪،‬‬ ‫ورفع مسدس�‬ ‫فقال بسرعة كردة فعل وهو يشري بيده‪:‬‬ ‫– –ال ختف أنه أنا‪.‬‬ ‫فدقق امللثم بنظره عدة مرات ثم أخفض سالحه قائ ًال‪:‬‬ ‫– –لقد كدت أن توقف قليب يا رجل‪ ،‬ال تفعل هذا جمددا‪.‬‬ ‫فضحك إريس ضحكة صفراء قائ ًال‪:‬‬ ‫‪212‬‬


‫ريا فلم أرد تشتيتك ‪..‬‬ ‫– –آس�‬ ‫�ف على هذا‪ ،‬ولكنى رأيتك مشغوال كث ً‬ ‫�ك من كل هذا‬ ‫�ت يف كل األحوال ‪ ..‬دع�‬ ‫�ن يبدو بأني فعل�‬ ‫ولك�‬ ‫�ار العينة اليت تراقبها‪:‬‬ ‫اهلراء‪ ،‬وقل لي ما أخب�‬ ‫صمت الغريب قليال مما أثار قلق إريس ثم قال‪:‬‬ ‫ير فقط يف املدينة حتى اآلن‪ ،‬ويبدو أنه‬ ‫�يء مثري بعد‪ ،‬أنه يس�‬ ‫– –ال ش�‬ ‫دخل متجر لألسلحة‪ ،‬فقمت بأخذ قسط من الراحة وحماولة حتليل‬ ‫�ض املعلومات اليت بعثت لي عن طريق الرفاق اآلخرين‪.‬‬ ‫بع�‬ ‫حاول إريس أن يدس السم يف العسل وحيصل منه على بعض األجوبة فقال‪:‬‬ ‫�رف ملا علينا حنن مراقبتهم‪ ،‬فهذا العمل ممل للغاية‪ ،‬فليكلفوا‬ ‫– –ال أع�‬ ‫أي أحد آخر به‪.‬‬ ‫حدق الغريب فيه طوي ًال ثم قال‪:‬‬ ‫– –ومن برأيك سيتم تكليفه بهذا العمل غرينا؟! حنن من صنع سيدنا‬ ‫وهلذا السبب‪ ،‬حنن نطيع أوامره بدون تفكري ‪ ..‬ال جيب عليك أن تقول‬ ‫مثل هذا الكالم مرة أخرى ‪ ..‬أنت تعرف أن سيدنا يقوم بأعمال صعبة من‬ ‫أجل جالديوس وهلذا جيب أن نراقب العينات ونبعث له بكل املستجدات‪.‬‬ ‫كاد إريس أن يرد تلقائ ًيا ويس��أل عن األمساء الغريبة اليت مسعها‪،‬‬ ‫�اعرا بأن سؤاله األمحق هذا سيكشفه‪ ،‬وأن‬ ‫ولكنه مل ينبت ببنت شفه‪ ،‬ش� ً‬ ‫أي خطأ آخر سيكشف أمره فقال‪:‬‬ ‫�عر بامللل فإني أرمي مبهميت عرض‬ ‫– –أعرف كل هذا‪ ،‬ولكن عندما أش�‬ ‫�ؤولية قليال‪.‬‬ ‫احلائط‪ ،‬وأخرتع كالم غريب ليبعد عين املس�‬ ‫تنهد الغريب طويال‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫‪213‬‬


‫– –نعم‪ ،‬أعرف هذا‪ ،‬لو مل حتدث تلك الكارثة اليت سببها كينو ملا حدث‬ ‫كل هذا‪.‬‬ ‫اتسعت عني إريس عندما مسعاسم كينو وتعجب من كالم امللثم عن‬ ‫كارثة قد تسبب بها‪ ،‬ولكن مل يستطع أن يسأله عنها وإال فسيعرف امللثم‬ ‫بأنه مزيف‪ .‬أكمل امللثم‪:‬‬ ‫�رية‬ ‫�ول ما حدث قد حدث واآلن‪ ،‬حنن آخر أمل للبش�‬ ‫– –ولكن ماذا أق�‬ ‫�رية وجيب أن‬ ‫�س‪ ،‬أو باألخص العينات هي آخر امل للبش�‬ ‫يف أطالنت�‬ ‫�قط جايا وحنقق غاية السيد األعلى جالديوس‪.‬‬ ‫حنميها‪ ،‬وبعدها سنس�‬ ‫مل يفهم إريس ماذا يقصد بآخر أمل للبشرية‪ ،‬ولكن أول ما خطر على‬ ‫�يطرة اآلالت قد تستمر وتستحوذ على العامل كله‪،‬‬ ‫باله أنه يقصد أن س�‬ ‫�خاص ببعض القدرات‬ ‫�و مل يوقفها العينات‪ ،‬ولكن كيف لبعض األش�‬ ‫ل�‬ ‫الغريبة أن يدمروا جيشا كامل من اآلالت‪ ،‬شعر بإريس أن رأسه تؤمله من‬ ‫وخصوصا عن األمساء الغريب اليت مسعها‪ ،‬فهو مل يعد‬ ‫كثرة التساؤالت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫�تارة‪،‬‬ ‫يعلم ما حيدث هنا‪ ،‬ولكن هناك أحد يتحكم باخليوط من وراء الس�‬ ‫�ياء املبهمة والغري واضحة على اإلطالق‪.‬‬ ‫وال زال هناك الكثري من األش�‬ ‫فقرر عدم التفكري وحماولة استخراج املعلومات اليت جاء من أجلها‪ ،‬وهي‬ ‫ملاذا يراقبهم هؤالء األشخاص‪ ،‬فقال بنربة هادئة‪:‬‬ ‫– –إىل متى سنستمر مبراقبتهم؟‬ ‫– –حتى يصبحوا مستعدين‪ ،‬ليأخذهم السيد جالديوس وينفذ ما وعدنا‬ ‫�ن األمل اآلن هنا تذكر هذا! وتذكر أيضا أن العينات جيب‬ ‫به‪ ،‬حن�‬ ‫جيدا وأمحيها من أي خطر للروبوتات أو غري‬ ‫اال متوت! راقب عينتك ً‬ ‫ذلك أن تطلب األمر‪.‬‬ ‫�و يفكر مبا مسعه‬ ‫�رد بذهنه وه�‬ ‫�ه باملوافقة‪ ،‬ثم ش�‬ ‫أومأ إريس برأس�‬ ‫‪214‬‬


‫�ئلته فقط‪ ،‬ومل يعطه أية إجابات ألي‬ ‫اآلن فكل ما قاله امللثم زاد من أس�‬ ‫�يء‪ ،‬حتى نصبح مستعدين‪ ،‬مستعدين ملاذا؟ ومن هو السيد جالديوس‬ ‫ش�‬ ‫�يأخذنا؟ وإىل أين سيأخذنا؟ هل هو رجل أعمال ما أنفق أمواله‬ ‫الذي س�‬ ‫�اذة‬ ‫�ادنا حتى نصبح بهذه القدرات الش�‬ ‫بالقيام بتجارب لعينة على أجس�‬ ‫�ه‬ ‫�عر بأن رأس�‬ ‫�ن الطبيعة؟ مل يري إريس أي أجوبة على اإلطالق‪ ،‬فش�‬ ‫ع�‬ ‫يدور‪ .‬كل شيء خاطئ‪ ،‬هناك شيء مل يقوله اجلنرال جيري هنا‪ .‬أم هل‬ ‫�ي ال يعرف من هو جالديوس؟ أم أنه معهم‬ ‫ميكن للجنرال أن يكون مثل�‬ ‫�ينفذ مهمته أوال ثم سيطالب ببعض‬ ‫يف نفس اللعبة؟ قرر إريس بأنه س�‬ ‫�يحصل على األجوبة ولو بالقوة‪ ،‬ولكن عليه أن يصرب قليال‬ ‫األسئلة‪ ،‬وس�‬ ‫�اعته‬ ‫�غل باللعب يف س�‬ ‫فمهمته اآلن هي األهم‪ .‬رأى إريس أن امللثم أنش�‬ ‫�اعته ورأى‬ ‫جمددا‪ ،‬فتذكر إريس أن الوقت ليس يف صاحله‪ ،‬فنظر إىل س�‬ ‫ً‬ ‫�كله األصلي‪ ،‬فضرب اخلوف‬ ‫�ر ثوان قبل أن يستعيد ش�‬ ‫أنه تبقي له عش�‬ ‫�يخرج من هنا؟ فأخرج من حقيبته‬ ‫�رعة كيف س�‬ ‫طبول قلبه‪ ،‬ففكر بس�‬ ‫�دس الصاعق‪ ،‬ثم أشار حنو الغريب قائال‪:‬‬ ‫املس�‬ ‫– –نوما هنيئ ًا يا عزيزي‪.‬‬ ‫فأطلق عليه الطلقة‪ ،‬لتصعقه بقوة فأخذ يتلوى يف اهلواء‪ .‬حمدق ًا إىل‬ ‫أيرس بعينني ميلئهما الغضب‪ ،‬وقال قبل أن يغشي عليه بأنفاس متقطعة‪:‬‬ ‫– –أيها ‪ ..‬اخلائن‪.‬‬ ‫ثم سقط على األرض يف سبات عميق‪ ،‬قال إريس وهو حيدق إليه‪ ،‬وقد‬ ‫عاد شكله من جديد إىل سابق عهده‪:‬‬ ‫– –ال أعرف من منا اخلائن‪ ،‬ولكن ال أظنه أنا يا عزيزي‪.‬‬ ‫تذكر إريس ما فعله سايري بالشخص الذي هزمه‪ ،‬فأخنفض ناحية‬ ‫هامسا‪:‬‬ ‫اجلثة‬ ‫ً‬ ‫‪215‬‬


‫– –آسف ولكين سأستعري ساعتك ومالبسك لبعض الوقت‪.‬‬ ‫أخذ إريس املالبس والساعة وارتداهم‪ ،‬ثم عاد أدراجه لرياقب إيفانوف‬ ‫يره مسع انفجار كبري دوي يف‬ ‫�لحة عن كثب‪ ،‬وأثناء س�‬ ‫يف متجر األس�‬ ‫األفق‪ ،‬فالتفت ناحية الغرب لريي السنة النار والدخان يرتفعان من مكان‬ ‫ما بعيد‪ ،‬ال بد بأنهم الروبوتات‪ ،‬جذب االنفجار انتباهه ولكنه قرر بأن ال‬ ‫يعره أي انتباه اآلن فهو يف حاجة ماسة الستئناف مهمته‪ ،‬فأكمل سريه‬ ‫�ظ أي أحد‪ ،‬ونظر إىل اللوح‬ ‫�ا الطريق يف الظالم من دون أن يلح�‬ ‫قاطع�‬ ‫ً‬ ‫�عت عينيه من القلق قائ ًال‪:‬‬ ‫االلكرتوني‪ ،‬لبضع حلظات‪ ،‬ثم اتس�‬ ‫– –اللعنة جيب أن أوقفه بسرعة‪.‬‬ ‫�رع‬ ‫فبدأ يهرول وفجأة مسع صوت إطالق نار يدوي بالقرب منه‪ ،‬فأس�‬ ‫متجها ناحية النقطتني على اخلريطة اليت يقرتبان‬ ‫�ي‬ ‫يعرب حطام املبان�‬ ‫ً‬ ‫�ه‪:‬‬ ‫من بعضهما البعض فقال إريس بينه وبني نفس�‬ ‫�ايري أيها اللعني متى وصلت إىل هنا؟ هل ستحاول قتل إيفانوف‬ ‫– –س�‬ ‫وسط هذا الظالم؟‬ ‫�ارته من إشارة‬ ‫�ايري قد اقرتبت اش�‬ ‫هذا ما أفزع إريس فقد رأى أن س�‬ ‫لام بدون أن يعلم هويته‪.‬‬ ‫�ط الظ�‬ ‫إيفانوف فقلق ألنه قد يقتله وس�‬ ‫�ام ونظر أمامه‪،‬‬ ‫�رول ناحيتهم‪ ،‬وفجأة توقف بني احلط�‬ ‫فانطلق يه�‬ ‫متجها إىل اليسار‪ ،‬ثم تاله‬ ‫خارجا من مبين مائل‬ ‫�ايري يركض‬ ‫فرأى س�‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�يئا أسود ال يبدو كمخلوق بشري على اإلطالق‪ ،‬ففزع إريس من تغري‬ ‫ش�‬ ‫�ه تذكر بأنها قدرة‬ ‫�ذا‪ ،‬ومل يدري ما هو هذا املخلوق‪ ،‬ولكن�‬ ‫األحداث ه�‬ ‫إيفانوف‪ ،‬فقال يف قرارة نفسه‪:‬‬ ‫– –جيب أن أوقفهم سيقتلون بعضهم البعض وهم يف نفس الفريق!‬ ‫‪216‬‬


‫�دون أن يراه أحد‪ ،‬ورآهم‬ ‫�ض إريس مبحازتهم من بني احلطام ب�‬ ‫رك�‬ ‫يتشاجرون بعنف شديد‪ ،‬وكل واحد منهم يريد الظفر حبياة اآلخر‪ .‬فكر‬ ‫�يموت بالتأكيد‪،‬‬ ‫إريس يف كيفية إيقافهم‪ ،‬أن تدخل فيما بينهم اآلن س�‬ ‫�و ينظر ناحيتهم‪ ،‬ويدعوا بأال يتمكن‬ ‫فوقف بني احلطام وأخذ يفكر وه�‬ ‫�يكون من نصيب‬ ‫�عر أن املوت س�‬ ‫�د منهما من قتل اآلخر‪ ،‬رغم أنه ش�‬ ‫أح�‬ ‫�ايري فقدرته لن جتعله يصمد أمام صالبة جسد إيفانوف‪.‬‬ ‫س�‬ ‫رأى إريس أن سايري أوقف بعض الصخور يف اهلواء بقوته الغريبة‪ ،‬ثم‬ ‫�ها ناحية الضخم‪ ،‬وكان إريس يقف ورائه على مسافة قريبة منه‪،‬‬ ‫عكس�‬ ‫فكادت الصخور أن تصيبه‪ ،‬فأخنفض قبل أن تسقط عليه بعضها‪ ،‬وبسرعة‬ ‫�رقية من‬ ‫متوجها إىل نقطة آمنة عند الناحية الش�‬ ‫�د عن هذا املكان‬ ‫أبتع�‬ ‫ً‬ ‫�تنتج بعض‬ ‫جمددا من بني حطام املباني‪ ،‬فأس�‬ ‫املكان‪ ،‬وجه نظره ناحيتهم‬ ‫ً‬ ‫جيدا أثناء املعركة‪ .‬وقال لنفسه‪:‬‬ ‫خواص قدرة سايري ً‬ ‫�اكرا‪ ،‬وبطريقة ما‬ ‫�ده‪ ،‬الش�‬ ‫�تخدم الطاقة املتدفقة يف جس�‬ ‫– –أنه يس�‬ ‫�تخدمها يف حتريك األشياء‬ ‫�تطيع أن خيرجها من جسده ويس�‬ ‫يس�‬ ‫�خاص حوله من تدفق طاقتهم وهالتهم‪ .‬ولكنه ال‬ ‫�عور باألش�‬ ‫والش�‬ ‫يشعر بي اآلن ألنه مش��غول مع إيفانوف‪.‬‬ ‫أخذ إريس يفكر فيما سيفعله‪ ،‬ولكن مل جيد طريقة إليقافهم إطالق ًا‪،‬‬ ‫�ون‬ ‫�د ضالته‪ ،‬فلمح بني البنايات على بعد مخس�‬ ‫�ر حوله لعله جي�‬ ‫فنظ�‬ ‫م ً‬ ‫�ا‪ ،‬فتعجب وأول ما‬ ‫أيض�‬ ‫رتا ش�‬ ‫�خص خيتبأ يف الظالم ويراقب املوقف ً‬ ‫خطر على باله بأنه أحد اإلينيكس يراقبهم‪ ،‬ولكن ألن يوقفوهم‪ ،‬أم ليس‬ ‫�ماء‪،‬‬ ‫لديهم القوة أيضا لوقف معركة كهذه‪ .‬فجأة من بني ظالم الس�‬ ‫�ق فوقه‪ ،‬تبدو كطائرة ما‪ ،‬هبطت بالقرب‬ ‫ملح إريس مركبة غريبة حتل�‬ ‫�ط‬ ‫قاطعا الطرقات وس�‬ ‫�ار باجتاهها‬ ‫من منطقتهم‪ ،‬فأخنفض إريس وس�‬ ‫ً‬ ‫�لل من بني‬ ‫�عة اليت تغطي املدينة‪ ،‬فتس�‬ ‫احلطام واجلثث والرائحة البش�‬ ‫‪217‬‬


‫�احة اليت‬ ‫ين يف زقاق طويل حمطم‪ ،‬حتى وصل إىل الس�‬ ‫مبنيني حمطم�‬ ‫�ارج الزقاق حبذر ونظر‬ ‫�ه خ�‬ ‫�ت فيها الطائرة الغريبة‪ ،‬فأخرج رأس�‬ ‫هبط�‬ ‫�ار لريي املركبة واليت ال يبدو بأنها من صنع البشر إطالق ًا‪،‬‬ ‫ناحية اليس�‬ ‫ولكن الظالم كان يلفها‪ ،‬فلم يلمح إريس غري القليل منها والفضل يعود‬ ‫�ح باب ألعلى يف املركبة اليت يبلغ حجمها‬ ‫إىل ضوء القمر‪ ،‬وفجأة أنفت�‬ ‫�طة احلجم‪ .‬كانت مضيئة من الداخل‪ .‬اتسعت‬ ‫حجم غرفة نوم متوس�‬ ‫ين إريس من الرعب‪ ،‬ونزل اخلوف على قلبه كالصاعقة‪ ،‬رأى روبوتات‬ ‫ع�‬ ‫واحدا بانتظام‬ ‫�اء اللون خترج من املركبة وراء بعضهم البعض صف ًا‬ ‫زرق�‬ ‫ً‬ ‫�عر إريس بتوتر شديد‪ ،‬فهذه أول‬ ‫متوجهني ناحية سايري وإيفانوف‪ ،‬فش�‬ ‫�تطيع أن ينقذ رفاقه اآلن‪،‬‬ ‫�وأ هو أنه لن يس�‬ ‫مرة يراهم فيها‪ ،‬ولكن األس�‬ ‫متتبعا الروبوتات‪ ،‬فرأى كيف استطاعوا هزمية‬ ‫توجه إىل الساحة بسرعة‬ ‫ً‬ ‫�وا ال يزالون على قيد‬ ‫�هولة‪ ،‬ثم محلوهم للطائرة‪ ،‬ولكن كان�‬ ‫رفاقه بس�‬ ‫�تكون‬ ‫�رعة‪ ،‬وقرر بأن ينقذهم بأي مثن‪ ،‬وهذه س�‬ ‫احلياة‪ ،‬ففكر إريس بس�‬ ‫�عروا‪،‬‬ ‫�لل داخل مقرهم‪ ،‬وتدمري املولد بدون أن يش�‬ ‫�ة مثالية للتس�‬ ‫فرص�‬ ‫�ده على كتفه‪ ،‬ليأخذ‬ ‫�لل خلف أحد الروبوتات خبفة‪ ،‬ثم وضع ي�‬ ‫فتس�‬ ‫كافة املعلومات عن خصائصه وتركيبته ليتشكل ويصبح نسخة شبيهة‬ ‫به‪ ،‬وبعد أن تغري شكله سار وسطهم بدون أن يشك أحد به‪ ،‬وهو يتفحص‬ ‫�ون‪.‬‬ ‫رفاقه هل هم خبري أم ماتوا؟! ولكنه وجدهم ال زالوا يتنفس�‬ ‫توجهوا إىل السفينة ودلفوا داخلها‪ ،‬ثم أغلقت أبوابها وبدأت حتلق يف‬ ‫السماء حتى اختفت يف األفق‬ ‫***‬

‫‪218‬‬


‫‪19‬‬ ‫�ة‬ ‫�س على مقعده جبانب صف الروبوتات املكون من مخس�‬ ‫جلس إري�‬ ‫مقاعد‪ .‬وكانت الروبوتات جالسة يف صمت بدون حركة جسديه واحدة‬ ‫أو كلمة واحدة‪ .‬كان أمام إريس صف آخر مقابل له جيلس عليه مخسة‬ ‫روبوتات أخرىن‪ ،‬وكان أحدهم حيدق يف عني إريس املتنكر كواحد منهم‬ ‫�ديد‪ ،‬ولكنه حاول أن‬ ‫�عر إريس بالتوتر الش�‬ ‫يف صمت بعينني ميتتني‪ ،‬فش�‬ ‫ميسك رباطة جأشه‪ ،‬وهو ينظر إىل هذه العني امليتة املخيفة اليت حتدق‬ ‫�و مل يرهم عن قرب من قبل‪،‬‬ ‫جيدا فه�‬ ‫إليه بال توقف‪ ،‬تأمل إريس ش�‬ ‫�كله ً‬ ‫�بيه بعض الشيء بالبشر‪ ،‬وعيناه تشعان بامحرار شديد‪،‬‬ ‫كان وجهه الش�‬ ‫وجسده يغطيه معدن الكروم املشبع بلون فضي‪ ،‬وفوق جبينة بقليل‪ ،‬تلمع‬ ‫�اكلتها من‬ ‫�تدير على ش�‬ ‫جوهرة غريبة‪ ،‬بلون أزرق‪ ،‬حيميها حاجز مس�‬ ‫الزجاج‪ ،‬وداخلها يوجد طيف أزرق ميألها‪ ،‬فعلم إريس أنه مصدر الطاقة‬ ‫�يء مبجرد أن رآه‪ ،‬وفى منتصف صدره يوجد نفس الشيء‪ ،‬أنها‬ ‫هلذا الش�‬ ‫�هم؛ وجهه‬ ‫�عر فوق رؤوس�‬ ‫�بة له‪ .‬ليس لديهم ش�‬ ‫كالقلب والعقل بالنس�‬ ‫�د كالزجاج أو‬ ‫بلون فضي‪ ،‬وباقي اجلس�‬ ‫واقدامه ويديه وصدره يتميزون ٍ‬ ‫فيضا من طاقة زرقاءاستطاع إريس‬ ‫البالستيك الشفاف‪ ،‬ويتدفق بداخله ً‬ ‫�بب شفافية جسده‪ ،‬ففكر إريس بينه وبني نفسه‪ ،‬قائ ًال‪:‬‬ ‫أن يراها بس�‬ ‫�ة فأينا املصدر؟ ال بد بأنين‬ ‫�ياء تعطيهم الطاق�‬ ‫– –إذا كانت هذه األش�‬ ‫‪219‬‬


‫�أدمره بعد أن أنقذ هذان‬ ‫�ف أمري‪ ،‬رمبا س�‬ ‫�أجده أن مل يتم كش�‬ ‫س�‬ ‫األمحقان‪.‬‬ ‫�اد لطبيعته كما رآه إريس أول مرة عند‬ ‫�د إيفانوف قد ع�‬ ‫كان جس�‬ ‫متجر األسلحة‪ ،‬وبينما كان سايري ممدد جبانبه على األرض‪ ،‬وكأنهم‬ ‫�ا اآلن يغطان يف‬ ‫�دهما إريس على أنهم�‬ ‫�ان قد مت ذحبهما‪ ،‬فحس�‬ ‫خروف�‬ ‫�عر بالندم ألنه أخذ هذه‬ ‫�تطيعان رؤية ما يراه اآلن‪ .‬ش�‬ ‫نوم عميق وال يس�‬ ‫املخاطرة‪ ،‬ولكن كان ال بد منها‪ ،‬فحياته كجاسوس جعلته مير بالكثري‬ ‫من املخاطر واألشياء املخيفة ولكنه يرجح بأن هذه هي املرة األكثر رع ًبا‬ ‫بالنسبة له‪ .‬تفحص بعينيه الروبوت أمامه بكل تفاصيله بدون أن حيرك‬ ‫�ك الروبوت فيه‪ ،‬وإال فستكون حفلة صاخبة لقتله يف‬ ‫عينيه حتى ال يش�‬ ‫�اف أمره‪ .‬شعر باهتزازات الطائرة بسبب‬ ‫هذا املكان الضيق أن مت اكتش�‬ ‫�فل يف‬ ‫املطبات اهلوائية‪ ،‬وبعد بضعة دقائق بدأت الطائرة تهبط إىل األس�‬ ‫واضعا يده‬ ‫�ي للطائرة‪،‬‬ ‫�دوء‪ ،‬وكان إريس جيلس جبانب الباب اخللف�‬ ‫ه�‬ ‫ً‬ ‫�يتوجب عليه االلتفاف ناحية‬ ‫�عر أنه يف ورطة ألنه س�‬ ‫على ركبتيه‪ .‬فش�‬ ‫الباب والتوجه للخارج أو ًال وهو ال يعلم أين عليه الذهاب‪ ،‬مما قد يكشف‬ ‫�رك حركة واحده‪ ،‬وكان ال‬ ‫�ره أن قام بأي حركة خاطئة‪ .‬مل يتح�‬ ‫أم�‬ ‫يزال الروبوت املريب ذو العني احلمراء حيدق إليه يف صمت خميف‪ .‬فجأة‬ ‫ين من الروبوتات‬ ‫�ى األرض وفتح الباب‪ ،‬فحمل ُأثن�‬ ‫هبطت الطائرة عل�‬ ‫�ايري وايفانوف‪ ،‬بينما ترجل باقي الروبوتات ومن بينهم إريس يف صف‬ ‫س�‬ ‫�لحة أمامهم‪ ،‬من محالة‬ ‫ونظام تام‪ .‬ضغطوا على زر ورائهم‪ ،‬فنزلت األس�‬ ‫�وا طريقهم‪ .‬لفحت أنوار‬ ‫�قف الطائرة فأخذوها ثم أكمل�‬ ‫معلقة يف س�‬ ‫�ه ومل يتحرك حركة واحدة‬ ‫�س ولكنه حتامل على نفس�‬ ‫املكان عني إري�‬ ‫متقدما صفوف الروبوتات‪ ،‬حتى بدأت عيناه‬ ‫�ار بانتظام‬ ‫�ان‪ ،‬وس�‬ ‫كإنس�‬ ‫ً‬ ‫�توعبان النور واملكان الذي وقف فيه‪ ،‬وفجأة رأى شيئ ًا أدهشه وصعقه‬ ‫تس�‬ ‫�ة‪ ،‬ولكنه أكمل مسريته‪.‬‬ ‫للغاية وكاد أن يتوقف من الدهش�‬ ‫‪220‬‬


‫�رقت‪ ،‬فنظر إريس حوله لريي روبوتات تسري‬ ‫�مس قد اش�‬ ‫كانت الش�‬ ‫ير وسطهم‪،‬‬ ‫�كاهلا كانت خمتلفة عن الذي يس�‬ ‫يف كل مكان‪ ،‬ولكن أش�‬ ‫ونساء ورجا ًال وحتى أنه كان هناك روبوتات كبار يف‬ ‫لقد كانوا أطفا ًال‬ ‫ً‬ ‫السن‪ ،‬وكانوا يرتدون املالبس الطبيعية كاليت يرتديها البشر‪ ،‬وأشكاهلم‬ ‫�دهم‬ ‫�ر واللون الفضي الذي يغطي جس�‬ ‫�ت مزيج بني مالمح البش�‬ ‫فكان�‬ ‫�عر إريس بالدهشة من هذا العامل الذي يراه‪.‬‬ ‫بالكامل‪ ،‬ش�‬ ‫�ف‪ ،‬ومالحمهم‬ ‫�عرهم خمتل�‬ ‫�هم خمتلفة وتركيبة ولون ش�‬ ‫مالبس�‬ ‫خمتلفة‪ ،‬وكانوا يبدون على قيد احلياة أكثر مما ختيل إريس‪ .‬وكانوا‬ ‫ميزحون ويتسامرون‪ ،‬ويتكلمون عن عدة أشياء بلغتهم الغريبة‪ ،‬ويعرضون‬ ‫بضاعتهم‪ ،‬وجيلسون يف املقاهي‪ ،‬ويستمتعون بأوقاتهم‪ ،‬ويقومون بأعماهلم‬ ‫على أكمل وجه‪ .‬يضحكون وميزحون ويتناقشون‪.‬‬ ‫اصطف اجلميع وهم حييون اجلنود الذين كان إريس يسري وسطهم‪،‬‬ ‫حشدا آخر منهم يرمق سايري وايفانوف‬ ‫ويهتفون هلم بلغة غريبة‪ .‬وكان‬ ‫ً‬ ‫بغضب‪ ،‬ويقذفون عليهم بعض علب الصودا الغريبة‪ ،‬والطعام املعلب‪.‬‬ ‫مل جيد إريس متسع من الوقت لينظر إليها فلقد كان كل تركيزه‬ ‫ير مثلهم‪ .‬كان العامل أشبه بعامل خيالي قد وضع قدمه فيه‪،‬‬ ‫على أن يس�‬ ‫�ماء‪ ،‬ولوحات أعالنية‬ ‫�اهقة فضية اللون متتد بشموخ إىل الس�‬ ‫مباني ش�‬ ‫�وارع لتجعل مجيع الروبوتات يف املدينة تراها‪ ،‬رأى إريس‬ ‫تطري وتعرب الش�‬ ‫العديد من اللوحات حتلق فوقه‪ ،‬من اعالنات لربامج ومستلزمات للبيت‬ ‫وأخبار ورحالت وأشياء غريبة أخرى كلها بلغة غريبة‪ ،‬مل يكن ليفهم شيئ ًا‬ ‫�وال الصور املرفقة باللوحات اهلولوجرامية الطائرة‪ ،‬وفوق اللوحات رأى‬ ‫ل�‬ ‫سيارات تطري يف اهلواء‪ ،‬بأعداد هائلة‪ ،‬ذها ًبا وإيا ًبا يف مجيع االجتاهات يف‬ ‫�ماء‪ ،‬رأى مبين كبري ممتد للسماء يف األفق وسط املدينة على شكل‬ ‫الس�‬ ‫مزجيا من اللون األبيض واألزرق واألخضر‪ ،‬وخيرج‬ ‫كوكب غريب يبدو‬ ‫ً‬ ‫‪221‬‬


‫من فوق قمته جهاز أرسال كبري ميتد للسماء‪ ،‬قاعدته دائرية‪ .‬كان يبدو‬ ‫بأنه املبين األضخم واألطول يف املكان‪ ،‬بينما باقي املباني كانت ال تتعدي‬ ‫املائة مرت‪ ،‬ولكنها كانت متتاز مبعمار غريب‪ ،‬فمنها احللزوني الش��كل‪،‬‬ ‫والدائري وكأنه كوب قهوة‪ ،‬والبعض مثلثي الشكل‪ ،‬وهناك مباني متتد‬ ‫عال ًيا بشكل متموج‪ ،‬والبعض يبدو مثل الكرة الزجاجية‪ ،‬بينما كانت ألوان‬ ‫�ي زاهية وغاية يف اجلمال‪ ،‬مزيج بني كل األلوان اخلالبة والرباقة‪،‬‬ ‫املبان�‬ ‫شعر إريس بأنه دخل عامل األحالم‪ .‬أكمل سريه وهو يلتف بعينيه حبذر‬ ‫تي مل يرها قط يف حياته‪.‬‬ ‫�ياء الغريبة ال�‬ ‫حمدق� ًا بذهول لكل هذه األش�‬ ‫ظل حيدق بقوة بانبهار شديد‪ ،‬ومتين بأن هناك أحد آخر معه ليشاركه‬ ‫�اؤل من داخله‪ ،‬هل ميلكون مشاعر‬ ‫هذا املنظر الغريب والرائع‪ ،‬ولكنه تس�‬ ‫�م‪ ،‬فكيف تكون املدن الكربى‬ ‫�يط من عامله�‬ ‫مثلنا‪ ،‬وإن كان هذا جزء بس�‬ ‫متاما عن‬ ‫كالقاهرة اجلديدة مث ًال‪ ،‬وملاذا الروبوتات املقاتلة تبدو خمتلفة ً‬ ‫باقي الروبوتات اليت تعيش يف هذا اجلزء الصغري من مصر‪ .‬شرد إريس يف‬ ‫التفكري يف كيفية مواجهة خملوقات مبثل هذا الذكاء واألبداع‪ ،‬وشعر بأن‬ ‫جدا‪ ،‬ولكنها قد تتضاعف إذا متكن من مجع باقي رفاقه‬ ‫فرصتهم ضئيلة ً‬ ‫ذوي القدرات الغريبة مثله‪ .‬وعلم بأنه اآلن جيب أن يركز يف هدفه‪ ،‬نظر‬ ‫�اعته ورأى بأن أمامه ثالثة دقائق حتى ينتهي مفعول قوته‪ ،‬فشعر‬ ‫إىل س�‬ ‫بأنه أن مل يصل إىل مكان يستطيع االختباء فيه فسيقع يف ورطة كبرية‪.‬‬ ‫�ى زجاج وليس على‬ ‫ير عل�‬ ‫قطع الطرقات املزينة وكان يري أنه يس�‬ ‫�فل الزجاج يوجد جمري من‬ ‫�ر‪ ،‬وكان أس�‬ ‫مضادا للكس�‬ ‫�فلت‪ ،‬كان‬ ‫أس�‬ ‫ً‬ ‫الطاقة الزرقاء تتدفق يف مجيع أحناء املدينة‪ ،‬مبدية منظر مبهج وخالب‪،‬‬ ‫�م إريس بأن هذا اجملري هو ما ميدهم بالطاقة‪ ،‬وحيركهم‪ .‬تفحص‬ ‫فه�‬ ‫بعينيه املدينة لريي أين مصدره‪ ،‬ولكنه مل يستطع أن حيدد إطالق ًا‪ ،‬فقال‬ ‫بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫‪222‬‬


‫�يء ألوانه‪ ،‬جيب أن أركز اآلن على انقاذ سايري وإيفانوف‪،‬‬ ‫– –كل ش�‬ ‫واخلروج من هنا‪ ،‬وقد أحاول احلصول على بعض املعلومات اخلاصة‬ ‫أيضا أن استطعت‪.‬‬ ‫بهم ً‬ ‫قطع اجلنود الطريق حاملني أسلحتهم الفضية غريبة الشكل‪ .‬كان‬ ‫�يء عنه‪ ،‬غري الطريقة املثالية‬ ‫أيضا‪ ،‬وال يعلم أي ش�‬ ‫�س حيمل‬ ‫إري�‬ ‫واحدا ً‬ ‫ً‬ ‫�اك به‪ ،‬أنعطف اجلنود لليمني‪ ،‬فأنعطف معهم بدوره‪ ،‬ثم رأى اآلن‬ ‫لالمس�‬ ‫�به‬ ‫الطريق بوضوح لقد كانوا يتوجهون ناحية املبين الضخم الذي يش�‬ ‫�رعوا يف االنعطاف يف عدد من الطرقات حتى وصلوا إليه‪.‬‬ ‫الكوكب‪ .‬ش�‬ ‫�اعته ووجد بأنه تبقي دقيقتان‪ ،‬فشعر برعدة تسري يف‬ ‫نظر إريس إىل س�‬ ‫�يناريو الذي ينتهي فيه تنكره ويتم اكتشاف أمره‪،‬‬ ‫�ده‪ ،‬وختيل الس�‬ ‫جس�‬ ‫ولكنه أبعد الفكرة عن رأسه‪ .‬توقف اجلنود فجأة أمام الباب ففتحت بوابة‬ ‫�كل نصف كرة ألعلي‪ .‬مسع صوت الكرتوني غريب يصدر منها‬ ‫على ش�‬ ‫فلم يفهم شيئ ًا ولكنه سار وراء اجلنود داخل املبين الكروي‪ ،‬أندهش إريس‬ ‫�اء‪،‬‬ ‫�ة املعمارية للمبين‪ ،‬كان املبين مزين بالفسيفس�‬ ‫عندما رأى اهلندس�‬ ‫جدرانه مغطية بلون حناسي‪ ،‬وممتلئة بالنقوش والرموز الغريبة‪ ،‬وحتلق‬ ‫عال ًيا حوله بال توقف‪ ،‬العديد من اللوحات الغريبة اليت مل يفهمها إريس‪،‬‬ ‫عن حرب كبرية ما‪ ،‬وصورة أخرى لروبوتات غريبة الشكل ومتنوعة‪ ،‬وصور‬ ‫�ة كل هذه الصور اليت‬ ‫�تطع رؤي�‬ ‫ملدن وأماكن وكواكب‪ ،‬ولكنه مل يس�‬ ‫حتلق بنمط دائري حول القبة اجملوفة الغريبة للمبين الكروي‪ ،‬بسبب أنه‬ ‫�تطع رفع رأسه عال ًيا حتى ال يشك اآلخرين‬ ‫كان يسري بسرعة ومل يس�‬ ‫فيه‪ .‬يف منتصف املكان الكروي‪ ،‬يتدىل من السقف بلورة زرقاء كبرية تشع‬ ‫�ق وحدها بدون أي تأثري حميط‪ ،‬ومتتد‬ ‫بالطاقة‪ ،‬وكان يبدو بأنها حتل�‬ ‫الطاقة منها إىل االسفل عرب اجملري زجاجي‪ .‬تتبع إريس اجملري بعينيه؛‬ ‫�فل يف منتصف املبين‪ ،‬جسم غريب كناية عن مولد كبري‬ ‫فرأى يف األس�‬ ‫مس��تدير زجاجي‪ ،‬يتصل األنبوب به‪ ،‬ليضخ الطاقة من أنابيب زجاجية‬ ‫‪223‬‬


‫�رى خترج منه إىل مجيع أحناء املدينة‪ ،‬ففهم إريس أن هذا هو مصدر‬ ‫أخ�‬ ‫الطاقة‪ ،‬هذه البلورة الزرقاء الغريبة‪.‬‬ ‫�م عليه‪ ،‬فأنفتح الباب‪،‬‬ ‫�ل اجلنود إىل باب غريب‪ ،‬فضغط أحده�‬ ‫وص�‬ ‫أيضا‪ .‬لينغلق الباب ورائه وبدأت الغرفة‬ ‫ليدلف اجلميع إليه فدلف إريس ً‬ ‫�فل‪ ،‬فعلم فو ًرا بأنه‬ ‫�ة اليت دخلوا إليها تهبط إىل أس�‬ ‫الصغرية الزجاجي�‬ ‫�د أنهم يهبطون حتت املاء يف جمري‬ ‫مصعد‪ .‬رأى من خلف زجاج املصع�‬ ‫�اء أمامه مبين أبيض كبري‬ ‫�ط امل�‬ ‫أيضا وس�‬ ‫زجاجي عازل عن املاء‪ .‬رأى ً‬ ‫�هق من املنظر‪ ،‬ولكنه‬ ‫ومن حوله قبة زجاجية حتميه من املاء‪ ،‬فكاد أن يش�‬ ‫علم بأنها منشأة أسفل البحر‪ .‬كانت املنشأة البيضاء تتألأل داخل القبة‬ ‫الزجاجية‪ ،‬واألمساك جبميع أنواعها والوانها تعوم حوهلا يف منظر مبهج‬ ‫�أة لتكون مصدر الضوء الوحيد داخل هذا‬ ‫للنظر‪ ،‬بينما تشع أنوار املنش�‬ ‫احمليط املظلم‪ .‬وهكذا وصل املصعد إىل األسفل عند جسر زجاجي يؤدي‬ ‫�أة فخرج اجلنود‪ ،‬حاملني إريس وايفانوف‪ ،‬وبدأوا بعبور اجلسر‬ ‫إىل املنش�‬ ‫يف ً‬ ‫ير ورائهم حماو ًال احلفاظ‬ ‫خط ًا ثابتة ومنظمة‪ ،‬بينما كان إريس يس�‬ ‫على خطواته وحركاته لتبدو مثلهم‪.‬‬ ‫وبعد أن قطعوا اجلسر الذي حييطه أنبوب كبري من الزجاج موصل‬ ‫�أة؛ وقفوا أمام البوابة‪ ،‬فاقرتب أحد الروبوتات‬ ‫من املصعد إىل بوابة املنش�‬ ‫�ة‪ ،‬وأدخل رمز الكرتوني غريب‪ ،‬ثم بدأت البوابة تفتح‪،‬‬ ‫إىل لوحة الكرتوني�‬ ‫فدخلوا بسرعة‪.‬‬ ‫ثوان‪ .‬وبسرعة كبرية‬ ‫نظر إريس إىل س�‬ ‫�اعته ورأى بأنه تبقي له عشر ٍ‬ ‫أحنرف إريس عن مساره مبجرد دخول املنشأة‪ ،‬وأختبأ يف أحد املمرات على‬ ‫اليسار‪ ،‬بينما أكملت الروبوتات طريقها يف رواق أبيض طويل إىل األمام‪.‬‬ ‫�ابق عهده‪ .‬تفحص املكان‬ ‫�كله إىل س�‬ ‫وقف إريس يلهث بقوة‪ ،‬وقد عاد ش�‬ ‫�به أكثر الربج‬ ‫�فى أو تش�‬ ‫جيدا‪ ،‬فوجد أنها تبدو كأروقة املستش�‬ ‫حوله ً‬ ‫‪224‬‬


‫�رع خطاه بعد أن التقط أنفاسه‪،‬‬ ‫الذي كان إريس حمجوز ًا بداخله‪ ،‬فأس�‬ ‫وتوجه إىل املمر الذي توجهت إليه الروبوتات‪.‬‬ ‫�ات وهي تنعطف إىل اليمني يف نهايته‪،‬‬ ‫نظر إىل الرواق فلمح الروبوت�‬ ‫�رعة ورائهم‪ ،‬وقد أخرج‬ ‫متاما من أي حركة‪ ،‬فتوجه بس�‬ ‫فأصب�‬ ‫�ح فارغ ًا ً‬ ‫مسدسه من جيبه ووضع عليه كامت الصوت‪ ،‬فقد حيتاج إىل استخدامه‬ ‫ريا له يف مهمة‬ ‫�س‬ ‫�ل هذا احلاالت‪ ،‬وكان رداء اإلينيك�‬ ‫يف مث�‬ ‫ً‬ ‫مفيدا كث ً‬ ‫�لل هذه‪ .‬تابع طريقه وأنعطف بسرعة فرأى الروبوتات ال زالت تعرب‬ ‫التس�‬ ‫الرواق أمامه‪ ،‬فتتبعهم حبذر ومتين بأال يلتف أحدهم أو يالحظ اختفائه‪.‬‬ ‫�رات البيضاء الفارغة‬ ‫�ا ًرا إىل أحد املم�‬ ‫وبعد بضعة خطوات انعطفوا يس�‬ ‫�رعة بدون أن يصدر أي صوت‪ ،‬وانعطف ورائهم‪ ،‬ولكنه‬ ‫جمددا‪ ،‬فوثب بس�‬ ‫ً‬ ‫�اره متأل الرواق‪،‬‬ ‫وجد العديد من النوافذ الزجاجية على ميينه وعلى يس�‬ ‫فتقدم ببطء وحذر وقد أخفض جسده حتى ال يراه أحد‪ ،‬واقرتب جبانب‬ ‫�به معمل من نوع ما‪،‬‬ ‫�ذة زجاجية‪ ،‬فوجدها تطل على غرفة تش�‬ ‫أول ناف�‬ ‫�عت عيناه من الفزع والتقزز‪ .‬رأى‬ ‫رفع إريس عينيه ليتفقد الغرفة‪ ،‬فاتس�‬ ‫�ريح عدة جثث بشرية‪،‬‬ ‫روبوتات ترتدي الزي الرمسي للعلماء‪ ،‬تقوم بتش�‬ ‫�س‪ ،‬فقد كان أحدهم يفتح‬ ‫�ر يثري التقزز والرعب يف النف�‬ ‫وكان املنظ�‬ ‫�ر ويتفحص الدماغ بأجهزة غريبة‪ ،‬ويقوم بصنع شق هنا‬ ‫دماغ أحد البش�‬ ‫�ان‪ ،‬وخيرج األحشاء ويضعها بداخل جهاز‬ ‫وهناك‪ ،‬وآخر يفتح معدة إنس�‬ ‫غريب‪ ،‬فتظهر نتائج التحليل هلذا اجلهاز‪ ،‬وهكذا رأى إريس مجيع أعضاء‬ ‫�ان تقطع ويقام عليها جتارب من كل األنواع‪ .‬وجثث فارغة‬ ‫جسم اإلنس�‬ ‫�ك‬ ‫�ه وكاد أن يتقيأ ولكنه أمس�‬ ‫معلقة يف كل مكان‪ ،‬فأخنفض برأس�‬ ‫يره ثم نظر إىل نافذة أخرى فرأى روبوتات أخرى‪ ،‬تقوم‬ ‫نفسه وأكمل س�‬ ‫بتجارب على بشر أحياء‪ ،‬تعرضهم للكهرباء واملاء واحلرارة‪ ،‬ومجيع أنواع‬ ‫�يب‬ ‫�تنجدون‪ ،‬وكانت بعض احلواس�‬ ‫التجارب وهم يصرخون بقوة ويس�‬ ‫�جل نتائج وأرقام بلغة غريبة‪ ،‬مل حيتمل إريس املنظر فأكمل‬ ‫خلفهم تس�‬ ‫‪225‬‬


‫�ر بداخله‪ .‬ولكنه أكمل‬ ‫�عر بربكان من الغضب ينفج�‬ ‫طريقه وهو يش�‬ ‫متفحصا نافذة أخرى بداعي الفضول‪ ،‬فرأى الروبوتات حياولون‬ ‫س�يره‬ ‫ً‬ ‫يدا ميكانيكية‬ ‫دمج البشر واآللة مع ًا‪ ،‬ببعض التجارب كقطع يده ووضع ً‬ ‫�ري‬ ‫�ل‪ ،‬وجتربة كفاءتها‪ ،‬وجتارب أخرى عن زراعة العقل البش�‬ ‫يف املقاب�‬ ‫داخل أحد الروبوتات‪ .‬شعر إريس بسيل من املشاعر بداخله‪ ،‬بني الغضب‬ ‫�ر إىل أ ًيا من النوافذ‬ ‫�أس‪ ،‬فتابع طريقة ومل ينظ�‬ ‫�وف والتقزز والي�‬ ‫واخل�‬ ‫بشعا آخر كهذا‪ ،‬فتابع‬ ‫الزجاجية يف طريقه‪ ،‬مل حيتمل بأن يري ش�‬ ‫�يئا ً‬ ‫�ائ ًال عن املصري البشع الذي ينتظر رفاقه إذ‬ ‫طريقه خلف الروبوتات متس�‬ ‫�رع خطاه قلي ًال ومتين بأال يتم كشفه قبل أن ينقذهم‪.‬‬ ‫مل ينقذهم‪ ،‬فأس�‬ ‫�دا وكان املصعد يهبط إىل طابق برمز غريب‬ ‫يف نهاية املمر وجد مصع ً�‬ ‫ولكن إريس حفظ الرمز الذي توقف عنده املصعد‪ ،‬فضغط على زر طلب‬ ‫ثوان فتح املصعد‪ ،‬فوجد إريس يف وجهه أحد‬ ‫املصعد‪ ،‬وبعد انتظار بضعة ٍ‬ ‫�ه بسرعة وصوبه ناحية‬ ‫الروبوتات الفضية حيدق به‪ ،‬فرفع إريس مسدس�‬ ‫�ه ثم أطلق بضع طلقات حتى أصابه يف اجلوهرة الزرقاء املستديرة‪،‬‬ ‫رأس�‬ ‫مصدر طاقته‪ ،‬فتدمرت وانطفأت‪ ،‬فشعر باالمتنان ألنه مل يتم اكتشاف‬ ‫�ينتهي به االمر‬ ‫�أن عليه أن يتوخي احلذر من اآلن واال س�‬ ‫أمره‪ ،‬وعلم ب�‬ ‫كجثة معلقة يقومون بعمل جتارب بشعة عليها‪ .‬دلف إىل املصعد الذي‬ ‫كانت ارضه شاغرة بالروبوت امليت‪ ،‬فتفرس يف الرموز الغريبة على لوحة‬ ‫املصعد‪ ،‬وتذكر الرمز الذي توقف املصعد عنده‪ ،‬فضغط عليه بس��رعة‬ ‫�زول‪ ،‬حتى توقف وأنفتح‬ ‫�رع بالن�‬ ‫مبجرد أن رآه‪ ،‬فأنغلق باب املصعد وش�‬ ‫الباب‪ ،‬فوقف روبوت أمام الباب حيدق بالروبوت امللقي على األرض‪ ،‬وكان‬ ‫متوجها إىل داخل املصعد يتفحص رفيقه‬ ‫لاحه‬ ‫املصعد فارغ ًا‪ ،‬فرفع س�‬ ‫ً‬ ‫امللقي األرض‪ ،‬فباغته إريس الذي كان معلق ًا على سقف املصعد‪ ،‬وقفز‬ ‫�قط الروبوت ً‬ ‫�ه وأطلق طلقتان على‬ ‫أرضا‪ ،‬ثم أخرج مسدس�‬ ‫فوقه ‪ ،‬فأس�‬ ‫�اكن ًا‪.‬‬ ‫مصدر الطاقة يف قلبه‪ ،‬فتوقف الروبوت عن العمل‪ ،‬وخر س�‬ ‫‪226‬‬


‫�ه يف رواق آخر‬ ‫�ث املعدنية خارج املصعد‪ ،‬ووجد نفس�‬ ‫جر إريس اجلث�‬ ‫أبيض‪ ،‬وكان يوجد على اليسار غرفة فارغة؛ فسحب إريس اجلثث وفتح‬ ‫�بية‪ ،‬وباب‬ ‫�ة الصغرية اليت كان يوجد بها بعض الصناديق اخلش�‬ ‫الغرف�‬ ‫�لم جانيب يستعمل يف حالة تعطل املصعد‪ .‬وضع الروبوتات‬ ‫يؤدي على س�‬ ‫ير حتى‬ ‫�م جيدا‪ ،‬ثم خرج إىل الرواق وبدأ بالس�‬ ‫ين الصناديق وأخفاه�‬ ‫ب�‬ ‫�لم يؤدي إىل غرفة كبرية وهائلة‪.‬‬ ‫انتهى الرواق بس�‬ ‫�فل ملتف ًا حول الغرفة‬ ‫�لم احللزوني أمامه ميتد إىل األس�‬ ‫كان الس�‬ ‫�فلى‪ ،‬فنظر إريس إىل األسفل فرأى الروبوتات تسحب‬ ‫حتى الطابق الس�‬ ‫�فلى‪ ،‬ثم أغلقوا‬ ‫�م يف زنزانة يف الطابق الس�‬ ‫�ايري وايفانوف وتضعه�‬ ‫س�‬ ‫�عر إريس بأنه يف مأزق كبري اآلن‪،‬‬ ‫جمددا‪ .‬ش�‬ ‫الزنانة وتوجهوا إىل أعلى‬ ‫ً‬ ‫جمددا‪ ،‬فتحول إىل شكلهم‬ ‫ولكن من حسن حظه بأن طاقته قد عادت إليه‬ ‫ً‬ ‫لاحه ووقف بربود عند باب املصعد‪ ،‬وبعد‬ ‫وتوجه إىل املصعد‪ ،‬ممسك ًا بس�‬ ‫ثوان رأى الروبوتات قادمة تتحرك بتناغم تام‪ .‬رمقوا إريس بنظرة هادئة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫جمددا‪ .‬تنفس إريس‬ ‫وبعدها دلفوا إىل املصعد‪ ،‬وعاد املصعد بهم إىل أعلى‬ ‫ً‬ ‫الصعداء‪ ،‬وشعر بأن مح ًال ثقي ًال قد أزيح من على كاهله‪ ،‬فتوجه بسرعة‬ ‫�رع يف نزول السلم احللزوني املتلف حول قاعة السجن‬ ‫إىل آخر املمر‪ ،‬وش�‬ ‫�فل مع درجات السلم‪.‬‬ ‫الكبرية‪ ،‬والزنزانات حوله متتد دائر ًيا إىل األس�‬ ‫�ر بداخلهم‪،‬‬ ‫�اجني من البش�‬ ‫تفقد إريس الزنازين البيضاء‪ ،‬ورأى مس�‬ ‫يقفون هناك يف رعب وذعر‪ ،‬البعض نائم على سريره‪ ،‬والبعض اآلخر يذرع‬ ‫�ديد‪ ،‬والبعض يكاد جين‬ ‫الغرفة ذها ًبا وإيا ًبا يف عصبية مفرطة وتوتر ش�‬ ‫�ديد‪ ،‬ينتظر دوره ليتم عمل‬ ‫جنونه‪ ،‬وبعضهم جيلس يف الزاوية بيأس ش�‬ ‫عابرا السلم احلديدي‪،‬‬ ‫جتارب لعينة عليه‪ ،‬وهكذا استمر إريس حيدق فيهم ً‬ ‫�فل‪ ،‬فرأى روبوت يقف بثبات يف األسفل‪ ،‬فنظر إليه‬ ‫حتى وصل إىل األس�‬ ‫�ب مل يفهمه إريس‪ ،‬فالتزم بدوره الصمت‬ ‫احلارس وبدأ يتفوه بكالم غري�‬ ‫‪227‬‬


‫وعرب طريقه إىل زنزانة سايري‪ ،‬وإيفانوف واقف ًا أمامها ثم بدأ يضغط على‬ ‫أزرار اللوحة اإللكرتونية اخلاصة بالزنزانة‪ ،‬فصدر صوت من اللوحة غريب‬ ‫وظهر ما يشبه ماسحة شبكية العني‪ ،‬ففهم إريس أنها تريد بصمة عينه‪.‬‬ ‫مسع إريس الروبوت احلارس يقرتب منه ويلقى ببعض الكلمات بنربة‬ ‫�كه‬ ‫حمذره بلغته الغريبة‪ ،‬فانتظر إريس حتى اقرتب منه‪ ،‬ثم التف وأمس�‬ ‫�وت من اللوحة وفتحت‬ ‫�ه‪ ،‬ووضع عينيه على اللوحة‪ ،‬فصدر ص�‬ ‫من رأس�‬ ‫�ه‪،‬‬ ‫�ه وأطلق على مصدر الطاقة يف رأس�‬ ‫�ة‪ ،‬فأخرج إريس مسدس�‬ ‫الزنزان�‬ ‫�أ الروبوت وخر على األرض جثة هامدة‪ ،‬فدلف إىل الزنزانة وأخذ‬ ‫فانطف�‬ ‫يهز سايري وإيفانوف بقوة لكي يستيقظا‪ ،‬وبعد دقيقة بدآ بفتح أعينهما‬ ‫�اهدا إريس أصابهما الفزع ودفعه سايري بقدمه‬ ‫شيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬وعندما ش�‬ ‫بعيدا‪ ،‬فتذكر إريس هيئته اليت تشبه الروبوت‪ ،‬فوقف على قدميه واقرتب‬ ‫ً‬ ‫�كله احلقيقي قائ ًال‪:‬‬ ‫منهما وهو يبدل هيئته إىل ش�‬ ‫– –ال ختافا يا رفيقاي‪ ،‬لقد جئت ألنقذكما‪.‬‬ ‫�ا كان ايفانوف ال يزال يرتنح حماو ًال‬ ‫�ايري على قدماه بينم�‬ ‫وثب س�‬ ‫الوقوف‪ .‬قال سايري بنربة مشككة‪:‬‬ ‫�رك ‪ ..‬لقد كنت معنا يف االختبار ‪..‬‬ ‫�ا من ماذا؟ أنا أتذك�‬ ‫– –تنقذن�‬ ‫كانامسك هو؟‬ ‫– –إريس‪.‬‬ ‫– –نعم إريس واآلن أخربنا أين حنن وجئت لتنقذنا ممن؟‬ ‫بدأ إريس يقص عليهم كل ما حدث حتى وصل إىل هنا‪ ،‬من خروجه‬ ‫�ة كل ما حيدث هنا حتى‬ ‫�ى وصوله إىل اجلنرال ومعرف�‬ ‫منا الربج حت�‬ ‫مروره عليهم‪ ،‬والتسلل كروبوت والدخول إىل املدينة الرائعة‪ ،‬ومن ثم إىل‬ ‫�أة‪ ،‬وروي هلم ما رآه يف املختربات‪ ،‬وقد أصابهم هذا بالتقزز‪ ،‬فشكراه‬ ‫املنش�‬ ‫‪228‬‬


‫�م‪ ،‬قبل أن يتحولوا لفئران جتارب‪،‬‬ ‫ألنه خاطر حبياته كل هذا لينقذه�‬ ‫وبعد أن فهما كل شيء‪ ،‬سأل سايري‪:‬‬ ‫– –إذا حنن هنا بسبب هذه اآلالت اللعينة اليت متردت علينا ‪ ..‬متفوقة‬ ‫�ت ال تقهر‪،‬‬ ‫�رات ‪ ..‬بل وأصبح�‬ ‫�ر بعدة م�‬ ‫�ى ذكاء وقوة البش�‬ ‫عل�‬ ‫وأطالنتس هي املدينة الوحي��دة الباقية ملصر‪.‬‬ ‫فهز إريس رأسه باإلجياب‪.‬‬ ‫فصمت اجلميع قلي ًال‪ ،‬فكسر ايفانوف حاجز الصمت قائ ًال‪:‬‬ ‫– –سأحطم رؤوس هؤالء األوغاد‪.‬‬ ‫قال إريس حبزم شديد‪:‬‬ ‫�ق اخلروج يف األعلى‬ ‫�جناء ‪ ..‬ونصل إىل طري�‬ ‫�ا أن حنرر الس�‬ ‫– –علين�‬ ‫�م للخروج من هنا‬ ‫واحدا منه�‬ ‫�ا هذا بأن نقتل كل‬ ‫‪ ..‬حتى لوعن�‬ ‫ً‬ ‫�يء آخر بعد هذا ‪ ..‬ملاذا ال نتذكر‬ ‫�نفعل‪ ..‬وسنعرف كل ش�‬ ‫فس�‬ ‫�م أن خنرج من هنا‪.‬‬ ‫�يء؟ وكيف حصلنا على هذه القوة؟ األه�‬ ‫ش�‬ ‫�جن‪ ،‬ثم طلب‬ ‫توجه إريس إىل جثة الروبوت القابعة على أرضية الس�‬ ‫�يء للقطع‪ ،‬فتعجب ايفانوف وسايري من طلبه الغريب هذا‪،‬‬ ‫منهم أي ش�‬ ‫�تغراب‪ ،‬فقال إريس بنربة حازمة‪:‬‬ ‫ورمقا بعضهما البعض بنظرات اس�‬ ‫– –سايري أعطيين السيف الضوئي‪.‬‬ ‫�ب من معرفته‬ ‫�يف الضوئي وناوله إلريس وتعج�‬ ‫�ايري الس�‬ ‫أخرج س�‬ ‫�يف باحرتافية شديدة ثم‬ ‫�ك إريس الس�‬ ‫�يئ ًا كهذا‪ .‬أمس�‬ ‫بامتالكه ش�‬ ‫قطع رأس الروبوت امللقى على األرض‪ ،‬ومحل رأسه‪ ،‬ثم أجته إىل الزنازين‬ ‫�ايري وايفانوف‪ ،‬وأستخدم عني الروبوت يف فتح‬ ‫الواقعة جبانب زنزانة س�‬ ‫الزنازين الواحد تلو اآلخر‪ ،‬فبدأ املساجني خيرجون منها وهم ال يصدقون‬ ‫‪229‬‬


‫�باب وعجائز‪ ،‬وأطفال! اجلميع أخذ باخلروج وإريس‬ ‫�هم‪ ،‬نساء وش�‬ ‫أنفس�‬ ‫يفتح هلم باب احلرية‪ ،‬فينهمرون عليه بالش��كر واالمتنان ألنه حررهم‪،‬‬ ‫ولكنه ظل يردد بأنه ال يزال أمامه الكثري حتى خيرجهم من هنا‪ ،‬وعندها‬ ‫فقط بإمكانهم شكره كيفما شاءوا‪ .‬وهكذا تسلق السلم احللزوني‪ ،‬فاحتً ا‬ ‫مجيع أبواب السجون الزجاجية الغري قابلة للكسر‪ ،‬حتى أخرج اجلميع‪.‬‬ ‫جمددا‪ .‬جد‬ ‫أخذت دموع الفرحة تنهمر عندما رأت ًأما أبنتها الصغرية‬ ‫ً‬ ‫التقي مع حفيده‪ .‬أصدقاء مع بعضهم البعض‪ .‬وكانت دموعهم تنهمر‬ ‫بغزارة‪ ،‬أنه كلم مشل عائلة كبري‪ ،‬وبالطبع كان يوجد العديد ممن ال‬ ‫أحدا يعرفونه هنا‪ ،‬قال إريس بنربة عالية‪:‬‬ ‫ميلكون ً‬ ‫– –اجلميع يلتزم الصمت اآلن‪.‬‬ ‫�ه‪ ،‬وخفتت أصوات اهلمس‪،‬‬ ‫�ت اجلميع وتوجهت األنظار ناحيت�‬ ‫فصم�‬ ‫�يخرجهم من هنا؟ وبعد‬ ‫مفكرا كيف س�‬ ‫فنظر إليهم إريس وهو يعدهم‬ ‫ً‬ ‫صمت دام بضع حلظات‪ ،‬كسر حاجز الصمت الذي صنعه بنفسه قائال‪:‬‬ ‫�م ‪ ..‬ولكننا ال يزال أمامنا طريق‬ ‫�د أن اخفض من معنوياتك�‬ ‫– –ال أري�‬ ‫جدا للخروج من هنا ‪ ..‬فنحن حتت األرض اآلن ‪ ..‬أو باملعين‬ ‫طويل ً‬ ‫األدق‪ ،‬حنن يف منشأة حتت البحر ‪ ..‬وللخروج من هنا فنحن سوف‬ ‫منر على الكثري من الصعاب ‪ ..‬وقد ال نتمكن يف النهاية من اخلروج‬ ‫�ول إىل بر األمان ‪ ..‬فأنا حق� ًا ال أعرف أين حنن؟ وإىل أين‬ ‫والوص�‬ ‫جيب أن نتوجه؟!‬ ‫بدأت حتدث بلبلة وسط احلشد‪ ،‬وبدأت أصوات الذعر احملتجة خترج‪،‬‬ ‫�يموتون مجيعا عاجال أم اجال‪،‬‬ ‫وقال البعض بأنه ال يوجد أمل وأنهم س�‬ ‫�كتهم‬ ‫وكان جيب أن يتقبلوا موتهم من البداية‪ ،‬فصرخ إريس عاليا ليس�‬ ‫قائ ًال‪:‬‬ ‫‪230‬‬


‫�وف خنرج من هنا أعدكم بهذا‪،‬‬ ‫– –توقفوا عن النحيب كاألطفال‪ ،‬س�‬ ‫وسوف نكتشف كل شيء يف طريقنا للخروج من هنا‪ ،‬ولكن جيب أن‬ ‫نتعاون‪ ،‬ال أحد يرتك اآلخر ورائه‪ .‬من هنا يستطيع القتال؟‬ ‫�باب والرجال الكبار يف السن أيديهم وكانت اعدادهم‬ ‫رفع بعض الش�‬ ‫�خصا‪ ،‬فقال إريس وهو يتفحصهم بعناية‪:‬‬ ‫تتخطي املائة ش� ً‬ ‫�ل إذا ‪ ..‬واآلن لدينا عجائز وأطفال‬ ‫�ددا جيد ‪ ..‬يوجد أم�‬ ‫– –هذا ع� ً‬ ‫�اء‪ ،‬عددهم ال يتعدى ‪..‬‬ ‫ونس�‬ ‫صمت إريس قلي ًال وأخذ يعدهم‪ ،‬ثم قال بعد أن انتهى‪:‬‬ ‫شخصا ‪ ..‬هذا يعين أن كل شخصان‬ ‫�ون‬ ‫– –عددهم ال يتعدى اخلمس�‬ ‫ً‬ ‫�خص واحد ‪ ..‬هذا أكثر من رائع ‪ ..‬واآلن هذه هي‬ ‫سيحميان ش�‬ ‫خطتنا ‪ ..‬لقد تسللت إىل هنا وأعرف طريق اخلروج من هذه املنشأة‪،‬‬ ‫ولكن عندما خنرج من هذه املنشأة فإن الوضع سيصبح أصعب قلي ًال‬ ‫ألننا سنمر على مدينة الروبوتات وعلينا أن نهرب منها بطريقة ما‪.‬‬ ‫خرج صوت معرتض من وسط احلشد الكبري لشاب يف العشرينات‪:‬‬ ‫�نفر من مدينتهم‪ ،‬سيتكاتفون علينا‪ ،‬ويباغتوننا من كل‬ ‫– –وكيف س�‬ ‫متاما من قبل هؤالء االوغاد‪.‬‬ ‫مكان‪ ،‬كما أن أطالنت�‬ ‫�س قد درمت ً‬ ‫صمت إريس كثريا وهو يتخيل ما رآه اثناء مروره بكل هذا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫– –ال لن يستطيعوا أن يشنوا حر ًبا على مدينتهم‪ ،‬ويتسببون يف دمارها‬ ‫�عبهم‪ ،‬بطريقة ما كان يبدو بأن هذه اآلالت اليت تعيش يف‬ ‫ودمار ش�‬ ‫�بة إىل أطالنتس فقد‬ ‫�ة الواقعة فوقنا‪ ،‬حية مثلنا‪ .‬أما بالنس�‬ ‫املدين�‬ ‫متت محايتها ومل تتدمر بالكامل‪ ،‬ويعمل اآلن العديد من اجلنود يف‬ ‫تدمري ما تبقي من الروبوتات‪.‬‬ ‫‪231‬‬


‫�ر باالطمئنان واألمل عندما مسعوا بأن أطالنتس ال زالت‬ ‫شعر البش�‬ ‫�تنتج إريس بأنه مت اختطافهم عندما هجمت الروبوتات على‬ ‫خبري‪ ،‬واس�‬ ‫أطالنتس‪.‬‬ ‫خرج صوت أنثوي قائ ًال‪:‬‬ ‫– –حية؟! ماذا تقصد بهذا؟‬ ‫فشبك إريس يداه قائال بنربة مريبة‪:‬‬ ‫�عرون بالغضب ويضحكون ويفعلون أشياء شبيهة مبا‬ ‫– –لقد كانوا يش�‬ ‫�اعر مثلنا! فلن يعرض جنودهم‬ ‫نفعله ‪ ..‬فإن كانوا ميتلكون مش�‬ ‫حياة شعبهم للخطر ‪ ..‬مما سيجعلهم يرتكوننا نهرب‪ ،‬يف حماولة‬ ‫�تغل هذا لصاحلنا‪،‬‬ ‫�دود املدينة ‪ ..‬وعندها سنس�‬ ‫�ا خارج ح�‬ ‫لقتالن�‬ ‫�رق بعض املركبات وبعض الرهائن ونهرب بها إىل أطالنتس‪.‬‬ ‫ونس�‬ ‫قال ايفانوف بنربة حادة‪:‬‬ ‫– –تبدو خطة جيدة‪ ،‬رمبا تنجح أن نفذت بشكل صحيح‪.‬‬ ‫�جناء‪ ،‬وبدأوا يتهامسون فيما‬ ‫فبدأت أصوات االمل خترج من بني الس�‬ ‫بينهم‪ ،‬فقال أحد الرجال‪ ،‬وكان شخصا يف االربعينات من عمره ذو حلية‬ ‫كثة وشعر طويل‪:‬‬ ‫– –كيف سنحارب الروبوتات؟ حنن ال منتلك أي أسلحة لنحارب بها‪.‬‬ ‫قال إريس وهو يتأمل سالح الروبوت القابع على األرض‪:‬‬ ‫– –مثل كل منشأة يف العامل‪ ،‬فال بد من أن هناك خمزن لألسلحة‪ .‬أثناء‬ ‫هبوطي باملصعد إىل هنا كان هناك العديد من الطوابق‪ ،‬وهناك سلم‬ ‫�نصعد‬ ‫يف حالة تعطل املصعد‪ ،‬يكمن داخل غرفة جبانب املصعد‪ ،‬س�‬ ‫‪232‬‬


‫الس��لم كلنا‪ ،‬ونتفقد كل الطوابق حتى جند خمزن األسلحة ثم‬ ‫سنحارب للخروج من هنا‪.‬‬ ‫بدأ إريس بالصراخ عال ًيا ليحمس السجناء قائ ًال‪:‬‬ ‫جيدا بأننا االسياد وأننا من‬ ‫– –من معي؟ س�‬ ‫�نعلم هؤالء االوغاد الدرس ً‬ ‫صنعناهم‪.‬‬ ‫أخذت األصوات تتعالي باهلتاف‪ ،‬والتهليل‪ ،‬واحلماس الشديد‪ ،‬فهمس‬ ‫لاح األبيض املنقسم‬ ‫�ايري‪ ،‬بينما كان يلتقط الس�‬ ‫إريس اليفانوف وس�‬ ‫جلزئيني جزء علوي وجزء سفلى‪ ،‬وفى الوسط يوجد فراغ بينهما ينتهي‬ ‫بكرة زرقاء مضيئة عند نهاية السالح‪:‬‬ ‫– –أتبعاني اآلن‪ ،‬لدي سالحان قريبان من هنا سأعطيهما لكما‪.‬‬ ‫فأومئا برأسهما باملوافقة‪ ،‬فانطلق إريس يصعد السلم احللزوني طال ًبا‬ ‫من اجلميع بأن يتبعه بهدوء‪ ،‬فبدأوا يساعدون بعضهم‪ ،‬أثناء صعودهم ورائه‪.‬‬ ‫�رعة إىل الباب الذي يقع‬ ‫متوجها بس�‬ ‫عابرا املمر‬ ‫صعد إري�‬ ‫ً‬ ‫�س الدرج ً‬ ‫مشهرا سالحه الغريب يف كل االجتاهات‪،‬‬ ‫جبانب املصعد‪ .‬فتحه بهدوء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فرأى الصناديق‪ ،‬فأبعدها‪ .‬اتضحت مالمح اجلثث اآللية‪ ،‬فنزع السالحني‬ ‫�ايري فأخذا السالحني بدون تردد‪،‬‬ ‫�لمهما إليفانوف وس�‬ ‫من يدهما‪ ،‬وس�‬ ‫�ه مط ًال على‬ ‫�اب الذي أمامه‪ ،‬وفتحه‪ ،‬ليجد نفس�‬ ‫�ه إريس إىل الب�‬ ‫فتوج�‬ ‫الدرج اخلارجي‪ ،‬فالتف ونظر إىل اجلميع وأشار هلم بأن يتبعوه ملتزمني‬ ‫الصمت‪ ،‬فبدأوا بصعود الدرج الواحد تلو اآلخر يف صمت تام خلفه‪ ،‬وكان‬ ‫وراءه مباشرة ايفانوف وسايري‪ ،‬فوصال لباب مغلق يف الدور التالي‪ ،‬فطلب‬ ‫�ايري بأن يتبعاه‪،‬‬ ‫�س من اجلميع االنتظار‪ ،‬ثم طلب من ايفانوف وس�‬ ‫إري�‬ ‫فتح الباب ليجد غرفة صغرية أخرى‪ ،‬تنتهي بباب أمامي‪ ،‬فتوجه إليه ثم‬ ‫�د املصعد على ميينه‪ ،‬وعلى‬ ‫�ده إىل األمام‪ ،‬فوج�‬ ‫فتحه حبذر‪ ،‬ومال جبس�‬ ‫‪233‬‬


‫�يب جيلس أمامها روبوتات يضغطون‬ ‫�اره‪ ،‬وجد غرفة مليئة باحلواس�‬ ‫يس�‬ ‫�تخبارات‬ ‫�ض االزرار‪ ،‬ويبدو بأنهم يقومون بعمل ما خيص االس�‬ ‫على بع�‬ ‫واملراقبة‪ ،‬ولكن إريس مل جيد الوقت ليحتك معهم‪ ،‬األهم اآلن هو أجياد‬ ‫�ار هلم بان يعودوا‪ ،‬ليس هناك شيء هنا‪ ،‬فعادوا‪.‬‬ ‫�لحة‪ ،‬فأش�‬ ‫خمزن األس�‬ ‫صعدوا للطابق التالي‪ ،‬فتبعهم املساجني الذين كانوا يبدون كالفئران‬ ‫يرة‪ .‬الختصار الوقت طلب إريس من‬ ‫ير يف اجملارير بأعداد كب�‬ ‫اليت تس�‬ ‫ايفانوف وسايري بأن يتفقد كل واحد منهم طابق خمتلف‪ ،‬ولكن حبذر‪،‬‬ ‫وبعد حبث طويل‪ ،‬من غرف وقود‪ ،‬إىل غرف تصنيع آالت للحرب‪ ،‬ومعدات‬ ‫ريا خمزن األسلحة‪ ،‬كان فوق السجن خبمسة طوابق‪ ،‬أشار‬ ‫متقدمة‪ ،‬وأخ ً‬ ‫�ايري الذي وجد الغرفة لرفيقيه بأنه وجد ضالتهم املنشودة‪ ،‬فتوجهوا‬ ‫س�‬ ‫�ن اجلميع بالتزام الصمت‬ ‫�لل ثالثتهم إىل الداخل‪ ،‬طالبني م�‬ ‫إليه‪ ،‬وتس�‬ ‫والبقاء يف أماكنهم‪ ،‬فنفذوا األوامر بدورهم‪.‬‬ ‫دلف ثالثتهم إىل الغرفة الكبرية ووجدوا العديد من الصناديق املليئة‬ ‫�اذف صواريخ غريب‬ ‫�لحة الغريبة املتنوعة‪ ،‬من قاذف هلب‪ ،‬إىل ق�‬ ‫باألس�‬ ‫الشكل‪ ،‬إىل أسلحة ذات مدي بعيد كالقناصة‪ ،‬واسلحة ذات مدي متوسط‪،‬‬ ‫�ار واحلروب‪ ،‬وكانت جنة‬ ‫�لحة ثقيلة‪ ،‬لقد كانت جنة حمليب الدم�‬ ‫وأس�‬ ‫أيضا هلم ألنهم يف أمس احلاجة هلذه األسلحة للهروب من هنا‪ .‬كانت‬ ‫الغرفة واسعة وكبرية ومليئة بصناديق األسلحة والذخرية‪ ،‬مل جيدوا بها‬ ‫أي حراس من حسن حظهم‪ ،‬فخرج إريس إىل الدرج‪ ،‬وهمس هلم بأنه وجد‬ ‫�تودع‪ ،‬وبدأوا بتجميع‬ ‫�تودع األسلحة‪ ،‬فاندفع اجلميع إىل داخل املس�‬ ‫مس�‬ ‫األسلحة اليت تناسبهم‪ ،‬على الرغم من أن معظمهم مل يستخدم سالح قط‪،‬‬ ‫ولكن العامل احلديث علمهم على األقل كيف تعمل‪ .‬نزعوا الصناديق عن‬ ‫كل منها من حجمها‪.‬‬ ‫األسلحة غريبة الشكل‪ ،‬واستطاعوا متييز وظيفة ٍ‬ ‫***‬ ‫‪234‬‬


‫‪20‬‬ ‫�لح اجلميع‪ ،‬وأصبح لديهم كل ما حيتاجونه‪ ،‬توجهوا إىل‬ ‫بعد أن تس�‬ ‫جمددا‪ ،‬فأوقفهم إريس قائ ًال للمساجني حيثهم‪:‬‬ ‫السالمل‬ ‫ً‬ ‫– –يا رفاق سنقوم خبدمة للبشرية ‪ ..‬وسندمر كل األحباث واألسلحة‬ ‫�ة ‪ ..‬كل طابق أريدكم أن‬ ‫�ذه الروبوتات اللعين�‬ ‫تي صنعتها ه�‬ ‫ال�‬ ‫�يء وال تبقوا شيئا يعمل ‪ ..‬من الطابق الثاني حتى‬ ‫تدمروا كل ش�‬ ‫األخري‪ ،‬واآلن انطلقوا‪.‬‬ ‫انطلق اجلميع يف كل االجتاهات يهتفون ويهللون بصوت عالي لينشروا‬ ‫احلماس فيما بينهم‪ .‬بعضهم صعد ألعلى والبعض اآلخر نزل إىل أسفل‪.‬‬ ‫حطموا األبواب‪ ،‬وشرعوا يف تدمري كل شيء يرونه أمامهم‪ ،‬البعض حيرق‬ ‫الغرفة اليت أمامه بقاذف اللهب‪ ،‬والبعض اآلخر بقاذف صواريخ‪ ،‬والبعض‬ ‫�يء أمام مساجني‬ ‫�لحة البيولوجية‪ ،‬وقذائف البالزما‪ .‬مل يقف ش�‬ ‫باألس�‬ ‫�ام حتاول‬ ‫�لحة مدمرة‪ .‬والروبوتات يف كل األقس�‬ ‫غاضبني حيملون اس�‬ ‫النفاد جبلدها ولكن ال مهرب اآلن‪ ،‬مل يصمد أحد أمام انتقام البشرية من‬ ‫�يء‪ ،‬وبدأت كل األقسام حترتق عن بكرة‬ ‫الغزاة‪ .‬بدأ الدمار يلف كل ش�‬ ‫ابيها‪ .‬اخرتقوا كل الغرف؛ حارقني ومدمرين كل شيء تدمريا كام ًال‬ ‫بدون ترك أي شيء‪ .‬فجأة بدأ جرس اإلنذار يدوي يف املنشأة‪ ،‬توقع إريس‬ ‫�تعدا له فقال لنفسه بأن املعركة احلقيقية ستبدأ اآلن‪.‬‬ ‫هذا وكان مس� ً‬ ‫‪235‬‬


‫�ع‪ ،‬وهو الطابق الذي رأى فيه‬ ‫وصل إريس إىل الطابق األعلى واألبش�‬ ‫�ر‪ ،‬فنظر إىل األسفل ليسمع صوت املساجني‬ ‫التجارب البشعة على البش�‬ ‫الغاضبون وهم يدمرون كل شيء‪ ،‬حتى شارفوا على االنتهاء فشرعوا يف‬ ‫الصعود إىل األعلى‪ .‬قال سايري وهو ينظر إليهم‪:‬‬ ‫– –ال بد بأن خطتك سارت أفضل مما توقعنا يا إريس ‪ ..‬إنهم غاضبون للغاية‪.‬‬ ‫ضحك إريس قائ ًال‪:‬‬ ‫– –ال تتعجل فهذه هي البداية فقط‪ ،‬وراء هذا الباب سيصبح الوضع أصعب‬ ‫بكثري‪ ،‬وستشتد املعركة‪ ،‬أن عربنا هذا الطابق بسالم‪ ،‬فستكون فرصتنا‬ ‫كبرية للهروب من هنا‪ ،‬ولكن أنا أعلم بأن العديد من الروبوتات تقف‬ ‫اآلن يف الرواق مشهرة أسلحتها ناحيتنا منتظرة منا بأن خنرج لتقوم‬ ‫مجيعا‪ ،‬الوضع ليس يف صاحلنا يف مثل هذا املكان الضيق‪.‬‬ ‫�ا‬ ‫بإبادتن�‬ ‫ً‬ ‫�د الغاضب بأن يصمتوا قلي ًال حتى يقرر‬ ‫التف إريس وأشار إىل احلش�‬ ‫�ض اآلخر يتهامس فيما‬ ‫�يفعله‪ ،‬فصمت البعض‪ ،‬بينما أخذ البع�‬ ‫ما س�‬ ‫�دأ بوضع خطة الخرتاق‬ ‫�ايري وب�‬ ‫بينهم‪ ،‬بينما مجع إريس إيفانوف وس�‬ ‫خط دفاع الروبوتات وراء الباب املعدني الذي يقع أمامهم‪ ،‬وبعد أن انتهوا‬ ‫�ايري بثقة وغرور‪:‬‬ ‫من التخطيط لبضع دقائق‪ ،‬قال س�‬ ‫�اجني أما أنا وإيفانوف فسنحطم كل شيء‬ ‫– –ضع هذه اخلطة للمس�‬ ‫يقف أمامنا‪ ،‬سنؤمن لكم الطريق‪.‬‬ ‫�اجني بأن يقفوا‬ ‫صمت إريس ألنه كان يعلم قوتهم‪ ،‬وطلب من املس�‬ ‫هنا بدون حراك‪ ،‬ويس��تعدوا للمعركة عندما يعطيهم اإلشارة‪ ،‬فلقموا‬ ‫�لحتهم وبدأوا بتجهيز كل شيء‪ ،‬جاعلني األطفال والشيوخ والنساء‬ ‫أس�‬ ‫�دق إريس إىل‬ ‫لاح يف املقدمة‪ .‬ح�‬ ‫�ف‪ ،‬بينما كل من حيمل س�‬ ‫يف اخلل�‬ ‫ايفانوف وسايري قائ ًال‪:‬‬ ‫‪236‬‬


‫�اك بكم او‬ ‫�تكون هذه خماطرة كبرية ‪ ..‬فحاولوا اال يتم اإلمس�‬ ‫– –س�‬ ‫�ل‪ ،‬فالكثري من األرواح تعتمد عليكم‪.‬‬ ‫القضاء عليكم كما حدث من قب�‬ ‫�رع يف القيام ببعض متارين األمحاء‪ ،‬بينما‬ ‫أومأ سايري باملوافقة وش�‬ ‫�د إيفانوف‪ ،‬مما أثار الرعب واهلمس بني‬ ‫�ود حول جس�‬ ‫التف املعدن األس�‬ ‫�جناء‪ ،‬ولكنه مل يهتم بذلك‪ ،‬ووقف عند الباب ونظر إىل سايري‪ ،‬ثم‬ ‫الس�‬ ‫أشار له برأسه بينما حطم الباب بقدمه‪ ،‬وأندفع إىل املمر وهو يزأر كثور‬ ‫�ايري‪ ،‬بينما وقف إريس مذهو ًال ال يعرف ماذا يقول‪.‬‬ ‫غاضب‪ ،‬ووراءه س�‬ ‫يف الردهة كان عشرة من الروبوتات مشهرين أسلحتهم ناحية الباب‪،‬‬ ‫مخسة جالسون على ركبتهم‪ ،‬ومخسة واقفون خلفهم‪ ،‬ومبجرد أن كسر‬ ‫الباب واندفع منه جسم اسود جمهول أطلقوا طلقات البالزما على اجلسد‬ ‫اجملهول‪ ،‬ولكن الطلقات كانت متر جبانبه بدون أن متسسه وهذا بفضل‬ ‫قوة سايري‪.‬‬ ‫�ايري يركض ورائه‪ ،‬رافع ًا‬ ‫�ع إيفانوف ناحيتهم‪ ،‬بينما كان س�‬ ‫أندف�‬ ‫يديه يف اهلواء ليبعد الطلقات املقرتبة من إيفانوف‪ ،‬وقد جعلها تنحرف‬ ‫�ايري بأنه من األفضل أن‬ ‫�دم باحلائط‪ ،‬فتبخر احلائط‪ ،‬فعلم س�‬ ‫وتصط�‬ ‫�ده بعد‪.‬‬ ‫يتجنبها إيفانوف فهم ال يعلمون تأثريها على جس�‬ ‫مندفعا ناحيتهم بال اكرتاث بينما كان سايري جياريه‬ ‫ظل إيفانوف‬ ‫ً‬ ‫وحيميه يف نفس الوقت‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫�رف أن كان درعه حيميه من طلقات‬ ‫�ا له من أمحق مندفع ال نع�‬ ‫– –ي�‬ ‫البالزما بعد أم ال؟!‬ ‫�ع للخلف أمام هذه‬ ‫�وف من الروبوتات اليت بدأت ترتاج�‬ ‫اقرتب إيفان�‬ ‫�رع منهم فلحق بهم ولكم‬ ‫�وة املدمرة اليت ال تتوقف‪ .‬ولكنه كان أس�‬ ‫الق�‬ ‫واحدا‬ ‫�ر خلفه‪ ،‬ثم ركل‬ ‫مصطدما بروبوت آخ�‬ ‫�د منهم بقوة‪ ،‬فطار‬ ‫واح�‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪237‬‬


‫بقدمه‪ ،‬فحطمه يف احلائط‪ ،‬والتف بقبضته مرة أخرى ليحطم واحد آخر‪،‬‬ ‫ملوحا به‪ ،‬لييقطع أجساد‬ ‫بينما خرج سايري من وراءه بالسيف الضوئي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الروبوتات إىل قطع‪ ،‬حماوال جتنب لكمات إيفانوف الغري مفرقة بني العدو‬ ‫�رى يرفع الروبوتات يف اهلواء‬ ‫والصديق يف نفس الوقت‪ ،‬وكان بيده اليس�‬ ‫�يفه يف جسده‪،‬‬ ‫ثم حيطمهم يف اجلدران‪ ،‬ويدفع أحدهم ناحيته ليضع س�‬ ‫ويضغط بقبضته والطاقة تندفع منها ليحطم رؤوسهم فيخروا جثة هامدة‪.‬‬ ‫وقف إريس حمدق ًا إليهم بدهشة وقد أحس وكأنهم كيان واحد‪ ،‬رغم‬ ‫أن هذا ال ميكن رؤيته من الوهلة األوىل‪ .‬أمسك إيفانوف بأحد الروبوتات‬ ‫�يف ًا قد قطعه‬ ‫وقذفه عال ًيا‪ ،‬فأرتفع الروبوت وأخنفض مرة أخرى ليجد س�‬ ‫�ان يف تقطيع وحتطيم الروبوتات‪،‬‬ ‫لنصفني‪ ،‬وبينما أخذ الرفيقان يتفنن�‬ ‫�ار إريس للسجناء‪ ،‬بأن يتقدموا‪ ،‬فاندفعوا من الباب املعدني إىل املمر‬ ‫أش�‬ ‫�رب من الفئران اليت اجتاحت أحد البيوت وتنوي تدمري كل شيء‪.‬‬ ‫كس�‬ ‫�رية اليت متأل املمر‪،‬‬ ‫�ب منهم إريس بأن حيطموا غرف التجارب البش�‬ ‫طل�‬ ‫�وا إليها وبدأوا بقتل الروبوتات اليت ترتدي زي خمترب وكان الذعر‬ ‫فدلف�‬ ‫�م خمتلفة وكأنهم أحياء‬ ‫�كاهلم ومالحمه�‬ ‫باد على وجوهها وكانت اش�‬ ‫ٍ‬ ‫كما قال هلم إريس‪ .‬بعد أن قضوا عليهم كلهم بال رمحة قاموا بتدمري‬ ‫عينات االختبار‪ ،‬واألجهزة‪.‬‬ ‫�عر بعضهم بالرعب والتقزز عندما رأى هذه التجارب البشعة اليت‬ ‫ش�‬ ‫�ر يف أحد زوايا غرف‬ ‫�هم‪ ،‬بينما تقيأ البعض اآلخ�‬ ‫�ام على بنى جنس�‬ ‫تق�‬ ‫ريا اجتاه اآلالت‪،‬‬ ‫التجارب‪ .‬زادت هذه املناظر بداخلهم‬ ‫ً‬ ‫حقدا وغض ًبا كب ً‬ ‫�يء عن بكرة أبيه‪ ،‬واندفعوا بغضب ناحية املمرات‬ ‫فأحرقوا ودمروا كل ش�‬ ‫�أة‪ ،‬وأطلقوا‬ ‫املليئة بالروبوتات املقاتلة وهم يصرخون ويهزون أرجاء املنش�‬ ‫كل من‬ ‫�لحتهم بال توق�‬ ‫النار على الروبوتات من أس�‬ ‫�ف‪ ،‬بينما تقدمهم ٍ‬ ‫ايفانوف وسايري لتأمني احلماية هلم‪ ،‬فكادوا أن يصابوا بسبب الطلقات‬ ‫‪238‬‬


‫�جناء بال توقف ناحية الروبوتات‪ ،‬ولكن قوة‬ ‫العشوائية اليت يطلقها الس�‬ ‫�ن اخللف وتعكس اجتاهها‪،‬‬ ‫�ايري كانت توقف الطلقات اليت تأتي م�‬ ‫س�‬ ‫�ن األمام فقط‪ ،‬أصبح حيميه من األمام‬ ‫فبد ًال من أن حيمي ايفانوف م�‬ ‫حمطما كل شيء يقف يف طريقه‪.‬‬ ‫ومن اخللف‪ ،‬بينما كان اآلخر يندفع‬ ‫ً‬ ‫�رية تركض وراءه وتتبعه‪ ،‬مدمرة كل الغرف‬ ‫�ود البش�‬ ‫بدأت احلش�‬ ‫�ود‬ ‫برات يف طريقها‪ ،‬فرتادعت اآلالت إىل اخللف أمام هذه احلش�‬ ‫واملخت�‬ ‫�حقون بال هوادة‬ ‫الغاضبة وبدأوا مبحاولة طلب الدعم‪ ،‬ولكنهم كان يس�‬ ‫قبل أن يطلبوه‪ .‬كان إريس يركض يف مقدمة احلشد ويقودهم فأخذوا‬ ‫يتبعونه حبماس‪ ،‬وهم يهللون العنني الروبوتات بكل اللغات املمكنة‪ ،‬بينما‬ ‫كان األدرينالني هو احملرك الرئيسي هلم الليلة‪ ،‬فهم مل يشعروا حبماس‬ ‫للقتل والتدمري يف حياتهم مثل الليلة وباألخص ألنهم يقتلون أشياء معدنية‬ ‫ال حياة فيها أو هذا ما يظنونه‪ ،‬فكان هذا يسهل عليهم القتل بال رمحة‪.‬‬ ‫وهكذا أنعطف ايفانوف وسايري والسجناء خلفهم ميين ًا ويسا ًرا يف ممرات‬ ‫املنشأة مدمرين كل ما يقع على ناظرهم حتى وصلوا إىل البوابة الرئيسية‪،‬‬ ‫فحطمها إيفانوف بيده بعد بضعة لكمات‪ ،‬ورأى جسر طويل أمامهم حييطه‬ ‫املاء من كل جهة بينما تعوم أنواع غريبة من األمساك مل يرها ايفانوف‬ ‫يف حياته‪ ،‬وكان ليقف ويشاهدها طوال اليوم‪ ،‬لو كان يف رحلة سياحية‪.‬‬ ‫يف نهاية اجلسر كان املصعد الكبري الذي هبط منه إريس إىل املنشأة‬ ‫�جناء بأن يتبعوه‪ ،‬فركضوا‬ ‫�ار بيده للس�‬ ‫�رة أشخاص‪ ،‬فأش�‬ ‫يتسع لعش�‬ ‫�د‪ ،‬فتوقفوا وهم يلهثون‬ ‫�ر حتى وصلوا إىل املصع�‬ ‫مجيعا عابرين اجلس�‬ ‫ً‬ ‫بقوة‪ ،‬ويتصببون عرق ًا من فرط اجملهود الذي بذلوه بينما كانت املنشأة‬ ‫�رج إريس من بينهم قائ ًال‪:‬‬ ‫حترتق وراءهم‪ ،‬فخ�‬ ‫– –أن هذا املصعد يؤدي إىل غرفة كبرية ويبدو بأنها حتتوي على مصدر‬ ‫الطاقة الرئيسي هلذه اآلالت‪ ،‬أن دمرناه فإن هذا سيوقفهم عن العمل‬ ‫‪239‬‬


‫�يتيح لنا الفرصة للهرب‪ .‬واآلن سنركب املصعد على دفعات‬ ‫مما س�‬ ‫�ود من‬ ‫�ع بالطبع لكل هذا العدد الكبري‪ ،‬وقد جند حش�‬ ‫ألنه لن يتس�‬ ‫�أركب أنا وايفانوف‬ ‫�ا عندما نصل إىل القمة‪ ،‬لذا س�‬ ‫اآلالت تنتظرن�‬ ‫وسايري أو ًال‪ ،‬ومن يريد بأن خياطر حبياته فلريكب معنا‪ ،‬ومن يريد‬ ‫�م يتبعنا فهذا عائد له‪ ،‬وأريد من‬ ‫�ر حتى نصل إىل أعلى‪ ،‬ث�‬ ‫أن ينتظ�‬ ‫�ر حتى تغرق‬ ‫�ر دفعة تصعد إىل اعلى أن تقوم بتدمري هذا اجلس�‬ ‫أخ�‬ ‫متاما‪.‬‬ ‫هذه املنشأة اللعينة‬ ‫ً‬ ‫�م‬ ‫�باب أيديهم طالبني االنضمام إليهم‪ ،‬فأبتس�‬ ‫رفع رجالن وثالثة ش�‬ ‫�س على زر الصعود‪،‬‬ ‫�م‪ ،‬فركبوا املصعد‪ ،‬ثم ضغط إري�‬ ‫إريس مرح ًبا به�‬ ‫فصعد بسرعة إىل أعلى بينما حيدق السجناء يف األسفل إىل املصعد وهو‬ ‫خيتفي داعني هلم بالنجاة‪.‬‬ ‫�هم داخل املبين ذو‬ ‫وصل املصعد إىل األعلى‪ ،‬وأنفتح بابه ليجدوا أنفس�‬ ‫�ة املعمارية الرائعة‪ ،‬شعروا كأنهم بداخل كرة كبرية‪ ،‬وكانت‬ ‫اهلندس�‬ ‫�ومات والنقوش يف‬ ‫اللوحات القريبة من احلائط تطري بال توقف‪ ،‬والرس�‬ ‫�رب نور الشمس من بني الكوة الصغرية يف السقف‪،‬‬ ‫كل مكان‪ ،‬بينما يتس�‬ ‫�ود الروبوتات الواقفة يف نهاية الغرفة‬ ‫ولكن األهم من كل ذلك هو حش�‬ ‫�هرين أسلحتهم ناحيتهم‪ ،‬فطلب إريس من أحد الشباب‬ ‫عند املخرج مش�‬ ‫بأن ينزل باملصعد وخيربهم مبا حيدث فوق‪ ،‬وحيمسهم بالصعود والقتال‬ ‫معهم من أجل النجاة‪ ،‬فوافق الشاب حبماس‪ ،‬فخرج اجلميع من املصعد‪،‬‬ ‫جمددا‪ .‬نظروا إىل بعضهم‬ ‫بينما أغلق املصعد على الشاب وهبط ألسفل‬ ‫ً‬ ‫البعض‪ ،‬فأبتسم إيفانوف قائال بسخرية‪:‬‬ ‫– –املزيد من الروبوتات ألحطمها‪ ،‬هذا رائع‪.‬‬ ‫شعر سايري بأنه يريد أن يلكمه حتى يستوعب ما هم فيه‪ ،‬ولكنه علم‬ ‫بأن يده ستؤمله أن حاول لكمه‪ ،‬فأمسك غيظه وقال جبفاء وبرود‪:‬‬ ‫‪240‬‬


‫– –يبدو بأنك استطعت أن تسيطر على وعيك‪ ،‬أثناء حتولك هلذه اهليئة‪.‬‬ ‫رد إيفانوف بابتسامة سوداء خميفة على وجهه املعدني‪:‬‬ ‫– –مل أغطي أسفل قدمي باملعدن حتى ال أفقد سيطرتي على وعيي‪.‬‬ ‫همس إريس إليهم قائ ًال‪:‬‬ ‫�س وقت النقاش ‪ ..‬أنهم ينتظرون ردة فعلنا ‪ ..‬إذا هامجنا‬ ‫– –هذا لي�‬ ‫�وفون وليس هناك مكان لنحتمي‬ ‫أوال سيهامجون‪ ،‬واآلن حنن مكش�‬ ‫فيه ‪ ..‬فالقاعة كبرية ومكشوفة‪ ،‬وإن نظرمت هناك فهذه البلورة هي‬ ‫ما ميدهم بالطاقة أن دمرناها فسيتوقفون عن العمل‪ ،‬مما سيمكننا‬ ‫من اخلروج من هنا‪.‬‬ ‫نظر سايري إىل املولد‪ ،‬والبلورة الزرقاء الكبرية فوقه اليت متده بالطاقة‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫– –ما كنية هذه املاسة الكبرية الغريبة اليت متد املولد أسفلها بالطاقة؟‬ ‫فرد إريس وهو حيدق إىل األعداد الكبرية للروبوتات بتوتر‪:‬‬ ‫– –الأعرفماهيولكنكماتريفيبدوبأنهامامتدهمبالطاقةأندمرنااملولد‬ ‫أسفلها فلن جتد ما تعطيه طاقتها‪ ،‬واآلن هل تستطيعون قتاهلم هنا؟!‬ ‫معا مصد ًرا صوت ًا معدن ًيا‪:‬‬ ‫قال ايفانوف بثقة وهو يصك قبضتيه ً‬ ‫– –ال يهم كم عددهم سأدمرهم مجيعها‪ ،‬احتموا ورائي وابدأوا بإطالق‬ ‫النار بال توقف‪ ،‬سنهامجهم من بعيد حتى يأتي الباقون ويساندوننا‪.‬‬ ‫واآلن سايري فلتحميين وحتمي اجلميع كما فعلت من قبل‪.‬‬ ‫�م الكبرية اليت‬ ‫�ع التحديق يف اعداده�‬ ‫�ايري عليه بل تاب�‬ ‫مل جيب س�‬ ‫�خص‬ ‫�ون‪ ،‬ومن بني االعداد الكبرية للروبوتات‪ ،‬خرج ش�‬ ‫تتخطي اخلمس�‬ ‫‪241‬‬


‫يبدو خمتلف املظهر عنهم‪ .‬حدق اجلميع بتعجب فيه‪ ،‬لقد كان خمتلفا‬ ‫�خص الغريب‬ ‫متاما عن باقي الروبوتات فتوقعوا بأنه القائد‪ ،‬اقرتب الش�‬ ‫ً‬ ‫مسافة بسيطة منهم‪ ،‬ثم توقف‪ ،‬فبدأت مالحمه تتضح‪ ،‬أنه ليس روبوت بل‬ ‫�يء آخر خمتلف‪ ،‬أنه ال يشبه أي شيء قد رأوه من قبل‪.‬‬ ‫ش�‬ ‫�تقبل‬ ‫�يء من املس�‬ ‫�دي بزة فضاء بيضاء اللون تبدو كش�‬ ‫كان يرت�‬ ‫البعيد‪ ،‬كانت تغطي جسده كله‪ ،‬وعلى وجهه قناع زجاجي أسود اللون‪،‬‬ ‫ولكن عندما متعن النظر فيه فكأنك ترى انعكاس الكون الشاسع‪ ،‬جنوم‬ ‫مضيئة حتوم يف فضاء أسود معتم‪ ،‬على صدره نقش رمز غريب هلرم وفى‬ ‫وسط اهلرم يوجد نقش لعني مفتوحة حتدق مبن أمامها‪ ،‬وقف قليال وهو‬ ‫ينظر إىل األشخاص الواقفني أمامه‪ .‬همس إريس قائ ًال وقد انتابه القلق‪:‬‬ ‫متاما‪.‬‬ ‫– –من هذا حبق اهلل؟ أنه خمتلف ً‬ ‫فجأة بدأ الشخص الغامض يتحدث قائ ًال بصوت أجش عميق‪:‬‬ ‫�ر‪ ،‬مل أتوقع بأنكم بهذه اجلرأة اليت تسمح لكم باخرتاق‬ ‫– –مرحبا بالبش�‬ ‫عاملي‪ ،‬وتدمري أمثن ممتلكاتي‪.‬‬ ‫فرغ اجلميع فاهه من الدهشة‪ ،‬ونظروا إىل بعضهم البعض‪ ،‬ثم وجهوا‬ ‫نظرهم إليه‪ ،‬فأستطرد قائ ًال‪:‬‬ ‫�د من أن قادتكم قد اخرتعوا‬ ‫�ع أنتم ال تعرفون من أنا؟ وال ب�‬ ‫– –بالطب�‬ ‫�م الصغرية حتى‬ ‫�ب مع عقولك�‬ ‫�ة ما ملا حيدث حولكم‪ ،‬لتتناس�‬ ‫قص�‬ ‫�دون‪ ،‬فأنتم يف النهاية‬ ‫�تمروا يف خدعاكم وحتريككم كما يري�‬ ‫يس�‬ ‫�ية ال تسأل عن أي شيء‪.‬‬ ‫�بة هلم جمرد ماشية واملاش�‬ ‫بالنس�‬ ‫رد إيفانوف بنربة الذعة قائ ًال‪:‬‬ ‫�ا ‪ ..‬فأنت جمرد آلة متمردة‬ ‫�ن أنت أيها املتعجرف لتحكم علين�‬ ‫– –وم�‬ ‫‪242‬‬


‫لعينة حنن من صنعناها ‪ ..‬وسنعيدها إىل حيث جيب أن تكون حتى‬ ‫ولو استخدمنا القوة!‬ ‫عال مما أثار غضب إيفانوف أكثر‪ .‬قال بنربة‬ ‫ضحك الغريب بصوت ٍ‬ ‫خبيثة‪:‬‬ ‫– –أحقا هذا ما تظنه بأنكم أنتم من صنعتموني ‪ ..‬يا للسخرية ولكن‬ ‫أنا أعمق بكثري من أن يتم صنعي ‪ ..‬أنا ما تسمونه حياة عضوية ‪..‬‬ ‫مرح ًبا بكم على كوكب أطالنتس ‪ ..‬امسي هو جايا‪.‬‬ ‫ملعت الكلمة يف عقل سايري الذي تذكر ما قاله أعضاء اإلينيكس عن‬ ‫إسقاط جايا‪ ،‬فتغريت مالحمه وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫– –لقد مسعت هذا االسم من قبل ‪ ..‬هل هذا هو جايا؟ هل هو عدو أم‬ ‫صديق؟ الذي أعرفه أن اإلينيكس أعداء‪ ،‬ولكنه جمهول بالنسبة إلي‪.‬‬ ‫هل هو روبوت أم إنسان؟‬ ‫بدأ اجلميع ينظر بتوتر إىل بعضهم البعض‪ ،‬بينما ُفتح املصعد خلفهم‬ ‫وخرج عشرة أشخاص أخرىن مشهرين أسلحتهم‪ ،‬وال يفهمون ما حيدث‪،‬‬ ‫�د‪ ،‬فنفذوا األوامر ووقفوا‬ ‫�ار هلم إريس بيده بأن ال يطلقوا النار بع�‬ ‫فأش�‬ ‫يراقبون ما حيدث عن كثب‪.‬‬ ‫عال دوي يف املبين الكبري‪:‬‬ ‫قال إريس بصوت ٍ‬ ‫– –ماذا تقصد بهذا؟ أطالنتس جمرد أسطورة تناقلتها األجيال!‬ ‫أردف الروبوت الغريب يقول‪:‬‬ ‫�ى كوكب األرض؟ هل تظن بأن أطالنتس‬ ‫– –هل حق ًا تظن أنك عل�‬ ‫غرقت؟ هل ظنتها تدمرت بفعل الطبيعة؟ هل ظننتها اختفت بدون‬ ‫جمددا؛ ألنك‬ ‫�طورة تناقلتها األجيال؟ فكر‬ ‫أثر؟ هل تظن بأنها أس�‬ ‫ً‬ ‫‪243‬‬


‫اآلن يف أطالنتس‪ .‬يا لك من كائن مسكني ‪ ..‬جيب أن تعلم بأنك‬ ‫خمدوع أنت وكل من معك ‪ ..‬خدعة دنيئة متقنة مل يكن ليعلمها‬ ‫أيضا ‪ ..‬ولكن كل ما أستطيع قوله بأنكم على كوكيب‪..‬‬ ‫أحدكم ً‬ ‫كوكب أطالنتس ولستم على األرض‪.‬‬ ‫نظر له سايري بغيظ شديد وقال بتهكم‪:‬‬ ‫�تطيع قتلنا‪،‬‬ ‫– –تريد أن تعبث بعقولنا اآلن أيها اآللة اللعينة كي تس�‬ ‫�أقتلع رأسك‪ ،‬فحياتك ال‬ ‫�تفعلها س�‬ ‫ولكن أنا أحذرك أي خدعة س�‬ ‫تهمين على اإلطالق‪.‬‬ ‫ضحك الروبوت الغريب ضحكة صغرية‪ ،‬مثاستطرد قائ ًال‪:‬‬ ‫– –سأعرض عليكم ً‬ ‫ريا ‪ ..‬هل تريدون معرفة احلقيقة؟‬ ‫عرضا أخ ً‬ ‫قال إيفانوف بلهجة قوية‪:‬‬ ‫– –وهل سنسمع احلقيقة من فم روبوت حقري؟‬ ‫جتاهل جايا فظاظة إيفانوف واستطرد يقول‪:‬‬ ‫– –قلت لك أنا أعمق من أن أكون روبوت ‪ ..‬كل هذه اآلالت اليت تراها‬ ‫�ا به ‪ ..‬أنا من أعطيتهم‬ ‫�ك تتحرك بأوامري وتفعل ما آمره�‬ ‫حول�‬ ‫احلياة ‪ ..‬أنا سيد أطالنتس وأنتم تعديتم على ممتلكاتي بدون أدنى‬ ‫�أة األحباث اليت كانت حتتوي على آالف األحباث‬ ‫حق‪ ،‬ودمرمت منش�‬ ‫املهمة ‪ ..‬ماذا تتوقعون مين أن أفعل بكم؟‬ ‫قال إريس بغيظ شديد‪:‬‬ ‫�ر ثم تقول إننا تعدينا على‬ ‫�عة على البش�‬ ‫– –أتقوم بهذه التجارب البش�‬ ‫�أة احلقرية!‬ ‫�تحقه هذه املنش�‬ ‫ممتلكاتك‪ ،‬أمتزح معي؟ هذا أقل ما تس�‬ ‫‪244‬‬


‫قال جايا بلهجة حازمة‪:‬‬ ‫– –بالطبع هذا ما سأفعله ‪ ..‬إن وجدت خملوقات غريبة دخلت يف عقر‬ ‫دارك ‪ ..‬خملوقات جمهولة مل ترها من قبل ‪ ..‬هل سترتكها هكذا بدون‬ ‫أن تفحصها وتفهم خصائصها وتعلم ملاذا ؟ وماذا تريد؟ ومن بعثها؟‬ ‫�ط الذهول الذي حل على اجلميع‪ ،‬بينما كان‬ ‫صمت جايا قلي ًال وس�‬ ‫�ر اخلارجني من املصعد يتزايد‪ ،‬فجأة تفكك القناع عن وجه‬ ‫عدد البش�‬ ‫�وداء‬ ‫�تقر يف مكان خمصص له يف البذلة الس�‬ ‫جايا وعاد إىل اخللف ليس�‬ ‫�ال عندما رأوا وجهه‬ ‫�هق اجلميع‬ ‫جاءت إىل دارك الغريبة‪ ،‬فش�‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت ع� ٍ‬ ‫وتراجعوا إىل اخللف عدة خطوات موجهني أسلحتهم ناحيته كردة فعل‬ ‫�عت عيناه من الدهشة‪:‬‬ ‫تلقائية‪ .‬فقال إريس وقد اتس�‬ ‫– –ما هذا الشيء اللعني حبق اهلل؟‬ ‫قال جايا وقد ارتسمت ابتسامة على وجهه‪:‬‬ ‫– –واآلن هل تريدون معرفة احلقيقة؟‬ ‫�و يتثاءب‪،‬‬ ‫�حاب وه�‬ ‫�ن الربج األبيض الذي يناطح الس�‬ ‫خرج نور م�‬ ‫�عره ببعض الراحة‪ ،‬فنظر‬ ‫فانطلقت دفعة من اهلواء لتداعب وجهه و ُتش�‬ ‫أمامه وابتسم ثم قال‪:‬‬ ‫ريا ‪ ..‬لقد حان وقت احلقيقة‪.‬‬ ‫– –احلرية أخ ً‬ ‫�ق طريقه وسط سكون الغابة الغريبة اليت وجد نفسه‬ ‫انطلق نور يش�‬ ‫فيها‪ ،‬بينما كان كينو يسري وسط اخلراب الذي حل على مدينة أطالنتس‬ ‫اجلديدة وقد عزم على إكمال املهمة اليت مت تكليفه بها واليت قد تسبب‬ ‫�رية منذ سنني؟‬ ‫خطأ اقرتفه أثناء تنفيذها بكارثة كبرية مل ترها البش�‬ ‫***‬ ‫‪245‬‬


246


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.