مركزعمران للدراسات االستراتيجية ً ً ً دولة ومجتمعا وإنسانا ،ترقى لتكون مؤسسة بحثية مستقلة ذات دور رائد في البناء العلمي واملعرفي لسورية واملنطقة ً مرجعا لترشيد السياسات ولرسم االستراتيجيات. ً ً ً ورافدا ّ لصناع القرار في تأسس املركز في تشرين الثاني/نوفمبر 2013كمؤسسة بحثية تسعى ألن تكون مرجعا أساسا ّ سورية واملنطقة في املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعيةُ .ينتج املركز الدراسات املنهجية املنظمة التي تساند املسيرة العملية ملؤسسات الدولة واملجتمع ،وتدعم آليات اتخاذ القرار ،وتحقق التكامل املعلوماتي وترسم خارطة األولويات. ّ تعتمد أبحاث املركز على الفهم الدقيق والعميق للواقع ،ينتج عنه تحديد االحتياجات والتطلعات م ّما يمكن من وضع الخطط التي ّ يحقق تنفيذها تلك االحتياجات.
املوقع اإللكتروني www.OmranDirasat.org البريد اإللكتروني info@OmranDirasat.org تاريخ اإلصدار 11أيار /مايو 2016 جميع الحقوق محفوظة © مركز عمران للدراسات االستراتيجية
سورية ما بعد الهدنةٌ : واقع قيد التشكيل
ّ أعلنت ٌ التوصل التفاق هدنة كل من روسيا والواليات املتحدة األمريكية في بيان مشترك بتاريخ 27فبراير/شباط 2016عن ً في سوريا يستثني كال من تنظيمي "الدولة اإلسالمية" و "جبهة النصرة" .وقد ُب َني االتفاق على أرضية مشتركة بين موسكو ً وواشنطن بدعم دولي ،لتثبيت وقف إطالق النار واألعمال العدائية ،واستئناف العملية السياسية في جنيف وفقا لخارطة ً الطريق في القرار .2254وشهدت تلك الهدنة منذ بدايتها ما يزيد عن 2000خرقا من قبل نظام األسد ،كان آخرها حملة ّ شرسة قادها النظام بدعم من ُحلفائه على مدينة حلب بالتوازي مع تعثر املسار السياس ي في جنيف. ورغم ما عكسته الهدنة من هشاشة نتيجة طبيعة التعاطي الدولي مع امللف السوري ،إال أنها فرضت متغيرات جديدة على واقع الصراع .فالهدنة التي فشلت إلى ّ حد ما في تثبيت وقف إطالق النار ،نجحت بشكل كبير في فرض مجموعة من املعطيات الجديدة على األرض ،استتبعت بدورها استراتيجيات جديدة من الفاعليين املحليين ،كما استحدثت مسارات مختلفة في التعاطي الدولي واإلقليمي مع امللف السوري ،لتبدأ بصياغة وتشكيل واقع مختلف ّ عما قبل الهدنة؛ الواقع الذي إلى اآلن ما زال قيد التشكيل ،إال أن مالمحه تكاد تبرز عبرمجموعة املتغيرات التي فرضتها الهدنة على األرض.
أوالً :مالمح واقع ما بعد اهلدنة ساهم اتفاق الهدنة وما رافقه من تطورات محلية إقليمية ودولية ،بالدفع باتجاه صياغة واقع جديد ملسار الصراع السوري .ويستند هذا الواقع إلى مجموعة متغيرات فرضتها الهدنة على الرغم من أنه لم يتم تثبيتها بشكل نهائي إال أن مالمحها تكاد ترتسم بوضوح ،ولعل أبرزها: .1استراتيجية تطويق األزمة ً ُ عكست الهدنة إرادة دولية في تثبيت خطوط التماس بين املعارضة والنظام عبر حدود الهدنة التي تعد تقسيما غير معلن ً ملناطق النفوذ ،وتثبيتا لها إلى أمد يبدو بعيد ،إضافة إلى نقل امللف السوري إلى الساحة السياسية عبر املفاوضات في جنيف ،مقابل توجيه الفاعلية العسكرية باتجاه محاربة اإلرهاب. .2تعزيزسياسة املحاور مع بداية توقيع الهدنة بدأت تلوح في األفق بوادر لتبلور توافق روس ي أمريكي -وإن كان غير متطابق في كل امللفات-ووجهة نظر موحدة حول طبيعة الحل السياس ي ُتهمش باقي الفاعلين الدوليين في امللف السوري ،وهو األمر الذي أدى إلى تعزيز سياسة املحاور على املستوى الدولي إزاء فرض واشنطن وموسكو رؤيتهما على باقي الفاعلين ،حيث بات الفاعل الخليجي ً ً إضافة إلى تركيا يمثلون محورا يتقاطع بدرجة كبيرة مع املحور األوروبي ،مقابل األسد وطهران اللذان يمثالن محورا آخر. في حين بدت روسيا وأمريكا اللتان أخذتا تبتعدان عن شركائهما ووكالئهما اإلقليمين واملحليين ،لتقتربا من تقديم نفسيهما كطرف "ر ٍاع للحل السياس ي وليس ضالع في الصراع" ،أقرب ملحور ناش ئ في وجه باقي املحاور ،من حيث التعاطي مع امللف السوري. _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة1 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
سورية ما بعد الهدنةٌ : واقع قيد التشكيل
.3أولوية مكافحة اإلرهاب كرست الهدنة على األرض اختزال القضية السياسية السورية بملف مكافحة اإلرهاب ،والسعي لتقديمه على حساب اإلشكالية الحقيقية املتمثلة بحضور األسد ،األمر الذي انعكس في محاوالت إخضاع املقاربات السياسية وتفاصيل العملية التفاوضية في جنيف ملدخل مكافحة اإلرهاب وأولوياته ،مما ساهم بشكل كبير في خلق حالة تعطيلية في مسار املفاوضات السياسية. .4استراتيجية جديدة للتنظيم بحكم استثنائه من الهدنة ونقل الصراع إلى مجال مكافحة اإلرهاب ،تحول تنظيم الدولة "اإلسالمية" إلى هدف معلن لجميع الفاعليين على األرض ،ما فرض على التنظيم تغيير االستراتيجية العسكرية لتحركاته ،والتي بدت خالل الهدنة أنها قائمة على تجنب الفاعلية العسكرية األقوى ،واملتمثلة بقوات نظام األسد واملليشيات الشيعية وما يؤمن لهما من غطاء جوي روس ي ،إضافة لقوى "سوريا الديمقراطية" وما يؤمن لها من غطاء جوي أمريكي ،والتوجه إلى الجهة األضعف ً عسكريا ،والتي مثلتها مجاميع املعارضة املسلحة ،وهذا ما ُيفسر انسحاب التنظيم من تدمر وهجماته في ريف حلب الشمالي. .5النصرة كإشكالية متنقلة أدى استثناء جبهة النصرة من الهدنة دون وضع قواعد وآليات محكمة الستهدافها إلى خلق إشكالية متنقلة في جسد املعارضة العسكرية ،نتيجة لتداخل نفوذ النصرة مع أغلب جبهات املعارضة .وقد أدت هذه السيولة إلى تأمين غطاء الشرعية الدولية الستهدافها من قبل قوات نظام األسد وموسكو ،وإحداث ارتباك حقيقي بين صفوف املعارضة نتيجة عدم وجود أي آليات للتعاطي مع هذا الواقع الجديد .ومن هنا يمكن استنتاج إصرار الروس وبعض األطراف الدولية في ً فيينا على استثناء جبهة النصرة من الهدنة ،على الرغم من إدراك واقع األرض املعقد واملتشابك وتحديدا في الشمال السوري ،ولكن يبدو أنه كان البد من تثبيت هدنة تحتمل الخرق على شماعة النصرة. .6اختبارالخطط البديلة PLAN B أكدت الخروقات املتكررة للهدنة من قبل نظام األسد -وخاصة الحملة األخيرة على حلب التي هددتها بشكل مباشر ،إضافة لتعثر املفاوضات السياسية وعدم التعاطي بجدية معها -على عدم وجود أي خطة بديلة PLAN Bلدى الفاعلين الدوليين ً ً ً الداعمين للثورة ،حيث أظهرت ارتباكا حقيقيا ،وتحديدا أمام األجندة اإليرانية ،واضحة املعالم كبديل للهدنة والقائمة ً ً على الحسم العسكري واستعادة املناطق االستراتيجية من املعارضة وتحديدا حلب ،مما جعل من الهدنة غطاء حقيقيا استثمره اإليرانيون ونظام األسد الستكمال استراتيجيتهم بأدوات مختلفة ،بل َس َعوا لتطويع الحضور الروس ي ضمن هذ االستراتيجية ما زاد مؤشرات التنافس بين موسكو وطهران.
_______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة2 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
سورية ما بعد الهدنةٌ : واقع قيد التشكيل
.7موسكو وطهران ومؤشرات التنافس ّ كشفت الهدنة وما شهدته من تطورات عسكرية على األرض ،عن تصاعد مؤشرات التنافس بين موسكو وطهران في امللف ً ً السوري ،وتحديدا في حلب ،والذي لم يصل لدرجة التضارب ولكن بات يبدو بشكل واضح تنافسا حول التصور املختلف لطبيعة الحل السياس ي لكل من الطرفين .ويبدو من هذا التنافس أن األسد إلى اآلن يستفيد من هوامشه مع االقتراب بشكل أكبر من األجندة اإليرانية ومحاولة تجاوز االلتزام الروس ي بالهدنة في حلب .ولعل خسارة األسد واإليرانيين التي بدأت ّ في "تل العيس" وانتهت في "خان طومان" بريف حلب الجنوبي ،وهي مناطق نفوذ املليشيات اإليرانية؛ مثلت رسالة واضحة من الروس لعدم تدخلهم في نجدة النظام ،بأن الدعم الروس ي أساس للصمود والتقدم ،وهي الرسالة التي سبقها تصريح وزير الخارجية الروس ي ،سيرغي الفروف ،بأن "األسد ليس حليفنا" ،في محاوالت سعي موسكو لتقديم نفسها كر ٍاع للحل ً ً السياس ي وليس طرفا تابعا لألجندة اإليرانية .انظر الخريطة رقم ()1
خريطة رقم ( )1توضح مواقع النفوذ والسيطرة – ريف حلب الجنوبي – 10أيار 2016
_______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة3 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
سورية ما بعد الهدنةٌ : واقع قيد التشكيل
.8ضعف استراتيجية املعارضة عادت الهدنة من جديد لتؤكد على مجموعة من نقاط الضعف في بنى املعارضة العسكرية على مستوى عدم وضوح االستراتيجية الدفاعية لصد الخروقات أو على مستوى الردود التكتيكية ،ما حال بينها وبين استثمار الهدنة لصالحها، وهذا ما انعكس في خالفات القوى العسكرية في الغوطة الشرقية (جيش اإلسالم/فيلق الرحمن) ،إضافة للتحركات غير ً املحسوبة في ريف حلب الشماليُ .ويقابل ذلك التعثر نهج أكثر وضوحا لنظام األسد ،والذي طوع عبره الهدنة والعملية السياسة كغطاء لتحركات وخروقات عسكرية ال تبدو عبثية بقدر ما تبدو مدروسة ،إذ توزعت خروقات النظام على عدة مستويات ،أبرزها: خروقات استنزافية تهدف إلى استنزاف فصائل املعارضة العسكرية فقط ،كمعارك الساحل األخيرة والقصف املتواصل على جبال األكراد والتركمان. خروقات للضغط السياس ي كاملجازر التي ارتكبتها قوات األسد في مدينتي كفرنبل ومعرة النعمان ،إثر إعالن الهيئة العليا للتفاوض عن تعليق مشاركتها في مفاوضات جنيف. خروقات استراتيجية تمثلت في الحملة األخيرة على حلب والسعي لحصارها وإبعادها خارج نطاق الهدنة. إن مجمل تلك الوقائع التي أفرزتها الهدنة وتقاطعها مع الظرف اإلقليمي والدولي ،تبدو بأنها تصب في مصلحة األسد وحلفائه ،والذين يسعون للتماهي معها واستثمارها عبرعدة أدوات سياسية وعسكرية ،أبرزها: .1الهدن املحلية التي يتبعها نظام األسد في محيط دمشق ،لضبط حزام العاصمة. .2االعتماد على الخروقات املنظمة خارج هذا الحزام الستنزاف قوى املعارضة. .3استثمار الفاعلية الروسية للتوسع في مناطق تنظيم الدولة وتقديم نفسه كشريك في مكافحة اإلرهاب. .4استخدام أدوات التعطيل السياس ي في جنيف ،سواء عبر سياسة اإلغراق بالتفاصيل التي يتبعها النظام ،أو بعض املنصات التي ساهم بتشكيلها لخرق جسد املعارضة (حميميم ،األستانة ،القاهرة). .5استغالل املزاج الدولي القائم على تراجع الفاعلية األمريكية في امللف السوري وتقارب وجهة نظر واشنطن وموسكو لتصور الحل السياس ي ،والقلق األوروبي إزاء مكافحة اإلرهاب وملف الالجئين ،وتراجع الفاعلية العربية نتيجة تعقد ملفات دول الربيع العربي والدعم من بعض األنظمة العربية ،إضافة إلى رض ى حذر من تل أبيب إزاء هذا الوقع املعقد في سورية واالكتفاء بمنطقة آمنة في الجنوب ،وانحسار وارتباك أدوات املحور الثالثي (تركيا، السعودية) أمام الحاجز األمريكي الروس ي. إن ما يلجأ إليه األسد وحلفائه واليزالون خالل فترة سريان الهدنة؛ يضع املعارضة السورية أمام تحديات جمة على كل الصعد ،ويفرض عليها ديناميات داخلية لتحرك فعال على املستوى التكتيكي واالستراتيجي ،فبقدرما تمثله املرحلة املقبلة من محاوالت تضييق ألفق املعارضة؛ إال أنها التزال تؤمن هامش تحرك حقيقي قد ّ يحولها من طرف متأثر إلى طرف مؤثرفي الواقع الذي اليزال قيد التشكل.
_______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة4 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
سورية ما بعد الهدنةٌ : واقع قيد التشكيل
اثنياً :هوامش حترك املعارضة السورية إن محاوالت تثبيت الهدنة وفرض خارطة طريق في القرار 2254ال يمثل بداية حل لألزمة السورية ،بقدر ما ُينذر بنقل ً الصراع إلى ُ صعد مختلفة تماما ،وتشكيل واقع جديد يتناسب ووجهة النظر األمريكية الروسية (قيد التشكل) ،األمر الذي ً ً يتطلب من املعارضة تغيير األدوات واستحداث أخرى تتناسب والظرف القائم ،والذي ُيمثل تهديدا حقيقيا للثورة السورية .إن هذا يفرض على املعارضة التحرك على عدة مستويات واستغالل ما يتاح لها من هوامش التجاذبات الدولية وخلق أخرى تصب في صالح الثورة ،ولعل أبرز التحركات التي يفرضها واقع الهدنة -وما سبقه وما قد يتلوه-على املعارضة السورية ،تتمثل فيما يلي:
.1على املستوى العسكري تشكيل غرف عمليات مشتركة على مستوى املحافظات ومحاولة استثمار الهدنة إلعادة هيكلية حقيقية وتدعيم نقاط الضعف في جسد املعارضة وتقوية نقاط االشتباك مع النظام.
ً رسم سيناريوهات جاهزة للخروقات املحتملة للهدنة من قبل نظام األسد ،وتحديد أساليب وآليات الرد وفقا لتحديد نقاط ضعف النظام والجبهات األقوى للمعارضة ،بحيث تخرج الردود على الخروقات من خانة ردات الفعل لتقترب من االستراتيجية ،ومن الحالة الدفاعية إلى الهجومية. اض جديدة على حساب تنظيم الدولة ،إلبعاد خطر شن حمالت مشتركة استثمار الهدنة للتوسع وكسب أر ٍ "تخادم" بين نظام األسد والتنظيم على مناطق املعارضة .ويمكن أن يتم ذلك عبر توجيه فاعلية عسكرية منظمة باتجاه مناطق سيطرة التنظيم ،والسعي الحتكارنقاط االشتباك معه وتعزيزها ،لتأمين مناطق نفوذ للمعارضة ً بالدرجة األولى ،وقطع الطريق على القوى الساعية الحتكار نقاط االشتباك مع التنظيم استعدادا ملرحلة مكافحة اإلرهاب. محاولة التوصل إلى اتفاق مع جبهة النصرة ،يضمن إبعاد تجمعات عناصرها ومقراتها الرئيسية عن مناطق املدنيين ،وذلك لسحب ذريعة قصف املدنيين بحجة مكافحة اإلرهاب. مقاومة محاوالت تجزئة الهدنة من قبل النظام وحلفائه وسياسة االستفراد باملناطق ،كاملحاوالت األخيرة للدفع ً بحلب خارج طوق الهدنة ،ما يفرض على املعارضة العسكرية التعاطي مع الهدنة بشكل شامل جغرافيا ،كإشغال عدة جبهات لفرض عودة جبهة واحدة إلى الهدنة .وهنا يبرز أهمية تشكيل غرف العمليات على مستوى املحافظات ورفع وتيرة التنسيق العسكري البيني .باملقابل فإن املعارضة السياسية تمتلك في مواجهة استراتيجية تجزئة الهدنة أدوات التعطيل السياس ي عبر تعليق املشاركة في املفاوضات أو االنسحاب منها.
_______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة5 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
سورية ما بعد الهدنةٌ : واقع قيد التشكيل
.2على املستوى السياسي ً السعي دوليا الستثمار عدم تطابق الرؤى اإليرانية -الروسية حول مستقبل سورية السياس ي ،واالستفادة من هوامش التنافس بين موسكو وطهران في هذا اإلطار ،ما يفرض على املعارضة التحرك باتجاه االنفتاح الجزئي على موسكو ،خاصة وأن وجهة النظر الروسية تكاد تتماهى مع األمريكية ،وتحول الروس إلى فاعل ال يمكن تجاوزه في امللف السوري. استثمار املوقف األوروبي (بريطانيا ،أملانيا ،فرنسا) باتجاه زيادة الضغط من خالل امللف اإلنساني ضمن التفاوض ،وترجمة خروقات النظام خالل الهدنة وما تخللها من جرائم الحرب إلى قرارات دولية صادرة عن مجلس األمن ومحكمة العدل الدولية ،بدعم تلك الدول. الدفع باتجاه ضغط سعودي على النظام املصري ،الستثمار ترأس جمهورية مصر العربية ملجلس األمن في ّ ً الشهر الحالي ،إلحالة خروقات النظام وامللف اإلنساني إلى مجلس األمن ،علما أن املندوب املصري قد عطل اقتراح بريطانيا وفرنسا إلحالة ملف حلب إلى مجلس األمن. الدفع باتجاه قيام اململكة العربية السعودية بضبط موقف عربي موحد ،يعترف بالهيئة العليا للتفاوض كممثل ُّ شرعي وحيد للشعب السوري في املفاوضات ،ومنع تشكل محور لدى بعض الدول العربية يقترب من املشروع الروس ي للحل عبر منصات بديلة. سعي االئتالف والهيئة العليا للتفاوض لقطع الطريق على أي محاولة من املنصات السياسية املستحدثة في جنيف (حميميم ،األستانة ،القاهرة ،مجلس املرأة االستشاري) ،إلحداث أي شرخ داخل جسد الهيئة ،وذلك عبر تدعيم بنية الهيئة ،وحشد الشارع السوري من خالل تظاهرات في الداخل ودول الشتات ،إلعالن أن الهيئة العليا هي املمثل الشرعي الوحيد عن الثورة السورية في مفاوضات جنيف.
.3على املستوى االسرتاتيجي طاملا أن املزاج الدولي يسير باتجاه إدارة األزمة وتطويقها عبر الهدنة ألمد متوسط على األقل؛ فهذا يفرض تعزيز إدارة املناطق املحررة بشكل فعال ،عبر زيادة تمكين القوى املحلية املدنية ،املتمثلة باملجالس املحلية والسعي لشرعنتها ً ُ دوليا .وتعتبرهذه الخطوة ُملحة واستراتيجية بالنسبة للمعارضة لعدة أسباب أبرزها: ً أ .تسيير وخدمة شؤون املدنيين في ظل أزمة قد تطول ،مما يعزز شرعية املجالس التي تستند أصال لسلطة ً ً الشعب انتخابا أو توافقا. ب .تأمين شرعية دولية للمناطق ّ املحررة ،عبر القوى املحلية املدنية على األرض. ت .إعادة تشغيل مؤسسات الدولة اإلدارية ،بعد أن دمرها قصف النظام ،كخطوة على طريق استعادة وظائف الدولة ،وسحب ذريعتها من نظام األسد. ث .تفريغ الفصائل العسكرية ملهامها األساسية في حماية الجبهات وليس اإلدارة املدنية. _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة6 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
سورية ما بعد الهدنةٌ : واقع قيد التشكيل
إال أن هذه الخطوة تفرض على املعارضة السورية توحيد أطر العمل السياس ي العسكري وتوجيهها لدعم القوى املدنية، ما يستوجب على الفصائل العسكرية التنازل عن بعض املهام املدنية التي سيطرت عليها ،وإعادة تسليمها إلى املجتمع املدني والتفرغ للجبهات .وقد يساعد في ذلك تشكيل غرف العمليات على مستوى املحافظات ،إذ أن نظام القطاعات ً "الجبهات" ما يزال يعوق تحرك قوى املجتمع املدني ،نتيجة تشابك السلطات والنفوذ وفقا لهذا النظام .باملقابل البد من سعي حقيقي من املعارضة السياسية (الهيئة العليا للمفاوضات ،االئتالف الوطني) لحشد دولي سياس ي لالعتراف بشرعية املجالس املحلية في الهيئات واملنظمات الدولية( ،جامعة الدول العربية ،مجلس التعاون الخليجي ،مجموعة أصدقاء الشعب السوري ،منظمة التعاون اإلسالمي) كإدارة مدنية شرعية لألراض ي املحررة. إن إحداث أي تغيير في سياق واقع ما بعد الهدنة ،والذي يبدو أنه يسير باتجاه الثبات النسبي ،ال يمكن أن يتم قبل تغييرداخلي وحقيقي في استراتيجية املعارضة السورية ،عبردينامية داخلية تفرض نفسها بشكل حقيقي على معادلة التدافع الدولي ،مستندة في ذلك إلى تدعيم القرار املركزي –العسكري السياس ي-على املستوى الوطني والذي تمت خسارته لصالح عدة أطراف. إن أساس هذه الدينامية هو اإليمان بالعمل املؤسساتي واليقين أنه الطريق األكثرنجاعة إلحداث فرق في مسارالثورة السورية ضمن هذه املرحلة الحرجة ،واالنطالق من حقيقة أن الثورة هي جزء من التغيير وليست هي التغيير ،وإنما هناك آليات ومراحل أخرى ال تكتمل مسيرة التغييردونها ،وال تقل صعوبة عن الثورة ذاتها.
_______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة7 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
_______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة1 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies