ما بعد الهدنة واقع قيد التشكيل

Page 1


‫مركزعمران للدراسات االستراتيجية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دولة ومجتمعا وإنسانا‪ ،‬ترقى لتكون‬ ‫مؤسسة بحثية مستقلة ذات دور رائد في البناء العلمي واملعرفي لسورية واملنطقة‬ ‫ً‬ ‫مرجعا لترشيد السياسات ولرسم االستراتيجيات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ورافدا ّ‬ ‫لصناع القرار في‬ ‫تأسس املركز في تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪ 2013‬كمؤسسة بحثية تسعى ألن تكون مرجعا أساسا‬ ‫ّ‬ ‫سورية واملنطقة في املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ُ .‬ينتج املركز الدراسات املنهجية املنظمة التي تساند‬ ‫املسيرة العملية ملؤسسات الدولة واملجتمع‪ ،‬وتدعم آليات اتخاذ القرار‪ ،‬وتحقق التكامل املعلوماتي وترسم خارطة‬ ‫األولويات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تعتمد أبحاث املركز على الفهم الدقيق والعميق للواقع‪ ،‬ينتج عنه تحديد االحتياجات والتطلعات م ّما يمكن من وضع‬ ‫الخطط التي ّ‬ ‫يحقق تنفيذها تلك االحتياجات‪.‬‬

‫املوقع اإللكتروني ‪www.OmranDirasat.org‬‬ ‫البريد اإللكتروني ‪info@OmranDirasat.org‬‬ ‫تاريخ اإلصدار ‪ 11‬أيار‪ /‬مايو ‪2016‬‬ ‫جميع الحقوق محفوظة © مركز عمران للدراسات االستراتيجية‬


‫سورية ما بعد الهدنة‪ٌ :‬‬ ‫واقع قيد التشكيل‬

‫ّ‬ ‫أعلنت ٌ‬ ‫التوصل التفاق هدنة‬ ‫كل من روسيا والواليات املتحدة األمريكية في بيان مشترك بتاريخ ‪ 27‬فبراير‪/‬شباط ‪ 2016‬عن‬ ‫ً‬ ‫في سوريا يستثني كال من تنظيمي "الدولة اإلسالمية" و "جبهة النصرة"‪ .‬وقد ُب َني االتفاق على أرضية مشتركة بين موسكو‬ ‫ً‬ ‫وواشنطن بدعم دولي‪ ،‬لتثبيت وقف إطالق النار واألعمال العدائية‪ ،‬واستئناف العملية السياسية في جنيف وفقا لخارطة‬ ‫ً‬ ‫الطريق في القرار ‪ .2254‬وشهدت تلك الهدنة منذ بدايتها ما يزيد عن ‪ 2000‬خرقا من قبل نظام األسد‪ ،‬كان آخرها حملة‬ ‫ّ‬ ‫شرسة قادها النظام بدعم من ُحلفائه على مدينة حلب بالتوازي مع تعثر املسار السياس ي في جنيف‪.‬‬ ‫ورغم ما عكسته الهدنة من هشاشة نتيجة طبيعة التعاطي الدولي مع امللف السوري‪ ،‬إال أنها فرضت متغيرات جديدة‬ ‫على واقع الصراع‪ .‬فالهدنة التي فشلت إلى ّ‬ ‫حد ما في تثبيت وقف إطالق النار‪ ،‬نجحت بشكل كبير في فرض مجموعة‬ ‫من املعطيات الجديدة على األرض‪ ،‬استتبعت بدورها استراتيجيات جديدة من الفاعليين املحليين‪ ،‬كما استحدثت‬ ‫مسارات مختلفة في التعاطي الدولي واإلقليمي مع امللف السوري‪ ،‬لتبدأ بصياغة وتشكيل واقع مختلف ّ‬ ‫عما قبل‬ ‫الهدنة؛ الواقع الذي إلى اآلن ما زال قيد التشكيل‪ ،‬إال أن مالمحه تكاد تبرز عبرمجموعة املتغيرات التي فرضتها الهدنة‬ ‫على األرض‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬مالمح واقع ما بعد اهلدنة‬ ‫ساهم اتفاق الهدنة وما رافقه من تطورات محلية إقليمية ودولية‪ ،‬بالدفع باتجاه صياغة واقع جديد ملسار الصراع‬ ‫السوري‪ .‬ويستند هذا الواقع إلى مجموعة متغيرات فرضتها الهدنة على الرغم من أنه لم يتم تثبيتها بشكل نهائي إال أن‬ ‫مالمحها تكاد ترتسم بوضوح‪ ،‬ولعل أبرزها‪:‬‬ ‫‪ .1‬استراتيجية تطويق األزمة‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫عكست الهدنة إرادة دولية في تثبيت خطوط التماس بين املعارضة والنظام عبر حدود الهدنة التي تعد تقسيما غير معلن‬ ‫ً‬ ‫ملناطق النفوذ‪ ،‬وتثبيتا لها إلى أمد يبدو بعيد‪ ،‬إضافة إلى نقل امللف السوري إلى الساحة السياسية عبر املفاوضات في‬ ‫جنيف‪ ،‬مقابل توجيه الفاعلية العسكرية باتجاه محاربة اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪ .2‬تعزيزسياسة املحاور‬ ‫مع بداية توقيع الهدنة بدأت تلوح في األفق بوادر لتبلور توافق روس ي أمريكي ‪-‬وإن كان غير متطابق في كل امللفات‪-‬ووجهة‬ ‫نظر موحدة حول طبيعة الحل السياس ي ُتهمش باقي الفاعلين الدوليين في امللف السوري‪ ،‬وهو األمر الذي أدى إلى تعزيز‬ ‫سياسة املحاور على املستوى الدولي إزاء فرض واشنطن وموسكو رؤيتهما على باقي الفاعلين‪ ،‬حيث بات الفاعل الخليجي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إضافة إلى تركيا يمثلون محورا يتقاطع بدرجة كبيرة مع املحور األوروبي‪ ،‬مقابل األسد وطهران اللذان يمثالن محورا آخر‪.‬‬ ‫في حين بدت روسيا وأمريكا اللتان أخذتا تبتعدان عن شركائهما ووكالئهما اإلقليمين واملحليين‪ ،‬لتقتربا من تقديم نفسيهما‬ ‫كطرف "ر ٍاع للحل السياس ي وليس ضالع في الصراع"‪ ،‬أقرب ملحور ناش ئ في وجه باقي املحاور‪ ،‬من حيث التعاطي مع امللف‬ ‫السوري‪.‬‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪1 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫سورية ما بعد الهدنة‪ٌ :‬‬ ‫واقع قيد التشكيل‬

‫‪ .3‬أولوية مكافحة اإلرهاب‬ ‫كرست الهدنة على األرض اختزال القضية السياسية السورية بملف مكافحة اإلرهاب‪ ،‬والسعي لتقديمه على حساب‬ ‫اإلشكالية الحقيقية املتمثلة بحضور األسد‪ ،‬األمر الذي انعكس في محاوالت إخضاع املقاربات السياسية وتفاصيل‬ ‫العملية التفاوضية في جنيف ملدخل مكافحة اإلرهاب وأولوياته‪ ،‬مما ساهم بشكل كبير في خلق حالة تعطيلية في مسار‬ ‫املفاوضات السياسية‪.‬‬ ‫‪ .4‬استراتيجية جديدة للتنظيم‬ ‫بحكم استثنائه من الهدنة ونقل الصراع إلى مجال مكافحة اإلرهاب‪ ،‬تحول تنظيم الدولة "اإلسالمية" إلى هدف معلن‬ ‫لجميع الفاعليين على األرض‪ ،‬ما فرض على التنظيم تغيير االستراتيجية العسكرية لتحركاته‪ ،‬والتي بدت خالل الهدنة أنها‬ ‫قائمة على تجنب الفاعلية العسكرية األقوى‪ ،‬واملتمثلة بقوات نظام األسد واملليشيات الشيعية وما يؤمن لهما من غطاء‬ ‫جوي روس ي‪ ،‬إضافة لقوى "سوريا الديمقراطية" وما يؤمن لها من غطاء جوي أمريكي‪ ،‬والتوجه إلى الجهة األضعف‬ ‫ً‬ ‫عسكريا‪ ،‬والتي مثلتها مجاميع املعارضة املسلحة‪ ،‬وهذا ما ُيفسر انسحاب التنظيم من تدمر وهجماته في ريف حلب‬ ‫الشمالي‪.‬‬ ‫‪ .5‬النصرة كإشكالية متنقلة‬ ‫أدى استثناء جبهة النصرة من الهدنة دون وضع قواعد وآليات محكمة الستهدافها إلى خلق إشكالية متنقلة في جسد‬ ‫املعارضة العسكرية‪ ،‬نتيجة لتداخل نفوذ النصرة مع أغلب جبهات املعارضة‪ .‬وقد أدت هذه السيولة إلى تأمين غطاء‬ ‫الشرعية الدولية الستهدافها من قبل قوات نظام األسد وموسكو‪ ،‬وإحداث ارتباك حقيقي بين صفوف املعارضة نتيجة‬ ‫عدم وجود أي آليات للتعاطي مع هذا الواقع الجديد‪ .‬ومن هنا يمكن استنتاج إصرار الروس وبعض األطراف الدولية في‬ ‫ً‬ ‫فيينا على استثناء جبهة النصرة من الهدنة‪ ،‬على الرغم من إدراك واقع األرض املعقد واملتشابك وتحديدا في الشمال‬ ‫السوري‪ ،‬ولكن يبدو أنه كان البد من تثبيت هدنة تحتمل الخرق على شماعة النصرة‪.‬‬ ‫‪ .6‬اختبارالخطط البديلة ‪PLAN B‬‬ ‫أكدت الخروقات املتكررة للهدنة من قبل نظام األسد ‪-‬وخاصة الحملة األخيرة على حلب التي هددتها بشكل مباشر‪ ،‬إضافة‬ ‫لتعثر املفاوضات السياسية وعدم التعاطي بجدية معها‪ -‬على عدم وجود أي خطة بديلة ‪ PLAN B‬لدى الفاعلين الدوليين‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الداعمين للثورة‪ ،‬حيث أظهرت ارتباكا حقيقيا‪ ،‬وتحديدا أمام األجندة اإليرانية‪ ،‬واضحة املعالم كبديل للهدنة والقائمة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫على الحسم العسكري واستعادة املناطق االستراتيجية من املعارضة وتحديدا حلب‪ ،‬مما جعل من الهدنة غطاء حقيقيا‬ ‫استثمره اإليرانيون ونظام األسد الستكمال استراتيجيتهم بأدوات مختلفة‪ ،‬بل َس َعوا لتطويع الحضور الروس ي ضمن هذ‬ ‫االستراتيجية ما زاد مؤشرات التنافس بين موسكو وطهران‪.‬‬

‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪2 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫سورية ما بعد الهدنة‪ٌ :‬‬ ‫واقع قيد التشكيل‬

‫‪ .7‬موسكو وطهران ومؤشرات التنافس‬ ‫ّ‬ ‫كشفت الهدنة وما شهدته من تطورات عسكرية على األرض‪ ،‬عن تصاعد مؤشرات التنافس بين موسكو وطهران في امللف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫السوري‪ ،‬وتحديدا في حلب‪ ،‬والذي لم يصل لدرجة التضارب ولكن بات يبدو بشكل واضح تنافسا حول التصور املختلف‬ ‫لطبيعة الحل السياس ي لكل من الطرفين‪ .‬ويبدو من هذا التنافس أن األسد إلى اآلن يستفيد من هوامشه مع االقتراب‬ ‫بشكل أكبر من األجندة اإليرانية ومحاولة تجاوز االلتزام الروس ي بالهدنة في حلب‪ .‬ولعل خسارة األسد واإليرانيين التي بدأت‬ ‫ّ‬ ‫في "تل العيس" وانتهت في "خان طومان" بريف حلب الجنوبي‪ ،‬وهي مناطق نفوذ املليشيات اإليرانية؛ مثلت رسالة واضحة‬ ‫من الروس لعدم تدخلهم في نجدة النظام‪ ،‬بأن الدعم الروس ي أساس للصمود والتقدم‪ ،‬وهي الرسالة التي سبقها تصريح‬ ‫وزير الخارجية الروس ي‪ ،‬سيرغي الفروف‪ ،‬بأن "األسد ليس حليفنا"‪ ،‬في محاوالت سعي موسكو لتقديم نفسها كر ٍاع للحل‬ ‫ً ً‬ ‫السياس ي وليس طرفا تابعا لألجندة اإليرانية‪ .‬انظر الخريطة رقم (‪)1‬‬

‫خريطة رقم (‪ )1‬توضح مواقع النفوذ والسيطرة – ريف حلب الجنوبي – ‪ 10‬أيار ‪2016‬‬

‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪3 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫سورية ما بعد الهدنة‪ٌ :‬‬ ‫واقع قيد التشكيل‬

‫‪ .8‬ضعف استراتيجية املعارضة‬ ‫عادت الهدنة من جديد لتؤكد على مجموعة من نقاط الضعف في بنى املعارضة العسكرية على مستوى عدم وضوح‬ ‫االستراتيجية الدفاعية لصد الخروقات أو على مستوى الردود التكتيكية‪ ،‬ما حال بينها وبين استثمار الهدنة لصالحها‪،‬‬ ‫وهذا ما انعكس في خالفات القوى العسكرية في الغوطة الشرقية (جيش اإلسالم‪/‬فيلق الرحمن)‪ ،‬إضافة للتحركات غير‬ ‫ً‬ ‫املحسوبة في ريف حلب الشمالي‪ُ .‬ويقابل ذلك التعثر نهج أكثر وضوحا لنظام األسد‪ ،‬والذي طوع عبره الهدنة والعملية‬ ‫السياسة كغطاء لتحركات وخروقات عسكرية ال تبدو عبثية بقدر ما تبدو مدروسة‪ ،‬إذ توزعت خروقات النظام على عدة‬ ‫مستويات‪ ،‬أبرزها‪:‬‬ ‫‪ ‬خروقات استنزافية تهدف إلى استنزاف فصائل املعارضة العسكرية فقط‪ ،‬كمعارك الساحل األخيرة والقصف‬ ‫املتواصل على جبال األكراد والتركمان‪.‬‬ ‫‪ ‬خروقات للضغط السياس ي كاملجازر التي ارتكبتها قوات األسد في مدينتي كفرنبل ومعرة النعمان‪ ،‬إثر إعالن‬ ‫الهيئة العليا للتفاوض عن تعليق مشاركتها في مفاوضات جنيف‪.‬‬ ‫‪ ‬خروقات استراتيجية تمثلت في الحملة األخيرة على حلب والسعي لحصارها وإبعادها خارج نطاق الهدنة‪.‬‬ ‫إن مجمل تلك الوقائع التي أفرزتها الهدنة وتقاطعها مع الظرف اإلقليمي والدولي‪ ،‬تبدو بأنها تصب في مصلحة األسد‬ ‫وحلفائه‪ ،‬والذين يسعون للتماهي معها واستثمارها عبرعدة أدوات سياسية وعسكرية‪ ،‬أبرزها‪:‬‬ ‫‪ .1‬الهدن املحلية التي يتبعها نظام األسد في محيط دمشق‪ ،‬لضبط حزام العاصمة‪.‬‬ ‫‪ .2‬االعتماد على الخروقات املنظمة خارج هذا الحزام الستنزاف قوى املعارضة‪.‬‬ ‫‪ .3‬استثمار الفاعلية الروسية للتوسع في مناطق تنظيم الدولة وتقديم نفسه كشريك في مكافحة اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪ .4‬استخدام أدوات التعطيل السياس ي في جنيف‪ ،‬سواء عبر سياسة اإلغراق بالتفاصيل التي يتبعها النظام‪ ،‬أو‬ ‫بعض املنصات التي ساهم بتشكيلها لخرق جسد املعارضة (حميميم‪ ،‬األستانة‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬ ‫‪ .5‬استغالل املزاج الدولي القائم على تراجع الفاعلية األمريكية في امللف السوري وتقارب وجهة نظر واشنطن‬ ‫وموسكو لتصور الحل السياس ي‪ ،‬والقلق األوروبي إزاء مكافحة اإلرهاب وملف الالجئين‪ ،‬وتراجع الفاعلية العربية‬ ‫نتيجة تعقد ملفات دول الربيع العربي والدعم من بعض األنظمة العربية‪ ،‬إضافة إلى رض ى حذر من تل أبيب إزاء‬ ‫هذا الوقع املعقد في سورية واالكتفاء بمنطقة آمنة في الجنوب‪ ،‬وانحسار وارتباك أدوات املحور الثالثي (تركيا‪،‬‬ ‫السعودية) أمام الحاجز األمريكي الروس ي‪.‬‬ ‫إن ما يلجأ إليه األسد وحلفائه واليزالون خالل فترة سريان الهدنة؛ يضع املعارضة السورية أمام تحديات جمة على‬ ‫كل الصعد‪ ،‬ويفرض عليها ديناميات داخلية لتحرك فعال على املستوى التكتيكي واالستراتيجي‪ ،‬فبقدرما تمثله املرحلة‬ ‫املقبلة من محاوالت تضييق ألفق املعارضة؛ إال أنها التزال تؤمن هامش تحرك حقيقي قد ّ‬ ‫يحولها من طرف متأثر إلى‬ ‫طرف مؤثرفي الواقع الذي اليزال قيد التشكل‪.‬‬

‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪4 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫سورية ما بعد الهدنة‪ٌ :‬‬ ‫واقع قيد التشكيل‬

‫اثنياً‪ :‬هوامش حترك املعارضة السورية‬ ‫إن محاوالت تثبيت الهدنة وفرض خارطة طريق في القرار ‪ 2254‬ال يمثل بداية حل لألزمة السورية‪ ،‬بقدر ما ُينذر بنقل‬ ‫ً‬ ‫الصراع إلى ُ‬ ‫صعد مختلفة تماما‪ ،‬وتشكيل واقع جديد يتناسب ووجهة النظر األمريكية الروسية (قيد التشكل)‪ ،‬األمر الذي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يتطلب من املعارضة تغيير األدوات واستحداث أخرى تتناسب والظرف القائم‪ ،‬والذي ُيمثل تهديدا حقيقيا للثورة‬ ‫السورية‪ .‬إن هذا يفرض على املعارضة التحرك على عدة مستويات واستغالل ما يتاح لها من هوامش التجاذبات الدولية‬ ‫وخلق أخرى تصب في صالح الثورة‪ ،‬ولعل أبرز التحركات التي يفرضها واقع الهدنة ‪-‬وما سبقه وما قد يتلوه‪-‬على املعارضة‬ ‫السورية‪ ،‬تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬على املستوى العسكري‬ ‫‪ ‬تشكيل غرف عمليات مشتركة على مستوى املحافظات ومحاولة استثمار الهدنة إلعادة هيكلية حقيقية وتدعيم‬ ‫نقاط الضعف في جسد املعارضة وتقوية نقاط االشتباك مع النظام‪.‬‬

‫ً‬ ‫‪ ‬رسم سيناريوهات جاهزة للخروقات املحتملة للهدنة من قبل نظام األسد‪ ،‬وتحديد أساليب وآليات الرد وفقا‬ ‫لتحديد نقاط ضعف النظام والجبهات األقوى للمعارضة‪ ،‬بحيث تخرج الردود على الخروقات من خانة ردات‬ ‫الفعل لتقترب من االستراتيجية‪ ،‬ومن الحالة الدفاعية إلى الهجومية‪.‬‬ ‫اض جديدة على حساب تنظيم الدولة‪ ،‬إلبعاد خطر شن حمالت مشتركة‬ ‫‪ ‬استثمار الهدنة للتوسع وكسب أر ٍ‬ ‫"تخادم" بين نظام األسد والتنظيم على مناطق املعارضة‪ .‬ويمكن أن يتم ذلك عبر توجيه فاعلية عسكرية منظمة‬ ‫باتجاه مناطق سيطرة التنظيم‪ ،‬والسعي الحتكارنقاط االشتباك معه وتعزيزها‪ ،‬لتأمين مناطق نفوذ للمعارضة‬ ‫ً‬ ‫بالدرجة األولى‪ ،‬وقطع الطريق على القوى الساعية الحتكار نقاط االشتباك مع التنظيم استعدادا ملرحلة مكافحة‬ ‫اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪ ‬محاولة التوصل إلى اتفاق مع جبهة النصرة‪ ،‬يضمن إبعاد تجمعات عناصرها ومقراتها الرئيسية عن مناطق‬ ‫املدنيين‪ ،‬وذلك لسحب ذريعة قصف املدنيين بحجة مكافحة اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪ ‬مقاومة محاوالت تجزئة الهدنة من قبل النظام وحلفائه وسياسة االستفراد باملناطق‪ ،‬كاملحاوالت األخيرة للدفع‬ ‫ً‬ ‫بحلب خارج طوق الهدنة‪ ،‬ما يفرض على املعارضة العسكرية التعاطي مع الهدنة بشكل شامل جغرافيا‪ ،‬كإشغال‬ ‫عدة جبهات لفرض عودة جبهة واحدة إلى الهدنة‪ .‬وهنا يبرز أهمية تشكيل غرف العمليات على مستوى املحافظات‬ ‫ورفع وتيرة التنسيق العسكري البيني‪ .‬باملقابل فإن املعارضة السياسية تمتلك في مواجهة استراتيجية تجزئة‬ ‫الهدنة أدوات التعطيل السياس ي عبر تعليق املشاركة في املفاوضات أو االنسحاب منها‪.‬‬

‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪5 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫سورية ما بعد الهدنة‪ٌ :‬‬ ‫واقع قيد التشكيل‬

‫‪ .2‬على املستوى السياسي‬ ‫ً‬ ‫‪ ‬السعي دوليا الستثمار عدم تطابق الرؤى اإليرانية ‪-‬الروسية حول مستقبل سورية السياس ي‪ ،‬واالستفادة من‬ ‫هوامش التنافس بين موسكو وطهران في هذا اإلطار‪ ،‬ما يفرض على املعارضة التحرك باتجاه االنفتاح الجزئي‬ ‫على موسكو‪ ،‬خاصة وأن وجهة النظر الروسية تكاد تتماهى مع األمريكية‪ ،‬وتحول الروس إلى فاعل ال يمكن‬ ‫تجاوزه في امللف السوري‪.‬‬ ‫‪ ‬استثمار املوقف األوروبي (بريطانيا‪ ،‬أملانيا‪ ،‬فرنسا) باتجاه زيادة الضغط من خالل امللف اإلنساني ضمن‬ ‫التفاوض‪ ،‬وترجمة خروقات النظام خالل الهدنة وما تخللها من جرائم الحرب إلى قرارات دولية صادرة عن‬ ‫مجلس األمن ومحكمة العدل الدولية‪ ،‬بدعم تلك الدول‪.‬‬ ‫‪ ‬الدفع باتجاه ضغط سعودي على النظام املصري‪ ،‬الستثمار ترأس جمهورية مصر العربية ملجلس األمن في‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الشهر الحالي‪ ،‬إلحالة خروقات النظام وامللف اإلنساني إلى مجلس األمن‪ ،‬علما أن املندوب املصري قد عطل‬ ‫اقتراح بريطانيا وفرنسا إلحالة ملف حلب إلى مجلس األمن‪.‬‬ ‫‪ ‬الدفع باتجاه قيام اململكة العربية السعودية بضبط موقف عربي موحد‪ ،‬يعترف بالهيئة العليا للتفاوض كممثل‬ ‫ُّ‬ ‫شرعي وحيد للشعب السوري في املفاوضات‪ ،‬ومنع تشكل محور لدى بعض الدول العربية يقترب من املشروع‬ ‫الروس ي للحل عبر منصات بديلة‪.‬‬ ‫‪ ‬سعي االئتالف والهيئة العليا للتفاوض لقطع الطريق على أي محاولة من املنصات السياسية املستحدثة في‬ ‫جنيف (حميميم‪ ،‬األستانة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مجلس املرأة االستشاري)‪ ،‬إلحداث أي شرخ داخل جسد الهيئة‪ ،‬وذلك عبر‬ ‫تدعيم بنية الهيئة‪ ،‬وحشد الشارع السوري من خالل تظاهرات في الداخل ودول الشتات‪ ،‬إلعالن أن الهيئة‬ ‫العليا هي املمثل الشرعي الوحيد عن الثورة السورية في مفاوضات جنيف‪.‬‬

‫‪ .3‬على املستوى االسرتاتيجي‬ ‫طاملا أن املزاج الدولي يسير باتجاه إدارة األزمة وتطويقها عبر الهدنة ألمد متوسط على األقل؛ فهذا يفرض تعزيز إدارة‬ ‫املناطق املحررة بشكل فعال‪ ،‬عبر زيادة تمكين القوى املحلية املدنية‪ ،‬املتمثلة باملجالس املحلية والسعي لشرعنتها‬ ‫ً ُ‬ ‫دوليا‪ .‬وتعتبرهذه الخطوة ُملحة واستراتيجية بالنسبة للمعارضة لعدة أسباب أبرزها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أ‪ .‬تسيير وخدمة شؤون املدنيين في ظل أزمة قد تطول‪ ،‬مما يعزز شرعية املجالس التي تستند أصال لسلطة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الشعب انتخابا أو توافقا‪.‬‬ ‫ب‪ .‬تأمين شرعية دولية للمناطق ّ‬ ‫املحررة‪ ،‬عبر القوى املحلية املدنية على األرض‪.‬‬ ‫ت‪ .‬إعادة تشغيل مؤسسات الدولة اإلدارية‪ ،‬بعد أن دمرها قصف النظام‪ ،‬كخطوة على طريق استعادة وظائف‬ ‫الدولة‪ ،‬وسحب ذريعتها من نظام األسد‪.‬‬ ‫ث‪ .‬تفريغ الفصائل العسكرية ملهامها األساسية في حماية الجبهات وليس اإلدارة املدنية‪.‬‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪6 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫سورية ما بعد الهدنة‪ٌ :‬‬ ‫واقع قيد التشكيل‬

‫إال أن هذه الخطوة تفرض على املعارضة السورية توحيد أطر العمل السياس ي العسكري وتوجيهها لدعم القوى املدنية‪،‬‬ ‫ما يستوجب على الفصائل العسكرية التنازل عن بعض املهام املدنية التي سيطرت عليها‪ ،‬وإعادة تسليمها إلى املجتمع‬ ‫املدني والتفرغ للجبهات‪ .‬وقد يساعد في ذلك تشكيل غرف العمليات على مستوى املحافظات‪ ،‬إذ أن نظام القطاعات‬ ‫ً‬ ‫"الجبهات" ما يزال يعوق تحرك قوى املجتمع املدني‪ ،‬نتيجة تشابك السلطات والنفوذ وفقا لهذا النظام‪ .‬باملقابل البد من‬ ‫سعي حقيقي من املعارضة السياسية (الهيئة العليا للمفاوضات‪ ،‬االئتالف الوطني) لحشد دولي سياس ي لالعتراف بشرعية‬ ‫املجالس املحلية في الهيئات واملنظمات الدولية‪( ،‬جامعة الدول العربية‪ ،‬مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬مجموعة أصدقاء‬ ‫الشعب السوري‪ ،‬منظمة التعاون اإلسالمي) كإدارة مدنية شرعية لألراض ي املحررة‪.‬‬ ‫إن إحداث أي تغيير في سياق واقع ما بعد الهدنة‪ ،‬والذي يبدو أنه يسير باتجاه الثبات النسبي‪ ،‬ال يمكن أن يتم قبل‬ ‫تغييرداخلي وحقيقي في استراتيجية املعارضة السورية‪ ،‬عبردينامية داخلية تفرض نفسها بشكل حقيقي على معادلة‬ ‫التدافع الدولي‪ ،‬مستندة في ذلك إلى تدعيم القرار املركزي –العسكري السياس ي‪-‬على املستوى الوطني والذي تمت‬ ‫خسارته لصالح عدة أطراف‪.‬‬ ‫إن أساس هذه الدينامية هو اإليمان بالعمل املؤسساتي واليقين أنه الطريق األكثرنجاعة إلحداث فرق في مسارالثورة‬ ‫السورية ضمن هذه املرحلة الحرجة‪ ،‬واالنطالق من حقيقة أن الثورة هي جزء من التغيير وليست هي التغيير‪ ،‬وإنما‬ ‫هناك آليات ومراحل أخرى ال تكتمل مسيرة التغييردونها‪ ،‬وال تقل صعوبة عن الثورة ذاتها‪.‬‬

‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪7 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪1 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.