ورقة حتليلية
التدخل الروسي يف سورية :املخاطر والفرص الكامنة د .بشيرزين العابدين أكاديمي سوري
التواطؤ الغريب الستدراج روسيا يف املأزق السوري
ً في 30سبتمبر 2015شن الطيران الروس ي أولى طلعاته الجوية مستهدفا مخازن لألسلحة والذخيرة وعربات ومدرعات في ً حمص وحماة وحلب؛ مستندا إلى معلومات تم جمعها وتحديدها من قبل غرفة عمليات يديرها تحالف روس ي-إيراني- عراقي-سوري في العاصمة العراقية بغداد. وجاءت عملية القصف بعد الكشف عن حشود عسكرية روسية تضمنت :تعزيز القاعدة البحرية في طرطوس بغواصة نووية ومجموعة سفن حربية ،وتوسيع القاعدة الجوية في الالذقية ،وتزويدها بنحو 48مقاتلة من طراز ( )Su-24و(Su- )25و( )Su-30وبمروحيات قتالية و 35عربة قتال مدرعة مزودة بمدفعية من طراز ( ،)BTR-82A/Bومدفعية عيار ( 152 ،)mmو 6دبابات من طراز ( ،)T-90ونحو 800مقاتل روس ي من القوات الخاصة و 500من سالح البحرية ،وعدد غير ً معروف من املرتزقة الشيعة الذين تم شحنهم من العراق وباكستان وأفغانستان عبر طائرات ( )Ilyushin IL-76تمهيدا للزج بهم في هجوم بري مرتقب ضد املعارضة السورية بإسناد جوي روس ي. وعلى الرغم من ادعاء موسكو أن حشدها العسكري يهدف إلى قتال تنظيم الدولة املتطرف؛ إال أن العمليات الجوية قد استهدفت مختلف فصائل املعارضة في عدة محافظات ،وأكد محللون عسكريون أن دوافع موسكو املعلنة ال تتناسب مع الدفاعات الجوية املتطورة التي نصبها الروس في قاعدة "حميميم" ،مثل صواريخ أرض-جو ( )SA15و( ،)SA22والتي ال يمكن أن تكون موجهة ضد تنظيم الدولة املتطرف الذي ال يملك أية مقاتالت أو منظومات دفاع صاروخي ،بل إن الهدف الفعلي من نصب هذه هو إنشاء منطقة عزل جوي ( )"A2AD" Anti-Access Area-Denialفي املنطقة بالتزامن مع سحب حلف الناتو دفاعاته الصاروخية ،ومبادرة واشنطن إلى سحب بطاريات صواريخ باتريوت من منطقة "أضنة" تحت ذريعة تحديث هذه البطاريات ،ومن ثم سحب حاملة الطائرات الوحيدة ( )USS Theodore Roosevelt carrierتاركة املجال الجوي ملنطقة شرقي املتوسط بأسره للطيران الروس ي.
1
info@OmranDirasat.org | www.OmranDirasat.org
وفي مقابل التراجع العسكري الغربي تحدثت املصادر عن رسو حاملة الطائرات الصينية ( )Liaoning-CV-16في ميناء طرطوس ،بعد أن عبرت قناة السويس في 22سبتمبر ،حيث تتوجه بكين إلى تعزيز قواتها البحرية بمقاتالت من طراز ( J-15 )Flying Sharkومروحيات قتالية مزودة بصواريخ مضادة للغواصات من طراز ( )Z-18Fو( )Z-18Jفي منتصف شهر نوفمبر القادم ،والتي ستتمركز في القاعدة الجوية الروسية بالالذقية بعد أن تمر باألجواء اإليرانية والعراقية بالتنسيق مع طهران وبغداد. وتأتي التعزيزات الصينية بعد استقبال الرئيس األمريكي باراك أوباما الرئيس الصيني في البيت األبيض يوم الجمعة 25 سبتمبر ،2015مما يؤكد وجود تفاهمات مسبقة بين العواصم الثالثة (واشنطن ،موسكو ،بكين) حول الترتيبات العسكرية التي تجري في سورية بالتنسيق مع إيران .ومن امللفت لالنتباه أن يتزامن الحشد الروس ي مع حالة إخالء جوي غربي ملنطقة شرقي املتوسط في ظل تطورين مهمين: .1الترحيب األوروبي بالدور الروس ي-اإليراني الجديد :ففي أول رد فعل لها على العمليات الجوية الروسية رحبت املستشارة األملانية أنجيال ميركل بالتدخل الروس ي مؤكدة أنه" :لن يكون من املمكن إنهاء الحرب األهلية في سورية إال بمساعدة روسيا التي بدأت أول أمس شن ضربات جوية في البالد" ،وأكدت في كلمة في شرق أملانيا بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين إلعادة توحيد أملانيا" :هذا صحيح بصورة خاصة في حالة سورية ،إذ نعرف جميعا منذ أعوام أنه يمكن أن يكون هناك حل فقط في وجود روسيا وليس من دون وجودها" .وفي زيارته األخيرة إلى طهران أكد وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس ،أن األزمة السورية" :تحتاج إلى نهج عملي مشترك يتضمن مشاركة األسد في التصدي إلرهاب تنظيم الدولة" ،وأضاف" :في رأيي أن األولوية لقتال اإلرهاب ،وال يمكن أن يتحقق ذلك دون إشراك قوى مثل روسيا وإيران" ،كما صرح وزير الخارجية اإلسباني ،خوسيه مانويل جارثيا مارجايو ،من طهران كذلك ،أن" :حكومة بشار األسد، ً سواء رضينا بها أم ال ،هي من تمتلك الشرعية الدولية ،وهي من تملك مقعدا في األمم املتحدة" .وتزامن إعالن وزير الخارجية ً البريطاني أن بالده مستعدة لبقاء بشار األسد رئيسا في الفترة االنتقالية ،مع تأكيد صحيفة "غارديان" البريطانية (29 سبتمبر )2015أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد أكد ألول مرة أن بريطانيا مستعدة للقبول ببشار أسد على رأس مرحلة انتقالية في سورية بهدف التوصل إلى اتفاق مع روسيا وإيران حول امللف السوري. .2التضييق على املعارضة السورية ووقف الدعم عنها :ففي شهر مارس املاض ي قطعت واشنطن الدعم عن أربع فصائل ،وخفضت املساعدات التي كانت تقدمها لنحو 12كتيبة أخرى ،ثم بادرت إلى إيقاف الدعم املالي عن 52 ً فصيال في الجبهة الجنوبية في نهاية شهر أغسطس ،وأعلنت بعد ذلك عن مراجعتها لبرنامج "تدريب املعارضة املعتدلة" متهمة العناصر التي دربتها بتسليم أسلحة وعتاد أمريكي إلى "جبهة النصرة" في 21سبتمبر ،ثم عمدت إلى تعميق حالة الفراغ عبر إغالق غرفة التنسيق املشتركة في األردن "املوك" ،في حين نشطت وكالة االستخبارات املركزية األمريكية في التضييق ً على ممولي الفصائل املعتدلة وإصدار قوائم بأسماء مطلوبين ملالحقتهم أمنيا في دول الجوار.
2
info@OmranDirasat.org | www.OmranDirasat.org
وعلى الرغم من التصريحات األمريكية الرافضة الستهداف املعارضة املعتدلة في 30سبتمبر 2015؛ إال أن الرئيس أوباما كان على علم مسبق بتفاصيل عمليات سالح الجو الروس ي ،حيث أكد البيت األبيض أن بوتين قد" :أوضح املوقف الروس ي بصورة كاملة ألوباما" ،وذلك في إشارة إلى مراسالت مفصلة أرسلتها موسكو إلى واشنطن في 29سبتمبر تتضمن تفاصيل العمليات املرتقبة ،ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أمريكي قوله إن موسكو أعلمت واشنطن بالضربات قبل شنها ،ومن امللفت لالنتباه تزامن التصريحات األمريكية الرافضة للقصف الروس ي مع جلسات مفاوضات مكثفة عقدها وزير الخارجية األمريكي جون كيري ونائبته ويندي شيرمان مع الروس واإليرانيين للحديث عن" :سبل التعاون في الشأن السوري"!
املمالم اوأولية للخطة الروسية تتطلب عملية تشخيص مخاطر التدخل الروس ي االعتماد على معلومات دقيقة غير متأثرة بالشحن اإلعالمي الغربي املصاحب للحملة ،ومن خالل ما رشح من محاضر االجتماعات التي عقدها املسؤولون الروس في موسكو ونيويورك خالل األسبوعين املاضيين؛ يمكن تلخيص أهم معالم الخطة الروسية في سورية في النقاط التالية:
.1إنشاء منظومة أمنية إقليمية جديدة تجمع بين موسكو وطهران وبغداد ودمشق ،وتنسق عملياتها مع تل أبيب ،ففي مقابلة مع موقع ( )RTالروس ي ،بتاريخ 2 أكتوبر ،2015أكد الفريق سيرغي كورالينكو ممثل روسيا الرسمي في "املركز املعلوماتي" ببغداد ،أن املهمة األساسية للمركز تتمثل في" :جمع وتحليل ومعالجة وتبادل املعلومات الجارية حول الوضع في منطقة الشرق األوسط في سياق مكافحة ما يسمى "الدولة اإلسالمية" ،وللقيام بعدها بإيصال هذه املعلومات إلى هيئات األركان في روسيا والعراق وإيران وسورية" ،كما أكد وجود تنسيق كامل مع اإلدارة األمريكية ،وأشار إلى وجود وثيقة تأسيسية تحدد نمط العالقة بين الدول ً ً ً األربع مرحبا بانضمام أية دولة أخرى إلى هذه الغرفة ،قائال" :أود التأكيد على أن هذا املركز املعلوماتي ال يعتبر مخصصا فقط ألربعة أطراف ،وإنما نأمل أن ينضم لعملنا دول أخرى ،والتي لها مصلحة في القضاء على داعش ،ولذلك نحن مقتنعون بانضمام دول أخرى إلينا وسيصبح عملنا أكثر فاعلية" ،وذلك في إشارة واضحة إلى التعاون الوثيق بين املركز املعلوماتي مع رئاسة األركان اإلسرائيلية وإمكانية انضمام تل أبيب إلى ذلك التحالف؛ حيث تزامن الحشد الروس ي في سورية مع اجتماعات مكثفة بين رئيس ي األركان الروس ي واإلسرائيلي واالتفاق على إنشاء آلية لتنسيق العمليات بين موسكو وتل أبيب في املجاالت :الجوية والبرية والبحرية والفضاء اإللكتروني تحت إدارة نائبي رئيس ي أركان البلدين نيكوالي ً بوغدانوفسكي ويائير جوالن ،وتنفيذا لتلك االتفاقيات؛ فقد أكدت صحيفة "تايمز أو إسرائيل" أن موسكو قد أشعرت ً تل أبيب مسبقا بجميع األهداف التي كانت ستقصفها يوم األربعاء 30سبتمبر ،وقبل نحو ساعة من قصف أهداف بحمص اتصلت موسكو مع عدد من الضباط اإلسرائيليين منهم مستشار األمن القومي يوس ي كوهين وأخبرتهم بتفاصيل العملية الجوية قبل شنها.
3
info@OmranDirasat.org | www.OmranDirasat.org
.2توجيه ضربات ترجيحية لتعزيزوضع النظام في املناطق التي فقدها في اجتماع عقد املقر الرئاس ي في أوغاريوفو بالقرب من العاصمة الروسية يوم اإلثنين 21سبتمبر 2015؛ حرص الرئيس الروس ي فالديمير بوتين على طمأنة رئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامين نتنياهو والوفد األمني والعسكري املرافق له بأن سالح الجو الروس ي لن يقوم بأية عمليات جنوب سورية ،وأن موسكو ستنسق مواقفها مع تل أبيب ،ولن تسمح لحزب هللا بنقل أية أسلحة جنوب غربي سورية ،وأكد بوتين للوفد اإلسرائيلي أن العمليات العسكرية الروسية ستهدف إلى: حماية النظام السوري وتعزيز قدراته القتالية. دعم إيران للقيام بدور إيجابي في املنطقة بعد االتفاق النووي. مواجهة قوى التطرف متمثلة في تنظيم "داعش" وجبهة النصرة. وبعد تحقيق هذه األهداف أوضح بوتين أن قواته ستشرف على تنفيذ خطة انتقالية تتضمن :وقف إطالق النار ،وتأسيس ً حكم انتقالي يضم أطرافا من السلطة واملعارضة ،واإلشراف على انتخابات بلدية ونيابية ورئاسية يختار فيها الشعب السوري من يمثله ويحكمه. ً ولتحقيق هذه الخطة أكد بوتين للوفد اإلسرائيلي على ضرورة تمكين الحكم في دمشق من إدارة املرحلة االنتقالية ،مشيرا إلى أن القوات الروسية ال تنوي التمدد إلى دمشق ،بل سيقتصر وجودها في الالذقية حيث ستعمل على حماية األقلية العلوية ومنع املعارضة من التقدم نحو جبال األنصارية أو املناطق الساحلية. وسربت مصادر مقربة من املوساد تفاصيل أخرى حول اللقاء تتعلق بمداخالت رئيس األركان اإلسرائيلي وقائد األمن الفيدرالي الروس ي ،ملنع وقوع أي تضارب في األهداف حيث ستركز الخطة الروسية على تمكين النظام من استعادة املناطق التي فقدها في األشهر املاضية ،وذلك من خالل توفير غطاء جوي للمرتزقة اإليرانيين في معارك تهدف إلى توطيد سيطرة النظام في دمشق والقلمون وحمص وريف حماة والريف الغربي ملدينة جسر الشغور. وأشار املصدر إلى أن تفاصيل العمليات البرية قد تم وضعها في سلسلة زيارات متبادلة اجتمع فيها مساعد وزير الخارجية الروس ي ،ميخائيل بوغدانوف ،مع حسين أمير عبد اللهيان في طهران ،ولقاءات قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني ً مع الضباط الروس بموسكو ،حيث يتوقع أن تنضم ميلشيات شيعية قريبا إلى قوات األسد و"حزب هللا" ،لشن هجوم بري بإسناد جوي روس ي.
4
info@OmranDirasat.org | www.OmranDirasat.org
.3التمهيد لعملية تحول سياس ي تحت إشراف النظام ً بالتزامن مع الحشد العسكري بذلت الدبلوماسية الروسية جهودا حثيثة للتسويق لخطة تحول سياس ي حيث تحدث بوتين ً عن إمكانية تشكيل حكومة سورية موسعة تضم أطرافا من املعارضة "املعتدلة" وتكليفها بترتيب انتخابات بلدية ونيابية ورئاسية بالتتابع ،وتأكيده على أن" :الرئيس السوري بشار األسد مستعد إلجراء انتخابات برملانية مبكرة والقتسام السلطة مع معارضة بناءة" .وقال الرئيس الروس ي على هامش املنتدى االقتصادي الشرقي في فالديفوستوك بأقص ى شرق البالد ً "نريد فعال إيجاد نوع من التحالف الدولي ملكافحة اإلرهاب والتطرف" ،وأضاف بوتين نحن نعمل مع شركائنا في سورية، وبشكل عام هناك تفاهم بأن توحيد الجهود في محاربة اإلرهاب يجب أن يسير بالتوازي مع نوع من العملية السياسية في ً سورية نفسها .وأضاف بوتين إن "الرئيس السوري يتفق مع هذا وصوال إلى إجراء انتخابات برملانية مبكرة وإجراء اتصاالت مع ما يسمى املعارضة الصحية وإشراكهم في الحكومة". وينسجم الطرح الروس ي مع مبادرة أطلقها وزير الخارجية اإليراني محمد جواد ظريف للبدء بحوار وطني سوري ال يقوم على أساس "جنيف "1أو "جنيف ،"2بل ينطلق من مبدأ ( )1+6ويشمل دول مجلس التعاون الخليجي باإلضافة إلى إيران، ويقوم على أساس وقف جميع العمليات العسكرية ودعم الفصائل وامليلشيات املقاتلة. وينطلق ظريف من نجاح مفاوضات امللف النووي كنقطة ارتكاز باإلضافة إلى الضربات الترجيحية الروسية وتراخي مواقف بعض الدول اإلقليمية والدولية فيما يتعلق برحيل بشار األسد واعتقادهم بإمكانية توليه القيادة في مرحلة انتقالية للبالد.
.4ملء الفراغ االستراتيجي الذي تركته أمريكا في املنطقة تؤكد مصادر أمنية غربية بأن العملية الروسية قد جاءت كضربات استباقية تهدف إلى إفشال مخططات بعض القوى اإلقليمية لفرض مناطق عازلة شمال وجنوب غربي البالد ،وهذا ما يفسر تكديس منظومات الدفاع الصاروخية املتطورة وسعيها إلنشاء منطقة عزل جوي ( ،)"A2AD" Anti-Access Area-Denialوتحذير قوى التحالف من خرق املجال الجوي السوري دون التنسيق مع موسكو. وتأتي هذه العمليات ضمن خطة طويلة األمد تهدف من خاللها موسكو إلى مد شبكاتها الصاروخية في املنطقة املمتدة ما ً بين طهران وبيروت مرورا ببغداد ودمشق ،والسيطرة على أجواء املنطقة من خالل إنشاء شبكة دفاع جوي مع هذه الدول. ً وفي مقابل سعي واشنطن إلى استدراج موسكو لعمل عسكري في سورية؛ يبذل الروس جهودا حثيثة لتأسيس وجود بحري دائم في املياه الدافئة شرقي البحر األبيض املتوسط ،حيث تمكن هذه السياسة موسكو من صياغة تحالفات إقليمية جديدة في املنطقة والدخول بقوة في أسواق السالح والطاقة.
5
info@OmranDirasat.org | www.OmranDirasat.org
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد أشارت إلى أن خطاب أوباما في األمم املتحدة ،يوم اإلثنين 28سبتمبر ،2015يتضمن ً ً اعترافا محزنا بالفشل؛ حيث حمل خطاب أوباما رسالتين :تتضمن األولى إدراك الواليات املتحدة على مدى العقد املاض ي أنه "ال يمكن فرض االستقرار على أرض أجنبية" ،وتؤكد الثانية على أن اإلدارة األمريكية" :مستعدة للعمل مع أي دولة، بما في ذلك روسيا وإيران ،لحل الصراع في سورية".
.5إنعاش سوق الصناعات العسكرية الروسية تروج موسكو لنفسها في اآلونة األخيرة على أنها العب دولي يمكن االعتماد عليه في احتواء إيران وحملها على االلتزام باالتفاق النووي ،ومنع النظام السوري من استخدام األسلحة الكيميائية ،واملساهمة الفاعلة في محاربة اإلرهاب ،ومنع انسياب األزمة السورية خارج الحدود ،والترويج لتقنيات الطاقة السلمية في الشرق األوسط. ومن خالل هذه الحزمة من املعطيات يعمل الكرملين على إنعاش االقتصاد الروس ي عبر استعادة مجاله في سوق السالح الذي كانت تعتمد عليه الجمهوريات العربية املتداعية ،فقد أكد نائب رئيس شركة "روس أوتوم نيكوالي سباسكي" الروسية أثناء لقاءه مع السفير اإليراني في موسكو أن شركته تعمل على بناء منشأتين نوويتين جديدتين جنوب إيران ،وفي ً شهر فبراير املاض ي وقع فالديمير بوتين مع الرئيس املصري عبد الفتاح السيس ي عقدا يقض ي بقيام روسيا ببناء مفاعالت نووية في مصر ،كما تتفاوض موسكو مع السعودية واإلمارات والكويت واألردن على صفقات لتطوير الطاقة النووية ،وكان ً ً أكبرها في 19يونيو ، 2015حيث التزمت موسكو بإنشاء 16مفاعال نوويا للسعودية ،كما تعمل وزارة الدفاع الروسية على إبرام صفقات ضخمة مع دول الخليج العربية في مجال تطوير سالح البحرية ونظم الدفاع الجوية وتقنيات الطائرات بدون ً طيار ،فضال عن العربات املدرعة وأنظمة اإلشارة ،وتتطلب مثل هذه االلتزامات العسكرية طويلة األمد صياغة تحالفات ً ً أمنية وطيدة ،ووجودا فعليا في املياه الدافئة شرقي البحر األبيض املتوسط.
حمدودية التدخل الروسي والفرص الكامنة من خالل املحاولة التي بذلها الباحث أعاله لتحديد النطاق النوعي واملكاني للعمليات الروسية-اإليرانية املرتقبة؛ ال بد من التأكيد على أن التوجهات الروسية تندرج ضمن خطة بشار أسد العسكرية بتقليص سيطرة قواته على "سورية املفيدة" املتمثلة في دمشق وحمص والالذقية وطرطوس ،وعلى أن محدودية التحرك الروس ي تندرج في هذا اإلطار؛ إذ إن 48مقاتلة و 6دبابات و 35عربة مدرعة متمركزة في قاعدتي" :حميميم" الجوية و"طرطوس" البحرية ،ال يمكن أن تنفذ عملية "احتالل" أو "اجتياح" للقطر السوري ،خاصة وأن قوام القوات الخاصة وسالح البحرية التي تم حشدها ال يتجاوز 1776 ً ً جنديا روسيا يعمل أغلبهم في مجال تقنيات الرصد والدفاع الجوي.
6
info@OmranDirasat.org | www.OmranDirasat.org
كما أن الضغوط االقتصادية على موسكو تمنعها من شن حملة اجتياح بري واسع النطاق خارج البالد ،إذ إن عملية ّ ضم شبه جزيرة القرم قد فاقمت من الضغوط االقتصادية على روسيا التي باتت تعاني من :العزلة الدولية ،وهبوط أسعار النفط ،وتراجع قيمة الروبل ،وارتفاع معدالت التضخم ،وزيادة أسعار بعض املواد الغذائية األساسية إلى حد 30في املائة. ويجدر التنبيه إلى أن الدعم الروس ي األخير للنظام السوري ليس األول وال األكبر من نوعه؛ فقد حصلت دمشق في السنوات املاضية على منظومات دفاع جوي متطورة ،ومروحيات قتالية ،وقامت موسكو بتطوير وتحديث أسراب طائرات "ميغ" و"سوخوي" منذ عام 2012؛ كما استلم جيش النظام في السنوات األربعة املاضية كميات كبيرة من العربات املدرعة واملدفعية الثقيلة والدبابات املتطورة والذخيرة من مختلف األعيرة ،وكانت االستخبارات الروسية تزود رئاسة األركان في دمشق بأماكن تواجد املعارضة وسبل استهدافها ،دون أن يغير ذلك من ترجح امليزان العسكري لصالح املعارضة أو يساعد على منع نظام بشار املتفكك من االنهيار. وتشير مصادر أمنية مطلعة إلى أن التدخل الروس ي األخير قد جاء عقب معلومات مؤكدة بأن النظام السوري على وشك السقوط ،حيث تقلصت سيطرته على البالد إلى نحو 18باملائة ،في حين استنفذ جيشه 93باملائة من مخزونه من ً الصواريخ ،ولم يعد قادرا على استعادة سيطرته أو إرجاع أي منطقة فقدها في األشهر املاضية ،ودفعت هذه الهزائم بشار ً ً نحو التفكير باستخدام مخزونه من األسلحة الكيميائية املتبقية لحماية العاصمة من الثوار الذي أحرزوا تقدما ملحوظا في األسابيع القليلة املاضية. وال يتوقع أن تسفر عمليات شحن املزيد من قطعان املرتزقة الشيعة إلى األراض ي السورية بتغيير فعلي؛ إذ إن التقارير العسكرية تؤكد فشل سياسة الحشد الطائفي التي يقوم بها قاسم سليماني بسبب قصر فترة تدريب هذه القوات على ستة أسابيع في مخيمات ،وعجز هؤالء املقاتلين عن املواجهة ،وتشير املصادر إلى أن املبادرة اإليرانية-الروسية األخيرة تأتي كمحاولة لوقف االستنزاف املالي الذي تعاني منه طهران بعد أن أنفقت نحو 40مليار دوالر إلنقاذ نظام بشار ،وتوجهها للتركيز على تحسين وضعها االقتصادي عقب االتفاق النووي الذي أبرمته مع الدول الغربية ،إضافة إلى إدراك الحكم في طهران أن قدرتها على دعم بشار ال بد وأن تنضب في ظل الخسائر الكبيرة التي يعاني منها نظامه. وتأتي أنباء حشد إيران للمزيد من املرتزقة على خلفية إنهاك "حزب هللا" وتكبده نحو 1800قتيل و 3000جريح منذ تدخله في سورية ،واضطراره لعقد الهدن مع املعارضة حتى يتمكن من استعادة معنويات قواته املنهارة ،مما يؤكد على أن العمليات املرتقبة ستكون محدودة بإطار زمني ال يتعدى شهرين ،وستنحصر في إطار القيام بضربات ترجيحية تحاول استعادة توازن النظام في املناطق التي فقدها في املعارك األخيرة ،وستشنها قوات منهكة سبق وأن انكسرت في معارك سابقة مع املعارضة.
7
info@OmranDirasat.org | www.OmranDirasat.org
وفي ظل هذه املعطيات؛ يؤكد املسؤولون الروس على أن الهدف من العملية العسكرية يقتصر على :ترجيح كفة النظام، والتوصل إلى وقف إلطالق النار ،والبدء في مفاوضات املرحلة االنتقالية ،وذلك في ظل إدراك الكرملين أنه من غير الواقعي محاولة القضاء على عشرات آالف املقاتلين الذين يتمتعون بأفضلية القتال على أرضهم ،ويستفيدون من تحول االستراتيجية العسكرية لجيش النظام إلى "الدفاع" وفقدانه عنصر املبادرة ،وضعف الكفاءة القتالية للميلشيات التابعة إليران ،وذلك في مقابل توحد فصائل املعارضة واعتمادها تكتيكات قتالية متطورة ،وتحقيقها اختراقات غير مسبوقة في حروب املدن من خالل املواكبة ما بين العمليات النوعية ضد التحصينات الخارجية ،وتوظيف القصف الصاروخي عالي الدقة الستهداف نقاط األمن الداخلية.
نتائج وتوصيات وللتعامل مع مخاطر الحشد الروس ي وعملياته املرتقبة يتعين على املعارضة أن تبادر إلى اتخاذ اإلجراءات التالية: أ.
تبني سياسة "الكمون االستراتيجي" :والذي يتمثل في امتصاص الضربات املبدئية ،واستيعاب عنصر املفاجأة من خالل رصد التحركات واستقراء نمط العمليات املعادية ،وتجنب استدراجها في مواجهات غير متكافئة في هذه ا لفترة الحاسمة.
ب .تنفيذ استراتيجية "إعادة التموضع" :لتشتيت إحداثيات غرفة العمليات املشتركة ببغداد ،وذلك من خالل عدة صيغ أبرزها" :االنتشار الكيفي" ،وتجنب التجمعات ،وشن حرب العصابات ،وتنفيذ العمليات الخاصة ،واملبادرة إلى "إعادة التشكيل". ت .إنشاء "غرفة عمليات سورية مشتركة" :حيث تمثل عملية إغالق غرفة العمليات املشتركة في األردن "املوك" فرصة سانحة إلنشاء غرفة عمليات سورية تعزز مفاهيم األمن الوطني ،وتمنح فصائل املعارضة ما تحتاجه من شخصية اعتبارية في املعادلة اإلقليمية ،وذلك من خالل تبني استراتيجيات "إدارة األزمة" ،واتباع وسائل احترافية لتبادل املعلومات ،ورسم الخطط ،وتقدير املوارد املطلوبة ،وتوظيف مصادر القوة الكامنة بمختلف أبعادها ،ووضع ذلك في إطار قالب تطبيقي يستوعب التحوالت اإلقليمية والدولية وآليات توظيفها في إفشال خطة التدخل الخارجي. ث .إعداد خطة للمحافظة على "املكتسبات االستراتيجية" :عبر تحديد األولويات ،وتنفيذ عمليات اإلخالء ،وتنسيق خطط الكر والفر ،وإعادة التشكل في إطار املحافظة على البؤر االستراتيجية التي اكتسبتها املعارضة ،ومن ثم التوسع في مناطق "الخاصرة الرخوة" التي ال تصل إليها ميلشيات املرتزقة وال تطالها عمليات القصف الجوي. ج .التركيزعلى العمليات النوعية والضربات املوضعية في املناطق اآلمنة للنظام :وذلك من خالل شن عمليات نوعية تطال النظام في مقراته اآلمنة وتستثمر مشاعر السخط في صفوف خزانه البشري الذي يتنامى سخطه من قيادة ً بشار ،وخاصة في قلب العاصمة ومحيطها ،فضال عن محاولة نقل املواجهات إلى مناطق متفرقة في محافظتي الالذقية وطرطوس. 8
info@OmranDirasat.org | www.OmranDirasat.org
ح .إعادة صياغة التحالفات اإلقليمية :حيث يحاول تحالف (موسكو-طهران-بغداد-دمشق) توظيف "فراغ املجال" ً ً الغربي -عسكريا وأمنيا -لفرض عزلة على بعض القوى اإلقليمية وعلى رأسها الرياض وأنقرة ،وال شك في أن االستفادة من هذه القوى كداعم يتجه نحو التحلل من بعض القيود وااللتزامات الدولية ،والتعامل معه كظهير دبلوماس ي يتحدث بقوة في األروقة الدولية ،دون التقليل من قدرة الكوادر السورية التي أنتجتها األزمة على رفد الساحة بأطروحات جديدة في مقابل ترهل الدبلوماسية الدولية ،والدفع نحو مبادرة تقوم على التخطيط السليم والتشكيل البنيوي املتوافق مع متطلبات املرحلة. خ .اإلعداد لخطة تحول سياس ي تحظى بإجماع وطني :تنطلق من منظور وطني وترتكز على مفاهيم االحترافية واالنضباط وتعمل على توفير االحتياجات األساسية للشعب السوري ،وتفهم املتطلبات األمنية لدول الجوار ،واألخذ بزمام املبادرة للتقدم بمبادرة وطنية جامعة على أنقاض الدكتاتورية املتهاوية.
9
info@OmranDirasat.org | www.OmranDirasat.org