مركزعمران للدراسات االستراتيجية ً ً ً دولة ومجتمعا وإنسانا ،ترقى لتكون مؤسسة بحثية مستقلة ذات دور رائد في البناء العلمي واملعرفي لسورية واملنطقة ً مرجعا لترشيد السياسات ولرسم االستراتيجيات. ً ً ً ورافدا ّ لصناع القرار في تأسس املركز في تشرين الثاني/نوفمبر 2013كمؤسسة بحثية تسعى ألن تكون مرجعا أساسا ّ سورية واملنطقة في املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعيةُ .ينتج املركز الدراسات املنهجية املنظمة التي تساند املسيرة العملية ملؤسسات الدولة واملجتمع ،وتدعم آليات اتخاذ القرار ،وتحقق التكامل املعلوماتي وترسم خارطة األولويات. ّ تعتمد أبحاث املركز على الفهم الدقيق والعميق للواقع ،ينتج عنه تحديد االحتياجات والتطلعات م ّما يمكن من وضع الخطط التي ّ يحقق تنفيذها تلك االحتياجات.
املوقع اإللكتروني www.OmranDirasat.org البريد اإللكتروني info@OmranDirasat.org تاريخ اإلصدار 3آب /أغسطس 2016 جميع الحقوق محفوظة © مركز عمران للدراسات االستراتيجية
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
مقدمة أقدمت مجموعة من الجيش التركي في الخامس عشر من تموز الفائت على محاولة انقالبية كان مصيرها الفشل ،املحاولة التي تعد الخامسة من نوعها منذ قيام الجمهورية التركية ،1923حيث سبقها أربعة انقالبات ناجحة كان أولها على الحكومة املنتخبة برئاسة ،عدنان مندريس ،1960في حين كان الثاني في العام 1971وهو ما عرف "بانقالب املذكرة" ،حيث تم بتوجيه أمر استقالة من الجيش إلى رئيس الحكومة ،سليمان ديميريل دون استخدام القوة العسكرية ،أما الثالث فقد كان أشدها دموية وحصل في العام 1980وقاده الجنرال ،كنعان إيفرين ،ليطيح بالحكومة السادسة التي شكلها سليمان ديميريل ،بينما ّ سمي الرابع بانقالب" ما بعد الحداثة" ،والذي جرى عام 1997على حكومة حزب الرفاه برئاسة ،نجم الدين أربكان ،أول رئيس وزراء في تركيا بتوجه إسالمي صريح ،حيث عقب هذا االنقالب تم حظر حزب الرفاه واعتقلت قياداته بما فيهم أربكان ورئيس بلدية اسطنبول آنذاك ،رجب طيب أردوغان . ولعل االنقالبات األربعة التي سبقت انقالب تموز الفاشل تشترك بمجموعة من النقاط أهمها: الذريعة الدائمة لالنقالبات هي حماية املبادئ األتاتوركية التي قامت عليها الجمهورية التركية وعلى رأسها ً العلمانية ،كون الجيش التركي ومنذ تأسيس الجمهورية اضطلع دستوريا بدور الحامي للجمهورية وقيمها. الظرف السياس ي واالقتصادي السابق لالنقالبات كان مهيأ ،من حيث وجود ركود وتراجع في املؤشرات االقتصادية وارتفاع معدالت البطالة وتدني مستوى املعيشة ،باإلضافة لحالة من الفوض ى السياسية والصراعات بين األحزاب التي كانت في بعض الحاالت دموية كما في انقالبي 1971و ،1980األمر الذي كان يساهم بخلق حاضنة شعبية لالنقالب. قيادة االنقالبات كانت تشتمل على كبار الضباط في الجيش التركي ،باإلضافة إلى الوحدات التي تمثل القوة ً ً الضاربة لهذا الجيش ،وخصوصا الجيش األول التركي ،وهو األكثر تعصبا للقيم العلمانية داخل الجيش. وجود غطاء ومباركة دولية لالنقالبات ،وبخاصة من شركاء تركيا في حلف الناتو الذين يرغبون بالحفاظ على الصورة التي تخدم مصالحهم للجمهورية التركية ،كدولة علمانية تقف في وجه االمتداد اإلسالمي خاصة بعد ً نجاح الثورة اإلسالمية في طهران ،وفي وجه تمدد االتحاد السوفييتي سابقا في الشرق األوسط ومن بعده روسيا. ً ومنذ وصوله للحكم في العام ،2002أدرك جيدا حزب العدالة والتنمية الدور الكبير للجيش التركي في الحياة السياسية، ً والحساسية العالية لهذا الجيش اتجاه اإلسالميين ووصولهم للحكم ،لذا حاول على امتداد األربعة عشر عاما املاضية إجراء تغييرات تشريعية ودستورية تخفف من سيطرة هذا الجيش على الحياة السياسية ،تحت غطاء تلبية متطلبات ً ً انضمام تركيا لالتحاد األوروبي مستفيدا في هذا اإلطار من كون االتجاه نحو الغرب هو مطلب أتاتوركي ويلقى تأييدا من كل أطياف الشعب بمن فيهم العلمانيين والليبراليين. ً جيدا هذا امليل لتقليص نفوذه من قبل حزب العدالة والتنمية ،لذلك لم ُ تخل العالقة بين باملقابل كان الجيش التركي يعي الطرفين من املناكفات والتجاذبات طيلة الفترة املاضية من حكم العدالة والتنمية ،لكن اإلنجازات التي حققها العدالة _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة1 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
والتنمية خالل زمن قياس ي ،والتي تمثلت بنهضة حقيقية على مستوى االقتصاد والبنية التحتية والصحة والتعليم والعالقات الخارجية لتركيا ،وقفت في وجه أي محاولة من قبل الجيش لإلطاحة به ،وذلك بسبب التأييد الشعبي الكبير ً ً للحزب داخليا واالرتياح األمريكي لتجربة العدالة والتنمية كحزب إسالمي وسطي يشكل نموذجا لإلسالميين الذين تبحث عنهم الواليات املتحدة األمريكية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر . 2001 بناء عليه تحاول هذه الورقة التحليلية اإلجابة على السؤال الرئيس ي التالي :كيف يمكن تفسيرهذا التحرك االنقالبي من قبل مجموعات داخل الجيش التركي؟ وماهي تداعيات فشله على السياسية التركية الداخلية وخارطة عالقاتها الخارجية؟ ويتفرع عن هذا السؤال الرئيس ي مجموعة من األسئلة الفرعية ،كالتالي: .1ما هي الظروف التي هيأت مناخا مناسبا للتحرك من وجهة نظر االنقالبيين على الصعيدين الداخلي والخارجي؟ .2هل فعال كان هذا االنقالب مفاجئا وغيرمتوقع بالنسبة للحكومة التركية؟ .3ما هي أسباب فشل هذا االنقالب؟ .4هل يعتبررد فعل الحكومة التركية غيرمسبوق ومبالغ فيه؟ .5ما هي انعكاسات تلك املحاولة على صعيد السياسة الداخلية والخارجية التركية؟
أوالً :العالقة بني اجليش وحكومة العدالة والتنمية يبدو أن لبعض عناصر الجيش التركي أسبابها لحمل الضغينة تجاه حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان. فعلى مدار التاريخ التركي ،تمتع الجيش بسطوة كبيرة على الشؤون السياسية في البالد ،وقد نفذ أربع انقالبات عسكرية، ً ً ُمجبرا السياسيين على االستقالة وتعامل مع نفسه دائما على أنه الحارس األوحد للديمقراطية العلمانية ،والذي ال يخضع ُ للمساءلة. ومنذ وصوله إلى السلطة عام ،2002انبرى حزب العدالة والتنمية لتقليص النفوذ السياس ي للجنراالت ،ولتحقيق شروط ً االنضمام لالتحاد األوروبي ،حيث شرعت أنقرة بإجراءات لجعل الجيش خاضعا بشكل أكبر للسلطة املدنية .وقلصت ً صالحيات املحاكم العسكرية لصالح املزيد من الصالحيات للمحاكم املدنية فأصبحت الحكومة تلعب دورا أكثر فاعلية في تعيين القادة الكبار للجيش .وفي أبريل/نيسان ،2007تعرض الجيش لضربة قوية بعد أن نشر على صفحته اإللكترونية ً إنذارا ُسمي فيما بعد بـ "االنقالب اإللكتروني"ُ ،يحذر فيه حزب العدالة والتنمية من مغبة دعم عبد هللا غول املعروف بانتمائه التقليدي للتيار اإلسالمي ،والذي تلبس زوجته الحجاب في انتخابات الرئاسة (.)1
( )1ترشيح عبد هللا جول لرئاسة تركيا لتهدئة املخاوف من "أسلمة" املجتمع ،موقع ،DWالرابط/http://www.dw.com/ar : _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة2 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
أثار األمر حينها حفيظة حزب العدالة والتنمية وأنصاره ودفعهم إلى تأكيد موقفهم وإيصال غول إلى منصب الرئاسة. وهكذا فمن خالل محاولته التدخل ضد الحزب ذو الجماهيرية الكبيرة عرض الجيش نفوذه لضربة قاسية ،وفي أقرب انتخابات بعد "االنقالب اإللكتروني" ازداد التصويت لحزب العدالة والتنمية بنسبة .)2( %13 وفي العام ،2008أطلق حلفاء الحكومة في جهاز القضاء من أنصار فتح هللا غولن تحقيقات واسعة حول أنشطة ضباط الجيش في قضية " أرغينيكون" وقضية "املطرقة" ( ،)3والتي اتهم فيها بعض عناصر الجيش بتدبير انقالب ضد حزب العدالة ُ والتنمية ،حيث جرى حبس العشرات من الجنراالت وتم احتجاز املئات من املسؤولين العسكريين املتقاعدين. ً ً استفتاء على تعديل بعض بنود الدستور التركي القائم حاليا، وفي سبتمبر /أيلول من العام 2010أجرت الحكومة التركية، والذي وصفه الرئيس أردوغان بـ"دستور االنقالبيين" ،باعتبار أن من شرعه في 1982هم قادة االنقالب العسكري الثالث بزعامة كنعان إفرين .وتضمنت تلك التعديالت حزمة متعلقة بتقليص سلطة الجيش ،وهيئة األركان ،واملحاكم العسكرية، والقوى القومية التركية املتشددة على الحياة السياسية ،واملدنية االجتماعية ،لصالح تمكين السلطة السياسية املدنية واملؤسسات املدنية للدولة ،وعدم جواز مقاضاة املدنيين أمام املحاكم العسكرية في غير زمن الحرب ،وحصر مهام املحاكم ّ العسكرية بالنظر في العمليات العسكرية والعسكريين .واألهم كان تعديل املادة 15التي كانت تحصن االنقالبيين من املحاكمة ،حيث تم تعديلها بأثر رجعي ،األمر الذي أدى ملحاكمة قادة انقالب 1980في عام ،2012وقادة انقالب 1997في .)4( 2013 ُ توج الصراع بين الحزب والجيش باالستقالة الجماعية للمجلس العسكري التركي األعلى في أواخر يوليو/تموز ،2011 االستقالة التي اعتبرت آنذاك عالمة فارقة على استسالم الجيش للمدنيين ،وفي أغسطس/آب 2013عينت الحكومة قادة ً جددا للجيش في إطار تغييرات شاملة في القيادات الكبرى تؤكد سيطرتها على القوات املسلحة ،وقدرتها على تحجيم دور الجيش الذي ظل يهيمن خالل حقبة طويلة على الحياة السياسية في البالد .وقرر مجلس الشورى العسكري األعلى -في اجتماع ترأسه رئيس الوزراء أردوغان-تعيين الجنرال خلوص ي أكار قائدا للقوات البرية ،وتعيين نائب األميرال بولنت بستان ً ً ً أوغلو قائدا للقوات البحرية ،والفريق أكين أوزترك قائدا للقوت الجوية ،والجنرال ثروت يوروك قائدا لقوات األمن (.)5 بعد ذلك الحين ظهرت عدة مؤشرات تدل على ابتعاد الجيش عن الحياة السياسية ،وخضوعه لسلطة الحكومة املدنية املنتخبة ،ولعل أصدق تعبير عن تلك الحالة كان في ديسمبر/كانون الثاني ،2013حيث تعهد الجيش بعدم التدخل فيما ُوصف بأنه "فضيحة فساد" تتعلق بالحكومة ،دعت بسببها املعارضة جماهيرها إلى تنظيم مظاهرات للمطالبة برحيل الحكومة .وأكدت القوات املسلحة التركية أنها "ستحرص بشدة على تفادي الجدل السياس ي وتبعد نفسها عن أية آراء وتشكيالت سياسية" .ثم مرر البرملان التركي في شباط فبراير 2014تعديالت جديدة على قانون الجيش صادق عليها رئيس الجمهورية عبد هللا غل .ويقض ي أبرز هذه التعديالت بفتح الطريق أمام إمكانية محاكمة رئيس هيئة األركان العامة وقادة ( )2املصدر :املرجع نفسه. ( )3عالقة أردوغان بالجيش .أهم املحطات ،الجزيرة نت ،الرابط/http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2016/7/19 : ( )4تقديم رئيس الجمهورية التركي األسبق كنعان إيفرن للمحاكمة على دوره في انقالب BBC ،1980عربي ،الرابط: http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2012/01/120110_turke_evren_trial.shtml ( )5عالقة أردوغان بالجيش أهم املحطات ،الجزيرة نت ،مرجع سبق ذكره. _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة3 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
القوات املسلحة وقوات الدرك أمام محكمة الديوان العليا بدل املحكمة الجنائية ،في حال ارتكابهم جرائم تتعلق بمناصبهم ،األمر الذي يعني تطويق الحكومة املدنية ألي إمكانية النقالب الجيش عليه ،.وتمت ترجمة حالة الهدوء في العالقة بين الجيش والحكومة إلى جملة من أحكام البراءة صدرت عن املحاكم التركية في عامي 2015-2014بحق ما يقارب 300ضابط ،اتهموا بالتآمر ومحاولة االنقالب على حكومة العدالة والتنمية في قضايا "أرغنيكون" و" املطرقة" . ما استعرضناه من سياق العالقة بين حكومة العدالة والتنمية والجيش التركي ،يشيرإلى حالة من عدم الثقة املتبادلة بين الطرفين ،اتسمت بمحاوالت احتواء دور الجيش في الحياة السياسة وإعادته إلى دوره الطبيعي في حماية الحدود فقط من جانب الحكومة ،مقابل حالة من عدم القبول واملقاومة املستمرة من قبل الجيش -الذي يعتبرنفسه الحامي للمبادئ العلمانية-لخسارة موقعه املسيطرعلى املشهد السياس ي التركي. لذا فإن الجيش التركي وإن بدا بمجمله قد رضخ للحكومة وابتعد عن التدخل في الشأن الداخلي ،إال أن انقالب تموز الفاشل قد بين وجود مجموعة داخل هذا الجيش ترفض هذا الخضوع ،وأنها كانت تنتظر اللحظة املناسبة لالنقالب على حكومة العدالة والتنمية وإعادة الحالة التركية إلى ما كانت عليه قبل العام ،2002مدفوعين على ما يبدو بقناعة أن ما ً ً غطاء دوليا لالنقالب. تعيشه تركيا من حالة عزلة خارجية وتوترات داخلية قد يخلق لهم
اثنياً :الوضع اخلارجي واالنعطافة اخلاطفة (رفع الغطاء الدويل) يبدو أن االنعطاف الخاطف في العالقات الخارجية التركية ،والذي سبق االنقالب بفترة وجيزة؛ كسر من حالة العزلة التي كانت تعيشها الحكومة التركية ،وحرم االنقالبيين من استغاللها كغطاء دولي لتحركهم ،لذا من األهمية بمكان دراسة هذا االنعطاف والتحول كمرحلة سابقة لالنقالب ،وأساس الستشراف التحوالت التي ستشهدها السياسة ً التركية الداخلية والخارجية بعده ،فبقدر ما كان االنقالب الفاشل في تركيا 15تموز 2016مفاجئا؛ بقدر ما كانت بعض ً أسبابه مفسرة للتحول في السياسة الخارجية التركية الذي حدث قبل أسبوعين فقط ،والذي تمثل بحدثين هامين جدا: األول :املرونة التي أبداها الرئيس رجب طيب أردوغان فيما يتعلق باملطالب الروسية إلعادة العالقات بين البلدين إثر الخالف حول إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا. الثاني :تسوية الخالف مع إسرائيل املتعلق بسفينة مرمرة وإبداء مرونة حول شرط رفع الحصار عن غزة إلعادة تطبيع ً العالقات تدريجيا مقابل االعتذار والتعويض لذوي الضحايا. إن تلك املصالحات املفاجئة واملتزامنة الحدوث بفارق يوم واحد كانت صادمة للجميع ،حيث اقتصرت معظم التحليالت التي تناولتها على ربطها بحالة العزلة الدولية التي باتت تعيشها تركيا مع ازدياد أعدائها بعد أزمة الطائرة الروسية ،وحالة الجفاء والفتور بينها وبين الواليات املتحدة األمريكية بسبب تضارب وجهات النظر حول األزمة السورية ،وانقطاع العالقة مع مصر بعد انقالب السيس ي ،ومع العراق على خلفية محاولة دخول الجيش التركي إلى شمال العراق ،وتوتر العالقات التركية اإليرانية بسبب امللف السوري وتقارب تركيا مع السعودية ،باإلضافة إلى تعرقل تطبيق اتفاق أنقرة مع االتحاد األوروبي حول الالجئين ،والذي كان يمكن أن يشكل أحد بنوده واملتعلق بإعفاء األتراك من تأشيرة الدخول إلى االتحاد _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة4 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
األوروبي خطوة باتجاه انضمام تركيا إلى االتحاد األوروبي ،بحيث باتت تركيا تتجه نحو صفر أصدقاء بدل من صفر مشكالت وهي االستراتيجية املعلنة لحزب العدالة والتنمية منذ وصوله للحكم. ً بتحد اقتصادي نتيجة العقوبات التي ولكن لم يكن متوقعا أن تنعكس تلك األزمات على الداخل التركي ،والتي تمثلت ٍ فرضتها موسكو على املنتجات التركية وتعليق بعض االتفاقيات الهامة املتعلقة بالطاقة بين البلدين ،إضافة الرتفاع وتيرة العمليات اإلرهابية التي ضربت املدن التركية الكبرى (أنقرة واسطنبول) وانهيار اتفاق التهدئة مع حزب العمال الكردستاني وعودة االضطرابات إلى محافظات الجنوب التركي وخسائر القوات التركية التي تجاوزت الخمسمائة جندي خالل عام، وازدياد احتماالت تشكل إقليم كردي في سورية قد يصل ببعض الضباط األتراك لالنقالب. إال أن ما رشح من معلومات حول االنقالب يشير إلى أن هذا التحرك العسكري كان ضمن حسابات الحكومة التركية، وأنها باغتته بتغييرات على صعيد السياستين الداخلية والخارجية ساهمت بإحباط إمكانية استغالل االنقالبيين لتوتر العالقات الخارجية التركية وإشكاليات السياسة الداخلية بين حزب العدالة والتنمية وأحزاب املعارضة بأطيافها املتنوعة لتشكيل غطاء شرعي لالنقالب ،مما جعل االنقالب حركة ارتجالية من ضباط تحت املراقبة غامروا بالتحرك كخيارأخير ،قبل أن يتم اجتثاثهم في اجتماع مجلس شورى الجيش التركي املقرر بعد شهرمن تاريخ االنقالب .وضمن هذا السياق يمكن فهم سبب عزم حكومة بن علي يلديريم على إعادة هيكلة العالقات الخارجية التركية والعودة إلى سياسة صفرمشاكل ،لرفع أي غطاء دولي محتمل ألي تحرك عسكري متوقع داخل صفوف الجيش.
إسرائيل وموسكو (امللفات متشابكة) يشير حرص تركيا على تطبيع العالقات مع إسرائيل ،والذي أنهى التوتر املتصاعد منذ عام ،2010بالتوازي مع تحسين العالقات مع روسيا ،إلى أنها تسعى إلى خلق فضاءات للمناورة في سياستها الخارجية ،وهو ما يعود إلى اعتبارات عديدة، يرتبط بعضها بالتطورات املتسارعة التي تشهدها الساحة الداخلية التركية ،ويتعلق بعضها اآلخر بالتداعيات التي فرضتها تلك السياسة على مصالح تركيا التي تواجه تحديات عديدة خالل الفترة الحالية في ظل تصاعد العمليات اإلرهابية في بعض املدن الرئيسية واستمرار األزمة السورية دون تسوية. قد يفسراتجاه تركيا نحو تسوية املشكالت العالقة مع كل من روسيا وإسرائيل في وقت واحد في ضوء اعتبارات عدة، نذكرأهمها: أوال :احتواء املشكالت تسعى أنقرة إلى العودة من جديد لتبني سياسة تقليل األعداء مع بعض القوى املعنية بأزمات الشرق األوسط ،بعد أن تصاعدت تلك اإلشكاالت بدرجة غير مسبوقة ،سواء مع روسيا بسبب أزمة إسقاط املقاتلة الروسية في نوفمبر ،2015 أو مع إسرائيل بسبب أزمة الهجوم اإلسرائيلي على "أسطول الحرية" في عام ،2010أو مع الواليات املتحدة األمريكية في ظل الخالف حول التعامل مع تطورات األزمة في سورية ،السيما فيما يتعلق باملوقف من دور امليليشيات الكردية في الحرب ضد تنظيم "داعش" ومن إقامة منطقة آمنة في شمال سورية ،أو مع إيران التي تتباين مصالحها وسياستها مع تركيا بشكل كامل في سورية .وقد انعكس هذا التوجه الجديد الذي تتبناه أنقرة في تصريحات رئيس الوزراء ،بن علي يلدرم ،والتي أكد _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة5 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
ً تحديدا يشير إلى حرص يلدرم على انتهاج سياسة فيها أن "تركيا تسعى إلى تقليص األعداء وزيادة األصدقاء" ،هذا التصريح ً جديدة تعيد فتح عالقات توترت سابقا من خالل "تصفير املشكالت" مع دول الجوار ،والتي بدا أنها واجهت عقبات عديدة بسبب تحول أنماط عالقات تركيا مع معظم تلك الدول من التعاون إلى الصراع والخالف في األعوام األخيرة. ثانيا :تقليص وتفكيك حجم الضغوط ً تعرضت تركيا لعدة ضغوطات بسبب سياستها الخارجية ،ال سيما تجاه األزمة السورية ،حيث بدا جليا أن األكراد حاولوا استثمار التوتر التركي –الروس ي من أجل الحصول على مكاسب سياسية من أنقرة .وقد كان إسقاط مقاتلي حزب العمال ً الكردستاني ملروحية تركية بصاروخ روس ي الصنع في مايو ،2016فضال عن التقارب امللحوظ بين روسيا واألكراد ،والذي انعكس في الزيارات التي قام بها بعض املسؤولين األكراد إلى موسكو ،إشارة إلى التداعيات السلبية التي يمكن أن ينتجها استمرار التوتر في العالقات بين أنقرة وموسكو ،وبعبارة أخرى ،فإن أنقرة سعت من خالل تقليص حدة التوتر في العالقات مع موسكو ،إلى فرض مزيد من الضغوط على األكراد ،في ظل الصراع املتصاعد بين الطرفين ،سواء بسبب اتهام تركيا لألكراد بممارسة أنشطة إرهابية ،أو بسبب مخاوفها من احتماالت تعزيز دورهم في سورية في ظل الدعم الدولي ً الذي تحظى به بعض امليليشيات الكردية بسبب دورها في الحرب ضد "تنظيم الدولة االسالمية" .ومثل ذلك بدوره محورا للخالف مع بعض القوى الدولية ،خاصة الواليات املتحدة األمريكية ،التي ترى أن الدور الذي تقوم به امليليشيات الكردية ً حيوي في إلحاق أكبر قدر من الخسائر في صفوف التنظيم .وقد كانت تلك املخاوف سببا في الجهود الحثيثة التي بذلتها أنقرة من أجل منع األكراد من املشاركة في املفاوضات التي تجري بين النظام السوري ووفد املعارضة في جنيف للوصول إلى تسوية سياسية لألزمة السورية ،والتي توقفت في الفترة الحالية بسبب استمرار امللفات الخالفية العالقة بين األطراف املعنية باألزمة. ثالثا :التنسيق السياس ي األمني تسعى تركيا إلى رفع مستوى التنسيق السياس ي واألمني مع كل من روسيا وإسرائيل في التعامل مع تطورات األزمة السورية، خاصة في ظل األهمية التي تبديها موسكو وتل أبيب لتلك األزمة ،حيث تحولت األولى إلى طرف رئيس ي في الصراع بعد رفع مستوى انخراطها العسكري والسياس ي في األزمة ،فيما تتابع الثانية بدقة تطورات املواجهات املسلحة بين النظام السوري وحلفائه ،ال سيما حزب هللا اللبناني ،وقوى املعارضة املسلحة إلى جانب نشاط التنظيمات اإلرهابية ،خاصة "تنظيم الدولة ". وهنا ،فقد تعتبر أنقرة أن تحسين العالقات مع كل من موسكو وتل أبيب يمكن أن يساعدها بإعادة تفعيل دورها في "األزمة" السورية ،الذي تراجع في الفترة املاضية ،بسبب اتساع نطاق الخالف مع واشنطن حول املوقف من الدور الكردي ً في الحرب ضد "تنظيم الدولة" وإقامة منطقة آمنة في شمال سورية ،فضال عن اتجاه واشنطن إلى التفاهم مع موسكو ً حول الوصول إلى تسوية سياسية "لألزمة" بشكل ،ربما ينتج تداعيات ال تتوافق بدرجة ما مع مصالح أنقرة .فضال عن ذلك ،فإن رفع مستوى التنسيق السياس ي والعسكري من خالل تحسين العالقات مع موسكو وتل أبيب يمكن أن يساعد أنقرة في التعامل مع التهديدات التي تتعرض لها بسبب تصاعد حدة العمليات اإلرهابية التي تقع داخل املدن التركية الرئيسية مثل اسطنبول وأنقرة. _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة6 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
رابعا :املصالح االقتصادية ً كان للمصالح االقتصادية دورها في اتجاه تركيا إلى تحسين العالقات مع روسيا وإسرائيل ،حيث بدا واضحا أن التوتر في العالقات مع موسكو فرض خسائر عديدة على االقتصاد التركي بسبب تراجع السياحة الروسية وتقييد استيراد املواد الغذائية من تركيا ،في الوقت الذي عاني فيه االقتصاد من تحديات عديدة ،ال سيما وأن روسيا تزود تركيا بأكثر من )6( %70من وارداتها من الغاز الطبيعي وبأسعار تفضيلية ،األمر الذي يجعل من الصعب على األتراك إيجاد بدائل عن الغاز الروس ي .إضافة إلى ذلك يلحظ ارتباط الطرفين بمشاريع استراتيجية مثل العقد الروس ي إلنشاء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية بقيمة 20مليار دوالر في مدينة مرسين التركية ( ،)7وخط السيل التركي الذي ينقل الغاز الروس ي إلى ً أوروبا عبر األراض ي التركية ،والذي يعد استراتيجيا لروسيا بقدر ما يخدم املصلحة التركية بالتحول إلى ممر لنقل الطاقة ً ً إلى أوروبا .وهنا يلعب الغاز اإلسرائيلي املكتشف حديثا في حقول البحر املتوسط دورا في حاجة الطرفين التركي واإلسرائيلي إلى تصفية الخالفات بينهما ،كون تركيا ترغب باستيراد الغاز اإلسرائيلي لتنويع مصادرها .وباملقابل تعتبر إسرائيل السوق ً التركية سوقا واعدة ومغرية بالنسبة لها ،كما تحاول تركيا استجرار الصادرات اإلسرائيلية من الغاز للمرور عبر أراضيها، لقطع الطريق على املشروع الذي تعتزم إسرائيل إقامته بالتعاون مع قبرص واليونان ملد خط أنابيب ينقل غاز إسرائيل وقبرص عبر البحر إلى اليونان ومن ثم إلى أوروبا ،وهو ما تم االتفاق بين الدول الثالثة على تشكيل لجنة لدراسته عقب اجتماع جمع قادة البلدان في كانون الثاني/يناير .)8( 2016
اثلثاً :الوضع الداخلي (مؤشرات) منذ وصوله للحكم في العام ،2002استطاع حزب العدالة والتنمية تحقيق نقلة نوعية شاملة في تركيا على صعيد االقتصاد التركي والبنية التحتية والصحة والتعليم والعالقات الخارجية من حيث االنفتاح على املنطقة العربية وإنجاز العديد من الشروط الالزمة النضمام تركيا لالتحاد األوروبي ،األمر الذي وسع من قاعدته الشعبية وزاد من حجم التأييد ً له في الشارع التركي ،مما انعكس في قدرته على البقاء في السلطة ملدة 14عاما .ولكن ومع بداية الربيع العربي في العام 2011 وانخراط تركيا كداعم واضح لتطلعات الشعوب ،وخاصة الثورة السورية ،بدأت تظهر بعض املؤشرات املعارضة للسياسة التي ينتهجها العدالة والتنمية في األوساط السياسية والعسكرية نتيجة األعباء التي تركتها سياسة االنخراط في الشرق األوسط على الوضع الداخلي التركي .لذلك يبدو أن انعكاس أزمات تركيا الخارجية على الوضع الداخلي بشكل أزمات مركبة (سياسية ،أمنية ،اقتصادية) ،شكل مؤشرات وثغرات يبدوأن االنقالبيين التقطوها وتصوروا بأنها يمكن أن تعطي لتحركهم زخما شعبيا وغطاء شرعيا. ويمكن إجمال أبرز توترات الوضع الداخلي التركي خالل السنوات الخمس املاضية في النقاط التالية:
( )6روسيا تدعم تحول تركيا إلى معبر طاقة عالمي ،صحيفة العربي الجديد ،الرابطhttps://www.alaraby.co.uk/economy/2014/12/15 : ( )7املرجع ذاته ( )8اتفاق املصالحة التركي اإلسرائيلي وتداعياته ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،تقدير موقف ،2016ص.3 _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة7 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
" األزمة" السورية :عاد امللف السوري بتداعيات عدة على حكومة العدالة والتنمية ،حيث رتب أعباء مالية على كاهل تركيا ،فعالوة على االستنزاف املادي بسبب التكلفة الباهظة لدعم املعارضة املسلحة ولصد طموحات حزب ً العمال الكردستاني في سورية ،تحملت أيضا تكلفة باهظة إليواء 3ماليين من الالجئين السوريين. ً ً ُ الصعود اإلسالميُ :يعد توجه تركيا نحو العالم العربي واإلسالمي سياسيا واقتصاديا قبيل أحداث الربيع العربي أحد أسباب االحتقان الداخلي بين أحزاب املعارضة وجماعة غولن مع حزب العدالة الحاكم .وتتهم أحزاب ً املعارضة حزب العدالة بأنه دعم أحزابا إسالمية للوصول للحكم في دول عربية بما ُيعتبر لدى البعض مؤشرات داخلية خطرة على علمانية الجمهورية التركية .كما أن دور تركيا في دعم التحالف اإلسالمي على اإلرهاب الذي دعت إليه السعودية وغيره من املبادرات مع الدول املسلمة تم تصديره بأنه ابتعاد عن الحليف األمريكي ً ً واألوروبي ،وال يخفى أن هذه املواقف القت إعجابا وتأييدا من بعض األطراف الغربية .كما أن "الخطاب اإلسالمي" املتزايد للحزب وانفتاحه املتزايد مع الحركات اإلسالمية في الدول العربية أدى ملزيد من االحتقان الداخلي. االحتجاجات الشعبية :في الثامن والعشرين من أيار 2013اندلعت في تركيا موجة من االحتجاجات الشعبية على تعامل أجهزة األمن التركية مع اعتصام قريب من "حديقة غيزي " ( ،)9يناهض سياسات الحكومة البيئية وخطتها في توسيع ساحة تقسيم في تلك املنطقة .إال ّ أن ما ّ أجج تلك االحتجاجات هو الدعاية التحريضية التي ً ّ الحريات ،و"فضائح الفساد التي طالت حزب العدالة استغلتها املعارضة التركية حول ما يرونه تضييقا على ً ّ العلمانية وغير والتنمية نفسه وعددا من وزرائه ،وتزايد سطوة الحزب الحاكم وتهديد مبادئ الدولة التركية ذلك" (.)10 النظام الرئاس ي :طرح الرئيس رجب طيب أردوغان تحويل النظام التركي إلى نظام رئاس ي ،األمر الذي أدى إلى تصاعد األصوات املعارضة لهذا الطرح في الشارع التركي ،وانعكس ذلك في نتائج انتخابات حزيران /يونيو 2015 والتي لم يتمكن فيها الحزب من الحصول على األغلبية البرملانية الالزمة لتشكيل الحكومة بمفرده ،حيث حاز على %41من األصوات فقط ،وترافق ذلك بصعود نجم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (.)11 أزمات اقتصادية :كان لتوتر عالقات تركيا مع محيطها اإلقليمي ،ودخولها في صدامات دبلوماسية مع روسيا بعد إسقاطها لطائرة روسية على الحدود التركية السورية ،وتعرضها لعقوبات روسية آثار صعبة على االقتصاد التركي ،من حيث تراجع السياحة والصادرات التركية وارتفاع نسبة التضخم ( ،) 12األمر الذي انعكس على املستوى املعيش ي للمواطن التركي (.)13
( )9للمزيد حول أحداث حديقة "غيزي" راجع الرابط التاليhttp://www.noonpost.net/content/2865 : ( )10احتجاجات تركيا تمتد ملدن أخرى ،الجزيرة نت ،2013-6-1 ،الرابط/http://www.aljazeera.net/news/international/2013/6/1 : ( )11انتخابات تركيا :حزب العدالة والتنمية الحاكم يخسر األغلبية املطلقة BBC ،عربي ،الرابطhttp://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/06/150607 : ( )12افتكار مانع ،العقوبات الروسية على تركيا األبعاد واالنعكاسات ،الجزيرة نت ،الرابط/http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2015/12/2: ( )13تركيا تزيد الضرائب على السجائر والخمور ،الجزيرة نت ،الرابطhttp://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2016/1/3 : _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة8 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
توترات حزبية :ظهرت تجاذبات داخل حزب العدالة والتنمية كانت تتفاعل منذ فترة ليست بالقصيرة ،بين طرفين داخل الحزب ،طرف يمسك بزمام األمور ،يتلقى التوجيهات من الرئيس رجب طيب أردوغان بشكل مباشر، ً ً وطرف آخر أقل حجما وأضعف تأثيرا يلتف حول رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو ،وانتهت تلك التوترات بغياب عبد هللا غول عن املشهد السياس ي واستقالة أحمد داوود أوغلو. الحريات العامة :ارتفعت وتيرة حمالت منظمة ضد الحكومة التركية ترفع ادعاءات قمع الحريات العامة من قبل منظمات حقوقية وصحفية ،وبلغت تلك الحمالت أوجها في قضية محاكمة الصحفي جان دوندار في أيار/مايو ،2016والتي حضرها ستة من قناصل الدول األوروبية في خطوة استفزازية للحكومة التركية تعبر عن احتجاج غربي على تلك املحاكمة. التهديد األمني :انهيار اتفاق الهدنة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني ،واستئناف األخير لعملياته اإلرهابية املوجهة ضد الجيش التركي ،والتي أدت إلى قتل مئات الجنود األتراك ،باإلضافة إلعالن داعش عن تبني العديد من الهجمات اإلرهابية على األراض ي التركية ،األمر الذي أدى إلى تشكل حالة من القلق في الشارع التركي ً ً نتيجة ما يراه البعض تقصيرا أمنيا داخل الجيش التركي واألحزاب التركية املعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري حول األخطاء التي ترتكبها الحكومة في تعاطيها مع امللف السوري. لقد عمل حزب العدالة على إجراء العديد من املراجعات الداخلية ملحاولة احتواء التوترات الداخلية ومعالجة أسبابها سواء املفتعلة من جهات مصلحية أو دولية أو الحقيقية -وخاصة بعد انتخابات حزيران/يونيو ،-2015والتي من شأنها سحب املبررات املوجبة ألي انقالب محتمل .ومن أبرز اإلجراءات الداخلية: .1إدراك حزب العدالة والتنمية ملا حملته نتيجة انتخابات حزيران/يونيو 2015من مضامين ،وتنامي أطروحات ّ ّ ً جيدا تشكيل حكومة ائتالفية جامعة .فدخل مع باقي األحزاب في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتالفية ،واستغل إعالن حزب الحركة القومي اليميني عن رفضه املشاركة في حكومة ائتالفية مع "العدالة والتنمية" ،وهو ما فعله ً حزب الشعوب الديموقراطي ،وكذلك حزب الشعب الجمهوري ،الذي ّ قدم مطالب وشروطا شبه تعجيزية .وقدم حزب العدالة والتنمية نفسه بصفته الحزب الوحيد القادر على قيادة تركيا وتوحيد الصف الداخلي ،وإعادة ً االستقرار السياس ي االقتصادي األمني لهاّ ،متهما أحزاب املعارضة باملسؤولية عن حالة عدم االستقرار لرفضها تشكيل ائتالف مستقر. ّ .2 غير حزب العدالة والتنمية كذلك تكتيكاته واستراتيجيته االنتخابية بالكامل ،حيث أعاد تشكيل الئحة ً ً مرشحيه ،لتكون أكثر قبوال ،خصوصا في املناطق الكردية ،وأنجز تفاهمات مع زعماء العشائر وقادتها. .3قاد رئيس الوزراء زعيم الحزب ،أحمد داود أوغلو الحملة االنتخابية للحزب ،وغاب الرئيس رجب طيب أردوغان عن واجهة الحملة ،كما تم إبعاد بند النظام الرئاس ي املثير للجدل عن جدول األعمال ،تلك اإلجراءات ساهمت بازدياد شعبية الحزب التي تراجعت في انتخابات يونيو خالل خمسة أشهر فقط لترتفع بمعدل %9في انتخابات ً ً نوفمبر 2015ليحصد الحزب 317مقعدا من أصل 550مقعدا في البرملان التركي ،مع تراجع شعبية باقي األحزاب.
_______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة9 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
.4قدرة قيادة حزب العدالة والتنمية على تصفية الخالفات داخل الحزب بهدوء وعبر التفاهمات ،وعدم تصدير تلك األزمة إلى خارج نطاق الحزب ،حيث ظهر الحزب موحد الصفوف وصعب التفتيت من الداخل ،األمر الذي عبر عنه رئيس الحزب املستقيل داوود أوغلو في كلمته الشهيرة 5مايو /أيار 2016التي أعلن فيها عدم ترشحه لرئاسة الحزب. ً .5تعيين بن علي يلدرم رئيسا للحكومة ،وهو "رائد التنمية ومهندس تطوير البنية التحتية التركية" ،في رسالة تثبت ً التزام حزب العدالة والتنمية بخطته التنموية وصوال إلى تحقيق رؤيته لتركيا ،2023وقد بدأ يلدرم منذ األيام األولى لتوليه الحكومة بطرح مشروعات تنموية خاصة في الواليات ذات األغلبية الكردية ،وأعلن عن تقريب مواعيد افتتاح بعض املشروعات االستراتيجية مثل مشروع نفق أوراسيا.
رابعاً :االنقالب الفاشل ورد فعل احلكومة
ً شكلت جملة العوامل الداخلية والخارجية على ما يبدو مجاال يمكن استغالله لالنقالب على حكومة العدالة والتنمية، ً والتي تشير عدم قدرتها على كشف املوعد الدقيق لتحرك االنقالبيين مسبقا؛ إلى أنها أم َنت في الفترة األخيرة جانب الجيش. ولعل تأجيل تسريح بعض الضباط املشكوك فيهم إلى آب/أغسطس موعد انعقاد املجلس األعلى للقوات التركية قد يدلل ً على ذلك ،ومنهم قائد االنقالب أكين أوزتورك الجنرال الذي أقيل من رئاسة القوات الجوية التركية ،ولكنه بقي عضوا في املجلس األعلى ،لذا يبدو أنه اختار التحرك في هذا الوقت. باملقابل يبدو أن االنقالبيين غاب عنهم دراسة مزاج الشارع التركي وهو أمر معتاد في تعاطي العسكر مع املدنيين ،لذا استخدموا الوسائل التقليدية لالنقالب ونزلت الدبابات إلى الشوارع وتمت السيطرة بالقوة على وسائل اإلعالم ،وأذيع البيان األول لالنقالبيين ،موجهين عبره رسالتين األولى :كانت للداخل التركي وتمحورت حول حماية قيم الجمهورية والعلمانية .والثانية :كانت للخارج وحملت إشارات لتغيير السياسة الخارجية التركية ،حيث تم التعبير عن رغبة االنقالبيين بتأسيس عالقات أقوى مع املنظمات واملجتمع الدوليين "إلحالل السالم واالستقرار العالمي" ،ولعل تلك الرسالتين تدعمان ما تقدم من تحليل حول عالقة الظروف الداخلية والخارجية التي تمر بها تركيا وتوقيت تحرك االنقالبيين. حسم الشعب التركي خياره ليلة االنقالب ودافع عن خياره الديمقراطي وحكومته الشرعية ،وأفشل املحاولة االنقالبية في موقف بطولي يعبر عن ديمقراطية راسخة ورفض العودة إلى عصراالنقالبات وعدم االستقرار ،لتبدأ بعدها قوات األمن الداخلي التركية بتصفية فلول االنقالبيين ،ومن يقف وراء تلك املحاولة الفاشلة من عسكريين ومنتسبين إلى ما يعرف بـ "جماعة الخدمة " أو "الكيان املوازي" التابع لفتح هللا غولن ،والذي اتهمته الحكومة التركية بالوقوف خلف تلك املحاولة. وشنت الشرطة التركية حملة اعتقاالت طالت بحسب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب متلفز يوم السبت 23 تموز /يوليو 13165 " ،من بين هؤالء 8838عسكريا و 2101من القضاة واملدعين العامين و 1485من الشرطة ،و 52من رؤساء الخدمة العامة و 689مدنيا" ،وبحسب الرئيس" تم غلق 934مدرسة و 15جامعة ،إلى جانب 104منظمات و1125 _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة10 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
جمعية .وقد تمت مصادرة كل ممتلكاتهم من قبل الدولة" ،14كما بلغ عدد من تسريحهم من وظائفهم 45ألف موظف في مختلف املؤسسات التركية (.)15 حملة االعتقاالت والتسريحات تلك رغم أنها تمت في سياق قانوني ودستوري إال أنها أحدثت ضجة إعالمية كبرى ،وأثارت عاصفة من التصريحات األوروبية واألمريكية التي اعتبرت ما يحدث "عملية انتقامية" من طرف الحكومة ،لكن رد فعل ً ً األخيرة على االنقالب والذي شكل فرصة لها الجتثاث "الكيان املوازي" من جذوره ،يالقي تأييدا شعبيا في تركيا كونه لم يخرج عن إطار املألوف التركي في مثل هذه الحاالت ،فاالعتقاالت والتسريح في املؤسسات العسكرية واملدنية هو ما كان يحدث ً عقب أي انقالب في تركيا ،والفارق هنا أن االنقالب كان فاشال فقامت الحكومة بتلك االعتقاالت وليس العكس. ً ففي االنقالب األول الذي شهدته تركيا في العام 1960تم إقالة 235قائدا وأكثر من 3000ضابط مكلف على التقاعد؛ وتم تسريح أكثر من 500قاض ونائب عام ،و 1400من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات؛ وتم إعدام رئيس الحكومة عدنان مندريس ووزير الخارجية فطين زورلو ووزير املالية حسن بوالتكان ( .)16أما االنقالب الثاني والذي عرف بانقالب املذكرة، دون تدخل الجيش بقوات على األرض ،فقد أعقبه تعطيل الدستور وحظر للعديد من األحزاب والنقابات العمالية والتنظيمات الشبابية (.)17 ً وفي 1980كانت حصيلة انقالب كنعان إيفرين اعتقال 650ألف شخص ،ومحاكمة 230ألف شخص ،و 517حكما ً ُ باإلعدام ،و 299حالة وفاة بسبب التعذيب ،كما انتحر 43شخصا وقتل 16أثناء هروبهم ،واعتبر اآلالف في عداد ً ً ً ً املفقودين ،ناهيك عن إقالة 3654مدرسا و 47قاضيا و 120أستاذا جامعيا ،ورصدت األجهزة األمنية التابعة لالنقالب ً مليون ونصف مواطن تركي وقيدتهم في سجالت األمن كمطلوبين أمنيا وخطر على األمن القومي التركي ،وفر 30ألف شخص من املعارضين واملفكرين وطلبوا حق اللجوء السياس ي خارج تركيا ،وتم إسقاط الجنسية عن ما يقارب 13ألف مواطن تركي (.)18 ً في حين أعقب انقالب "ما بعد الحداثة" عام 1997حظر لحزب الرفاه بحكم قضائي وفقا لقانون 1982بتهمة "السعي إلى تطبيق الشريعة وإقامة النظام الرجعي" ،وتم إيداع رئيس الحزب نجم الدين أربكان في السجن مع مجموعة من قادة حزبه ومنهم رجب طيب أردوغان ،وحرمان بعضهم من العمل السياس ي ملدة 10-5سنوات (.)19
خامساً :املآالت احملتملة
ً ً ً ً ً رغم فشل االنقالب ،إال أنه سيشكل تحوال كبيرا ومنعطفا هاما في الحياة السياسية التركية عامة وفي مسيرة حزب العدالة بشكل خاص ،وسيرتب عليه تسريع وتيرة التغيرات الداخلية والخارجية التي بدأها قبل االنقالب؛ الستدراك والتنمية ٍ ( )14أردوغان يعلن حصيلة املعتقلين بعد محاولة االنقالب الفاشلة ،موقع املحيط ،الرابط/http://www.moheet.com/2016/07/24/2453000 : ( )15تركيا ..إطالق سراح 1200جندي وتسريح 45ألف موظف ،أورينت نيوز ،الرابط/http://orient-news.net/ar/news_show/118303/0 : ( )16انقالب عام ،1961موقع تركيا بوست ،الرابطhttp://www.turkey-post.net/p-tag/ : ( )17تاريخ االنقالبات التركية ،موقع روسيا اليوم ،الرابطhttps://arabic.rt.com/news/832499 : ( )18االنقالبات العسكرية في تركيا الحديثة ،موقع ،sasapostالرابطhttp://www.sasapost.com/4-military-coups-in-modern-turkey : ( )19املصدر :املرجع نفسه. _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة11 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
األخطاء التي تم استغاللها من قبل االنقالبيين .وبناء على ذلك يمكن استخالص بعض النتائج التي ستتمخض عن تلك املحاولة االنقالبية الفاشلة ،على صعيد السياسة التركية الداخلية والخارجية:
على الصعيد الداخلي
ً ً .1ستشهد الفترة املقبلة تركيز ا لجهود الحكومة التركية على استكمال ما بدأته فورا عقب االنقالب من عملية "اجتثاث" نهائي ملا يسمى الكيان املوازي املوالي لفتح هللا غولن ،ومحاوالت تطهير كافة املؤسسات التركية من أنصاره ،وبخاصة القضاء والتعليم. .2استمرار عملية إعادة الهيكلة الشاملة للجيش وقوى األمن الداخلي والشرطة التركية ،والتي كانت بداياتها من اجتماع املجلس األعلى للجيش التركي ،والذي ُعقد قبل موعده الرسمي بأيام. ً ً غطاء شعبيا .3ازدياد شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه في الشارع التركي ،األمر الذي سيخلق للحملة التي يشنها على الكيان املوازي ،ولكن هذا ال يمنع أن التوسع في االعتقاالت والتسريح من العمل ،والذي طال عشرات اآلالف في املؤسسات التركية املختلفة قد يخلق حالة من الخلل األمني أواملجتمعي في األيام املقبلة ناتجة عن فقد الوظائف.
.4موقف األحزاب التركية الداعم للحكومة الشرعية والرافض لالنقالبُ ، سيساهم بتخفيف حدة التجاذبات واالستقطاب التي كانت سائدة بينها وبين العدالة والتنمية وييهئ للدخول في مرحلة جديدة مبنية على أسس من التفاهم ،وهذا سيتطلب من حزب العدالة والتنمية التعامل مع هذا املوقف اإليجابي بحذر من ناحية التغييرات الهيكلية التي سيجريها في الجيش والقضاء وباقي املؤسسات التركية كي ال تفهم باتجاه تعميق سيطرته على مرافق الدولة والحكم ،كما تتطلب األيام القادمة تأجيل أو التدرج في طرح تعديل النظام التركي وتحويله إلى نظام رئاس ي، وهو ما ترفضه األحزاب املعارضة جميعها. .5على الرغم من توجيه الجيش التركي ضربة جوية ملواقع حزب العمال الكردستاني في العراق بعد خمسة أيام على محاولة االنقالب ،في رسالة تحذيرية لعدم استغالل ما حدث في تصعيد هجماته ،إال أن حجم االعتقاالت الكبير الذي طال قيادات عسكرية وأمنية ،مقابل إعادة هيكلة تلك املؤسسات؛ ال بد أن يلقي بظالله على الوضع األمني داخل تركيا على املدى القصيرواملتوسط من حيث احتمال ازدياد عمليات حزب العمال الكردستاني و"داعش".
على الصعيد اخلارجي سادت في تركيا بعد االنقالب حالة من الخذالن على املستوى الشعبي والرسمي نتيجة للمواقف املتأنية في إدانة االنقالب ً في لحظاته األولى من كافة الدول تقريبا ،وعلى رأسها حلفاء تركيا في الناتو (األمريكان واألوربيون) ،لذا فإنه من املتوقع أن تشمل إعادة الهيكلة حتى العالقات الخارجية التركية ،على أساس االنقالب وما تاله من مواقف للدول ،وما سيرشح في األيام القادمة حول احتماالت تورط بعض الدول في التخطيط لالنقالب ،وعليه: ً ً .1ال يبدو أن حالة الفتور في العالقة بين تركيا والواليات املتحدة األمريكية ستنتهي قريبا ،خصوصا بعد املوقف األمريكي املتأخر في إدانة االنقالب ،وإثارة تساؤالت كثيرة حول دور أمريكي محتمل في االنقالب بعد اكتشاف تورط _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة12 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
قاعدة إنجيرلك فيه ،ورغم تشديد الرئيس التركي عقب االنقالب على استراتيجية العالقة مع واشنطن إال أن تلبية واشنطن لطلب أنقرة في تسليم فتح هللا غولن سيشكل اختبار ثقة بين الطرفين وسيكون له انعكاسات كبرى على العالقة بين البلدين ،هذا باإلضافة إلى ملف دعم الواليات املتحدة األمريكية لقوات سورية الديمقراطية ،والتي تشكل عمودها الفقري مليشيات الـ PYDالكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني . ً .2العالقة مع االتحاد األوروبي لن تكون أفضل حاال مما كانت عليه قبل االنقالب ،بل من املمكن أن يزداد ملف ً ً تطبيق االتفاق الثنائي حول الالجئين وملف انضمام تركيا تعقيدا ،خصوصا عقب املوقف املتأخر لالتحاد االوروبي ومعظم أعضائه من االنقالب ،ومن ثم سلسلة من االنتقادات الحادة على لسان فريدريكا موغريني وزيرة ً خارجية االتحاد األوروبي لإلجراءات التركية عقب االنقالب ،والتهديد بحرمان تركيا نهائيا من االنضمام إلى االتحاد األوروبي إذا تمت إعادة عقوبة اإلعدام. .3حالة الفتور التي تعمقت بعد االنقالب بين تركيا وحلفاءها "الناتويين"؛ ستدفع تركيا الستكمال ما بدأت به قبيل االنقالب من مصالحة مع روسيا وإسرائيل وتسريع إعادة العالقات معهما إلى شكلها األمثل كونها بحاجة لدعمهما في ما تقوم به من إجراءات داخلية بعد االنقالب ،ولتعزيز دورها في املشهد اإلقليمي على مستوى القضيتين السورية والفلسطينية ،بعد أن تم تطويق هذا الدور بفعل التقارب األمريكي الروس ي من جهة و التنسيق اإلسرائيلي الروس ي في ما يخص سورية من جهة أخرى ،باإلضافة إلى الضرورة األمنية واالقتصادية التي تفرض على تركيا تسريع التطبيع على كافة املستويات مع روسيا وإسرائيل ،ولعل زيارة الرئيس التركي املرتقبة لروسيا في التاسع من الشهر الجاري ،ستحمل إجابات حول نتائج هذا التقارب على الصعيدين الداخلي والخارجي التركي وبخاصة حول امللف السوري . .4قد يؤدي املوقف اإليراني املبكر في رفض االنقالب ودعم الحكومة الشرعية في تركيا ،رغم الخالفات بين البلدين ً حول عدة قضايا وبخاصة امللف السوري ،إلى تعميق التعاون بين البلدين وخصوصا فيما يخص امللف الكردي وحزب العمال الكردستاني ،والذي أعلن في آذار /مارس املاض ي استئنافه العمل العسكري في إيران بعد 23عام ً على توقفه ( ،)20أما فيما يخص امللف السوري فال فرص لهذا التعاون خصوصا في ظل التقارب التركي الروس ي والتركي السعودي. .5على مستوى العالقات العربية ،فالواضح أن العالقة التركية القطرية ستبقى كما كانت هي األقوى ،كون موقف ً قطر الرسمي كان من أوائل املواقف الداعمة للحكومة وبدا الدعم القطري واضحا من خالل موقف أمير قطر وطبيعة تغطية قناة الجزيرة ألحداث االنقالب .أما العالقات السعودية فستبقى تنمو نحو التحسن ومزيد من التنسيق األمني والعسكري .أما املوقف املصري من االنقالب فيشير إلى صعوبة إجراء مصالحة قريبة مع تركيا، وكذلك األمر بالنسبة للعراق والذي يرفض توغل القوات التركية في أراضيه ومشاركة قوات تركية في معركة املوصل القريبة ،وهو ما أكد عليه وزير الخارجية العراقي في كلمته ملؤتمر القمة العربية األخير في نواكشوط التي ربط فيها املصالحة مع تركيا بوقف دخول قواتها إلى األراض ي العراقية (.)21 ( )20الكردستاني اإليراني يستأنف العمل املسلح ضد إيران ،العربية نت ،الرابطhttp://www.alarabiya.net/ar/iran/2016/03/23/ : ( )21فيديو لكلمة وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري في مؤتمر القمة العربية السابع والعشرون في نواكشوطhttps://www.youtube.com/watch?v=1fI_aWJqyLU : _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة13 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
تركيا :االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير
على مستوى امللف السوري
ً ً أ .الصعيد امليداني :كان النشغال الحكومة التركية بالوضع الداخلي عقب االنقالب ،أثرا خطيرا بدأت تتبدى مالمحه على الوضع امليداني وبخاصة في الشمال السوري ،حيث كثف النظام وروسيا غاراتهم على حلب مستهدفة مقومات الصمود وأهمها املستشفيات بعد قطع طريق الكاستيلو ،مما مهد إلى إطباق الحصار على حلب لكسب نقاط قوة تفاوضية للنظام وروسيا ،ولكن الرد الكبير لفصائل املعارضة املسلحة في حلب وقلب الطاولة على النظام وروسيا، حيث باتت مناطق سيطرة النظام في حلب تقع تحت حصار املعارضة ،من املمكن أن يعكس رغبة تركية في استباق زيارة الرئيس التركي إلى روسيا بانتصار على األرض يعزز قدراتها على املناورة حول امللف السوري ،ويشكل ورقة للضغط على موسكو لفرض هدنة في الشمال السوري ،وهنا تلتقي الرغبة التركية واألمريكية .كما قد ينعكس هذا التقارب بشكل تخفيض الدعم الروس ي لقوات سورية الديمقراطية. ب .الصعيد السياس ي :أثارت املصالحات التركية مع روسيا وإسرائيل وإعالن أنقرة رغبتها في العودة إلى تبني سياسة صفر مشاكل في عالقاتها الخارجية مع مجيئ حكومة بن علي يلدريم ،العديد من الشكوك حول إمكانية تغير املوقف التركي ً من األزمة السورية ،خصوصا بعد صدور تسريبات –نفتها الحكومة التركية-حول إمكانية القبول ببقاء األسد لفترة انتقالية(،)22األمر الذي يشير إلى مرونة تركية اتجاه الرؤية الروسية في حل األزمة السورية .واليوم وبعد االنقالب الفاشل والحاجة التركية إلى العالقة مع موسكو ،فهناك احتمال كبير لقيام أنقرة بالضغط على املعارضة السورية للتنازل عن بعض املطالب بهدف الوصول إلى انتقال سياس ي.
اخلامتة كان انقالب 15تموز الفاشل نتيجة لتفاعل جملة من العوامل الداخلية والخارجية في تركيا ،والتي شكلت للمتربصين بحزب العدالة والتنمية على ما يبدو فرصة للتحرك ضده ،ولكن مرونة الحزب في التعاطي مع امللفات الداخلية والعالقات الخارجية ،باإلضافة إلى كم اإلنجازات الكبير الذي حققه خالل 14عام من الحكم ساهم في وأد هذا التحرك ،وسيعطي الفرصة للحزب الستكمال مسيرته في تثبيت قواعد الديمقراطية في تركيا عبر التغييرات البنيوية والتشريعية التي يجريها بهدف طي صفحة تدخل الجيش في الحياة السياسية ،والقضاء على ما يسمى بالكيان املوازي؛ األمر الذي سيدعم الجبهة الداخلية التركية ،ويفتح املجال أمام تركيا للتعاطي بأريحية أكبر مع امللفات اإلقليمية .
( )22سعيد عبد الرزاق ،تركيا تفتح باب التطبيع مع األسد ،صحيفة الشرق األوسط ،الرابطhttp://aawsat.com/home/article/685181/ : _______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة14 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies
_______________________________________________________________________________________________________________________________________
الصفحة1 :
عمران للدراسات االستراتيجية
Omran for Strategic Studies