تركيا الانعطافه الخاطفة والتحول الكبير

Page 1


‫مركزعمران للدراسات االستراتيجية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دولة ومجتمعا وإنسانا‪ ،‬ترقى لتكون‬ ‫مؤسسة بحثية مستقلة ذات دور رائد في البناء العلمي واملعرفي لسورية واملنطقة‬ ‫ً‬ ‫مرجعا لترشيد السياسات ولرسم االستراتيجيات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ورافدا ّ‬ ‫لصناع القرار في‬ ‫تأسس املركز في تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪ 2013‬كمؤسسة بحثية تسعى ألن تكون مرجعا أساسا‬ ‫ّ‬ ‫سورية واملنطقة في املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ُ .‬ينتج املركز الدراسات املنهجية املنظمة التي تساند‬ ‫املسيرة العملية ملؤسسات الدولة واملجتمع‪ ،‬وتدعم آليات اتخاذ القرار‪ ،‬وتحقق التكامل املعلوماتي وترسم خارطة‬ ‫األولويات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تعتمد أبحاث املركز على الفهم الدقيق والعميق للواقع‪ ،‬ينتج عنه تحديد االحتياجات والتطلعات م ّما يمكن من وضع‬ ‫الخطط التي ّ‬ ‫يحقق تنفيذها تلك االحتياجات‪.‬‬

‫املوقع اإللكتروني ‪www.OmranDirasat.org‬‬ ‫البريد اإللكتروني ‪info@OmranDirasat.org‬‬ ‫تاريخ اإلصدار ‪ 3‬آب‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬ ‫جميع الحقوق محفوظة © مركز عمران للدراسات االستراتيجية‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫مقدمة‬ ‫أقدمت مجموعة من الجيش التركي في الخامس عشر من تموز الفائت على محاولة انقالبية كان مصيرها الفشل‪ ،‬املحاولة‬ ‫التي تعد الخامسة من نوعها منذ قيام الجمهورية التركية ‪ ،1923‬حيث سبقها أربعة انقالبات ناجحة كان أولها على‬ ‫الحكومة املنتخبة برئاسة‪ ،‬عدنان مندريس ‪ ،1960‬في حين كان الثاني في العام ‪ 1971‬وهو ما عرف "بانقالب املذكرة"‪ ،‬حيث‬ ‫تم بتوجيه أمر استقالة من الجيش إلى رئيس الحكومة‪ ،‬سليمان ديميريل دون استخدام القوة العسكرية‪ ،‬أما الثالث فقد‬ ‫كان أشدها دموية وحصل في العام ‪ 1980‬وقاده الجنرال‪ ،‬كنعان إيفرين‪ ،‬ليطيح بالحكومة السادسة التي شكلها سليمان‬ ‫ديميريل‪ ،‬بينما ّ‬ ‫سمي الرابع بانقالب" ما بعد الحداثة"‪ ،‬والذي جرى عام ‪ 1997‬على حكومة حزب الرفاه برئاسة‪ ،‬نجم الدين‬ ‫أربكان‪ ،‬أول رئيس وزراء في تركيا بتوجه إسالمي صريح‪ ،‬حيث عقب هذا االنقالب تم حظر حزب الرفاه واعتقلت قياداته‬ ‫بما فيهم أربكان ورئيس بلدية اسطنبول آنذاك‪ ،‬رجب طيب أردوغان ‪.‬‬ ‫ولعل االنقالبات األربعة التي سبقت انقالب تموز الفاشل تشترك بمجموعة من النقاط أهمها‪:‬‬ ‫‪ ‬الذريعة الدائمة لالنقالبات هي حماية املبادئ األتاتوركية التي قامت عليها الجمهورية التركية وعلى رأسها‬ ‫ً‬ ‫العلمانية‪ ،‬كون الجيش التركي ومنذ تأسيس الجمهورية اضطلع دستوريا بدور الحامي للجمهورية وقيمها‪.‬‬ ‫‪ ‬الظرف السياس ي واالقتصادي السابق لالنقالبات كان مهيأ‪ ،‬من حيث وجود ركود وتراجع في املؤشرات‬ ‫االقتصادية وارتفاع معدالت البطالة وتدني مستوى املعيشة‪ ،‬باإلضافة لحالة من الفوض ى السياسية‬ ‫والصراعات بين األحزاب التي كانت في بعض الحاالت دموية كما في انقالبي ‪ 1971‬و‪ ،1980‬األمر الذي كان يساهم‬ ‫بخلق حاضنة شعبية لالنقالب‪.‬‬ ‫‪ ‬قيادة االنقالبات كانت تشتمل على كبار الضباط في الجيش التركي‪ ،‬باإلضافة إلى الوحدات التي تمثل القوة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الضاربة لهذا الجيش‪ ،‬وخصوصا الجيش األول التركي‪ ،‬وهو األكثر تعصبا للقيم العلمانية داخل الجيش‪.‬‬ ‫‪ ‬وجود غطاء ومباركة دولية لالنقالبات‪ ،‬وبخاصة من شركاء تركيا في حلف الناتو الذين يرغبون بالحفاظ على‬ ‫الصورة التي تخدم مصالحهم للجمهورية التركية‪ ،‬كدولة علمانية تقف في وجه االمتداد اإلسالمي خاصة بعد‬ ‫ً‬ ‫نجاح الثورة اإلسالمية في طهران‪ ،‬وفي وجه تمدد االتحاد السوفييتي سابقا في الشرق األوسط ومن بعده روسيا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومنذ وصوله للحكم في العام ‪ ،2002‬أدرك جيدا حزب العدالة والتنمية الدور الكبير للجيش التركي في الحياة السياسية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والحساسية العالية لهذا الجيش اتجاه اإلسالميين ووصولهم للحكم‪ ،‬لذا حاول على امتداد األربعة عشر عاما املاضية‬ ‫إجراء تغييرات تشريعية ودستورية تخفف من سيطرة هذا الجيش على الحياة السياسية‪ ،‬تحت غطاء تلبية متطلبات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫انضمام تركيا لالتحاد األوروبي مستفيدا في هذا اإلطار من كون االتجاه نحو الغرب هو مطلب أتاتوركي ويلقى تأييدا من‬ ‫كل أطياف الشعب بمن فيهم العلمانيين والليبراليين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جيدا هذا امليل لتقليص نفوذه من قبل حزب العدالة والتنمية‪ ،‬لذلك لم ُ‬ ‫تخل العالقة بين‬ ‫باملقابل كان الجيش التركي يعي‬ ‫الطرفين من املناكفات والتجاذبات طيلة الفترة املاضية من حكم العدالة والتنمية‪ ،‬لكن اإلنجازات التي حققها العدالة‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪1 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫والتنمية خالل زمن قياس ي‪ ،‬والتي تمثلت بنهضة حقيقية على مستوى االقتصاد والبنية التحتية والصحة والتعليم‬ ‫والعالقات الخارجية لتركيا‪ ،‬وقفت في وجه أي محاولة من قبل الجيش لإلطاحة به‪ ،‬وذلك بسبب التأييد الشعبي الكبير‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫للحزب داخليا واالرتياح األمريكي لتجربة العدالة والتنمية كحزب إسالمي وسطي يشكل نموذجا لإلسالميين الذين تبحث‬ ‫عنهم الواليات املتحدة األمريكية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ‪. 2001‬‬ ‫بناء عليه تحاول هذه الورقة التحليلية اإلجابة على السؤال الرئيس ي التالي‪ :‬كيف يمكن تفسيرهذا التحرك االنقالبي‬ ‫من قبل مجموعات داخل الجيش التركي؟ وماهي تداعيات فشله على السياسية التركية الداخلية وخارطة عالقاتها‬ ‫الخارجية؟‬ ‫ويتفرع عن هذا السؤال الرئيس ي مجموعة من األسئلة الفرعية‪ ،‬كالتالي‪:‬‬ ‫‪ .1‬ما هي الظروف التي هيأت مناخا مناسبا للتحرك من وجهة نظر االنقالبيين على الصعيدين الداخلي‬ ‫والخارجي؟‬ ‫‪ .2‬هل فعال كان هذا االنقالب مفاجئا وغيرمتوقع بالنسبة للحكومة التركية؟‬ ‫‪ .3‬ما هي أسباب فشل هذا االنقالب؟‬ ‫‪ .4‬هل يعتبررد فعل الحكومة التركية غيرمسبوق ومبالغ فيه؟‬ ‫‪ .5‬ما هي انعكاسات تلك املحاولة على صعيد السياسة الداخلية والخارجية التركية؟‬

‫أوالً‪ :‬العالقة بني اجليش وحكومة العدالة والتنمية‬ ‫يبدو أن لبعض عناصر الجيش التركي أسبابها لحمل الضغينة تجاه حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان‪.‬‬ ‫فعلى مدار التاريخ التركي‪ ،‬تمتع الجيش بسطوة كبيرة على الشؤون السياسية في البالد‪ ،‬وقد نفذ أربع انقالبات عسكرية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُمجبرا السياسيين على االستقالة وتعامل مع نفسه دائما على أنه الحارس األوحد للديمقراطية العلمانية‪ ،‬والذي ال يخضع‬ ‫ُ‬ ‫للمساءلة‪.‬‬ ‫ومنذ وصوله إلى السلطة عام ‪ ،2002‬انبرى حزب العدالة والتنمية لتقليص النفوذ السياس ي للجنراالت‪ ،‬ولتحقيق شروط‬ ‫ً‬ ‫االنضمام لالتحاد األوروبي‪ ،‬حيث شرعت أنقرة بإجراءات لجعل الجيش خاضعا بشكل أكبر للسلطة املدنية‪ .‬وقلصت‬ ‫ً‬ ‫صالحيات املحاكم العسكرية لصالح املزيد من الصالحيات للمحاكم املدنية فأصبحت الحكومة تلعب دورا أكثر فاعلية في‬ ‫تعيين القادة الكبار للجيش‪ .‬وفي أبريل‪/‬نيسان ‪ ،2007‬تعرض الجيش لضربة قوية بعد أن نشر على صفحته اإللكترونية‬ ‫ً‬ ‫إنذارا ُسمي فيما بعد بـ "االنقالب اإللكتروني"‪ُ ،‬يحذر فيه حزب العدالة والتنمية من مغبة دعم عبد هللا غول املعروف‬ ‫بانتمائه التقليدي للتيار اإلسالمي‪ ،‬والذي تلبس زوجته الحجاب في انتخابات الرئاسة (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ترشيح عبد هللا جول لرئاسة تركيا لتهدئة املخاوف من "أسلمة" املجتمع‪ ،‬موقع ‪ ،DW‬الرابط‪/http://www.dw.com/ar :‬‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪2 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫أثار األمر حينها حفيظة حزب العدالة والتنمية وأنصاره ودفعهم إلى تأكيد موقفهم وإيصال غول إلى منصب الرئاسة‪.‬‬ ‫وهكذا فمن خالل محاولته التدخل ضد الحزب ذو الجماهيرية الكبيرة عرض الجيش نفوذه لضربة قاسية‪ ،‬وفي أقرب‬ ‫انتخابات بعد "االنقالب اإللكتروني" ازداد التصويت لحزب العدالة والتنمية بنسبة ‪.)2( %13‬‬ ‫وفي العام ‪ ،2008‬أطلق حلفاء الحكومة في جهاز القضاء من أنصار فتح هللا غولن تحقيقات واسعة حول أنشطة ضباط‬ ‫الجيش في قضية " أرغينيكون" وقضية "املطرقة" (‪ ،)3‬والتي اتهم فيها بعض عناصر الجيش بتدبير انقالب ضد حزب العدالة‬ ‫ُ‬ ‫والتنمية‪ ،‬حيث جرى حبس العشرات من الجنراالت وتم احتجاز املئات من املسؤولين العسكريين املتقاعدين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫استفتاء على تعديل بعض بنود الدستور التركي القائم حاليا‪،‬‬ ‫وفي سبتمبر‪ /‬أيلول من العام ‪ 2010‬أجرت الحكومة التركية‪،‬‬ ‫والذي وصفه الرئيس أردوغان بـ"دستور االنقالبيين"‪ ،‬باعتبار أن من شرعه في ‪ 1982‬هم قادة االنقالب العسكري الثالث‬ ‫بزعامة كنعان إفرين‪ .‬وتضمنت تلك التعديالت حزمة متعلقة بتقليص سلطة الجيش‪ ،‬وهيئة األركان‪ ،‬واملحاكم العسكرية‪،‬‬ ‫والقوى القومية التركية املتشددة على الحياة السياسية‪ ،‬واملدنية االجتماعية‪ ،‬لصالح تمكين السلطة السياسية املدنية‬ ‫واملؤسسات املدنية للدولة‪ ،‬وعدم جواز مقاضاة املدنيين أمام املحاكم العسكرية في غير زمن الحرب‪ ،‬وحصر مهام املحاكم‬ ‫ّ‬ ‫العسكرية بالنظر في العمليات العسكرية والعسكريين‪ .‬واألهم كان تعديل املادة ‪ 15‬التي كانت تحصن االنقالبيين من‬ ‫املحاكمة‪ ،‬حيث تم تعديلها بأثر رجعي‪ ،‬األمر الذي أدى ملحاكمة قادة انقالب ‪ 1980‬في عام ‪ ،2012‬وقادة انقالب ‪ 1997‬في‬ ‫‪.)4( 2013‬‬ ‫ُ‬ ‫توج الصراع بين الحزب والجيش باالستقالة الجماعية للمجلس العسكري التركي األعلى في أواخر يوليو‪/‬تموز ‪،2011‬‬ ‫االستقالة التي اعتبرت آنذاك عالمة فارقة على استسالم الجيش للمدنيين‪ ،‬وفي أغسطس‪/‬آب ‪ 2013‬عينت الحكومة قادة‬ ‫ً‬ ‫جددا للجيش في إطار تغييرات شاملة في القيادات الكبرى تؤكد سيطرتها على القوات املسلحة‪ ،‬وقدرتها على تحجيم دور‬ ‫الجيش الذي ظل يهيمن خالل حقبة طويلة على الحياة السياسية في البالد‪ .‬وقرر مجلس الشورى العسكري األعلى ‪-‬في‬ ‫اجتماع ترأسه رئيس الوزراء أردوغان‪-‬تعيين الجنرال خلوص ي أكار قائدا للقوات البرية‪ ،‬وتعيين نائب األميرال بولنت بستان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أوغلو قائدا للقوات البحرية‪ ،‬والفريق أكين أوزترك قائدا للقوت الجوية‪ ،‬والجنرال ثروت يوروك قائدا لقوات األمن (‪.)5‬‬ ‫بعد ذلك الحين ظهرت عدة مؤشرات تدل على ابتعاد الجيش عن الحياة السياسية‪ ،‬وخضوعه لسلطة الحكومة املدنية‬ ‫املنتخبة‪ ،‬ولعل أصدق تعبير عن تلك الحالة كان في ديسمبر‪/‬كانون الثاني ‪ ،2013‬حيث تعهد الجيش بعدم التدخل فيما‬ ‫ُوصف بأنه "فضيحة فساد" تتعلق بالحكومة‪ ،‬دعت بسببها املعارضة جماهيرها إلى تنظيم مظاهرات للمطالبة برحيل‬ ‫الحكومة‪ .‬وأكدت القوات املسلحة التركية أنها "ستحرص بشدة على تفادي الجدل السياس ي وتبعد نفسها عن أية آراء‬ ‫وتشكيالت سياسية"‪ .‬ثم مرر البرملان التركي في شباط فبراير ‪ 2014‬تعديالت جديدة على قانون الجيش صادق عليها رئيس‬ ‫الجمهورية عبد هللا غل‪ .‬ويقض ي أبرز هذه التعديالت بفتح الطريق أمام إمكانية محاكمة رئيس هيئة األركان العامة وقادة‬ ‫(‪ )2‬املصدر‪ :‬املرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪ )3‬عالقة أردوغان بالجيش‪ .‬أهم املحطات‪ ،‬الجزيرة نت‪ ،‬الرابط‪/http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2016/7/19 :‬‬ ‫(‪ )4‬تقديم رئيس الجمهورية التركي األسبق كنعان إيفرن للمحاكمة على دوره في انقالب ‪ BBC ،1980‬عربي‪ ،‬الرابط‪:‬‬ ‫‪http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2012/01/120110_turke_evren_trial.shtml‬‬ ‫(‪ )5‬عالقة أردوغان بالجيش أهم املحطات‪ ،‬الجزيرة نت‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪3 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫القوات املسلحة وقوات الدرك أمام محكمة الديوان العليا بدل املحكمة الجنائية‪ ،‬في حال ارتكابهم جرائم تتعلق‬ ‫بمناصبهم‪ ،‬األمر الذي يعني تطويق الحكومة املدنية ألي إمكانية النقالب الجيش عليه‪ ،.‬وتمت ترجمة حالة الهدوء في‬ ‫العالقة بين الجيش والحكومة إلى جملة من أحكام البراءة صدرت عن املحاكم التركية في عامي ‪ 2015-2014‬بحق ما يقارب‬ ‫‪ 300‬ضابط‪ ،‬اتهموا بالتآمر ومحاولة االنقالب على حكومة العدالة والتنمية في قضايا "أرغنيكون" و" املطرقة" ‪.‬‬ ‫ما استعرضناه من سياق العالقة بين حكومة العدالة والتنمية والجيش التركي‪ ،‬يشيرإلى حالة من عدم الثقة املتبادلة‬ ‫بين الطرفين‪ ،‬اتسمت بمحاوالت احتواء دور الجيش في الحياة السياسة وإعادته إلى دوره الطبيعي في حماية الحدود‬ ‫فقط من جانب الحكومة‪ ،‬مقابل حالة من عدم القبول واملقاومة املستمرة من قبل الجيش ‪-‬الذي يعتبرنفسه الحامي‬ ‫للمبادئ العلمانية‪-‬لخسارة موقعه املسيطرعلى املشهد السياس ي التركي‪.‬‬ ‫لذا فإن الجيش التركي وإن بدا بمجمله قد رضخ للحكومة وابتعد عن التدخل في الشأن الداخلي‪ ،‬إال أن انقالب تموز‬ ‫الفاشل قد بين وجود مجموعة داخل هذا الجيش ترفض هذا الخضوع‪ ،‬وأنها كانت تنتظر اللحظة املناسبة لالنقالب على‬ ‫حكومة العدالة والتنمية وإعادة الحالة التركية إلى ما كانت عليه قبل العام ‪ ،2002‬مدفوعين على ما يبدو بقناعة أن ما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫غطاء دوليا لالنقالب‪.‬‬ ‫تعيشه تركيا من حالة عزلة خارجية وتوترات داخلية قد يخلق لهم‬

‫اثنياً‪ :‬الوضع اخلارجي واالنعطافة اخلاطفة (رفع الغطاء الدويل)‬ ‫يبدو أن االنعطاف الخاطف في العالقات الخارجية التركية‪ ،‬والذي سبق االنقالب بفترة وجيزة؛ كسر من حالة العزلة‬ ‫التي كانت تعيشها الحكومة التركية‪ ،‬وحرم االنقالبيين من استغاللها كغطاء دولي لتحركهم‪ ،‬لذا من األهمية بمكان‬ ‫دراسة هذا االنعطاف والتحول كمرحلة سابقة لالنقالب‪ ،‬وأساس الستشراف التحوالت التي ستشهدها السياسة‬ ‫ً‬ ‫التركية الداخلية والخارجية بعده‪ ،‬فبقدر ما كان االنقالب الفاشل في تركيا ‪15‬تموز ‪ 2016‬مفاجئا؛ بقدر ما كانت بعض‬ ‫ً‬ ‫أسبابه مفسرة للتحول في السياسة الخارجية التركية الذي حدث قبل أسبوعين فقط‪ ،‬والذي تمثل بحدثين هامين جدا‪:‬‬ ‫األول‪ :‬املرونة التي أبداها الرئيس رجب طيب أردوغان فيما يتعلق باملطالب الروسية إلعادة العالقات بين البلدين إثر‬ ‫الخالف حول إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬تسوية الخالف مع إسرائيل املتعلق بسفينة مرمرة وإبداء مرونة حول شرط رفع الحصار عن غزة إلعادة تطبيع‬ ‫ً‬ ‫العالقات تدريجيا مقابل االعتذار والتعويض لذوي الضحايا‪.‬‬ ‫إن تلك املصالحات املفاجئة واملتزامنة الحدوث بفارق يوم واحد كانت صادمة للجميع‪ ،‬حيث اقتصرت معظم التحليالت‬ ‫التي تناولتها على ربطها بحالة العزلة الدولية التي باتت تعيشها تركيا مع ازدياد أعدائها بعد أزمة الطائرة الروسية‪ ،‬وحالة‬ ‫الجفاء والفتور بينها وبين الواليات املتحدة األمريكية بسبب تضارب وجهات النظر حول األزمة السورية‪ ،‬وانقطاع العالقة‬ ‫مع مصر بعد انقالب السيس ي‪ ،‬ومع العراق على خلفية محاولة دخول الجيش التركي إلى شمال العراق‪ ،‬وتوتر العالقات‬ ‫التركية اإليرانية بسبب امللف السوري وتقارب تركيا مع السعودية‪ ،‬باإلضافة إلى تعرقل تطبيق اتفاق أنقرة مع االتحاد‬ ‫األوروبي حول الالجئين‪ ،‬والذي كان يمكن أن يشكل أحد بنوده واملتعلق بإعفاء األتراك من تأشيرة الدخول إلى االتحاد‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪4 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫األوروبي خطوة باتجاه انضمام تركيا إلى االتحاد األوروبي‪ ،‬بحيث باتت تركيا تتجه نحو صفر أصدقاء بدل من صفر‬ ‫مشكالت وهي االستراتيجية املعلنة لحزب العدالة والتنمية منذ وصوله للحكم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بتحد اقتصادي نتيجة العقوبات التي‬ ‫ولكن لم يكن متوقعا أن تنعكس تلك األزمات على الداخل التركي‪ ،‬والتي تمثلت ٍ‬ ‫فرضتها موسكو على املنتجات التركية وتعليق بعض االتفاقيات الهامة املتعلقة بالطاقة بين البلدين‪ ،‬إضافة الرتفاع وتيرة‬ ‫العمليات اإلرهابية التي ضربت املدن التركية الكبرى (أنقرة واسطنبول) وانهيار اتفاق التهدئة مع حزب العمال الكردستاني‬ ‫وعودة االضطرابات إلى محافظات الجنوب التركي وخسائر القوات التركية التي تجاوزت الخمسمائة جندي خالل عام‪،‬‬ ‫وازدياد احتماالت تشكل إقليم كردي في سورية قد يصل ببعض الضباط األتراك لالنقالب‪.‬‬ ‫إال أن ما رشح من معلومات حول االنقالب يشير إلى أن هذا التحرك العسكري كان ضمن حسابات الحكومة التركية‪،‬‬ ‫وأنها باغتته بتغييرات على صعيد السياستين الداخلية والخارجية ساهمت بإحباط إمكانية استغالل االنقالبيين لتوتر‬ ‫العالقات الخارجية التركية وإشكاليات السياسة الداخلية بين حزب العدالة والتنمية وأحزاب املعارضة بأطيافها‬ ‫املتنوعة لتشكيل غطاء شرعي لالنقالب‪ ،‬مما جعل االنقالب حركة ارتجالية من ضباط تحت املراقبة غامروا بالتحرك‬ ‫كخيارأخير‪ ،‬قبل أن يتم اجتثاثهم في اجتماع مجلس شورى الجيش التركي املقرر بعد شهرمن تاريخ االنقالب‪ .‬وضمن‬ ‫هذا السياق يمكن فهم سبب عزم حكومة بن علي يلديريم على إعادة هيكلة العالقات الخارجية التركية والعودة إلى‬ ‫سياسة صفرمشاكل‪ ،‬لرفع أي غطاء دولي محتمل ألي تحرك عسكري متوقع داخل صفوف الجيش‪.‬‬

‫إسرائيل وموسكو (امللفات متشابكة)‬ ‫يشير حرص تركيا على تطبيع العالقات مع إسرائيل‪ ،‬والذي أنهى التوتر املتصاعد منذ عام ‪ ،2010‬بالتوازي مع تحسين‬ ‫العالقات مع روسيا‪ ،‬إلى أنها تسعى إلى خلق فضاءات للمناورة في سياستها الخارجية‪ ،‬وهو ما يعود إلى اعتبارات عديدة‪،‬‬ ‫يرتبط بعضها بالتطورات املتسارعة التي تشهدها الساحة الداخلية التركية‪ ،‬ويتعلق بعضها اآلخر بالتداعيات التي فرضتها‬ ‫تلك السياسة على مصالح تركيا التي تواجه تحديات عديدة خالل الفترة الحالية في ظل تصاعد العمليات اإلرهابية في‬ ‫بعض املدن الرئيسية واستمرار األزمة السورية دون تسوية‪.‬‬ ‫قد يفسراتجاه تركيا نحو تسوية املشكالت العالقة مع كل من روسيا وإسرائيل في وقت واحد في ضوء اعتبارات عدة‪،‬‬ ‫نذكرأهمها‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬احتواء املشكالت‬ ‫تسعى أنقرة إلى العودة من جديد لتبني سياسة تقليل األعداء مع بعض القوى املعنية بأزمات الشرق األوسط‪ ،‬بعد أن‬ ‫تصاعدت تلك اإلشكاالت بدرجة غير مسبوقة‪ ،‬سواء مع روسيا بسبب أزمة إسقاط املقاتلة الروسية في نوفمبر ‪،2015‬‬ ‫أو مع إسرائيل بسبب أزمة الهجوم اإلسرائيلي على "أسطول الحرية" في عام ‪ ،2010‬أو مع الواليات املتحدة األمريكية في‬ ‫ظل الخالف حول التعامل مع تطورات األزمة في سورية‪ ،‬السيما فيما يتعلق باملوقف من دور امليليشيات الكردية في الحرب‬ ‫ضد تنظيم "داعش" ومن إقامة منطقة آمنة في شمال سورية‪ ،‬أو مع إيران التي تتباين مصالحها وسياستها مع تركيا بشكل‬ ‫كامل في سورية‪ .‬وقد انعكس هذا التوجه الجديد الذي تتبناه أنقرة في تصريحات رئيس الوزراء‪ ،‬بن علي يلدرم‪ ،‬والتي أكد‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪5 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫ً‬ ‫تحديدا يشير إلى حرص يلدرم على انتهاج سياسة‬ ‫فيها أن "تركيا تسعى إلى تقليص األعداء وزيادة األصدقاء"‪ ،‬هذا التصريح‬ ‫ً‬ ‫جديدة تعيد فتح عالقات توترت سابقا من خالل "تصفير املشكالت" مع دول الجوار‪ ،‬والتي بدا أنها واجهت عقبات عديدة‬ ‫بسبب تحول أنماط عالقات تركيا مع معظم تلك الدول من التعاون إلى الصراع والخالف في األعوام األخيرة‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تقليص وتفكيك حجم الضغوط‬ ‫ً‬ ‫تعرضت تركيا لعدة ضغوطات بسبب سياستها الخارجية‪ ،‬ال سيما تجاه األزمة السورية‪ ،‬حيث بدا جليا أن األكراد حاولوا‬ ‫استثمار التوتر التركي –الروس ي من أجل الحصول على مكاسب سياسية من أنقرة‪ .‬وقد كان إسقاط مقاتلي حزب العمال‬ ‫ً‬ ‫الكردستاني ملروحية تركية بصاروخ روس ي الصنع في مايو ‪ ،2016‬فضال عن التقارب امللحوظ بين روسيا واألكراد‪ ،‬والذي‬ ‫انعكس في الزيارات التي قام بها بعض املسؤولين األكراد إلى موسكو‪ ،‬إشارة إلى التداعيات السلبية التي يمكن أن ينتجها‬ ‫استمرار التوتر في العالقات بين أنقرة وموسكو‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن أنقرة سعت من خالل تقليص حدة التوتر في‬ ‫العالقات مع موسكو‪ ،‬إلى فرض مزيد من الضغوط على األكراد‪ ،‬في ظل الصراع املتصاعد بين الطرفين‪ ،‬سواء بسبب‬ ‫اتهام تركيا لألكراد بممارسة أنشطة إرهابية‪ ،‬أو بسبب مخاوفها من احتماالت تعزيز دورهم في سورية في ظل الدعم الدولي‬ ‫ً‬ ‫الذي تحظى به بعض امليليشيات الكردية بسبب دورها في الحرب ضد "تنظيم الدولة االسالمية"‪ .‬ومثل ذلك بدوره محورا‬ ‫للخالف مع بعض القوى الدولية‪ ،‬خاصة الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬التي ترى أن الدور الذي تقوم به امليليشيات الكردية‬ ‫ً‬ ‫حيوي في إلحاق أكبر قدر من الخسائر في صفوف التنظيم‪ .‬وقد كانت تلك املخاوف سببا في الجهود الحثيثة التي بذلتها‬ ‫أنقرة من أجل منع األكراد من املشاركة في املفاوضات التي تجري بين النظام السوري ووفد املعارضة في جنيف للوصول‬ ‫إلى تسوية سياسية لألزمة السورية‪ ،‬والتي توقفت في الفترة الحالية بسبب استمرار امللفات الخالفية العالقة بين األطراف‬ ‫املعنية باألزمة‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬التنسيق السياس ي األمني‬ ‫تسعى تركيا إلى رفع مستوى التنسيق السياس ي واألمني مع كل من روسيا وإسرائيل في التعامل مع تطورات األزمة السورية‪،‬‬ ‫خاصة في ظل األهمية التي تبديها موسكو وتل أبيب لتلك األزمة‪ ،‬حيث تحولت األولى إلى طرف رئيس ي في الصراع بعد رفع‬ ‫مستوى انخراطها العسكري والسياس ي في األزمة‪ ،‬فيما تتابع الثانية بدقة تطورات املواجهات املسلحة بين النظام السوري‬ ‫وحلفائه‪ ،‬ال سيما حزب هللا اللبناني‪ ،‬وقوى املعارضة املسلحة إلى جانب نشاط التنظيمات اإلرهابية‪ ،‬خاصة "تنظيم‬ ‫الدولة "‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬فقد تعتبر أنقرة أن تحسين العالقات مع كل من موسكو وتل أبيب يمكن أن يساعدها بإعادة تفعيل دورها في‬ ‫"األزمة" السورية‪ ،‬الذي تراجع في الفترة املاضية‪ ،‬بسبب اتساع نطاق الخالف مع واشنطن حول املوقف من الدور الكردي‬ ‫ً‬ ‫في الحرب ضد "تنظيم الدولة" وإقامة منطقة آمنة في شمال سورية‪ ،‬فضال عن اتجاه واشنطن إلى التفاهم مع موسكو‬ ‫ً‬ ‫حول الوصول إلى تسوية سياسية "لألزمة" بشكل‪ ،‬ربما ينتج تداعيات ال تتوافق بدرجة ما مع مصالح أنقرة‪ .‬فضال عن‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن رفع مستوى التنسيق السياس ي والعسكري من خالل تحسين العالقات مع موسكو وتل أبيب يمكن أن يساعد‬ ‫أنقرة في التعامل مع التهديدات التي تتعرض لها بسبب تصاعد حدة العمليات اإلرهابية التي تقع داخل املدن التركية‬ ‫الرئيسية مثل اسطنبول وأنقرة‪.‬‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪6 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫رابعا‪ :‬املصالح االقتصادية‬ ‫ً‬ ‫كان للمصالح االقتصادية دورها في اتجاه تركيا إلى تحسين العالقات مع روسيا وإسرائيل‪ ،‬حيث بدا واضحا أن التوتر في‬ ‫العالقات مع موسكو فرض خسائر عديدة على االقتصاد التركي بسبب تراجع السياحة الروسية وتقييد استيراد املواد‬ ‫الغذائية من تركيا‪ ،‬في الوقت الذي عاني فيه االقتصاد من تحديات عديدة‪ ،‬ال سيما وأن روسيا تزود تركيا بأكثر من‬ ‫‪ )6( %70‬من وارداتها من الغاز الطبيعي وبأسعار تفضيلية‪ ،‬األمر الذي يجعل من الصعب على األتراك إيجاد بدائل عن‬ ‫الغاز الروس ي‪ .‬إضافة إلى ذلك يلحظ ارتباط الطرفين بمشاريع استراتيجية مثل العقد الروس ي إلنشاء محطة نووية لتوليد‬ ‫الطاقة الكهربائية بقيمة ‪ 20‬مليار دوالر في مدينة مرسين التركية (‪ ،)7‬وخط السيل التركي الذي ينقل الغاز الروس ي إلى‬ ‫ً‬ ‫أوروبا عبر األراض ي التركية‪ ،‬والذي يعد استراتيجيا لروسيا بقدر ما يخدم املصلحة التركية بالتحول إلى ممر لنقل الطاقة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إلى أوروبا‪ .‬وهنا يلعب الغاز اإلسرائيلي املكتشف حديثا في حقول البحر املتوسط دورا في حاجة الطرفين التركي واإلسرائيلي‬ ‫إلى تصفية الخالفات بينهما‪ ،‬كون تركيا ترغب باستيراد الغاز اإلسرائيلي لتنويع مصادرها‪ .‬وباملقابل تعتبر إسرائيل السوق‬ ‫ً‬ ‫التركية سوقا واعدة ومغرية بالنسبة لها‪ ،‬كما تحاول تركيا استجرار الصادرات اإلسرائيلية من الغاز للمرور عبر أراضيها‪،‬‬ ‫لقطع الطريق على املشروع الذي تعتزم إسرائيل إقامته بالتعاون مع قبرص واليونان ملد خط أنابيب ينقل غاز إسرائيل‬ ‫وقبرص عبر البحر إلى اليونان ومن ثم إلى أوروبا‪ ،‬وهو ما تم االتفاق بين الدول الثالثة على تشكيل لجنة لدراسته عقب‬ ‫اجتماع جمع قادة البلدان في كانون الثاني‪/‬يناير ‪.)8( 2016‬‬

‫اثلثاً‪ :‬الوضع الداخلي (مؤشرات)‬ ‫منذ وصوله للحكم في العام ‪ ،2002‬استطاع حزب العدالة والتنمية تحقيق نقلة نوعية شاملة في تركيا على صعيد‬ ‫االقتصاد التركي والبنية التحتية والصحة والتعليم والعالقات الخارجية من حيث االنفتاح على املنطقة العربية وإنجاز‬ ‫العديد من الشروط الالزمة النضمام تركيا لالتحاد األوروبي‪ ،‬األمر الذي وسع من قاعدته الشعبية وزاد من حجم التأييد‬ ‫ً‬ ‫له في الشارع التركي‪ ،‬مما انعكس في قدرته على البقاء في السلطة ملدة ‪ 14‬عاما‪ .‬ولكن ومع بداية الربيع العربي في العام ‪2011‬‬ ‫وانخراط تركيا كداعم واضح لتطلعات الشعوب‪ ،‬وخاصة الثورة السورية‪ ،‬بدأت تظهر بعض املؤشرات املعارضة‬ ‫للسياسة التي ينتهجها العدالة والتنمية في األوساط السياسية والعسكرية نتيجة األعباء التي تركتها سياسة االنخراط في‬ ‫الشرق األوسط على الوضع الداخلي التركي‪ .‬لذلك يبدو أن انعكاس أزمات تركيا الخارجية على الوضع الداخلي بشكل‬ ‫أزمات مركبة (سياسية‪ ،‬أمنية‪ ،‬اقتصادية)‪ ،‬شكل مؤشرات وثغرات يبدوأن االنقالبيين التقطوها وتصوروا بأنها يمكن‬ ‫أن تعطي لتحركهم زخما شعبيا وغطاء شرعيا‪.‬‬ ‫ويمكن إجمال أبرز توترات الوضع الداخلي التركي خالل السنوات الخمس املاضية في النقاط التالية‪:‬‬

‫(‪ )6‬روسيا تدعم تحول تركيا إلى معبر طاقة عالمي‪ ،‬صحيفة العربي الجديد‪ ،‬الرابط‪https://www.alaraby.co.uk/economy/2014/12/15 :‬‬ ‫(‪ )7‬املرجع ذاته‬ ‫(‪ )8‬اتفاق املصالحة التركي اإلسرائيلي وتداعياته‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬تقدير موقف ‪ ،2016‬ص‪.3‬‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪7 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫‪" ‬األزمة" السورية‪ :‬عاد امللف السوري بتداعيات عدة على حكومة العدالة والتنمية‪ ،‬حيث رتب أعباء مالية على‬ ‫كاهل تركيا‪ ،‬فعالوة على االستنزاف املادي بسبب التكلفة الباهظة لدعم املعارضة املسلحة ولصد طموحات حزب‬ ‫ً‬ ‫العمال الكردستاني في سورية‪ ،‬تحملت أيضا تكلفة باهظة إليواء ‪ 3‬ماليين من الالجئين السوريين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً ُ‬ ‫‪ ‬الصعود اإلسالمي‪ُ :‬يعد توجه تركيا نحو العالم العربي واإلسالمي سياسيا واقتصاديا قبيل أحداث الربيع العربي‬ ‫أحد أسباب االحتقان الداخلي بين أحزاب املعارضة وجماعة غولن مع حزب العدالة الحاكم‪ .‬وتتهم أحزاب‬ ‫ً‬ ‫املعارضة حزب العدالة بأنه دعم أحزابا إسالمية للوصول للحكم في دول عربية بما ُيعتبر لدى البعض مؤشرات‬ ‫داخلية خطرة على علمانية الجمهورية التركية‪ .‬كما أن دور تركيا في دعم التحالف اإلسالمي على اإلرهاب الذي‬ ‫دعت إليه السعودية وغيره من املبادرات مع الدول املسلمة تم تصديره بأنه ابتعاد عن الحليف األمريكي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واألوروبي‪ ،‬وال يخفى أن هذه املواقف القت إعجابا وتأييدا من بعض األطراف الغربية‪ .‬كما أن "الخطاب‬ ‫اإلسالمي" املتزايد للحزب وانفتاحه املتزايد مع الحركات اإلسالمية في الدول العربية أدى ملزيد من االحتقان‬ ‫الداخلي‪.‬‬ ‫‪ ‬االحتجاجات الشعبية‪ :‬في الثامن والعشرين من أيار ‪ 2013‬اندلعت في تركيا موجة من االحتجاجات الشعبية‬ ‫على تعامل أجهزة األمن التركية مع اعتصام قريب من "حديقة غيزي " (‪ ،)9‬يناهض سياسات الحكومة البيئية‬ ‫وخطتها في توسيع ساحة تقسيم في تلك املنطقة‪ .‬إال ّ‬ ‫أن ما ّ‬ ‫أجج تلك االحتجاجات هو الدعاية التحريضية التي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الحريات‪ ،‬و"فضائح الفساد التي طالت حزب العدالة‬ ‫استغلتها املعارضة التركية حول ما يرونه تضييقا على‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫العلمانية وغير‬ ‫والتنمية نفسه وعددا من وزرائه‪ ،‬وتزايد سطوة الحزب الحاكم وتهديد مبادئ الدولة التركية‬ ‫ذلك" (‪.)10‬‬ ‫‪ ‬النظام الرئاس ي‪ :‬طرح الرئيس رجب طيب أردوغان تحويل النظام التركي إلى نظام رئاس ي‪ ،‬األمر الذي أدى إلى‬ ‫تصاعد األصوات املعارضة لهذا الطرح في الشارع التركي‪ ،‬وانعكس ذلك في نتائج انتخابات حزيران‪ /‬يونيو ‪2015‬‬ ‫والتي لم يتمكن فيها الحزب من الحصول على األغلبية البرملانية الالزمة لتشكيل الحكومة بمفرده‪ ،‬حيث حاز على‬ ‫‪ %41‬من األصوات فقط‪ ،‬وترافق ذلك بصعود نجم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (‪.)11‬‬ ‫‪ ‬أزمات اقتصادية‪ :‬كان لتوتر عالقات تركيا مع محيطها اإلقليمي‪ ،‬ودخولها في صدامات دبلوماسية مع روسيا‬ ‫بعد إسقاطها لطائرة روسية على الحدود التركية السورية‪ ،‬وتعرضها لعقوبات روسية آثار صعبة على االقتصاد‬ ‫التركي‪ ،‬من حيث تراجع السياحة والصادرات التركية وارتفاع نسبة التضخم (‪ ،) 12‬األمر الذي انعكس على‬ ‫املستوى املعيش ي للمواطن التركي (‪.)13‬‬

‫(‪ )9‬للمزيد حول أحداث حديقة "غيزي" راجع الرابط التالي‪http://www.noonpost.net/content/2865 :‬‬ ‫(‪ )10‬احتجاجات تركيا تمتد ملدن أخرى‪ ،‬الجزيرة نت‪ ،2013-6-1 ،‬الرابط‪/http://www.aljazeera.net/news/international/2013/6/1 :‬‬ ‫(‪ )11‬انتخابات تركيا‪ :‬حزب العدالة والتنمية الحاكم يخسر األغلبية املطلقة‪ BBC ،‬عربي‪ ،‬الرابط‪http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/06/150607 :‬‬ ‫(‪ )12‬افتكار مانع‪ ،‬العقوبات الروسية على تركيا األبعاد واالنعكاسات‪ ،‬الجزيرة نت‪ ،‬الرابط‪/http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2015/12/2:‬‬ ‫(‪ )13‬تركيا تزيد الضرائب على السجائر والخمور‪ ،‬الجزيرة نت‪ ،‬الرابط‪http://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2016/1/3 :‬‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪8 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫‪ ‬توترات حزبية‪ :‬ظهرت تجاذبات داخل حزب العدالة والتنمية كانت تتفاعل منذ فترة ليست بالقصيرة‪ ،‬بين طرفين‬ ‫داخل الحزب‪ ،‬طرف يمسك بزمام األمور‪ ،‬يتلقى التوجيهات من الرئيس رجب طيب أردوغان بشكل مباشر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وطرف آخر أقل حجما وأضعف تأثيرا يلتف حول رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو‪ ،‬وانتهت تلك التوترات بغياب‬ ‫عبد هللا غول عن املشهد السياس ي واستقالة أحمد داوود أوغلو‪.‬‬ ‫‪ ‬الحريات العامة‪ :‬ارتفعت وتيرة حمالت منظمة ضد الحكومة التركية ترفع ادعاءات قمع الحريات العامة من قبل‬ ‫منظمات حقوقية وصحفية‪ ،‬وبلغت تلك الحمالت أوجها في قضية محاكمة الصحفي جان دوندار في أيار‪/‬مايو‬ ‫‪ ،2016‬والتي حضرها ستة من قناصل الدول األوروبية في خطوة استفزازية للحكومة التركية تعبر عن احتجاج‬ ‫غربي على تلك املحاكمة‪.‬‬ ‫‪ ‬التهديد األمني‪ :‬انهيار اتفاق الهدنة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني‪ ،‬واستئناف األخير لعملياته‬ ‫اإلرهابية املوجهة ضد الجيش التركي‪ ،‬والتي أدت إلى قتل مئات الجنود األتراك‪ ،‬باإلضافة إلعالن داعش عن تبني‬ ‫العديد من الهجمات اإلرهابية على األراض ي التركية‪ ،‬األمر الذي أدى إلى تشكل حالة من القلق في الشارع التركي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نتيجة ما يراه البعض تقصيرا أمنيا داخل الجيش التركي واألحزاب التركية املعارضة وعلى رأسها حزب الشعب‬ ‫الجمهوري حول األخطاء التي ترتكبها الحكومة في تعاطيها مع امللف السوري‪.‬‬ ‫لقد عمل حزب العدالة على إجراء العديد من املراجعات الداخلية ملحاولة احتواء التوترات الداخلية ومعالجة‬ ‫أسبابها سواء املفتعلة من جهات مصلحية أو دولية أو الحقيقية ‪-‬وخاصة بعد انتخابات حزيران‪/‬يونيو ‪ ،-2015‬والتي‬ ‫من شأنها سحب املبررات املوجبة ألي انقالب محتمل‪ .‬ومن أبرز اإلجراءات الداخلية‪:‬‬ ‫‪ .1‬إدراك حزب العدالة والتنمية ملا حملته نتيجة انتخابات حزيران‪/‬يونيو ‪ 2015‬من مضامين‪ ،‬وتنامي أطروحات‬ ‫ّ ّ ً‬ ‫جيدا‬ ‫تشكيل حكومة ائتالفية جامعة‪ .‬فدخل مع باقي األحزاب في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتالفية‪ ،‬واستغل‬ ‫إعالن حزب الحركة القومي اليميني عن رفضه املشاركة في حكومة ائتالفية مع "العدالة والتنمية"‪ ،‬وهو ما فعله‬ ‫ً‬ ‫حزب الشعوب الديموقراطي‪ ،‬وكذلك حزب الشعب الجمهوري‪ ،‬الذي ّ‬ ‫قدم مطالب وشروطا شبه تعجيزية‪ .‬وقدم‬ ‫حزب العدالة والتنمية نفسه بصفته الحزب الوحيد القادر على قيادة تركيا وتوحيد الصف الداخلي‪ ،‬وإعادة‬ ‫ً‬ ‫االستقرار السياس ي االقتصادي األمني لها‪ّ ،‬متهما أحزاب املعارضة باملسؤولية عن حالة عدم االستقرار لرفضها‬ ‫تشكيل ائتالف مستقر‪.‬‬ ‫‪ّ .2‬‬ ‫غير حزب العدالة والتنمية كذلك تكتيكاته واستراتيجيته االنتخابية بالكامل‪ ،‬حيث أعاد تشكيل الئحة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مرشحيه‪ ،‬لتكون أكثر قبوال‪ ،‬خصوصا في املناطق الكردية‪ ،‬وأنجز تفاهمات مع زعماء العشائر وقادتها‪.‬‬ ‫‪ .3‬قاد رئيس الوزراء زعيم الحزب‪ ،‬أحمد داود أوغلو الحملة االنتخابية للحزب‪ ،‬وغاب الرئيس رجب طيب أردوغان‬ ‫عن واجهة الحملة‪ ،‬كما تم إبعاد بند النظام الرئاس ي املثير للجدل عن جدول األعمال‪ ،‬تلك اإلجراءات ساهمت‬ ‫بازدياد شعبية الحزب التي تراجعت في انتخابات يونيو خالل خمسة أشهر فقط لترتفع بمعدل ‪ %9‬في انتخابات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نوفمبر ‪ 2015‬ليحصد الحزب ‪ 317‬مقعدا من أصل ‪ 550‬مقعدا في البرملان التركي‪ ،‬مع تراجع شعبية باقي األحزاب‪.‬‬

‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪9 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫‪ .4‬قدرة قيادة حزب العدالة والتنمية على تصفية الخالفات داخل الحزب بهدوء وعبر التفاهمات‪ ،‬وعدم تصدير‬ ‫تلك األزمة إلى خارج نطاق الحزب‪ ،‬حيث ظهر الحزب موحد الصفوف وصعب التفتيت من الداخل‪ ،‬األمر الذي‬ ‫عبر عنه رئيس الحزب املستقيل داوود أوغلو في كلمته الشهيرة ‪ 5‬مايو ‪/‬أيار ‪ 2016‬التي أعلن فيها عدم ترشحه‬ ‫لرئاسة الحزب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ .5‬تعيين بن علي يلدرم رئيسا للحكومة‪ ،‬وهو "رائد التنمية ومهندس تطوير البنية التحتية التركية"‪ ،‬في رسالة تثبت‬ ‫ً‬ ‫التزام حزب العدالة والتنمية بخطته التنموية وصوال إلى تحقيق رؤيته لتركيا ‪ ،2023‬وقد بدأ يلدرم منذ األيام‬ ‫األولى لتوليه الحكومة بطرح مشروعات تنموية خاصة في الواليات ذات األغلبية الكردية‪ ،‬وأعلن عن تقريب‬ ‫مواعيد افتتاح بعض املشروعات االستراتيجية مثل مشروع نفق أوراسيا‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬االنقالب الفاشل ورد فعل احلكومة‬

‫ً‬ ‫شكلت جملة العوامل الداخلية والخارجية على ما يبدو مجاال يمكن استغالله لالنقالب على حكومة العدالة والتنمية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والتي تشير عدم قدرتها على كشف املوعد الدقيق لتحرك االنقالبيين مسبقا؛ إلى أنها أم َنت في الفترة األخيرة جانب الجيش‪.‬‬ ‫ولعل تأجيل تسريح بعض الضباط املشكوك فيهم إلى آب‪/‬أغسطس موعد انعقاد املجلس األعلى للقوات التركية قد يدلل‬ ‫ً‬ ‫على ذلك‪ ،‬ومنهم قائد االنقالب أكين أوزتورك الجنرال الذي أقيل من رئاسة القوات الجوية التركية‪ ،‬ولكنه بقي عضوا في‬ ‫املجلس األعلى‪ ،‬لذا يبدو أنه اختار التحرك في هذا الوقت‪.‬‬ ‫باملقابل يبدو أن االنقالبيين غاب عنهم دراسة مزاج الشارع التركي وهو أمر معتاد في تعاطي العسكر مع املدنيين‪ ،‬لذا‬ ‫استخدموا الوسائل التقليدية لالنقالب ونزلت الدبابات إلى الشوارع وتمت السيطرة بالقوة على وسائل اإلعالم‪ ،‬وأذيع‬ ‫البيان األول لالنقالبيين‪ ،‬موجهين عبره رسالتين األولى‪ :‬كانت للداخل التركي وتمحورت حول حماية قيم الجمهورية‬ ‫والعلمانية‪ .‬والثانية‪ :‬كانت للخارج وحملت إشارات لتغيير السياسة الخارجية التركية‪ ،‬حيث تم التعبير عن رغبة‬ ‫االنقالبيين بتأسيس عالقات أقوى مع املنظمات واملجتمع الدوليين "إلحالل السالم واالستقرار العالمي"‪ ،‬ولعل تلك‬ ‫الرسالتين تدعمان ما تقدم من تحليل حول عالقة الظروف الداخلية والخارجية التي تمر بها تركيا وتوقيت تحرك‬ ‫االنقالبيين‪.‬‬ ‫حسم الشعب التركي خياره ليلة االنقالب ودافع عن خياره الديمقراطي وحكومته الشرعية‪ ،‬وأفشل املحاولة االنقالبية في‬ ‫موقف بطولي يعبر عن ديمقراطية راسخة ورفض العودة إلى عصراالنقالبات وعدم االستقرار‪ ،‬لتبدأ بعدها قوات األمن‬ ‫الداخلي التركية بتصفية فلول االنقالبيين‪ ،‬ومن يقف وراء تلك املحاولة الفاشلة من عسكريين ومنتسبين إلى ما يعرف بـ‬ ‫"جماعة الخدمة " أو "الكيان املوازي" التابع لفتح هللا غولن‪ ،‬والذي اتهمته الحكومة التركية بالوقوف خلف تلك املحاولة‪.‬‬ ‫وشنت الشرطة التركية حملة اعتقاالت طالت بحسب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب متلفز يوم السبت ‪23‬‬ ‫تموز‪ /‬يوليو‪ 13165 " ،‬من بين هؤالء ‪ 8838‬عسكريا و‪ 2101‬من القضاة واملدعين العامين و‪ 1485‬من الشرطة‪ ،‬و‪ 52‬من‬ ‫رؤساء الخدمة العامة و‪ 689‬مدنيا"‪ ،‬وبحسب الرئيس" تم غلق ‪ 934‬مدرسة و‪ 15‬جامعة‪ ،‬إلى جانب ‪ 104‬منظمات و‪1125‬‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪10 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫جمعية‪ .‬وقد تمت مصادرة كل ممتلكاتهم من قبل الدولة"‪ ،14‬كما بلغ عدد من تسريحهم من وظائفهم ‪ 45‬ألف موظف في‬ ‫مختلف املؤسسات التركية (‪.)15‬‬ ‫حملة االعتقاالت والتسريحات تلك رغم أنها تمت في سياق قانوني ودستوري إال أنها أحدثت ضجة إعالمية كبرى‪ ،‬وأثارت‬ ‫عاصفة من التصريحات األوروبية واألمريكية التي اعتبرت ما يحدث "عملية انتقامية" من طرف الحكومة‪ ،‬لكن رد فعل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫األخيرة على االنقالب والذي شكل فرصة لها الجتثاث "الكيان املوازي" من جذوره‪ ،‬يالقي تأييدا شعبيا في تركيا كونه لم يخرج‬ ‫عن إطار املألوف التركي في مثل هذه الحاالت‪ ،‬فاالعتقاالت والتسريح في املؤسسات العسكرية واملدنية هو ما كان يحدث‬ ‫ً‬ ‫عقب أي انقالب في تركيا‪ ،‬والفارق هنا أن االنقالب كان فاشال فقامت الحكومة بتلك االعتقاالت وليس العكس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ففي االنقالب األول الذي شهدته تركيا في العام ‪ 1960‬تم إقالة ‪ 235‬قائدا وأكثر من ‪ 3000‬ضابط مكلف على التقاعد؛ وتم‬ ‫تسريح أكثر من ‪ 500‬قاض ونائب عام‪ ،‬و‪ 1400‬من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات؛ وتم إعدام رئيس الحكومة عدنان‬ ‫مندريس ووزير الخارجية فطين زورلو ووزير املالية حسن بوالتكان (‪ .)16‬أما االنقالب الثاني والذي عرف بانقالب املذكرة‪،‬‬ ‫دون تدخل الجيش بقوات على األرض‪ ،‬فقد أعقبه تعطيل الدستور وحظر للعديد من األحزاب والنقابات العمالية‬ ‫والتنظيمات الشبابية (‪.)17‬‬ ‫ً‬ ‫وفي ‪ 1980‬كانت حصيلة انقالب كنعان إيفرين اعتقال ‪ 650‬ألف شخص‪ ،‬ومحاكمة ‪ 230‬ألف شخص‪ ،‬و‪ 517‬حكما‬ ‫ً ُ‬ ‫باإلعدام‪ ،‬و‪ 299‬حالة وفاة بسبب التعذيب‪ ،‬كما انتحر ‪ 43‬شخصا وقتل ‪16‬أثناء هروبهم‪ ،‬واعتبر اآلالف في عداد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املفقودين‪ ،‬ناهيك عن إقالة ‪ 3654‬مدرسا و‪ 47‬قاضيا و‪ 120‬أستاذا جامعيا‪ ،‬ورصدت األجهزة األمنية التابعة لالنقالب‬ ‫ً‬ ‫مليون ونصف مواطن تركي وقيدتهم في سجالت األمن كمطلوبين أمنيا وخطر على األمن القومي التركي‪ ،‬وفر ‪ 30‬ألف‬ ‫شخص من املعارضين واملفكرين وطلبوا حق اللجوء السياس ي خارج تركيا‪ ،‬وتم إسقاط الجنسية عن ما يقارب ‪ 13‬ألف‬ ‫مواطن تركي (‪.)18‬‬ ‫ً‬ ‫في حين أعقب انقالب "ما بعد الحداثة" عام ‪ 1997‬حظر لحزب الرفاه بحكم قضائي وفقا لقانون ‪ 1982‬بتهمة "السعي إلى‬ ‫تطبيق الشريعة وإقامة النظام الرجعي"‪ ،‬وتم إيداع رئيس الحزب نجم الدين أربكان في السجن مع مجموعة من قادة حزبه‬ ‫ومنهم رجب طيب أردوغان‪ ،‬وحرمان بعضهم من العمل السياس ي ملدة ‪ 10-5‬سنوات (‪.)19‬‬

‫خامساً‪ :‬املآالت احملتملة‬

‫ً ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫رغم فشل االنقالب‪ ،‬إال أنه سيشكل تحوال كبيرا ومنعطفا هاما في الحياة السياسية التركية عامة وفي مسيرة حزب العدالة‬ ‫بشكل خاص‪ ،‬وسيرتب عليه تسريع وتيرة التغيرات الداخلية والخارجية التي بدأها قبل االنقالب؛ الستدراك‬ ‫والتنمية‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )14‬أردوغان يعلن حصيلة املعتقلين بعد محاولة االنقالب الفاشلة‪ ،‬موقع املحيط‪ ،‬الرابط‪/http://www.moheet.com/2016/07/24/2453000 :‬‬ ‫(‪ )15‬تركيا‪ ..‬إطالق سراح ‪ 1200‬جندي وتسريح ‪ 45‬ألف موظف‪ ،‬أورينت نيوز‪ ،‬الرابط‪/http://orient-news.net/ar/news_show/118303/0 :‬‬ ‫(‪ )16‬انقالب عام ‪ ،1961‬موقع تركيا بوست‪ ،‬الرابط‪http://www.turkey-post.net/p-tag/ :‬‬ ‫(‪ )17‬تاريخ االنقالبات التركية‪ ،‬موقع روسيا اليوم‪ ،‬الرابط‪https://arabic.rt.com/news/832499 :‬‬ ‫(‪ )18‬االنقالبات العسكرية في تركيا الحديثة‪ ،‬موقع ‪ ،sasapost‬الرابط‪http://www.sasapost.com/4-military-coups-in-modern-turkey :‬‬ ‫(‪ )19‬املصدر‪ :‬املرجع نفسه‪.‬‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪11 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫األخطاء التي تم استغاللها من قبل االنقالبيين‪ .‬وبناء على ذلك يمكن استخالص بعض النتائج التي ستتمخض عن تلك‬ ‫املحاولة االنقالبية الفاشلة‪ ،‬على صعيد السياسة التركية الداخلية والخارجية‪:‬‬

‫على الصعيد الداخلي‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ .1‬ستشهد الفترة املقبلة تركيز ا لجهود الحكومة التركية على استكمال ما بدأته فورا عقب االنقالب من عملية‬ ‫"اجتثاث" نهائي ملا يسمى الكيان املوازي املوالي لفتح هللا غولن‪ ،‬ومحاوالت تطهير كافة املؤسسات التركية من‬ ‫أنصاره‪ ،‬وبخاصة القضاء والتعليم‪.‬‬ ‫‪ .2‬استمرار عملية إعادة الهيكلة الشاملة للجيش وقوى األمن الداخلي والشرطة التركية‪ ،‬والتي كانت بداياتها من‬ ‫اجتماع املجلس األعلى للجيش التركي‪ ،‬والذي ُعقد قبل موعده الرسمي بأيام‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫غطاء شعبيا‬ ‫‪ .3‬ازدياد شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه في الشارع التركي‪ ،‬األمر الذي سيخلق‬ ‫للحملة التي يشنها على الكيان املوازي‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع أن التوسع في االعتقاالت والتسريح من العمل‪ ،‬والذي‬ ‫طال عشرات اآلالف في املؤسسات التركية املختلفة قد يخلق حالة من الخلل األمني أواملجتمعي في األيام املقبلة‬ ‫ناتجة عن فقد الوظائف‪.‬‬

‫‪ .4‬موقف األحزاب التركية الداعم للحكومة الشرعية والرافض لالنقالب‪ُ ،‬‬ ‫سيساهم بتخفيف حدة التجاذبات‬ ‫واالستقطاب التي كانت سائدة بينها وبين العدالة والتنمية وييهئ للدخول في مرحلة جديدة مبنية على أسس من‬ ‫التفاهم‪ ،‬وهذا سيتطلب من حزب العدالة والتنمية التعامل مع هذا املوقف اإليجابي بحذر من ناحية التغييرات‬ ‫الهيكلية التي سيجريها في الجيش والقضاء وباقي املؤسسات التركية كي ال تفهم باتجاه تعميق سيطرته على مرافق‬ ‫الدولة والحكم‪ ،‬كما تتطلب األيام القادمة تأجيل أو التدرج في طرح تعديل النظام التركي وتحويله إلى نظام رئاس ي‪،‬‬ ‫وهو ما ترفضه األحزاب املعارضة جميعها‪.‬‬ ‫‪ .5‬على الرغم من توجيه الجيش التركي ضربة جوية ملواقع حزب العمال الكردستاني في العراق بعد خمسة أيام على‬ ‫محاولة االنقالب‪ ،‬في رسالة تحذيرية لعدم استغالل ما حدث في تصعيد هجماته‪ ،‬إال أن حجم االعتقاالت الكبير‬ ‫الذي طال قيادات عسكرية وأمنية‪ ،‬مقابل إعادة هيكلة تلك املؤسسات؛ ال بد أن يلقي بظالله على الوضع األمني‬ ‫داخل تركيا على املدى القصيرواملتوسط من حيث احتمال ازدياد عمليات حزب العمال الكردستاني و"داعش"‪.‬‬

‫على الصعيد اخلارجي‬ ‫سادت في تركيا بعد االنقالب حالة من الخذالن على املستوى الشعبي والرسمي نتيجة للمواقف املتأنية في إدانة االنقالب‬ ‫ً‬ ‫في لحظاته األولى من كافة الدول تقريبا‪ ،‬وعلى رأسها حلفاء تركيا في الناتو (األمريكان واألوربيون)‪ ،‬لذا فإنه من املتوقع أن‬ ‫تشمل إعادة الهيكلة حتى العالقات الخارجية التركية‪ ،‬على أساس االنقالب وما تاله من مواقف للدول‪ ،‬وما سيرشح‬ ‫في األيام القادمة حول احتماالت تورط بعض الدول في التخطيط لالنقالب‪ ،‬وعليه‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ .1‬ال يبدو أن حالة الفتور في العالقة بين تركيا والواليات املتحدة األمريكية ستنتهي قريبا‪ ،‬خصوصا بعد املوقف‬ ‫األمريكي املتأخر في إدانة االنقالب‪ ،‬وإثارة تساؤالت كثيرة حول دور أمريكي محتمل في االنقالب بعد اكتشاف تورط‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪12 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫قاعدة إنجيرلك فيه‪ ،‬ورغم تشديد الرئيس التركي عقب االنقالب على استراتيجية العالقة مع واشنطن إال أن‬ ‫تلبية واشنطن لطلب أنقرة في تسليم فتح هللا غولن سيشكل اختبار ثقة بين الطرفين وسيكون له انعكاسات‬ ‫كبرى على العالقة بين البلدين‪ ،‬هذا باإلضافة إلى ملف دعم الواليات املتحدة األمريكية لقوات سورية‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬والتي تشكل عمودها الفقري مليشيات الـ ‪ PYD‬الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ .2‬العالقة مع االتحاد األوروبي لن تكون أفضل حاال مما كانت عليه قبل االنقالب‪ ،‬بل من املمكن أن يزداد ملف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تطبيق االتفاق الثنائي حول الالجئين وملف انضمام تركيا تعقيدا‪ ،‬خصوصا عقب املوقف املتأخر لالتحاد‬ ‫االوروبي ومعظم أعضائه من االنقالب‪ ،‬ومن ثم سلسلة من االنتقادات الحادة على لسان فريدريكا موغريني وزيرة‬ ‫ً‬ ‫خارجية االتحاد األوروبي لإلجراءات التركية عقب االنقالب‪ ،‬والتهديد بحرمان تركيا نهائيا من االنضمام إلى‬ ‫االتحاد األوروبي إذا تمت إعادة عقوبة اإلعدام‪.‬‬ ‫‪ .3‬حالة الفتور التي تعمقت بعد االنقالب بين تركيا وحلفاءها "الناتويين"؛ ستدفع تركيا الستكمال ما بدأت به قبيل‬ ‫االنقالب من مصالحة مع روسيا وإسرائيل وتسريع إعادة العالقات معهما إلى شكلها األمثل كونها بحاجة لدعمهما‬ ‫في ما تقوم به من إجراءات داخلية بعد االنقالب‪ ،‬ولتعزيز دورها في املشهد اإلقليمي على مستوى القضيتين‬ ‫السورية والفلسطينية‪ ،‬بعد أن تم تطويق هذا الدور بفعل التقارب األمريكي الروس ي من جهة و التنسيق‬ ‫اإلسرائيلي الروس ي في ما يخص سورية من جهة أخرى‪ ،‬باإلضافة إلى الضرورة األمنية واالقتصادية التي تفرض‬ ‫على تركيا تسريع التطبيع على كافة املستويات مع روسيا وإسرائيل‪ ،‬ولعل زيارة الرئيس التركي املرتقبة لروسيا في‬ ‫التاسع من الشهر الجاري‪ ،‬ستحمل إجابات حول نتائج هذا التقارب على الصعيدين الداخلي والخارجي التركي‬ ‫وبخاصة حول امللف السوري ‪.‬‬ ‫‪ .4‬قد يؤدي املوقف اإليراني املبكر في رفض االنقالب ودعم الحكومة الشرعية في تركيا‪ ،‬رغم الخالفات بين البلدين‬ ‫ً‬ ‫حول عدة قضايا وبخاصة امللف السوري‪ ،‬إلى تعميق التعاون بين البلدين وخصوصا فيما يخص امللف الكردي‬ ‫وحزب العمال الكردستاني‪ ،‬والذي أعلن في آذار ‪/‬مارس املاض ي استئنافه العمل العسكري في إيران بعد ‪ 23‬عام‬ ‫ً‬ ‫على توقفه (‪ ،)20‬أما فيما يخص امللف السوري فال فرص لهذا التعاون خصوصا في ظل التقارب التركي الروس ي‬ ‫والتركي السعودي‪.‬‬ ‫‪ .5‬على مستوى العالقات العربية‪ ،‬فالواضح أن العالقة التركية القطرية ستبقى كما كانت هي األقوى‪ ،‬كون موقف‬ ‫ً‬ ‫قطر الرسمي كان من أوائل املواقف الداعمة للحكومة وبدا الدعم القطري واضحا من خالل موقف أمير قطر‬ ‫وطبيعة تغطية قناة الجزيرة ألحداث االنقالب‪ .‬أما العالقات السعودية فستبقى تنمو نحو التحسن ومزيد من‬ ‫التنسيق األمني والعسكري‪ .‬أما املوقف املصري من االنقالب فيشير إلى صعوبة إجراء مصالحة قريبة مع تركيا‪،‬‬ ‫وكذلك األمر بالنسبة للعراق والذي يرفض توغل القوات التركية في أراضيه ومشاركة قوات تركية في معركة‬ ‫املوصل القريبة‪ ،‬وهو ما أكد عليه وزير الخارجية العراقي في كلمته ملؤتمر القمة العربية األخير في نواكشوط التي‬ ‫ربط فيها املصالحة مع تركيا بوقف دخول قواتها إلى األراض ي العراقية (‪.)21‬‬ ‫(‪ )20‬الكردستاني اإليراني يستأنف العمل املسلح ضد إيران‪ ،‬العربية نت‪ ،‬الرابط‪http://www.alarabiya.net/ar/iran/2016/03/23/ :‬‬ ‫(‪ )21‬فيديو لكلمة وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري في مؤتمر القمة العربية السابع والعشرون في نواكشوط‪https://www.youtube.com/watch?v=1fI_aWJqyLU :‬‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪13 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫تركيا‪ :‬االنعطافة الخاطفة والتحول الكبير‬

‫على مستوى امللف السوري‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫أ‪ .‬الصعيد امليداني‪ :‬كان النشغال الحكومة التركية بالوضع الداخلي عقب االنقالب‪ ،‬أثرا خطيرا بدأت تتبدى مالمحه‬ ‫على الوضع امليداني وبخاصة في الشمال السوري‪ ،‬حيث كثف النظام وروسيا غاراتهم على حلب مستهدفة مقومات‬ ‫الصمود وأهمها املستشفيات بعد قطع طريق الكاستيلو‪ ،‬مما مهد إلى إطباق الحصار على حلب لكسب نقاط قوة‬ ‫تفاوضية للنظام وروسيا‪ ،‬ولكن الرد الكبير لفصائل املعارضة املسلحة في حلب وقلب الطاولة على النظام وروسيا‪،‬‬ ‫حيث باتت مناطق سيطرة النظام في حلب تقع تحت حصار املعارضة‪ ،‬من املمكن أن يعكس رغبة تركية في استباق‬ ‫زيارة الرئيس التركي إلى روسيا بانتصار على األرض يعزز قدراتها على املناورة حول امللف السوري‪ ،‬ويشكل ورقة‬ ‫للضغط على موسكو لفرض هدنة في الشمال السوري‪ ،‬وهنا تلتقي الرغبة التركية واألمريكية‪ .‬كما قد ينعكس هذا‬ ‫التقارب بشكل تخفيض الدعم الروس ي لقوات سورية الديمقراطية‪.‬‬ ‫ب‪ .‬الصعيد السياس ي‪ :‬أثارت املصالحات التركية مع روسيا وإسرائيل وإعالن أنقرة رغبتها في العودة إلى تبني سياسة صفر‬ ‫مشاكل في عالقاتها الخارجية مع مجيئ حكومة بن علي يلدريم‪ ،‬العديد من الشكوك حول إمكانية تغير املوقف التركي‬ ‫ً‬ ‫من األزمة السورية‪ ،‬خصوصا بعد صدور تسريبات –نفتها الحكومة التركية‪-‬حول إمكانية القبول ببقاء األسد لفترة‬ ‫انتقالية(‪،)22‬األمر الذي يشير إلى مرونة تركية اتجاه الرؤية الروسية في حل األزمة السورية‪ .‬واليوم وبعد االنقالب‬ ‫الفاشل والحاجة التركية إلى العالقة مع موسكو‪ ،‬فهناك احتمال كبير لقيام أنقرة بالضغط على املعارضة السورية‬ ‫للتنازل عن بعض املطالب بهدف الوصول إلى انتقال سياس ي‪.‬‬

‫اخلامتة‬ ‫كان انقالب ‪ 15‬تموز الفاشل نتيجة لتفاعل جملة من العوامل الداخلية والخارجية في تركيا‪ ،‬والتي شكلت للمتربصين‬ ‫بحزب العدالة والتنمية على ما يبدو فرصة للتحرك ضده‪ ،‬ولكن مرونة الحزب في التعاطي مع امللفات الداخلية والعالقات‬ ‫الخارجية‪ ،‬باإلضافة إلى كم اإلنجازات الكبير الذي حققه خالل ‪ 14‬عام من الحكم ساهم في وأد هذا التحرك‪ ،‬وسيعطي‬ ‫الفرصة للحزب الستكمال مسيرته في تثبيت قواعد الديمقراطية في تركيا عبر التغييرات البنيوية والتشريعية التي يجريها‬ ‫بهدف طي صفحة تدخل الجيش في الحياة السياسية‪ ،‬والقضاء على ما يسمى بالكيان املوازي؛ األمر الذي سيدعم الجبهة‬ ‫الداخلية التركية‪ ،‬ويفتح املجال أمام تركيا للتعاطي بأريحية أكبر مع امللفات اإلقليمية ‪.‬‬

‫(‪ )22‬سعيد عبد الرزاق‪ ،‬تركيا تفتح باب التطبيع مع األسد‪ ،‬صحيفة الشرق األوسط‪ ،‬الرابط‪http://aawsat.com/home/article/685181/ :‬‬ ‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪14 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


‫_______________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫الصفحة‪1 :‬‬

‫عمران للدراسات االستراتيجية‬

‫‪Omran for Strategic Studies‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.