قبلة ناعمة أم هجوم رشس؟ يف سلسلتها الخاصة بـ "الصغية ذات الرداء ر األحمر" تسائل الفنانة كيك سميث ي روابط القوة المتأصلة يف حكايات األطفال. بورسلي، ،3002 ر 43 x 2303 x 2003 سم.
يف هذا المشهد الرعوي ،تكشف الفنانة عن العالقة ربي "طبيعة" و"إنسانية"، أحد مواضيعها المفضلة منذ أن اختارت البادية إقامة لها. ،3002برونز...
2
امللف :ص 1
ضيفة العدد :ص 91
زووم :ص 735
5
_ بومجعة أشفري :من اجلسد-الفكرة إىل اجلسد-اللحم
9
_ موليم العروسي :اجلسد عرب تاريخ الفن
سرير(ة) الكتابة :ص 725
_ 71طالل معال :اجلسد املبتكر ..الغامض واملكبوت واملثري للقلق _ 32يوسف ليمود :أسطورة اجلسد من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا _ 29بسمة شيخو :متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر _ 71احساين بزنبري :اجلسد ..ثالجة فكر _ 52منصور اهلرب :من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع _ 59حممد شرف :متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة _ 99قيس عيسى :حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر
املؤسسان:
_ 19بنيونس عمريوش :طالل معال ..الوجه سرية للذات واجلسد
حممد عنيبة احلمري
_ 55فدوى القاسم” :األنا املعذبة وطقوس اخلالص ..رؤى مغايرة“
بومجعة أشفري
_ 97مسرية أمزغار -واسيين األعرج :منايف :ثالث رسومات ومقاطع من مشروع فين رئيس التحرير:
بومجعة أشفري
_ 99عمار املأمون :أورالن ..أشباح القرين الوحشي
هيئة التحرير:
_ 777فاين شوفاليي -أمحد لطف اهلل :حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
بنيونس عمريوش أمحد لطف اهلل
_ 731بومجعة أشفري :وجها لوجه أمام اللحم
( ) _ 721عيسى خملوف :جون جوين حيا بني أهله يف املغرب _ 771فدوى الزياين :ذاكرة مُرة _ 779مليس علي :من يستطيع أن خيربين ما هو اجلمال؟
صورة الغالف ،الفنانة الفرنسية أورالن
ز ر ديونيوس ،الدار البيضاء ،المغرب الناش :حلقة أصدقاء (تاري خ التأسيس ،أبريل )1122 العدد السابع ،ماي 1111 مجلة فصلية ،تصدر بتقنية ” يب دي إف“ PDF ر ز وب: عنوان المراسلة ،الييد اإللكي ي amiesdedionysos@gmail.com 3
تصميم الغالف: الفنان خالد بن الضو
العروس موليم ي
عميوش بنيونس ر
فدوى القاسم
طالل معال
واسين األعرج ي
يوسف ليمود
بسمة شيخو
احساين بي ربي
منصور الهي
سمية أمزغار ر
عمار المأمون
عيىس مخلوف
محمد رشف
قيس عيىس
الزيان فدوى ي
أحمد لطف هللا
بوجمعة أشفري
عل لميس ي
مقاالت امللف وضيفة العدد كتبت خصيصا ملجلة ”أصدقاء ديونيزوس“ ،العدد السابع ،ما عدا مقاليت يوسف ليمود وعمار املأمون نشرتا سابقا يف منابر إعالمية ومت إعادة نشرمها هنا باالتفاق مع الكاتبني...
4
بومجعة أشفري رئيس التحرير
َ ُ َ َ ُّ َ َ َ ٌ ُ َ الجسد ،ف ُّ شهد َ الص َ زد ِو ٌج. ورِة وخ ِارج الصورِة ،مشهد م م ِ ِ ي ُّ َ ُ ََ ُ َ َ ً َ ُ َ َ . َ َ ٌ َ ْ ََ َ َ صي ِان ِ يف الصورِة خنن الجسد ،د ِائماَ ،ل يكون ذكر وأنن ي ر َ َ َ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ً َو ْحد ُهَ .يكون ،د ِائما" ،مع" ...مع آخ ِرِهَ ،مع غ ر ِيِه .ومع "مع" وما َي ْنفص ُلَ ،ذل َك ِأل َّن َ َي َت ََل َح ُم َما َي َّتص ُل َ الج َس َد َت ْرك ٌ يب، ِ ِ ِ ََ ً َ َ َ ُ ُ ْ َ ٌ َ َ َ ُِ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ه ِ يف قر ٍار ت ِ فكيك وإعادة ترِك ٍ يب .تماما كما يحدث ِللهيوىل و ي َم ِك ر ٍي0 َ َ الج َس ُد ف ُّ َ وج ُد َو َما َل ُي َ ورة َما َن َر ُاه َو َما َل ٌن َر ُاهَ .ما ُي َ الص َ وج ُد. َ َ ُ َ ِ ي َ َ َ َِ ُ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ ما يكون وما َل يكون .وهو ما يجعل سؤال" :ما هو هذا َ ُ ُ َ َُ الذي َ(َل) َن َرى؟"َ ،ح ِ ً اه ِد. لق- المت هن اضا ِ يف ِذ الج َسد ِ المش َ ِ ي ِ َّ ُ َ َ ُ َ َ ُ ال ََل َي َت َغ َّيا ُه َّ ُس َؤ ٌ وي َة َ اعفه"، الج َس ِد َوإن َما "ف ْرقه"" ،مض َّ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َّ ْ َ َ وت َشظ َّي ُهَ ...أ َ كاس ع ان ب إَل ق ق تح ي َل د س الج أن ذا ه عن ي ِ ِ ِ ُ َ َ ُ ِ َ َ ُِ ي ُ َ ُص َ وَل ْكرهَ .و ًإذا ُك ُّل ر ْ س ٍء َأم َامه ،خلفه ،ي ِمينه، ورت ِهِ ،سيم ِ ِ ي ِ ٌ َ ُ َ َ َ ْ ََ َُ كذل َك ،ف َ الذي ُيشتغ ُل َعل ْي ِه َو ِف ِيه، الب ْر ِي ِش َمالهِ ،مرآة .وهو ِ ِ ِ ي َ ٌّ َ َ َّ ُ َ َ انَ ،ق ْب اَلََ ،ل َحدا وال َأح ًدا .ف َ الب ْري َي َُ ُ حد؛ ذ ِلك ِألنه ك عي ِ َ ي ِ َ َ َ َ ُ قيم ف َّ الج َس ُد َعل َد َماره؛ و َما يذهب ل ُي َ السند ،Support ِ ِ ِ ِ ي َ َ َّ َ َ َ َ َ ان َن ُ وع ُه أو َش ُكل ُهَ ،ل ْي َ بق ِمن دمار ت ا م وى س س مهما ك ِ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ َ سد يف الفن هو :أ ليس هذا سدِ .لهذا يكون َسؤال الج ِ َّالج ِ َ ْ ً ً َ َ َ َ َ الذي ن َر ُاه َ أحيانا ُم َ ً وأحيانا َعل شك ِل ه ْي ٍئة ْأو لطخ ٍة ْأو بعيا، َ ُ َُْ َ َ ً ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ ... َ حم َو َعظ ٍم َود ٍم ل ن م ا د س ج ي الغ ر اآلخ و ه مكن ٍة أو أ ليس ر ِ ٍ َ َ َّ ُ ُ َ ََ ُ ! َ ْ َ ََل ُ َ ُ سد يف ق تعل ي ما حين ا، ن لس أ ؟ ه ف اع ض م ل شاك ي األمر بالج ِ ِ َ ُ ُ ون َأ َم َام َ الج َسد“ أو ف ” َف ِّن َلحم َ ”فن َ الج َس ِد- ك ن ، “ سد الج ِ ِ ِ ي َ َ َ ُ َ ُ َ ٌ َّ ُ اض ًحا؟ أ ِألنه َواضح؟ الج َ َسد هنا ف اض َ ِح؟! َو ِلماذا يكون الف ِ ِ ْ ْ َ َ َ ى َ َ ُّ ّ ُ ُ ْ ولكن أين ي تجل ُو ضوحه؟ أ ِ يف ت َمث ِل ِه الد ثله ِ اخل أم يف ت َم ِ ي َ َ ُ َ ُ ُ َ اضح هنا اضح-الو الفن)؟ الف ارج (داخل /خارج العمل الخ َّ ِ ِ ِ ي ي َ ُ َ ُ ُ َي َتمث ُل ف َما ُه َو َب ْي ِ ٌّ الج َسد َحيث ن ِ ،يف الف ْج َوة الن َيلج فيها َْ ُ ي َي َ ِ َ َ َِ ي َ ِ ْ َ ِ َ َ ى ْ الج َ لحم• ال د س الج د ل ج س لب ي و ة كر الف د س د ل ج ن م سلخ ِ ِ ِ ِ ِ ين ِ ِ ِ ِ ِ 5
ر دافينىس ليوناردو ي
ميخائيل أنجللو
مان إدوارد ي
َ كورن كوستاف ي
آليخت درورر
بابلو بيكاسو
إيف كالين
أورالن
سيمون هنتاي
مارينا أبراموفيتش
كيك سميث ي
طالل معال
سمية أمزغار ر
مانزون بييو ر ي
إدوارد مونش
فدوى القاسم
لوي بالن
لوسيان فرويد
شيمان سيندي ر
بولتانسك كريستيان ي
فرانشيسكا وودمان
دي كوننغ ويليام
قيس عيىس
روستي جون ر
دليل أمساء الفنانات والفنانني الواردة أعماهلـ(ن)م يف صفحات هذا العدد أبراموفيتش مارينا ،ص 433إىل ص 422 أنجللو ميخائيل ،ص 2 ،8 سمية ،ص.ص 29 ،23 ،23 ،22 ،23 ،24 أمزغار ر أورالن ،ص ،20 ،7 ،4من 27إىل ،432ص 432 إدوارد مونش ،ص 73 بالن لوي ،ص.ص 430 ،99 ،93 ،93 ايني ،ص 8 بوادان ر ر بولتانسك كريستيان ،ص 37 ي بيكاسو باولو ،ص.ص 73 ،73 ،90 ،37 تيتيان ،ص 32 رودان ،ص 429 روستي جون ،ص 97 ،49 ر ر دافنىس ليوناردو ،ص.ص 70 ،44 ي درورر آليخت ،ص 33 أوجي ،ص 74 دوالكروا ر دي كوننغ ويليام ،ص 72 ديفيد جاك لويس ،ص 92 صامييلسون بروس ،ص 423
6
كيك ،ص .3ص 28 ،27 ،29 ،23 ،2 سميث ي سيان بول ،ص 39 ر شياغا گازو ،ص 37 ر شيمابيو ،ص 40 شيمان سيندي ،ص.ص 92 ،32 ر عيىس قيس79 ، غائب غسان73 ، فرويد لوسيان ،ص 94 القاسم فدوى ،ص.ص 82 ،88 ،87 ،89 ،83 أكيا ،ص 38 كاناياما ر كالين إيف ،الصفحات 93 ،38 ،24 ،20 ،32 ،38 كورن گوستاف ،ص.ص 43 ،42 ،43 ي مال هللا هناء ،ص 77 مان إدوارد43 ، ي بييو ،ص 33 مانزون ر ي معال طالل ،ص 47إىل ص ،33ص 72إىل ص 83 وودمان فرانشيسكا ،ص.ص 423 ،23 ،22 ،23 هنتاي سيمون ،ص.ص 34 ،30 ،32 ،37 ،39 ييمولوفا إيرينا ،ص 3
ملف العدد
7
8
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
موليم العروسي ،اجلسد عرب تاريخ الفن
الن إشكالية الجسد تضعنا يف مأزق ر التفكي .هل نتحدث عن الجسد الكتلة المادية ي ينظر إليها كآلة بيولوجية تستعمل كطاقة إلنتاج وتحويل العالم ،أم نتحدث عن الن تتفاعل مع األفعال واألشكال والكلمات فتنتج أعمال الجسد الطاقة العاطفية ي روحية من قبيل الشعر والرقص والفن البرصي...؟ إذا كان األمر يتعلق بالجسد ر والتشي ــح؟ فلقد كان األطباء اآللة فإن من اهتم به بادئ ذي بدء هو الطب بارعي تصوير الجسد وتوضيح جزيئاته حن يتسن للطبيب رسامي يطلبون من ر ر الوقوف عل عناض الجسد .وكان األمر يتعلق بجسد اإلنسان والحيوان عل السواء0 كان الجسد يف هذه الرسوم گرافيكيا (من الگرافيك أي الخط) ،أي أنه يتكون من وه نفس طريقة رسم خطوط وليس من كتل ،كما أصبح عليه األمر بعد ذلك .ي الن نصادف يف رسم المغارات المسماة بدائية .فبالعودة للرسومات الجسد ي 9
موليم العروسي ،اجلسد عرب تاريخ الفن
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
القديمة :بابلية ،إغريقية ،صينية ،وحن بأمريكا األصليي0 القديمة عند الشعوب ر
المغرن والن يزخر الجنوب الصخرية ،كما تسىم، ي ي نظيها ،عل امتداد كيلوميات ،سوف بنماذج قل ر يتضح أن الخط هو الذي كان يستعمل لتمثل الجسد. كما أن الرسم كان يتم بطريقة رسم اليوفايل ،لذا لم نكن نرى كتلة الجسد بل فقط مساحة مسطحة تعطينا فكرة عن جسد ما .نفس الطريقة الگرافيكية المرصيي القداىم، الرسامي سوف نجدها عند ر ر خصوصا عند تعاملهم مع السطح ،أي عندما كانوا الرسامي يرسمون عوض أن ينحتوا .ال نجد هذا عند ر ه طريقة الزمت الممارسة ر المرصيي فحسب ،بل ي الرسمية عند جميع الشعوب والحضارات والثقافات
الن اتبعها رسامو األناجيل ه الطريقة نفسها ي هذه ي األوائل ،وكذا رسامو المنمنمات ،حيث تظهر األجساد عي خطوط وتلوينات يف أغلب األحيان .طريقة رسم الجسد هذه نجدها يف األيقونات الدينية ،سواء عند البينطية أو المنمنمات الشيعية يف بالد الكنيسة ر الن تتعلق بحياة الرسول ر المسلمي ،خصوصا تلك ي والصحابة والمالئكة .الطريقة نفسها انتقلت إىل إيطاليا من ربينطة ،وخصوصا إىل فلورنسا .ويعود الفضل يف الخروج من قوقعة الخط وغياب الكتلة يف تصوير األجساد إىل شين دي بيبو الشهي اإليطاىل الرسام ر ي ي الملقب بشيمابيو (،)Cimabue المولود سنة 4330بفلورنسا والمتوف ببيا ( .)Piseولكن شيمابيو سنة 4203ر لم يقم بهذا العمل الجبار من تلقاء الن نفسه ،بل كان بإيعاز من الكنيسة ي كانت تريد أن يظهر المسيح إىل جمهور المؤمني وهو يتعذب'' .يجب أن تصور ر المسيح وهو يتعذب عل الصليب ال أن َُْ ش بانتصاراته وتحوم تصوره وهو منت ٍ حوله دوائر األنوار''...؛ هذا هو ر الشط الذي وضعه اآلباء بكنيسة سانتا كروشيه (الصليب المقدس) بفلورنسا عندما طلبوا من الرسام شيمابيو أن يعد لهم صورة للمسيح وهو مصلوب حن يثي شفقة العامة وتتضامن مع محنته0 ر وألول مرة سوف يظهر المسيح وجلده العظىم، ملتصق بعظامه وقد برز هيكله ي المعان أصبح إنسانا أي أنه بمعن من ي ُ َ َّ ُ ان بعيدا عن بعد أن كان يصور ككائن نور ي العامة .أصبح إنسانا من دم ولحم .وبما أن المسيح لم يكن يرسم يف غالب األحيان لوحده بل بمعية األحبار 01
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
موليم العروسي ،اجلسد عرب تاريخ الفن
يذهبوا بعيدا يف رسم الجسد ،خصوصا عندما كان والسيدة مريم العذراء ،فكان البد أن تجري نفس األمر يتعلق بمواضيع ميثولوجية أو تاريخية .أصبح القاعدة عليهم أيضا .فاألحبار أصبحوا يظهرون فنانو النهضة يركزون بالخصوص عل الجسد .بل بصفاتهم اإلنسانية يمشون عل األرض ويلبسون ،يف الفناني ،وعل وجه الخصوص أولئك هناك من هؤالء غالب األحيان ،أثوابا رثة ،أو عل األقل قريبة من لباس ر المحميون من طرف الكنيسة أو قصور الملوك أو عموم الجمهور .أما السيدة العذراء فقد كان لزاما أن الوجهاء ،من لم يتورع يف تتخل تدريجيا عن تلك الن كانت تغلف حىت ولو أن كثريا من الكالم قيل عن رسم مواضيع دينية تظهر العباءة ي فيها األجساد بشكل قوي يف بالكامل جسدها فإن الواقع يف ووجودها املوناليزا وعنيف يكاد يكون شبقيا. البينطية ،وأن الرسومات ر ُْ تظ ِه َر بعض جوانب جسدها رمسها خضع لنفس منهجية تغييب اجلسد الحديث هنا عن مخائيل أنجيللو يف رائعته "خلق تشي إىل أنوثتها :من الن ر ي واستحضاره كفكرة فقط... الن تتوسط قبة آدم" والنهدين الجسم حجم ذلك ي سيشتي بقلب كنيسة النافرين ،حن ولو كان ذلك ر الفاتيكان ،حيث يظهر هللا عل شكل شخص مفتول من خالل ثوب شفاف ،خصوصا يف بداية هذه الثورة َ يغط العضالت وبلحية كثة يكسوه ثوب شفيف الر َس ِمية .كان البد أن تظهر كامرأة من فلورنسا من ي حيث المظهر0 يشي بعض أجزاء جسده ،خاصة أعضاءه التناسلية ،ر بأصبعه لشخص (آدم) مرسوم بنفس الشكل إال أنه لفناني آخرين أن هذه الثورة يف الرسم سمحت ر 00
موليم العروسي ،اجلسد عرب تاريخ الفن
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
يبدو أصغر سنا وحجما من ذلك الذي يفيض أنه هللا. ونفهم من القصة أن هللا أشار بإصبعه فنشأ آدم. غيه. باستثناء هللا ال يغط أجساد اآلخرين أي ثوب أو ر ي يفهم من اللوحة أو الجدارية أن مخائيل أنجيللو قد درس ر ليستعي به عل رسم األجساد تماما التشي ــح ر كما تبدو يف الواقع .نفس النهج اتبعه كل من ليوناردو ر دافنىس ورافائيل يف رسمهما لألجساد0 ي
وفق تعاليم أساتذتهم ،يحرصون عل إضفاء مسحة رخامية عل الجسد المرسوم تسجنه يف حدود مشاهدة اللوحة دون إثارة شهوة الجمهور .من هنا كان الفناني المتعلمي من المعلمون الكبار ينهرون ر ر المبتدئي إن هم اكتشفوا وهم يصورون الحياة ر اليومية أو الراهنة بصفة عامة0 ُْ ُ لكن الثورة الرومانسية سوف تد ِخل بعدا جديدا يف رسم الجسد ،حن لو أنها لم تخلصه من ترسبات ماض الفن .طبيعة الممارسة الرومانسية للرسم ي والصباغة كانت يف حد ذاتها تقيب من المتعة الجسدية .فبينما كان الفنانون الكالسيكيون والكالسيكيون المحدثون يعمدون إىل رسم مواضيعهم الطباشي أوال قبل أن يملئوها صباغة حن بالفحم أو ر يتحكموا يف الجانب المرمري للوحة ،عمد ر مباشة دون الرومانسيون يف ثورتهم إىل االشتغال وسيط عل اللوحة نفسها .كان منهم من يخلط ر مباشة .هذه أصباغه وألوانه فوق قماش اللوحة الطريقة كانت تستنفر الحواس وتجعل جسد الفنان يعيش عالقة شبقية مع المواد والقماش .صورة الفنان
رسم األجساد كما تبدو يف الواقع .هذه العبارة ليست اآلن مجانية ،ذلك أن األمر كان يتعلق باستلهام الواقع ي الماض .لم يكن بمستطاع الفنان رسم األحياء، لرسم ي الموناليا كثيا من الكالم قيل عن ر حن ولو أن ر ووجودها يف الواقع فإن رسمها خضع لنفس منهجية بق التعامل تغييب الجسد واستحضاره كفكرة فقط .ي َُ َّ ُ مع الجسد يدبر بطريقة أفالطونية ،بمعن اإلعالء من شأنه وتدبيجه واالهتمام بمظاهر جماله وفق مقاييس تاريخ ال يعيش مع األزمنة السابقة ...أي أنه جسد ي الناس يف عرصهم وال يمكن للفنان تصوير أجساد التقن كان الفنانون، المعاضين .وحن عل المستوى ي
02
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
موليم العروسي ،اجلسد عرب تاريخ الفن
الشهية .وعند مسئولية سياسية يف كومونة باريس ر سقوط نظام الكومونة فر إىل سويشا ،وقض بقية االنطباع حياته هناك .لم يكن يفصله عن زميله ي ر الكثي عل المستوى الىسء الفلسق؛ كان ر إدوارد ي مان ي ي
الن نحتفظ بها اليوم عن شخص ملطخ بالصباغة ي ويمسح يديه ف بلوزته ه إرث رومانىس يأتينا ر مباشة ي ي ي عش وبداية الثامن ر من نهاية القرن السابع ر عش .لكن ه أيضا من الماض ،حن األجساد الرومانسية بقيت ي ي ولو كانت مستلهمة من الحاض، وحن لو غاب عنها ذلك الجانب خرج من رحم الرومانسية تياران متناقضان يف كل شيء، المرمري الذي يخنق الحسية لكنهما يتفقان على إعادة النظر يف عالقة والشبقية0
الفن باجلسد.
لكن سوف يخرج من رحم ر سء ،لكنهما الرومانسية تياران متناقضان يف كل ي يتفقان عل إعادة النظر يف عالقة الفن بالجسد. يتعلق األمر بالواقعية واالنطباعية ،أو بشكل َ أكي كورن بفناني هما گوستاف تدقيقا يتعلق األمر ر ي مان )Édouard ( )Gustave Courbetوإدوارد ي كورن شيوعيا ،بل إنه تحمل ( .Manetكان گوستاف ي
االنطباعيون يقولون إنهم ال ينافقون حواسهم بل يرسمون ما يشاهدون دون إضافة .وكان رائد الواقعية ر كورن كان يتحدث عن الىسء .لكن ي ي كورن يقول نفس ي الحياة اليومية للناس وعن المواضيع المادية ،بينما كان االنطباعيون يتحدثون عن المشكلة من وجهة نظر تقنية بحثة؛ كانوا يقولون إنهم ال يرسمون األشياء يف 03
موليم العروسي ،اجلسد عرب تاريخ الفن
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
عالقة جنسية بينهما ،عل ما يبدو. وتحك الروايات ي َ ُ ِّ أن اللوحتي حول العديدة م ج مع ر الديبلوماس ( )collectionneurأعمال فنية، ي ترك ،باسم خليل باي ،هو الذي المرصي من أصل ي العملي سنة كان قد طلب من الفنان رسم هذين ر .4899ويبدو حسب روايات أخرى أن لوحة "أصل والن توجد اليوم بمتحف أورساي بباريس، العالم"، ي النفىس انتقلت يف وقت من األوقات إىل ملكية العالم ي الشهي جاك الكان .وإن كانت تيمة الفرنىس ر ي الصديقتان معروفة ومطروقة يف مجال الرسم ،فإن كورن أبدع بالخصوص بتجاوز األخالق األفالطونية ي الن تجعل من الحب واألجساد مجرد متعة ي إستيطيقية بعيدا عن ممارسة جنسية جسدية .فعند شبق بامتياز ،وأن المتلق أن الجسد رؤية العمل يرى ي ي
الن تعكسها تلك األشياء. حد ذاتها بل كميات الضوء ي الن تهمنا يف هذا الباب، والن مثلت ولكن األعمال ي ي ثورة حقيقية فيما يتعلق بالعالقة مع الجسد يف الفن، ه ي -4أصل العالم ليس هناك ر الكثي يف هذه اللوحة .لقد رسم الىسء ر ي كورن فرج امرأة دون أن يكشف ال عن ساقيها وال عن ي وجهها ،ركز فقط عل فتحة الفرج وشعر العانة .لكن والن ال كورن المعروفة الفن أنجز بطريقة العمل ي ي ي يجامل فيها الطبيعة .ال يضيف شيئا عل األجساد كما الشهية "النوم" ،أو "الصديقتان"، فعل يف لوحته ر حيث سيدتان مستلقيتان يف الفراش منهكتان بعد 04
يثي غضب الناس. بصور كهذه .ليس يف الصورة ما ر لكن ،أكدت يف البداية عل أن الجسد العاري لم يكن الماض .جسد امرأة ال تشبه ال ليقبل إال إذا كان من ي زوجن .الناس الموجودون يف الصورة أخن وال ي أىم وال ي ي المتقي ،ولذلك أثارت اللوحة ضجة هم من زمان ر رَّ كيى ،لكنها يف نفس الوقت أشت عل انتقال مهم يف الفن يقول لمن أراد سماع الذهنيات ،إذ كان العمل ي ذلك :نحن هكذا لقد وصلنا ،عل مستوى حرياتنا ومعتقداتنا ،إىل المستوى الذي يجب علينا أن ال نرفض وجهنا يف المرآة0 تأثي "أصل العالم" و"غذاء عل العشب" لقد طال ر األعمال الشعرية والفلسفية والفنية ،كالصورة الفوتوغرافية ،والنحت ،وبعد ذلك السينما؟ ولن يتجاوز الفن هذا الطرح إال يف الفن المعاض عندما تجاوز الجسد وضعيته كموضوع ،أصبح يساهم فعليا سىم بالربيع يف ر تغيي العالم .ولعل ما حدث إبان ما ي العرن دليل عل هذا التحول ،فقد اط ي الديمقر ي العرن إىل إنشاء أعمال فنية عمدت فنانات من العالم ي أدائية (برفورمانس) إما للتحدي أو لإلدانة أو إلثبات الذات داخل المجتمعات الذكورية•
مادة الجسد حية وتنبض بالرغبة .اختفت هذه األعمال لمدة طويلة قبل أن يعود النقاد والمؤرخون للحديث عنها مؤخرا0 -3غذاء عل العشب هذه التيمة كسابقتها تعرض لها َ أكي من فنان عي مان تاري ــخ الفن ،لكن الجديد هو أن لوحة إدوارد ي المرفوضي كبية عند عرضها بصالون أثارت ضجة ر ر بباريس يف 43ماي من سنة ،4892لكنها أزيلت من المعرض ليتم عرضها يف السنة الموالية ،لكن عل هامش المعرض .لماذا أثارت كل هذه الضجة؟ يظهر يف اللوحة امرأتان ورجالن .سيدة تجلس عل العشب وف وه عارية دون أن تظهر أعضاؤها الحميمية ،ي ي وه تلبس ثوبا النهر ف تستحم أخرى سيدة الخلفية ي ي عاريي غي شفيفا يكاد يظهر مفاتن جسدها؟ الرجالن ر ر يلبسان لباس أهل ذلك الزمان ،أي فرنسيو سنة .4892السيد الجالس عل يسار الصورة بجانب ُ ينظر ،كما السيدة ،ر المتلق0 نحو ة مباش السيدة العارية ي ملء أين تكمن المشكلة إذن؟ نعرف أن تاري ــخ الفن ي 05
06
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
طالل معال ،اجلسد املبتكر
يلق الجسد بثقله يف ظل السياسة ،وكيف يفعل ذلك؟ هل ي منذ القدم كان عل هـذا الـكـائـن أن يسـع لـجـمـع عـنـاض إكـلـيـل الـغـار الـذي يـلـف بـه التفكي عل مواكبته معن الـجـسـد، المضن والمستمر قدرة وجوده ،ويؤكد بالعمل ر ي الـذي أزاحــت الـحـضـارات عــن مـعــانـاتــه سـتــار الـتـمـثـال الـمـخـلــد يف كــل بـقـعـة وزمــان، ً ً ً ً سواء كان هذا الجسد سياسيا أو رياضيا أو مفكرا أو فـكـرة ورمـزا ..الـتـمـثـال الـذي بـدأ يلخص هوية هذا الجسـد ،ويـمـنـحـه خصـوصـيـتـه ال يـن سـيع فـيـمـا بـعـد الـنـجـاحـات 07
طالل معال ،اجلسد املبتكر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
ً الن قادته اىل الحروب والمعارك الطاحنة ،وليغدو رمزا ي ً أساسيا لالستشهاد والموت. وكذلك يف األلعاب القاتلة "فحن عـام 304ق.م ذلـك الـعــام الـذي نشـبــت فـيــه أزمــة عـنـدمــا هـاجـمــت الـقـبــائــل الجرمانية روما وحـولـتـهـا اىل أنـقـاض ،حـن ذلـك الـح رـيـ كــانــت مـبــارزات ال ـمـجــالــديــن الـ يـن أخــذهــا الــرومــان عــن ً األتــروسـكـيـ رـي ال تـقــام إال تـكــريـمــا لـلـمــون ،أمــا يف ذلــك العام فـقـد دفـعـت الـظـروف االسـتـثـنـائـيـة الـدولـة إلقـامـة هذه األلـعـاب الـدامـيـة ألول مـرة عـل حسـابـهـا ،قـاصـدة ً من ورائها تقوية أهل روما المذعورين عسكريا"0 السياس للجسد ،يف محاولـة هكذا إذن يبدأ االستغالل ي لتأكيد النفاق مكان الرمـز الـعـمـيـق لـمـعـن الضـحـيـة ،إىل أن ج ــاء يف الـ ـع ــام 322لـ ـلـ ـمـ ـي ــالد ال ــدي ــن الـ ـج ــدي ــد، الن منعت تلك المبارزات القاتلة. المسيحية ي الداخل لـقـيـم اض ي بكل األحوال ،فإن األسلوب االستعر ي هذا الجسد تجلت يف مـعـن الرصـورة الـتـاريـخـيـة ،لـربـط هذه الكتلة من العضالت باألحداث التاريخية ،كنصب ي ـت ـع ـم ـلــق خــارج إرادة ال ـث ـقــافــة اإلنســان ـيــة ،ول ـهــذا األمــر بــالــذات لــم ت ـتــوان الــدعــايــة ال ـع ـس ـكــريــة ال ـه ـت ـلــريــة عــن استغالل استعراض هذا الجسد ،كفـرصـة إلبـراز نـفـسـهـا كسياسة ..وهذا ما فعلـتـه الـدول االشـياكـيـة فـيـمـا بـعـد، القوىم.. الجماع عي السيطرة عل استعراض الجسد ي ي ـاىل أسـلـوب مـدروس دراســة "يسـود عـنـد اإلنسـان الشـم ي جيدة ،يتمـثـل يف الـعـمـل عـل إتـقـان الـوصـول إىل حـافـة االن ـطــالق ،ل ـت ـح ـسـ رـي اإلن ـجــازات بــاس ـت ـم ـرار .أمــا لــدى ـخ فـي ـســود تســارع ل ـل ـجـســد عــل غـ رـي ن ـظــام ،ي ـكــاد الــزنـ ي يشـبــه الـقـفــزة الــرشـيـقــة والـخـفـيـفــة لـحـيــوان يف الـفــالة. ً فـح ـقــا مــا أن ـبــل ال ـفـضــة اآلريــة إذا مــا ق ـي ـســت بــالــذهــب الحيوان"0 ي هــذا الـمـقـطــع تـعـلـيــق إلحــدى الصـحــف األلـمــانـيــة أثـنــاء ن ـق ــل أخ ـب ــار ال ــدورة األول ـم ـب ـي ــة أي ــام ه ـت ـل ــر ،ون ــالح ــظ رصـي الـجـ يـل ،الــذي كــان يـتـصــدر قــائـمــة األسـلــوب الـعـنـ ـ ـان األحاديث عـن الـجـسـد حـيـنـذاك ،لـيـؤكـد الـجـسـد مـع ي الس ـل ـط ــة االس ـت ـب ــدادي ــة ،ول ـي ـت ـح ــول إىل ش ـك ــل خ ــارق ومـتـجـاوز لـبـنـيـتـه اإلنســانـيـة والـتـعـبـ رـييـة والـجـمـالـيــة .لـقــد
اقــين ال ـج ـســد ب ـم ـج ـمــوعــة الس ـل ـطــات ك ـخــادم م ـط ـيــع مضامي عقائديـة ،عـلـيـه وحـده الن تتحول إىل ر للمآرب ي يضق القـيـمـة الـرائـعـة عـل أن يدفع بوعيه إىل الفناء يك ي يعان هذا الجسد يف رحـلـتـه الغايات االستبدادية ،بينما ي ال ـم ـتــواص ـلــة ،والـ يـن لــم ت ـن ـق ـطــع عــل مــدى ال ـتــاري ـ ــخ، للوصول إىل االنعتاق والتحرر من المسميات واأللـقـاب ً األخــاذة ،ب ـع ـيــدا عــن ال ـع ـزلــة وال ـخ ـراب والــوحشــة ،الـ يـن ـ كانت وال تزال تغلف الـعـالقـات الـمـحـدثـة ،وال يـن تـكـش االجتماع ،وتـبـلـد إمـكـانـات الـتـنـبـؤ بقسوة عمق االنتماء ي ر واالستشاف لمستقبله. اإلنسان قد حاول مـنـذ الـقـدم أن يـلـجـأ وإذا كان الجسم ي ـوىم ،عــي الـتـنـفـيــس عــن لـلـتـطـهــر مــن ي اآلن والـزائــل والـيـ ي الـتــوتـرات الــروحـيــة والـنـف ـسـيــة ،وت ـعـقـيــدات الـعــواطــف والمشاعر والرغبات المكبوتة ،مـن خـالل الـرقـص كـأداة 08
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
طالل معال ،اجلسد املبتكر
ع ـنــه ت ـف ـسـ رـي ال ـعــالقــة االج ـت ـمــاع ـيــة بـ رـي فضــاء ال ـج ـســد تـعـبـ رـييــة تـعـيـنــه عــل فــرض أجــوائــه السـحــريــة ،فــإن هــذا الـم ـت ـصــل وال ـجـســد ال ـم ـت ـصــل بــه ،ول ـهــذا فــإن ـنــا البــد أن الـجـســم قــد اسـتـطــاع يف الــوقــت ذاتــه أن يـحـقــق نـتــائــج ن ـل ـمــس ال ـعــالقــة بـ رـي ال ـج ـســد وال ـعــوامــل ال ـح ـضــاريــة - أع ـمــق عــل مس ـتــوى الش ـعــائــر وال ـط ـقــوس والص ـلــوات والعبادات. االج ـت ـم ــاع ـي ــة واالق ـتـ ـص ــادي ــة والس ـي ــاسـ ـي ــة وال ـث ـق ــاف ـي ــة ـاع لــالتصــال بـ رـي "يــرتـبــط الــرقــص بــالـتـعــامــل الــديـ يـن والسـحــري ،ويـلـعــب وال ـن ـف ـس ـيــة ..ول ـعــل ال ـت ـف ـسـ رـي االج ـت ـمـ ي ً ً ً ال ـج ـســد وال ـج ـمــاعــة ي ـف ـ ـ ش ـ االرت ـبــاط ال ـم ـتـ رـي بــالــياث دورا أساسيا ومـهـمـا يف الـعـقـائـد والـطـقـوس ،ولـيـس مـن ـروج ..ولـعـلـه مـن الـمـفـيـد أن نـذكـر هـنـا أنـه العجب أن نجد الرقص ،ومنذ الـبـدايـة ،يف تـرابـط وثـيـق الفـكـري وال ي كلما قل االرتباط ربي الجسد والمجتمع ،فإن ذلـك إنـمـا م ــع الـ ـطـ ـق ــوس والـ ـمـ ـعـ ـتـ ـق ــدات ،ونـ ـح ــن نـ ـج ــد هـ ــذه ً يكون انعكاسا لتعقد المجتمـع ،وتـطـور مـدنـيـتـه ،كـمـا يف الممارسات الدينية والسحرية يف الصلوات والـعـبـادات، المجتمعات الصناعية والتقنية الحديثة. وعـنــد تـقــديــم الضـحـيــة والـتـحــالــف ،وكــذلــك يف مـراســم وف اح ـت ـفــاالت ومــن ال ـم ـعــروف أن أوىل عــالمــات ت ـطــور ال ـف ـنــون لــدى ال ـع ـيــد ،وخــالل ال ـط ـقــوس الس ـحــريــة ،ي ه ت ـطــور م ـعــرف ـتــه وخــيتــه يف ن ـحــت الربيع ،ومناسبات الزرع والحـصـاد ،واحـتـفـاالت الـوالدة اإلنســان ال ـقــديــم ي بـ ـ ـع ـ ــض األحـ ـ ـج ـ ــار الصـ ـ ـغ ـ ـ رـية، واسـتـعـمــالـهــا كــأدوات جــارحــة يف أوائــل مـراحــل حضــارتــه ،وكــانــت التعامل الفين مع اجلسد إمنا يتم باستخدام الغامض ه ــذه الـ ـع ــالم ــات ب ــداي ــة تـ ـط ــور واملكبوت واملثري للقلق ،واستنباط القيمة اجلوهرية املتمثلة والن الجانب المادي للحضارة ،ي ارتبطت بما يسىم بالتكنولـوجـيـا بإعادة رؤية اجلسد كل مرة بشكل جديد البدائية ،أي مـجـمـوعـة الـوسـائـل الن امتلكهـا اإلنسـان واألساليب ي ال ـق ــدي ــم ،واس ـت ـخ ــدم ـه ــا ل ـج ـم ــع ً الموارد األولية من الـطـبـيـعـة مـب ر ـاشة وحـولـهـا إىل أدوات والختان والتأهيل ،ومراسم الوفاة والدفن ،ولـيـس آخـرا وآالت ول ــوازم اس ـت ـع ـم ـل ـه ــا يف ح ـي ــات ــه ال ـي ــوم ـي ــة ،وس ــد ـوس ،الــذي تـعــرض عـلـيــه مشــحـيــات يف الـمــشـ ـح الـطـقـ ي األقنعة الراقصة أو رقصة الطوطم"0 حــاجــاتــه ال ـمــاديــة ال ـم ـخ ـت ـل ـفــة يف ج ـمــع ال ـقــوت وب ـنــاء ال ـم ـس ـكــن وع ـمــل ال ـمــالبــس وأدوات الص ـيــد وال ـق ـنــص هل يمكن أن نعتي الرقص -إذن -مـن سـبـل الـهـجـرة إىل وغيها ،وبــهذا فإننا ندعو هذا الجسد بالـجـسـد الصـانـع الطقوس الذي رأشنـا إلـيـه ،أو الذات ،سواء كان الرقص ر ي ـال قــدرات الـجـســد الـحـيــوانـيــة ،أو مــا هــو أو الجسد المبتكر. تـلــك الـ يـن تـحـ ي ر طالما انـتـشـت يف الـفـنـون واآلداب تـمـثـيـالت وتـرم رـيات ـان الـتـعـبـ رـييــة لـلــرقــص الـفــردي والـجـمـ يـع، مـتـبــع يف الـمـعـ ي ل ـل ــوط ــن ،أو األم ــة ،ت ـح ـي ــل إىل ال ـج ـس ــد بش ـك ــل ع ــام، وال ـم ـل ـت ـص ـقــة يف ع ـم ـق ـهــا بــال ـت ـن ـس ـيــق األخــاذ إلي ـقــاعــات وخــاصــة الـجـســد األنـثــوي .وقــد يـتــم ذلــك بــاإلحــالــة إىل الـمــوس ـيـقــا الـ يـن وق ـعـهــا ال ـجـســد ،ونــوت ـتـهــا عــل ح ـركــاتــه ش ـخ ـصـ ـي ــات ب ـعـ ـي ـن ـه ــا ،ويـ ـم ـك ــن أن نـ ـج ــد م ـث ــل ه ــذه وت ـطــورات ـهــا ،ل ـي ـبـ يـن بــذلــك وظــائــف ك ـثـ رـية :كــال ـت ـن ـس ـيــق التمثيالت يف األعمال الـفـنـيـة أو مصـكـوكـة يف الـعـمـالت ـروج عــن ـىســ ،وكــذلــك ال ـت ـن ـف ـيــس الـ ي االج ـت ـمـ ي ـاع وال ـن ـفـ ي طريق الطقوس والمراسم الروحية؟! تشي إىل حادثة معينة أو موقعة أو رمز ،أو باإلحـالـة الن ر ي إن حركة الجسد الموقعة إنما ه ترجمة ر إىل األســاطـ رـي والـتــاري ـ ــخ ،ومــا مـثـلـتــه األنـ َـن يف مـخـتـلــف مباشة لمـعـن ي ً الحضارات :كـربـات الـجـمـال والـخـصـب واألمـومـة ،وكـل وه أيضا تصويـر رائـع لـلـمـفـاهـيـم والصـور ال يـن النشيد ،ي ما يرتبط بالصفات األخالقيـة ذات الصـلـة بـهـن ،بـل إن االجتماع لهـذا الـجـسـد ،وهـو مـا يـنـبـثـق يعكسها الواقع ي 09
طالل معال ،اجلسد املبتكر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
وف الـتـصـورات للتمثيل المجازي الذي نراه يف "زنوبيـا" ي األدبـيــة ،وخــاصــة الشـعــريــة لـعــديــد األيـقــونــات الـنـســائـيــة ممن سجلهن التاري ــخ.
أغلب تمثيالت الجسد األنثوي يف الغرب قد اعـتـمـد يف هذا الجانب عل إبراز القوة والمعنويات العالية .ولـهـذا نرى تلك النساء يحملـن الـرمـاح أو السـيـوف أو الـدروع، ا "منيفا وأثيـنـا" والـعـذراء وصـوق لـلـقـرن ويمكن أن نذكر ر الـثـامـن ر وه عشـ مـع والدة جسـد "مـاريـان" يف فـرنسـا ،ي ً تحمل رمحا وتضع غطاء الحرية عل رأسها.
ـخ أو الـحــديــث أو ســواء كــان اسـتـعـراض الـجـســد الـتــاريـ ي ال ـم ـعــاض ي ـع ـت ـمــد عــل الــيمـ رـي ،أو ال ـت ـخـ يـل عــن ت ـلــك ً ال ــدالالت ،ف ــإن ال ـج ـس ــد ي ـب ــق ق ــادرا ع ــل اس ـت ـي ـع ــاب المتغيات الثقافـيـة والـبـيـئـيـة واإليـديـولـوجـيـة .وإذ تـخـل ر الجسد عن لعب دور القوة مع مطـلـع الـقـرن الـع رـشـيـن، فـقــد تـعــددت اشـتـغــاالت الـجـســد بشـكــل عــام ،دون أن يـتـخــل عــن الـتــوجـهــات الـجـمــالـيـة الـ يـن اســيـشــدت بـكــل ً معان االنتشار عي الوسائط المستجدة ،بدءا بالتصوير ي ً ـالن حـيـث اخـتـطـوا طـرقـا اف والسينمان واإلع ي ي الفوتوغر ي مختلفة لما جاء بعد ذلك ،رلييدوا من غموض الجسد، الكثيون يعتقدون بتوظيـفـه يف مـنـاح انـتـهـاكـيـة وإن كان ر ت ـف ـقــده ال ـق ـي ـمــة الــروح ـيــة أو الصــوف ـيــة مــع مــا ط ـرأ مــن حـداثـة أحـالـتـه إىل جسـد مـادي ،لـيـدخـل يف رأس الـمــال ـالل واالسـتـثـمــاري ،وإنـفــاقــه كـقـيـمــة مــاديــة يـتــم االسـتـهـ ي التالعب به بالتجميل والزرع والبي ،والتـحـويـل يف إطـار جـمــالـيــات مــا بـعــد الـحــداثــة واسـتـعـراضــاتـهــا ،الـ يـن بــاتــت
ـزن يف وتجدر اإلشارة إىل استخدام العري ،والعري الـج ي األجساد النسائية ذات الدالالت القومية والوطنية ،كـمـا ـون ل ـ "يــوجـ رـي دوالكــروا" عــن ال ـم ـرأة يف ال ـع ـمــل األي ـقـ ي م ـك ـشــوفــة الصــدر الـ يـن ت ـقــود ال ـنــاس إىل ال ـحــريــة ،وقــد أربعي سنة عل الثورة الفرنسية. رسمها بعد مرور ر ً حن يف االحـتـفـاالت ،غـالـبـا مـا يـعـمـد إىل اخـتـيـار فـتـيـات بــأجســاد نـمــوذجـيــة ،وقــد يـنـتـحـلــن هـيـئــات أسـطــوريــة أو تــاريـخـيــة يف عــروض ال تـخـ يـق الــرغـبــة والـغـمــوض ،الـ يـن تشكل موضوعات هذه العـروض االحـتـفـالـيـة .ومـنـهـا مـا يشي إىل القوة والعنفوان ،رغم أن هذه الصفات تتعلق ر ً بالرجال ،وهو ما قد يعتي تناقضا يف التمثيل الجسدي، إال أن الفكرة تكمن يف الـدالالت والـرمـوز ال يـن يـتـضـمـنـهـا جســد ال ـم ـرأة كــأم ل ـم ـجـت ـمــع مـحــدد ،وهــذا مــركــز ال ـقــوة 21
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
طالل معال ،اجلسد املبتكر
والن تـجـعـل الـرؤيـة الن تشع ،ي الجمال والحركة والروح ي م ـف ـت ــوح ــة ع ــل ال ـع ــدي ــد م ــن س ـب ــل ق ـراءة ال ـج ـس ــد يف الـم ـمــارســات ال ـمـعــاضة وال ـت ـحــوالت ال ـبــالغ ـيــة إلدارتــه، وبكل األحوال فإن الـتـعـامـل الـف يـن مـع الـجـسـد إنـمـا يـتـم ب ــاس ـت ـخ ــدام ال ـغ ــام ــض وال ـم ـك ـب ــوت وال ـم ـث ـ رـي ل ـل ـق ـل ــق، واسـت ـن ـبــاط ال ـق ـيـمــة ال ـجــوهــريــة ال ـم ـت ـمـث ـلــة بــإعــادة رؤيــة ال ـج ـســد كــل مــرة بش ـكــل جــديــد ،أي ب ـت ـطــوي ـ ــع جــوهــر ال ـج ـس ــد ب ــاع ـت ـب ــاره مص ــدر اإلي ـح ــاء ،ومص ــدر ال ـت ـع ـب ـ رـي اإليحان. ي ً الفن مـن الـتـصـور ،إذ يشـكـل الـتـصـور يبدأ أحيانا العمل ي للتفكي ،وذلك إلنتاج واقع جسـدي يف الطريقة الفعالة ر غاية المادية ..إنه الطريقة المثل إلنتاج الصور الذهنية وتـحـويـلـهـا إىل حـقـيـقــة ،بـعــد الـعـبــور بـمـخـتـلـف إمـكـانــات التصور ،وهذا ما يـدفـع يف حـقـيـقـة األمـر بـاتـجـاه الـمـزيـد الن يبذلها الجسد إلعادة إنتاج الواقع وفق من الجهود ي وف هــذا مــا تـقـتـضـيــه الـتـصــورات اإلبــداعـيــة الـجــديــدة ،ي
تدمج الـتـنـاقضـات بـمـا فـيـهـا جـمـع الـجـسـد الـمـؤنـث مـع الـمــذكــر ،يف حــالــة مــن عــدم الـت ـمـيـ رـي الـغــامــض لـل ـحـظــة ال ـح ـق ـي ـقــة يف الــذاكــرة ال ـج ـم ـع ـيــة ال ـتــأوي ـل ـيــة ،الـ يـن بــاتــت ـان الـ يـن تــرسـخــت عـن الـجـسـد ،ســواء تـبـحـث عـن الـمـعـ ي الجـسـد األنـثـوي كـأم ووطـن ورعـايـة وخصـوبـة ومـواسـاة وم ـح ـبــة ...إلــخ ،أو ال ـج ـســد الــذكــوري ال ـقــوة وال ـح ـمــايــة والعمل وسوى ذلك من صفات باتت يف إطار التخيـل، ـش ـ ك ــل ل ـح ـظ ــة ع ــل وس ــائ ــل ال ـم ـي ــدي ــا وخ ــارج م ــا ي ـن ـ ر ـ ً ـاع ،وكــل مــا ش ـكــل انـفـجــارا ل ـتــاري ـ ــخ والـتــواصــل االج ـتـمـ ي االجتماع. اإلنسان يف العرص الجسد ي ًي يختلف التعامل مع الجسد إبداعيا ،سواء كان صورة أو ً ً ً ً ا مــوديــي ح ـق ـي ـق ـيــا ،عــاريــا أو م ـغــط جــزئ ـيــا أو ك ـل ـيــا ،إنــه الن يمكن أن يحققهـا الـفـنـان مـن اكتشاف لالستعارات ي ال ـج ـســد ك ـكــائــن بــان ـت ـقــالــه مــن ال ـم ـجــال ال ـعــاطـ يـق الــذي ا يجمعه مع الجسـد كـإنسـان ،انـتـقـاق إىل الـتـفـاصـيـل ال يـن تجعل من الـجـسـد نـتـيـجـة إبـداعـيـة يـكـتـشـف فـيـهـا نـقـاء
20
طالل معال ،اجلسد املبتكر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
نراها أو تتم مـمـارسـتـهـا يف الـواقـع ،لـتـضـاف إىل مـا يـقـوم ر يىس ـ بــأمــور عــل بــه ال ـج ـهــاز ال ـع ـصـ يـن أو ال ـع ـضـ يـل ،مــا ي عــالقــة بــالـثـقــافــة أو األعـراف أو الـبـيـئــة ،وهــو مــا يـخــرج الن يقوم بـهـا، حركة الجسد عن اإلجراءات الميكانيكية ي ـذان لـلـعــالمــات وتــدفــع بــاسـتـمـرار لـمــزيــد مــن اإلدراك الـ ي ال ـم ـت ـح ـق ـقــة عــن طــريــق ال ـج ـســد ،وخــاصــة مــا يــرت ـبــط ً بــالـتـعـبـ رـيات الـجـمــالـيــة ،الـ يـن تـحـتــاج غــالـبــا إىل مـهــارات مختلفة ،سواء عل مستوى التصور أو الـتـخـيـل وكـل مـا يـحـتــاج لـتـطــويــر هــذه الـمـهــارات الـ يـن تـعـتــي أســاسـيــة يف ـوع وت ـفـهــم اآلخــر ،واالس ـت ـجــابــة ال ـعــاط ـف ـيــة تشـك ـيــل الـ ي ل ـل ــرم ــوز واإلش ــارات ال ـم ـس ــاع ــدة يف خ ـل ــق ال ـت ــواف ـق ــات المنتجة لما يمكن دعوته البصمة الذاتـيـة لـلـمـجـتـمـعـات ـشـيــة ،أو عــل أقــل تـقــديــر الـبـصـمــة الـمـزاجـيــة لـتـلــك الـبـ ر ـ المجتمعات•
الـمـجــال يـتــم الـحــديــث مــن قـبــل الـنـقــاد والـبــاحـثـ رـي عــن المشاعر الروحيـة يف األعـمـال الـفـنـيـة ،أو مـا يـتـم جـمـعـه يف مـفــردات إعــادة إنـتــاج الـفـكــر ،الــذي يـمـنــح الـمـشــاعــر المزيد من الطمأنينـة والـمـشـاعـر اإليـجـابـيـة ،ال يـن تـجـمـع ال ـنــاس بــاإلبــداع .أي كــل مــا ي ـج ـم ـع ـهــم بــإعــادة إن ـتــاج ال ـت ـصــورات عــن ال ـح ـقــائــق الـ يـن يــرغ ـبــون مــالمس ـت ـهــا يف الـع ـمــل الـفـ يـن ،وذلــك عــي أجســادهــم بــالــدرجــة األوىل، ـوع ال ـكــامــن يف الــدمــا ،رغــم أن أغ ـلــب ومــن خــالل الـ ي الـ ـب ــاحـ ـث ـ رـي ي ــؤك ــدون أن ال ــدم ــا ال يـ ـم ـ رـي ب ـ رـي ال ــواق ــع وال ـت ـصــور ،ح ـيــث تس ـت ـج ـيــب الصــور ال ـع ـق ـل ـيــة ل ـن ـفــس ال ـقــوانـ رـي وال ـع ـم ـل ـيــات الـ يـن ت ـت ـعــامــل م ـع ـهــا ال ـت ـصــورات الحقيقية. اسـتـيـعــاب هــذه الـمـعـطـيــات يـبــق خــارج فـهـمـنــا لـحــركــة الجسد ،إذ تختـلـف الـعـمـلـيـات الـمـضـمـرة عـن تـلـك ال يـن
22
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ..من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
ربي دنس الالهوت والحكمة الهندية يف تناول مفردة جوهرية أسـاسـيـة مـلـحـة ضـاغـطـة كـمـفـردة أو مـوضـوع الـجـسـد ،الـذي ربما استحال فصله عن فكرة الفن ،تكـون الـحـاجـة إىل نـظـرة شيـعـة عـل زاوي يـن نـظـر الن انبثق منها تاري ــخ الفن مختلفتي بقدر ما هما ثقافتي، ر ر ر دينيتي ،الحضارة الغربية ي الحديث والمعاض الذي يمثل المرجعـيـة الـرئـيـسـيـة لـنـتـاج الـفـن الـحـديـث يف كـل بـالد ّ ـروج ـ ل ا ـا ـ ه ـ ث ا ـي ـ ب ـرت ـ أث الش ـق األوســط ،وحضــارة اآليــروف ـيــدا يف ال ـه ـنــد ال ـقــدي ـمــة الـ يـن ر ـ ي (البوذية) عل كل بـالد ر الشـق األقضـ تـقـريـبـا خـاصـة الـيـابـان (الـزن) والص رـي (الـتـاويـة الكونفوشيوسية) ،شبه ضورة لـفـهـم تـبـعـات مـنـظـار الـرؤيـة وانـعـكـاسـاتـهـا عـل كـيـفـيـة الفن للمفردة عي تاري ــخ الفن بطـولـه ،وصـوال إىل ديـنـامـيـت الـفـكـر وحساسية التناول ي ـالق فـحـسـب، الفن كمبدأ انط ٍ الفن المعاض الذي لم ِ يشبعه نسف التابو عن العمل ي ي 23
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ...من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ه عـ ـم ــر ال ــاله ــوت ،وتـ ـب ـ ّ يـن السـ ـلـ ـط ــة ذل ــك ال ــياث ي الـعـقــائــدي كــوسـيـلــة قـمــع وسـيـطــرة طــوال ذلــك الــزمــن، ج ـع ـلــت مــن ال ـج ـســد ش ـي ـئــا هــالم ـيــا هــامش ـيــا م ـح ـجــوبــا محجبـا ،يسـيق لـحـظـاتـه الـجـارفـة يف الـظـالم عـي حـيـاة ازدواج ـي ــة عص ــاب ـي ــة تشـ ـن ـج ـي ــة غ ـ رـي واعـ ـي ــة ب ـح ــال ـت ـه ــا الـفـصــامـيــة الـرازحــة تـحــت وطــأة الشـعــور بــالــذنــب .هــذا الشعور بالذنب ناتج أسـاسـا مـن فـكـرة "الـمـدنـس" ال يـنـ دنس بها الالهوت أطهر أسماء الحياة ،أال وهو الـجـسـد (عــيت لــوحــة تـيـتـيــان ف الـقــرن الســادس ر عشـ "الـحــب ي الطاهر والحب المدنس" عن فـكـرة الـمـدنـس يف صـورة امرأة شهوانية يـط رـي عـن جسـدهـا الـعـاري وشـاح أحـمـر، وف النصف اآلخر من اللوحة تجلس ،يف رزانة تـغـشـاهـا ي كثي الـتـفـاصـيـل سيماء الفكر ،امرأة متدثرة بثوب أبيض ر وال ـث ـن ـيــات يف إشــارة إىل ح ـيــاة ال ـط ـهــارة وال ـع ـفــة) .ل ـعــل القذارة ،كما عي هيي ميللر ،ال توجد سوى يف الدما . يف حـ رـي لــو س ـمــع أحــد ح ـك ـمــاء ال ـه ـنــد ال ـقــدي ـمــة ال ـقــول بارتباط مفـهـوم الـقـذارة بـالـجـنـس لـفـغـر فـاه ولـم يـفـهـم، اعـتـبــارا لـفـلـسـفـتـهــم الــروحـيــة الـ يـن نـظــرت إىل كــل أشـيــاء الــوجــود وحــركـتـهــا الـغــريــزيــة كـمـظـهــر مــن مـظــاهــر الــروح
بــل ت ـمــادى يف ت ـف ـت ـيــت خــاليــا هــذا ال ـج ـســد عــي أ كـ َـي ـاىل إىل الوسائط راديكاليـة ،وال يـن تـخـطـت مـفـهـوم الـجـم ي حــدود الصــدمــة (ال ـف ـنــان اإلن ـج ـلـ رـيي ال ـم ـعــاض دام ـيــان ـيـســت بـحـيــوانــاتــه الـمــذبــوحــة يف فـيــييـنــات زجــاجـيــة هـ ر ـ ت ـت ـح ـلــل وي ـع ـمــل ف ـي ـهــا الــدود والــذبــاب وال ـع ـفــن أمــام الجمهور نموذجا). الرصــاع ال ـطــويــل بـ رـي الرصــورة الـف ـن ـيــة (عــل اعـت ـبــار أن ّ الـفـنـان مـثـل دائـمـا خـروجــا أخـالقـيـا عـن األعـراف بـحـكــم ال ـخــامــة ال ـحــرة ال ـمــولــود م ـن ـهــا وبـ ـهــا) ،وبـ رـي ال ـم ـح ـظــور ـرصـ ،هـنــا، ـشـات مـنـهــا (يـحـ ـ يـحـســب بــالـقــرون ،بــل بــالـعـ ر ـ كمثال ،مايكل أنجلو وكيف تـفـي يف مـراوغـة الـمـؤسـسـة الدينيـة ال يـن كـلـفـتـه بـرسـم سـقـف كـنـيـسـة سـسـتـيـنـا ح رـي صـ ّـور كــل ذاك الـعــري الـطــافــح بــالـحـسـيــة ،رغــم تـنــاولــه قــديسـ رـي ومــالئ ـكــة وقصــص ال ـخـلــق والـق ـيــامــة وعــوالــم السماء). ـش ،ال ي ـن ـشــأ أي ضاع ســوى مــن ت ـعــارض بش ـكــل بــديـ ي رغ ـب ـت ـ رـي أو إي ــدي ــول ــوج ـي ـت ـ رـي :ب ـ رـي م ـح ــاول ــة ال ـح ـج ــب واإلقصــاء مــن جـهــة ،وبـ رـي قــانــون الـطـبـيـعــة بـعـضــويـتـهــا ومدها من جـهـة أخـرى .فـثـالثـة آالف عـام تـقـريـبـا ،ال يـنـ 24
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ..من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
لــزوجــة الـمــادي الـخـشــن الـعــابــر ،لـهــو أ كــي خســارة! هـنــا ـون (هللا) وت ـجـ ٍـل لــه .فــال ـج ـنــس ،حســب رؤي ـت ـهــم، ال ـكـ ي ّ ر تـفــوق مـفـهــوم االرتـقــاء مــن األدن إىل األعــل يف الـفـكــر سء بريء ،طاهر بطبيعته كالحيوانات ،هو يف جـوهـره ي الهندي الـقـديـم عـل خـرافـة الـتـحـريـم الـغـي يـن يف طـريـقـة طــاقــة .فـقــط يـجــب تــوجـيــه هــذه الـطــاقــة مــن مسـتــواهــا الـنـظـر الـالهــوتـيـة وتـاري ـ ــخ تـعــامـلـهــا الـقـمـ يـع مـع الـغــريــزة، ـوع ،حـن يـحـصـل المادي الغشـيـم إىل ال ي ـروج ،نـحـو ال ي الن هو جزء منها. بــاع ـت ـبــار ال ـغــريــزة رمــز ال ـج ـســد ولســان حــالــه .ف ـك ـمــا أن االتحاد ربي الفرد والطاقة الكونية ي "العي مصـبـاح الـجـسـد" ،فـإن الـغـريـزة مـفـتـاحـه وبـوابـة باإلمكان القول إن ثـنـائـيـة الـطـاهـر والـمـدنـس أو الـحـالل ر الدخول إليه. ـون ،تـقـابـلـه ثـنـائـيـة أ ك َـي والحرام يف الـياث الـاله ي اآلدىم يف تـلـك فكان أن وصل الجسم عـلـمـيـة وأرف فـهـمـا يف حضـارة الـهـنـد ي ...فاجلنس ،حسب رؤيتهم ،شيء ال ـح ـضــارة أرفــع درجــات ال ـت ـح ـكــم القديمة ،رغم أسبقيـتـهـا عـل عـمـر ع ــي ف ـن ــون ال ـي ــوج ــا ،ال ـ يـن ت ـه ــب الــالهــوت ب ـخ ـم ـســة آالف س ـن ــة بريء ،طاهر بطبيعته كاحليوانات، ـوج (م ــن بـ ـل ــغ األسـ ـت ــاذي ــة) وه ث ـنــائ ـيــة ال ـمــادي الـ ـي ـ ي ت ـقــري ـبــا ،أال ي هو يف جوهره طاقة... الـقــدرة عــل الـطـ رـيان فــوق الـمـكــان ـش، ـوان واإللـ ـ ي ـروج أو ال ـ ـحـ ـيـ ـ ي والـ ـ ي وف الــزمــن بـيـنـمــا هــو جــالــس مــربـعــا يف بـمـعــن أن مــا يـفــرق مـمــارســة شـخــص ي مـكــانــه ،وكــذلــك فـنــون ال ـتــانــيا ،رغــم أن ـهــا مـحــاطــة لغريزته عن شـخـص آخـر هـو درجـة روحـيـة الـفـعـل . الن ال تـكـشـف إال لـلـدارس رـي الـمـوثـوق ـون األســىم ر ومــدى مــالمسـتــه وتــواصـلــه مــع الــروح الـكـ ي بكثي من األشار ي فيهم ،حـيـث يـتـمـتـع مـمـارس فـن الـتـانـيا ،إيـروتـيـكـيـا ،أن فـكــون اإلنســان مـجـهـزا بــإمـكــانــات السـمــو واالتـحــاد مــع َ ر ـالشـيـكــة الـلـيــل يـمــارس األلـعــاب الـجـنـسـيــة واالتصــال بـ ـ روح الـوجـود ،ذلـك االتـحـاد الـذي فـيـه خـالـصـه وأعـمــق بطوله دون الوصول إىل القذف الذي نـظـروا إلـيـه كـنـوع أسباب سعادته ،كونه يمـتـلـك هـذه اإلمـكـانـات ووسـائـل ه الـ يـن وف الوقت نفسه يتجـاهـل كـل هـذا الوصول إىل هدفه ،ي مـ ىـن إهــدار ل ـل ـطــاقــة .هــذه ال ـح ـضــارة ن ـف ـس ـهــا ي خــلـفــت لـنــا مـنـمـنـمــات الـكــامــاســوتـرا الـبــالـغــة الــرقــة فـنـيــا ويـظــل قــابـعــا يف مــرحـلــة أقــرب إىل الـحـيــوان يـتـحــرك يف
25
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ...من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
اإليــروتـيــك الـيــابــانـيــة الـمـعــروفــة ب ـ "شــونـجــا" الـ يـن كــانــت األخالف ،وهياكل الـمـعـابـد الـمـزحـومـة بـالـنـحـت والتحرر ي ر متداولة لقرون حن منتصف القرن الـتـاسـع عشـ وال يـنـ ال ـح ـجــري ال ـبــارز ل ـح ـفــالت م ـجــون اآلل ـهــة يف ال ـج ـنــس تعتي النسخة اليابانية لكاماسوترا الهند. وبي بورنـورـرافـيـا وقـتـنـا هـذا الن ال يفرق بينها ر الجماع ي ي مــع تــرج ـمــة ك ـتــب ال ـف ـيــدا ال ـه ـنــديــة (ال ـك ـتــاب ال ـم ـقــدس ـروج وإدراك ـ ـهـ ــم حـ ــدود ـ ـ ل ا ـرف ـ ـ ع ـ ـ م ـ ـ ل ا ـم ـ ـ ه اد ز سـ ــوى ي ي بـهــاجــافــات جـيـتــا ،وأدبـيــات وأشـعــار الـحـكـمــة الـمـعــروفــة ومس ـت ــوي ــات ت ـل ــك ال ـم ـم ــارس ــات ،ن ــاه ـي ــك ع ــن ك ــون ـه ــا ر عشـ، ـ بــاألوبــانـيـشــادات) إىل األلـمــانـيــة يف الـقــرن الـثــامــن مناسبات وأعياد احتفال اآللهة بـأجسـادهـا الـفـانـيـة بـعـد تأثر العديد مـن مـفـكـري وشـعـراء الـمـدرسـة الـرومـانسـيـة أن تخطوا ثقل المادة وضغط الرغبة وبـلـغـوا الـحـريـة يف اللعب. يف أل ـمــان ـيــا ،مــن جــوتــه إىل ن ـي ـت ـشــه ،ب ـف ـكــرة االرت ـقــاء أو بغي ر ـىسـ وإم ـكــان تـحــوي ـلــه إىل طــاقــة مشط ،ومن خالل تأمالته جالسا مغمضـا عـيـنـيـه، ر الـتـسـ ي ـاىم بــالــدافــع الـجـنـ ي روح ـي ــة خ ــالق ــة ،ح ــد أن وج ــد وص ــل الـ ـهـ ـن ــدي الـ ـق ــدي ــم إىل شـوبـنـهــاور يف تـلـك الـكـتـب عـزاء تشــي ـ ـ ــح الـ ـجـ ـسـ ــد حـ ــن أدق ر ـ اييَ . ر حياته ،حسـب تـرديـده .ومـقـولـة رسم الطاقة الحيوية الش ر نــوفــال ـيــس ال ـخــالــدة "ي ـجــب أن يف الـجـسـم وحــددهـا يف سـبـعــة يـ ـك ــون الـ ـجـ ـس ــد روح ــا وال ــروح وه مـ ـراك ــز غ ـ رـي ر ـ تشـيـ ـحـ ـي ــة ،ي جســدا" .غـ رـي أن الـفـكــرة بـلـغــت األم ــاك ــن ال ـ يـن ي ـت ـق ــاط ــع ف ـي ـه ــا َ صـيـغـتـهــا األ كــي واقـعـيــة بـعــد أن عصـبــان دقـيـقــان يصـعــدان يف مــرت مــن مصـفــاة نـيـتـشــه الــذي مــوازاة مــن الـف ـقــرة السـفــل يف َ ّ حــجــم ال ـع ـقــل وأعــاده إىل حـ رـيه ال ـع ـم ــود ال ـف ـق ــري ح ــن أع ــل ـىم كـ ـعـ ـض ــو يف الـ ـجـ ـس ــم الـ ـ ـرأس ،ك ـ ــل م ـ ــرك ـ ــز يس ـ ــىم الـ ـلـ ـح ـ ي خـ ــاضـ ــع آلل ـ ـيـ ــة وب ـ ـيـ ــولـ ــوج ـ ـيـ ــة "شاقـرا" .تـيكـز الـطـاقـة أسـاسـا الجـسـم .إن ضخـة نـيـتـشـه عـل بصورتها البدائـيـة الـغـشـيـمـة يف لســان زرادشــت "جســد خــالــص المنطقة الجنسية كـمـركـز أول، بول سيزان ر سء أبعـد" سـوف يـكـون وتـ ـ ـك ـ ــون ،روحـ ـ ـيـ ـ ــا ،حسـ ـ ــب أنا وال ي م ـف ـهــوم ـهــم ،يف حــالــة س ـبــات. لها األثر الحاسم عل كل الـنـتـاج ر واألدن والـف يـن عـل جسـد الـقـرن الـعـشـيـن كـلـه الفكري تليها المراكز الستة تدرجا يف الـعـمـود الـفـقـري حـن قـمـة ي يف الحداثة وما بعدها. الرأس حيث المركز السابع األخ رـي الـذي ،مـا إن وصـلـت إليه الطاقة عي رحـلـتـهـا مـن خـالل الـتـمـاريـن الـجـسـديـة- وصول الفن الحديث إىل جسدانيته الــروح ـي ــة ،ك ــال ـيــوج ــا وال ـت ــأم ــل ،ب ـل ــغ ص ــاح ـب ـه ــا م ــرح ـل ــة االسـ ـتـ ـن ــارة واإلشـ ـع ــاع ،كـ ـتـ ـل ــك ال ـ يـن تـ ـح ــك ع ــن ب ــوذا مستنيا. ما من فنان ،قديمـا أو حـديـثـا ،لـم يـكـن عـمـلـه ،مـن دون والقديسي .يصبح جسدا ر ر ر وع ،ورغما عنه ،انـعـكـاسـا مـبـاشا لـجـسـديـتـه .أن أرسـم ه مـا جـعـلـت فـنـون آسـيـا، ي لعل هذه النظرة الفلـسـفـيـة ي يعن أن جسـدي الـف يـن لـم يـنـضـج بـعـد ،وأن الصي واليابان ضمنا ،بحكـم الـقـرابـة الـروحـيـة ،تـنـشـغـل ر خطا ركيكا ي ـان كــالسـيــف يـعـ يـن أن مـحــاربــا يسـكــن ـون؛ هــذا يف الـتـنــاول تـكــون ضبــة فــرشـ ي بـفـكــرة هــارمــونـيــة الـفــردي مــع الـكـ ي هذا الجسد .فكرة الفن نفـسـهـا لـيـسـت سـوى تـجـسـيـد، ـىســ ،جــاء الـتـعـبـ رـي الـمـتـصــوف لـلـفــن ،أمــا يف تـنــاولــه الـحـ ي َ إيــروتـيـكـيــا مـبـ ر ـاشا بـغـ رـي مــواراة أو حــرج ،كـمــا يف تصــاويــر أو ت ـج ـســد يف ال ـم ـعــن األرف واأل كــي م ـعــاضة .ال ـع ـمــل الفن يستمـد قـوانـيـنـه مـن قـوان رـي الـجـسـد وآلـيـة عـمـلـه. "الـ ـك ــام ــاس ــوتـ ـرا" الـ ـهـ ـن ــدي ــة ،وك ــذل ــك يف مـ ـطـ ـب ــوع ــات ي 26
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ..من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
تـجـسـيـدا ر لىسـء مـا .رمـق س رـيان هـذا بـنـظـرة الـمـعـلـم إىل ي حرف بارع ليـس أ ك َـي ،وهـو الـدور الـذي عـافـت أصـالـتـه ي : . "ف ـل ـ م ـأ ـ ت ـ ل ـ ل ـر ـ ف ـ ت و ـه ـ ي ـاض ـ ع ـ م ـ ل ـره ـ ه ـ ظ أدار ـه ـ ب ـ ع ـ ل أن ت ـ ي الـجـنــة يـعــرفــون أنـ يـن سـ رـيان" .لــم يــرســم الـتـفــاحــة حـ رـي نصبها أمامه ،بل ّ شبع دائرة التفاحة عـل قـمـاشـتـه بـكـل م ـك ــون ــات خ ــالي ــاه ،ب ــال ـه ـن ــدس ــة وال ــزخ ــم ال ـك ــام ـن ـ رـي يف ْ ـرن الـتـجـسـيــد تـكــشــات الـخـلـيــةِ ،بــنـيـتــه .شـتــان بـ رـي فـكـ ي والتجسد .تفاحتة أصـبـحـت ثـقـال ،كـثـافـة ،ح رـيا ،شـكـال، جسدا .كذلك الورقة يف يد الالعب ،الطاولة ،المفـرش، ظ ـهــر ال ـم ـرأة ال ـم ـس ـت ـح ـمــة ،ق ـمــة ال ـج ـبــل .كــل ال ـع ـنــاض أص ـب ـح ــت وزن ــا وث ـق ــال. ح ـ ـ ـ ـ رـيا مش ـ ـ ـ ــدودا إىل جاذبية أرض لوحته. هــل كــانــت مصــادفــة أن ت ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ــرج "ف ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــات أف ـي ـن ـيــون" ،الـ يـن ّأرخــت التكعيبـيـة سـنـة ،4207 ع ـ ــل ي ـ ــد "ال ـ ـق ـ ــاب ـ ـل ـ ــة" بـيـكــاســو مــن رحــم عـمــل س ـ رـيان؟ تـ ـل ــك الـ ـل ــوح ــة ُ الن شحنت بحسية لـم ي يـ ـنـ ــل م ـ ـن ـ ـهـ ــا ال ـ ـت ـ ـن ـ ـظـ ـ رـي ـوىم والـ ـ ــروح ال ـ ـ ـم ـ ـ ـف ـ ـ ـهـ ـ ـ ي الـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـن ـ ـ ــدسـ ـ ـ ـي ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ يـن استوعبت االنشـطـارات ال ـب ـل ـلــوريــة يف ف ـتــوحــات سيان الذي كان رحل توا قبل أقل من عام! ر ال عـجــب أن يـتـلـقـف بــالـتــوس مـنـجـز سـ رـيان بــالـتـبـجـيــل. رغــم اشـتـغــال األول عــل مـنـطـقــة ،جـمــالـيــا ومـفـهــومـيــا، الن حـرثـهـا األخ رـي .فـإن كـان بعيدة كل البعد عن األرض ي سـ رـيان قــد وصــل بـلـمـسـتــه إىل حـ رـي الـثـقــل الــذي يـقــول تشـب بــالـتــوس هــذا الـث ـقــل الـت ـصــويــري الـجـســد ،ف ـقــد ر ّ ـ لـيـقــول بــه الـخـفـة ،الـرقــة ،الـتـفـتــح ،بــاألحـرى .الـتـفـتـح يف أع ـم ــق وأع ــذب م ـظ ـه ــر ل ــه :م ـم ــر ال ـع ــري ال ــواق ــع ب ـ رـي ـش ،حســب ت ـع ـبـ رـي بــال ـتــوس ال ـط ـفــولــة وال ـم ـراه ـقــة .اإللـ ي نفسه.
الفن رأس وقدم وقلب ونبض ومنطقـة جـنـسـيـة للعمل ي الفن يف بـنـيـتـه االنـفـعـالـيـة ودرجة إشعاع وروح .والعمل ي يتوازى مع مـيـكـان رـيم الـرغـبـة مـن ضـغـط إىل اسـتـثـارة إىل تــوهــج إىل تـفــري ـ ــغ إىل شـعــور بــالـراحــة الـمــؤقـتــة .تـحـقــق الجمالية يف العمل يساوي تحقق اللذة يف الرغبة. الفن يشبه الجسد يف رحلته يف الزمن ،يـولـد يف والعمل ي غموض رحم خالقة ،ينمو يخرج لـلـعـالـم يسـبـب دهشـة وجــود ،ثــم يص ـبــح مــألــوفــا ي ـت ـقــادم ف ـي ـش ـيــخ وي ـن ـحــرف اإلحس ــاس ب ــه يف س ـ رـيورة ال ــذوق وال ـت ــذوق ف ـت ـت ـح ــول قيمته ،النسـبـيـة أصـال ،مـن فـنـيـة إىل تـاريـخـيـة .وأجـازف
ُ بالقول بـأن الـكـيـمـيـاء الـغـامضـة ال يـن تـنـتـج الـطـبـيـعـة مـن ه يف األسـاس كـيـمـيـاء جسـد، خاللها كيانا فنيا شاعرا ،ي الن يتداخل أو يـتـصـارع فـيـهـا جسـدان منطقة ر البي ربي ي أو جنسان أو عنرصان أو هويتان حسيتان. من المفارقات أن تتحقق لفن التصوير جسدانـيـتـه عـل يد رسام لم ينشغل بـرسـم الـجـسـد أسـاسـا :بـول س رـيان. احـتــالل سـ رـيان مـكــانـتــه الـتــاريـخـيــة كــأب لـلـفــن الـحــديــث ّ ـوع الـف يـن إىل الـجـسـد مـن خـالل مثل ضمنيا وصـول ال ي ـوع بــالش ـكــل .كــان الــياث ال ـت ـصــويــري الســابــق عــل الـ ي سيان منذ عرص الكهوف إىل انطباعيـة زمـنـه تصـويـرا أو ر 27
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ...من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
مــاب ـعــد ال ـحــداثــة ،والــذي مــرق مــن س ـمــاء ال ـفــن خ ـط ـفــا كأسطورة شاعر .ولعل موته المبكر كان ،بـغ رـي مـا إرادة، تــأ كـيــدا عــل فـلـسـفــة الـفـرا الـتـصــويــريــة الـ يـن بصــم بـهــا حائط المعاضة بأزرقه الخاص ،أزرق األليامارين.
ويمـر عـل شـاشـة الـوقـت نـفـسـه تـقـريـبـا ثـالثـة مصـوريـن ش ـبــاب ب ـث ـقــوبـ ـهــم الســوداء ،ج ـم ـع ـهــم ،دون ـمــا ل ـقــاء يف َ الواقع ،الجرح واالضطـراب والـقـدر الـمـتـشـابـه إىل خـانـة الـمــوت الـمـبـكــر ،بـعــد أن سـجـلــوا بــالـخـطــوط الــرشـيـقــة الحادة يف آن ،حـيـاة الـجـسـد يف خـمـارات الـلـيـل وبـيـوت ال ــدع ــارة ،وح ـف ــروا ت ـق ـلـ ـص ــات ــه الشـ ـب ـق ـي ــة يف ال ـم ـخ ــدر ـاىل امـيـديـو والكحول :الـنـمـسـاوي إيـجـون شـي يـل ،واإليـط ي والفرنىس هيي دوتولوز لوتريك. موديليان، ي ي غي القابلة للتصنيف لمصور مـن وترسخ الروح الكثيفة ر الــوزن ال ـث ـق ـيــل ،لــوس ـيــان فــرويــد ،عــل ك ـتــالت ال ـل ـحــم ـش ــي ال ــذي ت ـم ــيج ه ــال ـت ــه ال ـح ـي ــة ب ـح ــس ال ـم ــوت ال ـب ـ ر ـ وك ـي ـم ـيــائــه ال ـمــيبصــة ب ـل ـح ـظــات الــوجــود ،يف ت ـراك ـيــب مــدهشــة ،ومــن زوايــا ال ت ـخ ـطــر م ـجــانــا عــل بــال ف ـنــان خالق. ر وتياكم يف ثالجات الفن طوال القرن العشين أجساد ال حرص لها ،ر ّ شحها كل فنان ر بمشـطـه الـخـاص وطـريـقـتـه. لـكــن الـنـقـلــة الـنــوعـيــة يف تـنــاول الـمـفــردة ،يف افـتـتــاحـيــة ـرنىسـ النصف ي الثان من القرن ،كانت عل يد الفنـان الـف ي ـان الشاب إيف كالين ،الـذي يـعـتـي واحـدا مـن أوائـل فـن ي
إيف كالين ..أجساده الفراغية وثورته الزرقاء أن ينشغل فنان ،ومـنـذ انـطـالقـتـه الـفـنـيـة األوىل ،بـفـكـرة يعن يف األصل انشغـاال بـالـكـتـلـة ،بـالـجـسـد .وأن الفرا ،ي يعن الـزهـد ،ويـع يـن يختار الفنان ،وبإضار ،لونا واحدا ،ي ّ الــيكـ رـي عــل الـجــوهــر ،عــن طــريــق إقصــاء كــل مــا يـجــمــل هــذا ال ـجــوهــر أو بــاألحــرى يشـ ّـوش ع ـل ـيــه كــاالس ـت ـخــدام ـان المجان لأللـوان ،أو حـن عـن طـريـق الـتـدخـل الـحـس ي ي المتعمد يف عملية خـلـق الصـورة .إذن فـلـتـخـلـق الصـورة روج مــن نـفـسـهــا بـنـفـسـهــا عــي قـيــادة ذهـنـيــه وحضــور ي دون أن تلمس يد الفنان المادة. نقف مع الجـمـهـور يف واحـد مـن عـروض الـيفـورمـانـس. ـط إشــارة بــدء الـعــزف ألوركســيا صـغـ رـي مــن الـفـنــان يـعـ ي نوع "موسيق الحجرة" .أرضية مشح المكـان مـفـروشـة 28
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ..من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
بمساحات ضخمة من ورق الرسم .كـل ر سء مـحـسـوب ي ومرتب بدقة .يف الـجـانـب بضـع فـتـيـات عـاريـات يـده ّـن باألزرق الصـدر والـبـطـن واألفـخـاذ .يـقـع رـي ،بـتـوجـيـهـات الفـنـان ،عـل الـمـسـاحـة الـمـفـرودة ويـطـبـعـن أجسـادهـن. ي ـعــاودن ال ـكـ ّـرة .إحــداهــن ت ـمــر ن ـف ـس ـهــا ه ـنــا واألخــرى تسحبها عن الورقـة بـعـنـايـة .تـنـتـش الـمـوسـيـق .ر عشـون ي دقيقة صمت صارم يكتم الجميع فيها الـنـفـس يف تـأمـل األسـطــورة الـ يـن اك ـتــيت ال ـمـكــان" .األس ـطــورة ت ـكـمــن يف ال ـفــن" ك ـل ـمــة ال ـف ـنــان األخـ رـية .ســاعــة روح ـيــة ل ـج ـم ـيــع الحاضين محورها الجسد. الن انطبعت ،فرادى أو مـرصـوصـة إىل جـانـب األجساد ي بـعـضـهــا الـبـعــض تسـحــب الــذهــن والـخـيــال إىل مـنـطـقــة رص ـ ك ـهــوف مــا كــان لــه أن يــوجــد إال يف بــدائ ـيــة .إىل ع ـ حدس معاض .الجسد المطـبـوع طـلـسـم .لـغـز .يـتـقـاطـع ٍ
مع مخلفات الشعوب األوىل من رسوم وتماثـيـل ورمـوز سحر أسـود .الـجـزء الـمـطـبـوع مـن الـجـسـد ،مـن دون أن اآلدىم. نغفل كونه أنثويا ،هو الجزء الصـمـيـم يف الـكـيـان ي مـنـطـقــة الــرغـبــة .مـنـطـقــة الــرضــاعــة .الـمـنـطـقــة الــواهـبــة ر ه للحياة .الشهة للحياة .مـكـمـن الـجـسـد .الـرأس ال يـن ي التفكي مبتورة .ال وظيفة لها ها هنا وال حاجة .هـنـا رمز ر الـثــالــوث األقــدم الــذي اتـخــذه اآلشــوريــون رمـزا لـلـحـيــاة والـخـ رـي والـتـجــدد :الـثــديـان ومـنـطـقـة الـتـنــاسـل .الـثــالــوث الــذي ان ـب ـثــق مــن صــورة عش ـتــار ســوف ي ـجــرده ال ـفــن ـالىم فـيـمــا بـعــد إىل ثــالث دوائــر .إنــه عــود لـبــدائـيــة اإلسـ ي السؤال يف صورة جمالية معاضة ،دونما انتظـار إجـابـة. ر سء .حضــور يف فـرا . لـطـخــة لـيــس إال .مـجــرد وجــود .ي حضور فار .فرا يف فرا . لألزرق ،كما لكل لون آخر ،معن وداللـة وإحـالـة .لـكـنـه،
29
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
أيضــا ،ك ـمــا كــل لــون آخــر ،ل ـيــس إال ذاتـ ــه .ال لـ ــون يشـ ـ رـي إىل ال ـ ـف ـ ـرا كـ ــاألزرق .األزرق س ـ ـمـ ــاء واألزرق بـحــر واألزرق أثـ رـي .حـ رـي كــان كــاليــن يف ســن الـتــاسـعــة ،وأثـنــاء مشــاركـتــه صــدي ـقـ رـي ل ــه ل ـع ـبــة قس ـم ــوا ف ـي ـه ــا العالم ،اختـار كـل مـنـهـم جـزءا ،أحـد ـان األوالد اخـ ـ ـتـ ـ ــار األرض ،والـ ـ ـثـ ـ ـ ي ال ـك ـل ـمــات ،أمــا إيــف الص ـغـ رـي اخ ـتــار ـىم إىل األثـ رـي .هــذه ،وإن كــانــت ت ـن ـتـ ي الـحـكــايــات األسـطــوريــة الـ يـن تـحــاك حــول ال ـف ـنــانـ رـي ،غــال ـبــا ،إال أن ـهــا ال تـخـلــو مــن إشــارة إىل حـقـيـقــة الـهــم. أ كــدت ،فـي ـمــا ب ـعــد ،الــوســائـ ُـط الـ يـن اس ـ ـت ـ ـخـ ــدم ـ ـهـ ــا ال ـ ـف ـ ـنـ ــان وم ـ ـن ـ ـطـ ــق ـوىم عــل أصــالــة اسـتـخــدامــه الـمـفـهـ ي ـوع الـمـبـكـر بـح رـيه هذا الـهـم .إنـه ال ي الـمــادي يف الـفـضــاء ،وتـمــاس فـكــرة الـ ـفـ ـض ــاء م ــع الشـ ـع ــور ب ــالـ ـم ــوت، بالعدم. انشغل الفنان بـفـلـسـفـة الـزن نـظـريـا
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ...من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
ا وممارسة .كـان تـطـبـيـقـه الـعـم يـل لـهـا من خالل رياضة أو فن الـدفـاع عـن النفس "الـجـودو" ال يـن أتـقـنـهـا أثـنـاء إقــام ـتــه يف ال ـيــابــان وحصــولــه عــل الـحـزام األســود .الــزن فـلـسـفــة فـرا بــام ـت ـيــاز .وال ـف ـرا هـنــا لــه م ـع ـن ـيــان، الشـط أو األســاس الــذي األول هــو ر ـ ترتكز عليه المنظومة الفكرية لهـذه الـفـلـسـفــة الــروحـيــة ،أال هــو تـفــري ـ ــغ الــذهــن مــن كــل إمــالءاتــه الـم ـسـبـقــة
اإلحساس الذي استخدم به كالين أزرقه أقرب إىل اهلشاشة .والكيمياء اليت مزج هبا اللون أقرب إىل الترابية
31
ع ــي ت ـم ــاري ــن ال ـت ــأم ــل ال ـم ـت ــواص ـل ــة ـروج الصــارم .الــوصــول والـنـظــام الـ ي ه إىل لـحـظــة الـفـرا الـذه يـن الـتـام ي نفـسـهـا لـحـظـة اإلنصـات إىل الـمـادة الن تشي الجوهرية للعالم ،الروح ي ه يف الـ ـك ــائ ــن ي وف ال ــوج ــود كـ ـل ــه .ي ل ـح ـظــة االتصــال بــاألنــا ال ـع ـل ـيــا ب ـعــد انــدحــار اإليـجــو .بـلـغــة الـمـتـصــوفــة، ه ل ـ ـح ـ ـظ ـ ــة االت ـ ـح ـ ــاد وال ـ ــوج ـ ــد. ي ـان ل ـم ـف ـه ــوم ال ـف ـرا ـ ث ـ ل ا ـن ـ ع ـ م ـ ل وا ي يـ ـتـ ـم ــاس م ــع فـ ـك ــرة الـ ـع ــدم ،وه ــو مــرت ـبــط بــال ـم ـعــن األول مــن ح ـيــث الجهاد للوصول بالذات إىل مـرحـلـة ر الالسء. ي اسـتـحـضــار الـفـرا يف فـلـسـفــة الــزن هــو م ـحــاولــة ل ـل ـت ـعــامــل مــع ال ـمــادة (ال ـ ـج ـ ـسـ ــد) ل ـ ـلـ ــوصـ ــول إىل تـ ــوازن وف الـ ــزمـ ــن. الـ ـجـ ـسـ ــد يف الـ ـفـ ـرا ي وفـنــون الـقـتــال كــالـجــودو والـكــاراتـيــه ر تىس ـ ...ت ـم ـث ــل واآلي ـك ـي ــدو وال ـت ــاي ي
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ..من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
اليوىم ،بفرشاة واحدة وصبغـة واحـدة، سنة يف التمرين ي برصـبــة واحــدة .ال ـم ـســألــة ل ـي ـســت يف ـ عــل رســم دائــرة ـوع ه تـرجـمـة لـحـضـور ال ي الوصول إىل الـياعـة قـدر مـا ي يف ال ـ "ه ـنــا واآلن" ،ش ـعــار الــزن .وعــدم تــدخــل كــاليــن، عـمـلـيـا ،يف خـلــق الصــورة الـ يـن طـبـعـتـهـا الـمـرأة بـجـسـدهــا عــل لــوحـتــه (الـجـســد األنـثــوي بــديــال عــن الـفــرشــاة) هــو نـوع مـن إقصـاء أنـا الـفـنـان .نـوع مـن تـخ ٍـل ،ولــو مـؤقــت، ر الىسـء يـحـدث .وأخ رـيا نـوع مـن عن اإليجو .نوع مـن دع ي ر ـالس االحـتـفــاء بــالصــدفــة ،صــدفـة الــوجــود ،وصــدفــة الـتـ ي داخل هذا الوجود. ـوىم يف الـخـلـق الـف يـن تـجـسـيـدا يعتي هذا المنطـق الـمـفـه ي التـجـاه "الـواقـعـيـة الـجــديـدة" الـ يـن كــان إيـف كـاليــن أحــد أعضــائ ـهــا الـمــؤس ـسـ رـي ،وهــو االت ـجــاه الــذي تـبــن ف ـكــرة ر ه يف الـواقـع بـدال مـن التعامل المباش مع األشـيـاء كـمـا ي اإليهام بها تصويريا عل سطـح مـا ،أي تـحـريـر الـفـن مـن
ه طــرق مـتـعــددة الـجــانــب الـفـ رـييـ يـق يف مـمــارســة الــزن ،ي لـل ـت ـح ـكــم يف ان ـف ـعــالـيــة ال ـج ـســد والس ـي ـطــرة عــل آل ـي ـتــه، ـاىل تـحـقـيــق مـثــالـيــة اتـزانــه ،أي حـكـمـتــه ،وعــالقـتــه وبــالـتـ ي باألشياء والفرا الـمـحـيـط .سـوف يسـجـل كـاليـن قـفـزتـه التاريخية من أعل بـنـايـة كـأحـد عـروض األكشـن .جسـد يقفز بثقله يف الفرا تعن مـحـاولـة انـتـصـار عـل قـوان رـي ي الثقل والجاذبية .محاولة فكاك من أش المادة .استـبـاق الخطية، لالندماج يف العدم .لن يموت كالين يف قفزاته ر لكن ستعاوده النوبة القلبيـة ال يـن داهـمـتـه أول مـرة وهـو يشــاهــد أحــد األفــالم يف مـهــرجــان "كــان" سـنــة ،4293 رليحل يف العام نفسـه عـن أربـعـة وثـالث رـي عـامـا ،ويـخـرج وليـده إىل الـدنـيـا بـعـد بضـعـة شـهـور ،ويـحـمـل اسـم أبـيـه نفسه ،إيف! يف تعامل كالين مع اللون األوحد إحالة إىل فـكـرة الـفـرا ـضـ ثــالثـ رـي الـبــوذيــة .فـراهــب الــزن الــرســام يـمـكــن أن يـقـ ي
30
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ...من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
فرانشيسكا وودمان.. امتدادات الدادائية وظل الموت المراهق
إيـحــاءاتــه الــال مــرئ ـيــة أو غـ رـي الـم ـلـمــوســة .تـمـثــال الـنــرص ساموتراس وفـيـنـوس ودافـيـد والـكـرة األرضـيـة والـمـسـلـة واإلسـفـنـجــة وكـتـلــة الـيونـز والـطـاولـة والـمـسـتـطـيـل عــل الـحــائــط ،سـ ُـيـغـمــرون يف األزرق ويصـ رـيون عـنــرصــا أثـ رـييــا يستحرص للحدس عناض الوجود األربعة :الـمـاء الـهـواء النار الياب.
من فرا األزرق إىل رمادي الظل ،ومن أسطورة الـمـوت المبكر إىل عبـيـيـة السـكـون يف االنـتـحـار الـبـكـر ،نصـطـدم بفداحة الجمال الباهظ الثمن ،المعشعـش يف الـجـدران غـ رـي ال ـمــرئ ـيــة بـ رـي ال ـج ـلــد األن ـثــوي ال ـمــوهــوب ل ـل ـن ـع ـمــة، وبي صدأ الـواقـع الـمـحـيـط ،بـاألحـرى للموهبة ،للرؤى ،ر صـدأ الـفـرا .مـا الـمـقــابـل الــذي يـنـعــم بــه الـفـنــان إزاء مــا تفرزه تقـلـصـات كـيـانـه الشـبـيـه بـآلـة الـهـارب تـهـز أوتـارهـا ه نسمة عابرة ،من جـمـال؟ هـل نشـوة لـحـظـة الـخـلـق ي سييد أو يقلل مـن إشـعـاعـات تـرابـه كل حصيلته؟ وهل ر ك ّـم األسـاطـ رـي الـ يـن تــروى عـنــه ويـتـوالــد مـنـهـا الـمــزيـد مــن األساطي ،بعدما يطلق عل صـدغـه الـرصـاصـة أو يـقـفـز ر مــن الـنــافــذة يف لـحـظــة مــن عــدم احـتـمــال؟ ال شــك أن ا حياة فنانة بازغـة ،انـتـهـت قـبـل أن تـبـدأ ،مـخـلـفـة مـنـجـزا جماليا مبهرا ،أو عل األقل منجزا ال يستهـان بـه ،تض يـق عليها المأساة هالة تزيد يف جماليـة الـمـنـجـز .لـكـن ،أمـام فوتوغرافيا فرانشيسكا وودمان ،هذه الفتنة الـفـنـيـة ال يـن
اإلحســاس الــذي اس ـت ـخــدم بــه كــاليــن أزرقــه أقــرب إىل ال ـه ـشــاشــة .وال ـك ـي ـم ـيــاء الـ يـن مــزج ب ـهــا ال ـلــون أقــرب إىل الــيابـيــة .هــذا الـحــس الــذي حــافــظ عــل روح األكسـيــد، أضاف إىل األجساد المطبوعة عل الـورق (الـذي بـدوره خــامــة هشــة) روح زوال .تـكـ يـق نـفـخــة أو مسـحــة يــد يك تبدد البصمة أو البصقة الوجودية عن فـرا السـطـح .ال أستطيع ،وأنا أتأمل بصماته ر البشية الدائخة يف األزرق، ـىسـ مــن الســؤال :مــن صــاحـبــة تـلــك الـكـتـلــة أن أمـنــع نـفـ ي الجسدية ،وماذا صار منهـا اآلن؟ ربـمـا هـو سـؤال خـارج ـاىل لـلـعـمــل ،لـكــن كــون الـجـســد عــن إطــار الـتــأمــل الـجـمـ ي مبصوما عل السطح وليس مرسوما ،هو يف الـغـالـب مـا يثي السؤال .لقد اختق الجسد ولم يبق إال األثر! ر 32
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ..من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
وه قذفت بنفسها من نافذة بـنـايـة عـالـيـة يف نـيـويـورك ي ـشـيــن لــم تــزل ،تـطــع أسـطــورة الصــورة يف الـثــالـثــة والـعـ ر ـ عل أسطورية حياتها ونهايتها المحزنة األليمة. هـنــاك أعـمــال فـنـيــة تـنـبــع جـمــالـيـتـهــا أســاســا مــن طـزاجــة ـوىل وال هـو حس ال ينتىم لعالم الكبار .عـالـم ال هـو طـف ي ي ٍ ر نــاضــج .عــدم نضـجــه شطــه .انسـحــابـيـتــه وجـنــوحــه إىل الخيال محركه .دخوله ربي الـقـشـور الـمـتـآ كـلـة ومـنـاجـاتـه َ ُ رشانـ َـق ال ـتـحـلــل الـخ ـفـيــة أجـنـحــتــه ل ـلـتـح ـلـيــق يف بــؤرات ـرن إىل صـورة، جمال مستي يزي ــح الستائر عما هـو ال م ي رؤيــا ،عــري ،خــوف ،ظــل ،أب ـيــض ،ب ـق ـعــة ،ســواد ،ألــم، اختفاء ،رغبة ...ونبوءة مـوت .تـنـبـع أعـمـال فـرانشـيـسـكـا
وف عــدوهــا يـتــداخــل الـمــوت تـطـفــر مــن مســام الـجـلــد .ي جسـدهـا مـع أجسـاد األشـيـاء الـمـخـتـارة لـلـصـورة .يصـبــح عريــها جزءا من نسيج الـحـائـط .تصـبـح كـتـلـتـهـا ظـال ب رـي ر ـدىل مــن زاويــة ـالس .يص ـبــح ش ـعــرهــا ال ـم ـتـ ي الــوجــود وال ـتـ ي الصورة عل الرصيف مرآة ألزهار القرنفل الذابلة جـوار ال ـرأس الــذي ي ـجــرب االرت ـطــام بــاألرض .يص ـبــح ث ـع ـبــان السمك الـدائـر يف الصـحـن رمـزا ألحشـاء الـعـري الـفـادح. تص ـبــح ال ـقــوق ـعــة صــدرهــا ال ـم ـف ـتــوح .تص ـبــح ســاقــاهــا ال ـم ـط ـبــوع ـتــان عــل ال ـطـ رـي شا يف أذن األرض .تص ـبــح ُ نفسها أوفيليا عرصية يسبح مـوتـهـا عـل األرض الصـلـبـة القاسية.
وودمان من هذا الـحـس الـف ِ ّ ـن غ رـي الـنـاضـج ،بـل تـطـفـح ي به .يف عملها ركض ،كـأن مـنـجـال خـفـيـا يـالحـق خـطـواتـهـا فتعدو يف اللقطات ذات األنفاس المتالحـقـة .تـعـدو مـن تــرك ـيــب إىل تــرك ـيــب .ت ـع ـيــد تــرت ـيــب ال ـم ـفــردات ال ـف ـقـ رـية حــول ـهــا :مــن غــرفــة خــال ـيــة إىل ف ـرا بــاب إىل مــرآة إىل وشــاح طــائــر إىل انـعـكــاســات نـهــار عــل حــائــط مـتـهــرئ. تعدو بجسدها وسط كل هذه المفردات .تعدو وعـالئـم
تنتىم إىل طائفة الـرائ رـي، ال شك أن فرانشيسكا وودمان ي ه ورغــم أن س ـمــة ال ـر ي ان األســاس ـيــة ،ب ـعــد ال ـحــدس ،ي الـخـيــال ،والـخـيــال بـطـبـيـعـتــه يـجـنــح إىل األبـعــد ،أي أن ان غـالـبـا ال يـكـون يف الـحـسـبـان ،إال أن رؤيـويـة جسد الر ي هــذه ال ـف ـنــانــة الص ـغـ رـية م ـل ـت ـص ـقــة بــال ـج ـســد .ب ـج ـســدهــا تـحــديــدا .يــأخــذ جســدهــا يف الصــورة شـيـئــا مــن طـبـيـعــة المفردات المجاورة له يف اللقطة :أمام النهديـن شـمـامـة 33
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ...من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
أطر األبواب المفرغة عـن خـواء مـخـيـف أبـيـض .الـثـوب الـمــياح عــن الـجـسـد األبـيــض أبـيــض .الـمـرايــا الـغــارقــة يف بـيــاضـهــا ال تـعـكــس إال األبـيــض .الـلــوح الــذي يـتــدىل مـنــه الـعـري الـمـصـلـوب أبـيـض .شــاهـد الـقـي الـحـجـري يـمــرق ـشـي أبـيــض .سـيـقــولــون األبـيــض فـيــه غـبــش الـلـحــم الـبـ ر ـ براءة ...إىل آخره؛ لكن األبيض ،وتحديدا هـنـا ،يـتـشـبـث بنفسه فقط كأبيض. رغم تأثر فرانشيسكا وودمان ،يف بعض أعمالها ،بالفنان الفرنىس المعروف مان راي ،ظلت محتفـظـة األمريك - ي ي بروحها الخاصة يف تـلـك الـنـمـاذج الـمـعـدودة .غ رـي أن مـا ـدادان يف صـورهـا .فـرغـم يثي االنتباه هو ذلـك الـحـس ال ر ي َ أنها ولدت يف سنة ،4238أي بعد أكي من ثالثة عقـود
نصفي يتدىل الـبـذر مـنـهـمـا وكـأن تـجـويـفـهـمـا مفلوقة إىل ر بشـاســة مـنـظــر األحشــاء الـبــذريــة هـمــا الـقــالـبــان الـمـلـ ّـبــد ر ـ السالبان لموجـب الـنـهـديـن .وحـزام الـلـؤلـؤ حـول الـبـطـن ي ـجــد ت ـنــوي ـعــا عــل ل ـح ـنــه يف جــوقــة زخــارف ال ـم ـفــرش ال ـق ـط ـن ـيــة .وظ ـهــر ال ـب ـنــت ال ـعــاري ي ـغ ـط ـيــه مشــط كــامــل لهيكل عظىم لسمكة ،وانعكاس جسد الفتاة يف الزجـاج ي َ تـهـبــه الـظــالل والــزهــور أذرعــا وأصــابــع تـكـمــل ،يف خــداع رص ـي ،مــا تــوارى مــن أط ـراف ال ـج ـســد ،وك ـت ـلــة ال ـعــري ب ـ األب ـيــض ال ـحــزيــن يف الش ـمــس ت ـجــد صــداهــا يف زن ـب ـقــة ـان لـجـسـد األنـوثـة .األبـيـض ه الـتـوأم الـنـب ي بيضاء كـب رـية ي األب ـي ــض ودائ ـم ــا األب ـي ــض ،يف ك ــل الص ــور رغ ــم زاده ــا السوداوي .الستارة الن ّ يطيها الهواء يف الـفـرا أبـيـض. ر ي
34
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ..من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
ـشـيــن ،يك ال تس ـجــل آخــر صــورة ت ـك ـمــل ال ـثــال ـثــة وال ـعـ ر ـ لجسدها عل األرض؟!
ـدس من تاريـ ــخ الـحـركـة الشـه رـية ،يشـعـر الـمـرء بـمـيـل ح ي ل ـت ـصــورهــا إىل جــانــب أص ـحــاب الــدادائ ـيــة األص ـل ـيـ رـي. ه نـفـسـهـا العبيية الخاصة ي الن حكمت مـنـطـقـهـا الـف يـن ي العـبـيـيـة ال يـن حـكـمـت عـلـيـهـا كـقـدر ومص رـي .نـتـب رـي دائـمـا رشخـا مـا يف كــل مـنـاظـرهـا .يف كـل أجسـاد مـنـاظـرهـا .كــأن َ جسدها رشخ داخل رشخ الصورة. كعصي كل مفردات صورتها ،والجسد واحدها ،تتجمع ر َ عان متداخلة .فكرة الـتـداخـل نـفـسـهـا أحـد عـنـاض من م ٍ العصي .لن يفيد الصورة إن قلنا الـوحـدة أو الشـبـق هذا ر ـان أخــرى .إنـهــا الــرؤيــا ،الـفـنـيــة، أو الـمــوت أو عــددنــا مـعـ ي َ الـمــركـبــة ،الـمــدفــوعــة بـقــوة طــردهــا الـمــركــزي .الـمـطــاردة بـبـكـارة شـعـورهـا بـالـمـأسـاة ،الـمـسـتـغـرقـة يف عـتـمـة جسـد األكي إشعاعاَ ، األكي ضوءاَ ، َ األكي بياضا مـن يعرف أنه ترىم نـفـسـهـا مـن نـافـذة ي باف األجساد .هل كان حتميا أن ي يف بـنــايــة عــالـيــة يف قـلــب مــانـهــاتــن سـنــة 4284دون أن
كيك سميث ..الجسد ربي الهنا والهناك ي قـدمـان مـن الــيونـز ويـدان ورأس آدمـيـة ،ت ّ ـوصــل بـيـنـهــم سلسلة صدئة من الحـديـد تـتـكـوم عـل األرض كـأحشـاء يـطـفـح مـنـهـا الـمـعـن يف جـيوت وبـداهـة ومـيـتـاف رـييـقـيــة. هــذا ال ـع ـمــل اآلش ،رغــم بســاط ـتــه ،ي ـخ ـت ـرصــ ال ـم ـن ـطــق الجسدي الشـامـل لـلـجـبـهـة الـفـنـيـة ال يـن تـتـمـيس وراءهـا فنـانـة ،أبسـط مـا يـقـال عـنـهـا إنـهـا إحـدى أيـقـونـات الـفـن الـم ـعــاض! األمــري ـكـيــة ك ـيـ يـك س ـمـيــث .4233مــن هــذه الس ـل ـس ـلــة -األحشــاء ،ب ـمــا تشـ رـي وت ـح ـيــل عــل ال ـم ـعــن ـاس الــذكــوري اإلك ـل ـي ـن ـيـ يـك ال ـب ـيــولـ ي ـاع الس ـيـ ي ـوج االج ـت ـمـ ي وف اآلن نـفـســه أيضــا ،الـمـيــالد الـمــوت الـبـقــاء األنـثــوي ،ي 35
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
التحول البعث التجدد ...تنبثق كـل مفردات وتقنيات ومفاهيم المنجـز الـفـ يـن الــذي ال يـف ـتــأ ي ـجــدد مـن ـطــق رؤاه وتنويعـاتـه عـل تـلـك الـرؤى يف دهش ــة جـ ـم ــالـ ـي ــة ال ت ـ يـن ب ــدوره ــا تتجدد. يف عــائ ـلــة ف ـن ـيــة ،األم م ـغ ـن ـيــة أوب ـرا "جـ ـ رـي لـ ــورانـ ــس" ،واألب نـ ـحـ ــات
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ...من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
ى ـون معماري مصور ومنظر للفـن "ت ي سـ ـمـ ـيـ ــث" ،ولـ ــدت "كـ ـيـ ــارا" الـ ـ يـن "كيك سمـيـث". ستصبح فيما بعد ي مس ــاع ــدت ـه ــا أب ـي ـه ــا يف ص ـغ ــره ــا يف أعماله النحـتـيـة الـهـنـدسـيـة الـطـابـع، عـ ـ ـ ّـمـ ـ ــق إحسـ ـ ـ َ ـاس ـ ـ ـهـ ـ ــا بـ ـ ــالش ـ ـ ـكـ ـ ــل ى وف الوقت ذاته ولـد يف والتشكيل ،ي نـ ـفـ ـسـ ـهـ ــا كـ ـراهـ ــة ضـ ــد الـ ـمـ ـنـ ـطـ ــق ـدس ال ـن ـظ ـيــف ال ـبــارد .ســوف ال ـه ـنـ ي
36
ـض يتطور هذا الشعور الحقا إىل رف ٍ لـ ـجـ ـمـ ــالـ ـيـ ــة الـ ـنـ ـحـ ــت الـ ـتـ ـقـ ـلـ ـيـ ــدي المسـطـحـة ،إىل الـبـحـث عـن مـنـهـج َ أكي تغـلـغـال يف كـنـه ذلـك الـجـسـد - الشـ ـاب ال ـهــش ال ـم ـح ـكــوم ب ـخــرس الموت والتحلل واالختـفـاء .صـدمـة مــوت أبـيـهــا كــانــت مـفـتــاح الــدخــول إىل الشاشـة الـمـضـبـبـة لـكـتـلـة الـهـبـاء تلك!
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ..من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
ه مـقــايـيــس الـفـنــان نـفـسـه .مـقــايـيــس مــداره الـجـســدي ي ريــاض ـتــه وحســابــاتــه يف ال ـمــادة الـ يـن ت ـت ـش ـكــل يف يــديــه. تـحــريـفــاتــه وم ـبــال ـغــاتــه يف الش ـكــل ل ـيـســت ســوى صــورة لـجـســده األ كـ َـي ج ّـوانـيــة .لـكــل فـنــان مـنـطـق مـخـتـلــف يف المبالغة والتحريف يكاد يكون بصـمـتـه ،أو هـو بـاألحـرى بصمته .أرى التحريفـات والـتـحـويـرات يف عـمـل سـمـيـث ه ،كـمـا ه ،وروحـهـا ي ه ،جسـدهـا ي فأ كـاد أرى صـورتـهـا ي حدس .حن الغامض يف الـعـمـل لـيـس سـوى تومض يف ي ان ـع ـكــاســا ل ـل ـغــامــض يف ال ـف ـنــان ،ذلــك الــذي ال ي ـطــالــه الحدس ،فـالـغـامـض فـيـك هـو الـغـامـض ّ ف .إنـه مـنـطـقـة ي الـبـحــث الـمـ ّ ـدوخــة .يـطــوف حــولـهــا الـفــن كـفـراشــة حــول مصباح .كذبابة عل جثة. الـجـســم الـمـنـحــوت ،يف عـمـلـهــا ،مـمـطــوط ،مسـحــوب، جني مـن مشـيـمـة .الـجـن رـي الشـم يـع الـمـنـكـمـش كخروج ر ٌ مصيه المؤجل يلتصق عل نعومـة ظـهـره لسـان مـن يف ر ـود ف ـقــرى ي ـم ــزج ال ـمــوت بــالــوالدة .ت ـل ـم ــس ع ـظـ ِـم ُ ع ـمـ ٍ خشونة الجسـم الـعـاري لـلـمـرأة -الـقـرد ،الـذاهـلـة ،تـأمـلَ داروي ــن يف ال ـت ـط ــور وأص ــل األن ــواع .ك ــذل ــك ال ـم ـس ــوخ حي تنتصب الرؤوس اآلدمية عل جسـوم والتحوالت ،ر
ل ـتــدعــم ب ـح ـث ـهــا ال ـفـ يـن ال ـم ـت ـغ ـل ـغــل يف ح ـقــائــق ال ـج ـســد البيولوجيـة وأبـعـاده ،لـجـأت سـمـيـث إىل دراسـة الـطـب. حصلت عل شهادة كطبيبة طوارئ .انعكست معارفها العلمية بشكل حاسم عل أنامل رؤيتها المتل ّـمـس ِـة لـح َـم وجلد وعظام خـامـاتـهـا مـن ورق إىل زجـاج إىل شـمـع إىل أح ـب ــار إىل أح ـب ــال إىل ب ـرادة ص ــدأ إىل س ـي ـل ـي ـك ــون إىل بـالـسـتـيـكـات إىل جـبــس إىل حـجـر وبـرونـز وحـديــد .ومــن اع إىل الرسم إىل الـوشـم إىل الـطـبـاعـة إىل الـيكـيـب الـفـر ي أون مـن إرادة فـنـيـة ،مـن أي التمثال ،المتملص بكـل مـا ي نزعة ّ الشكل المألوف تقربه ،ولو من بعيد ،إىل المنطق ي يف فن النحت. الفن يأخذ لون ليس لأللوان هنا دور أو حاجة .الجسم ي دون أن يتعيَ َ بتعبيية ،من مادته ،يطفح مادته، ر ملمس ِ أو يـغــرق فـيـهــا؛ يــرســل هسـيـســا ي ـقــول ضخــة صــامـتــة. ّ ـرن ســاحــة الرصـ ـاع ال ـم ـس ـتــي بـ رـي يــؤطــر ب ـح ـزام غـ رـي مـ ي ر ان الوحىس واإلنسان ،ربي األنثـوي والـذكـوري ،ب رـي الـي ي ي ي واألث رـيي ،ب رـي الـزاحـف والـطـائـر ،ب رـي الـقـيـد والـمـطـرقــة، ربي القناع والحشا ،ربي األحشاء والسلسلة. الفن ليست سوى كيمـيـاء جسـد قلنا إن كيمياء الخلق ي 37
يوسف ليمود ،أسطورة اجلسد ...من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ُ غربان وطيور ذوات أثداء .وتستحرص الخرافة وقصص الـ ـخـ ـي ــال فـ ـتـ ـخ ــرج ح ــواء م ــن بـ ـط ــن ال ــذئ ــب .وتسـ ـب ــح الـحـيــوانــات الـمـنــويــة كـثـعــابـ رـي سـمــك يف دائــرة يـنـتـصــب َ خرقتي باليـت رـي مـرفـوعـت رـي يف فـرا واألنن جنبها الذكر ر ْ كخياىل مآته .وتدخل أجسام الكائنات من طيور الوقت ي ر ـرض كــامـلــة ـ وزواحــف وحشـات حـ رـي الـمـكــان .أرضـيــة عـ ٍ تيقشها غربان مـيـتـة .دائـرة زرقـاء مـفـروشـة بـكـتـيـبـة مـن مـخ ـلــوقــات دق ـي ـقــة ،وح ـيــوانــات ال ـبـحــر ،مص ـنــوعـ ٍـة مــن ـان ي ـق ــاب ــل ط ـ رـي ال ـم ــوت ك ــريس ـت ــال .ه ــذا ال ـ اح ــس ال ـم ـ ي والوالدة ،الثقيل مادة ،الخفيف روحا. هــذا الـتـن ـقــل الـل ـحـ يـن بـ رـي األنــواع والـمـخ ـلــوقــات ،وهــذا الـعـزف عــل خـامـات الـتـعـب رـي الـمـعـاضة ،ال يـن أصـبـحــت
كــل رسء وأي ر سء ،يشـ رـي إىل شـمــولـيــة الــرؤيــة وكــونـيــة ي ّ الرؤيا ،ي رغم المشيمة الن تـخـضـب أعـم َ ـال هـذه الـفـنـانـة ي بأنـثـويـتـهـا .الـتـح رـي لـهـذه األنـثـويـة يض يـق عـل عـمـلـهـا ،يف ا أحد أبعاده المتوارية ،نظرة نقدية للوضعية االجتماعية المتسلطة بذكوريتها ،إىل جانب وضعية الكائن ،بشـكـل عام ،يف منظومة اجـتـمـاعـيـة سـيـاسـيـة تـحـكـمـهـا السـلـطـة اإلنسان المفيض! والقانون األدن من المستوى ي ه هـنــا لـكـنــه الـجـســد مــا تــؤكــد عـلـيــه أعـمــال سـمـيــث .ي مسـتـفـيـدة مــن نـتــاجــات الـفـكــر الـمــادي يف عرصـهــا ،مــن دون أن تـتـنـكــر لـقـيــم روحـيــة مــن السـهــل سـقــوطـهــا مــن ثقوب جيوب الجسد المادي .تلك الـقـيـم ال يـن صـبـغـت نشــأت ـهــا الــدي ـن ـيــة تــركــت حســا يــدعــم ن ـظــرت ـهــا ل ـلــوجــود وعــالقــة الـج ـســد ،تـلــك الـمــركـبــة الســائــرة ،بــأشـيــاء هــذا الــوجــود .فـحـ رـي ّ جســدت يف عـمـلـهــا الـمـســىم "حـكــايــة" ا امـرأة مـن الشـمـع الـمـصـبـو ،تـحـبـو بـذيـل طــويـل وراءهــا كــأنــه الـغــائــط ،اشـمــأز الـنـقــاد ووصـفــوا الـعـمــل بــالـمـشـ رـي ه ب رـي فضـالت الـجـسـد المقزز ر وغي الالئق! لن تفـرق ي وفضالت الدما مـن أفـكـار دخـيـلـة عـل شـمـع الـجـسـد. كـذلــك سـوف تـخـرج مــن قـراءتـهـا ل ـ "كـتــاب الســاعــات" من تراث العصور الوسط ،بعمل يستحرص االنتباه إىل عشــة ســوائــل ال ـج ـســم وإف ـرازاتــه ،حـ رـي رصــت اث ـنـ يـن ر ـ فض ـ المــع ،ب ـع ـض ـهــا إىل جــانــب زجــاجــة ذوات س ـطــح ي ال ـب ـعــض ،م ـح ـفــور عــل كــل زجــاجــة اســم أحــد ســوائــل ه ه ـن ــا ل ــم ال ـج ـس ــم :ب ــول ،دم ،ل ــي ،دم ــوع ،م ـ يـن ...ي تذهب أبعد مما ذهب إليه فنان سابق عليها يف الوقـت زون ،حـ رـي عـ ّـبــأ بـرازه (؟) يف عـلــب والــريــادة ،بـيـ رـيو مــانـ ي فــاخــرة ال ـت ـص ـن ـيــع م ـط ـبــوع ع ـل ـي ـهــا بــأرب ــع ل ـغــات "خ ـراء بتسعية الذهب وقتذاك! الفنان" ،وحدد ثمنها ر أعـمــال كـيـ يـك سـمـيــث الـقـلـيـلــة الـمـس ـتـفــزة ال تـتـبــع هــذا استهالل .اسـتـفـزازهـا المفهوم الساخر من آلية مجتمع ي ُ ه مناسبة أو دعـوة لم يقصد به االستفزاز يف ذاته ،بل ي لـلـتــأمـل يف كــل مـحـتــويـات الـجـســد ،الـعـضــويــة والـفـكــريــة والـروحـيـة .نـوع مــن مصـفـاة ُيـرىم فـيـهـا مــا هـو أصـيـل يف الجسد ر البشي وما هو دخيل عليه ،مـا هـو حـقـي يـق ومـا هو زائف• 38
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
بسمة شيخو ،متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر
ً (كثيا ما يذكر نيتشه يف مقدمة كتابه "العلم المرح" ر نفىس إذا ما كانت الفلسفة يف المجمل حن سألت اي وف الوقت نفسه سوء فهم اليوم تأويي للجسد ي للجسد)؛ فالجسد هنا -عند نيتشه -نقطة االنطالق للتأويالت واألفكار ،لذا هو بالرصورة نقطة االنطالق ر ع يف عوالم الفن المختلفة باعتبار الفن هو االبن الش ي للفلسفة ينطبق عل أحدهما ما ينطبق عل اآلخر، وف وباعتبار الجسد المادة الخام الحاضة يف الحياة ي ً ً الفكر والمدركة حسيا وماديا من الجميع دون استثناء معان معنوية شعورية يختلف إدراكها قبل أن تحمل ً ي لكثي من المعطيات المتعلقة بالعلم ربي فرد وآخر تبعا ر ّ والثقافة واالنفتاح نحو اآلخر وتقبل الحريات ،وما إىل
ذلك من تفاصيل ال نستطيع نكرانها عندما يتعلق األمر بالجسد وفهمه؛ لذلك كان -الجسد -أول ما الفناني من أشكال وتكوينات تكون يخطر عل بال ر محور أعمالهم0 لمحة عن تاري ــخ دخول الجسد لعالم الفن ً دخول الجسد لعالم الفن ليس مرتبطا بالمعاضة أو بالفنون الحديثة حن ،فقد بدأ مغامرته منذ بداية ّ الرحلة ر البشية يف العرص الحجري وما رافق تلك ً رسومات عل جدران الكهوف ،غالبا ما الحقبة من ٍ ّ ر تكون ألجساد بشية مع صور للحيوانات المألوفة 39
بسمة شيخو ،متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ّ ومن عرص لعرص تبدل ظهور الجسد فصار يظهر ٍّ بصور ّ رمزية إىل حد ما ُطمست تفاصيله ومعالمه ولم ٍ تعد نسبه مهمة؛ فالمهم ما يمثله يف لوحات ذات رسائل هادفة مجتمعية وسياسية ،وما إىل ذلك... الفالحي يف ريفيا ،وكذا فنجد العمال يف لوحات ر ر لوحات فان كوخ ،عل سبيل المثال ،يظهرون من خالل ما تمثله أجسادهم فقط0 هنا يتخلص الجسد من أعبائه الجمالية ويكتسب ا ّ يطل بها عل المشاهد ،فهو دال يف هذه صورة أخرى األعمال ،وداللته ر مباشة محمولة عليه بوضوح تحرص المتلق وتنضج بسهولة كما شاءها الفنان0 يف ذهن ي
والمتعارف عليها ضمن الحياة اليومية؛ حينها كان ً ًّ ً ا ا لغويا يؤدي معن مقصودا أو فعي قائما الجسد حامي ّ التعبيية يدل عليه شكل الجسد وحركته وحالته ر الظاهرة يف الرسم .ومع اخياع الكتابة ،بأوىل صورها، ّ اللغوية ،ليجد نفسه أرج الجسد عن ظهره حمولته ً بعد سنوات محاطا بهالة من القداسة ،فهو ليس ً ٌ ا ا ّ ً مجسدة إلله نحتيا ضفا ،إنما صورة صورة أو عمي متخيل يف وخي صورة لهذا اإلله الالوع المجتمع ،ر ي ي هو جسد اإلنسان مع مخالطة لبعض األجزاء من أجساد الحيوانات إلضفاء صفات خارقة يعجز عنها اإلنسان الرصف ،حينها كان تجسيد هذا اإلله الجسد ي ًّ ا بطريقتي ،إما مخيق رمزيا كآلهة العرب قبل يكون ر ً اإلسالم (إساف ،نائلة ،الالت ،)....وإما يكون ظاهرا بكل تفاصيله كاآللهة اليونانية والرومانية (فينوس، بوسيدون0)... تزيين بحت كأي ليبدأ بالظهور يف ً الفنون كعنرص ّ ي زخرفة تحقق نسبا جمالية بالغة الدقة؛ فمنه استق ر وبق الجسد كذلك بأغلب دافنىس النسبة الذهبية ،ي ي فنون عرص النهضة بحمولة جمالية تضاف له حمولة يحك حكاية أو أسطورة. معرفية يف حال كان العمل ي
حضور الجسد يف الفنون المعاضة ومع دخول الفن يف مرحلة المعاضة لم يعد الفنانون الذين ييعون يف تجسيد األجساد يف لوحاتهم ومنحوتاتهم هم -فقط -عرابو حضور الجسد يف الفن، ّ وتنوعت مشاربــها فقد توسعت الحواضن الفنية الن تسكن فكر لتكون الخيارات أرحب إليصال األفكار ي الن يسع إليصالها يف أعماله الفنان وتصنع هواجسه ي 41
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
بسمة شيخو ،متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر
ّ الفن أو الن ترجح نجاح العمل ي الجمهور :وهو القوة يفشله ،وهنا إذ نناقش حضور الجسد يف الفنون
ً األخالف والمحاسبة الدينية جانبا ويطق النار تحت ي شهواته .فبوتقة الحكم عل األعمال الفنية ضيقة ال المعرف تتسع إال للذائقة الشخصية والمخزون ي ّ يرتق بالعمل المقدم إىل ميلة عالية، والثقاف الذي ي ي الفن ذاته العمل درجة إىل العمل اءة ر ق حينها فيتفع ي وفق ما قاله فوكو0 ى لذا تكون أفضل المقاربات النقدية تحكم الطابع المعرف الذي يحمل سمة تجريدية مع الحالة العقل ي ي الن تسيطر عل الروح وتمنحها نشوتها الشعورية ي جنىس كتكوين الجسد موت إىل للوصول الخاصة؛ ي مثي للغرائز ومسيل للعاب والتعامل معه عل أنه ر
ًّ خياريا يف بعض أنواع الفنية ،وإذا ما كان دخول الجسد المفاهيىم الضون ،الفن الفنون (فن الفيديو ،التصوير ي ي ( ،)conceptual artوفن اليكيب )installation ٌّ أساس وإلز ٌّ اىم يف بعضها اآلخر (فن الجسد، (artفهو ي ي ّ التعبيي000)0 فنون األداء ،الرقص ر
المتلق المعاضة ،نجد أنه يتوجب عل الجمهور - ي الواع -اإلفالت من قبضة األحكام المسبقة التقليدية ي المتعلقة باستخدام الجسد وتجاوز فكرة الحرمانية وبعريه بشكل خاص ،والقفز فوق الن تحيط بالجسد ي ِ الن كانت تطوق ظهور العري يف فية االبتذال أسوار ي ا مثية أداة الجسد فيكون اآلن، إىل وربما من الفيات، ر ى ً مثيا للفكر والتفكر؛ فالجمهور يف للغرائز بدل أن يكون ر ات حيادية ينظر فيها صورته المثالية يرتدي نظار ٍ للجسد الماثل أمامه كحالة جمالية معرفية ثقافية فنية ويحاكم العمل وفق هذا المنظور ،بعد أن يضع التقييم
إنسان حامل لألفكار والعواطف يوصلها تكوين ي للعي ال يشغل الفكر بسهولة بحكم أنه شكل مألوف ر ّ بإدراك معقد لتفاصيله الشكلية المرئية ،فينشغل الفن األوسع ،فيكون الفهم العقل بتأويالت العمل ي ًّ متجليا ضمن هذين المحورين( :تطبيق أوامر العقل) (واالنصياع لحرية ّ الروح)0 فال يبق من مراقبة الجسد بتفاصيله وحركاته وسماع نأماته سوى امتالء النفس ر البشية بنشوة الفن وإشباع ً ا الن صارت بديي ملموسا يف العقل بجمالية الفكرة ي الفن، الفنون المعاضة عن الجمالية المادية للعمل ي
يرتكز الفن المعاض عل حوامل ثالث أساسية البد من استعراضها
40
بسمة شيخو ،متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ا ا َ تصي مربكة وهذا يجعل آلية التلق رحبة أكي ،إال أنها ر ي بعض ر الن الىسء بغياب ر للمعايي السابقة التقليدية ي ي ً ّ ّ جمالية أو قيود معايي قيدت الفن سابقا ،سواء أكانت ر دينية تفرض تأويالتها الخاصة الضيقة عل عوالم ّ التذوق الفن المفتوحة نحو الكون بأشه؛ فلم يعد ً الجماليي بل صار أوسع ،وفضاء المتذوقي حكرا عل ر ر ر المباش، التأويل أرحب .فهنا لم يعد الجسد هو الدال بل أصبح حضوره أو الحدث الذي يحمله هو الدال يف الفن؛ الن تحكم مشاهد العمل العالقة السيميائية ي ير ً والمدلول لم يعد مباشا ،بل صار فكرة حاضة يف والمتلقي بآن واحد0 الجمع للفنان المعرف العقل ر ي ي الن تقف يف وجه الفنان فيما يتعلق ومن المطبات ي بالمتلق وتنفيذ تفكيه باستخدام الجسد يف عمله ،هو ر ي ً الفن تبعا لتوقعاته بكيفية تقبل عمله عل العمل يً اعتباره داريا بسيكولوجية الجمهور وطريقة تقبله لبعض األمور ،فيحرص عمله ضمن اإلطار التقليدي يف استخدام مصطلحات ورموز وإشارات آمنة ال تخدش حياء المشاهد وال ّ تحرك مستنقع الفكر الجامد ،دون أن ينتبه (أن أكي ّ هم ري لإلنسان خلق شبكة من تدميها ،بمجرد ما يشعر اإلنسان بأن التقاليد ثم ر
ّ ر تتالس ،ودون هذه اإلزالة ال يوجد تقدم يف إيجابيتها المجتمع) ،كما ذكر غوستاف لوبون يف كتابه الجماهي"؛ وهنا دور الفنان بأن تكون "سيكولوجية رً أسنانا تقضم ثوابت التقاليد وتهزّ ألعماله الفنية ٌ ّ عرشها ليتاح مكان يف المجتمع لكل جديد وتجد ً الحضارة مكانا لالستقرار0 ً حتما ر حش الجسد كجزء من العمل يعن لكن هذا ال ي ّ الفن دون مير مقنع ،فيتم إقحامه لينال العمل ثرثرة ي ً (المنتىم غالبا لبيئة مغلقة) بالبنان للفنان ويشار ائدة ز ي عل أنه شجاع ال يخيفه مجتمعه وبأنه بهذا يسحب البساط من تحت األحكام المسبقة البغيضة؛ ال يدري ً أنه بذلك قد أحدث إرباكا يف فهم فكرة العمل وقام بتشويه حضور الجسد يف األعمال الفنية األخرى ا كسلعة ليست جنسية هذه المرة ،بل محوق إياه ً ٍ تجارية تزيده ربحا من المشاهدين؛ وهو بذلك ينشغل الثان لعمله وهو المفهوم0 بالجمهور عن الحامل ي المفهوم :يعتي العمود الفقري للفنون المعاضة ،وهوّ المتلق من نافذة العمل يطل عليه المشهد الذي ي ّ الفن .فالفنون المعاضة ودعت كل االشياطات ي
42
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
بسمة شيخو ،متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر
نحو ما هو فوق المحسوس حيث الوجهة الجديدة0 الفن بصيغ مختلفة ،فيكون ضنا نشاهد العمل ي ً حضور الجسد داخله مختلفا بالرصورة مثل حضوره يف فيلم فيديو ( )video artيعرض يف أماكن مختلفة وعل قنوات التواصل ،فيكون اإلنسان بجسده هو محور الفيلم من خالل ما يقوله أو يفعله أو يتحركه، ً وربما يكون حضوره تجريديا ال يظهر منه سوى ظالله ً ر ا بعضا من أعضائه الن ال ّ ّ مباشة، التعرف عليها يتم أو ي ً وقد يكون الجسد صانعا للبهجة من خالل حركاته وليونته يف عروض األداء ( )performanceفياه ى ر ّ يقص لنا حكاية من يتالس، يحلق ،يدور ،يتماوج، ً ا البداية للنهاية ،أحيانا يبدو الجسد بديي عن اللوحة فيحمل الرسوم عل سطحه فيما يسىم فن الجسد ً ( )body artفيتبدل الرسم وفقا لحركة الجسد نفسه ً أو وفقا الجتماع عدد من األجساد سوية لخلق ّ ر تىس بش أنها محمولة فوق تكوينات فنية لونية ال ي األجساد0
التشكيل وبدأت السابقة المسيطرة عل عالم الفن ي حالة من رفض للماديات وما يرافقها من بن شكلية (ف مقدمتها الجسد) عل حساب وتكوينات حسية ي الن علت ميلتها لتنازع بحضورها أمهات الفكرة ي اللوحات يف المتاحف العالمية عل مكانتها؛ ومع ذلك ّ البرصية بشكل نهان ف ّ كل فإنه لم يمح الجماليات ٍ ي ي األعمال إال أنها صارت بمجموعها ظاهرة تحمل فكرة تستحق الدراسة والتحليل والتأويل ،يقول فريد الدين ّ "العي قوت ّ الروح" وما يبهرها من جمال وبــهاء العطار ر ً وفتنة هو ما يغذي ّ الروح الجائعة أبدا للجمال ،وهذا ً ّ فقط ما كان يحكم تمثالت الجسد وحضوره سابقا؛ أما جمالياته ف الفن المعاض فش تغذي ّ الروح من ي ي ً العي والفكر أيضا ،فياها تخدم المفهوم الذي قام ر ر الفن عل شفه يف األساس ألجل إيصال العمل ي الن يريد الفنان إيصالها0 الرسالة ي ّ ّ ٌ محسوس مدرك يحملنا فالجسد يف تمثالته المعاضة 43
بسمة شيخو ،متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ً يحرص الجسد أيضا يف فن اليكيب )installation ( artالذي يعتمد عل وضع عدد من التكوينات ضمن ً ً ّ معي ،فيكون الجسد أحدها ثابتا أو متحركا وفق فرا ر المفاهيىم رؤى الفنان ،وكذلك يف الفن ي الكثي من األشكال وغيه ر ( )conceptual artى ر الن تركز عل الفكرة يف صناعة الفن الجديدة للفنون ي ً ا وتستعي بالجسد ليكون حاضا ممثي عن المعاض ًر ا نفسه ،أو مندوبا عن فكرة ال تملك شكي يهيئها لتكون للمتلق وإلقاء داللتها عل إشارة تستطيع الوصول ي ً الفن وجها لوجه أمام العقل، كاهله ،ي فش تضع العمل ي ا ّ كثية وعديدة؛ وبذلك يتحول فاتحة المجال لتأويالت ر
التقليديي الذين ال يملكون المرونة الكافية للتعامل ر ً ّ الرقىم ،وال يبدون استعدادا لنسيان الطرق مع العالم ي ى لصاالت العرض وتعلم اإلبحار يف عوالم التأويل لجزيرة بعيدة يرسمها الفنان يف والخيال للوصول ٍ الفن ،حينها سيكون خياله ويرميها يف سماء عمله ي ظهور الجسد ضمن شاشة ،أو عي إضاءة معينة أو من رقىم، تكوين خالل تسجيل حركته وإلقائها عل ي ٍ الن من الممكن أن ر وغيها من الوسائل التكنولوجية ي تكون اللباس المقين بظهور الجسد0 ًإذا فظهور الجسد بحقيقته ف الفنون المعاضة ظهورٌ ً ي ّ آن شعان ما يزول لصالح تمثله للمفهوم خالفا لما ي
ى ً كان سابقا ،إذ كان الفنان يخلد الجسد بحضوره يف ى لوحته ومنحوتته ،بينما اآلن الجسد هو من يخلد ا ّ الفكرة بحضوره ،فهو لم يعد محموق عل القماش ً ّ ا ومكبي بخطوط ومساحات لونية وال مصنوعا من خشب أو معدن ،فصار يظهر بال وسيط ،ال حجر أو ٍ ٍ يخجل من شكله وتفاصيله ،يقف بقوة ويؤدي رسالته التعاط مع الجسد ما وينطق بلسانه؛ من هنا يختلف ي ربي الفن الحديث (التقليدي) والفنون المعاضة، ّ تمثله ّ وبالتاىل آلية استقباله البد أن تغيت، فآلية ر ي ّ تتبدل وتفلت من قبضة القراءة المعيارية المنهجية؛ فالمتلق هنا ال يستطيع تكوين خلفية مسبقة عن ّ ي ّ تمثالت الجسد يف األعمال الفنية حيث أن كل تمث ٍل ا ّ فن يعد مغامرة قائمة بذاتها تحمل للجسد يف ٍ عمل ي
لوسيلة بدل أن يكون غاية ،فصار الجسد الجسد ٍ ً عكازا يستند عليها المشاهد ليصل للمفهوم المقصود0 وقد يكون الطريق للمفهوم وع ًرا بعض ر الىسء ،ال ي التعبيية المستخدمة ،وال لغموض لضعف يف األدوات ر ً الفكرة المقصودة ،بل ألنه يظهر بحلته النهائية غالبا وه التكنولوجيا0 بمساعدة كاملة من دعامته الثالثة ي الن ترتبط بصناعة هذه الفنون كما التكنولوجيا :يترتبط بطرق عرضها وتقديمها ،إذ تحتاج لمعدات وشاشات وحسابات عل اإلنينت وأجهزة مراقبة ومجسات تركب عل الجسد وتسجل الحركات الن من وكاميات ر ر والكثي من االتفاصيل التكنولوجية ي المهتمي الممكن أن تكون عصية عل الوصول لبعض ر 44
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
بسمة شيخو ،متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر
ّ ال نستطيع الجزم بأن تمثالت الجسد يف الفنون قد انتهت ،فقد كان فنانو العصور السابقة يظنون ذلك إىل أن بدأت الفنون المعاضة تتعامل مع الجسد ّ ّ بجانب مختلف، ٍ بطرق مغايرة؛ فها هو يطل كل ٍ مرة ّ ٍ ونبرص منه ما جهلنا ويحمل ما لم نتوقعه ،فهو راقص ى محلق أو نائم هادئ ،عاري أو متدثر ،معتم مضاء ّ ّ متحرك ،ثرثار أو متموج ومضء ،ثابت يف صورة أو ي ً ا صامت يحمل سهوق ممتدة وجزرا نائية بحار وصحارى ،ال ثيمة ثابتة لحضوره باعتباره صنو ّ الروح فهو يحمل من األدغال المعرفية ما لم يستطع العقل الواع اإلحاطة بتفاصيله0 ي ّ لذا البد من تمثالت جديدة تنشأ مع أعمال حديثة ً مستقبلية تفتح أمام الجسد أبوابا مختلفة تالئم ما نخطو نحوه من أفكار ومفاهيم جديدة•
غي حية ومتعة توجس وترقب واكتشافات مستمرة ر ر ً يرج جزءا من حمولته مكررة وال متوقعة .فالفن هنا ي الثقافية والمعرفية عل أكتاف الجسد ويطلب منه إيصالها بطرق شن من خالل عروض ّ أفالم حية أو ٍ ٍ ٍ ّ مسجلة أو صور متحركة ،تنصيبات ،تكوينات ّ منوعة ٍ ى يصنعها الفنان ويوظف الجسد بما يخدم رؤيته ً ً ً جسدا ح ًرا من ّ تبن عل ا ر قاد قيد كل ممتلكا للموضوع ي األفكار بمرونة تامة0 وبــهذا نكون ابتعدنا بظهور الجسد عن ثنائية القبح ً الن كانت تحكم تمثالته سابقا ،وصار تمثله والجمال ي ً مجازا يحتمل الفهم والوصول ،كما يحتمل الضياع ً واألفول؛ لم يعد ظهور الجسد مقينا ببرص المشاهد ً ببصيته وربما غرائزه ومعتقداته ،بل صار متعلقا ر الثقاف0 ومخزونه ي
45
”وفجأة، سيمون هنتاي. يف أعماله جسد بعي ال نراه ر مجردة. ال نقول أمام لوحاته: إننا نشاهد جسدا .الصعوبة. ُ ُ الفكر والتصوير مع سيمون.“...
46
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
احساين بزنبري ،اجلسد ..ثالجة فكر
"حيا أو ميتا ،ال حيا ،ال ميتا ،أنا الفجوة ،القرب أو الفم ،كالمها يف اآلخر". (جان-لوك نانسي)
الجسد ليس ام ْك َ مور اة! ر سء وال نقول شيئا ،يف نفس اآلن .حيث وثنية هنا ،رمزية هناك .يف الجسد نقول كل ي هو ليس مكمورة ،ألنـه يف الصـعـوبـة يسـكـن .ألنـه ،فـنـيـا ،مـحـمـوم ويـخـلـق مشـكـال ح رـي نـحــاول الـقــرب مـنــه عــي لـغــة مــا .الـغــريــب هــو اسـتـسـهــال الـكــالم فـيــه وعـنــه ،أقصــد مــا َََْ يكق أن نقول "هذا نحاول فيكته من تأويل أو وصف (أيضا) تنقصه يقظة فكرية .ال ي 47
احساين بزنبري ،اجلسد ..ثالجة فكر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ويـفـكـكـه عـل طـريـقـتـه الـمــذهـلــة جـدا وفـعــال .يــدخـل يف ِّ ـانىسـ يــوقـفـنــا لـ ُـيـ َـبـ رـشـ عـتـمــة الـجـســد لـيـكـتـبــه .يف ذلــك ،نـ ي القارئ بأن الجسد منتوج ،يف وقت الحـق ،ال يـمـكـن أن َّ ً َ ً يـكــون إال َم ْصـبــوبــا ،لـ ِـبـقــا ،مـح َـبـطــا ،مـفــكـكــا ومـكـمــوحــا يف َ الن تسكن شيخوخة العالم .كل هـذه اإلشـارات ثقافتنا ي تغازل الفن القديم منه والمـعـاض .هـنـا ،يـجـب الـتـسـلـح ب ـعـ رـي فــأر ل ــولــوج م ـن ـت ــوجــات ال ـف ـن ــانـ رـي ال ـحــدي ـثـ رـي أو كثية ومتعددة. غيهم ...حيث األمثلة ر المعاضين أو ر . ـاىل/ نعود إىل الـجـسـد دائـمـا ف الـفـن ال ِـفـك رـي .إنـه :االنـتـق الهارب ألنه شي ــع التـبـخ يـر/الـمـحـتـمـل وال َـع َـرض /نص يـفُ ِ ي الفن... ثــم ف ـجــأة ،وأح ـيــانــا ،ال ـف ـنــان ي ـحــاول ل ـمــس أو ت ـمــاس الـجـســد .عـمـلـيــة اإلبــداع تـبــدأ يف حـفــر األثــر الـبــاطــن يف الصـعـوبـة .صـعـوبـة رسـمـه ،تـحـويـلـه ،مشـحـتـه ،تصـويـره بــآلــة ،ت ـحــاش ـيــه يف بـعــض األح ـيــان عــي الس ـهــولــة .ه ـنــا، ـانىسـ يف إحـدى حـواراتـه ،سـنـة ،3043إىل يستدرجنـا ن ي َّ ْ ر ٌ سء عـمـيــق ،حـيــث يـقــول" :الـتـصــويــر فـكــر .لـكــن فــكــر ي ال ـت ـص ــوي ــر ،ل ـي ـس ــت األف ـك ــار ،ل ـي ـس ــت ال ـت ـم ـث ــالث ال ـ يـن يستطيع الفنان أن يحققها ،أن يكون اسمه دوالكـروا أو ْ َ روطكوِ .فكر التصوير ،هو المعـن الـذي ُيـفـتـح يف بـادرة َّ معينة مـن خـطـوط ومـن ألـوان .بـوسـعـنـا الـتـصـديـق بـأن
جس ــدي" ل ـن ـت ـم ـك ــن م ـن ــه .س ــواء يف ال ـم ـي ـت ــال ـغ ــة أو يف الممـارسـة الـفـنـيـة ذاتـهـا .بـهـذا الشـكـل ،نسـقـط يف ُجـمـل تـكــرر لـت ـجـعــل الـج ـســد يف قـمــامــة حشــد ي ـفـكــر يف حـ رـي سخرية. ـش ـ يف كــل م ـكــان .ل ـكــن ،مــن ي ـكــون؟ مــا ال ـج ـســد م ـن ـتـ ر ـ عـنــوانــه؟ كـيــف اكـتـشـفـنــاه؟ َمـ ْـن أيضــا يـعــرفــه يف الـعــالــم الـ ِـع ـيـ ِّ ـان؟ ثــم ف ـجــأة ،ال ـف ـن ــانــون ي ـت ـك ـل ـفــون ،ي ـحــاول ــون ي بـدرجــات مـخـتـلـفــة طـبـعـا .حـيــث مـن الـمـمـكــن أن يصـ رـي الصغية .أو من المـمـكـن أيضـا الجسد فنيا جثة يعقوب ر . َ أن يتقمص هيئة ما يف دهـال رـي حـزمـة قصـب ِفـك رـيٍة .إنـه الهستيي ،بامتياز. الجسد ر َْ ً الجسد يف الفن ليس تك ِم ريا!
ماذا لو استحرصنا قليال ضاعة الفيلسوف جان – لـوك نانىس الـمـهـمـة. نانىس .معه ،يتجل بركان الفكر يف ثنايا ي ي مـهـمــة ،ألنـهــا اسـتـثـنــائـيــة .فـكــر يف الـجـســد حــامــال وزرة . الـتـمـتـمــة الـفـلـسـفـيــة الـطــازجــة :قشــدة الـجـســد الـ ِـفــكـ رـي. ال ـج ـســد الــذي يــرســم .ال ـج ـســد الــذي يــرقــص .ال ـج ـســد الذي يكون أو ال يكـون ألنـه هـكـذا رشغـوف يف حـكـومـة ـانىسـ عــل الـجـســد ويـحـلـلــه الـفــن ،بشـكــل عــام .يـطــل نـ ي
"التصوير فكرٌ .لكنَّ فكْر التصوير ،ليست األفكار ،ليست التمثالث اليت يستطيع الفنان أن حيققها (ِ )...فكْر التصوير ،هو املعىن الذي يُفتَح يف بادرة معينة من خطوط ومن ألوان( “...ج .ل .نانسي)
48
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
احساين بزنبري ،اجلسد ..ثالجة فكر
َ مشـ َّـكـ َـلـ ٌـة مسـبـقــا ف رقــم تـعــريــف رمـ ٍّ األلــوان ـزي ،الـعــذراء ي ِ أمــامـنــا ،مـثــال ،تــرتــدي لـبــاســا أزرق يف لــوحــة كـالـسـيـكـيــة. الشفرة تـكـون حـاضة مـن طـبـيـعـة الـحـال ،لـكـن مـا يـهـم المصور ،هو هذا األزرق-هنا بـالـخـصـوص ،هـذا الـتـبـايـن المتفرد ،هذا الوميـض ،هـذه السـمـاكـة ،أو عـل الـعـكـس َْ ُ خفة القماش .هذا هو الـفـكـر .فـت َـحـة احـتـمـاالت" .بـهـذا الش ـكــل ،مــن أزرق ق ـمــاش وخ ـطــوط ال ـت ـصــويــر يــدخــل حكومة الفكـر .مـغـامـرة الـتـعـدد الـف يـن ب رـي ثـنـايـا الـتـاريـ ــخ واليوم وما بينهما أيضا.
فنيا .ألن الـجـسـد ال مـعـن لـه .إنـه عـل مـرىم حـجـر مـن المـعـن .ال ذيـل لـه ،ال رأس لـه .فـقـط ،لـدخـريـن جسـد، أمـا جسـدي ،مـفـضـوحـا يصـ رـي .كـجـسـد مـا يـمـكــن الـنـظــر فـيــه ف ـن ـيــا .لـل ـتــأمــل ،فـهــرس تــاري ـ ــخ ال ـفــن مـ يـلء إىل حــد الثخمة. سيمون هنتاي ،ثالجة فكر كيف نقارب دهاء الـفـن الـذي يـمـنـح فـرصـة الـمـشـاهـدة والنظر إىل؟ كيف يـحـتـويـنـا ونـحـن نـغـازلـه عـي الـكـلـمـات َ واليثرة السـائـدة؟ كـيـف الـجـسـد هـو يف مـحـنـة الـتـعـلـيـق والوصف؟ إنه القبعة والمـرع الـذي اسـتـقـبـل (بصـيـغـة ـاض) ال ـجـم ـيــع .ن ـتـحــدث هـنــا عــن الـخ ـطــاب الــذي الـمـ ي
يـطــول الـحــديــث يف الـجـســد .لـكــن ،ل ـيــس أي حــديــث! تأمل يف حالة طوارئ. حديث ي إنه فعال يف حالة طوارئ .الجسد ،حيث يصيبنا التنازل 49
احساين بزنبري ،اجلسد ..ثالجة فكر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
نسـقــط يف السـهــولــة :الـجـســد ال مـعــن لــه إال يف حــدود المعن! وفجأة ،سـيـمـون هـنـتـاي .يف أعـمـالـه جسـد ال نـراه بـع رـي م ـجــردة .ال ن ـقــول أمــام لــوحــاتــه :إن ـنــا نشــاهــد جســدا. ُ ُ الفكر مع سيمون. الصعوبة. والتصوير
يعزف عل نفس القيثارة ،مـنـذ زمـان .والـجـسـد يـتـحـول بشعة ملفوفة يف حركة رشغوف دؤوب. عموما ،الجسد كان دائـمـا ُم َـم َّـثـال ُ وم َـعـظـمـا ألنـه مـتـحـرك ً يف حــركـتــه الـقـصـيــة .أبــدا ،لــن نـجـســد الـجـســد مــن أجــل ً نـفـســه .أبــدا .الـف ـنــان ي ـجـســد ال ـجـســد عــي الـف ـكــرة الـ يـن يتمثلها حوله. يستطـيـع الـفـن أن يـيكـنـا حـيـارى ،مسـحـوق رـي إزاء لـعـب مخيلة منفلتة من عقالهـا ،حسـب هـيـغـل .نـعـم ،الـح رـية الـ يـن تـفــرض عــل الـمـشــاهــد وعـيــا عـمـيـقــا يف تـفـكـيــك ال مـعــن الـجـســد .يـحــاول الــذي يـقــرب الـجـســد أن يـكـتــب م ـع ــن ال ـع ــال ــم وال ـخ ـراب ح ــول ـن ــا .ل ــذل ــك ،م ــا ن ــرى يف البورتريــهات منذ قديم ،واللوحات والمشحة الجسدية ـطء يف غــرفــة الـجـســد .حــن ال يــدعــونــا إىل الـتــأمــل الـبـ ي
أين هو الجسد يف لوحاته؟ ما رائحته؟ لماذا ال نـراه هـنـا يف ال ـح ـ رـي ال ـت ـش ـك ـي ـ يـل ل ـه ـن ـت ــاي؟ ل ــذل ــك ك ــان ال ــيق ــب والتلصص عل لوحاته يشكالن (لـنـا) لـزومـا وضورة يف جـغـرافـيــة كـتــابــة قــادمــة .حـ رـية وصـعــوبــة تـحــاوالن لـمــس إنجازاته بالمعن الذي يعطيـه جـاك دريـدا لـهـذه الـكـلـمـة كـ "تمـاس وانـزيـاح يف الـتـمـاس ،تـبـاعـد" .حـيـث يف هـذه تمتمة ،استحـالـة الـتـصـويـر الشذفة المفتوحة نتمثل ،يف ٍ
51
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
احساين بزنبري ،اجلسد ..ثالجة فكر
«Quand je plie, je suis objectif et cela permet de me perdre» Simon Hantaï
والجسد وتفردهما يف أعمال هنتاي .متنه يـك ِّـشـ بـيـضـة رمزية ،عل طريقة مـالرمـيـه ،ل رـيرع ويـغـرس فـنـا صـعـب الـمـراس .وهـذا الصـعـب هــو مـا يـث رـينــا كـأجســام أمـام /يف أعـمــالــه ويـجـعــل مــن الـكـلـمــات تـتــوتــر يف طـيــة أقـمـشـتــه. تصي لزوما وضورة مقلقة .إنها الحاجة يف كتابة التوتر ر ُ َ َّ التشكيل .الجسد الرمزي والمشفر مع هنـتـاي الصعب ي مسافة قصوى .ثالجة معرفة .حن اللون يقول الجـسـد ويـتـحـايــل ويـتـحـمــل مســؤولـيـة إمـكــانـيـة الـمـسـتـحـيـل .إنــه هـنـتــاي يف آخــر الـمـطــاف .نــدخــل يف فضــائــه يك نـخــرج شيـعــا بـخـ يـق حـنـ رـي! كـيــف نـنـقــل ونـغـ رِّـي وجـهــة الـكـتــابــة َ َ ُ مـتـجـهـ رـي إىل تــكـ ْـوكــب الـقـمـاش والـجـســد الـخـ يـق .وكــأنـنــا تشكيل لن يكون حال ،حن الجسد يسـبـح يف أمام مي ي موجة ال بحر لها .ولـمـا هـذا الـفـنـان يـكـشـ الـبـيـضـة ،كـمـا َّ ذك ــرن ــا أع ــاله ،يـ ـحـ ـف ــزن ــا ع ــل أن نسـ ـتـ ـش ــف أن الـ ـف ــن ال ـم ـعــاض ،ي ـت ـكــون يف غ ـرابــة غــري ـبــة إىل حــد ال ـخ ـراب وف هذا السياق ،لسنا نتكلم عـن فـن مـعـاض والدوخة .ي حي نقف أمامها أو نحاول نوع وعام؛ بل عن لوحات ر ي
كالتاىل: يصي سؤال الجسد (أو أسئلته) ذلك ،ر ي كـيــف تـتـحــدد تـجــربـتـنــا يف الـعــالــم عــي الـفــن والـجـســدعموما ،وكيف نتمثلها؟ مــا الــذي ي ـحــدث يف داخــل لــوحــات ه ـن ـتــاي خــارجاإلطار؟ أيــن نــالمــس ال ـم ـعــن ل ـل ـج ـســد ،حـ رـي ال ـف ـنــان ن ـف ـســهالقطع والجاهز لـألخـذ مشغول باالشتغال ضد المعن ي والبيع أيضا؟ َّ جسد الفنان َكانت حربا وتأنيا إىل حد الـقـرف مسية إن ر ِ طـازجــا كـمــا لــو قشــدة .أ رأيـتـم ،نـتـحــدث هـنــا عــن جســد الفنان ذاته .إنه نـادر أمـام مـا يـحـدث يف الـفـن الـمـعـاض مــن أع ـمــال ال ت ـكــون م ـعــاضة إال م ــن ت ــاري ـخ ـه ــا ع ــل الـروزنـامـة .لــذلـك صـبـاغــة هـنـتـاي قـريـبـة إىل صـنـف مــن الن انتبـه إلـيـهـا الشـاعـر ك .بـريـجـان يف كـتـابـه المعاضة ي الـمــوســوم بـمــا ال يـمـكــن احـتـمــالــه ،تـقــول صـعــوبــة لـمــس ْ ُ ـان ل ـل ـبــرص ال ـعــالــم (عــي ال ـج ـســد) ِ -ضــعــف ام ـت ـيــاز إنسـ ي 50
احساين بزنبري ،اجلسد ..ثالجة فكر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ـخ .كـلـمـات مصـبـوغـة البن والبنفـس ي من الحي األحمر و ي تصي ال مقروءة (الـكـلـمـة تـلـتـصـق مضغوطة إىل حد أنها ر وه تـمــر عــي خــرم الــريشــة بــاألخــرى يف طـبـقــات لــونـيــة ي كأداة) يف نهاية المطـاف .جسـد هـنـتـاي يـمـارس وظـيـفـة نساخ وناقل يف كارتوغرافيا مـلـيـئـة بـثـقـوب تـنـحـو بـنـا إىل خ ـراب فـ يـن مــا .إن ـهــا ال ـلــوحــة م ـك ـتــوبــة ب ـج ـســد ه ـن ـتــاي. اللوحة المكتوبة تنفتح عل تكوكب يكون بمـثـابـة ثـوب جسدنا وفكرنا يف الفن. يصي الجسد هو .هو يف الفن يسمو بجسده مع هنتاي ر حد موت رمزي .البحث عـن الـجـسـد يف لـوحـاتـه مـهـمـة محمومة .ال رأس لها .ال ذيل لها. ـان ،الـع رـي الجسد ،ر حي نـراه مـرسـومـا ألنـه مـرسـوم وعـي ي تسيي ــح يك تدخل يف راحة تأويلية ال تتطلب جهدا.
والـكــالم -يك تـلـمـسـنــا (أي الـمـعــاضة) بـطــريـقــة شـبـقـيــة. (ف لوحاته) إحالة عل مسافـة وتـحـويـل لـحـركـة الجسد ي تشكيلية داخلية ومعقدة .أحيانـا ،نـحـاول قـراءتـهـا بـالـيـد وبالجسد عوض الـلـسـان مـرورا بـالـكـتـابـة .غ رـي أن جسـد هـنـتــاي الــذي يشــاط صـمــت رامـبــو ،يــدفـعـنــا أن نـعـيــد النـظـر فـيـه .كـأن صـمـتـه وجسـده يـلـبـسـان قـمـيـصـا جـييـا جماىل .قميص جسد مـنـهـوك. للمجاني .قميص جيي ر ي ْ َ ُ ألن المنهوك ال عالقة له بـالـمـتـع ِـب .جـيـل دولـوز يـقـول ب ـهــذا ،إن الـ ُـم ـتـ َـعـ َ ـب يضـ يـن ف ـقــط إن ـجــاز ال ـع ـمــل ،ف ـي ـمــا المنهك ينهك المستحيل بـرمـتـه ،هـذا مـا يـفـعـل هـنـتـاي يف م ـمــارس ـتــه ك ـج ـســد م ـن ـهــوك ،ت ـمــامــا .إن ـهــا اس ـت ـحــالــة اختالف مختون داخل الجسد يف الخارج منه. مــا عـلـيـنــا إال أن نسـتـحــرصـ لــوحـتــه الـ يـن سـمــاهــا "كـتــابــة سنتي وردية" .لوحة واحدة متفردة اشتغل عليها لمدة ر ـاض .جسـد بشكل ي يوىم ،يف الخمسينيات من القرن الم ي وردي ش ـبـ يـق يف لــوحــة ورديــة م ـك ـتــوبــة بــال ـلــون .ك ـتــابــة ال ـج ـس ــد بش ـك ــل آخ ــر .ل ـم ــدة أس ــاب ـي ــع ،ي ـه ـ رـن ه ـن ـت ــاي الـقـمــاش /السـنــد إىل أن يص رـي مسـحـوال ،أمـلـس ،أبـيــض لتبدأ فيما بـعـد عـمـلـيـة تشـكـيـلـيـة مـعـقـدة :تـكـويـن لـوح ِـة كتابة .حيث كل يوم ،يمأل َ وي ِ يق الـقـمـاش الـهـائـل لـيـعـيـد ٍ مــأله وتـغ ـطـيـتــه بــزيــت أب ـيــض ثــم يـكـشـطــه عــدة م ـرات ـط الـعـمــق الـمـهـيــأ ،شـيـئــا بصـفـيـحــة مــن مـعــدن ثــم يـغـ ي فشيئـا ،بـنـصـوص مـن الـتـوراة وأخـرى فـلـسـفـيـة لـدولـوز، كييكيغارد ....كل ذلـك بشـغـف يـحـفـر ثـنـايـا يف دريدا ،أو ر َ الجسد الرمزي للفنان يف خراب العالم ونيه الـف يـن .ألن الجسد َني ،ربما! الكتابة يف السند عي طبقات متـعـددة
مساء الجسد َ ْ ثم مساء الجسد هنا .مساء الجسد وقت كشف .مساء ـداد .مســاء الـجـســد وقــت كــآبــة .مســاء الـجـســد وقــت ِحـ ٍ ُّ الجسد وقت انفصال .مساء الجسد وقت تحول. نــيجــم مــا قـلـنــاه :الـجـســد وقــت كشــف .الـجـســد وقــت ِحــداد ،ال ـج ـســد وقــت كــآبــة .ال ـج ـســد وقــت ان ـف ـصــال. الجسد وقت ٌّ تحول. إنـنــا يف تــرحـيــل فـ يـن نـحــاول اكــياء ثـكـنــة مــرعـبــة تـحــت شـمــس الصـبــاح والـمـســاء :سـمــاء الـفــن تـغـتـصــب جســد ال ـعــالــم .ومــن ال ـم ـم ـكــن أن ي ـت ـحــول ال ـج ـســد إىل ب ـقــرة ً ُمك ْه َر َب ٍة .كما الحداثة وما بعدها•
52
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
منصور اهلرب ،من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع
"أمهلناه أم اعتنينا به ،لبّيناه أم أعدمناه ،يظل اجلسد ساكنا جلده ،متربصا كلص حمترف يرقب من فتحاته أي حركة ،وما أن تتسىن له أدىن فرصة حىت تنطلق أعضاؤه وحتتل األفق" (فوزي ميني ،شاعر لبناين)
يف البدء كان اإلنسان ،واإلنسـان كـان جسـدا ،وكـان لـهـذا الـجـسـد الـمـوقـع األسـاس يف ـاىل .أجســاد لـنـســاء ـون والـيــونـ ي تــاري ـ ــخ الـفــن ،مــن الـنـحــت الـفــرعـ ي ـان إىل الـنـحــت اإليـطـ ي متألمي أو مـمـجـديـن يف احـتـفـالـيـة أظـهـرت قـوة الـدرامـا يف عاريات ،و أخرى لمالئكة ر ٍّ مـنـحـوتــات ورســومــات لـكـل مـن سـيـلـ رـي ،فـ رـيون رـي ،روبــي ،فـيـالـسـكـ رـي وتـانـتـوريــه .تـلــك 53
منصور اهلرب ،من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
األعمال الن ّ قربتنا الستذواق الملمس وحـرارة الـوجـوه، ي غي ّأن هذه الدراما بقيت يف قالب اسـتـعـاري ومـجـازي. ر ظل الفنان فيها عل مسافة مع الجسد المرسوم.
وتـق ـن ـيــات م ـتـطــورة ،لـع ـبــت دورهــا ال ـكـبـ رـي والـخ ـطـ رـي يف انتشار وتضخيم الجسـد وتـفـاصـيـلـه كـمـادة .بـالـرغـم مـن ذلك ،ظل الـجـسـد مـحـجـورا ،ال يـظـهـر إال افـياضـيـا عـي تـلــك ال ـتـق ـن ـيــات الــدي ـجـي ـتــالـيــة .ال ـبـعــد الـمــادي ل ـلـج ـســد حي ثـبـت طـبـعـة ألسـفـل قـدمـيـه أضافه الفنان مانزون ر ي عـل حــامــل الـمـنـحــوتــة ،فــأمىسـ الـفـنــان نـفـســه مــوضــوع ً النـحـت ،مـكـتـسـبـا مـكـانـتـه األسـاسـيـة يف الـفـن الـمـعـاض. َ ـزون إىل تــوق ـيــع اس ـمــه عــل أ كــي مــن هــذا ،ذهــب مــانـ ي أجساد العديد من النساء سنة 4294مع شهادة تـيـبـت ه أعـمـال فـنـيـة أصـلـيـة .نـجـد أن منحوتاته الحيـة هـذه ي صدى لهذا العمل لدى الفنان بـيـالنـد PILANDحـيـث عرض يف مديـنـة سـتـوكـهـولـم سـنـة 4292أنـاسـا عـادي رـي
الرسم المحفور للفنان دورر يظهر جسد الـمـرأة الـمـزمـع رسـمـهــا يـفـصـلــه عـنـهــا إطــار شـبـ يـك ،وهــذه تـقـنـيــة لـنـســخ الرسم دون أخطاء يف الـقـيـاس .مـا هـو مـهـم لـدى دورر، الـعـمــل الـمـتـقــن الـجـمـيــل ،والـنـتـيـجــة الـمـبـتـغــاة تـمــر عــي الخـط والشـكـل وحـزمـة مـن الـتـقـنـيـات تسـاهـم يف ثـبـات ـارج. الفنان يف مرسمه بعيدا عـن الـفـنـان رـي والـعـالـم الـخ ي الصــورة الــرقـمـيــة والـفـيــديــو الـيــوم ،ألـغــت الـمـســافــة بـ رـي ال ـج ـســد وال ـع ـمــل ال ـفـ يـن .هــذه الــوســائــط ،مــن ب ـرامــج
عمل للفنان آليخت درورر
54
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
منصور اهلرب ،من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع
عمالن للفنان بيريو مانزوين
يرتدون ألبسـتـهـم الـيـومـيـة ويـعـتـلـون قواعدهم كمنحوتات حـيـة .جـيـلـب رـي وجـ ــورج بـ ــدوره ـ ـمـ ــا ش ـ ـكـ ــال م ـ ـع ـ ــا مـنـحـوتـت رـي تـتـحـركـان وتـغـنـيـان .هــذا ال ـت ـقــارب بـ رـي ال ـفــن وال ـج ـســد ن ـعـ َـي عليه يف مغـاور مـا قـبـل الـتـاريـ ــخ كـمـا يف آثــار ال ـيــديــن ك ـطـب ـعــة مـع ـكــوســة عــي ن ـفــخ ال ـلــون حــول ال ـيــد .ذلــك ـدان م ــن وش ــم وت ــيج ال ـب ـع ــد ال ـب ـ ي نجده عند قبائل النيجر وإشافـهـم ا يف ال ـتــيج ،وصــوق إىل عــادة ربــط القدمي عـنـد الـنـسـاء الصـيـنـيـات أو ر . ال ـن ـســاء الــزرافــات يف إفــري ـق ـيــا كــل ه ــذه االس ـت ـط ــاالت وال ـت ـح ــري ـف ــات وال ـك ـشــوف عــن م ـنــاطــق ال ـج ـســم؛ الـ ـرأس ،الـ ــوجـ ــه ،الـ ـيـ ــد ،الش ـ ـفـ ــاه، العنق ،الرقبة واألعضاء التـنـاسـلـيـة، موجودة يف العديد من الحضارات. مذهلة هذه الرسوم كأنها زرع للفـن عــل جســد اإلنســان يف ت ـج ـس ـيــده ـيـســة ل ـل ـت ـصــدي ل ـل ـح ـيــوانــات ال ـم ـفـ ـ
والطبيعة الموحشة .الوشم وتلوين دارس ال ـج ـســد لــدى ال ـعــديــد مــن ي التاري ــخ هو أقـدم تـعـب رـي عـن الـحـس الجماىل. ي الـم ـع ـت ـقــدات ال ـقــدي ـمــة مــن ج ـراحــة ووشــم وت ـلــويــن ل ـل ـج ـســد ،آلــت إىل االن ــدث ــار واالمـ ـح ــاء بـ ـفـ ـع ــل تـ ـق ــدم ـدان هـذا الحضارة .لكـن الـتـعـب رـي الـب ي لــم يـنـقـطــع بــل أخــذ طــابـعــا حــديـثــا
مانزون بييو ر ي
55
ض ـمــن حــركــة Happeningس ـنــة 4290فاتخذت جسد الفنان بحـد ذات ــه ع ـم ــال ف ـن ـي ــا وث ـي ـم ــة ج ــاه ــزة، وارت ـب ــط ه ــذا ال ـج ـس ــد ب ــال ـم ــدارس الن أولته الفنية كحركة الباوهاوس ي أه ـم ـي ــة قص ــوى .ب ــرزت مس ــاح ـي ــق ال ـ ــوج ـ ــه ك ـ ــان ـ ـع ـ ـك ـ ــاس ل ـ ـم ـ ـج ـ ـت ـ ـم ـ ــع االسـتـهــالك .هــذا مــا أ كــدتــه أعـمــال م ـي ـش ـيــل جــورن ـيــاك ال ـف ـن ـيــة .صــوره الفوتوغرافية تظهره كامرأة مـيوجـة تـخ ـلــع ث ـيــاب ـهــا وت ـبــدل يف م ـظ ـهــرهــا. ً ً الماكياج معـاضا كـمـا الـوشـم قـديـمـا له تلك الداللة االجتماعية كـالـثـيـاب وقـبـلـة الـزوج الصـبـاحـيـة أو طـقــوس ال ـ ـف ـ ـطـ ــور وال ـ ـت ـ ـب ـ ـضـ ــع واألع ـ ـم ـ ــال ّ ال ـم ـك ـت ـب ـيــة .يف ال ـم ـنــخ ذاتــه ،بــدل م ــارسـ ـي ــل دوش ــان يف ه ــويـ ـت ــه ع ــي ُ صور الـتـقـطـهـا لـه مـان راي ،تـظـهـره بهيئة امرأة عي ثياب نسائية. بدورها الحركة السوريـالـيـة اتـخـذت الـجـسـد والـثـيـاب مـنـصـة لـلـتـخــريــب
منصور اهلرب ،من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ال ـف ـ يـن .ح ــالق ــة الش ـع ــر ع ــل ش ـك ــل ن ـج ـم ــة ع ــل رأس َ دوشــان ،ال ـث ـيــاب ،ال ـحـ يـل ،الش ـعــر ،أغ ـراض وأثــداء مــن كــاوتشــوك اشــياه ــا دوشــان وص ــارت غــالفــا ل ـم ـل ـص ــق معرضه .تـحـت عـنـوان "مـذكـر مـؤنـث" قـدمـت الـفـنـانـة ـىم الـبـدلـة الـرجـالـيـة مــع كـرافــات مصـنــوعـة مــن شـعــر مـي ي نسان .بـدالت جـوزف بـويـز الـمـعـلـقـة بـبـسـاطـة وابـتـذال ي . تزيد دالالتهـا الـمـجـردة والـمـجـازيـة الـفـنـان بـول تـانس يـك استخدم الثياب أساسا يف فـنـه ،تـعـامـل مـعـهـا بـاعـتـبـارهـا بـقــايــا ورواســب اجـتـمــاعـيــة تـتـجـســد يف سـلــوك ونشــاط فن ،كشعائر للذاكرة الفردية والجمـاعـيـة .أعـمـالـه تـؤرخ ي ـوىم وتـجـعــل الـثـيــاب مـنـحــوتــات – تـعــاويــذ لـلـجـســد ـ ي لـلـ ي ً المسحوق والمجهول ،وأيضـا هـيـاكـل عـظـمـيـة لـمـا تـبـق من اإلنسان .
ال نس ـت ـط ـي ــع إغ ـف ــال ح ــرك ــة "غ ــوت ــاي" ال ـ يـن ارت ـب ـط ــت نشاطاتها وتظاهراتها الفنيـة بـالـجـسـد مـنـذ سـنـة 4233 كمقدمة لفـن الـجـسـد .body artنـجـد الـفـنـان ش رـياغـا يس ـت ـع ـ رـي ب ـق ــدم ـي ــه ب ــوص ـف ـه ــا أداة يف نش ــاط ــه ال ـف ـ يـن، يـغـمـسـهـمــا بــاأللــوان وهــو يـمـســك بـحـبــل فــوق الـلــوحــة. كاناياما هو اآلخر ،طبع أسفل قدميه عل مسـافـة 430 ـاىم ،وت ـح ــت ع ـن ــوان "اخ ــياق م ــيا م ــن ال ــورق .م ــوراك ـ ي مساحات بلحظة" ،مزق بجسده 34إطارا ورقيا ذهـبـيـا مشدودا بـقـوة ،واخـيقـهـا كـأنـه مـطـرقـة ،يف اخـتـبـار فـريـد لـلـحـظــة تـمــزق الــورق الـمـشــدود كـجـلــد الـطـبــل وصــوت الورق الرهيب .جسد الـفـنـان اجـتـمـع فـيـه كـم هـائـل مـن المرهق .صالة العرض غدت مكانا الكتشاف اإلحساس ِ الجسد ككيان ووسيلة معـرفـة .أصـبـح الـمـشـاهـد مـدعـوا
جيلبي وجورج الفناني عمل ر ر
النساء الزرافات
56
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
منصور اهلرب ،من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع
ميىم عمل الفنانة ي
بولتانسك عمل الفنان ي
إىل الس رـي مـالزمــا الـحـيـطـة والـيقــب والتوقف .إنه فن يتفاعل ويـتـحـقـق بواسطة الحواس ،وليس فـقـط مـن العي والرؤية المحايدة. خالل ر يمتاز فن الجسد بـأنـه عـابـر ،وق يـن، ـش بــان ـت ـهــاء عــرضــه مــع وبــأنــه ي ـن ـتـ ي أدواتــه .ل ـل ـحــؤول دون ذل ــك ،ل ـج ــأ ال ـفـ ـن ــان ــون إىل طـ ـب ــع أث ــر الـ ـجـ ـس ــم ولصقه عل مسطح ،أنتج "شيئـا"، "غرضا" ،لضمان ديمومته .جوزف
شياغا عمل الفنان ر
ب ــوي ــز أنـ ـج ــز طـ ـبـ ـع ــة لـ ـظـ ـف ــره .ق ــام ب ـط ـب ـع ـهــا 430مــرة ،س ـنــة .4274 ـونىســ ،Aconci ،انـقــض الـفـنــان أ كـ ي ب ــأس ـن ــان ــه ع ــل أج ـزاء م ــن جس ــده وأضـ ــاف حـ ــيا عـ ــل ال ـ ـلـ ــدغ ـ ــات، وســارع إىل ط ـبــاع ـت ـهــا عــل س ـطــوح متعددة كعالمة تجارية. نشاط اإلنسان هو طباعـة ،إن جـاز التعـب رـي .الـنـحـت طـبـاعـة يف الـمـادة، أو هــو ت ـحــول اإلنســان عــي وسـيــط 57
ه نـحـت إىل مادة .كـمـا أن الـكـتـابـة ي للغة والفكر. ه ــذا م ــا ذه ــب إل ـي ــه إي ــف ك ــالي ــن، ،kleinعندمـا طـل أجسـاد الـنـسـاء بلون أزرق ،وجعلهن يلتـصـقـن عـل ق ـم ــاش أبـ ـي ــض .أث ــر ال ـجـ ـس ــد ك ــان حاجة ملحة يف تجربة هـذا الـفـنـان، وهو الذي أطلق عل األعمـال اسـم ـشــب ل ـط ـخــات "ك ـفــن" كــون ـهــا ت ـتـ ر ـ الجسد وتفاصيله.
منصور اهلرب ،من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
وتبادلية. ت ـبــدى ال ـج ـســد يف الــرســم وال ـت ـلــويــن وال ـن ـحــت ،ك ـمــا يف األفــالم والـتـجـهـ رـي ،وانـتـقــل إىل الـحـ رـي الـعــام مــن خــالل نشاط الفنان ،الـراقـص حـول لـوحـة مـلـقـاة عـل األرض. ّ كل ذلك تحت تعب رـي عـفـوي امـتـد بـه الـفـنـانـون لـيـطـالـوا كل جوانب الحياة.
الـعـمــل عــل الـجـســد تـطــور مــن نشــاط فـنــان إىل حــدث اىم أصبحت فيه األولوية لـلـشـعـائـر والـطـقـوس خـالل در ي سـ ـنـ ــوات .4270 - 4290انـ ـخـ ــرط دم الـ ـف ـ ـنـ ــان يف العروض الفنية ،إلظهـار األلـم الـجـسـدي ،ولـلـتـعـب رـي عـن الموت ،والجنس .الفنانة الفرنسية ORLANاعـتـمـدت عــل ال ـعـم ـل ـيــات ال ـت ـجـم ـي ـلـيــة يف ت ـغ ـيـ رـي م ـعــالــم جســدهــا ـزون جـاءنـا بـتـسـع رـي عـلـبـة تـحـوي والوجه كمساءلة .مان ي خراءه ،كما زعم ،يك يبيعهـا .الـعـمـل هـذا ،تـأ كـيـد لـهـيـمـنـة الســوق وإخضــاع ل ـل ـج ـســد بــاع ـت ـبــاره س ـل ـعــة تســوي ـق ـيــة
أضــخ ال ـف ـنــان ال ـيــوم هــو ال ـم ـحــرض ،وهــو مــادة ال ـفــن ّ وضحيته يف آن•
عمل الفنان كاناياما
إيف كالين
58
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
حممد شرف ،متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة
"إن اجلسد ،أكان من حيث األفضل أو األسوأ ،هو صورة العامل"... (نيقوال بوفييه – اجلسد مرآة العامل) ً كان الجسد ر البشي حاضا كمادة تمثيلية منذ العصور القديمة .من األشكال ً ّ ً ا َ األكي تطورا ،مرورا بعرص النهضة ،وصوق إىل الفنون البدائية ،إىل األشكال ّ المعايي ،واختلفت النظرة الحديثة والمعاضة .خالل هذا الزمن الطويل تبدلت ر المثاىل ،الذي بلغ سع إىل التشخيص فق ر ي حي كان هناك ي إىل هذا الجسد .ي الكالسيك الوف للفن أوجه خالل عرص النهضة األوروبية ،الذي كان الوارث ي ي 59
حممد شرف ،متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
اليونان القديمّ ، تغيت النظرة إىل الجسد يف الفنون ر ي ً ً الن ابتعدت شيئا فشيئا عن المثالية كفكرة، الحديثة، ي تشكيل .يف هذا كأسلوب الواقع التشخيص وعن ي ي الفرنىس فرانسوا داغونييه: المجال ،يفيد الفيلسوف ي ً للمعايي الجمالية "يمكن للمرء أن يالحظ تخريبا ر التقليدية يف الفن الحديث ،الذي يجتذبه الغريب والقبيح. يرىم إىل إعادة تقييم ما فن كامل ي ثمة تيار ي ً جماىل ،وذلك من خالل غي يعتي تقليديا عل أنه ر ي ً تضمي الفن موادا ُيعاد تدويرها ،ودمج النفايات يف ر األعمال ،والتقليل من أهمية الصورة .هذه اليعة ً أيضا ،تمثيل الجسد ر البشي"0 تطاول، ر األوروبيي فنان القرن العشين يف استعراض لنتاج ر ي ً َ وف اختصار يفرضه ضيق األكي اهتماما بالموضوع، ي َ الن لم تتوان المجال ،ال بد من أن نبدأ بالتكعيبية ،ي عن "تحطيم" الواقع ،أكان عي الطبيعة الجامدة تشكيل ،أم من خالل "تشويــهها" للشكل كموضوع ي
ر البشي .لقد كانت لوحة بيكاسو "نساء أفينيون ا "4207مثاق عل ذلك ،وقد أحدثت ثورة يف الفن ً التغاض عنها ،نظرا ألهميتها الحديث ،ال يمكن ي البالغة .من ناحية أخرى ،بعد ذلك بعقود ،وعي ً حي أسلوب مختلف ،سوف نقف حائرين (وخصوصا ر ى ّ يتعلق األمر بالمتلق العادي) أمام شخصيات لوسيان ي ى ّ الجسدية، فرويد "المستقلة" ،فيما يتعلق بحقيقتها فن البعيدة من التساىم ،أو التصحيحات ،يف عمل ي ي حي اعتي البعض أعماله واقعية فق ر قائم بذاته .لذا ،ي "حن العظم" ،اعتيها البعض اآلخر نتيجة طبيعية ر يخ ذهب فيه لمؤثرات ضوئية اصطناعية ،ولعلم تش ي الفنان إىل حدود بعيدة ،مبالغ فيها .تقول شارلوت ر سء جديد يف أعمال فرويد، ر فاليغورا" :ليس هناك ي إنه يخلط الكالسيكيات ،ويجمع ربي المساهمات أساس قبل الن تم اختبارها بشكل ي الفنية األصلية ي الحرب العالمية الثانية ،ويقيح أن تتناسب بشكل
61
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
حممد شرف ،متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة
ّ الشكلً . يصور نفسه يف عزلته اإلبداعية. غالبا ما كان إنه رسام الصورة الذاتية بامتياز .ومن أجل تحليل أعمال بيكون يف عالقتها ببعضها البعض ،ال بد من ً ُ الن تعتي كل لوحة شاهدا عليها، تحليل هذه الذاتية ي لحط لبنائها الخاص؛ فالعمل بأكمله وه سجل ي ي يحك ،يف تكراره للصور ،مغامرة إعادة تجميع الذات0 ي الن لن يسع أحد إىل وباإلضافة إىل الجودة الجمالية ي التعرف عليها يف لوحات الرسام ،فإن محتوى أعماله التصويرية يقع ،بشكل عام ،يف أصل مشاعر معينة. يبدو أن هذه المشاعر تتسبب يف ارتعاش الروح المرتبط بـ "الرعب" ،الذي تقوله عيون شخوصه تجاه ما يواجهونه .إن الديناميات الدقيقة لألجسام ّ ً والن من خاللها نلتقط، الن تتمزق تقريبا ،ي المشوهة ي ً أحيانا ،النظرة المرفقة بخشونة كدمات الوجه والجسم لن يكون لها أي غرض آخر سوى تقديم شعور الرسام المتشائم بشأن الوجود .هذه ر الوحىس االسياتيجية يستخدمها بيكون يف عرضه ي لمعاناة الجسد وقبح الحياة0 ّأما فيما يخص بإيف كالين ،فقد عمل عل تكثيف العشين .فقد ّ "مغامرة" الفن الطليع ف القرن ر مر عي ي ي المفهوىم، والفن ، Body–art المونوكروىم ،والـ اللون ي ي إىل درجة استعمال عناض الطبيعة من أجل إظهار عاىم 4233و،4293 قدرتها اإلبداعية ،ليحقق ،ربي ي الن أنتجها، مادة فنية غنية تجاوز عدد األعمال ي حينها ،األلف عمل .فمن قفزته إىل الفرا ،يف 37 نوفمي ،4290عندما تم تصوير رسام الفضاء وهو ر البشية يتحدى الجاذبية ،إىل القياسات ،Antropométriesإىل Ci-git l'espaceيف عام ً ً ،4293كان الجسد حاضا دائما يف نتاجه .يف عمله "Anthropométrie de l'epoque ّ ( ،bleu" )4290ثمة نساء تلطخت أجسادهن يف باألزرق ،عل خلفية بيضاء ،وذلك غاليي الفن المعاض .يقوم إيف performanceيف ر َ ر كالين ،حينها ،بـ "هندسة" لقاء البشة اإلنسانية مع قماشة اللوحة .يتم هذا اللقاء من طريق التالمس البسيط ،حيث ينتقل اللون ر مباشة من فرشاة الجسم
Homme nu vu de dos ,Lucian Freud
طبيع مع امتدادات سابقاتها .قد تحط أعمال فرويد ي ّ محن الرسم ،لكنهم لن ينظروا إليها لدى كبي بتقدير ر ي ً سوى عل أساس كونها نوعا من التكرار" .وجهة النظر الخاصة هذه ال يمكن تعميمها ،إذ هو رأي قد ال يتفق الكثيون0 عل مضمونه ر ّ المحور اإلنسان الشكل ي ً ً اإلنسان موضوعا رئيسا لدى الفنان كان الشكل ي ً ّ اإلنگليي فرنسيس بيكون .صور نفسه غالبا يف عزلته، ر ّ ه تشكيل لشخصيته الخاصة وكأن صوره الذاتية ي الرئيىس لدى بيكون هو خالل العمل .إن الموضوع ي 60
حممد شرف ،متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
عي المتفرج .لم تعد إىل القماش ،ومن القماش إىل ر خية الرسام موجودة يف هذه األعمال حيث يتم نسيان ّ المكونة من المقاربة التشكيلية ،إذ يبدو أن األجساد تختق الن تم تحويلها إىل ما يشبه األختام، اللحم ،ي ي الثديي والبطن أمام حقيقة أخرى تيزها آثار ر والفخذين ،وهذا هو األثر الحقيق الذي يؤدي إىل ي ر الفن0 التواصل المباش مع العمل ي
الفلسق أو التحليل عل اإلنسان بنفس طريقة النص ي النفىس ،فإن هذه الفكرة ليست ممنوعة وال ي مستحيلة .ومن ناحية أخرى ،فإن الفن المعاض يعيد العالقة مع أصول الفن من خالل استعادة ترسيخه المادي .كما أن معالجة الجسد ،عل النحو الذي ً يعتمده الفنانون المعاضون ،سيكون قادرا عل تزويدنا برؤى جديدة أو إضافية عن طبيعة األجسام
ً ً هل يمكن اعتبار العمل سلبيا وتسطيحيا يف عالقته تأثي للعمق؟ البصمة هنا أقل من بالجسد، وينق أي ر ي ّ التمثيل ،وال أثر للنموذج ،إذ أن الجسد المجسم مفقود هنا .ال شك يف أن الجواب ليس يف متناول ً ّ حي يكون له موقف مسبق من المتلق ،وخصوصا ر ي الفعل ّ برمته .الجسد ،يف عمل كالين ،خارج عن نطاق ّ الفنان ،وذلك عل عكس جاكسون بولوك الذي كانت ينحن رسوماته نتيجة إيماءة جسده يف العمل ،وهو يً أمام قماشته الممددة عل األرض ،يك يشبعها تنقيطا ً يشي كالين ،هو وخطوطا .لذا ،فإن المسألة هنا ،كما ر ً من"0 "إبراز ي بصمان خارجا ي ً فن يقيح انعكاسا وإذا اعتينا ،من جهة ،أن أي عمل ي
ه استكشاف جميع "المتطرفة" .إن النقطة المشيكة ي طرائق عالقة الصانع بجسده ،حن لو كانت طبيعة ه نفسها ،عندما يتم تقديم الجسم الكائن ليست ي ّ المتطرف يف ما يشبه العالقة اإلكلينيكية ربي الذات الفن0 والعمل يف المجال ي حول الصورة الفوتوغرافية ّ شيمان كانت األميكية سيندي ر المصورة الفوتوغرافية ر وضعت نفسها يف المشهد .جعلت من جسدها ّ ً ً ًّ متنوعا ،وذلك من خالل الهويات فنيا موضوعا الذان الذي مارسته الن يسمح بها التنكر ي المتعددة ي 62
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
حممد شرف ،متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة
ُ ّ المصورة موضوعاتها خضع المتعلقة بها ،حيث ت ِ لوجهة نظر مختلفةً ، غالبا ما تنبثق منها بعض اإلثارة الجنسية والغموض المزعج والمربك0 ً شيمان ،خالفا يف مجموعتها األخية اختق جسد ر ر ً ا ألسلوبــها السابق .بدق من ذلك ،سيى أجسادا ى ّ وممزقة ،ما لموديالت mannequinsمشلعة ومثية يستدع تهويمات جنسية عنيفة ،بشعة، ر ي لالستياء ،بحسب بعض وجهات النظر .يف عام "فانين شيمان من قبل صحيفة ،4283تمت دعوة ر ي رفي" اللتقاط صور مستوحاة من القصص الخيالية والحكايات الخرافية .تحررت الفنانة ،حينها ،من
الخارج (األقنعة ،الماكياج ،طبيعة عل مظهرها ي ّ فش ،كما يبدو ،تفضل تصنيف المالبس) .ومع ذلك ي ا عملها يف خانة األداء ،performanceبدق من ّ وتحوالته اف ،واضعة تجربة الجسد التصوير الفوتوغر ي يف صميم عملها ،وكأنها أرادت أن ترى نفسها ككائن ً ّ شيمان أعمالها دائما ضمن ِسلسالت آخر .تنفذ ر ،sériesوتعود صورها األوىل إىل أوائل السبعينيات الماض .من النجمة السينمائية الشابة من القرن ي الن يظهر المقتولة يف حديقةّ ،إىل العذراء والطفل ،ي شيمان النظر يف فيها الفنان ككائن مخنث ...تعيد ر َ األنن وقواعد التمثيل سيناريوهات مختلفة لجسد 63
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
الن يفرضها الواقع، القيود ي المثي الذي وأطلقت العنان للكون ر ال عالقة له بالحكايات الخيالية الكالسيكية ،ولكنه يخلق ،يف الوقت نفسه ،أجواء مروعة أبطالها وشيالية، ومزعجة غي عادية ،غالبيتهم شخصيات ر ّ من المخن رثي ،تسمح لها هذه ى َ األكي بتوىل األدوار الحكايات ي ً غموضا0 هنا ال يقترص األمر عل درب ّ الن مستغرب تسلكه الفنانة، ي ّ ه تتلبس هوية ذكورية ،بل ي ربي تتخط الحد الفاصل وف الواقع ،فإن مارسيل ر الجنسي .ي دوشان كان طلب ،العام ،4230 ّ يصوره يف من صديقه مان راي أن
حممد شرف ،متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة
سيالف، هيئة زوجته روز يى ّ كشخصية أنثوية ،بعد قيامه بتنكر غن بالتفاصيل .لكن سيندي ي شيمان تتبن هنا الشخصية ر الذكورية ألغراض الشد ،حيث ً اف مشابها يكون التصوير الفوتوغر ي للسينما من أجل تمثيل شخصية قاتل ،من نوع يشبه جاك السفاح، عل سبيل المثال0 الميكالنجوىل الجسد ي (نسبة إىل ميكال أنجلو) "إن الجسد هـو مـن يـخـدم الصـورة وليس العكس" ()Louis Blanc عندما نشاهد صور لوي بالن ،ال
64
المبالي تجاه يمكننا أن نبق ر فش تبعث مؤثراتها ر الغي عادية .ي والتفكي االضطراب عل ر والتساؤل :كيف يقوم بصناعة هذا الن يهدف ه الرسالة ي النتاج؟ وما ي إىل إيصالها للمشاهد ،عي صور ّ تتحدث عن نفسها بلغة اإلشارة. هل من الممكن أن نطلق عل بالن لقب "ميكال أنجلو الصورة ً الفوتوغرافية" ،نظرا ألوضاع ّ أجساد شخصياته المتضخمة الن تبدو بفعل التأليف، وه ي ي ّ ً جيدا ،بأحجامها الشديدة مرسومة يعط ،يف نظام شبه التحديد ،مما اي ً هرىم، انطباعا هائَل عن الحركة؟ ي ر سء عميق إىل بالن صور تعيدنا ي يصعب وصفه ،إىل "فضاء
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
حممد شرف ،متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة
،performanceأو الرياضة ،أو الرقص: السع وراء ي اإليماءة المثالية يتكرر بال كلل ،حن الحصول عل ّ المرجوة" .ثم يضيف يف مكان آخر" :أنا أعتي النتيجة ً نفىس أشبه بممثل كوميدي يلعب دورا يف مشح ي صامت ...يبحث عن عاطفة حقيقية يف أعماقه"0
داخل" ذي معان فردية وجماعية .من خالل مظهر ي ي ّ شخوصه "الضخمة" نتصور أيقونات تتجه نحونا فيما ً يشبه المطاردة الشعورية .الخلفية محايدة دائما لديه، كما لو كانت صورة الجسد كافية ،من دون حاجة إىل ّ يخرب العمل عناض دخيلة ،إذ أن حضورها قد ّ الجماع، ويدمره .صور ييدد صداها يف الوعينا ي وتفعل فعلها يف نفوسنا كما فعلت قبلها أيقونات ّ األثي ،كما نط .الجسد هو موضوع المصور ر العرص ر البي ي الحظنا ،أما فيما يختص بموضوعاته ،فهو يقول" :من
ّ المتطرفة الفن المعاض يف ممارساته
قد يكون من النافل الحديث عن الممارسات الفنية ى المتعلقة بالجسد الغي اإلنسان يف قسمها، ًر ي الكثي من الجدال ،علما "أنا أعترب نفسي أشبه مبمـثـل كـومـيـدي يـلـعـب مستفز ،والذي لم ُي َي ر أن هذا الموضوع له أهميته الخاصة ،ويمكن ى دوراًا يف مسرح صامت ...يبحث عـن عـاطـفـة معالجته يف مناسبة مختلفة .لذا فإننا نركز َ األكي اهتمامنا عل الممارسات األخرى، حقيقية يف أعماقهLouis Blanc ". . راديكالية إن االنطباع األول ،الذي قد يدور يف ً ّ خلدنا ،هو أن تلك التجسيدات المتطرفة للجسد قد تتكون لدي الفكرة استنادا إىل أجل تنفيذ صورة، تؤدي إىل اإلضار بمهمة تمثيل اإلنسان ،ولكن ،من جلسة سابقة ،مع العلم أن األمر يختلف ربي عمل ً ً الرصوري ،أيضا ،البحث عن معن هذه المقاربات صغي أحيانا من أجل حفظ وآخر .أقوم بعمل سكتش ر معان هذا الفكرة يف ذاكرة الورق .إن الفكرة تساعد عل الفنية المعاضة ،مع األخذ يف االعتبار تعدد ي الفن ،وعل المستوى الجسد عل المستوى االنطالق ،أو البداية ،وفيما بعد تحدث بعض ي ً ّ المفهوىم0 ينتابن أثناء النظر إىل المتغيات ،تبعا للشعور الذي ر ي ي . يعكس الفنان المعاض ،من دون شك ،تراث االفتتان اف يشبه األداء اللقطات العديدة إن التصوير الفوتوغر ي 65
حممد شرف ،متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
بالجسد العاري ،الذي بدأ منذ فية طويلة .تؤكد مالحظات الفرنىس الراحل ،عل االستمرارية ما ربي روستي ،الفنان جان ر ي التشكيل مع ما نشهده الغرن وتراثه األيقون للرسم التقليد ي ي ي ً تبن أجسادا الحاىل ،لكن يف الوقت المقاربات ً الحالية ال ي ي ُ ً وغي الئق ،وذلك من عارية فحسب ،بل تظهر عريا فاحشا ر خالل تمثيل أجساد مسنة ،مريضة ،غاضبة ،هزيلة ومعوزة، مثية للشفقة وكأنها يف حالة محنة شديدة" .شخصيات ر ى تذكرنا بالمرض يف مستشق لألمراض النفسية ،حيث تمارس وه سجينة يف عزلة ال يمكن عالجها" ،عل ما العادة الشية ،ي روستي0 يشي ر ر جيار كلي (االسم المستعار للكاتب ر إىل ذلك ،خصص جان ر ا ً رينييه ،عضو األكاديمية الفرنسية) ،العام ،3003كتابا كامي الحاىل باألجساد المهملة والميوكة للتنديد باالفتتان ي ّ من المؤسف أن البرص ،الذي هو أكيَ والممزقة .وهو يفيد أنه َ ا حواسنا األكي ذكاء ،لم يعد ذا أهمية ،بل إن الرائحة، الحيوان والرجل تثي المواجهة ربي اإلنسان حيوانية ،ر ي المثقف .اإلجراءات العامة االستفزازية ،إنتاج الدمغات، تقديس الدعابات الجسدية ،الممارسات السحرية الغامضة الخي ر الطليع، والش" .إن حركة الفنان تلع الفرق ربي ر ي ي الن ي من ناحية أخرى ،لن تنبع من هذه الرمزية القديمة للتقليد الحرك ،ولكن من شيطانية الجسد المجزأ ،الذي يقسم ي والخياىل ،النموذج وتمثيله ،فهو يضعهم يف مواجهة الواقع ي ي ويقض عليهم يف النهاية" ،بحسب جان ينفجرون، ويجعلهم يً كلي .هذا الكالم ُيعتي قاسيا فيما يتعلق باألعمال المعاضة، ر ً وهو يطرح المزيد من التساؤالت ،ويستوجب نقاشا ال بد منه0 ّ "المتطرفة" موجودة يف كل هكذا ،يمكن القول إن األجساد الن مكان ّيف الفن ًالمعاض ،وكذلك اآلراء المحيطة بهذا الفن ي ّ تطرفا .يف هذا اإلطار ،ال بد من ذكر ما أدرجه ال تقل المثي للجدل ميشيل أونفراي ،عام الفرنىس الفيلسوف ر ي ملء بالمنتجات المستنسخة. ،3002ر حيّ قال" :إن السوق ي يكق االطالع عل ما يدور يف البيناليات ،والمعارض، إذ ي صغي والمجالت المتخصصة ،واألماكن المؤسسية -عالم ر المرض يف بشكل مدهش -لمعرفة ما يعمل علم النفس ي غي مير، الخلفية :تصعيد التخريب من أجل ذاته يف استفزاز ر من دون هدف نهان يفض إليه ويضق عليه ر الشعية؛ عوز ي ي ي 66
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
حممد شرف ،متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة
فن هو ثمرة األحيان من خالل إدراكه ًأن كل عمل ي ً جسم ر بشي ،فكريا أو جسديا0 ً ً تضق هذه األساليب الفنية المستفزة ،وأحيانا غالبا ما ي ً ً البغيضة ،والجذابة يف بعض األحيانُ ،بعدا جديدا عل الجسد .وإذ هو ،يف الوقت نفسه ،الوسيط واألداة، عنرصا ً ً ومادة الخلق والدمار ،فإنه ُيعتي مهما يف الفن ايل، المعاض .يمكننا االستشهاد بالكاتب سايل أور ي ي الذي كتب بعد دراسة استجواب الجسد ر البشي يف "ف الفن ،جسم اإلنسان هو مفهوم الفن عن كثب :ي وف الواقع ال يوجد فن من دون جسد"0 أساس ،ي ي
يف الخلفية الفكرية ،عدم وجود أي منظور للذات؛ التمتع بالتوحد واالنتماء؛ تهدئة الممارسات العالجية المصحوبة بعشق األنا واليجسية المنظمة؛ افتتان بالقمامة والقذارة الغامضة والموت؛ االنحدار الشامل وتكريس الفن الهابط000 لكن ،ومن وجهة نظر أخرى ،صحيح أن جسد اإلنسان ً ً شيئا ً ماديا يف الفن ،ولكنه يؤدي أيضا وظائف يصبح أخرى مختلفة .إذ ،عل سبيل المثال ،يمكن لجسم ً يشي إىل العلم ،وذلك من خالل اإلنسان أحيانا أن ر الفناني عن الجمال أعمال يكشف لنا فيها بعض ر ً وبالتاىل يصبح شيئا الداخل ،وكذلك تعقيد الجسد، ي ً ي ً ً تعليميا .وال بد من القول إن جسم برصيا بحتا أو حن ً الكثي اإلنسان يرتبط غالبا بالمجال يثي ر العلىم ،بل إنه ر ي من الجدال داخل هذه البيئة ،ويــهتم العديد من الفناني باالستنساخ وعلم الوراثة ر والتأثيات البشية ر ر ى ّ الصاف فإن الجسم العلمية .أما فيما يتعلق بالفن ي ر كثي من البشي يخلق العمل بمساعدة الفكر ،أو يف ر
َ نشي، لتوضيح هذه الفكرة بشكل أكي دقة ،يمكننا أن ر ً الفرنىس الذي أيضا ،إىل ميشيل جورنيك ،الفنان ي أسس فن الجسد يف فرنسا ،وهو القائل ،إن الجسد هو موقع كل العالمات ،كل الجروح ،كل اآلثار .يف لحم ونواه وعنف… إنه الجسد الجسد تعذيب محفور ٍ الذي يتكلم“•
67
موليم العروسي ،طالل معال ،يوسف ليمود ،بنيونس عمريوش ،بومجعة أشفري ،أمحد لطف اهلل
68
قيس عيسى ،حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
الجسد المعاض لم يتشكل يف بنية مغلقة ،كما يف زمن الحداثة وما قبلها0 تمثل الجسد يف زمن ما قبل الحداثة يف اإلنسان الذي ابتكر الفن والدين والعلم. ُ ُ ونمذجة الجسد ر البشي كأنها ت َم ِسد ُه يف صياغة فاجتمعت هذه الموضوعات يف ِ ِ ُ نظام ُمحكم .موضوعة الدين تمثلت يف الجسد ،والعلم هو النظام الذي يبن منه ٍ ُ ُ الن يصا ِبها الجسد0 الجسد ،والفن هو الصورة َ َ ي ُ ُ ّ ُ فكان فكر الفنان يصا ِبمتخي ٍل يتواشج فيه الدين والعلم والفن .هذا التواشج ُ ُ َُ .ا َ المتخ َّيل حيل اإلنسان الموازي للجسد أدى إىل ابتكار صورة الجسد الطبيع في ِ ي ي َ َّ َ َ كثي من المرجعيات الحضارية الشدي اللغوي إىل ُمتخ َّيل برصي ،وتمثل هذا يف ر والدينية والحكايات األسطورية ،وحن األحداث االجتماعية؛ عل سبيل المثال 69
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
قيس عيسى ،حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر
ً ا كبيا يف الصياغات العلمية يف وضع أحدثت تحوق ر قواني النسب العلمية الدقيقة للهيكل ر البشي ،بل ر الخارج والحجم والكتلة إىل الدخول المظهر تعدى ي ر ف حقل آخر مهم وهو حقل الطب ر والتشي ــح البشي ي التفصيل للجسد من أجل الوصول إىل نسب دقيقة ي وعلمية يف إنشاء الجسد .إذن اتصف الجسد يف حقل ُ واز للجسد الفن يف زمن ما قبل الحداثة بأنه تجسيد م ٍ َ ر الواقع ،كونه ِصيغ بأنظمة علمية دقيقة0 البشي ي ُ أما االنزياح الثالث والمهم فهو إنتاج صورة تنسب إىل يكتف الفنان حقل إنتاج مهم يدع "الفن" ،حيث لم ِ بالمطابقة والمجاورة بل بإبراز قيم الجمال والشعور اإلنسان تجاه تلك األحداث ،كأن الفنان زاول ُمهمة ي ً ً تحويل المسج الشدي إىل مسج برصي (رسما ونحتا) كأنهما بمثابة شاشة عرض أو إحدى مظاهر الفرجة يف ذلك الزمن .ألهميتها أعن (الشاشة) يف توثيق ي األحداث وثبات صورتها ف الذهن ر ألزمنة البشي ٍ ي ً الحقةُ .مضيفا إىل ذلك توثيقا برصيا ألشكال الحياة ُ المعاشة بكل تفاصيلها من عمائر وزخارف ومعارك ً وأزياء وصور أشخاص (ملوكا وأنبياء وفالسفة وعلماء
فن تحولت حادثة إعدام (سقراط بالسم) إىل عمل ي الكثي من الشديات ُمهيب للفنان رافائيل .وتحولت ر الدينية إىل َمشاهد برصية ،كما يف لوحة "العشاء ر دانن تحولت األخي" للفنان ليوناردو ر دافنىس .وأشعار ي ي أوجي دوالكروا المسماة بـ إىل لوحة عظيمة للفنان ر "جحيم دانن" ...هذا عل الصعيد األول لالنزياحات ي الن مارسها الفنان عل الحقول المجاورة؛ ر الكبية ي بمفاصل ِه الثالثة فاالنزياح األول ركز عل الموضوع ِ ُ (الدينية واالجتماعية والنتاجات الفكرية) المتمثلة يف (الشعر والرواية والفلسفة)0 الثان فقد تمثل يف "نمذجة" الفنان أما االنزياح ي للخطابات الشدية وتحويلها إىل خطابات شد برصية َّ من خالل توظيف حقل العلم ،حيث وظف الفنان وف "النظم المنطقية" يف إنشاء السطح البرصي ي تكوين وصياغة الجسد ر البشي .فاستخدم الفنانون طرق ُمختلفة يف بناء الصورة البرصية المرسومة من الخط والقيم خالل الهندسة واستخدام المنظور ي المستخدمة ف ُ الظلية واللونية ُ المخططات المعمارية ي الن وتحويلها إىل أنظمة فاعلة يف نمذجة الجسد ،ي
71
قيس عيسى ،حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
َّ الواقع الشدي .فخيال الفنان وظف يف نمذجة ي التكوينات ر البشية يف ثالثة أبعاد (طول وعرض وعمق) ُ تلق وإنما ،وباث واحد للرسالة ليس الفنان وال الم ي ً السارد ،سواء كان شاعرا أو نبيا أو فيلسوفا ،وثقوا ر بىسء من أحداثا اجتماعية واقعية .حن ولو اتصفت ي الواقع سوى فش طفيفة ال تتجاوز حدها الخيال ي ي الن أصابت الجسد كمخلوق ببعض التحويرات ي (القينطور) جسد حصان ورأس إنسان أو (كيوبيد) بجناحي ،أي أنها نمذجة شكل األجساد وفق طفل ر ُ تلق لم يلجئا إىل نظام بنيتها الشدية .فالفنان والم ي حقل التأويل (للعالمات ُ المضمرة) ،بل إىل حقل االستقبال واالستمتاع بهذا النتاج الموازي للنتاج الواقع0 الطبيع ي ي أما يف زمن الحداثة تخل الفنان عن الجسد بوصفه
وفناني) .فكان الرسم والنحت بمثابة آلة وأدباء ر تصوير العرص يف ذلك الزمن .عل الرغم من أنه أدى حرفة ،لكنه انعتق من الحرفة عي ديمومة رسالته الن استمرت إىل زمننا المعاض .وتمثلت اإلنسانية ي هذه الرسالة بأن الفن هو عدسة تعكس صورة ذلك وتؤش سلبياته وإيجابياته ،كما ر ر العرص. تؤش إبداعات وابتكارات الفنان يف كل عرص0 ُ لكن هذا انعكس عل الفن فجعله يتصف بأنه وحدة ُمنغلقة يف ذلك الزمن ،حيث أنه مثل الحقول ُ الن انزاح عليها .أي أنه فن تغلب عليه صفة المجاورة ي التمثيل ،أي فن ُيجسد الواقع بكل تفاصيله .فهذه بنية تعط الفنان مساحات واسعة لالبتكار مغلقة لم ِ َُ َ َّ واالختالف ،فكان مفهوم النتاج المتخيل يف تلك الفية يتصف بالنمذجة الشكلية ُ المستندة إىل التمثيل 70
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
قيس عيسى ،حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر
بنية ثابتة ُ ومغلقة التأويل والتشكيل ،فاستعاض عن الجسد بالمشاعر َ أكي من الصورة ،واستعان بالبنية ً الداخلية ونمذجتها مفاهيميا َ أكي من واقعها الشدي ُ الم ر قواني ِاالستعارة باش .حيث انزاح فعل الفنان عل ر ً الفن تركيبيا ِ واالستعاضة بدل التمثيل ،فأصبح النتاج ي ُ بوصفه الواقع ُي رثي االختالف عن الثابت المعط ِ ي َ َ ٌ فرض ُمسبق .فأنتج الفنان ُمتخ َّيال برصيا يتجاوز الرياض ،فحول شكل الواقع ويتصف بالتجريد ي ِاإلنسان إىل ُمجرد خطوط ومكعبات ،بل تعدى ُ المجاورة والمضايفة إىل التحوير واالختالف ،كما يف أعمال بيكاسو (المرأة الباكية) ،وأعمال الفنان موديليان (رجل مع غليون) ،وأعمال ماتيس (الفنان ي َ واألكي من ذلك دخول حقل جديد مع الموديل)؛ النفىس (فرويد)، انزاح عليه الفنان هو نظرية الطب ي ً الفناني (جورج روؤه، كثيا يف أعمال وتمثل هذا ر ر وغيهم ُماتيس ،خوان رميو ،إدورد مونخ ،دي كونغ) ،ر ك َي0 ر العشين ،تم استعارة وتفكيك شكل بحلول القرن الرسامي من جسد اإلنسان وإعادة تجميعه من قبل ر مختلف المدارس الطليعية لدرجة تشويــهه .كأنه سماع ضجيج لمختلف األصوات يف آن واحد .الفعل ُ الن نهضت التجرين كان مهيمنا عل تلك اللحظة ي ي فيها التيارات الفنية ُ وس َ حب التصوير نحو السطح
التعبيي التجريدي الذي ُيسيطر عليه الجانب ر والتقن .هل هذا ما أوصلنا إليه فرويد ونيتشه ،وما ي أثارته الحرب؟ عل سبيل المثال ال الحرص( ...هذه الن ثالثة ر تفسيات مبدئية لكل هذه االضطرابات) ي
72
قيس عيسى ،حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر
اعتمدها الفنان ،هذا الرفض القاطع لقبول شهادة ً العي ر التفسي ،فإن البشية لما وصلنا إليه؟ ّأيا كان ر ر ً ً الجسد ر البشي بدأ ُيشبه أنموذجا جديدا حيث يتم بطء عي مصنع اإلنسان ،ال يوجد العبث به بمسار ي استنتاج أنيق ومصفوف يف اللوحة .ليس هناك تأمل َ ُ األساس سهل عل السطح ،وال احتفال بالتماثل ي ر دافنىس يف رسوماته اإلنسان .ما ابتكره للشكل ي ي الن أدت العظيمة يف تلك الفيات الطويلة من الفن ي ر يتماس بطريقة ما إىل استنتاج مفاده أن اإلنسان كان ً ُ ُ اإللش لألشياء كوجود مفيض مسبقا .لم مع النظام ي تعد هناك أي طريقة تدعم فيها (امرأة دي كونغ) أي ر ه بمفردها خارج بن البش .ي فكرة عن الوئام ربي ي العيني يف كل صخبها التوقع ،وتحدق بنا ُمنتفخة ر ً وه الغامض جامحة تماما ،تنفجر عند كل التماس .ي
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
عل قيد الحياة يف سياق عام من القسوة المرسومة - تتوقف ضبات فرشاة هذه اللوحة يف العديد من ُ االتجاهات ُ غي المختلفة ،يف الواقع إنها تشبه التكتل ر ً ُ تقريبا المستقر لألجزاء ،الفنان يف حالة حرب مع نفسه مثال صارخ وفظيع ُومتذمر ضد ما ارتكب من أعمال ر البشي ،ال يزال عنف ال توصف عل الجنس وه واحدة من سلسلة (ديغونغ) يف هذه اللوحة ،ي المحاوالت ر الشسة العديدة لتقديم الجسد األنثوي ُ الذي نمذج بمفهوم القسوة0 ُ تقبع خلفه عدمية اإلنسان هذا التهشيم للشكل ي (نيتشه) ُ المفرطة ،أي أن جوهر عدمية (نيتشه) وسلن ومضاد للحياة ،وأن ارتكاس تحطيم كل ما هو ي ي ر األساس (لبناء معبد هذا الهدم والتحطيم هو الشط ي جديد ال بد من تهديم معبد قديم) ،لذا جاءت عدمية مرحلتي :األوىل تحطيم وهدم كل ما هو نيتشه عل ر ُ ُ والن تسلب الفرد حريته ارتكاس من القيم السائدة، ي ي ُ وتفقده السلطة عل نفسه وعل األشياء ،وتغريه يف عالم غريب عنه يخضع لقيم متعالية عليه وخارجة ه بناء عنه ،وال تمت له بأي ُصلة؛ والمرحلة الثانية ي وصياغة قيم جديدة تمهد لظهور اإلنسان األعل، اإلنسان المتجاوز لذاته باستمرار0 الن حولت الفن من هذه العدمية جزء من األسباب ي التأمل الشدي الذي تحكيه ُمشخصات األعمال تفكي جزء منها رافضة الواقعية إىل طرق وآليات ر ُ للثابت وجزء آخر يساير التطور الذي أسبغه العلم عل الحياة بصفة عامة ،فكانت من مؤسسات الفكر الن يتسي التجريدي هو التقنية كوسيلة إظهارية ً ،ي ثان ،زائدا المستوى خلفها الموضوع الفن كمستوى ٍ ي الواقع التشفي الذي يتوسط ربي الدالىل وهو حد ر ي ي ُ الذي تحول إىل سطح مجرد0 (ف وهذا ما سنالحظه ُ يف أعمال الفنان إدوارد مونخ ي لوحته "الرصخة") يزيل كتلة الجسد ويحوله إىل روح ُ تنفلت من خفيفة شبحية تلتاع من شدة األلم كأنها ً سجن الجسد روحا مائعة تستحرص ألم المرض والعوز ،ويجعلها بطبقة أعل من كينونة الجسد .إذن السايكولوج يك يظهر قوة هنا أدخل الفنان الضاغط ي 73
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
قيس عيسى ،حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر
العاطق عل قوة االنفعال الجسدي .فالفنان االنفعال ي تخل عن الموضوعات الشدية السابقة الذكر ً وه باإلنسان، فتكا واستعاض عنها بموضوعات أشد ي تحطيم اإلنسان من الداخل أشد عذابا من الشديات ٌ بحث آخر يؤديه الفنان فهو ُ المؤلف التأريخية؛ هنا للنص ُ يستعي بالمرويات وإنما هو يعيش ومنتجه ال ر عرصه ويشيده بإحساس عميق يكتيه األلم0 الخارج بينما استعان الفنان (دي كونغ) بالضاغط ي عل الجسد كأن الجسد آلة تتحطم بعد االستهالك ا ا وينق .فالفنان كان مؤوق لكل ممارسات عرصه موغي ً لمصي االنسان0 حادسا يف ر عالماته الضامرةِ ، ِ ُ سع الفنان لصياغة أيقونات عرصه لتمثل أحداثا كان ي ََ َ ر "الگينيكا" للفنان بيكاسو ببن البش كلوحة فتكت ر ي َ َ الذي نمذ َج الخطاب البرصي كأيقون ُي َمثل (بيكاسو) نفسه .فابتكر اليامن بعد بحث يف علوم ُمجاورة ٍ ات استمرت ألشهر مع عالم الرياضيات وحوار ٍ ُ (جوفريه) حول أهمية دخول البعد الرابع يف اللوحة سيان ،لكن لم تكتمل الرؤى إال الذي أسس له الفنان ر العلىم الدقيق .فأنسن بعد أن صا بيكاسو أساسها ا ي طاقات بيكاسو األشكال الهندسية ُمحوق إياها إىل ٍ ً الواقع التمثيل عن بتعدا تعبيية يف غاية الروعةُ ،م ر ي ر يستدع ما يف الذهن البشي من نتاج ألنه أراد أن ي وعاطق دون الحاجة إىل أشكال جاهزة توصف معرف ي ً ي ً بأنها تمثل وجودا ثابتا سابق التحقق عل إرادتنا البشية .وهذا ما أشار أليه جيل دولوز ر ر بمشوعه نشي إليه اآلن يف هذا المقال حول االختالف ،وما ر ُ الطبيع الذي استند إىل نمذجة واز للكون إنتاج كون م ٍ ي تستقض العالمات الضامرة يف األحداث مفاهيمية ي ً ا ُ والموجودات لتنتج ما هو مختلف عنها شكي متغايرا يف البناء والموضوع 0
ُ تحوله إىل تشكيل برصي0 عند تحري أشكال الكائنات باختالف أنواعها ،سواء ر ً بشا أم حيوانات أم نباتات وحن الجمادات، كانت َ فإنها تشكلت يف ِصي ٍغ تختلف عن األشكال الهندسية، َّ إق بعدما حولها اإلنسان إىل كيانات مفاهيمية يف الواقع منظومة معرفية ،تتمدد بتأويلها خارج وجودها ي ُ الم ر باش إىل أشكال ُمجردة ،وذلك عند النظر إىل الجبل غي ُمنتظمة كما يف الواقع فإنه يتشكل من خطوط ر ُ فأحاله اإلنسان إىل ابتكار ُمذهل وهو المثلث كوحدة ُ ً قياس وشكل ُمجرد يكتق بمفهومه ُ المجرد مبعدا ي الحىس الذي كان يتصف بالجبل، مفهومه الواقع ُ ي ي فاكتىس بمفاهيم يدركها العقل؛ وهذا التنظيم يف والوع ،كأن نقول (كل الشكل لحقه تنظيم يف اإلدراك ي ضلعي قائمي ُي ُ قابلهما وتر) تكون (زاويتها 20ه) ر ر ُ ُ عندها ندرك أن هذا مثلث متكون من ثالثة أضالع. اشتغال المنطق هنا داللة عل تفوق اإلنسان يف إحالة األشكال واألشياء من الواقع البرصي إىل مفاهيم
ه النمذجة المفاهيمية ()Conceptual modeling يً البحث يف المفاهيم ودالالتها الضامرة بوصفها أرضا ب ً يستق منها طاقته اإلبداعية، كرا أو مادة خاما للفكر، ِ ي صيورة دائمة وتحول دائم .إذن ف الفن تجعل فش ر ي ي ُ ر الىسء ،ومن ثم ه تبحث يف المفهوم الكامن يف ي ي 74
قيس عيسى ،حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر
ُمدركة بالعقل ،وهذا تطور يف المنظومة الفكرية ً ً ُ ا الن تحاول أن تخلق ُمعادق برصيا ومفاهيميا لإلنسان ً ي ً َ ُ يأن أكي انتظاما وأدق مقياسا من اإلدراك الحىس الذي ي ي عن طريق الحواس0 ً ً ا عندما نرسم شكي هندسيا ُمجردا ،كأن يكون مربعا، ّ خال من أي معن إق إذا اشيك مع عناض أخرى فإنه ٍ ُ مذ َج داخل مجموعة هندسية أخرى فإنه سيتحول أو ن ِ إىل معن ووظيفة .عل سبيل المثال عند إحالته إىل ُ ُ شباك ،فتبن الداللة هنا عل حالة الموضوع ُ ُ ُ المخصص للتأويل كأن يكون شباك السجن أو شباك َ ُ ذاكر مغلق؛ فهنا ستحال الداللة إىل خارج وجودها ت ٍ المباش ،إىل افياض آخر للتأويل ،عندها ُ ر سيبن التأويل حسب الظاهرة ُ المشار إليها أو الغائبة عنها، هذا التوصيف عل مستوى الداللة .أما عل مستوى الفهم واليهان يف العلم فسيكون شكل المربــع ما هو ّ إق انجماع لزوايا ُمفيض أنها قائمة تتشكل قيمتها كقياس من خالل الحساب والمنطق ألضالع المربــع اهي القائمة (بدرجة 20ه) عند تحقق هذه الي ر ُ كمفاهيم عقلية بوصفها لغة منطقية تدرك بواسطة
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
العقل فهنا تكون النتائج حقائق ُمدركة بالعقل ال بالحواس فقط .هذا المثال يصوب التقريب من والن مفهوم النمذجة المفاهيمية كاصطالح مركب، ي يقصد بها الكاتب بأنها شكل ُمنمذج أو عناض مختلفة ُ المنطق الوع يستدع ُجمعت ونمذجت يف مفهوم ي ي ي والمعرفة0 ُ َ قر ُبنا من مقولة الفنان مايكل أنجلو "إن الذي وهذا ي ِ الن تكمن وراء ما أريد أن أريه يف عمل هو ُالفكرة ي ي يسىم بالحقيقة .فأنا أبحث عن الجش الذي يصل ُ بالالمرن"؛ لهذا تشكل القصدية واإلرادة المرن ي ي ُ الوع الواعية للفنان فاعلية اإلحالة المتبادلة ربي ي ُ تنهار القسمة المصطنعة ربي وموضوعهِ ،عندها ِ الذات والموضوع ،والتقابل ربي المثالية والواقعية. ر المباشة، بحيث يفهم الموضوع كما يبدو يف الخية ا (كما يف المثال السابق للمربــع) ،بوصفها أفعاق خاصة ه بنيات وتراكيب تتعلق بذات بالوع من حيث ي ي المضامي وصف من البد لذلك التجريبية، الفنان ر الوع ،أي بتقديم الفروض الخالصة لما هو حاض يف ي ً ُ بوصفها ُمقدمات لحقائق موجودة مسبقا يف الذهن
75
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
قيس عيسى ،حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر
النق بهيآت مختلفة عي الزمن ،وهذا يؤكد حالة ي للثابت والتحول إىل مديات جديدة للفكر ر البشي عي المفاهيم واألشكال .ممكن توصيف النمذجة بأنها ابتكارات للمفهوم وتحويله إىل تشكيالت برصية0 يشي إىل الشكل يف بعض األعمال الفنية ًهناك ما ر السابق (الطبيع) ،وأحيانا تكون المسافة الفاصلة ي ً األصل، كبية جدا ما ربي الشكل المرسوم والشكل ر ي الن خاضها الفنان وهذا االختالف يرجع إىل التجربة ي الن توصف بأنها يف التفكيك واإلضافة والحذف ي آليات النمذجة المفاهيمية ضمن رؤية جديدة باتجاهي: الفن يتحرك ُمبتكرها الفنان ،فإن العمل ر ي اتجاه المنطق واتجاه الحس؛ اتجاه يسع إىل الدقة واإلتقان واتجاه يسع إىل اإلثارة الحسية والجمالية واالنفالت من القانون .وهذا التداخل ما ربي المنطق يعط للعمل قيمته ،وهو ما يسمح والحس هو ما ي األصل مرة ثانية عل نحو مختلف0 بإعادة بناء الشكل ي األصل ،فلدينا نكتق بالمشهد الفن ال فق العمل ي ي ي ي ر سء آخر له نفس األهمية ،هو "األنا" أو الذات ،فما ي األصل الفن ليس هو المشهد ينعكس داخل العمل ي ي فقط ،وإنما هو مزي ــج من انصهار هذا األصل بذات الن الفنان ،األنا وه ي الن تصنع المسافة ي ه ي الفاعلة .ي ُ تضيف إىل ما تشاهد من أشياء اكتسبتها من خيات أخرى .أي عندما تتفاعل ذات الفنان مع الطبيعة، ً عندها يكون من ُ المجدي إذا االحتفاظ بخيط ما من ُ ُ ُ يصلنا بمحتواه ،الذي يحيلنا إىل عالمات الواقع ،الذي ِ ضامرة تؤسس لفعل الفهم0 الفنان لم ُيعد نمذجة الواقع بتقنية ُمسبقة أو ضمن معي يف اإلنتاج ،وإنما هو اقياح ُيسار الفكرة ،أي نمط ر َ ُ ه مضيف يستقبل الفكرة أو تضايف ربي إن التقنية ي وه نتاج متفرد يخضع لزمن المادة الخام والموضوع ،ي حاىل وهو اللعب الحر يف الخامات وتنوعها ،ما هو إال ي التشكيل .لهذا توصف فنون ما البرصي للجانب اء إثر ي ه ابتكار بعد الحداثة بأنها ال نمطية وال نسقية ،وإنما ي ٌّ آن وتفاعل مع المحيط بشقيه (المادي والفكري). ي وإنما يكون أثرها فاعال يف التأويل ،أي إنها تالمس أفكار ُ تلق بوصفه ُمنتجا آخر للنص بعد الفنان0 الم ي
ُ الن أثبتت صحتها بعد التحقق منها .أي إكساء الصور ي المعرف ذي المعن الواحد اإلطار حدود يتجاوز بوع ي ي ً والمفهوم الواحد ،وأيضا الشكل الواحد .فكل األشكال ه ال ُوالخطوط المقوسة والمستقيمة والعشوائية ي ه الحقيق للشكل تشبه الوجه ي اإلنسان ،وإنما ي ُ ي َمقاسات وتعبيات نصنفها نحن عل أساس أنها صورة ر تتغي باستمرار، ترمز إىل وجه إنسان ُ .إن صور الواقع ر ً ُ لكن الصورة ُ المنمذجة تصبح أيقونا ثابتا ،كما يف لوحة ُ شي إىل نمذجة شكلية الن ت ر بيكاسو (المرأة الباكية) ي ً مفاهيىم ،حيث فارق الفنان بعيدا ربي ذات بعد ي ُ تكعين الواقع والشكل الذي نمذج وفق نسق الشكل ي ي ً َ ُ ىم بذاته من التكرار مختلف يصبح بذلك أيقونا يحت ي عن النماذج الواقعية ُ ر المستنسخة مباشة من الواقع0 إن رغبة الفنان يف النمذجة كانت بدافع االختالف والتحرر من سطوة الواقع من خالل جعل الضاغط ً ً ا الفكري سببا ُمهيمنا وفاعي يف خلق تحويرات عل الشكل ،من ثم إعادة صياغته بطرق مبتكرة؛ هذا الفعل يؤكد قدرة اإلنسان عل إنتاج األشكال وتناسلها 76
قيس عيسى ،حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ُ لح عل الذاكرة ،رفييحه الفنان عن ثباته ويفيض له م اٍ ً ً بناء فكريا جديدا ،فهنا تأكيد لفعل اإلزاحة وأثرها يف تحريف المفاهيم الثابتة وخلق مفاهيم جديدة. ً يأن ُمرادفا لفعل المفهوم ُمبتكرها الفنان .أما ر التعبي ي فيمنح قوة وانفعاال وتأمال للنص0 اليوىم َح َّول الفنان الشكل من حقل االستهالك ي الثقاف ونمذجته داخل الوظيق إىل حقل االستهالك ي ي
الن ترتبط األشكال هنا تفقد خواصها وسماتها ي بمرجعيات برصية وإنما الشكل ُ المنمذج يحتوي عل ً ذاتيته الخاصة ومفهومه الخاص ،إذا عشوائية ِ ّ ه إق عشوائية ضب المدن األشكال ي وف أجزائها ما ي الن دمرتها الحروب0 ي ه نتاجات فكرية ،عندها تفقد النتاجات أغلب إن ي األشياء مرجعياتها التقنية ومرجعياتها الحسية وتخضع المعرف الجديد يف الحقل البرصي، الشياط وجودها ي كأن الخامة تولد من جديد ضمن أداءات الفنان ،وهذه من سمات فنون ما بعد الحداثة ،فالقماش ُ المحيق ُيفقد عالقته بمرجعيته المادية والنسيجية ويتحول إىل ُ مرجع يف ذاته ،تناط له مهمة الفكرة لخلق أشكال تعبيية عشوائية من القماش بعد حرقه وجعله طاقة ر حسية بعد أن كان بال حياة؛ هنا تكمن مهمة الفنان أن يجعل من المفاهيم آلية ذهنية ُت ُ نمذج األشكال والمواد ضمن رؤية تشكيلية0 َ حيث تجسدت هذه اإلحالة من خالل المفهوم ويعاد ُ نمذجة المواد بصياغات جديدة ،كأن هنا تمسك تعبي نيتشه يف بالمفهوم المعاض للتقنية .عل حد ر ُ العدمية (إن العدم ُي َو ِلد كائنا آخر يف مكان آخر) ،أي التقن إن فعل الفن المعاض اآلن َيفقد صلته بالمرجع ي والصوري لألشياء وينتج أشياء جديدة ال تتناسل كما ً ً ً ً يف الكائنات وإنما ُيبتكر لها كينا جديدا مغايرا تماما لما كانت عليه0 اليوىم والتحول من هنا تأكيد لقيم الشكل يف التداول ي ُ تشي بدل اللذة إىل مادته المستساغة إىل مادة تهكمية ر إحساس باأللم والمرارة أي أنك سيفض أن تتذوق هذا ،هنا إزاحة وتحول من الشكل إىل المفهوم وابتكار ليكيب يوازي فعل القول الرافض وفعل االحتجاج0 ً يستدع ذهنا يستجمع ربي هذا اليكيب للشكل ي وغي المألوف ،من ثم كش األلفة بينهما المألوف ر ُ ُ إلنتاج داللة مغايرة ال تمت بصلة بالشكل المستعار وإنما هو ذريعة لخلق نمذجة مفاهيمة0 استدعاء للمفاهيم القارة خلف األشياء والظواهر ُ استقت منها بنية شكلية معاضة. فاستدعاء الشكل ر أهميته المعاضة يف الذهن البشي كحضور يدل عل ِ
يكتق بذاته وينأى عن التكرار حقل الفن وهو حقل ي والثبات ،وأما بشأن التقنية فإن الفن المعاض ال ً يتناسل تقنيا كما يف ُمنتجات المصانع ،وإنما هو ظاهرة ُمنفردة تحوي يف داخلها بنيات ،أهم ما فيها االختالف ُ والتشط والمغايرة .الفنان يبحث يف المفاهيم ي والدالالت العميقة للموضوعات اإلنسانية؛ وإن ُ حضور الجسد قد يكون ُمنعدما أمام قضايا كيى ُ تشكل حضورها األهم كرأي عام ،فإن األشكال ُ المصاغة قد تكون ذات سمات ابتكارية تنحاز الشكل مرن ألن والمفهوم .فأصبح الجسد خارج الصورة ر غي ي اإلنسان نفسه هو الفاعل• 77
78
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
بنيونس عمريوش ،طالل معال ..الوجه سرية للذات واجلسد
األخية "انتش زمن الصمت" (صالة "تجليات" ،دمشق،)3043 ، يف معارضه ر "أرى الناس" (صالة "تجليات" ،ربيوت" ،)3043 ،عروس ومأدبة" (صالة "ألف تعبيية نون" ،دمشق ،)3034 ،دأب الفنان طالل معال عل توليف متوالية ر تصاعدية لمضاعفة توطيد عالقته العضوية بأرض سورية ،فاتحا مرآته الذاتية الن سكنها وسكنته ،إذ عاد إليها بعد زمن أمام جمهور الفن بمدينة دمشق ي َ ْ الجاهرة االستقرار والسلم ،ليهدم القطيعة ويعلن االستنكار عي نظرات هيئاته ِ والمآس والرماد ،وقد وىل الن تعكس صور الشعب اآلتية من عمق األهوال ي ي العرص المكتوم0 يف معرضه "انتش زمن الصمت" ،يسجل طالل معال منعطفا ملحوظا عل الن اتخذت لها نمطا ِبنائيا مستوى الشكل كما عل صعيد المضمون يف أعماله ي 79
بنيونس عمريوش ،طالل معال ..الوجه سرية للذات واجلسد
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
حكاية فحسب ،إنما يقدم هموم المواطن بطريقة تعبيية مختلفة ،سواء كان مثقفا أو مبدعا أو إنسانا ر التعبي"؛ مؤكدا عل أن ف أسلوبه فنان فلكل عاديا، ر ي ر سء، كل قبل فكرية حالة الخروج من الصمت ُيعد ي َ الفن المنحاز إىل البرص إيمانا منه بك ْون العمل ي واإلدراك البرصي يظل فعاال يف إبراز المواقف دون هوادة ،وعيه يتم الدخول المجازي إىل الكالم ،وهو َ َ وتنظيا) الذي ال ُيف ِّوت (ممارسة المبدع والباحث ر الن التحوالت واللحظات المجتمعية القوية والمؤثرة ي تستدع تكثيف الشعور لقول األشياء الراكدة يف قاعه ي الغارق.
لسيورة تعبيية حادة وصارخة ،مخالفة يتوج ر ر الن ظلت من جواهر مفاهيمه التشكيلية الصمت ي سابقي ،بالرغم من ديمومة عل امتداد عقدين ر اآلدىم وما يلحقه من أشكال اشتغاله عل الوجه ي ُّ ْ َ األن َسنة وتبدالتها ،كهاجس رئيس طبع سلسلة الن وصلت إىل معارضه الموسومة بعبارة "صمت" ي "صمت ( "40قاعة "تجليات" ،دمشق،)3044 ، َ َّ تمثيلية متوحشة، بحيث ت َ َّيم األسلوب ضمن صيغة َّ الت ْدليل َّ ْ والي رمي ،إذ صار الضوء كبي من ُمحاكية بقدر ر َ َ ينعكس من الخارج َلي ْحفر قساوة الق َسمات ،بعد أن كان ينقشع من الداخل (من داخل الوجوه البيضاء) معرض اليوم لطمس المالمح ،ومن ثمة يوضح" :إن ي الن يعيشها يرصد يوميات فنان يعيش الحالة نفسها ي باف كل سوري يوميا ،إن هذا المعرض يختلف عن ي معارض السابقة يف المعن والموقف فقط ،ألن ما ي يجري اآلن ال بد من موقف إزاءه ،فالصمت اآلن نوع من خيانة الوطن"؛ مضيفا أن المعرض "ال يروي
المواىل ،الموسوم بتوالد البورتريــهات يف المعرض ي الخيالية ،صا طالل معال عنوان "رأيت الناس"، عال ،ينبثق من كشعار يؤكد ضورة ر التفكي بصوت ٍ تخوم َ المعيش ر البشي الذي صار محكوما بانحطاط الحضارة اإلنسانية الحديثةَ ، المو َّج َهة بآلة الرصاعات
81
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
بنيونس عمريوش ،طالل معال ..الوجه سرية للذات واجلسد
وق َي ِمها والحروب تحت جيوت العولمة ِ االستهالكية المادية .وبالمناسبة جاء يف كلمة الغاليي أن الفنان طالل معال يعتي "من ربي أفضل ر ما يمثل عالقة اإليقاع البرصي وتوترات الحضارة المعاضة يف اللوحة ،وكل ما ينعكس عل أسلوب الفنان الذي يتفاعل مع القضايا اإلنسانية الراهنة، باعتبار اإلنسان مركز الحياة ،وباعتبار وعيه مركز التحوالت ،وما ربي الوجه والجسد ،تكمن هذه اليوىم الذي االنعكاسات الحادة لذلك القلق ي الن يسع معال لي رميها إال يعيشه ،وما لغات األفكار ي تكثيفا لتناقضات الذات من جهة ،وتطلعاتها للخالص من جهة أخرى" (طالل معال" ،رأيت الناس" (كاتالو ) ،رواق تجليات ،ربيوت ،من 03 إىل 24أكتوبر 0)3043 هكذا جاءت سحناته مسلوبة من حروفها الواقعية، َّ التكعين الموصول بالتبسيط ميالة إىل الن ْي ي والمبالغة أحيانا ،بوضعيات جسدية متحركة بقدر َ كن ْب َتة َّ الص ّبار عل األرض ،يف داللة ثقلها وتباثها رمزية عل التشبث بالحياة والعيش .لعل هذه الوجوه ،كما قرأها الناقد الفن إبراهيم َ الح ْي َسن يف ي ه "وجوه تسكنها المالمح من نصه التقديىم ،ي ي الداخل ،وترى بعيون مغمضة ،بجغرافية برصية ه ليست أقنعة للتعبي أخرى خاضعة ر النفىس ،ي ي َّ َ لتعيي فرد/ ُم َحنطة َلم ْون ،أو أيقونات أنجزت ر جماعة ما ،إنها لوحات ملونة تقدم طوبوغرافيا جمالية للوجه بعيدا عن المديح والمغاالة والوصف تصي مرئية ُ الم َح َّيا استغوارا المجان" .من ثمة، ر ي اإلنسان الذي أضخ هنا موسوما بمادية للكائن ي ترابية ،تتماه وتتساىم مع طبيعة البيئة ومؤثراتها السيكولوجية إىل أن تصبح شفافة َ وم ْعدنية ،كأن بسية اإلنسان وتوقه لصالبة روحية األمر يتعلق ر ُ ُ َ ْ َ تغيات الحياة الممسوسة بصور الحطام تجاه ر والضياع0 يف "عروس ومأدبة" ،يتواطأ الزوجان عل حدود ْ َّ بياض َّ الط ْرحة بنظرات ميوعة من َعقد الدم؛ هكذا الن تؤرخ َلو ْج ِه ِهما يبدوان يف الـ "صورة" التذكارية ي 80
بنيونس عمريوش ،طالل معال ..الوجه سرية للذات واجلسد
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ُ َ ِّ الجاف ريي داخل إنارة تكثف أجواء التكلس وتكشف ِ ُ التباس الرغبة ،بينما نفس المناخيات تعري سؤال ُْ َ َ المف َرغة ،وإن المآل لدى كل العرائس ذات العيون َ ك ُي ِّ ْان َب َع َث ُ البؤبؤ أحياناِ ،فل ْ عزز النظرات المتطلعة ي والم ْف َ َ جوعة يف آن .ذلك أن قوة الصور وما تقدمه من صور العرائس ،يقول طالل معال "ليست إال جوابا وه لنفسها تمض إىل مقاومة الموت بالوالدة ي ي ُ َّ وبدخول شعائر جسدية مجللة بالخوف والرهبة والعزلة والقلق إىل جانب اللذة ...إنه ولوج فرا المستقبل الذي يحيل الشعور بالوجود إىل شعور بالفناء ،تدفع إىل ذلك صدمات الواقع وعنفه وتحوله، التعبي عنه ف ر عشات وهذا بالضبط ما أحاول ي ر ُ َ ى الن رسمتها للعرائس المجلالت بالخوف، اللوحات ي ليس من حضورهن يف الزمان والمكان ،وإنما من الكون ه صوري، والمعرف الذي المادي ر ي ينتمي إليه ...هذه ي صورن ،إنه نوع من التحرر من حقائق مخيفة بل هذه ي ُ ومعايي النظر إليه خارج ت َح ِّرر الكائن من ذاكرته ووعيه ر مشيا يف السياق إىل أن تجربة الرسام المرآة"؛ ر فرنسيس بيكون انصبت حول العذابات المأساوية،
َ وقد حمل الوجه ما ال ُيحتمل ،بينما أق َّر بأنه كان يود تصوير االبتسامة ،إال أنه لم ُي َص ِّور إال الرصخة0 نحن بإزاء مشهدية تفاعلية بامتياز ،حيث يقوم المتلق التأويل الذي ينسجه التعبي التواصل عل ر ي ي لمعان التحويل بقراءاته واستفهاماته واستكماالته ي ُ َ َْ َّ َ والتشويه والبي؛ استكناه دالالت األجساد المكومة، ْ َ ُ المفصولة عن أعضائهاَ ، الم ْمسوحة األذرع واأليادي، َّ ْ ُ بأكتاف َم ْض َ مومة عل َ في ،كأنها تعيد أهبة التك ر تشخيص طقوس االفتداء يف األعراف الثقافية السورية الضاربة يف التاري ــخ .ومن ثمة ،تتشكل الوجوه َُْ ِّ والجباه المفل َط َحة ذات الشفاه المقلوبة واألنوف ِ ُ الم ْض َ غوطةْ ، َ ناج الحال ومستقبل بأع ُري سقيمة ت ي َ ُْ الن تشد إليها أنظار المشاهد الحال ،األع ري ذاتها ي وتقيم له شعائر اإلبصار ،عل اعتبار "اإلبصار هو مادة ُ بالشخض إىل حال ماء نرسيس ،وتدفع الن ت ي التعريف ي ي معايي ال يكون فيها الوجه هو ذاته يف فضاءات ر االستعراض المتنوعة ،لدرجة لم نعد نتعرف فيها عل أنفسنا لنكون شواهد عل عرصنا بأقل التقديرات"؛ 82
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
بنيونس عمريوش ،طالل معال ..الوجه سرية للذات واجلسد
. المتحل َلة َ والمنيعة يف واألشباح والشخوص ،واألجساد َّ ْ الن استبدلت طراوة نفس الوقت، وكذا السحنات ي َ َْ لحمها بوجوه صلدة ،منحوتة بأزاميل القلق والريبة َ ْ َ تحال صالبة وصخرية صاص َّية واألمل، لتمىس ر ِ ي ي التماثيل واألقنعة دون أن تفقد نداوة آدميتها األصلية، يأن فعل النحت هنا عبارة عن استقصاء بحيث ي لهندسة روحية من خالل سلطة التخطيط بالدرجة ُ األوىل الرسم ،Dessinوما يليه من د ْ َربة تصويرية َُ َْ عسية عل إيقاعات وجدانية تد ْو ِزن نغمية ْلو ِن َّية ر منسجمة مع أجواء رمادية ،بما تفرزه من تالعب ّ باألبعاد والمستويات ( )Plansومن تضادات موزونة ْ فض ،أخرص برونزي) (أزرق ،أوكر تر ي ان وفاتح ،رمادي ي تتوق إىل أنوار األفق يف الـ "هنا" والـ "هناك" .وبذلك، الح َرِف َّية وموادها بمزاج ييجم طالل معال المهارة ِ َ ْ منفتح ،ليجعل من قماشاته أسنادا الستيعاب الحفر
كما يرى طالل معال ،مضيفا أن "هذه الشهادة قد تشكل سعادة وقد تجيب عن مثل هذه السعادة عل الممية للثقافة البرصية اكتشاف معن الفردانية ر المعاضة ،وقد تكون السعادة يف استقرار الروح يف ى عالم تتشط فيه هذه الروح وتفسد الرؤية ...إنها األنا َُ َ َ . الن يخيق وجودها غياب المعن وفقدان المتشظية ي التعبي عنه ،وبــهذه الجوهر ووهم الوجود والقدرة عل ر تحىم لوحان إىل أقفاص افياضية ال الصورة تستحيل ي ي من التعرية وإنما تيز اإلرهاق وفقدان متعة التوازن يف الحياة"0 َ ُ َ َّ ف َ الملغ َزة انعكاسا الم ْح ُصلة ،تظل هذه المشهدية ي ُ ِّ تعبيية-تحريضية ،تلخص صور الذاكرة العربية ة لسي ر ر برمتها ،تستكشف فصول رواية الشعب واألرض ،فيما تعمل عل َت ْثوير المرن ُ المفعم بصور الرجال والنساء، ي
83
بنيونس عمريوش ،طالل معال ..الوجه سرية للذات واجلسد
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
والتلوين والنحت (نحت الشخوص عل مساحة الح ّ س المعاض دون مبسوطة) ،يف عملية إثبات ِ الحاجة إىل استبدال السطح التصويري .فعل هذا الن األساس ،نشأت هذه المشهدية الدرامية ي َتو َّسطها الفنان بوجه مكشوف ،عن ْ سبق إضار َ وت ُّ رصد ،بوصفه شاهدا وفاعال من الداخل ،من داخل رقعة الناس ومصائرهم؛ "كلما اقيبت من اإلنسان مشاكل اإلنسان وقضاياه اقيبت من الوجه ي َ ُ أكي" ،يرصح طالل معال ،وقد "آن األوان ِليسمع صوته بكل األلوان واألشكالُ ،مبدعا أسطورة جديدة لقيامة سوريا ،قالبا المقاييس التقليدية للحواس، بتعبي يارا للعي هذه المرة أن تسمع الصوت"، ر تاركا ر معال.
هكذا ،صنع الفنان ُطقوسية آدمية بلغة تشكيلية َ خاصة ،عمل من خاللها عل ت ْرسيم جسور رمزية ربي حمولته الثقافية ونوازعه العفوية ،انطالقا من َ َ َّ معرفة فكرية عميقة بالجسد الذي تفي يف تجريده من خرافاته وخباياه بإعادة تشييده عي تراكيب َ التعبيية يف بسيطة يف الظاهر ،بينما ش َحن ُبؤرها ر الباطن ،وعيها ْأس َه َب يف استنطاق دواخله .بل َ الن باتت ُم َه ْي ِمنة يف متوالية أعماله، حن الوجوه ي العي هو تظل صورا وامتدادا للجسد والذات؛ بريق ر َ ْ َ رهي بذوبان الوجه ما يحفظ حياة الجسد ،وفناؤه ر وتعبي الوجه يف حد ذاته ،هو ما ُيحدد وغيابه، ر مدى عنفوان الجسد الذي وضع له طالل معال أكيَ ْ َ من عنوان يف قالب إنسانوي ( ،)Humanisteمن َّ ْ َ َ َّ ألحقها بمختلف أنماط الت ْحوير الن خالل الطلعات ي والتحويل واالنمساخ ( ،)Métamorphoseليدفع الم َت َ بها إىل ما وراء واقعها الجماىل ُ عارف عليه ،يف ضارية موازيةُ ،مستفزةَّ ي َّ اتجاه توليف جمالية ِ ٍ تستدع الن بالمعان ومأساويةُ ،مثقلة ِ ي ي واإلشا َرات ي َُْ َ الوقوف من جديد ،وبرؤية مبتكرة ،عند مفاهيم وغيها ،ضمن الحرية والهوية واالنتماء والتضحية ر وضع وجودي مأزوم ،مفعم بعديد من األسئلة والمواقف والتحديات الراهنة• 84
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
فدوى القاسم ،األنا املعذبة وطقوس اخلالص ..رؤى مغايرة
أردت أن أكون أغنية ،لكن األغنية أرادت أن تكون نهر القمر ،حيث يصطاد الرجال الشهوة والجنس0 ً أردت أن أكون قمرا ،لكن القمر أراد أن يكون ً ميرا ،يرتديه الرجال ،يك يعيشوا ليلة أخرى من أكاذيب أجدادهم الطويلة0 أردت أن أكون رزينة ،لكن الرزانة كانت تخلع جلدها ،كمير ،للمرة المئة ،عل ضفاف النهر، ا أجياق يتظاهرن بأنهن أغنية0 تقض النساء حيث ي 85
فدوى القاسم ،األنا املعذبة وطقوس اخلالص ..رؤى مغايرة
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
ً ال أحد منا كان هناك .ال أحد .كنا جميعا قد متنا منذ زمن بعيد ...يوم أصبحت حياتنا أكي من أن تسعها أيامنا ً مشغولي يف نحت حياتنا ،نحاول حشو شديدة الضيق .ال أحد منا كان هناك .ال أحد .كنا جميعا يف المطبخ ،وكنا ر صغي عل ركبة عارية ،كنا نتفرج عل الدم يياقص عل سطح الجلد ،كنا نتأمل كيف أن صيف طويل داخل جرح ر طويلي وذاكرة سيئة .ال أحد منا كان هناك .ال أحد .الجميع ...هناك .عل ذاك المنحدر ،حيث ساقي لقصصنا ر ر تحول دخان حياتنا األزرق إىل لغة يتحاورون فيها عل أرض الواقع .ال أحد .ال أحد .الجميع ..هناك ..كنا ندفع عنا النوم بيأس ،يأس يفتقد النجوم ،وذر َ ْ المتشابكي .لم يكن أحد منا هناك .هناك ..حيث المياه اع أمنا الرخوين ر ي يتالس كل ر ر سء .لكننا ..جميعنا ..هناك اآلن0 تجدل ضفائر من ألم ،دافئة ..باردة. حيث هناك ي 86
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
فدوى القاسم ،األنا املعذبة وطقوس اخلالص ..رؤى مغايرة
معصىم0 بالحني الذي يسيل من الن تتلطخ ال أدري إىل من ر يمكنن الصمود أمام جدر ي ي ان ي ي
87
فدوى القاسم ،األنا املعذبة وطقوس اخلالص ..رؤى مغايرة
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
عشة ر تحت المدينة أنام ،ر داخل وأتشب داخلها ،وداخل اليبة أسمع صوت وعشين ألف سنة .تتشب اليبة إىل ي داخل0 تبك الحمم الحمراء والحمم الذهبية ،وتتشب إىل عظام األطفال ،ثقيلة ،ثقيلة ي بداخل ،داخل اليبة ،ي ي 88
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
فدوى القاسم ،األنا املعذبة وطقوس اخلالص ..رؤى مغايرة
لزهرة الليمون تاري ــخ بحركة خاطفةّ ، ستأن مذ عادت الخناجر تعرت أمامه .لم يكن للخجل مكان .كانت تدرك أن مثل هذه اللحظات ي ً ا ُ ال ر عنف حركتها جعل خجي مؤلما يجتاحه هو ،ويدفعه لالنقضاض عليها بوحشية أكي0 تخىس نصل السلطة. لم تي .لم ترصخ .لم تستنجد .لم تطلب رحمة .لم تستعطف0 ّ التفت عروق صمتها حول عنقه .اندلق ّ كدخان رفيع، تمردها كورق ورد داخل حنجرته .شعر بأنه ينساب من رأسه ٍ ً َ ً ويياكم يف زاوية ما يف سقف الغرفة .وجد نفسه مر ِاقبا ومراقبا .شاهد جسده القوي ،يهي ،يتأرجح ،ووركه تتحرك ر وتيته تتباطأ ،لكن إضاره بإضار ،بعبيية ماكينة حفر مهيئة ،تهزأ منها صالبة األرض ورمالها الناعمة .قواه تتالس ،ر ى يستمر .شاهد ذراعيه تنفصالن عن جسده .تقعان .تتقلص معدته .ساقاه تتبخران .رأسه يتدحرج عن عنقه ،إىل حيث تحملق عيناه يف انقباض صدره ،الذي ما لبث أن لفظ قلبه0 صغية ،خفيـفـة ،مـتـتـالـيـة ،تـتـفـادى فـيـهـا سـوائـل لـزجـة سـوداء شاهدها تخرج من تحت أشالئه .تقف .تقفز بوثبات ر ً ً ر سء ،رمادا أبيض• انهمرت منه ،لتلتحف بعريــها ،فيعصف رحيلها بالمكان ،تاركا وراءه عطر زهر الليمون ،وكل ي
89
91
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
مسرية أمزغار -واسيين األعرج ،منايف
هو مشروع فين قيد اإلجناز بني الفنانة التشكيلية املغربية مسرية أمزغار والكاتب والروائي اجلزائري واسيين األعرج ،اقترحا له اسم "منايف" بالعربية و EXILES EXILSبالفرنسية واإلجنليزية؛ ننشر ثالثة مقاطع منه مع ثالثة رسومات ،باتفاق مع الفنانة والكاتب...
الن نقف عليها ،وليـسـت أيضـا ظـلـمـة األرض الرجراجة ي ه أيضــا مــا نص ـن ـعــه الــذات الـ يـن نــرىم داخ ـل ـهــا ،ول ـكــن ي بأحالمنا. ال ـفــن يصــال ـح ـن ــا مــع ال ـل ــون وال ـل ـغــة وحــدي ــث ال ـق ـل ــب المفتوح".
"من قال إن الفن استنفذ كل طاقاته؟ الـفـن يـجـعـل مـن ال ـعــدم ش ـي ـئــا م ـل ـمــوســا ،ومــن ال ـم ـس ـت ـح ـيــل م ـم ـك ـنــا ،مــن ـاف بـيـتـا عـل الكراهية حبا ،ومن الوجوه ألفة ،ومـن الـمـن ي حافة الشوق. ـاف لـيـســت الــيبــة الـ يـن شقــت مـنــا فـقــط ،ولـيـســت الـمـنـ ي 90
مسرية أمزغار -واسيين األعرج ،منايف
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
َ ـون أبـدا بـعـيـدا .عـل مـرىم قـبـلـة الـعـاشـق مع أنك لم تـك ي ر ر الىسـء أس إال سء يف ر ي كنت .ال ّ َي أسئلتك الخجولـة :مـا ي َ الذي تمنيت أن تفعله وعجزت عنه؟ لم أفكر كث رـيا :مـا يـحـزنـن أن ضـيـع ُ ـت وقـتـا كـب رـيا يف الـبـحـث عـنـك ،ويـوم َ ُ ي ي ُ ـاف. عيت عليك أصـبـت بـلـعـنـة الصـمـت فشـقـت يـن الـمـن ي أغ ـم ـضــت ع ـيـ يـن لـ يـك ال أرى إال م ـل ـم ـحــك ال ـغــائــب .لــم أعــرف كـيــف أضخ يف نــداء الـقـلــب :مصــاب بــك حــن الـمــوت .ال أريــد لـقــوس ال ـع ـبــور أن يص ـبــح قــدرا .أقــاوم ـخ ال ـظ ـل ـمــة بــال ـحــب ألتــوقــف يــومــا يف م ـراس ـيــك .اف ـتـ ي ـىس ـ ف ـيــك .ال ي ـه ـمـ يـن ذراع ـيــك ف ـقــط ودع ـيـ يـن ألـ يـق ب ـن ـفـ ي أصابتن شهقة الحياة األوىل أو رعشة الموت بعدها إن ي الصغي ،أو لعنة الحياة. ر
ُ عيت العالم بال مستقر .مـن خـوف لـمـنـق ،ومـن مـنـق ُ لخوف .من قصة لحكاية ومن حكاية لعدم .عـلـوت مـع الغيم قليال ألرى عالـمـا أشـتـهـيـه ،وأسـكـن االسـتـحـاالت، ـاف ،ث ــم ون ـزل ــت م ــع أوراق ال ـخ ــري ــف ألع ــرف ش ال ـم ـنـ ي أغرقتن يف مداها البعيد .هل طـائـر صعدت نحو سماء ي ر عىسـ المهاجر أنا أم فراشة النـدى؟ مـاذا فـعـلـت ألخشـ ي شكلن ،وأسكن خوف الغياب؟ ان الذي أىم وتر ي ي وصدر ُ ي أىم مــن بــرد الش ـت ــاء عــانــدت الس ـن ــونــوة الـ يـن ح ـم ـت ـ ُه ــا ي فــأسـكـنـتـهــا يف صــدرهــا ،وتــوغـلــت يف الــري ـ ــح الـعــاصـفــة، وصفي السفن الهادرة والقطارات الهـاربـة ،فـقـط ألصـل ر إلـيـك أشـم فـيــك رائـحـة عـود الـقــرنـفــل وعـطـر الـجــدات.
92
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
مسرية أمزغار -واسيين األعرج ،منايف
3 ك ـنــت ت ـك ـل ـم ـهــا ف ـج ـرا وق ـبــل أن ت ـنــام؟ م ـن ـح ـتــك ســاللــم السـمـاء وزهــو الـرحـيــل ،وحـيـنـمـا وصـلـت حـافــة السـمــاء، وشـمـمــت عـطــر الـنـجــوم ،انـفـتـحــت أبــوابـهــا يف وجـهــك، تراجعت قليال وغابت مع شب الـطـيـور .تـركـت وحـيـدا والحية ،ولم تـعـرف يف أي طـريـق تس رـي رفيقك السؤال ر وال منتش مداك؟ وقتها أيقظت قلبك ومشـيـتـمـا قـلـيـال. عندما توقفت أدركت معالم الطريقَ . قلت له :آن أوان ـاف يف ال ـف ـراق .هــذا مس ـلـ يـك ن ـحــو الّـغ ـيــبَ ،ســدرة ال ـم ـنـ ي منتش السماء .وعـنـدمـا الـتـفـت ،وجـدت نـفـسـك مـعـلـقـا يف الـفـرا ،ال هللا قــريــب وال السـمــاء صــديـقــة .حــاولــت الــرجــوع ل ـكــن خ ـطــواتــك كــانــت قــد س ـبـقـتــك نـحــو جـنــة
لست نبيا ر ألمىس عل الماء ،لك يـن مشـيـت .مـن قـال إن ي الـمـنــق رقــص عــل ال ـمــاء وسـ رـي يف درب الـم ـسـت ـحـيــل؟ ح ـف ـنــة مــن فــرح وخــوف ب ـعـ َـيت ـهــا األقــدار بش ـهــوة .كــل ـاف تـعــرفـك .وتـعـرفـك غـفـوة الـمـبـهـم والـمـسـتـحـيــل. الـمـنـ ي ـاف ال ـق ـلــب ت ـتــذكــرك ح ـي ـن ـمــا ه ـجــرتــك الــوجــوه الـ يـن ـ م ـنـ ي ـاف وغــابــت يف تـيــه مـنـحـتــك بـعــض حـيــاة ثــم أخــذت الـبـ ي الدنيا .امرأة من ظل الخوف ،كلما مددت يدك نحـوهـا، نـزلــت عـلـيـهــا السـيــوف والسـكــاكـ رـي والـكــالم الـعـتـيــق .أي ـاف الــروح مـنــق يـحـفــر اآلن قـلـبــك ويـلــونــه بــالــرمــاد؟ مـنـ ي حينما غيبت خوفك فيك لتستقيـم مشـيـة الـطـيـور ال يـنـ 93
مسرية أمزغار -واسيين األعرج ،منايف
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
ـاف تسـي جـرحـك؟ وأي جـرح يشـفـيـه الجحـيـم .أي الـمـن ي الفرح المستحيل؟ أال تـتـذكـر كـم مـرة سـلـلـت قـلـبـك مـن صــدرك ورم ـي ـتــه ع ـنــد قــدم ـيــك وضخــت يف دمــه :مــاذا تــريــد مـ يـن؟ أرجــوك ع ـل ـمـ يـن ك ـيــف أنىس ـ مــا ال ي ـن ـىســ، ألغي بالموت اإلنسـان؟ صـمـت وامنحن قوة الشيطان ر ي الـقـلــب ومــات ،لـكـنــك يف خـفــاء الــوحــدة جــاءك صــوت ـاف ن ـع ـمــة ،وال ح ـك ـمــة ،وال يش ـبــه وج ـهــه :ل ـي ـســت ال ـم ـنـ ي ـان ل ـل ـمــوت يف ـاف س ـلــم مــن ف ـيــض ال ـم ـعـ ي غ ـي ـمــة .ال ـم ـنـ ي سـ ـكـ ـيـ ـن ــة .أت ــري ــد أن تـ ـع ــرف كـ ـي ــف أن الـ ـمـ ـن ــق فـ ـن ــاء بالتقسيط؟ انظر ألفع الزمن الـذي تـلـف خرصـك؟ كـل َ ص ـبــاح تس ـت ـي ـقــظ مــذعــورا أنــك ف ـقــدت ش ـي ـئــا م ـنــك ال تعرفه ،لكنك بعد سنوات ترى فجأة بـقـايـا الـحـطـام هـو كل ما هرب منك .كيف يفرح قلب بمنفاه وهو لم يبلغ ـاف ال ـم ـعــابــر ومــا أ كـ َـيهــا .أي طــريــق تس ـلــك مــداه؟ م ـنـ ي عـنــدمــا تــزل ظـلـمــة األقــدار الـقـلـقــة عــل كـفـيــك وتـطــرد
العصافي مـنـهـمـا وعـنـدمـا تـنـسـحـب تـبـق بـومـا تـنـعـق يف ر ـاف تـرفـعـك نـحـو الـغـيـم، خراب الـقـلـب والـروح .أي الـمـن ي ـاف وتـمـنـحــك مــا تشـتـهـيــه مــن نـجــوم الـظــالم؟ أي الـمـنـ ي ـاف ال يـن تـمـنـحـك مــوتـا طـريــا كـالـيق .أم أجـدر بـك؟ الـمـن ي الن تعطل جسدك وتحوله إىل صخرة توضع عل تلك ي شــاط م ـه ـجــور ،وعــل حــواف ال ـخ ـراب وت ـن ـشــد عــل مسمعك ،كـل مسـاء ،أنـاشـيـد الـمـوت والـغـربـان ،ال أنـت ـاق هـنــا ،وال انــت ذاهــب هـنــاك .فـلــن يـمـهـلــك الـمـنــق بـ ٍ حن حق االختيار .أي فـرح يـلـيـق بـك ،فـرح نـار تـدفـئـك ثم تتسل بحرقـك ،أم فـرح الـثـلـج إذ يـنـهـيـك قـطـعـة مـن جـلـيــد تشـبـه الـرخـام؟ ربـمــا ال هـذا وال ذاك ،أنــت تـحـلــم الن كلمـا غـازلـت غـوايـتـهـا ،خـانـك عـطـرهـا، بفرح الزهرة ي َ ر سء ســوى غصـنـهــا الـمــرتـعــش يف تـبـعــيت أوراقـهــا وال ي ك ـف ـيــك .هــو ال ـم ـنــق الــذي ال اســم لــه ســوى ال ـمــوت القليل.
94
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
مسرية أمزغار -واسيين األعرج ،منايف
95
مسرية أمزغار -واسيين األعرج ،منايف
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
2 وقيامة شبيهة بنا وجـنـة نصـنـعـهـا كـل يـوم .هـنـاك حـيـث ر ـالسء ر والىس ــء الـ ـخ ـ يـق والـ ـمـ ـتـ ـخ ـ يـق .كـ ـلـ ـم ــا وج ــدت ال ـ ي ي مسحوق الوقت يف يدي ،مررت عل جـنـتـهـم ،ولـوحـت أمض بال أسـئـلـة وال خـوف وال انـتـظـار .حـن لـو لهم ثم ي كانت بـنـقـاء الـثـلـج وشـدو الـعـصـاف رـي ،لـن أدخـل جـنـتـهـم لكيال أطرد منها ثانية بعد حماقة ،بعد ساعات ،أو بـعـد حي. ر َ يــوم خــرج ـنــا أنــا وأنــت مــن رحــم الــزرع وبــذرة ال ـخ ـلــق ّ اثني واآلن أصبحا ليس كمـا ظـنـنـا، األوىل ،كنا واحدا يف ر ـادون نـحـو مـنـأى وحيدين يف اثـن رـي ّ .يف الـوالدة األوىل ق ي بعيد ونسوا أننا كنا فينا مـجـتـمـع رـي .أبـحـث عـنـك خـارج المناف. المجرات واألكوان وظلمة يقين أنـك يف ال ُـهـنـا، ي ي وربما ف ُ الهناك ،أو يف كليهما معا كشهوة المستحيل .ال ي ر أس اآلن إال الــريــاح الـ يـن رمـتـنــا بـعـيــدا نـحــو سء يـمــأل ر ي ي مــدى ال ـم ـســافــات ،وتــرم ـيـ يـن اآلن عــل ب ـعــد ن ـفــس مــن قلبك ومـنـك .تـم ّـر مشـعـا ،غـاضـبـا ،شـهـيـا ،كـمـا الـنـجـمـة الضائعة يف المدار. ـاىم الـفـرح والـحـن رـي؟ ألـم لماذا تـفـعـل ين هـذا يف عـز تس ي عين كما أكن جديرة بك يوم أنجبتك من ر أني؟ أغمض ي يف ط ـفــولـ يـن ،وأف ـتــح أصــابـ يـع ح ـيــث أراك بـ رـي ال ـف ـجــوة والـفـجــوة ،وال أحـد غ رـيي يـراك .ر أمىسـ مـقـتـفـيـة خـطــاك ي الـهــاربــة ،دلـيـ يـل األوحــد والــوح ـيــد ،قـل ـبــك الــذي غ ـيـب ـتــه ظـلـمــة الــرحـيــل ،وعـطــر الـعــاشـقــة الــذي ال تـخـطـئــه ولــو كـنـ َ ـت يف ع ـمــق جـنــة أو عـبــق حــديـقــة هللا والـمــالئـكــة. يريدن من يطلب الحياة حن ال يختنق يف أريدك مثلما ي مـنـتـصــف الـطــريــق .بـعـطــر الـعــاشـقــة نـحـيــا ،وفـيــه نـبـ يـن الـمـسـتـحـيــل .فـيــه نـنـ رـىسـ سـمــاء جــديــدة وأرضــا بــاتســاع كـفـ رـي ،تصـنـعــان حـبــا كــل يــوم ،وزرعــا يـنـجــب زرعــا ثــم ْ اثني يف واحد ،ال أحد بـعـدهـمـا ينجب زرعا، فعاشقي .ر ر ّ سوى غيب له ش فيـنـا وال نـعـرفـه .هـبـل يـأتـي يـن اآلن يف غفوة العمر وغفلة الحياة .كم أكون سعيدة يـا هـب يـل لـو اسـتـطـعـت أن أنـام فـقـط ألنسـاك قـلـيـال وأتـرك يـن أنـام يف الياسمي• شير العاشقة وعطر ر
ـش .كـم حـلـمـت ـاف ال تـنـت ي هذا الطريق طويل وهـذه الـمـن ي باختصار الوقت ألعود وأجدك كما تـركـتـك يف آخـر مـرة وتمض بنا نحو المجهول .أتساءل حبين تنتعلنا لمناف ي ي ي ك ـي ــف ك ــان ي ـف ـك ــر ذل ــك ال ــذي ع ــي ال ــودي ــان والش ــوك ودروب الـخــوف وحــدود الـمــوت مــن أجــل حـفـنــة فــرح وكوب حرية فقط ليصل إىل هنا حيث موت التقـسـيـط الن وصفها لك السابـقـون؟ حـيـث أه ي المناف ي بانتهاره .ي ر ويختق كنجمة تحت كـتـل سء مؤقتا يظهر يصبح كل ي ي الـغـيـم قـبـل أن يـت ر ـالس .كـل الـمـنـاف الـن تـكـلـمـك ّ شا يف ي ي شـقــك يف ك ــل ث ــان ـيــة ن ـح ــو م ــداف ـن ــك ـان ،كــاذب ــة .ت ـ غ ـي ـ ي قلن ،كيـف يـمـكـن أن يـحـدث هـذا العتيقة .أضخ ملء ي خوف بـحـثـا عـن وننتش زبدا او غبارا؟ أتمادى يف لحظة ي ي ر سء مـلـمـســك الـبـعـيــد فــال أنــت هـنــا وال أنــا هـنــاك؟ ال ي سوى انتظار يـلـيـه انـتـظـار ،ومـنـق يسـحـب وراءه مـنـق. ّ ـون أدرك س ـل ـفــا يف ش ـطــط الـ يـع وت ـيــه األس ـفــار ،أن صـ ي سـيـمـكـث هـنـا حـيـث هــو اآلن .حـيـث ال أحـد .لـن يصــل كما تعودت رياح القلب أن تسـحـبـه مـن ظـلـمـة األقـدار، وتلق به يف عرض الحياة. ي أقاض الجنون ،أن أط رـي مـثـال نـحـو ف العاشقة رغبة ين ي ي رصـه ال ـتــوت سـمــاء أخــرى ،زرق ـتـهــا مــن ورق ال ـبـحــر وخ ـ وبياض خيط الحرير ،ودهشة المسافات. ـاف الـ يـن ين شــوق ال أرض لــه وال ح ـنـ رـي إال م ـرارة ال ـم ـنـ ي عي. تستفزن بنصف ر ي َ ر سء ألنــأى عـنــك قـلـيــال، أريــد عــاصـفــة تشـبـهـ يـن يف كــل ي ـرىم يف تــربــة األجــداد ،أريــد غـيـمــا أو لـتـقـتـلـعـ يـن نـهــائـيــا وتـ ي بـعـضــا مــن نـعــومـتــه ،خــالـيــا مــن الــريــاح والـمـطــر وهـزات ـش س ـم ــاء يىل ال رشي ــك يىل ف ـي ـه ــا غ ـ رـيك، الــرع ــود .أش ـتـ ي الكبي وتحفظه ،ال سـمـاء وحدها تعرفن ،وتعرف شي ر ي ر بـال شـمـس كـاذبـة وال بشـ يـنـتـظـرون بــرزخـا يـأتـيـهـم عــل ـاج ال ـيـقـ رـي ،يف عــز ج ـحـيــم ي ـقـيــم يف خــوفـهــم م ـنــذ جـنـ ي الوالدة .هناك حيث أنا وحدي ،يف رشفات المستحـيـل، بذرن الفريدة .تـنـشـق لـتـنـبـتـنـا مـعـا يف جسـد واحـد أزرع ي 96
ضيفة العدد
97
98
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
ى توظف الكتابة عن األداء "مهارة" ّ ٌ ر تمرين ه نوع ما من ة لغوي للبحث فيما تالس ،ي ٍ ُ عل َتدوين أثر ّ تجسد للحظات ،ثم انمخ أصله ونسخته ،فكما ال اكتمال يف ٍ اكتمال ف أثره ،ال توجد ّ ّ . سينيك بحث ه عنه الكتابة حي ة نهاي األداء ،وال ر ي ي ي ً ّ ٌ مثي للشفقة يف أرشيف ال متجانس عن حضور مؤقت لن يتكرر وال وأحيانا ر ُيستنسخُ ،يمخ كلما ازدادت الكتابة عنه. إتي يف ولدت فنانة األداء رمياي سوزان فرانست بورت عام 4237يف سانت ر بالتالس عام 4293بعد صورة فوتوغر ّ ر افية توثق والدة القديسة فرنسا ،وبدأت ي الن أصبح لها شكل جسدي جديد ،واسم الن بدأت تأخذ مكان رمياي ،ي أورالن ،ي 99
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
ّ ّ الرومانسية ودليل االستمناء. المثالية ،العشيقة
ّ جديد ،وبعد عدة عمليات جر ّ وتجميلية ،اختفت احية الن نعرف اسمها وشكلها ومكان والدتها ورقم رمياي ي ً ّ ّ االجتماع ،وتقمصتها القديسة أورالن كليا، ضمانها ي طي ،ولن تبعث من تراب. الن لم تولد من ر تلك ي
تحيلنا الكتابة عن القديسة أورالن إىل تاري ــخ ال ّ البيولوج واسمها شخض ،ال يتطابق مع عمرها ي ي المرتبط به ،فالزمن ُيقاس بمقدار تجسيدها للتاري ــخ ّ الفن الن تحملها ،فالبعض ي ي والثقاف ّ ،وتعدد العالمات ي لنص لـ جون بول يرى أنها «قديسة » يف استعادة ٍ سارتر ،أطلق فيه لقب القديس عل جون جونيه، ّ المشج، الذي تقمصه دور اللص ،والثائر ،والكاتب ً ي ومحارب الغوريال؛ والبعض اآلخر يرى فيها كيانا ضد ّ ّ ينق الشهادة ويتهكم من العفة القدسية، مفهوم ي ّ ّ والطهرانية المسيحية .ال يمكن التحديد بدقة ،فتاري ــخ ً القديسة أورالن كمالمحهاّ ، متغي دوما ،ال توجد لحظة ر بداية أو ّ نهاية له. ً تمتلك أورالن مكان حاجبيها حاليا ونيتي رقاقتي إلكي ر ر تيجمان لها كل لغات العالم ،لكنها لم تجد لهما البطاريات المناسبة ،وكأنها سايبور يتجاوز إدراكه
ّ السياس استعمرت القديسة أورالن جسد رمياي ي ّ ُ ّ صنف عل أنه َ أنن ،متجاوزة حدوده والثقاف الم ي ً وجلده ،داخله وخارجه ،لتحرص بيننا ال بوصفها ذكرا ّ َ الفن ه انعكاس للياث ي وال أنن ،ال جميلة وال قبيحة ،ي ّ األورون الذي تستحرصه عي "لحمها“ ،بوصفه ي ّ ّ السياس. الجماىل والرصاع مساحة للجهد ي ي الكبية ،أيقونة اسمها الجديد ( )ORLANذو األحرف ً ر غي مكتملةٌ ، رسم ال إطار له ،يتكون دائما ،كما جسدها ر ً ّ ه الذي ر تغي شكله علنيا ،فال صورة لها تشبهها ّ ،ي ّ ّ ّ ّ المسيخ ،الذي تبنته األورون- الفن وليدة المتخيل ي ي ي ً ّ َ التجل الساخر لألنن "الجميلة"، حرفيا ،لتصبح ي
011
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
ّ ّ أفريقية ،ثم التقليدية ،قبلها كان لها مالمح معارفنا استبدلتها بوجه يحمل مالمح قناع من أوبرا ُ بكي .كذلك ،وأثناء البحث عن نسخها ،وجدنا نسخة ر ّ رقمية من جسدها بال جلد ،مجرد شاشة تتحرك ضمنها بال جلد ،لحم ضف بال مالمح .مع ذلك، سنحاول قراءة ما تبق من القديسة أورالن عي محورين :الجسد ف العالم واللحم ف تاري ــخ ّ الفن. ي ي
ّ ذكوري كمركز جورج بومبيدو؟ نحتاج لقياس فضاء وما عدد األشخاص الذين يمكن أن يتسعوا يف »أورالن« واحدة؟ الجدل الذي أثاره األداء السابق ،المعنون ُ تحتضن الن بـ MesuRAGEsمرتبط 4بالمؤسسة ي ّ ”الفن“ ،والمصممة الستعراض المنتجات الفنية ّ والن ترفض جسد ”المرأة“ ضمن مقاييس ”رجولية“ ّ ،ي ُ كمحرك للمقاييس المادية ،ألنه يفضح سياسات حضور هذه المؤسسة ضمن الفضاء العام ،ودورها ّ الن تعود كمساحة استعراض ذكورية سحقت األبنية ي للقرن السابع ر عش ،لتشييد ضح النتصار الحداثة وفنونها.
ّ فالمي الفرنىس األول ُحسب عل أساس ووظائفهمِ ، ي الن قطعها رجالن ،وكتبت المعادالت المسافة ي ّ الرياضية باالعتماد عل خطواتهما وجهدهما ،وتعبهما، ساف كل واحد منهما ،وحن وتسارعهما ،والمسافة ربي ي ً ّ لمعايي بق المقياس خاضعا العلىم، اآلن ،مع التطور ر ي ي ّ ّ غيت تكوين الن ر ”الرجال“ ذاتهم ،ذوي القنبلة الذرية ي ذرات الكوكب واألبعاد بينها ،الكوكب ذاته الذي يحوي معارض ومتاحف ومسارح ،لكن عام ،4277 وف مركز قررت أورالن أن تختي هذا المقياسً .حينها ً ،ي جورج بومبيدو يف باريس ،ارتدت قماشا أبيضا ،وجزمة ذات كعب عال ،وقامت باالستلقاء عل األرض، وقاست المسافة ربي كعب جزمتها وقمة رأسها، وكررت القياس ،لتجيب عن سؤال :كم ”أورالن“
المثي لالهتمام أن أورالن لم تستخدم فقط من ر ً العاىل أيضا ،ذاك الذي ”لحمها“ للقياس ،بل كعبها ا ي ً ّ يخين إحاالت جنسية ومتخيي جماليا عن ”المرأة“، ّ الفن صالح فقط الستعراض "الجسد وكأن الفضاء ي ً وف حال تحول هذا المؤنث" بوصفه غرضا ّ ،ي "الجسد" إىل جزء عضوي من الفضاء ،تنكشف ً ّ ّ يرتدي كعبا المصمم لخطوات رجل ال عيوبه ،وشكله يعيق حركته ويرسم كيفية تمايله .فـ ”أورالن“ تعريّ ّ الذكورية وتاري ــخ الفن الذي صمموه المتخيالت ا ّ وكتبوه ورسموا لوحاته و"نساءه" ،وتؤدي ساخرة من ُ ى ً ّ المذكر ثقافيا ،عي نزع جسدها المادي للعالم الشكل ّ ّ ّ وتبن المتخيل عنها كامرأة من مكانته كموضوعة فنية، ي ا ً ً ُ ّ متغيا جديدا ،يفرض بالكعب العاىل ،جاعلة جسدها ر ي
ُالجسد يف العالم :أورالن كوحدة قياس فالمي الفرنىسّ أنتج العالم الغرن عل مقاييس الرجلِ ، ي ي ُ ّ ّ وعلىم وضعه رجال لقياس العالم سياس مثي ،معيار ي ي ّ الفرنسية ،ولجعله يطابق صورتهم بعد الثورة
010
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
ضمن إناء ،وأغلقته بالشمع ،ثم حملته رافعة ذراعها، لتتحول آثار خيتها مع ”المكان المذكر“ إىل أيقونة ّ ّ الحرية الموجود تحال تمثال مدنسة نوعا ما ،أيقونة ي عل الهامش ،كغرض استعر ّ اض خالب ،وتقول إن ي ا سعيها لمشابهته ،هو محاولة ألن تكون حاضة يف هذا وسع للخروج بجسدها العالم ،ال مجرد صورة ضمنه، ي ً من اإلطار ،كما يف صورة لها ه أنجزتها سابقا ،ي ً تنق محاوالت ألن تجعل العالم تجسيدا للحمها ،يك ي وضعيتها كزخرفة ضمنه.
تحيها وسذاجة ضمن "المعادلة" لتخريبها ،وكشف ر ا معيار التصنيف الذي يفيض شكي لـ "جسد المرأة الجميلة" ،ويحدد أساليب ظهوره ،المتمثلة بالكعب ً ا ّ العاىل ،الذي يعطل االنتقال ويفيض شكي وتسارعا ي ى ّ ر ّ المىس به ضمن ُمحددين ،بل وال بد من تعلم مهارة ي ّ ُ الن تهدد البن الذكورية ،بأرصفتها الحجرية وحفرها ي ً ً من ترتدي كعبا بالوقوع أرضا. ّ الذكوري عي انضباطها تسخر القديسة أورالن من ر ّ وتىسء جسدها يف سبيله، التام بأعرافه المؤذية ،بل ي لتكون "وحدة ثابتة" ضمنه ،ما يزعزع تصميمه الخقّ ي ّ علنية ويستثنيها من الذي يحتضنها ضمن مساحة ّ ه تختي تصميم العالم بجسدها تكوينه الداخل ،ي ًي ّ ّ ّ المؤنث ثقافيا ،الذي تتقبله المؤسسة الفنية ضمن ّ ّ ّ مشج ،ما ومادية :لوحة ،صالة ،عرض زمانية إطارات ي ى ً ً يجعلها عارضا من أعراضه ال مولدا ألعرافه.
الجسد ف تاري ــخ ّ الفن ي
ّ التقمص :النطق بالتقمص مرحلة ّ ّ تسىم بـ الدين المرتبط يحوي الياث ي وه واحدة من اإلشارات األوىل عل أن "النطق" ،ي ً ُ الشخص الحاض أمامنا ،يخين داخله "آخرا" ذا تاري ــخ ومعارف ماضية ،وقد تظهر إحدى عالماتـ(ـه) ّ الجسدية واضحة كالندبة أو الجرح. ر تتالس وتصبح مرت رمييل بهذه العالمات قبل أن أورالن ،إذ "نطقت" عام 4293يف صورة فوتوغرافية
بعد انتهاء األداء ،قامت بغسل القماش الذي كانت ترتديه ،ووضعت المياه الممزوجة باألوساخ والعرق 012
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
َ ُ لها بعنوان "أورالن ت ِلد نفسها" ،ونراها فيها تلد ً قرينا 3لها بعد أن حبلت به ،وبعدهاّ ، عمدت نفسها عام ّ ،4274 وغيت اسمها إىل القديسة أورالن. ر وبعكس مفهوم "القديس" ،ليست أورالن خالية من ّ الدنس الذي ال تعيف حن بوجوده ،كما أنها ال تمثل ى تجل ًيا لشخص ماض ،تاريخه ُمحكم ورسىم ،أو ّ تعرض ي َ األنن ضمن تاري ــخ لظلم ما؛ فنطقها استمر ٌار لهوية ّ فش جلدها وصورتها الفن ،أما مساحة جهدها الفن ي ي ُ ه قرين بحاجة لتعديالت مستمرة ،ال صورة وشكلها ،ي ّ ه اسمها الذي مثالية له ،وأول هذه التعديالت ي ّ تغييه حينها ،والمشكلة، واجهت صعوبات قانونية يف ر الن حسب ر تعبيها ،كانت يف ضاعها مع المحكمة ي الكبية ،وما زالت رفضت أن يكون اسمها كله باألحرف ر ّ ع أن اسمها تواجه بعض الذين يقولون إنها تد ي "أورالن" ،وكأن ال حق لها باختيار اسمها.
ّ الن ترى يف والسياسية السابقة ،ووالدة القديسة ،ي ً ّ ّ مرئية يف ماضية تحرص التقمص امتدادا لهويات الجسد الجديد ،ذي اللحم والجلد الذي يتجاوز ّ الخ الثقافييُ ،ليصبح التجسيد التذكي والتأنيث ر ر ي ّ ّ الذكوري المثاىلّ. للمتخيل ي والتخل عن لحمها ووجهها ،وتـحـويـلـه إلتمام التقمص، ي ّ ّ إىل مــوضــوعــة فـنــيــة عـلـنــيــة ،بــدأت أورالن سـلـسـلــة مــن الن توظف عمليات التجميل الجراح ّـيـة، عروض األداء ي ه أول ن ـم ــوذج ي ـل ــيم بـ ـ "م ــان ـي ـف ـس ـت ــو ال ـف ــن ل ـت ـك ــون ي ال ـج ـس ـم ـ ّ ـان" ال ــذي أط ـل ـق ـت ــه ب ــداي ــة ع ــام تس ـع ـ رـي ،إذ ي ُ خضعت لـتـسـع عـمـلـيـات تـجـمـيـل عـلـن ّـيـة ،تـبـث مـب ر ـاشة إىل م ـخ ـت ـلــف عــواصــم ال ـعــالــم ،ي ـراف ـق ـهــا أث ـنــاءهــا فــريــق ت ـق ـن ـيـ رـي وأط ـبــاء ي ـق ـط ـعــون ل ـح ـم ـهــا وي ـف ـت ـحــون داخ ـل ـهــا ويغيون معالمها ،واألهم أنها واعـيـة طـوال فـية األداء/ ر ً ً ّ العملية وتقرأ نصا اختارته مسبقا. لــن نـنــاقــش حـيـيـيــات كــل واحــدة مــن الـعـمـلـيــات ،لـكـنـنــا ّ بعي االعـتـبـار أن سنذكر بعض النقاط المهمة ،آخذين ر كــل عـمـلـ ّـيــة "حــدث يف الـعــالــم" مــا زالــت آثــاره مسـتـمــرة
ّ التقمص :االنمحاء ثم التجسيد ً بعد 39عاما من "أورالن تلد نفسها" ،بدأت عملية ّ البيوقر ّ ر ّ اطية والتالس الكل، الجسدي لذاتها ر ي التقمص ي
013
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
احتوى وجه أورالن ،ذقن فـيـنـوس مـن لـوحـة بـوتشـي يـل، وأنــف بســايــك مــن لــوحــة جــان ل ـيــون غـ رـيوم ،وش ـفـ يـن ه أوروبـا مــن لـوحــة فـرانسـوا مــوشـ رـي ،وعـيـ يـن ديــانـا كـمــا ي مــرســومــة ف لــوحــة مــن ال ـقــرن ال ـتــاســع ر عشــ ،وج ـب ـهــة ي ر دافنىس02 ليوناردو لوحة من الموناليا ر ي
حن اآلن ،أو ربـمـا تـالـشـت ،فـجـسـد أورالن نسـخـة عـن نس ـخــة وه ـمـ ّـيــة ،ال ي ـم ـكــن بــدقــة ض ـبــط "ن ـهــايــة" هــذه ُ ـان مـع مـرور الن ر تتغي حكاياتـهـا وتـكـويـنـهـا الـف رـيي ي النسخ ي الزمن. ال ـع ـم ـلـ ّـيــة األوىل كــانــت بــاســم ُ "صــور" ،واألخـ رـية بــاســم " Omnipresenceحضـور ك ّ ـل" ،وخـاللـهـا اقـتـبـسـت ي ّ الن تص ّـور «جـمـال ة األوربي أورالن مالمح من اللوحات ي ّ َ ذكوري ،لـكـنـهـا ال تـهـدف ألن تـكـون األنن »من منطلق «ج ـم ـي ـلــة» ،بــل ت ـحــاول ت ـج ـس ـيــد كــل واحــدة مــن هــذه المالمح ،والسياسات الخفية والحكايات المرتبطة بكل واح ــدة م ــن ه ــذه ال ـع ــالم ــات وال ـم ـع ــاي ـ رـي ل ـت ـس ـخ ـ َـر م ــن «ال ـتــأن ـيــث »و«ال ـت ـج ـم ـيــل »وأع ـراف ـه ـمــا وال ـت ـك ـنــولــوج ـيــا ال ـمــوظ ـفــة ل ـج ـع ـل ـه ـمــا مــرئ ـيـ رـي ،ل ـت ـص ـبــح أورالن أش ـبــه بفايروس يدخل تاري ــخ ّ الفن وينسخ مكوناته ،ويـخـينـهـا ً يف حمضه الـنـووي ،ثـم يـمـزجـهـا مـغ رـيا شـكـلـه يف كـل مـرة "تـظـهــر" فـيـهـا أعـراضـه .وبـعـد آخــر عـمـلـ ّـيـة عـام 4222
ً تـمـتـلـك الـقـديســة أورالن قـنــاعـا أســاسـه الـجـلــد والـلـحــم، بـوصـفـهـمــا مـكــونـات مـتـغـ ّـية لـلـهـ ّ ـويـة ُيصـنـف الـفـرد عــل ر ّ أساسها ،فهما ليسا ُمنتجات "طبيـعـيـة" مسـبـقـة الصـنـع ومثالية التصـمـيـم ،بـل عـنـاض بـحـاجـة لـتـعـديـل وضـبـط ّ مس ـت ـمـ ّ ـريــن ،والبــد مــن تــوظ ـيــف ال ـت ـك ـنــولــوج ـيــا ال ـط ـبـ ّـيــة ّ والعلمية إلنـتـاجـهـمـا بصـورة دائـمـة ،مـن مـنـطـلـق الـخـيـار الش ـخـ ّ ـض ـ والس ـيــادة ال ـتــامــة عــل ال ـج ـســد وم ـكــونــاتــه، ي ً خصـوصـ ًـا أنـهـمــا يـخـضـعــان دومــا لـجـهــد سـيـ ّ ـاس وثـقـ ّ ـاف ي ي ّ الخلوي "جهاز الـمـنـاعـة يتحكم بهما ،سواء يف تكوينهما الجين" ،وانتهاء بعمليات التجميل والـوشـوم التعديلي والثقوب. 014
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
ُ ّ الطبيعية ال تـنـتـج أعضـاء ذات وظـائـف ثـابـتـة والماكينة تـخـلـخــل أورالن الـقـنــاع الســابــق عــي الـتـحــرك بـ رـي ثــالثــة ً ٌ ّ َّ ّ الذكورية وسياساتها ُ وأشـكــال مـثــالــيــة ،بــل تـنـتــج أجســادا بــال أعضــاء تســيــس كمنتج لـلـمـعـاي رـي؛ محاور :التحديقة ً ً ُ ا الن تمـتـلـكـهـا كـل وظـيـفـة ،وال يـن تـرسـم بحسب رصـيــا لـلـجـمــال؛ وتــاري ـ ــخ الـفــن بــوصـفــه تـمـثـيــي مــاديــا وب ـ الحدود ي ًّ ً ّ ـن-عـل ّ التجميلية كفضاء ط ّ م ــؤس ـس ــات ـي ــا وب ـ رـيوق ـراط ــي ــا بص ــورة مش ــاب ـه ــة ل ـل ـن ـق ــاط ـىم لـتـجـسـيـد هـذه والجراحة ي ي ا َ َّ وال ـخ ـطــوط الـ يـن يــرس ـم ـهــا الــجــراح عــل وج ـه ـهــا ق ـبــل ـالف ب ـي ـن ـه ــا وع ـم ـل ـي ــات ال ـم ـعــاي ـ رـي ،ف ــاض ـحــة ن ـق ــاط ال ـت ـ ي ى تجسيدها عي األداء الـجـسـم ّ تغييه»؛ هذه الخطوط عل الـجـلـد ،ولـيـدة سـيـاسـات ـان ،الـذي يـوظـف صـنـاعـة « ر ي االسـ ـ ـتـ ـ ـه ـ ــالك والـ ـ ـتـ ـ ـمـ ـ ـثـ ـ ـي ـ ــالت "ال ـج ـم ـيــل" وت ـق ـن ـي ــات ـه ــا إلع ــادة ّ الشهوانية لجسد المرأة ،بل إن تص ـ ـم ـ ـيـ ــم دهـ ــون ـ ـهـ ــا ودمـ ــائ ـ ـهـ ــا تتالشى مالمح مرياي بني النص ّ بعضها وليد تعديالت رقمية ال ووج ـه ـهــا ال ـم ـث ـبــت بــال ـم ـشــابــك ي أصل لها يف الواقـع ،وال يـمـكـن واإلّبــر ،بــوصـف ـهــا م ـكــونــات ل ـهــا والعمليّة اجلراحيّة واملعيار الذكور ّ ً ً ت ـح ـق ـي ـق ـهــا ط ـب ـي ـع ـيــا أو وراث ـيــا، حــريــة ال ـتــالعــب ب ـهــا وت ـغ ـيـ رـيهــا ّ "املثايلّ" ،إذ نشاهد مراحل غياب وه ــذا م ــا نـ ـراه يف مـ ـجـ ـم ــوع ــة بوع أثـنـاء قـراءة نـص لـلـمـحـلـل ي الصور الن ُ ّ تنتجهـا لـذاتـهـا حـن ـي ـ ـ ج ـو ـ ـ ي ( ـان ـ ـ ك ـال ـ ـ ل ا ـ ـ ـىس ـ ـ ف ر ي ي ال ـ ـن ـ ـ ي قرين إىل لتتحول ّ، ي األصل وجهها لوتشيون): اآلن ،و الـ ـ يـن ت ـ ـت ـ ـغ ـ ـ رـي ف ـ ـي ـ ـه ـ ــا ليموين ي ً ُ ... . م ــالمـ ـحـ ـهـ ــا ه "الجلد مخادع يف الحياة ،كل دوم ـ ّـا تـ ـخـ ـتـ ــار ي عن "اآلخر اجلميل" َ ُ ش ـخــص ي ـم ـت ـلــك ج ـلــد اآلخــر... الخـطـوط و"تشـد" وجـهـهـا كـمـا تريد عـل الشـاشـة؛ لـكـن ،ح رـي ه ـ ـنـ ــاك خ ـ ـلـ ــل يف ال ـ ـعـ ــالقـ ــات ُ ّ اإلنسانية ألن الواحد منا ال يمتلـك الـجـلـد الـذي يـريـده/ التعامل مع اللحم هناك تساؤالت االستمـرار والـتـجـدد، ّ ّ والتغيي قبل أن يفـقـد فإىل أي حد اللحم قابل للتعديل ُي ـمــث ـلــه ،لــدي ج ـلــد مــالك ،ل ـكـ يـن ث ـع ـلــب ...لــدي ج ـلــد ر لكن جـرو ،جـلـد شـخـص أسـود لـك ّ يـن أبـيـض... قدرته عل التجدد واالتصال ببعضه لتكوين سطح ذي تمساح ،ي ً مســام ،ي ـخــين خصــائــص ث ـقــاف ـيــة ،ذات لــون وش ـكــل جـلــد امـرأة ،ل ـكـ يـن رجــل ...ال أمـت ـلــك أبــدا ال ـجـلــد الــذي ً ه حــدود الـتـعــديــالت الـ يـن ـا ـ م أي، ـن؟ ـ ي ـدد ـ ح ـ م ـم ـ ج ـ ح و ـا ـ م ـدا ألن لــن أشــابــه أبـ يشـبـهـ يـن ...ال اسـتـثـنــاء لـلـقــاعـدة ،ي ي ّ أمتلك"0 خاصية »الحياة«؟ يموت بعدها اللحم ،ويفقد تـتـ ر ـالس مــالمــح مـ رـياي بـ رـي الـنــص والـعـمـلـ ّـيــة الـجـراحـ ّـيــة والمعيار الذك ّ ـوري "الـمـث ّ ـاىل" ،إذ نشـاهـد مـراحـل غـيـاب ي ّ األصل ،لتتحول إىل قرين عن "اآلخر الجميـل"، وجهها ي ُ ذاك الذي نكتشف أنه مجزأ ،fragmented -ال قالـب ً ا أصـيــي لــه ،وال مصــدر واحــدا لــه ،ســواء كــان لــوحــة مــن ً ه تـجـمـع تـجـلـيـات ذاك اآلخـر عرص النهضة أو إعالنـا، ي ُ وال ترتديها فقط كقناع ،بل تتبـنـاهـا ك ـ "أنـا" يـعـكـس كـل ً ه تـجـعــل لـحـمـهــا مـطــابـقــا »اآلخــريــن« ومـتـخـيــالتـهــم ،ي لمعايي(ه ـ)ـم ر
ّ تحوالت األلم والقسوة ًّ ا ال تشعر القديسة أورالن باأللم ،وال تقـدم مـعـادق لـغـويـا ً صوتيا عنه ،ه ال ترصخ ،وال ت ّ ـي ،بـل تـح يـك وتسـأل أو ي ّ ه تـنـتــج مــن حــولـهــاً ،و"تـحــدق" بـجـســدهــا وطـبـقــاتــه ،ي صــورتـهــا مـرارا ،وتسـتـعــرض «عـمـلـ ّـيــة »إنـجــازهــا لــذاتـهــا؛ ف ـغ ـيــاب األلــم واس ـت ـخــدام ال ـت ـخــديــر ي ـج ـع ـل ـهــا حــاضة وواع ـيــة ب ـت ـحــوالت ـهــا ،كــون ـهــا ت ـح ـت ـقــر األلــم ،حــن ذاك الـنـسـ ّ ـوي مـنــه ،والـكـلـمــات والـظــواهــر الصــوتـ ّـيــة الـنــاتـجــة عنه ،ألنها تمنع التحديق ،وتحرص "الكلمات" بـوصـفـهـا ـوع بـالـداخـل/ نتاج لدلـة ال يـن تسـبـب األلـم ،مـا يـن ا يـق ال ي ً الـلـحــم بــوصـفــه مـكـشــوفــا ومسـتـقــي عــن الـجـهــاز الــذي ُيظهره.
تحيلنا أورالن إىل المنتجـات "جـاهـز الصـنـع" ،فـالـلـحـم، ً ب ـع ـك ـس ـه ــا ،ل ـي ــس ج ــاه ـزا ل ـالـ ـس ـت ـخ ــدام م ـن ــذ ال ــوالدة، 015
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
تس ـتـ ـع ـي ــد أورالن م ـق ــوالت أنـ ـت ــون ــان أرت ــو ع ــن مشـ ــح ال ـق ـســوة ،بصــورة أدق عــن وضــع الـ ُـم ـشــاهــد ب ـمــواج ـهــة ال ـق ـســوة ،عــي ت ـف ـك ـيــك وحــدت ـهــا ال ـع ـضــويــة الــداخ ـلـ ّـيــة ه تـمــارس »الــالتـجـسـيــد« ومـكــونــاتـهــا والـتــالعــب بـهــا؛ ي ّ 3 disembodimentالــذي يــدعــو لــه فــن ال ـت ـم ـث ـيــل ا كة ُ المشاهد أمام ما لن يراه مرة أخرى ،ومـا لألقض ،تار ً لــن ي ـت ـكــرر؛ وه ـنــا يــيز أيضــا رفض ـهــا لــأللــم ،الرت ـبــاطــه المسيحيي. القديسي وس رَي ر ر بالضعف والمرضِ ،
َ ي ـح ـص ــل وب ــاآلخ ــر الــذي ي ـتــم اس ـت ـح ـض ــاره ،إذ ت ـخ ـت ــي بـجـسـدهـا مـا هـو ُمـتـخـيـل وتـعـيـشـه و“تـحـقـقـه“ ،مـلـغـيــة ً المعاناة ،والصدمة ،وما بعدها ،إذ يطفو وجهها ُمفكـكـا، وه عل شير الجراحة تـتـحـدث مـعـنـا ومـع مـن حـولـهـا ي مـتــأمـلــة لـحـظــات سـلــخ الـجـلــد وسـحــب الـلـحــم وغـيــاب ه يف لـ ـحـ ـظـ ــات الـ ـحـ ــدود بـ ـ رـي الـ ــداخـ ــل والـ ـخـ ــارج؛ ي "الـتـحـ ّـول" أشـبــه بـجـســد بــال أعضــاء ،مــا زالــت حــدوده ووظيفته غامضة.
تـنـتـقــد أورالن مـفــاهـيــم الشـهــادة والـتـضـحـيــة يف سـبـيــل الخالص ،وتتحرر من األلم كوسيـلـة لـلـتـطـه رـي ،كـونـهـا ال تــدعــو لصــورة م ـثــالـ ّـيــة غــائ ـبــة ال بــد مــن ”ط ـه ـرانـ ّـيــة“ مــا للوصول إليها ،إذ تتعامل مع التحول الجسدي بوصفـه عملية ّ ّ أدائية إلنتاج الذات وهويتها وخصائصها ،لـتـغـدو ال ـع ـم ـل ـيــة ال ـج ـراح ـيــة دون ألــم ،أش ـبــه بــال ـت ـق ـمــص ،والدة ـوع ب ـمــا صــام ـتــة ،ال ألــم ف ـي ـهــا وال صــدمــة ،بس ـبــب الـ ي
تــدفـعـنــا أورالن لـطــرح عــدد مــن الـتـســاؤالت ،مــاذا يـعـ يـنـ ّ (التحول) دون ألم؟ ،وكيف تنتـج ذاتـهـا إن خـرجـت مـن صيغة الضـحـيـة ضـمـن فضـاء ذكـوري؟ وهـذا يـنـسـحـب ً ً عـل مـن يضــع وشـمــا ومــن يـتـحـول جـنـسـ ّـيــا ،مــاذا لـو لــم يـكــن هـنــاك ألــم وحـكــايــة مــرتـبـطـة بــه تـتــدخــل يف تـكــويــن ال ــذات؟ أي م ــاذا ل ــو ت ـ ر ـالس الرصـ ـاع م ــع األل ــم أثـ ـن ــاء اكتساب ّ هوية جديدة؟ 016
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
صــورة مــا ،وإعــادة ت ـكــويــن ل ـل ـخــاليــا وال ـل ـحــم والــدهــون ً ل ـت ـشــابــه ُم ـت ـخـ ّـيــال خــارج ـيــا؛ وه ـنــا يــيز ال ـت ـنــاقــض الــذي ّ ـش أداة تـحـقـق سـيـادة الـمـرأة تخينه هـذه الـعـمـلـيـات ،ف ي عل جسدها ووسيلة غاوية لـلـهـيـمـنـة عـل جسـدهـا مـن االستهالل؛ لكن ما تراهن عليه أورالن هـو قبل المعيار ي ّ ظــاهــرة ال ـ شـيــة الـمــرتـبـطــة بـهــذه الـجـراحــات ،إذ تـنـفـيـهــا ّ ه ال تـخ يـق أو وتجعل من "عملياتها" علنيـة لـلـغـايـة ...ي تـنـكــر مــا تـقــوم بــه ،بـعـكــس الـكـثـ رـييــن مـمــن يـخـضـعــون ى ّ تسلم بوجود الجمال الطبي ّ ـع التجميلية ،إذ ال للجراحة ي وتنتقد أوهام "ربانيته" ،كما ترفض المعيار االستـهـاللّ ا ي للجمال ،حيث الجميع يشابه البـالـسـتـيـك ،سـاخـرة عـي هذا الرفض ممن ينكرون الخضوع لعمليـات الـتـجـمـيـل، وال ـمــداف ـعــي عــن "ال ـج ـمــال ال ـج ـسـ ّ ـدي" بــوص ـفــه ه ـبــة ر ً ّ علوية ،خصوصـا وأن هـذا اإلنـكـار يـيافـق بس يـع إلخـفـاء ً ً ّ إي أثر للعملية ،سواء كان جسديا أو ثقافيـا ،مـا يـتـطـلـب ً ّ شية وإتقانا للصنعة ،ليكون الجلد الذي نراه أمـلـسـا ذو مالمح متناظرة وخاليا من العيوب ،وكـأنـه تـج ّـل لـجـودة صنعة اآللهة. ه تنظر وتدعونا للنظر داخل لحمهاُ ،مسائلة احـتـواءه ي لـهــا ،فــالـلـحــم ال يـتـطــابــق مــع الـجـســد الـثـقـ ّ ـاف ،والـجـلــد ي لـيــس إال وعــاء ُيـنـتـهــك ،ويـفـيــض مـنــه الـلـحــم ،إذ تســع ل ـي ـف ـقــد ال ـج ـلــد/ال ـهـ ّ ـويــة ن ـعــوم ـتــه وت ـمــاس ـكــه وانس ـيــابــه ـاىل" لـيـصـبــح ذا شـكــل غــروتـيـسـ يـك ،فـيــه وتـكــويـنــه "الـمـثـ ي ف ـت ـحــات جــديــدة ومســاحــات م ـك ـشــوفــة ت ـغ ـيــب إثــرهــا ـاس، الحدود ربي «الداخـل »الـحـيـوي و"الـخـارج" السـي ي وكأننـا أمـام مـحـاكـاة سـاخـرة لـألـسـطـورة الـديـن ّـيـة والـخـلـق بأحسن تـقـويـم ،لـيـحـل مـكـان الـط رـي ويـد اإللـه وصـورتـه بش ّـي سـي ّ عن ذاته الن تجلت ف اإلنسـان ،تـاريـ ـ ٌـخ ر ـاس ي ي يّ ْ ّ يع بخلقه. وأدوات طبية وأي ٍد معقمة، ٍ ولحم ي
صناعة األشار يـرتـبـط تـغـيـ رـي شـكــل الـلـحـم بــالـمـعـيـار الـجـم ّ ـاىل والـثـقــافّ، ي يً وي ـت ـجــل بــاألع ـراف الـ يـن تض ـبــط ظ ـهــور ال ـج ـســد ع ـل ـنــا، وتـحــدد مــوقــف الـفـضــاء الـعــام مـنــه ،فــأسـلــوب الـحــركــة والـزيـنـة والـلـيـاقـة والـتـحـسـيـنـات الـظـاه ّ ـريـة كـلـهـا مـرتـبـطــة ّ بـتـحــديـقــة اآلخــر ومـعــايـ رـيه ،كـمــا لــو أن نــرسـيــس يـمـتـلــك ً صورة عن ذاته ،ال انعكاسا له ،صورة مـتـخ ّـيـلـة عـلـيـه أن ى "يتغي" ليطابـقـهـا ،لـكـنـه يـكـتـشـف أنـهـا تـتـغ رـي كـلـمـا تـغ رـي ر هو ،ال يمكن له مطابقتها .وهنا تطرح أورالن تساؤالتـهـا ً حــول الـجـراحــة الـتـجـمـيـلـ ّـيــة ،بــوصـفـهــا سـعـيــا لـمـطــابـقــة
غي صالحة األصل كصورة ر ً ا ا تطرح تحـوالت شـكـل أورالن بـدايـة تسـاؤق ب رـيوقـراطـيـا، ّ ّ الشخصية ال تتـطـابـق مـع صـورتـهـا الهوية فصورتها عل ه تـن يـق الـوسـوم اآلن ،واسمها يخالف التقليد الـمـتـبـع .ي ّ ال ـم ــوض ــوع ــة ع ـل ـي ـه ــا ،ح ــن أن "ص ــورت ـه ــا" ال ــرس ـم ــي ــة- ً األص ـل ـ ّـي ــة ت ـالـ ـش ــت ،ج ــاع ـل ــة م ــن ص ــوره ــا نس ـخ ــا غ ـ رـي 017
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
حـ رـي ُن ـطــق ال ـنـ ّ ـص .ر الىســء ذاتــه ن ـراه مــع ل ـحــم أورالن ي تـحـت الـمـبـضـع ،إذ ال يـظـهـر الـمـعـيــار الـجـمـ ّ ـاىل وقسـوتــه ي ً وتحيه إال عل لحمها ،وال »صـوت/حضـور« لـه بـعـيـدا ر ّ ّ عــن عـلـنــيــة الـجـراحــة الـتـجـمـيـلــيــة ،فـمــا تـمــارســه يـكــش الوهم عن اتحاد الجميـل مـع الـطـبـي ّ ـع ،ويـجـعـل أدوات ي ّ ـىم لـتـاريـ ــخ ت ـ ن ـ ت ـت ن السياسية مرئ ّـيـة ،سـواء كـا "الجميل" ي ّ ّ ّ الفن أو للثقافة الرأسمالية .وهـنـا يـمـكـن فـهـم "نسـويـة" الفن الجسم ّ ـان الـذي تـدعـو لـه أورالن ،بـوصـفـه يـحـاكـم ي الـت ـق ـس ـي ـمــات األن ـطــولــوجـ ّـيــة ال ـث ـقــافـ ّـيــة ونصــوص ـهــا الـ يـن تشـ ىـكــل الـطـبـيـ ّ ـع والـثـقـ ّ ـاف ،والـحــدود بـ رـي الـمــوضــوعــات ي ي المختلفة والعالقات بيـنـهـا ،فـأورالن أظـهـرت لـلـحـظـات ّ الشي الذي يرسم لحمنا ويكونه بشـكـلـه الـح ّ ـاىل، الحي ي َ وي ـق ـس ـمــه إىل ذكــر و أنــن ،ج ـم ـيــل وق ـب ـيــح ،والــذي إن ّ ر الثقافية ،واألهـم أن هـذه تالس ،تالشت معه أجسادنا التقسيمات حديـثـة الـظـهـور بـدأت مـع انـتـصـار »الـرجـل ّ العقالن« وفلسـفـتـه ،وسـؤالـه عـن »الـجـمـال« ،مـا أتـاح ي ً الماض ،وترسيخ الجـمـيـل بـوصـفـه طـبـيـعـيـا اءة ر ق إعادة ي ً ّ لــم تـمـسـســه يــد أو مـطــابـقــا لــذاك الـعـلــوي الــذي يـمـكــن تذوقه وال يمكن وصفه•
وف مـتـطــابـقــة ،مـنـتـ ر ـ ـشـة كـمــواد َأرشـيـفـيــة عــل االنــينــت ي الــدفــاتــر الــرسـمـ ّـيــة ،كــونـهــا ت ـخـشــ وتـكـت ـســب "أج ـزاء" بصـورة مسـتـمـرة .تـتـالعـب ه بـالـتـقـسـيـم األنـطـولـ ّ ـوج، ي ي . أصــل – نس ـخــة ،مــوظ ـفــة ل ـح ـم ـهــا ك ـمــوضــوعــة أدائـ ّـيــة، تتكون هويته كلـمـا ظـهـر ّ وجسـد الـعـرف الـقـائـم أو نـفـاه، م ــوج ـه ــة ب ــذل ــك االنـ ـت ـق ــاد إىل األص ــل أو الس ـك ــري ـب ــت ً ً ً ّ متغيا، الجندري ،فاضحة وهميته بوصفه نصا سياسيا ر وي ـم ـك ــن ت ـح ــدي أش ـك ــال ت ـج ـس ـي ــده وال ــوق ــوف ب ــوج ــه ً ت ـعــري ـفــاتــه ،خصــوصــا ت ـلــك ال ـمــرت ـب ـطــة بـ ـ "ال ـج ـم ـيــل" و"الـطـبـيـ يـع" ،إذ تـتـخــل أورالن عــن "أنــاهــا" ،وتـجـ ّـســد ُ ت ـحــدي ـقــة »اآلخــريــن« وأع ـراف ـهــم ،ونس ـخ ـهــم ال ـعــديــدة عنها ،وكأنها خريطة لتاري ــخ اآلخرين يمكن تـتـبـع آثـارهـم فـيـهــا ،لـتـهــدد "األصــالــة" نـفـسـهــا عــي تـحــويــل ذاتـهــا إىل نسخة مضغوطة من الجميع. ساعات العمليـات ال يـن خضـعـت لـهـا أورالن ،تـجـعـل مـا ً ً كــان شيـ ًـا ُ وم ـحـ ّـركــا لس ـيــاســات ال ـج ـمــال مــرئ ـيــا ،أش ـبــه ب ـك ـل ـمــات مش ـطــوبــة ض ـمــن نــص مــا أو هــوامــش ع ــل ً ُ أطرافه ،ال تـظـهـر إال ح رـي كـتـابـتـهـا ،لـكـنـهـا تـهـمـل صـوتـيـا
هوامش: ً ً .4يـحــوي االســم تــالعـبــا لـفـظـيــا بـ رـي كـلـمـ يـن ”قـيــاس“ و“غضــب“ ،وقــد كـررتــه أورالن عــل مــدى سـنـوات يف الـعــديــد مــن الـمـسـاحــات الـفـنـيــة والــديـنـ ّـيــة يف مـخـتـلــف وف الواليات المتحدة. أنحاء فرنسا ي .3كلمة قرين هنا إحالة إىل الـ Doubleوال يـن يـيجـمـهـا البعض كـ "بديل"0 .2لـفـهــم الـتـغـ رّـي الـمـرتـبــط بـكــل واحــدة مــن الـمــالمــح، الموناليا كمثال ،فما زالـت الـحـكـايـات يمكن استخدام ر ُ ح ــول ص ــاحـ ـب ــة/ص ــاح ــب ال ــوج ــه تـ ـكـ ـتـ ـش ــف بص ــورة تدر ّ يجية ،وكل حكاية تحاول تـحـديـد هـويـة صـاحـب(ة) ر لدافنىس نفسه ،أم ِل ـ ل رـيا غ رـياردي يـن، ه المالمح ،فهل ي ي ّ االثني ،إىل جانـب الـتـغ رـيات الـمـاديـة ال يـن أم مزي ــج من ر تطرأ عليها كلوحة والـمـرتـبـطـة بـالـرطـوبـة وتـغـي رـي األلـوان
الن تؤثر عل رفييائيتها. ر وغيها من العوامل ي " .3هــو ال ـت ـمــريــن الــذي ي ـتــم عــيه نــزع أي مــرج ـع ـيــة فــييــائـيــة يـحـتــويـ ـهــا جســد ال ـمـثــل ال ـمـ ّ ـادي (الــوجــود يف ر العالم) من أجل البدء بالتوليد األدان للحضور المـاديّ ي للجسد الجديد عل الخشبة"0
018
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
التعريف: الذان بالمعن يعن التصوير الجسمان الفن ي ي ي الكالسيك ،لكن إنجازه يتم عي ما تقدمه التكنولوجيا ي من احتماالت .هو يراوح ربي التشويه وإعادة اليتيب. وارتباطه العميق بالجسد يجعله واحدا من وظائف ّ َ العرص .إذ تحول الجسد إىل " ُمنتج معدل جاهز ً الصنع" ،ولم يعد ينظر إليه بوصفه مثاليا كما كان يتم مثاىل جاهز الصنع يمكن تمثيله ،ولم يعد ذو شكل ي التوقيع عليه.
الذي يتم تعديله ،والذي أصبح موضوعة للنقاش ّ العلن. ي ّ اإللحادية: ّ المسيحية ،بل الجسمان التقاليد ال يرث الفن ي ّ ّ يضء عل إنكار المسيحية يقاومها! ،الفن ي الجسمان ي ّ الجسدية ويفضح ضعف هذا التقليد بوجه للذة ى ّ ّ الجسمان يتنكر لتقاليد االكتشافات العلمية .الفن ي ً يلع، المعاناة والشهادة ،هو يستبدل عوضا عن أن ي ً ّ ّ يعن يحسن عوضا عن أن يرفض ،الفن ي الجسمان ال ي تشويه الذات. ُ الجسمان يحول الجسد إىل لغة ،يعكس الفكرة الفن ي ّ الن تقول إن الكلمة صنعت اللحم ،فاللحم التوراتية ي هو من صنع الكلمة .صوت أورالن فقط هو من يبق تغيي .والفنان يعمل عل أشكال التمثيالت. دون ر
االختالف: ّ الجسمان عن الفن الجسدي ،بأن األول يختلف الفن ي ً ً للتطهي ،الفن ال يرى يف األلم تحديا أو مصدرا ر الجسمان ال يهتم بنتائج الجراحة التجميلية ،بل يهتم ي ً ً بها بوصفها « ّ عملية» ،واستعراضا وخطابا للجسد 019
عمار املأمون ،أورالن :أشباح القرين الوحشي
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
الجسمان أن ّ ّ تقبل عذابات الوالدة ليس إال يرى الفن ً ي سخافة ومعتقدا عفا عليه الزمن .كما أرتو ،هو يرفض رحمة اإلله ،لذا علينا أن نستخدم التخدير العام، الموضع ،والمسكنات! (أشع بإحضار والتخدير ي المورفي! ليسقط األلم!). المورفي! يحيا ر ر
(كتغيي االسم إىل أورالن). ر الوضوح: ّ ّ التجميلية ،بل الجسمان ال يقف ضد الجراحة الفن ي ً الن تروج لها وتتبناها ،خصوصا يف ضد ر المعايي ي ً َ العالقة مع جسد األنن ،وأيضا يف عالقتها مع جسد ً الجسمان نسويا ،هذا الذكر .يجب أن يكون الفن ي ّ الجسمان ال يتبن فقط الجراحة ضوري .الفن ي ً ّ ّ والبيولوج ،وذلك الطن التجميلية ،بل أيضا التطور ي ي ّ األخالقية. لمساءلة مكانة الجسد وطرح المشكالت
ّ التلق /اإلدراك: ي ً ّ ّ !.. بإمكان أن أعان أن دون مفتوحا جسدي ل أتأم ي ي ا ه مرحلة نفىس وداخلها وصوق إىل أشاهد ي أحشان ،ي ي عشيق جديدة من التحديق" .أستطيع أن أرى قلب ي ّ ّ وتصميمه األخاذ الذي ال يشبه الشكل الرمزي الذي ّ يصور به عادة"0 ّ أحب كبدك ،أعشق حبين ،أحب طحالك، ي ويستثي ين عظم فخذك. بنكرياسك، ر
األسلوب: ّ الجسمان البارودي والباروك والغروتيسك يحب الفن ي والسع لألقض. ي ّ الجسمان الن والتقاليد اف ر األع بوجه يقف الفن ً ي ي ّ ر الفن .الفن تضع قيودا عل الجسد البشي والعمل ي ّ الجسمان ضد الشكالنية وضد االنصياع• ي
ّ الحرية: يؤكد ّ ّ ّ الفردي للفنان. الجسمان عل االستقالل الفن ي ى فهو يقاوم ما هو مسلم به وما يتم إمالؤه ،لذا يتناول ّ ّ الن يتم االجتماع واإلعالىم( ،حيث يخلخل األفكار ي ي ي القضان إىل يصل وقد بل الفضيحة)، ويخلق تلقيها ي
حي ترجمة ،Carnal art 04اخينا كلمة جسمان كمعادل لكلمة carnalر ي ً ً خصوصا أن الفن الجسدي ،body art ،يمتلك تعريفا مختلفا يف تاري ــخ فن األداء ،وال يتطابق مع تعريفات أورالن.
001
َّ أجدن أفكر يف إجراء عملية جراحية ،هدفها لدي، "من ربي مشاري ــع أخرى ي ُ فتح الجسد ،ثم إعادة إغالقه ،وذلك إلنتاج بعض الصور عن جسدي. الوحيد ا لكنن سأكون ضاحكة ،مبتسمة ،مسيخية، سيكون هذا الجسد مفتوحا، ي َّ عل من جميع أنحاء العالم .لقد أصبح ونشيطة .أجيب عن األسئلة الوافدة ي َّ ُ َ بإمكاننا اليوم أن ننظر داخل الجسد ،ونتدخل يف الجسد ،وإزاءه ،دون أن يكون ً ّ مستوجبا لأللمّ : كل واحد منا يمكنه مواجهة ما ُيخيفه ،والتغلب هذا بالرصورة َ ى عليه .وبــهذه الطريقة ،سوف يتخلص من هذا الجهل الغريب لنفسه ،بعدما َّ تمكن ِمن استيعابه" (أورالن ،4228 ،ص .)404.هذه كلمات أورالن ،الفنانة ُ ُ الن تستند أعمالها الفنية بالكامل- ،سواء الفوتوغرافية ،أو الصباغية، الفرنسية ،ي غي البيفورمانس -عل مادة فريدة ،تبدو ر أو المندرجة ضمن فن النحت ،أو ر الن تقول عنها أيضا" :تلك قادرة عل استنفادها :إنها صورة جسدها األنثوي ،ي 000
فاين شوفاليي ،حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
المطلب ّأية خصوصية معاضة ،فاألهم أنه أصبح ُّ ا قابي للتحقق ،وذلك بسبب التطورات الطبية الن أتاحت إمكانية الحصول عل وضعية الحديثة ،ي معينة للجسد ،دون طلبها المسبق .وعند التوليف ربي الفن والتقنيات الحديثة للجراحة ،باعتبارها وسيلة َ إلنصاف الجسد ،وصياغة محتملة ِلما لم يسبق له مثيل ،فإن ر مشوع أورالن ُيعتي استعادة للجهل بصورة الجسد ،وه عملية ُّ ذان ال سيورة تمر عي ر ٍ توليد ي ي ُّ ٌ والمرن0 الصورة خالل من محدود ال د نهاية له ،تجد ي يثيه من التقليد، الفن -مع افياض ما ر يبدو أن عملها ي ً ً العاطق ،واالزدراء أحيانا -لم يكن أبدا صنيع أو الرفض ي ّ ٌ ر سء جذاب يف هذا العمل ،حن الالمباالة .أال يوجد ي يمكن الحصول عل -ومن ثمة االعتقاد ِبـ -التجسيد ً incarnationرغم ما ُي َّ رو ُج حوله(*) ،علما أنه بموجبه يصبح ال مجال للحديث عن أية حتمية يف عملية الخلق ،وذلك من أجل إعطاء ر المشوعية إلبداع ذان من شأنه أن يبتعد شامل للجسد من جديد ،إبداع ي عن كل أشكال الجهل؟ إنه إغراء يحمل ربي طياته
الصفحة البيضاء الن كان يجب َّ والن عل تسويدها ،ي ي ي كانت ف متناول يدي ،ه الجسد ،فقد كان يجب ّ عل ي ي ي ألنن كنت بطريقة ما محرومة منه ،بسبب استعادته؛ ي منعتن من أن أعيش الن المهيمنة، األيديولوجيا ُي ي ُ وحيان كفنانة كما كنت أرغب"( .أورالن، حيان كامرأة، ي ي مقتبس عن برونيه جورج .ج) .يحدد هذان الفن ،الذي االقتباسان ،بحزم ،موقع دينامية عملها ي هو محاولة عالج فكرة الهروب من الجسد- ،طالما أنه ال يوجد جسد محايد -ومحاولة لعالج أنوثة جسدها0 توضح أورالنَّ ،أن ر مشوعها يهدف إىل امتالك الجسد، ورفض فقدانه؛ االمتالك الكامل لصورة الجسد ،وإلغاء ظله" :النظر إىل الذات مواجهة ...والهروب من الجهل" .ليس هناك سؤال قابع يف عمق أعمالها ،بل ٌ مطلب ينبثق منها :محو الفجوة ربي الكائن هناك وبالتاىل "إعادة الصورة الداخلية إىل الصورة والظاهر، ي الخارجية (أورالن ،مقتبس عن بريجيت هتات، ،3003ص ،")33.وذلك بفضل الجراحة التجميلية. ّ يكتىس هذا البديش أق ومع ذلك ،فإذا كان من ي ي
002
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
فاين شوفاليي ،حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
وضمانة النسجام تلك األعمال .لقد جعلت أورالن من نفسها ناطقا رسميا لوضعية الجسد األنثوي ،الذي ى يتشك ُ والن تفرض االجتماعية، األغالل وطأة تحت ل ي ا ً َ منحه شكي معينا .تقوم أورالن بالتوظيف الساخر الن تحكم المظهر للكليشيهات والقوالب النمطية ي األنثوي -لدرجة أنها تجعل جسدها ،عي الجراحة َّ التجميليةِّ ، للنظرة الن تحملها ه ُ نفسها عن مدمرا ي ي صورة َ األنن؛ هكذا ال يمكن إغفال الخطاب النسوي يف تحليل األعمال الفنية ألورالن ،ليس فقط كخطاب لك يضع نسوي يف حد ذاته ،ولكن باعتباره خطابا جاء ي يف الواجهة فكرة االنفصال عن الجسد ،كفكرة تقوم بشكل جوهري عل ُ الن البعد الجنىس -فالدينامية ي ي ُ َ بلغتها يف أعمالها تعتي صيغة فريدة من نوعها، ْ منظورين ،هما: لمعالجة أنثوية الجسد واستعادته عي الصورة والمرن .ومن خالل التوليف ربي هذين ي الفن ألورالن، المنظورين يمكن استكشاف اإلنتاج ي ً اىل الذي أقامته ألعمالها، انطالقا من المعرض االخي ي إىل غاية نهاية التسعينيات0 َّ الجلد ،ومن الجلد إىل اللحم: من النسيج إىل ِ عرض موجز ألورالن ً ا غرابة مزعجة ،وقلقا تجاه هذا االشتغال عل الجسد غي الذي يريد التسلل نحو منفذ للهروب :إن الفجوة ر القابلة لالخيال ،والقائمة ربي كينونة الجسد وكينونة ُ الن يفرضها الجسد عل نفسه، الصورة ،ثم المصادرة ي وكذلك اإلخفاق الذي يستدعيه وضع صورة للجسد؛ ى ه كلها قضايا ُتشكل موضع تساؤل يف أعمال أورالن0 ي حي نجد أن مطلب حيازة الجسد ،وإعادة فق ر ي امتالكه ،ال يخلو من التعامل مع الحقيقة الجنسية لهذا الجسد؛ ألنه عل هامش هذا المطلب الذي يغذيه الخطاب المعاض والسائد -حيث أصبح ً مدعوما بالتحقق بتغيي الجسد رهانا االعتقاد ر الممكن ،بفضل التقنيات الجراحية الحديثة -هناك ى ِّ منظور آخر َ أكي إلحاحا :الخطاب النسوي الذي شكل لفية طويلة العمود الفقري ألعمال أورالن الفنية،
األربعي ً مسيتها اإلبداعية متماسكة عاما من تبدو ر ر ً ومنسجمة ،فالخيط الناظم لها ،والمستمر أيضا ،هو َّ تسليط الضوء عل النقد المتعلق بالقوالب النمطية الن تحكم الهوية األنثوية؛ لكن موازاة مع هذه ي الن ال يمكن إنكارها ،هناك قطيعة حقيقية ارية ر االستم ي من حيث طريقة معالجة جسدها :فأورالن تنتقل يف أعمالها من عملية الكشف عن صورة الجسد األنثوي - ّ التعري. االشتغال عل النسيج وعل الجلد -إىل عملية ً الن تلبس جسد المرأة بدءا من اللحم. نزع الصور ي رّ ً فيبدو الجسد كما لو كان مقشا من طبقاته المختلفة، ُ صورا دائمة التجددُ ِّ ، ً وتبي أن وتنتج هذه العملية ر ه مسألة ال حدود لها ،الجسد بال قرار مسألة الجسد ي أو الصورة بدون نهاية0ً يف مرحلة أوىل إذا ،كان االشتغال عل النسيج ،وعل 003
فاين شوفاليي ،حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ُ َ يلب ُسها الجسد األنثوي .عروض الن الصور ي ه عروض البيفورمانس حول أردية فستان العروس، ر ي ْ ُم َّ . الن استعادت بها الطريقة خالل من وذلك ة مي ر ي الن تثقل كاهل أورالن التقاليد ،أو الصور النمطية ي ْ لتدمي وظيفتها .لقد قامت بتحويل النساء ،وذلك ر الن تقول الرداء عن وظيفته األصلية :هذه األثواب -ي ً إنها نسجتها بنفسها وقد أجيتها أمها عل ذلك ،ترقبا ٌ ٌ ه اآلن معروضة فوق المنصة ،ملطخة للزواج -ي ٌ َ مختلفي ،بقع ترسم أورالن بالسائل المنوي لرجال ر ُ َ العيني. وه معصوبة ر حدودها بتطريزات سميكة ،ي هذه األردية ه الن ُ سيعاد استخدامها يف عروض ي ي البيفورمانس0 ر تنتىم إىل مرحلتها الباروكية ،أعمال هناك أعمال الحقة ي فنية تدور -هذه المرة -حول الصورة المزدوجة للمرأة ِّ عند الرجل :القديسة والعاهرة .هاتان الصورتان
المتطرفتان تتكرران يف أعمالها .فالمكر الذي يحتويه النقد الذي تمارسه ،يظهر من خالل تجميع الصفتان ً معا يف نفس الصورة :إنها تتنكر يف هيئة العذراء عي األردية -العذراء البيضاء والعذراء السوداء ،صليب مستقيم ،وصليب مقلوب(**) -ومن خالل الستائر ُ ْ نىس من تحت ييز فجأة ثدي القديسة ،ييز ِ الج ي الحجاب0 لقد تم التصدي لفكرة ازدواجية صورة المرأة هذه بطرق مختلفة ،كما هو الحال مثال يف مناسبات يبتي (عروض التعري) ،باستخدام أردية فستان السي ر ُ الن تقدم العري وه سلسلة من اللقطات ي العروس ،ي ّ "اإلضاف" وهو تدريخ .تعري ملحوظ ِلـ بشكل ي ي ُ األخية ،ثم تجاوز العري الكامل الصورة الفوتوغرافية ر ّ من خالل إغماء جسد المرأة ،وتعريــها من نفسها ُ لدرجة االختفاء؛ ال وجود للجسد، وحده الرداء فقط،
004
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
فاين شوفاليي ،حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
ملق عل األرض0 ى ْ ً "الفكرة -كما تقول أورالن -تشكلت أيضا ،أننا باعتبارنا ً ً ْ دائما أن نساء ،ال يمكننا أبدا التعري بالكامل ،يجب ّ يبق رسء ما ،يجب ْأن نرتدي صو ًرا ُ وه ا، عن سبقة م ي ي . تغلفنا ،يجب ْأن َّ يتم العبث بالجسد والوجه، صور ً ّ اللذان يحجبان الرؤية .لذلك ليس هناك أبدا أية إمكانية لعري تام" (أورالن ،مقتبس عن ب .هتات، 3003ب ،ص0)473. ّ ر الفن مرتبطا بمساحة الصور، لقد ظل إنجاز مشوعها ي الن شهدتها فية التسعينيات، إىل حدود الثورة الرقمية ي ْ الفن راسخا :تخلت أورالن عن حيث أصبح توجهها ي تغط الن األغلفة المختلفة ،المادية ر وغي المادية ،ي ي ر جسد المرأة لك ُتدرج ر مشوعها مباشة يف لحمة ي ه والن فورمانس، البي عمليات مرحلة جسدها .إنها ر ي ي عالمة عل تحول حقيق ف ر الفن؛ فبعد مشوعها ي ي ي االنتقال من الثوب إىل الجلد ،تنتقل أورالن من الجلد إىل اللحم0 ُ هنا ،مرة أخرى ،تدين أورالن الصور النمطية للجمال، والن غايتها تجسيد دمار المفروضة عل النساء، ي الجسد .فباستخدام الكمبيوتر تقوم بمزج خمس صور سايك ،فينوس الموناليا، لنساء أسطوريات -ديانا، ر ي بتهجي هذه الصور مع صورتها وأوروبا -وقد قامت ر
الخاصة ،وطلبت تنفيذ هذا البورتريه من جراحيها (ب .هتات3003 ،أ ،ص .)473.كل عملية أجريت بتقنية مراقبة األلم ،مما يسمح ألورالن أن تظل واعية، فتقوم بنفسها بتنسيق هذه العمليات ،وكأنها تدير عروض ربيفورمانس حقيقية ،بديكوراتها ،أزيائها، األخية، وقراءات النص الخاص بها .وبالنسبة للعملية ر ر فش الن تمت إعادة عرضها مباشة يف أكي المتاحف ،ي ي بتهجي عملية ذات خصوصية .بحيث ال يتعلق األمر ر ِّ يجسدن الجمال، اللوان صورتها مع صور النساء ي َ ولكن بزرع حافن نتوء ْين من السيليكون فوق ي األخي ،أكدت أن الحاجبي .من خالل هذا الفعل ر ر ر مشوعها ال يهدف بأي شكل من األشكال إىل تجسيد ُ كشكول من الرقع ،حيث المرأة -باعتبارها نتيجة ٍ ُ ض َّم ْت بواسطة الخياطة ،قطع الجمال األنثوي بعضها ً إىل بعض -بل يهدف أساسا إىل التشكيك يف هذه تغيي االتجاه النماذج الخاصة باألنوثة .هكذا يتم ر لفكرة اللجوء إىل الجراحة التجميلية ،حيث لم يعد الهدف منها "المزيد من الجمال" ،ولكن إحداث رشخ يف الجسد ،للكشف عن رشائع الجمال المفروضة عل النساء0 من المؤكد أن أورالن ليست الفنانة األوىل وال الوحيدة الن اشتغلت بجسدها وعل جسدها ،أو قامت ي 005
فاين شوفاليي ،حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
بعرضه يف شكل ربيفورمانس ،أو حن قامت بتحويله يمي اشتغالها عل بطريقة دائمة؛ ومع ذلك ،فإن ما ر فنان تيار فن الجسد ،هو جسدها عما هو معتاد لدى ي الن رفض االضطرار لدفع الثمن ،والثمن هو المعاناة ي يتضمنها الجسد .ال يتجنب فن الجسد المعاناة بصورة عامة ،بل إنه يعطيها وظيفة جديدة ،حيث تصبح الفن ،لذلك تكلفة يدفعها الجسد لتحديد قيمة العمل ي ً غالبا ما تندرج المعاناة يف فن الجسد عل اعتبار أنها ر سء ال يمكن تجاوزه .هنا حيث تشتغل أورالن عل ي الجسد كمادة فنية ،فإنها تستبعد اعتبارها رشطا يكق إلضارها عل ضوريا – وهذه سمة مهمة بما ي وبالتاىل آىل دون تعمدها، ي وجود هذه المعاناة بشكل ي التأكيد عل أن عملياتها ال يمكن أن تكون عروض تسكي الجزء األكي من األلم ربيفورمانس إذا لم يتم ر عن طريق التخدير .إنها تخلق داخل حركة فن الجسد اللحىم Art نفسها عمليات تدعوها فن الجسد ي لتمييها عن فن ( ،Charnelأورالن ،مانيفيستو)، ر تشي بهذه التسمية إىل أن وه ر الجسد ،Body Artي ر مشوعها ال يتعلق بالجسد ،إال حينما يتم التخلص من اإلكراهات الجسدية ،وتجاوز متطلباته وحدوده0
الذي تقوم به ،ال يمكن اخياله يف فعل واحد ووحيد، ُينتظر منه إحالة نهائية عل وجودها ،بل عل العكس ُ ُّ الن تنتج من ًذلك يعد اشتغالها سلسلة من األفعال ي صورا متجددة باستمرار "أنا ال أرغب يف هوية محددة المرتحلة والمتحركة ونهائية ،أنا مع الهويات ِ وبالتاىل، والمتغية (أورالن ،محاضة)"؛ والمتعددة ر ي فإن التطور الذي تعرفه أعمالها الفنية ،ليس المقصود نهان لكينونتها ،ولكنه عل منه الوصول إىل تعريف ي ا الفن بدق سيورة العمل عكس ذلك ،هو إلحاح عل ر ي من نهائية الفعل؛ فما لم تؤكد أورالن ،وبشكل محدد، عل نقطة ال يمكن عندها إنهاء عملية الوالدة الذاتية، لصور عن نفسها، فسيظل هذا اإلنتاج المتواصل ٍ ً ر سء يوجد ال أنه يكشف وهو الدوام، عل متجددا ي تواىل الصور ،وأن أي تيبيت يبدو قادرا عل توقيف ي َ ذان له0 رمزي للجسد َّال ُ يسمح باصطفاء ي لذلك ،يبدو أن ب ْعد افتقاد صورة نهائية للجسد يجعل ر مرن ،وهو يتجل يف الفرق الشاسع الذي سء ر غي ي كل ي
سيورة الوالدة الذاتية: ر استعادة النهائية لمنفذ هروب للجسد ُ ه واحدة فوتوغرافيا بعنوان "أورالن تلد -نفسها" ،ي من أوىل أعمال أورالن -عندما كانت بالكاد تبلغ من ً الن تظهر العمر 47عاما -هذه الصورة الفوتوغرافية ي فيها عارية عل الشير ،تلد مثل قرينها ،والذي هو َّ مخض من البالستيك؛ تدشن ممث ٌل يف دمية "مانكان" ي الفن الذي اختارته أورالن، هذه الفوتوغرافيا المسار ي الالحقة بأكملها تواجه تحدياً فجميع إنتاجاتها الفنية وجسد ِلـ "أورالن األخرى" ،عل صورة يتمثل يف منح ٍ ٍ أساس أنها تمثل أورالن "الحقيقية"0 ّ اللحىم بأنه اشتغال عل تعرف أورالن فن الجسد ي ذان ،وهو عمل يتأرجح ربي تشويه الجسد، بورتريه ي وإعادة تشكيله. وبالتاىل ،فإن مشهد الوالدة الذاتية ي 006
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
فاين شوفاليي ،حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
يبدو عند الوقوف أمام المرآة" :يجب أن يكون [الموضوع] ً قادرا عل تمثيل بقايا صورة الجسد القابلة للمطابقة مع األصلّ ، حن يكون الستحضار اآلخر ٌ الرمزي مكان يف هذه الهوة الفارقة" (ب .هتات، ً 3003أ ،ص ،)43.وتحديدا ّ حن ال تكون مسألة َّ متخيلة ،بل يمكنها االرتباط بما هو الصورة هذه كلها رمزي ،وبالهوة أيضا ،كما أنها مرتبطة بالفقدان وريي ،حن ال يتم القبض عل الموضوع والنقص الرص ر ّ البيفورمانس، حي ،ومع عمليات ر كلية يف الصورة .يف ر تعتن أورالن بإظهار النقص والغياب ،بل بإظهار ال ي صور مشبعة بحضور الجسد0 تخمي العنف الفن ألورالن ،يمكن ر يف عمق المسار ي القاس للجسد ،وظواهره ،عرض لحم الجسد، ي والن ال تقول كل صورته، تلف الن المهولة ابة والغر ي ي ر ر سء من الجسد. سء عن الكائن ،وال تسمح برؤية كل ي ي فالعمل الفن ألورالن شاهد ٌّ ج عل الحل الوحيد ي ي الجهنىم االستالب بهذا يتعلق فيما صاغته الذي ي للجسد .إذ تسمح الوضعية المذكورة يف المقدمة -هذا الجسد المفتوح عل باطنه ،يجعلها ،مع ذلك،
ضاحكة ونشيطة ،كما لو كان جسدا بدون إحساس- الفن :االنتصار النهان لعمل أورالن بتحديد الهدف ي ي ً عل الجسد ،بمجرد أن يصبح صامتا بسبب التخدير، ُ صمت الجسد هو رشط للنظر إليه مواجهةُ . ويعتقد أن اللجوء إىل استخدام التقنيات الجديدة ،الطبية يف هذه الحالة ،من خالل محو األلم مع الحفاظ عل الوع الكامل للموضوعُ ،يعتي كافيا لتلطيف عنف ي نهان مع الذات ،دون بلقاء السماح وبالتاىل الجسد، ي ي ِظل ،ودون جهل0 الجسد يف زماننا ،حسب رأيها ،مهووس بالتقادم والمفارقة الزمنية؛ ليس إلمكانية وضعه يف إطار ُ زمكان ،ولكن عل األقل ألنه يتجاوز الحدود، ي َ ُّ الممارس للتعسف والمالمح الراسخة :وهذا التصحيح عل الجسد والصورة ،هو ما تبحث عنه أورالن من سيورة الوالدة الذاتية خالل التقدم العلىم؛ وتبدو ر ي ً هاته جزءا من االعتقاد الذي بموجبه ،ومنذ اللحظة الن سيطرت فيها التقنيات الجراحية الحديثة عل ي الجسد ،لم يعد ر الن ال الصخرة تلك يشكل ـح ـ ي التش َ َ ي يمكن ّ والن من شأنها أن تصنع القدر ،كما تخطيها، ي 007
فاين شوفاليي ،حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ُ ى يقول فرويد .بل إن ر سيشكل يف الغالب التشي ــح َ صخرة تنتظر أن يتم نحتها وصقلها ،بواسطة موضوع الذان لصورة معينة، ينق انقسامه ،ويرفض االصطفاء ي ي لما يتضمنه ذلك من فقدان للجسد0 ى لكن -ومن أجل فهم غياب هذا النقص -هل يتعلق ًّ التأسيىس األمر يف أعمال أورالن حقا برفض النقص ي للصورة المرآوية ،أم بفشل هذه الصورة تحديدا؟ يبدو ى أن ما يشك ُل خصوصية مسارها -بما يف ذلك ما ً ً يستأثر ،شيئا فشيئا ،بمشهد منح الجسد رؤية كاملة- يكمن يف الحضور المفرط للجسد ،يف وحشية اإلفراط، والكشف يف نفس الوقت عن عدم وجود النقص .من الالكان التعبي له صدى مع المفهوم الواضح أن هذا ر ي للقلق (الكان .ج ،)4293 ،ولسبب وجيه – القلق لم الفن( ،)4كما أنه يف يكن بالتأكيد غائبا عن مسارها ي يثي انتباه المشاهد للوهلة األوىل اآلن نفسه ،ليس مما ر يثي جسامة ردود الفعل عند رؤية أعمالها ،وهذا ما ر البيفورمانس الن سبق ذكرها .فالغاية من عمليات ر ي التأشي عل وجود خلل يف العالقة بالصورة، ف تكمن ر ي ُ وهو خلل يجب ،من زاوية الصورة المرآوية ،أن يحرص
الوع عل شكل غياب ،وذلك حن تكون الصورة يف ي أعي اآلخر صورة متماسكة .لقد ألقت أورالن أمام ر الجسد األنثوي ،متضمنة لبعد اإلفراط وليس النقص، ُ فش ُت ّ عري هذا الجسد حن العظم ،وتظهر ما تحت ي ّ ُ َّ ْ َْ َ عالمات الرتق ،وصوال إىل فت ِقها وفك غرزها -وتمزيق ُ الن ُي ِح ُّب الجسد األنثوي أن ييين الحجب الشبقية ي بها ،بمنطق القطيعة مع أقنعة التنكر األنثوي -التنكر َ ْ ينبع رؤيته أمام أنظار الذي ينطوي عل حجب ما ال ي اآلخر ،لتشكيل النقص0 ّ تحوالت التنكر: منطق ّ التعري كعالج للجسد األنثوي َ ْ سواء تمحورت سلسلة الصور المنتجة ،حول لعبة الحضور والغياب ،الخفاء والتجل ،أو ُّ اليين الزائد ي المنتىم لمرحلتها الباروكية ،فإن عرض أورالن ي الفن، مسار بدايات ف ال، ز ي ال كان األنثوي، لجسدها ي ي ّ لعبة تذكرنا َ ُ بأكي أشكال بحجب الرغبة ،يف مغط فق هذه الفية، التنكر األنثوي كالسيكية .ومع ذلك ي
008
ْ بدأت ُ تيز بعض "الفجوات النيئة" (لينهار .أ،3003 ، وه فتحات حقيقية تمثل صورة الشبق، ص ،)492.ي وقد كان ظهور هذه الفجوات محدودا يف البداية، َ ستمأل بالتدري ــج مساحة المشهد بأكمله. لكنها َ وبالنسبة ألورالن ،فعما قريب ،لن يتعلق األمر بل ِع ِب خدعة برصية للحضور عل خلفية الغياب ّ - حن وإن ٌ خوف من عقوبات انتقامية (ج. ريفيي، استتبع ذلك ر -)4232لكن سيتعلق األمر بجعل صور الرغبة ٌ ُ مفرط يف تكشف عن نفسها ،بتعريتها ،وكأنما "ما هو ُّ المرن (ناهون .س")3000 ، جنىس الظ ي لعضو َ َ ْ ي هور ِّ ُ ٍ يأن ُلي َفتق رتوق (ثنيات) جلد القضيب0 ي هذا االرتباط القائم بي ُبعد اإلفراط ف اإلظهارُ ، وبعد ر ي ً الواقع داخل الجسد األنثوي ،ليس تأويال بسيطا لما
تعرضه أورالن أمام المشاهد ،بل هو ارتباط مدعوم ً تدىل بها حول الظواهر الن أيضا بالترصيحات ي ي ً ُ فش تؤكد خاللها أيضا عل المصاحبة لفية البلو ،ي هذه الفكرة حول ُ ُّ والتجرد من المفرط يف الظهور، ُ التقاعس والرعب يف مواجهة امتالك الجسد ،ثم حول تروقن كثية ال واقعه" :الجسد ُميمج للقيام بأشياء ر ِ ي ْ َّ إطالقا! وليست لدي سيطرة عليها! عل سبيل المثال عندما كنت مراهقة ،رأيت فجأة ْثد َ َّن ُ يكيان ،ولم يي ً أهتم أبدا بهذه القصة .فلم أكن أريد نهائيا أن أصبح امرأة )...( .يتم توليدها إلنجاب أطفال ،تماما كما يتم توليد البقرة (منقول حرفيا)؛ فكل هذا كان يبدو ىل ّ مما ي كبي ،لم أرغب يوما يف أن أكون عفا عليه الزمن إىل حد ر ا َ ََ ر سء (نقي عن رح ًما .لم تكن هذه المكننة ِ تعنين يف ي ي 009
فاين شوفاليي ،حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ميلر ج .أ ،3008 ،ص .")2.ظهور الحيض هو بمثابة َّ غي مرغوب فيه ،إذ لهما نفس النغمة ،كالهما حمل ر ا ِّ ر ("سء ال يمكن تصوره يظهر بغتة دون أي استعداد ي ادن")؛ هذه ادن ،ورغما عن إر ي إطالقا ،ألنه خارج إر ي الن ال يمكن تصورها حول تذبذب األنا يف الشهادة ي مواجهة الجسد تحيل فجأة إىل أبعاده الواقعية، َ ََ التلقان الجسد ة، ن الجسد العضوي ،الجسد المك َي َ ُ ُ والوظيق ،والجسد الخائن ،الذي يعتي األنثوي داخله ُ َ ً ما ،ي وفيه يشكل فيضانا ُّ كل ما هو إجباري مقح الحضور :إفراط يف الحيض ،إفراط يف األثداء ،إفراط يف احتماالت األمومة0 ويبدو أن هذا "اإلفراط" عل وجه التحديد ،والذي ُ تعرضه أورالن يف أعمال ربيفورمانس ،كمحاولة تعيد الالمرن من الجسد إىل موطنه من خاللها ،بأي ثمن، ي ّ يف حقل الصورة ،أي داخل الكل وف مقابل ي المرن ،ي منطق التنكر .فأعمالها تقع ،كما تقول ،ربي "جنون الرؤية واستحالة الرؤية (أورالن ،4228 ،ص:")29. ُ يحدث كما لو أن األنوثة َّ ر مهمة يجب إنجازها، سء كل ي ليتم بعد ذلك استئناف االختالل بالنسبة للجسد، ً التأثي عل فالظواهر المرافقة للبلو ،ال تفشل أبدا يف ر
صورة الجسد ،وهذه المهمة األنثوية بالنسبة ألورالن، ُ ال ُت َ نج ُز يف حميميتها ،بل تجد نفسها هنا ،منشورة أمام العالم0 َْ "أنا امرأة تكشف عن دمها وفتحاتها" ،تقول أورالن؛ تعبي عن هذا والبيفورمانس ،رأس ِميدوسا ،أفضل ر ر البيفورمانس هنا عل استخدام عدسة المنطق :تقوم ر الجنىس ،وقد تم مكية ضخمة لكشف عضو[ها] ي ُ عيات المحيطة به باللون األزرق، تلوين بعض الش ر ُ وذلك يف فية حيض[ها] .وتظهر شاشة فيديو ،رأس ٌ ُ ُّ ُّ َمن يستعد (تستعد) للمشاهدة .بينما ترصد شاشة أخرى رأس (رؤوس) من يشاهد(ون) .وعند باب الخروج ُّ يتم توزي ــع نص فرويد حول رأس ميدوسا، َ والذي يقول فيه" :عند رؤية الف ْرج ،الشيطان ُ نفسه يهرب (أورالن ،4228 ،ص .")23.يف مقابل التنكر ،لم تكتف أورالن بإزالة ُ الحجب عن الجسد األنثوي ،بل ً ستجرده كليا من ِّ مزيناته الشبقية ،وتجعله كاشفا عن نفسه "من هنا حيث ال تمكن مشاهدته(( ")3كاترين برييات -)3000 .أي عرض ر "سء ما" عل أنظار ي اآلخرين ،والذي يعمل التنكر تحديدا عل إخفائه بأية الن أصبحت طريقة .إنه أيضا الحد األقض للصورة ي
021
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
فاين شوفاليي ،حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
وبالتاىل ،محاولة إغماء نظر اآلخر :أليس ُيقصد بعرض ي لحم الجسد تيبيت نظرة اآلخر بدقة ،واجتياحه من خالل مراوغته ،ثم "االستيالء" عليه من خالل تحويله إىل حجر؟
وضعية جسد المرأة: من ر سياس إىل رهانات نفسية مشوع ي "لطالما اعتيت جسدي كامرأة ،جسدي كامرأة فنانة، ا مادة َّ . عمل تساؤالت طرح لطالما عمل لبناء ة ممي ر ي ي عن وضعية الجسد األنثوي ،عي ما يمارس عليه من الماض ضغوط اجتماعية ،سواء يف الحاض أو يف ي ا افن گاسمان ،3007 ،ص.")33. (أورالن ،نقي عن:گز ر ي المثي لالهتمام يف هذه المقولة -رغم الموضوع يظل ر المتكرر الذي اشتغلت عليه أورالن بتنويعات مختلفة- هو أنها لم تلق سوى القليل من التشجيع ،من طرف ُ النفسانيي الذين منحتهم أعمالها المحللي العديد من ر ر ا ُ الفن من مادة للكتابة عنها ،بغية االقياب من عملها ي التباه بهذه زاوية األنثوي .ورغم أنها كانت قادرة عل ٌ ي . ٌ المؤكدة "أنا ُ رج ٌل واحدة وامرأة واحد"«je ، المقولة suis une homme et un femmeداعية بهذه الجنسي ،حيث يمكنها تعزيز الطريقة إىل المزج ربي ر فكرة تعدد الهويات ،فإن هذا التأكيد ،يف الحقيقة ظل ً مكتوبا عل يافطة ،ولم ُيكتب بأي شكل من األشكال جنىس يف عل جسدها؛ لذلك ،ال يوجد أثر لتحول ي كي حرصي يف أعمالها، مسيتها الفنية ،ولكن هناك تر ر ر التدمي الذي تتم ممارسته بأي ثمن عل الصورة عل ر الن يجب أن تبذلها أورالن حن ال ُاألنثوية .ما الجهود ي الجنىس عرض جسدها من زاوية التحديد ينظر إىل ِ ٍي تجعلُ ه نفسها ال [أي الجسد األنثوي] ،يف ر حي ي ً ً ً جسدها خيطا رابطا ألعمالها فحسب ،بل أيضا، ً دعامة أساسية ورهانا إلبداعاتها؟ ً عند هذه النقطة من َّ الصمم تحديدا ،يتم إدراك السياس الكامل الشتغالها عل الجسد المغزى َّ ي ُ األنثوي؛ فالصمم يكشف أنه لم يعد باإلمكان التعرف ً ُ عل ما هو أنثوي يف الجسد ،حيث يوجد ُمنسلخا عن
ا هنا ملغاة ،وقد َّتم تأجيلها إىل ما ال نهاية له ،لذلك الم َّ فانهيار الصور ُ سطحة -األقمشة المستخدمة لفية طويلة ،اللعب عل الصور النمطية األنثوية ،أو الجلد ر سء ،سوى بالتاىل، العاري -لن يؤدي، ي إىل اكتشاف ي ٌ الصور ،مرة أخرى .لكنها صور ليست بنفس المكانة، فش ال تستهوي األنظار بهدف إثارة الرغبة ،بل عل ي العكس ،هذه الصور المرعبة (الميدوسية) تهدف أو تميل ،إىل خسوف النظر المنبعث من الثقب األسود غي قابل للعي" :إجماال ،أنا أختار يف عروض ما هو ر ر ي غي هو ما لكن نفسه)؛ المرجع (أورالن، للمشاهدة" ر . قابل للمشاهدة ،والذي يولد العىم والصمم لدى جمهورها ،ربما ال يحيل بشكل أكي إىل تعرية جسد َ الن تمارسها عليه ،بقدر ما األنن من الكليشيهات ي ر سء غامض يف الجسد؛ يحيل إىل محاولتها إظهار ي 020
فاين شوفاليي ،حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
عمل يذهب إىل أبعد من مجرد االختفاء البسيط َّ للجسد األنثوي ،كما هو ممث ٌل يف عروض سلسلة الن ّتم فيها استخدام أردية فستان السي ر يبتي ،ي العروس .ويبدو أن هذا المنطق هو إعادة تصحيح للصورة المبتذلة النهائية ،حيث لم يعد الجسد ُ األنثوي هو موضوع االختفاء، الن ولكن حجب الرغبة ي ُّ تخق ً َ األنن، دائما عن األنظار ،ما يظل ،من جسد ي الشبق .ومن جهة أخرى ،ال تحط إعادة النظر خارج ي يف وضعية المرأة كموضوع للرغبة ،باألسبقية يف ُ ر عط األولوية لإلضار ت الفن ،بقدر ما مشوع أورالن ي ي ِّ ومتمية عل الرصورة القصوى ،لفتح طرق جديدة ر عل اإلطالق يف التعامل مع الجسد ،قصد الحصول عل امرأة0 ِّ مع ذلك ،وكبديل عن هذا الخطاب النسوي والقضايا َ ًّ ُ السياسية لهذا الجسد الذي يراد له أن يكون "محي للمناقشات العامة (أورالن ،المرجع نفسه)" ،هناك إدراك لبعد آخر ،هذه المرة ليس من زاوية النقد
غشاء األنوثة ،بعبارة أخرى ،إن رهانات معالجة الجسد األنثوي لم تعد قابلة للتحديد ،مادامت تمارس عملها عل الهامش ،منفصلة عن إطار التنكر0 السياس لمسار وف الواقع ،ال يمكن اخيال االهتمام ي ي والمعايي الثقافية القواني الفن ،فقط يف إدانة أورالن ر ر ي الن تلبس الجسد األنثوي :فأصالتها اإلبداعية ي َ . وه باألحرى تظهر بكثي من ذلك المتكاملة أوسع ر ي الن تضيفها يف عملها ،من خالل جيدا يف الخطوات ي الن ترسم الجسد األنثوي استهداف نسف الحدود ي ً َّ وفقا لخطوط المرغوب فيه .لقد هدمت أورالن الـ "أو"[ ،جسد مذكر أو مؤنث] ،وقامت باستبداله بإمكانية ظهور "و" [جسد مذكر ومؤنث] ،يف إشارة إىل إضافة ُبعد جديد للجسد األنثوي -وهو ُبعد رفضته نظرات المشاهدين عل نطاق واسع ،سواء كانت تلك النظرات ذكورية أم أنثوية ،وذلك حن تظل ى ّ التعري صورة المرأة شبقية مهما كلف األمر .إن منطق ً يرىم إىل نزع ِّ كل ما ييكه ُعري َ محجوبا ،ضمن األنن ي
022
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
فاين شوفاليي ،حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن
غي مسبوقة للتعامل مع جديدة ،وذلك ضمن محاولة ر وه محاولة موسومة ِبـ "من حقيقة الجسد األنثوي ،ي ا َ ه عل ذلك( ،نقي المرأة إىل المرأة الخنن" ،كما تؤكد ي جورج ج ،).وهذا بعيد كل البعد عن سؤال برون- عن ي ي ه المرأة؟" – والذي كانت تعتيه أورالن دعوة "من ي لمعرفة المرأة .فهل يمكن لهذه اإلعادة الالنهائية تصي المرأة امرأة؟ لتشكيل الجسد أن تعمل عل أن ر ً إنها محاولة َلمنح األنثوي جسدا ،ولجعل جسد المرأة ً تميي هذا متماسكا بدون شك؛ لكن ال يمكن أبدا ر صيورة المرأة من خالل تجاهل الوظيفة الشبقية، ر ً يعن أبدا إلغاء الفصل وأن ر تصي المرأة امرأة ،فذلك ال ي الجنسي .وعي أعمالها الفنية ،تنتشل أورالن ربي ر الخارج ربي رجل وامرأة، نفسها بحزم من التبادل ي ً وتؤكد ذاتها ليس كامرأة ،ولكن كآخر مختلف جذريا•
سؤال، االجتماع ،بل من جانب تطبيق وتجسيد ٍ ي ً الحرف بالمعن ، واقعا أصبح صياغة، له ليست ي ر سء يحدث بالنسبة للجسد األنثوي، للمصطلح .فكل ي يأن ليكون (محاولة) إجابة عن هذا السؤال كما لو أنه ي الذي لم ُيطرح أصال ،ألن األنوثة لم تكن موضوع أيِّ َْ غي0 تل ر االجتماع إىل المشهد يؤدي هذا التحول من المشهد ي ً الفن ،ولجوئها الذان ،إذا ،إىل اعتبار مسار أورالن ي ي ا المكثف َ متمية لسند الصورة ،صيغة لمعالجة ر َ قصد تذويت الغرابة. للجسد ،ومحاولة تشكيل جسد، َ فبعد استنفاذ التمثالت الشائعة لألنوثة عي تحويل وجهتها نحو السخرية ،وبعد رفض هذه النماذج ً المستهلكة بالكاملَ ،ت ُ ظهر أصالة أورالن انطالقا من َّ ر التالس المؤكد لصور تلك التمثالت ،وتجربة أشكال ي
هوامش هذا المقال منشور يف مجلة ،3042 ،Champ Psyالعدد ،93ص0440 - 22 . * مما يروج حول هذه الفكرة االعتقاد بحلول الذات اإللهية يف الجسد( .الميجم) ** الصليب المستقيم هو رمز للمسيحية ،بينمـا الصـلـيـب الـمـقـلـوب ،هـو رمـز لـمـنـاهضـة الـمـسـيـحـيـة ،ومـخـالـفـة أعـرافـهـا الـتـقـلـيـديـةُ ، ويـعـرف بصـلـيـب ً القديس بطرس ،وهو مقلوب رأسا عل عقب( .الميجم) ُ ّ َّ ر ه فتاة تمتلك عيناها قوة خارقة ،فتحول أي كائن بشي إىل جماد أو حجر بنظراتها ،فتم قطع رأسها ،وتعليقه *** ميدوسا يف األسطورة اإلغريقية ،ي العي ر الشيرة ،وقد وظفها سيغموند فرويد لمناقشة فكرة القلق من اإلخصاء( .الميجم) اعتقادا أنه يدفع ر 4تقول أورالن » أمام حاالت الرعب الكبي من الموت ،وه خطية جدا ،إن ُ الن تعمل عل التهدئة« ،وهذا مـا قـادهـا نـحـو ه وحدها الفاليوم قن ح ر ر ي ي ي التحليل (ميلر ،ج.أ ،3008 ،ص0)8. غي مرئية" ،ترصي ــح كاثرين برييات عن فيلمها ه ر " 3إنها امرأة تدفع ثمنا لرجل ال يحب أن ينظر إىل النساء ،لينظر إليها من هذا الجانب ،حيث ي ر جهنىم" ،وهو مقتبس من روايتها بورنوقراطية. "تشي ــح ي BIBLIOGRAPHIE BREILLAT Catherine, Pornocratie, Paris, Denoël, 30040 BRUNET-GEORGET J, «Corps «trans» et représentations art et psychanalyse»0 GASMANN Xavier, «Les esquisses symboligènes», in La lettre de l’enfance et de l’adolescence, n° 92, p0 34-38, 30070 HATAT Brigitte )3003a(, «Miroirs», in L’en-je lacanien )no 2(, p07-330 HATAT Brigitte )3003b(, «Entretien avec Orlan», in L’en-je lacanien )no 2(, p0493-4830 LACAN Jacques0 )4293-92(, Le Séminaire, Livre X, l’Angoisse, Paris, Le Seuil, 3003 LINHARES Andréa «Orlan, l’auto-portrait comme œuvre d’altérité», in Penser, Rêver, Créer, Revue Psychologie Clinique n°48, Paris, l’Harmattan, p0437-479, 30030 NAHON Claire Laurence «Le trop visible d’un sexe invisible ou les privilèges de l’informe», in De la différence des sexes entre les femmes, PUF «Forum Diderot», Paris, p034-72, 30000 MILLER Jacques Alain, «Initiation aux mystères d’Orlan», )conversation avec Orlan( in Le Nouvel Âne n°8, Paris, Navarin, p08-43, février 30080 ORLAN, «Surtout pas sage comme une image…», in QUASIMODO n° 3 «Art à contre corps», Montpellier, 42280 …»ORLAN, «Manifeste de l’Art charnel …ORLAN, «Conférence», extrait 4 RIVIERE J, 4232, «La féminité en tant que mascarade», in Féminité mascarade, Paris, Le Seuil, pp0427-342, 42230
023
024
زووم
025
026
املوتُ ال يعنيين البتة ،فهو إن وُجد ،لن أكون موجودا... (أبيقور) ه تأخذ جسدها أبعد من الموت ،إىل بداية الحياة ،إىل ما قبل الحياة ر حي كانت ي حي كان الجسد والموت سيان .جسد واحد يعيش تعدده دون مفارقة أو غياب ،ر كل الحضور يف غيبوبة الزمان والمكان0 ي تسائل وجود الكائن عل هذه األرض .تعتمد يف ذلك عل ذاكرتها الشخصية، تاركة شظايا الذاكرة الجمعية تأتيها ربي الفينة واألخرى .اإلحساس بأن لديك ُ جسدا وال ر غي الجسد :هذا ما تشعر به مارينا أبراموفيتش يف كل ربيفورمانس سء ر ي َ ُ البيفورمانس ،حن تدخله .تشعر أن جسدها صار "أنا أعل" .فـ "ما أن تلج فضاء ر َ ر سء آخر"(.)4 الن تعرفها .إنها ي تجد نفسك يف مقام "أنا أعل" .أناك ليست األنا ي 027
بومجعة أشفري ،مارينا أبراموفيتش ..وجها لوجه أمام اللحم
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ر ر ر سء سوى هذا يتالس الخوف ،يتالس األلم ...وال ،ال ي ُ (العي ُ - الفم)0 الجسد ر
ُ ر القبض عليه بىسء ما تعذر الحركة ،من أجل اإلمساك ي سابقا000
الرصخة الن ُت ِّ حر ُر ي
ه ،مارينا ،مرة أخرى ،تتذكر نفسها عندما كانت ها ي صغية (أربــع سنوات) ،كانت مع جدتها (من طفلة ر ُ أمها) يف الغابة ،رأت شيئا غريبا ،خطا ممددا عل ُ األرض يتحرك ببطء ،مدت يدها لتلمسه؛ وفجأة انبعثت ضخة رهيبة من فم جدتها :مارينا ،ال ،ال ،ال ُ تفعل ،إنه ثعبان" ...ألول مرة ،شعرت بالخوف ،ليس ي ُ الىس ُ ر أخافن ،بل الرصخة" ،تقول مارينا؛ الذي هو ء ي ي "الخوف يأتينا من العائلة ،ومن األفراد الذين يحيطون بنا؛ هم من يبثونه فينا"(0)3
ٌ ٌ ٌ حرية عنيدة وصاعقة يتمي بها ربيفورمانس مارينا ر ُ أبراموفيتشَ .ي ُ لوح الجسد يف مناطقه القصوى ،يف تنتق فيه كل المواضعات األخالقية .هنا الحد الذي ي ويصي الجسد جسدين، تصبح "الرصخة" جسدا، ر ر الخي والش. االثني خارج منطق ويبدأ التفاعل ربي ر ر حن يف "الصمت" يتكرر هذا المشهد0 ُ َ ُ ُ ويتقابل "الصمت" مع تتقابل "الرصخة" مع آخرها؛ َ ٌ مفتوح ف مواجهة فم مفتوحَ .ج ٌ آخرهٌ ... وف فم ِ ٍ ي ٌ ٌ ُ ًُ . . يلع ُق ٍما َّ سان َ ترسب صغية تقذف دما الل يعوي .نواة ر . الرصخة/ يف تشققات سان ِ الصخرة .عل سطح الل ِ ِ ُ لح البحر0 ي يستلق عطر ِم ِ كيف الذهاب إىل الخارج؟ :عي اللسان الذي يف الفم؟ اللسان الذي يف فم المرآة؟ أم عي ِ ٌ ِّ الداخل ،يف الشعور متاهة الطفولة ،يف انزالق يف ِ ي
وها ه اآلن ،ف بيفورمانس َماُ ،ت ُ خرج الباطن من ي ر ٍ ي ُ ُ دخله يف الخارج .يصبح المشهد تجويفا/ الداخل وت ُ ُ ٍّ ريه ،وال ُيمكنك منفذا من لحم آدىم يف مشتش ع ِ ي ُ َ الولوج فيه دون أن تالمس بجسدك عري الذكر- َ األننّ ،إما تكون وجها لوجه أمام الرجل العاري ،أو تكون وجها لوجه أمام المرأة العارية ،سواء كنت أنتَ
028
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
بومجعة أشفري ،مارينا أبراموفيتش ..وجها لوجه أمام اللحم
َّ األنا واآلخر ،بي الشبيه والمضاعف ،بي َ مع وضد، ر ر ربي القمة والسفح ،ربي السطح والعمق...؛ حن تنتق0 الحدود ربي الحواس َ ا ي َ َ تدمي الياكمات يصبح الجسد مكنة راغبة يف ر الن نتجت عن سلطة "اللوغوس" عل والطبقات ي "األنا" و"اآلخر" ،وذلك بتشي ــح الرغبة من سجنها السحيق ،لتصبح ملكية مشيكة ربي الناس ،وليست أسية ثالوث العائلة :األب ،األم ،االبن(ة)0 ر
أنت ،ذكرا أو َ أنن0 أو ِ هل األمر يتعلق باإلثارة ،باأليروتيكا؟ وماذا لو تعرى أحد الحاضين ومر بينهما ،ربي مارينا ُ "أول ْ مثيا إىل درجة وي" ورفيقها العاريي؛ سيكون األمر ر ر ُ ِّ المار ُ أن لحم َّ المتناه يف سيصعق برعشة العري ي ُ وف نهاية المطاف ،أليس بيان الجسد هو الحضور .ي لحم ُ ُ العري؟ مارينا أبراموفيتش ُت ُ الكالىم خرج المشهد من كونه ي ُ ُ ٍّ ٍّ فعل/ تفاعل ،الجسد فيه هو ضخة لتدخله إىل ٍ ي كون ي العمل0 تنتق كل الحدود ربي فق عروضها األدائية الصارخة ي ي ر : النق والمدنس، المقدس ، والش الخي الثنائيات ر ي والملوث ،السماء واألرض ،اللطيف والعنيف ...ال يعود ثمة َ "و ٌاو" أو حدود تفصل ربي هذا وذاك ،ربي
ربيفورمانس "إيقاع )2("0
هذه الفنانة دعت الحضور وتركتهم يفعلون بها ما يشاءون لمدة ست ساعات .وما فعله أحدهم يف األخي ُيعد من قبيل الجنون0 ر أنجزت الفنانة الرصبية مارينا أبراموفيتش ،يف عام 029
بومجعة أشفري ،مارينا أبراموفيتش ..وجها لوجه أمام اللحم
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
ً "بيفورمانسا" محفوفا بالمخاطر .لقد سلمت ،4273ر جسدها كليا للحضور لمدة ست ساعات .مبدأ هذا البيفورمانس ،الموسوم بـ "إيقاع ،"0بسيط جدا، ر سيختم ُ لكنه ُ بمسوح ُمدثر برداء الجنون0
عليها 73شيئا .ملصق يعلوها يمنحك التعليمات التالية "عل الطاولة 73شيئا يف متناول أيديكم ،بواسطتها يمكنكم أن تفعلوا ين ما تشاءون0 ربيفورمانس0 أنا موضوع0 أتحمل مسؤولية ما سيقع خالل هذا الوقت0
النابوىل "مورا" ،تنتصب الفنانة ،يف يف األستوديو ي ُ قاعة ،دون حراك .يف القاعة طاولة مستطيلة وضع
031
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
بومجعة أشفري ،مارينا أبراموفيتش ..وجها لوجه أمام اللحم
مكانها ،ثبتوها عل طاولة وحشوا سكينا ربي فخديها0 مزقوا مالبسها بشفرات حالقة ،وقام رجل بجرحها عل مستوى الرقبة ،وبعدها لعق دمها .بعضهم اعتدى عليها جنسيا .لكن التعذيب لم ينته ،بل إنه تضاعف0 "خالل الساعة الثالثة تم تمزيق مالبسها بشفرات الحالقة .وعند ابتداء الساعة الرابعة تم خدشها وجرحها بشفرات الحالقة .لقد تم االعتداء عليها األمريك توماس الفن جنسيا" ،هذا ما رواه الناقد ي ي البيفورمانس من ألفه إىل ماكفيل الذي حرص وتابع ر ي يائه0
المدة الزمنية :ست ساعات (من الثامنة ليال إىل الثانية صباحا)0 صنفي .األول" :أدوات اللذة"؛ تنقسم األدوات إىل ر التدمي"0 الثان" :أدوات ر ي غي ضارة تماما .يوجد ريش ،ورد ،عنب، اللذة أدوات ر عطر ،نبيذ ،خي000 التدمي: سكي ،مقص ،قضيب من حديد، أدوات ر ر شفرات حالقة ،مسدس ورصاصة000 مثية لالنتباه وقعت يف الساعات األوىل، ال ردود فعل ر ر "الىسء" /الفنانة، فقط فوتوغرافيون يقيبون من ي ويلتقطون صورا .بعد ذلك ،بدأ أشخاص من الحضور، شيئا فشيئا ،ينخسونها ،يقبلونها ،يرفعون ذراعيها يف ُ غي أن هذا الحال ليس سوى الهواء ،أو يهدونها وردا .ر هدوء قبل العاصفة0 بعد انقضاء ثالث ساعات بدأت األيادي تمتد ألدوات التدمي .بعض األشخاص عملوا عل تنقيل الفنانة من ر
األخي رتي: الساعتي ه مارينا أبراموفيتش تتذكر ر ر وها ي مالبىس، جردون من بأن اغتصبت ،لقد ي "شعرت ي ي بطن أشواك الورد ،وصوبوا مسدسا نحو وغرزوا يف ي أس"0 ر ي 030
بومجعة أشفري ،مارينا أبراموفيتش ..وجها لوجه أمام اللحم
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
بشكل مفاج ،وبعد انقضاء الساعات الست ،لم يعد "الحضور" قادرا عل رؤيتها وجها لوجه .لقد أضحت مرة أخرى ،يف نظرهم ،كائنا إنسانيا0 ومع ذلك كانت هناك ردود أفعال مختلفة إبان البيفورمانس .كان هناك بالفعل "فريق معتد" و"فريق ر حمان" .فبعدما صوب أحدهم المسدس نحو رأسها، ي . الفريقي يمكننا القول إن هذا نشب عراك ربي ر البيفورمانس َر َّج جميع الحضور0 ر تحك مارينا أبراموفيتش عن هذه يف أحد فيديوهاتها ي التجربة" :هذا العمل يكشف عما يكمن من بشاعة يف الن يقرر فيها أحد ما الناس .هذا ُيظهر مدى الشعة ُي إيالمك عندما ُيسمح له بذلك .هذا يظهر كم هو سهل إذالل شخص ال يدافع عن نفسه .هذا ُيظهر أن أغلبية الناس "الطبيعيي" يمكنهم أن يصيوا َ أكي عدوانية ر ر ُ وسط الحضور عندما تمنح لهم الفرصة واإلمكانية"0 إنها ،مع األسف ،عل حق0 ُّ الصلب واليائب ُ ِّ تضع مارينا جسدها يف منطقة الخطر ،تؤز ُمه ،تختي قدرته عل اجتياز آدميته اإلنسية وقدرته عل تجاوز الحيطان .ر العظىم ،تحمله عل ظهرها، تعاش هيكلها ي ترقد معه جنبا لجنب ،ترسم نجمة بشفرة حالقة عل بطنها ،يتدفق الدم من ُ َّ شِة البطن000 ُ وها هو "الجسد ،عل ما يبدو ،بداية الوجود؛ وهو، ُ كذلك ،نهايته ،رغم أوهام األديان"( .)3وهو أيضا َّ ُ ُ ٌ ُ خلخل بنياته الباطنية اجتياح يسود المكان ،يتملكهُ ،ي ُ يبلبل لسانه (لنتذكر لسان الثعبان المزدوج والجوانية، لحظ من فم /لسان مارينا وهو عل مرىم ٍ أبراموفيتش)000 ُ عطر .من ائحة ر ، ائحة ر إىل لحظة، ف ، الجسد يتحول ِ ٍ ي ٍ َ ُ َ ُ ُ ُ وف البعد. يستطيع مقاومة ِ العطر؟ يجتاحك يف الق ِ رب ي َ "هناك وضوح العطر الذي هو أكي إقناعا من الكلمات، من المظهر البرصي ،من العاطفة ومن اإلرادة .يمتلك العطر يقينا ال يقاوم ،يدخل فينا كما يدخل يف رئتينا 032
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،1ماي 3133
بومجعة أشفري ،مارينا أبراموفيتش ..وجها لوجه أمام اللحم
ُ الهواء الذي نتنفسه ،يملؤنا ،ويعيد مألنا كليا ،ومن َّثم ُ َّ ُ ضده"(0)3 تنتق وسيلة الدفاع عن النفس ي هل ربيفورمانس مارينا أبراموفيتش يجسد الحد الفاصل ه ربي "موت اإلله" و"يقظة الجسد /الكائن"؟ هل ي بالفعل وبالقوة تقف عل عتبة ما قبل الكالم (عتبة الن اللحم) ر حي كانت حركة الجسد خالية من الرمزية ي اآلدىم بعد االنتقال من الطبيعة إىل ستغلف الكائن ي الثقافة؟ ر سء مــا ي ـت ـضــام داخــل هــذا ال ـج ـســد :ال ـل ـحـ ُـم .وال ـل ـحــم يف ي ُ ربيفورمانس مارينا نتيجة تجربة مياكمة يف الزمان والـمـكـان. ه "ل ـحــم الــزمــن" الــذي ي ـج ـع ـلـ يـن أش ـعــر أنـ يـن "ال ـت ـجـ ٌـربــة ي ـوىل .ال فـاصـل ب رـي لـحـم للحم" ِ "امتداد ِ العالم الذي مـن ح ي ـوع وجسـدي جسدي ولحم العالم ،ب رـي "جسـدي الـمـوض ي الفينومين" .ليس جسدي "قطيعا تائها مـن اإلحسـاسـات" ي بل هو جزء من اللحم الدائم للعالم"•)9("... هوامش )4مارينا أبراموفيتش ،اجتياز الجدران( ،مذكرات) ،ترجمة أوديل دومانج ،منشورات َّ فيار ،باريس ،3047 ،ص02 . )3المرجع السابق ،ص077 . بنابوىل )2ربيفورمانس مارينا أبراموفيتش ،عرضته يف قاعة عرض ي بإيطاليا عام 04273 )3آن أنزيو ،المرأة َ األنن بعيدا عن صفاتها ،ترجمة طالل حرب، ي ر والنش والتوزي ــع ،ربيوت ،ص039 . المؤسسة الجامعية للدراسات )3المرجع السابق ،ص032 . المسكين ،الكوجيطو المجروح ،أسئلة الهوية يف الفلسفة فتخ )9 ي ي المعاضة ،منشورات "االختالف" ،الجزائر ،و"ضفاف" ،ربيوت، الالمرن)، لوبونن وتحرير الطبعة األوىل ( ،3042لحم الذات أو رمي ي ي ص0440 .
033
034
) (
035
عيسى خملوف -واسيين األعرج -احساين بزنبري -فدوى القاسم -فدوى الزياين -بسمة شيخو
036
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
عيسى خملوف ،جان جونيه حيا بني أهله يف املغرب
ُ ر األخية من حياته ،ودفن يف مقيتها العش السنوات ر ى القديمة المطلة عل البحر .من هذه المقية يبدأ الفيلم وفيها ينتشُ ، وي ر ّ شع األبواب عل تجربة أحد ي ّ ّ ر كتاب القرن العشين المتفردين ،من خالل عائلة ى (تتألف من أب ّ وأم وولدين) تقيم بجواره يف متواضعة ّ المطل بالكلس األبيض0 المقية وتحرس قيه ي
َّ ّ المغربية دليلة النرص أن ترى يتسن للمخرجة لم فيلمها "جان جونيه أبو الزهور" ،وهو آخر أفالمها. حي خطفها كانت تضع اللمسات ر األخية عليه ر الثقاف" يف باريس عرض الموت .مركز "جورج بومبيدو ي هذا الفيلم ف السابع ر عش من مارس 3033يف إطار ي تكريمه لمخرجته0 ّ وحسه الشعري ونفاذ مدهش هذا الفيلم ببساطته رؤيته ،وهو يحك ّ الفرنىس جان جونيه يف قصة الكاتب ي ي ّ المغربية حيث أمض عالقته بمدينة العرائش
سأتقاسم معكم ،هنا ،أربعة مشاهد من الفيلم قد ا ّ العام0 تكون دليي عل مناخه 037
عيسى خملوف ،جان جونيه حيا بني أهله يف املغرب
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
المشهد ّ األول: ّ يظهر فيه األب ،واسمه يونس .يقول إنه ُولد يف ًّ ّ شابا .كان وتعرف إىل جونيه يوم كان ال يزال المقية ً يراه يزور المكان ويجلس دائما تحت الشجرة نفسها. ً ّ األهاىل يحسبونه ويتأمل البحر" .كان يحمل كتابا ي ً ّ لكنهم ال يعرفون أنه كاتب مشهور". واحدا منهم، ً ّ ّ ويضيف" :عندما كنا صغارا ،كنا نمأل القفص ّ بالعصافي ّ الحية ،وكان جونيه يقيب منا ما إن يرانا، ر ى ُ ّ ويشييــها كلها ،ثم يفتح باب القفص ويطلق شاحها. كبية ألننا بثمنها نستطيع الذهاب إىل وكانت سعادتنا ر السينما"0 الثان: المشهد ي ُ الصغية ،ضخ ،ربي المقابر ،وتقرأ تجلس االبنة ًر . بصوت عال مقطعا من كتاب تسألها والدتها لمن ّ ُتقرأ ،فتجيب" :أقرأ لهم .للمون .كأنهم أطفال وأنا . أ َعلمهم" .وعندما تعاود الفتاة كتابة اسم جونيه بقلم أسود عل شاهدة القي بعدما يكون هواء البحر المالح ّ تردد: "أنت وه قد محا ِ حروفه ،تلتفت إليها والدتها ي ّ تكتبي"0 تعرفي كيف محظوظة ألن ِك ر ر المشهد الثالث: ً ّ ّ ّ ه أيضا قصتها مع األم جالسة عل حافة القي تروي ي الكاتب الراحل. "أجء كل يوم بعد الظهر وأجلس ي بقربه .أشعر بالراحة واالطمئنان عندما أكون بجانبه، ُ ّ باىل الهموم .هو عزيز عل ال سيما عندما تشغل ي قلن" .تسألها المخرجة" :وهل زوجك عل علم ي ً . زوج ال يعرف شيئا عن "ال، جونيه؟" مع بعالقتك ي ّ هذه العالقة ُ .ال يعرف أن ين أجلس بالقرب منه باستمرار ،وال أخيه بذلك .بحسب عاداتنا ،ال ُيعقل أن تقيم امرأة عالقة صداقة مع رجل"0
دليلة النظر فارغة وننظر إىل البعيد .هذا ّ كل ما نملكه"0 هكذا تتواىل الشهادات يف فيلم دليلة النرص الذي هو ّ شعرية ،فنستمع إىل أقوال أفراد العائلة بمثابة مرثاة ا الن تحرس المقية ،فضي عن ذكريات أصدقاء ي ّ يتحدثون عن الكاتب الذي أصبح أسطورة أبناء المدينة .صحيح ّأن ىقلة منهم قرأت نتاجه ،لكن ّ لكل ّ الخاص، واحد منهم حكاية يرويــها عنه وفق مزاجه ّ "غي الكثي من البسطاء وبينهم والصيادين والفقراء ر ر ًّ ّ ر المرئيي" ،كأن جونيه ال يزال حيا بينهم .وكم تتالس يف ر . كلماتهم المسافة ربي األحياء واألموات هؤالء الرواة
واألخي: المشهد الرابع ر يلعب الصبيان عند مدخل المقية .تقيب منهم والدة ّ ُ ر سء ضخ َلتبعدهم عن المكان ،ولتحثهم عل فعل ي آخر أكي فائدة .فيجيبها أحدهم وهو يبتسم" :جيوبنا 038
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
عيسى خملوف ،جان جونيه حيا بني أهله يف املغرب
هم ،عل نحو ما ،التجسيد ّ األدن الخ لعالم جونيـه ي ي ّ وكي إىل مصائرهم0 الذي يحفل شي المي ر بالمهم ر جان جونيه ،اللقيط والمنبوذ المجروح يف وجوده، ى رفض ُ ّ َ َ االجتماعية السائدة كلها، والقيم البن القائمة ى فهو لم يعرف أبويه وتخلت عنه ّأمه وهو يف شهره ر ّ والتشد والعزلة والسجن .كان السابع ،وعاش الشقاء ً ّ الش ّ غي ر ع مسكونا بخوف متأصل من الطفل ر ي ّ ّ الواقع ومن اآلخرين .وربما هذا ما يفش رغبته ّ ُّ خلص من ّ ّ إنسان" ،وهذا ما كل ما هو العميقة يف "الت ي ّ ّ ُيطالعنا يف معظم نتاجه ،من "يوميات اللص" ّ النص الذي كتبه تحت عنوان و"الخادمتان" إىل ّ "أربــع ساعات يف شاتيال" فور زيارته المخيم برفقة ّ المروعة0 ليل شهيد ،إثر حدوث المجزرة هذا الرجل الذي رأى ما رأى وعاش ما عاش، استطاع أن ّ ّ كبية .أليس يحول ألمه إىل طاقة إبداعية ر ُ أصل الجمال"؟ وتبق هو القائل" :وحده الجرح كلماته حاضة فينا ،وآتية إلينا من بعيد ممزوجة الن تحوم بأصوات أمواج البحر وصيحات النوارس ي فوقه ،حيث هو اآلن ،يف ملكوت الغياب والصمت•
039
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
فدوى الزياين ،ذاكرة مرة
ذاك رة مُ رّة لم أعرف شيئا عن الجسد سوى ما قرأته يف الكتب الن ّورثتها ولم يكن يف بيتنا مكتبة سوى تلك الكر ر اطي ي ه لنفىس بعد سفر ي إخون إلكمال تعليمهم ،الكتب ي ي علمتن ماذا يعنيه "جسد". من ي منهمكتي يف طاحونة األشغال وأخن فكانتا أىم ر ي أما ي ّ الن جردتهما من الغناء ثم من الكالم شيئا اليومية ي فشيئا... ّ كنت ف الثالثة ر عشة تماما ،وكان يوما عصيا عل ي 041
النسيان ّ الن بدأت تيز عل ر ال لألشياء ي غي إدر ي جسدي... بعد ذلك اليوم بدأت أنفر من كل هذه المنحنيات، انعطافة الخرص ،النتوءان البارزان عل صدري اللذان بكثي ،الشعر الخفيف جعالن أبدو أكي من عمري ر ي ر سء كل جسدي، من الخفية األماكن يظلل بدأ الذي ي ّ لم أصنعه ولم تكن يىل يد يف نموه أصبح مدعاة للخوف والتوجس واإلخفاء. أج الذي بين ر وبي ي بدأت أدرك أن هناك فرقا شاسعا ي
فدوى الزياين ،ذاكرة مرة
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
يكي ين بأربــع سنوات ،فالخط الذي نما عل شاربه أن ،بينما أىم واعياز ي مثل شب من النمل مدعاة لفخر ي هذان النتوءان يلزم أن أخفيهما عن العالم وبكل طريقة ّ ممكنة ،وبحكم العادات القديمة يجب أن أحددهما بقطعة من الملح ّ الخ وأرميها يف بي المسجد القديمة ي كرمانتي تغريان بالقطاف ،لكن ويصبحا حن ال يكيا ر الن بدأت تنمو عل ظهري كلما حاولت الحدبة ي إخفاءهما لم تزعج أحدا... وينحن ظهرها كناقة الن بدأت تطول سيقانها ي الفتاة ي ليس منظرا مزعجا بل دليال عل حسن الخلق وخجل يؤاخيه التأدب... أما خارج العائلة ما إن يبدأ نهدا فتاة بالظهور حن لجن التفاح ،الكل يستبيح يصبح األمر كموسم مفتوح ي الن تحمل فاكهة أبكر وأكي، النظر وتغويه الشجرة ي بالنسبة يىل لم أكن أعرف ما هو الحجم المطلوب فاكهن تحت سيتقبلن به العالم ،حاولت سحق الذي ي ي ّ أج ألىم ثم وجدت حزاما أبيض يخص ي وشاح قديم ي حي كان يتدرب يف زمن سابق عل رياضة ر الكبي ر ّ الكاراتيه ،حزام خشن وطويل جدا كنت ألفه من بداية قفض الصدري حن أعاله ألمسك زمام هذين ي القبيحي وال أدعهما يتمددان ويكيان الشيئي ر ر ليثيا الرعب أو الرغبة يف عيون وينطلقان إىل الخارج ر اآلخرين0 أىم العشبية اللون توجد سجادة تركية نسج يف غرفة ي عليها رسمة غزال بعيون بنية واسعة ،خلفه غابة تكمل اخرصار الغرفة ،فوق رأسه تماما بقعة دائرية مثل شمس داكنة لكنها لم تكن سوى أثرا لبداية احياق الكهربان. سببه المصباح ي كثيا ما راقبت عيون الغزال وأنا أتابع حركة بؤبؤيه ر المريبي وهما يالحقان أينما تحركت ،وما كنت ألملّ ر ي أبدا من هذه المناظرة البرصية لوال أنه يف هذا اليوم انتباه بالذات كانت هناك عينان أحبهما تشدان ي َ أج اللتان تشعان حياة وسعادة وهو إليهما أكي ،عينا ي الكال الجديد ،شوال جديد يف أن يف شواله يأخذ ر ي ي ي وف ذلك الوقت من السنة يعتي كهدية من ذلك الزمن ي 040
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
فدوى الزياين ،ذاكرة مرة
تنتظرن يف الحمام الن كانت أىم ،ولحقت أنا ي بأخن ي ي ي المي يىل. األسبوع وقد يحتاج كان هذا اليوم مخصصا للحمام ي ساعتي إلتمام طقوسه وهو األمر ساعة ونصف حن ر وقت كاف للهروب من غضب والدي مجهول األسباب. لكن هذا الصباح بالذات لم كنت مأخوذة بالموسيق ،ي أرفع صوت "الريزينغ" عاليا ألتحدى حضوره يف غيابه وأخن بعد خروج ذكور البيت أىم ي أو أشاكس صمت ي الموسيق الذي أشيعه يوميا يف إىل مهامهم .الوهج ي البيت كدفقات من شموس رشيقة يتسلل خفية إىل الن األركان ،وكنت آمل أن أكنس به كل هذه الرتابة ي تحافظان عليها بهمة النساء العظيمة...
الن ال نعرف عنها سوى ما نراه يف هدايا سانتا كلوز ي أج األفالم الفرنسية ،هدية تستحق االحتفال .وألن ي مرتي، كان طالبا يف اإلعدادي فقد كان له حظ العيد ر ر الكال بينيته المكوية بعناية أماىم يتباه بشواله ي مىس ي الواسعي ،يدخل يديه بشكل يشبه شديدة وبجيبيه ر شارىل شابلن وهو يجرب اتساع جيبيه ويلتفت حركة ي يمينا ويسارا بشكل مضحك أمام المرآة ،وكنت جالسة أىم بوجه مبتسم ويداي عل المرتبة مبدية عل شير ي الطفوىل بالشوال أج فرحه إعجان ومشاركة ي ي ي الجديد ،ومخفية يف نفس الوقت امتعاضا وحزنا من كون ولدت يف جسد مختلف... ي رّ بعيني تفيضان ر بشار ال يبش حي دخل والدي فجأة ر ر وامتعاض ،لكنه خرج شيعا بخي ،لملمت ابتسامن ر ي ي َّ كما دخل وبوجه احتدت مالمحه وازدادت قسوة وضامة مما جعلنا ننفض عن حفلة الشوال ،غادر ّ ليدس رأسه ربي كتبه بعد أن وضع كيه يف دوالب أج ي
لحقت بأخن واألفكار تأكلن لم غضب والدي عندما ي ي أج بالغرفة وما الذي يزعجه من فرحنا ر ي آن مع ي
042
فدوى الزياين ،ذاكرة مرة
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
ر أمىس خلفه ببطء وهدوء يخالف ارتجاف الطفلة ي يسبقن هو بكل عصبية وتوتر يخالفان داخل بينما ي ي ضامته وهيبته. ر المىس خلفه قراءة حاولت يف اللحظات القليلة من ي ينتظرن يف الخطوة القادمة ،ربما أفكاره وماذا ي سيمنحن هدية أو ربما بنطلونا جديدا مثل الذي ي من أن أكتب له رسالة سيطلب لعله أو ألج اشياه ي ي إىل أحدهم كما يفعل دائما... ر الىسء الوحيد الذي يجعلن أشعر بقيمن كفتاة ي ي ي من أن ر صغية يف هذا البيت ،أن يتنازل والدي ويطلب ي المغرن إىل أكتب له رسالة مهمة أو أنقل كتابة بخطه ي ورقة أخرى بخط أوضح ،والدي العظيم الذي بمجرد همسة منه تنفد كل طلباته... ى بداخل شعورا بالقوة واالنتصار، د يول احتياجه يىل ي تميي أحدهم وإعطاؤه إحساسا بأنه األفضل هو أحيانا ر الصغية أنانين فقط كل ما نرغب فيه لذا كنت أغذي ر ي ّ من بكيياء وتباه لعله يدرك وأنا أكتب ما يطلبه ي تعليىم. منعن من إكمال حي خسارته الفادحة ر ي ي نفىس أن ما سيحدث كنت أعلم جيدا يف قرارة ي لكنن كنت كما دائما مخالف تماما لكل ما أفكر فيه ي أهرب من الخوف بالخياالت وتأليف القصص،
الصغي الهادئ؟ ر ِّ ً َ منذ أكي من أسبوع ووالدي يدخل إىل البيت متجهما َ أكي من عادته وال أحد يعلم سبب ذلك ،كانت هناك وأىم عن إشاعات الن تزورنا ي همسات تيدد ربي الجارة ي تدور حول حدث يخص عائلة من معارفنا حاولت ابنتهم االنتحار بسم الفيان والبلدة كلها تتهامس حول شكوكها عن السبب... اليوىم ألي نتيجة ،لذا انتظرت تجسىس يوصلن لم ي ي ي أن وهمسات حن تكشف األيام ما يخفيه تجهم ي وأىم... الجارة ي خرجت من الحمام بخدود متوهجة وسعيدة إىل بعد بالفستان األحمر الذي ر أخيا وصلت واليته ي كثيا أن يزيد يف أخن الكيى ،والذي دعوت هللا ر ي جسدي سنتمييات أخرى طوال حن أتمكن من اض قبل أن االستيالء عليه ،وأنا أتلذذ ي بجماىل االفي ي أىم وجدته أمام الحمام أصل إىل المرآة يف غرفة ي ر من بإشارة من يده أن ألحق به ،لم يكن مباشة يطلب ي األمر غريبا فقد شعرت نوعا بما سيحدث... ّ باردتي جدا. وجنن شيعا وأصبحتا ذاب توهج ر ي الخطوات خلف والدي أيضا غريبة وباردة مشهد كاميا وموسيق تصويرية ،أنا سينمان ال تنقصه سوى ر ي 043
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
فدوى الزياين ،ذاكرة مرة
أيقظتن صفعة ساخنة جدا عل خدي األيش... ي غريب جدا كيف تصبح الصفعة ملتهبة بقدرة قادر يف هذا الجو البارد ،استوعبت شيعا ما سيحدث بعدما أقفل باب "غرفة الخزين" حيث تتكدس أكياس خيش ّ وخابيتا والطحي والشعي والسكر كبية من القمح ر ر ر التمر الكيى والصغرى ومصيدة الفيان القابعة بينهما .طبعا أعرف جيدا كل ركن بالغرفة ،شقة المفتاح والتسلل إليها لشقة حبات اللوز والجوز جزء اليوىم الذي أكش به بعضا من قواعد من الشغب ي البيت الصارمة ،بدأت أفكر مرة أخرى كم من الوقت سييكن هنا وبدأت أختار ّ ر "الخناس" سأجعلها أي ي ي ليلن مع الفيان ،لكنه لم يتأخر طويال ألنام شيري ي ّ ليعود وييع حبل خنشة السكر ويلفه عل يده ويبدأ يف مهمته اإلبداعية العظيمة بيك خطوط حمراء وزرقاء عل جسدي رغم األلم والبكاء يف صمت خوفا من مضاعفة العقاب مجهول األسباب ،لكن ضاخ داخل دون توقف ثم بدأت االفياضات تواىل يف ي أضخ باكية مستعطفة: أبـا مانعاود وهللا َّ "وهللا َّ أبـا منعاود غي ّ وهللا َّ گوليا آش درت وهللا أب َّــا منعاود". أبـا ر كنت جاهلة تماما بنوع الفعل الشنيع الذي قمت به ألعاقب لكنن وسط النشيج كنت أقسم صادقة عل ي عدم تكراره... أبـا عافاك ّأبا هللا يرحم َّبـاك َّ هللا يرحم َّبـاك َّ أبـا عافاك ّأبـا... ّ َّ عل لكن أرفقت ر لعل أحي بها قلبه ي كثيا كلمة "بــا" ي عكىس... عل ما يبدو عادت بأثر ي أخية تظاهرت باإلغماء وتظاهر بتصديق يف محاولة ر لدقيقتي ،خرج من الغرفة ليعود بقارورة األمر وتوقف ر أس وعاد إىل ما كان يفعله سابقا ماء بارد أفرغها عل ر ي لكن هذه المرة بحبل مبلل ويد بارزة العروق000 اج من ال أذكر من انتش األمر أو كيف أطلق ش ي 044
فدوى الزياين ،ذاكرة مرة
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
أىم مثل العادة، وضعت الصينية ي وأوان الشاي أمام ي كفتاة مؤدبة خرجت من الغرفة ثم عدت للمطبخ وأنحن تحت النافذة المطلة لوسط الدار... ألتسلل ي أىم وسمعتها بصوت خافت تقول: انحنت الجارة عل ي َ ّ جبت ليك صح الخبار كاليك أاللة البنت حمالت من وه بغات تقتل راسها0 خوها هو هرب ي
أىم الغرفة أنن عدت إىل حضن ي اللعينة ،كل ما أذكره ي ى بجسد مبلل بالماء والبول والمخاط والدموع ،بجسد ّ ّ السن تعذر ولكون يافعة جري ــح وروح فاقدة الحس ي ّ عل فهم ما حدث0 ي أىم العريض كان قادرا عل جمع كل هذا صدر وحده ي البكاء َّ وحوله إىل كومة تشهق يف صمت0
ً واألربعي ،ما زلت أحمل كرها أنا اآلن يف السادسة ر دفينا لهذا الجسد ،أخفيه دائما أسفل الخزانة كما تخق البنات ثوبا قديما ّ يعز عليهن التخلص منه ،لكن ي بحلق ومحفورا حفر الوشم عل معلقا السؤال ال ز ال ي ي ُ ُجلدي ،لم وحدي أخذت بذنب الفتاة ولم وحدها أخذت بالذنب وتحملت العقاب واالحتقار والمهانة لسنوات طويلة؟
حلق أليام ،لكن حدسا ما ظل السؤال حجرا عالقا يف ي يشعرن أن جسدي الذي بدأ يكي هو السبب بداخل ي ي يثي االشمياز من كل يف كل ما يحدث ،ثم بدأ شعور ما ر ّ ر كالخز وشعور وبداخل وينمو عل جسدي حوىل سء ي َّي ي آخر يف القلب يتحجر0 المواىل جاءت جارتنا لتمارس عادتها يف األسبوع ي ألىم... اليومية يف توصيل األخبار ي وألن ه التلصص لم أكن متعن الوحيدة حينها ي ي بعزىل يف هذا اليوم بالذات عن ما يحدث ألسمح لهما ي كلفن األمر بالخارج ،سأسمع ما يدور بينهما مهما ي
هل كان جسدي؟ جسدها؟ أم جسدانا معا هما السبب؟•
045
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
مليس علي” ،من يستطيع أن خيربين ما هو اجلمال“ ..؟
ً ان"00 ر ي ما شخصا نفىس ألن وفق سارتر" :أرى ي ي تعن النظرة تتوقف الن ي فعل "رأى" ..أو الرؤية ي بالدرجة األوىل عل (الشكل ،الجسد) ..ولطالما كان الجسد بوابة عبور ..عتبة أوىل للوصول إىل (اآلخر) 00 ّ هذا (اآلخر) ذو الوجود الرصوري ليفهم أي منا ذاته، ً ذان"0 بين ر وبي ي "يصبح وسيطا ي ما أهمية نظرة اآلخر إلينا ..إىل أشكالنا وأجسادنا..؟ هل بفعل هذه النظرة نصبح نحيا ألجل اآلخرين، خاضعي لقوانينهم ..أو أنها ضورية لتجعلنا نرى ر أنفسنا من الخارج.. وبالتاىل زيادة وعينا بأنفسنا ي
وألنفسنا..؟ ّ الوضعي..؟ ما هو الحد الفاصل ربي ر ً ً هل النظر ّ إىل ..إىل جسدي بوصفه شيئا ،يطلق حكما ي ً جماليا00 ً ا وبالتاىل قبوق لدى (اآلخر) وفق نظرته هو تحديدا..؟ ي الجماىل للقبول أو الرفض..؟ المعيار ما ي ّ َ ومن يحدده..؟ ً نظرة اآلخرين إلينا تجعلنا َ أكي تحفظا وأقل حرية.. ُ ونقض ولو خارج"، تجينا إىل رؤية أنفسنا "كشكل ي ي حي وعينا بذواتنا وفهمنا لها من الداخل ..بمعن إىل ر 046
مليس علي” ،من يستطيع أن خيربين ما هو اجلمال“..؟
أصدقاء ديونيزوس ،العدد ،7ماي 2022
ُ قض رؤية الجوهر -المضمون0 ن ُي تأثي تلك "النظرة" ..أن لكن يفيض أن يعود لينحش ر ى ً حي تكون محصورة كليا يتقلص كأنه ما كان ،السيما ر الخارج "الجسد"0 بالشكل ي ً ّ يف حديث سارتر عن (النظرة) رأى أنها تبدأ ضاعا البد ً منه مع اآلخرين ،ألن فيها تعزيزا لتشنء أي منا ،أي ير ر وف إطار دفاعنا عن أنفسنا سء ..ي اخياله إىل مجرد ي ّ نرد تلك النظرة لدخر بمثيلتها 00 ّ غي المعلن.. لتتحول حينها إىل النظرة /االستفزاز ر ً ّ التحدي0 وبالتاىل إىل امتالكنا شيئا من ًي كثية يمكن أن نقوم بتحجيم تلك النظرة ذاتها أحيانا ر ّ نتحداها عي تجاهلها0 وكأنها ما كانت، ً فعليا ..البعض منا يفعل ذلك طوال الوقت ،السيما ً ً وتميه بتمي ،ر حي يمتلك جسدا مختلفا ،لكنه مختلف ر ر أن قيمته ال تنحرص بمجرد تكريسه عل حساب أركان الوجود /وجوده األخرى ..أركان تستمد قوتها من حقيق "للفعل" ،الذي يقف خلفه إبداع حضور ي وذهن ال يكيث لهيئة الجسد الخارجية0 فكري ي ّ ولهذا لربما تحول السؤال ليصبح :أال يمكن أن تشتمل
ا نظرة اآلخر إلينا احتماق برؤية مواطن القيمة والجمال والفعل لدينا..؟ الحقيق ي ي ثمة فكرة تتلخص بأن قبول اآلخرين لك يتوقف بالدرجة األوىل عل قبولك لنفسك00 نفىس َير ين اآلخر0 وفق ذلك كيفما َأر ي ان مقدار ما أرى هل تنقلب المقولة لتصبح"ً :اآلخر ير ي الن أرى من نفىس" ..أو هو ير ي ان تماما بالطريقة ي ي نفىس0 خاللها ي ً ا كبية بالذات وفهما معرفة يحتاج األمر ال شك أن ر ً عميقا لها0 ف كتابه ر (بشة سوداء ،أقنعة بيضاء) يذكر فرانز ي فانون" :من يستطيع أن يخي ين ما هو الجمال"00 ما هو الجمال الذي من خالله يتم قبول اآلخر لنا، الشكل /الجسدي..؟ القبول ي الغي سوى بمقابلتها ال يوجد سبيل إىل تحجيم نظرات ر بنظراتنا إىل أنفسنا وفهمها الفهم الصحيح ..أن ندرك ً تماما أن نظرة العقل َ أكي صوابية من جميع نظرات العيون•
047
م يف احلياةِ .جَسَدًا يف "مَنْ يَتَحَكَّمُ يف اإليقاعِ يَتَحَكَّ ُ سدٍ .جَسَدًا يف حدِّ ذاتهِ .واقعًا أو جتريدًا. مواجهة جَ َ مُسمَّرًا يف اللَّحظَةِ احلاضِرَةَِ ،أعْمى عَنِ إِبْصارِ املاضيَ .أصَمًّ عنِ اإلِنْصاتِ للمستقبلِ .يكتفي اجلسدُ بذاتِهِ .يكتفي باإليقاع .املستحيلُ ممكنٌ ،بالفعلِ ،مثل رؤيةٍ متوقَّعَةٍ يف زمن النسيان .نسيان ما يهيِّجُ العامل .جسدًا وفضاءً .كيانان يف كيان واحدٍ .وجهًا لوجهٍ مبثابةِ استرسالٍ .من الذاتِ إىل الذاتِ .كلُّ شيءٍ يتوقف فجأةً .ال شيءَ حييا سوى حلظةِ اإليقاعِ.
حلظة الرقص .زينون يتحكَّمُ يف اإليقاع .يهيمنُ على الزمنِ احلاضرِ .يتحكَّمُ يف جسدهِ .احلياةُ مِلْكٌ له."... (عبد احلق سرحان)
048
049
051
Ω Louis Blanc