الحسن شاهدي :المعسول مصدر للرحالت السوسية
http://www.minculture.gov.ma/index.php?option=com_content&view=article&id=916 :hassan-chahidi-maasoul-essai&catid=51:etude-et-essais&Itemid=153 ال يمكن النظر لتآليف المرحوم محمد المختار السوسي إال في إطار حركة التعريف بالمناطق المغربية المختلفة ثقافة وحضارة ،وجغرافية ،وتاريخا ،وأدبا ...تلك الحركة التي نشطت في النصف األول من القرن العشرين ؛ فلقد أشرت في بحوث سابقة ( ) 1إلى أهمية هذه التآليف التي أرخت لمناطق وأقاليم معينة من المغرب كمراكش وآسفي والصويرة والرباط ، وسال ،ومكناس ،وفاس ،وقبيلة بني زروال ،وتطوان... وجل الباحثين يؤكدون على هذه األهمية للكتابة اإلقليمية في التعريف بما تختض به الجهات في المجاالت العلمية والثقافية المختلفة .يقول األستاذ عباس الجراري{ :كلما قسم نطاق اإلقليم في الدراسة إلى بيآت صغيرة كانت دراسة اإلقليم مكتملة ومستوفاة ،وهذا ما يجعلني أحبذ األبحاث والتواريخ التي ألفت وتؤلف ،ولو بطزيقة قديمة ،عن مدن كمراكش ،وسوس ، وتطوان ،والرباط ،وفاس ، ...فإنه من مجموع هذه الكتابات يمكن تهييئ المادة التي قد تساعد على استخراج الصورة الحقيقية للمغرب سواء في تاريخه السياسي أو الفكري }() .2 والمختار السوسي نفسه كان مقتنعا بأن الكشف عن التراث الوطني ،والتعريف بأعالمه ،والوقوف على مجاالت اإلبداع واالبتكار فيه ،ال يمكن أن يتم ذلك دفعة واحدة وبطريقة مجملة ،بل {ال يمكن أن يتكون تكونا تاما إال من التواريخ الخاصة لكل حاضرة من تلك الحواضر ،ولكل بادية من البوادي } ( . )3لذا يحذر مما يمكن أن تفهم به هذه الكتابات على أنها نوع من النعرات الصيقة ،أو من العنصرية الممقوتة التي فشل المستعمر ـ من قبل ـ بكل وسائله في نشرها بين القبائل وتركيزها في النفوس والضرب على وترها {لجعل المغرب أشالء ممزقة } () . 4 فالتأريخ لألقاليم إذن واضح الهدف ،بين المقصد ،يسعى لوضع لبنات صرح الثقافة الوطنية ،وإبراز جوانبها ،وإحياء ما اندثر أوتنوسي منها ؛ فهذه التآليف كما يرى المختار السوسي ـ {سيتكئ عليها الذين سيتصدرون للتاريخ العام المستوعب في العلم العربي المغربي غدا }() . 5 ومن هذا المنطلق ؛ فكتبه الكثيرة عن سوس ،والتي تربو على السبعين كتابا ( )6تسد فراغا كبيرا كان يستشعره الباحث في تاريخ هذه المنطقة .يفول في مقدمة كتابه المعسول { :وأنا ال أزعم في هذا الكتاب إال أنه مجموعة مهيأة لمن يستقي منها غدا ما يريد ،ولذلك أحرص على ذكر العادات وطرائف األخبار ،والنكات األدبية ،والقوافي }( )7؛ يتعلق األمر إذن بموسوعة شاملة ال تهمل أي شيء من تاريخ اإلقليم ،وتراثه ،وثقافته ،ومالمحه الفــكرية والعلــمية واألدبــية ؛ إذ ال سبيل لكتابة تاريخ وطني دون استجالء عناصر هذا التاريخ في األقـــــاليم والجهات ،ومحمد داود أيضا حين أقبل على كتابة تاريخ تــطوان كان مدركا صعوبة كتابة التاريخ العام للمغرب قبل التوفــــــــر على المعــلومات واألخبار والوثائق التي يزخر بها تراث األقـــاليم المختلفة () .8 ومع ذلك ؛ فانكباب المختار الســـوسي على هذا المشروع ،وانشغاله به دون سواه في الكتابة والتأليف ،ربما أملته عوامــــل متعددة في مقدمتها تعلقه بمسفط رأسه ،وسعيه للرفع من شأنه وإبراز مآثره كما يبدو مما عبر عنه وقد أشرف على االنتهاء من موسوعته المعسول () . 9 ولعل الهدف من التأليف هو الذي رسم طريقته وحدد منهجه ،فكتابات السوسي ال تتغيى االنتقاء واالختيار ،بل تسعى إلـــــى جمع األخبار والنصوص والوثائق في السياسة واالجتماع والثقافة واألدب { فمهمته األولى هي توفير المادة الخام ،أما عملية التحويل والصياغة ومناقشة األفكار فيرى أنها تأتي في المراحل القادمة ؛ ومن هنا نصادف أخبار الفقهاء واألدباء والصوفية واألولياء }() . 11 وهكذا أدرك أن هذا الهدف ال يمكن تحقيقه إال بإعمال الرحلة والتجوال للقاء العلماء ،وزيارة مراكز العلم والثفافة والتصوف ،كالمــــدارس والمكتبات والــزوايا ،فبدا المعسول وكأنه رحلة تتالحق مراحلها ومشاهدها لتنتظم القطر السوسي بكـــــامله ، حواضره وبواديه ،فجل مصادر مواده ( من أفواه الرجال ) كما يعلن في أكثر من مرة ،فالنفس الرحلي باد في كل ما أثبته في هذا الكتاب من تراجم أعالم ،وأخبار ،وقضايا ...وهو نفسه يعده سبب الرحلة ونتيجة لها ،ويعتبره أوفى تآليـــــــفه في االستجابة لتطلعات القارئ الباحث وتساؤالته ،كما يعبر عن ذلك في آخر رحــــلته ((من الخمراء إلى إيلغ )) بقوله { :وبعد فإنني وفيت بما كنت وعدت به رفاقي في تقييد هذه الرحلة ،فـإن كان القارئ ال يرى فيها ما يراه في الرحالت فلينتظر حتى يطالعه ما أمامه من الذيل الطويل الذي سيكتب فيه بحول هللا ما لم يجمع قبل اليوم في كتاب } ( ،)11ويقصد بالذيل الطويل كتاب المعسول ا لذي يقع في عشرين جزءا . ويذكر في مناسبات كثيرة أن ما يؤرقه ويقض مضجعه عجزه عن الوصول إلى النصوص والوثائق والمعلومات التي تعينه على تقديم صورة واضحة المعالم والسمات لهذه المنطقة ،لذا فاهتمامه األول ينصب على ما كتبه السوسيون من مخطوطات وما دونوه من رحالت وفهارس وكنانيش ،وما عداه من كتابات غيرهم يؤخذ على سبيل االستئناس والمقارنة والتوضــــيح ، يقول ملمجا إلى األهداف التي يسعى إليها في رحــــالته ،والمناهج التي يتبعها في تحقيق هذه األهــــــــداف في تآليفه عامة والمعسول على الخصوص { :وعادتي في رحالتي تتبع المخطوطات من مؤلفات السوسيين فأصفها وصفا شافيا ،وأمـــــــا المخطوطات من غيرهم فال أعيرها أهمية كبرى ما لم تكن من النوادر أو من الغريب وجودها في سوس ،كما أتتبع دفات
الكتب حيث يألف السوسيون ،من قديم ،كتابة التاريخ و للوقائع والوفيات ،وكم جمعت من المجاميع من دفات الدفـــــاتر والكتب العادية من هذه الفوائد ،ثم أنظم ذلك في سلك الرحلة } ()12 وإذا كان المختار السوسي انجذب إلى آفاق إقليمه ،وتنقل في حواضره وبواديه ألسباب سياسية وعلمية في مرحلة التأليف واإلنتاج والعطاء ،فإنه في مرحلة الطلب والتحصيل كان مالزما لحلقات شيوخ العلم واألدب في أهم حواضر الشـــــــمال المغربي ،فدرس بمراكش خمس سنوات ،وبفاس أربع سنوات ،وبالرباط سنة ،فتكوينه العلمي تم في المغرب وعلى يد علمائه الذين ظل معتزا باألخذ عنهم ،دائم الحنين إلى مجالسهم العلمية ،ذاكرا القضايا والموضوعات والمناقشات المثارة في هذه المجالس )13( . ومن الشيوخ واإلخوان بفاس ،الذين تردد ذكرهم في تآليفه :موالي الصديق العلوي ،ومحمد العابد الفاسي ،وعبد الواحد الفاسي ،وابنه عالل الفاسي ،وإبراهيم الكتاني ،وعبد العزيز بن إدريس... ومن مدينة مكناس يخص بالذكر علمين بارزين فيتحدث عنهما بشاعرية متميزة ،مما يبرز مكانتهما عنده ،وهما :عبد الرحمن ابن زيدان ،والتهامي المعروفي .يقول عن األول{ :وأهوى أن أجـــــــالس مرة أخرى أستاذنا الكبير العالمة ابن زيدان في خزانته ،وأنا وهو منفردان ،فيفتح لي خزانتين :خزانة كتبه التي أغرق فيها وازداد إمعانا في الغرق كالنحلة في خابية العسل ،وخزانة قلبه التي ال يفتحها إال لبعض تالميذه األخصاء ،فأرى منه ما قل أن يراه غيري من أفكار وانتقادات ،وأبحاث حول شخصيات مغربية ال تصدر إال من مثله الذي ال يتكلم إالعن إنصاف ،ثم ال يتهيب أحدا }() . 14 وبالرباط يحن إلى مجالس شيوخه من بينهم :المدني بن الحسني الرباطي ،والقاضي السائح الرباطي ،والعــــــالمة محمد بن العربي العلوي ،ويستعرض ذكرياته مع اإلخوان العلماء واألدباء من مثل العالمة التطواني السلوي الذي كان متجره بالرباط مجلسا يلتقي فيه المختار بثلة من األدباء كاألساتذة عبد هللا الجراري ،ومصطفى بن مبارك ،ومصطفى الغربي ،وابن عثمان المراكشي... أما مراكش {حيث الفؤاد ال يزال ثاويا ،حيث مناهل الصفا عذبة الموارد ،يردها هناك كل وارد ،حيث اإلخوان األســـــاتذة }( ، )15فيذكر ثلة منهم من نحو :عبد القادر المسفيوي ،ومحمد بن عبد الرزاق ،وأحمد المنجرة ،وعبــد هللا بن إبـــــراهيم ،وعبد القادر بن حسن ،وعلي بن المعلم ،ومحمد الكانوني ... وإذا كانت كتب المختار السوسي جميعها ،من خالل االستطرادات ،والتراجم ،والمقارنات ،وتذكر الفوائد والطرائف تفيدنا في الـتعرف على الكثير من رحالته للحواضر الشمالية الكبرى زمن الطلب والتحصيل فإن الذي يحسن لفت النظر إليه ،هو أن صاحب المعسول يمكن اعتباره من أهم الرحــالين الذين دونوا رحالتهم بالمغرب في النصف األول من القرن العشرين ، فأفادونا بمالحظاتهم وانطباعاتهم ومشاهداتهم عن األماكن التي كانت مسرح هذه الرحالت ؛ فبفضل ما دونه ازددنا مـــــعرفة بمنطقة سوس من حيث جغرافيتها ،وتاريخها ،وفضاؤها العلمي واألدبي والصوفي ،...وهكذا تعرف له ثماني رحالت جاب فيها إقليم سوس كله بحواضره وبواديه،ومدارسه وزواياه وخزائنه ،ومواسمه وأسواقه ،واختلط أثناءها بســـكانه على اختالف مشاربهم ومستوياتهم ،وجالس العلماء واألدباء والمتصوغة والفقهاء والقراء ، ... ويضم كتاب خالل جزولة( )16خمسا من هذه الرحالت ،وهى كلها منطلقة من إيلغ مسقط رأسه ومعتقله كذلك والرحالت هي كما يلي : األولى :من إيلغ إلى تارودانت ،استغرقت شهر ربيع الثاني عام 1361هــ الثانية :من إيلغ إلى ماسة ،من تاسع ذي القعدة إلى فاتح شهر ذي الحجة عام 1361هـ الثالثة :من إيلغ إلى تامانارت وسكتانة من مفتتح شوال إلى الثامن والعشرين من ذي القعدة عام 1362هـ الرابعة :من إيلغ إلى تزنيت ،فأكادير ،فتارودانت من خامس شوال عام 1363إلى تاسع محرم عام 1364هـ الخامسة :من إيلغ إلى فاس ،فمراكش ،فالبيضاء ،فالرباط ،من المحرم إلى العاشر من رجب عام 1362هـ 6ـ رحلته {من الحمراء إلى إيلغ } قام بها في شهر جمادى األولى عام1354هـ 1937 /م وحررها ببلده إيلغ .أما الباعث على الرحلة فهو صوفي كما يذكر في فاتحتها قائال { :والحافز إلى هذه الرحلة أصالة هو حضور موسم الفقراء الذي يقام دائما في شهر غشت الفالحي منذ أقامه الوالد ألتباعه من نحو 1313هـ 1895 /م ،فلم يزل مستمرا إلى اآلن }( ، )17حقق هـــذه الرحلة أخيرا ابن أخيه المرحوم عبد هللا الدرقاوي ،ونشرت ضمن الكتاب الجماعي المهدى إلى المرحوم المنوني تحت عنوان {التاريخ والفقه }( )18وتحتل الرحلة الصفحات 269ـ 313 7ـ 11ـ هناك رحالت أربع يذكرها في ذيل له على الجزء الثاني من اإللغيات ( ، )19وهي كما وردت في الذيل :
{حججت سنة 1365هـفي الوفد الرسمي بتعيين مجمد الخامس رحمه هللا . ـ حللت ا لبيضاء وقت األزمة بأوالدي ،حيث بقيت إلى أن اعتقلت مع المعتقلين إلى الصحراء حيث بقيت سنة ونصفا ،ولي في ذلك مؤلف. ـ كنت زرت تونس كعضو في جمعية الحرمين الشريفين 1367هـ ـ كما كنت رئيس وفد مغربي في المؤتمر اإلسالمي مختتم 1381هـ ،ثم اعتمرت وزرت القدس ودمشق } .
وبإلقاء نظرة على هذه الرحالت التي أشار إليها هو نفسه ،نتبين أنها تختلف من حيث النوع والباعث ؛ فهناك رحلة حجازية ،وثانية داخلية ،وثالثة مغاربية ،ورابعة مشرقية .لكن الرحالة لم يشر إلى أنه دونها وسجل وقائعها والراجح أانه حررها ، أو قيد فوائدها ،لما نعرفه من حرصه الشديد على التدوين والتأليف . 11ـ وهناك رحلة أخرى بعنوان {أصفى الموارد في تهذيب نظم الرحلة الحجازية للشيخ الوالد } قام بها والده إلى الحجاز سنة 1315هـ ،سجلها نظما ،لكن ابنه المختار أخرجها بعد أن نقحها ،وصوب أخطاءها التظمية والمعنوية ،ومأل ثغراتـها ، ووضع عنوانها ،فاستحق بذلك أن ينسب إليه تدوينها على األقل .يقول في مقدمتها مبينا ما قام به وهو يعدها للنشر { :رأيت تلك النسخة ربما ألم بها أيضا مسخ النساخ زيادة على عدم تنقيحها أوال ،فجاء بعض أبياتها في شكل ال يمت إلى النظم بسبب ،فأخذتني الغيرة ،فظهر لي أن أخطها بيدي ،وأن أنقح منها بعض أبيات محافظا على األلفاظ ما أمكن ،وأما روحها فهو القطب الذي ال يتزحزح ،على أنني ربما أتم موضوعا قد طرقه ،ثم لم يستتم منه المعنى المراد ،بل يتركه مقتضبا ،وربما تكلم أيضا في مقام كالما بكيفية ال تناسب الصناعة فأحوله إلى كيفية أخرى أمس بالصناعة ،وربما آتي من جديد بذكر حادثة كما هي عادته في مقامات أخرى ،وبذلك كله صار للرحلة رواء يدخلها في عديد الرحالت وهذا كله في الحقيقة قد أنشأها نشئا جديدا }() . 21 ومن خالل ما أثبتناه من رحالت ،يتبين أن للمختار السوسي تراثا رحليا هاما ،فال يحضر مجلسا إال وصفه ،وال يــــــدخل مدينة إال وسارع إلى التعرف على أعالمها ،واألخذ عن شيوخها ،ومساجلة شعرائها ،ومراسلة كتابها ،ومناظرة علمائها ، واستجازتهم ...فبدت رحالته بذلك أشبه بالفهارس والكنانيش . وهناك أمر يستحق الوقوف عنده والتنويه به ،باعتباره تطورا مهمافي التوجه الرحلي بالمغرب ،ذلك أن معظم الرحــــالت التي أشرنا إليها لم يتم خارج المغرب بعكس ما كان سابقا ؛ فـلقد تنبهت في دراسة سابقة ( )21إلى غياب الرحالت الداخلية بالمغرب في العهود األولى لكون اإلقبال آنذاك كان منصبا على تدوين الرحالت التي ترتاد اآلفـــاق والبــــلدان البعيدة ،أمــا الرحالت داخل المغرب فلم تدون إال من قبل الوافدين غليه من غير المغاربة ،وكان ال بد من طرح التساؤل حينئذ عن أسباب عزوف أصحاب الرحالت الداخلية عن تدوين مالحظاتهم ومشاهداتهم بالرغم من كثرة تنقالتهم وزياراتهم لمواقع ومــــــراكز علمية وصوفية في البادية والحاضرة ،وبدا لي من المقارنة والتتبع أن غياب هذه النصوص يكمن في انتفاء عنصر الغرابة والمفاجأة فيها ،فاألخبار والحــــكايات التي كانت تلقى االهتمام وتترك أثرا لدى السامعين هي التي تتعلق بالبـــلدان البـــعيدة واألماكن النائية ،فرحلة ابن بطوطة لو لم تتحدث عن غرائب وعجائب البلدان القاصية لما كانت لها آنذاك تلك الشهرة في األوساط الرسمية والشعبية على السواء . ونظرة سريعة على كتاب {المصادر العربية لتاريخ المغرب }( )22للمرحوم العالمة المنوني نتبين هذه الندرة للرحالت الداخلية في العهود السابقة ،إذ ال نظفر طيلة التاريخ الفكري واألدبي بالمغرب ـ قبل القرن العشرين ـ إال بنحو عشر رحالت داخلية بينما كان القرن العشرون زاخرا بهذا النوع من الرحالت ،فأكثر أعالمه ( )23ـ ومنهم المختار السوسي ـ معظم رحالتهم المدونة تصف مناطق من المغرب بمسالكه ومدنه وأحواله التاريحية والسياسية واالجتماعية والثقافية ... والرحالت التي ساقها المختار السوسي في {المعسول} للرحالين السوسيين ـ في األعصر المختلفة ـ ضمن تراجم األعالم واالستطرادات والتعقيبات ،تتباين في توجهاتها وبواعثها وأهدافها ،وتتنوع في التناول واألسلوب والمنهج ،وتختلف في الحجم طوال وقصرا ,وهكذا يمكن تصنيفها حسب الوجهة والقصد إلى ما يلي : 1ـ رحالت حجازية :وتستهدف أداء فريضة الحج ،والوقوف على أهم المراكز العلمية واألماكن المفدسة صدورا وورودا ،وهذا النوع يفترض أنه كثير ،فمعظم المترجمين في المعسول موصوفون بالحاج ولكن ال يسلك في عداد الرحالة إال من عرف بمدوناته في هذا الباب ، 2ـ رحالت سياحية وزيارية :وهي رحالت تتغيى التربية السلوكية ،وزيارة الصلحاء أحياء وأمواتا ؛ والسياحة الزمة للصوفي ،فابن عجيبة يرى أنه {ال بد للفقير من السياحة في بدايته}( )24وصاحب المعسول يستعمل المصطلح بهذا المعنى الصوفي ( ، )25كما أن الزيارة تعد من بواعث إعمال الرحلة لدى المتصوفة فـ {زيارة أرباب التقى مرهم يبري } كما جاء في مطلع رائية إبراهيم التازي () . 26 وهكذا فالحاج الحسن التملي يسيح في سوس لتلقين الورد ،والشيخ إبراهيم البصير يأمر الفقراء بالسياحة إلرشاد النا س وتوجيههم. 3ـ رحالت داخلية :تنقل أ صحابها بين المراكز العلمية للطلب والتحصيل ،ولألخذ عن الشيوح ،واالستفادة من خزائن
الكتب . 4ـ رحالت سياسية :وهي التي رحل أصحابها لبواعث وأهداف سياسية ،وما رحالت المختار السوسي نفسه ( ، )27أو رحلة أحمد الهبة لمراكش ()28إال نموذج لهذا النوع من الرحالت . وبالرغم من أننا سنقتصر هنا على الرحالت دون غيرها ،يجدر بنا ـ قبل ذلك ـ أن نشير إلى أن تراجم المعسول حافلة بالفهارس والكنانيش واإلجازات والنقول عن رحالت الوافدين علىاإلقليم السوسي (). 29 ويحسن أن نشير إلى أنه ليس باستطاعتنا ـ في هذا المقام ـ التوسع في دراسة كل ما بأيدينا من الرحالت التي يتضمنها المعسول :بالوقوف على مضامينها وأشكالها ،والمقارنة بينها وبين غيرها ،واستخالص نتائجها ،لذا نكتفي بوضع مسرد
لعناوينها ،واإلحالة إلى مظانها في المعسول ،آملين العودة إليها ـ بعون هللا ـ للدراسة والتحليل ،وفيما يلي ثبت بهذه الرحالت : ثبت برحالت المعسول أوال :الرحالت الحجازية ؛ ونتوفر منها على اربع عشرة رحلة مدونة ،لخص المؤلف البعض منها ،وأرشد إلى مظان البعض اآلخر وأماكنه في خزانات العائالت السوسية ،وهي كاآلتي : 1ـ رحلة الحاج علي الدرقاوي اإللغي ،نشرت بتنقيح وتهذيب من طرف ولده المختار السوسي تحت عنوان { أصفى الموارد
،في تهذيب نظم الرحلة الحجازية للشيخ الوالد} ،مطبعة النجاح ،البيضاء . 1961 ذكرها المرحوم محمد المنوني في كتابه المصادر العربية لتاريخ المغرب 117 : 2 المعسول 317 :4 . 218 ،191 ،184 :1ـ 67 :12 . 311 2ـ رحلة الحسين اإلفراني .المعسول 26 :4 3ـ رحلتا أحمد اليزيدي ؛ األولى مع أبي الحسن التيمكديشي سنة 1293هـ ،والثانية مع محمد بلقاسم اليزيدي سنة 1317
هـ. المعسول 264 ، 263 : 5 4ـ رحلة محمد بن أحمد اليزيدي ،السابق الذكر ،صحبة شيخه أبي الحسن اإللغي في وفد للحجاج
السوسيين ،توجهوا
بحرا من الصويرة إلى الحرمين الشريفين. المعسول 271 : 5 5ـ رحلة محمد الكلولي الحاحي ،توفي بعد شهر من عودته منها ،وهو يلقي دروسه المعتادة بمدرسته ،وذلك في السادس من رجب سنة 1326هـ المعسول 288 : 5 6ـ رحلة محمد بن بلقاسم اليزيدي ،قام بها في جمع من أهل سوس سنة 1317هـ ،يضم ابن عمه الحاج أحمد بن محمد اليزيدي المذكور ،ومحمد أو الشلح ،والحاج إبراهيم اإليغشاني ،وآخرين .ذكر ولده للمؤلف أن أباه الرحالة كتب هذه الرحلة فقيد بها ما جمعه من فوائد ،لكن تلف بعضها فضاع بذلك أثر قيم كما يقول المختار السوسي .المعسول 274 : 5 7ـ رحلة أحمد بن بلقاسم الكرسيفي ،انطلق معه في هذه السفرة الحجازية كثبر من العلماء السوسيين ،في التاسع من جمادى األول سنة 1196هـ ،وتوفي قبل العودة إلى مسقط رأسه سنة 1198هـ وكان من مرافقيه العالمة محمد بن عبد الســـــــالم الناصري في حجته األولى .ويذكر المختار السوسي أن الرحالت الحجية من أهم أهدافها مجالسة العلماء وتدوين الفوائد يقول عن الكرسيفي{ :ثم إن لصاخب الترجمة وأضرابه أغراضا أخرى علمية يقضونها فيمثلون في األرهر والحـــــرمين بين يدي المشاهير من العلماء الكبــار فيأخذون ويستجيزون ويتأنون في رجـــوعهم ،فقد يمضون هناك سنتين فأكثر ،وهذا ما فعـــله المترجم ـ الكرسيفي ـ فحين فضى نهمته ركب البحر وفيه قضي عليه في السفينة كما نقلته عن األستاذ اإليكراري } . المعسول 16 :6ـ 17 8ـ رحلة العالمة أحمد بن عبد الرحمن الجيشتمي ( ت 1327هـ ) ،أعمل الرحلة إلى الحجاز بحرا في جمع { من تالميذه يتدارسون العلم على العادة ،والغالب أن تكون الدراسة في علوم المناسك وفي الرقائق } ...ولقد مدد إقامته في الحرمين بعد الحج إلى أن تأتى له الحج كذلك في السنة الموالية ،فظفر باألخذ عن العلماء هناك المعسول 83 : 6ـ 87 9ـ رحلة سعيد بن عبد الرحمن األزاريفيإلى الحجاز ،فصاحبه في وجهته الرحالة الحضيكي المشهور حيث قصدا معا علماء الحرمين ومصر ،ذكر الحضيكي أن األزاريفي توفي في رجوعه من الحج بالمغرب األوسط من أثر ا لبرد والثلج وذلك سنة 1154هـ .ولعل أسرته تتوفر على بعض ما دونه في هذه الرحلة ،ففي المجموعة األزاريفية إجازة للرحالة من محمد السندي في ثالث صفحات مؤرخة بسنة 1153هـ 10ـ رحلة أحمد بن عبد هللا الصوابي ،خرج في وجهته الحجازية رفقة شيخه الحاج داود سنة 1311هـ حيث يــــذكر في رحلته أنه وشيخه أبحرا من الصويرة ضمن جماعة من حجاج سوس ،فانتظر الجميع بمرسى طنجة ليكتمل جمع الحجاج ، ولما نزلوا بالينبوع توجهوا للمدينة المنورة ثم عادوا لإلبحار من الينبوع إلى جدة لتأدية المناسك في مكة ،وبعد االنتهاء من أعمال الحج أبحروا من جدة إلى الصويرة .اكتفى المؤلف بنقل فقرات من هذه الرحلة تجنبا للتطويل . المعسول 111 : 8ـ 111 11ـ رحلة محمد بن محمد التامراوي ( ت 1285هـ ) كان مشهورا في بلده ،قبل الرحلة ،بتضلعه في الفــقه والنـــوازل وبالتآليف الكثيرة ،حمل معه من رحلته كتبا كثيرة وإجازات بخط المشارقة ،أثبت المختار السوسي نص الرحلة في معسوله من نسخة بخط نجل صاخب الرحلة .ذكرت في المصادر العربية لتاريخ المغرب 116 :2 المعسول 197 : 8ـ 214
12ـ رحلة إبراهيم بن محمد التزركيني العيني ،خرج من بلده سنة 1198في هذه الرحلة الحجارية ،مبحرا من الصويرة مع جمع الحجاج نحو الحرمين ،توقف الوفد في كل من جربة واألسكندرية ،قدم صاحب المعسول هذه الرحلة بقوله { :كانت له رحلته المخطوطة ،وهي من كبريات الرحالت الحجازية السوسية ،حذا فيها حذو ما صنعه الشيخ الناصري والعـــــياشي وأبي مدين الدرعي ثم الروداني وأبي العباس أحوزي في رحالتهم المشهورات } .لخص ابن مسعود هذه الرحلة ،وما ورد في المعسول هو تلخيص الملخص ،لكن الملخص ال يتعدى مشاهدات الرحالة بمصر ،إال أن المختار السوسي وقف بعد ذلك على النص الكامل للرحلة التي وصفها بأنها كبيرة الحجم .ذكرت في المصادر للمرحوم المنوني 231 :1 المعسول 283 : 13ـ 311 13ـ رحلة أحمد بن عبد هللا ابن ييبورك الذي حج بيت هللا الحرام مرات عديدة كان آخرها عام 1136هـ حيث توفـــــي بمصر ودفن بتربة الشيخ خليل صاحب المختصر ،له رحلة مدونة عن حجته التي توفي فيها ،تحت يد صاحب المعسول طرف منها كان نوى تلخيصه لكنه لم يفعل مخافة التطويل ،واعدا بطبع الرحلة قريبا .ونظن أن األجل عاجله قبل الوفاء بوعده . المعسول 281 : 14ـ 282 14ـ رحلة الحاج عابد البوشراوي ( ت 1351هـ) رحل للمشرق عام 1311هـ في ركب كبير من صلحاء هشتوكة فأبحروا من الصويرة إلى طنجة ومنها إلى جدة ،وقد قاسى الجميع أهوال البحر ومشاقه كما بين فيما دونه عن هذه الرحلة الموجودة عند أسرته ،وإن لم يتيسر لصاحب المعسول االطالع عليها .المعسول 295 : 17ـ 313 ثانيا :الرحالت الداخلية :
15ـ رحلة أحمد الهيبة إلى مراكش ،فيها وصف ألهم المنازل والمراحل من تزنيت إلى مراكش. المعسول 126 :4 ، 367 :3 :ـ 131 16ـ رحلة محمد بن أحمد المانوزي ،قام بها بعد عام 1345هـ زار خاللها مدن فاس ومراكش ومكناس والرباط والبيضاء وغيرها فجالس العلماء وساجل األدباء من أمثال ابن زيدان ،وأحمد سكيرج ،وأحمد بن قاسم الزياني ...عثر عليها المختار السوسي بعد أن كانت في عدادالمفقود ،يطلق عليها األستاذ المنوني { المذكرات } .يرجع إلى المصادر 281 :2ـ 282 المعسول 416 :3ـ 417 17ـ رحلة محمد بن العربي األدوزي (ت 1323هـ) ،توجه فيها إلى مراكش في وفد كبير على رأسه الشيخ محمد بن الحسن التمكيدشي إلصالح ما فسد بين مريده محمد الكنتافي والسلطان الحسن األول .دون األدوزي هذه الرحلة في رجز طويل نقل المختار السوسي جزءا منه في وصف المراحل والمشاهد واألعالم .للرحالة نفسه شرح على هذا الرجز /الرحلة إال أنه لم يكمله . المعسول 152 : 5ـ 159 18ـ رحلة محمد بن صالح القاضي الفاللي ( ت 1269هـ)وهي رحلة واسعة استوعبت شمال المغرب وجنوبه ،وكانت رجلته إلى الشمال سنة 1171هـ في رفقة أحمد بن عبد العزيز السجلماسي ،والرحلة مهمة في وصف الحركة التعليمية آنذاك في الحواضر والبوادي الشمالية بالمغرب كفاس ومكناس وتادلة ...
ونلتقي في آخر الرحلة بوصف مهم للظروف الطبيعية واالجتماعية في الساقية الحمراء. المعسول 32 :6ـ 43 19ـرحلة محمد بن أبي بكر األزاريفي( ولد عام 1322هـ ) ،وهي شبه فهرس سرد فيه مراحل حياته ،فتحدث عن شيوخه وما درس عليهم من علوم وكتب ،وما منحوه من إجازات ...في المراكز البدوية والحضرية بشمال المغرب مثل بني حسن ووادي بهت وتيفلت وفاس والبيضاء والرباط ...لخص المــــختار السوسي بعض ما كتب به إليه الرحالة من أخبار هـــذه الرحلة في المعسول ،ولألزاريفي كذلك رحلة إلى إفريقيا السوداء بعنوان { أزهار البساتين في التجول في السوادين } لم تكن مطبوعة آنذاك . المعسول 17 : 8ـ 24 ثـالـثا :رحالت في اإلقليم السوسي 20ـ رحلة محمد بن أحمد المانوزي العلمية إلى هشتوكة قبلت سنة 1345هـ ،حيث تنقل بين مراكز العلم ومدارسه ،
كمدارس إداومحمد ،وتيمكيدش ،وتامساوت... المعسول 273 : 3ـ 3367 21ـ رحلة إبراهيم بن مبارك البصير الركائببي ،قام بهذه الرحلة ذات البواعث واألهداف الصوفية والعلمية في بدايات القرن
الرابع الهجري ،تجول خاللها في المراكز العلمية شمال المغرب وجنوبه . المعسول 118 : 12ـ 156 22ـ رحلة الشاعر الحسن البونعماني ( ولد عام 1327هـ) في بالد جزولة ،ولـــقد كانت أخبار هذه الرحلة وفوائــدها من مصادر المعسول ،لذلك نوه بها صاحبه قائال { :رجع إلينا البونعماني قسار يسرد علينا مما رآه في ديار الجشتميين والتمليين وأمثالهم ،ويعرض علي من مقيداته ما وقفت إزاءه مشدوها ...فكانت جلساتي معه إذ ذاك دزوسا ابتدائية عن تاريخ جزولة
...وقد جمع األديب مواد كثيرة لرحلته ،ونظم ترتيبها ،ولكن شغلته شواغل عن كتابتها إلى اآلن ،ومواده هي بعينها ما سخا لنا بها جزاه هللا خيرا ،فضممناها إلى ما أدركناه بجهودنا فمثل بين القارئ ما مثل في هذا الكتاب وفي غيره } المعسول 157 : 13 الـهـوامــش 1ـ انظر شاهدي ،مجلة دعوة الحق س 21ع 2ـ 3ربيع الثاني 1399هـ مارس 1979م ص 87ـ 92 س 22ع 4شعبان /رمضان 1411هـ يونيو /يوليوز 1981ص 81ـ 88 2ـ األدب المغربي لألستاذ عباس الجراري ،ط . 2المعارف الرباط رجب / 1412ماي 1982ص 8 3ـ سوس العالمة للمختار السوسي ط 2بنشرة .البيضاء 1414هـ 1984 / 4ـ نفسه ص ب 5ـ نفسه 6ـ مقال عبد هللا الدرقاوي ضمن كتاب زهرة اآلس المهدى لألستاذ الجراري .دار المناهل ،الرباط ، 1997
2: 725 7ـ المعسول للمختار السوسي .ط .النجاح ،البيضاء 1961المقدمة ،وأيضا مقال األستاذ المحمدي في ندوة المختار السوسي ،ط .النجاح 1987ص 84 8ـ تاريخ تطوان لمجمد داود ،ط .كريماديس ،تطوان 25 :1 9ـ المعسول 284 :21 10ـ شاهدي ،دعوة الحق س 21ع 2ـ 3ص 991 11ـ نص الرحلة المحقق ضمن كتاب التاريخ والفقه المهدى للمرحوم المنوني نشر كلية آداب الرباط 1423هـ 2112 / ص 312 12ـ اإللغيات للمختار السوسي ،ط .النجاح البيضاء 1382هـ 1962 /م 75 : 3 13ـ نفسه 128 :2ـ 225 ، 131ـ 219 :3 ، 231ـ 213 14ـ نفسه 129 :2 15ـ نفسه 151 :2 16ـ خالل جزولة ،المطبعة المهدية ،تطوان أربعة أجزاء .وانظر كتاب التاريخ والفقه ص 269ـ271 17ـ التاريخ والفقه ص 269ـ 313 18ـ يرجع إلى تحليل الرحلة لألستاذ الحاتمي ضمن أعمال الملتقى الدولي الثالث لألدب اإلسالمي ،مطبعة النجاح الجديدة .البيضاء 2114ص 475ـ 484 19ـ اإللغيات 232 :2 20ـ أصفى الموارد للشيخ علي الدرقاوي إعداد نحله المختار السوسي ،ط .النجاح ،البيضاء 1381ه 0961م ص 3 21ـ أدب الرحلة بالمغرب ،الحسن شاهدي ،عكاظ .الرباط 1991م 318: 2 ، 22ـ من منشورات كلية آداب الرباط 1983ـ 2112
23ـ من هؤالء أحمد سكيرج ،ومحمد بوجندار ،وعبد هللا الجراري... 24ـ انظر الفتوحات اإلالهية البن عجيبة ،القاهرة 1983ص ، 214أدب الرحلة بالمغرب 1666زهرة اآلس 614 :2 25ـ انظر مثال 41 : 17 ، 77 ، 1269 26ـ ثبت البلوي ،دراسة وتحقيق د .العمراني ،دار الغرب اإلسالمي 1413هـ 1983 /ص 329 27ـ اإللغيات 218 :3 28ـ المعسول 126 :4 ، 367 :3 29ـ نفسه ،انظر مثال :18 ، 317 ، 14 :17 ، 284 :14 ، 284 ، 136111 ، 5 :12 ، 51 :8 ، 114 :5 ، 215 :2 147 ::19 ، 65