آل المختار السوسي وآل البصير :عالقة أخذ ومشيخة الكاتب :د .الجياللي كريم*
http://www.albassiria.ma/articles-etudes/263-assoussi-bassir.html ال شك أن العالمة محمد المختار السوسي أشهر من أن يُعرَّ ف ،وال يختلف اثنان في كون هذا الرجل أعطى للمغرب المعاصر بشكل عام ولسوس بشكل خاص الكثير مما ال يمكن حصره في مقال أو كتاب أو حتى في عدة مجلدات ،1ولذلك لم يكن عبثا أن تتناوله األقالم بمختلف مشاربها وتوجهاتها تعريفا واعترافا وتكريما واحتفاء ،وأن ُتفرد له العديد من الدوريات والمجالت أعدادا خاصة ،وأن ُت َّ نظم ندوات و ُتل َقى محاضرات للتعريف به وعرض ِ سيرته وإسهاماته المختلفة ،ومع كل ذلك ما زال هذا الرجل الفذ -وهو في رمسه -يسيل الكثير من المداد سيما وأن العديد من مؤلفاته ما زالت مخطوطة ،2وحتى المطبوع منها صار في حكم النادر لعدم إعادة طبعه. ونحن وإن كنا ال نستغرب لهذا الكم الذي كتب حول هذا األديب المؤرخ فهو أشهر من نار على علم ،فإننا نستغرب للتجاهل الكبير الذي طبع البحوث والكتابات التي كتبت حوله لمرحلة مهمة من حياته ،وللقفز غير المفهوم على فترة من أهم فترات تكوينه المتمثلة في عالقته بزاوية آل البصير بتادلة وبشيخها سيدي إبراهيم البصير الرقيبي؛ هذه العالقة التي تعتبر حلقة أساسية في عقد حياته ،بل نكاد نجزم أنها الطفرة األساسية التي أنتجت لنا هذا النابغة ،وربما لم نكن سنعرف يوما رجال بهذه المواصفات لو لم تكن هذه العالقة بآل البصير وتحديدا بالشيخ إبراهيم البصير مؤسس الزاوية الدرقاوية اإلبراهيمية البصيرية ببني عياط بتادلة. كيف ال؟ ولوال هذه العالقة ما ذهب المختار السوسي إلى فاس وال إلى الرباط ،فهذا الشيخ هو من مهد له طريق الذهاب إلى الرباط ،وهو من أوحى إليه بفكرة الذهاب إلى فاس من قبل وألح عليه فيها ،وهو من كان يتكفل بمؤونته ورعايته طيلة سنوات مقامه بها حتى استوى عوده العلمي ،وهل يمكن أن نتصور شخصية المختار السوسي دون مرحلتي دراسته في فاس والرباط، فهو نفسه ال يتصور ذلك ،بل يقر في غير ما موضع من مؤلفاته أن حياته لم تكن شيئا مذكورا قبل ذلك ،وأن هاتين المحطتين هما اللتان شكلتا ميالده العلمي ،فعن فاس يقول " :ليت شعري كيف أكون لو لم أقض في فاس أربع سنوات َقلبَت حياتي وتفكيري ظهرا لبطن ،ثم لم أفارقها إال وأنا مجنون بالمعارف جنون قيس بن الملوح بلياله ،حتى نسيت بها كل شيء"،3 ويضيف في موضع آخر ..." :ثم لما حللت بفاس أتى الوادي فطم على القرى ،فبدلت أخالقا غير التي عهدت من نفسي قبل، وأنا في مراكش وأحواز مراكش ،فقد تلقحت في جو فاس بما لو لم أتلقح به لما كانت لي فكرة ،وال تحركت بي همة ... تكونت لي في فاس فكرة دينية فرقت بها ما بين الخرافات المموهة ،وبين الروحانيات الربانية ،كما نبتت مني غيرة وطنية نسيت بها نفسي ومصالحي الشخصية ...فصرت أقرأ ...ما عرفت به أن الذي كنت أسبح فيه منذ صغري ليس إال ضحضاحا كدرا؛ ال يبرد جسدا؛ وال يفثأ غلة؛ وال يقضي على لهفة" .4أما عن الرباط فيقول ..." :ثم ألممت بالرباط ،حيث احتقبت أيضا علوما وفهوما وأنظارا وبحوثا لم أقع عليها إال في الرباط وفي مشايخ الرباط".5 فإذا كان المختار السوسي نفسه يقر بكل ذلك ،وإذا كانت اليد البيضاء في حصول كل هذه األمور له ترجع للشيخ إبراهيم البصير -كما سنرى -وإليه يرجع الفضل بعد هللا سبحانه وتعالى في رسم مسار حياة هذا الرجل وتكوينه ،فمن الموضوعية التاريخية أن يرد الفضل إلى أهله ،وأن تسمى األمور بمسمياتها تحقيقا للحق وضبطا للتاريخ. ولد الشيخ إبراهيم البصير الرقيبي بزاوية والده امبارك البصير باألخصاص بسوس عام 1221هـ1211 /م ،6ولبس خرقة التصوف الدرقاوي على يد الشيخ الحاج على بن أحمد اإللغي السوسي والد العالمة محمد المختار السوسي ،ومن َث َّم بدأت العالقة بين هذا األخير وبين إبراهيم البصير الذي كان يقدره ويعطف عليه -رغم صغر سنه -باعتباره ابن شيخه ،وزادت العالقة توطدا بعد وفاة الشيخ اإللغي السيما وأن هذا الشيخ كان يقدر إبراهيم البصير وينزله المرتبة العليا بين أصحابه حتى إنه كان يشير باستمرار إلى أنه الوارث لسره من بعده ،بل إنه عبر عن ذلك بالفعل لمّا أوصى له بسبحته وعكازته الخاصتين وبكتاب األمير الذي َشلَّحَ ه ،1وهي إشارة واضحة لدى أهل الطريق مفادها اإلذن برياسة مشيخة الطريق من بعده ،والغرو في ذلك فقد " ...كان حاجب الشيخ ويده ومستشاره".2
بعد وفاة الشيخ علي بن أحمد اإللغي انقطع الشيخ إبراهيم البصير عن إلغ ألنه " ...كان ال يريد أن يقع بينه وبين كبار الفقراء األسود ما يَهد مقامه" ،9وبنى لنفسه زوايا متعددة بكل من الحوز والرحامنة ودكالة والشاوية وتادلة قبل أن يضع عصا الترحال بزاويته األخيرة ببني عياط ،11لكن انقطاعه عن إلغ لم يكن ليبعده عن أبناء شيخه خاصة المختار السوسي الذي كانت له مكانة خاصة عنده ،وغالبا ما كان يبشره بمستقبل مبهج ،ويرى فيه نبوءة أخيه محمد بن امبارك البصير 11الذي لم يكن يتردد في كل لقاء يجمع بينهما في التصريح بأنه كذا وكذا من بين إخوته ،وحين كان لمحمد البصير ما كان في أسرة آل البصير صاروا ينظرون إلى المختار السوسي بتلك النظرة الخاصة السيما شيخهم إبراهيم البصير.12 وذكر المختار السوسي أنه اتصل بآل البصير وتعرف على شيخهم سيدي إبراهيم المذكور منذ نعومة أظافره وهو مازال غ ًّّرا ُؤول ما عسى أن يفرط منه ال يعرف كيف يحترم الكبار ،كما أقرَّ أن هذا الشيخ كان يداريه ،ويحلم له ويصدره دائما أمامه ،وي ِّ من خفة وغضب يقعان في غير موقعهما .13وزاد حلم الشيخ على المختار الصبي بعد وفاة والده الحاج علي اإللغي خاصة وأنه لم يكن قد جاوز ربيعه العاشر بعد ،14فظل يرعاه وظل حبل الوداد بينهما متصال ،حيث كان المختار السوسي يداوم على زيارة الشيخ إبراهيم البصير في زاويتيه الرئيسيتين بتادلة سواء األولى 15أم الثانية.16 لمَّا أتم المختار السوسي تعليمه األولي بسوس ونهل من علومها ومدارسها العتيقة ،يمَّم وجهه صوب مراكش عام 1332هـ/ 1912م الستكمال تعليمه وتنمية معارفه ،فتوطدت العالقة أكثر بينه وبين الشيخ إبراهيم البصير ،وأصبح يتردد باستمرار على زاويته ،بل كان يقيم بها باأليام والشهور ،ونظرا للمحبة الخاصة التي كان يكنها الشيخ للمختار السوسي ،ولكثرة تردد هذا األخير على الزاوية ،بنى له الشيخ بيتا خاصا على سطح زاويته ليجمع فيه أغراضه ويتخذه مقره الخاص ،وقد وقفنا على هذا البيت الذي يعرفه الجميع اليوم ببيت سيدي المختار السوسي ،11وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على العناية الكبيرة والرعاية الخاصة التي كان يوليها الشيخ إبراهيم البصير للعالمة محمد المختار السوسي ،حيث كان يحبه كثيرا ويرفع من ضبعه من صغره ،ولذلك غالبا ما كان يحثه على استتمام األخذ والعلم.12 ولما كانت فاس وقتذاك هي قبلة الطلبة ومشرق العلوم بالمغرب ،أمر الشيخ إبراهيم البصير تلميذه محمد المختار السوسي بالذهاب إليها ،لكن هذا األخير تذرع إليه بقلة ذات اليد وعدم قدرته على مجابهة األمرين البعد والفقر ،فقال له ... " :توجه إلى فاس ،فإن توقف الحال على بيع هذه البغلة التي تحتي فإنها ستباع" ،19وظل يلح عليه حتى أذعن له ،فجمع متاعه ،وجهزه الشيخ إبراهيم البصير بما يحتاجه من مؤونة ونقود ،وأرسل معه بعض فقراء الزاوية إلى فاس.21 ولم يقف إبراهيم البصير عند هذا الحد ،وإنما َعيَّن فقيرين من الزاوية لخدمة المختار السوسي ،وهما الفقير أحمد بن حمادي العلوي الناصري والفقير الصغير بن بوزكري الركيعي ،فكان هذان الفقيران هما الواسطة بينهما ،حيث كانا يتوجهان – بأمر شيخهما – مرة في الشهر من الزاوية نحو فاس مشيا على األقدام لالطالع على أحوال المختار السوسي وحمل الزاد إليه من غذاء ومال.21 وإذا كان جل الباحثين والدارسين قد أغفلوا أو جهلوا أو تجاهلوا أهمية وجود الشيخ إبراهيم البصير في حياة العالمة السوسي، ودوره القوي في توجيهه وتكوينه؛ فإن المختار السوسي نفسه قد أقر بأن هذا الشيخ هو من أوحى إليه بفكرة التوجه إلى فاس رغم أنه لم يذكر تفاصيل ذلك ،22بل إننا وجدنا في أرشيف التقارير االستعمارية الفرنسية ما يؤكد ذلك ،ويثبت أن هذا الشيخ كان على صلة وثيقة بالمختار السوسي ،وهو من موَّ ل دراسته اعترافا بالجميل لشيخه الحاج علي اإللغي السوسي.23 ظل محمد المختار السوسي أربع سنوات بفاس ينهل من علومها ..." ،وفيها استبدل فكرا بفكر فتكون له مبدأ عصري على آخر طراز ...وصاحب كل المفكرين إذ ذاك" ،24ثم تشوف إلى لقاء علماء الرباط السيما الشيخ شعيب الدكالي الذي كان صيته يضرب اآلفاق ،وكان قد جلس أمامه أثناء زيارته لمراكش ،لكنه لم يجد إلى ذلك سبيال إلى أن جاءت زيارة الشيخ الدكالي لمنطقة تادلة ،فانتهزها إبراهيم البصير فرصة والتقى به ،وكان المختار السوسي وقتذاك ما يزال يدرس بفاس ،وجاء لزيارته بزاويته ،فتقرب إبراهيم البصير من الشيخ شعيب وبين له ما يستحق من تقدير واحترام ،ثم قدم له هدية تتمثل في ناقة بيضاء ،25وبعدها قدم له المختار السوسي قائال ..." :يا سيدي إن هذا سيدي محمد المختار ابن شيخي علي بن أحمد الدرقاوي ،أرجوك أن تعامله مثلما تعامل السلحفاة أبناءها ،فقال الشيخ شعيب :وكيف تعامل السلحفاة أبناءها؟ فقال الشيخ :كما تعلم يا سيدي أن السلحفاة ليس لها ثدي ترضع به صغارها ،وإنما تقابل البيض متى فقس ويخرجون هزاال ضعافا فتنظر إليهم نظرة عطف وإشفاق ،فينتعشون بين يديها من ساعتهم يسعون في األرض على الرزق".26 فالمالحظ إذن أنه كما كان للشيخ إبراهيم البصير الفضل في ذهاب المختار السوسي إلى فاس ،فإنه هو أيضا من مهد له الطريق نحو الرباط التي التحق بها مفتتح 1341هـ1922 /م ،بل تحكي الروايات أنه ظل يساعده ماديا ومعنويا كما كان في فاس حتى أتم سنته الدراسية تلك ،فلما أتمها عزم على السفر إلى مصر أواخر سنة 1341هـ1929 /م لالستزادة من العلوم، فجاء الستشارة شيخه إبراهيم البصير في األمر ،فلم يوافقه على سفره ،21فاستشاره في وظيفة حكومية ع ُِرضت عليه فلم يوافقه عليها أيضا ،وأشار عليه بأن يعود إلى مراكش لنشر ما تعلم قائال له" :اذهب إلى مراكش لتعليم أبناء المسلمين ما هم في حاجة إليه ،وسيأتي زمان يبحثون هم عنك ،ال تبحث أنت عليهم" ،22فنزل عند رغبته وعاد إلى الحمراء لينكب على التدريس متخذا من الزاوية الدرقاوية بحي الرميلة بباب دكالة مستقره الخاص ومحل إلقاء الدروس وتنظيم الحلقات العلمية. دأب الباحثون والدارسون على نسبة زاوية الرميلة بمراكش إلى الشيخ محمد المختار السوسي ،بل إنها ال ُتعرف اليوم إال ِبـ "زاوية المختار السوسي" ،لكن الحقيقة أن هذه الزاوية لم تكن في األصل سوى زاوية للشيخ المذكور سيدي إبراهيم البصير بناها للفقراء الدرقاويين ذوي الطريقة اإللغية بعدما ُمنِعوا من دخول زاوية القصور الدرقاوية ،29حيث بحث عن مكان ليتخذه زاوية للفقراء الذين كانوا يرافقونه ،فأهداه أحد أبناء عمومته دارا كبيرة ومتسعة ليتخذها زاوية له ،لكنه رفض الهدية بعد أن تبين له أن الدار مشتراة بمال منهوب ،31وظل يبحث عن مكان لبناء الزاوية حتى وجده قبالة مسجد باب دكالة من الناحية
الجنوبية في المكان الذي يسمى الرميلة ،31فاشتراه عام 1321هـ1919 /م بثالثمائة لاير ( )311ثم كتب إلى شيخه اإللغي يعلمه بذلك.32 لم يكتف إبراهيم البصير بشراء بقعة تلك زاوية ،بل أشرف بنفسه على بنائها ،وأنفق في ذلك كل ماله حتى إنه باع بغلته التي كان يركبها من أجل إتمام بناء هذه الزاوية ،33وظل مسؤوال عنها ،ومكلفا بمؤونتها وحاجياتها ،وبكل ما يتعلق بها ،والنفقة على من فيها ،34ثم أهداها لشيخه الحاج علي اإللغي السوسي في أواخر أيام هذا األخير سنة 1911 /1322م ،وبقيت كذلك إلى أن جلس فيها العالمة محمد المختار السوسي للتدريس والتعليم بأمر من إبراهيم البصير ،فنسبت إليه لكثرة مكوثه وتدريسه بها.35 كان محمد المختار السوسي أثناء مقامه بمراكش يتردد كثيرا على زاوية الشيخ إبراهيم البصير ببني عياط بتادلة ،بل أصبح أكثر التصاقا بها ،وزادت مكانته في الزاوية بسبب ما حصله من العلوم ،فأصبح " ...يتربى ويربي بين أحضان الشيخ"،36 والزم إبراهيم البصير في العديد من سياحاته حتى إن شيخه كان يخصص له خيمة خاصة ،31ويقدمه للصالة رغم صغر سنه ،32ويستشيره في كافة األمور ،ويستعين به في كتابة المراسالت وفي جل مدوناته ،39فكان ذلك مزيدا من التربية والتكوين له ،واعترافا ور ًّّدا للجميل للشيخ اإللغي في شخص ابنه محمد المختار السوسي الذي كان لسان حاله يقول ألبناء الشيخ إبراهيم البصير بعد وفاة هذا األخير" :إن والدكم كان يربح من الناس ،وما ربح منه أحد سواي".41 لم ينس المختار السوسي فضل هذا الشيخ رغم ما وصله من درجات العلم ومن مكانة اجتماعية ،وإنما ظل يزوره ويحترمه ويعظمه ،ويظهر ذلك من خالل قوله ..." :ثم لما أبت إلى التعقل ،وعرفت مكانة الرجل (إبراهيم البصير) صرت أعطيه حقه كما ينبغي ،وفي المرة األخيرة التي زرته فيها قبل وفاته بقليل ،حمدت هللا على أن رأى مني من اإلجالل ما هو أهله" ،41بل إن تقديره لهذا الشيخ جعله يقدم له كل ما يملك ،42وكتعبير عن المحبة البالغة من الشيخ للمختار السوسي احتفظ بكل ذلك كأمانة عنده ،ثم أوصى أن يُر َّد له بعد موتهَ ،43فذ َّكرَ نا هذا الفعل بينهما بتلك المؤاخاة العجيبة التي حدثت زمن رسول هللا بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع حيث آثر كل منهما صاحبه على نفسه. وإذا كان للشيخ إبراهيم البصير كل هذه األيادي البيضاء على العالمة محمد المختار السوسي ،فال استغراب إذا اعتبره هذا األخير شيخه في األوراد واألذكار ،44وال استغراب إذا اتخذه شيخا من شيوخه المعتمدين في طريق القوم ،45لكن االستغراب يبقى في هذا الطمس المهول لهذه الحقائق التاريخية ،وفي هذا السكوت المطبق للدارسين والباحثين عن عالقة هذين الشيخين ،األمر الذي يطرح أكثر من عالمة استفهام. ومهما يكن ،فقد حاولنا أن ننفض الغبار عن هذه العالقة ،وأن نستجلي مضمراتها عسى أن نكون قد استجبنا لما يفرضه علينا البحث العلمي من موضوعية ،دون االنطالق من خلفية معينة ،أو روم تحقيق مقصدية محددة ،وإنما فعلنا ذلك هلل ثم للتاريخ، وحسبنا أننا سعينا ،وأن ليس للمرء إال ما سعى. ------------------الهوامش: * أستاذ باحث ،متخصص في تاريخ التصوف المغربي ،ابن أحمد. - 1نشر هذا المقال بمجلة المناهل التابعة لوزارة الثقافة المغربية ،العدد ،92-91أبريل 2112م. - 2راجع :دليل مؤلفات ومخطوطات العالمة رضى هللا محمد المختار السوسي (بيبليوغرافيا آثاره) ،إعداد ونشر رضى هللا عبد الوافي المختار السوسي ،تصفيف وإخراج "كوبي النور" ،شارع النور الرباط1426 ،هـ2115 /م. - 3محمد المختار السوسي ،سوس العالمة ،مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر ،الدار البيضاء ،الكلمة االفتتاحية ،ورقة هـ. - 4محمد المختار السوسي ،المعسول ،مطبعة النجاح ،الدار البيضاء 1321هـ1961 /م ،ج ،1ص .15-14 - 5المصدر نفسه ،ج ،1ص .15 - 6للمزيد من األخبار عن هذا الشيخ وعن أصله ونسبه وطريقته ،راجع: الجياللي كريم ،زاوية آل البصير بتادلة ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في التاريخ ،مرقونة ،كلية اآلداب والعلوماإلنسانية بالجديدة2115 ،م. عبد الهادي بصير ،زاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير ببني عياط :تاريخ وتعريف ،نشر ضمن سلسلة مطبوعات زاويةالشيخ سيدي إبراهيم البصير رقم ،5دار أبي رقراق للطباعة والنشر1431 ،هـ2119 /م. محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص.156-22 محمد المصطفى بصير ،االغتباط بزاوية سيدي إبراهيم البصير ببني عياط ،مخطوط بخزانة زاوية آل البصير ببني عياطبتادلة (مرقون) ،دون ترقيم. - 1وقفنا على هذه األشياء في زاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير ببني عياط بتادلة .انظر صورة العكاز والكتاب في الملحق رقم ،11أما السبحة فقد أخبرنا أهل الزاوية أن بعض األيادي اآلثمة امتدت إليها فسرقتها من خزانة الزاوية. - 2محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص .132 - 9المصدر نفسه ،ص .156
- 11للتعرف على ظروف تأسيس هذه الزوايا وأماكنها ،راجع :الجياللي كريم ،زاوية آل البصير بتادلة ،م س ،ص -22 .123 - 11أكد المختار السوسي أن صيت الشيخ محمد بن امبارك البصير كان ذائعا في عموم الصحراء ،وأن " ...حاله في الكشف والنطق بالغيوب عجيب غريب ،إرثا عن أهله ،يعلن ذلك ويصرح به ،ويدل به وال يخفيه كأهله ،واشتهر عند كل الناس بهذه الحال ،وهللا يصدقه في كل ما قال صدقا ثابتا"( .محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص ،)111 وأوضح أنه لم يكن يطيق الصمت عن ذلك ،وأنه كان يجيب كل عاتب عليه بقوله" :إنني ال أطيق الصمت ،ولو صمتت الحترقت"(.المصدر والصفحة نفسهما) .راجع تفاصيل حياة هذا الشيخ عند: محمد المصطفى بصير ،النزر اليسير من مناقب زاوية آل البصير :في الصحراء وسوس وبني عياط بالمعرب ،دراسةوتحقيق عبد المغيث بصير ،سلسلة مطبوعات زاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير رقم ،1مكتبة األحباب ،دمشق سوريا، 1424هـ2112 /م ،ص 125وما بعدها. - 12محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص .156 - 13المصدر نفسه ،ج ،12ص .156 - 14ولد المختار السوسي سنة 1319هـ1911 /م ،وتوفي والده عام 1322هـ1911 /م. - 15تسمى الزاوية العليا ،بناها الشيخ سنة 1332هـ1912 /م في أعلى الجبل بعدما أهداه أيت بوجمعة من فخذ أيت وايو بقعة لذلك .عن هذه الزاوية وظروف تأسيسها راجع: الجياللي كريم ،زاوية آل البصير بتادلة ،م س ،ص .29-24وقد كان المختار السوسي يزور الشيخ إبراهيم البصير في هذه الزاوية ،ومن أهم هذه الزيارات تلك التي قام بها سنة 1331هـ1911 /م ،وصادف بها ما يقارب األلف فقير من طوائف كل الجهات .راجع: محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص .146 - 16هي الزاوية الحالية آلل البصير ببني عياط ،أسسها الشيخ إبراهيم البصير عام 1339هـ1919 /م ،وهي ما تزال عامرة إلى اليوم وتمارس كافة الشعائر والطقوس الصوفية تحت مشيخة موالي إسماعيل بن محمد المصطفى بصير حفيد الشيخ إبراهيم البصير .للمزيد من األخبار عن هذه الزاوية وأنشطتها وخلفائها ،راجع: الجياللي كريم ،زاوية آل البصير بتادلة ،م س ،ص .221-91 عبد الهادي بصير ،زاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير ببني عياط :تاريخ وتعريف ،م س ،ص .116-21 - 11انظر صورته في الملحق رقم .12 - 12محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص .156 - 19المصدر والصفحة نفسهما .وذكر الشيخ محمد المصطفى بصير مؤلف االغتباط أنه سمع مباشرة من العالمة محمد المختار السوسي قوله" :وصلت على والدك الشيخ (إبراهيم البصير) صحبة الفقير المحب المخلص سيدي أبو بكر بن عمر (امشيشت الجنة) كما يسميه الشيخ سيدي علي بن أحمد ،وكانت نهمتي في طلب العلم شديدة ورغبتي فيه أكيدة ،ولكن نظرا لما عليه الحالة المادية ،وبعد أهلي بسوس كنت أرى ذلك يكاد يكون صعبا ،ففرح بي كثيرا ،وقال لي رحمة هللا عليه :يا ولدي كل ما في الزاوية فهو لك ،وال تهتم إال بتحصيل العلم ،وإن احتاج الحال إلى هذه البغلة التي أنا عليها -وكنا نسير إلى زيارة إخوان في هللا من أتباعه -فإنها تباع ويصلك ثمنها" .محمد المصطفى بصير ،االغتباط ،...م س ،ص .323-322 - 21أخبرني بذلك الشيخ محمد المصطفى بصير رحمه هللا في لقاء معه بزاوية والده إبراهيم البصير ببني عياط يوم ،2115/11/26وأكد أن المختار السوسي كان دائم الزيارة لوالده بالزاوية ،وأنه التقى به هناك عدة مرات. - 21قال صاحب االغتباط ..." :وذكر لي الفقيران سيدي أحمد بن حمادي العلوي ،والفقيه سيدي الصغير بن بوزكري الركيعي :كنا نرتاد فاس مشيا على األقدام ذهابا وإيابا مرة في كل شهر نحمل الزاد للفقيه سيدي محمد المختار حتى تخرج منها وأصبح من العلماء" .محمد المصطفى بصير ،االغتباط ،...م س ،ص .324أقول :لقد أكد لي مؤلف االغتباط ذلك بنفسه ،وأخبرني أنه سمع ذلك تحقيقا من غير واحد من فقراء الزاوية السيما من الفقيرين المذكورين( .في لقاء معه بزاوية والده ببني عياط يوم .)2115/11/23 - 22محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص .156 - 23جاء في التقارير االستعمارية الفرنسية أن سيدي الحاج إبراهيم استقبل الزعيم القومي المختار السوسي مدة خمسة عشر يوما أواخر يناير 1944م ،كما أشارت إلى أن الحاج علي والد المختار السوسي كان هو شيخ سيدي إبراهيم ،واعترافا من هذا األخير بالجميل موَّ ل دراسة ابن شيخه ،وبقي على صلة به( .انظر الملحق رقم .)13 - 24محمد المختار السوسي ،اإللغيات ،مطبعة النجاح ،الدار البيضاء ،1963ج ،2ص .226 - 25ذكر صاحب االغتباط أن الشيخ إبراهيم البصير قدم للشيخ الدكالي تلك الناقة وقال له " :يا سيدي إن الناس هنا يهدون لك السيارات الفخمة ،وهذا الفقير أعز ما لديه هذه الناقة فهي هدية هلل وللعلم الشريف ،فقال الشيخ شعيب :وهللا يا سيدي ما تلقيت هدية أكرم وال أحسن من هذه" .محمد المصطفى بصير ،االغتباط ،...م س ،ص .315 - 26المصدر نفسه ،ص .315-314 - 21أخبرني شيخ زاوية آل البصير ببني عياط السيد محمد المصطفى بصير (رحمه هللا) أن المختار السوسي هو الذي حكى له هذه الحكاية بنفسه أثناء وجودهما بالزاوية بعد مرور مدة طويلة على حدوثها ،وأكد له أن الشيخ إبراهيم البصير برر
له عدم موافقته على السفر إلى مصر بكونه ال يستطيع تأمين مصاريفه نظرا للبعد وللظروف الحرجة التي تمر منها الزاوية بسبب تسلط االستعمار وتوالي السنوات العجاف( .في لقاء معه بالزاوية المذكورة يوم .)2115/11/23 أقول إن المختار السوسي صرح بأنه كان قد عقد العزم على الذهاب إلى مصر ،وأنه تراجع عن ذلك بسبب قلة ذات اليد، حيث قال ..." :وقد كنت عزمت على اللحوق بمصر آخر عام 1341هـ ،غير أني أخاف أن ينضب ما عندي وليس ورائي من يمدني ،فأبقى هناك محتاجا .وإن أعظم ما أتقيه أن أحتاج إلى الناس" .محمد المختار السوسي ،اإللغيات ،م س ،ج ،2ص .229وكما يبدو هناك تقارب كبير بين الروايتين. - 22محمد المصطفى بصير ،االغتباط ،...م س ،ص .324 - 29كان الشيخ إبراهيم البصير كثير السياحة ،وفي إحدى سياحاته دخل مراكش رفقة عدد من الفقراء الدرقاويين ،فقصدوا الزاوية الدرقاوية في حومة القصور ،لكن مقدمها أخرجهم منها مرغمين ،فكان هذا الحادث – كما قال إبراهيم البصير – ": هو السبب حتى فكرنا في بناء زاوية لنا على حدة" .محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص .133 وكان إبراهيم البصير قد أخبر شيخه اإللغي بما وقع لهم بزاوية القصور ،واستشاره في بناء زاوية خاصة به ،فقال له " :ابنوا لكم محلكم ال يشارككم فيه أحد" .المصدر والصفحة نفسهما .وراجع أيضا :محمد المصطفى بصير ،االغتباط ،...م س ،ص .111وقد أكد المختار السوسي أن هذه الزاوية بنيت فعال على يد إبراهيم بن امبارك البصير .راجع :محمد المختار السوسي، المعسول ،م س ،ج ،15ص .32 - 31هذا الشخص هو محمد بن إبراهيم ولد الهريم الرقيبي الساعدي أحد أعيان الرحامنة ،كان يقطن مراكش ،أهدى تلك الدار للشيخ إبراهيم البصير لكونه من أبناء عمومته الرقيبات ،لكن لما عزم على اتخاذها زاوية استدعى شيخه الحاج على اإللغي ليراها ،فما كاد يصل إلى فنائها حتى قال له" :ف ِّتش على غيرها" ،ثم تبين فيما بعد أن هذا الرحماني الذي وهبه هذه الدار إنما اشتراها بمال كان انتهبه من معسكر السلطان المولى عبد العزيز حين انتهبه الرحمانيون .محمد المصطفى بصير، االغتباط ،...م س ،ص .111وراجع أيضا :محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص .133 - 31للمزيد من تفاصيل وظروف بناء هذه الزاوية ،راجع: الجياللي كريم ،زاوية آل البصير بتادلة ،م س ،ص .69-61 محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص .134-133 محمد المصطفى بصير ،االغتباط ،...م س ،ص .116-112 - 32اشترى إبراهيم البصير هذه البقعة من ماله الخاص بمعية بعض الفقراء الذين كانوا معه ،وسجلها باسمه في السجالت العدلية التوثيقية الرسمية (أخبرني شيخ الزاوية الحالي موالي إسماعيل بصير أن الزاوية ما زالت تحتفظ بنسخة من عقد البيع األصلي) .ثم كتب رسالة إلى شيخه اإللغي يعلمه بشراء زاوية الرميلة ،فأجابه برسالة مطولة يثني عليه فيها ،ويحث الفقراء على مساعدته في بنائها ماديا ومعنويا( .انظر النص األصلي للرسالة في الملحق رقم .)14 - 33محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص .134 - 34ذكر صاحب االغتباط أن الشيخ اإللغي زار إبراهيم البصير مرة في زاوية الرميلة بمراكش رفقة عدد كبير من الفقراء، فأنفق عليهم كل ما عنده ،فلما نفذ ما عنده باع مركوبه وثيابه ،فلم يكف ذلك فاقترض من أبناء عمومته خدمة لشيخه وللفقراء. راجع :محمد المصطفى بصير ،االغتباط ،...م س ،ص .143-142 - 35لم ينس الشيخ إبراهيم البصير الرقيبي هذه الزاوية حتى بعد أن جلس فيها العالمة محمد المختار السوسي ،وإنما ظل حريصا على رعايتها وصيانتها ،وقد وقفنا على بعض الوثائق التي تثبت أنه كان يساهم في إصالحها ،وأنه كان يتعهدها باستمرار .انظر نموذج من هذه الوثائق في الملحق رقم .15 - 36المصدر نفسه ،ص .322وقد ساق مؤلف االغتباط عدة حكايات في هذا الباب ،منها أن المختار السوسي" ...كان يشبح (يضرب) الفقراء والطلبة المتخلفين من هؤالء والمخالفين من أولئك بين يديه (إبراهيم البصير) وال يستطيع أن يقول له الشيخ شيئا) .المصدر نفسه ،ص .323ومنها ما رواه أيضا عن بعض فقراء الزاوية أنهم " ...ذهبوا مرة إلى ناحية أوالد عبد هللا لنتف شعير الزاوية ،ولقصره ال تصلح له المناجل ،ولما انتهوا أخذوا الحناء وطلوا بها أيديهم لما أصابها من الجروح والقروح ،ولما جاؤوا م َسلِّمين على الشيخ وجدوا الفقيه سيدي محمد المختار جالسا معه ،وكلما سلم عليه فقير منهم وبيده الحناء أجلسه حتى اجتمع بين يده عدد منهم ،فطلب حبال ليشبحهم به ،قائال لهم :أأنتم رجال أم نساء حتى تضعوا الحناء في أيديكم ،والشيخ ساكت حتى انتهى من تعنيفه لهم ،ثم انحنى عليه الشيخ سارا له في أذنه إنهم يا سيدي متداوين بها من نتف الشعير للفقراء ،فتراجع قائال :ال بأس بالتداوي بالحناء" .المصدر نفسه ،ص .324-323 - 31المصدر نفسه ،ص .315 - 32أشار صاحب االغتباط إلى أن الشيخ إبراهيم البصير لم يكن يقدم المختار السوسي للصالة فحسب ،وإنما كان يقدمه في كل األمور نظرا لما تفرسه فيه من الحذق في فن الفقه وفروعه ،ولما رآه عليه من االستقامة التي وهبه هللا ،والجد الصارم في اإلقبال على هللا .المصدر نفسه ،ص .323 - 39وقفنا على عدد من الوثائق المخطوطة بزاوبة آل البصير بتادلة التي كتبها العالمة محمد المختار السوسي بخط يده زمن شيخه إبراهيم البصير .انظر نموذجا من هذه الرسائل بالملحق رقم .16 - 41محمد المصطفى بصير ،االغتباط ،...م س ،ص .325ويبدو أن المختار السوسي كان يستلهم هذه العبارة من كالم الشيخ سيدي أحمد بن مسعود المعدري الذي كان يرددها باستمرار في حق الشيخ إبراهيم البصير .راجع :محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص .152
41 42 43 44 45
محمد المختار السوسي ،المعسول ،م س ،ج ،12ص .156 المصدر نفسه ،ج ،12ص .156 المصدر والصفحة نفسهما. المصدر نفسه ،ج ،15ص .162 -المصدر نفسه ،ج ،12ص 156