مصطفى يعلى :منجز محمد المختار السوسي بين الضرورة المحلية والعمق الوطني .محاول الفهم عن موقع وزارة الثقافة المغربية
http://www.minculture.gov.ma/index.php?option=com_content&view=article&id=760:mostapha-yaala-motar-soussiessai&catid=51:etude-et-essais&Itemid=153
قبال ،ينبغي لوضع القارئ الكريم في الصورة ،أن نلفت نظره إلى المالحظات التوضيحية التالية: 1ـ إن مقاربتنا لهذا المنجز تختار أساسا وضعه في إطار محلي ،يتمركز حول بؤر علمية محدودة ،في عالقة جسورية بما هو وطني ،ضمن إشكال معادلة الوحدة والتنوع؛ وليس في إطار اإلقليمية كما درجت عليه كثير من اجتهادات غيرنا من الباحثين المغاربة( .)1فإن المفهومين مختلفان طبعا ،وإن تقاربا إلى حد
االلتباس . 2ـ غاية هذه المحاولة ال تتجه وجهة العرض والتعريف واالستقصاء والتصنيف وما إلى ذلك من اآلليات البحثية والمقارباتية ،بل إنها محاولة في الفهم لسبق محمد المختار السوسي إلى احتضان ثنائية الوحدة والتنوع في الثقافة المغربية في وقت مبكر غير مالئم .لذلك تعتمد المساءلة واالفتراض والترجيح طريقا
إلى الفهم. 3ـ نظرا لشساعة متن هذا المنجز ،وأيضا لتماثله نظريا وتطبيقيا أمام هذه الثنائية؛ لذلك ستتم النمذجة الحصرية بعينة مخصوصة ،لن تكون سوى كتاب ( سوس العالمة ) ،الذي يبرر هذه الضرورة بريادته في الموضوع ،ولكونه يمثل اإلطار النظري لهذا التوجه خير تمثيل ،بما وسعه من أفكار وقضايا وأبعاد مخصوصة بالثقافة العربية في مدن وبوادي سوس ،بينما تعتبر معظم كتاباته التالية على العموم تطبيقا فعليا موسعا لكل ذلك ،مع التسليم بالوجود الضمني للبعد الوطني في انشغاالت الكتاب ،مادام األمر يتعلق بوضع لبنة محلية إضافية إلى جانب لبنات المحليات األخرى ،إلنجاز ما هو أبعد وأشمل ،نعني التاريخ
الثقافي الوطني العام ،إذ أن البعد المحلي هنا مفارق للبعد الوطني منهجيا ومرحليا ال غير ،بينما هو في العمق امتداد طبيعي له . إذن ،كيف أمكن للسوسي أن يفلت من الوقوع في أنشوطة (العصبية القبلية)؟ .وما هي األسباب التي حفزته إلى اختيار اللغة العربية وثقافتها الدينية واألدبية، رغم انتمائه إلى ثقافة نوعية جهوية مخصوصة؟ .ثم ،أية حوافز هذه التي وقفت وراء احتضانه لثنائية الوحدة والتنوع بهذا الشكل المتحمس ،رغم جميع
العوائق اإلتنوية والسياسوية الفاعلة في المرحلة؟ . قبل تشخيص موقف السوسي هذا ومواجهته بمثل هذه األسئلة ،ال بأس من أن نستدعي أوال بعض اإلشارات المحددة للخلفيات النظرية العامة ،التي يمكن
أن تساهم في دعم وإضاءة هذا الموقف الرائد . فرغم ادعاءات العولمة الشرسة ،تظل الحدود بين آداب األمم المختلفة محافظة على خصوصياتها المميزة المحلية والوطنية والقومية .أما المطلوب منطقيا لتحقيق أي كزموبوليتية أدبية صحية ،فيتحدد في محاولة التقريب بين تلك اآلداب ،وتسهيل سبل تواصلها وتقاطعها وتبادل التأثير والتأثر بينها واالستفادة من بعضها البعض وتوسيع أفق كل منها على ضوء اآلخر ،في ظل مثاقفة جادة مرغوبة .فاألدب على حد حصافة فان تيجم (( هو ،من بين كافة مظاهر النشاط اإلنساني ،أكملها وأوضحها تعبيرا عن خصائص شعب من الشعوب .وفي وسع األدب العام أن يساهم مساهمة قوية في توجيه أولئك الذين أخذوا على عاتقهم أن يقربوا بين الشعوب ،ال بتحطيم الخصائص القومية التي تكون جوهرها وحياتها ( ولعمري إن هذا ليس بالممكن وال بالمستحسن ) بل بفهم هذه
الخصائص ،وبمحبة نيرة لما أضافه كل كاتب من عواطف وأفكار وتعبيرات إلى التراث المشترك لإلنسانية المفكرة ))().2 ومن هنا تتأبد ظاهرة الوحدة والتنوع في الثقافة واألدب اإلنسانيين .ذلك أن الحدود المادية والمعنوية للمجموعة االجتماعية النوعية ،ولإلقليم ،والوطن، واألمة؛ تظل تمارس تأثيرها حتى في حالة االنخراط في العالمية ،وال سبيل لالستطراد هنا في إعطاء مزيد من التفاصيل واألمثلة ،فهي معروفة بحكم أقدمية إشكال الوحدة والتنوع ،واندراجه ضمن موضوعات األدب المقارن .وإنما ينبغي التأكيد على أن هذا اإلشكال يتصف بالشمولية ،فهو يطول من بين ما
يطوله ،باإلضافة إلى الثقافة واألدب وطرق التفكير ،العادات والتقاليد واألعراف والنظرة إلى اإلنسان والحياة والكون ،أي كل شخصية المجتمع والشعب
واألمة. وبالنسبة لألدب ،الذي يهمنا هنا ،فإن معالم الوحدة والتنوع تفرض تفسها بإلحاح ،حيث يغص بالتجليات الطبيعية للبيئة التي أنتجته ،وبالعالئق البشرية والعواطف اإلنسانية المخصوصة بهذه البيئة وسيكولوجية مجتمعاتها ،مع ما يمازج كل ذلك من تأثيرات محلية عميقة للتقاليد والعادات واألعراف المختلفة؛ لكن بمالمسة شفافة للطبيعة اإلنسانية المطلقة وجوهرها الكوني ،وتغلغل في سراديب النفس البشرية ،واستكناه أسرارها التي ال تخضع لسلطة المكان والزمن،
سواء كان ذلك بوعي من المبدع أم بغيره (). 3 ومثلما يشتد تحكم هذه الثنائية في المسار المزدوج لألدب ( محلي قومي /عالمي كوني ) ،فإنها تمتد كذلك بظاللها حتى إلى األدب الشعبي ،الذي بقدر ما يستوعبه من خصوصيات الجماعات الشعبية المحدودة بخصائص شخصيتها المحلية المادية والروحية ،ينسلك أيضا ضمن السياق الوطني ،والقومي المشترك بين أقطار األمة الواحدة ،والعالمي العام الشامل لكل األمم ،كما يتجلى في القصص الشعبي مثال ،وإن تغيرت بعض العناصر والموتيفات من جماعة بشرية
إلى جماعة ومن أمة إلى أخرى ،خضوعا لمختلف المؤثرات المحلية واإلقليمية().4 وعليه ،فال يمكن حصر اآلداب المحلية في بيئاتها الضيقة ،دونما تالقح مع التجارب الخارجية ،بنفس القدر الذي ال يجوز معه للنزعتين الوطنية والقومية ولمد العالمية الكاسح تجاهل االسترفاد من الفضاءات المحلية بأي حال من األحوال ،فكالهما يصب في هدف واحد هو إثراء الثقافة اإلنسانية والدفع بها إلى
األمام . إذا عدنا إلى نقطة االنطالق المحددة في عنوان البحث ،من أجل قياس مدى غنى وعمق تجربة المرحوم محمد المختار السوسي ورحابة أفقها تجاه إشكال الوحدة والتنوع في الثقافة المغربية؛ ألفيناه بالقياس إلى مجايليه إبان الفترة المدروسة ،قد امتلك إيمانا قويا ووعيا نظريا ورؤية تطبيقية متقدمة بأطراف هذه الثنائية ومدى تساكنها داخل الثقافة المغربية كما في باقي الثقافات ،حيث استأثرت بكل اهتمامه وصارت من أولويات انشغاالته ،بل وتحولت إلى مشروع عمره ،في وقت لم تكن التربة مهيأة بعد لتقبلها أحرى الترحيب بها والتحمس لها ،بسبب إكراهات النزعة الوطنية المؤدلجة المتشددة التي فرضتها روح فترة المواجهة مع االستعمار ،إلى جانب التطلع الطموح لتأسيس الدولة الوطنية الحديثة بعد االستقالل ،فضال عن عنفوان التيار القومي العربي الكاسح ،الذي كان
ينظر بعين الريبة إلى أي محاولة للحفر في الثقافات اإلقليمية أو الوطنية أو المحلية . والحق أن إيمان السوسي بوجهة النظر الجامعة عضويا بين ما هو محلي وما هو وطني في بوتقة واحدة ،عبر االنفراد البحثي باألول مرحليا من أجل تخصيب الثاني ،يصل إلى درجة عالية من التمكن في نفسه ،بحيث تحولت وجهة النظر تلك لديه إلى استراتيجية ثقافية التزم بها خالل عمره العلمي .أفال يدلل على ذلك بقوة ،هذا االستغراق في تكريسها وتأكيدها عمليا بشكل موسوعي ،خالل ثالثة عقود متواترة ( ،)1391/1331اضطلع فيها بوضع عشرات المؤلفات والرسائل والمباحث المخصوصة باإلنتاج الفكري واألدبي والعقائدي واالجتماعي والتاريخي والحضاري في منطقة سوس ،بهدف مزدوج طرفاه التعريف
بثقافة سوس وأدبه وفكره بصورة خاصة من جهة ،وإغناء الثقافة واألدب والفكر وطنيا بشكل عام من جهة ثانية؟ . لقد ظل السوسي يطوف بأهم المراكز العلمية المغربية في الفترة ،مثل مراكش وفاس والرباط ،متوخيا مزيدا من االطالع عن قرب على الحركات الثقافية التي كانت رائجة بها ،ومواكبة قضاياها ومستجداتها .فأفاد منها كثيرا ،واستوعب ما استوعبه من علم وأدب في أحضانها ،وأنتج ما أنتجه في إطار ما هو مكرس وطنيا من علوم وآداب ومفاهيم ومصطلحات وقضايا وما إليها ،وفوق هذا وذاك اكتسب مجموعة من الصداقات بين الفاعلين الثقافيين والمناضلين في إطار الحركتين الوطنية والسلفية .أال يعني كل هذا كون السوسي ال ينطلق في دعوته من فراغ ،بل إنه كان على علم جيد بإيجابيات وسلبيات الواقع الثقافي لمغرب النصف األول من القرن العشرين؟ .لكن ،ألم يكن في المقابل ابن سوس البار ،وأعرف بكنوزه العلمية ومراكزه وأعالمه ،لذا عز عليه أن تضيع هذه الثروة العلمية مع مرور األجيال ،فيخسر سوس ويخسر الوطن معا؟ .أليس لمثل هذا حتمت عليه الضرورة المحلية بذل مزيد من الجهد ،مستثمرا كل ما استحصله من معارف من تلك المراكز الوطنية ،ومستفيدا من درايته الواسعة بمنطقة سوس ،من أجل صون ما أنتجته مختلف البؤر العلمية المنتشرة هنا وهناك ببادية سوس ،في أفق كتابة التاريخ الثقافي لسوس العالمة؟ .إذن ،فمن أفضل منه معرفة وتجربة وغيرة وإخالصا ،للتصدي لهذه المهمة التاريخية الخطيرة؟ .على أن السوسي الذي كان يملك من الوعي واإليمان بمبدإ وحدة الوطن رصيدا ثمينا ،ما كان يغيب عنه الهدف األسمى من محاولته المحلية ،أال وهو العمق الوطني .فكل االجتهادات وكل اإلضافات وكل المنجزات إنما يجب أن تصب فيه ،فهو الهدف األكبر الذي يتحقق من خالل األهداف
الصغرى المحدودة بجغرافيات وتواريخ محلية في هذه الجهة أو تلك. والقتناع السوسي في كتابه ( سوس العالمة) بضرورة منهجية تقول بأن اإللمام بكل نواحي سوس العلمية ،ال يتم سوى بالتعرف إلى حمولة العلوم التي كان السوسيون يتعاطونها ،والتي لم تكن تختلف عما كان معتمدا في كل المغرب ،لذا وجدناه قد رام بناء تصميم كتابه على استعراض تلك العلوم واآلداب ،إلى جانب مظاهر تداولها في الفضاء السوسي ،مع مناقشة أصولها ورصد تجلياتها .وقد حصرها في ( القرآن ،التفسير ،الحديث ،السيرة ،علوم الحديث ،النحو، التصريف ،اللغة ،البيان ،األصول ،علم الكالم ،الفقه ،الفرائض ،الحساب ،الهيأة ،المنطق ،العروض ،الطب ،األسانيد ،الجداول ،األدب) .كما وقف وقفة مطولة مع الحركة األدبية العربية التي عرفها سوس ،فرصد واقعها وأطوارها ورجاالتها ،مصنفا إياها في سلسلة من الفترات التاريخية المتراوحة بين النهضة واالزدهار والخمول .ثم ينتقل إلى استعراض األسر العلمية السوسية التي تسلسل فيها العلم وإتقان القراءات من جيل إلى آخر ،حاصرا إياها في 151أسرة. وبعد ذلك ،يسوق الئحة تعريفية بأهم مدارس سوس العتيقة وألمعها ،منها 51مدرسة رئيسية لعبت دورا مهما في رواج اللغة العربية وعلومها بسوس ،علما بأنه قد أشار إلى كون مدارس سوس عامة قد نيفت على المائتين خالل القرون الماضية( . )5وال يتجاهل السوسي التعريف بالخزانات العلمية السوسية التي بلغت لديه 23خزانة شبه عامة مع بضع إشارات إلى خزانات بعض األفراد الخاصة .كما خصص حيزا مهما من الكتاب لحشد جرد أولي للمؤلفين السوسيين في كل قرن من القرون الممتدة من السادس إلى الرابع عشر ،مع التعريف بمؤلفاتهم ،بهدف تأكيد المساهمة العلمية السوسية (( وقد حصل المقصود بما ذكر ،وما هو إال أن يتيقن المطالع أن في سوس علماء شاركوا بأقالمهم ،على قدر إمكانياتهم وذلك غاية المأمول عندي ،وقد حصل بهذا القدر اليسير))(.)9 وأخيرا يختم السوسي كتابه بوقفة مركزة مع مراجع التاريخ السوسي التي كتبها مؤلفون سوسيون ،منطلقا من مبدإ حتمية الكتابة المونوغرافية عن مختلف
أنحاء المغرب ،التي من شأنها توفير المرجعيات الضرورية عن كل ناحية على حدة ،فبما أن ((لكل ناحية من نواحي المغرب كتبا خاصة ،فيها كثير مما يتعلق بتلك الناحية من وجوه شتى ،ال يمكن أن يجهلها من يريد أن يعرف المصادر التي يستمد منها في تاريخ تلك الناحية ،كذلك سوس ،لها كتب خاصة هي بعض
المصادر التي البد لمن سيشتغل بجمع أطراف تاريخها من اإللمام بها ،وهي كثيرة).1()) . وهكذا يكون السوسي قد بذل جهدا مضنيا ،فكريا وميدانيا وبإمكانيات فردية الفتة ،قصد استدعاء كل هذا التراكم الكثيف من المعطيات الفكرية والتاريخية والبيوبيبليوغرافية وما إليها ،توخيا الكتمال دائرة الحركة العلمية واألدبية في سوس ،وارتسام معالمها واضحة الخطوط والقسمات ،متمايزة األلوان والظالل، مضبوطة األبعاد ،شديدة اإلشعاع؛ بعد أن كانت مجهولة مظلمة أو شاحبة .وهو ما نحسبه يكون الغاية المركزية الثمينة التي سعى السوسي بكل جهده إلى تحقيقها ،فكان له ما أراد ،وإن ظل مشرئبا نحو المستقبل المفتوح ،متوقعا أن تأتي األجيال الموالية بالخطوة التالية ،المتمثلة في مد الجسور بين المراكز والهوامش العلمية ،ولملمة أطراف التواريخ الشاملة بنواحي المغرب المختلفة ،ومن ثم إنجاز التاريخ العام لكل الوطن ،بعد أن تكون قد تهيأت ممكنات القيام بهذه الخطوة الهدف
.
ولمزيد من الفهم الحتضان محمد المختار السوسي لهذه الثنائية ،يحسن بنا أن نتساءل مستفهمين عن الدواعي التي كانت سندا لصياغة هذا الموقف .فماذا تكون منطلقاتها؟ وما هي أهدافها؟ إذا حاولنا معاينة تلك الداوعي على ضوء الفترة التي أنجز فيها كتاب ( سوس العالمة) ،وجدناها تتأسس على مجموعة من القناعات الراسخة لديه ،باعتبارها ثوابت ال يمكن التفريط فيها .ويتقدمها اإليمان بضرورة التصدي بالبحث الموضوعي لكتابة التاريخ العلمي للمغرب محليا ووطنيا ،تكريسا لوحدة المغرب التي سعى االستعمار بكل جهوده إلى تفكيكها ،وفق ما تجسد في بنود الظهير البربري ،وتأكد بتحريض بعض قواد األطلس على قيادة حركة بربرية سياسية ضد العرب والعرش( .)8وفي هذا السياق ،دعا السوسي إلى وجوب مواجهة الحضارة الغربية الجارفة ،التي تحاول في رأيه إفساد ماضينا ،عن طريق ما يحبره عدد من كتابها المغرضين ،فضال عن الوقوف في وجه المد الثقافي واللغوي االستعماري الكاسح المتقصد لتثبيت الوجود االستعماري وتهميش اللغة والثقافة
الوطنيين. ويبدو أن السوسي ،كان ممتلئا إحساسا حادا بواقع التخلف الكاسح في ميدان التأريخ الشامل للمغرب ،مما تسبب في سقوط مختلف المحاوالت المبذولة في هذا الشأن في القصور واإلجحاف .فقد أعرب غير ما مرة في كتاب ( سوس العالمة ) ،عن امتعاضه واستنكاره لإلهمال التام الذي عانت منه بعض البوادي من طرف الباحثين ،مثل تافياللت ودرعة والريف وجبالة واألطلس الكبير وتادلة ودكالة وما إليها ،رغم أنها عرفت في الماضي بحركات علمية جيدة في مختلف ميادين المعارف العربية ،وزخرت بكثير من األعالم الكبار والزوايا التنويرية المهمة .وعند هذه النقطة بالذات ،يعلن السوسي خوفه من إمكانية ضياع كل ذلك إلى األبد ،إذا لم تتداركه أقالم الباحثين بجمع ما يمكن جمعه ،وتنسيق ما ال يزال مبعثرا بين اآلثار ومتداوال في جلسات السمر .ولعل من أهم ما قد يالحظه
الباحث المدقق في هذ المطلب ،كونه يتخذ لدى السوسي منحى منهجيا متماسكا ذا شقين اثنين متكاملين هما: أ ـ إعطاء األولوية لالستقصاء والجمع والدراسة للتراث العلمي لكل منطقة من تلك المناطق المهملة ،وإعداد التاريخ العلمي الخاص بكل واحدة منها على
حدة. ب ـ إنجاز التاريخ العلمي الوطني العام ،على ما تراكم من مادة محلية وإقليمية ،بوصفها مرجعية مالئمة (( سيتكئ عليها الذين سيتصدرون للتاريخ العام
المستوعب في العلم العربي المغربي غدا ،بله الحوادث واألطوار المتقلبة ))().3 إذن فإن صياغة التاريخ العلمي الوطني العام ،في قناعة هذه الشخصية الثقافية الوازنة ،ال يتم بالصورة المثلى إال عبر إنجاز الدراسات واألبحاث المونوغرافية للمدن والبوادي النشيطة علميا وفكريا وأدبيا ،وتوفير (( التواريخ الخاصة لكل حاضرة من تلك الحواضر ،ولكل بادية من تلك البوادي))( ،)11على أساس أن
يتم دمجها فيما بعد ،مما يعزز التركيز مرحليا على إضاءة األنشطة الثقافية المحلية دونما حرج أو تردد. ورغم أن السوسي كان واضحا ومنسجما مع نفسه في طرح هذه القناعة ،إال أن حساسية المرحلة كانت ترشح ما قد يترتب على مثل هذه القناعة من تبعات سلبية ،كأن يواجه صاحبها بعدد من المسلكيات المتصلبة المعاكسة ،ليس أقلها إشهار االتهام الساذج بالنزعة اإلقليمية اإلتنية البغيضة ،هذا إذا لم يصل األمر إلى درجة التخوين .السيما وأن العهد كان قريبا بمحاوالت االستعمار تفكيك البالد إلى مناطق عرقية ،مثلما تجسدت في الظهير البربري كما سبقت اإلشارة. وأيضا يمكن االفتراض بأن السوسي قد يكون سمع شيئا من النقد الذي يضرب على هذا الوتر .ولوال ما تمتع به الرجل من وعي ومرونة وصبر ،جنبه السقوط في مثل هذا المستوى الشوفيني المنغلق ،لربما كنا قد خسرنا كل هذه الذخائر التي أنجزها في تفان وإخالص ،عن التراث الفكري واألدبي ألحد أهم أقاليم الوطن المؤثرة ،ولما رأيناه يتجاوز تلك الكوابح ،وينبرى بالتفنيد الحجاجي ألية شبهة أو لبس من قبيل ما كتبه موضحا بوعي وقصدية مباشرين ،مع االستدالل بمجموعة من الحجج الموضوعية الراجحة ،واستبعاد لكل االعتبارات الالعلمية (( :قد يخطر في بال بعض الناس القصيري النظر :أن السجلماسي أو الدكالي ـ مثالـ إذا تصدى كل واحد منهما لمثل هذا البحث في ناحيته ،أن ذلك من العنصرية الممقوتة التي ال يزال المستعمرون أمس يضربون في كل فرصة على وترها لجعل المغرب أشالء ممزقة ،مع أن هذا العمل ليس من العنصرية في شئ ،فهل إذا توفر الطبيب للتخصص في بحث ما حول عضو من أعضاء الذات ،نلمزه بالعنصرية إزاء األعضاء األخرى؟ أو هل الذين كتبوا عن فاس ومراكش وآسفي وطنجة وتيطاون والعدوتين ،وخصصوا كل مدينة على حدة،
يلمزون بالعنصرية؟ إن هذا لخطل في الرأي وخطأ في تقدير األعمال ،وسد لألبواب دون العاملين في ميدان خاص ،وتثبيط ألعمال المجتهدين).11()). وال شك أن هذا االعتقاد بثنائية الوحدة والتنوع في الثقافة المغربية ،وهذا الحماس لها ،ممزوجين بشعور بالغ بالمسؤولية ،هما ما يفسر ا ندفاعه ـ على التزامه بالكتابة عن سوس ـ نحو رفع الصوت بأنه ممن يؤمنون بالصبغة المحلية ويتشبثون في نفس الوقت بالمغرب كال ال يتجزأ ،وأيضا بوحدة العالم العربي ،ووحدة العالم اإلسالمي من غرب شمال إفريقيا إلى أندونيسيا ،إلى حد أنه كاد يكفر من ال يؤمن بذلك .بل إنه يذهب بعيدا في هذا االتجاه ،فيتجاوز
الوحدة الوطنية والوحدة القومية والوحدة اإلسالمية ،إلى اإليمان بالوحدة اإلنسانية ،انطالقا من مرجعية دينية ،حيث يؤكد (( :بل لو شئت أن أقول ـ ويؤيدني
ديني فيما أقول ـ :إنني أرى اإلنسانية جمعاء أسرة واحدة ،ال فضل فيها لعربي على عجمي إال بالتقوى ،والناس من آدم ،وآدم من تراب))().12 ثم إن المتأمل المتفحص في هذه القناعة ،ال يملك إال أن يقاسم صاحبها نفس الهم ،خصوصا وأنه ال يعدم القرائن المؤيدة لصدقية الرجل فيما يزعمه،
ومنها: القرينة األولى؛ تتمثل في هذا اإلهداء األريحي المتصدر لكتاب ( سوس العالمة ) ،الذي يكشف فيه عن مدى تواضعه ،حيث يعترف فيه على عادة كبار العلماء وجهابذة الباحثين ،بمزيد من التقدير بفضل أستاذه عبد الرحمن بن زيدان عليه وعلى كتابه هذا ،رغم أن ابن زيدان من مكناس وليس سوسيا ،حيث يقول فيه (( :كان سبب ابتدائي لمباحث هذا الكتاب أستاذي الجليل عالمة الشرفاء ،وإمام الكرماء ،يوم زار سوس وكتب رحلته السوسية في كراسة ،فناولنيها على أن أذيل عليها ،وأستتم كل ما يتعلق بالعلوم العربية في كل أدوار التاريخ بسوس ،فلم أزل أتوسع في الموضوع حتى صار الموضوع إلى ما يراه القارئ. أفليس من الواجب المتأكد أن يكون الكتاب باسم أستاذنا الجليل ابن زيدان الذي ترك فراغا لم يحاول أحد أن يمأله وال طمع فيه متطاول؟ واالعتراف من
التلميذ لتأثير أستاذه من أدنى واجبات األساتذة على التالمذة))(). 13 وتتجسد القرينة الثانية في اعتراف السوسي أيضا بمدى االستفادة األدبية واألسلوبية التي استحصلها من صديقه محمد بن العباس القباج مؤلف كتاب ( األدب
العربي في المغرب األقصى) ،وهو كاتب رباطي وليس سوسيا أيضا() .14 وتستدعي القرينة الثالثة ،هذا االهتمام الحميمي بالكتابة عن زمالئه من غير البربر في سجن غبالو ،أمثال محمد الفاسي ،أحمد بناني ،إبراهيم الكتاني،
المهدي بن بركة ،عبد الهادي الحلو ،في غير قليل من المحبة والتقدير والتضامن واإلعجاب(). 15 أما القرينة الرابعة؛ فتتجلى في كون السوسي ما فتئ يشير بصيغة يقينية خالل فصول الكتاب ،إلى عظم امتياح وضخامة استفادة سوس من علم وأدب المراكز الثقافية المغربية األخرى مدنا وبوادي ،مؤكدا على أن الحركة العلمية واألدبية في سوس لم تكن في حقيقتها سوى نسخة متالقحة مما عهدته تلك المراكز من حركة ثقافية نشيطة ،وفي مقدمتها مدينة فاس تخصيصا ،التي كانت سخية في مد سوس ـ كما باقي المناطق المغربية األخرى ـ خالل مراحله العلمية المختلفة بتلك العلوم واآلداب ،مما نشّط حركتهما بمختلف أنحائه (( فيجتهد سوس أن يمشي على خطا المشيخة في فاس ،وأن يكون خير تلميذ ألفضل أستاذ))( .)19ولما كان مصير سوس مرتبطا بمصير الوطن كله ،فقد تبين لمحمد المختار السوسي خالل رصده للحركتين العلمية واألدبية في ربوعه،
أن ازدهار هذه الحركة أو فتورها أو اضمحاللها في سوس ،كان مرهونا بازدهارها أو ترديها في باقي الوطن لهذا السبب أو ذاك(). 11 ويمكن في ضوء تلك القرائن وغيرها ،النظر بصورة تقديرية عكسية إلى هذا الموقف الشجاع ،بدل اللوم والتشكيك واالتهام .ذلك أن هذا الموقف قد أعلن على الناس سنة ،1391عند نشر كتاب ( سوس العالمة ) ،أي في عز المد القومي العربي المكتسح ألي تفكير محلي أو وطني أو إقليمي ،كما أشرنا سالفا. فالسوسي كان على األقل واضحا في رأيه تجاه ثنائية الوحدة والتنوع ،التي لم تتضح حتى اآلن في ذهن كثير من المثقفين والدارسين العرب ،رغم كثرة المناقشات التي دارت حولها منذ عقود من الزمن سواء في الملتقيات والندوات أم الكتابة في المجالت والصحف والمؤلفات .ألم يناد عالنية في خضم هذا المناخ المعاكس ،بضرورة االهتمام المركز بأطراف المغرب ومن بينها بادية سوس ،على اعتبار أن مثل هذا العمل يمثل الدعامة السليمة والطريق السالكة لخدمة الثقافة الوطنية المغربية وإغنائها ،بل والعربية واإلسالمية وصوال إلى الكونية؟ .ثم ،أليس من المفارقة كون المثقفين المدينيين ممن حصروا منجزاتهم حول مراكزهم هم بالذات دون غيرها ،مثل مكناس وتطوان وفاس والرباط وسال وآسفي ،هم من أعطوا االنطباع بانغالق أدبيات تلك المدن على
جغرافياتها المحلية الخاصة؟ .وها هي األمثلة البارزة: ـ اإلعالم بمن حل بمراكش وأغمات من األعالم ،لعباس بن إبراهيم. ـ االغتباط بتراجم أعالم الرباط ،لمحمد بوجندار. ـ إتحاف أعالم الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس ،لعبد الرحمن بن زيدان. ـ تاريخ تطوان ،لمحمد داود. ـ آسفي وما إليه قديما وحديثا ،لمحمد الكانوني. ويرجح أن يكون السوسي قد استشعر فيما أنجزه كتاب تلك المدن ،مالمح نزعة حضارية مباهية متعالية ،وإشارات إقليمية ضيقة مضمرة .لذلك نفترض أن هذا الشعور كان من بين األسباب التي جعلت السوسي ينبري لتدارك األمر بهذه الدعوة المبكرة إلى االهتمام بالكتابة عن البادية المنسية والمدن األخرى المهملة ،عسى أن تكون الحركات العلمية واألدبية التي نشطت بها رافدا أساسا وعنصر تخصيب للثقافة المغربية عامة .وفي نظرنا ،إن هذا الفهم المتقدم ينطوي على إدراك وإرادة صحيين لرفع المحاوالت المونوغرافية المغربية من مستواها الشوفيني المحلي ،إلى المستوى الموضوعي المعقلن .ومن ثم أمكن
له وضع تلك المحاوالت في إطارها الطبيعي المطلوب ضمن سياق الوحدة والتنوع الذي يغني الوحدوي وال يفقر المحلي .
وثمة إمكانية مسبرية كفيلة ـ عند االستناد إليها ـ بتأكيد هذه الفرضية ،وتتمثل في هذا المؤشراالنفعالي ،الذي تململ حين انتاب محمد المختار السوسي ومأل نفسه خيبة وتبرما ،لدى اطالعه على الترجمة الخاصة به في كتاب ( األدب العربي في المغرب األقصى ) لمحمد بن العباس القباج ،الذي صدرها بهذه الفقرة
التثمينية : ((ليس بغريب أن ينبغ من بين أمة بعيدة عن لغة الضاد أفراد يرفعون ذكر أمتهم ويحفظون لها بين صحائف التاريخ أثرا مجيدا يبقى ما بقيت تلك األمة وذكر
اسمها في الوجود. وهذه األمة السوسية الواقعة في جنوب المغرب في جوار الصحراء الكبرى القاحلة وبين الجبال الوعرة ،المعروفة ببعدها عن لغة الضاد تنجب لنا بضعة
أفراد هم نهاية ما تفتخر بهم األمة وتباهي بهم في عالم العبقرية والنبوغ . ومحمد المختار الذي نترجم له اآلن فرد من أولئك األفراد فقد نبغ نبوغا معجبا رغما عن ذلك الوسط الذي نشأ فيه وتلك البيئة التي يكون لها أكبر تأثير في
حياة اإلنسان))(). 18 ومن الممكن أن يكون هذا الرأي المغلوط القائم على الجهل بالتراثين العلمي واألدبي العربيين في منطقة سوس ،قد أحدث بعض الشرخ في نفس محمد المختار السوسي ،ولم يجد أمامه غير التعليق قائال(( :إنها غلطة كبرى جرت من أخينا مؤلف كتاب األدب العربي محمد بالعباس القباج حيث ترجم لسوس في شخصي بتلك الكلمات والتعبيرات المخالفة للحقيقة والتاريخ)) ،)13(.ثم حسم أمره بإعالن التحدي في مستقبل األيام ،وأنه سيأتي يوم تتضح فيه األمور (( فتعرف سوس على حقيقتها ،وتمسكها بلغة الضاد ،وعنايتها باألدب العربي ،واللغة والتشريع كأحسن ما يوجد بأعظم الكليات العلمية ،والمدن الرئيسية
المبرزة في الميدان ))().21 وفعال بر بوعده كأعظم ما يكون البرور ،فكسب الرهان بفضل مزية /ميزة االعتكاف المعروفة عنه ،ودينامية البحث والدرس والتأليف في شتى مناحي المعرفة واألدب عن سوس ،وخاصة في كتابه ( سوس العالمة ) الذي نكرر مجددا بأنه يعد بمثابة المنطلق النظري لمشروع السوسي ،في حين يضطلع معظم إنتاجه اآلخر وبالخصوص كتاب ( المعسول ) ،بالجانب التطبيقي الفعلي لهذا المشروع .بل إنه استطاع بهذا الجهد االستثنائي وبالنتائج النوعية والكمية التي تفرد باستكشافها ،أن يحقق ما لم يتمكن غيره من الفاعلين الثقافيين في الفترة ممن كتبوا عن مدنهم العريقة تحقيقه بنفس الصورة المدهشة ،إن على مستوى الكشف والتراكم ،وإن على مستوى الوعي والضبط المنهجي ،مسديا بذلك لذاكرة سوس الثقافية خدمة علمية هائلة ،كانت في حاجة ماسة إليها، من أجل إثبات الذات المحلية ضمن سيرورة التراكم الثقافي الوطني ،في تواز جدلي محسوب ،مناهض ألي تعصب أو تطرف ضيقين .ومن هنا يمكن الذهاب إلى القول بأن منجز السوسي في الكتاب وغيره من كتبه األخرى ،قد ارتقى إلى مستوى من التوفيق قد تكلل بإعادة التوازن لكفتي ثنائية الوحدة والتنوع لصالح سوس أساسا ،ثم للوطن عامة .وربما لهذا السبب ،تبوأ كتاب ( سوس العالمة ) مكانة اعتبارية رائدة وأهمية مميزة ،ال يضاهيهما سوى ما حازه منجز عبد هللا كنون المرموق ( النبوغ المغربي في األدب العربي ) من اعتبار وتقدير الئقين ،ضمن الدراسات األدبية والفكرية الضافية الجادة في المغرب الحديث
والمعاصر.
هوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1ـ انظر مثال :د.مصطفى الشليح ،وذ.أحمد السليماني ،وذ .بوشتى السكيوي :محمد المختار السوسي ،مؤسسة أونا ،مطبعة إيديال [ ،د .م ،1339 ،] .ص.
159ـ ).192 2ـ األدب المقارن ،تر .سامي الدروبي ،دار الفكر العربي ،1349 ،ص 214 .ـ .215 3ـ انظر مصطفى يعلى :ظاهرة المحلية في الفن القصصي بالمغرب من أوائل األربيعينيات إلى نهاية الستينيات ،رسالة مرقونة ،نوقشت لنيل دبلوم
الدراسات العليا ،بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بظهر المهرازـ فاس ،في تاريخ 29يونيو ،1384وهي مسجلة بخزانة الكلية تحت رقم ،213ورقة 25ـ .29 4ـ راجع مصطفى يعلى :القصص الشعبي بالمغرب ـ دراسة مورفولوجية ،المدارس ،الدار البيضاء.2111 ، 5ـ سوس العالمة ،مطبعة فضالة ،المحمدية ،1391 ،ص. 154 . 6ـ نفسه ،ص.213 . 7ـ نفسه ،ص.211 .
8ـ انظر محمد المختار السوسي :معتقل الصحراء ،ج ،1.مطبعة الساحل ،الرباط ،1382 ،ص.13 . 9ـ سوس العالمة ،ص ( .ب). 10ـ نفسه ،ص ( .أ) 11ـ نفسه ،ص ( .ب). 12ـ نفسه ،ص ( .ج ) ،وانظر أيضا صفحات . 94 ،59 ،48 ،33 ،15 13ـ نفسه ،ص.5 . 14ـ انظر محمد خليل :محمد المختار السوسي ـ دراسة لشخصيته وشعره ،ط ،1.مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر ،الدار البيضاء ،1385 ،ص 188 .ـ .183 15ـ سوس العالمة ،ص.59 . 16ـ راجع ( مذكرات عن المعتقل) ضمن كتاب ( معتقل الصحراء ) ج ،1 .ص. 151. 17ـ نفسه ،ص.51 . 18ـ وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية ،مطبعة فضالة ،المحمدية ،1313 ،ج ،2 .ص.91 . 19ـ الحاج أحمد معنينو :وزير التاج أو تاج الوزراء األستاذ محمد المختار السوسي ،مجلة ( اإليمان ) ،ع ،114/113 .يناير ـ فبراير ،1382ص.81 . 20ـ المرجع نفسه ،ص.81 .