لمحة وفاء وتجلية مكرمات

Page 1

‫في ذ م حل‬

‫ق‬ ‫آمن كرى الم اخ‬ ‫يومية جهوية وطنية ت�صدر م�ؤقتـ ًا كـل �أ�سبوع‬

‫الثالثاء ‪ 01‬ربيع الثاني ‪1437‬‬ ‫‪ 19‬يناير ‪2016‬‬

‫ملحة وفاء‬ ‫وجتلية مكرمات‬ ‫من‬ ‫كلمة الدكتورة‬ ‫�آمنة اللوه يف التنويه‬ ‫والإ�شادة بجريدة ال�شمال‪:‬‬ ‫« قبل كل شيء أريد أن أعبر لكم عن إعجابي بجريدة «الشمال» فأنا‬ ‫ملتزمة بقراءتها أسبوعيا منذ أن اكتشفتها‪ ،‬فهي تستحق القراءة ألنها تشبع‬ ‫نهم القارئ الباحث عن الفائدة‪ ..‬وما أكثر الفوائد التي تتميز «الشمال»!‬ ‫وقد لفت نظري بصفة عامة التوزيع المدروس والموفق لألبواب والمواضيع‬ ‫المنسية من تاريخ الشمال‪ ،‬وَمَنْ أحسن حديثا عن الشمال من أبناء الشمال‪!..‬‬ ‫كما لفت نظري بصفة عامة التوزيع المدروس والموفق لألبواب والمواضيع‬ ‫َ‬ ‫تُحْتَذى من لدن صحفنا‬ ‫التي تتألف منها «الشمال» مما يجعلها قدوة‬ ‫الوطنية سواء منها العريقة أو الحديثة‪...‬‬ ‫لقد كنت واثقة‪ ،‬من أول وهلة‪ ،‬بأن جريدة «الشمال» ستحتل مكانتها‬ ‫المتميزة والمتألقة في عالم الصحافة بسرعة‪ ،‬فصاحبها ال يرضى‬ ‫بالعادي‪ ،‬وطموحه في التفوق عرفناه عنه يوم كان يتربع على‬ ‫عرش إذاعة طنجة التي جعل منها منبرا لإلعالم ال يضاهى‪..‬‬ ‫إنها كلمة صدق كنت أود البوح بها منذ أول لقاء لي‬ ‫مع «الشمال» ولكن األمور‬ ‫مرهونة ألوقاتها‪»....‬‬

‫ة ال رحوص‬ ‫ل‬ ‫مة‬ ‫وه‬


‫‪2‬‬

‫الثالثاء ‪ 01‬ربيع الثاني ‪ 1437‬ــ ‪ 19‬يناير ‪2016‬‬

‫ف‬

‫ي‬

‫آم‬

‫ن‬

‫رحيلحم�سنة‬ ‫منذ أن تشبع المغاربة بالدين اإلسالمي وبدعوته الصادقة إلى طلب العلم واالجتهاد في التربية والتعليم‪،‬‬ ‫اتجهوا صوب بناء المدارس والمراكز العلمية إلى جانب المساجد والزوايا وأماكن الذكر والعبادة‪ ،‬وأنفقوا بسخاء‬ ‫من أموالهم وهيأوا الدور إليواء الطلبة‪ ،‬حتى غدا إقامة المدارس وعمارتها بطلبة العلم وتحبيس األموال عليها‬ ‫ميدان فخر واعتزاز لديهم‪.‬‬ ‫هكذا انطلق التعليم العتيق بالمغرب منذ أزيد من اثنى عشر قرنا‪ ،‬استمر خاللها ضامنا لوحدته االجتماعية‬ ‫والثقافية‪ ،‬وركيزة الستمرار وجوده العلمي والحضاري‪ ،‬ومدافعا عن ثوابته العقدية والمذهبية‪ ،‬ووسيلة لنشر تعاليم‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وتعليم اللغة العربية‪ ،‬وترسيخ مفاهيم العدالة‪ ،‬والحقوق الفردية والعامة‪ ،‬وتوحيد األمة والمحافظة على‬ ‫الهوية واألصالة‪ ،‬ومقاومة الزيغ الفكري والعقدي‪ ،‬والدفاع عن إمارة المؤمنين‪ ،‬والذود عن استقالل البالد ووحدتها‬ ‫وكرامتها‪ ،‬انطالقا من العناية بالقرآن الكريم حفظا وتعلما وتعليما‪ ،‬وبالحديث النبوي الشريف منبع العلوم‬ ‫والحكم‪ ،‬وما تفرع عنهما من علوم ومعارف‪.‬‬ ‫فمنذ عهد المولى إدريس األكبر ومرورا بالدول المتعاقبة على الحكم في المغرب إلى عهد‬ ‫الدولة العلوية الشريفة‪ ،‬وجد التعليم العتيق في جميع أنحاء المغرب حيث يقوم الفقهاء به وينشرونه‬ ‫بما عهد فيهم من إيمان وإخالص‪ ،‬فتخرج على أيديهم علماء حافظون لكتاب اهلل وسنة نبيه‪،‬‬ ‫متمكنون من العلوم الشرعية والعربية‪ ،‬جلسوا للتدريس والتأطير التربوي بنفس المؤسسات أو في‬ ‫مؤسسات ومراكز جديدة‪ ،‬ووقفوا للخطابة أو قاموا بمهام دينية أو إدارية دنيوية أخرى‪ ،‬مساهمين‬ ‫بذلك في وصل حلقات التعليم والتربية والتكوين‪.‬‬ ‫وما كان لهذا التعليم أن ينتشر ويزدهر لوال جهود فئة صالحة مباركة من‬ ‫أبناء هذا الوطن عملت في الخفاء وساهمت بسخاء في بناء المراكز العلمية‬ ‫والمؤسسات التعليمية‪ ،‬فوفرت الفضاء وأطعنت الطعام واستقبلت المتعلمين‬ ‫بصدر رحب وعطاء غزير‪ ،‬فنالوا بذلك رضى اهلل وحمد الناس‪ ،‬مصداقا لقول‬ ‫الرسول الكريم صلى اهلل عليه وسلم عن أبي ذر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قيل‬ ‫لرسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪( :-‬أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير‪،‬‬ ‫ويَحمَده الناس عليه؟ قال‪ :‬تلك عاجل بُشرى المؤمن؛) متفق عليه‪.‬‬ ‫فظلت هذه المراكز العلمية والمؤسسات التعليمية شاهدة على‬ ‫برهم وإحسانهم‪ ،‬واستمر كل متعلم فيها شاكرا فضلهم وإحسانهم‪،‬‬ ‫داعيا لهم بالخير والفضل العميم فصدق فيهم قول الرسول صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم‪( :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث‪ :‬صدقة جارية‪،‬‬ ‫أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له)‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫وكغيرها من مدن المغرب وقراه عرفت طنجة ونواحيها إقباال‬

‫ذ‬ ‫كر‬

‫ملح‬ ‫ى ال‬

‫ةا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬

‫ق‬ ‫خاص‬

‫م‬ ‫رح‬

‫ه‬

‫وم‬

‫ة‬

‫هائال على هذا النوع من التعليم وانتشارا واسعا لمؤسساته‪ ،‬فتعددت المراكز وكثرت الحلقات العلمية‬ ‫التي يجلس فيها الشيوخ للتدريس ويؤمها الطلبة للنهل من حياض المعارف والعلوم‪ ،‬ويقوم بها‬ ‫محسنون أفاضل تكفلوا بالبناء والتشييد وتحملوا مصاريف اإليواء واإلطعام ابتغاء لوجه اهلل وفضله‪ ،‬ومن‬ ‫بين هؤالء األفاضل المرحومة بكرم اهلل الدكتوره آمنة اللوه التي منحت هذا البناء الضخم لثلة صالحة من‬ ‫أبناء هذا الثغر المبارك‪ ،‬ليحفظ فيه كتاب اهلل وتدرس علومه‪ ،‬فظل منذ ما يقرب من ثالثين عاما منارا‬ ‫للعلم والتقى‪ ،‬والمعرفة والهدى‪ ،‬يؤمه الطلبة ويساهم في التوعية الهادفة‪ ،‬وقد أحسن رئيس الجمعية‬ ‫التي تسلمت هذا البناء الضخم ومؤسس هاته المعلمة العلمية المرحوم بمكرم اهلل فضيلة العالمة‬ ‫الدكتور ابراهيم بن الصديق حين اختار لها اسم “ مؤسسة التوعية اإلسالمية”‪.‬‬ ‫ونحن اآلن حين نحيي ذكرى هذه المرأة الفاضلة‪ ،‬وقد انتقلت إلى عفو اهلل ورضوانه‪ ،‬نسأل اهلل‬ ‫العلي القدير أن يجازيها على حسن صنيعها‪ ،‬ويجعلها من المكرمين الفائزين بالجنة‪ ،‬وندعو‬ ‫أهل الفضل والسخاء أن يسيروا على منوالها في إحياء العلم الشرعي وبذل الجهود من أجل‬ ‫رعايته وتشييد مناراته‪ ،‬كما ندعو القائمين على هذه المعلمة العلمية أن يسيروا على نهجهم‬ ‫ويحافظوا على ما سهرت المرحومة عليه وعملت من أجله‪ ،‬خصوصا وأننا نحيا في زمن‬ ‫نعيش فيه تحت إمرة ملك مجاهد حامل للواء العلم مدافع عن طلبته وعلمائه‪ ،‬موالنا أمير‬ ‫المومنين صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره اهلل الذي أمر بتنظيم التعليم‬ ‫العتيق وتأثيث بيته‪ ،‬فوضع خاتمه الشــريف على القانون المنظــم للتعليـــم‬ ‫العتيــق‪ 13. 01( ،‬الذي أصبح نافذا بظهير شريف وتم نشره بالجريدة‬ ‫الرسمية بتاريخ ‪ 28‬ذي القعدة ‪ 1422‬الموافق ل ‪ 11‬فبراير ‪)2002‬‬ ‫فهيأ بذلك نصره اهلل لبناء هذا التعليم اإلسالمي في الحواضر‬ ‫والبوادي بناء يحقق تطلعات بالدنا بكل أمانة ومسؤولية وإيمان‪.‬‬ ‫فبارك اهلل في عمر موالنا اإلم��ام وأي��ده بعزه ونصره‪،‬‬ ‫ورح��م اهلل هذه السيدة الفاضلة وجعلها ممن يقابلهم‬ ‫سبحانه بعفوه ورضاه‪ ،‬وبارك اللهم في هذه المؤسسة وفي‬ ‫المشرفين عليها وأمدهم بعونه وتوفيقه‪.‬‬ ‫آمين والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫• الدكتور محمد كنون الحسني‬ ‫رئيس المجلس العلمي المحلي لطنجة أصيال‬

‫يف ذكرى الدكتورة �آمنة اللوه‬ ‫كانت لي خالل احتفاالت العيد زيارة ألكبر عضو متبق من عائلتي مع ابني زيد واثنين من أوالده‪ ،‬المهدي وعبد‬ ‫الرحمن‪ ،‬الذي أخبرني أن الدكتورة آمنة اللوه قد توفيت‪ .‬تأثرت جدا‪ ،‬ألنني كنت أضع دائما هذه السيدة في أعلى‬ ‫تقدير دائما وأظهر لها احتراما كبيرا وإعجابا‪.‬‬ ‫تعرفت عليها بشكل جيد عندما كنت أعمل في المعهد الجامعي للبحث العلمي بجامعة محمد الخامس‬ ‫بالرباط‪ .‬وكان هذا بين عامي ‪ 1978‬و‪ ،1989‬وبعد ذلك انتقلت إلى جامعة محلية في تطوان‪ .‬كنا قريبين جدا لعدة‬ ‫أسباب‪ .‬فقد كان كل منا من تطوان وكنا الوحيدين من المدينة في المعهد‪ .‬كان لدينا نفس اللهجة والعقلية‪،‬‬ ‫على الرغم من اختالف أعمارنا‪ .‬إذ كانت في سن والدتي وكانت زميلتها‪ .‬وكانت أيضا امرأة عظيمة وعالمة وباحثة‪.‬‬ ‫وكانت أول امرأة مغربية حصلت على شهادة الدكتوراه خالل فترة الحماية اإلسبانية في شمال المغرب‪ .‬درست‬ ‫في جامعة غرناطة‪ ،‬وتخرجت منها‪ ،‬وكانت متمرسة في اللغتين العربية واإلسبانية‪ .‬كباحثة‪ ،‬نشرت العديد من‬ ‫الدراسات األدبية واللغوية والتاريخية في العديد من الموضوعات المتعلقة بالعالقات المغربية‪-‬اإلسبانية‪ .‬سأتذكر‬ ‫دائما المناقشات التي كانت لي معها وزمالء آخرين‪ ،‬خاصة األستاذ خديجة حركات‪ ،‬التي كانت رئيسة تحرير مجلة‬ ‫العربية في المعهد حيث عملنا‪ ،‬وكنا جميعا ننشر فيها مقاالت بانتظام‪ .‬الدكتورة آمنة لم تكن فقط كاتبة مقاالت‬ ‫باللغة العربية‪ ،‬ولكن أيضا ترجمت العديد من األعمال اإلسبانية التي تتعلق بالمغرب إلى اللغة العربية‪ .‬إلى جانب‬ ‫العديد من المناقشات األكاديمية‪ ،‬كنت أناقش معها موضوعات كانت مرتبطة في الغالب باألنشطة الثقافية في‬ ‫الرباط‪ ،‬أو النشاطات الثقافية في تطوان خالل فترة الحماية االسبانية في المغرب (‪ )1912-1956‬وكانت من بين‬ ‫النساء األكثر نشاطا‪ .‬وبلغت مساهمة الدكتورة آمنة اللوه مرتبة متقدمة في المعهد و نشاطاته‪ ،‬بفضل معرفتها‬ ‫اإلسبانية والعربية‪.‬‬ ‫وكان الباحثون ينقسمون إلى فئتين‪ :‬المتخصصين في اللغة الفرنسية والمتخصصين في اللغة العربية‪.‬‬ ‫عملت كل مجموعة لغوية ككتلة وكان هناك اشتباه معين بين البلدين‪ .‬كنت ربما الوحيد الذي تفاهم مع‬ ‫كليهما‪ ،‬بالرغم من أن خلفيتي التعليمية في اللغة اإلنجليزية‪ ،‬كنت أعرف الفرنسية والعربية‪ .‬أنا تعاونت مع‬ ‫المتخصصين في اللغة الفرنسية‪ ،‬التي شملت بعض المثقفين المغاربة البارزين في ذلك الوقت مثل األساتذة‪:‬‬ ‫عبد الكبير الخطيبي‪ ،‬محمد قبلي‪ ،‬فاطمة المرنيسي وأمينة أوشر الهري التي أصبحت مديرة فيما بعد‪ ،‬في حين‬ ‫أن المتخصصين في اللغة العربية أيضا وشملت الناس غاية المؤهلين تأهيال عاليا في المجاالت األدبية واللغوية‬ ‫مثل األساتذة أحمد يابوري‪ ،‬الدكتور عبد الهادي التازي‪ ،‬زبيدة بورحيل وخديجة حركات‪ ،‬وغيرهما‪ .‬اعتدت على‬ ‫االختالط مع كال الفريقين ألسباب مختلفة‪ .‬كان األستاذ الخطيبي رئيس تحرير مجلة رائدة في الفرنسية‪ ،‬واعتدت‬

‫على التعاون معه في العديد من الطرق‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬اعتدت على االختالط مع المتعربين‪ ،‬ألنني في‬ ‫حاجة لتحسين لغتي العربية‪ .‬وكانت كلتا المجموعتين مهتمة جدا خلفيتي اإلنجليزية ومعرفتي بالثقافات‬ ‫البريطانية واألمريكية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان الدكتورة آمنة اللوه عالقات ودية جدا مع الجميع‪ ،‬ولكن لم تحب‬ ‫االختالط كثيرا‪ .‬وقالت أنها كانت دائما شخصية متحفظة للغاية‪ .‬وقالت إنها اعتادت حضور االجتماعات‬ ‫وتحمل معظم أبحاثها في المنزل‪ .‬ولعل هذا هو السبب في أنها لم تشتك‪ .‬وثمة سبب آخر فلها آداب‬ ‫وفية عن التفصيل‪.‬‬ ‫الدكتورة آمنة اللوه كانت زميلة والدتي في المدرسة‪ .‬كانتا صديقتين مقربتين‪ .‬وكانت والدتي‬ ‫تصفها بأنها امرأة ذكية جدا وصديقة مخلصة جدا جدا‪ .‬واستمرت صداقتهم طوال حياتهم‪ ،‬على الرغم‬ ‫من أنه لم يكن لديهما الكثير من االتصال مع بعضها البعض‪ .‬وكان كل من والدها وزوجها عالمين‬ ‫بارزين‪ :‬زوجها‪ ،‬األستاذ إبراهيم اإللغي‪ ،‬كان واحدا من العلماء البارزين في تطوان خالل فترة الحماية‬ ‫االسبانية في المغرب‪ .‬وكان من منطقة سوس‪ ،‬وكان الباحث الشهير مختار آل سوسي شقيقه‪ ،‬على الرغم‬ ‫من أن أسماءهما العائلية مختلفة‪ .‬اليغ هي قرية أصلهم في منطقة سوس‪ ،‬على الرغم من أنهم كانوا‬ ‫إخوة‪ ،‬فهناك من اعتمد اسم قريته أوغيرها في المنطقة حيث كانت القرية‪..‬‬ ‫وكان زوج الدكتورة أمينة لوه شاعرا أيضا ‪ .‬وكانا قريبين جدا من بعضها البعض‪ ،‬وعاشا حياة كاملة‬ ‫معا في الرباط‪ ،‬حتى مات‪ ،‬وبقيت وحدها‪ .‬عرفت من األستاذة خديجة حركات‪ ،‬أقرب صديقة لها‪ ،‬أن‬ ‫الدكتورة آمنة اللوه كانت وحيدة لسنوات عديدة‪ ،‬بسبب وفاة زوجها الذي كانت تحبه كثيرا وكان ضربة‬ ‫نفسية اهتزت لها حتى بدت كأنها غير قادرة حقا على التعامل معها بشكل كاف ‪ .‬ولكن خالل السنوات‬ ‫األخيرة من حياتها‪ ،‬غدت تكرس وقتها إلنشاء مدرسة قرآنية في طنجة‪ .‬وقالت أنها تقضي الكثير من‬ ‫وقتها في شقتها في تطوان ولم تمل إلى المشاركة في األنشطة العامة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كانت واحدة من عدد‬ ‫قليل من السيدات اللواتي عرضت تحية ماي الماضي في معرض الكتاب طنجة‪ .‬سألني المنظمون عن‬ ‫هاتفها من أجل االتصال بها‪ .‬فقلت لهم أنني ال أعتقد أنها سوف تقبل‪ ،‬ألننا قدمنا اقتراحات مماثلة لها‬ ‫ورفضت‪ .‬لحسن الحظ‪ ،‬وقالت انها قبلت هذه المرة‪ .‬وددت أني حضرت هذا الحدث‪ ،‬لكني اضطرت إلى‬ ‫السفر الى فاس للمشاركة في لقاء ثقافي في نفس الوقت‪.‬‬

‫• امحمد بن عبود‬


‫‪3‬‬

‫الثالثاء ‪ 01‬ربيع الثاني ‪ 1437‬ــ ‪ 19‬يناير ‪2016‬‬

‫اللهمر�ضنابق�ضائك‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم وال�صالة وال�سالم على �أ�رشف‬ ‫املر�سلني وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬

‫أنتقي في هذه اللمعة بعضا من أحاديث كانت لي مع السيدة‬ ‫الفاضلة الدكتورة آمنة اللوه رحمها اهلل؛ المرأة التي كانت صافية‬ ‫مع ربها‪ ،‬وظهر لها من الخير واألفضال ما ال يعد وال يحصى‪ ،‬رغم‬ ‫كونها رحمها اهلل اختارت التستر حتى ال يعلم الناس بخصوصيات‬ ‫خيرها وهذا ما يدل على صدق كامل مع خالقها‪.‬‬ ‫أتذكر حديثا هاتفيا جرى بيني وبينها‪ ،‬حيث قلت لها‪ :‬انتبهت‬ ‫من غفلتي‪ ،‬فقصدت شيخي وسندي‪ ،‬المؤتمن الناصح العارف‬ ‫بالطريق الموصل إلى الرشد‪ ،‬سيدي حمزة القادري بودشيش‬ ‫رضي اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وكان وسيلتي إليه هو الفاضل الكريم‬ ‫سيدي مصطفى اليمالحي ـ شفاه اهلل وعافاه ـ بمناسبة عيد‬ ‫المولد النبوي الشريف‪ ،‬بعد عودتي من حجّ بيت اهلل الحرام‪.‬‬ ‫فقالت لي‪ :‬ال أخفيك أني كلما رأيت وجه سيدي حمزة القادري‬ ‫بودشيش يسلو قلبي‪ .‬قلت لها ‪ :‬إن النظر إليه يوصل إلى اهلل‬ ‫متى ركن المريد إلى حصنه الشريف‪ ،‬وهو مرآة تجليات عظيمة‬ ‫تنهض الحال‪ ،‬وتقيم الدليل على المقال‪ ،‬ردت عليّ رحمها اهلل‪:‬‬ ‫سبحان اهلل العظيم؛ إن روح المسألة تكمن في شيخ التربية‬ ‫والترقية‪ ،‬تابعتُ‪ :‬حديثي معها‪ :‬ال غنى لمن يريد أن يصلح حاله‬

‫من التوجه إلى شيخ الهمة‪ ،‬فهو مرسخ األخالق اإليمانية‪ ..‬وهذه‬ ‫مشروطة بالصحبة‪ ،‬شيخ التربية تكفي عنه الصحبة بدل الكتب‬ ‫والمطالعات‪..‬‬ ‫قالت رحمها اهلل‪ :‬أتمنى أن تتاح لي زيارة سيدي حمزة‪ ،‬أنا‬ ‫كثيرة االهتمام بهذا الولي الذي أعتبره كنزا‪ ،‬قلت لها‪ :‬سيدي‬ ‫حمزة مقيم في قلوبنا‪.‬‬ ‫واصحب لشيخ عارف طريقــا‬ ‫يعلم شرعا عالــــم تحقيقــا‬

‫واعدت المرحومة آمنة اللوه بأني مستعد لتيسير زيارتها‬ ‫للشيخ العارف باهلل سيدي حمزة رضي اهلل عنه‪ ،‬وكنت دائم‬ ‫التفكير في هذا األمر‪ ،‬لكن قضاء اهلل ال مرد له‪ .‬لكني أعتبر الزيارة‬ ‫قد تمت بالنية والقصد‪ ،‬أدعو لها بالمغفرة والرضوان وأسأل اهلل‬ ‫سبحانه وتعالى أن يثيبها على ما قامت به خدمة لقيم اإلسالم‪.‬‬ ‫اللهم رضنا بقضائك وتولنا بما توليت به خواص‬ ‫أوليائك‪.‬‬

‫• د‪ .‬عبد اللطيف شهبون‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫�سالم على �آمنة‪..‬‬ ‫لقد تم أول لقاء بالدكتورة آمنة اللوه عن طريق األستاذ‬ ‫الباحث عبد اللطيف السماللي أكرمه اهلل‪ ،‬وكان هذا اللقاء لحظة‬ ‫فارقة في حياتي‪.‬‬ ‫لم تبخل علي بمعلومات هامة تخص مسيرتها العلمية‪،‬‬ ‫ومعلومات حول حياة وأعمال األديب ‹‹إبراهيم اإللغي›› زوجها‪،‬‬ ‫كما أفادتني رحمها اهلل بتوجيهات قيمة يسرت سبل البحث‬ ‫الذي كنت أعده في موضوع‹‹الحياة الثقافية في شمال المغرب‬ ‫من خالل الصحافة المكتوبة (‪ ››)1956-1912‬وقد كان هذا‬ ‫الموضوع سببا في توطيد أواصر المحبة بيننا‪ ،‬باعتبارها رائدة من‬ ‫رواد النهضة الثقافية التي عرفها شمال المغرب زمن الحماية‪ ،‬أو‬ ‫العصر الذهبي للثقافة كما كان يحلو لها أن تسميه‪.‬‬ ‫توالت اللقاءات بيننا‪ ،‬وكانت أحاديثنا تجمع بين ما هو‪:‬‬ ‫ علمي‪ :‬إذ استفدت كثيرا مما كانت تحكيه عن أحداث‬‫ومواقف ميزت الحياة الثقافية في شمال المغرب‪ ،‬وعن تطوان‬ ‫عاصمة الثقافة آنذاك‪.‬‬ ‫إنسـاني‪ :‬فقد فتحت لي قلبها قبل أن تفتح لي بابها‪،‬‬‫واكتشفت فيها إنسانة شديدة الحساسية‪ ،‬تحمل بداخلها حزنا‬ ‫عميقا منذ طفولتها‪ ،‬غير أن هذا الحزن لم يمنعها يوما من البحث‬ ‫واالجتهاد واإلبداع‪.‬‬ ‫ دينـي‪ :‬إذ كانت تعتبر أن ما أتاها اهلل به من علم هو فقط‬‫خدمة لإلسالم‪ ،‬وأنها سعت طيلة مسيرها العلمي والعملي إلى‬ ‫التربية على القيم اإلسالمية‪.‬‬ ‫ذاكراتها قوية في استعادة األح��داث بأدق التفاصيل‪..‬‬ ‫وكانت تنحاز إلى البالغة القرآنية‪ ،‬وال يغيب عنها الفصيح حتى‬ ‫في أحاديثها العادية‪..‬‬ ‫وكنت حين أودعها بعد كل لقاء‪ ،‬أشعر بالشوق للقاء آخر‬ ‫معها ألستمد من فيضها اإلنساني والعلمي‪ ،‬فقد كانت لي أما‬ ‫روحية‪ ،‬وموجهة مربية وقدوة سامية قل نظيرها في هذا الزمن‪.‬‬ ‫ظلت طيلة حياتها مشدودة إلى أصولها الريفية العريقة‪،‬‬ ‫منذ أن غادرت مسقط رأسها في اتجاه تطوان‪( ،‬العاصمة الثقافية‬ ‫للمنطقة الخليفية آن��ذاك) وهناك‪ ،‬تعلمت فتميزت‪ ،‬وكتبت‬ ‫فأبدعت وصارت أديبة مبدعة‪ ،‬ومدرسة حازمة ومربية مرشدة‪.‬‬

‫أولياتها كانت كثيرة‪ ،‬أهلتها ألن تكون رائدة في شمال‬ ‫المغرب‪ ،‬فقد عرفت بجرأة أفكارها في فترة مبكرة‪ ،‬وبكتاباتها‬ ‫البليغة ذات أسلوب المع انفردت به بين المثقفات‪ ،‬كما يظهر‬ ‫فيما كانت تنشره في الصحف وتحاضر به على أمواج إذاعة درسة‬ ‫تطوان‪.‬‬ ‫كانت بحق نموذجا للمرأة المغربية المعتزة باالنتماء إلى‬ ‫أصولها‪ ،‬والمنفتحة على الثقافة العربية اإلسالمية‪.‬‬ ‫لها أقوال مأثورة هي فلسفتها في الحياة‪ ،‬ومنها قولها ذات‬ ‫لقاء‪‹‹ :‬السعادة في الدنيا نسبية‪ ،‬وهي في نظري تتحقق بثالثة‬ ‫أمور‪:‬‬ ‫ التقرب إلى اهلل عز وجل‪ ،‬وتجديد اإليمان به والرضا‬‫بقضائه‪.‬‬ ‫ طلب العلم والسعي إليه بكل الوسائل‪.‬‬‫ صدقة جارية تنفع اإلنسان في حياته وبعد مماته››‪.‬‬‫وعندي أنها معنية بهذه األمور الثالثة‪ ،‬فهي المؤمنة التقية‬ ‫المتشبتة بالثوابت الدينية‪ ،‬والعالمة المتمكنة التي لم تدخر‬ ‫جهدا في طلب العلم‪ ،‬وهي التي أوقفت حياتها هلل و‹‹ العبد وما‬ ‫ملك لمواله››‪.‬‬ ‫آثرت حياة االطمئنان بسعادة التعبد لترتقي في مدارج‬ ‫األوابين والصديقين والمخلصين‪ ،‬ورحلت – كما عاشت‪ -‬في‬ ‫صمت‪ ،‬ومن أسرار األقدار اإلالهية أن ال تترك آمنة بعد لحاقها‬ ‫بالحبيب إال ميراث العلماء‪ :‬علما ينتفع به‪ ،‬ومعلمة تحتضن العلم‬ ‫الشرعي‪ ،‬هذا الصرح العلمي الذي أوقفته هلل عز وجل إلى يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫«اللهم إن آمنة آمنت بك‪ ،‬فهاجرت بك إليك‪ ،‬وكانت لك‬ ‫ومنك ومعك‪..‬فأوقفت حياتها وما تملك لك‪ ..‬فاللهم اجعلها آمنة‬ ‫عندك‪ ،‬وارفع مقامها بين أصفيائك‪ .‬اللهم أنت العليم الحليم‪..‬‬ ‫آمتك آمنة أوقفت هذا البيت لك‪..‬وأنت رب البيت‪..‬فاحفظه بما‬ ‫حفظت به كتابك الحكيم»‪.‬‬

‫• دة‪ .‬هـدى المجاطي‬

‫ف‬

‫ي‬

‫آم‬

‫ن‬

‫ذ‬ ‫كر‬

‫ملح‬ ‫ى ال‬

‫ةا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬

‫ق‬ ‫خاص‬

‫م‬ ‫رح‬

‫ه‬

‫و‬

‫مة‬


‫‪4‬‬

‫الثالثاء ‪ 01‬ربيع الثاني ‪ 1437‬ــ ‪ 19‬يناير ‪2016‬‬

‫ف‬

‫ي‬

‫آم‬

‫ن‬

‫من كتاب املع�سول ملحمد املختار ال�سو�سي‬

‫ذ‬ ‫كر‬

‫م‬

‫لح‬ ‫ق خا‬

‫ى ال‬

‫ةا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬

‫م‬ ‫رح‬

‫ص‬

‫ه‬

‫وم‬

‫ة‬

‫د‪ .‬المهدي بن محمد السعيدي اإللغي‬ ‫جامعة ابن زهر ‪ -‬أكادير‬ ‫مقدمة‪:‬‬

‫اعتمد العالمة محمد المختار السوسي في تدوين تاريخ المغرب على مبدأ الترجمة والتعريف باألعالم‪ ،‬بناء‬ ‫على كون الفرد المتميز في مجال من المجاالت االجتماعية أو الفكرية‪ ،‬لبنة هامة في تكوين األسرة الناجحة‪ ،‬التي‬ ‫تسهم في بناء المجتمع المتميز‪ ،‬وإخراج األمة الصالحة المصلحة‪.‬وهكذا بدأ بالتعريف باألفراد النابغين في العلم‬ ‫والصالح والرئاسة‪ ،‬ثم باألسر النابهة‪ ،‬وتتبع تأثيرها في المجتمع‪ ،‬وعملها في صناعة الرجال والنساء‪ ،‬مع اعتماد‬ ‫النظرة الواقعية التي تعرض هؤالء المترجمين بعين التاريخ الناقدة الفاحصةلما لهم من إيجابيات وسلبيات‪.‬‬ ‫وقد توسل السوسي لتحرير التراجم على الوثائق التاريخية والمصادر والكتب المخطوطة في غالبها‪ ،‬كما‬ ‫اتكأ على المعاينة والمشافهة والروايات الشفوية المنقولة عن المترجمين أو أقاربهم ومعاشريهم من الشيوخ‬ ‫األساتيذ والتالميذ واألصدقاء واألقارب‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق كان العالمة السوسي يعتمد أحيانا على أقارب المترجمين‪ ،‬فيكلفهم بكتابة وتحرير ما يتيسر‬ ‫لهم من سير وتراجم ذويهم‪ ،‬لكونهم أكثر معرفة بهم‪ ،‬ولتوفرهم على الوثائق والمصادر المكتوبة أو الشفوية‪،‬‬ ‫ومن نماذج هذا النهج نذكر‪ ،‬تحرير األستاذ رشيد المصلوتترجمة أهله في الجزء ‪ 18‬من المعسول‪ (.‬ص‪ 34 :‬وما‬ ‫بعدها) وترجمة أحد آل أوبو لعائلته في الجزء‪( 16‬ص ‪ 192‬وما بعدها)‪ ..‬وغيرهم كثير‪ .‬ولم يكن العالمة السوسي‬ ‫يقتصر على إيراد التراجم كما هي بل كان يتدخل أحيانا للتعليق والتعقيب وإتمام المعلومات الناقصة أو تصحيح‬ ‫ما ظهر له فيه غلط أو خطأ‪.‬‬

‫‪ - 1‬المرأة في تراجم العالمة السوسي ألعالم المغرب‪.‬‬

‫أولى السوسي أهمية ب��ارزة للمرأة في مؤلفاته‪ ،‬ألن المجتمع قائم على‬ ‫أساسين ال يمكنه النجاح والتوفيق بدونهما وهما عمدتاه األساسيتان‪ ،‬أي الرجل‬ ‫والمرأة‪ ،‬فبوب تراجم لنساء متميزات بما حصلنه من معارف وعلوم أو ما كنّ‬ ‫عليه من صالح واستقامة‪ ،‬كما عرض لتأثير النساء في حياة الناجحين من الرجال‬ ‫سواء األمهات الالئي حرصن على تعليم أوالدهن حتى صاروا من كبار العلماء‪ ،‬أو‬ ‫األخوات الالئي ساندن أشقاءهن‪،‬أو الزوجات الالئي بذلن كل ما يستطعن من‬ ‫أجل دعم أزواجهن في المهام التي انتدبوا أنفسهم لخدمة وطنهم بوساطتها‪،‬‬ ‫وتبعا لذلك أورد العالمة السوسي عدة تراجم للنساء في كتاب المعسول‪ ،‬نذكر‬ ‫منها‪:‬ترجمته ألمه السيدة رقية األدوزية في الجزء الثاني‪ ،‬وترجمته لجدته تكدا‬ ‫بنت أحمد اإللغية في الجزء نفسه‪ ،‬وترجمته للسيدة مريم الصحراوية في الجزء‬ ‫الثالث‪ ،‬وترجمته لفاطمة بنت سليمان الكرامية في الجزء السابع‪.‬‬

‫‪ - 2‬األستاذة آمنـة اللـوه مترجمــة في كتـاب‬ ‫المعسول‪.‬‬

‫قرر العالمة السوسي تحرير ترجمة األستاذة اللوه عمال بالقاعدة التي‬ ‫وضعها‪ ،‬وهي إلحاق كل علم بارز متألق في المجتمع بذويه من اإللغيين أو‬ ‫ممن له بهم صلة‪ ،‬بحيث تجتمع تراجم األسرة الواحدة مرتبة مكتملة‪ ،‬وهكذا‬ ‫أورد التعريف باألستاذة اللوه في ترجمة زوجها شقيقه إبراهيم اإللغي‪ ،‬قال‬ ‫عن هذا النهج‪:‬‬ ‫“ إن كان المترجم من أسرة علمية أذكر جميع رجال أسرته‪ ،‬من أولهم‬ ‫إلى آخرهم‪ ،‬بكل ما أعرفه عنهم نسبا ومولدا وأساتيذ وتالميذ وأعماال وآثار‬ ‫أدبية‪ ...‬فلذلك أمكن في الكتاب جمع رجاالت األسرة الواحدة في صعيد واحد‪،‬‬ ‫فيخرج القارئ من كل أسرة‪ ،‬وقد ألم بغالب أحوالها‪( ”.‬المعسول‪.)20/278‬‬ ‫ومن ناحية أخرى ك ّلف العالمة السوسي شقيقه بتحرير ترجمة زوجه‪،‬‬ ‫لكونه أقدر الناس على التعريف بها‪ ،‬لما له بها من صالت وطيدة متينة تجعله مطلعا‬ ‫على مجريات حياتها‪ ،‬وهكذا حرر األستاذ اإللغي هذه الترجمة التي نشرها العالمة السوسي كاملة في الجزء الثاني‬ ‫من المعسول‪ ،‬لألسباب التالية‪:‬‬ ‫ تقديره ومحبته ألخيه الشقيق إبراهيم‪ ،‬ومن هذا ما عبر عنه في ثنايا كتبه ومؤلفاته‪ ،‬فحرص على ضم‬‫ترجمته لتراجم اإللغيين‪ ،‬قال يطلب منه إرسال بعض آثاره األدبية‪:‬‬ ‫“ يجب عليك أن تكتب لي ما تنتقيه من أدبياتك نثرا وشعرا‪ ،‬ليمأل فراغه الذي تركناه له في مؤلف من تلك‬ ‫المؤلفات” ( اإللغيات ‪ 141-140/ 2‬والرسالة حررت سنة ‪1939‬م)‬ ‫وبعد أن انقطع حبل اللقاء بينهما بسبب نفي العالمة السوسيإللغ‪ ،‬ولجوء أخيه األستاذ لتطوان‪ ،‬فكانت‬ ‫الرسائل وسيلة االتصال‪ ،‬ومن الطريف أن إحدى هذه الرسائل التي نشرها العالمة السوسي في كتابه اإللغيات‬ ‫(‪ )2/144‬تضمنت إرشادات في موضوع الزواج‪،‬وكأنه كان ينظر إلى المستقبل‪ ،‬من وراء حجاب رقيق‪،‬قال‪:‬‬ ‫“ إنك أنت ال تليق بك إال الحضرية‪ ،‬ثم البد من أسرة نبيهة مكينة في الشرف الديني والدنيوي ‪ ...‬فإن وفق‬ ‫اإلنسان إلى أسرة تقاسمه رغبة المواصلة الدائمة بالمروءة واإلغضاء – وذلك ما أرجوه لك – فإنه سيقع على‬ ‫كنز آخر من طالوة المدنيّة‪ ،‬ورونق الحضارة‪ ،‬وكياسة تتحدر في التقاليد أجياال كثيرة‪ ،‬فيحرز على شارة تستوقف‬ ‫األبصار‪ ،‬وعلى حياة منظمة تنظيما عصريا‪ ،‬تتصل فيها القلوب بقدر ما تتصل األجسام أو أشد‪( ”.‬اإللغيات‬ ‫‪.)142-141/ 2‬‬ ‫ مباركته وسروره بزواج أخيه‪ ،‬وسعادته بارتباطه بأسرة ريفية عريقة أصيلة في العلم والصالح‪ ،‬وهذا ما عبّر‬‫عنه في مقدمة الترجمة بقوله‪:‬‬

‫“ فهذا هو األستاذ الكبير إبراهيم اإللغي الذي لم يزل اهلل ينعم عليه بنعمة إثر نعمة‪ ،‬حتى قارن بدره‬ ‫المشرق بهذه الشمس المشعة‪ ( ”.‬المعسول‪.)327/ 2‬‬ ‫ تقديره لزوج أخيه األستاذة أمينة اللوه‪ ،‬ومن مظاهر هذا التقدير حرص العالمة السوسي على زيارة‬‫تطوان مرات عديدة لصلة الرحم بأخيه وأسرته‪ ،‬وحرصه على حمل الهدايا لها تعبيرا عن تلك المحبة‪ ،‬وقد‬ ‫ذكرت األستاذة أنه خاطبها في أحد لقاءاته األولى بها‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫“ إنني شخصيا والعائلة اإللغية كلنا سعداء بلقائك‪ ،‬سعداء بانضمامك إلى أسرتنا‪ ،‬أنت اآلن واحدة‬ ‫منا‪ ،‬ولقد أحسن سيدي إبراهيم االختيار فمرحبا بك مرحبا‪ ( ”.‬ذكريات من الزمن الجميل مع العالمة محمد‬ ‫المختار السوسي‪ ،‬مشاركة في ندوة محمد المختار السوسي نموذج العالم المغربي المصلح‪ ،‬نظمتها‬ ‫جمعية علماء سوس ومؤسسة سوس للمدارس العتيقة‪ ،‬بتارودانت يومي ‪ 14/13‬ماي ‪.2014‬‬ ‫ من مظاهر تقديره كذلك لألستاذة اللوه حرصه على سوق ترجمتها باعتبارها مثاال ونموذجا ينبغي‬‫أن يحتذي للفتاة المغربية الناجحة المتميزة‪ ،‬العالمة المعلمة لغيرها‪ ،‬المشاركة في النهضة المغربية‬ ‫المرجوة في فجر االستقالل‪ ،‬وهذا ما عبر عنه في كلمة معبرة مركزة‪ ،‬بقوله‪:‬‬ ‫“ أتاح اهلل للمترجم [األستاذ اإللغي] سيدة عالمة ال نظير لها في فتياتنا‪ .. ،‬وإللغ أن تشمخ بأن أعلم‬ ‫آنسة مغربية في فجر نهضتنا أضيفت إلى إلغ أو أضيفت إلغ إليها‪( ”.‬المعسول‪.)320/ 2‬‬ ‫هذه إذن حيثيات إيراد ترجمة األستاذة المرحومة بحول اهلل‪ ،‬في كتاب المعسول‪ ،‬والتي ركز فيها‬ ‫كاتبها األستاذ اإللغي على جملة نقاط‪ ،‬والغالب أن الذي سطرها‬ ‫هو العالمة السوسي‪ ،‬لتتناول جوانب من حياة األستاذة‪ ،‬وتقدم‬ ‫عنها نبذة محيطة بمجريات حياتها‪ ،‬بما يوافق ما ورد في تراجم‬ ‫األعالم بكتاب المعسول‪ ،‬ونجمل هذه النقاط في ما يلي‪:‬‬ ‫ عائلة األستاذة‪ ،‬فتم ذكرها أصلها واإللمام ألعالم أسرتها‬‫كوالدها عبد الكريم بن اللوه‪ ،‬وعمها العربي‪ ،‬ووالدتها السيدة‬ ‫رقية بنت أحمد الخطابي‪ ،‬وذا يبرز أن األستاذة جمعت المجد من‬ ‫أصَْليْه فكانت كما قال زوجها األستاذ اإللغي كاتب الترجمة معمّة‬ ‫مخولة‪.‬‬ ‫ دراستها‪ ،‬لبيان تدرجها في أسالك التعليم بنجاح وتفوق‪ ،‬منذ‬‫خطواتها األولى بالحسيمة ثم تطوان إلى أن حصلت على اإلجازة من‬ ‫جامعة مدريد المركزية‪ ،‬فكانت أول فتاة مغربية تحصل على هذه‬ ‫الشهادة‪.‬‬ ‫ الوظائف التي شغلتها‪ ،‬وهي في مجال التربية والتعليم والتي‬‫تدرجت فيها من التعليم االبتدائي إلى الثانوي ثم التفتيش‪.‬‬ ‫ أعمالها االجتماعية‪ ،‬والمتمثلة في االجتهاد في نشر المعرفة‬‫في صفوف النساء المغربيات والعمل على النهوض بالفتاة المغربية‬ ‫وتشجيعها على الدراسة واالقبال على التعلم‪.‬‬ ‫ إنتاجها‪ :‬الذي شمل مجاالت مختلفة فمن الدراسات الجامعية التي‬‫ركزت على الطفولة إلى اإلبداعات األدبية القصصية والشعرية والمقاالت‬ ‫والخطب واألحاديث اإلذاعية‪.‬‬ ‫ زواجها‪ :‬باألستاذ اإللغي الذي أعلنت خطبته في أكتوبر ‪ 1948‬وتم‬‫الزفاف في أبريل سنة ‪.1949‬‬ ‫ آثارها‪ :‬وهي مكون هام من مكونات مادة الترجمة عند العالمة‬‫السوسي‪ ،‬إذ إن الحديث عن حياة المترجم وتقلباته المختلفة ال تغني عن سوق آثاره حتى يستطيع القراء‬ ‫والباحثون المهتمون االطالع على أفكاره‪ ،‬ويتعرفوا على نفسيته ومشاغله‪ ،‬وهكذا ساق كاتب الترجمة‬ ‫مختارات مما حرره قلم األستاذة اللوه‪ ،‬وهما خاطرتان أو مقاالن‪ ،‬يبرزان سمو فكرة األستاذة المرحومة‬ ‫وعلو همتها‪ ،‬وعمق نظرتها لألمور‪ ،‬أولهما بعنوان “ العام الجديد”‪ ،‬وثانيهما “مجالس النساء” ( المعسول‬ ‫‪.)327-323/ 2‬‬ ‫ولقد سرت األستاذة آمنة اللوه لهذه الترجمة كما سرت بما لقيته من العالمة المختار وأسرته من‬ ‫ترحاب بها وسرور بانضمامها للعائلة اإللغية‪ ،‬وما يمثله ذلك من اندماج جهات المغرب المختلفة ‪-‬‬ ‫وسوس والشمال تحديدا‪ -‬واتصالهما تحت ضالل الوطنية الصادقة والتدين المخلص‪ ،‬واالعتقاد السليم‪،‬‬ ‫قالت عن ذلك‪:‬‬ ‫“ ومن فضله علي واعترافا مني بالجميل وتحدثا بنعمة اهلل‪ ...‬أنه خلد اسمي في الترجمة التي حباني‬ ‫بها في موسوعته المعسول ‪ ...‬سعادتي غامرة بأن أضاف إلى إلغ أو تضاف إلغ إلي‪ ،‬إنه شرف عظيم لم‬ ‫ينله أحد غيري‪ ،‬دررك هذه يا سيد العلماء ويا مفخرة المغرب‪ ،‬هي وسام مشرق أضعه على صدري‪ ،‬يتصدر‬ ‫كل األوسمة التي نلتها خالل مسيرتي في العمل التربوي‪ ،‬وسقى اهلل أياما غرا عشناها سويا بين تطوان‬ ‫والرباط‪(”.‬ذكريات من الزمن الجميل مع محمد المختار السوسي)‪.‬‬ ‫رحم اهلل األستاذة الفاضلة وزوجها األستاذ اإللغي وشقيقه العالمة المختار وسائر العلماء الصادقين‬ ‫رحمة واسعة آمين‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬


‫‪5‬‬

‫الثالثاء ‪ 01‬ربيع الثاني ‪ 1437‬ــ ‪ 19‬يناير ‪2016‬‬

‫ف‬

‫ي‬

‫املر�أة امل�سلمة‪ ..‬يف عهد النبوة‬ ‫بين يدي النص‪:‬‬ ‫تقدم الكاتبة في هذا النص من خالل السيرة النبوية “نموذج‬ ‫القدوة “ الذي افتقدته األمة اإلسالمية في عصور االنحطاط‪ ...‬حيث‬ ‫تستعرض دور المرأة ومكانتها في اإلسالم‪ ،‬باإلضافة إلى نماذج من‬ ‫معاملة الرسول صلى اهلل عليه وسلم للمرأة (يقدرها‪ ،‬ويجعلها قوام‬ ‫المجتمع‪)...‬‬ ‫ومن خالل هذا النص‪ ،‬تربط الكاتبة األمة اإلسالمية بماضيها‬ ‫المشرق‪ ،‬حيث كانت للمرأة مكانة هامة في المجتمع‪ ،‬فأول من آمن‬ ‫بنبوة سيدنا محمد صلى اهلل عليه وسلم امرأة‪ :‬أمنا خديجة رضي اهلل‬ ‫عنها‪ ..‬آزرته وبايعته‪ ..‬وتستعرض أسماء الصحابيات رضوان اهلل عليهن‬ ‫ومناقبهن ودورهن في نصرة الدعوة‪ :‬أم أيمن بركة الحبشية‪ ،‬وسمية‬ ‫ـ أول شهيدة في اإلسالم ـ وأم حبيبة‪ ،‬وفاطمة بنت الخطاب‪ ،‬والشاعرة‬ ‫الخنساء‪ ،‬وأزواج وبنات الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬وغيرهن من‬ ‫الصحابيات‪...‬‬ ‫وقد كانت المرأة المسلمة تشارك بفعالية في كل المجاالت‬ ‫سياسيا ( بيعة النساء للرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬وتطبيبهن لجرحى الحرب‪ ،)...،‬وثقافيا ( تعليم النساء والصبية‪،‬‬ ‫نظمهن للشعر بحضرة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،)...‬ودينيا (هجرتهن من مكة إلى المدينة للحاق بالرسول‬ ‫عليه الصالة والسالم‪ /.،‬حضورهن مجالس العلم للتفقه في الدين‪ ،)...‬واقتصاديا ( مزاولتهن التجارة ومهنة‬ ‫ومزاولتهن الحِسبة في األسواق ‪)...‬‬ ‫كما تستعرض جوانب من معاملة الرسول صلى اهلل عليه وسلم للمرأة‪ ،‬حيث كان يقدّرها‪ ،‬ويجعلها قوام‬ ‫المجتمع‪...‬‬ ‫وتطلق صرخة محتجة ‪ “ :‬أين قومي من تعاليم النبي عليه الصالة والسالم؟ ! “‬ ‫تحتج‪ ،‬ألن المرأة في المجتمع‪ ،‬كانت مهمشة‪ ،‬ومحجّرا عليها‪ ،‬ومحرومة حتى من أبسط حقوقها‪ ،‬وفي‬ ‫مقدمتها التعليم ‪ ..‬ثم تضع الكاتبة يدها على الداء‪ ،‬لتستنتج أن الدين براء من ذلك‪ ،‬وأن المشكل يكمن في‬ ‫تقاليد وعادات مورست قهرا للمرأة ‪ ..‬فكانت النتيجة‪ ،‬جهل وتأخر مجتمع‪ ،‬بل أمة بأكملها‪!...‬‬ ‫وبعد اإلشادة بذلك الماضي المشرق‪ ،‬تنتقد الكاتبة حاضر المرأة المسلمة المزري‪ ،‬غير أنها تستشرف‬ ‫المستقبل ببشرى وتفاؤل‪ ،‬وتختم نصها بقولها‪ “ :‬إنها الظافرة بإذن اهلل “‪ ،‬ثم توجه خطابها للنساء بقولها‪“ :‬‬ ‫سيداتي‪ “ :‬أهيب بكن في األخيرـ وأنتن أخواتي تبادلنني اإلحساس والشعور أن تقتفين أثر النساء المؤمنات في‬ ‫عهد النبوة‪ ،‬وأن تعملن مثلهن لنصرة دين سيدنا محمد صلوات اهلل عليه وسالمه‪“ !...‬‬ ‫مميزات النص الفنية‪:‬‬ ‫ـ األسلوب‪ :‬نص خطابي‪ ،‬يتميز بأسلوب مباشر‪ ،‬سهل‪ ،‬واضح‪ ،‬ليفهمه العامة والخاصة‪ ،‬سيما وأن األمية كانت‬ ‫متفشية بين جل النساء ‪! ...‬‬

‫ذاكـرة ‪:‬‬

‫من ال‬

‫آم‬

‫ن‬

‫(‪)1‬‬

‫ذ‬ ‫كر‬

‫م‬

‫لح‬ ‫ق خا‬

‫ى ال‬

‫ةا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬

‫م‬ ‫رح‬

‫ص‬

‫ه‬

‫وم‬

‫ة‬

‫ـ هيمنة ضمير المخاطبة للجمع المؤنث‪ :‬حيث يتكرر‬ ‫خطابها‪ “ :‬سيداتي “ سبع مرات‪ ،‬في حين ذكرت “أخواتي‬ ‫المغربيات “‪ ،‬و” أخواتي”‪ ،‬و” أيتها السيدات” مرة واحدة‪ ،‬و”‬ ‫َ‬ ‫المخاطب لجمع‬ ‫كما أهيب بكن” ‪...‬والمالحظ أنها لم تذكر‬ ‫المذكر سوى مرة واحدة في االفتتاحية‪ ،‬في المرتبة الثانية‬ ‫بعد السيدات‪ ،‬بقولها‪“ :‬سيداتي‪ ،‬سادتي! “‪ ،‬مما يدل على‬ ‫أن الخطاب موجه باألساس إلى النساء ‪...‬‬ ‫ـ احترامها للتسلسل التاريخي للسيرة النبوية‪...‬حيث‬ ‫تورد أدوار المرأة المسلمة واألحداث التي شهدتها حسب‬ ‫تسلسلها التاريخي‪...‬‬ ‫ـ الرصيد اللغوي‪ :‬ديني بامتياز‪ ،‬يمتح ألفاظه من‬ ‫القرآن الكريم والسنة النبوية‪ ( :‬النص كله‪)...‬‬ ‫ـالحجج والبراهين‪:‬وذلك قصد اإلقناع‪،‬حيث تورد‬ ‫الكاتبة شواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة‬

‫‪ ...‬مما أكسب النص قوة برهانية و إقناعية‪...‬‬ ‫ـ الشواهد‪ :‬أـ القرآن الكريم‪ ،‬كقول اهلل تعالى‪ ”:‬فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ اهلل”‬ ‫وفي آية أخرى‪ “ :‬فاستجاب لهم ربهم أني ال أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى وهو مؤمن فأولئك‬ ‫يدخلون الجنة”‬ ‫ب ـ الحديث النبوي‪ :‬كقول الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ “ :‬اتقوا اهلل في نسائكم”‪ ،‬وفي حديث آخر‪:‬‬ ‫“ رفقا بالقوارير”‪ /‬و” النساء شقائق الرجال” ‪...‬‬ ‫خاتمة‪:‬‬ ‫من خالل النص‪ ،‬يتبين أن الكاتبة كانت خطيبة مفوهة‪ ،‬ومصلحة اجتماعية‪ ،‬تتبنى قضية تحرير‬ ‫المرأة‪ ،‬من وجهة نظر دينية ‪ ..‬كما يدل على أنها كانت متشبعة بثقافة إسالمية رغم االحتالل اإلسباني‬ ‫لشمال المغرب‪ ،‬ورغم حصولها على أعلى الشهادات العلمية من جامعة إسبانية ‪ ...‬وبهذا تكون قد جمعت‬ ‫بين األصالة والمعاصرة في نضالها من أجل النهوض بالمرأة المغربية‪! ...‬‬ ‫(‪ )1‬مجلة األنيس‪ .‬العدد‪ .60‬السنة‪ .7‬ربيع الثاني‪1371.‬هـ‪ /‬يناير ‪1952‬م‪ .‬ص‪ .6‬كما ألقت الكاتبة هذه المقالة على أمواج‬ ‫إذاعة تطوان بمناسبة عيد المولد النبوي‪...‬‬

‫• ذة نبيلة عزوزي‬

‫ال�سيدة الطيبة �آمنة اللّوه (‪2015-1926‬م)‬

‫واحدة من رواد النهضة النسائية بالمغرب‪ ،‬ساهمت ولعقود‬ ‫من الرفع من مكانة المرأة المغربية‪ ،‬وذلك انطالقا من مهنتها‬ ‫في مجالي التربية والتعليم‪ ،‬أو من خالل ممارستها للبحث‬ ‫والكتابة‪ ،‬التي اقتحمتها منذ شبابها‪ ،‬فكتبت في مجالت محلية‬ ‫تطوانية عن هموم الفتاة المغربية وتطلعاتها أيام الحماية‬ ‫اإلسبانية على شمال المغرب‪ ،‬كما جسدت بطوالت المرأة‬ ‫المغربية عبر التاريخ وذلك من خالل أبحاثها الجادة‪ ،‬فنالت جائزة‬ ‫المغرب سنة ‪1954‬م عن قصة األميرة خناتة بنت الشيخ بكار‬ ‫زوجة السلطان العلوي موالي إسماعيل‪.‬‬ ‫جمعت بين الثقافتين العربية واإلسبانية‪ ،‬فقد حصلت على‬ ‫شهادة الدكتوراه من كلية اآلداب بجامعة مدريد سنة ‪1978‬م‬ ‫وشاركت في عدد من المؤتمرات والمناظرات واألعمال الثقافية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬ووجهت سلسلة من األحاديث اإلذاعية استنهاضا‬ ‫للمرأة المغربية‪ ،‬ونشرت في صحف ومجالت مغربية أبحاثا‬ ‫ودراسات قيمة مثل “دعوة الحق” و”اإليمان”‪ ،‬و”البحث العلمي”‬ ‫و”مجلة األكاديمية المغربية” وغيرها‪.‬‬ ‫كنت أول ما قرأت لها مقالها في مجلة (اإليمان) التي كانت تصدر بسال تحت عنوان (صليت في القدس)‪،‬‬ ‫كما قرأت لها على صفحات مجلة دعوة الحق بحثها القيم عن الحركة الثقافية في شمال المغرب‪ ،‬وغيرها من‬ ‫األبحاث األخرى التي نشرتها على صفحات مجلة البحث العلمي‪ ،‬سواء المترجم منها عن اللغة اإلسبانية‪ ،‬أو تلك‬ ‫التي أنجزتها حول قضايا تاريخية أو ثقافية أو أدبية‪ ،‬إضافة إلى ترجمة مجموعة من قصائد الشعراء اإلسبان‪ .‬وكان‬ ‫لبحثها القيم الذي شاركت به في ندوة األكاديمية المغربية عن الموريسكيين‪ ،‬نشر في العدد الخامس عشر من‬ ‫مجلة األكاديمية األثر الكبير في مجرى حياتي العلمية‪ ،‬لما ورد فيه من إشارة إلى الوجود الموريسكي في منطقة‬ ‫أجدير بإقليم الحسيمة (مدشر إندلوسن) بحيث دفعني إلى االهتمام بالبحث والتقصي عن الوجود الموريسكي‬ ‫في جبال الريف وغمارة‪ ،‬فوقفت على معلومات مهمة تتعلق باألسر األندلسية والموريسكية‪ :‬من غساسة (الريف)‬ ‫إلى بني حسان (جبالة)‪.‬‬

‫لقد تعرفت على هذه السيدة الطيبة النبيلة في جمعية‬ ‫التوعية اإلسالمية التي انتميت إليها سنة ‪1987‬م مع ثلة من‬ ‫األصدقاء األعزاء أذكر منهم المرحوم عبدالقادر المجاهد‪ ،‬وأحمد‬ ‫بلعجان‪ ،‬والمرحوم الدكتور إبراهيم بن الصديق‪ ،‬واألستاذ‬ ‫المحامي محمد ب��وه��دان‪ ،‬واألس��ت��اذ محمد الشاعر‪ ،‬ومحمد‬ ‫البردوزي وغيرهم‪ ،‬وصادف ذلك تدشين المقر الجديد (حيث هي‬ ‫اآلن)‪ ،‬فعلمت بأنه وقف طبقت من خالله وصية زوجها المرحوم‬ ‫األستاذ إبراهيم األلغي‪ .‬على أساس أن يتلى فيه القرآن حفظا‬ ‫دراسة‪ ،‬إضافة إلى العلوم اإلسالمية والشرعية‪ .‬إن هذه المبرة‬ ‫الرائدة التي دخلت عقدها الثالث‪ ،‬ما توقفت عن أداء رسالتها‬ ‫بتلقين وإيواء التالميذ والطالب الثقافة اإلسالمية إلى اليوم‪،‬‬ ‫واستفاد من هذا التلقين العديد من الطالب الذين وصل‬ ‫بعضهم إلى مناصب األستاذية بالجامعة المغربية‪ ،‬إنها مفخرة‬ ‫مدينة طنجة‪.‬‬ ‫ثم كان اللقاء الثاني معها في مقر الجمعية أيام الجمعة من‬ ‫كل أسبوع (تقريبا) بعد صالة العصر‪ ،‬مع ثلة من األصدقاء األساتذة‪ ،‬منهم من رحل إلى عالم البقاء‬ ‫كالدكتور عبد اهلل المرابط الترغي وعبد الرحيم الجباري‪ ،‬ومنهم من ينتظر دوره‪ ..‬وكان يطرح في هذا‬ ‫اللقاء قضايا تاريخية ثقافية وأدبية‪ ،‬ويستمر إلى بعد صالة المغرب‪ ،‬إنها لحظات ممتعة تحتفظ بها‬ ‫الذاكرة‪ ،‬وشكلت جزء من حياتي الفكرية‪ .‬مرت شهور‪ ،‬وإذا بي أفاجأ بهاتف من طرف األخ عبد اللطيف‬ ‫السماللي يبلغني بنعي الدكتورة آمنة اللوه‪ ،‬وذلك بعد عصر يوم عيد الفطر‪ ،‬فأبلغت بدوري أستاذنا‬ ‫الدكتور عباس الجراري الذي كانت تربطها به عالقة حميمية خاصة‪ ،‬رحم اهلل السيدة آمنة اللوه وزوجها‬ ‫األستاذ إبراهيم األلغي‪ ،‬والدكتور عبد اهلل المرابط الترغي واألستاذ عبد الرحيم الجباري‪.‬‬

‫• ذ‪ .‬محمد القاضي‬


‫‪6‬‬

‫تقديــم ‪:‬‬

‫الثالثاء ‪ 01‬ربيع الثاني ‪ 1437‬ــ ‪ 19‬يناير ‪2016‬‬

‫ف‬

‫ي‬

‫آم‬

‫ن‬

‫«اخلالدون» ال يع ّو ُ�ضون وال ي�ستن�سخون‬

‫ذ‬ ‫كر‬

‫م‬

‫لح‬ ‫ق خا‬

‫ى ال‬

‫ةا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬

‫م‬ ‫رح‬

‫ص‬

‫ه‬

‫وم‬

‫ة‬

‫تناثرت أمامي درر غالية من عبارات الثناء والتبجيل‪ ،‬وعلقت بذاكرتي كلمات وفاء وعرفان جميلة قيلت يف مناسبات‬ ‫مختلفة يف حق سيدة األفضال والفضائل الدكتورة آمنة اللوه‪ :‬السيدة العاملة األديبة‪ ،‬والدرة الوهاجة التي تألق اسمها يف‬ ‫عالم الكتابة والتأليف منذ وقت مبكر‪ ،‬واملربية الرائدة التي كافحت بجد وتفان ونكران ذات‪ ،‬واستماتت استماتة املحارب يف‬ ‫نشر التعليم النسوي إبان فرتة الحماية االسبانية على شمال املغرب‪ ،‬وهذه السيدة الجليلة ناضلت منذ أن اشتد عودها يف‬ ‫سبيل تثقيف عقول بنات جنسها‪ ،‬ورفعت سالح الكلمة والتوجيه واإلرشاد لتبديد ظلمات الجهل يف صفوف املرأة املغربية‪،‬‬ ‫فانطلقت تدرس الفتيات‪ ،‬خالل سنوات طويلة‪ ،‬باملدرسة اإلسالمية للبنات رقم ‪ ،1‬وبمدرسة املعلمات بمدينة تطوان‪ ،‬كما‬ ‫باشرت كتابة املقاالت املتنوعة على امتداد عقود طويلة من الزمن يف مجالت تطوان والعرائش والرباط‪ ،‬وانطلقت أيضا توجه‬ ‫الخطب والنداءات إىل املرأة املغربية عرب أثري إذاعة درسة بتطوان‪ ،‬من أجل رفع حجاب الجهل عنهن‪ ،‬وتنوير عقولهن باملعارف‬ ‫والعلوم املختلفة‪.‬‬ ‫لقد عرف الجميع فضلها ونبل الخالل الذي طبعت شخصيتها املتفردة‪ ،‬وأدركوا القيم النبيلة التي كانت تؤمن بها وتدعو‬ ‫إىل التشبت بها‪ ،‬وسعت رحمة اهلل عليها بكل ما أوتيت من إمكانات إىل نشر تلك القيم بني كافة طبقات املجتمع‪.‬‬ ‫وكل من عاشرها أو اقرتب من محيطها اكتشف املثل العليا التي ترسخت يف دواخلها‪ ،‬وملس إيمانها العميق بالقيم‬ ‫اإلسالمية التي كانت تراها املالذ اآلمن للخالص من املشاكل التي تتخبط فيها املجتمعات اإلسالمية املعاصرة‪ ،‬وقد أبانت عن‬ ‫جل مواقفها املثالية الثابتة من خالل ما دبجها يراعها السيال‪ :‬يف مقاالتها االجتماعية‪ ،‬ويف أوراق من سريتها الذاتية‪ ،‬ويف‬ ‫جميع الكلمات والخواطر التي خطها يمينها‪.‬‬ ‫وكانت كتاباتها القديمة والحديثة‪ ،‬وأسلوبها األنيق وتلوينات التعابري األدبية البليغة‪ ،‬مثار إعجاب من لدن قرائها األوفياء‬ ‫الذين كانوا يتابعون بشغف شديد ما كانت تنشره على صفحات جريدتي طنجة والشمال منذ ‪2008‬م‪ ،‬ويعتز هذين املنربين‬ ‫اإلعالميني بأن تكون هذه املرأة الجليلة من بني أقالمها املتميزة التي نالت رضى جمهور عريض من القراء الذين استحسنوا‬ ‫مواضيعها القيمة وأسلوبها الرصني يف الوصف واسرتجاع الذكريات الجميلة التي حييت أطوارها يف تطوان واألندلس‪ ،‬وبالد‬ ‫املشرق العربي‪ ،‬ومن أبرز مقاالتها املنشورة يف املنربين املذكورين آنفا‪:‬‬ ‫ـ اعرتاف‪ :‬يف معبد الذكرى‪ .‬جريدة الشمال‪.‬‬ ‫ـ املوريسكوس‪ .‬جريدة طنجة‪.‬‬ ‫ـ أوراق من سرية ذاتية‪ :‬نشرت تباعا يف جريدة طنجة‪ ،‬ابتداء من عددها ‪ 3460‬إىل ‪.3464‬‬ ‫ـ حفريات يف القلب والذاكرة‪ :‬املدرسة اإلسالمية للبنات رقم ‪ 1‬بتطوان‪ :‬نشر البحث يف ‪ 11‬حلقة متتابعة بجريدة‬ ‫طنجة‪ ،‬ابتداء من السبت األخري من شهر غشت ‪2009‬م‪.‬‬ ‫رسم الملكة خناتة‬ ‫ـ ذكريات من الزمن الجميل‪ :‬مع العالمة محمد املختار السوسي يف الذكرى الخمسينية لرحيله‪ .‬جريدة الشمال‪.‬‬ ‫ـ مسريتي مع املوريسكوس‪ .‬جريدة طنجة‪ .‬أعداد‪( .3700 ،3699 ،3698 :‬سنة ‪2012‬م)‪.‬‬ ‫ـ من النساء الرائدات‪ :‬مالكة الفاسية‪ .‬جريدة طنجة ‪ ،‬من العدد ‪ 3479‬إىل ‪ .3482‬سنة ‪2008‬م‪.‬‬ ‫ـ همس الذكريات‪ :‬زيارة محمد الخامس التاريخية لطنجة‪ .‬أبريل ‪1947‬م‪ .‬جريدة طنجة‪ .‬العددان ‪ 3473‬و‪ .3474‬أبريل ‪2008‬م‪.‬‬ ‫ـ هنا كتب املعسول وعلى ضوء الشمعة‪ .‬جريدة طنجة‪ .‬عدد ‪ 31 .3682‬مارس ‪2012‬م‪.‬‬ ‫وممن تتعرف على هذه السيدة الجليلة عن قرب وخرب أحوالها وأدرك مزاياها العلمية‪ ،‬وجهودها الكبرية يف البحث العلمي العالمة الكبري املؤرخ الدكتور عبدالهادي التازي الذي التمست منذ بضع‬ ‫سنوات خلت من كريم فضله اإلدالء بشهادة يف حقها‪ ،‬وهي التي عملت بجانبه يف املعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط‪ ،‬فكانت ساعده األيمن يف ترجمة مجموعة من الوثائق اإلسبانية إىل العربية‪،‬‬ ‫وهو يومذاك كان بصدد تحرير موسوعته الضخمة‪( :‬التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إىل اليوم)‪ ،‬كما أن الدكتورة الراحلة كانت تكن له تقديرا خاصة‪ ،‬وتثني على علمه الواسع وعلى تواضعه‬ ‫الكبري‪ ،‬وعلى بروره بالعلماء وأهل الفضل‪ ،‬وسعت مرة وهي تزال تقيم يف الرباط إىل تحرير ترجمة له سمتها‪ :‬عبدالهادي التازي‪ :‬رسم بالكلمات‪.‬‬ ‫ولم يتأخر الدكتور عبد الهادي التازي يف اإلدالء بشهادته يف حق الدكتورة آمنة اللوه‪ ،‬حيث ضمنها جليل التقدير لألعمال التي اضطلعت بها خالل أزيد من نصف قرن‪ ،‬منوها من خالل خطابه‬ ‫الرقيق بفضلها وسمو أخالقها‪ ،‬وريادتها العلمية واألدبية‪ ،‬وإليك ما خطه العالمة املؤرخ املذكور‪:‬‬

‫د‪ .‬عبد الهادي التازي‬ ‫عضو أكاديمية المملكة المغربية‬ ‫األستاذ واألخ المفضال عبداللطيف إدّا وسمالل‬ ‫تحية تقدير وود‬ ‫وبعد‪ ،‬فلقد قدمتَ إليَّ « ملتمسا» كنت أبحث عمن يسعدني بالجهة التي أتصل بها إلرضاء‬ ‫«الملتمس»‪ ،‬كنت أشعر بالحاجة إليه ألنه يُخ ّففُ عني مما كنت أنوء به إزا َء سيّدةٍ عملتْ معي‬ ‫عقدين من الزمن! ال أكتمك أن أخاك ما انفكّ يسأل كل من كنت أتعشم أن له صل ًة بالسيدة‬ ‫الفضلى «مرَبية األجيال» كما نعتموها‪ ،‬بحق‪ ،‬األستاذة الدكتورة آمنة اللوه‪...‬‬ ‫هذه السيدة التي أدَّت دوراً في بناء األسرة المغربية منذ استرجاع المغرب الستقالله‪ ،‬وقد كان‬ ‫في صدر ظهورها على الساحة الثقافية أنها رافقت صاحبة السمو الملكي األميرة اللة عايشة التي‬ ‫كانت َ‬ ‫أول من قدّم « أمينة» إليَّ بعد عودة األميرة من مهمتها األولى بالديار الشرقية‪ ،‬وبالتحديد‬ ‫ببالد الشام‪...‬‬ ‫ما زلت أذكر صورتَها مع الرعيل األول من السيدات المغربيات التي يجب علينا أن نذكرهن‬ ‫باعتزاز كبير‪ ،‬وقد كانت منطقة الشمال‪ ،‬والسيما تطوان وطنجة مدين ًة لسيدة في لفت نظرنا إلى‬ ‫ما تتمتع به تلك الجهة الغالية من العناصر الفاعلة التي تؤدي رساَلتها العلمية‪ ،‬وواجبَها الوطني‬ ‫للجيل الذي كانت تعيش معه «آمنة» ويعيش معها‪ ،‬كانت حاضر ًة دائمًا في المدارس والمعاهد‪،‬‬ ‫والجمعيات والمؤسسات‪ ،‬وفي الصحف والمجالت‪ ،‬كاتبة وباحثة‪...‬‬ ‫وقد كانت «آمنة» هي األولى التي نقلت إلينا الرّسم الجميل الذي أبدعته ريشة الفنانة‬ ‫اإلسبانية أميليا لألميرة اللة خناتة أو ْ‬ ‫«ك ِوينْتَا»‪ ،‬كما تسميها المصادر الدبلوماسية الفرنسية‪...‬‬ ‫كنت أتتبع أعماَلها وأقدر حسَّها األدبي‪ ...‬وعندما تلقيت‪ ،‬وأنا مدير للمعهد الجامعي للبحث‬ ‫العلمي‪ ،‬اقتراحَ وزارة التعليم العالي بأن تلتحق السيدة «آمنة» بالمؤسسة‪ ،‬أسرعت إلى الترحيب‬ ‫بها ولكأنما تحقق لدي أمل بلقاء هذه السيدة التي كانت بالفعل في مستوى المسؤولية المنوطة‬ ‫بها‪...‬إدارياً وإنتاجاً وخل ًقا‪ ،‬وما أذكر أنني كنت في يوم من األيام غير مرتاح على أدائها وإخالصها‬ ‫ٍ‬ ‫بالبحث عما يمكن أن يساعد «المعهد» على نجاحه‪،‬‬ ‫في عملها‪...‬بل وفي تطوّعها من تلقاء نفسها‬ ‫ويعطي المثل على أن «احترامَ المرء رهين لنفسه رهينٌ باحترام هذا المرء لمن حواليه»!‪.‬‬

‫وال بدَّ لي من القول إن عطاء هذه السيدة لم يكن مقتصراً على ما ألفته هي بقلمها‪،‬‬ ‫ولكن عطاءها كان يتجاوز ذلك إلى أنها تنقل إلى قراء اللغة العربية ما تنتجه األقالم‬ ‫اإلسبانية من مقاالت وبحوث‪ ،‬وأعترف بأنني كنت أعتمد في كثير من المعلومات‪ ،‬وأنا‬ ‫أشتغل بموسوعتي «التاريخ الدبلوماسي للمغرب»‪ ،‬كنتُ أعتمد على ما تترجمه لي عن‬ ‫اللسان اإلسباني بعربيتها السليمة السلسةِ الواضحة‪ ،‬على ما كنت أشير إليه في الهوامش‪،‬‬ ‫وحسبنا أن نرجع لهذه «الموسوعة» لنتأكد من هذه الحقيقة‪ ،‬وحسبنا أيضاً أن نرجع‬ ‫للموضوعات التي كانت تعالجها هذه السيدة التي أغتنم هذه الفرصة لمطابتكم بنشر‬ ‫أبحاثهاومعرَّبتهاالمتميزة‪...‬‬ ‫أما عن وفائها لزوجها وأخينا األستاذ الراحل إبراهيم اإليلغي فقد كانت عندي ّ‬ ‫محل‬ ‫تقدير‪ ،‬ولم أنس يوماً وقعت عيني عليها في رحاب الكعبة المشرفة وهي تأخذ بيد رفيق‬ ‫درْبها «إبراهيم الذي و ّفى»‪ ،‬كذلك عرفتها وكذلك أهل « سوس العالمة» الذين يكنون‬ ‫لها كسائر المغاربة مشاعرَ الود والحب‪....‬‬ ‫ولوال ذلك «الغول» الذي يسمونه التقاعد الذي صرف بعضنا عن بعض لما كان‬ ‫لألستاذة أن تغادرنا إلى تطوان‪ ،‬ولكم كنت سعيدا أن أقرأ لها مؤخرا مقا ًال ممتعا بالجريدة‬ ‫الغراء‪« :‬طنجة» البخات‪ ،‬أعاد إليَّ ذلك المقال حرصها على أن تظل وفيَّ ًة للعرفان والوجدان‪.‬‬ ‫تقديراتي لألستاذ السماللي وتحي ًة لسماللة معك! وشكري على بروركم بأمثال هؤالء‬ ‫السيدات والسادة ممن أخذوا يستعدون للرحيل على نحو ما نستعد!!! هؤالء «الخالدون»‬ ‫الذين ال يعوّضون وال يستنسخون‪.‬‬ ‫نمضي ونتــرك الحيــاة عريضــ ًة والرَّوضَ َأنوَرَ والنجومَ زَوَاهرا!‬ ‫أخوكم ‪ :‬د‪ .‬عبد الهادي التازي‬ ‫فيال بغداد‪ .‬حي السويسي ـ الرباط‬ ‫اإلثنين ‪ 5‬شعبان ‪1433‬‬ ‫الموافق ‪2012 /6 /25‬‬


‫‪7‬‬

‫الثالثاء ‪ 01‬ربيع الثاني ‪ 1437‬ــ ‪ 19‬يناير ‪2016‬‬

‫ف‬

‫ي‬

‫آم‬

‫ن‬

‫كلمة رئي�س جمعية التوعية الإ�سالمية‬

‫ذ‬ ‫كر‬

‫م‬

‫لح‬ ‫ق خا‬

‫ى ال‬

‫ةا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬

‫م‬ ‫رح‬

‫ص‬

‫ه‬

‫وم‬

‫الأ�ستاذة �آمنة اللّوه‬ ‫ال�صادقة‬ ‫املر�أة الر ّبانية ّ‬

‫الأ�ستاذ عبد القادر �أحر�ضان‬

‫أستعيد ريق الوجع بطعم المرارة والصوت المنكسر بالداخل يُخرج إفرازاته بلون األلم والحسرة حين أتذكر األستاذة‬ ‫الفاضلة والعالمة الجليلة والمربية المقتدرة واألخت الكبيرة ـ ألنها دائما كانت تناديني بأخي الصغير ـ حيث عشنا مع في‬ ‫هذا المعهد زهاء ثالثة عقود من الزمن‪ .‬أستعيد شريط هذه الفترة الطويلة وتلك اللحظات التي نتناقش فيها حول المعهد‬ ‫وشؤونه فيهجس الحنين بالبكاء‪.‬‬ ‫كانت تسطر وتنصح وتوجه بلباقة وكانت ترويني بقطرات تفتق جيوب سحابة إن ظهرت وتمدني بغيث من نور‪ .‬فكانت‬ ‫تتالشى أمامي كل الصعاب التي تعترض سبيلي وأستعيد األنفاس في ظالل الغروب وأستمد من نصائحها شمسا كانت تغرب‪.‬‬ ‫كانت رحمها اهلل شغلها الشاغل هو هذا المعهد الذي أنساها كل شيء حتى نفسها‪ ،‬وكانت آخر كلماتها معي بالهاتف‬ ‫وهي طريحة الفراش‪ :‬أوصيك أخي بالمعهد وبالطلبة خيرا‪.‬‬ ‫تغمد اهلل الفقيدة العزيزة بواسع رحمته وأسكنها الفردوس األعلى في جوار الصالحين األبرار وحسن أولئك‬ ‫رفيقا‪.‬‬

‫ذكرى الوفاء‬

‫إن الحديث عن فقيدتنا العزيزة المرحومة بكرم اهلل الدكتورة آمنة اللوه‪ ،‬واستحضار مساراتها الفكرية والثقافية يلزمني‬ ‫بالتوقف التأملي في روافدها ومنطلقاتها‪ ،‬وفي ما تتملكه من مؤهالت ومواهب فطرية‪ ،‬وما راكمته من معارف وعلوم غزيرة‬ ‫في موادها متنوعة في مجاالتها‪.‬‬ ‫هي سيدة شامخة شموخ جبال الريف الشماء حيث ارتوت تربته بدم أسالفها األبطال لتورق شجرة الحرية وتخضر‪.‬‬ ‫سيدة اخترقت الصمت المطبق واختارت الكلمة طريقا مملو ًء باألشواك سلكته بشجاعة واندفاع‪ ،‬رافضة التستر في حجر‬ ‫التخلف واالنزواء في عالم الحريم‪ ،‬بل انبعث صوتها مدويا في مجتمع خيَّم عليه ظالم دامس معلنة عن وجودها اإلبداعي‬ ‫في فضاء يسع الرجال والنساء مع ًا‪.‬‬ ‫كان لها حضور قوي وفاعل في المشهد الفكري والثقافي في حقبة من الزمان أظلها غمام االحتالل األجنبي‪،‬‬ ‫فناضلت بالقلم لتهزم الهزيمة وتضئ شموع األمل في النفوس‪ ،‬وتقطع دابر انكسارات المرحلة‪.‬‬ ‫سيدة امتد عطاؤها وإشعاعها العلمي ليعبر ضفة المتوسط ويعيد أمجاد الغابرين المشتملة على كل األلوان التي تمتح‬ ‫من اإلبداع اإلنساني الخالق‪ ،‬ليظل مفتوحا على كل األمكنة واألزمنة‪.‬‬ ‫سيدة أبحرت في عالم الحروف والكلمة‪ ،‬لم ترسو سفينتها بمرفأ واحد وإنما تعددت مرافئها وبحورها‪ ،‬وحملتها األمواج‬ ‫العالية في رحلتها اإلبداعية إلى شاطئ الخلود في وطن كان ال يعترف بشيء اسمه امرأة‪.‬‬ ‫هي رائدة من رائدات النهضة النسائية التي انطلقت من منطقة الشمال المغربي في عهد الحماية وبعدها من طرف‬ ‫نخبة نسائية تمكنت من تأطير نفسها بشكل حداثي كانت المرحومة آمنة اللوه إحدى رموزها‪.‬‬ ‫رحلة فقيدتنا وبقيت أعمالها ومؤلفاتها‪ ،‬وخزانتها العامرة ورصيدها المعرفي الشاهد على نبوغها وعبقريتها‪ ،‬وشموخ‬ ‫فكرها وعلمها‪ ،‬وسيظل اسمها خالداً في ذاكرة األجيال الحالية والالحقة خلود مدينة تطوان مهد العلم والثقافة والوطنية‪.‬‬

‫• دة زبيدة الورياغلي‬

‫بعد أن تسلمت مهامي‬ ‫ف��ي أواخ���ر شتنبر ‪2014‬‬ ‫ب���دأت ب��زي��ارات تعرفية‬ ‫وت��ف��ق��دي��ة ل��م��ؤس��س��ات‬ ‫التعليم العتيق باعتبارها‬ ‫منارات العلم والهدى التي‬ ‫تؤثث فضاءات هذه الجهة‬ ‫المباركة‪ ،‬وحينما عرفت أن‬ ‫مؤسسة التوعية اإلسالمية‬ ‫ت��ش��رف عليها األس��ت��اذة‬ ‫الجليلة األديبة المتألقة‬ ‫آمنة اللوه آليت على نفسي‬ ‫أال أزور هذه المؤسسة إال‬ ‫بعد استئذانها وبحضورها‪،‬‬ ‫وك���ذل���ك ك����ان‪ ،‬ح���ددت‬ ‫األس��ت��اذة الموعد وأذن��ت‬ ‫بالزيارة وتحقق اللقاء فما‬ ‫أجمله وأف��ي��ده م��ن لقاء‬ ‫استغرق زهاء من ثالث ساعات لن أنساها ما حييت‪.‬‬ ‫رافقتني لزيارة كل مرافق المدرسة من الطابق األرضي حتى السطح‪،‬‬ ‫وأصرت على ذلك رغم ظروف السن والمرض‪ ،‬وهي تسرد قصة إنشاء هذا‬ ‫المشروع الرباني والمعلمة الدينية العلمية المتميزة التي قررت هي ورفيق‬ ‫حياتها المرحوم سيدي إبراهيم اإللغي وقفها وتحبيسها لخدمة كتاب اهلل‬ ‫نية مؤبدة ال رجعة فيها وأنها بقيت وستبقى ثابتة على هذا العهد رغم ما‬ ‫واجهته من صعاب وما تعرضت له من مغريات مادية في محطات ومراحل‬ ‫مختلفة‪.‬‬ ‫بعد هذا أكرمتني بجلسة حميمية مطولة تجاذبنا فيها أطراف الحديث‬ ‫في مجموعة من قضايا الفكر والثقافة واألدب والتربية والتعليم العتيق‬ ‫وسمعت منها دررا وحكما تكتب بماء العين نقشت في القلب والعقل‪ .‬من‬ ‫ذلك حينما تحدثنا عن مفهوم السعادة التي يكدح كل البشر بحثا عنها فال‬ ‫يكادون يمسكون بسرابها قالت‪ :‬لقد سافرت كثيرا‪ ،‬وقرأت في هذا الموضوع‬ ‫كثيرا‪ ،‬وجالست مفكرين وكتاب وأدباء وعلماء من مختلف الثقافات والملل‬ ‫وبحثت عن السعادة كسائر الناس فلم أجدها إال في ثالث‪ :‬اإليمان‪ ،‬ومصاحبة‬ ‫الكتاب‪ ،‬وفي العطاء وإسعاد اآلخرين‪.‬‬ ‫ومما زادني إكبارا لهذه السيدة الفاضلة ويقينا في ربانيتها وصدقها‬ ‫وصفاء سريرتها أننا ونحن نتحدث جرنا سياق الحديث إلى ذكر المؤرخ‬ ‫والعالمة عبد الهادي التازي فأثنت على الرجل ثناءا عظيما وأفاضت الحديث‬ ‫عن الجانب اإلنساني في حياة الرجل الذي خبرته عن قرب حين عملت إلى‬ ‫جانبه في المعهد الوطني للبحث العلمي‪.‬‬ ‫وفي المساء فوجئت وأنا أشاهد نشرة األخبار بإذاعة نبأ وفاة الرجل‬ ‫فتذكرت قول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬األرواح جنود مجندة ما تعارف‬ ‫منها ائتلف وما تناكر منها اختلف” أو كما قال‪.‬‬ ‫انتهت الزيارة وتواعدنا على تجديد اللقاء بمجرد عودتها لطنجة إلنجاز‬ ‫صيغة موثقة تِؤبد بها نيتها ونية زوجها المرحوم في تحبيس هذه المدرسة‬ ‫لحفظ القران وتدريس علومه‪ ،‬واتصلت بي بعد ذلك مرتين تؤكد عزمها على‬ ‫تنفيذ ما اتفقنا عليه‪ ،‬غير أن األجل باغثنا وباغثها فلبت نداء ربها راضية‬ ‫مرضية‪.‬‬ ‫إن أكبر تكريم لسيدة ربانية صادقة كانت ترفض التكريم في حياتها‬ ‫هو المحافظة على مؤسسة التوعية اإلسالمية صدقة جارية تخلد ذكرها وذكر‬ ‫زوجها في الصالحين‪.‬‬ ‫رحمك اهلل يا أستاذتي الفاضلة وأعاننا على تنفيذ وصيتك‪ ،‬والوفاء‬ ‫بعهدك‪ ،‬وجمعنا بك في جنات الفردوس بجوار حبيبنا محمد صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬

‫• الدكتور محمد السعيد الحراق‬ ‫المندوب الجهوي للشؤون اإلسالمية‬ ‫لجهة طنجة تطوان الحسيمة‬

‫ة‬


‫‪8‬‬

‫الثالثاء ‪ 01‬ربيع الثاني ‪ 1437‬ــ ‪ 19‬يناير ‪2016‬‬

‫مكرمة الدكتورة �آمنة اللّوه‬

‫أوقفت الدكتورة آمنة ُّ‬ ‫اللوه منزلها في طنجة على الدراسات القرآنية‪ ،‬وحبسته لمعهد جمعية التوعية اإلسالمية‬ ‫للتعليم العتيق الخاص‪ ،‬المتخصص في تدريس القرآن الكريم والعلوم الشرعية والعربية‪ .‬والدكتورة آمنة‪ ،‬أرملة‬ ‫األستاذ إبراهيم اإللغي‪ ،‬شقيق األستاذ الوزير محمد المختار السوسي‪ ،‬رحمهما اهلل‪ .‬هي أول سيدة مغربية تحصل‬ ‫على الدكتوراه في اآلداب من إسبانيا‪ ،‬وهي من المربيات الرائدات اللواتي أسهمن في تعليم األجيال‪ ،‬سواء في‬ ‫مدينة تطوان إبان عهد الحماية‪ ،‬أو في كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية في الرباط‪ ،‬قبل أن تلتحق بالمعهد الجامعي‬ ‫للبحث العلمي أستاذة باحثة متفرغة‪ .‬ولما نشر األستاذ المؤرخ عبدالوهاب بن منصور موسوعته الكبرى (أعالم‬ ‫المغرب العربي)‪ ،‬وضع اسم (آمنة اللوه) على رأس الجزء األول‪ ،‬حيث نشر ترجمة لها مركزة ووافية‪ .‬ثم نشرت‬ ‫الدكتورة نجاة المريني ترجمة جد مفيدة لزميلتها الدكتورة آمنة اللوه‪ ،‬في كتابها الجديد (عالمات نسائية في‬ ‫نبوغ المرأة المغربية)‪.‬‬ ‫ومن أجمل ما قرأت هذه السطور التي كتبتها الدكتورة آمنة اللوه في مذكراتها التي لم تنشر بعد‪ ،‬عن وقف‬ ‫منزلها في طنجة للدراسات القرآنية‪ .‬تقول فيها‪:‬‬ ‫“في إحدى الجلسات‪ ،‬وكانت في طنجة‪ ،‬وفي هذه الدار بالذات‪ ،‬فاجأني األستاذ إبراهيم اإللغي بقوله‪:‬‬ ‫أتريدين بيت ًا في الجنة؟‪ .‬أجبته وأنا جذلى‪ :‬ومن منا ال تتمنى أن يكون لها بيت في الجنة‪ ،‬حتى المكرمون في‬ ‫القرآن يتمنون ذلك‪ ،‬فهذه امرأة فرعون تناجي ربها‪(:‬رب ابن لي عندك بيتا في الجنة)‪ .‬قال والرضى باد على‬ ‫وجهه‪ :‬إن كنت تريدين ذلك حقا‪ ،‬فأوقفي هذه الدار أو قصرك الصغير هذا‪ ،‬على القرآن الكريم والدراسات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وبذلك تضمنين لنفسك بيتا في الجنة وتؤمنين لنفسك صدقة جارية تنفعك في اليوم الذي ال‬ ‫ينفع فيه مال وال بنون إال من أتى اهلل بقلب سليم‪...‬فوجئت بهذا االقتراح‪ ،‬فقد استشعرت عظمة الفكرة‪،‬‬ ‫ولم أكن أنتظرها‪ ،‬فكان تعليقي‪ِ :‬نعْمَ ما أشرت به عليَّ‪ .‬وقبل أن أتمَّ كالمي‪ ،‬أسرع يقول‪ :‬إذاً فأنت اقتنعت‬ ‫بالفكرة‪ ،‬فعلى بركة اهلل‪.”....‬‬ ‫كتبت السيدة األستاذة الفاضلة المحسنة المربية هذه السطور المشرقة‪ ،‬في فصل من مذكراتها المخطوطة‪،‬‬ ‫تحت عنوان‪ ( :‬رب ابن عندك بيتا في الجنة)‪ ،‬ذكرت فيه كيف قاومت االنتقادات واالعتراضات من معارفها‪ ،‬وكيف‬ ‫صممت ومضت في استكمال إجراءات الوقف لوجه الخير والقرآن العظيم‪ ،‬وكيف أن سمساراً أراد أن يغريها لما علم‬ ‫باألمر‪ ،‬إلثنائها عن المضي في تنفيذ المشروع الخيري‪ ،‬ولكنها تغلبت عن هذه الضغوط‪ ،‬واختارت أن يكون منزلها‬ ‫في طنجة دارا للقرآن الكريم موقوفة عليه دون أي غرض آخر‪ .‬وها هو معهد جمعية التوعية اإلسالمية الذي يتخذ‬ ‫من منزل الدكتورة آمنة اللوه في طنجة مقراً له‪ ،‬يمارس دوره التربوي‪ ،‬وتخرج منه أفواج من الطلبة الذين يواصل‬ ‫بعضهم دراسته العليا في المشرق في تخصص علوم القرآن‪ .‬والمعهد نموذج للعمل الخيري التربوي الذي يخدم‬ ‫أهداف التربية اإلسالمية القائمة على أسس علمية‪ ،‬والمعتمدة أساسا على القرآن الكريم‪.‬‬ ‫إن ما قامت به الدكتورة آمنة اللوه‪ ،‬كان خلقا أصيال وتقليدا عريقا في الشعب المغربي‪ ،‬عندما كان التعليم‬ ‫في المساجد والجوامع‪ ،‬بما في ذلك جامعة القرويين‪ ،‬يقوم بموارد الوقف‪ .‬وكان في فاس على سبيل المثال‪ ،‬نظارة‬ ‫لألحباس خاصة بالقرويين‪ .‬والغريب أن هذا النظام الذي تراجع أو توقف العمل به في بلدنا‪ ،‬هو النظام المتبع اآلن‬ ‫في جل الجامعات األمريكية‪ ،‬مع الفارق البسيط في الشكل ليس إال‪ .‬وهكذا يخدم القرآن الكريم في بالدنا‪ ،‬بهذه‬ ‫الروح‪ ،‬وبهذا اإلقبال على فعل الخير وعلى نفع طالب العلم‪.‬‬

‫ف‬

‫ي‬

‫آم‬

‫ن‬

‫ذ‬ ‫كر‬

‫م‬

‫لح‬ ‫ق خا‬

‫ى ال‬

‫ةا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬

‫م‬ ‫رح‬

‫ص‬

‫ه‬

‫وم‬

‫ة‬

‫زادت الدكتورة آمنة على مكرمتها هذه‪ ،‬مكرمة أخرى بإهدائها مكتبة زوجها األستاذ إبراهيم اإللغي‪،‬‬ ‫إلى جمعية التوعية اإلسالمية في طنجة التي أسست مكتبة عامة لفائدة الجمهور تحمل اسم ( خزانة‬ ‫إبراهيم اإللغي)‪ .‬وتتلقى هذه المكتبة اإلهداءات من عدة جهات‪ ،‬وهي مثال مشجع للمكتبات التي تقوم‬ ‫على الجهود الذاتية‪ .‬وقد تصفحت قائمة بمحتويات هذه المكتبة إلى سنة ‪ ،2004‬فوجدتها حافلة ومفيدة‬ ‫ومتنوعة‪ .‬وقد ذكرتني هذه المكتبة بالمكرمة الكبرى ألستاذي سيدي عبداهلل كنون‪ ،‬بتحبيسه مكتبته‬ ‫الخاصة الضخمة التي تحتوي على النفائس واألعالق والنوادر‪ ،‬لفائدة جمهور الباحثين وطلبة الجامعات‪.‬‬ ‫وعلى ذكر مكتبة عبداهلل كنون التي أصبحت اليوم معلمة من معالم طنجة‪ ،‬أشير إلى أنها تحتاج إلى‬ ‫دعم سريع من وزارة الثقافة‪ ،‬أو من وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬ويا حبذا لو اتجهت الهمم نحو‬ ‫إنشاء مقر جديد مالئم لهذه المكتبة مجهز بأحدث التقنيات المعروفة في المكتبات العصرية‪.‬‬ ‫وأعود إلى السيدة الفاضلة الدكتورة آمنة اللوه‪ ،‬ألشيد بمكرمتها هذه‪ ،‬وبجهودها في خدمة‬ ‫الثقافة المغربية وإغناء البحث العلمي‪ .‬إنها إحدى الرائدات المشهود لهن بفضل السبق في مضمار‬ ‫العلم واألدب والثقافة في هذه البالد‪ ،‬شاركت في إقامة أسس النهضة التعليمية في الشمال على عهد‬ ‫الحماية اإلسبانية‪ ،‬وكانت متفوقة ومتميزة ومقتدرة في جميع أطوار حياتها العلمية واألكاديمية‪ ،‬كتبت‬ ‫ونشرت في المجالت المغربية األولى‪ ،‬ثم في المجالت التي ظهرت بعد االستقالل‪ ،‬التي أذكر منها على‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬مجلة (الثقافة المغربية)الصادرة عن معهد وزارة الثقافة‪ ،‬ومجلة (البحث العلمي)الصادرة‬ ‫عن المعهد الجامعي للبحث العلمي‪ ،‬ومجلة (دعوة الحق)الصادرة عن وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪.‬‬ ‫أما قصتها التاريخية عن السيدة خناتة بنت بكار التي نالت بها جائزة المغرب في سنة ‪ 1954‬بتطوان‪،‬‬ ‫فهي عمل رائد بكل المقاييس‪ ،‬ولست أدري لِمَ لم تنشر من جديد؟‪.‬‬ ‫والدكتورة آمنة اللوه من أسرة علم وجاه وفضل‪ ،‬نزلت تطوان من الريف‪ ،‬في العشرينات اآلخيرة‬ ‫من القرن الماضي‪ ،‬وعمها هو العالمة األستاذ الوزير السيد العربي اللوه‪ ،‬أما والدها فهو الوجيه السيد‬ ‫عبدالكريم اللوه‪ .‬وكان لهذه األسرة في تطوان التي أعتز بأني نشأت فيها‪ ،‬رنينٌ وطنينٌ وسمعة حسنة‪.‬‬ ‫وللدكتورة آمنة كتب مخطوطة تنتظر النشر‪ ،‬وبحوث ودراسات ومترجمات عن اللغة اإلسبانية في‬ ‫حاجة إلى جمعها ونشرها في مجموعة كتب‪ .‬فلهذه الباحثة الجامعية المتميزة زاد من اإلنتاج الثقافي‬ ‫الجدير بكل عناية واهتمام‪.‬‬ ‫سيدتي الفاضلة المربية الرائدة‪ :‬أعتذر لك‪.‬‬ ‫المصدر‪:‬‬ ‫جريدة العلم‪ .‬عدد ‪ 11 .20641‬محرم ‪1428‬هـ‪ 31 /‬يناير ‪2007‬م‪.‬‬

‫• عبد القادر اإلدريسي‬


‫‪9‬‬

‫الثالثاء ‪ 01‬ربيع الثاني ‪ 1437‬ــ ‪ 19‬يناير ‪2016‬‬

‫ذاكرةصور‪..‬‬ ‫ذاكرة‬ ‫صور‪..‬‬

‫ف‬

‫ي‬

‫آم‬

‫ن‬

‫ذ‬ ‫كر‬

‫م‬

‫لح‬ ‫ق خا‬

‫ى ال‬

‫ةا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬

‫ص‬

‫م‬ ‫رح‬

‫ه‬

‫وم‬

‫شهادات في حق الكاتبة األديبة‬

‫المرحومة الدكتورة‬ ‫آمنة اللوه‬ ‫إعداد‪ :‬ذة‪ .‬نبيلة عزوزي‬ ‫• «الحق أن الكاتبة ذات ذوق أدبي‬ ‫سليم‪ ..‬ويحق لنا أن نفتخر بها لنشاطها‬ ‫وكدها ودأبها منــذ نعومــة أظفــارها‪،‬‬ ‫فما عهدناها إال طالبة مجدة‪ ،‬ثم كاتبة‬ ‫بليغة‪ ،‬وخطيبــــة مصقعـــة‪ ،‬ومدرسة‬ ‫ممتازة‪ ،‬ومديرة حازمة‪ ،‬ومربية مرشدة»‪.‬‬ ‫العربي بنونة‬

‫مجلة األنوار‪ .‬ع ‪ /46‬يناير ـ فبراير‪1955‬م‪.‬‬

‫• «فتاة في مقتبل عمرها استطاعت‬ ‫بنبوغهــا المبكــر وبمحــض اجتهادها‬ ‫أن تشق الطريق في سبيل النهضــة‬ ‫النسوية‪ ،‬وأن تكون الرائدة األولى للمرأة‬ ‫المغربية بهذه المنطقة‪.»...‬‬ ‫مجلة األنيس‪ .‬ع ‪،96‬‬ ‫عند تقديمها ترجمة للكاتبة بمناسبة فوزها‬ ‫بالجائزة األولى عن كتيبها «الملكة خناثة» سنة‬ ‫‪1954‬م‪.‬‬

‫• «أتاح اهلل للمترجم ( يعني إبراهيم‬ ‫اإللغي) سيدة عالمة ال نظير لها في‬ ‫فتياتنا ‪ ...‬وإللغ أن تشمخ بأن أعلم آنسة‬ ‫مغربية في فجر نهضتنا أضيفت إلى إلغ‪،‬‬ ‫وأضيفت إلغ إليها»‪.‬‬ ‫العالمة المختار السوسي‬

‫المعسول‪ .‬الجزء ‪ .2‬ص ‪. 320‬‬

‫• « لفتت األنظار بحذقها ونجابتها‬ ‫وهي تعلم‪ ،‬مثلما لفتتها وهي تتعلم»‪.‬‬ ‫عبد الوهاب بن منصور‬

‫أعالم المغرب العربي‪ .‬ج‪ .1‬ص ‪.15‬‬

‫• «‪..‬ال��ح��دي��ث عن النموذج األول‬ ‫للمرأة الكاتبة المتعلمة في المغرب‬ ‫هو ابن المنطقة الشمالية‪ ،‬بل ويكاد‬ ‫يكون رائدا للنهضة األدبية النسائية في‬ ‫المغرب‪ ،‬وأعني به األستاذة الباحثة آمنة‬ ‫اللوه‪ ،‬إحدى رائدات التعليم في فترات‬ ‫االستعمار اإلسباني للمنطقة الشمالية‪،‬‬ ‫وهي بقدراتها العلمية واألدبية تمثل‬ ‫بحق قدرات المرأة المغربية وطموحاتها‬ ‫وتوجهاتها في فترة عصيبة من تاريخ‬ ‫المغرب ‪ ،‬وبعدها في فترات االستقالل‬ ‫إلى اليوم «‬ ‫دة نجاة المريني‬

‫مجلة المناهل‪ .‬ع ‪.45‬‬ ‫صفر ‪ 1415‬هـ ـ يوليوز ‪1994‬م‪ .‬ص‪.103‬‬

‫• «خ�لال عقود ظلت ه��ذه المرأة‬ ‫الشمالية الريفية مشدودة إلى عالمها‬ ‫األثير‪ ،‬عالم الكتابة الذي اختارته مالذا‬ ‫وسلوانا ‪ ..‬وسبيال إلى البث والبوح‪ ..‬وما‬ ‫زالت مخلصة له ـ حفظها اهلل ـ برؤية‬ ‫ونفس صوفيين يقومان على إيمان‬ ‫بأن « الدنيا حلم‪ ..‬واآلخرة يقظة‪ ..‬وما‬ ‫بينهما موت‪ ..‬ونحن في أضغاث أحالم»‪.‬‬ ‫د‪ /‬عبد اللطيف شهبون‬

‫جريدة الشمال‪ .‬ع ‪.507‬‬ ‫الثالثاء ‪ 22‬إلى ‪ 28‬دجنبر ‪2009‬م‪.‬‬

‫ة‬


‫‪10‬‬

‫الثالثاء ‪ 01‬ربيع الثاني ‪ 1437‬ــ ‪ 19‬يناير ‪2016‬‬

‫يف رثاء فقيدة العلم والأدب الدكتورة‬

‫�آمنة اللوه ‪:‬‬

‫الشاعر‪ :‬عدنان أجانة‬

‫أمينة الخير‪ ،‬في ذكراك أعتبر‬ ‫فأنت في الفضــل عنـــوان له خبـــر‬ ‫ ‬ ‫قد كنت شمسا‪ ،‬تضيء األفق في وهج‬ ‫وليس يكسف إال الشمـس والقمــــر‬ ‫ ‬ ‫إن غبت عنا‪ ،‬فشخص غاب محضره‪،‬‬ ‫وال تغيـــب فعــــال الخيـــر واألثـــر‬ ‫ ‬ ‫لقد جبلت على خير ومكرمة‬ ‫سارت بفضلهما الركبـــان والسيــــر‬ ‫ ‬ ‫الكل معترف بالفضل يذكره‬ ‫والكـــل داع ومســــرور ومنبهـــــــر‬ ‫ ‬ ‫أمينة الخير‪ .‬أنت المجد ننشده‬ ‫فيك الثناء‪ ،‬وفيـك المدح يختصـــــر‬ ‫ ‬ ‫هلل درك من إنسانة عشقت‬ ‫أفق المعالي‪ ،‬فكان األفــــق ينتظـــر‬ ‫ ‬ ‫إذا أردت خصال الخير أذكرها‬ ‫فكــــــل مبتـــــدأ منهـــا له خبـــــر‬ ‫ ‬ ‫أمست دفينا‪ ،‬ولم تدفن مفاخرها‪،‬‬ ‫كالمسك يخفى‪ ،‬ويبقى العطر ينتشر‬ ‫ ‬ ‫علمت جيال على تقوى ومكرمة‬ ‫فما يــزال على األجيـــــال يفتــخــــر‬ ‫ ‬ ‫لك الريادة في العلياء ما رفعت‬ ‫للمجــــد من رايــــة‪ ،‬إال وتبتـــــــدر‬ ‫ ‬ ‫كأنما الشاعر الكندي يقصدكم‬ ‫فقوله في نسـاء الفضـــل مشتهــــر‬ ‫ ‬ ‫نلت الشهادة في وقت يعز به‬ ‫وجود شخص له في الفكـــر معتبـــر‬ ‫ ‬ ‫ومن ينال العال في وقت ضائقة‬ ‫تتلــــى مآثــــــره عمــــرا وتدكـــــر‬ ‫ ‬ ‫فسل رباطا وبيروتا وما طبعت‬ ‫وسل تطاويــــن عن فخر لـــه أثـــر‬ ‫ ‬ ‫وسل بطنجة عن دار قد احتسبت‬ ‫للعلم والفكر تلـــق الخبـــر ينسفـــر‬ ‫ ‬ ‫وسل بأندلس عن درسها فلها‬ ‫في الجامعــات بها مجـــد ومفتكــــر‬ ‫ ‬ ‫لو شئت‪ ،‬عشت حياة ملؤها صخب‪،‬‬ ‫من التصاويـــر واألنبــــاء تشتهــــر‬ ‫ ‬ ‫أو شئت‪ ،‬نلت فخارا من بني بلد‪،‬‬ ‫الفخر عندهــم في الجاه يقتصـــــــر‬ ‫ ‬ ‫لكن‪ ،‬رأيت بنور اهلل مكرمة‬ ‫أن الحياة على طـــول بهــــا قصــــر‬ ‫ ‬ ‫وخير ما يقتني اإلنسان في غده‬ ‫إن ضمه في الممات القبر والحفـــــر‬ ‫ ‬ ‫وقف على الخير ال تحصى جوائزه‬ ‫إن عدد الناس حر المــال وادخــــروا‬ ‫ ‬ ‫أفنيت عمرك في علم ومعرفة‬ ‫وعيركم في الهوى يمضي له العمــر‬ ‫ ‬ ‫ختمته بفعال الخير فاتحة‬ ‫أبــــواب بيتــــك ال مـــن وال بطــــر‬ ‫ ‬ ‫جعلته بيت علم تستنير به‬ ‫طالب هدي لهم في العلــم معتبــــر‬ ‫ ‬ ‫كفاك فخرا بأن الناس قد شهدوا‬ ‫بأنك الفضــــل والعليــــاء والقمــــر‬ ‫ ‬ ‫وأن جيال من الطالب أنت لهم‬ ‫معنى الفضيلة قد قامت به الصــــور‬ ‫ ‬ ‫وأن بيتا على أرجائه سطعت‬ ‫نور الرسالــة واآليــــات والســــــور‬ ‫ ‬ ‫أمينة الخير يا رمزا يكلله‬ ‫يوم الوداع فعــــال الخير والزهــــــر‬ ‫ ‬ ‫سقيا لربعك ال غاضت غواربه‬ ‫فقد سلكت سبيال فيـــــه معتبــــــر‬ ‫ ‬

‫يف رثاء الدكتورة �آمنة ال ّلوه‬

‫آم‬

‫ن‬

‫ى ال‬

‫ةا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬

‫م‬ ‫رح‬

‫ص‬

‫ه‬

‫وم‬

‫ة‬

‫نظم‪ :‬بالل زروق‬

‫من قدماء تالميذ مدرسة التوعية اإلسالمية‬

‫ت����ع����ذر ف�����ي رح���ي���ل���ك م�����ا ن���ري���د‬ ‫ف����ح����اول����ت ال����ب����ح����ور وك������ل وزن‬ ‫أت���م���ت���م ب���ال���ق���ري���ض ل���ف���رط ح��زن��ي‬ ‫ت����رك����ت وراءك ج���م���ع���ا ي��ت��ي��م��ا‬ ‫ل���ق���د ك���ن���ت ال���ض���ي���اء ي��ن��ي��ر درب����ا‬ ‫وك����ن����ت أم����وم����ة م����ن غ���ي���ر خ��ل��ف‬ ‫ك�����ان�����ت أم�����ن�����ا أدب���������ا وع���ل���م���ا‬ ‫وك�����ان�����ت أم����ن����ا ك����رم����ا وب����ح����را‬ ‫ت���ع���ي���ن ال�����دارس�����ي�����ن ب���خ���ي���ر زاد‬ ‫وك������ان������ت أم�����ن�����ا أن�����س�����ا وودا‬ ‫ل���ق���د ك���ن���ت ال���ح���ي���اة ب���ك���ل م��ع��ن��ى‬ ‫ف��ل��ي��ت��ك ق����د ح��ب��ي��ت ب���ط���ول ع��م��ر‬ ‫ول���ي���ت���ك ق����د ف���دي���ت ب���ك���ل أه��ل��ي‬ ‫ول��ي��ت��ك ق���د ح��ف��ظ��ت م���ن ال��م��ن��اي��ا‬ ‫ف���ك���ي���ف ل���ن���ا ال�����س�����رور ب�������دون أم‬ ‫س��ت��ذك��ره��ا ال��م��ح��اف��ل ل��ي��س تنسى‬ ‫وي���ك���ت���ب م���دح���ن���ا م���ل���ك ح��ري��ص‬ ‫وت����رث����ي����ك ال���م���ن���اب���ر ك�����ل ح��ي��ن‬ ‫ل���ي���رح���م���ك ال����رح����ي����م ب���ك���ل ح���رف‬

‫وأن����ك����رن����ي ل���ف���ق���دك���م ال��ق��ص��ي��د‬ ‫ف��ل��م ي��ط��ع ال���ط���وي���ل وال ال��م��دي��د‬ ‫وم�����ا ي������دري ب���م���ا ن���ط���ق ال��ش��ري��د‬ ‫وح���������ار ي���ت���ي���م���ك ف���ي���م���ا ي���ري���د‬ ‫وك���������ان ش����ع����اع����ه ح����ق����ا ي���زي���د‬ ‫ي����رب����ى ع����ن����دك ال���ج���ي���ل ال��ص��ع��ي��د‬ ‫وأخ��ل��اق�����ا ي�������زان ب���ه���ا ال����وج����ود‬ ‫ت����ج����ود ب���وق���ت���ه���ا ف���ي���م���ا ت���ج���ود‬ ‫وإن ع��������ادوا ل���ح���اج���ت���ه���م ت��ع��ود‬ ‫ي������روم ل��ق��رب��ه��ا ال���ق���اص���ي ال��ب��ع��ي��د‬ ‫وإن غ���ي���اب���ك ال����م����ر ال���ش���دي���د‬ ‫ل��ي��ك��م��ل ع���ن���دن���ا ال���ع���ق���د ال��ف��ري��د‬ ‫ل����ي����ك����رم أم����ن����ا ه�������ذا ال��ق��ص��ي��د‬ ‫ل��ي��ش��ه��د ف��ض��ل��ك ال���ج���م���ع ال��م��ج��ي��د‬ ‫وق����ل����ب ال����م����رء ي���ح���زن���ه ال��ف��ق��ي��د‬ ‫ي��خ��ل��د ذك����ره����ا ال���ن���ظ���م ال��ع��دي��د‬ ‫ألن ال���م���ؤم���ن���ي���ن ه����م ال���ش���ه���ود‬ ‫ك���م���ا ي���رث���ي���ك م����ن ف��م��ن��ا ال��ن��ش��ي��د‬ ‫م���ت���ى ت��ت��ل��ى ال���ف���وات���ح وال���ع���ق���ود‬

‫طبعها على اخلري جمبول‬ ‫شعر‪ :‬الحسن بن سليمان ملحسا السوسي‬

‫خ���ي���م ال����ح����زن وال���ب���ك���اء وال���ع���وي���ل‬ ‫ج�����اء ب��ال��ن��ع��ي ي�����وم ع���ي���د ف��ل�ا َك���ا‬ ‫ج����اء ي��ن��ع��ي أدي���ب���ة ال��ع��ص��ـ��ر م���ن َك��ا‬ ‫ب��ن��ت ل����وه س��ل��ي��ل��ة ال��م��ج��د م���ن َك��ا‬ ‫أم��ض��ت ال��ع��م��ر ك��ل��ه ت��خ��دم ال��عِ�� ْل��ـ‬ ‫َ‬ ‫ال����م����ال دون م����نٍّ ل��ي��رق��ى‬ ‫ت��ن��ف��ق‬ ‫ت��س��ه��ر ال��ل��ي��ل ف���ي س���ج���ود وص��م��ت‬ ‫ْ‬ ‫وال���ذك���ـ‬ ‫ت��س��ه��ر ال��ل��ي��ل ف���ي ال���ت�ل�اوة‬ ‫ت��ب��ذل ال��ن��ص��ح ت��رش��د ال��ن��اس للخَيْـ‬ ‫أخ���ل���ص���ت ل�ل�إل���ه ل����م ت�����رج م���دحً���ا‬ ‫ح����ال����ه����ا ك����ل����ه ف�����ري�����د ع��ج��ي��ب‬ ‫ت��ك��ت��م ال��س��ـ��ر ت��ك��ظ��م ال��غ��ي��ظ تعفو‬ ‫ت��ح��ف��ظ ال����ود م���ا ارت���ض���ت غ��ي��ر حفظ‬ ‫م�����ات زوج����ه����ا م����ذ ث�ل�اث���ي���ن ع��ام��ا‬ ‫ف�����إذا م���ا ت��ح��دث��ت ع��ن��ه ف���ي ال��ع�� ْل��ـ‬ ‫ف����ت����ق����ول‪ :‬زوج�������ي ك����ري����م ص��ب��ور‬ ‫اب������ن ش���ي���خ م���ج���اه���د واب�������ن أم‬ ‫ج������اء ت�����ط�����وان ن�����اش�����دا األم������ان‬ ‫وج�����د األم�������ن وال���س���ك���ي���ن���ة ف��ي��ه��ا‬ ‫وب����ه����ا ق�����د ت���ف���ج���ر ال���ش���ع���ر م��ن��ه‬ ‫ش�����ع�����ره ش����ع����ر م�����ب�����دع ع���ب���ق���ري‬ ‫اق�����رأ إن ش��ئ��ت ش���ع���ره ف���ه���وال شك‬ ‫ل����م ي�����دع ج���ان���ب���ا م����ن ال���ش���ع���ر إال‬ ‫ك����اد ف���ن ال��ت��وش��ي��ح ي��ن��س��ى ف��أحْ��يَ��ا‬ ‫ك����م ل����ه م����ن م���وش���ح���ات وأَشْ����عَ����ا‬ ‫ب��ع��ض آث������اره م���ن ال��ش��ع��ر وال��ن��ث��ـ‬ ‫خ�����دم ال���ع���ل���م ف����ي ال����ب��ل�اد وأدى‬ ‫أه�����ل ت����ط����وان ك����رّم����وه وأع����ل����وْا‬ ‫س���ل���م���وه رئ����اس����ة ال��م��ع��ه��د ال���دي���ـ‬ ‫زوَّج������������وه ب���ن���ت���ا رف����ي����ع����ة ق����در‬ ‫ج������ودة ال�������رأي ح��ك��م��ة واه���ت���م���ام‬ ‫ف��ال��ت��ق��ى ال��ع��ل��م وال��ب��س��ال��ة وال��ح��ل��ـ‬ ‫أس�����رة اإلل���غ���ي أس�����رة ال���دي���ن وال���ـ‬ ‫أس������رة ال����ل����وه أح�������رزت ك����ل ف��ض��ل‬ ‫أم���ض���ي���ا ح���ي���ات���يْ���ه���م���ا ف����ي ه��ن��اء‬ ‫ت����وّج����اه����ا ب��ف��ع��ل خ���ي���ر وإحْ����سَ����ا‬ ‫ش�����يّ�����دا ل����ل����ق����رآن م���ع���ل���م���ة ك��ب��ـ‬ ‫ش����ي����داه����ا ل���ك���ي ت����ك����ون م���ن���ارا‬ ‫ووف��������ود ال����ط��ل�اب ت����أت����ي إل��ي��ه��ا‬ ‫واج������ز ب���ال���خ���ي���ر ربَّ����ن����ا راح���ل���يْ���ن���ا‬ ‫وت���ق���ب���ل���ن م���ن���ه���م���ا ك�����ل ال��خ��ي��ر‬

‫م��ن��ذ ج����اء ب��ال��ن��ع��ي ذاك ال���رس���ول‬ ‫َن ل�����ه ل���ل���م���ج���يء ي����وم����ا س��ب��ي��ل‬ ‫َن ل���ه���ا ب����������اآلداب ب������اع ط���وي���ل‬ ‫َن ل���ه���ا ف����ي ال���ع���ل���وم ف���ك���ر ي��ج��ول‬ ‫ـ�����مَ ال������ذي ب����ه ت��س��ت��ن��ي��ر ال��ع��ق��ول‬ ‫ل���ل���م���ع���ال���ي ول���ل���ع�ل�ا ذا ال��ج��ي��ل‬ ‫وال����ل����ي����ال����ي ظ�ل�ام���ه���ا م���س���دول‬ ‫ـ���� ِر ال�����ذي ب���ه ل��ل��ح��ن��ان ال���وص���ول‬ ‫ـ����� ِر ع���ل���ى ذاك ط��ب��ع��ه��ا م��ج��ب��ول‬ ‫وث������ن������ا ًء ول������م ت���ك���ن ت��س��ت��ط��ي��ل‬ ‫ي��ص��ع��ب ال���ش���ـ���رح ع���ن���ده وي���ط���ول‬ ‫ال ت���ب���ال���ي ب���م���ا ي���ق���ول ال��ج��ه��ول‬ ‫ل���م ي��ك��ن ل��ه��ا ف���ي ال����وف����اء مثيل‬ ‫وال���ل���س���ان ب���ال���م���دح دوم������ا ك��ف��ي��ل‬ ‫ـ����م وف����ي ال��خ��ل��ق ف��ال��ث��ن��اء س��ي��ول‬ ‫ِ‬ ‫ع�����ال�����م ج���ه���ب���ذ أدي���������ب ج��ل��ي��ل‬ ‫ذات أص�����ل‪ ،‬ف��ن��ع��م ت��ل��ك األص����ول‬ ‫ح��ي��ن��م��ا ق����د أذاه ذاك ال��دخ��ي��ل‬ ‫ن���ع���م ت���ل���ك ال����ب��ل�اد ن���ع���م ال��ن��زي��ل‬ ‫م��ث��ل��م��ا ق����د ت���ف���ج���ر ال��س��ل��س��ب��ي��ل‬ ‫ف���ي���ه م��ب��ن��ى وف���ي���ه م��ع��ن��ى ج��م��ي��ل‬ ‫ع����ل����ى ك������ل م������ا أق���������ول دل���ي���ل‬ ‫ج�������اء ف����ي����ه ب������رائ������ع ي��س��ت��م��ي��ل‬ ‫هُ ل�����ه ف����ي����ه ص��������ارم م���س���ل���ول‬ ‫ٍر ب���ت���رن���ي���م���ه���ا ي�������زول ال��غ��ل��ي��ل‬ ‫ـ���ر ال��ب��ل��ي��غ ق���د ض��م��ه (ال��م��ع��س��ول)‬ ‫م������ا ع����ل����ي����ه ف���ع���ل���م���ه م����ب����ذول‬ ‫ش����أن����ه ف����ه����وَ ل���ل���ج���م���ي���ع خ��ل��ي��ل‬ ‫ـ��ن��ي ك����أن ل���م ي��ك��ن ه���ن���اك ب��دي��ل‬ ‫م��ث��ل��ه��ا ف���ي ال��ن��س��اء ـ ح��ق��ا ـ قليل‬ ‫ب���اق���ت���ف���اء ال����ه����دى وم����ج����د أث��ي��ل‬ ‫ـ����م وح�����ب ال����ه����دى ورأي أص��ي��ل‬ ‫ـ��ع��ل��م عليهما ف���ي ذي��ن��ك ال��تَّ��ع��وي��ل‬ ‫ذك����ره����ا ف����ي ال����ب��ل�اد ل���ي���س ي����زول‬ ‫س�����اد ف��ي��ه��ا ال���������وداد وال��ت��ب��ج��ي��ل‬ ‫نٍ إل���ى ال���دي���ن ح��ي��ن ح���ان ال��رح��ي��ل‬ ‫ـ���رى ليحيى ال��ه��دى وت��ب��ن��ى ال��ع��ق��ول‬ ‫ي��ه��ت��دى ب���ه ح��ي��ن ي���ع���رو مَ���هُ���ول‬ ‫إذ ب���ه���ا م���ب���ت���غ���اه���م وال����س����ول‬ ‫أن����ت ن��ع��م ال��م��ث��ي��ب‪ ،‬ن��ع��م ال��وك��ي��ل‬ ‫ق�������دَّم�������اه‪ ،‬ف�����ذل�����ك ال����م����أم����ول‬

‫إنا هلل وإنا إليه راجعون‬

‫�أمينة اخلري‬

‫ف‬

‫ي‬

‫ذ‬ ‫كر‬

‫م‬

‫لح‬ ‫ق خا‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.