خواطر يومية قصيرة

Page 1


‫تقديم‬ ‫النفس اإلنسانية ‪ ..‬بحر زاخر بالخفايا والخبايا ‪ ..‬في أعماقه جبال ومغارات‬ ‫وأحياء وأموات ‪ ..‬وحروب وصراعات ‪ ..‬هي عالم مثير للدهشة ‪ ..‬غرائبه مرتع‬ ‫خصب للخيال واألحالم‪.‬‬ ‫والنفس اإلنسانية تُل َهم ‪ ..‬إن لها ُمل ِهم هو هللا ‪ ..‬تُلهم النفس فجورها ‪ ..‬فتسوق‬ ‫الجسد في دنيا الفتنة واإلغواء ‪ ..‬وت ُغريه وت ُغويه فت َزج به في المخاطر وبين األنواء‪.‬‬ ‫وقد ت ُلهم تقواها فتميل للخير واألمل والحب والسالم ‪ ..‬يكون صاحبها وديعا هادئا ‪..‬‬ ‫يشع الحب من قلبه ويربطه برباط وثيق بمن حوله ‪ ..‬يزرع ويحصد ويُعطي ويُنفق‬ ‫ويمد يده بالخير والسالم‪.‬‬ ‫النفس بحر زاخر مدهش عجيب غريب‪ ،‬قد تكون النفس خاملة‪ ،‬وقد تكون نشيطة‪،‬‬ ‫وقد تكون كسولة‪ ،‬قد تكون النفس خبيثة وقد تكون طيبة‪.‬‬ ‫وفي بحر هذه النفس تغوص بنا الدكتورة يسرا محمد سالمة في هذه المجموعة من‬ ‫الخواطر في األعماق‪ ،‬أعماق النفس اإلنسانية‪ ،‬رغم خطورتها‪ ،‬لكنها ماهرة في‬ ‫الغوص تجيد السباحة فيه وتجيد التنفس‪ ،‬وتجيد التنقل بخفة ورشاقة بين أعماق النفس‬ ‫وغرائبها ‪ ..‬الحب والكره‪ ،‬الزيف والحقيقة‪ ،‬السفر والترحال‪ ،‬والمغامرة والمثابرة‪،‬‬ ‫العالقات العابرة والعالقات القوية‪ ،‬والعالقات التي تحكمها المصالح والعالقات التى‬ ‫تتسم باإلخالص‪ ،‬والخيط الرفيع الذي يفصل بين الصداقة والحب‪ ،‬ومعانى األمن‬ ‫واآلمان والسالم‪ ،‬السالم النفسي والسالم مع اآلخرين‪ ،‬بين حنين النفس إلى الماضي‪،‬‬ ‫"النوستالجيا" ذلك الشعور المالزم للحالمين‪ ،‬أصحاب النفوس الحالمة‪ ،‬التي تتخذ من‬ ‫الماضى ملجأ وحصنا حصينا تتحامى به من سطوة الحاضر‪.‬‬ ‫الدكتورة يسرا سالمة‪ُ ،‬متخصصة في التاريخ لكن قلمها يجيد السفر والترحال في‬ ‫كل ما يشغل البال‪ ،‬ويجيد أحاديث النفس‪ ،‬تقرأ لها حينا فتشعر بقلمها يحدث نفسه في‬ ‫شجن عذب‪ ،‬يستدعي العبرات الرقيقة‪ ،‬ويتحدث مع اآلخرين حديث المنطق‪ ،‬يعرض‬ ‫المشكلة ويعالج أسبابها‪ ،‬ويضع لها تصورا يقبله البعض أو يرفضه‪ ،‬لكن صدق‬ ‫الرؤيا وصدق الحديث يُالزمه‪.‬‬ ‫وفي هذه المجموعة من الخواطر التى أجاد فيها قلمها‪ ،‬أن يتحدث ويسرد ويصور‬ ‫ويُدلل ويبرهن ويستشهد بشواهد من الحاضر والماضي‪ ،‬كل ذلك في أسلوب أقرب‬ ‫إلى النفس‪ ،‬اتخذ الصدق فيها منهجا‪ ،‬واقترب من النفوس حتى جاءت خواطرها كأنها‬ ‫صدى لما يدور في خلد الناس ونفوسهم وما يشغل عقولهم‪.‬‬


‫هذه المجموعة من الخواطر هي مجوعتها األولى التي تضمها اآلن إلى عالم‬ ‫األدب‪ ،‬والتي من المؤكد أنها ستكون شرارتها األولى ومن بعدها ستتوالى أعمالها‬ ‫تترا‪ ،‬فالجانب القصصي في كتابتها واضح وضوحا َجليا‪.‬‬ ‫تلك هي شرارتها األولى في عالم األدب‪ ،‬لكننا حين ننتهي من قراءتها سننتظر منها‬ ‫عملها القادم وما بعده‪.‬‬ ‫أ‪ .‬رابح محمود‬ ‫‪2017/8/27‬‬


‫اآلن تشتاق لكانت‬ ‫يقول القدير أنيس منصور "كل الناس تُحب الماضي‪ ،‬فقد كانوا صغارا"‪ ،‬وجدتني‬ ‫كثيرا عند هذه الجملة؛ ألنها لمست جانبًا ُمظل ًما بداخلي أحاول جاهدة منذ فترة‬ ‫أتوقف ً‬ ‫ْ‬ ‫أن أتجاهله‪ ،‬لكنه يأبى التجاهل ويُصر على الخروج إلى النور‪ ،‬ليصرخ‪ ،‬وربما‬ ‫زمن ولّى‪.‬‬ ‫يتحسر على‬ ‫ٍ‬ ‫كانت النفس فيما مضى ال تعبأ بأي شئ – سوى ‪ْ -‬‬ ‫أن تقوم بما تهوى فقط‪ ،‬فال‬ ‫قيود وال موانع‪ ،‬وال "الءاتٍ" كثيرة تُفقدها بهجة ما تعمل‪ ،‬كانت الحياة أقل تعقيدًا‪،‬‬ ‫ب واضح‪ ،‬المهم أنك‬ ‫وأكثر بساطة‪ ،‬فأبسط التفاصيل قد تُدخل عليك السعادة دون سب ٍ‬ ‫سا على عقب‪ ،‬وتأخذ‬ ‫راض‪ ،‬قانع‪ ،‬ال تُغريك أشياء وال تستفزك أمور تقلب حياتك رأ ً‬ ‫ٍ‬ ‫منك راحة بالك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عزيزا‪ ،‬لم تكن الراحة مفقودة‪ ،‬لم يكن التفكير أكبر همومك‪ ،‬لم‬ ‫لم يكن النوم‬ ‫يُنغص عليك التخطيط ل ُمستقبلك معيشتك‪ ،‬لم يؤرقك كيف ستكسب رزقك وهل‬ ‫سيُنافسك عليه أحد؟!‪ ،‬كنت تحيا وكفى‪ ،‬بال صراعا ٍ‬ ‫ت داخلية أو خارجية مع‬ ‫اآلخرين‪ ،‬نعم لم نكن نهتم بشئ غير أننا بخير‪ ،‬نحن ومن نُحبهم‪.‬‬ ‫كانت هواياتنا ُمتعددة‪ ،‬وساعات اليوم ال تكفيها من كثرتها‪ ،‬كان نشاطنا واض ًحا‪،‬‬ ‫مكان‪ ،‬نعشق التغيير‪ ،‬والترحال‪ ،‬نتواصل مع العديد من‬ ‫فلم نكن نهدأ أو نستقر في‬ ‫ٍ‬ ‫األصدقاء بإمكانيات محدودة‪ ،‬لكنها كانت من أمتع اللحظات التي تُقربنا منهم؛‬ ‫فبمجرد ْ‬ ‫لشخص ما لتتحدث معه‪ ،‬لهو في حد ذاته ُمتعة ال‬ ‫أن تبذل ُجهدًا حتى تصل‬ ‫ٍ‬ ‫تُضاهيها ُمتعة‪ ،‬وفي نفس الوقت دليل كبير على اهتمامك بهذا الشخص‪ ،‬وأهميته‬ ‫لديك‪ ،‬كانت اللمة أسلوب حياة‪ ،‬في بيتك‪ ،‬أو في رحالتك وال غنى عنها‪.‬‬ ‫كانت مشاعرنا خالية من أي تزييف‪ ،‬صادقة‪ ،‬نقية‪ ،‬وال تتواجد أبدًا بين بينين‪ ،‬فإما‬ ‫الحب أو الالحب‪ ،‬لو تحدثت معك فأنا أرغب في ذلك دون أي مصلحة‪ ،‬وإذا لم‬ ‫أرغب فاعلم جيدًا أنك لست ممن يستهويني الكالم معهم‪ ،‬حتى لو كنت ذو نفوذ‪،‬‬ ‫سلطة‪ ،‬كانت تفاصيل الحب الرقيقة تمنحنا دفئًا ال مثيل له‪ ،‬رسالة مكتوبة‪ ،‬مكالمة‬ ‫و ُ‬ ‫هاتفية نسمع فيها صوت من نُحب‪ ،‬لقاء يجمعنا بهم‪ ،‬هدية يُرسلونها لنا‪ ،‬أشياء تبعث‬ ‫على السعادة مع أنها ال تُكلف شيئًا‪ّ ،‬‬ ‫لكن قيمتها في معناها ال في ثمنها‪ ،‬حتى كلمات‬ ‫صا‪ ،‬ومع كل حرف فيها كان لنا ذكرى‬ ‫األغاني التي ُكنا نسمعها‪ ،‬كان لها مذاقًا خا ً‬ ‫ما‪.‬‬


‫كنا نعيش حالة نشتاق لها جدًا اليوم‪ ،‬فاآلن لم يعد كما كان‪ ،‬وحالنا أصبحنا نتحسر‬ ‫عليه‪ُ ،‬كلما أغلقنا علينا أبواب غُرفنا‪ ،‬افتقدنا نفسنا التي "كانت" وسنظل نفتقدها‪ ،‬إلى‬ ‫ْ‬ ‫أمرا كان مفعوال‪.‬‬ ‫أن يقضي هللا ً‬


‫عن معنى االفتقاد‬ ‫هو الغائب الذي ال يحضر‪ ،‬وأنا المشتاق الذي ال أنسى ‪...‬‬ ‫أن تفتقددش ددن ه أدداو أن ُوت د تكأتددكل هأ د عددف هددب هددرل تش د ر ع ددا ددذا الش د وُ‪،‬‬ ‫واالعتقاد هن الممكن أن يكون لشخص‪ ،‬ذهرى‪ ،‬أو وطن‪.‬‬ ‫هأاك دائ ًما تأ ن لشن ها‪ ،‬عكرل تكس طر علدى الدذهن‪ ،‬تل دب الدرو تت لد دا‪ ،‬تل دب‬ ‫الأفس ُاضد عد شل‪ ،‬دون عد ب‪ُ ،‬أد أن اعدتشعا ذلد االعتقداد يل دب هدن الحدكن‬ ‫عال ًما نسكن ع ه‪ ،‬ونخ ر هن تولأا "أن ا ل ست ُأ عدف ال دش‪ ،‬لكأ دا تااد انتدكان‬ ‫للرعاي عأشها تتكاثر"‪.‬‬ ‫اال ت اق‪ ،‬قش يكون ن م أو نقم على تسب الشن الدذي نشدتاقه‪ ،‬علدو هدان خ ً دا‬ ‫ي ب الوصول إل ه‪ ،‬س ب نس انه لأا‪ ،‬نظب نلوم أنفسأا على هلدرد تدذهرنا لده‪ ،‬وإن‬ ‫هان ا ت اقًا لواقع نود أن ن شه ونت ايش ه ه‪ ،‬يل لأا ذل نشخب عدف دهدال ك أتنهأدا‬ ‫لكى تسوق لأا انقشاُ واق ًا يش ه ذل الذي نتمأاو‪.‬‬ ‫كهلاهشل الأفس عف التغلب على ا ت اق ا‪ ،‬ت ك ب انهوُ أهثدر وأهثدر‪ ،‬وقدش تكيدشها‬ ‫عو ً ا أن تل لأا هن المستح ب أن نأسى‪ ،‬يقولون الأس ان ن م هن المولى عدك وادب‪،‬‬ ‫وهى تق ق نحمشو ع حانه وت الى عل ا عف هث ر هن انت ان‪ ،‬لكن عف ض انوقات‬ ‫تللس هع نفس وتظب تشعو أن ال يأتف يوم عل تأسى ع ه هن تفتقش‪ ،‬هن تشتاق‪ ،‬هن‬ ‫تحن إل ه وي لك اسشك عن الوصول إل ه‪ ،‬وال ي قى لشي هن أهب عدف التواصدب ه ده‬ ‫عوى تذهرو‪ ،‬رأ أن ذل قش يللب عل هن المتاعب الشن الكث ر‪.‬‬ ‫لكب ن تكم ‪ ،‬وتكمد االعتقداد عدف اعتقدادي‪ ،‬تكيدش ال دل أد و د ن هدن تفتقدش‪،‬‬ ‫وتل ل ال تقشُ عوى على تذهر هب لحظ ُائ هرت ه ده‪ ،‬أو هدن خنلده‪ ،‬هدى‬ ‫تكم هللا عف أن نح ا على ذهريات ام ل تكنزهأا عف ُتل عمرنا‪.‬‬ ‫اعتقش هما ئت‪ ،‬ا تاق هما ئت‪ ،‬عأنت ال وم تفتقدش وأدشًا عد أتف الدشوُ عل د لكدى‬ ‫يفتقشك أ رك‪ ،‬ووقت ا عتتمأى لو لد يشد ر هدن يفتقدشك مثدب د وُك ت أمدا ا دتقت‪،‬‬ ‫لكأ ددا الح ددال‪ ،‬تل لأددا نشددتاق وهشددتاق ن‪ ،‬تل لأددا نفتقددش ونكددون هفتقددشين‪ ،‬الحأدد ن دا‬ ‫عقمه‪ ،‬وقت ا عتقول "وداونف التف هانت هى الشا "‪.‬‬ ‫ودوا ‪ ،‬وتت ًما ع‬


‫حديث الروح‬ ‫الغربة لم تكن أبدًا ذلك اإلحساس الذي نعيشه خارج أوطاننا‪ ،‬غربتنا تكمن دائ ًما‬ ‫داخل أنفسنا‪ ،‬ولهذا فمعظمنا يعيش مغتربًا وهو موجود على أرض الوطن‪.‬‬ ‫اغتراب النفس‪ ،‬شعور صعب‪ْ ،‬‬ ‫أن تكون مغتربًا عن كل ما تؤمن به‪ ،‬عن كل ما‬ ‫عالم مختلف جدَّ‬ ‫تعودت عليه‪ ،‬وعن كل ماتربيت عليه‪ ،‬لتجد نفسك فجأة ً تعيش في‬ ‫ٍ‬ ‫االختالف عن كل ما حلمت به لمستقبلك‪.‬‬ ‫حلمك في ْ‬ ‫أن تدرس ما تحبه‪ ،‬تعمل ما ترغب في القيام به‪ ،‬سعادتك في القرب بمن‬ ‫يهوى قلبك‪ ،‬وتأتلف روحك له‪ ،‬فيظل هذا هدفك األوحد الذي يالزمك في صحوك‬ ‫ونومك‪ ،‬فال هو يمل منك وال أنت تتعب من كثرة التفكير فيه‪.‬‬ ‫وطنك الروحي‪ ،‬سكينة يلزمك سنوات كي تكتشفها وتكون تلك هدية المولى ّ‬ ‫عز‬ ‫وجل لك عندما تتمكن من الوصول إليها إما بعد وقت طويل‪ ،‬أو قصير‪ ،‬المهم ْ‬ ‫أن‬ ‫يكون لديك القدرة على الوصول في نهاية المطاف‪.‬‬ ‫بعضنا ينعم بتلك النعمة والبعض اآلخر ال يحظى بها‪ ،‬فيضطر ُرغ ًما عنه إلى ْ‬ ‫أن‬ ‫يشعر بأنه مغترب عن ذاته‪ ،‬عن روحه التي باتت غريبة عنه ال يعرف ماهيتها‪ ،‬وال‬ ‫ماذا تريد‪ ،‬ويستمر إحساسك بالضيق‪ ،‬وبعدم قدرتك على التأقلم مع الحياة التي‬ ‫تعيشها‪ ،‬فتكون النتيجة إصابتك بالعديد من األمراض النفسية والجسمانية‪ ،‬وأنت ال‬ ‫تدري كيف حدث ذلك‪ ،‬ولماذا؟!‪ ،‬فتظل تدور في حلقة ُمفرغة من األلم والتعاسة‪.‬‬ ‫اكتشاف ما تصبو إليه النفس‪ ،‬يوفر الكثير من المشقة على االنسان‪ ،‬يُريحه من‬ ‫عناء المتاهة التي يضع نفسه فيها دون ْ‬ ‫أن يدري‪ ،‬يُنقذه من حيرة ال يعلم ُمنتهاها‬ ‫راض عن نفسه ومن حوله‪ ،‬يتغلب على أي صعوبات ستواجهه ال‬ ‫سوى هللا‪ ،‬تجعله‬ ‫ٍ‬ ‫بنفس راضية ُمتقبلة قضاء المولى سبحانه‪.‬‬ ‫محالة في معترك الحياة ٍ‬ ‫ال تبحث عن سعادتك في أي شئ خارجي‪ ،‬فتش عنها دائ ًما داخلك‪ ،‬فمن المؤكد‬ ‫أنك ستجدها هناك تنتظرك‪ ،‬تفرد لك ذراعيها على مصراعيهما كي تضمك إليها‬ ‫رافضةً تركك تفلت من بين أناملها‪ ،‬لتهمس في أذنيك أنا سندك ومالذك‪ ،‬وموطن‬ ‫راحتك‪ ،‬وتذكر دو ًما أنها ستكون سالحك الوحيد في وجه أي اغتراب ستواجهه في‬ ‫ِحلك وترحالك‪ ،‬فهي سر الحياة وصبرك على تقلباتها‪.‬‬


‫دعوة للحب‬ ‫الحب ميزان العقل والقلب‪ ،‬فبدونه ال يُمكن التحكم فى قرارات العقل‪ ،‬وبدونه‬ ‫يُصبح نبض القلب خالى من الحياة‪ ،‬وكالهما المسئول األول والرئيسى عن حكمة‬ ‫اإلنسان التى يحيا بها‪.‬‬ ‫وفى زمننا هذا الذى نعيشه‪ ،‬ومع األحداث الجسام التى تمر بنا‪ ،‬ال أعتقد أن للحب‬ ‫المكان الرئيس فى عالقات الناس بعضهم البعض‪ ،‬وكأننا أصبحنا كالجماد ال تعترينا‬ ‫أى مشاعر‪ ،‬وال تُصادقنا أية أحاسيس‪ ،‬فحكمة اإلنسان أصبحت موتورة‪ ،‬وتصرفاته‬ ‫لم تعد مسئولة‪ ،‬فكيف لبشر على وجه األرض أن يَكن ذرة حب واحدة ألى شخص‬ ‫آخر وتكون طباعه وأخالقه بهذا الشكل؟!!‪ ،‬بل أكاد أجزم أن من ال يحمل بداخله‬ ‫معنى للحب‪ ،‬ال يستطيع أن يُحب نفسه‪ .‬الحب شعور مشترك يتبادله طرفان‪ ،‬أو‬ ‫مجموعة من األطراف‪ ،‬وهو ليس كلمات فقط نتداولها بين ألسنتنا‪ ،‬لكن هو فى األول‬ ‫واألخير موقف‪ ،‬فعل‪ ،‬فكثيرة هى الكلمات‪ ،‬لكن عندما يتعلق األمر بالحب تُصبح‬ ‫المواقف واألفعال قليلة‪ .‬فمثالً‪ ،‬جميعنا نتغنى بحب الوطن‪ ،‬ونشدو فى حبه أعظم‬ ‫الكلمات واأللحان‪ ،‬وعندما تحين اللحظة التى يجب فيها إثبات هذا الحب‪ ،‬تجد‬ ‫الشعارات المرتبطة ب ُكنهه هى المتوفرة‪ ،‬فأين العمل؟ وأين الدليل على صحة هذا‬ ‫الحب؟! ال أدرى‪ .‬حتى فى عالقة أى شخصين‪ ،‬تكون الكلمات هى المهيمن األكبر‬ ‫على برهنة الحب من كال الجانبين‪ ،‬وعند أول أزمة تقف حائالً بين إتمام هذا الحب‪،‬‬ ‫تجد العواصف العاتية تضرب باألخضر واليابس هذه العالقة‪ ،‬ألن الكلمات وحدها ال‬ ‫تكفى عندما نشعر بالحب‪.‬‬ ‫فى هذه الحياة قد ال تقع فى الفعل‪ ،‬ولكن من الممكن أن تصبح مفعوالً به‪ ،‬وقد تكن‬ ‫من المحظوظين وتكون فاعالً ومفعوالً به‪ ،‬وقد تصير سىء الحظ فال تكن ال فاعالً‬ ‫كثيرا على عدم دخولك هذا العالم‪ ،‬وستفقد بالتبعية الكثير‬ ‫وال مفعوالً به‪ ،‬وقتها ستندم ً‬ ‫من إنسانيتك‪ ،‬فكون المرء إنسانًا مرتبطا بشكل حتمى بلفظ الحب‪ .‬إنها دعوة للحب‪،‬‬ ‫دعوة لكى تُصبح إنسانًا فاعالً فى مجتمعك‪ ،‬شغوفًا فى تعامالتك‪ ،‬رقيقًا مع نفسك‪،‬‬ ‫ُمهذبًا فى أخالقك‪ ،‬ساميًا فى تصرفاتك‪ ،‬ولن ينصلح ما بداخلك إال لو جربت حقًا أن‬ ‫تُحب‪ ،‬وقتها ستعرف المعنى الحقيقى لحياتك‪.‬‬


‫كيميا الحب‬ ‫الحب‪ ،‬هو تلك الطاقة التي تَغمرك بمجرد التفكير في شخص ما‪ ،‬طاقةٌ دائ ًما ما‬ ‫تكون إيجابية‪ ،‬تدفعك لإلمام‪ ،‬تُغير فيك كل ما هو سلبي؛ لتجعلك انسانًا آخر وكأنك‬ ‫أتيت من زمن مختلف‪.‬‬ ‫وعندما تجد ذلك الشخص الذي تشعر معه بكل تلك األحاسيس المميزة‪ ،‬ال يمكنك‬ ‫سوى ْ‬ ‫أن تكون معه‪ ،‬ففكرة التخلي تنعدم حتى مع وجود صعوبات أو عوائق‪ ،‬قد تمنع‬ ‫تواجدكما م ًعا في هذه الحياة‪ ،‬ويبقى كل ما َيشغلك هو كيفية قضاء باقي عمرك القادم‬ ‫مع ذلك الشخص‪ ،‬هو فقط دون غيره من الناس‪.‬‬ ‫لكن ُمجتمعنا في بعض األحايين قد تكون نظرته لهذه العالقات غريبة إلى ح ٍد ما‪،‬‬ ‫ال يتهاون في التشكيك والتأنيب‪ ،‬وذم طرف من الطرفين‪ ،‬كيف ارتبطت بهذه‬ ‫أعجبك في هذا الرجل؟!‪ ،‬أليس هناك على هذا الكوكب أحد ٌ‬ ‫الفتاة؟!‪ ،‬ما الذي‬ ‫ِ‬ ‫ت هذا الفتى؟!‪ ،‬وتظل التساؤالت تنخر في‬ ‫سواها؟!‪ ،‬أين كانت‬ ‫عيناك عندما اختر ِ‬ ‫ِ‬ ‫أليام كثيرة‪ ،‬وكأنها جريمة أقدم عليها‬ ‫عضد العالقة‪ ،‬وتبقى مادة ُمثارة على االنترنت ٍ‬ ‫الطرفان – ْ‬ ‫إن كانا لديهما شهرة ما في مجال معين – لتُنغص عليهما سعادتهما لبعض‬ ‫الوقت‪.‬‬ ‫حدث ذلك من قبل‪ ،‬عند إعالن خبر زواج أحمد حلمي ومنى زكي‪ ،‬وقتها قامت‬ ‫الدنيا ولم تقعد‪ ،‬واستمر جزء من المجتمع َيكيل ل ُمنى االتهامات على أنها قد فقدت‬ ‫عقلها بقرارها الزواج من حلمي‪ ،‬ورغم كل ذلك لم تلتفت " ُمنى" لكل هذه األمور‬ ‫السطحية‪ ،‬فقد كانت تحب‪ ،‬ومقتنعة تما ًما بمن تُحبه‪ ،‬وترغب بشدة في مواصلة حياتها‬ ‫ق نظرة سريعة على الثنائين‪ ،‬ماذا ترى؟! هل تستطيع ْ‬ ‫أن تُفرق بين‬ ‫معه ‪ -‬اآلن ‪ -‬أل ِ‬ ‫أحدهما؟!‪ ،‬وكأنهما امتزجا م ًعا في بوتقة واحدة‪ ،‬انصهرا فيها دون هذا العالم الذي‬ ‫رفض زيجتهما من قبل‪َ ،‬حلّقا بمفردهما في سماء المشاعر التي ربطتهما‪ ،‬اتحدا معها‬ ‫واتفقا ضمن ًيا على ْ‬ ‫أن يكونا دائ ًما وأبدًا روح واحدة في جسدين‪ ،‬ما هذه الروعة!!‪.‬‬ ‫ولم يصمت الناس عن هذا العُقم الفكري حتى يومنا هذا‪ ،‬فنجدهم يندهشون من خبر‬ ‫زواج إيمي سمير غانم وحسن الرداد‪ ،‬ليتهم البعض الرداد بالجنون عندما َرغب في‬ ‫الزواج من إيمي‪ ،‬فهي ال تُناسبه شكالً‪ ،‬هل تتخيلون إلى أي مدى أصبح ُمجتمعنا‬ ‫كثيرا عن‬ ‫سطح ًيا – لن أقول المعنى اآلخر‪ُ ،‬رغم أنه األدق – واليوم سيتحدث الناس ً‬ ‫زواجٍ آخر حدث بين النجمين ِكندة علوش وعمرو يوسف‪ ،‬ليثرثروا عن عدم التكافؤ‬ ‫الناتج عن هذا الزواج‪.‬‬ ‫الكارثة في نَظرة الناس في ُمجتمعنا لهذه العالقات‪ ،‬أنهم يكونون هم أنفسهم ‪ -‬في‬ ‫بعض األوقات ‪ -‬في مثل هذه الحالة من الحب‪ ،‬ال يرون وال يسمعون وال يتحدثون إال‬


‫بلسان ُمحبيهم‪ ،‬يرغبون دو ًما في البقاء بجانبهم‪ ،‬ال يهمهم أي كالم أو همسات أو‬ ‫لمزات‪ ،‬تسخر من التوافق في هذه العالقة‪ ،‬فال السن وال الشكل‪ ،‬وال المواصفات‬ ‫أمرا‪ ،‬وتكرهونه في‬ ‫ال ُجسمانية تَهم عند اختيار من نُحب‪ ،‬فلماذا إذن ترضون ألنفسكم ً‬ ‫غيركم؟!‪ ،‬ألم تشعروا بمثل ما شعروا‪ ،‬ألم تتألموا من كثرة القيل والقال مثلما‬ ‫تألموا؟!‪ ،‬ألم تتعذبوا من فكرة الفراق في حد ذاتها وكنتم تبغضونها وبشدة؟!‪.‬‬ ‫كيميا الحب ستظل دو ًما غير مفهومة‪ ،‬مجهولة الهوية‪ ،‬لن نعرف يو ًما متى‬ ‫تحدث‪ ،‬وكيف تحدث‪ ،‬ومع من ستحدث‪ ،‬فال تشغل نفسك في البحث عن أسبابها؛ َّ‬ ‫ألن‬ ‫الحياة أقصر من أننا نواصل مراقبة غيرنا وننشغل بهم‪ ،‬إذا أردت أن تنشغل فانشغل‬ ‫بذاتك أو بمن تُحب وتهتم ألمره‪ ،‬ودع الخلق للخالق‪ ،‬فهو وحده من يؤلف القلوب‪،‬‬ ‫ولتعلم َّ‬ ‫أن الكمال هلل وحده‪ ،‬لكنه سبحانه يجعلنا نرى من نُحب بعين الكمال برغم‬ ‫النواقص الموجودة في النفس البشرية‪ ،‬وهي حكمة ال يعلمها إال هو‪ ،‬فلماذا نُرهق‬ ‫أنفسنا في البحث عن أسبابها‪.‬‬


‫همسات روحانية‬ ‫أن يحيا بعيدًا عن وطنه أو ً‬ ‫أن يخوض تجربة االغتراب‪ْ ،‬‬ ‫كثير منَّا يتمنى ْ‬ ‫ال‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وأسرته ثانيًا‪ ،‬ولسان حاله عندما يسرد أسبابه "في السفر سبع فوائد"‪ ،‬واعترف أني‬ ‫من هؤالء الذي تمنوا العيش بعيدًا‪ ،‬ألسباب عديدة جميعها ال يمت بصلة لفكرة َّ‬ ‫أن‬ ‫للسفر سبع فوائد‪ ،‬لكني جل ست مع نفسي في لحظة هدوء‪ ،‬وبدأت أقص عليها الرواية‪،‬‬ ‫رواية الغربة‪ ،‬ما الشكل الذي ستصبح عليه حياتي وما الفائدة ال ُكبرى التي سأجنيها‬ ‫من وراء االغتراب‪.‬‬ ‫الحكاية ستبدأ‪ ،‬مع أول يوم سفر‪ ،‬أمكث وحيدة في غرفة فندق ُمثقلة بأفكار كثيرة‬ ‫حول افتقادي ألسرتي‪ ،‬والتعب الذي أشعر به من جراء السفر‪ ،‬والخوف من السير‬ ‫مسكن‬ ‫في المدينة الكبيرة التي ال أعلم عنها شيئًا‪ ،‬وكيف سأتدبر حالي من البحث عن‬ ‫ٍ‬ ‫ُمناسب‪ ،‬إلى تَحمل مسئوليتي كاملة‪ ،‬وبعد كل هذه األسئلة أجدني ُملقاة على سريري‬ ‫نائمة مع أهل الكهف‪.‬‬ ‫وبعد أن أتمكن من إيجاد المسكن المالئم – نو ًعا ما – تبدأ دورة الحياة اليومية‪،‬‬ ‫أو ْ‬ ‫إن صح القول "دورة تحمل المسئولية"‪ ،‬المسئولية التي كنت ألقيها على عاتق‬ ‫ي أن "أنعى هم نفسي"‪ ،‬فأنا من سأطعمها‪ ،‬وأقوم بكل الواجبات‬ ‫والدتي‪ ،‬فيجب عل َّ‬ ‫األخرى من ّكي ٍ للمالبس بعد غسيلها – طبعًا – ودفع الفواتير ال ُمستحقة من كهرباء‬ ‫ومياه‪ ،‬وإيجار الشقة‪ ،‬والتسوق وإحضار ما يلزم البيت‪ ،‬وما يلزم احتياجاتي‬ ‫بكرا؛ من أج ِل العمل أو الدراسة‪ ،‬أمور عدة لم أكن‬ ‫الخاصة‪ ،‬والهم األكبر االستيقاظ ُم ً‬ ‫أتخيل ولو للحظة أني سأعاني منها‪ ،‬أو أقوم بها‪.‬‬ ‫وبعد فترة من العذاب النفسي والجسماني‪ ،‬تظل تردد بينك وبين نفسك يا هللا ألهذا‬ ‫الحد والدتي كانت تحمل عني أشياء قد تبدو أنها بسيطة لكنها مع تكرارها‪ ،‬لتصبح‬ ‫روتينًا يوميًا لم تعد بسيطة أبدًا – بل كبيسة وكبيسة جدا – فتقول نعم أريدك يا أمي‪،‬‬ ‫أريد حياتي األولى ال تلك التي أردتها وبشدة‪ ،‬فخسرت معها كل ما هو جميل لكني لم‬ ‫أتنبه وقتها لمدى جماله وروعته‪.‬‬ ‫األمنيات دائ ًما ما تتعلق بفكرة أنها التنفيس األول والرئيس عن همومنا‪ ،‬وما نتكبده‬ ‫من مشقة الحياة – لكن – أمنية االغتراب تحديدًا لن تكون صائبة أبدًا إذا ما كان‬ ‫هدفك منها التخلص فقط من حياتك الشقية العابسة في بلدك‪ ،‬والمثل الذي يقول‬ ‫"الغربة ُكربة" سيتأكد ال محالة وأنت تعيش وحيدًا بعيدًا عن أهلك‪ ،‬حتى لو جلست‬ ‫في سكن مأهول بغيرك‪ ،‬فالنفس الذي يخرج من أى فرد من أسرتك وأنت معهم‬ ‫بالدنيا وما فيها‪ ،‬وجدتني بعد كل هذه "الهمسات" أو لنقل "الشخبطة النفسية"‪ ،‬أتيقن‬ ‫من َّ‬ ‫أن أى أمنية أريدها لن تتحقق ويكون لها معنى‪ ،‬إال إذا تشاركتها مع وطني‬


‫األصغر أسرتي‪ ،‬وساهمت بها في عم ٍل ينفع وطني األكبر "مصر"‪ ،‬عودوا أنفسكم‬ ‫على تحقيق أمنياتكم هنا‪ ،‬فمن هنا فقط يبدأ الحلم‪.‬‬


‫المصلحة‬ ‫المصلحة‪ ،‬تعريف ُمهذب نو ًعا ما‪ ،‬النعدام األخالق في أى مهنة‪ ،‬هذه الكلمة‬ ‫استطاعت وحدها تفريق األصدقاء وجعلت منهم أعداء‪ ،‬لمجرد اشتراكهم في نفس‬ ‫التخصص المهني‪ ،‬هذه الكلمة استطاعت أن تجعل مصائر دول في يد دول أخرى‬ ‫تُصرفها كيفما تشاء‪.‬‬ ‫ال أدري العيب فينا كأشخاص وفي نفوسنا الضعيفة التي تجري وراء الكسب‬ ‫السريع‪ ،‬والرغبة في تسلق السلم دفعة واحدة‪ ،‬دون صعوده درجة بعد أخرى‪ ،‬أم في‬ ‫الظروف التي تُحتم على االنسان أن يُغير مبادئه حتى يُروض األشياء على حسب ما‬ ‫يتراءى له من تحقيق أحالمه‪ ،‬لدرجة قد يفقد معها هويته‪ ،‬ويصبح إنسانًا عديم‬ ‫األخالق‪ ،‬بال ضمير‪ ،‬ينساق وراء طموحه‪ُ ،‬محط ًما كل العقبات التي تقف أمامه‪،‬‬ ‫حتى ولو كانت على حساب أعز الناس لديه‪.‬‬ ‫يقولون المصالح بتتصالح وهى حقيقة واقعة لألسف الشديد‪ ،‬حتى في سياسات‬ ‫الدول نجدها وبكثرة‪ ،‬وبوضوح تام‪ ،‬األهم هل لي بمصلحة مع فالن؟!!‪ ،‬إذن فلنكن‬ ‫أصدقاء – بشكل مؤقت – لتتم االستفادة وليكن ما يكون بعدها‪ ،‬حتى لو انقلبنا‬ ‫وأصبحنا أعدى األعداء‪ ،‬واألمثلة ال تُعد وال تُحصى عن تحالفات قامت في السر‬ ‫والعلن على مدار التاريخ‪ ،‬من أجل "المصلحة"‪ ،‬فلم ال والمصلحة تتنافى مع الفعل‬ ‫األخالقي‪ ،‬وهل علينا أن نقلق من كلمة "أخالق" عند حديثنا عن المصلحة؟!!‪،‬‬ ‫بالطبع ال‪.‬‬ ‫كثيرا من الدوافع التي تختفي وراء هذه الكلمة‪ ،‬فبسببها فقدت في‬ ‫عن نفسي تألمت ً‬ ‫كثير من األحيان المعنى الحقيقي للصداقة‪ ،‬وبسببها عجزت عن تصحيح مفهوم‬ ‫الناس عني لمجرد أني من النوعية التي ال تتنازل عن مبادئها تحت أى ُمسمى أو‬ ‫ظرف‪ ،‬وأصبحت أُعاني من وحدة – اعتبرها صديقتي األعز اآلن – تؤنسني وتمأل‬ ‫على حياتي‪ ،‬وتعلمت منها‪ ،‬أن جلوسك مع نفسك أفضل ألف مرة من جلوسك مع‬ ‫نفس هَمها األول واألخير "في بحثها عن المصلحة"‪.‬‬ ‫لذا في اعتقادي يمكن تعريفها‪ :‬بأنها الفعل الالأخالقي الذي ينتج عن موت ما‬ ‫يُسمى بالضمير‪ ،‬لتحقيق غرض ما‪ ،‬دون النظر إلى أى اعتبارات إنسانية‪ ،‬فقط عليك‬ ‫أن تُرشدني إلى بداية الطريق‪ ،‬وال تقلق فحين تتوافر لدى كل مقوماتها ستجدني أصل‬ ‫إلى النهاية بنجاح كبير ال محالة‪ ،‬كفانا هللا وإياكم شر من يتعاطاها‪ ،‬فهى كاإلدمان‪،‬‬ ‫متى بدأ االنسان تعاطيها‪ ،‬ال يُمكنه التوقف عنها‪.‬‬


‫التقدير‬ ‫التقدير كلمة قد تبدو للوهلة األولى سهلة المعنى والفعل‪ ،‬لكنها في الحقيقة صعبة‬ ‫كثيرا أمامها‪ ،‬وتفكر أكثر قبل أن تُدرك ما أنت ُمقبل عليه عندما‬ ‫لدرجة تجعلك تقف‬ ‫ً‬ ‫تخوض في شرحها أو توضيح كيفية تنفيذها مع الغير‪ ،‬وعن مدى تأثيرها عليك‬ ‫بالسلب أو اإليجاب‪.‬‬ ‫التقدير معنوي قبل أن يكون مادي‪ ،‬لذا فالشعور اإليجابي الذي نحصل عليه من‬ ‫كثيرا بالحالة النفسية التي تؤثر علينا‪ ،‬ومن هنا جاءت أهميته‪،‬‬ ‫"فعل" التقدير مرتبط‬ ‫ً‬ ‫ألننا كلما تم تقديرنا ممن حولنا‪ ،‬زاد إقبالنا على اإلجادة في العمل‪ ،‬وتجددت طاقاتنا‬ ‫وتوسعت أنشطتنا‪ ،‬ليُصبح أفقنا السماء‪.‬‬ ‫ولألسف رغم أهمية فعل التقدير جدًا لتنمية المجتمع‪ ،‬وإدارة عجلة اإلنتاج‪ ،‬وخلق‬ ‫روح اإلبداع لدى الشباب‪ ،‬إال أنها دائ ًما ما تقف عند المصلحة القترانها بشكل وثيق‬ ‫باألشخاص‪ ،‬مع أنها من المفترض اقترانها مع الفعل الجيد كمكافأة يحصل عليها من‬ ‫يجتهد ويقدم شيئًا يستحق اإلشادة به‪ ،‬لكن في أغلب األوقات يحدث العكس‪ ،‬بمعنى أن‬ ‫التقدير واإلشادة والدعم المعنوي أو حتى المادي‪ ،‬يأخذه من ال يستحق‪ ،‬لمجرد أنه‬ ‫األقرب لفالن صاحب المناصب العليا‪ ،‬وألن من يستحق غير ُمرحب به داخل محيط‬ ‫عمله بسبب انهماكه في عمله غير عابئ بمن حوله‪ ،‬فيعتقد من حوله أنه مغرور أو‬ ‫متكبر‪ ،‬فتُحاك له المكائد‪ ،‬ويتم االصطياد له في الماء العكر‪ ،‬فتنقلب الدنيا وال يدري‬ ‫لماذا مع أنه يقوم بعمله على أكمل وجه‪ ،‬وال ينتظر شئ سوى "التقدير"‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يطرح نفسه‪ ،‬هل صعب علينا كمسئولين أن نُقدّر من يستحق‬ ‫التقدير دون أى مصلحة‪ ،‬طالما أنه يُعطي دون مقابل وال ينتظر كلمة شكر‪ ،‬بل هو‬ ‫يعلم جيدًا أن ما يفعله واجب عليه‪ ،‬وحق للغير؟‪.‬‬ ‫األمم ال ترتقي إال برفع شأن من يجتهد ويكد ويعمل‪ ،‬وكيف لنا برفع شأنه إال لو‬ ‫أعطيناه حقه من التقدير؟!!‪ ،‬تلك هى مكافأته معنوية كانت أم مادية‪ ،‬وأنا مع المعنوية‬ ‫كثيرا‪ ،‬ال ُ‬ ‫شح‬ ‫أكثر ألن مفعولها يدوم طويالً عكس المادية‪ ،‬التي ال يستمر تأثيرها‬ ‫ً‬ ‫والقتور والبخل بهذه الكلمة‪ ،‬له نتيجة سلبية علينا ويجب أن يعلم ذلك صاحب‬ ‫المنصب‪ ،‬األستاذ مع تالميذه‪ ،‬والمديرأو الرئيس في العمل‪ ،‬وعليهم أن يعووا أنهم‬ ‫كانوا في يوم من األيام شخصيات مجهولة ال يعلمها الكثيرين‪ ،‬وبتقديرهم أصبحوا في‬ ‫هذه المكانة‪ ،‬ويجب أن يتعاملوا مع غيرهم بنفس هذا المبدأ(مبدأ كنّا وصرنا)‪ ،‬ليتهم‬ ‫يفهمون معناك أيها التقدير‪ ،‬فنحن من دونك نصبح كالدمى يُحركنا غيرنا لمصلحتهم‪،‬‬ ‫يأخذون منّا ما يريدون‪ ،‬يُسلبونا ثقتنا بأنفسنا‪ ،‬ويتركونا لخيبة األمل تفترسنا كيفما‬ ‫تشاء‪.‬‬


‫األقنعة المزيفة‬ ‫كنت أعتقد أن الكتابة عن شئ أعرفه هو أمر سهل جدًا‪ ،‬وال يحتاج إلى الكثير من التفكير؛ ألن‬ ‫يسيرا كان‬ ‫األلفاظ التعبيرية ستنساب منك كسريان الماء في الوادي الجاف‪ ،‬إال أن ما ظننته‬ ‫ً‬ ‫أصعب من أى شئ آخر أعلمه أو أُجيده‪ ،‬عندما قررت الكتابة عن أشخاص أعرفهم‪ ،‬وقتها فقط‬ ‫علمت أني لم أكن أعرف شيئًا عن الكتابة‪ ،‬أو عن هؤالء األشخاص‪.‬‬ ‫لربما ما جعلني بهذه الحالة‪ ،‬الناس أنفسهم ال عدم استطاعتي الكتابة‪ ،‬فطبيعة الناس غير مفهومة‬ ‫صا لسنوا ٍ‬ ‫ت طويلة‪ ،‬لنكتشف فجأةً أننا أمام أغراب ال نُجيد التعامل‬ ‫حقًا‪ ،‬نظن أننا نعلم أشخا ً‬ ‫معاهم وعلينا أن نبذل أقصى ما في وسعنا لكى نفهم ما يجول في أذهانهم‪ ،‬وما تُخفيه ضمائرهم‪،‬‬ ‫إنها رحلة مرهقة‪ ،‬متعبة‪ ،‬مكلفة‪ ،‬مرهقة ذهن ًيا‪ ،‬متعبة جسد ًيا‪ ،‬ومكلفة صح ًيا‪ ،‬فهى تأخذ منك كل‬ ‫شئ تقريبًا‪ ،‬وال تُعطيك سوى صدمات‪ ،‬صدمة تلو األخرى‪.‬‬ ‫كيف عرفناهم؟ كيف ارتبطنا بهم؟ كيف توهمنا أنهم معنا قلبًا وقالبًا؟ كيف انسقنا وراء مشاعرنا‬ ‫كثيرا لكى نعلم حقيقة ما‬ ‫دون تفكير في مواقف حدثت‪ ،‬كان من الضروري الوقوف أمامها‬ ‫ً‬ ‫نواجهه؟ أسئلة كثيرة ال ه َّم لها سوى اعتصار ذهنك‪ ،‬دون فائدة؛ ألنك لن تجد اإلجابة الشافية‬ ‫الكافية عن ماهية أى شخص عرفته مطلقًا‪ ،‬كل ما في استطاعتك وقتها أنك ستنفجر غضبًا على‬ ‫نفسك التي ضيعت كل هذا الوقت معهم‪ ،‬على روحك التي تعلقت بهم وهم ال يستحقون هذا‬ ‫ق باالً أن تُعطيه فرصة واحدة لكى يُفكر في‬ ‫التعلق‪ ،‬على عقلك الذي شغلته ً‬ ‫كثيرا بأمورهم ولم تُل ِ‬ ‫تصرفاتهم معك‪ ،‬فتدرك في نهاية األمر حقيقتهم التي َعميت عليك‪.‬‬ ‫الكتابة عن شخص تعرفه أشبه بالدخول في حقل ملغوم‪ ،‬فال أنت قادر على التوغل فيه وال أنت‬ ‫قادر على الرجوع بظهرك إلى نقطة البداية‪ ،‬فتظل عالقًا في مكانك غير مستوعب لطبيعة ما‬ ‫يحدث‪ ،‬فاقد القدرة على التعبير عن ما يجول في خاطرك‪ ،‬تتصارع بداخلك الكثير من الهواجس‬ ‫تجعلك في حالة استيقاظ مستمرة؛ ألنك لو أغمضت عيناك ولو للحظات سيمر الشريط أمامك‬ ‫وتكرارا وستلومها على غبائها‪ ،‬وتظل تلعن اليوم الذي‬ ‫مرارا‬ ‫كئيبًا‪ُ ،‬مري ًعا‪ ،‬وستكره معه نفسك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عرفتهم فيه‪ ،‬وفي نهاية المطاف لن تُعلمك التجربة‪ ،‬نعم ستبتعد عنهم‪ ،‬لكنك لن تستطع االبتعاد‬ ‫عن الناس جميعًا‪ ،‬وستتكرر األحداث بشك ٍل متوالي‪ ،‬كأنها حدثت البارحة فقط‪ ،‬سيناريو غريب‬ ‫– لكن – فليقل لي أيًا شخص أنه لم يحدث معه‪ ،‬فمن الواضح أن تعذيب النفس بتجاهلنا حقيقة‬ ‫أى شخص نحبه هى عادة درجنا عليها‪ ،‬وسنظل نحيا بها‪ ،‬طالما أن اآلخرين يرتدون أقنعة‬ ‫روحية وظاهرية مزيفة‪ ،‬وطالما نحن نتعمد أن نعشق مالمحهم بهذه األقنعة‪.‬‬


‫االختيار‬ ‫االختيار كلمة قد تبدو سهلة الفعل للوهلة األولى‪ ،‬لكنها من أصعب الكلمات التي‬ ‫من الممكن أن تقوم بالفعل أو بالعمل كله‪ ،‬فاالختيار في معناه الظاهري يعني أن‬ ‫تكون لديك الحرية المطلقة في أن تختار ما تود أن تفعله‪ ،‬أن تختار من تحب‪ ،‬أن‬ ‫تختار ما تعمله‪ ،‬أن تختار ما تدرسه‪ ،‬حتى ولو كان هذا االختيار له عالقة بالكره‪،‬‬ ‫طالما فعل "يختار" موجود فأين الصعوبة في ذلك؟!!‪.‬‬ ‫ولإلجابة على هذا السؤال‪ ،‬علينا أن نفهم أننا من الممكن أن نختار ما نود أن‬ ‫نعيش حياتنا به ومعه‪ ،‬لكن في كثير من األحيان يصبح هذا االختيار حلم صعب‬ ‫نظرا لوجود ظروف عديدة قد تساهم في استحالة تحقيق هذا االختيار‪،‬‬ ‫المنال؛‬ ‫ً‬ ‫وتُصبح الحكمة التي تقول "تأتي الرياح بما ال تشتهي السفن" واقع مرير يفرض‬ ‫نفسه على عالمنا‪.‬‬ ‫هل المشكلة في التوقيت؟!‪ ،‬بمعنى توقيت اختيار للشئ هى المشكلة في حد ذاتها‪،‬‬ ‫صا تشعر معه أنه رفيق دربك في حياتك القادمة‪ ،‬وأنه الشريك‬ ‫فمثالً قد تُصادف شخ ً‬ ‫المناسب لكَ ‪ ،‬لكن تضطرك الظروف إلى التنازل عن هذا الحلم ألن توقيت مصادفتك‬ ‫له غير مناسب‪ ،‬وقتها تقول يا ليتني عرفته من قبل‪ ،‬أو لوظيفة أحالمك فتقول يا‬ ‫ليتني قدمت لها قبل فالن؟‬ ‫نعم أعتقد أن المشكلة تكمن في التوقيت‪ ،‬هنا ال يصبح لالختيار معنى أو مفهوم‪،‬‬ ‫بل تكون للقدرية مفعول السحر‪ ،‬فرغم اختياراتنا الكثيرة في شئون حياتنا المختلفة‪،‬‬ ‫إال أن القدر يُنظم ويُرتب ويُدبر لكَ أمورك دون أن تشغل بالك وال تنعى الهم مع‬ ‫فكرة لماذا لم أقابله في وقت سابق؟ لماذا لم أتقدم للوظيفة في وقت سابق؟ لماذا‬ ‫درست هذا التخصص ولم أدرس ذلك؟‬ ‫لذا علينا في النهاية أن نتركها هلل‪ ،‬نعم نحن نتمنى ونسعى ونشتاق ونحلم بالعديد‬ ‫من األشياء‪ ،‬لكن لو لم يكتبها هللا لنا علينا أن نعي هذا المفهوم "أنه اختيارنا ولكن‬ ‫بتدبير من هللا عز وجل"‪ ،‬فيجب علينا أن نرضى به وال نحزن‪ ،‬فإن أمر هللا نافذ مهما‬ ‫فعلنا‪.‬‬


‫ْ‬ ‫أن تُصادق فكأنما حيزت لكَ الدنيا وما فيها‬ ‫في حياة كل م ّنا أشخاص لهم دور حيوي ومهم فى حياتنا‪ ،‬إما بالسلب أو‬ ‫باإليجاب‪ ،‬هذا التأثير نتعود عليه لدرجة ال يمكن معها االستغناء عنهم‪ ،‬لذا يجب علينا‬ ‫اختيار هؤالء األشخاص بالشكل الذي يجعل لحياتنا معنى‪ ،‬فكيف يحدث ذلك خاصة‬ ‫مع وجود عالم افتراضي يس ّمى فيس بوك أو تويتر‪ ،‬ومع عالم اإلنترنت عموما؟!‪.‬‬ ‫الصداقة الحقيقية يمكن الحصول عليها فى أي وقت وزمان‪ ،‬علينا فقط أن نبحث‬ ‫عمن يتشابه معنا فى طباعنا وميولنا‪ ،‬من يحفزنا ويدفعنا لإلمام كى نتقدم‪ ،‬من يسعد‬ ‫لنجاحنا‪ ،‬من يعطينا النصح واإلرشاد بنية حسنة ال سوء فيها وال أى غرض خبيث‪.‬‬ ‫صديقك من يصدقك القول‪ ،‬من تجده معك أينما ذهبت يسير بجوارك‪ ،‬ال يسأم أبدا‬ ‫من سماعك‪ ،‬ال يمل من ثرثرتك‪ ،‬يشتاق لحديثك ويتواصل معك حتى وإن كان‬ ‫منشغل بأموره اليومية‪ ،‬نحن نعيش عالما صنعناه بأنفسنا مع الشبكة العنكبوتية‪ ،‬فلماذا‬ ‫ال نستغله االستغالل األمثل فى التعرف على هذا الصديق؟!‪ ،‬وعندما تجده ستكتفي به‬ ‫عن كل من تعرفهم‪ ،‬ليس ألنك أحسنت االختيار‪ ،‬بل ألنك استطعت تحقيق المعادلة‬ ‫الصعبة فى عالم خلقته لنفسك وتعايشت به ومعه‪.‬‬ ‫لذا دقق فى اختيار من تصادقهم في هذا العالم‪ ،‬وال تطلق لفظ "صديق" إال على‬ ‫من يستحقه ‪ -‬من وجهة نظرك‪ -‬التي يجب في نفس الوقت أن تتوافق مع وجهة نظره‬ ‫هو اآلخر؛ ألن إدعاء الصداقة من الطرف اآلخر سيجلب عليك الكثير من المشاكل‬ ‫مع من ارتاحت له نفسك‪ ،‬لكنه لم يأخذك على محمل الجد‪ ،‬لم يفكر فى مبادلتك ثقتك‬ ‫به ومصارحتك له بكل ما يدور فى خلدك‪ ،‬فتصبح هذه الصداقة وباال عليك‪ ،‬وه ًّما‬ ‫يجعلك تدعو هللا معه أن يفرجه عليك؛ ألنك لم تستطع تحمل مشقته أكثر من ذلك‪.‬‬ ‫عن نفسي وجدت هذا الصديق في عالمي االفتراضي‪ ،‬صديق يصدقني القول‬ ‫والفعل‪ ،‬احترامنا وتقديرنا لبعضنا البعض متبادل‪ ،‬هو بالنسبة لى كتاب مفتوح‪ ،‬وأنا‬ ‫كذلك بالنسبة له‪ ،‬يتمنى لى الخير في كل وقت‪ ،‬وأنا كذلك‪ ،‬وأدعو هللا أن تدوم مودتنا‬ ‫وصداقتنا آلخر العمر إن شاء هللا‪ ،‬ففي ذلك راحة ال يمكن وصفها‪ ،‬أن تجد ذلك‬ ‫الشخص الذي تشعر معه وكأنك تتحدث مع نفسك‪ ،‬في زمننا هذا ومع الصراعات‬ ‫التي نشهدها في حياتنا‪ ،‬عز وجود هذا الصديق بيننا‪ ،‬فما بالك لو كان العثور عليه في‬ ‫عالم افتراضي‪ ،‬هذه وبحق نعمة كبيرة توجب الشكر‪.‬‬ ‫الصداقة‪ ،‬رغم قلة حروفها‪ ،‬إال أنها تحمل في طياتها معان كثيرة من الصدق‪،‬‬ ‫والصبر‪ ،‬والخلق الطيب‪ ،‬وتحمل المسئولية‪ ،‬واألمانة في حفظ أسرار هذا الصديق‪،‬‬ ‫حتى وإن انتهت صداقتكما‪ ،‬والوفاء‪ ،‬وحسن التصرف‪ ،‬وهى صفات لو تواجدت في‬


‫اثنين على هذا الكوكب لهانت الدنيا وما فيها أمام صديق صدوق يقدّرك ويحترمك‬ ‫والضراء‪،‬‬ ‫السراء‬ ‫ويفهمك‪ ،‬ويحرص عليك وعلى مصلحتك‪ ،‬ويبقى معك في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مصائب الدرب ال يهونها إال وجود شخص في حياتك تأمنه‪ ،‬وتألف إليه‪ ،‬ساعتها فقط‬ ‫ستدرك جيدا معنى الصداقة التي إن قصرت فيها ولم تعطها حقها عليك‪ ،‬فال تلومن‬ ‫إال نفسك‪.‬‬


‫فن التعامل مع الغير‬ ‫يقول المثل الشعبي "تعرف فالن؟ ‪ ..‬آه أعرفه ‪ ..‬طب عاشرته؟ ‪ ..‬ال ما عاشرتهوش‪،‬‬ ‫فتكون النتيجة يبقى ما تعرفوش"‪ ،‬حقيقة واقعية لخصها مثل شعبي توارثته أجيال عديدة‬ ‫عن صعوبة – بل استحالة – معرفة شخص بشكل جيد قبل التعرف عليه عن قرب‪،‬‬ ‫ومعرفته بشكل كامل وصحيح فيما يخص عاداته وطباعه وسلوكه وأخالقه‪ ،‬ونظرته‬ ‫لألشياء‪ ،‬وطريقة تفكيره‪.‬‬ ‫في عالمنا هذا‪ ،‬أصبح التعامل االفتراضي هو الوسيلة الوحيدة للتعرف على‬ ‫ضا الوسيلة ال ُمثلى لقضاء معظم الوقت معه‪ ،‬والتحدث‪ ،‬لكن مع األسف‬ ‫الشخص‪ ،‬وهى أي ً‬ ‫برغم طول الوقت‪ ،‬وبرغم كثرة المحادثات‪ ،‬وبرغم تيقنك الشديد من معرفته بشكل ال‬ ‫صلة النهائية‪ ،‬صدمة‬ ‫يساورك أى شك فيه‪ ،‬وقد تُجادل من يُخالفك الرأى عنه‪ ،‬تكون ال ُمح ّ‬ ‫كبيرة عندما تجد نفسك أمام سقوط القناع األخير‪ ،‬فتتفاجئ بما يُخبئه لك القدر عن هذه‬ ‫الشخصية‪.‬‬ ‫حتى في التعامالت اليومية‪ ،‬زمالء العمل‪ ،‬زمالء الدراسة‪ ،‬هناك دائ ًما شئ خَفى قد‬ ‫سا على عقب‪ ،‬ويُغير مفاهيمك وحساباتك تجاههم ‪ ،‬ألنك ببساطة لم‬ ‫يقلب الطاولة رأ ً‬ ‫تُعاشرهم‪ ،‬لم تعرفهم بشكل ُمقرب‪ ،‬لم تُشاركهم الكثير من االختبارات الحياتية‪ ،‬لتنكشف‬ ‫لكَ حقيقتهم‪ ،‬إذن فالعيب فيك – نعم فيك – ألنك تهاونت في حق نفسك عندما سمحت لهم‬ ‫بالتقرب منك‪ ،‬سمحت لهم بالدخول إلى عالمك‪ ،‬سمحت لهم باختراق تفكيرك وشغله‬ ‫بأمورهم‪ ،‬سمحت لنفسك باالهتمام بهم‪ ،‬دون أن تُفكر ولو للحظة واحدة‪ ،‬هل أنا في‬ ‫حياتهم فعال؟!‪ ،‬هل أشغل مساحة ولو قليلة من تفكيرهم؟!‪ ،‬هل أمري يهمهم؟!‪ ،‬أسئلة‬ ‫كثيرة لو كان في استطاعتك اإلجابة عليها قبل فوات األوان‪ ،‬لما حدثت الصدمة‪ ،‬بل‬ ‫ستتحكم وقتها في جميع المفاتيح التي تجعل عالقتك بهم متوازنة‪ ،‬فال ضرر وال ضرار‪،‬‬ ‫تلك هى المعادلة الصعبة‪ ،‬فعلى قدر فهمك‪ ،‬تكن سعادتك في التعامل مع اآلخرين‪ ،‬وعلى‬ ‫قدر طيبتك‪ ،‬يحدث لك ما يحدث من إهما ٍل وتحقير‪ ،‬واعتما ٍد عليك في كل األمور‬ ‫صغيرها وكبيرها‪ ،‬حتى أنك قد تتحمل مسئولية أشياء لم تقم بها‪ ،‬لمجرد أنك تحميهم أو‬ ‫تُغطي عنهم‪ ،‬فهى حماقة منك‪ ،‬لكنها الطيبة‪ ،‬التي قد تفعل أسوأ من ذلك‪ ،‬وتجعلك ال ترى‬ ‫بواطن األمور وحقيقتها‪.‬‬ ‫إذن ما الحل؟!!‪ ،‬الحل أن تجعل بينك وبين من تتعامل معه المساحة‪ ،‬التي ال تسمح أن‬ ‫تُدمر بها نفسك‪ ،‬أن تجعلك ذو قيمة في عينه‪ ،‬فال يُمكنه أبدًا التخلي عنك‪ ،‬ويضعك في‬ ‫منزلة تستحقها أنت‪ ،‬هذه هى الخالصة في فن التعامل مع الغير‪ ،‬وهى في نفس الوقت‬ ‫نصيحة غالية من شخص جعلته التجربة يُدرك أن الحياة ليست سهلة مثلما كان يعتقد‪،‬‬ ‫وأن "قلوب الناس ليست الجنة‪ ،‬فال تتعب نفسك من أجل البقاء فيها"‪.‬‬


‫مفهوم الجمال في ثقافتنا‬ ‫َّ‬ ‫يحب الجمال‪ ،‬مقولةٌ نتذرع بها دائ ًما‪ ،‬إذا ما أردنا وصف شخص ما‬ ‫إن هللا جمي ٌل‬ ‫ُ‬ ‫إما بجمال المظهر‪ ،‬أو بقبح الشكل‪ ،‬وفي كلتا الحالتين فنحن نتحدث بأعيننا‪ ،‬عندما‬ ‫نتكلم عن الجمال‪ ،‬وهو بذلك يكون جمال نسبي‪ ،‬فليس كل ما يلقى إعجابك‪ ،‬يُعجب‬ ‫غيرك بالضرورة‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فمفهومنا عن الجمال خاطئ جدا‪ ،‬فأنت عندما تتذكر هذه المقولة‪ ،‬يجب‬ ‫ألن هللا َّ‬ ‫فورا بـ "وخلقنا االنسان في أحسن تقويم"؛ َّ‬ ‫ْ‬ ‫عز وجل يُخبرنا في‬ ‫أن تُقرنها ً‬ ‫ُمحكم آياته أننا جميعًا ُخلقنا وبال استثناء في أحسن تقويم‪ ،‬إذن ما الذي يجعلنا نوصف‬ ‫غيرنا بوصفٍ ال يليق عن شكله‪ ،‬أو حتى نهيم عشقًا ونظل نتغزل بجمال أحدهم‪،‬‬ ‫اإلجابة بسيطة‪ ،‬فنحن نحكم على هذا الشخص من مظهره فقط‪ ،‬ونسينا تما ًما روحه‪،‬‬ ‫وطبعه‪ ،‬وصفاته‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬الروح وحدها هى التي تجعلك إما أنيقًا في أعين الناس‪ ،‬أو عكس ذلك‪ ،‬هى‬ ‫ما تجعلك جميالً فائق ال ُحسن‪ ،‬أو تهبط بك إلى أقل درجات الجمال‪ ،‬فيضطر من‬ ‫يراك يوصفك بكلمة واحدة المولى سبحانه وتعالى لم يخلق هيئتنا عليها "القُبح"‪،‬‬ ‫ونحن منها بُراء لكنك من وضعت نفسك في هذا الموضع من الوصف‪ ،‬بتدني‬ ‫أخالقك‪ ،‬وسوء ِطباعك‪ ،‬وروحك التي اعتادت على الحقد والحسد والغيرة‪.‬‬ ‫كثير منَّا ال يصدق مثالً‪ ،‬كيف َّ‬ ‫أن رجالً وسي ًما اختار فتاةً أقل منه جماالً – من‬ ‫ٌ‬ ‫وجهة نظر الناس بالطبع – لتكون شريكة حياته‪ ،‬ويظلون يتغامزون ويتالمزون‬ ‫طوال مراسم الزفاف ُمندهشين من هذا االختيار‪ ،‬وبالمثل بالنسبة للفتاة عندما تكون‬ ‫غاية في الجمال‪ ،‬فترتبط بشابًا ليس وسي ًما بقدرها‪ ،‬لن يسلما هما اآلخران من النميمة‬ ‫غير اللطيفة عن سوء اختيارها له‪ ،‬ولم يعلم ال هؤالء وال أولئك‪َّ ،‬‬ ‫أن اختيار أحدهما‬ ‫لآلخر كان نابعًا في األساس على اختيار الروح والطبع‪ ،‬ال على اختيار الشكل‪،‬‬ ‫اختار الطرفان من يتفق مع روحهما‪ ،‬من يألفا إليه وتأنس حياتهما به ومعه‪ ،‬من‬ ‫ستسكن إليه نفسه دون ضجر أو سأم‪ ،‬أليست كل هذه األمور كافية الختيار شريك‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫أخبرنا رسولنا الكريم صلوات هللا وسالمه عليه‪ ،‬عن الصفات التي تُنكح لها‬ ‫المرأة‪ ،‬ولم يكن الجمال أولها‪ ،‬وهو نفس الشئ إذا ما تحدثنا عن الرجل واختيار‬ ‫األنثى له‪ ،‬الجمال نسبي أؤيد هذه المقولة‪ ،‬لكن نسبيته ال عالقة لها بالشكل‪ ،‬عالقتها‬ ‫األكبر بأخالقك وصفاء نفسك من عدمها‪ ،‬الذي يظهر على وجهك فتبرز مالمحك‬ ‫ب أو باإليجاب‪ ،‬بالقبول أم بالنفور‪.‬‬ ‫وقتها‪ ،‬بالسل ِ‬


‫فكثير من‬ ‫عودوا أنفسكم على ال ُحكم على الغير عن طريق مخبره ال مظهره‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫المظاهر خداعة‪ ،‬ومن تعمق أكثر وجد كل ما تمنى من صفات الجمال التي يرغبها‬ ‫ويصبو إليها‪ ،‬سطحية االختيار لن تُجديك نفعًا ال في شريك حياتك وال في صديق‬ ‫نفس تشعر معها وكأنكما واح ٍد ال يقبل القسمة على‬ ‫عمرك‪ ،‬فالحياة بحاجة دائ ًما إلى ٍ‬ ‫اثنين‪.‬‬


‫عن قيمة الحياة أتحدث‬ ‫تُعرف قيمة الحياة باألشخاص المتواجدين فيها‪ ،‬ليس في عددهم بل بتأثيرهم على‬ ‫حياتنا‪ ،‬األمر الذي يجعلنا – في بعض األحيان – نغفل عن قيمة هؤالء األشخاص؛‬ ‫يوم من األيام‪،‬‬ ‫نظرا لوجودهم الدائم بقربنا‪ ،‬ويُهيأ لنا أنهم لن يرحلوا عنّا أو يغيبوا في ٍ‬ ‫ً‬ ‫مهما تجاهلنا ولو قليالً أهميتهم لدينا‪.‬‬ ‫معرفة ْ‬ ‫أمر يبعث على االرتياح ال‬ ‫أن يكون أحدهم موجود‪ ،‬و ُمتاح لكَ دائ ًما ٌ‬ ‫َمحالة‪ ،‬فجميعنا بحاجة ماسة إلى االهتمام‪ ،‬إلى من يستمع‪ ،‬إلى من يُقدر‪َ ،‬يعذر‪،‬‬ ‫يُشعرنا بمدى احتياجه إلينا وأهميتنا – لكننا – عندما نعتاد على وجود هذا الشخص‬ ‫ونعتبره أمر ُمسلم به‪ ،‬تُصبح النتيجة كارثية‪.‬‬ ‫العطاء ال يمكن ْ‬ ‫أن يسير في اتجاه واحد‪ ،‬العطاء صفة مرتبطة بالمبادلة‪ ،‬فالمنح‬ ‫يجب ْ‬ ‫أن يقابله منح من الطرف الثاني‪ ،‬وعندما يظل االنسان يُعطي دون مقابل‪ ،‬دون‬ ‫الشعور بقيمة ما يُعطيه‪ ،‬في هذه اللحظة ‪ ،‬ينضب النبع الذي يُمطر اآلخر بالعطايا‪،‬‬ ‫يزهد عن تقديم ما كان يُقدمه‪ ،‬ويظل يتساءل ماذا فعلت لكي يُفعل بي ذلك؟ هل‬ ‫تماديت في االهتمام؟!‪ ،‬هل تواجدت في حياة هذا الشخص بالقرب الذي جعله ال يعبأ‬ ‫بي؟!‪ ،‬وقتها تكون اإلجابة بالفعل ال بالكالم‪ ،‬عندما َيهم الشخص المعطاء في لململة‬ ‫ما تبقى من كرامته ويستعجل الرحيل عن حياة الطرف اآلخر دون إبداء أي أسباب‪،‬‬ ‫فجأة سيستيقظ الشخص المتجاهل يو ًما ما‪ ،‬ليجده اختفى تما ًما عن ناظريه‪ ،‬ومهما‬ ‫حاول وبذل مجهودًا في البحث عنه‪ ،‬لن يجده‪ ،‬حينها فقط سيعلم قيمة من فقده – لكن‬ ‫– بعد فوات األوان‪.‬‬ ‫ومثال آخر على الفقد‪ ،‬عندما نعيش على ذكريات ماضينا‪ ،‬نتحسر على شخص‬ ‫مكان عيشنا فيه أيا ًما جميلة‪ ،‬واضطرتنا ظروف حياتنا إلى‬ ‫ما‪ ،‬أو عمل خسرناه‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫البعد عن كل هذه الذكريات‪ ،‬ودعناها نعم‪ ،‬لكن هللا منحنا غيرها‪ ،‬إال أننا غفلنا عن‬ ‫نعم هللا هذه‪ ،‬وظللنا في بوتقة الماضي‪ ،‬نتألم لما فقدناه‪ ،‬ال نشعر بقيمة ماهو موجود‬ ‫بالفعل بين أيدينا – مع أنه – قد يكون أفضل مما فات وعوضنا المولى َّ‬ ‫عز وجل به‬ ‫كثيرا‪ ،‬لكننا من كثرة تغافلنا وعدم حمدنا هلل على فضله‪ ،‬نفقده هو اآلخر‪.‬‬ ‫خيرا ً‬ ‫ً‬ ‫لماذا النُقدر قيمة ما هو موجود في حياتنا‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعالى لن يُعطيك إال كل‬ ‫صا فلذلك حكمة وسبب‪ ،‬وعندما َيهبك غيره فتأكد‬ ‫ماهو خير لكَ ‪ ،‬وإذا أبعد عنك شخ ً‬ ‫ْ‬ ‫أن هذه ال ِهبة اإللهية نعمة كبيرة يجب عليك اإلمساك بتالبيبها وبقوة كي ال ترحل‬ ‫عنك‪ ،‬فااللتفات للماضي أو كلمة يا ليت‪ ،‬لن تُعيد لكَ ما تمنيت‪ ،‬ستضرك أكثر ما‬ ‫ستنفعك‪.‬‬


‫ال تحزن على المفقود كي ال تفقد الموجود؛ أل ّنه من عند هللا أبقاه لكَ حتى تنعم‬ ‫بالسكينة والراحة والطمأنينة‪ ،‬اشكره عليه ليظل بقربك دائ ًما‪ ،‬ال يُفارقك‪ ،‬أعطيه من‬ ‫وقتك واهتمامك‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫أن يُحبك شخص ما دون مصلحة‪ ،‬يُعطيك من وقته وصحته وتركيزه‪ ،‬لهي نعمة ال‬ ‫يمكن وصفها‪ ،‬ستشعر أنت معها كم َّ‬ ‫راض عنك‪ ،‬ال تخذله‬ ‫أن هللا سبحانه وتعالى‬ ‫ٍ‬ ‫كثيرا على ما فرطت‪.‬‬ ‫بإهمالك لتلك النعمة؛ ألنك ستندم ً‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.