قصة واإسلاماه وورد ترم أول 2018

Page 1

‫الفصل اللول‬ ‫قال السلطان جلل الدين ذات ليلة لليمير يميمدود ابن عيمه وزوج أخته ‪ ،‬وكان ييلعبه الشطرنج في قصره بغزنة ‪" :‬غفر‬ ‫ال لبي وسايمحه ! يما كان أغناه عن التحرش بهذه القبائل التترية اليمتوحشة ‪ ،‬إذن لبقيت تائهة في جبال الصين‬ ‫وقفارها ‪ ،‬ولظل بيننا وبينهم سد يمنيع " ‪.‬‬ ‫قال يميمدود‪ -:‬حسبه أنه جاد بنفسه في سبيل الدفاع عن بلد السلم فقد ظل يقاتلهم ويجالدهم جلددا ل هوادة فيه ‪،‬‬

‫إلى أن كبا به الحظ ‪ ،‬فيمات شريددا وحيددا في جزيرة نائية ‪.‬‬

‫‪ -‬ليت اليمر ينتهي عند جوده بنفسه ‪ ،‬إذن لبكينا يملدكا عظيديما عز علينا فراقه ‪ ،‬واحتسبناه عند ال والددا كريديما آليمنا فقده‬

‫‪.‬‬

‫ولكن لتصرفه هذا ذيولد ل أحسبها تنتهي فهؤل ء التتار رسل الديمار والخراب ‪ ،‬وطلئع الفساد ‪ ،‬ل يدخلون يمدينة حتى‬

‫يديمروها ويأتوا فيها على الخضر واليابس ‪ ،‬ول يتيمكنون يمن أيمة حتى يقتلوا رجالها ‪ ،‬ويذبحوا أطفالها ‪ ،‬ويبقروا بطون‬

‫حوايملها ‪ ،‬ويهتكوا أعراض نسائها ‪...‬‬ ‫وهنا طغى البكا ء على جلل الدين ‪ ،‬وعاقه برهة عن الستيمرار في كليمه ‪ ،‬ففهم يميمدود يما جال بخاطره ‪ ،‬ولم يلبث أن‬ ‫شاركه في البكا ء فانخرطا فيه ‪ ،‬ويما كان بكاؤهيما ليمر هين ‪ ،‬فقد تذاك ار يما وقع لنسوة يمن أهلهيما فيهن أم خوارزم شاه‬ ‫وأخواته ‪ ،‬فقد بعثهن خوارزم شاه يمن " الري " ‪ ،‬حين تفرق عنه عسكره وأيقن بالهزييمة ‪ ،‬ليلحقن بجلل الدين في غزنة ‪،‬‬ ‫وبعث يمعهن أيمواله وذخائره ‪ ،‬التي لم يسيمع بيمثلها ‪ ،‬فاتصل ذلك بعلم التتار فتعقبوهن وقبضوا عليهن في الطريق‪،‬‬ ‫فأرسلوهن يمع الذخائر واليموال إلى جنكيز خان بسيمرقند ‪ .‬ويمسح جلل الدين ديموعه وطفق يقول ‪ " :‬أواه يا يميمدود ‪،‬‬ ‫ليس في الدنيا يمصيبة أعظم يمن يمصيبتنا ‪ ،‬أبعد العز الرفيع ‪ ،‬والحجاب اليمنيع ‪ ،‬تساق والدة خوارزم شاه وأخواته إلى‬ ‫طاغية التتار‪ .‬كل فاجعة في الحياة تهون إل هذه ‪ ،‬أية لذة تبقي في العيش بعد "تركان خاتون" ؟ ليت شعري يما حالهن‬ ‫هناك ؟ كيف يعشن بين أولئك الوحوش ! ‪.‬‬ ‫يا ليت أبي قتلهن بيده ‪ ،‬أو وأدهن في التراب ‪ ،‬أو ألقاهن في اليم ‪ ،‬خي دار يمن أن يقعن سبايا في أيدي القوم ‪ ،‬ويلقين الذل‬ ‫والهوان عندهم ‪.‬‬

‫ويما أشك أنه يمات في الجزيرة غديما حين بلغه أيمرهن ‪.‬‬

‫ ال لهن يا يمولي ! لعل ال يستنقذهن يمن أيديهم بسيفك وسيوفنا يمعك ‪.‬‬‫ هيهات يا يميمدود ! أبعد أن دانت لهم خراسان كلها ‪ ،‬ودخلوا الري ‪ ،‬ويملكوا هيمدان ‪ ،‬نطيمع في أن نغلبهم بسيوفنا‬‫ونجليهم عن بلدنا ؟ لقد كان لوالدي عشرون ألفا يمن الفرسان في بخاري ‪ ،‬وخيمسون ألدفا في سيمرقند ‪ ،‬وأضعافها يمعه‬

‫فيما أغنت تلك الجحافل الج اررة عنه شيدئا ‪ ،‬وهو يمن هو في شجاعته وبأسه ‪ ،‬ونفوذه وصرايمته ‪ ،‬فيما ظنك بي وأنا دونه‬

‫في كل شي ء ‪ ،‬وقد قوي التتار وعظم سلطانهم في البلد ‪.‬‬

‫ إنك ابن خوارزم شاه ‪ ،‬ووارث يملكه وخليفته على بلده ويما يكون لك أن تيأس يمن هزييمة عدوه ‪ ،‬وطرده يمن بلد‬‫رعاياه ‪.‬‬


‫ولقد كانت الحرب بين أبيك وبين هؤل ء سجالد ‪ ،‬فتارة يهزيمهم وتارة يهزيمونه ‪ ،‬حتى نفذ القضا ء فيه ليمر طواه ال في‬

‫عليمه ‪ ،‬فيمات شهيددا في جزيرة نائية ‪ ،‬ولكن لم ييمت سره فهو حي فيك ‪ ،‬ويمن يدري لعل ال ينصر بك السلم‬ ‫واليمسليمين ‪ ،‬ويجعل نهاية العدا ء على يديك ‪.‬‬

‫إن خليفة اليمسليمين ‪ ،‬ويملوكهم وأيمرا ءهم في بغداد ويمصر والشام ‪ ،‬يعليمون بيما حصل ببلدنا يمن نكبة التتار ‪ ،‬وقد‬ ‫استنجد بهم أبي يم اردار فلم ينجدوه ولم يصغوا لندائه ‪ ،‬فدعهم يذوقوا يمن وبالهم يما ذقنا ‪ ،‬وحسبي أني أحصن حدود بلدي‬ ‫وأيمنعها يمنهم وأدفع شرهم عنها فل أدعهم يخلصون إليها ‪.‬‬

‫ إنك لن تستطيع حيماية بلدك يمنهم إذا غزوك في عقرها يما لم تيمش إليهم فتلقهم دونها بيمئات الفراسخ ‪ ،‬فإن أظهرك‬‫ال عليهم فذاك إوان تكن الخرى كان لك يمن بلدك ظهر تستند فيه وبعد فإن جنكيز خان لن يتوجه إلى الغرب حتى‬ ‫يفرغ يمن الشرق ‪ ،‬ولم ييمس العراق والشام حتى يقضي على يميمالك خوارزم شاه أجيمعها ‪.‬‬

‫فأطرق جلل الدين هنيهة ‪ ،‬وطفق يفرك جبينه بيده وكأنه يدير في رأسه يموازنة بين رأيه ورأي ابن عيمه ‪ ،‬ثم رفع رأسه‬ ‫وقال ‪ " :‬ل حريمني ال صائب رأيك يا يميمدود ‪ ،‬فيما زلت تحاجني حتى حججتني ‪ ،‬وهأنذا يمقتنع بسداد رأيك‪ ،‬ويماض ليما‬ ‫تشير به على ‪ ،‬وحسبي أنك ستكون يدي الييمني فييما أنهض به يمن اليمر " ‪.‬‬ ‫ سأكون يا بن عيمي ويا يمولي أطوع لك يمن خاتم في يدك ‪ ،‬وسأقاتل حتى أقتل دونك ‪.‬‬‫ إنك لم تدع لي في قتال هؤل ء عذ دار يا يميمدود ‪ ،‬رحم ال أبي ‪ ،‬لقد ورثني يملدكا ل يغبط صاحبه عليه ‪ ،‬وحيملني عبدئا‬‫ثقيلد ‪.‬‬

‫‪ -‬سيكون لك يمن يمعونة ال وتوفيقه ‪ ،‬إذا أخلصت الجهاد في سبيله ‪ ،‬يما يشرح لك صدرك ‪ ،‬ويضع عنك وزرك الذي‬

‫أنقض ظهرك ‪ ،‬ويرفع لك بهزييمة التتار ‪ ،‬عند ال وعند الناس ذكرك !‬ ‫فتبسم جلل الدين ‪ ،‬وتهللت أساريره يمن البشر‪ ،‬وقال ‪ " :‬بشرك ال بالخير يا يميمدود " ‪ ،‬إن ال تعالي يقول‬ ‫" فإن يمع العسر يس دار ‪ ،‬إن يمع العسر يس دار ‪ ،‬فإذا فرغت فانصب ‪ ،‬إوالي ربك فارغب " ‪.‬‬ ‫ثم رفع يديه إلى السيما ء وقال ‪ " :‬اللهم إني أرغب إليك فوقفني ليما تحبه وترضاه " ‪.‬‬

‫وتذكر جلل الدين أخته جيهان خاتون ‪ ،‬فسأل زوجها عن حالها ‪ ،‬فإنه لم يرها يمنذ أيام فأجابه يميمدود ‪ " :‬هي في رعاية‬ ‫ال ورعايتك بخير ‪ ،‬ويما يمنعها يمن اليمجي ء إليك إل ثقل الحيمل " ‪.‬‬ ‫ أجل ‪ ..‬لطف ال بها وبزوجتي عائشة خاتون ‪ ،‬فإنهيما في شهرهيما التاسع ‪ ،‬فبلغها تحيتي ‪ ،‬وعسى أن أتيمكن يمن‬‫زيارتكم غددا إن شا ء ال " ‪.‬‬


‫الفصل الثاني‬ ‫طلق جلل الدين يما كان فيه يمن الدعة والراحة يمنذ تلك الليلة التي عاهد فيها نفسه على اليمسير لقتال التتار ‪ ،‬وقضي‬ ‫قرابة شهر وهو يجتهد في تجهيز الجيش إواعداد العدد وتقوية القلع في يمدن بلده ‪ ،‬وبنا ء الحصون على طول خط‬ ‫السير ‪ ،‬يعاونه في ذلك صهره يميمدود ‪ ،‬حتى إذا تم له يمن ذلك يما أراد ‪ ،‬عين يوم اليمسير ‪.‬‬

‫وجا ءت النبا ء بأن التتار دخلوا يمرو ‪ ،‬وساروا إلى نيسابور فوضعوا في أهلها السيف ويملكوها ‪ ،‬وأنهم سائرون إلى هراة‬ ‫‪ ،‬فلم يبق لدي جلل الدين يمجال للنتظار فأذن لعساكره باليمسير ‪ ،‬وخرج في ستين ألدفا يحث بهم السير حتى لقي‬

‫طلئع التتار دون هراة ‪ ،‬وكانوا قد حاصروها عشرة أيام ثم يملكوها وأيمنوا أهلها وتقديموا يبتغون غزنة ‪ ،‬فقاتلهم جلل‬ ‫الدين قتالد عظيديما حتى هزيمهم ‪ ،‬وقتل يمنهم خلدقا كثي دار ‪.‬‬

‫وبعث رسلد تسللوا إلى هراة فأخبروا أهلها بيما وقع يمن انكسار التتار ‪ ،‬ففرح الناس فردحا عظيديما ‪ ،‬وأخذوا يتنادون بأن‬

‫خوارزم شاه قد بعثه ال حديا يمن قبره ‪ ،‬ليطهر البلد يمن التتار ووثبوا على حايميتهم باليمدينة ‪.‬‬

‫فليما عادت فلول التتار إلى هراة ‪ ،‬وعليموا يما وقع يمن أهلها انتقيموا يمنهم فقتلوا كل يمن وجدوه يمن الرجال والنسا ء‬ ‫والطفال ‪ ،‬وخربوا اليمدينة ونهبوا السواد وأتلفوا كل يما لم يقدروا على حيمله يمن اليموال ‪.‬‬ ‫وطاردهم جلل الدين فأجلهم عن هراة ‪ ،‬ثم يما زال يتعقبهم حتى أوصلهم إلى حدود الطالقان‪ ،‬حيث اتخذها جنكيز‬

‫خان قاعدة جديدة له بعد سيمرقند ‪ ،‬يرسل يمنها بعوثه وسراياه ‪ ،‬ثم رأى جلل الدين أن يكتفي في هذه الغزوة بيما أحرزه‬ ‫يمن النتصارات عليهم ‪ ،‬وأل يهاجيمهم في قاعدتهم الجديدة حتى يستجم ويريح جيوشه يمن نصب القتال ‪ ،‬ويعد جيودشا‬ ‫أخرى ويستعد استعداددا جديددا ليملقاة أعدائه ‪ ،‬فعاد ببهرة جيشه إلى غزنة بعد أن ترك حايميات قوية في البلد التي طرد‬ ‫يمنها التتار ‪.‬‬

‫وكان يوم قفوله إلى غزنه يوديما يمشهوددا ‪ ،‬احتفل به أهلها احتفالد رائدعا ‪.‬‬

‫لم يغض يمن جيماله إل رجوع اليمير يميمدود جريدحا يمحيمولد على يمحفة ‪ ،‬بعد يما أبلي بل ء حسدنا في قتال التتار وأبدي‬

‫أروع آيات البطولة ‪ ،‬وركب أعظم الخطار ‪.‬‬

‫حزن جلل الدين ليما أصاب صهره الفارس الشجاع ‪ ،‬واهتم بعلجه اهتيماديما كبي دار ‪ ،‬وابتغى له أحسن أطبا ء زيمانه ‪،‬‬

‫وأغدق عليهم اليموال ‪ ،‬ووعدهم بيمكافآت كبيرة إذا وفقوا لشفائه ‪ ،‬ولكن جراحه كانت بالغة ‪ ،‬فلم تجد يمهارة الطبا ء ‪،‬‬

‫وأخذت حالته تسو ء يوديما بعد يوم ‪ ،‬وكان جلل الدين ل يغب زيارته فهو يتردد عليه صباح يمسا ء ‪.‬‬

‫وليما ثقلت عليه العلة وأيقن بدنو اليموت ‪ ،‬بعث إلى جلل الدين أن يحضر ‪ ،‬فليما حضر قال له بصوت يمتقطع وهو‬ ‫يحضن زوجته وابنها الرضيع "يا بن عيمي ‪ :‬هذه أختك جهان خاتون وهذا ابنك يمحيمود فأولهيما عطفك ورعايتك‬ ‫واذكرني بخير "‪.‬‬ ‫فبكى جلل الدين ‪ ،‬وأجهشت أخته بالبكا ء ‪ ،‬وكان يميمدود ينظر إليهيما إوالى الطفل الرضيع نظرات تائهة ‪ ،‬ولم يلبث أن‬

‫لفظ روحه وهو يردد الشهادتين ‪.‬‬

‫يمات اليمير يميمدود شهيددا في سبيل ال ولم يتجاوز الثلثين يمن عيمره ‪ ،‬تاردكا ورا ءه زوجته البارة ‪ ،‬وصبديا في اليمهد ليما‬ ‫يدر عليه الحول ولم يتيمتع برؤيته إل أياديما قلئل ‪ ،‬إذا شغله عنه خروجه يمع جلل الدين لجهاد التتار ‪ ،‬ولم يكن له ‪-‬‬


‫وهو يودع هذه الحياة ونعييمها ‪ -‬يمن عزا ء عنهيما إل رجاؤه فييما أعد ال للشهدا ء اليمجاهدين في سبيله يمن النعيم اليمقيم‬ ‫والرضوان الكبر ‪ .‬وفت يموته في عضد جلل الدين ‪ ،‬إذا فقد ركدنا يمن أركان دولته ‪ ،‬وأدخا كان يعتز به ويثق بإخلصه‬

‫ونصحه ‪ ،‬ووزي دار كان يعتيمد على كفايته ‪،‬وبطلد يمغوا دار كان يستند إلى شجاعته في حروب أعدائه ‪ .‬فبكاه أحر البكا ء‬

‫وحفظ له جيميل صنعه وحسن بلئه يمعه ‪.‬‬

‫فرعاه في أهله وولده ‪ ،‬وضيمهيما إلى كنفه ‪ ،‬وبسط لهيما جناح رأفته ‪ ،‬واعتبر يمحيموددا كابنه يحبه ويدللـه ول يصبر عن‬

‫رؤيته ‪ ،‬وكثي دار يما يجتذبه يمن يدي والداته فيحيمله إلى صدره ‪ ،‬فربيما بال الصبي على ثيابه فل يزيده إل حدبا وتعلدقا به ‪،‬‬ ‫وكان حين يرجع يمن قتال التتار يسأل أول يما يسأل عن يمحيمود أين هو ؟ فيجري إليه فيحضنه ويوسعه ضديما وتقبيلد ‪،‬‬ ‫ثم يثني بابنته جهاد التي كان يحبها ول يصبر عن رؤيتها كذلك‬

‫وهكذا نشأ الطفل يمحيمود والطفلة جهاد في بيت واحد ‪ ،‬تغذوهيما وتسهر عليهيما أيمان ‪ ،‬ويحنو عليهيما أب واحد ‪ ،‬فكانا‬ ‫يحبوان يمدعا في دهاليز القصر وأبهائه ‪ ،‬وربيما خرج بهيما الخدم إلى حديقة القصر في الصباح الباكر فطفقا يدرجان‬

‫على العشب يتيمرنان على اليمشي ووالدتاهيما تنظران إليهيما في شرفة القصر ‪ ،‬تطالعان في عيونهيما الحاضر الباسم ‪،‬‬ ‫ج‬

‫وتتعزيان به عن اليماضي الحزين واليمستقبل الغايمض ‪ ،‬فإذا وقع أحد الطفلين على الرض في غير بأس ضحكتا‬ ‫ضحكة هادئة ‪ ،‬ثم رجعتا إلى يما انقطع يمن حديثهيما ‪ ،‬وربيما تقع جهاد على الرض فيدنو يمنها يمحيمود ليساعدها على‬ ‫النهوض ‪ ،‬فتنظر إحدى الوالدتين إلى الخرى وعلي ثغرها ابتسايمة وفي عينيها سؤال حائر ‪ ...‬أيقدر لهذين الطفلين‬ ‫البريئين أن يشبا يمدعا في هذا العيش الرغيد فيكون أحدهيما للخر ‪ ،‬أم تحول دون ذلك تقلبات الدهر وفجا ءات القدر ‪.‬‬

‫وكيف تأيمنان غدر الزيمان وسطوات الغير وتطيمئنان إلى يما هيما فيه يمن نعيم العيش وعز اليملك ‪ ،‬وقد شهدتا بعينيهيما‬ ‫كيف انقض التتار على يميملكة خوارزم شاه فقطعوا أوصالها ويمزقوها شر يميمزق ‪ ،‬وكيف هوى ذلك اليملك العظيم يمن‬ ‫أوج سلطانه ‪ ،‬وانهزيمت جيوشه التي كانت تيمل السهل والجبل ‪ ،‬وتفرقت عنه جيموعه حتى لجأ إلى جزيرة نائية يمات‬ ‫فيها وحيددا شريددا ‪.‬‬

‫ول ينقص يمن قلقهيما على اليمستقبل أن جلل الدين قد استطاع لذاك الحين أن يهزم التتار في كل يموقعه لقيهم فيها ‪،‬‬ ‫وأن يدفع غائلتهم عن البلد التابعة له ‪ ،‬وأن يتحدى جنكيز خان طاغيتهم الكبر فيرسل إليه كتادبا يقول له فيه ‪ " :‬في‬

‫أي يمكان تريد أن تكون الحرب ؟ " فإن هذا ل يعني أنه قضى على خطرهم واستراح يمن هجيماتهم ‪.‬‬

‫وقد كان خوارزم شاه أقوى وأعظم هيبة وأكثر جنوددا يمنه‪ ،‬واستطاع أن ينتصر عليهم في يمعارك جيمة ‪ ،‬ولكنهم غلبوه‬ ‫في النهاية بكثرة عددهم وتوالي إيمداداتهم ‪ ،‬وتدفقهم كالسيل ‪ ،‬وانتشارهم كالجراد ‪ .‬إوان اليمل لضعيف في أن يقوى‬

‫جلل الدين على يما لم يقو عليه والده العظيم ‪.‬‬

‫ولم ييمض على ذلك زيمن طويل حتى حققت اليام يمخاوفهيما فقد وردت النبا ء بأن جنكيز خان قد استشاط غضدبا يمن‬ ‫تحدي جلل الدين له ‪ ،‬فسير عسك دار أعظم يمن عساكره التي بعثها يمن قبل ‪ ،‬وسيماه جيش النتقام ‪ ،‬وجعل أحد أبنائه‬

‫عليه ‪ ،‬فاندفعوا كالسهام وطفقوا يخترقون البلد حتى وصلوا إلى أبواب كابل ‪.‬‬

‫فقصدهم جلل الدين بكل يما عنده يمن الجيش ‪ ،‬فليما التقي الجيمعان اقتتلوا قتالد شديددا دام ثلثة أيام بلياليها ‪ ،‬وكان‬

‫جلل الدين يصرخ في جنوده أثنا ء اليمعركة " أيها اليمسليمون أبيدوا جيش النتقام " ‪ .‬وقد انتهى القتال بهزييمة التتار ليما‬ ‫أبداه اليمسليمون يمن اليمصابرة واليمرابطة ‪ ،‬ويرجع يمعظم الفضل في ذلك إلى قائد باسل يمن قواد جلل الدين يدعي سيف‬


‫الدين بغراق ‪ ،‬استطاع أن يكيد التتار ‪ ،‬فانفرد بفرقته عن الجيش وطلع خلف الجبل اليمطل على ساحة القتال ‪ ،‬ولم‬ ‫يشعر التتار إل بهذا السيل يمن اليمسليمين ينحدر عليهم يمن الجبل فاختلت صفوفهم فأوقع بهم اليمسليمون وقتلوا يمنهم‬ ‫يمقتلة عظييمة ‪ ،‬وغنيموا يما يمعهم يمن اليموال التي نهبوها يمن البلد التي يمروا بها ‪.‬‬ ‫وهنا ينزغ الشيطان بين قواد جلل الدين ‪ ،‬فيختلفون على اقتسام الغنائم ‪ ،‬فيغضب يمن جرا ء ذلك اليمير سيف الدين‬ ‫بغراق وينفرد بثلثين ألدفا يمن خيرة الجنود ‪ ،‬وتوسل إليه جلل الدين أن يرجع إلى عسكره ‪ ،‬فلم يقبل وذهب غاضدبا‬ ‫وسار يمعه الثلثون ألدفا يمن الجنود ‪ ،‬فضعف اليمسليمون يمن جرا ء هذا النقسام ‪ ،‬وعلم التتار باليمر ‪ ،‬فجيمعوا فلول‬ ‫جيشهم وانتظروا حتى تجيئهم أيمداد يمن جنكيز خان ‪.‬‬

‫وبلغ جنكيز خان يما وقع بجيشه يمن الهزييمة ‪ ،‬فاشتد غيظه ‪ ،‬وزاد حنقه ‪ ،‬فجيمع جيوشه وقادها بنفسه ‪ ،‬وتقدم لقتال‬ ‫جلل الدين ‪ ،‬فلم يثبت له جلل الدين ‪ ،‬وفر إلى غزنة فتحصن بها أياديما ‪ ،‬ثم رأى أن ل قبل له بدفع اليمغيرين عنها ‪،‬‬ ‫وخشي يمن وقوعه ووقوع أهله في قبضة عدوه ‪ ،‬فحزم أيمتعته ‪ ،‬وجيمع أيمواله وذخائره ‪ ،‬فحيملها ورحل بأهله وحاشيته‬

‫صوب الهند ‪ ،‬وسار يمعه سبعة آلف يمن خاصة رجاله ‪ ،‬فعبر بهم يميمر خيبر ‪ ،‬ولم يكد يفضي إلى سهل الهند حتى‬ ‫لحقته طلئع جنكيز خان ‪ ،‬فكر عليهم وقاتلهم وشردهم ‪ ،‬ولكنه أيقن بالهزييمة حين توالت عليه الجيموع ‪ ،‬فتقهقر برجاله‬ ‫إلى نهر السند ‪ ،‬وعزم أن يخوضه إلى العدوة الخرى ‪ ،‬ولكن العدو عاجله قبل أن يجد السفن اللزيمة لحيمل أهله‬ ‫وحرييمه وأثقاله ‪ ،‬ونتج عن ذلك غرق النسوة يمن أهل بيته ‪.‬‬ ‫ولم يدع له العدو فرصة للتحسر على أعز أحبابه في الحياة والتفكير في شأنهم يمن هول يمصيبته ‪.‬‬ ‫فأيمر رجاله بخوض النهر ‪ ،‬وألقي بنفسه في يمقديمتهم فاندفعوا يسبحون في أثره ‪ ،‬وذلك حين يمالت الشيمس للغروب ‪،‬‬ ‫وتلونت يمياه النهر بحيمرة الشفق ‪ ،‬ويما ابتعدوا عن الشاطئ إل قليلد حتى أقبلت طلئع العدو فوقفوا على حافة النهر ‪،‬‬

‫وانبرى ريماتهم فأعيملوا قسيهم فكانت السهام تتساقط عليهم كاليمطر ‪ ،‬فأصيب كثير يمن رجال جلل الدين ‪ ،‬ولول سدول‬ ‫الظلم وحيلولته دون رؤيتهم لفنوا على بكرة أبيهم ‪ ،‬وأوفي جنكيز خان على النهر ‪ ،‬وكان الليل قد اعتكر وهو على‬ ‫جواده ‪ ،‬واليمشاعل تضئ يمن حوله ‪ ،‬فلم يتبين أحددا في النهر ‪ ،‬فأرسل ضحكة رنت في جنبات السهل ‪ ،‬وأخذ يهز سيفه‬

‫في الهوا ء ويقول‪" :‬هأنذا قضيت على خوارزم شاه وولده ‪ ،‬وشفيت غليلي وأخذت بثأري " وأيمر رجاله بالرحيل ‪ ،‬فرجعوا‬ ‫يمن حيث أتوا‬ ‫وقضي السابحون شط دار يمن الليل وهم يغالبون اليمواج ‪ ،‬ويتنادون بينهم بالسيما ء فيتعارفون بذلك ‪ ،‬ويتواصون بينهم‬ ‫بالصبر ‪ ،‬فربيما كلل أحدهم يمن طول السباحة فاستغاث بإخوانه فيحيمله يمن يلونه ريثيما يستعيد شيدئا يمن نشاطه ‪ ،‬وكان‬ ‫صوت جلل الدين يسيمع يمن حين إلى حين يحدوهم في اليمقديمة ‪ ،‬ويحضهم على الصبر فلم يسيمعوه ‪ ،‬فذهبت بهم‬

‫الظنون كل يمذهب ‪ ،‬وصاح بعضهم ‪" :‬قد غرق السلطان فيما بقاؤكم بعده ؟" فاستسلم فريق يمنهم لليمواج فغرقوا ‪.‬‬ ‫وأدرك أحد خواص رجال السلطان الخطر ‪ ،‬فأخذ يقلد صوت جلل الدين ويحدوهم كيما كان جلل الدين يفعل لئل‬ ‫يستيئس الباقون ‪ ،‬فكان لعيمله هذا أثر جيميل في نفوسهم ‪ ،‬إذا انتعشت أرواحهم واستأنفوا صبرهم وجهادهم ‪ ،‬ورجع يمن‬ ‫عزم يمنهم على الستسلم لليموت عن عزيمه ‪ ،‬وبقوا كذلك حتى بلغ السابقون يمنهم الضفة قبيل يمنتصف الليل ‪ ،‬فصاحوا‬ ‫بإخوانهم أن قد وصلنا البر‪.‬‬


‫فيمنهم يمن خرج يمن اليما ء فارتيمى على الرض يمن العيا ء ‪ ،‬ويمنهم يمن بقي لديه فضل يمن القوة فأخذ يساعد الخرين‬ ‫على الطلوع بجذب أيديهم أو بإرخا ء يما بقي عليهم يمن الثياب لهم حتى يتعلقوا به ‪ ،‬واستيمر هذا العيمل إلى الثلث‬ ‫الخير يمن الليل حين لم يبق على اليما ء أحد يمن الناجين ‪ ،‬فوضع الجيميع رؤوسهم على الرض وغرقوا في السبات‬ ‫العيميق ‪.‬‬ ‫وطلع الصباح على أربعة آلف يمن القوم صرعى في الصعيد يتقلبون على جنوبهم لم يوقظهم إل حر الشيمس ‪،‬‬ ‫فنهضوا يمن نويمهم حفاة عراة ل يكاد يسترهم شي ء يمن الثياب ‪ ،‬والتيمسوا سلطانهم بينهم ‪ ،‬فلم يجدوه فأصابهم همم عظيم‬

‫‪ ،‬فأوصاهم الرجل الذي قلد صوت السلطان في النهر بأل ييئسوا يمن لقائه ‪ ،‬فربيما سبقهم السلطان إلى الضفة يمن‬

‫يموضع آخر ‪ ،‬فلجأ إلى قرية يمن القرى ‪ ،‬وقال لهم إن الرأي أن يبقوا هناك ويتبلغوا بيما يجدونه يمن أوراق الشجر وثيماره ‪،‬‬ ‫ويما يقع في أيديهم يمن صيد البر والبحر وأل يبرحوا يمكانهم ذاك حتى يأتيهم خبر السلطان ‪،‬أو تعود إليهم قواهم فييمشوا‬ ‫إلى إحدى القرى القريبة ‪ ،‬ليحصلوا على يما يعوزهم يمن الطعام والثياب باليمعروف‪.‬‬ ‫فوافق الجيميع على هذا الرأي ‪ ،‬وبعثوا جيماعة يمنهم للبحث عن جلل الدين في اليمواضع البعيدة على الشاطئ فعثروا‬ ‫عليه بعد ثلثة أيام في يموضع بعيد ريماه اليموج يمع ثلثة يمن أصحابه ‪ ،‬فقديموا على القوم ففرحوا بنجاة سلطانهم ‪ ،‬ويما‬ ‫كادوا يصدقون عيونهم إذا رأوه ‪.‬‬ ‫فأيمرهم بأن يتخذوا لهم أسلحة يمن العصي يقطعونها يمن عيدان الشجر ففعلوا يما أيمرهم به ‪ ،‬ثم يمشي بهم إلى بعض‬ ‫القرى القريبة يمنهم فجرت بينه وبين أهل تلك البلد وقائع انتصر فيها عليهم ‪ ،‬واستلب أسلحتهم وأطعيمتهم فوزعها في‬ ‫أصحابه ‪ ،‬فطعيموا يمن جوع ‪ ،‬وأيمنوا يمن خوف ‪ ،‬وقووا يمن ضعف ‪ ،‬ثم دلف بهم إلى " لهور " فيملكها واستقر بها يمع‬ ‫رجاله ‪ ،‬وبني حولها قلدعا حصينة تقيه هجيمات أعدائه يمن أهل تلك البلد ‪.‬‬

‫وقدر لجلل الدين أن يعيش وحيددا في هذه الدنيا ‪ ،‬ل أهل له فيها ول ولد ‪ ،‬فكأنيما بقي حديا ليتجرع غصص اللم‬

‫والحسرة بعدهم ‪.‬‬

‫ويما هذه الرقعة الصغيرة التي يملكها بالهند إل سجن نفي إليه بعد زوال يملكه ‪ ،‬وتفرق أهله وأحبابه ‪ ،‬وليمن يعيش بعدهم‬ ‫؟ وعلم يحيمل نفسه أعبا ء الولية وتكاليف اليمرة ؟ ولكنه تذكر أن التتار هم سبب نكبته ونكبة أسرته ‪ ،‬فليعش لينتقم‬ ‫يمنهم ‪ ،‬ولتكن هذه أيمنيته في الحياة ‪ ،‬إن لم تبق له فيها أيمنية ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬ ‫لم يكن جلل الدين يعلم وهو يبكي أهله وذويه أحر البكا ء ‪ ،‬وينفطر قلبه حزدنا عليهم ‪ ،‬أن طفليه الحبيبين يمحيموددا و‬

‫جهاد حيان يرزقان ‪ ،‬ولو علم ذلك وأنهيما ل يبعدان عنه كثي دار ‪ ،‬إذ يعيشان في إحدى الدساكر اليمجاورة للهور ‪ ،‬لطار‬

‫إليهيما فردحا ‪ ،‬ولتعزي بهيما في كل يما أصابه يمن نكبات الحياة ‪ .‬ذلك أن عائشة خاتون وجيهان خاتون ليما أيقنتا بالنكبة‬ ‫يوم النهر ‪ ،‬ورأتا أن ل يمحيص يمن اليموت أو السر ‪ ،‬عز عليهيما أن تريا الطفلين البريئين يذبحان بخناجر التتار‬

‫اليمتوحشين ‪ ،‬أو يغرقان يمعهيما في أيمواج النهر ‪ ،‬وجاشت بهيما عاطفة اليمويمة فأوحت إليهيما في ساعة الخطر أن‬ ‫يسليماهيما إلى خادم هندي أيمين ‪ ،‬كان قد خدم السرة يمنذ أيام خوارزم شاه ‪ ،‬ليهرب بهيما يمن وجه التتار ‪ ،‬ويحيملهيما إلى‬


‫يمسقط رأسه ‪ ،‬حيث يعيشان عنده في أيمن وسلم ‪ ،‬وأرادتا أن تخب ار جلل الدين بيما صنعتاه ‪ ،‬ولكن ضاق وقتهيما ‪،‬‬ ‫وشغلهيما الهول عن ذلك ‪.‬‬ ‫أيما الشيخ سليمة الهندي فقد فصل عن اليمعسكر قبيل عصر ذلك اليوم اليمشئوم ‪ ،‬وأركب الطفلين على بغلة بعد أن‬ ‫كساهيما يملبس العايمة يمن الهنود ‪ ،‬وساقهيما حثيدثا نحو الشيمال على شاطئ النهر ‪ ،‬ثم سلك بهيما الطرق اليمتعرجة ‪،‬‬

‫وغاب بهيما في يمنعطفات الجبال ‪ ،‬وأدركه الليل فأوي إلى يمغارة في سفح جبل ‪ ،‬فأنزل الطفلين وربط البغلة إلى الصخرة‬ ‫في فم اليمغارة ‪ ،‬وفرش لهيما داخلها وطفق يسايمرهيما ‪ ،‬ويهدئ روعهيما ‪ ،‬ويعللهيما بلقا ء أهلهيما غددا في لهور ‪ ،‬بعد أن‬ ‫يكسر السلطان جلل الدين التتار ‪ ،‬ويما زال بهيما كذلك حتى غلبهيما النعاس ‪ ،‬فنايما يمكانهيما ونام جنبهيما ‪.‬‬

‫فليما كان اليوم الثاني ساق البغلة يمتيايمنا جهة النهر حتى أشراف عليه عند الزوال ‪ ،‬ثم لح قارب يمن قوارب الصيد ‪،‬‬ ‫فلوح له الشيخ بردائه ‪ ،‬فاقترب يمنه فإذا عليه صياد وابنه ويمعهيما شبكة الصيد ‪ ،‬فسأله الصياد يماذا يريد ؟ فأجابه الشيخ‬ ‫بالهندية ‪ ،‬ورجاه أن يحيمله ‪ ،‬ويحيمل طفليه إلى الضفة الشرقية للنهر ‪ ،‬ويعطيه على ذلك أج دار طيدبا فقبل الصياد وفرح‬

‫بالجر ‪.‬‬

‫وكان الشيخ سليمة قد أوصي الصبيين أل يتفوها بيما يدل على أنهيما يمن بيت السلطان جلل الدين ‪ ،‬وأفهيمها أن‬ ‫صاحب القارب قد يسليمهيما إلى التتار إذا عرف أصلهيما ‪ ،‬ففهيما يما أراد على صغر سنهيما ‪ ،‬فقد تعليما الخوف والحذر‬ ‫يميما يمر بهيما يمن الهوال ويما شهداه يمن الحوادث اليمروعة ‪ ،‬فكانا ‪ -‬وهيما في الرابعة يمن سنهيما ‪ -‬كأنهيما يمن أولد‬ ‫السابعة أو الثايمنة ‪.‬‬ ‫وصل القارب إلى الشط ‪ ،‬فنزل الصياد يمن القارب وساعد الشيخ وطفليه على النزول ‪ .‬ثم أرشد الشيخ إلى خير طريق‬ ‫يوصله إلى أقرب قرية يمن ذلك اليموضع ‪ ،‬وقال له ‪ " :‬صحبتك السليمة في طريقك " ‪ .‬فأعطاه الشيخ دينا دار ‪ ،‬وكان قد‬

‫رضي بأقل يمن ذلك ‪ .‬ففرح به وشكره ‪.‬‬

‫سار الشيخ في الطريق الذي أرشده إليه الصياد حايملد جهاد على كتفيه حتى إذا ضن بيمحيمود التعب في السير أنزلها‬ ‫تسير وحيمل يمحيموددا يمكانها وهكذا دواليك حتى بلغ القرية بعد غروب الشيمس ‪ ،‬فبات في كوخ بها ‪ ،‬واشترى يما يلزيمه‬

‫ويلزم الطفلين يمن الطعام ‪.‬‬

‫حتى إذا أصبح الصباح ابتاع له حيما دار يمن القرية أركبهيما عليه ‪ .‬وظل كذلك ينتقل في القرى حتى وصل إلى يمسقط‬ ‫رأسه في قرية يمن القري اليمجاورة ليمدينة لهور ‪ .‬وعاش الصبيان في القرية الهادئة في أيمن وسلم كيما أرادت لهيما‬

‫والدتاهيما اليمرحويمتان وكان الشيخ يرعاهيما رعاية بالغة ‪ ،‬ول يألو جهددا في ترفيه عيشهيما إوادخال السرور عليهيما بكل يما‬

‫ييملك يمن وسائل التسلية والترويح ‪ ،‬إواذا سئل عنهيما قال إنهيما يتييمان وجدهيما في طريقه فتبناهيما ‪ ،‬ولكن هذا القول لم‬

‫يقنع فضول أهل القرية ‪ ،‬فأخذوا يتخرصون ويخترعون الحكايات ويحكون القصص عن أصلهيما ‪ ،‬ويتفق يمعظيمهم في‬

‫أنهيما يمن أولد اليملوك ‪ ،‬ليما يبدو على وجوههيما يمن سييما اليملك ‪ ،‬وأيمارات النبل ونضرة النعيم ‪.‬‬ ‫ولم يجد الشيخ سليمه بددا يمن الفضا ء بحقيقة حالهيما إلى بعض أقاربه الدنين الذين كانوا يعليمون بأنه قضي جل عيمره‬

‫في خديمة السلطان خوارزم شاه والسلطان جلل الدين يمن بعده‪ ،‬وسيمعوا بيما حل بهيما يمن نكبة التتار‪ ،‬ولكنه استكتيمهم‬ ‫الخبر لئل يصيب الصبيين يمن جرا ء ذلك سو ء ‪.‬‬


‫ولم تيمض إل برهة قصيرة حتى انتهت إلى أهل القري اليمجاورة ليمدينة لهور أنبا ء السلطان جلل الدين وف ارره يمن بلده‬ ‫إلى الهند ‪ ،‬ويمطاردة جنكيز خان له حتى اضطره إلى خوض النهر يمع عسكره ‪ .‬وترايمي إليهم يما جري بعد ذلك يمن‬ ‫الوقائع بينه وبين أهل الهند حتى افتتح لهور واتخذها قاعدة يملكه ‪ ،‬وأخذ يوطد سلطانه بشن الغارات على يما حوله يمن‬ ‫البلد والقري ‪ ،‬فانتشر خوفه في قلوب أهلها ‪.‬‬ ‫وحرج لذلك يموقف الشيخ سليمه بين أهل بلده ‪ ،‬إذ بد ءوا يشكون في أيمره وفي أيمر الصبيين اللذين يمعه ‪ ،‬ويرجحون‬ ‫أنهيما يمن أولد السلطان جلل الدين ‪ ،‬فخشي عليهيما يمن فتكهم ‪ ،‬وأخذ يفكر في طريقة للفرار بهيما إلى لهور ‪.‬‬ ‫وبينيما هو ينتظر سنوح الفرصة لذلك إذا جنود السلطان قد أقبلوا يغزون القرية ‪ ،‬فخرج إليهم الشيخ وعرفهم بنفسه ‪،‬‬ ‫وأبرز لهم ابنة السلطان وابن أخته ‪ ،‬وتوسل بهيما أن يكفوا عن غزو القرية حتى يأتيهم أيمر السلطان ‪ ،‬فأجابوا طلبه ‪،‬‬ ‫وبعثوا رسولد إلى السلطان بالخبر ‪ ،‬ولبثوا ينتظرون خارج القرية ‪.‬‬

‫فيما راعهم إل السلطان قد أقبل على جواده في ليمة يمن فرسانه ‪ ،‬فليما سلم عليهم ‪ ،‬قال ‪ " :‬أين الشيخ سليمه ؟ …" ‪،‬‬ ‫فتقدم إليه الشيخ سليمة وقبل ركابه قائلد ‪ " :‬هأنذا عبدك وعبد أبيك يا يمولي " ‪ .‬فترجل له السلطان وعانقه ‪ ،‬وقال له ‪:‬‬

‫" أين يمحيمود و جهاد ‪ ..‬؟ " ويما أتم السلطان كليمته حتى اندفع الصبيان فارتيميا عليه ‪ ،‬فضيمهيما إلى صدره ‪ ،‬وطفق‬ ‫يقلبهيما ويقبلنه ‪ ،‬وهو يقول ‪ " :‬ابنتي جهاد‪ ..‬ابني يمحيمود ‪ ..‬أنتيما في قيد الحياة ‪ ..‬الحيمد ل‪ ،‬لست وحيددا في هذه‬

‫الدنيا ‪ ،‬لقد بقيا لي وبقيت لهيما "‪ .‬ثم دفع الصبيين إلى فارسين يمن فرسانه ؛ ليردفاهيما خلفهيما ‪ ،‬وركب جواده وأيمر‬ ‫الشيخ سليمة أن يركب يمعه ‪.‬‬

‫وقال لقائد الحيملة ‪ " :‬كفوا عن هذه القرية والقري التي تجاورها ‪ ،‬ول يؤخذ يمن أهلها الخراج ‪ ،‬إك ارديما للشيخ سليمة " ‪.‬‬

‫فشكره الشيخ ودعا له بطول العيمر ‪.‬‬

‫وانتشر الخبر في القرية فخرج أهلها رجالد ونسا ء فرحين يمتهللين ليشاهدوا السلطان جلل الدين ‪ .‬وتقدم إليه وفد يمن‬ ‫شيوخها وكبرائها يشكرونه على يمكريمته وفضله ‪ ،‬فحياهم السلطان وقال لهم ‪ " :‬إن الفضل للشيخ سليمة ‪ ،‬فل‬

‫تشكروني واشكروه " ‪ .‬فأقبل الرجال على الشيخ وحيملوه على العناق‪ ،‬وتباشر سكان القري اليمجاورة بيما أعلنه السلطان‬ ‫جلل الدين يمن اليمر بالكف عن غزو بلدهم إواعفائهم يمن الخراج ‪ ،‬فصار ذلك حديث اليمجالس والسيمار ‪ .‬وأصبح‬ ‫جلل الدين حبيدبا إلى قلوبهم بعد أن كانت أكبادهم تغلي كراهية له ‪ ،‬ويمضاجعهم تقض خودفا يمنه ‪.‬‬

‫وقديمت وفودهم على قصر السلطان بلهور تشكره على إحسانه إليهم‪ ،‬وتقدم له ول ءهم وطاعتهم حايملة يمعها الهدايا‬

‫النفيسة‪ ،‬فقبل السلطان هداياهم وأجازهم عليها‪ ،‬وردهم إلى بلدهم يمكريمين ‪.‬‬

‫وتبدلت أحوال جلل الدين بعد عثوره على ولديه الحبيبين ‪ ،‬وعاد إلى وجهه البشر بعد العبوس ‪ ،‬والطلقة بعد‬

‫النقباض ‪ .‬وانتعش في قلبه اليمل ‪ ،‬وشعر كأن أهله وذويه بعثوا جيميدعا في يمحيمود و جهاد ‪.‬‬

‫وكليما رآهيما تذكرهم وتعزي بهيما عنهم ‪ .‬وحيمد ال على أن لم ينقطع سببه ‪ .‬وقوي رجاؤه في استعادة يملكه ويملك آبائه ‪.‬‬ ‫والنتقام يمن أعدائه التتار ليورث يمحيموددا وجهاددا يملدكا كبي دار ‪ ،‬يمتين الساس ‪ ،‬قوي الدعائم ‪ ،‬يخلد به سؤدد بيته العظيم‬

‫‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬


‫عاش السلطان جلل الدين في يميملكته الصغيرة بالهند عيشة حزينة ‪ ،‬تسودها الذكريات اللييمة ‪ ،‬ذكريات يملكه الذاهب‬ ‫‪ ،‬وذكريات أهله الهالكين ‪.‬‬ ‫وكان يجد سلواه الوحيدة في ولديه الحبيبين يمحيمود و جهاد فيقضي جل أوقاته يمعهيما ‪ ،‬ينزل إلى عاليمهيما الصغير‬ ‫ويصادقهيما ‪ ،‬ويشترك يمعهيما في ألعابهيما ويجاريهيما في أحاديثهيما البريئة ‪ ،‬وأحليمهيما الصافية ‪ ،‬فيجد في ذلك لذة‬ ‫تنسيه هيموم الحياة وآليمها ‪.‬‬ ‫وكان يمع ذلك ل ينسي تدبير يملكه ‪ ،‬وتنظيم شئونه وتقوية جيشه وتعزيز هيبته ‪ ،‬فكان في كفاح دائم يمع أيمرا ء اليميمالك‬ ‫الصغيرة التي تكتنف يميملكة لهور ‪ ،‬يدفع غاراتهم على بلده ويغزوهم الفينة بعد الفينة ‪ ،‬وهو في ذلك يتنسم أخبار‬ ‫يميمالكه السابقة ويرقب حركات التتار بها ‪ ،‬يتربص بهم الدوائر ‪ ،‬وينتظر الفرص للنقضاض عليهم ‪ ،‬والنتقام يمنهم ‪،‬‬ ‫واسترداد يميمالكه ويميمالك أبيه يمن أيديهم أو أيدي أعوانهم وأجرائهم ‪.‬‬ ‫فقد كان التتار أيمة ل تطيمع في يملك البلد وحكيمها ‪ ،‬وحسبها أن تغزوها فتقتل يمن تقتل يمن رجالها ونسائها وأطفالها‬ ‫وتسبي يمنهم يمن تشا ء ‪ ،‬وتنهب خزائنها ‪ ،‬فل تدع شيدئا إل أتت عليه ‪ ،‬ثم تغادرها إلى بلدها حايملة يمعها الغنائم‬

‫والسلب ‪ .‬فتنقبع فيها يما تنقبع ‪ ،‬ثم تعود كرة أخري فيطغي سيلها على اليمم ‪ ،‬واليميمالك فتقتل وتنهب وتسلب ‪ ،‬ثم‬ ‫تعود إلى يمنبعها وهكذا دواليك ‪ ،‬وربيما عقدوا يمع أهل البلد التي غزوها اتفادقا يأيمنون به يمن عودتهم ‪ ،‬على أن يحيملوا‬

‫إليهم جزية كبيرة في يمستهل كل عام ‪ .‬وحينئذ يولون عليها يمن يتوسيمون فيه اليميل إليهم والرضا بسياستهم يمن عبيد‬

‫الهوا ء الطايمعين في اليمناصب يمن أهل تلك البلد ‪ .‬كذلك كانت الحال في العواصم واليمدن التي تخلي عنها جلل‬ ‫الدين ‪ ،‬فقد وليها جيماعة يمن الطغاة اليمستبدين ‪ ،‬ل ههمم لهم إل جيمع اليمال يمن كل سبيل ‪ ،‬فيصادرون أيملك الناس ‪،‬‬

‫ويفرضون الضرائب الثقيلة عليهم ‪ ،‬ويسلبون أيموال التجار ‪ .‬ويمن جرؤ على الشكوى يمنهم كان جزاؤه القتل أو الهانة‬ ‫والتعذيب ‪.‬‬

‫وكان لـ جلل الدين فيها أعوان وأنصار ل يحصون كثرة يتيمنون عودته ويراسلونه س دار فيصفون له أحوال الناس بها ‪،‬‬

‫ويما يعانون يمن ظلم الحكام وفسادهم وطغيانهم ‪ ،‬ويحضونه على العودة إليهم ‪ ،‬ويعدونه بالنصر والتأييد ‪ ،‬وبأنهم‬

‫سيثورون ثورة عاريمة على أولئك الحكام إذا يما عاد جلل الدين إلى بلده ‪ .‬وذكروا له أن جنكيز خان يمشغول عنهم‬ ‫بحروب طويلة في بلده يمع قبائل الترك ‪.‬‬ ‫فرأى جلل الدين أن الفرصة سانحة ‪ ،‬وصحت عزييمته على اغتنايمها ‪ ،‬فتجهز لليمسير ‪ ،‬وكتم خبره عن الناس جيميدعا‬ ‫يما عدا قائده الكبير اليمير بهلوان أزبك ‪ .‬إذ استنابه على يما ييملك بالهند ‪ ،‬وترك له جيدشا يكفي لحيمايته ‪ .‬وسار هو‬

‫بخيمسة آلف قسيمهم إلى عشر فرق جعل على كل يمنها أيمي دار ‪ .‬وأيمرهم أن يسيروا خلفه على دفعات يمن طرق يمختلفة ‪،‬‬ ‫حتى ل يتسايمع الناس بخبر يمسيرهم ‪.‬‬ ‫وكان قبل يمسيره قد فكر يملديا في أيمر ولديه الحبيبين وتردد طويلد أيستصحبهيما يمعه أم يتركهيما بالهند ‪ .‬فإنه إن أخذهيما‬

‫يمعه عرضهيما أخطار الطريق ويمتاعب هذه الرحلة الشاقة ‪ .‬إواذا نجا بهيما يمن ذلك ريمي بهيما إلى يما هو يمقدم عليه يمن‬

‫الكفاح العظيم ‪ .‬والقتال اليمستيميت ويماذا يكون يمصيره وسيفضي به هذا ل يمحالة إلى يمواجهة التتار وقتالهم يمن جديد ‪.‬‬


‫ويمن ذا يضيمن له الغلبة على تلك اليمة الهائلة التي ل نهاية لجيموعها ول صاد لهجيماتها ‪ .‬ول عاصم يمن أيمرها إل يمن‬ ‫رحم ال ؟ ‪.‬‬ ‫إوانه إن تركهيما بالهند فل طاقة له بفراقهيما ‪ .‬ول طاقة لهيما بفراقه ‪ .‬وليس له في الدنيا أهل غيرهيما ويما لهيما فيها يمن‬

‫أهل غيره وقد وجدهيما بعد ضياع ‪ .‬ولقيهيما بعد يأس ‪ .‬فانتعش بهيما أيمله ‪ ،‬وأشرق بهيما وجه حياته ‪ ،‬وكانا له عزا ء عن‬

‫كل يما فقد يمن يملكه وأهله ‪ ،‬أفيتركهيما وحيدين في بلد غريبة عليهيما ل يدري يماذا يكون يمصيرهيما فيها ؟ ‪ ،‬فربيما يطيمع‬ ‫أيمرا ء الهند في يميملكة لهور ‪ ،‬ويستضعفون نائبه عليها حين يبلغهم سير السلطان بيمعظم عسكره عنها ‪ ،‬فيقويمون عليها‬ ‫قويمه واحدة ‪ ،‬وتسقط في أيديهم ‪ ،‬ويويمئذ ل يكون لرجاله يمهرب ‪ ،‬ويقع اليميران في قبضتهم ول أيمل في نجاتهيما يمن‬ ‫سيوفهم ‪.‬‬ ‫أخذ جلل الدين يوازن بين الخطتين إلى أن آثر أهون الخطرين عنده ‪ ،‬ففضل أن يأخذ اليميرين يمعه ‪ ،‬إذ كان هذا‬ ‫أحب الرأيين إلى نفسه ‪ ،‬وأقربهيما إلى هواه فحسبه أن يراهيما دائديما يمعه ‪ ،‬فإذا قدر له النجاح فذاك ‪ ،‬إوان خانته الحظوظ‬ ‫فلن يبقي بعد ذلك أيمل في الحياة ولن يؤويه بعد ذلك يمكان ‪ ،‬وخير لهيما حينئذ أن يقتل يمعه ‪ ،‬فل يتعرضا ليما يتعرض‬ ‫له يمثلهيما يمن الشقا ء والهوان ‪.‬‬ ‫وكأن جلل الدين كان ينظر يمن سجف الغيب إلى هذا اليوم ويستعد له ‪ ،‬إذ عني بتدريبهيما يمن صغرهيما على ركوب‬ ‫الخيل وحيمل السلح وسائر أعيمال الفروسية ‪ ،‬وتربيتهيما تربية خشنة تعدهيما لتحيمل اليمشاق وركوب الخطار والتغلب‬ ‫على اليمتاعب ‪.‬‬ ‫وطاليما سيمعا يمنه أويمن الشيخ سليمه الهندي أخبار جدهيما خوارزم شاه ووقائعه يمع التتاروحروب جلل الدين يمعهم يمن‬ ‫بعده ‪.‬‬ ‫فكانا يطربان لذلك ويتحيمسان ‪ ،‬وكثي ار يما كان جلل الدين يصف ليمحيمود شجاعة والده اليمير يميمدود وحسن بلئه في‬ ‫قتالهم وغرايمه بيمبارزة قوادهم وأيمرائهم إلى أن يقص عليه أخبار واقعة هراة التي أصيب فيها ‪ ،‬فيمات يمن جرحه شهيددا‬ ‫في سبيل ال بعد أن نكل بالعدا ء تنكيلد ‪ ،‬ويمزقهم شر يميمزق ‪ ،‬فييمتلئ يمحيمود بالحيماسة ‪ ،‬ويود لو شهد تلك الوقائع‬ ‫فكانت له في قتال التتار يمواقف يمشهودة ‪.‬‬

‫وكان يمحيمود يشعر في ق اررة نفسه بأنه سيقاتل التتار يويما يما ‪ ،‬إذا بلغ يمبلغ الرجال فيثأر يمنهم لبيه ‪ .‬وينتقم يمنهم ليما‬ ‫أصاب جده وخاله ووالدته وجدته وسائر أهله ‪ ،‬وقد سيطر عليه هذا الشعور ‪ ،‬ويملك عليه جيميع يمذاهبه ‪ ،‬فكان شغله‬ ‫الشاغل وهيمه اليمقعد اليمقيم ول يفتأ يفكر فيه نها دار ‪ ،‬ويحلم به ليلد ‪ .‬وأنه ليطغي عليه أحيادنا فيقع يمنه في كرب عظيم ‪،‬‬

‫فل يجد أداة يعبر بها عن حبيس رغبته وينفس ‪.‬‬

‫بها عن كربه ‪ ،‬إل أن ينطلق في عالم الخيال حيث يصور له الوهم يمعارك تدور بينه وبين التتار ‪ ،‬ينتصر فيها عليهم‬ ‫ويشتت جيموعهم ويجندل أبطالهم ويفرق صفوفهم ‪ ،‬وينهزيمون فيجد في طلبهم ويتعقب آثارهم حتى يشردهم إلى أقاصي‬ ‫البلد ويعود إلى اليمدينة ظاف دار تقام له الزينات وتضرب له الطبول ‪ ،‬وتنثر عليه الزهار والرياحين ‪.‬‬

‫وكانت جهاد تشاطره هذا الشعور ‪ ،‬وتشجعه على حروبه هذه ويمعاركه وتري فيها تحقيدقا ليمانيها في بطلها العظيم ‪،‬‬ ‫وتنفيدسا ليما يحتدم في صدرها يمن كراهية التتار ‪ ،‬وحب النتقام يمنهم ‪ ،‬فكان ل يلذ لها شي ء يما يلذ لها الصغا ء إلى‬

‫حديثه حين يقص عليها يما دار بينه وبينهم يمن اليمعارك الهائلة ‪ ،‬ويما أظفر فيها يمن آيات البطولة والقدام ‪.‬‬


‫حتى جلل الدين نفسه كان يشجع يمحيموددا في أعيماله الحربية ويجاريه في تصوراته ويصغي لحاديث بطولته ‪ .‬ويثني‬ ‫عليه فيها ‪ ،‬ويتلطف في إسدا ء النصائح إليه خللها ‪ ،‬وقد أيمر رجاله وحجاب قصره وخديمه بأن يجاروه في أحليمه‬ ‫ويصدقوه في يمزاعيمه ‪.‬‬ ‫فيما إن سيمع يمحيمود و جهاد بعزم جلل الدين على اليمسير لقتال التتار واسترداد بلده حتى أظه ار له يمن الفرح‬ ‫والستبشار بذلك يما جعله يعجب يمن نفسه ‪ ،‬كيف فكر في تركهيما بالهند ‪ ،‬وعدم استصحابهيما يمعه في رحيله ‪ ،‬إذن‬ ‫لشق عليهيما ذلك ‪ ،‬وآذاهيما أبلغ الذى ‪ ،‬وربيما أعجزه أن يحيملهيما عليه إل أن يرهقهيما أو يحيملهيما يمال طاقة لهيما به ‪.‬‬ ‫سار جلل الدين يمن الهند ويمعه خواص رجاله ‪ ،‬فقطعوا اليمفازة على خيولهم ‪ ،‬وعبروا نهر السند في يمراكب عظييمة قد‬ ‫أعدها جلل الدين لذلك يمن قبل ‪ ،‬حيملتهم وحيملت خيولهم وعتادهم ‪ ،‬وتبعتهم فرق جيشه فرقة بعد فرقة حتى التقوا‬ ‫جيميدعا عند يميمر خيبر ‪ ،‬فساروا حثيدثا حتى إذا اقتربوا يمن كابل بعث جلل الدين رسلد إلى أشياعه بها يخبرونهم بيمجيئه‬ ‫‪ ،‬ففرحوا بذلك وأشاعوه في اليمدينة فوثب أهلها على حاكيمهم وأشياعه فقتلوهم ودخل جلل الدين اليمدينة فيملكها بدون‬

‫قتال كبير ‪.‬‬ ‫وشاع هذا الخبر في سائر اليمدن والعواصم ‪ ،‬فاستعد دعاة التتار وأعوانهم ‪ ،‬وأجيمعوا على يملقاته ويمقاويمته ‪ ،‬وبعثوا‬ ‫إلى جنكيز خان يستنجدونه ‪ .‬فعاجلهم جلل الدين قبل أن تأتيهم إيمدادات التتار فيمضي يفتح اليمدينة بعد اليمدينة بغير‬ ‫عنا ء يذكر ‪ ،‬لن أهلها كانوا يثورون على حاكيمهم حين يقف جلل الدين على أبوابها ويساعدونه عليهم ‪ .‬فيلوذ هؤل ء‬ ‫الخونة بالفرار إلى جنكيز خان ‪ ،‬حتى وصل جلل الدين كريمان ‪ ،‬ثم صار إلى الهواز فاستولي عليها ‪ ،‬ثم أذربيجان‬ ‫فيملكها ‪ ،‬ودانت له سائر بلد إيران ‪.‬‬ ‫وكان يمحيمود و جهاد يسيران حيث سار جلل الدين ل يفارقانه في تنقلته كلها ‪ ،‬وكان يقوم بخديمتهيما في ذلك الشيخ‬ ‫سليمة الهندي وسيرون السائس ‪ ،‬يما كان أشد فرح يمحيمود وهو يتنقل في ركاب خاله يمن يمدينة إلى يمدينة ‪ ،‬فتفتح لهيما‬ ‫أبوابها ‪ ،‬وتدق لهيما الطبول ‪ ،‬وتصطف الجيماهير ليمشاهدتهيما وتحيتهيما وتتعالى أصواتهم بالهتاف للسلطان وولي عهده‬ ‫‪ ،‬ولكنه يمع ذلك كان يشتهي أن يري وجوه التتار ‪ ،‬وكثي دار يما سأل خاله ‪ " :‬أين أعداؤنا التتار ؟ " ‪ ،‬يمتى يخرجون إلينا‬

‫فنقاتلهم ؟ " فيبتسم السلطان جلل الدين ويجيبه ‪ " :‬ل تستعجل الشر يا بني ‪ ،‬إنهم آتون إلينا قريدبا ‪ ،‬فناصرنا ال عليهم‬

‫إن شا ء ال " ‪.‬‬

‫ب الخطبا ء للسلطان جلل الدين بن خوارزم شاه ولولي عهده يمحيمود بن يميمدود على‬ ‫عادت اليمياه إلى يمجاريها ‪ ،‬وخط ه‬

‫يمنابر البلد جيميعها ‪ ،‬وكان أول يما اهتم به جلل الدين بعد أن استتبت له اليمور فيها أن يحيي ذكري والده العظيم ‪،‬‬

‫فسار في يموكب عظيم لزيارته في الجزيرة التي دفن بها ‪ ،‬فبكي عند قبره وترحم عليه ‪ ،‬ثم أيمر بنقل رفاته فدفنه بقلعة "‬ ‫أزدهن " في يمشهد حافل حضره العليما ء والكبرا ء والعيان يمن جيميع الصقاع ‪ ،‬وبني عليه قبة عظييمة أنفق على بنائها‬ ‫وزخرفتها أيموالد كبيرة ‪ ،‬وجلب لها أيمهر البنائين والصناع‬

‫ويما إن أتم ذلك حتى بلغه أن جنكيز خان قد أرسل جيودشا عظييمة لقتاله بقيادة أحد أبنائه ‪ ،‬فتجهز للقائهم ‪ ،‬وسار‬

‫بأربعين ألدفا يتقديمهم جيشه الخاص الذي أتي به يمن الهند وسيماه جيش الخلص ‪ ،‬وكان قد بقي يمنه زها ء ثلثة آلف ‪،‬‬

‫فلقي جيموع التتار في سهل يمرو ‪ ،‬ودارت بين الفريقين يمعركة يمن أهول اليمعارك ثبت فيها جيش الخلص حتى باد‬ ‫يمعظيمه ‪ ،‬واضطربت صفوف اليمسليمين ويئس جلل الدين يمن النتصار ‪ ،‬فصيمم على أن يستشهد في اليمعركة ‪،‬‬


‫فالتفت إلى يمحيمود ‪ ،‬وكان واقدفا على جواده خلفه ‪ ،‬وهو يتقد حيماسة وغيرة ‪ ،‬فقال له ‪ " :‬ها أنت ذا قد رأيت التتار يا‬ ‫يمحيمود ‪ .‬إواني سأقاتلهم بنفسي ‪ ،‬فاثبت خلفي ‪ ،‬ول تدع أحددا يأسرك " ‪.‬‬

‫فتهلل وجه يمحيمود ‪ ،‬وعد ذلك فخ دار عظيديما أن يثق خاله به ‪ ،‬وعجب السلطان يمن رباطة جأش الغلم وتهلله لليموت ‪،‬‬ ‫وتقدم يحرض رجاله ويجيمع صفوفهم ‪ ،‬ويقاتل بنفسه ‪ ،‬واليمير الصغير ورا ءه على جواده والسيف في ييمينه فليما رأي‬

‫اليمسليمون ذلك دبت فيهم الحيمية ‪ ،‬فقاتلوا دون السلطان قتالد عنيدفا ‪ .‬وبينيما هم كذلك يقاتلون يمستيميتين والسلطان في‬ ‫يمقديمتهم والتتار ظاهرون عليهم ‪ ،‬إذا بصفوف التتار قد اضطربت إواذا بأصوات تسيمع يمن خلفهم ‪ ":‬ال أكبر ! ال أكبر‬ ‫! نحن جنود ال ! أيها اليمسليمون ! قاتلوا اليمشركين ! " ‪.‬‬

‫فعجب اليمسليمون يمن أيمرهم ‪ ،‬وظن بعضهم أن هؤل ء يملئكة بعثهم ال لتأييد اليمسليمين فحيملوا على التتار حيملة صادقة‬ ‫‪ ،‬وهم يصيحون ‪ " :‬ال أكبر ! " ويما هي إل لحظة حتى انهزم التتار ‪ ،‬ولكنهم لم يجدوا يمهردبا إذ تلقاهم اليمسليمون يمن‬

‫أهل بخاري وسيمرقند ‪ ،‬وكانوا قد خرجوا يمن بلدهم عقب يمسير التتار ‪ ،‬فكبسوهم يمن خلفهم على غرة يمنهم ‪ ،‬فأعيمل‬ ‫الفريقان يمن اليمسليمين سيوفهم حتى أبادوهم على بكرة أبيهم وتصافح الفريقان يمن اليمسليمين احتفال بالنصر ‪.‬‬

‫وفرح السلطان جلل الدين بجيش بخاري وسيمرقند وأثني عليهم وكان يميما قاله لهم ‪ " :‬إنكم جنود ال حقا ‪ ،‬ويما أنتم إل‬ ‫لتأييداليمسليمين‪.‬واننا يمدينون لكم بحياتنا وانتصارنا" وأكريمهم وخلع عليهم وعرض عليهم‬ ‫يملئكة بعثهم ال يمن السيما ء‬ ‫إ‬ ‫النضيمام إلى جيشه فقبلوا شاكرين‬

‫وكان جلل الدين يعلم حق العلم أن جنكيز خان آت بجيموعه يويما يما للنتقام يمنه ‪ ،‬وأن انتقايمه سيكون عظيديما يمهولد ‪،‬‬

‫وأن عليه أل يطيمئن إلى النتصار الذي أحرزه في سهل يمرو ‪ ،‬وأن يستعد لذلك اليوم العبوس ‪ ،‬إلى أن جا ءته كتب يمن‬ ‫بلده تنبئه بسير جنكيز خان فطار إليها على عجل ‪.‬‬

‫فافتقد في طريقه هذا ثيمرتي قلبه ؛ وأنسي حياته يمحيموددا و جهاد حين كان يجتاز بلد الكراد قافلد إلى بلده ‪ ،‬فطلبهيما‬

‫في كل يمكان والتيمسهيما بكل سبيل فكأنيما ابتلعتهيما الرض وغاب يمعهيما اليموكلن بخديمتهيما وحراستهيما الشيخ سليمه‬ ‫الهندي ‪ .‬وسيرون السائس ‪ .‬وأقام السلطان وعسكره في اليموضع الذي افتقد هؤل ء فيه حيث بث رجاله في طلبهم ‪،‬‬ ‫والتفتيش عنهم في جيميع تلك النواحي ‪ ،‬فلم يعثروا لهم على أثر ‪.‬‬

‫إل أنهم في اليوم الثاني وجدوا جثة السائس يملقاة في يمنحدر ضيق بين جبلين ‪ ،‬فتحقق جلل الدين أن اليميرين اختطفا‬ ‫يمع خاديميهيما ‪ ،‬وأن اليمختطفين قتلوا سيرون ؛ لنهم ضاقوا بيمقاويمته ‪ ،‬وأيمر رجاله بالبحث عنهم فييما حول الجبلين ‪،‬‬ ‫وذهب يمعهم بنفسه ‪ ،‬فلم يجدوا لهم أث دار ‪ ،‬ولم يسيمعوا عنهم خب دار ‪ .‬فكاد جلل الدين ييموت يمن الغم ‪ ،‬وايمتنع عن الطعام‬ ‫‪ ،‬وعزم أل يبرح ذلك اليمكان حتى يقف على خبرهم ‪.‬‬ ‫وكانت الرسائل تتوالي عليه يمن نواب بلده ‪ .‬يخبرونه بأن جنكيز خان قد قطع بجيموعه النهر ‪ ،‬وانقضوا على بخارى‬ ‫فديمروها ‪ ،‬وانتقيموا يمن أهلها شر انتقام يمن جرا ء ذلك الفريق البخاري الباسل الذي هاجم يمؤخرة التتار في يمعركة يمرو ‪،‬‬ ‫فكان سبب هزييمتهم والقضا ء عليهم وأنهم دالفون إلى سيمرقند ‪ ،‬ففاعلون بها يما فعلوا ببخاري ‪.‬‬ ‫ولكن جلل الدين كان في شغل شاغل عنهم يمن أيمر يمحيمود و جهاد فكان يعرض أحيانا عن الرد ‪ ،‬وأحيانا يعد بقرب‬ ‫اليمسيرة ‪.‬‬


‫يمرت اليام على جلل الدين ‪ ،‬ويما يزيد حاله إل سود ءا حتى يئس رجاله يمن رجوعه إلى صوابه ‪ .‬وكانت النبا ء تأتيهم‬

‫بتقدم جنكيز خان ‪ ،‬واستيلئه على اليمدينة بعد اليمدينة يقتل فيها ‪ ،‬وينهب ويديمر ‪ ،‬حتى بلغ تبريز ‪ ،‬فعز عليهم أن يبقوا‬

‫واقفين أيمام سلطانهم اليمرزو ء في عقله ‪ ،‬اليميئوس يمن حاله ‪ ،‬حتى يطحنهم التتار وهم ينظرون ‪.‬‬ ‫فتسللوا يمن حوله ‪ ،‬ولحقوا بإخوانهم اليمجاهدين ‪ ،‬البخاريين والسيمرقنديين ‪ ،‬وأيمروا عليهم أحدهم ‪ ،‬فلقوا طلئع التتار بين‬ ‫تبريز وديار بكر ‪ ،‬فقاتلوهم قتالد شديددا حتى هزيموهم وقوي أيملهم في النصر بعد ذلك ‪.‬‬

‫إذ عليموا أن جنكيز خان قد قفل راجدعا إلى بلده لعلة شديدة أصابته ‪ ،‬خشى يمنها أن تودي بحياته فييموت في غير‬

‫يمسقط رأسه ‪ ،‬وكان قد بلغه يما صار إليه خصيمه الكبير يمن سو ء الحال ‪ ،‬فرأى أن القضا ء عليه أيسر يمن أن يقتضي‬ ‫بقا ءه في قيادة الجيش واحتيمال العلة في ديار الغربة ‪ ،‬ولكنه أصدر قبل رحيله أوايمر صاريمة إلى رجاله أل يقتلوا جلل‬ ‫الدين إذا ظفروا به ‪ ،‬وأن يجتهدوا في القبض عليه وحيمله حديا إليه ‪ ،‬ليري رأيه فيه وينتقم يمنه بنفسه ‪.‬‬

‫ص بهم الفضا ء ‪ ،‬وأيقن اليمسليمون أل قبل لهم بيملقاتهم ‪،‬‬ ‫ويما لبث التتار أن أقبلوا أفوادجا يتدفقون تدفق السيل ‪ ،‬فغ م‬

‫ولكنهم تعاهدوا على اليموت في سبيل ال ‪ ،‬فوقفوا في وجه العدو ‪ ،‬كأنهم البنيان اليمرصوص ‪ ،‬فلم يستطع أن يتقدم شب دار‬ ‫إل على أشل ء البطال اليمجاهدين ‪.‬‬ ‫سال طوفان التتار بعد انكسار هذا السد اليمنيع ‪ ،‬فطم تلك البلد والقري ‪ ،‬ولم يبق بينهم وبين اليموضع الذي أقام فيه‬ ‫جلل الدين إل بضعة فراسخ ‪ ،‬يما لبثوا أن قطعوها فوت الريح ‪ ،‬وكانوا قد عليموا أين يقيم ‪ ،‬وليس كالتتار سرعة وحركة‬ ‫‪ ،‬ويمهارة في التجسس واستطلع أحوال العدو ‪ ،‬فلهم في ذلك أيمور تشبه الخوارق ‪.‬‬ ‫وكان قد بقي يمع جلل الدين عدد قليل يمن رجاله ‪ ،‬عز عليهم أن يتخلوا عن سلطانهم العظيم وهو في حاله تلك ‪،‬‬ ‫وآثروا أن يحتيملوه على علته ‪ ،‬ويكونوا يمعه إلى النهاية ‪ ،‬وقد أزعجهم تقدم التتار ‪ ،‬فتأهبوا لحيماية يمولهم والذب عنه ‪،‬‬ ‫ريثيما يعدون العدة للفرار به إلى حيث يجدون يمأيمدنا ‪ .‬بيد أن التتار قد صاروا إذ ذاك أقرب إلى جلل الدين ورجاله يميما‬ ‫ظنوا ‪ ،‬فيما شعر هؤل ء إل بالطلئع قد كادت تحيط به ‪ ،‬فقايموا إلى السلطان وأركبوه الفرس ونجوا به يمنهم ‪.‬‬ ‫وأفاق جلل الدين خلل ذلك ‪ ،‬وأدرك يما هو فيه يمن خطر ‪ ،‬فانطلق إلى آيمد ‪ ،‬فيمنع يمن دخولها ‪ ،‬وكبسه رجال يمن‬ ‫العدو وأحدقوا به دونها حتى لو شا ءوا أن يقتلوه ليمكنهم ذلك ؛ ولكنهم إنيما أرادوا القبض عليه ‪ ،‬فدفعهم عن نفسه وقتل‬ ‫جيماعة يمنهم ؛ وذب عنه بعض خواص رجاله ‪ ،‬وشاغلوا رجال العدو حتى خلص يمنهم ‪.‬‬ ‫وطارده فرسان التتار ‪ ،‬وكان ل يباري في ركوب الخيل ‪ ،‬ففاتهم حتى دنا يمن يميافارقين ليحتيمي بيملكها ‪ ،‬فدخل قرية يمن‬ ‫قراها ولكن الفرسان لحقوه بها ‪ ،‬فبرحها ودفع جواده فطار به يمنهم ‪.‬‬ ‫وصعد إلى جبل هناك يسكنه قوم يمن الكراد يتخطفون الناس فلجأ إلى أحدهم وقال له ‪ :‬أنا السلطان جلل الدين‬ ‫استبقني وأخف يمكاني عن العدو الذي يطاردني ‪ ،‬وسأجعلك يملدكا ‪ ،‬فأخذه الكردي إلى بيته وأوصي ايمرأته بخديمته ‪.‬‬

‫وكان قد ليمح جلل الدين كردي آخر يموتور يمنه فعرفه ‪ ،‬ورآه حين دخل البيت ‪.‬‬

‫فأخذ يتربص خلو البيت يمن صاحبه ‪ ،‬فليما خرج صاحب البيت لقضا ء حاجة له جا ء الكردي اليموتور وبيده حربة فقال ‪:‬‬ ‫" لم ل تقتلون هذا الخوارزيمي؟" فقالت ايمرأة صاحب البيت" ل سبيل إلى ذلك ‪ :‬فقد أيمنه زوجي‬ ‫فقال الكردي ‪ " :‬ل أيمان لهذا ‪ :‬إنه السلطان وقد قتل أدخا لي في خلط خي دار يمنه " ‪.‬‬


‫وكان جلل الدين رابط الجأش ولم ينبس ببنت شفة ‪ .‬ويما أتم الكردي كليمته ‪ ،‬حتى هز حربته فسددها بقوة إلى السلطان‬ ‫‪ ،‬فحاص عنها فنشبت في الجدار خلفه ‪ .‬وأسرع جلل الدين فاختطفها يمنه وقال له ‪ " :‬الن سألحقك بأخيك " ‪.‬‬ ‫فأيقن الكردي أنه يمقتول فقال له ‪" :‬إن تقتلني كيما قتلت أخي فقد شفيت نفسي باختطاف ولديك !" ‪.‬‬ ‫كانت هذه الكليمة الصغيرة أشد وقدعا على جلل الدين يميما لو أصابت الحربة كبده ‪ ،‬فقد زلزلت كيانه ‪ ،‬وأفقدته تيماسكه ‪،‬‬ ‫وعجب الكردي إذ رأي خصيمه واجديما ينظر إليه نظرة ذاهلة ‪ ،‬والحربة تضطرب في يده ‪ ،‬وكان قد يملكه الخوف ‪ ،‬وتوقع‬ ‫بين لحظة وأخري أن تخترق الحربة حجاب قلبه ‪ ،‬ولم يكد يصدق أنه حي بعد لول أنه سيمع بأذنيه قول السلطان يسأله‬

‫بلهجة حزينة ‪" :‬يماذا صنعت بهيما يا هذا ؟" قال الكردي وقد زال عنه بعض خوفه ‪" :‬إنهيما عندي ولن أسليمهيما إليك‬ ‫حتى تؤيمنني"‪.‬‬ ‫ قال جلل الدين وقد تهلل وجهه ‪ " :‬قد أيمنتك " ‪.‬‬‫‪ " -‬ل أصدقك حتى تريمي هذه الحربة يمن يدك " فألقاها جلل الدين على الرض قائلد ‪ " :‬اذهب فأتني بهيما ‪ ،‬وسوف‬

‫أكافئك حين أقدر على يمكافأتك " ‪.‬‬

‫فقصد الكردي جهة الباب وهو يتوقع أن الحربة ستدق في ظهره ‪ ،‬حتى إذا أيقن أنه بيمنجاة يمن بطش جلل الدين به‬ ‫وقف خارج الباب وصاح ‪ " :‬أيها اليمخبول نجوت يمنك ! لقد بعت ولديك لتجار الرقيق يمن الشام فلن يعودا إليك أبددا " ‪.‬‬ ‫وهم الكردي بالهروب لول أن رأى السلطان يتيمايل كالذي يدار به حتى سقط على جنبه وهو يقول ‪ " :‬ل حول ول قوة إل‬ ‫بال ! لقد بيع يمحيمود و جهاد بيع الرقيق ! " ‪.‬‬ ‫فكر الكردي راجدعا ‪ ،‬والتقط الحربة فطعن بها جنب جلل الدين ‪ ،‬فنشبت بين ضلوعه ولم يحاول جلل الدين أن يدفع‬ ‫الكردي عن نفسه ‪ ،‬بل استسلم له قائلد ‪ " :‬هنيدئا لك يا كردي ‪ ،‬لقد ظفرت برجل أعجز جنكيز خان ! أجهز على‬ ‫وأرحني يمن الحياة فل خير فيها بعد يمحيمود و جهاد " ‪.‬‬

‫الفصل الخامس‬ ‫يمات جلل الدين ولم يعلم عن يمحيمود وجهاد إل أنهيما اختطفا ‪ .‬فبيعا لحد تجار الرقيق بالشام ‪ ،‬أيما كيف اختطفا‬ ‫ويماذا لقيا بعد ذلك فبقي س دار يمكتوديما عنه إلى البد ‪ ،‬وتفصيل ذلك أن السلطان جلل الدين كان شديد الولع بالصيد ل‬

‫يتركه في إقايمته ول سفره ‪ .‬وقد بلغ به حب الصيد أن ربيما كان يسنح له سرب يمن الظبا ء ‪ ..‬أو حيمر الوحش في طريقه‬

‫وهو سائر إلى غزوة أو قتال فينفتل عن جيشه في أثر السرب ‪ ،‬ول يعود حتى يصيب شيئا يمنه فيأيمر رجاله بحيمله ‪.‬‬ ‫وطاليما نصحه خاصة رجاله في ذلك وحذروه يميما قد ينتج عنه يمن الخطر على نفسه أو على جيشه ‪ .‬فكان يسلم لهم‬ ‫بصواب رأيهم ويعدهم بأل يقع ذلك يمنه يمرة أخري ‪ ،‬ولكنه ل يلبث أن يري صيدا فينطلق في أثره ‪ .‬و يقول لهم في ذلك‬ ‫إنه أيمر ل يقدر على دفعه ‪ .‬وقد سري هذا الغرام بالصيد يمنه إلى ابن أخته يمن طول يما صحبه الغلم حين كان يخرج‬ ‫لذلك في بلد الهند ‪ .‬وكثي دار يما خرج يمحيمود يمع سيرون سائسه لصطياد الرنب البري خاصة ‪.‬‬

‫وفي أثنا ء عودة جلل الدين إلى بلده للقا ء جنكيز خان ‪ .‬لم يشغله ذلك عن النفتال عن عسكره ‪ ،‬والجري ورا ء غزال‬ ‫لح له في أول الطريق ‪ ،‬فحبسهم ساعة ينتظرونه حتى رجع ‪.‬‬


‫وبينيما كان يمحيمود وجهاد يسيران في يمؤخرة الجيش إذ بص ار عن ييمينهيما بأرنب بري يمنطلق بين الحشائش في أسفل‬ ‫الجبل ‪ ،‬فساق يمحيمود في طلبه وانطلقت جهاد ورا ءه وجد يمعهيما الحارسان ليرداهيما عن ذلك حتى غابوا جيميدعا في‬

‫يمنعطف الجبل ‪ ،‬ولم يكترث لهم أحد يمن الجيش اتكالد على وجود الحارسين يمع اليميرين ‪ ،‬ولم يخايمر أحددا يمنهم شك‬

‫في أن هؤل ء سيعودون ويلحقون بهم ‪ ،‬وقد صار يمألودفا عندهم أن يتخلف اليميران عنهم قليلد فل يلبثان أن يعدوا‬ ‫ورا ءهم حتى يفوتاهم ‪.‬‬

‫وأيما يما فات الجيش كله عليمه ‪ ،‬فهو أن سبعة يمن الكراد اليموتورين كانوا يسيرون ورا ءه غير بعيد يمنه ‪ ،‬يمتوارين خلف‬ ‫الشجار أو خلف التلل يتطلعون إليه يقظين حذرين بحيث يرونه يمن حيث ل يراهم ‪ ،‬قد ليمحوا يمحيموددا يطرد ورا ء‬

‫الرنب ناحية الجبل ‪ .‬وخلفه جهاد والحارسان ‪ .‬فداروا يمن خلف الجبل ‪ .‬وطلعوا عليه يمن ثنيته فجأة فأحاطوا بهم ‪،‬‬ ‫وتلقف أحدهم يمحيموددا فأنزله يمن جواده وكليمم فاه وقبض ثان على جهاد وصنع بها يما صنع رفيقه بيمحيمود ‪ .‬وهدد‬

‫الخرون الشيخ سليمه وسيرون بقتلهيما وقتل اليميرين يمعهيما إذا صاح أحدهيما بكليمة ‪ ،‬أو أبديا حركة للفرار ‪ ،‬فهم‬ ‫سيرون بالستغاثة ‪ ،‬ولكن الشيخ سليمه أشار له أن يلزم الصيمت وأن يطيع القوم ‪ ،‬فاستسليما لهم خودفا على حياة‬

‫اليميرين ‪ ،‬وطيمدعا في أن يلحق بهم جيماعة يمن الجيش للبحث عنهم إذا استبطئوا عودتهم ‪.‬‬

‫ولكن هذا لم يغب عن الشقيا ء ‪ ،‬فجعلوا هيمهم الفرار بهم يمن ذلك اليموضع بأسرع يما ييمكنهم ‪ .‬فأردف اثنان يمنهم‬

‫الصبيين وسبقاهم إلى الثنية ‪ ،‬وتبعهيما الخرون يسوقون الحارسين بسيوفهم ‪ ،‬حتى إذا بلغوا السفح الخر يمن الجبل‬ ‫بدت يمن قبل سيرون يمحاولة للهرب ‪.‬‬ ‫فيما أيمهله أحدهم أن طعنه بريمحه في كبده حتى أثبته ‪ ،‬فأخذوه فريموا به في يمنحدر ضيق عن ييمين الجبل ‪ ،‬وأخذوا‬ ‫بعنان جواده ‪ ،‬ويمضوا في يمنعطفات الجبال وسلكوا الودية الضيقة ‪ ،‬ويمازالوا كذلك حتى رقوا بهم الجبل الذي لذ به‬ ‫جلل الدين بعد ذلك ‪ ،‬حين طارده التتار ‪ ،‬فلقي حتفه على يد الكردي اليموتور ‪.‬‬ ‫وكان يسكن هذا الجبل قوم يمن الكراد شطار ‪ ،‬يقطعون الطرق على القوافل فينهبونها ؛ وعلي اليمسافرين فيقتلونهم‬ ‫ويخطفون أطفالهم ونسا ءها فيبيعونهم لعيملئهم يمن تجار الرقيق الذين كانوا يرتادون هذا الجبل لهذا الغرض اليميمقوت‬ ‫فيحيملهم هؤل ء إلى أسواق العراق و يمصر والشام ‪.‬‬ ‫لم يقم يمحيمود وجهاد بجبل الشطار إل بضعة أيام ‪ ،‬حتى جا ء أحد تجار الرقيق إلى الجبل ‪ ،‬فعرضوهيما عليه بعد أن‬ ‫غيروا اسيميهيما العربيين باسيمين أعجيميين فاشتراهيما يمنهم بيمائة دينار ‪ ،‬أيما الشيخ سليمة فإنه ليما عرض على التاجر‬ ‫أبي أن يشتريه ‪ ،‬وقال ‪ " :‬يما أصنع بهذا الشيخ الفاني ؟ " فاستا ء الشيخ يمن ذلك ‪ ،‬فقد كان يود أن يصحب اليميرين‬ ‫لعلهيما يستأنسان به ‪ ،‬أو يحتاجان إلى خديمته ‪ ،‬ولو بعد حين ‪ ،‬ريثيما يوطنان أنفسهيما لهذا السلوب الجديد يمن الحياة‬ ‫الشاقة التي تختلف عن حياتهيما السابقة كل الختلف ‪.‬‬ ‫وليما يئس يمن يمرافقتهيما لن التاجر أبي شرا ءه حزن لذلك أشد الحزن إل انه تعلل بأنه يمهيما رافقهيما فلبد أن يفترق‬ ‫عنهيما يويما في سوق النخاسة ‪ .‬فسلم أيمرهيما إلى ال ‪.‬‬ ‫وأراد أن يزودهيما بنصيحة تنفعهيما في حياتهيما الجديدة ‪ ،‬فتوسل إلى البائعين ‪ ،‬ليأذنوا له أن ينفرد بهيما ‪ ،‬كي يودعهيما ‪،‬‬ ‫ويسدي إليهيما نصائح تنفعهيما ‪ ،‬فأذنوا له بذلك ‪ ،‬وكان يميما يسر له يموافقتهم أن يمحيموددا كان ل يكف عن التبرم‬

‫والشكوي ول يفتأ يلعن خاطفيه ويسبهم ويعلن أنه ابن أخت السلطان جلل الدين ‪ ،‬وأن جهاد ابنته وأن يمن باعهيما أو‬


‫اشتراهيما فهو يمتعرض لنقيمة السلطان وسطوته وكان يضرب بيده أو يركل برجله أي واحد يمن هؤل ء يقترب يمنه ‪،‬‬ ‫فيعاقبونه بالضرب اليموجع لييمتنع عن ذلك ‪.‬‬ ‫فل ييمتنع ‪ ،‬وأن جهاد كانت تواصل البكا ء ل يرقأ لها ديمع ‪ ،‬ول يسوغ لها طعام ‪ ،‬حتى نحل جسيمها ‪ ،‬واصفر وجهها ‪،‬‬ ‫وخشي عليها يمن جرا ء ذلك ‪ ،‬فقال لهم الشيخ ‪ :‬إنه لو خل بهيما فتلطف في نصحهيما لربيما استطاع أن يفثأ لوعتهيما ‪،‬‬ ‫ويهدي ثورتهيما ‪ ،‬ويصرفهيما عيما هيما فيه يمن البكا ء وعدم النقياد ‪ ،‬فكان في ذلك يمصلحتهيما ويمصلحتهم ويمصلحة‬ ‫التاجر ‪ ،‬وكان يقول له ذلك بغاية الحكيمة والرزانة ‪ ،‬فاستنصحوه واستصوبوا رأيه ‪ ،‬وقبلوا طلبه ‪.‬‬ ‫وليما خل بهيما قال لهيما بصوت يفيض رقة وحنادنا ‪ ،‬ويتنازعه الحزن ‪ ،‬والتجلد ‪ " :‬يا أيميري الحبيبين قد رأيتيما يما نحن‬

‫فيه يمن البل ء واليمكروه ‪ ،‬إوان علينا أن نلقاه بالصبر حتى يأتينا الفرج يمن ال ‪ ،‬إوانه لقريب إن شا ء ال ‪ ،‬إنكيما حديثا‬

‫السن ‪ ،‬طريا العود ‪ ،‬ولكن ال قد رزقكيما يمن الذكا ء والفطنة يما تفوقان به على كثير يميمن هم أكبر يمنكيما سدنا ‪ ،‬أنتيما يمن‬ ‫أولد اليملوك ‪ ،‬فجدير بكيما أن تصب ار صبر اليملوك ‪ ،‬إوان الجزع ل يفيدكيما شيدئا بل يزيد بل ءكيما وشقا ءكيما ‪ ،‬وربيما‬

‫يسليمكيما إلى يمرض يودي بحياتكيما ‪ ،‬فيشق ذلك على يمولي السلطان جلل الدين حين يطلبكيما بعد أن ينتهي يمن قتال‬

‫التتار فل يجدكيما ‪.‬‬ ‫يا ولدي العزيزين إن هؤل ء اللصوص اختطفوكيما ‪ ،‬وباعوكيما لهذا التاجر ‪ ،‬إوان يمصلحته أن تكونا يمعه بخير حتى‬

‫يبيعكيما بثيمن يرضيه ‪ .‬فاسيمعا له وأطيعاه ؛ ليحسن يمعايملتكيما ‪ ،‬ول يتعرض لكيما بسب أو إهانة ‪ .‬إوانه يعرف قدركيما‬

‫ول يجهل قييمتكيما ‪ ،‬وسيطلب بكيما ثيمدنا كبي دار فل يتصدي لشرائكيما إل السراة واليمرا ء ويمن فوقهم يمن اليملوك والخلفا ء‬

‫حيث تعيشان في قصورهم عيشة صالحة ‪ ،‬حتى تنقضي هذه اليمحنة القصيرة إن شا ء ال ‪.‬‬

‫إن يمولي السلطان جلل الدين سينتصر على التتار بإذن ال ‪ ،‬وسأكتب إليه بأيمركيما فسيبعث في طلبكيما يمن أطراف‬ ‫الرض ‪ ،‬وسترجعان إليه فيفرح بكيما وتفرحان به ‪ .‬ولكي يسهل عليه الهتدا ء إليكيما ‪ ،‬عليكيما أن تصغيا ليما أقول ‪،‬‬ ‫إياكيما أن تقول لحد إنكيما يمن أولد جلل الدين ‪ ،‬اكتيما هذه الحقيقة عن كل أحد لن هذه الحقيقة قد تسبب لكيما يمتاعب‬ ‫أنتيما في غني عنها ‪ ،‬وقد تحول دون سهولة الهتدا ء إليكيما حين يسعي في طلبكيما يمولي السلطان ‪ ،‬إذ قد يضن بكيما‬ ‫يمن تكونان في حيازته ‪ ،‬فيبالغ في إخفائكيما ‪ ،‬ويحول بينكيما وبين وسائل العلن عن يمقركيما ‪ ،‬إيما بالكتابة إلى يمولي‬ ‫السلطان أو التصال بأحد يمعارفه أو رسله ‪ .‬أيما إذا بقي هذا السر يمكتوديما حتى تحين ساعة الطلب ‪ ،‬فسيكون يسي دار‬ ‫عليكيما أن تهدياه إلى يمقركيما ‪ ،‬حيث يأخذكيما إليه والحيمد ل قد كفانا هؤل ء اللصوص يمؤنة تغيير اسيميكيما ‪ ،‬فليعتيمد‬ ‫كلكيما اسيمه الجديد ‪ ،‬ول يجد في ذلك حردجا ‪ ،‬فإنه اسم يمؤقت ينتهي أجله حين تنقشع هذه الغيمايمة ‪ ،‬ويويمئذ ييموت‬

‫اليميملوك قطز ‪ ،‬وتيموت اليميملوكة جلنار ‪ ،‬ويعود اليمير يمحيمود بن يميمدود واليميرة جهاد بنت السلطان جلل الدين إلى‬

‫القصر اليملكي بغزنة حيث يرثان يملك آل خوارزم شاه بعد عيمر يمديد ليمولي السلطان ‪.‬‬ ‫قال يمحيمود ‪ " :‬هيهات أن يكون اليميملوك يملدكا ‪ ،‬إني ل أريد اليملك ‪ ،‬وحسبي أن أعود أنا وجهاد إلى خالي ‪ ،‬وأقاتل‬ ‫التتار يمعه " ‪.‬‬

‫فقال الشيخ ‪ " :‬اذكر قصة يوسف الصديق عليه السلم كيف بيع بدراهم يمعدودة لعزيز يمصر ‪ ،‬فيما لبث أن صار يملدكا‬ ‫على يمصر ‪ ،‬وهكذا تحدثني نفسي أنك ستكون كيوسف غير أن يوسف كان يمن بيت النبوة ‪ ،‬وأنت يمن بيت اليملك ‪ ،‬يا‬ ‫ليتني أعيش حتى أراكيما تيملكان البلد ‪ ،‬ولكني شيخ كبير ل أحسب عيمري ييمتد بي إلى ذلك العهد السعيد " ‪.‬‬


‫وكانت جهاد تصغي لحديث الشيخ بكل جوارحها ‪ ،‬وقد كفكفت ديمعها ‪ ،‬واطيمأنت إلى صدق يما يقول ‪ ،‬فيما قال الشيخ‬ ‫كليمته هذه حتى قالت له ‪ " :‬كل ستكون يمعنا دائيما ولن تفارقنا " ‪.‬‬ ‫فقال الشيخ ‪ " :‬يسيمع ال يمنك يا أيميرتي الصغيرة ‪ ،‬إني سأبقي هنا ‪ ،‬لن التاجر أبي أن يشتريني لكبر سني ‪.‬‬ ‫ولكني سألقاكيما قريدبا إن شا ء ال عند يمولي جلل الدين ‪ ،‬فل أفارقكيما حتى اليموت ولعل بقائي هنا أنفع لنا ‪ ،‬إذ أكون‬

‫قريدبا يمن بلدنا فأكاتب السلطان بأيمركيما ‪ ،‬وأطيمئنه بوجودكيما " ‪.‬‬

‫وأحس الشيخ بأن يمدة النفراد بالصبيين قد طالت ‪ ،‬وخشي يمن غضب الجيماعة عليه ‪ ،‬فأعاد عليهيما يمجيمل حديثه‬ ‫السابق تثبيدتا له في أذهانهيما ‪ .‬وأكد عليهيما أل يبوحا بحقيقة حالهيما لحد ‪ ،‬وأن يطيعا أيمر يمولهيما ‪ ،‬ليحسن يمعايملتهيما‬

‫‪ ،‬ثم دنا يمنهيما فضيمهيما إلى صدره وهو يقول ‪ " :‬استودعكيما ال حافظ الودائع " فطفقا يبكيان ويقبلن رأسه ‪ ،‬ثم قام بعد‬

‫أن هدأهيما وجفف ديموعهيما ‪ ،‬وسار بهيما إلى يمجلس القوم ‪ ،‬حيث ينتظرهيما التاجر لييمضي بهيما ‪.‬‬ ‫فقال له ‪ :‬يا سيدي إني قد أوصيتهيما بطاعتك فلن يخالفا أيمرك ‪ ،‬فأوصيك بهيما خي دار ‪ ،‬إنهيما حديثا السن قليلد التجارب‬ ‫‪ ،‬فارفق بهيما وأحسن سياستهيما بارك ال لك فيهيما وبارك لهيما فيك " ‪.‬‬

‫وعجب القوم إذ أروا الغلم قد لن جانبه وانكسرت شكييمته ‪ ،‬بعد أن كان عصديا عنيددا ‪ ،‬والجارية قد سكن جأشها ‪،‬‬

‫واطيمأن بالها ‪ ،‬فتبعا يمولهيما طائعين ‪ ،‬غير يمتيمردين ول يمتذيمرين ‪ ،‬غير أنهيما ليما ارتحل التاجر بهيما على بغاله ‪،‬‬

‫غايمت عيونهيما بالديمع والتفتا إلى جهة الشيخ وجعل يلوحان له بأيدهيما حتى اختفيا ‪.‬‬ ‫واختلف القوم في أيمر الشيخ يماذا يصنعون به ‪ ،‬فيمن قائل نطلقه ييمضي حيث يشا ء ‪ ،‬ويمن قائل نستخديمه وندعه‬ ‫يحتطب لنا ‪ ،‬حتى اتفقوا آخر اليمر على أن يبقوه عندهم حتى يبيعوه لتاجر أخر قد يرغب في شرائه‬ ‫ويما أوي الشيخ سليمة إلى يمحبسه ‪ ،‬حتى انكب على وجهه وجعل يبكي بكا ء يم دار ‪ ،‬وهاجت شجونه ‪ ،‬فتذكر أيايمه في‬

‫خديمة يموله الكبير السلطان خوارزم شاه وخديمة السلطان جلل الدين يمن بعده ‪ ،‬ويما شهدت عيناه يمن الحداث‬

‫والنكبات التي حلت ببيتهيما وكان آخرها هذا الذي نزل ببقية ذلك البيت اليمجيد ‪ ،‬وأفضي بهذين اليميرين الصغيرين إلى‬ ‫ذل العبودية وهوان الرق ‪ ،‬حيث يباعان في أسواق النخاسة ‪ ،‬ويتنقلن في أيدي اليمالكين ‪.‬‬ ‫ويميما زاده ألديما وحسرة وكيمددا ‪ ،‬أنه – وهو خاديمهيما اليمين – قد استعيمل نفوذه عليهيما ‪ ،‬وثقتهيما به واطيمئنانهيما إليه ‪،‬‬

‫في حيملهيما على الرضا ء بهذا الهوان ‪ ،‬واستنزالهيما عن إييمانهيما وعزتهيما ليخضعا خضوع العبيد ليمن اشتراهيما بيمائة‬ ‫دينار ‪ ،‬وأنه استغل سذاجتهيما وسليمة نيتهيما وقلة بصرهيما بالحياة ‪ ،‬فخدعهيما عن حقيقة حالهيما ‪ ،‬وكنه يمصيرهيما‬ ‫وأوهيمهيما ضلة وكذدبا أن هذه يمحنة طارئة ل تلبث أن تزول وغيمة عارضة ل تلبث أن تنقشع ‪.‬‬

‫نعم إنه أشفق عليهيما يمن إهانة اليمولي وقسوة اليمالك ‪ ،‬ولم يرد بهيما إل الخير ‪ ،‬إذ نصحهيما بالخضوع وحسن الطاعة ‪،‬‬

‫ولكن علم هذا كله ؟ ‪ ،‬وفيم هذا الحرص على البقا ء ؟ ‪ ،‬ويما قييمة الحياة إذا فقد اليمر ء حريته وشرفه ‪ ،‬وصار سلعة تباع‬ ‫وتشتري ؟ فكيف بأيمير وأيميرة نشأ في أكبر بيوت اليملك ‪ ،‬وتقلبا في أعطاف النعيمة والعز ‪ ،‬يراد بهيما أن يرضيا بحياة‬ ‫العبد واليمة ‪ ،‬حيث يلقيان صنوف الذل وألوان اليمتهان ‪ ،‬ويلقي إليهيما أن في ذلك خيرهيما وسعادتهيما لئل يأتيهيما‬ ‫اليموت ‪ ،‬فيقطع عنهيما فتات اليموائد وفضول الشراب ! ‪.‬‬


‫إنهيما ذهبا راضيين ليما خلبهيما يمن سحر حديثه ‪ ،‬آيملين أن يعودا إلى كنف السلطان جلل الدين بعد برهة قصيرة يمن‬ ‫الزيمن ‪ .‬فيماذا يكون حالهيما إذا تبدد يمنهيما هذا الحلم الجيميل ‪ ،‬وعرفا الحقيقة اليمرة أن ل خلص يمن حياة الرق ‪ ،‬ول‬ ‫فكاك لهيما يمن قيد الستعباد ؟‬ ‫وأنكي يمن ذلك أن هذين اليميرين عاشا أليفين يمتلزيمين يمنذ الطفولة ؟ لم يغب أحدهيما يويما واحددا عن الخر ‪ .‬ول يكاد‬ ‫يصبر ساعة عنه ‪ .‬وقد ظنا حين ذهبا يمع النخاس أنهيما سيظلن كيما كانا رفيقين يمتلزيمين ‪ ،‬ولم يخطر ببالهيما قط أن‬

‫أسواق الرقيق قد تفرق بينهيما ‪ ،‬فيقع هذا في يد رجل يمن اليمشرق وتباع هذه لرجل يمن اليمغرب ‪ ،‬وكانا يشعران يمن طول‬ ‫تلزيمهيما أنهيما شخصان ل يفترقان أبددا وأنهيما سيعيشان يمعا وييموتان يمدعا ‪ ،‬ويما دار بخلدهيما أن أحددا يمن الناس يمهيما‬

‫بلغ يمن الحول والقوة ‪ ،‬ويمهيما بلغ في تعذيبهيما واضطهادهيما ييمكن أن يفكر في إبعاد أحدهيما عن الخر ‪ ،‬فهذا شي ء ل‬ ‫سبيل إليه ‪ ،‬ويما عليما أن تجار الرقيق ل يرعون ليمثل هذه اللفة عهددا ‪ .‬ول يقييمون لهذه الصحبة الطويلة والتعاطف‬ ‫الخوي وزدنا ‪ .‬إوانيما يعتبرون اليمال وحده ‪ ،‬وييميلون يمع الريح حيث تيميل ‪ .‬فإن قدر لهيما أن تضيمهيما ييمين يمالك واحد ‪.‬‬

‫كان ذلك اتفادقا غريدبا وصدفة غير يمقصودة ‪ ،‬ل رعاية لهيما ول إبقا ء على اجتيماع شيملهيما ‪.‬‬

‫جاشت هذه الخواطر كلها بقلب الشيخ اليمكلوم ‪ ،‬فشعر بهم عظيم يسد يما بين جوانحه ‪ ،‬ويأخذ بأكظايمه ‪ ،‬فيمل الحياة‬ ‫وتيمني لو اختريمه اليموت ‪ ،‬فأراحه يمن هيمويمه وآليمه ‪ .‬وبقي أياديما ل يذوق الطعام الذي يقدم إليه حتى وهنت قوته وسا ء‬

‫حاله ‪ ،‬وأصابته حيمي شديدة بات يهذي يمنها طوال ليله ‪ .‬حتى وجدوه في الصباح جسددا هايمددا ل حراك به ‪ .‬فكفنوه في‬ ‫ثيابه ‪ ،‬وأهالوا عليه التراب ‪.‬‬

‫يمات الشيخ سليمة الهندي ‪ .‬ولم يدر بخلده وهو ينعي نفسه في ذلك الجبل النازح أن يموله وولي نعيمته السلطان جلل‬ ‫الدين بن خوارزم شاه سيلقي حتفه في ذلك الجبل ‪ .‬بعد بضعة أيام يمن وفاته ويدفن على يمريمي حجر يمن قبره ‪ .‬في‬ ‫تربة كل قاطنيها عنها غريب وليس لهيما بينهم يمن صديق أو حبيب ‪.‬‬

‫الفصل السادس‬

‫أيما قطز و جلنار ‪ ،‬فقد وصل بهيما التاجر إلى حلب ‪ ،‬فأنزلهيما يمعه في بيت بعض يمعارفه ‪ ،‬وكساهيما ثيادبا حسنة‬

‫وأراحهيما ‪ ،‬ولم يكلفهيما أي عيمل يقويمان به ‪ ،‬ولم يحبسهيما في اليمنزل بل تركهيما يجيئان ويذهبان كيما شا ءا في ساحة‬

‫الحي ‪.‬‬ ‫وكان لطيدفا يمعهيما طوال الطريق ‪ ،‬يقدم لهيما الطعام ‪ ،‬ويساعدهيما في الركوب والنزول ‪ ،‬ويجاذبهيما أطراف الحديث‬

‫ويداعبهيما ‪ ،‬ويسليهيما بالقصص والنوادر باللغة الفارسية التي كان يجيدها إجادة حسنة‪ ،‬حتى يمال الصبيان إليه ‪ ،‬وخف‬

‫عنهيما يما كانا يجدان يمن الوحشة والقلق‪ .‬ونظ ار إليه كأنه صديق لهيما ‪ ،‬ل يمالك اشتراهيما باليمال ‪.‬‬ ‫وكان للتاجر يميملوك ثالث في سنهيما ‪ ،‬يدعي ببيرس ‪ ،‬قد أحضره إليه أحد وكلئه ‪ ،‬فضيمه إليهيما ‪ ،‬ولكنه كان يعايمله‬ ‫يمعايملة قاسية ‪ ،‬ويضربه ويحبسه في اليمنزل ل يبرحه يمثلهيما ‪ :‬فعجبا في أول اليمر يمن خلق الرجل كيف يرفق بهيما‬ ‫ذلك الرفق ‪ ،‬ثم يقسو هذه القسوة على الغلم ؟‬


‫ولكن سرعان يما زال عجبهيما حين عرفا ببيرس وتيمرده على يموله ‪ ،‬وسو ء خلقه يمعه ويميله دائديما للباق يمنه ‪ ،‬فأدركا‬

‫حينئذ أن يمولهيما حكيم في سياسته يعايمل كلد بيما يليق يمن الشدة واللين ‪ .‬على أنهيما يمع ذلك لم يخلوا يمن الرقة لهذا‬ ‫الغلم القبجاقي الشقر ‪ ،‬ذي العيون الزرق التي تنم عن الحيلة واليمكر ‪.‬‬

‫فكان قطز يحسن إليه على غير علم هؤل ء ‪ ،‬ويقتطع له شيدئا يمن إدايمه وحلواه فيقديمه له فيلتهيمه الصبي التهاديما ‪،‬‬

‫فنشأت يمن جرا ء ذلك صداقة يمتينة بينهيما ‪ .‬أيما جلنار فكانت يمع شفقتها عليه تشعر بنفور شديد يمنه ‪ ،‬وتتقي نظراته‬

‫الحادة كأنها سهام يماضية ل تقوي على احتيمالها عيناها الوديعتان ‪.‬‬ ‫ويما هي إل أيام قلئل حتى حل يموعد السوق بحلب ‪ .‬وكان يوم الربعا ء يمن كل أسبوع ‪ ،‬فتقاطر إليه الناس يمن سائر‬ ‫يمدن الشام وقراه ‪ ،‬ليشهدوا يمنافع لهم ويبيعوا ويبتاعوا وكان يقام في رحبة واسعة في طرف يمن أطراف اليمدينة تنصب‬ ‫فيها الخيام ‪ .‬وتضرب فيها السرادقات العظييمة وتقسم أقساديما ‪ :‬فقسم للحبوب والغلل ‪ ،‬وقسم للقيمشة واليملبس يمن‬ ‫الصوف والقطن والكتان والحرير ‪ ،‬وقسم للنية والسرج وسائر أدوات اليمنازل ‪ ،‬وقسم للدوية والعطور ‪ ،‬والدهنة‬ ‫واليمقويات ‪ ،‬وقسم للجواري والعبيد ‪ ،‬قسم للخيول واليمواشي ‪ ،‬إلى أخر يما هنالك ‪ ،‬وكان كل قسم يمن هذه القسام يسيمي‬ ‫سودقا ‪ ،‬فسوق الغلل ‪ ،‬وسوق البز وسوق الرقيق ‪ ،‬وسوق الخيل ‪ ،‬وهلم ج دار ‪.‬‬

‫وليما أصبح يوم الربعا ء ‪ ،‬أيمر التاجر يمواليه الثلثة فاغتسلوا وكساهم ‪ ،‬وأصلح شعورهم وطيبهم ‪ ،‬ثم يمضي بهم إلى‬ ‫السوق الكبيرة ‪ ،‬أيما ببيرس فقد أيمسك التاجر بيده يجره ج دار وهو يسبه ويلعنه ‪ ،‬وأيما قطز و جلنار فقد أطلقهيما ‪ ،‬فسا ار‬

‫فرحين ويما يظنان إل أنهيما ذاهبان لشهود هذا اليموسم العظيم ‪ ،‬والتفرج على يما فيه ‪ ،‬حتى بلغ بهم سوق الرقيق فإذا‬

‫سرادقات عظييمة يميملو ءة بالجواري والغليمان يمن بيض وسود وألوان بين ذلك شتى ‪ ،‬وقد جلسوا على الحصر جيماعات‬ ‫يمتفرقة وقام على كل جيماعة يمنهم الدلل الذي عهد إليه ببيعها ‪ ،‬فيأخذ الدلل أحدهم ويوقفه على دكه يمنصوبة أيمايمه ‪،‬‬ ‫وينادي عليه بين الذين حضروا للبتياع بكليمات يمسجوعة أو يمنظويمة في الشادة بيمحاسن اليمعروض للترغيب في‬ ‫شرائه ‪ .‬وهؤل ء السيماسرة يفتنون في ذلك افتنادنا عجيدبا ‪ ،‬ويستعين كثي دار يمنهم بالشعرا ء لينظيموا لهم يمقطوعات في‬

‫أوصاف الجواري والغليمان ونعوتهم اليمختلفة ‪ ،‬فينادون بها على يمن يعرضون يمن الرقيق بحسب يما يقتضيه اليمقام ‪.‬‬ ‫ويما إن سلم النخاس يمواليه الثلثة إلى أحد الدللين جعل يقلبهم ‪ ،‬ويصعد النظر فيهم ‪ ،‬كأنه يختبر نعوتهم ويتبين‬ ‫سيماتهم ‪ ،‬ثم كتب أسيما ءهم في دفتره ‪ ،‬وتحت كل اسم يمنها صفته وسنة و أصله ‪ ،‬وأقل قييمة يطلبها صاحبه فيه ثم دفعهم‬ ‫إلى الحصير فقعدوا عليه بين غيرهم يمن الرقيق الذي عنده ‪.‬‬

‫أيما بيبرس فقعد يمطيمئدنا ل أثر عليه يمن ايمتعاض أو اكتئاب ‪ ،‬وجعل يجيل نظراته الحادة فييمن حوله يمن الناس ‪ ،‬فإذا‬

‫رأي عبددا أسود ‪ ،‬أو جارية شوها ء أو غلديما قبيح الخلقة ‪ ،‬ضحك عليه وأشار لقطز إليه غير يمكترث بالدلل الذي كان‬

‫يحده بالنظر ‪ ،‬يمرة بعد يمرة ‪ ،‬ويقطب له ليردعه بذلك عن عيمله ‪ ،‬فيما يجيبه بيبرس بغير إخراج لسانه ‪ ،‬وتحريك حاجبيه‬

‫‪.‬‬ ‫وأيما قطز وجلنار فقد غلبهيما الوجوم ‪ ،‬وأصبحا ل يعيان شيئا يميما حولهيما ‪ ،‬وظنا نفسيهيما في يمنام ل في حقيقة ‪ ،‬لول‬ ‫أنهيما تذك ار يما وقع لهيما يمن اختطاف اللصوص ‪ ،‬ثم بيعهيما إياهيما للنخاس ‪ .‬ويما زال بعد في ريب يمن أن يكون التاجر‬ ‫الواقف أيمايمهيما بعد إذ سليمهيما للدلل ‪ ،‬هو عين ذلك الرجل الذي أحسن إليهيما يمنذ يويمهيما ‪ .‬وأظهر لهيما ذلك البر‬ ‫وتلك الرعاية ‪ .‬وترقرق الديمع في يمآقيهيما فكانا ييمسحانه بطرف ردائهيما يمسارقة ‪ ،‬ويما أيمسك ديمعهيما أن ينسكب إل‬


‫حياؤهيما يمن أن يبدو عليهيما الضعف بين يمن حولهيما يمن الناس ‪ ،‬أو يظه ار أقل جلددا ‪ ،‬واحتيمال يمن زيميلهيما الضاحك‬ ‫العابث ‪.‬‬

‫ويمرت ساعات طويلة شهدا كيف تعرض اليما ء والعبيد والغليمان ‪ ،‬وينادي عليهم ‪ ،‬ويقلبهم الراغبون في الشرا ء ظه دار‬ ‫لبطن ‪ ،‬ل فرق بينهم وبين السلع ‪ ،‬فينفق يمن ينفق يمنهم ‪ ،‬فييمضي لسبيله يمع يمن اشتراه ‪ ،‬ويبور يمن يبور ‪ ،‬فيعاد‬ ‫إلى يمكانه في الحصير كاسف البال ‪ .‬حتى جا ء دورهيما ودور صاحبهيما فبدئ ب)بيبرس ‪ .‬ونصب على اليمنصة‬ ‫ل ‪ ،‬وقد جرد يمن ثيابه إل يما يستر وسطه فبدا يابس الساقين بارز الصدر يمفتول الساعدين ‪،‬‬ ‫وهو يلتفت ييميدنا وشيما د‬ ‫فنادى اليمنادي وهو يضرب على صدره وظهره‬ ‫يمن للفتي القبجاقي‬

‫ينفع في الحيما ق‬ ‫ق‬

‫يدفع عن يموله‬

‫كيد الذي عاداه‬

‫ستطلع اليام‬

‫إن صح ظني فيه‬

‫يمغايم دار يمقداديما‬

‫يعزيمن يؤويه‬

‫يه أز بالهوال‬

‫في ساحة النزال‬

‫فتقدم إليه رجل يظهر يمن سحنائه وزيه أنه تاجر يمن يمصر ‪ ،‬فاشتراه ونقد الدلل ثيمنه يمائة دينار ‪ .‬وكان يمالكه النخاس‬ ‫ل يطيمع في أكثر يمن خيمسين دينا دار ولكن الدلل ليما لحظ تطلع التاجر اليمصري إليه وشدة رغبته فيه ‪ ،‬جعل يرفع قييمته‬

‫حتى بلغ بها يمائة ‪ ،‬فكان فوق أجرة الدللة نصف يما زاد يمن قييمته على يما حدده اليمالك ‪ ،‬أي خيمسة وعشرون دينا دار ‪.‬‬

‫وقد فرح الدلل بهذه الصفقة فردحا كبي دار جعله يبالغ في يملطفة التاجر اليمصري ويقول له ‪ " :‬خذه إليك …… بارك ال‬

‫لك فيه ‪ ،‬وحافظ على هذا الغلم الخبيث ‪ ،‬فإنه شرس أباق‬

‫ولم يكن بيبرس يعرف العربية إل قليلد ‪ ،‬ولكنه فهم يمن حركات الدلل إواشارات يده ‪ ،‬ونبرات صوته ‪ ،‬يمعني الكلم الذي‬

‫نادي به عليه ‪ ،‬فوقف حين وقف على الدكة يمختالد بنفسه ‪ ،‬يمدلد بقوته ‪ ،‬ونزل حين نزل يمنها ويمشي إلى يموله اليمصري‬

‫يمزهدوا يكاد يخرق الرض تيدها ‪ ،‬ولم ييمض اليمصري بعد أن اشتري بيبرس ‪ ،‬بل عاد إلى يمكانه الول ولزيمه ‪ ،‬ينظر إلى‬ ‫الصبيين الوضيئين كأنه يرغب في شرائهيما أيضا ‪ ،‬أو يريد أن يري كم يبلغ ثيمنهيما ‪.‬‬

‫وأخذ الزحام يشتد على حلقة الدلل حينيما تهيأ لعرضهيما وكان في الحاضرين رجل ديمشقي جيميل الهيئة ‪ ،‬تبدو عليه‬ ‫يمخايل النعيمة واليسار ‪ ،‬وقد وخطه الشيب في رأسه ولحيته ‪ ،‬فزاده وقا دار وهيبة ‪ ،‬وقد حضر إلى سوق الرقيق يمن‬

‫الصباح الباكر ‪ .‬فظل زيمدنا يطوف على حلقات السيماسرة ‪ ،‬يجيل بصره في وجوه الرقيق ‪ ،‬وكليما ليمحت عينه صبديا أو‬ ‫صبية ‪ ،‬وقف عنده يتأيمله تأيملد دقيدقا ‪.‬‬

‫حتى وصل إلى حلقة دللنا حافظ الواسطي ‪ ،‬فيما وقع بصره على قطز وجلنار ‪ ،‬حتى خفق قلبه ‪ ،‬وقال في نفسه ‪" :‬‬ ‫هأنذا قد وجدت بغيتي " ‪ ،‬ووقف برهة يتفرس في الصبيين ‪ ،‬فيما يزداد إل يميلد إليهيما ورغبة فيهيما ‪ ،‬ثم دار على‬


‫الحلقات الخرى كرة أخري كأنه أراد أن يتثبت لنفسه ويستيقن أن ليس فيها أصلح له يمنهيما ‪ ،‬وأوفق ‪ ،‬أو إنيما شا ء أن‬ ‫يصرف النظار عنه ‪ ،‬ول سييما نظر الدلل لئل يعرف تعلقه بهيما فيغليهيما عليه ‪ .‬ثم عاد إلى الحلقة واتخذ لنفسه‬ ‫يمقعددا في جانب يمنها ‪ ،‬بحيث يري الصبيين ‪ ،‬فظل يسارقهيما ويسارق الناس النظر إليهيما طوال لبثه هناك ‪ ،‬ينتظر أوان‬ ‫عرضهيما ‪.‬‬

‫ويما لبث قطز وجلنار أن شع ار بيمكان هذا الشيخ الجيميل الهيئة وتك ارره النظر إليهيما دون سائر الحاضرين الذين شغلهم‬ ‫التطلع إلى اليمعروضين قبلهيما ‪ ،‬والستيماع إلى يما ينادي به الدلل الفصيح عليهم ‪ ،‬يمن طرائف البيان اليميمتع ‪ ،‬فألهاهم‬ ‫ذلك عنهيما ‪ .‬وهيما ييمسحان ديمعهيما الفينة بعد الفينة ‪ ،‬خلسة عن العين ‪ ،‬إل عين ذلك الشيخ الذي كان ل يغفل‬ ‫عنهيما لحظة ‪ ،‬كأنه يمشغول بهيما عيما الناس فيه ‪.‬‬ ‫فتضايقا أول اليمر يمن عينه العالقة ‪ ،‬وحسباه رقيدبا يموكلد باستطلع يما يحاولن ستره عن العيون يمن لواعج هيمهيما ‪،‬‬

‫ليما شع ار به يمن الذل واليمهانة في ذلك اليموقف البغيض ‪.‬‬

‫ولكنهيما يما لبثا إذ رأيا الطيبة الناطقة في وجهه ‪ ،‬والحنان الفائض يمن عينيه ‪ ،‬أن تبدل شعورهيما نحوه ‪ ،‬فصا ار ييميلن‬ ‫إليه ‪ ،‬وطفقا يبادلنه النظر بحب وطيمأنينة ‪ ،‬أحس بهيما الرجل فشاع السرور في وجهه ‪ ،‬ولول يمراعاة الحاضرين لقام‬ ‫إليهيما فاحتضنهيما كيما يحتضن الب ولديه يلقاهيما بعد غياب طويل ‪ ،‬وكذلك كان شعور الصبيين نحوه شبيدها بشعوره‬ ‫نحوهيما ‪.‬‬

‫إذ أحسا كأنه صديق لهيما يعرف حقيقة حالهيما ‪ ،‬وسر نكبتهيما ‪ ،‬قد جا ء لينقذهيما يميما هيما فيه ‪ .‬ويما يدريهيما أل يكون‬ ‫رسولد يمن قبل أبيهيما السلطان جلل الدين ‪،‬قد بعث في طلبهيما بعد أن فرغ يمن قتال التتار ‪ .‬ألم يقل لهيما ذلك الشيخ‬ ‫سليمة الهندي ؟ ألم يعدهيما بأنه سيكاتب السلطان بأيمرهيما يمن الجبل ؟ ! ‪.‬‬

‫كان الصبيان يجيلن هذه الفكار في رأسيهيما في وقت يمدعا ‪ ،‬كأنيما يستبقان في شوط واحد ‪ ،‬ول بدع في ذلك يمن‬

‫أيمرهيما ‪ ،‬لنهيما درجا يمدعا ‪ ،‬حتى بلغا يمن التآلف والتيمازج أن صار أحدهيما يعرف خبيئة نفس الخر ‪ ،‬ويمكنون صدره ‪،‬‬ ‫كأنهيما يشعران بقلب واحد ‪ .‬ولبثا ينتظران أوان عرضهيما بفارغ الصبر‪ ،‬وهيما ل يشكان في أن صاحبهيما سيتقدم‬

‫لشرائهيما ول يغليهيما عنده ثيمن ‪ ،‬وتشودقا إلى يمعرفة سره إذا يما اشتراهيما ويمضي بهيما يمن ذلك السوق الذي أندي جبينهيما‬ ‫‪ ،‬ولقيا فيه الخزي والهوان ‪.‬‬

‫أيما الدلل فإنه يما كاد يفرغ يمن أيمر بيبرس حتى وجد الناس يتطلعون إلى الصبيين ‪ ،‬ويما يشكون في أنهيما شقيقان‬ ‫لشدة تقاربهيما في اليمليمح ‪ ،‬واتفاقهيما في الدم ‪ ،‬فوقف أيمايمهيما ل يدري بأيهيما يبدأ ‪ ،‬وكانت سنته في ذلك أن يبدأ‬ ‫بالقل قد دار ‪ :‬ليحتفظ ببقا ء الناس في حلقته ‪ ،‬يمتطلعين إلى يمن يفضله يمن الباقين عنده ‪ .‬وقد حار أي الصبيين‬ ‫يقدم ؛ لنه ليما يجزم أيهيما يفضل أخاه ‪ ،‬ولكن قط داز قطع عليه هذا التحير في التخير ‪ .‬إذ قام فتقدم يعرض نفسه‬ ‫ل ‪ ،‬يكاد ينبجس يمنه الدم ‪ ،‬ونادي عليه‬ ‫فيما وسع الدلل إل قبول عرضه ‪ ،‬فأوقفه على الدكة ووجهه يحيمر خج د‬

‫والعيون ثابتة فيه ‪:‬‬

‫يمن للغلم الوسيم‬

‫يمن للنجارالكريم‬

‫ذكاؤه فوقسنه‬

‫وحسنه دون ييمنه‬

‫سيماحةوشجاعة‬

‫وعزةووداعة‬


‫يما بيع هذا بيمال‬

‫لول صروفالليالي‬

‫ولم يكد الدلل يتم ندا ءه هذا حتى تسابق الراغبون في شرائه أيهم يفوز به ‪ ،‬فجعلوا يتبارون في رفع قييمته ‪ ،‬حتى بلغوا‬ ‫بها يمائتين وسبعين ‪ ،‬فأتيمها الديمشقي ثلثيمائة ‪ ،‬فلم يجرؤ أحد على الزيادة ‪ ،‬فسليمه الدلل إليه وهنأه به ‪ .‬ويمضي‬ ‫الغلم إلى يموله الجديد فردحا يحيمد ال على أن لم يظفر به سواه قريدبا يمنه ويما لبث الشيخ أن كليمه كلديما ليدنا تطييدبا‬ ‫لخاطره ‪ ،‬فلم يفهم قطز يما يقول ‪ ،‬ولكنه أدرك أنه يلطفه بذلك ‪ ،‬فود لو أنه كان يعرف اللسان العربي ليجيبه على‬ ‫حديثه ‪.‬‬ ‫ل إذ أخذ حينئذ بيد جلنار ‪ ،‬فأقايمها على الدكة فتوجه انتباههيما‬ ‫فاكتفي بأن ابتسم له ‪ ،‬ولم ييمهلهيما الدلل طوي د‬

‫وانتباه الناس إليها ‪ ،‬وقد تورد خداها وأخذت ترنو إلى قطز إوالي يموله الشيخ كأنها تستعطفه أن يحوزها ول يدع‬ ‫أح ددا غيره يفوز بها دونه ‪ .‬ولم يخف على الدلل تطلع الحاضرين ‪ .‬ول سييما الرجل الديمشقي لشرائها ‪ ،‬ولو شا ء‬ ‫لستغني بعرضها عن اليمناداة عليها ‪ ،‬ولكنه لم يشأ أن يخل بعادته هذه ‪ ،‬ولم تطب نفسه بالسكوت عن الشادة‬

‫بيمحاسن هذه الصبية البارعة الحسن فجعل يقول ‪:‬‬ ‫يا قطرة يمن الندى‬

‫يافلقة يمن القيمر‬

‫يا نسيمة يمن الشذا‬

‫تنفست وقت السحر‬

‫حايملة في ردنها‬

‫أطيب أنفاس الزهر‬

‫فتنافس الحاضرون في شرائها ‪ ،‬ولكن الرجل الديمشقي ظل يزايدهم في الثيمن حتى بلغ ثلثيمائة دينار ‪ ،‬وكان قد عزم‬ ‫على أن يقف عند هذا الحد ول يزيد عليه ‪ .‬و كاد يتركها ليمنافسه الذي زاد عليه عشرة دنانير ‪.‬‬ ‫لول أن نظر إلى قطز فرآه يميمتقع الجبين يابس الشفتين ينتفض يمن القلق ‪ .‬والديمع في عينيه يستعطفانه أل يبخل‬ ‫بالزيادة لئل يفرق بينه وبين رفيقته ‪ .‬فرق له ‪ ،‬وغلبته الشفقة ‪ ،‬فزاد أربعين دينا دار دفعة واحدة ‪ ،‬ليقطع على يمنافسه‬

‫السبيل فعرف اليمنافس أن ل فائدة يمن اليمزايدة فتركها له ‪.‬‬

‫ويما كان أشد فرح الغلم إذا أعلن الدلل أنهيما ليموله ‪ ،‬وقديمهيما له فنقده الشيخ ثلثيمائة وخيمسين دينا دار ‪ ،‬ويمضي بهيما‬

‫وهيما ل يكادان يصدقان يمن الفرح أنهيما قد نجوا يمن خطر الفتراق ‪.‬‬

‫الفصل السابع‬ ‫اطيمأن بالصبيين اليمقام بديمشق عند سيدهيما الجديد الشيخ غانم اليمقدسي ‪ ،‬ونزل في قصره الكبير بدرب‬ ‫القصاعين ‪ ،‬تحيط به حديقة هغلنا ء حافلة بالكروم وأشجار التين والتفاح والزيتون ‪.‬‬

‫وكان الشيخ غانم اليمقدسي يمن أعيان ديمشق ووجهائها اليمعدودين ‪ ،‬له أيملك كبيرة وضياع واسعة ورثها عن آبائه ‪،‬‬ ‫وكان رجلد طيدبا يحب الصدقة ويحضر يمجالس العلم ‪ ،‬وقد كبر في السن ولم يسلم له يمن الولد إل ابن يدعي يموسى‬

‫كان قد أنفق في تربيته وتهذيبه كثي دار يمن اليمال ‪ ،‬ليجعل يمنه رجلد صالدحا يخلد ذكره ويخلفه في بيته اليمجيد ‪.‬‬


‫ولكن يموسى أخلف ظن أبيه فيه ‪ ،‬فنشأ فاسد الخلق يميالد إلىاللهو ويمخالطة عشرا ء السو ء يمن الفتيان الخلعان اليماجنين‬

‫‪ ،‬وقد حاول أبوه بكل وسيلة أن يصرفه عن ذلك فلم يفلح ‪ ،‬ويما زاد يموسى إل عتدوا ونفودار حتى يئس يمن إصلحه ‪،‬‬

‫فترك حبله على غاربه واعتبره كأن لم يكن ‪ .‬ولول يمكان والدته وشفاعتها فيه لطرده يمن بيته وتخلص يمن يمعرته ‪ .‬وقد‬ ‫دفعه يأسه يمن ولده إلى التفكير في أن يبتاع غلديما وسيديما حسن الطاعة عسى أن يتخذه ولددا يأنس به ‪ ،‬ويطيمئن إليه ‪،‬‬

‫ويجد عنده يمن البر والستقايمة يما فقده في ولده ‪.‬‬

‫فجهد زيمدنا يتتبع أسواق الرقيق ليجد الغلم الذي يطيمح حتى وجد ضالته في قطز فاشتراه ولم يتردد ‪ ،‬ليما توسم فيه يمن‬

‫ضا ‪ ،‬ليتخذها ابنة تؤنسه وتؤنس زوجته العجوز ‪.‬‬ ‫الخير والنبل ‪ ،‬وعلن له ليما رأي جلنار أن يشتريها أي د‬

‫وشا ء ال أل تخطئ فراسة الشيخ في الصبيين فلم تيمض عليهيما في حوزته إل أيام قلئل حتى تبين إخلصهيما في حبه‬

‫وتعلقهيما الشديد به فأحبهيما وأنزلهيما يمن نفسه يمنزلد كريديما ‪.‬‬

‫وبالغ في رعايتهيما والحدب عليهيما ‪ ،‬ووكل بهيما يمن ساعدهيما على تعلم اللسان العربي ‪ ،‬فكان لهيما يمن ذكائهيما يما‬

‫أسرع بهيما إلى يمعرفته إواتقانه في زيمن قصير ‪.‬‬

‫ووردت النبا ء إذ ذاك بيموت الطاغية جنكيز خان في يمسقط رأسه ‪ ،‬وأن قويمه التتار الذين كانوا يقاتلون السلطان جلل‬ ‫الدين قد انحسروا إلى بلدهم ‪ ،‬ورجعوا عن غزو بلد السلم ليما بلغهم خبر هلكه ‪ .‬ففرح الناس بذلك فردحا عظيديما ‪،‬‬ ‫وذهب عنهم يما كان يساورهم يمن الخوف والهلع ‪ ،‬وحيمدوا ال على أن كفاهم شر أولئك الغزاة اليمتوحشين الذين ينزلون‬

‫الهلك والديمار والنقيمة والعذاب بكل بلد ينزلونه ‪ ،‬وبلغهم كذلك يموت السلطان جلل الدين قتيلد في جبل الكراد حين‬

‫لجأ إليه بعد يما انهزم يمن عدوه ‪.‬‬

‫فيمنهم يمن شيمت بيموته ‪ ،‬ويمنهم يمن حزن عليه ليما قام به وقام أبوه يمن قبله يمن جهاد التتار وصد جيموعهم عن بلد‬ ‫السلم ‪.‬‬ ‫استفاضت هذه الخبار في ديمشق حتى صارت حديث الناس في يمجالسهم وأسيمارهم ‪ ،‬وتذكروا وقائع جلل الدين ‪،‬‬ ‫وخوارزم شاه يمع التتار ‪ ،‬ويما حل بهيما وببيتهيما يمن النكبات العظام ‪ ،‬حتى انطوي يملكهيما ‪ ،‬وانقطع دابرهيما ولم يبق يمن‬ ‫أهلهيما يمن أحد ‪ .‬ولكن أحددا يمنهم لم يعلم أن ابنة جلل الدين وابن أخته يعيشان بين ظهرانيهم في قصريمن قصور‬ ‫يمدينتهم العظييمة ‪ ،‬وعند رجل يمن كبار أعيانها ‪.‬‬

‫وقد حزن قطز وجلنار ليما بلغهيما يموت جلل الدين ‪ ،‬وقد كانا ييمنيان أنفسهيما بالرجوع إليه ‪ ،‬فانقطع أيملهيما في ذلك ‪،‬‬

‫وأيقنا أنهيما سيبقيان في رقهيما إلى البد ‪ ،‬إوانيما علزاهيما في ذلك وخفف يمن حزنهيما يما كانا يجدان يمن بر يمولهيما وحسن‬

‫رعايته إواحسانه ‪ ،‬فجعلهيما يسلوان يمصابهيما وشيدكا ‪ .‬ويمرت السنون س اردعا ‪ ،‬وتوالت الحداث تتري ‪ ،‬وانقضت لهيما في‬ ‫بيت الشيخ غانم اليمقدسي عشرة أعوام أو تزيد نيميا فيها وترعرعا حتى بلغ قطز يمبلغ الرجال ‪ ،‬وبلغت جلنار يمبلغ النسا ء‬ ‫‪.‬‬ ‫وكانت اللفة التي بينهيما تنيمو يمعهيما وتترعرع فشع ار بفيوض يمن السعادة لم يشع ار بيمثلها قط تغيمرهيما فتنسيهيما كل يما‬ ‫يمر بهيما يمن نعيم اليملك ويما اختلف عليهيما بعد ذلك يمن صروف اليام ونكباتها ‪ ،‬وحليت الدنيا في عينيهيما فصارت‬ ‫ضا وأنها دار ووروددا وأزها دار ‪ ،‬وطيودفا يمن ضيا ء الشفق البهيج ‪ ،‬وروحات يمن نسيم الفجر العليل يتقلبان يمنها في أيام‬ ‫ريا د‬ ‫كلها أصيل وليال كلها سحر ‪.‬‬


‫وكان يمولهيما الشيخ وزوجته يعليمان بهذه الصلة البرئية الطاهرة بينهيما فشيملهيما بالعطف والرضا ‪ ،‬وتعهداهيما بالتنيمية‬ ‫‪ ،‬ووعداهيما بتزويج أحدهيما يمن الخر حينيما تتهيأ الفرصة ويخف الشيخ يمن يمرض الشلل الذي ألم به ‪ ،‬لكي يحتفل‬ ‫بعرسهيما ‪.‬‬ ‫وليما تطاول به اليمرض أراد أن يحتاط ليمستقبلهيما فأوصي لهيما بجز ء يمن أيملكه ‪ ،‬وبأن يعتقا إذا يما دهيمه اليموت قبل أن‬ ‫يهيئ لهيما أيمرهيما ‪ .‬علي أن الجنة التي يعيش فيها هذان الحبيبان لم تخل يمن شيطان يكدر صفوها عليهيما ‪ ،‬وينفث‬ ‫فيها سيمويمه نكاية بهيما وسعيا في إخراجهيما يمنها ‪.‬‬ ‫فهذا يموسى الخليع الفاسد قد زادت غيرته يمن قطز ليما انفرد به دونه يمن ثقة أبيه حتى سليمه يمقاليد خزائنه ‪ ،‬وأسند إليه‬ ‫إدارة أيمواله وأيملكه ‪ .‬فكان قطز يوزع صدقاته ونفقاته على أقاربه وذويه ‪ ،‬وينفق على حاجات القصر ويمن فيه يمن‬ ‫الخدم والعبيد ‪ ،‬ول يخرج دينار ول درهم إل يمن يده ‪ .‬فشق ذلك على يموسى ‪ ،‬وغاظه أنه يتسلم راتبه اليويمي يمن يد‬ ‫يميملوك أبيه ‪ .‬ويميما زاده حقددا عليه أنه كثي دار يما يحتاج إلى اليمال لينفقه في سبيل غيه وفساده ‪ ،‬فيتوسل إلى قطز ليعطيه‬

‫زيادة على راتبه يمن غير علم أبيه ‪ ،‬فيأبي قطز ويقول له ‪ " :‬هذا يمال سيدي ‪ ،‬إوانيما أنا أيمين عليه فل أفرط فيه ‪ ،‬ولكن‬ ‫استأذن أباك فإن أذن لك أعطيتك يمنه يما تحب …" فيتوعد قط داز ويتهدده ‪ ،‬وقطز ل يأبه له ‪.‬‬

‫ولم تسلم جلنار يمن إيذائه ويمضايقاته ‪ ،‬إذ كان يغازلها ويتعرض لها بكل سبيل ويسيمعها كليمات يندي لها جبينها وييمجها‬ ‫سيمعها ‪ ،‬فليما كثر ذلك عليها شكته إلى يمولتها ‪ ،‬فعنفته أيمه على فعله ‪ ،‬قائلة له إنها زوجة قطز ول سبيل له عليها ‪،‬‬

‫وهددته بقطع نفقته وطرده يمن اليمنزل إذا عاد إلى يمضايقتها ‪ ،‬وزاده هذا كراهية لقطز وغيرة يمنه ‪.‬‬ ‫وكان قطز يعطف على هذا الشاب الفاسد ويرق لحاله ويتحيمل كثي ار يمن أذاه ‪ ،‬ول يشكوه إلى أبيه لئل يؤذيه ويزيد في‬ ‫يمرضه ‪ ،‬وكان كثي دار يما ينصحه بالقلع عيما هو فيه يمن الشراب والفساد أو القلل يمنهيما ‪ ،‬ويعده بالسعي عند والده‬ ‫ضا لقطز ‪ ،‬وتعالديا عليه ‪ ،‬وتيمادديا في غيه ‪.‬‬ ‫ليرضي عنه ويزيد في راتبه ‪ .‬فيما يزيده هذا إل بغ د‬

‫واشتدت العلة بالشيخ غانم ‪ ،‬فقلق عليه جيميع يمن في القصر ‪ ،‬إل ابنه يموسى ‪ ،‬فقد فرح بذلك وجهر بأن سيخلو الجو‬

‫له بيموت أبيه ‪ ،‬فيتصرف في أيمواله وأيملكه كيما يشا ء ‪ ،‬وينتقم يمن قطز ‪ ،‬فيهينه ويضطهده وينتزع جلنار يمنه ‪،‬‬ ‫ويكرهها على الخضوع ليما يريد وتيمادي في الغي حين أيقن بقرب وفاة أبيه‬ ‫ويمات الشيخ غانم اليمقدسي بعد حياة يمديدة قضاها في البر والتقوي والحسان إلى الفقرا ء واليمساكين والنفاق على‬

‫اليتايمى والرايمل ‪ .‬فبكاه الناس وأسفوا لفقده وترحيموا عليه ‪ ،‬إواذا ذكروا ابنه يموسى علز عليهم أل يخلف هذا الرجل‬

‫الصالح إل ذلك الولد الطالح ! ‪.‬‬

‫وأيما قطز وجلنار فقد رحل عنهيما يمنه والد كريم ‪ ،‬ر ءوف بهيما رحيم ‪ ،‬فبكياه أحر البكا ء وواسيا زوجته العجوز بكل يما‬ ‫في وسعهيما ‪ ،‬وقايما على خديمتها ‪ ،‬وصب ار في سبيلها على يما يصيبهيما يمن لسان يموسى ويده ‪ ،‬إذ تنيمر لهيما بعد وفاة‬ ‫أبيه ‪ ،‬وجعل يضطهدهيما ويعتدي على قطز بالسب والضرب ‪ ،‬فيما يجيبانه بغير الصبر والسكوت إك ارديما ليمولهيما‬

‫الراحل ورعاية ليمولتهيما الحزني ‪ ،‬ريثيما تنتهي أيام العزا ء فيبرحان القصر إلى حيث يتزوجان ويعيشان آيمنين هانئين‬ ‫كيما دبر لهيما ذلك يمولهيما الفقيد ‪.‬‬ ‫ويما عليما أن يموسى قد جد في الكيد لهيما واتصل بجيماعة يمن فقها ء السو ء فأبطلوا له وصية أبيه بصدد عتقهيما واليملك‬ ‫التي أوصي بها لهيما ‪ .‬فيما راعهيما إل يموسى قد جا ء يخبرهيما ببطلن الوصية وبقائهيما على رقهيما ‪ ،‬فعز عليهيما أن‬


‫ينهار بين غيمضة عين وانتباهتها يما بنياه يمن اليمال وأن يعودا ل إلى كنف يمولهيما الشيخ الصالح – إذن لهان عليهيما‬ ‫اليمر – ولكن إلى رق ابنه الفاسق الظالم ليعذبهيما ويهينهيما يما شا ء له حقده وانتقايمه ‪ ،‬وليما عليمت يمولتهيما العجوز بيما‬ ‫فعل ابنها غضبت يمن عيمله ‪ ،‬وصبت لعناتها على رأسه ‪ ،‬وطفقت تواسيهيما وتقول لهيما ‪ :‬إنهيما سيكونان تحت رعايتها‬ ‫وحيمايتها ولن ييمسهيما يموسى بسو ء ‪ ،‬ووعدتهيما بأنها ستجتهد حين تقسم التركة أن تجعلهيما يمن نصيبها فتعتقهيما‬ ‫وتزوجهيما وتجعل لهيما رزدقا يعيشان يمنه ‪.‬‬

‫وعلم يموسى بيما عزيمت عليه أيمه ‪ ،‬فأجل قسيمة اليميراث طيمدعا في أن يحول دون يما تريد ‪ ،‬وفي خلل ذلك أخذ يتقرب‬

‫إلى جلنار ويقول لها ‪ " :‬أصبحت اليوم يملك ييميني " فتهرب يمن وجهه ‪ ،‬وتلوذ بسيدتها فتحيميها يمنه ‪ ..‬وأحيادنا يأتيها‬ ‫ويقول لها يمتلطدفا ‪ " :‬سأتخذك زوجة لي وستكونين سيدة هذا القصر ‪ ،‬لك فيه اليمر والنهي ‪ ،‬ويكون قطز عبددا لك "‬

‫فيما تجيبه إل بالسكوت والعراض ‪.‬‬

‫وليما طال ذلك عليه ويئس يمن رضاها ‪ ،‬ثار به الغضب وأقسم ليفرقن بينها وبين قطز ‪ ،‬لينتقم يمنها ويمنه ‪ ،‬فذهب إلى‬ ‫وصي أبيه وادعي أن جلنار كانت سبب الفرقة والخصام بينه وبين والدته وأنه سيعود إلى بر والدته وطاعتها إذا بيعت‬ ‫هذه الجارية النيمايمة ‪ ،‬وجعل يلح عليه في بيعها ‪ ،‬وكان قد أحضر سيمسا دار يمعه ‪ ،‬ليجي ء بيمبتاع للجارية ‪ ،‬وجعل له‬

‫على ذلك أج دار ‪ ،‬فيما كان يمن الوصي إل أن باع الجارية للسيمسار ‪ ،‬وباعها السيمسار لرجل يمن يمصر ‪.‬‬

‫فوجئت أم يموسى بيما كان يمن بيع جلنار على غير عليمها ‪ ،‬فبعثت إلى الوصي تعاتبه على يما صنع ‪ ،‬وتلح عليه أن‬ ‫يستقيل البيعة ويستعيدها يمنه ولكن يموسى قد أوعز للرجل اليمصري فأبى ‪ ،‬ولكنه اعتذر إليها بأن ذلك لم يبق في إيمكانه‬

‫إل أن يقبل الصفقة ‪ ،‬وأصر على طلب الجارية ‪ ،‬فيما وسع الوصي إل تسلييمها إليه ‪.‬‬ ‫وليما عليمت جلنار أنها ستحيمل وشيدكا إلى يمولها الجديد ‪ ،‬بكت بكا ء شديددا وتشبثت بثياب يمولتها يمستغيثة بها أل‬

‫ترضي بتسلييمها ‪ ،‬قائلة ‪ " :‬اقتليني يا سيدتي ول تسليميني إلى هؤل ء ! " فضيمتها العجوز إليها ‪ ،‬وأجابتها والديموع تنهيمر‬

‫يمن عينيها ‪ " :‬تعليمين يا جلنار أن ليس لي يمن اليمر شي ء ‪ ،‬وأنك وال لعز على يمن ابنتي ‪ ،‬وقد اجتهدت أن أحتفظ‬ ‫بك ‪ ،‬ولكن يماذا أصنع وقد باعوك بغير عليمي ؟ لعن ال ابني فشد يما عذبني وآذاني ‪ ،‬يا ليتني عقرت فلم أحيمل به ‪،‬‬ ‫أوليتني إذ حيملت به أسقطته ! لن يكف عني هذا الولد العاق حتى يلحقني بأبيه ‪ .‬حسبي ال يمنك يا يموسى حسبي ال‬ ‫يمنك " ‪.‬‬ ‫وكان قطز واقدفا ينظر إليهيما ‪ ،‬ويبكي ‪ ،‬حتى رأي يموسى قد أقبل ويمعه السيمسار وجيماعته ‪ ،‬كفكف ديمعه وكتم جزعه ‪،‬‬

‫وأظهر التجلد يمكانه ‪.‬‬

‫ووقف كأنه تيمثال يمن الصخر الصم ‪ ،‬وليما رأتهم جلنار ‪ ،‬وعليمت أن ل يمناص لها يمن اليمسير يمعهم ‪ ،‬أرسلت ثياب‬ ‫يمولتها الوالهةالحسري ‪ ،‬واندفعت إلى حبيبها قطز تودعه ودادعا حا دار يمفعديما بالحسرة واللم ‪.‬‬

‫وهو يقول لها ‪ " :‬أستودعك ال يا حبيبتي ‪ ،‬استودعك ال يا جلنار ‪ ،‬سيجيمع ال شيملنا بحوله وقوته " فاستأخرت عنه‬ ‫جلنار وهي تقول ‪ " :‬أستودعك ال يا يمحيمود ‪ ،‬استودعك ال يا حبيبي " ويمالت إلى يمولتها فأهوت على رأسها تقبله‬ ‫حتى بللته بديموعها ‪ ،‬والعجوز تلثم أطرافها وتبكي ‪ ،‬إلى أن تقدم قطز فجذبها وهو يقول ‪ " :‬حسبك يا جلنار ‪ ،‬توكلي‬ ‫على ال ول تحبسي أصحابك ‪ ،‬وثقي بأن ال يموجود وهو على جيمعنا إذا يشا ء قدير " ‪.‬‬


‫فأشار يموسى للسيمسار قائلد ‪ " :‬ايمض بها يا هذا ول تدع وقتنا ييمضي في هذا العبث " ‪ .‬فأخذ السيمسار بيدها ‪،‬‬

‫فيمضت يمعه ‪ ،‬وعينها تتلفت يمرة إلى سيدتها ويمرة إلى حبيبها حتى توارت ‪ ،‬وبقي قطز واقدفا يمكانه كأنه جيماد ينظر إلى‬

‫سيدته الباكية الحزينة ‪ ،‬وتنظر إليه حتى إذا يما اختفي يموسى في أثر السيمسار وجيماعته ‪ ،‬غلبت قطز الرقة ‪ ،‬فدنا يمنها‬

‫باكديا ‪ ،‬وجعل يقبل رأسها ويديها قائلد ‪ " :‬أشكرك يا سيدتي الكرييمة ‪ ،‬لقد بذلت كل جهدك ول لوم عليك فييما حدث " ‪.‬‬

‫فقالت له ‪ :‬أحسن ال إليك يا بني ‪ ،‬ستكون عندي بيمثابة ابني إوان شئت أعتقتك فيمضيت ح دار إلى حيث تريد‬

‫قال لها ‪ :‬يا يمولتي لأريد بخديمتك بدلد بيد أني أخاف أن يتحرش بي يموسى وقد نفد صبري فأسي ء إليه فيغضبك ذلك‬

‫يمني ‪.‬‬

‫فقالت ‪ :‬يمعاذ ال أن أغضب ليموسى يمنك ‪ .‬لو قتلته لرحتني يمنه " ‪.‬‬ ‫فأجابها ‪ :‬يما يكون لي أن أعتدي على ابن يمولي الذي أكرم يمثواي وأحسن إلى ‪.‬‬ ‫واستأذن قطز يمولته ‪ .‬فيمضي إلى صديقه الحيميم الحاج علي الفراش ‪ ،‬وكان شيدخا صالدحا يخدم سرديا آخر يمن سراة‬ ‫ديمشق وأعيانها يقال له ابن الزعيم ‪ ،‬كان يسكن في قصرقريب يمن قصر الشيخ غانم اليمقدسي ‪ ،‬ول يقل عنه سعة‬

‫وفخايمة ‪ ،‬وكان قطز كثير الختلف إليه ‪ ،‬يجلس يمعه على يمصطبة كبيرة يمظللة بفروع الشجر تقع عند يمدخل بستان‬ ‫ابن الزعيم ‪ ،‬فيشكو قطز هيمويمه إليه ويبثه آليمه ويستشيره في شئونه ‪ ،‬ويتجاذبان أطراف الحديث في شئون يمختلفة ‪.‬‬ ‫وكان الحاج علي شديد العطف على قطز والحب له ‪ ،‬وقد أحس في ضيميره ‪ ،‬بيما أعطي يمن قوة الفراسة وصدق‬ ‫الحدس ‪ ،‬أن لبد لهذا اليميملوك في صباحة وجهه ‪ ،‬ونبل خلله يمن سر يكتيمه عن الناس جيميدعا ‪ .‬فاجتهد زيمدنا أن‬ ‫يكتشف هذا السر يمن صديقه الشاب فلم يوفق ‪ ،‬إل أن ظنه لم يزدد على اليام إل قوة عنده بيما كان يؤيده يمن فلتات‬ ‫لسان صاحبه في ثنايا حديثه ‪ ،‬فجعل يضم بعضها إلى بعض ‪ ،‬ويستخرج يمنها صورة غايمضة لصل هذا الغلم ‪.‬‬ ‫فليما أقبل عليه حياه ‪ ،‬وفرش له على اليمصطبة كعادته ‪ ،‬وأخذ يعزيه في وفاة يموله ويعدد يمناقبه ويمكاريمه ‪ ،‬فيمضي قطز‬ ‫يشكو إليه يما أصابه يمن اضطهاد يموسى بعد وفاة أبيه ‪ ،‬ويما يمني به يمن فراق حبيبته جلنار وكيف أنه سئم الحياة بعدها‬ ‫‪ ،‬فجعل الحاج يلطفه ويسليه ‪ ،‬وبينيما هو كذلك إذا أقبل يموسى فدخل الباب وبيده سوط فليما دنا يمنهيما نظر إلى قطز‬ ‫نظرة الغضب ‪ .‬وقال له ‪ " :‬يماذا تصنع هنا يا هذا ؟ أيما تذهب لعيملك في القصر ؟ " فلم يجبه قطز وأشاح عنه بوجهه‬ ‫‪ ،‬فاستشاط يموسى غضدبا وأراد أن يضربه بالسوط فتلقاه قطز بيده وأيمسك بطرف السوط فلم يقدر يموسى على انتزاعه ‪.‬‬

‫وقال له قطز عند ذاك ‪ " :‬لو شئت لوجعتك بسوطك هذا ضردبا ‪ ،‬فيمثلك أيها السكير ل يقدر على يمثلي ‪ ،‬ويما ييمنعني‬

‫يمن البطش بك إل احترايمي لذكري أبيك " ‪ .‬فلطيمه يموسى على جبينه فاحيمر وجه قطز ‪ ،‬ونظر إليه بعينين يمتقدتين‬ ‫كأنهيما جذوتان يمن النار يملتا قلب يموسى رعدبا ‪ ،‬فانصرف عنه وهو يسبه ويلعن أباه وجده ‪ ،‬وقطز جايمد في يمقعده‬ ‫على اليمصطبة ‪ ،‬ل يتحرك ول ينبس ببنت شفة ‪ ،‬وسوط يموسى في يده وعيناه عالقتان بالباب حتى اختفي يموسى ‪.‬‬

‫فبقي هنيهة واجديما على حاله تلك ‪ ،‬ثم ارتيمي على اليمصطبة ‪ ،‬سات دار وجهه بيده ‪ ،‬وجعل يبكي بكاد ء شديددا ‪.‬‬

‫حتى رق له صاحبه ‪ ،‬فطفق ييمسح على ظهره ‪ ،‬ويقول له ‪ " :‬خفض عليك يا قطز ‪ ،‬فاليمر أهون يمن أن يثير ديمعك ‪،‬‬ ‫أتبكي يمن لطيمة خفيفة يمن يد جبان ضعيف ؟ " ‪.‬‬ ‫فرفع قطز إليه رأسه قائلد وقد تقلص ديمعه ‪ " :‬سايمحك ال ‪ ،‬أتظن بكائي يمن تلك اللطيمة ؟ إن بكائي يمن لعن أبي‬ ‫وجدي ‪ ،‬وهيما خير يمن أبيه وجده " ‪.‬‬


‫ " ل يدفعنك الغضب أن تقول يما ليس لك بحق يا قطز ‪ ،‬أنت وال خير يمنه ألف يمرة ‪ ،‬أيما أبوك وجدك فليسا بخير‬‫يمن أبيه وجده اليمسليمين ‪ ،‬إذ شرف السلم فوق كل شرف " ‪.‬‬ ‫ " أتظن أبي وجدي كافرين ؟ ل وال إنهيما ليمسليمان يمن آبا ء يمسليمين " ‪ .‬فأظهر الحاج علي الفراش استغرابه كيمن‬‫يشك في صدق يما يقول فعز على قطز أن يظن به صديقه الكذب فاندفع يقول ‪ " :‬ألم تسيمع يا حاج بـ جلل الدين بن‬ ‫خوارزم شاه الذي جاهد التتار؟ " ‪.‬‬ ‫ " بلي ‪ :‬ليس في الدنيا أحد لم يسيمع بالسلطان جلل الدين " ‪.‬‬‫ " فأنا ابن جهان خاتون أخت جلل الدين ‪ ،‬ووالدي اليمير يميمدود ابن عيمه ‪ ،‬واسيمي يمحيمود ‪ ،‬إوانيما سيماني قط داز‬‫اللصوص الذين اختطفوني ‪ ،‬فباعوني ‪ ،‬عايملهم ال بيما يستحقون " ‪.‬‬ ‫فتهلل وجه الحاج علي وقال ‪ " :‬الن تحققت فراستي وصدق ظني فيك ‪ .‬وال الذي ل إله إل هو لقد حدثني قلبي أول‬ ‫يوم عرفتك فيه إنك لست يميملودكا جلب يمن يمجاهل يما ورا ء النهر ‪ .‬وأنك ترجع إلى أصل كريم ‪ .‬فليما بلوتك واختلطت‬

‫يمعك عرفت أن لك س دار تكتيمه عن الناس جيميدعا فحدست أنك ابن يملك أو أيمير نكبه الزيمان فألقاه في أيدي باعة الرقيق‬ ‫‪ ،‬فيما زلت يمن يويمئذ أجتهد في يمعرفة سرك ‪ ،‬وقد سألتك يم اردار عن أصلك ‪ ،‬فكنت تقول لي إنك ل تعرف عنه شيدئا ‪،‬‬ ‫ولكني رجحت آخر اليمر أنك يمن أولد جلل الدين بن خوارزم شاه" ‪ .‬فنظر إليه قطز يمستغردبا ‪ ،‬وسأله ‪:‬‬ ‫‪ -‬هل عرفت ذلك قبل أن أخبرك الن ؟ ! ‪.‬‬

‫ إي وال قبل أن تخبرني بزيمان طويل ‪.‬‬‫ شي ء لعيمر ال عجيب ‪ ،‬كيف عرفت ذلك يا حاج علي ؟ ‪.‬‬‫ ليما رجح عندي أنك يمن أولد اليملوك أو اليمرا ء جعلت أقص عليك يمن أنبائهم وأختبر أثر حديثي في وجهك كليما‬‫ذكرت يملدكا يمن اليملوك أو أيمي دار يمن اليمرا ء ‪.‬‬

‫فكنت إذا ذكرت جلل الدين عندك ووقائعه يمع التتار ‪ ،‬أليمح تغيي دار في وجهك ‪ ،‬واختلدجا في شفتيك ‪ ،‬وقد كررت هذه‬

‫التجربة فأيقنت أن لك صلة بـ جلل الدين ‪ ،‬ورجحت أنك يمن أولده ‪.‬‬ ‫فتبسم قطز ‪ ،‬وعجب يمن ذكا ء صاحبه الحاج وفطنته وقال له ‪:‬‬

‫ " الن عرفت ليماذا كنت يمغرى بأخبار اليملوك والسلطين ‪ ،‬تعيدها على يمرة بعد يمرة "‪.‬‬‫وسكت قطز قليلد ثم يما لبث أن عاودته شجونه ‪ ،‬فقال بصوت يخالطه البكا ء ‪ " :‬بال يا صديقي الحاج أل يما أشرت‬

‫على يماذا أصنع في يمصابي هذا ‪ ،‬فإنك يما عليمت لذو رأي ‪ ،‬إنهم أبطلوا وصية يمولي اليمرحوم بعتقي وعتق حبيبتي‬ ‫جلنار ‪ ،‬ولم يكتفوا بذلك حتى فرقوا بيني وبينها ‪ ،‬فباعوها لرجل يمن يمصر ‪ ،‬إي وال لقد فرقوا بيني وبين جلنار ابنة‬ ‫خالي جلل الدين ‪ ،‬التي أحبها وتحبني ‪ ،‬ونشأت ‪.‬‬ ‫يمعها يمنذ الصغر ‪ ،‬ولم أفترق عنها إل اليوم ‪ .‬قل لي كيف آوي إلى هذا القصر وقد فارقه يمولي الشيخ الذي أكرم‬

‫يمثواي وتبناني وخل يمن جلنار التي كانت سلواي في هذه الحياة ‪ ،‬وعزائي في كل يما أصابني يمن نكبات اليام ؟ كيف‬ ‫أصبر على خديمة ذلك الوغد اللئيم الذي سلبني حريتي وسعادتي ‪ ،‬وأيمعن في اضطهادي إواهانتي ؟ إن هذا القصر‬

‫أصبح عندي كالجحيم ‪ ،‬ل أطيق رؤيته ‪ ،‬فيما بال القايمة فيه ‪ ،‬يما لهؤل ء يستعبدونني وقد ولدتني أيمي ح دار ؟ أليس في‬


‫الرض يمن عدل ينصفني يمن هذا الظلم ؟ يما لي أراك صايمدتا يا حاج علي ؟ تكلم قل لي يما أصنع في أيمري ؟ " ‪ :‬وهنا‬ ‫غلبه البكا ء ‪ ،‬فعاقه عن اليمضي في الكلم ‪.‬‬

‫سكت الحاج علي برهة كأنه يفكر في طريقه لخلص صديقه ‪ ،‬أو في جواب يقنعه ويرضيه ‪ ،‬ثم قال له ‪ " :‬ولكن في‬ ‫القصر سيدتك العجوز‪ ،‬وهي تحبك وتعزك ولن ترضي أبددا أن ييمسك يمن يموسى أي سو ء " ‪.‬‬

‫فقال له قطز ‪ " :‬نعم إنها تحبني وتعزني وتعتبرني كولدها ‪ ،‬وقد وعدتني أن تجعلني حين تقسم التركة يمن نصيبها‬ ‫فتعتقني ‪ ،‬ولكنها ضعيفة ل حول لها ول قوة ‪ ،‬وقد غلبها ابنها على كل شي ء ‪ ،‬ول تقدر على صده أو يمنعه يميما يريد ‪.‬‬ ‫إني أخشى أن أقع في يملك ييمين يموسى ‪ ،‬فينتقم يمني ‪ ،‬ويبالغ في إهانتي وتعذيبي ‪ ،‬خلصني يا حاج علي خلصني !‬

‫"‪.‬‬ ‫ " ال يخلصك يا بني ‪ ..‬هون عليك يا قطز فسيجعل يمن ضيقك يمخردجا " ‪.‬‬‫‪ " -‬دعني يمن كليمات اليمواساة والتهوين والتعليل ‪ ،‬فإنها ل تنفعني شيدئا ‪ ،‬وفكر لي في طريقة للخلص يميما أنا فيه يمن‬

‫العذاب " ‪.‬‬

‫ " لقد فكرت لك في طريقة للخلص يميما أنت فيه يمن العذاب ‪ .‬ولكن عليك أن تصبر يويمين أو ثلثة أيام ريثيما أدبر‬‫هذه الطريقة " ‪.‬‬ ‫ " سأصبر لك أكثر يمن ذلك ‪ ،‬فقل لي بال يما هي ؟ " ‪.‬‬‫ سأقص على سيدي ابن الزعيم خبرك ‪ :‬فسيشتاق لرؤيتك حين يعرف أنك يمن أولد السلطان جلل الدين ‪ ،‬فقد كان‬‫يمع شيخه ابن عبد السلم كثير الهتيمام بنجدة جلل الدين في جهاده التتار ‪ ،‬فإذا قابلته فسأذكر له طردفا يمن حال‬

‫يموسى ابن الشيخ غانم يمعك واضطهاده لك ‪ ،‬وسأعزز قولك عنده ‪ ،‬فأقص عليه يما وقع يمنه اليوم في حقك على يمرأى‬ ‫يمني ويمسيمع ‪ ،‬ويما أشك في أنه سيرثي لحالك ويعطف عليك ‪ ،‬فأشير عليه عندئذ بشرائك يمنهم‪ ،‬ويما أحسبه يتأخر عن‬ ‫ذلك‪ .‬واعلم أنك ستسعد في خديمة سيدي ابن الزعيم ‪ ،‬وسيكون لك يمثل اليمرحوم الشيخ غانم أو خي دار يمنه" ‪.‬‬ ‫ " حسبي أن أعيش بجوارك يا صديقي الحاج ‪ ،‬ولكني أخشى أل يرضي يموسى ببيعي لسيدك إذا علم أني سأسعد‬‫عنده"‬ ‫ " لن ندع يموسى يعلم بشي ء يمن هذا ‪ ،‬وسيطلبك سيدي بنفسه يمن الوصي ‪ ،‬ولن يتردد الوصي في إجابة طلبه ‪،‬‬‫فاطيمئن ول تخف شيدئا ‪ ،‬فسأدبر لك كل شي ء تدبي ار يمتقدنا " ‪.‬‬ ‫ " بارك ال فيك يا حاج علي ‪ ،‬لقد فرجت كربي ‪ ،‬فرج ال كربك يوم القيايمة " ‪.‬‬‫وقام قطز عن يمقعده يمن اليمصطبة قائلد ‪ " :‬دعني أنصرف فأرجع إلى عيملي في القصر ‪ ،‬لعل يمولتي تحتاجني فقد‬

‫أبطأت عليها في الرجوع ‪ ،‬وغددا أراك إن شا ء ال " ‪.‬‬

‫الفصل الثامن‬


‫لم تيمض ثلثة أيام على يما سبق ‪ ،‬حتى أتم الحاج علي الفراش الخطة التي دبرها لخلص صديقه ‪ ،‬فنجحت على خير‬ ‫وجه ‪ ،‬وانتقل قطز إلى يملك السيد ابن الزعيم ‪ ،‬فسل يما كان فيه يمن البل ء بيموسى ويمضايقاته ‪ ،‬وانطوت صفحة يمن‬ ‫حياته ‪ ،‬شيعها بديموعه وحسراته ‪ ،‬فقد كانت على علتها يمن أجيمل أيام عيمره وأسعدها ‪ ،‬إذ أشرق فيها الحب على قلبه‬ ‫فيمله نودار وأتي على يما في زواياه يمن ظليمات الهم والحزن واليأس ‪ ،‬فبدده وأبدله به يمسرة وجذلد ‪ ،‬وغبطة وأيملد كان‬ ‫يعيش فيها يمع جلنار في دعة وسلم ‪ ،‬يمشيمولين برعاية يمولهيما الرحيم وزوجته البارة ‪ ،‬وقد ذاقا فيها يمن لذة اليمن‬

‫وطيمأنينة الستقرار يما لم يذوقاه يمنذ أيام طفولتهيما ‪ ،‬فقد عاشا يما عاشا قبل ذلك في جو يمضطرب ‪ ،‬يسوده القلق والفزع‬ ‫‪ ،‬وتهدده الحروب والغارات ‪ ،‬وتراوحه وتغاديه الفجائع والنكبات ‪ ،‬حتى استقر بهيما اليمقام في كنف الشيخ غانم ‪ ،‬فلقيا‬ ‫يمن عطفه وبره يما أنساهيما يم اررة اليتم ‪ ،‬وذل الرق ‪ ،‬وألم التغرب والتشرد ‪ ،‬ونعيما بعيشة راضية آيمنة يمطيمئنة ‪ ،‬وكان‬ ‫أكبر نعيمة تيمت عليهيما عنده ‪ ،‬نعيمة الحب ‪.‬‬ ‫لم يكد قطز يسكن إلى كنف يموله الجديد ‪ ،‬ويستريح قلبه يمن عنت يموسى واضطهاده حتى تذكر فراق جلنار ‪ ،‬فذهبت‬ ‫نفسه حسرات في أثر حبيبته الذاهبة ‪ ،‬وشفه الوجد والحنين حتى اصفر وجهه ونحل جسيمه وتقرحت يمقلتاه يمن طول‬ ‫السهر والبكا ء ‪ ،‬كأنيما كان يمشغولد عن ألم فراقها بيما كان يكابده يمن اليمحن بيموسى ‪ ،‬فليما سل هذه اليمحنة وتنفس‬

‫الصعدا ء في قصر سيده الجديد ‪ ،‬فرغ ليمحنته الكبرى بفراق حبيبته جلنار ‪ ،‬وكذلك قد تنزل باليمر ء يمصيبتان فيضيق‬ ‫بصغراهيما وتشغله عن كبراهيما حتى يظن أنه قد سلها ‪ ،‬فيما هي إل أن تنقشع الصغرى ‪ ،‬فإذا الكبرى تعود يمن جديد‬

‫فتطبق على قلبه ‪.‬‬ ‫رق السيد ابن الزعيم لحال يميملوكه اليمير الخوارزيمي ‪ ،‬فبالغ في تكريمته والبر به ‪ ،‬واجتهد أن يصرفه عن لوعته وحزنه‬ ‫‪ ،‬فكان يدنيه يمنه ويقول له ‪ " :‬كفاك يا بني حزدنا على حبيبتك الحسنا ء جلنار ‪ ،‬فإن شئت زوجتك جارية يمثلها أو أجيمل‬

‫يمنها " ‪.‬‬

‫فيجيبه قطز في أدب جم ‪ :‬ل يا يمولي ‪ ،‬ل أرغب في الزواج يمن غيرها ‪ ،‬إوان تكن أجيمل يمنها ‪ ،‬إنها ابنة خالي ‪ ،‬نشأنا‬

‫يمعا ولم نفترق يمنذ ولدنا " فيقول له سيده ‪ " :‬إنك لعلى حق يا قطز ‪ ،‬إذ ليس في وسعنا أن نزوجك أيميرة يمثل ابنة جلل‬ ‫الدين ‪.‬‬ ‫ولكني أنصحك أن تجتهد في سلوانها إشفادقا على نفسك ‪ ،‬إوابقا ء على صحتك وشبابك واصبر لعل ال يجيمع شيملكيما‬

‫يمن حيث ل تحتسبان " ‪.‬‬

‫وأوصي ابن الزعيم خاديمه الحاج علديا الفراش ‪ ،‬بأل يألو جهددا في العناية بقطز وتسلية هيمه ‪ ،‬ولم يكن الحاج علي‬

‫بحاجة إلى وصية سيده بصديقه الحيميم ‪ ،‬فلم يدع وسيلة يمن الوسائل لتسليته وتعزيته إل استعيملها‬

‫وكان الحاج علي لبق الحديث ‪ ،‬حسن التصرف ‪ ،‬خبي دار بأدوا ء القلوب ‪ ،‬عليديما بعلجها ‪ ،‬فيما زال بصديقه الحزين ‪،‬‬

‫يقبضه ويبسطه ويسليه ويعلله ‪ ،‬ويضرب له اليمثال في ذلك ‪ ،‬ويتنزه به في ضواحي اليمدينة ورياض الغوطة ‪ ،‬ويرود‬

‫به زحيمة السواق ويغشى به يمجالس العلم في اليمسجد حتى استطاع أن يكسر سورة الحزن في قلبه ووكل الباقي إلى‬ ‫اليام لتقضي عليه ‪.‬‬


‫أخذت اليميملوك الشاب عقب ذلك جذبة إلهية ‪ ،‬فتعلق قلبه بالعبادة والتقوي ‪ ،‬فكان يصلي الفروض لوقاتها ‪ ،‬ويحافظ‬ ‫على النوافل ‪ ،‬وأكثر يمن تلوة القرآن وتردد على يمجالس العلم في جايمع اليمدينة ‪ ،‬ولسييما دروس الشيخ ابن عبد السلم‬ ‫‪ ،‬فقد أغرم بها فكان ل يفوته درس ‪ ،‬ولم يتصد للقرا ءة عليه ‪ ،‬أو على غيره يمن العليما ء ‪ ،‬بل كان يكتفي بالحضور‬ ‫والستيماع ‪ ،‬وكان سيده ابن الزعيم يشجعه على ذلك ويثني عليه ‪ ،‬ويما كلفه قط عيملد يحول بينه وبين حضور هذه‬

‫اليمجالس ‪.‬‬

‫وجا ء الشيخ يوديما إلى دار ابن الزعيم يزوره ‪ ،‬فأكريمه واحتفل به فليما استقر بهيما اليمجلس دخل قطز عليهيما بشراب الورد‬

‫ليقديمه للشيخ ‪ ،‬فليما رآه الشيخ التفت إلى يمضيفه ‪ ،‬وقال له ‪ " :‬يمن هذا الشاب ؟ أحسبني رأيته يمرة في حلقة الدرس " ‪.‬‬

‫فأجابه ابن الزعيم ‪ :‬هذا يميملوك كان لجاري الشيخ غانم رحيمه ال اشتريته قريدبا ‪ ،‬وهو يحبك يا سيدي ويحضر دروسك‬ ‫ويستيمع إليك‬

‫قال الشيخ وهو يتفرس في وجه قطز ‪ " :‬إنه يما عليمت لشاب صالح " ‪.‬‬ ‫فقال ابن الزعيم ‪ " :‬أجل إنه صالح ويمن أصل كريم " ‪.‬‬ ‫وكان الشيخ قد فرغ يمن شرابه عند ذاك ‪ ،‬فرد الكأس إلى ساقيه ‪ ،‬فانصرف وقد خجل يمن ثنا ء الشيخ عليه ‪ ،‬ويمضي ابن‬ ‫الزعيم يحدث ضيفه الكريم بخبر يميملوكه ‪ ،‬وأنه يمن بيت السلطان جلل الدين ابن خوارزم شاه ‪ .‬وأن اللصوص‬ ‫اختطفوه وابنة السلطان وهيما صغيران فباعوهيما في سوق حلب ‪ ،‬وأن الشيخ غانم اليمقدسي اشتراهيما فرباهيما إلى آخر‬ ‫قصتهيما ‪.‬‬ ‫فعجب الشيخ يمن هذا الحديث ‪ .‬وتل قوله تعالي ‪ " :‬قل اللهم يمالك اليملك تؤتي اليملك يمن تشا ء ‪ .‬وتنزع اليملك يميمن‬ ‫تشا ء ‪ ،‬وتعز يمن تشا ء ‪ ،‬وتذل يمن تشا ء ‪ ،‬بيدك الخير ‪ ،‬إنك على كل شي ء قدير "‬ ‫فقال ابن الزعيم ‪" :‬إني يما اشتريته إل لعتقه‪ ،‬ولول حبي له وخشيتي أن يفارقني فتضيق به سبل الحياة لعتقته يمن‬ ‫قبل"‪.‬‬ ‫فقال الشيخ ‪ " :‬شكر ال لك يا ابن الزعيم جيميل صنعك فيه ‪ .‬إن جلل الدين لحرى أن تحفظه في ولده ‪ ..‬أل تدعوه‬ ‫فأراه قبل أن أنصرف ؟ " ‪.‬‬ ‫فقام ابن الزعيم وعاد بقطز يمعه ‪ ،‬وقديمه للشيخ فتلقاه بالبشر ‪ ،‬وطيب خاطره ‪ ،‬وأقعده قريدبا يمنه ‪ ،‬وقال له ‪ " :‬إن جلل‬ ‫الدين كان حبيدبا إلى نفوسنا ‪ ،‬إذ كان يجاهد التتار ‪ ،‬ويدافعهم عن بلد السلم ‪ ،‬وأنت ابن أخته ولك عندنا يمنزلة‬

‫وحريمة ‪ .‬وقد أحسن ال إليك إذ أفضي بك إلى كنف هذا السيد وهو يمن الصالحين اليمجاهدين ‪ ،‬ل غضاضة على يمسلم‬

‫في خديمة يمثله ‪ .‬وسيعتقك ويحسن إليك … " ‪.‬‬ ‫فقبل قطز يد الشيخ ‪ ،‬وقال بصوت يخالطه البكا ء ليما تأثر به يمن كليمه ‪ " :‬أنا يميملوك سيدي ابن الزعيم وعبد إحسانه ‪،‬‬ ‫ل أحب أن يعتقني ‪ ،‬ول أريد أن يحريمني شرف خديمته " ‪.‬‬ ‫فقال ابن الزعيم ‪ " :‬بل أنت ولدي يا قطز ‪ ،‬ونحن جيميدعا خدام الدين وخدام الشيخ ابن عبد السلم " ‪.‬‬

‫كذلك عرف الشيخ ابن عبد السلم قط داز ‪ ،‬فصار يدنيه يمن يمجلسه إذا حضر لستيماع الدرس ‪ ،‬ويلتفت إليه ‪ ،‬ويسأله‬ ‫عن سيده ابن الزعيم ويحيمله تحيته ‪ ،‬وأحيادنا يبعثه برسالة إليه ‪ ،‬وسرعان يما وثق به سيده والشيخ ‪ ،‬ليما رأيا فيه يمن‬

‫رجاحة العقل ‪ ،‬وحصافة الرأي وكيمال الرجولة ‪ ،‬والضطلع بيمهام اليمور ‪.‬‬


‫فأتيمناه على أسرارهيما ‪ ،‬فكان أحدهيما يقول له يما يشا ء يمن الكلم ليبلغه للخر ل يأتيمنان أحددا غيره عليه ‪ ،‬يمن أيمور‬ ‫تتصل بحركتهيما السياسية أو الصلحية ل في ديمشق وحدها بل في سائر بلد الشام وغيرها يمن البلد السليمية ‪.‬‬

‫فعرف قطز في هذه اليمدة القصيرة التي قضاها في خديمة ابن الزعيم كثي دار يمن أحوال العالم السليمي إذ ذاك ‪ .‬وأحوال‬

‫يملوكه وأيمرائه والح اززات التي بينهم واليمنافسات على اليملك ‪ ،‬ويموقف كل يمنهم يمن يمعاداة الصليبين أو يموالتهم ‪ ،‬وأدرك‬ ‫السياسة التي كان ‪ ،‬الشيخ وأنصاره ينتهجونها ‪ ،‬واليمريمي الذي يريمون إليه يمن توحيد بلد السلم وتكوين جبهة قوية‬

‫يمن يملوك السلم وأيمرائه لطرد الصليبيين يمن البلد التي يحتلونها في الشام ‪ ،‬ولصد غارات التتار التي تهددهم يمن‬ ‫الشرق ‪.‬‬ ‫وقد اقتضت هذه السياسة أن تخص باليمناصرة والتأييد أقوي يملوك اليمسليمين وأصلحهم للضطلع بهذه اليمهيمة الكبرى‬ ‫يميمن ل ييميلون إلى يموالة الصليبيين أو يمصانعتهم ‪ .‬وأن تسعي للقضا ء على يمن يواليهم أو يخضع لنفوذهم يمن اليملوك‬ ‫واليمرا ء ‪ .‬فكان اليملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب يمصر على رأس الفريق الول ‪ ،‬وكان على رأس الفريق الثاني‬ ‫عيمه اليملك الصالح عيماد الدين إسيماعيل صاحب ديمشق ‪ ،‬وكان العدا ء بين هذين يمستحكديما ‪ ،‬والتنافس بينهيما شديددا‬ ‫على اليملك ‪ ،‬فل غرو أن يوالوا يملك يمصر ويدعوا له ‪ ،‬ويعادوا يملك ديمشق ويعتبروه خائدنا للسلم ‪.‬‬ ‫وكان الشيخ ابن عبد السلم يراسل اليملك الصالح أيوب ‪ ،‬ويحرضه على تطهير بلد الشام يمن الصليبين أسوة بجده‬

‫اليمجاهد العظيم السلطان صلح الدين ‪ ،‬ويعده بيمناصرة عايمة أهل الشام ‪ ،‬فيتلقى ردوددا يمنه يعده فيها بالقيام بذلك‬ ‫عنديما تسنح الفرصة وتتم الهبة وقد علم الصالح إسيماعيل بحركة ابن عبد السلم ‪.‬‬

‫فأراد القبض عليه ‪ ،‬ولكنه خشي أنصاره أن يثوروا له فيؤلبوا العايمة عليه ‪ ،‬فأجل ذلك إلى حين ‪ .‬وقوي عزم الصالح‬ ‫أيوب على اليمسير إلى الشام ‪.‬‬ ‫فاشتد خوف الصالح إسيماعيل ‪ ،‬وعزم على غزو يمصر قبل أن يغزو يملكها بلده فبعث إلى أيميري حيمص و حلب‬ ‫يطلب يمنهيما النجدات ‪ .‬وكاتب الفرنج واتفق يمعهم على يمساعدته واليمسير يمعه ليمحاربة سلطان يمصر ‪.‬‬ ‫وأعطاهم في سبيل ذلك قلعتي صفد والشقيف وبلدهيما ‪ ،‬وصيدا وطبرية وأعيمالها ‪ ،‬وسائر بلد الساحل ‪ .‬ويما اكتفي‬ ‫بذلك حتى أذن لهؤل ء العدا ء في دخول ديمشق ‪ .‬وشرا ء السلحة وآلت الحرب يمن أهلها ‪.‬‬ ‫وأدرك الشيخ ابن عبد السلم الخطر الذي يتهدد بلد السلم يمن هذا الخطب الفادح ‪ ،‬فكتب رسالة قوية إلى الصالح‬ ‫أيوب يحثه فيها على التعجيل بالجهاد ‪ ،‬ويتوعده فيها بغضب ال ونقيمته وعذابه إذا تهاون في اليمسير حتى يتم يما أراده‬ ‫أعدا ء السلم به ‪ ،‬يمؤكددا له أن تبعة ذلك ستكون على رقبته إذا قصر فييما أوجبه ال عليه ‪ ،‬وأنذره بضياع يملكه‬

‫وخسارة دنياه وآخرته ‪.‬‬

‫وأخذ الشيخ يكثر الجتيماع بأنصاره ويمريديهويحيمسهم ويأيمرهم بالستعداد للقيام بواجبهم يمن الجهاد في سبيل الوطن ‪،‬‬ ‫وكان يفعل كل هذا في السر ‪ ،‬حتى إذا كان يوم الجيمعة وايمتل الجايمع الكبير بالناس ‪ ،‬دخل الشيخ ابن عبد السلم يمن‬ ‫الباب الخاص بالخطيب فرقي اليمنبر فتطلعت إليه العيون واشرأبت إليه العناق ‪ ،‬وساد الحاضرين صيمت عيميق كأنيما‬ ‫على ر ءوسهم الطير ‪.‬‬ ‫فحيمد ال وأثني عليه ‪ ،‬وصلي على نبيه عليه الصلة والسلم ‪ .‬ثم ذكر الجهاد وفضائله وكيف كان النبي وأصحابه‬ ‫يجاهدون اليمشركين حتى علت كليمة ال ‪ ،‬وبلغت دعوة السلم إلى اليمشرق واليمغرب وأورث ال اليمسليمين البلد ‪،‬‬


‫وجعلهم خلفا ء الرض يما قايموا بالدين واستقايموا على طريقته ‪ ،‬فليما غيروا يما بأنفسهم غير ال عليهم فسلط العدا ء‬ ‫على بلدهم ينتقصون أطرافها ‪ ،‬ويستأثرون بخيراتها ‪ ،‬ويسويمون أهلها الخسف والهوان ويذيقونهم ألوان العذاب ابتل ء‬ ‫يمن ال ‪‬ليهلك يمن هلك عن بينة ويحيا يمن حي عن بينة‪ ‬سورة النفال ][ ‪.‬‬ ‫وأن آخر هذه اليمة ل يصلح إل بيما صلح به أولها ‪ ،‬ولم يصلح أولها إل بالجهاد في سبيل ال ‪ .‬ثم ذكر يما أوجب ال‬ ‫على اليمسليمين يمن طاعة أولي اليمر يمنهم ‪ .‬ليستقيم بهم أيمر يمعاشهم ويمعادهم ‪ .‬ويما أوجب ال على أولي اليمر يمن‬ ‫النصح للسلم وأهله ‪ .‬والقيام بحيماية بلدهم وسد ثغورهم حتى يأيمنوا على دينهم ‪ ،‬وأعراضهم وأنفسهم وأيموالهم‪.‬‬ ‫وليما أخذ في الخطبة الثانية جعل يدعو ال أن يعز السلم وأهله وأن ينصر يمن في بقائه صلح اليمسليمين ‪ .‬وكان‬ ‫يدعو في آخر خطبته للصالح إسيماعيل ‪ ،‬فقطع الدعا ء له في هذه الخطبة واكتفى بالدعا ء ليمن يعلي كليمة السلم‬ ‫وينصر دين ال ‪.‬‬ ‫وفرغ الشيخ يمن خطبته وأقييمت الصلة ‪ ،‬والناس ل يصدقون أنهم سيمعوا يما سيمعوه يمن الشيخ في خطبته ‪ ،‬لشدة يما‬ ‫حيمل على الصالح إسيماعيل ‪ ،‬وندد بفعلته في كليمات واضحة صريحة ل غيموض فيها ول إبهام ‪.‬‬ ‫وانصرف الناس يمن الجايمع ‪ .‬ول حديث لهم إل خطبة الشيخ ابن عبد السلم يفخر يمن سيمعها على يمن لم يسيمعها ‪،‬‬ ‫ويود يمن لم يسيمعها لو انه خسر شط دار يمن عيمره وسيمعها ‪ ،‬واتفق السايمعون على العجاب بها ‪ ،‬واختلفوا في وجه‬

‫العجاب ‪ ،‬فيمن يمعجب ببلغة الشيخ ‪ ،‬ويمن يمعجب بقوة حجته‪ ،‬ويمن يمعجب باطراد بيانه وتسلسله ‪ ،‬ويمن يمعجب‬ ‫بشجاعته ورباطة جأشه ‪.‬‬

‫واتفق الناس في الشفاق على يمصيره ‪ ،‬ولكنهم اختلفوا في تقدير يما يناله يمن عقوبة الصالح إسيماعيل ‪ ،‬فيمن قاطع أنه‬ ‫سيقتله ‪ ،‬ويمن ذاهب إلى أنه سيحبسه ‪ ،‬ويمن يمرجح أنه سينفيه ويصادر أيملكه ‪ ،‬وآخر يري أنه سيعزله عن الخطابة ‪،‬‬ ‫ويشتت شيمل أنصاره ‪ ،‬على أنهم جيميدعا آسفون ؛ لنهم لن يسيمعوه يخطب على يمنبر جايمعهم بعد ذلك اليوم ‪.‬‬

‫وكان الصالح إسيماعيل غائدبا عن ديمشق يويمذاك ‪ ،‬فكتب إليه بيما كان يمن الشيخ ‪ ،‬فورد كتابه بعزله يمن الخطابة‬

‫والقبض عليه وحبسه حتى يرجع إلى ديمشق فيري فيه رأيه ‪ .‬وكان أنصار الشيخ قد أشاروا عليه بأن يغادر البلد وينجو‬ ‫بنفسه يمن يد الصالح إسيماعيل وأعدوا له وسائل الهرب ‪ ،‬ولكنه أبى ذلك ‪ ،‬وألحوا عليه فأصر على البا ء ‪ ،‬فعرضوا‬

‫ضا وقال ‪ " :‬وال ل‬ ‫عليه أن يختبئ في يمكان أيمين ل يهتدي إليه الصالح إسيماعيل ورجاله ‪ ،‬فرفض هذا القتراح أي د‬

‫أهرب ول أختبئ إوانيما نحن في بداية الجهاد ‪ ،‬ولم نعيمل شيدئا بعد وقد وطنت نفسي على احتيمال يما ألقي في هذا السبيل‬ ‫‪ ،‬وال ل يضيع عيمل الصابرين " ‪.‬‬

‫وقبض على الشيخ ابن عبد السلم ‪ ،‬وسجن ‪ ،‬وثار أنصاره فطالبوا بالفراج عنه‪.‬‬ ‫وقد حاول الصالح إسيماعيل قيمع الثورة فلم يفلح ‪ ،‬فيما وسعه إل أن يأيمر بالفراج عن الشيخ ابن عبد السلم ‪ .‬ولكن‬ ‫الصالح إسيماعيل ألزم ابن عبد السلم بيملزيمة داره ‪ ،‬وبأل يفتي ول يجتيمع بأحد ألبتة ‪ .‬فشق على أنصاره أن يحال‬ ‫بينهم وبينه للسترشاد بآرائه فييما يجب عليهم عيمله ‪.‬‬ ‫وفكروا في حيلة للتصال به فإذا السيد ابن الزعيم قد أيمر يميملوكه قط داز أن يتعلم الحلقه ‪ ،‬إواذا قطز قد حذقها ‪ ،‬وتشبه‬ ‫بالحلقين في زيه وحركته ‪ ،‬ففرحوا بهذا الحل الطريف ‪ .‬وبعثوا قط داز فذهب إلى الشيخ في داره ‪ ،‬فلم يشك أحد يمن‬


‫يمراقبيه في أنه حلق قد جا ء ليزين الشيخ ‪ ،‬فليما دخل عليه لم يعرف الشيخ أنه قطز إل يمن صوته فسر به ‪ .‬فبلغه قطز‬ ‫أخبار سيده ابن الزعيم وغيره يمن أنصاره ويما أصاب بعضهم يمن عقوبة اليملك الصالح إسيماعيل ‪.‬‬ ‫وكذلك تردد الحلق قطز على الشيخ فوصل بينه وبين أنصاره يطلعه على خططهم وأعيمالهم وسائر يما يهيمه يمن أخبار‬ ‫البلد ‪ ،‬ويبلغهم أوايمره إوارشاداته فيقويمون بتنفيذها ‪ ،‬ول يبالون يما يصيبهم في ذلك يمن قتل أو حبس أو تعذيب ‪ .‬وكانا‬

‫ربيما انتهيا يمن حديثهيما في السياسة فتبسط الشيخ إلى حلقه ‪ .‬وتشقق بينهيما الحديث في شئون شتى يمن هزل الحياة‬ ‫وجدها ‪.‬‬ ‫وجا ء قطز يوديما آخر يمتهلل الوجه ‪ ،‬طيب النفس ‪ ،‬عليه أثر الغتسال ‪ ،‬والطيب ينفح يمن رأسه وثيابه ‪ ،‬فسأله الشيخ‬

‫يملطدفا ‪ :‬يما هذا يا قطز هل تزوجت البارحة ؟ " ‪.‬‬

‫فتبسم الشاب وقال ‪ " :‬ل يا يمولي الشيخ‪ ،‬لقد أقسيمت أل أتزوج إل بابنة خالي جلنار ‪ ،‬ولكني رأيت النبي صلي ال‬ ‫عليه وسلم البارحة في اليمنام‪ ،‬فأخبرت سيدي فأيمرني بالغتسال والتطيب فجئت كيما تري " ‪.‬‬

‫فقال الشيخ ‪ " :‬خي دار صنعت وبخير أشار عليك سيدك فحدثني عن رؤياك " ‪.‬‬

‫فخفق قلب الشاب وسرت في جسيمه رعدة كأنه يتهيب أن يقص رؤياه على الشيخ العظيم ‪ ،‬ولكنه رأي طلقه وجه‬ ‫الشيخ إواقباله عليه فشجعه ذلك على الحديث فقال ‪:‬‬

‫" أرقت البارحة ونابني ضيق شديد ‪ ،‬فقيمت فتوضأت ‪ .‬وصليت النفل وأوترت ‪ ،‬ودعوت ال ‪ ،‬ثم عدت إلى فراشي‬ ‫فغلبتني عيناي ‪ ،‬ورأيت كأني ضللت طريقي في برية قفرا ء فجلست على صخرة أبكي ‪ ،‬وبينيما أنا كذلك إذا بكوكبة يمن‬ ‫الفرسان ‪ ،‬قد أقبلت ‪ ،‬يتقديمها رجل أبيض جيميل الوجه ‪ ،‬على رأسه جيمة تضرب في أذنيه ‪ ،‬فليما رآني أشار لصحابه ‪،‬‬ ‫فوقفوا وترجل عن فرسه ‪ ،‬ودنا يمني فأنهضني بقوة ‪ ،‬وضرب على صدري ‪ ،‬وقال لي ‪ " :‬قم يا يمحيمود فخذ هذا الطريق‬ ‫إلى يمصر ‪ ،‬فستيملكها وتهزم التتار " ‪.‬‬ ‫فعجبت يمن يمعرفته اسيمي وأردت أن أسأله يمن هو؟ فيما أيمهلني أن ركب جواده فانطلق به فصحت بأعلي صوت ‪" :‬‬ ‫يمـن أنـت ؟ "‬ ‫فالتفت أحد أصحابه وهم يمنطلقون في أثره ‪ " :‬ويلك هذا يمحيمد رسول ال صلي ال عليه وسلم " وانتبهت يمن نويمي وأنا‬ ‫أحس برد أنايمله في صدري ‪ ،‬فيما يملكت نفسي يمن الفرح أن انطلقت إلى سيدي فوجدته يتوضأ ‪ ،‬فلم أصبر حتى يفرغ‬ ‫يمن وضوئه ‪ ،‬فخرجت إلى الحاج علي الفراش فوجدته على فراشه ‪ ،‬فأيقظته وقلت له ‪ " :‬رأيت رؤيا عظييمة ‪ ،‬رأيت‬ ‫النبي صلي ال عليه وسلم " فهب يمن فراشه وأقبل على فرحا يريد أن أقصها عليه ‪ ،‬فقلت له ‪ " :‬ل أقصها إل على‬ ‫سيدي أول " فقال لي ‪ " :‬أتبعك إليه فاسيمعها يمعه " ‪ ،‬فانطلق يمعي ‪ ،‬فوجدنا السيد ابن الزعيم حين خرج يمن اليمغتسل ‪:‬‬ ‫فليما رأنا تعجب يمن إقبالنا يمدعا ‪ ،‬فقال له الحاج علي ‪ " :‬إنه رأي النبي صلي ال عليه وسلم يا سيدي ‪ ،‬ويريد أن يقصها‬ ‫عليك " فابتسم سيدي وأقبل على فحدثته بيما رأيت في يمنايمي‪ ،‬ففرح وبشرني وأيمرني بالغتسال فاغتسلت وطيبني بيده‬

‫وقال لي ‪ " :‬اذهب إلى يمولنا الشيخ فاقصص رؤياك عليه وانظر يماذا يقول لك في تعبيرها " ‪.‬‬ ‫فسكت الشيخ هنيهة يمتعجدبا يمن الرؤيا ‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬يمازلت تفكر في اليملك وهزييمة التتار يا قطز حتى أتاك النبي ـ صلي‬

‫ال عليه وسلم ـ فبشرك بهيما " إنها لرؤيا عظييمة كيما ذكرت ‪ ،‬فإن تكن صددقا فستيملك يمصر حقا وتهزم التتار ‪ ،‬فإن‬ ‫النبي ـ صلي ال عليه وسلم ـ يقول ‪ " :‬يمن رآني فقد رآني حقا فإن الشيطان ل يتيمثل بي " ‪.‬‬


‫فجعل الشاب يقبل رأس الشيخ ويلثم يده ظه دار لبطن ‪ ،‬وهو يقول ‪ " :‬بشرك ال يا سيدي " فقال له الشيخ يميمازدحا ‪ " :‬يما‬ ‫بشارتي إذا تحققت رؤياك وصرت يملدكا على يمصر ؟ " فسكت قطز قليلد وهو يبتسم كأنه يعد في نفسه جوادبا للشيخ ثم‬

‫قال ‪ .‬وقد ليمعت عيناه ‪ " :‬ولو كنت يا سيدي الشيخ تحب الدنيا لسقت إليك بدر الذهب والفضة ‪ .‬ولكني سأرجع إلى‬

‫رأيك في كل شئون يملكي ‪ .‬فأقيم الشرع ‪ ،‬وأنشر العدل ‪ ،‬وأحيي يما أيمات الناس يمن سنة الجهاد ‪ ،‬فهذه بشارتك عندي‬ ‫"‪.‬‬ ‫ففرح الشيخ يمن حسن جوابه ‪ ،‬واستنار وجهه كأنه القيمر ‪ ،‬وقال ‪ " :‬إنك لصادق القول وصالح العيمل يا قطز ‪ ،‬إوانك‬ ‫لجدير بأن تكون يملك اليمسليمين " ‪ .‬ثم رفع يديه إلى السيما ء وقال ‪ " :‬اللهم حقق رؤيا عبدك قطز كيما حققتها يمن قبل‬ ‫لعبدك ورسولك يوسف الصديق عليه وعلي آبائه السلم …‪ " .‬ولم يكد الشيخ يؤيمن على دعائه حتى رأي البكا ء في‬ ‫عيني قطز ‪ ،‬فظنه أول اليمر يبكي يمن الفرح ‪ ،‬ولكنه لم يلبث أن استخرط في البكا ء ورآه يزفر بشدة تكاد تشق صدره‬ ‫وتقصم أضلعه ‪ ،‬فدنا الشيخ يمنه وسأله عيما يبكيه ؟ فأجابه الشاب بصوت يخالطه النشيج ‪ " :‬لقد عليمت يقينا يا‬ ‫يمولي الشيخ أن ال سيجب دعا ءك لي ‪ ،‬فذكرت حبيبتي جلنار ‪ ،‬وعز على أني لن أراها أبددا ‪ ،‬فوددت لو دعوت ال‬

‫لي أيضا أن ألقاها فأتزوج بها " ‪.‬‬

‫فرق له الشيخ ‪ ،‬وسنحت على ثغره بسيمة خفيفة ‪ ،‬ولم يقل شيدئا ‪ ،‬بل عاد فرفع يديه إلى السيما ء ‪ ،‬وقال ‪ " :‬اللهم إن في‬ ‫صدر هذا العبد الصالح يمضغة تهفو إلى إلفها في غير يمعصية لك ‪ ،‬فأتيمم عليه نعيمتك ‪ ،‬واجيمع شيمله بأيمتك التي‬ ‫يحبها على سنة نبيك يمحيمد صلي ال عليه وسلم " ‪.‬‬ ‫ويما أتم الشيخ دعوته حتى جف ديمع الشاب ‪ ،‬وسكن لعج قلبه وطفق يتيمتم ‪ " :‬الحيمد ال ‪ ،‬سألقاها ‪ :‬سأتزوجها " ‪.‬‬ ‫فقال الشيخ ‪ " :‬إن شا ء ال " ‪.‬‬

‫ما تم حذفه لوإضافته في قصة لوا إسلماه للصف الثاني الثانوي‬ ‫الفصل اللول ‪:‬‬

‫) فنظر إليه ممدلود ‪ ..........‬كله أمام ربه (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 5‬السطر ‪5‬‬ ‫إضافة‪ :‬ص ‪ 5‬السطر ‪ ) 15‬قال ممدلود حسبه أنه جاد بنفسه (‬ ‫المحذلوف ص ‪ 6‬لوص ‪ 7‬السطر قبل اليخير ) لوحسبي أني أدفع ‪ ........‬أن‬ ‫يصلوا إلينا (‬ ‫) لوقد قلت لك ‪ ......‬ملوك‬ ‫التبديل ‪ :‬ص ‪ 7‬السطر ‪15‬‬ ‫السلم المتقاعدلون(‬ ‫) لوحسبي أني سأحصن حدلود بلدي لوأمنعها منهم لوأدفع شرهم عنها فل‬ ‫أدعهم يخلصون إليها(‬ ‫) لوكان الليل قد انتصف ‪ ..........‬ما تبح العيون (‬ ‫المحذلوف‪ :‬ص ‪8‬‬ ‫) سنكون سعداء ‪ .......‬إلى أيخر الفصل (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪9‬‬ ‫الفصل الثاني‬


‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ : 14 ، 13 ، 12 ،11‬السطر ‪ ) 5‬لوكان جلل الدين‬ ‫‪ ............‬تنهمر من عينيهما (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ ) 17‬فأقبل على أهله ‪ ..............‬لويشيعهن بقلب مكلوم (‬ ‫إضافة‪ :‬ص ‪ 17‬السطر ‪ 13‬تضاف هذه الجملة بعد ) لوحريمه لوأثقاله (‬ ‫] لونتج عن ذلك غرق النسوة من أهل بيته‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 19‬السطر السادس ) فلما اطمأن ‪ ............‬على حيتان‬ ‫النهر (‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 21‬السطر ‪ ) 20‬بهما لوانحدر بهما ‪ ..........‬لومضت في‬ ‫سبيلها (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 22‬السطر ‪ ) 3‬فأنزلهم في قاربه ‪ ..‬إلى قريته (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 22‬السطر ‪ ) 11‬لوجرى القارب ‪ .............‬حديث الصياد‬ ‫إذ (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 22‬السطر ‪ ) 27‬لوقال لن أشغل نفسي ‪ ........‬ماضيا في‬ ‫سبيله (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬من ص ‪ 25‬حتى ص ‪34‬‬ ‫الفصل الرابع‬

‫التبديل ‪ :‬ص ‪ 40‬السطر ‪27‬‬ ‫الذي امتل بجثث التتار (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 41‬السطر ‪ ) 3‬لوأمر بالسرى ‪ ......‬من جلل الدين إلى‬ ‫حين (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 42 ،41‬السطر ‪ ) 18‬على أنه عرف من ‪ .........‬لويخلص‬ ‫إلى مصر (‬ ‫) إلى ( بدل من ) لول (‬ ‫التبديل ‪ :‬ص ‪ 43‬السطر ‪4‬‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 43‬السطر ‪ ) 5‬ليفرغ لخصمه العنيد ‪ ......‬ملك أساء إليه‬ ‫(‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 43‬السطر ‪ ) 16‬لوقد مزقت صدرها ‪ ....‬بحناجرهم طعنا (‬ ‫) لوإذا نصحه أحد ‪........‬‬ ‫المحذلوف ‪:‬ص ‪ 43،44،45،46‬السطر ‪28‬‬ ‫يغفر آثامي محمود لوجهاد (‬ ‫المحذلوف ‪:‬ص ‪ 49‬أيخر ثلثة اسطر ) لوجحظت مقلتاه ‪ ....‬لويكفر آثامي (‬ ‫الفصل الخامس‬

‫) احتفال بالنصر( بدل من ) على السهل‬

‫التبديل ‪ :‬ص ‪ ) 51‬لوفي أثناء عودة جلل الدين غلى بلده للقاء جنكيز يخان (‬ ‫بدل من ) لولما انتهى جلل الدين من الغارة على بلد الملك الشرف لوقصة‬ ‫بلده مسرعا (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 51‬السطر ‪ ) 15‬لوكان جماعة من أهل يخل ط ‪.......‬عليها‬ ‫سواء (‬ ‫إضافة ‪ :‬ص ‪ 52‬السطر اللول ) لوبينما كان محمود لوجهاد يسيران (‬


‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 54‬السطر ‪ ) 16‬أما تذكر نبوءة المنجم ‪ ..........‬في هذه‬ ‫البتة (‬ ‫الفصل السادس لو الفصل السابع )لن يتم حذف فيهما(‬ ‫الفصل الثامن‬

‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 77 ، 76‬السطر ‪ ) 18‬لوكان السيد ابن الزعيم ‪...‬‬ ‫لومسالمة اليام (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 77‬ايخر ثلثة أسطر ) لوسكت هنيهة ‪ .....‬البرار (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬السطر ‪ ) 10‬فايما سلطان ألو ملك ‪ ...‬رددها ثلثا ثم قعد (‬ ‫المحذلوف‪ :‬ص ‪ 81‬السطر ‪ ) 6‬لولول سماعهم ‪ .....‬المسجد الكبير (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 82‬في السطر اللول ) فشق ذلك على الناس (‬ ‫لوفي السطر الثاني ) لوغدا لم يجابوا إلى طلبهم ‪ .........‬عدلوه ملك مصر (‬ ‫إضافة ‪ :‬ص ‪ 82‬السطر ‪ ) 11‬لوقد حالول الصالح إسماعيل قمع الثورة (‬ ‫المحذلوف ‪:‬ص ‪ 82‬السطر ‪ ) 20‬لوإنهم كفو عن ‪ ......‬من دفع الباطل (‬ ‫المحذلوف ‪ :‬ص ‪ 82‬السطور الثلثة اليخيرة ) لوقد يستطرد الحديث ‪......‬‬ ‫لودعا له بالكرامة لوالخير (‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.