الفصل اللول قال السلطان جلل الدين ذات ليلة لليمير يميمدود ابن عيمه وزوج أخته ،وكان ييلعبه الشطرنج في قصره بغزنة " :غفر ال لبي وسايمحه ! يما كان أغناه عن التحرش بهذه القبائل التترية اليمتوحشة ،إذن لبقيت تائهة في جبال الصين وقفارها ،ولظل بيننا وبينهم سد يمنيع " . قال يميمدود -:حسبه أنه جاد بنفسه في سبيل الدفاع عن بلد السلم فقد ظل يقاتلهم ويجالدهم جلددا ل هوادة فيه ،
إلى أن كبا به الحظ ،فيمات شريددا وحيددا في جزيرة نائية .
-ليت اليمر ينتهي عند جوده بنفسه ،إذن لبكينا يملدكا عظيديما عز علينا فراقه ،واحتسبناه عند ال والددا كريديما آليمنا فقده
.
ولكن لتصرفه هذا ذيولد ل أحسبها تنتهي فهؤل ء التتار رسل الديمار والخراب ،وطلئع الفساد ،ل يدخلون يمدينة حتى
يديمروها ويأتوا فيها على الخضر واليابس ،ول يتيمكنون يمن أيمة حتى يقتلوا رجالها ،ويذبحوا أطفالها ،ويبقروا بطون
حوايملها ،ويهتكوا أعراض نسائها ... وهنا طغى البكا ء على جلل الدين ،وعاقه برهة عن الستيمرار في كليمه ،ففهم يميمدود يما جال بخاطره ،ولم يلبث أن شاركه في البكا ء فانخرطا فيه ،ويما كان بكاؤهيما ليمر هين ،فقد تذاك ار يما وقع لنسوة يمن أهلهيما فيهن أم خوارزم شاه وأخواته ،فقد بعثهن خوارزم شاه يمن " الري " ،حين تفرق عنه عسكره وأيقن بالهزييمة ،ليلحقن بجلل الدين في غزنة ، وبعث يمعهن أيمواله وذخائره ،التي لم يسيمع بيمثلها ،فاتصل ذلك بعلم التتار فتعقبوهن وقبضوا عليهن في الطريق، فأرسلوهن يمع الذخائر واليموال إلى جنكيز خان بسيمرقند .ويمسح جلل الدين ديموعه وطفق يقول " :أواه يا يميمدود ، ليس في الدنيا يمصيبة أعظم يمن يمصيبتنا ،أبعد العز الرفيع ،والحجاب اليمنيع ،تساق والدة خوارزم شاه وأخواته إلى طاغية التتار .كل فاجعة في الحياة تهون إل هذه ،أية لذة تبقي في العيش بعد "تركان خاتون" ؟ ليت شعري يما حالهن هناك ؟ كيف يعشن بين أولئك الوحوش ! . يا ليت أبي قتلهن بيده ،أو وأدهن في التراب ،أو ألقاهن في اليم ،خي دار يمن أن يقعن سبايا في أيدي القوم ،ويلقين الذل والهوان عندهم .
ويما أشك أنه يمات في الجزيرة غديما حين بلغه أيمرهن .
ال لهن يا يمولي ! لعل ال يستنقذهن يمن أيديهم بسيفك وسيوفنا يمعك . هيهات يا يميمدود ! أبعد أن دانت لهم خراسان كلها ،ودخلوا الري ،ويملكوا هيمدان ،نطيمع في أن نغلبهم بسيوفناونجليهم عن بلدنا ؟ لقد كان لوالدي عشرون ألفا يمن الفرسان في بخاري ،وخيمسون ألدفا في سيمرقند ،وأضعافها يمعه
فيما أغنت تلك الجحافل الج اررة عنه شيدئا ،وهو يمن هو في شجاعته وبأسه ،ونفوذه وصرايمته ،فيما ظنك بي وأنا دونه
في كل شي ء ،وقد قوي التتار وعظم سلطانهم في البلد .
إنك ابن خوارزم شاه ،ووارث يملكه وخليفته على بلده ويما يكون لك أن تيأس يمن هزييمة عدوه ،وطرده يمن بلدرعاياه .
ولقد كانت الحرب بين أبيك وبين هؤل ء سجالد ،فتارة يهزيمهم وتارة يهزيمونه ،حتى نفذ القضا ء فيه ليمر طواه ال في
عليمه ،فيمات شهيددا في جزيرة نائية ،ولكن لم ييمت سره فهو حي فيك ،ويمن يدري لعل ال ينصر بك السلم واليمسليمين ،ويجعل نهاية العدا ء على يديك .
إن خليفة اليمسليمين ،ويملوكهم وأيمرا ءهم في بغداد ويمصر والشام ،يعليمون بيما حصل ببلدنا يمن نكبة التتار ،وقد استنجد بهم أبي يم اردار فلم ينجدوه ولم يصغوا لندائه ،فدعهم يذوقوا يمن وبالهم يما ذقنا ،وحسبي أني أحصن حدود بلدي وأيمنعها يمنهم وأدفع شرهم عنها فل أدعهم يخلصون إليها .
إنك لن تستطيع حيماية بلدك يمنهم إذا غزوك في عقرها يما لم تيمش إليهم فتلقهم دونها بيمئات الفراسخ ،فإن أظهركال عليهم فذاك إوان تكن الخرى كان لك يمن بلدك ظهر تستند فيه وبعد فإن جنكيز خان لن يتوجه إلى الغرب حتى يفرغ يمن الشرق ،ولم ييمس العراق والشام حتى يقضي على يميمالك خوارزم شاه أجيمعها .
فأطرق جلل الدين هنيهة ،وطفق يفرك جبينه بيده وكأنه يدير في رأسه يموازنة بين رأيه ورأي ابن عيمه ،ثم رفع رأسه وقال " :ل حريمني ال صائب رأيك يا يميمدود ،فيما زلت تحاجني حتى حججتني ،وهأنذا يمقتنع بسداد رأيك ،ويماض ليما تشير به على ،وحسبي أنك ستكون يدي الييمني فييما أنهض به يمن اليمر " . سأكون يا بن عيمي ويا يمولي أطوع لك يمن خاتم في يدك ،وسأقاتل حتى أقتل دونك . إنك لم تدع لي في قتال هؤل ء عذ دار يا يميمدود ،رحم ال أبي ،لقد ورثني يملدكا ل يغبط صاحبه عليه ،وحيملني عبدئاثقيلد .
-سيكون لك يمن يمعونة ال وتوفيقه ،إذا أخلصت الجهاد في سبيله ،يما يشرح لك صدرك ،ويضع عنك وزرك الذي
أنقض ظهرك ،ويرفع لك بهزييمة التتار ،عند ال وعند الناس ذكرك ! فتبسم جلل الدين ،وتهللت أساريره يمن البشر ،وقال " :بشرك ال بالخير يا يميمدود " ،إن ال تعالي يقول " فإن يمع العسر يس دار ،إن يمع العسر يس دار ،فإذا فرغت فانصب ،إوالي ربك فارغب " . ثم رفع يديه إلى السيما ء وقال " :اللهم إني أرغب إليك فوقفني ليما تحبه وترضاه " .
وتذكر جلل الدين أخته جيهان خاتون ،فسأل زوجها عن حالها ،فإنه لم يرها يمنذ أيام فأجابه يميمدود " :هي في رعاية ال ورعايتك بخير ،ويما يمنعها يمن اليمجي ء إليك إل ثقل الحيمل " . أجل ..لطف ال بها وبزوجتي عائشة خاتون ،فإنهيما في شهرهيما التاسع ،فبلغها تحيتي ،وعسى أن أتيمكن يمنزيارتكم غددا إن شا ء ال " .
الفصل الثاني طلق جلل الدين يما كان فيه يمن الدعة والراحة يمنذ تلك الليلة التي عاهد فيها نفسه على اليمسير لقتال التتار ،وقضي قرابة شهر وهو يجتهد في تجهيز الجيش إواعداد العدد وتقوية القلع في يمدن بلده ،وبنا ء الحصون على طول خط السير ،يعاونه في ذلك صهره يميمدود ،حتى إذا تم له يمن ذلك يما أراد ،عين يوم اليمسير .
وجا ءت النبا ء بأن التتار دخلوا يمرو ،وساروا إلى نيسابور فوضعوا في أهلها السيف ويملكوها ،وأنهم سائرون إلى هراة ،فلم يبق لدي جلل الدين يمجال للنتظار فأذن لعساكره باليمسير ،وخرج في ستين ألدفا يحث بهم السير حتى لقي
طلئع التتار دون هراة ،وكانوا قد حاصروها عشرة أيام ثم يملكوها وأيمنوا أهلها وتقديموا يبتغون غزنة ،فقاتلهم جلل الدين قتالد عظيديما حتى هزيمهم ،وقتل يمنهم خلدقا كثي دار .
وبعث رسلد تسللوا إلى هراة فأخبروا أهلها بيما وقع يمن انكسار التتار ،ففرح الناس فردحا عظيديما ،وأخذوا يتنادون بأن
خوارزم شاه قد بعثه ال حديا يمن قبره ،ليطهر البلد يمن التتار ووثبوا على حايميتهم باليمدينة .
فليما عادت فلول التتار إلى هراة ،وعليموا يما وقع يمن أهلها انتقيموا يمنهم فقتلوا كل يمن وجدوه يمن الرجال والنسا ء والطفال ،وخربوا اليمدينة ونهبوا السواد وأتلفوا كل يما لم يقدروا على حيمله يمن اليموال . وطاردهم جلل الدين فأجلهم عن هراة ،ثم يما زال يتعقبهم حتى أوصلهم إلى حدود الطالقان ،حيث اتخذها جنكيز
خان قاعدة جديدة له بعد سيمرقند ،يرسل يمنها بعوثه وسراياه ،ثم رأى جلل الدين أن يكتفي في هذه الغزوة بيما أحرزه يمن النتصارات عليهم ،وأل يهاجيمهم في قاعدتهم الجديدة حتى يستجم ويريح جيوشه يمن نصب القتال ،ويعد جيودشا أخرى ويستعد استعداددا جديددا ليملقاة أعدائه ،فعاد ببهرة جيشه إلى غزنة بعد أن ترك حايميات قوية في البلد التي طرد يمنها التتار .
وكان يوم قفوله إلى غزنه يوديما يمشهوددا ،احتفل به أهلها احتفالد رائدعا .
لم يغض يمن جيماله إل رجوع اليمير يميمدود جريدحا يمحيمولد على يمحفة ،بعد يما أبلي بل ء حسدنا في قتال التتار وأبدي
أروع آيات البطولة ،وركب أعظم الخطار .
حزن جلل الدين ليما أصاب صهره الفارس الشجاع ،واهتم بعلجه اهتيماديما كبي دار ،وابتغى له أحسن أطبا ء زيمانه ،
وأغدق عليهم اليموال ،ووعدهم بيمكافآت كبيرة إذا وفقوا لشفائه ،ولكن جراحه كانت بالغة ،فلم تجد يمهارة الطبا ء ،
وأخذت حالته تسو ء يوديما بعد يوم ،وكان جلل الدين ل يغب زيارته فهو يتردد عليه صباح يمسا ء .
وليما ثقلت عليه العلة وأيقن بدنو اليموت ،بعث إلى جلل الدين أن يحضر ،فليما حضر قال له بصوت يمتقطع وهو يحضن زوجته وابنها الرضيع "يا بن عيمي :هذه أختك جهان خاتون وهذا ابنك يمحيمود فأولهيما عطفك ورعايتك واذكرني بخير ". فبكى جلل الدين ،وأجهشت أخته بالبكا ء ،وكان يميمدود ينظر إليهيما إوالى الطفل الرضيع نظرات تائهة ،ولم يلبث أن
لفظ روحه وهو يردد الشهادتين .
يمات اليمير يميمدود شهيددا في سبيل ال ولم يتجاوز الثلثين يمن عيمره ،تاردكا ورا ءه زوجته البارة ،وصبديا في اليمهد ليما يدر عليه الحول ولم يتيمتع برؤيته إل أياديما قلئل ،إذا شغله عنه خروجه يمع جلل الدين لجهاد التتار ،ولم يكن له -
وهو يودع هذه الحياة ونعييمها -يمن عزا ء عنهيما إل رجاؤه فييما أعد ال للشهدا ء اليمجاهدين في سبيله يمن النعيم اليمقيم والرضوان الكبر .وفت يموته في عضد جلل الدين ،إذا فقد ركدنا يمن أركان دولته ،وأدخا كان يعتز به ويثق بإخلصه
ونصحه ،ووزي دار كان يعتيمد على كفايته ،وبطلد يمغوا دار كان يستند إلى شجاعته في حروب أعدائه .فبكاه أحر البكا ء
وحفظ له جيميل صنعه وحسن بلئه يمعه .
فرعاه في أهله وولده ،وضيمهيما إلى كنفه ،وبسط لهيما جناح رأفته ،واعتبر يمحيموددا كابنه يحبه ويدللـه ول يصبر عن
رؤيته ،وكثي دار يما يجتذبه يمن يدي والداته فيحيمله إلى صدره ،فربيما بال الصبي على ثيابه فل يزيده إل حدبا وتعلدقا به ، وكان حين يرجع يمن قتال التتار يسأل أول يما يسأل عن يمحيمود أين هو ؟ فيجري إليه فيحضنه ويوسعه ضديما وتقبيلد ، ثم يثني بابنته جهاد التي كان يحبها ول يصبر عن رؤيتها كذلك
وهكذا نشأ الطفل يمحيمود والطفلة جهاد في بيت واحد ،تغذوهيما وتسهر عليهيما أيمان ،ويحنو عليهيما أب واحد ،فكانا يحبوان يمدعا في دهاليز القصر وأبهائه ،وربيما خرج بهيما الخدم إلى حديقة القصر في الصباح الباكر فطفقا يدرجان
على العشب يتيمرنان على اليمشي ووالدتاهيما تنظران إليهيما في شرفة القصر ،تطالعان في عيونهيما الحاضر الباسم ، ج
وتتعزيان به عن اليماضي الحزين واليمستقبل الغايمض ،فإذا وقع أحد الطفلين على الرض في غير بأس ضحكتا ضحكة هادئة ،ثم رجعتا إلى يما انقطع يمن حديثهيما ،وربيما تقع جهاد على الرض فيدنو يمنها يمحيمود ليساعدها على النهوض ،فتنظر إحدى الوالدتين إلى الخرى وعلي ثغرها ابتسايمة وفي عينيها سؤال حائر ...أيقدر لهذين الطفلين البريئين أن يشبا يمدعا في هذا العيش الرغيد فيكون أحدهيما للخر ،أم تحول دون ذلك تقلبات الدهر وفجا ءات القدر .
وكيف تأيمنان غدر الزيمان وسطوات الغير وتطيمئنان إلى يما هيما فيه يمن نعيم العيش وعز اليملك ،وقد شهدتا بعينيهيما كيف انقض التتار على يميملكة خوارزم شاه فقطعوا أوصالها ويمزقوها شر يميمزق ،وكيف هوى ذلك اليملك العظيم يمن أوج سلطانه ،وانهزيمت جيوشه التي كانت تيمل السهل والجبل ،وتفرقت عنه جيموعه حتى لجأ إلى جزيرة نائية يمات فيها وحيددا شريددا .
ول ينقص يمن قلقهيما على اليمستقبل أن جلل الدين قد استطاع لذاك الحين أن يهزم التتار في كل يموقعه لقيهم فيها ، وأن يدفع غائلتهم عن البلد التابعة له ،وأن يتحدى جنكيز خان طاغيتهم الكبر فيرسل إليه كتادبا يقول له فيه " :في
أي يمكان تريد أن تكون الحرب ؟ " فإن هذا ل يعني أنه قضى على خطرهم واستراح يمن هجيماتهم .
وقد كان خوارزم شاه أقوى وأعظم هيبة وأكثر جنوددا يمنه ،واستطاع أن ينتصر عليهم في يمعارك جيمة ،ولكنهم غلبوه في النهاية بكثرة عددهم وتوالي إيمداداتهم ،وتدفقهم كالسيل ،وانتشارهم كالجراد .إوان اليمل لضعيف في أن يقوى
جلل الدين على يما لم يقو عليه والده العظيم .
ولم ييمض على ذلك زيمن طويل حتى حققت اليام يمخاوفهيما فقد وردت النبا ء بأن جنكيز خان قد استشاط غضدبا يمن تحدي جلل الدين له ،فسير عسك دار أعظم يمن عساكره التي بعثها يمن قبل ،وسيماه جيش النتقام ،وجعل أحد أبنائه
عليه ،فاندفعوا كالسهام وطفقوا يخترقون البلد حتى وصلوا إلى أبواب كابل .
فقصدهم جلل الدين بكل يما عنده يمن الجيش ،فليما التقي الجيمعان اقتتلوا قتالد شديددا دام ثلثة أيام بلياليها ،وكان
جلل الدين يصرخ في جنوده أثنا ء اليمعركة " أيها اليمسليمون أبيدوا جيش النتقام " .وقد انتهى القتال بهزييمة التتار ليما أبداه اليمسليمون يمن اليمصابرة واليمرابطة ،ويرجع يمعظم الفضل في ذلك إلى قائد باسل يمن قواد جلل الدين يدعي سيف
الدين بغراق ،استطاع أن يكيد التتار ،فانفرد بفرقته عن الجيش وطلع خلف الجبل اليمطل على ساحة القتال ،ولم يشعر التتار إل بهذا السيل يمن اليمسليمين ينحدر عليهم يمن الجبل فاختلت صفوفهم فأوقع بهم اليمسليمون وقتلوا يمنهم يمقتلة عظييمة ،وغنيموا يما يمعهم يمن اليموال التي نهبوها يمن البلد التي يمروا بها . وهنا ينزغ الشيطان بين قواد جلل الدين ،فيختلفون على اقتسام الغنائم ،فيغضب يمن جرا ء ذلك اليمير سيف الدين بغراق وينفرد بثلثين ألدفا يمن خيرة الجنود ،وتوسل إليه جلل الدين أن يرجع إلى عسكره ،فلم يقبل وذهب غاضدبا وسار يمعه الثلثون ألدفا يمن الجنود ،فضعف اليمسليمون يمن جرا ء هذا النقسام ،وعلم التتار باليمر ،فجيمعوا فلول جيشهم وانتظروا حتى تجيئهم أيمداد يمن جنكيز خان .
وبلغ جنكيز خان يما وقع بجيشه يمن الهزييمة ،فاشتد غيظه ،وزاد حنقه ،فجيمع جيوشه وقادها بنفسه ،وتقدم لقتال جلل الدين ،فلم يثبت له جلل الدين ،وفر إلى غزنة فتحصن بها أياديما ،ثم رأى أن ل قبل له بدفع اليمغيرين عنها ، وخشي يمن وقوعه ووقوع أهله في قبضة عدوه ،فحزم أيمتعته ،وجيمع أيمواله وذخائره ،فحيملها ورحل بأهله وحاشيته
صوب الهند ،وسار يمعه سبعة آلف يمن خاصة رجاله ،فعبر بهم يميمر خيبر ،ولم يكد يفضي إلى سهل الهند حتى لحقته طلئع جنكيز خان ،فكر عليهم وقاتلهم وشردهم ،ولكنه أيقن بالهزييمة حين توالت عليه الجيموع ،فتقهقر برجاله إلى نهر السند ،وعزم أن يخوضه إلى العدوة الخرى ،ولكن العدو عاجله قبل أن يجد السفن اللزيمة لحيمل أهله وحرييمه وأثقاله ،ونتج عن ذلك غرق النسوة يمن أهل بيته . ولم يدع له العدو فرصة للتحسر على أعز أحبابه في الحياة والتفكير في شأنهم يمن هول يمصيبته . فأيمر رجاله بخوض النهر ،وألقي بنفسه في يمقديمتهم فاندفعوا يسبحون في أثره ،وذلك حين يمالت الشيمس للغروب ، وتلونت يمياه النهر بحيمرة الشفق ،ويما ابتعدوا عن الشاطئ إل قليلد حتى أقبلت طلئع العدو فوقفوا على حافة النهر ،
وانبرى ريماتهم فأعيملوا قسيهم فكانت السهام تتساقط عليهم كاليمطر ،فأصيب كثير يمن رجال جلل الدين ،ولول سدول الظلم وحيلولته دون رؤيتهم لفنوا على بكرة أبيهم ،وأوفي جنكيز خان على النهر ،وكان الليل قد اعتكر وهو على جواده ،واليمشاعل تضئ يمن حوله ،فلم يتبين أحددا في النهر ،فأرسل ضحكة رنت في جنبات السهل ،وأخذ يهز سيفه
في الهوا ء ويقول" :هأنذا قضيت على خوارزم شاه وولده ،وشفيت غليلي وأخذت بثأري " وأيمر رجاله بالرحيل ،فرجعوا يمن حيث أتوا وقضي السابحون شط دار يمن الليل وهم يغالبون اليمواج ،ويتنادون بينهم بالسيما ء فيتعارفون بذلك ،ويتواصون بينهم بالصبر ،فربيما كلل أحدهم يمن طول السباحة فاستغاث بإخوانه فيحيمله يمن يلونه ريثيما يستعيد شيدئا يمن نشاطه ،وكان صوت جلل الدين يسيمع يمن حين إلى حين يحدوهم في اليمقديمة ،ويحضهم على الصبر فلم يسيمعوه ،فذهبت بهم
الظنون كل يمذهب ،وصاح بعضهم " :قد غرق السلطان فيما بقاؤكم بعده ؟" فاستسلم فريق يمنهم لليمواج فغرقوا . وأدرك أحد خواص رجال السلطان الخطر ،فأخذ يقلد صوت جلل الدين ويحدوهم كيما كان جلل الدين يفعل لئل يستيئس الباقون ،فكان لعيمله هذا أثر جيميل في نفوسهم ،إذا انتعشت أرواحهم واستأنفوا صبرهم وجهادهم ،ورجع يمن عزم يمنهم على الستسلم لليموت عن عزيمه ،وبقوا كذلك حتى بلغ السابقون يمنهم الضفة قبيل يمنتصف الليل ،فصاحوا بإخوانهم أن قد وصلنا البر.
فيمنهم يمن خرج يمن اليما ء فارتيمى على الرض يمن العيا ء ،ويمنهم يمن بقي لديه فضل يمن القوة فأخذ يساعد الخرين على الطلوع بجذب أيديهم أو بإرخا ء يما بقي عليهم يمن الثياب لهم حتى يتعلقوا به ،واستيمر هذا العيمل إلى الثلث الخير يمن الليل حين لم يبق على اليما ء أحد يمن الناجين ،فوضع الجيميع رؤوسهم على الرض وغرقوا في السبات العيميق . وطلع الصباح على أربعة آلف يمن القوم صرعى في الصعيد يتقلبون على جنوبهم لم يوقظهم إل حر الشيمس ، فنهضوا يمن نويمهم حفاة عراة ل يكاد يسترهم شي ء يمن الثياب ،والتيمسوا سلطانهم بينهم ،فلم يجدوه فأصابهم همم عظيم
،فأوصاهم الرجل الذي قلد صوت السلطان في النهر بأل ييئسوا يمن لقائه ،فربيما سبقهم السلطان إلى الضفة يمن
يموضع آخر ،فلجأ إلى قرية يمن القرى ،وقال لهم إن الرأي أن يبقوا هناك ويتبلغوا بيما يجدونه يمن أوراق الشجر وثيماره ، ويما يقع في أيديهم يمن صيد البر والبحر وأل يبرحوا يمكانهم ذاك حتى يأتيهم خبر السلطان ،أو تعود إليهم قواهم فييمشوا إلى إحدى القرى القريبة ،ليحصلوا على يما يعوزهم يمن الطعام والثياب باليمعروف. فوافق الجيميع على هذا الرأي ،وبعثوا جيماعة يمنهم للبحث عن جلل الدين في اليمواضع البعيدة على الشاطئ فعثروا عليه بعد ثلثة أيام في يموضع بعيد ريماه اليموج يمع ثلثة يمن أصحابه ،فقديموا على القوم ففرحوا بنجاة سلطانهم ،ويما كادوا يصدقون عيونهم إذا رأوه . فأيمرهم بأن يتخذوا لهم أسلحة يمن العصي يقطعونها يمن عيدان الشجر ففعلوا يما أيمرهم به ،ثم يمشي بهم إلى بعض القرى القريبة يمنهم فجرت بينه وبين أهل تلك البلد وقائع انتصر فيها عليهم ،واستلب أسلحتهم وأطعيمتهم فوزعها في أصحابه ،فطعيموا يمن جوع ،وأيمنوا يمن خوف ،وقووا يمن ضعف ،ثم دلف بهم إلى " لهور " فيملكها واستقر بها يمع رجاله ،وبني حولها قلدعا حصينة تقيه هجيمات أعدائه يمن أهل تلك البلد .
وقدر لجلل الدين أن يعيش وحيددا في هذه الدنيا ،ل أهل له فيها ول ولد ،فكأنيما بقي حديا ليتجرع غصص اللم
والحسرة بعدهم .
ويما هذه الرقعة الصغيرة التي يملكها بالهند إل سجن نفي إليه بعد زوال يملكه ،وتفرق أهله وأحبابه ،وليمن يعيش بعدهم ؟ وعلم يحيمل نفسه أعبا ء الولية وتكاليف اليمرة ؟ ولكنه تذكر أن التتار هم سبب نكبته ونكبة أسرته ،فليعش لينتقم يمنهم ،ولتكن هذه أيمنيته في الحياة ،إن لم تبق له فيها أيمنية .
الفصل الثالث لم يكن جلل الدين يعلم وهو يبكي أهله وذويه أحر البكا ء ،وينفطر قلبه حزدنا عليهم ،أن طفليه الحبيبين يمحيموددا و
جهاد حيان يرزقان ،ولو علم ذلك وأنهيما ل يبعدان عنه كثي دار ،إذ يعيشان في إحدى الدساكر اليمجاورة للهور ،لطار
إليهيما فردحا ،ولتعزي بهيما في كل يما أصابه يمن نكبات الحياة .ذلك أن عائشة خاتون وجيهان خاتون ليما أيقنتا بالنكبة يوم النهر ،ورأتا أن ل يمحيص يمن اليموت أو السر ،عز عليهيما أن تريا الطفلين البريئين يذبحان بخناجر التتار
اليمتوحشين ،أو يغرقان يمعهيما في أيمواج النهر ،وجاشت بهيما عاطفة اليمويمة فأوحت إليهيما في ساعة الخطر أن يسليماهيما إلى خادم هندي أيمين ،كان قد خدم السرة يمنذ أيام خوارزم شاه ،ليهرب بهيما يمن وجه التتار ،ويحيملهيما إلى
يمسقط رأسه ،حيث يعيشان عنده في أيمن وسلم ،وأرادتا أن تخب ار جلل الدين بيما صنعتاه ،ولكن ضاق وقتهيما ، وشغلهيما الهول عن ذلك . أيما الشيخ سليمة الهندي فقد فصل عن اليمعسكر قبيل عصر ذلك اليوم اليمشئوم ،وأركب الطفلين على بغلة بعد أن كساهيما يملبس العايمة يمن الهنود ،وساقهيما حثيدثا نحو الشيمال على شاطئ النهر ،ثم سلك بهيما الطرق اليمتعرجة ،
وغاب بهيما في يمنعطفات الجبال ،وأدركه الليل فأوي إلى يمغارة في سفح جبل ،فأنزل الطفلين وربط البغلة إلى الصخرة في فم اليمغارة ،وفرش لهيما داخلها وطفق يسايمرهيما ،ويهدئ روعهيما ،ويعللهيما بلقا ء أهلهيما غددا في لهور ،بعد أن يكسر السلطان جلل الدين التتار ،ويما زال بهيما كذلك حتى غلبهيما النعاس ،فنايما يمكانهيما ونام جنبهيما .
فليما كان اليوم الثاني ساق البغلة يمتيايمنا جهة النهر حتى أشراف عليه عند الزوال ،ثم لح قارب يمن قوارب الصيد ، فلوح له الشيخ بردائه ،فاقترب يمنه فإذا عليه صياد وابنه ويمعهيما شبكة الصيد ،فسأله الصياد يماذا يريد ؟ فأجابه الشيخ بالهندية ،ورجاه أن يحيمله ،ويحيمل طفليه إلى الضفة الشرقية للنهر ،ويعطيه على ذلك أج دار طيدبا فقبل الصياد وفرح
بالجر .
وكان الشيخ سليمة قد أوصي الصبيين أل يتفوها بيما يدل على أنهيما يمن بيت السلطان جلل الدين ،وأفهيمها أن صاحب القارب قد يسليمهيما إلى التتار إذا عرف أصلهيما ،ففهيما يما أراد على صغر سنهيما ،فقد تعليما الخوف والحذر يميما يمر بهيما يمن الهوال ويما شهداه يمن الحوادث اليمروعة ،فكانا -وهيما في الرابعة يمن سنهيما -كأنهيما يمن أولد السابعة أو الثايمنة . وصل القارب إلى الشط ،فنزل الصياد يمن القارب وساعد الشيخ وطفليه على النزول .ثم أرشد الشيخ إلى خير طريق يوصله إلى أقرب قرية يمن ذلك اليموضع ،وقال له " :صحبتك السليمة في طريقك " .فأعطاه الشيخ دينا دار ،وكان قد
رضي بأقل يمن ذلك .ففرح به وشكره .
سار الشيخ في الطريق الذي أرشده إليه الصياد حايملد جهاد على كتفيه حتى إذا ضن بيمحيمود التعب في السير أنزلها تسير وحيمل يمحيموددا يمكانها وهكذا دواليك حتى بلغ القرية بعد غروب الشيمس ،فبات في كوخ بها ،واشترى يما يلزيمه
ويلزم الطفلين يمن الطعام .
حتى إذا أصبح الصباح ابتاع له حيما دار يمن القرية أركبهيما عليه .وظل كذلك ينتقل في القرى حتى وصل إلى يمسقط رأسه في قرية يمن القري اليمجاورة ليمدينة لهور .وعاش الصبيان في القرية الهادئة في أيمن وسلم كيما أرادت لهيما
والدتاهيما اليمرحويمتان وكان الشيخ يرعاهيما رعاية بالغة ،ول يألو جهددا في ترفيه عيشهيما إوادخال السرور عليهيما بكل يما
ييملك يمن وسائل التسلية والترويح ،إواذا سئل عنهيما قال إنهيما يتييمان وجدهيما في طريقه فتبناهيما ،ولكن هذا القول لم
يقنع فضول أهل القرية ،فأخذوا يتخرصون ويخترعون الحكايات ويحكون القصص عن أصلهيما ،ويتفق يمعظيمهم في
أنهيما يمن أولد اليملوك ،ليما يبدو على وجوههيما يمن سييما اليملك ،وأيمارات النبل ونضرة النعيم . ولم يجد الشيخ سليمه بددا يمن الفضا ء بحقيقة حالهيما إلى بعض أقاربه الدنين الذين كانوا يعليمون بأنه قضي جل عيمره
في خديمة السلطان خوارزم شاه والسلطان جلل الدين يمن بعده ،وسيمعوا بيما حل بهيما يمن نكبة التتار ،ولكنه استكتيمهم الخبر لئل يصيب الصبيين يمن جرا ء ذلك سو ء .
ولم تيمض إل برهة قصيرة حتى انتهت إلى أهل القري اليمجاورة ليمدينة لهور أنبا ء السلطان جلل الدين وف ارره يمن بلده إلى الهند ،ويمطاردة جنكيز خان له حتى اضطره إلى خوض النهر يمع عسكره .وترايمي إليهم يما جري بعد ذلك يمن الوقائع بينه وبين أهل الهند حتى افتتح لهور واتخذها قاعدة يملكه ،وأخذ يوطد سلطانه بشن الغارات على يما حوله يمن البلد والقري ،فانتشر خوفه في قلوب أهلها . وحرج لذلك يموقف الشيخ سليمه بين أهل بلده ،إذ بد ءوا يشكون في أيمره وفي أيمر الصبيين اللذين يمعه ،ويرجحون أنهيما يمن أولد السلطان جلل الدين ،فخشي عليهيما يمن فتكهم ،وأخذ يفكر في طريقة للفرار بهيما إلى لهور . وبينيما هو ينتظر سنوح الفرصة لذلك إذا جنود السلطان قد أقبلوا يغزون القرية ،فخرج إليهم الشيخ وعرفهم بنفسه ، وأبرز لهم ابنة السلطان وابن أخته ،وتوسل بهيما أن يكفوا عن غزو القرية حتى يأتيهم أيمر السلطان ،فأجابوا طلبه ، وبعثوا رسولد إلى السلطان بالخبر ،ولبثوا ينتظرون خارج القرية .
فيما راعهم إل السلطان قد أقبل على جواده في ليمة يمن فرسانه ،فليما سلم عليهم ،قال " :أين الشيخ سليمه ؟ …" ، فتقدم إليه الشيخ سليمة وقبل ركابه قائلد " :هأنذا عبدك وعبد أبيك يا يمولي " .فترجل له السلطان وعانقه ،وقال له :
" أين يمحيمود و جهاد ..؟ " ويما أتم السلطان كليمته حتى اندفع الصبيان فارتيميا عليه ،فضيمهيما إلى صدره ،وطفق يقلبهيما ويقبلنه ،وهو يقول " :ابنتي جهاد ..ابني يمحيمود ..أنتيما في قيد الحياة ..الحيمد ل ،لست وحيددا في هذه
الدنيا ،لقد بقيا لي وبقيت لهيما " .ثم دفع الصبيين إلى فارسين يمن فرسانه ؛ ليردفاهيما خلفهيما ،وركب جواده وأيمر الشيخ سليمة أن يركب يمعه .
وقال لقائد الحيملة " :كفوا عن هذه القرية والقري التي تجاورها ،ول يؤخذ يمن أهلها الخراج ،إك ارديما للشيخ سليمة " .
فشكره الشيخ ودعا له بطول العيمر .
وانتشر الخبر في القرية فخرج أهلها رجالد ونسا ء فرحين يمتهللين ليشاهدوا السلطان جلل الدين .وتقدم إليه وفد يمن شيوخها وكبرائها يشكرونه على يمكريمته وفضله ،فحياهم السلطان وقال لهم " :إن الفضل للشيخ سليمة ،فل
تشكروني واشكروه " .فأقبل الرجال على الشيخ وحيملوه على العناق ،وتباشر سكان القري اليمجاورة بيما أعلنه السلطان جلل الدين يمن اليمر بالكف عن غزو بلدهم إواعفائهم يمن الخراج ،فصار ذلك حديث اليمجالس والسيمار .وأصبح جلل الدين حبيدبا إلى قلوبهم بعد أن كانت أكبادهم تغلي كراهية له ،ويمضاجعهم تقض خودفا يمنه .
وقديمت وفودهم على قصر السلطان بلهور تشكره على إحسانه إليهم ،وتقدم له ول ءهم وطاعتهم حايملة يمعها الهدايا
النفيسة ،فقبل السلطان هداياهم وأجازهم عليها ،وردهم إلى بلدهم يمكريمين .
وتبدلت أحوال جلل الدين بعد عثوره على ولديه الحبيبين ،وعاد إلى وجهه البشر بعد العبوس ،والطلقة بعد
النقباض .وانتعش في قلبه اليمل ،وشعر كأن أهله وذويه بعثوا جيميدعا في يمحيمود و جهاد .
وكليما رآهيما تذكرهم وتعزي بهيما عنهم .وحيمد ال على أن لم ينقطع سببه .وقوي رجاؤه في استعادة يملكه ويملك آبائه . والنتقام يمن أعدائه التتار ليورث يمحيموددا وجهاددا يملدكا كبي دار ،يمتين الساس ،قوي الدعائم ،يخلد به سؤدد بيته العظيم
.
الفصل الرابع
عاش السلطان جلل الدين في يميملكته الصغيرة بالهند عيشة حزينة ،تسودها الذكريات اللييمة ،ذكريات يملكه الذاهب ،وذكريات أهله الهالكين . وكان يجد سلواه الوحيدة في ولديه الحبيبين يمحيمود و جهاد فيقضي جل أوقاته يمعهيما ،ينزل إلى عاليمهيما الصغير ويصادقهيما ،ويشترك يمعهيما في ألعابهيما ويجاريهيما في أحاديثهيما البريئة ،وأحليمهيما الصافية ،فيجد في ذلك لذة تنسيه هيموم الحياة وآليمها . وكان يمع ذلك ل ينسي تدبير يملكه ،وتنظيم شئونه وتقوية جيشه وتعزيز هيبته ،فكان في كفاح دائم يمع أيمرا ء اليميمالك الصغيرة التي تكتنف يميملكة لهور ،يدفع غاراتهم على بلده ويغزوهم الفينة بعد الفينة ،وهو في ذلك يتنسم أخبار يميمالكه السابقة ويرقب حركات التتار بها ،يتربص بهم الدوائر ،وينتظر الفرص للنقضاض عليهم ،والنتقام يمنهم ، واسترداد يميمالكه ويميمالك أبيه يمن أيديهم أو أيدي أعوانهم وأجرائهم . فقد كان التتار أيمة ل تطيمع في يملك البلد وحكيمها ،وحسبها أن تغزوها فتقتل يمن تقتل يمن رجالها ونسائها وأطفالها وتسبي يمنهم يمن تشا ء ،وتنهب خزائنها ،فل تدع شيدئا إل أتت عليه ،ثم تغادرها إلى بلدها حايملة يمعها الغنائم
والسلب .فتنقبع فيها يما تنقبع ،ثم تعود كرة أخري فيطغي سيلها على اليمم ،واليميمالك فتقتل وتنهب وتسلب ،ثم تعود إلى يمنبعها وهكذا دواليك ،وربيما عقدوا يمع أهل البلد التي غزوها اتفادقا يأيمنون به يمن عودتهم ،على أن يحيملوا
إليهم جزية كبيرة في يمستهل كل عام .وحينئذ يولون عليها يمن يتوسيمون فيه اليميل إليهم والرضا بسياستهم يمن عبيد
الهوا ء الطايمعين في اليمناصب يمن أهل تلك البلد .كذلك كانت الحال في العواصم واليمدن التي تخلي عنها جلل الدين ،فقد وليها جيماعة يمن الطغاة اليمستبدين ،ل ههمم لهم إل جيمع اليمال يمن كل سبيل ،فيصادرون أيملك الناس ،
ويفرضون الضرائب الثقيلة عليهم ،ويسلبون أيموال التجار .ويمن جرؤ على الشكوى يمنهم كان جزاؤه القتل أو الهانة والتعذيب .
وكان لـ جلل الدين فيها أعوان وأنصار ل يحصون كثرة يتيمنون عودته ويراسلونه س دار فيصفون له أحوال الناس بها ،
ويما يعانون يمن ظلم الحكام وفسادهم وطغيانهم ،ويحضونه على العودة إليهم ،ويعدونه بالنصر والتأييد ،وبأنهم
سيثورون ثورة عاريمة على أولئك الحكام إذا يما عاد جلل الدين إلى بلده .وذكروا له أن جنكيز خان يمشغول عنهم بحروب طويلة في بلده يمع قبائل الترك . فرأى جلل الدين أن الفرصة سانحة ،وصحت عزييمته على اغتنايمها ،فتجهز لليمسير ،وكتم خبره عن الناس جيميدعا يما عدا قائده الكبير اليمير بهلوان أزبك .إذ استنابه على يما ييملك بالهند ،وترك له جيدشا يكفي لحيمايته .وسار هو
بخيمسة آلف قسيمهم إلى عشر فرق جعل على كل يمنها أيمي دار .وأيمرهم أن يسيروا خلفه على دفعات يمن طرق يمختلفة ، حتى ل يتسايمع الناس بخبر يمسيرهم . وكان قبل يمسيره قد فكر يملديا في أيمر ولديه الحبيبين وتردد طويلد أيستصحبهيما يمعه أم يتركهيما بالهند .فإنه إن أخذهيما
يمعه عرضهيما أخطار الطريق ويمتاعب هذه الرحلة الشاقة .إواذا نجا بهيما يمن ذلك ريمي بهيما إلى يما هو يمقدم عليه يمن
الكفاح العظيم .والقتال اليمستيميت ويماذا يكون يمصيره وسيفضي به هذا ل يمحالة إلى يمواجهة التتار وقتالهم يمن جديد .
ويمن ذا يضيمن له الغلبة على تلك اليمة الهائلة التي ل نهاية لجيموعها ول صاد لهجيماتها .ول عاصم يمن أيمرها إل يمن رحم ال ؟ . إوانه إن تركهيما بالهند فل طاقة له بفراقهيما .ول طاقة لهيما بفراقه .وليس له في الدنيا أهل غيرهيما ويما لهيما فيها يمن
أهل غيره وقد وجدهيما بعد ضياع .ولقيهيما بعد يأس .فانتعش بهيما أيمله ،وأشرق بهيما وجه حياته ،وكانا له عزا ء عن
كل يما فقد يمن يملكه وأهله ،أفيتركهيما وحيدين في بلد غريبة عليهيما ل يدري يماذا يكون يمصيرهيما فيها ؟ ،فربيما يطيمع أيمرا ء الهند في يميملكة لهور ،ويستضعفون نائبه عليها حين يبلغهم سير السلطان بيمعظم عسكره عنها ،فيقويمون عليها قويمه واحدة ،وتسقط في أيديهم ،ويويمئذ ل يكون لرجاله يمهرب ،ويقع اليميران في قبضتهم ول أيمل في نجاتهيما يمن سيوفهم . أخذ جلل الدين يوازن بين الخطتين إلى أن آثر أهون الخطرين عنده ،ففضل أن يأخذ اليميرين يمعه ،إذ كان هذا أحب الرأيين إلى نفسه ،وأقربهيما إلى هواه فحسبه أن يراهيما دائديما يمعه ،فإذا قدر له النجاح فذاك ،إوان خانته الحظوظ فلن يبقي بعد ذلك أيمل في الحياة ولن يؤويه بعد ذلك يمكان ،وخير لهيما حينئذ أن يقتل يمعه ،فل يتعرضا ليما يتعرض له يمثلهيما يمن الشقا ء والهوان . وكأن جلل الدين كان ينظر يمن سجف الغيب إلى هذا اليوم ويستعد له ،إذ عني بتدريبهيما يمن صغرهيما على ركوب الخيل وحيمل السلح وسائر أعيمال الفروسية ،وتربيتهيما تربية خشنة تعدهيما لتحيمل اليمشاق وركوب الخطار والتغلب على اليمتاعب . وطاليما سيمعا يمنه أويمن الشيخ سليمه الهندي أخبار جدهيما خوارزم شاه ووقائعه يمع التتاروحروب جلل الدين يمعهم يمن بعده . فكانا يطربان لذلك ويتحيمسان ،وكثي ار يما كان جلل الدين يصف ليمحيمود شجاعة والده اليمير يميمدود وحسن بلئه في قتالهم وغرايمه بيمبارزة قوادهم وأيمرائهم إلى أن يقص عليه أخبار واقعة هراة التي أصيب فيها ،فيمات يمن جرحه شهيددا في سبيل ال بعد أن نكل بالعدا ء تنكيلد ،ويمزقهم شر يميمزق ،فييمتلئ يمحيمود بالحيماسة ،ويود لو شهد تلك الوقائع فكانت له في قتال التتار يمواقف يمشهودة .
وكان يمحيمود يشعر في ق اررة نفسه بأنه سيقاتل التتار يويما يما ،إذا بلغ يمبلغ الرجال فيثأر يمنهم لبيه .وينتقم يمنهم ليما أصاب جده وخاله ووالدته وجدته وسائر أهله ،وقد سيطر عليه هذا الشعور ،ويملك عليه جيميع يمذاهبه ،فكان شغله الشاغل وهيمه اليمقعد اليمقيم ول يفتأ يفكر فيه نها دار ،ويحلم به ليلد .وأنه ليطغي عليه أحيادنا فيقع يمنه في كرب عظيم ،
فل يجد أداة يعبر بها عن حبيس رغبته وينفس .
بها عن كربه ،إل أن ينطلق في عالم الخيال حيث يصور له الوهم يمعارك تدور بينه وبين التتار ،ينتصر فيها عليهم ويشتت جيموعهم ويجندل أبطالهم ويفرق صفوفهم ،وينهزيمون فيجد في طلبهم ويتعقب آثارهم حتى يشردهم إلى أقاصي البلد ويعود إلى اليمدينة ظاف دار تقام له الزينات وتضرب له الطبول ،وتنثر عليه الزهار والرياحين .
وكانت جهاد تشاطره هذا الشعور ،وتشجعه على حروبه هذه ويمعاركه وتري فيها تحقيدقا ليمانيها في بطلها العظيم ، وتنفيدسا ليما يحتدم في صدرها يمن كراهية التتار ،وحب النتقام يمنهم ،فكان ل يلذ لها شي ء يما يلذ لها الصغا ء إلى
حديثه حين يقص عليها يما دار بينه وبينهم يمن اليمعارك الهائلة ،ويما أظفر فيها يمن آيات البطولة والقدام .
حتى جلل الدين نفسه كان يشجع يمحيموددا في أعيماله الحربية ويجاريه في تصوراته ويصغي لحاديث بطولته .ويثني عليه فيها ،ويتلطف في إسدا ء النصائح إليه خللها ،وقد أيمر رجاله وحجاب قصره وخديمه بأن يجاروه في أحليمه ويصدقوه في يمزاعيمه . فيما إن سيمع يمحيمود و جهاد بعزم جلل الدين على اليمسير لقتال التتار واسترداد بلده حتى أظه ار له يمن الفرح والستبشار بذلك يما جعله يعجب يمن نفسه ،كيف فكر في تركهيما بالهند ،وعدم استصحابهيما يمعه في رحيله ،إذن لشق عليهيما ذلك ،وآذاهيما أبلغ الذى ،وربيما أعجزه أن يحيملهيما عليه إل أن يرهقهيما أو يحيملهيما يمال طاقة لهيما به . سار جلل الدين يمن الهند ويمعه خواص رجاله ،فقطعوا اليمفازة على خيولهم ،وعبروا نهر السند في يمراكب عظييمة قد أعدها جلل الدين لذلك يمن قبل ،حيملتهم وحيملت خيولهم وعتادهم ،وتبعتهم فرق جيشه فرقة بعد فرقة حتى التقوا جيميدعا عند يميمر خيبر ،فساروا حثيدثا حتى إذا اقتربوا يمن كابل بعث جلل الدين رسلد إلى أشياعه بها يخبرونهم بيمجيئه ،ففرحوا بذلك وأشاعوه في اليمدينة فوثب أهلها على حاكيمهم وأشياعه فقتلوهم ودخل جلل الدين اليمدينة فيملكها بدون
قتال كبير . وشاع هذا الخبر في سائر اليمدن والعواصم ،فاستعد دعاة التتار وأعوانهم ،وأجيمعوا على يملقاته ويمقاويمته ،وبعثوا إلى جنكيز خان يستنجدونه .فعاجلهم جلل الدين قبل أن تأتيهم إيمدادات التتار فيمضي يفتح اليمدينة بعد اليمدينة بغير عنا ء يذكر ،لن أهلها كانوا يثورون على حاكيمهم حين يقف جلل الدين على أبوابها ويساعدونه عليهم .فيلوذ هؤل ء الخونة بالفرار إلى جنكيز خان ،حتى وصل جلل الدين كريمان ،ثم صار إلى الهواز فاستولي عليها ،ثم أذربيجان فيملكها ،ودانت له سائر بلد إيران . وكان يمحيمود و جهاد يسيران حيث سار جلل الدين ل يفارقانه في تنقلته كلها ،وكان يقوم بخديمتهيما في ذلك الشيخ سليمة الهندي وسيرون السائس ،يما كان أشد فرح يمحيمود وهو يتنقل في ركاب خاله يمن يمدينة إلى يمدينة ،فتفتح لهيما أبوابها ،وتدق لهيما الطبول ،وتصطف الجيماهير ليمشاهدتهيما وتحيتهيما وتتعالى أصواتهم بالهتاف للسلطان وولي عهده ،ولكنه يمع ذلك كان يشتهي أن يري وجوه التتار ،وكثي دار يما سأل خاله " :أين أعداؤنا التتار ؟ " ،يمتى يخرجون إلينا
فنقاتلهم ؟ " فيبتسم السلطان جلل الدين ويجيبه " :ل تستعجل الشر يا بني ،إنهم آتون إلينا قريدبا ،فناصرنا ال عليهم
إن شا ء ال " .
ب الخطبا ء للسلطان جلل الدين بن خوارزم شاه ولولي عهده يمحيمود بن يميمدود على عادت اليمياه إلى يمجاريها ،وخط ه
يمنابر البلد جيميعها ،وكان أول يما اهتم به جلل الدين بعد أن استتبت له اليمور فيها أن يحيي ذكري والده العظيم ،
فسار في يموكب عظيم لزيارته في الجزيرة التي دفن بها ،فبكي عند قبره وترحم عليه ،ثم أيمر بنقل رفاته فدفنه بقلعة " أزدهن " في يمشهد حافل حضره العليما ء والكبرا ء والعيان يمن جيميع الصقاع ،وبني عليه قبة عظييمة أنفق على بنائها وزخرفتها أيموالد كبيرة ،وجلب لها أيمهر البنائين والصناع
ويما إن أتم ذلك حتى بلغه أن جنكيز خان قد أرسل جيودشا عظييمة لقتاله بقيادة أحد أبنائه ،فتجهز للقائهم ،وسار
بأربعين ألدفا يتقديمهم جيشه الخاص الذي أتي به يمن الهند وسيماه جيش الخلص ،وكان قد بقي يمنه زها ء ثلثة آلف ،
فلقي جيموع التتار في سهل يمرو ،ودارت بين الفريقين يمعركة يمن أهول اليمعارك ثبت فيها جيش الخلص حتى باد يمعظيمه ،واضطربت صفوف اليمسليمين ويئس جلل الدين يمن النتصار ،فصيمم على أن يستشهد في اليمعركة ،
فالتفت إلى يمحيمود ،وكان واقدفا على جواده خلفه ،وهو يتقد حيماسة وغيرة ،فقال له " :ها أنت ذا قد رأيت التتار يا يمحيمود .إواني سأقاتلهم بنفسي ،فاثبت خلفي ،ول تدع أحددا يأسرك " .
فتهلل وجه يمحيمود ،وعد ذلك فخ دار عظيديما أن يثق خاله به ،وعجب السلطان يمن رباطة جأش الغلم وتهلله لليموت ، وتقدم يحرض رجاله ويجيمع صفوفهم ،ويقاتل بنفسه ،واليمير الصغير ورا ءه على جواده والسيف في ييمينه فليما رأي
اليمسليمون ذلك دبت فيهم الحيمية ،فقاتلوا دون السلطان قتالد عنيدفا .وبينيما هم كذلك يقاتلون يمستيميتين والسلطان في يمقديمتهم والتتار ظاهرون عليهم ،إذا بصفوف التتار قد اضطربت إواذا بأصوات تسيمع يمن خلفهم ":ال أكبر ! ال أكبر ! نحن جنود ال ! أيها اليمسليمون ! قاتلوا اليمشركين ! " .
فعجب اليمسليمون يمن أيمرهم ،وظن بعضهم أن هؤل ء يملئكة بعثهم ال لتأييد اليمسليمين فحيملوا على التتار حيملة صادقة ،وهم يصيحون " :ال أكبر ! " ويما هي إل لحظة حتى انهزم التتار ،ولكنهم لم يجدوا يمهردبا إذ تلقاهم اليمسليمون يمن
أهل بخاري وسيمرقند ،وكانوا قد خرجوا يمن بلدهم عقب يمسير التتار ،فكبسوهم يمن خلفهم على غرة يمنهم ،فأعيمل الفريقان يمن اليمسليمين سيوفهم حتى أبادوهم على بكرة أبيهم وتصافح الفريقان يمن اليمسليمين احتفال بالنصر .
وفرح السلطان جلل الدين بجيش بخاري وسيمرقند وأثني عليهم وكان يميما قاله لهم " :إنكم جنود ال حقا ،ويما أنتم إل لتأييداليمسليمين.واننا يمدينون لكم بحياتنا وانتصارنا" وأكريمهم وخلع عليهم وعرض عليهم يملئكة بعثهم ال يمن السيما ء إ النضيمام إلى جيشه فقبلوا شاكرين
وكان جلل الدين يعلم حق العلم أن جنكيز خان آت بجيموعه يويما يما للنتقام يمنه ،وأن انتقايمه سيكون عظيديما يمهولد ،
وأن عليه أل يطيمئن إلى النتصار الذي أحرزه في سهل يمرو ،وأن يستعد لذلك اليوم العبوس ،إلى أن جا ءته كتب يمن بلده تنبئه بسير جنكيز خان فطار إليها على عجل .
فافتقد في طريقه هذا ثيمرتي قلبه ؛ وأنسي حياته يمحيموددا و جهاد حين كان يجتاز بلد الكراد قافلد إلى بلده ،فطلبهيما
في كل يمكان والتيمسهيما بكل سبيل فكأنيما ابتلعتهيما الرض وغاب يمعهيما اليموكلن بخديمتهيما وحراستهيما الشيخ سليمه الهندي .وسيرون السائس .وأقام السلطان وعسكره في اليموضع الذي افتقد هؤل ء فيه حيث بث رجاله في طلبهم ، والتفتيش عنهم في جيميع تلك النواحي ،فلم يعثروا لهم على أثر .
إل أنهم في اليوم الثاني وجدوا جثة السائس يملقاة في يمنحدر ضيق بين جبلين ،فتحقق جلل الدين أن اليميرين اختطفا يمع خاديميهيما ،وأن اليمختطفين قتلوا سيرون ؛ لنهم ضاقوا بيمقاويمته ،وأيمر رجاله بالبحث عنهم فييما حول الجبلين ، وذهب يمعهم بنفسه ،فلم يجدوا لهم أث دار ،ولم يسيمعوا عنهم خب دار .فكاد جلل الدين ييموت يمن الغم ،وايمتنع عن الطعام ،وعزم أل يبرح ذلك اليمكان حتى يقف على خبرهم . وكانت الرسائل تتوالي عليه يمن نواب بلده .يخبرونه بأن جنكيز خان قد قطع بجيموعه النهر ،وانقضوا على بخارى فديمروها ،وانتقيموا يمن أهلها شر انتقام يمن جرا ء ذلك الفريق البخاري الباسل الذي هاجم يمؤخرة التتار في يمعركة يمرو ، فكان سبب هزييمتهم والقضا ء عليهم وأنهم دالفون إلى سيمرقند ،ففاعلون بها يما فعلوا ببخاري . ولكن جلل الدين كان في شغل شاغل عنهم يمن أيمر يمحيمود و جهاد فكان يعرض أحيانا عن الرد ،وأحيانا يعد بقرب اليمسيرة .
يمرت اليام على جلل الدين ،ويما يزيد حاله إل سود ءا حتى يئس رجاله يمن رجوعه إلى صوابه .وكانت النبا ء تأتيهم
بتقدم جنكيز خان ،واستيلئه على اليمدينة بعد اليمدينة يقتل فيها ،وينهب ويديمر ،حتى بلغ تبريز ،فعز عليهم أن يبقوا
واقفين أيمام سلطانهم اليمرزو ء في عقله ،اليميئوس يمن حاله ،حتى يطحنهم التتار وهم ينظرون . فتسللوا يمن حوله ،ولحقوا بإخوانهم اليمجاهدين ،البخاريين والسيمرقنديين ،وأيمروا عليهم أحدهم ،فلقوا طلئع التتار بين تبريز وديار بكر ،فقاتلوهم قتالد شديددا حتى هزيموهم وقوي أيملهم في النصر بعد ذلك .
إذ عليموا أن جنكيز خان قد قفل راجدعا إلى بلده لعلة شديدة أصابته ،خشى يمنها أن تودي بحياته فييموت في غير
يمسقط رأسه ،وكان قد بلغه يما صار إليه خصيمه الكبير يمن سو ء الحال ،فرأى أن القضا ء عليه أيسر يمن أن يقتضي بقا ءه في قيادة الجيش واحتيمال العلة في ديار الغربة ،ولكنه أصدر قبل رحيله أوايمر صاريمة إلى رجاله أل يقتلوا جلل الدين إذا ظفروا به ،وأن يجتهدوا في القبض عليه وحيمله حديا إليه ،ليري رأيه فيه وينتقم يمنه بنفسه .
ص بهم الفضا ء ،وأيقن اليمسليمون أل قبل لهم بيملقاتهم ، ويما لبث التتار أن أقبلوا أفوادجا يتدفقون تدفق السيل ،فغ م
ولكنهم تعاهدوا على اليموت في سبيل ال ،فوقفوا في وجه العدو ،كأنهم البنيان اليمرصوص ،فلم يستطع أن يتقدم شب دار إل على أشل ء البطال اليمجاهدين . سال طوفان التتار بعد انكسار هذا السد اليمنيع ،فطم تلك البلد والقري ،ولم يبق بينهم وبين اليموضع الذي أقام فيه جلل الدين إل بضعة فراسخ ،يما لبثوا أن قطعوها فوت الريح ،وكانوا قد عليموا أين يقيم ،وليس كالتتار سرعة وحركة ،ويمهارة في التجسس واستطلع أحوال العدو ،فلهم في ذلك أيمور تشبه الخوارق . وكان قد بقي يمع جلل الدين عدد قليل يمن رجاله ،عز عليهم أن يتخلوا عن سلطانهم العظيم وهو في حاله تلك ، وآثروا أن يحتيملوه على علته ،ويكونوا يمعه إلى النهاية ،وقد أزعجهم تقدم التتار ،فتأهبوا لحيماية يمولهم والذب عنه ، ريثيما يعدون العدة للفرار به إلى حيث يجدون يمأيمدنا .بيد أن التتار قد صاروا إذ ذاك أقرب إلى جلل الدين ورجاله يميما ظنوا ،فيما شعر هؤل ء إل بالطلئع قد كادت تحيط به ،فقايموا إلى السلطان وأركبوه الفرس ونجوا به يمنهم . وأفاق جلل الدين خلل ذلك ،وأدرك يما هو فيه يمن خطر ،فانطلق إلى آيمد ،فيمنع يمن دخولها ،وكبسه رجال يمن العدو وأحدقوا به دونها حتى لو شا ءوا أن يقتلوه ليمكنهم ذلك ؛ ولكنهم إنيما أرادوا القبض عليه ،فدفعهم عن نفسه وقتل جيماعة يمنهم ؛ وذب عنه بعض خواص رجاله ،وشاغلوا رجال العدو حتى خلص يمنهم . وطارده فرسان التتار ،وكان ل يباري في ركوب الخيل ،ففاتهم حتى دنا يمن يميافارقين ليحتيمي بيملكها ،فدخل قرية يمن قراها ولكن الفرسان لحقوه بها ،فبرحها ودفع جواده فطار به يمنهم . وصعد إلى جبل هناك يسكنه قوم يمن الكراد يتخطفون الناس فلجأ إلى أحدهم وقال له :أنا السلطان جلل الدين استبقني وأخف يمكاني عن العدو الذي يطاردني ،وسأجعلك يملدكا ،فأخذه الكردي إلى بيته وأوصي ايمرأته بخديمته .
وكان قد ليمح جلل الدين كردي آخر يموتور يمنه فعرفه ،ورآه حين دخل البيت .
فأخذ يتربص خلو البيت يمن صاحبه ،فليما خرج صاحب البيت لقضا ء حاجة له جا ء الكردي اليموتور وبيده حربة فقال : " لم ل تقتلون هذا الخوارزيمي؟" فقالت ايمرأة صاحب البيت" ل سبيل إلى ذلك :فقد أيمنه زوجي فقال الكردي " :ل أيمان لهذا :إنه السلطان وقد قتل أدخا لي في خلط خي دار يمنه " .
وكان جلل الدين رابط الجأش ولم ينبس ببنت شفة .ويما أتم الكردي كليمته ،حتى هز حربته فسددها بقوة إلى السلطان ،فحاص عنها فنشبت في الجدار خلفه .وأسرع جلل الدين فاختطفها يمنه وقال له " :الن سألحقك بأخيك " . فأيقن الكردي أنه يمقتول فقال له " :إن تقتلني كيما قتلت أخي فقد شفيت نفسي باختطاف ولديك !" . كانت هذه الكليمة الصغيرة أشد وقدعا على جلل الدين يميما لو أصابت الحربة كبده ،فقد زلزلت كيانه ،وأفقدته تيماسكه ، وعجب الكردي إذ رأي خصيمه واجديما ينظر إليه نظرة ذاهلة ،والحربة تضطرب في يده ،وكان قد يملكه الخوف ،وتوقع بين لحظة وأخري أن تخترق الحربة حجاب قلبه ،ولم يكد يصدق أنه حي بعد لول أنه سيمع بأذنيه قول السلطان يسأله
بلهجة حزينة " :يماذا صنعت بهيما يا هذا ؟" قال الكردي وقد زال عنه بعض خوفه " :إنهيما عندي ولن أسليمهيما إليك حتى تؤيمنني". قال جلل الدين وقد تهلل وجهه " :قد أيمنتك " . " -ل أصدقك حتى تريمي هذه الحربة يمن يدك " فألقاها جلل الدين على الرض قائلد " :اذهب فأتني بهيما ،وسوف
أكافئك حين أقدر على يمكافأتك " .
فقصد الكردي جهة الباب وهو يتوقع أن الحربة ستدق في ظهره ،حتى إذا أيقن أنه بيمنجاة يمن بطش جلل الدين به وقف خارج الباب وصاح " :أيها اليمخبول نجوت يمنك ! لقد بعت ولديك لتجار الرقيق يمن الشام فلن يعودا إليك أبددا " . وهم الكردي بالهروب لول أن رأى السلطان يتيمايل كالذي يدار به حتى سقط على جنبه وهو يقول " :ل حول ول قوة إل بال ! لقد بيع يمحيمود و جهاد بيع الرقيق ! " . فكر الكردي راجدعا ،والتقط الحربة فطعن بها جنب جلل الدين ،فنشبت بين ضلوعه ولم يحاول جلل الدين أن يدفع الكردي عن نفسه ،بل استسلم له قائلد " :هنيدئا لك يا كردي ،لقد ظفرت برجل أعجز جنكيز خان ! أجهز على وأرحني يمن الحياة فل خير فيها بعد يمحيمود و جهاد " .
الفصل الخامس يمات جلل الدين ولم يعلم عن يمحيمود وجهاد إل أنهيما اختطفا .فبيعا لحد تجار الرقيق بالشام ،أيما كيف اختطفا ويماذا لقيا بعد ذلك فبقي س دار يمكتوديما عنه إلى البد ،وتفصيل ذلك أن السلطان جلل الدين كان شديد الولع بالصيد ل
يتركه في إقايمته ول سفره .وقد بلغ به حب الصيد أن ربيما كان يسنح له سرب يمن الظبا ء ..أو حيمر الوحش في طريقه
وهو سائر إلى غزوة أو قتال فينفتل عن جيشه في أثر السرب ،ول يعود حتى يصيب شيئا يمنه فيأيمر رجاله بحيمله . وطاليما نصحه خاصة رجاله في ذلك وحذروه يميما قد ينتج عنه يمن الخطر على نفسه أو على جيشه .فكان يسلم لهم بصواب رأيهم ويعدهم بأل يقع ذلك يمنه يمرة أخري ،ولكنه ل يلبث أن يري صيدا فينطلق في أثره .و يقول لهم في ذلك إنه أيمر ل يقدر على دفعه .وقد سري هذا الغرام بالصيد يمنه إلى ابن أخته يمن طول يما صحبه الغلم حين كان يخرج لذلك في بلد الهند .وكثي دار يما خرج يمحيمود يمع سيرون سائسه لصطياد الرنب البري خاصة .
وفي أثنا ء عودة جلل الدين إلى بلده للقا ء جنكيز خان .لم يشغله ذلك عن النفتال عن عسكره ،والجري ورا ء غزال لح له في أول الطريق ،فحبسهم ساعة ينتظرونه حتى رجع .
وبينيما كان يمحيمود وجهاد يسيران في يمؤخرة الجيش إذ بص ار عن ييمينهيما بأرنب بري يمنطلق بين الحشائش في أسفل الجبل ،فساق يمحيمود في طلبه وانطلقت جهاد ورا ءه وجد يمعهيما الحارسان ليرداهيما عن ذلك حتى غابوا جيميدعا في
يمنعطف الجبل ،ولم يكترث لهم أحد يمن الجيش اتكالد على وجود الحارسين يمع اليميرين ،ولم يخايمر أحددا يمنهم شك
في أن هؤل ء سيعودون ويلحقون بهم ،وقد صار يمألودفا عندهم أن يتخلف اليميران عنهم قليلد فل يلبثان أن يعدوا ورا ءهم حتى يفوتاهم .
وأيما يما فات الجيش كله عليمه ،فهو أن سبعة يمن الكراد اليموتورين كانوا يسيرون ورا ءه غير بعيد يمنه ،يمتوارين خلف الشجار أو خلف التلل يتطلعون إليه يقظين حذرين بحيث يرونه يمن حيث ل يراهم ،قد ليمحوا يمحيموددا يطرد ورا ء
الرنب ناحية الجبل .وخلفه جهاد والحارسان .فداروا يمن خلف الجبل .وطلعوا عليه يمن ثنيته فجأة فأحاطوا بهم ، وتلقف أحدهم يمحيموددا فأنزله يمن جواده وكليمم فاه وقبض ثان على جهاد وصنع بها يما صنع رفيقه بيمحيمود .وهدد
الخرون الشيخ سليمه وسيرون بقتلهيما وقتل اليميرين يمعهيما إذا صاح أحدهيما بكليمة ،أو أبديا حركة للفرار ،فهم سيرون بالستغاثة ،ولكن الشيخ سليمه أشار له أن يلزم الصيمت وأن يطيع القوم ،فاستسليما لهم خودفا على حياة
اليميرين ،وطيمدعا في أن يلحق بهم جيماعة يمن الجيش للبحث عنهم إذا استبطئوا عودتهم .
ولكن هذا لم يغب عن الشقيا ء ،فجعلوا هيمهم الفرار بهم يمن ذلك اليموضع بأسرع يما ييمكنهم .فأردف اثنان يمنهم
الصبيين وسبقاهم إلى الثنية ،وتبعهيما الخرون يسوقون الحارسين بسيوفهم ،حتى إذا بلغوا السفح الخر يمن الجبل بدت يمن قبل سيرون يمحاولة للهرب . فيما أيمهله أحدهم أن طعنه بريمحه في كبده حتى أثبته ،فأخذوه فريموا به في يمنحدر ضيق عن ييمين الجبل ،وأخذوا بعنان جواده ،ويمضوا في يمنعطفات الجبال وسلكوا الودية الضيقة ،ويمازالوا كذلك حتى رقوا بهم الجبل الذي لذ به جلل الدين بعد ذلك ،حين طارده التتار ،فلقي حتفه على يد الكردي اليموتور . وكان يسكن هذا الجبل قوم يمن الكراد شطار ،يقطعون الطرق على القوافل فينهبونها ؛ وعلي اليمسافرين فيقتلونهم ويخطفون أطفالهم ونسا ءها فيبيعونهم لعيملئهم يمن تجار الرقيق الذين كانوا يرتادون هذا الجبل لهذا الغرض اليميمقوت فيحيملهم هؤل ء إلى أسواق العراق و يمصر والشام . لم يقم يمحيمود وجهاد بجبل الشطار إل بضعة أيام ،حتى جا ء أحد تجار الرقيق إلى الجبل ،فعرضوهيما عليه بعد أن غيروا اسيميهيما العربيين باسيمين أعجيميين فاشتراهيما يمنهم بيمائة دينار ،أيما الشيخ سليمة فإنه ليما عرض على التاجر أبي أن يشتريه ،وقال " :يما أصنع بهذا الشيخ الفاني ؟ " فاستا ء الشيخ يمن ذلك ،فقد كان يود أن يصحب اليميرين لعلهيما يستأنسان به ،أو يحتاجان إلى خديمته ،ولو بعد حين ،ريثيما يوطنان أنفسهيما لهذا السلوب الجديد يمن الحياة الشاقة التي تختلف عن حياتهيما السابقة كل الختلف . وليما يئس يمن يمرافقتهيما لن التاجر أبي شرا ءه حزن لذلك أشد الحزن إل انه تعلل بأنه يمهيما رافقهيما فلبد أن يفترق عنهيما يويما في سوق النخاسة .فسلم أيمرهيما إلى ال . وأراد أن يزودهيما بنصيحة تنفعهيما في حياتهيما الجديدة ،فتوسل إلى البائعين ،ليأذنوا له أن ينفرد بهيما ،كي يودعهيما ، ويسدي إليهيما نصائح تنفعهيما ،فأذنوا له بذلك ،وكان يميما يسر له يموافقتهم أن يمحيموددا كان ل يكف عن التبرم
والشكوي ول يفتأ يلعن خاطفيه ويسبهم ويعلن أنه ابن أخت السلطان جلل الدين ،وأن جهاد ابنته وأن يمن باعهيما أو
اشتراهيما فهو يمتعرض لنقيمة السلطان وسطوته وكان يضرب بيده أو يركل برجله أي واحد يمن هؤل ء يقترب يمنه ، فيعاقبونه بالضرب اليموجع لييمتنع عن ذلك . فل ييمتنع ،وأن جهاد كانت تواصل البكا ء ل يرقأ لها ديمع ،ول يسوغ لها طعام ،حتى نحل جسيمها ،واصفر وجهها ، وخشي عليها يمن جرا ء ذلك ،فقال لهم الشيخ :إنه لو خل بهيما فتلطف في نصحهيما لربيما استطاع أن يفثأ لوعتهيما ، ويهدي ثورتهيما ،ويصرفهيما عيما هيما فيه يمن البكا ء وعدم النقياد ،فكان في ذلك يمصلحتهيما ويمصلحتهم ويمصلحة التاجر ،وكان يقول له ذلك بغاية الحكيمة والرزانة ،فاستنصحوه واستصوبوا رأيه ،وقبلوا طلبه . وليما خل بهيما قال لهيما بصوت يفيض رقة وحنادنا ،ويتنازعه الحزن ،والتجلد " :يا أيميري الحبيبين قد رأيتيما يما نحن
فيه يمن البل ء واليمكروه ،إوان علينا أن نلقاه بالصبر حتى يأتينا الفرج يمن ال ،إوانه لقريب إن شا ء ال ،إنكيما حديثا
السن ،طريا العود ،ولكن ال قد رزقكيما يمن الذكا ء والفطنة يما تفوقان به على كثير يميمن هم أكبر يمنكيما سدنا ،أنتيما يمن أولد اليملوك ،فجدير بكيما أن تصب ار صبر اليملوك ،إوان الجزع ل يفيدكيما شيدئا بل يزيد بل ءكيما وشقا ءكيما ،وربيما
يسليمكيما إلى يمرض يودي بحياتكيما ،فيشق ذلك على يمولي السلطان جلل الدين حين يطلبكيما بعد أن ينتهي يمن قتال
التتار فل يجدكيما . يا ولدي العزيزين إن هؤل ء اللصوص اختطفوكيما ،وباعوكيما لهذا التاجر ،إوان يمصلحته أن تكونا يمعه بخير حتى
يبيعكيما بثيمن يرضيه .فاسيمعا له وأطيعاه ؛ ليحسن يمعايملتكيما ،ول يتعرض لكيما بسب أو إهانة .إوانه يعرف قدركيما
ول يجهل قييمتكيما ،وسيطلب بكيما ثيمدنا كبي دار فل يتصدي لشرائكيما إل السراة واليمرا ء ويمن فوقهم يمن اليملوك والخلفا ء
حيث تعيشان في قصورهم عيشة صالحة ،حتى تنقضي هذه اليمحنة القصيرة إن شا ء ال .
إن يمولي السلطان جلل الدين سينتصر على التتار بإذن ال ،وسأكتب إليه بأيمركيما فسيبعث في طلبكيما يمن أطراف الرض ،وسترجعان إليه فيفرح بكيما وتفرحان به .ولكي يسهل عليه الهتدا ء إليكيما ،عليكيما أن تصغيا ليما أقول ، إياكيما أن تقول لحد إنكيما يمن أولد جلل الدين ،اكتيما هذه الحقيقة عن كل أحد لن هذه الحقيقة قد تسبب لكيما يمتاعب أنتيما في غني عنها ،وقد تحول دون سهولة الهتدا ء إليكيما حين يسعي في طلبكيما يمولي السلطان ،إذ قد يضن بكيما يمن تكونان في حيازته ،فيبالغ في إخفائكيما ،ويحول بينكيما وبين وسائل العلن عن يمقركيما ،إيما بالكتابة إلى يمولي السلطان أو التصال بأحد يمعارفه أو رسله .أيما إذا بقي هذا السر يمكتوديما حتى تحين ساعة الطلب ،فسيكون يسي دار عليكيما أن تهدياه إلى يمقركيما ،حيث يأخذكيما إليه والحيمد ل قد كفانا هؤل ء اللصوص يمؤنة تغيير اسيميكيما ،فليعتيمد كلكيما اسيمه الجديد ،ول يجد في ذلك حردجا ،فإنه اسم يمؤقت ينتهي أجله حين تنقشع هذه الغيمايمة ،ويويمئذ ييموت
اليميملوك قطز ،وتيموت اليميملوكة جلنار ،ويعود اليمير يمحيمود بن يميمدود واليميرة جهاد بنت السلطان جلل الدين إلى
القصر اليملكي بغزنة حيث يرثان يملك آل خوارزم شاه بعد عيمر يمديد ليمولي السلطان . قال يمحيمود " :هيهات أن يكون اليميملوك يملدكا ،إني ل أريد اليملك ،وحسبي أن أعود أنا وجهاد إلى خالي ،وأقاتل التتار يمعه " .
فقال الشيخ " :اذكر قصة يوسف الصديق عليه السلم كيف بيع بدراهم يمعدودة لعزيز يمصر ،فيما لبث أن صار يملدكا على يمصر ،وهكذا تحدثني نفسي أنك ستكون كيوسف غير أن يوسف كان يمن بيت النبوة ،وأنت يمن بيت اليملك ،يا ليتني أعيش حتى أراكيما تيملكان البلد ،ولكني شيخ كبير ل أحسب عيمري ييمتد بي إلى ذلك العهد السعيد " .
وكانت جهاد تصغي لحديث الشيخ بكل جوارحها ،وقد كفكفت ديمعها ،واطيمأنت إلى صدق يما يقول ،فيما قال الشيخ كليمته هذه حتى قالت له " :كل ستكون يمعنا دائيما ولن تفارقنا " . فقال الشيخ " :يسيمع ال يمنك يا أيميرتي الصغيرة ،إني سأبقي هنا ،لن التاجر أبي أن يشتريني لكبر سني . ولكني سألقاكيما قريدبا إن شا ء ال عند يمولي جلل الدين ،فل أفارقكيما حتى اليموت ولعل بقائي هنا أنفع لنا ،إذ أكون
قريدبا يمن بلدنا فأكاتب السلطان بأيمركيما ،وأطيمئنه بوجودكيما " .
وأحس الشيخ بأن يمدة النفراد بالصبيين قد طالت ،وخشي يمن غضب الجيماعة عليه ،فأعاد عليهيما يمجيمل حديثه السابق تثبيدتا له في أذهانهيما .وأكد عليهيما أل يبوحا بحقيقة حالهيما لحد ،وأن يطيعا أيمر يمولهيما ،ليحسن يمعايملتهيما
،ثم دنا يمنهيما فضيمهيما إلى صدره وهو يقول " :استودعكيما ال حافظ الودائع " فطفقا يبكيان ويقبلن رأسه ،ثم قام بعد
أن هدأهيما وجفف ديموعهيما ،وسار بهيما إلى يمجلس القوم ،حيث ينتظرهيما التاجر لييمضي بهيما . فقال له :يا سيدي إني قد أوصيتهيما بطاعتك فلن يخالفا أيمرك ،فأوصيك بهيما خي دار ،إنهيما حديثا السن قليلد التجارب ،فارفق بهيما وأحسن سياستهيما بارك ال لك فيهيما وبارك لهيما فيك " .
وعجب القوم إذ أروا الغلم قد لن جانبه وانكسرت شكييمته ،بعد أن كان عصديا عنيددا ،والجارية قد سكن جأشها ،
واطيمأن بالها ،فتبعا يمولهيما طائعين ،غير يمتيمردين ول يمتذيمرين ،غير أنهيما ليما ارتحل التاجر بهيما على بغاله ،
غايمت عيونهيما بالديمع والتفتا إلى جهة الشيخ وجعل يلوحان له بأيدهيما حتى اختفيا . واختلف القوم في أيمر الشيخ يماذا يصنعون به ،فيمن قائل نطلقه ييمضي حيث يشا ء ،ويمن قائل نستخديمه وندعه يحتطب لنا ،حتى اتفقوا آخر اليمر على أن يبقوه عندهم حتى يبيعوه لتاجر أخر قد يرغب في شرائه ويما أوي الشيخ سليمة إلى يمحبسه ،حتى انكب على وجهه وجعل يبكي بكا ء يم دار ،وهاجت شجونه ،فتذكر أيايمه في
خديمة يموله الكبير السلطان خوارزم شاه وخديمة السلطان جلل الدين يمن بعده ،ويما شهدت عيناه يمن الحداث
والنكبات التي حلت ببيتهيما وكان آخرها هذا الذي نزل ببقية ذلك البيت اليمجيد ،وأفضي بهذين اليميرين الصغيرين إلى ذل العبودية وهوان الرق ،حيث يباعان في أسواق النخاسة ،ويتنقلن في أيدي اليمالكين . ويميما زاده ألديما وحسرة وكيمددا ،أنه – وهو خاديمهيما اليمين – قد استعيمل نفوذه عليهيما ،وثقتهيما به واطيمئنانهيما إليه ،
في حيملهيما على الرضا ء بهذا الهوان ،واستنزالهيما عن إييمانهيما وعزتهيما ليخضعا خضوع العبيد ليمن اشتراهيما بيمائة دينار ،وأنه استغل سذاجتهيما وسليمة نيتهيما وقلة بصرهيما بالحياة ،فخدعهيما عن حقيقة حالهيما ،وكنه يمصيرهيما وأوهيمهيما ضلة وكذدبا أن هذه يمحنة طارئة ل تلبث أن تزول وغيمة عارضة ل تلبث أن تنقشع .
نعم إنه أشفق عليهيما يمن إهانة اليمولي وقسوة اليمالك ،ولم يرد بهيما إل الخير ،إذ نصحهيما بالخضوع وحسن الطاعة ،
ولكن علم هذا كله ؟ ،وفيم هذا الحرص على البقا ء ؟ ،ويما قييمة الحياة إذا فقد اليمر ء حريته وشرفه ،وصار سلعة تباع وتشتري ؟ فكيف بأيمير وأيميرة نشأ في أكبر بيوت اليملك ،وتقلبا في أعطاف النعيمة والعز ،يراد بهيما أن يرضيا بحياة العبد واليمة ،حيث يلقيان صنوف الذل وألوان اليمتهان ،ويلقي إليهيما أن في ذلك خيرهيما وسعادتهيما لئل يأتيهيما اليموت ،فيقطع عنهيما فتات اليموائد وفضول الشراب ! .
إنهيما ذهبا راضيين ليما خلبهيما يمن سحر حديثه ،آيملين أن يعودا إلى كنف السلطان جلل الدين بعد برهة قصيرة يمن الزيمن .فيماذا يكون حالهيما إذا تبدد يمنهيما هذا الحلم الجيميل ،وعرفا الحقيقة اليمرة أن ل خلص يمن حياة الرق ،ول فكاك لهيما يمن قيد الستعباد ؟ وأنكي يمن ذلك أن هذين اليميرين عاشا أليفين يمتلزيمين يمنذ الطفولة ؟ لم يغب أحدهيما يويما واحددا عن الخر .ول يكاد يصبر ساعة عنه .وقد ظنا حين ذهبا يمع النخاس أنهيما سيظلن كيما كانا رفيقين يمتلزيمين ،ولم يخطر ببالهيما قط أن
أسواق الرقيق قد تفرق بينهيما ،فيقع هذا في يد رجل يمن اليمشرق وتباع هذه لرجل يمن اليمغرب ،وكانا يشعران يمن طول تلزيمهيما أنهيما شخصان ل يفترقان أبددا وأنهيما سيعيشان يمعا وييموتان يمدعا ،ويما دار بخلدهيما أن أحددا يمن الناس يمهيما
بلغ يمن الحول والقوة ،ويمهيما بلغ في تعذيبهيما واضطهادهيما ييمكن أن يفكر في إبعاد أحدهيما عن الخر ،فهذا شي ء ل سبيل إليه ،ويما عليما أن تجار الرقيق ل يرعون ليمثل هذه اللفة عهددا .ول يقييمون لهذه الصحبة الطويلة والتعاطف الخوي وزدنا .إوانيما يعتبرون اليمال وحده ،وييميلون يمع الريح حيث تيميل .فإن قدر لهيما أن تضيمهيما ييمين يمالك واحد .
كان ذلك اتفادقا غريدبا وصدفة غير يمقصودة ،ل رعاية لهيما ول إبقا ء على اجتيماع شيملهيما .
جاشت هذه الخواطر كلها بقلب الشيخ اليمكلوم ،فشعر بهم عظيم يسد يما بين جوانحه ،ويأخذ بأكظايمه ،فيمل الحياة وتيمني لو اختريمه اليموت ،فأراحه يمن هيمويمه وآليمه .وبقي أياديما ل يذوق الطعام الذي يقدم إليه حتى وهنت قوته وسا ء
حاله ،وأصابته حيمي شديدة بات يهذي يمنها طوال ليله .حتى وجدوه في الصباح جسددا هايمددا ل حراك به .فكفنوه في ثيابه ،وأهالوا عليه التراب .
يمات الشيخ سليمة الهندي .ولم يدر بخلده وهو ينعي نفسه في ذلك الجبل النازح أن يموله وولي نعيمته السلطان جلل الدين بن خوارزم شاه سيلقي حتفه في ذلك الجبل .بعد بضعة أيام يمن وفاته ويدفن على يمريمي حجر يمن قبره .في تربة كل قاطنيها عنها غريب وليس لهيما بينهم يمن صديق أو حبيب .
الفصل السادس
أيما قطز و جلنار ،فقد وصل بهيما التاجر إلى حلب ،فأنزلهيما يمعه في بيت بعض يمعارفه ،وكساهيما ثيادبا حسنة
وأراحهيما ،ولم يكلفهيما أي عيمل يقويمان به ،ولم يحبسهيما في اليمنزل بل تركهيما يجيئان ويذهبان كيما شا ءا في ساحة
الحي . وكان لطيدفا يمعهيما طوال الطريق ،يقدم لهيما الطعام ،ويساعدهيما في الركوب والنزول ،ويجاذبهيما أطراف الحديث
ويداعبهيما ،ويسليهيما بالقصص والنوادر باللغة الفارسية التي كان يجيدها إجادة حسنة ،حتى يمال الصبيان إليه ،وخف
عنهيما يما كانا يجدان يمن الوحشة والقلق .ونظ ار إليه كأنه صديق لهيما ،ل يمالك اشتراهيما باليمال . وكان للتاجر يميملوك ثالث في سنهيما ،يدعي ببيرس ،قد أحضره إليه أحد وكلئه ،فضيمه إليهيما ،ولكنه كان يعايمله يمعايملة قاسية ،ويضربه ويحبسه في اليمنزل ل يبرحه يمثلهيما :فعجبا في أول اليمر يمن خلق الرجل كيف يرفق بهيما ذلك الرفق ،ثم يقسو هذه القسوة على الغلم ؟
ولكن سرعان يما زال عجبهيما حين عرفا ببيرس وتيمرده على يموله ،وسو ء خلقه يمعه ويميله دائديما للباق يمنه ،فأدركا
حينئذ أن يمولهيما حكيم في سياسته يعايمل كلد بيما يليق يمن الشدة واللين .على أنهيما يمع ذلك لم يخلوا يمن الرقة لهذا الغلم القبجاقي الشقر ،ذي العيون الزرق التي تنم عن الحيلة واليمكر .
فكان قطز يحسن إليه على غير علم هؤل ء ،ويقتطع له شيدئا يمن إدايمه وحلواه فيقديمه له فيلتهيمه الصبي التهاديما ،
فنشأت يمن جرا ء ذلك صداقة يمتينة بينهيما .أيما جلنار فكانت يمع شفقتها عليه تشعر بنفور شديد يمنه ،وتتقي نظراته
الحادة كأنها سهام يماضية ل تقوي على احتيمالها عيناها الوديعتان . ويما هي إل أيام قلئل حتى حل يموعد السوق بحلب .وكان يوم الربعا ء يمن كل أسبوع ،فتقاطر إليه الناس يمن سائر يمدن الشام وقراه ،ليشهدوا يمنافع لهم ويبيعوا ويبتاعوا وكان يقام في رحبة واسعة في طرف يمن أطراف اليمدينة تنصب فيها الخيام .وتضرب فيها السرادقات العظييمة وتقسم أقساديما :فقسم للحبوب والغلل ،وقسم للقيمشة واليملبس يمن الصوف والقطن والكتان والحرير ،وقسم للنية والسرج وسائر أدوات اليمنازل ،وقسم للدوية والعطور ،والدهنة واليمقويات ،وقسم للجواري والعبيد ،قسم للخيول واليمواشي ،إلى أخر يما هنالك ،وكان كل قسم يمن هذه القسام يسيمي سودقا ،فسوق الغلل ،وسوق البز وسوق الرقيق ،وسوق الخيل ،وهلم ج دار .
وليما أصبح يوم الربعا ء ،أيمر التاجر يمواليه الثلثة فاغتسلوا وكساهم ،وأصلح شعورهم وطيبهم ،ثم يمضي بهم إلى السوق الكبيرة ،أيما ببيرس فقد أيمسك التاجر بيده يجره ج دار وهو يسبه ويلعنه ،وأيما قطز و جلنار فقد أطلقهيما ،فسا ار
فرحين ويما يظنان إل أنهيما ذاهبان لشهود هذا اليموسم العظيم ،والتفرج على يما فيه ،حتى بلغ بهم سوق الرقيق فإذا
سرادقات عظييمة يميملو ءة بالجواري والغليمان يمن بيض وسود وألوان بين ذلك شتى ،وقد جلسوا على الحصر جيماعات يمتفرقة وقام على كل جيماعة يمنهم الدلل الذي عهد إليه ببيعها ،فيأخذ الدلل أحدهم ويوقفه على دكه يمنصوبة أيمايمه ، وينادي عليه بين الذين حضروا للبتياع بكليمات يمسجوعة أو يمنظويمة في الشادة بيمحاسن اليمعروض للترغيب في شرائه .وهؤل ء السيماسرة يفتنون في ذلك افتنادنا عجيدبا ،ويستعين كثي دار يمنهم بالشعرا ء لينظيموا لهم يمقطوعات في
أوصاف الجواري والغليمان ونعوتهم اليمختلفة ،فينادون بها على يمن يعرضون يمن الرقيق بحسب يما يقتضيه اليمقام . ويما إن سلم النخاس يمواليه الثلثة إلى أحد الدللين جعل يقلبهم ،ويصعد النظر فيهم ،كأنه يختبر نعوتهم ويتبين سيماتهم ،ثم كتب أسيما ءهم في دفتره ،وتحت كل اسم يمنها صفته وسنة و أصله ،وأقل قييمة يطلبها صاحبه فيه ثم دفعهم إلى الحصير فقعدوا عليه بين غيرهم يمن الرقيق الذي عنده .
أيما بيبرس فقعد يمطيمئدنا ل أثر عليه يمن ايمتعاض أو اكتئاب ،وجعل يجيل نظراته الحادة فييمن حوله يمن الناس ،فإذا
رأي عبددا أسود ،أو جارية شوها ء أو غلديما قبيح الخلقة ،ضحك عليه وأشار لقطز إليه غير يمكترث بالدلل الذي كان
يحده بالنظر ،يمرة بعد يمرة ،ويقطب له ليردعه بذلك عن عيمله ،فيما يجيبه بيبرس بغير إخراج لسانه ،وتحريك حاجبيه
. وأيما قطز وجلنار فقد غلبهيما الوجوم ،وأصبحا ل يعيان شيئا يميما حولهيما ،وظنا نفسيهيما في يمنام ل في حقيقة ،لول أنهيما تذك ار يما وقع لهيما يمن اختطاف اللصوص ،ثم بيعهيما إياهيما للنخاس .ويما زال بعد في ريب يمن أن يكون التاجر الواقف أيمايمهيما بعد إذ سليمهيما للدلل ،هو عين ذلك الرجل الذي أحسن إليهيما يمنذ يويمهيما .وأظهر لهيما ذلك البر وتلك الرعاية .وترقرق الديمع في يمآقيهيما فكانا ييمسحانه بطرف ردائهيما يمسارقة ،ويما أيمسك ديمعهيما أن ينسكب إل
حياؤهيما يمن أن يبدو عليهيما الضعف بين يمن حولهيما يمن الناس ،أو يظه ار أقل جلددا ،واحتيمال يمن زيميلهيما الضاحك العابث .
ويمرت ساعات طويلة شهدا كيف تعرض اليما ء والعبيد والغليمان ،وينادي عليهم ،ويقلبهم الراغبون في الشرا ء ظه دار لبطن ،ل فرق بينهم وبين السلع ،فينفق يمن ينفق يمنهم ،فييمضي لسبيله يمع يمن اشتراه ،ويبور يمن يبور ،فيعاد إلى يمكانه في الحصير كاسف البال .حتى جا ء دورهيما ودور صاحبهيما فبدئ ب)بيبرس .ونصب على اليمنصة ل ،وقد جرد يمن ثيابه إل يما يستر وسطه فبدا يابس الساقين بارز الصدر يمفتول الساعدين ، وهو يلتفت ييميدنا وشيما د فنادى اليمنادي وهو يضرب على صدره وظهره يمن للفتي القبجاقي
ينفع في الحيما ق ق
يدفع عن يموله
كيد الذي عاداه
ستطلع اليام
إن صح ظني فيه
يمغايم دار يمقداديما
يعزيمن يؤويه
يه أز بالهوال
في ساحة النزال
فتقدم إليه رجل يظهر يمن سحنائه وزيه أنه تاجر يمن يمصر ،فاشتراه ونقد الدلل ثيمنه يمائة دينار .وكان يمالكه النخاس ل يطيمع في أكثر يمن خيمسين دينا دار ولكن الدلل ليما لحظ تطلع التاجر اليمصري إليه وشدة رغبته فيه ،جعل يرفع قييمته
حتى بلغ بها يمائة ،فكان فوق أجرة الدللة نصف يما زاد يمن قييمته على يما حدده اليمالك ،أي خيمسة وعشرون دينا دار .
وقد فرح الدلل بهذه الصفقة فردحا كبي دار جعله يبالغ في يملطفة التاجر اليمصري ويقول له " :خذه إليك …… بارك ال
لك فيه ،وحافظ على هذا الغلم الخبيث ،فإنه شرس أباق
ولم يكن بيبرس يعرف العربية إل قليلد ،ولكنه فهم يمن حركات الدلل إواشارات يده ،ونبرات صوته ،يمعني الكلم الذي
نادي به عليه ،فوقف حين وقف على الدكة يمختالد بنفسه ،يمدلد بقوته ،ونزل حين نزل يمنها ويمشي إلى يموله اليمصري
يمزهدوا يكاد يخرق الرض تيدها ،ولم ييمض اليمصري بعد أن اشتري بيبرس ،بل عاد إلى يمكانه الول ولزيمه ،ينظر إلى الصبيين الوضيئين كأنه يرغب في شرائهيما أيضا ،أو يريد أن يري كم يبلغ ثيمنهيما .
وأخذ الزحام يشتد على حلقة الدلل حينيما تهيأ لعرضهيما وكان في الحاضرين رجل ديمشقي جيميل الهيئة ،تبدو عليه يمخايل النعيمة واليسار ،وقد وخطه الشيب في رأسه ولحيته ،فزاده وقا دار وهيبة ،وقد حضر إلى سوق الرقيق يمن
الصباح الباكر .فظل زيمدنا يطوف على حلقات السيماسرة ،يجيل بصره في وجوه الرقيق ،وكليما ليمحت عينه صبديا أو صبية ،وقف عنده يتأيمله تأيملد دقيدقا .
حتى وصل إلى حلقة دللنا حافظ الواسطي ،فيما وقع بصره على قطز وجلنار ،حتى خفق قلبه ،وقال في نفسه " : هأنذا قد وجدت بغيتي " ،ووقف برهة يتفرس في الصبيين ،فيما يزداد إل يميلد إليهيما ورغبة فيهيما ،ثم دار على
الحلقات الخرى كرة أخري كأنه أراد أن يتثبت لنفسه ويستيقن أن ليس فيها أصلح له يمنهيما ،وأوفق ،أو إنيما شا ء أن يصرف النظار عنه ،ول سييما نظر الدلل لئل يعرف تعلقه بهيما فيغليهيما عليه .ثم عاد إلى الحلقة واتخذ لنفسه يمقعددا في جانب يمنها ،بحيث يري الصبيين ،فظل يسارقهيما ويسارق الناس النظر إليهيما طوال لبثه هناك ،ينتظر أوان عرضهيما .
ويما لبث قطز وجلنار أن شع ار بيمكان هذا الشيخ الجيميل الهيئة وتك ارره النظر إليهيما دون سائر الحاضرين الذين شغلهم التطلع إلى اليمعروضين قبلهيما ،والستيماع إلى يما ينادي به الدلل الفصيح عليهم ،يمن طرائف البيان اليميمتع ،فألهاهم ذلك عنهيما .وهيما ييمسحان ديمعهيما الفينة بعد الفينة ،خلسة عن العين ،إل عين ذلك الشيخ الذي كان ل يغفل عنهيما لحظة ،كأنه يمشغول بهيما عيما الناس فيه . فتضايقا أول اليمر يمن عينه العالقة ،وحسباه رقيدبا يموكلد باستطلع يما يحاولن ستره عن العيون يمن لواعج هيمهيما ،
ليما شع ار به يمن الذل واليمهانة في ذلك اليموقف البغيض .
ولكنهيما يما لبثا إذ رأيا الطيبة الناطقة في وجهه ،والحنان الفائض يمن عينيه ،أن تبدل شعورهيما نحوه ،فصا ار ييميلن إليه ،وطفقا يبادلنه النظر بحب وطيمأنينة ،أحس بهيما الرجل فشاع السرور في وجهه ،ولول يمراعاة الحاضرين لقام إليهيما فاحتضنهيما كيما يحتضن الب ولديه يلقاهيما بعد غياب طويل ،وكذلك كان شعور الصبيين نحوه شبيدها بشعوره نحوهيما .
إذ أحسا كأنه صديق لهيما يعرف حقيقة حالهيما ،وسر نكبتهيما ،قد جا ء لينقذهيما يميما هيما فيه .ويما يدريهيما أل يكون رسولد يمن قبل أبيهيما السلطان جلل الدين ،قد بعث في طلبهيما بعد أن فرغ يمن قتال التتار .ألم يقل لهيما ذلك الشيخ سليمة الهندي ؟ ألم يعدهيما بأنه سيكاتب السلطان بأيمرهيما يمن الجبل ؟ ! .
كان الصبيان يجيلن هذه الفكار في رأسيهيما في وقت يمدعا ،كأنيما يستبقان في شوط واحد ،ول بدع في ذلك يمن
أيمرهيما ،لنهيما درجا يمدعا ،حتى بلغا يمن التآلف والتيمازج أن صار أحدهيما يعرف خبيئة نفس الخر ،ويمكنون صدره ، كأنهيما يشعران بقلب واحد .ولبثا ينتظران أوان عرضهيما بفارغ الصبر ،وهيما ل يشكان في أن صاحبهيما سيتقدم
لشرائهيما ول يغليهيما عنده ثيمن ،وتشودقا إلى يمعرفة سره إذا يما اشتراهيما ويمضي بهيما يمن ذلك السوق الذي أندي جبينهيما ،ولقيا فيه الخزي والهوان .
أيما الدلل فإنه يما كاد يفرغ يمن أيمر بيبرس حتى وجد الناس يتطلعون إلى الصبيين ،ويما يشكون في أنهيما شقيقان لشدة تقاربهيما في اليمليمح ،واتفاقهيما في الدم ،فوقف أيمايمهيما ل يدري بأيهيما يبدأ ،وكانت سنته في ذلك أن يبدأ بالقل قد دار :ليحتفظ ببقا ء الناس في حلقته ،يمتطلعين إلى يمن يفضله يمن الباقين عنده .وقد حار أي الصبيين يقدم ؛ لنه ليما يجزم أيهيما يفضل أخاه ،ولكن قط داز قطع عليه هذا التحير في التخير .إذ قام فتقدم يعرض نفسه ل ،يكاد ينبجس يمنه الدم ،ونادي عليه فيما وسع الدلل إل قبول عرضه ،فأوقفه على الدكة ووجهه يحيمر خج د
والعيون ثابتة فيه :
يمن للغلم الوسيم
يمن للنجارالكريم
ذكاؤه فوقسنه
وحسنه دون ييمنه
سيماحةوشجاعة
وعزةووداعة
يما بيع هذا بيمال
لول صروفالليالي
ولم يكد الدلل يتم ندا ءه هذا حتى تسابق الراغبون في شرائه أيهم يفوز به ،فجعلوا يتبارون في رفع قييمته ،حتى بلغوا بها يمائتين وسبعين ،فأتيمها الديمشقي ثلثيمائة ،فلم يجرؤ أحد على الزيادة ،فسليمه الدلل إليه وهنأه به .ويمضي الغلم إلى يموله الجديد فردحا يحيمد ال على أن لم يظفر به سواه قريدبا يمنه ويما لبث الشيخ أن كليمه كلديما ليدنا تطييدبا لخاطره ،فلم يفهم قطز يما يقول ،ولكنه أدرك أنه يلطفه بذلك ،فود لو أنه كان يعرف اللسان العربي ليجيبه على حديثه . ل إذ أخذ حينئذ بيد جلنار ،فأقايمها على الدكة فتوجه انتباههيما فاكتفي بأن ابتسم له ،ولم ييمهلهيما الدلل طوي د
وانتباه الناس إليها ،وقد تورد خداها وأخذت ترنو إلى قطز إوالي يموله الشيخ كأنها تستعطفه أن يحوزها ول يدع أح ددا غيره يفوز بها دونه .ولم يخف على الدلل تطلع الحاضرين .ول سييما الرجل الديمشقي لشرائها ،ولو شا ء لستغني بعرضها عن اليمناداة عليها ،ولكنه لم يشأ أن يخل بعادته هذه ،ولم تطب نفسه بالسكوت عن الشادة
بيمحاسن هذه الصبية البارعة الحسن فجعل يقول : يا قطرة يمن الندى
يافلقة يمن القيمر
يا نسيمة يمن الشذا
تنفست وقت السحر
حايملة في ردنها
أطيب أنفاس الزهر
فتنافس الحاضرون في شرائها ،ولكن الرجل الديمشقي ظل يزايدهم في الثيمن حتى بلغ ثلثيمائة دينار ،وكان قد عزم على أن يقف عند هذا الحد ول يزيد عليه .و كاد يتركها ليمنافسه الذي زاد عليه عشرة دنانير . لول أن نظر إلى قطز فرآه يميمتقع الجبين يابس الشفتين ينتفض يمن القلق .والديمع في عينيه يستعطفانه أل يبخل بالزيادة لئل يفرق بينه وبين رفيقته .فرق له ،وغلبته الشفقة ،فزاد أربعين دينا دار دفعة واحدة ،ليقطع على يمنافسه
السبيل فعرف اليمنافس أن ل فائدة يمن اليمزايدة فتركها له .
ويما كان أشد فرح الغلم إذا أعلن الدلل أنهيما ليموله ،وقديمهيما له فنقده الشيخ ثلثيمائة وخيمسين دينا دار ،ويمضي بهيما
وهيما ل يكادان يصدقان يمن الفرح أنهيما قد نجوا يمن خطر الفتراق .
الفصل السابع اطيمأن بالصبيين اليمقام بديمشق عند سيدهيما الجديد الشيخ غانم اليمقدسي ،ونزل في قصره الكبير بدرب القصاعين ،تحيط به حديقة هغلنا ء حافلة بالكروم وأشجار التين والتفاح والزيتون .
وكان الشيخ غانم اليمقدسي يمن أعيان ديمشق ووجهائها اليمعدودين ،له أيملك كبيرة وضياع واسعة ورثها عن آبائه ، وكان رجلد طيدبا يحب الصدقة ويحضر يمجالس العلم ،وقد كبر في السن ولم يسلم له يمن الولد إل ابن يدعي يموسى
كان قد أنفق في تربيته وتهذيبه كثي دار يمن اليمال ،ليجعل يمنه رجلد صالدحا يخلد ذكره ويخلفه في بيته اليمجيد .
ولكن يموسى أخلف ظن أبيه فيه ،فنشأ فاسد الخلق يميالد إلىاللهو ويمخالطة عشرا ء السو ء يمن الفتيان الخلعان اليماجنين
،وقد حاول أبوه بكل وسيلة أن يصرفه عن ذلك فلم يفلح ،ويما زاد يموسى إل عتدوا ونفودار حتى يئس يمن إصلحه ،
فترك حبله على غاربه واعتبره كأن لم يكن .ولول يمكان والدته وشفاعتها فيه لطرده يمن بيته وتخلص يمن يمعرته .وقد دفعه يأسه يمن ولده إلى التفكير في أن يبتاع غلديما وسيديما حسن الطاعة عسى أن يتخذه ولددا يأنس به ،ويطيمئن إليه ،
ويجد عنده يمن البر والستقايمة يما فقده في ولده .
فجهد زيمدنا يتتبع أسواق الرقيق ليجد الغلم الذي يطيمح حتى وجد ضالته في قطز فاشتراه ولم يتردد ،ليما توسم فيه يمن
ضا ،ليتخذها ابنة تؤنسه وتؤنس زوجته العجوز . الخير والنبل ،وعلن له ليما رأي جلنار أن يشتريها أي د
وشا ء ال أل تخطئ فراسة الشيخ في الصبيين فلم تيمض عليهيما في حوزته إل أيام قلئل حتى تبين إخلصهيما في حبه
وتعلقهيما الشديد به فأحبهيما وأنزلهيما يمن نفسه يمنزلد كريديما .
وبالغ في رعايتهيما والحدب عليهيما ،ووكل بهيما يمن ساعدهيما على تعلم اللسان العربي ،فكان لهيما يمن ذكائهيما يما
أسرع بهيما إلى يمعرفته إواتقانه في زيمن قصير .
ووردت النبا ء إذ ذاك بيموت الطاغية جنكيز خان في يمسقط رأسه ،وأن قويمه التتار الذين كانوا يقاتلون السلطان جلل الدين قد انحسروا إلى بلدهم ،ورجعوا عن غزو بلد السلم ليما بلغهم خبر هلكه .ففرح الناس بذلك فردحا عظيديما ، وذهب عنهم يما كان يساورهم يمن الخوف والهلع ،وحيمدوا ال على أن كفاهم شر أولئك الغزاة اليمتوحشين الذين ينزلون
الهلك والديمار والنقيمة والعذاب بكل بلد ينزلونه ،وبلغهم كذلك يموت السلطان جلل الدين قتيلد في جبل الكراد حين
لجأ إليه بعد يما انهزم يمن عدوه .
فيمنهم يمن شيمت بيموته ،ويمنهم يمن حزن عليه ليما قام به وقام أبوه يمن قبله يمن جهاد التتار وصد جيموعهم عن بلد السلم . استفاضت هذه الخبار في ديمشق حتى صارت حديث الناس في يمجالسهم وأسيمارهم ،وتذكروا وقائع جلل الدين ، وخوارزم شاه يمع التتار ،ويما حل بهيما وببيتهيما يمن النكبات العظام ،حتى انطوي يملكهيما ،وانقطع دابرهيما ولم يبق يمن أهلهيما يمن أحد .ولكن أحددا يمنهم لم يعلم أن ابنة جلل الدين وابن أخته يعيشان بين ظهرانيهم في قصريمن قصور يمدينتهم العظييمة ،وعند رجل يمن كبار أعيانها .
وقد حزن قطز وجلنار ليما بلغهيما يموت جلل الدين ،وقد كانا ييمنيان أنفسهيما بالرجوع إليه ،فانقطع أيملهيما في ذلك ،
وأيقنا أنهيما سيبقيان في رقهيما إلى البد ،إوانيما علزاهيما في ذلك وخفف يمن حزنهيما يما كانا يجدان يمن بر يمولهيما وحسن
رعايته إواحسانه ،فجعلهيما يسلوان يمصابهيما وشيدكا .ويمرت السنون س اردعا ،وتوالت الحداث تتري ،وانقضت لهيما في بيت الشيخ غانم اليمقدسي عشرة أعوام أو تزيد نيميا فيها وترعرعا حتى بلغ قطز يمبلغ الرجال ،وبلغت جلنار يمبلغ النسا ء . وكانت اللفة التي بينهيما تنيمو يمعهيما وتترعرع فشع ار بفيوض يمن السعادة لم يشع ار بيمثلها قط تغيمرهيما فتنسيهيما كل يما يمر بهيما يمن نعيم اليملك ويما اختلف عليهيما بعد ذلك يمن صروف اليام ونكباتها ،وحليت الدنيا في عينيهيما فصارت ضا وأنها دار ووروددا وأزها دار ،وطيودفا يمن ضيا ء الشفق البهيج ،وروحات يمن نسيم الفجر العليل يتقلبان يمنها في أيام ريا د كلها أصيل وليال كلها سحر .
وكان يمولهيما الشيخ وزوجته يعليمان بهذه الصلة البرئية الطاهرة بينهيما فشيملهيما بالعطف والرضا ،وتعهداهيما بالتنيمية ،ووعداهيما بتزويج أحدهيما يمن الخر حينيما تتهيأ الفرصة ويخف الشيخ يمن يمرض الشلل الذي ألم به ،لكي يحتفل بعرسهيما . وليما تطاول به اليمرض أراد أن يحتاط ليمستقبلهيما فأوصي لهيما بجز ء يمن أيملكه ،وبأن يعتقا إذا يما دهيمه اليموت قبل أن يهيئ لهيما أيمرهيما .علي أن الجنة التي يعيش فيها هذان الحبيبان لم تخل يمن شيطان يكدر صفوها عليهيما ،وينفث فيها سيمويمه نكاية بهيما وسعيا في إخراجهيما يمنها . فهذا يموسى الخليع الفاسد قد زادت غيرته يمن قطز ليما انفرد به دونه يمن ثقة أبيه حتى سليمه يمقاليد خزائنه ،وأسند إليه إدارة أيمواله وأيملكه .فكان قطز يوزع صدقاته ونفقاته على أقاربه وذويه ،وينفق على حاجات القصر ويمن فيه يمن الخدم والعبيد ،ول يخرج دينار ول درهم إل يمن يده .فشق ذلك على يموسى ،وغاظه أنه يتسلم راتبه اليويمي يمن يد يميملوك أبيه .ويميما زاده حقددا عليه أنه كثي دار يما يحتاج إلى اليمال لينفقه في سبيل غيه وفساده ،فيتوسل إلى قطز ليعطيه
زيادة على راتبه يمن غير علم أبيه ،فيأبي قطز ويقول له " :هذا يمال سيدي ،إوانيما أنا أيمين عليه فل أفرط فيه ،ولكن استأذن أباك فإن أذن لك أعطيتك يمنه يما تحب …" فيتوعد قط داز ويتهدده ،وقطز ل يأبه له .
ولم تسلم جلنار يمن إيذائه ويمضايقاته ،إذ كان يغازلها ويتعرض لها بكل سبيل ويسيمعها كليمات يندي لها جبينها وييمجها سيمعها ،فليما كثر ذلك عليها شكته إلى يمولتها ،فعنفته أيمه على فعله ،قائلة له إنها زوجة قطز ول سبيل له عليها ،
وهددته بقطع نفقته وطرده يمن اليمنزل إذا عاد إلى يمضايقتها ،وزاده هذا كراهية لقطز وغيرة يمنه . وكان قطز يعطف على هذا الشاب الفاسد ويرق لحاله ويتحيمل كثي ار يمن أذاه ،ول يشكوه إلى أبيه لئل يؤذيه ويزيد في يمرضه ،وكان كثي دار يما ينصحه بالقلع عيما هو فيه يمن الشراب والفساد أو القلل يمنهيما ،ويعده بالسعي عند والده ضا لقطز ،وتعالديا عليه ،وتيمادديا في غيه . ليرضي عنه ويزيد في راتبه .فيما يزيده هذا إل بغ د
واشتدت العلة بالشيخ غانم ،فقلق عليه جيميع يمن في القصر ،إل ابنه يموسى ،فقد فرح بذلك وجهر بأن سيخلو الجو
له بيموت أبيه ،فيتصرف في أيمواله وأيملكه كيما يشا ء ،وينتقم يمن قطز ،فيهينه ويضطهده وينتزع جلنار يمنه ، ويكرهها على الخضوع ليما يريد وتيمادي في الغي حين أيقن بقرب وفاة أبيه ويمات الشيخ غانم اليمقدسي بعد حياة يمديدة قضاها في البر والتقوي والحسان إلى الفقرا ء واليمساكين والنفاق على
اليتايمى والرايمل .فبكاه الناس وأسفوا لفقده وترحيموا عليه ،إواذا ذكروا ابنه يموسى علز عليهم أل يخلف هذا الرجل
الصالح إل ذلك الولد الطالح ! .
وأيما قطز وجلنار فقد رحل عنهيما يمنه والد كريم ،ر ءوف بهيما رحيم ،فبكياه أحر البكا ء وواسيا زوجته العجوز بكل يما في وسعهيما ،وقايما على خديمتها ،وصب ار في سبيلها على يما يصيبهيما يمن لسان يموسى ويده ،إذ تنيمر لهيما بعد وفاة أبيه ،وجعل يضطهدهيما ويعتدي على قطز بالسب والضرب ،فيما يجيبانه بغير الصبر والسكوت إك ارديما ليمولهيما
الراحل ورعاية ليمولتهيما الحزني ،ريثيما تنتهي أيام العزا ء فيبرحان القصر إلى حيث يتزوجان ويعيشان آيمنين هانئين كيما دبر لهيما ذلك يمولهيما الفقيد . ويما عليما أن يموسى قد جد في الكيد لهيما واتصل بجيماعة يمن فقها ء السو ء فأبطلوا له وصية أبيه بصدد عتقهيما واليملك التي أوصي بها لهيما .فيما راعهيما إل يموسى قد جا ء يخبرهيما ببطلن الوصية وبقائهيما على رقهيما ،فعز عليهيما أن
ينهار بين غيمضة عين وانتباهتها يما بنياه يمن اليمال وأن يعودا ل إلى كنف يمولهيما الشيخ الصالح – إذن لهان عليهيما اليمر – ولكن إلى رق ابنه الفاسق الظالم ليعذبهيما ويهينهيما يما شا ء له حقده وانتقايمه ،وليما عليمت يمولتهيما العجوز بيما فعل ابنها غضبت يمن عيمله ،وصبت لعناتها على رأسه ،وطفقت تواسيهيما وتقول لهيما :إنهيما سيكونان تحت رعايتها وحيمايتها ولن ييمسهيما يموسى بسو ء ،ووعدتهيما بأنها ستجتهد حين تقسم التركة أن تجعلهيما يمن نصيبها فتعتقهيما وتزوجهيما وتجعل لهيما رزدقا يعيشان يمنه .
وعلم يموسى بيما عزيمت عليه أيمه ،فأجل قسيمة اليميراث طيمدعا في أن يحول دون يما تريد ،وفي خلل ذلك أخذ يتقرب
إلى جلنار ويقول لها " :أصبحت اليوم يملك ييميني " فتهرب يمن وجهه ،وتلوذ بسيدتها فتحيميها يمنه ..وأحيادنا يأتيها ويقول لها يمتلطدفا " :سأتخذك زوجة لي وستكونين سيدة هذا القصر ،لك فيه اليمر والنهي ،ويكون قطز عبددا لك "
فيما تجيبه إل بالسكوت والعراض .
وليما طال ذلك عليه ويئس يمن رضاها ،ثار به الغضب وأقسم ليفرقن بينها وبين قطز ،لينتقم يمنها ويمنه ،فذهب إلى وصي أبيه وادعي أن جلنار كانت سبب الفرقة والخصام بينه وبين والدته وأنه سيعود إلى بر والدته وطاعتها إذا بيعت هذه الجارية النيمايمة ،وجعل يلح عليه في بيعها ،وكان قد أحضر سيمسا دار يمعه ،ليجي ء بيمبتاع للجارية ،وجعل له
على ذلك أج دار ،فيما كان يمن الوصي إل أن باع الجارية للسيمسار ،وباعها السيمسار لرجل يمن يمصر .
فوجئت أم يموسى بيما كان يمن بيع جلنار على غير عليمها ،فبعثت إلى الوصي تعاتبه على يما صنع ،وتلح عليه أن يستقيل البيعة ويستعيدها يمنه ولكن يموسى قد أوعز للرجل اليمصري فأبى ،ولكنه اعتذر إليها بأن ذلك لم يبق في إيمكانه
إل أن يقبل الصفقة ،وأصر على طلب الجارية ،فيما وسع الوصي إل تسلييمها إليه . وليما عليمت جلنار أنها ستحيمل وشيدكا إلى يمولها الجديد ،بكت بكا ء شديددا وتشبثت بثياب يمولتها يمستغيثة بها أل
ترضي بتسلييمها ،قائلة " :اقتليني يا سيدتي ول تسليميني إلى هؤل ء ! " فضيمتها العجوز إليها ،وأجابتها والديموع تنهيمر
يمن عينيها " :تعليمين يا جلنار أن ليس لي يمن اليمر شي ء ،وأنك وال لعز على يمن ابنتي ،وقد اجتهدت أن أحتفظ بك ،ولكن يماذا أصنع وقد باعوك بغير عليمي ؟ لعن ال ابني فشد يما عذبني وآذاني ،يا ليتني عقرت فلم أحيمل به ، أوليتني إذ حيملت به أسقطته ! لن يكف عني هذا الولد العاق حتى يلحقني بأبيه .حسبي ال يمنك يا يموسى حسبي ال يمنك " . وكان قطز واقدفا ينظر إليهيما ،ويبكي ،حتى رأي يموسى قد أقبل ويمعه السيمسار وجيماعته ،كفكف ديمعه وكتم جزعه ،
وأظهر التجلد يمكانه .
ووقف كأنه تيمثال يمن الصخر الصم ،وليما رأتهم جلنار ،وعليمت أن ل يمناص لها يمن اليمسير يمعهم ،أرسلت ثياب يمولتها الوالهةالحسري ،واندفعت إلى حبيبها قطز تودعه ودادعا حا دار يمفعديما بالحسرة واللم .
وهو يقول لها " :أستودعك ال يا حبيبتي ،استودعك ال يا جلنار ،سيجيمع ال شيملنا بحوله وقوته " فاستأخرت عنه جلنار وهي تقول " :أستودعك ال يا يمحيمود ،استودعك ال يا حبيبي " ويمالت إلى يمولتها فأهوت على رأسها تقبله حتى بللته بديموعها ،والعجوز تلثم أطرافها وتبكي ،إلى أن تقدم قطز فجذبها وهو يقول " :حسبك يا جلنار ،توكلي على ال ول تحبسي أصحابك ،وثقي بأن ال يموجود وهو على جيمعنا إذا يشا ء قدير " .
فأشار يموسى للسيمسار قائلد " :ايمض بها يا هذا ول تدع وقتنا ييمضي في هذا العبث " .فأخذ السيمسار بيدها ،
فيمضت يمعه ،وعينها تتلفت يمرة إلى سيدتها ويمرة إلى حبيبها حتى توارت ،وبقي قطز واقدفا يمكانه كأنه جيماد ينظر إلى
سيدته الباكية الحزينة ،وتنظر إليه حتى إذا يما اختفي يموسى في أثر السيمسار وجيماعته ،غلبت قطز الرقة ،فدنا يمنها
باكديا ،وجعل يقبل رأسها ويديها قائلد " :أشكرك يا سيدتي الكرييمة ،لقد بذلت كل جهدك ول لوم عليك فييما حدث " .
فقالت له :أحسن ال إليك يا بني ،ستكون عندي بيمثابة ابني إوان شئت أعتقتك فيمضيت ح دار إلى حيث تريد
قال لها :يا يمولتي لأريد بخديمتك بدلد بيد أني أخاف أن يتحرش بي يموسى وقد نفد صبري فأسي ء إليه فيغضبك ذلك
يمني .
فقالت :يمعاذ ال أن أغضب ليموسى يمنك .لو قتلته لرحتني يمنه " . فأجابها :يما يكون لي أن أعتدي على ابن يمولي الذي أكرم يمثواي وأحسن إلى . واستأذن قطز يمولته .فيمضي إلى صديقه الحيميم الحاج علي الفراش ،وكان شيدخا صالدحا يخدم سرديا آخر يمن سراة ديمشق وأعيانها يقال له ابن الزعيم ،كان يسكن في قصرقريب يمن قصر الشيخ غانم اليمقدسي ،ول يقل عنه سعة
وفخايمة ،وكان قطز كثير الختلف إليه ،يجلس يمعه على يمصطبة كبيرة يمظللة بفروع الشجر تقع عند يمدخل بستان ابن الزعيم ،فيشكو قطز هيمويمه إليه ويبثه آليمه ويستشيره في شئونه ،ويتجاذبان أطراف الحديث في شئون يمختلفة . وكان الحاج علي شديد العطف على قطز والحب له ،وقد أحس في ضيميره ،بيما أعطي يمن قوة الفراسة وصدق الحدس ،أن لبد لهذا اليميملوك في صباحة وجهه ،ونبل خلله يمن سر يكتيمه عن الناس جيميدعا .فاجتهد زيمدنا أن يكتشف هذا السر يمن صديقه الشاب فلم يوفق ،إل أن ظنه لم يزدد على اليام إل قوة عنده بيما كان يؤيده يمن فلتات لسان صاحبه في ثنايا حديثه ،فجعل يضم بعضها إلى بعض ،ويستخرج يمنها صورة غايمضة لصل هذا الغلم . فليما أقبل عليه حياه ،وفرش له على اليمصطبة كعادته ،وأخذ يعزيه في وفاة يموله ويعدد يمناقبه ويمكاريمه ،فيمضي قطز يشكو إليه يما أصابه يمن اضطهاد يموسى بعد وفاة أبيه ،ويما يمني به يمن فراق حبيبته جلنار وكيف أنه سئم الحياة بعدها ،فجعل الحاج يلطفه ويسليه ،وبينيما هو كذلك إذا أقبل يموسى فدخل الباب وبيده سوط فليما دنا يمنهيما نظر إلى قطز نظرة الغضب .وقال له " :يماذا تصنع هنا يا هذا ؟ أيما تذهب لعيملك في القصر ؟ " فلم يجبه قطز وأشاح عنه بوجهه ،فاستشاط يموسى غضدبا وأراد أن يضربه بالسوط فتلقاه قطز بيده وأيمسك بطرف السوط فلم يقدر يموسى على انتزاعه .
وقال له قطز عند ذاك " :لو شئت لوجعتك بسوطك هذا ضردبا ،فيمثلك أيها السكير ل يقدر على يمثلي ،ويما ييمنعني
يمن البطش بك إل احترايمي لذكري أبيك " .فلطيمه يموسى على جبينه فاحيمر وجه قطز ،ونظر إليه بعينين يمتقدتين كأنهيما جذوتان يمن النار يملتا قلب يموسى رعدبا ،فانصرف عنه وهو يسبه ويلعن أباه وجده ،وقطز جايمد في يمقعده على اليمصطبة ،ل يتحرك ول ينبس ببنت شفة ،وسوط يموسى في يده وعيناه عالقتان بالباب حتى اختفي يموسى .
فبقي هنيهة واجديما على حاله تلك ،ثم ارتيمي على اليمصطبة ،سات دار وجهه بيده ،وجعل يبكي بكاد ء شديددا .
حتى رق له صاحبه ،فطفق ييمسح على ظهره ،ويقول له " :خفض عليك يا قطز ،فاليمر أهون يمن أن يثير ديمعك ، أتبكي يمن لطيمة خفيفة يمن يد جبان ضعيف ؟ " . فرفع قطز إليه رأسه قائلد وقد تقلص ديمعه " :سايمحك ال ،أتظن بكائي يمن تلك اللطيمة ؟ إن بكائي يمن لعن أبي وجدي ،وهيما خير يمن أبيه وجده " .
" ل يدفعنك الغضب أن تقول يما ليس لك بحق يا قطز ،أنت وال خير يمنه ألف يمرة ،أيما أبوك وجدك فليسا بخيريمن أبيه وجده اليمسليمين ،إذ شرف السلم فوق كل شرف " . " أتظن أبي وجدي كافرين ؟ ل وال إنهيما ليمسليمان يمن آبا ء يمسليمين " .فأظهر الحاج علي الفراش استغرابه كيمنيشك في صدق يما يقول فعز على قطز أن يظن به صديقه الكذب فاندفع يقول " :ألم تسيمع يا حاج بـ جلل الدين بن خوارزم شاه الذي جاهد التتار؟ " . " بلي :ليس في الدنيا أحد لم يسيمع بالسلطان جلل الدين " . " فأنا ابن جهان خاتون أخت جلل الدين ،ووالدي اليمير يميمدود ابن عيمه ،واسيمي يمحيمود ،إوانيما سيماني قط دازاللصوص الذين اختطفوني ،فباعوني ،عايملهم ال بيما يستحقون " . فتهلل وجه الحاج علي وقال " :الن تحققت فراستي وصدق ظني فيك .وال الذي ل إله إل هو لقد حدثني قلبي أول يوم عرفتك فيه إنك لست يميملودكا جلب يمن يمجاهل يما ورا ء النهر .وأنك ترجع إلى أصل كريم .فليما بلوتك واختلطت
يمعك عرفت أن لك س دار تكتيمه عن الناس جيميدعا فحدست أنك ابن يملك أو أيمير نكبه الزيمان فألقاه في أيدي باعة الرقيق ،فيما زلت يمن يويمئذ أجتهد في يمعرفة سرك ،وقد سألتك يم اردار عن أصلك ،فكنت تقول لي إنك ل تعرف عنه شيدئا ، ولكني رجحت آخر اليمر أنك يمن أولد جلل الدين بن خوارزم شاه" .فنظر إليه قطز يمستغردبا ،وسأله : -هل عرفت ذلك قبل أن أخبرك الن ؟ ! .
إي وال قبل أن تخبرني بزيمان طويل . شي ء لعيمر ال عجيب ،كيف عرفت ذلك يا حاج علي ؟ . ليما رجح عندي أنك يمن أولد اليملوك أو اليمرا ء جعلت أقص عليك يمن أنبائهم وأختبر أثر حديثي في وجهك كليماذكرت يملدكا يمن اليملوك أو أيمي دار يمن اليمرا ء .
فكنت إذا ذكرت جلل الدين عندك ووقائعه يمع التتار ،أليمح تغيي دار في وجهك ،واختلدجا في شفتيك ،وقد كررت هذه
التجربة فأيقنت أن لك صلة بـ جلل الدين ،ورجحت أنك يمن أولده . فتبسم قطز ،وعجب يمن ذكا ء صاحبه الحاج وفطنته وقال له :
" الن عرفت ليماذا كنت يمغرى بأخبار اليملوك والسلطين ،تعيدها على يمرة بعد يمرة ".وسكت قطز قليلد ثم يما لبث أن عاودته شجونه ،فقال بصوت يخالطه البكا ء " :بال يا صديقي الحاج أل يما أشرت
على يماذا أصنع في يمصابي هذا ،فإنك يما عليمت لذو رأي ،إنهم أبطلوا وصية يمولي اليمرحوم بعتقي وعتق حبيبتي جلنار ،ولم يكتفوا بذلك حتى فرقوا بيني وبينها ،فباعوها لرجل يمن يمصر ،إي وال لقد فرقوا بيني وبين جلنار ابنة خالي جلل الدين ،التي أحبها وتحبني ،ونشأت . يمعها يمنذ الصغر ،ولم أفترق عنها إل اليوم .قل لي كيف آوي إلى هذا القصر وقد فارقه يمولي الشيخ الذي أكرم
يمثواي وتبناني وخل يمن جلنار التي كانت سلواي في هذه الحياة ،وعزائي في كل يما أصابني يمن نكبات اليام ؟ كيف أصبر على خديمة ذلك الوغد اللئيم الذي سلبني حريتي وسعادتي ،وأيمعن في اضطهادي إواهانتي ؟ إن هذا القصر
أصبح عندي كالجحيم ،ل أطيق رؤيته ،فيما بال القايمة فيه ،يما لهؤل ء يستعبدونني وقد ولدتني أيمي ح دار ؟ أليس في
الرض يمن عدل ينصفني يمن هذا الظلم ؟ يما لي أراك صايمدتا يا حاج علي ؟ تكلم قل لي يما أصنع في أيمري ؟ " :وهنا غلبه البكا ء ،فعاقه عن اليمضي في الكلم .
سكت الحاج علي برهة كأنه يفكر في طريقه لخلص صديقه ،أو في جواب يقنعه ويرضيه ،ثم قال له " :ولكن في القصر سيدتك العجوز ،وهي تحبك وتعزك ولن ترضي أبددا أن ييمسك يمن يموسى أي سو ء " .
فقال له قطز " :نعم إنها تحبني وتعزني وتعتبرني كولدها ،وقد وعدتني أن تجعلني حين تقسم التركة يمن نصيبها فتعتقني ،ولكنها ضعيفة ل حول لها ول قوة ،وقد غلبها ابنها على كل شي ء ،ول تقدر على صده أو يمنعه يميما يريد . إني أخشى أن أقع في يملك ييمين يموسى ،فينتقم يمني ،ويبالغ في إهانتي وتعذيبي ،خلصني يا حاج علي خلصني !
". " ال يخلصك يا بني ..هون عليك يا قطز فسيجعل يمن ضيقك يمخردجا " . " -دعني يمن كليمات اليمواساة والتهوين والتعليل ،فإنها ل تنفعني شيدئا ،وفكر لي في طريقة للخلص يميما أنا فيه يمن
العذاب " .
" لقد فكرت لك في طريقة للخلص يميما أنت فيه يمن العذاب .ولكن عليك أن تصبر يويمين أو ثلثة أيام ريثيما أدبرهذه الطريقة " . " سأصبر لك أكثر يمن ذلك ،فقل لي بال يما هي ؟ " . سأقص على سيدي ابن الزعيم خبرك :فسيشتاق لرؤيتك حين يعرف أنك يمن أولد السلطان جلل الدين ،فقد كانيمع شيخه ابن عبد السلم كثير الهتيمام بنجدة جلل الدين في جهاده التتار ،فإذا قابلته فسأذكر له طردفا يمن حال
يموسى ابن الشيخ غانم يمعك واضطهاده لك ،وسأعزز قولك عنده ،فأقص عليه يما وقع يمنه اليوم في حقك على يمرأى يمني ويمسيمع ،ويما أشك في أنه سيرثي لحالك ويعطف عليك ،فأشير عليه عندئذ بشرائك يمنهم ،ويما أحسبه يتأخر عن ذلك .واعلم أنك ستسعد في خديمة سيدي ابن الزعيم ،وسيكون لك يمثل اليمرحوم الشيخ غانم أو خي دار يمنه" . " حسبي أن أعيش بجوارك يا صديقي الحاج ،ولكني أخشى أل يرضي يموسى ببيعي لسيدك إذا علم أني سأسعدعنده" " لن ندع يموسى يعلم بشي ء يمن هذا ،وسيطلبك سيدي بنفسه يمن الوصي ،ولن يتردد الوصي في إجابة طلبه ،فاطيمئن ول تخف شيدئا ،فسأدبر لك كل شي ء تدبي ار يمتقدنا " . " بارك ال فيك يا حاج علي ،لقد فرجت كربي ،فرج ال كربك يوم القيايمة " .وقام قطز عن يمقعده يمن اليمصطبة قائلد " :دعني أنصرف فأرجع إلى عيملي في القصر ،لعل يمولتي تحتاجني فقد
أبطأت عليها في الرجوع ،وغددا أراك إن شا ء ال " .
الفصل الثامن
لم تيمض ثلثة أيام على يما سبق ،حتى أتم الحاج علي الفراش الخطة التي دبرها لخلص صديقه ،فنجحت على خير وجه ،وانتقل قطز إلى يملك السيد ابن الزعيم ،فسل يما كان فيه يمن البل ء بيموسى ويمضايقاته ،وانطوت صفحة يمن حياته ،شيعها بديموعه وحسراته ،فقد كانت على علتها يمن أجيمل أيام عيمره وأسعدها ،إذ أشرق فيها الحب على قلبه فيمله نودار وأتي على يما في زواياه يمن ظليمات الهم والحزن واليأس ،فبدده وأبدله به يمسرة وجذلد ،وغبطة وأيملد كان يعيش فيها يمع جلنار في دعة وسلم ،يمشيمولين برعاية يمولهيما الرحيم وزوجته البارة ،وقد ذاقا فيها يمن لذة اليمن
وطيمأنينة الستقرار يما لم يذوقاه يمنذ أيام طفولتهيما ،فقد عاشا يما عاشا قبل ذلك في جو يمضطرب ،يسوده القلق والفزع ،وتهدده الحروب والغارات ،وتراوحه وتغاديه الفجائع والنكبات ،حتى استقر بهيما اليمقام في كنف الشيخ غانم ،فلقيا يمن عطفه وبره يما أنساهيما يم اررة اليتم ،وذل الرق ،وألم التغرب والتشرد ،ونعيما بعيشة راضية آيمنة يمطيمئنة ،وكان أكبر نعيمة تيمت عليهيما عنده ،نعيمة الحب . لم يكد قطز يسكن إلى كنف يموله الجديد ،ويستريح قلبه يمن عنت يموسى واضطهاده حتى تذكر فراق جلنار ،فذهبت نفسه حسرات في أثر حبيبته الذاهبة ،وشفه الوجد والحنين حتى اصفر وجهه ونحل جسيمه وتقرحت يمقلتاه يمن طول السهر والبكا ء ،كأنيما كان يمشغولد عن ألم فراقها بيما كان يكابده يمن اليمحن بيموسى ،فليما سل هذه اليمحنة وتنفس
الصعدا ء في قصر سيده الجديد ،فرغ ليمحنته الكبرى بفراق حبيبته جلنار ،وكذلك قد تنزل باليمر ء يمصيبتان فيضيق بصغراهيما وتشغله عن كبراهيما حتى يظن أنه قد سلها ،فيما هي إل أن تنقشع الصغرى ،فإذا الكبرى تعود يمن جديد
فتطبق على قلبه . رق السيد ابن الزعيم لحال يميملوكه اليمير الخوارزيمي ،فبالغ في تكريمته والبر به ،واجتهد أن يصرفه عن لوعته وحزنه ،فكان يدنيه يمنه ويقول له " :كفاك يا بني حزدنا على حبيبتك الحسنا ء جلنار ،فإن شئت زوجتك جارية يمثلها أو أجيمل
يمنها " .
فيجيبه قطز في أدب جم :ل يا يمولي ،ل أرغب في الزواج يمن غيرها ،إوان تكن أجيمل يمنها ،إنها ابنة خالي ،نشأنا
يمعا ولم نفترق يمنذ ولدنا " فيقول له سيده " :إنك لعلى حق يا قطز ،إذ ليس في وسعنا أن نزوجك أيميرة يمثل ابنة جلل الدين . ولكني أنصحك أن تجتهد في سلوانها إشفادقا على نفسك ،إوابقا ء على صحتك وشبابك واصبر لعل ال يجيمع شيملكيما
يمن حيث ل تحتسبان " .
وأوصي ابن الزعيم خاديمه الحاج علديا الفراش ،بأل يألو جهددا في العناية بقطز وتسلية هيمه ،ولم يكن الحاج علي
بحاجة إلى وصية سيده بصديقه الحيميم ،فلم يدع وسيلة يمن الوسائل لتسليته وتعزيته إل استعيملها
وكان الحاج علي لبق الحديث ،حسن التصرف ،خبي دار بأدوا ء القلوب ،عليديما بعلجها ،فيما زال بصديقه الحزين ،
يقبضه ويبسطه ويسليه ويعلله ،ويضرب له اليمثال في ذلك ،ويتنزه به في ضواحي اليمدينة ورياض الغوطة ،ويرود
به زحيمة السواق ويغشى به يمجالس العلم في اليمسجد حتى استطاع أن يكسر سورة الحزن في قلبه ووكل الباقي إلى اليام لتقضي عليه .
أخذت اليميملوك الشاب عقب ذلك جذبة إلهية ،فتعلق قلبه بالعبادة والتقوي ،فكان يصلي الفروض لوقاتها ،ويحافظ على النوافل ،وأكثر يمن تلوة القرآن وتردد على يمجالس العلم في جايمع اليمدينة ،ولسييما دروس الشيخ ابن عبد السلم ،فقد أغرم بها فكان ل يفوته درس ،ولم يتصد للقرا ءة عليه ،أو على غيره يمن العليما ء ،بل كان يكتفي بالحضور والستيماع ،وكان سيده ابن الزعيم يشجعه على ذلك ويثني عليه ،ويما كلفه قط عيملد يحول بينه وبين حضور هذه
اليمجالس .
وجا ء الشيخ يوديما إلى دار ابن الزعيم يزوره ،فأكريمه واحتفل به فليما استقر بهيما اليمجلس دخل قطز عليهيما بشراب الورد
ليقديمه للشيخ ،فليما رآه الشيخ التفت إلى يمضيفه ،وقال له " :يمن هذا الشاب ؟ أحسبني رأيته يمرة في حلقة الدرس " .
فأجابه ابن الزعيم :هذا يميملوك كان لجاري الشيخ غانم رحيمه ال اشتريته قريدبا ،وهو يحبك يا سيدي ويحضر دروسك ويستيمع إليك
قال الشيخ وهو يتفرس في وجه قطز " :إنه يما عليمت لشاب صالح " . فقال ابن الزعيم " :أجل إنه صالح ويمن أصل كريم " . وكان الشيخ قد فرغ يمن شرابه عند ذاك ،فرد الكأس إلى ساقيه ،فانصرف وقد خجل يمن ثنا ء الشيخ عليه ،ويمضي ابن الزعيم يحدث ضيفه الكريم بخبر يميملوكه ،وأنه يمن بيت السلطان جلل الدين ابن خوارزم شاه .وأن اللصوص اختطفوه وابنة السلطان وهيما صغيران فباعوهيما في سوق حلب ،وأن الشيخ غانم اليمقدسي اشتراهيما فرباهيما إلى آخر قصتهيما . فعجب الشيخ يمن هذا الحديث .وتل قوله تعالي " :قل اللهم يمالك اليملك تؤتي اليملك يمن تشا ء .وتنزع اليملك يميمن تشا ء ،وتعز يمن تشا ء ،وتذل يمن تشا ء ،بيدك الخير ،إنك على كل شي ء قدير " فقال ابن الزعيم " :إني يما اشتريته إل لعتقه ،ولول حبي له وخشيتي أن يفارقني فتضيق به سبل الحياة لعتقته يمن قبل". فقال الشيخ " :شكر ال لك يا ابن الزعيم جيميل صنعك فيه .إن جلل الدين لحرى أن تحفظه في ولده ..أل تدعوه فأراه قبل أن أنصرف ؟ " . فقام ابن الزعيم وعاد بقطز يمعه ،وقديمه للشيخ فتلقاه بالبشر ،وطيب خاطره ،وأقعده قريدبا يمنه ،وقال له " :إن جلل الدين كان حبيدبا إلى نفوسنا ،إذ كان يجاهد التتار ،ويدافعهم عن بلد السلم ،وأنت ابن أخته ولك عندنا يمنزلة
وحريمة .وقد أحسن ال إليك إذ أفضي بك إلى كنف هذا السيد وهو يمن الصالحين اليمجاهدين ،ل غضاضة على يمسلم
في خديمة يمثله .وسيعتقك ويحسن إليك … " . فقبل قطز يد الشيخ ،وقال بصوت يخالطه البكا ء ليما تأثر به يمن كليمه " :أنا يميملوك سيدي ابن الزعيم وعبد إحسانه ، ل أحب أن يعتقني ،ول أريد أن يحريمني شرف خديمته " . فقال ابن الزعيم " :بل أنت ولدي يا قطز ،ونحن جيميدعا خدام الدين وخدام الشيخ ابن عبد السلم " .
كذلك عرف الشيخ ابن عبد السلم قط داز ،فصار يدنيه يمن يمجلسه إذا حضر لستيماع الدرس ،ويلتفت إليه ،ويسأله عن سيده ابن الزعيم ويحيمله تحيته ،وأحيادنا يبعثه برسالة إليه ،وسرعان يما وثق به سيده والشيخ ،ليما رأيا فيه يمن
رجاحة العقل ،وحصافة الرأي وكيمال الرجولة ،والضطلع بيمهام اليمور .
فأتيمناه على أسرارهيما ،فكان أحدهيما يقول له يما يشا ء يمن الكلم ليبلغه للخر ل يأتيمنان أحددا غيره عليه ،يمن أيمور تتصل بحركتهيما السياسية أو الصلحية ل في ديمشق وحدها بل في سائر بلد الشام وغيرها يمن البلد السليمية .
فعرف قطز في هذه اليمدة القصيرة التي قضاها في خديمة ابن الزعيم كثي دار يمن أحوال العالم السليمي إذ ذاك .وأحوال
يملوكه وأيمرائه والح اززات التي بينهم واليمنافسات على اليملك ،ويموقف كل يمنهم يمن يمعاداة الصليبين أو يموالتهم ،وأدرك السياسة التي كان ،الشيخ وأنصاره ينتهجونها ،واليمريمي الذي يريمون إليه يمن توحيد بلد السلم وتكوين جبهة قوية
يمن يملوك السلم وأيمرائه لطرد الصليبيين يمن البلد التي يحتلونها في الشام ،ولصد غارات التتار التي تهددهم يمن الشرق . وقد اقتضت هذه السياسة أن تخص باليمناصرة والتأييد أقوي يملوك اليمسليمين وأصلحهم للضطلع بهذه اليمهيمة الكبرى يميمن ل ييميلون إلى يموالة الصليبيين أو يمصانعتهم .وأن تسعي للقضا ء على يمن يواليهم أو يخضع لنفوذهم يمن اليملوك واليمرا ء .فكان اليملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب يمصر على رأس الفريق الول ،وكان على رأس الفريق الثاني عيمه اليملك الصالح عيماد الدين إسيماعيل صاحب ديمشق ،وكان العدا ء بين هذين يمستحكديما ،والتنافس بينهيما شديددا على اليملك ،فل غرو أن يوالوا يملك يمصر ويدعوا له ،ويعادوا يملك ديمشق ويعتبروه خائدنا للسلم . وكان الشيخ ابن عبد السلم يراسل اليملك الصالح أيوب ،ويحرضه على تطهير بلد الشام يمن الصليبين أسوة بجده
اليمجاهد العظيم السلطان صلح الدين ،ويعده بيمناصرة عايمة أهل الشام ،فيتلقى ردوددا يمنه يعده فيها بالقيام بذلك عنديما تسنح الفرصة وتتم الهبة وقد علم الصالح إسيماعيل بحركة ابن عبد السلم .
فأراد القبض عليه ،ولكنه خشي أنصاره أن يثوروا له فيؤلبوا العايمة عليه ،فأجل ذلك إلى حين .وقوي عزم الصالح أيوب على اليمسير إلى الشام . فاشتد خوف الصالح إسيماعيل ،وعزم على غزو يمصر قبل أن يغزو يملكها بلده فبعث إلى أيميري حيمص و حلب يطلب يمنهيما النجدات .وكاتب الفرنج واتفق يمعهم على يمساعدته واليمسير يمعه ليمحاربة سلطان يمصر . وأعطاهم في سبيل ذلك قلعتي صفد والشقيف وبلدهيما ،وصيدا وطبرية وأعيمالها ،وسائر بلد الساحل .ويما اكتفي بذلك حتى أذن لهؤل ء العدا ء في دخول ديمشق .وشرا ء السلحة وآلت الحرب يمن أهلها . وأدرك الشيخ ابن عبد السلم الخطر الذي يتهدد بلد السلم يمن هذا الخطب الفادح ،فكتب رسالة قوية إلى الصالح أيوب يحثه فيها على التعجيل بالجهاد ،ويتوعده فيها بغضب ال ونقيمته وعذابه إذا تهاون في اليمسير حتى يتم يما أراده أعدا ء السلم به ،يمؤكددا له أن تبعة ذلك ستكون على رقبته إذا قصر فييما أوجبه ال عليه ،وأنذره بضياع يملكه
وخسارة دنياه وآخرته .
وأخذ الشيخ يكثر الجتيماع بأنصاره ويمريديهويحيمسهم ويأيمرهم بالستعداد للقيام بواجبهم يمن الجهاد في سبيل الوطن ، وكان يفعل كل هذا في السر ،حتى إذا كان يوم الجيمعة وايمتل الجايمع الكبير بالناس ،دخل الشيخ ابن عبد السلم يمن الباب الخاص بالخطيب فرقي اليمنبر فتطلعت إليه العيون واشرأبت إليه العناق ،وساد الحاضرين صيمت عيميق كأنيما على ر ءوسهم الطير . فحيمد ال وأثني عليه ،وصلي على نبيه عليه الصلة والسلم .ثم ذكر الجهاد وفضائله وكيف كان النبي وأصحابه يجاهدون اليمشركين حتى علت كليمة ال ،وبلغت دعوة السلم إلى اليمشرق واليمغرب وأورث ال اليمسليمين البلد ،
وجعلهم خلفا ء الرض يما قايموا بالدين واستقايموا على طريقته ،فليما غيروا يما بأنفسهم غير ال عليهم فسلط العدا ء على بلدهم ينتقصون أطرافها ،ويستأثرون بخيراتها ،ويسويمون أهلها الخسف والهوان ويذيقونهم ألوان العذاب ابتل ء يمن ال ليهلك يمن هلك عن بينة ويحيا يمن حي عن بينة سورة النفال ][ . وأن آخر هذه اليمة ل يصلح إل بيما صلح به أولها ،ولم يصلح أولها إل بالجهاد في سبيل ال .ثم ذكر يما أوجب ال على اليمسليمين يمن طاعة أولي اليمر يمنهم .ليستقيم بهم أيمر يمعاشهم ويمعادهم .ويما أوجب ال على أولي اليمر يمن النصح للسلم وأهله .والقيام بحيماية بلدهم وسد ثغورهم حتى يأيمنوا على دينهم ،وأعراضهم وأنفسهم وأيموالهم. وليما أخذ في الخطبة الثانية جعل يدعو ال أن يعز السلم وأهله وأن ينصر يمن في بقائه صلح اليمسليمين .وكان يدعو في آخر خطبته للصالح إسيماعيل ،فقطع الدعا ء له في هذه الخطبة واكتفى بالدعا ء ليمن يعلي كليمة السلم وينصر دين ال . وفرغ الشيخ يمن خطبته وأقييمت الصلة ،والناس ل يصدقون أنهم سيمعوا يما سيمعوه يمن الشيخ في خطبته ،لشدة يما حيمل على الصالح إسيماعيل ،وندد بفعلته في كليمات واضحة صريحة ل غيموض فيها ول إبهام . وانصرف الناس يمن الجايمع .ول حديث لهم إل خطبة الشيخ ابن عبد السلم يفخر يمن سيمعها على يمن لم يسيمعها ، ويود يمن لم يسيمعها لو انه خسر شط دار يمن عيمره وسيمعها ،واتفق السايمعون على العجاب بها ،واختلفوا في وجه
العجاب ،فيمن يمعجب ببلغة الشيخ ،ويمن يمعجب بقوة حجته ،ويمن يمعجب باطراد بيانه وتسلسله ،ويمن يمعجب بشجاعته ورباطة جأشه .
واتفق الناس في الشفاق على يمصيره ،ولكنهم اختلفوا في تقدير يما يناله يمن عقوبة الصالح إسيماعيل ،فيمن قاطع أنه سيقتله ،ويمن ذاهب إلى أنه سيحبسه ،ويمن يمرجح أنه سينفيه ويصادر أيملكه ،وآخر يري أنه سيعزله عن الخطابة ، ويشتت شيمل أنصاره ،على أنهم جيميدعا آسفون ؛ لنهم لن يسيمعوه يخطب على يمنبر جايمعهم بعد ذلك اليوم .
وكان الصالح إسيماعيل غائدبا عن ديمشق يويمذاك ،فكتب إليه بيما كان يمن الشيخ ،فورد كتابه بعزله يمن الخطابة
والقبض عليه وحبسه حتى يرجع إلى ديمشق فيري فيه رأيه .وكان أنصار الشيخ قد أشاروا عليه بأن يغادر البلد وينجو بنفسه يمن يد الصالح إسيماعيل وأعدوا له وسائل الهرب ،ولكنه أبى ذلك ،وألحوا عليه فأصر على البا ء ،فعرضوا
ضا وقال " :وال ل عليه أن يختبئ في يمكان أيمين ل يهتدي إليه الصالح إسيماعيل ورجاله ،فرفض هذا القتراح أي د
أهرب ول أختبئ إوانيما نحن في بداية الجهاد ،ولم نعيمل شيدئا بعد وقد وطنت نفسي على احتيمال يما ألقي في هذا السبيل ،وال ل يضيع عيمل الصابرين " .
وقبض على الشيخ ابن عبد السلم ،وسجن ،وثار أنصاره فطالبوا بالفراج عنه. وقد حاول الصالح إسيماعيل قيمع الثورة فلم يفلح ،فيما وسعه إل أن يأيمر بالفراج عن الشيخ ابن عبد السلم .ولكن الصالح إسيماعيل ألزم ابن عبد السلم بيملزيمة داره ،وبأل يفتي ول يجتيمع بأحد ألبتة .فشق على أنصاره أن يحال بينهم وبينه للسترشاد بآرائه فييما يجب عليهم عيمله . وفكروا في حيلة للتصال به فإذا السيد ابن الزعيم قد أيمر يميملوكه قط داز أن يتعلم الحلقه ،إواذا قطز قد حذقها ،وتشبه بالحلقين في زيه وحركته ،ففرحوا بهذا الحل الطريف .وبعثوا قط داز فذهب إلى الشيخ في داره ،فلم يشك أحد يمن
يمراقبيه في أنه حلق قد جا ء ليزين الشيخ ،فليما دخل عليه لم يعرف الشيخ أنه قطز إل يمن صوته فسر به .فبلغه قطز أخبار سيده ابن الزعيم وغيره يمن أنصاره ويما أصاب بعضهم يمن عقوبة اليملك الصالح إسيماعيل . وكذلك تردد الحلق قطز على الشيخ فوصل بينه وبين أنصاره يطلعه على خططهم وأعيمالهم وسائر يما يهيمه يمن أخبار البلد ،ويبلغهم أوايمره إوارشاداته فيقويمون بتنفيذها ،ول يبالون يما يصيبهم في ذلك يمن قتل أو حبس أو تعذيب .وكانا
ربيما انتهيا يمن حديثهيما في السياسة فتبسط الشيخ إلى حلقه .وتشقق بينهيما الحديث في شئون شتى يمن هزل الحياة وجدها . وجا ء قطز يوديما آخر يمتهلل الوجه ،طيب النفس ،عليه أثر الغتسال ،والطيب ينفح يمن رأسه وثيابه ،فسأله الشيخ
يملطدفا :يما هذا يا قطز هل تزوجت البارحة ؟ " .
فتبسم الشاب وقال " :ل يا يمولي الشيخ ،لقد أقسيمت أل أتزوج إل بابنة خالي جلنار ،ولكني رأيت النبي صلي ال عليه وسلم البارحة في اليمنام ،فأخبرت سيدي فأيمرني بالغتسال والتطيب فجئت كيما تري " .
فقال الشيخ " :خي دار صنعت وبخير أشار عليك سيدك فحدثني عن رؤياك " .
فخفق قلب الشاب وسرت في جسيمه رعدة كأنه يتهيب أن يقص رؤياه على الشيخ العظيم ،ولكنه رأي طلقه وجه الشيخ إواقباله عليه فشجعه ذلك على الحديث فقال :
" أرقت البارحة ونابني ضيق شديد ،فقيمت فتوضأت .وصليت النفل وأوترت ،ودعوت ال ،ثم عدت إلى فراشي فغلبتني عيناي ،ورأيت كأني ضللت طريقي في برية قفرا ء فجلست على صخرة أبكي ،وبينيما أنا كذلك إذا بكوكبة يمن الفرسان ،قد أقبلت ،يتقديمها رجل أبيض جيميل الوجه ،على رأسه جيمة تضرب في أذنيه ،فليما رآني أشار لصحابه ، فوقفوا وترجل عن فرسه ،ودنا يمني فأنهضني بقوة ،وضرب على صدري ،وقال لي " :قم يا يمحيمود فخذ هذا الطريق إلى يمصر ،فستيملكها وتهزم التتار " . فعجبت يمن يمعرفته اسيمي وأردت أن أسأله يمن هو؟ فيما أيمهلني أن ركب جواده فانطلق به فصحت بأعلي صوت " : يمـن أنـت ؟ " فالتفت أحد أصحابه وهم يمنطلقون في أثره " :ويلك هذا يمحيمد رسول ال صلي ال عليه وسلم " وانتبهت يمن نويمي وأنا أحس برد أنايمله في صدري ،فيما يملكت نفسي يمن الفرح أن انطلقت إلى سيدي فوجدته يتوضأ ،فلم أصبر حتى يفرغ يمن وضوئه ،فخرجت إلى الحاج علي الفراش فوجدته على فراشه ،فأيقظته وقلت له " :رأيت رؤيا عظييمة ،رأيت النبي صلي ال عليه وسلم " فهب يمن فراشه وأقبل على فرحا يريد أن أقصها عليه ،فقلت له " :ل أقصها إل على سيدي أول " فقال لي " :أتبعك إليه فاسيمعها يمعه " ،فانطلق يمعي ،فوجدنا السيد ابن الزعيم حين خرج يمن اليمغتسل : فليما رأنا تعجب يمن إقبالنا يمدعا ،فقال له الحاج علي " :إنه رأي النبي صلي ال عليه وسلم يا سيدي ،ويريد أن يقصها عليك " فابتسم سيدي وأقبل على فحدثته بيما رأيت في يمنايمي ،ففرح وبشرني وأيمرني بالغتسال فاغتسلت وطيبني بيده
وقال لي " :اذهب إلى يمولنا الشيخ فاقصص رؤياك عليه وانظر يماذا يقول لك في تعبيرها " . فسكت الشيخ هنيهة يمتعجدبا يمن الرؤيا ،ثم قال " :يمازلت تفكر في اليملك وهزييمة التتار يا قطز حتى أتاك النبي ـ صلي
ال عليه وسلم ـ فبشرك بهيما " إنها لرؤيا عظييمة كيما ذكرت ،فإن تكن صددقا فستيملك يمصر حقا وتهزم التتار ،فإن النبي ـ صلي ال عليه وسلم ـ يقول " :يمن رآني فقد رآني حقا فإن الشيطان ل يتيمثل بي " .
فجعل الشاب يقبل رأس الشيخ ويلثم يده ظه دار لبطن ،وهو يقول " :بشرك ال يا سيدي " فقال له الشيخ يميمازدحا " :يما بشارتي إذا تحققت رؤياك وصرت يملدكا على يمصر ؟ " فسكت قطز قليلد وهو يبتسم كأنه يعد في نفسه جوادبا للشيخ ثم
قال .وقد ليمعت عيناه " :ولو كنت يا سيدي الشيخ تحب الدنيا لسقت إليك بدر الذهب والفضة .ولكني سأرجع إلى
رأيك في كل شئون يملكي .فأقيم الشرع ،وأنشر العدل ،وأحيي يما أيمات الناس يمن سنة الجهاد ،فهذه بشارتك عندي ". ففرح الشيخ يمن حسن جوابه ،واستنار وجهه كأنه القيمر ،وقال " :إنك لصادق القول وصالح العيمل يا قطز ،إوانك لجدير بأن تكون يملك اليمسليمين " .ثم رفع يديه إلى السيما ء وقال " :اللهم حقق رؤيا عبدك قطز كيما حققتها يمن قبل لعبدك ورسولك يوسف الصديق عليه وعلي آبائه السلم … " .ولم يكد الشيخ يؤيمن على دعائه حتى رأي البكا ء في عيني قطز ،فظنه أول اليمر يبكي يمن الفرح ،ولكنه لم يلبث أن استخرط في البكا ء ورآه يزفر بشدة تكاد تشق صدره وتقصم أضلعه ،فدنا الشيخ يمنه وسأله عيما يبكيه ؟ فأجابه الشاب بصوت يخالطه النشيج " :لقد عليمت يقينا يا يمولي الشيخ أن ال سيجب دعا ءك لي ،فذكرت حبيبتي جلنار ،وعز على أني لن أراها أبددا ،فوددت لو دعوت ال
لي أيضا أن ألقاها فأتزوج بها " .
فرق له الشيخ ،وسنحت على ثغره بسيمة خفيفة ،ولم يقل شيدئا ،بل عاد فرفع يديه إلى السيما ء ،وقال " :اللهم إن في صدر هذا العبد الصالح يمضغة تهفو إلى إلفها في غير يمعصية لك ،فأتيمم عليه نعيمتك ،واجيمع شيمله بأيمتك التي يحبها على سنة نبيك يمحيمد صلي ال عليه وسلم " . ويما أتم الشيخ دعوته حتى جف ديمع الشاب ،وسكن لعج قلبه وطفق يتيمتم " :الحيمد ال ،سألقاها :سأتزوجها " . فقال الشيخ " :إن شا ء ال " .
ما تم حذفه لوإضافته في قصة لوا إسلماه للصف الثاني الثانوي الفصل اللول :
) فنظر إليه ممدلود ..........كله أمام ربه ( المحذلوف :ص 5السطر 5 إضافة :ص 5السطر ) 15قال ممدلود حسبه أنه جاد بنفسه ( المحذلوف ص 6لوص 7السطر قبل اليخير ) لوحسبي أني أدفع ........أن يصلوا إلينا ( ) لوقد قلت لك ......ملوك التبديل :ص 7السطر 15 السلم المتقاعدلون( ) لوحسبي أني سأحصن حدلود بلدي لوأمنعها منهم لوأدفع شرهم عنها فل أدعهم يخلصون إليها( ) لوكان الليل قد انتصف ..........ما تبح العيون ( المحذلوف :ص 8 ) سنكون سعداء .......إلى أيخر الفصل ( المحذلوف :ص 9 الفصل الثاني
المحذلوف :ص : 14 ، 13 ، 12 ،11السطر ) 5لوكان جلل الدين ............تنهمر من عينيهما ( المحذلوف :ص ) 17فأقبل على أهله ..............لويشيعهن بقلب مكلوم ( إضافة :ص 17السطر 13تضاف هذه الجملة بعد ) لوحريمه لوأثقاله ( ] لونتج عن ذلك غرق النسوة من أهل بيته المحذلوف :ص 19السطر السادس ) فلما اطمأن ............على حيتان النهر ( الفصل الثالث
المحذلوف :ص 21السطر ) 20بهما لوانحدر بهما ..........لومضت في سبيلها ( المحذلوف :ص 22السطر ) 3فأنزلهم في قاربه ..إلى قريته ( المحذلوف :ص 22السطر ) 11لوجرى القارب .............حديث الصياد إذ ( المحذلوف :ص 22السطر ) 27لوقال لن أشغل نفسي ........ماضيا في سبيله ( المحذلوف :من ص 25حتى ص 34 الفصل الرابع
التبديل :ص 40السطر 27 الذي امتل بجثث التتار ( المحذلوف :ص 41السطر ) 3لوأمر بالسرى ......من جلل الدين إلى حين ( المحذلوف :ص 42 ،41السطر ) 18على أنه عرف من .........لويخلص إلى مصر ( ) إلى ( بدل من ) لول ( التبديل :ص 43السطر 4 المحذلوف :ص 43السطر ) 5ليفرغ لخصمه العنيد ......ملك أساء إليه ( المحذلوف :ص 43السطر ) 16لوقد مزقت صدرها ....بحناجرهم طعنا ( ) لوإذا نصحه أحد ........ المحذلوف :ص 43،44،45،46السطر 28 يغفر آثامي محمود لوجهاد ( المحذلوف :ص 49أيخر ثلثة اسطر ) لوجحظت مقلتاه ....لويكفر آثامي ( الفصل الخامس
) احتفال بالنصر( بدل من ) على السهل
التبديل :ص ) 51لوفي أثناء عودة جلل الدين غلى بلده للقاء جنكيز يخان ( بدل من ) لولما انتهى جلل الدين من الغارة على بلد الملك الشرف لوقصة بلده مسرعا ( المحذلوف :ص 51السطر ) 15لوكان جماعة من أهل يخل ط .......عليها سواء ( إضافة :ص 52السطر اللول ) لوبينما كان محمود لوجهاد يسيران (
المحذلوف :ص 54السطر ) 16أما تذكر نبوءة المنجم ..........في هذه البتة ( الفصل السادس لو الفصل السابع )لن يتم حذف فيهما( الفصل الثامن
المحذلوف :ص 77 ، 76السطر ) 18لوكان السيد ابن الزعيم ... لومسالمة اليام ( المحذلوف :ص 77ايخر ثلثة أسطر ) لوسكت هنيهة .....البرار ( المحذلوف :السطر ) 10فايما سلطان ألو ملك ...رددها ثلثا ثم قعد ( المحذلوف :ص 81السطر ) 6لولول سماعهم .....المسجد الكبير ( المحذلوف :ص 82في السطر اللول ) فشق ذلك على الناس ( لوفي السطر الثاني ) لوغدا لم يجابوا إلى طلبهم .........عدلوه ملك مصر ( إضافة :ص 82السطر ) 11لوقد حالول الصالح إسماعيل قمع الثورة ( المحذلوف :ص 82السطر ) 20لوإنهم كفو عن ......من دفع الباطل ( المحذلوف :ص 82السطور الثلثة اليخيرة ) لوقد يستطرد الحديث ...... لودعا له بالكرامة لوالخير (