لمحة عن الكورد فً الشرق Yasir Demîcer 2014
…..
Sheran
2
إهدائي إىل أعز شبابيا الطلب٘ يف املزحل٘ اإلعدادٓ٘ ّالثاىْٓ٘ ّاألحب٘ ّاللادر التدرٓشٕ يف شرياٌ ّ 2014ّ 2013كل مً ساٍه يف مْاظب٘ الدّاو يف مدارسيا رغه الظزّف ّسْ ٛاألّضاع ... ّمً ٓشع ٙلتأمني مشتكبل آمً ألٍليا يف شرياٌ ّكْباىٕ ...... لتلٌْ صامدٗ أماو كاف٘ العكبات ّاملدططات الشٔاسٔ٘ الفاشل٘ ..... ٍذا اللتاب ٍْ حمل٘ عً املزاحل اليت مز بَا تارخييا اللْردٖ يف الشزق ّمً خالل قزاٛتُ ستالحظ مد ٚالتالعب ّاإلسا ٗٛاليت ٓتعزض لُ مالحظ٘ :عيدما أّصٔم بالتنشم بلػتيا ّقْمٔتيا ٍذا ال ٓعين بٔع ّطئات ّمْدتٕ للل مً ميلم صفا ٛالئ٘ ّالزّح الطاٍزٗ جتاِ حشُ اإلىشاىٕ يف ظزّفيا احلالٔ٘ ...................................................... ................................................ .......................... ٓاسز دمٕ جز 2014 ..... 3
الكورد و نشأتهم ونشرهم فً العالم القدٌم ٌزعم الٌزٌدٌون :أن هللا فً شؽل شاؼل اآلن عن هذا العالم ،وأنه ترك السلطان التام فٌه لعزرائٌل (طاووس المالئكة ) أو ( الملك طاووس ) إذن هو الذي ٌسٌطر اآلن على العالم كما ٌرٌد ،ولمدة 10آالؾ سنة فسٌد العالم الحقٌقً اآلن الذي ٌجب على الناس أن ٌعبدوه هو ( الملك طاووس ) أو ( عزرائٌل ) . ال فرق ،إلى أن تنقضً 10آالؾ سنة فٌعود العالم إلى عبادة هللا بعد أن ٌعود عزرائٌل نفسه إلى السماء ،وقد رضً هللا عنه .وٌرجع بعض المإرخٌن ظهور الٌزٌدٌن إلى فترة انهٌار الدولة األموٌة فً منتصؾ القرن الثامن المٌالدي ،و ٌوضح هإالء المإرخون أن أحفاد الخلٌفة الثانً األموي ٌزٌد بن معاوٌة بن أبً سفٌان ( 683 _ 680م ) فر بعد معركة الزاب الكبرى التً اندحر فٌها األموٌون فً عام 750م إلى شمال العراق على رأس مجموعة مإكدا أن ٌزٌد " سٌعود إلى األرض لٌمألها عدال كما مألت جورا ". لكن أحد الٌزٌدٌن فً اللش قال ":إن تارٌخ الٌزٌدٌة ٌرجع إلى األلؾ الثالث قبل المٌالد ،معتبرا أنهم هم بقاٌا ألقدم دٌانة كردٌة فً منطقة الحضارات العظمى فً الشرق ". و ٌضٌؾ أن " أتباعها تحملوا الكثٌر من سوء الظن نتٌجة خطؤ ،لكن النصوص الدٌنٌة التً بحوزتهم والتً توارثوها عن أسالفهم تإكد عدم العالقة بٌن ٌزٌد بن معاوٌة والطائفة وأتباعها ".
4
الؽرٌب أن هناك ما ٌإكد على نسبتهم إلى ٌزٌد ،وهناك من ٌرجع أصولها إلى معتقدات أكثر قدما ،و هناك من ٌقول أنها " دٌانة توحٌد تإمن باهلل الواحد األحد وبالٌوم اآلخر وتعترؾ بالدٌانات السماوٌة و كتبها المقدسة وتإمن باألنبٌاء جمٌعا بؤنهم أرسلوا من هللا لنشر اإلٌمان فً األرض " ،وهناك من ٌقول إن الٌزٌدٌة تتصل بجذورها إلى الزرادشتٌة التً كانت الدٌانة األولى لألكراد قبل أن ٌتحولوا إلى اإلسالم ،وبالتالً فإنهم من الذٌن انفصلوا عن المسلمٌن والتجؤوا للعٌش فً عزلة . لكن الٌزٌدٌٌن ال ٌعتمدون أي كتاب مقدس بل ٌتوارثون النصوص الدٌنٌة بالحفظ ،وإلى جانب عٌد رأس السنة الذي ٌسمونه " سري ساله " ٌحتفلون بعٌد كبٌر ثان هو " عٌد الجماعٌة " الذي ٌستمر أسبوعا فً شهر أكتوبر (ت )1وعٌد القربان وعٌد الجماعة وعٌد ٌزٌد وعٌد خضر إلٌاس وعٌد بلندة ولهم لٌلة تسمى اللٌلة السوداء "شفرشك ". وفً هذٌن العٌدٌن الرئٌسٌن وؼٌرهما من األعٌاد الصؽٌرة ٌ ،قوم الٌزٌدٌون بؤداء الصلوات من أجل أن ٌعم السالم األرض ،وٌزورون معبد اللش . و ٌمثل الٌزٌدٌون أكبر أقلٌة دٌنٌة بعد المسٌحٌن و هم ٌنتشرون فً المناطق الشمالٌة الشرقٌة من الموصل وعلى الحدود العراقٌة -السورٌة ودٌاربكر وماردٌن وبالقرب من حلب حول كلس وعنتاب فً بعض البلدان األرمٌنٌة على الحدود بٌن تركٌا وروسٌا وحول تبلٌسً وباطوم و ٌنتمً معظهم إلى الجنس الكردي .
5
ٌبلػ عددهم فً العراق نحو 750ألؾ شخص من أصل 1،5ملٌون شخص من أتباع الطائفة المنتشرٌن أٌضا فً عدد من الدول منها أرمٌنٌا وألمانٌا و سورٌا وتركٌا . والمرجع األعلى للطائفة الٌزٌدٌة ٌحمل لقب " بابا الشٌخ " ولٌس لهم صالة عامة بل طقوس خاصة بهم و ٌتوجهون إلى مطلع الشمس عند الشروق وإلى مؽربها عند الؽروب فٌلثمون األرض و ٌعفرون وجوههم بالتراب و ٌقرأون بعض األدعٌة و هً خلٌط من اللؽة الكردٌة والفارسٌة . وهناك الكثٌر من الحكاٌات التً تصل إلى أحد األساطٌر وتتجاوز الخرافة ، منها ..أنهم ٌعتبرون إبلٌس طاووس المالئكة ،وقد دفعهم إلى تقدٌس تمثال طاووس من النحاس على هٌئة دٌك بحجم الكؾ المضمومة وأنهم ٌطوفون بهذا التمثال لجمع األموال .و ٌقال إن لدٌهم مصحؾ رش ( الكتاب األسود ) فٌه تعالٌم الطائفة ومعتقداتهم ،التً تشٌر إلى أن شهاداتهم المنطوقة هً " أشهد واحد هللا ،سلطان ٌزٌد حبٌب هللا" و ٌتضمن مصحؾ " رش " قصتٌن للطوفان :احداهما تتناول طوفان سٌدنا نوح علٌه السالم ،والثانٌة قصة طوفان حدثت منذ 6آالؾ سنة فقط ،فً أول كل ألؾ منها ٌ ،وجد إله ،وأول هإالء اآللهة السبعة الملك طاووس ،وثانٌهم " ٌزٌد بن معاوٌة " . وثالثهم شٌخ الٌزٌدٌة "عدي " ورابعهم هو أحد شٌوخهم " شمس الدٌن حسن " المدعو "دردائٌل " ،و ٌلقبونه بالبصري ،و هو الذي ٌنتظرون رجعته .
مصحف َر ش أو الكتاب األسود 6
أما آلهة الٌزٌدٌة الثالثة الباقٌة فٌؤتً كل واحد منهم بشرٌعة ٌفرق فٌها بٌن الحالل والحرام والواجب علٌهم اتباعه خالل ألؾ سنة من ٌوم هبوطه .كما أن الصالة لدٌهم لمدة ثالثة أٌام من كل سنة فً شهر دٌسمبر ( ك ) 2و هً تصادؾ عٌد مٌالد ٌزٌد بن معاوٌة ،و ٌعد هذا صوم العامة ،و هو ٌكون أٌام الثالثاء واألربعاء و الخمٌس األول من شهر دٌسمبر ،وصوم الخاصة عبارة عن ٌ 80وما ٌصومها رجل الدٌن والصالة التً تتم فً لٌلة منتصؾ شعبان ٌعتبرون أنها تعوضهم عن صالة سنة كاملة ،صالة الٌزٌدٌٌن أقرب ما تكون إلى األدعٌة مثل : " آمٌن ..آمٌن ..تبارك الدٌن ،األولٌن ،االبنٌن الخادمٌن ٌ ،ا هللا ٌ ،ا داٌم ٌ ،ا ؼفور ٌ ،ا موجود ٌ ،ا فتاح ٌ ،ا رزاق ٌ ،ا مدبر الكون ٌ ،ا سائر ٌ ،ا أمدٌن ٌ ،ا شمس الدٌن ٌ ،ا قمر الدٌن ٌ ،ا عزرائٌل ٌ ،ا جبرائٌل...
7
ٌا سمائٌل ٌ ،ا مٌكائٌل ٌ ،ا دردائٌل ٌ،ا اسرافٌل ٌ ،ا ربً أنت تبارك ،ما لنا ؼٌرك ٌ ....ا قاٌٌم بٌن قوم ترحم .. ترحمنً ..أنت كرٌمً أنت دائمً ..تؤخذ أبً بسٌوجً كً كرناه .. حاٌٌدي تعبٌبك ..روحً ملك جهامً خالك " .و هم ٌعتقدون أن الحشر والنشر بعد الموت سٌكون فً قرٌة "باطط" فً جبل سنجار ،حٌث توضع الموازٌن بٌن ٌدي الشٌخ عدي الذي سٌحاسب الناس ،وسوؾ ٌؤخذ جماعته و ٌدخلهم الجنة . والزكاة تجمع بواسطة الطاووس وٌقوم بذلك " القوالون" أي مرتلو األناشٌد الدٌنٌة و ٌتم جباٌتها وإعطاإها إلى رئاسة الطائفة ،والحج لدٌهم ٌتم بالوقوؾ ٌوم العاشر من ذي الحجة من كل عام على ما ٌشبهونه بجبل عرفات فً المرجة النورانٌة فً وادي اللش .أما القسم لدٌهم فهو " بطوق سلطان ٌزٌد" وهو طرؾ الثوب وهم ٌترددون على المراقد واألضرحة كمرقد الشٌخ عدي والشٌخ شمس الدٌن ،والشٌخ حسن وعبدالقادر الكٌالنً ،ولكل مرقد خدم ،وهم ٌستخدمون الزٌت والشموع فً إضاءتها ،أما الزواج فهو محرم بٌن الطبقات ،و ٌجوز للٌزٌدي أن ٌعدد فً الزوجات إلى ست زوجات ،و ٌكون الزواج عن طرٌق خطؾ العروس أوال من قبل العرٌس ثم ٌؤتً األهل لتسوٌة األمر ،أما األلوان المحرمة لدٌهم فهً اللون األزرق ألنه من أبرزألوان الطاووس ،كما تنتشر بٌنهم األلوان الحمراء والبٌضاء والصفراء.
8
ومن العادات الؽرٌبة لدٌهم ..تحرٌم أكل الخس والكرنب والقرع والفاصولٌا ولحوم الدٌكة وكذلك لحم الطاووس المقدس عندهم ألنه نظٌر إلبلٌس طاووس المالئكة فً زعمهم ،ولحم الدجاج والسمك والؽزالن ولحم الخنزٌر ،وتحرم هذه الطائفة حلق الشارب الذي ٌفضلون تركه مسترسال طوٌال وبشكل الفت للنظر . وٌعتقد أتباع هذه الطائفة أنه إذا رسمت دائرة على األرض حول الٌزٌدي فإنه ال ٌخرج من هذه الدائرة حتى تمحو قسما منها اعتقادا منه بؤن الشٌطان هو الذي أمر بذلك ،وهم ٌحرمون القراءة والكتابة تحرٌما دٌنٌا ألنهم ٌعتمدون على علم الصدر الذي أدى إلى انتشار الجهل واألمٌة بٌنهم مما زاد فً مؽاالتهم بٌزٌد وعدي وإبلٌس . وٌعتقدون أن الرجل الذي ٌحتضن ولد الٌزٌدي أثناء ختانه ٌصبح أخا ألم هذا الصؽٌر وعلى الزوج أن ٌحمٌه و ٌدافع عنه حتى الموت . و ٌقولون فً كتبهم " أطٌعوا وأصؽوا إلى خدامً بما ٌلقنونكم به وال تبٌحوا به قدام األجانب كالٌهود والنصارى وأهل اإلسالم ألنهم ال ٌدرون ماهٌته ،وال تعطوهم من كتبكم لئال ٌؽٌروها علٌكم وأنتم ال تعلمون " . لذا هم ٌإمنون بتناسخ األرواح وٌتكتمون فً إظهار معتقداتهم تكتما شدٌدا وحرموا على الٌزٌدي أن ٌتؽٌب عن بلده أكثر من سنة ،فإذا اضطر إلى ذلك حرمت علٌه زوجته . وحرموا على الٌزٌدي النظر إلى وجه المرأة ؼٌر الٌزٌدٌة ومالطفة المرأة التً حرمتها الشرٌعة علٌه من جنسه ،كما حرموا الزواج فً شهر نٌسان . وحرموا على الٌزٌدٌن دخول مساجد المسلمٌن ومدارسهم الدٌنٌة ألنه إذا سمع المصلً ٌتعوذ من الشٌطان وجب علٌه أن ٌصوم اسبوعا أو ٌقدم ضحٌة للطاووس .
9
وقالوا ٌ :إثم الٌزٌدي إذا مد رجله أمام جلٌسه .كما حرموا على الفقراء والكواجك . وهم إحدى طبقات المجتمع الٌزٌدي .النوم على السرٌر .وحرموا كذلك االشتؽال ٌوم الجمعة أما طبقات الطائفة الٌزٌدٌة فهً : األولى :من الروحانٌٌن أحدهما :زمنً وهو الذي ٌرتقً نسبه إلى ٌزٌد بن معاوٌة و هو مٌر شٌخان أي أمٌر الشٌخان ،واآلخر ٌ :نتمً إلى ساللة فخرالدٌن و ٌلقبونه بابا شٌخ ٌعنً الشٌخ الكبٌر . والثانٌة :الفقٌر وهو الناسك المتعبد وله لباس خاص ٌسمونه خرقة الفقٌر. والثالثة القوال :وهو الحادي أي مرتل األناشٌد الدٌنٌة . الرابعة :الكواجك :هم طائفة من العوام ٌتمٌزون بلباسهم األبٌض و نطاقهم الصوفً األسود أو األحمر وظٌفتهم اكتشاؾ مصٌر الموتى إن كان خٌرا أو شرا واالتصال بعالم الؽٌب لمعرفة الحال واالستقبال . والخامسة :المرٌدون :و هم عوام الناس الٌزٌدٌٌن وقد فرضت علٌهم الطاعة العمٌاء و دفع الزكوات و هإالء ٌتزاوجون فٌما بٌنهم وال ٌحق لهم مصاهرة الفئات األخرى . وقد نستنتج بؤن الطائفة مرت بعدة مراحل ففً األولى كانت حركة أموٌة سٌاسٌة ، وتبلورت فً حب ٌزٌد بن معاوٌة ،وفً الثانٌة تحولت الطائفة إلى طرٌقة عدوٌة أٌام الشٌخ عدي بن مسافر األموي وفً الثالثة كانت فترة انقطاع الشٌخ حسن ست سنوات ،ثم خروجه بكتبه التً اعتبرت مخالفة لتعالٌم الدٌن ،وفً الرابعة جاء تحرٌمهم القراءة والكتابة ودخول المعتقدات التً توصؾ على نطاق واسع بالباطلة فً تعالٌمهم . ...محاولة المستطلع اثبات األصل العربً للٌزٌدٌة...لكن ال هناك من ٌعارض ....
مصحف
ره ش 10
عندما سئل الدكتور " كمال فإاد ” كٌؾ استوعبت التجربة الكردٌة كل ألوان الطٌؾ السٌاسً الموجود على الساحة فً كردستان ؟ قال ":ألننا جمٌعا فً الهم الشرقً ،فالظروؾ أجبرتنا أن نتعاٌش ،وجمٌع األحزاب الكردستانٌة مهما اختلفت اتجاهاتها متفقة على ذلك ،ألننا عانٌنا من االضطهاد القومً لٌس لمدة سنة أو سنتٌن بل لعدة قرون ،نرٌد أن نتعاٌش مع القوى األخرى ،ولذلك فإن تقبلنا للدٌمقراطٌة والتسامح هو نتٌجة لما تعرضنا له من اضطهاد قومً ظل ٌالحقنا لمئات السنٌن ،قد ٌكون قبول المجتمع الكردي التعاٌش مع اآلخرٌن ٌعود ألسباب نفسٌة .
11
ربما حتى أن المجتمع الكردي ٌتكون أٌضا من جماعات أثنٌة وعرقٌة ودٌنٌة ،فلدٌنا الكاكائٌون والٌزٌدٌون ،ولدٌنا أٌضا األحزاب وأصحاب االتجاهات السٌاسٌة مثل الشٌوعٌٌن واالسالمٌٌن ،ال بد أن نقبل بالتعاٌش معا ،ومع األحزاب التً تإمن بضرورة ذلك وقد ٌكون هناك حزب كردي قومً أو إسالمً متطرؾ ،ولكن االتجاه اإلسالمً والكردي السائد هو " الحركة اإلسالمٌة و االتحاد الوطنً االسالمً " هاتان القوتان رئٌسٌتان إلى جانب التٌارات األخرى فً كردستان العراق ،ولكن ال ٌوجد لدى القوتٌن الرئٌسٌتٌن هذا التوجه المتطرؾ ،ولٌس لدٌهما مشاكل ،أما هذه الجماعات المتطرفة ،سواء كانت قومٌة أو دٌنٌة فال ٌوجد لها شعبٌة داخل كردستان العراق ،وبالنسبة لألحزاب السٌاسٌة فهذا االتجاه هو السائد ،وكذلك األمر بالنسبة لألحزاب اإلسالمٌة ،وتبقى هناك بعض الجماعات المتطرفة لكن ال ٌوجد لها تؤثٌر كبٌر على الشعب الكردي.. ولهذا السبب فإن الوضع مستمر فً اإلقلٌم وإن شاء هللا فإن االتجاه الدٌمقراطً والحضاري ٌسٌطر على عقول الناس .وهناك التركمان والكلدان ولٌس لدٌهم تؤثٌرات سلبٌة فً كردستان ،فهم ٌشعرون باألمان فً مناطقنا على الرؼم من التراكمات السابقة ،فهم جمٌعا عانوا معا نفس المعانات من عدو شرس مشترك لجمٌع الجماعات ،من جهة أخرى فإن األفكار المتحررة واإلنسانٌة تسٌطر بشكل كبٌر على توجهات جمٌع القٌادات الحزبٌة فً منطقتنا .وبالطبع فإن األمر ٌختلؾ من حزب إلى آخر ،ولكن بصورة عامة هناك سٌطرة لالتجاه الحضاري والدٌمقراطً بصورة أكبر من سٌطرة األفكار المتعصبة القومٌة أو الدٌنٌة ".
12
* فً شهر رمضان ،المساجد على كثرتها مزدحمة بمصلٌها ،والتزاور ال ٌنقطع بٌن األهالً ،والشباب ٌشاهدون على المقاهً ٌلعبون " الصٌنٌة " ذات األثنتً عشرة قطعة معدنٌة مصنوعة فً أشكال مخروطٌة . وفً بٌوت األكراد هناك أطعمة معتادة لإلفطار فً رمضان " :الدولمة "تصنع من باذنجان محشو باألرز ،و"الكفتة" بؤنواعها العدٌدة ،وعصٌر الزبٌب ،و" الشنٌنة " أي اللبن الراٌب ،وشربات البرتقال ،و " شله وبرنج " أي الرز وسلطة دبس الفلٌفلة الحمراء وتوابعها . وفً البٌوت ٌحتفلون ٌومٌا خالل رمضان وفٌه ٌجتمع العدٌد من الناس لتالوة األذكار وٌقوم أحدهم باإلنشاد معددا فضائل الرسول علٌه الصالة والسالم ٌ .قوم الحرفٌون الكرد بحجز أحد المساجد وتوزٌع الحلوى على الناس المدعوٌن فً لٌلة " مولد النبً" وتبدأ االحتفاالت من الصباح وحتى فجر الٌوم التالً ..ووفقا لما ٌقولون بؤن أربٌل من أولى المدن التً احتفلت بالمولد النبوي الشرٌؾ فً زمن السلطان مظفر الدٌن كوكبري. منطقة شهرزور الشدٌدة الخضرة رؼم جفاؾ وقضاء دوكان المعروؾ بسده المائً الذي ٌتم استخدامه لتولٌد الكهرباء الشحٌحة فً تلك المنطقة ، وبحٌرة دوكان بٌن أربٌل والسلٌمانٌة من المناطق الجمٌلة فً اإلقلٌم .. قرب سد دوكان هناك قرٌة "خلكان" التً ٌوجد فٌها مسجد المإرخ الكوردي ابن خلكان وهو أحد مإرخً القرن السابع الهجري ،وصاحب الكتاب الشهٌر" وفٌات األعٌان" .إذ ٌتوسط قبره البلدة التً عرفت باسم جده خلكان. 13
وسواء كنا فً أربٌل أو فً السلٌمانٌة فإن عبق الصوفٌة ٌنتشر ،وال ٌحتاج المرء إلى حاسة شم قوٌة كً ٌدرك مدى نفاذ تلك الطرق وخاصة الطرٌقتٌن " القادرٌة والنقشبندٌة " فً عمق تفاصٌل الحٌاة فً كردستان العراق ،بما فً ذلك العمل السٌاسً نفسه ،فاألتكٌة والخانقاه منتشرة فً القرى ولها مراكز متعددة لكنها تتمركز حول السلٌمانٌة التً تعد مصدرا لنشرها فً المناطق األخرى .والقادرٌة هً األكثر انتشارا بٌن عامة الناس ،فٌما النقشبندٌة هً األقرب إلى الوسط الثقافً .و ٌقال إن السبب فً ذلك ٌعود إلى كون القادرٌة تعتمد رٌاضة المخاطر ،التً تجذب النظر وتإثر فً العامة .أما النقشبندٌة فكان ذٌوعها فً الوسط الثقافً راجعا إلى اكتفائها بالمدائح والموسٌقا الدٌنٌة فً حلقات الذكر . وكانت هذه المنطقة قد شهدت قبل ذلك انتشارا واسعا لطرق أخرى مثل " السهروردٌة والمولوٌة والبكتاشٌة والبرزانٌة وهً على اسم المنطقة التً ولد فٌها القائد الكوردي المعروؾ المال " مصطفى البرزانً " والتً ٌوجد فٌها قبره الشدٌد التواضع الذي بقً رمزا للنضال الكوردي .
14
وقد تفرعت الطرٌقة البرزانٌة عن الطرٌقة النقشبندٌة وخالفتها فً بعض التفاصٌل .أما اسم النقشبندٌة فهو مؤخوذ من الكلمة الفارسٌة نقشبند ،ومعناها النقاش ،و هً كلمة أطلقت مجازا على مإسسها األول الشٌخ بهاء الدٌن محمد بن محمد البخاري ،الذي عرؾ بالنقشبند ،ولٌس النقشبندي نسبة إلى حرفة نقش القماش ،وتارٌخ هذه الطرٌقة ٌعود إلى القرن الثامن الهجري . وقد وصلت تلك الطرٌقة إلى كردستان العراق على ٌد الشٌخ ضٌاء الدٌن النقشبندي ( 1821 _ 1779م ) ،بعد عودته من الدراسة فً الهند ،إلى مسقط رأسه " قرداغ " فً السلٌمانٌة ،بعدها درس فً بؽداد الطرٌقة القادرٌة . وٌعقد رواد هذه الطرٌقة حلقات الذكر أسبوعٌا لعدة مرات ،أما أهم مزارات النقشبندٌٌن فتقع فً ناحٌة " بٌارا " فً منطقة " هاورمان" التً تضم سلسلة جبال ضخمة ٌ ،قع بالقرب منه مزار الشٌخٌن عالء الدٌن وسراج الدٌن ،اللذٌن ٌقال أنهما رسخا وجود الطرٌقة فً المنطقة . وتعتمد النقشبندٌة ثالثة طرق للوصول إلى المراد ،وهً :الدوام على الذكر القلبً ،والمراقبة ،وطاعة المرشد .فً الوقت الذي ٌبنً عملها الصوفً على قاعدة تتمثل فً :الٌقظة عند النفس ،النظر إلى القدم ،السفر فً الوطن ،الخلوة فً الجلوة ،الذكر الدائم ،العودة من الذكر إلى الذات ،حراسة القلب من الؽفالت والخواطر ،حفظ آثار ذكر القلب ،الوقوؾ الزمانً ،الوقوؾ العددي ،والوقوؾ القلبً . أما الطرٌقة القادرٌة ،فإن أول من نشرها فً منطقة السلٌمانٌة الشٌخ اسماعٌل الولٌانً .وإذ كان ٌطلق على مكان النقشبندٌة " الخانقاه " فإن مكان القادرٌة ٌعرؾ ب "التكٌة " ،وتتكون من كلمتً تاك تعنً العزلة ،وكاه تعنً المكان ،أي مكان العزلة أو الخلوة .
15
وقد تؽٌرت أسماء بٌوت الصوفٌة عبر الزمان ،فهً الزاوٌة ،ثم الرباط فً العصر العباسً المتؤخر ،والخانقاه فً العهد العثمانً ،وتعنً بٌت األمراء أو السالطٌن ،فالخان تعنً األمٌر أو السلطان و كاه بمعنى المكان .واحتفظت النقشبندٌة بهذا االسم حتى اآلن .وللنساء عند القادرٌة أٌضا حلقات خاصة ،تدٌر الحلقة امرأة تعرؾ بخلٌفة الشٌخ .وتعتمد القادرٌة " الدربشة " الخاصة بالرجال فقط ،وذلك لصعوبتها وخطورتها ،وجوهر هذه الرٌاضة السٌطرة الكاملة على النفس ،وتتم عادة بإشراؾ الشٌخ ،ومنحه اإلذن بذلك أمر مهم للؽاٌة فً نجاحها ،وأن ٌتجرد مإدٌها من نزعة الظهور ،والفخر بما ٌفعله على اآلخرٌن ،بمعنى أن تكون خالصة .وتعنً "الدربشة " الخوارق ،وتقاس بمدى القدرة على ادخال أدوات حادة فً مناطق الجسم المختلفة ،بؽض النظر عن خطورتها ،حتى لدرجة الخنجر فً عظمة الجمجمة بمساعدة المطرقة ،وكذلك بلع الزجاج ،ومقاومة النار وشرب لهٌبها ،أو مقاومة لدؼات األفاعً والعقارب ،وأكل رأس األفعى ،الذي ٌحمل الؽدد السامة ،ورأس العقرب ،ومقاومة الصدمة الكهربائٌة ،بعد أن ٌتعرض الجسم لها دقائق عدة .و ٌإكد أتباع هذه الطرٌقة أن الهدؾ منها هو ارجاع الناس إلى طرٌق الحق والصواب ،لكن لٌست أمرا البد للمرٌد أن ٌفعله . ٌقول هإالء أن أبناء الطائفة الكاكائٌة ٌقدسون السلطان اسحاق الذي ولد فً القرن الثامن الهجري ،و ٌعتقدون أنه صاحب كرامات ولذلك ٌتم الذهاب إلٌه والدعاء عنده فً مقبرته أو مزاره الواقع فً قرٌة شٌخان االٌرانٌة على بعد 20كم من قراهم ،والذهاب إلٌه ٌتم لمرة واحدة فً العام فٌما ٌشبه الفرض الالزم على كل كاكائً ،أما الكتاب المقدس لدٌهم فهو مكتوب بخط القلم وؼٌر مطبوع منه أي نسخة ،ولكن العبادات وفقا لهذه تتم لفظٌة . والصٌام لدٌهم وفقا لما أخبرنا به هإالء لمدة ثالثة أٌام فً فصل الشتاء وتحدٌدا فً منتصؾ شهر ٌناٌر ،أما الصالة فتتم بالجلوس والدعاء . وطائفتهم تسمى " الكاكائٌة " وفقا لما تتشابه مع طائفة فً جنوب العراق تسمى " على الهى " وطائفة " الدروز " و " البكداشٌة " فً تركٌا ،و " أهل الحق " فً إٌران ،و باإلضافة إلى أن لهم أتباع فً لبنان وحتى فً استرالٌا . 16
وٌشدد هإالء على أن الشوارب مظهر مهم جدا للكاكائً ولدرجة أن من ال ٌهتم بتضخٌم شواربه ال ٌعد كاكائٌا حقٌقٌا ،و هو نفس تشدد علٌه الٌزٌدٌة . ووفقا للمصادر فإنها تشٌر إلى أن الكاكائٌة هً " دٌانة كردٌة مستقلة قائمة بذاتها قبل ظهور اإلسالم ،ولٌس مجرد طائفة دٌنٌة ،وجوهرها تناسخ األرواح ". و للكاكائٌة مراقد ومزارات ٌحرص الكثٌرون على زٌارتها والتبرك بها من أهمها مزار السلطان اسحق بن عٌسى بن بابا البرزنجً الذي عاش بٌن 1272و 1313م ،و ٌعد عندهم من أهل الظهور و هم ٌقومون بزٌارته سنوٌا ،وهو أهم رجالهم المشاهٌر ،سٌد ابراهٌم وٌعد من أهل الظهور و ٌدخل فً سلسلة نسب السادة أمرائهم ،و ٌقولون أنه ظهر بطرٌق التناسخ ست مرات ،وأنهم ٌنتظرون ظهوره للمرة السابعة و ٌحترمونه احتراما زائدا و ٌقولون إنه مهدي آخر الزمان و ٌقطعون بظهوره ،والحاج السٌد أحمد وٌرانً سلطان :وهذا مهم جدا عندهم ، و ٌقولون إنه كان مقٌما فً تكٌة البكتاشٌة فً النجؾ فرفع إلى السماء وصار أسدا .وكذلك امام إسماعٌل الذي تقدم له النذور فً ٌوم خاص ،وٌقولون إن من حلؾ به كاذبا اعوج فكه وٌعدون ذلك من كراماته ،وأٌضا شعب الدٌن الذي ٌقولون إنه نائم ،وهو الموكل باألمطار . مزاراتهم لها درجات منها ما ٌعتقدون إنه نال الظهور " الحلول" وله مكانة خاصة ،ومنهم من كان من األوالد " أوالد السادة " أو من من المرشدٌن .هذه المزارات معروفة عند الكاكائٌة ٌقدمون النذور لتسقط عنهم التكالٌؾ . وعقٌدة الكاكائٌة مكتومة ،ال ٌبوحون بها وال ٌجٌزون هتك السر ،ومن أهم كتبهم " سرنجام " الذي ٌقال إنه مدون قبل ظهور اإلسالم ،ولكن ٌقال إن لدٌهم أٌضا 15كتابا وخطبة دٌنٌة متفرقة . وتتصنؾ الكاكائٌة إلى مجموعة من الطبقات و هً السادة وهإالء هم األمراء ورإساء الدٌن جمعوا بٌن اإلمارة والرئاسة الدٌنٌة ،والدلٌل ٌسمى " مام " أي العم ،ولهم منزلة خاصة ٌ ،تولون اإلرشاد و ٌقال للواحد منهم " مرشد " أو " بابا" .واإلخوان هم الباقون المعروفون بالعامة "الكاكائٌة " ٌتعاونون تطبٌقا لمبدأ األخوة . 17
أما الزواج لدى الكاكائٌة فهو ال ٌتبع مراسٌم أو احتفاالت معٌنة وإنما هو عقد بسٌط ٌكون على ٌد شٌوخهم و ٌتوقؾ على رضى الطرفٌن ،و ٌجري ٌوم األثنٌن أو الجمعة ،وهذان الٌومان مقدسان عندهم وتعدد الزوجات عندهم ممنوع ،كما أن الطالق ممنوع قطعا من أحد الطرفٌن فال ٌبطل إال منهما معا ال ٌستقل به واحد دون اآلخر . و ٌعتبرو أن الكاكائً أخ للكاكائً وتحرم الكاكائٌة علٌه فٌما عدا الزواج ،وأال ٌنظر إلٌها بسوء ألنها تعد أخته .وأن ٌطٌعوا السٌد المعروؾ " البٌر " و هو رئٌسهم بؤن ٌتابعوه متابعة عمٌاء وال ٌجوز الخروج عن أمر السادة .أما التكاتؾ و التناصر فٌكون بٌنهم بال قٌد أو شرط سواء فً تعاونهم أو تضامنهم لدفع خطر من األخطار . ولدٌهم أكلة المحبة ،وتجرى فً االجتماع العام ،وفٌه ٌذبح الرجل دٌكا و ٌطبخ معه حنطة أو أرزا ،و ٌقدم للشٌخ ،أو ٌقوم الرئٌس بذبح شاة أو خروؾ و ٌدعى أهل القرٌة و ٌصبح مهرجانا كبٌرا و ٌتخذون الرقص و ٌقرأ دعاء األلفة وٌوزع الطعام " األكلة " ومن أكل من هذه األكلة المباركة نال الثواب . ..الغموض .. على الرؼم من أن ما كتب حول تلك المعتقدات الؽامضة ،قد ٌكون فٌه الكثٌر من المبالؽات ،سواء من جانب الذٌن هاجموها بشدة أو الذٌن وقفوا إلى جانبها ،فإن األمر بالنسبة لنا نحن الذٌن لم نذهب إلى كردستان أصال لؽرض البحث عن معتقدات الطوائؾ فٌها ،ولكن ما تسمع مثٌرا للفضول ،األمر الذي ٌدفع المرء لمحاولة التعرؾ على أبناء تلك الطوائؾ ،وجمع المعلومات ومقارنتها مع المصادر والمراجع التً تضًء ما ؼمض على الناس .
18
ونحاول أن نلقً الضوء على هذا الخلٌط العجٌب لنعرؾ مدى تنوع وؼموض نسٌج مجتمعنا الكوردي فً كردستان العراق والتى مازالت هذه البقعة محاطة بؽموض متعمد ،والتً تتجاوز فٌها األدٌان السماوٌة والمذاهب والمعتقدات المخالفة ،وتتعاٌش على أرضها مختلؾ الفئات السٌاسٌة واالجتماعٌة والثقافٌة ،ففً كردستان العراق الؽالبٌة مسلمون من السنة تنتشر مساجدهم بطول المنطقة وعرضها ،لدرجة أن فً مدٌنة واحدة هً أربٌل ٌوجد 215مسجدا ،وإلى جانب السنة هناك الشٌعة الذٌن تتمركز أعداد منهم فً جنوب كردستان ،منهم فئة الشٌعة " الفٌلٌٌن " ،الذٌن ربما لم ٌسمع الكثٌرون عنهم خارج كردستان إال عقب عملٌات التهجٌر التً تعرضوا لها .وهناك المسٌحٌون و هم من السرٌان الذٌن كانوا منذ القرن التاسع عشر ٌسمون ب " األثورٌٌن" وحالٌا ٌسمون ب" اآلشورٌٌن " و هم ٌعٌشون فً النصؾ الشمالً من كردستان ،ولهذه الفئة خمسة مقاعد دائمة فً البرلمان الكوردي الكائن فً مدٌنة أربٌل ،الذي ال ٌزال المإسسة الكوردٌة الوحٌدة ؼٌر المقسمة بٌن اإلدارتٌن الواقعتٌن فً أربٌل والسلٌمانٌة والتً توجد لكل منهما حكومة ومإسسات مستقلة و وسائل إعالم وأحزاب وجمعٌات وتنظٌمات مدنٌة وعسكرٌة .وفً كردستان أٌضا ،هناك طائفة مسٌحٌة أخرى هً الكلدان و هم أقل عددا من اآلشورٌٌن ،و ٌعٌش معظمهم فً السلٌمانٌة ،وإن كان لهم كنٌسة فً مدٌنة دهوك بالقرب من مقر رئاسة الجامعة ٌ ،طلق علٌها " دٌرا بارانً " ،كما هناك كنائس كلدانٌة و آشورٌة فً قرٌة "عناكوا" القرٌبة من أربٌل والتً ٌعٌش فٌها الكثٌر من المسٌحٌن األكراد .بعض القرى بٌن أربٌل و دهوك ٌسكنها المسٌحٌون وبعضها األخرى ٌتقاسمها المسلمون مع المسٌحٌن ومع الٌزٌدٌٌن أٌضا . وإذا كانت كردستان العراق تضم هذه الخلٌط من ألوان الطٌؾ السٌاسً والدٌنً والمذهبً ،فإن جمٌع األقلٌات تعٌش بؤمان ،وقد تسمع هذه التؤكٌدات من أي كردستانً فً العراق ومن أبناء تلك األقلٌات . 19
قٌل ":فقد شاءت ظروؾ الكورد الصعبة والقاسٌة أن ٌنصهر الجمٌع لمقاومة تهدٌد وجودهم ،وأن ٌختاروا التعاٌش معا ،المسلمون والمسٌحٌون والٌزٌدٌون والكاكائٌون وطوائؾ الصابئة وأهل الحق والعلً األهٌون ،لقد أصبحت تلك المنطقة بوتقة جمعت كل هذا الخلٌط ،الذي تناسى اختالفاته الدٌنٌة والمذهبٌة والعقائدٌة ،وفروقاته الثقافٌة والقومٌة ،لتفق على ضرورة التعاٌش لمواجهة عدو مشترك . توصؾ الرحلة إلى كردستان ..بؤنها الدهشة ستالزمك دائما ،فهذه المنطقة بمدنها وقراها وطرقها وأناسها قادرة على طرق القلب منذ لحظات الوصول األولى ،وال بد أن هذا الشعب الذي ال ٌتحدث بعض اآلخر عنه بود ،قد أدرك تماما أن اللقٌا الودود هً الطرٌق المفتوح مباشرة ،تماما كما ٌدرك الزائر إلى كردستان أن فً هذه المنطقة شٌئا ما ٌالمس القلب و ٌدفعه إلى إبقاء ذكرٌات تلك األٌام محفورة ونابضة " . شعب عانى الكثٌر من الظلم واالضطهاد ،لذا ٌستحق العٌش بؤمان فً تلك البقعة وحول ثائرة ... الزرادشتٌون " المجوس " فً الهند ... استطالع .... نجاحهم فً التجارة ومن ثم مراكمة الثروات و التمٌٌز االجتماعً الخارق للعادة ،وطقوسهم ،خاصة معابد النار ،وطرٌقة دفن موتاهم ..فً بطون جوارح الطٌر ..كان صعودنا فً معارج تالل ماالبار كؤنه انتقال من عالم إلى عالم ،من شوارع الضجٌج والزحام إلى أجمات ال ٌسمع فٌها ؼٌر أصوات الطٌور بٌنما البحر ٌهبط مزٌدا تحتنا وتتراجع خلؾ األشجار قمم األبراج السكٌنة فً أرقى أحٌاء مامباي الهندٌة المحٌطة بالتالل ،والتً تعتبر من أكثر أماكن العالم ؼالء.
20
لقد كنا نبحث عن " أبراج الصمت " التً ٌسجً علٌها الزرادشتٌون موتاهم لتنهشهم العقبان حتى العظام .وكان العالم الذي نصعد فٌه ٌتناقص مع ما نبحث عنه ،فقد كنا نبحث عن أؼرب عملٌة دفن للموتى فً دروب حدائق ؼناء ! . الزرادشتٌون ،أو المجوس طائفة استثنائٌة فً مومباي ،ففً هذه المدٌنة التً نزحت إلٌها أمواج بشرٌة تبحث عن فرصة للثراء فً " مدٌنة الذهب " نجح كثٌرون ،وصاع كثٌرون ،وال ٌزال األمر ٌتكرر حتى ٌومنا . المجوس أو " الفرس " كما ٌدعون فً اإلنجلٌزٌة و لدى الهنود لم ٌنجحوا فقط فً مومباي ،بل كانوا من صفوة الناجحٌن فً العالم .عبروا البحر العربً من فارس عندما دخلها اإلسالم ،والذوا بالهند ،خاصة مومباي وما حولها .صعد المجوس بسرعة ملحوظة .ولعل أسرة " تاتا " المجوسٌة هً نموذج لذلك الصعود الخارق ،نحو سماء التجارة فً المدٌنة ،فهم ملوك صناعة الصلب ،والكٌماوٌات ،والمعدات الهندسٌة ،والسٌارات التً اشتهرت باسمهم داخل الهند وخارجها .وما من مجوسً " فقٌر " فقر الهنود فً الهند ،ولقد رأٌت فً شارع " شهٌد بهاجات " بمنطقة كوالبا مربعا سكنٌا ٌحٌط به سور عال وبوسطه حدٌقة رائعة وعندما رفعت رأسً إلى الكتابة المعدنٌة بؤعلى البوابة الهائلة قرأت " :نزل مخصص للفرس " ! مجرد نزل ! لألسر المجوسٌة " المتواضعة " بكل هذه األناقة ! . لم ٌبق من المجوس فً العالم ؼٌر تسعٌن ألفا ،و هم فً عمومهم أثرٌاء متعلمون تعلٌما رفٌعا وعلى درجة ملحوظة من وسامة الرجال وجمال النساء . والؽرٌب أن عددهم ٌتناقص بنسبة % 1سنوٌا منذ الحرب العالمٌة الثانٌة ،ألن دٌانتهم بالتوارث ،فمن جهة ال ٌسمح بدخولها ألحد من الدٌانات األخرى ،ومن جهة أخرى ٌخرج منها _ من األجٌال الجدٌدة _ شبان وبنات ٌتزوجون خارج الطائفة فٌطردون منها ! .وإلى جانب استحالة الدخول ،وتعدد الطرد من هذه الدٌانة ،هناك ازدٌاد فً أعداد المجوس الخارجٌن من الدنٌا بؤسرها ،فعدد المجوس الذٌن عرضت جثثهم لجوارح الطٌر ،فوق ما ٌسمى بؤبراج الصمت ٌ ،تضاعؾ منذ عام ، 1970ولعل ذلك راجع الزدٌاد كبار السن بٌن أتباع هذه الطائفة . 21
وقبل أن نقترب من " أبراج الصمت " ،ال بد لنا من مقاربة أشكال التعبٌر الطقوسٌة لدى الزرادشتٌٌن ،لعلنا نفهم دوافعهم لدفن موتاهم بهذه الطرٌقة الؽرٌبة مع احتفاظنا باختالفنا عنهم بالطبع . للزرادشتٌن _ كالهندوس والسٌخ وكثٌر من الدٌانات فً الهند التً تكاد تكون وعاء لكل دٌانات العالم _ رموز تذكرهم بدٌنهم ،فهم ٌرتدون _ منذ سن البلوغ _ تحت ثٌابهم العادٌة مرٌوال أو صدٌرٌا " ٌسمى بالفارسٌة "سدرة" ،وٌتالزم هذا القمٌص مع حزمة من الخٌوط تسمى " كوتشً " بها اثنان وسبعون خٌطا ترمز إلى أسفار " الباسنا " المقدسة ،وٌقوم حاملها بربطها عدة مرات ٌومٌا تعبٌرا عن استمساكه بعقٌدته ..قٌل .......... كانوا منذ التارٌخ وأؼلبهم من الفرس اإلٌرانٌٌن والهنود وبالد شرق آسٌا ،حٌث عبد الفرس قوى الطبٌعة المتنوعة كالشمس واألرض والقمر والرٌح ،كما عبدوا الماء والنار واألجرام السماوٌة ،وكان ٌقوم بهذه الطقوس كهنة ٌسمون (ماجى) أي المجوس ،وكانت هذه الطائفة ترعى النار المقدسة فً معبد النار ،ومن أهم مذاهب الفرس الدٌنٌة التً كانت تمثل آلهة متعددة هً: أولا :الزرادشتٌة :نسبة إلى زرادشت المتوفً سنة ( )583ق.م وٌرى أتباعها أن الوجود له إلهان إله خٌر وإله شر ،وأن كلٌهما ٌنازع النفس اإلنسانٌة والكون وما فٌه ،وأن القوة أساس لكل شًء وال اعتبار للضعفاء ،فهم ال ٌصلحون للبقاء فالحق مع األقوٌاء دائماً ،فقانون الحٌاة ٌعمل لألقوٌاء على الضعفاء وٌجب أن ٌبقى األقوٌاء ،وأن ٌفنى الضعفاء فال إٌمان بالعدل وإنما اإلٌمان بالقوة. ثانٌا ا :المانوٌة :ظهر -مانً -فً القرن الثالث المٌالدي وكانت تعالٌمه مزٌجا ً من الدٌانة النصرانٌة والزرادشتٌة. وخالصة مذهبه تقوم على أن العالم نشؤ من أصلٌن وهما النور والظلمة ،مال إلى حٌاة الرهبنة حٌث منع الزواج حتى ال ٌكون تناسل بٌن الناس فٌفنى البشر ،واعتبر وجود اإلنسان لعنة فً األرض ومادام اإلنسان فً اإلنسال فإن اللعنة اإلنسانٌة مستمرة. ثالثا ا :المزدكٌة :ظهرت فً القرن الخامس المٌالدي على ٌد -مزدك -الذي كان ٌهدؾ إلى إصالح مذهب -مانً -وراح ٌناقش قضٌة الظلمة والنور حٌث ٌرى ً صدفة . أن امتزاجهما هو الذي تمخض عنه نشؤة الدنٌا 22
أما الكهنة فٌرتدون ثٌابا بٌضاء وعمامة بٌضاء أٌضا ،وٌضعون قناعا على الفم أثناء تؤدٌتهم لطقوس النار تجنبا لتلوث النار " المقدسة " بؤنفاسهم .والنار رمز " أهورامازادا" فهم ال ٌعبدونها بل ٌتوسلون بها ،وهً ال بد أن تحفظ داخل المعبد بعٌدا عن التلوث ،فال ٌنبؽً أن تراها الشمس أو عٌون ؼٌر الزرادشتٌٌن .وقد حاولت اختراق تلك الحٌلة ،وبالنقاش الطوٌل ،وباتصاالت التوصٌة من بعض المهمٌن فً مومباي ،دون جدوى ،بل أثارت معاودتً للمحاولة ؼضب حراس معبد النار حتى أنهم أؼلقوا أمامً البوابة الرئٌسٌة للمعبد بعد أن كنت دخلت وصعدت إلى البهو ووقفت على باب القاعة الرئٌسٌة .لٌست النار وحدها المقدسة لدٌهم ،فمن المقدسات التً ال ٌنبؽً تلوٌثها لدٌهم : " األرض ،الماء ،والهواء " .ومن هنا جاءت طقوسهم الؽرٌبة فً دفن موتاهم .فهم ٌرون أن الموت شر ،وأن الجثة مستقر الشٌاطٌن ،وكلما كان المٌت صالحا ازدادت قوة العمل الشٌطانً ،ولما كان إحراق الجثة " ٌدنس " الهواء ، ودفنها ٌدنس األرض والمٌاه فً أعماقها ،لهذا اختاروا تعرٌض جثثهم فوق " أبراج الصمت " لتلتهمها العقبان ،ولٌست جثث الموتى وحدها ،بل أي جزء ٌبتر أو عضو ٌستؤصل من جسد مجوسً ٌكون ذلك مآله أٌضا ..الدفن فً حواصل النسور . .......أبراج الصمت ......... لعل المستطلع أول شخص استطاع االقتراب من أبراج الصمت فوق تالل ماالبار إلى هذا الحد كما أخبرنً المسإولون عن هذه األبراج ،حد الوصول إلى الباب األخٌر الذي ال ٌعبره فً أرواب بٌضاء ؼٌر حاملً المٌت من خاصة خاصته ومن خاصة القائمٌن على سر أسرار الدفن المجوسً . ما بقً من آثار الكٌماوي على القرى الكوردٌة
23
وال ٌزعم أنه وصل إلى ذلك بمقدرة استثنائٌة ،بل إلحاح الفضول وبعض اإلطالع الذي مكنه من محاورة مقنعة ،لقد وصل فً الصعود على تالل ماالبار إلى درجة دون القمة التً تفترشها الحدائق المعلقة ،وفوق البحر واألرض بكثٌر ،حتى أن ما ٌظهر بٌن األؼصان من قمم األبراج السكٌنة السامقة فً حً األثرٌاء حول التالل كان فً مستوى األنظار ،وكانت كثافة الؽابة التً اخترقوها جعلتهم ال ٌرون ؼٌر الطرٌق الذي ٌصعدون فٌه قبل أن ٌتوقفوا أمام حاجز وراءه فناء مسٌج بؤحواض زهور بهٌجة وأشجار وارفة ،وبرز لهم من داخل بناء أنٌق صؽٌر حارس استدعى آخرٌن بهاتؾ نقال ،وجاء لمحادثهم رجل بنظارات ٌرتدي مالبس بستانً وطاقٌة ؼامقة من جلد الؽنم . الرجل اسمه "دارادي إالفٌا" وهو مجوسً وضح أنه مسإول فً المكان "المقبرة" ٌسمٌها أصحابها " دونجٌروادي "وكانت أبعد ما ٌمكن عن شكل المقبرة فثمة أبنٌة بٌضاء فخمة ذات سقوؾ جمالونٌة من القرمٌد ،ودروب مشجرة و نظٌفة بٌن هذه األبنٌة ،ودرج حجري ٌصعد حتى ٌتوقؾ أمام بوابة حدٌدٌة مزخرفة ومطلٌة باللون األبٌض ٌ ،لٌها درج آخر ٌصعد نحو بوابة أخرى مماثلة ،وفً النهاٌة بوابة بٌضاء صماء فً سور دائري عال .وداخل هذا السور توجد أبراج الصمت ،عددها خمسة وكل منها تسمى "دوخما" إضافة إلى واحدة صؽٌرة تسمى "شوترا" مخصصة لألطراؾ المبتورة واألعضاء المستؤصلة ،وأقدم هذه الدوخمات بنً ما بٌن عامً 1672و 1673م واسمها ٌحمل اسم العائلة الثرٌة التً شٌدتها " مودي هٌرجً " .أطلعهم " دارادي إالفٌا " على عربة اإلسعاؾ الكبٌرة النظٌفة التً تقؾ عند أول األبنٌة الكبٌرة قرب البوابة ثم سار معنا صاعدا و هابطا لٌرٌهم التوابٌت الفوالذٌة و نموذجا ألبراج الصمت وقاعات " الصالة" وقاعات تجهٌز الجثث .وبلؽوا موضعا لم ٌكن ممكنا بؤي شكل أن ٌخطو خطوة بعده حٌث وقفت فً وجههم بوابة صماء بٌضاء وعندما نظروا إلى األعلى رأوا عقابا ٌربض ساكنا فوق قمة شجرة بلوط ضخمة ،شعور ؼرٌب ٌطؽى القلوب . 24
من كل ما تراه وما تسمع وما تقرأ فً كتاب نادر من كتب الزرادشتٌٌن أنفسهم ٌلخص عملٌة التشٌٌع والدفن لدى المجوس كما ٌلً : ٌجلب جسد المتوفى المجوسً بعد استٌفاء شهادة الوفاة من طبٌب مجوسً على مالءة بٌضاء فً صدٌري وسروال أبٌض ،وٌعلن عن الوفاة والتشٌٌع والتؤبٌن ،وتقرع األجراس فً دونجٌرودي ،فٌما ٌجهز البخور وخشب الصندل والعطر واألردٌة البٌضاء ،تؽسل الجثة من قبل أناس من ذات جنس المتوفى وتجفؾ وتلبس الثٌاب التى حدثت فٌها الوفاة بعد ؼسلها ثم تسجى على طاولة رخامٌة بٌنما ٌنثر العطر و ٌشعل البخور وتقام صلوات معٌنة تستمر أربعة أٌام ،وفً فجر الٌوم الرابع ٌقدم ألقرب نار " مقدسة" مدد من وقود معٌن .فً النهار تحمل الجثة فً تابوت فوالذي ٌرفعه حمالون زرادشتٌون معٌنون لهذه المهمة ٌ ،تبعهم الكهنة ثم أقارب المتوفى فؤصدقاإه ،جمٌعهم فً أرواب بٌضاء و ٌسٌرون خلؾ التابوت اثنٌن اثنٌن ،وبٌن كل اثنٌن مندٌل أبٌض ٌسمى " باٌفاند" أي الرباط ٌ ،مسكه كل من طرؾ وؼاٌته الرمزٌة هً التواصل للتآزر فً تحمل أحزان الفراق ..و فً داخل السور األخٌر ٌسجى الجثمان بعد شق مالبسه على شبكة فوالذٌة فوق أحد أبراج الصمت و ٌنصرؾ الجمٌع حتى تقبل العقبان لتإدي عملها .وهو عمل دقٌق ! حٌث ٌلمح عقاب أثناء تحلٌقه العالً جدا الجثة فٌدور دورات معٌنة تنتبه إلٌها عقبان أخرى وسرعان ما تلتم جمٌعا وتهبط فوق األشجار المحٌطة بالمكان ،و ٌستمر وقوؾ العقبان الساكن الصامت طوٌال ،ربما عدة ساعات ،وعادة قرب الؽروب ٌهم بالطٌران عقاب فكؤنه ٌطلق إشارة البدء فتنطلق ؼٌمة العقبان منقضة على الجثة بمناقٌرها الجارحة القوٌة ،وفً نحو عشرٌن دقٌقة فقط ال ٌبقى ؼٌر الهٌكل العظمً عارٌا تماما .وتمر األٌام دون أن ٌنقطع إحٌاء مناسبات عدٌدة لروح القٌد ،ومنها ٌوم مٌالده ،وٌستمر ذلك خالل سنة خاللها تحول شمس األعالً الحارة والمطر الموسمً المدرار الهٌكل العظمً إلى فتات ثم طحٌن من الكلٌس ٌهبط عبر مصفاة برج الصمت إلى البئر المركزٌة ومنها إلى قناة ٌعترضها مرشح من الرمل والحصى الدقٌق ٌحتجز رماد الكلس و تنتهً المٌاه إلى خزان تحت أرضً مبطن بمرشح آخر حتى 25 تمر المٌاه فً النهاٌة نقٌة إلى البحر ! .
ٌقول أحد كبار الرهبان الزرادشتٌٌن اسمه " دستور خورشٌد دابو" :إن عملٌة التخلص من األجساد المٌتة ترتبط بقواعد أساسٌة خمس فً الزرادشتٌة هً " الصالح ،االتحاد ،المنطقٌة ،االحسان ،والنقاء ".وذلك كله عبر : (أ) االحسان بتقدٌم الجسد المٌت للعقبان الجائعة فهً مخلوقة لذلك و هذا من طعامها الطبٌعً . (ب) االقتصاد ،فال حاجة لمقبرة أو خشب للحرق ،فبرج الصمت الواحد خدم مدٌنة لمدة قرنٌن كاملٌن بمعدل مٌت واحد ٌومٌا دون تكالٌؾ . ( د ) المساواة ،فالمٌت الؽنً والمٌت الفقٌر ٌتساوٌان فً المعاملة وبقاٌا العظام تلتقً كلها فً الوعاء المركزي دون تفرقة . (ه ) مراعاة الصحة العامة ،حٌث ال تلوث للعناصر األربعة للطبٌعة :األرض ، النار ،الماء ،والهواء ..فتظل نقٌة . ( و) نبذ العاطفٌة الكاذبة ،فال تمنٌق للموت وال أضرحة وال نصب ،وال توابٌت . ٌنهً " دستور خورشٌد " كلماته بتقرٌظ " طرٌقتهم " فً الدفن ،وتتوالى فً كتٌب باإلنجلٌزٌة شهادات استحسان طبً وقائً ،وفلسفً أحٌانا ،من حشد من أساتذة الطب فً العالم وبعض المشاهٌر _ بٌنهم مارك توٌن وتشرشل . فً جمٌع األدٌان هللا الواحد ال شرٌك له فً المعنى الضمنً ..لكن نرى اختالؾ المذاهب و األدٌان فً العالم كله ،والسبب هو وجود نسبة من رجال الدٌن الذٌن تفردوا فً نشر أفكار وعادات معٌنة بما تحقق أهدافهم ومصالحهم بٌن المجتمعات الفقٌرة عقلٌا فقط ..نرى فً المجتمعات الؽربٌة ؼالبٌة مسٌحٌة وٌهودٌة ؼٌر متشددة فً أنظمتها الدٌنٌة ،وفً مجتمعاتنا الفقٌرة نالحظ عبادة األصنام وبعض الحٌوانات ،الشمس ،األشخاص ،أنبٌاء جدد" نبً هٌثم فً مناطق ؼربٌة من سورٌا" ،وعبادة النار ،وعبادة الشٌطان ،وهناك الكثٌر من األرباب المخفٌة ال نعلمها ..والدلٌل األقوى على وجود مصالح شخصٌة خاصة هو " وصاٌة المرشد ألهله بتجنب نشر كتبهم المقدسة خوفا من تعدٌلها من قبل األشخاص السٌاسٌٌن الذٌن ال ٌسؤلون عن األصول وال ٌتعامل بالعواطؾ " . ......ال شك أننا متفقون على أن دفن الموتى تحت األرض رحمة من هللا سبحانه وتعالى ،منها نشؤنا وإلٌها نعود بإذنه ،واإلنسان متعلق بالمكان روحا وجسدا ، 26 ألنه ٌطمئن فً مكان نشؤته أكثر من ؼٌره ..
وال نلق اللوم على هإالء الزرادشتٌون فً طرٌقة دفنهم للموتى ،وهً لٌست ولٌدة تفكٌر دٌنً ،إنما هً مما اضطرتهم الحٌاة ٌوم كانوا من سكان الجبال فً شمال إٌران ،الجبال الشاهقة ال تصل لحفر القبور فً الصخور ،والعقبان والنسور دائما عند ذروة الجبال ،ولٌسوا فقط من ٌمارسون هذه الطرٌق بل هناك البوذٌون سكان الذرى الجبلٌة فً التٌبت ، بطرٌقة أخرى وبتفسٌر دٌنً آخر ٌ ،قوم شخص جرٌئ فً المنطقة بحمل جثة المٌت فً كٌس من الخٌش أو ما شابه ذلك إلى أعلى الجبل قرٌب من القمة حٌث العقبان والنسور الجارحة ،ومن ثم تقطٌع الجثة وفصل أعضائها إلى أجزاء ،كما ٌفعل الجزار بشاة مذبوحة ،ورمً هذه األجزاء حوله ، بعدها ٌعود مع أهل المتوفى لتهنؤ الطٌور بطعامها ...هذه الطرٌقة متشابهة تماما مع الطرٌقة الزرادشتٌة ،من حٌث الهدؾ منها . تهدؾ هذه الطرٌقة فً جبال التٌبت إلى منع انتشار األمراض من وراء تفسخ الجثة تحت األرض ،وتجنب جذب الحٌوانات الالحمة الخطٌرة "كالذئاب والنمور والضباع " إلى القرٌة ..سبحان هللا ما أعظم شؤنه . 27
كــــــردســـــتان العـــــــراق
مأسات األرض المحروقة بالنابالم استطالع ..... كؤنهم فً صحراء ! .بؽٌر قلٌل من االستؽراب ،واالستنكار أٌضا ،قالتها صحفٌة أمرٌكٌة كانت معا ومراسل bbcالبرٌطانٌة ومترجم وسائق كردٌان ، قطعوا بسٌارة طرٌقا تتجه بهم من مدٌنة السلٌمانٌة الكوردٌة إلى بلدة كوردٌة أخرى فً محافظة كركوك . كان المشهد مثٌرا للدهشة واالستنكار فعال ،فالمنطقة جبلٌة ،توافرت لها كل أسباب الحٌاة من أرض خصبة وشمس ساطعة ومٌاه وفٌرة ،تؤتً بها على مدار العام الؽٌوم والثلوج والٌنابٌع واألنهار .عندما تمد بصرك إلى السفوح والودٌان ،ال تجد حولك ؼٌر السكون الذي ال ٌتواجد إلى فً الصحراء ، وكؤن لعنة ،مما جاء فً أساطٌر القدامى ،قد حلت بهذه األرض . وفً الواقع كانت اللعنة حقٌقٌة ،اسمها :صدام حسٌن ،ضربت كردستان العراق ،والعراق كله ،وكان ذلك المشهد المكرب أخفها وطؤة وأقل الفصول مؤساوٌة فً التراجٌدٌا الكردٌة طوٌلة األمد . قبل عام واحد ،وبعد أسابٌع قالئل من انتهاء الكابوس الرهٌب الذي نشؤ عن احتالل صدام حسٌن للكوٌت ،تفرج العالم ،فً بث حً ومباشر عبر شاشات التلفاز ،على مشهد مؤساوي آخر ،هو مشهد النزوح المالٌٌنً ألكراد العراق إلى البلدان المجاورة .فتحت قصؾ الطبٌعة ،أمطارا وثلوجا ؼزٌرة وبردا قاسٌا ،فر أكثر من ملٌونً كردي عراقً إلى ما وراء الحدود مع إٌران وتركٌا ،مشٌا على األقدام فً الؽالب ،على دروب ومسالك جبلٌة موحلة ، مثلجة ،زلقة وطوٌلة ،األب ال ٌعود إلى ابنه حٌن ٌنزلق فوق الصخور ،وال األم تستطٌع مساعدة أوالده المشً ،وكؤنه ٌوم الحشر صادؾ الشعب الكوردي فً العراق ..هربا من قصؾ المدافع وراجمات الصوارٌخ للمدن الكوردٌة التً انتفضت مع المدن فً جنوب العراق ووسطه ضد نظام صدام . 28
لقد صدم الضمٌر اإلنسانً لمشاهد النزوح وتقارٌر منظمات اإلؼاثة عن أحوال النازحٌن األكراد ،واستجاب المجتمع الدولً لضؽط الرأي العام ، فاتخذ مجلس األمن عدة قرارات ألزمت النظام العراقً بتؤمٌن عودة النازحٌن إلى مناطقهم وعدم استخدام القوة ضدهم ،وخصوصا فً منطقة " المالذات اآلمنة التً تبدأ من خط العرض . 36وبهذا تمكن معظم األكراد الذٌن عبروا الحدود ،أو لجؤوا إلى المرتفعات الجبلٌة النائٌة من العودة إلى مدنهم وبلداتهم ..لكنهم ما لبثوا أن انتفضوا على القوات العسكرٌة وأجهزة األمن و المخابرات ،وطردوها بمساعدة مقاتلٌهم المعروفٌن باسم " البٌشمركه " أي " الفدائٌون" .وفً مجرى صراع مسلح بٌن القوات الحكومٌة التً حاولت استعادة سٌطرتها على المدن الكردٌة وقوات " البٌشمركة " التابعة للجبهة الكردستانٌة " تحالؾ من سبعة أحزاب كردٌة وحزب لألقلٌة اآلشورٌة " ، حدثت سلسلة معارك انتهت فً تشرٌن الثانً 1992وبسٌطرة البٌشمركة على معظم كردستان بما فٌها مناطق تمتد بعٌدا إلى الجنوب من خط العرض . 36وهكذا صارت كردستان العراق أؼلبها حرة ٌ ،دٌر سكانها شإونهم بؤنفسهم ،مما أتاح لمئات الصحفٌٌن ومراسلً شبكات اإلذاعة والتلفزٌون زٌارتها والوقوؾ على تفاصٌل أكثر الفصول دراماتٌكٌة فً التراجٌدٌا الكوردٌة :فصل العملٌة المنظمة التً ظلت تجري طٌلة عقدٌن من الزمن لتهجٌر سكان الرٌؾ الكوردي طٌلة عقدٌن من الزمن لتهجٌر سكان الرٌؾ الكوردي وتدمٌر قراهم ،وكذلك العدٌد من المدن والبلدان اآلهلة بعشرات اآلالؾ من سكان لكل منها .وكثٌرا ما ترافقت تلك العملٌة مع إعدامات جماعٌة .
29
عٌون ماء مقفلة .. حٌثما ٌوجد نبع أو مجرى ماء تقوم قرٌة أو أكثر .وجبال كردستان التً ٌحط علٌها الثلج ابتداء من منتصؾ الخرٌؾ وال ٌودعها إال فً عز الصٌؾ ،ما من سفح فٌها ال ٌرمق الجبال والودٌان بعٌون خفٌفة الزرقة ،وما من واد بٌنها ال ٌشفه نهر أو نهٌر .ولذا كان عدد القرى فً كردستان ٌزٌد على عدد الجبال والسفوح والسهول .أما اآلن فإن الرٌؾ الكردستانً قد تحول إلى وهاد موحشة . حتى عٌون الماء حكموا علٌها باإلعدال وحاولوا إقفالها ..حٌث قامت قوات صدام بنقل السكان إلى أحد المجمعات شبه العسكرٌة ودمرت بٌوتهم وأؼلقت الٌنابٌع لتمنع السكان من العودة إلى قرٌتهم ..فً البداٌة قتل الجنود بعض المواشً وألقوها فً الٌنابٌع ،وبعد أٌام عادوا لٌؽلقوها بالخرسانة المسلحة " االسمنت المسلحة" .لكن ! ما من قوة تستطٌع أن تحبس الماء فً جوؾ الجبل ..وؼٌر بعٌد عن الٌنابٌع المؽلقة تفجرت ٌنابٌع جدٌدة انحدر منها الماء إلى السهل المنبسط أسفل هذا السفح .
30
سٌاسة قدٌمة سٌاسة تدمٌر القرى والمدن الكوردٌة بدأها نظام صدام حسٌن منذ األٌام األولى لوصوله إلى الحكم بانقالب فً صٌؾ العام 1986م .وتختزن الذاكرة الكوردٌة أحداثا من تلك الفترة بٌنها ما وقع فً قرٌة " دوكان " فً 8آب 1969م .كانت تلك القرٌة المنكودة تقوم عند نهر الخازر فً منطقة الشٌخان بمحافظة الموصل .وقد تعرضت ،مع قرى أخرى فً المنطقة إلى قصؾ جوي ومدفعً من القوات الحكومٌة ،فاضطر السكان إلى الهرب واللجوء إلى أعالً الجبال ،وقام الرجال بإخفاء نسائهم وأطفالهم فً مؽارة أمال فً حماٌتهم من الموت خالل عملٌات المطاردة .وزٌادة فً التحوط موهوا مدخل المؽارة بؤعشاب وحشائش ٌابسة ،إال أن القوات التً دخلت القرٌة وأحرقت بٌوتها ونهبت محتوٌاتها ظلت تبحث عن السكان حتى عثرت على المؽارة وقتلت جمٌع من فٌها ،وكان عددهم 29 ".. 67 امرأة تراوحت أعمارهم بٌن 16و80سنة ،و 38طفال بؤعمار بٌن شهر واحد وخمس سنوات " ..وذلك بمساعدة " جحشك " أشخاص من األكراد كانوا ٌعملون لصالح الحكومة كدلٌل لها فً تلك الفترة ..وفً تركٌا " قرو جً " أما فً سورٌا " عمٌل شرٌؾ ". الكوردي المستطلع كان ٌقول ":كان ذلك سلطة ( تعبٌر دارج ) للداللة على أن الشًء المقصود أخؾ وطؤة وأقل أهمٌة بكثٌر من سواه " فما حدث بعد ذلك أفظع بآالؾ المرات من سابقاتها . وما حدث فٌما بعد هو أن الحمالت العسكرٌة وعملٌات القمع الجماعً ضد األكراد وثورتهم اتسع نطاقها واشتدت ضراوتها ،إال أنها فشلت فً إخماد الثورة الكوردٌة التً كانت قد اندلعت فً أٌلول 1961م ،فاضطر النظام العراقً إلى التفاوض مع قٌادة الثورة الكوردٌة بقٌادة المال مصطفى البارزانً ،والتوقٌع على اتفاقٌة جسدها بٌان 11آذار 1970الذي اعترؾ باألكراد قومٌة رئٌسٌة فً العراق إلى جانب العرب ،وبحقهم فً إقامة حكم ذاتً لهم فً كردستان العراق فً ؼضون أربع سنوات . 31
وخالل السنوات األربع تلك نشطت الحكومة العراقٌة فً محاوالتها لتؽٌر التركٌبة السكانٌة فً المدن والبلدات والقرى التً ٌعٌش فٌها _ إلى جانب األؼلبٌة الكوردٌة فً سكانها _ عرب وتركمان ،وبخاصة مدٌنة كركوك ومحافظتها التً ٌوجد فٌها أهم حقول النفط العراقٌة ،وذلك للحٌلولة دون إلحاقها بمنطقة الحكم الذاتً الكوردي .فبوسائل الترهٌب والترؼٌب جرى تهجٌر معظم السكان األكراد والتركمان من تلك المناطق وإحالل سكان عرب محلهم .وفً الموعد المحدد لتمتع األكراد بالحكم الذاتً رأى األكراد أنه ٌنتقص من حقوقهم التً اتفق علٌها فً آذار ، 1970وأعلن الزعماء األكراد أنهم ٌرفضون القانون ولن ٌسمحوا بتطبٌقه ،فشنت الحكومة حملة عسكرٌة شاملة تعرضت فٌها المئات من القرى والبلدان الكوردٌة إلى التدمٌر .ومع ذلك لم تنجح الحملة فً القضاء على الحركة الكوردٌة المسلحة التً ظلت تسٌطر على معظم كردستان .وقد اعترؾ صدام حسٌن فٌما بعد بؤن الجٌش العراقً تكبد فً تلك الحملة التً استمرت عاما كامال 60ألؾ قتٌل .وفً آذار 1975وقع صدام حسٌن مع شاه إٌران على اتفاقٌة الجزائر التً تنازلت فٌها الحكومة العراقٌة عن حقوق السٌادة فً شط العرب وبعض األراضً العراقٌة مقابل مساعدة الشاه لصدام فً محاصرة الحركة الكوردٌة فً العراق . ووجد الزعماء األكراد أن االستمرار بحركتهم ،بعد ذلك االتفاق ٌ ،قود شعبهم إلى االنتحار ،فؤعلنوا عن إنهاء ثورتهم .واجتاز عدة آالؾ من المقاتلٌن " البٌشمركه " مع عوائلهم الحدود ؼٌر مطمئنٌن إلى العفو الذي أصدرته الحكومة عنهم . وشرع النظام العراقً منذ ذلك الوقت بحملة عسكرٌة كبرى لتؽٌٌر الخارطة السكانٌة لكردستان ،فجرى تدمٌر جمٌع القرى الواقعة على طول الحدود مع إٌران وتركٌا وبعرض 30كم .واعتبر السكن ،وحتى مرور األشخاص ،فً تلك المنطقة محرما ،وصدرت قرارات تبٌح للقوات العسكرٌة القتل الفوري لكل من ٌخالؾ ذلك .وعمدت السلطة العراقٌة إلى هدم وإحراق كل القرى والبلدان فً تلك المناطق و نقل سكانها إلى إلى المجمعات شبه العسكرٌة التً أقٌمت حول المدن الكوردٌة الرئٌسٌة أو بالقرب منها ،أو إلى مخٌمات فً األراضً الصحراوٌة قرب الحدود مع السعودٌة واألردن . 32
كـــــــردي وبندقٌة ..وتشتعل الثورة كــــــــــــردي ..وكٌــــــــــــــــس تبػ حفنـــــــــــــة زبٌــــــب ..وبنـــــدقٌة ثم صـــــــخرة ..ولٌـــــــؤتً العالم كـــــــــــــــــل الـــعـــــــــــــــــــالم هذه القصٌدة الموجزة لعبد هللا كوران " " 1962 _ 1904أحد أكبر شعرائنا الكورد الوطنٌٌن فً هذا العصر ..تلخص حال الكوردي الذي ٌصعب قهره وتطوٌعه ،فلكً ٌثور تكفٌه بندقٌة ،وزبٌب وتبػ " تشتهر بهما كردستان " وصخرة ٌتحصن بها ،لٌواجه سراٌا وأفواجا مدرعة . هكذا فإن الثورة الكوردٌة لم تخمد طوٌال ،إذ عاود البٌشمركه ،بعد عام من توقٌع اتفاق صدام _ الشاه ،نشاطهم السٌاسً _ التعبوي بٌن السكان وعملٌاتهم المسلحة ضد أجهزة القمع الحكومٌة ،وأخذوا ٌستعٌدون تدرٌجٌا ،قسما من مناطق نفوذهم التقلٌدٌة .ورؼم إقدام نظام صدام على شن الحرب على إٌران فً أٌلول ، 1980فإن أعمال التهجٌر والتدمٌر فً كردستان تواصلت ،بل تصاعدت وتٌرتها فً أواسط الثمانٌنٌات عندما امتدت جبهة الحرب إلى كردستان التً صارت مناطقها الشرقٌة مٌدانا لمعارك ضارٌة بٌن القوات العراقٌة والقوات اإلٌرانٌة . مجزرة حلبجة بعد أول استخدام لألسلحة الكٌماوٌة ضد القوات اإلٌرانٌة المهاجمة فً الجنوب ،استعملها النظام العراقً ضد األكراد فً بداٌة العام . 1987وفً ؼضون عام أبٌدت عشرات القرى الكوردٌة بقنابل " السٌانٌد وؼاز الخردل وؼاز األعصاب " .وبلػ استخدام هذه األسلحة المحرمة دولٌا ذروته فً 16 و 17آذار 1988عندما أؼارت الطائرات العراقٌة المحملة بالسالح الكٌماوي على حلبجة ،و هً بلدة كوردٌة كبٌرة تقع قرب الحدود مع إٌران ،فقتل فً الحال آالؾ من مواطنٌها وأصٌب 15ألفا آخرون .والواقع أن الوثائق الموجودة لدى الجبهة الكوردستانٌة والمإٌدة من منظمات حقوق اإلنسان والجمعٌات الطبٌة الدولٌة المحاٌدة ،تشٌر إلى أن النظام العراقً بدأ منذ 15نٌسان 1987 استخداما واسعا لألسلحة الكٌماوٌة ضد القرى الكوردٌة اآلهلة بالسكان المدنٌٌن . 33
ففً ذلك الٌوم قصفت 10قرى فً السلٌمانٌة ،وفً الٌوم التالً قصفت 7قرى فً أربٌل ،بٌنها قرٌة الشٌخ التً قتل فٌها 109من سكانها وأصٌب 281آخرون .واتسعت العملٌات بعد ذلك لتشمل مناطق فً عمق كردستان ،منها فً 23أٌار 1987قرى قومار وكركان وقمر فً محافظة التؤمٌم " كركوك" التً لٌست لها حدود مع إٌران ،وفً 5حزٌران من العام نفسه منطقة العمادٌة الواقعة فً الشمال األوسط قرب الحدود مع تركٌا ،حٌث كانت توجد مواقع " للبٌشمركه " . معاتبة الكورد على العرب فً جلسة مسائٌة مع مجموعة من المثقفٌن الكورد فً مدٌنة السلٌمانٌة كان هناك اتفاق على تهاون العالم ،وبخاصة القوى ،حٌال صدام حسٌن وسٌاسته سبب أول فً الكوارث التً وقعت فً العراق والمنطقة فً السنٌن األخٌرة . قال أحدهم ":لو أن العالم وقؾ فً وجه صدام حسٌن عندما شن الحرب على إٌران وطبق فً حقه قوانٌن األمم المتحدة ،مثلما فعل الحقا إبان احتالل الكوٌت ،ما كان للحرب العراقٌة _ اإلٌرانٌة أن تستمر ثمانٌة أعوام ،وما كان لصدام أن ٌمتلك قوة عسكرٌة ضخمة و ٌستخدمها فً إبادة الشعب الكوردي وؼزو الكوٌت ". وفٌما تكثر أسئلة األكراد عن سر الصمت الذي لزمته الدول العربٌة واإلسالمٌة إزاء إبادة نظام صدام لهم ،فإن المثقفٌن الكورد ٌتحدثون بمرارة عما ٌعتبرونه موقفا ؼٌر مفهوم وؼٌر مبرر للمثقفٌن العرب نحو قضٌة الكورد فً العراق وسٌاسة صدام القاسٌة تجاههم . كان األكراد دائما ٌتطلعون إلى العرب من بٌن كل الشعوب فً المنطقة أكثر من ؼٌرهم ،فواقع التجزئة العربٌة والهم الوحدوي ،خصوصا لدى المثقفٌن العرب ، كانا من المفترض ،أن ٌجعال العرب أكثر تفهما للقضٌة الكوردٌة وأكثر تعاطفا مع نضال شعبنا الكوردي من أجل اإلقرار بحقوقه القومٌة .ال ٌمكننً أن أفهم موقؾ المثقؾ العربً الذي ٌدعم الثورة الفلسطٌنٌة و ٌتضامن مع الزنوج فً جنوب إفرٌقٌا و نامٌبٌا والهنود الحمر فً أمرٌكا وال ٌتخذ الموقؾ نفسه تجاه الشعب الكوردي فً العراق الذي ٌدافع عن حقه فً الوجود ..عن حقه فً حكم ذاتً فً إطار العراق الموحد ..عن حقه فً نظام دٌمقراطً فً العراق .. 34
" ...األنفال " ... بلؽت سٌاسة األرض المحروقة ذروتها ،عندما طبقها نظام صدام حسٌن الذي وقعت فٌه مجزرة حلبجة ..وكانت تلك المجزرة بداٌة حملة واسعة أطلقت علٌها الحكومة العراقٌة رسمٌا " األنفال " التً قادها وأشرؾ علٌها ابن عم صدام ،علً حسن المجٌد ،وزٌر الدفاع فً العراق الذي عٌن فً ذلك الوقت حاكما عسكرٌا لكردستان بصالحٌات واسعة للؽاٌة ..وانطلقت عملٌات األنفال من قرى محافظة كركوك التً هاجمتها فً آذار ونٌسان من ذلك العام فرق عسكرٌة بكامل عدتها من المدفعٌة والدبابات ،تساندها الطائرات الحربٌة . وباإلضافة إلى األسلحة التقلٌدٌة ،استخدمت فً تلك العملٌات األسلحة الكٌماوٌة . وحتى اآلن ٌرتجؾ هلعا الناجون من تلك العملٌات عندما ٌتحدثون عما رافقها من اؼتصاب للنساء وتعذٌب للمعتقلٌن و نهب وسلب لممتلكات سكان القرى ، وعملٌات إعدام بالجملة لألطفال والشٌوخ والنساء والرجال ،و نقل الباقٌٌن إلى أعماق الصحراء .وتفٌد وثائق الجبهة الكردستانٌة أنه فً محافظتً كركوك والسلٌمانٌة تم فً ذلك الوقت القصٌر حرق وتدمٌر قرٌة وتشرٌد 40ألؾ عائلة واعتقال أكثر من 25ألفا من السكان ،بٌنهم 13ألؾ امرأة وأكثر من 4500 طفل وأكثر من 7600رجل .وتتضمن وثائق الجبهة الكوردستانٌة ،وبٌنها ثالث مذكرات موجهة إلى منظمة األمم المتحدة والدول الخمس دائمة العضوٌة فً مجلس األمن الدولً والرأي العام العالمً ،قوائم تفصٌلٌة بؤسماء أكثر من 450قرٌة أحرقت و هدمت فً تلك الحملة فً محافظتً دهوك و نٌنوى وحدهما ،بٌنها تعرضت للقصؾ باألسلحة الكٌماوٌة .وباإلضافة إلى الذٌن فروا إلى تركٌا فإن أكثر من 32ألؾ مواطن كوردي وقعوا فً أسر القوات العراقٌة التً نقلتهم إلى معسكرات اعتقال بعٌدة عن مناطق سكنهم التقلٌدٌة . جبال بال قرى ؼالبا ما ٌعرض مسإولو الجبهة الكوردستانٌة على الزائرٌن األجانب ،من صحفٌٌن ومندوبً منظمات اإلؼاثة ،قوائم باألسماء والعناوٌن والخرائط لنحو 4500قرٌة وبلدة كوردٌة تدمرت تماما فً ؼضون أقل من ربع قرن ،ومعظم هذا التدمٌر حدث فً الثالث عشرة سنة األخٌرة التً أصبح فٌها صدام حسٌن 35 حاكما للعراق .ولٌس صعبا على زائر كردستان أن ٌتحقق من هذه المعلومات .
وكان هذا ألسباب عسكرٌة محضة ،ؼاٌتها تسهٌل نقل القوات البرٌة ومعداتها و نشرها على الجبال وفً الودٌان والسهول لقمع الثوار األكراد وإحكام السٌطرة على المنطقة .ومن دون استثناء فإن كل هذه الطرق تحمل العالمات الدالة على ما تعرض له الشعب الكوردي من إبادة شنٌعة .فعلى جانبً كل واحدة من هذه الطرق ،وبعضها ٌمتد إلى مسافة مئات الكٌلو مترات ٌ ،لمح السائر علٌها آثار القرى والبلدان المدمرة ..أكواما من الحجارة أو صخورا متناثرة ،بدت وكؤنها بقاٌا لمقابر قدٌمة مهجورة منذ قرون . تحذٌر الكورد من العودة .. وحظرت الحكومة على المهجرٌن األكراد العودة إلى قراهم تحت طائلة القتل الفوري ،فالرٌؾ الكوردستانً ،فً معظمه ،أعلن منطقة عسكرٌة محظورة . وقد استولى األكراد ،خالل انتفاضتهم فً آذار من عام ، 1991على وثائق رسمٌة سرٌة تإكد إعدام اآلالؾ من الفالحٌن الذٌن خرقوا _ دون قصد فً الؽالب _ قرارات حظر التجوال فً المناطق المحرمة .والكثٌر من هذه المناطق جرى بث األلؽام فٌها .وستالحظ عندما تسٌر بجانب الطرق العامة وعلى ضفاؾ األنهار هناك أشخاص ٌحذرونك من االبتعاد عن حافتها ،ألنك تستطٌع رإٌة األلؽام المزروعة بسهولة فً حقول تمتد مع الطرق العامة .. وزٌادة فً إجراءاته لمنع عودة الحٌاة إلى الرٌؾ الكوردستانً ،عمد نظام صدام إلى إشعال الحرائق ،بصورة منتظمة ،فً الؽابات الطبٌعٌة والبساتٌن والحقول والمراعً .كان ٌقول أحد الكورد فً التسعٌنات " :فً كل عام وفور انتهاء موسم األمطار فً نهاٌة الربٌع كانت القوات الحكومٌة تبدأ بإشعال النٌران فً مناطق كثٌرة ..وال تتوقؾ هذه العملٌة إال مع حلول موسم األمطار التالً فً أواسط الخرٌؾ ..كما أن طائرات هلٌوكوبتر وقوات المشاة ،فً بعض الحاالت كانت تقوم بإلقاء السموم على البساتٌن والٌنابٌع ". وأوضح أن الهدؾ الرئٌسً لهذه العملٌة المتكررة سنوٌا كان منع الفالحٌن األكراد من العودة إلى مناطقهم السابقة ،وحرمان الثوار " البٌشمركة " من التخفً فً الؽابات والجبال واالستفادة من ثمار أشجارها كؽذاء لهم . مجهولو المصٌر 182ألفا ال أحد ٌعرؾ بالضبط عدد ضحاٌا تلك العملٌات والتقدٌرات تتراوح بٌن بضع 36 مئات اآلالؾ وعدة مئات اآلالؾ .
قال مسإول كوردي عندما سئل إذا كان ٌعرؾ العدد النهائً للضحاٌا :نحتاج إلى وقت طوٌل نسبٌا لمعرفة العدد :فكردستان ظلت خصوصا فً الخمس عشرة سنة قبل التسعٌنات شبه معزولة عن العالم وعن باقً أنحاء العراق أٌضا .وكل ما كانت تقوم به السلطة جرى بسرٌة كاملة " ..اإلعدامات الجماعٌة _ التدمٌر _ القصؾ باألسلحة الكٌماوٌة " حتى الحكومة ال تعرؾ العدد النهائً لضحاٌاها ،فكثٌرا ما جرت عملٌات اإلعدام واإلبادة دون إحصاء دقٌق لمن ماتوا ومن ظلوا على قٌد الحٌاة . واستطرد المسإول الكوردي قائال _ :هذه واحدة من القضاٌا الكبٌرة التً تإرقنا وتشؽلنا .ففً كل ٌوم ٌؤتً العشرات إلى مقرات الجبهة الكوردستانٌة وأحزابها ٌسؤلون عن مصٌر أهل وأقارب ومعارؾ لهم فقدوا منذ زمن طوٌل . وكشؾ هذا المسإول أن وفد قٌادة الجبهة الكوردستانٌة الذي زار بؽداد عدة مرات فً عام 1992إلجراء مفاوضات مع الحكومة طالب المسإولون فً النظام العراقً بالكشؾ عن مصٌر 182ألؾ مواطن كوردي اعتقلتهم السلطة ولم ٌظهر لهم أي أثر حتى اآلن ،فكان جواب علً حسن المجٌد الذي كان وزٌرا للداخلٌة فً تلك الفترة أن العدد فً حدود 100ألؾ ،وأن " المعتقلٌن سٌطلق سراحهم ،والموتى ٌرحمهم هللا " ! كما أن الؽالبٌة العظمى من مجهولً المصٌر قد قتلوا فرادى أو جماعات . ولهذا االعتقاد ما ٌبرره .فعلى كثرة السجون والمعتقالت فً العراق ،لٌس من المعقول أن تكون هناك سجون تستوعب كل هذا العدد الهائل من البشر ..وفً كل شهر ٌكتشؾ األكراد مقبرة جماعٌة سرٌة ،أو أكثر ،فً مناطق مختلفة من بالدهم ،وهً تضم رفات العشرات ،وأحٌانا المئات ،من الذٌن أعدموا جماعٌة . و ٌتوقع المسإولون األكراد أن ٌجري اكتشاؾ مقابر أخرى فً المستقبل ،عدا المقابر المماثلة التً ٌمكن أن تتواجد فً المناطق الصحراوٌة من العراق .
37
المحنة الكوردٌة مستمرة لم تنته محنتهم لفترة ،رؼم أن الحكومة العراقٌة فقدت تماما سٌطرتها على معظم المنطقة الكوردٌة منذ عام . 1991ففً تشرٌن األول من نفس العام فرض نظام صدام حصارا محكما على كردستان ،وقامت قوات الحرس الجمهوري التً كان ٌعتمد علٌها حاكم بؽداد فً حماٌة سلطته ،بقطع كل الطرق التً تربط كوردستان بسائر أنحاء العراق .وكانت تحظر تورٌد أي شٌئ إلى المناطق المحررة من كردستان ،بما فً ذلك األؼذٌة واألدوٌة والنفط والبنزٌن .وقد ضاعفت هذه اإلجراءات من المعاناة المعٌشٌة التً ٌكابدها األكراد .فالسلع األساسٌة أصبحت نادرة ،وإذا ما توافرت بمقادٌر محدودة _ ؼالبا عبر استٌرادها من إٌران و تركٌا _ فتباع بؤسعار خٌالٌة ،خصوصا أن قٌمة الدٌنار العراقً تدهورت كثٌرا منذ اجتٌاح الكوٌت واحتاللها .و ٌضاؾ إلى هذا كله أن الحكومة أعلنت _ بالترافق مع فرض الحصار _ عن وقؾ العمل فً الدوائر الحكومٌة والمإسسات العامة فً كردستان ،وأوقفت صرؾ الرواتب للوظفٌن والعمال .والهدؾ من هذه اإلجراءات إرؼام الجبهة الكوردستانٌة على القبول بمشروع الحكم الذاتً الكوردي الذي اقترحته الحكومة على الزعماء األكراد فً أثناء المفاوضات معهم ،و هو مشروع رفضته الجبهة ،ألنه ال ٌحقق مطامحهم فً حكم ذاتً حقٌقً ،ذلك ألنه ال ٌعترؾ بكوردٌة عدة مدن وبلدان كوردٌة، بٌنها مدٌنة كركوك التً ٌوجد على مشارفها أهم حقول النفط ،كما أن المشروع ٌسعى إلى االحتفاظ بدور مقرر للسلطة المركزٌة فً الشإون العامة للمنطقة الكوردٌة ٌ ،فوق دور السلطة الكوردٌة الذاتٌة .فضال عن أن المشروع الحكومً ال ٌقترن بمشروع إلقامة نظام حكم ذاتً دٌمقراطً فً العراق على الممارسة البرلمانٌة والتعددٌة السٌاسٌة والحزبٌة .و ٌعتبر الزعماء األكراد أن الحكم الذاتً الكوردي سٌكون بال معنى ومجرد حبر على ورق ما لم ٌكن مضمونا بحكم دٌمقراطً للعراق كله " ،فالتجربة علمتنا أن ما تعطٌه الدكتاتورٌة الٌوم تسترده ؼدا ،و هذا ما ٌنطبق على دكتاتورٌة صدام حسٌن أكثر من ؼٌرها " كما قال أحد زعماء الكورد . 38
....نصف ملٌون نازح .... ومن األوجه األخرى للمحنة المستمرة حتى اآلن ،وجود نحو نصؾ ملٌون من األكراد " عددهم كان ٌتراوح بٌن 4و 4.5ملٌون نسمة " ٌعٌشون بال مؤوى فً مخٌمات أقامتها منظمات اإلؼاثة الدولٌة وفً بٌوت مإقتة بنٌت من أؼصان األشجار وأكٌاس الناٌلون . و هإالء هم سكان المدن والقرى المهدمة ،وبعضهم جاء من المدن والبلدان التً سٌطرت علٌها القوات الحكومٌة والتً قامت بطردهم وإسكان مواطنٌن عرب محلهم فً إطار سٌاسة النظام العراقً السابق لتؽٌٌر الطبٌعة الدٌموؼرافٌة للمناطق الكوردٌة التً كانت تحت سٌطرته لتبرٌر عدم إلحاقها بمنطقة الحكم الذاتً الكوردي . وواجه سكان المخٌمات الكوردٌة ظروفا حٌاتٌة بالؽة السوء ،فعدا النقص الكبٌر فً األؼذٌة واألدوٌة التً توفر منظمات اإلؼاثة كمٌات محدودة منها ، وكذلك الكهرباء ومٌاه الشرب والبرد ،فٌما ال تفً األدوٌة والطواقم الطبٌة بالحاجة .وكان المرض الشائع فً تلك الفترة " مرض الدوسنتارٌا " .
حلبجة " هٌروشٌما الصغرى " المدن والبلدان الكوردٌة المدمرة كثٌرة ومن الصعب أن نتحدث عن كلها ، حٌث لكل واحدة منها قصة طوٌلة بتفاصٌل متشعبة .وقد اخترنا اثنتٌن التً تعرضت لزلزال صدام حسٌن الرهٌب ..حلبجة و قلعة دزة ... تقع حلبجة على بعد 80كم من مدٌنة السلٌمانٌة إلى الجنوب الشرقً منها ، وال تبعد عن خط الحدود مع إٌران سوى بضع كٌلومترات .وتقوم على طرؾ سهل شهرزور الشهٌر الذي ٌعتبر من أكبر سهول كردستان وأخصبها وأكثر إنتاجا فً الحبوب والفواكه والخضار ...كان هذا فً الماضً ..فقد تحول السهل إلى مجرد مراع طبٌعٌة محرم على األكراد حتى رعً مواشٌهم فٌه ،فكل البلدان والقرى فً هذا السهل جرى تدمٌرها .وكانت حلبجة آخر الحواضر فً هذا السهل التً شملتها عملٌات التدمٌر واإلبادة .وحالٌا تستعٌد حٌوٌتها الزراعٌة بشكل بطٌئ بسبب فقدان طاقاتها الحٌوٌة بسرعة كبٌرة من قصؾ كٌماوٌة وتخرٌب. 39
كانت قبل قصفها باألسلحة الكٌماوٌة فً آذار 1988موطنا ألربعٌن ألفا من السكان ،و هً مركز قضاء تتبعه عدة نواح وعشرات القرى ،كان ٌعٌش فٌها نحو 60ألؾ نسمة . وبالقارنة مع البلدان الواقعة على الطرٌق بٌن السلٌمانٌة وحلبجة " بنكورد ،سٌد صادق ،سٌروان " بدت حلبجة أفضل حاال نسبٌا ،فقد ظلت بعض بٌوت المدٌنة سلٌمة ،فٌما تحولت تلك البلدان ،فضال عن القرى ،إلى أكوام من الحجارة الصؽٌرة ،و سوٌت مع األرض .استخدم صدام حسٌن السالح الكٌماوي إلبادة سكان المدٌنة التً تبدو الطبٌعة المحٌطة بها خالبة للؽاٌة . حٌث أن الهجوم تم على مرحلتٌن ،ففً 16آذار 1988ألقت الطائرات قنابل عادٌة وقنابل النابالم المحرقة ،و فً الٌوم التالً فعلت نفس الشٌئ ،حتى الذ السكان بالمالجئ جاءت طائرات وألقت القنابل الكٌماوٌة المعبؤة بؽاز الخردل وؼاز األعصاب ،فمات الكثٌرون خنقا . و ٌعانً المئات حتى اآلن من آثار التعرض للؽازات السامة ،إذ ٌتعرضون من آن إلى آخر إلى نوبات من االنهٌار واالضطراب العصبً .و ٌقول أحد األطباء إن معظم الناجٌن من الكارثة ستالزمهم هذه الحالة لمدة طوٌلة ،وأن بعضهم سٌموت فً وقت أقصر .تذكر حلبجة الكوردٌة العراقٌة بمدٌنتً هٌروشٌما و ناكازاكً الٌابانٌتٌن اللتٌن قصفتا بالقنابل النووٌة ..ولهذا فإن السكان أطلقوا على مدٌنتهم " هٌروشٌما الصؽرى " أو " جلٌشٌما ". قلعة دزة ..أو قالدزة .. تقع فً االتجاه المعاكس ..إلى الشمال الؽربً من السلٌمانٌة ..والطرٌق إلٌها أطول من طرٌق حلبجة ..وهً ملتوٌة ومتعرجة كثٌرا ،وتمر بالمرتفعات الجبلٌة المطلة على بحٌرة و سد دوكان قبل أن تنحدر إلى سهل بشدر الواسع الذي تقوم قلعة دزة عند طرفه الشرقً .
40
وال بد أن قلعة دزة التً عاش فٌها إلى ما قبل أربع سنوات 60ألؾ نسمة ، كانت أكثر المدن الكوردٌة جماال ،ترتفع إلى شرقها سلسلة من الجبال العالٌة ، أشهرها جبل "قندٌل" الذي تظل الثلوج تكلل قممه معظم أٌام السنة ..أما سهل " بشدر" الذي تخترقه مجموعة من األنهار والبحٌرات فٌظهر مثل سجادة هائلة االتساع ،دائمة الخضرة . قلعة دزة نفسها كانت مدٌنة دائمة الخضرة وضاجة بالحٌاة ،وكانت مركزا تجارٌا مهما ،و تحولت فً أواسط عقد السبعٌنٌات إلى المركز السٌاسً والثقافً والعلمً األول فً كردستان ،عندما شرعت الحكومة العسكرٌة بحملتها الكبرى على األكراد 1974اضطرت قٌادة الثورة الكوردٌة إلى نقل مقراتها إلى هذه المدٌنة التً انتقلت إلٌها أٌضا جامعة السلٌمانٌة بكلٌاتها ومعاهدها .ولهذا السبب تعرضت فً ذلك الوقت إلى عدة هجمات من الطائرات العراقٌة ،أدت إلى قتل وإصابة المئات من السكان الذٌن فروا منها باتجاه إٌران ،وإلى عام 1988كانت قلعة دزة بال حٌاة .ففً نٌسان 1988قامت الحكومة العراقٌة بتهجٌر كل سكانها إلى المدن الكوردٌة األخرى وإلى المجمعات شبه العسكرٌة ،و هدمت بٌوتهم واحدا واحدا بالدٌنامٌت والجرافات ،وأعلنت المدٌنة وكل المنطقة المحٌطة بها منطقة محرمة ..و ٌومها لم ٌبق فً المدٌنة بٌت واحد سلٌما ..حتى مبانً المإسسات العامة والمدارس ،بل والجوامع أٌضا تعرضت للتدمٌر الكامل .
ولدة جدٌدة لكوردستان
..
وسط هذا الخراب العظٌم تنبعث الحٌاة من جدٌد ..فمئات اآلالؾ من الكورد الذٌن نزحوا إلى ما وراء الحدود أو إلى أعالً الجبال أو أخذوا عنوة إلى المجمعات القسرٌة شبه العسكرٌة ٌ ،عودون تدرٌجٌا إلى مدنهم وبلدانهم وقراهم ٌ ...جاهدون بمشقة من إعادة بناء بٌوتهم ومواصلة العمل فً مزارعهم . وقد أتٌح لهم هذا بعد أن أصدر مجلس األمن الدولً قرارا بعد فترة من األحداث بجعل المنطقة الواقعة إلى الشمال من خط العرض 36درجة منطقة مالذات آمنة لألكراد ،وبعد أن أرؼمت قوات صدام حسٌن على االنسحاب إلى الجنوب من هذا الخط عقب سلسلة من المعارك مع البٌشمركة الذٌن دحروا القوات الحكومٌة ودفعوا إلى التخوم الفاصلة بٌن الجزأٌن العربً والكوردي من العراق . 41
بٌد أن الوالدة الجدٌدة للمدن والقرى الكوردٌة مازالت تتعسر ،فالحصار الحكومً ،وانهٌار االقتصاد العراقً ،وشحة الموارد المالٌة للجبهة الكوردستانٌة ، ومحدودٌة الدعم القادم من الدول األجنبٌة ومنظمات اإلؼاثة ،تلعب كلها دورا كبٌرا فً جعل حركة إعادة اإلعمار بطٌئة .فً حلبجة وقلعة دزة ومدن أخرى الناس كانوا ٌجمعون الحجارة القدٌمة لبٌوتهم ،و ٌعٌدون رصفها ،باإلستعانة بالطٌن ،لكً ٌقٌموا أربعة جدران وسقفا لكل عائلة .مثل طائر الفٌنٌق " العنقاء " الذي تقول األسطورة إنه ٌعود إلى الحٌاة فور أن ٌموت ،منبعثا من رماده ، وتعود مدن األكراد وقراهم إلى الحٌاة ،بعد أن ابتعد عنهم ذلك الشبح " صدام حسٌن " .إرادة الشعوب بصمودها ،فال ٌستطٌع شخص مهما بلػ قوته الحدود أن تكسر هذه اإلرادة ،لكن ! من الحري بالشعوب أن تخلو من " العمٌل والقروجً والجحشك " . ٌقول الشاعر " شٌركو بٌكه س " فً قصٌدته " األكراد وكردستان " ذات ٌوم .. ولدت األرض بركانا .. ومن البركان ولدت كردستان .. وكردستان خلفت ابنها "آرارات" ... ومن آرارات ولد الكورد ... ومن الكورد ولد توأمان " القهر والتحدي " و شٌركو من أكثر الشعراء العراقٌٌن المعاصرٌن شهرة ٌ ..ذكر التارٌخ أن الكورد جاء ذكرهم فً األلواح السومرٌة باعتبارهم " كوتو" أو " كوتً " الذٌن سماهم اآلشورٌون ،فٌما بعد ،بال " كرتً " و هم ٌنتمون إلى مجموعة الشعوب اآلرٌة . وفٌما ٌعتقد بعض المإرخٌن أن األكراد جاإوا من شرق آسٌا ٌ ،رى آخرون أنهم السكان األصلٌون لجبال آسٌا الصؽرى . وكردستان تعنً بالد الكورد ،كؤفؽانستان وباكستان . .....وهً تنقسم بٌن تركٌا والعراق وإٌران مع نتوءات فً سورٌا وأرمٌنٌا ،فٌما ٌوجد أكراد فً لبنان وأفؽانستان بؤعداد قلٌلة . 42
تتراوح التقدٌرات بشؤن عدد األكراد بٌن 25و 33ملٌون " حوالً 5ملٌون فً العراق وبشؤن مساحة كردستان بٌن 410و 450ألؾ كٌلو مترمربع " منها 80ألؾ فً العراق " . اللؽة الكوردٌة مستقلة عن لؽات الشعوب المجاورة " العربٌة والفارسٌة والتركٌة " ،وفٌها لهجات عدة وتكتب بالحروؾ العربٌة فً العراق ،وٌقال أن كمال أتاتورك الذي أحل الحروؾ الالتٌنٌة المسروقة من الكوردٌة محل الحروؾ العربٌة فً كتابة اللؽة الكوردٌة فً عشرٌنٌات هذا القرن ،جعل أكراد تركٌا ٌستخدمون هذه الحروؾ الالتٌنٌة فً الكتابة بلؽتهم وهذا عار عن الصحة ألن الحروؾ الالتٌنٌة من أدباء الكورد ولٌس الترك .وهناك من ٌقال بؤن الكتابة الكوردٌة األفضل من حٌث التعبٌر اللفظً والنطق الصحٌح لبعض األحرؾ هً التٌنٌة ..
صورة تخٌلٌة ” زرادشت ”
بٌت النار فً مدٌنة ٌزد الٌرانٌة المصادر ... سكان ( دوكان و وقرى بٌن سلٌمانٌة وهولٌر .وأهل شنكال) -مجالت عالمٌة -مجلة العربً -صفحات التواصل االجتماعً .... مالحظة :ال نقصد االساءة ألحد ..فقط لتعرٌؾ الكورد ببعض عاداتنا وتقالٌدنا . 43