السياسة الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي لـ منصور حسن العتيبي

Page 1


‫ال�س ـ ـ ــيا�سة ا إليـ ـ ــرانيـة‬

‫جتاه دول جمل�س التعـاون اخللي ــجي‬ ‫(‪)2000 -1979‬‬

‫من�صور ح�سن العتيبي‬

‫مركز اخلليج أ‬ ‫للبحاث‬


‫مــركـز اخل ــليـج أ‬ ‫للبح ــاث‬ ‫‪ 187‬برج عود ميثاء‪ ،‬الطابق ‪11‬‬ ‫‪� 303‬شارع ال�شيخ را�شد‬ ‫�ص‪.‬ب‪80758 .‬‬ ‫دبي ـ ا إلمارات العربية املتحدة‬ ‫هاتف‪+ 971 4 3247770 :‬‬ ‫فاك�س‪+ 971 4 3247771 :‬‬ ‫بريد �إلكرتوين‪info@grc.ae :‬‬ ‫موقع ا إلنرتنت‪www.grc.ae :‬‬

‫الطبعة أالوىل ‪2008‬‬ ‫�صدرت عن مركز اخلليج أ‬ ‫للبحاث‬ ‫دبي ـ دولة ا إلمارات العربية املتحدة‬ ‫© مركز اخلليج أ‬ ‫للبحاث ‪2008‬‬ ‫جميع احلقوق حمفوظة ملركز اخلليج أ‬ ‫للبحاث‪ .‬ال يجوز �إعادة طباعة أ�ي جزء من هذا الكتاب أ�و تخزينه‬ ‫بوا�سطة أ�ي نظام ي�ستخدم ال�سرتجاع املواد ا إللكرتونية‪ ،‬أ�و �إعادة �إنتاج هذا الكتاب أ�و أ�ي جزء منه ب أ�ي و�سيلة‬ ‫من الو�سائل ا إللكرتونية أ�و ا آللية أ�و الت�صويرية أ�و الت�سجيلية أ�و غريها من الو�سائل املتاحة‪ ،‬من دون احل�صول‬ ‫على �إذن خطي م�سبق من مركز اخلليج أ‬ ‫للبحاث‪.‬‬ ‫الرقم العاملي املت�سل�سل للكتاب‬

‫‪ISBN: 9948 424 72 7‬‬

‫وجهات النظر الواردة يف هذا الكتاب تعرب عن �آراء امل ؤ�لف‪ ،‬وال تعرب بال�ضرورة عن وجهة نظر مركز اخلليج أ‬ ‫للبحاث‪.‬‬


‫�إنّ مركز اخلليج أ‬ ‫للبحاث بقيامه بن�شر هذا الكتاب‬ ‫لي�سعى �إىل ا إل�سهام يف زيادة معرفة القارئ العربي‬ ‫وثقافته �إميان ًا منه ب أ�نّ املعرفة حق للجميع‪.‬‬

‫عبد العزيز بن عثمان بن �صقر‬ ‫رئي�س مركز اخلليج أ‬ ‫للبحاث‬


‫نبذة عن مركز اخلليج أ‬ ‫للبحاث‬

‫هو م ؤ��س�سة بحثية م�ستقلة‪ ،‬مقرها دبي يف دولة ا إلمارات‬ ‫العربية املتحدة‪ ،‬ت أ��س�س يف يوليو عام ‪ ،2000‬مببادرة من رجل‬ ‫أالعمال ال�سعودي عبد العزيز بن عثمان بن �صقر‪� ،‬إدراك ًا منه‬ ‫‪i_m(#ÆA k‬‬ ‫ألهمية �إجناز أ�بحاث أ�كادميية حول أ�هم الق�ضايا اخلليجية‬ ‫‪ (_}A' !_g B /‬يف ظل التحوالت ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية احلادة‬ ‫‪s{4'1 q {xA‬‬ ‫واملت�سارعة التي ت�شهدها منطقة اخلليج‪ ،‬وذلك بهدف �إ�شاعة‬ ‫ ‬ ‫أ‬ ‫'‪ )smd A' c (u A' f‬املعرفة على �و�سع نطاق‪.‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫‪ TBMFT! HSD BF ¡C‬‬ ‫‪ XXX HSD BF e‬للتحديات والفر�ص امل�ستقبلية التي تواجهها املنطقة‪.‬‬

‫ويقدم املركز اخلدمات التعليمية واال�ست�شارات املتخ�ص�صة‬ ‫حول منطقة اخلليج‪ .‬كما ي�سعى �إىل �صياغة فهم أ�و�ضح و أ�عمق‬

‫ ‪ uG_ G‬‬ ‫‪i_m(#ÆA k pA' v@uB‬‬ ‫‪)smd A' c (u A' f‬‬

‫‪ i_m(#ÆA k pA‬‬ ‫ ‪ E#' Gvp* E#' B !v, ¢#' E#' 1's{5%­' 'tD u{xC )/_9%_( n {wG L ­ i_m(#ÆA k pA' v@u A c8 mB‬‬ ‫(_‪ ¡dA' E#' c>Eu A' &_{3 A' B ¢#' c}{3' ( E#' c j{w* E#' cGuG {y* E#' c A"' E#' c CEud A%' eC_@ c {3E E#' {4 ¢#‬‬ ‫>¡ '‪ i_m(#ÆA k pA' v@uB B `{wB ¡}. 0%' 9 {ymA' E/ B ` d{w A‬‬

‫ ¡ '‪ *4#/ b_d A {w {wd A‬‬

‫ ‪ k pA' v@uB u C c ,E 9 )1Eu{zA_( u` * ­E @1_{x A' !'1"' 9 u` * 1's{5%­' 'tD ¡> )/1' ==A' u‬‬


‫املحتويات‬

‫‪i_m(#ÆA k pA' v@uB‬‬ ‫ (‪ (_}A' !_g B / 9 lu‬‬ ‫ ‪s{4'1 q {xA' 1_{4‬‬ ‫‪1................................................................................‬‬ ‫مقدمــة‬ ‫‪ b |5‬‬ ‫‪)smd A' c (u A' f'1_B%­' = ¡(/‬‬ ‫‪ *_D‬‬ ‫‪.‬الفصل األول‬ ‫>_@‪ |w‬‬ ‫ ‪ TBMFT! HSD BF‬‬ ‫النظام(‪ ¡CEud A' sGu‬‬ ‫اخلليجي‪14...............................................................‬‬ ‫اإلقليمي‬ ‫‪XXX HSD BF eCudC­' ? B‬‬

‫أو ً‬ ‫ال‪ :‬مفهـوم النظـام اإلقليمـي وعالقته بالنظام الدويل ‪15...........................‬‬

‫اإلقليمي اخلليجي ‪27...................................................‬‬ ‫'‪ ­:' c `}A‬النظام‬ ‫ثاني ًا‬ ‫‪ uG_ G AE#‬‬

‫‪i_m(#ÆA k pA' v@uB 9 f1s{5‬‬ ‫‪)smd A' c (u A' f'1_B%‬‬ ‫‪' cAE/‬‬ ‫الدور اإلقليمي‪34......................................................‬‬ ‫ثالث­ ًَا‪ :‬مفهوم‬

‫ ‪ i_m(#ÆA k pA' v@uB ª‬‬ ‫اخلليجي‪40.................................‬‬ ‫القوة يف النظام اإلقليمي‬ ‫رابع ًا‪ :‬إمكانات‬ ‫‪ E#' Gvp* E#' B !v, ¢#' E#' 1's{5%­' 'tD u{xC )/_9%_( n {wG ­ i_m(#ÆA k pA' v@u A c8 mB mA' ,‬‬ ‫‪L‬‬ ‫'‪ ¡dA' E#' c>Eu A' &_{3 A' B ¢#' c}{3' ( E#' c j{w* E#' cGuG {y* E#' c A"' E#' c CEud A%' eC_@ c {3E E#' {4 ¢#_( 9_,ud{3‬‬ ‫‪ i_m(#ÆA k pA' v@uB B `{wB ¡}. 0%' 9 {ymA' E/ B ` d{w A' ¡> ismd{wd{3‬‬

‫‪.‬الفصل الثاين‬

‫حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة ‪55.............................................‬‬ ‫'‪ *4#/ b_d A {w {wd A' ¡ A_ A' ?uA‬‬

‫‪ k pA' v@uB u C c ,E 9 )1Eu{zA_( u` * ­E @1_{x A' !'1"' 9 u` * 1's{5%­' 'tD ¡> )/1' ==A' u A' f_ ,E‬‬

‫‪ÆA‬أو ً‬ ‫‪ : i_m(#‬املنظور التارخيي للسياسة اإليرانية يف اخلليج ‪56................................‬‬ ‫ال‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املحددات النابعة من البيئة الدولية اإلقليمية‪64.................................‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املحددات النابعة من البيئة الدولية العاملية ‪79...................................‬‬ ‫‪.‬الفصل الثالث‬

‫عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانيـة ‪92................................................‬‬ ‫أو ً‬ ‫ال‪ :‬دور األيديولوجيا يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية‪93.................‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬دور القيادة يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية‪99........................‬‬


‫ثالث ًا‪ :‬دور املصلحة القومية يف السياسة اخلارجية اإليرانية‪107........................‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬أدوات تنفيذ السياسة اخلارجية اإليرانية يف اخلليج ‪111........................‬‬

‫‪.‬الفصل الرابع‬

‫السياسة اإليرانية خالل اجلمهورية األوىل (‪123......................... )1989 - 1979‬‬ ‫أو ً‬ ‫ال‪ :‬األيديولوجيا اإليرانية ‪124....................................................‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬النفوذ والبحث عن دور إقليمي‪131...........................................‬‬

‫ثالث ًَا‪ :‬قضايا احلــــدود‪138.........................................................‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬قضايا األمن والتس ّلح ‪144...................................................‬‬ ‫خامس ًا‪ :‬قضايا التعاون اإلقليمي‪151................................................‬‬

‫‪.‬الفصل اخلامس‬

‫السياسة اإليرانية خالل اجلمهورية الثانية (‪158..........................)1997 - 1989‬‬ ‫أو ً‬ ‫ال‪ :‬األيديولوجيا اإليرانية ‪159....................................................‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬النفوذ والبحث عن دور إقليمي‪166...........................................‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬قضايا احلـــــدود‪174........................................................‬‬

‫رابع ًا‪ :‬قضايا األمن والتسلح ‪181...................................................‬‬ ‫خامس ًا‪ :‬قضايا التعاون اإلقليمي‪189................................................‬‬


‫‪.‬الفصل السادس‬

‫السياسة اإليرانية خالل اجلمهورية الثالثة (‪197..........................)2000 - 1997‬‬ ‫أو ً‬ ‫ال‪ :‬األيديولوجيا اإليرانية ‪198....................................................‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬النفوذ والبحث عن دور إقلـيمي‪224..........................................‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬قضايا احلدود ‪237............................................................‬‬

‫رابع ًا‪ :‬قضايا األمن والتسلح ‪250...................................................‬‬ ‫خامس ًا‪ :‬قضايا التعاون اإلقليمي‪260................................................‬‬

‫خاتـمة‪278..............................................................................‬‬ ‫املراجع‪290..............................................................................‬‬


‫مقدمــة‬ ‫تتضمن مقدمة الدراسة عدد ًا من النقاط‪ :‬أمهية موضوع الدراسة‪ ،‬املشكلة البحثية‪،‬‬

‫فرضيات الدراسة وتساؤالهتا‪ ،‬منهجية الدراسة ووسائل مجع البيانات وحتليلها‪ ،‬اإلطار‬ ‫الزمني للدراسة‪ ،‬األدبيات السابقة‪ ،‬تقسيم الدراسة‪ ،‬وذلك عىل النحو التايل‪:‬‬

‫أمهية موضوع الدراسة‬

‫تنبع أمهية الدراسة من نقاط عدة‪ ،‬كام ييل‪:‬‬ ‫‪ -١‬االهتامم الذايت للباحث باعتباره أحد أبناء دولة الكويت اخلليجية التي تتأثر كثري ًا‬

‫بام تتخذه إيران من سياسات جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬والتي كانت وال‬ ‫تزال بؤرة من بؤر الرصاع يف منطقة اخلليج منذ الغزو العراقي يف آب‪/‬أغسطس ‪.1990‬‬

‫‪ -٢‬إن إيران دولة إقليمية كربى‪ ،‬وهي إحدى ركائز التوازن االسرتاتيجي واألمني‬

‫يف منطقة اخلليج‪ ،‬وبالتايل ترتبط دراسة سياستها اخلارجية جتاه دول تلك املنطقة إىل حد‬

‫كبري بمعادالت التوازن االسرتاتيجي واألمني هناك‪ ،‬األمر الذي يعطي أمهية اسرتاتيجية‬

‫للموضوع‪.‬‬

‫‪ -٣‬هناك أمهية أكاديمية؛ حيث يأمل الباحث أن متثل تلك الدراسة إضافة للمكتبة‬

‫العربية واخلليجية يف ما يتعلق بدراسات السياسات اخلارجية واإلقليمية بشكل خاص‪،‬‬

‫والدراسات اخلليجية بشكل عام‪.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫ ‬


‫مقدمة‬

‫املشكلة البحثية‬

‫إن البحث يف السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية‬

‫هو ‪ -‬يف جزء كبري منه ‪ -‬بحث يف العالقات اإليرانية ‪ -‬العربية يف منطقة اخلليج‪ ،‬فإيران دولة‬ ‫إقليمية كربى يف منطقة ذات أمهية دولية؛ سواء من الناحيتني اجليوبولتيكية والتارخيية أم من‬

‫النواحي السياسية واالقتصادية‪ ،‬وتعترب ركيزة أساسية من ركائز التوازن االسرتاتيجي الدويل‪،‬‬ ‫وهي منطقة خصبة وجمال مفتوح للرصاعات اإلقليمية والدولية‪ ،‬إىل جانب الرصاعات‬ ‫الداخلية عىل حد سواء‪ ،‬وكانت‪ ،‬وال تزال‪ ،‬حمط أطامع العديد من القوى اإلقليمية والدولية‬

‫الكربى ذات املصلحة يف السيطرة عىل تلك املنطقة‪ ،‬للحيلولة دون وصول قوى أخرى إليها‪،‬‬

‫واالستفادة من خرياهتا الطبيعية ومن موقعها املتميز‪ ،‬ومن ثم حتقيق أقىص استفادة ممكنة من‬

‫خالل فرض سيطرهتا وسلطاهنا عىل تلك املنطقة‪ ،‬سواء من خالل االستعامر املبارش بشكله‬ ‫التقليدي البائد‪ ،‬أو من خالل فرض نوع من عالقة التبعية السياسية والعسكرية‪ ،‬أو من خالل‬

‫ممارسة التهديد والضغط السياسيني من آن آلخر عىل دول املنطقة‪ ،‬بادعاء حقوق تارخيية‬ ‫وجغرافية‪ ،‬ومن خالل دعم قوى سياسية داخلية‪.‬‬

‫وتأيت إيران يف مقدمة تلك الدول التي تدّ عي حقوق ًا إقليمية لدى جرياهنا يف املنطقة‪ ،‬والتي‬ ‫أوجدت مزيد ًا من نقاط االحتكاك مع الدول العربية اخلليجية منذ مطلع القرن العرشين‪.‬‬ ‫وباعتبار أن إيران دولة مهمة يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬فهي تشاطر دول هذه املنطقة‬

‫الكثري من األمور والقضايا املشرتكة‪ ،‬وكان لنجاح الثورة اإليرانية ووصول قوى جديدة ذات‬ ‫توجهات ثيوقراطية وسياسية خمتلفة إىل السلطة يف إيران دور كبري يف إحداث تغريات جذرية‬ ‫بأوضاع منطقة اخلليج‪ ،‬وذلك بالنظر إىل ما تتمتع به إيران من أمهية خاصة باعتبارها إحدى‬

‫القوى الكربى الفاعلة يف النظام اإلقليمي اخلليجي‪.‬‬

‫من هنا‪ ،‬تركز الدراسة عىل حتليل مشكلة بحثية جوهرية‪ ،‬أساسها التساؤل عن «طبيعة‬

‫وحركية سياسة إيران اخلارجية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬أي دراسة‬

‫سياسة إيران اإلقليمية»‪ .‬ما هي سياسة إيران اخلارجية جتاه منظومة دول جملس التعاون لدول‬

‫اخلليج العربية؟ ما هي ثوابت السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول‬

‫اخلليج العربية ومنطقة اخلليج العريب؟ وما هي الدوافع التي دفعت هبا إىل تغيري نمط خطاهبا‬ ‫ ‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫املوجه إىل دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية واالنتقال من سياسة املواجهة والعداء‬ ‫ّ‬ ‫السافر إىل االعتدال‪ ،‬وتب ّني سياسة االنفتاح يف العهود التالية للعهد اخلميني؟ وانعكاس ذلك‬ ‫عىل القضايا األساسية يف املنطقة‪ ،‬وبخاصة ما يتعلق منها باألمن والتعاون اإلقليمي بمختلف‬

‫أشكاله‪.‬‬

‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬تسعى الدراسة إىل حتليل مجلة من العوامل واملتغريات ذات الصلة‬

‫الوثيقة بالسياسة اإلقليمية إليران ودراستها‪ ،‬عىل النحو التايل‪:‬‬

‫‪ -1‬حتليل عنارص السياسة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬والكيفية التي يمكن أن متثل من خالهلا‬ ‫إيران هتديد ًا لألمن اإلقليمي اخلليجي‪ ،‬خصوص ًا مع اجتاهها نحو تطوير قدراهتا يف‬ ‫جمال أسلحة الدمار الشامل‪.‬‬

‫التحول الذي طرأ عىل السياسة اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول‬ ‫‪ -2‬دراسة‬ ‫ّ‬ ‫اخلليج العربية؛ من املواجهة والتع ّنت يف عهد آية اهلل اخلميني إىل مزيد من االعتدال‬ ‫واالنفتاح يف عهدي رفسنجاين وخامتي‪.‬‬

‫‪ -3‬حتديد العوامل التي أضفت صفة االعتدال عىل السياسات اإليرانية‪ ،‬بعد أن أصبحت‬ ‫املصالح القومية‪ ،‬ال االعتبارات األيديولوجية‪ ،‬هي املسيطرة عىل السياسة اإليرانية‪.‬‬

‫‪ -4‬أثر املتغريات العاملية اجلديدة ومفاهيم العوملة يف السياسة اخلارجية اإليرانية‪،‬‬ ‫وهذه اجلزئية هي بمنزلة إضافة جديدة للدراسة املتع ّلقة بحقل الدراسات اإليرانية‬ ‫اخلليجية‪.‬‬

‫فرضيات الدراسة وتساؤالهتا‬

‫تسعى الدراسة إىل اختبار جمموعة من الفرضيات‪ ،‬إىل جانب سعيها إىل اإلجابة عن عدد‬

‫من التساؤالت التي أثارهتا يف ذهن الباحث‪.‬‬ ‫أما الفرضيات‪ ،‬فهي عىل النحو التايل‪:‬‬

‫‪ -١‬األيديولوجيا ليست هي املحرك األسايس والوحيد للسياسة اإليرانية يف إطارها‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫ ‬


‫مقدمة‬

‫اإلقليمي جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬وإنام هناك حمركات أخرى؛ مثل طبيعة‬

‫توجهات‬ ‫النظام السيايس‪ ،‬واملتغريات اإلقليمية‪ ،‬واملتغريات العاملية‪ ،‬التي تؤثر بدورها يف ّ‬ ‫السياسة اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪.‬‬

‫‪ -٢‬النزعة التوسعية هي سمة أساسية للسياسة اإليرانية يف إطارها اإلقليمي‪ ،‬فهي‬

‫تغلب النزعة التعاونية‪ ،‬ومن ثم كانت لألدوات العسكرية والدعائية الغلبة عىل باقي أدوات‬ ‫تنفيذ السياسة اإليرانية يف اخلليج‪ .‬ومن ثم فإن السياسة اخلليجية إليران تق ّلص من فرص‬ ‫التعاون اإلقليمي يف املنطقة‪ ،‬أي إهنا تقلل من فرص قيام صيغ تعاونية إيرانية خليجية‪.‬‬

‫‪ -٣‬اعتمدت إيران سياسة خارجية إقليمية ّ‬ ‫مكنتها من القيام بدور إقليمي فاعل إزاء‬

‫القضايا واملواقف اإلقليمية اخلليجية‪.‬‬

‫‪ -٤‬التهديد اإليراين لألمن اخلليجي ما زال أمر ًا قائ ًام‪ ،‬عىل الرغم من بروز مصادر‬

‫جديدة للتهديد اإلقليمي‪ ،‬مثل العراق‪.‬‬

‫أما التساؤالت التي تثريها الدراسة فهي كام ييل‪:‬‬ ‫‪ -١‬ما هي إمكانات وقدرات إيران املادية واملجتمعية التي ّ‬ ‫متكنها من القيام بدور‬

‫إقليمي مميز يف منطقة اخلليج العريب؟‬

‫‪ -٢‬ما هي اآلليات واألدوات والوسائل التي تعتمدها إيران يف حتقيق أهدافها اإلقليمية‬

‫ّ‬ ‫ومتكنها من بناء دورها اإلقليمي؟‬

‫‪ -٣‬ما هو تأثري املتغريات اإلقليمية والدولية يف حدود الدور اإليراين يف اخلليج؟‬

‫‪ -٤‬هل هناك عالقة تفاعلية بني السياسة اإليرانية من جهة‪ ،‬وعوامل ومصادر‬

‫االضطراب وعدم االستقرار يف منطقة اخلليج العريب من جهة أخرى؟ ومثال عىل ذلك‪،‬‬ ‫حركات املعارضة الشيعية‪ ،‬وحماوالت التخريب وقلب نظام احلكم‪ ،‬واالغتياالت السياسية‪.‬‬

‫منهجية الدراسة ووسائل مجع البيانات وحتليلها‬

‫الدراسة التي نحن بصددها هي دراسة للسياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس‬

‫التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬أي إهنا‪ ،‬بشكل آخر‪ ،‬دراسة للسياسة اإلقليمية إليران‪.‬‬ ‫وتأخذ السياسة اإلقليمية أحد الشكلني التاليني‪:‬‬ ‫ ‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ -١‬هو السلوك الصادر عن جمموعة وحدات أو دول اإلقليم إزاء موقف ما داخل‬ ‫اإلقليم أو خارجه‪ ،‬معبرّ ًا عنه من خالل اهليكل التنظيمي لإلقليم‪ ،‬الذي يعبرّ عن آلية صنع‬ ‫القرار اإلقليمي (سلوك جملس التعاون جتاه الغزو العراقي للكويت‪ ،‬موقف املجلس من‬ ‫الرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل)‪.‬‬

‫‪ -٢‬هو سياسة اجلزء إزاء الكل‪ ،‬أو هو بعبارة أخرى سياسة دولة ما إزاء جمموعة الدول‬ ‫داخل اإلقليم‪ .‬حيث تتحدد سياسة الدولة إقليمي ًا وفق ًا لطبيعة اإلمكانات املادية واملوضوعية‬ ‫واملجتمعية لتلك الدولة‪ ،‬ووفق ًا لطبيعة األوضاع اإلقليمية والدولية السائدة خالل فرتة‬

‫معينة‪.‬‬

‫وهذا الشكل الثاين هو ما تنتهجه الدراسة يف حتليل السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول‬

‫جملس التعاون لدول اخلليج العربية ومنطقة اخلليج العريب خالل الفرتة الزمنية املمتدة من‬

‫العام ‪ 1979‬حتى العام ‪.2000‬‬

‫قد تأخذ السياسة اإلقليمية ألي دولة منحى رصاعي ًا‪ ،‬كام قد تأخذ منحى تعاوني ًا‪،‬‬ ‫أو كليهام مع ًا‪ ،‬وهذا يتوقف عىل طبيعة توجهات القيادة السياسية يف تلك الدولة‪ ،‬وطبيعة‬

‫القضايا موضوع السياسة اخلارجية التي يثار حوهلا اجلدل‪ ،‬كذلك رد فعل الوحدات السياسية‬ ‫األخرى داخل اإلقليم نفسه‪ ،‬ومدى توافق أهدافها ومصاحلها مع أهداف وتوجهات السياسة‬ ‫اخلارجية لتلك الدولة يف إطارها اإلقليمي‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬وبناء عىل ما سبق‪ ،‬إن مفهوم السياسات اإلقليمية هو األساس املنهجي يف‬ ‫تلك الدراسة‪ ،‬ويرتبط ارتباط ًا وثيق ًا بتحديد مفهوم النظام اإلقليمي الذي جتري يف إطاره‬ ‫تلك السياسة‪ ،‬بام حيويه من نمط للعالقات وتوزيع للقوة السياسية والعسكرية واالقتصادية‪.‬‬

‫وهو ما يظهر بشكل أسايس يف الفصل األول من هذه الدراسة‪ .‬كام تظهر نتائجه يف الفصول‬ ‫الرابع واخلامس والسادس من الدراسة‪ ،‬وتتناول هذه الفصول القضايا اإلقليمية التي تصاغ‬ ‫بصددها السياسة اإليرانية‪.‬‬

‫كام أن منهج حتليل النظم‪ ،‬أو نموذج املدخالت واملخرجات‪ ،‬جيد مكانه يف هذه الدراسة من‬

‫خالل حتليل املتغريات الداخلية واإلقليمية والدولية التي تعمل باعتبارها حمددات أو مدخالت‬ ‫للسياسة اإليرانية يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬وهو ما جيد مكانه يف الفصل الثاين من الدراسة‪.‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫ ‬


‫مقدمة‬

‫أما منهج صنع القرار‪ ،‬فنجده بشكل أسايس يف الفصل الثالث من الدراسة الذي ُيعنى‬

‫بتحليل عملية صنع قرار السياسة اخلارجية اإليراين والقوى املؤثرة فيه‪ ،‬سواء عىل املستوى‬

‫القيادي‪ ،‬أم عىل مستوى املؤسسة الدينية‪ ،‬أم عىل مستوى القوى األخرى ذات املصلحة‪ ،‬من‬

‫خالل تناول دور كل من القيادة واأليديولوجيا واملصالح القومية يف تلك العملية‪ .‬وترمجة‬ ‫تلك السياسة من خالل جمموع األدوات التي تعتمدها إيران لتنفيذ سياستها خليجي ًا‪.‬‬ ‫وأخري ًا‪ ،‬إن تناول املنظور التارخيي للسياسة اإليرانية يف اخلليج إنام يستفيد من املنهج‬

‫التارخيي‪ ،‬كام إن دراسة نمط توزيع القوة يف النظام اخلليجي تستخدم أسلوب املقابلة‪.‬‬ ‫وتعتمد الدراسة عىل مصدرين أساسيني من مصادر مجع البيانات‪:‬‬

‫‪ -١‬الوثائق املتاحة حول ذلك املوضوع‪ ،‬بام تشمله من خطب وترصحيات صحافية‪،‬‬

‫صدرت عن القادة واملسؤولني اإليرانيني واخلليجيني حول العالقات اإليرانية اخلليجية‪ ،‬ووثائق‬ ‫جملس التعاون يف ما يتعلق بالعالقات مع إيران‪ ،‬ودور إيران املنتظر يف مسألة األمن اخلليجي‪.‬‬

‫‪ -٢‬املصادر املكتبية‪ ،‬وتشمل الكتابات األكاديمية التي تُعنى بموضوع الدراسة‪،‬‬

‫سواء عىل شكل كتب أم مقاالت أم دراسات أم أبحاث علمية‪ ،‬مما حتتويه الدوريات العربية‬ ‫واألجنبية‪ ،‬وكذلك الرسائل العلمية واألبحاث غري املنشورة‪ ،‬إىل جانب ما تضمنته الصحف‬

‫واملجالت حول ذلك املوضوع‪ ،‬ما يفيد الباحث يف حتليله‪.‬‬

‫وتعتمد الدراسة يف التحليل عىل اجلهد الذايت للباحث يف حتليل مضمون املادة العلمية‬

‫املتاحة؛ لتحليل وتفسري واستقراء ثوابت السياسة اإليرانية ومتغرياهتا جتاه دول جملس التعاون‬ ‫لدول اخلليج العربية خالل فرتة الدراسة‪.‬‬

‫اإلطار الزمني للدراسة‬

‫متتد الدراسة من العام ‪ 1979‬حتى العام ‪ .2000‬وهذه الفرتة التي جتاوزت العقدين‬

‫من الزمن‪ ،‬تواترت خالهلا أنامط خمتلفة من العالقة التي مجعت بني إيران ودول جملس التعاون‬ ‫لدول اخلليج العربية‪ ،‬حيث تعاقبت عىل إيران ثالث قيادات اختلفت يف توجهاهتا السياسية‬ ‫داخلي ًا وخارجي ًا‪ .‬وفرتة الدراسة هي فرتة كافية لدراسة األنامط املختلفة للسياسات التي اتبعتها‬ ‫القيادات اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية وردود األفعال جتاهها‪.‬‬

‫ ‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫األدبيات السابقة‬

‫يف إطار الدراسات اخلاصة بالسياسة اخلارجية إليران يف منطقة اخلليج العريب باعتبارها‬

‫جزء ًا من العالقات العربية ‪ -‬اإليرانية يف إطارها العام‪ ،‬والعوامل الداخلية واإلقليمية والدولية‬

‫التي تؤثر يف السياسة اإليرانية بمنطقة اخلليج العريب‪ ،‬هناك عدد من الكتابات األكاديمية‪،‬‬ ‫نعرض بعضها يف ما ييل‪:‬‬

‫‪ -1‬يف دراسة بعنوان‪ ،‬إيران‪ :‬معضالت سياسة االحتواء املزدوج ‪ ،‬يناقش كل من‬

‫كوردسامن وأمحد هاشم وضعية إيران يف النظام اإلقليمي والدويل منذ اندالع الثورة اإلسالمية‬ ‫عام ‪ ،1979‬حيث بدأت إيران تدخل يف زمرة الدول الراعية لإلرهاب‪ ،‬بخاصة بعد صدور‬ ‫قرار املحكمة العليا يف أملانيا بتورط احلكومة اإليرانية بشكل مبارش بحادث اغتيال ثالثة من‬ ‫اإليرانيني األكراد يف أحد مطاعم برلني عام ‪ ،1992‬إضافة إىل ما متثله من هتديد جلرياهنا يف‬

‫منطقة اخلليج منذ رفع شعار «تصدير الثورة»‪ ،‬ما جعلها تُعرف بـ «الدولة احلمراء» يف املنطقة‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬كان رد الفعل األمريكي باتباع سياسة خاصة جتاه إيران‪.‬‬

‫هذا الكتاب الذي حيمل بني طياته أربعة عرش فص ً‬ ‫ال مهم جد ًا هلؤالء الذين يسعون‬

‫وراء فهم أعمق للسياسات اإليرانية وما تسببه من مشكالت للسياسة األمريكية‪ ،‬فهو حيمل‬ ‫حتلي ً‬ ‫ال جيد ًا للعوامل واملتغريات السياسية والعسكرية واالقتصادية واالجتامعية واجلغرافية‬ ‫والسيكولوجية التي تشكل واقع السياسة اإليرانية ومستقبلها‪.‬‬

‫ويدعم املؤلفان حتليلهام بعدد من اجلداول (‪ ،)16‬واألشكال (‪ )46‬واخلرائط (‪ )5‬التي‬

‫تذهب للتعرف إىل الكيفية التي اكتسبت هبا إيران وضعها باعتبارها دولة محراء يف النظام‬

‫الدويل‪ ،‬وذلك من خالل مناقشة ممتازة للديناميات الداخلية للنظام وعوامل الضغط املختلفة‬ ‫الناجتة من العوامل الديمغرافية واإلثنية‪ ،‬وكيف يمكن للنفط واالقتصاد أن يؤديا دور ًا مه ًام‬

‫يف حتديد مستقبل إيران وسياستها اخلارجية‪ .‬كام يتناول املؤلفان القدرات العسكرية اإليرانية‬ ‫وكيف يمكن أن متثل مصدر ًا للتهديد‪ ،‬خصوص ًا أهنا تسعى إىل تطوير قدراهتا يف ما يتعلق‬ ‫بامتالك أسلحة الدمار الشامل‪.‬‬

‫)‪Anthony H. Cordesman and Ahmed Hashim, Iran: Dilemmas of Dual Containment, (1‬‬ ‫‪CSIS Middle East Dynamic Net Assessment (Boulder, Colo.: Westview Press, 1997)..‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫ ‬


‫مقدمة‬

‫ثم يعرض املؤلفان لسياسة االحتواء املزدوج التي تتبعها الواليات املتحدة جتاه إيران‪،‬‬

‫ويقرتحان استخدام سياسة الرتغيب والرتهيب «العصا واجلزرة»‪ ،‬مع اتباع احلوار مع طهران‪،‬‬

‫ويف الوقت نفسه العمل عىل تقليل قدراهتا عىل امتالك أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬واحلد من‬

‫إمكانات بناء قوهتا التقليدية‪.‬‬

‫وبغض النظر عن التفاصيل الواردة بشأن سياسة االحتواء وبدائلها‪ ،‬فإن ما حيويه هذا‬

‫الكتاب من مادة حول القدرات اإليرانية بمختلف أشكاهلا السياسية واالقتصادية والعسكرية‬

‫واالجتامعية ‪...‬إلخ‪ ،‬يمثل فائدة كربى للباحث يف ما يتعلق بدراسة القدرات اإليرانية مقابل‬ ‫قدرات منظومة دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬ومن ثم يعترب ذا فائدة جيدة‬

‫للبحث‪.‬‬

‫‪ -2‬الدراسة الثانية بعنوان‪ ،‬أمن اخلليج يف القرن احلادي والعرشين ‪ ،‬وهي إحدى‬ ‫الدراسات التي تتناول حتلي ً‬ ‫ال للمتغريات والعوامل التي سيكون هلا أثر مبارش يف صياغة «أمن‬

‫اخلليج العريب» بصورته املستقبلية‪.‬‬

‫تتضمن هذه الدراسة عدد ًا من الدراسات املفصلة ملجموعة من الباحثني واملهتمني‬

‫بالشؤون اخلليجية‪ .‬حيث خيتص الفصل األول من اجلزء األول من الكتاب بتحليل العالقة بني‬ ‫إيران واألمن اخلليجي‪ ،‬فيعرض جريالد غرين إليران بوصفها أحد املصادر احلالية واملستقبلية‬

‫للتهديد األمني يف املنطقة منذ سقوط الشاه وقيام اجلمهورية اإلسالمية عام ‪ .1979‬فهو يبحث‬

‫الدور اإليراين يف معادلة األمن اخلليجي التي يرى أهنا لن تقوم إال بمشاركة كل من العراق‬ ‫وإيران إىل جانب دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬وهيتم بتحليل عنارص السياسة‬ ‫اخلارجية اإليرانية والكيفية التي يمكن أن متثل هبا إيران هتديد ًا لألمن يف املنطقة‪ ،‬خصوص ًا مع‬

‫اجتاهها لتطوير قدراهتا يف جمال أسلحة الدمار الشامل‪.‬‬

‫وخلص إىل أنه عىل الرغم من أن الوضع االقتصادي والسيايس يضعف من إمكانية‬ ‫أن متثل إيران هتديد ًا مستقبلي ًا لألمن اخلليجي‪ ،‬فإنه مع ذلك من الصعب أن يقوم نظام أمني‬ ‫خليجي من دون مشاركة إيران إىل جانب العراق ودول جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪،‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫ ‬

‫‪David E. Long and Christian Koch, eds., Gulf Security in the 21st Century‬‬ ‫‪(Abu Dahbi: Emirates Center for Strategic Studies and Research, 1997).‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ومن ثم يتحتم عىل إيران أن تنحي أطامعها التوسعية جانب ًا‪ ،‬األمر الذي ييرس عملية التقارب‬ ‫واالندماج يف نظام أمني خليجي‪.‬‬

‫‪ -3‬الدراسة الثالثة حتمل عنوان‪ ،‬إيران واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار ‪ ،‬وهي‬ ‫كتاب يقع يف ثالثة عرش فص ً‬ ‫ال موزعني بني أقسام أربعة‪ ،‬تعرض آراء عدد من كبار املختصني‬ ‫بشؤون إيران ومنطقة اخلليج العريب‪ ،‬هبدف إعطاء رصد شامـل ومتوازن للقضايا الرئيسة‬

‫التي تواجه املنطقة يف مطلع القرن احلادي والعرشين‪.‬‬

‫حيمل القسم األول عنوان‪ :‬التحدي الثيوقراطي (حكم رجال الدين)‪ ،‬وذلك يف فصول‬

‫ثالثة تتناول املبادئ التي ترتكز عليها العالقة بني الدين والسياسة يف إيران بعد الثورة‪ ،‬ثم‬ ‫تقويم أداء املؤسسات احلاكمة يف فرتة ما بعد الثورة‪ ،‬وكيف استطاع املرشد األعىل للثورة‬

‫يثبت دعائم سلطته والبقاء بمنأى عن‬ ‫(سواء آية اهلل اخلميني أم خليفته عيل خامنئي) أن ّ‬

‫التحزبات والرصاع الداخيل‪ ،‬وعدم التدخل إال يف حال تعرض النظام لتهديد سيايس خطري‪.‬‬ ‫ويتناول الفصل الثالث حتليل العالقة بني قيادة الدولة والقيادة الدينية «والية الفقيه»‪،‬‬

‫حيث يتوىل املرجع األعىل للشيعة قيادة الدولة‪ .‬لكن هذه االزدواجية أصبحت غري قائمة‬ ‫بالشكل اجلامد الذي كانت عليه حتى وفاة اخلميني وكبار رجال املؤسسة الدينية الشيعية‪.‬‬

‫أما القسم الثاين من هذا الكتاب ‪ -‬وهو األكثر أمهية بالنسبة إىل دراستنا‪ -‬فيتعلق بدارسة‬

‫السياسة اخلارجية اإليرانية يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬تلك املنطقة التي تعاين درجة عالية من‬

‫التوتر وعدم االستقرار‪.‬‬

‫ويبدأ بدراسة التحول الذي طرأ عىل السياسة اإليرانية يف اخلليج؛ من املواجهة والتعنت‬

‫يف عهد اخلميني‪ ،‬إىل مزيد من االعتدال والرباغامتية يف العهود التالية للخميني‪ ،‬وحتديد‬ ‫العوامل التي تضفي صبغة االعتدال عىل السياسات اإليرانية‪ ،‬بعد أن أصبحت املصالح‬ ‫القومية‪ ،‬ال االعتبارات األيديولوجية‪ ،‬هي املسيطرة عىل السياسة اإليرانية‪.‬‬

‫يعرج إىل بحث وحتليل ما سامه جيمس بيل «مستطيل التوتر يف املنطقة»‪ ،‬حيث يركز‬ ‫ثم ّ‬ ‫)‪(3‬‬

‫‪Jamal S. Al-Suwaidi, ed., Iran and the Gulf : A Search for Stability (Abu Dhabi:‬‬ ‫‪Emirates Center for Strategic Studies and Research, 1996)..‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫ ‬


‫مقدمة‬

‫عىل التفاعالت بني كل من إيران والعراق والواليات املتحدة ودول جملس التعاون‪ ،‬مع إلقاء‬ ‫الضوء عىل القيود الداخلية والدولية التي تؤثر يف هذه املجموعة من الدول يف سعيها إىل إجياد‬

‫توازن بني مصاحلها املتعارضة‪ .‬وهذا االلتقاء بني تلك املصالح املتعارضة‪ ،‬يف منطقة من أكثر‬ ‫مناطق العامل حساسية وأمهية‪ ،‬من شأنه أن يوجد جو ًا من التوتر وعدم االستقرار‪.‬‬ ‫ويرى بيل أن استقرار األوضاع يف تلك املنطقة إنام يعتمد عىل ركائز أساسية‪ ،‬أمهها‬

‫حتسن العالقات بني العراق وإيران‪ ،‬واجتاه دول اخلليج نحو التعددية السياسية‪ ،‬وتقليص‬ ‫ّ‬ ‫تدخل الواليات املتحدة يف الشؤون اخلليجية‪.‬‬

‫حتسن العالقات بني العراق وإيران‪ ،‬من‬ ‫ويأيت الفصل السادس ليؤكد جزئية رضورة ّ‬

‫خالل رسمه صورة ألبرز القضايا التي متثل مالمح السياسة اخلارجية اإليرانية وردود فعل‬

‫املجتمع الدويل جتاهها‪ ،‬بخاصة مع حماولة إيران حتسني صورهتا أمام العامل اخلارجي‪.‬‬

‫ثم يستكمل الكتاب حلقات العالقات اإليرانية ‪ -‬اخلليجية؛ من بحث فرص العالقات‬

‫بني إيران ودول اخلليج يف الفصلني السابع والثامن‪ ،‬مع الرتكيز عىل عالقتها بكل من دولة‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة واململكة العربية السعودية‪.‬‬

‫خيتص القسم الثالث من الكتاب بعملية إعادة بناء القوة العسكرية واالقتصاد اإليرانيني‪،‬‬

‫ويسهب كوردسامن يف حتليل املحاوالت اإليرانية لبناء قوهتا املسلحة‪ ،‬ولكن مع التحذير من‬

‫أن هرولة إيران نحو تدعيم قوهتا العسكرية قد ال يعنى بالرضورة اجتاه إيران نحو تب ّني مواقف‬ ‫أكثر عدوانية‪ ،‬وإنام قد يعنى اجتاه ًا نحو تعويض الدمار الذي حلق هبا من حرهبا مع العراق‪،‬‬ ‫إضافة إىل أن إيران تواجه صعوبات شديدة اقتصادي ًا واجتامعي ًا وإداري ًا‪ .‬ومل يغفل كوردسامن‬

‫التعرض ملشكلة أسلحة الدمار الشامل‪.‬‬ ‫ّ‬

‫وخيتم مجال السويدي الكتاب بدراسة عن «املأزق األمني يف اخلليج» والدور الذي‬

‫يمكن أن تؤديه إيران يف ما يتعلق بمسألة األمن يف اخلليج‪ ،‬ضمن إطار دراسته للعالقات‬ ‫اإليرانية ‪ -‬األمريكية‪ ،‬وعالقات إيران بدول اخلليج‪ ،‬وبحث الديناميات األمنية املصاحبة‬

‫للعالقات املتوترة‪ .‬فيتناول بحث عدد من العوامل السياسية واالقتصادية واالجتامعية التي‬

‫تقود إىل جمموعة من التفاعالت التي قد تؤثر بالسلب يف دعائم االستقرار باملنطقة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫‪10‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫يرى رضورة أن تتبنى الدول اخلليجية سياسات أمنية مدروسة‪ ،‬تأخذ باحلسبان تناقضات‬ ‫السياسة اإليرانية وخضوعها لسياسة االحتواء املزدوج باعتبارها دولة راعية لإلرهاب‪.‬‬

‫مما ال شك فيه أن هذا الكتاب ُعني ‪ -‬بام حيويه من مادة علمية مفيدة للدراسة ‪ -‬بتحليل‬

‫متغريات السياسة اإليرانية يف اخلليج وثوابتها‪ ،‬ومقومات القوة االقتصادية والعسكرية‬ ‫اإليرانية وعالقتها بمسألة األمن يف اخلليج العريب‪.‬‬

‫‪ -4‬يف إطار الدراسات التارخيية العامة املتع ّلقة بالعالقات العربية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬هناك دراسة‬

‫حممد حسن العيدروس التي حتمل عنوان العالقات العربية ‪ -‬اإليرانية‪ . 1971-1921 :‬فعىل‬ ‫الرغم من أن هذه الدراسة التارخيية قد توقفت عند العام ‪ ،1971‬ومل تتضمن حتلي ً‬ ‫ال سياسي ًا‬ ‫متعمق ًا‪ ،‬تفيد الباحث يف اإلملام باجلوانب التارخيية للعالقات اإليرانية ‪ -‬العربية بصفة عامة‬ ‫والعالقات اإليرانية ‪ -‬اخلليجية بصفة خاصة‪ ،‬وعالقة إيران التارخيية بكل من اإلمارات‬

‫والبحرين‪ ،‬وبدايات اهلجرة واالستيطان اإليراين يف دول اخلليج العريب‪ .‬باإلضافة إىل‬ ‫بعض املشكالت احلدودية التي انتهت باالحتالل اإليراين للجزر اإلماراتية الثالث‪،‬‬ ‫وردود الفعل الدولية والعربية إزاءه‪ ،‬كذلك حتليله للبيئة الدولية واإلقليمية للعالقات‬ ‫اإليرانية – اخلليجية؛ وقضية أمن اخلليج‪ ،‬واجتاه إيران نحو زيادة قدراهتا املس ّلحة‪.‬‬ ‫‪ -5‬امتداد ًا للمستوى نفسه من الدراسات اخلاصة بالعالقات العربية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬أصدر‬ ‫معهد البحوث والدراسات العربية التابع جلامعة الدول العربية مؤلف ًا بعنوان‪ ،‬العالقات‬

‫العربية‪ -‬اإليرانية ‪ .‬وهو نتاج ملجموعة من الباحثني من خالل أربعة أجزاء؛ يتعلق األول‬ ‫بتحليل العالقات التارخيية بني العرب والفرس منذ الفتح اإلسالمي مرور ًا بالعهد العثامين‬

‫واألرسة البهلوية‪ ،‬وحتى اندالع الثورة اإلسالمية يف إيران عام ‪ ،1979‬وما تركته من تأثريات‬ ‫يف مسار تلك العالقات‪ .‬أما باقي األجزاء فتتناول أبعاد وحمددات تلك العالقة التي تؤثر‬ ‫بشكل مبارش ومؤثر يف مسار تلك العالقات‪ ،‬مثل النواحي السكانية واالجتامعية واالقتصادية‬ ‫والثقافية‪ ،‬انتهاء بتحليل العالقات السياسية وأثر املتغريات العاملية اجلديدة يف السياسة‬

‫ حممد حسن العيدروس‪ ،‬العالقات العربية ‪ -‬اإليرانية‪( 1971-1921 ،‬الكويت‪ :‬منشورات ذات السالسل‪،‬‬ ‫‪.)1985‬‬ ‫ مجال زكريا قاسم ويونان لبيب رزق‪ ،‬حمرران‪ ،‬العالقات العربية اإليرانية (القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪،‬‬ ‫معهد البحوث والدراسات العربية‪.)1993 ،‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪11‬‬


‫مقدمة‬

‫اخلارجية اإليرانية جتاه املنطقة العربية منذ والية رفسنجاين وحتى العام ‪.1993‬‬ ‫ورصدت تلك األخرية أربعة متغريات أساسية؛ هي‪ :‬اهنيار اإلمرباطورية السوفياتية‪،‬‬

‫وبروز القوة األمريكية‪ ،‬والتفاعل بني قوى الدمج والتفكيك (األقليات)‪ ،‬وحرب اخلليج‪.‬‬

‫كام تناولت أنامط التفاعل اإليراين ‪ -‬العريب وقضاياه؛ مثل التعاون االقتصادي‪ ،‬وأمن اخلليج‪،‬‬ ‫واحلركات اإلسالمية‪ ،‬والرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل‪.‬‬

‫‪ -6‬ويف إطار املحاورات بني الباحثني العرب واإليرانيني‪ ،‬وامتداد ًا لنهج تناول‬ ‫الطبيعة الغنية للعالقات العربية ‪ -‬اإليرانية وحتليلها‪ ،‬عقد مركز دراسات الوحدة‬ ‫العربية بالتعاون مع جامعة قطر‪ ،‬ندوة فكرية بعنوان «العالقات العربية ـ اإليرانية‪:‬‬ ‫االجتاهات الراهنة وآفاق املستقبل» تضمنت ثالث عرشة ورقة عربية‪ ،‬يقابلها العدد‬ ‫تكون العالقات العربية‪-‬‬ ‫نفسه من وجهة النظر اإليرانية حول خمتلف املوضوعات التي ّ‬ ‫اإليرانية‪ ،‬وأعقب كل منها تعقيبات من اجلانبني العريب واإليراين‪ ،‬واختتمت أبحاث‬ ‫الندوة بحوار مفتوح لبلورة القضايا كلها التي تناولتها الندوة‪ ،‬واخلروج بصيغ عملية‬ ‫لتطوير العالقات العربية ‪ -‬اإليرانية عىل املستويات كلها‪.‬‬ ‫دارت األبحاث حول حمورين أساسيني؛ األول‪ ،‬هو «اإلرث التارخيي للعالقات‬

‫العربية‪ -‬اإليرانية»‪ ،‬الذي ضم ورقتني حول العالقات التارخيية بني العرب واإليرانيني‪ .‬أما‬

‫املحور الثاين‪ ،‬فهو «األوضاع الراهنة وآفاق املستقبل»‪ ،‬حيث عاجلته باقي األوراق املقدمة‬ ‫يف الندوة التي توزعت عىل ثالثة عرش بحث ًا‪ ،‬تناولت العديد من القضايا املتعلقة بالعالقات‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وقضايا اإلدراك املتبادل‪ ،‬والنواحي اإلعالمية‪ ،‬واملناهج الدراسية وأثرها يف‬

‫شكل العالقة‪ ،‬كذلك أوضاع املرأة يف اجلانبني‪ ،‬واملجتمع املدين يف كل جانب‪.‬‬

‫إال أن أهم تلك القضايا بالنسبة إىل دراستنا‪ ،‬تلك املتعلقة باخلالفات احلدودية‬

‫واإلقليمية‪ ،‬واإلطار الدويل واإلقليمي للعالقات بني العرب وإيران‪.‬‬

‫ العالقات العربية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬االجتاهات الراهنة وآفاق املستقبل‪ :‬بحوث ومنقشات الندوة الفكرية التي نظمها‬ ‫‪.‬‬ ‫مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع جامعة قطر (بريوت‪ :‬املركز‪)1996 ،‬‬ ‫‪12‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫تقسيم الدراسة‬

‫تنقسم الدراسة إىل مقدمة‪ ،‬وستة فصول‪ ،‬تضم عدد ًا من املباحث‪ ،‬وخامتة بنتائج‬

‫الدراسة‪.‬‬

‫يتناول الفصل األول طبيعة النظام اإلقليمي اخلليجي‪ ،‬وذلك من خالل أربعة مباحث‬

‫ترشح مفهوم النظام اإلقليمي وعالقته بالنظام الدويل‪ ،‬ومفهوم النظام اإلقليمي اخلليجي‪،‬‬ ‫ومفهوم الدور اإلقليمي‪ ،‬وإمكانات القوة يف النظام اإلقليمي اخلليجي‪.‬‬

‫وخيتص الفصل الثاين بتحليل حمددات السياسة اإلقليمية اإليرانية‪ ،‬وذلك بعرض‬

‫املنظور التارخيي للسياسة اإليرانية يف اخلليج‪ ،‬واملتغريات اإلقليمية والدولية للسياسة اإليرانية‬

‫جتاه دول املجلس‪  .‬‬

‫أما الفصل الثالث‪ ،‬فيتناول عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬والدور الذي تؤديه‬

‫كل من القيادة واأليديولوجيا واملصلحة القومية يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية‪،‬‬ ‫وأدوات تنفيذ تلك السياسة‪.‬‬

‫وختتص الفصول الرابع واخلامس والسادس بدراسة وحتليل السياسة اخلارجية اإليرانية‬

‫جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية خالل اجلمهوريات الثالث التي تعاقبت عىل‬ ‫احلكم يف إيران منذ عام ‪ 1979‬وحتى عام ‪ ،2000‬وذلك من خالل تناول عدد من القضايا‬ ‫التي تعرضت هلا تلك السياسة؛ مثل األيديولوجيا‪ ،‬والبحث عن دور إقليمي إليران‪ ،‬مرور ًا‬

‫بقضايا احلدود‪ ،‬وقضايا األمن والتس ّلح‪ ،‬وقضايا التعاون اإلقليمي بني إيران ودول املجلس‬ ‫خالل العهود الثالثة‪.‬‬

‫تنتهي الدراسة بخامتة تستعرض النتائج التي تم التوصل إليها‪.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪13‬‬


‫الف�صل أالول‬ ‫النظام ا إلقليمي اخلليجي‬


‫يتناول هذا الفصل حتديد مفهومي النظام اإلقليمي والدور اإلقليمي والعنارص‬ ‫املكونة لكل منهام‪ ،‬وتطبيق ذلك يف حتديد ماهية النظام اإلقليمي اخلليجي وإمكانات‬ ‫ّ‬ ‫القوة يف ذلك النظام‪ ،‬وذلك من خالل أربعة مباحث‪ ،‬عىل النحو التايل‪:‬‬

‫أو ًال‪ :‬مفهـوم النظـام اإلقليمـي وعالقته بالنظام الدويل‬ ‫هناك ثالثة مستويات للتحليل العلمي يف جمال دراسة العالقات الدولية‪ ،‬وهي مستويات‬

‫متدرجة ومتداخلة‪ ،‬بحيث إن أحد هذه املستويات حيوي املستوى الذي يليه‪ ،‬وهذا األخري‬

‫هو جزء من املستوى السابق عليه‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهو ما يمكن متثيله بثالث دوائر حتوي كل منها‬ ‫األخرى وفق ًا حلجم ذلك املستوى‪.‬‬ ‫‪ -1‬مستوى النظام العاملي‪ :‬ويقصد به أنامط التفاعالت الدولية عىل مستوى القمة بني‬ ‫الدول الكربى‪ ،‬وخصوص ًا القوى العظمى‪ ،‬التي يرتتب عليها نوعية العالقات بينها‪ ،‬وحتديد‬

‫مناخ العالقات الدولية يف العامل ككل‪.‬‬

‫‪ -2‬مستوى النظام اإلقليمي أو التابع‪ :‬ويقصد به نظام التفاعالت الدولية يف منطقة‬

‫ما‪ ،‬حتدد عادة عىل أساس جغرايف‪ ،‬وقد أخذت هبذا املستوى الدراسات التي متت عن النظام‬ ‫اإلقليمي العريب‪ ،‬والنظام اإلقليمي اخلليجي‪ ،‬أو يف منطقة الرشق األوسط‪ ،‬أو يف جنوب‬

‫رشق آسيا أو أفريقيا‪.‬‬

‫املكونة للنظام الدويل‪ :‬ويف مقدمها الدولة‪ ،‬ومن ثم ّ‬ ‫يركز‬ ‫‪ -3‬مستوى سلوك الوحدات ّ‬

‫هذا املستوى من التحليل عىل السلوك اخلارجي هلا‪ ،‬أي عىل السياسات اخلارجية للدول‪،‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪15‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫وذلك من دون جتاهل األشكال األخرى؛ كالرشكات متعددة اجلنسيات‪ ،‬واملنظامت الدولية‬ ‫اإلقليمية واملتخصصة‪ ،‬واحلركات الثورية التي تسعى من أجل احلصول عىل االستقالل ‪.‬‬

‫هذه املستويات الثالثة هي مستويات متداخلة ومتبادلة التأثري يف ما بينها‪ ،‬ونحن ‪ -‬هنا‬

‫‪ -‬نعنى بدراسة وحتديد مفهوم النظام اإلقليمي وعالقته بالنظام الدويل‪ ،‬والتطور الذي حدث‬

‫يف ما يتعلق بنشأة النظم اإلقليمية وتطورها وعالقتها بالنظام الدويل‪ ،‬حيث إن عالقة النظم‬ ‫اإلقليمية بالنظام الدويل هي عالقة تبادلية‪ ،‬أي تأثري وتأ ّثر من كال النظامني‪ ،‬بعبارة أخرى‪ :‬ال‬ ‫تنحرص العالقة بتأثري ما هو عاملي يف ما هو إقليمي فحسب‪ ،‬أو تأثري ما هو إقليمي يف ما هو‬

‫عاملي فحسب‪ ،‬بل تأثري كل منهام يف اآلخر‪ ،‬بشكل ارتباطي متبادل‪ ،‬فمساحة احلركة وحريتها‬ ‫للنظم اإلقليمية ترتبطان كثري ًا بدرجة الرصاع والتوافق عىل مستوى القمة يف النظام الدويل‪،‬‬ ‫ووجود الرصاع عىل مستوى القمة يف النظام الدويل يعطي جما ً‬ ‫ال أوسع وحرية أكرب حلركة‬ ‫النظم اإلقليمية وتأثريها يف النظام الدويل‪ ،‬والعكس صحيح ‪.‬‬

‫شهد العقدان التاليان للحرب العاملية الثانية بروز وانتشار ظاهرة املنظامت والتكتالت‬

‫اإلقليمية‪ .‬وترافقت هذه الظاهرة مع املد اجلارف حلركة التحرر الوطني التي اجتاحت‬ ‫املستعمرات‪ ،‬من كوريا وفييتنام وإندونيسيا يف أقىص رشق آسيا‪ ،‬إىل اهلند والرشق األوسط‬ ‫وأفريقيا من شامهلا إىل جنوهبا‪ .‬وتوالت انتصارات حركات التحرر الوطني تباع ًا يف مرحلة‬

‫زمنية قصرية باملنظور التارخيي‪.‬‬

‫ومع ازدياد ثقة الدول حديثة االستقالل بنفسها‪ ،‬ووعيها بضخامة التحديات التي‬

‫تواجهها؛ سواء حتديات التنمية واالنتصار عىل التخلف املوروث‪ ،‬أم الضغوط االقتصادية‬ ‫والسياسية والعسكرية التي مارستها الدول االستعامرية‪ ،‬كان طبيعي ًا أن تشعر الدول حديثة‬

‫التحرر برضورة تساندها وتكتلها‪ ،‬وأن يتسم هذا النزوع نحو التكتل بطابع معاد لالستعامر‪.‬‬ ‫وكان هذا الطابع سائد ًا يف معظم التكتالت اإلقليمية مثل جامعة الدول العربية‪ ،‬وحركة‬ ‫عدم االنحياز‪ ،‬ومنظمة الوحدة األفريقية‪ ،‬وحتى املنظامت اإلقليمية التي مل يعارض الغرب‬ ‫ مجيل مطر وعيل الدين هالل‪ ،‬النظام اإلقليمي العريب‪ :‬دراسة ىف العالقات السياسية العربية‪ ،‬ط ‪( 3‬بريوت‪:‬‬ ‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،)1983 ،‬ص ‪.18-17‬‬

‫ مجال زهران‪« ،‬النظم اإلقليمية ىف إطار النظام العاملي اجلديد‪ »،‬يف‪ :‬حممد السيد سليم‪ ،‬حمرر‪ ،‬النظام العاملي‬ ‫اجلديد (القاهرة‪ :‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪ ،)1994 ،‬ص ‪.254-253‬‬ ‫‪16‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫االستعامري قيامها‪ ،‬أو تلك التي باركها يف البداية آم ً‬ ‫ال يف أن تكون دوهلا املحافظة ذراع ًا له‬ ‫ضد الشيوعية واحلركات الراديكالية‪ .‬حتى تلك املنظامت (ويف مقدمها جامعة الدول العربية)‬ ‫بدأت تتخذ تدرجيي ًا طابع ًا معادي ًا لالستعامر‪ ،‬مع اتضاح عمق التناقضات بني طموحات‬

‫الشعوب إىل التنمية وجتاوز التخلف والعقبة الكؤود التي متثلها روابط التبعية االقتصادية‬ ‫والسياسية والثقافية‪ .‬ويف حالة اجلامعة العربية حتديد ًا‪ ،‬كان الدعم الغريب إلرسائيل يف اغتصاهبا‬ ‫فلسطني عنرص ًا أساسي ًا يف دفع املزاج العام يف اجلامعة نحو العداء للغرب االستعامري‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬إن احلرب العاملية الثانية قد أسفرت عن القضاء عىل أكرب إمرباطوريتني‬

‫استعامريتني غربيتني (بريطانيا وفرنسا)‪ ،‬وبروز الواليات املتحدة بصفتها زعيمة للغرب‪ ،‬ونشوء‬

‫نظام عاملي‪ ،‬ثنائي القطبية‪ ،‬يتزعمه االحتاد السوفيايت عىل رأس املعسكر االشرتاكي (الرشقي)‪،‬‬ ‫والواليات املتحدة عىل رأس املعسكر الرأساميل العاملي (الغريب)‪ .‬ورسعان ما اشتعلت احلرب‬ ‫الباردة بني املعسكرين‪ .‬واجته املعسكر الرشقي لدعم حركات التحرر الوطني يف مواجهتها مع‬ ‫الغرب‪ ،‬حماو ً‬ ‫ال شق ثغرات واسعة يف جدران احلصار الغريب‪ ،‬وانتزاع مواقع للنفوذ السوفيايت‬ ‫يف العامل الثالث‪ .‬ووجدت الدول حديثة االستقالل يف هذا الوضع العاملي جما ً‬ ‫ال واسع ًا نسبي ًا‬ ‫للمناورة بني املعسكرين‪ ،‬ولبناء حد أدنى معقول من القوة االقتصادية والعسكرية‪ .‬فأدى هذا‬

‫كله إىل تعظيم قوة التكتالت اإلقليمية وتعزيز مكانتها عىل الصعيد العاملي‪.‬‬

‫إال أن هذه التكتالت اإلقليمية مل يكن ممكن ًا أن تفلت من تأثريات املرياث التارخيي‬

‫الثقيل للمرحلة االستعامرية يف دوهلا من جهة أوىل‪ ،‬وعالقتها التارخيية واملستحدثة بالقوى‬ ‫الكربى من جهة ثانية‪ ،‬وتباين أو تناقض أو حتى تصادم املصالح يف عدد من القضايا الرئيسة‬

‫والتوجهات‬ ‫يف ما بينها من جهة ثالثة (قضايا احلدود عىل سبيل املثال)‪ ،‬واختالف الثقافات‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية والسياسـية واأليديولوجية من جهة رابعـة‪ ،‬وكلها تناقضـات تفاعلت وتبادلت‬

‫التأثري يف بيئة عاملية اتسمت باحتدام الرصاع بني القطبني السوفيايت واألمريكي‪ ،‬ومن ورائهام‬

‫بني املعسكرين االشرتاكي والرأساميل‪.‬‬

‫كان لذلك كله انعكاساته عىل القضايا والنزاعات اإلقليمية‪ ،‬وعىل مستوى متاسك‬

‫وفاعلية التكتالت اإلقليمية يف مراحل خمتلفة من وجودها‪ ،‬حتى جاء اهنيار االحتاد السوفيايت‬ ‫واملعسكر الرشقي وبروز الواليات املتحدة بصفتها قطب ًا أوحد ‪ -‬إىل حني ‪ -‬لنظام عاملي جديد‪،‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪17‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫وترسخت وقائع أخرى كانت قد بدأت‬ ‫ليوجد وضع ًا عاملي ًا جديد ًا‪ ،‬ظهرت فيه وقائع جديدة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تظهر يف رحم النظام العاملي املنهار‪ .‬وكلها وقائع تفرض رضورة مراجعة جتربة التكتالت‬ ‫اإلقليمية القديمة‪ ،‬وما قدمته لشعوهبا وبلداهنا عىل مدى أكثر من نصف قرن من ظهورها‪،‬‬ ‫وجتديد مضامني هذه التكتالت بصورة تستجيب لتحديات املرحلتني الراهنة واملقبلة من‬

‫تاريخ العامل‪ ،‬لكي تستطيع البقاء وال تتحول إىل أشكال من دون حمتوى ‪.‬‬

‫إن التعاون اإلقليمي هو مفهوم وسيط يتناول التفاعالت التعاونية بني جمموعة الدول يف‬

‫إطار منطقة إقليمية معينة‪ ،‬وهو مفهوم يتوسط التعاون الدويل أو العاملي من ناحية‪ ،‬والتعاون‬ ‫الثنائي بني الدول الفاعلة يف النظام العاملي من ناحية أخرى ‪.‬‬

‫ترتب عىل جمموعة التغريات التي شهدها النظام الدويل خالل القرن العرشين‪ ،‬اهنيار‬

‫منظومة معرفية قيمية متكاملة‪ ،‬متثلت يف اهنيار نظام القطبية الثنائية التي سادت العالقات‬ ‫الدولية يف أعقاب احلرب العاملية الثانية حتى وصول غورباتشوف إل سدة احلكم يف االحتاد‬

‫السوفيايت السابق‪ ،‬وما اختذه من إجراءات تتعلق باإلصالح واملكاشفة أ ّدت إىل اهنيار جمموعة‬ ‫القيم التي قام عليها النظام االشرتاكي الشيوعي املضاد للنظام الليربايل الغريب يف إطار‬ ‫البريوسرتويكا والغالسنوست؛ أي اإلصالح واملكاشفة واملصارحة ‪.‬‬

‫تلك التغريات أدت باالحتاد السوفيايت السابق إىل التفكك‪ ،‬وحتققت نظرية الدومينو‬

‫التي توقعها كارل ماركس الهنيار الرأساملية‪ ،‬ولكنها حتققت عىل حساب اجلانب الشيوعي؛‬ ‫حيث ما لبثت الدول الشيوعية تتخىل واحدة تلو األخرى عن عقيدهتا االشرتاكية يف أعقاب‬

‫تفكك االحتاد السوفيايت‪ ،‬وبدأت كل منها تتبنى مبادئ الليربالية الغربية‪ ،‬حتى كادت الشيوعية‬

‫تنتهي من العامل وحتل حملها الليربالية الغربية الرأساملية‪.‬‬

‫أدى هذا التغري الذي مل يكن سلمي ًا يف كل دول املعسكر االشرتاكي إىل تفكك حلف وارسو‪،‬‬ ‫ حممد فراج أبو النور‪« ،‬هامش املناورات يضيق أمام العامل الثالث‪ ،‬التكتالت اإلقليمية‪ :‬حصار هزيل ومستقبل‬ ‫رمادي‪ »،‬البيان (اإلمارات)‪.2000/7/7 ،‬‬ ‫ عبد املنعم سعيد‪« ،‬اإلقليمية يف الرشق األوسط‪ :‬نحو مفهوم جديد‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 122‬ترشين‬ ‫األول‪/‬أكتوبر ‪ ،)1995‬ص ‪.60‬‬

‫ ارجع يف ذلك‪ :‬ميخائيل غورباتشوف‪ ،‬البرييسرتويكا‪ :‬تفكري جديد لبالدنا والعامل‪ ،‬ترمجة محدي عبد‬ ‫اجلواد (القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪.)1988 ،‬‬

‫‪18‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وانضواء العديد من دوله حتت لواء الليربالية الغربية‪ ،‬وبالتايل ظهر يف األفق ما أطلق عليه اسم‬

‫«النظام الدويل اجلديد»‪ ،‬أو ما أطلق عليه «نظام القطب الدويل الواحد» عىل املستوى السيايس‪،‬‬ ‫حيث تفرض اهليمنة األمريكية نفسها عىل مرسح السياسة الدولية‪ ،‬وهو ما جتلىّ بوضوح خالل‬ ‫أزمة الغزو العراقي للكويت؛ حيث قادت الواليات املتحدة األمم املتحدة ودول العامل يف إطار‬

‫التحالف الدويل املناهض للعراق إلخراجه بالقوة العسكرية من األرايض الكويتية املغتصبة‪ .‬أما‬ ‫عىل املستوى االقتصادي‪ ،‬فكان من الصعب أن يكون نظام القطب الواحد هو األساس فيه‪ ،‬بل‬ ‫متيز النظام الدويل عىل املستوى االقتصادي بنوع من التعددية‪ ،‬فهناك قوى اقتصادية أخرى تشاطر‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية سيطرهتا عىل مقاليد االقتصاد الدويل مثل اليابان واملجموعة األوروبية‬ ‫والنمور اآلسيوية والقوة الصينية الواعدة‪ ،‬فقد أصبحت السوق املحرك األكرب لعالقات املجتمع‬

‫الدويل‪ ،‬وأصبحت عالقات االعتامد املتبادل أساس العالقات الدولية‪ ،‬وانتهى مفهوم توازن القوة‬ ‫أو توازن الرعب الذي ساد خالل حقبة الثنائية القطبية‪ ،‬ليحل حمله مفهوم توازن املصالح‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬أدى بروز أمهية الدوافع االقتصادية وحركيتها إىل االعتقاد بأن النظام الدويل‬

‫يسري نحو بروز تكتالت دولية اقتصادية تعددية سوف متثل أهم ظاهرة جيوسياسية لعامل القرن‬

‫احلادي والعرشين ‪.‬‬

‫إن مفهوم النظام اإلقليمي باعتباره مستوى لتحليل العالقات الدولية هو مفهوم حديث‬

‫نسبي ًا‪ ،‬فعىل الرغم من أن االهتامم بالتعاون اإلقليمي قد بدأ يف أعقاب احلرب العاملية الثانية‪،‬‬ ‫شهدت مرحلتي الستينيات والسبعينيات صعود ًا يف دروب التعاون اإلقليمي؛ حيث بدأ‬ ‫االنتقال من صيغة التكتالت العسكرية إىل املنظومات اإلقليمية للتعاون االقتصادي‪.‬‬

‫كام إن مفهوم اإلقليمية (‪ )Regionalism‬كان أحد املوضوعات األساسية يف جمال‬

‫التنظيم الدويل‪ ،‬حيث دار جدل طويل حول العاملية يف مواجهة اإلقليمية‪ ،‬وأي املنهجني جيب‬ ‫اتباعه لتنظيم املجتمع الدويل وحفظ السلم بني الدول‪ ،‬فاقرتح البعض إنشاء تنظيم عاملي‬

‫يضم كل دول العامل‪ ،‬بينام رأى آخرون أن إقامة تنظيامت إقليمية هي السبيل لتحقيق السالم‬ ‫واألمن الدوليني‪ ،‬ألن التنظيم عىل املستوى اإلقليمي أسهل منه عىل املستوى العاملي‪ ،‬كام إنه‬

‫ زبيجنيو برجنسكي‪ ،‬خارج حدود السيطرة‪ :‬مستقبل البرشية ىف القرن احلادي والعرشين‪ ،‬إعداد خمتار حممد‪،‬‬ ‫قضايا دولية (إسالم آباد‪ :‬معهد الدراسات السياسية‪ ،)1994 ،‬ص ‪.28-26‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪19‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫أكثر فاعلية وأكثر قدرة عىل احلركة منه عىل املستوى العاملي‪ ،‬وهنا‪ ،‬مل يكن ينظر إىل اإلقليمية‬ ‫باعتبارها بدي ً‬ ‫ال من العاملية‪ ،‬بل هي خطوة عىل طريق حتقيقها ‪.‬‬ ‫هكذا كانت املفاضلة بني التعاون الدويل أو العاملي والتعاون اإلقليمي أحد املوضوعات‬

‫األساسية التي استحوذت عىل عقول املجتمعني بمؤمتر السالم يف أعقاب احلرب العاملية‬ ‫األوىل‪ ،‬وكذلك يف مباحثات إنشاء منظمة األمم املتحدة يف أعقاب احلرب العاملية الثانية‪،‬‬

‫فأكد عهد عصبة األمم دور التفاهم اإلقليمي يف محاية حفظ السالم ‪ .‬كام نص ميثاق األمم‬

‫املتحدة عىل أنه ليس يف هذا امليثاق ما حيول دون قيام تنظيامت أو وكاالت إقليمية تعالج من‬ ‫األمور املتعلقة بحفظ السالم واألمن الدويل ما يكون العمل اإلقليمي صاحل ًا فيها ومناسب ًا‪،‬‬

‫ما دامت هذه التنظيامت أو الوكاالت اإلقليمية ونشاطها متالئمة مع مقاصد األمم املتحدة‬

‫ومبادئها ‪.‬‬

‫حبذ الدور الذي يمكن أن تؤديه تلك املنظامت اإلقليمية يف تدبري‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإن امليثاق قد َّ‬

‫وسائل احلل السلمي للمنازعات املحلية أو اإلقليمية قبل عرضها عىل جملس األمن الدويل‪،‬‬

‫بل إن جملس األمن ذاته يقوم بتشجيع تلك اآللية من آليات حل املنازعات‪ ،‬بل قد حييل إليها‬

‫نزاعات قد يرى أن حلها يف اإلطار اإلقليمي الضيق قد يكون أكثر سهولة‪.‬‬

‫إن النظام اإلقليمي هو نمط من أنامط التفاعالت املنتظمة بني الوحدات السياسية‬

‫املستقلة داخل إقليم جغرايف معني‪ ،‬وهو نمط يعلو عىل الدولة القومية ويقل يف تشعبه عن‬

‫النظام العاملي‪ ،‬أي إنه وحدة حتليل تتوسط بني الدولة القومية والنظام العاملي ‪. (1‬‬

‫وتؤكد التجارب التارخيية ملحاوالت التكامل اإلقليمي أن هناك خصائص معينة جيب‬

‫توافرها للحصول عىل تعاون إقليمي سليم؛ مثل القرب اجلغرايف‪ ،‬التوافق الثقايف والسيايس‬

‫واالجتامعي‪ ،‬زيادة التعامالت واالعتامد املتبادل‪ ،‬إقامة منظومات مؤسسية مكثفة لتسهيل‬ ‫ مطر وهالل‪ ،‬النظام اإلقليمي العريب‪ :‬دراسة ىف العالقات السياسية العربية‪ ،‬ص ‪.19-18‬‬ ‫ عهد عصبة األمم‪ ،‬املادة ‪.21‬‬

‫ ميثاق األمم املتحدة‪ ،‬املادة ‪.52‬‬ ‫‪Joseph S. Nye, Peace in Parts: Integration and Conflict in Regional Organization,‬‬ ‫)‪(10‬‬ ‫‪Perspectives on International Relations (Boston: Little Brown, [1971]), p. 5.‬‬

‫‪20‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫عملية الوصول إىل حل وسط والقضاء عىل االختالفات‪ .‬وما من سبيل لذلك سوى وجود‬

‫نمو اقتصادي فاعل ومؤثر للدول املشاركة‪ ،‬وهو نمو لن يكتب له البقاء إال عن طريق التعاون‬ ‫مع الدول األخرى ‪. (1‬‬

‫فاإلقليم هو اإلطار الذي يضم عدد ًا حمدد ًا من الدول جتمع بينها روابط مشرتكة جغرافية‬ ‫واقتصادية وثقافية وتارخيية‪ ،‬إىل جانب إمكانية ارتباطها برؤى سياسية مشرتكة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬

‫املؤسسات االجتامعية ‪. (1‬‬

‫وكام يشري كانتوري وشبيغل‪ ،‬إن اإلقليم هو جمموعة الدول املتجاورة جغرافي ًا‪ ،‬التي‬ ‫تتفاعل سياسي ًا مع بعضها بعض ًا‪ ،‬سواء أكان ذلك التفاعل عدائي ًا أم تعاوني ًا‪ ،‬وبالشكل الذي‬ ‫تؤثر كل منها يف السياسات اخلارجية لغريها من الدول ويف خياراهتا السياسية ‪. (1‬‬

‫والعامل اجلغرايف هو من العوامل املؤثرة واحلاسمة يف حتديد التفاعالت اإلقليمية‪،‬‬

‫ومن ثم يف حتديد إطار النظام اإلقليمي‪ .‬وعىل الرغم من أمهية العوامل األخرى املشرتكة‬ ‫كاملصالح االقتصادية واملوروثات الثقافية واالجتامعية‪ ،‬يظل العامل اجلغرايف األكثر حتديد ًا‬ ‫للنظام اإلقليمي جغرافي ًا‪ .‬وكام يشري جيمس روزناو‪ ،‬فإن العالقات التي تقوم بني دول عدة‬

‫ضمن إطار إقليمي حمدد يف الغالب أكثر أمهية بالنسبة إىل املصالح اإلقليمية من تلك التي تتم‬ ‫مع دول من خارج اإلقليم ‪. (1‬‬

‫لكن هذا ال يعني التقليل من شأن املعايري األخرى التي متثل أسس ًا متكاملة لتحديد‬

‫مفهوم اإلقليم‪.‬‬

‫يعتمد النظام اإلقليمي يف حتديده عىل معايري أساسية عدة‪ ،‬أمهها ‪: (1‬‬ ‫ ‪ (1‬سعيد‪« ،‬اإلقليمية يف الرشق األوسط‪ :‬نحو مفهوم جديد‪ »،‬ص ‪.136‬‬ ‫)‪(12‬‬ ‫)‪(13‬‬ ‫)‪(14‬‬

‫‪Alvin LeRoy Bennett, International Organizations: Principles and Issues‬‬ ‫‪(Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, [1977]), p. 380.‬‬

‫;‪Louis J. Cantori and Steven L. Spiegel, The International Politics of Regions‬‬ ‫‪a Comparative Approach (Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, [1970]), p. 1.‬‬

‫‪James N. Rosenau, Kenneth W. Thompson and Gavin Boyd, eds., World Politics:‬‬ ‫‪An Introduction (New York: Free Press, 1976), pp. 445-446.‬‬

‫ ‪ (1‬هاين إلياس احلديثي‪ ،‬سياسة باكستان اإلقليمية‪ ،1994 - 1971 ،‬سلسلة أطروحات الدكتوراه؛ ‪33‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪21‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫ إقليم جغرايف حمدَّ د ترتكز عليه عالقات اجلوار اإلقليمي التي بدورها متثل أساس‬‫التمييز بني النظم اإلقليمية‪ ،‬فهو يتعلق بمنطقة جغرافية حمددة‪ ،‬حيث ّ‬ ‫يمكن القرب اجلغرايف‬ ‫من تدعيم التفاعالت يف ما بني الدول املتجاورة وتكثيفها‪.‬‬

‫ اعرتاف عاملي بأن اإلقليم يمثل حالة متميزة من النظام العاملي‪.‬‬‫ وجود عنارص مشرتكة ثقافية واجتامعية واقتصادية حتدَّ د الشعور هبوية االنتامء اإلقليمي‪.‬‬‫‪ -‬وجود تفاعالت سياسية واقتصادية وثقافية واجتامعية ومعلوماتية بني دول اإلقليم‬

‫تتحدد يف ضوئها املصالح اإلقليمية املشرتكة واجتاهاهتا‪.‬‬

‫ويمكن تناول النظام اإلقليمي من هذا املنطلق من جوانب عدة‪ ،‬هي ‪: (1‬‬ ‫أ ‪ -‬اخلصائص البنيوية للنظام‪ :‬وتعني خصائص وسامت النظم السياسية واالقتصادية‬

‫واالجتامعية للدول املكونة للنظام‪ ،‬مدى وجود متاثل أو تقارب بينها‪ ،‬وإىل أي مدى تتوافر فيه‬ ‫لدى دول النظام درجة من التامسك يف مستوياته املختلفة اجتامعي ًا‪ ،‬اقتصادي ًا أو إقليمي ًا‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فإن هذا املعيار يركز عىل دراسة عوامل التقارب بني دول النظام يف ما يتعلق‬

‫باللغة والثقافة والتاريخ والدين‪ ،‬والنظم االقتصادية والسلوك الدويل واخلارجي ألعضائه‪،‬‬ ‫ومدى االختالف ما قد نجده بني دول اإلقليم يف ما يتعلق هبذه املعايري املختلفة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬نمط اإلمكانات‪ :‬هو مستوى القوة يف النظام‪ ،‬ويقصد به مستوى القوة السائدة‬

‫بني الوحدات املكونة للنظام‪ ،‬وهل يوجد توازن للقوة بني وحدات النظام أو هناك سيطرة‬ ‫وهيمنة واستقطاب من جانب إحدى القوى عىل حساب القوى األخرى؟ أم أن هناك نظام ًا‬

‫معين ًا للتحالفات بني عدد من دول النظام يف مواجهة الدول األخرى؟‬

‫يدرس هذا املستوى القوة بعنارصها الثالثة مادية وعسكرية ونفسية‪ ،‬فالعنارص املادية‬ ‫هي األساس الذي تبني عليه الوحدة الدولية قوهتا من موارد طبيعية ومساحة وموقع جغرايف‬ ‫وسكان وموارد اقتصادية وعلمية وغريها‪.‬‬ ‫(بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،)1998 ،‬ص ‪.25‬‬

‫ ‪ (1‬مطر وهالل‪ ،‬النظام اإلقليمي العريب‪ :‬دراسة ىف العالقات السياسية العربية‪ ،‬ص ‪.24-22‬‬

‫‪22‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫أما العنارص العسكرية فيقصد هبا مقومات القوة املسلحة؛ مثل عدد القوات املسلحة‪،‬‬

‫ومستوى التدريب والكفاءة والتكنولوجيا العسكرية املتاحة للدولة‪.‬‬

‫وأخري ًا‪ ،‬تأيت العنارص النفسية‪ ،‬وتعني مدى استعداد الوحدة الدولية الستخدام عنارص‬

‫قوهتا وهيبتها الدولية للتأثري يف الوحدات األخرى بالنظام‪ ،‬وذلك باستخدام عنارص خمتلفة‬ ‫متثل البعد النفيس للقوة‪ ،‬مثل األيديولوجيا‪ ،‬الشخصية القومية‪ ،‬الروح املعنوية‪ ،‬شخصيات‬

‫القادة السياسيني واملهارات الدبلوماسية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬نمط التحالفات والسياسات‪ :‬ويشري إىل طبيعة العالقات املتداخلة بني أعضاء‬

‫النظام اإلقليمي‪ ،‬والسياسات التي تتبعها كل دولة إزاء الدول األخرى‪ ،‬والتحالفات التي‬

‫تدخلها يف إطار ذلك النظام‪.‬‬

‫د ‪ -‬بنية النظام اإلقليمي‪ :‬ال يعيش النظام اإلقليمي يف فراغ‪ ،‬وإنام ببيئة يتأثر هبا ويؤثر‬ ‫فيها‪ ،‬وتفرض عىل حركته حمددات وقيود ًا‪ ،‬وتتيح له فرص ًا‪ ،‬وهذه البيئة تتعلق بالعالقات‬

‫املتبادلة بني دول النظام اإلقليمي ذاته التي تتفاوت قوهتا يف ما بينها وبني دول ذلك النظام‬ ‫وبني الدول األخرى من خارج النظام اإلقليمي‪.‬‬

‫يرى كانتوري وشبيغل أن مفهوم النظام اإلقليمي يمكن استخدامه باعتباره أداة‬

‫منهجية لتحليل العالقات الدولية من خالل املهام التالية ‪: (1‬‬

‫‪ -‬إنه يقدم وحدة حتليل متوسطة بني النظام الدويل ومستوى الدولة‪ ،‬وبالتايل يق َّلل‬

‫من عدد الوحدات التحليلية (الدول) يف حتليل العالقات الدولية‪ ،‬حيث يقترص التحليل عىل‬ ‫وحدات النظام اإلقليمي فقط بد ً‬ ‫ال من تناول كل وحدات النظام الدويل‪.‬‬ ‫ يساعد املحللني السياسيني عىل التعرف إىل اخلصوصيات اإلقليمية لبعض الظواهر‬‫الدولية‪ ،‬وبالتايل يعطي فه ًام أعمق هلذه الظواهر من خالل التعرف إىل أسباهبا احلقيقية بد ً‬ ‫ال من‬

‫تعليقها عىل التدخالت اخلارجية من جانب القوى الدولية الكربى‪.‬‬ ‫)‪(17‬‬

‫‪Cantori and Spiegel, The International Politics of Regions; a Comparative‬‬ ‫‪Approach, pp. 4-5.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪23‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫‪ -‬يساعد الباحثني عىل التخصص والتعمق يف دراسة منطقة إقليمية معينة وحتليلها‪،‬‬

‫والتعرف إىل اخلصائص املشرتكة بني دول ذلك اإلقليم‪.‬‬

‫‪ -‬يساعد ‪ -‬من خالل حتليل العوامل املسيطرة يف إطار النظم الفرعية ويف داخل دول‬

‫تلك النظم ‪ -‬عىل تقديم فهم أوسع للتفاعالت التي حتدث داخل تلك النظم‪ ،‬وبالتايل داخل‬ ‫يتكون من جمموعة النظم الفرعية املختلفة‪.‬‬ ‫النظام الدويل باعتباره املجال الذي ّ‬

‫ يوفر‪ ،‬من خالل املقابلة بني النظم اإلقليمية املختلفة من حيث املكان‪ ،‬فه ًام للخصائص‬‫املميزة لكل إقليم وللتفاعالت السياسية بني أعضائه خالل حقبة زمنية معينة‪ .‬كأن نحلل ‪ -‬مث ً‬ ‫ال ‪-‬‬

‫املواقف التي اختذها كل من جملس التعاون اخلليجي واحتاد املغرب العريب يف مواجهة الغزو العراقي‬ ‫للكويت يف آب‪/‬أغسطس عام ‪ .1990‬كام يو ّفر‪ ،‬من خالل املقابلة بني النظام اإلقليمي الواحد‬ ‫خالل حقب تارخيية خمتلفة‪ ،‬فه ًام خللفيات التطورات والتفاعالت السياسية داخل ذلك اإلقليم‪،‬‬ ‫ومثال ذلك دراسة التطورات التي حلقت بالنظام العريب منذ قيام اجلامعة العربية حتى اآلن‪.‬‬

‫‪ -‬يساعد عىل فهم تفاعالت املستويات املختلفة يف النظام الدويل‪ ،‬وبخاصة العالقة بني‬

‫النظام املسيطر والنظم اإلقليمية الفرعية‪ ،‬لفهم حدود االخرتاق والتبعية وأسباب كل منهام‪.‬‬

‫النظام اإلقليمي والنظام الدويل‬

‫لعل من أبرز سامت النظام العاملي املعارص االجتاه نحو التكتل‪ .‬وإذا ما تأملنا خريطة‬

‫العامل‪ ،‬نجد أن الكثري من التكتالت اإلقليمية والدولية قد أنشئت هبدف حتقيق املكاسب‬ ‫االقتصادية والسياسية للدول األعضاء فيها‪ .‬ومثال ذلك تكتل اآلسيان‪ ،‬والنافتا‪ ،‬وجمموعة‬

‫اخلمس عرشة‪ ،‬والكوميسا‪ ،‬واملنظامت اإلقليمية مثل منظمة الوحدة األفريقية‪ ،‬وجامعة الدول‬ ‫العربية‪ ،‬وجمموعة عدم االنحياز‪ ،‬وجملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬وغريها‪.‬‬

‫وجود هذه التكتالت‪ ،‬والتفكري يف إقامة املزيد منها‪ ،‬جعال املراقبني يرددون أنه مل يعد‬

‫هناك مكان يف العامل لدول فرادى‪ ،‬وال بد ألي دولة تريد أن يكون هلا مكان يف النظام العاملي‬ ‫اجلديد أن توجد يف أحد هذه التكتالت‪.‬‬

‫وال يمكن النظر إىل هذه التكتالت عىل أساس أهنا ستحل مكان األمم املتحدة‪ ،‬بل‬ ‫باعتبارها أدوات مساعدة ومساندة لدور األمم املتحدة‪ ،‬وأن هناك تنسيق ًا مستمر ًا بينهام‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫إن التنسيق بني التكتالت أمر مطلوب‪ ،‬وجيب أن يقوم عىل االعرتاف باآلخر واملصالح‬

‫املتوازنة‪ ،‬وأن يتم توفري أرضية مشرتكة لكل األطراف من أجل العمل املشرتك والتخفيف من‬ ‫حدة التوتر بني القوى اإلقليمية املختلفة‪ .‬فالتنسيق بني التكتالت املختلفة رضورة تفرضها‬

‫ظروف الواقع العاملي املعارص يف ظل العوملة‪ .‬ألن هذه الظروف تقوم عىل أساس التفاعل‬ ‫والتخفيف من حدَّ ة الرصاع‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬حتى هذه اللحظة ال نستطيع القول إن فكرة التنسيق احت َّلت األولوية املالئمة‬

‫هلا لدى التكتالت املختلفة‪ ،‬فام زال األمر حيتاج إىل فكر سيايس جديد يتناسب مع الظروف‬ ‫السياسية اجلديدة لعاملنا املعارص‪ .‬والتكتالت اإلقليمية يف العامل الثالث يمكن أن تأخذ دور ًا‬ ‫أكثر إجيابية يف النظام العاملي إذا ما تم التوصل إىل إطار حيقق املصالح يف ما بينها ومع الدول‬

‫األخرى‪ ،‬وإذا ما متت ترمجة هذا اإلطار إىل برامج وسياسات عمل حمددة‪ .‬ويمكن يف هذا‬

‫الصدد أن نشري إىل جمموعة اخلمس عرشة باعتبارها إحدى التكتالت اإلقليمية التي قطعت‬ ‫شوط ًا يف هذا االجتاه‪ ،‬فقد نجحت يف بلورة رؤية متوازنة لألسس التي جيب أن تكون عليها‬ ‫بحيث حتقق املصالح املتبادلة واملتوازنة بينها‪ ،‬ويف الوقت نفسه تعرتف بأن هناك مسؤوليات‬

‫عىل دول اجلنوب جيب أن تضطلع هبا لكي يتحقق هذا التوازن‪ .‬ولكن اإلشكالية يف كيفية‬

‫ترمجة هذا إىل سياسات وبرامج عمل يمكن تنفيذها‪.‬‬

‫ومنذ تفكك االحتاد السوفيايت واهنيار جمموعة دول الكتلة الرشقية‪ ،‬حدث حتول مهم يف‬

‫طبيعة النظام العاملي‪ ،‬حيث أصبحت الواليات املتحدة هي القوة العظمى الوحيدة والقطب‬ ‫األوحد‪ ،‬عىل الرغم من وجود بعض القيود عىل حركة ذلك القطب نتيجة وجود قوى دولية‬ ‫أخرى هلا مصاحلها االقتصادية ونفوذها السيايس والعسكري الذي يصعب جتاهله‪ ،‬خصوص ًا‬

‫وترسخت فيه فكرة االعتامد املتبادل‪ ،‬أي أن‬ ‫أن الواقع العاملي املعارص شهد تطور ًا كبري ًا‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الدول كلها بحاجة إىل بعضها بعض ًا‪ ،‬بام يف ذلك الواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫نحن نعيش يف ظل نظام عاملي تقوده قوة عظمى رئيسة‪ ،‬وإىل جانبها جمموعة من القوى‬

‫الكربى التي ال ترقى إىل مستوى تلك القوة العظمى‪ ،‬ولكنها يف الوقت ذاته تستطيع بطريقة‬

‫أو بأخرى أن حتدّ من إمكانية استخدامها لعنارص قوهتا‪.‬‬

‫إن فكرة التكتالت اإلقليمية والدولية هي أداة إلدارة التفاعالت يف نطاق النظام العاملي‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪25‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫اجلديد‪ ،‬ومن هنا نفهم الرس يف وجود الواليات املتحدة يف العديد من التكتالت الدولية ذات‬

‫الطابع السيايس واالقتصادي والعسكري‪ ،‬ألهنا متثل أداة رئيسة من أدوات تسيري املعامالت‬

‫يف ظل النظام العاملي اجلديد‪.‬‬

‫وحول إمكانية أن تؤلف التكتالت اإلقليمية والدولية منافس ًا حمتم ً‬ ‫ال للقوى الدولية‬

‫الكربى‪ ،‬نجد أن هذا األمر ممكن من الناحية النظرية‪ ،‬ولكن عىل املستوى العميل مل حيدث أن‬ ‫نافست التكتالت اإلقليمية القوى الدولية الكربى‪ ،‬ولكن مع ذلك يمكن أن حيدث هذا التنافس‬

‫عىل املدى البعيد‪ ،‬وهو ما يتوقف عىل سلوك التكتالت وقدرهتا وحماولتها اخلروج من دائرة نفوذ‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬ألنه من دون ذلك لن يكون هناك جمال للحديث عن تنافس أو ما إىل ذلك‪.‬‬

‫يرى البعض أنه ال يمكن اجلزم بأن التكتالت اإلقليمية يمكن أن حتل حمل نظام‬

‫القطبية السابق؛ ألننا لو رجعنا بالذاكرة لوجدنا أنه حتى يف ظل نظام القطبية الثنائية كانت‬ ‫هناك تكتالت مثل تكتل حلف شامل األطليس وحلف وارسو‪ .‬ولكن هذه التكتالت قامت‬

‫عىل أساس القطبية‪ ،‬حيث كان حلف وارسو يتبع القطب الرشقي الرويس‪ ،‬بينام كان حلف‬ ‫شامل األطليس تابع ًا للقطب الغريب األمريكي‪ ،‬ووجد إىل جوار هذه التكتالت جمموعة عدم‬ ‫االنحياز‪ ،‬التي اكتفت بعدم االنخراط يف أي من التكتلني‪ ،‬وبالتايل مل تطرح نفسها كتلة منافسة‪،‬‬

‫أو مضادة ملا هو موجود من تكتالت‪.‬‬

‫أما اآلن‪ ،‬فهناك الكثري من التكتالت اإلقليمية يف خمتلف مناطق العامل‪ ،‬هذه التكتالت‬

‫مل تعد تقبل بنظام القطبية‪ ،‬واستطاعت أن جتتاز مرحلة االستقطاب احلاد السابقة‪ ،‬وحتاول‬

‫العمل عىل حتقيق مصاحلها بصورة مغايرة ملا كان وقت نظام القطبية السابق‪.‬‬

‫إن قدرة التكتالت اإلقليمية الصغرى عىل القيام بدور أكرب يف النظام الدويل ومنافسة‬

‫الدور األمريكي املهيمن تعتمد بصفة أساسية عىل درجة التعاون يف ما بني أعضاء هذه‬

‫التكتالت‪ ،‬ووجود مزيد من االعتامد عىل النفس‪ ،‬والتعامل مع التكتالت األخرى بدرجة‬

‫عالية من الندّ ية وليس التبعية هلا‪ ،‬وإدراك أن اإلجراءات التي ستتخذها التكتالت الكربى‬ ‫األخرى هتدف باألساس إىل إضعافها‪ ،‬مثل ما حدث لتكتل اآلسيان عندما تآمرت عليه‬

‫التكتالت اإلقليمية الكربى واستطاعت إجهاضه‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫من هنا‪ ،‬ال بد للتكتالت اإلقليمية أن تأخذ حذرها يف ذلك‪ ،‬وأن ُتعدّ عدّ هتا ملواجهة مثل‬

‫هذه اإلجراءات باختاذ إجراءات مضادة هلا‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫ال يقترص مصطلح نظام (‪ )System‬عىل جمال العالقات الدولية‪ ،‬أو حتى العلوم‬ ‫السياسية فقط‪ ،‬إنام هو مصطلح يمتد ليشمل املناحي احلياتية كافة التي تنطوي عىل‬ ‫جمموعة من املتغريات (‪ )Variables‬املرتابطة واملتسلسلة ‪. (1‬‬ ‫والنظام السيايس هو جمموعة من التفاعالت‪ ،‬وشبكة معقدة من العالقات اإلنسانية‪،‬‬

‫تتضمن عنارص القوة أو السلطة أو احلكم‪ .‬وهو باألساس بناء تصوري يستخدم ألغراض‬

‫التحليل والفهم للظاهرة السياسية ‪. (1‬‬

‫يطلق مصطلح النظام اإلقليمي عىل منطقة جغرافية حمددة تضم عدد ًا من الدول تتشابه‬

‫يف ما بينها بأمور عدة‪ ،‬سواء من الناحية اللغوية أم الثقافية أم الدينية‪ ،‬أم حتى من ناحية‬

‫شكل نظام احلكم السائد‪ .‬ويفرتض يف النظام اإلقليمي الواحد أن يكون حجم التفاعالت‬ ‫بني أعضائه‪ ،‬سواء أكانت رصاعية أم تعاونية‪ ،‬أكرب من حجم التفاعالت بني أي من الدول‬

‫األعضاء يف ذلك النظام ودول أخرى خارجة عن ذلك النظام‪.‬‬

‫ويشري النظام اإلقليمي‪ ،‬بصفته أحد مفاهيم العالقات الدولية‪ ،‬إىل نوعية من العالقات‬

‫والتفاعالت بني جمموعة من الدول الواقعة داخل إقليم جغرايف واحد‪ ،‬وبحيث ال تقل عن‬

‫ثالث دول ليس بينها القوى العظمى‪ ،‬كام يمكن القول إن قوة النظام اإلقليمي أو فاعليته‪ ،‬أي‬

‫ما ينطوي عليه من عالقات وتفاعالت‪ ،‬إنام يرتبط بمدى خضوع تلك العالقات أو التفاعالت‬ ‫لقواعد وقوانني منتظمة‪ ،‬ومعروفة سلف ًا‪ ،‬واملدى الذي تأخذ فيه األطراف باحلسبان هذه‬ ‫القواعد والقوانني عند رسم سياستها اإلقليمية‪ .‬كام تتحدد هذه القوة أو الفاعلية بتحقيق‬ ‫)‪(18‬‬

‫‪Morton A. Kaplan, System and Process in International Politics (New York: Wiley,‬‬ ‫‪1962), p. 4.‬‬

‫ ‪ (1‬حممد السعيد إدريس‪« ،‬النظام اإلقليمي للخليج العريب (‪( »،)1992-71‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1998 ،‬ص ‪.13‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪27‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫التكافؤ يف العالقة بني أطراف النظام‪ ،‬واالجتاه املتنامي لدى النظام ككل وألطرافه لتحقيق‬

‫حتسن مضطرد يف األداء واإلنجاز‪ ،‬وكذلك بمقدرة النظام عىل التكامل وإعالء الوالء لسلطة‬ ‫ّ‬ ‫سياسية واحدة داخل اإلقليم ككل‪ ،‬وتقليل السيادات اجلزئية لألطراف ‪. (2‬‬

‫والنظام اإلقليمي اخلليجي هو ذلك االمتداد اجلغرايف الذي يضم الدول الواقعة عىل‬ ‫سواحل اخلليج العريب‪ ،‬ويضم ك ً‬ ‫ال من العراق وإيران والسعودية والكويت واإلمارات‬

‫والبحرين وقطر وسلطنة عامن ‪. (2‬‬

‫وإذا ما طبقنا معايري النظم اإلقليمية عىل تلك املجموعة من الدول‪ ،‬نجد أن املعيارين‬

‫اجلغرايف والديني مها اللذان جيمعان بني تلك املجموعة فقط‪ ،‬أما معيار اللغة فنجد أن إيران‬ ‫خترج عن نطاق ذلك املعيار العتامدها اللغة الفارسية‪ ،‬خالف ًا للغة العربية التي جتمع بني الدول‬

‫السبع األخرى‪ ،‬عل ًام أن اللغة العربية قد طالت بعض أجزاء إيران‪ ،‬حيث إقليم عربستان الذي‬ ‫يطلق عليه األهواز ويضم سكان ًا يتحدثون العربية من بني كعب وبني متيم ‪. (2‬‬ ‫ختتلف تلك الدول من حيث نظام احلكم السائد فيها‪ ،‬فبخالف العراق وإيران‪ ،‬تحُ كم‬ ‫الدول الست األخرى بواسطة ُن ُظم حكم تقليدية حمافظة‪ ،‬تقوم عىل مبدأ توارث احلكم يف أبناء‬ ‫العائلة احلاكمة من دون غريها من فئات الشعب‪ ،‬نظم ملكية‪ .‬بينام يقوم نظام احلكم يف كل من‬

‫العراق وإيران عىل أساس النظام الرئايس اجلمهوري‪ ،‬عىل الرغم من اختالف توجهات كل‬ ‫منهام بني الراديكالية الثورية يف العراق والراديكالية الدينية يف إيران‪.‬‬

‫وإذا ما وضعنا إيران جانب ًا‪ ،‬فإن النظام اإلقليمي اخلليجي بمنزلة نظام فرعي للنظام‬ ‫اإلقليمي العريب العام‪ ،‬حيث إن الدول العربية اخلليجية أعضاء يف جامعة الدول العربية‪،‬‬ ‫وتشارك أعضاءها مهومهم وأفراحهم ‪. (2‬‬ ‫ ‪ (2‬أسامة الغزايل حرب‪« ،‬النظام العريب حتت التهديد‪ »،‬يف‪ :‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام‪،‬‬ ‫النظام االقليمى العريب‪ :‬الوضع الراهن وحتديات املستقبل (القاهرة‪ :‬املركز‪ ،)1987 ،‬ص ‪ ،236‬والتقرير االسرتاتيجي‬ ‫العريب‪( 1985 ،‬القاهرة‪ :‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام‪ ،)1986 ،‬ص ‪.150‬‬ ‫)‪(21‬‬

‫‪Liesl Graz, The Turbulent Gulf (London; New York: I. B. Tauris; New York:‬‬ ‫‪St. Martin’s Press, 1990).‬‬

‫ ‪ (2‬حممد عبد الغني سعودي‪« ،‬اخلليج بني مقومات الوحدة ورصاع القوى األعظم‪ »،‬جملة دراسات اخلليج‬ ‫واجلزيرة العربية‪ ،‬العدد ‪( 20‬ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪ ،)1979‬ص ‪.13‬‬

‫ ‪ (2‬خالد حممد أمحد املال‪« ،‬السياسة اخلارجية لدولة اإلمارات العربية املتحدة جتاه إيران خالل الفرتة ‪-1971‬‬

‫‪28‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وبالتايل‪ ،‬فإن النظام اإلقليمي اخلليجي إذا ما استُخدم فإنه يعبرّ عن مجلة التفاعالت‬ ‫واالرتباطات السكانية واجلغرافية والسياسية واالقتصادية التي تطورت عرب التاريخ احلديث‬ ‫واملعارص بني الدول الثامين املطلة عىل اخلليج العريب‪ ،‬ويمكن أن نطلق عليه لفظ «النظام‬ ‫اإلقليمي النفطي»؛ ملا تتميز به دوله من غنى بالنفط‪ ،‬حيث متلك دوله أكرب االحتياطات‬

‫النفطية يف العامل‪ ،‬فهي تضم يف أراضيها نحو ‪ 70‬يف املئة من إمجايل النفط الذي تم اكتشافه حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬عىل الرغم من أن مساحة ذلك اإلقليم ال تزيد عىل ‪ 4.5‬مليون كيلومرت مربع؛ أي ال‬

‫تتجاوز ‪ 4‬يف املئة من مساحة العامل‪ .‬إن مخس دول من دول اإلقليم‪ ،‬السعودية وإيران والعراق‬ ‫والكويت واإلمارات‪ ،‬هي الدول اخلمس األوىل من حيث االحتياطي النفطي الذي يتجاوز‬ ‫نحو مئة مليار برميل لدى كل دولة منها‪ ،‬وهو يف ازدياد يوم ًا بعد يوم ‪. (2‬‬

‫وهذا الغنى النفطي هلذه الدول مع الضعف العسكري وانخفاض الكثافة البرشية‬ ‫لدوله الصغرية جيعلها مطمع ًا للقوى الطامعة األخرى‪ ،‬ومركز ًا للرصاع حول ذلك املصدر‬

‫االقتصادي املهم‪ ،‬وهذا ما يفرس استهداف املنطقة من قبل القوى الكربى التي تعترب تلك‬ ‫املنطقة إحدى أهم املناطق املركزية يف اسرتاتيجيتها األمنية‪ ،‬وحماوالت التوازن العاملي‪,‬‬ ‫خصوص ًا بالنسبة إىل الواليات املتحدة األمريكية التي ظهر اهتاممها جلي ًا باملنطقة مع بوادر‬

‫ظهور النفط فيها‪ ،‬وهو أيض ًا ما جعل بريطانيا تبذل قصارى جهدها إلحكام سيطرهتا عىل‬ ‫اإلمارات اخلليجية التي وقعت حتت سيطرهتا منذ عامي ‪ ،1820 - 1819‬لتضمن أقىص‬

‫استفادة من الثروات النفطية التي بدأت تظهر يف أراضيها‪.‬‬

‫وإذا ما حاولنا تطبيق معايري النظم اإلقليمية عىل النظام اإلقليمي اخلليجي‪ ،‬نجد أهنا‬

‫تنطبق عىل ذلك النظام كام ييل ‪: (2‬‬

‫‪ -1‬إن النظام اإلقليمي اخلليجي وفق ًا هلذا التكوين يضم أكثر من ثالث وحدات‬

‫دولية‪.‬‬

‫‪( »،1992‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1998 ،‬ص ‪.60-59‬‬

‫ ‪ (2‬عبد اخلالق عبد اهلل‪« ،‬النفط والنظام اإلقليمي اخلليجي‪ »،‬املستقبل العريب‪ ،‬السنة ‪ ،16‬العدد ‪( 181‬آذار‪/‬‬ ‫مارس ‪ ،)1994‬ص ‪.5-4‬‬ ‫ ‪ (2‬حممد السعيد إدريس‪ ،‬النظام اإلقليمي للخليج العريب‪ ،‬سلسلة أطروحات الدكتوراة؛ ‪( 34‬بريوت‪ :‬مركز‬ ‫دراسات الوحدة العربية‪ ،)2000 ،‬ص ‪.32‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪29‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫‪ -2‬إن النظام اإلقليمي اخلليجي يتعلق بمنطقة جغرافية معينة‪.‬‬

‫‪ -3‬يربط بني دول اإلقليم جوار جغرايف يمتد من إيران إىل العراق فالسعودية والكويت‬

‫وباقي وحدات النظام الثامين‪.‬‬

‫‪ -4‬هناك درجة عالية من التجانس االجتامعي واالقتصادي والثقايف بني معظم دول‬

‫اإلقليم‪ ،‬وبخاصة الدول الست األعضاء يف جملس التعاون‪ .‬وربام يكون العراق أقرب من‬ ‫إيران من حيث درجة التجانس مع الدول الست هذه‪.‬‬

‫‪ -5‬هناك شبكة معقدة من التفاعالت السياسية واألمنية واالقتصادية والعسكرية بني‬

‫الدول أعضاء النظام اإلقليمي اخلليجي‪.‬‬

‫يمكن القول إن النظام اإلقليمي اخلليجي ال يتسم بالرضورة باالستقرار‪ ،‬فوجود ذلك‬

‫النظام ال يعني وجود االستقرار والتعاون واختفاء الرصاعات والنزاعات بني دوله‪ ،‬بل ربام‬

‫كانت حال الرصاع والتوتر‪ ،‬وليس األمن واالستقرار‪ ،‬هي السمة الغالبة لذلك النظام‪ ،‬كام هي‬ ‫احلال يف النظام اخلليجي والنظام العريب العام الذي وصفه البعض بأنه «ولد مأزوم ًا» ‪. (2‬‬ ‫مل يكن النظام اإلقليمي اخلليجي منذ والدته‪ ،‬وخالل املراحل املختلفة التي مر هبا‪،‬‬

‫بمنأى عن األطامع والتأثريات اخلارجية‪ ،‬لذا فإن منطقة اخلليج منذ أمد بعيد هي بؤرة من‬

‫بؤر التوتر والرصاع الساخن‪ ،‬سواء بني دوهلا التي ال ختلو عالقاهتا من رصاعات وخالفات‬ ‫حدودية وضع بذورها االستعامر‪ ،‬أم بني وحدات النظام والقوى اخلارجة عنه والطامعة فيه‪.‬‬

‫فهناك اخلالفات احلدودية بني الدول العربية اخلليجية وبعضها بعض ًا؛ مثل اخلالف‬

‫احلدودي بني العراق والكويت الذي انتهى بغزو العراق للكويت ثم حتريرها‪ ،‬وهناك اخلالف‬

‫احلدودي بني قطر والبحرين حول جزر حوار الذي أدى يف بعض األحيان إىل الرتاشق‬

‫احلدودي بني الدولتني‪ ،‬وهو ما تم حله عن طريق القضاء الدويل‪ ،‬كذلك هناك اخلالف‬ ‫احلدودي السعودي القطري الذي مل ُ‬ ‫خيل من إثارة التوترات بني البلدين من آن آلخر‪.‬‬

‫كذلك هناك اخلالفات احلدودية بني إيران وجاراهتا من الدول العربية يف اخلليج‪،‬‬ ‫وبخاصة العراق واإلمارات والبحرين‪ ،‬فمشكلة شط العرب بني العراق وإيران قادت‬ ‫ ‪ (2‬حممد السيد سعيد‪ ،‬مستقبل النظام العريب بعد أزمة اخلليج‪ ،‬عامل املعرفة‪( 253 ،‬الكويت‪ :‬املجلس الوطني‬ ‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،)1992 ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪30‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫البلدين إىل حرب رضوس استمرت زهاء العرش سنوات‪ ،‬استنزفت فيها الطاقات‬ ‫واملوارد اخلليجية‪ ،‬وفتحت الباب عىل مرصاعيه للتدخل اخلارجي‪ .‬وهناك املطالبات‬ ‫اإليرانية بالبحرين التي ال تعرتف إيران باستقالهلا وتعتربها جزء ًا من حدودها اإلقليمية‪.‬‬ ‫وهناك قضية اجلزر العربية الثالث‪ ،‬طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى‪ ،‬املحتلة‬ ‫من جانب إيران‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬فإن التهديد األمني لدول اخلليج ال يأيت من القوى االستعامرية الكربى فقط‪،‬‬ ‫وإنام قد يكون التهديد هتديد ًا إقليمي ًا داخلي ًا ينبع من داخل النظام اإلقليمي اخلليجي ذاته‪،‬‬ ‫فإيران هي مصدر هتديد فعيل لدول اخلليج‪ ،‬إذ ال تعرتف بالبحرين دول ًة‪ ،‬بل باعتبارها جزء ًا‬

‫من أراضيها‪ ،‬وال تعرتف باستقالل معظم الدول اخلليجية كام ورد عىل لسان قادة ثورهتا‬ ‫اإلسالمية بقيادة اخلميني‪ ،‬كام إهنا قامت فع ً‬ ‫ال باحتالل اجلزر اإلماراتية الثالث‪ ،‬وما زالت‬ ‫مستمرة يف عنادها واحتالهلا وهتديدها لألمن القومي اخلليجي‪ ،‬إيران متثل قوة ال يستهان‬

‫يؤهلها لتكون اخلطر‬ ‫هبا يف منطقة اخلليج‪ ،‬وهي متتلك من مكونات القوة العسكرية ما ّ‬ ‫اإلقليمي األول واألكرب عىل األمن القومي لدول اخلليج العريب‪ ،‬وهي حتتل موقع ًا اسرتاتيجي ًا‬

‫عىل ضفاف اخلليج العريب‪ ،‬وترشف عىل أطول مسافة للشواطئ الرشقية للخليج؛ وتقع عىل‬ ‫وعامن والكويت‪ ،‬وتتحكم يف‬ ‫اجلانب املقابل لكل من اإلمارات والسعودية وقطر والبحرين ُ‬

‫مضيق هرمز واملدخل الشاميل للخليج مع العراق والكويت‪ ،‬ومتتلك قوة برشية وعسكرية‬ ‫هائلة‪ ،‬ومساحة جغرافية شاسعة؛ إذ تشغل نحو ‪ 1.648.000‬كم‪ ،2‬ويزيد سكاهنا عىل‬ ‫اخلمسني مليون ًا‪ ،‬وهي أكرب قوة عسكرية يف املنطقة بعد العراق ‪. (2‬‬ ‫قبل الثورة اإلسالمية‪ ،‬كانت إيران حليف ًا قوي ًا وتابع ًا مطيع ًا للواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬

‫لذلك فإن الواليات املتحدة األمريكية مل تعارض احتالل إيران للجزر اإلماراتية الثالث‪ ،‬إال‬

‫أنه بعد قيام الثورة يف إيران‪ ،‬بدأت القطيعة يف العالقات مع الواليات املتحدة‪ .‬وبدأ النظام‬ ‫يتوجه بسياساته نحو منطقة اخلليج ويتبنى مبدأ أسلمة املنطقة من خالل ما‬ ‫اإلسالمي اجلديد َّ‬

‫رفعه قادته من شعارات «تصدير الثورة»‪ ،‬وعدم االعرتاف باستقالل الدول اخلليجية‪ .‬وعىل‬ ‫الرغم من أن إيران دعت إىل التعاون مع الدول اخلليجية لتحقيق األمن اخلليجي‪ ،‬فإهنا مل ِ‬ ‫ختف‬ ‫ ‪ (2‬حممد سعيد البادي‪« ،‬األمن الوطني لدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬من منظور احتادي وبعد خليجي‬ ‫وعريب‪( »،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬أكاديمية نارص العسكرية العليا‪ ،‬كلية الدفاع الوطني‪ ،)1992 ،‬ص ‪.151-150‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪31‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫مطامعها التارخيية يف البحرين‪ ،‬ومل ُ‬ ‫تأل جهد ًا يف دعم املحاوالت التخريبية التي جرت عىل‬ ‫األرايض البحرانية يف العام ‪ ،1996‬وما زالت قضية اجلزر اإلماراتية الثالث تنتظر احلل‪.‬‬

‫إن التهديدات التي يتعرض هلا النظام اإلقليمي اخلليجي ال تقترص عىل تلك التي تأتيه‬

‫من خارج اإلقليم فقط‪ ،‬بل هناك هتديدات تأتيه من الداخل‪ ،‬عىل الرغم من وجود قدر من‬ ‫العالقات التعاونية يف بعض املجاالت‪ .‬فالطابع العقائدي للنظام اإليراين اجلديد كان بمنزلة‬

‫هتديد حقيقي للدول اخلليجية األخرى إن مل يكن للعامل العريب واإلسالمي كله‪ ،‬فالنظام‬ ‫الشيعي يف إيران القائم عىل فكرة اإلمامة‪ ،‬مثَّل هتديد ًا ملعظم النُظم اإلسالمية العربية «الس َّنية»؛‬ ‫حيث ترى أهنا معرضة الجتياح أصويل إيراين‪ ،‬بل إن إيران مل ترفض اعتناق اإلرهاب ودعمه‬ ‫باعتباره سالح ًا لزعزعة االستقرار يف العديد من الدول العربية لتحقيق أهدافها ومطامعها‪،‬‬ ‫ولتفرض ُس َّلمها عىل املنطقة ‪. (2‬‬

‫إليران تصورها اخلاص بدورها اإلقليمي يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬وكذلك هلا نظريتها‬ ‫اخلاصة بحامية األمن اخلليجي‪ ،‬فهي تسعى ألن تكون الدولة القائدة يف اخلليج والعامل اإلسالمي‪،‬‬ ‫وتسعى إىل حتقيق أمنها القومي حتى وإن كان ذلك عىل حساب أمن الدول املجاورة؛ فعندما‬ ‫أقدمت عىل احتالل جزر اإلمارات الثالث‪َّ ،‬برر شاه إيران ذلك العمل بفكرة «حدود األمن»‬ ‫اإليراين‪ ،‬ثم جاء اخلميني ليفرض عىل الدول اخلليجية االعرتاف بدور إيران األمني يف املنطقة‬ ‫حتت شعار «مظلة األمن»‪ ،‬رغبة يف السيطرة السياسية والعقائدية عىل املنطقة‪ ،‬لذلك أدركت‬ ‫إيران أن سيطرهتا عىل مضيق هرمز ستحقق هلا الكثري من أهدافها يف محاية أمنها القومي‬ ‫اخلاص‪ ،‬ومل تلتفت إىل آراء الدول اخلليجية األخرى بشأن ما ترفعه من شعارات متس أمن‬ ‫الدول اخلليجية األخرى واستقالهلا‪ ،‬وما تقدم عليه من أفعال هتدف من خالهلا إىل أن تصبح‬ ‫القوة األوىل يف املنطقة‪ ،‬فأمن اخلليج وفق ًا للتصور اإليراين لن يتحقق من دون إيران ‪. (2‬‬ ‫يأيت العراق باعتبارها مصدر ًا آخر لتهديد األمن اخلليجي بعد إيران يف املنطقة‪ ،‬فعىل‬

‫الرغم من أن العراق خيتلف عن إيران يف كونه دولة عربية تنتمي إىل العامل العريب الذي تنتمي‬ ‫‪Karen A. Feste, The Iranian Revolution and Political Change in the Arab World,‬‬ ‫)‪(28‬‬ ‫‪Emirates Center for Strategic Studies and Research, Occasional Papers; no. 4 (Abu Dhabi:‬‬ ‫‪Emirates Center for Strategic Studies and Research, 1996), pp. 8-16.‬‬

‫ ‪ (2‬وليد حممود عبد النارص‪« ،‬األبعاد اإلقليمية ألمن اخلليج بعد احلرب العراقية واإليرانية‪ »،‬السياسة الدولية‪،‬‬ ‫العدد ‪( 95‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،)1989‬ص ‪.182-178‬‬

‫‪32‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫إليه الدول اخلليجية الست األخرى بخالف إيران‪ ،‬فإن ذلك مل يعفه من أن يكون مصدر ًا إقليمي ًا‬ ‫لتهديد األمن القومي لتلك الدول الصغرية‪ ،‬وقد ظهر ذلك اخلطر جلي ًا يف إقدام العراق عىل‬ ‫وضمها‪ ،‬وهتديد أرايض السعودية واإلمارات العربية‬ ‫مغامرة غزو الكويت واحتالل أراضيها‬ ‫َّ‬ ‫املتحدة‪ ،‬ومن هنا أثار الغزو عالمة استفهام كربى حول خماطر التهديد القادمة من العراق‬

‫ألمن الدول اخلليجية الصغرى‪.‬‬

‫حتى قبل الثاين من آب‪/‬أغسطس‪ ،‬كان التصور أن خماطر هتديد األمن اخلليجي تأيت من‬

‫اخلارج أو من إيران التي ظلت منذ ثورهتا وخالل حرهبا مع العراق املصدر األسايس اإلقليمي‬ ‫للتهديد األمني‪ .‬لكن بعد الغزو العراقي للكويت‪ ،‬بدأ يظهر العراق بوصفه مصدر ًا حمتم ً‬ ‫ال‬

‫للخطر عىل األمن اخلليجي؛ حيث مل تكن الكويت وحدها هي املستهدفة من الغزو العراقي‪،‬‬

‫بل كان الدور ينتظر أن يشمل اإلمارات والسعودية‪ ،‬ودليل ذلك أن الرسالة التي وجهها‬ ‫وزير اخلارجية العراقي إىل األمني العام للجامعة العربية قبل الغزو كانت تشمل اإلمارات إىل‬ ‫جانب الكويت باعتبارها سبب ًا يف األزمة االقتصادية التي تواجه العراق‪.‬‬ ‫وباألسلوب نفسه‪ ،‬فإن املقابلة بني مقومات القوة العراقية وتلك املتوافرة للدول اخلليجية‬

‫جمتمعة هي ملصلحة العراق‪ ،‬كام كانت ملصلحة إيران من قبل‪ ،‬وعىل الرغم من هزيمة العراق‬ ‫يف حرب حترير الكويت‪ ،‬فإن بقاءه مصدر ًا حمتم ً‬ ‫ال للتهديد هو أمر ما زال قائ ًام‪ ،‬عىل الرغم من‬ ‫االحتياطات األمنية التي اختذهتا الدول اخلليجية بعد احلرب؛ مثل إعالن دمشق‪ ،‬واالتفاقات‬

‫األمنية التي عقدهتا بعض الدول اخلليجية مع الواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا وفرنسا ‪. (3‬‬ ‫من هنا يمكننا القول إن النظام اإلقليمي اخلليجي هو يف حد ذاته ليس نظام ًا آمن ًا ألمن الدول‬

‫اخلليجية الست الصغرى‪ ،‬بل إنه نظام حيمل بني طياته احتامالت التهديد‪ ،‬نتيجة الفارق الكبري بني‬ ‫مقومات القوة‪ ،‬السياسية واالقتصادية والعسكرية واجلغرافية‪ ،‬بني كل من الدول اخلليجية الست‬

‫ومصادر التهديد اإلقليمي العراق وإيران‪ ،‬وهو ما سوف يظهر لنا يف املبحث التايل‪.‬‬

‫ال أحد يستطيع أن جيزم بأن حرب حترير الكويت ستكون هي آخر احلروب العنيفة يف‬

‫تلك املنطقة‪ ،‬حيث إن منطقة نفطية وغنية واسرتاتيجية مثل منطقة اخلليج ستكون باستمرار‬ ‫ ‪ (3‬عزت عبد الواحد‪« ،‬إدارة األزمة ىف السياسة اخلارجية املرصية‪ :‬دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية‪-1990 ،‬‬ ‫‪( »،1991‬رسالة ماجستري غري منشورة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1994 ،‬ص ‪.291-290‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪33‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫عرضة للتدخالت اخلارجية التي تستغل التوترات وتؤجج اخلالفات من أجل اإلبقاء عىل‬ ‫هيمنتها وسيطرهتا عىل املنطقة‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬إن الغزو العراقي للكويت وتداعياته قد أثار مسألة األمن اخلليجي‬

‫بشكل ملح‪ ،‬وأصبح تعبري أمن اخلليج بمعناه السيايس يعني أمن الدول اخلليجية الست أعضاء‬

‫جملس التعاون بالتحديد‪ ،‬وأصبح عىل كل من هذه الدول أن يكون هلا رأهيا اخلاص يف أمنها‬ ‫وأمن املنطقة‪ ،‬فبدأت تتجه إىل خارج الدائرة اإلقليمية والعربية للبحث عن أمنها بإجياد صيغ‬

‫للتعاون األمني مع الواليات املتحدة وبريطانيا وفرنسا‪ ،‬وهو ما قامت به كل من الكويت وقطر‬ ‫والبحرين‪ ،‬ويف الوقت الذي رأت فيه السعودية أن أمن اخلليج هو مسؤولية خليجية بالدرجة‬

‫األوىل‪ ،‬وال مانع من وجود عريب‪ ،‬نجد سلطنة ُعامن ترى اخليار اخلليجي اإليراين هو أساس‬ ‫األمن يف املنطقة‪ ،‬أ َّما اإلمارات فهي ال تشجع وجود قوات غري عربية عىل أراضيها ‪. (3‬‬

‫ثالث ًَا‪ :‬مفهوم الدور اإلقليمي‬

‫نشأ مفهوم الدور يف أحضان علم االجتامع‪ ،‬حيث ارتبط أساس ًا بالدراسات السيكولوجية‬

‫واالجتامعية‪ .‬وبدأت حماوالت االستفادة منه يف دراسة السلوك السيايس اخلارجي للدول‬

‫وتفسريه ‪. (3‬‬

‫يف واقع األمر‪ ،‬إن العديد من املفكرين األوائل حاولوا حتديد ما هو املقصود بالدور‪،‬‬

‫واألبعاد املتعلقة به‪ ،‬والظواهر السياسية واالجتامعية املرتبطة به‪.‬‬

‫يقصد بالدور باعتباره مفهوم ًا «جمموعة السلوكيات املتوقعة اجتامعي ًا واملرتبطة بوظيفة‬

‫معينة»‪ .‬إذن يتحدد مفهوم الدور من تلك الوظيفة التي تقوم هبا الدولة يف حميطها الدويل‪ .‬ومن‬

‫ثم فإن العالقة بني دور الدولة أو الوحدة السياسية وحميطها اخلارجي هي عالقة ذات أمهية‬ ‫حمورية يف حتديد دور الدولة أو الوحدة السياسية‪ ،‬حيث إن التطورات والتغريات التي حتدث‬

‫ ‪ (3‬مصطفى علوي‪« ،‬ترتيبات األمن يف اخلليج بعد احلرب‪ »،‬يف‪ :‬مصطفى كامل السيد‪ ،‬حتى ال تنشب حرب‬ ‫عربية وعربية أخرى (القاهرة‪ :‬جامعة القاهرة‪ ،‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪ ،)1992 ،‬ص ‪.674‬‬ ‫‪Joseph Frankel, Contemporary International Theory and the Behaviour of States‬‬ ‫)‪(32‬‬ ‫‪(London; New York: Oxford University Press, 1973), pp. 83-85.‬‬

‫‪34‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫يف تلك البيئة أو املحيط اخلارجي تلقي بظالهلا وتأثرياهتا السلبية أو اإلجيابية عىل دور الدولة‪،‬‬ ‫وهتيئ له الفرص وحتدُّ ه بالقيود وفق ًا الجتاه التغري‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتحدد دور الدولة تالي ًا‪ ،‬بمجموعة من املتغريات السياسية واالقتصادية واجلغرافية‬

‫والتارخيية‪ ،‬باإلضافة إىل املتغريات القيادية وما يرتبط هبا من مفاهيم إدراكية حول دور الدولة‬ ‫خارجي ًا عىل الصعيدين اإلقليمي والدويل‪ ،‬كام إن السياسات الداخلية تنعكس بدورها عىل‬ ‫دور الدولة خارجي ًا‪.‬‬

‫إن طبيعة النظام السيايس والقدرات املتاحة للدولة اقتصادي ًا وجغرافي ًا وعسكري ًا‬

‫واملوروثات التارخيية وطبيعة القيادة السياسية حتدَّ د رؤية الدولة يف حميطها اإلقليمي والدويل‪،‬‬ ‫وهذا من شأنه أن يقودنا إىل القول إن هذا الدور أيض ًا حتدده جمموعة من املتغريات اخلارجية‬ ‫املتعلقة بطبيعة النظام اإلقليمي والدويل‪ ،‬ومستوى الضغوط التي تتعرض هلا الدولة يف حميطها‬

‫اإلقليمي والدويل‪ ،‬وقدرة الدولة عىل املناورة واحلركة‪ ،‬وكلها عوامل تؤثر يف‪ ،‬بل وحتدد‪ ،‬دور‬ ‫الدولة‪.‬‬

‫إذ ًا دور الدولة أو وظيفتها يف جماهلا اإلقليمي والدويل حتددمها جمموعة من املتغريات‬

‫الداخلية واإلقليمية والدولية التي تعمل باعتبارها حمددات هلذا الدور‪.‬‬

‫والدور‪ ،‬كام يرى علم االجتامع‪ ،‬هو وظيفة وأنموذج منظم للسلوك ضمن جمموعة من‬

‫النشاطات االجتامعية‪ ،‬وكل دور أو وظيفة له صلة باألدوار والوظائف األخرى‪ .‬بمعنى أن دور‬ ‫الدولة ووظيفتها يف النظام اإلقليمي والدويل إنام يرتبطان بطبيعة األدوار والوظائف التي تؤدهيا‬

‫الدول األخرى يف إطارها اإلقليمي والدويل‪ .‬وبالتايل تتحدَّ د فاعلية هذا الدور‪ ،‬بل إن التفاعل‬ ‫بني األدوار والوظائف املختلفة قد يوجد دور ًا من العدم‪ ،‬وقد يقيض عىل دور قائم ‪. (3‬‬

‫وتستوجب التغريات التي حتدث يف النظام الدويل واإلقليمي للوحدة اإلقليمية‬ ‫تغري ًا مماث ً‬ ‫ال يف دور تلك الوحدة ملواجهة ذلك التغري‪ ،‬وهذه التغريات الدولية قد حتد من‬ ‫تأثري بعض العوامل يف حتديد دور الدولة‪ ،‬وقد تزيد من تأثري عوامل أخرى‪ ،‬فمث ً‬ ‫ال التغري‬ ‫ ‪ (3‬مجال زهران‪« ،‬تأثري العوامل اخلارجية عىل الدور اإلقليمي ملرص‪ »،‬يف‪ :‬عبد املنعم املشاط‪ ،‬حمرر‪ ،‬الدور‬ ‫اإلقليمي ملرص يف الرشق األوسط (القاهرة‪ :‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪ ،)1995 ،‬ص ‪ .104-103‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪35‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫اجلوهري الذي حدث يف مفاهيم السياسة الدولية التي استندت عالقاهتا وتفاعالهتا لنحو‬ ‫من أربعة قرون إىل اجلغرافيا السياسية (‪ ،)Geo-Polotics‬ثم حتولت خالل العقدين‬ ‫املاضيني لتستند إىل اجلغرافيا االقتصادية (‪ ،)Geo-Economic‬إن ذلك أدى إىل التقليل‬ ‫ وليس إهناء ‪ -‬من تأثري اعتبارات اجلغرافيا السياسية يف حتديد دور الدولة‪ ،‬وازدياد تأثري‬‫اعتبارات اجلغرافيا االقتصادية يف حتديد ذلك الدور‪ ،‬نتيجة التغريات اإلقليمية والعاملية‬ ‫التي تدفع نحو الرتكيز عىل أمهية العوامل االقتصادية يف إدارة دفة العالقات الدولية‪.‬‬ ‫ساد مفهوم اجلغرافيا السياسية باعتباره مفهوم ًا أساسي ًا يف العالقات الدولية لفرتة‬

‫طويلة‪ ،‬ومفاده أن دور الدولة القومية وأمنها القومي يتحددان بموقعها اجلغرايف‪ ،‬وبالتايل‬ ‫أمهية املتغري اجلغرايف سواء أكان أحد عنارص قوة الدولة أم حمدد ًا للعالقات الدولية‪ .‬لذا فقد‬

‫روج له‬ ‫سيطر عىل مفاهيم دراسة السياسات الدولية ما عرف بمبدأ «احلتمية اجلغرافية» الذي ّ‬ ‫اجليوبوليتكيون األملان يف حماولة لتربير التوسع األملاين آنذاك أمثال راتزل‪ ،‬ثم ظهرت نظرية‬

‫ماهان األمريكي وماكيندر الربيطاين‪ ،‬كام سادت تلك الرؤية يف ظل منظومة فكرية متكاملة‬

‫عبرّ ت عن نفسها يف مدرسة القوة‪ ،‬وبعض أشكال مدرسة النظم يف العالقات الدولية التي‬ ‫ركزت عىل التوازن وتوازن القوى والقطبية والقطبية الثنائية بصفتها عوامل مستقلة وأساسية‬ ‫يف حتديد العالقات بني األمم والشعوب‪ ،‬وكذلك بني الدول‪.‬‬

‫وعىل سبيل املثال‪ ،‬نجد أن هانز مورجانثو يف حتليله القوة يف السياسة الدولية حيدد أهداف ًا‬

‫ثالثة تتصارع حوهلا الدول‪ ،‬وهي تعبرّ عن الدور الذي تبحث عنه كل وحدة دولية‪:‬‬ ‫ احلفاظ عىل األمر القائم من دون تغيري (دعم الوضع الراهن)‪.‬‬‫ التوسع االستعامري وزيادة القوة (اإلمربيالية)‪.‬‬‫‪ -‬دعم املكانة األدبية والسياسية للدولة يف املجتمع الدويل‪.‬‬

‫وبالتايل‪ ،‬فإن سياسات الدول وأهدافها اخلارجية تكون موجهة إما للحفاظ عىل ما هو‬

‫متاح لدهيا بالفعل من مقدرات القوة‪ ،‬وبالتايل تثبيت دورها الدويل من دون تغيري‪ ،‬أو مضاعفة‬

‫هذه املقدرات ملضاعفة دورها الدويل‪ ،‬أو استظهار قوهتا بصورة عملية‪ ،‬وذلك لكسب نفوذ‬

‫تستخدمه يف حتقيق أهدافها ودعم دورها ومكانتها‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ويف ظل مفاهيم اجلغرافيا السياسية‪ ،‬تصبح أهداف السياسة اخلارجية واألمن القومي‬

‫هي احلفاظ عىل بقاء الدولة وتكاملها اإلقليمي‪ ،‬ومحاية قيمها العليا من العدوان اخلارجي‪،‬‬ ‫وتعظيم مصاحلها القومية األخرى ‪. (3‬‬

‫أما اجلغرافيا االقتصادية‪ ،‬فتمثل مفهوم ًا أكثر تعقيد ًا‪ ،‬حيث إن بقاء الدولة ومحاية تكاملها‬ ‫اإلقليمي ليسا موضوع التهديد اخلارجي لألمن القومي أو للنيل من مكانتها العاملية واإلقليمية‪،‬‬ ‫وإنام حالتها االقتصادية ومتاسكها االجتامعي وقدرهتا عىل مواجهة املنافسة االقتصادية‪ ،‬وهذا‬ ‫املفهوم يعكس أيض ًا منظومة فكرية أخرى نظرت إىل النظام الدويل بطريقة أكثر تعقيد ًا من‬ ‫جمرد التفاعالت بني الدول القومية وحكوماهتا حول الظواهر السياسية واألمنية املتعلقة ببقاء‬ ‫الدول وسالمتها اإلقليمية‪ ،‬حيث أدخلت فواعل أخرى إىل نسق التفاعل التي تؤلف النظام‪،‬‬ ‫ورفضت التأكيد عىل أبعاد الرصاع والتنافس داخله فقط‪َّ ،‬‬ ‫وأكدت أنامط التعاون واالعتامد‬ ‫املتبادل يف النظام الدويل ‪. (3‬‬ ‫هنا يكون التفاعل والتكامل بني األدوار املختلفة للدول والفواعل األخرى كالرشكات‬ ‫عابرة القومية واملنظامت الدولية واإلقليمية هو أمر أسايس يف ظل عامل جعلته الثورة‬ ‫التكنولوجية واالتصاالت قرية صغرية‪ ،‬وأصبحت احلدود السياسية بني الدول وبني ما هو‬ ‫داخيل وما هو خارجي حدود ًا مائعة‪ ،‬أو حتى ومهية‪.‬‬ ‫ومن العوامل األخرى التي حتدد دور الدولة‪ ،‬إدراكات القادة السياسيني هلذا الدور‪،‬‬

‫فكام يرى هريمان وروزناو وكيجيل‪ ،‬إن الدور يعني إدراك ص ّناع السياسة اخلارجية ملواقع‬ ‫بلداهنم يف النظام الدويل ‪. (3‬‬

‫ ‪ (3‬ملزيد من التفاصيل عن تلك اجلزئية‪ ،‬انظر‪ :‬أمحد‪ ،‬يوسف وحممد زبارة‪ ،‬مقدمة يف العالقات الدولية (القاهرة‪:‬‬ ‫األنجلو املرصية‪ ،)1985 ،‬ص ‪ 39-37‬و‪49-48‬؛ اسامعيل صربي مق ّلد‪ ،‬نظريات السياسة الدولية‪ :‬دراسة حتليلية‬ ‫مقارنة (الكويت‪ :‬جامعة الكويت‪ ،)1982 ،‬ص ‪68-61‬؛ عبد املنعم سعيد‪« ،‬من اجلغرافيا السياسية إىل اجلغرافيا‬ ‫االقتصادية‪ :‬التغيري يف دور مرص الدويل واإلقليمي‪ »،‬يف‪ :‬املشاط‪ ،‬حمرر‪ ،‬الدور اإلقليمي ملرص يف الرشق األوسط‪ ،‬ص‬ ‫‪ ،12-11‬و‬

‫‪Hans Joachim Morgenthau’ Politics among Nations; the Struggle for Power and Peace, 2nd ed. rev.‬‬ ‫‪and enl. (New York: Knopf, [1954]), and Power and Ideology in International Politics (New York‬‬ ‫‪Free Press, 1961), pp. 170-177.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ ‪ (3‬سعيد‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.13-12‬‬ ‫‪Charles F. Hermann, Charles W. Kegley, Jr. and James N. Rosenau, eds., New‬‬ ‫)‪(36‬‬ ‫‪Directions in the Study of Foreign Policy (Boston: Allen and Unwin, [1986]), p. 271.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪37‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫وللقيادة السياسية ‪ -‬وبالتحديد رئيس الدولة ‪ -‬دور رئيس وحاسم يف عملية صنع‬ ‫القرار اخلارجي وحتديد معامل دور الدولة خارجي ًا‪ ،‬ويزداد هذا التأثري بشكل أكرب يف النظم‬ ‫الشخصانية غري املؤسساتية‪ ،‬حيث يسيطر رئيس الدولة عىل مؤسسات احلكم‪ ،‬ويرتبط ببقائه‬

‫النظام السيايس للدولة‪ ،‬وهو النمط السائد يف دول احلزب الواحد ودول العامل الثالث؛ حيث‬ ‫الغياب الواضح لدور املؤسسات‪ ،‬وغلبة الطابع الشخيص للحكم‪.‬‬

‫من ثم‪ ،‬إن فهم اخلريطة اإلدراكية للقائد السيايس يف هذه النظم يساعد ‪ -‬إىل حد كبري‬ ‫الص ُعد كافة‪ ،‬فالعوامل الشخصية يف تلك النظم تؤدي دور ًا‬ ‫‪ -‬عىل حتليل دور الدولة خارجي ًا عىل ُ‬

‫حاس ًام يف رسم الدور اإلقليمي والدويل للدولة وتنفيذه‪ ،‬ويزداد أثر املتغريات الشخصية واخلريطة‬ ‫اإلدراكية لصانع القرار كلام زادت سلطات اختاذ القرار التي يتمتع هبا القائد‪ ،‬وحيث تقل القيود‬ ‫املفروضة داخلي ًا عىل سلطاته‪ ،‬ومن ثم تقل قوى املعارضة لسياساته الداخلية واخلارجية‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬تزداد هذه العوامل تأثري ًا كلام كانت املواقف اخلارجية التي تواجه صانع القرار‬

‫مواقف غري روتينية‪ ،‬مثل مواقف احلرب واألزمات الدولية؛ حيث تقل دائرة صنع القرار‬ ‫اخلارجي وتزداد سلطات القائد السيايس‪ ،‬كام حيدث ذلك أيض ًا كلام اتسمت مواقف السياسة‬ ‫اخلارجية بالغموض وعدم التوقع ووجود معلومات متناقضة‪ ،‬وبالتايل تقل املعارضة للخيار‬ ‫الذي يتبناه القائد السيايس ‪. (3‬‬

‫إن اختالف النظم السياسية يلقي بظالله وتأثرياته عىل الدور الذي يمكن أن يقوم به‬ ‫القائد السيايس يف رسم سياسة الدولة اخلارجية وقيادة حركتها السياسية‪ ،‬فالقائد السيايس يعبرّ‬ ‫من خالل دوره عن جمموعة أهداف ومصالح النظام‪ ،‬ويوظف مؤسساته خلدمة هذه املصالح‪.‬‬ ‫كذلك يتحرك القائد السيايس إقليمي ًا ودولي ًا يف ضوء املتغريات املحيطة باملوقف وطبيعة إدراكه‬ ‫هلا‪ ،‬وتعامله معها بام ينسجم وموقع دولته يف النسق الدويل‪ ،‬وقدرته عىل التأثري يف هذا النسق‬ ‫عرب اختيار البديل املناسب يف مواجهة املواقف التي يتضح فيها مستوى دور الدولة‪ ،‬وذلك من‬ ‫خالل أساليب عدة يلجأ إليها؛ فقد يكون اختياره من خالل حتليل اجلوانب املختلفة للموقف‬ ‫الدويل واإلقليمي‪ ،‬أو اعتامد ًا عىل إدراكه للموقف‪ ،‬واعتامد ًا عىل اجلوانب املعرفية للقائد ‪. (3‬‬ ‫ ‪ (3‬ويد جنسن‪ ،‬تفسري السياسة اخلارجية‪ ،‬ترمجة حممد بن أمحد املفتي وحممد السيد سليم (الرياض‪ :‬جامعة‬ ‫امللك سعود‪ ،)1989 ،‬ص ‪ .19-15‬‬ ‫ ‪ (3‬حممد السيد سليم‪ ،‬حتليل السياسة اخلارجية ([القاهرة]‪ :‬جامعة القاهرة‪ ،‬مركز البحوث والدراسات‬

‫‪38‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫يشري البعض إىل أن دور الدولة القومي يمر عرب مراحل عدة‪ ،‬هي ‪: (3‬‬ ‫(التعرف إىل أبعاد املوقف الدويل وجوانبه)‪.‬‬ ‫‪ -1‬مرحلة استكشاف املوقف‬ ‫ّ‬

‫‪ -2‬مرحلة حتديد الدور القومي للدولة يف ضوء الثوابت التي عىل أساسها تُرسم‬

‫السياسة اخلارجية‪.‬‬

‫‪ -3‬مرحلة تكييف الدور القومي مع طبيعة املتغريات املحيطة بالبيئة أو املؤثرة يف القدرات‬ ‫املادية واملجتمعية لدولة صانع القرار‪ ،‬بمعنى أن يكون دور الدولة مكافئ ًا للموقف‪.‬‬

‫‪ -4‬مرحلة حتديد القيمة التي تقرتن بالدور‪ ،‬فإذا ما تم فهم النظام الدويل أو اإلقليمي‬ ‫بوصفه بناء اجتامعي ًا‪ ،‬فإن كل أمة ستمثل مواقع اجتامعية عدة‪ ،‬أو أدوار ًا إقليمية ودولية‬

‫قياس ًا عىل األمم األخرى‪ ،‬وبالتايل فإن الدور القومي سيتحدد يف ضوء إدراك ص ّناع السياسة‬ ‫اخلارجية ملواقع بلداهنم إقليمي ًا ودولي ًا‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬تكمن مقومات الدور يف طبيعة األهداف واملصالح كام يدركها ص ّناع القرارات‪،‬‬

‫وهذه النظرة لدور الدولة تربط بني النزعات اخلاصة يف السياسة اخلارجية للدول والتفسريات‬ ‫البيئية‪ ،‬حيث تكمن أصول السياسة اخلارجية يف التفاعل بني املتغريات الذاتية اخلاصة بصنع‬ ‫القرار واملوقف اخلارجي والبيئة املحيطة‪.‬‬

‫يعتمد دور الدولة إقليمي ًا بشكل أو بآخر عىل طبيعة العالقات اإلقليمية والدولية‪،‬‬

‫وعىل طبيعة األدوار األخرى التي تؤدهيا القوى األخرى يف املحيط اإلقليمي والدويل للوحدة‬

‫السياسية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن لنمط توزيع القوة يف النظام اإلقليمي دوره يف حتديد أبعاد الدور الذي‬ ‫يمكن أن تؤديه الدولة وفق ًا ملا متلكه من قدرات مادية وجمتمعية‪ ،‬ووفق ًا ملا يسمح به ذلك‬ ‫النمط للدولة من حرية للحركة‪ ،‬أو ما يفرضه عليها من قيود حتد من حركتها إقليمي ًا ودولي ًا‪،‬‬ ‫لذا نجد أن هناك طبقات أو مراتب لألدوار اإلقليمية والدولية‪ ،‬وهناك أدوار رئيسة وأدوار‬

‫تابعة‪ ،‬وهناك أدوار قيادية وأدوار ثانوية‪ ،‬ولكل نظام إقليمي دولة قائدة متارس فيه الدور‬ ‫األسايس‪ ،‬تليها أدوار أخرى أقل تأثري ًا‪ ،‬ومثال ذلك الدور القائد ملرص يف النظام اإلقليمي‬ ‫العريب‪ ،‬والدور القائد للسعودية يف النظام اإلقليمي اخلليجي‪.‬‬

‫السياسية‪ ،)1989 ،‬ص ‪.481-450‬‬

‫ ‪ (3‬احلديثي‪ ،‬سياسة باكستان اإلقليمية‪ ،1994-1971 ،‬ص ‪.43-42‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪39‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫خالصة القول‪ :‬إن وظيفة الدولة أو دورها يف إطارها اإلقليمي إنام يتحددان بناء‬

‫عىل جمموعة من املحددات‪ ،‬بعضها يتعلق بمدركات القائد السيايس واملتغريات الشخصية‬ ‫واجلوانب املعرفية‪ ،‬وبعضها اآلخر يتعلق بالقدرات املادية واملجتمعية للدولة موضوع الدور‪،‬‬ ‫وأخري ًا هناك عوامل تتعلق بالبيئة اإلقليمية والدولية لتلك الدولة؛ مثل نمط العالقات اإلقليمية‬ ‫والدولية السائدة‪ ،‬ونمط توزيع القوة يف ذلك النظام‪ ،‬وطبيعة األدوار الدولية األخرى‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬إمكانات القوة يف النظام اإلقليمي اخلليجي‬ ‫ال شك يف أن قوة الدولة وطبيعة عالقاهتا يف حميطها اإلقليمي والدويل‪ ،‬حتددان بشكل‬ ‫كبري الدور الذي تؤديه تلك الدولة عىل مرسح احلياة السياسية إقليمي ًا ودولي ًا‪ .‬وتربز قوة‬

‫الدولة بمقدار تفاعل عنارص هذه القوة ومكانتها‪ .‬فكلام حدث تغيرّ يف القدرات املكونة هلذه‬ ‫القوة َتغيرّ تبع ًا لذلك حجم قوة الدولة ودورها وفاعليتها عىل مرسح األحداث ‪. (4‬‬ ‫يعترب مفهوم القوة من املفاهيم الرئيسة يف العلوم االجتامعية‪ ،‬بل إن البعض يرى أن أي‬

‫فعل اجتامعي هو يف جوهره ممارسة للقوة‪ .‬وهذه الرؤية هي نتيجة؛ ألن عالقات القوة تتخلل‬ ‫بشكل واضح كل جمتمع من املجتمعات‪ ،‬وكذلك يف العالقات بني الدول‪ .‬فلكل دولة أهداف‬ ‫واسرتاتيجيات تسعى إىل حتقيقها إقليمي ًا ودولي ًا‪ ،‬بل وداخلي ًا‪ .‬وهذا يتطلب توافر عنارص قوة‬

‫معينة حتى تستطيع الدولة أن حتقق ما تصبو إليه ‪. (4‬‬

‫مفهوم قوة الدولة أو ظاهرة القوة السياسية بشكل عام هو من املفاهيم املعقدة التي‬

‫أدىل ك ُث ٌر من املفكرين والفالسفة ورجاالت الدولة بدلوهم فيها لتحديد أبعادها ومكوناهتا‬

‫يف كل العصور‪ ،‬فقد ربط أرسطو بني قوة الدولة واحتادها وقيامها بوظيفتها األساسية املتمثلة‬ ‫يف السعي نحو كفالة حياة ِ‬ ‫رغدة ملواطنيها وحتقيق االكتفاء الذايت‪ .‬وهذا قد يستدعي أن تدخل‬ ‫الدولة يف رصاع مع الدول األخرى من أجل البقاء وحتقيق أهدافها وأهداف مواطنيها‪ ،‬األمر‬ ‫ ‪ (4‬صالح بن عبد العزيز القنيعري‪« ،‬السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب‪1979 ،‬‬ ‫– ‪( »،1995‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬أكاديمية نارص العسكرية العليا‪ ،‬كلية الدفاع الوطني‪ ،)1988 ،‬ص ‪.24‬‬

‫ ‪ (4‬راجع تلك الرؤية‪ ،‬يف‪ :‬فاروق يوسف‪ ،‬القوة السياسية‪ :‬اقرتاب واقعي من الظاهرة السياسية‪ ،‬ط ‪( 2‬القاهرة‪:‬‬ ‫مكتبة عني شمس‪ ،)1985 ،‬ص ‪.7-6‬‬ ‫‪40‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫الذي يستلزم السعي نحو مزيد من قوهتا ‪. (4‬‬ ‫يرى ماكس فيرب أن القوة هي احتامل قيام شخص ما يف عالقات اجتامعية بتنفيذ رغباته عىل‬

‫الرغم من مقاومة اآلخرين‪ .‬وبغض النظر عن األساس الذي يقوم عليه ذلك االحتامل‪ ،‬تتعدد‬ ‫مقومات القوة وركائزها وختتلف من موقف إىل آخر نتيجة اختالف أساس ممارسة تلك القوة‪.‬‬

‫ويرى كل من هارولد السويل وابراهام كابالن أن القوة «تعني املشاركة يف صنع‬

‫القرارات املهمة يف املجتمع»؛ كام قال هانز مورجانثو‪ :‬إن القوة هي «القدرة عىل التحكم يف‬

‫أفكار وأفعال اآلخرين» ‪. (4‬‬

‫و ُيعتَرب مودلسكي من أبرز الذين تناولوا مفهوم قوة الدولة‪ ،‬حيث يعرفها بأهنا «قابلية‬

‫الدولة يف استخدام الوسائل املتوافرة لدهيا من أجل احلصول عىل سلوك ترغب يف أن تتبعه‬ ‫الدول األخرى»‪.‬‬

‫وترى مارجريت بال أن القوة هي «القدرة عىل حتقيق األهداف‪ ،‬سواء أكان ذلك بوسائل‬

‫سياسية أم اقتصادية أم نفسية‪ ،‬أم أي وسائل أخرى»‪ ،‬ومن ثم فإن قوة الدولة هي القدرة عىل‬ ‫صنع أو صياغة السياسة القومية‪ .‬أما نيكوالس سبيكامن‪ ،‬فريى أن قوة الدولة هي «املقدرة‬

‫عىل كسب احلرب» ‪. (4‬‬

‫ومن املعارصين‪ِ َّ ،‬‬ ‫يعرف اللواء أمحد فخر قوة الدولة بأهنا‪« :‬ناتج القوة والضعف‬

‫للمكونات األساسية للقدرة االقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية واالجتامعية‪ ،‬وهي‬ ‫حمصلة قدرات الدولة يف حتقيق مصاحلها والتأثري يف غريها» ‪. (4‬‬

‫وعىل هذا‪ ،‬يكمن مضمون عالقات القوة يف توافر اإلمكانات لدى الدولة التي تستطيع‬ ‫ ‪ (4‬فؤاد حممد شبل‪ ،‬الفكر السيايس‪ :‬دراسات مقارنة للمذاهب السياسية واالجتامعية (القاهرة‪ :‬اهليئة املرصية‬ ‫العامة للكتاب‪ ،)1974 ،‬ص ‪.126-125‬‬ ‫ ‪ (4‬يوسف‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.16-14‬‬ ‫ ‪ (4‬نق ً‬ ‫ال عن‪ :‬مجال زهران‪ ،‬توازن القوى بني العرب وإرسائيل بني حريب ‪( 1973 – 1967‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬ ‫مدبويل‪ ،)1988 ،‬ص ‪.35-34‬‬

‫‪.232‬‬

‫ ‪ (4‬عمر الفاروق السيد رجب‪ ،‬قوة الدولة‪ :‬دراسات جيوسرتاتيجية (القاهرة‪ :‬مكتبة مدبويل‪ ،)1992 ،‬ص‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪41‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫من خالهلا ممارسة نفوذ عىل دولة أخرى‪ ،‬أو أكثر بام يتفق ورغبات الدولة األوىل‪ ،‬ومن ثم فإن‬

‫مفهوم القوة ال خيرج عن كونه عالقة نفوذ من طرف يف مواجهة طرف أو أطراف أخرى يف حلظة‬ ‫ما‪ ،‬أو عرب فرتة زمنية ممتدة يف جمال حمدد أو يف جماالت عدة‪ .‬وحيث تشتمل الدولة عىل عدد‬

‫من العوامل املكونة لقوهتا‪ ،‬كاملوقع اجلغرايف االسرتاتيجي والقدرات السياسية واالقتصادية‬ ‫والعسكرية واالجتامعية والسكانية‪ ،‬إضافة إىل العوامل املعنوية كاإلرادة القومية واألهداف‬

‫االسرتاتيجية والقدرة الدبلوماسية‪ ،‬فقوة الدولة تكمن يف قدرهتا عىل توظيف تلك العوامل‬ ‫واملكونات جمتمعة‪ ،‬وبنسب خمتلفة وفق ًا للظرف الدويل واإلقليمي‪ ،‬بام ّ‬ ‫يمكنها من التأثري إقليمي ًا‬

‫وعاملي ًا‪ ،‬أي إهنا توظف إمكاناهتا املادية واملعنوية خلدمة أهدافها ومصاحلها العليا‪.‬‬

‫هيدف هذا املبحث إىل التعرف إىل تلك اإلمكانات التي حتدد قوة الدولة التي متتلكها‬

‫جمموعة الدول العربية املكونة للنظام اإلقليمي اخلليجي مقابلة بام متتلكه إيران من مقومات‬ ‫التعرف إىل نمط توزيع القوة يف ما بني إيران وتلك الدول‪ ،‬ومدى التوازن‬ ‫قوة‪ ،‬حتى نستطيع ّ‬ ‫واالختالل القائم يف ما بينها وبني الدول العربية يف النظام اإلقليمي اخلليجي‪.‬‬ ‫ويف هذا الصدد نتناول جمموعة العنارص واملكونات اآلتية‪:‬‬ ‫ املوقع اجلغرايف واملساحة‪.‬‬‫ الطبيعة الديمغرافية(السكانية)‪.‬‬‫ عنارص القدرة االقتصادية‪.‬‬‫‪ -‬القدرات العسكرية‪.‬‬

‫‪ -1‬املوقع اجلغرايف واملساحة‬

‫إن البيئة اجلغرافية ألي نظام سيايس هي أحد مصادر قوة أو ضعف ذلك النظام‪ ،‬ومن‬ ‫ثم فهي متثّل إ َّما إضافة أو خص ًام من مفردات القوة لذلك النظام‪ .‬فالبيئة اجلغرافية بعنارصها‬ ‫املختلفة من موقع ومساحة وتضاريس تؤثر بشكل مبارش أو غري مبارش يف صياغة الدولة‬ ‫سياساهتا اخلارجية‪ ،‬وبالتايل تعمل باعتبارها أحد حمددات قوة دور الدولة اخلارجي‪ .‬فبيئة‬ ‫الدولة اجلغرافية حتدد املجال احليوي حلركتها السياسية اخلارجية‪ ،‬وحتدد ‪ -‬إىل حد كبري ‪-‬‬ ‫ماهية التهديد املوجه إىل أمنها ومصادره‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ويف هذا اإلطار سادت العالقات الدولية جمموعة من نظريات السياسة اخلارجية‬

‫التي تقول بالتأثري املبارش للجغرافيا يف سياسة الدول اخلارجية وقدرهتا عىل بناء قوهتا الربية‬

‫والبحرية؛ وهو ما ُعرف بنظريات اجلغرافيا السياسية لكل من ماهان وماكيندر وراتزل األملاين‬ ‫الذي قال باحلتمية اجلغرافية ‪. (4‬‬

‫بدأت تلك النظريات التي قالت باحلتمية التارخيية بالرتاجع مع التطور التقاين يف‬

‫جمال االتصاالت واملعلومات؛ حيث أصبح العامل قرية صغرية‪ ،‬ومل تعد اجلغرافيا هي املحدد‬

‫رواد تلك املدرسة‪ .‬إذ أصبح العامل قرية صغرية‪،‬‬ ‫األسايس للسياسة اخلارجية للدول‪ ،‬كام طرح ّ‬ ‫وأصبحت احلدود بني ما هو داخيل وما هو خارجي حدود ًا مائعة‪ّ ،‬‬ ‫وقل ‪ -‬إىل حد كبري ‪-‬‬ ‫تأثري املوقع واملساحة يف السياسة اخلارجية للدول‪ ،‬ومن ثم تراجع العامل اجلغرايف من موقع‬

‫العامل الرئيس واحلتمي إىل كونه أحد العوامل املهمة التي ال يمكن إمهاهلا عند حتليل السياسة‬ ‫اخلارجية للدول‪ ،‬أو عند قياس قوة الدولة يف إطارها اإلقليمي والعاملي ودورها‪.‬‬

‫ال شك يف أن املوقع اجلغرايف قد يمثل موقع محاية ودفاع طبيعيني يزيد من قدرة الدولة‬ ‫عىل محاية حدودها‪ ،‬وبخاصة إذا كان يغلب عىل تضاريسها احلدودية الطبيعة اجلبلية والوعرة‪،‬‬ ‫األمر الذي جيعل من الصعب اخرتاق حدود الدولة بر ّي ًا‪ ،‬يف الوقت الذي جتعل الطبيعة السهلية‬ ‫حلدود الدولة ذلك االخرتاق أمر ًا يسري ًا نسبي ًا‪ .‬والتجربة املرصية يف اليمن‪ ،‬والسوفياتية يف‬ ‫أفغانستان‪ ،‬دليل حي عىل صحة ذلك القول‪.‬‬ ‫وكلام ازدادت مساحة الدولة ازداد عمقها الدفاعي‪ ،‬وهذا من شأنه أن جيعل عملية الدفاع‬ ‫الذايت أسهل‪ ،‬كام إن ازدياد رقعة مساحة الدولة يتيح هلا قدر ًا أكرب من املوارد الطبيعية التي تساعد‬

‫الدولة عىل بناء اقتصادها وقوهتا العسكرية‪ .‬عىل الرغم من أن ذلك الوضع قد يغري الدول‬ ‫الطامعة يف تلك الثروة‪ ،‬خصوص ًا إذا كانت تلك الدولة ال متلك إمكانات الدفاع عن نفسها‪.‬‬ ‫إن املوقع اجلغرايف املتميز ملنطقة اخلليج العريب وما حتويه أراضيها من ثروات نفطية‬ ‫حباها اهلل هبا جعال هذه املنطقة مطمع ًا للعديد من القوى الطامعة يف الثروة االقتصادية واملوقع‬ ‫ ‪ (4‬حممد طه بدوي‪ ،‬مدخل إىل علم العالقات الدولية‪ ،‬ط ‪( 3‬القاهرة‪ :‬املكتب املرصي احلديث‪ ،)1976 ،‬ص‬ ‫‪ ،142-137‬وحممد حممود خليل‪« ،‬األمن القومي العريب املرصي وحرب أكتوبر‪( »،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬أكاديمية نارص‬ ‫العسكرية العليا‪ ،‬كلية الدفاع الوطني‪ ،)1985 ،‬ص ‪.36-35‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪43‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫االسرتاتيجي‪ ،‬وصارت املنطقة حمور ًا تدور حوله الكثري من األحداث العاملية‪ .‬فمنطقة اخلليج‬ ‫تتميز من الناحية االسرتاتيجية بكوهنا تتوسط العامل القديم‪ ،‬ومتر هبا أشهر الطرق التجارية‬ ‫التي تربط أوروبا بالرشقني األدنى واألقىص‪ ،‬ويكتنز يف جوفها أكرب نسبة احتياطي من النفط‬

‫العاملي‪ .‬كل ذلك دفع القوى الكربى إىل التنافس عىل هذه املنطقة‪.‬‬

‫يقع اخلليج العريب يف جنوب غرب قارة آسيا‪ ،‬عىل شكل ذراع مائية يتصل طرفها اجلنويب‬ ‫بخليج ُعامن‪ ،‬فالبحر العريب‪ ،‬فاملحيط اهلندي‪ .‬وينحرص بني خطي عرض ‪ 30-24‬شام ً‬ ‫ال‪،‬‬

‫وخطي طول ‪ 57-48‬رشق ًا‪ ،‬ويبدو اخلليج مثل بحرية راكدة مغلقة يف ما عدا منفذ بحري‬ ‫واحد بعرض أربعني كيلومرت ًا هو مضيق هرمز الذي يربط اخلليج بالعامل‪.‬‬ ‫ومتتلك العربية السعودية أكرب مساحة يف املنطقة‪ ،‬تليها إيران‪ ،‬بينام حتتل البحرين املساحة‬

‫األصغر بني دول النظام اإلقليمي اخلليجي‪ .‬ويبلغ إمجايل مساحة منطقة اخلليج بدوهلا الثامين نحو‬

‫‪ 4.47‬مليون كيلومرت مربع‪ .‬وتتميز إيران عن باقي دول املنطقة بأهنا متتلك أكرب سواحل عىل اخلليج‬

‫العريب بطول ألف ومئتي كيلومرت‪ ،‬تليها اإلمارات‪ ،‬فالسعودية‪ ،‬بينام يعترب العراق أقل تلك الدول‬ ‫امتالك ًا للسواحل البحرية عىل اخلليج العريب‪ ،‬حيث ال تتعدى سواحله مخسة عرش كيلومرت ًا‪.‬‬ ‫إضافة إىل إرشاف إيران عىل سواحل اخلليج العريب وبحر ُعامن‪ ،‬فإهنا تتميز بموقع‬ ‫اسرتاتيجي أتاح هلا حدود ًا مشرتكة مع االحتاد السوفيايت السابق‪ ،‬كام إن إرشافها عىل مضيق‬ ‫هرمز ّ‬ ‫يمكنها من السيطرة عىل املالحة الدولية يف اخلليج إىل املياه املفتوحة‪ ،‬ما يضيف إليها‬ ‫ودها‪ ،‬وتتفادى‬ ‫مصدر ًا من مصادر القوة‪ ،‬وجيعل كل الدول الكربى تسعى إىل خطب َّ‬ ‫االصطدام هبا بقدر اإلمكان‪.‬‬

‫إن وجود حدود مبارشة بني إيران وعدد من الدول اخلليجية‪ ،‬ويف ظل غياب عالقات‬ ‫الود والتفاهم‪ ،‬يكسب العالقات بينها وبني تلك الدول طابع ًا رصاعي ًا‪ ،‬وجيعل من إيران عامل‬ ‫هتديد أمني‪ ،‬خصوص ًا بعد احتالهلا جزر اإلمارات الثالث‪ ،‬وقيام الثورة اإلسالمية وما طرحته‬ ‫من شعارات خاصة بعدم استقالل بعض الدول اخلليجية‪.‬‬

‫ويوضح اجلدول التايل القدرات واإلمكانات اجلغرافية لدول النظام اإلقليمي اخلليجي‪،‬‬ ‫متضمن ًا املساحة وطول الساحل البحري لكل منها عىل اخلليج العريب‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪.‬اجلدول رقم (‪)1-1‬‬

‫اإلمكانات اجلغرافية لدول النظام اخلليجي‬ ‫الدولة‬

‫طول الساحل عىل اخلليج‬ ‫العريب (كلم)‬

‫نسبة طول‬ ‫الساحل يف املئة‬

‫‪120‬‬

‫‪4‬‬

‫‪.‬املساحة‬ ‫‪2‬‬ ‫كلم‬ ‫‪ 77‬ألف ًا‬

‫‪1.7‬‬

‫‪0.4‬‬

‫‪ 450‬ألف ًا‬

‫‪10‬‬

‫اإلمارات‬

‫‪800‬‬

‫العراق‬

‫‪15‬‬

‫البحرين‬

‫‪90‬‬

‫عُ امن‬

‫‪24‬‬

‫‪600‬‬

‫‪.‬نسبة املساحة‬ ‫يف املئة‬ ‫‪0.1‬‬

‫الكويت‬

‫‪200‬‬

‫‪2.6‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ 300‬ألف‬ ‫‪ 17‬ألف ًا‬

‫‪0.3‬‬

‫السعودية‬

‫‪550‬‬

‫‪16‬‬

‫‪ 2.2‬مليون‬

‫‪49‬‬

‫اإلمجايل‬

‫‪3355‬‬

‫‪ 4.47‬مليون‬

‫‪100‬‬

‫قطر‬

‫إيران‬

‫‪380‬‬ ‫‪1200‬‬

‫‪11‬‬

‫‪ 11‬ألف ًا‬

‫‪36‬‬

‫‪ 1.6‬مليون‬

‫‪100‬‬

‫‪6‬‬

‫‪0.2‬‬ ‫‪35‬‬

‫املصدر‪ :‬عبد اخلالق عبد اهلل‪« ،‬النظام اإلقليمي اخلليجي‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 114‬ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪ ،)1993‬ص ‪.23‬‬

‫إن الوضع دول النظام اخلليجي اجلغرايف قد أسهم يف حالة من عدم االستقرار السيايس‬

‫واألمني يف املنطقة‪ ،‬من خالل نزاعات احلدود العديدة التي ثارت بني دول النظام‪ ،‬فدولة مثل‬ ‫السعودية مرتامية األطراف نشأت بينها وبني معظم دول النظام اخلليجي نزاعات حول احلدود‪،‬‬

‫مثل النزاع مع كل من‪ :‬إيران‪ ،‬الكويت‪ ،‬العراق‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬اليمن‪ ،‬قطر‪ ،‬وسلطنة ُعامن‪ .‬كذلك‬ ‫هناك النزاع القطري البحراين الذي ُح ّل قضائي ًا‪ ،‬والنزاع اإلمارايت ‪ -‬اإليراين حول اجلزر الثالث‬ ‫املغتصبة‪ ،‬والنزاع الذي ثار بني دولة اإلمارات العربية املتحدة وسلطنة ُعامن حول واحة الربيمي‪.‬‬

‫املكونة لدولة اإلمارات‪ .‬والنزاع العراقي‬ ‫بل إن هناك نزاعات داخلية نشبت بني اإلمارات السبع ّ‬ ‫ الكويتي الذي انتهى بالغزو عام ‪ ،1990‬وكانت له نتائج وتداعيات سلبية ما زالت دول‬‫وشعوب املنطقة تعاين آثارها وتدفع فاتورة حساهبا‪ ،‬وقبله النزاع حول شط العرب بني العراق‬

‫وإيران الذي أسفر عن حرب دامت نحو ثامين سنوات‪ ..‬إلخ‪ ،‬وكلها من الدالئل التي تؤكد أن‬

‫املعطيات اجلغرافية اخلليجية أسهمت يف حالة عدم االستقرار السيايس واألمني يف املنطقة‪.‬‬

‫‪ -2‬الرتكيبة السكانية‬

‫يمثل السكان أساس ًا برشي ًا للنمو االقتصادي وبناء القوة الدولة العسكرية‪ ،‬وبخاصة إذا‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪45‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫ارتبط ذلك األساس بتوافر املوارد الطبيعية والقدرة التكنولوجية الالزمة لالستفادة من ذلك‬

‫احلجم السكاين‪.‬‬

‫والتوازن بني عدد السكان واملوارد الطبيعية مطلوب‪ ،‬وإال مثّل التزايد السكاين عبئ ًا‬

‫ثقي ً‬ ‫ال عىل االقتصادات الوطنية‪ ،‬كام إن توافر املوارد الطبيعية من دون وجود حجم سكاين‬

‫مناسب وقوة عسكرية حتميه جيعل الدولة عرضة لألطامع اخلارجية من دون رادع‪.‬‬

‫تعترب إيران أكرب دول النظام اخلليجي من حيث عدد السكان‪ ،‬فتفوقها العددي وقوهتا ال‬

‫تضاهيهام أي قوة أخرى داخل النظام اخلليجي‪ .‬فهي تتفوق عىل الدول اخلليجية جمتمعة من‬

‫حيث عدد السكان‪ ،‬حيث يبلغ عدد سكاهنا نحو ثالثة أضعاف عدد سكان العراق‪ ،‬ومخسة‬ ‫أضعاف سكان اململكة العربية السعودية‪ ،‬أما باقي الدول اخلليجية فأعداد سكاهنا ال تكاد‬

‫تذكر باملقابلة مع إيران‪ .‬وتتوقع بعض املصادر أن يصل عدد سكان إيران عام ‪ 2025‬إىل نسبة‬ ‫‪ 67‬يف املئة من العدد اإلمجايل لسكان النظام اإلقليمي اخلليجي‪ .‬ويوضح اجلدول التايل تطور‬ ‫أعداد السكان خالل الفرتة ‪.2001-1995‬‬

‫ويف إطار الرتكيبة االجتامعية لسكان دول النظام اخلليجي‪ ،‬تتميز دول جملس التعاون‬

‫اخلليجي الست برتكيبة سكانية فريدة من نوعها؛ بسبب حجم اهلجرات السكانية الداخلية‬ ‫التي أوجدت عالقات إنسانية متداخلة وروابط اجتامعية متشابكة أشد التشابك‪ ،‬أو بسبب‬

‫جتسدت بشكل تدفق أعداد كبرية من السكان الوافدين من‬ ‫اهلجرة إىل أماكن إنتاج النفط التي ّ‬ ‫كافة اجلنسيات ومن خارج النظام اإلقليمي اخلليجي‪.‬‬

‫كان هذا التدفق نتيجة طبيعية ملرحلة االنتقال التي مرت هبا تلك الدول من النظام‬

‫القبيل التقليدي إىل جمتمع الدولة احلديثة‪ ،‬بام حيمله ذلك االنتقال من حتول يف أنامط اإلنتاج‬ ‫والعالقات اإلنتاجية التي حتتاج إىل أيد عاملة ومهارات وخربات فنية وإدارية ال متلكها تلك‬ ‫الدول‪ ،‬ومن ثم كان رضوري ًا استجالب تلك املهارات واخلربات من اخلارج ملواجهة الطفرة‬ ‫النفطية التي متر هبا‪ ،‬عىل الرغم مما حتمله تلك اهلجرات من مشكالت اجتامعية وأمنية‪ ،‬ومشاعر‬ ‫ضد وحدوية نتيجة وجود عاملة أجنبية وآسيوية هاجرت إىل تلك الدول‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪.‬اجلدول رقم (‪)2-1‬‬

‫تطور عدد السكان يف النظام اإلقليمي اخلليجي‬ ‫‪1995‬‬

‫‪1996‬‬

‫‪1997‬‬

‫‪2001‬‬

‫الدولــــــة‬ ‫العربية السعودية‬

‫‪18.801.588‬‬

‫‪19.344.556‬‬

‫‪20.001.487‬‬

‫‪22.024.000‬‬

‫الكويت‬

‫‪1.801.797‬‬

‫‪1.894.362‬‬

‫‪1.979.689‬‬

‫‪1.974.000‬‬

‫‪490.132‬‬

‫‪505.826‬‬

‫‪522.023‬‬

‫‪744.000‬‬

‫دولة اإلمارات‬ ‫سلطنة عامن‬ ‫قطر‬

‫البحرين‬

‫العراق‬ ‫إيران‬

‫‪2.411.041‬‬

‫‪2.131.000‬‬ ‫‪577.684‬‬

‫‪19.890.000‬‬ ‫‪61.528.050‬‬

‫‪2.479.000‬‬ ‫‪2.214.720‬‬ ‫‪598.625‬‬ ‫‪---‬‬

‫‪---‬‬

‫‪2.624.000‬‬

‫‪2.255.609‬‬ ‫‪620.378‬‬ ‫‪--‬‬‫‪---‬‬

‫‪2.369.000‬‬ ‫‪2.553.000‬‬ ‫‪63.4.000‬‬

‫‪22.676.000‬‬ ‫‪65.620.000‬‬

‫املصدر‪ :‬جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬األمانة العامة‪ ،‬النرشة اإلحصائية ([الرياض]‪ :‬مركز املعلومات‪ ،‬إدارة‬ ‫اإلحصاء‪ ،)1999 ،‬ص ‪ ،4-3‬و‬

‫‪Anthony H. Cordesman, The Gulf Military Balance and Saudi Arabia (Washington DC: Center‬‬ ‫‪for Strategic and International Studies, 2001), p. 1.‬‬

‫تساهم هذه الرتكيبة االجتامعية بدورها يف عدم استقرار النظام اإلقليمي اخلليجي‪ ،‬كام‬ ‫إن التفوق العددي اإليراين يمثل ضغط ًا ديمغرافي ًا ال يتناسب مع املعطيات السكانية السائدة‬ ‫يف النظام اخلليجي‪ ،‬ويؤكد اخللل القائم يف التوزيع السكاين داخل النظام اخلليجي‪ .‬فعىل سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬نجد أن عدد سكان إيران يساوي مخس ًا وعرشين مرة عدد سكان دولة اإلمارات العربية‬

‫املتحدة‪ ،‬كام إنه يساوي مئة وعرش مرات عدد سكان دولة قطر ‪.‬‬

‫إذ ًا‪ ،‬تتسم القاعدة السكانية يف النظام اإلقليمي اخلليجي بعدم التجانس الديمغرايف‪،‬‬ ‫وتعاين اختال ً‬ ‫ال واضح ًا يف التوزيع ملصلحة إيران‪ ،‬وهذا ما جعل دولة مثل الكويت عاجزة عن‬ ‫جماهبة غزو تقوم به دولة أخرى تفوقها عدد ًا وعتاد ًا مثل العراق‪ ،‬كام جعل دولة مثل اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة عاجزة عن اختاذ عمل عسكري مضاد إليران السرتداد اجلزر الثالث التي‬

‫استولت عليها تلك األخرية‪ .‬وهذا من شأنه أن يسهم يف عدم االستقرار السيايس واألمني‬ ‫يف املنطقة ‪. (4‬‬

‫ ‪ (4‬عبد اهلل‪« ،‬النفط والنظام اإلقليمي اخلليجي‪ »،‬ص ‪.38-34‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪47‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫‪ -3‬عنارص القدرة االقتصادية‬

‫إن توافر املوارد االقتصادية يف حد ذاته من دون إمكانات تسمح باستغالهلا استغال ً‬ ‫ال‬ ‫أمثل ال يمثل مصدر قوة‪ ،‬عىل الرغم من كونه يمثل أساس ًا هلا‪ ،‬لذلك عىل كل دولة أن تسعى‬ ‫إىل استغالل ما حباها اهلل به من موارد وثروات اقتصادية استغال ً‬ ‫ال سلي ًام لتحويلها إىل قوة‬ ‫حقيقية تستطيع معها التأثري يف جمريات األمور الدولية عىل الصعيد االقتصادي‪ ،‬كام إن امتالك‬ ‫الدولة لتلك املوارد جيعلها مطمع ًا لآلخرين‪ ،‬لذلك ال بد أن يواكب هذه املوارد امتالك القوة‬ ‫العسكرية القادرة عىل محايتها‪ ،‬كام إن عالقات التكامل االقتصادي واالستفادة املتبادلة عىل‬ ‫املستويني اإلقليمي والدويل أمران رضوريان لدرء األطامع اخلارجية ‪. (4‬‬

‫يؤدي االقتصاد دور ًا مه ًام يف حتديد قوة الدول‪ ،‬بل إن القوى االقتصادية يف عامل اليوم هي‬

‫القوى املؤثرة يف الساحة الدولية‪ ،‬بعد أن تراجعت األداة العسكرية ملصلحة األداة االقتصادية‬ ‫يف إدارة العالقات الدولية والسياسات اخلارجية‪ ،‬وبعد أن انتهى نظام القطبية الثنائية واحلرب‬ ‫الباردة وما ارتبط هبام من نظام لتوازن القوى‪ ،‬ليحل حمله نظام توازن املصالح‪ ،‬يف ظل عامل‬

‫االعتامد املتبادل السائد يف النظام الدويل احلايل‪ ،‬وإن كان هذا ال يقلل من أمهية القوة العسكرية‬ ‫بأي حال من األحوال‪.‬‬

‫تشمل قوة الدولة االقتصادية عدد ًا من العنارص الرئيسة ‪: (4‬‬ ‫‪ -1‬الناتج املحيل اإلمجايل‪.‬‬

‫‪ -2‬نصيب الفرد من الناتج املحيل اإلمجايل‪.‬‬ ‫‪ -3‬الصادرات كنسبة مئوية من الواردات‪.‬‬ ‫‪ -4‬نسبة األرض الصاحلة للزراعة‪.‬‬ ‫‪ -5‬إنتاج الطاقة الكهربائية‪.‬‬ ‫‪ -6‬إنتاج النفط‪.‬‬

‫‪ -7‬إنتاج الغاز الطبيعي‪.‬‬ ‫ ‪ (4‬سعيد محد احلساين‪« ،‬تطور العالقات بني دولة اإلمارات العربية املتحدة وإيران‪ :‬دراسة حالة ملشكلة اجلزر‬ ‫الثالث‪( »،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة قناة السويس‪ ،‬كلية التجارة‪ ،)1999 ،‬ص ‪.39-38‬‬ ‫ ‪ (4‬القنيعري‪« ،‬السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب‪ »،1995 – 1979 ،‬ص ‪.34-33‬‬

‫‪48‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ -8‬نسبة التضخم‪.‬‬

‫‪ -9‬معدل نمو الناتج املحيل‪.‬‬

‫والنظام اخلليجي يمكن أن يطلق عليه «النظام النفطي»؛ حيث حبا اهلل دوله بالثروة‬ ‫النفطية التي أخذت تتدفق من أراضيه بكميات كبرية جد ًا‪ ،‬فقد وصل إمجايل إيرادات الدول‬

‫الثامين من النفط خالل الفرتة من ‪ 1973‬وحتى عام ‪ 1993‬نحو ألفني ومخسمئة مليار دوالر‬

‫(‪ 2.5‬تريليون دوالر)‪ ،‬وهذه الثروة النفطية هي التي جعلت ذلك النظام يشهد جمموعة من‬ ‫التغريات احلضارية واملادية‪ ،‬نقلت تلك النظم من طور النظم القبلية الريعية إىل دول حديثة‬ ‫متكاملة‪ ،‬كام إن هذه الثروة هي ذاهتا املسؤولة عن كل الرصاعات التي دارت وتدور بني دول‬

‫ذلك النظام حول احلدود والتخوم املشرتكة الحتواء أراضيها عىل النفط‪ ،‬كام إن هذه الثروة قد‬ ‫جعلت من هذه الدول حمط ًا لألطامع اخلارجية‪.‬‬ ‫ويساهم النفط وحده بنحو ‪ 80‬يف املئة من صادرات تلك الدول‪ ،‬و‪ 90‬يف املئة من‬

‫مصدر عمالهتا األجنبية‪ ،‬ونحو ‪ 40‬يف املئة من الناتج القومي اإلمجايل فيها‪ ،‬مع العلم أن تلك‬

‫الدول عمدت إىل عدم االعتامد عىل النفط وحده‪ ،‬وسعت إىل تنويع مصادر الدخل القومي؛‬ ‫فاجتهت إىل زيادة مسامهة القطاعات اإلنتاجية األخرى‪ ،‬خصوص ًا القطاع الصناعي‪ ،‬وبدت‬ ‫تلك الدول قادرة عىل متويل خمتلف مرشوعات التنمية االقتصادية واالجتامعية ومرشوعات‬

‫الرعاية الصحية والتعليمية‪ ،‬األمر الذي أدى إىل حتقيق درجة عالية من الرفاهية االقتصادية‬

‫للمواطنني‪ ،‬وازداد مستوى اإلنفاق االستهالكي اخلاص واحلكومي الذي بلغ متوسطه ‪ 32‬يف‬ ‫املئة و‪ 29‬يف املئة سنوي ًا عىل التوايل‪ ،‬كام أصبح متوسط دخل الفرد اخلليجي من أعىل املعدالت‬ ‫يف العامل‪ ،‬فاإلمارات حتتل املركز األول عىل مستوى النظام اإلقليمي اخلليجي من حيث معدل‬ ‫الدخل الفردي‪ ،‬تليها الكويت‪ ،‬ثم قطر‪ ،‬فالبحرين‪ ،‬ثم سلطنة ُعامن‪ ،‬فالسعودية‪ ،‬فالعراق‪،‬‬ ‫وأخري ًا إيران‪ .‬وبينام حتتل السعودية املركز األول من حيث الناتج القومي اإلمجايل‪ ،‬تليها إيران‪،‬‬

‫تأيت البحرين يف ذيل القائمة‪.‬‬

‫وعىل الرغم من تلك الثروة التي ترتمجها األرقام الواردة يف اجلدول رقم (‪ ،)3-1‬فإن‬

‫املنطقة قد شهدت حربني مدمرتني‪ ،‬األوىل استمرت زهاء ثامين سنوات بني العراق وإيران‪،‬‬

‫والثانية نتيجة غزو العراق الكويت الذي نتج منه استجالب آلة احلرب الغربية إىل منطقة اخلليج‪،‬‬ ‫األمر الذي أ َّدى إىل هدر واستنزاف الطاقات واملوارد والثروات اخلليجية الذي أدى بدوره إىل‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪49‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫ارتفاع معدالت التضخم يف هذه الدول؛ حيث بلغت نحو ‪ 40‬يف املئة بالعراق‪ ،‬و‪ 30‬يف املئة‬

‫بإيران‪ ،‬بعد أن كانت يف الفرتة من ‪ 1988 - 1979‬ما بني ‪ 22‬يف املئة و‪ 20‬يف املئة عىل التوايل‪ .‬كام‬ ‫أدت تلك احلروب إىل إرهاق ميزانيات كل الدول اخلليجية‪ ،‬فاجتهت تلك الدول إىل االستدانة؛‬

‫حيث بلغ إمجايل الديون املرتاكمة عىل دول النظام اخلليجي نحو مئة وستة عرش مليار دوالر‪.‬‬

‫حتتل اململكة العربية السعودية املركز األول من حيث نسبة الديون اخلارجية بنحو‬

‫ثالثني مليار دوالر‪ ،‬تليها دولة الكويت (ثالثة عرش مليار دوالر)‪ ،‬فالعراق (أحد عرش‬ ‫مليار ًا)‪ ،‬فاإلمارات (عرشة مليارات)‪ ،‬فإيران (تسعة مليارات)‪ ،‬ثم ُعامن (ثالثة مليارات)‬

‫وقطر (مليار دوالر)‪ ،‬ثم البحرين (ثالثمئة ومخسون مليون دوالر)‪.‬‬ ‫‪.‬اجلدول رقم (‪)3-1‬‬

‫القدرات االقتصادية لدول النظام اخلليجي‬ ‫الناتج القومي‬

‫إنتاج النفط‬

‫الدولة‬

‫اإلمجايل‬

‫السعودية‬

‫‪105‬‬

‫‪8.4‬‬

‫اإلمارات‬

‫‪33‬‬

‫‪2،2‬‬

‫قطر‬

‫‪7‬‬

‫الكويت‬

‫البحرين‬

‫عُ امن‬

‫(مليار دوالر)‬ ‫‪27‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪1.5‬‬ ‫‪--‬‬

‫‪10804‬‬

‫‪0.5‬‬

‫‪93‬‬

‫اإلمجايل‬

‫‪23330‬‬

‫‪78‬‬

‫‪15984‬‬

‫‪3510‬‬

‫‪3.5‬‬

‫‪321‬‬

‫‪10330‬‬

‫‪77‬‬

‫بالدوالر‬

‫‪0.4‬‬

‫‪12‬‬

‫العراق‬

‫دخل الفرد‬

‫‪.‬التعليم‬

‫‪11800‬‬

‫‪0.5‬‬

‫‪40‬‬

‫إيران‬

‫(مليون برميل)‬

‫معدل‬

‫نسبة‬

‫‪10573‬‬ ‫‪3120‬‬

‫يف املئة‬ ‫‪96‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪43‬‬

‫استهالك‬

‫الكهرباء للفرد‬ ‫كيلووات‪/‬‬ ‫ساعة‬ ‫‪4692‬‬

‫الصادرات الواردات‬ ‫باملليار‬ ‫دوالر‬

‫باملليار‬ ‫دوالر‬

‫‪42.197 52.638‬‬

‫‪13800‬‬

‫‪13.663 14.673‬‬

‫‪7645‬‬

‫‪5.518‬‬

‫‪4.322‬‬

‫‪8.429‬‬

‫‪7.947‬‬

‫‪9892‬‬

‫‪38.9‬‬

‫‪13912‬‬

‫‪9.427‬‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪2828‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪52769‬‬

‫‪-‬‬

‫‪91074‬‬

‫‪36.08‬‬ ‫‪3.214‬‬ ‫‬‫‪-‬‬

‫‪74951‬‬

‫املصدر‪ :‬شؤون خليجية‪ ،‬العدد ‪( 27‬خريف ‪ ،)2001‬ص ‪ 222‬ـ ‪ ،224‬وعبد اهلل‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ 40‬و‪.43‬‬

‫يمكن القول إن دول النظام اخلليجي متتلك إمكانات اقتصادية هائلة مقابل العديد من‬

‫دول النظام العاملي‪ ،‬وإن هذه الدول قد استطاعت حتقيق درجة عالية من النمو االقتصادي‬ ‫مقابل العديد من دول العامل النامي‪ ،‬إال أن ما شهدته تلك املنطقة من حروب واضطرابات‬

‫‪50‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫أمنية دفعها إىل ختصيص نسبة كبرية من إمكاناهتا االقتصادية نحو اإلنفاق العسكري‪ ،‬وأثر‬ ‫مبارشة يف مواصلة جهود التنمية يف تلك الدول ‪. (5‬‬

‫‪ -4‬القوة العسكرية‬

‫تعترب القوة العسكرية إحدى أهم مقومات حتديد شكل وطبيعة ميزان القوى يف أي نظام‬

‫إقليمي‪ ،‬كام إهنا إحدى األدوات التي تستخدمها الدولة يف إدارة سياستها اخلارجية‪ ،‬سواء يف وقت‬ ‫السلم أم يف وقت احلرب‪ ،‬فهي إما أن تستخدم باعتبارها أداة ردع‪ ،‬أو وسيلة للحرب املبارشة‪.‬‬

‫وفارق القوة العسكرية بني دولتني حيدد ‪ -‬إىل حد بعيد ‪ -‬شكل العالقات السياسية بينهام‪،‬‬ ‫ومن هنا ترتبط األداة العسكرية ارتباط ًا وثيق ًا باألداة الدبلوماسية‪ ،‬بل إهنا قد متثل تدعي ًام هلا‪،‬‬

‫ولنا يف حرب ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪ 1973‬املثال عىل ذلك‪ ،‬فقد كانت القيادة املرصية هتدف‬

‫من وراء تلك احلرب إىل إجبار اإلرسائيليني عىل الدخول يف مفاوضات السالم‪ ،‬ومن ثم‬ ‫كانت احلرب خيار ًا اسرتاتيجي ًا وخطوة تكتيكية وورقة ضغط مرصية عىل اجلانب اإلرسائييل‬ ‫للدخول يف تلك املفاوضات‪ ،‬كام إهنا تعطي للمفاوض املرصي قوة تفاوضية إضافية يف‬ ‫مواجهة املفاوض اإلرسائييل‪.‬‬

‫كام إن العامل العسكري يرتبط ارتباط ًا وثيق ًا بالعامل األمني وبرؤية كل دولة ألمنها‬

‫القومي‪ ،‬والفرص املتاحة لزيادته‪ ،‬والتهديدات التي تعرتضه وتعرتيه من قبل الدول األخرى‬

‫يف إطارها اإلقليمي‪.‬‬

‫تشمل األدوات العسكرية ‪ -‬بشكل عام ‪ -‬جمموعة القدرات املتعلقة باستخدام أو‬ ‫التهديد باستخدام العنف املسلح املنظم ضد الوحدات الدولية األخرى‪ ،‬وتشمل إنشاء‬ ‫القوات املسلحة وتسليحها وتدريبها وتوزيعها‪ ،‬واستعامل القوة‪ ،‬واملساعدة العسكرية‪،‬‬ ‫وعمليات الغزو املسلح‪ ،‬وعمليات توزيع القوات‪ ،‬سواء بالنقل البحري أم الربي‬ ‫أم اجلوي‪ ،‬أم تطوير األسلحة وتغيري حجم القدرات العسكرية واملشورة العسكرية‪،‬‬ ‫وعقد التحالفات العسكرية واهلجوم املسلح ‪. (5‬‬ ‫ ‪ (5‬عبد اهلل‪« ،‬النفط والنظام اإلقليمي اخلليجي‪ »،‬ص ‪.34‬‬ ‫ ‪ (5‬سليم‪ ،‬حتليل السياسة اخلارجية‪ ،‬ص ‪.102‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪51‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫توحد الدول اخلليجية ملواجهة األخطار املشرتكة‪،‬‬ ‫أثبتت عوامل إقليمية عدة رضورة ّ‬ ‫حيث اتضح بام ال يدع جما ً‬ ‫ال للشك والريبة أن أمن الدول اخلليجية جمتمعة يمثل وحدة واحدة‬ ‫ال يمكن جتزئتها‪ ،‬فأي هتديد يوجه ألمن إحدى هذه الدول ال بد أن تكون له تداعيات عىل‬ ‫املستوى اخلليجي العام‪.‬‬

‫إن قضية الدفاع املشرتك تشغل حيز ًا مه ًام يف السياسات اخلارجية لدول اخلليج‪ .‬لذلك‬

‫حاولت تلك الدول إجياد آلية مشرتكة هبدف دعم عملية الدفاع هذه‪ ،‬ووضع اسرتاتيجية‬ ‫دفاعية لدول اخلليج تقوم عىل األسس التالية ‪: (5‬‬

‫‪ -1‬تأليف قوة خليجية موحدة قوامها مخسون ألف جندي (قوة درع اجلزيرة)‪ ،‬التي‬

‫تعترب قوة دعم عاجلة ملواجهة التهديدات املوجهة إىل إحدى دول املجلس يف إطار نظام دفاعي‬ ‫مشرتك‪.‬‬

‫‪ -2‬إقامة صناعة سالح خليجي من أجل حتقيق درجة عالية من االستقاللية يف تسليح‬

‫جيوشها‪ ،‬وإجياد سالح خليجي موحد جليوش تلك الدول يساعدها عىل التعاون والتنسيق‬

‫يف ما بينها‪.‬‬

‫وقد حدَّ دت دول املجلس أهداف سياستها العسكرية يف‪ :‬احلفاظ عىل درجة استعداد‬

‫عالية للقوات املسلحة لتكون قادرة عىل مواجهة العدوان‪ ،‬وتأمني املالحة يف اخلليج العريب‬ ‫والبحر األمحر‪ ،‬ومواجهة أي نفوذ هيدف للتأثري يف العالقات دول املجلس والدول العربية‪.‬‬

‫إال أن حريب اخلليج األوىل والثانية أثبتتا قصور القوة العسكرية لدول املجلس‪ ،‬وأثبتتا بام‬ ‫ال يدع جما ًال للشك أن قوات درع اجلزيرة غري قادرة عىل القيام باملهام املنوطة هبا‪ ،‬فقد فشلت يف‬ ‫منع الغزو العراقي للكويت‪ ،‬وأثبتت األحداث أن القوات املسلحة لدول جملس التعاون ال بد من‬

‫إعادة النظر يف تكوينها وتدريبها ونظم تسليحها‪ ،‬وهو ما توجهت نحوه الدول اخلليجية‪ ،‬وبخاصة‬ ‫السعودية والكويت يف فرتة ما بعد حرب حترير الكويت؛ حيث زادت املخصصات املالية مليزانيات‬

‫الدفاع يف الدول اخلليجية‪ ،‬يف حماولة ملوازنة التفوق اإليراين‪ ،‬ومواجهة اخلطر العراقي‪.‬‬

‫ ‪ (5‬كامل أمحد عامر‪ ،‬جملس التعاون اخلليجي‪ ،‬نموذج للتكامل االقتصادي ([د‪ .‬م‪ :].‬جامعة قناة السويس‪ ،‬كلية‬ ‫التجارة‪ ،)1988 ،‬ص ‪.172‬‬ ‫‪52‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وعىل الرغم من ذلك‪ ،‬ما زالت إيران تتفوق عىل الدول اخلليجية جمتمعة‪ ،‬فوفق ًا إلحصاءات‬ ‫امليزان العسكري لدول العامل لعامي ‪ ،1995/ 1994‬تتفوق إيران عىل دول املجلس جمتمعة من‬ ‫حيث عدد أفراد القوات الربية ووحدات القوات الربية وألويتها وكتائبها‪ ،‬فعدد أفراد القوات‬ ‫الربية سبعمئة ومخسة عرش ألف ًا‪ ،‬بينام عدد أفراد قوات دول املجلس ال يزيد عىل مئة وتسعني‬ ‫ألف فرد؛ أي بنسبة ‪ 1 :3.67‬ملصلحة إيران‪ ،‬كام تتفوق إيران عىل الدول اخلليجية يف األسلحة‬ ‫املستخدمة من جانب القوات الربية من دبابات وقطع مدفعية وصواريخ أرض ‪ -‬أرض‪ ،‬بينام‬ ‫تتفوق دول املجلس يف ما خيتص بأعداد عربات القتال املدرعة والعربات املدرعة‪ .‬كذلك فإنه‬ ‫بشكل عام تتفوق إيران عىل دول اخلليج جمتمعة يف ما خيتص بالقوات البحرية‪ .‬بينام يميل امليزان‬ ‫ملصلحة الدول اخلليجية يف ما يتعلق بالقوات اجلوية بام تشمله من قاذفات ثقيلة وطائرات إنذار‬ ‫واستطالع وطائرات نقل جوي وهليكوبرت‪ ،‬لكن إيران تفوق كل هذه الدول منفردة ‪. (5‬‬ ‫ويوضح اجلدول التايل أعداد السكان واملساحة وكثافة اجليش يف إيران والدول اخلليجية‬

‫الست‪ ،‬ما يظهر التفوق اإليراين يف مواجهة تلك الدول‪.‬‬

‫‪.‬اجلدول رقم (‪)4-1‬‬

‫أعداد السكان واملساحة وكثافة اجليش يف إيران والدول اخلليجية‬ ‫الدولة‬

‫التعداد(مليون)‬

‫املساحة (كم‪)2‬‬

‫تعداد اجليش‬

‫كثافة اجليش لكل كم‬

‫‪1.6‬‬

‫‪300.000‬‬

‫‪16.500‬‬

‫‪0.05‬‬

‫‪0.3‬‬

‫‪11.437‬‬

‫‪5000‬‬

‫‪0.43‬‬

‫البحرين‬

‫‪0.4‬‬

‫الكويت‬

‫‪1.8‬‬

‫السعودية‬

‫‪12‬‬

‫عُ امن‬ ‫قطر‬

‫‪678‬‬

‫‪17.818‬‬

‫‪2.300‬‬

‫‪10.000‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3.4‬‬ ‫‪0،6‬‬

‫‪2.240.000‬‬

‫‪35.000‬‬

‫‪0.02‬‬

‫‪111.800‬‬

‫‪0.04‬‬

‫‪0.15‬‬ ‫‪0.27‬‬

‫‪73.000‬‬

‫‪43.000‬‬

‫اإلمارات‬ ‫اإلمجايل‬

‫‪1.4‬‬

‫‪17.5‬‬

‫‪2.645.923‬‬

‫إيران‬

‫‪43‬‬

‫‪1.648.000‬‬

‫‪250.000‬‬

‫مقابلة دول املجلس بإيران‬

‫‪0.4‬‬

‫‪1.6‬‬

‫‪0.45‬‬

‫‪0.58‬‬

‫املصدر‪ :‬جمدي عيل عطية‪« ،‬الفاعلية العسكرية لدول اخلليج والتهديدات اإليرانية‪ »،‬السياسة الدولية (متوز‪/‬‬ ‫يوليو ‪.)1986‬‬ ‫)‪(53‬‬

‫‪The Military Balance (London: Institute for Strategic Studies, 1994-1995).‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪53‬‬


‫الفصل األول‪ :‬النظام اإلقليمي اخلليجي‬

‫من هنا‪ ،‬فإن الدول اخلليجية تسعى إىل صياغة عالقاهتا مع إيران يف إطارها السلمي‬ ‫لتفادي أي تصعيد جديد يف املنطقة‪ ،‬فقد تع ّلمت من التجارب أن احلرب ال تؤدي إال إىل‬ ‫الدمار واخلراب‪ ،‬واستنزاف األموال واملوارد وفقد األرواح‪ ،‬وفتح املجال للتدخل األجنبي‬

‫غري املرغوب فيه‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫حمددات ال�سيا�سة ا إلقليمـ ــية ا إليرانيـ ــة‬


‫ال تنبع السياسة اخلارجية ألي دولة من فراغ‪ ،‬وإنام هي نتاج تكاتف جمموعة من‬ ‫املتغريات والعوامل التي تعمل باعتبارها حمدد ًا لتلك السياسة‪ ،‬تؤثر فيها وتصبغها بصبغة‬

‫معينة‪ ،‬وتدفعها نحو األخذ بشكل معني من دون غريه من أشكال السياسة اخلارجية‪.‬‬

‫وسياسة إيران اخلارجية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ال تنقطع متام ًا‬

‫عن سياقها التارخيي‪ ،‬وتتأثر بمجموعة من املعطيات الدولية النابعة من البيئتني اإلقليمية‬ ‫ثم ينقسم هذا الفصل إىل ثالثة مباحث تتناول املؤثرات املختلفة التي ختضع‬ ‫والدولية‪ ،‬ومن ّ‬ ‫هلا السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬وذلك عىل‬

‫النحو التايل‪:‬‬

‫أو ًال‪ :‬املنظور التارخيي للسياسة اإليرانية يف اخلليج‬ ‫اعتمدت السياسة اإليرانية يف توجهاهتا يف منطقة اخلليج عىل جمموعة من األسس‬

‫واملعطيات التارخيية والواقعية والعالئقية‪ ،‬وتلك األخرية يقصد هبا نمط العالقات السائد‬

‫يف املنطقة والوضع العام لتوازن القوى السائد خالل كل فرتة من الفرتات التي مرت هبا‬ ‫تلك السياسة‪ ،‬ومن ثم قد نجد اختالف ًا يف التوجه اخلليجي للسياسة اإليرانية خالل احلقب‬ ‫التارخيية املختلفة‪ ،‬إال أن هذا مل يمنع من وجود ثوابت لتلك السياسة جتاه منطقة اخلليج‪ ،‬عىل‬ ‫الرغم مما حدث من تطورات تارخيية وسياسية واقتصادية وعسكرية يف تلك املنطقة‪.‬‬

‫وإن كان من الصعب وضع حدود تارخيية فاصلة لتطور السياسة اإليرانية جتاه منطقة‬

‫اخلليج‪ ،‬إال أننا ال نستطيع إغفال أن الثورة اإلسالمية التي قامت يف إيران عام ‪ 1979‬بزعامة‬ ‫‪56‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫آية اهلل اخلميني كانت بمنزلة نقطة فاصلة وحاسمة يف السياسة اخلارجية اإليرانية بشكل عام‪،‬‬ ‫فهي بال شك نقطة حتول من نظام سيايس إىل نظام سيايس آخر خيتلف يف أيديولوجيا وطبيعة‬

‫قياداته وتطلعاته ومبادئه‪ ،‬وإن مل يمنع ذلك من وجود خطوط ثابتة تربط بني سياسة إيران‬ ‫الشاهنشاهية قبل الثورة وإيران اجلمهورية اإلسالمية بعد الثورة‪.‬‬

‫الثورة اإليرانية ‪ -‬مثلها مثل الثورات الكربى التي شهدها العامل كالثورة الفرنسية‬

‫جسدت حركة اجتامعية سياسية مرت‬ ‫والثورة الصينية والثورة الروسية ‪ -‬هي ثورة اجتامعية ّ‬

‫عرب مراحل كثرية بلغت ذروهتا يف انتفاضات عامي ‪ ،1979 ،1978‬وأحدثت حتوالت كبرية‬

‫ورسيعة يف املجتمع اإليراين‪ ،‬وأثرت يف إطارها اجلغرايف واإلقليمي‪ ،‬بل وكان هلا صداها‬ ‫الدويل والعاملي ‪.‬‬

‫إن إيران بحكم موقعها اجلغرايف املالصق لدول اخلليج العريب تربطها بتلك املنطقة‬ ‫أوارص وعالقات ترضب بجذورها يف أعامق التاريخ‪ ،‬فقد كانت منطقة اخلليج دائ ًام وأبد ًا‬ ‫جما ً‬ ‫ال حيوي ًا للسياسة االستعامرية الفارسية منذ حقب تارخيية سحيقة‪ ،‬فالوضع اجلغرايف كان‬

‫له أثره البارز يف العالقة بني اهلضبة اإليرانية ووادي الرافدين ومنطقة اخلليج التي تطل عىل‬ ‫اهلضبة اإليرانية‪ ،‬فالدول التي قامت يف اهلضبة اإليرانية كثري ًا ما غزت السهول الغنية يف وادي‬

‫الرافدين ومنطقة الساحل العريب للخليج بوجه عام‪ ،‬وهو ما فعله الكنعانيون والفرسيون‬

‫والساسانيون قبل اإلسالم‪ ،‬والبوهييون والسالجقة واملغول والصفويون بعد اإلسالم ‪.‬‬

‫وكان للخليج العريب دور متميز منذ فجر احلضارة اإلنسانية؛ فكان ممر ًا جتاري ًا رئيس ًا‬ ‫وطريق ًا للمواصالت يف العامل القديم‪ ،‬لذا توجهت أنظار الفرس منذ فجر التاريخ نحو السيطرة‬

‫عىل تلك املنطقة‪ ،‬وبالفعل تم هلم ذلك عندما سقطت بابل عىل يد الفرس األمخينيني عام ‪538‬‬ ‫قبل امليالد؛ حيث كانت بابل تعيش عهد ًا من االزدهار السيايس واالقتصادي‪ ،‬وظلت السيطرة‬ ‫الفارسية عىل تلك املنطقة حتى سقوط دولة الفرس عىل يد اإلسكندر املقدوين‪ ،‬وسادت البالد‬

‫ هبامن بختياري‪« ،‬املؤسسات احلاكمة يف اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ :‬املرشد األعىل والرئاسة وجملس‬ ‫الشورى (الربملان)‪ »،‬يف‪ :‬مجال سند السويدي‪ ،‬حمرر‪ ،‬إيران واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار (أبو ظبي‪ :‬مركز اإلمارات‬ ‫للبحوث والدراسات االسرتاتيجية‪ ،)1996 ،‬ص ‪.73‬‬

‫ عبد العزيز الدوري‪« ،‬العالقات التارخيية بني العرب واإليرانيني‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬العالقات العربية ‪-‬‬ ‫اإليرانية‪ ،‬االجتاهات الراهنة وآفاق املستقبل‪ :‬بحوث ومنقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية‬ ‫بالتعاون مع جامعة قطر (بريوت‪ :‬املركز‪ ،)1996 ،‬ص ‪.45‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪57‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫حال من الفوىض وعدم االستقرار السيايس واالجتامعي‪ .‬إال أن أردشري بن بابك (‪- 224‬‬

‫ووحد أقسامها‪ ،‬وأقام دولته اجلديدة‬ ‫‪240‬م) استطاع إعادة االستقرار إىل البالد مرة أخرى‪ّ ،‬‬

‫التي عرفت بالدولة الساسانية‪.‬‬

‫وكام أعاد أردشري الروح لدولة فارس بشكلها اجلديد‪ ،‬فقد نزع أيض ًا إىل مواصلة‬ ‫مسرية أسالفه من حكام فارس نحو غزو منطقة اخلليج والسيطرة عليها حتى ال متثل هتديد ًا‬

‫إلمرباطوريته اجلديدة‪ ،‬يف الوقت الذي ازدهرت فيه احلركة التجارية يف منطقة اخلليج‬ ‫ووصلت إىل مشارف الصني واهلند‪ ،‬وحتقق ألردشري ذلك بعد أن استطاع بناء أسطوله‬

‫البحري واستغالل ساحل اإلحساء باعتبارها ميناء لذلك األسطول‪.‬‬

‫كام استطاع سابور الثاين (‪379 - 309‬م) وقف الزحف العريب نحو األجزاء اجلنوبية‬

‫الغربية من إمرباطوريته‪ ،‬وقام باحتالل الساحل العريب يف اخلليج وأنشأ فيه وحدات إدارية‬ ‫واقتصادية ومراكز حربية لقواته‪ ،‬األمر الذي أدى إىل توافد أعداد كبرية من أهل فارس إىل‬

‫تلك املناطق املحتلة ‪.‬‬

‫وعندما جاء اإلسالم إىل بالد فارس كانت الديانة الزرادشتية هي املسيطرة عىل سكان‬ ‫البالد‪ ،‬وبدأ اإلسالم ينترش رويد ًا رويد ًا يف املناطق احلرضية أو ً‬ ‫ال مثل أصفهان ومرو وبلخ‪،‬‬ ‫ثم ما لبث أن انتقل ليشمل املناطق الريفية نتيجة جهود الدعاة املسلمني‪ ،‬وعاشت املنطقة‬ ‫فرتة من التوحد الديني شملت منطقة اخلليج التي شهدت ميالد الدعوة وبالد فارس التي‬ ‫وتوحدت املنطقة حتت راية الدين اإلسالمي‪ ،‬بل إن اخللفاء العباسيني‬ ‫شملها الدين اجلديد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قد استعانوا بعنارص فارسية لتويل مناصب الوزراء واملشاركة يف السلطة واإلدارة واجليش‪،‬‬ ‫وهذا هو السبب ذاته الذي أدى إىل سقوط الدولة العباسية نتيجة الثورات التي قام هبا الفرس‬ ‫بعد أن انفكت عرى التعاون بني الفرس والعباسيني‪.‬‬ ‫بدأ الفرس بتحقيق نوع من االستقالل عن اخلالفة اإلسالمية‪ ،‬فتوالت اإلمارات‬

‫الطاهرية والسامانية والصفارية يف إيران‪ ،‬ثم قامت الدولة البوهيية (‪447 - 334‬هـ) لتتحقق‬ ‫ ملزيد من التفاصيل عن السياسات التوسعية للفرس يف منطقة اخلليج‪ ،‬انظر‪ :‬جعفر اخللييل‪« ،‬من هم أقدم‬ ‫سكان الساحل العريب يف اخلليج منذ فجر التاريخ وحتى ظهور اإلسالم؟»؛ ورضا جواد اهلاشمي‪« ،‬النشاط التجاري‬ ‫القديم يف اخلليج العريب وآثاره احلضارية‪ »،‬املؤرخ العريب‪ ،‬العدد ‪ ،)1980( 12‬ومصطفى النجار [وآخرون]‪ ،‬تاريخ‬ ‫اخلليج العريب احلديث واملعارص ([البرصة]‪ :‬جامعة البرصة‪ ،)1984 ،‬ص ‪.18-15‬‬ ‫‪58‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫لإليرانيني أول سيطرة فعلية عىل أمور السلطة داخل إيران منذ الفتح اإلسالمي‪ ،‬بل إن األمراء‬ ‫البوهييني قد استطاعوا احتالل املناطق الرشقية يف شبه اجلزيرة العربية اقتناص ًا من أيدي‬ ‫القرامطة الذين أعادوها مرة أخرى حلكمهم‪.‬‬

‫وأعقب البوهييني دولة الغزنويني (‪ 581 - 566‬هـ)‪ ،‬فالسالجقة (‪ 640 - 629‬هـ)‬

‫حتى سقوطها عىل يد املغول‪ ،‬ثم قامت دولة اإليلخانيني (‪ 754 - 654‬هـ)‪ ،‬فدولة التيموريني‬ ‫(‪ 912 - 771‬هـ)‪ ،‬ثم أعاد الصفويون بناء األمة اإليرانية عام ‪ 1501‬استقال ً‬ ‫ال عن اخلالفة‬

‫العثامنية‪ ،‬وبدأت محلة جديدة من السياسات التوسعية اإليرانية جتاه منطقة اخلليج‪ ،‬خصوص ًا‬ ‫مع بدايات عهد نادر شاه (‪1747 - 1732‬م)‪ ،‬الذي استطاع بناء قوة بحرية إيرانية‪ ،‬حاول‬

‫العامين‬ ‫بواسطتها غزو البرصة والسيطرة عىل شط العرب‪ ،‬كام حاول غزو البحرين لوال الدعم ُ‬

‫هلا وحتريرها عام ‪ 1743‬م ‪.‬‬

‫ثم واصل كريم خان (‪1779 - 1757‬م) سياسة فارس التوسعية يف منطقة اخلليج‬

‫العريب بساحليها الرشقي والغريب‪ ،‬واحتل البرصة وإمارة بندر ريق‪ ،‬بخاصة بعد انسحاب‬

‫العامين من شط العرب‪ ،‬إال أن الفرس اضطروا إىل االنسحاب من البرصة بعد وفاة‬ ‫األسطول ُ‬ ‫كريم خان وما ساد البالد من فوىض وعدم استقرار ‪.‬‬

‫اجلدير ذكره أن النزعة التوسعية الفارسية يف العهد الصفوي وما تاله من عهود كان‬

‫هلا ما يربرها‪ ،‬فقد كانت اقتصادات اهلضبة اإليرانية تدفع الفرس اإليرانيني إىل العمل عىل‬ ‫االستحواذ عىل سهول العراق اخلصبة‪ ،‬فمنها يمكن أن تستكمل حاجاهتا الزراعية‪ ،‬كام أن‬ ‫العراق كان يوفر سوق ًا جديدة‪ ،‬مالئمة لتسويق املنتجات الفارسية‪.‬‬

‫وكام كان للعامل االقتصادي دوره يف النزعة التوسعية الفارسية‪ ،‬كان للعامل‬ ‫الديني مكانه املميز يف هذه النزعة‪ ،‬فقد كان األمل حيدو الشيعة الفارسيني يف السيطرة‬ ‫عىل العتبات املقدسة املوجودة يف العراق مثل النجف‪ ،‬وكربالء التي كانت مقصد ًا‬ ‫للحجاج الشيعة الذين وصل عددهم إىل عرشات اآلالف سنوي ًا‪ ،‬كام كان األلوف من‬ ‫ الدوري‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.56-51‬‬

‫ عالء الدين نورس‪ ،‬السياسة اإليرانية يف اخلليج العريب إبان عهد كريم خان‪( 1779-1757 ،‬بغداد‪ :‬املنظمة‬ ‫العربية للرتبية والثقافة والعلوم؛ معهد البحوث والدراسات العربية‪ ،)1982 ،‬ص ‪.49-30‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪59‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫الفرس يوصون بدفن رفاهتم يف أقرب موقع من قرب احلسني ريض اهلل عنه‪ ،‬حفيد رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬أو بالقرب من قرب «عيل» رأس األئمة االثني عرش‪.‬‬ ‫أما من الناحية االسرتاتيجية واإلقليمية والدولية‪ ،‬فقد كان العراق هو املمر املؤدي‬

‫بالفرس إىل شواطئ البحر املتوسط‪ ،‬كام أنه هو الطريق الربية التي تسلكها القوات عرب البرصة‬ ‫واإلحساء إىل ُعامن ودول اخلليج ليصبح اخلليج بحرية فارسية‪ ،‬خصوص ًا أن عدد ًا ال بأس به‬ ‫من سكان اخلليج ينتمون للمذهب الشيعي‪ ،‬وبالتايل يمثلون أدوات يمكن استخدامها من‬

‫جانب الفرس لتحقيق طموحاهتم يف السيطرة عىل شبه اجلزيرة العربية وإقامة دولة شيعية‬ ‫كربى تضاهي الدولتني اإلسالميتني الكبريتني آنذاك‪ :‬العثامنية يف األناضول والبلقان‪ ،‬ودولة‬ ‫املامليك يف مرص والشام واحلجاز‪ ،‬ومها دولتان سنيتان ‪.‬‬

‫وهكذا اشتعل الرصاع بني فارس والدولة العثامنية‪ ،‬وحاول الفرس إغراء الفرنجة‬

‫للمساعدة عىل غزو دولة املامليك واقتسامها يف ما بينهام‪ ،‬كام حاولت فارس إقناع رشكة اهلند‬

‫الرشقية الربيطانية واألسطول اهلولندي يف اخلليج واألسطول اإلنكليزي فيه والربتغاليني يف‬ ‫اهلند بالتعاون مع فارس من أجل ضم البحرين إىل فارس‪ ،‬إال أن الغزو األفغاين لفارس أوقف‬ ‫النشاط الفاريس يف اخلليج‪ ،‬بل إن العثامنيني أرسلوا محالهتم إىل فارس للسيطرة عىل أجزاء‬

‫منها‪ ،‬وحتقق هلم ذلك‪.‬‬

‫لكن مع إعادة نادر شاه القوة لبالده استطاع استعادة وحدهتا‪ ،‬وتوجه نحو اخلليج‬ ‫للسيطرة عليه‪ ،‬إال أن األحوال الداخلية املتدهورة يف فارس كانت تؤدي دور ًا أساسي ًا يف‬ ‫خروج الفرس من العراق واخلليج‪ ،‬كام حدث يف أواخر عهد كريم خان‪ ،‬ويف أعقاب وفاته‪.‬‬ ‫وهذا ما يؤكد أن ظهور حاكم قوي يف فارس كان يمثل حتدي ًا للقوى العربية يف العراق واخلليج‪،‬‬

‫تصعب معه مواجهة القوة الفارسية‪.‬‬

‫بل إن التنافس بني القوى العربية بعضها كان سمة أساسية يف منطقة اخلليج‪ ،‬ومثال ذلك‬

‫وعامن‪ ،‬فعىل الرغم من النجاح الذي حققته احلركة الوهابية وما‬ ‫التنافس بني احلركة الوهابية ُ‬ ‫توحد‬ ‫كسبته من أنصار بني القواسم‪ ،‬والتقدم الذي أحرزته يف غرب العراق‪ ،‬مل تستطع أن ّ‬

‫ مجال زكريا قاسم ويونان لبيب رزق‪ ،‬حمرران‪ ،‬العالقات العربية اإليرانية (القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪،‬‬ ‫معهد البحوث والدراسات العربية‪ ،)1993 ،‬ص ‪.51-50‬‬ ‫‪60‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫العراق مع اخلليج حتت قيادهتا‪ ،‬حيث تنافست كل من إمامة «آل سعود» وسلطنة مسقط عىل‬ ‫من تكون له اليد العليا والكلمة املسموعة يف اخلليج بد ً‬ ‫ال من فارس ‪.‬‬ ‫ويف ظل التنافس العريب والفاريس واالنقسام العريب بني السعوديني والبوسعيديني والسياسة‬ ‫مهد الطريق للقوى األجنبية الطامعة يف اخلليج‪.‬‬ ‫اإلقليمية العثامنية للسيطرة عىل اخلليج‪ ،‬كل هذا ّ‬ ‫برزت بريطانيا بقوهتا البحرية‪ ،‬ليصبح لألسطول اإلنكليزي الكلمة العليا‪ .‬ويف‬ ‫الوقت الذي حتالف فيه سلطان مسقط مع فرنسا‪ ،‬عقدت بريطانيا اتفاقية تعاون مع فارس‬ ‫عام ‪ ،1801‬وبدأت بريطانيا تسعى يف سياستها للحفاظ عىل السيادة الفارسية عىل الساحل‬ ‫الرشقي للخليج‪ ،‬واختفى الدور العريب عىل الساحل الفاريس منذ بداية القرن التاسع عرش‪.‬‬ ‫وظلت السيطرة عىل البحرين حل ًام يراود فارس‪ ،‬باعتبار أن البحرين جزء تارخيي من األرايض‬ ‫الفارسية‪ ،‬بل إن معظم سواحل اخلليج العريب هي يف العرف الفاريس حق تارخيي هلم‪.‬‬ ‫احتجت فارس عىل استيالء بريطانيا عىل املشيخات العربية يف اخلليج وفرض‬ ‫لذلك‬ ‫ّ‬ ‫معاهدة احلامية عليها عام ‪ ،1820‬خصوص ًا أن البحرين قد ارتبطت بتلك املعاهدة‪ .‬ومع ذلك‬ ‫فإن ختوف فارس من القوة الربيطانية كان يقف حجر عثرة أمام استخدامها القوة يف سبيل‬ ‫االستيالء عىل البحرين‪ ،‬لذا حتولت أنظار الفرس نحو العراق القتناصها من أيدي العثامنيني‪،‬‬ ‫خصوص ًا أن الروس قد أملحوا للفرس بإمكان التوسع عىل حساب العراق ‪.‬‬ ‫وعىل اجلانب اآلخر‪ ،‬حرصت بريطانيا عىل أال تدع املجال ألي قوة دولية أو إقليمية يف‬ ‫السيطرة عىل إمارات اخلليج الواقعة حتت محايتها‪ ،‬لذلك عندما عقد شيخ البحرين اتفاقية مع‬ ‫خورشيد‪ ،‬قائد القوات املرصية‪ ،‬تقيض بأن تكون البحرين تابعة لنجد حتت املظلة املرصية‪،‬‬ ‫تدخلت بريطانيا بأسطوهلا يف مياه البحرين إلرغام شيخ البحرين عىل التنصل من اتفاقيته مع‬ ‫خورشيد واالستمرار حتت مظلة احلامية الربيطانية‪.‬‬

‫ويف أعقاب احلرب العاملية األوىل‪ ،‬شهدت فارس عدد ًا من احلركات االنفصالية يف‬

‫هيأت املجال لظهور شخصية قوية يف التاريخ اإليراين وهو‬ ‫أقاليمها املختلفة‪ ،‬وهذه الظروف ّ‬ ‫ املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.62-55‬‬

‫ جون جوردن لوريمر‪ ،‬دليل اخلليج‪ ،‬ترمجة مكتب الرتمجة بديوان حاكم قطر (بريوت ‪ :‬دار العربية‪-1967 ،‬‬ ‫‪ ،)1970‬ج ‪ ،1‬ص ‪.269-267‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪61‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫رضا خان‪ ،‬قائد اجليش اإليراين‪ ،‬الذي استطاع أن يعيد للبالد وحدهتا‪ ،‬وألغى حكم األرسة‬ ‫ونصب نفسه إمرباطور ًا عىل البالد عام ‪ 1925‬باسم رضا شاه هبلوي‪ ،‬وغيرّ اسم‬ ‫القاجارية‪ّ ،‬‬ ‫بالده من فارس إىل إيران ‪.‬‬

‫واصل رضا هبلوي األطامع الفارسية باالستيالء عىل إمارة عربستان‪ ،‬يف الوقت الذي‬

‫اشتبك فيه اهلاشميون يف احلجاز والسعوديون يف نجد يف رصاع مرير من أجل السلطة‪ ،‬وأثار‬

‫هذا الضعف الذي دب يف أوصال الكيانات السياسية يف اخلليج شهية الشاه نحو التحول إىل‬ ‫الساحل الغريب للخليج‪ ،‬بعد أن سيطر عىل ساحله الرشقي‪ ،‬يف الوقت الذي تدفقت فيه هجرات‬ ‫اإليرانيني الشيعة إىل إمارات اخلليج‪ ،‬وخصوص ًا البحرين‪ ،‬وكان ذلك بمنزلة عامل سيايس‬

‫استغلته إيران للسيطرة عىل اخلليج وإثارة ادعاءاهتا يف البحرين وإمارات اخلليج األخرى‪.‬‬

‫ظلت إيران تنظر إىل اخلليج باعتباره بحرية إيرانية‪ ،‬إال أن الوجود الربيطاين وبروز‬

‫الدولة السعودية عام ‪ 1932‬كانا عاملني من عوامل احلد من األطامع اإليرانية يف املنطقة‪.‬‬

‫كانت إيران قد أثارت موضوع تبعية البحرين هلا يف عصبة األمم عام ‪ ،1927‬إال أن‬

‫العصبة مل تستطع اختاذ قرار بشأن ذلك املوضوع‪ ،‬نتيجة رفض بريطانيا االدعاءات اإليرانية‪،‬‬

‫وتوقفت تلك االدعاءات خالل احلرب العاملية الثانية نتيجة قوة السيطرة الربيطانية عىل‬ ‫اخلليج لرضورات احلرب‪ .‬بل إن احللفاء قد عزلوا الشاه رضا عام ‪ ،1941‬وتوىل ابنه حممد‬ ‫رضا شاه الذي مل يكف عن تطلعاته يف اخلليج هو أيض ًا‪ ،‬وأثار املوضوع اخلاص بالبحرين يف‬

‫األمم املتحدة‪ ،‬بل إنه عندما تولت حكومة الدكتور حممد مصدق احلكم عام ‪ 1951‬واختذت‬ ‫قرار تأميم النفط اإليراين‪ ،‬اعتربت أن القرار يرسي عىل رشكات النفط األمريكية العاملة يف‬ ‫البحرين أيض ًا ‪. (1‬‬ ‫ثم كانت عودة الشاه حممد رضا هبلوي إىل سدة احلكم عام ‪ ،1953‬نتيجة دور نشط‬

‫للواليات املتحدة‪ ،‬ومن ثم بدأ االرتباط بني إيران واملخططات األمريكية يف الرشق األوسط‬ ‫ كامل مظهر‪ ،‬دراسات يف تاريخ إيران احلديث واملعارص (بغداد‪[ :‬د‪ .‬ن‪ ،)1985 ،].‬ص ‪.109‬‬

‫ ‪ (1‬انظر‪ :‬أمحد حممود صبحي‪ ،‬البحرين ودعوى إيران‪ ،‬تقديم ومراجعة حممود عيل الداود (كفر الدوار‪ :‬مطبعة‬ ‫عوف اسكندرية‪ ،)1963 ،‬ص ‪ ،166-165‬ومجال زكريا قاسم‪ ،‬اخلليج العريب‪ :‬دراسة لتاريخ اإلمارات العربية‪1914 ،‬‬ ‫– ‪( 1945‬القاهرة‪[ :‬د‪ .‬ن‪ ،)1973 ،].‬ص ‪.267‬‬ ‫‪62‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫واملنطقة العربية‪ ،‬فكان انخراط إيران ضمن حلف بغداد عام ‪ ،1955‬كام اعرتفت إيران بدولة‬

‫إرسائيل عام ‪ ،1961‬وتبادلت العالقات معها عىل املستوى القنصيل ال الدبلومايس‪ ،‬حتى ال‬

‫تثري الرأي العام اإلسالمي يف إيران ‪. (1‬‬

‫ويف عام ‪ ،1964‬احتلت إيران جزيرة أبو موسى بإنزال قواهتا فيها‪ ،‬ولكنها عادت‬ ‫وسحبتها بعد عرشين يوم ًا من االحتالل نتيجة رد الفعل العريب آنذاك‪ ،‬ويف أعقاب األوضاع‬ ‫العربية السيئة نتيجة حرب حزيران‪/‬يونيو ‪ 1967‬احتلت القوات اإليرانية جزر أبو موسى‬ ‫وطنب الكربى وطنب الصغرى‪ ،‬األمر الذي أجرب حاكم الشارقة عىل توقيع اتفاق خاص‬

‫بجزيرة أبو موسى مع اإليرانيني‪.‬‬

‫ويف عام ‪ ،1968‬طالبت إيران بتبعية البحرين هلا‪ ،‬ومتت تسوية املشكالت عىل أساس‬

‫القبول برأي شعب البحرين يف استفتاء اختار فيه االستقالل‪ ،‬ويف الرابع عرش من ترشين‬ ‫األول‪/‬أكتوبر عام ‪ 1968‬عقدت إيران والسعودية اتفاقية لتحديد احلدود البحرية بني‬ ‫البلدين‪ ،‬نصت عىل ما ييل ‪: (1‬‬

‫‪ -1‬االعرتاف بتبعية جزيرة (فاريس) إليران مقابل حصول السعودية عىل جزيرة (عريب)‪.‬‬

‫‪ -2‬االعرتاف لكل جزيرة بمياه إقليمية تبلغ اثني عرش مي ً‬ ‫ال بحري ًا‪ ،‬ورسم خط حتكمي‬ ‫يقل عن هذه املسافة‪ ،‬ألن املياه أقل من أن توزع إىل اثني عرش مي ً‬ ‫ال لكل جانب‪ ،‬وحظر التنقيب‬ ‫عن النفط مسافة مخسمئة مرت من خط الوسط التحكيمي إال باتفاق ورىض الطرفني‪.‬‬

‫‪ -3‬أنشأت االتفاقية منطقة حاجزة بمسافة كيلومرت لتخفيف مساوئ التقسيم اجلغرايف‪،‬‬

‫وتوحيد البئرين‪ ،‬ومها (مرجان) عىل اجلانب السعودي‪ ،‬و(فريودون) عىل اجلانب اإليراين‪.‬‬

‫وعىل الرغم من أن إيران أعلنت خت ّليها عن مبدأ االحتالل بالقوة‪ ،‬إال أهنا ناقضت نفسها‬

‫وقامت بالسيطرة عىل جزر اإلمارات الثالث يف التاسع والعرشين من ترشين الثاين‪/‬نوفمرب‬

‫عام ‪ ،1971‬وقبل يومني فقط من إعالن دولة اإلمارات العربية املتحدة بعد االنسحاب‬ ‫الربيطاين من اخلليج‪.‬‬

‫ ‪ (1‬فهمي هويدي‪ ،‬إيران من الداخل‪ ،‬ط ‪( 2‬القاهرة‪ :‬مركز األهرام للرتمجة والنرش‪ ،)1988 ،‬ص ‪.29‬‬

‫ ‪ (1‬عبد اهلل األشعل‪ ،‬قضية احلدود يف اخلليج العريب (القاهرة‪ :‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية‬ ‫باألهرام‪ ،)1978 ،‬ص ‪.87‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪63‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫مل تستطع دولة اإلمارات استعادة جزرها من قبضة إيران‪ ،‬يف الوقت الذي وقع اختيار‬

‫الواليات املتحدة األمريكية عىل إيران لتكون الرشطي اإلقليمي يف منطقة اخلليج‪ ،‬حيث كان‬ ‫الشاه حليف ًا قوي ًا وموثوق ًا به‪ .‬وتضاعفت مبيعات السالح األمريكية إليران‪ ،‬بخاصة بعد ازدياد‬

‫عوائد النفط بعد عام ‪ ،1973‬وازدادت نزعة الشاه للهيمنة عىل اخلليج شدة‪ ،‬وشارك بقواته يف‬ ‫قمع ثورة ظفار يف سلطنة ُعامن يف أواخر عام ‪ ،1973‬خصوص ًا أن الثورة كانت متثل خطر ًا كبري ًا‬ ‫عىل مضيق هرمز وصادرات النفط اإليرانية إىل العامل اخلارجي‪ .‬وبعد استتباب األمر للسلطان‬ ‫قابوس وانتهاء الثورة‪ ،‬انسحبت القوات اإليرانية من ُعامن عامي ‪ 1977‬و‪. (1 1978‬‬

‫وهكذا أصبح إليران الشاه اليد الطوىل يف منطقة اخلليج‪ ،‬وكانت موضع خوف وخشية من‬ ‫جانب دول املنطقة‪ ،‬خصوص ًا أهنا قد حتولت بفعل الدعم األمريكي إىل قوة إقليمية يخُ شى بأسها‪.‬‬ ‫يف عام ‪ ،1979‬قامت الثورة اإلسالمية بزعامة آية اهلل اخلميني‪ ،‬وأطاحت بالشاه‪،‬‬

‫واختصت نفسها بسياسات خارجية وإقليمية‬ ‫وحتولت إيران إىل النظام اجلمهوري اإلسالمي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫جتاه منطقة اخلليج‪ ،‬سوف يأيت تفصيلها الحق ًا يف موضعها من الدراسة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املحددات النابعة من البيئة الدولية اإلقليمية‬ ‫شهدت منطقة اخلليج بصفة خاصة والرشق األوسط بصفة عامة يف عرص ما بعد احلرب‬ ‫العاملية الثانية جو ًا مشحون ًا بالرصاعات واملواجهات بشكل مل تشهده أي منطقة أخرى يف‬

‫العامل‪ ،‬فالقرن العرشون قد متيز عن كل ما سبقه من القرون برسعة وترية األحداث‪ ،‬وما‬

‫سجله من تغري وتطور‪ .‬فقد أسفرت السنوات األخرية لعقد الثامنينيات والسنوات األوىل‬ ‫لعقد التسعينيات عن عدد من املتغريات اإلقليمية التي أثرت يف السياسة اإليرانية بمنطقة‬ ‫اخلليج؛ مثل الثورة اإليرانية‪ ،‬واحلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬وإعالن قيام جملس التعاون لدول‬ ‫اخلليج العربية‪ ،‬وحرب اخلليج الثانية‪.‬‬

‫سوف يتناول هذا املبحث كنه هذه املتغريات اإلقليمية وأثرها يف السياسة اخلارجية‬

‫اإليرانية بصفة عامة‪ ،‬وجتاه منطقة اخلليج العريب ودوهلا بصفة خاصة‪ ،‬وذلك عىل النحو التايل‪:‬‬ ‫ ‪ (1‬قاسم ورزق‪ ،‬حمرران‪ ،‬العالقات العربية اإليرانية‪ ،‬ص ‪.164-156‬‬ ‫‪64‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ -1‬الثورة اإليرانية‬

‫يف أواخر عام ‪ ،1978‬شهدت إيران حالة من الرصاعات الداخلية احلادة بني قوى‬

‫النظام احلاكم من جهة‪ ،‬ومجاعات املعارضة الدينية والسياسية واجلامهري من جهة أخرى‪ ،‬ما‬ ‫وضع النظام البهلوي يف أزمة طاحنة نتيجة األوضاع املرتدية داخل إيران وعالقاهتا اخلارجية‬

‫التي متثلت يف ما ييل ‪: (1‬‬

‫‪ -1‬سلطة سياسية فاسدة تفتقد إىل املرشوعية االجتامعية‪ ،‬وتتخذ من البطش سبي ً‬ ‫ال‬

‫لفرض سطوهتا من خالل جهاز األمن اإليراين (السافاك)‪.‬‬ ‫‪ -2‬غياب املشاركة السياسية‪.‬‬

‫‪ -3‬حالة التبعية الكاملة للواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬

‫‪ -4‬فساد اجلهاز اإلداري للدولة‪ ،‬وشيوع الرشوة واملحسوبية‪.‬‬ ‫‪ -5‬البعد عن الدين‪ ،‬واختاذ العلامنية املتطرفة منهج ًا للحكم‪.‬‬

‫أدت هذه احلالة إىل حدوث تذمر اجتامعي واسع مل يستطع النظام احلاكم استيعابه‪،‬‬

‫فقامت الثورة التي أطاحت بحكم الشاه حممد رضا هبلوي يف شباط‪ /‬فرباير ‪ ،1979‬والتي‬ ‫كانت بمنزلة رضبة قوية لالسرتاتيجية األمريكية يف منطقة الرشق األوسط‪ ،‬وأدى ذلك إىل‬

‫انفتاح ثغرة األمن يف اخلليج العريب‪ ،‬وعادت قضية الفراغ االسرتاتيجي تفرض نفسها بعد‬ ‫التغيريات التي حدثت يف السياسة الداخلية اإليرانية‪ ،‬خصوص ًا أن ذلك تزامن مع الغزو‬ ‫السوفيايت ألفغانستان الدولة اجلار إليران ودول اخلليج العريب‪ ،‬األمر الذي أدخل املنطقة يف‬ ‫حلبة الرصاع الدويل مرة أخرى‪.‬‬

‫ونشبت أزمة حادة بني الواليات املتحدة األمريكية واالحتاد السوفيايت يف نيسان‪/‬أبريل‬

‫‪ ،1980‬عندما حشد االحتاد السوفيايت قواته عىل حدود إيران الشاملية‪ .‬ووجهت الواليات‬ ‫املتحدة إنذار ًا للسوفيات لسحب قواهتم بعيد ًا عن هذه املنطقة‪ .‬وبحث البنتاغون إمكانية‬ ‫استخدام السالح النووي يف حال تعرض إيران لغزو سوفيايت ‪. (1‬‬

‫ ‪ (1‬خالد حممد أمحد املال‪« ،‬السياسة اخلارجية لدولة اإلمارات العربية املتحدة جتاه إيران خالل الفرتة ‪-1971‬‬ ‫‪( »،1992‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1998 ،‬ص ‪.187‬‬ ‫ ‪ (1‬حييى حلمي رجب‪ ،‬أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية (القاهرة‪ :‬مركز املحروسة‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪65‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫أما عىل اجلانب العريب‪ ،‬فلم تتخذ دول اخلليج العريب موقف ًا منحاز ًا ألي طرف يف خضم‬ ‫األحداث الداخلية يف إيران‪ .‬بل اختذت موقف احلياد‪ ،‬نظر ًا إىل وضعها احلساس باعتبارها‬ ‫جارة إليران يف املنطقة‪ ،‬وإن كانت املواقف الرسمية مل ختل من إشارات لطمأنة الشاه عىل‬

‫موقف هذه األنظمة من األزمة التي يمر هبا حكمه ‪. (1‬‬

‫ومع انتصار الثورة‪ ،‬حرص النظام اجلديد عىل بناء اسرتاتيجية داخلية جديدة‪ ،‬تقوم عىل‬

‫دعامتني أساسيتني‪:‬‬

‫ القضاء عىل أعداء النظام داخلي ًا بشكل منظم‪.‬‬‫‪ -‬بناء دولة دينية ذات مؤسسات ثورية‪ ،‬من دون التفريط يف املؤسسات القديمة عىل‬

‫الرغم من تغري قياداهتا‪.‬‬

‫أدت الرغبة يف حتويل إيران لدولة إسالمية إىل بث بذور الشقاق واالنقسام يف الدولة‪،‬‬

‫وسارت عملية االستقطاب واالنقسام هذه ببطء ملحوظ يف عهد مهدي بازركان (شباط‪/‬‬ ‫فرباير ‪ - 1979‬ترشين الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ )1979‬الذي كان يؤمن برضورة إقامة عالقات إيران‬

‫اخلارجية عىل أساس املحافظة عىل وحدة األرايض اإليرانية ومحاية مصاحلها االقتصادية‪ .‬وعىل‬

‫الرغم من أنه رفض أن تستمر إيران يف أداء مهمة رشطي اخلليج‪ ،‬فإنه مل يكن عىل استعداد‬ ‫لتفكيك املؤسسات العسكرية التي أنشأها الشاه‪ ،‬أو إلغاء املعاهدات العسكرية املربمة بني‬ ‫إيران والواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وسعى إىل إقامة عالقات ودية مع واشنطن والدول‬ ‫العربية عىل أساس االحرتام املتبادل واملعاملة باملثل‪ ،‬وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية‪.‬‬

‫إال أن هذا التوجه املعتدل مل يستمر طوي ً‬ ‫ال؛ حيث استطاع األصوليون الذين استمدوا‬

‫تأييدهم من علامء الدين والطبقات املتوسطة والدنيا االنتصار عىل القوميني‪ ،‬وانتقلت إليهم‬ ‫السلطة بعد استقالة بازركان اعرتاض ًا عىل حادث االستيالء عـىل السفـارة األمريكية يف‬ ‫طهـران وحجز الرهائن فـي ترشين الثاين‪ /‬نوفمرب ‪. (1 1979‬‬ ‫للبحوث والتدريب والنرش‪ ،)1997 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.78-77‬‬

‫ ‪« (1‬األزمة اإليرانية وانعكاساهتا الدولية‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 55‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،)1979‬ص ‪.6‬‬ ‫‪Mohsen M. Milani, The Making of Iran’s Islamic Revolution: From Monarchy to‬‬ ‫)‪(17‬‬ ‫‪Islamic Republic, 2nd ed. (Boulder: Westview Press, 1994), pp. 145-147.‬‬

‫‪66‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫بدا أن سياسات األصوليني تعتمد باألساس عىل الرغبة يف إحياء اإلسالم‪ ،‬ومن ثم‬

‫انتهجوا سياسة خارجية تقوم عىل عدم االنحياز‪ ،‬ورفض التحالف مع أي من القوتني‬ ‫العظميني آنذاك‪ ،‬واتباع سياسة خارجية مستقلة‪ .‬ومل ختتلف السياسة اإليرانية جتاه اخلليج‬ ‫كثري ًا عنها يف عهد الشاه‪ ،‬حيث توترت العالقات بني العراق وإيران‪ ،‬ونشب النزاع حول شط‬

‫العرب‪ ،‬ودارت احلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية التي دامت نحو ثامين سنوات‪ ،‬وألقت بظالهلا‬ ‫وهتديداهتا عىل منطقة اخلليج وأمنها‪.‬‬

‫جيب عهد‬ ‫ويف الوقت ذاته‪ ،‬خابت آمال الدول اخلليجية بشأن بداية عهد جديد يف إيران ُّ‬

‫الشاه وطموحاته التوسعية يف املنطقة‪ ،‬حيث ما لبثت إيران اإلسالمية أن أعلنت مبدأ تصدير‬ ‫الثورة اإلسالمية إىل دول اخلليج‪ ،‬وبدأت األحالم التوسعية والرغبة يف استعادة األجماد‬ ‫الفارسية يف املنطقة تراود قادة النظام اإليراين اجلديد‪ ،‬وأعلن آية اهلل اخلميني سياسة جديدة‪،‬‬

‫مفادها أن منطقة اخلليج هي منطقة نفوذ إيرانية‪ ،‬وأن اإلسالم ال يتطابق مع النظام امللكي‬

‫السائد يف دول اخلليج‪ ،‬كام أوضح أن البحرين هي جزء من األرايض اإليرانية‪ ،‬وعمل عىل دعم‬ ‫الشيعة يف العراق ودول اخلليج األخرى‪ ،‬هبدف زعزعة االستقرار يف الداخل متهيد ًا للسيطرة‬ ‫اإليرانية عليها‪ ،‬فقد كان اخلطاب السيايس للخميني يدعو الشعوب إىل اإلطاحة بحكوماهتا‬

‫ألهنا مصدر الفساد والضعف للدول املسلمة‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪ -‬عىل سبيل املثال‪« :‬كل ضعف‬ ‫يف املسلمني وكل فساد يف الدول اإلسالمية نابع من احلكومات‪ ،‬واحلل بيد الشعوب» ‪. (1‬‬

‫جعل اخلميني تصدير الثورة مبدأ الزم ًا لنجاح حركة الثورة اإلسالمية يف إطارها اإلقليمي‬

‫رصح اخلميني يف خطاب بمناسبة‬ ‫والدويل‪ ،‬باعتبارها رسالة إلنقاذ املستضعفني يف العامل كله‪ ،‬فقد ّ‬ ‫العيد األول للثورة بأننا «سوف نصدر ثورتنا لألركان األربعة؛ ألن ثورتنا إسالمية» ‪. (1‬‬

‫مما ال شك فيه أن جمال إيران احليوي يف حركتها الثورية وأول جماالت اختبار مبدأ تصدير‬

‫الثورة كان دول اخلليج املجاورة‪ ،‬وذلك ألسباب اسرتاتيجية وجيوبولتيكية‪ ،‬فكانت أوىل املناطق‬ ‫الستعراض العضالت اإليرانية فيها‪ ،‬خصوص ًا أن اخلميني اعترب النظم السائدة يف تلك الدول نظ ًام‬ ‫فاسدة وغري إسالمية‪ ،‬وبمنزلة أدوات لالستعامر األمريكي‪ ،‬ما أوجد خوف ًا مربر ًا لدى هذه الدول‪.‬‬

‫ ‪ (1‬خالد العواملة‪« ،‬الثورة اإليرانية ورشعية النظم السياسية العربية‪( »،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية‬ ‫االقتصاد‪ ،)1992 ،‬ص ‪.347‬‬ ‫‪John Simpson, Behind Iranian Lines (London: Robson Books, 1988), p. 82.‬‬ ‫)‪(19‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪67‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫ولكن يف خضم تلك األحداث كان العراق أكثر تلك الدول ختوف ًا من التوجه اجلديد يف‬ ‫إيران؛ نظر ًا إىل أعداد الشيعة الكبرية يف العراق‪ ،‬وحني سنحت الفرصة يف ظل حال الفوىض‬

‫التي سادت إيران داخلي ًا‪ ،‬غزا العراق إيران‪ ،‬واستمرت احلرب بينهام زهاء ثامين سنوات‪،‬‬ ‫هددت أمن املنطقة واستقرارها‪ ،‬األمر الذي حدا بدول اخلليج العربية الست (السعودية‬

‫والكويت واإلمارات وسلطنة ُعامن وقطر والبحرين) إىل إعالن قيام جملس التعاون لدول‬ ‫اخلليج العربية يف أيار‪/‬مايو ‪ 1981‬باعتباره آلية إقليمية جلمع الشمل اخلليجي وتوحيد‬

‫الصف‪ ،‬ملواجهة األخطار التي حتدق بأمن املنطقة‪ ،‬نتيجة توجهات النظام اجلديد يف إيران‪،‬‬ ‫والغزو السوفيايت ألفغانستان‪ ،‬واستمرار رحى احلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‪.‬‬

‫‪ -2‬احلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‬

‫يف السادس من شهر ترشين األول‪/‬أكتوبر عام ‪ ،1978‬طردت السلطات العراقية آية‬ ‫اهلل اخلميني بعد مخسة عرش عام ًا من اإلقامة يف العراق جماملة لنظام الشاه‪ ،‬ومل تكن تتصور أنه‬ ‫سيعود بعد أربعة أشهر فقط من باريس إىل إيران ليقود النظام اإليراين بعد نجاح الثورة يف‬ ‫شباط‪/‬فرباير ‪ ،1979‬وبدأت حلقة جديدة من التوترات يف العالقة بني العراق وإيران‪ ،‬بعد‬ ‫أن استقرت األوضاع بني البلدين بعد اتفاقية اجلزائر عام ‪ 1975‬حول «شط العرب» ‪. (2‬‬

‫ففي شهر حزيران‪/‬يونيو عام ‪ ،1979‬أي بعد أربعة شهور من نجاح الثورة‪ ،‬بدأت‬

‫األنباء تتواتر حول نزاعات احلدود‪ ،‬حيث تكررت اهتامات إيران للعراق بأنه يقصف بطائراته‬ ‫مناطق أذربيجان الكردية ‪ -‬اإليرانية يف أثناء مطاردهتا للمتمردين األكراد الذين نشطوا بعد‬ ‫الثورة اإليرانية‪ .‬ويف املقابل كان اهتامم العراقيني بالعرب يف إيران يف إقليم خوزستان موضع‬

‫قلق من جانب إيران‪.‬‬

‫وشيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬زادت التوترات بني الطرفني‪ ،‬حيث حدثت اشتباكات عسكرية عىل حدود‬

‫البلدين‪ ،‬فقد أعلن العراق يف السابع عرش من حزيران‪/‬يونيو ‪ 1979‬حال التعبئة باجليش‪ ،‬يف‬ ‫ ‪ (2‬يف آذار‪/‬مارس ‪ 1975‬يف اجلزائر تم توقيع اتفاقية بني العراق و إيران بوساطة اجلزائر‪ ،‬تم بمقتضاها رسم‬ ‫احلدود النهرية يف شط العرب طبق ًا خلط الثالوك ووضع ختطيط هنائي حلدود البلدين بناء عىل بروتكول القسطنطينية‬ ‫عام ‪ 1913‬وحمارض جلنة ختطيط احلدود عام ‪ ،1914‬كام تم االتفاق عىل فرض رقابة مشددة عىل احلدود لوضع حد‬ ‫هنائي ألعامل التسلل وإعادة روابط حسن اجلوار‪ .‬انظر‪ :‬أسامه الغزايل حرب‪« ،‬أبعاد النزاع العراقي ـ اإليراين‪ »،‬السياسة‬ ‫الدولية‪ ،‬العدد ‪( 61‬متوز‪/‬يوليو ‪ ،)1980‬ص ‪.185-184‬‬ ‫‪68‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫الوقت الذي أرسلت إيران فرقة من جيشها تدعمها مئتا دبابة إىل احلدود‪ ،‬وحدثت اشتباكات‬ ‫بني البلدين‪ ،‬وتكررت مرة أخرى يف اخلامس عرش من كانون األول‪/‬ديسمرب ‪.1979‬‬

‫وتطور الوضع إىل أن قامت السلطات العراقية بطرد ما يقرب من مخسة وعرشين ألف‬ ‫شيعي‪ ،‬وامتدت عمليات الطرد إىل الصعيد الدبلومايس‪ ،‬حيث تبادل كل من البلدين عمليات‬ ‫طرد أعضاء سفارة البلد اآلخر لديه‪ ،‬فقد خ ّفضت إيران مستوى عالقاهتا الدبلوماسية مع‬ ‫العراق إىل مستوى القائم باألعامل‪ ،‬بدعوى التدخل املتكرر من جانب احلكومة العراقية يف‬ ‫شؤوهنا الداخلية ‪ ،‬ويف املقابل طلبت حكومة العراق من إيران سحب سفريها يف بغداد ألنه‬ ‫يتدخل يف الشؤون الداخلية العراقية‪.‬‬ ‫وقاد كل من البلدين محلة إعالمية ضد اآلخر‪ ،‬وتبادل مسؤولو وزعامء البلدين هجوم ًا‬ ‫عنيف ًا‪ ،‬لدرجة أن وسائل اإلعالم اإليرانية أذاعت نبأ عن مرصع الرئيس العراقي صدام حسني‬ ‫يف السابع عرش من نيسان‪/‬أبريل عام ‪ ،1980‬عندما أعلن متحدث باسم جملس الوزراء‬ ‫اإليراين أن الرئيس العراقي قد قتل خالل انقالب وقع يف العراق‪.‬‬ ‫نشبت احلرب بني البلدين‪ ،‬واستمرت قرابة ثامين سنوات‪ ،‬وكانت فرتة خطر وهتديد‬ ‫لألمن العريب واخلليجي‪ ،‬واستنزاف للطاقات العربية‪ ،‬بل إن بعض الدول اخلليجية تعرضت‬ ‫لعمليات قصف جوي‪ ،‬كام حدث بالنسبة إىل ميناء األمحدي الكويتي‪ ،‬بل إن الشيخ جابر‪ ،‬أمري‬ ‫تعرض ملحاولة اغتيال ‪. (2‬‬ ‫دولة الكويت‪َّ ،‬‬ ‫أضافت هذه احلرب هتديد ًا جديد ًا لألمن اخلليجي‪ ،‬وأكدت أن التهديد اإليراين هو‬ ‫هتديد حقيقي‪ ،‬منذ نجاح الثورة اإلسالمية والتزام قادهتا بتصدير ثورهتا إىل الدول املجاورة‬ ‫يف منطقة اخلليج‪ ،‬يف ظل ترصحيات واضحة ورصحية من جانب قادة الثورة بأن دول اخلليج‬ ‫بالنسبة إىل إيران تعترب دو ً‬ ‫ال غري مستقلة‪.‬‬ ‫ونتيجة هذه التهديدات‪ ،‬ونتيجة اشتعال احلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬اجتمعت دول‬ ‫اخلليج الست (اململكة العربية السعودية‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلطنة ُعامن‪،‬‬

‫قطر‪ ،‬البحرين) وأعلنت قيام جملس التعاون لدول اخلليج العربية يف أيار‪/‬مايو ‪.1981‬‬

‫ ‪ (2‬وليد إلياس مبارك‪« ،‬اخلليج ىف سياسة الكويت اخلارجية من خالل األمم املتحدة‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد‬ ‫‪( 96‬نيسان‪/‬أبريل ‪ ،)1989‬ص ‪.40-38‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪69‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫يذكر هنا‪ ،‬أن العراق كان هو الطرف البادئ باحلرب‪ ،‬وقد بررت احلكومة العراقية قيامها‬

‫بشن احلرب عىل إيران يف بيان أصدره جملس قيادة القوات املسلحة بغزو إيران‪ ،‬والتحرك‬

‫لرضب األهداف املوضوعة هلا‪ ،‬وذلك كرد فعل عىل احلكومة اإليرانية لقرار إغالق مضيق‬ ‫هرمز ووقف املالحة الدولية‪ ،‬وهو ما يعترب «قرار ًا بإعالن احلرب الشاملة عىل العراق»‪،‬‬ ‫وأضاف البيان‪« :‬إن هذه اإلجراءات ‪ -‬التي تستهدف االستيالء عىل املنشآت النفطية يف‬

‫خور مشهر وعبدان عىل الساحل الرشقي ملنطقة شط العرب واالستيالء عىل مضيق هرمز‬ ‫‪ -‬أصبحت رضورة إلرغام النظام العنرصي آلية اهلل اخلميني يف إيران عىل االعرتاف بسيادة‬

‫العراق عىل أراضيه ومياهه اإلقليمية» ‪. (2‬‬

‫اختذ الرصاع املسلح بني العراق وإيران صور ًا متميزة بالنسبة إىل كل منهام نتيجة عنارص‬

‫التفوق التي لدى كل طرف‪ ،‬ففي بداية احلرب ويف الشهور األوىل هلا استطاعت القوات العراقية‪-‬‬ ‫وفق ًا ملا أعلنته القيادة العراقية ‪ -‬احتالل مدينة خور مشهر وحصار مدينة عبدان واالقرتاب من‬ ‫مدينة األهواز‪ ،‬لكن مع تقدم عمليات احلرب ‪ -‬التي حتولت إىل حرب استنزاف طويلة وصلت‬ ‫إىل حد اجلمود بني الطرفني ‪ -‬تبادل الطرفان االنتصارات يف بعض املواقع؛ حيث استطاعت إيران‬

‫احتالل مدينة الفاو العراقية‪ ،‬ثم قامت القوات العراقية باستعادة هذه املدينة مرة أخرى‪ ،‬وأقامت‬ ‫احلكومة العراقية احتفا ًال كبري ًا هبذه املناسبة‪ ،‬وذلك يف إطار ما سمي بـ «حرب املدن» بني العراق‬ ‫وإيران‪ ،‬حيث أطلق كل طرف الصواريخ بعيدة املدى عىل مدن عدة للطرف اآلخر ‪. (2‬‬

‫توقفت احلرب بعد ثامين سنوات من الرصاع املسلح‪ ،‬استنزفت فيها الطاقات العراقية‬

‫والعربية‪ ،‬وأثرت يف املواقف العربية جتاه احلرب؛ حيث أعلنت إيران قبوهلا قرار جملس األمن‬

‫الدويل رقم ‪ 589‬الذي يقىض بوقف إطالق النار‪ ،‬وبالتايل وضعت احلرب أوزارها‪ ،‬وانتهت‬

‫ثامين سنوات من الرصاع املسلح‪ ،‬كان هلا أبلغ األثر يف األمن العريب واخلليجي‪ ،‬بل أثرت يف‬ ‫مصدر الدخل األسايس للدول اخلليجية الذي تعرض ملخاطر احلرب وهو النفط‪.‬‬

‫ ‪ (2‬أسامه الغزايل حرب‪« ،‬التطور التارخيي ودوافع احلرب‪ :‬ملف احلرب العراقية اإليرانية‪ »،‬السياسة الدولية‪،‬‬ ‫العدد ‪( 63‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،)1981‬ص ‪.71‬‬

‫ ‪ (2‬حسن أبو طالب‪« ،‬التطورات األخرية يف حرب اخلليج‪ »،‬السياسية الدولية‪ ،‬العدد ‪( 92‬نيسان‪/‬أبريل‬ ‫‪ ،)1988‬ص ‪ ،171‬والتقرير االسرتاتيجي العريب‪( 1988 ،‬القاهرة‪ :‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام‪،‬‬ ‫‪ ،)1989‬ص ‪.140‬‬ ‫‪70‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫فرضت احلرب عىل الدول اخلليجية يف جملس التعاون اختاذ موقف داعم للعراق نتيجة‬

‫العديد من االعتبارات القومية واألمنية‪ ،‬وهو ما رأته إيران بمنزلة مشاركة خليجية للعراق‬ ‫يف حربه معها‪ ،‬وهو ما دفع إيران الختاذ موقف عدائي جتاه تلك الدول‪ ،‬عىل الرغم من عدم‬ ‫ترمجة ذلك العداء عملي ًا؛ نظر ًا إىل أهنا مل تكن يف موقف ّ‬ ‫يمكنها من توسيع نطاق احلرب لتشمل‬ ‫مواجهة دول أخرى‪ ،‬يف الوقت الذي جلأت فيه دول اخلليج إىل طلب احلامية من الدول الكربى‬

‫حلامية ناقالهتا يف اخلليج بإطار ما سمي «حرب الناقالت»‪.‬‬

‫وإىل جانب سعي تلك الدول ملحاولة بذل اجلهود لوقف تلك احلرب‪ ،‬فإهنا عقدت‬ ‫صفقات سالح مع عدد من الدول الكربى حتسب ًا ألي طارئ‪ ،‬ولكن األمر مل ُ‬ ‫خيل من بعض‬

‫املامرسات اإليرانية العدائية جتاه دول اخلليج؛ مثل متويلها بعض اجلامعات الثورية يف البحرين‬ ‫والكويت والسعودية لزعزعة االستقرار يف تلك الدول‪ ،‬وحماولة اإلطاحة باحلكم يف البحرين‬

‫عام ‪ ،1981‬وجمموعة من التفجريات يف الكويت كانت أبرزها حماولة اغتيال الشيخ جابر‬ ‫األمحد الصباح‪ ،‬أمري البالد‪ ،‬عام ‪ ،1985‬واالضطرابات التي أثارها احلجاج اإليرانيون يف‬

‫موسم احلج لعام ‪ 1987‬التي انتهت بوفاة أربعمئة شخص وقطع السعودية لعالقاهتا مع‬ ‫إيران‪ ،‬التي قاطعت احلج ملوسمني متتاليني احتجاج ًا عىل تقليل حصتها من احلجاج‪.‬‬

‫‪ -3‬قيام جملس التعاون لدول اخلليج العربية‬

‫بعد انسحاب بريطانيا من اخلليج يف كانون األول‪/‬ديسمرب عام ‪ 1971‬واستقالل كل من‬

‫البحرين وقطر وقيام دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬بدأت عالقات التعاون الكثيفة بني إمارات‬

‫اخلليج من ناحية وكل من الكويت والسعودية وسلطنة ُعامن من ناحية أخرى‪ ،‬وقد قطع التعاون‬ ‫اخلليجي شوط ًا بعيد ًا طوال السبعينيات‪ ،‬ومن ثم جاء قيام جملس التعاون لدول اخلليج العربية‬ ‫يف مطلع الثامنينيات استمرار ًا لرصح التعاون اخلليجي‪ ،‬وتأكيد ًا جلوانبه كافة‪ ،‬وبالتايل فهو مل يأت‬ ‫من فراغ‪ ،‬بل كان تتوجي ًا ملرحلة طويلة من التكامل يف كل املجاالت أخذت شكل التعاون الثنائي‬ ‫أو اجلامعي قبل قيام جملس التعاون باعتباره صيغة مجاعية تضم دول اخلليج الست ‪. (2‬‬

‫كثر احلديث عند قيام املجلس عن تلك العوامل التي أدت إىل إنشائه‪ ،‬فكان لكل باحث‬ ‫ ‪ (2‬عبد اهلل األشعل‪ ،‬اإلطار القانوين والسيايس ملجلس التعاون اخلليجي (القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫‪ ،)1988‬ص ‪.17‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪71‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫وجهة نظره‪ ،‬وكان كل كاتب بحسب اجتهاده الشخيص يقدم عام ً‬ ‫ال دون غريه ويعتربه العامل‬ ‫الرئيس واألوحد الذي قاد إىل إنشاء املجلس‪ ،‬فال يوجد اتفاق عام‪ .‬ومهام اختلفت اآلراء‪،‬‬ ‫فإن الثابت هو أن ذلك املجلس مل ينشأ من فراغ‪ ،‬كذلك فهو مل يكن نتيجة عامل وحيد؛ وإنام‬

‫هناك جمموعة من العوامل سامهت جمتمعة يف قيام املجلس‪ ،‬وذلك عىل الرغم من تفاوت‬

‫أمهيتها ومدى مسامهتها‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬كان رضوري ًا تقسيم تلك العوامل إىل عوامل أساسية وأخرى مساعدة‪ ،‬عىل‬

‫النحو التايل‪:‬‬

‫أ ‪ -‬العوامل األساسية‪ :‬وتقسم بدورها إىل نوعني ‪: (2‬‬

‫‪ -‬عوامل أساسية ذات طبيعة دائمة‪ ،‬وتتمثل يف عامل مقومات الوحدة التي متتلكها‬

‫دول املجلس الست‪.‬‬

‫‪ -‬عوامل أساسية ذات طبيعة شبة دائمة‪ ،‬وتنحرص يف عاميل تعاظم األمهية االقتصادية‬

‫(النفطية) لدول املجلس‪ ،‬ورصاع القوى العظمى يف املنطقة‪.‬‬

‫يتكون منها املجلس‬ ‫(‪ )1‬مقومات وحدة دول املجلس‪ :‬متتلك دول اخلليج الست التي ّ‬ ‫من أسباب التعاون ومقومات الوحدة ما يكفيها للسري قدم ًا نحو وضع إطار تنظيمي للتعاون‬

‫يف ما بينها‪.‬‬

‫ومتثَّل ذلك بإنشاء جملس التعاون‪ .‬ويمكننا حرص تلك املقومات ‪ -‬باختصار ‪ -‬يف ما ييل‪:‬‬ ‫ الوحدة الدينية (فاإلسالم هو دين اجلميع)‪.‬‬‫ الوحدة السياسية (تشابه أنظمة احلكم؛ فهي يف معظمها ملكية وراثية حمافظة)‪.‬‬‫‪ -‬الوحدة االجتامعية (حيث متتلك هذه الدول جمموعة من القيم والعادات والتقاليد‬

‫املتشاهبة‪ ،‬باإلضافة إىل الرتكيبة االجتامعية املتجانسة التي تتميز هبا‪ ،‬فسكان اخلليج وقادته‬ ‫ينتمون إىل األصول القبلية نفسها املنترشة يف شبه اجلزيرة العربية)‪.‬‬

‫ ‪ (2‬نواف مساعد عبد العزيز آل سعود‪« ،‬جملس التعاون لدول اخلليج العربية دراسة قانونية سياسية يف التنظيم‬ ‫الدويل اإلقليمي‪( »،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1988 ،‬ص ‪.100-99‬‬ ‫‪72‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ الوحدة التارخيية (فهناك تراث تارخيي وحضاري مشرتك‪ ،‬فض ً‬‫ال عن األصول‬

‫الواحدة ‪ ، (2‬واملصلحة املشرتكة‪ ،‬وإن كان ذلك ال ينفي الرصاعات واحلروب بني هذه الدول‬

‫التي شهدهتا أواخر القرن الثامن عرش وبداية القرن التاسع عرش نتيجة العوامل األجنبية التي‬ ‫كانت أصيلة يف تلك الرصاعات)‪.‬‬

‫‪ -‬الوحدة االقتصادية (تتشابه دول اخلليج الست يف ضعف مواردها املائية‪ ،‬ومعظم‬

‫أراضيها صحراوية قاحلة أو شبه قارية‪ .‬أما اقتصاداهتا فهي حرة تتشابه يف كوهنا أحادية اجلانب‪،‬‬

‫يغلب عليها الطابع النفطي الذي يمثل يف بعضها أكثر من ‪ 95‬يف املئة من اإليرادات املحلية‪ ،‬ما‬ ‫يعني تشابه مشكالت وحتديات التنمية املعتمدة عىل النفط باعتباره مصدر ًا وحيد ًا للدخل)‪.‬‬ ‫‪ -‬الوحدة اجلغرافية والديمغرافية (حيث تقع أقاليم الدول الست األعضاء يف املجلس‬

‫عىل أرايض شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬وتشكل أغلبية مساحتها‪ ،‬ما عدا البحرين التي تقع فوق جمموعة‬

‫جزر يف اخلليج العريب‪ ،‬ولكنها ربطت بباقي الدول مع انتهاء اجلرس الذي ربطها باململكة العربية‬ ‫السعودية بنهاية عام ‪ .1985‬وباستثناء السعودية فإن دول املجلس صغرية املساحة‪ ،‬وتعاين نقص ًا‬ ‫كبري ًا يف مواردها البرشية‪ ،‬ونقص ًا يف العاملة املدربة وغري املدربة‪ ،‬ومن ثم كان االعتامد عىل العاملة‬ ‫الوافدة التي مثّلت يف بعضها زيادة سكانية تفوق عدد السكان الوطنيني)‪.‬‬

‫‪ -‬وحدة اخلطر اخلارجي (حيث إنه نتيجة اإلنتاج الوفري واالحتياطي الكبري الذي‬

‫متلكه هذه الدول من النفط‪ ،‬تتشابه هذه الدول بتمتعها بقدر كبري من التأثري يف جمرى السياسة‬ ‫االقتصادية الدولية‪ ،‬األمر الذي جعل منطقة اخلليج العريب حمط ًا لألنظار‪ ،‬ومطمع ًا للقوى‬ ‫األجنبية‪ ،‬وجما ً‬ ‫ال رحب ًا للرصاعات الدولية)‪.‬‬ ‫وهكذا تولدت لدى قادة دول اخلليج رضورة تفادي السلبيات‪ ،‬واستغالل اإلجيابيات‬

‫والتوحد ملواجهة التحديات املشرتكة‪ ،‬ما جعل املناخ مهيأ لتقبل‬ ‫التي تتوافر لتلك الدول‪،‬‬ ‫ّ‬

‫الدخول يف شكل تنظيمي يقوم عىل فكرة العمل اجلامعي‪ ،‬أال وهو جملس التعاون لدول‬ ‫اخلليج العربية‪.‬‬

‫ ‪ (2‬ملزيد من التفاصيل عن وحدة األصل اخلليجي‪ ،‬انظر‪ :‬صالح العقاد‪ ،‬معامل التغيري يف دول اخلليج العريب‬ ‫(القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪ ،‬معهد البحوث والدراسات العربية‪ ،)1972 ،‬ص ‪ ،5‬ويوسف حممد عبيدان‪« ،‬نظام‬ ‫احلكم يف دول اخلليج‪ :‬دراسة مقارنة لقطر والكويت والبحرين‪( »،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪،‬‬ ‫‪ ،)1982‬ص ‪.50‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪73‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫(‪ )2‬األمهية االقتصادية لدول املجلس‪ :‬دول املجلس هي دول منتجة رئيسة للنفط يف‬ ‫العامل‪ ،‬ومتلك احتياطيات ضخمة منه‪ ،‬األمر الذي أعطاها أمهية قصوى فرضت عليها السعي‬ ‫نحو مزيد من التقارب والتنسيق يف إطار تنظيمي يؤكد أمهيتها االقتصادية‪.‬‬ ‫ويف هذا اإلطار‪ ،‬يقول السفري عبد اهلل بشارة‪« :‬إن من يملك شيئ ًا نادر ًا حيتاج له اجلميع‪،‬‬ ‫ال يمكنه املحافظة عىل هذا اليشء النادر بوسائل تقليدية» ‪. (2‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬كان لزام ًا عىل دول اخلليج أن ترتابط مع ًا ترابط ًا عضوي ًا‪ ،‬فمعركتها واحدة‪،‬‬ ‫تئن حتت وطأة الضغوط واألطامع‪ ،‬بينام هي‬ ‫وخماوفها واحدة‪ ،‬وهي منفردة تظل ضعيفة ّ‬ ‫جمتمعة يقوى ظهرها ويشتد عودها‪ ،‬خصوص ًا أن النظام الدويل القائم أصبح ال يعتد إال‬ ‫يكن هلا كل االحرتام والتقدير‪ ،‬ومن ثم‬ ‫بالكيانات االقتصادية الكربى الفاعلة واملؤثرة‪ ،‬التي ّ‬ ‫كان املجلس هو الكيان الذي يستطيع أن حيمي دول اخلليج ويؤمن اقتصادها وحيقق هلا املكانة‬ ‫واالحرتام والتقدير العاملي‪.‬‬ ‫(‪ )3‬رصاع القوى العظمى يف املنطقة‪ُ :‬يعدّ هذا العامل هو أحد العوامل التي أدت دور ًا‬ ‫كبري ًا يف إنشاء املجلس؛ حيث يمثل هتديد ًا حقيقي ًا ألمن واستقرار الدول الست‪ ،‬وال شك‬ ‫يف أن الدافع األمني هو أحد أهم الدوافع الكربى لقيام جملس التعاون اخلليجي‪ ،‬ويف ذلك‬ ‫نجد مانع سعيد العتيبة‪ ،‬وزير نفط اإلمارات ‪ -‬سابق ًا‪ ،‬يؤكد أن مسألة حتسني النظام الدفاعي‬ ‫وإجراءات األمن الداخيل حتتل أعىل مرتبتني بني ُس ّلم أولويات عمل املجلس ‪. (2‬‬ ‫ومع احتدام احلرب الباردة بني الواليات املتحدة األمريكية واالحتاد السوفيايت (السابق)‬ ‫بعد غزو األخري أفغانستان ورصاعهام حول اخلليج‪ ،‬حيث إنه وفق ًا للنظرة األمريكية فإن االحتاد‬ ‫السوفيايت بعد غزوه أفغانستان أصبح يمثل هتديد ًا حلقول النفط واملمرات املائية ملنطقة اخلليج‪،‬‬ ‫وقد عبرّ الرئيس األمريكي كارتر عن ذلك بقوله‪« :‬نحن ال نملك أن نجعل السوفيات يمدون‬ ‫هيمنتهم إىل جزء متاخم للخليج الذي هو مهم جد ًا لنا وللشعوب األخرى يف العامل» ‪. (2‬‬

‫ ‪ (2‬عبد اهلل بشارة‪ ،‬جتربة جملس التعاون اخلليجي‪ :‬خطوة أو عقبة يف طريق الوحدة العربية‪ ،‬سلسلة احلوارات‬ ‫العربية؛ ‪( 5‬عامن‪ :‬منتدى الفكر العريب‪[ ،‬د‪ .‬ت‪ ،)].‬ص ‪.32-31‬‬ ‫ ‪ (2‬فؤاد محدي بسيسو‪« ،‬جملس التعاون اخلليجي وآفاق التوجه االسرتاتيجي العريب املتوازن‪ »،‬املستقبل العريب‪،‬‬ ‫السنة ‪ ،4‬العدد ‪( 31‬أيلول‪/‬سبتمرب ‪ ،)1981‬ص ‪.40‬‬ ‫ ‪ (2‬آل سعود‪« ،‬جملس التعاون لدول اخلليج العربية دراسة قانونية سياسية يف التنظيم الدويل اإلقليمي‪ »،‬ص‬

‫‪74‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ثم‪ ،‬كثّفت الواليات املتحدة من وجودها العسكري البحري يف اخلليج العريب‪،‬‬ ‫ومن ّ‬

‫بحجة محاية أمن هذه الدول من األطامع السوفياتية الزاحفة نحو اخلليج‪ .‬وعىل اجلانب اآلخر‬ ‫ظهرت مبادرة برجينيف لتحييد منطقة اخلليج العريب‪ ،‬وبدا وكأن مواجهة قادمة بني العمالقني‬

‫عجل بالبحث عن بديل خليجي‬ ‫ستدور رحاها وستكون ساحتها منطقة اخلليج ‪ ، (3‬وهذا ما ّ‬

‫للحفاظ عىل أمن دول اخلليج؛ فكان جملس التعاون هو الرد املناسب والبديل اخلليجي‬

‫للحفاظ عىل أمن دوله‪.‬‬

‫ب ‪ -‬العوامل املساعدة‬

‫لقد متثلت هذه العوامل باألحداث التالية ‪: (3‬‬

‫(‪ )1‬قيام الثورة اإليرانية‪ :‬مع قيام الثورة اإليرانية يف بداية عام ‪ 1979‬والترصحيات‬

‫سموه بـ «تصدير الثورة»‬ ‫اإليرانية بعودهتا إىل سياسة الشاه التوسعية‪ ،‬وإعالن قادة الثورة ما ّ‬

‫اإلسالمية إىل دول اخلليج املجاورة وفرض اهليمنة اإليرانية عىل دول اخلليج التي ظهرت‬ ‫أساس ًا يف ترصحيات الرئيس اإليراين أبو احلسن بني صدر بعدم ختليّ إيران عن جزر (طنب‬ ‫الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى) التي احتلتها عام ‪ ،1971‬بل والقول إن ك ً‬ ‫ال من‬ ‫وعامن والكويت والسعودية ال تعترب من وجهة النظر اإليرانية دو ً‬ ‫ال مستقلة‪،‬‬ ‫اإلمارات وقطر ُ‬ ‫ومع رضهبا ملنطقة العبديل الكويتية بالطائرات احلربية‪ ،‬وإثارة الفتنة بني احلجاج يف السعودية‪،‬‬

‫والتآمر عىل البحرين … كل هذه املالبسات ألقت بجبال من الشكوك يف صدور قادة اخلليج‬ ‫حول نوايا إيران‪ ،‬ومن ثم كان هناك إحساس خليجي عام برضورة التحرك إلبراز موقف‬

‫خليجي تنظيمي موحد حتى قيام املجلس يف عام ‪.1981‬‬

‫(‪ )2‬الغزو العسكري السوفيايت ألفغانستان‪ :‬وذلك يف كانون األول‪ /‬ديسمرب ‪ .1979‬وهذا‬ ‫الغزو يعني قرب ًا سوفياتي ًا من منطقة اخلليج‪ ،‬ومنابع النفط ال تتعدى مسافة ستمئة كيلومرت‪ ،‬وما‬ ‫يعنيه ذلك من بروز عامل جديد وخطري هيدد أمن املنطقة واستقرارها‪ ،‬خصوص ًا أن السوفيات‬ ‫قد أقاموا حتالفات اسرتاتيجية مع كل من إثيوبيا واليمن اجلنويب‪ ،‬وهو قد يثري الشك يف أن غزو‬

‫‪.103-102‬‬

‫ ‪ (3‬األشعل‪ ،‬اإلطار القانوين والسيايس ملجلس التعاون اخلليجي‪ ،‬ص ‪.84-83‬‬ ‫ ‪ (3‬انظر‪ :‬آل سعود‪ ،‬واألشعل‪ ،‬املصدران نفسهام‪.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪75‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫أفغانستان هو حلقة من حلقات االسرتاتيجية السوفياتية لإلحاطة باملنطقة والتحكم فيها‪ ،‬ولذلك‬ ‫حتركت الدول اخلليجية نحو العمل املشرتك ملواجهة تلك التحديات واالحتامالت‪.‬‬

‫(‪ )3‬احلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‪ :‬وقد اندلعت يف أيلول‪ /‬سبتمرب ‪ ،1980‬وما ترتب‬ ‫عليها من انعكاسات أمنية خطرية يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬خصوص ًا أن ناقالت النفط‬ ‫واألهداف املدنية اخلليجية قد طالتها نريان احلرب‪ ،‬بل وحترشت إيران بالدول اخلليجية‬ ‫املجاورة‪ .‬فاحلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية كانت حرب ًا لتغيري الوضع القائم سياسي ًا وجغرافي ًا‬

‫واجتامعي ًا‪ ،‬وهو أمر يرقى إىل مصاف «الطوفان» بنتائجه ‪. (3‬‬

‫وال يمكن للمنطقة أن تقبل بتغيري «تركيبة» سياسية وجغرافية راسخة فيها‪ ،‬ومن ثم‬

‫كان عىل دول اخلليج التحرك ملواجهة نتائج هذه احلرب‪ ،‬فكان جملس التعاون هو صيغة غري‬ ‫تقليدية ملواجهة ذلك الطوفان‪.‬‬

‫جراء احلرب‬ ‫(‪ )4‬تصدع النظام العريب‪ :‬ومتثل ذلك يف اخلالفات العربية املستمرة من ّ‬

‫األهلية اللبنانية‪ ،‬واتفاقيات كامب ديفيد‪ ،‬ومشكلة الصحراء الغربية‪ ،‬واالنقسام العريب حول‬ ‫احلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬وحول الرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل‪ ،‬وحول احلل األمثل للقضية‬

‫الفلسطينية‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬كان التداعي والتآكل العريب‪ ،‬وسقوط وحدة األمن العريب‪ .‬وإذا كان اخلليج ينظر‬

‫إىل أن أمن دوله هو أمن العرب‪ ،‬فإن تلك األحداث والرشوخ التي أصابت رصح األمن العريب‬ ‫أدت إىل قناعة خليجية بأن الوقت يستدعي توافر ذراع مجاعية تكون عامل استقرار يف املنطقة ‪. (3‬‬

‫وهكذا‪ ،‬كان طبيعي ًا أن يقوم جملس التعاون بني الدول اخلليجية الست ملواجهة خمتلف‬

‫األخطار والتحديات يف ظل االنقسام العريب‪.‬‬

‫إن قرار أهل اخلليج بقيام جملس التعاون يعني أهنم قرروا مواجهة املشكالت الداخلية‬ ‫واخلارجية‪ ،‬سواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم اجتامعية أم أمنية‪ ،‬مواجهة مجاعية‪ .‬وقد مثّل‬ ‫إنشاء جملس التعاون عام ً‬ ‫ال من عوامل التوتر يف العالقات اإليرانية ‪ -‬اخلليجية‪ ،‬حيث نظرت‬ ‫ ‪ (3‬بشارة‪ ،‬جتربة جملس التعاون اخلليجي‪ :‬خطوة أو عقبة يف طريق الوحدة العربية‪ ،‬ص ‪.33-32‬‬ ‫ ‪ (3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪76‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫إيران إىل ذلك املجلس نظرة سلبية‪ ،‬واعتربته بمنزلة حلف موجه ضدها‪ ،‬وأداة إلبعادها عن‬ ‫شؤون املنطقة‪ ،‬وخطوة لالندماج االقتصادي والسيايس والعسكري‪ ،‬ما يمثل وضع ًا غري‬ ‫مالئم ملصاحلها‪ .‬بل إهنا اعتربته أداة أو مظلة ملد النفوذ السعودي يف منطقة اخلليج‪.‬‬ ‫وظلت العالقات بني اجلانبني متوترة حتى وفاة اخلميني وانتهاء احلرب العراقية ‪-‬‬ ‫اإليرانية‪ ،‬حيث بدأت بوادر التقارب بني الطرفني‪ ،‬التي كان أبرزها عقد إيران مؤمتر ًا دولي ًا‬

‫يف ترشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪ 1989‬بعنوان «اخلليج الفاريس»‪ ،‬وكانت أبرز توصياته دعوة دول‬ ‫جملس التعاون إىل التضامن والتعايش السلمي مع إيران‪ ،‬وزاد ذلك نتيجة املوقف الذي اختذته‬

‫إيران جتاه الغزو العراقي للكويت‪.‬‬

‫‪ -4‬أزمة اخلليج الثانية‬

‫وقعت أزمة اخلليج الثانية يف ظل نظام دويل جديد‪ ،‬يسعى إىل حل اخلالفات اإلقليمية‬

‫بشكل سلمي من دون تدخل مبارش من جانب إحدى القوتني العظميني‪ ،‬فقد كانت تلك‬ ‫األزمة بمنزلة أول اختبار حقيقي ملناخ االنفراج الدويل الذي بدأت مالحمه تظهر يف األفق‬

‫بشكل اجتاه معلن نحو رضورة حل وتسوية اخلالفات واملنازعات الدولية بالوسائل السلمية‪،‬‬ ‫وااللتزام بالرشعية الدولية‪ ،‬والتشديد عىل مبادئ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول‬

‫األخرى‪ ،‬واالمتناع عن استخدام أو التهديد باستخدام القوة يف العالقات الدولية‪ ،‬واحرتام‬ ‫سيادة الدول األخرى ‪. (3‬‬

‫لقد أحدث الغزو رشخ ًا عميق ًا يف جدار األمن العريب وبنية النظام اخلليجي الفرعي‪،‬‬

‫فقد كانت صدمة قاسية أجهضت حال الوفاق الذي بدأ يظهر يف منطقة اخلليج بعد تسوية‬ ‫الرصاع العراقي ‪ -‬اإليراين بعد ثامين سنوات من احلرب والدمار‪ ،‬كام أنه جاء ليوقف مرحلة‬

‫الوفاق ووقف التدهور يف العالقات العربية التي بدأت منذ عام ‪ ،1987‬وأحدثت األزمة‬ ‫انقسام ًا حاد ًا يف املواقف العربية جتاه الغزو وتطوراته وأطرافه ‪. (3‬‬ ‫ ‪ (3‬منصور العتيبي‪« ،‬اإلدارة األمريكية ألزمة اخلليج الثانية‪( »،1991-1990 ،‬رسالة ماجستري غري منشورة‪،‬‬ ‫جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1997،‬ص ‪.94‬‬

‫ ‪ (3‬ملزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر‪ :‬عزت عبد الواحد‪« ،‬إدارة األزمة يف السياسة اخلارجية املرصية‪ :‬دراسة حالة‬ ‫ألزمة اخلليج الثانية‪( »،1991-1990 ،‬رسالة ماجستري غري منشورة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1994 ،‬ص‬ ‫‪.176-163‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪77‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫وعندما وقع الغزو‪ ،‬كانت إيران قد خرجت لتوها من جولة رصاعية مع العراق استمرت‬

‫زهاء ثامين سنوات‪ ،‬لذلك بدأ املوقف اإليراين بالرتقب ومراقبة األحداث الستكشاف املدى‬ ‫الذي سوف تؤثر به األحداث يف األمن القومي اإليراين‪ .‬وعىل الرغم من وجود بعض القوى‬

‫الدينية داخل إيران التي عبرَّ ت عن تأييدها للدخول يف احلرب إىل جانب صدام حسني وربطه ملا‬ ‫حيدث بالقضية الفلسطينية ورضورة االنسحاب اإلرسائييل من األرايض املحتلة باعتباره رشط ًا‬ ‫النسحابه من الكويت‪ ،‬فإن القيادة السياسية اإليرانية كانت قد حسمت أمرها باختاذ موقف‬

‫احلياد من األزمة‪ ،‬وقد عبرّ الرئيس اإليراين عيل أكرب هاشمي رفسنجاين عن ذلك املوقف يف‬ ‫كانون الثاين‪/‬يناير ‪ 1991‬بقوله‪« :‬إننا لن نسفك دماءنا لكي يبقى العراقيون يف الكويت‪ ،‬ففي‬ ‫هذه احلالة سيصبح اخلليج «الفاريس» غد ًا اخلليج العريب‪ ،‬أليس ذلك هو االنتحار بعينه؟» ‪. (3‬‬ ‫إال أن هذا البيان مل يكن يعني أن األمر برمته ال هيم إيران يف يشء‪ ،‬أو أهنا لن تعبرّ عن‬ ‫رأهيا يف الغزو وترتك الدول العربية يف اخلليج يأكل بعضها بعض ًا‪ ،‬ألن ما حيدث يف املنطقة‬

‫بالنهاية له تأثرياته املبارشة يف املصالح السياسية واالقتصادية واألمنية إليران‪ ،‬فعىل الرغم من‬ ‫عدم اندفاع إيران يف اختاذ موقف إجيايب من الغزو ملصلحة أحد األطراف‪ ،‬فإهنا رفضت الغزو‬

‫ذاته‪ ،‬وأعلن املجلس األعىل لألمن القومي اإليراين رفض إيران االحتالل العراقي للكويت‬ ‫بأي شكل من األشكال‪ ،‬وطالبت إيران العراق باالنسحاب الفوري وغري املرشوط‪ ،‬وأعلنت‬

‫رفضها حلصول العراق عىل أي مكاسب إقليمية من شأهنا أن تغيرّ الوضع اجليواسرتاتيجي يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬ودعت إىل رضورة إهناء األزمة بشكل سلمي حتى ال تكون ذريعة للوجود األجنبي‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬وإن كانت إيران قبلت مع املراحل املتقدمة لألزمة بالوجود األجنبي هبدف إخراج‬ ‫العراق من الكويت فقط من دون البقاء يف املنطقة ‪. (3‬‬

‫وخالل احلرب حاول العراق استدراج إيران للوقوف إىل جانبه؛ حيث أعلن الرئيس‬

‫صدام حسني عن مبادرة سالم مع إيران يف اخلامس عرش من آب‪/‬أغسطس ‪ ،1990‬وافق من‬ ‫خالهلا عىل تسوية املشكالت املعلنة بني البلدين التي كانت سبب ًا للحرب بينهام‪ ،‬فاعرتف باتفاقية‬ ‫اجلزائر بخصوص شط العرب‪ ،‬وانسحبت القوات العراقية من األرايض اإليرانية املحتلة‪،‬‬

‫وأعيد األرسى اإليرانيون‪ ،‬كام قام العراق بإرسال نحو مئة طائرة عسكرية عراقية إىل إيران‪،‬‬ ‫ ‪ (3‬رجب‪ ،‬أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية‪ ،‬ص ‪.325‬‬ ‫ ‪ (3‬عبد الواحد‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.181-180‬‬ ‫‪78‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وفتحت سفارة كل دولة لدى األخرى‪ ،‬وتبادل الطرفان الزيارات بني مسؤويل البلدين‪.‬‬ ‫إال أن هذا مل يغري من املوقف اإليراين كثري ًا‪ ،‬وإن كان حقق إليران مكاسب عىل الصعيد‬

‫اإلقليمي‪ ،‬هذا إىل جانب أن املوقف اإليراين قد دفع بالعالقات بني إيران والدول اخلليجية‬ ‫ُقدم ًا لألمام‪ ،‬وكذلك بني إيران وعدد من الدول العربية والغربية وموسكو‪.‬‬ ‫وهكذا استطاعت إيران أن حتصل عىل مكاسب مل تكن حتلم هبا من مجيع األطراف‬

‫لوال اندالع تلك األزمة‪ ،‬يف الوقت الذي مل تبذل فيه إيران أي ثمن لتلك املكاسب سوى أهنا‬

‫رفضت الغزو ومل تشارك يف احلشد الدويل ضد العراق‪ .‬بل إن املكاسب اإليرانية استمرت يف‬ ‫أعقاب انتهاء العمليات العسكرية؛ حيث القى املوقف اإليراين قبو ً‬ ‫ال يف األوساط اخلليجية‬ ‫من زاوية إمكان إرشاك إيران باعتبارها رشيك ًا بالرتتيبات األمنية يف املنطقة بعد األزمة ‪. (3‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املحددات النابعة من البيئة الدولية العاملية‬ ‫تواترت عىل الساحة الدولية جمموعة من املتغريات والتطورات التي أثرت يف السياسة‬

‫اخلارجية اإليرانية جتاه منطقة الرشق األوسط واخلليج العريب‪ ،‬فقد أدت احلرب العاملية‬

‫الثانية إىل إحداث تغيريات مهمة يف اخلريطة الدولية‪ ،‬حيث انقسم العامل إىل معسكرين‪:‬‬ ‫اشرتاكي ورأساميل‪ ،‬تتوزع بينهام عدد من التكتالت اإلقليمية‪ ،‬إال أن عقد التسعينيات شهد‬

‫تفكك الدولة قائدة املعسكر االشرتاكي واهنيارها‪ ،‬وحتولت معظم دول املعسكر إىل األخذ‬ ‫باألساليب السياسية واالقتصادية التي تتبناها دول املعسكر الرأساميل‪ .‬فكانت والدة نظام‬ ‫دويل جديد هتيمن عليه الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬يف الوقت الذي برزت فيه قوى جديدة‬ ‫يف آسيا وأوروبا‪ ،‬وبرزت العوملة باعتبارها ظاهرة جديدة يف النظام الدويل‪.‬‬

‫ويف ما ييل عرض ألهم تلك املتغريات وأثرها يف السياسة اخلارجية اإليرانية‪.‬‬ ‫ ‪ (3‬ملزيد من التفاصيل عن املوقف اإليراين خالل األزمة‪ ،‬انظر‪ :‬عامد جاد‪ « ،‬دول اجلوار اجلغرايف‪ :‬حسابات‬ ‫املكسب واخلسارة‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 103‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،)1991‬ص ‪79-76‬؛ نازيل معوض‪« ،‬تركيا‬ ‫وإيران وكارثة اخلليج الثانية‪ :‬مقارنة حتليلية‪ »،‬جملة العلوم االجتامعية‪ ،‬العدد ‪( 201‬ربيع ‪ -‬صيف ‪ ،)1991‬ص ‪26-23‬؛‬ ‫أمحد مهابة‪« ،‬إيران وأمن اخلليج‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 105‬متوز‪/‬يوليو ‪ ،)1991‬ص ‪97‬؛ أمحد ثابت‪« ،‬إيران ما‬ ‫بعد احلرب‪ ،‬مكاسب الواقع وأزمة االختيار‪ »،‬مستقبل العامل اإلسالمي‪ ،‬السنة ‪ ،1‬العدد ‪( 2‬ربيع ‪ ،)1991‬ص ‪،67-65‬‬ ‫وهالة سعودي‪« ،‬أزمة اخلليج ودولتا اجلوار تركيا وإيران‪ »،‬يف‪ :‬أمحد الرشيدي‪ ،‬حمرر‪ ،‬االنعكاسات الدولية واإلقليمية‬ ‫ألزمة اخلليج (القاهرة‪ :‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪ ،)1991 ،‬ص ‪.305-304‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪79‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫‪ -1‬اهنيار املعسكر االشرتاكي‬

‫جاء اهنيار املعسكر االشرتاكي نتيجة منطقية ترتبت عىل التفكك الذي أصاب االحتاد‬

‫السوفيايت الدولة القائد باعتبارها نتيجة منطقية لألفكار اجلديدة التي جاء هبا ميخائيل‬

‫غورباتشوف الذي توىل سدة احلكم يف االحتاد السوفيايت عام ‪ 1985‬بصفته خليفة لشريننكو‬ ‫الذي تفاقمت يف عهده مظاهر األزمة البنائية بأبعادها االقتصادية والسياسية واالجتامعية‬ ‫والثقافية‪ ،‬فكان من الرضوري العمل بفكر سيايس جديد للخروج بالبالد من أزمتها متعددة‬

‫األبعاد‪ ،‬ومن هنا كانت سياسات (الربيسرتويكا) و(الغالسنوست)؛ أي «إعادة البناء»‬ ‫و»املصارحة»‪ .‬تلك السياسات هدفت إىل إعادة بناء االقتصاد السوفيايت‪ ،‬وحتقيق قدر أكرب‬ ‫من العدالة االجتامعية‪ ،‬وإفساح الطريق أمام إطالق احلريات والديمقراطية‪ ،‬والتقليل من‬ ‫الدور التدخيل واملسيطر للدولة‪ ،‬والقضاء عىل البريوقراطية‪ ،‬والدعوة إىل قيام عالقات دولية‬ ‫طبيعية وعادلة مبنية عىل القيم واملبادئ اإلنسانية‪ ،‬ونبذ الرصاعات‪ ،‬واحرتام حق الشعوب‬ ‫يف اختيار طريقها والترصف بمواردها وأراضيها بام حيقق مصاحلها‪ ،‬بعيد ًا عن الرصاعات‬ ‫واملناوشات التي طاملا استنزفت طاقاهتا ومواردها وثرواهتا من أجل أفكار عقيمة ثبت فشلها‬

‫يف حتقيق أحالم املاليني ممن اعتنقوا الفكر الشيوعي املاركيس لعقود عديدة سجن الناس‬ ‫فيها يف سجون الفكر املتعصب‪ ،‬فقد آن للشعوب أن حت ّلق يف عامل يصون كل فرد فيه أفكاره‬ ‫الفلسفية والسياسية‪ ،‬ويامرس حياته عىل النمط الذي يريد ‪. (3‬‬

‫جاء غورباتشوف بأفكار تدعو إىل مزيد من االنفتاح يف العالقات الدولية بني الرشق‬ ‫والغرب‪ ،‬واإليامن بأن توازن املصالح ‪ -‬وليس توازن القوى ‪ -‬هو ما جيب أن حيكم‬ ‫العالقات الدولية‪ ،‬فحاول غورباتشوف إعادة بناء االشرتاكية الروسية عىل أساس «تقويض‬ ‫ركائز االشرتاكية الستالينية»‪ ،‬وسعى إىل بناء اشرتاكية تقبل وتستطيع احلياة يف عامل واحد‬ ‫مع الرأساملية‪ ،‬ونبذ األفكار اجلامدة التي تعايشت معها الشعوب الرشقية املستمدة من‬ ‫الفكر املاركيس واملتعلقة بالثورة الربوليتارية واهنيار الرأساملية … إلخ‪ ،‬أي أن غورباتشوف‬ ‫حاول بناء اشرتاكية جديدة تقبل باخلروج عليها إن أرادت الشعوب ذلك ‪. (4‬‬ ‫ ‪ (3‬ميخائيل غورباتشوف‪ ،‬البرييسرتويكا‪ :‬تفكري جديد لبالدنا والعامل‪ ،‬ترمجة محدي عبد اجلواد (القاهرة‪ :‬دار‬ ‫الرشوق‪ ،)1988 ،‬ص ‪.197‬‬ ‫ ‪ (4‬طه عبد العليم‪« ،‬التغري يف االحتاد السوفييتي وانعكاساته عىل الوطن العريب‪ »،‬يف‪ :‬جامعة الدول العربية‪،‬‬ ‫معهد البحوث والدراسات العربية‪ ،‬الوطن العريب واملتغريات العاملية (القاهرة‪ :‬اجلامعة‪ ،)1991 ،‬ص ‪.260-259‬‬

‫‪80‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ففي االجتامع املوسع للجنة املركزية للحزب الشيوعي السوفيايت يف نيسان‪/‬أبريل‬

‫‪1985‬؛ أي بعد نحو أربعة أشهر من تويل غورباتشوف سدة احلكم يف البالد‪ ،‬أعلن أن القضية‬ ‫األساسية اآلن هي‪ :‬كيف وبأي وسيلة يمكن للبالد أن حتقق هدف ترسيع التنمية االقتصادية‬ ‫واالجتامعية؟ فأي ًا كانت القضية موضوع البحث‪ ،‬وأي ًا كان املنظور الذي نبحث به قضايا‬ ‫االقتصاد‪ ،‬فإن األمر كله يصل يف النهاية إىل رضورة حتسني إدارة وآلية االقتصاد يف جمملها‪.‬‬

‫يلحظ املراقب ملجمل التطورات عىل الساحة السوفياتية خالل تلك احلقبة‪ ،‬أن‬

‫نقطة االرتكاز بتشخيص األزمة يف املجتمع السوفيايت وسبل حلها تكمن يف تردي األداء‬

‫االقتصادي وإشكاليات حتديث االقتصاد‪ .‬فعىل الرغم من أمهية مسألة الديمقراطية وبناء‬ ‫املؤسسات السياسية والثقافية الرضورية لتحديث املجتمع‪ ،‬فقد ظلت املسألة االقتصادية هي‬

‫حمور االهتامم العام ‪. (4‬‬

‫لقد كانت فلسفة البرييسرتويكا التي انتهجها غورباتشوف عىل مدى مخس سنوات تقوم عىل‬

‫إعادة البناء االقتصادي للدولة بالدرجة األوىل‪ ،‬فقد اعتمدت السياسة االقتصادية اجلديدة عىل‬ ‫االنفتاح عىل الغرب‪ ،‬والسامح للمنتجني بقدر كبري من احلرية يف اختيار املستوردين والتعامل معهم‬

‫مبارشة من دون تدخل كبري من الدولة‪ ،‬ولذلك صدر يف الثالث عرش من كانون الثاين‪/‬يناير ‪1987‬‬ ‫قرار بتأسيس املؤسسات املشرتكة هبدف توفري رأس املال واخلربة األجنبية لتغطية االحتياجات‬

‫االستهالكية للدولة‪ ،‬ما فتح املجال أمام إنشاء مؤسسات رأساملية وقيام رشكات مشرتكة مع‬ ‫الدول الغربية مثل فنلندا والواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا وإيطاليا وسويرسا‪ ،‬كام قامت‬ ‫مشاركة سوفياتية هندية‪ ،‬إىل جانب املشاركة مع عدد من الدول العربية مثل مرص‪ ،‬وبدأت الدولة‬

‫تتجه نحو حتويل جزء من خمصصات الدفاع والصناعات الدفاعية نحو إنتاج سلع حملية استهالكية‪،‬‬

‫ومنحت العديد من املؤسسات السوفياتية حق التعامل املبارش مع األسواق العاملية ‪. (4‬‬

‫ومن جانب آخر‪ ،‬فإن للبرييسرتويكا جوانبها السياسية‪ ،‬فقد أدت سياسات‬ ‫البرييسرتويكا إىل حتويل العالقات بني االحتاد السوفيايت والواليات املتحدة األمريكية من‬ ‫عداء احلرب الباردة إىل تعاون وعمل مشرتك يف كثري من املواقف الدولية‪ ،‬وتبدلت العالقات‬ ‫ ‪ (4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.256-255‬‬

‫ ‪ (4‬أماين حممود فهمي‪« ،‬االحتاد السوفييتي من الداخل والتحديات اجلديدة‪ »،‬السياسية الدولية‪ ،‬العدد ‪103‬‬ ‫(كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،)1991‬ص ‪.250-241‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪81‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫بني االحتاد السوفيايت وحلفائه من دول املعسكر االشرتاكي من عالقة التبعية إىل عالقة الرعاية‬ ‫املنظمة التي حترتم استقاللية وإرادة شعوب تلك الدول‪.‬‬ ‫النتيجة املنطقية هلذه األفكار اجلديدة واخللل الذي أصاب بنية النظام الشيوعي لالحتاد‬

‫السوفيايت ذاته أن تراخت قبضة االحتاد السوفيايت عن دول أوروبا الرشقية‪ ،‬األمر الذي‬

‫فتح املجال ألن تنهار نظمها الواحد تلو اآلخر‪ .‬فقد وجدت القيادات اإلصالحية يف تلك‬

‫الدول يف سياسات غورباتشوف فرصة كاملة لتنشيط حركتها واستباق الزمن واستثامر احلالة‬ ‫اجلديدة إىل أقصاها‪ ،‬خصوص ًا أن هذه السياسات التي اتبعها غورباتشوف و ّفرت املناخ املالئم‬

‫لإلصالح‪ ،‬إذ أكد غورباتشوف أن لكل دولة داخل الكتلة الرشقية احلق يف انتهاج أسلوهبا‬ ‫هيأ الظروف لترسيع التوجه نحو اإلصالح من دون‬ ‫اخلاص يف تطبيق االشرتاكية‪ ،‬وهذا ما َّ‬

‫خوف من ردة فعل سوفياتية مضادة كام كان حيدث يف السابق ‪. (4‬‬

‫إن الترصحيات التي أدىل هبا غورباتشوف حول استقاللية كل دولة يف حتديد سياساهتا الداخلية‬

‫واسرتاتيجيتها من دون أي تدخل خارجي من جانب دول احللف‪ ،‬كانت بمنزلة الضوء األخرض‬ ‫لدول احللف للثورة عىل أوضاعها الداخلية وتغيريها‪ ،‬فاندلعت االضطرابات يف دول أوروبا‬

‫الرشقية كلها يف فرتة زمنية متقاربة ال تتجاوز الشهور الثالثة‪ ،‬واستطاعت القيادات اإلصالحية‬ ‫القضاء عىل رموز النظام الشيوعي فيها‪ ،‬والسعي نحو بناء ديمقراطيات جديدة‪ ،‬بدء ًا من بولندا‪،‬‬

‫مرور ًا باملجر وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا‪ ،‬وكان سقوط سور برلني عالمة بارزة عىل طريق التحول‬ ‫الديمقراطي يف أوروبا الرشقية والتخ ّلص من اهليمنة السوفياتية من دون تدخل موسكو‪.‬‬ ‫بل إن هذه التغريات القت تأييد ًا وتشجيع ًا من جانب موسكو‪ ،‬إذ أزاحت عبئ ًا ثقي ً‬ ‫ال عن‬

‫كاهل االحتاد السوفيايت نتيجة ارتباطه بتلك الدول ‪. (4‬‬

‫ ‪ (4‬بدر أمحد عبد العاطي‪« ،‬أبعاد التغيريات الداخلية األخرية يف املجر‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 99‬كانون‬ ‫الثاين‪/‬يناير‪ ،)1990‬ص ‪.229‬‬

‫ ‪ (4‬ملزيد من التفاصيل عن أحداث أوروبا الرشقية‪ ،‬انظر‪ :‬أمحد عباس عبد البديع‪« ،‬حقائق املوقف‬ ‫السوفييتي من أحداث أوروبا الرشقية‪ »،‬ص ‪254-149‬؛ نزيرة األفندي‪« ،‬طموحات وقضايا الوحدة‬ ‫األملانية‪ »،‬ص ‪ ،260-255‬وثناء فؤاد عبد اهلل‪« ،‬السقوط الدامي يف رومانيا وأزمة البناء الصعب‪ »،‬ص ‪-261‬‬ ‫‪ ،266‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 100‬نيسان‪/‬أبريل ‪)1991‬؛ إبراهيم حلمي عبد الرمحن‪« ،‬التطورات الدولية‬ ‫اجلارية‪ :‬فرص وحماذير‪ »،‬كتاب األهرام االقتصادي‪ ،‬العدد ‪( 37‬آذار‪/‬مارس ‪ ،)1991‬ص ‪23‬؛‬ ‫‪Daniel Pedersen, “A United Germany – The New Superpower,” Newsweek (26 February‬‬

‫‪82‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وأدت تلك التطورات التي حدثت عىل الساحة السياسية يف رشق أوروبا ووسطها‬

‫إىل سقوط عروش االشرتاكية الستالينية مثل كرات الثلج‪ ،‬وحتققت نظرية الدومينو التي‬

‫ارتآها ماركس للسقوط ولكن بشكل معكوس‪ ،‬فقد تم السيناريو الذي تصوره ماركس‬ ‫لسقوط الرأساملية ولكن بالتطبيق عىل الدول االشرتاكية‪ ،‬واجتهت تلك الدول إىل مزيد من‬ ‫الديمقراطية والتعددية واملشاركة الشعبية واحرتام حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬وضعت القيادة السياسية يف االحتاد السوفيايت هدف «درء احلرب»‬

‫عىل أنه اهلدف السيايس العسكري الرئيس للدولة السوفياتية وقواهتا املسلحة‪ ،‬يف الوقت الذي‬ ‫يكون النضال من أجل السالم هدف ًا أساسي ًا لتلك الدولة‪ ،‬ويف ذلك يقول غورباتشوف يف‬ ‫كتاب البرييسرتويكا‪« :‬إن النظرة السياسية اجلديدة تدعو إىل االعرتاف بأن األمن ال يتجزأ‪،‬‬ ‫فإما أن يكون أمن ًا متكافئ ًا للجميع أو ال يكون عىل اإلطالق‪ ...‬فلم يعد من املمكن ضامن‬

‫األمن بالوسائل العسكرية‪ ،‬سواء باستخدام األسلحة أم الردع»‪.‬‬

‫إن جوهر النظرة السوفياتية اجلديدة هو أن احلرب النووية ال يمكن أن تكون‬ ‫وسيلة إلنجاز األهداف السياسية واالقتصادية واأليديولوجية‪ ،‬أو أي أهداف‬ ‫موضوعية إجيابية أخرى‪ ،‬إن احلرب النووية ال معنى هلا إطالق ًا‪ ،‬وهي بعيدة عن الرشاد‬ ‫كل البعد‪ ،‬بل إن جوهرها انتحار ‪. (4‬‬ ‫وارتباط ًا بتلك الرؤية الواقعية اجلديدة وانتهاء احلرب الباردة والدخول يف مرحلة الوفاق‬ ‫الدويل‪ ،‬تب َّنى االحتاد السوفيايت مبدأ «جتنب التورط العسكري» يف الرصاعات اإلقليمية‪ ،‬يف إطار‬ ‫اسرتاتيجية عاملية لتجنب احتامالت املجاهبة الساخنة مع الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وبتطبيق‬ ‫ذلك املبدأ عىل املنطقة العربية ومنطقة اخلليج العريب‪ ،‬نجد أن االحتاد السوفيايت قد سعى إىل حتقيق‬ ‫التوازن يف عالقاته مع الدول العربية يف اخلليج ومع إيران‪ ،‬فلم يعد االحتاد السوفيايت بحاجة إىل‬ ‫توتري عالقته بإيران بسبب دعمه املواقف العربية‪ ،‬وهو ما ظهر جلي ًا يف املوقف املتوازن الذي‬ ‫اختذه االحتاد السوفيايت يف املراحل األخرية للحرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬بعد مرياث من العداء‬ ‫‪1990), pp. 8-14, and Fritz Stern, “Freedom and its Discontents,” Foreign Affairs, vol. 72, no. 4‬‬ ‫‪(September - October 1993), pp. 121-125.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ ‪ (4‬غورباتشوف‪ ،‬البرييسرتويكا‪ :‬تفكري جديد لبالدنا والعامل‪ ،‬ص ‪ ،218-198‬وجمدي عيل عبيد‪« ،‬الفكر العسكري‬ ‫اجلديد جلورباتشوف‪ :‬التغري واالستمرارية‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 99‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،)1990‬ص ‪.244‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪83‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫املتبادل بني إيران و»الشيطان السوفيايت»‪ .‬فاالحتاد السوفيايت حرص عىل تطوير عالقاته بإيران‪،‬‬ ‫بخاصة بعد تدهور العالقات اإليرانية ‪ -‬األمريكية‪ ،‬وتزايد الوجود العسكري األمريكي يف مياه‬ ‫اخلليج‪ ،‬واالنسحاب السوفيايت من أفغانستان‪ .‬فكانت زيارة رفسنجاين ملوسكو ولقاءاته مع‬ ‫غورباتشوف وتوجهاته اجلديدة فرصة لدعم التعاون السيايس والعسكري بني إيران واالحتاد‬ ‫السوفيايت‪ ،‬وفرصة لكرس طوق العزلة الذي فرض عىل االحتاد السوفيايت يف أعقاب كارثة‬ ‫تشرينوبل‪ ،‬وبالتايل ّ‬ ‫متكن االحتاد السوفيايت من إعادة بناء جسور الثقة بينه وبني إيران‪.‬‬ ‫وبدا أن هناك توافق ًا يف األهداف اإليرانية والسوفياتية من زاوية االعتبارات األمنية‬ ‫والنفطية املشرتكة‪ ،‬بعد أن تدنت أمهية استخدام األرض اإليرانية للعدوان عىل االحتاد‬ ‫السوفيايت‪ ،‬إثر انتهاء احلرب الباردة‪ ،‬والتباعد الذي ميز العالقات اإليرانية ‪ -‬األمريكية يف‬

‫أعقاب الثورة اإلسالمية‪.‬‬

‫وعىل الرغم من النجاحات التي حققتها سياسات غورباتشوف اجلديدة عىل مستوى‬ ‫السياسات اخلارجية‪ ،‬وعىل الرغم من السياسات اإلصالحية يف املجال االقتصادي‪ ،‬ظل‬ ‫التدهور هو السمة األساسية لالقتصاد السوفيايت‪ ،‬ما أدى إىل اندالع عدد من اإلرضابات‬ ‫العاملية‪ ،‬وبرزت حركات سياسية متعددة التوجهات واهلويات؛ بني متطرفني ينادون باتباع‬ ‫النظام امللكي‪ ،‬وحمافظني يؤيدون الرجوع إىل النظام األوتوقراطي‪ ،‬إضافة إىل حركات فاشية‬ ‫وانفصالية سيطرت عليها النزعات القومية والعرقية يف اجلمهوريات السوفياتية‪ ،‬لذا دخل‬ ‫االحتاد السوفيايت دولة وكيان ًا سياسي ًا مرحلة التفكك واالهنيار يف أعقاب االنقالب الفاشل‬ ‫ضد غورباتشوف يف التاسع عرش من آب‪/‬أغسطس ‪ 1991‬الذي عىل إثره استق ّلت كل من‬ ‫ليتوانيا والتفيا وأستونيا‪ ،‬واجتهت مجهوريات االحتاد السوفيايت األخرى نحو االستقالل‬ ‫وألفت رابطة الكومنولث اجلديدة عىل أنقاض الدولة القديمة‪.‬‬

‫استفادت إيران كثري ًا من تفكك االحتاد السوفيايت‪ ،‬اجلار القوي الذي متتد حدودها‬ ‫معه نحو ألفني ومخسمئة كيلومرت‪ ،‬وارتبطت معه منذ عام ‪ 1921‬بمعاهدة عسكرية متنع أي‬ ‫طرف ثالث من اختاذ األرايض اإليرانية إلقامة أي قواعد عسكرية أو مؤسسات هتدد االحتاد‬ ‫السوفيايت وإال كان لالحتاد السوفيايت احلق يف اختاذ اإلجراءات العسكرية الكفيلة باحلفاظ عىل‬ ‫أمنه القومي‪ ،‬كام ورد يف املادتني اخلامسة والسادسة من تلك املعاهدة ‪. (4‬‬ ‫)‪(46‬‬ ‫‪84‬‬

‫”‪Shireen T. Hunter, “Soviet - Iranian Relation in The Post Revolution Period,‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وبذلك استطاعت إيران أن تأمن جانب ذلك اجلار القوي‪ ،‬وتتحرر من ذلك اهلاجس‬ ‫األمني نسبي ًا‪ ،‬خصوص ًا أن الدولة الروسية اجلديدة انكبت عىل مشكالهتا الداخلية املتفاقمة‪.‬‬

‫كام أن تفكك االحتاد السوفيايت إىل مخس عرشة مجهورية مستقلة وفر ميزة نسبية إليران يف‬ ‫اجلمهوريات اإلسالمية‪ ،‬فقد فتح إليران فرص ًا جديدة لتوسيع نشاطاهتا االقتصادية والتعاونية‬ ‫مع اجلمهوريات اإلسالمية يف آسيا الوسطى والقوقاز‪ ،‬فإيران تتمتع بحدود مشرتكة مع كل‬

‫من أذربيجان وتركامنستان‪ ،‬ولغة مشرتكة مع طاجيكستان‪ ،‬وثقافة مشرتكة مع أوزبكستان‬

‫وكازاخستان‪ ،‬كام تشرتك مع أذربيجان يف كون أغلبية سكاهنام من الشيعة‪.‬‬

‫وجدت إيران يف هذه الدول فرصتها لتقوية دورها بصفتها قوة إقليمية من خالل تقوية‬ ‫عالقاهتا هبا وتنويعها ومد نفوذها إليها باعتباره جزء ًا من عملية بناء أكرب لبناء املكانة اإلقليمية‬ ‫والدولية‪ ،‬وتوفري إمكانات جيدة لدبلوماسية إقليمية إيرانية‪ ،‬خصوص ًا أن إيران قادرة عىل‬

‫توفري مدخل هلذه الدول إىل مياه اخلليج‪ ،‬وبذلك حتاول إيران منافسة النفوذ الغريب الذي بدأ‬ ‫يتغلغل يف تلك الدول حديثة االستقالل ‪. (4‬‬

‫وإذا كان البعض يرى أن ما حدث من اهنيار للنظام الشيوعي هو انتصار للنظام الثوري‬

‫اإلسالمي يف إيران الذي قام عىل أساس العداء لأليديولوجيتني الشيوعية والرأساملية‪ ،‬فإن اختفاء‬ ‫االحتاد السوفيايت وانتهاء احلرب الباردة التي كانت تتيح إليران الثورة جما ًال البتزاز واستغالل‬ ‫العداء املتبادل بني االحتاد السوفيايت والواليات املتحدة األمريكية الستغالل هامش للحركة‬ ‫واملناورة للدبلوماسية اإليرانية يف مناطق التوتر وإبرام صفقات سالح‪ ،‬أو أن تدعم بعض القوى‬

‫يف نزاعاهتا مع نظمها احلاكمة كام حدث يف أفغانستان‪ ،‬هذه امليزة قد انتهت بعد االهنيار السوفيايت‬

‫وتوقيع الرئيس الرويس بوريس يلتسن وثيقة تعاون مع الواليات املتحدة األمريكية يف شباط‪/‬‬ ‫فرباير ‪ ،1992‬ومن هنا وجدت إيران نفسها وجه ًا لوجه مع الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وفرض‬ ‫الرصاع احلضاري نفسه عىل الساحة الدولية‪ ،‬وطرح اإلسالم عدو ًا للغرب ‪. (4‬‬

‫‪in: Rouhollah K. Ramazani, ed., Iran’s Revolution: The Search for Consensus (Bloomington:‬‬ ‫‪Indiana University Press; Washington, DC: Published in Association with the Middle East‬‬ ‫‪Institute, 1990), p. 86.‬‬

‫ ‪ (4‬صالح بن عبد العزيز القنيعري‪« ،‬السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب‪1979 ،‬‬ ‫– ‪( »،1995‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬أكاديمية نارص العسكرية العليا‪ ،‬كلية الدفاع الوطني‪ ،)1988 ،‬ص ‪.69-68‬‬ ‫ ‪ (4‬نيفني عبد املنعم مسعد‪« ،‬أثر املتغريات العاملية اجلديدة عىل السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه املنطقة العربية‪،‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪85‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫‪ -2‬النظام الدويل اجلديد وبروز القوة األمريكية‬

‫ارتبط النظام الدويل اجلديد بربوز القوة األمريكية املسيطرة باعتبارها أقوى دولة يف العامل‪.‬‬

‫إذ أ ّدت التطورات التي شهدهتا دول رشق أوروبا ووسطها واالحتاد السوفيايت إىل نرص للرأساملية‬ ‫الغربية‪ ،‬يف الوقت الذي انتهى االحتاد السوفيايت رسمي ًا‪ ،‬وحتولت العديد من دول املعسكر‬ ‫االشرتاكي إىل تبني النموذج الغريب سياسي ًا واقتصادي ًا‪ ،‬وبالتايل حتقق لقائدة املعسكر الغريب‬ ‫الرأساميل (أمريكا) االنفراد باهليمنة عىل النظام العاملي‪ ،‬وكانت أزمة اخلليج الثانية جما ً‬ ‫ال مناسب ًا‬ ‫الختبار تلك اهليمنة‪ ،‬وانتهاء لعامل احلرب الباردة والثنائية القطبية‪ ،‬وبداية عرص جديد تسيطر فيه‬ ‫دولة واحدة عىل جمريات األمور الدولية‪ ،‬عىل األقل يف جوانبها السياسية والعسكرية‪ ،‬وبدرجة‬

‫أقل اجلوانب االقتصادية‪ ،‬لدرجة أن البعض أطلق عىل ذلك العرص «العرص األمريكي» ‪. (4‬‬

‫استطاعت الواليات املتحدة األمريكية حشد عدد كبري من الدول يف التحالف املناوئ‬

‫للعراق لتحرير الكويت‪ ،‬وظهر خالل األزمة أن الواليات املتحدة هي القوة الرئيسة املحركة‬

‫لألمم املتحدة إلضفاء نوع من الرشعية الدولية عىل التحركات الدولية ضد العراق‪.‬‬

‫وأثبتت أزمة اخلليج بجالء أن االحتاد السوفيايت قد حسم أمره باالنسحاب من مواجهة‬

‫الواليات املتحدة‪ ،‬تلك املواجهة التقليدية التي دامت لفرتات طويلة خالل املراحل املختلفة‬ ‫للحرب الباردة‪ ،‬األمر الذي انعكس باإلجياب عىل تزايد الدور األمريكي يف النظام الدويل‪ ،‬مع‬ ‫التأكيد عىل «دفن» احلرب الباردة‪ .‬وبدأ احلديث عن توجه النظام الدويل نحو نظام القطب الواحد‬

‫بعد أن ارتىض االحتاد السوفيايت التجميد الطوعي لقوته العسكرية ونأى بنفسه عن التدخل يف‬ ‫الرصاعات اإلقليمية‪ ،‬حتى اختفى باعتباره دولة عظمى وحتلل إىل مجهوريات مستقلة ‪. (5‬‬

‫ويف خضم التطورات العاصفة ألزمة اخلليج‪ ،‬أعلن الرئيس األمريكي جورج بوش عن‬

‫مولد نظام دويل جديد‪ ،‬ففي خطابه أمام اجلمعية العامة لألمم املتحدة‪ ،‬ترشين األول‪/‬أكتوبر‬ ‫‪ »،1993-1989‬يف‪ :‬العالقات العربية اإليرانية‪ ،‬االجتاهات الراهنة وآفاق املستقبل‪ :‬بحوث ومنقشات الندوة الفكرية‬ ‫التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع جامعة قطر‪ ،‬ص ‪.368‬‬ ‫ ‪ (4‬عبد اخلالق عبد اهلل‪ ،‬العامل املعارص والرصاعات الدولية‪ ،‬عامل املعرفة‪( 133 ،‬الكويت‪ :‬املجلس الوطني‬ ‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،)1989 ،‬ص ‪.25‬‬

‫ ‪ (5‬عبد الواحد‪« ،‬إدارة األزمة يف السياسة اخلارجية املرصية‪ :‬دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية‪-1990 ،‬‬ ‫‪ »،1991‬ص ‪.199-197‬‬ ‫‪86‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ ،1990‬طرح بوش فكرته حول نظام عاملي جديد يقوم عىل أساس نزع السالح النووي‬ ‫والبيولوجي والكيميائي‪ ،‬والتحول الديمقراطي‪ ،‬واعتامد االنتخابات آلي ًة أساسي ًة الختيار‬ ‫النخب احلاكمة حتت إرشاف جلنة من األمم املتحدة التي ستصبح بمنزلة برملان للعامل ‪. (5‬‬

‫وبصفة عامة‪ ،‬فإن مالمح النظام الدويل اجلديد مل تتحدد بشكل هنائي‪ ،‬بل إنه ال يوجد‬

‫بني املحللني السياسيني اتفاق حول توصيف واحد لذلك النظام‪ ،‬فالبعض يرى أن مصري‬

‫النظام الدويل اجلديد سيكون إىل نظام قطبي واحد تتأكد فيه السلطة شبه املطلقة للواليات‬ ‫املتحدة األمريكية يف املنظومة الدولية بعد زوال االحتاد السوفيايت‪ ،‬بينام يرى البعض اآلخر أن‬

‫ذلك النظام سيكون مآله العودة إىل نظام األقطاب املتعددة؛ حيث ستربز قوى دولية أخرى‬ ‫إىل جانب الواليات املتحدة مثل اليابان والصني وأوروبا املوحدة ‪. (5‬‬

‫من هنا‪ ،‬فإن النظام الدويل اجلديد ما زال يف مرحلة انتقالية تتسم بخصائص جديدة‪،‬‬

‫يف مقدمها عدم السامح بتفجري أزمات إقليمية كربى‪ ،‬مع هتدئة األزمات القائمة‪ ،‬وعدم قبول‬ ‫أي مترد عىل القواعد التي جيري إرساؤها باعتبارها أساس ًا للنظام العاملي اجلديد‪ ،‬والتأكيد‬

‫عىل عدم اللجوء إىل القوة العسكرية حلل اخلالفات بني الدول‪ ،‬يف الوقت الذي ال ترىض فيه‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية بربوز قوة إقليمية أو دولية قد هتدد القواعد اجلديدة لذلك النظام‪.‬‬

‫ومن ثم نستطيع فهم سياسة االحتواء املزدوج التي تتبعها الواليات املتحدة الحتواء كل من‬ ‫العراق وإيران وتقييد قدراهتام عىل بناء القوة التي هتدد أركان ذلك النظام اجلديد يف منطقة‬

‫اخلليج‪ ،‬وهو ما قد يربر استمرار الوجود العسكري األمريكي يف منطقة اخلليج عىل الرغم من‬

‫انتهاء عمليات حترير الكويت وإعادة الرشعية إليها‪.‬‬

‫ال شك يف أن النظام العاملي اجلديد وبروز القوة األمريكية‪ ،‬بصفتها قوة عاملية وحيدة‬

‫مسيطرة‪ ،‬له دالالته اخلطرية عىل مستقبل العامل ككل والدول النامية بصفة خاصة‪ ،‬حيث إن انفراد‬ ‫قوة واحدة بالسيطرة يف النظام الدويل قد يضمن سالم ًا عىل املستوى العاملي‪ ،‬ولكنه السالم القائم‬ ‫ ‪ (5‬حممد السيد سعيد‪« ،‬املتغريات السياسية الدولية وأثرها عىل الوطن العريب‪ »،‬يف‪ :‬حممد صفي الدين أبو العز‪ ،‬مرشف‪،‬‬ ‫الوطن العريب واملتغريات العاملية (القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪ ،‬معهد البحوث والدراسات العربية‪ ،)1991 ،‬ص ‪.54‬‬ ‫ ‪ (5‬انظر تلك الرؤية‪ ،‬يف‪ :‬عبد الواحد‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،201-198‬وإهياب رأفت امللطي‪« ،‬سامت‬ ‫النظام العاملي اجلديد والتحول يف السياسة اخلارجية العربية‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬املؤمتر السنوي الثامن للباحثني الشباب‪،‬‬ ‫السياسات اخلارجية للدول العربية يف التسعينات‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،‬مركز البحوث السياسية‪ ،‬أيار‪/‬مايو ‪.2000‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪87‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫عىل اهليمنة والسيطرة‪ ،‬السالم الذي يراعي مصالح الواليات املتحدة ويتناسى مصالح اآلخرين‬

‫يف النظام الدويل‪ ،‬وتزداد اخلطورة عندما تتبنى القوة املسيطرة معيار الكيل بمكيالني يف التعامل مع‬

‫القضايا الدولية؛ مثل ما هو متبع يف التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل رصيح ومستفز‪.‬‬

‫إن وضعية الواليات املتحدة يف النظام العاملي اجلديد تؤثر يف حتديد حدود العالقة بينها‬ ‫وبني بعض الدول الطاحمة إىل القيام بدور أكرب يف حميطها اإلقليمي مثل إيران‪ ،‬خصوص ًا أن‬ ‫هناك قضايا خالفية عديدة بني البلدين؛ مثل املوقف من حركات اإلسالم السيايس املتطرفة‬

‫التي تدعمها إيران وتصفها الواليات املتحدة باإلرهاب مثل «حزب اهلل» يف لبنان‪ ،‬كذلك‬ ‫موضوع التسلح اإليراين ومسألة حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫عىل الرغم من املوقف اإليراين املعتدل حيال الغزو العراقي للكويت‪ ،‬واملكاسب التي‬

‫حققتها إيران من وراء ذلك املوقف‪ ،‬فإن التوتر يف العالقات اإليرانية األمريكية كان سمة أساسية‬ ‫يف عهدي جورج بوش وكلينتون‪ ،‬إذ وضعت إيران عىل رأس قائمة الدول الداعمة لإلرهاب‬

‫كام تراها إدارة كلينتون‪ ،‬وهددت الواليات املتحدة إيران بفرض عقوبات جتارية عليها وجتميد‬ ‫ممتلكاهتا لدهيا‪ ،‬بل إن الواليات املتحدة األمريكية اهتمت أعوان إيران باملحاوالت التخريبية‬

‫التي جرت داخل األرايض األمريكية‪ ،‬ومنها حماولة تفجري مركز التجارة العاملي عام ‪.1993‬‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬إن الوجود األمريكي يف منطقة اخلليج العريب يصطدم بشكل مبارش مع‬

‫املصالح اإليرانية ورغبتها يف تأكيد سيادهتا عىل منطقة اخلليج‪ ،‬من خالل قيامها بدورها اإلقليمي‬

‫التارخيي يف املنطقة باعتبارها الدولة الوحيدة القادرة عىل صيانة األمن يف تلك املنطقة ‪. (5‬‬

‫‪ -3‬العوملة‬

‫يف ضوء املتغريات املتالحقة والرسيعة عىل الساحة الدولية والدخول يف عرص االعتامد‬ ‫املتبادل‪ ،‬واختفاء احلدود بني ما هو داخيل وما هو خارجي‪ ،‬ح ّلت املنافسة االقتصادية حمل‬ ‫املنافسة العسكرية التقليدية بني الدول‪ ،‬وشهدت هناية القرن العرشين املنرصم االجتاه نحو‬

‫العاملية باالقتصاد واملعرفة والتقدم العلمي والتكنولوجي‪.‬‬

‫”‪Mohammad Ali Emami, “Perspectives on the Security of the Persian Gulf,‬‬ ‫)‪(53‬‬ ‫‪Iranian Journal of International Affairs, vol. 5, nos. 3-4 (Fall-Winter 1993- 1994), p. 690.‬‬

‫‪88‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫تعني العوملة يف أبسط معانيها اعتامد كل دولة عىل الدولة األخرى واستحالة انفصاهلا‬ ‫عنها وصعوبة تطبيق سياسة انغالقية ألي دولة‪ ،‬فهي تعني أيض ًا وجود نظام تشارك فيه كل‬ ‫أطراف العامل بوضع نظام اقتصادي وسيايس وإعالمي وثقايف يساهم فيه اجلميع يف ظل عامل‬ ‫القرية الكونية الصغرية التي نجمت عن الثورة اهلائلة التي شهدهتا هنايات القرن العرشين يف‬

‫جمال املعلومات واالتصاالت ‪. (5‬‬

‫والعوملة هي ظاهرة هلا أبعادها السياسية واالقتصادية والثقافية‪ ،‬وبالطبع ال بد أن تلقي‬

‫بظالهلا عىل السياسات اخلارجية للدول التي تطاهلا تلك الظاهرة اجلديدة‪ .‬فالعوملة يف جانبها‬ ‫االقتصادي تركز عىل حترير التجارة الدولية وتدعو إىل انفتاح النظام التجاري العاملي‪ ،‬بحيث‬

‫تتمكن املؤسسات التجارية من التبادل التجاري يف جو من التنافس العادل‪ ،‬وهذا من شأنه‬

‫أن يقود إىل زيادة التبادل التجاري‪ ،‬ومن ثم إىل مزيد من االستثامرات واإلنتاج وتوفري فرص‬ ‫العمل‪ ،‬واالستخدام األمثل للموارد العاملية‪ ،‬وحتقيق التنمية االقتصادية‪ ،‬ورفع مستوى‬ ‫املعيشة يف بلدان العامل كله ‪. (5‬‬

‫وتعترب اتفاقية «الغات» ومنظمة التجارة العاملية املدخلني االقتصاديني والتجاريني‬

‫للعوملة‪ ،‬ويرى البعض أنه عىل الرغم من حمورية البعد االقتصادي للعوملة‪ ،‬فإن التحرير‬ ‫التجاري الذي يدعو إليه أنصار العوملة ال يعني حترير ًا شام ً‬ ‫ال للتجارة‪ ،‬بقدر ما يعني فتح‬ ‫أسواق اجلنوب أمام أسواق الشامل‪ ،‬ومن ثم فإن العوملة تصبح باألساس سعي ًا من الشامل‬

‫للسيطرة عىل أسواق اجلنوب حتت غطاء من الرغبة يف حترير التجارة العاملية ‪. (5‬‬

‫وعىل صعيد آخر‪ ،‬تسعى العوملة لرتويج ثقافة كونية تذيب احلدود بني الدول‪ ،‬وتؤدي‬

‫إىل زيادة معدالت التجانس بني الدول‪ ،‬فالعوملة يف مضموهنا الثقايف تسعى إىل فرض وتسييد‬

‫نموذج ثقايف واحد هو النموذج الغريب‪ ،‬أو عىل وجه التحديد النموذج األمريكي‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ ‪ (5‬رمضان األلفي‪« ،‬العوملة واألمن‪ :‬االنعكاسات السلبية واإلجيابية‪ »،‬كراسات اسرتاتيجية‪ ،‬العدد ‪72‬‬ ‫(‪ ،)1998‬ص ‪.5‬‬ ‫ ‪ (5‬أمحد طه حممد‪« ،‬العوملة والتعامل اآلسيوي متعدد األطراف‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬املؤمترالسنوي السادس «آسيا‬ ‫والعوملة»‪ ،‬مركز الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد‪ ،‬جامعة القاهرة‪ 21 - 20 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،2001‬ص ‪.1‬‬

‫ ‪ (5‬حممد شوقي عبد العال‪« ،‬العوملة والسياسات اخلارجية للدول اآلسيوية‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬املؤمترالسنوي‬ ‫السادس «آسيا والعوملة»‪ ،‬مركز الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد‪ ،‬جامعة القاهرة‪ 21 - 20 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير‬ ‫‪ ،2001‬ص ‪.2‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪89‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة‬

‫تكون العوملة هبذا املعنى نوع ًا من الغزو الثقايف‪ ،‬أو نوع ًا من االستيعاب الثقايف‪ ،‬حيث تسعى‬ ‫الثقافة الغربية واألمريكية إىل استيعاب دول العامل يف جعبتها الثقافية وفرض أنموذجها عليها‪.‬‬ ‫لكن قد يكون اهلدف الثقايف للعوملة أقل طموح ًا من اهلدف الغريب واألمريكي‪ ،‬فقد يكون‬ ‫هدفها إجياد حد أدنى من القواسم املشرتكة يف املجال الثقايف عىل املستوى العاملي يتجاوز‬ ‫اخلصوصيات الثقافية‪ ،‬إىل جانب ما حتتفظ به كل دولة من خصوصية ثقافية خاصة هبا‪.‬‬ ‫وعموم ًا‪ ،‬األخذ بأحد هذه البدائل يعتمد عىل الدور الذي تؤديه وسائل االتصال وتقنياتته‪،‬‬ ‫وعىل القوة التي تدعم تلك الثقافة ‪. (5‬‬ ‫أما عىل الصعيد السيايس‪ ،‬فإن العوملة تعني الديمقراطية احلرة‪ .‬إذ ال بد من إحداث حتوالت‬ ‫ديمقراطية تدفع بدول العامل نحو تبني النموذج الغريب للديمقراطية‪ ،‬ففي عرص العوملة يستند‬ ‫الفكر الرأساميل إىل عنارص القوى املعرفية واالقتصادية لنرش املنظومة الليربالية الغربية‪ ،‬وبخاصة‬ ‫بعد نجاح الفكر القيمي الغريب باالنتشار بني دول املعسكر االشرتاكي السابق يف وسط أوروبا‬ ‫ورشقها أعقاب سياسات غورباتشوف اإلصالحية واهنيار االحتاد السوفيايت وهتالك العروش‬ ‫الشيوعية وتساقطها يف دول املعسكر االشرتاكي‪ ،‬فالبعد السيايس للعوملة يعني مزيد ًا من‬ ‫الديمقراطية واملشاركة السياسية واالنفراج الليربايل‪ ،‬ومزيد ًا من االحرتام حلقوق اإلنسان ‪. (5‬‬

‫تطرح العوملة هبذا املعنى‪ ،‬وبام حتمله من إجيابيات وسلبيات‪ ،‬حتدي ًا جديد ًا أمام‬ ‫السياسات الداخلية واخلارجية لدول العامل‪ ،‬فهي ليست جمرد ظاهرة اقتصادية معلوماتية‬ ‫فحسب‪ ،‬وإنام ‪ -‬باإلضافة إىل ذلك ‪ -‬ظاهرة ذات أبعاد سياسية وثقافية تدفع نحو تبني‬ ‫النمط الغريب عىل خمتلف األصعدة السياسية واالقتصادية والثقافية‪ ،‬ومن ثم كان ال‬ ‫بد هلا من أن تلقي بظالهلا عىل مضامني وأبعاد السياسات اخلارجية والداخلية للدول‪،‬‬ ‫واألدوار اإلقليمية والدولية لتلك الدول‪.‬‬ ‫إن اخلطوات التي اتبعتها إيران يف أعقاب انتخاب الرئيس حممد خامتي‪ ،‬سواء يف ما يتعلق‬ ‫بتوسيع نطاق الديمقراطية داخلي ًا وحماوالت اإلصالح االقتصادي وصو ً‬ ‫ال إىل حماوالت كرس‬ ‫العزلة الدولية املفروضة عليها وإعادة املياه لنهر عالقاهتا الدبلوماسية مع دول اجلوار اجلغرايف‬ ‫ ‪ (5‬ماجدة صالح‪« ،‬األبعاد الثقافية للعوملة يف آسيا‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬املؤمترالسنوي السادس «آسيا والعوملة»‪،‬‬ ‫مركز الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد‪ ،‬جامعة القاهرة‪ 21 - 20 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،2001‬ص ‪.3‬‬

‫ ‪ (5‬هدى ميتكيس‪« ،‬األبعاد السياسية للعوملة يف آسيا‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬املؤمترالسنوي السادس «آسيا‬ ‫والعوملة»‪ ،‬مركز الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد‪ ،‬جامعة القاهرة‪ 21 - 20 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،2001‬ص ‪.2‬‬ ‫‪90‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وحتسني صورهتا يف مواجهة دول العامل األخرى‪ ،‬تلك اخلطوات التي كانت نتيجة طبيعية‬ ‫للتطورات التي تشهدها إيران قد تدفع بالقول بقبول إيران بأفكار العوملة‪ ،‬أو أهنا تسعى‬ ‫للدخول حتت مظلتها من خالل العمل عىل حتقيق متطلباهتا السياسية واالقتصادية‪ ،‬فمجمل‬ ‫الوضع اإليراين يوضح أن إيران تتجه نحو ديمقراطية النظام السيايس ومشاركة أحزاب‬ ‫وجهات وحتالفات خمتلفة يف اللعبة السياسية‪ ،‬إذ شهدت انتخابات ‪ 23‬أيار‪/‬مايو ‪ 1997‬أعىل‬ ‫معدل من املشاركة الشعبية يف تاريخ إيران ما بعد الثورة‪ ،‬ما يؤكد رغبة الشعب اإليراين يف‬ ‫الديمقراطية واملشاركة السياسية‪ ،‬خصوص ًا بعد إعالن الرئيس اإليراين حممد خامتي رضورة‬ ‫السعي نحو إعامل حكم القانون وبناء املجتمع املدين ‪. (5‬‬ ‫وهناك سعي من النظام السيايس نحو جذب االستثامرات املحلية واألجنبية‪ ،‬ويدرك‬ ‫النظام أن ذلك لن يتحقق من دون توافر قدر كبري من االستقرار واألمن السيايس وحل‬ ‫املشكالت التي تواجه االقتصاد اإليراين نتيجة العزلة التي فرضت عليها لفرتة طويلة‪ ،‬ومن‬ ‫أهم تلك املشكالت رضورة تنويع صادرات إيران إىل العامل اخلارجي‪ ،‬وعدم االقتصار عىل‬ ‫النفط الذي يمثل وحده ‪ 80‬يف املئة من صادراهتا إىل العامل اخلارجي‪ .‬كام يسعى النظام إىل‬ ‫معاجلة مشكالت البطالة والتضخم وانخفاض معدل الناتج القومي وزيادة الواردات عن‬ ‫الصادرات‪ ،‬إضافة إىل زيادة عبء خدمة فوائد الديون ‪. (6‬‬ ‫املهمة ليست سهلة يف هذا املجال‪ ،‬فهي نتيجة تراكامت ثامين سنوات من احلرب مع العراق‪،‬‬

‫وعزلة دولية طويلة‪ ،‬إىل جانب سياسة االحتواء املزدوج التي اتبعتها الواليات املتحدة ضد إيران‬

‫منذ عام ‪ .1995‬وإيران إذ حتاول التغلب عىل املشكالت التي فرضتها عليها العوملة االقتصادية‪،‬‬

‫فإهنا تسعى نحو االستفادة من الفرص املتاحة أمامها عن طريق تشجيع التجارة اإلقليمية وبناء‬ ‫عالقاهتا االقتصادية بالتوجه الشاميل‪/‬اجلنويب لتجاوز اخلطر األمريكي‪ ،‬فهي حتاول تركيز‬

‫جهودها عىل األسواق املتاحة أمامها يف دول آسيا الوسطى وبحر قزوين ومنطقة اخلليج‪.‬‬

‫”‪Ali Abootalebi, “The Struggle for Democracy in the Islamic Republic of Iran,‬‬ ‫)‪(59‬‬ ‫‪Middle East Review of International Affairs (MERIA), vol. 4, no. 3 (September 2000), pp. 42-50.‬‬

‫ ‪ (6‬حميي الدين قاسم‪« ،‬إيران والعوملة ‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬املؤمترالسنوي السادس «آسيا والعوملة»‪ ،‬مركز‬ ‫الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد‪ ،‬جامعة القاهرة‪ 21 - 20 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،2001‬ص ‪.15-8‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪91‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫عملية �صنع ال�سيا�سة اخلارجية ا إليرانيـة‬


‫يتضمن هذا الفصل األدوار املختلفة املؤثرة يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية‪،‬‬

‫واألدوات املستخدمة يف تنفيذ تلك السياسة خالل مراحل احلكم اإليراين املختلفة منذ ثورة‬

‫‪ ،1979‬وذلك عىل النحو التايل‪:‬‬

‫أو ًال‪ :‬دور األيديولوجيا يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية‬ ‫تنزع الثورات اإلسالمية والتقليدية يف الرشق األوسط التي تنجح بإقامة دولة ألن تستند‬

‫إىل عقد ديني‪/‬عسكري بني أهل السيف (احلكام) وأهل القلم (العلامء)‪ ،‬ويؤدي هذا التحالف‬ ‫بني القائد السيايس والعسكري ورجال الدين إىل إضفاء الرشعية السياسية عىل الدولة‪ ،‬ويضع‬ ‫األيديولوجيا يف إطار دينامي حركي‪ ،‬من أجل توسيع النطاق املذهبي من ناحية‪ ،‬ومن أجل تدعيم‬

‫هياكل الدولة ومؤسسـاهتا ومد نفوذها إىل نطاق سيايس أكرب وأشمل من ناحية أخرى ‪.‬‬

‫هتتم األيديولوجيا بالنظام السيايس‪ ،‬وتركز اهتاممها حول السيطرة عىل السلطة السياسية‬ ‫وممارستها‪ ،‬كام إهنا هتتم باإلنسان ودوره‪ ،‬وتعمل عىل تأليف سلوك أفراد املجتمع ليتوافق مع‬ ‫توجهاهتا‪ .‬ومن ذلك أيض ًا أهنا هتتم بطبيعة النظام االقتصادي واالجتامعي والثقايف؛ أي إهنا‬ ‫منحى حيايت ونظام إلدارة حياة األفراد‪ ،‬فهي نسق فكري عام يقدم تفسري ًا للظواهر السياسية‬ ‫واالجتامعية والفكرية واألخالقية‪ ،‬ويوجه ويبسط االختيارات السياسية واالجتامعية لألفراد‬ ‫واجلامعات ‪.‬‬ ‫ صالح املانع «البعد اإليديولوجي يف العالقات السعودية اإليرانية‪ »،‬يف‪ :‬مجال سند السويدي‪ ،‬حمرر‪ ،‬إيران‬ ‫واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار (أبو ظبي‪ :‬مركز اإلمارات للبحوث والدراسات االسرتاتيجية‪ ،)1996 ،‬ص ‪.225-224‬‬ ‫ حممد فايز‪ ،‬قضايا علم السياسة العام (بريوت‪ :‬دار الطليعة‪ ،)1986 ،‬ص ‪.189‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪93‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫وصانع قرار السياسة اخلارجية هو فرد أو جمموعة من األفراد‪ ،‬لكل منهم نسق عقيدي‬ ‫خاص به‪ .‬وقد يتبنى املجموع نسق ًا عقيدي ًا واحد ًا أو أيديولوجيا حمدَّ دة‪ ،‬حتدَّ د طبيعة التفكري‬ ‫وكيفية استقاء املعلومات وتنظيمها وتبويبها وترتيبها‪ ،‬وحتديد البدائل القرارية واختيار البديل‬ ‫النهائي الذي يمثل قرار السياسة اخلارجية‪.‬‬

‫وتؤثر األيديولوجية أو النسق العقيدي ألفراد جمموعة صنع القرار‪ ،‬بشكل كبري يف‬

‫توجيه السياسة اخلارجية للعديد من الدول‪ ،‬فهي تؤثر بشكل مبارش أو غري مبارش يف واضعي‬

‫السياسات اخلارجية‪ ،‬ومتدهم باألداة التي يفرسون هبا الواقع بحسب تصوراهتم‪ ،‬وبام يتفق مع‬ ‫النامذج الفكرية والسياسية التي يعتنقوهنا ‪.‬‬

‫والعقائد السياسية ال توجه القائد السيايس نحو بديل معني‪ ،‬ولكنها حتدد اإلطار العام‬

‫الذي حيوي جمموعة البدائل التي يمكن املفاضلة بينها‪ ،‬وجمموعة البدائل املستثناة من البداية‬ ‫من دائرة االختيار املحتمل‪ ،‬فالقائد السيايس يميل دائ ًام إىل إحداث نوع من االتساق بني نسقه‬ ‫العقيدي واملعلومات الواردة إليه من البيئة حول املوضوع حمل القرار‪ .‬وإذا ما كانت تلك‬ ‫املعلومات تتناقض مع نسقه العقيدي فإنه يسلك أحد السبل التالية ‪:‬‬ ‫ جتاهل املعلومات التي تتناقض مع نسقه العقيدي‪.‬‬‫ الطعن يف مصدر املعلومات التي تتناقض مع النسق العقيدي‪.‬‬‫ إعادة تفسري املعلومات املتناقضة مع نسقه العقيدي تفسري ًا جيعلها متوافقة مع نسقه العقيدي‪.‬‬‫ البحث عن معلومات جديدة تتوافق مع نسقه العقيدي‪.‬‬‫ التقليل من أمهية املعلومات املتناقضة مع نسقه العقيدي‪.‬‬‫‪ -‬تقسيم املعلومات املتناقضة مع النسق العقيدي إىل فئات فرعية يتواءم بعضها مع‬

‫نسقه العقيدي‪.‬‬

‫ اسامعيل صربي مقلد‪ ،‬االسرتاتيجية والسياسة الدولية‪ :‬املفاهيم واحلقائق األساسية (بريوت‪ :‬مؤسسة‬ ‫األبحاث العربية‪ ،)1985 ،‬ص ‪.79‬‬ ‫ حممد السيد سليم‪ ،‬حتليل السياسة اخلارجية‪ ،‬ط ‪( 2‬القاهرة‪ :‬النهضة املرصية‪ ،)1998 ،‬ص ‪.411-408‬‬

‫‪94‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ -‬إحداث تعديل حمدود يف النسق العقيدي‪ ،‬بحيث يتوافق مع املعلومات املتناقضة اجلديدة‪.‬‬

‫ال شك يف أن السبل الست ُ‬ ‫األ َول تعني أن صانع القرار يسعى إىل التعديل يف الواقع ويف‬ ‫ما يرد إليه من معلومات حول املوضوع حمل القرار بالشكل الذي يتوافق مع ما يعتقده وما‬ ‫يؤمن به‪ ،‬وهلذا األمر خطورته وآثاره السلبية يف املدى البعيد؛ ألن احتامالت اتباع سياسات‬ ‫خارجية خاطئة هو أمر وارد بدرجة كبرية‪ ،‬بينام البديل السابع يف التفكري هو البديل األقرب‬ ‫إىل العقالنية‪ ،‬خصوص ًا إذا كانت املعلومات الواردة إليه هي معلومات سليمة‪ ،‬ومن هنا يكون‬ ‫قرار السياسة اخلارجية متوافق ًا مع معطيات املوقف السيايس‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬نجد أن البعض مثل روي مكريدس يرى أن األيديولوجيا أحيان ًا قد تعني‬ ‫التضليل والتحريف والتزوير‪ ،‬وتؤدي إىل أفعال متعصبة وقرارات طائشة ‪.‬‬ ‫ويف إيران انترص الفكر اإلسالمي الشيعي بقيادة آية اهلل اخلميني‪ ،‬واستطاعت الثورة أن‬ ‫تطيح باحلكم البهلوي‪ ،‬وتم إعالن اجلمهورية اإلسالمية يف نيسان‪/‬أبريل ‪ .1979‬واستطاع‬ ‫آية اهلل اخلميني إدارة الثورة اإلسالمية يف إيران من منفاه يف فرنسا بعد سنوات قضاها يف تركيا‬ ‫والعراق‪ ،‬واستطاع جذب العديد من طبقات املجتمع اإليراين‪ ،‬خصوص ًا الطبقة الوسطى من‬ ‫التكنوقراط والطالب واملوظفني للوقوف وراء أفكاره التي كانت الرشارة التي أطلقت الثورة‬ ‫ضد النظام احلاكم يف إيران وأطاحت به‪ .‬وعاد «الويل الفقيه» نائب اإلمام الغائب املعصوم‬ ‫ليمسك بزمام األمور يف البالد ويطور وجيدد النسق السيايس الشيعي الذي حكم البالد‬ ‫كأيديولوجيا وعقيدة دينية وسياسية وشعار رفعه النظام اإلسالمي اجلديد يف إيران‪ ،‬وأصبح‬ ‫الفكر الديني للخميني إحدى الركائز األساسية املحددة لطبيعة عملية صنع القرار اإليراين‪،‬‬ ‫سواء عىل املستوى الداخيل أم عىل املستوى اخلارجي‪.‬‬ ‫لقد نجح اخلميني يف بسط سيطرة رجال الدين عىل الدولة عرب بسط سلطتهم الدينية‬ ‫عىل الساحة السياسية‪ ،‬فخرجت الدولة اإليرانية اجلديدة دولة شيعية ثيوقراطية‪ ،‬يمسك فيها‬ ‫رجال الدين بكل مقاليد احلكم‪ ،‬ويفرضون قوانني الدولة‪ ،‬ويتولون إدارة ُج ّل مؤسساهتا‬ ‫السياسية واالقتصادية واالجتامعية والثقافية ‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬ ‫)‪(6‬‬

‫‪Roy C. Macridis, Contemporary Political Ideologies: Movements and Regimes‬‬ ‫‪(Cambridge, MA: Winthrop Publishers, 1980), p. 2.‬‬

‫‪Said Amir Arjomand, «History and Revolution in the Shi’ite Tradition in‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪95‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫إن أحد األسس التي بنى عليه اخلميني دولته اإلسالمية يف إيران‪ ،‬هو الرتابط الوثيق بني‬ ‫الدين والسياسة‪ ،‬والرفض التام ملقولة الفصل بينهام أو القول إن الدين يمثل شيئ ًا والسياسة‬

‫متثل شيئ ًا آخر ‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬نجد الرتابط بني األيديولوجيا اجلديدة وعملية صنع القرار وسياسات الدولة‬ ‫داخلي ًا وخارجي ًا هو أمر ثابت‪ ،‬بل ومفروغ منه عند دراسة السياسة اخلارجية إليران‪.‬‬ ‫إن الدور الشامل للدين يف إيران مل يؤثر يف الطبيعة الثيوقراطية للنظام السيايس فحسب‪،‬‬ ‫بل أثر أيض ًا يف السياسة اخلارجية وصبغها بصبغة معينة‪.‬‬ ‫لقد انتهجت إيران الثورة سياسة خارجية وضعت لنفسها أهداف ًا وخمططات طموحة منذ عام‬

‫‪ ،1979‬فقد رفضت الوضع الدويل لتوزيع القوة والثروة آنذاك‪ ،‬وسعت إىل كسب تأييد اجلامهري‬ ‫اإلسالمية من خالل إيامءات رمزية؛ مثل إصدار الفتوى بحق سلامن رشدي‪ ،‬وحتدَّ ي رشعية نظم‬ ‫احلكم القائمة يف البلدان اإلسالمية‪ ،‬ورفع شعار تصدير الثورة إىل الدول املجاورة ‪.‬‬

‫مثلت تصورات اخلميني املحرك الفكري للسياسة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬فاخلميني قسم‬ ‫العامل من حيث القوة إىل قسمني‪ :،‬املستضعفون واملستكربون‪ ،‬فاملستكربون هم الدول‬ ‫والشعوب التي متلك القوة وتستخدمها للسيطرة عىل اآلخرين واستغالهلم‪ ،‬أما املستضعفون‬ ‫فهم الذين ال يملكون القوة وخيضعون الستغالل معسكر املستكربين‪ ،‬ويضم ذلك بالطبع‬ ‫الدول العربية ومعظم الدول اإلسالمية‪.‬‬ ‫ويرى اخلميني أن إيران اإلسالمية هي الدولة الوحيدة يف العامل التي تسلك املسلك‬

‫احليادي؛ ألهنا وحدها التي تتمتع باالستقالل احلقيقي‪ ،‬كام أن إيران هي الدولة الوحيدة التي‬ ‫يتحقق فيها اإلسالم الصحيح‪ ،‬وهي احلكومة الوحيدة التي تأسست عىل مبادئ القرآن‪ ،‬ومن ثم‬

‫فإن رصاعها مع أي طرف خارجي مهام كانت هويته هو باألساس كفاح بني احلق والباطل ‪.‬‬

‫‪Contemporary Iran,» International Political Science Review, vol. 10, no. 2 (1989), p. 113.‬‬

‫ خالد العواملة‪« ،‬الثورة اإليرانية ورشعية النظم السياسية العربية‪( »،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية‬ ‫االقتصاد‪ ،)1992 ،‬ص ‪.519-518‬‬

‫ املانع «البعد اإليديولوجي يف العالقات السعودية اإليرانية‪ »،‬ص ‪.233‬‬ ‫‪Shireen Hunter, Iran and the World: Continuity in a Revolutionary Decade‬‬ ‫)‪(9‬‬ ‫‪(Bloomington: Indiana University Press, 1990), p. 77.‬‬

‫‪96‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫واحلكومة التي يقصدها اخلميني هي احلكومة اإلسالمية كام يراها هو‪ ،‬وهي خري‬

‫احلكومات لدى اخلميني‪ ،‬وهي احلكومة التي تطبق أحكام اإلسالم يف ظل غياب اإلمام الثاين‬

‫عرش‪ ،‬وهو اإلمام حممد بن احلسن العسكري‪ ،‬الذي غاب منذ عام ‪ 256‬هجرية‪ ،‬أي منذ أكثر‬ ‫من ألف ومئة ومخسني عام ًا‪ ،‬وهذه احلكومة هي مقدمة لتحقيق أهداف أخرى؛ مثل توحيد‬ ‫األمة اإلسالمية‪ ،‬وحتريرها من أغالل االستعامر‪ ،‬وإسقاط احلكومات العميلة للمستعمر‪.‬‬

‫وتلك احلكومة كام يراها آية اهلل اخلميني هي حكومة دستورية ولكن باملعني الديني‪.‬‬

‫والس ّنة النبوية املطهرة‪،‬‬ ‫حمك الدستورية يف تلك احلكومة هو التقيد املطلق باألوامر اإلهلية ُ‬

‫وهبذا املعنى فإن الربملان ليست وظيفته الترشيع‪ ،‬ولكن حتويل رشع اهلل إىل قواعد وإجراءات‬

‫وقوانني قابلة للتطبيق‪ ،‬وال يرشّ ع بنفسه‪ ،‬فال مرشّ ع غري اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫يرتبط بمفهوم احلكومة اإلسالمية مفهوم والية الفقيه‪ ،‬فالفقهاء يأتون عىل رأس‬

‫احلكومة اإلسالمية حتى ولو كان هلا حكام من غري رجال الدين‪ ،‬وقد امتدت والية الفقيه من‬

‫املجال الديني إىل املجال السيايس ‪. (1‬‬

‫والوالية تعني والية أمر املسلمني‪ ،‬وهي كام يف املذهب اجلعفري أصل من أصول الدين‪،‬‬ ‫فقد ورد يف احلديث الذي رواه اإلمام جعفر الصادق أن اإلسالم ُبنِي عىل مخس‪ :‬الصالة‬ ‫والزكاة والصوم واحلج والوالية ‪. (1‬‬

‫ال من أصول الدين بد ً‬ ‫وهذا يعني أن الشيعة قد أحلوا والية الفقيه باعتباره أص ً‬ ‫ال من‬ ‫الس ّنة وهو شهادة أن ال إله إال اهلل وأن حممد ًا رسول اهلل‪.‬‬ ‫ركن اإلسالم األول لدى ُ‬ ‫ونظر ًا إىل أن الفكر الشيعي يف أحد أركانه يعتقد باختفاء اإلمام الثاين عرش وبأنه سيعود‬

‫عند قرب هناية الزمان يف صورة املهدي املنتظر‪ ،‬فإنه ال بد أن يكون لإلمام الغائب نائب يتوىل‬ ‫رعاية وتوجيه املسلمني فرتة غياب اإلمام‪ ،‬وذلك النائب يدخل يف زمرة أويل األمر الذين‬

‫أوجبت اآلية الكريمة من سورة النساء طاعتهم بعد طاعة اهلل وطاعة الرسول‪ ،‬وذلك يف قوله‬ ‫ ‪ (1‬نيفني عبد املنعم مسعد‪ ،‬صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية (بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة‬ ‫العربية‪ ،)2001 ،‬ص ‪.55-54‬‬

‫ ‪ (1‬أبو جعفر حممد بن يعقوب الكليني‪ ،‬األصول من الكايف‪ ،‬صححه وعلق عليه عيل أكرب الغفاري‪ 2 ،‬ج‬ ‫(بريوت‪ :‬دار االضواء‪ ،)1985 ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.18‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪97‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫سبحانه‪﴿ :‬يا أهيا الذين آمنوا أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم﴾ ‪. (1‬‬ ‫ذلك النائب الويل هو الذي يتوىل تسيري أمور احلكومة اإلسالمية‪ ،‬وتنفيذ أحكام الرشيعة‬

‫اإلسالمية حتى ال تظل معطلة إىل أن يظهر اإلمام الغائب الذي قد يمر عىل غيابه آالف السنني‪،‬‬

‫حتى ال يسود اهلرج واملرج وتبقى أحكام اإلسالم معطلة ويعمل الناس ما يشاءون‪.‬‬

‫ويرى اخلميني أن الفقهاء هم ورثة األنبياء وأمناء الرسل‪ ،‬فقد ورثوا عنهم العلم‬

‫واحلديث‪ .‬والوالية باملعنى الذي يراه اخلميني قابلة لالنتقال والتوريث‪ ،‬حيث تستقر الوالية‬

‫بعد الفقيه باالنتخاب من قبل جملس اخلرباء كام حدث مع اإلمام خامنئي ‪. (1‬‬

‫مجعت نظرية الفقيه‪ ،‬كام وضعها اخلميني‪ ،‬يف يد الفقيه السلطات والصالحيات الدينية‬ ‫والسياسية يف آن واحد مع ًا‪ .‬وقد قنن ذلك الوضع يف دستور ‪ ،1979‬ثم عندما أدخلت بعض‬

‫التعديالت الدستورية عام ‪ 1989‬حدث مزيد من إطالق يد الويل الفقيه يف الشؤون السياسية‪،‬‬ ‫فالفقيه هو الذي حيدد السياسات العامة للنظام‪ ،‬وهو الذي يرشف عىل تطبيقها‪ ،‬وهو الذي‬ ‫يفض االشتباك بني السلطات املختلفة عندما يتعذر عىل جممع تشخيص مصلحة النظام القيام‬

‫هبذه املهمة‪ ،‬كام أنه هو الذي يعني الفقهاء يف جملس صيانة الدستور والقيادات األمنية ورئيس‬ ‫السلطة القضائية‪ ،‬وهو الذي يعلن احلرب‪ ،‬وهو القائد األعىل للقوات املسلحة‪.‬‬

‫ولكي يكون الويل الفقيه مؤه ً‬ ‫ال لذلك املنصب ال بد أن تتوافر فيه رشوط عدة‪،‬‬

‫أمهها الفقاهة أو العلمية‪ ،‬والعدالة والكفاءة السياسية واالجتامعية‪ ،‬واخلربة السياسية‬ ‫واالجتامعية ‪. (1‬‬

‫وتأيت أمهية والية الفقيه يف األيديولوجيا اإليرانية من اعتبارها أن الثورة اإلسالمية يف‬

‫إيران وقيام حكومة إسالمية فيها حتت قيادة الويل الفقيه‪ ،‬مقدمة مرحلية لبناء الدولة اإلسالمية‬ ‫العاملية التي َّأكد آية اهلل خامنئي حتمية ظهورها بزعامة املهدي املنتظر‪.‬‬ ‫تلك احلكومة التي ستقوم برسم املستقبل اإلسالمي‪ .‬ويف هذا املجال يقول آية اهلل‬ ‫ ‪ (1‬القرآن الكريم‪« ،‬سورة النساء‪ »،‬اآلية ‪.59‬‬

‫ ‪ (1‬آية اهلل اخلميني‪ ،‬احلكومة اإلسالمية‪ ،‬ط ‪[( 3‬طهران]‪ :‬مركز بقية اهلل‪[ ،‬د‪ .‬ت])‪ ،‬ص ‪.151-150‬‬ ‫‪http://www.aljazeera.net/programs/open–dialog/articles/2001/2/2-27-1.htm.‬‬ ‫)‪(14‬‬ ‫‪98‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫اخلميني‪« :‬إن آيات القرآن الكريم وأحاديث األئمة املعصومني تؤكد حتمية ظهور احلكومة‬

‫العاملية لإلسالم بزعامة حرضة ويل العرص‪ ،‬وسوف تقوم هذه احلكومة لرسم مستقبل مرشق‬ ‫ملحرومي العامل‪ ،‬إننا نعتقد ونؤمن هبذه احلكومة وهذا املستقبل املرشق‪ ،‬ونعترب أن املهدي‬

‫املنتظر هو عامل إجياد مثل هذه احلكومة‪ ،‬وإن اخلصائص اإلمجالية هلذه احلكــومة واضحة‬ ‫لنا متام ًا‪ ،‬وإننا نعد أنفسنا لوجودها‪ ،‬ونعتقد بأن حركتنا جيب أن تكون بإهلام من مثل هذه املثل‬

‫سعي ًا لقيامها وحتققها» ‪. (1‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد ارتبطت األيديولوجيا اإليرانية ارتباط ًا وثيق ًا بالسياسة اخلارجية للجمهورية‬

‫اإلسالمية‪ .‬فقد ألقى البعد املذهبي يف فن صياغة وحتديد السياسة اخلارجية اإليرانية يف أعقاب‬ ‫الثورة بظالله عىل األنشطة والتحركات اإليرانية اخلارجية كافة‪ ،‬سواء أكانت وجهتها إقليمية‬ ‫أم قارية أم حتى عاملية‪ ،‬فقد سعت إيران إىل تسييس الدين بشكل مبارش‪ ،‬وطرحته ممارسة‬ ‫سياسية أو ً‬ ‫ال قبل طرحه دين ًا‪ ،‬وهو ما سيظهر عند تناوله بالتفصيل مع كل مرحلة تارخيية من‬ ‫مراحل احلكم اإلسالمي يف إيران منذ اندالع الثورة وحتى هناية القرن العرشين‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬دور القيادة يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية‬

‫تشارك يف عملية صنع السياسية اخلارجية اإليرانية جمموعة من القوى واملؤسسات‬ ‫التي ورد ذكرها نص ًا يف الدستور اإليراين‪ ،‬وتلك التي صنعت لنفسها دور ًا فاع ً‬ ‫ال يف‬ ‫عملية صنع القرار من دون أن يرد هلا ذكر رصيح يف الدستور‪.‬‬ ‫لذلك فإن أي دراسة للقوى واملؤسسات املشاركة يف عملية صنع السياسة اخلارجية‬

‫اإليرانية ال بد أن جتمع بني املقاربتني الدستورية القانونية والواقعية‪ ،‬أي دراسة دور املؤسسات‬

‫التي ينص عليها الدستور وتلك القوى التي متارس دورها خارج إطار من ذكرهم الدستور‬ ‫نص ًا‪ .‬واملامرسة اإليرانية قد خ ّلفت قوى ومؤسسات وتنظيامت فاعلة يف عملية صنع السياسة‬ ‫اخلارجية ليس هلا أي سند دستوري‪ ،‬فالطالب والتجار والبازار واملثقفون هم من القوى‬ ‫املشاركة يف عملية صنع القرار يف إيران دون أن يتضمنها الدستور ‪. (1‬‬ ‫ ‪ (1‬كيهان (إيران)‪.1987/4/11 ،‬‬

‫ ‪ (1‬مسعد‪ ،‬صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية‪ ،‬ص ‪.78 – 77‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪99‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫وتركيبة نظام احلكم يف اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية تتصف بالتعدد والتنوع والتداخل‪،‬‬

‫ويف إطار ذلك التنوع تأيت مؤسسة القيادة املتمثلة يف املرشد عىل رأس مؤسسات احلكم يف‬ ‫إيران‪ ،‬وهي متارس دور ًا مفصلي ًا يف عملية صنع قرار السياسة اخلارجية اإليرانية‪ .‬والدستور‬ ‫اإليراين جيعل مسألة اإليامن بوالية الفقيه من الركائز األساسية للجمهورية اإلسالمية‪ ،‬فال‬ ‫يستقيم نظامها إال هبا‪ ،‬وال يكتسب رشعيته إال بأعامهلا‪ ،‬فاملرشد يتمتع بوضع شديد التميز‪.‬‬

‫ينص الدستور اإليراين عىل أن املرشد أو القائد هو أعىل سلطة يف إيران‪ ،‬وقد منحه‬

‫الدستور السيادة السياسية والدينية‪ ،‬فاملادة اخلامسة من الدستور حتدد ماهية القيادة يف إيران‬ ‫حيث تنص عىل أن والية األمة يف ظل استتار اإلمام تؤول إىل أعدل وأعلم وأتقى رجل يف‬

‫األمة ليدير شؤون البالد‪.‬‬

‫حيدد الفصل الثامن من الدستور اإليراين الرتتيبات اخلاصة بالقائد وأسلوب اختياره‪،‬‬

‫والرشوط الالزم توافرها فيه‪ ،‬والصالحيات املنوط به القيام هبا‪.‬‬

‫وكان آية اهلل اخلميني هو أول مرشد للثورة االيرانية‪ ،‬بعد سنوات طوال من قيادته‬

‫حلركة املعارضة‪ ،‬حيث كان يف تصوره قيام إيران جديدة عىل غرار ما كان عليه األمر يف احلقبة‬

‫األوىل لإلسالم‪ .‬ولكن بمجرد وصوله إىل السلطة أدرك آية اهلل اخلميني وأتباعه صعوبة إدارة‬ ‫دفة احلكم باستخدام الشعارات الثورية املجردة‪ ،‬لذلك أوكل اخلميني مهمة إجراء انتخابات‬

‫الختيار جملس اخلرباء إىل املجلس الثوري الذي كان قد ألفه قبل وصوله إىل السلطة‪ ،‬ثم توىل‬ ‫جملس اخلرباء مهمة وضع دستور جديد للبالد‪.‬‬

‫تكون من ثالثة وثامنني عضو ًا وضع إطار النظام‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإن جملس اخلرباء الذي ّ‬

‫السيايس بشكل أبرز الدور السيايس آلية اهلل اخلميني‪ ،‬إضافة إىل دوره الديني التقليدي منذ‬

‫عام ‪ ،1979‬عىل الرغم من معارضة القوميني العلامنيني هلذا الدور‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل أن‬ ‫جملس اخلرباء قد استوحى منصب املرشد األعىل أو املرجع األعىل من املحارضات التي كان‬ ‫يلقيها آية اهلل اخلميني يف أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات خالل مناهضته للحكم امللكي‬

‫من منفاه يف العراق ‪. (1‬‬ ‫)‪(17‬‬

‫‪100‬‬

‫‪Shaul Bakhash, The Reign of the Ayatollahs: Iran and the Islamic Revolution‬‬ ‫‪(New York: Basic Books, 1984), pp. 80-83.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وهكذا استحدث منصب جديد يفوق يف صالحياته ما كان ممنوح ًا للملك بمتقىض‬

‫دستور عام ‪.1906‬‬

‫حتدد املادة ‪ 107‬من الدستور اإليراين لعام ‪ 1979‬الطريقة التي يتم هبا اختيار املرشد‬

‫األعىل‪ ،‬فتوكل مهمة تعيني القائد إىل اخلرباء املنتخبني من قبل الشعب‪ ،‬حيث يقوم أعضاء‬ ‫جملس اخلرباء بحرص الفقهاء الذين تتوافر فيهم رشوط القيادة‪ ،‬واختيار أحدهم بناء عىل كونه‬

‫األعلم باألحكام واملوضوعات الفقهية واملسائل السياسية واالجتامعية‪ ،‬وحيازته لتأييد الرأي‬ ‫العام‪ ،‬ثم يعلنونه قائد ًا عام ًا يتحمل كل املسؤوليات ويتمتع بوالية األمر‪.‬‬

‫أما يف حال استحالة وجود من يصلح للوالية من بني الفقهاء املرشحني لذلك‬ ‫املنصب‪ ،‬فإن أعضاء جملس اخلرباء ينتخبون واحد ًا من بينهم ويعلنونه قائد ًا عليهم‪.‬‬ ‫ووفقـ ًا ملا ورد يف املادتني ‪ 5‬و‪ 109‬من الدستور‪ ،‬فإن مؤهالت من يخُ تار ملنصب‬ ‫القيـادة هي‪:‬‬ ‫ الكفاءة العلمية الالزمة للقيام بدور الفتوى يف النوازل‪.‬‬‫ العدالة والتقوى كرضورة الزمة لقيادة األمة‪.‬‬‫‪ -‬الفقه الواسع لظروف العرص‪ ،‬والرؤية السياسية الصحيحة‪ ،‬والكفاءة االجتامعية‬

‫واإلدارية والتدبري والقدرة الكافية للقيادة‪.‬‬

‫ويتويل املرشد األعىل النهوض بالوظائف والصالحيات اإلحدى عرشة التالية ‪: (1‬‬ ‫‪ -‬تعيني السياسات العامة لنظام مجهورية إيران اإلسالمية بعد التشاور مع جممع‬

‫تشخيص مصلحة النظام‪.‬‬

‫ اإلرشاف عىل حسن إجراء السياسات العامة للنظام‪.‬‬‫ إصدار األوامر باالستفتاء العام‪.‬‬‫ ‪ (1‬دستور اجلمهورية اإلسالمية يف إيران (طهران‪ :‬مديرية الرتمجة والنرش‪ ،‬رابطة الثقافة والعالقات اإلسالمية‪،‬‬ ‫‪ ،)1997‬املادة ‪.110‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪101‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫ القيادة العامة للقوات املسلحة‪.‬‬‫ إعالن احلرب والسالم والنفري العام‪.‬‬‫ تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من‪:‬‬‫‪-‬‬

‫فقهاء جملس صيانة الدستور‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫أعىل مسؤول يف السلطة القضائية‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫رئيس مؤسسة اإلذاعة والتلفزيون‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫رئيس أركان القيادة املشرتكة‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫القائد العام لقوات حرس الثورة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫القيادات العليا للقوات املسلحة وقوى األمن الداخيل‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫حل االختالفات‪ ،‬وتنظيم العالقات بني السلطات الثالث‪.‬‬

‫‪ -‬حل مشكالت النظام التي ال يمكن حلها بالطرق العادية من خالل جممع تشخيص‬

‫مصلحة النظام‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫توقيع حكم تنصيب رئيس اجلمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب‪ ،‬واملوافقة عىل‬

‫‪-‬‬

‫عزل رئيس اجلمهورية مع مراعاة مصالح البالد‪ ،‬وذلك بعد صدور حكم من‬

‫املرشحني للرئاسة بعد موافقة جملس صيانة الدستور‪.‬‬

‫املحكمة العليا بتخلفه عن وظائفه القانونية‪ ،‬أو بعد رأي جملس الشورى اإلسالمي بعدم‬

‫كفاءته السياسية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫العفو أو التخفيف من عقوبات املحكوم عليهم يف إطار املوازين اإلسالمية‪ ،‬بعد‬

‫اقرتاح رئيس السلطة القضائية‪ .‬وللمرشد األعىل أن يفوض صالحياته لشخص آخر‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن الدستور اإليراين قد نص عىل وجود الزعامة املستمرة ودورها األسايس‬ ‫يف استمرار الثورة اإلسالمية مع توافر رشوطها الواجبة يف الزعيم القائد وفق ًا للامدة ‪ 109‬من‬ ‫‪102‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫الدستور‪ ،‬وقد استطاع اخلميني أن جيمع بني املرجعية الدينية والزعامة السياسية‪ ،‬بل وردت‬

‫إشارة إىل ذلك يف مقدمة الدستور‪ ،‬كام منحه فقهاء النظام لقب اإلمام‪ ،‬وهي ظاهرة جديدة يف‬

‫النظام الشيعي‪ ،‬ألن اإلمامة ال تكون إال ألحفاد الرسول عليه الصالة والسالم ‪. (1‬‬

‫ويظهر من املسؤوليات والصالحيات املنوط هبا القائد أنه يتمتع بوضع شديد التميز‪،‬‬

‫حيث يتدخل يف عمل خمتلف سلطات الدولة‪ ،‬ويالحظ أن دستور عام ‪ 1979‬مل حيتو إال‬

‫عىل بعض الصالحيات للقائد‪ ،‬بينام جاءت تقوية منصب القائد‪ ،‬وإضافة الصالحيات‬ ‫واملسؤوليات إليه يف التعديالت التي جرت عىل الدستور يف العام ‪1989‬؛ مثل حتديد‬

‫سياسات الدولة‪ ،‬واإلرشاف عىل تنفيذها‪ ،‬والدعوة إىل االستفتاء‪ ،‬وحل اخلالفات بني فروع‬

‫القوات املسلحة وبني السلطات الثالث‪ ،‬وتوسيع صالحيات عزل وتعيني وقبول استقالة‬ ‫عدد من القيادات السياسية والعسكرية ليضاف إليهم رئيس هيئة اإلذاعة والتلفزيون ورئيس‬

‫هيئة األركان املشرتكة‪ .‬كام إنه من جماالت زيادة السلطات املمنوحة للقائد أن تكون سلطاته‬

‫يف جمال ختفيف األحكام أو العفو عن املحكوم عليهم بناء عىل اقرتاح رئيس السلطة القضائية‬ ‫الذي يعينه املرشد ذاته‪ ،‬بعد أن كان ذلك االقرتاح يأيت من جانب املحكمة العليا يف دستور‬

‫عام ‪.1979 (2‬‬

‫لقد زادت صالحيات ومسؤوليات املرشد القائد يف التعديالت التي طرأت عىل الدستور‬

‫عام ‪ 1989‬بشكل ملحوظ؛ حيث أصبحت تتضمن إحدى عرشة وظيفة ومسؤولية‪ ،‬بعد أن‬ ‫كانت قارصة عىل ست فقط يف الدستور األصيل عام ‪ ،1979‬كام تم التخفيف من االشرتاطات‬ ‫الواجب توافرها يف القائد بعد وفاة اخلميني‪.‬‬

‫إضافة إىل ما سبق‪ ،‬فإن هناك العديد من املؤسسات واهليئات التي ال تتبع أي جهة‬

‫حكومية يرشف عليها مرشد الثورة عرب ممثليها‪ ،‬منها ‪: (2‬‬ ‫‪ -‬مؤسسة الشهيد‪.‬‬

‫ ‪ (1‬حممد السعيد عبد املؤمن‪« ،‬املسألة اإليرانية‪ :‬الدور اإلقليمي‪ :‬املحدَّ دات واملستقبل‪ »،‬أوراق الرشق األوسط‪،‬‬ ‫العدد ‪( 14‬نيسان‪/‬أبريل ـ متوز‪/‬يوليو ‪ ،)1995‬ص ‪.58‬‬

‫ ‪ (2‬مسعد‪ ،‬صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫‪www.aljazeera.net/in–depth/iran–file/2001/4/4–21-3–htm.‬‬ ‫)‪(21‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪103‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫ مؤسسة اإلسكان‪.‬‬‫ حركة التعليم‪.‬‬‫ املجلس األعىل لثقافة الثورة‪.‬‬‫ منظمة الدعاية اإلسالمية‪.‬‬‫ جلان األرض‪.‬‬‫ مؤسسة املظلومني‪.‬‬‫تعترب هذه اهليئات واملؤسسات بمنزلة مصدر دعم وتأييد وقوة إضافية للقائد بام تضمه‬

‫من أعضاء ومؤيدين‪ ،‬وبام تشمله من أنشطة متس قطاعات كبرية من الشعب اإليراين‪.‬‬

‫أما عىل مستوى املامرسة الفعلية للقائد‪ ،‬فالواقع السيايس والعميل يشريان إىل أن أول‬

‫مرشد أعىل للثورة اإلسالمية يف إيران‪ ،‬آية اهلل اخلميني‪ ،‬قد مارس صالحيات واسعة أثرت‬ ‫وسع اخلميني من‬ ‫يف صياغة قرار السياستني الداخلية واخلارجية‪ ،‬فبحكم منصبه بصفته فقيه ًا َّ‬

‫صالحياته وأدخل منصبه يف اإلطار املؤسسايت بإقامة ثالث شبكات شخصية متداخلة‪ ،‬ففرض‬ ‫سلطته ً‬ ‫أوال عىل أصحاب املناصب الرسمية املهمة يف الدولة‪ ،‬عن طريق تعيني ممثليه الشخصيني‬ ‫الذين عرفوا بـ»ممثيل اإلمام» يف كل املصالح احلكومية املهمة وملتابعة األمور كلها‪.‬‬

‫وكان منصب ممثل اإلمام يعلو عىل منصب الوزراء‪ ،‬وكانت عالقاهتم وأوامرهم تأتيهم‬

‫مبارشة من مكتب اخلميني‪ ،‬وال متر حتى عرب الوزراء‪ ،‬وهذا ما أعطى هؤالء قوة وسلطة‬ ‫كبريتني‪ ،‬وجعلهم أذرعة اخلميني وعيونه يف املؤسسات التي يعينون فيها‪ .‬وكانوا مسؤولني‬

‫مبارشة أمام اإلمام اخلميني‪.‬‬

‫أما الشبكة الثانية فتحققت من خالل املرسوم الذي أصدره اخلميني الذي يقيض‬

‫بتشكيل «سالح احلرس الثوري اإلسالمي»‪ ،‬وإقامة شبكة من اللجان الثورية التي كانت‬

‫مهمتها إجهاض أي حماولة لتهديد الدولة اجلديدة‪ ،‬وكبح سلطان القوات املسلحة النظامية‪،‬‬ ‫والسيطرة عىل اجلامهري‪ ،‬وإحكام السيطرة عىل القوى األمنية‪ ،‬األمر الذي ساعد اخلميني عىل‬

‫ترسيخ سلطاته من خالل إقامة دولة صغرية داخل الدولة‪.‬‬ ‫‪104‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫أما الشبكة الثالثة فتحققت من خالل تدعيم اخلميني للعالقة بني الطالب ومدرسيهم‬

‫داخل الدوائر الدينية‪ ،‬فاستفاد من هؤالء الطالب بوضعهم يف املناصب القيادية الدينية‬ ‫والسياسية بعد قيام الثورة‪ .‬ومن طالبه هاشمي رفسنجاين الذي توىل رئاسة البالد بعد آية اهلل‬

‫حسني عيل منتظري الذي عني خليفة للخميني عام ‪.1982‬‬

‫وهكذا‪ ،‬استطاع اخلميني بام يملكه من قدرات كاريزمية‪ ،‬وما يملكه من مرجعية دينية‬ ‫أن يستخدم تلك الشبكات بأسلوب فاعل ّ‬ ‫مكنه من تدعيم دولته اجلديدة‪ ،‬وأصبح أكرب‬

‫قوة يف البالد‪ ،‬وأصدر الفتاوى واملراسيم التي كانت هلا قوة القانون يف خمتلف املجاالت‬ ‫الدينية واالقتصادية واالجتامعية والسياسية‪ ،‬والتي كانت تأيت يف بعض األحيان عىل حساب‬

‫االنتقاص من صالحيات السلطات األخرى يف البالد مثل السلطات القضائية والترشيعية‪،‬‬ ‫فقد أ ّدت فتاوى اخلميني أدوار ًا قضائية وترشيعية إىل جانب دورها الديني ‪. (2‬‬ ‫وعىل املستوى السيايس كان لبعض فتاوى اخلميني أثر يف العالقات الدولية إليران‪،‬‬

‫ففي ‪ 15‬شباط‪/‬فرباير ‪ 1989‬أصدر آية اهلل اخلميني فتواه بإهدار دم الكاتب الربيطاين سلامن‬

‫رشدي الذي أساء إىل اإلسالم والرسول يف كتابه آيات شيطانية‪ ،‬األمر الذي أدى إىل قطع‬ ‫العالقات الدبلوماسية بني بريطانيا وإيران‪ ،‬وتوترها مع العديد من دول أوروبا؛ وتلك‬ ‫الفتوى التي أصدرها اخلميني بقطع العالقات الدبلوماسية مع الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫باعتبارها الشيطان األكرب‪ .‬كام استخدم اخلميني سلطته يف حتديد مصري الرهائن األمريكيني‪،‬‬ ‫واختاذ قرار احلرب مع العراق‪ .‬وداخلي ًا كان اخلميني فوق كل التحزبات والرصاعات‪ ،‬وهو‬ ‫الذي حيدد احلالل واحلرام داخل اجلمهورية اإلسالمية‪.‬‬

‫يقوم فكر اخلميني يف ما يتعلق بالسياسة اخلارجية عىل مفهومي املستكربين واملستضعفني‬ ‫كام ذكرنا سالف ًا‪ ،‬ومن هذا املنطلق فإن هدف السياسة اخلارجية اإليرانية ال ينحرص يف محاية‬ ‫الدول اإلسالمية فقط‪ ،‬كام يف مفهوم دار اإلسالم ودار احلرب‪ ،‬ولكن يتوسع ذلك اهلدف‬ ‫ليشمل املسامهة يف توحيد صفوف مجيع املناوئني للظلم واهليمنة العاملية يف الدول اإلسالمية‬

‫وغري اإلسالمية‪ ،‬مع إعطاء أولوية خاصة للمسلمني‪ ،‬ففي أعقاب نجاح الثورة اإليرانية رأى‬ ‫ ‪ (2‬هبامن بختياري‪« ،‬املؤسسات احلاكمة يف اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ :‬املرشد األعىل والرئاسة وجملس‬ ‫الشورى (الربملان)‪ »،‬يف‪ :‬السويدي‪ ،‬حمرر‪ ،‬إيران واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار‪ ،‬ص ‪.77-76‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪105‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫اإلمام اخلميني أن هناك مسؤولية أساسية إليران يف مساندة الدول واحلركات التحريرية ضد‬ ‫النفوذ األجنبي‪ ،‬وبخاصة يف جمال التحرر من اهليمنة الثقافية‪ ،‬بعد أن انتهى االستعامر بشكله‬ ‫التقليدي‪.‬‬

‫ومن هنا جاءت فكرة «تصدير الثورة» وفق ًا للنموذج الذي تستطيع أن تقدمه إيران‬

‫للعامل اإلسالمي‪ .‬ويرى اخلميني أن تصدير الثورة ال يتم عن طريق اإلكراه والضغط بقدر ما‬

‫يتم عرب اإلقناع ‪. (2‬‬

‫إن الوضعية اخلاصة التي متيز هبا املرشد األعىل للثورة يف إيران هي نتاج ملجموعة من‬

‫املتغريات والعوامل املوضوعية التي أحاطت بالقائد السيايس‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫ أسلوب الوصول إىل السلطة (الثورة)‪.‬‬‫‪ -‬الطبيعة الكاريزمية للقائد السيايس‪.‬‬

‫ الصالحيات الدستورية للمرشد األعىل وعالقته بالسلطات األخرى يف الدولة‪.‬‬‫من هنا‪ ،‬نجد أن األسلوب الدرامي الذي وصل به اخلميني إىل سدة احلكم يف إيران‬

‫من خالل الثورة‪ ،‬إىل جانب الطبيعة الكاريزمية واملكانة الدينية التي صنعها لنفسه يف قلوب‬ ‫جسده الدستور من صالحيات واسعة ومطلقة للمرشد األعىل للثورة‪،‬‬ ‫الشعب اإليراين‪ ،‬وما ّ‬ ‫جعلت اخلميني قوة فوق كل القوى السياسية يف إيران‪ ،‬بل إن آراءه وفتاويه كانت هلا قوة‬ ‫القانون وواجبة التنفيذ والعمل هبا‪.‬‬

‫ومن هنا أيض ًا‪ ،‬كان للخميني تأثريه الواضح يف عملية صنع السياسات الداخلية‬

‫واخلارجية إليران الثورة‪ ،‬وكانت فتاواه هي التي حتدد اإلطار العام حلركة السياسة اخلارجية‬ ‫‪Rouhollah K. Ramazani, “Iran’s Export of the Revolution: Politics, Ends, and‬‬ ‫)‪(23‬‬ ‫‪Means,” in: John L. Esposito, ed., The Iranian Revolution: Its Global Impact (Miami: Florida‬‬ ‫‪International University Press; Gainesville, FL: Orders, University Presses of Florida, 1990), p. 50.‬‬

‫تنص املادة (‪ )152‬من الدستور اإليراين عىل اآليت‪« :‬تقوم السياسة اخلارجية جلمهورية إيران اإلسالمية عىل أساس‬ ‫االمتناع عن أي نوع من أنواع التسلط أو اخلضوع له واملحافظة عيل االستقالل التام ووحدة أرايض البالد والدفاع عن‬ ‫حقوق مجيع املسلمني وعدم االنحياز مقابل القوى املتسلطة‪ ،‬وتبادل العالقات السلمية مع الدول غري املحاربة»‪ .‬وتضيف‬ ‫املادة (‪ )154‬واجبات احلكومة اإليرانية جتاه املجتمع البرشي بأن «مجهورية إيران اإلسالمية تقوم بدعم النضال املرشوع‬ ‫للمستضعفني ضد املستكربين يف أية نقطة من العامل‪ ،‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬ال تتدخل يف الشؤون الداخلية للشعوب األخرى»‪.‬‬

‫‪106‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫اإليرانية‪ ،‬وتلك القوة مل تتو ّفر للمرشد األعىل الذي خلف اخلميني بعد وفاته يف الثالث من‬ ‫حزيران‪/‬يونيو ‪ ،1989‬فلم يكن آية اهلل عيل خامنئي الذي سبق أن توىل رئاسة اجلمهورية‬ ‫يملك املؤهالت الدينية املطلوبة التي كان يملكها كبار العلامء اآلخرين أمثال غلبيجاين‬

‫ومرعيش وقمي‪ ،‬ومل يكن آية اهلل خامنئي يملك املرجعية الدينية التي كانت للخميني‪ .‬ولكن‬

‫وقع االختيار عىل خامنئي من جانب جملس اخلرباء بعد أن تم تعديل الدستور وألغيت الفقرة‬ ‫اخلاصة باملرجعية باعتبارها رشط ًا من رشوط اختيار املرشد األعىل‪.‬‬ ‫إال أن خامنئي عمل عىل تقوية نفوذه من خالل زيادة عدد مساعديه ومستشاريه‬ ‫السياسيني‪ .‬وعني ممثيلن يتبعونه شخصي ًا ويرفعون إليه تقارير حول خمتلف قضايا السياسة‬ ‫اخلارجية‪ ،‬مثل التقدم الذي تم إحرازه يف املباحثات العراقية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬وعملية تبادل أرسى‬

‫احلرب‪ ،‬ومع ذلك مل تكن قرارات خامنئي تتمتع بالثقل والصالحية اللذين كانت تتمتع هبام‬ ‫قرارات آية اهلل اخلميني‪ ،‬بل إن منصبه القيادي أصبح عرضة للخطر؛ حيث طالب أحد نواب‬

‫جملس الشورى عالنية بتعديل الدستور إللغاء منصب املرشد ‪. (2‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬دور املصلحة القومية يف السياسة اخلارجية اإليرانية‬ ‫إذا كانت األيديولوجيا الثورية للنظام احلاكم يف إيران هي املحرك األسايس لعملية‬

‫صنع السياسة اخلارجية إليران يف عهد اخلميني‪ ،‬وهي املحدد لتوجهات وأهداف النظام‬ ‫داخلي ًا وخارجي ًا وحتديد مصادر التهديد واألعداء واألصدقاء‪ ،‬إال أن دورها قد تقلص إىل‬ ‫حد كبري يف أعقاب وفاة اخلميني وتوليّ رفسنجاين احلكم‪ ،‬لتتقدم عوامل املصلحة القومية‬

‫عىل االعتبارات األيديولوجية‪ .‬ازداد ذلك التوجه قوة مع فوز اإلصالحيني ووصول خامتي‬

‫إىل السلطة عام ‪ ،1997‬وبدت السياسات اخلارجية إليران أكثر واقعية‪ .‬فإيران لدهيا الرغبة‬ ‫احلقيقية يف اخلروج من العزلة الدولية التي فرضتها عليها الواليات املتحدة األمريكية من‬ ‫خالل سياسة االحتواء املزدوج‪ ،‬ولدهيا الرغبة يف االنفتاح عىل دول أوروبا واملعسكر اآلسيوي‬ ‫ودول العامل النامي ودول اخلليج‪.‬‬

‫ولقد نزعت إيران إىل التخيل التدرجيي عن أمهية العامل املذهبي يف السياسة اخلارجية‬ ‫ ‪ (2‬بختياري‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.85-84‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪107‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫اإليرانية‪ ،‬لتحل حملها نظرة واقعية تقوم عىل حتقيق املصالح القومية للدولة‪ ،‬بعد أن تأكد دور‬ ‫الدولة عىل حساب الثورة نتيجة سيطرة املعتدلني عىل السلطة‪ ،‬األمر الذي جعل إيران تنتهج‬ ‫سياسة خارجية أكثر اعتدا ً‬ ‫ال جتاه دول العامل‪ ،‬وخصوص ًا دول اخلليج املجاورة‪ .‬ومن ثم‬ ‫أصبحت رعاية املصالح القومية هي الركيزة األساسية للسياسة اخلارجية اإليرانية ‪. (2‬‬ ‫انتهى العهد اخلميني يف إيران‪ ،‬وهي تعاين من مواقف معادية هلا عىل أكثر من صعيد؛‬ ‫فالواليات املتحدة األمريكية كانت مستمرة يف سياستها املتشددة يف فرض عقوبات أحادية‬ ‫اجلانب وتصعيد احلرب الباردة بني طهران وواشنطن‪ ،‬وعالقات متوترة مع االحتاد األورويب‪،‬‬ ‫وتشكك عريب يف النوايا اإليرانية‪ ،‬وعدم ارتياح وخوف من جانب دول اخلليج‪ ،‬وخالفات‬ ‫متصاعدة مع تركيا‪ ،‬وتوتر مع باكستان بسبب أفغانستان‪.‬‬ ‫لذا حرص الرئيس خامتي عىل الرتكيز عىل بناء جسور الثقة‪ ،‬واالنفتاح عىل دول اخلليج‬ ‫والعامل اخلارجي‪ ،‬اتساق ًا مع املصلحة القومية إليران‪.‬‬ ‫تظهر أمهية املصلحة القومية إليران باعتباره أحد العوامل املحددة لعملية صنع السياسة‬ ‫اخلارجية اإليرانية وتوجهاهتا اخلارجية يف املقال الذي نرشته صحيفة كيهان اإليرانية يف الثامن من‬ ‫آذار‪/‬مارس ‪ 1993‬للدكتور حممود حممدي‪ ،‬املتحدث الرسمي باسم وزارة اخلارجية اإليرانية‬ ‫آنذاك‪ ،‬والذي ّ‬ ‫خلص فيه أسباب التحول التدرجيي عن ثوابت السياسة اخلارجية اإليرانية من‬ ‫خالل منطق املصلحة بقوله‪« :‬مل تكتف سياسة مجهورية إيران اإلسالمية اخلارجية خالل السنوات‬ ‫العرش املاضية باالهتامم باألمن القومي واإلقليمي فحسب‪ ،‬بل جعلت العامل اإلسالمي كله من‬ ‫أولويات اهتامماهتا‪ ،‬وحافظت عىل عالقاهتا بسائر املناطق اجلغرافية بشكل يتناسب مع الرضورة‬ ‫والظروف الدولية‪ .‬إال أن احلكمة واملصلحة قد أ ّدتا دور ًا أساسي ًا يف سبيل حتقيق األهداف‬ ‫السياسية املحددة من قبل‪ .‬فإذا كنا وما زلنا نواجه مشكالت ومسائل متعارضة يف املناطق‬ ‫املجاورة تستغرق بالرضورة القطاع األكرب من دبلوماسيتنا وسياستنا اخلارجية‪ ،‬إال أن هذا مل‬ ‫يرصفنا عن االهتامم بسائر املناطق‪ ،‬أو السعي الكتشاف مناطق عمل جديدة مثل اجلمهوريات‬ ‫اإلسالمية يف آسيا الوسطى ودول الكومنولث اجلديد وأمريكا الالتينية وأفريقيا» ‪. (2‬‬

‫ ‪ (2‬حسن محدان العلكيم‪ ،‬األمن واالستقرار يف منطقة اخلليج‪ :‬دراسة استرشافية‪ ،‬سلسلة قضايا خليجية؛ ‪3‬‬ ‫(رأس اخليمة‪ :‬املركز العريب للدراسات االسرتاتيجية‪ ،)1999 ،‬ص ‪.11‬‬ ‫ ‪ (2‬عبد املؤمن‪« ،‬املسألة اإليرانية‪ :‬الدور اإلقليمي‪ :‬املحدَّ دات واملستقبل‪ »،‬ص ‪.66‬‬

‫‪108‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫تتعدى املصلحة القومية كام ارتأهتا إيران لبناء دورها اإلقليمي منطقة اخلليج إىل مناطق‬ ‫اجلوار اجلغرايف يف آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية ودول الكومنولث اجلديدة‪ .‬وانطالق ًا من‬ ‫تلك الرؤية املصلحية‪ ،‬ركز صانعو السياسة اخلارجية اإليرانية عىل ترميم وإعادة عالقات‬ ‫إيران مع دول العامل التي كانت عالقاهتا معها إما مقطوعة متام ًا أو ُخ ّفض فيها مستوى التمثيل‬

‫الدبلومايس مع إيران يف العهد الثوري‪.‬‬

‫لذلك قاد الرئيس اإليراين هاشمي رفسنجاين انسحاب ًا منظ ًام ألعامل العنف يف اخلارج‪،‬‬

‫ليحول تصدير الثورة إىل شكلها الثقايف‪ ،‬وعملت اخلارجية اإليرانية عىل تأمني املصالح الوطنية‬ ‫اإليرانية وتدعيم التعاون اإلقليمي الذي متثل يف إحياء منظمة «أكوا» للتعاون االقتصادي‪،‬‬ ‫وسعت إىل إرشاك الدول املستقلة حديث ًا يف املنظمة التي تضم ك ً‬ ‫ال من إيران وتركيا وباكستان‪،‬‬ ‫وذلك من خالل مؤمتر دعت إليه طهران يف شباط‪/‬فرباير ‪ .1992‬وعقدت إيران عدد ًا من‬ ‫االتفاقيات لتدعيم االتصال مع دول مجهوريات آسيا الوسطى‪ ،‬وعدد ًا من اتفاقيات التبادل‬

‫التجاري والثقايف والفني واملساعدات والتسهيالت االقتصادية والثقافية األخرى‪ ،‬وأنشأت‬ ‫جتمع ًا للدول املطلة عىل بحر قزوين‪ ،‬اشرتكت فيه كازاخستان وروسيا االحتادية وأذربيجان‬ ‫وتركامنستان‪ ،‬واختذ التجمع من طهران مقر ًا له‪.‬‬

‫كام أعلن عن قيام رابطـة الدول املتحدثة بالفارسـية يف آسـيا‪ ،‬وتلك املهتمة بالثقـافة‬

‫الفارسـية‪.‬‬

‫ويف عالقتها بدول اخلليج العريب‪ ،‬واتساق ًا مع سياسة االنفراج مع العامل اخلارجي التي‬

‫اتبعها حممد خامتي‪ ،‬وترصحياته املستمرة التي تؤكد أمهية احلوار بني احلضارات‪ ،‬والسعي‬

‫إلقامة عالقات مع الدول مبنية عىل «الكرامة والعقالنية واملصلحة القومية»‪ ،‬سعت إيران‬ ‫إىل بناء جسور الثقة بينها وبني دول اخلليج‪ ،‬وخصوص ًا اململكة العربية السعودية‪ ،‬لتحقيق‬ ‫انفراج يف العالقات اخلليجية اإليرانية عىل املستويات السياسية واالقتصادية والتجارية كافة‪،‬‬

‫وتبودلت الزيارات بني إيران وعدد من دول اخلليج عىل أرفع املستويات‪ ،‬ولعل أبرزها الزيارة‬ ‫التي قام هبا الرئيس اإليراين خامتي إىل اململكة العربية السعودية‪ ،‬ليبدأ عهد ًا جديد ًا من التعايش‬ ‫السلمي بني إيران واململكة وعدد من دول اخلليج‪.‬‬

‫وأدى ذلك التوجه السلمي إليران جتاه دول اخلليج العربية إىل حتول تدرجيي يف سياسة‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪109‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫االحتواء املزدوج التي تتبعها الواليات املتحدة األمريكية جتاه العراق وإيران نحو ختفيف حدة‬

‫اهلجوم األمريكي عىل إيران‪ ،‬حيث وصف مساعد وزير اخلارجية األمريكي مارتن إنديك‬ ‫االسرتاتيجية األمريكية اجلديدة جتاه كل من العراق وإيران بأهنا تعتمد عىل االرتباط أكثر مع‬ ‫إيران واالحتواء أكثر مع العراق ‪. (2‬‬

‫ومن ثم استطاعت إيران وفق ًا ملبدأ املصلحة القومية أن حتقق نجاحات عىل خمتلف‬

‫األصعدة يف جماهلا احليوي يف منطقة اخلليج ومع دول اجلوار اجلغرايف يف آسيا الوسطى‪،‬‬ ‫وحتقيق قدر من النجاح يف عالقاهتا بواشنطن نحو التهدئة واالنفتاح‪.‬‬

‫يمكن إمجال جمموعة األهداف واملصالح القومية اإليرانية التي تسعى إىل حتقيقها عىل‬ ‫املستويني اإلقليمي والدويل يف ما ييل ‪: (2‬‬ ‫ تأكيد وتدعيم مكانتها ودورها يف منطقة اخلليج العريب بوصفه جما ً‬‫ال حيوي ًا هلا‪.‬‬ ‫ كرس العزلة الدولية املفروضة عليها بسبب اهتامها باإلرهاب وتصدير الثورة‪.‬‬‫ االنفتاح عىل الغرب وفتح أسواق جديدة ملنتجاهتا‪.‬‬‫‪ -‬احلصول عىل املساعدات املالية واالقتصادية والفنية إلعادة البناء االقتصادي للبالد‬

‫بعد انتهاء احلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‪.‬‬

‫ تدعيم القدرة العسكرية اإليرانية‪.‬‬‫‪ -‬إثبات دورها اإلقليمي باملشاركة بدور بارز يف تسوية املشكالت املتعلقة باملنطقة مثل‬

‫أفغانستان‪ ،‬والبحث عن دور يف مشكالت أخرى مثل مشكلة الرشق األوسط‪.‬‬

‫‪ -‬حتسني صورهتا يف أنظار شعوب العامل الثالث وبخاصة الشعوب اإلسالمية‪.‬‬

‫أ ّدت مصلحة إيران القومية دور ًا بارز ًا يف توجيه سياستها اخلارجية بالشكل الذي حقق‬

‫هلا مصالح اسرتاتيجية يف املجالني اإلقليمي والدويل‪ .‬ولعل املوقف اإليراين من الغزو العراقي‬ ‫ ‪ (2‬عبد اهلل خليفة الشاجيي‪« ،‬عوامل بناء الثقة بني دول جملس التعاون اخلليجي واجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‪:‬‬ ‫املعوقات ونقاط االلتقاء‪ »،‬يف‪ :‬السويدي‪ ،‬حمرر‪ ،‬إيران واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار‪ ،‬ص ‪.91-90‬‬ ‫ ‪ (2‬بيزن إيزدي‪ ،‬مدخل إىل السياسة اخلارجية جلمهورية إيران اإلسالمية‪ ،‬ترمجة وتقديم سعيد الصباغ (القاهرة‪:‬‬ ‫الدار الثقافية للنرش‪ ،)2000 ،‬ص ‪.14-13‬‬

‫‪110‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫لدولة الكويت له دالئل حمورية من مفهوم املصلحة القومية يف السياسة اخلارجية اإليرانية‪،‬‬ ‫فالغزو العراقي للكويت يعني هتديد ًا مبارش ًا لدور إيران اإلقليمي بام يضعه من قيود عىل حرية‬

‫حركتها يف جماهلا احليوي اإلقليمي بالنظر إىل ما حيمله من إضافة للقوة العراقية يف منافسة‬ ‫القوة اإليرانية‪ ،‬لذا رفضت إيران الغزو وطالبت العراق باالنسحاب‪ ،‬وأقرت ضمني ًا إخراج‬ ‫العراق بالقوة وتدمري آلته العسكرية‪ .‬وبالفعل استطاعت إيران استثامر نتائج أزمة اخلليج‬ ‫الثانية واخلالفات املصلحية القائمة بني دول اخلليج العربية التي ترتبت عىل األزمة يف عودة‬

‫العالقات اإليرانية مع دول جملس التعاون اخلليجي‪ ،‬وإقرار دول اخلليج بمشاركة إيران يف‬ ‫الرتتيبات األمنية باملنطقة‪ ،‬خصوص ًا بعد أن تغري مصدر التهديد ألمن اخلليج وحتول من إيران‬ ‫إىل العراق‪ .‬ولو أن ذلك ال يعني انتهاء الرتقب واحلذر اخلليجي من النزعة اإليرانية المتالك‬

‫األسلحة ذات الطبيعة التدمريية‪ ،‬ورغبتها يف ممارسة دور الدولة القائد‪ ،‬ورفضها الوجود‬ ‫األمريكي يف املنطقة‪ ،‬واستمرار احتالهلا اجلزر اإلماراتية الثالث‪.‬‬

‫إن من مصلحة إيران السعي نحو تطبيع عالقاهتا مع دول اخلليج العربية‪ ،‬وجذب‬ ‫استثامراهتا إىل داخل إيران؛ ألن هذا املسلك هو بالرضورة إحدى السبل التي يمكن إليران أن‬ ‫خترج هبا من أزمتها االقتصادية الداخلية‪ ،‬نتيجة ارتفاع معدالت البطالة والتضخم‪ ،‬وارتفاع‬ ‫نفقات الدفاع وعمليات التسليح الواسعة التي تنتهجها احلكومة اإليرانية‪ .‬وبالتايل تستطيع‬ ‫حل جزء من أزمتها االقتصادية‪ ،‬خصوص ًا أن تلك الدول لدهيا الكثري من القدرات للقيام‬ ‫بدور مؤثر يف هذا السياق ‪. (2‬‬

‫رابع ًا‪ :‬أدوات تنفيذ السياسة اخلارجية اإليرانية يف اخلليج‬ ‫كانت اهلضبة اإليرانية الواسعة ملتقى لشعوب عديدة جاءهتا مهاجرة مستوطنة أو مرت‬

‫هبا غازية‪ ،‬مثل املقدونيني والعرب واملغول واألتراك وغريهم‪ ،‬واختذت مجاعات كبرية من هذه‬ ‫الشعوب من اهلضبة اإليرانية موطن ًا جديد ًا هلا‪ ،‬وامتزجت مع سكاهنا األصليني من اجلنس‬ ‫اآلري (اهلندو ‪ -‬أورويب)‪ ،‬وشهد التاريخ اإليراين سلسلة من الدول القوية ذات السياسات‬ ‫اخلارجية التوسعية‪ ،‬تلتها دول ضعيفة تعرضت لالجتياح والسيطرة من جانب قوى خارجية‪،‬‬

‫ ‪ (2‬عبد اهلل مجعة احلاج‪« ،‬جملس التعاون لدول اخلليج العربية نحو القرن احلادي والعرشين‪ »،‬جملة دراسات‬ ‫اخلليج واجلزيرة العربية‪ ،‬العدد ‪( 87‬خريف ‪ ،)1997‬ص ‪.203-200‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪111‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫بدء ًا من اإلسكندر األكرب وجنكيزخان وتيمورلنك وحتى كرزون وترششل وداالس‪ .‬ويف كل‬ ‫األحوال إن عالقات فارس (إيران) بالدول املجاورة أثرت كثري ًا يف حياهتا السياسية ‪. (3‬‬ ‫كانت الواليات اإليرانية يف ما قبل اإلسالم تؤلف واحدة من أكثر الدول ازدهار ًا يف‬

‫العامل القديم‪ ،‬فقد هامجت اجليوش اإليرانية اليونان وحاربت الرومان وقامت بغزو أجزاء من‬

‫شبة اجلزيرة العربية يف بداية قرون العرص املسيحي واحتالهلا‪ ،‬وعندما توسعت القبائل العربية‬ ‫خارج شبة اجلزيرة العربية يف القرن السابع امليالدي دخلت إيران اإلسالم‪ .‬ولكن ذلك مل‬

‫يمنعها من مواصلة بسط نفوذها وسيطرهتا عىل املناطق العربية‪ ،‬وبخاصة مع الضعف الذي‬ ‫بدأ يدب يف أوصال العامل اإلسالمي‪.‬‬

‫خالل العهد البهلوي‪ ،‬ويف أعقاب عودة الشاه حممد رضا هبلوي إىل السلطة بالدعم‬ ‫األمريكي‪ ،‬تولدت قناعة لدى القادة السياسيني اإليرانيني بأن عليهم أن يستندوا إىل قوة‬ ‫كربى‪ ،‬وأن اجليش واملؤسسة العسكرية مها ركيزة للحفاظ عىل العرش البهلوي ودعم‬ ‫للسياسة اخلارجية إليران الشاه ‪. (3‬‬ ‫توافقت االسرتاتيجية األمريكية يف الرشق األوسط ومنطقة اخلليج مع رؤية إيران‬

‫لدورها اإلقليمي‪ ،‬إذ كانت املخاوف األمريكية من احتامالت تزايد النفوذ السوفيايت يف املنطقة‬

‫هي الدافع لتقديم العون إليران بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وهي الدافع للتورط األمريكي يف‬ ‫انقالب عام ‪ 1952‬باعتباره جزء ًا من السياسة األمريكية الحتواء االحتاد السوفيايت وتقليل‬ ‫نفوذه يف املنطقة ‪. (3‬‬

‫ومن ثم بدأ الشاه يف تقوية جيشه بشكل مكثف‪ ،‬يف الوقت الذي زادت فيه الواليات‬

‫املتحدة األمريكية من حجم قروضها ومنحها العسكرية إليران‪ ،‬وبدأت إيران منذ عام ‪1967‬‬ ‫يف تطوير سياستها اخلارجية استعداد ًا للقيام بدور القوة اإلقليمية املهيمنة يف منطقة اخلليج‬

‫أعقاب إعالن بريطانيا رغبتها يف االنسحاب من منطقة اخلليج قبل هناية عام ‪ .1971‬إذ رأت‬ ‫)‪(30‬‬

‫”‪Daniel Pipes and Patrick Clawson, “Ambitious Iran, Troubled Neighbors,‬‬ ‫‪Foreign Affairs vol. 72, no. 1 (1992-1993), pp. 126-127.‬‬

‫)‪(32‬‬

‫‪F. Gregory Gause, “The Illogic of Dual Containment,” Foreign Affairs, vol. 73,‬‬ ‫‪no. 2 (March- April 1994), p. 56.‬‬

‫)‪Robert Graham, Iran, the Illusion of Power (London: Croom Helm, 1978), pp. 64-65. (31‬‬

‫‪112‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫إيران أهنا قادرة عىل ملء الفراغ االسرتاتيجي يف املنطقة بعد االنسحاب الربيطاين‪ ،‬وعىل ضامن‬ ‫أمن اخلليج‪ ،‬وسعت يف سياستها اخلارجية جتاه منطقه اخلليج يف ما يتعلق بمسألة األمن إىل‬

‫تطوير مفهومها لذلك األمن‪ ،‬مع الرتكيز عىل حتويل النظام الفرعي من خالل جذب دول‬ ‫اخلليج بعيد ًا عن االرتباط بالنظام العريب نحو االرتباط بمحور تقوده إيران باعتبارها الدولة‬ ‫اإلقليمية القادرة عىل حفظ األمن واالستقرار يف منطقة اخلليج ‪. (3‬‬

‫وهكذا‪ ،‬برزت إيران قوة إقليمية تسعى إىل التحكم بالتوزان اإلقليمي يف الرشق‬

‫األوسط من خالل القيام بدور الرشطي يف املنطقة‪ ،‬وتدعيم قوهتا العسكرية والدفاعية لتكون‬

‫أهم أدوات تنفيذ سياستها اخلارجية يف املنطقة‪ ،‬وارتبط بذلك عقد صفقات سالح أمريكية‪،‬‬ ‫وإعالن الشاه حتمل إيران وحدها عبء الدفاع عن أمن اخلليج‪ ،‬بل وتوسيع تلك املسؤوليات‬ ‫لتشمل منطقة املحيط اهلندي‪.‬‬

‫وكان التطبيق العميل للسياسات التوسعية اإليرانية يف ترشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪،1971‬‬

‫عندما قامت القوات اإليرانية باالستيالء عىل اجلزر العربية الثالث‪ ،‬كام أسهمت القوات‬ ‫اإليرانية يف إمخاد ثورة ظفار يف عامن يف كانون األول‪/‬ديسمرب ‪ ،1973‬إضافة إىل الدور‬

‫اإليراين يف أزمة األكراد يف العراق‪.‬‬

‫سعت إيران الشاه إىل استخدام أو التهديد باستخدام قوهتا العسكرية ملواجهة ما ارتأت‬ ‫أنه يمثل قيد ًا عىل دورها اإلقليمي يف منطقة اخلليج والرشق األوسط‪ ،‬ومن ذلك توجهات‬ ‫النظام العراقي بسبب النزاع حول شط العرب‪ ،‬وتوجهات حزب البعث العريب االشرتاكي‬ ‫العراقي‪ ،‬واملد النارصي والوجود املرصي يف اليمن‪.‬‬

‫من هنا‪ ،‬كان التوجه اإليراين نحو تعزيز القوة العسكرية الذاتية والتوسع يف برامج‬

‫ومرشوعات التسلح من خالل استرياد كميات هائلة من األسلحة والتجهيزات العسكرية‬

‫املتطورة‪ ،‬وتطوير القوة البحرية اإليرانية حتى أصبحت بالفعل القوة البحرية األوىل يف منطقة‬ ‫اخلليج‪ ،‬وذلك بالتوافق مع االسرتاتيجية األمريكية يف اخلليج التي فضلت أن تقوم إيران بدور‬ ‫القوة اإلقليمية التي حتافظ عىل املصالح الغربية واألمريكية عىل السواء‪.‬‬

‫ ‪ (3‬اسامعيل صربي مقلد‪ ،‬أمن اخلليج وحتديات الرصاع الدويل (الكويت‪ :‬رشكة الربيعان للنرش والتوزيع‪،‬‬ ‫‪ ،)1984‬ص ‪.25-23‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪113‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫وكان قرار الرئيس نيكسون عام ‪ 1969‬بإسناد دور أسايس إليران يف عملية الدفاع عن‬

‫تدعم بعد عام ‪ 1973‬نتيجة الطفرة التي حدثت يف أسعار النفط‪ ،‬أعطى‬ ‫أمن اخلليج‪ ،‬وهو ما ّ‬

‫إليران األساس االقتصادي الالزم لبناء أكرب وأضخم ترسانة مسلحة يف العامل الثالث ‪. (3‬‬

‫وترافقت دبلوماسية األحالف التي اتبعتها إيران يف سياستها اخلارجية جنب ًا إىل جنب مع‬

‫األداة العسكرية‪ .‬فسعت إيران إىل تدعيم قوهتا اإلقليمية من خالل التنسيق مع القوى اإلقليمية‬ ‫املحيطة التي تتفق معها يف التوجه اخلارجي وتلتقي معها يف الدعم األمريكي؛ مثل تركيا وإرسائيل‬

‫وإثيوبيا يف حلف بغداد عام ‪ ،1955‬والتنسيق مع الدول الغربية يف إطار حلف الناتو‪.‬‬

‫لقد تولدت لدى إيران الشاه قناعة تتلخص يف أهنا ال تستطيع بمفردها الدفاع عن نفسها‬

‫يف مواجهة التكتالت املحيطة‪ ،‬وأن املوقع اجلغرايف ووفرة املوارد يصبحان من دوافع هتديد‬

‫األمن اإليراين إذا مل تتوافر القوة الالزمة حلاميتها‪ ،‬لذلك رأت القيادة اإليرانية رضورة تنمية‬ ‫وامتالك عنارص القوة القومية عن طريق ما ييل ‪: (3‬‬ ‫ امتالك قوة عسكرية ذاتية كبرية‪.‬‬‫ االنخراط يف نظام دفاعي حيقق هلا االعتامد املتبادل‪.‬‬‫‪ -‬ضم مصادر جديدة للقوة بالتوسع عىل حساب الكتل الديمغرافية املجاورة‪ ،‬وذلك‬

‫من أجل زيادة العمق الدفاعي اإليراين‪.‬‬

‫ سياسة التقارب وعقد حتالفات مع الكتل املضادة ملصادر التهديد الرئيسة واملحتملة ضدها‪.‬‬‫تلخص تلك الرؤية بجالء األدوات التي اتبعتها إيران ما قبل الثورة لتنفيذ سياستها‬

‫اخلارجية وفرض رؤيتها ألمن املنطقة واستقرارها‪ .‬لذلك اتسمت عالقة إيران بجرياهنا من‬

‫دول اخلليج بدرجة عالية من التوتر والعنف‪ ،‬وحماوالت دؤوبة من جانب إيران لفرض اهليمنة‬ ‫والسيطرة عىل هذه الرقعة اجلغرافية‪.‬‬

‫وعىل الرغم من أن قيام الثورة اإلسالمية يف إيران قد َّأدى إىل عدد من التغريات يف‬ ‫ ‪ (3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.36-30‬‬

‫ ‪ (3‬طلعت مسلم‪ ،‬التعاون العسكري العريب (بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،)1990 ،‬ص ‪.94-93‬‬

‫‪114‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫عالقات إيران اخلارجية وتوجهاهتا‪ ،‬إىل أن إيران الثورة مل ختتلف يف جوهرها األمني ويف‬ ‫أهدافها عن إيران الشاه‪ ،‬فاخلط التوسعي ظل مستمر ًا يف مرحلة ما بعد الثورة‪.‬‬ ‫لذلك استمرت األداة العسكرية والتهديد هبا يف احتالل مكانتها املميزة يف إطار أدوات‬

‫السياسة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬متفوقة بذلك عىل األدوات الدبلوماسية واالقتصادية‪.‬‬

‫ولكن توافق ًا مع طبيعة املرحلة الثورية اجلديدة‪ ،‬ظهرت أدوات أخرى للسياسة اخلارجية‬

‫اإليرانية متثلت يف‪« :‬تصدير الثورة»‪ ،‬ودعم احلركات اإلسالمية يف خمتلف البلدان‪.‬‬

‫والسياسة العسكرية اإليرانية هي احللقة املحورية األكثر وضوح ًا يف السياسة اإليرانية‬ ‫بشكل عام‪ ،‬وهي ‪ -‬بحق ‪ -‬متثل انعكاس ًا واضح ًا ملضامني الطموحات اإليرانية‪ ،‬فالثورة يف‬

‫إيران بدأت عهدها بحرب رضوس استنزفت طاقاهتا البرشية واالقتصادية والعسكرية خالل‬

‫ثامين سنوات هي عمر احلرب‪.‬‬

‫فإذا كانت القوة العسكرية اإليرانية هي الركيزة األوىل لضامن استقرار الدولة وصيانة‬

‫أمنها الوطني‪ ،‬فإهنا ُتعدّ أحد املحددات املهمة لقوة الدولة ومكانتها اإلقليمية والدولية‪.‬‬

‫وعىل الرغم من النغمة املعتدلة للترصحيات اإليرانية يف عهد الرئيس خامتي بشأن رضورة‬

‫إقامة عالقات حسن جوار مع دول اخلليج العربية‪ ،‬إال أن إيران تستخدم قوهتا العسكرية‬ ‫بصورة مستفزة ألمن املنطقة واستقرارها‪ ،‬فقد قامت باستخدام شقي القوة العسكرية‪ ،‬ومها‬ ‫التهديد هبا واالستخدام الفعيل وتوظيفها يف حتقيق أهدافها اخلارجية‪.‬‬

‫ويأيت التهديد بالقوة العسكرية من خالل ما تقوم به إيران من استعراض للقوة العسكرية‬

‫يف اختبارات األسلحة الصاروخية والعروض واملناورات العسكرية يف اخلليج‪ ،‬ففي عام‬

‫‪ 1999‬قامت إيران بتجارب عدة ملعدات عسكرية‪ ،‬عىل الشكل التايل ‪: (3‬‬

‫‪ -‬اختبار حمرك الصاروخ «شهاب – ‪ ”4‬يف شباط‪/‬فرباير ‪ 1999‬الذي أعلنت إيران أنه‬

‫لنقل القمر الصناعي اإليراين املنتظر إطالقه يف الفضاء والذي حيمل اسم (الزهراء – ‪.)1‬‬ ‫ ‪ (3‬التقرير االسرتاتيجي اخلليجي‪( 2000-1999 ،‬الشارقة‪ :‬دار اخلليج‪ ،)2000 ،‬ص ‪.172-171‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪115‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫ يف نيسان‪/‬أبريل قامت إيران بإجراء جتربة إطالق الصاروخ «صياد – ‪ »1‬أرضـ جو‪،‬‬‫وهو صاروخ إيراين الصنع‪ ،‬ومتت جتربته عملي ًا يف املناورات التي جرت يف جنوب طهران يف‬ ‫ترشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪.1999‬‬ ‫ يف أيلول‪/‬سبتمرب قامت إيران بعرض الصاروخ «زلزال» أرض – أرض الذي صنعه‬‫مهندسو سالح احلرس الثوري اإليراين عىل مدار السنوات اخلمس السابقة من العام ‪،1999‬‬

‫وتم ذلك يف عرض عسكري أقامه احلرس الثوري‪.‬‬

‫ بدأت إيران يف إنتاج اجليلني الثاين والثالث من الدبابة اإليرانية «ذو الفقار»‪ ،‬وهي‬‫دبابة خفيفة ورسيعة ومزودة بنظام تصويب موجه بالليزر‪ ،‬وبذلك تعترب إيران ثالث دولة‬ ‫منتجة لدبابات القتال الرئيسة يف الرشق األوسط بعد مرص وإرسائيل‪.‬‬ ‫ بدأت إيران بإنتاج الطائرة املقاتلة «آزار خش» (الربق) قريبة الشبه بالطائرة الفانتوم‬‫‪ ،F4‬وهي مقاتلة اعرتاضية مزودة برادار من صنع إيراين وبمساعدة روسية‪.‬‬

‫وشهدت السياسة العسكرية اإليرانية جهود ًا مكثفة باجتاه إعادة بناء القوات املسلحة‬ ‫بعد احلرب مع العراق‪ ،‬وتزايدت تلك اجلهود يف أعقاب حرب اخلليج الثانية‪ ،‬لدرجة أن‬ ‫أعامل البناء الدفاعي اإليراين أصبحت تتجاوز كثري ًا احتياجات الدفاع الذايت اإليرانية يف‬ ‫مواجهة الدول املحيطة‪.‬‬ ‫تسعى إيران إلحياء دورها اإلقليمي يف منطقة اخلليج‪ ،‬خصوص ًا أن الفرصة قد أصبحت‬ ‫سانحة أمام قيادهتا لرسم ذلك الدور يف أعقاب تدمري القوة العسكرية للعراق واهنيار االحتاد‬ ‫السوفيايت السابق‪ .‬وهذا ما يربر ختوف الدول املجاورة من تلك العمليات االستعراضية للقوة‬ ‫املسلحة اإليرانية‪ ،‬عىل اعتبار أن هدفها هجومي‪ ،‬وبخاصة إذا نظرنا إىل طبيعة القوات املستخدمة‬ ‫وحجمها‪ .‬وال تقتنع تلك الدول بام تردده إيران حول اهلدف الدفاعي لتلك العمليات‪.‬‬ ‫أما جمال التوظيف الفعيل للقوة العسكرية‪ ،‬فنجده يتمثل يف استمرار االحتالل العسكري‬ ‫جلزر اإلمارات الثالث الذي دعمته إيران بام اختذته من إجراءات مشدَّ دة يف عام ‪ 1992‬لتكريس‬ ‫األمر الواقع‪ ،‬كذلك هناك املحاوالت اإليرانية املستمرة لفرض سيطرهتا عىل مضيق هرمز‬

‫ومناوشة الوجود الغريب فيه؛ ملا يمثله املضيق من أمهية اقتصادية واسرتاتيجية إليران ‪. (3‬‬ ‫)‪(37‬‬ ‫‪116‬‬

‫‪Michael Eisenstadt, Iranian Military Power: Capabilities and Intentions, Policy‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ويف جمال االرتباط العسكري اخلارجي‪ ،‬نجد أن إيران تسعى إىل توفري مستلزماهتا‬

‫التسليحية من خالل عالقاهتا بكل من روسيا والصني وكوريا الشاملية وباكستان‪ ،‬كام تسعى‬

‫إىل اخلروج من عزلتها اإلقليمية من خالل فتح املجال إلجياد عمق اسرتاتيجي هلا بعالقات‬ ‫مكثفة مع كل من سوريا والسودان ولبنان واجلمهوريات اإلسالمية يف آسيا الوسطى‪ ،‬هبدف‬ ‫توسيع دائرة احلركة اإليرانية اإلقليمية وإجياد نطاق أوسع للحركة السياسية ‪. (3‬‬

‫جتدر اإلشارة إىل أن ميزانية اإلنفاق العسكري اإليراين قد شهدت تزايد ًا ملحوظ ًا خالل‬

‫السنوات العرش األخرية من القرن العرشين‪ ،‬فقد ارتفع اإلنفاق العسكري من ‪ 3.810‬مليار‬

‫دوالر عام ‪ 1991‬إىل ‪ 4.7‬مليار دوالر عام ‪ ،1997‬ثم إىل ‪ 5.7‬مليار دوالر عام ‪ ،1999‬ثم‬

‫إىل نحو ‪ 7.5‬مليار دوالر عام ‪.2000 (3‬‬

‫إن ما سبق يوضح أن القدرات العسكرية التي تسعى إيران إىل امتالكها تفوق احتياجات‬

‫الدفاع الذايت ومحاية املصالح احليوية‪ ،‬وهو ما يؤكد وجود نوايا ضمنية للسيطرة عىل املنطقة‪،‬‬

‫وحتقيق احللم اإليراين يف أن تصبح قوة عظمى تفرض مصاحلها اخلاصة وسطوهتا العسكرية‬

‫يف إطارها اإلقليمي‪.‬‬

‫هذا ما يربر حال القلق والرتقب التي تعيشها دول اخلليج‪ ،‬ويدعوها إىل دعم استمرار‬

‫الوجود العسكري األجنبي‪ ،‬لردع القوة اإليرانية إذا لزم األمر‪ ،‬وذلك كام ردعت القوة العراقية‬

‫من قبل‪.‬‬

‫إن القوة العسكرية اإليرانية كانت رضورة الزمة لدعم التوجه اإليراين نحو تصدير‬

‫الثورة اإلسالمية الذي طغى عىل الساحة السياسية يف إيران بعد قيام الثورة اإلسالمية‪،‬‬

‫والذي استمر بقوة خالل احلقبة اخلمينية‪ ،‬فقد كانت ترصحيات القادة الثوريني يف إيران‬ ‫تدعو رصاحة إىل تصدير الثورة اإلسالمية‪ ،‬وهو التوجه الذي ترافق جنب ًا إىل جنب مع‬ ‫‪Papers; no. 42 (Washington, DC: Washington Institute for Near East Policy, 1996), pp. 20-25.‬‬

‫ ‪ (3‬حممد مجال مظلوم‪ ،‬القدرات العسكرية اإليرانية التقليدية وغري التقليدية‪ ،‬كراسات اسرتاتيجية خليجية؛ ‪38‬‬ ‫(القاهرة‪ :‬مركز اخلليج للدراسات االسرتاتيجية‪ ،)2001 ،‬ص ‪.10-9‬‬

‫ ‪ (3‬مركز اخلليج للدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬جملس التعاون لدول اخلليج بعد ‪ 20‬عام ًا من إنشائه ([ديب]‪ :‬املركز‪،‬‬ ‫‪.)2000‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪117‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫مساندة ودعم إيران للحركات اإلسالمية ذات األهداف التخريبية يف العديد من دول‬

‫العامل‪ ،‬وتلك التي تلجأ إىل استخدام القوة للتخلص من احلكومات الرشعية‪ .‬فقد قامت‬ ‫إيران بإقامة العديد من املعسكرات لتدريب املتطرفني ‪ -‬بخاصة العرب منهم ‪ -‬عىل أعامل‬

‫التخريب والتدمري‪.‬‬

‫ويظهر يف هذا املضامر دور احلرس الثوري اإليراين الذي يتوىل مسؤولية التدريب هذه‪،‬‬

‫يف إيران بمعسكرات اإلمام عيل‪ ،‬هاوند‪ ،‬فاتح غني حسني وأبيبك يف مدن طهران وقم ومنطقة‬ ‫قزوين‪ ،‬كام إن احلرس الثوري له وجود فعيل خارج إيران يف عدد من الدول العربية‪ ،‬فهناك‬ ‫نحو مئة ومخسني مقات ً‬ ‫ال يف لبنان ومئتي خبري عسكري يف السودان ‪. (4‬‬ ‫اصطدم التوجه اإليراين نحو تصدير الثورة اإلسالمية بقوة إسالمية كربى يف منطقة‬

‫اخلليج‪ ،‬بل ويف العامل اإلسالمي هي السعودية‪ ،‬وقد بدأت بوادر ذلك الصدام يف اجتاهني‪:‬‬

‫األول‪ ،‬يدور حول اهتام السعودية بأهنا ال متثل اإلسالم احلقيقي‪ ،‬وبذلك تطرح إيران‬ ‫نفسها بصفتها نظام ًا إسالمي ًا بدي ً‬ ‫ال يمثل اإلسالم احلقيقي‪ ،‬وربام كانت عملية طرح فكرة‬ ‫تدويل األماكن املقدسة تعبري ًا عن ذلك التوجه‪.‬‬

‫ويف الوقت ذاته بدأت إيران تطرح نفسها باعتبارها قوة إسالمية عاملية داخل العامل‪ ،‬من‬

‫خالل دعمها املسلح للمنظامت اإلرهابية وحركات التطرف‪ ،‬سواء داخل الدول العربية أم‬ ‫داخل البلدان األوروبية والغربية‪ ،‬مؤكدة أهنا حامية اإلسالم وقضاياه‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬وبسبب ارتباط هذا التوجه بالعنف واإلرهاب والتطرف‪ ،‬فإن كل األساليب‬

‫التي قامت إيران بدعمها مثل أعامل العنف أو إدانات إعالمية من أجل حتقيق أهداف التفوق‬

‫اإلقليمي داخل اخلليج أو حتقيق بروز دويل هلا باعتبارها رائدة لإلسالم‪ ،‬قد أصاهبا اإلخفاق‬ ‫بشكل مطلق عاملي ًا‪ ،‬ومل جين النظام اإليراين من خالهلا إال نتائج عكسية باهتام اإلسالم باعتباره‬ ‫دين عنف وإرهاب‪.‬‬

‫ ‪ (4‬مجال سند السويدي‪« ،‬مأزق السياسة اإليرانية يف اخلليج ومتطلبات التغيري‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬نحو آفاق‬ ‫جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران‪ :‬املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري‪ 2 ،‬ج‬ ‫(الكويت‪ :‬جامعة الكويت‪ ،‬مركز دراسات اخلليج واجلزيرة العربية‪ ،)2000 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.276‬‬ ‫‪118‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ينطبق اليشء نفسه عىل حماوالت تصدير الثورة‪ ،‬فعىل الرغم من أن الثورة اإلسالمية يف‬

‫إيران قد حظيت بتأييد شعبي عاملي يف بداية انبثاقها باعتبارها ثورة عىل االستبداد ودكتاتورية‬

‫الشاه‪ ،‬فقد أصبحت موضع شك عاملي بسبب ارتباطها بتأييد عمليات العنف واإلرهاب التي‬

‫متارسها منظامت تدّ عي اإلسالم‪ .‬هذا إىل جانب أن اإلخفاقات التي مني هبا نظام الثورة عىل‬ ‫األصعدة االجتامعية والسياسية واالقتصادية قد جعلت نموذج الثورة نموذج ًا هشّ ًا ضعيف ًا‪،‬‬ ‫ال يصلح للتصدير إىل اخلارج ‪. (4‬‬

‫ويف أعقاب وفاة آية اهلل اخلميني‪ ،‬بدأت ترتاجع مفاهيم تصدير الثورة يف السياسة‬

‫اخلارجية اإليرانية‪ ،‬وبدأت مرحلة جديدة يف عمر السياسة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬وتغريت‬ ‫أولويات أدوات تنفيذ السياسة اخلارجية‪.‬‬

‫مع استمرار أمهية األداة العسكرية والتوجه نحو تدعيم القدرات العسكرية اإليرانية‬ ‫التقليدية وغري التقليدية‪ ،‬بدأت ترتاجع أداة تصدير الثورة ودعم املنظامت اإلرهابية والتخريبية‬ ‫إىل حد كبري‪ ،‬وبدأت تربز األدوات السياسية اخلارجية اإليرانية‪ ،‬وبدأت تظهر عىل استحياء‬ ‫األداة االقتصادية‪.‬‬ ‫وبعد أعقاب وفاة اخلميني خلفه عيل خامنئي فقيه ًا ومرشد ًا للثورة‪ ،‬وانتخب عيل أكرب‬ ‫هاشمي رفسنجاين رئيس ًا إليران‪ ،‬وتم إجراء تعديالت عىل الدستور للزيادة من سلطات‬ ‫رئيس الدولة‪ ،‬وبدأ االنتقال من مرحلة تثبيت أقدام الثورة اإلسالمية إىل مرحلة إعادة البناء‬

‫وعودة الدولة قوة مركزية السلطة ‪. (4‬‬

‫بدأت مرحلة ثانية يف حياة إيران‪ ،‬هتدف إىل إعطاء األولوية إلعادة بناء االقتصاد اإليراين‬

‫من خالل خطة مخسية ‪ 1993 - 1988‬اعتمدت عىل جذب رؤوس األموال األجنبية‪،‬‬ ‫واسترياد التكنولوجيا احلديثة‪ ،‬وزيادة عائدات النفط‪ ،‬واالقرتاض من أسواق املال الدولية‪،‬‬

‫والسامح لعدد من الرشكات األجنبية بالعمل يف إيران بام فيها الرشكات األمريكية‪.‬‬

‫ ‪ (4‬عالء طاهر‪« ،‬تسييس الدين‪ :‬إشكالية السياسة اإليرانية بني منطقة اخلليج والساحة الدولية‪ »،‬السياسة‬ ‫الدولية‪ ،‬العدد ‪( 22‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،)1994‬ص ‪.5-4‬‬ ‫‪Mohsen M. Milani, “The Evolution of the Iranian Presidency: From Bani Sadr‬‬ ‫)‪(42‬‬ ‫‪to Rafsanjani,” British Journal of Middle Eastern Studies, vol. 20, no. 1 (1993), pp. 85-97.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪119‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫لقد فرضت الظروف االقتصادية القاسية التي عانتها إيران يف بداية حكم رفسنجاين‬

‫رضورة اختاذ القرار باالقرتاض من اخلارج لتمويل عملية إعادة البناء الداخيل‪ ،‬عىل الرغم‬ ‫من االعرتاضات التي واجهت ذلك القرار‪ ،‬فزار وفد من الصندوق والبنك الدوليني إيران‬

‫يف حزيران‪/‬يونيو ‪ ،1990‬وتسلمت إيران القرض األول يف آذار‪/‬مارس عام ‪ 1991‬بمبلغ‬

‫مئتني ومخسني مليون دوالر‪ ،‬والثاين يف أيار‪/‬مايو ‪ 1994‬بمبلغ ثامنمئة ومخسني مليون دوالر‪،‬‬ ‫وذلك كمساعدة يف عملية إعادة البناء مقابل التزامها باإلصالح اهليكيل وبرامج التكيف التي‬ ‫حيددها الصندوق والبنك الدوليان ‪. (4‬‬

‫منذ تويل رفسنجاين السلطة يف إيران‪ ،‬بدأت إيران تتبنى سياسات داخلية وخارجية‬ ‫تعرف بسياسات التخيل عن إيران الثورة ملصلحة إيران الدولة‪ ،‬وأدرك رفسنجاين أن‬ ‫برناجمه اإلصالحي عرضة للفشل إذا مل يصحبه بعض التغريات األساسية يف سياسة‬ ‫إيران اخلارجية‪ ،‬فبدأ بإحداث تقارب حذر مع الغرب‪ ،‬وتغيري جوهر سياسة إيران يف‬ ‫اخلليج؛ حيث أصبحت النزعة الربغامتية هي املسيطرة عىل السياسة اإليرانية‪ .‬وتغريت‬ ‫النظرة اإليرانية الراديكالية إىل العامل‪ ،‬وبدأ االعتدال يسود سياسة إيران اخلارجية‪.‬‬ ‫أدركت إيران أهنا غري قادرة عىل تغيري اخلريطة السياسية للمنطقة‪ ،‬فحاولت التكيف‬

‫مع ميزان القوى اجلديد يف ظل الوجود األمريكي وتنامي قوة اململكة العربية السعودية وقيام‬ ‫جملس التعاون اخلليجي‪ ،‬مع العلم أن سياسة االحتواء املزدوج التي تتبعها الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية أحدثت رضر ًا بإيران‪ ،‬يف الوقت الذي تقلص الدور السوفيايت يف املنطقة‪.‬‬ ‫وسعت إيران إىل حتسني عالقاهتا بالدول األخرى املطلة عىل اخلليج خالل حرهبا مع‬

‫العراق ويف املرحلة التي أعقبتها‪ ،‬وزاد ذلك التوجه السلمي للسياسة اإليرانية خالل أزمة‬ ‫اخلليج الثانية‪ ،‬حيث رفضت إيران املسلك العراقي‪ ،‬وطالبت برضورة االنسحاب العراقي‬

‫من الكويت وإعادة الرشعية إىل البالد‪ ،‬وعىل الرغم من حتفظ إيران عىل الوجود األجنبي‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬فإن املحصلة النهائية للموقف اإليراين كانت مكاسب إيرانية عىل املستويني‬ ‫الدبلومايس واالقتصادي ‪. (4‬‬

‫ ‪ (4‬مسعد‪ ،‬صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية‪ ،‬ص ‪.205‬‬

‫ ‪ (4‬راجع املوقف اإليراين من أزمة اخلليج الثانية واملكاسب التي حققتها إيران من وراء موقفها‪ ،‬يف‪ :‬عزت عبد‬ ‫‪120‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وعىل الرغم من نغمة االعتدال التي سادت الدبلوماسية اإليرانية خالل فرتة حكم‬ ‫رفسنجاين‪ ،‬لكن ذلك مل يمنع من بروز نغامت هتديدية من وقت آلخر‪ ،‬خصوص ًا يف عالقاهتا‬ ‫مع دول املنطقة‪ ،‬وظهر ذلك يف ما ييل ‪: (4‬‬

‫ املحاولة الدؤوبة لفرض الرؤية اإليرانية يف ما يتعلق بأمن اخلليج‪ ،‬واإلرصار عىل‬‫الدخول طرف ًا يف أي ترتيبات أمنية يف املنطقة‪.‬‬ ‫ التدخل املبارش يف اخلالفات احلدودية بني قطر والبحرين من خالل دعمها للجانب‬‫القطري‪.‬‬ ‫ اخرتاقها األجواء العراقية هبدف رضب أماكن تشتبه فيها أهنا معاقل حلركة جماهدي‬‫خلق املعارضة بقيادة مسعود رجوي‪.‬‬ ‫‪ -‬اختاذ عدد من الرتتيبات التي استطاعت من خالهلا فرض سيادهتا الكاملة عىل جزر‬

‫اإلمارات الثالث عام ‪.1992‬‬

‫‪ -‬دعوة رفسنجاين إىل رضورة طرح القضايا السياسية خالل موسم احلج‪ ،‬وهو ما مثل‬

‫حتدَّ ي ًا لإلرادة السعودية‪.‬‬

‫‪ -‬رفض إعالن دمشق‪ ،‬بام يمثله ذلك من انتهاك رصيح ملبدأ عدم التدخل يف الشؤون‬

‫الداخلية للدول األخرى‪.‬‬

‫ومع بداية عهد حممد خامتي‪ ،‬اتسمت السياسة اإليرانية باالنفتاحية‪ ،‬حيث بدأت طهران‬

‫يف بذل املزيد من اجلهد لالنفتاح عىل عواصم اخلليج العريب‪ ،‬وسيلة لتخفيف حدَّ ة العزلة‬ ‫األمريكية املفروضة‪ ،‬وبدأت يف دعم جهود التعاون والتنسيق مع دول اخلليج العربية املنتجة‬

‫للنفط‪ ،‬وتبودلت الزيارات بني املسؤولني يف إيران وتلك الدول‪ .‬ومن ذلك زيارة ناطق نوري‪،‬‬ ‫رئيس جملس الشورى اإليراين‪ ،‬إىل كل من عامن والكويت يف أيار‪/‬مايو ‪ ،1998‬وزيارة وفد‬

‫الواحد‪« ،‬إدارة األزمة يف السياسة اخلارجية املرصية‪ :‬دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية‪( »،1991-1990 ،‬رسالة ماجستري‬ ‫غري منشورة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1994 ،‬ص ‪.183-180‬‬

‫ ‪ (4‬حسن محدان العلكيم‪« ،‬إيران وأمن اخلليج‪ :‬سيناريوهات األمن ورصاع االسرتاتيجيات‪ »،‬شؤون دولية‪،‬‬ ‫العدد ‪( 1‬صيف ‪ ،)1992‬ص ‪ ،20‬ومركز اخلليج للدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬دول جملس التعاون اخلليجي‪ :‬إشكاليات‬ ‫الوضع الداخيل وهتديدات الساحة اخلارجية‪ ،‬كراسات اسرتاتيجية؛ ‪[( 36‬القاهرة]‪ :‬املركز‪ ،)2000 ،‬ص ‪.13 -12‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪121‬‬


‫القصل الثالث‪ :‬عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة‬

‫إيراين رفيع املستوى برئاسة هاشمي رفسنجاين إىل اململكة العربية السعودية يف شباط‪/‬فرباير‬ ‫‪ ،1999‬وسبقتها زيارة كامل خرازي إىل أبو ظبي يف أواخر شهر أيار‪/‬مايو عام ‪.1998‬‬

‫وظهر يف خطاب خامتي السيايس توجهات نحو إدانة اإلرهاب‪ ،‬ورفض التدخل يف‬

‫الشؤون الداخلية للدول األخرى‪ ،‬واحرتام سيادهتا‪ .‬ولكن ظل اخلط العام لالسرتاتيجية‬ ‫اإليرانية رافض ًا للوجود األجنبي يف اخلليج‪ ،‬ورضورة أن تقرر دول املنطقة أمنها بنفسها ‪. (4‬‬

‫ ‪ (4‬صالح املانع‪« ،‬العالقات اخلليجية ـ اإليرانية إبان حكم الرئيس حممد خامتي‪ »،‬يف‪ :‬نحو آفاق جديدة للعالقات‬ ‫بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران‪ :‬املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري‪ ،‬ص ‪.159-158‬‬ ‫‪122‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫ال�سيا�سة ا إليرانية خالل اجلمهورية أالوىل‬ ‫(‪)1989 - 1979‬‬


‫يتناول هذا الفصل بالدراسة والتحليل سياسة اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية األوىل جتاه‬

‫دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية خالل الفرتة من ‪ 1979‬حتى ‪ ،1989‬من خالل‬ ‫مخسة حماور رئيسة‪ ،‬وذلك يف مخسة مباحث عىل النحو التايل‪:‬‬

‫أو ًال‪ :‬األيديولوجيا اإليرانية‬ ‫قامت الثورة اإلسالمية يف إيران عىل أساس الربط الوثيق بني الدين والسياسة‪ ،‬والرفض‬ ‫التام للفصل بينهام‪ ،‬أو القول إن الدين يمثل شيئ ًا والسياسة متثل شيئ ًا آخر‪.‬‬ ‫وعندما أسس رضا خان حكم األرسة البهلوية‪ ،‬وبدأ يف عمليات حتديث البالد بشكل‬

‫استبدادي عنيف‪ ،‬استاء رجال الدين وثاروا ضد التطور‪ ،‬وعندما توىل احلكم ابنه حممد رضا‪،‬‬ ‫بمساعدة دول احللفاء خالل احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وجد االبن معارضة شديدة منذ بداية‬

‫حكمه‪ ،‬حتى إنه هرب عام ‪ 1953‬ثم عاد حتت محاية اجليش واملخابرات األمريكية‪ ،‬وصمد‬

‫نحو ربع قرن يف احلكم‪ ،‬حتكم خالله ب شؤون البالد املالية واالقتصادية كلها‪ ،‬والدفاع‬ ‫والسياستني اخلارجية والداخلية‪ ،‬وأطلق يد البوليس اإلمرباطوري «السافاك» لينرش الرعب‬ ‫بني املواطنني‪ ،‬ما َّ‬ ‫غذى إحساس الغضب والتمرد لدى الشعب‪.‬‬

‫َّأدت هذه األوضاع إىل بروز قوى معارضة للنظام السيايس‪ ،‬وعىل رأسها التيار الديني‬

‫الذي يمثله اخلميني‪ ،‬وكان هلذا التيار نفوذ واسع بني طبقات الشعب املختلفة‪ ،‬وازداد سخط‬ ‫ذلك التيار عىل النظام السيايس نتيجة املعاملة السيئة التي كان يعامل هبا الشاه رجال الدين‪،‬‬

‫حيث كان يعاملهم بازدراء‪ ،‬ويصفهم بالغباء ومجود الفكر‪.‬‬ ‫‪124‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫جتمع أفراد التيار الديني حول آية اهلل اخلميني الذي أصبح رمز ًا ملقاومة احلكم البهلوي‪،‬‬

‫إذ كان اخلميني يرى أن اإلصالح لن يفيد طاملا أن الشاه عىل رأس احلكم يف البالد‪ .‬لذا طالب‬ ‫بقلب النظام اإلمرباطوري وطرد األمريكيني من البالد‪.‬‬

‫استطاع اخلميني بأسلوبه يف الدعوة مجع األنصار حوله‪ ،‬حيث ساهم حديث اإلسالم‬

‫عن املساواة يف ضم الكثري من املاركسيني والعلامنيني إىل صفوف أنصار اخلميني ‪.‬‬

‫منذ بداية الثورة اإليرانية‪ ،‬تؤدي العقيدة دور الركيزة األساسية لرؤية إيران الثورة‬

‫للعامل اخلارجي بصفة عامة وملنطقة اخلليج بصفة خاصة‪ ،‬ومتيزت مفردات اخلطاب اإليراين‬ ‫بإسالمية املفاهيم من خالل االقتباس الناجح واملؤثر من القرآن الكريم‪ ،‬وهذا ما كان له أكرب‬

‫األثر يف مجهور املتلقني للخطاب اإلسالمي لقادة الثورة اإليرانية‪.‬‬

‫ويعبرّ آية اهلل اخلميني عن املنطق األيديولوجي إليران الثورة بقوله‪ :‬إننا نواجه العامل‬ ‫مواجهة عقائدية‪.‬‬ ‫أخذ البعد املذهبي واأليديولوجي يف فن وصياغة السياسة اخلارجية اإليرانية يف أعقاب‬

‫الثورة يلقي بظالله عىل األنشطة والتحركات اإليرانية كافة‪ ،‬سواء أكانت وجهتها إقليمية أم‬

‫قارية أم حتى عاملية‪ .‬حيث سعت سياسة إيران اخلارجية بشكل أو بآخر إىل تسييس الدين‬ ‫بشكل مبارش‪ ،‬وطرحه ممارسة سياسية أو ً‬ ‫ال قبل طرحه دين ًا‪.‬‬ ‫وجدير ذكره‪ ،‬أن آية اهلل اخلميني عندما أعد كتاب والية الفقيه وقدمه نظرية للحكم‬

‫كان أغلب رجال الدين بعيدين عن العمل السيايس‪ ،‬لذلك كان الكتاب هيدف إىل تشجيع‬ ‫رجال الدين عىل االنغامس يف النشاط السيايس‪ ،‬بل إن اخلميني ومن خالل خطبه التي ألقاها‬

‫عامي ‪ 1978 - 1977‬كان ينتقد رجال الدين املبتعدين عن السياسة‪ ،‬وطالبهم باالشرتاك يف‬ ‫املعارضة ‪.‬‬

‫القت نظرية والية الفقيه مؤيدين كثريين يف إيران‪ ،‬سواء من املتشددين أم من الشعبيني‬ ‫ بول يالتا‪« ،‬الثورة اإلسالمية يف إيران‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 73‬متوز‪/‬يوليو ‪ ،)1983‬ص ‪.201-199‬‬

‫ مهدي نور بخش‪« ،‬الدين والسياسة واالجتاهات اإليديولوجية يف إيران املعارصة‪ »،‬يف‪ :‬مجال سند السويدي‪ ،‬حمرر‪،‬‬ ‫إيران واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار (أبو ظبي‪ :‬مركز اإلمارات للبحوث والدراسات االسرتاتيجية‪ ،)1996 ،‬ص ‪.38‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪125‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫الذين شغلوا عضوية جملس اخلرباء األول الذي صاغ أول دستور إليران الثورة‪ ،‬والذي ضمن‬

‫يف مادته اخلامسة مكانة الفقيه‪ .‬فقد نصت تلك املادة عىل أنه «يف زمن غيبة اإلمام املهدي‬

‫(عجل اهلل تعاىل فرجه) تكون والية األمر وإمامة األمة يف مجهورية إيران اإلسالمية بيد الفقيه‬ ‫َّ‬ ‫العادل املتقي‪ ،‬البصري بأمور العرص‪ ،‬الشجاع القادر عىل اإلدارة والتدبر وفق ًا للامدة ‪.»107‬‬ ‫وحتدَّ د املادة ‪ 107‬من الدستور أن آية اهلل اخلميني هو الويل القائد واملؤسس جلمهورية‬

‫إيران اإلسالمية باعرتاف األغلبية بمرجعيته وقيادته‪ ،‬أما من بعده فإن جملس اخلرباء املنتخب‬

‫يتوىل تعيني القائد الذي ييل آية اهلل اخلميني إذا توافرت فيه الرشوط الواجب توافرها يف الويل‬ ‫الفقيه وفق ًا ملا أوردته نصوص الدستور يف هذا الشأن ‪.‬‬ ‫حدَّ د اخلميني مصدر السلطة يف احلكومة التي تسيطر عليها املؤسسة الدينية بأهنم هم‬

‫الفقهاء‪ ،‬حيث يتوىل الفقيه السلطة مبارشة باعتباره القادر عىل تطبيق اإلطار الذي وضعه‬ ‫اخلميني للحكومة اإلسالمية‪.‬‬

‫ومن ثم قام فكر اخلميني يف هذه الزاوية عىل أمرين متساندين‪:‬‬ ‫ إعالن أن احلكم امللكي غري رشعي من وجهة نظر اإلسالم‪ ،‬ومن ثم ال بد من تغيري‬‫نظم احلكم امللكية وإحالل أشكال أخرى من احلكم بد ً‬ ‫ال منها‪.‬‬ ‫ القضاء عىل احلواجز القائمة بني الدين والسياسة‪ ،‬والتنديد هبؤالء الذين يدعون‬‫إىل االنعزال عن السياسة‪ ،‬خصوص ًا رجال الدين الذين يرفضون االنغامس يف أمور احلكم‬ ‫والسياسة‪ ،‬فاإلسالم وفق ًا لرؤية اخلميني ليس جمرد دين بحت‪ ،‬بل هو دين ودولة مع ًا‪.‬‬

‫واحلكومة اإلسالمية كام يراها اخلميني هي حكومة ذات طابع خاص‪ ،‬وال تشبه األشكال‬

‫احلكومية املعروفة‪ ،‬فهي وإن كانت دستورية وليست مطلقة يستبد فيها رئيس الدولة برأيه‪ ،‬إال‬ ‫والس ّنة النبوية املطهرة‪،‬‬ ‫أن حمك الدستورية يف النظام اإلسالمي هو التقيد املطلق باألوامر اإلهلية ُ‬ ‫فهي دستورية بمعنى أن القائمني باألمر يتقيدون بمجموعة الرشوط والقواعد املبينة يف القرآن‬

‫ حددت املادة (‪ )109‬من الدستور الرشوط الالزم توافرها يف القائد‪ ،‬وهي‪ :‬الكفاءة العلمية الالزمة لإلفتاء يف‬ ‫خمتلف أبواب الفقه؛ العدالة والتقوى الالزمتان لقيادة األمة اإلسالمية؛ الرؤية السياسية الصحيحة‪ ،‬والكفاءة االجتامعية‬ ‫واإلدارية‪ ،‬والتدبري والشجاعة والقدرة الكافية للقيادة‪ .‬وعند تعدد من تتوفر فيهم الرشوط املذكورة‪ ،‬يفضل من كان منهم‬ ‫حائز ًا عىل رؤية فقهية وسياسية أقوى من غريه‪.‬‬ ‫‪126‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫والس ّنة‪ ،‬ومن ثم فإن احلكومة اإلسالمية التي تقدم إيران ما بعد الثورة النموذج األفضل هلا‪،‬‬

‫هي خري احلكومات يف ظل غيبة اإلمام الثاين عرش «حممد بن احلسن العسكري»» الذي دخل‬ ‫غيبته الكربى منذ عام ‪ 256‬هـ املوافق ‪874‬م‪ ،‬كام إن احلكومة اإلسالمية هي السبيل لتوحيد‬

‫املسلمني وحتريرهم من االستعامر وأذنابه‪ ،‬وإسقاط احلكومات العميلة لالستعامر ‪.‬‬

‫ومن ثم ارتبط تطور فكر اخلميني يف ما يتعلق باحلكومة اإلسالمية النموذج ورفضه ألي‬

‫شكل من أشكال احلكومات األخرى‪ ،‬وبخاصة احلكومات امللكية الوراثية التي تتعارض‬ ‫مع اإلسالم بفكرة تصدير الثورة اإلسالمية‪ ،‬ومن ثم فرضت تلك الرؤية اإليرانية توتر ًا عىل‬

‫عالقة إيران بالنظم امللكية‪ ،‬خصوص ًا يف منطقة اخلليج؛ باعتبارها أقرب املناطق إىل إيران‬ ‫وأكثرها تأثر ًا بام جيري فيها من أحداث‪.‬‬ ‫وظهرت داخل إيران أربعة اجتاهات خمتلفة بصدد قضية «تصديرالثورة» ‪:‬‬ ‫التايل‪:‬‬

‫االجتاه األول‪ ،‬القوميون الوطنيون‪ ،‬وهم أنصار اجلبهة الوطنية‪ ،‬وتلخصت رؤيتهم يف‬ ‫ رضورة الرتكيز عىل تنمية القدرات الذاتية‪.‬‬‫ رفض تصدير الثورة واالكتفاء بالتنمية الداخلية‪.‬‬‫ رفض التعامل دولي ًا باملعايري اإلسالمية‪.‬‬‫ العمل عىل التكيف مع املجتمع الدويل واملحيط اإلقليمي بوجه خاص‪.‬‬‫ االجتاه الثاين‪ ،‬القوميون اإلسالميون‪ ،‬ويؤمن هؤالء بام ييل‪:‬‬‫‪ -‬نظرية املؤامرة‪ ،‬وأن االستعامر هو السبب وراء حال التخلف التي يعيشها العامل‬

‫اإلسالمي‪.‬‬

‫ نيفني عبد املنعم مسعد‪ ،‬صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية (بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة‬ ‫العربية‪ ،)2001 ،‬ص ‪.54‬‬ ‫ بيزن إيزدي‪ ،‬مدخل إىل السياسة اخلارجية جلمهورية إيران اإلسالمية‪ ،‬ترمجة وتقديم سعيد الصباغ (القاهرة‪:‬‬ ‫الدار الثقافية للنرش‪ ،)2000 ،‬ص ‪.9-8‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪127‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫ عاملية اإلسالم‪ ،‬وال يعرتفون باحلدود اجلغرافية املوجودة‪.‬‬‫ رضورة تثوير الوضع يف الدول املحيطة وهتديد استقرارها‪.‬‬‫ االجتاه الثالث‪ ،‬القوميون الثوريون‪ ،‬ويرى هؤالء أنه من الرضوري‪:‬‬‫‪ -‬العمل عىل أن يكون الوضع الداخيل اإليراين نموذج ًا حيتذى به من الشعوب‬

‫األخرى‪ ،‬ورضورة استخدام كافة الوسائل لتحقيق األهداف‪.‬‬

‫‪ -‬العمل بحسب ما متليه املصلحة الوطنية والظروف لإلطاحة باألنظمة العميلة‬

‫واملستبدة‪.‬‬

‫‪ -‬حماولة التعايش مع الوضع القائم إذا مل تتوافر الظروف لتصدير الثورة‪ ،‬والدخول يف‬

‫رصاع مع الدول املجاورة إذا تعرضت املصالح اإليرانية للتهديد‪.‬‬

‫ االجتاه الرابع‪ ،‬رؤية آية اهلل اخلميني‪ ،‬وتتمثل هذه الرؤية يف العنارص التالية‪:‬‬‫ نمذجة الثورة وتقديمها إىل الشعوب اخلارجية‪.‬‬‫ تصدير الثورة هو أحد األساليب التكتيكية لتاليف الضغوط اخلارجية عىل إيران‪.‬‬‫‪ -‬العمل عىل إحالل الثقافة الثورية اإلسالمية حمل الثقافة التقليدية لدى الشعوب‬

‫األخرى‪.‬‬

‫‪ -‬تنمية العامل التثقيفي لدى الشعوب اإلسالمية‪ ،‬ودحض اآلراء املضادة للفكر‬

‫اإلسالمي اإليراين‪.‬‬

‫وجتدر اإلشارة إىل أن مفهوم تصدير الثورة اإلسالمية ال يعني بالرضورة االعتامد عىل‬

‫يروج الغرب لتلك األفكار إلشاعة اخلوف لدى شعوب وقادة‬ ‫األدوات العسكرية كام كان ّ‬

‫الدول املختلفة‪ .‬لقد أراد اخلميني والنظام الثوري تصدير محاسة إيران لإلسالم‪ ،‬حيث آمن‬ ‫اخلميني بأنه بتصدير هذه احلامسة إىل اجلامهري اإلسالمية ستنهض وخت ّلص نفسها من النظم‬ ‫الفاسدة‪ ،‬ورأى أن الدعاية هي األسلوب األمثل لتحقيق ذلك‪ ،‬فهدف الثورة العاملي لن‬ ‫يتحقق بالنسبة إليه إال بالدور اإلهلامي‪ ،‬وتصدير األفكار بالقوة ليس تصدير ًا‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ومع اختالف الوسائل التي قدمتها االجتاهات األربعة السابقة‪ ،‬نجد أن الرأي الذي دعا‬

‫إىل استخدام األسلوب العسكري لتصدير الثورة مثَّل االجتاه األضعف‪ ،‬ورسعان ما اختفى‪،‬‬ ‫بينام الرأي السائد كان من خالل تقديم إيران نموذج ًا إسالمي ًا وقدوة لباقي الدول والشعوب‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬واستخدام أدوات الدولة املختلفة لنرش رسالة الثورة‪ ،‬ومنها املؤمترات والسفارات‬

‫يف اخلارج‪ ،‬واستغالل موسم احلج لنرش تلك األفكار الثورية‪ ،‬بل توجد أجهزة عدة يتعلق‬ ‫عملها بنرش تلك املبادئ خارجي ًا‪ ،‬ومنها القسم الدويل للحرس الثوري‪ ،‬واملجلس األعىل‬ ‫للثورة اإلسالمية العاملية‪ ،‬وبعض املكاتب املتخصصة واملستقلة يف مكاتب وزراء الداخلية‬ ‫والثقافة واإلعالم واألمن ‪.‬‬

‫أما سياسة إيران بخصوص تصدير الثورة فهي باألساس سياسة ثقافية أكثر منها‬

‫عسكرية‪ ،‬وعىل الرغم من خروج عدد من الترصحيات الرسمية املعتمدة سواء صدرت‬

‫عن وزارة اخلارجية أم جملس الشورى اإلسالمي‪ ،‬فإنه يف املقابل صدر كثري من الترصحيات‬ ‫والبيانات اإليرانية األخرى التي تناولت التصدير الثقايف واملعنوي للثورة ‪.‬‬

‫لكن عىل الرغم من ذلك‪ ،‬فإنه حتى يف إطار الوسائل السلمية التي طرحتها إيران‬ ‫لتصدير ثورهتا اإلسالمية‪ ،‬فإن ذلك ما زال يمثل هتديد ًا مبارش ًا لالستقرار الداخيل يف العديد‬

‫من الدول اخلليجية والعربية األخرى‪ ،‬وبخاصة تلك التي تضم أقليات شيعية سهلت من‬ ‫التأثري األيديولوجي اإليراين نظر ًا إىل ما تقدمه الرتكيبة االجتامعية لتلك املجتمعات – خصوص ًا‬ ‫اخلليجية ‪ -‬من قابلية للتدخل‪ ،‬حيث قدمت الثورة اإليرانية نموذج ًا إلمكانية تعبئة الشيعة‬ ‫واألقليات بصفة عامة يف املنطقة‪ ،‬واعتربت الثورة اإليرانية نفسها مسؤولة عن محاية الشيعة‬

‫يف اخلليج والدول العربية‪.‬‬

‫لتزعم ورعاية بعض مجاعات الصحوة الداعية إىل‬ ‫ومن جانب آخر‪ ،‬اجتهت إيران ُّ‬

‫الوحدة اإلسالمية؛ مثل حزب اهلل يف لبنان‪ ،‬وحزب الدعوة يف العراق‪ ،‬ومجاعة خط اإلمام‬ ‫يف الكويت‪ ،‬ومن ثم أصبح هتديد الوضع القائم يف دول اخلليج املجاورة هو السمة املميزة‬ ‫ باكينام الرشقاوي‪« ،‬تأثري الثورة اإليرانية اإلسالمية عىل العالقات العربية‪ »،‬يف‪ :‬مجال زكريا قاسم ويونان‬ ‫لبيب رزق‪ ،‬حمرران‪ ،‬العالقات العربية اإليرانية (القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪ ،‬معهد البحوث والدراسات العربية‪،‬‬ ‫‪ ،)1993‬ص ‪.187‬‬ ‫ إيزدي‪ ،‬مدخل إىل السياسة اخلارجية جلمهورية إيران اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.63‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪129‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫للجمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬وزادت إيران من ضغوطها عىل دول اخلليج خالل حرهبا مع‬ ‫العراق حتى تبتعد تلك الدول عن تأييد العراق‪.‬‬

‫اتهُ مت إيران بسبب سياسة تصدير الثورة بدعمها لإلرهاب يف الرشق األوسط وشامل‬ ‫أفريقيا‪ ،‬وكان احتالل إيران للسفارة األمريكية يف طهران عام ‪ 1979‬بداية لصدامها عىل‬ ‫املستوى الدويل مع الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وقد كلفها ذلك العمل ثمن ًا باهظ ًا‪ ،‬وأحلق هبا‬

‫الرضر وبمكانتها ودورها إقليمي ًا ودولي ًا‪ ،‬حيث قطعت الواليات املتحدة األمريكية عالقاهتا‬ ‫مجدت ممتلكاهتا يف ترشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪.1979‬‬ ‫بإيران و َّ‬

‫كام توتَّرت عالقات إيران بالدول األوروبية مثل فرنسا وبريطانيا‪ ،‬وبخاصة بعد صدور‬

‫فتوى اخلميني بإهدار دم الكاتب سلامن رشدي مؤلف كتاب آيات شيطانية‪ .‬لقد تبنت إيران‬ ‫خط ًا واضح ًا يف سياستها‪ ،‬هيدف إىل قيام احلكومة اإلسالمية العاملية عىل مستوى الدول‬ ‫اإلسالمية كلها ‪.‬‬

‫َّأدت السياسات اإليرانية إىل صدام بينها وبني عدد من الدول اخلليجية‪ ،‬وخصوص ًا‬

‫اململكة العربية السعودية‪ ،‬فقد شن اإلعالم اإليراين محلة عنيفة عىل النظام السعودي منذ عام‬

‫‪ 1979‬دعا فيها إىل نزع اإلرشاف السعودي عىل األماكن املقدسة‪ ،‬إذ دعا اخلميني إىل وضع‬ ‫املدينتني املقدستني مكة املكرمة واملدينة املنورة حتت سيادة إسالمية مشرتكة‪ ،‬كام طالب رئيس‬

‫وزرائه موسوي عام ‪ 1984‬بإرسال قوات من الدول اإلسالمية كافة إىل مكة واملدينة‪ .‬وذلك‬

‫عىل الرغم من أن هاشمي رفسنجاين – رئيس جملس الشورى آنذاك – قد سحب ذلك الترصيح‬ ‫يف هناية تلك السنة‪ .‬ويف عام ‪ 1988‬نظمت احلكومة اإليرانية مؤمتر ًا يف لندن للدعوة إىل نزع‬ ‫السيادة السعودية عن احلرمني الرشيفني‪ ،‬وأصبح موسم احلج منذ عام ‪ 1979‬مناسبة سنوية‬ ‫النتقاد النظم العربية‪ ،‬وخصوص ًا اخلليجية‪ ،‬وعالقاهتا بالواليات املتحدة األمريكية وإرسائيل‪،‬‬ ‫حيث كان اخلميني يرى أن ما يفعله اإليرانيون خالل موسم احلج ليس خروج ًا عىل تقاليد‬ ‫احلج‪ ،‬كام رأى امللك خالد عام ‪ ،1981‬ألن احلرمني الرشيفني كانا دوم ًا مركزين لتداول‬

‫وتكررت املواجهات‬ ‫شؤون املسلمني‪ .‬وبدأت إيران يف إثارة القالقل خالل موسم احلج‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫)‪(8‬‬

‫‪130‬‬

‫‪Majid Khadduri, The Gulf War: The Origins and Implications of the Iraq-Iran Conflict‬‬ ‫‪(New York: Oxford University Press, 1988), p. 104.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫بني احلجاج اإليرانيني وقوات األمن السعودي التي بلغت ذروهتا عام ‪ 1987‬عندما اهتمت‬ ‫السعودية إيران بتهريب كميات من املتفجرات خالل موسم احلج‪ ،‬وأدت املصادمات إىل وفاة‬ ‫ما يقرب من أربعمئة شخص يف مكة املكرمة‪ ،‬منهم مئتان ومخسة وسبعون إيراني ًا‪ ،‬واثنان‬

‫وأربعون من دول أخرى‪ ،‬ومخسة وثامنون من رجال الرشطة السعوديني‪ .‬ويف عام ‪ 1988‬منع‬ ‫اخلميني اإليرانيني من أداء فريضة احلج احتجاج ًا عىل قيام السلطات السعودية بتخفيض عدد‬ ‫احلجاج اإليرانيني من مئة ومخسني ألف حاج إىل أربعني ألف‪ ،‬كام قام عمالء إيرانيون بتفجري‬

‫قنابل حقيقية يف مكة املكرمة عام ‪. 1989‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬النفوذ والبحث عن دور إقليمي‬

‫يعترب اخلليج العريب ممر ًا مائي ًا شديد األمهية بالنسبة إىل إيران‪ ،‬حيث يشغل الساحل‬

‫اإليراين ‪ -‬نحو ألف ومخسمئة ميل ‪ -‬الشاطئ الشاميل للخليج العريب بكامله‪ ،‬ويعترب نافذة إيران‬

‫األساسية عىل العامل اخلارجي‪ ،‬وتسيطر إيران وسلطنة ُعامن عىل مضيق هرمز االسرتاتيجي‪،‬‬ ‫الذي تصدر إيران كل نفطها عن طريقه ومن خالله‪ ،‬وتقع أغلب املنشآت النفطية اإليرانية‬

‫عىل اخلليج أو بالقرب منه‪.‬‬

‫يمثل النفط اإليراين نحو ‪ 65‬يف املئة من الدخل اإليراين‪ ،‬كام ورد يف املوازنة اإليرانية‬

‫لعام ‪ ،1994‬ومن ثم فليس هناك شك يف أن إيران متثل قوة رئيسة يف اخلليج‪ ،‬هلا مصاحلها‬ ‫وخماوفها املرشوعة‪ ،‬ومن ثم ترى العديد من الدوائر اإليرانية أن الوضع الطبيعي هو أن‬

‫تصبح إيران القوة الرئيسة يف اخلليج‪ ،‬ومن ثم شعر اإليرانيون أن الوجود الربيطاين الذي‬

‫طال بقاؤه يف منطقة اخلليج قد حرمهم من املكانة التي يستحقوهنا‪ ،‬وما زالت تلك التصورات‬ ‫اخلاصة بالدور اإلقليمي اإليراين يف منطقة اخلليج والرشق األوسط تنعكس عىل سياسة إيران‬ ‫اخلارجية جتاه جرياهنا العرب ‪. (1‬‬

‫هناك إيامن إيراين مفاده أنه يتحتم عىل إيران أن تستمر يف القيام بدور القوة اخلليجية‬ ‫ انظر‪ :‬مسعد‪ ،‬صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية‪ ،‬ص ‪ ،59-58‬وصالح املانع «البعد اإليديولوجي‬ ‫يف العالقات السعودية اإليرانية‪ »،‬يف‪ :‬السويدي‪ ،‬حمرر‪ ،‬إيران واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار‪ ،‬ص ‪.235-234‬‬ ‫)‪Shahram Chubin and Charles Tripp, “Domestic Politics and Territorial Disputes in (10‬‬ ‫‪the Persian Gulf and Arabian Peninsula,” Survival (Winter 1993-1994), p. 8.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪131‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫الكربى‪ .‬لذلك سعت منذ فرتات تارخيية سحيقة إىل السيطرة عىل منطقة اخلليج وبناء قوة‬

‫عسكرية وبحرية متكنها من حتقيق ذلك اهلدف‪ ،‬وقد حتقق ذلك احللم اإليراين بوضوح يف‬ ‫ظل احلكم البهلوي الذي حقق نجاح ًا يف بناء قوة إقليمية‪ ،‬واستطاع اإليرانيون حتويل احللم‬ ‫اجليواسرتاتيجي اإليراين إىل حقيقة نوع ًا ما‪ ،‬وقد ساعدت ظروف إقليمية ودولية مواتية عىل‬ ‫حتقيق ذلك احللم‪ ،‬وعىل رأس تلك الظروف مساندة األمريكيني للشاه‪.‬‬

‫وتبلورت اسرتاتيجية الدور اإلقليمي اإليراين التي اعتربت أن السيطرة عىل اخلليج هي‬

‫جمرد خطوة عىل طريق حتقيق دور إقليمي أعظم يمتد إىل بحر العرب واملحيط اهلندي‪.‬‬

‫مثلت إيران حتدَّ ي ًا حقيقي ًا ألمن بلدان العامل العريب بصفة عامة واستقرارها‪ ،‬ولدول‬

‫اخلليج العريب بصفة خاصة‪ ،‬فقد كانت إيران حتى عام ‪ 1979‬تقوم بدور الدولة احلارس‬

‫للمصالح الغربية يف منطقة الرشق األوسط‪ ،‬وقد عمدت الواليات املتحدة األمريكية إىل‬

‫تكوين قوة إقليمية عظمى يف منطقة الرشق األوسط وأفريقيا‪ ،‬وذلك من إيران الشاه وبتنسيق‬ ‫مع كل من تركيا وإرسائيل وإثيوبيا‪.‬‬

‫بعد عودة الشاه إىل احلكم عام ‪ ،1953‬قامت يف إيران حكومة جديدة برئاسة اجلنرال‬

‫فضل اهلل زاهدي‪ ،‬وقامت بالتصفيات الالزمة الستقرار حكمها وإعادة األمور إىل نصاهبا‪،‬‬ ‫وذلك بالتعاون مع الغرب‪ ،‬فقد أيقنت احلكومة اإليرانية آنذاك بأهنا لن تستطيع الصمود أو‬

‫احلفاظ عىل استقرارها ووحدهتا إال بمساعدة الدول الغربية وعىل رأسها الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية‪ ،‬لذا نادت إيران علن ًا بانحيازها إىل املعسكر الغريب‪.‬‬ ‫ويف إطار سياسة االحتواء التي اتبعتها الواليات املتحدة األمريكية جتاه الكتلة الشيوعية‬ ‫آنذاك‪ ،‬تم توقيع حلف بغداد يف الرابع والعرشين من شباط‪/‬فرباير عام ‪ 1955‬الذي تضمن نوع ًا‬ ‫من التحالف والتنسيق العسكري‪ ،‬وضم ك ً‬ ‫ال من العراق وتركيا وبريطانيا وإيران وباكستان ‪. (1‬‬

‫كان ذلك احللف هتديد ًا لألمن والسالم يف املنطقة العربية بأرسها‪ ،‬خصوص ًا أن إحدى‬

‫الدول العربية وهي العراق كانت أحد أعمدة ذلك التحالف‪ ،‬وعىل الرغم من أن حماولة‬ ‫ ‪ (1‬ملزيد من التفاصيل عن ذلك التحالف‪ ،‬انظر‪ :‬عبد السالم عبد العزيز فهمي‪ ،‬تاريخ إيران السيايس يف القرن‬ ‫العرشين (القاهرة‪ :‬مطبعة املركز النموذجي‪ ،)1973 ،‬ص ‪ ،144-141‬وعبد السالم أبو السعود‪ ،‬حلف بغداد‪ ،‬سلسلة‬ ‫كتب سياسية؛ الكتاب التاسع والعرشون (القاهرة‪ ،‬دار القاهرة للطباعة‪.)1957 ،‬‬ ‫‪132‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫إرشاك كل من إيران والعراق مع ًا يف ذلك التحالف هي وسيلة حلل مشكلة شط العرب بني‬

‫البلدين‪ ،‬فإن ذلك مل يؤد إىل إحراز أي تقدم بشأن تلك املشكلة بسبب معارضة مرص النارصية‬

‫لذلك احللف باعتباره طعنة يف قلب األمة العربية‪ ،‬وأدى قيام الثورة العراقية عام ‪ 1958‬إىل‬

‫فشل ذلك التحالف‪ ،‬ومن ثم انسحاب العراق منه بعد الثورة‪.‬‬

‫حاولت إيران فرض نفوذها عىل رجال الثورة اجلدد يف العراق واستغالل رغبتهم يف حتقيق‬

‫االستقرار الداخيل واألمن من خالل التهديد للحصول عىل تنازالت بشأن مسألة شط العرب‪،‬‬

‫وكانت إيران تعتقد بأن رجال الثورة ‪ 1958‬يف العراق سوف يقدمون تنازالت إضافية‪ ،‬كام فعل‬

‫رجال ثورة ‪ 1936‬عندما منحوا إيران مرسى ميناء عبدان‪ ،‬فتقدمت احلكومة اإليرانية بمذكرة يف‬ ‫اخلامس والعرشين من أيلول‪/‬سبتمرب ‪ 1958‬إىل اخلارجية العراقية لتعيني جلنة لتخطيط احلدود‬ ‫بني البلدين‪ ،‬وأن عىل العراق القيام بذلك برسعة وإال ستتخذ إيران كافة الوسائل الكفيلة بتحقيق‬ ‫مصاحلها يف هذا الصدد‪ ،‬لكن قادة ثورة متوز‪/‬يوليو ‪ 1958‬رفضوا املطالب اإليرانية‪ ،‬وهذا ما‬

‫أ َّدى إىل زيادة حدَّ ة التوتر بني البلدين‪ ،‬وحشدت كل منهام قواهتا عىل احلدود بطول شط العرب‪،‬‬ ‫وبات الوضع مهدد ًا باالنفجار‪ .‬وزاد من حدَّ ة التوتر انسحاب العراق من حلف بغداد يف الرابع‬ ‫والعرشين من آذار‪/‬مارس ‪ ،1959‬وإقامة عبد الكريم قاسم عالقات مع االحتاد السوفيايت‪ ،‬ما‬

‫كان يمثل رضبة قاسمة للحلف‪ .‬وهذا الوضع جعل إيران تسعى إىل حماولة تقوية دورها اإلقليمي‬ ‫من خالل عقد معاهدات ثنائية مع الواليات املتحدة األمريكية تضمن هلا االستقرار ‪. (1‬‬

‫ظلت العالقات العراقية ‪ -‬اإليرانية عىل وترية واحدة من التوتر‪ ،‬حيث بدأت إيران يف‬

‫إثارة األكراد ضد العراق ومدهم بالسالح واملؤن‪ ،‬ويف الوقت ذاته كان العراق حيرض سكان‬ ‫عربستان واألكراد اإليرانيني للقيام بحركات انفصالية ضد إيران ‪. (1‬‬

‫يرتدد الشاه يف ممارسة نفوذه يف باقي دول اخلليج العربية‪ ،‬حينام قام باحتالل جزر‬ ‫مل َّ‬ ‫اإلمارات الثالث طنب الكربى والصغرى وأبو موسى عام ‪ ،1971‬وتدخل عسكري ًا يف‬

‫منطقة ظفار للقضاء عىل املاركسيني‪.‬‬

‫ ‪ (1‬حممد حسن العيدروس‪ ،‬العالقات العربية اإليرانية‪( 1971-1921 ،‬الكويت‪ :‬منشورات ذات السالسل‪،‬‬ ‫‪ ،)1985‬ص ‪.314-312‬‬ ‫ ‪ (1‬حممود الدرة‪ ،‬القضية الكردية (بريوت‪ :‬دار الطليعة‪ ،)1966 ،‬ص ‪.406-405‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪133‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫عىل الرغم من أن قيام الثورة اإلسالمية يف إيران عام ‪ 1979‬واإلطاحة بحكم الشاه‬

‫وإعالن اجلمهورية اإلسالمية قد أدى إىل بعض التغيريات اجلذرية يف سياسة إيران عىل‬ ‫املستوى الداخيل واخلارجي والتحول بعيد ًا عن الواليات املتحدة األمريكية بشكل أسايس‪،‬‬ ‫فإن رؤية إيران اإلسالمية لدورها اإلقليمي يف منطقة اخلليج العريب والرشق األوسط مل تتغري‬ ‫يف أهدافها‪ ،‬ومل تتبدل ومل تتحول‪ ،‬عىل الرغم من التحول اهلائل من نظام ملكي إىل نظام‬

‫مجهوري ثوري‪.‬‬

‫من الواضح أن مصالح الدولة القومية نالت من االهتامم ما يفوق كثري ًا اجلدل‬

‫األيديولوجي أو الثوري‪ ،‬فسياسة اجلمهورية اإلسالمية اخلارجية جتاه اخلليج ظلت ثابتة بال‬

‫تغيري عىل الرغم مما طرأ عليها من تغريات جذرية يف كثري من القضايا‪.‬‬

‫مل تسع إيران اجلمهورية إىل التخليّ عن دورها اإلقليمي الذي سعت إىل ممارسته إيران‬

‫الشاه‪ ،‬فهناك اعتبارات مصلحية وقومية تربو فوق املصالح واالعتبارات األيديولوجية التي‬ ‫جاءت هبا الثورة اإلسالمية يف إيران عام ‪.1979‬‬

‫إذ ًا‪ ،‬دور إيران اإلقليمي ما زال يتسم باخلصائص نفسها التي متيز هبا يف عهد ما‬ ‫قبل الثورة اإلسالمية‪ ،‬عىل الرغم من اختالف منطلقات ذلك الدور‪.‬‬ ‫َّأدت الثورة اإلسالمية يف إيران إىل رضب أكرب حلقة من حلقات الدول الرشق أوسطية‬

‫احلليفة للواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وبخسارة إيران خرست الواليات املتحدة األمريكية‬

‫أهم قاعدة متقدمة هلا يف خط املواجهة مع االحتاد السوفيايت يف منطقة تعترب الرشيان احليوي‬

‫لالقتصاد الرأساميل العاملي‪.‬‬

‫وأدت الثورة اإلسالمية أيض ًا‪ ،‬وما تالها من انعكاسات عىل العالقات األمريكية‬ ‫َّ‬

‫اإليرانية‪ ،‬واألمريكية العربية‪ ،‬إىل زعزعة كل املعادالت األمنية السابقة التي ضمنت االستقرار‬ ‫لفرتة من الزمن يف املنطقة‪ ،‬حيث اختذ النظام اإليراين اإلسالمي موقف ًا معادي ًا للواليات املتحدة‬

‫األمريكية منذ البداية‪ ،‬وألقى عىل عاتقها وزر جتاوزات ومفاسد نظام الشاه باعتبارها القوة‬ ‫الرئيسة التي كانت وراء استمرار نظامه ‪. (1‬‬

‫ ‪ (1‬منصور العتيبي‪« ،‬اإلدارة األمريكية ألزمة اخلليج الثانية‪( »،1991-1990 ،‬رسالة ماجستري غري‬ ‫‪134‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫انطلق الدور اإلقليمي إليران الثورة من مفهوم جديد‪ ،‬يرتقي به من املستوى اخلليجي‬

‫والرشق أوسطي إىل املستوى العاملي‪ ،‬فاحلكومة العاملية لإلسالم أصبحت هي املنطلق اجلديد‬ ‫لرؤية إيران لدورها اخلارجي‪ ،‬والشواهد كلها بعد الثورة وحترك إيران اخلارجي تدعو إىل‬ ‫االعتقاد بأهنا ال ترى لنفسها دور ًا عىل املستوى اخلليجي والرشق أوسطي فحسب‪ ،‬بل عىل‬ ‫مستوى العامل كله‪ ،‬وينطلق هذا الدور أساس ًا من مقومات فكرية وعقائدية‪.‬‬

‫وس ِخ َرت من دور‬ ‫قامت الثورة يف إيران ضد الشاه وسياساته الداخلية واخلارجية‪َ ،‬‬

‫الرشطي الذي كانت تضطلع به إيران الشاه باعتباره ال خيدم املصلحة الوطنية‪ ،‬وإنام خيدم‬ ‫املصالح الغربية يف املنطقة‪.‬‬

‫اختذت اجلمهورية اإلسالمية لنفسها منهج ًا خمتلف َا‪ ،‬ودور ًا جديد ًا يتعدَّ ى حدود دور‬

‫الرشطي السابق‪ ،‬وهذا الدور اجلديد يرتكز عىل نظرية احلكومة العاملية لإلسالم التي تؤكد‬

‫ظهور املهدي املنتظر «اإلمام الغائب» بعد غيبته الكربى لكي يقيم حكومة العدل اإلهلي‬ ‫ويقيض عىل الظلم‪ ،‬ويمتد نفوذ تلك احلكومة ليشمل العامل كله ‪. (1‬‬

‫أوضح الدستور اإليراين بمقدمته أن الثورة اإلسالمية يف إيران تستهدف النرص جلميع‬

‫املستضعفني عىل املستكربين‪ ،‬وأن الدستور اإليراين يمهد الظروف الستمرارية هذه الثورة‬ ‫داخل البالد وخارجها‪ ،‬خصوص ًا بالنسبة إىل توسيع دائرة العالقات الدولية مع سائر احلركات‬ ‫اإلسالمية والشعبية‪ ،‬حيث يسعى إىل بناء األمة الواحدة يف العامل تطبيق ًا لقوله تعاىل‪ّ :‬‬ ‫﴿إن هذه‬

‫أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾ ‪ ، (1‬فالثورة اإلسالمية يف إيران سوف تعمل عىل‬ ‫مواصلة اجلهاد إلنقاذ الشعوب املحرومة واملضطهدة يف أنحاء العامل كله‪.‬‬

‫والدستور اإليراين‪ ،‬بام حيمله من أفكار وتعاليم إسالمية‪ ،‬ومن وجهة نظر واضعيه‪،‬‬

‫الوسيلة إلزالة كل صور االستبداد والدكتاتورية الفكرية واالجتامعية واالحتكار االقتصادي‪،‬‬ ‫ويسعى ملنح الشعوب حق تقرير مصريها وبناء املجتمع عىل أساس من التعاليم اإلسالمية‪،‬‬ ‫منشورة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1997،‬ص ‪.67-66‬‬ ‫ ‪ (1‬حممد السعيد عبد املؤمن‪« ،‬املسألة اإليرانية‪ :‬الدور اإلقليمي‪ :‬املحدَّ دات واملستقبل‪ »،‬أوراق الرشق‬ ‫األوسط‪ ،‬العدد ‪( 14‬نيسان‪/‬أبريل ـ متوز‪/‬يوليو ‪ ،)1995‬ص ‪.53‬‬ ‫ ‪ (1‬القرآن الكريم‪« ،‬سورة األنبياء‪ »،‬اآلية ‪.92‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪135‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫وهبذا تتهيأ السبل إلقامة احلكومة العاملية وحكومة املستضعفني التي هي السبيل لتحقيق‬ ‫الوعد بإنشاء أمة عاملية واحدة ‪. (1‬‬

‫لقد تأثر الدور اإليراين بالعقيدة الدينية التي مثلت الركيزة األساسية لرؤية إيران الثورة‬

‫للعامل اخلارجي بصفة عامة واملنطقة العربية واخلليجية بصفة خاصة‪ ،‬فقد قدمت الثورة لغة‬ ‫خطابية جديدة للتعبري عن اخلارج وعن الدور اإليراين‪.‬‬

‫قسم املفهوم اإليراين اجلديد العامل إىل معسكرين متواجهني‪ ،‬مها‪« :‬املستكربون»‪،‬‬

‫و»املستضعفون»‪.‬‬

‫لذلك مل يؤمن اخلميني باالنحياز إىل الرشق أو الغرب‪ ،‬كام إنه مل يؤمن بفكرة عدم‬

‫االنحياز‪ ،‬لرغبته يف قطع أي نوع من التبعية جتاه القوتني العظميني‪ ،‬فهو يرفض كل ما يسود‬

‫النظام الدويل آنذاك من عالقات غري متكافئة‪ ،‬تؤدي فيها القوى الكربى دور املستغل‪،‬‬

‫وعىل رأسها الشيطان األكرب وزعيمة االستكبار كام سامها اخلميني‪ ،‬وهي الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية‪ ،‬التي هي مركز وأم الفساد يف األرض ‪. (1‬‬

‫ترافق مع هذا الفكر رفض اخلميني الواقعني العريب واإلسالمي‪ ،‬ومن ثم كان مبدأ‬

‫تصدير الثورة اإلسالمية هو األداة الرئيسة للسياسة اخلارجية اإليرانية يف إطارها اخلليجي‬ ‫واإلسالمي‪ ،‬لتصدير النموذج اإليراين للدولة اإلسالمية‪ ،‬فقد اعتربت إيران نفسها متحدث ًا‬

‫باسم اإلسالم يف مواجهة العامل‪ ،‬وقامت أيديولوجيا احلكومة اإلسالمية عىل تفسري اخلميني‬ ‫لإلسالم باعتباره تطبيق ًا يمثل عالقات املجتمع داخلي ًا وخارجي ًا‪ ،‬وأرجع اخلميني فشل‬ ‫احلكومات املسلمة يف مواجهة قوى االستكبار العاملي إىل زعامء الدول اإلسالمية الذين إما‬

‫كانوا عمالء لالستعامر أو ضحايا له‪ ،‬ومن ثم طالب بالعودة إىل الفهم الصحيح لإلسالم‪.‬‬

‫مثل النظام السيايس اإليراين اجلديد هتديد ًا حقيقي ًا لدول اخلليج العريب‪ ،‬فإىل جانب‬ ‫استمرار االحتالل اإليراين جلزر اإلمارات الثالث باعتبارها جزء ًا من السيادة اإليرانية‪،‬‬ ‫ ‪ (1‬دستور اجلمهورية اإلسالمية يف إيران (طهران‪ :‬مديرية الرتمجة والنرش‪ ،‬رابطة الثقافة والعالقات اإلسالمية‪،‬‬ ‫‪ ،)1997‬ص ‪.14-12‬‬ ‫ ‪ (1‬قاسم ورزق‪ ،‬حمرران‪ ،‬العالقات العربية اإليرانية‪ ،‬ص ‪.183-182‬‬

‫‪136‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫هدد اإليرانيون الثوريون عروش دول اخلليج ذات الصبغة امللكية التي أعلن عدد من القادة‬ ‫اإليرانيني رصاحة أهنا ال تعترب بالنسبة إىل إيران دو ً‬ ‫ال مستقلة‪ ،‬بل إهنم طالبوا بالبحرين‬ ‫باعتبارها جزء ًا من األرايض اإليرانية‪.‬‬

‫وللحكومة العاملية اإلسالمية من وجهة النظر اإليرانية ثالثة أركان ‪: (1‬‬ ‫‪ -1‬ال يمكن أن تكون ملكية‪ ،‬فاإلسالم كام يرى اخلميني قد عارض امللكية بشدة‪.‬‬

‫‪ -2‬ال بد أن يكون للفقهاء يف احلكومة اإلسالمية دور كبري يف السلطة والسيطرة عىل‬ ‫احلكم كام هي احلال يف إيران‪ ،‬أو بام يشابه الوضع القائم فيها‪.‬‬

‫‪ -3‬إنه يف احلكومة اإلسالمية حيكم الفقهاء مجهورية شعبية‪ ،‬وهذا ال يعني قيام حكم‬ ‫متثيل األغلبية فقط‪ ،‬ولكن ال بد من قيام حكومة املستضعفني‪ ،‬التي حيدد فيها الفقهاء ما هو‬ ‫صالح للمجتمع اإلسالمي‪.‬‬

‫من هنا اصطبغ اخلطاب اإليراين باهلجوم عىل احلكومات العربية اإلسالمية‪ ،‬والنداء إىل‬

‫الشعوب للقيام بالثورة عىل حكوماهتا‪ ،‬فبحسب قول اخلميني‪« :‬كل ضعف يف املسلمني وكل‬ ‫فساد يف الدول اإلسالمية نابع من احلكومات‪ ،‬واحلل بيد الشعوب» ‪. (2‬‬

‫وأدى توجه إيران اجلديد يف منطقة اخلليج العريب واستمرار النزعة االستعامرية لدى‬ ‫َّ‬

‫قادهتا إىل وضعها عىل قمة الدول املهددة لألمن القومي لدول اخلليج العربية‪ ،‬وازدادت تلك‬ ‫الرؤية مع اندالع حرهبا مع العراق‪ ،‬التي استمرت زهاء ثامين سنوات‪ ،‬وفتحت املجال أمام‬ ‫التدخالت اخلارجية يف منطقة اخلليج العريب حتت زعم محاية املصالح النفطية ومحاية أمن‬

‫الدول اخلليجية‪ ،‬األمر الذي أعاد من جديد الوجود العسكري الغريب يف مياه اخلليج العريب يف‬

‫ما عرف بحامية ناقالت النفط خالل احلرب‪.‬‬

‫كام َّأدت السياسات اإليرانية جتاه الدول الغربية وبخاصة الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫وما حدث من احتجاز للرهائن األمريكيني يف السفارة األمريكية لدى طهران إىل خلق‬ ‫عداءات غربية إليران‪.‬‬ ‫)‪(19‬‬

‫‪Rouhollah K. Ramazani, Revolutionary Iran: Challenge and Response in the Middle‬‬ ‫‪East (London: Johns Hopkins University Press, 1990), pp. 160-165.‬‬

‫ ‪ (2‬خالد العواملة‪« ،‬الثورة اإليرانية ورشعية النظم السياسية العربية‪( »،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية‬ ‫االقتصاد‪ ،)1992 ،‬ص ‪.347‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪137‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫وإذا كانت الثورة يف إيران قد استطاعت أن متارس دور ًا مستق ً‬ ‫ال أعقاب قيامها عام‬ ‫‪ ،1979‬نظر ًا إىل طبيعة النظام الدويل الذي اتسم بالعداء بني املعسكرين الرشقي والغريب‪ ،‬إال‬

‫أن التحول الذي حدث هبيكل القوى يف النظام الدويل أعقاب تويل غورباتشوف سدة احلكم‬ ‫قوضت عروش‬ ‫يف االحتاد السوفيايت «السابق» عام ‪ 1985‬وما جاء به من سياسات إصالحية ّ‬ ‫االشرتاكية‪ ،‬وزادت من فرص التعاون بني القوى الكربى عىل مستوى القضايا اإلقليمية‪،‬‬

‫قد زاد من صعوبة املوقف اإليراين‪ ،‬وقلل من قدرة إيران عىل استغالل التنافس بني القوى‬ ‫الكربى‪ ،‬وهذا ما َّأدى إىل عزلتها دولي ًا‪ ،‬وقلل من إمكانية قيامها بالدور اإلقليمي الذي رسمته‬

‫لنفسها يف أعقاب قيام ثورة عام ‪. (2 1979‬‬

‫ثالث ًَا‪ :‬قضايا احلــــدود‬ ‫تتمتع منطقة اخلليج العريب بأمهية جيوبولتيكية واسرتاتيجية اقتصادية منذ أمد بعيد‪،‬‬

‫وهي منطقه مليئة باملشكالت والرصاعات املتمحورة حول ادعاءات وحقوق تارخيية‬ ‫وجغرافية وقانونية يف بعض املناطق احلدودية‪.‬‬

‫ارتبط ذلك برؤية كل دولة لوزهنا الدويل واإلقليمي‪ ،‬وبالطموحات السياسية لقادهتا‪.‬‬ ‫تعترب إيران من أكثر الدول يف منطقه اخلليج ادعاء للحقوق اإلقليمية لدى جرياهنا يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬األمر الذي أوجد كثري ًا من نقاط االحتكاك مع الدول العربية يف منطقه اخلليج منذ‬

‫مطلع القرن العرشين‪.‬‬

‫جدير بالذكر أن املشكالت احلدودية بني إيران والدول اخلليجية قد ظهرت منذ بدايات‬

‫القرن العرشين‪ ،‬إال أن الوجود الربيطاين يف املنطقة حال دون قيام إيران باختاذ إجراءات‬ ‫رصحية يف مواجهة الدول اخلليجية‪ ،‬نظر ًا إىل فارق القوة الواضح بني إيران وبريطانيا إحدى‬

‫الدول العظمى يف العامل يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫”‪Rouhollah K. Ramazani, “Iran’s Foreign Policy: Contending Orientations,‬‬ ‫)‪(21‬‬ ‫‪in: Rouhollah K. Ramazani, ed., Iran’s Revolution: The Search for Consensus (Bloomington:‬‬ ‫‪Indiana University Press; Washington, DC: Published in Association with the Middle East‬‬ ‫‪Institute, 1990), pp. 49-57.‬‬

‫‪138‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫إال أن االنسحاب الربيطاين وما خ ّلفه من فراغ باملنطقة يف مطلع السبعينيات أتاح فرصة‬

‫سانحة إليران لكي حتقق أحالمها وأهدافها التوسعية عىل حساب دول اخلليج الضعيفة مقابلة‬

‫بإيران‪ .‬فمنذ عام ‪ 1935‬ومشكالت احلدود قائمة بني العراق وإيران؛ حيث ورث العراق عن‬ ‫الدولة العثامنية احلدود التي تفصل بينه وبني فارس باعتبارها نتيجة للحرب العاملية األوىل ‪. (2‬‬

‫وأصبحت مشكلة شط العرب أهم مشكالت احلدود بني البلدين‪ ،‬ذلك املجرى املائي‬ ‫الواسع الذي يلتقي فيه هنرا دجلة والفرات عند «كرمة عيل»‪ ،‬حيث جيريان مع ًا ويؤلفان هنر ًا‬ ‫واحد ًا يصب يف اخلليج العريب‪ ،‬ويفصل بني البلدين‪.‬‬

‫شهدت مسألة احلدود بني البلدين مواقف متضاربة من اجلانبني‪ ،‬ففي الوقت الذي‬ ‫كان العراق يرى أن شط العرب هو هنر داخيل يقع يف أراضيه وخيضع لسيادته وفق ًا‌ للحدود‬ ‫املنصوص عليها يف اتفاقية «أررضوم الثانية» عام ‪ 1847‬بني فارس والدولة العثامنية‪ ،‬ترى‬ ‫إيران أن شط العرب هو بمنزلة هنر دويل‪ ،‬وطبق ًا للقواعد القانونية الدولية التي حتكم األهنار‬ ‫الدولية‪ ،‬فإن خطوط احلدود بني البلدين تكون يف وسط النهر‪.‬‬

‫تم عرض املوضوع عىل عصبة األمم‪ ،‬وتوصل البلدان إىل اتفاق عام ‪ 1937‬ألغته إيران‬

‫عام ‪ ،1969‬األمر الذي دفع العراق إىل إثارة املشكلة أمام جملس األمن‪ ،‬وطالب بعرض‬ ‫النزاع أمام حمكمة العدل الدولية‪.‬‬

‫ظل النزاع قائ ًام بني البلدين حتى اتفاق اجلزائر عام ‪ 1975‬الذي تنازل بموجبه العراق‬

‫عن مطالبه يف شط العرب بعد لقاء صدام حسني وشاه إيران‪ ،‬وتم بمقتىض تلك االتفاقية رسم‬ ‫احلدود النهرية يف شط العرب طبق ًا خلط «ثالوك»‪ ،‬حيث نص الربتوكول امللحق باالتفاقية‬ ‫عىل أن يتبع خط احلدود يف شط العرب خط وسط املجرى الرئيس الصالح للمالحة عند‬ ‫أقل منسوب للمياه القابلة للمالحة‪ ،‬مع وضع ختطيط هنائي حلدود البلدين بناء عىل برتوكول‬

‫«اآلستانة» عام ‪ ،1913‬وحمارض جلنة ختطيط احلدود عام ‪. (2 1914‬‬

‫ ‪ (2‬حممد عبد الغني سعودي‪« ،‬اخلليج بني مقومات الوحدة ورصاع القوى األعظم‪ »،‬جملة دراسات اخلليج‬ ‫واجلزيرة العربية‪ ،‬العدد ‪( 20‬ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪ ،)1979‬ص ‪.57‬‬

‫ ‪ (2‬انظر‪ :‬أسامه الغزايل حرب‪« ،‬أبعاد النزاع العراقي اإليراين‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 61‬متوز‪/‬يوليو‬ ‫‪ ،)1980‬ص ‪186 - 184‬؛ عبد اهلل األشعل‪ ،‬قضية احلدود يف اخلليج العريب (القاهرة‪ :‬مركز الدراسات السياسية‬ ‫واالسرتاتيجية باألهرام‪ ،)1978 ،‬ص ‪77‬؛ مجال زهران‪« ،‬أبعاد الرصاع العراقي اإليراين والتوازن اإلقليمي‪ »،‬السياسة‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪139‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫استطاعت تلك املعاهدة أن تضع حدّ ًا موقت ًا خلالفات البلدين حول احلدود حتى اندالع‬

‫الثورة اإلسالمية يف إيران عام ‪ ،1979‬حيث ما لبثت أن عادت اخلالفات تدب بني البلدين‬ ‫من جديد‪.‬‬

‫ففي حزيران‪/‬يونيو عام ‪ 1979‬بدأت تتواتر األنباء حول نزاعات احلدود‪ ،‬حيث بدأ‬

‫الطرفان بتبادل االهتامات‪ ،‬حتى حدثت اشتباكات عسكرية عىل احلدود بينهام‪ ،‬وأعلن العراق‬ ‫حال التعبئة العسكرية يف السابع من حزيران‪/‬يونيو ‪ ،1979‬وأرسلت إيران فرقة من اجليش‬

‫وتكررت مرة أخرى عام ‪ ،1979‬وتبادل‬ ‫تدعمها مئتا دبابة إىل احلدود‪ ،‬وحدثت االشتباكات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الطرفان عمليات طرد الدبلوماسيني‪ ،‬وتدهور األمر عندما أعلنت السلطات العراقية عام‬

‫‪ 1980‬عن اكتشافها حماولة ختريبية لقلب نظام احلكم يف العراق بمساندة إيران‪ ،‬وأن حزب‬ ‫الدعوة اإلسالمية هو الذي تزعم تلك املحاولة‪ ،‬وترتب عىل إحباط املؤامرة تنفيذ حكم‬ ‫اإلعدام يف زعيم الشيعة العراقيني اإلمام حممد باقر الصدر ‪. (2‬‬

‫وكان العراق قد طالب إيران رسمي ًا يف كانون األول‪/‬ديسمرب ‪ 1979‬بإعادة النظر‬

‫يف اتفاقية اجلزائر التي ختلت فيها العراق عن شط العرب؛ باعتبار أن ذلك تم حتت ضغوط‬ ‫تعرضت هلا العراق يف الداخل واخلارج‪ ،‬وأن العراق ال يقبل هبذا االتفاق ويطالب بتعديله‬

‫بشكل يضمن إعادة األرايض العربية إليه‪.‬‬

‫الدولية‪ ،‬العدد ‪( 71‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،)1983‬ص ‪123-118‬؛ اسامعيل صربي مقلد‪ ،‬أمن اخلليج وحتديات الرصاع‬ ‫الدويل (الكويت‪ :‬رشكة الربيعان للنرش والتوزيع‪ ،)1984 ،‬ص ‪192 - 191‬؛ صالح العقاد‪« ،‬األصول التارخيية للنزاع‪،‬‬ ‫ملف احلرب العراقية اإليرانية‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 62‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،)1981‬ص ‪63 - 62‬؛ حييى حلمي‬ ‫رجب‪ ،‬أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية (القاهرة‪ :‬مركز املحروسة للبحوث والتدريب والنرش‪،‬‬ ‫‪ ،)1997‬ج ‪ ،1‬ص ‪102 - 99‬؛ فاضل حسيني‪ ،‬مشكلة شط العرب (القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪ ،‬معهد البحوث‬ ‫والدراسات العربية‪ ،)1975 ،‬وعبد احلليم أبو غزالة‪ ،‬احلرب العراقية اإليرانية‪ 1980 ،‬ـ ‪[( 1988‬د‪ .‬م‪ :.‬د ‪.‬ن‪،].‬‬ ‫‪.)1994-1993‬‬ ‫ ‪ (2‬يف أعقاب تلك املحاولة الفاشلة صدر بيان عن قيادة الثورة العراقية يف السابع عرش من أيلول‪/‬سبتمرب‬ ‫‪ 1980‬جاء فيه «إنه بالنظر إىل إخالل احلكومة اإليرانية باتفاقية ‪ 6‬مارس عام ‪ ،1975‬والربوتوكوالت امللحقة هبا نص ًا‬ ‫وروح ًا من خالل عدم احرتامها لعالقات حسن اجلوار وتدخلها السافر واملتعمد يف شؤون العراق الداخلية وامتناعها‬ ‫عن إعادة األرايض العراقية املغتصبة والتي جرى االتفاق عىل إعادهتا للسيادة العراقية الكاملة بموجب االتفاقيه املذكورة‪،‬‬ ‫األمر الذي يدل عىل أن اجلانب اإليراين يعترب اتفاقية مارس ‪ 1975‬يف حكم املنتهية‪ ،‬لذا قرر جملس قيادة الثورة اعتبار تلك‬ ‫االتفاقية ملغاة‪ ،‬وإعادة السيادة الكاملة من الناحية القانونية والفعلية عىل شط العرب‪ ،‬والترصف وفقا لذلك» … نق ً‬ ‫ال عن‪:‬‬ ‫اسامعيل صربي مقلد‪ ،‬االسرتاتيجية والسياسة الدولية‪ :‬املفاهيم واحلقائق األساسية‪ ،‬ط ‪( 2‬بريوت‪ :‬مؤسسة األبحاث‬ ‫العربية‪ ،)1985 ،‬ص ‪.291-290‬‬ ‫‪140‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫تزايد الوضع توتر ًا بني البلدين وتفاقمت اخلالفات بينهام‪ ،‬ومل تجُ ِد املحاوالت التي‬ ‫بذلت لتطويقها واحتوائها‪ ،‬خصوص ًا أن إيران قد حاولت تصدير ثورهتا إىل جنوب العراق‪،‬‬ ‫فرد العراق بطرد نصف مليون عراقي من أصل إيراين‪ ،‬وانفجر الوضع يف أيلول‪/‬سبتمرب‬

‫‪ 1980‬بإعالن العراق إلغاء اتفاقية ‪ 1975‬من جانب واحد ودخول احلرب ضد إيران‪،‬‬ ‫مستغ ً‬ ‫ال الفوىض الثورية يف إيران واهنيار املؤسسات والعزلة املفروضة عىل إيران نتيجة الثورة‪،‬‬ ‫حيث كان العراق واثق ًا من انتصاره الرسيع عىل إيران لضعف جيشها‪ ،‬إال أن احلرب استمرت‬ ‫نحو ثامين سنوات‪ ،‬كانت هلا تأثرياهتا السلبية يف منطقة اخلليج‪.‬‬

‫حرصت الدول اخلليجية احلفاظ عىل توازن القوى باملنطقة والتمسك بحدودها كام‬

‫كانت منذ الوجود الربيطاين‪ ،‬وإقامة عالقات متكافئة بني الدول قائمة عىل االحرتام املتبادل‬

‫من دون التحرش األيديولوجي أو التوسع‪ ،‬سواء أكان ذلك من جانب إيران أم العراق‪.‬‬

‫لذلك جتمعت دول اخلليج الست يف جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬واختذت‬

‫سياسة هتدف إىل تطويق احلرب وحرصها يف البلدين‪ ،‬والعمل عىل إهنائها والتصدي بفاعلية‬ ‫ألي تغيري يف خريطة املنطقة‪.‬‬

‫لكن تطورات احلرب مل تعط دول املجلس الفرصة للتمتع بموقفها املحايد من احلرب؛‬

‫حيث بدأت احلرب تطال الدول اخلليجية‪ ،‬ففي كانون األول‪/‬ديسمرب ‪ 1981‬تم اكتشاف‬ ‫مؤامرة إيرانية لقلب نظام احلكم يف البحرين‪ .‬وبرزت‪ ،‬أول مرة وبشكل عميل‪ ،‬نظرية األمن‬

‫اجلامعي اخلليجي نتيجة إحساس قادة وشعوب الدول اخلليجية باملخاطر التي بدأت تتصاعد‬ ‫مع تكرار هلجة التهديدات اإليرانية‪.‬‬

‫ومع تصاعد املسامهة اخلليجية يف دعم موقف العراق سياسي ًا‪ ،‬قطعت إيران كل عالقة‬

‫هلا بدول املجلس اخلليجي‪ ،‬الذي صورته إيران باعتباره جمموعة مطيعة للشيطان األكرب‬ ‫«الواليات املتحدة األمريكية»‪ ،‬ثم أخذت التهديدات اإليرانية للدول اخلليجية صيغة اهلجوم‬ ‫الرصيح‪ ،‬بخاصة ضد اململكة العربية السعودية والكويت نتيجة دعمهام املايل للعراق‪ ،‬فبدأت‬ ‫البحرية اإليرانية تتعرض لناقالت النفط يف اخلليج بعد أن بدأ العراق يف قصف منصات النفط‬ ‫اإليرانية يف منطقة «بوشهر»‪ ،‬وتبنت إيران سياسة «النفط للجميع أو ال أحد»‪.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪141‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫وخالل شهر أيار‪/‬مايو ‪ 1985‬بدأت إيران بقصف الناقالت السعودية والكويتية داخل‬

‫املياه اإلقليمية للبلدين‪ ،‬األمر الذي أدى إىل توسيع مرسح احلرب لتتجاوز احلدود العراقية ‪-‬‬ ‫اإليرانية‪ ،‬وهددت إيران برضب وتدمري املنشآت النفطية واالقتصادية لدول اخلليج‪ ،‬وهدَّ دت‬

‫بإغالق مضيق هرمز‪ ،‬ما دفع الدول اخلليجية إىل طلب مساعدة الدول الغربية يف محاية ناقالهتا‬ ‫النفطية برفع األعالم عليها‪ ،‬أو من خالل استئجار ناقالت غربية لنقل النفط اخلليجي‪.‬‬

‫وتعرض الشيخ جابراألمحد‬ ‫وتعرضت دولة الكويت لعدد من االنفجارات عام ‪،1985‬‬ ‫َّ‬ ‫الصباح‪ ،‬أمري البالد‪ ،‬ملحاولة اغتيال يف اخلامس والعرشين من أيار‪/‬مايو ‪ 1985‬من جانب‬ ‫عنارص إيرانية قتل فيها ثالثة أشخاص وجرح مخسة عرش شخص ًا‪.‬‬ ‫استمرت احلرب سجا ً‬ ‫ال بني اجلانبني‪ ،‬حتى أعلنت إيران يف الثامن عرش من متوز‪/‬يوليو‬

‫‪ 1988‬قبوهلا قرار جملس األمن رقم ‪ 598‬بعد أن بدأت املقاومة اإليرانية تنهار‪ ،‬وأعلن‬ ‫السكرتري العام لألمم املتحدة يف ‪ 8‬آب‪/‬أغسطس ‪ 1988‬وقف إطالق النار بني البلدين‪،‬‬

‫وحتدد بصفة رسمية العرشون من آب‪/‬أغسطس ‪ 1988‬إلعالن الوقف الرسمي للقتال‪ ،‬عىل‬

‫أن تبدأ املفاوضات املبارشة بني البلدين يف اخلامس والعرشين من آب‪/‬أغسطس عام ‪1988‬‬

‫إلجياد تسوية سلمية للنزاع ‪. (2‬‬

‫إىل جانب مشكلة احلدود العراقية ‪ -‬اإليرانية حول شط العرب‪ ،‬شهدت تلك املرحلة‬

‫من عمر اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية استمرار مشكلة اجلزر اإلماراتية الثالث التي احتلتها‬

‫إيران منذ عام ‪ 1971‬عشية إعالن قيام الدولة االحتادية يف اإلمارات‪ ،‬خملفة بذلك مشكلة‬ ‫حدودية ما زالت مستمرة حتى اليوم‪ ،‬إال أهنا ختتلف يف تداعياهتا عن مشكلة شط العرب‪،‬‬ ‫حيث إن املنهج السلمي هو املنهج السائد من جانب دولة اإلمارات العربية املتحدة يف حل‬

‫تلك املشكلة التي زادت عىل ثالثة عقود‪.‬‬

‫ولقد سيطرت إيران عىل اجلزر الثالث عام ‪ 1971‬لتحقيق أهداف عدة ‪: (2‬‬ ‫ ‪ (2‬رجب‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ .161-160‬هذا وقد وصف اخلميني قبوله لقرار وقف إطالق النار مع العراق‬ ‫بأنه «أشد فتك ًا من جترع السم‪ ،‬وأنه قبل ذلك القرار خضوع ًا إلرادة اهلل وابتغاء مرضاته ولصالح إيران وبناء عىل توصيات‬ ‫القادة السياسيني يف إيران»‪ .‬املصدر املذكور‪ ،‬ص ‪.170‬‬

‫ ‪ (2‬رجب‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ .335-334‬وملزيد من التفاصيل عن مشكلة اجلزر الثالث‪ ،‬انظر‪ :‬أمحد جالل‬ ‫التدمري‪ ،‬اجلزر العربية الثالث‪ :‬دراسة وثائقية‪ ،‬تقديم وإرشاف خالد بن صقر القاسمي (االمارات العربية‪ :‬مطبعة رأس‬ ‫اخليمة الوطنية‪)]2000[ ،‬؛ عبد الوهاب عبدول‪ ،‬اجلزر العربية الثالث يف اخلليج العريب ومدى مرشوعية التغريات‬ ‫‪142‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ّ‬ ‫وحتكمها باملدخل اجلنويب‬ ‫‪ -‬السيطرة عىل هذه اجلزر نظر ًا إىل موقعها االسرتاتيجي‬

‫للخليج العريب عند مضيق هرمز‪.‬‬

‫‪ -‬تأكيد مقدرة القوات اإليرانية عىل استخدام القدرة العسكرية العالية عند حترك‬

‫الواليات املتحدة األمريكية يف اخلليج‪.‬‬

‫ إقناع العرب بدور إيران قو ًة رادعة يف منطقة اخلليج‪.‬‬‫ تأكيد مركز إيران يف املحيط اهلندي‪.‬‬‫ كانت املصلحة اإليرانية البحتة الدافع وراء احتالل إيران اجلزر الثالث‪ ،‬حيث عبرَّ‬‫الشاه حممد رضا هبلوي عن ذلك رصاحة يف ترصيح له لصحيفة وايندكان اإليرانية املقربة منه‬

‫عام ‪ ،1970‬إذ قال‪« :‬إن إجياد قاعدة بحرية وجوية وبرية يف جزيرة أبو موسى وجزيريت طنب‬ ‫الصغرى وطنب الكربى سيمكن إيران من مراقبة مدخل املحيط اهلندي إىل اخلليج الفاريس‪،‬‬ ‫وإن العدو املشرتك هو الثورة العربية‪ ،‬وهذا العدو لو أفلح يوم ًا يف السيطرة عىل اجلزر سيتمكن‬ ‫من شل حركة تصدير النفط اإليراين إىل اخلارج وإىل إرسائيل بالذات» ‪. (2‬‬

‫كانت الدول اخلليجية تتوقع أن قيام الثورة اإلسالمية يف إيران وقيام نظام مجهورية‬ ‫إسالمية حيل حمل النظام الشاهنشاهي سوف يدفعان قدم ًا نحو تغيري وجهة النظر اإليرانية‬

‫بصدد مشكلة اجلزر اإلماراتية‪ ،‬وأهنا سوف تسعى نحو حل املسألة سلمي ًا وإعادة احلقوق إىل‬ ‫أصحاهبا‪ ،‬لكن ما حدث هو أن النهج التوسعي اإليراين مل يتغري‪ ،‬عىل الرغم من تغري النظام‬ ‫السيايس واأليديولوجيا احلاكمة‪ ،‬بل زادت حدَّ ة تلك النزعة لدى إيران اجلمهورية‪ .‬ومع أن‬ ‫إيران كانت تلتزم باالتفاق اخلاص بجزيرة أبو موسى‪ ،‬لكنها وبعد قيام الثورة وتصاعد حدَّ ة‬

‫اإلقليمية الناجتة عن استخدام القوة‪ :‬دراسة قانونية‪ ،‬كتاب األبحاث؛ ‪( 9‬رأس اخليمة‪ :‬مركز الدراسات والوثائق‪[ ،‬د‪.‬‬ ‫ت‪)].‬؛ عبد امللك خلف التميمي‪« ،‬االحتالل اإليراين للجزر العربية يف اخلليج‪ :‬دراسة يف تاريخ العالقات العربية‬ ‫اإليرانية‪ »،1971 -1887 ،‬جملة دراسات اخلليج واجلزيرة العربية‪ ،‬العدد ‪( 5‬حزيران‪/‬يونيو ‪)1988‬؛ األشعل‪ ،‬قضية‬ ‫احلدود يف اخلليج العريب؛ العيدروس‪ ،‬العالقات العربية اإليرانية‪1971-1921 ،‬؛‬

‫‪Mojtahed Zahed, “The Political Geography and History of the Islands of Tunb and Abu‬‬ ‫‪Musa,” Iranian Journal of International Affairs, vol. 4, nos. 3-4 (Fall- Winter 1992), and Moh‬‬‫”‪hammad Reza Dabiri, “Abu Musa Island: A Binding Understanding or a Misunderstading,‬‬ ‫‪)Iranian Journal of International Affairs vol. 5, nos. 3-4 (Fall-Winter 1993-1994.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ ‪ (2‬سعيد محد احلساين‪« ،‬تطور العالقات بني دولة اإلمارات العربية املتحدة وإيران‪ :‬دراسة حالة ملشكلة اجلزر‬ ‫الثالث‪( »،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة قناة السويس‪ ،‬كلية التجارة‪ ،)1999 ،‬ص ‪.96-95‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪143‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫احلرب العراقية اإليرانية بدأت تنتهك خمتلف بنود املعاهدة‪ ،‬وبخاصة خالل أزمة ناقالت‬

‫النفط عامي ‪ .1988 - 1987‬يف الوقت الذي حرصت فيه دولة اإلمارات عىل عدم فتح‬ ‫ملف اجلزر بالوسائل غري الدبلوماسية نظر ًا إىل الوضع امللتهب يف املنطقة نتيجة استمرار‬ ‫احلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬وظلت قضية اجلزر ساكنة حتى أثريت بقوة عام ‪ 1992‬نتيجة‬ ‫اإلجراءات العنيفة التي اختذهتا السلطات اإليرانية جتاه سكان تلك اجلزر ‪. (2‬‬

‫رابع ًا‪ :‬قضايا األمن والتس ّلح‬ ‫برزت قضية أمن اخلليج باعتبارها مسألة حمورية يف السياسة الدولية منذ أواخر‬

‫السبعينيات‪ .‬واحلديث عن مسألة األمن يف اخلليج يعود إىل السادس عرش من كانون الثاين‪/‬‬ ‫يناير عام ‪ ،1968‬عندما أعلنت احلكومة الربيطانية العماّ لية بزعامة هارولد ويلسون عن عزمها‬

‫عىل االنسحاب من رشق السويس بنهاية عام ‪ ،1971‬وذلك إثر الرحلة التي قام هبا وزير‬

‫الدولة الربيطاين جرو نوي روبرتس إىل إمارات اخلليج وإيران والكويت والسعودية‪ ،‬وكان‬ ‫قرار احلكومة العاملية باالنسحاب من اخلليج هو نتيجة طبيعية للمشكالت االقتصادية التي‬ ‫واجهتها بريطانيا يف ذلك الوقت‪ ،‬واتساق ًا مع برنامج احلد من االلتزامات اخلارجية لربيطانيا‪،‬‬

‫حيث قال ويلسون إن حكومته «قررت االنسحاب العسكري من الرشق األقىص واخلليج‬

‫العريب قبل هناية عام ‪ . (2 »1971‬‬

‫وقد بدأت يف ذلك الوقت تيارات عنيفة واجتاهات متعارضة تتطلع إىل املنطقة‪ ،‬وكل‬

‫منها يتهيأ مللء الفراغ األمني املحتمل حدوثه‪.‬‬

‫يف ذلك الوقت‪ ،‬كانت إيران تسري يف الركب األمريكي باعتبارها أهم الدول احلليفة هلا‬

‫يف املنطقة‪ ،‬ومن ثم كانت إيران العمود األسايس لالسرتاتيجية األمريكية يف منطقة اخلليج‬

‫يف أعقاب االنسحاب الربيطاين التي عرفت بمبدأ «نيكسون»‪ ،‬أو ما أطلق عليه «سياسة‬ ‫العمودين املتساندين»‪ ،‬حيث وجدت واشنطن أن خري سياسة يمكن اتباعها إزاء منطقة‬ ‫ ‪ (2‬أنور قرقاش‪« ،‬إيران ودول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ودولة اإلمارات العربية املتحدة‪ :‬االحتامالت‬ ‫والتحديات يف العقد املقبل‪ »،‬يف‪ :‬السويدي‪ ،‬حمرر‪ ،‬إيران واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار‪ ،‬ص ‪.215‬‬

‫ ‪ (2‬سيد نوفل‪ ،‬األوضاع السياسية إلمارات اخلليج العريب وجنوب اجلزيرة العربية (القاهرة‪ :‬جامعة الدول‬ ‫العربية‪ ،‬معهد البحوث والدراسات العربية‪ ،)1972 ،‬ص ‪.155 - 154‬‬ ‫‪144‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫اخلليج عموم ًا هي عدم التدخل املبارش‪ ،‬وقد متحورت هذه السياسة يف أعقاب االنسحاب‬ ‫الربيطاين يف األسس التالية‪:‬‬ ‫ محاية استقالل الكيانات العربية الصغرية التي ظهرت حديث ًا‪.‬‬‫ احلفاظ عىل حرية الدول الغربية يف الوصول إىل نفط اخلليج‪.‬‬‫ االستقرار السيايس املعتمد عىل أيديولوجيا النظم املحافظة يف اخلليج يعترب رضوري ًا‬‫الستقرار تدفق النفط وإبعاد اخلطر الشيوعي‪.‬‬ ‫ عدم الرتحيب بأي حركة متطرفة ثورية‪ ،‬سواء جاءت من الداخل أم كانت وافدة‬‫من اخلارج‪.‬‬ ‫ تأييد إيران والسعودية دبلوماسي ًا وعسكري ًا لضامن االستقرار يف املنطقة‪.‬‬‫ومن ثم عملت الواليات املتحدة األمريكية عىل دعم اجلهود اإلقليمية وتوجيهها نحو‬ ‫إقامة نظام للدفاع عن األمن ولتحقيق التنمية يف جو من االستقرار بعيد ًا عن التدخالت‬ ‫اخلارجية‪ ،‬وبخاصة التدخالت السوفياتية ‪. (3‬‬ ‫ثم أعلن يوجني روستو‪ ،‬وكيل وزارة اخلارجية األمريكية‪ ،‬أن الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية ستشجع قيام حتالف أمني إقليمي يف منطقة اخلليج يعتمد باملقام األول مشاركة‬ ‫الدول القوية واملستقرة يف املنطقة التي يمكنها وضع بنود مبدأ «نيكسون» موضع التنفيذ عىل‬ ‫أرض الواقع‪ ،‬وهي إيران وباكستان والسعودية والكويت وتركيا‪.‬‬ ‫إال أن السعودية امتنعت عن املشاركة يف تلك املهمة‪ ،‬وعندها أعلن شاه إيران أن بالده‬ ‫ستتحمل وحدها عبء الدفاع عن أمن اخلليج‪ ،‬بل إنه سيعمل عىل توسيع تلك املهمة لتشمل‬ ‫الدفاع عن منطقة املحيط اهلندي أيض ًا ‪. (3‬‬ ‫ارتكز الدور الذي رسمه نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر عىل االبتعاد عن‬ ‫)‪(30‬‬

‫‪David E. Long, “United States and the Persian Gulf,” Current History ( January‬‬ ‫‪1979), pp. 27-30.‬‬

‫ ‪ (3‬اسامعيل صربي مقلد‪ ،‬أمن اخلليج وحتديات الرصاع الدويل (الكويت‪ :‬رشكة الربيعان للنرش والتوزيع‪،‬‬ ‫‪ ،)1984‬ص ‪.28-27‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪145‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫التدخل املبارش من دون تغيري االسرتاتيجية املرتكزة عىل صفات تفوق الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية ومحاية مصاحلها االقتصادية‪ ،‬األمر الذي يفرتض قيامها بدعم األنظمة احلليفة‬

‫عسكري ًا واقتصادي ًا لكي تتمكن من القيام بدور احلارس ملصاحلها‪ ،‬وتبع ًا لذلك تكدّ ست‬ ‫ترسانات األسلحة يف العديد من دول العامل‪ ،‬ومنها السعودية وإيران الشاه ‪. (3‬‬

‫توافق ذلك مع التطلعات التوسعية اإليرانية والرغبة يف القيام بالدور الرئيس يف محاية‬

‫أمن املنطقة‪ ،‬فكانت إيران الشاه هي القوة اإلقليمية التي اعتمدت عليها الواليات املتحدة‬

‫بتطبيق سياستها يف املنطقة‪ ،‬ومن ثم أمدهتا بكل مقومات القوة العسكرية للقيام هبذا الدور‪،‬‬ ‫جراء التدخل‬ ‫نيابة عن الواليات املتحدة األمريكية التي وعت الدرس جيد ًا يف فييتنام من ّ‬

‫املبارش‪ ،‬وتزايد االقتناع األمريكي بقيام إيران بذلك الدور بعد رفض السعودية املشاركة يف‬ ‫تطبيق تلك االسرتاتيجية‪.‬‬

‫ثم أعلن نيكسون يف أيار‪/‬مايو ‪ 1972‬استعداد الواليات املتحدة األمريكية بيع إيران كل ما‬

‫تريده من أسلحة ومعدات عسكرية‪ ،‬وجاء ترصيح وزير الدفاع األمريكي إليوت ريتشارد سون‬

‫يف عام ‪ 1973‬ليعكس ذلك االجتاه ويؤكده‪ ،‬حيث قال‪« :‬إننا ننظر إىل الدول الكائنة يف منطقه‬ ‫اخلليج عىل أهنا تشكل نقطة األساس يف كل اجلهود الرامية إىل توفري األمن واالستقرار هلا‪ ،‬ومن ثم‬

‫فقد رشعنا يف تصميم برنامج للمساعدات العسكرية‪ ،‬سنتوىل تقديمه لبضع دول خمتارة يف اخلليج‬

‫بام يتفق وهذه الغاية‪ ،‬واضعني بحسابنا أن تأيت إيران والسعودية يف مقدمة هذه الدول» ‪. (3‬‬

‫سامهت املبيعات العسكرية األمريكية الضخمة إليران يف إنعاش الصناعة العسكرية‬

‫األمريكية التي كانت تواجه أزمة بعد انتهاء احلرب الفييتنامية‪ ،‬وتواكب ذلك مع الطفرة‬

‫النفطية عام ‪ 1973‬التي ساعدت عىل توفري املوارد النقدية الالزمة لزيادة كميات السالح‬ ‫املشرتاة من الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬يف الوقت الذي كانت الرغبة اإليرانية للسيطرة عىل‬

‫اخلليج وسد الفراغ األمني جاحمة‪.‬‬

‫ ‪ (3‬زهري شكر‪ ،‬السياسة األمريكية يف اخلليج العريب (بريوت‪ :‬معهد اإلنامء العريب‪ ،)1982 ،‬ص ‪.58‬‬ ‫‪Dale R. Tahtinen, Arms in the Persian Gulf, with a Foreword by Melvin R.‬‬ ‫)‪(33‬‬

‫‪Laird, Foreign Affairs Study; no. 10 (Washington: American Enterprise Institute for Public‬‬ ‫‪Policy Research, [1974]), p. 24.‬‬

‫‪146‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫إال أن قيام الثورة اإلسالمية يف إيران عام ‪ 1979‬مثّل رضبة لالسرتاتيجية األمريكية يف‬

‫املنطقة نتيجة سقوط الشاه وانفتاح ثغرة األمن يف اخلليج مرة أخرى بعد التغيري الذي حدث‬ ‫يف السياستني الداخلية واخلارجية إليران الثورة‪.‬‬

‫ويف الوقت الذي أوجد االحتاد السوفيايت قدم ًا له يف أفغانستان أ ّدى إىل تفاقم الرصاع‬

‫حول منطقة اخلليج العريب‪ ،‬كانت الثورة يف إيران قد أدت إىل إجياد نوع من عدم االستقرار‬ ‫يف منطقة اخلليج العريب‪ .‬فعىل الرغم من تغيري الوجوه الرابضة عىل سدة احلكم يف إيران بعد‬ ‫اإلطاحة بالنظام امللكي الشاهنشاهي وإحالله بنظام إسالمي مجهوري‪ ،‬فإن ترصحيات القادة‬

‫اجلدد تؤكد أن سياسات إيران التوسعية مل تنته بانتهاء حكم الشاه‪ ،‬األمر الذي أدى إىل حدوث‬ ‫تغيريات يف الصيغ املطروحة لتحقيق استقرار املنطقة وأمنها‪.‬‬

‫فبد ً‬ ‫ال من أن تؤدي الثورة إىل تغيري توجهات إيران التوسعية يف املنطقة‪ ،‬وأن تعيد اجلزر‬ ‫العربية الثالث التي احتلتها عام ‪ ،1971‬وذلك باعتباره نوع ًا من إظهار حسن النوايا للنظام‬ ‫اجلديد‪ ،‬واصلوا متسكهم بأطامع الشاه القديمة يف التوسع عىل حساب دول املنطقة‪ ،‬بل وصل‬

‫األمر إىل عدم إخفاء الرغبة يف السيطرة عىل دول املنطقة كلها بإعالن مبدأ تصدير الثورة‬ ‫إىل الدول اخلليجية‪ ،‬من خالل أساليب تؤدي إىل إجياد حاالت من عدم االستقرار يف تلك‬ ‫الدول ‪. (3‬‬

‫استندت دعاوى آية اهلل اخلميني جتاه منطقة اخلليج عىل العامل اإلسالمي‪ ،‬باعتبار أن‬

‫الثورة اإليرانية هي ثورة املسلمني مجيعهم‪ ،‬وحاول حتقيقها من خالل تأكيد ما ييل‪:‬‬ ‫ التأكيد عىل أن منطقة اخلليج هي منطقة نفوذ إيرانية‪.‬‬‫ تأليف جبهة حترير يف البحرين‪.‬‬‫ تدعم حزب الدعوة يف العراق املوايل إليران وأفكار الثورة‪.‬‬‫‪ -‬حمورية فكرة تصدير الثورة إىل دول اخلليج‪.‬‬

‫ ‪ (3‬خالد حممد أمحد املال‪« ،‬السياسة اخلارجية لدولة اإلمارات العربية املتحدة جتاه إيران خالل الفرتة ‪-1971‬‬ ‫‪( »،1992‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1998 ،‬ص ‪.189‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪147‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫‪ -‬السيطرة عىل املمرات الداخلية للخليج‪ ،‬حتى تتمكن إيران من السيطرة عىل املوارد‬

‫االقتصادية لدول املنطقة‪.‬‬

‫‪ -‬الدخول يف رصاع مسلح ضد العراق هبدف إضعاف أكرب قوة عربية يف منطقة‬

‫اخلليج‪ ،‬ومن ثم هتديد باقي دول املنطقة وإثارة القالقل فيها من خالل استغالل األقليات‬

‫املوالية هلا للقيام بأعامل اإلرهاب والتخريب‪.‬‬

‫وقد توالت ترصحيات آية اهلل اخلميني والعديد من املسؤولني اإليرانيني حول مفهوم‬ ‫األمن اإلقليمي ملنطقة اخلليج وفق ًا ملنظار قيادة اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬الذي يكمن‬

‫يف االستقالل الفعيل لدول اخلليج من ارتباطها بالقوى العظمى‪ ،‬وقيام حكومات إسالمية‬ ‫صحيحة يف دول اخلليج العربية‪.‬‬

‫واملقصود باحلكومات اإلسالمية وفق ًا للمفهوم اإليراين هو إلغاء احلكم امللكي الوراثي‬ ‫السائد يف دول اخلليج‪ ،‬ألن اإلسالم وفق ًا لذلك التصور يعارض قيام احلكومات امللكية‪ ،‬وحيث‬ ‫عىل إنشاء حكومات مجهورية يسيطر عليها رجال الدين كام حدث يف النموذج اإليراين ‪. (3‬‬

‫مثّل مبدأ تصدير الثورة اإلسالمية منطلق ًا فكري ًا وحركي ًا جتاه دول اخلليج العربية باعتباره‬

‫األداة لتحقيق األهداف العقائدية التي أعلنتها الثورة اإليرانية‪ .‬ورأت إيران أن منطقة اخلليج‬

‫هي أوىل مناطق تطبيق تلك االسرتاتيجية‪.‬‬

‫هدَّ دت إيران باحتالل البحرين باعتبارها جزء ًا تابع ًا إليران‪ ،‬وأعلن قادهتا عدم التخيل‬

‫عن اجلزر اإلماراتية الثالث املحتلة منذ عام ‪ ،1971‬بل إن احلسن بني صدر‪ ،‬رئيس اجلمهورية‬ ‫اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬أعلن أن دول اخلليج بام فيها اململكة العربية السعودية ليست دو ً‬ ‫ال مستقلة‬ ‫بالنسبة إىل إيران‪.‬‬

‫وأدت التوجهات اإليرانية اجلديدة جتاه أمن اخلليج ودول املنطقة وعالقاهتا‬ ‫اخلارجية خصوص ًا مع الواليات املتحدة األمريكية ـ الشيطان األكربـ إىل قيام‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية وحلفائها الغربيني بفرض حظر تسليحي عىل أي صادرات‬ ‫عسكرية إىل إيران‪ ،‬األمر الذي أدى إىل حرمان القوات املسلحة اإليرانية من احلصول‬ ‫)‪(35‬‬ ‫‪148‬‬

‫‪Ramazani, Revolutionary Iran: Challenge and Response in the Middle East, pp. 27-31.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫عىل أي أسلحة جديدة‪ ،‬والعجز عن احلصول عىل قطع الغيار الالزمة لصيانة األسلحة‬ ‫واملعدات‪ ،‬يف الوقت الذي كانت إيران فيه بحاجة ماسة إىل تلك األسلحة للمساعدة يف‬ ‫حرهبا ضد العراق الذي استغل الفوىض الداخلية يف إيران وضعفها الناجم عن عزلتها‬ ‫الدولية بسبب أزمة الرهائن األمريكية وقام بغزوها للقضاء عىل الثورة اإلسالمية فيها‬ ‫يف أيلول‪/‬سبتمرب‪. (3 1980‬‬ ‫لذلك جلأت إيران إىل الدول الرشقية خالل فرتة حكم اخلميني‪ ،‬عىل الرغم من عدم‬ ‫تناسب التسليح الرشقي مع التسليح الغريب الذي كانت تتلقاه إيران الشاه‪ ،‬خصوص ًا أن إيران‬

‫كانت قد بدأت برناجم ًا متكام ً‬ ‫ال إلنشاء مفاعل للطاقه النووية يف مدينة «بوشهر» بمساعدة أملانيا‬ ‫يف عهد الشاه‪ ،‬إال أن الواليات املتحدة األمريكية بعد قيام الثورة اإلسالمية فرضت حظر ًا عىل‬ ‫تصدير التكنولوجيا النووية إىل إيران‪ ،‬ودعت ك ً‬ ‫ال من أملانيا وفرنسا إىل عدم استئناف التعاون‬

‫مع طهران ما مل تقدم احلكومة اإليرانية تأكيدات كافية عن التزامها بعدم االنتشار النووي‪،‬‬ ‫ومن ثم تعثرت جهود الربنامج النووي اإليراين‪.‬‬

‫جلأت إيران يف عام ‪ 1985‬إىل الصني؛ حيث أبرمت معها اتفاق ًا للتعاون النووي املشرتك‪،‬‬

‫يشمل تدريب املهندسني اإليرانيني يف الصني‪ ،‬ونقل تكنولوجيا البحوث النووية‪ ،‬وإنشاء‬ ‫مفاعل صغري للبحوث طاقته سبعة وعرشون كيلووات يف منشأة بحوث يف «أصفهان»‪ ،‬كام‬ ‫أجرت مفاوضات مشاهبة مع روسيا لرشاء مفاعلني نوويني وإكامل مفاعل «بوشهر» الذي مل‬

‫تستكمله الرشكات األملانية‪.‬‬

‫ويف عام ‪ 1986‬بدأت إيران توسيع دائرة التعاون النووي مع األرجنتني وكوريا الشاملية‬ ‫وباكستان واهلند‪ ،‬حيث و ّقعت يف عام ‪ 1987‬اتفاق ًا مع األرجنتني للحصول عىل وقود نووي‬

‫أرجنتيني من اليورانيوم املخصب غري املخصص لألغراض العسكرية ملفاعل «طهران»‬ ‫التجريبي‪ ،‬ثم اتفقت مع جنوب أفريقيا يف الفرتة ‪ 1989 - 88‬للحصول عىل كميات كبرية‬

‫من اليورانيوم املركز‪.‬‬

‫نشطت إيران يف جمال تطوير وإنتاج األسلحة الباليستية متوسطة املدى‪ ،‬وكثفت جهودها‬ ‫ ‪ (3‬حمسن ميالين‪« ،‬سياسة إيران يف اخلليج من املثالية واملجاهبة إىل الربامجاتية واالعتدال‪ »،‬يف‪ :‬السويدي‪ ،‬حمرر‪،‬‬ ‫إيران واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار‪ ،‬ص ‪.123‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪149‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫يف ذلك املجال منذ عام ‪ 1988‬مع كل من كوريا الشاملية والصني‪ ،‬حيث اعتمدت عىل كوريا‬

‫الشاملية يف تصنيع الصاروخ «سكود ب»‪ ،‬وعىل الصني يف تصنيع صورايخ فئة «إم» يرتاوح‬

‫مداها بني ثامنمئة وألف كيلومرت‪.‬‬

‫واستطاعت إيران بموجب هذا الربنامج إنتاج صورايخ عدة خمتلفة النوع مثل (سكود‬

‫ب)‪( ،‬عقاب)‪( ،‬هوشاك)‪ ،‬وتم استخدامها عىل نطاق واسع خالل حرب املدن يف املراحل‬

‫األخرية للحرب العراقية ‪ -‬اإليرانية خالل الفرتة من آذار‪/‬مارس إىل متوز‪/‬يوليو ‪ ،1988‬كام‬ ‫أنتجت الصاروخ (إيران ‪ )120‬الذي يبلغ مداه مئة وثالثني كيلومرت ًا‪ ،‬والصاروخني (شاهني‬ ‫‪ ،)1‬و(شاهني‪ )2‬اللذين يصل مدامها نحو مئتي كيلومرت‪ ،‬وأعلن عنهام يف نيسان‪/‬أبريل‬ ‫‪. (3 1989‬‬

‫ويف جمال إنتاج األسلحة الكيميائية والبيولوجية‪ ،‬نجد أن نجاح إيران يف هذا املجال‬

‫يفوق نجاحها يف جمال الطاقة النووية‪.‬‬

‫مل ختف القيادة اإليرانية قدرهتا عىل إنتاج األسلحة الكيميائية والبيولوجية‪ ،‬حيث‬ ‫رصح هاشمي رفسنجاين‪ ،‬رئيس الربملان آنذاك‪ ،‬يف عام ‪ 1988‬قائال‪« :‬تعترب األسلحة‬ ‫الكيميائية والبيولوجية قنابل الفقراء النووية‪ ،‬ويمكن إنتاجها بسهولة‪ ،‬وجيب علينا‬ ‫التفكري فيها للدفاع عن أنفسنا‪ .‬وعىل الرغم من أن استخدام هذه األسلحة غري إنساين‪،‬‬ ‫فإن احلرب العراقية – اإليرانية علمتنا أن القوانني الدولية حرب عىل ورق»‪.‬‬ ‫لذلك تبنت إيران برناجم ًا نشط ًا للحرب الكيميائية‪ ،‬وأصبح بمقدورها إنتاج مئات عدة‬

‫من األطنان من عوامل احلرب الكيميائية كل عام مثل غاز اخلردل‪ ،‬الكلورين‪ ،‬الفوسجني‪،‬‬ ‫وهيدروجني السيانيد‪ .‬ولدهيا القدرة عىل إنتاج عوامل األعصاب مثل غاز السارين‪.‬‬

‫وخالل احلرب مع العراق أنفقت إيران نسبة كبرية من إمجايل العملة الصعبة والطاقة‬

‫االستريادية عىل مشرتيات السالح‪ ،‬وعىل الرغم من ذلك مل تستطع إيران جماراة العراق يف جمال‬

‫رشاء السالح‪ ،‬فخالل األعوام ‪ 1983 - 1979‬تعاقدت إيران عىل رشاء أسلحة تقدر قيمتها‬ ‫بنحو ‪ 5.4‬مليار دوالر فقط‪ ،‬بينام بلغت قيمة التعاقدات العراقية خالل الفرتة ذاهتا نحو‬ ‫ ‪ (3‬رجب‪ ،‬أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.343-341‬‬ ‫‪150‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ 17.6‬مليار دوالر‪ .‬وبينام بلغت واردات إيران من السالح خالل الفرتة ‪1988 - 1984‬‬

‫نحو ‪ 5.10‬مليار دوالر‪ ،‬كانت واردات السالح العراقية ‪ 7.29‬مليار دوالر ‪. (3‬‬

‫هذا إىل جانب رداءة نوعية السالح اإليراين املستورد من الصني وكوريا الشاملية مقابلة‬

‫بتفوق نوعية السالح الغريب املصدّ ر إىل العراق‪ ،‬ما أدى إىل إحلاق العراق بإيران عدة هزائم‬ ‫متالحقة يف املراحل األخرية للحرب‪ ،‬واستطاع استعادة الفاو‪ ،‬ما حدا بالقيادة اإليرانية إىل‬

‫قبول القرار ‪ 598‬الذي يقيض بوقف احلرب بني البلدين‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬قضايا التعاون اإلقليمي‬ ‫تعترب العالقات االقتصادية والتجارية بني إيران ودول اخلليج أبرز نواحي التعاون‬

‫اإلقليمي املشرتك بني اجلانبني‪ ،‬بغض النظر عن املشكالت األخرى التي تطرحها النواحي‬

‫السياسية واألمنية من تلك العالقات‪ ،‬فالعالقات التجارية واالقتصادية بني الساحلني العريب‬

‫والفاريس للخليج عالقات قديمة‪ ،‬تعود بجذورها إىل القرن السابع عرش‪ ،‬حيث أدت املوانئ‬ ‫الفارسية دور ًا ملموس ًا يف تنشيط حركة التجارة البينية لدى اجلانبني‪.‬‬ ‫من ثم كان اخلليج ‪ -‬وال يزال ‪ -‬عام ً‬ ‫ال من عوامل االتصال االقتصادي والتجاري بني‬

‫سكان الساحلني العريب واإليراين‪ ،‬وازدادت تلك العالقات قوة وصالبة يف العرص احلديث‬ ‫بحكم االستقرار واالزدهار االقتصاديني الذين متتع هبام سكان الساحلني العريب واإليراين ‪. (3‬‬

‫وتعترب اململكة العربية السعودية والكويت واإلمارات أكثر الدول اخلليجية دخو ًال يف‬

‫عالقات مع إيران منذ بداية احلكم البهلوي يف إيران عام ‪ 1925‬وحتى سقوطه يف عام ‪.1979‬‬

‫مل تكن عالقات إيران بالدول اخلليجية عالقات تعاونية يف جمملها‪ ،‬إذ ظلت حتى هناية‬

‫حقبة الستينيات يشوهبا قدر كبري من التوتر واحلذر‪ ،‬نتيجة السياسة اإليرانية يف اخلليج بصفة‬

‫خاصة‪ ،‬أو نتيجة سياستها جتاه الدول العربية بصفة عامة‪.‬‬

‫ ‪ (3‬أنتوين كوردسامن‪« ،‬قدرات إيران العسكرية‪ :‬هل هي مصدر هتديد‪ »،‬يف‪ :‬السويدي‪ ،‬حمرر‪ ،‬إيران واخلليج‪:‬‬ ‫البحث عن االستقرار‪ ،‬ص ‪.312-311‬‬

‫ ‪ (3‬عائشة عيل السيار‪« ،‬األصول التارخيية والتطورات املعارصة للوحدة بني إمارات الساحل العامين‪»،‬‬ ‫(أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة عني شمس‪ ،‬كلية البنات‪ ،)1983 ،‬ص ‪.21‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪151‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫وأدى ذلك الوضع باململكة العربية السعودية‪ ،‬باعتبارها الدولة اخلليجية العربية األوىل‬

‫وبحكم امتدادها عىل السواحل العربية للخليج‪ ،‬أن تعمل عىل مواجهة االدعاءات اإليرانية‬ ‫واستمرار التغلغل اإليراين البرشي واالقتصادي يف املنطقة‪ .‬هذا إىل جانب االختالف املذهبي‬

‫بني الس ّنة يف السعودية والشيعة يف إيران‪.‬‬

‫غري أن هذا الوضع بدأ يتغري منذ هناية الستينيات‪ ،‬وبدأ حيدث حتول يف العالقات‬

‫اإليرانية اخلليجية؛ حيث تم دفع إيران والسعودية والكويت إىل التعاون والتقارب يف ما بينها‬

‫ملواجهة اخلطر السوفيايت واحلركات اليسارية التي بدأت تظهر يف جنوب اخلليج منذ تأسيس‬ ‫جبهة حترير ظفار عام ‪ 1964‬التي حتولت عام ‪ 1968‬إىل جبهة حترير ُعامن واخلليج العريب‪ ،‬يف‬

‫الوقت الذي أصبح فيه نظام احلكم يف العراق بقبضة النظام البعثي اليساري الذي وطد عالقته‬

‫باالحتاد السوفيايت بشكل رسمي عام ‪ 1972‬بتوقيع اتفاقية صداقة وتعاون مشرتك‪.‬‬

‫وعندما أهنت بريطانيا وجودها يف اخلليج العريب‪ ،‬ساد التخوف من مساندة االحتاد‬ ‫السوفيايت للحركات اليسارية يف الدول اخلليجية‪ ،‬وخصوص ًا يف الكويت وسلطنة ُعامن‪.‬‬ ‫يف الوقت نفسه‪ ،‬أيدت الواليات املتحدة األمريكية املساعي التي كانت تقوم هبا بريطانيا‬ ‫إلنشاء نظام دفاعي مشرتك يرتكز عىل حماور رئيسة تضم ك ً‬ ‫ال من إيران وباكستان واململكة‬ ‫العربية السعودية والكويت إلقامة نظام أمن إقليمي يف منطقة اخلليج العريب بعد انسحاب‬

‫القوات الربيطانية من املنطقة عام ‪ 1971‬يف مواجهة النفوذ السوفيايت املتصاعد يف املنطقة‪ ،‬إال‬ ‫أن تلك اجلهود فشلت لرفض الرأي العريب ألي تنظيم دفاعي يضم إيران ودو ً‬ ‫ال غري عربية‬ ‫خلدمة املصالح األمريكية والغربية‪.‬‬

‫من ثم بادرت إيران بطرح مرشوع لتوقيع ميثاق أمن ثالثي بني إيران والسعودية‬

‫والكويت‪ ،‬لكن الكويت والسعودية رفضتا ذلك احللف الدفاعي نتيجة ضغوط عربية‬

‫وبخاصة الضغوط العراقية‪ ،‬يف الوقت الذي كانت فيه إيران تتقارب بشدة مع عدو األمة‬ ‫العربية إرسائيل ومتدها بالنفط‪ ،‬وتقيم معها عالقات دبلوماسية واقتصادية قوية‪ ،‬بينام تضاربت‬ ‫الترصحيات العربية واإليرانية حول عروبة اخلليج أو فارسيته ‪. (4‬‬

‫ ‪ (4‬مجال زكريا قاسم‪ ،‬العالقات اإليرانية باململكة العربية السعودية واخلليج العريب عىل عهد األرسة البهلوية‬ ‫(‪ ،)1979-1925‬يف‪ :‬قاسم ورزق‪ ،‬حمرران‪ ،‬العالقات العربية اإليرانية‪ ،‬ص ‪.151-147‬‬ ‫‪152‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وعىل الرغم من تلك األوضاع املثرية للقلق يف عالقات إيران بدول اخلليج العريب عىل‬

‫املستويات السياسية واألمنية‪ ،‬فإن الزيارات التي قام هبا الشاه إىل السعودية والكويت وتوقف‬

‫إيران عن إثارة ادعاءاهتا يف البحرين قد دعام العالقات االقتصادية والتجارية بني اجلانبني‬

‫اإليراين والعريب يف اخلليج‪ ،‬إذ أكد البيان املشرتك الذي صدر يف أعقاب زيارة الشاه للكويت‬ ‫يف ترشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪ 1968‬رضورة توثيق التعاون بني البلدين من أجل مصلحة املنطقة‬ ‫وازدهارها‪ ،‬واحلرص عىل تطوير العالقات الكويتية ‪ -‬اإليرانية يف املجاالت كلها وبخاصة ما‬

‫يتعلق منها بالنواحي التجارية واالقتصادية‪ ،‬وهو ما مهد الطريق لتوقيع عدد من االتفاقيات‬ ‫التجارية الثنائية بني البلدين‪.‬‬

‫ففي الكويت‪ ،‬تم التوقيع عىل اتفاق جتاري بني البلدين يف السادس من ترشين الثاين‪/‬‬

‫نوفمرب عام ‪ 1968‬لتوطيد وتنويع وتوسيع العالقات االقتصادية‪ ،‬وإجياد التسهيالت يف‬ ‫التجارة بني البلدين عىل أساس املساواة يف احلقوق واملصالح املتبادلة‪.‬‬

‫ويف طهران‪ ،‬تم توقيع اتفاق ترانزيت بني احلكومتني الكويتية واإليرانية يف الثامن من‬

‫كانون الثاين‪/‬يناير ‪ 1971‬هيدف إىل تقوية العالقات االقتصادية بني البلدين وتسهيل مرور‬ ‫البضائع ووسائل النقل واملسافرين عرب إقليميهام ‪. (4‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬توسعت العالقات التجارية بني اململكة العربية السعودية وإيران‬

‫نتيجة ظهور النفط وبروز إيران والسعودية باعتبارمها من أكرب الدول املنتجة للنفط يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬وقد دعم من تلك العالقات حتول املوقف اإليراين من إرسائيل‪ ،‬من التعاون والدعم‬

‫الكامل إىل التنديد باحتالهلا لألرايض العربية عام ‪ ،1967‬ومطالبة إيران هلا باالنسحاب من‬ ‫تلك األرايض‪ ،‬األمر الذي أدى إىل إعادة العالقات اإليرانية ‪ -‬السعودية إىل حال الصفاء‪،‬‬

‫وتبودلت الزيارات الرسمية بني مسؤويل البلدين‪ ،‬ففتحت جماالت جديدة للتعاون اإلقليمي‬ ‫بني البلدين‪ ،‬حيث طرح الشاه رضا هبلوي خالل زيارته للسعودية يف ترشين الثاين‪/‬نوفمرب‬

‫عام ‪ 1968‬مرشوع إقامة سوق إسالمية مشرتكة‪ ،‬واستمر التعاون بني البلدين‪ ،‬وتنامت‬

‫العالقات االقتصادية والتجارية بني البلدين‪ ،‬حتى وصل األمر إىل توقيع معاهدة جتارية‬ ‫ ‪ (4‬هناد تقي‪« ،‬واقع التبادل التجاري بني الكويت وإيران‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬نحو آفاق جديدة للعالقات بني‬ ‫دول جملس التعاون اخلليجي وإيران‪ :‬املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري‪ 2 ،‬ج (الكويت‪ :‬جامعة الكويت‪،‬‬ ‫مركز دراسات اخلليج واجلزيرة العربية‪ ،)2000 ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.171-170‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪153‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫رسمية يف األول من كانون الثاين‪/‬يناير‪. (4 1972‬‬

‫وعىل الرغم من أن النفط مل يكن هو املجال الوحيد للعالقات االقتصادية بني‬ ‫إيران واململكة العربية السعودية‪ ،‬إال أنه مثّل املحور األسايس لتلك العالقات‪ ،‬لذلك‬ ‫كان التضارب يف سياسة البلدين جتاه أسعار النفط واملوقف من القرار العريب باستخدام‬ ‫سالح النفط خالل حرب ترشين األول‪/‬أكتوبر سبب ًا يف تراجع جماالت التعاون‬ ‫بينهام‪ ،‬حيث مل تشارك إيران يف احلظر النفطي عىل الدول املساندة للعدوان اإلرسائييل‪،‬‬ ‫وخصوص ًا الواليات املتحدة األمريكية وهولندا‪.‬‬ ‫تغري هذا الوضع بالنسبة إىل عالقات التعاون بني إيران ودول اخلليج‪ ،‬وخصوص ًا‬

‫العالقات اإليرانية ‪ -‬السعودية منذ عام ‪ 1979‬نتيجة تغري النظام السيايس يف إيران بعد الثورة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬يف الوقت الذي دعت فيه القيادات اإليرانية اجلديدة إىل تصدير الثورة اإلسالمية‪،‬‬

‫وتواكب معها قيام جمموعة من املسلحني يف ترشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪ 1979‬باحتالل املسجد‬ ‫احلرام ومعظمهم من الشيعة‪ ،‬بزعم إعالن أحدهم بوصفه املهدي املنتظر‪ ،‬وحدثت اضطرابات‬ ‫يف عدد من املدن السعودية واخلليجية ذات الكثافة الشيعية حتى استطاعت القوات السعودية‬ ‫بمساندة فرنسية إهناء تلك األزمة والقبض عىل مدبرهيا بعد مخسة عرش يوم ًا من اندالعها ‪. (4‬‬ ‫تزامن مع تلك األوضاع الغزو السوفيايت ألفغانستان واندالع احلرب بني العراق وإيران‬

‫يف أيلول‪/‬سبتمرب ‪ ،1980‬لتزداد بذلك التهديدات املوجهة ألمن اخلليج‪ ،‬ويفتح الباب أمام‬ ‫التدخل األجنبي يف املنطقة‪.‬‬

‫لذلك اجتهت الدول اخلليجية الست «اململكة العربية السعودية‪ ،‬الكويت‪ ،‬اإلمارات‪،‬‬ ‫قطر‪ ،‬البحرين‪ ،‬وسلطنة ُعامن» إىل التوحد يف تنظيم إقليمي جديد‪ ،‬وهو جملس التعاون لدول‬ ‫اخلليج العربية‪ ،‬وقد اعتربت إيران هذا التجمع أداة إلبعادها عن شؤون املنطقة اخلليجية‪،‬‬ ‫األمر الذي يمثّل وضع ًا غري مالئم للمصالح اإليرانية ‪. (4‬‬ ‫ ‪ (4‬سعيد باديب‪ ،‬العالقات السعودية اإليرانية‪( 1983 – 1932 ،‬لندن‪ :‬دار الساقي؛ مركز الدراسات اإليرانية‬ ‫والعربية‪ ،)1994 ،‬ص ‪.143 - 141‬‬ ‫ ‪ (4‬حممد السعيد إدريس‪ ،‬النظام اإلقليمي للخليج العريب‪ ،‬سلسلة أطروحات الدكتوراة؛ ‪( 34‬بريوت‪ :‬مركز‬ ‫دراسات الوحدة العربية‪ ،)2000 ،‬ص ‪.458‬‬ ‫ ‪ (4‬رجب‪ ،‬أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.320‬‬

‫‪154‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫متيزت بالرصاع بني إيران ودول جملس‬ ‫عىل الرغم من أن مرحلة احلكم اخلميني قد َّ‬

‫التعاون اخلليجي‪ ،‬وبصفة خاصة السعودية والكويت نتيجة الدعم الالحمدود الذي قدمته‬ ‫الدولتان إىل العراق يف حربه مع إيران ونتيجة توجهات األيديولوجيا العدائية التي محلها‬ ‫معه النظام اجلديد يف إيران‪ ،‬ونتيجة الثورة اإلسالمية يف إيران حتولت إيران من درع وحليف‬

‫اسرتاتيجي للدول العربية يف اخلليج إىل مصدر هتديد حمتمل‪ ،‬وأدت احلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‬ ‫بالدول اخلليجية إىل مراجعة خريطة حتالفاهتا اإلقليمية ‪. (4‬‬

‫أحبطت الثورة اإليرانية التفاؤل الذي ساد العديد من األوساط اخلليجية بأن إيران‬

‫اإلسالمية سوف تتوقف عن األطامع االمرباطورية للشاه‪ ،‬وستتخىل عن دورها باعتبارها‬

‫متسك إيران اإلسالمية باجلزر‬ ‫رشطي اخلليج يستخدم القوة والقهر لتحقيق أطامعه‪ .‬ولكن ّ‬ ‫العربية الثالث املحتلة‪ ،‬وجهودها يف حتريك األقليات الشيعية يف الدول اخلليجية لتهديد‬ ‫استقرار تلك الدول واتباع سياسة تصدير الثورة اإلسالمية إليها‪ ،‬كل ذلك أحبط اآلمال‬

‫اخلليجية‪ ،‬ومن ثم غلبت التفاعالت الرصاعية بني إيران ودول اخلليج خالل فرتة اجلمهورية‬ ‫األوىل عىل التفاعالت التعاونية‪ ،‬وتقلصت أطر التعاون ومستوياته‪ ،‬وانحرصت جهود‬ ‫التعاون ضمن إطار جملس التعاون اخلليجي فقط‪ ،‬يف الوقت الذي انشغلت إيران بحرهبا مع‬

‫العراق التي دامت نحو ثامين سنوات‪.‬‬

‫ويتضح من متابعة العالقات التجارية واالقتصادية بني إيران ودول اخلليج العريب خالل‬ ‫فرتة حكم آية اهلل اخلميني أن دولة اإلمارات العربية املتحدة هي أكثر الدول اخلليجية دخو ً‬ ‫ال‬ ‫يف عالقات جتارية مع إيران‪ ،‬فعىل الرغم من القلق الذي يصل إىل حد التوتر أحيان ًا والذي‬ ‫يشوب العالقات اإليرانية ‪ -‬اإلماراتية بسبب مشكلة اجلزر اإلماراتية املحتلة من قبل إيران‪،‬‬

‫فإن وجود روابط ودية وثيقة بني إيران وإماريت ديب والشارقة جعل دولة اإلمارات وبالتحديد‬ ‫إمارة ديب أهم سوق عربية حتصل منها إيران عىل الواردات‪ ،‬خصوص ًا أن ديب تعترب أهم مركز‬ ‫إقليمي لتجارة الرتانزيت يف منطقة اخلليج‪ ،‬فدولة اإلمارات ال تصدر إىل إيران سلع ًا مصنعة‬ ‫حملي ًا‪ ،‬بل تصدر إليها سلع ًا مستوردة من اخلارج «جتارة الرتانزيت»‪.‬‬

‫)‪(45‬‬

‫‪Hassan Hamdan Al-Alkim, The GCC States in an Unstable World: Foreign‬‬‫‪Policy Dilemmas of Small States (London: Saqi Books, 1994), p. 101.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪155‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل (‪)1989 -1979‬‬

‫ويوضح امليزان التجاري بني اإلمارات وإيران خالل الفرتة ‪ 1985‬وحتى ‪ 1989‬أنه‬

‫يميل ملصلحة دولة اإلمارات دائ ًام‪ .‬فقد بلغت الواردات اإليرانية من دولة اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة نحو ‪ 949 ،276 ،390 ،537 ،350‬مليون دوالر يف األعوام ‪،1986 ،1985‬‬

‫‪.1989 ،1988 ،1987‬‬

‫بينام كانت الصادرات اإليرانية إىل اإلمارات نحو ‪ 140 ،115 ،133 ،86 ،72‬مليون‬

‫دوالر يف األعوام ‪.1989 ،1988 ،1987 ،1986 ،1985‬‬

‫تأيت السعودية يف املركز الثاين بعد اإلمارات من حيث التبادل التجاري مع إيران خالل‬

‫فرتة احلكم اخلميني‪ ،‬وخالل تلك الفرتة تذبذب امليزان بني البلدين بني الفائض والعجز‬

‫بنسب متقاربة‪ ،‬وباستثناء عام ‪ 1989‬حيث حتقق للمملكة العربية السعودية فائض بلغ نحو‬ ‫سبعة وثامنني مليون دوالر‪ ،‬فبلغت صادراهتا إليران ثامنية وثامنني مليون دوالر‪ ،‬بينام كانت‬

‫وارداهتا ال تتعدى املليون دوالر خالل ذلك العام‪.‬‬

‫يعود ضعف العالقات التجارية بني اململكة العربية السعودية وإيران إىل عوامل سياسية‬

‫تتعلق بالرصاع بني البلدين‪ ،‬الذي وصل إىل حد القطيعة الدبلوماسية عام ‪ 1988‬نتيجة أعامل‬ ‫الشغب اإليرانية خالل موسم احلج‪ ،‬وبسبب اخلالف املذهبي بني البلدين‪ ،‬واملوقف السعودي‬

‫من احلرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬وهذا السبب األخري هو نفسه الذي حدا بالعالقات التجارية‬

‫بني الكويت وإيران إىل الرتاجع للمرتبة الثالثة يف الرتتيب اخلليجي‪ ،‬نتيجة ظروف احلرب‬ ‫وجلوء الكويت إىل املساعدة األجنبية حلامية ناقالهتا النفطية خالل احلرب‪.‬‬

‫وعامن‪ ،‬فإنه عىل الرغم من حمدودية العالقات التجارية بينها وبني‬ ‫أما البحرين وقطر ُ‬

‫إيران‪ ،‬فإن امليزان التجاري يميل يف معظم السنوات ملصلحة تلك الدول‪ ،‬خصوص ًا بالنسبة‬

‫إىل قطر وسلطنة عامن ‪. (4‬‬

‫ ‪ (4‬اعتمدنا يف حتليل امليزان التجاري بني إيران وبني الدول اخلليجية عىل‪ :‬أمحد السيد النجار‪« ،‬العالقات‬ ‫االقتصادية اإليرانية‪ :‬ماض متذبذب ومستقبل مرهون بالعالقات السياسية‪ »،‬يف‪ :‬قاسم ورزق‪ ،‬حمرران‪ ،‬العالقات العربية‬ ‫اإليرانية‪ ،‬ص ‪.278 - 263‬‬ ‫‪156‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫‪.‬اجلدول رقم (‪)1-4‬‬

‫امليزان التجاري بني إيران والدول اخلليجية ‪ 1989 -1985‬باملليون دوالر‬

‫الواردات‬ ‫من إيران‬ ‫‪86‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬

‫الصادرات‬ ‫إىل إيران‬ ‫‪537‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪13‬‬

‫الواردات‬ ‫من إيران‬ ‫‪72‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬

‫الصادرات‬ ‫إىل إيران‬

‫‪350‬‬

‫‪11‬‬

‫‪36‬‬

‫‪8‬‬

‫‪13‬‬

‫اإلمارات‬

‫السعودية‬

‫الكويت‬

‫البحرين‬

‫قطر‬

‫‪1985‬‬

‫‪390‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪1986‬‬

‫‪133‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪1987‬‬

‫الصادرات‬ ‫إىل إيران‬ ‫‪276‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‬‫‪31‬‬

‫‪1988‬‬ ‫الواردات من‬ ‫إيران‬ ‫‪115‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪1989‬‬ ‫الصادرات‬ ‫إىل إيران‬ ‫‪949‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫الصادرات الواردات من‬ ‫إيران‬ ‫إىل إيران‬

‫الواردات من‬ ‫إيران‬ ‫‪140‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‬‫منصور حسن العتيبي‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪157‬‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫ال�سيا�سة ا إليرانية خالل اجلمهورية الثانية‬ ‫(‪)1997 - 1989‬‬


‫يتناول هذا الفصل بالدراسة والتحليل سياسة اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية الثانية جتاه‬

‫دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية خالل الفرتة من ‪ 1989‬وحتى ‪ ،1997‬من خالل‬

‫مخسة حماور رئيسة‪ ،‬وذلك يف مخسة مباحث عىل النحو التايل‪:‬‬

‫أو ًال‪ :‬األيديولوجيا اإليرانية‬ ‫إذا كان الفكر الثوري ومبدأ تصدير الثورة وتقديم احلكومة اإليرانية لنفسها نموذج ًا‬

‫للحكومة اإلسالمية التي جيب عىل باقي دول العامل االقتداء هبا والسعي عىل هنجها نفسه‬

‫هي أساس األيديولوجيا التي قامت عىل نرشها احلكومة اإليرانية يف عهد آية اهلل اخلميني‬

‫خالل اجلمهورية األوىل من عمر الدولة اإليرانية يف مرحلة ما بعد الثورة اإلسالمية‪ ،‬إال أن‬ ‫ذلك الفكر األيديولوجي قد طرأت عليه تغيريات نتيجة املراجعة التي خضع هلا حتت ضغط‬

‫الظروف الدولية واإلقليمية ‪ -‬وحتى الداخلية ‪ -‬التي مرت هبا إيران طوال عمر اجلمهورية‬ ‫األوىل‪ ،‬وورثها هاشمي رفسنجاين خالل واليته األوىل والثانية للجمهورية اإليرانية الثانية‪،‬‬

‫لذلك كان عليه أن يتبع أيديولوجيا أكثر براغامتية من تلك التي كانت متبعة خالل حكم‬ ‫اخلميني‪ ،‬مبتعد ًا شيئ ًا فشيئ ًا عن سياسة تسييس الدين‪ ،‬والتخفيف من إطالق شعارات تصدير‬ ‫الثورة واهتام النظم اخلليجية والعربية بأهنا ال متثل اإلسالم احلقيقي‪.‬‬

‫وقد يكون التحول يف األيديولوجيا اإليرانية نتيجة أحد األسباب التالية ‪:‬‬ ‫ عالء طاهر‪« ،‬تسييس الدين‪ :‬إشكالية السياسة اإليرانية بني منطقة اخلليج والساحة الدولية‪ »،‬السياسة‬ ‫الدولية‪ ،‬العدد ‪( 22‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،)1994‬ص ‪.5‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪159‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫ إن العمل من أجل اإلسالم عىل صعيد الساحة العاملية ال بد أن جيري بصمت‪ ،‬ومن‬‫دون دعاية إعالمية تك ّفر اآلخر وختطط ألعامل عنف داخل بلدان العامل العريب واإلسالمي‪،‬‬ ‫وجيب أن يكون هذا العمل ضمن حدود القانون الدويل‪ .‬ولذلك سيكون فاع ً‬ ‫ال بخدمته‬ ‫القضايا اإلسالمية يف العامل من دون أن يثري ردود فعل عكسية ومعادية لإلسالم باعتباره‬

‫«دين» إرهاب مثلام قدمته إيران إىل العامل‪.‬‬

‫إن اخلدمات التي تقدمها دول إسالمية للشعوب اإلسالمية عىل الصعيد العاملي وبشكل‬

‫إجيايب فاعل وصامت حتقق نتائج إجيابية كبرية يف هذا املجال‪ ،‬من دون أن ينبثق صوت يدين‬

‫اإلسالم باعتباره دين إرهاب‪ ،‬أما إيران فكانت تعمل عىل عكس هذه السياسة العقالنية‬ ‫واملؤثرة‪.‬‬

‫‪ -‬إن كل األساليب التي قامت إيران بدعمها باعتبارها أعامل عنف أو إدانات إعالمية‬

‫من أجل حتقيق أهداف التفوق اإلقليمي داخل اخلليج أو حتقيق بروز دويل هلا باعتبارها رائدة‬ ‫لإلسالم‪ ،‬هي أساليب أخفقت بشكل مطلق عاملي ًا‪ ،‬ومل جتن من خالهلا إال نتائج عكسية باهتام‬ ‫اإلسالم باعتباره دين إرهاب وعنف‪.‬‬

‫ إن الثورة اإلسالمية يف إيران التي قامت عىل أساس تصدير الثورة إىل البلدان‬‫املجاورة أو ً‬ ‫ال ثم إىل البلدان األوروبية اصطدمت بواقع أن الوضع الدويل مل يسمح أبد ًا‬ ‫بتصدير الثورات‪ ،‬فعىل الرغم من أن الثورة اإليرانية قد حظيت بتأييد شعبي عاملي يف بداية‬

‫انبثاقها باعتبارها ثورة عىل االستبداد وعىل دكتاتورية شاه إيران‪ ،‬فإهنا قد غدت موضع شك‬

‫عاملي بسبب تأييد السلطة اإليرانية لعمليات اإلرهاب والعنف التي متارسها مجاعات تدّ عي‬

‫اإلسالم‪ .‬وهذا األسلوب جعل الثورة اإليرانية توصف بأهنا نموذج عنفي‪.‬‬

‫املفرتض يف أي نموذج ثوري أن حيقق نجاح ًا داخلي ًا قبل تصديره إىل الدول املجاورة‪ ،‬فال‬ ‫بد أو ً‬ ‫ال من بناء ذلك النموذج داخلي ًا‪ ،‬بحيث ينطلق إىل اخلارج من أرضية صلبة عىل املستويات‬

‫االقتصادية واالجتامعية والثقافية والسياسية كافة‪ ،‬وحتى العسكرية‪ .‬وعىل الثورة أن تثبت‬ ‫ال حتى جتد قبو ً‬ ‫نجاحها داخلي ًا باعتبارها نموذج ًا إصالحي ًا أو ً‬ ‫ال لدى اآلخرين يف اخلارج‪.‬‬ ‫إال أن ذلك مل يتحقق عىل صعيد اجلبهة الداخلية يف إيران‪ ،‬ومل يكن له أي مردود إجيايب‪،‬‬

‫سواء عىل مستوى احلياة االقتصادية أم عىل مستوى التنفيذ‪ ،‬أم حتى عىل مستوى تطبيق‬ ‫‪160‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫اإلسالم ذاته داخل إيران‪ .‬فلم يكن الوضع االقتصادي يف إيران مبرش ًا بأي صعود‪ ،‬بل‬ ‫العكس؛ إذ تراجع االقتصاد اإليراين وحدثت له انتكاسة حقيقية نتيجة هبوط عائدات النفط‪،‬‬ ‫وارتفاع الديون اخلارجية مع تزايد االسترياد العشوائي للمنتجات االستهالكية واملعدات‬ ‫العسكرية‪ ،‬وعدم كفاية االستثامرات الوطنية واألجنبية النعدام الثقة من جانب املستثمرين‪،‬‬ ‫إىل جانب قصور البنية التحتية ونقص اخلدمات العامة‪ ،‬واتباع سياسة رضيبة غري مالئمة‪،‬‬

‫وقصور اإلنتاجية وغياب احلوافز لدى الشغيلة‪ ،‬وانتشار الفوىض العامة بسبب نقص الكوادر‬

‫ذوات الكفاءة نتيجة نزيف العقول وهروب األدمغة إىل اخلارج‪ ،‬واستفحال البريوقراطية‬ ‫يف اإلدارات ويف الرشكات واملصانع القومية والتابعة للقطاع العام‪ .‬والتهام املاليل ملصادر‬ ‫املمتلكات العامة من خالل اللجان واملؤسسات اخلريية املنترشة يف ربوع إيران‪ .‬وهذه األزمة‬

‫االقتصادية صاحبتها أزمة اجتامعية حادة‪ ،‬وتفاقم الفقر بني املواطنني‪ ،‬وازدادت اهلوة بني‬

‫الرشائح االجتامعية كافة ‪.‬‬

‫ونتيجة تلك األوضاع‪ ،‬شهدت إيران عدد ًا من املظاهرات واالضطرابات االحتجاجية‬ ‫التي اندلعت يف طهران وإسالم شهد ويف العديد من املدن اإليرانية‪ ،‬احتجاج ًا عىل األوضاع‬

‫االقتصادية واالجتامعية املتدهورة التي نجم عنها اهنيار قيمة العملة الوطنية وارتفاع األسعار‬

‫وارتفاع معدالت التضخم‪.‬‬

‫دفع هذا الوضع املتأزم والرتكة الثقيلة التي ورثتها اجلمهورية الثانية واستمرت خالل‬

‫السنوات األوىل من عمرها بالرئيس هاشمي رفسنجاين إىل اتباع سياسة اقتصادية تتسم‬

‫بدرجة أكرب من الليربالية من ناحية السامح بحرية استرياد املواد واملنتجات االستهالكية من‬ ‫دون عوائق‪ ،‬كام دعا البعض إيران إىل أن هتتم بوضع املواطنني املعييش بد ً‬ ‫ال من احلديث عام‬

‫حيدث يف البوسنة وفلسطني ‪.‬‬

‫من هنا‪ ،‬نزعت إيران يف عهد اجلمهورية الثانية إىل التخيل عن العامل املذهبي يف السياسة‬

‫اخلارجية اإليرانية‪ ،‬وأدركت أن تشددها يف عالقاهتا مع دول اخلليج العربية‪ ،‬ويف نزعتها‬ ‫ مهدي شحادة وجواد بشارة‪ ،‬إيران‪ :‬حتدَّ يات العقيدة والثورة (باريس‪ :‬مركز الدراسات العريب األورويب‪،‬‬ ‫‪ ،)1999‬ص ‪.41‬‬

‫ حسن محدان العلكيم‪ ،‬األمن واالستقرار يف منطقة اخلليج‪ :‬دراسة استرشافية‪ ،‬سلسلة قضايا خليجية؛ ‪3‬‬ ‫(رأس اخليمة‪ :‬املركز العريب للدراسات االسرتاتيجية‪ ،)1999 ،‬ص ‪.11‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪161‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫الثورية‪ ،‬ينعكس سلب ًا وبصورة مبارشة عىل رغبتها يف اخلروج من العزلة الدولية من ناحية‪،‬‬ ‫وأن العالقات اجليدة مع دول اخلليج العربية من شأهنا أن تنعكس إجيابي ًا عىل الشيعة يف تلك‬ ‫البلدان من ناحية ثانية ‪.‬‬

‫أمجع املراقبون يف الشهور األوىل التي تلت هناية حرب اخلليج الثانية عىل أن هناك رغبة‬

‫إيرانية صادقة يف إجراء جتديد السياسة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬بخاصة بعد إطالق رساح مجيع‬

‫الرهائن الغربيني املحتجزين يف لبنان من قبل عنارص موالية إليران يف ترشين الثاين‪/‬نوفمرب‬

‫‪ ،1991‬واتفق اجلميع عىل أن هاشمي رفسنجاين رئيس مجهورية إسالمي معتدل ‪.‬‬

‫كانت سياسة هاشمي رفسنجاين اجلديدة يف اخلليج براغامتية بدرجة ملحوظة‪ ،‬وذات‬

‫نزعة معتدلة‪ ،‬حيث رأت أهنا غري قادرة عىل تغيري اخلريطة السياسية للمنطقة‪ ،‬كام حاولت‬

‫إيران التكيف مع ميزان القوى اجلديد يف املنطقة‪ ،‬حيث الدور الرئيس فيه للواليات املتحدة‬ ‫األمريكية‪ ،‬التي استطاعت إبعاد االحتاد السوفيايت عن املنطقة والعمل عىل احتواء إيران‬ ‫والعراق‪ ،‬ومحاية استثامراهتا النفطية الضخمة يف املنطقة من خالل تقوية اململكة العربية‬

‫السعودية لردع كل من العراق وإيران‪.‬‬

‫من ثم سعت إيران إىل حتسني عالقاهتا مع دول اخلليج بالعمل عىل تعزيز استقرار‬

‫املنطقة‪ ،‬وأعلن رفسنجاين أنه «جيب عىل إيران وقف استعداء اآلخرين وأن حتجم عن التدخل‬ ‫ بعد انتخاب رافسنجاين وضع إعادة بناء االقتصاد عىل رأس األولويات‪ ،‬واعتمدت خطة رافسنجاين اخلمسية‬ ‫األوىل للتنمية (‪ )1993-1988‬عىل جذب رؤوس األموال األجنبية‪ ،‬واسترياد التكنولوجيا احلديثة‪ ،‬وزيادة عائدات‬ ‫النفط واالقرتاض من أسواق املال الدولية‪ ،‬مما أدى إىل حتسن يف أداء االقتصاد اإليراين‪ ،‬وأصبحت األوضاع االقتصادية‬ ‫أكثر اعتامد ًا عىل قوى السوق‪ ،‬وبدأت الشعارات الثورية ختتفي من عىل اجلدران‪ ،‬وحلت حملها إعالنات لرتويج منتجات‬ ‫يابانية وأوربية‪ .‬راجع ذلك يف‪:‬‬

‫”‪Sohab Shahabi, “A Review of Iran’s Five-Year Development Plan, and a Look to the Future,‬‬ ‫‪Iranian Journal of International Affairs, vol. 4, no. 2 (1992), pp. 422-425.‬‬

‫ومن أهم القوانني التي استصدرها رافسنجاين القانون الذي صدر من جملس الشورى عام ‪ 1993‬لتعزيز فرص‬ ‫االستثامر األجنبي وإنشاء مناطق جتارية حرة يف جزيريت قشم وكيش اإليرانيتني‪ ،‬وكان من أهم بنود ذلك القانون‪ :‬إعفاء‬ ‫األنشطة االقتصادية لتلك املناطق من اخلضوع للرضائب ملدة مخسة عرش عام ًا؛ حرية دخول وخروج رؤوس األموال‬ ‫منها وإليها؛ تأمني املستثمرين األجانب عىل استثامراهتم فيها‪ ،‬ومتكينهم من املشاركة يف مرشوعاهتا بأية نسبة‪ ،‬بعد أن كان‬ ‫يشرتط أن تقل نسبة حصصهم عن النصف يف أي مرشوع‪ ،‬وتسهيل اإلجراءات فيها‪ ،‬وإعفاء السلع املصنعة فيها من‬ ‫اجلامرك‪ .‬انظر‪ :‬نيفني عبد املنعم مسعد‪ ،‬صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية (بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة‬ ‫العربية‪ ،)2001 ،‬ص ‪.204-203‬‬ ‫ شحادة وبشارة‪ ،‬إيران‪ :‬حتدَّ يات العقيدة والثورة‪ ،‬ص ‪.104‬‬

‫‪162‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫يف شؤوهنم الداخلية»‪ .‬وهو ما يعني أن تصدير الثورة تراجع بوصفه هدف ًا من أهداف السياسة‬

‫اخلارجية اإليرانية‪.‬‬

‫حاول الرئيس رفسنجاين أن يتبع صيغة النهج املزدوج‪ ،‬وأن جيمع بني أسلوب الرشعية‬

‫الثورية اإلسالمية وصيغة الدبلوماسية امللتزمة بالعالقات الدولية السلمية يف عالقة إيران مع‬ ‫اخلارج‪ .‬لكن هذا األمر مل يكن سه ً‬ ‫ال‪ ،‬وبخاصة بعد عام ‪ 1992‬عندما متكنت القوى املحافظة‬

‫من السيطرة عىل الربملان‪ ،‬وبدأت باملواجهة مع العدوان الثقايف الغريب‪ ،‬ومقاومة كل مظاهر‬

‫«األمركة»‪.‬‬

‫منع هذا النهج املناوئ للواليات املتحدة األمريكية إيران من االندماج يف اللعبة‬

‫السياسية اإلقليمية التي تتحكم فيها الواليات املتحدة األمريكية يف فرتة ما بعد حرب اخلليج‬

‫الثانية وما بعد احلرب الباردة‪ ،‬حيث أصبحت الواليات املتحدة هي الالعب الدويل الوحيد يف‬ ‫الرشق األوسط‪ ،‬حيث حتدَّ ت طهران املرشوعات األمريكية يف املنطقة‪ ،‬خصوص ًا مرشوعات‬ ‫السالم العربية ‪ -‬اإلرسائيلية‪ ،‬األمر الذي أدى إىل بذر بذور الشك من جديد يف قلوب دول‬

‫اخلليج والدول الغربية والعربية جتاه النوايا اإليرانية‪ ،‬بعد أن كان املوقف اإليراين خالل أزمة‬ ‫اخلليج الثانية قد أزال كثري ًا من تلك الشكوك وفتح الباب أمام عالقات إيرانية خليجية ودية‬ ‫ال تشوهبا احلزازات املذهبية‪.‬‬

‫كام سامهت عوامل أخرى يف إذكاء تلك الشكوك مرة أخرى‪ ،‬أمهها‪:‬‬ ‫‪ -‬السعي اإليراين إىل تشجيع الصحوة اإلسالمية الدينية يف عدد من الدول مثل‬

‫السودان وشامل أفريقيا ودول اخلليج وأفغانستان واجلمهوريات اإلسالمية املستقلة عن‬

‫االحتاد السوفيايت السابق‪ ،‬وذلك من أجل تأمني دور إيراين يف هذه املناطق‪ ،‬وبقاء الثورة‬ ‫اإلسالمية اإليرانية مصدر اإلهلام للحركات اإلسالمية أينام وجدت‪.‬‬

‫‪ -‬اإلجراءات التي اختذهتا السلطات اإليرانية يف جزيرة أبو موسى التابعة لدولة‬

‫اإلمارات‪ ،‬وانتهاكها الصارخ لبنود مذكرة التفاهم اخلاصة باجلزيرة املوقعة بني إيران الشاه‬

‫وإمارة الشارقة يف العام ‪ ،1971‬ورفض إيران طلب اإلمارات إجراء حوار ومفاوضات‬ ‫حول اجلزر الثالث أبو موسى وطنب الكربى وطنب الصغرى‪ ،‬وليس حول أبو موسى فقط‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪163‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫باعتبارها جزر ًا إماراتية حمتلة‪ ،‬كام رفضت إيران طلب اإلمارات إحالة املوضوع إىل التحكيم‬

‫الدويل‪ ،‬عىل أساس أن املسألة مسألة نزاع داخيل‪ .‬فالسياسة اإليرانية مل ختتلف يف عهد رفسنجاين‬ ‫كرر آية اهلل خامنئي‬ ‫عنها يف عهد الشاه وآية اهلل اخلميني يف ما يتعلق باجلزر الثالث‪ ،‬وكثري ًا ما َّ‬ ‫وهاشمي رفسنجاين وغريمها من الزعامء اإليرانيني أهنم لن يتخلوا عن سيادة إيران عىل تلك‬ ‫اجلزر أو يقبلوا ح ًّ‬ ‫ال وسط ًا بشأهنا ‪.‬‬ ‫‪ -‬اندفاع إيران وراء برناجمها التس ّلحي الذي بدأته يف التسعينيات بالتعاون مع كل‬

‫من كوريا الشاملية والصني وروسيا‪ ،‬وهو ما حدا بالقمة اخلليجية التي عقدت بالدوحة يف‬

‫كانون األول‪/‬ديسمرب ‪ 1996‬إىل التشكيك يف نوايا إيران وأغراضها من وراء ذلك الربنامج‬ ‫التسليحي‪ .‬وجاء يف البيان اخلتامي الجتامع املجلس األعىل بالدوحة ما ييل‪:‬‬

‫«عبرَّ املجلس األعىل عن قلقه الشديد من قيام اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية بنرش‬ ‫صورايخ أرض‪ -‬أرض يف اخلليج العريب‪ ،‬بام يف ذلك نرشها لصواريخ عىل جزر دولة اإلمارات‬

‫العربية املتحدة الثالث املحتلة‪ ،‬األمر الذي يعرض دول املجلس ومنشآهتا احليوية للتهديد‬

‫املبارش‪ ،‬وكذلك عن قلقه من سعي إيران املتواصل القتناء وبناء ترسانات من أسلحة الدمار‬ ‫الشامل‪ ،‬وقدرات تسليحية تقليدية وغري تقليدية تفوق االحتياجات الدفاعية املرشوعة» ‪.‬‬

‫لذلك دعا قادة جملس التعاون املجتمع الدويل إىل بذل اجلهود الفاعلة من أجل جعل‬

‫منطقة اخلليج خالية من أسلحة الدمار الشامل‪.‬‬

‫‪ -‬استمرار اإليرانيني يف إثارة القالقل خالل موسم احلج‪ ،‬عىل الرغم من عودة‬

‫العالقات الدبلوماسية بني إيران واململكة العربية السعودية يف أعقاب حرب اخلليج الثانية‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أن الرئيس اإليراين هاشمي رفسنجاين قد أعطى توجيهاته لبعثة احلج اإليرانية‬

‫يف عام ‪ 1992‬برضورة التزام احلجاج اإليرانيني بتعليامت البعثة ورعاية اجلانب السيايس‬ ‫ حمسن ميالين‪« ،‬سياسة إيران يف اخلليج‪ :‬من املثالية واملجاهبة إىل الربامجاتية واالعتدال‪ »،‬يف‪ :‬مجال سند‬ ‫السويدي‪ ،‬حمرر‪ ،‬إيران واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار (أبو ظبي‪ :‬مركز اإلمارات للبحوث والدراسات االسرتاتيجية‪،‬‬ ‫‪ ،)1996‬ص ‪.139‬‬

‫ «البيان اخلتامي للمجلس األعىل لدول جملس التعاون اخلليجي بالدوحة‪ ،‬الدورة السابعة عرشة ‪ ،‬قطر‪-7 ،‬‬ ‫‪ 9‬كانون األول‪/‬ديسمرب ‪ »،1996‬يف‪ :‬جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬األمانة العامة‪ ،‬البيانات اخلتامية لدورات‬ ‫املجلس األعىل‪ ،‬ط ‪( 13‬الرياض‪ :‬املجلس‪ ،)2000 ،‬ص ‪.149‬‬ ‫‪164‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫واملعنوي لفريضة احلج‪ ،‬برشط أال يؤدي ذلك إىل إمهال اجلوانب غري السياسية للحج‪،‬‬

‫وطمأنة السلطات السعودية إىل أن احلجاج اإليرانيني ال ينوون اإلخالل باألمن وإزعاج‬ ‫احلجاج واملسؤولني السعوديني‪ ،‬فإن هذا التوجيه مل يمنع احلجاج اإليرانيني من تنفيذ «إعالن‬ ‫الرباءة من املرشكني» بسبب إرصار املتشددين يف إيران عىل رضورة تنفيذه باعتباره أمر ًا واجب ًا‬ ‫تعد فريضة احلج من دونه ناقصة‪.‬‬

‫ومسريات إعالن الرباءة من املرشكني التي يقوم هبا احلجاج اإليرانيون هي يف الفكر‬ ‫اإليراين الشيعي فريضة واجبة ال يصح احلج من دوهنا‪ ،‬ومن ثم تظل هذه املسريات جما ً‬ ‫ال‬

‫إلثارة عدم االستقرار خالل موسم احلج ‪.‬‬

‫كام أن إيران طالبت اململكة العربية السعودية يف عام ‪ 1994‬بأن تكون نسبة احلجاج‬

‫الذين تبعثهم إىل مكة يف موسم احلج أكثر من العدد املسموح هلا به‪ ،‬والذي أقرته منظمة املؤمتر‬

‫اإلسالمي‪ ،‬لكن السلطات السعودية رفضت ذلك عىل لسان وزير احلج السعودي الذي أقر أن‬ ‫عدد حجاج إيران لن يتعدى النسبة املقررة يف اجتامع وزراء خارجية منظمة املؤمتر اإلسالمي‪،‬‬ ‫وأنه لن يسمح إطالق ًا بمامرسة أي شكل من أشكال التجمعات أو عقد املسريات‪.‬‬ ‫كام أكد وزير الداخلية السعودي‪ ،‬األمري نايف بن عبد العزيز‪ ،‬أنه ال جمال لزيادة عدد‬ ‫احلجاج‪ ،‬وأن اململكة قادرة عىل حفظ األمن فيها‪ ،‬وأن اململكة لن تسمح باملسريات أي ًا كان‬

‫نوعها أو هدفها‪ ،‬وعىل اإليرانيني االلتزام بالنُظم واإلجراءات التي وضعتها حكومة خادم‬

‫احلرمني الرشيفني كام تلتزم هبا كل الدول اإلسالمية‪.‬‬

‫وقد توترت العالقات اإليرانية السعودية والعالقات اإليرانية اخلليجية نتيجة الدعم‬

‫اإليراين حلركات اإلرهاب الشيعي يف بلدان اخلليج واملعارضة الشيعية التي تؤرق قادة تلك‬ ‫الدول‪ ،‬وكان ذروة ذلك اهلجوم املسلح بالقنابل الذي وقع يف ميناء «اخلرب» السعودي بإلقاء قنبلة‬ ‫عىل ثكنة من ثكنات القوات األمريكية هناك‪ ،‬والذي أدى إىل مقتل تسعة عرش أمريكي ًا وجرح‬

‫أكثر من مئة آخرين‪ ،‬وأشارت التحقيقات السعودية إىل أن ذلك اهلجوم كان مؤامرة مدعومة من‬ ‫إيران قامت هبا مجاعة شيعية سعودية تطلق عىل نفسها اسم «حزب اهلل السعودي» ‪.‬‬ ‫ املوجز عن إيران‪ ،‬العدد ‪( 2‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،)1992‬ص‪.6 :‬‬

‫ ديفيد لونج‪« ،‬التوجه اإلسالمي الثوري وأمن اخلليج يف القرن احلادي والعرشين‪ »،‬يف‪ :‬أمن اخلليج يف القرن‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪165‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬النفوذ والبحث عن دور إقليمي‬ ‫مل تكد حرب اخلليج األوىل بني العراق وإيران تضع أوزارها بقبول آية اهلل اخلميني القرار‬

‫‪ 598‬بوقف القتال واللجوء إىل الطرق السلمية حلل النزاع القائم بني البلدين حتى بدأت‬ ‫األوضاع اإلقليمية يف منطقة اخلليج تشهد تغري ًا أساسي ًا يدفع نحو جتدد نزاع قديم جديد بني‬ ‫العراق ودول املنطقة‪ ،‬دفع إىل اندالع أزمة خطرية أصابت جدار األمن اخلليجي والعريب يف آن‬

‫واحد‪ .‬فقد بدا للمحللني السياسيني أن األوضاع اإلقليمية اجلديدة تدفع نحو خروج إيران‬ ‫من عزلتها وإعطائها الفرصة من جديد إلعادة صياغة دورها اإلقليمي بالشكل الذي يضمن‬ ‫هلا مكاسب سياسية واقتصادية‪ ،‬بل وإقليمية أيض ًا‪.‬‬ ‫تفكك التحالف الذي مجع بني العراق ودول جملس التعاون اخلليجي وبصفة خاصة‬

‫الكويت نتيجة جمموعة من اخلالفات حول عدد من القضايا األساسية أمهها‪ :‬رفض ضم‬

‫العراق إىل عضوية جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬وقيام العراق باهتام كل من الكويت‬ ‫واإلمارات بإغراق السوق النفطية وجتاوز احلصص املقررة لكل منهام يف اإلنتاج‪ ،‬وبالتايل‬

‫التسبب يف تدهور األسعار‪ .‬كام اهتم الكويت باستغالل انشغاهلا باحلرب مع إيران وقيامها‬ ‫برسقة النفط العراقي من خالل حقل الرميلة العراقي‪ ،‬وعدم استعداد دول اخلليج العربية‬

‫ملعاقبة سوريا عىل دعمها إليران ‪. (1‬‬

‫ويف الوقت نفسه‪ ،‬كانت األوضاع الدولية مهيأة أمام العراق لإلقدام عىل مغامرة غزو‬

‫الكويت وابتالعها؛ حيث إن حال الفراغ الدويل النامجة عن التحول احلادث يف النظام الدويل آنذاك‬ ‫من نظام ثنائي القطبية إىل نظام أحادي القطبية تسيطر فيه الواليات املتحدة األمريكية بعد انتهاء‬

‫االحتاد السوفيايت السابق وحتلله‪ ،‬وانشغال الواليات املتحدة األمريكية بام حيدث يف رشق أوروبا‬

‫عام جيري يف منطقة الرشق األوسط‪ ،‬أوجد املناخ الدويل املناسب للعراق للقيام بغزو الكويت بعد‬ ‫تطبيع العالقات العراقية ‪ -‬األمريكية‪ ،‬يف الوقت الذي كانت تعاين فيه إيران عزلة دولية وإقليمية‬

‫وعالقات رصاعية مع دول اخلليج نتيجة موقف تلك األخرية من حرهبا مع العراق ‪. (1‬‬ ‫احلادي والعرشين (اإلمارات‪ :‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االسرتاتيجية‪ ،)1998 ،‬ص ‪.177‬‬

‫ ‪ (1‬جالل معوض‪« ،‬غزو الكويت وحرب اخلليج الثانية‪ »،1991- 1990 ،‬يف‪ :‬موسوعة أحداث القرن‬ ‫العرشين‪ 4 ،‬ج (القاهرة‪ :‬دار املستقبل العريب‪ ،)2000 ،‬ص ‪.623-565‬‬ ‫ ‪ (1‬تركي احلمد‪« ،‬الغزو‪ ،‬األسباب املوضوعية واملربرات اإليديولوجية‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬الغزو العراقي‬

‫‪166‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫َّأدت حرب اخلليج الثانية عام ‪ 1991-1990‬التي نجمت عن الغزو العراقي للكويت‬ ‫إىل إثارة جو من التعارض يف املوقف اإليراين جتاه تلك األحداث يف ما بني القيادات السياسية‬ ‫والقيادات الدينية داخل إيران‪ .‬ففي الوقت الذي أعلنت فيه احلكومة اإليرانية أن موقفها‬ ‫من احلرب هو احلياد‪ ،‬راح بعض القياديني الدينيني والسياسيني لألجنحة املختلفة يدلون‬ ‫بترصحيات تتعارض مع السياسة الرسمية للحكومة‪.‬‬ ‫تفاوتت تلك الترصحيات بني مؤيد لدخول إيران احلرب إىل جانب العراق ومعارضة‬ ‫دخول القوات األجنبية إىل املنطقة من جهة‪ ،‬ومؤيد لربط صدام حسني القضية الفلسطينية‬ ‫وانسحاب إرسائيل من األرايض املحتلة والقدس وخروج الواليات املتحدة األمريكية من‬ ‫املنطقة بموضوع انسحابه من الكويت من جهة أخرى‪ ،‬ورضورة حل األزمة سلمي ًا‪ ،‬وهناك‬ ‫من هاجم الرئيس العراقي صدام حسني عىل فعلته هذه يف الوقت الذي رفضوا الوجود‬ ‫األمريكي يف املنطقة ‪. (1‬‬ ‫جاءت أزمة اخلليج الثانية يف وقت تغيرَّ ت القيادة السياسية يف إيران؛ حيث صعد خامنئي‬ ‫من رئاسة الدولة إىل منصب املرشد العام‪ ،‬وانتقل هاشمي رفسنجاين من رئاسة الشورى إىل‬ ‫رئاسة الدولة‪ ،‬وكان هلذا التغري داللته يف ما يتعلق بمحاولة إيران تدعيم عالقاهتا اخلارجية يف‬ ‫إطار خطتها إلعادة البناء وجذب االستثامرات لتعويض خسائرها الرهيبة خالل حرب الثامين‬ ‫سنوات مع العراق التي كلفتها الكثري‪ ،‬حيث بلغ إمجايل ما أنفقته إيران خالل تلك احلرب نحو‬ ‫‪ 644.23‬مليار دوالر أمريكي‪ ،‬بينام كلفت العراق نحو ‪ 452.6‬مليار دوالر‪ ،‬أي أن إمجايل‬ ‫ما أنفقته الدولتان خالل تلك احلرب بلغ نحو ألف وتسعة وتسعني مليار دوالر تقريب ًا‪ ،‬وهو‬ ‫ما يعادل أكثر مما أنتجه البلدان من النفط منذ عام ‪ 1931‬وحتى عام ‪ ،1988‬وهذا إىل جانب‬ ‫مئات اآلالف من القتىل واجلرحى واألرسى من اجلانبني ‪. (1‬‬

‫يبدو أن املوقف اإليراين من غزو العراق للكويت قد تدرج من حال الرتقب إىل اختاذ‬ ‫للكويت‪ :‬املقدمات‪ ،‬الوقائع وردود الفعل‪ ،‬التداعيات‪ :‬أعامل الندوة التي نظمها املجلس الوطني والفنون واآلداب‬ ‫بالكويت يف مارس ‪ ،1995‬عامل املعرفة؛ ‪( 195‬الصفاة‪ :‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،)1995 ،‬ص ‪.104‬‬

‫ ‪ (1‬صالح بن عبد العزيز القنيعري‪« ،‬السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب‪1979 ،‬‬ ‫– ‪( »،1995‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬أكاديمية نارص العسكرية العليا‪ ،‬كلية الدفاع الوطني‪ ،)1988 ،‬ص ‪.64‬‬ ‫ ‪ (1‬كامل أمحد عامر‪ ،‬الدور املرصي والعريب يف حرب حترير الكويت‪ ،‬تاريخ املرصيني؛ ‪( 208‬القاهرة‪ :‬اهليئة‬ ‫املرصية العامة للكتاب‪ ،)2001 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.31-30‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪167‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫موقف حمدد من األزمة‪ ،‬خصوص ًا أن األزمة كانت يف جمملها ملصلحة إيران وسياستها يف‬ ‫مرحلة ما بعد اخلميني‪ ،‬فها هم حلفاء األمس ضد الثورة اإلسالمية اإليرانية يتحولون فجأة‬

‫إىل العداء ويتناحرون بالسالح‪ .‬ولكن الوضع ما لبث أن تغري من جانب القيادة اإليرانية؛ ألن‬ ‫األزمة تفتح أبواب املنطقة أمام التدخل األجنبي بقيادة الشيطان األكرب «الواليات املتحدة»‬ ‫التي بدأت تزحف بجيوشها إىل املنطقة للسيطرة عليها‪ ،‬وهو أكثر خطر ًا عىل األمن القومي‬

‫اإليراين والدور اإلقليمي إليران من العراق وغريه من دول جملس التعاون اخلليجي‪ ،‬يف‬

‫الوقت الذي تبدو يف األفق احتامالت مشاركة إرسائيل يف حرب تشنها دول التحالف املناهض‬ ‫للعراق لتحرير الكويت‪ ،‬وهو ما يتعارض والدور اإلقليمي إليران وأمنها القومي ‪. (1‬‬

‫يف بداية األزمة‪ ،‬قامت إيران بوضع بعض وحداهتا البحرية يف اخلليج يف حال تأهب من‬ ‫دون إشارة لنية القتال مع العراق‪ ،‬وتنازعت إيران داخلي ًا ثالثة مواقف جتاه تلك األزمة‪:‬‬ ‫األول‪ :‬يرى أن إيران يتعني عليها أن تقف إىل جانب صدام حسني وتساعده عىل هزيمة‬

‫الواليات املتحدة األمريكية باعتبارها العدو األسايس والعقبة الكربى يف طريق انتصار الثورة‬ ‫اإلسالمية يف املنطقة‪ ،‬باعتبارها خطوة إلقامة الدولة اإلسالمية الكربى‪ ،‬وهو ما يستحق‬

‫التغايض عن أخطاء صدام السابقة وقبول توبته والتحالف معه ضد الشيطان األكرب ‪. (1‬‬

‫رأى هذا االجتاه أن األولوية هنا إلهناء الوجود األجنبي‪ ،‬ليس فقط لتهديده األمن القومي‬

‫اإليراين بشكل مبارش‪ ،‬ولكن كذلك ألن هذا الوجود جاء ليبقى‪ ،‬وزادت تلك الرؤية بالدعوة‬

‫إىل اجلهاد‪ ،‬تلك الدعوة التي أصدرها عيل خامنئي – عىل الرغم من هجومه احلاد عىل الرئيس‬

‫العراقي صدام حسني وانتقاده املتكرر لغزوه الكويت ‪ -‬التي جاء فيها «إن الكفاح ضد العدوان‬ ‫واألطامع واملآرب والسياسة األمريكية يف اخلليج الفاريس سيدخل يف عداد اجلهاد يف سبيل اهلل‪،‬‬ ‫وما من أحد يلقى املوت عىل هذا الدرب إال وكان شهيد ًا‪ .‬إننا معارضون بحق لوجود أمريكا يف‬

‫منطقة اخلليج الفاريس‪ ،‬وكذلك ألطامعها املتزايدة باستمرار ولسياستها املخزية يف املنطقة» ‪. (1‬‬

‫ ‪ (1‬حسن نافعة‪« ،‬ردود الفعل الدولية إزاء الغزو‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬الغزو العراقي للكويت‪ :‬املقدمات‪ ،‬الوقائع‬ ‫وردود الفعل‪ ،‬التداعيات‪ :‬أعامل الندوة التي نظمها املجلس الوطني والفنون واآلداب بالكويت يف مارس ‪ ،1995‬ص‬ ‫‪.510‬‬ ‫ ‪ (1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.511‬‬

‫ ‪« (1‬الصحافة اإليرانية يف شهر‪ »،‬املوجز عن إيران (كانون الثاين‪/‬ديسمرب ‪ ،)1990‬ص ‪.10‬‬ ‫‪168‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫الثاين‪ :‬يرى أن إيران يتعني عليها أن تساعد دول التحالف املناهض للعراق إلزاحة‬

‫صدام حسني ألنه العدو احلقيقي إليران‪ ،‬وأن إزاحته هي اخلطوة الصحيحة التي تضمن‬

‫تعاظم الدور اإليراين يف املنطقة‪ ،‬وتفتح النفوذ أمام الثورة اإلسالمية التي كان صدام حسني‬ ‫أداة كل القوى التي حاولت اعرتاضها ‪. (1‬‬

‫تعرب هذه الرؤية عن رضورة إعطاء األولوية لتحرير الكويت عىل إهناء الوجود األجنبي‬

‫من زاوية معينة‪ ،‬وهي أن التحرير لن يتحقق إال بواسطة ذلك التدخل‪ .‬إال أن هذا الوجود‬ ‫األجنبي ال بد أن يكون وجود ًا موقت ًا ينتهي بانتهاء الغرض منه وهو التحرير‪.‬‬ ‫وقد عبرَّ عن ذلك الرئيس هاشمي رفسنجاين يف اخلامس والعرشين من آب‪/‬أغسطس‬ ‫‪ 1990‬بقوله‪« :‬إن إيران ال متانع يف االستعانة بقوات أجنبية ما دامت سرتحل فور حترير‬

‫الكويت» ‪. (1‬‬

‫الثالث‪ :‬يرى أنه يتعني عىل إيران أن تقف موقف احلياد‪ ،‬وأن تدير األزمة من منظار‬

‫براغاميت بحت‪ ،‬ال ينساق وراء الشعارات‪ ،‬ويضع عينه عىل مصالح إيران يف املقام األول‪ ،‬وهو‬

‫الرأي الذي انحاز إليه أمحد خامنئي ابن آية اهلل اخلميني‪.‬‬

‫ساد هذا التصور الرباغاميت ملا جيب أن تكون عليه السياسة اإليرانية جتاه األزمة هو الذي‬

‫منذ بداية األزمة‪ ،‬حيث وجدت إيران يف الغزو الفرصة السانحة لتسوية حساباهتا مع طريف‬

‫الرصاع‪ ،‬فقد رفضت القيادة اإليرانية الغزو العراقي للكويت‪ ،‬وحدَّ د املجلس األعىل لألمن‬

‫القومي اإليراين املوقف من الغزو يف النقاط التالية‪:‬‬

‫ عدم قبول االحتالل بأي شكل من األشكال‪.‬‬‫ إن احلل الوحيد يتمثل يف االنسحاب الفوري غري املرشوط من الكويت‪.‬‬‫ إن إيران عىل استعداد للدفاع عن مصاحلها يف أي ظرف من الظروف‪ ،‬لذا فإهنا‬‫ ‪ (1‬نافعة‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.511‬‬

‫ ‪ (1‬التقرير االسرتاتيجي العريب‪( 1990 ،‬القاهرة‪ :‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام‪،‬‬ ‫‪ ،)1991‬ص ‪.143‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪169‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫تعارض أي حماولة لتسوية النزاع بشكل ّ‬ ‫يمكن العراق من االحتفاظ بجزيريت وربة وبوبيان‬ ‫الكويتيتني‪ ،‬أو حصول العراق عىل أي مكاسب إقليمية من شأهنا تغيري الوضع اجليواسرتاتيجي‬ ‫يف منطقة اخلليج‪ ،‬بل وهددت إيران باستخدام القوة املسلحة ملنع ذلك‪.‬‬ ‫ورصح رفسنجاين بأنه إذا أسفر حل أزمة اخلليج سلمي ًا عن احتفاظ العراق بجزيرة‬ ‫بوبيان‪ ،‬فإن القوات اإليرانية سوف تقوم باحتالل هذه اجلزيرة ‪. (1‬‬ ‫ختشى إيران الوجود العراقي املبارش عىل اخلليج‪ ،‬ومن ثم فرض سيطرته عليه‪ ،‬وأكدت‬ ‫إيران التزامها باحلياد إذا اندلعت احلرب بني قوات التحالف الدويل والعراق‪ ،‬وعدم تدخلها‬ ‫ملساندة أحد أطراف القتال‪ ،‬وأكدت رفضها السامح للطرفني باستخدام أراضيها أو جماهلا اجلوي‬ ‫ألغراض عسكرية أو حتى أغراض مدنية طوال فرتة احلرب‪ ،‬إال أن إيران أعلنت أهنا لن تلتزم‬ ‫ذلك احلياد يف حال قيام قوات التحالف بقصف العتبات املقدسة يف مدينتي النجف وكربالء‪،‬‬ ‫أو يف حال دخول إرسائيل وتركيا احلرب ضد العراق‪ ،‬حتى ال حتصل أي من الدولتني عىل‬ ‫امتيازات إقليمية من شأهنا التأثري يف املصالح اإليرانية والدور اإلقليمي إليران يف املنطقة ‪. (2‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬إن إيران حاولت داخلي ًا هتدئة مشاعر اجلامهري اإليرانية وكسب املتشددين‬ ‫بوضع تلك الرشوط الستمرار حيادها خالل تلك احلرب‪ ،‬كام إن ذلك احلياد مل يكن يعني‬ ‫أن إيران مل يكن هلا أهداف من تلك األزمة‪ ،‬فقد أوضح «حسن روحاين» سكرتري املجلس‬ ‫األعىل لألمن القومي اإليراين أن حياد إيران يف حرب اخلليج الثانية ال يعني أن إيران ليست هلا‬ ‫أهداف‪ ،‬أو أهنا غري مبالية بام جيري‪ ،‬بل هلا أهدافها اإلسالمية والثورية‪ ،‬مؤكد ًا أن السياسة التي‬ ‫متارسها اجلمهورية اإلسالمية بالنسبة إىل أحداث منطقة اخلليج هي سياسة اخلطوة ‪ -‬خطوة‪،‬‬ ‫وإهنا تتخذ القرار املالئم عندما حيني وقت اختاذ القرار ‪. (2‬‬ ‫ ‪ (1‬انظر‪ :‬عزت عبد الواحد‪« ،‬إدارة األزمة ىف السياسة اخلارجية املرصية‪ :‬دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية‪،‬‬ ‫‪( »،1991-1990‬رسالة ماجستري غري منشورة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1994 ،‬ص ‪180‬؛ مجال الدين حسني‪،‬‬ ‫حرب حترير الكويت‪ :‬حرب تدمري العراق النص الكامل للرصاع (القاهرة‪ :‬مكتبة مدبويل‪ ،)1991 ،‬ص ‪89‬؛ عامد جاد‪،‬‬ ‫«دول اجلوار اجلغرايف‪ :‬حسابات املكسب واخلسارة‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 103‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،)1991‬ص‬ ‫‪ ،78‬ونازيل معوض‪« ،‬تركيا وإيران وكارثة اخلليج الثانية‪ :‬مقارنة حتليلية‪ »،‬جملة العلوم االجتامعية‪ ،‬العدد ‪( 201‬ربيع ـ‬ ‫صيف ‪ ،)1991‬ص ‪.26‬‬

‫ ‪ (2‬نيفني مسعد‪« ،‬أثر املتغريات العاملية اجلديدة عىل السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه املنطقة العربية‪-1989 ،‬‬ ‫‪ »،1993‬يف‪ :‬مجال زكريا قاسم ويونان لبيب رزق‪ ،‬حمرران‪ ،‬العالقات العربية اإليرانية (القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪،‬‬ ‫معهد البحوث والدراسات العربية‪ ،)1993 ،‬ص ‪.381‬‬ ‫ ‪ (2‬املوجز عن إيران‪ ،‬العدد ‪( 10‬شباط‪/‬فرباير‪ ،)1991‬ص ‪.5‬‬

‫‪170‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ومن ثم‪ ،‬كانت اهلبة األوىل التي نتجت من تلك األزمة بعد أسبوعني فقط من االحتالل‬

‫العراقي للكويت هي املبادرة العراقية التي قدمها صدام حسني إليران يف اخلامس عرش من‬

‫آب‪/‬أغسطس ‪ ،1990‬والتي بموجبها قبل العراق رشوط إيران لتحقيق تسوية مشكالت‬ ‫احلرب املعلقة بني البلدين‪ ،‬وتضمنت املبادرة ما ييل ‪: (2‬‬

‫‪ -‬اعرتاف العراق باتفاقية اجلزائر عام ‪ 1975‬اخلاصة برتسيم احلدود بني البلدين‪،‬‬

‫التي سبق أن ألغاها صدام حسني من جانب واحد وأعلن احلرب عىل إيران‪.‬‬ ‫‪ -‬التبادل الفوري لألرسى لدى اجلانبني‪.‬‬

‫‪ -‬موافقة العراق عىل دفع تعويضات إليران عن اخلسائر احلربية التي طالبت هبا إيران‬

‫بعد وقف احلرب‪ ،‬ومتثلت تلك التعويضات يف حصول إيران عىل نحو مئة ومخسني ألف‬ ‫برميل نفط عراقي يومي ًا يتم نقلها عرب شط العرب عن طريق األسطول العراقي اهلائل من‬

‫اللوريات‪ ،‬ثم بالسفن من شبه جزيرة «الفاو» بقيمة ‪ 4.5‬مليون دوالر يومي ًا‪ ،‬أي ما يعادل‬ ‫‪ 1.5‬مليار دوالر سنوي ًا‪.‬‬ ‫‪ -‬حتجيم املعارضة اإليرانية داخل العراق (مجاعة جماهدي خلق) يف مقابل موافقة‬

‫إيران عىل حل املجلس األعىل للثورة اإلسالمية املعارض للعراق يف طهران‪ .‬كام طالبت إيران‬

‫العراق بتسليم مسعود رجوي زعيم مجاعة جماهدي خلق‪.‬‬

‫‪ -‬قبول العراق انسحاب قواته املوجودة يف األرايض اإليرانية التي احتلها العراق‪،‬‬

‫والتي قدرت مساحتها بنحو ألفني ومخسمئة كيلومرت مربع‪.‬‬

‫كانت تلك املبادرة من أكرب املكاسب التي حتققت إليران خالل تلك األزمة‪ ،‬األمر الذي‬

‫دعا وزيراخلارجية اإليراين‪ ،‬عيل أكرب واليتي‪ ،‬إىل الترصيح بأن ما حتقق يعد أعظم االنتصارات‬ ‫اإليرانية عىل مدى التاريخ‪ ،‬حيث كانت إيران تطالب بثالثمئة مليار دوالر تعويضات‬

‫عسكرية‪ ،‬ولكنها حصلت عىل ما هو أكرب من ذلك‪ ،‬وكل ذلك مقابل وعد إيراين بعدم مهامجة‬ ‫العراق يف حال دخوهلا حرب ًا مع الواليات املتحدة وحلفائها ‪. (2‬‬ ‫ ‪ (2‬عبد الواحد‪« ،‬إدارة األزمة ىف السياسة اخلارجية املرصية‪ :‬دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية‪-1990 ،‬‬ ‫‪ »،1991‬ص ‪.182-181‬‬ ‫ً‬ ‫ ‪ (2‬عامر‪ ،‬الدور املرصي والعريب يف حرب حترير الكويت‪ ،‬ص ‪ ،31‬نقال عن‪« :‬تقرير للفورين ريبورت الصادر‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪171‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫عىل الرغم من التنازالت العراقية إليران‪ ،‬فإن إيران مل تغري موقفها الرافض للغزو‪،‬‬ ‫وأعلنت أهنا تطبق احلظر ضد العراق تطبيق ًا كام ً‬ ‫ال‪ ،‬وأعلن هاشمي رفسنجاين لصحيفة‬

‫لوموند الفرنسية «أنه لو طبقت الدول كلها احلظر مثلام تطبقه إيران فإن العراق سيضطر إىل‬ ‫االنسحاب من الكويت من دون قتال» ‪. (2‬‬

‫وهذا نفسه ما أكده الرئيس اإليراين أمام اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف الرابع‬

‫والعرشين من أيلول‪/‬سبتمرب ‪ ،1990‬باستثناء بعض اإلعانات الغذائية واإلنسانية للشعب‬ ‫العراقي انطالق ًا من األخوة اإلسالمية بني الشعبني ‪. (2‬‬ ‫وحرصت القيادة اإليرانية عىل تأكيد احلضور اإلقليمي والدويل إليران خالل تلك‬

‫األزمة‪ ،‬من خالل االتصاالت املتكررة باملسؤولني العراقيني وتبادل الزيارات معهم‪ ،‬وقيام‬ ‫وزير اخلارجية اإليراين‪ ،‬عيل أكرب واليتي‪ ،‬بزيارة عدد من العواصم الغربية؛ حيث زار ك ً‬ ‫ال من‬ ‫أملانيا وفرنسا وإيطاليا إىل جانب روسيا للتأكيد عىل التزام إيران بموقف احلياد جتاه احلرب‪،‬‬ ‫ورغبة إيران امللحة يف القيام بدور فاعل يف املنطقة بعد احلرب‪ .‬كام أكد «واليتي» يف اجتامعه‬

‫مع وزراء خارجية دول عدم االنحياز يف بلغراد موقف إيران ومطالبتها بخروج العراق من‬ ‫الكويت ومغادرة القوات األجنبية للمنطقة بعد احلرب‪.‬‬

‫تضمنت مخس‬ ‫كام تقدمت إيران بمبادرة إسالمية يف ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪َّ 1990‬‬ ‫نقاط مل تلق قبو ً‬ ‫ال من األطراف املعنية‪ ،‬عىل النحو التايل ‪: (2‬‬ ‫‪ -‬االنسحاب املتزامن للقوات العراقية من الكويت والقوات األجنبية من السعودية‬

‫والدول األخرى‪.‬‬

‫‪ -‬تأليف قوة عسكرية من كل الدول اخلليجية ‪ -‬باستثناء الكويت والعراق ‪ -‬لتحل‬

‫حمل القوات العراقية والقوات األجنبية‪.‬‬ ‫يف لندن عن التنازالت العراقية إليران‪.)1991( »،‬‬ ‫ ‪ (2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.165‬‬

‫ ‪ (2‬معوض‪« ،‬تركيا وإيران وكارثة اخلليج الثانية‪ :‬مقارنة حتليلية‪ »،‬ص ‪.26‬‬ ‫ ‪ (2‬مسعد‪ ،‬صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية‪ ،‬ص ‪.231‬‬ ‫‪172‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ -‬تعاون الدول التي ساعدت العراق ضد إيران بشكل مجاعي من أجل بناء االقتصادين‬

‫العراقي واإليراين ومساعدهتام من دون مقابل‪.‬‬

‫ إسقاط ديون العراق جتاه الدول العربية وغري العربية‪.‬‬‫ توقيع دول املنطقة كلها اتفاقية عدم اعتداء‪.‬‬‫استطاعت إيران خالل تلك األزمة أن تطرح نفسها باعتبارها الطرف اإلقليمي الوحيد‬

‫القادر عىل محاية أمن اخلليج ومحاية دوله من أطامع العراق وهتديداته‪ ،‬وذلك ملد اجلسور التي‬ ‫كانت قد قطعت مع دول اخلليج خالل حرهبا مع العراق‪ ،‬بل إن رفسنجاين قد طرح إيران‬

‫باعتبارها رشطي املنطقة الذي يمكن االعتامد عليه حال وقوع هتديدات أمنية‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫«إن إيران هي البلد الوحيد الذي يمكن االعتامد عليه للدفاع عن أمن منطقة اخلليج ومحاية‬

‫مواردها من النفط» ‪. (2‬‬

‫استطاعت إيران اخلروج من تلك األزمة بالعديد من املكاسب التي أعادت هلا دورها‬

‫اإلقليمي يف منطقة اخلليج‪ ،‬ووضعتها عىل خريطة القوى الدولية من جديد بعد فرتة من‬

‫العزلة الدولية‪ ،‬حيث أقدمت دول املجموعة األوروبية عىل إلغاء العقوبات كلها املفروضة‬ ‫عىل إيران‪ ،‬وكذلك كرس العزلة الدبلوماسية التي كانت مفروضة عىل إيران قبل األزمة إقليمي ًا‬ ‫ودولي ًا‪ ،‬حيث عادت العالقات الدبلوماسية بني إيران واألردن يف ‪ 25‬شباط‪/‬فرباير ‪،1991‬‬ ‫والقى املوقف اإليراين ارتياح ًا يف األوساط اخلليجية وبخاصة السعودية‪ ،‬من حيث إمكانية‬ ‫قبول إيران رشيك ًا إقليمي ًا يف الرتتيبات األمنية بعد األزمة‪ ،‬حيث شاركت إيران يف اجتامع‬ ‫وزراء خارجية دول جملس التعاون الذي عقد يف مسقط يف الرابع من كانون األول‪/‬ديسمرب‬

‫‪ ،1990‬األمر الذي انعكس عىل قرارات تلك القمة‪ ،‬كام أعادت إيران عالقاهتا مع كل من‬

‫موريتانيا وتونس وبريطانيا‪ ،‬وحتسنت عالقاهتا مع موسكو وسوريا‪.‬‬

‫بل إن هارولد براون‪ ،‬وزير الدفاع األمريكي السابق‪ ،‬عبرّ عن اعتقاده بأن مصلحة‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية عىل املدى البعيد تقتيض إقامة عالقات طيبة مع إيران ‪. (2‬‬ ‫ ‪ (2‬جاد‪« ،‬دول اجلوار اجلغرايف‪ :‬حسابات املكسب واخلسارة‪ »،‬ص ‪.77‬‬

‫ ‪ (2‬روبرت جريينربجر‪« ،‬إيران تعطي األمريكان تطمينات عن حيادها يف حرب اخلليج‪ »،‬اآلفاق‪ ،‬العدد ‪5‬‬

‫(‪ ،)1991‬ص ‪.18-17‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪173‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬مل تتحقق األحالم العراقية بضم الكويت الذي يعني دور ًا قيادي ًا أكرب‬ ‫للعراق يف منطقة اخلليج‪ ،‬باإلضافة إىل أنه حيقق للعراق امتداد ًا جيوبوليتيكي ًا بطول سواحل‬

‫الكويت عىل اخلليج‪ ،‬األمر الذي يمثل هتديد ًا للسيطرة اإليرانية يف املنطقة‪ ،‬ومن ثم فإن‬

‫ومهد إليران ألن تصبح القوة اإلقليمية األقوى‬ ‫احلرب قد دمرت القوة العسكرية العراقية‪َّ ،‬‬ ‫يف املنطقة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬قضايا احلـــــدود‬ ‫تسببت يف حال من عدم‬ ‫إذا كانت املامرسات اإليرانية خالل فرتة اجلمهورية األوىل قد َّ‬

‫االستقرار والتوتر يف جوارها اإلقليمي نتيجة األفكار اجلديدة التي جاء هبا النظام الثوري‬

‫اإلسالمي‪ ،‬الذي مل يعرتف باستقالل العديد من دول اخلليج‪ ،‬وأعلن متسكه بمطالبه وحقه‬ ‫التارخيي يف أجزاء من أرايض تلك الدول جمدِّ د ًا األطامع اإليرانية يف العهد امللكي البائد‪ ،‬ما‬ ‫أدى إىل استمرار احتالله جلزر اإلمارات الثالث والدخول يف حرب الثامين سنوات مع العراق‬ ‫حول شط العرب‪ ،‬إال أن إيران التسعينيات يف عهد اجلمهورية الثانية مل تكن سبب ًا مبارش ًا يف‬ ‫حال عدم االستقرار التي شهدهتا منطقة اخلليج خالل تلك احلقبة‪.‬‬

‫واهتمت القيادة السياسية يف إيران بقيادة هاشمي رفسنجاين بالعمل عىل االنفتاح‬

‫عىل دول اخلليج والدول الغربية؛ يف حماولة لكرس العزلة املفروضة عليها نتيجة ممارسات‬ ‫نظام آية اهلل اخلميني خالل اجلمهورية األوىل‪ ،‬إذ استطاعت إيران خالل حكم رفسنجاين‬

‫االستفادة من األحداث اإلقليمية التي جرت عىل الساحة اخلليجية منذ بداية التسعينيات‪،‬‬ ‫نتيجة سلوك العراق العدواين ضد دولة الكويت وغزوه هلا وما تاله من أحداث َّأدت إىل‬

‫استفادة إيران استفادة عظمى نتيجة املبادرة التي تقدَّ م هبا الرئيس العراقي صدام حسني يف ‪15‬‬

‫آب‪/‬أغسطس عام ‪ ،1990‬واعرتف فيها باتفاقية اجلزائر اخلاصة بشط العرب واإلقرار بدفع‬ ‫التعويضات الالزمة إليران عن خسائرها نتيجة للحرب العراقية اإليرانية‪ ،‬وسحب العراق‬

‫لقواته من األرايض اإليرانية املحتلة بمساحة تقدر بنحو ألفني ومخسمئة كيلومرت مربع وتبادل‬ ‫األرسى والبدء بمفاوضات مبارشة لتسوية مسائل احلدود املعلقة بني البلدين‪ ،‬األمر الذي‬

‫أدى إىل غلق ملف احلدود العراقية ‪ -‬اإليرانية ومشكلة شط العرب خالل تلك املرحلة من‬

‫عمر اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ولو بشكل موقت‪.‬‬ ‫‪174‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫لكن هذا مل يكن يعني أن إيران تثق كثري ًا بالقيادة السياسية يف العراق‪ ،‬فهذه القيادة‬

‫مزقت اتفاقية اجلزائر لعام ‪ 1975‬اخلاصة باقتسام شط العرب‪ ،‬وهي التي‬ ‫نفسها هي التي َّ‬ ‫استخدمت أسلحة دمار شامل يف حرهبا مع إيران‪ ،‬ثم اجتاحت أرايض دولة الكويت بالقوة‪،‬‬ ‫عىل الرغم من أن الكويت كانت أكثر الدول التي ساندت العراق خالل حرب الثامين سنوات‬

‫وتعرض أمنها واستقرارها‪ ،‬بل وقيادهتا السياسية‪ ،‬ملخاطر عديدة بسبب موقفها‬ ‫ضد إيران‪،‬‬ ‫َّ‬

‫الداعم للعراق‪ ،‬وبالتايل فليس من املستغرب أن تشعر طهران أن بغداد ال تستطيع أن تفي‬ ‫باتفاقياهتا ألي فرتة من الزمن‪ ،‬خصوص ًا أن احلدود ليست هي املشكلة الوحيدة يف العالقات‬ ‫بني البلدين؛ فهناك قضايا األرسى والتعويضات والشيعة ودعم قوى املعارضة‪ ،‬باإلضافة إىل‬

‫قضية توازن القوة بني البلدين‪ ،‬وتنازع الدور اإلقليمي بينهام‪.‬‬

‫فإذا كانت إيران قد أغلقت ملف احلدود مع العراق خالل تلك احلقبة نتيجة التنازالت‬ ‫العراقية التي وردت يف مبادرة اخلامس عرش من آب‪/‬أغسطس ‪ ،1990‬إال أن إيران ظ َّلت‬

‫عينها عىل العراق حتى بعد التدمري الذي حلق بقوته العسكرية نتيجة حرب حترير الكويت‪،‬‬ ‫ألهنا تدرك أن العراق ما زال يملك القدرة عىل إعادة بناء قوته العسكرية جمدد ًا إذا ما توافرت‬ ‫له الظروف املناسبة لذلك‪ ،‬كام أن إيران مل تكن ترغب يف القضاء عىل نظام صدام حسني‪ ،‬كام‬ ‫تروج لذلك بعض الدول التي ارتأت يف وجوده استمرار ًا لتهديد األمن اخلليجي‪ ،‬ذلك‬ ‫كانت ّ‬ ‫ألن القضاء عىل نظام صدام حسني يعني تفكك العراق وتقسيمه إىل عدة دويالت‪ ،‬وهذا ما‬ ‫حيمل معه آثار ًا سلبية يف إيران أيض ًا‪ ،‬ويفتح الباب أمام انتفاض األقليات داخل إيران‪ .‬كام إن‬ ‫اإلطاحة بنظام صدام حسني قد تؤدي إىل بروز نظام جديد موال للواليات املتحدة األمريكية‬ ‫ينفذ إرادهتا وخمططاهتا يف املنطقة متحالف ًا مع املحور الرتكي ‪ -‬اإلرسائييل ‪. (2‬‬ ‫يسعى النظام اإليراين يف اجلمهورية الثانية إىل االنفتاح عىل اخلارج لكرس عزلته الدولية‬

‫حتى يستطيع التفرغ حلل معضالته االقتصادية وإصالح ما خربته حرب الثامين سنوات‪ ،‬والعزلة‬ ‫املفروضة عليه منذ قيام ثورته اإلسالمية‪ ،‬قد ق َّلل من هلجته اخلاصة بتصدير مبادئ الثورة اإلسالمية‬ ‫عرب احلدود‪ ،‬ما أوجد نوع ًا من االستقرار عىل حدوده مع الدول املستقلة حديث ًا بعد سقوط االحتاد‬

‫السوفيايت‪ ،‬وهذه سياسة تتسق مع الطابع الرباغاميت إليران يف فرتة اجلمهورية الثانية‪.‬‬

‫ ‪ (2‬انظر حمارضة أمحد هاشم التي ألقاها يف‪ :‬الوضع الراهن يف اخلليج وآفاق املستقبل‪ ،‬ندوة القبس‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫‪ 11-10‬ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪ ،1998‬ص ‪.152-147‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪175‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫وعىل الرغم من أن إيران سعت إىل اتباع سياسة التهدئة عىل خمتلف جبهاهتا احلدودية‬ ‫خالل تلك املرحلة‪ ،‬إال أهنا مل تتبع السياسة ذاهتا يف ما يتعلق باجلزر اإلماراتية الثالث التي‬ ‫احتلتها منذ عام ‪ 1971‬وما زالت ترص عىل احتالهلا‪ .‬وعىل الرغم من أن حرب اخلليج‬ ‫الثانية ‪ 1991– 1990‬قد أ َّدت إىل حتسن واضح يف عالقات إيران بدول اخلليج بصفة‬ ‫عامة‪ ،‬لكن ذلك مل يؤد بإيران إىل حماولة تسوية مسألة اجلزر و َّدي ًا مع دولة اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ .‬ففي آذار‪/‬مارس عام ‪ 1992‬قام الرئيس اإليراين هاشمي رفسنجاين بزيارة‬ ‫مفاجئة إىل جزيرة أبو موسى هي األوىل من نوعها التي يقوم هبا رئيس إيراين إىل تلك‬ ‫اجلزيرة منذ احتالهلا عام ‪ ،1971‬ويف أعقاب تلك الزيارة قامت السلطات اإليرانية باختاذ‬ ‫سلسلة من اإلجراءات اإلدارية هبدف تأكيد سيطرهتا وهيمنتها عىل كامل اجلزيرة وعىل‬ ‫ضمها إىل أراضيها ض ًام واقعي ًا‪ ،‬بعد‬ ‫األشخاص املقيمني عىل أراضيها‪ ،‬يف خطوة منها نحو ِّ‬ ‫أن خرجت منطقة اخلليج لتوها من بئر أزمة اخلليج الثانية بكل تداعياهتا وآثارها يف أمن‬ ‫املنطقة والعالقات اإلقليمية باملنطقة‪ .‬وبد ً‬ ‫ال من أن تتجاوب إيران مع املسلك السلمي‬ ‫الذي اتبعته دولة اإلمارات العربية املتحدة حيال تلك القضية‪ ،‬قامت السلطات اإليرانية‬ ‫باختاذ تلك اإلجراءات التي تتناقض مع مذكرة التفاهم اخلاصة باجلزيرة واملعقودة مع‬ ‫حاكم إمارة الشارقة يف ترشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪ ،1971‬فقد تعدَّ ت إيران عىل اجلزء الواقع‬ ‫حتت سلطة اإلمارات يف جزيرة أبو موسى بوضع أنظمة للصواريخ يف ذلك اجلزء من‬ ‫اجلزيرة‪ ،‬وإنشاء بلدية تابعة ملحافظة بندر عباس‪ ،‬وإغالق روضة أطفال اجلزيرة وطرد‬ ‫التالميذ ومدرسيهم‪ ،‬وإهانة أفراد رشطة اجلزيرة والترصف معهم ترصفات غري الئقـة‪،‬‬ ‫واعتقال بعض الصبية من أمـام منازهلم يف اجلزيـرة‪ .‬كام قامت بطرد نحو ستني عام ً‬ ‫ال‬ ‫من اجلزيرة يف شهر آذار‪/‬مارس عام ‪ ،1992‬وخيرَّ ت املعلمني من غري مواطني دولة‬ ‫اإلمارات بني محل اهلوية اإليرانية أومغادرة اجلزيرة هنائي ًا ‪. (3‬‬ ‫دعمت إيران قوهتا املسلحة يف اجلزيرة وفرضت سيطرهتا الكاملة عليها‪ ،‬وبدأت يف‬ ‫حتويلها إىل قلعة عسكرية حصينة ختضع للسيطرة اإليرانية الكاملة‪ ،‬األمر الذي مثَّل هتديد ًا‬ ‫ألمن املنطقة بشكل عام ومضيق هرمز بشكل خاص‪ ،‬نظر ًا إىل أمهية اجلزيرة االسرتاتيجية عىل‬ ‫ ‪ (3‬أمحد جالل التدمري‪ ،‬اجلزر العربية الثالث‪ :‬دراسة وثائقية‪ ،‬تقديم وإرشاف خالد بن صقر القاسمي‬ ‫(االمارات العربية‪ :‬مطبعة رأس اخليمة الوطنية‪ ،)]2000[ ،‬ص ‪.306‬‬ ‫‪176‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫مضيق هرمز وخطوط املالحة البحرية الدولية املارة يف اخلليج‪ .‬كام قامت إيران ببناء جمموعة‬

‫أقر الربملان اإليراين‬ ‫من القواعد العسكرية والبحرية والصاروخية الضخمة يف اجلزيرة‪ .‬كام َّ‬ ‫«جملس الشورى» القانون اخلاص باملياه اإلقليمية اإليرانية‪ ،‬وحدَّ دها باثني عرش مي ً‬ ‫ال بحري ًا‪،‬‬

‫ومنحها حق السيادة عىل جزر اإلمارات الثالث التي حتتلها إيران ‪ . (3‬وإمعان ًا يف تضييق اخلناق‬

‫عىل سكان اجلزيرة من مواطني دولة اإلمارات والعرب واألجانب املقيمني فيها‪ ،‬منعت إيران‬ ‫ال ضمن كيلومرت مربع واحد َّ‬ ‫هؤالء السكان من التجول إ َّ‬ ‫يشكل املنطقة اجلغرافية التي يوجد‬ ‫فيه السكان العرب ومرافق اخلدمات احلكومية اخلاصة هبم‪ ،‬كالتعليم والصحة واألمن التابعة‬ ‫كلها إداري ًا لسلطة احلكومة االحتادية يف أبو ظبي ‪. (3‬‬ ‫كذلك قامت السلطات اإليرانية بإغالق املحال التجارية كلها يف اجلزيرة‪ ،‬ورفضت‬

‫السامح للمواطنني ببناء مساكن جديدة‪ ،‬أو ترميم املساكن القديمة إال يف أضيق احلدود‪،‬‬ ‫ومنعت إنشاء العيادات الطبية وعمليات اإلخالء اجلوي للمرىض إىل مستشفيات اإلمارات‬

‫مهام كانت احلالة املرضية‪ .‬ومنعت السيارات التي حتمل لوحات إماراتية من دخول اجلزيرة‪،‬‬

‫ومنعت دخول أو خروج أي يشء من اجلزيرة إال بترصيح من القائد العسكري اإليراين‬ ‫للجزيرة‪ ،‬كام أهنا رفضت رفع علم دولة اإلمارات عىل أرض اجلزيرة‪ ،‬خمالفة بذلك مذكرة‬

‫التفاهم اخلاصة باجلزيرة ‪. (3‬‬

‫بارشت إيران منذ نيسان‪/‬أبريل عام ‪ 1992‬طرد اإلماراتيني الذين يقيمون يف اجلزيرة‪،‬‬

‫ومنعتهم من العودة إليها يف حال غياهبم عن اجلزيرة ملدة تزيد عىل ستة شهور‪ ،‬ومن ثم ساوت‬

‫بني املواطنني أصحاب األرض وبني الوافدين املقيمني عىل اجلزيرة‪ .‬ويف هناية آب‪/‬أغسطس‬

‫عام ‪ 1992‬منعت السلطات اإليرانية املعلمني يف اجلزيرة وبعض مواطني دولة اإلمارات من‬ ‫النزول إىل اجلزيرة‪ ،‬وأعادت السفينة «خاطر» التي كانت تقلهم عىل أعقاهبا من حيث جاءوا‬

‫بعد أن تم احتجازهم يف عرض البحر ثالثة أيام‪ ،‬واشرتطت حصوهلم عىل ترصحيات دخول‬

‫إيرانية‪ ،‬وقد أدى ذلك اإلجراء إىل نشوب أزمة بني دولة اإلمارات وإيران‪ ،‬جرت يف إثرها‬ ‫ ‪ (3‬حييى حلمي رجب‪ ،‬أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية (القاهرة‪ :‬مركز املحروسة‬ ‫للبحوث والتدريب والنرش‪ ،)1997 ،‬ص ‪.338-337‬‬ ‫ ‪ (3‬املجلة (‪ 9‬أيلول‪/‬سبتمرب ‪.)1993‬‬

‫ ‪ (3‬عبد الوهاب عبدول‪ ،‬اجلزر العربية الثالث يف اخلليج العريب ومدى مرشوعية التغريات اإلقليمية الناجتة عن‬ ‫استخدام القوة‪ :‬دراسة قانونية‪ ،‬كتاب األبحاث؛ ‪( 9‬رأس اخليمة‪ :‬مركز الدراسات والوثائق‪[ ،‬د‪ .‬ت‪ ،)].‬ص ‪.345-343‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪177‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫حمادثات واتصاالت دبلوماسية بني مسؤويل البلدين نتج منها السامح للمدرسني بالدخول‬ ‫باستثناء أربعة عرش شخص ًا اعرتضت عليهم السلطات اإليرانية ألسباب أمنية ‪. (3‬‬ ‫ويف السابع عرش من أيلول‪/‬سبتمرب ‪ 1992‬بدأت يف أبو ظبي مفاوضات إماراتية إيرانية‬

‫تناولت خمتلف اجلوانب القانونية واإلدارية ونزاعات السيادة عىل اجلزر الثالث‪ ،‬وخالل‬ ‫املحادثات طرح الوفد اإلمارايت مخسة مطالب‪ ،‬هي ‪: (3‬‬

‫ إهناء االحتالل العسكري جلزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى‪.‬‬‫ تأكيد التزام إيران بمذكرة التفاهم اخلاصة بجزيرة أبو موسى لعام ‪.1971‬‬‫‪ -‬عدم التدخل بأي صورة ويف أي ظروف وبأي مربر يف ممارسة دولة اإلمارات العربية‬

‫املتحدة لواليتها الكاملة عىل اجلزء املخصص هلا يف جزيرة أبو موسى بموجب مذكرة التفاهم‪.‬‬

‫‪ -‬إلغاء كافة التدابري واإلجراءات التي وضعتها إيران عىل أجهزة الدولة يف جزيرة أبو‬

‫موسى وعىل مواطني الدولة وعىل املقيمني فيها من غري مواطني دولة اإلمارات العربية املتحدة‪.‬‬ ‫‪ -‬إجياد إطار مالئم حلسم مسألة السيادة عىل جزيرة أبو موسى خالل فرتة زمنية حمددة‪.‬‬

‫بينام طالب الوفد اإليراين دولة اإلمارات العربية املتحدة بتعويضات مالية مستحقة‬

‫إليران بسبب اخلسائر التي منيت هبا إيران إبان حرهبا مع العراق‪ ،‬كام أشار الوفد اإليراين‬

‫إىل أن إيران ال ترىض باحلصة النفطية التي حتصل عليها من حقل مبارك النفطي‪ ،‬واهتمت‬ ‫اإلمارات باستخراج كمية من النفط أكرب مما جيب‪.‬‬

‫ر َّدت إيران عىل مطالب دولة اإلمارات بتحديد موقفها بشأن اجلزر يف النقاط التالية ‪: (3‬‬ ‫‪ -‬إن جزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى جزيرتان إيرانيتان‪ ،‬وإهنام جزء ال يتجزأ‬

‫من أرايض إيران‪ ،‬وإن السيادة اإليرانية عليهام ليست مطروحة للنقاش مع اآلخرين‪.‬‬

‫ ‪ (3‬الرشق األوسـط‪ ،1992/9/4 ،‬وعبد اهلل مجعة احلاج‪« ،‬االستيالء عىل جزيرة أبو موسى‪ »،‬شؤون‬ ‫اجتامعية‪ ،‬العدد ‪ ،)1996( 52‬ص ‪.19-17‬‬ ‫ ‪ (3‬عبد اجلليل زيد مرهون‪ ،‬أمن اخلليج بعد احلرب الباردة (بريوت‪ :‬دار النهار للنرش‪ ،)1997 ،‬ص ‪.182-181‬‬

‫ ‪ (3‬رجب‪ ،‬أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية‪ ،‬ص ‪.340‬‬ ‫‪178‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ إن التفاوض بشأن جزيرة أبو موسى جيب أن يتم يف إطار مذكرة التفاهم التي وقعت‬‫عام ‪ ،1971‬وعىل نحو حيقق مصالح إيران األمنية واالقتصادية واالسرتاتيجية يف اخلليج‪.‬‬ ‫ إبعاد املسألة عن تدخالت القوى الكربى‪ ،‬والتوقف عن إثارة أي مطالب إقليمية‬‫يف املحافل الدولية‪.‬‬ ‫إ َّ‬ ‫ال أن هذه املفاوضات باءت بالفشل نتيجة إرصار إيران عىل رفض مناقشة مسألة‬ ‫االحتالل العسكري جلزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى‪ ،‬وكذلك رفض اجلانب اإليراين‬ ‫اقرتاح دولة اإلمارات بإحالة النزاع إىل حمكمة العدل الدولية‪.‬‬

‫برزت آراء عدة لتحليل اإلجراءات اإليرانية وأسباهبا‪ ،‬فالبعض يرى أن ذلك كان‬ ‫رسالة حتذير موجهة إىل القوميات التي تتألف منها الدولة اإليرانية التي تتطلع إىل االنفصال‬ ‫عن الوطن األم‪ ،‬باعتبار أن إيران غري مستعدة للتفريط بأي جزء من أراضيها حتى ولو كان‬ ‫هذا اجلزء بضع جزر صغرية ال تتعدَّ ى كيلومرتات عدة‪.‬‬ ‫وهناك من يرى أن الوضع االقتصادي املرت ِّدي الذي تعاين منه إيران دفعها إىل السيطرة‬ ‫عىل اجلزر بام حتويه من ثروات‪ ،‬كام إن حتديد املياه اإلقليمية باثني عرش مي ً‬ ‫ال بحري ًا جعل حقول‬ ‫النفط كلها واملخزون النفطي يف هذه املياه تابعة هلا‪ ،‬كام إن سوء األوضاع االقتصادية الداخلية‬ ‫أدى إىل أعامل شغب ومظاهرات وعدم استقرار داخل إيران‪ ،‬األمر الذي دفع احلكومة إىل‬ ‫البحث عن أزمة خارجية تلفت نظر الشعب اإليراين بعيد ًا عن مشكالته الداخلية‪.‬‬ ‫بينام يرى رأي ثالث أن التحركات اإليرانية يف اجلزيرة يف ذلك الوقت بالذات هي إنذار‬ ‫لدول جملس التعاون ودول إعالن دمشق والواليات املتحدة األمريكية من أن أي ترتيبات‬ ‫أمنية يف اخلليج ال يمكن أن تتم بمعزل عن إيران‪ ،‬فاهلدف إذ ًا هو لفت نظر دول املجلس‬ ‫وحلفائها وبخاصة الواليات املتحدة إىل أنه ال يمكن استبعاد إيران من تلك الرتتيبات ‪. (3‬‬ ‫إزاء الترصفات اإليرانية‪ ،‬عبرّ جملس التعاون لدول اخلليج العربية عن استنكاره لتلك‬ ‫الترصفات باعتبارها ترصفات غري مسؤولة تنعكس بالسلب عىل العالقات بني دول املجلس‬ ‫وإيران‪ ،‬وتعيدها إىل الوراء‪ ،‬وتشيع جو ًا من عدم الثقة‪.‬‬ ‫ ‪ (3‬عبدول‪ ،‬اجلزر العربية الثالث يف اخلليج العريب ومدى مرشوعية التغريات اإلقليمية الناجتة عن استخدام‬ ‫القوة‪ :‬دراسة قانونية‪ ،‬ص ‪.351-348‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪179‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫ففي البيان اخلتامي للمجلس الوزاري يف الدورة الرابعة واألربعني يف جـدة بالسعودية يف‬ ‫أيلول‪/‬سبتمرب عام ‪ ،1992‬عبرَّ الوزراء عن القلق جتاه اإلجراءات اإليرانية يف جزيرة أبو موسى‬ ‫التي تعترب انتهاك ًا لسيادة إحدى دول املجلس ووحدة أراضيها‪ ،‬وزعزعة األمن واالستقرار يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬وطالب البيان إيران باحرتام مذكرة التفاهم اخلاصة بجزيرة أبو موسى‪ .‬كام رفض البيان‬ ‫استمرار احتالل إيران جلزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى‪ ،‬مؤكد ًا وقوفه إىل جانب دولة‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة يف التمسك بسيادهتا الكاملة عىل جزيرة أبو موسى‪ ،‬وتأييده املطلق‬ ‫لكل اإلجراءات التي تتخذها دولة اإلمارات العربية املتحدة لتأكيد سيادهتا عىل اجلزيرة ‪. (3‬‬

‫وعبرَّ املجلس يف اجتامعاته التالية‪ ،‬سواء عىل املستوى الوزاري أم عىل مستوى املجلس‬ ‫األعىل‪ ،‬عن تأييده الكامل للموقف اإلمارايت الداعي إىل حل النزاع بالطرق السلمية عن طريق‬ ‫عرض النزاع عىل حمكمة العدل الدولية‪ ،‬نظر ًا إىل عدم إبداء إيران الرغبة اجلادة يف بحث إهناء‬ ‫احتالهلا للجزر الثالث‪.‬‬ ‫جراء مواصلة احلكومة اإليرانية اختاذ اإلجراءات‬ ‫وعبرَّ املجلس أيض ًا عن قلقه من ّ‬ ‫التي ترمي إىل تكريس احتالهلا اجلزر الثالث‪ ،‬بام يمثل انتهاك ًا لسيادة دولة اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬وبام يتناىف مع مبادئ القانون الدويل وميثاق املؤمتر اإلسالمي ومبادئ حسن اجلوار‬ ‫واحرتام سيادة ووحدة أرايض دول املنطقة ‪. (3‬‬ ‫كام دعا املجلس األعىل إيران إىل الكف عن ممارسة سياسة فرض األمر الواقع بالقوة‪،‬‬ ‫والتوقف عن تنفيذ أي إجراءات من طرف واحد‪ ،‬وإلغاء أي إجراءات وإزالة أي منشآت سبق‬ ‫تنفيذها من طرف واحد يف اجلزر الثالث‪ ،‬واتباع الوسائل السلمية حلل النزاع القائم عليها‬ ‫وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل‪ ،‬بام يف ذلك إحالة القضية إىل حمكمة العدل الدولية ‪. (4‬‬ ‫ومن ثم يمكن تلخيص موقف جملس التعاون لدول اخلليج العربية من قضية اجلزر يف‬ ‫النقاط التالية‪:‬‬ ‫ ‪« (3‬البيان اخلتامي‪( »،‬املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬الدورة الرابعة واألربعني‪،‬‬ ‫جـدة‪ 9-7 ،‬أيلول‪/‬سبتمرب ‪.)1992‬‬ ‫ ‪« (3‬البيان اخلتامي‪( »،‬املجلس األعىل لدول جملـس التعـاون‪ ،‬الدورة السادسة عرشة‪ ،‬مسقط‪ 6-4 ،‬كانون‬ ‫األول‪/‬ديسمرب ‪.)1995‬‬ ‫ ‪« (4‬البيان اخلتامي‪( »،‬املجلس األعىل لدول جملس التعاون‪ ،‬الدورة السابعة عرشة‪ ،‬الدوحة‪ 28-26 ،‬كانون‬ ‫األول‪/‬ديسمرب ‪.)1996‬‬ ‫‪180‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ -‬تأكيد دول املجلس أن تطور العالقات مع إيران مرتبط بتعزيز الثقة وبام تتخذه‬

‫طهران من إجراءات تنسجم مع التزامها بمبادئ حسن اجلوار واحرتام سيادة ووحدة أرايض‬ ‫دول املنطقة وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية‪.‬‬

‫‪ -‬مطالبة إيران بإلغاء وإزالة كل اإلجراءات التي اختذهتا يف جزيرة أبو موسى‪ ،‬وإهناء‬

‫احتالهلا جلزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى التابعتني لدولة اإلمارات العربية املتحدة‪.‬‬

‫‪ -‬تأكيد املجلس تضامنه التام وتأييده املطلق ملوقف دولة اإلمارات يف هذه القضية‪،‬‬

‫مع دعم كل اإلجراءات والوسائل السلمية التي تراها مناسبة الستعادة سيادهتا عىل جزرها‬ ‫الثالث‪ ،‬وذلك استناد ًا إىل الرشعية الدولية‪ ،‬وانطالق ًا من مبدأ األمن اجلامعي‪.‬‬ ‫‪ -‬تشجيع اجلهود الدولية املبذولة إلهناء النزاع حول اجلزر‪ ،‬وبخاصة جهود األمني‬

‫العام لألمم املتحدة‪ ،‬هبدف الوصول إىل إطار للمفاوضات بني دولة اإلمارات العربية املتحدة‬ ‫وإيران‪ ،‬مع دعوة احلكومة اإليرانية إىل االستجابة اجلادة جلهود األمني العام بام حيقق األمن‬ ‫واالستقرار يف املنطقة‪.‬‬

‫من جانبها‪ ،‬أعلنت دولة اإلمارات العربية املتحدة عن اعتزامها مواصلة جهودها‬

‫الدبلوماسية السلمية من دون كلل‪ ،‬ومن خالل اهليئات الدولية واإلقليمية مثل جامعة الدول‬ ‫العربية واألمم املتحدة‪ ،‬وهو ما ال ترضاه إيران‪ ،‬األمر الذي جيعل قضية اجلزر بمنزلة القنبلة‬ ‫املوقوتة لتفجري الوضع يف منطقة اخلليج وهتديد األمن وإثارة حالة من عدم االستقرار‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬قضايا األمن والتسلح‬ ‫ُقدِّ ر إليران نظر ًا إىل تعدادها السكاين وتارخيها وجغرافيتها ومواردها الطبيعية أن تؤدي‬ ‫دور ًا رئيس ًا يف أمن اخلليج‪ ،‬بغض النظر عن شخصية من يرت َّبع عىل عرش السلطة يف طهران‪،‬‬

‫ومت ُّتع إيران بعنارص القوة والدور اإلقليمي يف ظل إعادة بناء قواهتا املسلحة يثري املشكالت‬ ‫التخوف اخلليجي من أن تفرض إيران سيطرهتا عىل‬ ‫بالنسبة إىل جرياهنا األضعف‪ ،‬يف ظل‬ ‫ّ‬ ‫منطقة اخلليج يف إطار السياسة اإليرانية املستمرة إلعادة األجماد الفارسية القديمة‪.‬‬

‫ويف املقابل‪ ،‬إن ضعف إيران وانقسامها يؤديان أيض ًا إىل هتديدات خطرية عىل األمن‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪181‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫اإلقليمي ‪ (4‬؛ ألن ضعف إيران يفتح املجال لربوز القوة العراقية منفردة من دون رادع إقليمي‪،‬‬ ‫األمر الذي يؤ ِّدي إىل فتح الثغرات يف جدار األمن اخلليجي مرة أخرى‪ ،‬ومن ثم فإن توازن‬ ‫القوة بني إيران وكل من العراق واململكة العربية السعودية ودول اخلليج‪ ،‬هو أمر مطلوب‬ ‫الستقرار األمور يف منطقة اخلليج‪ .‬ولقد أظهرت األحداث يف منطقة اخلليج خالل البدايات‬ ‫األوىل للجمهورية الثانية‪ ،‬أن العراق عندما خرج من حربه مع إيران متفوق ًا يف عنارص القوة‬ ‫املسلحة نتيجة الدعم اخلليجي ال َّ‬ ‫الحمدود له خالل حرب الثامين سنوات‪ ،‬مثَّل بذلك هتديد ًا‬ ‫ضمها إىل أراضيه‪،‬‬ ‫حقيقي ًا ألمن منطقة اخلليج العريب‪ ،‬وقام بغزو أرايض دولة الكويت بغية ِّ‬

‫رغبة يف حموها من عىل خريطة املنطقة لتكون املحافظة العراقية التاسعة عرش‪.‬‬

‫مثل هذا اإلجراء مل ترض عنه إيران‪ ،‬وعىل الرغم من التنازالت الكبرية التي قدمها‬ ‫العراق إىل إيران يف اخلامس عرش من آب‪/‬أغسطس ‪ ،1990‬فإن هذه األخرية طالبته‬ ‫باالنسحاب الفوري غري املرشوط من األرايض الكويتية املحتلة؛ ألن إيران ال تقبل االحتالل‬ ‫بأي شكل من األشكال‪ ،‬كام إهنا رفضت أي شكل من أشكال تسوية األزمة تضمن للعراق‬ ‫االحتفاظ بجزيريت وربة وبوبيان‪ ،‬أو حصول العراق عىل أي مكاسب إقليمية من شأهنا تغيري‬ ‫الوضع اجليواسرتاتيجي يف منطقة اخلليج‪ ،‬وهدَّ دت إيران باستخدام القوة املسلحة الحتالل‬ ‫تلك اجلزر إذا ما حصل عليها العراق‪ ،‬وذلك ألن حصول العراق عىل تلك املكاسب اإلقليمية‬ ‫إنام يمثل هتديد ًا مبارش ًا لألمن اإليراين‪ ،‬وهذا ما يفرس قبول إيران بوجود القوات األجنبية يف‬ ‫املنطقة من أجل حترير الكويت وإخراج العراق منها‪ ،‬ثم الرحيل من املنطقة بعد ذلك‪.‬‬ ‫التزمت إيران احلياد خالل حرب اخلليج الثانية‪ ،‬ورفضت التورط يف احلرب أو إرسال‬ ‫قوات ولو رمزية للمشاركة يف التحالف الدويل املناهض‪ ،‬وكانت األحداث خالل تلك‬ ‫احلرب توحي بأن العراق وإيران مقبالن عىل فتح صفحة جديدة يف عالقاهتام الثنائية‪ ،‬بيد أن‬ ‫التطورات ال َّ‬ ‫الحقة هلذه احلرب عكست جو ًا سلبي ًا يف مناخ العالقة بني البلدين‪.‬‬ ‫وقد أدت عوامل عدة دورها يف إجياد ذلك املناخ السلبي‪ ،‬أبرزها تأييد إيران لالنتفاضة‬ ‫عمت املدن العراقية يف آذار‪/‬مارس ‪ ،1991‬واستمرت إيران يف احتضان‬ ‫الشعبية التي َّ‬

‫املعارضة العراقية يف مقابل احتضان العراق املعارضة اإليرانية‪.‬‬

‫ ‪ (4‬جفري كمب‪« ،‬انعكاسات السياسة اخلارجية اإليرانية عىل األمن اإلقليمي‪ :‬املنظور اخلارجي‪ »،‬يف‪:‬‬ ‫السويدي‪ ،‬حمرر‪ ،‬إيران واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار‪ ،‬ص ‪.167‬‬ ‫‪182‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ومل تقف األمور عند حد التأييد املعنوي لعوامل عدم االستقرار من اجلانبني‪ ،‬بل إن‬

‫األمر تعدَّ اها إىل التحرك العسكري الفعيل وتبادل االهتامات بني البلدين بشأن التعدِّ ي عىل‬ ‫احلدود املشرتكة‪ ،‬ففي السادس من شهر آب‪/‬أغسطس عام ‪ 1993‬أعلن العراق أن قوة‬ ‫إيرانية توغلت يف منطقة كردستان العراقية وقصفت نقاط ًا قريبة من احلدود تعتربها منطلق ًا‬

‫شن‬ ‫لفصائل إيرانية معارضة لشن عمليات يف إيران‪ ،‬ويف ترشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪َّ 1994‬‬ ‫الطريان اإليراين غارات عىل قواعد للمعارضة اإليرانية يف شامل مدينة كركوك‪ .‬ويف متوز‪/‬‬

‫يوليو ‪ 1995‬اهتم العراق عنارص من السفارة اإليرانية يف بغداد بالتورط يف قتل ثالثة عنارص‬ ‫من منظمة «جماهدي خلق» اإليرانية املعارضة‪ .‬كذلك رفضت إيران إعادة الطائرات العراقية‬

‫التي جلأت إليها خالل حرب اخلليج الثانية وقد بلغت نحو تسع وستني طائرة‪ ،‬منها ثالثون‬

‫طائرة للركاب‪ ،‬عىل اعتبار أن هذه الطائرات جزء من التعويضات التي جيب عىل العراق دفعها‬ ‫إليران نتيجة حربه ضدها‪ ،‬األمر الذي أدى إىل تر ِّدي العالقات اإليرانية ‪ -‬العراقية ‪. (4‬‬

‫حتسن ملحوظ عىل العالقات بني إيران ودول جملس التعاون اخلليجي‪،‬‬ ‫يف املقابل طرأ ُّ‬

‫َّأدت إىل مزيد من صور التعاون بني اجلانبني‪ ،‬ومل يشب تلك العالقات خالل تلك املرحلة‬ ‫سوى قضية اجلزر اإلماراتية الثالث التي أثريت بقوة خالل عهد اجلمهورية الثانية نتيجة‬ ‫اإلجراءات التي اختذهتا إيران لتغيري وجه اجلزيرة ولتأكيد سيادهتا عليها؛ مثل بناء مطار‪،‬‬

‫وافتتاح فرع إلحدى جامعاهتا‪ ،‬وافتتاح دار للبلدية‪ ،‬ونرش صواريخ فيها‪ .‬وهذه القضية هي‬ ‫األعقد يف ملف العالقات اإليرانية ‪ -‬اخلليجية خالل تلك الفرتة؛ نظر ًا إىل أن هناك إمجاع ًا‬

‫إيراني ًا عىل أن تلك اجلزر الثالث هي جزر إيرانية وليست جما ً‬ ‫ال للمناقشة ‪ . (4‬وهذه القضية‬

‫تعكر صفو مناخ العالقات بني إيران ودول اخلليج‪ ،‬وتلقي بظالل من الشك عىل األمن‬ ‫اإلقليمي اخلليجي‪ ،‬خصوص ًا أن ميزان القوى يف منطقة اخلليج يف أعقاب حرب اخلليج الثانية‬ ‫وطوال فرتة اجلمهورية الثانية يميل ملصلحة الطرف اإليراين عىل حساب اجلانبني السعودي‬ ‫والعراقي يف جمموع عنارص القوة احليوية واالقتصادية والعسكرية‪.‬‬

‫وتشمل عنارص القوة احليوية ك ً‬ ‫ال من املوقع االسرتاتيجي والعمق االسرتاتيجي‬ ‫ ‪ (4‬مرهون‪ ،‬أمن اخلليج بعد احلرب الباردة‪ ،‬ص ‪.233‬‬

‫ ‪ (4‬عيل حمافظة [وآخرون]‪ ،‬العرب وجوارهم إىل أين؟‪ ،‬سلسلة كتب املستقبل العريب؛ ‪( 20‬بريوت‪ :‬مركز‬ ‫دراسات الوحدة العربية‪ ،)2000 ،‬ص ‪.264‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪183‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫ومصادر الثروة الطبيعية واملساحة وعدد السكان واملستوى التعليمي والصحي‪ ،‬بينام تشمل‬ ‫عنارص القوة االقتصادية الناتج املحيل اإلمجايل ونصيب الفرد منه‪ ،‬والصادرات باعتبارها نسبة‬

‫من الواردات ونسبة األرض الصاحلة للزراعة وإنتاج الطاقة الكهربائية وإنتاج النفط والغاز‬ ‫الطبيعي‪ ،‬ونسبة التضخم ومعدَّ ل نمو الناتج املحيل‪ .‬أما القوة العسكرية فتشمل عنارص مثل‬

‫حجم القوات املسلحة واخلربة القتالية وحجم اإلنفاق العسكري ونسبة املجندين إىل إمجايل‬ ‫تعداد السكان وحجم األسلحة التقليدية ونوعيتها‪.‬‬

‫تتفوق إيران عىل قطبي التوازن االسرتاتيجي يف منطقة اخلليج (السعودية‬ ‫والعراق) يف ما يتعلق بإمجايل العنارص الثالثة للقوة احليوية واالقتصادية والعسكرية‪،‬‬ ‫كام يتضح يف اجلدول التايل‪:‬‬ ‫‪.‬اجلدول رقم (‪)1-5‬‬

‫توازن القوى يف فرتة اجلمهورية الثانية ‪1995-1989‬‬ ‫الدولة‬

‫الكتلة احليوية‬

‫القوة االقتصادية‬

‫القوة العسكرية‬

‫اإلمجايل‬

‫إيران‬

‫‪23.79‬‬

‫‪23.82‬‬

‫‪19.34‬‬

‫‪66.95‬‬

‫السعودية‬

‫‪24.33‬‬

‫‪29.05‬‬

‫‪12.63‬‬

‫‪66.01‬‬

‫العراق‬

‫‪14.85‬‬

‫‪11.79‬‬

‫‪13.15‬‬

‫‪39.79‬‬

‫املصدر‪ :‬صالح بن عبد العزيز القنيعري‪« ،‬السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب‪»،1995 – 1979 ،‬‬ ‫(أطروحة دكتوراه‪ ،‬أكاديمية نارص العسكرية العليا‪ ،‬كلية الدفاع الوطني‪ ،)1988 ،‬ص ‪.47-39‬‬

‫حتسن من قدرهتا العسكرية بعد أن‬ ‫لقد استطاعت إيران خالل فرتة اجلمهورية الثانية أن ّ‬ ‫عوضت جزء ًا كبري ًا من خسائرها يف حرهبا مع العراق‪ ،‬وظهر ذلك التحسن يف قوهتا البحرية‬ ‫َّ‬ ‫واجلوية‪ ،‬ويف زيادة حجم قواهتا املسلحة‪ ،‬ويف زيادة إنفاقها العسكري‪.‬‬

‫هذا إىل جانب أن الرئيس اإليراين هاشمي رفسنجاين كان قد بدأ برناجم ًا لإلصالح‬

‫االقتصادي خالل فرتيت واليته األوىل والثانية‪ ،‬ونجح إىل حد كبري يف إصالح ما أصاب‬ ‫االقتصاد اإليراين خالل فرتة اجلمهورية األوىل من جراء احلرب مع العراق‪ ،‬ونتيجة احلصار‬

‫الدويل الذي فرض عىل إيران نتيجة السياسات التي اتبعتها إيران يف عهد آية اهلل اخلميني‬ ‫وتبنيها مبدأ تصدير الثورة ومتويل بعض احلركات اإلرهابية يف عدد من دول العامل‪.‬‬

‫‪184‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫فعىل اجلانب العسكري‪ ،‬نجد أن إيران متفوقة من حيث حجم القوات املسلحة وحجم‬

‫اإلنفاق العسكري وعدد ما متتلكه من قطع املدفعية وقطع البحرية عىل كل من السعودية‬

‫والعراق‪ ،‬بينام تفوقت العراق يف عدد الطائرات املقاتلة ويف عدد الدبابات‪ ،‬وهو ما يوضحه‬ ‫اجلدول التايل‪:‬‬

‫‪.‬اجلدول رقم (‪)2-5‬‬

‫حجم القوات املسلحة واإلنفاق العسكري للسعودية والعراق وإيران لعام ‪1995‬‬ ‫القوة العسكــرية‬

‫السعودية‬

‫العراق‬

‫إيران‬

‫حجم القوات املسلحة‬

‫‪162500‬‬

‫‪282500‬‬

‫‪513000‬‬

‫حجم اإلنفاق العسكري (مليون دوالر)‬

‫‪13759‬‬

‫‪22600‬‬

‫‪14784‬‬

‫قطع املدفعية‬

‫‪438‬‬

‫‪1730‬‬

‫‪2948‬‬

‫قطع البحرية‬

‫‪71‬‬

‫‪21‬‬

‫‪112‬‬

‫الطائرات املقاتلة‬

‫‪295‬‬

‫‪316‬‬

‫‪295‬‬

‫الدبابات املقاتلة‬

‫‪1055‬‬

‫‪2700‬‬

‫‪1520‬‬

‫‪Source: The Military Balance (London: Institute for Strategic Studies, 1995-1996).‬‬

‫تؤكد التقارير األمريكية أن إيران ما زالت متثل خطر ًا عىل أمن املنطقة نتيجة تفوقها‬

‫يف عنارص القوة بمختلف األوجه احليوية واالقتصادية والعسكرية‪ ،‬وهو ما يدفع به البعض‬ ‫لتربير استخدام الواليات املتحدة األمريكية سياسة االحتواء املزدوج التي تتلخص يف أن ك ً‬ ‫ال‬

‫من إيران والعراق تتبعان سياسة معادية للواليات املتحدة األمريكية ومصاحلها يف املنطقة‪،‬‬

‫والتي تعني السعي للمحافظة عىل إقامة توازن للقوى يف تلك املنطقة احليوية من خالل السعي‬ ‫مع حلفاء الواليات املتحدة يف املنطقة من أجل احلفاظ عىل ميزان قوى يميل ملصلحتها من‬ ‫دون االعتامد عىل أي من إيران أو العراق‪.‬‬

‫وسياسة االحتواء املزدوج التي بدأهتا إدارة كلينتون بالنسبة إىل إيران هي أسهل عملي ًا منها‬

‫يف حال العراق‪ ،‬وذلك ألن الربنامج النووي اإليراين ما زال يف مراحله األوىل‪ ،‬ومن ثم يسهل‬

‫تطويقه‪ ،‬بخالف الربنامج العراقي الذي بلغ مرحلة متقدمة يصعب احتواؤها بالوسائل السلمية‪.‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪185‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫إال أن صعوبة تطبيق تلك السياسة يف مواجهة إيران تأيت من أن الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية ال متلك تأييد ًا دولي ًا ورشعية مثل تلك التي امتلكتها ضد العراق خالل حرب‬ ‫اخلليج الثانية‪ ،‬ومن ثم ال توجد عقوبات كافية يمكن استخدامها ضد إيران إلحداث تغيريات‬

‫يف سلوكها غري املقبول ‪. (4‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬فإن السبيل األمثل أمام الواليات املتحدة األمريكية هي العمل مع احلكومات‬

‫الصديقة ملنع إيران من إنتاج بدائل للواردات الالزمة لرباجمها النووية والكيميائية‪ ،‬والضغط‬ ‫عىل الدول التي متد إيران بالصواريخ والنظم املتعلقة هبا مثل كوريا الشاملية والصني‬

‫وروسيا‪.‬‬

‫كان التعاون اإليراين الرويس بداية النقلة النوعية األكثر أمهية يف الربنامج النووي‬ ‫اإليراين منذ أواخر عام ‪ ،1992‬وهو التعاون الذي و َّفر إليران احتياجاهتا من املفاعالت‬ ‫النووية األكرب حج ًام من دون االقتصار عىل املفاعالت البحثية صغرية احلجم‪ .‬ففي ترشين‬ ‫الثاين‪/‬نوفمرب ‪ 1994‬أ َّقر اجلانبان اتفاقية بمبلغ سبعمئة وثامنني مليون دوالر إلكامل مفاعل‬

‫بوشهر‪ ،‬وتم التوقيع الفعيل عىل تلك االتفاقية يف الثامن من كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،1995‬وبدأت‬ ‫روسيا بالفعل تنفيذ تلك االتفاقية عملي ًا يف العام نفسه ‪. (4‬‬ ‫ويف تقرير ملكتب وزير الدفاع األمريكي حول التطورات العسكرية اجلارية يف إيران جاء فيه‪:‬‬ ‫«بينام ستظل قدرة إيران العسكرية التقليدية حمدودة طوال التسعينيات‪ ،‬فإن مشرتياهتا‬

‫احلديثة من الغواصات والطائرات اهلجومية والصواريخ املضادة للسفن‪ ،‬باإلضافة إىل حشد‬

‫قوات إيرانية يف عدد من اجلزر املتنازع عليها بالقرب من مضيق هرمز‪ ،‬تشري إىل أن إيران‬ ‫تسعى جاهدة إىل حتقيق القدرة عىل هتديد السفن التجارية التي تدخل اخلليج وخترج منه‪ ،‬ومن‬ ‫الواضح أن إيران تستعرض عضالهتا من قبيل إثبات الوجود أمام الدول الصغرية املجاورة‬

‫هلا يف اخلليج» ‪. (4‬‬ ‫)‪(44‬‬

‫‪Anthony Lake, “Confronting Backlash States,” Foreign Affairs, vol. 73, no. 2‬‬ ‫‪(March- April 1994).‬‬

‫ ‪ (4‬فتحي العفيفي‪ ،‬التوازن االسرتاتيجي يف اخلليج العريب (‪ ،)2000-1990‬ملف اخلليج االسرتاتيجي؛ ‪2‬‬ ‫(القاهرة‪ :‬املركز األكاديمي للدراسات االسرتاتيجية‪ ،)2001 ،‬ص ‪.113‬‬ ‫ ‪ (4‬أنتوين كوردسامن‪ ،‬القدرات العسكرية اإليرانية‪ ،‬سلسلة دراسات عاملية؛ ‪( 6‬اإلمارات‪ :‬مركز اإلمارات‬

‫‪186‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬سعت إيران إىل بذل اجلهود لتحسني عالقاهتا مع جرياهنا غري العرب‬

‫من جهة الشامل والرشق والغرب‪ ،‬فاجتهت لدعم عالقاهتا برتكيا وباكستان ومجهوريات آسيا‬

‫الوسطى شامل بحر قزوين‪ ،‬وذلك لتعويض إحساسها بعدم األمن‪ ،‬والقلق من عالقاهتا‬ ‫املتصارعة مع جاراهتا يف اجلنوب‪.‬‬

‫وعقدت إيران عدد ًا من االتفاقيات واملرشوعات املشرتكة مع عدد من تلك الدول‪،‬‬

‫وبخاصة روسيا وتركامنستان وكازاخستان وأذربيجان‪ ،‬وكان ذلك وسيلة لتوسيع نفوذها مع‬ ‫الدول املجاورة هلا؛ للتغلب عىل اجلهود التي تبذهلا الواليات املتحدة األمريكية إلضعافها‬

‫وعزهلا‪ ،‬ولتحسني صورهتا يف املجتمع الدويل من خالل التدفق الكبري واملضطرد للزيارات‬ ‫املتبادلة بني إيران وعدد من دول العامل ‪. (4‬‬

‫وأدى تدمري اآللة العسكرية العراقية خالل حرب حترير الكويت إىل زيادة احتامالت‬ ‫نمو النفوذ اإليراين يف منطقة اخلليج التي أصبحت مكشوفة أمني ًا‪ ،‬يف الوقت الذي تسعى فيه‬

‫إيران إىل ممارسة دور إقليمي أكرب‪ ،‬فقد حتسنت عالقات إيران بدول اخلليج وزادت درجة‬ ‫التنسيق بينهم‪ ،‬األمر الذي أدى إىل اعرتافها بأن إليران دور ًا يف أمن اخلليج ‪. (4‬‬ ‫هذا ما جعل الدور اإليراين يف محاية أمن اخلليج أمر ًا معقو ً‬ ‫ال من جانب الدول اخلليجية‪،‬‬ ‫خصوص ًا خالل املراحل املختلفة ألزمة اخلليج الثانية‪.‬‬ ‫تؤمن إيران بأن أمن اخلليج ال يتحقق إ َّ‬ ‫ال من خالل دوله فقط‪ ،‬وليست هناك حاجة‬ ‫إىل أي دور خارجي‪ ،‬سواء أكان عربي ًا ‪ -‬إشارة إلعالن دمشق ‪ -‬أم غربي ًا أم أمريكي ًا‪ ،‬ومن‬

‫ثم وافقت إيران عىل الوجود األجنبي خالل األزمة بشكل موقت من أجل حترير الكويت ثم‬ ‫الرحيل‪ .‬فاألمن اخلليجي ال بد أن خيرج من دائرة سيطرة القوى العظمى‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬إن الرؤية اإليرانية لألمن اخلليجي بعد انتهاء األزمة استندت إىل مفهوم أسايس‬

‫أال وهو «خليجية أمن اخلليج»‪ ،‬بمعنى أن ترتيبات األمن اإلقليمية يف املنطقة جيب أن تستند‬ ‫للدراسات والبحوث االسرتاتيجية‪[ ،‬د‪ .‬ت‪ ،)].‬ص ‪.12-11‬‬

‫ ‪ (4‬جريالد جرين‪« ،‬إيران وأمن اخلليج‪ »،‬يف‪ :‬أمن اخلليج يف القرن احلادي والعرشين‪ ،‬ص ‪.32-31‬‬ ‫ ‪ (4‬أمحد مهابة‪« ،‬إيران وأمن اخلليج‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 105‬متوز‪/‬يوليو ‪ ،)1991‬ص ‪.98‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪187‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫إىل العالقات التارخيية والدينية واالقتصادية املشرتكة بني دول املنطقة‪ ،‬أي إهنا تريد نظام ًا أمني ًا‬ ‫ربر لرفض الوجود األجنبي‬ ‫خالص ًا للخليج يشمل منطقة اخلليج فقط‪ ،‬ومن ثم جتد إيران امل ِّ‬ ‫الذي هو أساس املشكلة يف املنطقة‪.‬‬

‫كام رفضت إيران إعالن دمشق باعتباره يفتح املجال لدخول أطراف عربية خارجية ‪-‬‬ ‫مرص وسوريا ‪ -‬يف ترتيبات األمن يف اخلليج‪ .‬كذلك رفضت إيران االتفاقيات األمنية الثنائية‬ ‫التي جرت بني الواليات املتحدة األمريكية وعدد من الدول اخلليجية مثل الكويت وقطر‪ .‬ومن‬ ‫ثم رفضت إيران التدخل األجنبي يف ترتيبات أمن املنطقة حتت أي شكل من األشكال ‪. (4‬‬ ‫كام ترفض إيران أي تغيري جغرايف يف املنطقة‪ ،‬حيث تنظر إىل التغيري اجلغرايف عىل أنه‬ ‫مصدر هتديد للمصالح اإليرانية‪ ،‬وهو أمر مرفوض متام ًا من جانب إيران؛ ألنه سيؤدي إىل‬ ‫اإلخالل بالتوازن اإلقليمي يف املنطقة‪ ،‬وهيدِّ د وحدة وسالمة األمن القومي اإليراين‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ترفض إيران إجراء أي تغيريات يف اجلزر العربية الثالث التي استولت عليها عشية استقالل‬ ‫دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬كام عارضت أي تغيري يف احلدود بني العراق والكويت‪،‬‬ ‫ورفضت أي تسوية لألزمة تعطي للعراق أي مكاسب إقليمية يف جزيريت وربة وبوبيان‪،‬‬ ‫وهدَّ دت باحتالهلام بالقوة حال حصول العراق عليهام ‪. (5‬‬ ‫وقد حدَّ د وزير اخلارجية اإليراين‪ ،‬عيل أكرب واليتي‪ ،‬العنارص التي جيب أن تقوم عليها‬ ‫الرتتيبات األمنية يف اخلليج بعد انتهاء األزمة يف النقاط التالية ‪: (5‬‬ ‫ إن اخلربة املكتسبة من أزمة اخلليج الثانية جتعل من الرضوري إقامة نوع من الرتتيبات‬‫األمنية يف املنطقة تضمن استقالل دول اخلليج وسيادهتا عىل أراضيها‪.‬‬ ‫‪ -‬جيب أن تكون منطقة اخلليج خالية من خمزونات األسلحة التقليدية والنووية والكيميائية‬

‫والبيولوجية‪ ،‬وأن يكون وجود القوى األجنبية يف املنطقة يف حدِّ ه األدنى وملدة حمددة‪.‬‬

‫ ‪ (4‬نيفني عبد املنعم مسعد ‪« ،‬الرؤية اإليرانية ألمن اخلليج‪ »،‬يف‪ :‬عبد املنعم املشاط‪ ،‬حمرر‪ ،‬أمن اخلليج العريب‪:‬‬ ‫دراسة يف اإلدراك والسياسات (القاهرة‪ :‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪ ،)1994 ،‬ص ‪.315‬‬ ‫ ‪ (5‬عال أبو زيد‪« ،‬التصور اإليراين ألمن اخلليج بعد حرب اخلليج الثانية‪ »،‬يف‪ :‬مصطفى علوي‪ ،‬حمرر‪ ،‬مرص‬ ‫وأمن اخلليج بعد احلرب (القاهرة‪ :‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪ ،)1994 ،‬ص ‪.163-162‬‬

‫ ‪ (5‬عبد الواحد‪« ،‬إدارة األزمة يف السياسة اخلارجية املرصية‪ :‬دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية‪-1990 ،‬‬ ‫‪ »،1991‬ص ‪.286‬‬

‫‪188‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ -‬إن مسؤولية التحركات الرامية إىل إعداد ترتيبات األمن تقع عىل عاتق الدول الثامين‬

‫يف اخلليج وهي العراق وإيران ودول جملس التعاون الست‪.‬‬

‫‪ -‬بغري تعاون مشرتك بني دول املنطقة كلها ال يمكن إقامة أمن‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬قضايا التعاون اإلقليمي‬ ‫كان الغزو العراقي للكويت أبرز األحداث عىل الساحة اخلليجية والعربية خالل حكم‬ ‫اجلمهورية اإليرانية الثانية التي امتدت من عام ‪ 1989‬وحتى عام ‪ ،1997‬حيث تولىَّ الرئيس‬

‫هاشمي رفسنجاين مقاليد احلكم يف إيران ملدة واليتني متتاليتني‪ ،‬اتسمت فيهام سياسته اخلارجية‬ ‫بالرباغامتية يف التعامل مع إطارها اإلقليمي والدويل‪ ،‬للتخفيف من وطأة املشكالت واألزمات‬

‫الداخلية واخلارجية التي خلفتها سياسة إيران خالل فرتة احلكم اخلميني التي كان هلا مردود‬ ‫سلبي عىل االقتصادات الداخلية يف إيران‪ ،‬وما نجم عنها من غلبة التفاعالت الرصاعية عىل‬

‫التفاعالت التعاونية مع دول اجلوار اخلليجي‪ ،‬وما فرض عىل إيران من عزلة دولية انعكست‬

‫كلها لتصب يف واقع احلياة اإليرانية يف شكل أزمات اقتصادية واجتامعية حادة‪ ،‬وحركات‬ ‫احتجاجية ومظاهرات‪ ،‬اجتاحت طهران ومعظم املدن اإليرانية نتيجة اهنيار االقتصاد اإليراين‬

‫وارتفاع األسعار وارتفاع نسبة التضخم‪ ،‬يف الوقت الذي ال تستطيع فيه إيران اخلروج من‬ ‫عزلتها اإلقليمية والدولية لفتح أسواق جديدة وجذب االستثامرات اخلارجية للتخفيف من‬ ‫حدة األزمة يف البالد إ َّ‬ ‫ال يف حدود ضيقة‪.‬‬ ‫ومن ثم بدأت سياسة إيران اخلارجية يف عهد الرئيس هاشمي رفسنجاين تنحو أكثر‬

‫نحو االنفتاح عىل إطارها اإلقليمي والدويل للخروج من أزمتها وعزلتها‪ ،‬وإثبات رغبتها يف‬ ‫التعاون اجلاد واملثمر مع اآلخرين وفق ًا لعالقات اقتصادية أكثر ليربالية تتعايش مع طبيعة‬ ‫النظام االقتصادي الدويل السائد‪.‬‬

‫وهذا يتطلب منها إحداث تغيريات شبه جذرية يف حركتها السياسية والدبلوماسية‪،‬‬ ‫باعتبار ذلك مفتاح ًا أساسي ًا لقبول األطراف األخرى إليران رشيك ًا اقتصادي ًا وجتاري ًا‪.‬‬ ‫كانت أزمة اخلليج الثانية مناسبة طيبة استطاعت فيها إيران أن تثبت لدول اجلوار‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪189‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫اخلليجية ولدول العامل األخرى أن هناك تغري ًا قد طرأ عىل السياسات اخلارجية إليران‪،‬‬ ‫وأن هناك رغبة إيرانية صادقة بفتح صفحة جديدة يف ملف عالقاهتا اإلقليمية والدولية عىل‬

‫املستويات كافة‪ ،‬ونسيان املايض ولو بالقدر الذي يتيح املجال للدخول يف عالقات طيبة مع‬ ‫باقي الدول‪ ،‬خصوص ًا تلك التي كانت حتى عهد قريب هدف ًا من أهداف السياسة اخلارجية‬ ‫اإليرانية التي ارتكزت عىل فكرة تصدير الثورة اإلسالمية‪.‬‬

‫ساعد إيران يف ذلك أنه بانتهاء حرب الثامين سنوات مع العراق ثم غزو العراق للكويت‪،‬‬

‫حتولت وجهة النظر اخلليجية بدرجة كبرية من إيران إىل العراق باعتباره املصدر اجلديد لتهديد‬ ‫أمن تلك الدول‪.‬‬

‫عزز من تلك النظرة املوقف اإليراين الرافض لغزو العراق للكويت ومطالبته‬ ‫كام َّ‬

‫باالنسحاب الفوري وغري املرشوط من أرايض الكويت من دون احلصول عىل أي مكاسب‬ ‫إقليمية مقابل ذلك االنسحاب‪ ،‬وذلك عىل الرغم من التنازالت التي قدمها العراق إىل إيران‬

‫من خالل مبادرة ‪ 15‬آب‪/‬أغسطس ‪ 1990‬التي ُتعدّ بحق أعظم املكاسب اإليرانية خالل‬ ‫تلك األزمة‪ ،‬ودع ًام لقوهتا اإلقليمية بعد أن أ َّثرت احلرب مع العراق يف قوته املسلحة ودوره‬ ‫اإلقليمي‪.‬‬

‫ومن ثم كانت إيران يف حاجة إىل حدوث أمرين‪:‬‬ ‫داخلي ًا‪ :‬السعي نحو إجراء إصالحات اقتصادية وسياسية‪.‬‬ ‫خارجي ًا‪ :‬السعي نحو حتسني عالقاهتا اإلقليمية والدولية واستعادة دورها اإلقليمي يف‬

‫منطقة اخلليج‪ ،‬يف الوقت الذي برز فيه نظام دويل جديد متثل الواليات املتحدة األمريكية القوة‬

‫العظمى والوحيدة فيه بعد تفكك االحتاد السوفيايت‪.‬‬

‫وهذان األمران غري منفصلني‪ ،‬بل مرتبطان ارتباط ًا وثيق ًا‪ ،‬فسياسة هاشمي رفسنجاين‬ ‫ركزت عىل إعادة بناء اجليش وتقوية االقتصاد‪ ،‬وهذان األمران كانا يستوجبان حد ًا أدنى‬ ‫من العالقات مع دول أوروبا الغربية باعتبارها مصدر ًا لرأس املال والتكنولوجيا والتجارة‪،‬‬ ‫وانفتاح ًا عىل االحتاد السوفيايت‪ ،‬وحتسني العالقات مع الدول اخلليجية املجاورة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫االستغناء عن السياسة اخلارجية السابقة التي كانت توجد األعداء بد ً‬ ‫ال من جذهبا لألصدقاء‪،‬‬ ‫‪190‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫بينام حتتاج إيران إىل جذب األصدقاء يف مرحلة إعادة البناء التي كانت جتتازها يف أعقاب انتهاء‬ ‫احلرب العراقية اإليرانية عام ‪. (5 1988‬‬

‫إذن‪ ،‬أدركت إيران خالل جتربتها يف فرتة اجلمهورية األوىل أهنا غري قادرة عىل تغيري‬ ‫اخلريطة السياسية ملنطقة اخلليج تغيري ًا جذري ًا‪ ،‬وأن أيديولوجيتها الثورية قد ووجهت بالرفض‬

‫التام من جانب الدول اخلليجية‪ .‬وقد ثبت إليران فشل استخدام القوة يف إدارة عالقاهتا‬ ‫اإلقليمية بالدول الصغرى‪ ،‬خصوص ًا أن تلك الدول متتلك مصادر قوة حتتاجها الدول‬ ‫الكربى والعمالقة‪ ،‬ومن ثم لن تسمح تلك األخرية بأي تغيريات إقليمية من شأهنا التأثري يف‬

‫مصاحلها بتلك الدول‪ .‬وفشل الغزو العراقي للكويت وحتالف دول العامل ضده مثال صارخ‬ ‫عىل تلك احلقيقة‪ ،‬ومن ثم بدأت السياسة اخلارجية اإليرانية يف عهد رفسنجاين تُغ ِّلب املصالح‬ ‫القومية عىل االعتبارات األيديولوجية رغبة يف إصالح اقتصادها الذي دمرته حرب السنوات‬ ‫الثامين والعزلة الدولية املفروضة عليها ‪. (5‬‬

‫وكان من نتاج تلك السياسة اجلديدة أن إيران قامت باسرتضاء دول جملس التعاون‬ ‫لدول اخلليج العربية‪ ،‬فخ َّففت من حدَّ ة التوترات التي بلغت ذروهتا خالل احلرب العراقية‬ ‫‪ -‬اإليرانية عندما أيدت معظم دول املجلس العراق‪ ،‬وأعادت إيران عالقتها الدبلوماسية مع‬

‫وعامن وقطر ودولة اإلمارات العربية املتحدة‪،‬‬ ‫الكويت‪ ،‬ووقعت اتفاقيات جتارية مع البحرين ُ‬ ‫وبدأت يف التقارب مع اململكة العربية السعودية‪ ،‬ألن التقارب مع السعودية باعتبارها أكرب‬

‫وأقوى الدول يف جملس التعاون هو أمر يعوقه عدد من العوامل‪ ،‬منها االختالف املذهبي بني‬

‫احلادة يف ما يتعلق‬ ‫الس ّنة والشيعة‪ ،‬واآلراء املتعارضة يف ما يتعلق بالصحوة اإلسالمية‪ ،‬واملنافسة َّ‬ ‫ُ‬ ‫بالدور اإلقليمي لكل منهام‪ ،‬واهليمنة عىل اخلليج‪ ،‬واالختالف حول السياسات النفطية ‪. (5‬‬

‫كان للسياسات اإليرانية اجلديدة يف عهد هاشمي رفسنجاين أثرها الطيب يف حتول‬

‫مواقف دول جملس التعاون اخلليجي‪ ،‬وبخاصة السعودية والكويت‪ ،‬نحو إيران‪ ،‬كام إن هذه‬ ‫)‪(52‬‬

‫‪Middle East Journal, vol. 42, no. 3 (Summer 1988), p. 661.‬‬

‫ ‪ (5‬ميالين‪« ،‬سياسة إيران يف اخلليج‪ :‬من املثالية واملجاهبة إىل الربامجاتية واالعتدال‪ »،‬ص ‪.120‬‬

‫ ‪ (5‬فيبي مار‪« ،‬اخلليج العريب بعد العاصفة‪ »،‬يف‪ :‬فيبي مار‪ ،‬ووليم لويس‪ ،‬حمرران‪ ،‬امتطاء النمر‪ :‬حتدَّ ي الرشق‬ ‫األوسط بعد احلرب الباردة‪ ،‬ترمجة عبد اهلل مجعة احلاج‪ ،‬سلسلة دراسات مرتمجة (أبو ظبي‪ :‬مركز اإلمارات للدراسات‬ ‫والبحوث االسرتاتيجية‪ ،)1996 ،‬ص ‪.151‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪191‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫الدول وجدت نفسها نتيجة أحداث حرب اخلليج الثانية مضطرة إىل فتح صفحة جديدة من‬

‫العالقات التعاونية مع إيران ملوازنة اخلطر العراقي اجلديد وحتييد اخلطر اإليراين‪ ،‬واحليلولة‬ ‫دون حتالف عراقي ‪ -‬إيراين‪ ،‬بخاصة مع اإلغراءات والتنازالت التي قدمها العراق إىل إيران‬

‫لتعويضها عن خسائرها يف حرب الثامين سنوات‪.‬‬

‫كام إن املوقف اإليراين املحايد خالل حرب اخلليج الثانية وعدم تأثر إيران باإلغراءات‬

‫التي قدمها العراق جلذهبا إىل تأييده قد أ َّيد التوجه التعاوين يف العالقات اإليرانية ‪ -‬اخلليجية‪.‬‬

‫وكان من مؤرشات ذلك التعاون اجتامع وزير اخلارجية اإليراين عيل أكرب واليتي مع‬

‫وزراء خارجية دول جملس التعاون اخلليجي عىل هامش اجتامعات اجلمعية العامة لألمم‬ ‫املتحدة يف ‪ 25‬أيلول‪/‬سبتمرب ‪ ،1990‬ومشاركة إيران يف اجتامعات وزراء خارجية دول‬ ‫املجلس يف مسقط يف الرابع من كانون األول‪/‬ديسمرب عام ‪ 1990‬ألول مرة منذ إنشاء‬

‫املجلس‪ ،‬وذلك لبحث العالقات بني إيران ودول املجلس ووضع حد لالحتالل العراقي‬

‫للكويت وبحث سبل ضامن أمن املنطقة عىل املدى البعيد‪.‬‬

‫ويف اليوم األول لقمة دول املجلس بالدوحة يف ‪ 22‬كانون األول‪/‬ديسمرب ‪ ،1990‬أعلن‬

‫وزير اخلارجية القطري‪ ،‬محد بن جاسم بن جرب آل ثاين‪ ،‬أن «دول املجلس جتري مباحثات مبارشة‬

‫مع إيران إلنشاء نظام أمني إقليمي جديد ملواجهة اخلطر الناشئ عن قوة العراق العسكرية‪،‬‬ ‫وللحيلولة دون وقوع اضطرابات عنيفة مستقب ً‬ ‫ال يف املنطقة‪ ،‬وأن شكل هذه الرتتيبات األمنية‬

‫سيعتمد عىل كيفية حل هذه األزمة‪ ،‬سواء سل ًام أم عن طريق احلرب»‪ .‬وأضاف‪« :‬لنا عالقات‬ ‫تارخيية مع إيران‪ ،‬وهي داخلة يف الرتتيبات األمنية بحكم وضعها اجلغرايف يف املنطقة» ‪. (5‬‬

‫رحب‬ ‫وأشار البيان اخلتامي لقمة الدوحة إىل العالقات مع إيران يف شكلها اجلديد؛ إذ َّ‬

‫املجلس برغبة مجهورية إيران اإلسالمية يف حتسني وتطوير عالقاهتا مع دول جملس التعاون‬ ‫كافة‪َّ ،‬‬ ‫وأكد املجلس أمهية العمل بجدية وواقعية حلل اخلالفات املعلقة بني إيران والدول‬ ‫األعضاء‪ ،‬لكي تتمكن دول املنطقة من الرشوع يف حتقيق أهدافها املنشودة‪ ،‬وتسخري مواردها‬

‫ألغراض التنمية االقتصادية الشاملة‪ .‬وأكد املجلس رغبته يف إقامة عالقات متميزة مع إيـران‬ ‫ ‪ (5‬مرهون‪ ،‬أمن اخلليج بعد احلرب الباردة‪ ،‬ص ‪.235‬‬ ‫‪192‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫عىل أساس من حسن اجلوار وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية‪ ،‬واحرتام السيادة واالستقالل‪،‬‬ ‫والتعايش السلمي املستمد من روابط الدين والرتاث التي تربط بني دول املنطقة ‪. (5‬‬

‫وبعد أيام من انتهاء األزمة وحترير الكويت‪ ،‬أعادت إيران واململكة العربية السعودية‬

‫عالقاهتام الدبلوماسية يف السادس والعرشين من آذار‪/‬مارس ‪ 1991‬بعد قطيعة دامت نحو‬ ‫أربع سنوات‪ ،‬وتبودلت الزيارات الرسمية بني البلدين‪ .‬أما البحرين فلم تنتظر حتى انتهاء‬ ‫العمليات العسكرية للحرب‪ ،‬فأعلنت بعد ثالثة أيام فقط من بدء «عاصفة الصحراء» عن‬

‫فتح اخلط املالحي مع إيران‪ ،‬ومن ثم إطالق حركة التبادل التجاري بني البلدين‪ ،‬األمر الذي‬ ‫جعل البحرين مركز ًا إلعادة تصدير كثري من املنتجات العاملية إىل إيران‪.‬‬ ‫أما الكويت‪ ،‬فقد بادرت يف أعقاب االجتياح العراقي ألراضيها وموقف إيران الداعم‬

‫للحق الكويتي إىل التقارب مع إيران‪ ،‬وأخذت القيادة الكويتية يف املنفى تطلق الترصحيات‬

‫املتتالية يف هذا االجتاه‪ ،‬ويف أيار‪/‬مايو ‪ 1993‬تم تأليف جلنة كويتية إيرانية لتوسيع العالقات‬

‫وتعزيزها بني البلدين يف ختام زيارة قام هبا وزير اخلارجية اإليراين‪ ،‬عيل أكرب واليتي‪ ،‬إىل‬ ‫الكويت‪ ،‬ويف التاسع والعرشين من آذار‪/‬مارس ‪ 1994‬وقعت بمدينة الكويت اتفاقية ثنائية‬ ‫بشأن املالحة البحرية والتجارية هبدف تطوير التبادل التجاري بني البلدين ‪. (5‬‬

‫ويف طهران بتاريخ اخلامس عرش من كانون األول‪/‬ديسمرب‪ 1995‬تم توقيع اتفاقية‬

‫اقتصادية بني الكويت وإيران‪ ،‬هتدف إىل تنمية العالقات التجارية بينهام عىل أساس املساواة‬

‫وعدم التمييز واملحافظة عىل املصالح املتبادلة‪ ،‬وقد اشتملت هذه االتفاقية عىل سبع عرشة‬

‫مادة تؤكد‪ ،‬من بني أمور أخرى‪ ،‬ما ييل ‪: (5‬‬

‫ تبادل البضائع والسلع واخلدمات بني الطرفني املتعاقدين‪.‬‬‫ تسهيل حركة مرور البضائع (الرتانزيت) بني البلدين‪.‬‬‫ ‪« (5‬البيان اخلتامي‪( »،‬املجلس األعىل‪ ،‬الدورة احلادية عرشة‪ ،‬الدوحة‪ 25-22 ،‬كانون األول‪/‬ديسمرب‬ ‫‪.)1990‬‬ ‫ ‪ (5‬مرهون‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.236‬‬

‫ ‪ (5‬هناد تقي‪« ،‬واقع التبادل التجاري بني الكويت وإيران‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬نحو آفاق جديدة للعالقات بني‬ ‫دول جملس التعاون اخلليجي وإيران‪ :‬املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري‪ 2 ،‬ج (الكويت‪ :‬جامعة الكويت‪،‬‬ ‫مركز دراسات اخلليج واجلزيرة العربية‪ ،)2000 ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.171‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪193‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫‪ -‬تسهيل وتشجيع اهليئات واملؤسسات والرشكات يف كل منهام عىل املشاركة يف‬

‫املعارض الدولية التي تقام فيهام‪.‬‬

‫‪ -‬تشكيل جلنة مشرتكة تتكون من ممثلني عن الطرفني املتعاقدين‪ ،‬وختتص هذه اللجنة‬

‫بتسوية املشكالت التي قد تنشأ أثناء تنفيذ االتفاقية‪.‬‬

‫‪ -‬تشكيل حمكمة حتكيم حيال إليها املوضوعات كلها التي تنشأ ذات العالقة بتفسري‬

‫وتطبيق االتفاقية يف حال عدم إمكانية اللجنة املشرتكة التوصل إىل حل هلا‪.‬‬ ‫‪ -‬يمكن ملحكمة العدل الدولية أن تكون طرف ًا يف هذا االتفاق‪.‬‬

‫‪ -‬حتل هذه االتفاقية حمل االتفاق التجاري املوقع بني البلدين يف السادس من ترشين‬

‫الثاين‪/‬نوفمرب ‪.1968‬‬

‫أما عىل صعيد العالقات بني إيران وقطر‪ ،‬فهي ‪ -‬عىل حد تعبري وزير اخلارجية اإليراين‪،‬‬

‫عيل واليتي‪ ،‬خالل زيارته للدوحة يف متوز‪/‬يوليو ‪« - 1995‬عالقات ممتازة»‪ ،‬ويمكن أن‬ ‫تكون «نموذج ًا جيـد ًا للدول اإلقليمية األخرى يف اخلليج»‪ ،‬فقد عقد البلدان اتفاقني‪ ،‬أحدمها‬ ‫ملد مياه الرشب من إيران إىل قطر‪ ،‬والثاين يتعلق باستثامر مشرتك للثروة الغازية يف اجلرف‬

‫القاري بني البلدين ‪. (5‬‬

‫أما اإلمارات‪ ،‬فعىل الرغم من أن مشكلة اجلزر الثالث املحتلة من قبل إيران متثل عام ً‬ ‫ال‬ ‫رصاعي ًا يف العالقات بني البلدين‪ ،‬فإن العالقات اإلماراتية ‪ -‬اإليرانية تقدم نموذج ًا خاص ًا‬ ‫للتعاون املشرتك يف املجاالت االقتصادية والتجارية‪ ،‬وحجم التبادل التجاري بني البلدين‬

‫يتصدر حجم التبادل التجاري بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران‪ .‬وهذا التبادل يرتكز‬ ‫أساس ًا بني إمارة ديب وإيران‪ ،‬حيث إن ربع واردات إيران تأيت عرب مرفأ ديب بحكم وجود مناطق‬ ‫حرة وطاقات كبرية للتخزين‪ ،‬وال سيام يف منطقة جبل عيل‪ ،‬وبالتايل فإن أغلب صادرات ديب‬ ‫إىل إيران هي يف الواقع عمليات إعادة تصدير‪ .‬وقد يعود ذلك أيض ًا إىل أن إمارة ديب تطبق‬

‫رسوم ًا مجركية تقل عن الرسوم املطبقة عىل مستوى جملس التعاون اخلليجي ‪. (6‬‬ ‫ ‪ (5‬مرهون‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.236‬‬

‫ ‪ (6‬مصطفى عبد العزيز مريس‪« ،‬االستقرار األمني واسرتاتيجيات التنمية وحتديات التعاون االقتصادي بني‬ ‫ضفتي اخلليج‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران‪ :‬املستجدات‬ ‫‪194‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫شهدت العالقات التجارية بني ديب ومجهورية إيران اإلسالمية قفزات كبرية خالل‬

‫السنوات اخلمس التالية عىل حترير الكويت‪ ،‬يف ظل االستقرار السيايس الذي ساد منطقة‬ ‫اخلليج‪ .‬وباستطاعة ديب أن تؤدي دور ًا مميز ًا باعتبارها منفذ ًا ممتاز ًا للصادرات اإليرانية غري‬ ‫النفطية إىل األسواق العاملية يف ظل تزايد جتارة إعادة التصدير من ديب‪.‬‬

‫كذلك نمت العالقات االقتصادية بني إيران وكل من أبو ظبي والشارقة‪ ،‬حيث جاءت إيران‬

‫يف مقدمة الدول اآلسيوية التي أعادت إليها أبو ظبي التصدير عام ‪ 1991‬بإمجايل مبلغ ‪20.5‬‬ ‫مليون درهم؛ أي ما يعادل ‪ 19‬يف املئة من جتارة إعادة صادرات اإلمارة إىل الدول اآلسيوية‪.‬‬

‫كام تطورت العالقات التجارية بني إيران وإمارة الشارقة خالل عهد رفسنجاين‪ ،‬فقد‬

‫بلغ إمجايل قيمة التجارة بني إيران وإمارة الشارقة عام ‪ 1994‬نحو ‪ 276.78‬مليون درهم‪،‬‬

‫وعام ‪ 1995‬نحو ‪ 191.86‬مليون درهم‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن امليزان التجاري للعالقة بني إيران ودولة اإلمارات العربية املتحدة‬ ‫يميل دائ ًام ملصلحة اإلمارات‪ ،‬بام يعني أن املصلحة االقتصادية لإلمارات تقتيض تطوير‬ ‫عالقاهتا االقتصادية والتجارية مع إيران ‪. (6‬‬

‫لقد حققت اإلمارات فائض ًا يف ميزاهنا التجاري مع إيران خالل األعوام ‪،1989‬‬

‫‪ ،1993 ،1992 ،1991 ،1990‬بنحو ‪ 834‬مليون دوالر‪ 790 ،‬مليون دوالر‪ 992 ،‬مليون‬ ‫دوالر‪ 1118 ،‬مليون دوالر‪ 711 ،‬مليون دوالر عىل التوايل ‪. (6‬‬

‫إذ ًا‪ ،‬شهدت العالقات التعاونية بني إيران ودول جملس التعاون اخلليجي تطور ًا ملحوظ ًا‬

‫خالل فرتة اجلمهورية اإليرانية الثانية عىل األصعدة السياسية واالقتصادية والتجارية كافة‪ ،‬بل‬ ‫والثقافية‪ ،‬مقابلة بنظريهتا خالل فرتة اجلمهورية األوىل‪ .‬غري أن فرتة توافق املصالح اإليرانية‬ ‫اخلليجية هذه مل تستمر طوي ً‬ ‫ال؛ إذ مل يلبث أن عاد التوتر من جديد نتيجة عوامل عدة‪ُّ ،‬‬ ‫أمهها‪:‬‬

‫اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري‪ ،‬ص ‪.47‬‬

‫ ‪ (6‬خالد حممد أمحد املال‪« ،‬السياسة اخلارجية لدولة اإلمارات العربية املتحدة جتاه إيران خالل الفرتة ‪-1971‬‬ ‫‪( »،1992‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪ ،)1998 ،‬ص ‪.224 -222‬‬ ‫ ‪ (6‬مريس‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.146‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪195‬‬


‫الفصل اخلامس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية (‪)1997 -1989‬‬

‫‪ -‬مسألة الرتتيبات األمنية يف اخلليج‪ ،‬حيث أخذت إيران تؤكد رضورة إجياد حتالف‬

‫بينها وبني دول اخلليج فقط‪ ،‬ومن ثم رفضت كل املعاهدات الدفاعية الثنائية التي عقدهتا تلك‬ ‫الدول مع عدد من الدول الغربية‪ ،‬وكذلك رفضت مشاركة أي عنارص خارجية يف ترتيبات‬

‫أمن اخلليج‪ ،‬حتى ولو كانت تلك العنارص عربية‪ ،‬ومن ثم رفضت إعالن دمشق املوقع يف‬ ‫آذار‪/‬مارس ‪ 1991‬بني مرص وسوريا وبني دول املجلس الست‪ ،‬بل إن إيران قد اهتمت دول‬ ‫اخلليج الست عىل لسان أحد مسؤوليها بأهنا قد أعدت عىل عجل إعالن دمشق حول األمن‬ ‫اإلقليمي‪ ،‬وأن مرص وسوريا ليستا من الدول املطلة عىل اخلليج‪ ،‬وأن لدى كل منهام مشكالهتا‬ ‫اخلاصة‪ ،‬ومن ثم يصعب عليهام القيام بدور يف اخلليج بام يف ذلك مسائل األمن ‪. (6‬‬

‫ املوقف اإليراين املتشدِّ د من مسألة اجلزر اإلماراتية الثالث املحتلة منذ عام‬‫‪ ،1971‬حيث جتدَّ د موضوع النزاع بقوة يف عام ‪ 1992‬نتيجة اإلجراءات التعسفية‬ ‫التي اختذهتا السلطات اإليرانية يف جزيرة أبو موسى‪ ،‬والتحرش بالعائالت اإلماراتية‬ ‫واملدرسني املقيمني عىل تلك اجلزيرة‪ ،‬وفتح مطار يف اجلزيرة‪ ،‬ونصب منصات صواريخ‬ ‫فوقها‪ ،‬والتعدِّ ي عىل اجلزء الذي خيضع لسلطة دولة اإلمارات من اجلزيرة‪ ،‬منتهكة‬ ‫بذلك بنود مذكرة التفاهم اخلاصة بجزيرة أبو موسى املعقودة بني إيران وإمارة الشارقة‬ ‫عام ‪ ،1971‬األمر الذي دفع دولة اإلمارات إىل دعوة إيران إىل التخليَّ عن اإلجراءات‬ ‫التعسفية التي اختذهتا يف اجلزيرة‪ ،‬ودعت إىل عرض األمر عىل حمكمة العدل الدولية‬ ‫للفصل فيه‪ ،‬بعد فشل املفاوضات الثنائية نتيجة تعسف اجلانب اإليراين وإرصاره عىل‬ ‫تبعية اجلزر إليران‪ .‬وقد دعمت الدول اخلليجية اإلمارات سواء بشكل فردي أم من‬ ‫خالل املجلس‪ ،‬وهذا ما كان له أثره السلبي يف تطور العالقات اإليرانية ‪ -‬اخلليجية‪.‬‬

‫ ‪ (6‬لقاء بشاريت مع جريدة طهران تايمز نرشته يف ‪ ،1991/6/25‬يف‪ :‬املوجز عن إيران‪ ،‬العدد ‪( 12‬نيسان‪/‬‬ ‫أبريل ‪ ،)1991‬ص ‪.9‬‬ ‫‪196‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫الف�صل ال�ساد�س‬ ‫ال�سيا�سة ا إليرانية خالل اجلمهورية الثالثة‬ ‫(‪)2000 - 1997‬‬


‫يتناول هذا الفصل بالدراسة والتحليل سياسة اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية الثالثة جتاه‬

‫دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية خالل الفرتة من ‪ 1997‬وحتى ‪ ،2000‬من خالل‬ ‫مخسة حماور رئيسة‪ ،‬وذلك يف مخسة مباحث‪ ،‬عىل النحو التايل‪:‬‬

‫أو ًال‪ :‬األيديولوجيا اإليرانية‬ ‫مثَّل صعود الرئيس حممد خامتي إىل السلطة عام ‪ ،1997‬اللمسة األخرية يف تأليف الوجه‬

‫اإلصالحي عىل الساحة السياسية اإليرانية‪ .‬ومنذ ذلك التاريخ فرضت ثنائية (اإلصالحيني‬

‫– املحافظني) نفسها بشكل حاسم عىل معظم التحليالت التي تتناول الشأن اإليراين‪ ،‬سواء‬ ‫أكان عىل املستوى الداخيل أم حتى يف جمال العالقات اخلارجية هلذه الدولة الكبرية‪.‬‬

‫وسوف يسجل التاريخ خلامتي أنه قاد ما يشبه ثورة جديدة يف اجلمهورية اإلسالمية‪،‬‬ ‫يمكن اعتبارها تصحيح ًا ملسار الثورة األصلية‪ ،‬ونق ً‬ ‫ال هلا من مرحلة إىل أخرى‪ ،‬بعد أن كادت‬

‫إيران تغرق يف مرحلة ما يسمى «االستنفار الثوري» التي عادة ما تعقب أي ثورة مجاهريية‬ ‫بحجم الثورة اإليرانية ‪ .1979‬وكان من سامت تلك املرحلة اجلديدة أهنا خت َّلت عن اخلطاب‬ ‫الثوري املتشدِّ د‪ ،‬وقناعات تصدير الثورة إىل دول اجلوار‪ ،‬مقابل رفع شعارات أخرى تتعلق‬ ‫برضورة التعايش السلمي‪ ،‬ونبذ االنكفاء عىل الذات‪ ،‬وترميم جدار العالقة مع اآلخر‪ ،‬فض ً‬ ‫ال‬

‫عن دعم وتقوية املسحة الديمقراطية التي ميزت النظام اإلسالمي الذي جاءت به الثورة‬ ‫والذي يرد األمر إىل الشعب اإليراين يف أكثر من قضية ليقرر مصري بالده بنفسه من خالل‬

‫االنتخابات النزهية التي اشتهرت هبا اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‪.‬‬ ‫‪198‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫جاء خامتي يف أيار‪/‬مايو ‪ 1997‬بصفته ثمرة للتفاعل بني التيارات السياسية املختلفة يف‬ ‫إيران‪ ،‬وبات حمك احلكم عليه مرهون ًا بنجاحه يف صهر تلك التيارات يف بوتقة النظام السيايس‬

‫اإليراين عىل نحو حيقق اإلمجاع الذي ينتقل بإيران من الثورة إىل الرشعية الدستورية‪ ،‬وإعطاء‬ ‫مصداقية خلطابه السيايس اخلارجي بنقله من تعبري عن رؤية زعيم إىل تعبري عن إرادة شعبية‬

‫إيرانية ‪.‬‬

‫ومنذ وصول خامتي إىل السلطة عام ‪ ،1997‬والتيار اإلصالحي الذي يقوده ينتقل من‬

‫نرص مجاهريي إىل آخر‪ ،‬حتى صار يعرف بأنه التيار الشعبي‪ ،‬ال سيام بعد أن منحته اجلامهري‬ ‫اإليرانية ‪ -‬وبخاصة الشباب الذين يمثلون أكثر من نصف الشعب اإليراين ‪ -‬ثقتها يف‬

‫االنتخابات الترشيعية يف شباط‪/‬فرباير ‪ 2000‬من خالل أكثر من ‪ 70‬يف املئة من أصوات‬

‫الناخبني‪.‬‬

‫ح َّقق اإلصالحيون فوز ًا كاسح ًا يف االنتخابات الربملانية اإليرانية التي ُأجريت‬

‫دورهتا األوىل يوم اجلمعة يف الثامن عرش من شباط‪/‬فرباير ‪ ،2000‬وجاءت النتائج األولية‬

‫لالنتخابات يف طهران بمنزلة «الصاعقة»؛ حيث استحوذ التيار اإلصالحي عىل معظم املقاعد‬

‫الثالثني‪ ،‬بإحراز النسبة املطلوبة للفوز منذ الدورة األوىل وهي ‪ 25‬يف املئة‪ ،‬ناهلا ستة وعرشون‬ ‫مرشح ًا إصالحي ًا‪ ،‬عىل رأسهم رضا خامتي شقيق الرئيس اإليراين الذي حصل عىل ‪56.43‬‬ ‫يف املئة من األصوات‪ ،‬فيام حصل الرئيس السابق هاشمي رفسنجاين عىل ‪ 33.88‬يف املئة من‬ ‫األصوات‪ ،‬األمر الذي يعني أنه سينتقل إىل الدورة الثانية‪.‬‬

‫جاءت النتيجة األولية بعد فرز ‪ 472945‬صوت ًا‪ ،‬توزَّ عت عىل ‪ 652‬صندوق اقرتاع من‬ ‫أصل ‪ 3111‬صندوق ًا يف طهران‪ .‬وإذا كان فوز اإلصالحيني مدوي ًا يف العاصمة طهران‪ ،‬فإن‬

‫وضعهم يف املحافظات كان جيد ًا جد ًا‪ ،‬إذ حصلوا عىل األغلبية املطلقة من جمموع عدد مقاعد‬ ‫الربملان اجلديد‪ ،‬وحصدوا ‪ 153‬من أصل ‪ 290‬مقعد ًا‪ ،‬والنسبة هنا تصل إىل ‪ 79‬يف املئة من‬ ‫عدد األصوات املشاركة ‪.‬‬

‫ السيد عمر‪« ،‬السياسة اخلارجية اإليرانية يف ظل حكم الرئيس خامتي‪ :‬اإلدراك والواقع‪ »،‬شؤون خليجية‪،‬‬ ‫السنة ‪ ،3‬العدد ‪( 25‬ربيع ‪ ،)2001‬ص ‪.28‬‬ ‫ عبد العاطي حممد‪« ،‬ماذا بعد االنتخابات اإليرانية؟‪ »،‬األهرام (مرص)‪.2000/2/23 ،‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪199‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫ومتت اإلعادة يف أواخر شهر نيسان‪/‬أبريل ‪ ،2000‬وذلك يف نحو أربعني دائرة‪ ،‬فشل‬

‫فيها أي من املرشحني يف الفوز بنسبة تتجاوز ‪ 25‬يف املئة من األصوات‪ ،‬وانتهت اجلولة الثانية‬ ‫من االنتخابات ليحصد اإلصالحيون ‪ 36‬مقعد ًا إضافي ًا‪ ،‬فوصل عدد مقاعدهم يف الربملان‬ ‫اجلديد إىل ‪ 189‬مقعد ًا من أصل ‪ 290‬مقعد ًا‪.‬‬

‫تكونت األغلبية يف الربملان اجلديد من اإلصالحيني‪ ،‬وال شك يف أن هذه‬ ‫ومن ثم‪ّ ،‬‬

‫النتائج ذات دالئل سيكون هلا تداعياهتا عىل السياسة اإليرانية الداخلية واخلارجية‪.‬‬

‫وإذا نظرنا إىل طبيعة املجلس السابق‪ ،‬نجد أن املحافظني كانوا يتحكمون فيه‪ ،‬وكانت‬ ‫نسبة توزيع املقاعد هي مئة وعرشون مقعد ًا «أغلبية» للمحافظني‪ ،‬وثامنون مقعد ًا لإلصالحيني‪،‬‬

‫وسبعون مقعد ًا للمستقلني‪ ،‬والتغيري الذي شهدته االنتخابات اجلديدة انتقال األغلبية الكاسح‬ ‫إىل جبهة اإلصالح‪ .‬ومل تنخفض نسبة مقاعد املحافظني إىل املركز الثاين فحسب‪ ،‬بل إىل املركز‬ ‫الثالث‪ ،‬حيث احتل املستقلون عدد ًا أكرب من املقاعد‪.‬‬ ‫بدا أن هناك ترحيب ًا عربي ًا وخليجي ًا ودولي ًا بنتائج االنتخابات اإليرانية‪ ،‬وفوز اإلصالحيني‬

‫فيها‪ ،‬حيث رأت العديد من األوساط الرسمية يف العامل العريب وأوروبا والواليات املتحدة‪ ،‬أن‬ ‫هذه االنتخابات تُعد فاحتة لصفحة جديدة يف عالقات إيران بالعامل اخلارجي‪ .‬وجاءت ردود‬ ‫الفعل املختلفة‪ ،‬عربي ًا وخليجي ًا‪ ،‬ودولي ًا‪ ،‬مرحبة بنتائج االنتخابات اإليرانية‪ ،‬معتربة أن فوز‬ ‫اإلصالحيني سيكون بداية عرص جديد لعالقات إيران اخلارجية‪.‬‬

‫أعربت دول جملس التعاون اخلليجي عن ارتياحها لنتائج االنتخابات‪ ،‬معتربة فوز‬

‫اإلصالحيني خطوة كبرية يف اجتاه تعزيز العالقات اإليرانية ‪ -‬اخلليجية‪ .‬وتوقعت أوساط‬

‫خليجية عديدة أن يؤ ِّدي هذا الفوز الكبري لإلصالحيني إىل املسامهة يف حل مشكلة اجلزر‬ ‫املتنازع عليها بني إيران ودولة اإلمارات العربية املتحدة‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬مل تعد السياسة اخلارجية للدول جمرد انعكاس أو تعبري عن أوضاعها وسياساهتا‬ ‫الداخلية فقط عىل نحو ما كان شائع ًا يف املايض‪ ،‬بل باتت تعبرِّ أيض ًا عن جممل التفاعالت التي‬ ‫حتدث يف البيئة اإلقليمية التي تنتمي إىل اإلقليم ذاته‪ .‬وحدوث تغري حاد يف النظام السيايس‬

‫احلاكم يف إحدى الدول بشكل يغيرِّ من توجهاته األيديولوجية وخياراته السياسية‪ ،‬سوف‬ ‫‪200‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫يؤثر حت ًام يف أنامط عالقات هذه الدولة يف ظل نظامها احلاكم اجلديد مع الدول املجاورة‪ ،‬سواء‬ ‫أكان بالتعاون أم الرصاع‪ ،‬وقد يمتد التأثري إىل إحداث تغيري يف بعض السياسات الداخلية‪،‬‬ ‫بل ويف بنود امليزانية العامة‪ ،‬وربام يمتد التأثري إىل سياساهتا اإلعالمية وبراجمها الثقافية وأنامط‬

‫حتالفاهتا اإلقليمية والدولية‪.‬‬

‫دالالت فوز التيار اإلصالحي‬

‫يشري الفوز الكبري الذي ح َّققه اجلناح اإلصالحي يف االنتخابات اإليرانية إىل دالالت‬

‫عدَّ ة غاية يف األمهية ‪:‬‬

‫‪ -1‬يشري هذا الفوز إىل مكانة املطلب اإلصالحي يف املجتمع األهيل اإليراين‪ ،‬وهو‬

‫مطلب مل تتمكن قوى اجلمود من ردعه باالغتياالت واملحاكامت‪ ،‬وال من هتميشه بوصفه‬ ‫يسار ًا متطرف ًا‪ ،‬وال من نزع رشعيته بوصفه امتداد ًا للنفوذ الثقايف الغريب‪.‬‬ ‫‪ُ -2‬يعد هذا الفوز تكريس ًا للرشعية الشعبية التي جاءت بالرئيس خامتي إىل السلطة يف‬

‫عام ‪ ،1997‬حيث كان خامتي بحاجة إىل جتنب الفشل يف هذه االنتخابات ليثبت أن شعبيته‬ ‫الواسعة ما زالت حقيقية‪ ،‬وليعزِّ ز موقعه ممث ً‬ ‫ال أوحد للتيار اإلصالحي‪ ،‬مقابل طموحات‬

‫سلفه املتجددة‪ ،‬وليضع حد ًا لعرقلة إصالحاته من قبل جملس بقي حتت سيطرة املحافظني‬ ‫خالل السنتني املاضيتني‪ ،‬وليحسن موقعه يف املعركة الرئاسية لوالية ثانية‪ ،‬وهو ما حتقق‬

‫بالفعل يف العام ‪.2001‬‬

‫‪ -3‬يشري الفوز الذي حصل عليه اإلصالحيون إىل أن الشعب اإليراين راغب يف‬

‫التغيري‪ ،‬وأنه ال بد من إعادة النظر يف النظام من جديد‪ ،‬من حكم «املاليل» إىل الرشعية املنبثقة‬

‫من صندوق االقرتاع‪ .‬وهذا يعني أن الشعب اإليراين يؤيد التغيري الذي بدأه خامتي‪ ،‬والذي‬ ‫يشمل كل أوجه احلياة يف إيران‪ ،‬سياسي ًا وثقافي ًا واقتصادي ًا‪ .‬وأن هذا الشعب يؤيد اإلصالحات‬ ‫الليربالية التي أدخلها خامتي هبدف إقامة جمتمع مدين‪.‬‬

‫‪ -4‬جاءت نتائج االنتخابات الترشيعية اإليرانية األخرية بمنزلة تفويض شعبي كاسح‬ ‫لإلصالحيني اإليرانيني لتصحيح مسرية إيران داخلي ًا وخارجي ًا بعد استقرار العالقات‬ ‫اإليرانية اخلارجية‪ ،‬األمر الذي ُيعدّ رسالة واضحة للعامل اخلارجي بأن إيران بدأت تصحيح‬ ‫ «قراءة يف نتائج االنتخابات الترشيعية اإليرانية‪ »،‬الدراسات السياسية (اجلزء األول) (‪ 26‬شباط‪/‬فرباير ‪.)2000‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪201‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫مسارها عىل املستوى اخلارجي‪ ،‬وبام يتناسب والقرن اجلديد‪ ،‬ولتعويض ما فات بغري إرادة من‬ ‫اإلصالحيني‪ ،‬وأن اإلصالحات املرتقبة من دون هتويل أو هتوين هي بمنزلة استجابة ملشيئة‬

‫الشعب اإليراين يف االجتاه اإلصالحي‪ ،‬وأن تكون إليران قيادة واحدة لتسيري أمور البالد‪ ،‬عىل‬ ‫الرغم من تأخرها لسنوات طويلة ملدة واحد وعرشين عام ًا التي صاحبت الفرتة املاضية‪ ،‬سوا ًء‬ ‫عىل املستوى الداخيل أم اخلارجي‪.‬‬

‫‪ -5‬تشري نتائج االنتخابات اإليرانية إىل داللة مهمة عىل الصعيد اخلارجي (اإلسالمي)‪،‬‬

‫فمن حماسن هذه االنتخابات أهنا ترد عىل بقية العامل اإلسالمي الذي ازدحم بأصحاب‬

‫األفكار املحافظة‪ ،‬وأثبتت أن انتشار التطرف يف كثري من الدول اإلسالمية ال يعبرِّ إال عن‬ ‫القلة املتشدِّ دة واملتحمسة للتعبري عن أغلبية الناس التي ال تتفق معها‪ .‬لقد كانت إيران أرض‬ ‫التطرف والتشدد‪ ،‬وأصبحت اليوم أرض التنوير والتصالح واإلصالح‪ ،‬األمر الذي يعني أن‬ ‫الثورة اإليرانية‪ ،‬بمعناها األصيل‪ ،‬فقدت زمخها ومل تعد قادرة عىل التعبئة الداخلية‪ ،‬واتضح أن‬ ‫تطبيق شعاراهتا الرئيسة حيدث تعديالت عىل الوجهة األصلية‪ ،‬وهو تعديل أكثر اندراج ًا يف‬ ‫املزاج اإلقليمي والدويل‪.‬‬

‫غري أن املشهد السيايس من خالل هذا العرض ال يزال ناقص ًا‪ ،‬إذ إن هناك تيار ًا آخر (التيار‬ ‫املحافظ) ال يزال يوجد عىل الساحة بقوة‪ ،‬بل إن ذلك التيار العتيد يمتلك فعلي ًا مقاليد احلكم‬ ‫احلقيقية والفعلية يف إيران‪ ،‬املمثلة يف مؤسسات الوالية وجمالس اخلرباء‪ ،‬وصيانة الدستور‪،‬‬ ‫وتشخيص مصلحة النظام وغريها‪ .‬وبزحزحة التيار املحافظ قلي ً‬ ‫ال باجتاه التيار اإلصالحي‪،‬‬

‫تكتمل عنارص الصورة السياسية يف إيران‪ ،‬حيث نجد الرئيس اإليراين املعتدل حممد خامتي‪،‬‬ ‫مشفوع ًا بأصوات أكثر من عرشين مليون ناخب إيراين‪ ،‬يقف عىل رأس تيار إصالحي شعبي‬ ‫جارف حصل عىل مئة وتسعة وثامنني مقعد ًا من مقاعد الربملان البالغ عددها مئتان وتسعون‬ ‫مقعد ًا‪ ،‬إىل «جوار» عيل خامنئي‪ ،‬مرشد الثورة اإليرانية‪ ،‬عىل رأس تيار حمافظ يناضل بكل قوته‬

‫للصمود أمام املد اإلصالحي‪.‬‬

‫بدأ الرصاع القائم بني املحافظني واإلصالحيني يأخذ مظاهر عديدة وخمتلفة‪ ،‬لعل أمهها ما ييل‪:‬‬ ‫‪ -‬استمرار عملية إغالق الصحف اإلصالحية بواسطة القضاء اإليراين الذي يسيطر‬

‫عليه املحافظون‪ ،‬حيث اهتمت هذه الصحف بالعمل ملصلحة أعداء إيران وضد الثورة‬ ‫‪202‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫اإلسالمية‪ ،‬ومل يقترص هجوم التيار املحافظ عىل الصحف فقط‪ ،‬بل تم أيض ًا اختاذ العديد من‬

‫إجراءات االعتقال واحلبس ضد الصحافيني ورؤساء التحرير املوالني للتيار اإلصالحي‪.‬‬ ‫فض ً‬ ‫أقر الربملان السابق قبل انتهاء‬ ‫ال عن ذلك‪ ،‬ويف إطار الضغوط والتضييق عىل الصحافة‪َّ ،‬‬

‫واليته قانون املطبوعات الذي سبق أن متت مناقشته ورفضته اهليئة الترشيعية‪ ،‬وهو قانون‬ ‫يشدِّ د القيود والعقوبات عىل الصحافة إىل حد كبري‪ ،‬بام يف ذلك منع إعادة إصدار الصحف‬

‫حتت مسميات أخرى‪ ،‬وهي الوسيلة التي كان أنصار التيار اإلصالحي يلجأون إليها كلام‬

‫أغلقت هلم صحيفة‪.‬‬

‫وجه احلرس الثوري حتذير ًا شديد ًا للصحف اإليرانية‬ ‫ويف هذا اإلطار نفسه‪ّ ،‬‬ ‫لـ»الردة القيمية»‪ ،‬وبضياع القواعد واألصول يف ممارسة‬ ‫اإلصالحية‪ ،‬مته ًام إياها بالرتويج‬ ‫َّ‬

‫النقد واحلوار‪ ،‬وقد اكتملت احللقة عندما انتقد املرشد األعىل الصحف اإلصالحية واصف ًا‬

‫إياها بأهنا قواعد لتسلل أعداء الثورة‪ .‬كام إنه رفض التدخل لدى السلطة القضائية إللغـاء‬ ‫األحكـام التي صدرت بإيقاف الصحف‪ ،‬وذلك بحجـة أن القضـاء «مسـتقل»‪ ،‬وأنه ال حيق‬

‫وال يمكن له وال لرئـيس السلطـة القضـائية نفسـه إلغـاء حكم يتخذه قاض ما ‪.‬‬

‫‪ -‬تأليف املحافظـني ما يسمى «جلنـة إثـارة األزمـات»‪ ،‬تلك اللجنـة التي أبلغ‬

‫عنـها عيل يونـس‪ ،‬وزيـر األمـن‪ ،‬الرئـيس خاتـمي‪ ،‬والتي كانت قد تألفـت عقـب فـوز‬ ‫اإلصالحيـني يف االنتخابات الربملـانية‪ .‬وتضم اللجنـة بعض قـادة احلرس الثوري‪ ،‬ومديـر‬ ‫اإلذاعة والتلفزيـون‪ ،‬ومديـر صحيفـة كيهـان‪ ،‬وزعيـم الكتلة املحافظـة يف الربملـان‪ ،‬وعضـو ًا‬

‫بـارز ًا يف جملـس صيـانة الدسـتور‪ .‬وهتـدف إىل إثـارة الرأي العام ضد اإلصالحيني‪ ،‬وتعطيل‬ ‫مسرية الديمقراطية واإلصالح‪ ،‬بغرض إضعاف احلكومة متهيد ًا لعزل الرئيس خامتي ‪.‬‬ ‫‪ -‬زعم املحافظون أن هناك «انقالب ًا أبيض» ينوي اإلصالحيون القيام به مع بداية‬

‫الوالية الترشيعية اجلديدة‪ ،‬وأهم أهداف هذا االنقالب ما ييل‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫العمل عىل حل حمكمة رجال الدين‪ ،‬واحلد من صالحيات املحاكم الثورية‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫تعديل قانون االنتخابات وإلغاء اإلرشاف االستثنائي ملجلس صيانة الدستور عليها‪.‬‬

‫ االحتاد (اإلمارات)‪.2000/5/10 ،‬‬ ‫ الرشق األوسـط‪.2000/5/11 ،‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪203‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫‪-‬‬

‫تعديل قانون اإلجراءات والصحافة‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫زيادة الصالحيات التي تتمتع هبا البلديات‪ ،‬عل ًام أن اإلصالحيني يسيطرون عليها‪.‬‬

‫ احلد من صالحيات املجلس األعىل للثورة الثقافية‪.‬‬‫ العمل عىل تأليف جملس شورى لرسم السياسة اخلارجية‪.‬‬‫‪ -‬تعديل قانون اإلرشاف عىل مؤسسة اإلذاعة والتلفزيون‪ ،‬وفتح الطريق أمام إنشاء‬

‫حمطات تلفزيونية خاصة‪.‬‬

‫يبدو أن املحافظني أرادوا استعداء املرشد األعىل والقوى املحافظة األخرى ضد‬

‫اإلصالحيني‪ ،‬من أجل منعهم من استخدام الربملان يف حتقيق أهدافهم‪ ،‬وعىل الرغم من أن‬ ‫زعم املحافظني بوجود مثل هذا االنقالب قد يكون مقبو ً‬ ‫ال‪ ،‬إال أنه بافرتاض تصديق الربملان‬ ‫عىل مثل هذه األمور‪ ،‬فإن ذلك لن ُيعد دلي ً‬ ‫ال عىل تطبيقها يف الواقع؛ نظر ًا إىل أنه ال بد أن‬

‫يصدق جملس صيانة الدستور ‪ -‬يسيطر عليه املحافظون ‪ -‬عىل هذه الترشيعات‪ .‬ويف حال‬

‫نشوب خالف بني الربملان واملجلس‪ُ ،‬ير ّد األمر إىل جملس تشخيص مصلحة النظام الذي‬ ‫كان يرتأسه رفسنجاين وحيفل بالكثري من العنارص املناوئة لإلصالحيني‪ ،‬وأخري ًا‪ ،‬يظل املرشد‬

‫األعىل له حق نقض أي ترشيع أو قانون جديد خيالف توجهاته أو ال يرىض عنه‪.‬‬

‫‪ -‬حاول التيار املحافظ إلغاء نتائج االنتخابات الترشيعية التي فاز هبا اإلصالحيون‪،‬‬

‫حيث أعلن جملس صيانة الدستور عن قناعته بعدم صحة االنتخابات‪ ،‬وبالتايل جيب إلغاؤها‬

‫بسبب وجود نوع من املخالفات والتالعب‪ ،‬وقد كان بمقدور املحافظني مترير هذه اخلطوة‬ ‫نظر ًا إىل حساسية الظروف املحيطة باحلركة السياسية الداخلية‪ ،‬خصوص ًا بعد اإلجراءات‬

‫القضائية اخلاصة بإغالق ست عرشة صحيفة يومية وأسبوعية‪ ،‬ولوال تدخل املرشد األعىل‬ ‫ليحسم األمر ملصلحة اإلصالحيني لكان املحافظون قد نفذوا ما أرادوا ‪.‬‬

‫ واصل املحافظون محلتهم عىل الرئيس خامتي؛ حيث بدأ قادة هذا التيار التخطيط‬‫لتغيريه‪ ،‬واقرتحوا أسامء عدة‪ ،‬مثل املهندس باهز ومرتىض نبوي وغفوري فرد وعباس بور‪،‬‬ ‫وقد حاولت صحف املحافظني الرتويج ملقولة إن أنصار خامتي يفكرون ببديل له‪ ،‬حيث‬ ‫ احلياة‪.2000/5/20 ،‬‬ ‫‪204‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ظهرت بعض األحداث من اإلصالحيني املتطرفني للبحث عن بديل خلامتي‪ ،‬بذريعة أنه وراء‬

‫ردة قيمية‪ ،‬وأنه مل يعد يصلح ملرحلة ما بعد الربملان املقبل الذي ينتظر منه‬ ‫ما تشهده البالد من َّ‬

‫الناخب اإليراين املزيد من اإلصالحات‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد اقرتح التيار الليربايل رصاحة‬ ‫تنحي خامتي عن الرئاسة لعدم دعمه احلركة اإلصالحية بصورة جدية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن ذلك‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫حاولت الصحف املحافظة اإلحياء بأن عودة رئيس الوزراء السابق مري حسن موسوي إىل‬ ‫الساحة جاءت يف سياق جتهيزه ملنصب الرئاسة‪.‬‬

‫‪ -‬أطلق املحافظون ‪ -‬يف إطار محلتهم عىل خامتي ‪ -‬دعوات وإن كانت عىل استحياء‬

‫بإلغاء الرئاسة‪ ،‬وحتويل النظام من نمط والية الفقيه إىل اخلالفة‪ ،‬أي أن تدمج الرئاسة والوالية‬ ‫وتصبحان من صالحيات شخص واحد هو اخلليفة اإلسالمي‪ .‬هذا الطرح مل يكن أمر ًا جديد ًا‬

‫ألن أصحابه يف مجعية املؤتلفة اإلسالمية (املحافظة) تب ّنوه يف أدبياهتم حتى قبل انتخابات الرئاسة‬ ‫التي جاءت بخامتي إىل سدَّ ة احلكم‪ ،‬لكن املثري أنه أخذ يظهر عىل السطح حتى بعد إعالن املرشد‬ ‫األعىل تأييده الكامل لإلصالحات التي يقودها الرئيس ولشخص خامتي نفسه ‪.‬‬

‫ يتهم املحافظون خامتي بالفشل يف املجال االقتصادي‪ ،‬فعىل الرغم من أن خامتي قد‬‫تس َّلم تركة اقتصادية ثقيلة‪ ،‬إال أنه مل حياول خالل فرتة حكمه أن يفعل شيئ ًا‪ ،‬فهو قد تعهد بتنفيذ‬ ‫برنامج التخصيص‪ ،‬ومل يقرتح أي إجراءات مهمة لتحقيق ذلك‪ .‬كام يشري املحافظون إىل أن‬

‫متوسط إمجايل الدخل للشخص يف ايران أقل من نصف ما كان عليه يف عام ‪ .1977‬ويعيش‬ ‫نصف الشعب اإليراين حتت خط الفقر‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬حتتاج إيران إىل توفري مليون فرصة‬

‫عمل جديدة حلل مشكلة البطالة‪ ،‬إال أن املتوافر الفعيل ‪ 130‬ألف فرصة فقط‪ .‬كذلك يؤكد خصوم‬ ‫خامتي أن إيران قد ح َّققت معدالت نمو سالبة خالل العامني األولني من فرتة رئاسته ‪.‬‬ ‫واملدقق ألحداث هذا الرصاع القائم يف إيران يمكن أن يتبني أنه يتميز بخصائص عدة‪:‬‬ ‫‪ -‬إن هذا الرصاع يدور ضمن األسس القانونية والدستورية للنظام السيايس‪ .‬وهو‬

‫رصاع منضبط عىل الرغم من اختالف التفسريات حول طبيعة هذه األسس بني هذين‬

‫التيارين‪ ،‬فهناك اتفاق عىل جمموعة القواعد األساسية للعبة السياسية يف البالد‪.‬‬ ‫ الوسـط (‪ 22‬أيار‪/‬مايو ‪.)2000‬‬

‫ الرشق األوسـط‪.2000/5/26 ،‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪205‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫ تأكيد األطراف أن هذا الرصاع ال هيدف إىل تصفية أي طرف‪ ،‬وإنام وقف جتاوزاته‪،‬‬‫فكل طرف يملك من األدوات ما جيعله قوي ًا يف مواجهة اآلخر‪ ،‬وبالتايل يصعب عىل أي منهام‬

‫التخ ّلص من منافسه‪.‬‬

‫ اعتامد الرصاع عىل وسائل مهمة يف املجتمع اإليراين؛ ممثلة يف الصحافة‪ ،‬األمر الذي‬‫يعكس اعرتاف ًا ضمني ًا بام هلذه الوسيلة ‪ -‬الصحف ‪ -‬من نفوذ وتأثري‪ .‬هذا عىل الرغم من‬ ‫إمكانية انحراف بعض األطراف عن هذه الوسائل‪ ،‬حيث محلت وسائل اإلعالم يف الثالثني‬

‫من أيار‪/‬مايو ‪ 2000‬أنباء عن إحباط حماولة الغتيال الرئيس خامتي عىل يد أحد حراسه‬ ‫الذي ُوصف بأنه من املحافظني‪ ،‬وهو ما كشف عنه أمحد توكيل‪ ،‬النارش البارز يف صحيفة بيان‬ ‫اإليرانية‪ ،‬إال أن توكيل مل حيدِّ د متى أحبطت أجهزة خمابرات احلرس الثوري تلك املحاولة‪،‬‬ ‫مكتفي ًا بالقول‪ :‬إن املخابرات اعتقلت هذا احلارس بعد أن طلب مشورة أحد رجال الدين‬ ‫املحافظني يف هذا الشأن‪ ،‬فقام رجل الدين بإبالغ أجهزة األمن‪ ،‬وعىل الرغم من أن ذلك قد‬

‫يكون لدوافع سياسية تتمثل يف الضغط عىل خامتي من قبل املحافظني للتجاوب مع مطالبهم‪،‬‬ ‫فإن ذلك احلادث ال يعدو كونه حادث ًا فردي ًا وليس اجتاه ًا عام ًا‪.‬‬ ‫ كان للقضاء دور واضح يف هذا الرصاع؛ حيث قام بإغالق العديد من الصحف‬‫واملجالت اإلصالحية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن حماكمة بعض رموز التيار اإلصالحي الذين يشغلون‬

‫مناصب رؤساء حترير لبعض الصحف‪.‬‬

‫‪ -‬تأكيد خامنئي الذي يمثل أعىل سلطة يف البالد أن الرصاع يدور يف إطار اتفاق عام؛‬

‫أي أن االختالف يف الفروع وليس يف األصل‪ .‬عىل الرغم من استمرار الرصاع بني التيار‬

‫اإلصالحي والتيار املحافظ واشتداد حدَّ ة هذا الرصاع ومتثله يف مظاهر خمتلفة ومتعددة‪ ،‬وعىل‬

‫الرغم من حماوالت املحافظني تضييق اخلناق عىل اإلصالحيني‪ ،‬فإن األخريين قد استطاعوا‬ ‫حتقيق نجاحات عدة مهمة‪ ،‬أبرزها ما ييل‪:‬‬

‫‪ -‬نجاح اإلصالحيني يف جملس الشورى السابق الذي كان يسيطر عليه املحافظون‬

‫يف عرقلة إصدار قانون عاجل جديد يقيض بوضع وزارة االستخبارات حتت إرشاف «جهاز‬ ‫أمني» جديد‪ .‬وقد استطاع أنصار التيار اإلصالحي يف الربملان سحب مرشوع القانون من‬ ‫جدول أعامل املجلس بعد إلغاء صفة «االستعجال» عنه‪ ،‬عىل أن يناقش خالل الدورة الربملانية‬

‫‪206‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫اجلديدة‪ .‬وجدير بالذكر أن املحافظني كانوا هيدفون من وراء هذا القانون إىل حترير وزارة‬

‫االستخبارات من سيطرة احلكومة‪.‬‬

‫ نجاح اإلصالحيني يف اجتذاب تأييد بعض رجال الدين؛ حيث أعلن مئتان من علامء‬‫الدين يف «قم» تأييدهم للرئيس خامتي وبرناجمه اإلصالحي‪ ،‬وأدانوا إغالق بعض الصحف‬ ‫اإلصالحية‪ .‬ويعكس هذا األمر مؤرشات عىل وجود رشعية دينية لربنامج خامتي موازية‬ ‫وقد ال تقل أمهية عن الرشعية التي حاول املحافظون إضفاءها عىل براجمهم‪ ،‬وقد تساهم هذه‬ ‫الرشعية املوازية يف تفعيل قواعد املجتمع املدين ويف تشجيع تيار اإلصالح عىل التقاط أنفاسه‬ ‫والدفع بأجندته بشكل أكثر حس ًام يف الربملان اجلديد ‪.‬‬ ‫ نجاح اإلصالحيني يف اكتساب تأييد املرشد األعىل يف بعض القضايا املتنازع عليها‪،‬‬‫وأمهها قضية إعالن نتائج انتخابات مدينة طهران التي حاول املحافظون إلغاءها؛ حيث فاز‬ ‫أنصار اإلصالح بستة وعرشين مقعد ًا من مقاعد طهران الثالثني بعدما صادق جملس صيانة‬ ‫الدستور (تيار حمافظ) عىل فوز ثامنية وعرشين مرشح ًا‪ ،‬مع إجراء انتخابات تكميلية عىل‬ ‫املقعدين الباقيني بني أربعة مرشحني مجيعهم من اإلصالحيني‪ ،‬األمر الذي يعني أن جمموع‬ ‫ما سيحصل عليه اإلصالحيون من مقاعد طهران سيكون ثامنية وعرشين مقعد ًا من أصل‬ ‫ثالثني‪ ،‬وبذلك يكون التيار اإلصالحي مسيطر ًا عىل ‪ 80‬يف املئة من جمموعة مقاعد الربملان‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن ذلك‪ ،‬فقد اكتملت سيطرة اإلصالحيني عىل املجلس بعد فوز مهدي كرويب برئاسته‬ ‫يف ظل عدم وجود أي منافس من املحافظني‪.‬‬ ‫ نجح اإلصالحيون يف كسب قاعدة مجاهريية كبرية ترمجتها االنتخابات الربملانية‬‫التي جرت يف شباط‪/‬فرباير ‪ ،2000‬وتكملتها التي جرت يف شهر نيسان‪/‬أبريل من العام‬ ‫نفسه‪ ،‬إىل نحو مئة وتسعة وثامنني مقعد ًا من إمجايل مقاعد الربملان اإليراين البالغ عددها مئتني‬ ‫وتسعني مقعد ًا‪.‬‬ ‫ نجح اإلصالحيون كذلك يف التزام خط املعارضة السلمية من دون أن حيسب عليه‬‫تصعيد املوقف السيايس عىل اإلطالق‪ ،‬بل إن اإلصالحيني قابلوا استفزازات كثرية من جانب‬ ‫املحافظني بنوع من اهلدوء الشديد أم ً‬ ‫ال يف أن يتفهم املواطنون تلك األوضاع‪ ،‬ونأي ًا بأنفسهم‬ ‫عن التورط يف معارك جمهولة العواقب‪.‬‬ ‫ الوطن (الكويت)‪.2000/5/15 ،‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪207‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫‪ -‬نجح اإلصالحيون كذلك يف أداء نوع راق من التكتيك السيايس ملواجهة تشدد‬

‫املحافظني إزاء عدد من القضايا‪ ،‬ومن ذلك تراجع اإلصالحيني عن تبني أولوية إقامة حوار‬ ‫مع الواليات املتحدة‪ ،‬مع َّللني ذلك الرتاجع بالتمهل انتظار ًا ملا سوف تسفر عنه انتخابات‬

‫الرئاسة األمريكية يف أعقاب انتهاء والية بيل كلينتون‪ ،‬من أجل التعامل مع مؤسسة يضمن‬ ‫أن يكتب هلا الثبات ملدة أربع سنوات عىل األقل‪ ،‬بد ً‬ ‫ال من التعامل مع اإلدارة األمريكية التي‬ ‫كان يرئسها كلينتون وهو يف السنة األخرية من واليته آنذاك‪.‬‬

‫‪ -‬كام تراجعوا عن طلب إخضاع املؤسسات الثورية التابعة ملرشد الثورة خامنئي لقدر‬

‫من الرقابة‪ ،‬وسحبوا كذلك مطلب حتول التحقيق يف قضية حماولة اغتيال سعيد حجاريان‪،‬‬ ‫نائب رئيس بلدية طهران ذي التوجه اإلصالحي‪ ،‬لتبقى القضية يف يد املحكمة الثورية‪.‬‬

‫‪ -‬وإىل جانب اسرتاتيجية الرتاجع هذه‪ ،‬مارس اإلصالحيون نوع ًا من املواجهة اهلادئة‬

‫حيال قضايا أخرى‪ ،‬مثل محالت إغالق الصحف؛ حيث اكتفوا ‪ -‬إىل جانب استعدادهم‬ ‫إلصدار صحف جديدة ‪ -‬بإدانتها‪ ،‬مؤكدين أن االنتقائية يف التعامل مع املطبوعات والسامح‬

‫للصوت املتشدِّ د من دون سواه من األصوات من شأهنام أن خيدشا مصداقية النظام اإلسالمي‪.‬‬ ‫وكذلك احلال بشأن قضية تعيني رئيس الربملان اجلديد من املحافظني‪ ،‬عىل الرغم من حيازة‬ ‫اإلصالحيني لألغلبية‪ ،‬حيث حاول جملس صيانة الدستور الضغط عىل اإلصالحيني يف هذه‬ ‫القضية مقابل إقرار نتائج االنتخابات‪.‬‬

‫وجاء ختليَّ رئيس اجلمهورية اإليرانية السابق ورئيس جممع تشخيص مصلحة النظام‪،‬‬

‫هاشمي رفسنجاين‪ ،‬عن مقعده الربملاين بمنزلة مفاجأة لألوساط اإلصالحية واملحافظة‪ ،‬غري‬

‫أن أثر هذه املفاجأة قد اختلف بني الطرفني‪ ،‬فاملحافظون أصيبوا بصدمة نتيجة هذا القرار‪،‬‬ ‫يف حني اعتربه اإلصالحيون نرص ًا استطاعوا من خالله منع رفنسجاين من دخول الربملان‪،‬‬ ‫يعول عليها املحافظون لرئاسة الربملان‬ ‫خصوص ًا أنه كان إحدى الشخصيات التي كان ِّ‬ ‫ولتأليف حمور مضاد للقوى اإلصالحية يف املجلس الترشيعي‪.‬‬ ‫وقد أرجع عدد من املح ِّللني قرار رفسنجاين هذا إىل أسباب عدة‪:‬‬ ‫ إن اإلصالحيني قد ّ‬‫حذروه من حتدِّ ي أوراق اعتامده بصفته عضو ًا يف الربملان علن ًا‪،‬‬

‫وطبق ًا للقوانني االنتخابية جيب عىل كل عضو منتخب يف املجلس أن حيصل عىل اعتامد باقي‬ ‫‪208‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫األعضاء‪ ،‬وإذا رفضت أغلبية األعضاء أوراق اعتامد عضو ما فإنه ال يستطيع االنضامم إىل‬ ‫قرر عدم املخاطرة بمعركة قد ال تكون يف مصلحته‪ ،‬بخاصة‬ ‫املجلس‪ .‬ويبدو أن رفسنجاين َّ‬ ‫تردد حول دوافع جملس صيانة الدستور إلعادة الفرز املتكرر بالنسبة إىل صناديق‬ ‫يف ضوء ما َّ‬ ‫انتخابات مدينة طهران‪ ،‬حيث رأى البعض أن هذه الدوافع تكمن يف الرغبة يف حتسني وضع‬ ‫هاشمي رفسنجاين يف قائمة الفائزين حيث كان حيتل املرتبة األخرية‪ ،‬وهو ما حدث بالفعل؛‬ ‫حيث أعلن جملس صيانة الدستور أن رفسنجاين قد احتل املركز العرشين من أصل ‪ 30‬عضو ًا‬

‫يمثلون مدينة طهران يف الربملان ‪. (1‬‬

‫‪ -‬يبدو أن رفسنجاين أصبح عىل قناعة بعدم وجود فرصة حقيقية للحصول عىل‬

‫منصب رئيس املجلس اجلديد‪ ،‬حيث كانت الشخصيات اإلصالحية البارزة قد حتدثت عن‬ ‫عدم إمكانية إسناد منصب رئاسة املجلس لرفسنجاين بسبب األصوات املحدودة التي حصل‬ ‫عليها يف االنتخابات الربملانية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن موقفه ال َّ‬ ‫المبايل من حماولة اغتيال سعيد حجاريان‬

‫وعدم إبرازه التعاطف معه‪ ،‬وانتقاده املستمر لإلصالحيني‪ ،‬وبخاصة التيارات اإلصالحية‬ ‫التي كانت حمسوبة عليه مثل «حزب كوادر البناء» الذي يقوده غالم حسني كرباستيش‪ ،‬عمدة‬

‫طهران السابق‪ .‬فقد انقسم هذا احلزب بشأن رفسنجاين إىل فريقني‪ ،‬أحدمها يقوده كرباستيش‬ ‫وعطا اهلل مهاجراين‪ ،‬وزير الثقافة‪ ،‬والثاين يقوده حممد هاشمي‪ ،‬شقيق رفسنجاين‪ ،‬وابنته فائزة‪.‬‬ ‫وبعد أن كان احلزب بجميع قياداته قد طرح اسم رفسنجاين لرئاسة الربملان وقرر التنسيق‬

‫مع بقية تنظيامت التيار اإلصالحي حول هذا املوضوع‪ ،‬افتقد فريق كرباستيش ‪ -‬مهاجراين‬

‫احلامسة الالزمة لذلك يف أعقاب املواقف املتشدَّ دة التي اختذها هاشمي رفسنجاين‪ ،‬هلذا رأى‬ ‫البعض عدم جدوى انتقال هذا األخري إىل املرتبة العرشين بسبب عدم وجود من يدعم‬

‫ترشيحه لرئاسة املجلس من النواب اإلصالحيني الذين يمثلون األغلبية‪.‬‬

‫ إن احتالل هذا املقعد يعني خسارة منصبه احلايل بصفته رئيس ًا ملجمع تشخيص‬‫مصلحة النظام؛ وطبق ًا للقانون ال يمكن لعضو يف املجلس أن حيتفظ بمنصب حكومي يف‬

‫الوقت ذاته‪ .‬ويتمتع رفسنجاين بصفته رئيس ًا ملجلس التشخيص بمميزات مالية كبرية‪ ،‬كام إن‬ ‫لديه سلطات واسعة بحكم موقعه؛ فيحق له مثال حضور املناسبات الرسمية كلها للدولة‪،‬‬ ‫ويمكنه كذلك استقبال الشخصيات األجنبية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن سلطته يف إبطاء أو إفشال العديد من‬ ‫ ‪ (1‬القبس (الكويت)‪.2000/5/21 ،‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪209‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫برامج الرئيس من دون أن يبدو أنه يتخذ جانب أي من األطراف ‪. (1‬‬ ‫‪ -‬يرى البعض أن رفسنجاين ختىل عن مقعده ألن قيادته ستصبح حمدودة جد ًا‪ ،‬فهو‬

‫يدرك أن أسهمه ستنخفض إذا استمر يف معارضة اإلصالحيني يف الربملان‪ ،‬كام إنه سيفقد‬

‫مصداقيته إذا هادن التيار اإلصالحي‪ ،‬ولذلك فإنه ربام سيحاول أن يدخل يف رصاع مع‬ ‫اإلصالحيني من خارج الربملان بالنظر إىل ما يمتلكه من قوة ونفوذ‪ .‬وقد اعترب بعض املحللني‬

‫السياسيني اإليرانيني أن قرار رفسنجاين إنام هو إشارة إىل أنه‪« :‬قرر اختيار معسكره احلقيقي‬ ‫واالبتعاد عن اإلصالحيني» ‪. (1‬‬

‫ أملحت بعض املصادر اإليرانية إىل أن رفسنجاين أبلغ املرشد األعىل بقراره االبتعاد عن‬‫املجلس‪ ،‬ومقابل ذلك عرض عليه خامنئي ضامنات بأنه سيحتفظ بمنصبه رئيس ًا ملجلس تشخيص‬

‫النظام‪ ،‬كام تر َّدد أن املرشد تعهد بمنع اختاذ أي إجراءات لتوجيه اهتامات سياسية إىل رفسنجاين‪.‬‬

‫وعىل الرغم من النجاحات التي حققها التيار اإلصالحي‪ ،‬فإن التيار املحافظ هو اآلخر‬

‫مل يقف مكتوف األيدي‪ ،‬وإنام بادر إىل اختاذ عدد من اإلجراءات لتطويق استحقاقات تلك‬ ‫االنتصارات اإلصالحية‪ ،‬وذلك يف إطار اللعبة السياسية‪ ،‬ومن ذلك ما ييل ‪: (1‬‬

‫‪ -‬قيام جملس صيانة الدستور‪ ،‬الذي يسيطر عليه التيار املحافظ‪ ،‬باإلعالن عشية‬

‫انتهاء االنتخابات التكميلية عن حدوث تزوير كبري يف االقرتاع يفوق نسبة ‪ 10‬يف املئة‬ ‫(النسبة الدستورية إللغاء النتائج) وفق ًا ملا أظهرته عمليات إعادة فرز األصوات‪ ،‬مشري ًا إىل‬

‫ظهور خمالفات يف مخسمئة ومخسة صناديق أعيد فرز األصوات فيها من أصل مخسمئة وسبعة‬ ‫وسبعني صندوق ًا‪ ،‬أي بنسبة ‪ 88‬يف املئة من جمموعة تلك الصناديق‪ ،‬وأن نسبة االختالف‬

‫بني النتائج التي أعلنتها وزارة الداخلية والنتائج التي أظهرهتا عمليات إعادة الفرز بلغت‬ ‫‪ 10‬يف املئة وما فوق ذلك بكثري‪ ،‬األمر الذي كان يعني عملي ًا احتامل إجهاض الفوز الذي‬

‫حققه اإلصالحيون يف االنتخابات بشكل كامل عن طريق إمكانية إلغاء النتائج يف أي وقت‪.‬‬ ‫ ‪ (1‬أمري طاهري‪« ،‬ثالثة أسباب وراء امتناع رافسنجاين عن احتالل مقعده النيايب‪ »،‬الرشق األوسط‪،‬‬ ‫‪.2000/5/27‬‬ ‫ ‪ (1‬الوطن‪.2000/5/27 ،‬‬

‫ ‪« (1‬التيار اإلصالحي يف إيران وانتصارات مل يكتب هلا أن تكون حاسمة‪ :‬قراءة يف املشهد السيايس إليران‪»،‬‬ ‫الدراسات السياسية (اجلزء األول) (‪ 13‬أيار‪/‬مايو ‪.)2000‬‬ ‫‪210‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وهو ما كان يعني بدوره أن الرئيس خامتي سوف يواجه صعوبات حقيقية يف مترير برناجمه‬ ‫اإلصالحي‪ ،‬خصوص ًا يف شقيه السيايس والثقايف‪.‬‬ ‫‪ -‬برع املحافظون يف استغالل الدعاية املضادة والضغط عىل اإلصالحيني بورقة التشهري‬

‫بعدد من وزراء احلكومة يف أكثر من موضع‪ ،‬متهمني إياهم بالسعي «إلصالحات أمريكية»‪،‬‬ ‫ردده املحافظون من احلديث عن لقاء مثري عقد يف ضاحية لواسانات قرب طهران‬ ‫ومن ذلك ما َّ‬ ‫ويف منزل أحد التجار اإليرانيني وحرضه وزير الثقافة واإلرشاد عطا اهلل مهاجراين وأمني عام‬

‫حزب كوادر البناء غالم حسني كرباستيش إىل جانب سفراء دول عربية ودول فرنسا وبريطانيا‬

‫وأملانيا‪ ،‬حيث تم يف االجتامع عقد اتفاقات بني مهاجراين وسفراء الدول الغربية من أجل‬

‫ترشيح نفسه يف االنتخابات الرئاسية القادمة بوجه خامتي‪.‬‬

‫ُّ‬ ‫وحضوا الرئيس خامتي‬ ‫ووصفت إحدى صحف املحافظني ذلك اللقاء بأنه «فضيحة «‪،‬‬ ‫عىل التحرك كي ال متس تلك الفضيحة احلكومة بأكملها‪ ،‬خصوص ًا أن وزير اخلارجية‪ ،‬كامل‬ ‫خرازي‪ ،‬أعلن عدم اطالعه عىل األمر‪ .‬غري أن وزارة اخلارجية نفت حضور هؤالء السفراء‬

‫األجانب اللقاء‪.‬‬

‫‪ -‬أثار املحافظون عاصفة أخرى بوجه حكومة خامتي بسبب مشاركة مندوب إيران‬

‫لدى األمم املتحدة‪ ،‬هادي نجاد حسينيان‪ ،‬يف مؤمتر عقد أول األسبوع الثاين من أيار‪/‬مايو‬

‫عام ‪ 2000‬يف جامعة ستانسفورد األمريكية‪ ،‬وحتدث فيه السيناتور غوردون سميث الذي‬ ‫وردت‬ ‫طالب بدعم مايل للصحف اإلصالحية اإليرانية التي علق القضاء صدورها موقت ًا‪َّ ،‬‬ ‫اخلارجية اإليرانية بأن كلمة مندوهبا مل تتطرق إىل العالقة مع الواليات املتحدة‪ ،‬وإنام مثَّلت‬ ‫ووجهت كذلك نقد ًا ملوقف السيناتور لتخفيف احلرج‬ ‫عرض ًا ملوقف طهران من قضايا عدة‪ّ ،‬‬

‫الذي سببه ترصحيه للتيار اإلصالحي‪.‬‬

‫‪ -‬القرارات القضائية املتعلقة بتوقيف الصحف اإلصالحية جاءت يف توقيت يعكس‬

‫نوع ًا من املهارة يف استغالل الظروف‪ ،‬وكذلك التحركات السياسية التي تتسم بالتشدد جتاه‬ ‫التيار اإلصالحي‪ ،‬حيث جاءت متناغمة مع اخلطاب شديد اللهجة الذي ألقاه مرشد الثورة‬ ‫عيل خامنئي أمام حشد كبري من الشباب اإليراين بطهران يف العرشين من نيسان‪/‬أبريل عام‬

‫تضمنه من مواقف‪ ،‬وال سيام أن مرشد الثورة أشار وبرصيح العبارة يف‬ ‫‪ ،2000‬وملبية ملا َّ‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪211‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫خطابه إىل أنه يوجد يف إيران من اثنتي عرشة إىل مخس عرشة مطبوعة متثل قاعدة لألجانب‬

‫ضد النظام‪.‬‬

‫‪ -‬وافق الربملان اإليراين املحافظ عىل بحث مرشوع يتعلق بإنشاء جهاز استخبارات‬

‫داخل وزارة االستخبارات يتوىل عمليات «األمن املضاد»‪ ،‬ويكون عىل غرار االستخبارات‬ ‫العسكرية يف القوات املسلحة‪ ،‬ومحل املرشوع صفة «عاجل جد ًا»‪ ،‬ورأى فيه املحافظون تدعي ًام‬

‫للوزارة من الداخل‪ ،‬واقرتح نواهبم أن تعود إىل املرشد عيل خامنئي سلطة تعيني مسؤول‬ ‫هذا اجلهاز‪ ،‬واعتربوا أن مرشوع القانون هيدف إىل محاية الوزارة من الداخل لعدم تكرار‬ ‫وتورط فيها عنارص من االستخبارات‪.‬‬ ‫االغتياالت التي شهدهتا إيران عام ‪َّ 1998‬‬

‫سوف يسحب هذا املرشوع‪ ،‬إذا تم إقراره‪ ،‬البساط من حتت اإلصالحيني عشية توليهم‬

‫زمام القرار يف الربملان وإعالهنم العزم عىل مساءلة وزارة االستخبارات‪ ،‬حيث يقول النواب‬

‫املحافظون املوقعون عىل املرشوع إنه ال يمكن ملؤسسات الرقابة العامة (ومنها الربملان) ممارسة‬ ‫رقابة عىل األجهزة احلساسة يف وزارة االستخبارات‪.‬‬

‫وعىل النقيض مما يبدو من مظاهر للرصاع بني التيارين‪ ،‬تذهب العديد من التحليالت‬

‫والدراسات األخرى إىل اعتبار ما حيدث يف إيران خامتي إنام يعبرِّ عن نموذج تكاميل ناضج‬ ‫أكثر منه نموذج تصارعي بني تيار اإلصالح وجناح املحافظني‪ ،‬عىل الرغم مما قد يبدو عىل‬ ‫الساحة اإليرانية من أنه يؤيد عكس هذه الرؤية‪.‬‬

‫وعىل الرغم من مظاهر الرصاع‪ ،‬هناك العديد من التحليالت التي حاولت توصيف هذا‬

‫الرصاع باعتباره يدور بني أجنحة داخل نظام ثيوقراطي خيرج كل َمن خالفه من دائرة اللعبة‬

‫يدعم هذا املوقف قول املرشد األعىل‪ :‬إن «التشكيلني ‪ -‬املحافظني‬ ‫السياسية‪ .‬واألمر الذي ِّ‬ ‫واإلصالحيني ‪ -‬رضوريان كجناحي عصفور»‪ ،‬وهو ما يعني أن ك ً‬ ‫ال من املعسكرين يرتبط‬ ‫وحيتاج إىل اآلخر‪ ،‬فقد كشفت ترصحيات املرشد األعىل خامنئي عن تأييده إلصالحات‬

‫الرئيس خامتي؛ حيث أعرب يف أثناء خطبة اجلمعة يف الثاين عرش من أيار‪/‬مايو ‪ 2000‬عن‬

‫ذلك بقوله‪« :‬نحتاج إىل إصالحات ثورية وابتكار وتقدم يعتمد عىل القيم الثورية‪ .‬الرجعية‬ ‫والركود والصمت ستؤدي إىل جمتمع موهن جامد العقل»‪ .‬وقد وصف املرشد التيارين‬ ‫املحافظ واإلصالحي بأهنام «رضوريان كجناحي عصفور»‪ ،‬طالب ًا منهام تبادل التسامح لضامن‬

‫‪212‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫«الثورة»‪ ،‬إال أنه ّ‬ ‫حذر من أن «األفكار اجلامدة للمتشدِّ دين ستؤدي إىل مجود اجتامعي»‪،‬‬ ‫وطالب يف الوقت نفسه اإلصالحيني الليرباليني بأال حيلموا بديمقراطية عىل النمط الغريب‬ ‫يف إيران أو بإصالحات عىل الطريقة األمريكية‪ ،‬كام أكد خامنئي استمرار مبدأ والية الفقيه‬

‫وقدسيته‪ ،‬بقوله‪« :‬طاملا أحيا وأتنفس لن أسمح بتشويه اإلسالم أو قيم الثورة اإلسالمية»‪،‬‬ ‫وذلك يف إشارة إىل أحد اخلطوط احلمراء التي ينبغي عدم جتاوزها بأي حال من األحوال‪.‬‬

‫ويمكن القول إن خامنئي يطمح إىل ممارسة دور من شأنه أن حيقق التوازن بني الطرفني‬ ‫تدخل من أجل إعالن صحة‬ ‫حفاظ ًا عىل استقرار النظام‪ ،‬وهو ما ظهر بوضوح أكثر عندما ّ‬ ‫نتائج االنتخابات الترشيعية يف طهران‪ ،‬فقد عكس ذلك رغبته يف هتدئة األزمة السياسية‪،‬‬ ‫وحرصه عىل السامح للرئيس خامتي باالستفادة رسمي ًا من األغلبية التي يتمتع هبا أنصاره من‬ ‫اإلصالحيني يف الربملان‪ .‬وقد َّأكد جمموعة من املح َّللني اإليرانيني مثل اخلبري السيايس األملاين‬ ‫اإليراين األصل‪ ،‬رشتي‪ ،‬أن «املرشد الذي يتمتع بصالحيات دستورية أراد أن يظهر أن هزيمة‬ ‫املحافظني ليست هزيمة له»‪ .‬أما املح َّلل‪ ،‬خرسو عابدي‪ ،‬فقد رأى أن خامنئي جعل من نفسه‬ ‫حك ًام‪ ،‬إنه حامل لواء املحافظني‪ ،‬لكنه مل يكف عن الدعوة إىل املصاحلة بني التيارين بام أهنام‬ ‫دينيان‪ ،‬إن ما حياربه هو تسلل العلامنيني إىل صفوف أنصار خامتي‪ ،‬وال شك يف أن موقف‬ ‫املرشد اإلجيايب من اإلصالح ورغبته يف أن حيقق التوازن بني طريف الرصاع إنام يعني يف النهاية‬ ‫تطور ًا مه ًام بالنسبة إىل خامتي وأنصاره‪ ،‬وقد دفع ذلك بعض املحللني إىل اعتبار هذا الرصاع‬ ‫نوع ًا من تبادل األدوار داخل الغرفة املرسحية ذاهتا ‪. (1‬‬ ‫الرصاع القائم يف إيران هو رصاع يف الفروع وليس يف األصول‪ ،‬واهلدف واحد لكال‬

‫التيارين املحافظ واإلصالحي‪ ،‬ولكن اخلالف يف وسائل حتقيق هذا اهلدف الذي يتمثل يف احلفاظ‬

‫عىل النظام اجلمهوري اإلسالمي ومبادئ الثورة اإلسالمية وقيمها وتنظيامهتا‪ .‬وهناك توافق يف‬ ‫رؤية كل من الرئيس حممد خامتي ‪ -‬رأس اإلصالحيني ‪ -‬واملرشد األعىل للجمهورية اإلسالمية‬ ‫‪ -‬عيل خامنئي ‪ -‬رأس املحافظني يف ما يتعلق بعمليات اإلصالح وبالرصاع القائم يف إيران‪.‬‬

‫ومن اإلشارات التي أطلقها خامنئي للداللة عىل تأييده لإلصالح وأنه يعترب الرصاع‬ ‫القائم رصاع ًا هيدف يف األساس إىل حتقيق مصلحة النظام‪ ،‬ما دعا إليه يف خطاب ملجلس‬ ‫ ‪ (1‬انظر‪ :‬حسن فحص‪« ،‬رسالة خامنئي املفتوحة عىل كل االجتاهات‪ »،‬احلياة‪ ،2000/5/14 ،‬وعبد املنعم‬ ‫سعيد‪« ،‬ربيع طهران‪ »،‬األهرام العريب (‪ 13‬أيار‪/‬مايو ‪.)2000‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪213‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫الشورى اجلديد؛ حيث طالب اإلصالحيني أن يثبتوا أهنم يف «خدمة اإلسالم»‪ ،‬وأن ينبذوا‬ ‫«الذين يدعون إىل فكرة فصل السياسة عن الدين»‪ ،‬كام طالب النواب بـ»التزام الدفاع بال‬ ‫هوادة عن الثورة والنظام اإلسالمي والطريق التي رسمها اإلمام اخلميني»‪ .‬وباإلضافة إىل‬

‫ذلك‪َّ ،‬‬ ‫حث خامنئي الربملان عىل العمل عىل مواجهة املشكلة االقتصادية‪ ،‬وأكد أن «الوظيفة‬ ‫وقيمة العملة الوطنية واألمن وغالء املعيشة هي املوضوعات التي جيب عىل النواب بحثها»‪،‬‬

‫وهكذا يكشف خامنئي عن رغبته يف إجراء إصالحات اقتصادية واجتامعية‪ ،‬وأنه يف صف هذه‬ ‫اإلجراءات‪ ،‬إال أنه ينبغي عدم االقرتاب من أي قضايا سياسية أخرى تثري اجلدل‪ ،‬وبخاصة‬

‫قضية فصل الدين عن الدولة‪ ،‬أو قضية والية الفقيه‪ ،‬أو غريها مما يمكن أن يمس مبادئ النظام‬ ‫اجلمهوري اإلسالمي والطريق التي رسمها اخلميني‪.‬‬

‫جاءت ترصحيات خامتي بشأن اإلصالحات والرصاع القائم يف البالد لتصب يف خانة‬ ‫املرشد األعىل وتلتقي مع ترصحياته‪ ،‬األمر الذي يعكس اتفاق ًا عام ًا بني الطرفني‪ ،‬فقد أطلق‬

‫خامتي عبارة «اإلصالحات الواقعية»‪ ،‬مؤكد ًا أن هذه اإلصالحات هي التي تأخذ باحلسبان‬ ‫«احلفاظ عىل دماء الشهداء‪ ،‬وتعزيز شعار احلرية واالستقالل والنظام اجلمهوري اإلسالمي»‪،‬‬

‫وبناء عىل ذلك‪ ،‬فإن من يطالبون بإصالحات تضعف اهلوية الدينية واألصول الثورية بني‬ ‫الشعب يعارضون متام ًا مفهوم اإلصالحات الذي يشدد عليه خامتي‪ ،‬والذي ينصب عىل‬ ‫اإلصالح االقتصادي واإلداري واملعييش من أجل سد الطريق عىل املفاسد االجتامعية‪.‬‬ ‫ويف هذا الشأن يبدو أن خامتي بدأ يفصح عن مقاصد توجهاته اإلصالحية التي ترتكز عىل‬

‫اإلصالحات الواقعية ‪ -‬كام سبق ‪ -‬و ُبعده عن كل ما يمس أي إصالحات دينية تنال من‬ ‫سلطة الويل الفقيه‪ ،‬وقد يكون هذا نوع ًا من هتدئة خماوف املحافظني الذين يرفضون التوجهات‬ ‫اإلصالحية خوف ًا من أن تنال من النظام الديني القائم‪.‬‬

‫تأكيد ًا هلذا الطرح‪ ،‬دعا خامتي إىل حتديد الفواصل بني األطراف الداخلية الداعمة‬

‫للثورة والنظام اجلمهوري اإلسالمي من جهة‪ ،‬وتلك الرافضة للدستور أو جلمهورية النظام‬ ‫أو إسالميته من جهة أخرى‪ .‬ويبدو أن خامتي استهدف هبذه الدعوة ثالث قوى هي‪ :‬منظمة‬

‫جماهدي خلق التي تدعو إىل استبدال النظام القائم‪ ،‬والتيار الليربايل الداعي إىل فصل الدين‬ ‫عن الدولة وإقامة نظام غري مجهوري‪ ،‬والتيار الديني املتشدد الداعي إىل إعالن نظام احلكومة‬

‫اإلسالمية من دون أي مظاهر أو مؤسسات مجهورية للنظام‪ .‬وقد أكد خامتي يف دعوته حرصه‬ ‫‪214‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫عىل تثبيت «النظام اجلمهوري اإلسالمي»‪ ،‬وعدم إعطاء أي ذريعة ألي طرف ملهامجته‪.‬‬ ‫ومن املالحظ أن هذه الدعوة اخلامتية تالقت مع مواقف خامنئي الذي كان قد دعا إىل تعيني‬

‫الفواصل بني الفئات املؤيدة للثورة والفئات املعارضة هلا‪.‬‬

‫كام طالب خامتي‪ ،‬يف خطابه أمام جملس الشورى اجلديد‪ ،‬بمساعدته من أجل إصالح‬ ‫االقتصاد اإليراين املتدهور‪ ،‬وهو يف هذا األمر قد اتفق أيض ًا مع خامنئي الذي كان قد طالب‬

‫بالرتكيز عىل هذا األمر‪ .‬ويف هذا الشأن أثريت حتليالت كبرية تؤكد أن العالقة بني الرجلني‬ ‫هي عالقة حتالف فعيل ‪ -‬عىل املديني القريب واملتوسط عىل األقل ‪ -‬ولو كان غري معلن‪.‬‬

‫فخامنئي منقذ خامتي‪ ،‬ولوال تدخله وتأييده لتمكنت القوى املحافظة املتشددة من اإلطاحة‬ ‫بالرئيس خامتي‪ ،‬كام إن خامنئي أثبت أنه ليس هبذا االنغالق الذي ربام يفرتضه منصبه‪ ،‬وأنه‬

‫مرت هبا إيران إبان‬ ‫رجل دولة إضافة إىل كونه رجل دين‪ ،‬وقد برهنت األيام العصيبة التي َّ‬ ‫ثورة الطالب أن هناك مساحة مشرتكة وكبرية من التفاهم بني الرجلني‪ .‬وعىل اجلانب اآلخر‬

‫إن خامتي هو منقذ خامنئي؛ فلوال براعته ومرونته وحرصه عىل التفاهم مع مرشد اجلمهورية‬

‫حول جمموعة أمور وقضايا سياسية داخلية وخارجية لكانت إيران قد شهدت ثورة دامية‬ ‫ونوع ًا من احلرب األهلية بني أغلبية من الشباب والنساء تريد التغيري وأق َّلية من رجال الدين‬ ‫املتشدَّ دين تريد املحافظة عىل الوضع القائم‪.‬‬

‫وعىل هذا يمكن القول إن هناك نوع ًا مما يمكن أن نسميه «تبادل املصلحة أو املنفعة» يف‬

‫إطار العالقة بني خامتي وخامنئي‪ ،‬حيث يستخدم كل طرف اآلخر يف حتقيق بعض أهدافه‪ ،‬ويف‬ ‫إطار هذه العالقة يعمل خامتي وخامنئي عىل جلم القوى األكثر تشدد ًا وتطرف ًا من معسكر كل‬ ‫منهام‪ ،‬فخامتي يمنع كل حماولة لتقليص صالحيات الويل الفقيه أو للمس بمرشد اجلمهورية‪،‬‬

‫وخامنئي يرفض دعوات املتشددين من أنصاره إىل إقالة خامتي‪ ،‬بل إنه دافع عنه مرات بقوله‪:‬‬

‫«إن خامتي مسلم مؤمن تقي يعمل عىل هنضة اإلسالم وخدمة الثورة اإلسالمية»‪ ،‬وإنه «ابن‬ ‫النظام وابن الثورة‪ ،‬وهو يؤمن بالقيم واملبادئ نفسها التي أؤمن هبا»‪.‬‬

‫وعىل الرغم مما يوجد من خالف ظاهري بني التيارين‪ ،‬فإهنام ينطلقان من أرضية‬

‫مشرتكة وواحدة هي أيديولوجيا الثورة‪ ،‬ولو كان ذلك بتفسريات خمتلفة؛ فاإلصالحيون‬ ‫يدفعون يف سبيل تفسري أكثر انفتاح ًا لألصول الفكرية للثورة‪ ،‬ويريدون أن يكون علامء‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪215‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫الدين جزء ًا من النظام وليسوا النظام نفسه‪ ،‬وأن تعيش إيران عرصها من دون اندماج أو‬ ‫ذوبان يف املنظومة الغربية وإنام يف تعايش معها‪ ،‬ويدعون إىل إسالم متحرك مرن ال ينغلق‬ ‫عىل نفسه يف غلو وتطرف‪ ،‬وخيشون عىل الثورة إذا ظل املحافظون هيمشون النساء والشباب‬

‫واملثقفني وخيترصون مهوم إيران يف اهلم الديني فقط‪َّ .‬أما املحافظون فيعتربون أنفسهم محاة‬

‫الثورة ومبدأ والية الفقيه‪ ،‬ويرون أن من واجبهم الرشعي احلفاظ عىل مكتسباهتم ومنع‬ ‫تسلل «الليرباليني» و»العلامنيني» إىل أجهزة الدولة‪ ،‬والقضاء عىل أي حماوالت لفصل الدين‬

‫عن الدولة‪.‬‬

‫إذ ًا اخلالف بني التيارين هو يف الفروع وليس يف األصول‪ ،‬فكالمها يتشبث بثورة ‪1979‬‬

‫وبمبادئها‪ ،‬وبالنظام اجلمهوري اإلسالمي‪ ،‬ويؤمن بعصمة األئمة‪ ،‬ويفضل اخلليفة عيل بن أيب‬ ‫طالب عىل غريه من اخللفاء الراشدين‪ ،‬ويتقيد بأحكام الفقه الشيعي‪ .‬وحتى مع وجود هذا‬

‫اخلالف يف الفروع‪ ،‬فإن ذلك ال يربر القول بوجود حال من االستقطاب السيايس احلاد بني‬ ‫التيارين ‪ -‬كام يرى البعض ‪ -‬وهذه املقولة حتمل نوع ًا من املبالغة واملزايدة السياسية التي تبتعد‬

‫عن الواقع امللموس‪.‬‬

‫إن أغلب القضايا املطروحة عىل جدول أعامل السياسيني ال تشهد هذا االستقطاب‪ ،‬وال‬ ‫يوجد مث ً‬ ‫ال خالف حقيقي يف املوضوعات االقتصادية؛ فالربملان السابق ذو األغلبية املحافظة‬ ‫مل يرفض إقرار أي ترشيعات اقتصادية تقدمت هبا حكومة خامتي من أجل حترير االقتصاد‬

‫وخصخصة املؤسسات احلكومية وتشجيع االستثامرات األجنبية وإقامة مناطق اقتصادية‬

‫وجتارية حرة وحترير سعر الريال اإليراين أمام العمالت األجنبية‪ ،‬وباملثل ال تعترب قضايا مثل‬ ‫حرية إصدار الصحف وإنشاء التنظيامت السياسية واملدنية والتظاهر السلمي دلي ً‬ ‫ال عىل حدة‬ ‫االستقطاب السيايس‪ ،‬فاملحافظون ال يستطيعون إنكار مبادئ وحقوق وردت يف الدستور‪،‬‬

‫واخلالف يكمن يف خماوف املحافظني من أن تؤدي هذه احلريات إىل تقويض مبادئ أساسية‪،‬‬

‫عىل رأسها والية الفقيه ‪. (1‬‬

‫ويرى البعض أن حال االستقطاب السيايس يمكن أن يظهر يف مسألة “والية الفقيه”‪،‬‬

‫إال أنه جيب التنبيه إىل أن أغلبية التيار اإلصالحي تتمسك بمبدأ الوالية ‪ -‬ولو عىل األقل‬ ‫ ‪ (1‬منال لطفي‪« ،‬إيران بني رغبة رجل الشارع ورضاء الفقيه‪ »،‬األهرام‪.2000/5/25 ،‬‬ ‫‪216‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫يف املديني القريب واملتوسط ‪ -‬وأن من يتعرض هلذه املسألة هم املتطرفون من هذا التيار أو‬ ‫الليرباليني؛ حيث جياهرون بأمهية احلد من مهام املرشد وتقنني سلطاته وإخضاعه للمساءلة‬

‫واملحاسبة‪ ،‬بحيث يتحول إىل مرجعية عليا هلا سلطات روحية‪ ،‬عىل أساس أن منصبه ليس‬ ‫تفويض ًا سياسي ًا‪ ،‬بل مكانة دينية‪.‬‬ ‫ذلك أنه عىل الرغم مما يدور من مناوشات ومنافسات بني التيارين‪ ،‬فإن املالحظ أنه‬ ‫إذا جدَّ اجلد فإن هناك نوع ًا من التوحد حيدث يف قيادة التيارين‪ ،‬وهذا ما ظهر جلي ًا يف أثناء‬

‫أحداث العنف التي شهدهتا جامعة طهران يف منتصف العام ‪ ،1999‬عندما تشدَّ د الرئيس‬ ‫خامتي يف هلجته جتاه العنارص التي انتقدت ك ً‬ ‫ال من املرشد عيل خامنئي بشكل رصيح‪ ،‬ونظام‬ ‫والية الفقيه بشكل ضمني‪ .‬والرئيس خامتي يف التحليل األخري يعترب أحد الرموز الدينية‬

‫اخلارجة من عباءة الثورة اإلسالمية‪ ،‬وعىل الرغم من طروحاته اإلصالحية العديدة‪ ،‬إال أهنا‬

‫تتحرك وتتقيد بأطر وفلسفة الفكر اإلسالمي‪.‬‬

‫وبالتايل فإن كل ما حيدث داخل إيران قد ال يعدو كونه نوع ًا من احليوية املجتمعية‬

‫التي تصنف يف خانة اإلجيابيات ال السلبيات‪ .‬أما ما يذهب وراءه البعض من تكهنات بقرب‬

‫حدوث تصادمات دموية‪ ،‬وانقالبات ثورية وعنف‪ ،‬فإنه قد ال يكون يف جممله أكثر من أسلوب‬ ‫التناول الصحايف للحوادث البسيطة التي ال تسفر يف هناية كل هذا الضجيج سوى عن «زوبعة‬

‫يف فنجان»‪ ،‬أو جمرد «سحابة صيف»‪.‬‬

‫وثمة حتليالت أخرى تؤكد أن ما حيدث يف إيران اليوم ينبغي أال خيضع للتهوين‬

‫والتهويل‪ ،‬وإنام هو عملية خماض صعبة قد تكون طويلة املدى‪ ،‬وقد تطيح برؤوس عدَّ ة يف‬

‫أثناء تأليفها النهائي إىل أن تستقر‪ ،‬ليبقى عىل اجلار العريب يف النهاية أن يتابع عن كثب تطورات‬ ‫ذلك املخاض عىل اجلانب اآلخر من اخلليج‪.‬‬

‫وهناك طائفة ثالثة من التحليالت تشري إىل أن ما تشهده إيران حالي ًا من حتركات سياسية‬

‫تتخذ العديد من املظاهر‪ ،‬منها إغالق الصحف املختلفة وإلغاء نتائج االنتخابات أو حماولة‬

‫ذلك‪ ،‬واالغتياالت التي يتعرض هلا بعض ممثيل النخبة اإليرانية‪ ،‬واملظاهرات الطالبية‪،‬‬ ‫وحماكمة بعض رجال الدين‪ ،‬كل تلك املظاهر ما هي إال ظواهر عىل السطح‪ ،‬تعكس الرصاع‬

‫املحتدم بني تيارين‪ :‬أحدمها يرى من مصلحته إبقاء األمور كام هي وتفسري احلكم اإلسالمي‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪217‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫كام يعتقد تسيري ًا للمجتمع اإليراين باجتاه رفع بعض املؤسسات فوق املساءلة الشعبية‪ ،‬وتيار‬ ‫آخر معظم املنتمني إليه من الشباب‪ ،‬وهو بعيد عن النفوذ املبارش يف املؤسسات القائمة‪ ،‬وهذا‬ ‫التيار يرى أن من مصلحته التغيري‪.‬‬

‫وبني هذين التيارين تقف إيران احلالية‪ ،‬وهو بغري شك موقف ال حيسد عليه جمتمع أو‬ ‫دولة؛ نظر ًا إىل أنه موقف اجتامعي وسيايس مشتِّت للجهود الوطنية عىل أقل تقدير‪ ،‬وينذر‬

‫برصاع عبثي وطويل‪.‬‬

‫بغض النظر عن هذه التحليالت‪ ،‬إن التنافس الواضح بني التيارين اإلصالحي واملحافظ‬

‫يبدو أن أمده سوف يطول‪ ،‬عىل الرغم مما أشيع قبل ذلك أكثر من مرة من أنه اجلولة الفاصلة بني‬

‫اإلصالحيني واملحافظني‪ .‬ويرجع ذلك إىل طبيعة الظاهرة السياسية التي ال تعرف الطفرات‬ ‫إال نادر ًا‪ ،‬إىل جانب تعدُّ د املؤسسات التي يملكها التيار املحافظ‪ ،‬والتي من خالل تغيريها‬

‫ملصلحته يستطيع امتصاص «الفورات» اإلصالحية حتى لو كانت تتمتع بشعبية كبرية‪ ،‬وإن‬ ‫كان ذلك عىل املدى القريب‪ ،‬ليبقى الوضع السيايس يف إيران حتى اللحظة الراهنة معرب ًا عن‬ ‫انتصارات متتالية للتيار اإلصالحي‪ ،‬إال أن أي ًا منها مل يكتب له بعد أن حيرز نرص ًا حاس ًام‪.‬‬

‫جتدر اإلشارة إىل أن بعض املح َّللني يلفتون إىل أمهية مراقبة الوضع السيايس يف إيران؛‬ ‫نظر ًا إىل أن أهل احتدام الرصاع بشكل أكثر عنف ًا يف إيران سيجعل من أهل اخلليج من العرب‬

‫أكثر املترضرين‪ ،‬ألن بحر اخلليج الذي يفصل بني الضفتني هو بحر غري متسع‪ ،‬ومن ثم يمكن‬

‫أن تنتقل فوق مياهه شظايا الرصاع الدائر عىل ضفته الرشقية إىل الضفة العربية الغربية‪ ،‬مؤثرة‬ ‫بشكل مبارش يف ذلك اإلقليم‪ .‬باإلضافة إىل أن هذا اخلليج هو مكمن ثروات مشرتكة بعضها‬

‫مل تنته االتفاقات حوهلا‪ ،‬بل ال تزال موضع خالفات‪ ،‬وقد تؤجج هذه اخلالفات قوى داخلية‬ ‫إيرانية ترى االستفادة من موضوع خارجي لرتتيب االصطفاف الداخيل وحسم الرصاع مع‬ ‫ال عن أن حك ًام إسالمي ًا معتد ً‬ ‫اآلخر‪ ،‬فض ً‬ ‫يقرب الشقة بني‬ ‫ال وحديث ًا يف إيران بمقدوره أن ِّ‬

‫العرب واإليرانيني‪ ،‬وهي شقة كثري ًا ما أججتها املصالح املختلفة‪ .‬فاللغة العربية اليوم هي‬

‫اللغة الثانية يف إيران‪ ،‬وحتظى املطبوعات العربية بقبول متزايد وكذلك األفكار‪ ،‬بل إن إيران‬ ‫بوصفها «رديف ًا» لقضايا العرب خري من إيران بوصفها «معادية» لتلك القضايا‪ ،‬كام كان حيدث‬ ‫يف بعض الفرتات التارخيية السابقة‪.‬‬

‫‪218‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫الالفت أن الزيارات املتتابعة التي قام هبا رجال السياسة من دول اخلليج إىل إيران‬

‫تنم كلها عن تنامي خطوات‬ ‫والعكس خالل السنوات الثالث األخرية من القرن العرشين‪ّ ،‬‬ ‫إعادة بناء الثقة بني الطرفني‪ ،‬إىل درجة أن هذه الزيارات جتاوزت السياسيني إىل أفراد املؤسسة‬ ‫العسكرية‪ ،‬كام حدث يف زيارة عيل شمخاين‪ ،‬وزير الدفاع اإليراين‪ ،‬إىل اململكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬وهي خطوة متقدمة يف سلسلة اإلشارات اإلجيابية بني دول جملس التعاون وإيران‬

‫عىل حد وصف املراقبني‪ .‬ولقد ترجم هذا القبول والرتحيب بيان القمة اخلليجية‪ ،‬الذي أعقب‬ ‫االجتامع التشاوري يف مسقط أواخر شهر نيسان‪/‬أبريل ‪ ،2000‬إذ أكد زعامء جملس التعاون‬

‫حرصهم عىل إقامة عالقات وثيقة حتكمها الثقة املتبادلة‪ ،‬وحسن اجلوار واحرتام حقوق‬ ‫الطرفني‪ ،‬وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية ‪. (1‬‬

‫قد تتعرض هذه العالقة املتنامية النتكاسة إذا استمر الرصاع الداخيل يف إيران‪ ،‬ال سيام‬

‫حتول من رصاع سيايس بقواعد مقبولة متفق عليها إىل رصاع يتجاوز هذه القواعد‪ ،‬فال جيد‬ ‫إذا َّ‬ ‫قانون ًا حيكمه أو رادع ًا يعيقه‪ .‬ولكن ليس بوسع دول اخلليج حيال هذا الوضع‪ ،‬ويف سياق‬ ‫انتهاز فرص التقارب مع إيران سوى الرتقب واالنتظار‪.‬‬

‫ويف هذا اإلطار طرحت عدة سيناريوهات عدة ملستقبل العالقة بني اإلصالحيني‬

‫واملحافظني يف إيران‪ ،‬واآلثار التي يمكن أن تنعكس عىل دول جملس التعاون اخلليجي من‬ ‫جراء تلك السيناريوهات املطروحة‪ .‬وأبرز هذه السيناريوهات ما ييل‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫السيناريو األول‪ :‬هو قيام انقالب داخيل يقوده املحافظون ضد الرئيس خامتي‪،‬‬

‫وقد ُطرح هذا السيناريو يف ضوء األنباء الواردة عن االستنفارات األمنية التي أعلنتها قوات‬ ‫احلرس الثوري‪ ،‬وأنباء تأليف قوات طوارئ للتعامل مع األحداث واألوضاع القائمة ‪. (1‬‬

‫إال أنه ليس هناك ما يؤيد حدوث هذا السيناريو بصورة واقعية؛ فموقف قوات احلرس‬

‫الثوري يمكن أن يندرج يف املوقف العام للمحافظني الذين يسعون إىل حماربة اإلصالحيني‬ ‫ ‪ (1‬عن زيارة وزير الدفاع اإليراين للسعودية وأثرها يف تطوير العالقات بني البلدين‪ ،‬انظر‪ :‬جمدي صادق‪،‬‬ ‫«زيارة شمخاين للرياض‪ »،‬الوطن (الكويت)‪ ،2000/4/24 ،‬ونجاح حممد عيل‪« ،‬إيران والسعودية وتطورات‬ ‫عالقاهتام‪ »،‬الوسط (‪ 24‬نيسان‪/‬أبريل ‪.)2000‬‬ ‫ ‪ (1‬رغيد الصلح‪« ،‬إيران والسودان‪ :‬امتحانات صعبة‪ »،‬احلياة‪.2000/5/11 ،‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪219‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫ولكن ليس عن طريق االنقالب واستخدام القوة‪ ،‬نظر ًا إىل أن اإلصالحات التي ينادي هبا‬

‫معسكر أنصار الرئيس خامتي تكتسب املزيد من التأييد‪ ،‬ليس يف الشارع اإليراين فقط‪ ،‬وإنام‬ ‫من قبل بعض رجال الدين أيض ًا‪ ،‬وبالتايل فإن استخدام القوة إلحداث انقالب داخيل يمكن‬ ‫أن يؤدي إىل حال من عدم االستقرار الداخيل‪ ،‬وهو ما ال يسمح به املرشد األعىل‪.‬‬

‫‪ -‬السيناريو الثاين‪ :‬هو تصدُّ ع معسكر التيار اإلصالحي نتيجة اخلالفات بني أطراف هذا‬

‫املعسكر وبخاصة املتطرفني منه والليرباليني الذين ينادون بتخيل خامتي عن الرئاسة والبحث‬

‫عن بديل له‪ ،‬وقد رصدت بعض الصحف اإليرانية بعض مظاهر هذا التصدُّ ع يف ما ييل ‪: (1‬‬

‫‪ -‬تأكيد أحد أعضاء جممع (روحانيون) عىل أن بعض اإلصالحيني حياول طعن‬

‫الرئيس خامتي من اخللف‪.‬‬

‫‪ -‬التقاء بعض قادة اإلصالحيني مع سفراء أجانب من دون التنسيق مع وزارة‬

‫اخلارجية‪ ،‬األمر الذي ييسء إىل سمعة املحسوبني عىل حكومة خامتي‪.‬‬

‫‪ -‬كان حممد عيل أبطحي‪ ،‬رئيس ديوان رئاسة اجلمهورية‪ ،‬قد سافر إىل أملانيا مرات‬

‫عدة عشية انعقاد مؤمتر برلني‪ ،‬وتثري لقاءات أبطحي مع املرشفني عىل املؤمتر الكثري من األسئلة‬

‫املبهمة‪.‬‬

‫‪ -‬تؤكد بعض التقارير أن اخلارجية اإليرانية من خالل سفارة إيران يف أملانيا متورطة‬

‫يف هتيئة الظروف ملشاركة العديد من اإلصالحيني يف مؤمتر برلني‪.‬‬

‫‪ -‬اجتامع وزير اإلعالم‪ ،‬عطا اهلل مهاجراين‪ ،‬مع سفراء أجانب قد أثار أزمة حقيقية‪،‬‬

‫وال سيام أنه أبدى للسفراء رغبته يف ترشيح نفسه لرئاسة اجلمهورية يف االنتخابات املقبلة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫َّادعاء بعض الصحف املحافظة أن سياسة مهاجراين الثابتة إزاء القوى املحافظة‬

‫هتدف باألساس إىل حماولة كسب دعم الرأي العام ملصلحته لينافس خامتي يف االنتخابات‬

‫املقبلة‪ ،‬كام َّأكدت هذه الصحف وجود خالفات داخل التيار اإلصالحي‪ ،‬وأن خامتي مل يعد‬ ‫يصلح لقيادة هذا التيار‪.‬‬

‫ ‪ (1‬سياسات اإليرانية‪.2000/5/25 ،‬‬ ‫‪220‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫يف حال صحة هذه املظاهر‪ ،‬إن مثل هذا التصدع لن خيدم اإلصالحيني بقدر ما سيخدم‬

‫املحافظني؛ ألن انقسام اإلصالحيني عىل أنفسهم حول بديل خامتي قد يضعف هذا املعسكر‪،‬‬

‫وبخاصة يف ظل وجود املتطرفني اإلصالحيني والليرباليني الذي ينادون بتغيريات جذرية يف‬

‫النظام اإليراين متس مبادئ هذا النظام وقيمه‪ ،‬وبالتايل فإهنم قد يبحثون عن شخص حيقق هلم‬ ‫هذا األمر‪ ،‬وهو ما يعني العمل عىل اإلطاحة بخامتي‪ .‬إال أن هؤالء قد ال حيسبون حساب ًا ملنافس‬

‫آخر قد يظهر عىل الساحة وهو الرئيس األسبق هاشمي رفسنجاين الذي ختلىَّ عن مقعده الربملاين‬ ‫منضماًّ إىل املحافظني‪ ،‬وقد وصفت ابنته فائزة الرئيس خامتي بأنه «غورباتشوف إيران»‪ ،‬يف إشارة‬ ‫إىل أن خامتي سيقود البالد إىل التفكك‪ ،‬وأن طموحات والدها رفسنجاين هي أن يصبح «دينغ‬

‫شياو بنغ» إيران؛ بمعنى أن يقوم بشن هجوم مضاد عىل اإلصالحيني‪ ،‬األمر الذي يعني يف النهاية‬ ‫أن رفسنجاين قد يرتشح مرة أخرى لالنتخابات املقبلة معترب ًا نفسه ‪ -‬كام قال عنه أصدقاؤه ‪-‬‬

‫الشخص القادر عىل القضاء عىل «الفوىض السياسية» وإعادة االقتصاد إىل مساره الصحيح‪ .‬إال‬ ‫أن هذا السيناريو صعب احلدوث يف ضوء توتر العالقة بني رفسنجاين واإلصالحيني‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬

‫تدين شعبيته‪ ،‬وهو ما ظهر بوضوح من نتائج انتخابات مدينة طهران‪.‬‬

‫‪ -‬السيناريو الثالث‪ :‬هو استمرار الرئيس خامتي قائد ًا للمعسكر اإلصالحي ولعملية‬

‫اإلصالح‪ ،‬وهو سيناريو ُيعدّ أقرب إىل احلدوث من سابقيه‪ ،‬حيث يتمتع خامتي بتأييد شعبي‬ ‫واضح‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن متتعه بتأييد معظم أنصار التيار اإلصالحي ما عدا املتطرفني والليرباليني‪،‬‬ ‫يكونان مع ًا عالقة حتالف غري‬ ‫وباإلضافة إىل ذلك‪ ،‬إنه ينال تأييد املرشد األعىل؛ حيث ّ‬ ‫معلن‪ ،‬وهو ما يتيح له االستمرار يف السلطة‪ ،‬خصوص ًا إذا نجح يف حتقيق بعض النجاحات‬ ‫االقتصادية‪ ،‬ما يعني استمرار عجلة اإلصالحات يف إيران‪.‬‬

‫وأخري ًا‪ ،‬بالنسبة إىل انعكاس األحداث الداخلية يف إيران عىل دول جملس التعاون‬ ‫اخلليجي‪ ،‬جيب القول إن هذه الدول هي األقرب إىل إيران واألكثر تأثر ًا وترقب ًا ملا حيدث؛ نظر ًا‬

‫إىل طبيعة العالقات املتوترة عىل مدار الثالثني عام ًا املاضية منذ استقالل هذه الدول‪.‬‬

‫وبصفة عامة‪ ،‬إن السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول اجلوار اخلليجية قد تبلورت‬ ‫مالحمها يف عهد خامتي يف توجهني رئيسني‪ ،‬أول هذه التوجهات‪ :‬رضورة فتح صفحة عالقات‬ ‫جديدة وإسدال الستار عىل ملف املايض امليلء بالشكوك املتبادلة‪ ،‬واالهتامم باملستقبل وعدم‬ ‫النظر إىل الوراء‪ ،‬وثانيها‪ :‬هو االقتناع بوجود حال من النضج والوعي الكاملني باألوضاع‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪221‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫اإلقليمية‪ ،‬ورضورة قيام تعاون إيراين خليجي‪ ،‬خصوص ًا مع اململكة العربية السعودية‪ .‬ومن‬ ‫املتوقع أن تستمر العالقات والتوجهات االنفتاحية بني إيران ودول جملس التعاون اخلليجي‬ ‫يف ضوء استمرار اإلصالحيني يف احلكم وعىل رأسهم الرئيس خامتي‪ .‬ولعل الطرف األهم يف‬ ‫تأكيد هذه التوجهات هو املرشد األعىل الذي يملك سلطة وضع توجهات السياسة اخلارجية‪،‬‬ ‫ويبدو أنه مقتنع متام ًا باالنفتاح اإليراين عىل دول اخلليج‪ ،‬وما دام أن هذا االنفتاح ال يتجاوز‬ ‫اخلطوط احلمراء التي يضعها‪ ،‬وبالتايل فإن استمرار اإلصالحيني يف ظل تقارب وحتالف مع‬ ‫املرشد يعني استمرار حتسني وتدعيم العالقات بني إيران والدول اخلليجية املجاورة‪.‬‬ ‫ومن املالحظ أن كل حماوالت الرئيس خامتي قد توقفت ‪ -‬وستظل كذلك إىل وقت غري‬ ‫قصري ‪ -‬عند حدود التعبري اإلعالمي وإظهار النوايا الطيبة‪ ،‬من دون الدخول يف أطر جديدة‬ ‫للتغيري عىل أرض الواقع‪ ،‬ويرجع ذلك يف األساس إىل عدم قدرته عىل فعل ذلك إال بإذن من‬ ‫املرشد‪ ،‬وهو ما يتضح عند النظر إىل القضايا اخلالفية الشائكة بني إيران ودول اخلليج‪ .‬وعىل‬ ‫رأس تلك القضايا قضية جزر اإلمارات الثالث التي احتلتها إيران عام ‪ .1971‬ويف هذا‬ ‫السياق جيب التأكيد أنه يف مثل هذه القضايا احلساسة ال يوجد فارق بني حمافظ وإصالحي‪،‬‬ ‫اجلميع سواء‪ ،‬واإليرانيون مجيعهم مقتنعون متام ًا بأن هذه اجلزر إيرانية وال جمال للحديث‬ ‫عن التنازل عنها‪ ،‬وكل ما يمكن أن حيدث هو النظر يف مشكلة جزيرة أبو موسى طبق ًا ملذكرة‬ ‫التفاهم التي كان قد تم توقيعها من قبل‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن ذلك إن إيران كلها ‪ -‬بمن فيها من حمافظني‬ ‫وإصالحيني ‪ -‬تؤكد أمهية أن تكون ضمن أي ترتيبات أمنية حمتملة يف منطقة اخلليج‪ ،‬معلنة‬ ‫أيض ًا رفضها ألي وجود أجنبي يف املنطقة‪ ،‬ومشددة عىل أمهية إهناء هذا الوجود‪ .‬ومن جهة‬ ‫أخرى‪ ،‬ستستمر إيران يف تنمية وترية التسلح‪ ،‬بغض النظر عن أن ذلك قد يقلق الدول اخلليجية‬ ‫املجاورة‪ ،‬أو أنه يزيد عن حاجتها‪ .‬ويف هذا السياق يرى بعض املراقبني أنه جيب التعامل مع‬ ‫إيران من خالل طريقة هتدف إىل احتوائها؛ بمعنى أن تتناسب خطوات التقارب والتعاون‬ ‫طردي ًا مع انتهاج إيران لسياسة معتدلة وخفض قدراهتا التسليحية وتسليم اجلزر الثالث‪.‬‬ ‫يف حني يرى آخرون أنه جيب استمرار عملية االنفتاح اإليراين اخلليجي املتبادل‪ ،‬مع‬ ‫توظيفه مستقب ً‬ ‫ال من أجل التوصل إىل حل سلمي ملشكلة اجلزر‪ .‬ومن جانب آخر‪ ،‬إن املسألة‬ ‫اآلن مل تعد هي املفاضلة بني االنفتاح من عدمه‪ ،‬بل يف وترية هذا االنفتاح وكيفية توظيفه‬ ‫لتحقيق غايات كربى‪ ..‬ويبدو أن املتغريات الداخلية وازدياد أسهم املحافظني وتأييد املرشد‬ ‫إلصالحات خامتي تبرش بإمكانية االستمرار يف االنفتاح املتبادل بني الطرفني‪.‬‬

‫‪222‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫انطالق ًا من هذه املحددات‪ ،‬من املحتمل أن تشهد عالقات إيران اخلارجية تطورات‬

‫ملموسة عىل خمتلف األصعدة‪ ،‬وسوف يستغل خامتي هذا النجاح الكبري جلناحه اإلصالحي‬

‫يف تعزيز عالقاته مع الدول اخلليجية‪ ،‬وتوثيق أوارص التعاون يف املجاالت املختلفة‪ ،‬ال سيام‬ ‫االقتصاد والطاقة‪ ،‬فقد كان التنسيق اإليراين ‪ -‬السعودي يف منظمة األوبك عام ً‬ ‫ال مه ًام يف‬ ‫تعرضت هلا البلدان اخلليجية يف عامي‬ ‫استقرار أسعار النفط‪ ،‬وجتاوز آثار األزمة النفطية التي َّ‬ ‫‪ 1997‬و‪ ،1998‬لذلك من املتوقع أن تشهد املرحلة املقبلة مزيد ًا من التعاون والتنسيق بني‬ ‫إيران والدول اخلليجية املنتجة للنفط‪.‬‬

‫كام إن هناك العديد من العوامل التي ستدفع إيران إىل تعزيز العالقات مع دول جملس‬

‫التعاون‪ ،‬وتبنِّي سياسة تقوم عىل التعاون‪ ،‬منها ‪: (1‬‬

‫‪ -‬رغبة إيران يف اخلروج من العزلة الدولية املفروضة عليها من خالل سياسة االحتواء‬

‫املزدوج وقانون داماتو‪.‬‬

‫‪ -‬نزوع إيران يف عهد اجلمهورية الثانية إىل التخليّ عن أمهية العامل املذهبي يف السياسة‬

‫اخلارجية اإليرانية‪ ،‬وإدراكها بأن تشددها يف عالقاهتا مع دول اخلليج العربية ويف نزعتها الثورية‬ ‫سينعكس سلب ًا وبصورة مبارشة عىل رغبتها يف اخلروج من العزلة الدولية‪.‬‬ ‫‪ -‬إن وجود ما يقارب من املليون نسمة من اإليرانيني يف دول جملس التعاون يعد من‬

‫العوامل التي تدفع إيران إىل تبنِّي سياسة أكثر واقعية يف عالقاهتا مع دول املجلس‪.‬‬

‫‪ -‬تشهد إيران أوضاع ًا اقتصادية صعبة‪ ،‬األمر الذي يفرض عليها التعاون والتنسيق‬

‫مع الدول اخلليجية‪ ،‬كام إن رغبتها يف إعادة البناء والتعمري تتطلب مستلزمات تريد طهران‬ ‫احلصول عليها بأقل تكلفة‪ ،‬ويف أقرص فرتة ممكنة‪ ،‬األمر الذي جيعل الرشكات اخلليجية قادرة‬ ‫أكثر من غريها عىل تلبية تلك االحتياجات اإليرانية بتكاليف منخفضة وبرسعة يف التسليم‪.‬‬

‫‪ -‬كام إن االنتعاش االقتصادي الذي سيشهده قطاع املصارف التجارية يف دول اخلليج‬

‫ويعزز فرص‬ ‫سيمهد الطريق أمام إقامة عالقات أفضل بني اجلانبني تقوم عىل أساس التكامل‪َّ ،‬‬ ‫االستقرار يف املنطقة‪.‬‬

‫ ‪« (1‬قراءة يف نتائج االنتخابات الترشيعية اإليرانية»‪.‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪223‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬النفوذ والبحث عن دور إقلـيمي‬ ‫يؤكد الكثريون أن إيران يف طور التحول التدرجيي من الرشعية الثورية إىل الرشعية‬

‫الدستورية‪ ،‬وبخاصة منذ جميء خامتي عىل رأس السلطة احلاكمة يف ‪ 23‬أيار‪/‬مايو عام ‪،1997‬‬

‫ورشوعه يف تبنِّي هنج إصالحي داخيل وانفتاحي عىل اخلارج شهد له البعيدون قبل القريبني‪،‬‬

‫فالرئيس اإليراين اجلديد يتمتع بفكر جديد حر وتوجه نحو حتقيق السالم الذي يعتربه رضورة‬ ‫للعيش‪ ،‬فقد قال إثر زيارة له إىل إيطاليا إنه يشعر باالعتزاز لكونه فتح يف هناية القرن العرشين‬ ‫طريق ًا جديدة طابعها احلوار بني اجلمهورية اإلسالمية والثقافات األخرى‪ ،‬حيث قال‪« :‬أعتز‬

‫لكوين‪ ،‬وبصفتي رئيس ًا إليران‪ ،‬فتحت يف هناية القرن العرشين طريق احلوار‪ ،‬وال بد من بذل‬ ‫جمهود نحو السالم احلقيقي‪ ،‬ألن العامل سئم العيش بشكل دائم يف العنف واإلرهاب» ‪. (2‬‬

‫إال أن القليلني من هؤالء ما زالوا حريصني عىل إبراز الرغبة اإليرانية يف القيام بأعباء‬

‫دور إقليمي واسع يستند إىل مرياث تارخيي إمرباطوري ونظرة توسعية ملد النفوذ واحلفاظ عىل‬

‫املصلحة وممارسة نوع من اهليمنة يف حميطها اإلقليمي املجاور‪ ،‬يف إشارة إىل أن حتوالت الدولة‬ ‫اإليرانية املنفتحة عىل اخلارج لن تق َّلل مطلق ًا من طموحات طهران وتطلعات القائمني عىل‬ ‫السلطة هناك‪ ،‬أي ًا كان موقعهم الفكري والسلطوي وتوجهاهتم الدينية والسياسية‪ ،‬يف السعي‬ ‫إىل تكريس اهتاممها املتزايد باخلليج‪.‬‬

‫وقد خضع الدور اإلقليمي اإليراين لتلك املجموعة من املؤثرات التي أدت دورها يف‬

‫توجيه السياسة اخلارجية اإليرانية يف شقيها اإلقليمي والدويل‪.‬‬

‫فمن جانب‪ ،‬يربز الوضع الداخيل يف إيران بصفته أول املؤثرات التي توجه دفة السلوك‬

‫السيايس للخارجية اإليرانية‪ ،‬وعند تناول الوضع الداخيل يف إيران‪ ،‬إن أول ما تقع عليه عني‬ ‫املح َّلل هو ذلك الرصاع املحتدم بني املحافظني واإلصالحيني منذ سنوات عىل مراكز السلطة‬ ‫تسبب بتغيري العديد من مالمح هذه السياسة اخلارجية‪ ،‬بل‬ ‫والنفوذ‪ ،‬والذي ال شك يف ظانه َّ‬

‫ ‪ (2‬أمحد جالل التدمري‪« ،‬إضاءة عىل العالقات اإليرانية العربية بني عهدين «العهد البهلوي وعهد اجلمهورية‬ ‫اإلسالمية» ومتطلبات التغيري‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران‪:‬‬ ‫املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري‪ 2 ،‬ج (الكويت‪ :‬جامعة الكويت‪ ،‬مركز دراسات اخلليج واجلزيرة‬ ‫العربية‪ ،)2000 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.214‬‬ ‫‪224‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ميزت تلك السياسة لفرتة طويلة‪ ،‬حتى أصبح‬ ‫وتسبب كذلك بتغيري اسرتاتيجيات أساسية َّ‬ ‫َّ‬ ‫صانعو تلك السياسة يتحدثون عن «االنفتاح وعالقات اجلوار احلسن»‪ ،‬بد ً‬ ‫ال من «تصدير‬ ‫الثورة»‪ ،‬ويتحدثون عن «حوار احلضارات»‪ ،‬بد ً‬ ‫ال من «حتدِّ ي هيمنة الدول الكربى»‪ ،‬وحتى‬ ‫بالنسبة إىل «الشيطان األكرب» ‪ -‬الواليات املتحدة األمريكية ‪ -‬أصبحت املسافة بني واشنطن‬ ‫وطهران أقرص كثري ًا مما كانت عليه سابق ًا‪ ..‬وبالطبع مل تقع تلك التغريات فجأة‪ ،‬وإنام تعترب‬

‫حمصلة لفرتة طويلة من الشد واجلذب بني التيارين‪ .‬وعندما انفرد املحافظون بالساحة الداخلية‬ ‫يف إيران عقب الثورة اإلسالمية عام ‪ ،1979‬اتَّسمت مقوالت سياستهم اخلارجية بالراديكالية‬ ‫املفرطة‪ ،‬ومع سنوات حرب اخلليج األوىل مع العراق‪ ،‬استتب األمر لإلمام اخلميني املرشد‬ ‫األول للثورة‪ ،‬بحيث مل يكن من املمكن بروز منافس له‪ .‬غري أنه بانتـهاء احلرب ووفاة‬

‫اخلمينـي بدأ اإليرانيـون يف التعاطي مع شؤونـهم الداخلية بشكل خمتلف‪ ،‬وبرز تيار جديد‬

‫من اإلصالحيني ظل ضعيف الشوكة إىل أن جاء الرئيس اإليراين حممد خامتي عام‪1997‬‬ ‫ليمثل أكرب انتصار لذلك التيار أمام املحافظني‪ .‬وشيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬وجد املحافظون أن الرأي العام‬ ‫يعول عليه بشكل رئيس ‪ -‬بدأ يتحول إىل تأييد خصومهم‪ ،‬وأن الكفة بدأت‬ ‫اإليراين ‪ -‬الذي َّ‬

‫متيل إىل اجلانب اإلصالحي‪ ،‬األمر الذي َّأدى إىل متركز املحافظني خلف مراكز النفوذ التي‬ ‫ال يزالون هييمنون عليها‪ ،‬وإىل انكفائهم يف الوقت نفسه عىل الشأن الداخيل باعتباره املؤثر‬ ‫األول يف الرأي العام‪ .‬وبالتايل مل جيد اإلصالحيون عناء يف حتويل دفة السياسة اخلارجية تبع ًا ملا‬ ‫يتناسب وقناعاهتم‪ ،‬بحيث أصبحت «املصالح الوطنية» وليس «األيديولوجية»‪ ،‬هي احلاكم‬

‫الرئيس الذي ختدمه تلك السياسة ‪. (2‬‬

‫ويف هذا اإلطار‪ ،‬ال يصبح ُمربر ًا االستمرار يف عداء أنظمة سياسية يمكن حتقيق مصالح‬

‫كثرية من وراء التعامل معها‪ ،‬ملجرد االختالف األيديولوجي معها‪ ،‬كام أصبح من الرضوري‬

‫بالنسبة لصانعي تلك السياسة اخلارجية اإليرانية ترميم العالقات التي تربط اجلمهورية‬ ‫اإلسالمية بمحيطها القريب‪ ،‬وبالطبع فإن كال األمرين السابقني يفرس قبول طهران إجراء‬

‫سببها ذلك النظام يف السابق إليران‪.‬‬ ‫حوار مع النظام العراقي‪ ،‬عىل الرغم من الويالت التي َّ‬

‫وبالنسبة إىل الوضع اخلارجي‪ ،‬بصفته أحد الروافد التي متثل مالمح السياسة اخلارجية‬ ‫ ‪ (2‬ملزيد من التفاصيل عن ثنائية املحافظني واإلصالحيني يف إيران منذ وصول خامتي إىل السلطة يف إيران‪ ،‬انظر‬ ‫املبحث الثالث من هذا الفصل‪.‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪225‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫اإليرانية‪ ،‬إن أكرب حدث يمكن مالحظته يف املنطقة بعد حرب اخلليج األوىل‪ ،‬هو إقدام العراق عىل‬

‫غزو الكويت يف الثاين من آب‪/‬أغسطس عام‪ ،1990‬األمر الذي أوقع املنطقة يف حرب ثانية‪.‬‬

‫وإذا كانت تلك اخلطوة قد ك ّلفت العراق ودول اخلليج العربية والعامل العريب بوجه‬

‫عام الكثري‪ ،‬فإن إيران كان هلا رأي آخر‪ ،‬إذ بدأت النظرة إليها باعتبارها دولة منبوذة تتغري‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن تعويضها للخسائر التي تكبدهتا خالل حرهبا مع العراق نتيجة املبادرة العراقية يف‬ ‫‪ 12‬آب‪/‬أغسطس ‪ ،1990‬كام استغ َّلت إيران األوضاع اجلديدة واستفادت من انتهاء زمن‬ ‫العزلة‪ ،‬ورشعت يف تقوية الروابط مع دول جملس التعاون واستثامر عالقاهتا الوثيقة مع سوريا‬ ‫ولبنان يف طرح نفسها العب ًا رئيس ًا ال يمكن إغفاله يف الرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل من خالل‬ ‫ذراعها القوية (حزب اهلل اللبناين)‪ ،‬وهي املستبعدة من كافة الرتتيبات الرسمية هلذا الرصاع‬

‫لكوهنا دولة غري عربية‪.‬‬

‫وكان من املنطقي أن تبادر طهران بعد ذلك إىل اتباع هنج براغاميت واستغالل الفرص‬

‫السانحة ما أمكن ‪ -‬مثلام حدث من استغالل إيران لظروف االنتفاضة الفلسطينية الثانية ‪-‬‬

‫لتأكيد نفوذها يف املنطقة‪.‬‬

‫تسببت حرب اخلليج األوىل والعزلة التي كانت تعانيها طهران يف تضاؤل نفوذها‬ ‫َّ‬

‫اإلقليمي بشكل حرمها الكثري من املصالح الوطنية خالل فرتة الثامنينيات احلافلة بالتطورات‬

‫تسبب يف ترسيخ قناعة لدى صانعي السياسة يف طهران بأمهية‬ ‫اإلقليمية والدولية‪ ،‬األمر الذي َّ‬

‫تأكيد النفوذ اإليراين يف املنطقة‪ .‬باإلضافة إىل العامل النفيس لدى اإليرانيني املتمثل بالنمو‬

‫املفرط لشعورهم القومي وإحساسهم بمكانة بالدهم التي احتضنت من قبل اإلمرباطورية‬ ‫الفارسية‪ ،‬والتي مل تتعرض مطلق ًا لالحتالل األجنبي طوال تارخيها احلديث‪ ،‬إىل جانب‬ ‫إدراكهم حجم وإمكانات إيران ذات السبعني مليون مواطن واملساحة الشاسعة والقدرات‬ ‫االقتصادية والعسكرية املتميزة‪.‬‬

‫ظهر أثر هذا العامل النفيس يف الكثري من التحركات اإليرانية‪ ،‬سواء عىل املستوى السيايس‬

‫مثل احلرص عىل شغل مراكز القيادة يف املنظامت الدولية احلكومية (منظمة املؤمتر اإلسالمي)‪،‬‬ ‫أم االقتصادي (مساعيها إىل رئاسة منظمة األوبك)‪ ،‬أم حتى عىل الصعيد االسرتاتيجي‬

‫واألمني مثل انتقاداهتا املتكررة وجود قوات التحالف يف اخلليج‪ ،‬وانتقادها كذلك إعالن‬ ‫‪226‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫دمشق‪ ،‬والتشديد مرار ًا عىل أن أمن اخلليج هو مسؤولية دوله فقط‪ .‬وبصفة عامة‪ ،‬مل تعد إيران‬ ‫تقبل بسهولة استبعادها من أي ترتيبات إقليمية‪ ،‬سواء عىل املستوى السيايس أم االقتصادي أم‬

‫العسكري‪ ،‬وهو ما قد يفرس حرصها عىل بقاء نفوذها يف سوريا ولبنان باعتباره املدخل الوحيد‬ ‫املتاح أمامها يف قطار تسوية الرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل‪.‬‬

‫عىل الرغم من أن اإلمرباطورية اإليرانية‪ ،‬وبخاصة يف تارخيها القديم حتى قبل الثورة‬ ‫اإلسالمية يف عام ‪ ،1979‬مل تبد اهتامم ًا جوهري ًا بالدول اخلليجية املقابلة هلا‪ ،‬فإن إدراكها‬ ‫باحلزام اجلنويب الغريب املطل عىل الشاطئ العريب للخليج مل يكن عىل أشدِّ ه إال منذ منتصف‬ ‫القرن‪ ،‬نتيجة ختوفها من غزو خارجي قد يتخذ من هذه املنطقة قاعدة له يف توجيه سياسة‬

‫عدوانية إزاءها‪ ،‬يف ما ُيعدّ بمنزلة مدخل لبسط النفوذ األجنبي عىل شتى مناطقها مع الكشف‬

‫عن النفط وانغالق الساحة الشاملية والرشقية عىل إيران‪ .‬ويف وقت كان فيه االحتاد السوفيايت‬

‫يف أوج قوته‪ ،‬بدأت طهران يف توجيه أنظارها ناحية اخلليج ودوله‪ ،‬ليس فقط ألهنا تسيطر‬ ‫حدودي ًا عىل جزء كبري من مياه اخلليج وتتحكم بمدخله باعتباره أشبه ببحرية مغلقة‪ ،‬بل‬

‫ألن املنطقة‪ ،‬بام متلكه من إمكانات ومقومات اسرتاتيجية‪ ،‬تعد ساحة نشاط إيران األساسية‪،‬‬ ‫وال سيام أن حا ً‬ ‫ال من االختالل الواضح يف معادلة موازين القوى بينها وبني الدول اخلليجية‬ ‫وعرابه‪.‬‬ ‫املشاطئة عىل الضفة املقابلة تتيح هلا الترصف وكأهنا راعية اإلقليم َّ‬

‫احلقيقة أن دور إيران اإلقليمي حتكمه توجهات ذات طبيعة أيديولوجية ‪ -‬عىل حد وصف‬

‫البعض ‪ -‬استندت جلها إىل أفكار اإلمام اخلميني ورشوح من تبعه‪ ،‬ويف إطار تقسيمه العامل إىل‬ ‫معسكرين‪ :‬املستكربين واملستضعفني‪ ،‬وسيطرة األول عىل الثاين‪ ،‬وتبعية بعض دول املعسكر الثاين‬ ‫للمعسكر األول‪ ،‬وسعيه إىل تنفيذ سياساته كل يف نطاقه اإلقليمي‪ .‬فقد صبت طهران جام غضبها‪،‬‬

‫وال تزال‪ ،‬عىل الواليات املتحدة ومن حيذو حذوها يف نظرها‪ ،‬واستمرت عالقات طهران ببعض‬ ‫الدول تحُ كم هبذا التصور األيديولوجي الذي رأى أنه يستهدف جتزئة العامل اإلسالمي والسيطرة‬

‫عىل مقدراته بل وهنبه حتى يتمكن يف النهاية من االستئثار بالنفوذ السيايس واالقتصادي فيه‪ .‬ومل‬ ‫تكن الواليات املتحدة بعيدة عن هذا البناء اإليدلوجي املسيطر للثورة اإليرانية‪ ،‬خصوص ًا إهنا‬

‫إحدى قوى االستكبار العاملي وفق تصورها وترتبط باملنطقة اجلنوبية الغربية هلا بعالقات وطيدة‬ ‫ولذلك اتهُ مت واشنطن يف وقت من األوقات ‪ -‬وإن كانت حدَّ ة هذا االهتام قد خ َّفت نسبي ًا يف‬ ‫الوقت احلايل ‪ -‬باستغالل وهنب ثروات الشعوب اخلليجية‪ ،‬وحماولة فرض هيمنتها السياسية‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪227‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫واالقتصادية والثقافية والعسكرية‪ ،‬مطالبة الدول التي تتصل هبا بشكل وثيق بمحاربة «القوى‬

‫اخلارجية» التي حتاول السيطرة عىل جزء مهم من الدول اإلسالمية وهي الدول اخلليجية‪.‬‬

‫وتبع ًا هلذا املنطق‪ ،‬كان من الصعب عىل رموز الدولة اإليرانية التغايض عن أمهية الدور‬

‫الذي يمكن أن متارسه يف املنطقة‪ ،‬وبخاصة اخلليج‪ ،‬وذلك ألسباب عدة‪ ،‬أبرزها‪:‬‬

‫ املوقع الذي حتتله عىل رأس اخلليج العريب‪ ،‬وهو ما َّ‬‫يمكنها من التحكم برشيان‬ ‫احلياة الذي َّ‬ ‫يغذي العامل الصناعي بعصب اقتصاداته وهو النفط (الطاقة)‪ .‬لذلك‪ ،‬بالنسبة إىل‬ ‫طهران‪ ،‬من غري املحتمل أن تتناسى أن مضيق هرمز الذي تقع عىل رأسه متر به ناقلة نفط كل‬

‫عرش دقائق؛ أي ما يساوي نحو ‪ 62‬يف املئة من موارد العامل النفطية و‪ 90‬يف املئة من حاجة‬ ‫اليابان النفطية و‪ 22‬يف املئة من استهالك الواليات املتحدة‪ .‬ويؤكد البعض أن قدرة إيران‬ ‫عىل التحكم يف مياه اخلليج تتأتَّى من كونه املنفذ البحري الطبيعي والوحيد لدول اخلليج‪ ،‬إذ‬

‫تستطيع وقف العبور من خالله بمجرد إغراق متعمد إلحدى ناقالت النفط املارة بمياهه‪.‬‬

‫‪ -‬املخاوف اإليرانية من حدوث إرضار باألمن القومي لكياهنا وبخاصة عىل حدودها‬

‫اجلنوبية‪ ،‬إذ ترى أجنحة نافذة يف السلطة يف طهران أن هناك خمططات إلحداث تغيريات يف‬

‫واقعها السيايس واالقتصادي واالجتامعي والعسكري‪ ،‬والشواهد التي تثريها طهران بني‬ ‫احلني واآلخر تتعلق حين ًا بالوجود العسكري األجنبي يف مياه اخلليج وحماوالت إرسائيل‬ ‫الدخول إىل املنطقة عرب تطبيع العالقات مع دول اخلليج‪ ،‬ورغبة واشنطن يف إجياد قواسم‬ ‫للنزاع بني كل من طهران والعواصم اخلليجية األخرى أحيان ًا أخرى‪.‬‬ ‫ االعتقاد بأن هيكل النظام اإلقليمي اخلليجي ومؤسساته القائمة‪ ،‬فض ً‬‫ال عن اخللل‬

‫االسرتاتيجي بينها وبني دول املنطقة‪ ،‬غري قادر عىل خدمة االستقرار يف املنطقة‪ ،‬األمر الذي‬ ‫قد يتيح الفرصة لبعض األطراف‪ ،‬خصوص ًا العراق‪ ،‬للخروج عن القواعد املنظمة للعبة‬ ‫السياسية‪ .‬وال يتأتى اخلوف اإليراين من عدم قدرة النظام اإلقليمي اخلليجي عىل احلفاظ‬ ‫عىل االستقرار بسبب وجود مصادر هتديد يصعب السيطرة عليها‪ ،‬بل ألهنا تشعر باستبعادها‬ ‫املتعمد من طبيعة الرتتيبات األمنية املتخذة يف املنطقة‪.‬‬

‫ ُتقدَّ م طهران نفسها عىل أهنا عنرص قوي‪ ،‬ينتمي إىل املنطقة أو ً‬‫ال ويعرف احتياجاهتا‬ ‫‪228‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ويستطيع ردع مصادر التهديد الشاذة‪ ،‬وذلك لكي تقوم بدور قيادة املنطقة‪ ،‬وتدرك أن ذلك‬ ‫لن يتحقق يف يوم وليلة‪ ،‬وإنام بشكل تدرجيي وعرب مراحل تُو َّفر من خالهلا الثقة والطمأنينة‬ ‫لدول اجلوار وبأهنا ليست الطرف الساعي إىل تنحية اآلخرين وإىل تزعم املنطقة‪ ،‬بل جمرد‬ ‫مشارك جيب أن تحُ فظ له مقومات قوته ومصاحله‪ ،‬ويرتافق هذا املسعى اإليراين مع مسعى آخر‬

‫َّ‬ ‫يؤكد حسن تطبيع العالقات مع دول اخلليج املجاورة يف ضوء االتفاقات األمنية والزيارات‬ ‫املتبادلة بني كبار مسؤوليها ومسؤويل دول اخلليج العربية‪.‬‬

‫‪ -‬عىل الرغم من حدوث تغيريات عدة يف السياسة احلاكمة ملامرسة دور إقليمي إليران‪،‬‬

‫إال أن قدوم رفسنجاين ثم خامتي إىل احلكم‪ ،‬أحدث جمموعة من التحوالت يبدو أهنا تضفي‬ ‫مسحة خمتلفة عىل الدور املنتظر أن تقوم به إيران يف الفرتة املقبلة‪ .‬ومن املعروف أن اخلالفات‬

‫الداخلية احلالية وطبيعة األزمة االقتصادية واالنفتاح عىل دول اخلليج املجاورة وإيصال رسالة‬

‫حول تغري التوجهات األيديولوجية‪ ،‬كل ذلك جعل من الرضوري أن تعيد إيران التفكري يف‬ ‫دورها اإلقليمي‪ ،‬لكن ذلك ال يعني جتاهل هذا الدور وإلغاءه‪ ،‬بل تنقيحه وهتذيبه‪.‬‬ ‫وتتمثل أهم مظاهر ممارسة هذا الدور يف النقاط التالية‪:‬‬ ‫‪ -‬ال زالت إيران تؤمن ‪ -‬ولو نسبي ًا ‪ -‬بأمهية تصدير مبادئ الثورة‪ ،‬ومن غري شك فإن هذا‬

‫اإليامن ليس بالدرجة التي كان عليها يف أوج محاسته عند قيام الثورة نفسها يف أواخر السبعينيات‪.‬‬ ‫لكن االستعداد اإليراين لرفع شعار الثورة اإلسالمية عاملي ًا ما زال قائ ًام‪ ،‬وتعمل طهران بجدِّ ية‬

‫عىل تقديم الدعم املادي واملعنوي إىل مجيع القوى املستعدة للنضال من أجل هذا اهلدف‪ ،‬وقد‬ ‫اهتمت يف فرتة سابقة‪ ،‬نتيجة ذلك‪ ،‬بمحاولة التدخل يف الشؤون الداخلية للغري وإقحام نفسها‬

‫يف ما ليس هلا فيه شأن‪ ،‬وعبرَّ البعض عن امتعاضه من احتامالت امتداد هذا الدور التصعيدي‬ ‫ملبادئ الثورة ناحية دعم اجلامعات املتطرفة التي حاربت أنظمتها يف بعض دول املنطقة‪ .‬وعقيدة‬ ‫قوات احلرس الثوري اإليراين تؤكد رضورة تصدير الثورة وإثارة القالقل والتوتر يف املنطقة‪،‬‬

‫وتسيطر تلك القوات عىل قوات الباسيج (جيش التعبئة التطوعي) التي تتكون من مئتي ألف‬ ‫فرد وتصل عند التعبئة إىل املليون فرد‪ ،‬وتتضح نية تصدير الثورة عملي ًا من وجود مئة ومخسني‬

‫مقات ً‬ ‫ال من احلرس الثوري يف لبنان ومئتي خبري عسكري إيراين يف السودان ‪. (2‬‬

‫ ‪ (2‬مجال سند السويدي‪« ،‬مأزق السياسة اإليرانية يف اخلليج ومتطلبات التغيري‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬نحو آفاق‬ ‫جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران‪ :‬املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري‪ ،‬ص ‪.276‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪229‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫ال خالف أن ذلك كله يشهد حتو ً‬ ‫ال ال لبس فيه وال غموض‪ ،‬لكن ذلك ال يعرب عن‬

‫احلقيقة بكاملها‪ ،‬يف ضوء انتهاء احلرب مع العراق‪ ،‬ووقوف طهران إىل جانب الكويت‪ ،‬إ َّبان‬ ‫الغزو العراقي هلا‪ ،‬وتنامي قوة التيار اإلصالحي الرافض ألفكار التدخل يف شؤون اآلخر‬

‫حتت دعوى تصدير الثورة‪.‬‬

‫‪ -‬استمرار احتالل اجلزر اإلماراتية الثالث‪ ،‬عىل الرغم من املحاوالت املضنية من‬

‫جانب أبو ظبي للتوصل إىل تسوية بشأن هذا األمر‪ ،‬سواء باجللوس عىل مائدة احلوار املبارش‬

‫أو عن طريق إحالة القضية برمتها إىل حمكمة العدل الدولية أو هيئة حتكيم خمتارة‪ .‬ومن املعروف‬ ‫أن إيران تدرك جيد ًا االلتفاف العريب املؤيد للموقف اإلمارايت من القضية‪ ،‬وختشى تفويت‬ ‫فرصة التقارب مع الدول اخلليجية والعربية من جراء هذا التهديد‪ ،‬لذا فإهنا حتاول استاملة‬ ‫أطراف خليجية أخرى للدخول يف دائرة العالقات الثنائية الوطيدة أم ً‬ ‫ال يف أن يؤدي ذلك إىل‬

‫جتاهل قضية اجلزر املحتلة‪ ،‬وتؤكد ‪ -‬وهو ما يظهر رغبتها يف ممارسة الدور ‪ -‬عدم استعدادها‬

‫لتقديم تنازالت تسمح بتسوية مرضية تأخذ بحسباهنا حقوق اإلمارات التارخيية‪ ،‬ويبدو أهنا‬ ‫ال تأبه كثري ًا ملوقفها املتشدد من القضية‪ .‬وعىل الرغم من حرصها عىل تكريس التعاون مع‬

‫الدول العربية‪ ،‬فإنه سيتعذر عليها توثيق عالقاهتا متام ًا بتلك الدول‪ .‬ورب قائل إن حتسني‬ ‫عالقاهتا بدولة كالسعودية قد يعطي لألخرية دور ًا للتأثري يف طهران باجتاه تعديل موقفها‪.‬‬ ‫يؤكد الكثريون أن التغري يف املوقف اإليراين من هذه القضية سيكون يف حد ذاته مؤرش ًا‬

‫عىل جدِّ ية إيران يف سعيها لتحسني عالقاهتا بالعامل العريب‪ ،‬ومن ثم عىل رجحان كفة االعتدال‬ ‫يف سياسة إيران اخلارجية وتبديل فكرة الدور املهيمن إىل الدور املشارك‪ .‬وبمفهوم معاكس‪،‬‬ ‫إن اإلرصار اإليراين عىل عدم تغيري املوقف من القضية يؤكد صحة الطرح القائل إن احلد‬

‫األدنى من الثوابت اإليرانية يف احلفاظ عىل األرض واحتالهلا سيكون بمنزلة خط أمحر ال‬ ‫يمكن االقرتاب منه أو املساس به ‪. (2‬‬

‫‪ -‬تبني اسرتاتيجية إقليمية تتعارض جذري ًا مع اسرتاتيجية الواليات املتحدة يف املحيط‬

‫اهلندي ومنطقة اخلليج ومرسح الرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل‪ .‬ولعل أبرز مظاهر ذلك الرفض‬ ‫‪Michael Eisenstadt, Iranian Military Power: Capabilities and Intentions, Policy‬‬ ‫)‪(23‬‬ ‫‪Papers; no. 42 (Washington, DC: Washington Institute for Near East Policy, 1996), pp. 9-25.‬‬

‫‪230‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫التام للوجود العسكري الغريب عموم ًا واألمريكي عىل وجه اخلصوص يف منطقة اخلليج‪،‬‬ ‫ورؤيتها إلرسائيل باعتبارها اخلطر األكرب عىل أمنها الوطني‪ ،‬واستمرار دعمها جلبهة الرفض‬

‫إلقامة عالقات طبيعية مع إرسائيل‪ ،‬وتدعيم حركات املعارضة املسلحة املناوئة لعملية السالم‬ ‫برمتها سواء داخل األرايض املحتلة أو األرايض العربية‪ .‬ويذكر يف هذا الشأن الدور اإليراين‬

‫املتعاظم يف دعم املقاومة اللبنانية ضد االحتالل اإلرسائييل يف اجلنوب اللبناين‪ ،‬والعمليات‬ ‫التي ُنسبت لفرتة ملصلحة مجاعتي اجلهاد ومحاس الفلسطينيتني وغري ذلك‪.‬‬ ‫‪ -‬مع اإلحساس اإليراين باخلطر من تكرار جتربة احلرب مع العراق واحتامالت امتداد‬

‫اخلطر من الوجود العسكري األجنبي يف وأرض اخلليج العربية مياهه‪ ،‬سعت طهران إىل تطوير‬ ‫قواهتا‪ ،‬وسارعت باالنفتاح عىل مصادر توريد السالح إليها لتشمل ‪ -‬باإلضافة إىل روسيا ‪ -‬ك ً‬ ‫ال‬ ‫من الصني وكوريا الشاملية ودول أوروبا الرشقية‪ ،‬مع تكثيف اجلهود للحصول عىل الذخائر‬ ‫وقطع الغيار الغربية برصف النظر عام يؤدي إليه ذلك من نتائج ومن حدوث فضائح مثل‬

‫فضيحة القذائف «لو شري» عامي ‪ ،1985 - 1983‬و»إيران غيت» عامي ‪ 1985‬و ‪.1986‬‬

‫ساعد ذلك طهران عىل استعادة عافيتها العسكرية وتصفية آثار حرهبا مع العراق‪ .‬و ُقدِّ ر‬

‫عدد قواهتا بنحو مخسمئة وثالثة عرش ألف مقاتل‪ ،‬بام يف ذلك قوات احلرس الثوري التي‬ ‫تصل إىل مئة وعرشين ألف مقاتل‪ ،‬ويبلغ عدد قوات اجليش النظامي نحو ثالثمئة ومخسة‬

‫وأربعني ألف فرد‪ ،‬ويبلغ عدد أفراد القوات اجلوية نحو ثالثني ألف فرد‪ ،‬والقوات البحرية‬ ‫النظامية نحو ثامنية عرش ألف فرد‪ ،‬بإإلضافة إىل أعداد كبرية من ميليشات الباسيج ونحو مخسة‬

‫وأربعني ألف فرد من قوات الرشطة وحرس احلدود‪ ،‬وتزود هذه الفئات مجيعها باحتياجاهتا‬ ‫من السالح والعتاد الذي يوفر هلا قدرة الردع بوجه أي هتديدات حمتملة ‪. (2‬‬

‫ساعدت قوة إيران البرشية يف تكوين مثل تلك األعداد الكبرية من القوات املسلحة بمختلف‬ ‫فروعها‪ ،‬فوفق ًا إلحصاءات عام ‪ُ 1998‬قدِّ ر عدد سكان إيران اإلمجايل بنحو ‪72.664.000‬‬

‫مليون نسمة‪ ،‬منهم ‪ 51‬يف املئة من أصل فاريس‪ 24 ،‬يف املئة أزيري‪ 8 ،‬يف املئة جيالين‪/‬مازاندراين‪،‬‬ ‫‪ 7‬يف املئة كردستاين‪ 3 ،‬يف املئة عرب‪ 2 ،‬يف املئة بلوش‪ 2 ،‬يف املئة تركامن ‪. (2‬‬

‫ ‪ (2‬أنتوين كوردسامن‪ ،‬القدرات العسكرية اإليرانية‪ ،‬سلسلة دراسات عاملية؛ ‪( 6‬اإلمارات‪ :‬مركز اإلمارات‬ ‫للدراسات والبحوث االسرتاتيجية‪[ ،‬د‪ .‬ت‪ ،)].‬ص ‪.35‬‬

‫ ‪ (2‬حممد مجال مظلوم‪ ،‬القدرات العسكرية اإليرانية التقليدية وغري التقليدية‪ ،‬كراسات اسرتاتيجية خليجية؛ ‪38‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪231‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫ويف ضوء احتامالت انتصار اخلط املتشدَّ د يف لعبة الرصاع عىل الساحة السياسية يف طهران‪،‬‬

‫إن تسارع تطوير قدرات اهلجوم قد ينتقل من طور األسلحة التقليدية إىل طور األسلحة النووية‬ ‫امرس ال تتوافق مع‬ ‫وأسلحة الدمار الشامل عموم ًا‪ ،‬وما من شك يف أن مظاهر هذا الدور ا ُمل َ‬

‫التوجهات االسرتاتيجية االنفتاحية إليران التي تقوم عىل االنفتاح عىل اخلارج‪ ،‬واعتامد صيغة‬

‫األمن اجلامعي‪ ،‬وحتقيق تعاون اقتصادي شامل‪ ،‬والتعاون ملكافحة انتشار املخدرات واجلريمة‬

‫املنظمة‪.‬‬

‫ الرفض اإليراين التام ألي دور خارجي يف األمور املتعلقة بالشأن اخلليجي‪ ،‬وبخاصة‬‫ما يتعلق منها باألمن والدفاع عن الدول اخلليجية‪ ،‬حتى لو كان ذلك الدور عربي ًا‪ ،‬ألن ذلك‬

‫يؤثر سلب ًا يف ممارسة إيران لدورها يف منطقة اخلليج‪ ،‬ومن هنا كان استمرار الرفض اإليراين‬

‫لكل ما يتعلق بإعالن دمشق بني دول جملس التعاون الست وكل من مرص وسوريا‪ ،‬فقد كانت‬ ‫أهم املشكالت التي واجهها اإلعالن منذ بدايته أن ما انطوى عليه من مفهوم ألمن اخلليج‬

‫خيتلف عن الرؤية اإليرانية له‪ ،‬حيث يقوم اإلعالن عىل أن األمن القومي العريب كل ال يتجزأ‪،‬‬ ‫وأن أمن اخلليج هو أحد أجزاء األمن القومي العريب‪ ،‬وليس منفص ً‬ ‫ال عنه‪ ،‬يف حني تتلخص‬ ‫الرؤية اإليرانية يف أن أمن اخلليج هو وحدة منفصلة بذاهتا هلا سامهتا التي متيزها عن األمن‬

‫القومي العريب بمفهومه الشامل‪ .‬لذا فإن دوله وحدها هي التي تضمنه‪ ،‬ولذا عارضت إيران‬ ‫إعالن دمشق وأي وجود أجنبي يف اخلليج‪ ،‬سواء أكان مرصي ًا أم سوري ًا أم أمريكي ًا‪.‬‬ ‫وتشري إيران يف ذلك إىل أن مرص وسوريا بعيدتان عن اخلليج‪ ،‬وبالتايل فإن أي هتديد‬ ‫ألمنه ال يمسهام بصورة مبارشة‪ ،‬وعىل العكس منهام فهي تعترب طرف ًا أساسي ًا يف املنطقة‪.‬‬ ‫ومن املفارقات يف هذا الشأن أن االنفراج اإليراين العريب قد جاء يف أهم مظاهره يف فرتة‬

‫توقف اجتامعات إعالن دمشق‪ ،‬وتزايد الدعوات العربية إىل التقارب مع إيران؛ الستخدام‬ ‫الورقة اإليرانية يف مواجهة إرسائيل من ناحية‪ ،‬وتركيا من ناحية أخرى‪.‬‬

‫يف ضوء السعي إىل تقوية الدور اإليراين إقليمي ًا‪ ،‬يمكن تفسري التحركات التي قامت هبا‬

‫طهران جتاه العراق‪ ،‬حيث قام وزير اخلارجية اإليراين‪ ،‬كامل خرازي‪ ،‬بزيارة إىل بغداد يف الثالث‬

‫عرش من شهر ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪ 2000‬عىل رأس وفد إيراين رفيع املستوى‪ ،‬يف أول زيارة‬ ‫(القاهرة‪ :‬مركز اخلليج للدراسات االسرتاتيجية‪ ،)2001 ،‬ص ‪.4‬‬ ‫‪232‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫توجه سلفه األكرب واليتي وزير اخلارجية السابق‬ ‫هبذا املستوى إىل العراق منذ عام ‪ 1990‬عندما َّ‬

‫إىل بغداد قبيل غزو الكويت‪ .‬تلك الزيارة التي أثارت العديد من عالمات االستفهام‪ ،‬ال سيام‬ ‫السلم» و»ال َّ‬ ‫بعد سنوات العداء الطويلة مع النظام العراقي وحال «ال َّ‬ ‫ميزت‬ ‫الحرب» التي َّ‬ ‫العالقات بينهام خالل العقد املايض‪ .‬كام إن الفرتة األخرية القصرية التي سبقت تلك الزيارة‬ ‫شهدت مزجي ًا متناقض ًا من مظاهر التوتر واالنفراج‪ ،‬يمكن إجيازها عىل النحو التايل ‪: (2‬‬ ‫‪ -‬يف الثامن والعرشين من شهر أيلول‪/‬سبتمرب ‪ 2000‬كشف عيل يونس‪ ،‬وزير‬

‫االستخبارات اإليراين‪ ،‬عن «شبكة إرهابية ضخمة تابعة حلزب البعث العراقي» كانت ختطط‬ ‫لعمليات تفجري واسعة واغتيال شخصيات عسكرية وأمنية رفيعة املستوى وزعامء املعارضة‬ ‫العراقيني يف إيران‪.‬‬

‫‪ -‬يف التاسع والعرشين من الشهر نفسه التقى الرئيس اإليراين‪ ،‬حممد خامتي‪ ،‬نائب‬

‫الرئيس العراقي‪ ،‬طه ياسني رمضان‪ ،‬عىل هامش أعامل قمة األوبك يف فنزويال‪ ،‬بناء عىل رغبة‬

‫األخري‪ ،‬حيث اتفقا عىل حتسني العالقات بينهام والعمل عىل رسعة إزالة نقاط اخلالف‪.‬‬

‫ يف اليوم نفسه‪ ،‬شن الرئيس اإليراين السابق‪ ،‬هاشمي رفسنجاين‪ ،‬هجوم ًا عنيف ًا عىل‬‫العراق‪ ،‬مستعرض ًا فصول احلرب بني البلدين‪ ،‬ومطالب ًا بتعويضات لقاء اخلسائر اإليرانية يف‬

‫حرب السنوات الثامين‪ .‬كام تقدمت إيران يف هذا اليوم أيض ًا بشكوى ضد العراق لدى األمني‬ ‫العام لألمم املتحدة‪ ،‬احتجاج ًا عىل «إيواء إرهابيي منظمة جماهدي خلق اإليرانية املعارضة عىل‬ ‫األرايض العراقية»‪.‬‬

‫توجه أمحد مرتىض‪ ،‬وزير النقل العراقي‪ ،‬يف الثالثني من أيلول‪/‬سبتمرب (بعد يوم‬ ‫‬‫َّ‬

‫واحد) «لتعزيز العالقات وزيادة التبادل التجاري والصناعي بني العراق وإيران»‪ ،‬بعد توجيه‬

‫دعوة إليه حلضور معرض طهران الدويل للتجارة‪ .‬وقد أعلن مرتىض يف أثناء وجوده يف طهران‬ ‫أن بغداد مستعدة لـ»إقامة سالم كامل وحقيقي مع إيران»‪.‬‬

‫‪ -‬ويف الثالث عرش من ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪ ،2000‬توجه وزير اخلارجية اإليراين‪ ،‬كامل‬

‫خرازي‪ ،‬إىل بغداد للقاء الرئيس العراقي صدام حسني لتناول «كافة القضايا العالقة بني البلدين»‪.‬‬ ‫ ‪« (2‬ختطيط السياسة اخلارجية اإليرانية‪ :‬بني مدلوالت الرصاع الداخيل والنفوذ اإلقليمي‪( »،‬املركز الدبلومايس‬ ‫للدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬الكويت‪ ،‬بتاريخ ‪ 22‬ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪.)2000‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪233‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫وأعلنت إيران عن نقاط مخس متثل األهداف الرئيسة لزيارة خرازي إىل بغداد‪ ،‬وهي ‪: (2‬‬

‫‪ -1‬مطالبة اجلانب العراقي بتطبيق كل التزاماته وفق ًا التفاقية اجلزائر‪ ،‬مقابل التزام‬ ‫إيران بتطبيق تعهداهتا وفق ًا لالتفاقية نفسها‪.‬‬ ‫‪ -2‬مطالبة العراق بإيقاف كافة أنشطة مجاعة «جماهدي خلق» املس ّلحة‪ ،‬ومنع تس ُّلل‬

‫عنارصها إىل داخل األرايض اإليرانية‪ ،‬مع اقرتاح إيراين بإنشاء رشيط بعمق عرشة كيلومرتات‬ ‫عىل احلدود‪ ،‬يكون التحرك فيه مسموح ًا فقط للعسكريني ورجال األمن واملأذون هلم من‬ ‫سكان البلدين‪ ،‬بحيث يتم تأليف دوريات أمنية مشرتكة ملراقبة املنطقة األمنية‪.‬‬

‫‪ -3‬السامح بزيارة جلنة لتقيص احلقائق حول األرسى واملفقودين يف كل من البلدين‬

‫للقيام بإجراء حتقيق مبارش مع األرسى الذين يدَّ عي كل من العراق وإيران بأهنم ال يرغبون‬ ‫يف العودة إىل وطنهم‪ ،‬أو أهنم التحقوا بصفوف «جماهدي خلق» يف العراق ‪ -‬من األرسى‬

‫اإليرانيني ‪ -‬أو بـ»فيلق بدر» التابع للمجلس األعىل للثورة اإلسالمية يف إيران ‪ -‬من األرسى‬

‫العراقيني‪.‬‬

‫‪ -4‬استئناف اإليرانيني زيارة العتبات املقدسة التي بدأت قبل سنوات باتفاق بني‬

‫مسؤويل منظمة احلج والزيارة اإليرانية واجلهات العراقية املعنية‪.‬‬

‫‪ -5‬مناقشة قضايا جانبية؛ مثل التبادل التجاري وإقامة املعارض‪ ،‬وموضوع بعض‬

‫علامء الدين الشيعة من ذوي األصول اإليرانية املسجونني يف العراق‪.‬‬

‫إىل جانب هذه األهداف املعلنة‪ ،‬يؤكد املحللون أن زيارة خرازي اشتملت عىل بند مهم جد ًا‬

‫بالنسبة إىل الطرفني العراقي واإليراين‪ ،‬ولكنه غري معلن‪ ،‬يتمثل يف عقد «مقايضة»‪ ،‬خيطو بموجبها‬

‫التيار اإلصالحي خطوة كبرية يف رصاعه مع املحافظني‪ ،‬وذلك أن التيار اإلصالحي الذي يقوده‬

‫الرئيس خامتي ويفرتض أن يمثله خرازي أكثر من املتشدِّ دين‪ ،‬يسلك طريق تطبيع العالقات مع‬ ‫الدول التي متتلك حدود ًا مشرتكة مع إيران‪ ،‬من أفغانستان حتى العراق مرور ًا برتكيا وأذربيجان‬ ‫وأرمينيا‪ ،‬حيث يرى أنصار خامتي أن أي رصاع حدودي يفيد التيار املتشدِّ د‪ ،‬حتى لو كان األمر‬

‫يتعلق بتعاون ضمني مع الغرب واألمريكيني ضد النظام العراقي أو األفغاين‪.‬‬

‫إىل جانب كون التفاهم العراقي ‪ -‬اإليراين اجلديد خيدم السياسة اإليرانية العامة‪ ،‬سواء‬ ‫ ‪ (2‬املصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪234‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫جلهة تعزيز املعسكر الذي ال يسري يف ركاب السياسة الغربية من جهة‪ ،‬أم ملصلحة حتصيل‬ ‫املزيد من أوراق التفاوض مع األمريكيني يف املستقبل من جهة أخرى‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن اإلشارة‬ ‫التي يرسلها توقيت الزيارة املتزامن مع االنتفاضة الفلسطينية‪ ،‬بأن إيران عىل استعداد للتنسيق‬ ‫مع أي دولة الختاذ موقف موحد ضد إرسائيل‪ ،‬بعد أن دعت طهران رصاحة الدول العربية‬ ‫التي هلا عالقات معها‪ ،‬إىل قطع تلك العالقات سياسي ًا واقتصادي ًا‪ .‬وقد كتبت صحيفة إيران‬

‫احلكومية أن «هذه الزيارة متثل فرصة ذهبية لكرس اجلليد بني البلدين‪ ،‬ورسم مستقبل أفضل»‪،‬‬ ‫مرحبة بـ«التقارب بني القوتني السياسيتني اإلقليميتني»‪ ،‬باعتباره أمر ًا رضوري ًا ملواجهة‬

‫«الغطرسة اإلرسائيلية»‪.‬‬

‫وبطبيعة احلال‪ ،‬إن العراق مل يكن له إ َّ‬ ‫ال أن يرحب هبذه الزيارة‪ ،‬وهو الذي يسعى منذ‬ ‫فرتة لكرس احلظر الدويل عليه‪ ،‬وال شك يف أن االتفاق مع جار مثل إيران يصب متام ًا يف صلب‬

‫تلك املساعي‪ .‬إىل جانب أن احتامالت اكتساح التياراإلصالحي للسلطة يف طهران كان قد‬ ‫أقلق النظام العراقي يف الفرتة األخرية‪ ،‬نظر ًا إىل أن ذلك من شأنه تبديد خماوف الواليات‬ ‫املتحدة والغرب من فتح ملف إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسني جدِّ ي ًا‪ ،‬ألن خطر‬

‫قيام حكم شيعي يف العراق سيرتاجع بنسبة كبرية‪.‬‬

‫بطبيعة احلال‪ ،‬محلت هذه التحركات اإليرانية الدؤوبة‪ ،‬وكذلك التقارب بني طهران‬ ‫وبغداد‪ ،‬انعكاسات كثرية عىل دول اجلوار‪ ،‬وخصوص ًا دول جملس التعاون اخلليجي‪ .‬فمن‬

‫جانب‪ ،‬يعد التقارب العراقي ‪ -‬اإليراين رضبة قوية للحظر املفروض عىل العراق‪ ،‬وكذلك‬ ‫للعزلة الدولية التي يعانيها النظام احلاكم يف بغداد‪ ،‬قد تدفع باجتاه إعادة تأهيله دولي ًا مرة‬

‫أخرى‪ ،‬وخصوص ًا أن إيران بالفعل إحدى الدول التي ال تزال تصنفها الواليات املتحدة عىل‬ ‫أهنا من الدول املنبوذة‪ ،‬وبالتايل لن يرضها كثري ًا اخرتاق احلظر الدويل‪ ،‬فض ً‬ ‫ستسهل‬ ‫العن أهنا‬ ‫ِّ‬ ‫كثري ًا عىل النظام العراقي هتريب كميات أكرب من النفط لالستفادة من فورة األسعار يف ذلك‬

‫الوقت يف حتقيق عوائد إضافية تساعده عىل إعادة بناء ترسانته العسكرية مرة أخرى يف غياب‬

‫ويعزز من‬ ‫جلان التفتيش وانشغال العامل بمتابعة التوتر يف عملية السالم بني إرسائيل والعرب‪َّ ،‬‬ ‫هذه الفرضية األخرية أن اتفاق ًا كان جيري بني بغداد وطهران من شأنه حت ًام أن يتضمن إهناء‬ ‫وجود املعارضة املسلحة يف كل من البلدين املوجهة ضد اآلخر‪ ،‬أو عىل األقل جتميد نشاطاهتا‬ ‫العسكرية‪ ،‬وهو يعني بالنسبة إىل الطرف العراقي التخلص من هجامت تنظيم «املجلس األعىل‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪235‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫للثورة اإلسالمية يف العراق» أكثر فصائل املعارضة العراقية تأثري ًا‪ ،‬وبالتايل يتفرغ النظام‬ ‫العراقي ملوضوعات التسلح والعودة جمدد ًا إىل املرسح اإلقليمي‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تعترب معاجلة ملف األرسى اإليرانيني لدى العراق فرصة ج ِّيدة‬

‫أمام الكويت لفتح ملف األرسى الكويتيني لدى العراق‪ ،‬وقد تكشف معاجلة امللف األول‬ ‫عن معلومات أو جوانب جديدة بالنسبة إىل األرسى الكويتيني‪ .‬فض ً‬ ‫ال عن إمكانية استثامر‬ ‫العالقات الكويتية ‪ -‬اإليرانية املتميزة يف وساطة تقوم هبا األخرية لدى النظام العراقي لإلفراج‬

‫عن أرسى الكويت‪.‬‬

‫وأخري ًا‪ ،‬إن دعم النفوذ اإليراين يف اخلليج بالتقارب مع العراق‪ ،‬من شأنه أن جيعل طهران‬

‫مرشحة لوضع الرشيك يف أي ترتيبات أمنية إقليمية مقبلة‪ ،‬سوا ًء برضا الواليات املتحدة‬ ‫وبريطانيا‪ ،‬أم من دون إرادهتام‪ .‬وهذه األخرية قد تدفع املنطقة بأرسها إىل مرحلة جديدة من‬

‫التوتر وعدم االستقرار‪.‬‬

‫وعىل الرغم من أن كل التحليالت السياسية أشادت بالتحول الذي جاء به خامتي يف ما‬ ‫يتعلق بالعالقات اإليرانية ‪ -‬اخلليجية‪ ،‬التي شهدت حتسن ًا ملحوظ ًا يف السنوات التالية لتويل‬

‫خامتي سدة احلكم يف إيران‪ ،‬وانعكست بشكل واضح يف الزيارات التي قامت هبا الوفود الرسمية‬ ‫والربملانية اإليرانية إىل عدد من الدول اخلليجية وبخاصة اململكة العربية السعودية والكويت‪،‬‬

‫قمة طهران اإلسالمية يف كانون األول‪/‬ديسمرب عام ‪1997‬‬ ‫والتي ظهرت آثارها الطيبة خالل َّ‬ ‫التي أعتربت بمنزلة نجاح كبري للقيادة اإليرانية اجلديدة التي متكنت يف وقت قليل من توليها من‬ ‫كرس العزلة حوهلا نتيجة ظهورها بوجه القيادة املعتدلة املرنة‪ ،‬تلك القيادة اجلديدة التي سعت إىل‬ ‫التقليل من وترية مناوراهتا العسكرية والبحرية التي كانت جترهيا إيران بشكل مكثف بالقرب من‬

‫مضيق هرمز‪ ،‬األمر الذي كان يس ِّبب القلق للدول العربية اخلليجية ‪ ، (2‬فإن البعض اآلخر ينظر‬ ‫إىل الدور اإليراين يف منطقة اخلليج بنظرة غري متفائلة‪ ،‬عىل الرغم من معطيات القيادة اجلديدة‬

‫يف إيران‪ ،‬وذلك بالنظر إىل االهتامم اإليراين املبالغ فيه بدعم قوهتا العسكرية التقليدية وغري‬ ‫التقليدية التي تفوق احتياجاهتا للدفاع عن نفسها ومحاية مصاحلها احليوية‪ ،‬بام َّ‬ ‫يؤكد ‪ -‬ضمني ًا ‪-‬‬ ‫ ‪ (2‬الوضع الراهن يف اخلليج وآفاق املستقبل‪ ،‬ندوة القبس‪ ،‬الكويت‪ 11-10 ،‬ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪،1998‬‬ ‫ص ‪.153-152‬‬ ‫‪236‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وجود نوايا للهيمنة وفرض سياسة األمر الواقع‪ .‬والتطور الكبري يف معطيات ومفردات التسلح‬ ‫اإليراين ‪ -‬بخاصة الصواريخ الباليستية ذات املديني املتوسط والبعيد ‪ -‬إنام يشري إىل كرب املجال‬

‫احليوي الذي تسعى إيران إىل السيطرة عليه‪ ،‬بمعنى أهنا تسعى إىل أن تصبح قوة إقليمية عظمى‬

‫تفرض مصاحلها اخلاصة‪ ،‬وهذا يؤكد أن إيران تتمسك بثنائية «التعاون واملواجهة»‪ ،‬بمعنى أهنا‬ ‫تقوم بتبادل الزيارات اخلارجية عىل خمتلف املستويات‪ ،‬وبخاصة مع القوى اإلقليمية العربية‬

‫الكربى ملد جسور التعاون والثقة‪ ،‬يف الوقت الذي تسعى إىل احلفاظ عىل استمرار اخللل يف‬ ‫توازن القوى بينها وبني دول اخلليج العربية‪ ،‬بل وتؤكد امتالكها قدرات فوق تقليدية وأسلحة‬ ‫دمار شامل للمحافظة عىل اسرتاتيجية املواجهة التي تضمن هلا فرض مصاحلها االقتصادية‬

‫والسياسية واألمنية بالقوة عىل أي دولة أخرى يف املنطقة‪ .‬فاسرتاتيجية التعاون جتري مع الدول‬

‫القوية يف املنطقة‪ ،‬بينام جتري اسرتاتيجية املواجهة مع باقي الدول ‪. (2‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬قضايا احلدود‬ ‫ما زالت قضية اجلزر اإلماراتية الثالث مت ِّثل املحور األسايس للعالقات بني دولتي‬

‫اإلمارات وإيران‪ ،‬بل هي أساس قضايا احلدود يف العالقات اإليرانية ‪ -‬اخلليجية‪ ،‬وهي أحد‬

‫أهم أسباب توتر تلك العالقات نتيجة املوقف اإليراين املتشدِّ د جتاه تلك القضية‪ .‬ويالحظ‬

‫أنه وبصفة عامة وعىل الرغم من تغيرُّ القيادات احلاكمة يف إيران واختالف توجهاهتا وتزايد‬ ‫نغمة اإلصالح يف العهد اخلامتي مقابلة بالعهود السابقة‪ ،‬فإن املوقف اإليراين جتاه تلك املشكلة‬ ‫موحد ًا‪.‬‬ ‫بالذات يكاد يكون موقف ًا َّ‬ ‫وعىل الرغم من أن الرئيس خامتي‪ ،‬وهو ينتهج سياسته اإلصالحية اجلديدة‪ ،‬قد أعلن أنه‬

‫يسعى إىل ختفيف حدَّ ة التوتر يف منطقة اخلليج‪ ،‬حيث عكس خطابه الرئايس يف الرابع من آب‪/‬‬ ‫أغسطس ‪ 1997‬رغبته يف حتسني العالقات مع دول اجلوار العريب‪ ،‬وبخاصة دول جملس التعاون‬

‫التوجه االنفتاحي‬ ‫العربية‪ ،‬ودعا إىل حل موضوع اجلزر اإلماراتية عن طريق احلوار ‪ ، (3‬القى هذا‬ ‫ّ‬ ‫ترحيب ًا من جانب العديد من الدول العربية بشكل عام ودول جملس التعاون اخلليجي بشكل‬ ‫ ‪ (2‬السويدي‪« ،‬مأزق السياسة اإليرانية يف اخلليج ومتطلبات التغيري‪ »،‬ص ‪.277-274‬‬

‫ ‪ (3‬صالح املانع‪« ،‬العالقات اخلليجية اإليرانية إبان حكم الرئيس حممد خامتي‪ »،‬ورقة قدمت إىل‪ :‬نحو آفاق جديدة‬ ‫للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران‪ :‬املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري‪ ،‬ص ‪.159-158‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪237‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫األخوة اإلسالمية وروابط‬ ‫خاص لبناء جسور التعاون والتنسيق مع طهران‪ ،‬تعبري ًا عن روابط‬ ‫ّ‬ ‫اجلوار‪ ،‬وبأمل أن يؤ ِّدي ذلك التجاوب إىل حلول لكل املشكالت بني اجلانبني العريب واإليراين‬ ‫ويف مقدمها قضية اجلزر‪ ،‬لكن ذلك مل يتبع بإجراءات عملية سوى زيارة واحدة لوزير اخلارجية‪،‬‬

‫كامل خرازي‪ ،‬إىل أبوظبي‪ ،‬قام هبا يف أواخر شهر أيار‪/‬مايو عام ‪ ،1998‬وأشار خرازي يف أحد‬ ‫ترصحياته إىل أن هناك رغبة إيرانية يف حتسن العالقات مع الدول العربية وحل كافة املشكالت‬ ‫رصحت الدكتورة معصومة ابتكار‪ ،‬نائبة الرئيس‬ ‫القائمة بني إيران ودول جملس التعاون‪ .‬كذلك َّ‬

‫اإليراين‪ ،‬يف ختام زيارة قامت هبا إىل القاهرة يف مطلع عام ‪ ،1999‬أن مشكلة اجلزر اإلماراتية‬ ‫الثالث ال بد من النظر إليها عىل أهنا قضية جزئية‪ ،‬وينبغي أال تكون سبب ًا يف توتر العالقات بني‬ ‫البلدين‪ ،‬وأن حل تلك املشكلة ال بد أن يتم يف إطار ثنائي بني البلدين‪ ،‬خصوص ًا أن إيران تسعى‬ ‫إىل تطوير عالقاهتا مع كل الدول اإلسالمية لزيادة فاعليتها‪ ،‬ومنها بالطبع دولة اإلمارات ‪. (3‬‬

‫يالحظ أن تلك الرؤية هي امتداد للرؤية اإليرانية يف عهد الرئيس السابق هاشمي‬

‫رفسنجاين‪ ،‬حيث سبق أن رصح حممد كاظم خونسـاري‪ ،‬مستشار وزير اخلارجية اإليراين‬

‫آنذاك‪ ،‬خالل زيـارة قام هبا إىل املغرب يف شهر ترشين الثاين‪/‬نوفمرب عام ‪ 1996‬قائال‪« ً:‬نحن‬ ‫دائ ًام ننوي أن تكون لنا أفضل العالقات مع إخواننا العرب يف منطقة اخلليج‪ .‬وأعتقد بأنه ال‬

‫توجد أي نقاط خالف بيننا وبني إحدى هذه الدول‪ .‬بالتأكيد هناك خالف جزئي مع دولة‬ ‫اإلمارات العربية‪ ،‬ونحن نسعى إىل ح ِّله عن طريق احلوار‪ ،‬وال حاجة هنا بتات ًا إىل أن نفكر يف‬ ‫حل خالفنا مع دولة اإلمارات العربية بطرق أخرى غري طريق احلوار» ‪. (3‬‬

‫من ناحيته‪ ،‬واصل جملس التعاون لدول اخلليج العربية متابعة قضية اجلزر الثالث‪،‬‬ ‫فقد استعرض املجلس الوزاري يف دورته السابعة والستني مستجدات قضية احتالل إيران‬ ‫للجزر الثالث‪ ،‬طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى‪ ،‬التابعة لدولة اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬يف ضوء الزيارة التي قام هبا وزير خارجية اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية إىل أبوظبي‬ ‫يف الثالث والعرشين من أيار‪/‬مايو ‪ .1998‬ويف الوقت الذي عبرَّ املجلس الوزاري عن تفاؤله‬ ‫بام أسفرت عنه تلك الزيارة من نتائج‪ ،‬وعن متنياته بأن يؤ ِّدي استمرار االتصاالت بني البلدين‬ ‫ ‪ (3‬التدمري‪« ،‬إضاءة عىل العالقات اإليرانية العربية بني عهدين «العهد البهلوي وعهد اجلمهورية اإلسالمية»‬ ‫ومتطلبات التغيري‪ »،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.225‬‬

‫ ‪ (3‬انظر حديث حممد كاظم خونساري مستشار وزير اخلارجية اإليراين‪ ،‬يف‪ :‬الرشق األوسـط‪،‬‬ ‫‪.1996/11/28‬‬ ‫‪238‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫إىل استجابة احلكومة اإليرانية للدعوات الصادقة باتباع الوسائل السلمية حلل النزاع القائم‬ ‫عىل اجلزر الثالث وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل‪ ،‬بام يف ذلك القبول بإحالة القضية إىل‬ ‫حمكمة العدل الدولية‪ .‬وقد َّأكد املجلس الوزاري مواقفه الثابتة بتأكيد سيادة دولة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة عىل جزرها الثالث‪ ،‬طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى‪ ،‬ودعمه املطلق‬ ‫لكافة اإلجراءات والوسائل السلمية التي تتخذها اإلمارات الستعادة سيادهتا عىل هذه اجلزر‪،‬‬

‫ومطالبته احلكومة اإليرانية بإهناء احتالهلا للجزر الثالث‪ ،‬وإلغاء كافة اإلجراءات وإزالة كل‬ ‫املنشآت التي سبقت إقامتها من طرف واحد يف اجلزر الثالث‪ ،‬واتباع الوسائل السلمية حلل‬ ‫النزاع وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل‪ ،‬بام يف ذلك القبول بإحالة القضية إىل حمكمة العدل‬ ‫الدولية‪ .‬ويف إشارة املجلس الوزاري إىل تطور العالقات مع إيران يف ضوء مواقف دول جملس‬ ‫التعاون التي ترتكز عىل القناعة بأمهية إقامة عالقات طيبة مع اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‬ ‫عىل أسس ومبادئ حسن اجلوار واالحرتام املتبادل واالمتناع عن التدخل يف الشؤون الداخلية‬ ‫ونبذ استخدام القوة أو التهديد هبا وحل اخلالفات بالطـرق السلمية‪ .‬أشاد املجلس الوزاري‬ ‫باملؤرشات ‏اإلجيابية واملتمثلة يف تكثيف االتصاالت واللقاءات الثنائية بني دول املجلس‬ ‫واجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬وعبرَّ عن تفاؤله بأن تثمر هذه اللقاءات والزيارات الرسمية‬ ‫بني اجلانبني عن نتائج إجيابية من شأهنا تعزيز الثقة املتبادلة وإثبات حسن النوايا‪ ،‬والتوصل إىل‬ ‫حل اخلالفات العالقة بالطرق السلمية‪ ،‬ويف مقدمها قضية احتالل إيران للجزر الثالث التابعة‬ ‫لدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬حتقيق ًا لألمن واالستقرار يف املنطقة ‪. (3‬‬ ‫عىل الرغم من ذلك‪ ،‬فقد َّأدت تلك القضية إىل إثارة بعض التوترات يف العالقات بني‬

‫البلدين‪ ،‬ففي أواخر شهر كانون األول‪/‬ديسمرب عام ‪ 1998‬رصح الشيخ عبداهلل بن زايد آل‬ ‫هنيان‪ ،‬وزير اإلعالم اإلمارايت‪ ،‬بأن «إيران وإرسائيل تشكالن هتديد ًا أكرب للمنطقة من التهديد‬ ‫الذي يشكله العراق»‪ .‬وإثر ذلك الترصيح قامت إيران باستدعاء القائم باألعامل اإلمارايت يف‬ ‫طهران‪ ،‬وأبلغته باالحتجاجات اإليرانية عىل هذه الترصحيات‪ ،‬ثم قام وزير الداخلية اإليراين‪،‬‬ ‫عبداهلل موسوي‪ ،‬يف منتصف شباط‪/‬فرباير عام ‪ 1999‬يف الذكرى العرشين للثورة اإليرانية‬ ‫بافتتاح دار للبلدية ومركز تعليمي يف جزيرة أبو موسى‪ ،‬وهو ما اعتربته دولة اإلمارات تكريس ًا‬ ‫لالحتالل‪ ،‬وزاد األمور تعقيد ًا أن إيران قد استخدمت ‪ -‬يف الشهر نفسه ‪ -‬اجلزر الثالث قواعد‬

‫ ‪« (3‬البيان الصحفي‪( »،‬املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬األمانة العامة‪ ،‬الدورة السابعة‬ ‫والستني‪ 28 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.)1998‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪239‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫يف مناوراهتا العسكرية يف اخلليج ومضيق هرمز‪ ،‬وهو ما أدى إىل دعوة اإلمارات إىل اجتامع‬

‫طارئ ملجلس التعاون يف آذار‪/‬مارس من العام نفسه يف أبو ظبي لبحث التعديات واملناورات‬ ‫العسكرية اإليرانية يف جزر دولة اإلمارات العربية املتحدة املحتلة ومياهها اإلقليمية‪ .‬وأسفر‬

‫االجتامع الطارئ عن إدانة املناورات العسكرية التي قامت هبا إيران‪ ،‬وطالبتها دول جملس‬ ‫التعاون بالكف عن مثل هذه األعامل االستفزازية التي متثل انتهاك ًا صارخ ًا لسيادة دولة‬ ‫وتعرض املالحة‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ومتثل هتديد ًا خطري ًا لألمن واالستقرار يف املنطقة‪َّ ،‬‬ ‫اإلقليمية والدولية يف اخلليج العريب للخطر ‪. (3‬‬

‫ويف دورته السبعني أشار املجلس الوزاري إىل استمرار االدعاءات اإليرانية يف اجلزر‬

‫الثالث‪ ،‬طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى‪ ،‬التابعة لدولة اإلمارات العربية املتحدة‪،‬‬

‫غري املقبولة‪ ،‬والقيام بإجراء مناورات عسكرية استفزازية يف املياه اإلقليمية لدولة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة‪ ،‬وفتح دار للبلدية اإليرانية وجممع تعليمي يف جزيرة أبو موسى هبدف تكريس‬ ‫االحتالل وفرض األمر الواقع‪.‬‬

‫كام َّأكد املجلس أمهية قيام مجهورية إيران اإلسالمية‪ ،‬برتمجة توجهاهتا املعلنة‪ ،‬يف عهد‬

‫الرئيس اإليراين حممد خامتي‪ ،‬برغبتها يف حتسني العالقات مع دول املجلس‪ ،‬إىل خطوات‬ ‫عملية ملموسة‪ ،‬قو ً‬ ‫ال وعم ً‬ ‫ال‪ ،‬وذلك باالستجابة الصادقة للدعوات اجلادة واملخلصة‬ ‫الصادرة من صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل هنيان‪ ،‬رئيس دولة اإلمارات العربية‬

‫املتحدة‪ ،‬ودول جملس التعاون ودول إعالن دمشق وجامعة الدول العربية واملجموعات‬ ‫واملنظامت اإلقليمية والدولية واألمني العام لألمم املتحدة‪ ،‬الداعية إىل حل النزاع حول‬

‫اجلزر الثالث بالطرق السلمية وفق األعراف واملواثيق وقواعد القانون الدويل‪ ،‬من خالل‬ ‫املفاوضات املبارشة أو اللجوء إىل حمكمة العدل الدولية باعتبارها الوسيلة السلمية حلل‬

‫النزاعات بني الدول من أجل بناء الثقة وتعزيز األمن واالستقرار يف املنطقة‪.‬‬

‫ويف الوقت الذي جدَّ د املجلس الوزاري تأكيده سيادة دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫عىل جزرها الثالث‪ ،‬طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى‪ ،‬ودعمه املطلق لكافة‬ ‫ ‪ (3‬البيان الصادر عن الدورة االستثنائية الثالثة والعرشين ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬أبو ظبي‪4 ،‬‬ ‫آذار‪/‬مارس ‪.1999‬‬ ‫‪240‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫اإلجراءات والوسائل السلمية التي تتخذها الستعادة سيادهتا عىل جزرها الثالث‪ ،‬طالب‬

‫احلكومة اإليرانية بإهناء احتالهلا للجزر الثالث‪ ،‬والكف عن ممارسة سياسة فرض األمر‬

‫الواقع بالقوة‪ ،‬والتوقف عن إقامة منشآت إيرانية يف اجلزر هبدف تغيري تركيبتها السكانية‪،‬‬

‫وإلغاء كافة اإلجراءات‪ ،‬وإزالة كل املنشآت التي سبقت إقامتها من طرف واحد يف اجلزر‬ ‫الثالث‪ ،‬واتباع الوسائل السلمية حلل النزاع‪ ،‬وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل‪ ،‬بام يف ذلك‬ ‫القبول بإحالة القضية إىل حمكمة العدل الدولية‪.‬‬

‫وأشار إىل أن بناء الثقة يتحقق من خالل تبنِّي إيران خطوات عملية ذات مصداقية هادفة‬ ‫حلل املشكالت القائمة بني اجلانبني وفق ًا للقواعد واألعراف الدولية القاضية بحل اخلالفات‬ ‫بالطرق السلمية‪ ،‬وعىل رأسها قضية احتالل إيران للجزر الثالث‪ ،‬طنب الكربى وطنب‬ ‫الصغرى وأبو موسى‪ ،‬التابعة لدولة اإلمارات العربية املتحدة ‪. (3‬‬

‫من جانبها‪ ،‬واصلت دولة اإلمارات العربية املتحدة دعوهتا إيران إىل اتباع الوسائل‬

‫السلمية وليس االستفزازية يف معاجلة قضية جزر اإلمارات الثالث املحتلة طنب الكربى‬ ‫وطنب الصغرى وأبو موسى‪ ،‬وذلك استجابة لدعوة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان‬ ‫آل هنيان‪ ،‬رئيس الدولة‪ ،‬حلل النزاع حال سلمي ًا وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل‪ ،‬عن طريق‬ ‫املفاوضات املبارشة أو اللجوء إىل حمكمة العدل الدولية‪.‬‬

‫وأشار رئيس وفد دولة اإلمارات يف الكلمة املوجهة إىل املؤمتر السابع والعرشين لوزراء‬

‫خارجية الدول اإلسالمية إىل أن دولة اإلمارات تؤمن بأن احلوار األخوي والب ّناء هو الطريق‬ ‫املثىل حلل النزاعات بني الدول‪.‬‬

‫وجاء يف تلك الكلمة‪« :‬إننا نتطلع ونحن نتفاعل مع العوملة وإفرازاهتا إىل احلرص عىل‬

‫العمل املشرتك ملواجهة سلبياهتا وتوحشها‪ ،‬واستثامر الفرص اإلجيابية فيها واالعتصام بالقيم‬

‫العليا وثقافاتنا الوطنية واإلسالمية‪ .‬إن مسار األحداث السياسية واحلروب التي شهدهتا‬ ‫منطقة اخلليج العريب خالل العقدين املاضيني زاد من قناعتنا بأمهية ترسيخ عالقات التعاون‬ ‫الثنائية واجلامعية بني دول املنطقة وبقية العامل عىل أسس ومبادئ حسن اجلوار وتدابري بناء الثقة‬

‫ ‪« (3‬البيان الصحفي‪( »،‬املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬األمانة العامة‪ ،‬الدورة‬ ‫السبعني‪ ،‬الرياض‪ 15-14 ،‬آذار‪/‬مارس ‪.)1999‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪241‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫والتعايش السلمي‪ ،‬وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية‪ ،‬وتعزيز عالقات التعاون اإلقليمي‬

‫والدويل‪ .‬ومن هذا املنطلق‪ ،‬سعت دولة اإلمارات العربية املتحدة إىل إجياد حل سلمي لقضية‬ ‫احتالل إيران جلزر دولة اإلمارات الثالث طنب الكربى وطنب الصغرى و أبو موسى‪،‬‬

‫وطالبت اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية باعتبارها دولة إسالمية جارة تربطنا هبا عالقات الدين‬

‫واملصالح املشرتكة‪ ،‬ووجوب العمل عىل حل هذا النزاع من خالل املفاوضات املبارشة‪ ،‬أو‬ ‫اللجوء إىل حمكمة العدل الدولية‪ ،‬غري أن املامرسات التي تقوم هبا إيران عىل تلك اجلزر توحي‬ ‫بعكس ما نسعى إليه من حل سلمي‪ ،‬بل هتدف إىل تكريس االحتالل من خالل اختاذ العديد‬

‫من اإلجراءات العسكرية واملدنية بقصد تغيري معاملها وتركيبتها السكانية والعمرانية‪ ،‬وطمس‬ ‫واقعها القانوين والتارخيي هبدف فرض األمر الواقع‪ ،‬وباإلضافة إىل ذلك‪ ،‬تقوم إيران من‬

‫وقت آلخر بإجراء مناورات عسكرية تشمل اجلزر الثالث املحتلة ومياهنا اإلقليمية‪ ،‬وهذه‬ ‫املامرسات ال يمكن إال أن تكون استفزازية‪ ،‬وتعد تدخ ً‬ ‫ال يف شؤوننا الداخلية‪ ،‬وتعرض أمن‬ ‫وسالمة املالحة اإلقليمية والدولية يف اخلليج العريب للخطر‪.‬‬

‫إننا دعاة سالم ولسنا دعاة حرب‪ ،‬ومن هذا املنطلق ندعو جارتنا املسلمة إيران إىل اتباع‬

‫الوسائل السلمية وليس االستفزازية يف معاجلة هذه القضية‪ ،‬وذلك استجابة للدعوة التي‬

‫أطلقها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل هنيان‪ ،‬رئيس دولة اإلمارات العربية املتحدة‪،‬‬ ‫حلل النزاع حول جزرنا املحتلة ح ًّ‬ ‫ال سلمي ًا وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل‪ ،‬وعن طريق‬ ‫املفاوضات املبارشة أو اللجوء إىل حمكمة العدل الدولية‪ .‬ونحن نؤمن بأن احلوار األخوي‬

‫الب ّناء هو الطريق األمثل حلل النزاعات بني الدول‪ ،‬وكانت تلك الطريقة التي تم بموجبها‬ ‫التوصل إىل حل مرض للطرفني ملشكالت احلدود التي كانت عالقة بني الشقيقتني اململكة‬ ‫العربية السعودية واجلمهورية اليمنية‪ ،‬ونحن سعداء هبذا اإلنجاز التارخيي الذي يعترب دلي ً‬ ‫ال‬ ‫عىل الرغبة األكيدة واحلرص املتبادل حلل ما يعرتض العالقات بينهام باحلوار البناء‪ .‬وهبذه‬

‫املناسبة‪ ،‬ال يسعنا إال أن هننئ الشقيقتني اململكة العربية السعودية واجلمهورية اليمنية لتوقيعهام‬ ‫اتفاق احلدود بني بلدهيام‪ ،‬آملني أن يشكل هذا اإلنجاز حافز ًا لبقية الدول اإلسالمية حلل‬ ‫خالفاهتا باحلوار والطرق السلمية» ‪. (3‬‬

‫ ‪ (3‬نص كلمة اإلمارات يف‪ :‬املؤمتر اإلسالمي لوزراء اخلارجية‪ ،‬الدورة السابعة والعرشين ‪ 27 ،‬حزيران‪/‬يونيو‬ ‫‪ ،2000‬والبيان‪.2000/6/28 ،‬‬ ‫‪242‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫كام َّأكد الشيخ خليفة بن زايد آل هنيان‪ ،‬ويل عهد أبو ظبي ونائب القائد األعىل للقوات‬

‫املسلحة اإلماراتية‪ ،‬حرص دولة اإلمارات ورغبتها الصادقة يف إجياد حل سلمي ملشكلة اجلزر‬ ‫اإلماراتية الثالث‪ ،‬طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى‪ ،‬التي حتتلها إيران‪ ،‬مشري ًا إىل‬ ‫أن حل هذه املشكلة سلمي ًا سيوفر ظروف ًا مالئمة لقيام تعاون خالق بني دول املنطقة يف كل‬ ‫املجاالت‪ ،‬والذي من شأنه توفري األمن واالستقرار والرخاء لشعوهبا‪ ،‬ومتكني املنطقة من‬ ‫مواجهة حتديات عرص العوملة والتجارة احلرة والتكتالت االقتصادية العاملية ‪. (3‬‬

‫هذا الرأي هو الذي أكده قادة الدول اخلليجية يف البيان اخلتامي للقمة احلادية والعرشين‬ ‫ملجلس التعاون اخلليجي التي عقدت يف املنامة بدولة البحرين‪ ،‬حيث َّأكدوا دعمهم لإلمارات‬

‫يف مطالبتها باسرتداد السيادة عىل اجلزر الثالث‪.‬‬

‫إال أن رد الفعل اإليراين جاء خمالف ًا للتوقعات اإلماراتية واخلليجية‪ ،‬حيث رفضت إيران‬ ‫املوقف الذي اختذه جملس التعاون اخلليجي دع ًام ملطالب دولة اإلمارات العربية املتحدة يف ما‬ ‫يتعلق بنزاعها مع إيران حول اجلزر اإلماراتية الثالث املحتلة‪ ،‬واعتربت أن الدول اخلليجية‬ ‫«تبنت هذه املرة موقف ًا سينعكس سلب ًا عىل مسرية العالقات اإليرانية ‪ -‬اخلليجية التي تقدمت‬

‫أشواط ًا كبرية منذ انتخاب الرئيس خامتي عام ‪.»1997‬‬

‫وقال املتحدث باسم وزارة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬محيد رضا آصفي‪ ،‬يف مؤمتر صحايف‪:‬‬

‫إن «هذه اجلزر جزء ال يتجزأ من األرايض اإليرانية‪ ،‬وستبقى كذلك إىل األبد»‪ .‬وأضاف إن‬ ‫«البيان اخلتامي لقمة جملس التعاون اخلليجي ليس واقعي ًا‪ ،‬ويفتقر إىل روح التعاون»‪ ،‬وقال إن‬ ‫«دعم اإلمارات غري مقبول ومؤسـف … ألنه يثري املطالبة بجزء من أراضينا»‪ ،‬مشري ًا إىل أن‬

‫إيران «تبقى عىل استعداد إلجراء مفاوضات ثنائية مع اإلمارات يف موضوع إدارة جزيرة أبو‬

‫موسى فقط‪ ،‬وعىل أساس االتفاقات القائمة بني البلدين»‪.‬‬

‫ورفض آصفي من جهة أخرى اللجنة التي َأ ّلفها جملس التعاون اخلليجي يف متوز‪/‬يوليو‬

‫عام ‪ ،1999‬تضم وزراء خارجية كل من السعودية وقطر وسلطنة ُعامن إلجراء حوار بني‬

‫طهران وأبو ظبي حول نزاعهام‪.‬‬

‫ ‪ (3‬الرشق األوسـط‪.2000/11/3 ،‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪243‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫وأضاف‪« :‬لقد شككنا منذ البداية يف نجاح هذه اللجنة ألننا نرى أن احلل يكمن يف‬

‫مفاوضات ثنائية من أجل تبديد سوء التفاهم مع اإلمارات» ‪. (3‬‬

‫وقال أحد املصادر اإليرانية يف ذلك الوقت لصحيفة الرشق األوسط إن إيران «لن‬

‫ختضع ألي ضغط من أية جهة‪ ،‬إقليمية كانت أم دولية يف القضايا املصريية مثل وحدة أراضيها‬ ‫وأمنها القومي»‪ .‬واعترب أن هناك اتفاقيات ومعاهدات حتدد اخلطوط العامة للعالقات بني‬ ‫إيران ودولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬التي قال إهنا «كانت ملتزمة حتى هناية الثامنينيات بتلك‬

‫االتفاقيات واملعاهدات‪ ،‬رغم أهنا كانت موقعة قبل تشكيل الدولة االحتادية‪ ،‬ومن قبل إحدى‬ ‫اإلمارات السبع (أي الشارقة)» ‪. (3‬‬

‫واعرتف بدور بعض اجلهات يف إيران‪ ،‬ومنها القيادة السابقة للحرس الثوري‪ ،‬يف إثارة‬ ‫مشكلة اجلزر بعد عرشين عام ًا من التعايش والتفاهم بني سكان أبو موسى من خالل تطبيق‬

‫اتفاقية عام‪.1971‬‬

‫وأضاف املصدر‪« :‬إن طرد بعض سكان اجلزيرة من اإلماراتيني واملواطنني العرب العاملني‬ ‫يف اجلزء اإلمارايت ألبو موسى‪ ،‬كان عم ً‬ ‫ال استفزازي ًا وخمالف ًا اللتزامات إيران‪ ،‬غري أن احلكومة‬ ‫اإليرانية بعد انتخاب خامتي اختذت عدة قرارات إلعادة األمور يف أبو موسى إىل طبيعتها»‪.‬‬

‫وذكر أن ثالثة مرشوعات اسرتاتيجية سبق أن صادق عليها املجلس األعىل لألمن‬

‫القومي اإليراين تم تأجيلها إىل أجل غري مسمى بعد أن توىل خامتي الرئاسة ورئاسة املجلس‪.‬‬ ‫وأكد أن الدافع وراء قرار خامتي هذا هو هتدئة مشاعر اإلماراتيني وسائر جارات إيران يف‬ ‫اخلليج‪ ،‬والتأكد من حسن نية إيران جتاه أهل اخلليج بوجه عام والشعب اإلمارايت بوجه‬

‫خاص‪ .‬وتضمنت تلك املرشوعات ما ييل‪:‬‬

‫ إنشاء حمافظة جزر اخلليج وعاصمتها أبو موسى‪.‬‬‫ تأسيس قاعدة جوية كربى يف جزيرة أبو موسى‪ ،‬إىل جانب تطوير القاعدة البحرية‬‫ ‪ (3‬الرشق األوسـط‪.2001/1/2 ،‬‬ ‫ ‪ (3‬املصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪244‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫بإنشاء ميناء حريب وأرصفة ضخمة الستقبال املدمرات والسفن احلاملة للصواريخ وطائرات‬

‫اهلليكوبرت‪.‬‬

‫ حتويل جزيريت طنب الصغرى وطنب الكربى إىل مركزين لالستطالع والتجسس‬‫وبناء منصات صاروخية‪.‬‬ ‫وعىل صعيد تطورات القضية‪ ،‬جاءت الزيارة التي قام هبا وزير الدولة للشؤون اخلارجية‬ ‫اإلمارايت‪ ،‬الشيخ محدان بن زايد آل هنيان‪ ،‬إىل طهران يف حزيران‪/‬يونيو عام ‪ ،2002‬وأجرى‬ ‫خالهلا حمادثات مع الرئيس اإليراين‪ ،‬حممد خامتي‪ ،‬ونائبه‪ ،‬حممد عيل أبطحي‪ ،‬ووزير اخلارجية‪،‬‬ ‫كامل خرازي‪ ،‬تلك الزيارة التي دفعت التأكيدات اإلماراتية واإليرانية إىل نجاحها‪ .‬وهو ما دفع‬ ‫املراقبني واملتابعني لقضية اجلزر والعالقات اإليرانية ‪ -‬اإلماراتية إىل التساؤل عن املعطيات‬ ‫التي ساعدت عىل حتقيق هذا النجاح‪ ،‬وعام إذا كان ما حتقق كافي ًا لرسم شكل جديد للعالقات‬ ‫بني البلدين بشكل عام‪ ،‬وحتديد مستقبل النزاع بينهام حول اجلزر الثالث طنب الكربى وطنب‬ ‫الصغرى وأبو موسى بشكل خاص‪.‬‬ ‫وأشارت التحليالت يف هذا الصدد إىل أنه خالل الزيارة وضع الطرفان إطار ًا جديد ًا‬ ‫ملعاجلة موضوع اجلزر خيتلف عن األسلوب الذي انتهجه البلدان يف السابق‪ .‬وقد سامهت يف‬ ‫تعديل إطار املعاجلة مجلة من املتغريات التي أثرت يف املوقفني اإلمارايت واإليراين وجعلتهام‬ ‫يبحثان عن آلية جديدة ملناقشة خالفاهتام‪ ،‬وأن العنوان العريض إلطار املعاجلة اجلديد هو‬ ‫العمل عىل إعادة اخلالف إىل الدائرة الضيقة املتمثلة يف احلوار الثنائي واعتامد دبلوماسية‬ ‫اخلطوة خطوة التي أثبتت فاعليتها يف معاجلة العديد من األزمات الدولية‪.‬‬ ‫ويف هذا السياق كان هناك ‪ -‬عىل ما يبدو ‪ -‬اتفاق عىل أمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬سحب موضوع اجلزر من التداول اإلعالمي‪ ،‬والعودة به إىل ما قبل اندالع أزمة‬

‫جزيرة أبو موسى عام ‪ ،1991‬عندما اختذت السلطات اإليرانية إجراءات من جانب واحد‬ ‫لفرض سيادهتا عىل اجلزيرة‪ ،‬خالف ًا ملذكرة التفاهم املوقعة بني البلدين عام ‪.1971‬‬ ‫الثاين‪ :‬جتميد بحث هذا املوضوع يف املحافل اإلقليمية والدولية إلعطاء االتصاالت‬

‫الثنائية اجلديدة فرصة كافية‪ ،‬عىل أمل أن تثمر هذه االتصاالت عن حلول عادلة ومقبولة‬

‫بالنسبة إىل الطرفني‪.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪245‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫جتلت مظاهر هذا التوافق يف الصيغة اجلديدة التي تعاطت فيها األمانة العامة ملجلس‬

‫التعاون مع موضوع اجلزر باعتباره أحد بنود جدول أعامل االجتامعات الوزارية للمجلس‬

‫يوم ‪ 9‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2002‬أو حتى يف ترصحيات األمني العام ملجلس التعاون بعد القمة‬ ‫التشاورية يف جدة‪ ،‬إذ يبدو أن بند اجلزر سيدرج يف جدول أعامل االجتامعات اخلليجية ضمن‬

‫صيغة عامة تتضمن الرتحيب باملفاوضات واالتصاالت الثنائية اجلارية بني دولة اإلمارات‬ ‫وإيران حلل خالفاهتام‪ ،‬من دون اإلشارة إىل موضوع اجلزر‪ ،‬ففي اجتامع املجلس الوزاري يف‬

‫دورته التي عقدت بمدينة جدة يف أيلول‪/‬سبتمرب عام ‪ ،2003‬ناقش املجلس قضية احتالل‬ ‫اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية للجزر الثالث‪ :‬طنب الكربى‪ ،‬وطنب الصغرى‪ ،‬وأبو موسى‪،‬‬

‫التابعة لدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ .‬وبعد تأكيده مواقف دول املجلس الثابتة‪ ،‬وقراراهتا‬ ‫السابقة‪ ،‬الداعمة حلق دولة اإلمارات العربية املتحدة الكامل‪ ،‬يف سيادهتا عىل جزرها الثالث‪،‬‬

‫وعىل املياه اإلقليمية‪ ،‬واإلقليم اجلوي‪ ،‬واجلرف القاري‪ ،‬واملنطقة االقتصادية اخلالصة للجزر‬ ‫الثالث‪ ،‬باعتبارها جزء ًا ال يتجزأ من دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬أعرب املجلس عن‬ ‫تطلعه ألن تؤدي االتصاالت املهمة‪ ،‬اجلارية بني دولة اإلمارات العربية املتحدة واجلمهورية‬ ‫اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬إىل حل سلمي لقضية اجلزر الثالث‪ ،‬وبام ُيساهم يف تعزيز األمن‬ ‫واالستقرار يف املنطقة ‪. (4‬‬ ‫القراءة األوىل هلذا التطور بشأن أسلوب التعاطي مع موضوع اجلزر قد تشري إىل‬

‫تراجع إمارايت عن مكاسب إعالمية وسياسية حتققت من خالل طرح هذه القضية يف املحافل‬

‫اإلقليمية والدولية‪ ،‬ومن خالل املنابر اإلعالمية املختلفة‪ ،‬لكن يف مقابل ما يمكن اعتباره‬ ‫تراجع ًا إماراتي ًا‪ ،‬هناك ثمن يبدو أن إيران أصبحت اآلن عىل استعداد لدفعه‪ ،‬ويتمثل يف قبول‬ ‫إيران العودة إىل اتفاقية التفاهم املوقعة بينها وبني إمارة الشارقة يف ترشين الثاين‪/‬نوفمرب عام‬

‫‪ ،1971‬التي أصبحت بحسب األعراف والقوانني الدولية وثيقة قانونية بني دولة اإلمارات‬ ‫وإيران‪ ،‬باعتبار أن الدولة االحتادية اإلماراتية هي الوريث القانوين لالتفاقات التي أبرمتها‬

‫اإلمارات األعضاء قبل انضاممها لالحتاد‪.‬‬

‫وعودة إيران إىل اتفاقية التفاهم ال تقترص عىل قبوهلا االتفاقية إطار ًا قانوني ًا حيكم وضع‬ ‫ ‪« (4‬البيان الصحفي‪( »،‬املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬الدورة الثامنة والثامنني‪ ،‬جدة‪،‬‬ ‫‪ 8‬أيلول‪/‬سبتمرب ‪.)2003‬‬ ‫‪246‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫جزيرة أبو موسى فقط‪ ،‬بل يمتد أيض ًا نحو الرتاجع عن كل اخلطوات التي اختذهتا إيران يف‬ ‫اجلزيرة خالل السنوات العرش املاضية لفرض سيادهتا عىل اجلزيرة بصفة األمر الواقع‪ ،‬وخالف ًا‬

‫ملا نصت عليه مذكرة التفاهم املشار إليها ‪. (4‬‬

‫وبوضع ما يتعني عىل إيران الرتاجع عنه من إجراءات يف اجلزيرة بامليزان‪ ،‬فإن هناك‬

‫مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية عدة يمكن تسجيلها ملصلحة اإلمارات‪:‬‬

‫ إن مثل هذا الرتاجع يعني إقرار إيران بأن السيادة عىل جزيرة أبو موسى ليست‬‫حمسومة‪ ،‬خالف ًا ملا كانت تعلنه وتؤكده طوال الفرتة املاضية‪.‬‬ ‫ كام إن هذا الرتاجع يعني التزام إيران الرتاجع أيض ًا عن كل اخلطوات واإلجراءات‬‫التي استهدفت تكريس احتالهلا للجزيرة‪ ،‬خالف ًا ملذكرة التفاهم التي تتضمن ترتيبات القتسام‬

‫إدارة اجلزيرة وحتديد املناطق التي تكون فيها إليران سلطات وتلك التي ختضع لسلطة‬ ‫اإلمارات‪ ،‬والتي تنص أيض ًا عىل االستغالل املشرتك للثروات الطبيعية عىل أساس املناصفة‪،‬‬ ‫وأن تكون ملواطني إيران واإلمارات حقوق متساوية يف املياه اإلقليمية للجزيرة‪.‬‬

‫ وضمن هذه االلتزامات أيض ًا‪ ،‬سيكون عىل إيران الرتاجع عن تعيني قائد عسكري‬‫للجزيرة‪ ،‬ووضع املطار الذي قامت ببنائه بصفته مرفق ًا من مرافق االنتفاع املشرتكة‪ ،‬وتقليص‬ ‫الوجود العسكري اإليراين يف اجلزيرة الذي ازداد عدد ًا وعدة خالل فرتة األزمة‪ ،‬والرتاجع‬

‫عن حماوالت فرض واقع ديمغرايف وسكاين خيدم يف املحصلة مطالب إيران بفرض السيادة‬ ‫عىل كامل اجلزيرة‪.‬‬

‫ كام يقتيض األمر امتناع إيران عن القيام بمناورات حربية مثل تلك التي اعتادت‬‫القيام هبا والتي كانت من املظاهر املستفزة واملهددة لألمن اإلقليمي‪ .‬ويقتيض األمر أيض ًا‬ ‫االمتناع عن فرض قيود عىل حقوق اإلماراتيني يف الدخول إىل اجلزيرة وفق ما نصت عليه‬

‫مذكرة التفاهم‪ ،‬وكذلك السامح ملواطني احلكومة اإلماراتية من غري رعايا اإلمارات بالدخول‬

‫للعمل يف املرافق واخلدمات التي تقدمها السلطات اإلماراتية ملواطنيها يف اجلزيرة‪.‬‬

‫ ‪« (4‬متغريات إقليمية ودولية تغري مسار العالقات اإلماراتية ـ اإليرانية‪ »،‬الرشق األوسط‪،2002/6/8 ،‬‬ ‫راجع ذلك يف موقع صحيفة الرشق األوسط‪ ،‬وبيانه كالتايل‪:‬‬

‫‪www.alsharqalawsat.com/pc/news/8،6،2002،024.html.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪247‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫ال يبدو أن قضية جزيرة أبو موسى ستكون هناية املطاف بالنسبة إىل اإلمارات‪ ،‬التي لن‬

‫تتخىل عن مطالبها بجزيريت طنب الصغرى وطنب الكربى‪ ،‬لكن يبدو أن دبلوماسية اخلطوة‬ ‫خطوة والتدرج يف معاجلة اخلالف مع إيران قد يقتضيان من اإلمارات أن تقبل مرحلي ًا عدم‬ ‫الربط بني وضع جزيرة أبو موسى ووضع جزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى‪.‬‬

‫وسيكون البديل من هذا الربط صيغة فضفاضة‪ ،‬تنص عىل أن يتم البحث يف قضية‬

‫العودة إىل الرتتيبات اخلاصة بجزيرة أبو موسى وفق اتفاقية التفاهم‪ ،‬عىل أن يواصل البلدان‬

‫بحث أي خالفات عالقة أخرى‪ ،‬وهي عبارة تقبل هبا إيران لإلشارة الضمنية إىل اخلالف حول‬ ‫السيادة عىل اجلزيرتني األخريني‪.‬‬

‫وأي ًا كانت االجتاهات التي ستأخذها مفاوضات البلدين يف املرحلة املقبلة‪ ،‬فإن هذه‬

‫االجتاهات حمكومة بجملة من املتغريات املؤثرة يف املوقفني‪ ،‬وهناك عوامل عدة‪ ،‬منها ‪: (4‬‬

‫ حتسن موقع اجلناح اإلصالحي يف إيران بشكل جيعله قادر ًا عىل اختاذ مواقف سياسية‬‫مرنة يف بعض القضايا الدولية‪ ،‬خالف ًا ملا كانت عليه احلال يف بداية الثورة اإليرانية‪ ،‬حيث‬

‫كانت هذه القضايا الدولية عرضة ملزايدات األحزاب والتيارات السياسية اإليرانية‪.‬‬

‫‪ -‬شعور القيادة اإليرانية بأن قضية اجلزر ستكون عقبة حقيقية أمام تطوير عالقاهتا‬

‫باملحيط اإلقليمي الذي يمثل عمق إيران األمني واالقتصادي والتجاري‪.‬‬

‫ حماولة القيادة اإليرانية تطويق أي مشكالت إقليمية قد تكون ذريعة أو سبب ًا يف‬‫تعطيل جهودها للخروج من العزلة الدولية‪ ،‬أو تكون ذريعة وسبب ًا مستقبلي ًا لتصفية حسابات‬ ‫سياسية مع الواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬

‫ قناعة القيادة اإليرانية بأن الوجود العسكري األمريكي خصوص ًا والغريب عموم ًا‬‫يف منطقة اخلليج أصبح جزء ًا من معادلة األمن اإلقليمي يف املنطقة‪ ،‬ويتعني التعامل مع هذا‬

‫الوجود بصفته جزء ًا من احلقائق السياسية للمنطقة‪.‬‬

‫وجاء هذا التحول بعد أحداث أفغانستان ومن بعدها أحداث العراق التي مل ترتك‬ ‫ ‪ (4‬املصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪248‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫الوجود العسكري األمريكي يف الضفة الغربية للخليج فقط‪ ،‬بل أصبح عىل احلدود الربية‬ ‫اإليرانية مع أفغانستان ويف العراق‪ ،‬األمر الذي يعني أن حجة إيران العتبار هذه اجلزر عنرص ًا‬ ‫يستخدم لتدعيم الوجود األمريكي يف املنطقة أصبحت حجة واهية‪ ،‬بعد أن أصبح هذا الوجود‬

‫يف احلديقة اخللفية إليران وهي مناطق حدودها مع أفغانستان والعراق‪.‬‬

‫أما املتغريات التي أثرت يف املوقف اإلمارايت فقد متثلت يف عوامل عدة ‪: (4‬‬ ‫‪ -‬فشل جهودها يف تأمني ضغط إقليمي أو دويل كاف جيرب إيران عىل القبول بفكرة‬

‫احلل السلمي لقضية اجلزر عىل أساس القوانني الدولية أو العرض عىل حمكمة العدل الدولية‪،‬‬

‫بانتهاء مهمة اللجنة الثالثية اخلليجية من دون توفر بديل سيايس هلا‪.‬‬

‫‪ -‬شعور املسؤولني اإلماراتيني بأن تشددهم يف بحث قضية اجلزر الثالث دفعة واحدة‬

‫أسهم يف استفزاز اجلانب اإليراين‪ ،‬بحيث أقدم عىل خطوات لتكريس احتالله للجزر الثالث‬ ‫عرب إجراءات عسكرية وإدارية من جانب واحد‪ ،‬وهذا معناه فرض أمر واقع يصعب تغيريه‬

‫يف املستقبل‪.‬‬

‫‪ -‬النجاح النسبي الذي حققه اجلناح اإلصالحي اإليراين يف احتواء النجاحات‬

‫السياسية التي حققتها دولة اإلمارات بشأن قضية اجلزر عىل الصعيدين اإلقليمي والدويل‪،‬‬ ‫فإيران استطاعت فتح جسور جديدة مع دول خليجية فاعلة مثل السعودية وسلطنة ُعامن‬

‫وقطر‪ ،‬كام إهنا استطاعت كرس طوق عزلتها يف الساحة األوروبية من خالل استعادة عالقاهتا‬

‫الدبلوماسية مع بريطانيا وتنشيط عالقاهتا بدول أوروبية أخرى‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬إن الدبلوماسية اإلماراتية مل تعد يف وارد املراهنة عىل الضغط اخلليجي أو الدويل‬

‫إلجبار إيران عىل قبول التحكيم أو أي شكل من أشكال التسوية السلمية التي تطرحها‪.‬‬

‫ استغالل فرصة وجود اجلناح املعتدل عىل رأس السلطة يف إيران‪ ،‬األمر الذي قد‬‫ِّ‬ ‫يمكن اإلمارات من احلصول عىل مكاسب سياسية يف التعاطي املبارش مع هذا اجلناح الذي‬ ‫مل يكن يف احلكم عندما أقدمت طهران عىل تصعيد احتالهلا للجزر من خالل إلغاء مذكرة‬ ‫التفاهم اخلاصة بجزيرة أبو موسى‪.‬‬ ‫ ‪ (4‬املصدر نفسه‪.‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪249‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫من هنا‪ ،‬ويف ضوء هذه املتغريات‪ ،‬يمكن القول إن قضية اجلزر تدخل مرحلة جديدة‬

‫قد ال يكون من السهل تتبع درجة إيقاعها وتسارعها‪ .‬لكن مع ذلك‪ ،‬ما زالت إيران تتمسك‬ ‫بموقفها واحتالل اجلزر اإلماراتية الثالث‪ ،‬عىل الرغم من املحاوالت املضنية من جانب أبو ظبي‬

‫للتوصل إىل تسوية بشأن هذا األمر‪ ،‬سواء باجللوس عىل مائدة احلوار املبارش‪ ،‬أم عن طريق إحالة‬

‫القضية برمتها إىل حمكمة العدل الدولية‪ ،‬أو هيئة حتكيم خمتارة‪ .‬ومن املعروف أن إيران تدرك‬ ‫جيد ًا االلتفاف العريب املؤيد للموقف اإلمارايت من القضية‪ ،‬وختشى تفويت فرصة التقارب‬ ‫مع الدول اخلليجية والعربية من جراء هذا التهديد‪ ،‬لذا فإهنا حتاول استاملة أطراف خليجية‬ ‫أخرى للدخول يف دائرة العالقات الثنائية الوطيدة‪ ،‬أم ً‬ ‫ال يف أن يؤدي ذلك إىل جتاهل قضية اجلزر‬ ‫املحتلة‪ ،‬وتؤكد عدم استعدادها لتقديم تنازالت تسمح بتسوية مرضية تأخذ بحساهبا حقوق‬ ‫اإلمارات التارخيية‪ ،‬ويبدو أهنا ال تأبه كثري ًا ملوقفها املتشدد من القضية‪ ،‬وعىل الرغم من حرصها‬ ‫عىل تكريس التعاون مع الدول العربية‪ ،‬فإنه سيتعذر عليها توثيق عالقاهتا متام ًا هبذه الدول‪.‬‬

‫سيكون التغري يف املوقف اإليراين من هذه القضية بحد ذاته مؤرش ًا عىل جدِّ ية إيران‬

‫يف حتسني عالقاهتا بالعامل العريب‪ ،‬ومن ثم عىل رجحان كفة االعتدال يف سياستها اخلارجية‪،‬‬ ‫وتبديل فكرة الدور املهيمن إىل الدور املشارك‪ ،‬وبمفهوم املخالفة‪ ،‬فإن اإلرصار اإليراين‬ ‫عىل عدم تغيري املوقف من القضية َّ‬ ‫يؤكد صحة هذا الطرح‪ ،‬بأن احلد األدنى من الثوابت‬ ‫اإليرانية يف احلفاظ عىل األرض واحتالهلا سيكون بمنزلة خط أمحر ال يمكن االقرتاب منه‬

‫أو املساس به‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬قضايا األمن والتسلح‬ ‫ترتكز السياسة العسكرية اإليرانية يف جمال التسلح عىل املجاالت اآلتية ‪: (4‬‬

‫‪ -‬مصادر التس ُّلح من خالل استرياد األسلحة واملعدات من اخلارج‪ ،‬وحماولة احلصول‬

‫عىل نوعيات متقدمة من األسلحة‪.‬‬

‫‪ -‬تطوير القاعدة الصناعية احلربية املحلية إليران‪ ،‬للوفاء بالتزامات القوات املسلحة‪،‬‬

‫وحتقيق الكفاية الذاتية الدفاعية‪.‬‬

‫ ‪ (4‬مظلوم‪ ،‬القدرات العسكرية اإليرانية التقليدية وغري التقليدية‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫‪250‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ -‬بناء هيكل صناعي إلنتاج أسلحة الدمار الشامل يف املجاالت النووية والكياموية‬

‫والبيولوجية‪.‬‬

‫وتنطوي التطورات املتالحقة يف برنامج إيران لتطوير قدراهتا النووية عىل انعكاسات‬

‫اسرتاتيجية بالغة األمهية عىل الصعيدين اإلقليمي والعاملي بصفة عامة‪ ،‬ومنطقة اخلليج العريب‬ ‫والدول املجاورة بصفة خاصة‪ ،‬حيث إن تطوير القدرة النووية اإليرانية إىل جانب إدخال‬

‫الصاروخ (شهاب ‪ )3‬إىل اخلدمة العامة يف الرتسانة العسكرية اإليرانية يمثالن قفزة نوعية‬ ‫مهمة يف القدرات العسكرية اإليرانية عموم ًا‪ ،‬و امتالك إيران أيض ًا إمكانات صنع القنبلة‬ ‫النووية يساعد عىل تعزيز مكانتها اإلقليمية عىل مستوى اخلليج والرشق األوسط‪.‬‬

‫وبصفة خاصة‪ ،‬فإن الفكر االسرتاتيجي اإليراين يرتكز أساس ًا عىل توظيف إمجايل‬

‫القدرات العسكرية اإليرانية من أجل ردع أي هجامت أمريكية أو إرسائيلية أو أمريكية‬

‫‪ -‬إرسائيلية ضد املنشآت النووية اإليرانية‪ ،‬عالوة عىل حرص القيادة اإليرانية عىل توظيف‬

‫التطور يف القدرات النووية اإليرانية من أجل تعزيز املوقف اإليراين يف القضايا املتعلقة بأمن‬ ‫اخلليج‪.‬‬

‫وكانت وزارة الدفاع اإليرانية قد أجرت جتربة ناجحة عىل إطالق صاروخ (شهاب‪،)3-‬‬

‫وهي التجربة الثانية عىل هذا الصاروخ بعد التجربة التي أجريت يف متوز‪/‬يوليو ‪ 1998‬التي‬

‫غلب عليها الطابع الدعائي والسيايس‪ .‬ويصل مدى (شهاب‪ )3-‬إىل ألف وثالثمئة كيلومرت‪،‬‬ ‫وتبلغ رسعته سبعة آالف كم‪/‬ساعة‪ ،‬وحيمل رأس ًا متفجرة تزن نحو ثامنمئة كلغ‪ .‬ويرتكز‬ ‫الصاروخ اإليراين يف تصميمه عىل صاروخ من كوريا الشاملية وهو صاروخ (نودونج)‪ ،‬الذي‬

‫تم تطويره هو اآلخر من صاروخ سكود السوفيايت الشهري‪ .‬كام أعلنت إيران يف شباط‪/‬فرباير‬ ‫‪ 1999‬عن جتربة الختبار حمرك الصاروخ (شهاب‪ ،)4-‬وهو ما سيمكن إيران ‪ -‬وفق ًا للتقارير‬ ‫اإلرسائيلية يف هذا الشأن ‪ -‬من هتديد العديد من العواصم ومنها تل أبيب‪ ،‬إضافة إىل اجلنود‬ ‫األمريكيني يف منطقة اخلليج ‪. (4‬‬

‫يدرك املتابع للشأن اإليراين أن الطموحات اإليرانية ال تقف عند حد إطالق هذا‬

‫الصاروخ‪ ،‬حيث تستعد إيران لزيادة مدى هذه الصواريخ حتى يصل إىل ألفي كيلومرت‪.‬‬ ‫ ‪ (4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪251‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫وتطوير صواريخ شهاب هيدف إىل إنتاج صاروخ بمدى مخسة آالف كيلومرت‪ ،‬وذلك إلطالق‬

‫قمر صناعي جتسيس إىل الفضاء يف السنوات املقبلة‪.‬‬

‫بل ويشري املراقبون إىل أن هدف إيران األكرب هو إحراز سالح نووي‪ ،‬يمكن حتميله عىل‬

‫الصواريخ اإليرانية‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يف حال نجاح إيران يف تطوير الصاروخني (شهاب ‪ )5/4‬وإدخاهلام‬ ‫إىل اخلدمة الفعلية‪ ،‬فإن ذلك سوف حيدث انقالب ًا يف مصاف الدول القليلة يف العامل املالكة‬

‫لتكنولوجيا الصواريخ الباليستية بعيدة املدى‪ ،‬وهي قدرة ال تتوافر يف الرشق األوسط إ َّ‬ ‫ال‬ ‫إلرسائيل‪.‬‬

‫احلقيقة أن برنامج القدرات النووية اإليرانية‪ ،‬وبرنامج إنتاج هذين الصاروخني هيدفان‬

‫بالذات إىل زيادة املكانة الدولية إليران أكثر من كوهنام موجهني ضد هتديدات معينة‪ ،‬حيث‬ ‫يبدو أن إيران وجدت نفسها مهدَّ دة يف ظل قيام اهلند وباكستان بتطوير قدرات صاروخية‬

‫باليستية متطورة‪ ،‬باإلضافة إىل أن إرسائيل متتلك بدورها قدرات صاروخية مهمة‪ ،‬األمر الذي‬ ‫دعا إيران إمجا ً‬ ‫ال إىل الدخول يف هذا السباق النووي والصاروخي ‪. (4‬‬ ‫ومتتلك إيران ترسانة ضخمة من الصواريخ الباليستية التكتيكية أرض ‪ -‬أرض‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ صواريخ سكود ب‪/‬يس روسية مداها أربعمئة ومخسون كيلومرت ًا‪.‬‬‫ صواريخ صينية (‪ )CSS/8‬مداها مخسة وثالثون كيلومرت ًا‪.‬‬‫ عدد من الصواريخ الكورية (نودونج‪.)1-‬‬‫‪ -‬وكانت آخر التطورات التي شهدهتا املنظومة اإليرانية تدشني نوعني من الصواريخ‬

‫املضادة للدروع من طراز (توسان‪ )1-‬و(ام‪ )113-‬يمكن توجيههام بدقة بالغة‪ ،‬ويعترب هذان‬

‫الصاروخان متشاهبني للغاية مع نموذج حميل من صواريخ (كوتكورز) الروسية التي يطلق‬ ‫عليها حلف األطليس اسم (ايه يت‪ 5-‬سباندريل)‪َّ ،‬‬ ‫وتركب هذه الصواريخ عىل منصة ثالثية‬ ‫ ‪ (4‬أمحد إبراهيم حممود‪« ،‬إيران وجهود تطوير الصواريخ الباليستية‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 136‬نيسان‪/‬‬ ‫أبريل ‪.)1999‬‬ ‫‪252‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫القوائم عىل املركبات املصفحة مثل املدرعة الروسية (يب ام يب‪ )2-‬الرباعية الدفع‪ ،‬واملدرعة‬

‫اإليرانية اخلفيفة (بورا)‪.‬‬

‫ وتضع إيران أيض ًا نسخة من صواريخ (ايه يت جي دبليو) التي تصنعها رشكتا رايثون‬‫وبوينج األمريكيتان والتي توجه بالسلك ملسافة ثالثة آالف وسبعمئة ومخسني مرت ًا‪ ،‬وذلك‬

‫حتت اسم (طوفان) و(طوفان‪ ،)2-‬وهي صواريخ موجهة بعيدة املدى مضادة للدبابات‪.‬‬

‫‪ -‬وقد عمدت إيران إىل االستعانة بالتكنولوجيا الروسية والصينية والكورية لتطوير‬

‫وتصنيع الصواريخ أرض ‪ -‬أرض قصرية املدى‪ ،‬مثل (عقاب) و(شاهني) و(نازايت) العاملة‬ ‫حالي ًا يف القوات اإليرانية‪.‬‬ ‫وأشارت املخابرات املركزية األمريكية إىل أن إيران سعت إىل احلصول عىل الكميات‬

‫الكافية من اليورانيوم عايل التخصيب الالزم لصنع مخس وعرشين قنبلة من النوع الذي سبق‬

‫إلقاؤه عىل اليابان عام ‪ ،1945‬وذلك بالنظر إىل توافر احتامالت حصول إيران عىل مئات‬

‫األطنان من خمزون ثاين أكسيد اليورانيوم املركز‪ ،‬وكميات حمدودة من اليورانيوم منخفض‬ ‫التخصيب من جنوب أفريقيا‪ ،‬واحلصول عىل اثنني من مفاعالت البحوث النووية من الصني‬ ‫اللذين يمكن استخدامهام يف عمليات الفصل الكهرومغناطييس إلنتاج اليورانيوم عايل‬

‫التخصيب بتطبيق تقنيات اهلندسة العكسية‪.‬‬

‫وعىل الرغم من االعرتاضات املتتالية للواليات املتحدة‪ ،‬فإن الدور الرويس ال يزال‬

‫يمثل حجر الزاوية يف مستقبل الربنامج النووي اإليراين الذي يرتكز من وجهة النظر الروسية‬

‫عىل نقطتني رئيسيتني‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬تتعلق بأحقية إيران يف احلصول عىل التسهيالت ال َّ‬ ‫الزمة المتالك مفاعل نووي‬ ‫جزئي ًا‪ ،‬وأن هذا احلق ال يتعارض مطلق ًا مع رشوط اتفاقية منع االنتشار النووي التي سبق‬

‫إليران التوقيع عليها‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬تؤكد أن وجود املراقبني الروس ضمن أطقم الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي‬ ‫تقوم بمراقبة النشاط النووي اإليراين سوف حيقق التأمني ال َّ‬ ‫الزم ضد احتامالت سوء استخدام‬ ‫هذه التسهيالت يف الربامج املوجهة لالستخدامات غري السلمية‪.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪253‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫وبناء عىل ذلك‪ ،‬فقد استمرت روسيا يف تدعيم الربنامج النووي اإليراين‪ ،‬ومتثل هذا‬

‫الدعم يف اآليت‪:‬‬

‫‪ -‬توقيع حكومة روسيا االحتادية جمموعة من الربوتوكوالت الرسية مع إيران تتضمن‬

‫الدعم الرويس لبناء مفاعالت أبحاث إيرانية يف جمال ختصيب اليورانيوم باستخدام تكنولوجيا‬

‫الطرد املركزي الفاعل للغاز‪.‬‬

‫‪ -‬تدريب العلامء اإليرانيني يف املعاهد األكاديمية الروسية من (‪ 20 - 10‬سنة)‪ ،‬وتوفري‬

‫العلامء والفنيني الروس الالزمني لتشغيل مفاعل بوشهر ومواقع أخرى يف إيران‪.‬‬

‫ تنمية مناجم اليورانيوم يف إيران‪ ،‬عل ًام بأنه لدى روسيا أكرب برنامج ختصيب لليورانيوم‬‫يف العامل‪ ،‬باإلضافة إىل توفر الرشكات واخلرباء الروس الذين يرغبون يف التعاون مع إيران أم ً‬ ‫ال‬

‫يف التهرب من قوانني السيطرة الوطنية عىل التصدير‪.‬‬

‫‪ -‬ويف أعقاب زيارة سكرتري املجلس األعىل لألمن القومي اإليراين‪ ،‬حسن روحاين‪ ،‬لروسيا‬

‫يف منتصف كانون الثاين‪/‬يناير عام ‪ 2000‬لتدعيم التعاون يف املجال النووي‪ ،‬أعلن نائب رئيس‬ ‫احلكومة الروسية املسؤول عن ملفات التسلح (إيليا كليبانوف) أن الطرفني الرويس واإليراين‬

‫توصال إىل اتفاق بصدد مشاركة روسيا يف بناء ثالثة أقسام إضافية ملحطة بوشهر الكهروذرية عىل‬ ‫اخلليج‪ ،‬إىل جانب القسم األول الذي يواصل خرباء روس استكامل بنائه يف غضون سنوات عدة‪،‬‬

‫كام وافقت موسكو عىل تزويد املحطة بمفاعالت نووية من طراز (ف‪.‬ف‪.‬آر ‪ .)1000 -‬واجلدير‬

‫بالذكر أن االتفاق عىل بناء ثالثة أقسام إضافية يف حمطة بوشهر الكهروذرية هو أمر جيعل التعاون‬ ‫احلساس للغاية تعاون ًا سيستمر لفرتة طويلة املدى‪.‬‬ ‫بني الطرفني يف هذا املجال َّ‬ ‫‪ -‬عىل الرغم من أن الروس قد التزموا للواليات املتحدة عام ‪ 1995‬بعدم إبرام أي‬

‫اتفاقـات جديدة إلمـداد إيـران بأي أسـلحة تقليديـة جديـدة‪ ،‬فإنه يف الثاين من ترشين‬ ‫األول‪/‬أكتوبر ‪ 2001‬وقعت إيران وروسيا اتفـاق ًا يقيض بمد إيـران وملدة مخس سـنوات مقبلة‬ ‫قرر الرئيس بوتني استئناف التعاون‬ ‫بأسـلحة تبـلغ قيمتها ثالثمئة مليـون دوالر سنوي ًا‪ ،‬وقد َّ‬

‫العسكري مع إيران من جديد واالنسحاب من االتفاق الذي تم توقيعه يف أيار‪/‬مايو ‪1995‬‬ ‫بني نائب الرئيس األمريكي (آل غور) ورئيس الوزراء الرويس آنذاك (فيكتور تشرينو مريدين)‬

‫الذي كان يقيض بإهناء مبيعات األسلحة الروسية إىل إيران مع هناية عام ‪ ،1999‬غري أن املوعد‬ ‫‪254‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫املحدَّ د مر من دون أن تتوقف روسيا عن مبيعاهتا من األسلحة إليران‪ .‬ومع تزايد التعاون‬ ‫العسكري بني روسيا وإيران ازدادت املخاوف والقالقل لدى الواليات املتحدة األمريكية من‬ ‫وحيجم من نفوذها‬ ‫هذا التعاون الذي يضعف من سيطرة وهيمنة الواليات املتحدة عىل إيران‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫العسكري يف املنطقة باعتبارها حجر عثرة أمام الواليات املتحدة األمريكية يف الرشق األوسط‬ ‫وأمام عملية السالم‪ .‬ويف ضوء ذلك اخلوف‪ ،‬سعت الواليات املتحدة األمريكية إىل توقيع اتفاقية‬

‫رسية يف أيار‪/‬مايو ‪ 1995‬بني اجلانب األمريكي بزعامة (آل غور) نائب الرئيس األمريكي بيل‬ ‫كلينتون وبني اجلانب الرويس الذي مثله رئيس الوزراء الرويس (فيكتور تشرينو مريدين) آنذاك‬ ‫إلهناء مبيعات األسلحة الروسية إىل إيران بنهاية عام ‪ ،1999‬وتضمنت االتفاقية رشط ًا يؤكد‬

‫عدم إبرام روسيا عقود ًا جديدة يف جمال التسلح ونقل التكنولوجيا العسكرية إىل إيران‪ ،‬وهذا‬ ‫الرشط نفسه وافق عليه بوريس يلتسن‪ ،‬ووضع توقيعه عىل بروتوكول خاص هبذا الشأن مع‬

‫توقيع بيل كلينتون يف الثاين عرش من أيار‪/‬مايو ‪.1995‬‬

‫تضمن االتفاق أيض ًا عدم تنفيذ موسكو التفاق رسي بينها وبني‬ ‫بالنسبة إىل موسكو‪ّ ،‬‬

‫طهران ينص عىل تزويد األوىل بجهاز للطرد املركزي يساعد إيران عىل تركيز اليورانيوم‬

‫ومعاجلته بحيث تستطيع صناعة القنبلة الذرية‪ ،‬وقد متكن كلينتون من إقناع يلتسن بإلغاء هذا‬

‫امللحق الرسي التابع التفاقية (بوشهر)‪ ،‬وحرمت روسيا من نصف بليون دوالر ‪. (4‬‬

‫كام تعتقد مصادر اخلارجية األمريكية بأن الصني قامت ببناء مصنع لليورانيوم (سدايس‬

‫الفلوريد) ضمن اتفاقية التعاون النووي مع إيران املوقعة عام ‪ ،1991‬كام تم وصول شحنة‬ ‫من غاز (سدايس فلوريد اليورانيوم) إىل إيران عام ‪ .1994‬يعزِّ ز ذلك كله ترصيح وكالة أنباء‬ ‫إيران من مصدر حكومي يف آذار‪/‬مارس ‪ 1995‬بأن إيران أصبحت قادرة فع ً‬ ‫ال عىل إنتاج هذا‬

‫النوع من الغاز يف منشآهتا البحثية التي تديرها املؤسسة اإليرانية للطاقة الذرية‪ ،‬كام ينتظر تنفيذ‬ ‫االتفاقية الصينية ‪ -‬اإليرانية لبناء اثنني من املفاعالت النووية طراز (كونيشان) بقوة ثالثمئة‬ ‫ميغاوات يف منطقة (دار خوقني) بتكلفة مقدارها نحو مليار دوالر أمريكي‪.‬‬

‫كام تسلمت إيران من الصني اثنني من مفاعالت البحوث النووية التي يمكن استخدامها‬

‫إلنتاج اليورانيوم عايل التخصيب بأسلوب الفصل الكهرومغناطييس وتطبيقات اهلندسة‬ ‫)‪(47‬‬

‫‪Kenneth Katzman, “Iran: Current Developments and U.S. Policy,” Congressional‬‬ ‫‪Research Service Review (April 2002).‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪255‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫العكسية التي سبق للعراق استخدامها منذ سنوات عدة‪ ،‬وترتاوح قوة الواحد منهام بني سبع‬

‫وعرشين وثالثني ميغاوات‪.‬‬

‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬حصلت إيران عىل صواريخ طوافة مضادة للسفن من الصني من النوع‬ ‫متوسط املدى طراز (‪ )2 - 801‬تم اختبارها عملي ًا يف مياه اخلليج يف حزيران‪/‬يونيو عام ‪،1997‬‬ ‫مع إمكانية استخدامها مع رؤوس نووية مستقب ً‬ ‫ال يف حال نجاح الربنامج النووي اإليراين‪.‬‬ ‫كام استطاعت إيران إنتاج صواريخ متوسطة املدى مضادة للسفن من طراز (‪،)FL-10‬‬ ‫وهي نسخة مطابقة للصاروخ الصيني (‪ )FL-7‬و (‪ ،)FL-2‬وذلك بمعاونة اخلرباء الصينيني‬ ‫يف إيران‪ .‬وأقامت قواعد لصوارخيها البحرية سطح ‪ -‬سطح عىل الضفة الرشقية للخليج العريب‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن قيامها بتوجيه صوارخيها أرض ‪ -‬أرض الباليستية ضد معظم دول اخلليج العريب‪ .‬ويف‬ ‫ترشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪ 1996‬اشرتت إيران من الصني تكنولوجيا تصنيع صواريخ متقدمة ومعدات‬ ‫خاصة بأنظمة رادارات رصد الصواريخ‪ ،‬باإلضافة إىل أربع مئة طن من غازات األعصاب‪.‬‬ ‫وأعلنت صحيفة الواشنطن بوست األمريكية يف الثالث من شهر آذار‪/‬مارس عام‬ ‫رسية لبيع إيران مادة كياموية يمكن أن تستخدم يف‬ ‫‪ 1998‬أن الصني قد أجرت مفاوضات ِّ‬ ‫ختصيب اليورانيوم ‪. (4‬‬ ‫ومن خالل الدراسة التحليلية ألبعاد الربنامج النووي اإليراين‪ ،‬يمكن القول إن هذا‬ ‫الربنامج يعتمد عىل الكوادر من العلامء والفنيني واملتخصصني الروس والصينيني واإليرانيني‬ ‫الذين يقدر عددهم بأكثر من ثالثمئة من العلامء والفنيني واملهندسني‪.‬‬ ‫ومما سبق نخلص إىل النتائج اآلتية ‪: (4‬‬ ‫‪ -‬متثل الرتسانة النووية اإليرانية هتديد ًا مبارش ًا ألمن اخلليج العريب عىل املديني القريب‬

‫واملتوسط‪ ،‬األمر الذي يؤكد التوجهات اإليرانية لفرض اهليمنة عىل املنطقة‪.‬‬

‫‪ -‬إن سعي إيران للحصول عىل قدرات وأسلحة نووية ويف ظل امتالكها قدرات‬

‫كيميائية وتقليدية‪ ،‬جيعلها تستطيع تنويع الرؤوس املدمرة للصواريخ وزيادة فاعليتها‪.‬‬ ‫ ‪ (4‬مظلوم‪ ،‬القدرات العسكرية اإليرانية التقليدية وغري التقليدية‪ ،‬ص ‪.46‬‬

‫ ‪« (4‬الطموحات النووية اإليرانية وأمن اخلليج‪ »،‬الدراسات السياسية (اجلزء األول) (نيسان‪/‬أبريل ‪.)2000‬‬ ‫‪256‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ -‬يرغب واضعو االسرتاتيجية اإليرانية يف توفري قدرات صاروخية للبالد وبكثافة‬

‫مناسبة ملواجهة قيام اخلصوم باستخدام القوة اجلوية لرضب أهداف اسرتاتيجية إيرانية‪ ،‬عىل‬ ‫غرار ما حدث يف احلملة اجلوية لعملية عاصفة الصحراء‪.‬‬

‫‪ -‬إن عامد اسرتاتيجية إيران الصاروخية هو صاروخ (سكود ‪ -‬يس) الذي يستطيع‬

‫محل رؤوس نووية وكياموية‪ ،‬ويصل مداه إىل األهداف احليوية يف املنطقة‪ ،‬وبخاصة مواقع‬

‫النفط العربية‪.‬‬

‫‪ -‬تسعى إيران إىل بناء قوة اسرتاتيجية صاروخية توفر الردع‪ ،‬من خالل االعتامد عىل توفري‬

‫كثافة مناسبة من هذه النوعية من أنظمة التسليح ونرشها بصورة فاعلة‪ ،‬وتعدد وسائل اإلطالق‬ ‫بحيث يتم اإلطالق من قواعد أرضية ثابتة أو متحركة‪ ،‬أو من السفن أو من الطائرات‪.‬‬

‫ تغطي الرتسانة الصاروخية اإليرانية بمدياهتا ك ً‬‫ال من دولة الكويت والبحرين والعراق‬

‫وسوريا واألردن وشامل إرسائيل وشامل السعودية حتى العاصمة الرياض‪ ،‬وذلك قبل امتالك‬

‫الصاروخ (‪4‬ـ ‪ )SS‬الذي سيغطي جنوب تركيا وكل إرسائيل وحتى منتصف السعودية وقطر‬ ‫واإلمارات‪.‬‬

‫يرتبط كل ما سبق بالتصورات اإليرانية ألمن اخلليج‪ ،‬حيث إن الرؤية اإليرانية ألمن‬

‫اخلليج هي التي دفعتها إىل الدخول يف هذا السباق حتى يكون هلا الدور الرئيس يف أمن‬ ‫اخلليج‪ ،‬وهذه الرؤية اإليرانية أصبحت من أبرز املعوقات التي تعرتض قوة الدفع نحو مزيد‬

‫من عالقات التقارب مع دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬تلك التصورات اإليرانية‬ ‫ألمن اخلليج ال تتوافق مع متطلبات دول املجلس‪ ،‬فالتصور األمني اإليراين للخليج ينطلق‬ ‫من خالل مبادئ عدة ‪: (5‬‬

‫أوهلا‪ :‬الرفض التام ألي تغيري يطرأ عىل احلدود السياسية يف منطقة اخلليج‪ ،‬حيث إن‬ ‫ذلك يؤثر يف الوضع اإليراين من الناحية اجلغرافية واالسرتاتيجية يف ما يتعلق بحقوقها يف شط‬ ‫العرب‪ ،‬أو حتى ‪ -‬كام تدَّ عي ‪ -‬يف اجلزر الثالث التي استولت عليها من اإلمارات‪.‬‬

‫ ‪ (5‬زكريا حسني‪« ،‬أسس التصورات اإليرانية ألمن اخلليج‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 137‬متوز‪/‬يوليو‬ ‫‪ ،)1999‬ص ‪.286-285‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪257‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫ثانيها‪ :‬الرفض التام للوجود األجنبي يف منطقة اخلليج‪ ،‬باعتبار أن إيران هي الدولة‬

‫الوحيدة التي يستطيع العامل أن يعتمد عليها يف الدفاع عن أمن اخلليج وموارده النفطية‪.‬‬

‫ثالثها‪ :‬أن األمن يف اخلليج من وجهة النظر اإليرانية هو مسؤولية الدول الواقعة عىل‬

‫شواطئه‪ ،‬بمعنى أنه ال بد من مشاركة إيرانية فاعلة يف الرتتيبات األمنية اإلقليمية من خالل‬ ‫إطار من التحالف اإليراين اخلليجي‪.‬‬

‫رابعها‪ :‬الرفض املطلق ملشاركة أي عنارص خارجية ولو كانت عربية يف الرتتيبات األمنية‪،‬‬

‫ومن هنا كان الرفض اإليراين إلعالن دمشق‪ ،‬ومهامجة كل من مرص وسوريا وباقي الدول‬ ‫اخلليجية التي وقعته‪.‬‬

‫خامسها‪ :‬أمهية أن تكون منطقة الرشق األوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل‪.‬‬ ‫ سادسها‪ :‬األمهية املطلقة للتعاون الشامل‪ ،‬وبخاصة يف املجاالت االقتصادية بني كل‬

‫دول منطقة اخلليج من جهة‪ ،‬وإيران من جهة أخرى‪ ،‬باعتبار أنه من دون ذلك التعاون ال يمكن‬

‫إقامة أمن‪.‬‬

‫سابعها‪ :‬السعي إىل نسف اجتاهات تسوية الرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل دبلوماسي ًا‪،‬‬

‫والرفض الكامل السرتاتيجية السالم‪.‬‬

‫وبدراسة التصورات اإليرانية ألمن اخلليج والرشق األوسط وحتليلها‪ ،‬يتضح أهنا‬

‫تتعارض بشكل حاد مع االسـرتاتيجية العربيـة الداعية إىل اسـتقرار الشـرق األوسط بصفة‬

‫عامة والقبول العريب بدول اجلوار اجلغرايف من خالل عقد معاهدات سالم عادلة بني العرب‬ ‫وإرسائيل من جهة وبني السلطة الفلسطينية وإرسائيل من جهة أخرى‪.‬‬

‫كام تتعارض هذه التصورات اإليرانية مع الرتتيبات األمنية التي فرضها الغزو العراقي‬

‫لدولة الكويت‪ ،‬واستمرار النظام العراقي الذي قام بعملية الغزو عىل رأس احلكم يف العراق‪،‬‬ ‫األمر الذي فرض عىل دول جملس التعاون اخلليجي رضورة إقرار ثالثة مستويات للرتتيبات‬ ‫األمنية ‪: (5‬‬

‫ ‪ (5‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.286-285‬‬ ‫‪258‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫األول‪ :‬توفري القدرة الذاتية للدفاع عن الرتاب الوطني وكل دولة من دول جملس التعاون‬ ‫اخلليجي‪ ،‬وذلك باستمرار بناء قواهتا املسلحة الذاتية‪ ،‬وعقد الصفقات التسليحية التي توفر‬ ‫قدرات قتالية رادعة وأجهزة فائقة التكنولوجيا توفر املعلومات واإلنذار يف الوقت املناسب‪،‬‬ ‫مع امتالكها قدرات تدمريية هائلة تعوض النقص يف حجم القوة البرشية‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬بناء نظام دفاعي مجاعي بتوفري القدرة الفاعلة لقوات درع اجلزيرة يف إطار جملس‬ ‫التعاون اخلليجي‪ ،‬يركز عىل مبدأ التكامل يف نوعيات املعدات واألجهزة ووسائل القتال‪،‬‬ ‫األمر الذي يوفر هلا أرقى وأرفع التكنولوجيات يف جمال التصنيع احلريب املعارص‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬االعتامد مرحلي ًا عىل القوات الصديقة يف إطار االتفاقيات الثنائية للدفاع‬ ‫املشرتك واالتفاقيات األمنية‪ ،‬خصوص ًا مع الواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا وفرنسا‪،‬‬ ‫وكلها ترتيبات تراها دول جملس التعاون اخلليجي حيوية ملواجهة التهديدات التي ما زالت‬ ‫قائمة حوهلا‪ ،‬وهي تتعارض متام ًا مع السياسة األمنية والتصورات اإليرانية املعلنة‪.‬‬ ‫ويتعارض‪ ،‬أيض ًا‪ ،‬التصور األمني اإليراين الذي يرتكز عىل الرفض التام ألي تغيري‬ ‫يطرأ عىل احلدود السياسية بام يعني عدم استعدادها لرد اجلزر الثالث املتنازع عليها بني إيران‬ ‫واإلمارات‪ ،‬بل والقيام بدعمها عسكري ًا مع امتداد التهديد اإليراين لدولة البحرين‪ ،‬ما يشري‬

‫إىل أن حماوالت التقارب يف العالقات اإليرانية ‪ -‬اخلليجية تتناقض مع األفعال التي مل ترق إىل‬ ‫مستوى القبول بحل سلمي ينهي احتالهلا اجلزر اإلماراتية الثالث‪ ،‬وهذا ما دعا إليه جملس‬ ‫التعاون اخلليجي يف أكثر من قمة خليجية حول رضورة قيام إيران بدعم مصداقيتها يف عالقاهتا‬ ‫مع دول اخلليج من خالل اختاذها اإلجراءات الفاعلة عىل طريق إهناء مشكلة اجلزر الثالث‪،‬‬ ‫والقبول بمساعي األمني العام لألمم املتحدة وبمبدأ التحكيم الدويل‪ ،‬وهو ما مل تقبله القيادة‬ ‫السياسية اإليرانية حتى اآلن ‪. (5‬‬ ‫يف النهاية‪ ،‬يمكن القول إن هناك العديد من املخاطر والتهديدات اإليرانية عىل األمن‬ ‫اخلليجي بصفة خاصة واألمن العريب بصفة عامة‪ ،‬سوا ًء عىل املدى املنظور أم املتوسط‪ ،‬بحكم‬ ‫أن إيران أعطت لنفسها حق الفيتو يف أي ترتيبـات أمنية يف منطـقة اخلليـج العريب‪ ،‬بام خيـدم‬ ‫مصاحلها األمنيـة فقط‪.‬‬

‫ ‪ (5‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.286‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪259‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫وقد أعلنت وزارة الدفاع اإليرانية فور إطالق جتربة الصاروخ (شهاب‪ ،)3-‬أن‬ ‫الصاروخ لن يسقط يوم ًا يف بلد إسالمي‪ ،‬وذلك يف إشارة إىل أن هدفه ‪ -‬كام قال العديد من‬ ‫املراقبني ‪ -‬إرسائيل‪ ،‬ال سيام أن طهران َّ‬ ‫ردها سيكون قاسي ًا إذا‬ ‫حذرت تل أبيب مرار ًا من أن َّ‬

‫تعرضت العتداء إرسائييل‪.‬‬ ‫ما َّ‬

‫وجه وزير اخلارجية اإليراين‪ ،‬كامل خرازي‪ ،‬رسالة تطمني إىل دول املنطقة‪،‬‬ ‫ومن جانبه‪َّ ،‬‬

‫وبخاصة الدول اخلليجية منها‪ ،‬وقال إن «القدرات الدفاعية اإلسالمية هي يف خدمة االستقرار‬

‫واألمن يف املنطقة‪ ،‬كام إن تعزيز هذه القدرات يؤ ِّدي إىل رفع مستوى القدرات الدفاعية للدول‬ ‫الصديقة» ‪. (5‬‬

‫ومما سبق‪ ،‬يتضح أن إيران حتاول أن تطرح نفسها بديال إقليمي ًا حيقق التوازن االسرتاتيجي‬ ‫ال من القوات األجنبية املرابطة يف منطقة اخلليج‪ .‬ويعد هذا استكام ً‬ ‫بد ً‬ ‫ال للطرح الذي سبق‬

‫وقدمته يف فرتات سابقة‪ ،‬والذي يقيض بإقامة حتالف اسرتاتيجي يضم دول اخلليج الست‬ ‫باإلضافة إىل إيران والعراق‪ ،‬كام يعد استكام ً‬ ‫ال للطرح اإليراين اخلاص بأمن اخلليج الذي يرى‬

‫أن هذا األمن جيب أن يتحقق ذاتي ًا بقدرات الدول املعنية وليس بمساعدة أي طرف خارجي‪.‬‬

‫إن اجلهود إيران لتطوير أسلحتها ‪ -‬ال سيام صوارخيها ‪ -‬تصب يف سعيها احلثيث لكي‬ ‫مرة أهنا ثقل إقليمي ال يمكن جتاهله‬ ‫تصبح قطب ًا إقليمي ًا مه ًام… وقد أعلنت طهران أكثر من َّ‬

‫يف املستقبل لتحديد مستقبل املنطقة‪ ،‬وهي ‪ -‬أي إيران ‪ -‬قد أخذت يف احلسبان وجود ثالث‬

‫قوى عىل صعيد املنطقة هي إرسائيل وتركيا وباكستان‪ ،‬ومن ثم فهي ترى ‪ -‬ويف إطار مصاحلها‬

‫اجليوسياسية ‪ -‬رضورة أن متتلك القدرة العسكرية للمحافظة عىل هذه املصالح‪ ،‬وبأرسع وقت‬ ‫ممكن‪ ،‬ملواجهة التعاون االسرتاتيجي الرتكي ‪ -‬اإلرسائييل‪ ،‬ولكي تواكب انعكاسات عملية‬ ‫السالم عىل صعيد املنطقة ككل‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬قضايا التعاون اإلقليمي‬ ‫إذا كانت العالقات اخلليجية ‪ -‬اإليرانية قد شهدت حتوالت شديدة خالل العقدين‬ ‫األخريين من القرن العرشين‪ ،‬إال أهنا عكست تبد ً‬ ‫ال ملحوظ ًا يف الرؤى واملواقف‬ ‫ ‪« (5‬قراءة يف جتارب الصواريخ اإليرانية‪ »،‬الدراسات السياسية (اجلزء األول) (‪ 29‬يموز‪/‬يوليو ‪.)2000‬‬ ‫‪260‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫والتوجهات‪ ،‬وبخاصة منذ توليِّ الرئيس اإليراين حممد خامتي يف أيار‪/‬مايو عام ‪ ،1997‬نتيجة‬

‫سياسته االنفتاحية اجلديدة التي تقوم عىل احلوار واالحرتام املتبادل وعدم التدخل يف الشؤون‬ ‫الداخلية للدول األخرى يف إطار احلرص عىل استقرار منطقة اخلليج باعتباره عام ً‬ ‫ال أساسي ًا‬ ‫لتوفري األرضية اآلمنة واملالئمة للنهوض باالقتصادات اخلليجية بام يعزِّ ز قدرهتا عىل مواجهة‬ ‫التحديات اإلقليمية والدولية ‪. (5‬‬

‫لقد شهدت منطقة اخلليج منذ مطلع النصف الثاين من تسعينيات القرن العرشين‬ ‫جمموعة من التطورات التي َّأكدت وجود توجه نحو مزيد من العالقات بني إيران ودول‬ ‫تردد بشأن توقيع سلطنة ُعامن اتفاق ًا أمني ًا مع إيران‪ ،‬عىل‬ ‫جملس التعاون اخلليجي‪ ،‬ابتدا ًء بام َّ‬ ‫الرغم من نفي األوىل ذلك‪ ،‬ومرور ًا بإعالن الرياض أهنا تدرس من جانبها إبرام اتفاقية أمنية‬ ‫مع طهران‪ ،‬وانتهاء بالزيارات املتبادلة بني مسؤويل الدولة اإليرانية ونظرائهم يف عدد من‬ ‫الدول اخلليجية‪ ،‬األمر الذي اعتربه املراقبون توجه ًا خليجي ًا لتحسني العالقات مع إيران عىل‬

‫حساب قضية اجلزر‪ ،‬عىل الرغم مما يفرضه االلتزام األديب عىل دول جملس التعاون من تضامن‬ ‫مع دولة اإلمارات يف نزاعها حول اجلزر الثالث املحتلة من قبل إيران منذ ما يقرب من ثالثة‬

‫عقود‪ .‬باعتبار أن ذلك يتم عىل حساب قضية اجلزر التي جيب أن حتتل أولوية قصوى يف سلم‬ ‫أولويات سياسة جملس التعاون ككل‪ ،‬سواء أكان دو ً‬ ‫ال منفردة أم مجاعة‪ ،‬وهو ما يؤ ِّدي إىل‬

‫تعول عليها دول جملس التعاون‬ ‫إشعار إيران بأن قضية اجلزر ليست هلا األمهية الكافية التي ِّ‬ ‫يف تفعيل عالقاهتا مع العاصمة طهران‪ ،‬مقابل باألمهية ذاهتا التي متنحها تلك الدول «للتعاون‬ ‫الثنائي» والقضايا اإلقليمية والدولية ذات االهتامم املشرتك بني دول املجلس وإيران‪ .‬خصوص ًا‬ ‫أن ذلك يتم أيض ًا وسط جتاهل تام من جانب طهران ملهمة اللجنة الثالثية التي أ ّلفها جملس‬ ‫التعاون إلجياد آلية مناسبة ملفاوضات ثنائية بني اإلمارات وإيران‪ ،‬أو إلحالة القضية برمتها إىل‬ ‫حمكمة العدل الدولية والتحكيم الدويل‪.‬‬

‫وإيران لن تتحرك حترك ًا جاد ًا يف سبيل حل اخلالف الناشب بينها وبني اإلمارات حول‬ ‫اجلزر الثالث إ َّ‬ ‫ال إذا استشعرت أن احتياجاهتا السياسية واالقتصادية واالسرتاتيجية يف منطقة‬ ‫تلبى بسهولة ما مل‬ ‫اخلليج‪ ،‬وبخاصة يف عالقاهتا مع الدول الواقعة عىل الضفة املقابلة هلا‪ ،‬لن َّ‬

‫ ‪« (5‬العالقات االقتصادية اخلليجية اإليرانية‪ :‬عوامل التقارب وآفاق املستقبل‪ »،‬شؤون خليجية‪ ،‬السنة ‪،5‬‬ ‫العدد ‪( 32‬شتاء ‪ ،)2003‬ص ‪.135‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪261‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫تعرف أن ثمن حتقيق ذلك هو االستجابة الفعلية واجلادة لكل ما يؤ ِّدي إىل بناء األمن واالستقرار‬ ‫وطرح قضية اجلزر يف مقدمة جدول أعامل كل جولة مفاوضات خليجية إيرانية ‪. (5‬‬ ‫وقد متثَّلت صور التقارب اخلليجي ‪ -‬اإليراين خالل عهد خامتي يف ما ييل‪:‬‬

‫‪ -1‬العالقات السعودية ـ اإليرانية‬

‫منذ توليَّ الرئيس اإليراين حممد خامتي مقاليد السلطة يف طهران وبروز االجتاه االنفتاحي‬

‫يف عالقات إيران اخلارجية‪ ،‬ليس فقط مع الدول اخلليجية ولكن مع الواليات املتحدة وبريطانيا‬ ‫وباقي الدول الغربية أيض ًا‪ ،‬اجتهت إيران إىل تطوير جدي لعالقاهتا مع السعودية‪ ،‬حيث قام‬ ‫الرئيس خامتي بزيارة تارخيية للسعودية يف أيار‪/‬مايو ‪ ،1999‬ووصفها بأهنا «بداية فتح صفحة‬

‫جديدة يف عالقات البلدين»‪ ،‬وقد مثّلت تلك الزيارة دفعة لعالقات إيران اإلقليمية بصفة‬ ‫عامة وللعالقات السعودية ‪ -‬اإليرانية بصفة خاصة‪ ،‬ود َّلت عىل حرارة الرغبة يف العالقات‬ ‫تلك احلفاوة الكبرية التي استقبل هبا خامتي من جانب املسؤولني السعوديني‪ ،‬ومن ذلك منح‬ ‫خامتي «قالدة بدر الكربى» التي ق َّلدها إياه امللك فهد ‪. (5‬‬ ‫كانت تلك الزيارة قد سبقتها زيارة األمري سلطان بن عبد العزيز‪ ،‬النائب الثاين لرئيس‬

‫جملس الوزراء ووزير الدفاع والطريان السعودي‪ ،‬إىل طهران يف أول أيار‪/‬مايو ‪،1999‬‬

‫وكانت بمنزلة خطوة متهيدية أساسية لزيارة خامتي‪ ،‬حيث استقبل الرئيس اإليراين األمري‬ ‫سلطان بعيد ًا عن الربوتوكول الدبلومايس‪ ،‬وجاء ترحيب خامتي وهو يتخىل عن كل‬ ‫التحفظات الدبلوماسية كأنه وضع عنوان ًا عريض ًا قدم به لزيارته املهمة والنوعية إىل الرياض‪.‬‬ ‫ويف ختام زيارة األمري سلطان إىل طهران‪ ،‬أشار كامل خرازي يف املؤمتر الصحايف إىل أن‬

‫التحسن التدرجيي واملستمر يف العالقات بني إيران والعامل العريب سيحبط أنشطة جتار السالح‬ ‫يف منطقتي الرشق األوسط واخلليج‪َّ ،‬‬ ‫وأكد أن االتصاالت بني إيران والدول العربية خ َّففت‬ ‫من حدَّ ة التوتر‪ ،‬ومهدت السبيل أمام التعاون املثمر ‪. (5‬‬ ‫ ‪ (5‬االحتاد‪ 2000/3/15 :‬و‪.2000/4/11‬‬

‫ ‪ (5‬مدحت أمحد محاد‪« ،‬إيران‪ »،2000-1999 ،‬يف‪ :‬التقرير االسرتاتيجي اخلليجي‪( 2000-1999 ،‬الشارقة‪:‬‬ ‫دار اخلليج‪ ،)2000 ،‬ص ‪.181‬‬ ‫ ‪ (5‬اخلليـج (اإلمارات)‪.1999/5/5 :‬‬

‫‪262‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫وتال ذلك زيارة رئيس الربملان اإليراين‪ ،‬عيل أكرب ناطق نوري‪ ،‬بدعوة من رئيس جملس‬ ‫الشورى السعودي‪ ،‬ثم تلتها زيارة وزير الدفاع اإليراين‪ ،‬عيل شمخاين‪ ،‬إىل اململكة يف نيسان‪/‬‬ ‫أبريل ‪ .2000‬وقبل كل ذلك كان للرئيس السابق رفسنجاين فضل السبق يف التحرك نحو‬ ‫السعودية‪ ،‬بل يف كل ما جناه الرئيس خامتي من ثامر سياسة االنفتاح‪ ،‬خصوص ًا أن رفسنجاين‬ ‫زار السعودية ودأب عىل القول إن حل املشكالت االقتصادية التي تعانيها إيران رهن بالتعاون‬ ‫بينها وبني الرياض‪ .‬وشهدت تلك الفرتة استئناف الرحالت اجلوية بني طهران وجدة‪ ،‬وتنسيق ًا‬ ‫يف ما يتعلق بأسعار النفط ارتفاع ًا وانخفاض ًا‪ ،‬وتوقيع البلدين ملجموعة من االتفاقيات شملت‬

‫املجاالت االقتصادية والتقنية والعلمية والثقافية والرياضية‪ ،‬وجماالت العاملة‪ ،‬ومكافحة‬ ‫املخدرات‪ ،‬واالستثامرات املتبادلة ‪. (5‬‬ ‫وشهدت عالقات البلدين تطورات مهمة عىل اجلانب االقتصادي‪ ،‬أهم مؤرشاهتا ‪: (5‬‬

‫ اتفقت السعودية وإيران يف أثناء اجتامعات اللجنة السعودية ‪ -‬اإليرانية املشرتكة عىل‬‫تشجيع املرشوعات املشرتكة وإقامة املعارض التي من شأهنا زيادة التعاون التجاري‪ ،‬ومناقشة تطوير‬ ‫التعاون بني الرشكة السعودية للصناعات السعودية (سابك) والرشكة األهلية للبرتوكيامويات‬ ‫اإليرانية‪ ،‬ودراسة إقامة خط مالحي بحري يربط املوانئ السعودية واإليرانية لتيسري نقل الركاب‬ ‫والبضائع بني البلدين‪ ،‬بعد أن دشنا يف أيلول‪/‬سبتمرب ‪ 1999‬بدء الرحالت للمالحة اجلوية‪،‬‬ ‫وذلك يف إطار اتفاق إلستئناف تسيري هذه الرحالت مرة واحدة كل أسبوع‪ ،‬بعد توقف دام أكثر‬ ‫من ثامنية عرش عام ًا‪ ،‬األمر الذي يشري إىل رغبة إيرانية ‪ -‬سعودية بتحسني العالقات الثنائية‪.‬‬ ‫‪ -‬زيارة وزير التجارة السعودي‪ ،‬أسامة بن جعفر فقيه‪ ،‬إيران ولقاؤه مع الرئيس حممد‬

‫خامتي؛ ورئيس جممع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاين؛ ورئيس الربملان عيل أكرب‬

‫ناطق نوري‪ ،‬حلضور أعامل اللجنة االقتصادية السعودية ‪ -‬اإليرانية املشرتكة‪ ،‬وقد رافق الوزير‬ ‫السعودي وفد من ستني شخص ًا‪ ،‬من بينهم رجال أعامل‪ ،‬وقد وفرت هذه اللجنة للبلدين‬ ‫فرصة لبحث السبل الكفيلة بتعزيز العالقات بينهام‪ ،‬ودعم تعاون القطاع اخلاص‪ ،‬وإقامة‬

‫ ‪ (5‬حممد سعد أبو عامود‪« ،‬واقع العالقات السعودية اإليرانية‪ :‬رؤية مستقبلية‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪141‬‬ ‫(متوز‪/‬يوليو ‪ ،)2000‬ص ‪.155-152‬‬ ‫ ‪« (5‬زيارة وزير الدفاع اإليراين للسعودية‪ :‬رؤية حتليلية‪( »،‬تقرير‪ ،‬املركز الدبلومايس للدراسات االسرتاتيجية‪،‬‬ ‫الكويت‪ 15 ،‬نيسان‪/‬أبريل ‪.)2000‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪263‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫املعارض التجارية واالقتصادية لتفعيل الصادرات‪ ،‬بعد أن وصف حجم التبادل التجاري بني‬ ‫البلدين بأنه ال يتناسب مع إمكاناهتام‪ .‬وقد َّأكد وزير التجارة اإليراين‪ ،‬حممد رشيعتي مداري‪،‬‬ ‫رضورة إزالة العراقيل التجارية من خالل غرف التجارة‪ ،‬معلن ًا استعداد بالده للتعاون يف‬

‫جمال تبادل السلع واالستثامرات املشرتكة‪ ،‬وإرسال القوى العاملة‪ ،‬وتصدير منتجات الثروة‬ ‫السمكية‪ ،‬مقرتح ًا تأليف جلان اقتصادية وصناعية وثقافية‪ ،‬إضافة إىل جلان تعنى بشؤون النقل‬ ‫واملواصالت والتجارة‪.‬‬

‫ مشاركة السعودية يف معرض «إيران ‪ »2000‬الذي َّ‬‫نظمه مركز تنمية الصادرات‬

‫اإليرانية خالل شهر شباط‪/‬فرباير عام ‪ 2000‬الذي افتتح يف مدينة جدَّ ة بمشاركة أربعمئة‬

‫متخصصة‪ .‬وقد سعى القائمون عىل املعرض إىل ترويج املنتجات اإليرانية يف السوق‬ ‫رشكة‬ ‫َّ‬ ‫السعودية‪ ،‬ودعوة رجال األعامل السعوديني إىل إقامة تعاون ومرشوعات مشرتكة مع نظرائهم‬ ‫اإليرانيني‪ .‬ويذكر أن حجم التبادل التجاري بني البلدين ارتفع من ثالثة وثالثني مليون دوالر‬

‫عام ‪ 1995‬إىل أكثر من مئة وأربعة ماليني دوالر يف عام ‪.1999‬‬

‫كذلك‪ ،‬الزيارة التي قام هبا وزير الدفاع اإليراين‪ ،‬عيل شمخاين‪ ،‬إىل السعودية يف الثالث‬

‫والعرشين من نيسان‪/‬أبريل ‪ ،2000‬وقد جاءت تلك الزيارة يف أعقاب زيارات قام هبا وزراء‬ ‫دفاع دول عدة إىل السعودية‪ ،‬حيث وصلها وزير الدفاع األمريكي‪ ،‬وليام كوهني‪ ،‬الذي بحث مع‬ ‫القادة السعوديني مبادرة الدفاع التعاوين‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن زيارة وزير الدفاع الربيطاين‪ ،‬جيفري هون‪.،‬‬

‫كام إنه كان من املتوقع أن يزور السعودية وزير الدفاع الفرنيس‪ ،‬آالن ريشار‪ .،‬وعكست تلك‬

‫الزيارات أمهية تعزيز التعاون العسكري بني هذه الدول من جهة والسعودية من جهة أخرى‪.‬‬

‫كام جاءت تلك الزيارة بعد التحسن امللحوظ الذي شهدته عالقات البلدين منذ تويل‬

‫حممد خامتي سدة احلكم يف إيران‪ ،‬وتعد أول زيارة لوزير الدفاع اإليراين إىل السعودية منذ‬ ‫عام ‪ ،1979‬وتأيت ر ّد ًا عىل الزيارة التي قام هبا األمري سلطان بن عبد العزيز‪ ،‬وزير الدفاع‬ ‫السعودي‪ ،‬إىل إيران يف عام ‪ ،1998‬وهي األوىل أيض ًا ملسؤول عسكري سعودي منذ عام‬ ‫‪ ،1979‬واتفق الطرفان خالل هذه الزيارة عىل تبادل امللحقني العسكريني‪.‬‬

‫ويرى املراقبون أن السعودية تتحرك نحو إيران من منظار إعادة ترتيب الوضع األمني‬

‫اإلقليمي يف اخلليج‪ ،‬بضوء التطورات اخلليجية املستجدة‪ ،‬عىل الرغم من أن هذا قد يؤثر‬ ‫‪264‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫سلبي ًا يف أنامط العالقات داخل دائرة جملس التعاون الذي يعد القوة اإلقليمية الثالثة مع إيران‬ ‫والعراق يف اخلليج‪.‬‬

‫‪ -2‬العالقات الكويتية ـ اإليرانية‬

‫بدت يف األفق بوادر عدة حول تزايد درجة التقارب واالتصال بني طهران والكويت‪،‬‬

‫ربام كان أبرزها كثافة زيارات مسؤويل البلدين‪ ،‬فبعد الزيارة التي قام هبا وزير النفط‪ ،‬الشيخ‬

‫سعود نارص الصباح‪ ،‬إىل إيران يف هناية متوز‪/‬يوليو ‪2000‬؛ وتلك التي قام هبا الشيخ نارص‬ ‫صباح األمحد‪ ،‬مستشار ويل العهد‪ ،‬يف نيسان‪/‬أبريل من العام نفسه وزيارة وزير الثقافة اإليراين‪،‬‬

‫عطا اهلل مهاجراين‪ ،‬إىل الكويت يف أيار‪/‬مايو ‪ ،2000‬قام وزير الداخلية اإليراين‪ ،‬سيد عبد‬ ‫الواحد املوسوي‪ ،‬بزيارة إىل دولة الكويت يف بداية شهر ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪ ،2000‬تلبية‬

‫لدعوة نظريه الشيخ حممد اخلالد الصباح‪ ،‬هبدف تنسيق العمل اإليراين ‪ -‬الكويتي يف التصدي‬ ‫لعمليات هتريب املخدرات‪ ،‬إضافة إىل مكافحة ظاهرة التس ُّلل والتهريب التي شهدهتا املياه‬ ‫اإلقليمية الكويتية‪ ،‬وبحث سبل تعزيز التعاون األمني بني البلدين‪.‬‬

‫رحب وزير الداخلية الكويتي هبذه الزيارة‪ ،‬واعتربها انعكاس ًا لروح التعاون بني البلدين‬ ‫يف شتى املجاالت‪ ،‬ال سيام يف املجال األمني‪ ،‬مؤكد ًا أن العالقات الكويتية ‪ -‬اإليرانية يف تنام‬

‫«متميزة»‪ ،‬مشدِّ د ًا عىل أن الكويت تنشد دائ ًام حتقيق املزيد من التقارب‬ ‫مستمر‪ ،‬ووصفها بأهنا‬ ‫َّ‬ ‫واالتصال مع طهران عرب تبادل الزيارات بني مسؤويل البلدين‪.‬‬

‫ومن جهته‪َّ ،‬أكد وزير الداخلية اإليراين أن بالده تعمل عىل تعزيز التعاون وتوطيد‬

‫أوارص الصداقة بني اجلانبني‪ ،‬وبخاصة يف املجال األمني‪.‬‬

‫وقد ظهر االهتامم الكويتي بزيارة الوزير اإليراين واضح ًا يف برنامج الزيارة الذي ُأعدَّ‬

‫له؛ حيث عقد وزير الداخلية اإليراين‪ ،‬سيد عبد الواحد املوسوي‪ ،‬لقاءات مع أمري البالد‪،‬‬ ‫الشيخ جابر األمحد الصباح‪ ،‬ونائب رئيس الوزراء ووزير اخلارجية‪ ،‬الشيخ صباح األمحد‪،‬‬ ‫ورئيس جملس األمة‪ ،‬جاسم اخلرايف‪ ،‬كام عقد لقاء مع أعضاء غرفة جتارة وصناعة الكويت‪،‬‬

‫ولقاء آخر مع رجال األعامل الكويتيني يف السفارة اإليرانية بالكويت‪ ،‬حيث طرحت القضايا‬

‫االقتصادية والتجارية املشرتكة‪.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪265‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫واتساق ًا مع هدف الزيارة الرئيس‪ ،‬عقد وزير الداخلية اإليراين جلسة مباحثات مع‬

‫نظريه الكويتي‪ ،‬تم فيها بحث القضايا األمنية ذات االهتامم املشرتك‪ ،‬من أجل تفعيل دور‬

‫األجهزة األمنية بني البلدين‪.‬‬

‫وكان من أبرز نتائج هذه الزيارة اتفاق الطرفني عىل تأليف جلنة أمنية إيرانية ‪ -‬كويتية‬

‫مشرتكة‪ ،‬هدفها التنسيق واملتابعة يف جمال مكافحة اإلرهاب وهتريب املخدرات‪ ،‬تلك الظاهرة‬

‫التي تتسبب يف العديد من املشكالت األمنية التي هلا تداعياهتا االقتصادية واالجتامعية اخلطرية‬

‫يف كل من إيران والكويت ‪. (6‬‬

‫وعىل اجلانب اإليراين‪ ،‬هناك احلدود املشرتكة مع أفغانستان‪ ،‬حيث تستخدم األرايض‬ ‫اإليرانية معرب ًا ملهريب املخدرات من أفغانستان وباكستان إىل منطقة اخلليج وأوروبا والواليات‬ ‫املتحدة األمريكية‪ ،‬وقد خرست إيران خالل السنوات املاضية ما يقرب من ألفني وسبعمئة‬

‫قتيل من القوات املسلحة يف حرهبا مع مهريب املخدرات‪.‬‬

‫كام تبذل األجهزة األمنية الكويتية جهود ًا كبرية ملواجهة النشاط املكثف ملهريب املخدرات‬

‫الذين يتخذون من إيران بوابة للعبور إىل األرايض الكويتية‪ ،‬ويعملون عىل انتشار هذه اآلفة‬

‫بني أفراد املجتمع الذي فقد العديد من أبنائه نتيجة إدماهنم املخدرات‪ ،‬كام تم ضبط سبعمئة‬ ‫وتسعني كيلوغرام ًا من احلشيش‪ ،‬وعرشين كيلوغرام ًا من اهلريوين‪ ،‬وعرشة كيلوغرامات من‬ ‫األفيون‪ ،‬وذلك يف الفرتة من ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪ 1999‬وحتى متوز‪/‬يوليو ‪.2000‬‬

‫تركزت العالقات بني إيران والكويت يف البداية عىل املجال األمني‪ ،‬وذلك لوجود‬

‫مصلحة مشرتكة بني البلدين تتمثل يف مواجهة خطر املخدرات‪ ،‬ففي حزيران‪/‬يونيو ‪1998‬‬ ‫قام وزير الداخلية الشيخ‪ ،‬حممد اخلالد الصباح بزيارة رسمية إىل إيران عىل رأس وفد رفيع‬

‫املستوى‪ ،‬أجرى خالهلا مباحثات مع كبار املسؤولني اإليرانيني‪ ،‬تركزت عىل القضايا‬

‫األمنية املشرتكة‪ ،‬ال سيام ما يتعلق بإجياد الوسائل للحد من ظاهرة انتشار املخدرات‪ ،‬سواء‬

‫يف ما يتعلق باإلنتاج أم التهريب‪.‬‬

‫ ‪« (6‬العالقات الكويتية اإليرانية‪ :‬رؤية حتليلية‪( »،‬تقرير‪ ،‬املركز الدبلومايس للدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫‪ 12‬ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪.)2000‬‬ ‫‪266‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ووقع البلدان يف هذه الزيارة مذكرة تفاهم مشرتك هي األوىل من نوعها‪ ،‬تدعو إىل‬

‫املهربني ومنع تسلل األشخاص والسفن‪ ،‬وكذلك‬ ‫التعاون بني البلدين يف جمال مكافحة ِّ‬ ‫التعاون يف جمال هتريب األسلحة والذخرية‪ .‬كام هتدف املذكرة أيض ًا إىل تشجيع التعاون يف‬ ‫جمال مكافحة التزوير وهتريب العمالت النقدية‪.‬‬

‫وخمتصني‬ ‫ويف ضوء هذه املذكرة‪ ،‬تم تأليف جلنة كويتية ‪ -‬إيرانية مشرتكة‪ ،‬تضم خرباء‬ ‫ِّ‬

‫من البلدين لتنفيذ اإلجراءات اخلاصة هبا‪.‬‬

‫ومل ينحرص تطور العالقات الكويتية ‪ -‬اإليرانية يف املجال األمني فقط‪ ،‬إذ شهدت العالقات‬ ‫تنامي ًا ملحوظ ًا يف املجاالت السياسية واالقتصادية والثقافية‪ ،‬وذلك عىل الوجه التايل‪:‬‬ ‫أ‪ -‬املجال السيايس‪ :‬كان احلدث األكثر بروز ًا عىل مستوى العالقات السياسية بني‬

‫الكويت وإيران هو إقدام األخرية عىل بدء عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي يف حقل ُد َّرة‬

‫البحري يف منطقة اجلرف القاري التي تم ترسيم حدودها بني الكويت والسعودية‪.‬‬

‫وعىل الرغم من أن ذلك احلدث كان حيسب نقطة خالف أو تصادم بني الدولتني‪ ،‬فإن‬ ‫صحية مع جارهتا‬ ‫التعامل اإليراين اعترب احلدث مؤرش ًا قوي ًا عىل َّنية إيران بناء عالقات سياسية َّ‬ ‫الكويت‪.‬‬

‫تفهمت إيران القلق الكويتي‪ ،‬وتلقت إشارات احتجاج الكويت اهلادئة عىل عمليات‬

‫التنقيب يف اجلرف القاري الذي ما زالت تبعيته القانونية موضع نزاع‪ ،‬وأعلنت عىل لسان‬ ‫نائب وزير الطاقة‪ ،‬مهدي حسني‪ ،‬وقف عمليات التنقيب يف احلقل‪ .‬وإلثبات املزيد من اجلدية‬ ‫وحسن النية‪ ،‬قامت إيران بسحب آليات احلفر والتنقيب من املنطقة‪.‬‬

‫وانطلقت الدولتان بعد ذلك يف بدء مباحثات مشرتكة بني وزاريت اخلارجية يف كال البلدين‪،‬‬ ‫إلجياد إطار هنائي بشأن حتديد حدود اجلرف القاري‪ ،‬اعتامد ًا عىل املبادئ األساسية التفاقية قانون‬

‫البحار الدولية‪ ،‬إلقرار هذا اإلطار‪ ،‬ومن ثم متريره إىل برملاين الدولتني للمصادقة عليه‪.‬‬ ‫وقد عكس ذلك احلدث أمرين‪:‬‬

‫ التزام دولة الكويت سياسة ضبط النفس حفاظ ًا عىل عالقات اجلوار‪ .‬ويظهر ذلك‬‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪267‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫واضح ًا يف الدعوة اإلجيابية لنائب رئيس جملس الوزراء ووزير اخلارجية‪ ،‬الشيخ صباح األمحد‪،‬‬

‫عند بدء إيران أعامل احلفر يف اجلرف القاري إىل عدم التصعيد اإلعالمي‪ ،‬والعمل عىل حل‬ ‫األمور بني الدولتني هبدوء‪.‬‬

‫‪ -‬أن استجابة إيران الرسيعة الحتجاج الكويت تعكس عملي ًا سياسة الرئيس حممد‬

‫خامتي التي استند إليها منذ ترشيحه للرئاسة‪ ،‬والتي تقوم عىل إزالة نقاط اخلالف بني إيران‬ ‫والدول العربية‪ ،‬من أجل االرتقاء بمستوى العالقات اعتامد ًا عىل التفاهم السيايس واحرتام‬ ‫كل طرف أوضاع ومصالح الطرف اآلخر‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬بدا من ترصحيات املسؤولني اإليرانيني أن هناك درجة كبرية من‬

‫التوافق بني الرؤية الكويتية واإليرانية جتاه ممارسات النظام العراقي احلاكم والقضية العراقية‬

‫رصح وزير اخلارجية اإليراين‪ ،‬سيد عبد الواحد املوسوي‪ ،‬خالل زيارته إىل‬ ‫بصفة عامة‪ ،‬فقد َّ‬

‫الكويت يف تعقيبه عىل التهديدات العراقية املتتالية للكويت بأن «إيران ال تقبل أي هتديد من‬ ‫قبل أي دولة لدولة أخرى‪ ،‬وإهنا تريد املحافظة عىل األمن واالستقرار يف املنطقة»‪.‬‬

‫وطالب العراق باحرتام وتطبيق قرارات األمم املتحدة ذات الصلة بحرب حترير الكويت‪،‬‬ ‫موضح ًا أن «مسألة الشعب العراقي ختتلف عن مسألة رئيس وحكومة النظام العراقي»‪.‬‬ ‫ب‪ -‬املجال االقتصادي‪ :‬كانت الكويت حمطة رئيسة للبضائع اإليرانية طوال عقد‬

‫التسعينيات‪ ،‬حتى أنشئت سوق عىل الساحل الكويتي لتسويق البضائع اإليرانية أطلق عليه‬ ‫السوق اإليرانية‪ ،‬وظ َّلت القوارب اخلشبية التي تنقل البضائع سمة مميزة هلذه السوق حتى بعد‬ ‫نقل موضعها إىل منطقة أخرى لدواع أمنية‪.‬‬

‫بلغت قيمة ما استوردته الكويت من إيران يف الفرتة من ‪ 1997-1993‬نحو ‪300‬‬

‫مليون دوالر‪ ،‬كام صدَّ رت الكويت إىل طهران يف الفرتة ذاهتا ما قيمته ‪ 55‬مليون دوالر‪ ،‬وذلك‬ ‫من دون حساب ما صدَّ رته الكويت من النفط ومشتقاته إىل إيران‪.‬‬

‫وقد ظهرت مؤرشات عدة عىل اجتاه الدولتني نحو املزيد من تطوير العالقات االقتصادية‬

‫يف ما بينهام‪ ،‬ومن أهم هذه املؤرشات ما ييل ‪: (6‬‬ ‫ ‪ (6‬املصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪268‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ قام وزير النفط الكويتي‪ ،‬الشيخ سعود النارص الصباح‪ ،‬بزيارة إىل طهران يف هناية‬‫متوز‪/‬يوليو ‪ ،2000‬التقى خالهلا الرئيس‪ ،‬حممد خامتي‪ ،‬ووزير النفط‪ ،‬بيجان زانجانة وعدد ًا‬ ‫من كبار املسؤولني اإليرانيني‪ ،‬وعقدت مباحثات حول عدد من القضايا االقتصادية املشرتكة‪،‬‬ ‫هبدف تفعيل التعاون يف هذا املجال‪ ،‬من بينها وحدة منظمة البلدان املصدرة للنفط أوبك‪،‬‬ ‫والتعاون الكويتي ‪ -‬اإليراين للمساعدة عىل استمرار هذه الوحدة‪.‬‬

‫‪ -‬يف إجراء ُيعدّ األول من نوعه‪ ،‬و َّقعت إيران والكويت يف متوز‪/‬يوليو ‪ 2000‬مذكرة تفاهم‬

‫تنص عىل تفعيل جلنة فنية مشرتكة لتقييم كميات الغاز الطبيعي اإليراين التي حتتاجها الكويت لسد‬ ‫احتياجاهتا‪ .‬وقد اقرتحت إيران أن يكون حجم التصدير اليومي إىل الكويت ثالثمئة مليون قدم‬ ‫مكعب‪ ،‬يضخ عرب خط أنابيب جنويب‪ ،‬عىل أن تكون هذه الكمية قابلة للزيادة مستقب ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫‪ -‬و َّقعت الدولتان يف كانون الثاين‪/‬يناير ‪ 2000‬مذكرة تفاهم بشأن اإلجراءات‬

‫املعرتف بتطبيقها لتعزيز وتنمية التعاون التجاري الثنائي بني البلدين‪ ،‬وتبادل الوقود‪ ،‬وتشجيع‬

‫تقرر السامح للتجار اإليرانيني بالدخول‬ ‫املشاركة يف املعارض التجارية واملناطق احلرة‪ .‬حيث َّ‬ ‫إىل الكويت من دون تأشريات دخول ملدة اثنتني وسبعني ساعة‪.‬‬

‫‪ -‬مرشوع لنقل املياه من إيران إىل الكويت‪ ،‬حيث يتم ضخ املياه العذبة من سد كاركي‬

‫يف شامل غرب إيران ‪ -‬الذي يعترب ثالث أكرب سد يف العامل ‪ -‬إىل الكويت عرب خط أنابيب‬ ‫بحري حتت اخلليج يصل طوله إىل مئتني وعرشة كيلومرتات‪ ،‬وسينتج هذا املرشوع ما ًء صاحلة‬ ‫للرشب تصل كميتها إىل مئتي مليون غالون من املاء املحىل يومي ًا لالستخدام الصناعي واملنزيل‬

‫يف الكويت‪ ،‬ويتوقع االنتهاء من ذلك املرشوع بحلول عام ‪ ،2005‬ومن املنتظر أن يتم من‬ ‫خالله نقل املياه إىل الكويت ملدة ثالثني عام ًا بتكاليف أقل من حتلية املياه يف الوقت احلارض‪،‬‬ ‫ومن ثم سيعمل ذلك املرشوع عىل ختفيض حدَّ ة مشكلة املياه يف الكويت‪ ،‬التي تستهلك حالي ًا‬ ‫نحو مئتني ومخسة ومخسني مليون غالون يومي ًا‪ ،‬وتكلف عملية حتلية األلف غالون ما بني تسعة‬ ‫إىل أحد عرش دوالر ًا ‪. (6‬‬

‫وعىل الرغم من تلك اإلجراءات‪ ،‬ال يزال معدَّ ل التبادل التجاري بني إيران والكويت‬ ‫ ‪ (6‬أمحد حممد طاهر‪« ،‬العالقات اخلليجية اإليرانية‪ :‬نظرة مستقبلية‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 146‬ترشين‬ ‫األول‪/‬أكتوبر ‪ ،)2001‬ص ‪.113‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪269‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫دون املستوى املطلوب‪ ،‬ودون اإلمكانات التي تتوافر لدى البلدين‪ .‬وقد حدَّ د عدد من اخلرباء‬

‫االقتصاديني معوقات تعرقل تطور العالقات االقتصادية بني البلدين يف ما ييل ‪: (6‬‬ ‫ وجود قيود عىل حركة العمالت األجنبية داخل إيران‪.‬‬‫‪ -‬وجود قيود عىل ممارسة أنشطة االسترياد والتصدير يف إيران‪.‬‬

‫ صعوبة منافسة املنتجات اإليرانية يف الكويت‪ ،‬وذلك الرتفاع مستوى أسعارها‪.‬‬‫‪ -‬تعقيد القوانني اإليرانية‪ ،‬يف الوقت الذي يسعى فيه التجار الكويتيون إىل مزيد من‬

‫حرية التجارة‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫ عدم وجود جلنة مشرتكة ملتابعة قرارات دعم التبادل التجاري بني البلدين‪.‬‬‫ُسوق له دولة الكويت أكرب الفرص املستقبلية للتعاون‬ ‫ويعد مرشوع الربط القاري الذي ت َّ‬

‫اإليراين ‪ -‬الكويتي يف املجال االقتصادي‪ ،‬ويستهدف هذا املرشوع ربط اقتصادات آسيا مع‬

‫القوقاز عرب إيران والكويت فالبحر املتوسط‪ ،‬ومن ثم العراق يف مرحلة ما بعد صدام حسني‪،‬‬ ‫وذلك من خالل إجياد منطقة اقتصادية ضخمة ال تقوم عىل الصناعة النفطية لدوهلا فقط‪ ،‬وإنام‬ ‫تعتمد أساس ًا عىل برامج إعادة التصنيع وصناعة السياحة الدينية‪.‬‬ ‫هلذا املرشوع أمهية كبرية بالنسبة إىل واقع التنمية يف دولة الكويت‪ ،‬ورضورة البحث عن‬ ‫مصادر بديلة‪ ،‬أو مساندة للدخل القومي املتمثل بالنفط‪ ،‬هذا فض ً‬ ‫ال عن كونه استئناف ًا لدور‬

‫الكويت الناجح يف مرحلة ما قبل النفط بوصفها وسيط ًا جتاري ًا يف املنطقة‪.‬‬

‫وكان من الطبيعي أن تفكر الكويت بإيران عند تب ّنيها هذا املرشوع االقتصادي الضخم‪،‬‬ ‫حيث حتتل إيران موقع ًا متميز ًا وحموري ًا يف املنطقة‪ ،‬جيعل منها حلقة وصل بني دول آسيا الوسطى‬ ‫وآسيا عموم ًا وبني القوقاز وصو ً‬ ‫ال إىل منطقة الرشق األوسط واخلليج بشكل خاص‪.‬‬ ‫ج‪ -‬املجال الثقايف‪ :‬كانت العالقات الثقافية بني إيران والدول العربية ‪ -‬ومنها الكويت‬ ‫ قد تأثرت بصورة واضحة بالتطورات السياسية التي شهدهتا املنطقة يف العقدين األخريين‪،‬‬‫وما ألقته هذه التطورات من ظالل عىل احلوار اإليراين ‪ -‬العريب‪.‬‬ ‫ ‪« (6‬العالقات الكويتية اإليرانية‪ :‬رؤية حتليلية»‪.‬‬ ‫‪270‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫أدى ذلك بدوره إىل وجود قطيعة طويلة بني املثقفني يف إيران والكويت‪ ،‬وإىل نوع‬ ‫من االغرتاب وتراكم الكثري من نقاط االلتباس يف العالقات الثقافية بينهام‪ ،‬وصل يف بعض‬ ‫األحيان إىل ما يشبه اخلطاب املتصادم بني الطرفني‪.‬‬ ‫وعندما بدأت إيران باتباع سياسة االنفتاح عىل العامل‪ ،‬بدأ املثقفون اإليرانيون بالدعوة‬ ‫ترسبات املايض‪.‬‬ ‫إىل بدء حوار عريب ‪ -‬إيراين‪ ،‬وسيلة وحيدة للتخلص من ُّ‬ ‫وتنفيذ ًا هلذا االجتاه‪ ،‬وقعت الكويت وإيران معاهدة ثقافية مشرتكة يف حزيران‪/‬يونيو‬ ‫‪ ،1999‬توالت بعدها مظاهر التعاون بني البلدين‪ .‬ومن أهم هذه املظاهر ما ييل ‪: (6‬‬ ‫ قام وزيرالثقافة اإليراين‪ ،‬عطا اهلل مهاجراين‪ ،‬بزيارة إىل الكويت يف أيار‪/‬مايو ‪2000‬‬‫التقى خالهلا وزير اإلعالم‪ ،‬سعد بن طفلة‪ ،‬وذلك لبحث سبل التعاون اإلعالمي والثقايف بني‬ ‫الكويت وإيران‪.‬‬ ‫ هناك مبادرات عدَّ ة تفرضها املؤسسات األهلية يف الكويت إلقامة جسور تصل‬‫بني الثقافتني العربية واإليرانية‪ ،‬ومن بني هذه اجلهود تلك التي بذلتها مؤسسة عبد العزيز‬ ‫البابطني يف اإلعداد مللتقى الشاعر اإليراين سعدي الشريازي يف طهران بالتعاون مع رابطة‬ ‫الثقافة والعالقات اإلسالمية‪ .‬حيث شهدت أطراف عدَّ ة هلذا امللتقى بالنجاح والتميز‪.‬‬ ‫ شاركت الكويت يف املؤمتر الثاين عرش للتقارب بني املذاهب اإلسالمية الذي َّ‬‫نظمته‬ ‫إيران يف حزيران‪/‬يونيو ‪ ،1999‬وكان مبدأ إقامة املؤمتر هو حماولة التقريب بني املذاهب‬ ‫اإلسالمية املختلفة هبدف تقوية شوكة املسلمني وجتاوز خالفاهتم‪.‬‬ ‫تقرر أن تكون الكويت مقر ًا ألمانة احلوار العريب ‪ -‬اإليراين التي تولدت فكرة إقامتها‬ ‫‪َّ -‬‬

‫يف ملتقى الشاعر اإليراين سعدي الشريازي‪ ،‬هبدف تقريب وجهات النظر العربية واإليرانية‬ ‫يف جمال التعاون بني اجلانبني‪.‬‬

‫‪ -3‬العالقات البحرينية ـ اإليرانية‬

‫يف هناية شهر آذار‪/‬مارس عام ‪ ،2000‬قام وزير اخلارجية اإليراين‪ ،‬كامل خرازي‪ ،‬بزيارة‬

‫إىل البحرين‪ ،‬أجرى خالهلا مباحثات مع املسؤولني البحرانيني‪ .‬تناول االجتامع األول للجنة‬ ‫ ‪ (6‬املصدر نفسه‪.‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪271‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫السياسية املشرتكة تطوير التعاون الثنائي‪ ،‬حيث كانت تلك الزيارة تتوجي ًا للزيارة التي قام هبا‬

‫وزير اخلارجية البحراين‪ ،‬الشيخ حممد بن مبارك‪ ،‬يف أيار‪/‬مايو ‪ 1999‬لطهران‪ ،‬وتم خالهلا‬

‫االتفاق عىل تأليف جلنتني وزاريتني سياسية واقتصادية لدفع التعاون الثنائي إىل األمام‪ ،‬وقد‬ ‫فتحت تلك الزيارة صفحة جديدة يف العالقات بني البلدين‪ ،‬حيث رأى الرئيس اإليراين‬

‫السابق‪ ،‬هاشمي رفسنجاين ورئيس جممع تشخيص مصلحة النظام‪ ،‬يف تلك الزيارة أهنا تأيت‬ ‫يف إطار ما تقوم به إيران لبناء سياستها عىل مراعاة حسن اجلوار مع بلدان املنطقة‪ ،‬وقال إنه‬

‫عىل اعتقاد راسخ برضورة رعاية املصالح الوطنية لكال البلدين‪ ،‬وعدم التدخل يف الشؤون‬ ‫الداخلية‪ ،‬والتعامل عىل أساس االحرتام املتبادل ‪. (6‬‬

‫وجاءت تلك الزيارة لتخ َّفف من جو التوتر الذي كان سائد ًا بني البلدين‪ ،‬حيث إن‬ ‫اجلانبني كانا قد اهتام بعضهام بعض ًا بالتسبب يف إحداث توترات سياسية وأمنية عن طريق دعم‬ ‫الشيعة يف البحرين‪ ،‬بينام اهتمت إيران األخرية بأهنا ارتكبت ممارسات عنيفة ضد املواطنني‬

‫الشيعة وانتهكت حقوقهم السياسية والدينية واالقتصادية‪ ،‬ووصل األمر إىل حدود بالغة‬ ‫الصعوبة قبل أربع سنوات خالل االضطرابات التي رضبت البحرين‪ ،‬واهتمت طهران‬ ‫بدعمها عىل الرغم من نفيها الدائم لذلك‪ .‬لكن البلدين‪ ،‬ويف حماولة لكرس حاجز الشك العميق‬

‫بينهام‪ ،‬تبادال السفراء يف كانون الثاين‪/‬يناير عام ‪ 2000‬ألول مرة منذ عام ‪ ،1996‬وواصل‬ ‫مسؤولو البلدين زيارة بعضهام بعض ًا‪ ،‬بدء ًا من استقبال املنامة لوزير التجارة اإليراين‪ ،‬حممد‬ ‫رشيعتمداري‪ ،‬وانتهاء بزيارة خرازي‪ ،‬ومرور ًا باالتفاق عىل معاودة تشغيل اخلط البحري‬ ‫بينهام‪ .‬وقد انعكست تلك التحركات عىل نمو حجم التجارة البينية بني إيران والبحرين‪،‬‬ ‫حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بني البلدين من ‪ 26.39‬مليون دوالر عام ‪ 1995‬إىل‬

‫‪ 27.13‬مليون دوالر عام ‪ ،1996‬ثم إىل ‪ 29.9‬مليون دوالر عام ‪ ،1997‬وذلك بسبب‬ ‫نمو الصادرات البحرانية إىل السوق اإليرانية‪ ،‬لتحقق البحرين بذلك فائض ًا يف جتارهتا مع‬

‫إيران‪ .‬وعىل الرغم من الرتاجع الذي أصاب العالقات التجارية بني البلدين يف عام ‪،1998‬‬ ‫فإن احلركة التجارية ما لبثت أن عادت بقوة بني البلدين منذ العام ‪ ،1999‬حيث تشري األرقام‬ ‫الصادرة عن اجلهاز املركزي لإلحصاء يف مملكة البحرين أنه خالل الفرتة من ‪ 1999‬إىل‬

‫ ‪ (6‬التدمري‪« ،‬إضاءة عىل العالقات اإليرانية العربية بني عهدين «العهد البهلوي وعهد اجلمهورية اإلسالمية»‬ ‫ومتطلبات التغيري‪ »،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.226‬‬ ‫‪272‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫آب‪/‬أغسطس ‪ 2002‬بلغ حجم التجارة البينية مع إيران نحو ‪ 217.7‬مليون دوالر‪ ،‬منها‬

‫‪ 113.9‬مليون دوالر صادرات بحرانية‪ ،‬و‪ 103.7‬مليون دوالر واردات‪ ،‬لتحقق البحرين‬ ‫فائض ًا جتاري ًا مقداره ‪ 10.18‬مليون دوالر ‪. (6‬‬ ‫ويف التاسع والعرشين من أيلول‪/‬سبتمرب عام ‪ ،2000‬تم توقيع اتفاق بني البلدين‪،‬‬

‫ينص عىل تسهيل انتقال املواطنني‪ ،‬ومعاودة فتح اخلط البحري بني البلدين‪ .‬وذلك باإلضافة‬ ‫إىل إنشاء عدد من اللجان املشرتكة يف املجاالت السياسية واالقتصادية ‪. (6‬‬

‫‪ -4‬العالقات اإلماراتية ـ اإليرانية‬

‫املالحظ يف العالقات اإليرانية اإلماراتية أنه عىل الرغم من التوتر السائد يف العالقات‬

‫السياسية بني البلدين نتيجة مشكلة احتالل إيران جزر اإلمارات الثالث‪ ،‬طنب الكربى‬ ‫وطنب الصغرى وأبو موسى‪ ،‬فإن ذلك مل يقف يوم ًا عائق ًا أمام تطوير البلدين العالقات البينية‬ ‫عىل كافة األصعدة األخرى لتلك العالقات‪.‬‬

‫فاإلمارات تُعد ‪ -‬وبحق ‪ -‬الرشيك التجاري األول إليران يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬وثاين‬

‫أكرب رشيك جتاري إليران بعد أملانيا عىل مستوى العامل‪ ،‬وقد استحوذت اإلمارات عىل أعىل نسب‬

‫يف العالقة التجارية مع إيران خالل الفرتة من ‪ 1997‬وحتى ‪ ،1999‬حيث بلغت نسبة ‪76.5‬‬

‫يف املئة و‪ 84.7‬يف املئة و‪ 91.3‬يف املئة من جمموع جتارة دول جملس التعاون مع إيران بقيمة‬

‫‪ 1034‬مليون دوالر و‪ 1136.6‬مليون دوالر و‪ 1527‬مليون دوالر خالل السنوات املذكورة‬

‫بالرتتيب‪ ،‬بل إن حجم التبادل التجاري بني البلدين قد ارتفع ليصل إىل ‪ 1653‬مليون دوالر يف‬ ‫عام ‪ ،2000‬منها ‪ 1325‬مليون دوالر صادرات إماراتية‪ ،‬مقابل ‪ 328‬مليون دوالر واردات‬ ‫من السلع واملنتجات اإليرانية‪ ،‬لتحقق اإلمارات بذلك فائض ًا جتاري ًا بلغ ‪ 997‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫وجتدر اإلشارة إىل أن الصادرات اإلماراتية إىل إيران هي يف معظمها وبنسبة ‪ 99‬يف املئة جتارة‬ ‫إعادة تصدير للمنتجات‪ ،‬وتتم بصفة أساسية عرب ديب‪ ،‬حيث توجد نصف الرشكات التجارية‬

‫اإليرانية التي تتعامل مع اإلمارات‪ ،‬التي يبلغ عددها نحو ثالثة آالف ومخسمئة رشكة‪ ،‬تعمل‬ ‫حتت إرشاف جملس العمل اإليراين‪ ،‬ويرتكز معظمها يف منطقة جبل عيل التجارية‪ .‬وهو ما َّ‬ ‫نشط‬ ‫ ‪« (6‬العالقات االقتصادية اخلليجية اإليرانية‪ :‬عوامل التقارب وآفاق املستقبل‪ »،‬ص ‪.137‬‬ ‫ ‪ (6‬طاهر‪« ،‬العالقات اخلليجية اإليرانية‪ :‬نظرة مستقبلية‪ »،‬ص ‪.113‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪273‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫من حركة االستثامرات اإليرانية يف اإلمارات وبالعكس‪ ،‬حيث بلغ حجم االستثامرات اإلماراتية‬

‫يف جزيرة قشم اإليرانية نحو ‪ 1.5‬مليار دوالر حتى شباط‪/‬فرباير عام ‪. (6 1997‬‬

‫كام امتد التقارب بني البلدين إىل النشاط السياحي‪ ،‬حيث شهد قطاع السياحة تطور ًا‬ ‫ملحوظ ًا بني البلدين‪ ،‬إذ بلغ عدد السياح اإليرانيني إىل اإلمارات ما يزيد عىل مخسة وعرشين‬ ‫ألف سائح شهري ًا‪ .‬كام بلغت الرحالت اجلوية التي تنقل القادمني من ديب إىل إيران فقط نحو‬ ‫ثالث وثامنني رحلة أسبوعي ًا‪ ،‬أي بمعدل ثالثمئة واثنتني وثالثني رحلة شهري ًا ‪. (6‬‬

‫‪ -5‬العالقات القطرية ـ اإليرانية‬

‫يف كانون الثاين‪/‬يناير عام ‪ 1999‬افتتح يف قطر املعرض اخلامس للمنتجات اإليرانية‪،‬‬

‫وتم عقد اجتامع اللجنة القطرية اإليرانية املشرتكة عىل هامش املعرض برئاسة وزير املالية‬ ‫والتجارة القطري ووزير الطاقة اإليراين‪ ،‬وانتهى االجتامع بتوقيع مذكرة تفاهم لدعم وتطوير‬

‫العالقات االقتصادية والتجارية‪ ،‬وإنشاء مركزين جتاريني يف الدوحة وبوشهر‪ ،‬وتبودلت‬ ‫الزيارات الرسمية بني مسؤويل البلدين لتأكيد الرغبة الصادقة يف التعاون ودعم العالقات‬

‫بني البلدين‪ .‬وخالل زيارة وزير اخلارجية القطري‪ ،‬الشيخ محد بن جاسم آل ثاين‪ ،‬إىل إيران‬ ‫يف نيسان‪/‬أبريل عام ‪ ،1999‬ذكر أن تفعيل العالقات القطرية مع إيران عىل كل األصعدة هو‬ ‫قرار خاص بقطر وحدها‪.‬‬

‫وخالل الزيارة التي قام هبا الرئيس اإليراين حممد خامتي إىل الدوحة ضمن جولة شملت‬

‫سوريا والسعودية يف مطلع شهر أيار‪/‬مايو ‪ ،1999‬مل يتم التعرض لقضية اجلزر اإلماراتية أو‬ ‫العالقات القطرية ‪ -‬اإلرسائيلية‪ ،‬وذلك حرص ًا عىل عدم تعريض العالقات الثنائية ألي شائبة‪.‬‬

‫وتم خالل تلك الزيارة توقيع جمموعة من االتفاقيات يف خمتلف املجاالت التعاونية‪ ،‬وهي ‪: (7‬‬ ‫ اتفاقية بشأن تشجيع ومحاية االستثامرات‪.‬‬‫ اتفاقية يف جمال الشباب والرياضة‪.‬‬‫ ‪« (6‬العالقات االقتصادية اخلليجية اإليرانية‪ :‬عوامل التقارب وآفاق املستقبل‪ »،‬ص ‪.138‬‬ ‫ ‪ (6‬طاهر‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.113‬‬

‫ ‪ (7‬محاد‪« ،‬إيران‪ »،2000-1999 ،‬ص ‪.180‬‬ ‫‪274‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ بروتوكول للتعاون العاميل واالجتامعي‪.‬‬‫ مذكرة تفاهم بني وزاريت الداخلية حول مكافحة اإلرهاب‪.‬‬‫ مذكرة حول التعاون السياحي‪.‬‬‫ مذكرة حول التعاون اإلذاعي والتلفزيوين‪.‬‬‫ اتفاقية تعاون بني غرفتي التجارة والصناعة يف البلدين‪.‬‬‫‪ -‬االتفاق عىل تفعيل عمل اللجنة املشرتكة بني البلدين‪.‬‬

‫ويف التاسع عرش من متوز‪/‬يوليو عام ‪ 2000‬و َّقعت قطر وإيران مخس اتفاقيات ومذكرات‬

‫تفاهم يف املجاالت الثقافية والفنية واإلعالمية والصحية وجتنب االزدواج الرضيبي ‪. (7‬‬

‫وعىل الرغم من جهود التقارب املتبادل بني البلدين‪ ،‬فإن حجم التبادل التجاري ال يعبرِّ‬ ‫عن تلك اجلهود بالشكل املناسب‪ ،‬فقد انخفضت الصادرات القطرية إىل إيران من ‪58.5‬‬

‫مليون دوالر عام ‪ 1996/1995‬إىل أحد عرش مليون دوالر عام ‪ ،2000/1999‬ثم إىل‬

‫‪ 3.87‬مليون دوالر فقط عام ‪ ،2001/2000‬بينام ارتفعت واردات قطر غري النفطية من‬ ‫إيران من ‪ 19.2‬مليون دوالر إىل ‪ 20.2‬مليون دوالر ثم إىل ‪ 22.46‬مليون دوالر خالل‬ ‫الفرتة نفسها‪ ،‬األمر الذي حيمل معه عجز ًا يف امليزان التجاري القطري وفائض ًا يف امليزان‬ ‫التجاري ملصلحة إيران خالل األعوام من ‪ 1999‬إىل ‪. (7 2001‬‬

‫العامنية ـ اإليرانية‬ ‫‪ -6‬العالقات ُ‬

‫ترددت أنباء حول اتفاق أمني ودفاعي بني سلطنة ُعامن وإيران‪ ،‬عىل الرغم من نفي‬ ‫َّ‬ ‫األوىل لذلك مجلة وتفصي ً‬ ‫ال‪ ،‬وإعالن طهران أنه قد تم توقيع اتفاق أمني مع سلطنة عماُ ن حول‬ ‫قضايا املرور عرب مضيق هرمز ومكافحة جتارة املخدرات والتهريب وحماوالت التسلل‪ ،‬وكان‬

‫تردد يف وقت سابق من هذه األحداث ما مفاده وجود وساطة ُعامنية بني الواليات املتحدة‬ ‫قد َّ‬ ‫وإيران‪ ،‬عىل الرغم من نفي مسقط لذلك األمر‪ ،‬وال سيام أن األخرية ترتبط بعالقات جيدة‬ ‫بكلتا الدولتني‪ ،‬وأثري هذا األمر خالل الزيارة القصرية التي قام هبا الرئيس األمريكي كلينتون‬ ‫ ‪« (7‬العالقات االقتصادية اخلليجية اإليرانية‪ :‬عوامل التقارب وآفاق املستقبل‪ »،‬ص ‪.138‬‬ ‫ ‪ (7‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.138‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪275‬‬


‫الفصل السادس‪ :‬السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة (‪)2000 -1997‬‬

‫إىل مسقط عقب انتهاء جولته يف اهلند وباكستان وبنغالدش يف هناية شهر آذار‪/‬مارس ‪.2000‬‬ ‫ويف واقع األمر‪ ،‬إن العالقات التجارية بني إيران والسلطنة تعترب منخفضة نسبي ًا مقابلة‬ ‫بالعالقات اإليرانية ‪ -‬البحرانية مث ً‬ ‫ال‪ ،‬شأهنا يف ذلك شأن العالقات التجارية بني إيران وقطر‪.‬‬

‫العامنية إىل‬ ‫ووفق ًا لإلحصاءات الصادرة عن إدارة اجلامرك اإليرانية‪ ،‬يالحظ أن الصادرات ُ‬ ‫إيران قد انخفضت قيمتها من ‪ 1.68‬مليون دوالر عام ‪ 1996/1995‬إىل ‪ 0.399‬مليون‬

‫دوالر عام ‪ ،2000/1999‬ولكنها عادت لرتتفع بنسبة ‪ 494‬يف املئة إىل ‪ 2.37‬مليون دوالر‬

‫عام ‪ ،2001/2000‬ومع ذلك فإن امليزان التجاري بني البلدين يميل ملصلحة إيران ‪. (7‬‬

‫ويف اخلتام‪ ،‬يمكن القول إن تلك األجواء التقاربية يف العالقات اخلليجية ‪ -‬اإليرانية ال‬

‫تنم عن مستوى فكري واحد ومشرتك بني دول جملس التعاون اخلليجي‪ ،‬لكنها متثل صور‬

‫فردية للتعاون مع إيران‪ ،‬تدفع كل دولة إىل تغليب رؤاها الذاتية ومدى املصلحة التي ستعود‬

‫جراء تطبيع عالقاهتا مع إيران‪.‬‬ ‫عليها من َّ‬

‫وهذا التقارب اإليراين ‪ -‬اخلليجي عىل الرغم من أمهيته‪ ،‬إ َّ‬ ‫ال أنه قد حيمل معه مضاعفات‬

‫سلبية عىل وحدة ومتاسك كيان جملس التعاون‪ ،‬ستستفيد منها طهران عىل املدى الطويل‪،‬‬

‫وذلك يف ضوء العوامل اآلتية‪:‬‬

‫ إن التقارب بشكل فردي مع إيران ومن دون اشرتاط تسوية مسألة اجلزر يعني ضمن ما‬‫يعنيه حتو ًال يف املوقف اجلامعي املتضامن لدول اخلليج مع اإلمارات‪ ،‬وخروج ًا عىل ثوابت املجلس‬

‫يف التعامل مع إيران يف ظل احتالهلا اجلزر‪ ،‬وانسحاب ًا من مساندة موقف اإلمارات من النزاع‪.‬‬

‫‪ -‬اإلرصار اإليراين عىل رفض التدخل اخلليجي يف مسألة اجلزر‪ ،‬وهو ما ينفي حجج‬

‫حسنت عالقاهتا مع طهران حلل‬ ‫البعض بشأن إمكانية توسط أي من الدول اخلليجية التي َّ‬

‫قضية اجلزر‪ ،‬فهي تأبى التعاون مع اللجنة الثالثية املكونة من السعودية وقطر وسلطنة ُعامن‪،‬‬ ‫وتؤكد أن القضية جيب أن تحُ ل بشكل ثنائي مبارش‪ ،‬وبمعزل عن تدخل أي دولة أخرى‪ ،‬يف‬ ‫إشارة إىل الدول ذات العالقات الطيبة التي تربطها بإيران‪ ،‬ال سيام سلطنة ُعامن‪.‬‬

‫إن الثابت‪ ،‬ومنذ أمد بعيد أن إيران تعمل عىل ضامن حتقيق اهليمنة عىل شؤون املنطقة‬

‫ ‪ (7‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.138‬‬ ‫‪276‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ولو نسبي ًا‪ ،‬واتبعت يف ذلك وسائل عدة‪ ،‬كان أبرزها عدم توتري العالقات مع الدول املشاطئة‬ ‫املقابلة هلا عىل الضفة األخرى للخليج العريب‪ ،‬إذ مل تعرف عالقات إيران بدول جملس التعاون‬ ‫التوتر الذي َّأدى إىل االنفجار الذي شهدته عالقاهتا مع العراق مث ً‬ ‫ال‪ ،‬وقد تكون اتَّسمت حين ًا‬

‫بدرجة كربى من التعاون وأحيان ًا بالتناقض والتباين‪ ،‬إال أن ذلك مل يسفر عن قطع كامل‬ ‫وهنائي للعالقات‪ ،‬بل استمرت يف هنجها الساعي إلثبات حسن نواياها‪ ،‬ال سيام مع السعودية‪،‬‬

‫باعتبارها الدولة املحورية يف املعادلة األمنية يف املنطقة‪.‬‬

‫ومن الواضح أنه قد حتقق إليران مبتغاها من تطبيع عالقاهتا مع دول اخلليج‪ ،‬وبخاصة‬

‫مرصة عىل امتالك‬ ‫منذ جميء خامتي إىل احلكم‪ ،‬فهي وعىل الرغم من حماوالت ُّ‬ ‫التودد ما زالت َّ‬ ‫أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬وال تزال تتبع القاعدة الذهبية يف اهليمنة وهي بناء قوهتا العسكرية‪،‬‬ ‫ورفض أي وجود أجنبي يف املنطقة‪ ،‬واستمرار احتالل اجلزر اإلماراتية الثالث‪ ،‬عل ًام بأنه‬ ‫ال توجد غري نزعة اهليمنة وحماولة السيطرة لتربير التمسك باجلزر الثالث‪ ،‬فال يمكن قبول‬

‫يصبان ملصلحة اإلمارات‪ ،‬وبالتايل فإن التربير‬ ‫األعذار القانونية أو التارخيية؛ ألن كالمها َّ‬ ‫الوحيد املساق يف هذا الصدد هو الرغبة يف أداء دور الرشطي‪ ،‬ولكن حلساب إيران فقط‪ ،‬بعد‬

‫أن كان حلساب غريها يف وقت سابق‪.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪277‬‬


‫خاتـمة‬ ‫تناولت الدراسة السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج‬

‫العربية خالل الفرتة املمتدة من عام ‪ 1979‬وحتى عام ‪ ،2000‬تلك الفرتة التي شهدت فيها‬ ‫الساحة السياسية اإليرانية ثالث قيادات اختلفت يف توجهاهتا اخلارجية جتاه منطقة اخلليج‬ ‫نتيجة اختالف املحدِّ دات التي حكمت تلك التوجهات خالل فرتة الدراسة‪.‬‬

‫بدأت الدراسة بإطار مفاهيمي‪ُ ،‬عني بالتعرف إىل مفهوم النظام اإلقليمي وعالقته‬

‫بالنظام الدويل الذي يعيش يف إطاره‪ ،‬والتطبيق العميل لذلك عىل النظام اإلقليمي اخلليجي‪،‬‬

‫كام تناولت الدراسة مفهوم الدور اإلقليمي وعنارصه والعوامل املؤثرة فيه‪ .‬كام نحت الدراسة‬ ‫إىل حتليل إمكانات القوة وتوزيعها يف النظام اإلقليمي اخلليجي باملقابلة بني إيران ودول جملس‬ ‫التعاون اخلليجي وتأثري ذلك يف الدور املنتظر لكل من طريف العالقة‪.‬‬

‫ويف إطار التعرف إىل طبيعة السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول‬

‫اخلليج العربية خالل فرتة الدراسة‪ ،‬تناول الفصل الثاين السياق التارخيي لتلك السياسة‬ ‫واملحدِّ دات التي أ َّثرت فيها‪ ،‬سوا ًء تلك النابعة من البيئة الدولية اإلقليمية أم تلك النابعة من‬

‫البيئة الدولية العاملية‪.‬‬

‫كام تناول الفصل الثالث من الدراسة األدوار املختلفة املؤ َّثرة يف عملية صنع السياسة‬

‫اخلارجية اإليرانية‪ ،‬ودور كل من األيديولوجيا والقيـــادة واملصلحة القومية يف عملية صنع‬ ‫‪278‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫السياسة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬وكذلك األدوات املستخدمة يف تنفيذ تلك السياسة خالل مراحل‬ ‫احلكم اإليراين املختلفة منذ ثورة ‪ 1979‬وحتى عام ‪.2000‬‬

‫أما الفصول الرابع واخلامس والسادس‪ ،‬فتختص بدراسة وحتليل السياسة اخلارجية‬

‫اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية خالل اجلمهوريات الثالث التي‬

‫تعاقبت عىل احلكم يف إيران منذ عام ‪ 1979‬وحتى عام ‪ ،2000‬وذلك من خالل تناول عدد‬

‫تعرضت هلا تلك السياسة مثل األيديولوجيا والبحث عن دور إقليمي إليران‬ ‫من القضايا التي َّ‬ ‫مرور ًا بقضايا احلدود‪ ،‬وقضايا األمن والتسلح‪ ،‬وقضايا التعاون اإلقليمي بني إيران ودول‬ ‫املجلس خالل العهود الثالثة‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد توصلت الدراسة إىل عدد من النتائج التي يمكن بياهنا عىل النحو التايل‪:‬‬ ‫‪ -1‬إن قوة الدولة وطبيعة العالقة يف حميطها اإلقليمي والدويل‪ ،‬حتدِّ د بشكل كبري الدور‬ ‫الذي تؤديه تلك الدولة عىل مرسح احلياة السياسية إقليمي ًا ودولي ًا‪ ،‬وتربز قوة الدولة بمقدار‬

‫تفاعل عنارص هذه القوة ومكانتها‪ .‬فكلام حدث تغري يف القدرات املكونة هلذه القوة تغري تبع ًا‬

‫لذلك حجم قوة الدولة ودورها وفاعليتها عىل مرسح األحداث‪ .‬وبالنظر إىل إمكانات القوة‬

‫يف النظام اخلليجي مقابلة بإيران‪ ،‬نجد أن القاعدة السكانية يف النظام اإلقليمي اخلليجي تتسم‬ ‫بعدم التجانس االجتامعي‪ ،‬وتعاين اختال ً‬ ‫ال واضح ًا يف التوزيع ملصلحة إيران‪ ،‬وهذا ما جعل‬ ‫دولة مثل الكويت عاجزة عن جماهبة غزو تقوم به دولة أخرى تفوقها عدد ًا وعتاد ًا مثل العراق‪،‬‬ ‫كام جعل دولة مثل اإلمارات العربية املتحدة عاجزة عن اختاذ عمل عسكري مضاد إليران‬

‫السرتداد اجلزر الثالث التي استولت عليها تلك األخرية‪ .‬كام أن وجود حدود مبارشة بني‬

‫إيران وعدد من الدول اخلليجية يف ظل غياب عالقات الود والتفاهم يكسب العالقات بينها‬ ‫وبني تلك الدول طابع ًا رصاعي ًا‪ ،‬وجيعل من إيران عامل هتديد أمني‪ ،‬وبخاصة بعد احتالهلا‬ ‫جزر اإلمارات الثالث‪ ،‬وقيام الثورة اإلسالمية وما طرحته من شعارات خاصة بعدم استقالل‬

‫بعض الدول اخلليجية‪ .‬وهذا من شأنه أن يساهم يف عدم االستقرار السيايس واألمني يف‬ ‫املنطقة‪ .‬ويمكن القول إنه عىل الرغم من أن دول النظام اخلليجي متتلك إمكانات اقتصادية‬

‫هائلة مقابلة بالعديد من دول النظام العاملي‪ ،‬وأن هذه الدول استطاعت حتقيق درجة عالية‬ ‫من النمو االقتصادي مقابلة بالعديد من دول العامل النامي‪ ،‬فإن ما شهدته تلك املنطقة من‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪279‬‬


‫خامتة‬

‫حروب واضطرابات أمنية دفعها إىل ختصيص نسبة كبرية من إمكاناهتا االقتصادية نحو اإلنفاق‬

‫العسكري‪ ،‬فقد شهدت املنطقة حربني مدمرتني‪ ،‬األوىل استمرت زهاء الثامين سنوات بني‬

‫العراق وإيران‪ ،‬والثانية نتيجة غزو العراق الكويت‪ ،‬األمر الذي َّأدى إىل استجالب آلة احلرب‬ ‫الغربية إىل منطقة اخلليج وما نتج من ذلك من هدر واستنزاف للطاقات واملوارد والثروات‬

‫اخلليجية‪ .‬وقد أدت تلك احلروب إىل إرهاق ميزانيات كل الدول اخلليجية‪ ،‬فاجتهت تلك‬

‫الدول إىل االستدانة‪ ،‬حيث بلغ إمجايل الديون املرتاكمة عىل دول النظام اخلليجي نحو مئة وستة‬

‫عرش مليار دوالر‪ .‬حتتل اململكة العربية السعودية املركز األول من حيث نسبة الديون اخلارجية‬

‫بنحو ثالثني مليار دوالر‪ ،‬تليها الكويت بنحو ثالثة عرش مليار دوالر‪ ،‬فالعراق بنحو أحد عرش‬ ‫مليار ًا‪ ،‬ثم اإلمارات بنحو عرشة مليارات‪ ،‬فإيران بنحو تسعة مليارات‪ ،‬ثم عامن وقطر بنحو‬

‫ثالثة مليارات دوالر لكل منهام‪ ،‬ثم مملكة البحرين التي بلغت مديونيتها نحو ثالثمئة ومخسني‬ ‫مليون دوالر‪ .‬وهو ما أ َّثر بشكل مبارش يف مواصلة جهود التنمية يف تلك الدول‪.‬‬ ‫‪ -2‬ارتبطت األيديولوجيا اإليرانية ارتباط ًا وثيق ًا بالسياسة اخلارجية للجمهورية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬فقد سعت إيران إىل تسييس الدين بشكل مبارش‪ ،‬وطرحته ممارسة سياسية أو ً‬ ‫ال‬

‫قبل طرحه دين ًا‪ ،‬لكن تلك املكانة التي احتلتها األيديولوجيا الثورية للنظام احلاكم يف إيران‬ ‫قد تق َّلص دورها إىل حد كبري يف أعقاب وفاة اخلميني وتويل رفسنجاين احلكم‪ ،‬لتتقدم عوامل‬ ‫املصلحة القومية عىل االعتبارات األيديولوجية‪ ،‬ذلك التوجه ازداد قوة مع فوز اإلصالحيني‬

‫ووصول خامتي إىل السلطة عام ‪ ،1997‬وبدت السياسات اخلارجية إليران أكثر واقعية‪ .‬ومن‬

‫ثم تكاتفت اعتبارات املصلحة القومية اإليرانية مع جمموعة املتغريات اإلقليمية والدولية‬ ‫لتلقي بظالهلا عىل توجهات السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول اخلليج وتتعدَّ ى حدود‬ ‫التأثري األيديولوجي املتعصب لتصب بالسياسة اإليرانية يف بوتقة االعتدال‪ ،‬بعيد ًا عن التشدُّ د‬ ‫والتعصب الذي كان السمة البارزة للعهد اخلميني‪ .‬فام حدث هو تنحية التأثري األيديولوجي‬ ‫جانب ًا وليس إلغاؤه متام ًا‪ .‬فقد نزعت إيران إىل التخيل التدرجيي عن أمهية العامل املذهبي يف‬

‫السياسة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬لتحل حم َّله نظرة واقعية تقوم عىل حتقيق املصالح القومية للدولة‪،‬‬

‫بعد أن َّ‬ ‫تأكد دور الدولة عىل حساب الثورة‪ ،‬نتيجة سيطرة املعتدلني عىل السلطة‪ ،‬األمر الذي‬ ‫جعل إيران تنتهج سياسة خارجية أكثر اعتدا ً‬ ‫ال جتاه دول العامل وبخاصة دول اخلليج املجاورة‪.‬‬ ‫ومن ثم أصبحت رعاية املصالح القومية هي الركيزة األساسية للسياسة اخلارجية اإليرانية‪.‬‬

‫‪280‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫‪ -3‬عىل الرغم من التقارب احلادث بني إيران ودول منظومة جملس التعاون اخلليجي يف‬

‫أعقاب أزمة اخلليج الثانية نتيجة املوقف اإليراين الرافض للغزو‪ ،‬وعىل الرغم من التنازالت‬ ‫واإلغراءات التي قدمها العراق إىل إيران لتحييدها وإغالق اجلبهة اإليرانية‪ ،‬وعىل الرغم من‬

‫حتول مصدر هتديد األمن اخلليجي نحو العراق‪ ،‬فإنه ما زالت هناك شكوك خليجية جتاه النوايا‬ ‫التوسعية اإليرانية‪ ،‬وخماوف من استمرار إيران مصدر ًا لتهديد األمن اخلليجي‪ ،‬وبخاصة مع‬ ‫التعنت اإليراين جتاه مسألة اجلزر اإلماراتية املحتلة‪ ،‬واإلرصار اإليراين عىل التمسك بتلك‬

‫اجلزر‪ ،‬ورفض التفاوض بشأهنا أو إحالتها إىل التحكيم الدويل‪ ،‬كام ترى دولة اإلمارات‬ ‫ربرها بالطبع ‪ -‬عىل‬ ‫وتؤيدها يف ذلك باقي دول املجلس‪ .‬وتلك الشكوك اخلليجية هلا ما ي َّ‬

‫الرغم من فوز اإلصالحيني بأغلبية مقاعد جملس الشورى يف آذار‪/‬مارس ‪ - 2000‬ألن‬ ‫يعول كثري ًا عىل الربملان وال حتى عىل الرئيس إلحداث‬ ‫هيكل السياسة اخلارجية يف إيران ال ِّ‬ ‫تغيريات جوهرية يف سياسة الدولة اخلارجية‪ .‬فمن ناحية أوىل‪ ،‬إن جملس صيانة الدستور الذي‬

‫خيتص باملصادقة عىل القوانني التي يقرها الربملان هييمن عليه املحافظون‪ ،‬ومن ناحية ثانية‪،‬‬ ‫إن املرشد األعىل يتمتع بسلطات مطلقة يف ما يتعلق بالسياسة اخلارجية‪ ،‬ومن ناحية ثالثة‪،‬‬ ‫إن الدستور اإليراين حيكم عملية إدارة السياسة اخلارجية وقواعد التعاون الدويل مع الدول‬

‫األخرى وإبرام االتفاقات واالمتيازات وغريها من الرشوط احلاكمة لتلك السياسة‪ .‬وقد‬ ‫نص الدستور مث ً‬ ‫ال يف املادة (‪ )78‬عىل «عدم جواز التخيل عن أي قطعة أرض من األرايض‬ ‫َّ‬ ‫اإليرانية‪ ،‬أو التفاوض مع دولة أخرى حول تغيري احلدود معها من دون موافقة ‪ 80‬يف املئة من‬

‫أعضاء الربملان»‪.‬‬

‫‪ -4‬إن سعي إيران املتزايد إىل بناء قوهتا العسكرية غري التقليدية من خالل بناء نظام‬

‫متكامل للطاقة النووية وإنتاج عدَّ ة مئات من األطنان من عوامل احلرب الكيميائية كل عام‬

‫مثل غاز اخلردل‪ ،‬الكلورين‪ ،‬الفوسجني‪ ،‬وهيدروجني السيانيد‪ ،‬وعوامل األعصاب مثل‬ ‫السارين‪ ،‬كل ذلك يبعث عىل التخوف اخلليجي‪ ،‬ويق َّلل من جماالت التعاون بني اجلانبني‪.‬‬ ‫وهناك سعي إيراين إىل تطوير قدراهتا العسكرية‪ ،‬وبخاصة الصواريخ بعيدة املدى‪ ،‬فبعد تطوير‬

‫إيران لصواريخ (شهاب‪ )1-‬و(شهاب‪ )2-‬خطت القدرة الصاروخية اإليرانية خطوة نوعية‬

‫أساسية‪ ،‬متثَّلت يف تطوير الصاروخ (شهاب –‪ ،)3‬والعمل عىل تطوير طراز آخر من الصواريخ‬ ‫الباليستية وهو الصاروخ (شهاب‪ )4-‬بالتعاون مع روسيا التي تعترب حجر الزاوية يف مستقبل‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪281‬‬


‫خامتة‬

‫الربنامج النووي اإليراين إىل جانب الصني وكوريا الشاملية‪ .‬وتطوير إيران لقدراهتا النووية‬

‫له انعكاسات اسرتاتيجية بالغة األمهية عىل الصعيدين اإلقليمي والعاملي بصفة عامة‪ ،‬وعىل‬ ‫منطقة اخلليج العريب والدول املجاورة بصفة خاصة‪ ،‬حيث إن تطوير تلك القدرة وإدخال‬

‫تلك الصواريخ إىل اخلدمة العامة يف الرتسانة العسكرية اإليرانية يمثَّالن قفزة نوعية مهمة يف‬ ‫القدرات العسكرية اإليرانية عموم ًا‪ ،‬ألن امتالك إيران إلمكانات صنع القنبلة النووية يساعد‬

‫عىل تعزيز مكانتها اإلقليمية عىل مستوى اخلليج والرشق األوسط‪ ،‬ويم ِّثل أساس ًا قوي ًا لردع‬ ‫أي هجوم مباغت قد يأيت من جانب إرسائيل أو الواليات املتحدة األمريكية عىل املنشآت‬

‫النووية اإليرانية‪ ،‬عالوة عىل حرص إيران عىل توظيف التطور يف القدرات النووية اإليرانية‬ ‫من أجل تعزيز املوقف اإليراين يف القضايا املتعلقة بأمن اخلليج‪ ،‬األمر الذي يمثل أحد أبرز‬

‫املعوقات التي تعرتض قوة الدفع نحو مزيد من عالقات التقارب مع دول جملس التعاون‬ ‫لدول اخلليج العربية‪.‬‬

‫‪ -5‬عىل الرغم من مؤرشات التقارب التي أبدهتا إيران منذ انتخاب خامتي رئيس ًا‬ ‫للجمهورية‪ ،‬فإن هذه املؤرشات مل َ‬ ‫ترق إىل احلد الذي تنتفي فيه مصادر التهديد اإليرانية‪.‬‬

‫فالرؤية اإليرانية لألمن يف اخلليج مل تتغري كثري ًا‪ ،‬وما زالت املواقف اإليرانية تواجه بحذر شديد‬ ‫من جانب القيادات اخلليجية‪ .‬واإليرانيون يرون أهنم بام هلم من تاريخ سيايس عريق وحضارة‬ ‫إنسانية راقية وإمكانات جيوبوليتيكية هم أصحاب احلق األول يف رسم اخلريطة األمنية يف‬

‫املنطقة‪ .‬وهم يرون أن أمن اخلليج ليس قضية عربية‪ ،‬بل هو باألساس قضية إقليمية‪ ،‬ختص‬

‫الدول املطلة عىل اخلليج فقط‪ ،‬وال حيق ألي دولة خارجية سواء أكانت عربية أم غري عربية‬ ‫أن تشارك يف صياغة الرتتيبات األمنية يف تلك املنطقة‪ .‬وانطالق ًا من ذلك التصور‪ ،‬انتقدت‬ ‫إيران إعالن دمشق بمجرد صدوره‪ ،‬وأعلنت أهنا تريد أمن ًا إقليمي ًا خالص ًا ال دور فيه ملرص‬

‫وال لسوريا‪ ،‬وكذلك القوى العظمى وبخاصة الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ألن أمن اخلليج‬

‫هو مسؤولية دوله فقط‪ ،‬وتقع عىل عاتق إيران املسؤولية الكربى يف حتقيق ذلك األمن بحكم‬

‫عوامل اجلوار اجلغرايف والظروف االجتامعية‪ .‬لذا دعا الرئيس السابق هاشمي رفسنجاين إىل‬ ‫إقامة حتالف بني إيران ودول جملس التعاون الست‪ ،‬إضافة إىل العراق‪ ،‬ورأى أن ذلك التحالف‬

‫سيمثل بفضل القدرات املالية لدوله وموقعه اجلغرايف قاعدة متينة للعامل اإلسالمي يف مواجهة‬ ‫اخلطر اإلرسائييل‪ .‬ويدعم اخلوف اخلليجي ترصيح الرئيس اإليراين (املعتدل) حممد خامتي يف‬

‫‪282‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫أواخر شهر كانون الثاين‪/‬يناير ‪ 2000‬بأن «اخلليج فاريس‪ ،‬وسيبقى فارسي ًا»‪ ،‬وقوله‪« :‬لن‬ ‫نقبل أبد ًا بالسيطرة األجنبية‪ ،‬وسندافع عن منطقتنا»‪ ،‬مؤكد ًا قدرة إيران عىل محاية «اخلليج‬

‫الفاريس»‪ .‬وهو الترصيح الذي كان بمنزلة الصدمة بشأن توجهاته التي أعلنها من قبل‪ ،‬وهو‬ ‫ما يعني أن األمر بالنسبة إىل مسألة األمن يف اخلليج ال خيتلف لدى اإلصالحيني عنه لدى‬ ‫يتعزز الشك لدى الدوائر اخلليجية يف النوايا اإليرانية بالنسبة إىل تلك‬ ‫املحافظني‪ ،‬ومن ثم َّ‬ ‫املسألة‪ ،‬وبخاصة مع سعي إيران احلثيث إىل تطوير قدراهتا العسكرية‪ .‬ومن ثم فهناك خماطر‬ ‫إيرانية عىل األمن اخلليجي بصفة خاصة وعىل األمـن العريب بصـفة عامـة عىل املديني البعيد‬

‫أو املتوسـط‪ ،‬بحكم أن إيران أعطت لنفسها حق الفيتو يف أي ترتيبات أمنية يف منطقة اخلليج‬ ‫بام خيدم مصاحلها األمنية فقط‪.‬‬

‫‪ -6‬يتحدَّ د دور الدولة بمجموعة من املتغريات السياسية واالقتصادية واجلغرافية‬

‫والتارخيية‪ ،‬باإلضافة إىل املتغريات القيادية وما يرتبط هبا من مفاهيم إدراكية حول دور الدولة‬ ‫خارجي ًا إقليمي ًا ودولي ًا‪ .‬فالسياسات الداخلية تنعكس عىل دور الدولة خارجي ًا‪ ،‬وطبيعة النظام‬ ‫السيايس والقدرات املتاحة للدولة اقتصادي ًا وجغرافي ًا وعسكري ًا واملوروثات التارخيية وطبيعة‬

‫القيادة السياسية حتدِّ د رؤية الدولة لدورها يف حميطها اإلقليمي والدويل‪ .‬كام أن هذا الدور‬ ‫حتدده أيض ًا جمموعة من املتغريات اخلارجية املتعلقة بطبيعة النظام اإلقليمي والدويل ومستوى‬ ‫الضغوط التي تتعرض هلا الدولة يف حميطها اإلقليمي والدويل وقدرة الدولة عىل املناورة‬ ‫واحلركة‪ .‬إذ ًا‪ ،‬دور الدولة أو وظيفتها يف جماهلا اإلقليمي والدويل حتدِّ دمها جمموعة من املتغريات‬ ‫الداخلية واإلقليمية والدولية التي تعمل باعتبارها حمدِّ دات هلذا الدور‪ .‬ويف ما يتعلق بإيران‪،‬‬

‫فإهنا ما زالت يف طور التحول التدرجيي من الرشعية الثورية إىل الرشعية الدستورية‪ ،‬وبخاصة‬ ‫منذ جميء السيد خامتي عىل رأس السلطة احلاكمة يف طهران يف الثالث والعرشين من أيار‪/‬مايو‬

‫عام ‪ ،1997‬ورشوعه يف تبنِّي هنج إصالحي داخيل وانفتاحي عىل اخلارج يسعى إىل تبنِّي طريق‬ ‫احلوار‪ ،‬حتى أصبح صانعو تلك السياسة يتحدثون عن «االنفتاح وعالقات اجلوار احلسن»‬ ‫ال من «تصدير الثورة»‪ ،‬ويتحدثون عن «حوار احلضارات» بد ً‬ ‫بد ً‬ ‫ال من «حتدي هيمنة الدول‬ ‫الكربى»‪ ،‬يف الوقت الذي حيرص فيه املحافظون عىل إبراز الرغبة اإليرانية يف القيام بأعباء دور‬ ‫إقليمي واسع يستند إىل مرياث تارخيي إمرباطوري ونظرة توسعية إىل مد النفوذ واحلفاظ عىل‬

‫املصلحة وممارسة نوع من اهليمنة يف حميطها اإلقليمي املجاور‪ .‬والدور اإلقليمي اإليراين خضع‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪283‬‬


‫خامتة‬

‫ملجموعة من املؤثرات التي أ ّدت دورها يف متثيل السياسة اخلارجية اإليرانية يف شقيها اإلقليمي‬ ‫والدويل‪ ،‬أمهها الوضع الداخيل يف إيران والرصاع املحتدم بني املحافظني واإلصالحيني عىل‬

‫مراكز السلطة والنفوذ‪ ،‬والذي ال شك تسبب يف تغيري العديد من مالمح السياسة اخلارجية‬ ‫ميزت تلك السياسة لفرتة طويلة‪.‬‬ ‫اإليرانية‪ ،‬بل وتسبب كذلك يف تغيري اسرتاتيجيات أساسية َّ‬ ‫وعندما انفرد املحافظون بالساحة الداخلية يف إيران عقب الثورة اإلسالمية عام ‪،1979‬‬

‫اتسمت مقوالت سياستهم اخلارجية بالراديكالية املفرطة‪ ،‬ومع سنوات حرب اخلليج األوىل‬

‫مع العراق‪ ،‬استتب األمر لإلمام اخلميني‪ ،‬املرشد األول للثورة‪ ،‬بحيث مل يكن من املمكن بروز‬ ‫منافس له‪ ،‬حيث حكمت الدور اإلقليمي إليران توجهات ذات طبيعة أيديولوجية استندت‬

‫جلها إىل أفكار اإلمام اخلميني وتقسيمه العامل إىل معسكرين‪ :‬املستكربين واملستضعفني‪ ،‬وسيطرة‬

‫األول عىل الثاين‪ ،‬وتبعية بعض دول الثاين للمعسكر األول‪ ،‬وسعيه إىل تنفيذ سياساته كل يف‬ ‫نطاقه اإلقليمي‪ .‬واستمرت عالقات طهران ببعض الدول تحُ كم هبذا التصور األيديولوجي‬ ‫الذي رأى أنه يستهدف جتزئة العـامل اإلسـالمي والسيطرة عىل مقدراته‪ ،‬بل وهنبه حتى يتمكن‬

‫يف النهاية من االستئثار بالنفوذ السيايس واالقتصادي هبا‪ .‬ومل تكن الواليات املتحدة بعيدة عن‬ ‫هذا البناء األيديولوجي املسيطر للثورة اإليرانية‪ ،‬خصوص ًا أهنا إحدى قوى االستكبار العاملي‬ ‫وفق تصورها‪ ،‬وترتبط باملنطقة اجلنوبية الغربية هلا بعالقات وطيدة‪ ،‬ولذلك اهتمت واشنطن‬ ‫باستغالل وهنب ثروات الشعوب اخلليجية وحماولة فرض هيمنتها السياسية واالقتصادية‬

‫والثقافية والعسكرية‪ ،‬مطالبة الدول التي تتصل هبا بشكل وثيق بمحاربة «القوى اخلارجية»‬

‫التي حتاول السيطرة عىل جزء مهم من الدول اإلسالمية وهي الدول اخلليجية‪.‬‬

‫كان إليران اخلميني تصورها اخلاص بدورها اإلقليمي يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬وكذلك‬

‫نظريتها اخلاصة يف محاية األمن اخلليجي‪ ،‬فهي تسعى إىل أن تكون الدولة القائدة يف اخلليج ويف‬

‫العامل اإلسالمي‪ ،‬وتسعى إىل حتقيق أمنها القومي‪ ،‬حتى ولو كان ذلك عىل حساب أمن الدول‬ ‫املجاورة‪ .‬وقد سعى اخلميني ليفرض عىل الدول اخلليجية االعرتاف بدور إيران األمني يف‬

‫املنطقة حتت شعار «مظلة األمن»‪ ،‬رغبة يف السيطرة السياسية والعقائدية عىل املنطقة‪ ،‬وأدركت‬ ‫إيران أن سيطرهتا عىل مضيق هرمز ستحقق هلا الكثري من أهدافها يف محاية أمنها القومي اخلاص‪،‬‬

‫ومل تلتفت إىل آراء الدول اخلليجية األخرى بشأن ما ترفعه من شعارات متس أمن واستقالل‬

‫الدول اخلليجية األخرى‪ ،‬وما تقدم عليه من أفعال هتدف هبا أن تصبح القوة األوىل يف املنطقة‪.‬‬ ‫‪284‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫غري أنه بانتهاء احلرب ووفاة اخلميني‪ ،‬بدأ اإليرانيون يف التعاطي مع شؤوهنم الداخلية بشكل‬ ‫خمتلف‪ ،‬وبرز تيار جديد من اإلصالحيني ظل ضعيف الشوكة إىل أن جاء الرئيس اإليراين‬

‫حممد خامتي عام ‪ 1997‬ليمثل أكرب انتصار لذلك التيار أمام املحافظني‪ ،‬وبدأت الكفة متيل‬

‫إىل اجلانب اإلصالحي‪ ،‬وبالتايل مل جيد اإلصالحيون عناء يف حتويل دفة السياسة اخلارجية‬ ‫تبع ًا ملا يتناسب وقناعتهم‪ ،‬بحيث أصبحت «املصالح الوطنية» وليس «األيديولوجيا»‪ ،‬هي‬ ‫احلاكم الرئيس الذي ختدمه تلك السياسة‪ .‬ومن ثم مل يعد هناك مربر لالستمرار يف عداء أنظمة‬

‫سياسية يمكن حتقيق مصالح كثرية من وراء التعامل معها‪ ،‬ملجرد االختالف األيديولوجي‬ ‫معها‪ ،‬كام أصبح من الرضوري عىل صانعي تلك السياسة اخلارجية اإليرانية ترميم العالقات‬

‫التي تربط اجلمهورية اإلسالمية بمحيطها القريب‪ .‬وكان غزو العراق للكويت عام ‪1990‬‬

‫تكبدهتا‬ ‫فرصة سانحة إليران ملامرسة دور إقليمي أكرب وتعويض جزء كبري من اخلسائر التي َّ‬ ‫خالل حرهبا مع العراق نتيجة املبادرة العراقية يف اخلامس عرش من آب‪/‬أغسطس ‪ ،1990‬كام‬

‫استغلت إيران األوضاع اجلديدة واستفادت من انتهاء زمن العزلة ورشعت يف تقوية الروابط‬ ‫مع دول جملس التعاون واستثامر عالقاهتا الوثيقة مع سوريا ولبنان يف طرح نفسها العب ًا رئيس ًا‬

‫ال يمكن إغفاله يف الرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل من خالل ذراعها القوية (حزب اهلل اللبناين)‪،‬‬ ‫وهي املستبعدة عن كافة الرتتيبات الرسمية هلذا الرصاع لكوهنا دولة غري عربية‪.‬‬

‫إن اخلطوات التي اتبعتها إيران يف أعقاب انتخاب الرئيس حممد خامتي‪ ،‬سواء يف ما يتعلق‬ ‫بتوسيع نطاق الديمقراطية داخلي ًا وحماوالت اإلصالح االقتصادي وصو ً‬ ‫ال إىل حماوالت كرس‬ ‫العزلة الدولية املفروضة عليها وإعادة املياه لنهر عالقاهتا الدبلوماسية مع دول اجلوار اجلغرايف‬

‫وحتسني صورهتا يف مواجهة دول العامل األخرى‪ ،‬تلك اخلطوات التي كانت نتيجة طبيعية‬ ‫للتطورات التي تشهدها إيران قد تدفع بالقول بقبول إيران بأفكار العوملة‪ ،‬أو أهنا تسعى إىل‬ ‫الدخول حتت مظلتها من خالل العمل عىل حتقيق متطلباهتا السياسية واالقتصادية‪ ،‬فمجمل‬

‫الوضع اإليراين َّ‬ ‫يوضح أن إيران تتجه نحو ديمقراطية النظام السيايس ومشاركة أحزاب‬ ‫وجهات وحتالفات خمتلفة يف اللعبة السياسية‪ ،‬فقد شهدت انتخابات الثالث والعرشين من‬

‫أيار‪/‬مايو ‪ 1997‬أعىل معدل من املشاركة الشعبية يف تاريخ إيران ما بعد الثورة‪ ،‬األمر الذي‬

‫َّ‬ ‫يؤكد رغبة الشعب اإليراين يف الديمقراطية واملشاركة السياسية‪ ،‬وبخاصة بعد إعالن الرئيس‬ ‫اإليراين حممد خامتي عن رضورة السعى نحو إعامل حكم القانون وبناء املجتمع املدين‪.‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪285‬‬


‫خامتة‬

‫وهناك سعي من النظام السيايس نحو جذب االستثامرات املحلية واألجنبية‪ ،‬ويدرك‬

‫النظام أن ذلك لن يتحقق من دون توفري قدر كبري من االستقرار واألمن السيايس وحل‬ ‫املشكالت التي تواجه االقتصاد اإليراين نتيجة العزلة التي فرضت عليه لفرتة طويلة‪ .‬وكان‬

‫من املنطقي أن تبادر طهران بعد ذلك إىل اتباع هنج برغاميت‪ ،‬واستغالل الفرص السانحة ما‬

‫أمكن لتأكيد نفوذها يف املنطقة‪ ،‬من خالل عضويتها يف العديد من املنظامت الدولية احلكومية‬ ‫كمنظمة املؤمتر اإلسالمي‪ ،‬ورئاسة منظمة األوبك‪ ،‬مع رفضها املتكرر لوجود قوات التحالف‬ ‫يف اخلليج‪ ،‬وانتقادها إلعالن دمشق‪ ،‬والتأكيد مرار ًا عىل أن أمن اخلليج هو مسؤولية دوله‬ ‫فقط‪ .‬وبصفة عامة‪ ،‬مل تعد إيران تقبل بسهولة استبعادها من أي ترتيبات إقليمية‪ ،‬سوا ًء عىل‬ ‫املستوى السيايس أم االقتصادي أم العسكري‪ ،‬أم عىل املستوى اخلليجي‪ ،‬أم يف ما يتعلق بتسوية‬

‫الرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل‪.‬‬

‫ال ينفي هذا التحول يف وسائل ممارسة إيران لدورها اإلقليمي أن أفكار تصدير مبادئ‬ ‫الثورة ما زالت كامنة يف الشعور اإليراين‪ ،‬وأن هناك استعداد ًا إيراني ًا إلحياء تلك األفكار‬ ‫إذا ما تطلب األمر ذلك‪ ،‬خصوص ًا أن تلك األفكار متثل األساس العقيدي للحرس الثوري‬ ‫اإليراين‪ .‬كام يؤكد ذلك الطرح استمرار احتالل اجلزر اإلماراتية الثالث‪ ،‬عىل الرغم من‬

‫املحاوالت املضنية من جانب دولة اإلمارات العربية املتحدة للتوصل إىل تسوية بشأن هذا‬ ‫األمر‪ ،‬سواء باجللوس عىل مائدة احلوار املبارش‪ ،‬أم عن طريق إحالة القضية برمتها إىل حمكمة‬

‫العدل الدولية أو هيئة حتكيم‪ .‬حيث يؤكد الكثريون عىل أن التغري يف املوقف اإليراين من هذه‬ ‫القضية سيكون يف حدَّ ذاته مؤرش ًا عىل جدية إيران يف حتسني عالقاهتا بالعامل العريب‪ ،‬ومن ثم‬

‫عىل رجحان كفة االعتدال يف سياسة إيران اخلارجية‪ ،‬وتبديل فكرة الدور املهيمن إىل الدور‬

‫املشارك‪ .‬كام أن االهتامم اإليراين املبالغ فيه بدعم قوهتا العسكرية التقليدية وغري التقليدية‬ ‫التي تفوق احتياجاهتا للدفاع عن نفسها ومحاية مصاحلها احليوية َّ‬ ‫يؤكد ضمني ًا وجود نوايا‬ ‫للهيمنة وفرض سياسة األمر الواقع‪ ،‬وجيعلنا ننظر إىل الدور اإليراين يف منطقة اخلليج نظرة‬

‫غري متفائلة‪.‬‬

‫‪ -7‬تكاتفت جمموعة من األدوار املختلفة للتأثري يف عملية صنع السياسة اخلارجية‬ ‫اإليرانية‪ ،‬وهي‪ :‬األيديولوجيا وعنرصا القيادة واملصلحة القومية للدولة اإليرانية‪ٍ ،‬وقد متثلت‬

‫األيديولوجيا اإليرانية يف انتصار الفكر اإلسالمي الشيعي الذي أطاح باحلكم البهلوي‪ ،‬وأصبح‬ ‫‪286‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫الفكر الديني لإلمام اخلميني إحدى الركائز األساسية املحدَّ دة لطبيعة عملية صنع القرار‬

‫اإليراين‪ ،‬سواء عىل املستوى الداخيل أم عىل املستوى اخلارجي‪ .‬فقد نجح اخلميني يف بسط‬ ‫سيطرة رجال الدين عىل الدولة عرب بسط سلطتهم الدينية عىل الساحة السياسية‪ ،‬فخرجت‬

‫الدولة اإليرانية اجلديدة دولة شيعية ثيوقراطية‪ ،‬يمسك فيها رجال الدين بكل مقاليد احلكم‪،‬‬ ‫ويفرضون قوانني الدولة‪ ،‬ويتولون إدارة ُج َّل مؤسساهتا السياسية واالقتصادية واالجتامعية‬

‫والثقافية‪ .‬فالدور الشامل للدين يف إيران مل يؤثر فحسب يف الطبيعة الثيوقراطيه للنظام السيايس‪،‬‬ ‫بل أثر أيض ًا يف السياسة اخلارجية وصبغها بصبغة معينة‪ .‬وهكذا ارتبطت األيديولوجيا اإليرانية‬ ‫ارتباط ًا وثيق ًا بالسياسة اخلارجية للجمهورية اإلسالمية‪ .‬فقد ألقى البعد املذهبي يف فن صياغة‬ ‫وتشكيل السياسة اخلارجية اإليرانية يف أعقاب الثورة بظالله عىل األنشطة والتحركات اإليرانية‬

‫اخلارجية كافة‪ ،‬سواء أكانت وجهتها إقليمية أم قارية‪ ،‬أم حتى عاملية‪.‬‬

‫وعىل الرغم من التعدُّ د والتنوع والتداخل الذي تتصف به تركيبة نظام احلكم يف‬

‫اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬فإن مؤسسة القيادة املتمثلة يف املرشد تأيت عىل رأس مؤسسات‬ ‫احلكم يف إيران‪ ،‬وهي تؤدي دور ًا مفصلي ًا يف عملية صنع قرار السياسة اخلارجية اإليرانية‪.‬‬ ‫حيث جيعل الدستور اإليراين مسألة اإليامن بوالية الفقيه من الركائز األساسية للجمهورية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬فال يستقيم نظامها إال هبا‪ ،‬وال يكتسب رشعيته إال بإعامهلا‪ ،‬فاملرشد يتمتع بوضع‬

‫شديد التميز‪ .‬وينص الدستور اإليراين عىل أن املرشد أو القائد هو أعىل سلطة يف إيران‪ ،‬وقد‬

‫منحه الدستور السيادة السياسية والدينية‪ .‬فهو الذي يوقع قرار تعيني رئيس الدولة ويعزله‪،‬‬ ‫ويفصل بني السلطات الثالث‪ ،‬ويعينَّ كبار املسؤولني يف الدولة‪ ،‬ويتوىل حتديد اخلطوط‬ ‫األساسية للسياسة العامة للدولة‪ .‬وحيدد الدستور اإليراين الرتتيبات اخلاصة بالقائد وأسلوب‬ ‫اختياره والرشوط الالزم توافرها فيه والصالحيات املنوط به القيام هبا وطريقة اختياره من‬

‫خالل جملس اخلرباء‪ .‬وكان آية اهلل اخلميني هو أول مرشد للثورة اإليرانية‪ ،‬وقد استطاع أن‬

‫جيمع بني املرجعية الدينية والزعامة السياسية‪ ،‬وقد مارس آية اهلل اخلميني صالحيات واسعة‬

‫أثرت يف صياغة قرار السياستني الداخلية واخلارجية عىل نحو سواء‪ ،‬فبحكم منصبه بصفته‬ ‫وسع اخلميني من صالحياته‪ ،‬وأدخل منصبه يف اإلطار املؤسسايت‪ ،‬ففرض سلطته عىل‬ ‫فقيه ًا‪ّ ،‬‬ ‫أصحاب املناصب الرسمية املهمة يف الدولة‪ ،‬عن طريق تعيني ممثليه الشخصيني الذين عرفوا‬

‫بـ»ممثيل اإلمام» يف املصالح احلكومية املهمة كافة‪ ،‬وملتابعة كل األمور‪ .‬وكان للخميني تأثريه‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪287‬‬


‫خامتة‬

‫الواضح يف عملية صنع السياسات الداخلية واخلارجية إليران الثورة‪ ،‬وكانت فتاويه هي التي‬ ‫حتدد اإلطار العام حلركة السياسة اخلارجية اإليرانية‪ .‬تلك القوة مل تتوافر للمرشد األعىل الذي‬

‫خلف اخلميني يف حزيران‪/‬يونيو ‪ 1989‬آية اهلل عيل خامنئي‪ ،‬الذي حاول بدوره تقوية نفوذه‬ ‫من خالل زيادة عدد مساعديه ومستشاريه السياسيني‪ .‬وعني ممثلني يتبعونه شخصي ًا ويرفعون‬ ‫إليه تقارير حول خمتلف قضايا السياسة اخلارجية‪ ،‬ولكنه مل يرق إىل قوة سلفه اخلميني‪.‬‬

‫ومع وفاة اخلميني وتويل رفسنجاين احلكم‪ ،‬بدت األيديولوجيا وقد تق ّلص دورها إىل‬

‫حد كبري يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬لتتقدم عليها عوامل املصلحة القومية‪.‬‬ ‫ذلك التوجه ازداد قوة مع فوز اإلصالحيني ووصول خامتي إىل السلطة عام ‪ ،1997‬وبدت‬ ‫السياسات اخلارجية إليران أكثر واقعية نتيجة الرغبة اإليرانية يف اخلروج من العزلة الدولية‬

‫التي فرضتها عليها الواليات املتحدة األمريكية من خالل سياسة االحتواء املزدوج‪ ،‬والرغبة‬ ‫يف االنفتاح عىل دول أوروبا واملعسكر اآلسيوي ودول العامل النامي ودول اخلليج‪ .‬ومن ثم‬ ‫أصبحت رعاية املصالح القومية هي الركيزة األساسية للسياسة اخلارجية اإليرانية‪.‬‬

‫‪ -8‬عىل الرغم من أن قيام الثورة اإلسالمية يف إيران قد َّأدى إىل عدد من التغريات‬

‫يف عالقات إيران اخلارجية وتوجهاهتا‪ ،‬فإن إيران الثورة مل ختتلف يف جوهرها األمني ويف‬ ‫مستمر ًا يف مرحلة ما بعد الثورة‪ .‬لذلك‬ ‫أهدافها عن إيران الشاه‪ ،‬ألن خط إيران التوسعي ظل‬ ‫ّ‬ ‫املميزة يف إطار أدوات السياسة‬ ‫استمرت األداة العسكرية والتهديد هبا يف احتالل مكانتها َّ‬

‫اخلارجية اإليرانية‪ ،‬متفوقة بذلك عىل األدوات الدبلوماسية واالقتصادية‪ .‬ولو ظهرت أدوات‬ ‫أخرى للسياسة اخلارجية اإليرانية توافق ًا مع طبيعة املرحلة الثورية اجلديدة‪ ،‬متثلت يف «تصدير‬ ‫الثورة»‪ ،‬ودعم احلركات اإلسالمية يف خمتلف البلدان‪.‬‬

‫وعىل الرغم من النغمة املعتدلة للترصحيات اإليرانية يف عهد رفسنجاين وعهد خامتي‬

‫بشأن رضورة إقامة عالقات حسن جوار مع دول اخلليج العربية‪ ،‬فإن إيران تستخدم قوهتا‬ ‫العسكرية بصورة مستفزة ألمن واستقرار املنطقة‪ ،‬حيث قامت إيران باستخدام شقي القوة‬ ‫العسكرية‪ ،‬ومها التهديد هبا واالستخدام الفعيل وتوظيفها يف حتقيق أهدافها اخلارجية‪.‬‬

‫ويأيت التهديد بالقوة العسكرية من خالل ما تقوم به إيران من استعراض للقوة العسكرية يف‬

‫اختبارات األسلحة الصاروخية والعروض واملناورات العسكرية يف اخلليج‪ ،‬مع استمرار االحتالل‬ ‫‪288‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫العسكري جلزر اإلمارات الثالث الذي دعمته إيران بام اختذته من إجراءات مشددة يف عام ‪1992‬‬ ‫لتكريس األمر الواقع‪ .‬وهناك املحاوالت اإليرانية املستمرة لفرض سيطرهتا عىل مضيق هرمز‬

‫ومناوشة الوجود الغريب فيه‪ ،‬ملا يمثله املضيق من أمهية اقتصادية واسرتاتيجية إليران‪.‬‬

‫َّ‬ ‫يؤكد تلك الرؤية التزايد امللحوظ الذي شهدته ميزانية اإلنفاق العسكري اإليراين‬ ‫خالل السنوات العرش األخرية من القرن العرشين‪ ،‬فقد ارتفع اإلنفاق العسكري من‬ ‫‪ 3.810‬مليار دوالر عام ‪ 1991‬إىل ‪ 4.7‬مليار دوالر عام ‪ ،1997‬ثم إىل ‪ 5.7‬مليار‬ ‫دوالر عام ‪ ،1999‬ثم إىل نحو ‪ 7.5‬مليار دوالر عام ‪.2000‬‬ ‫ربر حال القلق والرتقب الذي تعيشه دول اخلليج‪ ،‬ويدعوها إىل دعم‬ ‫إن ما سبق ي ِّ‬

‫استمرار الوجود العسكري األجنبي لردع القوة اإليرانية إذا لزم األمر‪ ،‬وذلك كام ُردعت‬

‫القوة العراقية من قبل‪.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪289‬‬


‫املراجع‬ ‫‪ -1‬العربية‬ ‫كتب‬

‫أبو السعود‪ ،‬عبد السالم‪ .‬حلف بغداد‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار القاهرة للطباعة‪( .1957 ،‬سلسلة‬ ‫كتب سياسية؛ الكتاب التاسع والعرشون)‬

‫أبو العز‪ ،‬حممد صفي الدين (مرشف)‪ .‬الوطن العريب واملتغريات العاملية‪ .‬القاهرة‪ :‬جامعة‬ ‫الدول العربية‪ ،‬معهد البحوث والدراسات العربية‪.1991 ،‬‬

‫أبو غزالة‪ ،‬عبد احلليم‪ .‬احلرب العراقية اإليرانية‪ 1980 ،‬ـ ‪[ .1988‬د‪ .‬م‪ :.‬د ‪.‬ن‪،].‬‬ ‫‪.1994-1993‬‬ ‫إدريس‪ ،‬حممد السعيد‪ .‬النظام اإلقليمي للخليج العريب‪ .‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة‬ ‫العربية‪( .2000 ،‬سلسلة أطروحات الدكتوراة؛ ‪)34‬‬

‫األشعل‪ ،‬عبد اهلل‪ .‬اإلطار القانوين والسيايس ملجلس التعاون اخلليجي‪ .‬القاهرة‪ :‬دار‬ ‫النهضة العربية‪.1988 ،‬‬

‫ــــــ‪ .‬قضية احلدود يف اخلليج العريب‪ .‬القاهرة‪ :‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية‬ ‫باألهرام‪.1978 ،‬‬ ‫أمن اخلليج يف القرن احلادي والعرشين‪ .‬اإلمارات‪ :‬مركز اإلمارات للدراسات‬ ‫والبحوث االسرتاتيجية‪.1998 ،‬‬

‫‪290‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫إيزدي‪ ،‬بيزن‪ .‬مدخل إىل السياسة اخلارجية جلمهورية إيران اإلسالمية‪ .‬ترمجة وتقديم‬ ‫سعيد الصباغ‪ .‬القاهرة‪ :‬الدار الثقافية للنرش‪.2000 ،‬‬

‫باديب‪ ،‬سعيد‪ .‬العالقات السعودية اإليرانية‪ .1983– 1932 ،‬لندن‪ :‬دار الساقي؛ مركز‬ ‫الدراسات اإليرانية والعربية‪.1994 ،‬‬ ‫بدوي‪ ،‬حممد طه‪ .‬مدخل إىل علم العالقات الدولية‪ .‬ط ‪ .3‬القاهرة‪ :‬املكتب املرصي‬ ‫احلديث‪.1976 ،‬‬

‫برجنسكي‪ ،‬رجيينو‪ .‬خارج حدود السيطرة‪ :‬مستقبل البرشية ىف القرن احلادي والعرشين‪.‬‬ ‫إعداد خمتار حممد‪ .‬إسالم آباد‪ :‬معهد الدراسات السياسية‪( .1994 ،‬قضايا دولية)‬

‫بشارة‪ ،‬عبد اهلل‪ .‬جتربة جملس التعاون اخلليجي‪ :‬خطوة أو عقبة يف طريق الوحدة العربية‪.‬‬ ‫عامن‪ :‬منتدى الفكر العريب‪[ ،‬د‪ .‬ت‪( .].‬سلسلة احلوارات العربية؛ ‪.)5‬‬ ‫التدمري‪ ،‬أمحد جالل‪ .‬اجلزر العربية الثالث‪ :‬دراسة وثائقية‪ .‬تقديم وإرشاف خالد بن‬ ‫صقر القاسمي‪ .‬االمارات العربية‪ :‬مطبعة رأس اخليمة الوطنية‪.]2000[ ،‬‬ ‫التقرير االسرتاتيجي اخلليجي‪ .2000-1999 ،‬الشارقة‪ :‬دار اخلليج‪.2000 ،‬‬

‫التقرير االسرتاتيجي العريب‪ .1985 ،‬القاهرة‪ :‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية‬ ‫باألهرام‪.1986 ،‬‬ ‫التقرير االسرتاتيجي العريب‪ .1988 ،‬القاهرة‪ :‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية‬ ‫باألهرام‪.1989 ،‬‬ ‫التقرير االسرتاتيجي العريب‪ .1990 ،‬القاهرة‪ :‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية‬ ‫باألهرام‪.1991 ،‬‬

‫جامعة الدول العربية‪ ،‬معهد البحوث والدراسات العربية‪ .‬الوطن العريب واملتغريات‬ ‫العاملية‪ .‬القاهرة‪ :‬اجلامعة‪.1991 ،‬‬ ‫جنسن‪ ،‬لويد‪ .‬تفسري السياسة اخلارجية‪ .‬ترمجة حممد بن أمحد املفتي وحممد السيد سليم‪.‬‬ ‫الرياض‪ :‬جامعة امللك سعود‪.1989 ،‬‬ ‫احلديثي‪ ،‬هاين إلياس‪ .‬سياسة باكستان اإلقليمية‪ .1994-1971 ،‬بريوت‪ :‬مركز‬ ‫دراسات الوحدة العربية‪( .1998 ،‬سلسلة أطروحات الدكتوراه؛ ‪)33‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪291‬‬


‫املراجع‬

‫حسني‪ ،‬مجال الدين‪ .‬حرب حترير الكويت‪ :‬حرب تدمري العراق النص الكامل للرصاع‪.‬‬ ‫القاهرة‪ :‬مكتبة مدبويل‪.1991 ،‬‬ ‫حسيني‪ ،‬فاضل‪ .‬مشكلة شط العرب‪ .‬القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪ ،‬معهد البحوث‬ ‫والدراسات العربية‪.1975 ،‬‬ ‫اخلميني‪ ،‬آية اهلل (اإلمام)‪ .‬احلكومة اإلسالمية‪ .‬ط ‪[ .3‬طهران]‪ :‬مركز بقية اهلل‪[ ،‬د‪ .‬ت]‪.‬‬

‫الدرة‪ ،‬حممود‪ .‬القضية الكردية‪ .‬بريوت‪ :‬دار الطليعة‪.1966 ،‬‬

‫دستور اجلمهورية اإلسالمية يف إيران‪ .‬طهران‪ :‬مديرية الرتمجة والنرش‪ ،‬رابطة الثقافة‬ ‫والعالقات اإلسالمية‪.1997 ،‬‬ ‫رجب‪ ،‬حييى حلمي‪ .‬أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية‪ .‬القاهرة‪:‬‬ ‫مركز املحروسة للبحوث والتدريب والنرش‪.1997 ،‬‬

‫الرشيدي‪ ،‬أمحد (حمرر)‪ .‬االنعكاسات الدولية واإلقليمية ألزمة اخلليج‪ .‬القاهرة‪ :‬مركز‬ ‫البحوث والدراسات السياسية‪.1991 ،‬‬

‫زهران‪ ،‬مجال‪ .‬توازن القوى بني العرب وإرسائيل بني حريب ‪ .1973 – 1967‬القاهرة‪:‬‬ ‫مكتبة مدبويل‪.1988 ،‬‬

‫سعيد‪ ،‬حممد السيد‪ .‬مستقبل النظام العريب بعد أزمة اخلليج‪ .‬الكويت‪ :‬املجلس الوطني‬ ‫للثقافة والفنون واآلداب‪( .1992 ،‬عامل املعرفة)‬ ‫سليم‪ ،‬حممد السيد‪ .‬حتليل السياسة اخلارجية‪[ .‬القاهرة]‪ :‬جامعة القاهرة‪ ،‬مركز البحوث‬ ‫والدراسات السياسية‪.1989 ،‬‬

‫ـــــــ‪ .‬حتليل السياسة اخلارجية‪ .‬ط ‪ .2‬القاهرة‪ :‬النهضة املرصية‪.1998 ،‬‬

‫ـــــــ (حمرر)‪ .‬النظام العاملي اجلديد‪ .‬القاهرة‪ :‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪،‬‬ ‫‪.1994‬‬ ‫السويدي‪ ،‬مجال سند (حمرر)‪ .‬إيران واخلليج‪ :‬البحث عن االستقرار‪ .‬أبو ظبي‪ :‬مركز‬ ‫اإلمارات للبحوث والدراسات االسرتاتيجية‪.1996 ،‬‬ ‫السيد رجب‪ ،‬عمر الفاروق‪ .‬قوة الدولة‪ :‬دراسات جيوسرتاتيجية‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬ ‫مدبويل‪.1992 ،‬‬

‫‪292‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫السيد‪ ،‬مصطفى كامل‪ .‬حتى ال تنشب حرب عربية وعربية أخرى‪ .‬القاهرة‪ :‬جامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪.1992 ،‬‬

‫شبل‪ ،‬فؤاد حممد‪ .‬الفكر السيايس‪ :‬دراسات مقارنة للمذاهب السياسية واالجتامعية‪.‬‬ ‫القاهرة‪ :‬اهليئة املرصية العامة للكتاب‪.1974 ،‬‬ ‫شحادة‪ ،‬مهدي وجواد بشارة‪ .‬إيران‪ :‬حتدَّ يات العقيدة والثورة‪ .‬باريس‪ :‬مركز الدراسات‬ ‫العريب األورويب‪.1999 ،‬‬ ‫شكر‪ ،‬زهري‪ .‬السياسة األمريكية يف اخلليج العريب‪ .‬بريوت‪ :‬معهد اإلنامء العريب‪.1982 ،‬‬

‫صبحي‪ ،‬أمحد حممود‪ .‬البحرين ودعوى إيران‪ .‬تقديم ومراجعة حممود عيل الداود‪ .‬كفر الدوار‪:‬‬ ‫مطبعة عوف اسكندرية‪.1963 ،‬‬

‫عامر‪ ،‬كامل أمحد‪ .‬جملس التعاون اخلليجي‪ ،‬نموذج للتكامل االقتصادي‪[ .‬د‪ .‬م‪ :].‬جامعة قناة‬ ‫السويس‪ ،‬كلية التجارة‪.1988 ،‬‬

‫عامر‪ ،‬كامل أمحد‪ .‬الدور املرصي والعريب يف حرب حترير الكويت‪ .‬القاهرة‪ :‬اهليئة املرصية‬ ‫العامة للكتاب‪( .2001 ،‬تاريخ املرصيني؛ ‪)208‬‬

‫عبد اهلل‪ ،‬عبد اخلالق‪ .‬العامل املعارص والرصاعات الدولية‪ .‬الكويت‪ :‬املجلس الوطني للثقافة‬ ‫والفنون واآلداب‪( .1989 ،‬عامل املعرفة؛ ‪)133‬‬

‫عبدول‪ ،‬عبد الوهاب‪ .‬اجلزر العربية الثالث يف اخلليج العريب ومدى مرشوعية التغريات‬ ‫اإلقليمية الناجتة عن استخدام القوة‪ :‬دراسة قانونية‪ .‬رأس اخليمة‪ :‬مركز الدراسات‬

‫والوثائق‪[ ،‬د‪ .‬ت‪( .].‬كتاب األبحاث؛ ‪)9‬‬

‫العفيفي‪ ،‬فتحي‪ .‬التوازن االسرتاتيجي يف اخلليج العريب (‪ .)2000-1990‬القاهرة‪ :‬املركز‬ ‫األكاديمي للدراسات االسرتاتيجية‪( .2001 ،‬ملف اخلليج االسرتاتيجي؛ ‪)2‬‬

‫العقاد‪ ،‬صالح‪ .‬معامل التغيري يف دول اخلليج العريب‪ .‬القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪ ،‬معهد‬ ‫البحوث والدراسات العربية‪.1972 ،‬‬

‫العلكيم‪ ،‬حسن محدان‪ .‬األمن واالستقرار يف منطقة اخلليج‪ :‬دراسة استرشافية‪ .‬رأس اخليمة‪:‬‬ ‫املركز العريب للدراسات االسرتاتيجية‪( .1999 ،‬سلسلة قضايا خليجية؛ ‪)3‬‬

‫علوي‪ ،‬مصطفى (حمرر)‪ .‬مرص وأمن اخلليج بعد احلرب‪ .‬القاهرة‪ :‬مركز البحوث والدراسات‬ ‫السياسية‪.1994 ،‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪293‬‬


‫املراجع‬

‫العيدروس‪ ،‬حممد حسن‪ .‬العالقات العربية اإليرانية‪ .1971-1921 ،‬الكويت‪ :‬منشورات‬ ‫ذات السالسل‪.1985 ،‬‬

‫غورباتشوف‪ ،‬ميخائيل‪ .‬البرييسرتويكا‪ :‬تفكري جديد لبالدنا والعامل‪ .‬ترمجة محدي عبد اجلواد‪.‬‬ ‫القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪.1988 ،‬‬

‫فايز‪ ،‬حممد‪ .‬قضايا علم السياسة العام‪ .‬بريوت‪ :‬دار الطليعة‪.1986 ،‬‬

‫فهمي‪ ،‬عبد السالم عبد العزيز‪ .‬تاريخ إيران السيايس يف القرن العرشين‪ .‬القاهرة‪ :‬مطبعة املركز‬ ‫النموذجي‪.1973 ،‬‬

‫قاسم‪ ،‬مجال زكريا‪ .‬اخلليج العريب‪ :‬دراسة لتاريخ اإلمارات العربية‪ .1945 – 1914 ،‬القاهرة‪:‬‬ ‫[د‪ .‬ن‪.1973 ،].‬‬

‫ــــــ ويونان لبيب رزق (حمرران)‪ .‬العالقات العربية اإليرانية‪ .‬القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪،‬‬ ‫معهد البحوث والدراسات العربية‪.1993 ،‬‬

‫الكليني‪ ،‬أبو جعفر حممد بن يعقوب‪ .‬األصول من الكايف‪ .‬صححه وعلق عليه عيل أكرب‬ ‫الغفاري‪ .‬بريوت‪ :‬دار االضواء‪ 2 .1985 ،‬ج‪.‬‬

‫كوردسامن‪ ،‬أنتوين‪ .‬القدرات العسكرية اإليرانية‪ .‬اإلمارات‪ :‬مركز اإلمارات للدراسات‬ ‫والبحوث االسرتاتيجية‪[ ،‬د‪ .‬ت‪( .].‬سلسلة دراسات عاملية؛ ‪)6‬‬ ‫لوريمر‪ ،‬جون جوردن‪ .‬دليل اخلليج‪ .‬ترمجة مكتب الرتمجة بديوان حاكم قطر‪ .‬بريوت‬ ‫‪ :‬دار العربية‪.1970-1967 ،‬‬ ‫مار‪ ،‬فيبي ووليم لويس (حمرران)‪ .‬امتطاء النمر‪ :‬حتدَّ ي الرشق األوسط بعد احلرب‬ ‫الباردة‪ .‬ترمجة عبد اهلل مجعة احلاج‪ .‬أبو ظبي‪ :‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث‬ ‫االسرتاتيجية‪( .1996 ،‬سلسلة دراسات مرتمجة)‬ ‫جملس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬األمانة العامة‪ .‬البيانات اخلتامية لدورات املجلس‬ ‫األعىل‪ .‬ط ‪ .13‬الرياض‪ :‬املجلس‪.2000 ،‬‬

‫ــــــ‪ .‬النرشة اإلحصائية‪[ .‬الرياض]‪ :‬مركز املعلومات‪ ،‬إدارة اإلحصاء‪.1999 ،‬‬

‫حمافظة‪ ،‬عيل [وآخرون]‪ .‬العرب وجوارهم إىل أين؟‪ .‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة‬ ‫العربية‪( .2000 ،‬سلسلة كتب املستقبل العريب؛ ‪)20‬‬

‫‪294‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫مركز اخلليج للدراسات االسرتاتيجية‪ .‬دول جملس التعاون اخلليجي‪ :‬إشكاليات الوضع الداخيل‬ ‫وهتديدات الساحة اخلارجية‪[ .‬القاهرة]‪ :‬املركز‪( .2000 ،‬كراسات اسرتاتيجية؛ ‪)36‬‬

‫ـــــ‪ .‬جملس التعاون لدول اخلليج بعد ‪ 20‬عام ًا من إنشائه‪[ .‬ديب]‪ :‬املركز‪.2000 ،‬‬

‫مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام‪ .‬النظام االقليمى العريب‪ :‬الوضع‬ ‫الراهن وحتديات املستقبل‪ .‬القاهرة‪ :‬املركز‪.1987 ،‬‬

‫مرهون‪ ،‬عبد اجلليل زيد‪ .‬أمن اخلليج بعد احلرب الباردة‪ .‬بريوت‪ :‬دار النهار للنرش‪،‬‬ ‫‪.1997‬‬ ‫مسعد‪ ،‬نيفني عبد املنعم‪ .‬صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية‪ .‬بريوت‪:‬‬ ‫مركز دراسات الوحدة العربية‪.2001 ،‬‬

‫مسلم‪ ،‬طلعت أمحد‪ .‬التعاون العسكري العريب‪ .‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬ ‫‪.1990‬‬ ‫املشاط‪ ،‬عبد املنعم (حمرر)‪ .‬أمن اخلليج العريب‪ :‬دراسة يف اإلدراك والسياسات‪ .‬القاهرة‪:‬‬ ‫مركز البحوث والدراسات السياسية‪.1994 ،‬‬

‫ـــــــ (حمرر)‪ .‬الدور اإلقليمي ملرص يف الرشق األوسط‪ .‬القاهرة‪ :‬مركز البحوث‬ ‫والدراسات السياسية‪.1995 ،‬‬ ‫مطر‪ ،‬مجيل وعيل الدين هالل‪ .‬النظام اإلقليمي العريب‪ :‬دراسة ىف العالقات السياسية‬ ‫العربية‪ .‬ط ‪ .3‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.1983 ،‬‬

‫مظلوم‪ ،‬حممد مجال‪ .‬القدرات العسكرية اإليرانية التقليدية وغري التقليدية‪ .‬القاهرة‪ :‬مركز‬ ‫اخلليج للدراسات االسرتاتيجية‪( .2001 ،‬كراسات اسرتاتيجية خليجية؛ ‪)38‬‬

‫مظهر‪ ،‬كامل‪ .‬دراسات يف تاريخ إيران احلديث واملعارص‪ .‬بغداد‪[ :‬د‪ .‬ن‪.1985 ،].‬‬

‫معوض‪ ،‬جالل معوض‪« ،‬غزو الكويت وحرب اخلليج الثانية‪ ».1991- 1990 ،‬يف‪:‬‬ ‫موسوعة أحداث القرن العرشين‪ .‬القاهرة‪ :‬دار املستقبل العريب‪ .2000 ،‬ج ‪.4‬‬ ‫مقلد‪ ،‬اسامعيل صربي‪ .‬االسرتاتيجية والسياسة الدولية‪ :‬املفاهيم واحلقائق األساسية‪.‬‬ ‫بريوت‪ :‬مؤسسة األبحاث العربية‪.1979 ،‬‬

‫ــــــ‪ .‬االسرتاتيجية والسياسة الدولية‪ :‬املفاهيم واحلقائق األساسية‪ .‬ط ‪ .2‬بريوت‪:‬‬ ‫مؤسسة األبحاث العربية‪.1985 ،‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪295‬‬


‫املراجع‬

‫ــــــ‪ .‬أمن اخلليج وحتديات الرصاع الدويل‪ .‬الكويت‪ :‬رشكة الربيعان للنرش والتوزيع‪،‬‬ ‫‪.1984‬‬ ‫ــــــ‪ .‬نظريات السياسة الدولية‪ :‬دراسة حتليلية مقارنة‪ .‬الكويت‪ :‬جامعة الكويت‪،‬‬ ‫‪.1982‬‬ ‫النجار‪ ،‬مصطفى [وآخرون]‪ .‬تاريخ اخلليج العريب احلديث واملعارص‪[ .‬البرصة]‪:‬‬ ‫جامعة البرصة‪.1984 ،‬‬

‫نورس‪ ،‬عالء الدين‪ .‬السياسة اإليرانية يف اخلليج العريب إبان عهد كريم خان‪،‬‬ ‫‪ .1779-1757‬بغداد‪ :‬املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم؛ معهد البحوث‬ ‫والدراسات العربية‪.1982 ،‬‬ ‫نوفل‪ ،‬سيد‪ .‬األوضاع السياسية إلمارات اخلليج العريب وجنوب اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪ ،‬معهد البحوث والدراسات العربية‪.1972 ،‬‬ ‫هويدي‪ ،‬فهمي‪ .‬إيران من الداخل‪ .‬ط ‪ .2‬القاهرة‪ :‬مركز األهرام للرتمجة والنرش‪،‬‬ ‫‪.1988‬‬

‫يوسف‪ ،‬أمحد وحممد زبارة‪ .‬مقدمة يف العالقات الدولية‪ .‬القاهرة‪ :‬األنجلو املرصية‪.1985 ،‬‬

‫يوسف‪ ،‬فاروق‪ .‬القوة السياسية‪ :‬اقرتاب واقعي من الظاهرة السياسية‪ .‬ط ‪ .2‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬ ‫عني شمس‪.1985 ،‬‬

‫دوريات‬

‫أبو طالب‪ ،‬حسن‪« .‬التطورات األخرية ىف حرب اخلليج‪ ».‬السياسية الدولية‪ ،‬العدد ‪،92‬‬ ‫نيسان‪/‬أبريل ‪.1988‬‬

‫أبو عامود‪ ،‬حممد سعد‪« .‬واقع العالقات السعودية اإليرانية‪ :‬رؤية مستقبلية‪ ».‬السياسة‬ ‫الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،141‬متوز‪/‬يوليو ‪.2000‬‬

‫أبو النور‪ ،‬حممد فراج‪« .‬هامش املناورات يضيق أمام العامل الثالث‪ ،‬التكتالت اإلقليمية‪:‬‬ ‫حصار هزيل ومستقبل رمادي‪ ».‬البيان (اإلمارات)‪.2000/7/7 :‬‬ ‫االحتاد (اإلمارات)‪2000/3/15 :‬؛ ‪ 2000/4/11‬و‪.2000/5/10‬‬

‫«األزمة اإليرانية وانعكاساهتا الدولية‪ ».‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،55‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.1979‬‬

‫‪296‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫األفندي‪ ،‬نزيرة‪« .‬طموحات وقضايا الوحدة األملانية‪ ».‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪،100‬‬ ‫نيسان‪/‬أبريل ‪.1991‬‬

‫بسيسو‪ ،‬فؤاد محدي‪« .‬جملس التعاون اخلليجي وآفاق التوجه االسرتاتيجي العريب املتوازن‪».‬‬ ‫املستقبل العريب‪ ،‬السنة ‪ ،4‬العدد ‪ ،31‬أيلول‪/‬سبتمرب ‪.1981‬‬

‫البيـان (اإلمارات)‪ 2000/6/28 :‬و‪.2000/7/7‬‬

‫التميمي‪ ،‬عبد امللك خلف‪« .‬االحتالل اإليراين للجزر العربية يف اخلليج‪ :‬دراسة يف تاريخ‬ ‫العالقات العربية اإليرانية‪ ».1971 -1887 ،‬جملة دراسات اخلليج واجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،5‬حزيران‪/‬يونيو ‪.1988‬‬

‫ثابت‪ ،‬أمحد‪« .‬إيران ما بعد احلرب‪ ،‬مكاسب الواقع وأزمة االختيار‪ ».‬مستقبل العامل‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬السنة ‪ ،1‬العدد ‪ ،2‬ربيع ‪.1991‬‬

‫جاد‪ ،‬عامد‪ « .‬دول اجلوار اجلغرايف‪ :‬حسابات املكسب واخلسارة‪ ».‬السياسة الدولية‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،103‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.1991‬‬ ‫جريينربجر‪ ،‬روبرت‪« .‬إيران تعطي األمريكان تطمينات عن حيادها يف حرب اخلليج‪».‬‬ ‫اآلفاق‪ ،‬العدد ‪.1991 ،5‬‬ ‫احلاج‪ ،‬عبد اهلل مجعة‪« .‬االستيالء عىل جزيرة أبو موسى‪ ».‬شؤون اجتامعية‪ ،‬العدد ‪،52‬‬ ‫‪.1996‬‬

‫ـــــــ‪« .‬جملس التعاون لدول اخلليج العربية نحو القرن احلادي والعرشين‪ ».‬جملة‬ ‫دراسات اخلليج واجلزيرة العربية‪ ،‬العدد ‪ ،87‬خريف ‪.1997‬‬ ‫حرب‪ ،‬أسامه الغزايل‪« .‬أبعاد النزاع العراقي اإليراين‪ ».‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪،61‬‬ ‫متوز‪/‬يوليو ‪.1980‬‬

‫ــــــ‪« .‬التطور التارخيي ودوافع احلرب‪ :‬ملف احلرب العراقية اإليرانية‪ ».‬السياسة‬ ‫الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،63‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.1981‬‬ ‫حسني‪ ،‬زكريا‪« .‬أسس التصورات اإليرانية ألمن اخلليج‪ ».‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ،137‬متوز‪/‬يوليو ‪.1999‬‬ ‫احلياة (لبنان)‪.2000/5/20 :‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪297‬‬


‫املراجع‬

‫اخلليـج (اإلمارات)‪.1999/5/5 :‬‬

‫اخللييل‪ ،‬جعفر‪« .‬من هم أقدم سكان الساحل العريب يف اخلليج منذ فجر التاريخ وحتى‬ ‫ظهور اإلسالم؟‪ ».‬املؤرخ العريب‪ :‬العدد ‪.1980 ،12‬‬

‫زهران‪ ،‬مجال‪« .‬أبعاد الرصاع العراقي اإليراين والتوازن اإلقليمي‪ ».‬السياسة الدولية‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،71‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.1983‬‬ ‫سعودي‪ ،‬حممد عبد الغني‪« .‬اخلليج بني مقومات الوحدة ورصاع القوى األعظم‪ ».‬جملة‬ ‫دراسات اخلليج واجلزيرة العربية‪ ،‬العدد ‪ ،20‬ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪.1979‬‬

‫سعيد‪ ،‬عبد املنعم‪« .‬ربيع طهران‪ ».‬األهرام العريب‪ 13 :‬أيار‪/‬مايو ‪.2000‬‬

‫ــــــ‪« .‬اإلقليمية يف الرشق األوسط‪ :‬نحو مفهوم جديد‪ ».‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ،122‬ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪.1995‬‬ ‫سياسات (إيران)‪.2000/5/25 :‬‬

‫سياسات اإليرانية‪.2000/5/25 ،‬‬

‫الرشق األوسـط‪1992/9/4 :‬؛ ‪2000/5/11‬؛ ‪2000/5/26‬؛ ‪2000/11/3‬؛‬ ‫‪ 2001/1/2‬و‪.2002/6/8‬‬

‫شؤون خليجية‪ :‬العدد ‪ ،27‬خريف ‪.2001‬‬

‫صادق‪ ،‬جمدي‪« .‬زيارة شمخاين للرياض‪ ».‬الوطن (الكويت)‪.2000/4/24 ،‬‬ ‫الصلح‪ ،‬رغيد‪« .‬إيران والسودان‪ :‬امتحانات صعبة‪ ».‬احلياة‪.2000/5/11 ،‬‬

‫طاهر‪ ،‬أمحد حممد‪« .‬العالقات اخلليجية اإليرانية‪ :‬نظرة مستقبلية‪ ».‬السياسة الدولية‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،146‬ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪.2001‬‬ ‫طاهر‪ ،‬عالء‪« .‬تسييس الدين‪ :‬إشكالية السياسة اإليرانية بني منطقة اخلليج والساحة‬ ‫الدولية‪ ».‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،22‬حزيران‪/‬يونيو ‪.1994‬‬

‫طاهري‪ ،‬أمري‪« .‬ثالثة أسباب وراء امتناع رافسنجاين عن احتالل مقعده النيايب‪ ».‬الرشق‬ ‫األوسط‪.2000/5/27 ،‬‬

‫«الطموحات النووية اإليرانية وأمن اخلليج‪ ».‬الدراسات السياسية (اجلزء األول)‪:‬‬ ‫نيسان‪/‬أبريل ‪.2000‬‬ ‫‪298‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫عبد اهلل‪ ،‬ثناء فؤاد‪« .‬السقوط الدامي يف رومانيا وأزمة البناء الصعب‪ ».‬السياسة الدولية‪:‬‬ ‫العدد ‪ ،100‬نيسان‪/‬أبريل ‪.1991‬‬

‫عبد اهلل‪ ،‬عبد اخلالق‪« .‬النظام اإلقليمي اخلليجي‪ ».‬السياسة الدولية‪ :‬العدد ‪،114‬‬ ‫ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪.1993‬‬

‫ــــــ‪« .‬النفط والنظام اإلقليمي اخلليجي‪ ».‬املستقبل العريب‪ ،‬السنة ‪ ،16‬العدد ‪،181‬‬ ‫آذار‪/‬مارس ‪.1994‬‬ ‫عبد البديع‪ ،‬أمحد عباس‪« .‬حقائق املوقف السوفييتي من أحداث أوروبا الرشقية‪».‬‬ ‫السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،100‬نيسان‪/‬أبريل ‪.1991‬‬ ‫عبد الرمحن‪ ،‬إبراهيم حلمي‪« .‬التطورات الدولية اجلارية‪ :‬فرص وحماذير‪ ».‬كتاب‬ ‫األهرام االقتصادي‪ ،‬العدد ‪ ،37‬آذار‪/‬مارس ‪.1991‬‬ ‫عبد العاطي‪ ،‬بدر أمحد‪« .‬أبعاد التغيريات الداخلية األخرية يف املجر‪ ».‬السياسة الدولية‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،99‬كانون الثاين‪/‬يناير‪.1990‬‬

‫عبد املؤمن‪ ،‬حممد السعيد‪« .‬املسألة اإليرانية‪ :‬الدور اإلقليمي‪ :‬املحدَّ دات واملستقبل‪».‬‬ ‫أوراق الرشق األوسط‪ ،‬العدد ‪ ،14‬نيسان‪/‬أبريل ـ متوز‪/‬يوليو ‪.1995‬‬ ‫عبد النارص‪ ،‬وليد حممود‪« .‬األبعاد اإلقليمية ألمن اخلليج بعد احلرب العراقية‬ ‫واإليرانية‪ ».‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،95‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.1989‬‬ ‫عبيد‪ ،‬جمدي عيل‪« .‬الفكر العسكري اجلديد جلورباتشوف‪ :‬التغري واالستمرارية‪».‬‬ ‫السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،99‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.1990‬‬

‫عطية‪ ،‬جمدي عيل‪« .‬الفاعلية العسكرية لدول اخلليج والتهديدات اإليرانية‪ ».‬السياسة‬ ‫الدولية‪ ،‬متوز‪/‬يوليو ‪.1986‬‬ ‫العقاد‪ ،‬صالح‪« .‬األصول التارخيية للنزاع‪ ،‬ملف احلرب العراقية اإليرانية‪ ».‬السياسة‬ ‫الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،62‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.1981‬‬

‫«العالقات االقتصادية اخلليجية اإليرانية‪ :‬عوامل التقارب وآفاق املستقبل‪ ».‬شؤون‬ ‫خليجية‪ ،‬السنة ‪ ،5‬العدد ‪ ،32‬شتاء ‪.2003‬‬ ‫العلكيم‪ ،‬حسن محدان‪« .‬إيران وأمن اخلليج‪ :‬سيناريوهات األمن ورصاع االسرتاتيجيات‪».‬‬ ‫شؤون دولية‪ ،‬العدد ‪ ،1‬صيف ‪.1992‬‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪299‬‬


‫املراجع‬

‫عيل‪ ،‬نجاح حممد‪« .‬إيران والسعودية وتطورات عالقاهتام‪ ».‬الوسط‪ 24 :‬نيسان‪/‬أبريل‬ ‫‪.2000‬‬ ‫عمر‪ ،‬السيد‪« .‬السياسة اخلارجية اإليرانية يف ظل حكم الرئيس خامتي‪ :‬اإلدراك‬ ‫والواقع‪ ».‬شؤون خليجية‪ ،‬السنة ‪ ،3‬العدد ‪ ،25‬ربيع ‪.2001‬‬ ‫فحص‪ ،‬حسن‪« .‬رسالة خامنئي املفتوحة عىل كل االجتاهات‪ ».‬احلياة‪.2000/5/14 ،‬‬

‫فهمي‪ ،‬أماين حممود‪« .‬االحتاد السوفييتي من الداخل والتحديات اجلديدة‪ ».‬السياسية‬ ‫الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،103‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.1991‬‬

‫القبس (الكويت)‪.2000/5/21 :‬‬

‫«قراءة يف جتارب الصواريخ اإليرانية‪ ».‬الدراسات السياسية (اجلزء األول)‪ 29 :‬يموز‪/‬‬ ‫يوليو ‪.2000‬‬ ‫“قراءة يف نتائج االنتخابات الترشيعية اإليرانية‪ ”.‬الدراسات السياسية (اجلزء األول)‪:‬‬ ‫‪ 26‬شباط‪/‬فرباير ‪.2000‬‬ ‫كيهان (إيران)‪.1987/4/11 :‬‬

‫لطفي‪ ،‬منال‪“ .‬إيران بني رغبة رجل الشارع ورضاء الفقيه‪ ”.‬األهرام‪.2000/5/25 ،‬‬

‫مبارك‪ ،‬وليد إلياس‪« .‬اخلليج ىف سياسة الكويت اخلارجية من خالل األمم املتحدة‪».‬‬ ‫السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،96‬نيسان‪/‬أبريل ‪.1989‬‬ ‫«متغريات إقليمية ودولية تغري مسار العالقات اإلماراتية ـ اإليرانية‪ ».‬الرشق األوسط‪،‬‬ ‫‪.2002/6/8‬‬

‫املجلة‪ 9 :‬أيلول‪/‬سبتمرب ‪.1993‬‬

‫حممد‪ ،‬عبد العاطي‪« .‬ماذا بعد االنتخابات اإليرانية؟‪ ».‬األهرام (مرص)‪،‬‬ ‫‪.2000/2/23‬‬

‫حممود‪ ،‬أمحد إبراهيم‪« .‬إيران وجهود تطوير الصواريخ الباليستية‪ ».‬السياسة الدولية‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،136‬نيسان‪/‬أبريل ‪.1999‬‬ ‫املركز العريب للدراسات االسرتاتيجية‪« .‬األمن واالستقرار يف منطقة اخلليج‪ :‬دراسة‬ ‫استرشافية‪ ».‬قضايا خليجية‪ ،‬العدد ‪ ،3‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.1999‬‬

‫‪300‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫معوض‪ ،‬نازيل‪« .‬تركيا وإيران وكارثة اخلليج الثانية‪ :‬مقارنة حتليلية‪ ».‬جملة العلوم‬ ‫االجتامعية‪ ،‬العدد ‪ ،201‬ربيع ـ صيف ‪.1991‬‬ ‫مهابة‪ ،‬أمحد‪« .‬إيران وأمن اخلليج‪ ».‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،105‬متوز‪/‬يوليو ‪.1991‬‬

‫املوجز عن إيران‪ :‬العدد ‪ ،2‬حزيران‪/‬يونيو ‪1992‬؛ كانون الثاين‪/‬ديسمرب ‪1990‬‬ ‫والعدد ‪ ،12‬نيسان‪/‬أبريل ‪.1991‬‬

‫اهلاشمي‪ ،‬رضا جواد‪« .‬النشاط التجاري القديم يف اخلليج العريب وآثاره احلضارية‪».‬‬ ‫املؤرخ العريب‪ ،‬العدد ‪.1980 ،12‬‬ ‫الوسـط‪ 22 :‬أيار‪/‬مايو ‪.2000‬‬

‫الوطن (الكويت)‪ 2000/5/15 :‬و‪.2000/5/27‬‬

‫يالتا‪ ،‬بول‪« .‬الثورة اإلسالمية يف إيران‪ ».‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،73‬متوز‪/‬يوليو ‪.1983‬‬

‫مؤمترات‬

‫العالقات العربية اإليرانية‪ ،‬االجتاهات الراهنة وآفاق املستقبل‪ :‬بحوث ومنقشات الندوة‬ ‫الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع جامعة قطر‪ .‬بريوت‪:‬‬ ‫املركز‪.1996 ،‬‬

‫‪.‬الغزو العراقي للكويت‪ :‬املقدمات‪ ،‬الوقائع وردود الفعل‪ ،‬التداعيات‪ :‬أعامل‬ ‫الندوة التي نظمها املجلس الوطني والفنون واآلداب بالكويت يف مارس ‪.1995‬‬ ‫الصفاة‪ :‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪( .1995 ،‬عامل املعرفة؛ ‪)195‬‬

‫املؤمتر اإلسالمي لوزراء اخلارجية‪ ،‬الدورة السابعة والعرشين ‪ 27 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2000‬‬

‫املؤمتر السنوي الثامن للباحثني الشباب‪ ،‬السياسات اخلارجية للدول العربية يف التسعينات‪،‬‬ ‫كلية االقتصاد‪ ،‬مركز البحوث السياسية‪ ،‬أيار‪/‬مايو ‪.2000‬‬

‫املؤمترالسنوي السادس «آسيا والعوملة»‪ ،‬مركز الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد‪ ،‬جامعة‬ ‫القاهرة‪ 21 - 20 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.2001‬‬

‫نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران‪ :‬املستجدات اإلقليمية‬ ‫والدولية ومتطلبات التغيري‪ .‬الكويت‪ :‬جامعة الكويت‪ ،‬مركز دراسات اخلليج واجلزيرة‬ ‫العربية‪ 2 .2000 ،‬ج‪.‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪301‬‬


‫املراجع‬

‫الوضع الراهن يف اخلليج وآفاق املستقبل‪ ،‬ندوة القبس‪ ،‬الكويت‪ 11-10 ،‬ترشين األول‪/‬‬ ‫أكتوبر ‪.1998‬‬

‫رسائل جامعية‬

‫آل سعود‪ ،‬نواف مساعد عبد العزيز‪« .‬جملس التعاون لدول اخلليج العربية دراسة قانونية‬ ‫سياسية يف التنظيم الدويل اإلقليمي‪( ».‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪،‬‬

‫‪.)1988‬‬

‫إدريس‪ ،‬حممد السعيد‪« .‬النظام اإلقليمي للخليج العريب (‪( ».)1992-71‬أطروحة دكتوراه‪،‬‬ ‫جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪.)1998 ،‬‬

‫البادي‪ ،‬حممد سعيد‪« .‬األمن الوطني لدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬من منظور احتادي وبعد‬ ‫خليجي وعريب‪( ».‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬أكاديمية نارص العسكرية العليا‪ ،‬كلية الدفاع‬

‫الوطني‪.)1992 ،‬‬

‫احلساين‪ ،‬سعيد محد‪« .‬تطور العالقات بني دولة اإلمارات العربية املتحدة وإيران‪ :‬دراسة حالة‬ ‫ملشكلة اجلزر الثالث‪( ».‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة قناة السويس‪ ،‬كلية التجارة‪.)1999 ،‬‬

‫خليل‪ ،‬حممد حممود‪« .‬األمن القومي العريب املرصي وحرب أكتوبر‪( ».‬أطروحة دكتوراه‪،‬‬ ‫أكاديمية نارص العسكرية العليا‪ ،‬كلية الدفاع الوطني‪.)1985 ،‬‬

‫السيار‪ ،‬عائشة عيل‪« .‬األصول التارخيية والتطورات املعارصة للوحدة بني إمارات الساحل‬ ‫العامين‪( ».‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة عني شمس‪ ،‬كلية البنات‪.)1983 ،‬‬

‫عبد الواحد‪ ،‬عزت‪« .‬إدارة األزمة ىف السياسة اخلارجية املرصية‪ :‬دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية‪،‬‬ ‫‪( ».1991-1990‬رسالة ماجستري غري منشورة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪.)1994 ،‬‬

‫عبيدان‪ ،‬يوسف حممد‪« .‬نظام احلكم يف دول اخلليج‪ :‬دراسة مقارنة لقطر والكويت والبحرين‪».‬‬ ‫(أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪.)1982 ،‬‬

‫العتيبى‪ ،‬منصور‪« .‬اإلدارة األمريكية ألزمة اخلليج الثانية‪( ».1991-1990 ،‬رسالة ماجستري‬ ‫غري منشورة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪.)1997،‬‬

‫العواملة‪ ،‬خالد‪« .‬الثورة اإليرانية ورشعية النظم السياسية العربية‪( ».‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪.)1992 ،‬‬

‫‪302‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫القنيعري‪ ،‬صالح بن عبد العزيز‪« .‬السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب‪،‬‬ ‫‪( ».1995 – 1979‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬أكاديمية نارص العسكرية العليا‪ ،‬كلية الدفاع‬

‫الوطني‪.)1988 ،‬‬

‫املال‪ ،‬خالد حممد أمحد‪« .‬السياسة اخلارجية لدولة اإلمارات العربية املتحدة جتاه إيران خالل‬ ‫الفرتة ‪( ».1992-1971‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد‪.)1998 ،‬‬

‫وثائق‬

‫«البيان اخلتامي‪( ».‬املجلس األعىل‪ ،‬الدورة احلادية عرشة‪ ،‬الدوحة‪ 25-22 ،‬كانون‬ ‫األول‪/‬ديسمرب ‪.)1990‬‬ ‫«البيان اخلتامي‪( ».‬املجلس األعىل لدول جملـس التعـاون‪ ،‬الدورة السادسة عرشة ‪،‬‬ ‫مسقط‪ 6-4 ،‬كانون األول‪/‬ديسمرب ‪.)1995‬‬

‫«البيان اخلتامي‪( ».‬املجلس األعىل لدول جملس التعاون‪ ،‬الدورة السابعة عرشة ‪،‬‬ ‫الدوحة‪ 28-26 ،‬كانون األول‪/‬ديسمرب ‪.)1996‬‬

‫«البيان اخلتامي‪( ».‬املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬الدورة‬ ‫الرابعة واألربعني‪ ،‬جـدة‪ 9-7 ،‬أيلول‪/‬سبتمرب ‪.)1992‬‬ ‫البيان الصادر عن الدورة االستثنائية الثالثة والعرشين ملجلس التعاون لدول اخلليج‬ ‫العربية‪ ،‬أبو ظبي‪ 4 ،‬آذار‪/‬مارس ‪.1999‬‬ ‫«البيان الصحفي‪( ».‬املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬األمانة‬ ‫العامة‪ ،‬الدورة السابعة والستني‪ 28 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.)1998‬‬ ‫«البيان الصحفي‪( ».‬املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬األمانة‬ ‫العامة‪ ،‬الدورة السبعني‪ ،‬الرياض‪ 15-14 ،‬آذار‪/‬مارس ‪.)1999‬‬

‫«البيان الصحفي‪( ».‬املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬الدورة‬ ‫الثامنة والثامنني‪ ،‬جدة‪ 8 ،‬أيلول‪/‬سبتمرب ‪)2003‬‬ ‫«ختطيط السياسة اخلارجية اإليرانية‪ :‬بني مدلوالت الرصاع الداخيل والنفوذ اإلقليمي‪».‬‬

‫(املركز الدبلومايس للدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬الكويت‪ ،‬بتاريخ ‪ 22‬ترشين األول‪/‬‬

‫أكتوبر ‪.)2000‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪303‬‬


‫املراجع‬

‫«تقرير للفورين ريبورت الصادر يف لندن عن التنازالت العراقية إليران‪.)1991( ».‬‬

‫«زيارة وزير الدفاع اإليراين للسعودية‪ :‬رؤية حتليلية‪( ».‬تقرير‪ ،‬املركز الدبلومايس للدراسات‬ ‫االسرتاتيجية‪ ،‬الكويت‪ 15 ،‬نيسان‪/‬أبريل ‪.)2000‬‬

‫«العالقات الكويتية اإليرانية‪ :‬رؤية حتليلية‪( ».‬تقرير‪ ،‬املركز الدبلومايس للدراسات‬ ‫االسرتاتيجية‪ ،‬الكويت‪ 12 ،‬ترشين األول‪/‬أكتوبر ‪.)2000‬‬

‫‪304‬‬

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫منصور حسن العتيبي‬

‫ األجنبية‬-2 Books Al-Alkim, Hassan Hamdan. The GCC States in an Unstable World: ForeignPolicy Dilemmas of Small States. London: Saqi Books, 1994. Al-Suwaidi, Jamal S. (ed.). Iran and the Gulf : A Search for Stability. Abu Dhabi: Emirates Center for Stategic Studies and Research, 1996. Bakhash, Shaul. The Reign of the Ayatollahs: Iran and the Islamic Revolution. New York: Basic Books, 1984. Bennett, Alvin LeRoy. International Organizations: Principles and Issues. Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, [1977]. Cantori, Louis J. and Steven L. Spiegel. The International Politics of Regions; a Comparative Approach. Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, [1970]. Cordesman, Anthony H. The Gulf Military Balance and Saudi Arabia. Washington DC: Center for Strategic and International Studies, 2001. Cordesman, Anthony H. and Ahmed Hashim. Iran: Dilemmas of Dual Containment. Boulder, Colo.: Westview Press, 1997. (CSIS Middle East Dynamic Net Assessment) Eisenstadt, Michael. Iranian Military Power: Capabilities and Intentions. Washington, DC: Washington Institute for Near East Policy, 1996. (Policy Papers; no. 42) Esposito, John L. (ed.). The Iranian Revolution: Its Global Impact. Miami: Florida International University Press; Gainesville, FL: Orders, University Presses of Florida, 1990. Feste, Karen A. The Iranian Revolution and Political Change in the Arab World. Abu Dhabi: Emirates Center for Strategic Studies and Research, 1996. (Emirates Center for Strategic Studies and Research, Occasional Papers; no. 4) Frankel, Joseph. Contemporary International Theory and the Behaviour of States. London; New York: Oxford University Press, 1973. Graham, Robert. Iran, the Illusion of Power. London: Croom Helm, 1978. 305

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫املراجع‬

Graz, Liesl. The Turbulent Gulf. London; New York: I. B. Tauris; New York: St. Martin’s Press, 1990. Hermann, Charles F., Charles W. Kegley, Jr. and James N. Rosenau (eds.). New Directions in the Study of Foreign Policy. Boston: Allen and Unwin, [1986]. Hunter, Shireen. Iran and the World: Continuity in a Revolutionary Decade. Bloomington: Indiana University Press, 1990. Kaplan, Morton A. System and Process in International Politics. New York: Wiley, 1962. Khadduri, Majid. The Gulf War: the origins and implications of the Iraq-Iran conflict. New York: Oxford University Press, 1988. Long, David E. and Christian Koch. (eds.). Gulf Security in the 21st Century. Abu Dahbi: Emirates Center for Strategic Studies and Research, 1997. Macridis, Roy C. Contemporary Political Ideologies: Movements and Regimes. Cambridge, MA: Winthrop Publishers, 1980. Milani, Mohsen M. The Making of Iran’s Islamic Revolution: From Monarchy to Islamic Republic. 2nd ed. Boulder: Westview Press, 1994. The Military Balance. London: Institute for Strategic Studies, 1994-1995. __________. London: Institute for Strategic Studies, 1995-1996. Morgenthau, Hans Joachim. Politics among Nations; the Struggle for Power and Peace. 2nd ed. rev. and enl. New York: Knopf, [1954]. __________. Power and Ideology in International Politics. New York: Free Press, 1961. Nye, Joseph S. Peace in Parts; Integration and Conflict in Regional Organization. Boston: Little, Brown, [1971]. (Perspectives on International Relations) Ramazani, Rouhollah K. (ed.). Iran’s Revolution: The Search for Consensus. Bloomington: Indiana University Press; Washington, DC: Published in Association with the Middle East Institute, 1990. ___________. Revolutionary Iran: Challenge and Response in the Middle East. London: Johns Hopkins University Press, 1990. ___________. Revolutionary Iran: Challenge and Response in the Middle East. Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1988 ‫مركز اخلليج لألبحاث‬

306


‫منصور حسن العتيبي‬

Rosenau, James N., Kenneth W. Thompson and Gavin Boyd (eds.). World Politics: An Introduction. New York: Free Press, 1976. Simpson, John. Behind Iranian Lines. London: Robson Books, 1988. Tahtinen, Dale R. Arms in the Persian Gulf. With a Foreword by Melvin R. Laird. Washington: American Enterprise Institute for Public Policy Research, [1974]. (Foreign Affairs Study; no. 10)

Periodicals Abootalebi, Ali. “The Struggle for Democracy in the Islamic Republic of Iran,” Middle East Review of International Affairs (MERIA): Vol. 4, no. 3, September 2000. Arjomand, Said Amir. “History and Revolution in the Shi’ite Tradition in Contemporary Iran,” International Political Science Review: Vol. 10, no. 2, 1989. Chubin, Shahram and Charles Tripp. “Domestic Politics and Territorial Disputes in the Persian Gulf and Arabian Peninsula,” Survival: Winter 1993-1994. Dabiri, Mohammad Reza. “Abu Musa Island: A Binding Understanding or a Misunderstading.” Iranian Journal of International Affairs: Vol. 5, nos. 3-4, Fall-Winter 1993-1994. Emami, Mohammad Ali. “Perspectives on the Security of the Persian Gulf.” Iranian Journal of International Affairs: Vol. 5, nos. 3-4, Fall-Winter 1993- 1994. Gause, F. Gregory. “The Illogic of Dual Containment.” Foreign Affairs: Vol 73, no. 2, March- April 1994. Katzman, Kenneth.“Iran: Current Developments and U.S. Policy.” Congressional Research Service Review: April 2002. Lake, Anthony. “Confronting Backlash States.” Foreign Affairs: Vol 73, no. 2, March- April 1994. Long, David E. “United States and the Persian Gulf.” Current History: January 1979. Middle East Journal: Vol. 42, no. 3, Summer 1988. Milani, Mohsen M. “The Evolution of the Iranian Presidency: From Bani Sadr to Rafsanjani.” British Journal of Middle Eastern Studies: Vol. 20, no. 1, 1993. 307

‫مركز اخلليج لألبحاث‬


‫املراجع‬

Pedersen, Daniel. “A United Germany – The New Superpower.” Newsweek: 26 February 1990. Pipes, Daniel and Patrick Clawson. “Ambitious Iran, Troubled Neighbors.” Foreign Affairs: America and the World: Vol. 72, no. 1, 1992-1993. Shahabi, Sohab. “A Review of Iran’s Five-Year Development Plan, and a Look to the Future.” Iranian Journal of International Affairs: Vol. 4, no. 2, 1992. Stern, Fritz. “Freedom and its Discontents.” Foreign Affairs: Vol. 72, no. 4, September - October 1993. Zahed, Mojtahed. “The Political Geography and History of the Islands of Tunb and Abu Musa,” Iranian Journal of International Affairs: Vol. 4, nos. 3-4, Fall- Winter 1992.

Websites 1.

www.aljazeera.net/programs/open–dialog/articles/2001/2/2-27-1.htm.

3.

www.alsharqalawsat.com/pc/news/8،6،2002،024.html.

2.

www.aljazeera.net /in–depth/iran–file/2001/4/4–21-3–htm.

‫مركز اخلليج لألبحاث‬

308


‫من �إ�صدارات مركز اخلليج أ‬ ‫للبحاث‬ ‫ترجمة ون�شر‪:‬‬ ‫جمموعة خمتارة من الكتب املتخصصة يف جمال العلوم اإلنسانية واالجتامعية‪ ،‬باإلضافة إىل بعض الكتب التي‬

‫تُعنى بقضايا منطقة اخلليج يتم ترمجتها اىل اللغة العربية‪.‬‬ ‫املجتمع الفوضوي‪:‬‬ ‫دراسة النظام يف السياسة العاملية‬ ‫نظريات الدولة‪ :‬سياسة الديمقراطية الليربالية‬ ‫قضايا يف السياسة العاملية‬ ‫فهم العالقات الدولية‬ ‫قاموس بنغوين للعالقات الدولية‬ ‫معجم بالكويل للعلوم السياسية‬

‫هيديل بول‬

‫‪ISBN: 9948 424 89 1‬‬

‫باتريك ج دنليفي‬ ‫بريندان أولريي‬

‫‪ISBN: 9948 424 44 1‬‬

‫براين وايت‪ ،‬مايكل سميث‪،‬‬ ‫ريتشارد ليتل‬

‫‪ISBN: 9948 400 22 4‬‬

‫كريس براون‬

‫‪ISBN: 9948 400 14 3‬‬

‫جيفري نيوهنام‬

‫غراهام ايفانس‬

‫‪ISBN: 9948 400 10 0‬‬

‫فرانك بييل‬

‫‪ISBN: 9948 400 04 6‬‬

‫جون بيليس‪ ،‬ستيف سميث‬

‫‪ISBN: 9948 400 07 0‬‬

‫االقتصاد السيايس للعالقات الدولية‬

‫روبرت غيلبن‬

‫‪ISBN: 9948 400 16 X‬‬

‫تركيبة املجتمع الدويل‬

‫جيفري سترين‬

‫‪ISBN: 9948 400 00 3‬‬

‫ملاذا يتمرد البرش؟‬

‫تيد روبرت غور‬

‫‪ISBN: 9948 400 08 9‬‬

‫التوازن العسكري ‪2006-2005‬‬

‫مركز اخلليج لالبحاث‬

‫‪ISBN: 9948 432 77 0‬‬

‫التوازن العسكري ‪2004‬‬

‫مركز اخلليج لالبحاث‬

‫‪ISBN: 9948 424 91 3‬‬

‫التوازن العسكري ‪2003‬‬

‫مركز اخلليج لالبحاث‬

‫‪ISBN: 9948 424 58 1‬‬

‫توقعات الطاقة العاملية ‪2005‬‬

‫مركز اخلليج لالبحاث‬

‫‪ISBN: 9948 424 85 9‬‬

‫عوملة السياسة العاملية‬


‫سياسات تركيا جتاه شامل العراق‪ -‬املشكالت‬ ‫واآلفاق املستقبلية‬

‫بيل بارك‬

‫‪ISBN: 9948 432 41 X‬‬

‫توقعات الطاقة العاملية ‪2006‬‬

‫مركز اخلليج لالبحاث‬

‫‪ISBN: 9948 434 25 0‬‬

‫التوازن العسكري ‪2006‬‬

‫مركز اخلليج لالبحاث‬

‫‪ISBN: 9948 434 35 8‬‬

‫تيم نيبلوك‬

‫‪ISBN: 9948 434 20 X‬‬

‫الري دا َيموند‬

‫‪ISBN: 9948 432 79 7‬‬

‫اململكة العربية السعودية‪ :‬السلطة والرشعية‬

‫واالستمرارية‬

‫النرص املهدور‪ :‬االحتالل األمريكي واجلهود‬ ‫املتخبطة إلحالل الديمقراطية يف العراق‬

‫�إ�صدار ون�شر‪:‬‬ ‫سلسلة خمتارة من الكتب واملؤلفات يف جمال العلوم اإلنسانية واالجتامعية‪ ،‬ويتم اختيار الكتب بناء عىل أسس علمية‬ ‫دقيقة‪.‬‬ ‫سلامن رشيد سلامن‬

‫‪ISBN: 9948 400 21 6‬‬

‫البعد االسرتاتيجي للمعرفة‬

‫عامر عيل حسن‬

‫‪ISBN: 9948 400 20 8‬‬

‫جمموعة من املؤلفني‬

‫‪ISBN: 9948 400 66 6‬‬

‫اخلليج يف عام ‪2006 -2005‬‬

‫مركز اخلليج لالبحاث‬

‫‪ISBN: 9948 432 20 7‬‬

‫اخلليج يف عام ‪2004‬‬

‫مركز اخلليج لالبحاث‬

‫‪ISBN: 9948 400 91 7‬‬

‫اخلليج يف عام ‪2003‬‬

‫مركز اخلليج لالبحاث‬

‫‪ISBN: 9948 400 25 9‬‬

‫مصطفى العاين‪ ،‬النا نسيبه‪،‬‬

‫‪ISBN: 9948 432 61 4‬‬

‫مصطفى العاين‬

‫‪ISBN: 9948 432 51 7‬‬

‫عبداخلالق عبداهلل‬

‫‪ISBN: 9948 432 71 1‬‬

‫مصطفى العاين‬

‫‪ISBN: 9948 432 75 4‬‬

‫تطور دراسة املجتمع املدين يف دول جملس التعاون اخلليجي‬

‫حسنني توفيق إبراهيم‬

‫‪ISBN: 9948 434 65 0‬‬

‫قراءة مقارنة يف تأثري حريب اخلليج الثانية والثالثة يف أمن‬ ‫دول جملس التعاون اخلليجي‬

‫أرشف سعد العيسوي‬

‫‪ISBN: 9948 434 54 4‬‬

‫ممرات غري آمنة‬ ‫انعكاسات احلادي عرش من سبتمرب عىل منطقة اخلليج العريب‬

‫دول اخلليج‪ :‬قوانني ومعاهدات مكافحة اإلرهاب‬ ‫مبادرة اعالن منطقة اخلليج كمطقة خالية من اسلحة‬ ‫الدمار الشامل‬ ‫النظام االقليمي اخلليجي‬ ‫دول اخلليج‪ :‬التقارير املقدمة إىل لجِ ان مكافحة اإلرهاب‬ ‫‪ -‬جملس االمن‬

‫فريدة العجمي‬


‫�سل�سلة �سيا�سات عامة‪:‬‬ ‫أوراق بحثية حتليلية تقدم قراءة معمقة تعتمد عىل البحث اجلاد للسياسات العامة يف دول جملس التعاون‬ ‫اخلليجي‪ .‬وتقدم هذه األوراق البحثية (سياسات عامة) جمموعة من املفاهيم التي يمكن أن تساهم يف فهم‬

‫أفضل ألهم القضايا املطروحة يف املنطقة‬

‫أدوار حلف الناتو اإلقليمية ودوره املحتمل‬ ‫يف منطقة اخلليج‬

‫موسى محد القالب‬

‫‪ISBN: 9948 424 79 4‬‬

‫قوات السالم العربية‬

‫عبد العزيز بن صقر‬

‫‪ISBN: 9948 424 06 9‬‬

‫إمييل روتلدج‬

‫‪ISBN: 9948 424 24 7‬‬

‫مصطفى العاين‬

‫‪ISBN: 9948 424 04 2‬‬

‫عبد العزيز بن صقر‬

‫‪ISBN: 9948 400 23 2‬‬

‫إقامة احتاد نقدي ناجح يف دول جملس التعاون‪:‬‬ ‫االستعدادات واخليارات السياسية املستقبلية‬

‫املوقف املحتمل لدول جملس التعاون اخلليجي جتاه‬ ‫سيناريو العمل العسكري ضد املنشآت النووية اإليرانية‬

‫اإلصالح يف اململكة العربية السعودية‪ :‬التحديات‬ ‫الراهنة وسبل املواجهة‬

‫�سل�سلة أ�وراق بحثية‪:‬‬ ‫دراسات وأبحاث حمكمة تغطي الربامج البحثية للمركز ويكتبها ويرشف عليها نخبة من املختصني يف شؤون‬ ‫املنطقة‪ ،‬وتتميز بالشمولية وتفتح الباب ملزيد من الدراسات حول قضايا أكثر ختصص ًا‪.‬‬ ‫جوزيف كشيشيان‬

‫‪ISBN: 9948 432 00 2‬‬

‫املشاركة السياسية واالستقرار يف سلطنة ُعامن‬

‫حسنني توفيق إبراهيم‬

‫‪ISBN: 9948 424 93 X‬‬

‫سامح راشد‬

‫‪ISBN: 9948 424 56 5‬‬

‫جواد احلمد‬

‫‪ISBN: 9948 400 43 7‬‬

‫حممد يوسف اجلعييل‬

‫‪ISBN: 9948 400 29 1‬‬

‫إليزابيث ستيفنس‬

‫‪ISBN: 9948 400 67 4‬‬

‫العالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي واليابان‬

‫سونوكو سوناياما‬

‫‪ISBN: 9948 400 63 1‬‬

‫العالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي واليمن‬

‫عبده رشيف‬

‫‪ISBN: 9948 400 33 X‬‬

‫اإلصالح السيايس يف دول جملس التعاون لدول‬ ‫اخلليج العربية‬ ‫العالقات اخلليجية – العربية ‪2000-1970‬‬

‫دول جملـس التعـاون اخلـليجي والرصاع العريب‬ ‫ اإلرسائييل ‪2002-1970‬‬‫دول جملس التعاون اخلليجي وأمن البحر األمحر‬

‫العالقات العسكرية واالقتصادية بني دول جملس‬ ‫التعاون اخلليجي واالحتاد األورويب‬


‫مكافحة اإلرهاب وآلية العدالة الدولية‪:‬‬ ‫جلنة ‪ 1267‬التابعة ملجلس األمن الدويل‬

‫اجتاهات استخدام اإلنرتنت‪ :‬بحث ميداين عىل عينة‬ ‫من رواد مقاهي اإلنرتنت يف إمارة الشارقة‬

‫إجراءات اإلصالح السيايس من منظور خليجي داخيل‬ ‫العالقات اخلليجية ـ املرصية‪ :‬جذور املايض‬ ‫ومعطيات احلارض وآفاق املستقبل‬

‫العالقات اخلليجية ـ األردنية‬ ‫الواقع واملستقبل‪ 1980:‬ـ ‪2004‬‬

‫الصناعات العراقية الصغرية بعد احلرب‬ ‫_ الواقع وآفاق املستقبل _‬

‫االحتاد األورويب وجملس التعاون اخلليجي نحو‬ ‫رشاكة جديدة‬

‫نحو مرشوع أورويب _ خليجي‬ ‫لتطوير قطاع الغاز يف جملس التعاون اخلليجي‬

‫الواليات املتحدة األمريكية وحماولة أقلمة وتدويل‬ ‫األمن يف العراق‬

‫آثار قرار حل اجليش العراقي يف الوضع األمني يف العراق‬

‫تغري املناخ يف دول جملس التعاون لدول اخلليج‬ ‫العربية وسياسات االستجابة‬

‫مصطفى العاين‬

‫‪ISBN: 9948 424 61 1‬‬

‫السيد أمحد مصطفى عمـر‬

‫‪ISBN: 9948 432 49 5‬‬

‫عبد العزيز بن صقر‬

‫‪ISBN: 9948 424 50 6‬‬

‫عامر عيل حسن‬

‫‪ISBN: 9948 432 30 4‬‬

‫عدنان حممد هياجنة‬

‫‪ISBN: 9948 434 08 0‬‬

‫ميرس إبراهيم أمحد‬

‫‪ISBN: 9948 432 34 7‬‬

‫جاكومو لوشياين‬ ‫فيلكس نيوجارت‬

‫‪ISBN: 9948 432 26 6‬‬

‫ناجي أيب عاد‬

‫‪ISBN: 9948 432 06 1‬‬

‫إبراهيم خليل العالف‬

‫‪ISBN: 9948 432 33 9‬‬

‫حممود أمحد عزت‬

‫‪ISBN: 9948 432 32 0‬‬

‫أسامء عيل أباحسني‬

‫‪ISBN: 9948 434 37 4‬‬

‫�سل�سلة أ�وراق خليجية‪:‬‬ ‫تتضمن أوراق ومناقشات ونتائج احللقات الدراسية املتخصصة التي ينظمها املركز يف إطار «برنامج الدراسات‬ ‫اخلليجية» منفرد ًا أو بالتعاون مع مراكز بحثية رائدة‪ ،‬والتي يستضيف خالهلا جمموعة من اخلرباء والباحثني يف‬

‫شؤون اخلليج‪ ،‬وتسعى كل حلقة من احللقات الدراسية إىل حتليل ودراسة قضية من قضايا املنطقة من أجل‬ ‫التوصل إىل مقاربة مشرتكة وفهم أفضل هلا‪ ،‬وتقديم جمموعة من التوصيات املرتبطة هبا‪.‬‬ ‫دور الذهب يف االحتاد النقدي لدول جملس التعاون‬ ‫اخلليجي‬ ‫األمم املتحدة وأمن اخلـلـيـج‬

‫العالقات بني ديب وأسرتاليا‬ ‫أسواق األسهم اخلليجية متر يف مرحلة حرجة‬

‫إيكارت ويرتز‬

‫‪ISBN: 9948 424 48 4‬‬

‫يوسف حممد البنخليل‬

‫‪ISBN: 9948 400 75 5‬‬

‫باتريشيا بريويك‬

‫‪ISBN: 9948 424 17 4‬‬

‫ايكارت ورتز‬

‫‪ISBN: 9948 432 59 2‬‬


‫�سل�سلة درا�سات عراقية‪:‬‬

‫سلسلة حمكمة تنرش دراسات وأبحاث ًا علمية يف املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتامعية والدفاع واألمن‬ ‫يف العراق‪ .‬تصدر باللغتني العربية واإلنجليزية‪.‬‬

‫مستقبل النظام والدولة يف العراق و انعكاساته عىل‬ ‫األمن واالستقرار يف اخلليج‬

‫حسنني توفيق إبراهيم‬

‫‪ISBN: 9948 400 41 0‬‬

‫االحتالل واملقاومة يف العراق ‪ -‬دراسة يف املرشوعية‬

‫خليل اسامعيل احلديثي‬

‫‪ISBN: 9948 424 32 8‬‬

‫التحوالت الديمقراطية يف العراق ‪ -‬القيود والفرص‬ ‫مخسة خيارات أمريكية س ِّيئة للتعامل مع العراق‬

‫حسنني توفيق إبراهيم‬ ‫عبداجلبار أمحد عبداهلل‬

‫‪ISBN: 9948 424 42 5‬‬

‫دانيال بايامن‬

‫‪ISBN: 9948 424 59 X‬‬

‫املقاومة العراقية بني اإلرهاب والتحرر الوطني‬ ‫دراسة إحصائية‬

‫مراد بطل الشيشاين‬

‫‪ISBN: 9948 432 08 8‬‬

‫اجليش العراقي ‪ 2004-1921‬دراسة وحتليل‬

‫موسى محد القالب‬

‫‪ISBN: 9948 432 14 2‬‬

‫�سل�سلة درا�سات مينية‪:‬‬

‫سلسلة حمكمة تنرش دراسات وأبحاث ًا علمية يف املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتامعية والدفاع واألمن‬

‫يف اليمن‪ .‬تصدر باللغتني العربية واإلنجليزية‪.‬‬ ‫العدد األول ‪ :‬التحديث ومسار البنى االجتامعية‬ ‫التقليدية (حالة اليمن)‬

‫عامر عيل حسن‬

‫‪ISBN: 9948 400 68 2‬‬

‫�سل�سلة ترجمات خليجية‪:‬‬ ‫يقوم املركز برتمجة ونرش جمموعة خمتارة من الدراسات والتقارير والكتب األجنبية التي تتناول مواضيع وقضايا‬ ‫خليجية‪.‬‬

‫اإلصالحات العربية وحتديات سياسات اإلحتاد األوريب‬

‫جمموعة من املؤلفني‬

‫‪ISBN: 9948 424 53 0‬‬

‫االمـتـثـال العاملي‪ :‬اسرتاتيجية لألمن النووي‬

‫جمموعة من املؤلفني‬

‫‪ISBN: 9948 424 34 4‬‬

‫الرصاع الفلسطيني ـ اإلرسائييل‬

‫جمموعة من املؤلفني‬

‫‪ISBN: 9948 424 08 5‬‬

‫ترمجات خليجية (العدد الرابع)‬

‫جمموعة من املؤلفني‬

‫‪ISBN: 9948 424 82 4‬‬

‫ترمجات خليجية (العدد اخلامس)‬

‫جمموعة من املؤلفني‬

‫‪ISBN: 9948 424 81 6‬‬


‫ترمجات خليجية (العددالسادس)‬

‫جمموعة من املؤلفني‬

‫‪ISBN: 9948 432 45 2‬‬

‫ترمجات خليجية (العدد السابع)‬

‫جمموعة من املؤلفني‬

‫‪ISBN: 9948 432 46 0‬‬

‫ترمجات خليجية (العدد الثامن)‬

‫جمموعة من املؤلفني‬

‫‪ISBN: 9948 432 47 9‬‬

‫ترمجات خليجية (العدد التاسع)‬

‫جمموعة من املؤلفني‬

‫‪ISBN: 9948 432 48 7‬‬


4*]~8(* $*x~7 d : o3¡¿ k« H+ ISBN

@@A]D* f@ Jx: ¯x~|E J¡« lbp+&ÉD n£ ³* yCxE eb~z²* ~6* ,]pg´* f£+x D* i*4bE(°* ¤+2 e 8 *¡ D* 4°H]Db+ eb~z0 B4 G4]Db+ ·H]D* i*4bE(°* + cD* ,]pg´* f£+x D* i*4bE(°* ¤+2 @@ ¤~z£)xD* dg ´* *¡ D* EBILAEAD Jx~zD* J¡pgD* yE4 b g)(* fBb + fBb cD* ¡F f £ D* $b gF°* tJ4b fBb cD* B4 -b D* B4 £B¡gD* f£)]cE ,4¡-bA b~64(* ¢/xJ Master card

Visa

jgl H+ 7+

·bgD* *¡ D* ¢ < ~6°* f~z~6'¡´* ~z D* *¡ D* fDH]D* f J]´* ¥]JÄD* yExD* e 8 -b D* ·bgD* *¡ D* ¢ < c : ~64&* ¤+2 e 8 ]~7*4 t£~{D* 4b~7 +b D* $bj£E 2¡< ox+ ,]pg´* f£+x D* i*4bE(°* -bG zCbA nada@grc ae ÁHÆ D°* ]JÄD* www grc ae hFÆF(°* Ä< d :*



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.