ال�س ـ ـ ــيا�سة ا إليـ ـ ــرانيـة
جتاه دول جمل�س التعـاون اخللي ــجي ()2000 -1979
من�صور ح�سن العتيبي
مركز اخلليج أ للبحاث
مــركـز اخل ــليـج أ للبح ــاث 187برج عود ميثاء ،الطابق 11 � 303شارع ال�شيخ را�شد �ص.ب80758 . دبي ـ ا إلمارات العربية املتحدة هاتف+ 971 4 3247770 : فاك�س+ 971 4 3247771 : بريد �إلكرتوينinfo@grc.ae : موقع ا إلنرتنتwww.grc.ae :
الطبعة أالوىل 2008 �صدرت عن مركز اخلليج أ للبحاث دبي ـ دولة ا إلمارات العربية املتحدة © مركز اخلليج أ للبحاث 2008 جميع احلقوق حمفوظة ملركز اخلليج أ للبحاث .ال يجوز �إعادة طباعة أ�ي جزء من هذا الكتاب أ�و تخزينه بوا�سطة أ�ي نظام ي�ستخدم ال�سرتجاع املواد ا إللكرتونية ،أ�و �إعادة �إنتاج هذا الكتاب أ�و أ�ي جزء منه ب أ�ي و�سيلة من الو�سائل ا إللكرتونية أ�و ا آللية أ�و الت�صويرية أ�و الت�سجيلية أ�و غريها من الو�سائل املتاحة ،من دون احل�صول على �إذن خطي م�سبق من مركز اخلليج أ للبحاث. الرقم العاملي املت�سل�سل للكتاب
ISBN: 9948 424 72 7
وجهات النظر الواردة يف هذا الكتاب تعرب عن �آراء امل ؤ�لف ،وال تعرب بال�ضرورة عن وجهة نظر مركز اخلليج أ للبحاث.
�إنّ مركز اخلليج أ للبحاث بقيامه بن�شر هذا الكتاب لي�سعى �إىل ا إل�سهام يف زيادة معرفة القارئ العربي وثقافته �إميان ًا منه ب أ�نّ املعرفة حق للجميع.
عبد العزيز بن عثمان بن �صقر رئي�س مركز اخلليج أ للبحاث
نبذة عن مركز اخلليج أ للبحاث
هو م ؤ��س�سة بحثية م�ستقلة ،مقرها دبي يف دولة ا إلمارات العربية املتحدة ،ت أ��س�س يف يوليو عام ،2000مببادرة من رجل أالعمال ال�سعودي عبد العزيز بن عثمان بن �صقر� ،إدراك ًا منه i_m(#ÆA k ألهمية �إجناز أ�بحاث أ�كادميية حول أ�هم الق�ضايا اخلليجية (_}A' !_g B /يف ظل التحوالت ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية احلادة s{4'1 q {xA واملت�سارعة التي ت�شهدها منطقة اخلليج ،وذلك بهدف �إ�شاعة أ ' )smd A' c (u A' fاملعرفة على �و�سع نطاق.
TBMFT! HSD BF ¡C XXX HSD BF eللتحديات والفر�ص امل�ستقبلية التي تواجهها املنطقة.
ويقدم املركز اخلدمات التعليمية واال�ست�شارات املتخ�ص�صة حول منطقة اخلليج .كما ي�سعى �إىل �صياغة فهم أ�و�ضح و أ�عمق
uG_ G i_m(#ÆA k pA' v@uB )smd A' c (u A' f
i_m(#ÆA k pA E#' Gvp* E#' B !v, ¢#' E#' 1's{5%' 'tD u{xC )/_9%_( n {wG L i_m(#ÆA k pA' v@u A c8 mB (_ ¡dA' E#' c>Eu A' &_{3 A' B ¢#' c}{3' ( E#' c j{w* E#' cGuG {y* E#' c A"' E#' c CEud A%' eC_@ c {3E E#' {4 ¢# >¡ ' i_m(#ÆA k pA' v@uB B `{wB ¡}. 0%' 9 {ymA' E/ B ` d{w A
¡ ' *4#/ b_d A {w {wd A
k pA' v@uB u C c ,E 9 )1Eu{zA_( u` * E @1_{x A' !'1"' 9 u` * 1's{5%' 'tD ¡> )/1' ==A' u
املحتويات
i_m(#ÆA k pA' v@uB ( (_}A' !_g B / 9 lu s{4'1 q {xA' 1_{4 1................................................................................ مقدمــة b |5 )smd A' c (u A' f'1_B%' = ¡(/ *_D .الفصل األول >_@ |w TBMFT! HSD BF النظام( ¡CEud A' sGu اخلليجي14............................................................... اإلقليمي XXX HSD BF eCudC' ? B
أو ً ال :مفهـوم النظـام اإلقليمـي وعالقته بالنظام الدويل 15...........................
اإلقليمي اخلليجي 27................................................... ' :' c `}Aالنظام ثاني ًا uG_ G AE#
i_m(#ÆA k pA' v@uB 9 f1s{5 )smd A' c (u A' f'1_B% ' cAE/ الدور اإلقليمي34...................................................... ثالث ًَا :مفهوم
i_m(#ÆA k pA' v@uB ª اخلليجي40................................. القوة يف النظام اإلقليمي رابع ًا :إمكانات E#' Gvp* E#' B !v, ¢#' E#' 1's{5%' 'tD u{xC )/_9%_( n {wG i_m(#ÆA k pA' v@u A c8 mB mA' , L ' ¡dA' E#' c>Eu A' &_{3 A' B ¢#' c}{3' ( E#' c j{w* E#' cGuG {y* E#' c A"' E#' c CEud A%' eC_@ c {3E E#' {4 ¢#_( 9_,ud{3 i_m(#ÆA k pA' v@uB B `{wB ¡}. 0%' 9 {ymA' E/ B ` d{w A' ¡> ismd{wd{3
.الفصل الثاين
حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة 55............................................. ' *4#/ b_d A {w {wd A' ¡ A_ A' ?uA
k pA' v@uB u C c ,E 9 )1Eu{zA_( u` * E @1_{x A' !'1"' 9 u` * 1's{5%' 'tD ¡> )/1' ==A' u A' f_ ,E
ÆAأو ً : i_m(#املنظور التارخيي للسياسة اإليرانية يف اخلليج 56................................ ال ثاني ًا :املحددات النابعة من البيئة الدولية اإلقليمية64.................................
ثالث ًا :املحددات النابعة من البيئة الدولية العاملية 79................................... .الفصل الثالث
عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانيـة 92................................................ أو ً ال :دور األيديولوجيا يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية93.................
ثاني ًا :دور القيادة يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية99........................
ثالث ًا :دور املصلحة القومية يف السياسة اخلارجية اإليرانية107........................ رابع ًا :أدوات تنفيذ السياسة اخلارجية اإليرانية يف اخلليج 111........................
.الفصل الرابع
السياسة اإليرانية خالل اجلمهورية األوىل (123......................... )1989 - 1979 أو ً ال :األيديولوجيا اإليرانية 124.................................................... ثاني ًا :النفوذ والبحث عن دور إقليمي131...........................................
ثالث ًَا :قضايا احلــــدود138......................................................... رابع ًا :قضايا األمن والتس ّلح 144................................................... خامس ًا :قضايا التعاون اإلقليمي151................................................
.الفصل اخلامس
السياسة اإليرانية خالل اجلمهورية الثانية (158..........................)1997 - 1989 أو ً ال :األيديولوجيا اإليرانية 159.................................................... ثاني ًا :النفوذ والبحث عن دور إقليمي166...........................................
ثالث ًا :قضايا احلـــــدود174........................................................
رابع ًا :قضايا األمن والتسلح 181................................................... خامس ًا :قضايا التعاون اإلقليمي189................................................
.الفصل السادس
السياسة اإليرانية خالل اجلمهورية الثالثة (197..........................)2000 - 1997 أو ً ال :األيديولوجيا اإليرانية 198.................................................... ثاني ًا :النفوذ والبحث عن دور إقلـيمي224..........................................
ثالث ًا :قضايا احلدود 237............................................................
رابع ًا :قضايا األمن والتسلح 250................................................... خامس ًا :قضايا التعاون اإلقليمي260................................................
خاتـمة278.............................................................................. املراجع290..............................................................................
مقدمــة تتضمن مقدمة الدراسة عدد ًا من النقاط :أمهية موضوع الدراسة ،املشكلة البحثية،
فرضيات الدراسة وتساؤالهتا ،منهجية الدراسة ووسائل مجع البيانات وحتليلها ،اإلطار الزمني للدراسة ،األدبيات السابقة ،تقسيم الدراسة ،وذلك عىل النحو التايل:
أمهية موضوع الدراسة
تنبع أمهية الدراسة من نقاط عدة ،كام ييل: -١االهتامم الذايت للباحث باعتباره أحد أبناء دولة الكويت اخلليجية التي تتأثر كثري ًا
بام تتخذه إيران من سياسات جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،والتي كانت وال تزال بؤرة من بؤر الرصاع يف منطقة اخلليج منذ الغزو العراقي يف آب/أغسطس .1990
-٢إن إيران دولة إقليمية كربى ،وهي إحدى ركائز التوازن االسرتاتيجي واألمني
يف منطقة اخلليج ،وبالتايل ترتبط دراسة سياستها اخلارجية جتاه دول تلك املنطقة إىل حد
كبري بمعادالت التوازن االسرتاتيجي واألمني هناك ،األمر الذي يعطي أمهية اسرتاتيجية
للموضوع.
-٣هناك أمهية أكاديمية؛ حيث يأمل الباحث أن متثل تلك الدراسة إضافة للمكتبة
العربية واخلليجية يف ما يتعلق بدراسات السياسات اخلارجية واإلقليمية بشكل خاص،
والدراسات اخلليجية بشكل عام.
مركز اخلليج لألبحاث
مقدمة
املشكلة البحثية
إن البحث يف السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية
هو -يف جزء كبري منه -بحث يف العالقات اإليرانية -العربية يف منطقة اخلليج ،فإيران دولة إقليمية كربى يف منطقة ذات أمهية دولية؛ سواء من الناحيتني اجليوبولتيكية والتارخيية أم من
النواحي السياسية واالقتصادية ،وتعترب ركيزة أساسية من ركائز التوازن االسرتاتيجي الدويل، وهي منطقة خصبة وجمال مفتوح للرصاعات اإلقليمية والدولية ،إىل جانب الرصاعات الداخلية عىل حد سواء ،وكانت ،وال تزال ،حمط أطامع العديد من القوى اإلقليمية والدولية
الكربى ذات املصلحة يف السيطرة عىل تلك املنطقة ،للحيلولة دون وصول قوى أخرى إليها،
واالستفادة من خرياهتا الطبيعية ومن موقعها املتميز ،ومن ثم حتقيق أقىص استفادة ممكنة من
خالل فرض سيطرهتا وسلطاهنا عىل تلك املنطقة ،سواء من خالل االستعامر املبارش بشكله التقليدي البائد ،أو من خالل فرض نوع من عالقة التبعية السياسية والعسكرية ،أو من خالل
ممارسة التهديد والضغط السياسيني من آن آلخر عىل دول املنطقة ،بادعاء حقوق تارخيية وجغرافية ،ومن خالل دعم قوى سياسية داخلية.
وتأيت إيران يف مقدمة تلك الدول التي تدّ عي حقوق ًا إقليمية لدى جرياهنا يف املنطقة ،والتي أوجدت مزيد ًا من نقاط االحتكاك مع الدول العربية اخلليجية منذ مطلع القرن العرشين. وباعتبار أن إيران دولة مهمة يف منطقة اخلليج العريب ،فهي تشاطر دول هذه املنطقة
الكثري من األمور والقضايا املشرتكة ،وكان لنجاح الثورة اإليرانية ووصول قوى جديدة ذات توجهات ثيوقراطية وسياسية خمتلفة إىل السلطة يف إيران دور كبري يف إحداث تغريات جذرية بأوضاع منطقة اخلليج ،وذلك بالنظر إىل ما تتمتع به إيران من أمهية خاصة باعتبارها إحدى
القوى الكربى الفاعلة يف النظام اإلقليمي اخلليجي.
من هنا ،تركز الدراسة عىل حتليل مشكلة بحثية جوهرية ،أساسها التساؤل عن «طبيعة
وحركية سياسة إيران اخلارجية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،أي دراسة
سياسة إيران اإلقليمية» .ما هي سياسة إيران اخلارجية جتاه منظومة دول جملس التعاون لدول
اخلليج العربية؟ ما هي ثوابت السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول
اخلليج العربية ومنطقة اخلليج العريب؟ وما هي الدوافع التي دفعت هبا إىل تغيري نمط خطاهبا
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
املوجه إىل دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية واالنتقال من سياسة املواجهة والعداء ّ السافر إىل االعتدال ،وتب ّني سياسة االنفتاح يف العهود التالية للعهد اخلميني؟ وانعكاس ذلك عىل القضايا األساسية يف املنطقة ،وبخاصة ما يتعلق منها باألمن والتعاون اإلقليمي بمختلف
أشكاله.
ومن هذا املنطلق ،تسعى الدراسة إىل حتليل مجلة من العوامل واملتغريات ذات الصلة
الوثيقة بالسياسة اإلقليمية إليران ودراستها ،عىل النحو التايل:
-1حتليل عنارص السياسة اخلارجية اإليرانية ،والكيفية التي يمكن أن متثل من خالهلا إيران هتديد ًا لألمن اإلقليمي اخلليجي ،خصوص ًا مع اجتاهها نحو تطوير قدراهتا يف جمال أسلحة الدمار الشامل.
التحول الذي طرأ عىل السياسة اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول -2دراسة ّ اخلليج العربية؛ من املواجهة والتع ّنت يف عهد آية اهلل اخلميني إىل مزيد من االعتدال واالنفتاح يف عهدي رفسنجاين وخامتي.
-3حتديد العوامل التي أضفت صفة االعتدال عىل السياسات اإليرانية ،بعد أن أصبحت املصالح القومية ،ال االعتبارات األيديولوجية ،هي املسيطرة عىل السياسة اإليرانية.
-4أثر املتغريات العاملية اجلديدة ومفاهيم العوملة يف السياسة اخلارجية اإليرانية، وهذه اجلزئية هي بمنزلة إضافة جديدة للدراسة املتع ّلقة بحقل الدراسات اإليرانية اخلليجية.
فرضيات الدراسة وتساؤالهتا
تسعى الدراسة إىل اختبار جمموعة من الفرضيات ،إىل جانب سعيها إىل اإلجابة عن عدد
من التساؤالت التي أثارهتا يف ذهن الباحث. أما الفرضيات ،فهي عىل النحو التايل:
-١األيديولوجيا ليست هي املحرك األسايس والوحيد للسياسة اإليرانية يف إطارها مركز اخلليج لألبحاث
مقدمة
اإلقليمي جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،وإنام هناك حمركات أخرى؛ مثل طبيعة
توجهات النظام السيايس ،واملتغريات اإلقليمية ،واملتغريات العاملية ،التي تؤثر بدورها يف ّ السياسة اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية.
-٢النزعة التوسعية هي سمة أساسية للسياسة اإليرانية يف إطارها اإلقليمي ،فهي
تغلب النزعة التعاونية ،ومن ثم كانت لألدوات العسكرية والدعائية الغلبة عىل باقي أدوات تنفيذ السياسة اإليرانية يف اخلليج .ومن ثم فإن السياسة اخلليجية إليران تق ّلص من فرص التعاون اإلقليمي يف املنطقة ،أي إهنا تقلل من فرص قيام صيغ تعاونية إيرانية خليجية.
-٣اعتمدت إيران سياسة خارجية إقليمية ّ مكنتها من القيام بدور إقليمي فاعل إزاء
القضايا واملواقف اإلقليمية اخلليجية.
-٤التهديد اإليراين لألمن اخلليجي ما زال أمر ًا قائ ًام ،عىل الرغم من بروز مصادر
جديدة للتهديد اإلقليمي ،مثل العراق.
أما التساؤالت التي تثريها الدراسة فهي كام ييل: -١ما هي إمكانات وقدرات إيران املادية واملجتمعية التي ّ متكنها من القيام بدور
إقليمي مميز يف منطقة اخلليج العريب؟
-٢ما هي اآلليات واألدوات والوسائل التي تعتمدها إيران يف حتقيق أهدافها اإلقليمية
ّ ومتكنها من بناء دورها اإلقليمي؟
-٣ما هو تأثري املتغريات اإلقليمية والدولية يف حدود الدور اإليراين يف اخلليج؟
-٤هل هناك عالقة تفاعلية بني السياسة اإليرانية من جهة ،وعوامل ومصادر
االضطراب وعدم االستقرار يف منطقة اخلليج العريب من جهة أخرى؟ ومثال عىل ذلك، حركات املعارضة الشيعية ،وحماوالت التخريب وقلب نظام احلكم ،واالغتياالت السياسية.
منهجية الدراسة ووسائل مجع البيانات وحتليلها
الدراسة التي نحن بصددها هي دراسة للسياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس
التعاون لدول اخلليج العربية ،أي إهنا ،بشكل آخر ،دراسة للسياسة اإلقليمية إليران. وتأخذ السياسة اإلقليمية أحد الشكلني التاليني:
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
-١هو السلوك الصادر عن جمموعة وحدات أو دول اإلقليم إزاء موقف ما داخل اإلقليم أو خارجه ،معبرّ ًا عنه من خالل اهليكل التنظيمي لإلقليم ،الذي يعبرّ عن آلية صنع القرار اإلقليمي (سلوك جملس التعاون جتاه الغزو العراقي للكويت ،موقف املجلس من الرصاع العريب -اإلرسائييل).
-٢هو سياسة اجلزء إزاء الكل ،أو هو بعبارة أخرى سياسة دولة ما إزاء جمموعة الدول داخل اإلقليم .حيث تتحدد سياسة الدولة إقليمي ًا وفق ًا لطبيعة اإلمكانات املادية واملوضوعية واملجتمعية لتلك الدولة ،ووفق ًا لطبيعة األوضاع اإلقليمية والدولية السائدة خالل فرتة
معينة.
وهذا الشكل الثاين هو ما تنتهجه الدراسة يف حتليل السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول
جملس التعاون لدول اخلليج العربية ومنطقة اخلليج العريب خالل الفرتة الزمنية املمتدة من
العام 1979حتى العام .2000
قد تأخذ السياسة اإلقليمية ألي دولة منحى رصاعي ًا ،كام قد تأخذ منحى تعاوني ًا، أو كليهام مع ًا ،وهذا يتوقف عىل طبيعة توجهات القيادة السياسية يف تلك الدولة ،وطبيعة
القضايا موضوع السياسة اخلارجية التي يثار حوهلا اجلدل ،كذلك رد فعل الوحدات السياسية األخرى داخل اإلقليم نفسه ،ومدى توافق أهدافها ومصاحلها مع أهداف وتوجهات السياسة اخلارجية لتلك الدولة يف إطارها اإلقليمي.
ومن هنا ،وبناء عىل ما سبق ،إن مفهوم السياسات اإلقليمية هو األساس املنهجي يف تلك الدراسة ،ويرتبط ارتباط ًا وثيق ًا بتحديد مفهوم النظام اإلقليمي الذي جتري يف إطاره تلك السياسة ،بام حيويه من نمط للعالقات وتوزيع للقوة السياسية والعسكرية واالقتصادية.
وهو ما يظهر بشكل أسايس يف الفصل األول من هذه الدراسة .كام تظهر نتائجه يف الفصول الرابع واخلامس والسادس من الدراسة ،وتتناول هذه الفصول القضايا اإلقليمية التي تصاغ بصددها السياسة اإليرانية.
كام أن منهج حتليل النظم ،أو نموذج املدخالت واملخرجات ،جيد مكانه يف هذه الدراسة من
خالل حتليل املتغريات الداخلية واإلقليمية والدولية التي تعمل باعتبارها حمددات أو مدخالت للسياسة اإليرانية يف منطقة اخلليج العريب ،وهو ما جيد مكانه يف الفصل الثاين من الدراسة. مركز اخلليج لألبحاث
مقدمة
أما منهج صنع القرار ،فنجده بشكل أسايس يف الفصل الثالث من الدراسة الذي ُيعنى
بتحليل عملية صنع قرار السياسة اخلارجية اإليراين والقوى املؤثرة فيه ،سواء عىل املستوى
القيادي ،أم عىل مستوى املؤسسة الدينية ،أم عىل مستوى القوى األخرى ذات املصلحة ،من
خالل تناول دور كل من القيادة واأليديولوجيا واملصالح القومية يف تلك العملية .وترمجة تلك السياسة من خالل جمموع األدوات التي تعتمدها إيران لتنفيذ سياستها خليجي ًا. وأخري ًا ،إن تناول املنظور التارخيي للسياسة اإليرانية يف اخلليج إنام يستفيد من املنهج
التارخيي ،كام إن دراسة نمط توزيع القوة يف النظام اخلليجي تستخدم أسلوب املقابلة. وتعتمد الدراسة عىل مصدرين أساسيني من مصادر مجع البيانات:
-١الوثائق املتاحة حول ذلك املوضوع ،بام تشمله من خطب وترصحيات صحافية،
صدرت عن القادة واملسؤولني اإليرانيني واخلليجيني حول العالقات اإليرانية اخلليجية ،ووثائق جملس التعاون يف ما يتعلق بالعالقات مع إيران ،ودور إيران املنتظر يف مسألة األمن اخلليجي.
-٢املصادر املكتبية ،وتشمل الكتابات األكاديمية التي تُعنى بموضوع الدراسة،
سواء عىل شكل كتب أم مقاالت أم دراسات أم أبحاث علمية ،مما حتتويه الدوريات العربية واألجنبية ،وكذلك الرسائل العلمية واألبحاث غري املنشورة ،إىل جانب ما تضمنته الصحف
واملجالت حول ذلك املوضوع ،ما يفيد الباحث يف حتليله.
وتعتمد الدراسة يف التحليل عىل اجلهد الذايت للباحث يف حتليل مضمون املادة العلمية
املتاحة؛ لتحليل وتفسري واستقراء ثوابت السياسة اإليرانية ومتغرياهتا جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية خالل فرتة الدراسة.
اإلطار الزمني للدراسة
متتد الدراسة من العام 1979حتى العام .2000وهذه الفرتة التي جتاوزت العقدين
من الزمن ،تواترت خالهلا أنامط خمتلفة من العالقة التي مجعت بني إيران ودول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،حيث تعاقبت عىل إيران ثالث قيادات اختلفت يف توجهاهتا السياسية داخلي ًا وخارجي ًا .وفرتة الدراسة هي فرتة كافية لدراسة األنامط املختلفة للسياسات التي اتبعتها القيادات اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية وردود األفعال جتاهها.
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
األدبيات السابقة
يف إطار الدراسات اخلاصة بالسياسة اخلارجية إليران يف منطقة اخلليج العريب باعتبارها
جزء ًا من العالقات العربية -اإليرانية يف إطارها العام ،والعوامل الداخلية واإلقليمية والدولية
التي تؤثر يف السياسة اإليرانية بمنطقة اخلليج العريب ،هناك عدد من الكتابات األكاديمية، نعرض بعضها يف ما ييل:
-1يف دراسة بعنوان ،إيران :معضالت سياسة االحتواء املزدوج ،يناقش كل من
كوردسامن وأمحد هاشم وضعية إيران يف النظام اإلقليمي والدويل منذ اندالع الثورة اإلسالمية عام ،1979حيث بدأت إيران تدخل يف زمرة الدول الراعية لإلرهاب ،بخاصة بعد صدور قرار املحكمة العليا يف أملانيا بتورط احلكومة اإليرانية بشكل مبارش بحادث اغتيال ثالثة من اإليرانيني األكراد يف أحد مطاعم برلني عام ،1992إضافة إىل ما متثله من هتديد جلرياهنا يف
منطقة اخلليج منذ رفع شعار «تصدير الثورة» ،ما جعلها تُعرف بـ «الدولة احلمراء» يف املنطقة.
ومن هنا ،كان رد الفعل األمريكي باتباع سياسة خاصة جتاه إيران.
هذا الكتاب الذي حيمل بني طياته أربعة عرش فص ً ال مهم جد ًا هلؤالء الذين يسعون
وراء فهم أعمق للسياسات اإليرانية وما تسببه من مشكالت للسياسة األمريكية ،فهو حيمل حتلي ً ال جيد ًا للعوامل واملتغريات السياسية والعسكرية واالقتصادية واالجتامعية واجلغرافية والسيكولوجية التي تشكل واقع السياسة اإليرانية ومستقبلها.
ويدعم املؤلفان حتليلهام بعدد من اجلداول ( ،)16واألشكال ( )46واخلرائط ( )5التي
تذهب للتعرف إىل الكيفية التي اكتسبت هبا إيران وضعها باعتبارها دولة محراء يف النظام
الدويل ،وذلك من خالل مناقشة ممتازة للديناميات الداخلية للنظام وعوامل الضغط املختلفة الناجتة من العوامل الديمغرافية واإلثنية ،وكيف يمكن للنفط واالقتصاد أن يؤديا دور ًا مه ًام
يف حتديد مستقبل إيران وسياستها اخلارجية .كام يتناول املؤلفان القدرات العسكرية اإليرانية وكيف يمكن أن متثل مصدر ًا للتهديد ،خصوص ًا أهنا تسعى إىل تطوير قدراهتا يف ما يتعلق بامتالك أسلحة الدمار الشامل.
)Anthony H. Cordesman and Ahmed Hashim, Iran: Dilemmas of Dual Containment, (1 CSIS Middle East Dynamic Net Assessment (Boulder, Colo.: Westview Press, 1997)..
مركز اخلليج لألبحاث
مقدمة
ثم يعرض املؤلفان لسياسة االحتواء املزدوج التي تتبعها الواليات املتحدة جتاه إيران،
ويقرتحان استخدام سياسة الرتغيب والرتهيب «العصا واجلزرة» ،مع اتباع احلوار مع طهران،
ويف الوقت نفسه العمل عىل تقليل قدراهتا عىل امتالك أسلحة الدمار الشامل ،واحلد من
إمكانات بناء قوهتا التقليدية.
وبغض النظر عن التفاصيل الواردة بشأن سياسة االحتواء وبدائلها ،فإن ما حيويه هذا
الكتاب من مادة حول القدرات اإليرانية بمختلف أشكاهلا السياسية واالقتصادية والعسكرية
واالجتامعية ...إلخ ،يمثل فائدة كربى للباحث يف ما يتعلق بدراسة القدرات اإليرانية مقابل قدرات منظومة دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،ومن ثم يعترب ذا فائدة جيدة
للبحث.
-2الدراسة الثانية بعنوان ،أمن اخلليج يف القرن احلادي والعرشين ،وهي إحدى الدراسات التي تتناول حتلي ً ال للمتغريات والعوامل التي سيكون هلا أثر مبارش يف صياغة «أمن
اخلليج العريب» بصورته املستقبلية.
تتضمن هذه الدراسة عدد ًا من الدراسات املفصلة ملجموعة من الباحثني واملهتمني
بالشؤون اخلليجية .حيث خيتص الفصل األول من اجلزء األول من الكتاب بتحليل العالقة بني إيران واألمن اخلليجي ،فيعرض جريالد غرين إليران بوصفها أحد املصادر احلالية واملستقبلية
للتهديد األمني يف املنطقة منذ سقوط الشاه وقيام اجلمهورية اإلسالمية عام .1979فهو يبحث
الدور اإليراين يف معادلة األمن اخلليجي التي يرى أهنا لن تقوم إال بمشاركة كل من العراق وإيران إىل جانب دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،وهيتم بتحليل عنارص السياسة اخلارجية اإليرانية والكيفية التي يمكن أن متثل هبا إيران هتديد ًا لألمن يف املنطقة ،خصوص ًا مع
اجتاهها لتطوير قدراهتا يف جمال أسلحة الدمار الشامل.
وخلص إىل أنه عىل الرغم من أن الوضع االقتصادي والسيايس يضعف من إمكانية أن متثل إيران هتديد ًا مستقبلي ًا لألمن اخلليجي ،فإنه مع ذلك من الصعب أن يقوم نظام أمني خليجي من دون مشاركة إيران إىل جانب العراق ودول جملس التعاون لدول اخلليج العربية، )(2
David E. Long and Christian Koch, eds., Gulf Security in the 21st Century (Abu Dahbi: Emirates Center for Strategic Studies and Research, 1997).
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ومن ثم يتحتم عىل إيران أن تنحي أطامعها التوسعية جانب ًا ،األمر الذي ييرس عملية التقارب واالندماج يف نظام أمني خليجي.
-3الدراسة الثالثة حتمل عنوان ،إيران واخلليج :البحث عن االستقرار ،وهي كتاب يقع يف ثالثة عرش فص ً ال موزعني بني أقسام أربعة ،تعرض آراء عدد من كبار املختصني بشؤون إيران ومنطقة اخلليج العريب ،هبدف إعطاء رصد شامـل ومتوازن للقضايا الرئيسة
التي تواجه املنطقة يف مطلع القرن احلادي والعرشين.
حيمل القسم األول عنوان :التحدي الثيوقراطي (حكم رجال الدين) ،وذلك يف فصول
ثالثة تتناول املبادئ التي ترتكز عليها العالقة بني الدين والسياسة يف إيران بعد الثورة ،ثم تقويم أداء املؤسسات احلاكمة يف فرتة ما بعد الثورة ،وكيف استطاع املرشد األعىل للثورة
يثبت دعائم سلطته والبقاء بمنأى عن (سواء آية اهلل اخلميني أم خليفته عيل خامنئي) أن ّ
التحزبات والرصاع الداخيل ،وعدم التدخل إال يف حال تعرض النظام لتهديد سيايس خطري. ويتناول الفصل الثالث حتليل العالقة بني قيادة الدولة والقيادة الدينية «والية الفقيه»،
حيث يتوىل املرجع األعىل للشيعة قيادة الدولة .لكن هذه االزدواجية أصبحت غري قائمة بالشكل اجلامد الذي كانت عليه حتى وفاة اخلميني وكبار رجال املؤسسة الدينية الشيعية.
أما القسم الثاين من هذا الكتاب -وهو األكثر أمهية بالنسبة إىل دراستنا -فيتعلق بدارسة
السياسة اخلارجية اإليرانية يف منطقة اخلليج العريب ،تلك املنطقة التي تعاين درجة عالية من
التوتر وعدم االستقرار.
ويبدأ بدراسة التحول الذي طرأ عىل السياسة اإليرانية يف اخلليج؛ من املواجهة والتعنت
يف عهد اخلميني ،إىل مزيد من االعتدال والرباغامتية يف العهود التالية للخميني ،وحتديد العوامل التي تضفي صبغة االعتدال عىل السياسات اإليرانية ،بعد أن أصبحت املصالح القومية ،ال االعتبارات األيديولوجية ،هي املسيطرة عىل السياسة اإليرانية.
يعرج إىل بحث وحتليل ما سامه جيمس بيل «مستطيل التوتر يف املنطقة» ،حيث يركز ثم ّ )(3
Jamal S. Al-Suwaidi, ed., Iran and the Gulf : A Search for Stability (Abu Dhabi: Emirates Center for Strategic Studies and Research, 1996)..
مركز اخلليج لألبحاث
مقدمة
عىل التفاعالت بني كل من إيران والعراق والواليات املتحدة ودول جملس التعاون ،مع إلقاء الضوء عىل القيود الداخلية والدولية التي تؤثر يف هذه املجموعة من الدول يف سعيها إىل إجياد
توازن بني مصاحلها املتعارضة .وهذا االلتقاء بني تلك املصالح املتعارضة ،يف منطقة من أكثر مناطق العامل حساسية وأمهية ،من شأنه أن يوجد جو ًا من التوتر وعدم االستقرار. ويرى بيل أن استقرار األوضاع يف تلك املنطقة إنام يعتمد عىل ركائز أساسية ،أمهها
حتسن العالقات بني العراق وإيران ،واجتاه دول اخلليج نحو التعددية السياسية ،وتقليص ّ تدخل الواليات املتحدة يف الشؤون اخلليجية.
حتسن العالقات بني العراق وإيران ،من ويأيت الفصل السادس ليؤكد جزئية رضورة ّ
خالل رسمه صورة ألبرز القضايا التي متثل مالمح السياسة اخلارجية اإليرانية وردود فعل
املجتمع الدويل جتاهها ،بخاصة مع حماولة إيران حتسني صورهتا أمام العامل اخلارجي.
ثم يستكمل الكتاب حلقات العالقات اإليرانية -اخلليجية؛ من بحث فرص العالقات
بني إيران ودول اخلليج يف الفصلني السابع والثامن ،مع الرتكيز عىل عالقتها بكل من دولة اإلمارات العربية املتحدة واململكة العربية السعودية.
خيتص القسم الثالث من الكتاب بعملية إعادة بناء القوة العسكرية واالقتصاد اإليرانيني،
ويسهب كوردسامن يف حتليل املحاوالت اإليرانية لبناء قوهتا املسلحة ،ولكن مع التحذير من
أن هرولة إيران نحو تدعيم قوهتا العسكرية قد ال يعنى بالرضورة اجتاه إيران نحو تب ّني مواقف أكثر عدوانية ،وإنام قد يعنى اجتاه ًا نحو تعويض الدمار الذي حلق هبا من حرهبا مع العراق، إضافة إىل أن إيران تواجه صعوبات شديدة اقتصادي ًا واجتامعي ًا وإداري ًا .ومل يغفل كوردسامن
التعرض ملشكلة أسلحة الدمار الشامل. ّ
وخيتم مجال السويدي الكتاب بدراسة عن «املأزق األمني يف اخلليج» والدور الذي
يمكن أن تؤديه إيران يف ما يتعلق بمسألة األمن يف اخلليج ،ضمن إطار دراسته للعالقات اإليرانية -األمريكية ،وعالقات إيران بدول اخلليج ،وبحث الديناميات األمنية املصاحبة
للعالقات املتوترة .فيتناول بحث عدد من العوامل السياسية واالقتصادية واالجتامعية التي
تقود إىل جمموعة من التفاعالت التي قد تؤثر بالسلب يف دعائم االستقرار باملنطقة ،ومن ثم 10
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
يرى رضورة أن تتبنى الدول اخلليجية سياسات أمنية مدروسة ،تأخذ باحلسبان تناقضات السياسة اإليرانية وخضوعها لسياسة االحتواء املزدوج باعتبارها دولة راعية لإلرهاب.
مما ال شك فيه أن هذا الكتاب ُعني -بام حيويه من مادة علمية مفيدة للدراسة -بتحليل
متغريات السياسة اإليرانية يف اخلليج وثوابتها ،ومقومات القوة االقتصادية والعسكرية اإليرانية وعالقتها بمسألة األمن يف اخلليج العريب.
-4يف إطار الدراسات التارخيية العامة املتع ّلقة بالعالقات العربية -اإليرانية ،هناك دراسة
حممد حسن العيدروس التي حتمل عنوان العالقات العربية -اإليرانية . 1971-1921 :فعىل الرغم من أن هذه الدراسة التارخيية قد توقفت عند العام ،1971ومل تتضمن حتلي ً ال سياسي ًا متعمق ًا ،تفيد الباحث يف اإلملام باجلوانب التارخيية للعالقات اإليرانية -العربية بصفة عامة والعالقات اإليرانية -اخلليجية بصفة خاصة ،وعالقة إيران التارخيية بكل من اإلمارات
والبحرين ،وبدايات اهلجرة واالستيطان اإليراين يف دول اخلليج العريب .باإلضافة إىل بعض املشكالت احلدودية التي انتهت باالحتالل اإليراين للجزر اإلماراتية الثالث، وردود الفعل الدولية والعربية إزاءه ،كذلك حتليله للبيئة الدولية واإلقليمية للعالقات اإليرانية – اخلليجية؛ وقضية أمن اخلليج ،واجتاه إيران نحو زيادة قدراهتا املس ّلحة. -5امتداد ًا للمستوى نفسه من الدراسات اخلاصة بالعالقات العربية -اإليرانية ،أصدر معهد البحوث والدراسات العربية التابع جلامعة الدول العربية مؤلف ًا بعنوان ،العالقات
العربية -اإليرانية .وهو نتاج ملجموعة من الباحثني من خالل أربعة أجزاء؛ يتعلق األول بتحليل العالقات التارخيية بني العرب والفرس منذ الفتح اإلسالمي مرور ًا بالعهد العثامين
واألرسة البهلوية ،وحتى اندالع الثورة اإلسالمية يف إيران عام ،1979وما تركته من تأثريات يف مسار تلك العالقات .أما باقي األجزاء فتتناول أبعاد وحمددات تلك العالقة التي تؤثر بشكل مبارش ومؤثر يف مسار تلك العالقات ،مثل النواحي السكانية واالجتامعية واالقتصادية والثقافية ،انتهاء بتحليل العالقات السياسية وأثر املتغريات العاملية اجلديدة يف السياسة
حممد حسن العيدروس ،العالقات العربية -اإليرانية( 1971-1921 ،الكويت :منشورات ذات السالسل، .)1985 مجال زكريا قاسم ويونان لبيب رزق ،حمرران ،العالقات العربية اإليرانية (القاهرة :جامعة الدول العربية، معهد البحوث والدراسات العربية.)1993 ، مركز اخلليج لألبحاث
11
مقدمة
اخلارجية اإليرانية جتاه املنطقة العربية منذ والية رفسنجاين وحتى العام .1993 ورصدت تلك األخرية أربعة متغريات أساسية؛ هي :اهنيار اإلمرباطورية السوفياتية،
وبروز القوة األمريكية ،والتفاعل بني قوى الدمج والتفكيك (األقليات) ،وحرب اخلليج.
كام تناولت أنامط التفاعل اإليراين -العريب وقضاياه؛ مثل التعاون االقتصادي ،وأمن اخلليج، واحلركات اإلسالمية ،والرصاع العريب -اإلرسائييل.
-6ويف إطار املحاورات بني الباحثني العرب واإليرانيني ،وامتداد ًا لنهج تناول الطبيعة الغنية للعالقات العربية -اإليرانية وحتليلها ،عقد مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع جامعة قطر ،ندوة فكرية بعنوان «العالقات العربية ـ اإليرانية: االجتاهات الراهنة وآفاق املستقبل» تضمنت ثالث عرشة ورقة عربية ،يقابلها العدد تكون العالقات العربية- نفسه من وجهة النظر اإليرانية حول خمتلف املوضوعات التي ّ اإليرانية ،وأعقب كل منها تعقيبات من اجلانبني العريب واإليراين ،واختتمت أبحاث الندوة بحوار مفتوح لبلورة القضايا كلها التي تناولتها الندوة ،واخلروج بصيغ عملية لتطوير العالقات العربية -اإليرانية عىل املستويات كلها. دارت األبحاث حول حمورين أساسيني؛ األول ،هو «اإلرث التارخيي للعالقات
العربية -اإليرانية» ،الذي ضم ورقتني حول العالقات التارخيية بني العرب واإليرانيني .أما
املحور الثاين ،فهو «األوضاع الراهنة وآفاق املستقبل» ،حيث عاجلته باقي األوراق املقدمة يف الندوة التي توزعت عىل ثالثة عرش بحث ًا ،تناولت العديد من القضايا املتعلقة بالعالقات االقتصادية ،وقضايا اإلدراك املتبادل ،والنواحي اإلعالمية ،واملناهج الدراسية وأثرها يف
شكل العالقة ،كذلك أوضاع املرأة يف اجلانبني ،واملجتمع املدين يف كل جانب.
إال أن أهم تلك القضايا بالنسبة إىل دراستنا ،تلك املتعلقة باخلالفات احلدودية
واإلقليمية ،واإلطار الدويل واإلقليمي للعالقات بني العرب وإيران.
العالقات العربية -اإليرانية ،االجتاهات الراهنة وآفاق املستقبل :بحوث ومنقشات الندوة الفكرية التي نظمها . مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع جامعة قطر (بريوت :املركز)1996 ، 12
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
تقسيم الدراسة
تنقسم الدراسة إىل مقدمة ،وستة فصول ،تضم عدد ًا من املباحث ،وخامتة بنتائج
الدراسة.
يتناول الفصل األول طبيعة النظام اإلقليمي اخلليجي ،وذلك من خالل أربعة مباحث
ترشح مفهوم النظام اإلقليمي وعالقته بالنظام الدويل ،ومفهوم النظام اإلقليمي اخلليجي، ومفهوم الدور اإلقليمي ،وإمكانات القوة يف النظام اإلقليمي اخلليجي.
وخيتص الفصل الثاين بتحليل حمددات السياسة اإلقليمية اإليرانية ،وذلك بعرض
املنظور التارخيي للسياسة اإليرانية يف اخلليج ،واملتغريات اإلقليمية والدولية للسياسة اإليرانية
جتاه دول املجلس .
أما الفصل الثالث ،فيتناول عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية ،والدور الذي تؤديه
كل من القيادة واأليديولوجيا واملصلحة القومية يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية، وأدوات تنفيذ تلك السياسة.
وختتص الفصول الرابع واخلامس والسادس بدراسة وحتليل السياسة اخلارجية اإليرانية
جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية خالل اجلمهوريات الثالث التي تعاقبت عىل احلكم يف إيران منذ عام 1979وحتى عام ،2000وذلك من خالل تناول عدد من القضايا التي تعرضت هلا تلك السياسة؛ مثل األيديولوجيا ،والبحث عن دور إقليمي إليران ،مرور ًا
بقضايا احلدود ،وقضايا األمن والتس ّلح ،وقضايا التعاون اإلقليمي بني إيران ودول املجلس خالل العهود الثالثة.
تنتهي الدراسة بخامتة تستعرض النتائج التي تم التوصل إليها.
مركز اخلليج لألبحاث
13
الف�صل أالول النظام ا إلقليمي اخلليجي
يتناول هذا الفصل حتديد مفهومي النظام اإلقليمي والدور اإلقليمي والعنارص املكونة لكل منهام ،وتطبيق ذلك يف حتديد ماهية النظام اإلقليمي اخلليجي وإمكانات ّ القوة يف ذلك النظام ،وذلك من خالل أربعة مباحث ،عىل النحو التايل:
أو ًال :مفهـوم النظـام اإلقليمـي وعالقته بالنظام الدويل هناك ثالثة مستويات للتحليل العلمي يف جمال دراسة العالقات الدولية ،وهي مستويات
متدرجة ومتداخلة ،بحيث إن أحد هذه املستويات حيوي املستوى الذي يليه ،وهذا األخري
هو جزء من املستوى السابق عليه ،وهكذا ،وهو ما يمكن متثيله بثالث دوائر حتوي كل منها األخرى وفق ًا حلجم ذلك املستوى. -1مستوى النظام العاملي :ويقصد به أنامط التفاعالت الدولية عىل مستوى القمة بني الدول الكربى ،وخصوص ًا القوى العظمى ،التي يرتتب عليها نوعية العالقات بينها ،وحتديد
مناخ العالقات الدولية يف العامل ككل.
-2مستوى النظام اإلقليمي أو التابع :ويقصد به نظام التفاعالت الدولية يف منطقة
ما ،حتدد عادة عىل أساس جغرايف ،وقد أخذت هبذا املستوى الدراسات التي متت عن النظام اإلقليمي العريب ،والنظام اإلقليمي اخلليجي ،أو يف منطقة الرشق األوسط ،أو يف جنوب
رشق آسيا أو أفريقيا.
املكونة للنظام الدويل :ويف مقدمها الدولة ،ومن ثم ّ يركز -3مستوى سلوك الوحدات ّ
هذا املستوى من التحليل عىل السلوك اخلارجي هلا ،أي عىل السياسات اخلارجية للدول، مركز اخلليج لألبحاث
15
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
وذلك من دون جتاهل األشكال األخرى؛ كالرشكات متعددة اجلنسيات ،واملنظامت الدولية اإلقليمية واملتخصصة ،واحلركات الثورية التي تسعى من أجل احلصول عىل االستقالل .
هذه املستويات الثالثة هي مستويات متداخلة ومتبادلة التأثري يف ما بينها ،ونحن -هنا
-نعنى بدراسة وحتديد مفهوم النظام اإلقليمي وعالقته بالنظام الدويل ،والتطور الذي حدث
يف ما يتعلق بنشأة النظم اإلقليمية وتطورها وعالقتها بالنظام الدويل ،حيث إن عالقة النظم اإلقليمية بالنظام الدويل هي عالقة تبادلية ،أي تأثري وتأ ّثر من كال النظامني ،بعبارة أخرى :ال تنحرص العالقة بتأثري ما هو عاملي يف ما هو إقليمي فحسب ،أو تأثري ما هو إقليمي يف ما هو
عاملي فحسب ،بل تأثري كل منهام يف اآلخر ،بشكل ارتباطي متبادل ،فمساحة احلركة وحريتها للنظم اإلقليمية ترتبطان كثري ًا بدرجة الرصاع والتوافق عىل مستوى القمة يف النظام الدويل، ووجود الرصاع عىل مستوى القمة يف النظام الدويل يعطي جما ً ال أوسع وحرية أكرب حلركة النظم اإلقليمية وتأثريها يف النظام الدويل ،والعكس صحيح .
شهد العقدان التاليان للحرب العاملية الثانية بروز وانتشار ظاهرة املنظامت والتكتالت
اإلقليمية .وترافقت هذه الظاهرة مع املد اجلارف حلركة التحرر الوطني التي اجتاحت املستعمرات ،من كوريا وفييتنام وإندونيسيا يف أقىص رشق آسيا ،إىل اهلند والرشق األوسط وأفريقيا من شامهلا إىل جنوهبا .وتوالت انتصارات حركات التحرر الوطني تباع ًا يف مرحلة
زمنية قصرية باملنظور التارخيي.
ومع ازدياد ثقة الدول حديثة االستقالل بنفسها ،ووعيها بضخامة التحديات التي
تواجهها؛ سواء حتديات التنمية واالنتصار عىل التخلف املوروث ،أم الضغوط االقتصادية والسياسية والعسكرية التي مارستها الدول االستعامرية ،كان طبيعي ًا أن تشعر الدول حديثة
التحرر برضورة تساندها وتكتلها ،وأن يتسم هذا النزوع نحو التكتل بطابع معاد لالستعامر. وكان هذا الطابع سائد ًا يف معظم التكتالت اإلقليمية مثل جامعة الدول العربية ،وحركة عدم االنحياز ،ومنظمة الوحدة األفريقية ،وحتى املنظامت اإلقليمية التي مل يعارض الغرب مجيل مطر وعيل الدين هالل ،النظام اإلقليمي العريب :دراسة ىف العالقات السياسية العربية ،ط ( 3بريوت: مركز دراسات الوحدة العربية ،)1983 ،ص .18-17
مجال زهران« ،النظم اإلقليمية ىف إطار النظام العاملي اجلديد »،يف :حممد السيد سليم ،حمرر ،النظام العاملي اجلديد (القاهرة :مركز البحوث والدراسات السياسية ،)1994 ،ص .254-253 16
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
االستعامري قيامها ،أو تلك التي باركها يف البداية آم ً ال يف أن تكون دوهلا املحافظة ذراع ًا له ضد الشيوعية واحلركات الراديكالية .حتى تلك املنظامت (ويف مقدمها جامعة الدول العربية) بدأت تتخذ تدرجيي ًا طابع ًا معادي ًا لالستعامر ،مع اتضاح عمق التناقضات بني طموحات
الشعوب إىل التنمية وجتاوز التخلف والعقبة الكؤود التي متثلها روابط التبعية االقتصادية والسياسية والثقافية .ويف حالة اجلامعة العربية حتديد ًا ،كان الدعم الغريب إلرسائيل يف اغتصاهبا فلسطني عنرص ًا أساسي ًا يف دفع املزاج العام يف اجلامعة نحو العداء للغرب االستعامري.
ومن ناحية أخرى ،إن احلرب العاملية الثانية قد أسفرت عن القضاء عىل أكرب إمرباطوريتني
استعامريتني غربيتني (بريطانيا وفرنسا) ،وبروز الواليات املتحدة بصفتها زعيمة للغرب ،ونشوء
نظام عاملي ،ثنائي القطبية ،يتزعمه االحتاد السوفيايت عىل رأس املعسكر االشرتاكي (الرشقي)، والواليات املتحدة عىل رأس املعسكر الرأساميل العاملي (الغريب) .ورسعان ما اشتعلت احلرب الباردة بني املعسكرين .واجته املعسكر الرشقي لدعم حركات التحرر الوطني يف مواجهتها مع الغرب ،حماو ً ال شق ثغرات واسعة يف جدران احلصار الغريب ،وانتزاع مواقع للنفوذ السوفيايت يف العامل الثالث .ووجدت الدول حديثة االستقالل يف هذا الوضع العاملي جما ً ال واسع ًا نسبي ًا للمناورة بني املعسكرين ،ولبناء حد أدنى معقول من القوة االقتصادية والعسكرية .فأدى هذا
كله إىل تعظيم قوة التكتالت اإلقليمية وتعزيز مكانتها عىل الصعيد العاملي.
إال أن هذه التكتالت اإلقليمية مل يكن ممكن ًا أن تفلت من تأثريات املرياث التارخيي
الثقيل للمرحلة االستعامرية يف دوهلا من جهة أوىل ،وعالقتها التارخيية واملستحدثة بالقوى الكربى من جهة ثانية ،وتباين أو تناقض أو حتى تصادم املصالح يف عدد من القضايا الرئيسة
والتوجهات يف ما بينها من جهة ثالثة (قضايا احلدود عىل سبيل املثال) ،واختالف الثقافات ّ الفكرية والسياسـية واأليديولوجية من جهة رابعـة ،وكلها تناقضـات تفاعلت وتبادلت
التأثري يف بيئة عاملية اتسمت باحتدام الرصاع بني القطبني السوفيايت واألمريكي ،ومن ورائهام
بني املعسكرين االشرتاكي والرأساميل.
كان لذلك كله انعكاساته عىل القضايا والنزاعات اإلقليمية ،وعىل مستوى متاسك
وفاعلية التكتالت اإلقليمية يف مراحل خمتلفة من وجودها ،حتى جاء اهنيار االحتاد السوفيايت واملعسكر الرشقي وبروز الواليات املتحدة بصفتها قطب ًا أوحد -إىل حني -لنظام عاملي جديد، مركز اخلليج لألبحاث
17
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
وترسخت وقائع أخرى كانت قد بدأت ليوجد وضع ًا عاملي ًا جديد ًا ،ظهرت فيه وقائع جديدة، ّ تظهر يف رحم النظام العاملي املنهار .وكلها وقائع تفرض رضورة مراجعة جتربة التكتالت اإلقليمية القديمة ،وما قدمته لشعوهبا وبلداهنا عىل مدى أكثر من نصف قرن من ظهورها، وجتديد مضامني هذه التكتالت بصورة تستجيب لتحديات املرحلتني الراهنة واملقبلة من
تاريخ العامل ،لكي تستطيع البقاء وال تتحول إىل أشكال من دون حمتوى .
إن التعاون اإلقليمي هو مفهوم وسيط يتناول التفاعالت التعاونية بني جمموعة الدول يف
إطار منطقة إقليمية معينة ،وهو مفهوم يتوسط التعاون الدويل أو العاملي من ناحية ،والتعاون الثنائي بني الدول الفاعلة يف النظام العاملي من ناحية أخرى .
ترتب عىل جمموعة التغريات التي شهدها النظام الدويل خالل القرن العرشين ،اهنيار
منظومة معرفية قيمية متكاملة ،متثلت يف اهنيار نظام القطبية الثنائية التي سادت العالقات الدولية يف أعقاب احلرب العاملية الثانية حتى وصول غورباتشوف إل سدة احلكم يف االحتاد
السوفيايت السابق ،وما اختذه من إجراءات تتعلق باإلصالح واملكاشفة أ ّدت إىل اهنيار جمموعة القيم التي قام عليها النظام االشرتاكي الشيوعي املضاد للنظام الليربايل الغريب يف إطار البريوسرتويكا والغالسنوست؛ أي اإلصالح واملكاشفة واملصارحة .
تلك التغريات أدت باالحتاد السوفيايت السابق إىل التفكك ،وحتققت نظرية الدومينو
التي توقعها كارل ماركس الهنيار الرأساملية ،ولكنها حتققت عىل حساب اجلانب الشيوعي؛ حيث ما لبثت الدول الشيوعية تتخىل واحدة تلو األخرى عن عقيدهتا االشرتاكية يف أعقاب
تفكك االحتاد السوفيايت ،وبدأت كل منها تتبنى مبادئ الليربالية الغربية ،حتى كادت الشيوعية
تنتهي من العامل وحتل حملها الليربالية الغربية الرأساملية.
أدى هذا التغري الذي مل يكن سلمي ًا يف كل دول املعسكر االشرتاكي إىل تفكك حلف وارسو، حممد فراج أبو النور« ،هامش املناورات يضيق أمام العامل الثالث ،التكتالت اإلقليمية :حصار هزيل ومستقبل رمادي »،البيان (اإلمارات).2000/7/7 ، عبد املنعم سعيد« ،اإلقليمية يف الرشق األوسط :نحو مفهوم جديد »،السياسة الدولية ،العدد ( 122ترشين األول/أكتوبر ،)1995ص .60
ارجع يف ذلك :ميخائيل غورباتشوف ،البرييسرتويكا :تفكري جديد لبالدنا والعامل ،ترمجة محدي عبد اجلواد (القاهرة :دار الرشوق.)1988 ،
18
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وانضواء العديد من دوله حتت لواء الليربالية الغربية ،وبالتايل ظهر يف األفق ما أطلق عليه اسم
«النظام الدويل اجلديد» ،أو ما أطلق عليه «نظام القطب الدويل الواحد» عىل املستوى السيايس، حيث تفرض اهليمنة األمريكية نفسها عىل مرسح السياسة الدولية ،وهو ما جتلىّ بوضوح خالل أزمة الغزو العراقي للكويت؛ حيث قادت الواليات املتحدة األمم املتحدة ودول العامل يف إطار
التحالف الدويل املناهض للعراق إلخراجه بالقوة العسكرية من األرايض الكويتية املغتصبة .أما عىل املستوى االقتصادي ،فكان من الصعب أن يكون نظام القطب الواحد هو األساس فيه ،بل متيز النظام الدويل عىل املستوى االقتصادي بنوع من التعددية ،فهناك قوى اقتصادية أخرى تشاطر الواليات املتحدة األمريكية سيطرهتا عىل مقاليد االقتصاد الدويل مثل اليابان واملجموعة األوروبية والنمور اآلسيوية والقوة الصينية الواعدة ،فقد أصبحت السوق املحرك األكرب لعالقات املجتمع
الدويل ،وأصبحت عالقات االعتامد املتبادل أساس العالقات الدولية ،وانتهى مفهوم توازن القوة أو توازن الرعب الذي ساد خالل حقبة الثنائية القطبية ،ليحل حمله مفهوم توازن املصالح.
وهكذا ،أدى بروز أمهية الدوافع االقتصادية وحركيتها إىل االعتقاد بأن النظام الدويل
يسري نحو بروز تكتالت دولية اقتصادية تعددية سوف متثل أهم ظاهرة جيوسياسية لعامل القرن
احلادي والعرشين .
إن مفهوم النظام اإلقليمي باعتباره مستوى لتحليل العالقات الدولية هو مفهوم حديث
نسبي ًا ،فعىل الرغم من أن االهتامم بالتعاون اإلقليمي قد بدأ يف أعقاب احلرب العاملية الثانية، شهدت مرحلتي الستينيات والسبعينيات صعود ًا يف دروب التعاون اإلقليمي؛ حيث بدأ االنتقال من صيغة التكتالت العسكرية إىل املنظومات اإلقليمية للتعاون االقتصادي.
كام إن مفهوم اإلقليمية ( )Regionalismكان أحد املوضوعات األساسية يف جمال
التنظيم الدويل ،حيث دار جدل طويل حول العاملية يف مواجهة اإلقليمية ،وأي املنهجني جيب اتباعه لتنظيم املجتمع الدويل وحفظ السلم بني الدول ،فاقرتح البعض إنشاء تنظيم عاملي
يضم كل دول العامل ،بينام رأى آخرون أن إقامة تنظيامت إقليمية هي السبيل لتحقيق السالم واألمن الدوليني ،ألن التنظيم عىل املستوى اإلقليمي أسهل منه عىل املستوى العاملي ،كام إنه
زبيجنيو برجنسكي ،خارج حدود السيطرة :مستقبل البرشية ىف القرن احلادي والعرشين ،إعداد خمتار حممد، قضايا دولية (إسالم آباد :معهد الدراسات السياسية ،)1994 ،ص .28-26 مركز اخلليج لألبحاث
19
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
أكثر فاعلية وأكثر قدرة عىل احلركة منه عىل املستوى العاملي ،وهنا ،مل يكن ينظر إىل اإلقليمية باعتبارها بدي ً ال من العاملية ،بل هي خطوة عىل طريق حتقيقها . هكذا كانت املفاضلة بني التعاون الدويل أو العاملي والتعاون اإلقليمي أحد املوضوعات
األساسية التي استحوذت عىل عقول املجتمعني بمؤمتر السالم يف أعقاب احلرب العاملية األوىل ،وكذلك يف مباحثات إنشاء منظمة األمم املتحدة يف أعقاب احلرب العاملية الثانية،
فأكد عهد عصبة األمم دور التفاهم اإلقليمي يف محاية حفظ السالم .كام نص ميثاق األمم
املتحدة عىل أنه ليس يف هذا امليثاق ما حيول دون قيام تنظيامت أو وكاالت إقليمية تعالج من األمور املتعلقة بحفظ السالم واألمن الدويل ما يكون العمل اإلقليمي صاحل ًا فيها ومناسب ًا،
ما دامت هذه التنظيامت أو الوكاالت اإلقليمية ونشاطها متالئمة مع مقاصد األمم املتحدة
ومبادئها .
حبذ الدور الذي يمكن أن تؤديه تلك املنظامت اإلقليمية يف تدبري وهكذا ،فإن امليثاق قد َّ
وسائل احلل السلمي للمنازعات املحلية أو اإلقليمية قبل عرضها عىل جملس األمن الدويل،
بل إن جملس األمن ذاته يقوم بتشجيع تلك اآللية من آليات حل املنازعات ،بل قد حييل إليها
نزاعات قد يرى أن حلها يف اإلطار اإلقليمي الضيق قد يكون أكثر سهولة.
إن النظام اإلقليمي هو نمط من أنامط التفاعالت املنتظمة بني الوحدات السياسية
املستقلة داخل إقليم جغرايف معني ،وهو نمط يعلو عىل الدولة القومية ويقل يف تشعبه عن
النظام العاملي ،أي إنه وحدة حتليل تتوسط بني الدولة القومية والنظام العاملي . (1
وتؤكد التجارب التارخيية ملحاوالت التكامل اإلقليمي أن هناك خصائص معينة جيب
توافرها للحصول عىل تعاون إقليمي سليم؛ مثل القرب اجلغرايف ،التوافق الثقايف والسيايس
واالجتامعي ،زيادة التعامالت واالعتامد املتبادل ،إقامة منظومات مؤسسية مكثفة لتسهيل مطر وهالل ،النظام اإلقليمي العريب :دراسة ىف العالقات السياسية العربية ،ص .19-18 عهد عصبة األمم ،املادة .21
ميثاق األمم املتحدة ،املادة .52 Joseph S. Nye, Peace in Parts: Integration and Conflict in Regional Organization, )(10 Perspectives on International Relations (Boston: Little Brown, [1971]), p. 5.
20
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
عملية الوصول إىل حل وسط والقضاء عىل االختالفات .وما من سبيل لذلك سوى وجود
نمو اقتصادي فاعل ومؤثر للدول املشاركة ،وهو نمو لن يكتب له البقاء إال عن طريق التعاون مع الدول األخرى . (1
فاإلقليم هو اإلطار الذي يضم عدد ًا حمدد ًا من الدول جتمع بينها روابط مشرتكة جغرافية واقتصادية وثقافية وتارخيية ،إىل جانب إمكانية ارتباطها برؤى سياسية مشرتكة ،فض ً ال عن
املؤسسات االجتامعية . (1
وكام يشري كانتوري وشبيغل ،إن اإلقليم هو جمموعة الدول املتجاورة جغرافي ًا ،التي تتفاعل سياسي ًا مع بعضها بعض ًا ،سواء أكان ذلك التفاعل عدائي ًا أم تعاوني ًا ،وبالشكل الذي تؤثر كل منها يف السياسات اخلارجية لغريها من الدول ويف خياراهتا السياسية . (1
والعامل اجلغرايف هو من العوامل املؤثرة واحلاسمة يف حتديد التفاعالت اإلقليمية،
ومن ثم يف حتديد إطار النظام اإلقليمي .وعىل الرغم من أمهية العوامل األخرى املشرتكة كاملصالح االقتصادية واملوروثات الثقافية واالجتامعية ،يظل العامل اجلغرايف األكثر حتديد ًا للنظام اإلقليمي جغرافي ًا .وكام يشري جيمس روزناو ،فإن العالقات التي تقوم بني دول عدة
ضمن إطار إقليمي حمدد يف الغالب أكثر أمهية بالنسبة إىل املصالح اإلقليمية من تلك التي تتم مع دول من خارج اإلقليم . (1
لكن هذا ال يعني التقليل من شأن املعايري األخرى التي متثل أسس ًا متكاملة لتحديد
مفهوم اإلقليم.
يعتمد النظام اإلقليمي يف حتديده عىل معايري أساسية عدة ،أمهها : (1 (1سعيد« ،اإلقليمية يف الرشق األوسط :نحو مفهوم جديد »،ص .136 )(12 )(13 )(14
Alvin LeRoy Bennett, International Organizations: Principles and Issues (Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, [1977]), p. 380.
;Louis J. Cantori and Steven L. Spiegel, The International Politics of Regions a Comparative Approach (Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, [1970]), p. 1.
James N. Rosenau, Kenneth W. Thompson and Gavin Boyd, eds., World Politics: An Introduction (New York: Free Press, 1976), pp. 445-446.
(1هاين إلياس احلديثي ،سياسة باكستان اإلقليمية ،1994 - 1971 ،سلسلة أطروحات الدكتوراه؛ 33 مركز اخلليج لألبحاث
21
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
إقليم جغرايف حمدَّ د ترتكز عليه عالقات اجلوار اإلقليمي التي بدورها متثل أساسالتمييز بني النظم اإلقليمية ،فهو يتعلق بمنطقة جغرافية حمددة ،حيث ّ يمكن القرب اجلغرايف من تدعيم التفاعالت يف ما بني الدول املتجاورة وتكثيفها.
اعرتاف عاملي بأن اإلقليم يمثل حالة متميزة من النظام العاملي. وجود عنارص مشرتكة ثقافية واجتامعية واقتصادية حتدَّ د الشعور هبوية االنتامء اإلقليمي. -وجود تفاعالت سياسية واقتصادية وثقافية واجتامعية ومعلوماتية بني دول اإلقليم
تتحدد يف ضوئها املصالح اإلقليمية املشرتكة واجتاهاهتا.
ويمكن تناول النظام اإلقليمي من هذا املنطلق من جوانب عدة ،هي : (1 أ -اخلصائص البنيوية للنظام :وتعني خصائص وسامت النظم السياسية واالقتصادية
واالجتامعية للدول املكونة للنظام ،مدى وجود متاثل أو تقارب بينها ،وإىل أي مدى تتوافر فيه لدى دول النظام درجة من التامسك يف مستوياته املختلفة اجتامعي ًا ،اقتصادي ًا أو إقليمي ًا. ومن ثم ،فإن هذا املعيار يركز عىل دراسة عوامل التقارب بني دول النظام يف ما يتعلق
باللغة والثقافة والتاريخ والدين ،والنظم االقتصادية والسلوك الدويل واخلارجي ألعضائه، ومدى االختالف ما قد نجده بني دول اإلقليم يف ما يتعلق هبذه املعايري املختلفة.
ب -نمط اإلمكانات :هو مستوى القوة يف النظام ،ويقصد به مستوى القوة السائدة
بني الوحدات املكونة للنظام ،وهل يوجد توازن للقوة بني وحدات النظام أو هناك سيطرة وهيمنة واستقطاب من جانب إحدى القوى عىل حساب القوى األخرى؟ أم أن هناك نظام ًا
معين ًا للتحالفات بني عدد من دول النظام يف مواجهة الدول األخرى؟
يدرس هذا املستوى القوة بعنارصها الثالثة مادية وعسكرية ونفسية ،فالعنارص املادية هي األساس الذي تبني عليه الوحدة الدولية قوهتا من موارد طبيعية ومساحة وموقع جغرايف وسكان وموارد اقتصادية وعلمية وغريها. (بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية ،)1998 ،ص .25
(1مطر وهالل ،النظام اإلقليمي العريب :دراسة ىف العالقات السياسية العربية ،ص .24-22
22
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
أما العنارص العسكرية فيقصد هبا مقومات القوة املسلحة؛ مثل عدد القوات املسلحة،
ومستوى التدريب والكفاءة والتكنولوجيا العسكرية املتاحة للدولة.
وأخري ًا ،تأيت العنارص النفسية ،وتعني مدى استعداد الوحدة الدولية الستخدام عنارص
قوهتا وهيبتها الدولية للتأثري يف الوحدات األخرى بالنظام ،وذلك باستخدام عنارص خمتلفة متثل البعد النفيس للقوة ،مثل األيديولوجيا ،الشخصية القومية ،الروح املعنوية ،شخصيات
القادة السياسيني واملهارات الدبلوماسية.
ج -نمط التحالفات والسياسات :ويشري إىل طبيعة العالقات املتداخلة بني أعضاء
النظام اإلقليمي ،والسياسات التي تتبعها كل دولة إزاء الدول األخرى ،والتحالفات التي
تدخلها يف إطار ذلك النظام.
د -بنية النظام اإلقليمي :ال يعيش النظام اإلقليمي يف فراغ ،وإنام ببيئة يتأثر هبا ويؤثر فيها ،وتفرض عىل حركته حمددات وقيود ًا ،وتتيح له فرص ًا ،وهذه البيئة تتعلق بالعالقات
املتبادلة بني دول النظام اإلقليمي ذاته التي تتفاوت قوهتا يف ما بينها وبني دول ذلك النظام وبني الدول األخرى من خارج النظام اإلقليمي.
يرى كانتوري وشبيغل أن مفهوم النظام اإلقليمي يمكن استخدامه باعتباره أداة
منهجية لتحليل العالقات الدولية من خالل املهام التالية : (1
-إنه يقدم وحدة حتليل متوسطة بني النظام الدويل ومستوى الدولة ،وبالتايل يق َّلل
من عدد الوحدات التحليلية (الدول) يف حتليل العالقات الدولية ،حيث يقترص التحليل عىل وحدات النظام اإلقليمي فقط بد ً ال من تناول كل وحدات النظام الدويل. يساعد املحللني السياسيني عىل التعرف إىل اخلصوصيات اإلقليمية لبعض الظواهرالدولية ،وبالتايل يعطي فه ًام أعمق هلذه الظواهر من خالل التعرف إىل أسباهبا احلقيقية بد ً ال من
تعليقها عىل التدخالت اخلارجية من جانب القوى الدولية الكربى. )(17
Cantori and Spiegel, The International Politics of Regions; a Comparative Approach, pp. 4-5.
مركز اخلليج لألبحاث
23
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
-يساعد الباحثني عىل التخصص والتعمق يف دراسة منطقة إقليمية معينة وحتليلها،
والتعرف إىل اخلصائص املشرتكة بني دول ذلك اإلقليم.
-يساعد -من خالل حتليل العوامل املسيطرة يف إطار النظم الفرعية ويف داخل دول
تلك النظم -عىل تقديم فهم أوسع للتفاعالت التي حتدث داخل تلك النظم ،وبالتايل داخل يتكون من جمموعة النظم الفرعية املختلفة. النظام الدويل باعتباره املجال الذي ّ
يوفر ،من خالل املقابلة بني النظم اإلقليمية املختلفة من حيث املكان ،فه ًام للخصائصاملميزة لكل إقليم وللتفاعالت السياسية بني أعضائه خالل حقبة زمنية معينة .كأن نحلل -مث ً ال -
املواقف التي اختذها كل من جملس التعاون اخلليجي واحتاد املغرب العريب يف مواجهة الغزو العراقي للكويت يف آب/أغسطس عام .1990كام يو ّفر ،من خالل املقابلة بني النظام اإلقليمي الواحد خالل حقب تارخيية خمتلفة ،فه ًام خللفيات التطورات والتفاعالت السياسية داخل ذلك اإلقليم، ومثال ذلك دراسة التطورات التي حلقت بالنظام العريب منذ قيام اجلامعة العربية حتى اآلن.
-يساعد عىل فهم تفاعالت املستويات املختلفة يف النظام الدويل ،وبخاصة العالقة بني
النظام املسيطر والنظم اإلقليمية الفرعية ،لفهم حدود االخرتاق والتبعية وأسباب كل منهام.
النظام اإلقليمي والنظام الدويل
لعل من أبرز سامت النظام العاملي املعارص االجتاه نحو التكتل .وإذا ما تأملنا خريطة
العامل ،نجد أن الكثري من التكتالت اإلقليمية والدولية قد أنشئت هبدف حتقيق املكاسب االقتصادية والسياسية للدول األعضاء فيها .ومثال ذلك تكتل اآلسيان ،والنافتا ،وجمموعة
اخلمس عرشة ،والكوميسا ،واملنظامت اإلقليمية مثل منظمة الوحدة األفريقية ،وجامعة الدول العربية ،وجمموعة عدم االنحياز ،وجملس التعاون لدول اخلليج العربية ،وغريها.
وجود هذه التكتالت ،والتفكري يف إقامة املزيد منها ،جعال املراقبني يرددون أنه مل يعد
هناك مكان يف العامل لدول فرادى ،وال بد ألي دولة تريد أن يكون هلا مكان يف النظام العاملي اجلديد أن توجد يف أحد هذه التكتالت.
وال يمكن النظر إىل هذه التكتالت عىل أساس أهنا ستحل مكان األمم املتحدة ،بل باعتبارها أدوات مساعدة ومساندة لدور األمم املتحدة ،وأن هناك تنسيق ًا مستمر ًا بينهام. 24
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
إن التنسيق بني التكتالت أمر مطلوب ،وجيب أن يقوم عىل االعرتاف باآلخر واملصالح
املتوازنة ،وأن يتم توفري أرضية مشرتكة لكل األطراف من أجل العمل املشرتك والتخفيف من حدة التوتر بني القوى اإلقليمية املختلفة .فالتنسيق بني التكتالت املختلفة رضورة تفرضها
ظروف الواقع العاملي املعارص يف ظل العوملة .ألن هذه الظروف تقوم عىل أساس التفاعل والتخفيف من حدَّ ة الرصاع.
ولكن ،حتى هذه اللحظة ال نستطيع القول إن فكرة التنسيق احت َّلت األولوية املالئمة
هلا لدى التكتالت املختلفة ،فام زال األمر حيتاج إىل فكر سيايس جديد يتناسب مع الظروف السياسية اجلديدة لعاملنا املعارص .والتكتالت اإلقليمية يف العامل الثالث يمكن أن تأخذ دور ًا أكثر إجيابية يف النظام العاملي إذا ما تم التوصل إىل إطار حيقق املصالح يف ما بينها ومع الدول
األخرى ،وإذا ما متت ترمجة هذا اإلطار إىل برامج وسياسات عمل حمددة .ويمكن يف هذا
الصدد أن نشري إىل جمموعة اخلمس عرشة باعتبارها إحدى التكتالت اإلقليمية التي قطعت شوط ًا يف هذا االجتاه ،فقد نجحت يف بلورة رؤية متوازنة لألسس التي جيب أن تكون عليها بحيث حتقق املصالح املتبادلة واملتوازنة بينها ،ويف الوقت نفسه تعرتف بأن هناك مسؤوليات
عىل دول اجلنوب جيب أن تضطلع هبا لكي يتحقق هذا التوازن .ولكن اإلشكالية يف كيفية
ترمجة هذا إىل سياسات وبرامج عمل يمكن تنفيذها.
ومنذ تفكك االحتاد السوفيايت واهنيار جمموعة دول الكتلة الرشقية ،حدث حتول مهم يف
طبيعة النظام العاملي ،حيث أصبحت الواليات املتحدة هي القوة العظمى الوحيدة والقطب األوحد ،عىل الرغم من وجود بعض القيود عىل حركة ذلك القطب نتيجة وجود قوى دولية أخرى هلا مصاحلها االقتصادية ونفوذها السيايس والعسكري الذي يصعب جتاهله ،خصوص ًا
وترسخت فيه فكرة االعتامد املتبادل ،أي أن أن الواقع العاملي املعارص شهد تطور ًا كبري ًا، َّ الدول كلها بحاجة إىل بعضها بعض ًا ،بام يف ذلك الواليات املتحدة األمريكية. نحن نعيش يف ظل نظام عاملي تقوده قوة عظمى رئيسة ،وإىل جانبها جمموعة من القوى
الكربى التي ال ترقى إىل مستوى تلك القوة العظمى ،ولكنها يف الوقت ذاته تستطيع بطريقة
أو بأخرى أن حتدّ من إمكانية استخدامها لعنارص قوهتا.
إن فكرة التكتالت اإلقليمية والدولية هي أداة إلدارة التفاعالت يف نطاق النظام العاملي مركز اخلليج لألبحاث
25
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
اجلديد ،ومن هنا نفهم الرس يف وجود الواليات املتحدة يف العديد من التكتالت الدولية ذات
الطابع السيايس واالقتصادي والعسكري ،ألهنا متثل أداة رئيسة من أدوات تسيري املعامالت
يف ظل النظام العاملي اجلديد.
وحول إمكانية أن تؤلف التكتالت اإلقليمية والدولية منافس ًا حمتم ً ال للقوى الدولية
الكربى ،نجد أن هذا األمر ممكن من الناحية النظرية ،ولكن عىل املستوى العميل مل حيدث أن نافست التكتالت اإلقليمية القوى الدولية الكربى ،ولكن مع ذلك يمكن أن حيدث هذا التنافس
عىل املدى البعيد ،وهو ما يتوقف عىل سلوك التكتالت وقدرهتا وحماولتها اخلروج من دائرة نفوذ الواليات املتحدة ،ألنه من دون ذلك لن يكون هناك جمال للحديث عن تنافس أو ما إىل ذلك.
يرى البعض أنه ال يمكن اجلزم بأن التكتالت اإلقليمية يمكن أن حتل حمل نظام
القطبية السابق؛ ألننا لو رجعنا بالذاكرة لوجدنا أنه حتى يف ظل نظام القطبية الثنائية كانت هناك تكتالت مثل تكتل حلف شامل األطليس وحلف وارسو .ولكن هذه التكتالت قامت
عىل أساس القطبية ،حيث كان حلف وارسو يتبع القطب الرشقي الرويس ،بينام كان حلف شامل األطليس تابع ًا للقطب الغريب األمريكي ،ووجد إىل جوار هذه التكتالت جمموعة عدم االنحياز ،التي اكتفت بعدم االنخراط يف أي من التكتلني ،وبالتايل مل تطرح نفسها كتلة منافسة،
أو مضادة ملا هو موجود من تكتالت.
أما اآلن ،فهناك الكثري من التكتالت اإلقليمية يف خمتلف مناطق العامل ،هذه التكتالت
مل تعد تقبل بنظام القطبية ،واستطاعت أن جتتاز مرحلة االستقطاب احلاد السابقة ،وحتاول
العمل عىل حتقيق مصاحلها بصورة مغايرة ملا كان وقت نظام القطبية السابق.
إن قدرة التكتالت اإلقليمية الصغرى عىل القيام بدور أكرب يف النظام الدويل ومنافسة
الدور األمريكي املهيمن تعتمد بصفة أساسية عىل درجة التعاون يف ما بني أعضاء هذه
التكتالت ،ووجود مزيد من االعتامد عىل النفس ،والتعامل مع التكتالت األخرى بدرجة
عالية من الندّ ية وليس التبعية هلا ،وإدراك أن اإلجراءات التي ستتخذها التكتالت الكربى األخرى هتدف باألساس إىل إضعافها ،مثل ما حدث لتكتل اآلسيان عندما تآمرت عليه
التكتالت اإلقليمية الكربى واستطاعت إجهاضه. 26
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
من هنا ،ال بد للتكتالت اإلقليمية أن تأخذ حذرها يف ذلك ،وأن ُتعدّ عدّ هتا ملواجهة مثل
هذه اإلجراءات باختاذ إجراءات مضادة هلا.
ثاني ًا :النظام اإلقليمي اخلليجي
ال يقترص مصطلح نظام ( )Systemعىل جمال العالقات الدولية ،أو حتى العلوم السياسية فقط ،إنام هو مصطلح يمتد ليشمل املناحي احلياتية كافة التي تنطوي عىل جمموعة من املتغريات ( )Variablesاملرتابطة واملتسلسلة . (1 والنظام السيايس هو جمموعة من التفاعالت ،وشبكة معقدة من العالقات اإلنسانية،
تتضمن عنارص القوة أو السلطة أو احلكم .وهو باألساس بناء تصوري يستخدم ألغراض
التحليل والفهم للظاهرة السياسية . (1
يطلق مصطلح النظام اإلقليمي عىل منطقة جغرافية حمددة تضم عدد ًا من الدول تتشابه
يف ما بينها بأمور عدة ،سواء من الناحية اللغوية أم الثقافية أم الدينية ،أم حتى من ناحية
شكل نظام احلكم السائد .ويفرتض يف النظام اإلقليمي الواحد أن يكون حجم التفاعالت بني أعضائه ،سواء أكانت رصاعية أم تعاونية ،أكرب من حجم التفاعالت بني أي من الدول
األعضاء يف ذلك النظام ودول أخرى خارجة عن ذلك النظام.
ويشري النظام اإلقليمي ،بصفته أحد مفاهيم العالقات الدولية ،إىل نوعية من العالقات
والتفاعالت بني جمموعة من الدول الواقعة داخل إقليم جغرايف واحد ،وبحيث ال تقل عن
ثالث دول ليس بينها القوى العظمى ،كام يمكن القول إن قوة النظام اإلقليمي أو فاعليته ،أي
ما ينطوي عليه من عالقات وتفاعالت ،إنام يرتبط بمدى خضوع تلك العالقات أو التفاعالت لقواعد وقوانني منتظمة ،ومعروفة سلف ًا ،واملدى الذي تأخذ فيه األطراف باحلسبان هذه القواعد والقوانني عند رسم سياستها اإلقليمية .كام تتحدد هذه القوة أو الفاعلية بتحقيق )(18
Morton A. Kaplan, System and Process in International Politics (New York: Wiley, 1962), p. 4.
(1حممد السعيد إدريس« ،النظام اإلقليمي للخليج العريب (( »،)1992-71أطروحة دكتوراه ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1998 ،ص .13 مركز اخلليج لألبحاث
27
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
التكافؤ يف العالقة بني أطراف النظام ،واالجتاه املتنامي لدى النظام ككل وألطرافه لتحقيق
حتسن مضطرد يف األداء واإلنجاز ،وكذلك بمقدرة النظام عىل التكامل وإعالء الوالء لسلطة ّ سياسية واحدة داخل اإلقليم ككل ،وتقليل السيادات اجلزئية لألطراف . (2
والنظام اإلقليمي اخلليجي هو ذلك االمتداد اجلغرايف الذي يضم الدول الواقعة عىل سواحل اخلليج العريب ،ويضم ك ً ال من العراق وإيران والسعودية والكويت واإلمارات
والبحرين وقطر وسلطنة عامن . (2
وإذا ما طبقنا معايري النظم اإلقليمية عىل تلك املجموعة من الدول ،نجد أن املعيارين
اجلغرايف والديني مها اللذان جيمعان بني تلك املجموعة فقط ،أما معيار اللغة فنجد أن إيران خترج عن نطاق ذلك املعيار العتامدها اللغة الفارسية ،خالف ًا للغة العربية التي جتمع بني الدول
السبع األخرى ،عل ًام أن اللغة العربية قد طالت بعض أجزاء إيران ،حيث إقليم عربستان الذي يطلق عليه األهواز ويضم سكان ًا يتحدثون العربية من بني كعب وبني متيم . (2 ختتلف تلك الدول من حيث نظام احلكم السائد فيها ،فبخالف العراق وإيران ،تحُ كم الدول الست األخرى بواسطة ُن ُظم حكم تقليدية حمافظة ،تقوم عىل مبدأ توارث احلكم يف أبناء العائلة احلاكمة من دون غريها من فئات الشعب ،نظم ملكية .بينام يقوم نظام احلكم يف كل من
العراق وإيران عىل أساس النظام الرئايس اجلمهوري ،عىل الرغم من اختالف توجهات كل منهام بني الراديكالية الثورية يف العراق والراديكالية الدينية يف إيران.
وإذا ما وضعنا إيران جانب ًا ،فإن النظام اإلقليمي اخلليجي بمنزلة نظام فرعي للنظام اإلقليمي العريب العام ،حيث إن الدول العربية اخلليجية أعضاء يف جامعة الدول العربية، وتشارك أعضاءها مهومهم وأفراحهم . (2 (2أسامة الغزايل حرب« ،النظام العريب حتت التهديد »،يف :مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام، النظام االقليمى العريب :الوضع الراهن وحتديات املستقبل (القاهرة :املركز ،)1987 ،ص ،236والتقرير االسرتاتيجي العريب( 1985 ،القاهرة :مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام ،)1986 ،ص .150 )(21
Liesl Graz, The Turbulent Gulf (London; New York: I. B. Tauris; New York: St. Martin’s Press, 1990).
(2حممد عبد الغني سعودي« ،اخلليج بني مقومات الوحدة ورصاع القوى األعظم »،جملة دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ،العدد ( 20ترشين األول/أكتوبر ،)1979ص .13
(2خالد حممد أمحد املال« ،السياسة اخلارجية لدولة اإلمارات العربية املتحدة جتاه إيران خالل الفرتة -1971
28
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وبالتايل ،فإن النظام اإلقليمي اخلليجي إذا ما استُخدم فإنه يعبرّ عن مجلة التفاعالت واالرتباطات السكانية واجلغرافية والسياسية واالقتصادية التي تطورت عرب التاريخ احلديث واملعارص بني الدول الثامين املطلة عىل اخلليج العريب ،ويمكن أن نطلق عليه لفظ «النظام اإلقليمي النفطي»؛ ملا تتميز به دوله من غنى بالنفط ،حيث متلك دوله أكرب االحتياطات
النفطية يف العامل ،فهي تضم يف أراضيها نحو 70يف املئة من إمجايل النفط الذي تم اكتشافه حتى اآلن ،عىل الرغم من أن مساحة ذلك اإلقليم ال تزيد عىل 4.5مليون كيلومرت مربع؛ أي ال
تتجاوز 4يف املئة من مساحة العامل .إن مخس دول من دول اإلقليم ،السعودية وإيران والعراق والكويت واإلمارات ،هي الدول اخلمس األوىل من حيث االحتياطي النفطي الذي يتجاوز نحو مئة مليار برميل لدى كل دولة منها ،وهو يف ازدياد يوم ًا بعد يوم . (2
وهذا الغنى النفطي هلذه الدول مع الضعف العسكري وانخفاض الكثافة البرشية لدوله الصغرية جيعلها مطمع ًا للقوى الطامعة األخرى ،ومركز ًا للرصاع حول ذلك املصدر
االقتصادي املهم ،وهذا ما يفرس استهداف املنطقة من قبل القوى الكربى التي تعترب تلك املنطقة إحدى أهم املناطق املركزية يف اسرتاتيجيتها األمنية ،وحماوالت التوازن العاملي, خصوص ًا بالنسبة إىل الواليات املتحدة األمريكية التي ظهر اهتاممها جلي ًا باملنطقة مع بوادر
ظهور النفط فيها ،وهو أيض ًا ما جعل بريطانيا تبذل قصارى جهدها إلحكام سيطرهتا عىل اإلمارات اخلليجية التي وقعت حتت سيطرهتا منذ عامي ،1820 - 1819لتضمن أقىص
استفادة من الثروات النفطية التي بدأت تظهر يف أراضيها.
وإذا ما حاولنا تطبيق معايري النظم اإلقليمية عىل النظام اإلقليمي اخلليجي ،نجد أهنا
تنطبق عىل ذلك النظام كام ييل : (2
-1إن النظام اإلقليمي اخلليجي وفق ًا هلذا التكوين يضم أكثر من ثالث وحدات
دولية.
( »،1992رسالة ماجستري ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1998 ،ص .60-59
(2عبد اخلالق عبد اهلل« ،النفط والنظام اإلقليمي اخلليجي »،املستقبل العريب ،السنة ،16العدد ( 181آذار/ مارس ،)1994ص .5-4 (2حممد السعيد إدريس ،النظام اإلقليمي للخليج العريب ،سلسلة أطروحات الدكتوراة؛ ( 34بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية ،)2000 ،ص .32 مركز اخلليج لألبحاث
29
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
-2إن النظام اإلقليمي اخلليجي يتعلق بمنطقة جغرافية معينة.
-3يربط بني دول اإلقليم جوار جغرايف يمتد من إيران إىل العراق فالسعودية والكويت
وباقي وحدات النظام الثامين.
-4هناك درجة عالية من التجانس االجتامعي واالقتصادي والثقايف بني معظم دول
اإلقليم ،وبخاصة الدول الست األعضاء يف جملس التعاون .وربام يكون العراق أقرب من إيران من حيث درجة التجانس مع الدول الست هذه.
-5هناك شبكة معقدة من التفاعالت السياسية واألمنية واالقتصادية والعسكرية بني
الدول أعضاء النظام اإلقليمي اخلليجي.
يمكن القول إن النظام اإلقليمي اخلليجي ال يتسم بالرضورة باالستقرار ،فوجود ذلك
النظام ال يعني وجود االستقرار والتعاون واختفاء الرصاعات والنزاعات بني دوله ،بل ربام
كانت حال الرصاع والتوتر ،وليس األمن واالستقرار ،هي السمة الغالبة لذلك النظام ،كام هي احلال يف النظام اخلليجي والنظام العريب العام الذي وصفه البعض بأنه «ولد مأزوم ًا» . (2 مل يكن النظام اإلقليمي اخلليجي منذ والدته ،وخالل املراحل املختلفة التي مر هبا،
بمنأى عن األطامع والتأثريات اخلارجية ،لذا فإن منطقة اخلليج منذ أمد بعيد هي بؤرة من
بؤر التوتر والرصاع الساخن ،سواء بني دوهلا التي ال ختلو عالقاهتا من رصاعات وخالفات حدودية وضع بذورها االستعامر ،أم بني وحدات النظام والقوى اخلارجة عنه والطامعة فيه.
فهناك اخلالفات احلدودية بني الدول العربية اخلليجية وبعضها بعض ًا؛ مثل اخلالف
احلدودي بني العراق والكويت الذي انتهى بغزو العراق للكويت ثم حتريرها ،وهناك اخلالف
احلدودي بني قطر والبحرين حول جزر حوار الذي أدى يف بعض األحيان إىل الرتاشق
احلدودي بني الدولتني ،وهو ما تم حله عن طريق القضاء الدويل ،كذلك هناك اخلالف احلدودي السعودي القطري الذي مل ُ خيل من إثارة التوترات بني البلدين من آن آلخر.
كذلك هناك اخلالفات احلدودية بني إيران وجاراهتا من الدول العربية يف اخلليج، وبخاصة العراق واإلمارات والبحرين ،فمشكلة شط العرب بني العراق وإيران قادت (2حممد السيد سعيد ،مستقبل النظام العريب بعد أزمة اخلليج ،عامل املعرفة( 253 ،الكويت :املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،)1992 ،ص .14 30
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
البلدين إىل حرب رضوس استمرت زهاء العرش سنوات ،استنزفت فيها الطاقات واملوارد اخلليجية ،وفتحت الباب عىل مرصاعيه للتدخل اخلارجي .وهناك املطالبات اإليرانية بالبحرين التي ال تعرتف إيران باستقالهلا وتعتربها جزء ًا من حدودها اإلقليمية. وهناك قضية اجلزر العربية الثالث ،طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى ،املحتلة من جانب إيران. هكذا ،فإن التهديد األمني لدول اخلليج ال يأيت من القوى االستعامرية الكربى فقط، وإنام قد يكون التهديد هتديد ًا إقليمي ًا داخلي ًا ينبع من داخل النظام اإلقليمي اخلليجي ذاته، فإيران هي مصدر هتديد فعيل لدول اخلليج ،إذ ال تعرتف بالبحرين دول ًة ،بل باعتبارها جزء ًا
من أراضيها ،وال تعرتف باستقالل معظم الدول اخلليجية كام ورد عىل لسان قادة ثورهتا اإلسالمية بقيادة اخلميني ،كام إهنا قامت فع ً ال باحتالل اجلزر اإلماراتية الثالث ،وما زالت مستمرة يف عنادها واحتالهلا وهتديدها لألمن القومي اخلليجي ،إيران متثل قوة ال يستهان
يؤهلها لتكون اخلطر هبا يف منطقة اخلليج ،وهي متتلك من مكونات القوة العسكرية ما ّ اإلقليمي األول واألكرب عىل األمن القومي لدول اخلليج العريب ،وهي حتتل موقع ًا اسرتاتيجي ًا
عىل ضفاف اخلليج العريب ،وترشف عىل أطول مسافة للشواطئ الرشقية للخليج؛ وتقع عىل وعامن والكويت ،وتتحكم يف اجلانب املقابل لكل من اإلمارات والسعودية وقطر والبحرين ُ
مضيق هرمز واملدخل الشاميل للخليج مع العراق والكويت ،ومتتلك قوة برشية وعسكرية هائلة ،ومساحة جغرافية شاسعة؛ إذ تشغل نحو 1.648.000كم ،2ويزيد سكاهنا عىل اخلمسني مليون ًا ،وهي أكرب قوة عسكرية يف املنطقة بعد العراق . (2 قبل الثورة اإلسالمية ،كانت إيران حليف ًا قوي ًا وتابع ًا مطيع ًا للواليات املتحدة األمريكية،
لذلك فإن الواليات املتحدة األمريكية مل تعارض احتالل إيران للجزر اإلماراتية الثالث ،إال
أنه بعد قيام الثورة يف إيران ،بدأت القطيعة يف العالقات مع الواليات املتحدة .وبدأ النظام يتوجه بسياساته نحو منطقة اخلليج ويتبنى مبدأ أسلمة املنطقة من خالل ما اإلسالمي اجلديد َّ
رفعه قادته من شعارات «تصدير الثورة» ،وعدم االعرتاف باستقالل الدول اخلليجية .وعىل الرغم من أن إيران دعت إىل التعاون مع الدول اخلليجية لتحقيق األمن اخلليجي ،فإهنا مل ِ ختف (2حممد سعيد البادي« ،األمن الوطني لدولة اإلمارات العربية املتحدة ،من منظور احتادي وبعد خليجي وعريب( »،أطروحة دكتوراه ،أكاديمية نارص العسكرية العليا ،كلية الدفاع الوطني ،)1992 ،ص .151-150 مركز اخلليج لألبحاث
31
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
مطامعها التارخيية يف البحرين ،ومل ُ تأل جهد ًا يف دعم املحاوالت التخريبية التي جرت عىل األرايض البحرانية يف العام ،1996وما زالت قضية اجلزر اإلماراتية الثالث تنتظر احلل.
إن التهديدات التي يتعرض هلا النظام اإلقليمي اخلليجي ال تقترص عىل تلك التي تأتيه
من خارج اإلقليم فقط ،بل هناك هتديدات تأتيه من الداخل ،عىل الرغم من وجود قدر من العالقات التعاونية يف بعض املجاالت .فالطابع العقائدي للنظام اإليراين اجلديد كان بمنزلة
هتديد حقيقي للدول اخلليجية األخرى إن مل يكن للعامل العريب واإلسالمي كله ،فالنظام الشيعي يف إيران القائم عىل فكرة اإلمامة ،مثَّل هتديد ًا ملعظم النُظم اإلسالمية العربية «الس َّنية»؛ حيث ترى أهنا معرضة الجتياح أصويل إيراين ،بل إن إيران مل ترفض اعتناق اإلرهاب ودعمه باعتباره سالح ًا لزعزعة االستقرار يف العديد من الدول العربية لتحقيق أهدافها ومطامعها، ولتفرض ُس َّلمها عىل املنطقة . (2
إليران تصورها اخلاص بدورها اإلقليمي يف منطقة اخلليج العريب ،وكذلك هلا نظريتها اخلاصة بحامية األمن اخلليجي ،فهي تسعى ألن تكون الدولة القائدة يف اخلليج والعامل اإلسالمي، وتسعى إىل حتقيق أمنها القومي حتى وإن كان ذلك عىل حساب أمن الدول املجاورة؛ فعندما أقدمت عىل احتالل جزر اإلمارات الثالثَّ ،برر شاه إيران ذلك العمل بفكرة «حدود األمن» اإليراين ،ثم جاء اخلميني ليفرض عىل الدول اخلليجية االعرتاف بدور إيران األمني يف املنطقة حتت شعار «مظلة األمن» ،رغبة يف السيطرة السياسية والعقائدية عىل املنطقة ،لذلك أدركت إيران أن سيطرهتا عىل مضيق هرمز ستحقق هلا الكثري من أهدافها يف محاية أمنها القومي اخلاص ،ومل تلتفت إىل آراء الدول اخلليجية األخرى بشأن ما ترفعه من شعارات متس أمن الدول اخلليجية األخرى واستقالهلا ،وما تقدم عليه من أفعال هتدف من خالهلا إىل أن تصبح القوة األوىل يف املنطقة ،فأمن اخلليج وفق ًا للتصور اإليراين لن يتحقق من دون إيران . (2 يأيت العراق باعتبارها مصدر ًا آخر لتهديد األمن اخلليجي بعد إيران يف املنطقة ،فعىل
الرغم من أن العراق خيتلف عن إيران يف كونه دولة عربية تنتمي إىل العامل العريب الذي تنتمي Karen A. Feste, The Iranian Revolution and Political Change in the Arab World, )(28 Emirates Center for Strategic Studies and Research, Occasional Papers; no. 4 (Abu Dhabi: Emirates Center for Strategic Studies and Research, 1996), pp. 8-16.
(2وليد حممود عبد النارص« ،األبعاد اإلقليمية ألمن اخلليج بعد احلرب العراقية واإليرانية »،السياسة الدولية، العدد ( 95كانون الثاين/يناير ،)1989ص .182-178
32
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
إليه الدول اخلليجية الست األخرى بخالف إيران ،فإن ذلك مل يعفه من أن يكون مصدر ًا إقليمي ًا لتهديد األمن القومي لتلك الدول الصغرية ،وقد ظهر ذلك اخلطر جلي ًا يف إقدام العراق عىل وضمها ،وهتديد أرايض السعودية واإلمارات العربية مغامرة غزو الكويت واحتالل أراضيها َّ املتحدة ،ومن هنا أثار الغزو عالمة استفهام كربى حول خماطر التهديد القادمة من العراق
ألمن الدول اخلليجية الصغرى.
حتى قبل الثاين من آب/أغسطس ،كان التصور أن خماطر هتديد األمن اخلليجي تأيت من
اخلارج أو من إيران التي ظلت منذ ثورهتا وخالل حرهبا مع العراق املصدر األسايس اإلقليمي للتهديد األمني .لكن بعد الغزو العراقي للكويت ،بدأ يظهر العراق بوصفه مصدر ًا حمتم ً ال
للخطر عىل األمن اخلليجي؛ حيث مل تكن الكويت وحدها هي املستهدفة من الغزو العراقي،
بل كان الدور ينتظر أن يشمل اإلمارات والسعودية ،ودليل ذلك أن الرسالة التي وجهها وزير اخلارجية العراقي إىل األمني العام للجامعة العربية قبل الغزو كانت تشمل اإلمارات إىل جانب الكويت باعتبارها سبب ًا يف األزمة االقتصادية التي تواجه العراق. وباألسلوب نفسه ،فإن املقابلة بني مقومات القوة العراقية وتلك املتوافرة للدول اخلليجية
جمتمعة هي ملصلحة العراق ،كام كانت ملصلحة إيران من قبل ،وعىل الرغم من هزيمة العراق يف حرب حترير الكويت ،فإن بقاءه مصدر ًا حمتم ً ال للتهديد هو أمر ما زال قائ ًام ،عىل الرغم من االحتياطات األمنية التي اختذهتا الدول اخلليجية بعد احلرب؛ مثل إعالن دمشق ،واالتفاقات
األمنية التي عقدهتا بعض الدول اخلليجية مع الواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا وفرنسا . (3 من هنا يمكننا القول إن النظام اإلقليمي اخلليجي هو يف حد ذاته ليس نظام ًا آمن ًا ألمن الدول
اخلليجية الست الصغرى ،بل إنه نظام حيمل بني طياته احتامالت التهديد ،نتيجة الفارق الكبري بني مقومات القوة ،السياسية واالقتصادية والعسكرية واجلغرافية ،بني كل من الدول اخلليجية الست
ومصادر التهديد اإلقليمي العراق وإيران ،وهو ما سوف يظهر لنا يف املبحث التايل.
ال أحد يستطيع أن جيزم بأن حرب حترير الكويت ستكون هي آخر احلروب العنيفة يف
تلك املنطقة ،حيث إن منطقة نفطية وغنية واسرتاتيجية مثل منطقة اخلليج ستكون باستمرار (3عزت عبد الواحد« ،إدارة األزمة ىف السياسة اخلارجية املرصية :دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية-1990 ، ( »،1991رسالة ماجستري غري منشورة ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1994 ،ص .291-290 مركز اخلليج لألبحاث
33
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
عرضة للتدخالت اخلارجية التي تستغل التوترات وتؤجج اخلالفات من أجل اإلبقاء عىل هيمنتها وسيطرهتا عىل املنطقة.
ومن ناحية أخرى ،إن الغزو العراقي للكويت وتداعياته قد أثار مسألة األمن اخلليجي
بشكل ملح ،وأصبح تعبري أمن اخلليج بمعناه السيايس يعني أمن الدول اخلليجية الست أعضاء
جملس التعاون بالتحديد ،وأصبح عىل كل من هذه الدول أن يكون هلا رأهيا اخلاص يف أمنها وأمن املنطقة ،فبدأت تتجه إىل خارج الدائرة اإلقليمية والعربية للبحث عن أمنها بإجياد صيغ
للتعاون األمني مع الواليات املتحدة وبريطانيا وفرنسا ،وهو ما قامت به كل من الكويت وقطر والبحرين ،ويف الوقت الذي رأت فيه السعودية أن أمن اخلليج هو مسؤولية خليجية بالدرجة
األوىل ،وال مانع من وجود عريب ،نجد سلطنة ُعامن ترى اخليار اخلليجي اإليراين هو أساس األمن يف املنطقة ،أ َّما اإلمارات فهي ال تشجع وجود قوات غري عربية عىل أراضيها . (3
ثالث ًَا :مفهوم الدور اإلقليمي
نشأ مفهوم الدور يف أحضان علم االجتامع ،حيث ارتبط أساس ًا بالدراسات السيكولوجية
واالجتامعية .وبدأت حماوالت االستفادة منه يف دراسة السلوك السيايس اخلارجي للدول
وتفسريه . (3
يف واقع األمر ،إن العديد من املفكرين األوائل حاولوا حتديد ما هو املقصود بالدور،
واألبعاد املتعلقة به ،والظواهر السياسية واالجتامعية املرتبطة به.
يقصد بالدور باعتباره مفهوم ًا «جمموعة السلوكيات املتوقعة اجتامعي ًا واملرتبطة بوظيفة
معينة» .إذن يتحدد مفهوم الدور من تلك الوظيفة التي تقوم هبا الدولة يف حميطها الدويل .ومن
ثم فإن العالقة بني دور الدولة أو الوحدة السياسية وحميطها اخلارجي هي عالقة ذات أمهية حمورية يف حتديد دور الدولة أو الوحدة السياسية ،حيث إن التطورات والتغريات التي حتدث
(3مصطفى علوي« ،ترتيبات األمن يف اخلليج بعد احلرب »،يف :مصطفى كامل السيد ،حتى ال تنشب حرب عربية وعربية أخرى (القاهرة :جامعة القاهرة ،مركز البحوث والدراسات السياسية ،)1992 ،ص .674 Joseph Frankel, Contemporary International Theory and the Behaviour of States )(32 (London; New York: Oxford University Press, 1973), pp. 83-85.
34
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
يف تلك البيئة أو املحيط اخلارجي تلقي بظالهلا وتأثرياهتا السلبية أو اإلجيابية عىل دور الدولة، وهتيئ له الفرص وحتدُّ ه بالقيود وفق ًا الجتاه التغري. ّ يتحدد دور الدولة تالي ًا ،بمجموعة من املتغريات السياسية واالقتصادية واجلغرافية
والتارخيية ،باإلضافة إىل املتغريات القيادية وما يرتبط هبا من مفاهيم إدراكية حول دور الدولة خارجي ًا عىل الصعيدين اإلقليمي والدويل ،كام إن السياسات الداخلية تنعكس بدورها عىل دور الدولة خارجي ًا.
إن طبيعة النظام السيايس والقدرات املتاحة للدولة اقتصادي ًا وجغرافي ًا وعسكري ًا
واملوروثات التارخيية وطبيعة القيادة السياسية حتدَّ د رؤية الدولة يف حميطها اإلقليمي والدويل، وهذا من شأنه أن يقودنا إىل القول إن هذا الدور أيض ًا حتدده جمموعة من املتغريات اخلارجية املتعلقة بطبيعة النظام اإلقليمي والدويل ،ومستوى الضغوط التي تتعرض هلا الدولة يف حميطها
اإلقليمي والدويل ،وقدرة الدولة عىل املناورة واحلركة ،وكلها عوامل تؤثر يف ،بل وحتدد ،دور الدولة.
إذ ًا دور الدولة أو وظيفتها يف جماهلا اإلقليمي والدويل حتددمها جمموعة من املتغريات
الداخلية واإلقليمية والدولية التي تعمل باعتبارها حمددات هلذا الدور.
والدور ،كام يرى علم االجتامع ،هو وظيفة وأنموذج منظم للسلوك ضمن جمموعة من
النشاطات االجتامعية ،وكل دور أو وظيفة له صلة باألدوار والوظائف األخرى .بمعنى أن دور الدولة ووظيفتها يف النظام اإلقليمي والدويل إنام يرتبطان بطبيعة األدوار والوظائف التي تؤدهيا
الدول األخرى يف إطارها اإلقليمي والدويل .وبالتايل تتحدَّ د فاعلية هذا الدور ،بل إن التفاعل بني األدوار والوظائف املختلفة قد يوجد دور ًا من العدم ،وقد يقيض عىل دور قائم . (3
وتستوجب التغريات التي حتدث يف النظام الدويل واإلقليمي للوحدة اإلقليمية تغري ًا مماث ً ال يف دور تلك الوحدة ملواجهة ذلك التغري ،وهذه التغريات الدولية قد حتد من تأثري بعض العوامل يف حتديد دور الدولة ،وقد تزيد من تأثري عوامل أخرى ،فمث ً ال التغري (3مجال زهران« ،تأثري العوامل اخلارجية عىل الدور اإلقليمي ملرص »،يف :عبد املنعم املشاط ،حمرر ،الدور اإلقليمي ملرص يف الرشق األوسط (القاهرة :مركز البحوث والدراسات السياسية ،)1995 ،ص .104-103 مركز اخلليج لألبحاث
35
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
اجلوهري الذي حدث يف مفاهيم السياسة الدولية التي استندت عالقاهتا وتفاعالهتا لنحو من أربعة قرون إىل اجلغرافيا السياسية ( ،)Geo-Poloticsثم حتولت خالل العقدين املاضيني لتستند إىل اجلغرافيا االقتصادية ( ،)Geo-Economicإن ذلك أدى إىل التقليل وليس إهناء -من تأثري اعتبارات اجلغرافيا السياسية يف حتديد دور الدولة ،وازدياد تأثرياعتبارات اجلغرافيا االقتصادية يف حتديد ذلك الدور ،نتيجة التغريات اإلقليمية والعاملية التي تدفع نحو الرتكيز عىل أمهية العوامل االقتصادية يف إدارة دفة العالقات الدولية. ساد مفهوم اجلغرافيا السياسية باعتباره مفهوم ًا أساسي ًا يف العالقات الدولية لفرتة
طويلة ،ومفاده أن دور الدولة القومية وأمنها القومي يتحددان بموقعها اجلغرايف ،وبالتايل أمهية املتغري اجلغرايف سواء أكان أحد عنارص قوة الدولة أم حمدد ًا للعالقات الدولية .لذا فقد
روج له سيطر عىل مفاهيم دراسة السياسات الدولية ما عرف بمبدأ «احلتمية اجلغرافية» الذي ّ اجليوبوليتكيون األملان يف حماولة لتربير التوسع األملاين آنذاك أمثال راتزل ،ثم ظهرت نظرية
ماهان األمريكي وماكيندر الربيطاين ،كام سادت تلك الرؤية يف ظل منظومة فكرية متكاملة
عبرّ ت عن نفسها يف مدرسة القوة ،وبعض أشكال مدرسة النظم يف العالقات الدولية التي ركزت عىل التوازن وتوازن القوى والقطبية والقطبية الثنائية بصفتها عوامل مستقلة وأساسية يف حتديد العالقات بني األمم والشعوب ،وكذلك بني الدول.
وعىل سبيل املثال ،نجد أن هانز مورجانثو يف حتليله القوة يف السياسة الدولية حيدد أهداف ًا
ثالثة تتصارع حوهلا الدول ،وهي تعبرّ عن الدور الذي تبحث عنه كل وحدة دولية: احلفاظ عىل األمر القائم من دون تغيري (دعم الوضع الراهن). التوسع االستعامري وزيادة القوة (اإلمربيالية). -دعم املكانة األدبية والسياسية للدولة يف املجتمع الدويل.
وبالتايل ،فإن سياسات الدول وأهدافها اخلارجية تكون موجهة إما للحفاظ عىل ما هو
متاح لدهيا بالفعل من مقدرات القوة ،وبالتايل تثبيت دورها الدويل من دون تغيري ،أو مضاعفة
هذه املقدرات ملضاعفة دورها الدويل ،أو استظهار قوهتا بصورة عملية ،وذلك لكسب نفوذ
تستخدمه يف حتقيق أهدافها ودعم دورها ومكانتها. 36
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ويف ظل مفاهيم اجلغرافيا السياسية ،تصبح أهداف السياسة اخلارجية واألمن القومي
هي احلفاظ عىل بقاء الدولة وتكاملها اإلقليمي ،ومحاية قيمها العليا من العدوان اخلارجي، وتعظيم مصاحلها القومية األخرى . (3
أما اجلغرافيا االقتصادية ،فتمثل مفهوم ًا أكثر تعقيد ًا ،حيث إن بقاء الدولة ومحاية تكاملها اإلقليمي ليسا موضوع التهديد اخلارجي لألمن القومي أو للنيل من مكانتها العاملية واإلقليمية، وإنام حالتها االقتصادية ومتاسكها االجتامعي وقدرهتا عىل مواجهة املنافسة االقتصادية ،وهذا املفهوم يعكس أيض ًا منظومة فكرية أخرى نظرت إىل النظام الدويل بطريقة أكثر تعقيد ًا من جمرد التفاعالت بني الدول القومية وحكوماهتا حول الظواهر السياسية واألمنية املتعلقة ببقاء الدول وسالمتها اإلقليمية ،حيث أدخلت فواعل أخرى إىل نسق التفاعل التي تؤلف النظام، ورفضت التأكيد عىل أبعاد الرصاع والتنافس داخله فقطَّ ، وأكدت أنامط التعاون واالعتامد املتبادل يف النظام الدويل . (3 هنا يكون التفاعل والتكامل بني األدوار املختلفة للدول والفواعل األخرى كالرشكات عابرة القومية واملنظامت الدولية واإلقليمية هو أمر أسايس يف ظل عامل جعلته الثورة التكنولوجية واالتصاالت قرية صغرية ،وأصبحت احلدود السياسية بني الدول وبني ما هو داخيل وما هو خارجي حدود ًا مائعة ،أو حتى ومهية. ومن العوامل األخرى التي حتدد دور الدولة ،إدراكات القادة السياسيني هلذا الدور،
فكام يرى هريمان وروزناو وكيجيل ،إن الدور يعني إدراك ص ّناع السياسة اخلارجية ملواقع بلداهنم يف النظام الدويل . (3
(3ملزيد من التفاصيل عن تلك اجلزئية ،انظر :أمحد ،يوسف وحممد زبارة ،مقدمة يف العالقات الدولية (القاهرة: األنجلو املرصية ،)1985 ،ص 39-37و49-48؛ اسامعيل صربي مق ّلد ،نظريات السياسة الدولية :دراسة حتليلية مقارنة (الكويت :جامعة الكويت ،)1982 ،ص 68-61؛ عبد املنعم سعيد« ،من اجلغرافيا السياسية إىل اجلغرافيا االقتصادية :التغيري يف دور مرص الدويل واإلقليمي »،يف :املشاط ،حمرر ،الدور اإلقليمي ملرص يف الرشق األوسط ،ص ،12-11و
Hans Joachim Morgenthau’ Politics among Nations; the Struggle for Power and Peace, 2nd ed. rev. and enl. (New York: Knopf, [1954]), and Power and Ideology in International Politics (New York Free Press, 1961), pp. 170-177. 1
(3سعيد ،املصدر نفسه ،ص .13-12 Charles F. Hermann, Charles W. Kegley, Jr. and James N. Rosenau, eds., New )(36 Directions in the Study of Foreign Policy (Boston: Allen and Unwin, [1986]), p. 271.
مركز اخلليج لألبحاث
37
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
وللقيادة السياسية -وبالتحديد رئيس الدولة -دور رئيس وحاسم يف عملية صنع القرار اخلارجي وحتديد معامل دور الدولة خارجي ًا ،ويزداد هذا التأثري بشكل أكرب يف النظم الشخصانية غري املؤسساتية ،حيث يسيطر رئيس الدولة عىل مؤسسات احلكم ،ويرتبط ببقائه
النظام السيايس للدولة ،وهو النمط السائد يف دول احلزب الواحد ودول العامل الثالث؛ حيث الغياب الواضح لدور املؤسسات ،وغلبة الطابع الشخيص للحكم.
من ثم ،إن فهم اخلريطة اإلدراكية للقائد السيايس يف هذه النظم يساعد -إىل حد كبري الص ُعد كافة ،فالعوامل الشخصية يف تلك النظم تؤدي دور ًا -عىل حتليل دور الدولة خارجي ًا عىل ُ
حاس ًام يف رسم الدور اإلقليمي والدويل للدولة وتنفيذه ،ويزداد أثر املتغريات الشخصية واخلريطة اإلدراكية لصانع القرار كلام زادت سلطات اختاذ القرار التي يتمتع هبا القائد ،وحيث تقل القيود املفروضة داخلي ًا عىل سلطاته ،ومن ثم تقل قوى املعارضة لسياساته الداخلية واخلارجية. كذلك ،تزداد هذه العوامل تأثري ًا كلام كانت املواقف اخلارجية التي تواجه صانع القرار
مواقف غري روتينية ،مثل مواقف احلرب واألزمات الدولية؛ حيث تقل دائرة صنع القرار اخلارجي وتزداد سلطات القائد السيايس ،كام حيدث ذلك أيض ًا كلام اتسمت مواقف السياسة اخلارجية بالغموض وعدم التوقع ووجود معلومات متناقضة ،وبالتايل تقل املعارضة للخيار الذي يتبناه القائد السيايس . (3
إن اختالف النظم السياسية يلقي بظالله وتأثرياته عىل الدور الذي يمكن أن يقوم به القائد السيايس يف رسم سياسة الدولة اخلارجية وقيادة حركتها السياسية ،فالقائد السيايس يعبرّ من خالل دوره عن جمموعة أهداف ومصالح النظام ،ويوظف مؤسساته خلدمة هذه املصالح. كذلك يتحرك القائد السيايس إقليمي ًا ودولي ًا يف ضوء املتغريات املحيطة باملوقف وطبيعة إدراكه هلا ،وتعامله معها بام ينسجم وموقع دولته يف النسق الدويل ،وقدرته عىل التأثري يف هذا النسق عرب اختيار البديل املناسب يف مواجهة املواقف التي يتضح فيها مستوى دور الدولة ،وذلك من خالل أساليب عدة يلجأ إليها؛ فقد يكون اختياره من خالل حتليل اجلوانب املختلفة للموقف الدويل واإلقليمي ،أو اعتامد ًا عىل إدراكه للموقف ،واعتامد ًا عىل اجلوانب املعرفية للقائد . (3 (3ويد جنسن ،تفسري السياسة اخلارجية ،ترمجة حممد بن أمحد املفتي وحممد السيد سليم (الرياض :جامعة امللك سعود ،)1989 ،ص .19-15 (3حممد السيد سليم ،حتليل السياسة اخلارجية ([القاهرة] :جامعة القاهرة ،مركز البحوث والدراسات
38
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
يشري البعض إىل أن دور الدولة القومي يمر عرب مراحل عدة ،هي : (3 (التعرف إىل أبعاد املوقف الدويل وجوانبه). -1مرحلة استكشاف املوقف ّ
-2مرحلة حتديد الدور القومي للدولة يف ضوء الثوابت التي عىل أساسها تُرسم
السياسة اخلارجية.
-3مرحلة تكييف الدور القومي مع طبيعة املتغريات املحيطة بالبيئة أو املؤثرة يف القدرات املادية واملجتمعية لدولة صانع القرار ،بمعنى أن يكون دور الدولة مكافئ ًا للموقف.
-4مرحلة حتديد القيمة التي تقرتن بالدور ،فإذا ما تم فهم النظام الدويل أو اإلقليمي بوصفه بناء اجتامعي ًا ،فإن كل أمة ستمثل مواقع اجتامعية عدة ،أو أدوار ًا إقليمية ودولية
قياس ًا عىل األمم األخرى ،وبالتايل فإن الدور القومي سيتحدد يف ضوء إدراك ص ّناع السياسة اخلارجية ملواقع بلداهنم إقليمي ًا ودولي ًا.
ومن ثم ،تكمن مقومات الدور يف طبيعة األهداف واملصالح كام يدركها ص ّناع القرارات،
وهذه النظرة لدور الدولة تربط بني النزعات اخلاصة يف السياسة اخلارجية للدول والتفسريات البيئية ،حيث تكمن أصول السياسة اخلارجية يف التفاعل بني املتغريات الذاتية اخلاصة بصنع القرار واملوقف اخلارجي والبيئة املحيطة.
يعتمد دور الدولة إقليمي ًا بشكل أو بآخر عىل طبيعة العالقات اإلقليمية والدولية،
وعىل طبيعة األدوار األخرى التي تؤدهيا القوى األخرى يف املحيط اإلقليمي والدويل للوحدة
السياسية .ومن ثم ،فإن لنمط توزيع القوة يف النظام اإلقليمي دوره يف حتديد أبعاد الدور الذي يمكن أن تؤديه الدولة وفق ًا ملا متلكه من قدرات مادية وجمتمعية ،ووفق ًا ملا يسمح به ذلك النمط للدولة من حرية للحركة ،أو ما يفرضه عليها من قيود حتد من حركتها إقليمي ًا ودولي ًا، لذا نجد أن هناك طبقات أو مراتب لألدوار اإلقليمية والدولية ،وهناك أدوار رئيسة وأدوار
تابعة ،وهناك أدوار قيادية وأدوار ثانوية ،ولكل نظام إقليمي دولة قائدة متارس فيه الدور األسايس ،تليها أدوار أخرى أقل تأثري ًا ،ومثال ذلك الدور القائد ملرص يف النظام اإلقليمي العريب ،والدور القائد للسعودية يف النظام اإلقليمي اخلليجي.
السياسية ،)1989 ،ص .481-450
(3احلديثي ،سياسة باكستان اإلقليمية ،1994-1971 ،ص .43-42 مركز اخلليج لألبحاث
39
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
خالصة القول :إن وظيفة الدولة أو دورها يف إطارها اإلقليمي إنام يتحددان بناء
عىل جمموعة من املحددات ،بعضها يتعلق بمدركات القائد السيايس واملتغريات الشخصية واجلوانب املعرفية ،وبعضها اآلخر يتعلق بالقدرات املادية واملجتمعية للدولة موضوع الدور، وأخري ًا هناك عوامل تتعلق بالبيئة اإلقليمية والدولية لتلك الدولة؛ مثل نمط العالقات اإلقليمية والدولية السائدة ،ونمط توزيع القوة يف ذلك النظام ،وطبيعة األدوار الدولية األخرى.
رابع ًا :إمكانات القوة يف النظام اإلقليمي اخلليجي ال شك يف أن قوة الدولة وطبيعة عالقاهتا يف حميطها اإلقليمي والدويل ،حتددان بشكل كبري الدور الذي تؤديه تلك الدولة عىل مرسح احلياة السياسية إقليمي ًا ودولي ًا .وتربز قوة
الدولة بمقدار تفاعل عنارص هذه القوة ومكانتها .فكلام حدث تغيرّ يف القدرات املكونة هلذه القوة َتغيرّ تبع ًا لذلك حجم قوة الدولة ودورها وفاعليتها عىل مرسح األحداث . (4 يعترب مفهوم القوة من املفاهيم الرئيسة يف العلوم االجتامعية ،بل إن البعض يرى أن أي
فعل اجتامعي هو يف جوهره ممارسة للقوة .وهذه الرؤية هي نتيجة؛ ألن عالقات القوة تتخلل بشكل واضح كل جمتمع من املجتمعات ،وكذلك يف العالقات بني الدول .فلكل دولة أهداف واسرتاتيجيات تسعى إىل حتقيقها إقليمي ًا ودولي ًا ،بل وداخلي ًا .وهذا يتطلب توافر عنارص قوة
معينة حتى تستطيع الدولة أن حتقق ما تصبو إليه . (4
مفهوم قوة الدولة أو ظاهرة القوة السياسية بشكل عام هو من املفاهيم املعقدة التي
أدىل ك ُث ٌر من املفكرين والفالسفة ورجاالت الدولة بدلوهم فيها لتحديد أبعادها ومكوناهتا
يف كل العصور ،فقد ربط أرسطو بني قوة الدولة واحتادها وقيامها بوظيفتها األساسية املتمثلة يف السعي نحو كفالة حياة ِ رغدة ملواطنيها وحتقيق االكتفاء الذايت .وهذا قد يستدعي أن تدخل الدولة يف رصاع مع الدول األخرى من أجل البقاء وحتقيق أهدافها وأهداف مواطنيها ،األمر (4صالح بن عبد العزيز القنيعري« ،السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب1979 ، – ( »،1995أطروحة دكتوراه ،أكاديمية نارص العسكرية العليا ،كلية الدفاع الوطني ،)1988 ،ص .24
(4راجع تلك الرؤية ،يف :فاروق يوسف ،القوة السياسية :اقرتاب واقعي من الظاهرة السياسية ،ط ( 2القاهرة: مكتبة عني شمس ،)1985 ،ص .7-6 40
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
الذي يستلزم السعي نحو مزيد من قوهتا . (4 يرى ماكس فيرب أن القوة هي احتامل قيام شخص ما يف عالقات اجتامعية بتنفيذ رغباته عىل
الرغم من مقاومة اآلخرين .وبغض النظر عن األساس الذي يقوم عليه ذلك االحتامل ،تتعدد مقومات القوة وركائزها وختتلف من موقف إىل آخر نتيجة اختالف أساس ممارسة تلك القوة.
ويرى كل من هارولد السويل وابراهام كابالن أن القوة «تعني املشاركة يف صنع
القرارات املهمة يف املجتمع»؛ كام قال هانز مورجانثو :إن القوة هي «القدرة عىل التحكم يف
أفكار وأفعال اآلخرين» . (4
و ُيعتَرب مودلسكي من أبرز الذين تناولوا مفهوم قوة الدولة ،حيث يعرفها بأهنا «قابلية
الدولة يف استخدام الوسائل املتوافرة لدهيا من أجل احلصول عىل سلوك ترغب يف أن تتبعه الدول األخرى».
وترى مارجريت بال أن القوة هي «القدرة عىل حتقيق األهداف ،سواء أكان ذلك بوسائل
سياسية أم اقتصادية أم نفسية ،أم أي وسائل أخرى» ،ومن ثم فإن قوة الدولة هي القدرة عىل صنع أو صياغة السياسة القومية .أما نيكوالس سبيكامن ،فريى أن قوة الدولة هي «املقدرة
عىل كسب احلرب» . (4
ومن املعارصينِ َّ ، يعرف اللواء أمحد فخر قوة الدولة بأهنا« :ناتج القوة والضعف
للمكونات األساسية للقدرة االقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية واالجتامعية ،وهي حمصلة قدرات الدولة يف حتقيق مصاحلها والتأثري يف غريها» . (4
وعىل هذا ،يكمن مضمون عالقات القوة يف توافر اإلمكانات لدى الدولة التي تستطيع (4فؤاد حممد شبل ،الفكر السيايس :دراسات مقارنة للمذاهب السياسية واالجتامعية (القاهرة :اهليئة املرصية العامة للكتاب ،)1974 ،ص .126-125 (4يوسف ،املصدر نفسه ،ص .16-14 (4نق ً ال عن :مجال زهران ،توازن القوى بني العرب وإرسائيل بني حريب ( 1973 – 1967القاهرة :مكتبة مدبويل ،)1988 ،ص .35-34
.232
(4عمر الفاروق السيد رجب ،قوة الدولة :دراسات جيوسرتاتيجية (القاهرة :مكتبة مدبويل ،)1992 ،ص
مركز اخلليج لألبحاث
41
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
من خالهلا ممارسة نفوذ عىل دولة أخرى ،أو أكثر بام يتفق ورغبات الدولة األوىل ،ومن ثم فإن
مفهوم القوة ال خيرج عن كونه عالقة نفوذ من طرف يف مواجهة طرف أو أطراف أخرى يف حلظة ما ،أو عرب فرتة زمنية ممتدة يف جمال حمدد أو يف جماالت عدة .وحيث تشتمل الدولة عىل عدد
من العوامل املكونة لقوهتا ،كاملوقع اجلغرايف االسرتاتيجي والقدرات السياسية واالقتصادية والعسكرية واالجتامعية والسكانية ،إضافة إىل العوامل املعنوية كاإلرادة القومية واألهداف
االسرتاتيجية والقدرة الدبلوماسية ،فقوة الدولة تكمن يف قدرهتا عىل توظيف تلك العوامل واملكونات جمتمعة ،وبنسب خمتلفة وفق ًا للظرف الدويل واإلقليمي ،بام ّ يمكنها من التأثري إقليمي ًا
وعاملي ًا ،أي إهنا توظف إمكاناهتا املادية واملعنوية خلدمة أهدافها ومصاحلها العليا.
هيدف هذا املبحث إىل التعرف إىل تلك اإلمكانات التي حتدد قوة الدولة التي متتلكها
جمموعة الدول العربية املكونة للنظام اإلقليمي اخلليجي مقابلة بام متتلكه إيران من مقومات التعرف إىل نمط توزيع القوة يف ما بني إيران وتلك الدول ،ومدى التوازن قوة ،حتى نستطيع ّ واالختالل القائم يف ما بينها وبني الدول العربية يف النظام اإلقليمي اخلليجي. ويف هذا الصدد نتناول جمموعة العنارص واملكونات اآلتية: املوقع اجلغرايف واملساحة. الطبيعة الديمغرافية(السكانية). عنارص القدرة االقتصادية. -القدرات العسكرية.
-1املوقع اجلغرايف واملساحة
إن البيئة اجلغرافية ألي نظام سيايس هي أحد مصادر قوة أو ضعف ذلك النظام ،ومن ثم فهي متثّل إ َّما إضافة أو خص ًام من مفردات القوة لذلك النظام .فالبيئة اجلغرافية بعنارصها املختلفة من موقع ومساحة وتضاريس تؤثر بشكل مبارش أو غري مبارش يف صياغة الدولة سياساهتا اخلارجية ،وبالتايل تعمل باعتبارها أحد حمددات قوة دور الدولة اخلارجي .فبيئة الدولة اجلغرافية حتدد املجال احليوي حلركتها السياسية اخلارجية ،وحتدد -إىل حد كبري - ماهية التهديد املوجه إىل أمنها ومصادره. 42
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ويف هذا اإلطار سادت العالقات الدولية جمموعة من نظريات السياسة اخلارجية
التي تقول بالتأثري املبارش للجغرافيا يف سياسة الدول اخلارجية وقدرهتا عىل بناء قوهتا الربية
والبحرية؛ وهو ما ُعرف بنظريات اجلغرافيا السياسية لكل من ماهان وماكيندر وراتزل األملاين الذي قال باحلتمية اجلغرافية . (4
بدأت تلك النظريات التي قالت باحلتمية التارخيية بالرتاجع مع التطور التقاين يف
جمال االتصاالت واملعلومات؛ حيث أصبح العامل قرية صغرية ،ومل تعد اجلغرافيا هي املحدد
رواد تلك املدرسة .إذ أصبح العامل قرية صغرية، األسايس للسياسة اخلارجية للدول ،كام طرح ّ وأصبحت احلدود بني ما هو داخيل وما هو خارجي حدود ًا مائعةّ ، وقل -إىل حد كبري - تأثري املوقع واملساحة يف السياسة اخلارجية للدول ،ومن ثم تراجع العامل اجلغرايف من موقع
العامل الرئيس واحلتمي إىل كونه أحد العوامل املهمة التي ال يمكن إمهاهلا عند حتليل السياسة اخلارجية للدول ،أو عند قياس قوة الدولة يف إطارها اإلقليمي والعاملي ودورها.
ال شك يف أن املوقع اجلغرايف قد يمثل موقع محاية ودفاع طبيعيني يزيد من قدرة الدولة عىل محاية حدودها ،وبخاصة إذا كان يغلب عىل تضاريسها احلدودية الطبيعة اجلبلية والوعرة، األمر الذي جيعل من الصعب اخرتاق حدود الدولة بر ّي ًا ،يف الوقت الذي جتعل الطبيعة السهلية حلدود الدولة ذلك االخرتاق أمر ًا يسري ًا نسبي ًا .والتجربة املرصية يف اليمن ،والسوفياتية يف أفغانستان ،دليل حي عىل صحة ذلك القول. وكلام ازدادت مساحة الدولة ازداد عمقها الدفاعي ،وهذا من شأنه أن جيعل عملية الدفاع الذايت أسهل ،كام إن ازدياد رقعة مساحة الدولة يتيح هلا قدر ًا أكرب من املوارد الطبيعية التي تساعد
الدولة عىل بناء اقتصادها وقوهتا العسكرية .عىل الرغم من أن ذلك الوضع قد يغري الدول الطامعة يف تلك الثروة ،خصوص ًا إذا كانت تلك الدولة ال متلك إمكانات الدفاع عن نفسها. إن املوقع اجلغرايف املتميز ملنطقة اخلليج العريب وما حتويه أراضيها من ثروات نفطية حباها اهلل هبا جعال هذه املنطقة مطمع ًا للعديد من القوى الطامعة يف الثروة االقتصادية واملوقع (4حممد طه بدوي ،مدخل إىل علم العالقات الدولية ،ط ( 3القاهرة :املكتب املرصي احلديث ،)1976 ،ص ،142-137وحممد حممود خليل« ،األمن القومي العريب املرصي وحرب أكتوبر( »،أطروحة دكتوراه ،أكاديمية نارص العسكرية العليا ،كلية الدفاع الوطني ،)1985 ،ص .36-35 مركز اخلليج لألبحاث
43
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
االسرتاتيجي ،وصارت املنطقة حمور ًا تدور حوله الكثري من األحداث العاملية .فمنطقة اخلليج تتميز من الناحية االسرتاتيجية بكوهنا تتوسط العامل القديم ،ومتر هبا أشهر الطرق التجارية التي تربط أوروبا بالرشقني األدنى واألقىص ،ويكتنز يف جوفها أكرب نسبة احتياطي من النفط
العاملي .كل ذلك دفع القوى الكربى إىل التنافس عىل هذه املنطقة.
يقع اخلليج العريب يف جنوب غرب قارة آسيا ،عىل شكل ذراع مائية يتصل طرفها اجلنويب بخليج ُعامن ،فالبحر العريب ،فاملحيط اهلندي .وينحرص بني خطي عرض 30-24شام ً ال،
وخطي طول 57-48رشق ًا ،ويبدو اخلليج مثل بحرية راكدة مغلقة يف ما عدا منفذ بحري واحد بعرض أربعني كيلومرت ًا هو مضيق هرمز الذي يربط اخلليج بالعامل. ومتتلك العربية السعودية أكرب مساحة يف املنطقة ،تليها إيران ،بينام حتتل البحرين املساحة
األصغر بني دول النظام اإلقليمي اخلليجي .ويبلغ إمجايل مساحة منطقة اخلليج بدوهلا الثامين نحو
4.47مليون كيلومرت مربع .وتتميز إيران عن باقي دول املنطقة بأهنا متتلك أكرب سواحل عىل اخلليج
العريب بطول ألف ومئتي كيلومرت ،تليها اإلمارات ،فالسعودية ،بينام يعترب العراق أقل تلك الدول امتالك ًا للسواحل البحرية عىل اخلليج العريب ،حيث ال تتعدى سواحله مخسة عرش كيلومرت ًا. إضافة إىل إرشاف إيران عىل سواحل اخلليج العريب وبحر ُعامن ،فإهنا تتميز بموقع اسرتاتيجي أتاح هلا حدود ًا مشرتكة مع االحتاد السوفيايت السابق ،كام إن إرشافها عىل مضيق هرمز ّ يمكنها من السيطرة عىل املالحة الدولية يف اخلليج إىل املياه املفتوحة ،ما يضيف إليها ودها ،وتتفادى مصدر ًا من مصادر القوة ،وجيعل كل الدول الكربى تسعى إىل خطب َّ االصطدام هبا بقدر اإلمكان.
إن وجود حدود مبارشة بني إيران وعدد من الدول اخلليجية ،ويف ظل غياب عالقات الود والتفاهم ،يكسب العالقات بينها وبني تلك الدول طابع ًا رصاعي ًا ،وجيعل من إيران عامل هتديد أمني ،خصوص ًا بعد احتالهلا جزر اإلمارات الثالث ،وقيام الثورة اإلسالمية وما طرحته من شعارات خاصة بعدم استقالل بعض الدول اخلليجية.
ويوضح اجلدول التايل القدرات واإلمكانات اجلغرافية لدول النظام اإلقليمي اخلليجي، متضمن ًا املساحة وطول الساحل البحري لكل منها عىل اخلليج العريب. 44
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
.اجلدول رقم ()1-1
اإلمكانات اجلغرافية لدول النظام اخلليجي الدولة
طول الساحل عىل اخلليج العريب (كلم)
نسبة طول الساحل يف املئة
120
4
.املساحة 2 كلم 77ألف ًا
1.7
0.4
450ألف ًا
10
اإلمارات
800
العراق
15
البحرين
90
عُ امن
24
600
.نسبة املساحة يف املئة 0.1
الكويت
200
2.6 6
300ألف 17ألف ًا
0.3
السعودية
550
16
2.2مليون
49
اإلمجايل
3355
4.47مليون
100
قطر
إيران
380 1200
11
11ألف ًا
36
1.6مليون
100
6
0.2 35
املصدر :عبد اخلالق عبد اهلل« ،النظام اإلقليمي اخلليجي »،السياسة الدولية ،العدد ( 114ترشين األول/أكتوبر ،)1993ص .23
إن الوضع دول النظام اخلليجي اجلغرايف قد أسهم يف حالة من عدم االستقرار السيايس
واألمني يف املنطقة ،من خالل نزاعات احلدود العديدة التي ثارت بني دول النظام ،فدولة مثل السعودية مرتامية األطراف نشأت بينها وبني معظم دول النظام اخلليجي نزاعات حول احلدود،
مثل النزاع مع كل من :إيران ،الكويت ،العراق ،اإلمارات ،اليمن ،قطر ،وسلطنة ُعامن .كذلك هناك النزاع القطري البحراين الذي ُح ّل قضائي ًا ،والنزاع اإلمارايت -اإليراين حول اجلزر الثالث املغتصبة ،والنزاع الذي ثار بني دولة اإلمارات العربية املتحدة وسلطنة ُعامن حول واحة الربيمي.
املكونة لدولة اإلمارات .والنزاع العراقي بل إن هناك نزاعات داخلية نشبت بني اإلمارات السبع ّ الكويتي الذي انتهى بالغزو عام ،1990وكانت له نتائج وتداعيات سلبية ما زالت دولوشعوب املنطقة تعاين آثارها وتدفع فاتورة حساهبا ،وقبله النزاع حول شط العرب بني العراق
وإيران الذي أسفر عن حرب دامت نحو ثامين سنوات ..إلخ ،وكلها من الدالئل التي تؤكد أن
املعطيات اجلغرافية اخلليجية أسهمت يف حالة عدم االستقرار السيايس واألمني يف املنطقة.
-2الرتكيبة السكانية
يمثل السكان أساس ًا برشي ًا للنمو االقتصادي وبناء القوة الدولة العسكرية ،وبخاصة إذا مركز اخلليج لألبحاث
45
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
ارتبط ذلك األساس بتوافر املوارد الطبيعية والقدرة التكنولوجية الالزمة لالستفادة من ذلك
احلجم السكاين.
والتوازن بني عدد السكان واملوارد الطبيعية مطلوب ،وإال مثّل التزايد السكاين عبئ ًا
ثقي ً ال عىل االقتصادات الوطنية ،كام إن توافر املوارد الطبيعية من دون وجود حجم سكاين
مناسب وقوة عسكرية حتميه جيعل الدولة عرضة لألطامع اخلارجية من دون رادع.
تعترب إيران أكرب دول النظام اخلليجي من حيث عدد السكان ،فتفوقها العددي وقوهتا ال
تضاهيهام أي قوة أخرى داخل النظام اخلليجي .فهي تتفوق عىل الدول اخلليجية جمتمعة من
حيث عدد السكان ،حيث يبلغ عدد سكاهنا نحو ثالثة أضعاف عدد سكان العراق ،ومخسة أضعاف سكان اململكة العربية السعودية ،أما باقي الدول اخلليجية فأعداد سكاهنا ال تكاد
تذكر باملقابلة مع إيران .وتتوقع بعض املصادر أن يصل عدد سكان إيران عام 2025إىل نسبة 67يف املئة من العدد اإلمجايل لسكان النظام اإلقليمي اخلليجي .ويوضح اجلدول التايل تطور أعداد السكان خالل الفرتة .2001-1995
ويف إطار الرتكيبة االجتامعية لسكان دول النظام اخلليجي ،تتميز دول جملس التعاون
اخلليجي الست برتكيبة سكانية فريدة من نوعها؛ بسبب حجم اهلجرات السكانية الداخلية التي أوجدت عالقات إنسانية متداخلة وروابط اجتامعية متشابكة أشد التشابك ،أو بسبب
جتسدت بشكل تدفق أعداد كبرية من السكان الوافدين من اهلجرة إىل أماكن إنتاج النفط التي ّ كافة اجلنسيات ومن خارج النظام اإلقليمي اخلليجي.
كان هذا التدفق نتيجة طبيعية ملرحلة االنتقال التي مرت هبا تلك الدول من النظام
القبيل التقليدي إىل جمتمع الدولة احلديثة ،بام حيمله ذلك االنتقال من حتول يف أنامط اإلنتاج والعالقات اإلنتاجية التي حتتاج إىل أيد عاملة ومهارات وخربات فنية وإدارية ال متلكها تلك الدول ،ومن ثم كان رضوري ًا استجالب تلك املهارات واخلربات من اخلارج ملواجهة الطفرة النفطية التي متر هبا ،عىل الرغم مما حتمله تلك اهلجرات من مشكالت اجتامعية وأمنية ،ومشاعر ضد وحدوية نتيجة وجود عاملة أجنبية وآسيوية هاجرت إىل تلك الدول.
46
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
.اجلدول رقم ()2-1
تطور عدد السكان يف النظام اإلقليمي اخلليجي 1995
1996
1997
2001
الدولــــــة العربية السعودية
18.801.588
19.344.556
20.001.487
22.024.000
الكويت
1.801.797
1.894.362
1.979.689
1.974.000
490.132
505.826
522.023
744.000
دولة اإلمارات سلطنة عامن قطر
البحرين
العراق إيران
2.411.041
2.131.000 577.684
19.890.000 61.528.050
2.479.000 2.214.720 598.625 ---
---
2.624.000
2.255.609 620.378 -----
2.369.000 2.553.000 63.4.000
22.676.000 65.620.000
املصدر :جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،األمانة العامة ،النرشة اإلحصائية ([الرياض] :مركز املعلومات ،إدارة اإلحصاء ،)1999 ،ص ،4-3و
Anthony H. Cordesman, The Gulf Military Balance and Saudi Arabia (Washington DC: Center for Strategic and International Studies, 2001), p. 1.
تساهم هذه الرتكيبة االجتامعية بدورها يف عدم استقرار النظام اإلقليمي اخلليجي ،كام إن التفوق العددي اإليراين يمثل ضغط ًا ديمغرافي ًا ال يتناسب مع املعطيات السكانية السائدة يف النظام اخلليجي ،ويؤكد اخللل القائم يف التوزيع السكاين داخل النظام اخلليجي .فعىل سبيل املثال ،نجد أن عدد سكان إيران يساوي مخس ًا وعرشين مرة عدد سكان دولة اإلمارات العربية
املتحدة ،كام إنه يساوي مئة وعرش مرات عدد سكان دولة قطر .
إذ ًا ،تتسم القاعدة السكانية يف النظام اإلقليمي اخلليجي بعدم التجانس الديمغرايف، وتعاين اختال ً ال واضح ًا يف التوزيع ملصلحة إيران ،وهذا ما جعل دولة مثل الكويت عاجزة عن جماهبة غزو تقوم به دولة أخرى تفوقها عدد ًا وعتاد ًا مثل العراق ،كام جعل دولة مثل اإلمارات العربية املتحدة عاجزة عن اختاذ عمل عسكري مضاد إليران السرتداد اجلزر الثالث التي
استولت عليها تلك األخرية .وهذا من شأنه أن يسهم يف عدم االستقرار السيايس واألمني يف املنطقة . (4
(4عبد اهلل« ،النفط والنظام اإلقليمي اخلليجي »،ص .38-34 مركز اخلليج لألبحاث
47
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
-3عنارص القدرة االقتصادية
إن توافر املوارد االقتصادية يف حد ذاته من دون إمكانات تسمح باستغالهلا استغال ً ال أمثل ال يمثل مصدر قوة ،عىل الرغم من كونه يمثل أساس ًا هلا ،لذلك عىل كل دولة أن تسعى إىل استغالل ما حباها اهلل به من موارد وثروات اقتصادية استغال ً ال سلي ًام لتحويلها إىل قوة حقيقية تستطيع معها التأثري يف جمريات األمور الدولية عىل الصعيد االقتصادي ،كام إن امتالك الدولة لتلك املوارد جيعلها مطمع ًا لآلخرين ،لذلك ال بد أن يواكب هذه املوارد امتالك القوة العسكرية القادرة عىل محايتها ،كام إن عالقات التكامل االقتصادي واالستفادة املتبادلة عىل املستويني اإلقليمي والدويل أمران رضوريان لدرء األطامع اخلارجية . (4
يؤدي االقتصاد دور ًا مه ًام يف حتديد قوة الدول ،بل إن القوى االقتصادية يف عامل اليوم هي
القوى املؤثرة يف الساحة الدولية ،بعد أن تراجعت األداة العسكرية ملصلحة األداة االقتصادية يف إدارة العالقات الدولية والسياسات اخلارجية ،وبعد أن انتهى نظام القطبية الثنائية واحلرب الباردة وما ارتبط هبام من نظام لتوازن القوى ،ليحل حمله نظام توازن املصالح ،يف ظل عامل
االعتامد املتبادل السائد يف النظام الدويل احلايل ،وإن كان هذا ال يقلل من أمهية القوة العسكرية بأي حال من األحوال.
تشمل قوة الدولة االقتصادية عدد ًا من العنارص الرئيسة : (4 -1الناتج املحيل اإلمجايل.
-2نصيب الفرد من الناتج املحيل اإلمجايل. -3الصادرات كنسبة مئوية من الواردات. -4نسبة األرض الصاحلة للزراعة. -5إنتاج الطاقة الكهربائية. -6إنتاج النفط.
-7إنتاج الغاز الطبيعي. (4سعيد محد احلساين« ،تطور العالقات بني دولة اإلمارات العربية املتحدة وإيران :دراسة حالة ملشكلة اجلزر الثالث( »،أطروحة دكتوراه ،جامعة قناة السويس ،كلية التجارة ،)1999 ،ص .39-38 (4القنيعري« ،السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب »،1995 – 1979 ،ص .34-33
48
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
-8نسبة التضخم.
-9معدل نمو الناتج املحيل.
والنظام اخلليجي يمكن أن يطلق عليه «النظام النفطي»؛ حيث حبا اهلل دوله بالثروة النفطية التي أخذت تتدفق من أراضيه بكميات كبرية جد ًا ،فقد وصل إمجايل إيرادات الدول
الثامين من النفط خالل الفرتة من 1973وحتى عام 1993نحو ألفني ومخسمئة مليار دوالر
( 2.5تريليون دوالر) ،وهذه الثروة النفطية هي التي جعلت ذلك النظام يشهد جمموعة من التغريات احلضارية واملادية ،نقلت تلك النظم من طور النظم القبلية الريعية إىل دول حديثة متكاملة ،كام إن هذه الثروة هي ذاهتا املسؤولة عن كل الرصاعات التي دارت وتدور بني دول
ذلك النظام حول احلدود والتخوم املشرتكة الحتواء أراضيها عىل النفط ،كام إن هذه الثروة قد جعلت من هذه الدول حمط ًا لألطامع اخلارجية. ويساهم النفط وحده بنحو 80يف املئة من صادرات تلك الدول ،و 90يف املئة من
مصدر عمالهتا األجنبية ،ونحو 40يف املئة من الناتج القومي اإلمجايل فيها ،مع العلم أن تلك
الدول عمدت إىل عدم االعتامد عىل النفط وحده ،وسعت إىل تنويع مصادر الدخل القومي؛ فاجتهت إىل زيادة مسامهة القطاعات اإلنتاجية األخرى ،خصوص ًا القطاع الصناعي ،وبدت تلك الدول قادرة عىل متويل خمتلف مرشوعات التنمية االقتصادية واالجتامعية ومرشوعات
الرعاية الصحية والتعليمية ،األمر الذي أدى إىل حتقيق درجة عالية من الرفاهية االقتصادية
للمواطنني ،وازداد مستوى اإلنفاق االستهالكي اخلاص واحلكومي الذي بلغ متوسطه 32يف املئة و 29يف املئة سنوي ًا عىل التوايل ،كام أصبح متوسط دخل الفرد اخلليجي من أعىل املعدالت يف العامل ،فاإلمارات حتتل املركز األول عىل مستوى النظام اإلقليمي اخلليجي من حيث معدل الدخل الفردي ،تليها الكويت ،ثم قطر ،فالبحرين ،ثم سلطنة ُعامن ،فالسعودية ،فالعراق، وأخري ًا إيران .وبينام حتتل السعودية املركز األول من حيث الناتج القومي اإلمجايل ،تليها إيران،
تأيت البحرين يف ذيل القائمة.
وعىل الرغم من تلك الثروة التي ترتمجها األرقام الواردة يف اجلدول رقم ( ،)3-1فإن
املنطقة قد شهدت حربني مدمرتني ،األوىل استمرت زهاء ثامين سنوات بني العراق وإيران،
والثانية نتيجة غزو العراق الكويت الذي نتج منه استجالب آلة احلرب الغربية إىل منطقة اخلليج، األمر الذي أ َّدى إىل هدر واستنزاف الطاقات واملوارد والثروات اخلليجية الذي أدى بدوره إىل مركز اخلليج لألبحاث
49
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
ارتفاع معدالت التضخم يف هذه الدول؛ حيث بلغت نحو 40يف املئة بالعراق ،و 30يف املئة
بإيران ،بعد أن كانت يف الفرتة من 1988 - 1979ما بني 22يف املئة و 20يف املئة عىل التوايل .كام أدت تلك احلروب إىل إرهاق ميزانيات كل الدول اخلليجية ،فاجتهت تلك الدول إىل االستدانة؛
حيث بلغ إمجايل الديون املرتاكمة عىل دول النظام اخلليجي نحو مئة وستة عرش مليار دوالر.
حتتل اململكة العربية السعودية املركز األول من حيث نسبة الديون اخلارجية بنحو
ثالثني مليار دوالر ،تليها دولة الكويت (ثالثة عرش مليار دوالر) ،فالعراق (أحد عرش مليار ًا) ،فاإلمارات (عرشة مليارات) ،فإيران (تسعة مليارات) ،ثم ُعامن (ثالثة مليارات)
وقطر (مليار دوالر) ،ثم البحرين (ثالثمئة ومخسون مليون دوالر). .اجلدول رقم ()3-1
القدرات االقتصادية لدول النظام اخلليجي الناتج القومي
إنتاج النفط
الدولة
اإلمجايل
السعودية
105
8.4
اإلمارات
33
2،2
قطر
7
الكويت
البحرين
عُ امن
(مليار دوالر) 27 4
1.5 --
10804
0.5
93
اإلمجايل
23330
78
15984
3510
3.5
321
10330
77
بالدوالر
0.4
12
العراق
دخل الفرد
.التعليم
11800
0.5
40
إيران
(مليون برميل)
معدل
نسبة
10573 3120
يف املئة 96 83 89 11 73 43
استهالك
الكهرباء للفرد كيلووات/ ساعة 4692
الصادرات الواردات باملليار دوالر
باملليار دوالر
42.197 52.638
13800
13.663 14.673
7645
5.518
4.322
8.429
7.947
9892
38.9
13912
9.427
-
-
2828 -
52769
-
91074
36.08 3.214 -
74951
املصدر :شؤون خليجية ،العدد ( 27خريف ،)2001ص 222ـ ،224وعبد اهلل ،املصدر نفسه ،ص 40و.43
يمكن القول إن دول النظام اخلليجي متتلك إمكانات اقتصادية هائلة مقابل العديد من
دول النظام العاملي ،وإن هذه الدول قد استطاعت حتقيق درجة عالية من النمو االقتصادي مقابل العديد من دول العامل النامي ،إال أن ما شهدته تلك املنطقة من حروب واضطرابات
50
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
أمنية دفعها إىل ختصيص نسبة كبرية من إمكاناهتا االقتصادية نحو اإلنفاق العسكري ،وأثر مبارشة يف مواصلة جهود التنمية يف تلك الدول . (5
-4القوة العسكرية
تعترب القوة العسكرية إحدى أهم مقومات حتديد شكل وطبيعة ميزان القوى يف أي نظام
إقليمي ،كام إهنا إحدى األدوات التي تستخدمها الدولة يف إدارة سياستها اخلارجية ،سواء يف وقت السلم أم يف وقت احلرب ،فهي إما أن تستخدم باعتبارها أداة ردع ،أو وسيلة للحرب املبارشة.
وفارق القوة العسكرية بني دولتني حيدد -إىل حد بعيد -شكل العالقات السياسية بينهام، ومن هنا ترتبط األداة العسكرية ارتباط ًا وثيق ًا باألداة الدبلوماسية ،بل إهنا قد متثل تدعي ًام هلا،
ولنا يف حرب ترشين األول/أكتوبر 1973املثال عىل ذلك ،فقد كانت القيادة املرصية هتدف
من وراء تلك احلرب إىل إجبار اإلرسائيليني عىل الدخول يف مفاوضات السالم ،ومن ثم كانت احلرب خيار ًا اسرتاتيجي ًا وخطوة تكتيكية وورقة ضغط مرصية عىل اجلانب اإلرسائييل للدخول يف تلك املفاوضات ،كام إهنا تعطي للمفاوض املرصي قوة تفاوضية إضافية يف مواجهة املفاوض اإلرسائييل.
كام إن العامل العسكري يرتبط ارتباط ًا وثيق ًا بالعامل األمني وبرؤية كل دولة ألمنها
القومي ،والفرص املتاحة لزيادته ،والتهديدات التي تعرتضه وتعرتيه من قبل الدول األخرى
يف إطارها اإلقليمي.
تشمل األدوات العسكرية -بشكل عام -جمموعة القدرات املتعلقة باستخدام أو التهديد باستخدام العنف املسلح املنظم ضد الوحدات الدولية األخرى ،وتشمل إنشاء القوات املسلحة وتسليحها وتدريبها وتوزيعها ،واستعامل القوة ،واملساعدة العسكرية، وعمليات الغزو املسلح ،وعمليات توزيع القوات ،سواء بالنقل البحري أم الربي أم اجلوي ،أم تطوير األسلحة وتغيري حجم القدرات العسكرية واملشورة العسكرية، وعقد التحالفات العسكرية واهلجوم املسلح . (5 (5عبد اهلل« ،النفط والنظام اإلقليمي اخلليجي »،ص .34 (5سليم ،حتليل السياسة اخلارجية ،ص .102
مركز اخلليج لألبحاث
51
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
توحد الدول اخلليجية ملواجهة األخطار املشرتكة، أثبتت عوامل إقليمية عدة رضورة ّ حيث اتضح بام ال يدع جما ً ال للشك والريبة أن أمن الدول اخلليجية جمتمعة يمثل وحدة واحدة ال يمكن جتزئتها ،فأي هتديد يوجه ألمن إحدى هذه الدول ال بد أن تكون له تداعيات عىل املستوى اخلليجي العام.
إن قضية الدفاع املشرتك تشغل حيز ًا مه ًام يف السياسات اخلارجية لدول اخلليج .لذلك
حاولت تلك الدول إجياد آلية مشرتكة هبدف دعم عملية الدفاع هذه ،ووضع اسرتاتيجية دفاعية لدول اخلليج تقوم عىل األسس التالية : (5
-1تأليف قوة خليجية موحدة قوامها مخسون ألف جندي (قوة درع اجلزيرة) ،التي
تعترب قوة دعم عاجلة ملواجهة التهديدات املوجهة إىل إحدى دول املجلس يف إطار نظام دفاعي مشرتك.
-2إقامة صناعة سالح خليجي من أجل حتقيق درجة عالية من االستقاللية يف تسليح
جيوشها ،وإجياد سالح خليجي موحد جليوش تلك الدول يساعدها عىل التعاون والتنسيق
يف ما بينها.
وقد حدَّ دت دول املجلس أهداف سياستها العسكرية يف :احلفاظ عىل درجة استعداد
عالية للقوات املسلحة لتكون قادرة عىل مواجهة العدوان ،وتأمني املالحة يف اخلليج العريب والبحر األمحر ،ومواجهة أي نفوذ هيدف للتأثري يف العالقات دول املجلس والدول العربية.
إال أن حريب اخلليج األوىل والثانية أثبتتا قصور القوة العسكرية لدول املجلس ،وأثبتتا بام ال يدع جما ًال للشك أن قوات درع اجلزيرة غري قادرة عىل القيام باملهام املنوطة هبا ،فقد فشلت يف منع الغزو العراقي للكويت ،وأثبتت األحداث أن القوات املسلحة لدول جملس التعاون ال بد من
إعادة النظر يف تكوينها وتدريبها ونظم تسليحها ،وهو ما توجهت نحوه الدول اخلليجية ،وبخاصة السعودية والكويت يف فرتة ما بعد حرب حترير الكويت؛ حيث زادت املخصصات املالية مليزانيات
الدفاع يف الدول اخلليجية ،يف حماولة ملوازنة التفوق اإليراين ،ومواجهة اخلطر العراقي.
(5كامل أمحد عامر ،جملس التعاون اخلليجي ،نموذج للتكامل االقتصادي ([د .م :].جامعة قناة السويس ،كلية التجارة ،)1988 ،ص .172 52
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وعىل الرغم من ذلك ،ما زالت إيران تتفوق عىل الدول اخلليجية جمتمعة ،فوفق ًا إلحصاءات امليزان العسكري لدول العامل لعامي ،1995/ 1994تتفوق إيران عىل دول املجلس جمتمعة من حيث عدد أفراد القوات الربية ووحدات القوات الربية وألويتها وكتائبها ،فعدد أفراد القوات الربية سبعمئة ومخسة عرش ألف ًا ،بينام عدد أفراد قوات دول املجلس ال يزيد عىل مئة وتسعني ألف فرد؛ أي بنسبة 1 :3.67ملصلحة إيران ،كام تتفوق إيران عىل الدول اخلليجية يف األسلحة املستخدمة من جانب القوات الربية من دبابات وقطع مدفعية وصواريخ أرض -أرض ،بينام تتفوق دول املجلس يف ما خيتص بأعداد عربات القتال املدرعة والعربات املدرعة .كذلك فإنه بشكل عام تتفوق إيران عىل دول اخلليج جمتمعة يف ما خيتص بالقوات البحرية .بينام يميل امليزان ملصلحة الدول اخلليجية يف ما يتعلق بالقوات اجلوية بام تشمله من قاذفات ثقيلة وطائرات إنذار واستطالع وطائرات نقل جوي وهليكوبرت ،لكن إيران تفوق كل هذه الدول منفردة . (5 ويوضح اجلدول التايل أعداد السكان واملساحة وكثافة اجليش يف إيران والدول اخلليجية
الست ،ما يظهر التفوق اإليراين يف مواجهة تلك الدول.
.اجلدول رقم ()4-1
أعداد السكان واملساحة وكثافة اجليش يف إيران والدول اخلليجية الدولة
التعداد(مليون)
املساحة (كم)2
تعداد اجليش
كثافة اجليش لكل كم
1.6
300.000
16.500
0.05
0.3
11.437
5000
0.43
البحرين
0.4
الكويت
1.8
السعودية
12
عُ امن قطر
678
17.818
2.300
10.000
2
3.4 0،6
2.240.000
35.000
0.02
111.800
0.04
0.15 0.27
73.000
43.000
اإلمارات اإلمجايل
1.4
17.5
2.645.923
إيران
43
1.648.000
250.000
مقابلة دول املجلس بإيران
0.4
1.6
0.45
0.58
املصدر :جمدي عيل عطية« ،الفاعلية العسكرية لدول اخلليج والتهديدات اإليرانية »،السياسة الدولية (متوز/ يوليو .)1986 )(53
The Military Balance (London: Institute for Strategic Studies, 1994-1995).
مركز اخلليج لألبحاث
53
الفصل األول :النظام اإلقليمي اخلليجي
من هنا ،فإن الدول اخلليجية تسعى إىل صياغة عالقاهتا مع إيران يف إطارها السلمي لتفادي أي تصعيد جديد يف املنطقة ،فقد تع ّلمت من التجارب أن احلرب ال تؤدي إال إىل الدمار واخلراب ،واستنزاف األموال واملوارد وفقد األرواح ،وفتح املجال للتدخل األجنبي
غري املرغوب فيه.
54
مركز اخلليج لألبحاث
الف�صل الثاين حمددات ال�سيا�سة ا إلقليمـ ــية ا إليرانيـ ــة
ال تنبع السياسة اخلارجية ألي دولة من فراغ ،وإنام هي نتاج تكاتف جمموعة من املتغريات والعوامل التي تعمل باعتبارها حمدد ًا لتلك السياسة ،تؤثر فيها وتصبغها بصبغة
معينة ،وتدفعها نحو األخذ بشكل معني من دون غريه من أشكال السياسة اخلارجية.
وسياسة إيران اخلارجية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ال تنقطع متام ًا
عن سياقها التارخيي ،وتتأثر بمجموعة من املعطيات الدولية النابعة من البيئتني اإلقليمية ثم ينقسم هذا الفصل إىل ثالثة مباحث تتناول املؤثرات املختلفة التي ختضع والدولية ،ومن ّ هلا السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،وذلك عىل
النحو التايل:
أو ًال :املنظور التارخيي للسياسة اإليرانية يف اخلليج اعتمدت السياسة اإليرانية يف توجهاهتا يف منطقة اخلليج عىل جمموعة من األسس
واملعطيات التارخيية والواقعية والعالئقية ،وتلك األخرية يقصد هبا نمط العالقات السائد
يف املنطقة والوضع العام لتوازن القوى السائد خالل كل فرتة من الفرتات التي مرت هبا تلك السياسة ،ومن ثم قد نجد اختالف ًا يف التوجه اخلليجي للسياسة اإليرانية خالل احلقب التارخيية املختلفة ،إال أن هذا مل يمنع من وجود ثوابت لتلك السياسة جتاه منطقة اخلليج ،عىل الرغم مما حدث من تطورات تارخيية وسياسية واقتصادية وعسكرية يف تلك املنطقة.
وإن كان من الصعب وضع حدود تارخيية فاصلة لتطور السياسة اإليرانية جتاه منطقة
اخلليج ،إال أننا ال نستطيع إغفال أن الثورة اإلسالمية التي قامت يف إيران عام 1979بزعامة 56
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
آية اهلل اخلميني كانت بمنزلة نقطة فاصلة وحاسمة يف السياسة اخلارجية اإليرانية بشكل عام، فهي بال شك نقطة حتول من نظام سيايس إىل نظام سيايس آخر خيتلف يف أيديولوجيا وطبيعة
قياداته وتطلعاته ومبادئه ،وإن مل يمنع ذلك من وجود خطوط ثابتة تربط بني سياسة إيران الشاهنشاهية قبل الثورة وإيران اجلمهورية اإلسالمية بعد الثورة.
الثورة اإليرانية -مثلها مثل الثورات الكربى التي شهدها العامل كالثورة الفرنسية
جسدت حركة اجتامعية سياسية مرت والثورة الصينية والثورة الروسية -هي ثورة اجتامعية ّ
عرب مراحل كثرية بلغت ذروهتا يف انتفاضات عامي ،1979 ،1978وأحدثت حتوالت كبرية
ورسيعة يف املجتمع اإليراين ،وأثرت يف إطارها اجلغرايف واإلقليمي ،بل وكان هلا صداها الدويل والعاملي .
إن إيران بحكم موقعها اجلغرايف املالصق لدول اخلليج العريب تربطها بتلك املنطقة أوارص وعالقات ترضب بجذورها يف أعامق التاريخ ،فقد كانت منطقة اخلليج دائ ًام وأبد ًا جما ً ال حيوي ًا للسياسة االستعامرية الفارسية منذ حقب تارخيية سحيقة ،فالوضع اجلغرايف كان
له أثره البارز يف العالقة بني اهلضبة اإليرانية ووادي الرافدين ومنطقة اخلليج التي تطل عىل اهلضبة اإليرانية ،فالدول التي قامت يف اهلضبة اإليرانية كثري ًا ما غزت السهول الغنية يف وادي
الرافدين ومنطقة الساحل العريب للخليج بوجه عام ،وهو ما فعله الكنعانيون والفرسيون
والساسانيون قبل اإلسالم ،والبوهييون والسالجقة واملغول والصفويون بعد اإلسالم .
وكان للخليج العريب دور متميز منذ فجر احلضارة اإلنسانية؛ فكان ممر ًا جتاري ًا رئيس ًا وطريق ًا للمواصالت يف العامل القديم ،لذا توجهت أنظار الفرس منذ فجر التاريخ نحو السيطرة
عىل تلك املنطقة ،وبالفعل تم هلم ذلك عندما سقطت بابل عىل يد الفرس األمخينيني عام 538 قبل امليالد؛ حيث كانت بابل تعيش عهد ًا من االزدهار السيايس واالقتصادي ،وظلت السيطرة الفارسية عىل تلك املنطقة حتى سقوط دولة الفرس عىل يد اإلسكندر املقدوين ،وسادت البالد
هبامن بختياري« ،املؤسسات احلاكمة يف اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية :املرشد األعىل والرئاسة وجملس الشورى (الربملان) »،يف :مجال سند السويدي ،حمرر ،إيران واخلليج :البحث عن االستقرار (أبو ظبي :مركز اإلمارات للبحوث والدراسات االسرتاتيجية ،)1996 ،ص .73
عبد العزيز الدوري« ،العالقات التارخيية بني العرب واإليرانيني »،ورقة قدمت إىل :العالقات العربية - اإليرانية ،االجتاهات الراهنة وآفاق املستقبل :بحوث ومنقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع جامعة قطر (بريوت :املركز ،)1996 ،ص .45 مركز اخلليج لألبحاث
57
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
حال من الفوىض وعدم االستقرار السيايس واالجتامعي .إال أن أردشري بن بابك (- 224
ووحد أقسامها ،وأقام دولته اجلديدة 240م) استطاع إعادة االستقرار إىل البالد مرة أخرىّ ،
التي عرفت بالدولة الساسانية.
وكام أعاد أردشري الروح لدولة فارس بشكلها اجلديد ،فقد نزع أيض ًا إىل مواصلة مسرية أسالفه من حكام فارس نحو غزو منطقة اخلليج والسيطرة عليها حتى ال متثل هتديد ًا
إلمرباطوريته اجلديدة ،يف الوقت الذي ازدهرت فيه احلركة التجارية يف منطقة اخلليج ووصلت إىل مشارف الصني واهلند ،وحتقق ألردشري ذلك بعد أن استطاع بناء أسطوله
البحري واستغالل ساحل اإلحساء باعتبارها ميناء لذلك األسطول.
كام استطاع سابور الثاين (379 - 309م) وقف الزحف العريب نحو األجزاء اجلنوبية
الغربية من إمرباطوريته ،وقام باحتالل الساحل العريب يف اخلليج وأنشأ فيه وحدات إدارية واقتصادية ومراكز حربية لقواته ،األمر الذي أدى إىل توافد أعداد كبرية من أهل فارس إىل
تلك املناطق املحتلة .
وعندما جاء اإلسالم إىل بالد فارس كانت الديانة الزرادشتية هي املسيطرة عىل سكان البالد ،وبدأ اإلسالم ينترش رويد ًا رويد ًا يف املناطق احلرضية أو ً ال مثل أصفهان ومرو وبلخ، ثم ما لبث أن انتقل ليشمل املناطق الريفية نتيجة جهود الدعاة املسلمني ،وعاشت املنطقة فرتة من التوحد الديني شملت منطقة اخلليج التي شهدت ميالد الدعوة وبالد فارس التي وتوحدت املنطقة حتت راية الدين اإلسالمي ،بل إن اخللفاء العباسيني شملها الدين اجلديد، ّ قد استعانوا بعنارص فارسية لتويل مناصب الوزراء واملشاركة يف السلطة واإلدارة واجليش، وهذا هو السبب ذاته الذي أدى إىل سقوط الدولة العباسية نتيجة الثورات التي قام هبا الفرس بعد أن انفكت عرى التعاون بني الفرس والعباسيني. بدأ الفرس بتحقيق نوع من االستقالل عن اخلالفة اإلسالمية ،فتوالت اإلمارات
الطاهرية والسامانية والصفارية يف إيران ،ثم قامت الدولة البوهيية (447 - 334هـ) لتتحقق ملزيد من التفاصيل عن السياسات التوسعية للفرس يف منطقة اخلليج ،انظر :جعفر اخللييل« ،من هم أقدم سكان الساحل العريب يف اخلليج منذ فجر التاريخ وحتى ظهور اإلسالم؟»؛ ورضا جواد اهلاشمي« ،النشاط التجاري القديم يف اخلليج العريب وآثاره احلضارية »،املؤرخ العريب ،العدد ،)1980( 12ومصطفى النجار [وآخرون] ،تاريخ اخلليج العريب احلديث واملعارص ([البرصة] :جامعة البرصة ،)1984 ،ص .18-15 58
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
لإليرانيني أول سيطرة فعلية عىل أمور السلطة داخل إيران منذ الفتح اإلسالمي ،بل إن األمراء البوهييني قد استطاعوا احتالل املناطق الرشقية يف شبه اجلزيرة العربية اقتناص ًا من أيدي القرامطة الذين أعادوها مرة أخرى حلكمهم.
وأعقب البوهييني دولة الغزنويني ( 581 - 566هـ) ،فالسالجقة ( 640 - 629هـ)
حتى سقوطها عىل يد املغول ،ثم قامت دولة اإليلخانيني ( 754 - 654هـ) ،فدولة التيموريني ( 912 - 771هـ) ،ثم أعاد الصفويون بناء األمة اإليرانية عام 1501استقال ً ال عن اخلالفة
العثامنية ،وبدأت محلة جديدة من السياسات التوسعية اإليرانية جتاه منطقة اخلليج ،خصوص ًا مع بدايات عهد نادر شاه (1747 - 1732م) ،الذي استطاع بناء قوة بحرية إيرانية ،حاول
العامين بواسطتها غزو البرصة والسيطرة عىل شط العرب ،كام حاول غزو البحرين لوال الدعم ُ
هلا وحتريرها عام 1743م .
ثم واصل كريم خان (1779 - 1757م) سياسة فارس التوسعية يف منطقة اخلليج
العريب بساحليها الرشقي والغريب ،واحتل البرصة وإمارة بندر ريق ،بخاصة بعد انسحاب
العامين من شط العرب ،إال أن الفرس اضطروا إىل االنسحاب من البرصة بعد وفاة األسطول ُ كريم خان وما ساد البالد من فوىض وعدم استقرار .
اجلدير ذكره أن النزعة التوسعية الفارسية يف العهد الصفوي وما تاله من عهود كان
هلا ما يربرها ،فقد كانت اقتصادات اهلضبة اإليرانية تدفع الفرس اإليرانيني إىل العمل عىل االستحواذ عىل سهول العراق اخلصبة ،فمنها يمكن أن تستكمل حاجاهتا الزراعية ،كام أن العراق كان يوفر سوق ًا جديدة ،مالئمة لتسويق املنتجات الفارسية.
وكام كان للعامل االقتصادي دوره يف النزعة التوسعية الفارسية ،كان للعامل الديني مكانه املميز يف هذه النزعة ،فقد كان األمل حيدو الشيعة الفارسيني يف السيطرة عىل العتبات املقدسة املوجودة يف العراق مثل النجف ،وكربالء التي كانت مقصد ًا للحجاج الشيعة الذين وصل عددهم إىل عرشات اآلالف سنوي ًا ،كام كان األلوف من الدوري ،املصدر نفسه ،ص .56-51
عالء الدين نورس ،السياسة اإليرانية يف اخلليج العريب إبان عهد كريم خان( 1779-1757 ،بغداد :املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم؛ معهد البحوث والدراسات العربية ،)1982 ،ص .49-30 مركز اخلليج لألبحاث
59
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
الفرس يوصون بدفن رفاهتم يف أقرب موقع من قرب احلسني ريض اهلل عنه ،حفيد رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ،أو بالقرب من قرب «عيل» رأس األئمة االثني عرش. أما من الناحية االسرتاتيجية واإلقليمية والدولية ،فقد كان العراق هو املمر املؤدي
بالفرس إىل شواطئ البحر املتوسط ،كام أنه هو الطريق الربية التي تسلكها القوات عرب البرصة واإلحساء إىل ُعامن ودول اخلليج ليصبح اخلليج بحرية فارسية ،خصوص ًا أن عدد ًا ال بأس به من سكان اخلليج ينتمون للمذهب الشيعي ،وبالتايل يمثلون أدوات يمكن استخدامها من
جانب الفرس لتحقيق طموحاهتم يف السيطرة عىل شبه اجلزيرة العربية وإقامة دولة شيعية كربى تضاهي الدولتني اإلسالميتني الكبريتني آنذاك :العثامنية يف األناضول والبلقان ،ودولة املامليك يف مرص والشام واحلجاز ،ومها دولتان سنيتان .
وهكذا اشتعل الرصاع بني فارس والدولة العثامنية ،وحاول الفرس إغراء الفرنجة
للمساعدة عىل غزو دولة املامليك واقتسامها يف ما بينهام ،كام حاولت فارس إقناع رشكة اهلند
الرشقية الربيطانية واألسطول اهلولندي يف اخلليج واألسطول اإلنكليزي فيه والربتغاليني يف اهلند بالتعاون مع فارس من أجل ضم البحرين إىل فارس ،إال أن الغزو األفغاين لفارس أوقف النشاط الفاريس يف اخلليج ،بل إن العثامنيني أرسلوا محالهتم إىل فارس للسيطرة عىل أجزاء
منها ،وحتقق هلم ذلك.
لكن مع إعادة نادر شاه القوة لبالده استطاع استعادة وحدهتا ،وتوجه نحو اخلليج للسيطرة عليه ،إال أن األحوال الداخلية املتدهورة يف فارس كانت تؤدي دور ًا أساسي ًا يف خروج الفرس من العراق واخلليج ،كام حدث يف أواخر عهد كريم خان ،ويف أعقاب وفاته. وهذا ما يؤكد أن ظهور حاكم قوي يف فارس كان يمثل حتدي ًا للقوى العربية يف العراق واخلليج،
تصعب معه مواجهة القوة الفارسية.
بل إن التنافس بني القوى العربية بعضها كان سمة أساسية يف منطقة اخلليج ،ومثال ذلك
وعامن ،فعىل الرغم من النجاح الذي حققته احلركة الوهابية وما التنافس بني احلركة الوهابية ُ توحد كسبته من أنصار بني القواسم ،والتقدم الذي أحرزته يف غرب العراق ،مل تستطع أن ّ
مجال زكريا قاسم ويونان لبيب رزق ،حمرران ،العالقات العربية اإليرانية (القاهرة :جامعة الدول العربية، معهد البحوث والدراسات العربية ،)1993 ،ص .51-50 60
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
العراق مع اخلليج حتت قيادهتا ،حيث تنافست كل من إمامة «آل سعود» وسلطنة مسقط عىل من تكون له اليد العليا والكلمة املسموعة يف اخلليج بد ً ال من فارس . ويف ظل التنافس العريب والفاريس واالنقسام العريب بني السعوديني والبوسعيديني والسياسة مهد الطريق للقوى األجنبية الطامعة يف اخلليج. اإلقليمية العثامنية للسيطرة عىل اخلليج ،كل هذا ّ برزت بريطانيا بقوهتا البحرية ،ليصبح لألسطول اإلنكليزي الكلمة العليا .ويف الوقت الذي حتالف فيه سلطان مسقط مع فرنسا ،عقدت بريطانيا اتفاقية تعاون مع فارس عام ،1801وبدأت بريطانيا تسعى يف سياستها للحفاظ عىل السيادة الفارسية عىل الساحل الرشقي للخليج ،واختفى الدور العريب عىل الساحل الفاريس منذ بداية القرن التاسع عرش. وظلت السيطرة عىل البحرين حل ًام يراود فارس ،باعتبار أن البحرين جزء تارخيي من األرايض الفارسية ،بل إن معظم سواحل اخلليج العريب هي يف العرف الفاريس حق تارخيي هلم. احتجت فارس عىل استيالء بريطانيا عىل املشيخات العربية يف اخلليج وفرض لذلك ّ معاهدة احلامية عليها عام ،1820خصوص ًا أن البحرين قد ارتبطت بتلك املعاهدة .ومع ذلك فإن ختوف فارس من القوة الربيطانية كان يقف حجر عثرة أمام استخدامها القوة يف سبيل االستيالء عىل البحرين ،لذا حتولت أنظار الفرس نحو العراق القتناصها من أيدي العثامنيني، خصوص ًا أن الروس قد أملحوا للفرس بإمكان التوسع عىل حساب العراق . وعىل اجلانب اآلخر ،حرصت بريطانيا عىل أال تدع املجال ألي قوة دولية أو إقليمية يف السيطرة عىل إمارات اخلليج الواقعة حتت محايتها ،لذلك عندما عقد شيخ البحرين اتفاقية مع خورشيد ،قائد القوات املرصية ،تقيض بأن تكون البحرين تابعة لنجد حتت املظلة املرصية، تدخلت بريطانيا بأسطوهلا يف مياه البحرين إلرغام شيخ البحرين عىل التنصل من اتفاقيته مع خورشيد واالستمرار حتت مظلة احلامية الربيطانية.
ويف أعقاب احلرب العاملية األوىل ،شهدت فارس عدد ًا من احلركات االنفصالية يف
هيأت املجال لظهور شخصية قوية يف التاريخ اإليراين وهو أقاليمها املختلفة ،وهذه الظروف ّ املصدر نفسه ،ص .62-55
جون جوردن لوريمر ،دليل اخلليج ،ترمجة مكتب الرتمجة بديوان حاكم قطر (بريوت :دار العربية-1967 ، ،)1970ج ،1ص .269-267 مركز اخلليج لألبحاث
61
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
رضا خان ،قائد اجليش اإليراين ،الذي استطاع أن يعيد للبالد وحدهتا ،وألغى حكم األرسة ونصب نفسه إمرباطور ًا عىل البالد عام 1925باسم رضا شاه هبلوي ،وغيرّ اسم القاجاريةّ ، بالده من فارس إىل إيران .
واصل رضا هبلوي األطامع الفارسية باالستيالء عىل إمارة عربستان ،يف الوقت الذي
اشتبك فيه اهلاشميون يف احلجاز والسعوديون يف نجد يف رصاع مرير من أجل السلطة ،وأثار
هذا الضعف الذي دب يف أوصال الكيانات السياسية يف اخلليج شهية الشاه نحو التحول إىل الساحل الغريب للخليج ،بعد أن سيطر عىل ساحله الرشقي ،يف الوقت الذي تدفقت فيه هجرات اإليرانيني الشيعة إىل إمارات اخلليج ،وخصوص ًا البحرين ،وكان ذلك بمنزلة عامل سيايس
استغلته إيران للسيطرة عىل اخلليج وإثارة ادعاءاهتا يف البحرين وإمارات اخلليج األخرى.
ظلت إيران تنظر إىل اخلليج باعتباره بحرية إيرانية ،إال أن الوجود الربيطاين وبروز
الدولة السعودية عام 1932كانا عاملني من عوامل احلد من األطامع اإليرانية يف املنطقة.
كانت إيران قد أثارت موضوع تبعية البحرين هلا يف عصبة األمم عام ،1927إال أن
العصبة مل تستطع اختاذ قرار بشأن ذلك املوضوع ،نتيجة رفض بريطانيا االدعاءات اإليرانية،
وتوقفت تلك االدعاءات خالل احلرب العاملية الثانية نتيجة قوة السيطرة الربيطانية عىل اخلليج لرضورات احلرب .بل إن احللفاء قد عزلوا الشاه رضا عام ،1941وتوىل ابنه حممد رضا شاه الذي مل يكف عن تطلعاته يف اخلليج هو أيض ًا ،وأثار املوضوع اخلاص بالبحرين يف
األمم املتحدة ،بل إنه عندما تولت حكومة الدكتور حممد مصدق احلكم عام 1951واختذت قرار تأميم النفط اإليراين ،اعتربت أن القرار يرسي عىل رشكات النفط األمريكية العاملة يف البحرين أيض ًا . (1 ثم كانت عودة الشاه حممد رضا هبلوي إىل سدة احلكم عام ،1953نتيجة دور نشط
للواليات املتحدة ،ومن ثم بدأ االرتباط بني إيران واملخططات األمريكية يف الرشق األوسط كامل مظهر ،دراسات يف تاريخ إيران احلديث واملعارص (بغداد[ :د .ن ،)1985 ،].ص .109
(1انظر :أمحد حممود صبحي ،البحرين ودعوى إيران ،تقديم ومراجعة حممود عيل الداود (كفر الدوار :مطبعة عوف اسكندرية ،)1963 ،ص ،166-165ومجال زكريا قاسم ،اخلليج العريب :دراسة لتاريخ اإلمارات العربية1914 ، – ( 1945القاهرة[ :د .ن ،)1973 ،].ص .267 62
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
واملنطقة العربية ،فكان انخراط إيران ضمن حلف بغداد عام ،1955كام اعرتفت إيران بدولة
إرسائيل عام ،1961وتبادلت العالقات معها عىل املستوى القنصيل ال الدبلومايس ،حتى ال
تثري الرأي العام اإلسالمي يف إيران . (1
ويف عام ،1964احتلت إيران جزيرة أبو موسى بإنزال قواهتا فيها ،ولكنها عادت وسحبتها بعد عرشين يوم ًا من االحتالل نتيجة رد الفعل العريب آنذاك ،ويف أعقاب األوضاع العربية السيئة نتيجة حرب حزيران/يونيو 1967احتلت القوات اإليرانية جزر أبو موسى وطنب الكربى وطنب الصغرى ،األمر الذي أجرب حاكم الشارقة عىل توقيع اتفاق خاص
بجزيرة أبو موسى مع اإليرانيني.
ويف عام ،1968طالبت إيران بتبعية البحرين هلا ،ومتت تسوية املشكالت عىل أساس
القبول برأي شعب البحرين يف استفتاء اختار فيه االستقالل ،ويف الرابع عرش من ترشين األول/أكتوبر عام 1968عقدت إيران والسعودية اتفاقية لتحديد احلدود البحرية بني البلدين ،نصت عىل ما ييل : (1
-1االعرتاف بتبعية جزيرة (فاريس) إليران مقابل حصول السعودية عىل جزيرة (عريب).
-2االعرتاف لكل جزيرة بمياه إقليمية تبلغ اثني عرش مي ً ال بحري ًا ،ورسم خط حتكمي يقل عن هذه املسافة ،ألن املياه أقل من أن توزع إىل اثني عرش مي ً ال لكل جانب ،وحظر التنقيب عن النفط مسافة مخسمئة مرت من خط الوسط التحكيمي إال باتفاق ورىض الطرفني.
-3أنشأت االتفاقية منطقة حاجزة بمسافة كيلومرت لتخفيف مساوئ التقسيم اجلغرايف،
وتوحيد البئرين ،ومها (مرجان) عىل اجلانب السعودي ،و(فريودون) عىل اجلانب اإليراين.
وعىل الرغم من أن إيران أعلنت خت ّليها عن مبدأ االحتالل بالقوة ،إال أهنا ناقضت نفسها
وقامت بالسيطرة عىل جزر اإلمارات الثالث يف التاسع والعرشين من ترشين الثاين/نوفمرب
عام ،1971وقبل يومني فقط من إعالن دولة اإلمارات العربية املتحدة بعد االنسحاب الربيطاين من اخلليج.
(1فهمي هويدي ،إيران من الداخل ،ط ( 2القاهرة :مركز األهرام للرتمجة والنرش ،)1988 ،ص .29
(1عبد اهلل األشعل ،قضية احلدود يف اخلليج العريب (القاهرة :مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام ،)1978 ،ص .87 مركز اخلليج لألبحاث
63
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
مل تستطع دولة اإلمارات استعادة جزرها من قبضة إيران ،يف الوقت الذي وقع اختيار
الواليات املتحدة األمريكية عىل إيران لتكون الرشطي اإلقليمي يف منطقة اخلليج ،حيث كان الشاه حليف ًا قوي ًا وموثوق ًا به .وتضاعفت مبيعات السالح األمريكية إليران ،بخاصة بعد ازدياد
عوائد النفط بعد عام ،1973وازدادت نزعة الشاه للهيمنة عىل اخلليج شدة ،وشارك بقواته يف قمع ثورة ظفار يف سلطنة ُعامن يف أواخر عام ،1973خصوص ًا أن الثورة كانت متثل خطر ًا كبري ًا عىل مضيق هرمز وصادرات النفط اإليرانية إىل العامل اخلارجي .وبعد استتباب األمر للسلطان قابوس وانتهاء الثورة ،انسحبت القوات اإليرانية من ُعامن عامي 1977و. (1 1978
وهكذا أصبح إليران الشاه اليد الطوىل يف منطقة اخلليج ،وكانت موضع خوف وخشية من جانب دول املنطقة ،خصوص ًا أهنا قد حتولت بفعل الدعم األمريكي إىل قوة إقليمية يخُ شى بأسها. يف عام ،1979قامت الثورة اإلسالمية بزعامة آية اهلل اخلميني ،وأطاحت بالشاه،
واختصت نفسها بسياسات خارجية وإقليمية وحتولت إيران إىل النظام اجلمهوري اإلسالمي، َّ جتاه منطقة اخلليج ،سوف يأيت تفصيلها الحق ًا يف موضعها من الدراسة.
ثاني ًا :املحددات النابعة من البيئة الدولية اإلقليمية شهدت منطقة اخلليج بصفة خاصة والرشق األوسط بصفة عامة يف عرص ما بعد احلرب العاملية الثانية جو ًا مشحون ًا بالرصاعات واملواجهات بشكل مل تشهده أي منطقة أخرى يف
العامل ،فالقرن العرشون قد متيز عن كل ما سبقه من القرون برسعة وترية األحداث ،وما
سجله من تغري وتطور .فقد أسفرت السنوات األخرية لعقد الثامنينيات والسنوات األوىل لعقد التسعينيات عن عدد من املتغريات اإلقليمية التي أثرت يف السياسة اإليرانية بمنطقة اخلليج؛ مثل الثورة اإليرانية ،واحلرب العراقية -اإليرانية ،وإعالن قيام جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،وحرب اخلليج الثانية.
سوف يتناول هذا املبحث كنه هذه املتغريات اإلقليمية وأثرها يف السياسة اخلارجية
اإليرانية بصفة عامة ،وجتاه منطقة اخلليج العريب ودوهلا بصفة خاصة ،وذلك عىل النحو التايل: (1قاسم ورزق ،حمرران ،العالقات العربية اإليرانية ،ص .164-156 64
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
-1الثورة اإليرانية
يف أواخر عام ،1978شهدت إيران حالة من الرصاعات الداخلية احلادة بني قوى
النظام احلاكم من جهة ،ومجاعات املعارضة الدينية والسياسية واجلامهري من جهة أخرى ،ما وضع النظام البهلوي يف أزمة طاحنة نتيجة األوضاع املرتدية داخل إيران وعالقاهتا اخلارجية
التي متثلت يف ما ييل : (1
-1سلطة سياسية فاسدة تفتقد إىل املرشوعية االجتامعية ،وتتخذ من البطش سبي ً ال
لفرض سطوهتا من خالل جهاز األمن اإليراين (السافاك). -2غياب املشاركة السياسية.
-3حالة التبعية الكاملة للواليات املتحدة األمريكية.
-4فساد اجلهاز اإلداري للدولة ،وشيوع الرشوة واملحسوبية. -5البعد عن الدين ،واختاذ العلامنية املتطرفة منهج ًا للحكم.
أدت هذه احلالة إىل حدوث تذمر اجتامعي واسع مل يستطع النظام احلاكم استيعابه،
فقامت الثورة التي أطاحت بحكم الشاه حممد رضا هبلوي يف شباط /فرباير ،1979والتي كانت بمنزلة رضبة قوية لالسرتاتيجية األمريكية يف منطقة الرشق األوسط ،وأدى ذلك إىل
انفتاح ثغرة األمن يف اخلليج العريب ،وعادت قضية الفراغ االسرتاتيجي تفرض نفسها بعد التغيريات التي حدثت يف السياسة الداخلية اإليرانية ،خصوص ًا أن ذلك تزامن مع الغزو السوفيايت ألفغانستان الدولة اجلار إليران ودول اخلليج العريب ،األمر الذي أدخل املنطقة يف حلبة الرصاع الدويل مرة أخرى.
ونشبت أزمة حادة بني الواليات املتحدة األمريكية واالحتاد السوفيايت يف نيسان/أبريل
،1980عندما حشد االحتاد السوفيايت قواته عىل حدود إيران الشاملية .ووجهت الواليات املتحدة إنذار ًا للسوفيات لسحب قواهتم بعيد ًا عن هذه املنطقة .وبحث البنتاغون إمكانية استخدام السالح النووي يف حال تعرض إيران لغزو سوفيايت . (1
(1خالد حممد أمحد املال« ،السياسة اخلارجية لدولة اإلمارات العربية املتحدة جتاه إيران خالل الفرتة -1971 ( »،1992رسالة ماجستري ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1998 ،ص .187 (1حييى حلمي رجب ،أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية (القاهرة :مركز املحروسة مركز اخلليج لألبحاث
65
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
أما عىل اجلانب العريب ،فلم تتخذ دول اخلليج العريب موقف ًا منحاز ًا ألي طرف يف خضم األحداث الداخلية يف إيران .بل اختذت موقف احلياد ،نظر ًا إىل وضعها احلساس باعتبارها جارة إليران يف املنطقة ،وإن كانت املواقف الرسمية مل ختل من إشارات لطمأنة الشاه عىل
موقف هذه األنظمة من األزمة التي يمر هبا حكمه . (1
ومع انتصار الثورة ،حرص النظام اجلديد عىل بناء اسرتاتيجية داخلية جديدة ،تقوم عىل
دعامتني أساسيتني:
القضاء عىل أعداء النظام داخلي ًا بشكل منظم. -بناء دولة دينية ذات مؤسسات ثورية ،من دون التفريط يف املؤسسات القديمة عىل
الرغم من تغري قياداهتا.
أدت الرغبة يف حتويل إيران لدولة إسالمية إىل بث بذور الشقاق واالنقسام يف الدولة،
وسارت عملية االستقطاب واالنقسام هذه ببطء ملحوظ يف عهد مهدي بازركان (شباط/ فرباير - 1979ترشين الثاين /نوفمرب )1979الذي كان يؤمن برضورة إقامة عالقات إيران
اخلارجية عىل أساس املحافظة عىل وحدة األرايض اإليرانية ومحاية مصاحلها االقتصادية .وعىل
الرغم من أنه رفض أن تستمر إيران يف أداء مهمة رشطي اخلليج ،فإنه مل يكن عىل استعداد لتفكيك املؤسسات العسكرية التي أنشأها الشاه ،أو إلغاء املعاهدات العسكرية املربمة بني إيران والواليات املتحدة األمريكية .وسعى إىل إقامة عالقات ودية مع واشنطن والدول العربية عىل أساس االحرتام املتبادل واملعاملة باملثل ،وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية.
إال أن هذا التوجه املعتدل مل يستمر طوي ً ال؛ حيث استطاع األصوليون الذين استمدوا
تأييدهم من علامء الدين والطبقات املتوسطة والدنيا االنتصار عىل القوميني ،وانتقلت إليهم السلطة بعد استقالة بازركان اعرتاض ًا عىل حادث االستيالء عـىل السفـارة األمريكية يف طهـران وحجز الرهائن فـي ترشين الثاين /نوفمرب . (1 1979 للبحوث والتدريب والنرش ،)1997 ،ج ،1ص .78-77
« (1األزمة اإليرانية وانعكاساهتا الدولية »،السياسة الدولية ،العدد ( 55كانون الثاين/يناير ،)1979ص .6 Mohsen M. Milani, The Making of Iran’s Islamic Revolution: From Monarchy to )(17 Islamic Republic, 2nd ed. (Boulder: Westview Press, 1994), pp. 145-147.
66
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
بدا أن سياسات األصوليني تعتمد باألساس عىل الرغبة يف إحياء اإلسالم ،ومن ثم
انتهجوا سياسة خارجية تقوم عىل عدم االنحياز ،ورفض التحالف مع أي من القوتني العظميني آنذاك ،واتباع سياسة خارجية مستقلة .ومل ختتلف السياسة اإليرانية جتاه اخلليج كثري ًا عنها يف عهد الشاه ،حيث توترت العالقات بني العراق وإيران ،ونشب النزاع حول شط
العرب ،ودارت احلرب العراقية -اإليرانية التي دامت نحو ثامين سنوات ،وألقت بظالهلا وهتديداهتا عىل منطقة اخلليج وأمنها.
جيب عهد ويف الوقت ذاته ،خابت آمال الدول اخلليجية بشأن بداية عهد جديد يف إيران ُّ
الشاه وطموحاته التوسعية يف املنطقة ،حيث ما لبثت إيران اإلسالمية أن أعلنت مبدأ تصدير الثورة اإلسالمية إىل دول اخلليج ،وبدأت األحالم التوسعية والرغبة يف استعادة األجماد الفارسية يف املنطقة تراود قادة النظام اإليراين اجلديد ،وأعلن آية اهلل اخلميني سياسة جديدة،
مفادها أن منطقة اخلليج هي منطقة نفوذ إيرانية ،وأن اإلسالم ال يتطابق مع النظام امللكي
السائد يف دول اخلليج ،كام أوضح أن البحرين هي جزء من األرايض اإليرانية ،وعمل عىل دعم الشيعة يف العراق ودول اخلليج األخرى ،هبدف زعزعة االستقرار يف الداخل متهيد ًا للسيطرة اإليرانية عليها ،فقد كان اخلطاب السيايس للخميني يدعو الشعوب إىل اإلطاحة بحكوماهتا
ألهنا مصدر الفساد والضعف للدول املسلمة ،ومن ذلك قوله -عىل سبيل املثال« :كل ضعف يف املسلمني وكل فساد يف الدول اإلسالمية نابع من احلكومات ،واحلل بيد الشعوب» . (1
جعل اخلميني تصدير الثورة مبدأ الزم ًا لنجاح حركة الثورة اإلسالمية يف إطارها اإلقليمي
رصح اخلميني يف خطاب بمناسبة والدويل ،باعتبارها رسالة إلنقاذ املستضعفني يف العامل كله ،فقد ّ العيد األول للثورة بأننا «سوف نصدر ثورتنا لألركان األربعة؛ ألن ثورتنا إسالمية» . (1
مما ال شك فيه أن جمال إيران احليوي يف حركتها الثورية وأول جماالت اختبار مبدأ تصدير
الثورة كان دول اخلليج املجاورة ،وذلك ألسباب اسرتاتيجية وجيوبولتيكية ،فكانت أوىل املناطق الستعراض العضالت اإليرانية فيها ،خصوص ًا أن اخلميني اعترب النظم السائدة يف تلك الدول نظ ًام فاسدة وغري إسالمية ،وبمنزلة أدوات لالستعامر األمريكي ،ما أوجد خوف ًا مربر ًا لدى هذه الدول.
(1خالد العواملة« ،الثورة اإليرانية ورشعية النظم السياسية العربية( »،رسالة ماجستري ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1992 ،ص .347 John Simpson, Behind Iranian Lines (London: Robson Books, 1988), p. 82. )(19 مركز اخلليج لألبحاث
67
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
ولكن يف خضم تلك األحداث كان العراق أكثر تلك الدول ختوف ًا من التوجه اجلديد يف إيران؛ نظر ًا إىل أعداد الشيعة الكبرية يف العراق ،وحني سنحت الفرصة يف ظل حال الفوىض
التي سادت إيران داخلي ًا ،غزا العراق إيران ،واستمرت احلرب بينهام زهاء ثامين سنوات، هددت أمن املنطقة واستقرارها ،األمر الذي حدا بدول اخلليج العربية الست (السعودية
والكويت واإلمارات وسلطنة ُعامن وقطر والبحرين) إىل إعالن قيام جملس التعاون لدول اخلليج العربية يف أيار/مايو 1981باعتباره آلية إقليمية جلمع الشمل اخلليجي وتوحيد
الصف ،ملواجهة األخطار التي حتدق بأمن املنطقة ،نتيجة توجهات النظام اجلديد يف إيران، والغزو السوفيايت ألفغانستان ،واستمرار رحى احلرب العراقية -اإليرانية.
-2احلرب العراقية -اإليرانية
يف السادس من شهر ترشين األول/أكتوبر عام ،1978طردت السلطات العراقية آية اهلل اخلميني بعد مخسة عرش عام ًا من اإلقامة يف العراق جماملة لنظام الشاه ،ومل تكن تتصور أنه سيعود بعد أربعة أشهر فقط من باريس إىل إيران ليقود النظام اإليراين بعد نجاح الثورة يف شباط/فرباير ،1979وبدأت حلقة جديدة من التوترات يف العالقة بني العراق وإيران ،بعد أن استقرت األوضاع بني البلدين بعد اتفاقية اجلزائر عام 1975حول «شط العرب» . (2
ففي شهر حزيران/يونيو عام ،1979أي بعد أربعة شهور من نجاح الثورة ،بدأت
األنباء تتواتر حول نزاعات احلدود ،حيث تكررت اهتامات إيران للعراق بأنه يقصف بطائراته مناطق أذربيجان الكردية -اإليرانية يف أثناء مطاردهتا للمتمردين األكراد الذين نشطوا بعد الثورة اإليرانية .ويف املقابل كان اهتامم العراقيني بالعرب يف إيران يف إقليم خوزستان موضع
قلق من جانب إيران.
وشيئ ًا فشيئ ًا ،زادت التوترات بني الطرفني ،حيث حدثت اشتباكات عسكرية عىل حدود
البلدين ،فقد أعلن العراق يف السابع عرش من حزيران/يونيو 1979حال التعبئة باجليش ،يف (2يف آذار/مارس 1975يف اجلزائر تم توقيع اتفاقية بني العراق و إيران بوساطة اجلزائر ،تم بمقتضاها رسم احلدود النهرية يف شط العرب طبق ًا خلط الثالوك ووضع ختطيط هنائي حلدود البلدين بناء عىل بروتكول القسطنطينية عام 1913وحمارض جلنة ختطيط احلدود عام ،1914كام تم االتفاق عىل فرض رقابة مشددة عىل احلدود لوضع حد هنائي ألعامل التسلل وإعادة روابط حسن اجلوار .انظر :أسامه الغزايل حرب« ،أبعاد النزاع العراقي ـ اإليراين »،السياسة الدولية ،العدد ( 61متوز/يوليو ،)1980ص .185-184 68
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
الوقت الذي أرسلت إيران فرقة من جيشها تدعمها مئتا دبابة إىل احلدود ،وحدثت اشتباكات بني البلدين ،وتكررت مرة أخرى يف اخلامس عرش من كانون األول/ديسمرب .1979
وتطور الوضع إىل أن قامت السلطات العراقية بطرد ما يقرب من مخسة وعرشين ألف شيعي ،وامتدت عمليات الطرد إىل الصعيد الدبلومايس ،حيث تبادل كل من البلدين عمليات طرد أعضاء سفارة البلد اآلخر لديه ،فقد خ ّفضت إيران مستوى عالقاهتا الدبلوماسية مع العراق إىل مستوى القائم باألعامل ،بدعوى التدخل املتكرر من جانب احلكومة العراقية يف شؤوهنا الداخلية ،ويف املقابل طلبت حكومة العراق من إيران سحب سفريها يف بغداد ألنه يتدخل يف الشؤون الداخلية العراقية. وقاد كل من البلدين محلة إعالمية ضد اآلخر ،وتبادل مسؤولو وزعامء البلدين هجوم ًا عنيف ًا ،لدرجة أن وسائل اإلعالم اإليرانية أذاعت نبأ عن مرصع الرئيس العراقي صدام حسني يف السابع عرش من نيسان/أبريل عام ،1980عندما أعلن متحدث باسم جملس الوزراء اإليراين أن الرئيس العراقي قد قتل خالل انقالب وقع يف العراق. نشبت احلرب بني البلدين ،واستمرت قرابة ثامين سنوات ،وكانت فرتة خطر وهتديد لألمن العريب واخلليجي ،واستنزاف للطاقات العربية ،بل إن بعض الدول اخلليجية تعرضت لعمليات قصف جوي ،كام حدث بالنسبة إىل ميناء األمحدي الكويتي ،بل إن الشيخ جابر ،أمري تعرض ملحاولة اغتيال . (2 دولة الكويتَّ ، أضافت هذه احلرب هتديد ًا جديد ًا لألمن اخلليجي ،وأكدت أن التهديد اإليراين هو هتديد حقيقي ،منذ نجاح الثورة اإلسالمية والتزام قادهتا بتصدير ثورهتا إىل الدول املجاورة يف منطقة اخلليج ،يف ظل ترصحيات واضحة ورصحية من جانب قادة الثورة بأن دول اخلليج بالنسبة إىل إيران تعترب دو ً ال غري مستقلة. ونتيجة هذه التهديدات ،ونتيجة اشتعال احلرب العراقية -اإليرانية ،اجتمعت دول اخلليج الست (اململكة العربية السعودية ،اإلمارات العربية املتحدة ،الكويت ،سلطنة ُعامن،
قطر ،البحرين) وأعلنت قيام جملس التعاون لدول اخلليج العربية يف أيار/مايو .1981
(2وليد إلياس مبارك« ،اخلليج ىف سياسة الكويت اخلارجية من خالل األمم املتحدة »،السياسة الدولية ،العدد ( 96نيسان/أبريل ،)1989ص .40-38 مركز اخلليج لألبحاث
69
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
يذكر هنا ،أن العراق كان هو الطرف البادئ باحلرب ،وقد بررت احلكومة العراقية قيامها
بشن احلرب عىل إيران يف بيان أصدره جملس قيادة القوات املسلحة بغزو إيران ،والتحرك
لرضب األهداف املوضوعة هلا ،وذلك كرد فعل عىل احلكومة اإليرانية لقرار إغالق مضيق هرمز ووقف املالحة الدولية ،وهو ما يعترب «قرار ًا بإعالن احلرب الشاملة عىل العراق»، وأضاف البيان« :إن هذه اإلجراءات -التي تستهدف االستيالء عىل املنشآت النفطية يف
خور مشهر وعبدان عىل الساحل الرشقي ملنطقة شط العرب واالستيالء عىل مضيق هرمز -أصبحت رضورة إلرغام النظام العنرصي آلية اهلل اخلميني يف إيران عىل االعرتاف بسيادة
العراق عىل أراضيه ومياهه اإلقليمية» . (2
اختذ الرصاع املسلح بني العراق وإيران صور ًا متميزة بالنسبة إىل كل منهام نتيجة عنارص
التفوق التي لدى كل طرف ،ففي بداية احلرب ويف الشهور األوىل هلا استطاعت القوات العراقية- وفق ًا ملا أعلنته القيادة العراقية -احتالل مدينة خور مشهر وحصار مدينة عبدان واالقرتاب من مدينة األهواز ،لكن مع تقدم عمليات احلرب -التي حتولت إىل حرب استنزاف طويلة وصلت إىل حد اجلمود بني الطرفني -تبادل الطرفان االنتصارات يف بعض املواقع؛ حيث استطاعت إيران
احتالل مدينة الفاو العراقية ،ثم قامت القوات العراقية باستعادة هذه املدينة مرة أخرى ،وأقامت احلكومة العراقية احتفا ًال كبري ًا هبذه املناسبة ،وذلك يف إطار ما سمي بـ «حرب املدن» بني العراق وإيران ،حيث أطلق كل طرف الصواريخ بعيدة املدى عىل مدن عدة للطرف اآلخر . (2
توقفت احلرب بعد ثامين سنوات من الرصاع املسلح ،استنزفت فيها الطاقات العراقية
والعربية ،وأثرت يف املواقف العربية جتاه احلرب؛ حيث أعلنت إيران قبوهلا قرار جملس األمن
الدويل رقم 589الذي يقىض بوقف إطالق النار ،وبالتايل وضعت احلرب أوزارها ،وانتهت
ثامين سنوات من الرصاع املسلح ،كان هلا أبلغ األثر يف األمن العريب واخلليجي ،بل أثرت يف مصدر الدخل األسايس للدول اخلليجية الذي تعرض ملخاطر احلرب وهو النفط.
(2أسامه الغزايل حرب« ،التطور التارخيي ودوافع احلرب :ملف احلرب العراقية اإليرانية »،السياسة الدولية، العدد ( 63كانون الثاين/يناير ،)1981ص .71
(2حسن أبو طالب« ،التطورات األخرية يف حرب اخلليج »،السياسية الدولية ،العدد ( 92نيسان/أبريل ،)1988ص ،171والتقرير االسرتاتيجي العريب( 1988 ،القاهرة :مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام، ،)1989ص .140 70
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
فرضت احلرب عىل الدول اخلليجية يف جملس التعاون اختاذ موقف داعم للعراق نتيجة
العديد من االعتبارات القومية واألمنية ،وهو ما رأته إيران بمنزلة مشاركة خليجية للعراق يف حربه معها ،وهو ما دفع إيران الختاذ موقف عدائي جتاه تلك الدول ،عىل الرغم من عدم ترمجة ذلك العداء عملي ًا؛ نظر ًا إىل أهنا مل تكن يف موقف ّ يمكنها من توسيع نطاق احلرب لتشمل مواجهة دول أخرى ،يف الوقت الذي جلأت فيه دول اخلليج إىل طلب احلامية من الدول الكربى
حلامية ناقالهتا يف اخلليج بإطار ما سمي «حرب الناقالت».
وإىل جانب سعي تلك الدول ملحاولة بذل اجلهود لوقف تلك احلرب ،فإهنا عقدت صفقات سالح مع عدد من الدول الكربى حتسب ًا ألي طارئ ،ولكن األمر مل ُ خيل من بعض
املامرسات اإليرانية العدائية جتاه دول اخلليج؛ مثل متويلها بعض اجلامعات الثورية يف البحرين والكويت والسعودية لزعزعة االستقرار يف تلك الدول ،وحماولة اإلطاحة باحلكم يف البحرين
عام ،1981وجمموعة من التفجريات يف الكويت كانت أبرزها حماولة اغتيال الشيخ جابر األمحد الصباح ،أمري البالد ،عام ،1985واالضطرابات التي أثارها احلجاج اإليرانيون يف
موسم احلج لعام 1987التي انتهت بوفاة أربعمئة شخص وقطع السعودية لعالقاهتا مع إيران ،التي قاطعت احلج ملوسمني متتاليني احتجاج ًا عىل تقليل حصتها من احلجاج.
-3قيام جملس التعاون لدول اخلليج العربية
بعد انسحاب بريطانيا من اخلليج يف كانون األول/ديسمرب عام 1971واستقالل كل من
البحرين وقطر وقيام دولة اإلمارات العربية املتحدة ،بدأت عالقات التعاون الكثيفة بني إمارات
اخلليج من ناحية وكل من الكويت والسعودية وسلطنة ُعامن من ناحية أخرى ،وقد قطع التعاون اخلليجي شوط ًا بعيد ًا طوال السبعينيات ،ومن ثم جاء قيام جملس التعاون لدول اخلليج العربية يف مطلع الثامنينيات استمرار ًا لرصح التعاون اخلليجي ،وتأكيد ًا جلوانبه كافة ،وبالتايل فهو مل يأت من فراغ ،بل كان تتوجي ًا ملرحلة طويلة من التكامل يف كل املجاالت أخذت شكل التعاون الثنائي أو اجلامعي قبل قيام جملس التعاون باعتباره صيغة مجاعية تضم دول اخلليج الست . (2
كثر احلديث عند قيام املجلس عن تلك العوامل التي أدت إىل إنشائه ،فكان لكل باحث (2عبد اهلل األشعل ،اإلطار القانوين والسيايس ملجلس التعاون اخلليجي (القاهرة :دار النهضة العربية، ،)1988ص .17 مركز اخلليج لألبحاث
71
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
وجهة نظره ،وكان كل كاتب بحسب اجتهاده الشخيص يقدم عام ً ال دون غريه ويعتربه العامل الرئيس واألوحد الذي قاد إىل إنشاء املجلس ،فال يوجد اتفاق عام .ومهام اختلفت اآلراء، فإن الثابت هو أن ذلك املجلس مل ينشأ من فراغ ،كذلك فهو مل يكن نتيجة عامل وحيد؛ وإنام
هناك جمموعة من العوامل سامهت جمتمعة يف قيام املجلس ،وذلك عىل الرغم من تفاوت
أمهيتها ومدى مسامهتها.
ومن هنا ،كان رضوري ًا تقسيم تلك العوامل إىل عوامل أساسية وأخرى مساعدة ،عىل
النحو التايل:
أ -العوامل األساسية :وتقسم بدورها إىل نوعني : (2
-عوامل أساسية ذات طبيعة دائمة ،وتتمثل يف عامل مقومات الوحدة التي متتلكها
دول املجلس الست.
-عوامل أساسية ذات طبيعة شبة دائمة ،وتنحرص يف عاميل تعاظم األمهية االقتصادية
(النفطية) لدول املجلس ،ورصاع القوى العظمى يف املنطقة.
يتكون منها املجلس ( )1مقومات وحدة دول املجلس :متتلك دول اخلليج الست التي ّ من أسباب التعاون ومقومات الوحدة ما يكفيها للسري قدم ًا نحو وضع إطار تنظيمي للتعاون
يف ما بينها.
ومتثَّل ذلك بإنشاء جملس التعاون .ويمكننا حرص تلك املقومات -باختصار -يف ما ييل: الوحدة الدينية (فاإلسالم هو دين اجلميع). الوحدة السياسية (تشابه أنظمة احلكم؛ فهي يف معظمها ملكية وراثية حمافظة). -الوحدة االجتامعية (حيث متتلك هذه الدول جمموعة من القيم والعادات والتقاليد
املتشاهبة ،باإلضافة إىل الرتكيبة االجتامعية املتجانسة التي تتميز هبا ،فسكان اخلليج وقادته ينتمون إىل األصول القبلية نفسها املنترشة يف شبه اجلزيرة العربية).
(2نواف مساعد عبد العزيز آل سعود« ،جملس التعاون لدول اخلليج العربية دراسة قانونية سياسية يف التنظيم الدويل اإلقليمي( »،رسالة ماجستري ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1988 ،ص .100-99 72
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
الوحدة التارخيية (فهناك تراث تارخيي وحضاري مشرتك ،فض ًال عن األصول
الواحدة ، (2واملصلحة املشرتكة ،وإن كان ذلك ال ينفي الرصاعات واحلروب بني هذه الدول
التي شهدهتا أواخر القرن الثامن عرش وبداية القرن التاسع عرش نتيجة العوامل األجنبية التي كانت أصيلة يف تلك الرصاعات).
-الوحدة االقتصادية (تتشابه دول اخلليج الست يف ضعف مواردها املائية ،ومعظم
أراضيها صحراوية قاحلة أو شبه قارية .أما اقتصاداهتا فهي حرة تتشابه يف كوهنا أحادية اجلانب،
يغلب عليها الطابع النفطي الذي يمثل يف بعضها أكثر من 95يف املئة من اإليرادات املحلية ،ما يعني تشابه مشكالت وحتديات التنمية املعتمدة عىل النفط باعتباره مصدر ًا وحيد ًا للدخل). -الوحدة اجلغرافية والديمغرافية (حيث تقع أقاليم الدول الست األعضاء يف املجلس
عىل أرايض شبه اجلزيرة العربية ،وتشكل أغلبية مساحتها ،ما عدا البحرين التي تقع فوق جمموعة
جزر يف اخلليج العريب ،ولكنها ربطت بباقي الدول مع انتهاء اجلرس الذي ربطها باململكة العربية السعودية بنهاية عام .1985وباستثناء السعودية فإن دول املجلس صغرية املساحة ،وتعاين نقص ًا كبري ًا يف مواردها البرشية ،ونقص ًا يف العاملة املدربة وغري املدربة ،ومن ثم كان االعتامد عىل العاملة الوافدة التي مثّلت يف بعضها زيادة سكانية تفوق عدد السكان الوطنيني).
-وحدة اخلطر اخلارجي (حيث إنه نتيجة اإلنتاج الوفري واالحتياطي الكبري الذي
متلكه هذه الدول من النفط ،تتشابه هذه الدول بتمتعها بقدر كبري من التأثري يف جمرى السياسة االقتصادية الدولية ،األمر الذي جعل منطقة اخلليج العريب حمط ًا لألنظار ،ومطمع ًا للقوى األجنبية ،وجما ً ال رحب ًا للرصاعات الدولية). وهكذا تولدت لدى قادة دول اخلليج رضورة تفادي السلبيات ،واستغالل اإلجيابيات
والتوحد ملواجهة التحديات املشرتكة ،ما جعل املناخ مهيأ لتقبل التي تتوافر لتلك الدول، ّ
الدخول يف شكل تنظيمي يقوم عىل فكرة العمل اجلامعي ،أال وهو جملس التعاون لدول اخلليج العربية.
(2ملزيد من التفاصيل عن وحدة األصل اخلليجي ،انظر :صالح العقاد ،معامل التغيري يف دول اخلليج العريب (القاهرة :جامعة الدول العربية ،معهد البحوث والدراسات العربية ،)1972 ،ص ،5ويوسف حممد عبيدان« ،نظام احلكم يف دول اخلليج :دراسة مقارنة لقطر والكويت والبحرين( »،أطروحة دكتوراه ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد، ،)1982ص .50 مركز اخلليج لألبحاث
73
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
( )2األمهية االقتصادية لدول املجلس :دول املجلس هي دول منتجة رئيسة للنفط يف العامل ،ومتلك احتياطيات ضخمة منه ،األمر الذي أعطاها أمهية قصوى فرضت عليها السعي نحو مزيد من التقارب والتنسيق يف إطار تنظيمي يؤكد أمهيتها االقتصادية. ويف هذا اإلطار ،يقول السفري عبد اهلل بشارة« :إن من يملك شيئ ًا نادر ًا حيتاج له اجلميع، ال يمكنه املحافظة عىل هذا اليشء النادر بوسائل تقليدية» . (2 ومن ثم ،كان لزام ًا عىل دول اخلليج أن ترتابط مع ًا ترابط ًا عضوي ًا ،فمعركتها واحدة، تئن حتت وطأة الضغوط واألطامع ،بينام هي وخماوفها واحدة ،وهي منفردة تظل ضعيفة ّ جمتمعة يقوى ظهرها ويشتد عودها ،خصوص ًا أن النظام الدويل القائم أصبح ال يعتد إال يكن هلا كل االحرتام والتقدير ،ومن ثم بالكيانات االقتصادية الكربى الفاعلة واملؤثرة ،التي ّ كان املجلس هو الكيان الذي يستطيع أن حيمي دول اخلليج ويؤمن اقتصادها وحيقق هلا املكانة واالحرتام والتقدير العاملي. ( )3رصاع القوى العظمى يف املنطقةُ :يعدّ هذا العامل هو أحد العوامل التي أدت دور ًا كبري ًا يف إنشاء املجلس؛ حيث يمثل هتديد ًا حقيقي ًا ألمن واستقرار الدول الست ،وال شك يف أن الدافع األمني هو أحد أهم الدوافع الكربى لقيام جملس التعاون اخلليجي ،ويف ذلك نجد مانع سعيد العتيبة ،وزير نفط اإلمارات -سابق ًا ،يؤكد أن مسألة حتسني النظام الدفاعي وإجراءات األمن الداخيل حتتل أعىل مرتبتني بني ُس ّلم أولويات عمل املجلس . (2 ومع احتدام احلرب الباردة بني الواليات املتحدة األمريكية واالحتاد السوفيايت (السابق) بعد غزو األخري أفغانستان ورصاعهام حول اخلليج ،حيث إنه وفق ًا للنظرة األمريكية فإن االحتاد السوفيايت بعد غزوه أفغانستان أصبح يمثل هتديد ًا حلقول النفط واملمرات املائية ملنطقة اخلليج، وقد عبرّ الرئيس األمريكي كارتر عن ذلك بقوله« :نحن ال نملك أن نجعل السوفيات يمدون هيمنتهم إىل جزء متاخم للخليج الذي هو مهم جد ًا لنا وللشعوب األخرى يف العامل» . (2
(2عبد اهلل بشارة ،جتربة جملس التعاون اخلليجي :خطوة أو عقبة يف طريق الوحدة العربية ،سلسلة احلوارات العربية؛ ( 5عامن :منتدى الفكر العريب[ ،د .ت ،)].ص .32-31 (2فؤاد محدي بسيسو« ،جملس التعاون اخلليجي وآفاق التوجه االسرتاتيجي العريب املتوازن »،املستقبل العريب، السنة ،4العدد ( 31أيلول/سبتمرب ،)1981ص .40 (2آل سعود« ،جملس التعاون لدول اخلليج العربية دراسة قانونية سياسية يف التنظيم الدويل اإلقليمي »،ص
74
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ثم ،كثّفت الواليات املتحدة من وجودها العسكري البحري يف اخلليج العريب، ومن ّ
بحجة محاية أمن هذه الدول من األطامع السوفياتية الزاحفة نحو اخلليج .وعىل اجلانب اآلخر ظهرت مبادرة برجينيف لتحييد منطقة اخلليج العريب ،وبدا وكأن مواجهة قادمة بني العمالقني
عجل بالبحث عن بديل خليجي ستدور رحاها وستكون ساحتها منطقة اخلليج ، (3وهذا ما ّ
للحفاظ عىل أمن دول اخلليج؛ فكان جملس التعاون هو الرد املناسب والبديل اخلليجي
للحفاظ عىل أمن دوله.
ب -العوامل املساعدة
لقد متثلت هذه العوامل باألحداث التالية : (3
( )1قيام الثورة اإليرانية :مع قيام الثورة اإليرانية يف بداية عام 1979والترصحيات
سموه بـ «تصدير الثورة» اإليرانية بعودهتا إىل سياسة الشاه التوسعية ،وإعالن قادة الثورة ما ّ
اإلسالمية إىل دول اخلليج املجاورة وفرض اهليمنة اإليرانية عىل دول اخلليج التي ظهرت أساس ًا يف ترصحيات الرئيس اإليراين أبو احلسن بني صدر بعدم ختليّ إيران عن جزر (طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى) التي احتلتها عام ،1971بل والقول إن ك ً ال من وعامن والكويت والسعودية ال تعترب من وجهة النظر اإليرانية دو ً ال مستقلة، اإلمارات وقطر ُ ومع رضهبا ملنطقة العبديل الكويتية بالطائرات احلربية ،وإثارة الفتنة بني احلجاج يف السعودية،
والتآمر عىل البحرين … كل هذه املالبسات ألقت بجبال من الشكوك يف صدور قادة اخلليج حول نوايا إيران ،ومن ثم كان هناك إحساس خليجي عام برضورة التحرك إلبراز موقف
خليجي تنظيمي موحد حتى قيام املجلس يف عام .1981
( )2الغزو العسكري السوفيايت ألفغانستان :وذلك يف كانون األول /ديسمرب .1979وهذا الغزو يعني قرب ًا سوفياتي ًا من منطقة اخلليج ،ومنابع النفط ال تتعدى مسافة ستمئة كيلومرت ،وما يعنيه ذلك من بروز عامل جديد وخطري هيدد أمن املنطقة واستقرارها ،خصوص ًا أن السوفيات قد أقاموا حتالفات اسرتاتيجية مع كل من إثيوبيا واليمن اجلنويب ،وهو قد يثري الشك يف أن غزو
.103-102
(3األشعل ،اإلطار القانوين والسيايس ملجلس التعاون اخلليجي ،ص .84-83 (3انظر :آل سعود ،واألشعل ،املصدران نفسهام.
مركز اخلليج لألبحاث
75
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
أفغانستان هو حلقة من حلقات االسرتاتيجية السوفياتية لإلحاطة باملنطقة والتحكم فيها ،ولذلك حتركت الدول اخلليجية نحو العمل املشرتك ملواجهة تلك التحديات واالحتامالت.
( )3احلرب العراقية -اإليرانية :وقد اندلعت يف أيلول /سبتمرب ،1980وما ترتب عليها من انعكاسات أمنية خطرية يف منطقة اخلليج العريب ،خصوص ًا أن ناقالت النفط واألهداف املدنية اخلليجية قد طالتها نريان احلرب ،بل وحترشت إيران بالدول اخلليجية املجاورة .فاحلرب العراقية -اإليرانية كانت حرب ًا لتغيري الوضع القائم سياسي ًا وجغرافي ًا
واجتامعي ًا ،وهو أمر يرقى إىل مصاف «الطوفان» بنتائجه . (3
وال يمكن للمنطقة أن تقبل بتغيري «تركيبة» سياسية وجغرافية راسخة فيها ،ومن ثم
كان عىل دول اخلليج التحرك ملواجهة نتائج هذه احلرب ،فكان جملس التعاون هو صيغة غري تقليدية ملواجهة ذلك الطوفان.
جراء احلرب ( )4تصدع النظام العريب :ومتثل ذلك يف اخلالفات العربية املستمرة من ّ
األهلية اللبنانية ،واتفاقيات كامب ديفيد ،ومشكلة الصحراء الغربية ،واالنقسام العريب حول احلرب العراقية -اإليرانية ،وحول الرصاع العريب -اإلرسائييل ،وحول احلل األمثل للقضية
الفلسطينية.
ومن ثم ،كان التداعي والتآكل العريب ،وسقوط وحدة األمن العريب .وإذا كان اخلليج ينظر
إىل أن أمن دوله هو أمن العرب ،فإن تلك األحداث والرشوخ التي أصابت رصح األمن العريب أدت إىل قناعة خليجية بأن الوقت يستدعي توافر ذراع مجاعية تكون عامل استقرار يف املنطقة . (3
وهكذا ،كان طبيعي ًا أن يقوم جملس التعاون بني الدول اخلليجية الست ملواجهة خمتلف
األخطار والتحديات يف ظل االنقسام العريب.
إن قرار أهل اخلليج بقيام جملس التعاون يعني أهنم قرروا مواجهة املشكالت الداخلية واخلارجية ،سواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم اجتامعية أم أمنية ،مواجهة مجاعية .وقد مثّل إنشاء جملس التعاون عام ً ال من عوامل التوتر يف العالقات اإليرانية -اخلليجية ،حيث نظرت (3بشارة ،جتربة جملس التعاون اخلليجي :خطوة أو عقبة يف طريق الوحدة العربية ،ص .33-32 (3املصدر نفسه ،ص .32 76
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
إيران إىل ذلك املجلس نظرة سلبية ،واعتربته بمنزلة حلف موجه ضدها ،وأداة إلبعادها عن شؤون املنطقة ،وخطوة لالندماج االقتصادي والسيايس والعسكري ،ما يمثل وضع ًا غري مالئم ملصاحلها .بل إهنا اعتربته أداة أو مظلة ملد النفوذ السعودي يف منطقة اخلليج. وظلت العالقات بني اجلانبني متوترة حتى وفاة اخلميني وانتهاء احلرب العراقية - اإليرانية ،حيث بدأت بوادر التقارب بني الطرفني ،التي كان أبرزها عقد إيران مؤمتر ًا دولي ًا
يف ترشين الثاين/نوفمرب 1989بعنوان «اخلليج الفاريس» ،وكانت أبرز توصياته دعوة دول جملس التعاون إىل التضامن والتعايش السلمي مع إيران ،وزاد ذلك نتيجة املوقف الذي اختذته
إيران جتاه الغزو العراقي للكويت.
-4أزمة اخلليج الثانية
وقعت أزمة اخلليج الثانية يف ظل نظام دويل جديد ،يسعى إىل حل اخلالفات اإلقليمية
بشكل سلمي من دون تدخل مبارش من جانب إحدى القوتني العظميني ،فقد كانت تلك األزمة بمنزلة أول اختبار حقيقي ملناخ االنفراج الدويل الذي بدأت مالحمه تظهر يف األفق
بشكل اجتاه معلن نحو رضورة حل وتسوية اخلالفات واملنازعات الدولية بالوسائل السلمية، وااللتزام بالرشعية الدولية ،والتشديد عىل مبادئ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول
األخرى ،واالمتناع عن استخدام أو التهديد باستخدام القوة يف العالقات الدولية ،واحرتام سيادة الدول األخرى . (3
لقد أحدث الغزو رشخ ًا عميق ًا يف جدار األمن العريب وبنية النظام اخلليجي الفرعي،
فقد كانت صدمة قاسية أجهضت حال الوفاق الذي بدأ يظهر يف منطقة اخلليج بعد تسوية الرصاع العراقي -اإليراين بعد ثامين سنوات من احلرب والدمار ،كام أنه جاء ليوقف مرحلة
الوفاق ووقف التدهور يف العالقات العربية التي بدأت منذ عام ،1987وأحدثت األزمة انقسام ًا حاد ًا يف املواقف العربية جتاه الغزو وتطوراته وأطرافه . (3 (3منصور العتيبي« ،اإلدارة األمريكية ألزمة اخلليج الثانية( »،1991-1990 ،رسالة ماجستري غري منشورة، جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1997،ص .94
(3ملزيد من التفاصيل ،انظر :عزت عبد الواحد« ،إدارة األزمة يف السياسة اخلارجية املرصية :دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية( »،1991-1990 ،رسالة ماجستري غري منشورة ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1994 ،ص .176-163 مركز اخلليج لألبحاث
77
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
وعندما وقع الغزو ،كانت إيران قد خرجت لتوها من جولة رصاعية مع العراق استمرت
زهاء ثامين سنوات ،لذلك بدأ املوقف اإليراين بالرتقب ومراقبة األحداث الستكشاف املدى الذي سوف تؤثر به األحداث يف األمن القومي اإليراين .وعىل الرغم من وجود بعض القوى
الدينية داخل إيران التي عبرَّ ت عن تأييدها للدخول يف احلرب إىل جانب صدام حسني وربطه ملا حيدث بالقضية الفلسطينية ورضورة االنسحاب اإلرسائييل من األرايض املحتلة باعتباره رشط ًا النسحابه من الكويت ،فإن القيادة السياسية اإليرانية كانت قد حسمت أمرها باختاذ موقف
احلياد من األزمة ،وقد عبرّ الرئيس اإليراين عيل أكرب هاشمي رفسنجاين عن ذلك املوقف يف كانون الثاين/يناير 1991بقوله« :إننا لن نسفك دماءنا لكي يبقى العراقيون يف الكويت ،ففي هذه احلالة سيصبح اخلليج «الفاريس» غد ًا اخلليج العريب ،أليس ذلك هو االنتحار بعينه؟» . (3 إال أن هذا البيان مل يكن يعني أن األمر برمته ال هيم إيران يف يشء ،أو أهنا لن تعبرّ عن رأهيا يف الغزو وترتك الدول العربية يف اخلليج يأكل بعضها بعض ًا ،ألن ما حيدث يف املنطقة
بالنهاية له تأثرياته املبارشة يف املصالح السياسية واالقتصادية واألمنية إليران ،فعىل الرغم من عدم اندفاع إيران يف اختاذ موقف إجيايب من الغزو ملصلحة أحد األطراف ،فإهنا رفضت الغزو
ذاته ،وأعلن املجلس األعىل لألمن القومي اإليراين رفض إيران االحتالل العراقي للكويت بأي شكل من األشكال ،وطالبت إيران العراق باالنسحاب الفوري وغري املرشوط ،وأعلنت
رفضها حلصول العراق عىل أي مكاسب إقليمية من شأهنا أن تغيرّ الوضع اجليواسرتاتيجي يف املنطقة ،ودعت إىل رضورة إهناء األزمة بشكل سلمي حتى ال تكون ذريعة للوجود األجنبي يف املنطقة ،وإن كانت إيران قبلت مع املراحل املتقدمة لألزمة بالوجود األجنبي هبدف إخراج العراق من الكويت فقط من دون البقاء يف املنطقة . (3
وخالل احلرب حاول العراق استدراج إيران للوقوف إىل جانبه؛ حيث أعلن الرئيس
صدام حسني عن مبادرة سالم مع إيران يف اخلامس عرش من آب/أغسطس ،1990وافق من خالهلا عىل تسوية املشكالت املعلنة بني البلدين التي كانت سبب ًا للحرب بينهام ،فاعرتف باتفاقية اجلزائر بخصوص شط العرب ،وانسحبت القوات العراقية من األرايض اإليرانية املحتلة،
وأعيد األرسى اإليرانيون ،كام قام العراق بإرسال نحو مئة طائرة عسكرية عراقية إىل إيران، (3رجب ،أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية ،ص .325 (3عبد الواحد ،املصدر نفسه ،ص .181-180 78
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وفتحت سفارة كل دولة لدى األخرى ،وتبادل الطرفان الزيارات بني مسؤويل البلدين. إال أن هذا مل يغري من املوقف اإليراين كثري ًا ،وإن كان حقق إليران مكاسب عىل الصعيد
اإلقليمي ،هذا إىل جانب أن املوقف اإليراين قد دفع بالعالقات بني إيران والدول اخلليجية ُقدم ًا لألمام ،وكذلك بني إيران وعدد من الدول العربية والغربية وموسكو. وهكذا استطاعت إيران أن حتصل عىل مكاسب مل تكن حتلم هبا من مجيع األطراف
لوال اندالع تلك األزمة ،يف الوقت الذي مل تبذل فيه إيران أي ثمن لتلك املكاسب سوى أهنا
رفضت الغزو ومل تشارك يف احلشد الدويل ضد العراق .بل إن املكاسب اإليرانية استمرت يف أعقاب انتهاء العمليات العسكرية؛ حيث القى املوقف اإليراين قبو ً ال يف األوساط اخلليجية من زاوية إمكان إرشاك إيران باعتبارها رشيك ًا بالرتتيبات األمنية يف املنطقة بعد األزمة . (3
ثالث ًا :املحددات النابعة من البيئة الدولية العاملية تواترت عىل الساحة الدولية جمموعة من املتغريات والتطورات التي أثرت يف السياسة
اخلارجية اإليرانية جتاه منطقة الرشق األوسط واخلليج العريب ،فقد أدت احلرب العاملية
الثانية إىل إحداث تغيريات مهمة يف اخلريطة الدولية ،حيث انقسم العامل إىل معسكرين: اشرتاكي ورأساميل ،تتوزع بينهام عدد من التكتالت اإلقليمية ،إال أن عقد التسعينيات شهد
تفكك الدولة قائدة املعسكر االشرتاكي واهنيارها ،وحتولت معظم دول املعسكر إىل األخذ باألساليب السياسية واالقتصادية التي تتبناها دول املعسكر الرأساميل .فكانت والدة نظام دويل جديد هتيمن عليه الواليات املتحدة األمريكية ،يف الوقت الذي برزت فيه قوى جديدة يف آسيا وأوروبا ،وبرزت العوملة باعتبارها ظاهرة جديدة يف النظام الدويل.
ويف ما ييل عرض ألهم تلك املتغريات وأثرها يف السياسة اخلارجية اإليرانية. (3ملزيد من التفاصيل عن املوقف اإليراين خالل األزمة ،انظر :عامد جاد « ،دول اجلوار اجلغرايف :حسابات املكسب واخلسارة »،السياسة الدولية ،العدد ( 103كانون الثاين/يناير ،)1991ص 79-76؛ نازيل معوض« ،تركيا وإيران وكارثة اخلليج الثانية :مقارنة حتليلية »،جملة العلوم االجتامعية ،العدد ( 201ربيع -صيف ،)1991ص 26-23؛ أمحد مهابة« ،إيران وأمن اخلليج »،السياسة الدولية ،العدد ( 105متوز/يوليو ،)1991ص 97؛ أمحد ثابت« ،إيران ما بعد احلرب ،مكاسب الواقع وأزمة االختيار »،مستقبل العامل اإلسالمي ،السنة ،1العدد ( 2ربيع ،)1991ص ،67-65 وهالة سعودي« ،أزمة اخلليج ودولتا اجلوار تركيا وإيران »،يف :أمحد الرشيدي ،حمرر ،االنعكاسات الدولية واإلقليمية ألزمة اخلليج (القاهرة :مركز البحوث والدراسات السياسية ،)1991 ،ص .305-304 مركز اخلليج لألبحاث
79
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
-1اهنيار املعسكر االشرتاكي
جاء اهنيار املعسكر االشرتاكي نتيجة منطقية ترتبت عىل التفكك الذي أصاب االحتاد
السوفيايت الدولة القائد باعتبارها نتيجة منطقية لألفكار اجلديدة التي جاء هبا ميخائيل
غورباتشوف الذي توىل سدة احلكم يف االحتاد السوفيايت عام 1985بصفته خليفة لشريننكو الذي تفاقمت يف عهده مظاهر األزمة البنائية بأبعادها االقتصادية والسياسية واالجتامعية والثقافية ،فكان من الرضوري العمل بفكر سيايس جديد للخروج بالبالد من أزمتها متعددة
األبعاد ،ومن هنا كانت سياسات (الربيسرتويكا) و(الغالسنوست)؛ أي «إعادة البناء» و»املصارحة» .تلك السياسات هدفت إىل إعادة بناء االقتصاد السوفيايت ،وحتقيق قدر أكرب من العدالة االجتامعية ،وإفساح الطريق أمام إطالق احلريات والديمقراطية ،والتقليل من الدور التدخيل واملسيطر للدولة ،والقضاء عىل البريوقراطية ،والدعوة إىل قيام عالقات دولية طبيعية وعادلة مبنية عىل القيم واملبادئ اإلنسانية ،ونبذ الرصاعات ،واحرتام حق الشعوب يف اختيار طريقها والترصف بمواردها وأراضيها بام حيقق مصاحلها ،بعيد ًا عن الرصاعات واملناوشات التي طاملا استنزفت طاقاهتا ومواردها وثرواهتا من أجل أفكار عقيمة ثبت فشلها
يف حتقيق أحالم املاليني ممن اعتنقوا الفكر الشيوعي املاركيس لعقود عديدة سجن الناس فيها يف سجون الفكر املتعصب ،فقد آن للشعوب أن حت ّلق يف عامل يصون كل فرد فيه أفكاره الفلسفية والسياسية ،ويامرس حياته عىل النمط الذي يريد . (3
جاء غورباتشوف بأفكار تدعو إىل مزيد من االنفتاح يف العالقات الدولية بني الرشق والغرب ،واإليامن بأن توازن املصالح -وليس توازن القوى -هو ما جيب أن حيكم العالقات الدولية ،فحاول غورباتشوف إعادة بناء االشرتاكية الروسية عىل أساس «تقويض ركائز االشرتاكية الستالينية» ،وسعى إىل بناء اشرتاكية تقبل وتستطيع احلياة يف عامل واحد مع الرأساملية ،ونبذ األفكار اجلامدة التي تعايشت معها الشعوب الرشقية املستمدة من الفكر املاركيس واملتعلقة بالثورة الربوليتارية واهنيار الرأساملية … إلخ ،أي أن غورباتشوف حاول بناء اشرتاكية جديدة تقبل باخلروج عليها إن أرادت الشعوب ذلك . (4 (3ميخائيل غورباتشوف ،البرييسرتويكا :تفكري جديد لبالدنا والعامل ،ترمجة محدي عبد اجلواد (القاهرة :دار الرشوق ،)1988 ،ص .197 (4طه عبد العليم« ،التغري يف االحتاد السوفييتي وانعكاساته عىل الوطن العريب »،يف :جامعة الدول العربية، معهد البحوث والدراسات العربية ،الوطن العريب واملتغريات العاملية (القاهرة :اجلامعة ،)1991 ،ص .260-259
80
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ففي االجتامع املوسع للجنة املركزية للحزب الشيوعي السوفيايت يف نيسان/أبريل
1985؛ أي بعد نحو أربعة أشهر من تويل غورباتشوف سدة احلكم يف البالد ،أعلن أن القضية األساسية اآلن هي :كيف وبأي وسيلة يمكن للبالد أن حتقق هدف ترسيع التنمية االقتصادية واالجتامعية؟ فأي ًا كانت القضية موضوع البحث ،وأي ًا كان املنظور الذي نبحث به قضايا االقتصاد ،فإن األمر كله يصل يف النهاية إىل رضورة حتسني إدارة وآلية االقتصاد يف جمملها.
يلحظ املراقب ملجمل التطورات عىل الساحة السوفياتية خالل تلك احلقبة ،أن
نقطة االرتكاز بتشخيص األزمة يف املجتمع السوفيايت وسبل حلها تكمن يف تردي األداء
االقتصادي وإشكاليات حتديث االقتصاد .فعىل الرغم من أمهية مسألة الديمقراطية وبناء املؤسسات السياسية والثقافية الرضورية لتحديث املجتمع ،فقد ظلت املسألة االقتصادية هي
حمور االهتامم العام . (4
لقد كانت فلسفة البرييسرتويكا التي انتهجها غورباتشوف عىل مدى مخس سنوات تقوم عىل
إعادة البناء االقتصادي للدولة بالدرجة األوىل ،فقد اعتمدت السياسة االقتصادية اجلديدة عىل االنفتاح عىل الغرب ،والسامح للمنتجني بقدر كبري من احلرية يف اختيار املستوردين والتعامل معهم
مبارشة من دون تدخل كبري من الدولة ،ولذلك صدر يف الثالث عرش من كانون الثاين/يناير 1987 قرار بتأسيس املؤسسات املشرتكة هبدف توفري رأس املال واخلربة األجنبية لتغطية االحتياجات
االستهالكية للدولة ،ما فتح املجال أمام إنشاء مؤسسات رأساملية وقيام رشكات مشرتكة مع الدول الغربية مثل فنلندا والواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا وإيطاليا وسويرسا ،كام قامت مشاركة سوفياتية هندية ،إىل جانب املشاركة مع عدد من الدول العربية مثل مرص ،وبدأت الدولة
تتجه نحو حتويل جزء من خمصصات الدفاع والصناعات الدفاعية نحو إنتاج سلع حملية استهالكية،
ومنحت العديد من املؤسسات السوفياتية حق التعامل املبارش مع األسواق العاملية . (4
ومن جانب آخر ،فإن للبرييسرتويكا جوانبها السياسية ،فقد أدت سياسات البرييسرتويكا إىل حتويل العالقات بني االحتاد السوفيايت والواليات املتحدة األمريكية من عداء احلرب الباردة إىل تعاون وعمل مشرتك يف كثري من املواقف الدولية ،وتبدلت العالقات (4املصدر نفسه ،ص .256-255
(4أماين حممود فهمي« ،االحتاد السوفييتي من الداخل والتحديات اجلديدة »،السياسية الدولية ،العدد 103 (كانون الثاين/يناير ،)1991ص .250-241 مركز اخلليج لألبحاث
81
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
بني االحتاد السوفيايت وحلفائه من دول املعسكر االشرتاكي من عالقة التبعية إىل عالقة الرعاية املنظمة التي حترتم استقاللية وإرادة شعوب تلك الدول. النتيجة املنطقية هلذه األفكار اجلديدة واخللل الذي أصاب بنية النظام الشيوعي لالحتاد
السوفيايت ذاته أن تراخت قبضة االحتاد السوفيايت عن دول أوروبا الرشقية ،األمر الذي
فتح املجال ألن تنهار نظمها الواحد تلو اآلخر .فقد وجدت القيادات اإلصالحية يف تلك
الدول يف سياسات غورباتشوف فرصة كاملة لتنشيط حركتها واستباق الزمن واستثامر احلالة اجلديدة إىل أقصاها ،خصوص ًا أن هذه السياسات التي اتبعها غورباتشوف و ّفرت املناخ املالئم
لإلصالح ،إذ أكد غورباتشوف أن لكل دولة داخل الكتلة الرشقية احلق يف انتهاج أسلوهبا هيأ الظروف لترسيع التوجه نحو اإلصالح من دون اخلاص يف تطبيق االشرتاكية ،وهذا ما َّ
خوف من ردة فعل سوفياتية مضادة كام كان حيدث يف السابق . (4
إن الترصحيات التي أدىل هبا غورباتشوف حول استقاللية كل دولة يف حتديد سياساهتا الداخلية
واسرتاتيجيتها من دون أي تدخل خارجي من جانب دول احللف ،كانت بمنزلة الضوء األخرض لدول احللف للثورة عىل أوضاعها الداخلية وتغيريها ،فاندلعت االضطرابات يف دول أوروبا
الرشقية كلها يف فرتة زمنية متقاربة ال تتجاوز الشهور الثالثة ،واستطاعت القيادات اإلصالحية القضاء عىل رموز النظام الشيوعي فيها ،والسعي نحو بناء ديمقراطيات جديدة ،بدء ًا من بولندا،
مرور ًا باملجر وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا ،وكان سقوط سور برلني عالمة بارزة عىل طريق التحول الديمقراطي يف أوروبا الرشقية والتخ ّلص من اهليمنة السوفياتية من دون تدخل موسكو. بل إن هذه التغريات القت تأييد ًا وتشجيع ًا من جانب موسكو ،إذ أزاحت عبئ ًا ثقي ً ال عن
كاهل االحتاد السوفيايت نتيجة ارتباطه بتلك الدول . (4
(4بدر أمحد عبد العاطي« ،أبعاد التغيريات الداخلية األخرية يف املجر »،السياسة الدولية ،العدد ( 99كانون الثاين/يناير ،)1990ص .229
(4ملزيد من التفاصيل عن أحداث أوروبا الرشقية ،انظر :أمحد عباس عبد البديع« ،حقائق املوقف السوفييتي من أحداث أوروبا الرشقية »،ص 254-149؛ نزيرة األفندي« ،طموحات وقضايا الوحدة األملانية »،ص ،260-255وثناء فؤاد عبد اهلل« ،السقوط الدامي يف رومانيا وأزمة البناء الصعب »،ص -261 ،266السياسة الدولية ،العدد ( 100نيسان/أبريل )1991؛ إبراهيم حلمي عبد الرمحن« ،التطورات الدولية اجلارية :فرص وحماذير »،كتاب األهرام االقتصادي ،العدد ( 37آذار/مارس ،)1991ص 23؛ Daniel Pedersen, “A United Germany – The New Superpower,” Newsweek (26 February
82
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وأدت تلك التطورات التي حدثت عىل الساحة السياسية يف رشق أوروبا ووسطها
إىل سقوط عروش االشرتاكية الستالينية مثل كرات الثلج ،وحتققت نظرية الدومينو التي
ارتآها ماركس للسقوط ولكن بشكل معكوس ،فقد تم السيناريو الذي تصوره ماركس لسقوط الرأساملية ولكن بالتطبيق عىل الدول االشرتاكية ،واجتهت تلك الدول إىل مزيد من الديمقراطية والتعددية واملشاركة الشعبية واحرتام حقوق اإلنسان.
ومن ناحية أخرى ،وضعت القيادة السياسية يف االحتاد السوفيايت هدف «درء احلرب»
عىل أنه اهلدف السيايس العسكري الرئيس للدولة السوفياتية وقواهتا املسلحة ،يف الوقت الذي يكون النضال من أجل السالم هدف ًا أساسي ًا لتلك الدولة ،ويف ذلك يقول غورباتشوف يف كتاب البرييسرتويكا« :إن النظرة السياسية اجلديدة تدعو إىل االعرتاف بأن األمن ال يتجزأ، فإما أن يكون أمن ًا متكافئ ًا للجميع أو ال يكون عىل اإلطالق ...فلم يعد من املمكن ضامن
األمن بالوسائل العسكرية ،سواء باستخدام األسلحة أم الردع».
إن جوهر النظرة السوفياتية اجلديدة هو أن احلرب النووية ال يمكن أن تكون وسيلة إلنجاز األهداف السياسية واالقتصادية واأليديولوجية ،أو أي أهداف موضوعية إجيابية أخرى ،إن احلرب النووية ال معنى هلا إطالق ًا ،وهي بعيدة عن الرشاد كل البعد ،بل إن جوهرها انتحار . (4 وارتباط ًا بتلك الرؤية الواقعية اجلديدة وانتهاء احلرب الباردة والدخول يف مرحلة الوفاق الدويل ،تب َّنى االحتاد السوفيايت مبدأ «جتنب التورط العسكري» يف الرصاعات اإلقليمية ،يف إطار اسرتاتيجية عاملية لتجنب احتامالت املجاهبة الساخنة مع الواليات املتحدة األمريكية .وبتطبيق ذلك املبدأ عىل املنطقة العربية ومنطقة اخلليج العريب ،نجد أن االحتاد السوفيايت قد سعى إىل حتقيق التوازن يف عالقاته مع الدول العربية يف اخلليج ومع إيران ،فلم يعد االحتاد السوفيايت بحاجة إىل توتري عالقته بإيران بسبب دعمه املواقف العربية ،وهو ما ظهر جلي ًا يف املوقف املتوازن الذي اختذه االحتاد السوفيايت يف املراحل األخرية للحرب العراقية -اإليرانية ،بعد مرياث من العداء 1990), pp. 8-14, and Fritz Stern, “Freedom and its Discontents,” Foreign Affairs, vol. 72, no. 4 (September - October 1993), pp. 121-125. 1
(4غورباتشوف ،البرييسرتويكا :تفكري جديد لبالدنا والعامل ،ص ،218-198وجمدي عيل عبيد« ،الفكر العسكري اجلديد جلورباتشوف :التغري واالستمرارية »،السياسة الدولية ،العدد ( 99كانون الثاين/يناير ،)1990ص .244 مركز اخلليج لألبحاث
83
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
املتبادل بني إيران و»الشيطان السوفيايت» .فاالحتاد السوفيايت حرص عىل تطوير عالقاته بإيران، بخاصة بعد تدهور العالقات اإليرانية -األمريكية ،وتزايد الوجود العسكري األمريكي يف مياه اخلليج ،واالنسحاب السوفيايت من أفغانستان .فكانت زيارة رفسنجاين ملوسكو ولقاءاته مع غورباتشوف وتوجهاته اجلديدة فرصة لدعم التعاون السيايس والعسكري بني إيران واالحتاد السوفيايت ،وفرصة لكرس طوق العزلة الذي فرض عىل االحتاد السوفيايت يف أعقاب كارثة تشرينوبل ،وبالتايل ّ متكن االحتاد السوفيايت من إعادة بناء جسور الثقة بينه وبني إيران. وبدا أن هناك توافق ًا يف األهداف اإليرانية والسوفياتية من زاوية االعتبارات األمنية والنفطية املشرتكة ،بعد أن تدنت أمهية استخدام األرض اإليرانية للعدوان عىل االحتاد السوفيايت ،إثر انتهاء احلرب الباردة ،والتباعد الذي ميز العالقات اإليرانية -األمريكية يف
أعقاب الثورة اإلسالمية.
وعىل الرغم من النجاحات التي حققتها سياسات غورباتشوف اجلديدة عىل مستوى السياسات اخلارجية ،وعىل الرغم من السياسات اإلصالحية يف املجال االقتصادي ،ظل التدهور هو السمة األساسية لالقتصاد السوفيايت ،ما أدى إىل اندالع عدد من اإلرضابات العاملية ،وبرزت حركات سياسية متعددة التوجهات واهلويات؛ بني متطرفني ينادون باتباع النظام امللكي ،وحمافظني يؤيدون الرجوع إىل النظام األوتوقراطي ،إضافة إىل حركات فاشية وانفصالية سيطرت عليها النزعات القومية والعرقية يف اجلمهوريات السوفياتية ،لذا دخل االحتاد السوفيايت دولة وكيان ًا سياسي ًا مرحلة التفكك واالهنيار يف أعقاب االنقالب الفاشل ضد غورباتشوف يف التاسع عرش من آب/أغسطس 1991الذي عىل إثره استق ّلت كل من ليتوانيا والتفيا وأستونيا ،واجتهت مجهوريات االحتاد السوفيايت األخرى نحو االستقالل وألفت رابطة الكومنولث اجلديدة عىل أنقاض الدولة القديمة.
استفادت إيران كثري ًا من تفكك االحتاد السوفيايت ،اجلار القوي الذي متتد حدودها معه نحو ألفني ومخسمئة كيلومرت ،وارتبطت معه منذ عام 1921بمعاهدة عسكرية متنع أي طرف ثالث من اختاذ األرايض اإليرانية إلقامة أي قواعد عسكرية أو مؤسسات هتدد االحتاد السوفيايت وإال كان لالحتاد السوفيايت احلق يف اختاذ اإلجراءات العسكرية الكفيلة باحلفاظ عىل أمنه القومي ،كام ورد يف املادتني اخلامسة والسادسة من تلك املعاهدة . (4 )(46 84
”Shireen T. Hunter, “Soviet - Iranian Relation in The Post Revolution Period,
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وبذلك استطاعت إيران أن تأمن جانب ذلك اجلار القوي ،وتتحرر من ذلك اهلاجس األمني نسبي ًا ،خصوص ًا أن الدولة الروسية اجلديدة انكبت عىل مشكالهتا الداخلية املتفاقمة.
كام أن تفكك االحتاد السوفيايت إىل مخس عرشة مجهورية مستقلة وفر ميزة نسبية إليران يف اجلمهوريات اإلسالمية ،فقد فتح إليران فرص ًا جديدة لتوسيع نشاطاهتا االقتصادية والتعاونية مع اجلمهوريات اإلسالمية يف آسيا الوسطى والقوقاز ،فإيران تتمتع بحدود مشرتكة مع كل
من أذربيجان وتركامنستان ،ولغة مشرتكة مع طاجيكستان ،وثقافة مشرتكة مع أوزبكستان
وكازاخستان ،كام تشرتك مع أذربيجان يف كون أغلبية سكاهنام من الشيعة.
وجدت إيران يف هذه الدول فرصتها لتقوية دورها بصفتها قوة إقليمية من خالل تقوية عالقاهتا هبا وتنويعها ومد نفوذها إليها باعتباره جزء ًا من عملية بناء أكرب لبناء املكانة اإلقليمية والدولية ،وتوفري إمكانات جيدة لدبلوماسية إقليمية إيرانية ،خصوص ًا أن إيران قادرة عىل
توفري مدخل هلذه الدول إىل مياه اخلليج ،وبذلك حتاول إيران منافسة النفوذ الغريب الذي بدأ يتغلغل يف تلك الدول حديثة االستقالل . (4
وإذا كان البعض يرى أن ما حدث من اهنيار للنظام الشيوعي هو انتصار للنظام الثوري
اإلسالمي يف إيران الذي قام عىل أساس العداء لأليديولوجيتني الشيوعية والرأساملية ،فإن اختفاء االحتاد السوفيايت وانتهاء احلرب الباردة التي كانت تتيح إليران الثورة جما ًال البتزاز واستغالل العداء املتبادل بني االحتاد السوفيايت والواليات املتحدة األمريكية الستغالل هامش للحركة واملناورة للدبلوماسية اإليرانية يف مناطق التوتر وإبرام صفقات سالح ،أو أن تدعم بعض القوى
يف نزاعاهتا مع نظمها احلاكمة كام حدث يف أفغانستان ،هذه امليزة قد انتهت بعد االهنيار السوفيايت
وتوقيع الرئيس الرويس بوريس يلتسن وثيقة تعاون مع الواليات املتحدة األمريكية يف شباط/ فرباير ،1992ومن هنا وجدت إيران نفسها وجه ًا لوجه مع الواليات املتحدة األمريكية ،وفرض الرصاع احلضاري نفسه عىل الساحة الدولية ،وطرح اإلسالم عدو ًا للغرب . (4
in: Rouhollah K. Ramazani, ed., Iran’s Revolution: The Search for Consensus (Bloomington: Indiana University Press; Washington, DC: Published in Association with the Middle East Institute, 1990), p. 86.
(4صالح بن عبد العزيز القنيعري« ،السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب1979 ، – ( »،1995أطروحة دكتوراه ،أكاديمية نارص العسكرية العليا ،كلية الدفاع الوطني ،)1988 ،ص .69-68 (4نيفني عبد املنعم مسعد« ،أثر املتغريات العاملية اجلديدة عىل السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه املنطقة العربية، مركز اخلليج لألبحاث
85
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
-2النظام الدويل اجلديد وبروز القوة األمريكية
ارتبط النظام الدويل اجلديد بربوز القوة األمريكية املسيطرة باعتبارها أقوى دولة يف العامل.
إذ أ ّدت التطورات التي شهدهتا دول رشق أوروبا ووسطها واالحتاد السوفيايت إىل نرص للرأساملية الغربية ،يف الوقت الذي انتهى االحتاد السوفيايت رسمي ًا ،وحتولت العديد من دول املعسكر االشرتاكي إىل تبني النموذج الغريب سياسي ًا واقتصادي ًا ،وبالتايل حتقق لقائدة املعسكر الغريب الرأساميل (أمريكا) االنفراد باهليمنة عىل النظام العاملي ،وكانت أزمة اخلليج الثانية جما ً ال مناسب ًا الختبار تلك اهليمنة ،وانتهاء لعامل احلرب الباردة والثنائية القطبية ،وبداية عرص جديد تسيطر فيه دولة واحدة عىل جمريات األمور الدولية ،عىل األقل يف جوانبها السياسية والعسكرية ،وبدرجة
أقل اجلوانب االقتصادية ،لدرجة أن البعض أطلق عىل ذلك العرص «العرص األمريكي» . (4
استطاعت الواليات املتحدة األمريكية حشد عدد كبري من الدول يف التحالف املناوئ
للعراق لتحرير الكويت ،وظهر خالل األزمة أن الواليات املتحدة هي القوة الرئيسة املحركة
لألمم املتحدة إلضفاء نوع من الرشعية الدولية عىل التحركات الدولية ضد العراق.
وأثبتت أزمة اخلليج بجالء أن االحتاد السوفيايت قد حسم أمره باالنسحاب من مواجهة
الواليات املتحدة ،تلك املواجهة التقليدية التي دامت لفرتات طويلة خالل املراحل املختلفة للحرب الباردة ،األمر الذي انعكس باإلجياب عىل تزايد الدور األمريكي يف النظام الدويل ،مع التأكيد عىل «دفن» احلرب الباردة .وبدأ احلديث عن توجه النظام الدويل نحو نظام القطب الواحد
بعد أن ارتىض االحتاد السوفيايت التجميد الطوعي لقوته العسكرية ونأى بنفسه عن التدخل يف الرصاعات اإلقليمية ،حتى اختفى باعتباره دولة عظمى وحتلل إىل مجهوريات مستقلة . (5
ويف خضم التطورات العاصفة ألزمة اخلليج ،أعلن الرئيس األمريكي جورج بوش عن
مولد نظام دويل جديد ،ففي خطابه أمام اجلمعية العامة لألمم املتحدة ،ترشين األول/أكتوبر »،1993-1989يف :العالقات العربية اإليرانية ،االجتاهات الراهنة وآفاق املستقبل :بحوث ومنقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع جامعة قطر ،ص .368 (4عبد اخلالق عبد اهلل ،العامل املعارص والرصاعات الدولية ،عامل املعرفة( 133 ،الكويت :املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،)1989 ،ص .25
(5عبد الواحد« ،إدارة األزمة يف السياسة اخلارجية املرصية :دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية-1990 ، »،1991ص .199-197 86
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
،1990طرح بوش فكرته حول نظام عاملي جديد يقوم عىل أساس نزع السالح النووي والبيولوجي والكيميائي ،والتحول الديمقراطي ،واعتامد االنتخابات آلي ًة أساسي ًة الختيار النخب احلاكمة حتت إرشاف جلنة من األمم املتحدة التي ستصبح بمنزلة برملان للعامل . (5
وبصفة عامة ،فإن مالمح النظام الدويل اجلديد مل تتحدد بشكل هنائي ،بل إنه ال يوجد
بني املحللني السياسيني اتفاق حول توصيف واحد لذلك النظام ،فالبعض يرى أن مصري
النظام الدويل اجلديد سيكون إىل نظام قطبي واحد تتأكد فيه السلطة شبه املطلقة للواليات املتحدة األمريكية يف املنظومة الدولية بعد زوال االحتاد السوفيايت ،بينام يرى البعض اآلخر أن
ذلك النظام سيكون مآله العودة إىل نظام األقطاب املتعددة؛ حيث ستربز قوى دولية أخرى إىل جانب الواليات املتحدة مثل اليابان والصني وأوروبا املوحدة . (5
من هنا ،فإن النظام الدويل اجلديد ما زال يف مرحلة انتقالية تتسم بخصائص جديدة،
يف مقدمها عدم السامح بتفجري أزمات إقليمية كربى ،مع هتدئة األزمات القائمة ،وعدم قبول أي مترد عىل القواعد التي جيري إرساؤها باعتبارها أساس ًا للنظام العاملي اجلديد ،والتأكيد
عىل عدم اللجوء إىل القوة العسكرية حلل اخلالفات بني الدول ،يف الوقت الذي ال ترىض فيه الواليات املتحدة األمريكية بربوز قوة إقليمية أو دولية قد هتدد القواعد اجلديدة لذلك النظام.
ومن ثم نستطيع فهم سياسة االحتواء املزدوج التي تتبعها الواليات املتحدة الحتواء كل من العراق وإيران وتقييد قدراهتام عىل بناء القوة التي هتدد أركان ذلك النظام اجلديد يف منطقة
اخلليج ،وهو ما قد يربر استمرار الوجود العسكري األمريكي يف منطقة اخلليج عىل الرغم من
انتهاء عمليات حترير الكويت وإعادة الرشعية إليها.
ال شك يف أن النظام العاملي اجلديد وبروز القوة األمريكية ،بصفتها قوة عاملية وحيدة
مسيطرة ،له دالالته اخلطرية عىل مستقبل العامل ككل والدول النامية بصفة خاصة ،حيث إن انفراد قوة واحدة بالسيطرة يف النظام الدويل قد يضمن سالم ًا عىل املستوى العاملي ،ولكنه السالم القائم (5حممد السيد سعيد« ،املتغريات السياسية الدولية وأثرها عىل الوطن العريب »،يف :حممد صفي الدين أبو العز ،مرشف، الوطن العريب واملتغريات العاملية (القاهرة :جامعة الدول العربية ،معهد البحوث والدراسات العربية ،)1991 ،ص .54 (5انظر تلك الرؤية ،يف :عبد الواحد ،املصدر نفسه ،ص ،201-198وإهياب رأفت امللطي« ،سامت النظام العاملي اجلديد والتحول يف السياسة اخلارجية العربية »،ورقة قدمت إىل :املؤمتر السنوي الثامن للباحثني الشباب، السياسات اخلارجية للدول العربية يف التسعينات ،كلية االقتصاد ،مركز البحوث السياسية ،أيار/مايو .2000 مركز اخلليج لألبحاث
87
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
عىل اهليمنة والسيطرة ،السالم الذي يراعي مصالح الواليات املتحدة ويتناسى مصالح اآلخرين
يف النظام الدويل ،وتزداد اخلطورة عندما تتبنى القوة املسيطرة معيار الكيل بمكيالني يف التعامل مع
القضايا الدولية؛ مثل ما هو متبع يف التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل رصيح ومستفز.
إن وضعية الواليات املتحدة يف النظام العاملي اجلديد تؤثر يف حتديد حدود العالقة بينها وبني بعض الدول الطاحمة إىل القيام بدور أكرب يف حميطها اإلقليمي مثل إيران ،خصوص ًا أن هناك قضايا خالفية عديدة بني البلدين؛ مثل املوقف من حركات اإلسالم السيايس املتطرفة
التي تدعمها إيران وتصفها الواليات املتحدة باإلرهاب مثل «حزب اهلل» يف لبنان ،كذلك موضوع التسلح اإليراين ومسألة حقوق اإلنسان.
عىل الرغم من املوقف اإليراين املعتدل حيال الغزو العراقي للكويت ،واملكاسب التي
حققتها إيران من وراء ذلك املوقف ،فإن التوتر يف العالقات اإليرانية األمريكية كان سمة أساسية يف عهدي جورج بوش وكلينتون ،إذ وضعت إيران عىل رأس قائمة الدول الداعمة لإلرهاب
كام تراها إدارة كلينتون ،وهددت الواليات املتحدة إيران بفرض عقوبات جتارية عليها وجتميد ممتلكاهتا لدهيا ،بل إن الواليات املتحدة األمريكية اهتمت أعوان إيران باملحاوالت التخريبية
التي جرت داخل األرايض األمريكية ،ومنها حماولة تفجري مركز التجارة العاملي عام .1993
من ناحية أخرى ،إن الوجود األمريكي يف منطقة اخلليج العريب يصطدم بشكل مبارش مع
املصالح اإليرانية ورغبتها يف تأكيد سيادهتا عىل منطقة اخلليج ،من خالل قيامها بدورها اإلقليمي
التارخيي يف املنطقة باعتبارها الدولة الوحيدة القادرة عىل صيانة األمن يف تلك املنطقة . (5
-3العوملة
يف ضوء املتغريات املتالحقة والرسيعة عىل الساحة الدولية والدخول يف عرص االعتامد املتبادل ،واختفاء احلدود بني ما هو داخيل وما هو خارجي ،ح ّلت املنافسة االقتصادية حمل املنافسة العسكرية التقليدية بني الدول ،وشهدت هناية القرن العرشين املنرصم االجتاه نحو
العاملية باالقتصاد واملعرفة والتقدم العلمي والتكنولوجي.
”Mohammad Ali Emami, “Perspectives on the Security of the Persian Gulf, )(53 Iranian Journal of International Affairs, vol. 5, nos. 3-4 (Fall-Winter 1993- 1994), p. 690.
88
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
تعني العوملة يف أبسط معانيها اعتامد كل دولة عىل الدولة األخرى واستحالة انفصاهلا عنها وصعوبة تطبيق سياسة انغالقية ألي دولة ،فهي تعني أيض ًا وجود نظام تشارك فيه كل أطراف العامل بوضع نظام اقتصادي وسيايس وإعالمي وثقايف يساهم فيه اجلميع يف ظل عامل القرية الكونية الصغرية التي نجمت عن الثورة اهلائلة التي شهدهتا هنايات القرن العرشين يف
جمال املعلومات واالتصاالت . (5
والعوملة هي ظاهرة هلا أبعادها السياسية واالقتصادية والثقافية ،وبالطبع ال بد أن تلقي
بظالهلا عىل السياسات اخلارجية للدول التي تطاهلا تلك الظاهرة اجلديدة .فالعوملة يف جانبها االقتصادي تركز عىل حترير التجارة الدولية وتدعو إىل انفتاح النظام التجاري العاملي ،بحيث
تتمكن املؤسسات التجارية من التبادل التجاري يف جو من التنافس العادل ،وهذا من شأنه
أن يقود إىل زيادة التبادل التجاري ،ومن ثم إىل مزيد من االستثامرات واإلنتاج وتوفري فرص العمل ،واالستخدام األمثل للموارد العاملية ،وحتقيق التنمية االقتصادية ،ورفع مستوى املعيشة يف بلدان العامل كله . (5
وتعترب اتفاقية «الغات» ومنظمة التجارة العاملية املدخلني االقتصاديني والتجاريني
للعوملة ،ويرى البعض أنه عىل الرغم من حمورية البعد االقتصادي للعوملة ،فإن التحرير التجاري الذي يدعو إليه أنصار العوملة ال يعني حترير ًا شام ً ال للتجارة ،بقدر ما يعني فتح أسواق اجلنوب أمام أسواق الشامل ،ومن ثم فإن العوملة تصبح باألساس سعي ًا من الشامل
للسيطرة عىل أسواق اجلنوب حتت غطاء من الرغبة يف حترير التجارة العاملية . (5
وعىل صعيد آخر ،تسعى العوملة لرتويج ثقافة كونية تذيب احلدود بني الدول ،وتؤدي
إىل زيادة معدالت التجانس بني الدول ،فالعوملة يف مضموهنا الثقايف تسعى إىل فرض وتسييد
نموذج ثقايف واحد هو النموذج الغريب ،أو عىل وجه التحديد النموذج األمريكي ،وبالتايل (5رمضان األلفي« ،العوملة واألمن :االنعكاسات السلبية واإلجيابية »،كراسات اسرتاتيجية ،العدد 72 ( ،)1998ص .5 (5أمحد طه حممد« ،العوملة والتعامل اآلسيوي متعدد األطراف »،ورقة قدمت إىل :املؤمترالسنوي السادس «آسيا والعوملة» ،مركز الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد ،جامعة القاهرة 21 - 20 ،كانون الثاين/يناير ،2001ص .1
(5حممد شوقي عبد العال« ،العوملة والسياسات اخلارجية للدول اآلسيوية »،ورقة قدمت إىل :املؤمترالسنوي السادس «آسيا والعوملة» ،مركز الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد ،جامعة القاهرة 21 - 20 ،كانون الثاين/يناير ،2001ص .2 مركز اخلليج لألبحاث
89
الفصل الثاين :حمددات السياسة اإلقليمــــية اإليرانيــــة
تكون العوملة هبذا املعنى نوع ًا من الغزو الثقايف ،أو نوع ًا من االستيعاب الثقايف ،حيث تسعى الثقافة الغربية واألمريكية إىل استيعاب دول العامل يف جعبتها الثقافية وفرض أنموذجها عليها. لكن قد يكون اهلدف الثقايف للعوملة أقل طموح ًا من اهلدف الغريب واألمريكي ،فقد يكون هدفها إجياد حد أدنى من القواسم املشرتكة يف املجال الثقايف عىل املستوى العاملي يتجاوز اخلصوصيات الثقافية ،إىل جانب ما حتتفظ به كل دولة من خصوصية ثقافية خاصة هبا. وعموم ًا ،األخذ بأحد هذه البدائل يعتمد عىل الدور الذي تؤديه وسائل االتصال وتقنياتته، وعىل القوة التي تدعم تلك الثقافة . (5 أما عىل الصعيد السيايس ،فإن العوملة تعني الديمقراطية احلرة .إذ ال بد من إحداث حتوالت ديمقراطية تدفع بدول العامل نحو تبني النموذج الغريب للديمقراطية ،ففي عرص العوملة يستند الفكر الرأساميل إىل عنارص القوى املعرفية واالقتصادية لنرش املنظومة الليربالية الغربية ،وبخاصة بعد نجاح الفكر القيمي الغريب باالنتشار بني دول املعسكر االشرتاكي السابق يف وسط أوروبا ورشقها أعقاب سياسات غورباتشوف اإلصالحية واهنيار االحتاد السوفيايت وهتالك العروش الشيوعية وتساقطها يف دول املعسكر االشرتاكي ،فالبعد السيايس للعوملة يعني مزيد ًا من الديمقراطية واملشاركة السياسية واالنفراج الليربايل ،ومزيد ًا من االحرتام حلقوق اإلنسان . (5
تطرح العوملة هبذا املعنى ،وبام حتمله من إجيابيات وسلبيات ،حتدي ًا جديد ًا أمام السياسات الداخلية واخلارجية لدول العامل ،فهي ليست جمرد ظاهرة اقتصادية معلوماتية فحسب ،وإنام -باإلضافة إىل ذلك -ظاهرة ذات أبعاد سياسية وثقافية تدفع نحو تبني النمط الغريب عىل خمتلف األصعدة السياسية واالقتصادية والثقافية ،ومن ثم كان ال بد هلا من أن تلقي بظالهلا عىل مضامني وأبعاد السياسات اخلارجية والداخلية للدول، واألدوار اإلقليمية والدولية لتلك الدول. إن اخلطوات التي اتبعتها إيران يف أعقاب انتخاب الرئيس حممد خامتي ،سواء يف ما يتعلق بتوسيع نطاق الديمقراطية داخلي ًا وحماوالت اإلصالح االقتصادي وصو ً ال إىل حماوالت كرس العزلة الدولية املفروضة عليها وإعادة املياه لنهر عالقاهتا الدبلوماسية مع دول اجلوار اجلغرايف (5ماجدة صالح« ،األبعاد الثقافية للعوملة يف آسيا »،ورقة قدمت إىل :املؤمترالسنوي السادس «آسيا والعوملة»، مركز الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد ،جامعة القاهرة 21 - 20 ،كانون الثاين/يناير ،2001ص .3
(5هدى ميتكيس« ،األبعاد السياسية للعوملة يف آسيا »،ورقة قدمت إىل :املؤمترالسنوي السادس «آسيا والعوملة» ،مركز الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد ،جامعة القاهرة 21 - 20 ،كانون الثاين/يناير ،2001ص .2 90
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وحتسني صورهتا يف مواجهة دول العامل األخرى ،تلك اخلطوات التي كانت نتيجة طبيعية للتطورات التي تشهدها إيران قد تدفع بالقول بقبول إيران بأفكار العوملة ،أو أهنا تسعى للدخول حتت مظلتها من خالل العمل عىل حتقيق متطلباهتا السياسية واالقتصادية ،فمجمل الوضع اإليراين يوضح أن إيران تتجه نحو ديمقراطية النظام السيايس ومشاركة أحزاب وجهات وحتالفات خمتلفة يف اللعبة السياسية ،إذ شهدت انتخابات 23أيار/مايو 1997أعىل معدل من املشاركة الشعبية يف تاريخ إيران ما بعد الثورة ،ما يؤكد رغبة الشعب اإليراين يف الديمقراطية واملشاركة السياسية ،خصوص ًا بعد إعالن الرئيس اإليراين حممد خامتي رضورة السعي نحو إعامل حكم القانون وبناء املجتمع املدين . (5 وهناك سعي من النظام السيايس نحو جذب االستثامرات املحلية واألجنبية ،ويدرك النظام أن ذلك لن يتحقق من دون توافر قدر كبري من االستقرار واألمن السيايس وحل املشكالت التي تواجه االقتصاد اإليراين نتيجة العزلة التي فرضت عليها لفرتة طويلة ،ومن أهم تلك املشكالت رضورة تنويع صادرات إيران إىل العامل اخلارجي ،وعدم االقتصار عىل النفط الذي يمثل وحده 80يف املئة من صادراهتا إىل العامل اخلارجي .كام يسعى النظام إىل معاجلة مشكالت البطالة والتضخم وانخفاض معدل الناتج القومي وزيادة الواردات عن الصادرات ،إضافة إىل زيادة عبء خدمة فوائد الديون . (6 املهمة ليست سهلة يف هذا املجال ،فهي نتيجة تراكامت ثامين سنوات من احلرب مع العراق،
وعزلة دولية طويلة ،إىل جانب سياسة االحتواء املزدوج التي اتبعتها الواليات املتحدة ضد إيران
منذ عام .1995وإيران إذ حتاول التغلب عىل املشكالت التي فرضتها عليها العوملة االقتصادية،
فإهنا تسعى نحو االستفادة من الفرص املتاحة أمامها عن طريق تشجيع التجارة اإلقليمية وبناء عالقاهتا االقتصادية بالتوجه الشاميل/اجلنويب لتجاوز اخلطر األمريكي ،فهي حتاول تركيز
جهودها عىل األسواق املتاحة أمامها يف دول آسيا الوسطى وبحر قزوين ومنطقة اخلليج.
”Ali Abootalebi, “The Struggle for Democracy in the Islamic Republic of Iran, )(59 Middle East Review of International Affairs (MERIA), vol. 4, no. 3 (September 2000), pp. 42-50.
(6حميي الدين قاسم« ،إيران والعوملة »،ورقة قدمت إىل :املؤمترالسنوي السادس «آسيا والعوملة» ،مركز الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد ،جامعة القاهرة 21 - 20 ،كانون الثاين/يناير ،2001ص .15-8 مركز اخلليج لألبحاث
91
الف�صل الثالث عملية �صنع ال�سيا�سة اخلارجية ا إليرانيـة
يتضمن هذا الفصل األدوار املختلفة املؤثرة يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية،
واألدوات املستخدمة يف تنفيذ تلك السياسة خالل مراحل احلكم اإليراين املختلفة منذ ثورة
،1979وذلك عىل النحو التايل:
أو ًال :دور األيديولوجيا يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية تنزع الثورات اإلسالمية والتقليدية يف الرشق األوسط التي تنجح بإقامة دولة ألن تستند
إىل عقد ديني/عسكري بني أهل السيف (احلكام) وأهل القلم (العلامء) ،ويؤدي هذا التحالف بني القائد السيايس والعسكري ورجال الدين إىل إضفاء الرشعية السياسية عىل الدولة ،ويضع األيديولوجيا يف إطار دينامي حركي ،من أجل توسيع النطاق املذهبي من ناحية ،ومن أجل تدعيم
هياكل الدولة ومؤسسـاهتا ومد نفوذها إىل نطاق سيايس أكرب وأشمل من ناحية أخرى .
هتتم األيديولوجيا بالنظام السيايس ،وتركز اهتاممها حول السيطرة عىل السلطة السياسية وممارستها ،كام إهنا هتتم باإلنسان ودوره ،وتعمل عىل تأليف سلوك أفراد املجتمع ليتوافق مع توجهاهتا .ومن ذلك أيض ًا أهنا هتتم بطبيعة النظام االقتصادي واالجتامعي والثقايف؛ أي إهنا منحى حيايت ونظام إلدارة حياة األفراد ،فهي نسق فكري عام يقدم تفسري ًا للظواهر السياسية واالجتامعية والفكرية واألخالقية ،ويوجه ويبسط االختيارات السياسية واالجتامعية لألفراد واجلامعات . صالح املانع «البعد اإليديولوجي يف العالقات السعودية اإليرانية »،يف :مجال سند السويدي ،حمرر ،إيران واخلليج :البحث عن االستقرار (أبو ظبي :مركز اإلمارات للبحوث والدراسات االسرتاتيجية ،)1996 ،ص .225-224 حممد فايز ،قضايا علم السياسة العام (بريوت :دار الطليعة ،)1986 ،ص .189
مركز اخلليج لألبحاث
93
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
وصانع قرار السياسة اخلارجية هو فرد أو جمموعة من األفراد ،لكل منهم نسق عقيدي خاص به .وقد يتبنى املجموع نسق ًا عقيدي ًا واحد ًا أو أيديولوجيا حمدَّ دة ،حتدَّ د طبيعة التفكري وكيفية استقاء املعلومات وتنظيمها وتبويبها وترتيبها ،وحتديد البدائل القرارية واختيار البديل النهائي الذي يمثل قرار السياسة اخلارجية.
وتؤثر األيديولوجية أو النسق العقيدي ألفراد جمموعة صنع القرار ،بشكل كبري يف
توجيه السياسة اخلارجية للعديد من الدول ،فهي تؤثر بشكل مبارش أو غري مبارش يف واضعي
السياسات اخلارجية ،ومتدهم باألداة التي يفرسون هبا الواقع بحسب تصوراهتم ،وبام يتفق مع النامذج الفكرية والسياسية التي يعتنقوهنا .
والعقائد السياسية ال توجه القائد السيايس نحو بديل معني ،ولكنها حتدد اإلطار العام
الذي حيوي جمموعة البدائل التي يمكن املفاضلة بينها ،وجمموعة البدائل املستثناة من البداية من دائرة االختيار املحتمل ،فالقائد السيايس يميل دائ ًام إىل إحداث نوع من االتساق بني نسقه العقيدي واملعلومات الواردة إليه من البيئة حول املوضوع حمل القرار .وإذا ما كانت تلك املعلومات تتناقض مع نسقه العقيدي فإنه يسلك أحد السبل التالية : جتاهل املعلومات التي تتناقض مع نسقه العقيدي. الطعن يف مصدر املعلومات التي تتناقض مع النسق العقيدي. إعادة تفسري املعلومات املتناقضة مع نسقه العقيدي تفسري ًا جيعلها متوافقة مع نسقه العقيدي. البحث عن معلومات جديدة تتوافق مع نسقه العقيدي. التقليل من أمهية املعلومات املتناقضة مع نسقه العقيدي. -تقسيم املعلومات املتناقضة مع النسق العقيدي إىل فئات فرعية يتواءم بعضها مع
نسقه العقيدي.
اسامعيل صربي مقلد ،االسرتاتيجية والسياسة الدولية :املفاهيم واحلقائق األساسية (بريوت :مؤسسة األبحاث العربية ،)1985 ،ص .79 حممد السيد سليم ،حتليل السياسة اخلارجية ،ط ( 2القاهرة :النهضة املرصية ،)1998 ،ص .411-408
94
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
-إحداث تعديل حمدود يف النسق العقيدي ،بحيث يتوافق مع املعلومات املتناقضة اجلديدة.
ال شك يف أن السبل الست ُ األ َول تعني أن صانع القرار يسعى إىل التعديل يف الواقع ويف ما يرد إليه من معلومات حول املوضوع حمل القرار بالشكل الذي يتوافق مع ما يعتقده وما يؤمن به ،وهلذا األمر خطورته وآثاره السلبية يف املدى البعيد؛ ألن احتامالت اتباع سياسات خارجية خاطئة هو أمر وارد بدرجة كبرية ،بينام البديل السابع يف التفكري هو البديل األقرب إىل العقالنية ،خصوص ًا إذا كانت املعلومات الواردة إليه هي معلومات سليمة ،ومن هنا يكون قرار السياسة اخلارجية متوافق ًا مع معطيات املوقف السيايس. ومن هنا ،نجد أن البعض مثل روي مكريدس يرى أن األيديولوجيا أحيان ًا قد تعني التضليل والتحريف والتزوير ،وتؤدي إىل أفعال متعصبة وقرارات طائشة . ويف إيران انترص الفكر اإلسالمي الشيعي بقيادة آية اهلل اخلميني ،واستطاعت الثورة أن تطيح باحلكم البهلوي ،وتم إعالن اجلمهورية اإلسالمية يف نيسان/أبريل .1979واستطاع آية اهلل اخلميني إدارة الثورة اإلسالمية يف إيران من منفاه يف فرنسا بعد سنوات قضاها يف تركيا والعراق ،واستطاع جذب العديد من طبقات املجتمع اإليراين ،خصوص ًا الطبقة الوسطى من التكنوقراط والطالب واملوظفني للوقوف وراء أفكاره التي كانت الرشارة التي أطلقت الثورة ضد النظام احلاكم يف إيران وأطاحت به .وعاد «الويل الفقيه» نائب اإلمام الغائب املعصوم ليمسك بزمام األمور يف البالد ويطور وجيدد النسق السيايس الشيعي الذي حكم البالد كأيديولوجيا وعقيدة دينية وسياسية وشعار رفعه النظام اإلسالمي اجلديد يف إيران ،وأصبح الفكر الديني للخميني إحدى الركائز األساسية املحددة لطبيعة عملية صنع القرار اإليراين، سواء عىل املستوى الداخيل أم عىل املستوى اخلارجي. لقد نجح اخلميني يف بسط سيطرة رجال الدين عىل الدولة عرب بسط سلطتهم الدينية عىل الساحة السياسية ،فخرجت الدولة اإليرانية اجلديدة دولة شيعية ثيوقراطية ،يمسك فيها رجال الدين بكل مقاليد احلكم ،ويفرضون قوانني الدولة ،ويتولون إدارة ُج ّل مؤسساهتا السياسية واالقتصادية واالجتامعية والثقافية . )(5 )(6
Roy C. Macridis, Contemporary Political Ideologies: Movements and Regimes (Cambridge, MA: Winthrop Publishers, 1980), p. 2.
Said Amir Arjomand, «History and Revolution in the Shi’ite Tradition in
مركز اخلليج لألبحاث
95
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
إن أحد األسس التي بنى عليه اخلميني دولته اإلسالمية يف إيران ،هو الرتابط الوثيق بني الدين والسياسة ،والرفض التام ملقولة الفصل بينهام أو القول إن الدين يمثل شيئ ًا والسياسة
متثل شيئ ًا آخر .
وهكذا ،نجد الرتابط بني األيديولوجيا اجلديدة وعملية صنع القرار وسياسات الدولة داخلي ًا وخارجي ًا هو أمر ثابت ،بل ومفروغ منه عند دراسة السياسة اخلارجية إليران. إن الدور الشامل للدين يف إيران مل يؤثر يف الطبيعة الثيوقراطية للنظام السيايس فحسب، بل أثر أيض ًا يف السياسة اخلارجية وصبغها بصبغة معينة. لقد انتهجت إيران الثورة سياسة خارجية وضعت لنفسها أهداف ًا وخمططات طموحة منذ عام
،1979فقد رفضت الوضع الدويل لتوزيع القوة والثروة آنذاك ،وسعت إىل كسب تأييد اجلامهري اإلسالمية من خالل إيامءات رمزية؛ مثل إصدار الفتوى بحق سلامن رشدي ،وحتدَّ ي رشعية نظم احلكم القائمة يف البلدان اإلسالمية ،ورفع شعار تصدير الثورة إىل الدول املجاورة .
مثلت تصورات اخلميني املحرك الفكري للسياسة اخلارجية اإليرانية ،فاخلميني قسم العامل من حيث القوة إىل قسمني :،املستضعفون واملستكربون ،فاملستكربون هم الدول والشعوب التي متلك القوة وتستخدمها للسيطرة عىل اآلخرين واستغالهلم ،أما املستضعفون فهم الذين ال يملكون القوة وخيضعون الستغالل معسكر املستكربين ،ويضم ذلك بالطبع الدول العربية ومعظم الدول اإلسالمية. ويرى اخلميني أن إيران اإلسالمية هي الدولة الوحيدة يف العامل التي تسلك املسلك
احليادي؛ ألهنا وحدها التي تتمتع باالستقالل احلقيقي ،كام أن إيران هي الدولة الوحيدة التي يتحقق فيها اإلسالم الصحيح ،وهي احلكومة الوحيدة التي تأسست عىل مبادئ القرآن ،ومن ثم
فإن رصاعها مع أي طرف خارجي مهام كانت هويته هو باألساس كفاح بني احلق والباطل .
Contemporary Iran,» International Political Science Review, vol. 10, no. 2 (1989), p. 113.
خالد العواملة« ،الثورة اإليرانية ورشعية النظم السياسية العربية( »،رسالة ماجستري ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1992 ،ص .519-518
املانع «البعد اإليديولوجي يف العالقات السعودية اإليرانية »،ص .233 Shireen Hunter, Iran and the World: Continuity in a Revolutionary Decade )(9 (Bloomington: Indiana University Press, 1990), p. 77.
96
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
واحلكومة التي يقصدها اخلميني هي احلكومة اإلسالمية كام يراها هو ،وهي خري
احلكومات لدى اخلميني ،وهي احلكومة التي تطبق أحكام اإلسالم يف ظل غياب اإلمام الثاين
عرش ،وهو اإلمام حممد بن احلسن العسكري ،الذي غاب منذ عام 256هجرية ،أي منذ أكثر من ألف ومئة ومخسني عام ًا ،وهذه احلكومة هي مقدمة لتحقيق أهداف أخرى؛ مثل توحيد األمة اإلسالمية ،وحتريرها من أغالل االستعامر ،وإسقاط احلكومات العميلة للمستعمر.
وتلك احلكومة كام يراها آية اهلل اخلميني هي حكومة دستورية ولكن باملعني الديني.
والس ّنة النبوية املطهرة، حمك الدستورية يف تلك احلكومة هو التقيد املطلق باألوامر اإلهلية ُ
وهبذا املعنى فإن الربملان ليست وظيفته الترشيع ،ولكن حتويل رشع اهلل إىل قواعد وإجراءات
وقوانني قابلة للتطبيق ،وال يرشّ ع بنفسه ،فال مرشّ ع غري اهلل سبحانه وتعاىل.
يرتبط بمفهوم احلكومة اإلسالمية مفهوم والية الفقيه ،فالفقهاء يأتون عىل رأس
احلكومة اإلسالمية حتى ولو كان هلا حكام من غري رجال الدين ،وقد امتدت والية الفقيه من
املجال الديني إىل املجال السيايس . (1
والوالية تعني والية أمر املسلمني ،وهي كام يف املذهب اجلعفري أصل من أصول الدين، فقد ورد يف احلديث الذي رواه اإلمام جعفر الصادق أن اإلسالم ُبنِي عىل مخس :الصالة والزكاة والصوم واحلج والوالية . (1
ال من أصول الدين بد ً وهذا يعني أن الشيعة قد أحلوا والية الفقيه باعتباره أص ً ال من الس ّنة وهو شهادة أن ال إله إال اهلل وأن حممد ًا رسول اهلل. ركن اإلسالم األول لدى ُ ونظر ًا إىل أن الفكر الشيعي يف أحد أركانه يعتقد باختفاء اإلمام الثاين عرش وبأنه سيعود
عند قرب هناية الزمان يف صورة املهدي املنتظر ،فإنه ال بد أن يكون لإلمام الغائب نائب يتوىل رعاية وتوجيه املسلمني فرتة غياب اإلمام ،وذلك النائب يدخل يف زمرة أويل األمر الذين
أوجبت اآلية الكريمة من سورة النساء طاعتهم بعد طاعة اهلل وطاعة الرسول ،وذلك يف قوله (1نيفني عبد املنعم مسعد ،صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية (بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية ،)2001 ،ص .55-54
(1أبو جعفر حممد بن يعقوب الكليني ،األصول من الكايف ،صححه وعلق عليه عيل أكرب الغفاري 2 ،ج (بريوت :دار االضواء ،)1985 ،ج ،2ص .18 مركز اخلليج لألبحاث
97
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
سبحانه﴿ :يا أهيا الذين آمنوا أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم﴾ . (1 ذلك النائب الويل هو الذي يتوىل تسيري أمور احلكومة اإلسالمية ،وتنفيذ أحكام الرشيعة
اإلسالمية حتى ال تظل معطلة إىل أن يظهر اإلمام الغائب الذي قد يمر عىل غيابه آالف السنني،
حتى ال يسود اهلرج واملرج وتبقى أحكام اإلسالم معطلة ويعمل الناس ما يشاءون.
ويرى اخلميني أن الفقهاء هم ورثة األنبياء وأمناء الرسل ،فقد ورثوا عنهم العلم
واحلديث .والوالية باملعنى الذي يراه اخلميني قابلة لالنتقال والتوريث ،حيث تستقر الوالية
بعد الفقيه باالنتخاب من قبل جملس اخلرباء كام حدث مع اإلمام خامنئي . (1
مجعت نظرية الفقيه ،كام وضعها اخلميني ،يف يد الفقيه السلطات والصالحيات الدينية والسياسية يف آن واحد مع ًا .وقد قنن ذلك الوضع يف دستور ،1979ثم عندما أدخلت بعض
التعديالت الدستورية عام 1989حدث مزيد من إطالق يد الويل الفقيه يف الشؤون السياسية، فالفقيه هو الذي حيدد السياسات العامة للنظام ،وهو الذي يرشف عىل تطبيقها ،وهو الذي يفض االشتباك بني السلطات املختلفة عندما يتعذر عىل جممع تشخيص مصلحة النظام القيام
هبذه املهمة ،كام أنه هو الذي يعني الفقهاء يف جملس صيانة الدستور والقيادات األمنية ورئيس السلطة القضائية ،وهو الذي يعلن احلرب ،وهو القائد األعىل للقوات املسلحة.
ولكي يكون الويل الفقيه مؤه ً ال لذلك املنصب ال بد أن تتوافر فيه رشوط عدة،
أمهها الفقاهة أو العلمية ،والعدالة والكفاءة السياسية واالجتامعية ،واخلربة السياسية واالجتامعية . (1
وتأيت أمهية والية الفقيه يف األيديولوجيا اإليرانية من اعتبارها أن الثورة اإلسالمية يف
إيران وقيام حكومة إسالمية فيها حتت قيادة الويل الفقيه ،مقدمة مرحلية لبناء الدولة اإلسالمية العاملية التي َّأكد آية اهلل خامنئي حتمية ظهورها بزعامة املهدي املنتظر. تلك احلكومة التي ستقوم برسم املستقبل اإلسالمي .ويف هذا املجال يقول آية اهلل (1القرآن الكريم« ،سورة النساء »،اآلية .59
(1آية اهلل اخلميني ،احلكومة اإلسالمية ،ط [( 3طهران] :مركز بقية اهلل[ ،د .ت]) ،ص .151-150 http://www.aljazeera.net/programs/open–dialog/articles/2001/2/2-27-1.htm. )(14 98
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
اخلميني« :إن آيات القرآن الكريم وأحاديث األئمة املعصومني تؤكد حتمية ظهور احلكومة
العاملية لإلسالم بزعامة حرضة ويل العرص ،وسوف تقوم هذه احلكومة لرسم مستقبل مرشق ملحرومي العامل ،إننا نعتقد ونؤمن هبذه احلكومة وهذا املستقبل املرشق ،ونعترب أن املهدي
املنتظر هو عامل إجياد مثل هذه احلكومة ،وإن اخلصائص اإلمجالية هلذه احلكــومة واضحة لنا متام ًا ،وإننا نعد أنفسنا لوجودها ،ونعتقد بأن حركتنا جيب أن تكون بإهلام من مثل هذه املثل
سعي ًا لقيامها وحتققها» . (1
هذا ،وقد ارتبطت األيديولوجيا اإليرانية ارتباط ًا وثيق ًا بالسياسة اخلارجية للجمهورية
اإلسالمية .فقد ألقى البعد املذهبي يف فن صياغة وحتديد السياسة اخلارجية اإليرانية يف أعقاب الثورة بظالله عىل األنشطة والتحركات اإليرانية اخلارجية كافة ،سواء أكانت وجهتها إقليمية أم قارية أم حتى عاملية ،فقد سعت إيران إىل تسييس الدين بشكل مبارش ،وطرحته ممارسة سياسية أو ً ال قبل طرحه دين ًا ،وهو ما سيظهر عند تناوله بالتفصيل مع كل مرحلة تارخيية من مراحل احلكم اإلسالمي يف إيران منذ اندالع الثورة وحتى هناية القرن العرشين.
ثاني ًا :دور القيادة يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية
تشارك يف عملية صنع السياسية اخلارجية اإليرانية جمموعة من القوى واملؤسسات التي ورد ذكرها نص ًا يف الدستور اإليراين ،وتلك التي صنعت لنفسها دور ًا فاع ً ال يف عملية صنع القرار من دون أن يرد هلا ذكر رصيح يف الدستور. لذلك فإن أي دراسة للقوى واملؤسسات املشاركة يف عملية صنع السياسة اخلارجية
اإليرانية ال بد أن جتمع بني املقاربتني الدستورية القانونية والواقعية ،أي دراسة دور املؤسسات
التي ينص عليها الدستور وتلك القوى التي متارس دورها خارج إطار من ذكرهم الدستور نص ًا .واملامرسة اإليرانية قد خ ّلفت قوى ومؤسسات وتنظيامت فاعلة يف عملية صنع السياسة اخلارجية ليس هلا أي سند دستوري ،فالطالب والتجار والبازار واملثقفون هم من القوى املشاركة يف عملية صنع القرار يف إيران دون أن يتضمنها الدستور . (1 (1كيهان (إيران).1987/4/11 ،
(1مسعد ،صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية ،ص .78 – 77 مركز اخلليج لألبحاث
99
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
وتركيبة نظام احلكم يف اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية تتصف بالتعدد والتنوع والتداخل،
ويف إطار ذلك التنوع تأيت مؤسسة القيادة املتمثلة يف املرشد عىل رأس مؤسسات احلكم يف إيران ،وهي متارس دور ًا مفصلي ًا يف عملية صنع قرار السياسة اخلارجية اإليرانية .والدستور اإليراين جيعل مسألة اإليامن بوالية الفقيه من الركائز األساسية للجمهورية اإلسالمية ،فال يستقيم نظامها إال هبا ،وال يكتسب رشعيته إال بأعامهلا ،فاملرشد يتمتع بوضع شديد التميز.
ينص الدستور اإليراين عىل أن املرشد أو القائد هو أعىل سلطة يف إيران ،وقد منحه
الدستور السيادة السياسية والدينية ،فاملادة اخلامسة من الدستور حتدد ماهية القيادة يف إيران حيث تنص عىل أن والية األمة يف ظل استتار اإلمام تؤول إىل أعدل وأعلم وأتقى رجل يف
األمة ليدير شؤون البالد.
حيدد الفصل الثامن من الدستور اإليراين الرتتيبات اخلاصة بالقائد وأسلوب اختياره،
والرشوط الالزم توافرها فيه ،والصالحيات املنوط به القيام هبا.
وكان آية اهلل اخلميني هو أول مرشد للثورة االيرانية ،بعد سنوات طوال من قيادته
حلركة املعارضة ،حيث كان يف تصوره قيام إيران جديدة عىل غرار ما كان عليه األمر يف احلقبة
األوىل لإلسالم .ولكن بمجرد وصوله إىل السلطة أدرك آية اهلل اخلميني وأتباعه صعوبة إدارة دفة احلكم باستخدام الشعارات الثورية املجردة ،لذلك أوكل اخلميني مهمة إجراء انتخابات
الختيار جملس اخلرباء إىل املجلس الثوري الذي كان قد ألفه قبل وصوله إىل السلطة ،ثم توىل جملس اخلرباء مهمة وضع دستور جديد للبالد.
تكون من ثالثة وثامنني عضو ًا وضع إطار النظام وهكذا ،فإن جملس اخلرباء الذي ّ
السيايس بشكل أبرز الدور السيايس آلية اهلل اخلميني ،إضافة إىل دوره الديني التقليدي منذ
عام ،1979عىل الرغم من معارضة القوميني العلامنيني هلذا الدور .وجتدر اإلشارة إىل أن جملس اخلرباء قد استوحى منصب املرشد األعىل أو املرجع األعىل من املحارضات التي كان يلقيها آية اهلل اخلميني يف أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات خالل مناهضته للحكم امللكي
من منفاه يف العراق . (1 )(17
100
Shaul Bakhash, The Reign of the Ayatollahs: Iran and the Islamic Revolution (New York: Basic Books, 1984), pp. 80-83.
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وهكذا استحدث منصب جديد يفوق يف صالحياته ما كان ممنوح ًا للملك بمتقىض
دستور عام .1906
حتدد املادة 107من الدستور اإليراين لعام 1979الطريقة التي يتم هبا اختيار املرشد
األعىل ،فتوكل مهمة تعيني القائد إىل اخلرباء املنتخبني من قبل الشعب ،حيث يقوم أعضاء جملس اخلرباء بحرص الفقهاء الذين تتوافر فيهم رشوط القيادة ،واختيار أحدهم بناء عىل كونه
األعلم باألحكام واملوضوعات الفقهية واملسائل السياسية واالجتامعية ،وحيازته لتأييد الرأي العام ،ثم يعلنونه قائد ًا عام ًا يتحمل كل املسؤوليات ويتمتع بوالية األمر.
أما يف حال استحالة وجود من يصلح للوالية من بني الفقهاء املرشحني لذلك املنصب ،فإن أعضاء جملس اخلرباء ينتخبون واحد ًا من بينهم ويعلنونه قائد ًا عليهم. ووفقـ ًا ملا ورد يف املادتني 5و 109من الدستور ،فإن مؤهالت من يخُ تار ملنصب القيـادة هي: الكفاءة العلمية الالزمة للقيام بدور الفتوى يف النوازل. العدالة والتقوى كرضورة الزمة لقيادة األمة. -الفقه الواسع لظروف العرص ،والرؤية السياسية الصحيحة ،والكفاءة االجتامعية
واإلدارية والتدبري والقدرة الكافية للقيادة.
ويتويل املرشد األعىل النهوض بالوظائف والصالحيات اإلحدى عرشة التالية : (1 -تعيني السياسات العامة لنظام مجهورية إيران اإلسالمية بعد التشاور مع جممع
تشخيص مصلحة النظام.
اإلرشاف عىل حسن إجراء السياسات العامة للنظام. إصدار األوامر باالستفتاء العام. (1دستور اجلمهورية اإلسالمية يف إيران (طهران :مديرية الرتمجة والنرش ،رابطة الثقافة والعالقات اإلسالمية، ،)1997املادة .110 مركز اخلليج لألبحاث
101
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
القيادة العامة للقوات املسلحة. إعالن احلرب والسالم والنفري العام. تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من:-
فقهاء جملس صيانة الدستور.
-
أعىل مسؤول يف السلطة القضائية.
-
رئيس مؤسسة اإلذاعة والتلفزيون.
-
رئيس أركان القيادة املشرتكة.
-
القائد العام لقوات حرس الثورة اإلسالمية.
-
القيادات العليا للقوات املسلحة وقوى األمن الداخيل.
-
حل االختالفات ،وتنظيم العالقات بني السلطات الثالث.
-حل مشكالت النظام التي ال يمكن حلها بالطرق العادية من خالل جممع تشخيص
مصلحة النظام. -
توقيع حكم تنصيب رئيس اجلمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب ،واملوافقة عىل
-
عزل رئيس اجلمهورية مع مراعاة مصالح البالد ،وذلك بعد صدور حكم من
املرشحني للرئاسة بعد موافقة جملس صيانة الدستور.
املحكمة العليا بتخلفه عن وظائفه القانونية ،أو بعد رأي جملس الشورى اإلسالمي بعدم
كفاءته السياسية. -
العفو أو التخفيف من عقوبات املحكوم عليهم يف إطار املوازين اإلسالمية ،بعد
اقرتاح رئيس السلطة القضائية .وللمرشد األعىل أن يفوض صالحياته لشخص آخر.
وهكذا ،فإن الدستور اإليراين قد نص عىل وجود الزعامة املستمرة ودورها األسايس يف استمرار الثورة اإلسالمية مع توافر رشوطها الواجبة يف الزعيم القائد وفق ًا للامدة 109من 102
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
الدستور ،وقد استطاع اخلميني أن جيمع بني املرجعية الدينية والزعامة السياسية ،بل وردت
إشارة إىل ذلك يف مقدمة الدستور ،كام منحه فقهاء النظام لقب اإلمام ،وهي ظاهرة جديدة يف
النظام الشيعي ،ألن اإلمامة ال تكون إال ألحفاد الرسول عليه الصالة والسالم . (1
ويظهر من املسؤوليات والصالحيات املنوط هبا القائد أنه يتمتع بوضع شديد التميز،
حيث يتدخل يف عمل خمتلف سلطات الدولة ،ويالحظ أن دستور عام 1979مل حيتو إال
عىل بعض الصالحيات للقائد ،بينام جاءت تقوية منصب القائد ،وإضافة الصالحيات واملسؤوليات إليه يف التعديالت التي جرت عىل الدستور يف العام 1989؛ مثل حتديد
سياسات الدولة ،واإلرشاف عىل تنفيذها ،والدعوة إىل االستفتاء ،وحل اخلالفات بني فروع
القوات املسلحة وبني السلطات الثالث ،وتوسيع صالحيات عزل وتعيني وقبول استقالة عدد من القيادات السياسية والعسكرية ليضاف إليهم رئيس هيئة اإلذاعة والتلفزيون ورئيس
هيئة األركان املشرتكة .كام إنه من جماالت زيادة السلطات املمنوحة للقائد أن تكون سلطاته
يف جمال ختفيف األحكام أو العفو عن املحكوم عليهم بناء عىل اقرتاح رئيس السلطة القضائية الذي يعينه املرشد ذاته ،بعد أن كان ذلك االقرتاح يأيت من جانب املحكمة العليا يف دستور
عام .1979 (2
لقد زادت صالحيات ومسؤوليات املرشد القائد يف التعديالت التي طرأت عىل الدستور
عام 1989بشكل ملحوظ؛ حيث أصبحت تتضمن إحدى عرشة وظيفة ومسؤولية ،بعد أن كانت قارصة عىل ست فقط يف الدستور األصيل عام ،1979كام تم التخفيف من االشرتاطات الواجب توافرها يف القائد بعد وفاة اخلميني.
إضافة إىل ما سبق ،فإن هناك العديد من املؤسسات واهليئات التي ال تتبع أي جهة
حكومية يرشف عليها مرشد الثورة عرب ممثليها ،منها : (2 -مؤسسة الشهيد.
(1حممد السعيد عبد املؤمن« ،املسألة اإليرانية :الدور اإلقليمي :املحدَّ دات واملستقبل »،أوراق الرشق األوسط، العدد ( 14نيسان/أبريل ـ متوز/يوليو ،)1995ص .58
(2مسعد ،صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية ،ص .79 www.aljazeera.net/in–depth/iran–file/2001/4/4–21-3–htm. )(21 مركز اخلليج لألبحاث
103
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
مؤسسة اإلسكان. حركة التعليم. املجلس األعىل لثقافة الثورة. منظمة الدعاية اإلسالمية. جلان األرض. مؤسسة املظلومني.تعترب هذه اهليئات واملؤسسات بمنزلة مصدر دعم وتأييد وقوة إضافية للقائد بام تضمه
من أعضاء ومؤيدين ،وبام تشمله من أنشطة متس قطاعات كبرية من الشعب اإليراين.
أما عىل مستوى املامرسة الفعلية للقائد ،فالواقع السيايس والعميل يشريان إىل أن أول
مرشد أعىل للثورة اإلسالمية يف إيران ،آية اهلل اخلميني ،قد مارس صالحيات واسعة أثرت وسع اخلميني من يف صياغة قرار السياستني الداخلية واخلارجية ،فبحكم منصبه بصفته فقيه ًا َّ
صالحياته وأدخل منصبه يف اإلطار املؤسسايت بإقامة ثالث شبكات شخصية متداخلة ،ففرض سلطته ً أوال عىل أصحاب املناصب الرسمية املهمة يف الدولة ،عن طريق تعيني ممثليه الشخصيني الذين عرفوا بـ»ممثيل اإلمام» يف كل املصالح احلكومية املهمة وملتابعة األمور كلها.
وكان منصب ممثل اإلمام يعلو عىل منصب الوزراء ،وكانت عالقاهتم وأوامرهم تأتيهم
مبارشة من مكتب اخلميني ،وال متر حتى عرب الوزراء ،وهذا ما أعطى هؤالء قوة وسلطة كبريتني ،وجعلهم أذرعة اخلميني وعيونه يف املؤسسات التي يعينون فيها .وكانوا مسؤولني
مبارشة أمام اإلمام اخلميني.
أما الشبكة الثانية فتحققت من خالل املرسوم الذي أصدره اخلميني الذي يقيض
بتشكيل «سالح احلرس الثوري اإلسالمي» ،وإقامة شبكة من اللجان الثورية التي كانت
مهمتها إجهاض أي حماولة لتهديد الدولة اجلديدة ،وكبح سلطان القوات املسلحة النظامية، والسيطرة عىل اجلامهري ،وإحكام السيطرة عىل القوى األمنية ،األمر الذي ساعد اخلميني عىل
ترسيخ سلطاته من خالل إقامة دولة صغرية داخل الدولة. 104
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
أما الشبكة الثالثة فتحققت من خالل تدعيم اخلميني للعالقة بني الطالب ومدرسيهم
داخل الدوائر الدينية ،فاستفاد من هؤالء الطالب بوضعهم يف املناصب القيادية الدينية والسياسية بعد قيام الثورة .ومن طالبه هاشمي رفسنجاين الذي توىل رئاسة البالد بعد آية اهلل
حسني عيل منتظري الذي عني خليفة للخميني عام .1982
وهكذا ،استطاع اخلميني بام يملكه من قدرات كاريزمية ،وما يملكه من مرجعية دينية أن يستخدم تلك الشبكات بأسلوب فاعل ّ مكنه من تدعيم دولته اجلديدة ،وأصبح أكرب
قوة يف البالد ،وأصدر الفتاوى واملراسيم التي كانت هلا قوة القانون يف خمتلف املجاالت الدينية واالقتصادية واالجتامعية والسياسية ،والتي كانت تأيت يف بعض األحيان عىل حساب
االنتقاص من صالحيات السلطات األخرى يف البالد مثل السلطات القضائية والترشيعية، فقد أ ّدت فتاوى اخلميني أدوار ًا قضائية وترشيعية إىل جانب دورها الديني . (2 وعىل املستوى السيايس كان لبعض فتاوى اخلميني أثر يف العالقات الدولية إليران،
ففي 15شباط/فرباير 1989أصدر آية اهلل اخلميني فتواه بإهدار دم الكاتب الربيطاين سلامن
رشدي الذي أساء إىل اإلسالم والرسول يف كتابه آيات شيطانية ،األمر الذي أدى إىل قطع العالقات الدبلوماسية بني بريطانيا وإيران ،وتوترها مع العديد من دول أوروبا؛ وتلك الفتوى التي أصدرها اخلميني بقطع العالقات الدبلوماسية مع الواليات املتحدة األمريكية باعتبارها الشيطان األكرب .كام استخدم اخلميني سلطته يف حتديد مصري الرهائن األمريكيني، واختاذ قرار احلرب مع العراق .وداخلي ًا كان اخلميني فوق كل التحزبات والرصاعات ،وهو الذي حيدد احلالل واحلرام داخل اجلمهورية اإلسالمية.
يقوم فكر اخلميني يف ما يتعلق بالسياسة اخلارجية عىل مفهومي املستكربين واملستضعفني كام ذكرنا سالف ًا ،ومن هذا املنطلق فإن هدف السياسة اخلارجية اإليرانية ال ينحرص يف محاية الدول اإلسالمية فقط ،كام يف مفهوم دار اإلسالم ودار احلرب ،ولكن يتوسع ذلك اهلدف ليشمل املسامهة يف توحيد صفوف مجيع املناوئني للظلم واهليمنة العاملية يف الدول اإلسالمية
وغري اإلسالمية ،مع إعطاء أولوية خاصة للمسلمني ،ففي أعقاب نجاح الثورة اإليرانية رأى (2هبامن بختياري« ،املؤسسات احلاكمة يف اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية :املرشد األعىل والرئاسة وجملس الشورى (الربملان) »،يف :السويدي ،حمرر ،إيران واخلليج :البحث عن االستقرار ،ص .77-76 مركز اخلليج لألبحاث
105
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
اإلمام اخلميني أن هناك مسؤولية أساسية إليران يف مساندة الدول واحلركات التحريرية ضد النفوذ األجنبي ،وبخاصة يف جمال التحرر من اهليمنة الثقافية ،بعد أن انتهى االستعامر بشكله التقليدي.
ومن هنا جاءت فكرة «تصدير الثورة» وفق ًا للنموذج الذي تستطيع أن تقدمه إيران
للعامل اإلسالمي .ويرى اخلميني أن تصدير الثورة ال يتم عن طريق اإلكراه والضغط بقدر ما
يتم عرب اإلقناع . (2
إن الوضعية اخلاصة التي متيز هبا املرشد األعىل للثورة يف إيران هي نتاج ملجموعة من
املتغريات والعوامل املوضوعية التي أحاطت بالقائد السيايس ،ومنها: أسلوب الوصول إىل السلطة (الثورة). -الطبيعة الكاريزمية للقائد السيايس.
الصالحيات الدستورية للمرشد األعىل وعالقته بالسلطات األخرى يف الدولة.من هنا ،نجد أن األسلوب الدرامي الذي وصل به اخلميني إىل سدة احلكم يف إيران
من خالل الثورة ،إىل جانب الطبيعة الكاريزمية واملكانة الدينية التي صنعها لنفسه يف قلوب جسده الدستور من صالحيات واسعة ومطلقة للمرشد األعىل للثورة، الشعب اإليراين ،وما ّ جعلت اخلميني قوة فوق كل القوى السياسية يف إيران ،بل إن آراءه وفتاويه كانت هلا قوة القانون وواجبة التنفيذ والعمل هبا.
ومن هنا أيض ًا ،كان للخميني تأثريه الواضح يف عملية صنع السياسات الداخلية
واخلارجية إليران الثورة ،وكانت فتاواه هي التي حتدد اإلطار العام حلركة السياسة اخلارجية Rouhollah K. Ramazani, “Iran’s Export of the Revolution: Politics, Ends, and )(23 Means,” in: John L. Esposito, ed., The Iranian Revolution: Its Global Impact (Miami: Florida International University Press; Gainesville, FL: Orders, University Presses of Florida, 1990), p. 50.
تنص املادة ( )152من الدستور اإليراين عىل اآليت« :تقوم السياسة اخلارجية جلمهورية إيران اإلسالمية عىل أساس االمتناع عن أي نوع من أنواع التسلط أو اخلضوع له واملحافظة عيل االستقالل التام ووحدة أرايض البالد والدفاع عن حقوق مجيع املسلمني وعدم االنحياز مقابل القوى املتسلطة ،وتبادل العالقات السلمية مع الدول غري املحاربة» .وتضيف املادة ( )154واجبات احلكومة اإليرانية جتاه املجتمع البرشي بأن «مجهورية إيران اإلسالمية تقوم بدعم النضال املرشوع للمستضعفني ضد املستكربين يف أية نقطة من العامل ،ويف الوقت نفسه ،ال تتدخل يف الشؤون الداخلية للشعوب األخرى».
106
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
اإليرانية ،وتلك القوة مل تتو ّفر للمرشد األعىل الذي خلف اخلميني بعد وفاته يف الثالث من حزيران/يونيو ،1989فلم يكن آية اهلل عيل خامنئي الذي سبق أن توىل رئاسة اجلمهورية يملك املؤهالت الدينية املطلوبة التي كان يملكها كبار العلامء اآلخرين أمثال غلبيجاين
ومرعيش وقمي ،ومل يكن آية اهلل خامنئي يملك املرجعية الدينية التي كانت للخميني .ولكن
وقع االختيار عىل خامنئي من جانب جملس اخلرباء بعد أن تم تعديل الدستور وألغيت الفقرة اخلاصة باملرجعية باعتبارها رشط ًا من رشوط اختيار املرشد األعىل. إال أن خامنئي عمل عىل تقوية نفوذه من خالل زيادة عدد مساعديه ومستشاريه السياسيني .وعني ممثيلن يتبعونه شخصي ًا ويرفعون إليه تقارير حول خمتلف قضايا السياسة اخلارجية ،مثل التقدم الذي تم إحرازه يف املباحثات العراقية -اإليرانية ،وعملية تبادل أرسى
احلرب ،ومع ذلك مل تكن قرارات خامنئي تتمتع بالثقل والصالحية اللذين كانت تتمتع هبام قرارات آية اهلل اخلميني ،بل إن منصبه القيادي أصبح عرضة للخطر؛ حيث طالب أحد نواب
جملس الشورى عالنية بتعديل الدستور إللغاء منصب املرشد . (2
ثالث ًا :دور املصلحة القومية يف السياسة اخلارجية اإليرانية إذا كانت األيديولوجيا الثورية للنظام احلاكم يف إيران هي املحرك األسايس لعملية
صنع السياسة اخلارجية إليران يف عهد اخلميني ،وهي املحدد لتوجهات وأهداف النظام داخلي ًا وخارجي ًا وحتديد مصادر التهديد واألعداء واألصدقاء ،إال أن دورها قد تقلص إىل حد كبري يف أعقاب وفاة اخلميني وتوليّ رفسنجاين احلكم ،لتتقدم عوامل املصلحة القومية
عىل االعتبارات األيديولوجية .ازداد ذلك التوجه قوة مع فوز اإلصالحيني ووصول خامتي
إىل السلطة عام ،1997وبدت السياسات اخلارجية إليران أكثر واقعية .فإيران لدهيا الرغبة احلقيقية يف اخلروج من العزلة الدولية التي فرضتها عليها الواليات املتحدة األمريكية من خالل سياسة االحتواء املزدوج ،ولدهيا الرغبة يف االنفتاح عىل دول أوروبا واملعسكر اآلسيوي ودول العامل النامي ودول اخلليج.
ولقد نزعت إيران إىل التخيل التدرجيي عن أمهية العامل املذهبي يف السياسة اخلارجية (2بختياري ،املصدر نفسه ،ص .85-84 مركز اخلليج لألبحاث
107
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
اإليرانية ،لتحل حملها نظرة واقعية تقوم عىل حتقيق املصالح القومية للدولة ،بعد أن تأكد دور الدولة عىل حساب الثورة نتيجة سيطرة املعتدلني عىل السلطة ،األمر الذي جعل إيران تنتهج سياسة خارجية أكثر اعتدا ً ال جتاه دول العامل ،وخصوص ًا دول اخلليج املجاورة .ومن ثم أصبحت رعاية املصالح القومية هي الركيزة األساسية للسياسة اخلارجية اإليرانية . (2 انتهى العهد اخلميني يف إيران ،وهي تعاين من مواقف معادية هلا عىل أكثر من صعيد؛ فالواليات املتحدة األمريكية كانت مستمرة يف سياستها املتشددة يف فرض عقوبات أحادية اجلانب وتصعيد احلرب الباردة بني طهران وواشنطن ،وعالقات متوترة مع االحتاد األورويب، وتشكك عريب يف النوايا اإليرانية ،وعدم ارتياح وخوف من جانب دول اخلليج ،وخالفات متصاعدة مع تركيا ،وتوتر مع باكستان بسبب أفغانستان. لذا حرص الرئيس خامتي عىل الرتكيز عىل بناء جسور الثقة ،واالنفتاح عىل دول اخلليج والعامل اخلارجي ،اتساق ًا مع املصلحة القومية إليران. تظهر أمهية املصلحة القومية إليران باعتباره أحد العوامل املحددة لعملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية وتوجهاهتا اخلارجية يف املقال الذي نرشته صحيفة كيهان اإليرانية يف الثامن من آذار/مارس 1993للدكتور حممود حممدي ،املتحدث الرسمي باسم وزارة اخلارجية اإليرانية آنذاك ،والذي ّ خلص فيه أسباب التحول التدرجيي عن ثوابت السياسة اخلارجية اإليرانية من خالل منطق املصلحة بقوله« :مل تكتف سياسة مجهورية إيران اإلسالمية اخلارجية خالل السنوات العرش املاضية باالهتامم باألمن القومي واإلقليمي فحسب ،بل جعلت العامل اإلسالمي كله من أولويات اهتامماهتا ،وحافظت عىل عالقاهتا بسائر املناطق اجلغرافية بشكل يتناسب مع الرضورة والظروف الدولية .إال أن احلكمة واملصلحة قد أ ّدتا دور ًا أساسي ًا يف سبيل حتقيق األهداف السياسية املحددة من قبل .فإذا كنا وما زلنا نواجه مشكالت ومسائل متعارضة يف املناطق املجاورة تستغرق بالرضورة القطاع األكرب من دبلوماسيتنا وسياستنا اخلارجية ،إال أن هذا مل يرصفنا عن االهتامم بسائر املناطق ،أو السعي الكتشاف مناطق عمل جديدة مثل اجلمهوريات اإلسالمية يف آسيا الوسطى ودول الكومنولث اجلديد وأمريكا الالتينية وأفريقيا» . (2
(2حسن محدان العلكيم ،األمن واالستقرار يف منطقة اخلليج :دراسة استرشافية ،سلسلة قضايا خليجية؛ 3 (رأس اخليمة :املركز العريب للدراسات االسرتاتيجية ،)1999 ،ص .11 (2عبد املؤمن« ،املسألة اإليرانية :الدور اإلقليمي :املحدَّ دات واملستقبل »،ص .66
108
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
تتعدى املصلحة القومية كام ارتأهتا إيران لبناء دورها اإلقليمي منطقة اخلليج إىل مناطق اجلوار اجلغرايف يف آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية ودول الكومنولث اجلديدة .وانطالق ًا من تلك الرؤية املصلحية ،ركز صانعو السياسة اخلارجية اإليرانية عىل ترميم وإعادة عالقات إيران مع دول العامل التي كانت عالقاهتا معها إما مقطوعة متام ًا أو ُخ ّفض فيها مستوى التمثيل
الدبلومايس مع إيران يف العهد الثوري.
لذلك قاد الرئيس اإليراين هاشمي رفسنجاين انسحاب ًا منظ ًام ألعامل العنف يف اخلارج،
ليحول تصدير الثورة إىل شكلها الثقايف ،وعملت اخلارجية اإليرانية عىل تأمني املصالح الوطنية اإليرانية وتدعيم التعاون اإلقليمي الذي متثل يف إحياء منظمة «أكوا» للتعاون االقتصادي، وسعت إىل إرشاك الدول املستقلة حديث ًا يف املنظمة التي تضم ك ً ال من إيران وتركيا وباكستان، وذلك من خالل مؤمتر دعت إليه طهران يف شباط/فرباير .1992وعقدت إيران عدد ًا من االتفاقيات لتدعيم االتصال مع دول مجهوريات آسيا الوسطى ،وعدد ًا من اتفاقيات التبادل
التجاري والثقايف والفني واملساعدات والتسهيالت االقتصادية والثقافية األخرى ،وأنشأت جتمع ًا للدول املطلة عىل بحر قزوين ،اشرتكت فيه كازاخستان وروسيا االحتادية وأذربيجان وتركامنستان ،واختذ التجمع من طهران مقر ًا له.
كام أعلن عن قيام رابطـة الدول املتحدثة بالفارسـية يف آسـيا ،وتلك املهتمة بالثقـافة
الفارسـية.
ويف عالقتها بدول اخلليج العريب ،واتساق ًا مع سياسة االنفراج مع العامل اخلارجي التي
اتبعها حممد خامتي ،وترصحياته املستمرة التي تؤكد أمهية احلوار بني احلضارات ،والسعي
إلقامة عالقات مع الدول مبنية عىل «الكرامة والعقالنية واملصلحة القومية» ،سعت إيران إىل بناء جسور الثقة بينها وبني دول اخلليج ،وخصوص ًا اململكة العربية السعودية ،لتحقيق انفراج يف العالقات اخلليجية اإليرانية عىل املستويات السياسية واالقتصادية والتجارية كافة،
وتبودلت الزيارات بني إيران وعدد من دول اخلليج عىل أرفع املستويات ،ولعل أبرزها الزيارة التي قام هبا الرئيس اإليراين خامتي إىل اململكة العربية السعودية ،ليبدأ عهد ًا جديد ًا من التعايش السلمي بني إيران واململكة وعدد من دول اخلليج.
وأدى ذلك التوجه السلمي إليران جتاه دول اخلليج العربية إىل حتول تدرجيي يف سياسة مركز اخلليج لألبحاث
109
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
االحتواء املزدوج التي تتبعها الواليات املتحدة األمريكية جتاه العراق وإيران نحو ختفيف حدة
اهلجوم األمريكي عىل إيران ،حيث وصف مساعد وزير اخلارجية األمريكي مارتن إنديك االسرتاتيجية األمريكية اجلديدة جتاه كل من العراق وإيران بأهنا تعتمد عىل االرتباط أكثر مع إيران واالحتواء أكثر مع العراق . (2
ومن ثم استطاعت إيران وفق ًا ملبدأ املصلحة القومية أن حتقق نجاحات عىل خمتلف
األصعدة يف جماهلا احليوي يف منطقة اخلليج ومع دول اجلوار اجلغرايف يف آسيا الوسطى، وحتقيق قدر من النجاح يف عالقاهتا بواشنطن نحو التهدئة واالنفتاح.
يمكن إمجال جمموعة األهداف واملصالح القومية اإليرانية التي تسعى إىل حتقيقها عىل املستويني اإلقليمي والدويل يف ما ييل : (2 تأكيد وتدعيم مكانتها ودورها يف منطقة اخلليج العريب بوصفه جما ًال حيوي ًا هلا. كرس العزلة الدولية املفروضة عليها بسبب اهتامها باإلرهاب وتصدير الثورة. االنفتاح عىل الغرب وفتح أسواق جديدة ملنتجاهتا. -احلصول عىل املساعدات املالية واالقتصادية والفنية إلعادة البناء االقتصادي للبالد
بعد انتهاء احلرب العراقية -اإليرانية.
تدعيم القدرة العسكرية اإليرانية. -إثبات دورها اإلقليمي باملشاركة بدور بارز يف تسوية املشكالت املتعلقة باملنطقة مثل
أفغانستان ،والبحث عن دور يف مشكالت أخرى مثل مشكلة الرشق األوسط.
-حتسني صورهتا يف أنظار شعوب العامل الثالث وبخاصة الشعوب اإلسالمية.
أ ّدت مصلحة إيران القومية دور ًا بارز ًا يف توجيه سياستها اخلارجية بالشكل الذي حقق
هلا مصالح اسرتاتيجية يف املجالني اإلقليمي والدويل .ولعل املوقف اإليراين من الغزو العراقي (2عبد اهلل خليفة الشاجيي« ،عوامل بناء الثقة بني دول جملس التعاون اخلليجي واجلمهورية اإلسالمية اإليرانية: املعوقات ونقاط االلتقاء »،يف :السويدي ،حمرر ،إيران واخلليج :البحث عن االستقرار ،ص .91-90 (2بيزن إيزدي ،مدخل إىل السياسة اخلارجية جلمهورية إيران اإلسالمية ،ترمجة وتقديم سعيد الصباغ (القاهرة: الدار الثقافية للنرش ،)2000 ،ص .14-13
110
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
لدولة الكويت له دالئل حمورية من مفهوم املصلحة القومية يف السياسة اخلارجية اإليرانية، فالغزو العراقي للكويت يعني هتديد ًا مبارش ًا لدور إيران اإلقليمي بام يضعه من قيود عىل حرية
حركتها يف جماهلا احليوي اإلقليمي بالنظر إىل ما حيمله من إضافة للقوة العراقية يف منافسة القوة اإليرانية ،لذا رفضت إيران الغزو وطالبت العراق باالنسحاب ،وأقرت ضمني ًا إخراج العراق بالقوة وتدمري آلته العسكرية .وبالفعل استطاعت إيران استثامر نتائج أزمة اخلليج الثانية واخلالفات املصلحية القائمة بني دول اخلليج العربية التي ترتبت عىل األزمة يف عودة
العالقات اإليرانية مع دول جملس التعاون اخلليجي ،وإقرار دول اخلليج بمشاركة إيران يف الرتتيبات األمنية باملنطقة ،خصوص ًا بعد أن تغري مصدر التهديد ألمن اخلليج وحتول من إيران إىل العراق .ولو أن ذلك ال يعني انتهاء الرتقب واحلذر اخلليجي من النزعة اإليرانية المتالك
األسلحة ذات الطبيعة التدمريية ،ورغبتها يف ممارسة دور الدولة القائد ،ورفضها الوجود األمريكي يف املنطقة ،واستمرار احتالهلا اجلزر اإلماراتية الثالث.
إن من مصلحة إيران السعي نحو تطبيع عالقاهتا مع دول اخلليج العربية ،وجذب استثامراهتا إىل داخل إيران؛ ألن هذا املسلك هو بالرضورة إحدى السبل التي يمكن إليران أن خترج هبا من أزمتها االقتصادية الداخلية ،نتيجة ارتفاع معدالت البطالة والتضخم ،وارتفاع نفقات الدفاع وعمليات التسليح الواسعة التي تنتهجها احلكومة اإليرانية .وبالتايل تستطيع حل جزء من أزمتها االقتصادية ،خصوص ًا أن تلك الدول لدهيا الكثري من القدرات للقيام بدور مؤثر يف هذا السياق . (2
رابع ًا :أدوات تنفيذ السياسة اخلارجية اإليرانية يف اخلليج كانت اهلضبة اإليرانية الواسعة ملتقى لشعوب عديدة جاءهتا مهاجرة مستوطنة أو مرت
هبا غازية ،مثل املقدونيني والعرب واملغول واألتراك وغريهم ،واختذت مجاعات كبرية من هذه الشعوب من اهلضبة اإليرانية موطن ًا جديد ًا هلا ،وامتزجت مع سكاهنا األصليني من اجلنس اآلري (اهلندو -أورويب) ،وشهد التاريخ اإليراين سلسلة من الدول القوية ذات السياسات اخلارجية التوسعية ،تلتها دول ضعيفة تعرضت لالجتياح والسيطرة من جانب قوى خارجية،
(2عبد اهلل مجعة احلاج« ،جملس التعاون لدول اخلليج العربية نحو القرن احلادي والعرشين »،جملة دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ،العدد ( 87خريف ،)1997ص .203-200 مركز اخلليج لألبحاث
111
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
بدء ًا من اإلسكندر األكرب وجنكيزخان وتيمورلنك وحتى كرزون وترششل وداالس .ويف كل األحوال إن عالقات فارس (إيران) بالدول املجاورة أثرت كثري ًا يف حياهتا السياسية . (3 كانت الواليات اإليرانية يف ما قبل اإلسالم تؤلف واحدة من أكثر الدول ازدهار ًا يف
العامل القديم ،فقد هامجت اجليوش اإليرانية اليونان وحاربت الرومان وقامت بغزو أجزاء من
شبة اجلزيرة العربية يف بداية قرون العرص املسيحي واحتالهلا ،وعندما توسعت القبائل العربية خارج شبة اجلزيرة العربية يف القرن السابع امليالدي دخلت إيران اإلسالم .ولكن ذلك مل
يمنعها من مواصلة بسط نفوذها وسيطرهتا عىل املناطق العربية ،وبخاصة مع الضعف الذي بدأ يدب يف أوصال العامل اإلسالمي.
خالل العهد البهلوي ،ويف أعقاب عودة الشاه حممد رضا هبلوي إىل السلطة بالدعم األمريكي ،تولدت قناعة لدى القادة السياسيني اإليرانيني بأن عليهم أن يستندوا إىل قوة كربى ،وأن اجليش واملؤسسة العسكرية مها ركيزة للحفاظ عىل العرش البهلوي ودعم للسياسة اخلارجية إليران الشاه . (3 توافقت االسرتاتيجية األمريكية يف الرشق األوسط ومنطقة اخلليج مع رؤية إيران
لدورها اإلقليمي ،إذ كانت املخاوف األمريكية من احتامالت تزايد النفوذ السوفيايت يف املنطقة
هي الدافع لتقديم العون إليران بعد احلرب العاملية الثانية ،وهي الدافع للتورط األمريكي يف انقالب عام 1952باعتباره جزء ًا من السياسة األمريكية الحتواء االحتاد السوفيايت وتقليل نفوذه يف املنطقة . (3
ومن ثم بدأ الشاه يف تقوية جيشه بشكل مكثف ،يف الوقت الذي زادت فيه الواليات
املتحدة األمريكية من حجم قروضها ومنحها العسكرية إليران ،وبدأت إيران منذ عام 1967 يف تطوير سياستها اخلارجية استعداد ًا للقيام بدور القوة اإلقليمية املهيمنة يف منطقة اخلليج
أعقاب إعالن بريطانيا رغبتها يف االنسحاب من منطقة اخلليج قبل هناية عام .1971إذ رأت )(30
”Daniel Pipes and Patrick Clawson, “Ambitious Iran, Troubled Neighbors, Foreign Affairs vol. 72, no. 1 (1992-1993), pp. 126-127.
)(32
F. Gregory Gause, “The Illogic of Dual Containment,” Foreign Affairs, vol. 73, no. 2 (March- April 1994), p. 56.
)Robert Graham, Iran, the Illusion of Power (London: Croom Helm, 1978), pp. 64-65. (31
112
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
إيران أهنا قادرة عىل ملء الفراغ االسرتاتيجي يف املنطقة بعد االنسحاب الربيطاين ،وعىل ضامن أمن اخلليج ،وسعت يف سياستها اخلارجية جتاه منطقه اخلليج يف ما يتعلق بمسألة األمن إىل
تطوير مفهومها لذلك األمن ،مع الرتكيز عىل حتويل النظام الفرعي من خالل جذب دول اخلليج بعيد ًا عن االرتباط بالنظام العريب نحو االرتباط بمحور تقوده إيران باعتبارها الدولة اإلقليمية القادرة عىل حفظ األمن واالستقرار يف منطقة اخلليج . (3
وهكذا ،برزت إيران قوة إقليمية تسعى إىل التحكم بالتوزان اإلقليمي يف الرشق
األوسط من خالل القيام بدور الرشطي يف املنطقة ،وتدعيم قوهتا العسكرية والدفاعية لتكون
أهم أدوات تنفيذ سياستها اخلارجية يف املنطقة ،وارتبط بذلك عقد صفقات سالح أمريكية، وإعالن الشاه حتمل إيران وحدها عبء الدفاع عن أمن اخلليج ،بل وتوسيع تلك املسؤوليات لتشمل منطقة املحيط اهلندي.
وكان التطبيق العميل للسياسات التوسعية اإليرانية يف ترشين الثاين/نوفمرب ،1971
عندما قامت القوات اإليرانية باالستيالء عىل اجلزر العربية الثالث ،كام أسهمت القوات اإليرانية يف إمخاد ثورة ظفار يف عامن يف كانون األول/ديسمرب ،1973إضافة إىل الدور
اإليراين يف أزمة األكراد يف العراق.
سعت إيران الشاه إىل استخدام أو التهديد باستخدام قوهتا العسكرية ملواجهة ما ارتأت أنه يمثل قيد ًا عىل دورها اإلقليمي يف منطقة اخلليج والرشق األوسط ،ومن ذلك توجهات النظام العراقي بسبب النزاع حول شط العرب ،وتوجهات حزب البعث العريب االشرتاكي العراقي ،واملد النارصي والوجود املرصي يف اليمن.
من هنا ،كان التوجه اإليراين نحو تعزيز القوة العسكرية الذاتية والتوسع يف برامج
ومرشوعات التسلح من خالل استرياد كميات هائلة من األسلحة والتجهيزات العسكرية
املتطورة ،وتطوير القوة البحرية اإليرانية حتى أصبحت بالفعل القوة البحرية األوىل يف منطقة اخلليج ،وذلك بالتوافق مع االسرتاتيجية األمريكية يف اخلليج التي فضلت أن تقوم إيران بدور القوة اإلقليمية التي حتافظ عىل املصالح الغربية واألمريكية عىل السواء.
(3اسامعيل صربي مقلد ،أمن اخلليج وحتديات الرصاع الدويل (الكويت :رشكة الربيعان للنرش والتوزيع، ،)1984ص .25-23 مركز اخلليج لألبحاث
113
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
وكان قرار الرئيس نيكسون عام 1969بإسناد دور أسايس إليران يف عملية الدفاع عن
تدعم بعد عام 1973نتيجة الطفرة التي حدثت يف أسعار النفط ،أعطى أمن اخلليج ،وهو ما ّ
إليران األساس االقتصادي الالزم لبناء أكرب وأضخم ترسانة مسلحة يف العامل الثالث . (3
وترافقت دبلوماسية األحالف التي اتبعتها إيران يف سياستها اخلارجية جنب ًا إىل جنب مع
األداة العسكرية .فسعت إيران إىل تدعيم قوهتا اإلقليمية من خالل التنسيق مع القوى اإلقليمية املحيطة التي تتفق معها يف التوجه اخلارجي وتلتقي معها يف الدعم األمريكي؛ مثل تركيا وإرسائيل
وإثيوبيا يف حلف بغداد عام ،1955والتنسيق مع الدول الغربية يف إطار حلف الناتو.
لقد تولدت لدى إيران الشاه قناعة تتلخص يف أهنا ال تستطيع بمفردها الدفاع عن نفسها
يف مواجهة التكتالت املحيطة ،وأن املوقع اجلغرايف ووفرة املوارد يصبحان من دوافع هتديد
األمن اإليراين إذا مل تتوافر القوة الالزمة حلاميتها ،لذلك رأت القيادة اإليرانية رضورة تنمية وامتالك عنارص القوة القومية عن طريق ما ييل : (3 امتالك قوة عسكرية ذاتية كبرية. االنخراط يف نظام دفاعي حيقق هلا االعتامد املتبادل. -ضم مصادر جديدة للقوة بالتوسع عىل حساب الكتل الديمغرافية املجاورة ،وذلك
من أجل زيادة العمق الدفاعي اإليراين.
سياسة التقارب وعقد حتالفات مع الكتل املضادة ملصادر التهديد الرئيسة واملحتملة ضدها.تلخص تلك الرؤية بجالء األدوات التي اتبعتها إيران ما قبل الثورة لتنفيذ سياستها
اخلارجية وفرض رؤيتها ألمن املنطقة واستقرارها .لذلك اتسمت عالقة إيران بجرياهنا من
دول اخلليج بدرجة عالية من التوتر والعنف ،وحماوالت دؤوبة من جانب إيران لفرض اهليمنة والسيطرة عىل هذه الرقعة اجلغرافية.
وعىل الرغم من أن قيام الثورة اإلسالمية يف إيران قد َّأدى إىل عدد من التغريات يف (3املصدر نفسه ،ص .36-30
(3طلعت مسلم ،التعاون العسكري العريب (بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية ،)1990 ،ص .94-93
114
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
عالقات إيران اخلارجية وتوجهاهتا ،إىل أن إيران الثورة مل ختتلف يف جوهرها األمني ويف أهدافها عن إيران الشاه ،فاخلط التوسعي ظل مستمر ًا يف مرحلة ما بعد الثورة. لذلك استمرت األداة العسكرية والتهديد هبا يف احتالل مكانتها املميزة يف إطار أدوات
السياسة اخلارجية اإليرانية ،متفوقة بذلك عىل األدوات الدبلوماسية واالقتصادية.
ولكن توافق ًا مع طبيعة املرحلة الثورية اجلديدة ،ظهرت أدوات أخرى للسياسة اخلارجية
اإليرانية متثلت يف« :تصدير الثورة» ،ودعم احلركات اإلسالمية يف خمتلف البلدان.
والسياسة العسكرية اإليرانية هي احللقة املحورية األكثر وضوح ًا يف السياسة اإليرانية بشكل عام ،وهي -بحق -متثل انعكاس ًا واضح ًا ملضامني الطموحات اإليرانية ،فالثورة يف
إيران بدأت عهدها بحرب رضوس استنزفت طاقاهتا البرشية واالقتصادية والعسكرية خالل
ثامين سنوات هي عمر احلرب.
فإذا كانت القوة العسكرية اإليرانية هي الركيزة األوىل لضامن استقرار الدولة وصيانة
أمنها الوطني ،فإهنا ُتعدّ أحد املحددات املهمة لقوة الدولة ومكانتها اإلقليمية والدولية.
وعىل الرغم من النغمة املعتدلة للترصحيات اإليرانية يف عهد الرئيس خامتي بشأن رضورة
إقامة عالقات حسن جوار مع دول اخلليج العربية ،إال أن إيران تستخدم قوهتا العسكرية بصورة مستفزة ألمن املنطقة واستقرارها ،فقد قامت باستخدام شقي القوة العسكرية ،ومها التهديد هبا واالستخدام الفعيل وتوظيفها يف حتقيق أهدافها اخلارجية.
ويأيت التهديد بالقوة العسكرية من خالل ما تقوم به إيران من استعراض للقوة العسكرية
يف اختبارات األسلحة الصاروخية والعروض واملناورات العسكرية يف اخلليج ،ففي عام
1999قامت إيران بتجارب عدة ملعدات عسكرية ،عىل الشكل التايل : (3
-اختبار حمرك الصاروخ «شهاب – ”4يف شباط/فرباير 1999الذي أعلنت إيران أنه
لنقل القمر الصناعي اإليراين املنتظر إطالقه يف الفضاء والذي حيمل اسم (الزهراء – .)1 (3التقرير االسرتاتيجي اخلليجي( 2000-1999 ،الشارقة :دار اخلليج ،)2000 ،ص .172-171 مركز اخلليج لألبحاث
115
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
يف نيسان/أبريل قامت إيران بإجراء جتربة إطالق الصاروخ «صياد – »1أرضـ جو،وهو صاروخ إيراين الصنع ،ومتت جتربته عملي ًا يف املناورات التي جرت يف جنوب طهران يف ترشين الثاين/نوفمرب .1999 يف أيلول/سبتمرب قامت إيران بعرض الصاروخ «زلزال» أرض – أرض الذي صنعهمهندسو سالح احلرس الثوري اإليراين عىل مدار السنوات اخلمس السابقة من العام ،1999
وتم ذلك يف عرض عسكري أقامه احلرس الثوري.
بدأت إيران يف إنتاج اجليلني الثاين والثالث من الدبابة اإليرانية «ذو الفقار» ،وهيدبابة خفيفة ورسيعة ومزودة بنظام تصويب موجه بالليزر ،وبذلك تعترب إيران ثالث دولة منتجة لدبابات القتال الرئيسة يف الرشق األوسط بعد مرص وإرسائيل. بدأت إيران بإنتاج الطائرة املقاتلة «آزار خش» (الربق) قريبة الشبه بالطائرة الفانتوم ،F4وهي مقاتلة اعرتاضية مزودة برادار من صنع إيراين وبمساعدة روسية.
وشهدت السياسة العسكرية اإليرانية جهود ًا مكثفة باجتاه إعادة بناء القوات املسلحة بعد احلرب مع العراق ،وتزايدت تلك اجلهود يف أعقاب حرب اخلليج الثانية ،لدرجة أن أعامل البناء الدفاعي اإليراين أصبحت تتجاوز كثري ًا احتياجات الدفاع الذايت اإليرانية يف مواجهة الدول املحيطة. تسعى إيران إلحياء دورها اإلقليمي يف منطقة اخلليج ،خصوص ًا أن الفرصة قد أصبحت سانحة أمام قيادهتا لرسم ذلك الدور يف أعقاب تدمري القوة العسكرية للعراق واهنيار االحتاد السوفيايت السابق .وهذا ما يربر ختوف الدول املجاورة من تلك العمليات االستعراضية للقوة املسلحة اإليرانية ،عىل اعتبار أن هدفها هجومي ،وبخاصة إذا نظرنا إىل طبيعة القوات املستخدمة وحجمها .وال تقتنع تلك الدول بام تردده إيران حول اهلدف الدفاعي لتلك العمليات. أما جمال التوظيف الفعيل للقوة العسكرية ،فنجده يتمثل يف استمرار االحتالل العسكري جلزر اإلمارات الثالث الذي دعمته إيران بام اختذته من إجراءات مشدَّ دة يف عام 1992لتكريس األمر الواقع ،كذلك هناك املحاوالت اإليرانية املستمرة لفرض سيطرهتا عىل مضيق هرمز
ومناوشة الوجود الغريب فيه؛ ملا يمثله املضيق من أمهية اقتصادية واسرتاتيجية إليران . (3 )(37 116
Michael Eisenstadt, Iranian Military Power: Capabilities and Intentions, Policy
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ويف جمال االرتباط العسكري اخلارجي ،نجد أن إيران تسعى إىل توفري مستلزماهتا
التسليحية من خالل عالقاهتا بكل من روسيا والصني وكوريا الشاملية وباكستان ،كام تسعى
إىل اخلروج من عزلتها اإلقليمية من خالل فتح املجال إلجياد عمق اسرتاتيجي هلا بعالقات مكثفة مع كل من سوريا والسودان ولبنان واجلمهوريات اإلسالمية يف آسيا الوسطى ،هبدف توسيع دائرة احلركة اإليرانية اإلقليمية وإجياد نطاق أوسع للحركة السياسية . (3
جتدر اإلشارة إىل أن ميزانية اإلنفاق العسكري اإليراين قد شهدت تزايد ًا ملحوظ ًا خالل
السنوات العرش األخرية من القرن العرشين ،فقد ارتفع اإلنفاق العسكري من 3.810مليار
دوالر عام 1991إىل 4.7مليار دوالر عام ،1997ثم إىل 5.7مليار دوالر عام ،1999ثم
إىل نحو 7.5مليار دوالر عام .2000 (3
إن ما سبق يوضح أن القدرات العسكرية التي تسعى إيران إىل امتالكها تفوق احتياجات
الدفاع الذايت ومحاية املصالح احليوية ،وهو ما يؤكد وجود نوايا ضمنية للسيطرة عىل املنطقة،
وحتقيق احللم اإليراين يف أن تصبح قوة عظمى تفرض مصاحلها اخلاصة وسطوهتا العسكرية
يف إطارها اإلقليمي.
هذا ما يربر حال القلق والرتقب التي تعيشها دول اخلليج ،ويدعوها إىل دعم استمرار
الوجود العسكري األجنبي ،لردع القوة اإليرانية إذا لزم األمر ،وذلك كام ردعت القوة العراقية
من قبل.
إن القوة العسكرية اإليرانية كانت رضورة الزمة لدعم التوجه اإليراين نحو تصدير
الثورة اإلسالمية الذي طغى عىل الساحة السياسية يف إيران بعد قيام الثورة اإلسالمية،
والذي استمر بقوة خالل احلقبة اخلمينية ،فقد كانت ترصحيات القادة الثوريني يف إيران تدعو رصاحة إىل تصدير الثورة اإلسالمية ،وهو التوجه الذي ترافق جنب ًا إىل جنب مع Papers; no. 42 (Washington, DC: Washington Institute for Near East Policy, 1996), pp. 20-25.
(3حممد مجال مظلوم ،القدرات العسكرية اإليرانية التقليدية وغري التقليدية ،كراسات اسرتاتيجية خليجية؛ 38 (القاهرة :مركز اخلليج للدراسات االسرتاتيجية ،)2001 ،ص .10-9
(3مركز اخلليج للدراسات االسرتاتيجية ،جملس التعاون لدول اخلليج بعد 20عام ًا من إنشائه ([ديب] :املركز، .)2000 مركز اخلليج لألبحاث
117
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
مساندة ودعم إيران للحركات اإلسالمية ذات األهداف التخريبية يف العديد من دول
العامل ،وتلك التي تلجأ إىل استخدام القوة للتخلص من احلكومات الرشعية .فقد قامت إيران بإقامة العديد من املعسكرات لتدريب املتطرفني -بخاصة العرب منهم -عىل أعامل
التخريب والتدمري.
ويظهر يف هذا املضامر دور احلرس الثوري اإليراين الذي يتوىل مسؤولية التدريب هذه،
يف إيران بمعسكرات اإلمام عيل ،هاوند ،فاتح غني حسني وأبيبك يف مدن طهران وقم ومنطقة قزوين ،كام إن احلرس الثوري له وجود فعيل خارج إيران يف عدد من الدول العربية ،فهناك نحو مئة ومخسني مقات ً ال يف لبنان ومئتي خبري عسكري يف السودان . (4 اصطدم التوجه اإليراين نحو تصدير الثورة اإلسالمية بقوة إسالمية كربى يف منطقة
اخلليج ،بل ويف العامل اإلسالمي هي السعودية ،وقد بدأت بوادر ذلك الصدام يف اجتاهني:
األول ،يدور حول اهتام السعودية بأهنا ال متثل اإلسالم احلقيقي ،وبذلك تطرح إيران نفسها بصفتها نظام ًا إسالمي ًا بدي ً ال يمثل اإلسالم احلقيقي ،وربام كانت عملية طرح فكرة تدويل األماكن املقدسة تعبري ًا عن ذلك التوجه.
ويف الوقت ذاته بدأت إيران تطرح نفسها باعتبارها قوة إسالمية عاملية داخل العامل ،من
خالل دعمها املسلح للمنظامت اإلرهابية وحركات التطرف ،سواء داخل الدول العربية أم داخل البلدان األوروبية والغربية ،مؤكدة أهنا حامية اإلسالم وقضاياه.
ومع ذلك ،وبسبب ارتباط هذا التوجه بالعنف واإلرهاب والتطرف ،فإن كل األساليب
التي قامت إيران بدعمها مثل أعامل العنف أو إدانات إعالمية من أجل حتقيق أهداف التفوق
اإلقليمي داخل اخلليج أو حتقيق بروز دويل هلا باعتبارها رائدة لإلسالم ،قد أصاهبا اإلخفاق بشكل مطلق عاملي ًا ،ومل جين النظام اإليراين من خالهلا إال نتائج عكسية باهتام اإلسالم باعتباره دين عنف وإرهاب.
(4مجال سند السويدي« ،مأزق السياسة اإليرانية يف اخلليج ومتطلبات التغيري »،ورقة قدمت إىل :نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران :املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري 2 ،ج (الكويت :جامعة الكويت ،مركز دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ،)2000 ،ج ،1ص .276 118
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ينطبق اليشء نفسه عىل حماوالت تصدير الثورة ،فعىل الرغم من أن الثورة اإلسالمية يف
إيران قد حظيت بتأييد شعبي عاملي يف بداية انبثاقها باعتبارها ثورة عىل االستبداد ودكتاتورية
الشاه ،فقد أصبحت موضع شك عاملي بسبب ارتباطها بتأييد عمليات العنف واإلرهاب التي
متارسها منظامت تدّ عي اإلسالم .هذا إىل جانب أن اإلخفاقات التي مني هبا نظام الثورة عىل األصعدة االجتامعية والسياسية واالقتصادية قد جعلت نموذج الثورة نموذج ًا هشّ ًا ضعيف ًا، ال يصلح للتصدير إىل اخلارج . (4
ويف أعقاب وفاة آية اهلل اخلميني ،بدأت ترتاجع مفاهيم تصدير الثورة يف السياسة
اخلارجية اإليرانية ،وبدأت مرحلة جديدة يف عمر السياسة اخلارجية اإليرانية ،وتغريت أولويات أدوات تنفيذ السياسة اخلارجية.
مع استمرار أمهية األداة العسكرية والتوجه نحو تدعيم القدرات العسكرية اإليرانية التقليدية وغري التقليدية ،بدأت ترتاجع أداة تصدير الثورة ودعم املنظامت اإلرهابية والتخريبية إىل حد كبري ،وبدأت تربز األدوات السياسية اخلارجية اإليرانية ،وبدأت تظهر عىل استحياء األداة االقتصادية. وبعد أعقاب وفاة اخلميني خلفه عيل خامنئي فقيه ًا ومرشد ًا للثورة ،وانتخب عيل أكرب هاشمي رفسنجاين رئيس ًا إليران ،وتم إجراء تعديالت عىل الدستور للزيادة من سلطات رئيس الدولة ،وبدأ االنتقال من مرحلة تثبيت أقدام الثورة اإلسالمية إىل مرحلة إعادة البناء
وعودة الدولة قوة مركزية السلطة . (4
بدأت مرحلة ثانية يف حياة إيران ،هتدف إىل إعطاء األولوية إلعادة بناء االقتصاد اإليراين
من خالل خطة مخسية 1993 - 1988اعتمدت عىل جذب رؤوس األموال األجنبية، واسترياد التكنولوجيا احلديثة ،وزيادة عائدات النفط ،واالقرتاض من أسواق املال الدولية،
والسامح لعدد من الرشكات األجنبية بالعمل يف إيران بام فيها الرشكات األمريكية.
(4عالء طاهر« ،تسييس الدين :إشكالية السياسة اإليرانية بني منطقة اخلليج والساحة الدولية »،السياسة الدولية ،العدد ( 22حزيران/يونيو ،)1994ص .5-4 Mohsen M. Milani, “The Evolution of the Iranian Presidency: From Bani Sadr )(42 to Rafsanjani,” British Journal of Middle Eastern Studies, vol. 20, no. 1 (1993), pp. 85-97.
مركز اخلليج لألبحاث
119
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
لقد فرضت الظروف االقتصادية القاسية التي عانتها إيران يف بداية حكم رفسنجاين
رضورة اختاذ القرار باالقرتاض من اخلارج لتمويل عملية إعادة البناء الداخيل ،عىل الرغم من االعرتاضات التي واجهت ذلك القرار ،فزار وفد من الصندوق والبنك الدوليني إيران
يف حزيران/يونيو ،1990وتسلمت إيران القرض األول يف آذار/مارس عام 1991بمبلغ
مئتني ومخسني مليون دوالر ،والثاين يف أيار/مايو 1994بمبلغ ثامنمئة ومخسني مليون دوالر، وذلك كمساعدة يف عملية إعادة البناء مقابل التزامها باإلصالح اهليكيل وبرامج التكيف التي حيددها الصندوق والبنك الدوليان . (4
منذ تويل رفسنجاين السلطة يف إيران ،بدأت إيران تتبنى سياسات داخلية وخارجية تعرف بسياسات التخيل عن إيران الثورة ملصلحة إيران الدولة ،وأدرك رفسنجاين أن برناجمه اإلصالحي عرضة للفشل إذا مل يصحبه بعض التغريات األساسية يف سياسة إيران اخلارجية ،فبدأ بإحداث تقارب حذر مع الغرب ،وتغيري جوهر سياسة إيران يف اخلليج؛ حيث أصبحت النزعة الربغامتية هي املسيطرة عىل السياسة اإليرانية .وتغريت النظرة اإليرانية الراديكالية إىل العامل ،وبدأ االعتدال يسود سياسة إيران اخلارجية. أدركت إيران أهنا غري قادرة عىل تغيري اخلريطة السياسية للمنطقة ،فحاولت التكيف
مع ميزان القوى اجلديد يف ظل الوجود األمريكي وتنامي قوة اململكة العربية السعودية وقيام جملس التعاون اخلليجي ،مع العلم أن سياسة االحتواء املزدوج التي تتبعها الواليات املتحدة األمريكية أحدثت رضر ًا بإيران ،يف الوقت الذي تقلص الدور السوفيايت يف املنطقة. وسعت إيران إىل حتسني عالقاهتا بالدول األخرى املطلة عىل اخلليج خالل حرهبا مع
العراق ويف املرحلة التي أعقبتها ،وزاد ذلك التوجه السلمي للسياسة اإليرانية خالل أزمة اخلليج الثانية ،حيث رفضت إيران املسلك العراقي ،وطالبت برضورة االنسحاب العراقي
من الكويت وإعادة الرشعية إىل البالد ،وعىل الرغم من حتفظ إيران عىل الوجود األجنبي يف املنطقة ،فإن املحصلة النهائية للموقف اإليراين كانت مكاسب إيرانية عىل املستويني الدبلومايس واالقتصادي . (4
(4مسعد ،صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية ،ص .205
(4راجع املوقف اإليراين من أزمة اخلليج الثانية واملكاسب التي حققتها إيران من وراء موقفها ،يف :عزت عبد 120
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وعىل الرغم من نغمة االعتدال التي سادت الدبلوماسية اإليرانية خالل فرتة حكم رفسنجاين ،لكن ذلك مل يمنع من بروز نغامت هتديدية من وقت آلخر ،خصوص ًا يف عالقاهتا مع دول املنطقة ،وظهر ذلك يف ما ييل : (4
املحاولة الدؤوبة لفرض الرؤية اإليرانية يف ما يتعلق بأمن اخلليج ،واإلرصار عىلالدخول طرف ًا يف أي ترتيبات أمنية يف املنطقة. التدخل املبارش يف اخلالفات احلدودية بني قطر والبحرين من خالل دعمها للجانبالقطري. اخرتاقها األجواء العراقية هبدف رضب أماكن تشتبه فيها أهنا معاقل حلركة جماهديخلق املعارضة بقيادة مسعود رجوي. -اختاذ عدد من الرتتيبات التي استطاعت من خالهلا فرض سيادهتا الكاملة عىل جزر
اإلمارات الثالث عام .1992
-دعوة رفسنجاين إىل رضورة طرح القضايا السياسية خالل موسم احلج ،وهو ما مثل
حتدَّ ي ًا لإلرادة السعودية.
-رفض إعالن دمشق ،بام يمثله ذلك من انتهاك رصيح ملبدأ عدم التدخل يف الشؤون
الداخلية للدول األخرى.
ومع بداية عهد حممد خامتي ،اتسمت السياسة اإليرانية باالنفتاحية ،حيث بدأت طهران
يف بذل املزيد من اجلهد لالنفتاح عىل عواصم اخلليج العريب ،وسيلة لتخفيف حدَّ ة العزلة األمريكية املفروضة ،وبدأت يف دعم جهود التعاون والتنسيق مع دول اخلليج العربية املنتجة
للنفط ،وتبودلت الزيارات بني املسؤولني يف إيران وتلك الدول .ومن ذلك زيارة ناطق نوري، رئيس جملس الشورى اإليراين ،إىل كل من عامن والكويت يف أيار/مايو ،1998وزيارة وفد
الواحد« ،إدارة األزمة يف السياسة اخلارجية املرصية :دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية( »،1991-1990 ،رسالة ماجستري غري منشورة ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1994 ،ص .183-180
(4حسن محدان العلكيم« ،إيران وأمن اخلليج :سيناريوهات األمن ورصاع االسرتاتيجيات »،شؤون دولية، العدد ( 1صيف ،)1992ص ،20ومركز اخلليج للدراسات االسرتاتيجية ،دول جملس التعاون اخلليجي :إشكاليات الوضع الداخيل وهتديدات الساحة اخلارجية ،كراسات اسرتاتيجية؛ [( 36القاهرة] :املركز ،)2000 ،ص .13 -12 مركز اخلليج لألبحاث
121
القصل الثالث :عملية صنع السـياسة اخلارجية اإليرانيـة
إيراين رفيع املستوى برئاسة هاشمي رفسنجاين إىل اململكة العربية السعودية يف شباط/فرباير ،1999وسبقتها زيارة كامل خرازي إىل أبو ظبي يف أواخر شهر أيار/مايو عام .1998
وظهر يف خطاب خامتي السيايس توجهات نحو إدانة اإلرهاب ،ورفض التدخل يف
الشؤون الداخلية للدول األخرى ،واحرتام سيادهتا .ولكن ظل اخلط العام لالسرتاتيجية اإليرانية رافض ًا للوجود األجنبي يف اخلليج ،ورضورة أن تقرر دول املنطقة أمنها بنفسها . (4
(4صالح املانع« ،العالقات اخلليجية ـ اإليرانية إبان حكم الرئيس حممد خامتي »،يف :نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران :املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري ،ص .159-158 122
مركز اخلليج لألبحاث
الف�صل الرابع ال�سيا�سة ا إليرانية خالل اجلمهورية أالوىل ()1989 - 1979
يتناول هذا الفصل بالدراسة والتحليل سياسة اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية األوىل جتاه
دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية خالل الفرتة من 1979حتى ،1989من خالل مخسة حماور رئيسة ،وذلك يف مخسة مباحث عىل النحو التايل:
أو ًال :األيديولوجيا اإليرانية قامت الثورة اإلسالمية يف إيران عىل أساس الربط الوثيق بني الدين والسياسة ،والرفض التام للفصل بينهام ،أو القول إن الدين يمثل شيئ ًا والسياسة متثل شيئ ًا آخر. وعندما أسس رضا خان حكم األرسة البهلوية ،وبدأ يف عمليات حتديث البالد بشكل
استبدادي عنيف ،استاء رجال الدين وثاروا ضد التطور ،وعندما توىل احلكم ابنه حممد رضا، بمساعدة دول احللفاء خالل احلرب العاملية الثانية ،وجد االبن معارضة شديدة منذ بداية
حكمه ،حتى إنه هرب عام 1953ثم عاد حتت محاية اجليش واملخابرات األمريكية ،وصمد
نحو ربع قرن يف احلكم ،حتكم خالله ب شؤون البالد املالية واالقتصادية كلها ،والدفاع والسياستني اخلارجية والداخلية ،وأطلق يد البوليس اإلمرباطوري «السافاك» لينرش الرعب بني املواطنني ،ما َّ غذى إحساس الغضب والتمرد لدى الشعب.
َّأدت هذه األوضاع إىل بروز قوى معارضة للنظام السيايس ،وعىل رأسها التيار الديني
الذي يمثله اخلميني ،وكان هلذا التيار نفوذ واسع بني طبقات الشعب املختلفة ،وازداد سخط ذلك التيار عىل النظام السيايس نتيجة املعاملة السيئة التي كان يعامل هبا الشاه رجال الدين،
حيث كان يعاملهم بازدراء ،ويصفهم بالغباء ومجود الفكر. 124
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
جتمع أفراد التيار الديني حول آية اهلل اخلميني الذي أصبح رمز ًا ملقاومة احلكم البهلوي،
إذ كان اخلميني يرى أن اإلصالح لن يفيد طاملا أن الشاه عىل رأس احلكم يف البالد .لذا طالب بقلب النظام اإلمرباطوري وطرد األمريكيني من البالد.
استطاع اخلميني بأسلوبه يف الدعوة مجع األنصار حوله ،حيث ساهم حديث اإلسالم
عن املساواة يف ضم الكثري من املاركسيني والعلامنيني إىل صفوف أنصار اخلميني .
منذ بداية الثورة اإليرانية ،تؤدي العقيدة دور الركيزة األساسية لرؤية إيران الثورة
للعامل اخلارجي بصفة عامة وملنطقة اخلليج بصفة خاصة ،ومتيزت مفردات اخلطاب اإليراين بإسالمية املفاهيم من خالل االقتباس الناجح واملؤثر من القرآن الكريم ،وهذا ما كان له أكرب
األثر يف مجهور املتلقني للخطاب اإلسالمي لقادة الثورة اإليرانية.
ويعبرّ آية اهلل اخلميني عن املنطق األيديولوجي إليران الثورة بقوله :إننا نواجه العامل مواجهة عقائدية. أخذ البعد املذهبي واأليديولوجي يف فن وصياغة السياسة اخلارجية اإليرانية يف أعقاب
الثورة يلقي بظالله عىل األنشطة والتحركات اإليرانية كافة ،سواء أكانت وجهتها إقليمية أم
قارية أم حتى عاملية .حيث سعت سياسة إيران اخلارجية بشكل أو بآخر إىل تسييس الدين بشكل مبارش ،وطرحه ممارسة سياسية أو ً ال قبل طرحه دين ًا. وجدير ذكره ،أن آية اهلل اخلميني عندما أعد كتاب والية الفقيه وقدمه نظرية للحكم
كان أغلب رجال الدين بعيدين عن العمل السيايس ،لذلك كان الكتاب هيدف إىل تشجيع رجال الدين عىل االنغامس يف النشاط السيايس ،بل إن اخلميني ومن خالل خطبه التي ألقاها
عامي 1978 - 1977كان ينتقد رجال الدين املبتعدين عن السياسة ،وطالبهم باالشرتاك يف املعارضة .
القت نظرية والية الفقيه مؤيدين كثريين يف إيران ،سواء من املتشددين أم من الشعبيني بول يالتا« ،الثورة اإلسالمية يف إيران »،السياسة الدولية ،العدد ( 73متوز/يوليو ،)1983ص .201-199
مهدي نور بخش« ،الدين والسياسة واالجتاهات اإليديولوجية يف إيران املعارصة »،يف :مجال سند السويدي ،حمرر، إيران واخلليج :البحث عن االستقرار (أبو ظبي :مركز اإلمارات للبحوث والدراسات االسرتاتيجية ،)1996 ،ص .38 مركز اخلليج لألبحاث
125
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
الذين شغلوا عضوية جملس اخلرباء األول الذي صاغ أول دستور إليران الثورة ،والذي ضمن
يف مادته اخلامسة مكانة الفقيه .فقد نصت تلك املادة عىل أنه «يف زمن غيبة اإلمام املهدي
(عجل اهلل تعاىل فرجه) تكون والية األمر وإمامة األمة يف مجهورية إيران اإلسالمية بيد الفقيه َّ العادل املتقي ،البصري بأمور العرص ،الشجاع القادر عىل اإلدارة والتدبر وفق ًا للامدة .»107 وحتدَّ د املادة 107من الدستور أن آية اهلل اخلميني هو الويل القائد واملؤسس جلمهورية
إيران اإلسالمية باعرتاف األغلبية بمرجعيته وقيادته ،أما من بعده فإن جملس اخلرباء املنتخب
يتوىل تعيني القائد الذي ييل آية اهلل اخلميني إذا توافرت فيه الرشوط الواجب توافرها يف الويل الفقيه وفق ًا ملا أوردته نصوص الدستور يف هذا الشأن . حدَّ د اخلميني مصدر السلطة يف احلكومة التي تسيطر عليها املؤسسة الدينية بأهنم هم
الفقهاء ،حيث يتوىل الفقيه السلطة مبارشة باعتباره القادر عىل تطبيق اإلطار الذي وضعه اخلميني للحكومة اإلسالمية.
ومن ثم قام فكر اخلميني يف هذه الزاوية عىل أمرين متساندين: إعالن أن احلكم امللكي غري رشعي من وجهة نظر اإلسالم ،ومن ثم ال بد من تغيرينظم احلكم امللكية وإحالل أشكال أخرى من احلكم بد ً ال منها. القضاء عىل احلواجز القائمة بني الدين والسياسة ،والتنديد هبؤالء الذين يدعونإىل االنعزال عن السياسة ،خصوص ًا رجال الدين الذين يرفضون االنغامس يف أمور احلكم والسياسة ،فاإلسالم وفق ًا لرؤية اخلميني ليس جمرد دين بحت ،بل هو دين ودولة مع ًا.
واحلكومة اإلسالمية كام يراها اخلميني هي حكومة ذات طابع خاص ،وال تشبه األشكال
احلكومية املعروفة ،فهي وإن كانت دستورية وليست مطلقة يستبد فيها رئيس الدولة برأيه ،إال والس ّنة النبوية املطهرة، أن حمك الدستورية يف النظام اإلسالمي هو التقيد املطلق باألوامر اإلهلية ُ فهي دستورية بمعنى أن القائمني باألمر يتقيدون بمجموعة الرشوط والقواعد املبينة يف القرآن
حددت املادة ( )109من الدستور الرشوط الالزم توافرها يف القائد ،وهي :الكفاءة العلمية الالزمة لإلفتاء يف خمتلف أبواب الفقه؛ العدالة والتقوى الالزمتان لقيادة األمة اإلسالمية؛ الرؤية السياسية الصحيحة ،والكفاءة االجتامعية واإلدارية ،والتدبري والشجاعة والقدرة الكافية للقيادة .وعند تعدد من تتوفر فيهم الرشوط املذكورة ،يفضل من كان منهم حائز ًا عىل رؤية فقهية وسياسية أقوى من غريه. 126
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
والس ّنة ،ومن ثم فإن احلكومة اإلسالمية التي تقدم إيران ما بعد الثورة النموذج األفضل هلا،
هي خري احلكومات يف ظل غيبة اإلمام الثاين عرش «حممد بن احلسن العسكري»» الذي دخل غيبته الكربى منذ عام 256هـ املوافق 874م ،كام إن احلكومة اإلسالمية هي السبيل لتوحيد
املسلمني وحتريرهم من االستعامر وأذنابه ،وإسقاط احلكومات العميلة لالستعامر .
ومن ثم ارتبط تطور فكر اخلميني يف ما يتعلق باحلكومة اإلسالمية النموذج ورفضه ألي
شكل من أشكال احلكومات األخرى ،وبخاصة احلكومات امللكية الوراثية التي تتعارض مع اإلسالم بفكرة تصدير الثورة اإلسالمية ،ومن ثم فرضت تلك الرؤية اإليرانية توتر ًا عىل
عالقة إيران بالنظم امللكية ،خصوص ًا يف منطقة اخلليج؛ باعتبارها أقرب املناطق إىل إيران وأكثرها تأثر ًا بام جيري فيها من أحداث. وظهرت داخل إيران أربعة اجتاهات خمتلفة بصدد قضية «تصديرالثورة» : التايل:
االجتاه األول ،القوميون الوطنيون ،وهم أنصار اجلبهة الوطنية ،وتلخصت رؤيتهم يف رضورة الرتكيز عىل تنمية القدرات الذاتية. رفض تصدير الثورة واالكتفاء بالتنمية الداخلية. رفض التعامل دولي ًا باملعايري اإلسالمية. العمل عىل التكيف مع املجتمع الدويل واملحيط اإلقليمي بوجه خاص. االجتاه الثاين ،القوميون اإلسالميون ،ويؤمن هؤالء بام ييل: -نظرية املؤامرة ،وأن االستعامر هو السبب وراء حال التخلف التي يعيشها العامل
اإلسالمي.
نيفني عبد املنعم مسعد ،صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية (بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية ،)2001 ،ص .54 بيزن إيزدي ،مدخل إىل السياسة اخلارجية جلمهورية إيران اإلسالمية ،ترمجة وتقديم سعيد الصباغ (القاهرة: الدار الثقافية للنرش ،)2000 ،ص .9-8 مركز اخلليج لألبحاث
127
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
عاملية اإلسالم ،وال يعرتفون باحلدود اجلغرافية املوجودة. رضورة تثوير الوضع يف الدول املحيطة وهتديد استقرارها. االجتاه الثالث ،القوميون الثوريون ،ويرى هؤالء أنه من الرضوري: -العمل عىل أن يكون الوضع الداخيل اإليراين نموذج ًا حيتذى به من الشعوب
األخرى ،ورضورة استخدام كافة الوسائل لتحقيق األهداف.
-العمل بحسب ما متليه املصلحة الوطنية والظروف لإلطاحة باألنظمة العميلة
واملستبدة.
-حماولة التعايش مع الوضع القائم إذا مل تتوافر الظروف لتصدير الثورة ،والدخول يف
رصاع مع الدول املجاورة إذا تعرضت املصالح اإليرانية للتهديد.
االجتاه الرابع ،رؤية آية اهلل اخلميني ،وتتمثل هذه الرؤية يف العنارص التالية: نمذجة الثورة وتقديمها إىل الشعوب اخلارجية. تصدير الثورة هو أحد األساليب التكتيكية لتاليف الضغوط اخلارجية عىل إيران. -العمل عىل إحالل الثقافة الثورية اإلسالمية حمل الثقافة التقليدية لدى الشعوب
األخرى.
-تنمية العامل التثقيفي لدى الشعوب اإلسالمية ،ودحض اآلراء املضادة للفكر
اإلسالمي اإليراين.
وجتدر اإلشارة إىل أن مفهوم تصدير الثورة اإلسالمية ال يعني بالرضورة االعتامد عىل
يروج الغرب لتلك األفكار إلشاعة اخلوف لدى شعوب وقادة األدوات العسكرية كام كان ّ
الدول املختلفة .لقد أراد اخلميني والنظام الثوري تصدير محاسة إيران لإلسالم ،حيث آمن اخلميني بأنه بتصدير هذه احلامسة إىل اجلامهري اإلسالمية ستنهض وخت ّلص نفسها من النظم الفاسدة ،ورأى أن الدعاية هي األسلوب األمثل لتحقيق ذلك ،فهدف الثورة العاملي لن يتحقق بالنسبة إليه إال بالدور اإلهلامي ،وتصدير األفكار بالقوة ليس تصدير ًا.
128
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ومع اختالف الوسائل التي قدمتها االجتاهات األربعة السابقة ،نجد أن الرأي الذي دعا
إىل استخدام األسلوب العسكري لتصدير الثورة مثَّل االجتاه األضعف ،ورسعان ما اختفى، بينام الرأي السائد كان من خالل تقديم إيران نموذج ًا إسالمي ًا وقدوة لباقي الدول والشعوب اإلسالمية ،واستخدام أدوات الدولة املختلفة لنرش رسالة الثورة ،ومنها املؤمترات والسفارات
يف اخلارج ،واستغالل موسم احلج لنرش تلك األفكار الثورية ،بل توجد أجهزة عدة يتعلق عملها بنرش تلك املبادئ خارجي ًا ،ومنها القسم الدويل للحرس الثوري ،واملجلس األعىل للثورة اإلسالمية العاملية ،وبعض املكاتب املتخصصة واملستقلة يف مكاتب وزراء الداخلية والثقافة واإلعالم واألمن .
أما سياسة إيران بخصوص تصدير الثورة فهي باألساس سياسة ثقافية أكثر منها
عسكرية ،وعىل الرغم من خروج عدد من الترصحيات الرسمية املعتمدة سواء صدرت
عن وزارة اخلارجية أم جملس الشورى اإلسالمي ،فإنه يف املقابل صدر كثري من الترصحيات والبيانات اإليرانية األخرى التي تناولت التصدير الثقايف واملعنوي للثورة .
لكن عىل الرغم من ذلك ،فإنه حتى يف إطار الوسائل السلمية التي طرحتها إيران لتصدير ثورهتا اإلسالمية ،فإن ذلك ما زال يمثل هتديد ًا مبارش ًا لالستقرار الداخيل يف العديد
من الدول اخلليجية والعربية األخرى ،وبخاصة تلك التي تضم أقليات شيعية سهلت من التأثري األيديولوجي اإليراين نظر ًا إىل ما تقدمه الرتكيبة االجتامعية لتلك املجتمعات – خصوص ًا اخلليجية -من قابلية للتدخل ،حيث قدمت الثورة اإليرانية نموذج ًا إلمكانية تعبئة الشيعة واألقليات بصفة عامة يف املنطقة ،واعتربت الثورة اإليرانية نفسها مسؤولة عن محاية الشيعة
يف اخلليج والدول العربية.
لتزعم ورعاية بعض مجاعات الصحوة الداعية إىل ومن جانب آخر ،اجتهت إيران ُّ
الوحدة اإلسالمية؛ مثل حزب اهلل يف لبنان ،وحزب الدعوة يف العراق ،ومجاعة خط اإلمام يف الكويت ،ومن ثم أصبح هتديد الوضع القائم يف دول اخلليج املجاورة هو السمة املميزة باكينام الرشقاوي« ،تأثري الثورة اإليرانية اإلسالمية عىل العالقات العربية »،يف :مجال زكريا قاسم ويونان لبيب رزق ،حمرران ،العالقات العربية اإليرانية (القاهرة :جامعة الدول العربية ،معهد البحوث والدراسات العربية، ،)1993ص .187 إيزدي ،مدخل إىل السياسة اخلارجية جلمهورية إيران اإلسالمية ،ص .63
مركز اخلليج لألبحاث
129
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
للجمهورية اإلسالمية اإليرانية ،وزادت إيران من ضغوطها عىل دول اخلليج خالل حرهبا مع العراق حتى تبتعد تلك الدول عن تأييد العراق.
اتهُ مت إيران بسبب سياسة تصدير الثورة بدعمها لإلرهاب يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ،وكان احتالل إيران للسفارة األمريكية يف طهران عام 1979بداية لصدامها عىل املستوى الدويل مع الواليات املتحدة األمريكية ،وقد كلفها ذلك العمل ثمن ًا باهظ ًا ،وأحلق هبا
الرضر وبمكانتها ودورها إقليمي ًا ودولي ًا ،حيث قطعت الواليات املتحدة األمريكية عالقاهتا مجدت ممتلكاهتا يف ترشين الثاين/نوفمرب .1979 بإيران و َّ
كام توتَّرت عالقات إيران بالدول األوروبية مثل فرنسا وبريطانيا ،وبخاصة بعد صدور
فتوى اخلميني بإهدار دم الكاتب سلامن رشدي مؤلف كتاب آيات شيطانية .لقد تبنت إيران خط ًا واضح ًا يف سياستها ،هيدف إىل قيام احلكومة اإلسالمية العاملية عىل مستوى الدول اإلسالمية كلها .
َّأدت السياسات اإليرانية إىل صدام بينها وبني عدد من الدول اخلليجية ،وخصوص ًا
اململكة العربية السعودية ،فقد شن اإلعالم اإليراين محلة عنيفة عىل النظام السعودي منذ عام
1979دعا فيها إىل نزع اإلرشاف السعودي عىل األماكن املقدسة ،إذ دعا اخلميني إىل وضع املدينتني املقدستني مكة املكرمة واملدينة املنورة حتت سيادة إسالمية مشرتكة ،كام طالب رئيس
وزرائه موسوي عام 1984بإرسال قوات من الدول اإلسالمية كافة إىل مكة واملدينة .وذلك
عىل الرغم من أن هاشمي رفسنجاين – رئيس جملس الشورى آنذاك – قد سحب ذلك الترصيح يف هناية تلك السنة .ويف عام 1988نظمت احلكومة اإليرانية مؤمتر ًا يف لندن للدعوة إىل نزع السيادة السعودية عن احلرمني الرشيفني ،وأصبح موسم احلج منذ عام 1979مناسبة سنوية النتقاد النظم العربية ،وخصوص ًا اخلليجية ،وعالقاهتا بالواليات املتحدة األمريكية وإرسائيل، حيث كان اخلميني يرى أن ما يفعله اإليرانيون خالل موسم احلج ليس خروج ًا عىل تقاليد احلج ،كام رأى امللك خالد عام ،1981ألن احلرمني الرشيفني كانا دوم ًا مركزين لتداول
وتكررت املواجهات شؤون املسلمني .وبدأت إيران يف إثارة القالقل خالل موسم احلج، َّ )(8
130
Majid Khadduri, The Gulf War: The Origins and Implications of the Iraq-Iran Conflict (New York: Oxford University Press, 1988), p. 104.
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
بني احلجاج اإليرانيني وقوات األمن السعودي التي بلغت ذروهتا عام 1987عندما اهتمت السعودية إيران بتهريب كميات من املتفجرات خالل موسم احلج ،وأدت املصادمات إىل وفاة ما يقرب من أربعمئة شخص يف مكة املكرمة ،منهم مئتان ومخسة وسبعون إيراني ًا ،واثنان
وأربعون من دول أخرى ،ومخسة وثامنون من رجال الرشطة السعوديني .ويف عام 1988منع اخلميني اإليرانيني من أداء فريضة احلج احتجاج ًا عىل قيام السلطات السعودية بتخفيض عدد احلجاج اإليرانيني من مئة ومخسني ألف حاج إىل أربعني ألف ،كام قام عمالء إيرانيون بتفجري
قنابل حقيقية يف مكة املكرمة عام . 1989
ثاني ًا :النفوذ والبحث عن دور إقليمي
يعترب اخلليج العريب ممر ًا مائي ًا شديد األمهية بالنسبة إىل إيران ،حيث يشغل الساحل
اإليراين -نحو ألف ومخسمئة ميل -الشاطئ الشاميل للخليج العريب بكامله ،ويعترب نافذة إيران
األساسية عىل العامل اخلارجي ،وتسيطر إيران وسلطنة ُعامن عىل مضيق هرمز االسرتاتيجي، الذي تصدر إيران كل نفطها عن طريقه ومن خالله ،وتقع أغلب املنشآت النفطية اإليرانية
عىل اخلليج أو بالقرب منه.
يمثل النفط اإليراين نحو 65يف املئة من الدخل اإليراين ،كام ورد يف املوازنة اإليرانية
لعام ،1994ومن ثم فليس هناك شك يف أن إيران متثل قوة رئيسة يف اخلليج ،هلا مصاحلها وخماوفها املرشوعة ،ومن ثم ترى العديد من الدوائر اإليرانية أن الوضع الطبيعي هو أن
تصبح إيران القوة الرئيسة يف اخلليج ،ومن ثم شعر اإليرانيون أن الوجود الربيطاين الذي
طال بقاؤه يف منطقة اخلليج قد حرمهم من املكانة التي يستحقوهنا ،وما زالت تلك التصورات اخلاصة بالدور اإلقليمي اإليراين يف منطقة اخلليج والرشق األوسط تنعكس عىل سياسة إيران اخلارجية جتاه جرياهنا العرب . (1
هناك إيامن إيراين مفاده أنه يتحتم عىل إيران أن تستمر يف القيام بدور القوة اخلليجية انظر :مسعد ،صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية ،ص ،59-58وصالح املانع «البعد اإليديولوجي يف العالقات السعودية اإليرانية »،يف :السويدي ،حمرر ،إيران واخلليج :البحث عن االستقرار ،ص .235-234 )Shahram Chubin and Charles Tripp, “Domestic Politics and Territorial Disputes in (10 the Persian Gulf and Arabian Peninsula,” Survival (Winter 1993-1994), p. 8.
مركز اخلليج لألبحاث
131
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
الكربى .لذلك سعت منذ فرتات تارخيية سحيقة إىل السيطرة عىل منطقة اخلليج وبناء قوة
عسكرية وبحرية متكنها من حتقيق ذلك اهلدف ،وقد حتقق ذلك احللم اإليراين بوضوح يف ظل احلكم البهلوي الذي حقق نجاح ًا يف بناء قوة إقليمية ،واستطاع اإليرانيون حتويل احللم اجليواسرتاتيجي اإليراين إىل حقيقة نوع ًا ما ،وقد ساعدت ظروف إقليمية ودولية مواتية عىل حتقيق ذلك احللم ،وعىل رأس تلك الظروف مساندة األمريكيني للشاه.
وتبلورت اسرتاتيجية الدور اإلقليمي اإليراين التي اعتربت أن السيطرة عىل اخلليج هي
جمرد خطوة عىل طريق حتقيق دور إقليمي أعظم يمتد إىل بحر العرب واملحيط اهلندي.
مثلت إيران حتدَّ ي ًا حقيقي ًا ألمن بلدان العامل العريب بصفة عامة واستقرارها ،ولدول
اخلليج العريب بصفة خاصة ،فقد كانت إيران حتى عام 1979تقوم بدور الدولة احلارس
للمصالح الغربية يف منطقة الرشق األوسط ،وقد عمدت الواليات املتحدة األمريكية إىل
تكوين قوة إقليمية عظمى يف منطقة الرشق األوسط وأفريقيا ،وذلك من إيران الشاه وبتنسيق مع كل من تركيا وإرسائيل وإثيوبيا.
بعد عودة الشاه إىل احلكم عام ،1953قامت يف إيران حكومة جديدة برئاسة اجلنرال
فضل اهلل زاهدي ،وقامت بالتصفيات الالزمة الستقرار حكمها وإعادة األمور إىل نصاهبا، وذلك بالتعاون مع الغرب ،فقد أيقنت احلكومة اإليرانية آنذاك بأهنا لن تستطيع الصمود أو
احلفاظ عىل استقرارها ووحدهتا إال بمساعدة الدول الغربية وعىل رأسها الواليات املتحدة األمريكية ،لذا نادت إيران علن ًا بانحيازها إىل املعسكر الغريب. ويف إطار سياسة االحتواء التي اتبعتها الواليات املتحدة األمريكية جتاه الكتلة الشيوعية آنذاك ،تم توقيع حلف بغداد يف الرابع والعرشين من شباط/فرباير عام 1955الذي تضمن نوع ًا من التحالف والتنسيق العسكري ،وضم ك ً ال من العراق وتركيا وبريطانيا وإيران وباكستان . (1
كان ذلك احللف هتديد ًا لألمن والسالم يف املنطقة العربية بأرسها ،خصوص ًا أن إحدى
الدول العربية وهي العراق كانت أحد أعمدة ذلك التحالف ،وعىل الرغم من أن حماولة (1ملزيد من التفاصيل عن ذلك التحالف ،انظر :عبد السالم عبد العزيز فهمي ،تاريخ إيران السيايس يف القرن العرشين (القاهرة :مطبعة املركز النموذجي ،)1973 ،ص ،144-141وعبد السالم أبو السعود ،حلف بغداد ،سلسلة كتب سياسية؛ الكتاب التاسع والعرشون (القاهرة ،دار القاهرة للطباعة.)1957 ، 132
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
إرشاك كل من إيران والعراق مع ًا يف ذلك التحالف هي وسيلة حلل مشكلة شط العرب بني
البلدين ،فإن ذلك مل يؤد إىل إحراز أي تقدم بشأن تلك املشكلة بسبب معارضة مرص النارصية
لذلك احللف باعتباره طعنة يف قلب األمة العربية ،وأدى قيام الثورة العراقية عام 1958إىل
فشل ذلك التحالف ،ومن ثم انسحاب العراق منه بعد الثورة.
حاولت إيران فرض نفوذها عىل رجال الثورة اجلدد يف العراق واستغالل رغبتهم يف حتقيق
االستقرار الداخيل واألمن من خالل التهديد للحصول عىل تنازالت بشأن مسألة شط العرب،
وكانت إيران تعتقد بأن رجال الثورة 1958يف العراق سوف يقدمون تنازالت إضافية ،كام فعل
رجال ثورة 1936عندما منحوا إيران مرسى ميناء عبدان ،فتقدمت احلكومة اإليرانية بمذكرة يف اخلامس والعرشين من أيلول/سبتمرب 1958إىل اخلارجية العراقية لتعيني جلنة لتخطيط احلدود بني البلدين ،وأن عىل العراق القيام بذلك برسعة وإال ستتخذ إيران كافة الوسائل الكفيلة بتحقيق مصاحلها يف هذا الصدد ،لكن قادة ثورة متوز/يوليو 1958رفضوا املطالب اإليرانية ،وهذا ما
أ َّدى إىل زيادة حدَّ ة التوتر بني البلدين ،وحشدت كل منهام قواهتا عىل احلدود بطول شط العرب، وبات الوضع مهدد ًا باالنفجار .وزاد من حدَّ ة التوتر انسحاب العراق من حلف بغداد يف الرابع والعرشين من آذار/مارس ،1959وإقامة عبد الكريم قاسم عالقات مع االحتاد السوفيايت ،ما
كان يمثل رضبة قاسمة للحلف .وهذا الوضع جعل إيران تسعى إىل حماولة تقوية دورها اإلقليمي من خالل عقد معاهدات ثنائية مع الواليات املتحدة األمريكية تضمن هلا االستقرار . (1
ظلت العالقات العراقية -اإليرانية عىل وترية واحدة من التوتر ،حيث بدأت إيران يف
إثارة األكراد ضد العراق ومدهم بالسالح واملؤن ،ويف الوقت ذاته كان العراق حيرض سكان عربستان واألكراد اإليرانيني للقيام بحركات انفصالية ضد إيران . (1
يرتدد الشاه يف ممارسة نفوذه يف باقي دول اخلليج العربية ،حينام قام باحتالل جزر مل َّ اإلمارات الثالث طنب الكربى والصغرى وأبو موسى عام ،1971وتدخل عسكري ًا يف
منطقة ظفار للقضاء عىل املاركسيني.
(1حممد حسن العيدروس ،العالقات العربية اإليرانية( 1971-1921 ،الكويت :منشورات ذات السالسل، ،)1985ص .314-312 (1حممود الدرة ،القضية الكردية (بريوت :دار الطليعة ،)1966 ،ص .406-405
مركز اخلليج لألبحاث
133
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
عىل الرغم من أن قيام الثورة اإلسالمية يف إيران عام 1979واإلطاحة بحكم الشاه
وإعالن اجلمهورية اإلسالمية قد أدى إىل بعض التغيريات اجلذرية يف سياسة إيران عىل املستوى الداخيل واخلارجي والتحول بعيد ًا عن الواليات املتحدة األمريكية بشكل أسايس، فإن رؤية إيران اإلسالمية لدورها اإلقليمي يف منطقة اخلليج العريب والرشق األوسط مل تتغري يف أهدافها ،ومل تتبدل ومل تتحول ،عىل الرغم من التحول اهلائل من نظام ملكي إىل نظام
مجهوري ثوري.
من الواضح أن مصالح الدولة القومية نالت من االهتامم ما يفوق كثري ًا اجلدل
األيديولوجي أو الثوري ،فسياسة اجلمهورية اإلسالمية اخلارجية جتاه اخلليج ظلت ثابتة بال
تغيري عىل الرغم مما طرأ عليها من تغريات جذرية يف كثري من القضايا.
مل تسع إيران اجلمهورية إىل التخليّ عن دورها اإلقليمي الذي سعت إىل ممارسته إيران
الشاه ،فهناك اعتبارات مصلحية وقومية تربو فوق املصالح واالعتبارات األيديولوجية التي جاءت هبا الثورة اإلسالمية يف إيران عام .1979
إذ ًا ،دور إيران اإلقليمي ما زال يتسم باخلصائص نفسها التي متيز هبا يف عهد ما قبل الثورة اإلسالمية ،عىل الرغم من اختالف منطلقات ذلك الدور. َّأدت الثورة اإلسالمية يف إيران إىل رضب أكرب حلقة من حلقات الدول الرشق أوسطية
احلليفة للواليات املتحدة األمريكية ،وبخسارة إيران خرست الواليات املتحدة األمريكية
أهم قاعدة متقدمة هلا يف خط املواجهة مع االحتاد السوفيايت يف منطقة تعترب الرشيان احليوي
لالقتصاد الرأساميل العاملي.
وأدت الثورة اإلسالمية أيض ًا ،وما تالها من انعكاسات عىل العالقات األمريكية َّ
اإليرانية ،واألمريكية العربية ،إىل زعزعة كل املعادالت األمنية السابقة التي ضمنت االستقرار لفرتة من الزمن يف املنطقة ،حيث اختذ النظام اإليراين اإلسالمي موقف ًا معادي ًا للواليات املتحدة
األمريكية منذ البداية ،وألقى عىل عاتقها وزر جتاوزات ومفاسد نظام الشاه باعتبارها القوة الرئيسة التي كانت وراء استمرار نظامه . (1
(1منصور العتيبي« ،اإلدارة األمريكية ألزمة اخلليج الثانية( »،1991-1990 ،رسالة ماجستري غري 134
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
انطلق الدور اإلقليمي إليران الثورة من مفهوم جديد ،يرتقي به من املستوى اخلليجي
والرشق أوسطي إىل املستوى العاملي ،فاحلكومة العاملية لإلسالم أصبحت هي املنطلق اجلديد لرؤية إيران لدورها اخلارجي ،والشواهد كلها بعد الثورة وحترك إيران اخلارجي تدعو إىل االعتقاد بأهنا ال ترى لنفسها دور ًا عىل املستوى اخلليجي والرشق أوسطي فحسب ،بل عىل مستوى العامل كله ،وينطلق هذا الدور أساس ًا من مقومات فكرية وعقائدية.
وس ِخ َرت من دور قامت الثورة يف إيران ضد الشاه وسياساته الداخلية واخلارجيةَ ،
الرشطي الذي كانت تضطلع به إيران الشاه باعتباره ال خيدم املصلحة الوطنية ،وإنام خيدم املصالح الغربية يف املنطقة.
اختذت اجلمهورية اإلسالمية لنفسها منهج ًا خمتلف َا ،ودور ًا جديد ًا يتعدَّ ى حدود دور
الرشطي السابق ،وهذا الدور اجلديد يرتكز عىل نظرية احلكومة العاملية لإلسالم التي تؤكد
ظهور املهدي املنتظر «اإلمام الغائب» بعد غيبته الكربى لكي يقيم حكومة العدل اإلهلي ويقيض عىل الظلم ،ويمتد نفوذ تلك احلكومة ليشمل العامل كله . (1
أوضح الدستور اإليراين بمقدمته أن الثورة اإلسالمية يف إيران تستهدف النرص جلميع
املستضعفني عىل املستكربين ،وأن الدستور اإليراين يمهد الظروف الستمرارية هذه الثورة داخل البالد وخارجها ،خصوص ًا بالنسبة إىل توسيع دائرة العالقات الدولية مع سائر احلركات اإلسالمية والشعبية ،حيث يسعى إىل بناء األمة الواحدة يف العامل تطبيق ًا لقوله تعاىلّ : ﴿إن هذه
أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾ ، (1فالثورة اإلسالمية يف إيران سوف تعمل عىل مواصلة اجلهاد إلنقاذ الشعوب املحرومة واملضطهدة يف أنحاء العامل كله.
والدستور اإليراين ،بام حيمله من أفكار وتعاليم إسالمية ،ومن وجهة نظر واضعيه،
الوسيلة إلزالة كل صور االستبداد والدكتاتورية الفكرية واالجتامعية واالحتكار االقتصادي، ويسعى ملنح الشعوب حق تقرير مصريها وبناء املجتمع عىل أساس من التعاليم اإلسالمية، منشورة ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1997،ص .67-66 (1حممد السعيد عبد املؤمن« ،املسألة اإليرانية :الدور اإلقليمي :املحدَّ دات واملستقبل »،أوراق الرشق األوسط ،العدد ( 14نيسان/أبريل ـ متوز/يوليو ،)1995ص .53 (1القرآن الكريم« ،سورة األنبياء »،اآلية .92
مركز اخلليج لألبحاث
135
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
وهبذا تتهيأ السبل إلقامة احلكومة العاملية وحكومة املستضعفني التي هي السبيل لتحقيق الوعد بإنشاء أمة عاملية واحدة . (1
لقد تأثر الدور اإليراين بالعقيدة الدينية التي مثلت الركيزة األساسية لرؤية إيران الثورة
للعامل اخلارجي بصفة عامة واملنطقة العربية واخلليجية بصفة خاصة ،فقد قدمت الثورة لغة خطابية جديدة للتعبري عن اخلارج وعن الدور اإليراين.
قسم املفهوم اإليراين اجلديد العامل إىل معسكرين متواجهني ،مها« :املستكربون»،
و»املستضعفون».
لذلك مل يؤمن اخلميني باالنحياز إىل الرشق أو الغرب ،كام إنه مل يؤمن بفكرة عدم
االنحياز ،لرغبته يف قطع أي نوع من التبعية جتاه القوتني العظميني ،فهو يرفض كل ما يسود
النظام الدويل آنذاك من عالقات غري متكافئة ،تؤدي فيها القوى الكربى دور املستغل،
وعىل رأسها الشيطان األكرب وزعيمة االستكبار كام سامها اخلميني ،وهي الواليات املتحدة األمريكية ،التي هي مركز وأم الفساد يف األرض . (1
ترافق مع هذا الفكر رفض اخلميني الواقعني العريب واإلسالمي ،ومن ثم كان مبدأ
تصدير الثورة اإلسالمية هو األداة الرئيسة للسياسة اخلارجية اإليرانية يف إطارها اخلليجي واإلسالمي ،لتصدير النموذج اإليراين للدولة اإلسالمية ،فقد اعتربت إيران نفسها متحدث ًا
باسم اإلسالم يف مواجهة العامل ،وقامت أيديولوجيا احلكومة اإلسالمية عىل تفسري اخلميني لإلسالم باعتباره تطبيق ًا يمثل عالقات املجتمع داخلي ًا وخارجي ًا ،وأرجع اخلميني فشل احلكومات املسلمة يف مواجهة قوى االستكبار العاملي إىل زعامء الدول اإلسالمية الذين إما
كانوا عمالء لالستعامر أو ضحايا له ،ومن ثم طالب بالعودة إىل الفهم الصحيح لإلسالم.
مثل النظام السيايس اإليراين اجلديد هتديد ًا حقيقي ًا لدول اخلليج العريب ،فإىل جانب استمرار االحتالل اإليراين جلزر اإلمارات الثالث باعتبارها جزء ًا من السيادة اإليرانية، (1دستور اجلمهورية اإلسالمية يف إيران (طهران :مديرية الرتمجة والنرش ،رابطة الثقافة والعالقات اإلسالمية، ،)1997ص .14-12 (1قاسم ورزق ،حمرران ،العالقات العربية اإليرانية ،ص .183-182
136
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
هدد اإليرانيون الثوريون عروش دول اخلليج ذات الصبغة امللكية التي أعلن عدد من القادة اإليرانيني رصاحة أهنا ال تعترب بالنسبة إىل إيران دو ً ال مستقلة ،بل إهنم طالبوا بالبحرين باعتبارها جزء ًا من األرايض اإليرانية.
وللحكومة العاملية اإلسالمية من وجهة النظر اإليرانية ثالثة أركان : (1 -1ال يمكن أن تكون ملكية ،فاإلسالم كام يرى اخلميني قد عارض امللكية بشدة.
-2ال بد أن يكون للفقهاء يف احلكومة اإلسالمية دور كبري يف السلطة والسيطرة عىل احلكم كام هي احلال يف إيران ،أو بام يشابه الوضع القائم فيها.
-3إنه يف احلكومة اإلسالمية حيكم الفقهاء مجهورية شعبية ،وهذا ال يعني قيام حكم متثيل األغلبية فقط ،ولكن ال بد من قيام حكومة املستضعفني ،التي حيدد فيها الفقهاء ما هو صالح للمجتمع اإلسالمي.
من هنا اصطبغ اخلطاب اإليراين باهلجوم عىل احلكومات العربية اإلسالمية ،والنداء إىل
الشعوب للقيام بالثورة عىل حكوماهتا ،فبحسب قول اخلميني« :كل ضعف يف املسلمني وكل فساد يف الدول اإلسالمية نابع من احلكومات ،واحلل بيد الشعوب» . (2
وأدى توجه إيران اجلديد يف منطقة اخلليج العريب واستمرار النزعة االستعامرية لدى َّ
قادهتا إىل وضعها عىل قمة الدول املهددة لألمن القومي لدول اخلليج العربية ،وازدادت تلك الرؤية مع اندالع حرهبا مع العراق ،التي استمرت زهاء ثامين سنوات ،وفتحت املجال أمام التدخالت اخلارجية يف منطقة اخلليج العريب حتت زعم محاية املصالح النفطية ومحاية أمن
الدول اخلليجية ،األمر الذي أعاد من جديد الوجود العسكري الغريب يف مياه اخلليج العريب يف
ما عرف بحامية ناقالت النفط خالل احلرب.
كام َّأدت السياسات اإليرانية جتاه الدول الغربية وبخاصة الواليات املتحدة األمريكية وما حدث من احتجاز للرهائن األمريكيني يف السفارة األمريكية لدى طهران إىل خلق عداءات غربية إليران. )(19
Rouhollah K. Ramazani, Revolutionary Iran: Challenge and Response in the Middle East (London: Johns Hopkins University Press, 1990), pp. 160-165.
(2خالد العواملة« ،الثورة اإليرانية ورشعية النظم السياسية العربية( »،رسالة ماجستري ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1992 ،ص .347 مركز اخلليج لألبحاث
137
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
وإذا كانت الثورة يف إيران قد استطاعت أن متارس دور ًا مستق ً ال أعقاب قيامها عام ،1979نظر ًا إىل طبيعة النظام الدويل الذي اتسم بالعداء بني املعسكرين الرشقي والغريب ،إال
أن التحول الذي حدث هبيكل القوى يف النظام الدويل أعقاب تويل غورباتشوف سدة احلكم قوضت عروش يف االحتاد السوفيايت «السابق» عام 1985وما جاء به من سياسات إصالحية ّ االشرتاكية ،وزادت من فرص التعاون بني القوى الكربى عىل مستوى القضايا اإلقليمية،
قد زاد من صعوبة املوقف اإليراين ،وقلل من قدرة إيران عىل استغالل التنافس بني القوى الكربى ،وهذا ما َّأدى إىل عزلتها دولي ًا ،وقلل من إمكانية قيامها بالدور اإلقليمي الذي رسمته
لنفسها يف أعقاب قيام ثورة عام . (2 1979
ثالث ًَا :قضايا احلــــدود تتمتع منطقة اخلليج العريب بأمهية جيوبولتيكية واسرتاتيجية اقتصادية منذ أمد بعيد،
وهي منطقه مليئة باملشكالت والرصاعات املتمحورة حول ادعاءات وحقوق تارخيية وجغرافية وقانونية يف بعض املناطق احلدودية.
ارتبط ذلك برؤية كل دولة لوزهنا الدويل واإلقليمي ،وبالطموحات السياسية لقادهتا. تعترب إيران من أكثر الدول يف منطقه اخلليج ادعاء للحقوق اإلقليمية لدى جرياهنا يف املنطقة ،األمر الذي أوجد كثري ًا من نقاط االحتكاك مع الدول العربية يف منطقه اخلليج منذ
مطلع القرن العرشين.
جدير بالذكر أن املشكالت احلدودية بني إيران والدول اخلليجية قد ظهرت منذ بدايات
القرن العرشين ،إال أن الوجود الربيطاين يف املنطقة حال دون قيام إيران باختاذ إجراءات رصحية يف مواجهة الدول اخلليجية ،نظر ًا إىل فارق القوة الواضح بني إيران وبريطانيا إحدى
الدول العظمى يف العامل يف ذلك الوقت.
”Rouhollah K. Ramazani, “Iran’s Foreign Policy: Contending Orientations, )(21 in: Rouhollah K. Ramazani, ed., Iran’s Revolution: The Search for Consensus (Bloomington: Indiana University Press; Washington, DC: Published in Association with the Middle East Institute, 1990), pp. 49-57.
138
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
إال أن االنسحاب الربيطاين وما خ ّلفه من فراغ باملنطقة يف مطلع السبعينيات أتاح فرصة
سانحة إليران لكي حتقق أحالمها وأهدافها التوسعية عىل حساب دول اخلليج الضعيفة مقابلة
بإيران .فمنذ عام 1935ومشكالت احلدود قائمة بني العراق وإيران؛ حيث ورث العراق عن الدولة العثامنية احلدود التي تفصل بينه وبني فارس باعتبارها نتيجة للحرب العاملية األوىل . (2
وأصبحت مشكلة شط العرب أهم مشكالت احلدود بني البلدين ،ذلك املجرى املائي الواسع الذي يلتقي فيه هنرا دجلة والفرات عند «كرمة عيل» ،حيث جيريان مع ًا ويؤلفان هنر ًا واحد ًا يصب يف اخلليج العريب ،ويفصل بني البلدين.
شهدت مسألة احلدود بني البلدين مواقف متضاربة من اجلانبني ،ففي الوقت الذي كان العراق يرى أن شط العرب هو هنر داخيل يقع يف أراضيه وخيضع لسيادته وفق ًا للحدود املنصوص عليها يف اتفاقية «أررضوم الثانية» عام 1847بني فارس والدولة العثامنية ،ترى إيران أن شط العرب هو بمنزلة هنر دويل ،وطبق ًا للقواعد القانونية الدولية التي حتكم األهنار الدولية ،فإن خطوط احلدود بني البلدين تكون يف وسط النهر.
تم عرض املوضوع عىل عصبة األمم ،وتوصل البلدان إىل اتفاق عام 1937ألغته إيران
عام ،1969األمر الذي دفع العراق إىل إثارة املشكلة أمام جملس األمن ،وطالب بعرض النزاع أمام حمكمة العدل الدولية.
ظل النزاع قائ ًام بني البلدين حتى اتفاق اجلزائر عام 1975الذي تنازل بموجبه العراق
عن مطالبه يف شط العرب بعد لقاء صدام حسني وشاه إيران ،وتم بمقتىض تلك االتفاقية رسم احلدود النهرية يف شط العرب طبق ًا خلط «ثالوك» ،حيث نص الربتوكول امللحق باالتفاقية عىل أن يتبع خط احلدود يف شط العرب خط وسط املجرى الرئيس الصالح للمالحة عند أقل منسوب للمياه القابلة للمالحة ،مع وضع ختطيط هنائي حلدود البلدين بناء عىل برتوكول
«اآلستانة» عام ،1913وحمارض جلنة ختطيط احلدود عام . (2 1914
(2حممد عبد الغني سعودي« ،اخلليج بني مقومات الوحدة ورصاع القوى األعظم »،جملة دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ،العدد ( 20ترشين األول/أكتوبر ،)1979ص .57
(2انظر :أسامه الغزايل حرب« ،أبعاد النزاع العراقي اإليراين »،السياسة الدولية ،العدد ( 61متوز/يوليو ،)1980ص 186 - 184؛ عبد اهلل األشعل ،قضية احلدود يف اخلليج العريب (القاهرة :مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام ،)1978 ،ص 77؛ مجال زهران« ،أبعاد الرصاع العراقي اإليراين والتوازن اإلقليمي »،السياسة مركز اخلليج لألبحاث
139
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
استطاعت تلك املعاهدة أن تضع حدّ ًا موقت ًا خلالفات البلدين حول احلدود حتى اندالع
الثورة اإلسالمية يف إيران عام ،1979حيث ما لبثت أن عادت اخلالفات تدب بني البلدين من جديد.
ففي حزيران/يونيو عام 1979بدأت تتواتر األنباء حول نزاعات احلدود ،حيث بدأ
الطرفان بتبادل االهتامات ،حتى حدثت اشتباكات عسكرية عىل احلدود بينهام ،وأعلن العراق حال التعبئة العسكرية يف السابع من حزيران/يونيو ،1979وأرسلت إيران فرقة من اجليش
وتكررت مرة أخرى عام ،1979وتبادل تدعمها مئتا دبابة إىل احلدود ،وحدثت االشتباكات، َّ الطرفان عمليات طرد الدبلوماسيني ،وتدهور األمر عندما أعلنت السلطات العراقية عام
1980عن اكتشافها حماولة ختريبية لقلب نظام احلكم يف العراق بمساندة إيران ،وأن حزب الدعوة اإلسالمية هو الذي تزعم تلك املحاولة ،وترتب عىل إحباط املؤامرة تنفيذ حكم اإلعدام يف زعيم الشيعة العراقيني اإلمام حممد باقر الصدر . (2
وكان العراق قد طالب إيران رسمي ًا يف كانون األول/ديسمرب 1979بإعادة النظر
يف اتفاقية اجلزائر التي ختلت فيها العراق عن شط العرب؛ باعتبار أن ذلك تم حتت ضغوط تعرضت هلا العراق يف الداخل واخلارج ،وأن العراق ال يقبل هبذا االتفاق ويطالب بتعديله
بشكل يضمن إعادة األرايض العربية إليه.
الدولية ،العدد ( 71كانون الثاين/يناير ،)1983ص 123-118؛ اسامعيل صربي مقلد ،أمن اخلليج وحتديات الرصاع الدويل (الكويت :رشكة الربيعان للنرش والتوزيع ،)1984 ،ص 192 - 191؛ صالح العقاد« ،األصول التارخيية للنزاع، ملف احلرب العراقية اإليرانية »،السياسة الدولية ،العدد ( 62كانون الثاين/يناير ،)1981ص 63 - 62؛ حييى حلمي رجب ،أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية (القاهرة :مركز املحروسة للبحوث والتدريب والنرش، ،)1997ج ،1ص 102 - 99؛ فاضل حسيني ،مشكلة شط العرب (القاهرة :جامعة الدول العربية ،معهد البحوث والدراسات العربية ،)1975 ،وعبد احلليم أبو غزالة ،احلرب العراقية اإليرانية 1980 ،ـ [( 1988د .م :.د .ن،]. .)1994-1993 (2يف أعقاب تلك املحاولة الفاشلة صدر بيان عن قيادة الثورة العراقية يف السابع عرش من أيلول/سبتمرب 1980جاء فيه «إنه بالنظر إىل إخالل احلكومة اإليرانية باتفاقية 6مارس عام ،1975والربوتوكوالت امللحقة هبا نص ًا وروح ًا من خالل عدم احرتامها لعالقات حسن اجلوار وتدخلها السافر واملتعمد يف شؤون العراق الداخلية وامتناعها عن إعادة األرايض العراقية املغتصبة والتي جرى االتفاق عىل إعادهتا للسيادة العراقية الكاملة بموجب االتفاقيه املذكورة، األمر الذي يدل عىل أن اجلانب اإليراين يعترب اتفاقية مارس 1975يف حكم املنتهية ،لذا قرر جملس قيادة الثورة اعتبار تلك االتفاقية ملغاة ،وإعادة السيادة الكاملة من الناحية القانونية والفعلية عىل شط العرب ،والترصف وفقا لذلك» … نق ً ال عن: اسامعيل صربي مقلد ،االسرتاتيجية والسياسة الدولية :املفاهيم واحلقائق األساسية ،ط ( 2بريوت :مؤسسة األبحاث العربية ،)1985 ،ص .291-290 140
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
تزايد الوضع توتر ًا بني البلدين وتفاقمت اخلالفات بينهام ،ومل تجُ ِد املحاوالت التي بذلت لتطويقها واحتوائها ،خصوص ًا أن إيران قد حاولت تصدير ثورهتا إىل جنوب العراق، فرد العراق بطرد نصف مليون عراقي من أصل إيراين ،وانفجر الوضع يف أيلول/سبتمرب
1980بإعالن العراق إلغاء اتفاقية 1975من جانب واحد ودخول احلرب ضد إيران، مستغ ً ال الفوىض الثورية يف إيران واهنيار املؤسسات والعزلة املفروضة عىل إيران نتيجة الثورة، حيث كان العراق واثق ًا من انتصاره الرسيع عىل إيران لضعف جيشها ،إال أن احلرب استمرت نحو ثامين سنوات ،كانت هلا تأثرياهتا السلبية يف منطقة اخلليج.
حرصت الدول اخلليجية احلفاظ عىل توازن القوى باملنطقة والتمسك بحدودها كام
كانت منذ الوجود الربيطاين ،وإقامة عالقات متكافئة بني الدول قائمة عىل االحرتام املتبادل
من دون التحرش األيديولوجي أو التوسع ،سواء أكان ذلك من جانب إيران أم العراق.
لذلك جتمعت دول اخلليج الست يف جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،واختذت
سياسة هتدف إىل تطويق احلرب وحرصها يف البلدين ،والعمل عىل إهنائها والتصدي بفاعلية ألي تغيري يف خريطة املنطقة.
لكن تطورات احلرب مل تعط دول املجلس الفرصة للتمتع بموقفها املحايد من احلرب؛
حيث بدأت احلرب تطال الدول اخلليجية ،ففي كانون األول/ديسمرب 1981تم اكتشاف مؤامرة إيرانية لقلب نظام احلكم يف البحرين .وبرزت ،أول مرة وبشكل عميل ،نظرية األمن
اجلامعي اخلليجي نتيجة إحساس قادة وشعوب الدول اخلليجية باملخاطر التي بدأت تتصاعد مع تكرار هلجة التهديدات اإليرانية.
ومع تصاعد املسامهة اخلليجية يف دعم موقف العراق سياسي ًا ،قطعت إيران كل عالقة
هلا بدول املجلس اخلليجي ،الذي صورته إيران باعتباره جمموعة مطيعة للشيطان األكرب «الواليات املتحدة األمريكية» ،ثم أخذت التهديدات اإليرانية للدول اخلليجية صيغة اهلجوم الرصيح ،بخاصة ضد اململكة العربية السعودية والكويت نتيجة دعمهام املايل للعراق ،فبدأت البحرية اإليرانية تتعرض لناقالت النفط يف اخلليج بعد أن بدأ العراق يف قصف منصات النفط اإليرانية يف منطقة «بوشهر» ،وتبنت إيران سياسة «النفط للجميع أو ال أحد».
مركز اخلليج لألبحاث
141
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
وخالل شهر أيار/مايو 1985بدأت إيران بقصف الناقالت السعودية والكويتية داخل
املياه اإلقليمية للبلدين ،األمر الذي أدى إىل توسيع مرسح احلرب لتتجاوز احلدود العراقية - اإليرانية ،وهددت إيران برضب وتدمري املنشآت النفطية واالقتصادية لدول اخلليج ،وهدَّ دت
بإغالق مضيق هرمز ،ما دفع الدول اخلليجية إىل طلب مساعدة الدول الغربية يف محاية ناقالهتا النفطية برفع األعالم عليها ،أو من خالل استئجار ناقالت غربية لنقل النفط اخلليجي.
وتعرض الشيخ جابراألمحد وتعرضت دولة الكويت لعدد من االنفجارات عام ،1985 َّ الصباح ،أمري البالد ،ملحاولة اغتيال يف اخلامس والعرشين من أيار/مايو 1985من جانب عنارص إيرانية قتل فيها ثالثة أشخاص وجرح مخسة عرش شخص ًا. استمرت احلرب سجا ً ال بني اجلانبني ،حتى أعلنت إيران يف الثامن عرش من متوز/يوليو
1988قبوهلا قرار جملس األمن رقم 598بعد أن بدأت املقاومة اإليرانية تنهار ،وأعلن السكرتري العام لألمم املتحدة يف 8آب/أغسطس 1988وقف إطالق النار بني البلدين،
وحتدد بصفة رسمية العرشون من آب/أغسطس 1988إلعالن الوقف الرسمي للقتال ،عىل
أن تبدأ املفاوضات املبارشة بني البلدين يف اخلامس والعرشين من آب/أغسطس عام 1988
إلجياد تسوية سلمية للنزاع . (2
إىل جانب مشكلة احلدود العراقية -اإليرانية حول شط العرب ،شهدت تلك املرحلة
من عمر اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية استمرار مشكلة اجلزر اإلماراتية الثالث التي احتلتها
إيران منذ عام 1971عشية إعالن قيام الدولة االحتادية يف اإلمارات ،خملفة بذلك مشكلة حدودية ما زالت مستمرة حتى اليوم ،إال أهنا ختتلف يف تداعياهتا عن مشكلة شط العرب، حيث إن املنهج السلمي هو املنهج السائد من جانب دولة اإلمارات العربية املتحدة يف حل
تلك املشكلة التي زادت عىل ثالثة عقود.
ولقد سيطرت إيران عىل اجلزر الثالث عام 1971لتحقيق أهداف عدة : (2 (2رجب ،املصدر نفسه ،ص .161-160هذا وقد وصف اخلميني قبوله لقرار وقف إطالق النار مع العراق بأنه «أشد فتك ًا من جترع السم ،وأنه قبل ذلك القرار خضوع ًا إلرادة اهلل وابتغاء مرضاته ولصالح إيران وبناء عىل توصيات القادة السياسيني يف إيران» .املصدر املذكور ،ص .170
(2رجب ،املصدر نفسه ،ص .335-334وملزيد من التفاصيل عن مشكلة اجلزر الثالث ،انظر :أمحد جالل التدمري ،اجلزر العربية الثالث :دراسة وثائقية ،تقديم وإرشاف خالد بن صقر القاسمي (االمارات العربية :مطبعة رأس اخليمة الوطنية)]2000[ ،؛ عبد الوهاب عبدول ،اجلزر العربية الثالث يف اخلليج العريب ومدى مرشوعية التغريات 142
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ّ وحتكمها باملدخل اجلنويب -السيطرة عىل هذه اجلزر نظر ًا إىل موقعها االسرتاتيجي
للخليج العريب عند مضيق هرمز.
-تأكيد مقدرة القوات اإليرانية عىل استخدام القدرة العسكرية العالية عند حترك
الواليات املتحدة األمريكية يف اخلليج.
إقناع العرب بدور إيران قو ًة رادعة يف منطقة اخلليج. تأكيد مركز إيران يف املحيط اهلندي. كانت املصلحة اإليرانية البحتة الدافع وراء احتالل إيران اجلزر الثالث ،حيث عبرَّالشاه حممد رضا هبلوي عن ذلك رصاحة يف ترصيح له لصحيفة وايندكان اإليرانية املقربة منه
عام ،1970إذ قال« :إن إجياد قاعدة بحرية وجوية وبرية يف جزيرة أبو موسى وجزيريت طنب الصغرى وطنب الكربى سيمكن إيران من مراقبة مدخل املحيط اهلندي إىل اخلليج الفاريس، وإن العدو املشرتك هو الثورة العربية ،وهذا العدو لو أفلح يوم ًا يف السيطرة عىل اجلزر سيتمكن من شل حركة تصدير النفط اإليراين إىل اخلارج وإىل إرسائيل بالذات» . (2
كانت الدول اخلليجية تتوقع أن قيام الثورة اإلسالمية يف إيران وقيام نظام مجهورية إسالمية حيل حمل النظام الشاهنشاهي سوف يدفعان قدم ًا نحو تغيري وجهة النظر اإليرانية
بصدد مشكلة اجلزر اإلماراتية ،وأهنا سوف تسعى نحو حل املسألة سلمي ًا وإعادة احلقوق إىل أصحاهبا ،لكن ما حدث هو أن النهج التوسعي اإليراين مل يتغري ،عىل الرغم من تغري النظام السيايس واأليديولوجيا احلاكمة ،بل زادت حدَّ ة تلك النزعة لدى إيران اجلمهورية .ومع أن إيران كانت تلتزم باالتفاق اخلاص بجزيرة أبو موسى ،لكنها وبعد قيام الثورة وتصاعد حدَّ ة
اإلقليمية الناجتة عن استخدام القوة :دراسة قانونية ،كتاب األبحاث؛ ( 9رأس اخليمة :مركز الدراسات والوثائق[ ،د. ت)].؛ عبد امللك خلف التميمي« ،االحتالل اإليراين للجزر العربية يف اخلليج :دراسة يف تاريخ العالقات العربية اإليرانية »،1971 -1887 ،جملة دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ،العدد ( 5حزيران/يونيو )1988؛ األشعل ،قضية احلدود يف اخلليج العريب؛ العيدروس ،العالقات العربية اإليرانية1971-1921 ،؛
Mojtahed Zahed, “The Political Geography and History of the Islands of Tunb and Abu Musa,” Iranian Journal of International Affairs, vol. 4, nos. 3-4 (Fall- Winter 1992), and Moh”hammad Reza Dabiri, “Abu Musa Island: A Binding Understanding or a Misunderstading, )Iranian Journal of International Affairs vol. 5, nos. 3-4 (Fall-Winter 1993-1994. 4
(2سعيد محد احلساين« ،تطور العالقات بني دولة اإلمارات العربية املتحدة وإيران :دراسة حالة ملشكلة اجلزر الثالث( »،أطروحة دكتوراه ،جامعة قناة السويس ،كلية التجارة ،)1999 ،ص .96-95 مركز اخلليج لألبحاث
143
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
احلرب العراقية اإليرانية بدأت تنتهك خمتلف بنود املعاهدة ،وبخاصة خالل أزمة ناقالت
النفط عامي .1988 - 1987يف الوقت الذي حرصت فيه دولة اإلمارات عىل عدم فتح ملف اجلزر بالوسائل غري الدبلوماسية نظر ًا إىل الوضع امللتهب يف املنطقة نتيجة استمرار احلرب العراقية -اإليرانية ،وظلت قضية اجلزر ساكنة حتى أثريت بقوة عام 1992نتيجة اإلجراءات العنيفة التي اختذهتا السلطات اإليرانية جتاه سكان تلك اجلزر . (2
رابع ًا :قضايا األمن والتس ّلح برزت قضية أمن اخلليج باعتبارها مسألة حمورية يف السياسة الدولية منذ أواخر
السبعينيات .واحلديث عن مسألة األمن يف اخلليج يعود إىل السادس عرش من كانون الثاين/ يناير عام ،1968عندما أعلنت احلكومة الربيطانية العماّ لية بزعامة هارولد ويلسون عن عزمها
عىل االنسحاب من رشق السويس بنهاية عام ،1971وذلك إثر الرحلة التي قام هبا وزير
الدولة الربيطاين جرو نوي روبرتس إىل إمارات اخلليج وإيران والكويت والسعودية ،وكان قرار احلكومة العاملية باالنسحاب من اخلليج هو نتيجة طبيعية للمشكالت االقتصادية التي واجهتها بريطانيا يف ذلك الوقت ،واتساق ًا مع برنامج احلد من االلتزامات اخلارجية لربيطانيا،
حيث قال ويلسون إن حكومته «قررت االنسحاب العسكري من الرشق األقىص واخلليج
العريب قبل هناية عام . (2 »1971
وقد بدأت يف ذلك الوقت تيارات عنيفة واجتاهات متعارضة تتطلع إىل املنطقة ،وكل
منها يتهيأ مللء الفراغ األمني املحتمل حدوثه.
يف ذلك الوقت ،كانت إيران تسري يف الركب األمريكي باعتبارها أهم الدول احلليفة هلا
يف املنطقة ،ومن ثم كانت إيران العمود األسايس لالسرتاتيجية األمريكية يف منطقة اخلليج
يف أعقاب االنسحاب الربيطاين التي عرفت بمبدأ «نيكسون» ،أو ما أطلق عليه «سياسة العمودين املتساندين» ،حيث وجدت واشنطن أن خري سياسة يمكن اتباعها إزاء منطقة (2أنور قرقاش« ،إيران ودول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ودولة اإلمارات العربية املتحدة :االحتامالت والتحديات يف العقد املقبل »،يف :السويدي ،حمرر ،إيران واخلليج :البحث عن االستقرار ،ص .215
(2سيد نوفل ،األوضاع السياسية إلمارات اخلليج العريب وجنوب اجلزيرة العربية (القاهرة :جامعة الدول العربية ،معهد البحوث والدراسات العربية ،)1972 ،ص .155 - 154 144
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
اخلليج عموم ًا هي عدم التدخل املبارش ،وقد متحورت هذه السياسة يف أعقاب االنسحاب الربيطاين يف األسس التالية: محاية استقالل الكيانات العربية الصغرية التي ظهرت حديث ًا. احلفاظ عىل حرية الدول الغربية يف الوصول إىل نفط اخلليج. االستقرار السيايس املعتمد عىل أيديولوجيا النظم املحافظة يف اخلليج يعترب رضوري ًاالستقرار تدفق النفط وإبعاد اخلطر الشيوعي. عدم الرتحيب بأي حركة متطرفة ثورية ،سواء جاءت من الداخل أم كانت وافدةمن اخلارج. تأييد إيران والسعودية دبلوماسي ًا وعسكري ًا لضامن االستقرار يف املنطقة.ومن ثم عملت الواليات املتحدة األمريكية عىل دعم اجلهود اإلقليمية وتوجيهها نحو إقامة نظام للدفاع عن األمن ولتحقيق التنمية يف جو من االستقرار بعيد ًا عن التدخالت اخلارجية ،وبخاصة التدخالت السوفياتية . (3 ثم أعلن يوجني روستو ،وكيل وزارة اخلارجية األمريكية ،أن الواليات املتحدة األمريكية ستشجع قيام حتالف أمني إقليمي يف منطقة اخلليج يعتمد باملقام األول مشاركة الدول القوية واملستقرة يف املنطقة التي يمكنها وضع بنود مبدأ «نيكسون» موضع التنفيذ عىل أرض الواقع ،وهي إيران وباكستان والسعودية والكويت وتركيا. إال أن السعودية امتنعت عن املشاركة يف تلك املهمة ،وعندها أعلن شاه إيران أن بالده ستتحمل وحدها عبء الدفاع عن أمن اخلليج ،بل إنه سيعمل عىل توسيع تلك املهمة لتشمل الدفاع عن منطقة املحيط اهلندي أيض ًا . (3 ارتكز الدور الذي رسمه نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر عىل االبتعاد عن )(30
David E. Long, “United States and the Persian Gulf,” Current History ( January 1979), pp. 27-30.
(3اسامعيل صربي مقلد ،أمن اخلليج وحتديات الرصاع الدويل (الكويت :رشكة الربيعان للنرش والتوزيع، ،)1984ص .28-27 مركز اخلليج لألبحاث
145
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
التدخل املبارش من دون تغيري االسرتاتيجية املرتكزة عىل صفات تفوق الواليات املتحدة األمريكية ومحاية مصاحلها االقتصادية ،األمر الذي يفرتض قيامها بدعم األنظمة احلليفة
عسكري ًا واقتصادي ًا لكي تتمكن من القيام بدور احلارس ملصاحلها ،وتبع ًا لذلك تكدّ ست ترسانات األسلحة يف العديد من دول العامل ،ومنها السعودية وإيران الشاه . (3
توافق ذلك مع التطلعات التوسعية اإليرانية والرغبة يف القيام بالدور الرئيس يف محاية
أمن املنطقة ،فكانت إيران الشاه هي القوة اإلقليمية التي اعتمدت عليها الواليات املتحدة
بتطبيق سياستها يف املنطقة ،ومن ثم أمدهتا بكل مقومات القوة العسكرية للقيام هبذا الدور، جراء التدخل نيابة عن الواليات املتحدة األمريكية التي وعت الدرس جيد ًا يف فييتنام من ّ
املبارش ،وتزايد االقتناع األمريكي بقيام إيران بذلك الدور بعد رفض السعودية املشاركة يف تطبيق تلك االسرتاتيجية.
ثم أعلن نيكسون يف أيار/مايو 1972استعداد الواليات املتحدة األمريكية بيع إيران كل ما
تريده من أسلحة ومعدات عسكرية ،وجاء ترصيح وزير الدفاع األمريكي إليوت ريتشارد سون
يف عام 1973ليعكس ذلك االجتاه ويؤكده ،حيث قال« :إننا ننظر إىل الدول الكائنة يف منطقه اخلليج عىل أهنا تشكل نقطة األساس يف كل اجلهود الرامية إىل توفري األمن واالستقرار هلا ،ومن ثم
فقد رشعنا يف تصميم برنامج للمساعدات العسكرية ،سنتوىل تقديمه لبضع دول خمتارة يف اخلليج
بام يتفق وهذه الغاية ،واضعني بحسابنا أن تأيت إيران والسعودية يف مقدمة هذه الدول» . (3
سامهت املبيعات العسكرية األمريكية الضخمة إليران يف إنعاش الصناعة العسكرية
األمريكية التي كانت تواجه أزمة بعد انتهاء احلرب الفييتنامية ،وتواكب ذلك مع الطفرة
النفطية عام 1973التي ساعدت عىل توفري املوارد النقدية الالزمة لزيادة كميات السالح املشرتاة من الواليات املتحدة األمريكية ،يف الوقت الذي كانت الرغبة اإليرانية للسيطرة عىل
اخلليج وسد الفراغ األمني جاحمة.
(3زهري شكر ،السياسة األمريكية يف اخلليج العريب (بريوت :معهد اإلنامء العريب ،)1982 ،ص .58 Dale R. Tahtinen, Arms in the Persian Gulf, with a Foreword by Melvin R. )(33
Laird, Foreign Affairs Study; no. 10 (Washington: American Enterprise Institute for Public Policy Research, [1974]), p. 24.
146
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
إال أن قيام الثورة اإلسالمية يف إيران عام 1979مثّل رضبة لالسرتاتيجية األمريكية يف
املنطقة نتيجة سقوط الشاه وانفتاح ثغرة األمن يف اخلليج مرة أخرى بعد التغيري الذي حدث يف السياستني الداخلية واخلارجية إليران الثورة.
ويف الوقت الذي أوجد االحتاد السوفيايت قدم ًا له يف أفغانستان أ ّدى إىل تفاقم الرصاع
حول منطقة اخلليج العريب ،كانت الثورة يف إيران قد أدت إىل إجياد نوع من عدم االستقرار يف منطقة اخلليج العريب .فعىل الرغم من تغيري الوجوه الرابضة عىل سدة احلكم يف إيران بعد اإلطاحة بالنظام امللكي الشاهنشاهي وإحالله بنظام إسالمي مجهوري ،فإن ترصحيات القادة
اجلدد تؤكد أن سياسات إيران التوسعية مل تنته بانتهاء حكم الشاه ،األمر الذي أدى إىل حدوث تغيريات يف الصيغ املطروحة لتحقيق استقرار املنطقة وأمنها.
فبد ً ال من أن تؤدي الثورة إىل تغيري توجهات إيران التوسعية يف املنطقة ،وأن تعيد اجلزر العربية الثالث التي احتلتها عام ،1971وذلك باعتباره نوع ًا من إظهار حسن النوايا للنظام اجلديد ،واصلوا متسكهم بأطامع الشاه القديمة يف التوسع عىل حساب دول املنطقة ،بل وصل
األمر إىل عدم إخفاء الرغبة يف السيطرة عىل دول املنطقة كلها بإعالن مبدأ تصدير الثورة إىل الدول اخلليجية ،من خالل أساليب تؤدي إىل إجياد حاالت من عدم االستقرار يف تلك الدول . (3
استندت دعاوى آية اهلل اخلميني جتاه منطقة اخلليج عىل العامل اإلسالمي ،باعتبار أن
الثورة اإليرانية هي ثورة املسلمني مجيعهم ،وحاول حتقيقها من خالل تأكيد ما ييل: التأكيد عىل أن منطقة اخلليج هي منطقة نفوذ إيرانية. تأليف جبهة حترير يف البحرين. تدعم حزب الدعوة يف العراق املوايل إليران وأفكار الثورة. -حمورية فكرة تصدير الثورة إىل دول اخلليج.
(3خالد حممد أمحد املال« ،السياسة اخلارجية لدولة اإلمارات العربية املتحدة جتاه إيران خالل الفرتة -1971 ( »،1992رسالة ماجستري ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1998 ،ص .189 مركز اخلليج لألبحاث
147
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
-السيطرة عىل املمرات الداخلية للخليج ،حتى تتمكن إيران من السيطرة عىل املوارد
االقتصادية لدول املنطقة.
-الدخول يف رصاع مسلح ضد العراق هبدف إضعاف أكرب قوة عربية يف منطقة
اخلليج ،ومن ثم هتديد باقي دول املنطقة وإثارة القالقل فيها من خالل استغالل األقليات
املوالية هلا للقيام بأعامل اإلرهاب والتخريب.
وقد توالت ترصحيات آية اهلل اخلميني والعديد من املسؤولني اإليرانيني حول مفهوم األمن اإلقليمي ملنطقة اخلليج وفق ًا ملنظار قيادة اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ،الذي يكمن
يف االستقالل الفعيل لدول اخلليج من ارتباطها بالقوى العظمى ،وقيام حكومات إسالمية صحيحة يف دول اخلليج العربية.
واملقصود باحلكومات اإلسالمية وفق ًا للمفهوم اإليراين هو إلغاء احلكم امللكي الوراثي السائد يف دول اخلليج ،ألن اإلسالم وفق ًا لذلك التصور يعارض قيام احلكومات امللكية ،وحيث عىل إنشاء حكومات مجهورية يسيطر عليها رجال الدين كام حدث يف النموذج اإليراين . (3
مثّل مبدأ تصدير الثورة اإلسالمية منطلق ًا فكري ًا وحركي ًا جتاه دول اخلليج العربية باعتباره
األداة لتحقيق األهداف العقائدية التي أعلنتها الثورة اإليرانية .ورأت إيران أن منطقة اخلليج
هي أوىل مناطق تطبيق تلك االسرتاتيجية.
هدَّ دت إيران باحتالل البحرين باعتبارها جزء ًا تابع ًا إليران ،وأعلن قادهتا عدم التخيل
عن اجلزر اإلماراتية الثالث املحتلة منذ عام ،1971بل إن احلسن بني صدر ،رئيس اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ،أعلن أن دول اخلليج بام فيها اململكة العربية السعودية ليست دو ً ال مستقلة بالنسبة إىل إيران.
وأدت التوجهات اإليرانية اجلديدة جتاه أمن اخلليج ودول املنطقة وعالقاهتا اخلارجية خصوص ًا مع الواليات املتحدة األمريكية ـ الشيطان األكربـ إىل قيام الواليات املتحدة األمريكية وحلفائها الغربيني بفرض حظر تسليحي عىل أي صادرات عسكرية إىل إيران ،األمر الذي أدى إىل حرمان القوات املسلحة اإليرانية من احلصول )(35 148
Ramazani, Revolutionary Iran: Challenge and Response in the Middle East, pp. 27-31.
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
عىل أي أسلحة جديدة ،والعجز عن احلصول عىل قطع الغيار الالزمة لصيانة األسلحة واملعدات ،يف الوقت الذي كانت إيران فيه بحاجة ماسة إىل تلك األسلحة للمساعدة يف حرهبا ضد العراق الذي استغل الفوىض الداخلية يف إيران وضعفها الناجم عن عزلتها الدولية بسبب أزمة الرهائن األمريكية وقام بغزوها للقضاء عىل الثورة اإلسالمية فيها يف أيلول/سبتمرب. (3 1980 لذلك جلأت إيران إىل الدول الرشقية خالل فرتة حكم اخلميني ،عىل الرغم من عدم تناسب التسليح الرشقي مع التسليح الغريب الذي كانت تتلقاه إيران الشاه ،خصوص ًا أن إيران
كانت قد بدأت برناجم ًا متكام ً ال إلنشاء مفاعل للطاقه النووية يف مدينة «بوشهر» بمساعدة أملانيا يف عهد الشاه ،إال أن الواليات املتحدة األمريكية بعد قيام الثورة اإلسالمية فرضت حظر ًا عىل تصدير التكنولوجيا النووية إىل إيران ،ودعت ك ً ال من أملانيا وفرنسا إىل عدم استئناف التعاون
مع طهران ما مل تقدم احلكومة اإليرانية تأكيدات كافية عن التزامها بعدم االنتشار النووي، ومن ثم تعثرت جهود الربنامج النووي اإليراين.
جلأت إيران يف عام 1985إىل الصني؛ حيث أبرمت معها اتفاق ًا للتعاون النووي املشرتك،
يشمل تدريب املهندسني اإليرانيني يف الصني ،ونقل تكنولوجيا البحوث النووية ،وإنشاء مفاعل صغري للبحوث طاقته سبعة وعرشون كيلووات يف منشأة بحوث يف «أصفهان» ،كام أجرت مفاوضات مشاهبة مع روسيا لرشاء مفاعلني نوويني وإكامل مفاعل «بوشهر» الذي مل
تستكمله الرشكات األملانية.
ويف عام 1986بدأت إيران توسيع دائرة التعاون النووي مع األرجنتني وكوريا الشاملية وباكستان واهلند ،حيث و ّقعت يف عام 1987اتفاق ًا مع األرجنتني للحصول عىل وقود نووي
أرجنتيني من اليورانيوم املخصب غري املخصص لألغراض العسكرية ملفاعل «طهران» التجريبي ،ثم اتفقت مع جنوب أفريقيا يف الفرتة 1989 - 88للحصول عىل كميات كبرية
من اليورانيوم املركز.
نشطت إيران يف جمال تطوير وإنتاج األسلحة الباليستية متوسطة املدى ،وكثفت جهودها (3حمسن ميالين« ،سياسة إيران يف اخلليج من املثالية واملجاهبة إىل الربامجاتية واالعتدال »،يف :السويدي ،حمرر، إيران واخلليج :البحث عن االستقرار ،ص .123 مركز اخلليج لألبحاث
149
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
يف ذلك املجال منذ عام 1988مع كل من كوريا الشاملية والصني ،حيث اعتمدت عىل كوريا
الشاملية يف تصنيع الصاروخ «سكود ب» ،وعىل الصني يف تصنيع صورايخ فئة «إم» يرتاوح
مداها بني ثامنمئة وألف كيلومرت.
واستطاعت إيران بموجب هذا الربنامج إنتاج صورايخ عدة خمتلفة النوع مثل (سكود
ب)( ،عقاب)( ،هوشاك) ،وتم استخدامها عىل نطاق واسع خالل حرب املدن يف املراحل
األخرية للحرب العراقية -اإليرانية خالل الفرتة من آذار/مارس إىل متوز/يوليو ،1988كام أنتجت الصاروخ (إيران )120الذي يبلغ مداه مئة وثالثني كيلومرت ًا ،والصاروخني (شاهني ،)1و(شاهني )2اللذين يصل مدامها نحو مئتي كيلومرت ،وأعلن عنهام يف نيسان/أبريل . (3 1989
ويف جمال إنتاج األسلحة الكيميائية والبيولوجية ،نجد أن نجاح إيران يف هذا املجال
يفوق نجاحها يف جمال الطاقة النووية.
مل ختف القيادة اإليرانية قدرهتا عىل إنتاج األسلحة الكيميائية والبيولوجية ،حيث رصح هاشمي رفسنجاين ،رئيس الربملان آنذاك ،يف عام 1988قائال« :تعترب األسلحة الكيميائية والبيولوجية قنابل الفقراء النووية ،ويمكن إنتاجها بسهولة ،وجيب علينا التفكري فيها للدفاع عن أنفسنا .وعىل الرغم من أن استخدام هذه األسلحة غري إنساين، فإن احلرب العراقية – اإليرانية علمتنا أن القوانني الدولية حرب عىل ورق». لذلك تبنت إيران برناجم ًا نشط ًا للحرب الكيميائية ،وأصبح بمقدورها إنتاج مئات عدة
من األطنان من عوامل احلرب الكيميائية كل عام مثل غاز اخلردل ،الكلورين ،الفوسجني، وهيدروجني السيانيد .ولدهيا القدرة عىل إنتاج عوامل األعصاب مثل غاز السارين.
وخالل احلرب مع العراق أنفقت إيران نسبة كبرية من إمجايل العملة الصعبة والطاقة
االستريادية عىل مشرتيات السالح ،وعىل الرغم من ذلك مل تستطع إيران جماراة العراق يف جمال
رشاء السالح ،فخالل األعوام 1983 - 1979تعاقدت إيران عىل رشاء أسلحة تقدر قيمتها بنحو 5.4مليار دوالر فقط ،بينام بلغت قيمة التعاقدات العراقية خالل الفرتة ذاهتا نحو (3رجب ،أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية ،ج ،1ص .343-341 150
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
17.6مليار دوالر .وبينام بلغت واردات إيران من السالح خالل الفرتة 1988 - 1984
نحو 5.10مليار دوالر ،كانت واردات السالح العراقية 7.29مليار دوالر . (3
هذا إىل جانب رداءة نوعية السالح اإليراين املستورد من الصني وكوريا الشاملية مقابلة
بتفوق نوعية السالح الغريب املصدّ ر إىل العراق ،ما أدى إىل إحلاق العراق بإيران عدة هزائم متالحقة يف املراحل األخرية للحرب ،واستطاع استعادة الفاو ،ما حدا بالقيادة اإليرانية إىل
قبول القرار 598الذي يقيض بوقف احلرب بني البلدين.
خامس ًا :قضايا التعاون اإلقليمي تعترب العالقات االقتصادية والتجارية بني إيران ودول اخلليج أبرز نواحي التعاون
اإلقليمي املشرتك بني اجلانبني ،بغض النظر عن املشكالت األخرى التي تطرحها النواحي
السياسية واألمنية من تلك العالقات ،فالعالقات التجارية واالقتصادية بني الساحلني العريب
والفاريس للخليج عالقات قديمة ،تعود بجذورها إىل القرن السابع عرش ،حيث أدت املوانئ الفارسية دور ًا ملموس ًا يف تنشيط حركة التجارة البينية لدى اجلانبني. من ثم كان اخلليج -وال يزال -عام ً ال من عوامل االتصال االقتصادي والتجاري بني
سكان الساحلني العريب واإليراين ،وازدادت تلك العالقات قوة وصالبة يف العرص احلديث بحكم االستقرار واالزدهار االقتصاديني الذين متتع هبام سكان الساحلني العريب واإليراين . (3
وتعترب اململكة العربية السعودية والكويت واإلمارات أكثر الدول اخلليجية دخو ًال يف
عالقات مع إيران منذ بداية احلكم البهلوي يف إيران عام 1925وحتى سقوطه يف عام .1979
مل تكن عالقات إيران بالدول اخلليجية عالقات تعاونية يف جمملها ،إذ ظلت حتى هناية
حقبة الستينيات يشوهبا قدر كبري من التوتر واحلذر ،نتيجة السياسة اإليرانية يف اخلليج بصفة
خاصة ،أو نتيجة سياستها جتاه الدول العربية بصفة عامة.
(3أنتوين كوردسامن« ،قدرات إيران العسكرية :هل هي مصدر هتديد »،يف :السويدي ،حمرر ،إيران واخلليج: البحث عن االستقرار ،ص .312-311
(3عائشة عيل السيار« ،األصول التارخيية والتطورات املعارصة للوحدة بني إمارات الساحل العامين»، (أطروحة دكتوراه ،جامعة عني شمس ،كلية البنات ،)1983 ،ص .21 مركز اخلليج لألبحاث
151
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
وأدى ذلك الوضع باململكة العربية السعودية ،باعتبارها الدولة اخلليجية العربية األوىل
وبحكم امتدادها عىل السواحل العربية للخليج ،أن تعمل عىل مواجهة االدعاءات اإليرانية واستمرار التغلغل اإليراين البرشي واالقتصادي يف املنطقة .هذا إىل جانب االختالف املذهبي
بني الس ّنة يف السعودية والشيعة يف إيران.
غري أن هذا الوضع بدأ يتغري منذ هناية الستينيات ،وبدأ حيدث حتول يف العالقات
اإليرانية اخلليجية؛ حيث تم دفع إيران والسعودية والكويت إىل التعاون والتقارب يف ما بينها
ملواجهة اخلطر السوفيايت واحلركات اليسارية التي بدأت تظهر يف جنوب اخلليج منذ تأسيس جبهة حترير ظفار عام 1964التي حتولت عام 1968إىل جبهة حترير ُعامن واخلليج العريب ،يف
الوقت الذي أصبح فيه نظام احلكم يف العراق بقبضة النظام البعثي اليساري الذي وطد عالقته
باالحتاد السوفيايت بشكل رسمي عام 1972بتوقيع اتفاقية صداقة وتعاون مشرتك.
وعندما أهنت بريطانيا وجودها يف اخلليج العريب ،ساد التخوف من مساندة االحتاد السوفيايت للحركات اليسارية يف الدول اخلليجية ،وخصوص ًا يف الكويت وسلطنة ُعامن. يف الوقت نفسه ،أيدت الواليات املتحدة األمريكية املساعي التي كانت تقوم هبا بريطانيا إلنشاء نظام دفاعي مشرتك يرتكز عىل حماور رئيسة تضم ك ً ال من إيران وباكستان واململكة العربية السعودية والكويت إلقامة نظام أمن إقليمي يف منطقة اخلليج العريب بعد انسحاب
القوات الربيطانية من املنطقة عام 1971يف مواجهة النفوذ السوفيايت املتصاعد يف املنطقة ،إال أن تلك اجلهود فشلت لرفض الرأي العريب ألي تنظيم دفاعي يضم إيران ودو ً ال غري عربية خلدمة املصالح األمريكية والغربية.
من ثم بادرت إيران بطرح مرشوع لتوقيع ميثاق أمن ثالثي بني إيران والسعودية
والكويت ،لكن الكويت والسعودية رفضتا ذلك احللف الدفاعي نتيجة ضغوط عربية
وبخاصة الضغوط العراقية ،يف الوقت الذي كانت فيه إيران تتقارب بشدة مع عدو األمة العربية إرسائيل ومتدها بالنفط ،وتقيم معها عالقات دبلوماسية واقتصادية قوية ،بينام تضاربت الترصحيات العربية واإليرانية حول عروبة اخلليج أو فارسيته . (4
(4مجال زكريا قاسم ،العالقات اإليرانية باململكة العربية السعودية واخلليج العريب عىل عهد األرسة البهلوية ( ،)1979-1925يف :قاسم ورزق ،حمرران ،العالقات العربية اإليرانية ،ص .151-147 152
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وعىل الرغم من تلك األوضاع املثرية للقلق يف عالقات إيران بدول اخلليج العريب عىل
املستويات السياسية واألمنية ،فإن الزيارات التي قام هبا الشاه إىل السعودية والكويت وتوقف
إيران عن إثارة ادعاءاهتا يف البحرين قد دعام العالقات االقتصادية والتجارية بني اجلانبني
اإليراين والعريب يف اخلليج ،إذ أكد البيان املشرتك الذي صدر يف أعقاب زيارة الشاه للكويت يف ترشين الثاين/نوفمرب 1968رضورة توثيق التعاون بني البلدين من أجل مصلحة املنطقة وازدهارها ،واحلرص عىل تطوير العالقات الكويتية -اإليرانية يف املجاالت كلها وبخاصة ما
يتعلق منها بالنواحي التجارية واالقتصادية ،وهو ما مهد الطريق لتوقيع عدد من االتفاقيات التجارية الثنائية بني البلدين.
ففي الكويت ،تم التوقيع عىل اتفاق جتاري بني البلدين يف السادس من ترشين الثاين/
نوفمرب عام 1968لتوطيد وتنويع وتوسيع العالقات االقتصادية ،وإجياد التسهيالت يف التجارة بني البلدين عىل أساس املساواة يف احلقوق واملصالح املتبادلة.
ويف طهران ،تم توقيع اتفاق ترانزيت بني احلكومتني الكويتية واإليرانية يف الثامن من
كانون الثاين/يناير 1971هيدف إىل تقوية العالقات االقتصادية بني البلدين وتسهيل مرور البضائع ووسائل النقل واملسافرين عرب إقليميهام . (4
ومن ناحية أخرى ،توسعت العالقات التجارية بني اململكة العربية السعودية وإيران
نتيجة ظهور النفط وبروز إيران والسعودية باعتبارمها من أكرب الدول املنتجة للنفط يف املنطقة ،وقد دعم من تلك العالقات حتول املوقف اإليراين من إرسائيل ،من التعاون والدعم
الكامل إىل التنديد باحتالهلا لألرايض العربية عام ،1967ومطالبة إيران هلا باالنسحاب من تلك األرايض ،األمر الذي أدى إىل إعادة العالقات اإليرانية -السعودية إىل حال الصفاء،
وتبودلت الزيارات الرسمية بني مسؤويل البلدين ،ففتحت جماالت جديدة للتعاون اإلقليمي بني البلدين ،حيث طرح الشاه رضا هبلوي خالل زيارته للسعودية يف ترشين الثاين/نوفمرب
عام 1968مرشوع إقامة سوق إسالمية مشرتكة ،واستمر التعاون بني البلدين ،وتنامت
العالقات االقتصادية والتجارية بني البلدين ،حتى وصل األمر إىل توقيع معاهدة جتارية (4هناد تقي« ،واقع التبادل التجاري بني الكويت وإيران »،ورقة قدمت إىل :نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران :املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري 2 ،ج (الكويت :جامعة الكويت، مركز دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ،)2000 ،ج ،2ص .171-170 مركز اخلليج لألبحاث
153
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
رسمية يف األول من كانون الثاين/يناير. (4 1972
وعىل الرغم من أن النفط مل يكن هو املجال الوحيد للعالقات االقتصادية بني إيران واململكة العربية السعودية ،إال أنه مثّل املحور األسايس لتلك العالقات ،لذلك كان التضارب يف سياسة البلدين جتاه أسعار النفط واملوقف من القرار العريب باستخدام سالح النفط خالل حرب ترشين األول/أكتوبر سبب ًا يف تراجع جماالت التعاون بينهام ،حيث مل تشارك إيران يف احلظر النفطي عىل الدول املساندة للعدوان اإلرسائييل، وخصوص ًا الواليات املتحدة األمريكية وهولندا. تغري هذا الوضع بالنسبة إىل عالقات التعاون بني إيران ودول اخلليج ،وخصوص ًا
العالقات اإليرانية -السعودية منذ عام 1979نتيجة تغري النظام السيايس يف إيران بعد الثورة اإلسالمية ،يف الوقت الذي دعت فيه القيادات اإليرانية اجلديدة إىل تصدير الثورة اإلسالمية،
وتواكب معها قيام جمموعة من املسلحني يف ترشين الثاين/نوفمرب 1979باحتالل املسجد احلرام ومعظمهم من الشيعة ،بزعم إعالن أحدهم بوصفه املهدي املنتظر ،وحدثت اضطرابات يف عدد من املدن السعودية واخلليجية ذات الكثافة الشيعية حتى استطاعت القوات السعودية بمساندة فرنسية إهناء تلك األزمة والقبض عىل مدبرهيا بعد مخسة عرش يوم ًا من اندالعها . (4 تزامن مع تلك األوضاع الغزو السوفيايت ألفغانستان واندالع احلرب بني العراق وإيران
يف أيلول/سبتمرب ،1980لتزداد بذلك التهديدات املوجهة ألمن اخلليج ،ويفتح الباب أمام التدخل األجنبي يف املنطقة.
لذلك اجتهت الدول اخلليجية الست «اململكة العربية السعودية ،الكويت ،اإلمارات، قطر ،البحرين ،وسلطنة ُعامن» إىل التوحد يف تنظيم إقليمي جديد ،وهو جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،وقد اعتربت إيران هذا التجمع أداة إلبعادها عن شؤون املنطقة اخلليجية، األمر الذي يمثّل وضع ًا غري مالئم للمصالح اإليرانية . (4 (4سعيد باديب ،العالقات السعودية اإليرانية( 1983 – 1932 ،لندن :دار الساقي؛ مركز الدراسات اإليرانية والعربية ،)1994 ،ص .143 - 141 (4حممد السعيد إدريس ،النظام اإلقليمي للخليج العريب ،سلسلة أطروحات الدكتوراة؛ ( 34بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية ،)2000 ،ص .458 (4رجب ،أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية ،ج ،1ص .320
154
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
متيزت بالرصاع بني إيران ودول جملس عىل الرغم من أن مرحلة احلكم اخلميني قد َّ
التعاون اخلليجي ،وبصفة خاصة السعودية والكويت نتيجة الدعم الالحمدود الذي قدمته الدولتان إىل العراق يف حربه مع إيران ونتيجة توجهات األيديولوجيا العدائية التي محلها معه النظام اجلديد يف إيران ،ونتيجة الثورة اإلسالمية يف إيران حتولت إيران من درع وحليف
اسرتاتيجي للدول العربية يف اخلليج إىل مصدر هتديد حمتمل ،وأدت احلرب العراقية -اإليرانية بالدول اخلليجية إىل مراجعة خريطة حتالفاهتا اإلقليمية . (4
أحبطت الثورة اإليرانية التفاؤل الذي ساد العديد من األوساط اخلليجية بأن إيران
اإلسالمية سوف تتوقف عن األطامع االمرباطورية للشاه ،وستتخىل عن دورها باعتبارها
متسك إيران اإلسالمية باجلزر رشطي اخلليج يستخدم القوة والقهر لتحقيق أطامعه .ولكن ّ العربية الثالث املحتلة ،وجهودها يف حتريك األقليات الشيعية يف الدول اخلليجية لتهديد استقرار تلك الدول واتباع سياسة تصدير الثورة اإلسالمية إليها ،كل ذلك أحبط اآلمال
اخلليجية ،ومن ثم غلبت التفاعالت الرصاعية بني إيران ودول اخلليج خالل فرتة اجلمهورية األوىل عىل التفاعالت التعاونية ،وتقلصت أطر التعاون ومستوياته ،وانحرصت جهود التعاون ضمن إطار جملس التعاون اخلليجي فقط ،يف الوقت الذي انشغلت إيران بحرهبا مع
العراق التي دامت نحو ثامين سنوات.
ويتضح من متابعة العالقات التجارية واالقتصادية بني إيران ودول اخلليج العريب خالل فرتة حكم آية اهلل اخلميني أن دولة اإلمارات العربية املتحدة هي أكثر الدول اخلليجية دخو ً ال يف عالقات جتارية مع إيران ،فعىل الرغم من القلق الذي يصل إىل حد التوتر أحيان ًا والذي يشوب العالقات اإليرانية -اإلماراتية بسبب مشكلة اجلزر اإلماراتية املحتلة من قبل إيران،
فإن وجود روابط ودية وثيقة بني إيران وإماريت ديب والشارقة جعل دولة اإلمارات وبالتحديد إمارة ديب أهم سوق عربية حتصل منها إيران عىل الواردات ،خصوص ًا أن ديب تعترب أهم مركز إقليمي لتجارة الرتانزيت يف منطقة اخلليج ،فدولة اإلمارات ال تصدر إىل إيران سلع ًا مصنعة حملي ًا ،بل تصدر إليها سلع ًا مستوردة من اخلارج «جتارة الرتانزيت».
)(45
Hassan Hamdan Al-Alkim, The GCC States in an Unstable World: ForeignPolicy Dilemmas of Small States (London: Saqi Books, 1994), p. 101.
مركز اخلليج لألبحاث
155
الفصل الرابع :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية األوىل ()1989 -1979
ويوضح امليزان التجاري بني اإلمارات وإيران خالل الفرتة 1985وحتى 1989أنه
يميل ملصلحة دولة اإلمارات دائ ًام .فقد بلغت الواردات اإليرانية من دولة اإلمارات العربية املتحدة نحو 949 ،276 ،390 ،537 ،350مليون دوالر يف األعوام ،1986 ،1985
.1989 ،1988 ،1987
بينام كانت الصادرات اإليرانية إىل اإلمارات نحو 140 ،115 ،133 ،86 ،72مليون
دوالر يف األعوام .1989 ،1988 ،1987 ،1986 ،1985
تأيت السعودية يف املركز الثاين بعد اإلمارات من حيث التبادل التجاري مع إيران خالل
فرتة احلكم اخلميني ،وخالل تلك الفرتة تذبذب امليزان بني البلدين بني الفائض والعجز
بنسب متقاربة ،وباستثناء عام 1989حيث حتقق للمملكة العربية السعودية فائض بلغ نحو سبعة وثامنني مليون دوالر ،فبلغت صادراهتا إليران ثامنية وثامنني مليون دوالر ،بينام كانت
وارداهتا ال تتعدى املليون دوالر خالل ذلك العام.
يعود ضعف العالقات التجارية بني اململكة العربية السعودية وإيران إىل عوامل سياسية
تتعلق بالرصاع بني البلدين ،الذي وصل إىل حد القطيعة الدبلوماسية عام 1988نتيجة أعامل الشغب اإليرانية خالل موسم احلج ،وبسبب اخلالف املذهبي بني البلدين ،واملوقف السعودي
من احلرب العراقية -اإليرانية ،وهذا السبب األخري هو نفسه الذي حدا بالعالقات التجارية
بني الكويت وإيران إىل الرتاجع للمرتبة الثالثة يف الرتتيب اخلليجي ،نتيجة ظروف احلرب وجلوء الكويت إىل املساعدة األجنبية حلامية ناقالهتا النفطية خالل احلرب.
وعامن ،فإنه عىل الرغم من حمدودية العالقات التجارية بينها وبني أما البحرين وقطر ُ
إيران ،فإن امليزان التجاري يميل يف معظم السنوات ملصلحة تلك الدول ،خصوص ًا بالنسبة
إىل قطر وسلطنة عامن . (4
(4اعتمدنا يف حتليل امليزان التجاري بني إيران وبني الدول اخلليجية عىل :أمحد السيد النجار« ،العالقات االقتصادية اإليرانية :ماض متذبذب ومستقبل مرهون بالعالقات السياسية »،يف :قاسم ورزق ،حمرران ،العالقات العربية اإليرانية ،ص .278 - 263 156
مركز اخلليج لألبحاث
.اجلدول رقم ()1-4
امليزان التجاري بني إيران والدول اخلليجية 1989 -1985باملليون دوالر
الواردات من إيران 86 16 9 2 -
الصادرات إىل إيران 537 27 18 76 13
الواردات من إيران 72 17 10 3 -
الصادرات إىل إيران
350
11
36
8
13
اإلمارات
السعودية
الكويت
البحرين
قطر
1985
390 10 4 4 5
1986
133 27 16 2 -
1987
الصادرات إىل إيران 276 13 2 31
1988 الواردات من إيران 115 4 18 2 -
1989 الصادرات إىل إيران 949 88 26 3 4
الصادرات الواردات من إيران إىل إيران
الواردات من إيران 140 1 17 3 منصور حسن العتيبي
مركز اخلليج لألبحاث
157
الف�صل اخلام�س ال�سيا�سة ا إليرانية خالل اجلمهورية الثانية ()1997 - 1989
يتناول هذا الفصل بالدراسة والتحليل سياسة اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية الثانية جتاه
دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية خالل الفرتة من 1989وحتى ،1997من خالل
مخسة حماور رئيسة ،وذلك يف مخسة مباحث عىل النحو التايل:
أو ًال :األيديولوجيا اإليرانية إذا كان الفكر الثوري ومبدأ تصدير الثورة وتقديم احلكومة اإليرانية لنفسها نموذج ًا
للحكومة اإلسالمية التي جيب عىل باقي دول العامل االقتداء هبا والسعي عىل هنجها نفسه
هي أساس األيديولوجيا التي قامت عىل نرشها احلكومة اإليرانية يف عهد آية اهلل اخلميني
خالل اجلمهورية األوىل من عمر الدولة اإليرانية يف مرحلة ما بعد الثورة اإلسالمية ،إال أن ذلك الفكر األيديولوجي قد طرأت عليه تغيريات نتيجة املراجعة التي خضع هلا حتت ضغط
الظروف الدولية واإلقليمية -وحتى الداخلية -التي مرت هبا إيران طوال عمر اجلمهورية األوىل ،وورثها هاشمي رفسنجاين خالل واليته األوىل والثانية للجمهورية اإليرانية الثانية،
لذلك كان عليه أن يتبع أيديولوجيا أكثر براغامتية من تلك التي كانت متبعة خالل حكم اخلميني ،مبتعد ًا شيئ ًا فشيئ ًا عن سياسة تسييس الدين ،والتخفيف من إطالق شعارات تصدير الثورة واهتام النظم اخلليجية والعربية بأهنا ال متثل اإلسالم احلقيقي.
وقد يكون التحول يف األيديولوجيا اإليرانية نتيجة أحد األسباب التالية : عالء طاهر« ،تسييس الدين :إشكالية السياسة اإليرانية بني منطقة اخلليج والساحة الدولية »،السياسة الدولية ،العدد ( 22حزيران/يونيو ،)1994ص .5 مركز اخلليج لألبحاث
159
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
إن العمل من أجل اإلسالم عىل صعيد الساحة العاملية ال بد أن جيري بصمت ،ومندون دعاية إعالمية تك ّفر اآلخر وختطط ألعامل عنف داخل بلدان العامل العريب واإلسالمي، وجيب أن يكون هذا العمل ضمن حدود القانون الدويل .ولذلك سيكون فاع ً ال بخدمته القضايا اإلسالمية يف العامل من دون أن يثري ردود فعل عكسية ومعادية لإلسالم باعتباره
«دين» إرهاب مثلام قدمته إيران إىل العامل.
إن اخلدمات التي تقدمها دول إسالمية للشعوب اإلسالمية عىل الصعيد العاملي وبشكل
إجيايب فاعل وصامت حتقق نتائج إجيابية كبرية يف هذا املجال ،من دون أن ينبثق صوت يدين
اإلسالم باعتباره دين إرهاب ،أما إيران فكانت تعمل عىل عكس هذه السياسة العقالنية واملؤثرة.
-إن كل األساليب التي قامت إيران بدعمها باعتبارها أعامل عنف أو إدانات إعالمية
من أجل حتقيق أهداف التفوق اإلقليمي داخل اخلليج أو حتقيق بروز دويل هلا باعتبارها رائدة لإلسالم ،هي أساليب أخفقت بشكل مطلق عاملي ًا ،ومل جتن من خالهلا إال نتائج عكسية باهتام اإلسالم باعتباره دين إرهاب وعنف.
إن الثورة اإلسالمية يف إيران التي قامت عىل أساس تصدير الثورة إىل البلداناملجاورة أو ً ال ثم إىل البلدان األوروبية اصطدمت بواقع أن الوضع الدويل مل يسمح أبد ًا بتصدير الثورات ،فعىل الرغم من أن الثورة اإليرانية قد حظيت بتأييد شعبي عاملي يف بداية
انبثاقها باعتبارها ثورة عىل االستبداد وعىل دكتاتورية شاه إيران ،فإهنا قد غدت موضع شك
عاملي بسبب تأييد السلطة اإليرانية لعمليات اإلرهاب والعنف التي متارسها مجاعات تدّ عي
اإلسالم .وهذا األسلوب جعل الثورة اإليرانية توصف بأهنا نموذج عنفي.
املفرتض يف أي نموذج ثوري أن حيقق نجاح ًا داخلي ًا قبل تصديره إىل الدول املجاورة ،فال بد أو ً ال من بناء ذلك النموذج داخلي ًا ،بحيث ينطلق إىل اخلارج من أرضية صلبة عىل املستويات
االقتصادية واالجتامعية والثقافية والسياسية كافة ،وحتى العسكرية .وعىل الثورة أن تثبت ال حتى جتد قبو ً نجاحها داخلي ًا باعتبارها نموذج ًا إصالحي ًا أو ً ال لدى اآلخرين يف اخلارج. إال أن ذلك مل يتحقق عىل صعيد اجلبهة الداخلية يف إيران ،ومل يكن له أي مردود إجيايب،
سواء عىل مستوى احلياة االقتصادية أم عىل مستوى التنفيذ ،أم حتى عىل مستوى تطبيق 160
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
اإلسالم ذاته داخل إيران .فلم يكن الوضع االقتصادي يف إيران مبرش ًا بأي صعود ،بل العكس؛ إذ تراجع االقتصاد اإليراين وحدثت له انتكاسة حقيقية نتيجة هبوط عائدات النفط، وارتفاع الديون اخلارجية مع تزايد االسترياد العشوائي للمنتجات االستهالكية واملعدات العسكرية ،وعدم كفاية االستثامرات الوطنية واألجنبية النعدام الثقة من جانب املستثمرين، إىل جانب قصور البنية التحتية ونقص اخلدمات العامة ،واتباع سياسة رضيبة غري مالئمة،
وقصور اإلنتاجية وغياب احلوافز لدى الشغيلة ،وانتشار الفوىض العامة بسبب نقص الكوادر
ذوات الكفاءة نتيجة نزيف العقول وهروب األدمغة إىل اخلارج ،واستفحال البريوقراطية يف اإلدارات ويف الرشكات واملصانع القومية والتابعة للقطاع العام .والتهام املاليل ملصادر املمتلكات العامة من خالل اللجان واملؤسسات اخلريية املنترشة يف ربوع إيران .وهذه األزمة
االقتصادية صاحبتها أزمة اجتامعية حادة ،وتفاقم الفقر بني املواطنني ،وازدادت اهلوة بني
الرشائح االجتامعية كافة .
ونتيجة تلك األوضاع ،شهدت إيران عدد ًا من املظاهرات واالضطرابات االحتجاجية التي اندلعت يف طهران وإسالم شهد ويف العديد من املدن اإليرانية ،احتجاج ًا عىل األوضاع
االقتصادية واالجتامعية املتدهورة التي نجم عنها اهنيار قيمة العملة الوطنية وارتفاع األسعار
وارتفاع معدالت التضخم.
دفع هذا الوضع املتأزم والرتكة الثقيلة التي ورثتها اجلمهورية الثانية واستمرت خالل
السنوات األوىل من عمرها بالرئيس هاشمي رفسنجاين إىل اتباع سياسة اقتصادية تتسم
بدرجة أكرب من الليربالية من ناحية السامح بحرية استرياد املواد واملنتجات االستهالكية من دون عوائق ،كام دعا البعض إيران إىل أن هتتم بوضع املواطنني املعييش بد ً ال من احلديث عام
حيدث يف البوسنة وفلسطني .
من هنا ،نزعت إيران يف عهد اجلمهورية الثانية إىل التخيل عن العامل املذهبي يف السياسة
اخلارجية اإليرانية ،وأدركت أن تشددها يف عالقاهتا مع دول اخلليج العربية ،ويف نزعتها مهدي شحادة وجواد بشارة ،إيران :حتدَّ يات العقيدة والثورة (باريس :مركز الدراسات العريب األورويب، ،)1999ص .41
حسن محدان العلكيم ،األمن واالستقرار يف منطقة اخلليج :دراسة استرشافية ،سلسلة قضايا خليجية؛ 3 (رأس اخليمة :املركز العريب للدراسات االسرتاتيجية ،)1999 ،ص .11 مركز اخلليج لألبحاث
161
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
الثورية ،ينعكس سلب ًا وبصورة مبارشة عىل رغبتها يف اخلروج من العزلة الدولية من ناحية، وأن العالقات اجليدة مع دول اخلليج العربية من شأهنا أن تنعكس إجيابي ًا عىل الشيعة يف تلك البلدان من ناحية ثانية .
أمجع املراقبون يف الشهور األوىل التي تلت هناية حرب اخلليج الثانية عىل أن هناك رغبة
إيرانية صادقة يف إجراء جتديد السياسة اخلارجية اإليرانية ،بخاصة بعد إطالق رساح مجيع
الرهائن الغربيني املحتجزين يف لبنان من قبل عنارص موالية إليران يف ترشين الثاين/نوفمرب
،1991واتفق اجلميع عىل أن هاشمي رفسنجاين رئيس مجهورية إسالمي معتدل .
كانت سياسة هاشمي رفسنجاين اجلديدة يف اخلليج براغامتية بدرجة ملحوظة ،وذات
نزعة معتدلة ،حيث رأت أهنا غري قادرة عىل تغيري اخلريطة السياسية للمنطقة ،كام حاولت
إيران التكيف مع ميزان القوى اجلديد يف املنطقة ،حيث الدور الرئيس فيه للواليات املتحدة األمريكية ،التي استطاعت إبعاد االحتاد السوفيايت عن املنطقة والعمل عىل احتواء إيران والعراق ،ومحاية استثامراهتا النفطية الضخمة يف املنطقة من خالل تقوية اململكة العربية
السعودية لردع كل من العراق وإيران.
من ثم سعت إيران إىل حتسني عالقاهتا مع دول اخلليج بالعمل عىل تعزيز استقرار
املنطقة ،وأعلن رفسنجاين أنه «جيب عىل إيران وقف استعداء اآلخرين وأن حتجم عن التدخل بعد انتخاب رافسنجاين وضع إعادة بناء االقتصاد عىل رأس األولويات ،واعتمدت خطة رافسنجاين اخلمسية األوىل للتنمية ( )1993-1988عىل جذب رؤوس األموال األجنبية ،واسترياد التكنولوجيا احلديثة ،وزيادة عائدات النفط واالقرتاض من أسواق املال الدولية ،مما أدى إىل حتسن يف أداء االقتصاد اإليراين ،وأصبحت األوضاع االقتصادية أكثر اعتامد ًا عىل قوى السوق ،وبدأت الشعارات الثورية ختتفي من عىل اجلدران ،وحلت حملها إعالنات لرتويج منتجات يابانية وأوربية .راجع ذلك يف:
”Sohab Shahabi, “A Review of Iran’s Five-Year Development Plan, and a Look to the Future, Iranian Journal of International Affairs, vol. 4, no. 2 (1992), pp. 422-425.
ومن أهم القوانني التي استصدرها رافسنجاين القانون الذي صدر من جملس الشورى عام 1993لتعزيز فرص االستثامر األجنبي وإنشاء مناطق جتارية حرة يف جزيريت قشم وكيش اإليرانيتني ،وكان من أهم بنود ذلك القانون :إعفاء األنشطة االقتصادية لتلك املناطق من اخلضوع للرضائب ملدة مخسة عرش عام ًا؛ حرية دخول وخروج رؤوس األموال منها وإليها؛ تأمني املستثمرين األجانب عىل استثامراهتم فيها ،ومتكينهم من املشاركة يف مرشوعاهتا بأية نسبة ،بعد أن كان يشرتط أن تقل نسبة حصصهم عن النصف يف أي مرشوع ،وتسهيل اإلجراءات فيها ،وإعفاء السلع املصنعة فيها من اجلامرك .انظر :نيفني عبد املنعم مسعد ،صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية (بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية ،)2001 ،ص .204-203 شحادة وبشارة ،إيران :حتدَّ يات العقيدة والثورة ،ص .104
162
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
يف شؤوهنم الداخلية» .وهو ما يعني أن تصدير الثورة تراجع بوصفه هدف ًا من أهداف السياسة
اخلارجية اإليرانية.
حاول الرئيس رفسنجاين أن يتبع صيغة النهج املزدوج ،وأن جيمع بني أسلوب الرشعية
الثورية اإلسالمية وصيغة الدبلوماسية امللتزمة بالعالقات الدولية السلمية يف عالقة إيران مع اخلارج .لكن هذا األمر مل يكن سه ً ال ،وبخاصة بعد عام 1992عندما متكنت القوى املحافظة
من السيطرة عىل الربملان ،وبدأت باملواجهة مع العدوان الثقايف الغريب ،ومقاومة كل مظاهر
«األمركة».
منع هذا النهج املناوئ للواليات املتحدة األمريكية إيران من االندماج يف اللعبة
السياسية اإلقليمية التي تتحكم فيها الواليات املتحدة األمريكية يف فرتة ما بعد حرب اخلليج
الثانية وما بعد احلرب الباردة ،حيث أصبحت الواليات املتحدة هي الالعب الدويل الوحيد يف الرشق األوسط ،حيث حتدَّ ت طهران املرشوعات األمريكية يف املنطقة ،خصوص ًا مرشوعات السالم العربية -اإلرسائيلية ،األمر الذي أدى إىل بذر بذور الشك من جديد يف قلوب دول
اخلليج والدول الغربية والعربية جتاه النوايا اإليرانية ،بعد أن كان املوقف اإليراين خالل أزمة اخلليج الثانية قد أزال كثري ًا من تلك الشكوك وفتح الباب أمام عالقات إيرانية خليجية ودية ال تشوهبا احلزازات املذهبية.
كام سامهت عوامل أخرى يف إذكاء تلك الشكوك مرة أخرى ،أمهها: -السعي اإليراين إىل تشجيع الصحوة اإلسالمية الدينية يف عدد من الدول مثل
السودان وشامل أفريقيا ودول اخلليج وأفغانستان واجلمهوريات اإلسالمية املستقلة عن
االحتاد السوفيايت السابق ،وذلك من أجل تأمني دور إيراين يف هذه املناطق ،وبقاء الثورة اإلسالمية اإليرانية مصدر اإلهلام للحركات اإلسالمية أينام وجدت.
-اإلجراءات التي اختذهتا السلطات اإليرانية يف جزيرة أبو موسى التابعة لدولة
اإلمارات ،وانتهاكها الصارخ لبنود مذكرة التفاهم اخلاصة باجلزيرة املوقعة بني إيران الشاه
وإمارة الشارقة يف العام ،1971ورفض إيران طلب اإلمارات إجراء حوار ومفاوضات حول اجلزر الثالث أبو موسى وطنب الكربى وطنب الصغرى ،وليس حول أبو موسى فقط مركز اخلليج لألبحاث
163
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
باعتبارها جزر ًا إماراتية حمتلة ،كام رفضت إيران طلب اإلمارات إحالة املوضوع إىل التحكيم
الدويل ،عىل أساس أن املسألة مسألة نزاع داخيل .فالسياسة اإليرانية مل ختتلف يف عهد رفسنجاين كرر آية اهلل خامنئي عنها يف عهد الشاه وآية اهلل اخلميني يف ما يتعلق باجلزر الثالث ،وكثري ًا ما َّ وهاشمي رفسنجاين وغريمها من الزعامء اإليرانيني أهنم لن يتخلوا عن سيادة إيران عىل تلك اجلزر أو يقبلوا ح ًّ ال وسط ًا بشأهنا . -اندفاع إيران وراء برناجمها التس ّلحي الذي بدأته يف التسعينيات بالتعاون مع كل
من كوريا الشاملية والصني وروسيا ،وهو ما حدا بالقمة اخلليجية التي عقدت بالدوحة يف
كانون األول/ديسمرب 1996إىل التشكيك يف نوايا إيران وأغراضها من وراء ذلك الربنامج التسليحي .وجاء يف البيان اخلتامي الجتامع املجلس األعىل بالدوحة ما ييل:
«عبرَّ املجلس األعىل عن قلقه الشديد من قيام اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية بنرش صورايخ أرض -أرض يف اخلليج العريب ،بام يف ذلك نرشها لصواريخ عىل جزر دولة اإلمارات
العربية املتحدة الثالث املحتلة ،األمر الذي يعرض دول املجلس ومنشآهتا احليوية للتهديد
املبارش ،وكذلك عن قلقه من سعي إيران املتواصل القتناء وبناء ترسانات من أسلحة الدمار الشامل ،وقدرات تسليحية تقليدية وغري تقليدية تفوق االحتياجات الدفاعية املرشوعة» .
لذلك دعا قادة جملس التعاون املجتمع الدويل إىل بذل اجلهود الفاعلة من أجل جعل
منطقة اخلليج خالية من أسلحة الدمار الشامل.
-استمرار اإليرانيني يف إثارة القالقل خالل موسم احلج ،عىل الرغم من عودة
العالقات الدبلوماسية بني إيران واململكة العربية السعودية يف أعقاب حرب اخلليج الثانية. وعىل الرغم من أن الرئيس اإليراين هاشمي رفسنجاين قد أعطى توجيهاته لبعثة احلج اإليرانية
يف عام 1992برضورة التزام احلجاج اإليرانيني بتعليامت البعثة ورعاية اجلانب السيايس حمسن ميالين« ،سياسة إيران يف اخلليج :من املثالية واملجاهبة إىل الربامجاتية واالعتدال »،يف :مجال سند السويدي ،حمرر ،إيران واخلليج :البحث عن االستقرار (أبو ظبي :مركز اإلمارات للبحوث والدراسات االسرتاتيجية، ،)1996ص .139
«البيان اخلتامي للمجلس األعىل لدول جملس التعاون اخلليجي بالدوحة ،الدورة السابعة عرشة ،قطر-7 ، 9كانون األول/ديسمرب »،1996يف :جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،األمانة العامة ،البيانات اخلتامية لدورات املجلس األعىل ،ط ( 13الرياض :املجلس ،)2000 ،ص .149 164
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
واملعنوي لفريضة احلج ،برشط أال يؤدي ذلك إىل إمهال اجلوانب غري السياسية للحج،
وطمأنة السلطات السعودية إىل أن احلجاج اإليرانيني ال ينوون اإلخالل باألمن وإزعاج احلجاج واملسؤولني السعوديني ،فإن هذا التوجيه مل يمنع احلجاج اإليرانيني من تنفيذ «إعالن الرباءة من املرشكني» بسبب إرصار املتشددين يف إيران عىل رضورة تنفيذه باعتباره أمر ًا واجب ًا تعد فريضة احلج من دونه ناقصة.
ومسريات إعالن الرباءة من املرشكني التي يقوم هبا احلجاج اإليرانيون هي يف الفكر اإليراين الشيعي فريضة واجبة ال يصح احلج من دوهنا ،ومن ثم تظل هذه املسريات جما ً ال
إلثارة عدم االستقرار خالل موسم احلج .
كام أن إيران طالبت اململكة العربية السعودية يف عام 1994بأن تكون نسبة احلجاج
الذين تبعثهم إىل مكة يف موسم احلج أكثر من العدد املسموح هلا به ،والذي أقرته منظمة املؤمتر
اإلسالمي ،لكن السلطات السعودية رفضت ذلك عىل لسان وزير احلج السعودي الذي أقر أن عدد حجاج إيران لن يتعدى النسبة املقررة يف اجتامع وزراء خارجية منظمة املؤمتر اإلسالمي، وأنه لن يسمح إطالق ًا بمامرسة أي شكل من أشكال التجمعات أو عقد املسريات. كام أكد وزير الداخلية السعودي ،األمري نايف بن عبد العزيز ،أنه ال جمال لزيادة عدد احلجاج ،وأن اململكة قادرة عىل حفظ األمن فيها ،وأن اململكة لن تسمح باملسريات أي ًا كان
نوعها أو هدفها ،وعىل اإليرانيني االلتزام بالنُظم واإلجراءات التي وضعتها حكومة خادم
احلرمني الرشيفني كام تلتزم هبا كل الدول اإلسالمية.
وقد توترت العالقات اإليرانية السعودية والعالقات اإليرانية اخلليجية نتيجة الدعم
اإليراين حلركات اإلرهاب الشيعي يف بلدان اخلليج واملعارضة الشيعية التي تؤرق قادة تلك الدول ،وكان ذروة ذلك اهلجوم املسلح بالقنابل الذي وقع يف ميناء «اخلرب» السعودي بإلقاء قنبلة عىل ثكنة من ثكنات القوات األمريكية هناك ،والذي أدى إىل مقتل تسعة عرش أمريكي ًا وجرح
أكثر من مئة آخرين ،وأشارت التحقيقات السعودية إىل أن ذلك اهلجوم كان مؤامرة مدعومة من إيران قامت هبا مجاعة شيعية سعودية تطلق عىل نفسها اسم «حزب اهلل السعودي» . املوجز عن إيران ،العدد ( 2حزيران/يونيو ،)1992ص.6 :
ديفيد لونج« ،التوجه اإلسالمي الثوري وأمن اخلليج يف القرن احلادي والعرشين »،يف :أمن اخلليج يف القرن مركز اخلليج لألبحاث
165
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
ثاني ًا :النفوذ والبحث عن دور إقليمي مل تكد حرب اخلليج األوىل بني العراق وإيران تضع أوزارها بقبول آية اهلل اخلميني القرار
598بوقف القتال واللجوء إىل الطرق السلمية حلل النزاع القائم بني البلدين حتى بدأت األوضاع اإلقليمية يف منطقة اخلليج تشهد تغري ًا أساسي ًا يدفع نحو جتدد نزاع قديم جديد بني العراق ودول املنطقة ،دفع إىل اندالع أزمة خطرية أصابت جدار األمن اخلليجي والعريب يف آن
واحد .فقد بدا للمحللني السياسيني أن األوضاع اإلقليمية اجلديدة تدفع نحو خروج إيران من عزلتها وإعطائها الفرصة من جديد إلعادة صياغة دورها اإلقليمي بالشكل الذي يضمن هلا مكاسب سياسية واقتصادية ،بل وإقليمية أيض ًا. تفكك التحالف الذي مجع بني العراق ودول جملس التعاون اخلليجي وبصفة خاصة
الكويت نتيجة جمموعة من اخلالفات حول عدد من القضايا األساسية أمهها :رفض ضم
العراق إىل عضوية جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،وقيام العراق باهتام كل من الكويت واإلمارات بإغراق السوق النفطية وجتاوز احلصص املقررة لكل منهام يف اإلنتاج ،وبالتايل
التسبب يف تدهور األسعار .كام اهتم الكويت باستغالل انشغاهلا باحلرب مع إيران وقيامها برسقة النفط العراقي من خالل حقل الرميلة العراقي ،وعدم استعداد دول اخلليج العربية
ملعاقبة سوريا عىل دعمها إليران . (1
ويف الوقت نفسه ،كانت األوضاع الدولية مهيأة أمام العراق لإلقدام عىل مغامرة غزو
الكويت وابتالعها؛ حيث إن حال الفراغ الدويل النامجة عن التحول احلادث يف النظام الدويل آنذاك من نظام ثنائي القطبية إىل نظام أحادي القطبية تسيطر فيه الواليات املتحدة األمريكية بعد انتهاء
االحتاد السوفيايت السابق وحتلله ،وانشغال الواليات املتحدة األمريكية بام حيدث يف رشق أوروبا
عام جيري يف منطقة الرشق األوسط ،أوجد املناخ الدويل املناسب للعراق للقيام بغزو الكويت بعد تطبيع العالقات العراقية -األمريكية ،يف الوقت الذي كانت تعاين فيه إيران عزلة دولية وإقليمية
وعالقات رصاعية مع دول اخلليج نتيجة موقف تلك األخرية من حرهبا مع العراق . (1 احلادي والعرشين (اإلمارات :مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االسرتاتيجية ،)1998 ،ص .177
(1جالل معوض« ،غزو الكويت وحرب اخلليج الثانية »،1991- 1990 ،يف :موسوعة أحداث القرن العرشين 4 ،ج (القاهرة :دار املستقبل العريب ،)2000 ،ص .623-565 (1تركي احلمد« ،الغزو ،األسباب املوضوعية واملربرات اإليديولوجية »،ورقة قدمت إىل :الغزو العراقي
166
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
َّأدت حرب اخلليج الثانية عام 1991-1990التي نجمت عن الغزو العراقي للكويت إىل إثارة جو من التعارض يف املوقف اإليراين جتاه تلك األحداث يف ما بني القيادات السياسية والقيادات الدينية داخل إيران .ففي الوقت الذي أعلنت فيه احلكومة اإليرانية أن موقفها من احلرب هو احلياد ،راح بعض القياديني الدينيني والسياسيني لألجنحة املختلفة يدلون بترصحيات تتعارض مع السياسة الرسمية للحكومة. تفاوتت تلك الترصحيات بني مؤيد لدخول إيران احلرب إىل جانب العراق ومعارضة دخول القوات األجنبية إىل املنطقة من جهة ،ومؤيد لربط صدام حسني القضية الفلسطينية وانسحاب إرسائيل من األرايض املحتلة والقدس وخروج الواليات املتحدة األمريكية من املنطقة بموضوع انسحابه من الكويت من جهة أخرى ،ورضورة حل األزمة سلمي ًا ،وهناك من هاجم الرئيس العراقي صدام حسني عىل فعلته هذه يف الوقت الذي رفضوا الوجود األمريكي يف املنطقة . (1 جاءت أزمة اخلليج الثانية يف وقت تغيرَّ ت القيادة السياسية يف إيران؛ حيث صعد خامنئي من رئاسة الدولة إىل منصب املرشد العام ،وانتقل هاشمي رفسنجاين من رئاسة الشورى إىل رئاسة الدولة ،وكان هلذا التغري داللته يف ما يتعلق بمحاولة إيران تدعيم عالقاهتا اخلارجية يف إطار خطتها إلعادة البناء وجذب االستثامرات لتعويض خسائرها الرهيبة خالل حرب الثامين سنوات مع العراق التي كلفتها الكثري ،حيث بلغ إمجايل ما أنفقته إيران خالل تلك احلرب نحو 644.23مليار دوالر أمريكي ،بينام كلفت العراق نحو 452.6مليار دوالر ،أي أن إمجايل ما أنفقته الدولتان خالل تلك احلرب بلغ نحو ألف وتسعة وتسعني مليار دوالر تقريب ًا ،وهو ما يعادل أكثر مما أنتجه البلدان من النفط منذ عام 1931وحتى عام ،1988وهذا إىل جانب مئات اآلالف من القتىل واجلرحى واألرسى من اجلانبني . (1
يبدو أن املوقف اإليراين من غزو العراق للكويت قد تدرج من حال الرتقب إىل اختاذ للكويت :املقدمات ،الوقائع وردود الفعل ،التداعيات :أعامل الندوة التي نظمها املجلس الوطني والفنون واآلداب بالكويت يف مارس ،1995عامل املعرفة؛ ( 195الصفاة :املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،)1995 ،ص .104
(1صالح بن عبد العزيز القنيعري« ،السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب1979 ، – ( »،1995أطروحة دكتوراه ،أكاديمية نارص العسكرية العليا ،كلية الدفاع الوطني ،)1988 ،ص .64 (1كامل أمحد عامر ،الدور املرصي والعريب يف حرب حترير الكويت ،تاريخ املرصيني؛ ( 208القاهرة :اهليئة املرصية العامة للكتاب ،)2001 ،ج ،1ص .31-30 مركز اخلليج لألبحاث
167
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
موقف حمدد من األزمة ،خصوص ًا أن األزمة كانت يف جمملها ملصلحة إيران وسياستها يف مرحلة ما بعد اخلميني ،فها هم حلفاء األمس ضد الثورة اإلسالمية اإليرانية يتحولون فجأة
إىل العداء ويتناحرون بالسالح .ولكن الوضع ما لبث أن تغري من جانب القيادة اإليرانية؛ ألن األزمة تفتح أبواب املنطقة أمام التدخل األجنبي بقيادة الشيطان األكرب «الواليات املتحدة» التي بدأت تزحف بجيوشها إىل املنطقة للسيطرة عليها ،وهو أكثر خطر ًا عىل األمن القومي
اإليراين والدور اإلقليمي إليران من العراق وغريه من دول جملس التعاون اخلليجي ،يف
الوقت الذي تبدو يف األفق احتامالت مشاركة إرسائيل يف حرب تشنها دول التحالف املناهض للعراق لتحرير الكويت ،وهو ما يتعارض والدور اإلقليمي إليران وأمنها القومي . (1
يف بداية األزمة ،قامت إيران بوضع بعض وحداهتا البحرية يف اخلليج يف حال تأهب من دون إشارة لنية القتال مع العراق ،وتنازعت إيران داخلي ًا ثالثة مواقف جتاه تلك األزمة: األول :يرى أن إيران يتعني عليها أن تقف إىل جانب صدام حسني وتساعده عىل هزيمة
الواليات املتحدة األمريكية باعتبارها العدو األسايس والعقبة الكربى يف طريق انتصار الثورة اإلسالمية يف املنطقة ،باعتبارها خطوة إلقامة الدولة اإلسالمية الكربى ،وهو ما يستحق
التغايض عن أخطاء صدام السابقة وقبول توبته والتحالف معه ضد الشيطان األكرب . (1
رأى هذا االجتاه أن األولوية هنا إلهناء الوجود األجنبي ،ليس فقط لتهديده األمن القومي
اإليراين بشكل مبارش ،ولكن كذلك ألن هذا الوجود جاء ليبقى ،وزادت تلك الرؤية بالدعوة
إىل اجلهاد ،تلك الدعوة التي أصدرها عيل خامنئي – عىل الرغم من هجومه احلاد عىل الرئيس
العراقي صدام حسني وانتقاده املتكرر لغزوه الكويت -التي جاء فيها «إن الكفاح ضد العدوان واألطامع واملآرب والسياسة األمريكية يف اخلليج الفاريس سيدخل يف عداد اجلهاد يف سبيل اهلل، وما من أحد يلقى املوت عىل هذا الدرب إال وكان شهيد ًا .إننا معارضون بحق لوجود أمريكا يف
منطقة اخلليج الفاريس ،وكذلك ألطامعها املتزايدة باستمرار ولسياستها املخزية يف املنطقة» . (1
(1حسن نافعة« ،ردود الفعل الدولية إزاء الغزو »،ورقة قدمت إىل :الغزو العراقي للكويت :املقدمات ،الوقائع وردود الفعل ،التداعيات :أعامل الندوة التي نظمها املجلس الوطني والفنون واآلداب بالكويت يف مارس ،1995ص .510 (1املصدر نفسه ،ص .511
« (1الصحافة اإليرانية يف شهر »،املوجز عن إيران (كانون الثاين/ديسمرب ،)1990ص .10 168
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
الثاين :يرى أن إيران يتعني عليها أن تساعد دول التحالف املناهض للعراق إلزاحة
صدام حسني ألنه العدو احلقيقي إليران ،وأن إزاحته هي اخلطوة الصحيحة التي تضمن
تعاظم الدور اإليراين يف املنطقة ،وتفتح النفوذ أمام الثورة اإلسالمية التي كان صدام حسني أداة كل القوى التي حاولت اعرتاضها . (1
تعرب هذه الرؤية عن رضورة إعطاء األولوية لتحرير الكويت عىل إهناء الوجود األجنبي
من زاوية معينة ،وهي أن التحرير لن يتحقق إال بواسطة ذلك التدخل .إال أن هذا الوجود األجنبي ال بد أن يكون وجود ًا موقت ًا ينتهي بانتهاء الغرض منه وهو التحرير. وقد عبرَّ عن ذلك الرئيس هاشمي رفسنجاين يف اخلامس والعرشين من آب/أغسطس 1990بقوله« :إن إيران ال متانع يف االستعانة بقوات أجنبية ما دامت سرتحل فور حترير
الكويت» . (1
الثالث :يرى أنه يتعني عىل إيران أن تقف موقف احلياد ،وأن تدير األزمة من منظار
براغاميت بحت ،ال ينساق وراء الشعارات ،ويضع عينه عىل مصالح إيران يف املقام األول ،وهو
الرأي الذي انحاز إليه أمحد خامنئي ابن آية اهلل اخلميني.
ساد هذا التصور الرباغاميت ملا جيب أن تكون عليه السياسة اإليرانية جتاه األزمة هو الذي
منذ بداية األزمة ،حيث وجدت إيران يف الغزو الفرصة السانحة لتسوية حساباهتا مع طريف
الرصاع ،فقد رفضت القيادة اإليرانية الغزو العراقي للكويت ،وحدَّ د املجلس األعىل لألمن
القومي اإليراين املوقف من الغزو يف النقاط التالية:
عدم قبول االحتالل بأي شكل من األشكال. إن احلل الوحيد يتمثل يف االنسحاب الفوري غري املرشوط من الكويت. إن إيران عىل استعداد للدفاع عن مصاحلها يف أي ظرف من الظروف ،لذا فإهنا (1نافعة ،املصدر نفسه ،ص .511
(1التقرير االسرتاتيجي العريب( 1990 ،القاهرة :مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام، ،)1991ص .143 مركز اخلليج لألبحاث
169
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
تعارض أي حماولة لتسوية النزاع بشكل ّ يمكن العراق من االحتفاظ بجزيريت وربة وبوبيان الكويتيتني ،أو حصول العراق عىل أي مكاسب إقليمية من شأهنا تغيري الوضع اجليواسرتاتيجي يف منطقة اخلليج ،بل وهددت إيران باستخدام القوة املسلحة ملنع ذلك. ورصح رفسنجاين بأنه إذا أسفر حل أزمة اخلليج سلمي ًا عن احتفاظ العراق بجزيرة بوبيان ،فإن القوات اإليرانية سوف تقوم باحتالل هذه اجلزيرة . (1 ختشى إيران الوجود العراقي املبارش عىل اخلليج ،ومن ثم فرض سيطرته عليه ،وأكدت إيران التزامها باحلياد إذا اندلعت احلرب بني قوات التحالف الدويل والعراق ،وعدم تدخلها ملساندة أحد أطراف القتال ،وأكدت رفضها السامح للطرفني باستخدام أراضيها أو جماهلا اجلوي ألغراض عسكرية أو حتى أغراض مدنية طوال فرتة احلرب ،إال أن إيران أعلنت أهنا لن تلتزم ذلك احلياد يف حال قيام قوات التحالف بقصف العتبات املقدسة يف مدينتي النجف وكربالء، أو يف حال دخول إرسائيل وتركيا احلرب ضد العراق ،حتى ال حتصل أي من الدولتني عىل امتيازات إقليمية من شأهنا التأثري يف املصالح اإليرانية والدور اإلقليمي إليران يف املنطقة . (2
ومن ثم ،إن إيران حاولت داخلي ًا هتدئة مشاعر اجلامهري اإليرانية وكسب املتشددين بوضع تلك الرشوط الستمرار حيادها خالل تلك احلرب ،كام إن ذلك احلياد مل يكن يعني أن إيران مل يكن هلا أهداف من تلك األزمة ،فقد أوضح «حسن روحاين» سكرتري املجلس األعىل لألمن القومي اإليراين أن حياد إيران يف حرب اخلليج الثانية ال يعني أن إيران ليست هلا أهداف ،أو أهنا غري مبالية بام جيري ،بل هلا أهدافها اإلسالمية والثورية ،مؤكد ًا أن السياسة التي متارسها اجلمهورية اإلسالمية بالنسبة إىل أحداث منطقة اخلليج هي سياسة اخلطوة -خطوة، وإهنا تتخذ القرار املالئم عندما حيني وقت اختاذ القرار . (2 (1انظر :عزت عبد الواحد« ،إدارة األزمة ىف السياسة اخلارجية املرصية :دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية، ( »،1991-1990رسالة ماجستري غري منشورة ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1994 ،ص 180؛ مجال الدين حسني، حرب حترير الكويت :حرب تدمري العراق النص الكامل للرصاع (القاهرة :مكتبة مدبويل ،)1991 ،ص 89؛ عامد جاد، «دول اجلوار اجلغرايف :حسابات املكسب واخلسارة »،السياسة الدولية ،العدد ( 103كانون الثاين/يناير ،)1991ص ،78ونازيل معوض« ،تركيا وإيران وكارثة اخلليج الثانية :مقارنة حتليلية »،جملة العلوم االجتامعية ،العدد ( 201ربيع ـ صيف ،)1991ص .26
(2نيفني مسعد« ،أثر املتغريات العاملية اجلديدة عىل السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه املنطقة العربية-1989 ، »،1993يف :مجال زكريا قاسم ويونان لبيب رزق ،حمرران ،العالقات العربية اإليرانية (القاهرة :جامعة الدول العربية، معهد البحوث والدراسات العربية ،)1993 ،ص .381 (2املوجز عن إيران ،العدد ( 10شباط/فرباير ،)1991ص .5
170
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ومن ثم ،كانت اهلبة األوىل التي نتجت من تلك األزمة بعد أسبوعني فقط من االحتالل
العراقي للكويت هي املبادرة العراقية التي قدمها صدام حسني إليران يف اخلامس عرش من
آب/أغسطس ،1990والتي بموجبها قبل العراق رشوط إيران لتحقيق تسوية مشكالت احلرب املعلقة بني البلدين ،وتضمنت املبادرة ما ييل : (2
-اعرتاف العراق باتفاقية اجلزائر عام 1975اخلاصة برتسيم احلدود بني البلدين،
التي سبق أن ألغاها صدام حسني من جانب واحد وأعلن احلرب عىل إيران. -التبادل الفوري لألرسى لدى اجلانبني.
-موافقة العراق عىل دفع تعويضات إليران عن اخلسائر احلربية التي طالبت هبا إيران
بعد وقف احلرب ،ومتثلت تلك التعويضات يف حصول إيران عىل نحو مئة ومخسني ألف برميل نفط عراقي يومي ًا يتم نقلها عرب شط العرب عن طريق األسطول العراقي اهلائل من
اللوريات ،ثم بالسفن من شبه جزيرة «الفاو» بقيمة 4.5مليون دوالر يومي ًا ،أي ما يعادل 1.5مليار دوالر سنوي ًا. -حتجيم املعارضة اإليرانية داخل العراق (مجاعة جماهدي خلق) يف مقابل موافقة
إيران عىل حل املجلس األعىل للثورة اإلسالمية املعارض للعراق يف طهران .كام طالبت إيران
العراق بتسليم مسعود رجوي زعيم مجاعة جماهدي خلق.
-قبول العراق انسحاب قواته املوجودة يف األرايض اإليرانية التي احتلها العراق،
والتي قدرت مساحتها بنحو ألفني ومخسمئة كيلومرت مربع.
كانت تلك املبادرة من أكرب املكاسب التي حتققت إليران خالل تلك األزمة ،األمر الذي
دعا وزيراخلارجية اإليراين ،عيل أكرب واليتي ،إىل الترصيح بأن ما حتقق يعد أعظم االنتصارات اإليرانية عىل مدى التاريخ ،حيث كانت إيران تطالب بثالثمئة مليار دوالر تعويضات
عسكرية ،ولكنها حصلت عىل ما هو أكرب من ذلك ،وكل ذلك مقابل وعد إيراين بعدم مهامجة العراق يف حال دخوهلا حرب ًا مع الواليات املتحدة وحلفائها . (2 (2عبد الواحد« ،إدارة األزمة ىف السياسة اخلارجية املرصية :دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية-1990 ، »،1991ص .182-181 ً (2عامر ،الدور املرصي والعريب يف حرب حترير الكويت ،ص ،31نقال عن« :تقرير للفورين ريبورت الصادر مركز اخلليج لألبحاث
171
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
عىل الرغم من التنازالت العراقية إليران ،فإن إيران مل تغري موقفها الرافض للغزو، وأعلنت أهنا تطبق احلظر ضد العراق تطبيق ًا كام ً ال ،وأعلن هاشمي رفسنجاين لصحيفة
لوموند الفرنسية «أنه لو طبقت الدول كلها احلظر مثلام تطبقه إيران فإن العراق سيضطر إىل االنسحاب من الكويت من دون قتال» . (2
وهذا نفسه ما أكده الرئيس اإليراين أمام اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف الرابع
والعرشين من أيلول/سبتمرب ،1990باستثناء بعض اإلعانات الغذائية واإلنسانية للشعب العراقي انطالق ًا من األخوة اإلسالمية بني الشعبني . (2 وحرصت القيادة اإليرانية عىل تأكيد احلضور اإلقليمي والدويل إليران خالل تلك
األزمة ،من خالل االتصاالت املتكررة باملسؤولني العراقيني وتبادل الزيارات معهم ،وقيام وزير اخلارجية اإليراين ،عيل أكرب واليتي ،بزيارة عدد من العواصم الغربية؛ حيث زار ك ً ال من أملانيا وفرنسا وإيطاليا إىل جانب روسيا للتأكيد عىل التزام إيران بموقف احلياد جتاه احلرب، ورغبة إيران امللحة يف القيام بدور فاعل يف املنطقة بعد احلرب .كام أكد «واليتي» يف اجتامعه
مع وزراء خارجية دول عدم االنحياز يف بلغراد موقف إيران ومطالبتها بخروج العراق من الكويت ومغادرة القوات األجنبية للمنطقة بعد احلرب.
تضمنت مخس كام تقدمت إيران بمبادرة إسالمية يف ترشين األول/أكتوبر َّ 1990 نقاط مل تلق قبو ً ال من األطراف املعنية ،عىل النحو التايل : (2 -االنسحاب املتزامن للقوات العراقية من الكويت والقوات األجنبية من السعودية
والدول األخرى.
-تأليف قوة عسكرية من كل الدول اخلليجية -باستثناء الكويت والعراق -لتحل
حمل القوات العراقية والقوات األجنبية. يف لندن عن التنازالت العراقية إليران.)1991( »، (2املصدر نفسه ،ص .165
(2معوض« ،تركيا وإيران وكارثة اخلليج الثانية :مقارنة حتليلية »،ص .26 (2مسعد ،صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية ،ص .231 172
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
-تعاون الدول التي ساعدت العراق ضد إيران بشكل مجاعي من أجل بناء االقتصادين
العراقي واإليراين ومساعدهتام من دون مقابل.
إسقاط ديون العراق جتاه الدول العربية وغري العربية. توقيع دول املنطقة كلها اتفاقية عدم اعتداء.استطاعت إيران خالل تلك األزمة أن تطرح نفسها باعتبارها الطرف اإلقليمي الوحيد
القادر عىل محاية أمن اخلليج ومحاية دوله من أطامع العراق وهتديداته ،وذلك ملد اجلسور التي كانت قد قطعت مع دول اخلليج خالل حرهبا مع العراق ،بل إن رفسنجاين قد طرح إيران
باعتبارها رشطي املنطقة الذي يمكن االعتامد عليه حال وقوع هتديدات أمنية ،حيث قال: «إن إيران هي البلد الوحيد الذي يمكن االعتامد عليه للدفاع عن أمن منطقة اخلليج ومحاية
مواردها من النفط» . (2
استطاعت إيران اخلروج من تلك األزمة بالعديد من املكاسب التي أعادت هلا دورها
اإلقليمي يف منطقة اخلليج ،ووضعتها عىل خريطة القوى الدولية من جديد بعد فرتة من
العزلة الدولية ،حيث أقدمت دول املجموعة األوروبية عىل إلغاء العقوبات كلها املفروضة عىل إيران ،وكذلك كرس العزلة الدبلوماسية التي كانت مفروضة عىل إيران قبل األزمة إقليمي ًا ودولي ًا ،حيث عادت العالقات الدبلوماسية بني إيران واألردن يف 25شباط/فرباير ،1991 والقى املوقف اإليراين ارتياح ًا يف األوساط اخلليجية وبخاصة السعودية ،من حيث إمكانية قبول إيران رشيك ًا إقليمي ًا يف الرتتيبات األمنية بعد األزمة ،حيث شاركت إيران يف اجتامع وزراء خارجية دول جملس التعاون الذي عقد يف مسقط يف الرابع من كانون األول/ديسمرب
،1990األمر الذي انعكس عىل قرارات تلك القمة ،كام أعادت إيران عالقاهتا مع كل من
موريتانيا وتونس وبريطانيا ،وحتسنت عالقاهتا مع موسكو وسوريا.
بل إن هارولد براون ،وزير الدفاع األمريكي السابق ،عبرّ عن اعتقاده بأن مصلحة الواليات املتحدة األمريكية عىل املدى البعيد تقتيض إقامة عالقات طيبة مع إيران . (2 (2جاد« ،دول اجلوار اجلغرايف :حسابات املكسب واخلسارة »،ص .77
(2روبرت جريينربجر« ،إيران تعطي األمريكان تطمينات عن حيادها يف حرب اخلليج »،اآلفاق ،العدد 5
( ،)1991ص .18-17
مركز اخلليج لألبحاث
173
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
ومن ناحية أخرى ،مل تتحقق األحالم العراقية بضم الكويت الذي يعني دور ًا قيادي ًا أكرب للعراق يف منطقة اخلليج ،باإلضافة إىل أنه حيقق للعراق امتداد ًا جيوبوليتيكي ًا بطول سواحل
الكويت عىل اخلليج ،األمر الذي يمثل هتديد ًا للسيطرة اإليرانية يف املنطقة ،ومن ثم فإن
ومهد إليران ألن تصبح القوة اإلقليمية األقوى احلرب قد دمرت القوة العسكرية العراقيةَّ ، يف املنطقة.
ثالث ًا :قضايا احلـــــدود تسببت يف حال من عدم إذا كانت املامرسات اإليرانية خالل فرتة اجلمهورية األوىل قد َّ
االستقرار والتوتر يف جوارها اإلقليمي نتيجة األفكار اجلديدة التي جاء هبا النظام الثوري
اإلسالمي ،الذي مل يعرتف باستقالل العديد من دول اخلليج ،وأعلن متسكه بمطالبه وحقه التارخيي يف أجزاء من أرايض تلك الدول جمدِّ د ًا األطامع اإليرانية يف العهد امللكي البائد ،ما أدى إىل استمرار احتالله جلزر اإلمارات الثالث والدخول يف حرب الثامين سنوات مع العراق حول شط العرب ،إال أن إيران التسعينيات يف عهد اجلمهورية الثانية مل تكن سبب ًا مبارش ًا يف حال عدم االستقرار التي شهدهتا منطقة اخلليج خالل تلك احلقبة.
واهتمت القيادة السياسية يف إيران بقيادة هاشمي رفسنجاين بالعمل عىل االنفتاح
عىل دول اخلليج والدول الغربية؛ يف حماولة لكرس العزلة املفروضة عليها نتيجة ممارسات نظام آية اهلل اخلميني خالل اجلمهورية األوىل ،إذ استطاعت إيران خالل حكم رفسنجاين
االستفادة من األحداث اإلقليمية التي جرت عىل الساحة اخلليجية منذ بداية التسعينيات، نتيجة سلوك العراق العدواين ضد دولة الكويت وغزوه هلا وما تاله من أحداث َّأدت إىل
استفادة إيران استفادة عظمى نتيجة املبادرة التي تقدَّ م هبا الرئيس العراقي صدام حسني يف 15
آب/أغسطس عام ،1990واعرتف فيها باتفاقية اجلزائر اخلاصة بشط العرب واإلقرار بدفع التعويضات الالزمة إليران عن خسائرها نتيجة للحرب العراقية اإليرانية ،وسحب العراق
لقواته من األرايض اإليرانية املحتلة بمساحة تقدر بنحو ألفني ومخسمئة كيلومرت مربع وتبادل األرسى والبدء بمفاوضات مبارشة لتسوية مسائل احلدود املعلقة بني البلدين ،األمر الذي
أدى إىل غلق ملف احلدود العراقية -اإليرانية ومشكلة شط العرب خالل تلك املرحلة من
عمر اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ولو بشكل موقت. 174
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
لكن هذا مل يكن يعني أن إيران تثق كثري ًا بالقيادة السياسية يف العراق ،فهذه القيادة
مزقت اتفاقية اجلزائر لعام 1975اخلاصة باقتسام شط العرب ،وهي التي نفسها هي التي َّ استخدمت أسلحة دمار شامل يف حرهبا مع إيران ،ثم اجتاحت أرايض دولة الكويت بالقوة، عىل الرغم من أن الكويت كانت أكثر الدول التي ساندت العراق خالل حرب الثامين سنوات
وتعرض أمنها واستقرارها ،بل وقيادهتا السياسية ،ملخاطر عديدة بسبب موقفها ضد إيران، َّ
الداعم للعراق ،وبالتايل فليس من املستغرب أن تشعر طهران أن بغداد ال تستطيع أن تفي باتفاقياهتا ألي فرتة من الزمن ،خصوص ًا أن احلدود ليست هي املشكلة الوحيدة يف العالقات بني البلدين؛ فهناك قضايا األرسى والتعويضات والشيعة ودعم قوى املعارضة ،باإلضافة إىل
قضية توازن القوة بني البلدين ،وتنازع الدور اإلقليمي بينهام.
فإذا كانت إيران قد أغلقت ملف احلدود مع العراق خالل تلك احلقبة نتيجة التنازالت العراقية التي وردت يف مبادرة اخلامس عرش من آب/أغسطس ،1990إال أن إيران ظ َّلت
عينها عىل العراق حتى بعد التدمري الذي حلق بقوته العسكرية نتيجة حرب حترير الكويت، ألهنا تدرك أن العراق ما زال يملك القدرة عىل إعادة بناء قوته العسكرية جمدد ًا إذا ما توافرت له الظروف املناسبة لذلك ،كام أن إيران مل تكن ترغب يف القضاء عىل نظام صدام حسني ،كام تروج لذلك بعض الدول التي ارتأت يف وجوده استمرار ًا لتهديد األمن اخلليجي ،ذلك كانت ّ ألن القضاء عىل نظام صدام حسني يعني تفكك العراق وتقسيمه إىل عدة دويالت ،وهذا ما حيمل معه آثار ًا سلبية يف إيران أيض ًا ،ويفتح الباب أمام انتفاض األقليات داخل إيران .كام إن اإلطاحة بنظام صدام حسني قد تؤدي إىل بروز نظام جديد موال للواليات املتحدة األمريكية ينفذ إرادهتا وخمططاهتا يف املنطقة متحالف ًا مع املحور الرتكي -اإلرسائييل . (2 يسعى النظام اإليراين يف اجلمهورية الثانية إىل االنفتاح عىل اخلارج لكرس عزلته الدولية
حتى يستطيع التفرغ حلل معضالته االقتصادية وإصالح ما خربته حرب الثامين سنوات ،والعزلة املفروضة عليه منذ قيام ثورته اإلسالمية ،قد ق َّلل من هلجته اخلاصة بتصدير مبادئ الثورة اإلسالمية عرب احلدود ،ما أوجد نوع ًا من االستقرار عىل حدوده مع الدول املستقلة حديث ًا بعد سقوط االحتاد
السوفيايت ،وهذه سياسة تتسق مع الطابع الرباغاميت إليران يف فرتة اجلمهورية الثانية.
(2انظر حمارضة أمحد هاشم التي ألقاها يف :الوضع الراهن يف اخلليج وآفاق املستقبل ،ندوة القبس ،الكويت، 11-10ترشين األول/أكتوبر ،1998ص .152-147 مركز اخلليج لألبحاث
175
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
وعىل الرغم من أن إيران سعت إىل اتباع سياسة التهدئة عىل خمتلف جبهاهتا احلدودية خالل تلك املرحلة ،إال أهنا مل تتبع السياسة ذاهتا يف ما يتعلق باجلزر اإلماراتية الثالث التي احتلتها منذ عام 1971وما زالت ترص عىل احتالهلا .وعىل الرغم من أن حرب اخلليج الثانية 1991– 1990قد أ َّدت إىل حتسن واضح يف عالقات إيران بدول اخلليج بصفة عامة ،لكن ذلك مل يؤد بإيران إىل حماولة تسوية مسألة اجلزر و َّدي ًا مع دولة اإلمارات العربية املتحدة .ففي آذار/مارس عام 1992قام الرئيس اإليراين هاشمي رفسنجاين بزيارة مفاجئة إىل جزيرة أبو موسى هي األوىل من نوعها التي يقوم هبا رئيس إيراين إىل تلك اجلزيرة منذ احتالهلا عام ،1971ويف أعقاب تلك الزيارة قامت السلطات اإليرانية باختاذ سلسلة من اإلجراءات اإلدارية هبدف تأكيد سيطرهتا وهيمنتها عىل كامل اجلزيرة وعىل ضمها إىل أراضيها ض ًام واقعي ًا ،بعد األشخاص املقيمني عىل أراضيها ،يف خطوة منها نحو ِّ أن خرجت منطقة اخلليج لتوها من بئر أزمة اخلليج الثانية بكل تداعياهتا وآثارها يف أمن املنطقة والعالقات اإلقليمية باملنطقة .وبد ً ال من أن تتجاوب إيران مع املسلك السلمي الذي اتبعته دولة اإلمارات العربية املتحدة حيال تلك القضية ،قامت السلطات اإليرانية باختاذ تلك اإلجراءات التي تتناقض مع مذكرة التفاهم اخلاصة باجلزيرة واملعقودة مع حاكم إمارة الشارقة يف ترشين الثاين/نوفمرب ،1971فقد تعدَّ ت إيران عىل اجلزء الواقع حتت سلطة اإلمارات يف جزيرة أبو موسى بوضع أنظمة للصواريخ يف ذلك اجلزء من اجلزيرة ،وإنشاء بلدية تابعة ملحافظة بندر عباس ،وإغالق روضة أطفال اجلزيرة وطرد التالميذ ومدرسيهم ،وإهانة أفراد رشطة اجلزيرة والترصف معهم ترصفات غري الئقـة، واعتقال بعض الصبية من أمـام منازهلم يف اجلزيـرة .كام قامت بطرد نحو ستني عام ً ال من اجلزيرة يف شهر آذار/مارس عام ،1992وخيرَّ ت املعلمني من غري مواطني دولة اإلمارات بني محل اهلوية اإليرانية أومغادرة اجلزيرة هنائي ًا . (3 دعمت إيران قوهتا املسلحة يف اجلزيرة وفرضت سيطرهتا الكاملة عليها ،وبدأت يف حتويلها إىل قلعة عسكرية حصينة ختضع للسيطرة اإليرانية الكاملة ،األمر الذي مثَّل هتديد ًا ألمن املنطقة بشكل عام ومضيق هرمز بشكل خاص ،نظر ًا إىل أمهية اجلزيرة االسرتاتيجية عىل (3أمحد جالل التدمري ،اجلزر العربية الثالث :دراسة وثائقية ،تقديم وإرشاف خالد بن صقر القاسمي (االمارات العربية :مطبعة رأس اخليمة الوطنية ،)]2000[ ،ص .306 176
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
مضيق هرمز وخطوط املالحة البحرية الدولية املارة يف اخلليج .كام قامت إيران ببناء جمموعة
أقر الربملان اإليراين من القواعد العسكرية والبحرية والصاروخية الضخمة يف اجلزيرة .كام َّ «جملس الشورى» القانون اخلاص باملياه اإلقليمية اإليرانية ،وحدَّ دها باثني عرش مي ً ال بحري ًا،
ومنحها حق السيادة عىل جزر اإلمارات الثالث التي حتتلها إيران . (3وإمعان ًا يف تضييق اخلناق
عىل سكان اجلزيرة من مواطني دولة اإلمارات والعرب واألجانب املقيمني فيها ،منعت إيران ال ضمن كيلومرت مربع واحد َّ هؤالء السكان من التجول إ َّ يشكل املنطقة اجلغرافية التي يوجد فيه السكان العرب ومرافق اخلدمات احلكومية اخلاصة هبم ،كالتعليم والصحة واألمن التابعة كلها إداري ًا لسلطة احلكومة االحتادية يف أبو ظبي . (3 كذلك قامت السلطات اإليرانية بإغالق املحال التجارية كلها يف اجلزيرة ،ورفضت
السامح للمواطنني ببناء مساكن جديدة ،أو ترميم املساكن القديمة إال يف أضيق احلدود، ومنعت إنشاء العيادات الطبية وعمليات اإلخالء اجلوي للمرىض إىل مستشفيات اإلمارات
مهام كانت احلالة املرضية .ومنعت السيارات التي حتمل لوحات إماراتية من دخول اجلزيرة،
ومنعت دخول أو خروج أي يشء من اجلزيرة إال بترصيح من القائد العسكري اإليراين للجزيرة ،كام أهنا رفضت رفع علم دولة اإلمارات عىل أرض اجلزيرة ،خمالفة بذلك مذكرة
التفاهم اخلاصة باجلزيرة . (3
بارشت إيران منذ نيسان/أبريل عام 1992طرد اإلماراتيني الذين يقيمون يف اجلزيرة،
ومنعتهم من العودة إليها يف حال غياهبم عن اجلزيرة ملدة تزيد عىل ستة شهور ،ومن ثم ساوت
بني املواطنني أصحاب األرض وبني الوافدين املقيمني عىل اجلزيرة .ويف هناية آب/أغسطس
عام 1992منعت السلطات اإليرانية املعلمني يف اجلزيرة وبعض مواطني دولة اإلمارات من النزول إىل اجلزيرة ،وأعادت السفينة «خاطر» التي كانت تقلهم عىل أعقاهبا من حيث جاءوا
بعد أن تم احتجازهم يف عرض البحر ثالثة أيام ،واشرتطت حصوهلم عىل ترصحيات دخول
إيرانية ،وقد أدى ذلك اإلجراء إىل نشوب أزمة بني دولة اإلمارات وإيران ،جرت يف إثرها (3حييى حلمي رجب ،أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية (القاهرة :مركز املحروسة للبحوث والتدريب والنرش ،)1997 ،ص .338-337 (3املجلة ( 9أيلول/سبتمرب .)1993
(3عبد الوهاب عبدول ،اجلزر العربية الثالث يف اخلليج العريب ومدى مرشوعية التغريات اإلقليمية الناجتة عن استخدام القوة :دراسة قانونية ،كتاب األبحاث؛ ( 9رأس اخليمة :مركز الدراسات والوثائق[ ،د .ت ،)].ص .345-343 مركز اخلليج لألبحاث
177
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
حمادثات واتصاالت دبلوماسية بني مسؤويل البلدين نتج منها السامح للمدرسني بالدخول باستثناء أربعة عرش شخص ًا اعرتضت عليهم السلطات اإليرانية ألسباب أمنية . (3 ويف السابع عرش من أيلول/سبتمرب 1992بدأت يف أبو ظبي مفاوضات إماراتية إيرانية
تناولت خمتلف اجلوانب القانونية واإلدارية ونزاعات السيادة عىل اجلزر الثالث ،وخالل املحادثات طرح الوفد اإلمارايت مخسة مطالب ،هي : (3
إهناء االحتالل العسكري جلزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى. تأكيد التزام إيران بمذكرة التفاهم اخلاصة بجزيرة أبو موسى لعام .1971 -عدم التدخل بأي صورة ويف أي ظروف وبأي مربر يف ممارسة دولة اإلمارات العربية
املتحدة لواليتها الكاملة عىل اجلزء املخصص هلا يف جزيرة أبو موسى بموجب مذكرة التفاهم.
-إلغاء كافة التدابري واإلجراءات التي وضعتها إيران عىل أجهزة الدولة يف جزيرة أبو
موسى وعىل مواطني الدولة وعىل املقيمني فيها من غري مواطني دولة اإلمارات العربية املتحدة. -إجياد إطار مالئم حلسم مسألة السيادة عىل جزيرة أبو موسى خالل فرتة زمنية حمددة.
بينام طالب الوفد اإليراين دولة اإلمارات العربية املتحدة بتعويضات مالية مستحقة
إليران بسبب اخلسائر التي منيت هبا إيران إبان حرهبا مع العراق ،كام أشار الوفد اإليراين
إىل أن إيران ال ترىض باحلصة النفطية التي حتصل عليها من حقل مبارك النفطي ،واهتمت اإلمارات باستخراج كمية من النفط أكرب مما جيب.
ر َّدت إيران عىل مطالب دولة اإلمارات بتحديد موقفها بشأن اجلزر يف النقاط التالية : (3 -إن جزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى جزيرتان إيرانيتان ،وإهنام جزء ال يتجزأ
من أرايض إيران ،وإن السيادة اإليرانية عليهام ليست مطروحة للنقاش مع اآلخرين.
(3الرشق األوسـط ،1992/9/4 ،وعبد اهلل مجعة احلاج« ،االستيالء عىل جزيرة أبو موسى »،شؤون اجتامعية ،العدد ،)1996( 52ص .19-17 (3عبد اجلليل زيد مرهون ،أمن اخلليج بعد احلرب الباردة (بريوت :دار النهار للنرش ،)1997 ،ص .182-181
(3رجب ،أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية ،ص .340 178
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
إن التفاوض بشأن جزيرة أبو موسى جيب أن يتم يف إطار مذكرة التفاهم التي وقعتعام ،1971وعىل نحو حيقق مصالح إيران األمنية واالقتصادية واالسرتاتيجية يف اخلليج. إبعاد املسألة عن تدخالت القوى الكربى ،والتوقف عن إثارة أي مطالب إقليميةيف املحافل الدولية. إ َّ ال أن هذه املفاوضات باءت بالفشل نتيجة إرصار إيران عىل رفض مناقشة مسألة االحتالل العسكري جلزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى ،وكذلك رفض اجلانب اإليراين اقرتاح دولة اإلمارات بإحالة النزاع إىل حمكمة العدل الدولية.
برزت آراء عدة لتحليل اإلجراءات اإليرانية وأسباهبا ،فالبعض يرى أن ذلك كان رسالة حتذير موجهة إىل القوميات التي تتألف منها الدولة اإليرانية التي تتطلع إىل االنفصال عن الوطن األم ،باعتبار أن إيران غري مستعدة للتفريط بأي جزء من أراضيها حتى ولو كان هذا اجلزء بضع جزر صغرية ال تتعدَّ ى كيلومرتات عدة. وهناك من يرى أن الوضع االقتصادي املرت ِّدي الذي تعاين منه إيران دفعها إىل السيطرة عىل اجلزر بام حتويه من ثروات ،كام إن حتديد املياه اإلقليمية باثني عرش مي ً ال بحري ًا جعل حقول النفط كلها واملخزون النفطي يف هذه املياه تابعة هلا ،كام إن سوء األوضاع االقتصادية الداخلية أدى إىل أعامل شغب ومظاهرات وعدم استقرار داخل إيران ،األمر الذي دفع احلكومة إىل البحث عن أزمة خارجية تلفت نظر الشعب اإليراين بعيد ًا عن مشكالته الداخلية. بينام يرى رأي ثالث أن التحركات اإليرانية يف اجلزيرة يف ذلك الوقت بالذات هي إنذار لدول جملس التعاون ودول إعالن دمشق والواليات املتحدة األمريكية من أن أي ترتيبات أمنية يف اخلليج ال يمكن أن تتم بمعزل عن إيران ،فاهلدف إذ ًا هو لفت نظر دول املجلس وحلفائها وبخاصة الواليات املتحدة إىل أنه ال يمكن استبعاد إيران من تلك الرتتيبات . (3 إزاء الترصفات اإليرانية ،عبرّ جملس التعاون لدول اخلليج العربية عن استنكاره لتلك الترصفات باعتبارها ترصفات غري مسؤولة تنعكس بالسلب عىل العالقات بني دول املجلس وإيران ،وتعيدها إىل الوراء ،وتشيع جو ًا من عدم الثقة. (3عبدول ،اجلزر العربية الثالث يف اخلليج العريب ومدى مرشوعية التغريات اإلقليمية الناجتة عن استخدام القوة :دراسة قانونية ،ص .351-348 مركز اخلليج لألبحاث
179
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
ففي البيان اخلتامي للمجلس الوزاري يف الدورة الرابعة واألربعني يف جـدة بالسعودية يف أيلول/سبتمرب عام ،1992عبرَّ الوزراء عن القلق جتاه اإلجراءات اإليرانية يف جزيرة أبو موسى التي تعترب انتهاك ًا لسيادة إحدى دول املجلس ووحدة أراضيها ،وزعزعة األمن واالستقرار يف املنطقة ،وطالب البيان إيران باحرتام مذكرة التفاهم اخلاصة بجزيرة أبو موسى .كام رفض البيان استمرار احتالل إيران جلزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى ،مؤكد ًا وقوفه إىل جانب دولة اإلمارات العربية املتحدة يف التمسك بسيادهتا الكاملة عىل جزيرة أبو موسى ،وتأييده املطلق لكل اإلجراءات التي تتخذها دولة اإلمارات العربية املتحدة لتأكيد سيادهتا عىل اجلزيرة . (3
وعبرَّ املجلس يف اجتامعاته التالية ،سواء عىل املستوى الوزاري أم عىل مستوى املجلس األعىل ،عن تأييده الكامل للموقف اإلمارايت الداعي إىل حل النزاع بالطرق السلمية عن طريق عرض النزاع عىل حمكمة العدل الدولية ،نظر ًا إىل عدم إبداء إيران الرغبة اجلادة يف بحث إهناء احتالهلا للجزر الثالث. جراء مواصلة احلكومة اإليرانية اختاذ اإلجراءات وعبرَّ املجلس أيض ًا عن قلقه من ّ التي ترمي إىل تكريس احتالهلا اجلزر الثالث ،بام يمثل انتهاك ًا لسيادة دولة اإلمارات العربية املتحدة ،وبام يتناىف مع مبادئ القانون الدويل وميثاق املؤمتر اإلسالمي ومبادئ حسن اجلوار واحرتام سيادة ووحدة أرايض دول املنطقة . (3 كام دعا املجلس األعىل إيران إىل الكف عن ممارسة سياسة فرض األمر الواقع بالقوة، والتوقف عن تنفيذ أي إجراءات من طرف واحد ،وإلغاء أي إجراءات وإزالة أي منشآت سبق تنفيذها من طرف واحد يف اجلزر الثالث ،واتباع الوسائل السلمية حلل النزاع القائم عليها وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل ،بام يف ذلك إحالة القضية إىل حمكمة العدل الدولية . (4 ومن ثم يمكن تلخيص موقف جملس التعاون لدول اخلليج العربية من قضية اجلزر يف النقاط التالية: « (3البيان اخلتامي( »،املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية ،الدورة الرابعة واألربعني، جـدة 9-7 ،أيلول/سبتمرب .)1992 « (3البيان اخلتامي( »،املجلس األعىل لدول جملـس التعـاون ،الدورة السادسة عرشة ،مسقط 6-4 ،كانون األول/ديسمرب .)1995 « (4البيان اخلتامي( »،املجلس األعىل لدول جملس التعاون ،الدورة السابعة عرشة ،الدوحة 28-26 ،كانون األول/ديسمرب .)1996 180
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
-تأكيد دول املجلس أن تطور العالقات مع إيران مرتبط بتعزيز الثقة وبام تتخذه
طهران من إجراءات تنسجم مع التزامها بمبادئ حسن اجلوار واحرتام سيادة ووحدة أرايض دول املنطقة وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية.
-مطالبة إيران بإلغاء وإزالة كل اإلجراءات التي اختذهتا يف جزيرة أبو موسى ،وإهناء
احتالهلا جلزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى التابعتني لدولة اإلمارات العربية املتحدة.
-تأكيد املجلس تضامنه التام وتأييده املطلق ملوقف دولة اإلمارات يف هذه القضية،
مع دعم كل اإلجراءات والوسائل السلمية التي تراها مناسبة الستعادة سيادهتا عىل جزرها الثالث ،وذلك استناد ًا إىل الرشعية الدولية ،وانطالق ًا من مبدأ األمن اجلامعي. -تشجيع اجلهود الدولية املبذولة إلهناء النزاع حول اجلزر ،وبخاصة جهود األمني
العام لألمم املتحدة ،هبدف الوصول إىل إطار للمفاوضات بني دولة اإلمارات العربية املتحدة وإيران ،مع دعوة احلكومة اإليرانية إىل االستجابة اجلادة جلهود األمني العام بام حيقق األمن واالستقرار يف املنطقة.
من جانبها ،أعلنت دولة اإلمارات العربية املتحدة عن اعتزامها مواصلة جهودها
الدبلوماسية السلمية من دون كلل ،ومن خالل اهليئات الدولية واإلقليمية مثل جامعة الدول العربية واألمم املتحدة ،وهو ما ال ترضاه إيران ،األمر الذي جيعل قضية اجلزر بمنزلة القنبلة املوقوتة لتفجري الوضع يف منطقة اخلليج وهتديد األمن وإثارة حالة من عدم االستقرار.
رابع ًا :قضايا األمن والتسلح ُقدِّ ر إليران نظر ًا إىل تعدادها السكاين وتارخيها وجغرافيتها ومواردها الطبيعية أن تؤدي دور ًا رئيس ًا يف أمن اخلليج ،بغض النظر عن شخصية من يرت َّبع عىل عرش السلطة يف طهران،
ومت ُّتع إيران بعنارص القوة والدور اإلقليمي يف ظل إعادة بناء قواهتا املسلحة يثري املشكالت التخوف اخلليجي من أن تفرض إيران سيطرهتا عىل بالنسبة إىل جرياهنا األضعف ،يف ظل ّ منطقة اخلليج يف إطار السياسة اإليرانية املستمرة إلعادة األجماد الفارسية القديمة.
ويف املقابل ،إن ضعف إيران وانقسامها يؤديان أيض ًا إىل هتديدات خطرية عىل األمن مركز اخلليج لألبحاث
181
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
اإلقليمي (4؛ ألن ضعف إيران يفتح املجال لربوز القوة العراقية منفردة من دون رادع إقليمي، األمر الذي يؤ ِّدي إىل فتح الثغرات يف جدار األمن اخلليجي مرة أخرى ،ومن ثم فإن توازن القوة بني إيران وكل من العراق واململكة العربية السعودية ودول اخلليج ،هو أمر مطلوب الستقرار األمور يف منطقة اخلليج .ولقد أظهرت األحداث يف منطقة اخلليج خالل البدايات األوىل للجمهورية الثانية ،أن العراق عندما خرج من حربه مع إيران متفوق ًا يف عنارص القوة املسلحة نتيجة الدعم اخلليجي ال َّ الحمدود له خالل حرب الثامين سنوات ،مثَّل بذلك هتديد ًا ضمها إىل أراضيه، حقيقي ًا ألمن منطقة اخلليج العريب ،وقام بغزو أرايض دولة الكويت بغية ِّ
رغبة يف حموها من عىل خريطة املنطقة لتكون املحافظة العراقية التاسعة عرش.
مثل هذا اإلجراء مل ترض عنه إيران ،وعىل الرغم من التنازالت الكبرية التي قدمها العراق إىل إيران يف اخلامس عرش من آب/أغسطس ،1990فإن هذه األخرية طالبته باالنسحاب الفوري غري املرشوط من األرايض الكويتية املحتلة؛ ألن إيران ال تقبل االحتالل بأي شكل من األشكال ،كام إهنا رفضت أي شكل من أشكال تسوية األزمة تضمن للعراق االحتفاظ بجزيريت وربة وبوبيان ،أو حصول العراق عىل أي مكاسب إقليمية من شأهنا تغيري الوضع اجليواسرتاتيجي يف منطقة اخلليج ،وهدَّ دت إيران باستخدام القوة املسلحة الحتالل تلك اجلزر إذا ما حصل عليها العراق ،وذلك ألن حصول العراق عىل تلك املكاسب اإلقليمية إنام يمثل هتديد ًا مبارش ًا لألمن اإليراين ،وهذا ما يفرس قبول إيران بوجود القوات األجنبية يف املنطقة من أجل حترير الكويت وإخراج العراق منها ،ثم الرحيل من املنطقة بعد ذلك. التزمت إيران احلياد خالل حرب اخلليج الثانية ،ورفضت التورط يف احلرب أو إرسال قوات ولو رمزية للمشاركة يف التحالف الدويل املناهض ،وكانت األحداث خالل تلك احلرب توحي بأن العراق وإيران مقبالن عىل فتح صفحة جديدة يف عالقاهتام الثنائية ،بيد أن التطورات ال َّ الحقة هلذه احلرب عكست جو ًا سلبي ًا يف مناخ العالقة بني البلدين. وقد أدت عوامل عدة دورها يف إجياد ذلك املناخ السلبي ،أبرزها تأييد إيران لالنتفاضة عمت املدن العراقية يف آذار/مارس ،1991واستمرت إيران يف احتضان الشعبية التي َّ
املعارضة العراقية يف مقابل احتضان العراق املعارضة اإليرانية.
(4جفري كمب« ،انعكاسات السياسة اخلارجية اإليرانية عىل األمن اإلقليمي :املنظور اخلارجي »،يف: السويدي ،حمرر ،إيران واخلليج :البحث عن االستقرار ،ص .167 182
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ومل تقف األمور عند حد التأييد املعنوي لعوامل عدم االستقرار من اجلانبني ،بل إن
األمر تعدَّ اها إىل التحرك العسكري الفعيل وتبادل االهتامات بني البلدين بشأن التعدِّ ي عىل احلدود املشرتكة ،ففي السادس من شهر آب/أغسطس عام 1993أعلن العراق أن قوة إيرانية توغلت يف منطقة كردستان العراقية وقصفت نقاط ًا قريبة من احلدود تعتربها منطلق ًا
شن لفصائل إيرانية معارضة لشن عمليات يف إيران ،ويف ترشين الثاين/نوفمرب َّ 1994 الطريان اإليراين غارات عىل قواعد للمعارضة اإليرانية يف شامل مدينة كركوك .ويف متوز/
يوليو 1995اهتم العراق عنارص من السفارة اإليرانية يف بغداد بالتورط يف قتل ثالثة عنارص من منظمة «جماهدي خلق» اإليرانية املعارضة .كذلك رفضت إيران إعادة الطائرات العراقية
التي جلأت إليها خالل حرب اخلليج الثانية وقد بلغت نحو تسع وستني طائرة ،منها ثالثون
طائرة للركاب ،عىل اعتبار أن هذه الطائرات جزء من التعويضات التي جيب عىل العراق دفعها إليران نتيجة حربه ضدها ،األمر الذي أدى إىل تر ِّدي العالقات اإليرانية -العراقية . (4
حتسن ملحوظ عىل العالقات بني إيران ودول جملس التعاون اخلليجي، يف املقابل طرأ ُّ
َّأدت إىل مزيد من صور التعاون بني اجلانبني ،ومل يشب تلك العالقات خالل تلك املرحلة سوى قضية اجلزر اإلماراتية الثالث التي أثريت بقوة خالل عهد اجلمهورية الثانية نتيجة اإلجراءات التي اختذهتا إيران لتغيري وجه اجلزيرة ولتأكيد سيادهتا عليها؛ مثل بناء مطار،
وافتتاح فرع إلحدى جامعاهتا ،وافتتاح دار للبلدية ،ونرش صواريخ فيها .وهذه القضية هي األعقد يف ملف العالقات اإليرانية -اخلليجية خالل تلك الفرتة؛ نظر ًا إىل أن هناك إمجاع ًا
إيراني ًا عىل أن تلك اجلزر الثالث هي جزر إيرانية وليست جما ً ال للمناقشة . (4وهذه القضية
تعكر صفو مناخ العالقات بني إيران ودول اخلليج ،وتلقي بظالل من الشك عىل األمن اإلقليمي اخلليجي ،خصوص ًا أن ميزان القوى يف منطقة اخلليج يف أعقاب حرب اخلليج الثانية وطوال فرتة اجلمهورية الثانية يميل ملصلحة الطرف اإليراين عىل حساب اجلانبني السعودي والعراقي يف جمموع عنارص القوة احليوية واالقتصادية والعسكرية.
وتشمل عنارص القوة احليوية ك ً ال من املوقع االسرتاتيجي والعمق االسرتاتيجي (4مرهون ،أمن اخلليج بعد احلرب الباردة ،ص .233
(4عيل حمافظة [وآخرون] ،العرب وجوارهم إىل أين؟ ،سلسلة كتب املستقبل العريب؛ ( 20بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية ،)2000 ،ص .264 مركز اخلليج لألبحاث
183
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
ومصادر الثروة الطبيعية واملساحة وعدد السكان واملستوى التعليمي والصحي ،بينام تشمل عنارص القوة االقتصادية الناتج املحيل اإلمجايل ونصيب الفرد منه ،والصادرات باعتبارها نسبة
من الواردات ونسبة األرض الصاحلة للزراعة وإنتاج الطاقة الكهربائية وإنتاج النفط والغاز الطبيعي ،ونسبة التضخم ومعدَّ ل نمو الناتج املحيل .أما القوة العسكرية فتشمل عنارص مثل
حجم القوات املسلحة واخلربة القتالية وحجم اإلنفاق العسكري ونسبة املجندين إىل إمجايل تعداد السكان وحجم األسلحة التقليدية ونوعيتها.
تتفوق إيران عىل قطبي التوازن االسرتاتيجي يف منطقة اخلليج (السعودية والعراق) يف ما يتعلق بإمجايل العنارص الثالثة للقوة احليوية واالقتصادية والعسكرية، كام يتضح يف اجلدول التايل: .اجلدول رقم ()1-5
توازن القوى يف فرتة اجلمهورية الثانية 1995-1989 الدولة
الكتلة احليوية
القوة االقتصادية
القوة العسكرية
اإلمجايل
إيران
23.79
23.82
19.34
66.95
السعودية
24.33
29.05
12.63
66.01
العراق
14.85
11.79
13.15
39.79
املصدر :صالح بن عبد العزيز القنيعري« ،السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب»،1995 – 1979 ، (أطروحة دكتوراه ،أكاديمية نارص العسكرية العليا ،كلية الدفاع الوطني ،)1988 ،ص .47-39
حتسن من قدرهتا العسكرية بعد أن لقد استطاعت إيران خالل فرتة اجلمهورية الثانية أن ّ عوضت جزء ًا كبري ًا من خسائرها يف حرهبا مع العراق ،وظهر ذلك التحسن يف قوهتا البحرية َّ واجلوية ،ويف زيادة حجم قواهتا املسلحة ،ويف زيادة إنفاقها العسكري.
هذا إىل جانب أن الرئيس اإليراين هاشمي رفسنجاين كان قد بدأ برناجم ًا لإلصالح
االقتصادي خالل فرتيت واليته األوىل والثانية ،ونجح إىل حد كبري يف إصالح ما أصاب االقتصاد اإليراين خالل فرتة اجلمهورية األوىل من جراء احلرب مع العراق ،ونتيجة احلصار
الدويل الذي فرض عىل إيران نتيجة السياسات التي اتبعتها إيران يف عهد آية اهلل اخلميني وتبنيها مبدأ تصدير الثورة ومتويل بعض احلركات اإلرهابية يف عدد من دول العامل.
184
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
فعىل اجلانب العسكري ،نجد أن إيران متفوقة من حيث حجم القوات املسلحة وحجم
اإلنفاق العسكري وعدد ما متتلكه من قطع املدفعية وقطع البحرية عىل كل من السعودية
والعراق ،بينام تفوقت العراق يف عدد الطائرات املقاتلة ويف عدد الدبابات ،وهو ما يوضحه اجلدول التايل:
.اجلدول رقم ()2-5
حجم القوات املسلحة واإلنفاق العسكري للسعودية والعراق وإيران لعام 1995 القوة العسكــرية
السعودية
العراق
إيران
حجم القوات املسلحة
162500
282500
513000
حجم اإلنفاق العسكري (مليون دوالر)
13759
22600
14784
قطع املدفعية
438
1730
2948
قطع البحرية
71
21
112
الطائرات املقاتلة
295
316
295
الدبابات املقاتلة
1055
2700
1520
Source: The Military Balance (London: Institute for Strategic Studies, 1995-1996).
تؤكد التقارير األمريكية أن إيران ما زالت متثل خطر ًا عىل أمن املنطقة نتيجة تفوقها
يف عنارص القوة بمختلف األوجه احليوية واالقتصادية والعسكرية ،وهو ما يدفع به البعض لتربير استخدام الواليات املتحدة األمريكية سياسة االحتواء املزدوج التي تتلخص يف أن ك ً ال
من إيران والعراق تتبعان سياسة معادية للواليات املتحدة األمريكية ومصاحلها يف املنطقة،
والتي تعني السعي للمحافظة عىل إقامة توازن للقوى يف تلك املنطقة احليوية من خالل السعي مع حلفاء الواليات املتحدة يف املنطقة من أجل احلفاظ عىل ميزان قوى يميل ملصلحتها من دون االعتامد عىل أي من إيران أو العراق.
وسياسة االحتواء املزدوج التي بدأهتا إدارة كلينتون بالنسبة إىل إيران هي أسهل عملي ًا منها
يف حال العراق ،وذلك ألن الربنامج النووي اإليراين ما زال يف مراحله األوىل ،ومن ثم يسهل
تطويقه ،بخالف الربنامج العراقي الذي بلغ مرحلة متقدمة يصعب احتواؤها بالوسائل السلمية. مركز اخلليج لألبحاث
185
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
إال أن صعوبة تطبيق تلك السياسة يف مواجهة إيران تأيت من أن الواليات املتحدة األمريكية ال متلك تأييد ًا دولي ًا ورشعية مثل تلك التي امتلكتها ضد العراق خالل حرب اخلليج الثانية ،ومن ثم ال توجد عقوبات كافية يمكن استخدامها ضد إيران إلحداث تغيريات
يف سلوكها غري املقبول . (4
ومن ثم ،فإن السبيل األمثل أمام الواليات املتحدة األمريكية هي العمل مع احلكومات
الصديقة ملنع إيران من إنتاج بدائل للواردات الالزمة لرباجمها النووية والكيميائية ،والضغط عىل الدول التي متد إيران بالصواريخ والنظم املتعلقة هبا مثل كوريا الشاملية والصني
وروسيا.
كان التعاون اإليراين الرويس بداية النقلة النوعية األكثر أمهية يف الربنامج النووي اإليراين منذ أواخر عام ،1992وهو التعاون الذي و َّفر إليران احتياجاهتا من املفاعالت النووية األكرب حج ًام من دون االقتصار عىل املفاعالت البحثية صغرية احلجم .ففي ترشين الثاين/نوفمرب 1994أ َّقر اجلانبان اتفاقية بمبلغ سبعمئة وثامنني مليون دوالر إلكامل مفاعل
بوشهر ،وتم التوقيع الفعيل عىل تلك االتفاقية يف الثامن من كانون الثاين/يناير ،1995وبدأت روسيا بالفعل تنفيذ تلك االتفاقية عملي ًا يف العام نفسه . (4 ويف تقرير ملكتب وزير الدفاع األمريكي حول التطورات العسكرية اجلارية يف إيران جاء فيه: «بينام ستظل قدرة إيران العسكرية التقليدية حمدودة طوال التسعينيات ،فإن مشرتياهتا
احلديثة من الغواصات والطائرات اهلجومية والصواريخ املضادة للسفن ،باإلضافة إىل حشد
قوات إيرانية يف عدد من اجلزر املتنازع عليها بالقرب من مضيق هرمز ،تشري إىل أن إيران تسعى جاهدة إىل حتقيق القدرة عىل هتديد السفن التجارية التي تدخل اخلليج وخترج منه ،ومن الواضح أن إيران تستعرض عضالهتا من قبيل إثبات الوجود أمام الدول الصغرية املجاورة
هلا يف اخلليج» . (4 )(44
Anthony Lake, “Confronting Backlash States,” Foreign Affairs, vol. 73, no. 2 (March- April 1994).
(4فتحي العفيفي ،التوازن االسرتاتيجي يف اخلليج العريب ( ،)2000-1990ملف اخلليج االسرتاتيجي؛ 2 (القاهرة :املركز األكاديمي للدراسات االسرتاتيجية ،)2001 ،ص .113 (4أنتوين كوردسامن ،القدرات العسكرية اإليرانية ،سلسلة دراسات عاملية؛ ( 6اإلمارات :مركز اإلمارات
186
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ومن ناحية أخرى ،سعت إيران إىل بذل اجلهود لتحسني عالقاهتا مع جرياهنا غري العرب
من جهة الشامل والرشق والغرب ،فاجتهت لدعم عالقاهتا برتكيا وباكستان ومجهوريات آسيا
الوسطى شامل بحر قزوين ،وذلك لتعويض إحساسها بعدم األمن ،والقلق من عالقاهتا املتصارعة مع جاراهتا يف اجلنوب.
وعقدت إيران عدد ًا من االتفاقيات واملرشوعات املشرتكة مع عدد من تلك الدول،
وبخاصة روسيا وتركامنستان وكازاخستان وأذربيجان ،وكان ذلك وسيلة لتوسيع نفوذها مع الدول املجاورة هلا؛ للتغلب عىل اجلهود التي تبذهلا الواليات املتحدة األمريكية إلضعافها
وعزهلا ،ولتحسني صورهتا يف املجتمع الدويل من خالل التدفق الكبري واملضطرد للزيارات املتبادلة بني إيران وعدد من دول العامل . (4
وأدى تدمري اآللة العسكرية العراقية خالل حرب حترير الكويت إىل زيادة احتامالت نمو النفوذ اإليراين يف منطقة اخلليج التي أصبحت مكشوفة أمني ًا ،يف الوقت الذي تسعى فيه
إيران إىل ممارسة دور إقليمي أكرب ،فقد حتسنت عالقات إيران بدول اخلليج وزادت درجة التنسيق بينهم ،األمر الذي أدى إىل اعرتافها بأن إليران دور ًا يف أمن اخلليج . (4 هذا ما جعل الدور اإليراين يف محاية أمن اخلليج أمر ًا معقو ً ال من جانب الدول اخلليجية، خصوص ًا خالل املراحل املختلفة ألزمة اخلليج الثانية. تؤمن إيران بأن أمن اخلليج ال يتحقق إ َّ ال من خالل دوله فقط ،وليست هناك حاجة إىل أي دور خارجي ،سواء أكان عربي ًا -إشارة إلعالن دمشق -أم غربي ًا أم أمريكي ًا ،ومن
ثم وافقت إيران عىل الوجود األجنبي خالل األزمة بشكل موقت من أجل حترير الكويت ثم الرحيل .فاألمن اخلليجي ال بد أن خيرج من دائرة سيطرة القوى العظمى.
ومن ثم ،إن الرؤية اإليرانية لألمن اخلليجي بعد انتهاء األزمة استندت إىل مفهوم أسايس
أال وهو «خليجية أمن اخلليج» ،بمعنى أن ترتيبات األمن اإلقليمية يف املنطقة جيب أن تستند للدراسات والبحوث االسرتاتيجية[ ،د .ت ،)].ص .12-11
(4جريالد جرين« ،إيران وأمن اخلليج »،يف :أمن اخلليج يف القرن احلادي والعرشين ،ص .32-31 (4أمحد مهابة« ،إيران وأمن اخلليج »،السياسة الدولية ،العدد ( 105متوز/يوليو ،)1991ص .98 مركز اخلليج لألبحاث
187
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
إىل العالقات التارخيية والدينية واالقتصادية املشرتكة بني دول املنطقة ،أي إهنا تريد نظام ًا أمني ًا ربر لرفض الوجود األجنبي خالص ًا للخليج يشمل منطقة اخلليج فقط ،ومن ثم جتد إيران امل ِّ الذي هو أساس املشكلة يف املنطقة.
كام رفضت إيران إعالن دمشق باعتباره يفتح املجال لدخول أطراف عربية خارجية - مرص وسوريا -يف ترتيبات األمن يف اخلليج .كذلك رفضت إيران االتفاقيات األمنية الثنائية التي جرت بني الواليات املتحدة األمريكية وعدد من الدول اخلليجية مثل الكويت وقطر .ومن ثم رفضت إيران التدخل األجنبي يف ترتيبات أمن املنطقة حتت أي شكل من األشكال . (4 كام ترفض إيران أي تغيري جغرايف يف املنطقة ،حيث تنظر إىل التغيري اجلغرايف عىل أنه مصدر هتديد للمصالح اإليرانية ،وهو أمر مرفوض متام ًا من جانب إيران؛ ألنه سيؤدي إىل اإلخالل بالتوازن اإلقليمي يف املنطقة ،وهيدِّ د وحدة وسالمة األمن القومي اإليراين ،ومن ثم ترفض إيران إجراء أي تغيريات يف اجلزر العربية الثالث التي استولت عليها عشية استقالل دولة اإلمارات العربية املتحدة ،كام عارضت أي تغيري يف احلدود بني العراق والكويت، ورفضت أي تسوية لألزمة تعطي للعراق أي مكاسب إقليمية يف جزيريت وربة وبوبيان، وهدَّ دت باحتالهلام بالقوة حال حصول العراق عليهام . (5 وقد حدَّ د وزير اخلارجية اإليراين ،عيل أكرب واليتي ،العنارص التي جيب أن تقوم عليها الرتتيبات األمنية يف اخلليج بعد انتهاء األزمة يف النقاط التالية : (5 إن اخلربة املكتسبة من أزمة اخلليج الثانية جتعل من الرضوري إقامة نوع من الرتتيباتاألمنية يف املنطقة تضمن استقالل دول اخلليج وسيادهتا عىل أراضيها. -جيب أن تكون منطقة اخلليج خالية من خمزونات األسلحة التقليدية والنووية والكيميائية
والبيولوجية ،وأن يكون وجود القوى األجنبية يف املنطقة يف حدِّ ه األدنى وملدة حمددة.
(4نيفني عبد املنعم مسعد « ،الرؤية اإليرانية ألمن اخلليج »،يف :عبد املنعم املشاط ،حمرر ،أمن اخلليج العريب: دراسة يف اإلدراك والسياسات (القاهرة :مركز البحوث والدراسات السياسية ،)1994 ،ص .315 (5عال أبو زيد« ،التصور اإليراين ألمن اخلليج بعد حرب اخلليج الثانية »،يف :مصطفى علوي ،حمرر ،مرص وأمن اخلليج بعد احلرب (القاهرة :مركز البحوث والدراسات السياسية ،)1994 ،ص .163-162
(5عبد الواحد« ،إدارة األزمة يف السياسة اخلارجية املرصية :دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية-1990 ، »،1991ص .286
188
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
-إن مسؤولية التحركات الرامية إىل إعداد ترتيبات األمن تقع عىل عاتق الدول الثامين
يف اخلليج وهي العراق وإيران ودول جملس التعاون الست.
-بغري تعاون مشرتك بني دول املنطقة كلها ال يمكن إقامة أمن.
خامس ًا :قضايا التعاون اإلقليمي كان الغزو العراقي للكويت أبرز األحداث عىل الساحة اخلليجية والعربية خالل حكم اجلمهورية اإليرانية الثانية التي امتدت من عام 1989وحتى عام ،1997حيث تولىَّ الرئيس
هاشمي رفسنجاين مقاليد احلكم يف إيران ملدة واليتني متتاليتني ،اتسمت فيهام سياسته اخلارجية بالرباغامتية يف التعامل مع إطارها اإلقليمي والدويل ،للتخفيف من وطأة املشكالت واألزمات
الداخلية واخلارجية التي خلفتها سياسة إيران خالل فرتة احلكم اخلميني التي كان هلا مردود سلبي عىل االقتصادات الداخلية يف إيران ،وما نجم عنها من غلبة التفاعالت الرصاعية عىل
التفاعالت التعاونية مع دول اجلوار اخلليجي ،وما فرض عىل إيران من عزلة دولية انعكست
كلها لتصب يف واقع احلياة اإليرانية يف شكل أزمات اقتصادية واجتامعية حادة ،وحركات احتجاجية ومظاهرات ،اجتاحت طهران ومعظم املدن اإليرانية نتيجة اهنيار االقتصاد اإليراين
وارتفاع األسعار وارتفاع نسبة التضخم ،يف الوقت الذي ال تستطيع فيه إيران اخلروج من عزلتها اإلقليمية والدولية لفتح أسواق جديدة وجذب االستثامرات اخلارجية للتخفيف من حدة األزمة يف البالد إ َّ ال يف حدود ضيقة. ومن ثم بدأت سياسة إيران اخلارجية يف عهد الرئيس هاشمي رفسنجاين تنحو أكثر
نحو االنفتاح عىل إطارها اإلقليمي والدويل للخروج من أزمتها وعزلتها ،وإثبات رغبتها يف التعاون اجلاد واملثمر مع اآلخرين وفق ًا لعالقات اقتصادية أكثر ليربالية تتعايش مع طبيعة النظام االقتصادي الدويل السائد.
وهذا يتطلب منها إحداث تغيريات شبه جذرية يف حركتها السياسية والدبلوماسية، باعتبار ذلك مفتاح ًا أساسي ًا لقبول األطراف األخرى إليران رشيك ًا اقتصادي ًا وجتاري ًا. كانت أزمة اخلليج الثانية مناسبة طيبة استطاعت فيها إيران أن تثبت لدول اجلوار مركز اخلليج لألبحاث
189
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
اخلليجية ولدول العامل األخرى أن هناك تغري ًا قد طرأ عىل السياسات اخلارجية إليران، وأن هناك رغبة إيرانية صادقة بفتح صفحة جديدة يف ملف عالقاهتا اإلقليمية والدولية عىل
املستويات كافة ،ونسيان املايض ولو بالقدر الذي يتيح املجال للدخول يف عالقات طيبة مع باقي الدول ،خصوص ًا تلك التي كانت حتى عهد قريب هدف ًا من أهداف السياسة اخلارجية اإليرانية التي ارتكزت عىل فكرة تصدير الثورة اإلسالمية.
ساعد إيران يف ذلك أنه بانتهاء حرب الثامين سنوات مع العراق ثم غزو العراق للكويت،
حتولت وجهة النظر اخلليجية بدرجة كبرية من إيران إىل العراق باعتباره املصدر اجلديد لتهديد أمن تلك الدول.
عزز من تلك النظرة املوقف اإليراين الرافض لغزو العراق للكويت ومطالبته كام َّ
باالنسحاب الفوري وغري املرشوط من أرايض الكويت من دون احلصول عىل أي مكاسب إقليمية مقابل ذلك االنسحاب ،وذلك عىل الرغم من التنازالت التي قدمها العراق إىل إيران
من خالل مبادرة 15آب/أغسطس 1990التي ُتعدّ بحق أعظم املكاسب اإليرانية خالل تلك األزمة ،ودع ًام لقوهتا اإلقليمية بعد أن أ َّثرت احلرب مع العراق يف قوته املسلحة ودوره اإلقليمي.
ومن ثم كانت إيران يف حاجة إىل حدوث أمرين: داخلي ًا :السعي نحو إجراء إصالحات اقتصادية وسياسية. خارجي ًا :السعي نحو حتسني عالقاهتا اإلقليمية والدولية واستعادة دورها اإلقليمي يف
منطقة اخلليج ،يف الوقت الذي برز فيه نظام دويل جديد متثل الواليات املتحدة األمريكية القوة
العظمى والوحيدة فيه بعد تفكك االحتاد السوفيايت.
وهذان األمران غري منفصلني ،بل مرتبطان ارتباط ًا وثيق ًا ،فسياسة هاشمي رفسنجاين ركزت عىل إعادة بناء اجليش وتقوية االقتصاد ،وهذان األمران كانا يستوجبان حد ًا أدنى من العالقات مع دول أوروبا الغربية باعتبارها مصدر ًا لرأس املال والتكنولوجيا والتجارة، وانفتاح ًا عىل االحتاد السوفيايت ،وحتسني العالقات مع الدول اخلليجية املجاورة ،ومن ثم االستغناء عن السياسة اخلارجية السابقة التي كانت توجد األعداء بد ً ال من جذهبا لألصدقاء، 190
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
بينام حتتاج إيران إىل جذب األصدقاء يف مرحلة إعادة البناء التي كانت جتتازها يف أعقاب انتهاء احلرب العراقية اإليرانية عام . (5 1988
إذن ،أدركت إيران خالل جتربتها يف فرتة اجلمهورية األوىل أهنا غري قادرة عىل تغيري اخلريطة السياسية ملنطقة اخلليج تغيري ًا جذري ًا ،وأن أيديولوجيتها الثورية قد ووجهت بالرفض
التام من جانب الدول اخلليجية .وقد ثبت إليران فشل استخدام القوة يف إدارة عالقاهتا اإلقليمية بالدول الصغرى ،خصوص ًا أن تلك الدول متتلك مصادر قوة حتتاجها الدول الكربى والعمالقة ،ومن ثم لن تسمح تلك األخرية بأي تغيريات إقليمية من شأهنا التأثري يف
مصاحلها بتلك الدول .وفشل الغزو العراقي للكويت وحتالف دول العامل ضده مثال صارخ عىل تلك احلقيقة ،ومن ثم بدأت السياسة اخلارجية اإليرانية يف عهد رفسنجاين تُغ ِّلب املصالح القومية عىل االعتبارات األيديولوجية رغبة يف إصالح اقتصادها الذي دمرته حرب السنوات الثامين والعزلة الدولية املفروضة عليها . (5
وكان من نتاج تلك السياسة اجلديدة أن إيران قامت باسرتضاء دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،فخ َّففت من حدَّ ة التوترات التي بلغت ذروهتا خالل احلرب العراقية -اإليرانية عندما أيدت معظم دول املجلس العراق ،وأعادت إيران عالقتها الدبلوماسية مع
وعامن وقطر ودولة اإلمارات العربية املتحدة، الكويت ،ووقعت اتفاقيات جتارية مع البحرين ُ وبدأت يف التقارب مع اململكة العربية السعودية ،ألن التقارب مع السعودية باعتبارها أكرب
وأقوى الدول يف جملس التعاون هو أمر يعوقه عدد من العوامل ،منها االختالف املذهبي بني
احلادة يف ما يتعلق الس ّنة والشيعة ،واآلراء املتعارضة يف ما يتعلق بالصحوة اإلسالمية ،واملنافسة َّ ُ بالدور اإلقليمي لكل منهام ،واهليمنة عىل اخلليج ،واالختالف حول السياسات النفطية . (5
كان للسياسات اإليرانية اجلديدة يف عهد هاشمي رفسنجاين أثرها الطيب يف حتول
مواقف دول جملس التعاون اخلليجي ،وبخاصة السعودية والكويت ،نحو إيران ،كام إن هذه )(52
Middle East Journal, vol. 42, no. 3 (Summer 1988), p. 661.
(5ميالين« ،سياسة إيران يف اخلليج :من املثالية واملجاهبة إىل الربامجاتية واالعتدال »،ص .120
(5فيبي مار« ،اخلليج العريب بعد العاصفة »،يف :فيبي مار ،ووليم لويس ،حمرران ،امتطاء النمر :حتدَّ ي الرشق األوسط بعد احلرب الباردة ،ترمجة عبد اهلل مجعة احلاج ،سلسلة دراسات مرتمجة (أبو ظبي :مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االسرتاتيجية ،)1996 ،ص .151 مركز اخلليج لألبحاث
191
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
الدول وجدت نفسها نتيجة أحداث حرب اخلليج الثانية مضطرة إىل فتح صفحة جديدة من
العالقات التعاونية مع إيران ملوازنة اخلطر العراقي اجلديد وحتييد اخلطر اإليراين ،واحليلولة دون حتالف عراقي -إيراين ،بخاصة مع اإلغراءات والتنازالت التي قدمها العراق إىل إيران
لتعويضها عن خسائرها يف حرب الثامين سنوات.
كام إن املوقف اإليراين املحايد خالل حرب اخلليج الثانية وعدم تأثر إيران باإلغراءات
التي قدمها العراق جلذهبا إىل تأييده قد أ َّيد التوجه التعاوين يف العالقات اإليرانية -اخلليجية.
وكان من مؤرشات ذلك التعاون اجتامع وزير اخلارجية اإليراين عيل أكرب واليتي مع
وزراء خارجية دول جملس التعاون اخلليجي عىل هامش اجتامعات اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف 25أيلول/سبتمرب ،1990ومشاركة إيران يف اجتامعات وزراء خارجية دول املجلس يف مسقط يف الرابع من كانون األول/ديسمرب عام 1990ألول مرة منذ إنشاء
املجلس ،وذلك لبحث العالقات بني إيران ودول املجلس ووضع حد لالحتالل العراقي
للكويت وبحث سبل ضامن أمن املنطقة عىل املدى البعيد.
ويف اليوم األول لقمة دول املجلس بالدوحة يف 22كانون األول/ديسمرب ،1990أعلن
وزير اخلارجية القطري ،محد بن جاسم بن جرب آل ثاين ،أن «دول املجلس جتري مباحثات مبارشة
مع إيران إلنشاء نظام أمني إقليمي جديد ملواجهة اخلطر الناشئ عن قوة العراق العسكرية، وللحيلولة دون وقوع اضطرابات عنيفة مستقب ً ال يف املنطقة ،وأن شكل هذه الرتتيبات األمنية
سيعتمد عىل كيفية حل هذه األزمة ،سواء سل ًام أم عن طريق احلرب» .وأضاف« :لنا عالقات تارخيية مع إيران ،وهي داخلة يف الرتتيبات األمنية بحكم وضعها اجلغرايف يف املنطقة» . (5
رحب وأشار البيان اخلتامي لقمة الدوحة إىل العالقات مع إيران يف شكلها اجلديد؛ إذ َّ
املجلس برغبة مجهورية إيران اإلسالمية يف حتسني وتطوير عالقاهتا مع دول جملس التعاون كافةَّ ، وأكد املجلس أمهية العمل بجدية وواقعية حلل اخلالفات املعلقة بني إيران والدول األعضاء ،لكي تتمكن دول املنطقة من الرشوع يف حتقيق أهدافها املنشودة ،وتسخري مواردها
ألغراض التنمية االقتصادية الشاملة .وأكد املجلس رغبته يف إقامة عالقات متميزة مع إيـران (5مرهون ،أمن اخلليج بعد احلرب الباردة ،ص .235 192
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
عىل أساس من حسن اجلوار وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية ،واحرتام السيادة واالستقالل، والتعايش السلمي املستمد من روابط الدين والرتاث التي تربط بني دول املنطقة . (5
وبعد أيام من انتهاء األزمة وحترير الكويت ،أعادت إيران واململكة العربية السعودية
عالقاهتام الدبلوماسية يف السادس والعرشين من آذار/مارس 1991بعد قطيعة دامت نحو أربع سنوات ،وتبودلت الزيارات الرسمية بني البلدين .أما البحرين فلم تنتظر حتى انتهاء العمليات العسكرية للحرب ،فأعلنت بعد ثالثة أيام فقط من بدء «عاصفة الصحراء» عن
فتح اخلط املالحي مع إيران ،ومن ثم إطالق حركة التبادل التجاري بني البلدين ،األمر الذي جعل البحرين مركز ًا إلعادة تصدير كثري من املنتجات العاملية إىل إيران. أما الكويت ،فقد بادرت يف أعقاب االجتياح العراقي ألراضيها وموقف إيران الداعم
للحق الكويتي إىل التقارب مع إيران ،وأخذت القيادة الكويتية يف املنفى تطلق الترصحيات
املتتالية يف هذا االجتاه ،ويف أيار/مايو 1993تم تأليف جلنة كويتية إيرانية لتوسيع العالقات
وتعزيزها بني البلدين يف ختام زيارة قام هبا وزير اخلارجية اإليراين ،عيل أكرب واليتي ،إىل الكويت ،ويف التاسع والعرشين من آذار/مارس 1994وقعت بمدينة الكويت اتفاقية ثنائية بشأن املالحة البحرية والتجارية هبدف تطوير التبادل التجاري بني البلدين . (5
ويف طهران بتاريخ اخلامس عرش من كانون األول/ديسمرب 1995تم توقيع اتفاقية
اقتصادية بني الكويت وإيران ،هتدف إىل تنمية العالقات التجارية بينهام عىل أساس املساواة
وعدم التمييز واملحافظة عىل املصالح املتبادلة ،وقد اشتملت هذه االتفاقية عىل سبع عرشة
مادة تؤكد ،من بني أمور أخرى ،ما ييل : (5
تبادل البضائع والسلع واخلدمات بني الطرفني املتعاقدين. تسهيل حركة مرور البضائع (الرتانزيت) بني البلدين. « (5البيان اخلتامي( »،املجلس األعىل ،الدورة احلادية عرشة ،الدوحة 25-22 ،كانون األول/ديسمرب .)1990 (5مرهون ،املصدر نفسه ،ص .236
(5هناد تقي« ،واقع التبادل التجاري بني الكويت وإيران »،ورقة قدمت إىل :نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران :املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري 2 ،ج (الكويت :جامعة الكويت، مركز دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ،)2000 ،ج ،2ص .171 مركز اخلليج لألبحاث
193
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
-تسهيل وتشجيع اهليئات واملؤسسات والرشكات يف كل منهام عىل املشاركة يف
املعارض الدولية التي تقام فيهام.
-تشكيل جلنة مشرتكة تتكون من ممثلني عن الطرفني املتعاقدين ،وختتص هذه اللجنة
بتسوية املشكالت التي قد تنشأ أثناء تنفيذ االتفاقية.
-تشكيل حمكمة حتكيم حيال إليها املوضوعات كلها التي تنشأ ذات العالقة بتفسري
وتطبيق االتفاقية يف حال عدم إمكانية اللجنة املشرتكة التوصل إىل حل هلا. -يمكن ملحكمة العدل الدولية أن تكون طرف ًا يف هذا االتفاق.
-حتل هذه االتفاقية حمل االتفاق التجاري املوقع بني البلدين يف السادس من ترشين
الثاين/نوفمرب .1968
أما عىل صعيد العالقات بني إيران وقطر ،فهي -عىل حد تعبري وزير اخلارجية اإليراين،
عيل واليتي ،خالل زيارته للدوحة يف متوز/يوليو « - 1995عالقات ممتازة» ،ويمكن أن تكون «نموذج ًا جيـد ًا للدول اإلقليمية األخرى يف اخلليج» ،فقد عقد البلدان اتفاقني ،أحدمها ملد مياه الرشب من إيران إىل قطر ،والثاين يتعلق باستثامر مشرتك للثروة الغازية يف اجلرف
القاري بني البلدين . (5
أما اإلمارات ،فعىل الرغم من أن مشكلة اجلزر الثالث املحتلة من قبل إيران متثل عام ً ال رصاعي ًا يف العالقات بني البلدين ،فإن العالقات اإلماراتية -اإليرانية تقدم نموذج ًا خاص ًا للتعاون املشرتك يف املجاالت االقتصادية والتجارية ،وحجم التبادل التجاري بني البلدين
يتصدر حجم التبادل التجاري بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران .وهذا التبادل يرتكز أساس ًا بني إمارة ديب وإيران ،حيث إن ربع واردات إيران تأيت عرب مرفأ ديب بحكم وجود مناطق حرة وطاقات كبرية للتخزين ،وال سيام يف منطقة جبل عيل ،وبالتايل فإن أغلب صادرات ديب إىل إيران هي يف الواقع عمليات إعادة تصدير .وقد يعود ذلك أيض ًا إىل أن إمارة ديب تطبق
رسوم ًا مجركية تقل عن الرسوم املطبقة عىل مستوى جملس التعاون اخلليجي . (6 (5مرهون ،املصدر نفسه ،ص .236
(6مصطفى عبد العزيز مريس« ،االستقرار األمني واسرتاتيجيات التنمية وحتديات التعاون االقتصادي بني ضفتي اخلليج »،ورقة قدمت إىل :نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران :املستجدات 194
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
شهدت العالقات التجارية بني ديب ومجهورية إيران اإلسالمية قفزات كبرية خالل
السنوات اخلمس التالية عىل حترير الكويت ،يف ظل االستقرار السيايس الذي ساد منطقة اخلليج .وباستطاعة ديب أن تؤدي دور ًا مميز ًا باعتبارها منفذ ًا ممتاز ًا للصادرات اإليرانية غري النفطية إىل األسواق العاملية يف ظل تزايد جتارة إعادة التصدير من ديب.
كذلك نمت العالقات االقتصادية بني إيران وكل من أبو ظبي والشارقة ،حيث جاءت إيران
يف مقدمة الدول اآلسيوية التي أعادت إليها أبو ظبي التصدير عام 1991بإمجايل مبلغ 20.5 مليون درهم؛ أي ما يعادل 19يف املئة من جتارة إعادة صادرات اإلمارة إىل الدول اآلسيوية.
كام تطورت العالقات التجارية بني إيران وإمارة الشارقة خالل عهد رفسنجاين ،فقد
بلغ إمجايل قيمة التجارة بني إيران وإمارة الشارقة عام 1994نحو 276.78مليون درهم،
وعام 1995نحو 191.86مليون درهم.
وجدير بالذكر أن امليزان التجاري للعالقة بني إيران ودولة اإلمارات العربية املتحدة يميل دائ ًام ملصلحة اإلمارات ،بام يعني أن املصلحة االقتصادية لإلمارات تقتيض تطوير عالقاهتا االقتصادية والتجارية مع إيران . (6
لقد حققت اإلمارات فائض ًا يف ميزاهنا التجاري مع إيران خالل األعوام ،1989
،1993 ،1992 ،1991 ،1990بنحو 834مليون دوالر 790 ،مليون دوالر 992 ،مليون دوالر 1118 ،مليون دوالر 711 ،مليون دوالر عىل التوايل . (6
إذ ًا ،شهدت العالقات التعاونية بني إيران ودول جملس التعاون اخلليجي تطور ًا ملحوظ ًا
خالل فرتة اجلمهورية اإليرانية الثانية عىل األصعدة السياسية واالقتصادية والتجارية كافة ،بل والثقافية ،مقابلة بنظريهتا خالل فرتة اجلمهورية األوىل .غري أن فرتة توافق املصالح اإليرانية اخلليجية هذه مل تستمر طوي ً ال؛ إذ مل يلبث أن عاد التوتر من جديد نتيجة عوامل عدةُّ ، أمهها:
اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري ،ص .47
(6خالد حممد أمحد املال« ،السياسة اخلارجية لدولة اإلمارات العربية املتحدة جتاه إيران خالل الفرتة -1971 ( »،1992رسالة ماجستري ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد ،)1998 ،ص .224 -222 (6مريس ،املصدر نفسه ،ص .146
مركز اخلليج لألبحاث
195
الفصل اخلامس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثانية ()1997 -1989
-مسألة الرتتيبات األمنية يف اخلليج ،حيث أخذت إيران تؤكد رضورة إجياد حتالف
بينها وبني دول اخلليج فقط ،ومن ثم رفضت كل املعاهدات الدفاعية الثنائية التي عقدهتا تلك الدول مع عدد من الدول الغربية ،وكذلك رفضت مشاركة أي عنارص خارجية يف ترتيبات
أمن اخلليج ،حتى ولو كانت تلك العنارص عربية ،ومن ثم رفضت إعالن دمشق املوقع يف آذار/مارس 1991بني مرص وسوريا وبني دول املجلس الست ،بل إن إيران قد اهتمت دول اخلليج الست عىل لسان أحد مسؤوليها بأهنا قد أعدت عىل عجل إعالن دمشق حول األمن اإلقليمي ،وأن مرص وسوريا ليستا من الدول املطلة عىل اخلليج ،وأن لدى كل منهام مشكالهتا اخلاصة ،ومن ثم يصعب عليهام القيام بدور يف اخلليج بام يف ذلك مسائل األمن . (6
املوقف اإليراين املتشدِّ د من مسألة اجلزر اإلماراتية الثالث املحتلة منذ عام ،1971حيث جتدَّ د موضوع النزاع بقوة يف عام 1992نتيجة اإلجراءات التعسفية التي اختذهتا السلطات اإليرانية يف جزيرة أبو موسى ،والتحرش بالعائالت اإلماراتية واملدرسني املقيمني عىل تلك اجلزيرة ،وفتح مطار يف اجلزيرة ،ونصب منصات صواريخ فوقها ،والتعدِّ ي عىل اجلزء الذي خيضع لسلطة دولة اإلمارات من اجلزيرة ،منتهكة بذلك بنود مذكرة التفاهم اخلاصة بجزيرة أبو موسى املعقودة بني إيران وإمارة الشارقة عام ،1971األمر الذي دفع دولة اإلمارات إىل دعوة إيران إىل التخليَّ عن اإلجراءات التعسفية التي اختذهتا يف اجلزيرة ،ودعت إىل عرض األمر عىل حمكمة العدل الدولية للفصل فيه ،بعد فشل املفاوضات الثنائية نتيجة تعسف اجلانب اإليراين وإرصاره عىل تبعية اجلزر إليران .وقد دعمت الدول اخلليجية اإلمارات سواء بشكل فردي أم من خالل املجلس ،وهذا ما كان له أثره السلبي يف تطور العالقات اإليرانية -اخلليجية.
(6لقاء بشاريت مع جريدة طهران تايمز نرشته يف ،1991/6/25يف :املوجز عن إيران ،العدد ( 12نيسان/ أبريل ،)1991ص .9 196
مركز اخلليج لألبحاث
الف�صل ال�ساد�س ال�سيا�سة ا إليرانية خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 - 1997
يتناول هذا الفصل بالدراسة والتحليل سياسة اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية الثالثة جتاه
دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية خالل الفرتة من 1997وحتى ،2000من خالل مخسة حماور رئيسة ،وذلك يف مخسة مباحث ،عىل النحو التايل:
أو ًال :األيديولوجيا اإليرانية مثَّل صعود الرئيس حممد خامتي إىل السلطة عام ،1997اللمسة األخرية يف تأليف الوجه
اإلصالحي عىل الساحة السياسية اإليرانية .ومنذ ذلك التاريخ فرضت ثنائية (اإلصالحيني
– املحافظني) نفسها بشكل حاسم عىل معظم التحليالت التي تتناول الشأن اإليراين ،سواء أكان عىل املستوى الداخيل أم حتى يف جمال العالقات اخلارجية هلذه الدولة الكبرية.
وسوف يسجل التاريخ خلامتي أنه قاد ما يشبه ثورة جديدة يف اجلمهورية اإلسالمية، يمكن اعتبارها تصحيح ًا ملسار الثورة األصلية ،ونق ً ال هلا من مرحلة إىل أخرى ،بعد أن كادت
إيران تغرق يف مرحلة ما يسمى «االستنفار الثوري» التي عادة ما تعقب أي ثورة مجاهريية بحجم الثورة اإليرانية .1979وكان من سامت تلك املرحلة اجلديدة أهنا خت َّلت عن اخلطاب الثوري املتشدِّ د ،وقناعات تصدير الثورة إىل دول اجلوار ،مقابل رفع شعارات أخرى تتعلق برضورة التعايش السلمي ،ونبذ االنكفاء عىل الذات ،وترميم جدار العالقة مع اآلخر ،فض ً ال
عن دعم وتقوية املسحة الديمقراطية التي ميزت النظام اإلسالمي الذي جاءت به الثورة والذي يرد األمر إىل الشعب اإليراين يف أكثر من قضية ليقرر مصري بالده بنفسه من خالل
االنتخابات النزهية التي اشتهرت هبا اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية. 198
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
جاء خامتي يف أيار/مايو 1997بصفته ثمرة للتفاعل بني التيارات السياسية املختلفة يف إيران ،وبات حمك احلكم عليه مرهون ًا بنجاحه يف صهر تلك التيارات يف بوتقة النظام السيايس
اإليراين عىل نحو حيقق اإلمجاع الذي ينتقل بإيران من الثورة إىل الرشعية الدستورية ،وإعطاء مصداقية خلطابه السيايس اخلارجي بنقله من تعبري عن رؤية زعيم إىل تعبري عن إرادة شعبية
إيرانية .
ومنذ وصول خامتي إىل السلطة عام ،1997والتيار اإلصالحي الذي يقوده ينتقل من
نرص مجاهريي إىل آخر ،حتى صار يعرف بأنه التيار الشعبي ،ال سيام بعد أن منحته اجلامهري اإليرانية -وبخاصة الشباب الذين يمثلون أكثر من نصف الشعب اإليراين -ثقتها يف
االنتخابات الترشيعية يف شباط/فرباير 2000من خالل أكثر من 70يف املئة من أصوات
الناخبني.
ح َّقق اإلصالحيون فوز ًا كاسح ًا يف االنتخابات الربملانية اإليرانية التي ُأجريت
دورهتا األوىل يوم اجلمعة يف الثامن عرش من شباط/فرباير ،2000وجاءت النتائج األولية
لالنتخابات يف طهران بمنزلة «الصاعقة»؛ حيث استحوذ التيار اإلصالحي عىل معظم املقاعد
الثالثني ،بإحراز النسبة املطلوبة للفوز منذ الدورة األوىل وهي 25يف املئة ،ناهلا ستة وعرشون مرشح ًا إصالحي ًا ،عىل رأسهم رضا خامتي شقيق الرئيس اإليراين الذي حصل عىل 56.43 يف املئة من األصوات ،فيام حصل الرئيس السابق هاشمي رفسنجاين عىل 33.88يف املئة من األصوات ،األمر الذي يعني أنه سينتقل إىل الدورة الثانية.
جاءت النتيجة األولية بعد فرز 472945صوت ًا ،توزَّ عت عىل 652صندوق اقرتاع من أصل 3111صندوق ًا يف طهران .وإذا كان فوز اإلصالحيني مدوي ًا يف العاصمة طهران ،فإن
وضعهم يف املحافظات كان جيد ًا جد ًا ،إذ حصلوا عىل األغلبية املطلقة من جمموع عدد مقاعد الربملان اجلديد ،وحصدوا 153من أصل 290مقعد ًا ،والنسبة هنا تصل إىل 79يف املئة من عدد األصوات املشاركة .
السيد عمر« ،السياسة اخلارجية اإليرانية يف ظل حكم الرئيس خامتي :اإلدراك والواقع »،شؤون خليجية، السنة ،3العدد ( 25ربيع ،)2001ص .28 عبد العاطي حممد« ،ماذا بعد االنتخابات اإليرانية؟ »،األهرام (مرص).2000/2/23 ،
مركز اخلليج لألبحاث
199
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
ومتت اإلعادة يف أواخر شهر نيسان/أبريل ،2000وذلك يف نحو أربعني دائرة ،فشل
فيها أي من املرشحني يف الفوز بنسبة تتجاوز 25يف املئة من األصوات ،وانتهت اجلولة الثانية من االنتخابات ليحصد اإلصالحيون 36مقعد ًا إضافي ًا ،فوصل عدد مقاعدهم يف الربملان اجلديد إىل 189مقعد ًا من أصل 290مقعد ًا.
تكونت األغلبية يف الربملان اجلديد من اإلصالحيني ،وال شك يف أن هذه ومن ثمّ ،
النتائج ذات دالئل سيكون هلا تداعياهتا عىل السياسة اإليرانية الداخلية واخلارجية.
وإذا نظرنا إىل طبيعة املجلس السابق ،نجد أن املحافظني كانوا يتحكمون فيه ،وكانت نسبة توزيع املقاعد هي مئة وعرشون مقعد ًا «أغلبية» للمحافظني ،وثامنون مقعد ًا لإلصالحيني،
وسبعون مقعد ًا للمستقلني ،والتغيري الذي شهدته االنتخابات اجلديدة انتقال األغلبية الكاسح إىل جبهة اإلصالح .ومل تنخفض نسبة مقاعد املحافظني إىل املركز الثاين فحسب ،بل إىل املركز الثالث ،حيث احتل املستقلون عدد ًا أكرب من املقاعد. بدا أن هناك ترحيب ًا عربي ًا وخليجي ًا ودولي ًا بنتائج االنتخابات اإليرانية ،وفوز اإلصالحيني
فيها ،حيث رأت العديد من األوساط الرسمية يف العامل العريب وأوروبا والواليات املتحدة ،أن هذه االنتخابات تُعد فاحتة لصفحة جديدة يف عالقات إيران بالعامل اخلارجي .وجاءت ردود الفعل املختلفة ،عربي ًا وخليجي ًا ،ودولي ًا ،مرحبة بنتائج االنتخابات اإليرانية ،معتربة أن فوز اإلصالحيني سيكون بداية عرص جديد لعالقات إيران اخلارجية.
أعربت دول جملس التعاون اخلليجي عن ارتياحها لنتائج االنتخابات ،معتربة فوز
اإلصالحيني خطوة كبرية يف اجتاه تعزيز العالقات اإليرانية -اخلليجية .وتوقعت أوساط
خليجية عديدة أن يؤ ِّدي هذا الفوز الكبري لإلصالحيني إىل املسامهة يف حل مشكلة اجلزر املتنازع عليها بني إيران ودولة اإلمارات العربية املتحدة.
هكذا ،مل تعد السياسة اخلارجية للدول جمرد انعكاس أو تعبري عن أوضاعها وسياساهتا الداخلية فقط عىل نحو ما كان شائع ًا يف املايض ،بل باتت تعبرِّ أيض ًا عن جممل التفاعالت التي حتدث يف البيئة اإلقليمية التي تنتمي إىل اإلقليم ذاته .وحدوث تغري حاد يف النظام السيايس
احلاكم يف إحدى الدول بشكل يغيرِّ من توجهاته األيديولوجية وخياراته السياسية ،سوف 200
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
يؤثر حت ًام يف أنامط عالقات هذه الدولة يف ظل نظامها احلاكم اجلديد مع الدول املجاورة ،سواء أكان بالتعاون أم الرصاع ،وقد يمتد التأثري إىل إحداث تغيري يف بعض السياسات الداخلية، بل ويف بنود امليزانية العامة ،وربام يمتد التأثري إىل سياساهتا اإلعالمية وبراجمها الثقافية وأنامط
حتالفاهتا اإلقليمية والدولية.
دالالت فوز التيار اإلصالحي
يشري الفوز الكبري الذي ح َّققه اجلناح اإلصالحي يف االنتخابات اإليرانية إىل دالالت
عدَّ ة غاية يف األمهية :
-1يشري هذا الفوز إىل مكانة املطلب اإلصالحي يف املجتمع األهيل اإليراين ،وهو
مطلب مل تتمكن قوى اجلمود من ردعه باالغتياالت واملحاكامت ،وال من هتميشه بوصفه يسار ًا متطرف ًا ،وال من نزع رشعيته بوصفه امتداد ًا للنفوذ الثقايف الغريب. ُ -2يعد هذا الفوز تكريس ًا للرشعية الشعبية التي جاءت بالرئيس خامتي إىل السلطة يف
عام ،1997حيث كان خامتي بحاجة إىل جتنب الفشل يف هذه االنتخابات ليثبت أن شعبيته الواسعة ما زالت حقيقية ،وليعزِّ ز موقعه ممث ً ال أوحد للتيار اإلصالحي ،مقابل طموحات
سلفه املتجددة ،وليضع حد ًا لعرقلة إصالحاته من قبل جملس بقي حتت سيطرة املحافظني خالل السنتني املاضيتني ،وليحسن موقعه يف املعركة الرئاسية لوالية ثانية ،وهو ما حتقق
بالفعل يف العام .2001
-3يشري الفوز الذي حصل عليه اإلصالحيون إىل أن الشعب اإليراين راغب يف
التغيري ،وأنه ال بد من إعادة النظر يف النظام من جديد ،من حكم «املاليل» إىل الرشعية املنبثقة
من صندوق االقرتاع .وهذا يعني أن الشعب اإليراين يؤيد التغيري الذي بدأه خامتي ،والذي يشمل كل أوجه احلياة يف إيران ،سياسي ًا وثقافي ًا واقتصادي ًا .وأن هذا الشعب يؤيد اإلصالحات الليربالية التي أدخلها خامتي هبدف إقامة جمتمع مدين.
-4جاءت نتائج االنتخابات الترشيعية اإليرانية األخرية بمنزلة تفويض شعبي كاسح لإلصالحيني اإليرانيني لتصحيح مسرية إيران داخلي ًا وخارجي ًا بعد استقرار العالقات اإليرانية اخلارجية ،األمر الذي ُيعدّ رسالة واضحة للعامل اخلارجي بأن إيران بدأت تصحيح «قراءة يف نتائج االنتخابات الترشيعية اإليرانية »،الدراسات السياسية (اجلزء األول) ( 26شباط/فرباير .)2000 مركز اخلليج لألبحاث
201
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
مسارها عىل املستوى اخلارجي ،وبام يتناسب والقرن اجلديد ،ولتعويض ما فات بغري إرادة من اإلصالحيني ،وأن اإلصالحات املرتقبة من دون هتويل أو هتوين هي بمنزلة استجابة ملشيئة
الشعب اإليراين يف االجتاه اإلصالحي ،وأن تكون إليران قيادة واحدة لتسيري أمور البالد ،عىل الرغم من تأخرها لسنوات طويلة ملدة واحد وعرشين عام ًا التي صاحبت الفرتة املاضية ،سوا ًء عىل املستوى الداخيل أم اخلارجي.
-5تشري نتائج االنتخابات اإليرانية إىل داللة مهمة عىل الصعيد اخلارجي (اإلسالمي)،
فمن حماسن هذه االنتخابات أهنا ترد عىل بقية العامل اإلسالمي الذي ازدحم بأصحاب
األفكار املحافظة ،وأثبتت أن انتشار التطرف يف كثري من الدول اإلسالمية ال يعبرِّ إال عن القلة املتشدِّ دة واملتحمسة للتعبري عن أغلبية الناس التي ال تتفق معها .لقد كانت إيران أرض التطرف والتشدد ،وأصبحت اليوم أرض التنوير والتصالح واإلصالح ،األمر الذي يعني أن الثورة اإليرانية ،بمعناها األصيل ،فقدت زمخها ومل تعد قادرة عىل التعبئة الداخلية ،واتضح أن تطبيق شعاراهتا الرئيسة حيدث تعديالت عىل الوجهة األصلية ،وهو تعديل أكثر اندراج ًا يف املزاج اإلقليمي والدويل.
غري أن املشهد السيايس من خالل هذا العرض ال يزال ناقص ًا ،إذ إن هناك تيار ًا آخر (التيار املحافظ) ال يزال يوجد عىل الساحة بقوة ،بل إن ذلك التيار العتيد يمتلك فعلي ًا مقاليد احلكم احلقيقية والفعلية يف إيران ،املمثلة يف مؤسسات الوالية وجمالس اخلرباء ،وصيانة الدستور، وتشخيص مصلحة النظام وغريها .وبزحزحة التيار املحافظ قلي ً ال باجتاه التيار اإلصالحي،
تكتمل عنارص الصورة السياسية يف إيران ،حيث نجد الرئيس اإليراين املعتدل حممد خامتي، مشفوع ًا بأصوات أكثر من عرشين مليون ناخب إيراين ،يقف عىل رأس تيار إصالحي شعبي جارف حصل عىل مئة وتسعة وثامنني مقعد ًا من مقاعد الربملان البالغ عددها مئتان وتسعون مقعد ًا ،إىل «جوار» عيل خامنئي ،مرشد الثورة اإليرانية ،عىل رأس تيار حمافظ يناضل بكل قوته
للصمود أمام املد اإلصالحي.
بدأ الرصاع القائم بني املحافظني واإلصالحيني يأخذ مظاهر عديدة وخمتلفة ،لعل أمهها ما ييل: -استمرار عملية إغالق الصحف اإلصالحية بواسطة القضاء اإليراين الذي يسيطر
عليه املحافظون ،حيث اهتمت هذه الصحف بالعمل ملصلحة أعداء إيران وضد الثورة 202
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
اإلسالمية ،ومل يقترص هجوم التيار املحافظ عىل الصحف فقط ،بل تم أيض ًا اختاذ العديد من
إجراءات االعتقال واحلبس ضد الصحافيني ورؤساء التحرير املوالني للتيار اإلصالحي. فض ً أقر الربملان السابق قبل انتهاء ال عن ذلك ،ويف إطار الضغوط والتضييق عىل الصحافةَّ ،
واليته قانون املطبوعات الذي سبق أن متت مناقشته ورفضته اهليئة الترشيعية ،وهو قانون يشدِّ د القيود والعقوبات عىل الصحافة إىل حد كبري ،بام يف ذلك منع إعادة إصدار الصحف
حتت مسميات أخرى ،وهي الوسيلة التي كان أنصار التيار اإلصالحي يلجأون إليها كلام
أغلقت هلم صحيفة.
وجه احلرس الثوري حتذير ًا شديد ًا للصحف اإليرانية ويف هذا اإلطار نفسهّ ، لـ»الردة القيمية» ،وبضياع القواعد واألصول يف ممارسة اإلصالحية ،مته ًام إياها بالرتويج َّ
النقد واحلوار ،وقد اكتملت احللقة عندما انتقد املرشد األعىل الصحف اإلصالحية واصف ًا
إياها بأهنا قواعد لتسلل أعداء الثورة .كام إنه رفض التدخل لدى السلطة القضائية إللغـاء األحكـام التي صدرت بإيقاف الصحف ،وذلك بحجـة أن القضـاء «مسـتقل» ،وأنه ال حيق
وال يمكن له وال لرئـيس السلطـة القضـائية نفسـه إلغـاء حكم يتخذه قاض ما .
-تأليف املحافظـني ما يسمى «جلنـة إثـارة األزمـات» ،تلك اللجنـة التي أبلغ
عنـها عيل يونـس ،وزيـر األمـن ،الرئـيس خاتـمي ،والتي كانت قد تألفـت عقـب فـوز اإلصالحيـني يف االنتخابات الربملـانية .وتضم اللجنـة بعض قـادة احلرس الثوري ،ومديـر اإلذاعة والتلفزيـون ،ومديـر صحيفـة كيهـان ،وزعيـم الكتلة املحافظـة يف الربملـان ،وعضـو ًا
بـارز ًا يف جملـس صيـانة الدسـتور .وهتـدف إىل إثـارة الرأي العام ضد اإلصالحيني ،وتعطيل مسرية الديمقراطية واإلصالح ،بغرض إضعاف احلكومة متهيد ًا لعزل الرئيس خامتي . -زعم املحافظون أن هناك «انقالب ًا أبيض» ينوي اإلصالحيون القيام به مع بداية
الوالية الترشيعية اجلديدة ،وأهم أهداف هذا االنقالب ما ييل: -
العمل عىل حل حمكمة رجال الدين ،واحلد من صالحيات املحاكم الثورية.
-
تعديل قانون االنتخابات وإلغاء اإلرشاف االستثنائي ملجلس صيانة الدستور عليها.
االحتاد (اإلمارات).2000/5/10 ، الرشق األوسـط.2000/5/11 ،
مركز اخلليج لألبحاث
203
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
-
تعديل قانون اإلجراءات والصحافة.
-
زيادة الصالحيات التي تتمتع هبا البلديات ،عل ًام أن اإلصالحيني يسيطرون عليها.
احلد من صالحيات املجلس األعىل للثورة الثقافية. العمل عىل تأليف جملس شورى لرسم السياسة اخلارجية. -تعديل قانون اإلرشاف عىل مؤسسة اإلذاعة والتلفزيون ،وفتح الطريق أمام إنشاء
حمطات تلفزيونية خاصة.
يبدو أن املحافظني أرادوا استعداء املرشد األعىل والقوى املحافظة األخرى ضد
اإلصالحيني ،من أجل منعهم من استخدام الربملان يف حتقيق أهدافهم ،وعىل الرغم من أن زعم املحافظني بوجود مثل هذا االنقالب قد يكون مقبو ً ال ،إال أنه بافرتاض تصديق الربملان عىل مثل هذه األمور ،فإن ذلك لن ُيعد دلي ً ال عىل تطبيقها يف الواقع؛ نظر ًا إىل أنه ال بد أن
يصدق جملس صيانة الدستور -يسيطر عليه املحافظون -عىل هذه الترشيعات .ويف حال
نشوب خالف بني الربملان واملجلسُ ،ير ّد األمر إىل جملس تشخيص مصلحة النظام الذي كان يرتأسه رفسنجاين وحيفل بالكثري من العنارص املناوئة لإلصالحيني ،وأخري ًا ،يظل املرشد
األعىل له حق نقض أي ترشيع أو قانون جديد خيالف توجهاته أو ال يرىض عنه.
-حاول التيار املحافظ إلغاء نتائج االنتخابات الترشيعية التي فاز هبا اإلصالحيون،
حيث أعلن جملس صيانة الدستور عن قناعته بعدم صحة االنتخابات ،وبالتايل جيب إلغاؤها
بسبب وجود نوع من املخالفات والتالعب ،وقد كان بمقدور املحافظني مترير هذه اخلطوة نظر ًا إىل حساسية الظروف املحيطة باحلركة السياسية الداخلية ،خصوص ًا بعد اإلجراءات
القضائية اخلاصة بإغالق ست عرشة صحيفة يومية وأسبوعية ،ولوال تدخل املرشد األعىل ليحسم األمر ملصلحة اإلصالحيني لكان املحافظون قد نفذوا ما أرادوا .
واصل املحافظون محلتهم عىل الرئيس خامتي؛ حيث بدأ قادة هذا التيار التخطيطلتغيريه ،واقرتحوا أسامء عدة ،مثل املهندس باهز ومرتىض نبوي وغفوري فرد وعباس بور، وقد حاولت صحف املحافظني الرتويج ملقولة إن أنصار خامتي يفكرون ببديل له ،حيث احلياة.2000/5/20 ، 204
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ظهرت بعض األحداث من اإلصالحيني املتطرفني للبحث عن بديل خلامتي ،بذريعة أنه وراء
ردة قيمية ،وأنه مل يعد يصلح ملرحلة ما بعد الربملان املقبل الذي ينتظر منه ما تشهده البالد من َّ
الناخب اإليراين املزيد من اإلصالحات .ومن جهة أخرى ،فقد اقرتح التيار الليربايل رصاحة تنحي خامتي عن الرئاسة لعدم دعمه احلركة اإلصالحية بصورة جدية ،فض ً ال عن ذلك، َّ حاولت الصحف املحافظة اإلحياء بأن عودة رئيس الوزراء السابق مري حسن موسوي إىل الساحة جاءت يف سياق جتهيزه ملنصب الرئاسة.
-أطلق املحافظون -يف إطار محلتهم عىل خامتي -دعوات وإن كانت عىل استحياء
بإلغاء الرئاسة ،وحتويل النظام من نمط والية الفقيه إىل اخلالفة ،أي أن تدمج الرئاسة والوالية وتصبحان من صالحيات شخص واحد هو اخلليفة اإلسالمي .هذا الطرح مل يكن أمر ًا جديد ًا
ألن أصحابه يف مجعية املؤتلفة اإلسالمية (املحافظة) تب ّنوه يف أدبياهتم حتى قبل انتخابات الرئاسة التي جاءت بخامتي إىل سدَّ ة احلكم ،لكن املثري أنه أخذ يظهر عىل السطح حتى بعد إعالن املرشد األعىل تأييده الكامل لإلصالحات التي يقودها الرئيس ولشخص خامتي نفسه .
يتهم املحافظون خامتي بالفشل يف املجال االقتصادي ،فعىل الرغم من أن خامتي قدتس َّلم تركة اقتصادية ثقيلة ،إال أنه مل حياول خالل فرتة حكمه أن يفعل شيئ ًا ،فهو قد تعهد بتنفيذ برنامج التخصيص ،ومل يقرتح أي إجراءات مهمة لتحقيق ذلك .كام يشري املحافظون إىل أن
متوسط إمجايل الدخل للشخص يف ايران أقل من نصف ما كان عليه يف عام .1977ويعيش نصف الشعب اإليراين حتت خط الفقر .باإلضافة إىل ذلك ،حتتاج إيران إىل توفري مليون فرصة
عمل جديدة حلل مشكلة البطالة ،إال أن املتوافر الفعيل 130ألف فرصة فقط .كذلك يؤكد خصوم خامتي أن إيران قد ح َّققت معدالت نمو سالبة خالل العامني األولني من فرتة رئاسته . واملدقق ألحداث هذا الرصاع القائم يف إيران يمكن أن يتبني أنه يتميز بخصائص عدة: -إن هذا الرصاع يدور ضمن األسس القانونية والدستورية للنظام السيايس .وهو
رصاع منضبط عىل الرغم من اختالف التفسريات حول طبيعة هذه األسس بني هذين
التيارين ،فهناك اتفاق عىل جمموعة القواعد األساسية للعبة السياسية يف البالد. الوسـط ( 22أيار/مايو .)2000
الرشق األوسـط.2000/5/26 ، مركز اخلليج لألبحاث
205
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
تأكيد األطراف أن هذا الرصاع ال هيدف إىل تصفية أي طرف ،وإنام وقف جتاوزاته،فكل طرف يملك من األدوات ما جيعله قوي ًا يف مواجهة اآلخر ،وبالتايل يصعب عىل أي منهام
التخ ّلص من منافسه.
اعتامد الرصاع عىل وسائل مهمة يف املجتمع اإليراين؛ ممثلة يف الصحافة ،األمر الذييعكس اعرتاف ًا ضمني ًا بام هلذه الوسيلة -الصحف -من نفوذ وتأثري .هذا عىل الرغم من إمكانية انحراف بعض األطراف عن هذه الوسائل ،حيث محلت وسائل اإلعالم يف الثالثني
من أيار/مايو 2000أنباء عن إحباط حماولة الغتيال الرئيس خامتي عىل يد أحد حراسه الذي ُوصف بأنه من املحافظني ،وهو ما كشف عنه أمحد توكيل ،النارش البارز يف صحيفة بيان اإليرانية ،إال أن توكيل مل حيدِّ د متى أحبطت أجهزة خمابرات احلرس الثوري تلك املحاولة، مكتفي ًا بالقول :إن املخابرات اعتقلت هذا احلارس بعد أن طلب مشورة أحد رجال الدين املحافظني يف هذا الشأن ،فقام رجل الدين بإبالغ أجهزة األمن ،وعىل الرغم من أن ذلك قد
يكون لدوافع سياسية تتمثل يف الضغط عىل خامتي من قبل املحافظني للتجاوب مع مطالبهم، فإن ذلك احلادث ال يعدو كونه حادث ًا فردي ًا وليس اجتاه ًا عام ًا. كان للقضاء دور واضح يف هذا الرصاع؛ حيث قام بإغالق العديد من الصحفواملجالت اإلصالحية ،فض ً ال عن حماكمة بعض رموز التيار اإلصالحي الذين يشغلون
مناصب رؤساء حترير لبعض الصحف.
-تأكيد خامنئي الذي يمثل أعىل سلطة يف البالد أن الرصاع يدور يف إطار اتفاق عام؛
أي أن االختالف يف الفروع وليس يف األصل .عىل الرغم من استمرار الرصاع بني التيار
اإلصالحي والتيار املحافظ واشتداد حدَّ ة هذا الرصاع ومتثله يف مظاهر خمتلفة ومتعددة ،وعىل
الرغم من حماوالت املحافظني تضييق اخلناق عىل اإلصالحيني ،فإن األخريين قد استطاعوا حتقيق نجاحات عدة مهمة ،أبرزها ما ييل:
-نجاح اإلصالحيني يف جملس الشورى السابق الذي كان يسيطر عليه املحافظون
يف عرقلة إصدار قانون عاجل جديد يقيض بوضع وزارة االستخبارات حتت إرشاف «جهاز أمني» جديد .وقد استطاع أنصار التيار اإلصالحي يف الربملان سحب مرشوع القانون من جدول أعامل املجلس بعد إلغاء صفة «االستعجال» عنه ،عىل أن يناقش خالل الدورة الربملانية
206
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
اجلديدة .وجدير بالذكر أن املحافظني كانوا هيدفون من وراء هذا القانون إىل حترير وزارة
االستخبارات من سيطرة احلكومة.
نجاح اإلصالحيني يف اجتذاب تأييد بعض رجال الدين؛ حيث أعلن مئتان من علامءالدين يف «قم» تأييدهم للرئيس خامتي وبرناجمه اإلصالحي ،وأدانوا إغالق بعض الصحف اإلصالحية .ويعكس هذا األمر مؤرشات عىل وجود رشعية دينية لربنامج خامتي موازية وقد ال تقل أمهية عن الرشعية التي حاول املحافظون إضفاءها عىل براجمهم ،وقد تساهم هذه الرشعية املوازية يف تفعيل قواعد املجتمع املدين ويف تشجيع تيار اإلصالح عىل التقاط أنفاسه والدفع بأجندته بشكل أكثر حس ًام يف الربملان اجلديد . نجاح اإلصالحيني يف اكتساب تأييد املرشد األعىل يف بعض القضايا املتنازع عليها،وأمهها قضية إعالن نتائج انتخابات مدينة طهران التي حاول املحافظون إلغاءها؛ حيث فاز أنصار اإلصالح بستة وعرشين مقعد ًا من مقاعد طهران الثالثني بعدما صادق جملس صيانة الدستور (تيار حمافظ) عىل فوز ثامنية وعرشين مرشح ًا ،مع إجراء انتخابات تكميلية عىل املقعدين الباقيني بني أربعة مرشحني مجيعهم من اإلصالحيني ،األمر الذي يعني أن جمموع ما سيحصل عليه اإلصالحيون من مقاعد طهران سيكون ثامنية وعرشين مقعد ًا من أصل ثالثني ،وبذلك يكون التيار اإلصالحي مسيطر ًا عىل 80يف املئة من جمموعة مقاعد الربملان، فض ً ال عن ذلك ،فقد اكتملت سيطرة اإلصالحيني عىل املجلس بعد فوز مهدي كرويب برئاسته يف ظل عدم وجود أي منافس من املحافظني. نجح اإلصالحيون يف كسب قاعدة مجاهريية كبرية ترمجتها االنتخابات الربملانيةالتي جرت يف شباط/فرباير ،2000وتكملتها التي جرت يف شهر نيسان/أبريل من العام نفسه ،إىل نحو مئة وتسعة وثامنني مقعد ًا من إمجايل مقاعد الربملان اإليراين البالغ عددها مئتني وتسعني مقعد ًا. نجح اإلصالحيون كذلك يف التزام خط املعارضة السلمية من دون أن حيسب عليهتصعيد املوقف السيايس عىل اإلطالق ،بل إن اإلصالحيني قابلوا استفزازات كثرية من جانب املحافظني بنوع من اهلدوء الشديد أم ً ال يف أن يتفهم املواطنون تلك األوضاع ،ونأي ًا بأنفسهم عن التورط يف معارك جمهولة العواقب. الوطن (الكويت).2000/5/15 ، مركز اخلليج لألبحاث
207
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
-نجح اإلصالحيون كذلك يف أداء نوع راق من التكتيك السيايس ملواجهة تشدد
املحافظني إزاء عدد من القضايا ،ومن ذلك تراجع اإلصالحيني عن تبني أولوية إقامة حوار مع الواليات املتحدة ،مع َّللني ذلك الرتاجع بالتمهل انتظار ًا ملا سوف تسفر عنه انتخابات
الرئاسة األمريكية يف أعقاب انتهاء والية بيل كلينتون ،من أجل التعامل مع مؤسسة يضمن أن يكتب هلا الثبات ملدة أربع سنوات عىل األقل ،بد ً ال من التعامل مع اإلدارة األمريكية التي كان يرئسها كلينتون وهو يف السنة األخرية من واليته آنذاك.
-كام تراجعوا عن طلب إخضاع املؤسسات الثورية التابعة ملرشد الثورة خامنئي لقدر
من الرقابة ،وسحبوا كذلك مطلب حتول التحقيق يف قضية حماولة اغتيال سعيد حجاريان، نائب رئيس بلدية طهران ذي التوجه اإلصالحي ،لتبقى القضية يف يد املحكمة الثورية.
-وإىل جانب اسرتاتيجية الرتاجع هذه ،مارس اإلصالحيون نوع ًا من املواجهة اهلادئة
حيال قضايا أخرى ،مثل محالت إغالق الصحف؛ حيث اكتفوا -إىل جانب استعدادهم إلصدار صحف جديدة -بإدانتها ،مؤكدين أن االنتقائية يف التعامل مع املطبوعات والسامح
للصوت املتشدِّ د من دون سواه من األصوات من شأهنام أن خيدشا مصداقية النظام اإلسالمي. وكذلك احلال بشأن قضية تعيني رئيس الربملان اجلديد من املحافظني ،عىل الرغم من حيازة اإلصالحيني لألغلبية ،حيث حاول جملس صيانة الدستور الضغط عىل اإلصالحيني يف هذه القضية مقابل إقرار نتائج االنتخابات.
وجاء ختليَّ رئيس اجلمهورية اإليرانية السابق ورئيس جممع تشخيص مصلحة النظام،
هاشمي رفسنجاين ،عن مقعده الربملاين بمنزلة مفاجأة لألوساط اإلصالحية واملحافظة ،غري
أن أثر هذه املفاجأة قد اختلف بني الطرفني ،فاملحافظون أصيبوا بصدمة نتيجة هذا القرار، يف حني اعتربه اإلصالحيون نرص ًا استطاعوا من خالله منع رفنسجاين من دخول الربملان، يعول عليها املحافظون لرئاسة الربملان خصوص ًا أنه كان إحدى الشخصيات التي كان ِّ ولتأليف حمور مضاد للقوى اإلصالحية يف املجلس الترشيعي. وقد أرجع عدد من املح ِّللني قرار رفسنجاين هذا إىل أسباب عدة: إن اإلصالحيني قد ّحذروه من حتدِّ ي أوراق اعتامده بصفته عضو ًا يف الربملان علن ًا،
وطبق ًا للقوانني االنتخابية جيب عىل كل عضو منتخب يف املجلس أن حيصل عىل اعتامد باقي 208
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
األعضاء ،وإذا رفضت أغلبية األعضاء أوراق اعتامد عضو ما فإنه ال يستطيع االنضامم إىل قرر عدم املخاطرة بمعركة قد ال تكون يف مصلحته ،بخاصة املجلس .ويبدو أن رفسنجاين َّ تردد حول دوافع جملس صيانة الدستور إلعادة الفرز املتكرر بالنسبة إىل صناديق يف ضوء ما َّ انتخابات مدينة طهران ،حيث رأى البعض أن هذه الدوافع تكمن يف الرغبة يف حتسني وضع هاشمي رفسنجاين يف قائمة الفائزين حيث كان حيتل املرتبة األخرية ،وهو ما حدث بالفعل؛ حيث أعلن جملس صيانة الدستور أن رفسنجاين قد احتل املركز العرشين من أصل 30عضو ًا
يمثلون مدينة طهران يف الربملان . (1
-يبدو أن رفسنجاين أصبح عىل قناعة بعدم وجود فرصة حقيقية للحصول عىل
منصب رئيس املجلس اجلديد ،حيث كانت الشخصيات اإلصالحية البارزة قد حتدثت عن عدم إمكانية إسناد منصب رئاسة املجلس لرفسنجاين بسبب األصوات املحدودة التي حصل عليها يف االنتخابات الربملانية ،فض ً ال عن موقفه ال َّ المبايل من حماولة اغتيال سعيد حجاريان
وعدم إبرازه التعاطف معه ،وانتقاده املستمر لإلصالحيني ،وبخاصة التيارات اإلصالحية التي كانت حمسوبة عليه مثل «حزب كوادر البناء» الذي يقوده غالم حسني كرباستيش ،عمدة
طهران السابق .فقد انقسم هذا احلزب بشأن رفسنجاين إىل فريقني ،أحدمها يقوده كرباستيش وعطا اهلل مهاجراين ،وزير الثقافة ،والثاين يقوده حممد هاشمي ،شقيق رفسنجاين ،وابنته فائزة. وبعد أن كان احلزب بجميع قياداته قد طرح اسم رفسنجاين لرئاسة الربملان وقرر التنسيق
مع بقية تنظيامت التيار اإلصالحي حول هذا املوضوع ،افتقد فريق كرباستيش -مهاجراين
احلامسة الالزمة لذلك يف أعقاب املواقف املتشدَّ دة التي اختذها هاشمي رفسنجاين ،هلذا رأى البعض عدم جدوى انتقال هذا األخري إىل املرتبة العرشين بسبب عدم وجود من يدعم
ترشيحه لرئاسة املجلس من النواب اإلصالحيني الذين يمثلون األغلبية.
إن احتالل هذا املقعد يعني خسارة منصبه احلايل بصفته رئيس ًا ملجمع تشخيصمصلحة النظام؛ وطبق ًا للقانون ال يمكن لعضو يف املجلس أن حيتفظ بمنصب حكومي يف
الوقت ذاته .ويتمتع رفسنجاين بصفته رئيس ًا ملجلس التشخيص بمميزات مالية كبرية ،كام إن لديه سلطات واسعة بحكم موقعه؛ فيحق له مثال حضور املناسبات الرسمية كلها للدولة، ويمكنه كذلك استقبال الشخصيات األجنبية ،فض ً ال عن سلطته يف إبطاء أو إفشال العديد من (1القبس (الكويت).2000/5/21 ، مركز اخلليج لألبحاث
209
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
برامج الرئيس من دون أن يبدو أنه يتخذ جانب أي من األطراف . (1 -يرى البعض أن رفسنجاين ختىل عن مقعده ألن قيادته ستصبح حمدودة جد ًا ،فهو
يدرك أن أسهمه ستنخفض إذا استمر يف معارضة اإلصالحيني يف الربملان ،كام إنه سيفقد
مصداقيته إذا هادن التيار اإلصالحي ،ولذلك فإنه ربام سيحاول أن يدخل يف رصاع مع اإلصالحيني من خارج الربملان بالنظر إىل ما يمتلكه من قوة ونفوذ .وقد اعترب بعض املحللني
السياسيني اإليرانيني أن قرار رفسنجاين إنام هو إشارة إىل أنه« :قرر اختيار معسكره احلقيقي واالبتعاد عن اإلصالحيني» . (1
أملحت بعض املصادر اإليرانية إىل أن رفسنجاين أبلغ املرشد األعىل بقراره االبتعاد عناملجلس ،ومقابل ذلك عرض عليه خامنئي ضامنات بأنه سيحتفظ بمنصبه رئيس ًا ملجلس تشخيص
النظام ،كام تر َّدد أن املرشد تعهد بمنع اختاذ أي إجراءات لتوجيه اهتامات سياسية إىل رفسنجاين.
وعىل الرغم من النجاحات التي حققها التيار اإلصالحي ،فإن التيار املحافظ هو اآلخر
مل يقف مكتوف األيدي ،وإنام بادر إىل اختاذ عدد من اإلجراءات لتطويق استحقاقات تلك االنتصارات اإلصالحية ،وذلك يف إطار اللعبة السياسية ،ومن ذلك ما ييل : (1
-قيام جملس صيانة الدستور ،الذي يسيطر عليه التيار املحافظ ،باإلعالن عشية
انتهاء االنتخابات التكميلية عن حدوث تزوير كبري يف االقرتاع يفوق نسبة 10يف املئة (النسبة الدستورية إللغاء النتائج) وفق ًا ملا أظهرته عمليات إعادة فرز األصوات ،مشري ًا إىل
ظهور خمالفات يف مخسمئة ومخسة صناديق أعيد فرز األصوات فيها من أصل مخسمئة وسبعة وسبعني صندوق ًا ،أي بنسبة 88يف املئة من جمموعة تلك الصناديق ،وأن نسبة االختالف
بني النتائج التي أعلنتها وزارة الداخلية والنتائج التي أظهرهتا عمليات إعادة الفرز بلغت 10يف املئة وما فوق ذلك بكثري ،األمر الذي كان يعني عملي ًا احتامل إجهاض الفوز الذي
حققه اإلصالحيون يف االنتخابات بشكل كامل عن طريق إمكانية إلغاء النتائج يف أي وقت. (1أمري طاهري« ،ثالثة أسباب وراء امتناع رافسنجاين عن احتالل مقعده النيايب »،الرشق األوسط، .2000/5/27 (1الوطن.2000/5/27 ،
« (1التيار اإلصالحي يف إيران وانتصارات مل يكتب هلا أن تكون حاسمة :قراءة يف املشهد السيايس إليران»، الدراسات السياسية (اجلزء األول) ( 13أيار/مايو .)2000 210
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وهو ما كان يعني بدوره أن الرئيس خامتي سوف يواجه صعوبات حقيقية يف مترير برناجمه اإلصالحي ،خصوص ًا يف شقيه السيايس والثقايف. -برع املحافظون يف استغالل الدعاية املضادة والضغط عىل اإلصالحيني بورقة التشهري
بعدد من وزراء احلكومة يف أكثر من موضع ،متهمني إياهم بالسعي «إلصالحات أمريكية»، ردده املحافظون من احلديث عن لقاء مثري عقد يف ضاحية لواسانات قرب طهران ومن ذلك ما َّ ويف منزل أحد التجار اإليرانيني وحرضه وزير الثقافة واإلرشاد عطا اهلل مهاجراين وأمني عام
حزب كوادر البناء غالم حسني كرباستيش إىل جانب سفراء دول عربية ودول فرنسا وبريطانيا
وأملانيا ،حيث تم يف االجتامع عقد اتفاقات بني مهاجراين وسفراء الدول الغربية من أجل
ترشيح نفسه يف االنتخابات الرئاسية القادمة بوجه خامتي.
ُّ وحضوا الرئيس خامتي ووصفت إحدى صحف املحافظني ذلك اللقاء بأنه «فضيحة «، عىل التحرك كي ال متس تلك الفضيحة احلكومة بأكملها ،خصوص ًا أن وزير اخلارجية ،كامل خرازي ،أعلن عدم اطالعه عىل األمر .غري أن وزارة اخلارجية نفت حضور هؤالء السفراء
األجانب اللقاء.
-أثار املحافظون عاصفة أخرى بوجه حكومة خامتي بسبب مشاركة مندوب إيران
لدى األمم املتحدة ،هادي نجاد حسينيان ،يف مؤمتر عقد أول األسبوع الثاين من أيار/مايو
عام 2000يف جامعة ستانسفورد األمريكية ،وحتدث فيه السيناتور غوردون سميث الذي وردت طالب بدعم مايل للصحف اإلصالحية اإليرانية التي علق القضاء صدورها موقت ًاَّ ، اخلارجية اإليرانية بأن كلمة مندوهبا مل تتطرق إىل العالقة مع الواليات املتحدة ،وإنام مثَّلت ووجهت كذلك نقد ًا ملوقف السيناتور لتخفيف احلرج عرض ًا ملوقف طهران من قضايا عدةّ ،
الذي سببه ترصحيه للتيار اإلصالحي.
-القرارات القضائية املتعلقة بتوقيف الصحف اإلصالحية جاءت يف توقيت يعكس
نوع ًا من املهارة يف استغالل الظروف ،وكذلك التحركات السياسية التي تتسم بالتشدد جتاه التيار اإلصالحي ،حيث جاءت متناغمة مع اخلطاب شديد اللهجة الذي ألقاه مرشد الثورة عيل خامنئي أمام حشد كبري من الشباب اإليراين بطهران يف العرشين من نيسان/أبريل عام
تضمنه من مواقف ،وال سيام أن مرشد الثورة أشار وبرصيح العبارة يف ،2000وملبية ملا َّ مركز اخلليج لألبحاث
211
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
خطابه إىل أنه يوجد يف إيران من اثنتي عرشة إىل مخس عرشة مطبوعة متثل قاعدة لألجانب
ضد النظام.
-وافق الربملان اإليراين املحافظ عىل بحث مرشوع يتعلق بإنشاء جهاز استخبارات
داخل وزارة االستخبارات يتوىل عمليات «األمن املضاد» ،ويكون عىل غرار االستخبارات العسكرية يف القوات املسلحة ،ومحل املرشوع صفة «عاجل جد ًا» ،ورأى فيه املحافظون تدعي ًام
للوزارة من الداخل ،واقرتح نواهبم أن تعود إىل املرشد عيل خامنئي سلطة تعيني مسؤول هذا اجلهاز ،واعتربوا أن مرشوع القانون هيدف إىل محاية الوزارة من الداخل لعدم تكرار وتورط فيها عنارص من االستخبارات. االغتياالت التي شهدهتا إيران عام َّ 1998
سوف يسحب هذا املرشوع ،إذا تم إقراره ،البساط من حتت اإلصالحيني عشية توليهم
زمام القرار يف الربملان وإعالهنم العزم عىل مساءلة وزارة االستخبارات ،حيث يقول النواب
املحافظون املوقعون عىل املرشوع إنه ال يمكن ملؤسسات الرقابة العامة (ومنها الربملان) ممارسة رقابة عىل األجهزة احلساسة يف وزارة االستخبارات.
وعىل النقيض مما يبدو من مظاهر للرصاع بني التيارين ،تذهب العديد من التحليالت
والدراسات األخرى إىل اعتبار ما حيدث يف إيران خامتي إنام يعبرِّ عن نموذج تكاميل ناضج أكثر منه نموذج تصارعي بني تيار اإلصالح وجناح املحافظني ،عىل الرغم مما قد يبدو عىل الساحة اإليرانية من أنه يؤيد عكس هذه الرؤية.
وعىل الرغم من مظاهر الرصاع ،هناك العديد من التحليالت التي حاولت توصيف هذا
الرصاع باعتباره يدور بني أجنحة داخل نظام ثيوقراطي خيرج كل َمن خالفه من دائرة اللعبة
يدعم هذا املوقف قول املرشد األعىل :إن «التشكيلني -املحافظني السياسية .واألمر الذي ِّ واإلصالحيني -رضوريان كجناحي عصفور» ،وهو ما يعني أن ك ً ال من املعسكرين يرتبط وحيتاج إىل اآلخر ،فقد كشفت ترصحيات املرشد األعىل خامنئي عن تأييده إلصالحات
الرئيس خامتي؛ حيث أعرب يف أثناء خطبة اجلمعة يف الثاين عرش من أيار/مايو 2000عن
ذلك بقوله« :نحتاج إىل إصالحات ثورية وابتكار وتقدم يعتمد عىل القيم الثورية .الرجعية والركود والصمت ستؤدي إىل جمتمع موهن جامد العقل» .وقد وصف املرشد التيارين املحافظ واإلصالحي بأهنام «رضوريان كجناحي عصفور» ،طالب ًا منهام تبادل التسامح لضامن
212
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
«الثورة» ،إال أنه ّ حذر من أن «األفكار اجلامدة للمتشدِّ دين ستؤدي إىل مجود اجتامعي»، وطالب يف الوقت نفسه اإلصالحيني الليرباليني بأال حيلموا بديمقراطية عىل النمط الغريب يف إيران أو بإصالحات عىل الطريقة األمريكية ،كام أكد خامنئي استمرار مبدأ والية الفقيه
وقدسيته ،بقوله« :طاملا أحيا وأتنفس لن أسمح بتشويه اإلسالم أو قيم الثورة اإلسالمية»، وذلك يف إشارة إىل أحد اخلطوط احلمراء التي ينبغي عدم جتاوزها بأي حال من األحوال.
ويمكن القول إن خامنئي يطمح إىل ممارسة دور من شأنه أن حيقق التوازن بني الطرفني تدخل من أجل إعالن صحة حفاظ ًا عىل استقرار النظام ،وهو ما ظهر بوضوح أكثر عندما ّ نتائج االنتخابات الترشيعية يف طهران ،فقد عكس ذلك رغبته يف هتدئة األزمة السياسية، وحرصه عىل السامح للرئيس خامتي باالستفادة رسمي ًا من األغلبية التي يتمتع هبا أنصاره من اإلصالحيني يف الربملان .وقد َّأكد جمموعة من املح َّللني اإليرانيني مثل اخلبري السيايس األملاين اإليراين األصل ،رشتي ،أن «املرشد الذي يتمتع بصالحيات دستورية أراد أن يظهر أن هزيمة املحافظني ليست هزيمة له» .أما املح َّلل ،خرسو عابدي ،فقد رأى أن خامنئي جعل من نفسه حك ًام ،إنه حامل لواء املحافظني ،لكنه مل يكف عن الدعوة إىل املصاحلة بني التيارين بام أهنام دينيان ،إن ما حياربه هو تسلل العلامنيني إىل صفوف أنصار خامتي ،وال شك يف أن موقف املرشد اإلجيايب من اإلصالح ورغبته يف أن حيقق التوازن بني طريف الرصاع إنام يعني يف النهاية تطور ًا مه ًام بالنسبة إىل خامتي وأنصاره ،وقد دفع ذلك بعض املحللني إىل اعتبار هذا الرصاع نوع ًا من تبادل األدوار داخل الغرفة املرسحية ذاهتا . (1 الرصاع القائم يف إيران هو رصاع يف الفروع وليس يف األصول ،واهلدف واحد لكال
التيارين املحافظ واإلصالحي ،ولكن اخلالف يف وسائل حتقيق هذا اهلدف الذي يتمثل يف احلفاظ
عىل النظام اجلمهوري اإلسالمي ومبادئ الثورة اإلسالمية وقيمها وتنظيامهتا .وهناك توافق يف رؤية كل من الرئيس حممد خامتي -رأس اإلصالحيني -واملرشد األعىل للجمهورية اإلسالمية -عيل خامنئي -رأس املحافظني يف ما يتعلق بعمليات اإلصالح وبالرصاع القائم يف إيران.
ومن اإلشارات التي أطلقها خامنئي للداللة عىل تأييده لإلصالح وأنه يعترب الرصاع القائم رصاع ًا هيدف يف األساس إىل حتقيق مصلحة النظام ،ما دعا إليه يف خطاب ملجلس (1انظر :حسن فحص« ،رسالة خامنئي املفتوحة عىل كل االجتاهات »،احلياة ،2000/5/14 ،وعبد املنعم سعيد« ،ربيع طهران »،األهرام العريب ( 13أيار/مايو .)2000 مركز اخلليج لألبحاث
213
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
الشورى اجلديد؛ حيث طالب اإلصالحيني أن يثبتوا أهنم يف «خدمة اإلسالم» ،وأن ينبذوا «الذين يدعون إىل فكرة فصل السياسة عن الدين» ،كام طالب النواب بـ»التزام الدفاع بال هوادة عن الثورة والنظام اإلسالمي والطريق التي رسمها اإلمام اخلميني» .وباإلضافة إىل
ذلكَّ ، حث خامنئي الربملان عىل العمل عىل مواجهة املشكلة االقتصادية ،وأكد أن «الوظيفة وقيمة العملة الوطنية واألمن وغالء املعيشة هي املوضوعات التي جيب عىل النواب بحثها»،
وهكذا يكشف خامنئي عن رغبته يف إجراء إصالحات اقتصادية واجتامعية ،وأنه يف صف هذه اإلجراءات ،إال أنه ينبغي عدم االقرتاب من أي قضايا سياسية أخرى تثري اجلدل ،وبخاصة
قضية فصل الدين عن الدولة ،أو قضية والية الفقيه ،أو غريها مما يمكن أن يمس مبادئ النظام اجلمهوري اإلسالمي والطريق التي رسمها اخلميني.
جاءت ترصحيات خامتي بشأن اإلصالحات والرصاع القائم يف البالد لتصب يف خانة املرشد األعىل وتلتقي مع ترصحياته ،األمر الذي يعكس اتفاق ًا عام ًا بني الطرفني ،فقد أطلق
خامتي عبارة «اإلصالحات الواقعية» ،مؤكد ًا أن هذه اإلصالحات هي التي تأخذ باحلسبان «احلفاظ عىل دماء الشهداء ،وتعزيز شعار احلرية واالستقالل والنظام اجلمهوري اإلسالمي»،
وبناء عىل ذلك ،فإن من يطالبون بإصالحات تضعف اهلوية الدينية واألصول الثورية بني الشعب يعارضون متام ًا مفهوم اإلصالحات الذي يشدد عليه خامتي ،والذي ينصب عىل اإلصالح االقتصادي واإلداري واملعييش من أجل سد الطريق عىل املفاسد االجتامعية. ويف هذا الشأن يبدو أن خامتي بدأ يفصح عن مقاصد توجهاته اإلصالحية التي ترتكز عىل
اإلصالحات الواقعية -كام سبق -و ُبعده عن كل ما يمس أي إصالحات دينية تنال من سلطة الويل الفقيه ،وقد يكون هذا نوع ًا من هتدئة خماوف املحافظني الذين يرفضون التوجهات اإلصالحية خوف ًا من أن تنال من النظام الديني القائم.
تأكيد ًا هلذا الطرح ،دعا خامتي إىل حتديد الفواصل بني األطراف الداخلية الداعمة
للثورة والنظام اجلمهوري اإلسالمي من جهة ،وتلك الرافضة للدستور أو جلمهورية النظام أو إسالميته من جهة أخرى .ويبدو أن خامتي استهدف هبذه الدعوة ثالث قوى هي :منظمة
جماهدي خلق التي تدعو إىل استبدال النظام القائم ،والتيار الليربايل الداعي إىل فصل الدين عن الدولة وإقامة نظام غري مجهوري ،والتيار الديني املتشدد الداعي إىل إعالن نظام احلكومة
اإلسالمية من دون أي مظاهر أو مؤسسات مجهورية للنظام .وقد أكد خامتي يف دعوته حرصه 214
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
عىل تثبيت «النظام اجلمهوري اإلسالمي» ،وعدم إعطاء أي ذريعة ألي طرف ملهامجته. ومن املالحظ أن هذه الدعوة اخلامتية تالقت مع مواقف خامنئي الذي كان قد دعا إىل تعيني
الفواصل بني الفئات املؤيدة للثورة والفئات املعارضة هلا.
كام طالب خامتي ،يف خطابه أمام جملس الشورى اجلديد ،بمساعدته من أجل إصالح االقتصاد اإليراين املتدهور ،وهو يف هذا األمر قد اتفق أيض ًا مع خامنئي الذي كان قد طالب
بالرتكيز عىل هذا األمر .ويف هذا الشأن أثريت حتليالت كبرية تؤكد أن العالقة بني الرجلني هي عالقة حتالف فعيل -عىل املديني القريب واملتوسط عىل األقل -ولو كان غري معلن.
فخامنئي منقذ خامتي ،ولوال تدخله وتأييده لتمكنت القوى املحافظة املتشددة من اإلطاحة بالرئيس خامتي ،كام إن خامنئي أثبت أنه ليس هبذا االنغالق الذي ربام يفرتضه منصبه ،وأنه
مرت هبا إيران إبان رجل دولة إضافة إىل كونه رجل دين ،وقد برهنت األيام العصيبة التي َّ ثورة الطالب أن هناك مساحة مشرتكة وكبرية من التفاهم بني الرجلني .وعىل اجلانب اآلخر
إن خامتي هو منقذ خامنئي؛ فلوال براعته ومرونته وحرصه عىل التفاهم مع مرشد اجلمهورية
حول جمموعة أمور وقضايا سياسية داخلية وخارجية لكانت إيران قد شهدت ثورة دامية ونوع ًا من احلرب األهلية بني أغلبية من الشباب والنساء تريد التغيري وأق َّلية من رجال الدين املتشدَّ دين تريد املحافظة عىل الوضع القائم.
وعىل هذا يمكن القول إن هناك نوع ًا مما يمكن أن نسميه «تبادل املصلحة أو املنفعة» يف
إطار العالقة بني خامتي وخامنئي ،حيث يستخدم كل طرف اآلخر يف حتقيق بعض أهدافه ،ويف إطار هذه العالقة يعمل خامتي وخامنئي عىل جلم القوى األكثر تشدد ًا وتطرف ًا من معسكر كل منهام ،فخامتي يمنع كل حماولة لتقليص صالحيات الويل الفقيه أو للمس بمرشد اجلمهورية،
وخامنئي يرفض دعوات املتشددين من أنصاره إىل إقالة خامتي ،بل إنه دافع عنه مرات بقوله:
«إن خامتي مسلم مؤمن تقي يعمل عىل هنضة اإلسالم وخدمة الثورة اإلسالمية» ،وإنه «ابن النظام وابن الثورة ،وهو يؤمن بالقيم واملبادئ نفسها التي أؤمن هبا».
وعىل الرغم مما يوجد من خالف ظاهري بني التيارين ،فإهنام ينطلقان من أرضية
مشرتكة وواحدة هي أيديولوجيا الثورة ،ولو كان ذلك بتفسريات خمتلفة؛ فاإلصالحيون يدفعون يف سبيل تفسري أكثر انفتاح ًا لألصول الفكرية للثورة ،ويريدون أن يكون علامء مركز اخلليج لألبحاث
215
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
الدين جزء ًا من النظام وليسوا النظام نفسه ،وأن تعيش إيران عرصها من دون اندماج أو ذوبان يف املنظومة الغربية وإنام يف تعايش معها ،ويدعون إىل إسالم متحرك مرن ال ينغلق عىل نفسه يف غلو وتطرف ،وخيشون عىل الثورة إذا ظل املحافظون هيمشون النساء والشباب
واملثقفني وخيترصون مهوم إيران يف اهلم الديني فقطَّ .أما املحافظون فيعتربون أنفسهم محاة
الثورة ومبدأ والية الفقيه ،ويرون أن من واجبهم الرشعي احلفاظ عىل مكتسباهتم ومنع تسلل «الليرباليني» و»العلامنيني» إىل أجهزة الدولة ،والقضاء عىل أي حماوالت لفصل الدين
عن الدولة.
إذ ًا اخلالف بني التيارين هو يف الفروع وليس يف األصول ،فكالمها يتشبث بثورة 1979
وبمبادئها ،وبالنظام اجلمهوري اإلسالمي ،ويؤمن بعصمة األئمة ،ويفضل اخلليفة عيل بن أيب طالب عىل غريه من اخللفاء الراشدين ،ويتقيد بأحكام الفقه الشيعي .وحتى مع وجود هذا
اخلالف يف الفروع ،فإن ذلك ال يربر القول بوجود حال من االستقطاب السيايس احلاد بني التيارين -كام يرى البعض -وهذه املقولة حتمل نوع ًا من املبالغة واملزايدة السياسية التي تبتعد
عن الواقع امللموس.
إن أغلب القضايا املطروحة عىل جدول أعامل السياسيني ال تشهد هذا االستقطاب ،وال يوجد مث ً ال خالف حقيقي يف املوضوعات االقتصادية؛ فالربملان السابق ذو األغلبية املحافظة مل يرفض إقرار أي ترشيعات اقتصادية تقدمت هبا حكومة خامتي من أجل حترير االقتصاد
وخصخصة املؤسسات احلكومية وتشجيع االستثامرات األجنبية وإقامة مناطق اقتصادية
وجتارية حرة وحترير سعر الريال اإليراين أمام العمالت األجنبية ،وباملثل ال تعترب قضايا مثل حرية إصدار الصحف وإنشاء التنظيامت السياسية واملدنية والتظاهر السلمي دلي ً ال عىل حدة االستقطاب السيايس ،فاملحافظون ال يستطيعون إنكار مبادئ وحقوق وردت يف الدستور،
واخلالف يكمن يف خماوف املحافظني من أن تؤدي هذه احلريات إىل تقويض مبادئ أساسية،
عىل رأسها والية الفقيه . (1
ويرى البعض أن حال االستقطاب السيايس يمكن أن يظهر يف مسألة “والية الفقيه”،
إال أنه جيب التنبيه إىل أن أغلبية التيار اإلصالحي تتمسك بمبدأ الوالية -ولو عىل األقل (1منال لطفي« ،إيران بني رغبة رجل الشارع ورضاء الفقيه »،األهرام.2000/5/25 ، 216
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
يف املديني القريب واملتوسط -وأن من يتعرض هلذه املسألة هم املتطرفون من هذا التيار أو الليرباليني؛ حيث جياهرون بأمهية احلد من مهام املرشد وتقنني سلطاته وإخضاعه للمساءلة
واملحاسبة ،بحيث يتحول إىل مرجعية عليا هلا سلطات روحية ،عىل أساس أن منصبه ليس تفويض ًا سياسي ًا ،بل مكانة دينية. ذلك أنه عىل الرغم مما يدور من مناوشات ومنافسات بني التيارين ،فإن املالحظ أنه إذا جدَّ اجلد فإن هناك نوع ًا من التوحد حيدث يف قيادة التيارين ،وهذا ما ظهر جلي ًا يف أثناء
أحداث العنف التي شهدهتا جامعة طهران يف منتصف العام ،1999عندما تشدَّ د الرئيس خامتي يف هلجته جتاه العنارص التي انتقدت ك ً ال من املرشد عيل خامنئي بشكل رصيح ،ونظام والية الفقيه بشكل ضمني .والرئيس خامتي يف التحليل األخري يعترب أحد الرموز الدينية
اخلارجة من عباءة الثورة اإلسالمية ،وعىل الرغم من طروحاته اإلصالحية العديدة ،إال أهنا
تتحرك وتتقيد بأطر وفلسفة الفكر اإلسالمي.
وبالتايل فإن كل ما حيدث داخل إيران قد ال يعدو كونه نوع ًا من احليوية املجتمعية
التي تصنف يف خانة اإلجيابيات ال السلبيات .أما ما يذهب وراءه البعض من تكهنات بقرب
حدوث تصادمات دموية ،وانقالبات ثورية وعنف ،فإنه قد ال يكون يف جممله أكثر من أسلوب التناول الصحايف للحوادث البسيطة التي ال تسفر يف هناية كل هذا الضجيج سوى عن «زوبعة
يف فنجان» ،أو جمرد «سحابة صيف».
وثمة حتليالت أخرى تؤكد أن ما حيدث يف إيران اليوم ينبغي أال خيضع للتهوين
والتهويل ،وإنام هو عملية خماض صعبة قد تكون طويلة املدى ،وقد تطيح برؤوس عدَّ ة يف
أثناء تأليفها النهائي إىل أن تستقر ،ليبقى عىل اجلار العريب يف النهاية أن يتابع عن كثب تطورات ذلك املخاض عىل اجلانب اآلخر من اخلليج.
وهناك طائفة ثالثة من التحليالت تشري إىل أن ما تشهده إيران حالي ًا من حتركات سياسية
تتخذ العديد من املظاهر ،منها إغالق الصحف املختلفة وإلغاء نتائج االنتخابات أو حماولة
ذلك ،واالغتياالت التي يتعرض هلا بعض ممثيل النخبة اإليرانية ،واملظاهرات الطالبية، وحماكمة بعض رجال الدين ،كل تلك املظاهر ما هي إال ظواهر عىل السطح ،تعكس الرصاع
املحتدم بني تيارين :أحدمها يرى من مصلحته إبقاء األمور كام هي وتفسري احلكم اإلسالمي مركز اخلليج لألبحاث
217
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
كام يعتقد تسيري ًا للمجتمع اإليراين باجتاه رفع بعض املؤسسات فوق املساءلة الشعبية ،وتيار آخر معظم املنتمني إليه من الشباب ،وهو بعيد عن النفوذ املبارش يف املؤسسات القائمة ،وهذا التيار يرى أن من مصلحته التغيري.
وبني هذين التيارين تقف إيران احلالية ،وهو بغري شك موقف ال حيسد عليه جمتمع أو دولة؛ نظر ًا إىل أنه موقف اجتامعي وسيايس مشتِّت للجهود الوطنية عىل أقل تقدير ،وينذر
برصاع عبثي وطويل.
بغض النظر عن هذه التحليالت ،إن التنافس الواضح بني التيارين اإلصالحي واملحافظ
يبدو أن أمده سوف يطول ،عىل الرغم مما أشيع قبل ذلك أكثر من مرة من أنه اجلولة الفاصلة بني
اإلصالحيني واملحافظني .ويرجع ذلك إىل طبيعة الظاهرة السياسية التي ال تعرف الطفرات إال نادر ًا ،إىل جانب تعدُّ د املؤسسات التي يملكها التيار املحافظ ،والتي من خالل تغيريها
ملصلحته يستطيع امتصاص «الفورات» اإلصالحية حتى لو كانت تتمتع بشعبية كبرية ،وإن كان ذلك عىل املدى القريب ،ليبقى الوضع السيايس يف إيران حتى اللحظة الراهنة معرب ًا عن انتصارات متتالية للتيار اإلصالحي ،إال أن أي ًا منها مل يكتب له بعد أن حيرز نرص ًا حاس ًام.
جتدر اإلشارة إىل أن بعض املح َّللني يلفتون إىل أمهية مراقبة الوضع السيايس يف إيران؛ نظر ًا إىل أن أهل احتدام الرصاع بشكل أكثر عنف ًا يف إيران سيجعل من أهل اخلليج من العرب
أكثر املترضرين ،ألن بحر اخلليج الذي يفصل بني الضفتني هو بحر غري متسع ،ومن ثم يمكن
أن تنتقل فوق مياهه شظايا الرصاع الدائر عىل ضفته الرشقية إىل الضفة العربية الغربية ،مؤثرة بشكل مبارش يف ذلك اإلقليم .باإلضافة إىل أن هذا اخلليج هو مكمن ثروات مشرتكة بعضها
مل تنته االتفاقات حوهلا ،بل ال تزال موضع خالفات ،وقد تؤجج هذه اخلالفات قوى داخلية إيرانية ترى االستفادة من موضوع خارجي لرتتيب االصطفاف الداخيل وحسم الرصاع مع ال عن أن حك ًام إسالمي ًا معتد ً اآلخر ،فض ً يقرب الشقة بني ال وحديث ًا يف إيران بمقدوره أن ِّ
العرب واإليرانيني ،وهي شقة كثري ًا ما أججتها املصالح املختلفة .فاللغة العربية اليوم هي
اللغة الثانية يف إيران ،وحتظى املطبوعات العربية بقبول متزايد وكذلك األفكار ،بل إن إيران بوصفها «رديف ًا» لقضايا العرب خري من إيران بوصفها «معادية» لتلك القضايا ،كام كان حيدث يف بعض الفرتات التارخيية السابقة.
218
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
الالفت أن الزيارات املتتابعة التي قام هبا رجال السياسة من دول اخلليج إىل إيران
تنم كلها عن تنامي خطوات والعكس خالل السنوات الثالث األخرية من القرن العرشينّ ، إعادة بناء الثقة بني الطرفني ،إىل درجة أن هذه الزيارات جتاوزت السياسيني إىل أفراد املؤسسة العسكرية ،كام حدث يف زيارة عيل شمخاين ،وزير الدفاع اإليراين ،إىل اململكة العربية السعودية ،وهي خطوة متقدمة يف سلسلة اإلشارات اإلجيابية بني دول جملس التعاون وإيران
عىل حد وصف املراقبني .ولقد ترجم هذا القبول والرتحيب بيان القمة اخلليجية ،الذي أعقب االجتامع التشاوري يف مسقط أواخر شهر نيسان/أبريل ،2000إذ أكد زعامء جملس التعاون
حرصهم عىل إقامة عالقات وثيقة حتكمها الثقة املتبادلة ،وحسن اجلوار واحرتام حقوق الطرفني ،وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية . (1
قد تتعرض هذه العالقة املتنامية النتكاسة إذا استمر الرصاع الداخيل يف إيران ،ال سيام
حتول من رصاع سيايس بقواعد مقبولة متفق عليها إىل رصاع يتجاوز هذه القواعد ،فال جيد إذا َّ قانون ًا حيكمه أو رادع ًا يعيقه .ولكن ليس بوسع دول اخلليج حيال هذا الوضع ،ويف سياق انتهاز فرص التقارب مع إيران سوى الرتقب واالنتظار.
ويف هذا اإلطار طرحت عدة سيناريوهات عدة ملستقبل العالقة بني اإلصالحيني
واملحافظني يف إيران ،واآلثار التي يمكن أن تنعكس عىل دول جملس التعاون اخلليجي من جراء تلك السيناريوهات املطروحة .وأبرز هذه السيناريوهات ما ييل: -
السيناريو األول :هو قيام انقالب داخيل يقوده املحافظون ضد الرئيس خامتي،
وقد ُطرح هذا السيناريو يف ضوء األنباء الواردة عن االستنفارات األمنية التي أعلنتها قوات احلرس الثوري ،وأنباء تأليف قوات طوارئ للتعامل مع األحداث واألوضاع القائمة . (1
إال أنه ليس هناك ما يؤيد حدوث هذا السيناريو بصورة واقعية؛ فموقف قوات احلرس
الثوري يمكن أن يندرج يف املوقف العام للمحافظني الذين يسعون إىل حماربة اإلصالحيني (1عن زيارة وزير الدفاع اإليراين للسعودية وأثرها يف تطوير العالقات بني البلدين ،انظر :جمدي صادق، «زيارة شمخاين للرياض »،الوطن (الكويت) ،2000/4/24 ،ونجاح حممد عيل« ،إيران والسعودية وتطورات عالقاهتام »،الوسط ( 24نيسان/أبريل .)2000 (1رغيد الصلح« ،إيران والسودان :امتحانات صعبة »،احلياة.2000/5/11 ،
مركز اخلليج لألبحاث
219
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
ولكن ليس عن طريق االنقالب واستخدام القوة ،نظر ًا إىل أن اإلصالحات التي ينادي هبا
معسكر أنصار الرئيس خامتي تكتسب املزيد من التأييد ،ليس يف الشارع اإليراين فقط ،وإنام من قبل بعض رجال الدين أيض ًا ،وبالتايل فإن استخدام القوة إلحداث انقالب داخيل يمكن أن يؤدي إىل حال من عدم االستقرار الداخيل ،وهو ما ال يسمح به املرشد األعىل.
-السيناريو الثاين :هو تصدُّ ع معسكر التيار اإلصالحي نتيجة اخلالفات بني أطراف هذا
املعسكر وبخاصة املتطرفني منه والليرباليني الذين ينادون بتخيل خامتي عن الرئاسة والبحث
عن بديل له ،وقد رصدت بعض الصحف اإليرانية بعض مظاهر هذا التصدُّ ع يف ما ييل : (1
-تأكيد أحد أعضاء جممع (روحانيون) عىل أن بعض اإلصالحيني حياول طعن
الرئيس خامتي من اخللف.
-التقاء بعض قادة اإلصالحيني مع سفراء أجانب من دون التنسيق مع وزارة
اخلارجية ،األمر الذي ييسء إىل سمعة املحسوبني عىل حكومة خامتي.
-كان حممد عيل أبطحي ،رئيس ديوان رئاسة اجلمهورية ،قد سافر إىل أملانيا مرات
عدة عشية انعقاد مؤمتر برلني ،وتثري لقاءات أبطحي مع املرشفني عىل املؤمتر الكثري من األسئلة
املبهمة.
-تؤكد بعض التقارير أن اخلارجية اإليرانية من خالل سفارة إيران يف أملانيا متورطة
يف هتيئة الظروف ملشاركة العديد من اإلصالحيني يف مؤمتر برلني.
-اجتامع وزير اإلعالم ،عطا اهلل مهاجراين ،مع سفراء أجانب قد أثار أزمة حقيقية،
وال سيام أنه أبدى للسفراء رغبته يف ترشيح نفسه لرئاسة اجلمهورية يف االنتخابات املقبلة. -
َّادعاء بعض الصحف املحافظة أن سياسة مهاجراين الثابتة إزاء القوى املحافظة
هتدف باألساس إىل حماولة كسب دعم الرأي العام ملصلحته لينافس خامتي يف االنتخابات
املقبلة ،كام َّأكدت هذه الصحف وجود خالفات داخل التيار اإلصالحي ،وأن خامتي مل يعد يصلح لقيادة هذا التيار.
(1سياسات اإليرانية.2000/5/25 ، 220
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
يف حال صحة هذه املظاهر ،إن مثل هذا التصدع لن خيدم اإلصالحيني بقدر ما سيخدم
املحافظني؛ ألن انقسام اإلصالحيني عىل أنفسهم حول بديل خامتي قد يضعف هذا املعسكر،
وبخاصة يف ظل وجود املتطرفني اإلصالحيني والليرباليني الذي ينادون بتغيريات جذرية يف
النظام اإليراين متس مبادئ هذا النظام وقيمه ،وبالتايل فإهنم قد يبحثون عن شخص حيقق هلم هذا األمر ،وهو ما يعني العمل عىل اإلطاحة بخامتي .إال أن هؤالء قد ال حيسبون حساب ًا ملنافس
آخر قد يظهر عىل الساحة وهو الرئيس األسبق هاشمي رفسنجاين الذي ختلىَّ عن مقعده الربملاين منضماًّ إىل املحافظني ،وقد وصفت ابنته فائزة الرئيس خامتي بأنه «غورباتشوف إيران» ،يف إشارة إىل أن خامتي سيقود البالد إىل التفكك ،وأن طموحات والدها رفسنجاين هي أن يصبح «دينغ
شياو بنغ» إيران؛ بمعنى أن يقوم بشن هجوم مضاد عىل اإلصالحيني ،األمر الذي يعني يف النهاية أن رفسنجاين قد يرتشح مرة أخرى لالنتخابات املقبلة معترب ًا نفسه -كام قال عنه أصدقاؤه -
الشخص القادر عىل القضاء عىل «الفوىض السياسية» وإعادة االقتصاد إىل مساره الصحيح .إال أن هذا السيناريو صعب احلدوث يف ضوء توتر العالقة بني رفسنجاين واإلصالحيني ،فض ً ال عن
تدين شعبيته ،وهو ما ظهر بوضوح من نتائج انتخابات مدينة طهران.
-السيناريو الثالث :هو استمرار الرئيس خامتي قائد ًا للمعسكر اإلصالحي ولعملية
اإلصالح ،وهو سيناريو ُيعدّ أقرب إىل احلدوث من سابقيه ،حيث يتمتع خامتي بتأييد شعبي واضح ،فض ً ال عن متتعه بتأييد معظم أنصار التيار اإلصالحي ما عدا املتطرفني والليرباليني، يكونان مع ًا عالقة حتالف غري وباإلضافة إىل ذلك ،إنه ينال تأييد املرشد األعىل؛ حيث ّ معلن ،وهو ما يتيح له االستمرار يف السلطة ،خصوص ًا إذا نجح يف حتقيق بعض النجاحات االقتصادية ،ما يعني استمرار عجلة اإلصالحات يف إيران.
وأخري ًا ،بالنسبة إىل انعكاس األحداث الداخلية يف إيران عىل دول جملس التعاون اخلليجي ،جيب القول إن هذه الدول هي األقرب إىل إيران واألكثر تأثر ًا وترقب ًا ملا حيدث؛ نظر ًا
إىل طبيعة العالقات املتوترة عىل مدار الثالثني عام ًا املاضية منذ استقالل هذه الدول.
وبصفة عامة ،إن السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول اجلوار اخلليجية قد تبلورت مالحمها يف عهد خامتي يف توجهني رئيسني ،أول هذه التوجهات :رضورة فتح صفحة عالقات جديدة وإسدال الستار عىل ملف املايض امليلء بالشكوك املتبادلة ،واالهتامم باملستقبل وعدم النظر إىل الوراء ،وثانيها :هو االقتناع بوجود حال من النضج والوعي الكاملني باألوضاع مركز اخلليج لألبحاث
221
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
اإلقليمية ،ورضورة قيام تعاون إيراين خليجي ،خصوص ًا مع اململكة العربية السعودية .ومن املتوقع أن تستمر العالقات والتوجهات االنفتاحية بني إيران ودول جملس التعاون اخلليجي يف ضوء استمرار اإلصالحيني يف احلكم وعىل رأسهم الرئيس خامتي .ولعل الطرف األهم يف تأكيد هذه التوجهات هو املرشد األعىل الذي يملك سلطة وضع توجهات السياسة اخلارجية، ويبدو أنه مقتنع متام ًا باالنفتاح اإليراين عىل دول اخلليج ،وما دام أن هذا االنفتاح ال يتجاوز اخلطوط احلمراء التي يضعها ،وبالتايل فإن استمرار اإلصالحيني يف ظل تقارب وحتالف مع املرشد يعني استمرار حتسني وتدعيم العالقات بني إيران والدول اخلليجية املجاورة. ومن املالحظ أن كل حماوالت الرئيس خامتي قد توقفت -وستظل كذلك إىل وقت غري قصري -عند حدود التعبري اإلعالمي وإظهار النوايا الطيبة ،من دون الدخول يف أطر جديدة للتغيري عىل أرض الواقع ،ويرجع ذلك يف األساس إىل عدم قدرته عىل فعل ذلك إال بإذن من املرشد ،وهو ما يتضح عند النظر إىل القضايا اخلالفية الشائكة بني إيران ودول اخلليج .وعىل رأس تلك القضايا قضية جزر اإلمارات الثالث التي احتلتها إيران عام .1971ويف هذا السياق جيب التأكيد أنه يف مثل هذه القضايا احلساسة ال يوجد فارق بني حمافظ وإصالحي، اجلميع سواء ،واإليرانيون مجيعهم مقتنعون متام ًا بأن هذه اجلزر إيرانية وال جمال للحديث عن التنازل عنها ،وكل ما يمكن أن حيدث هو النظر يف مشكلة جزيرة أبو موسى طبق ًا ملذكرة التفاهم التي كان قد تم توقيعها من قبل ،فض ً ال عن ذلك إن إيران كلها -بمن فيها من حمافظني وإصالحيني -تؤكد أمهية أن تكون ضمن أي ترتيبات أمنية حمتملة يف منطقة اخلليج ،معلنة أيض ًا رفضها ألي وجود أجنبي يف املنطقة ،ومشددة عىل أمهية إهناء هذا الوجود .ومن جهة أخرى ،ستستمر إيران يف تنمية وترية التسلح ،بغض النظر عن أن ذلك قد يقلق الدول اخلليجية املجاورة ،أو أنه يزيد عن حاجتها .ويف هذا السياق يرى بعض املراقبني أنه جيب التعامل مع إيران من خالل طريقة هتدف إىل احتوائها؛ بمعنى أن تتناسب خطوات التقارب والتعاون طردي ًا مع انتهاج إيران لسياسة معتدلة وخفض قدراهتا التسليحية وتسليم اجلزر الثالث. يف حني يرى آخرون أنه جيب استمرار عملية االنفتاح اإليراين اخلليجي املتبادل ،مع توظيفه مستقب ً ال من أجل التوصل إىل حل سلمي ملشكلة اجلزر .ومن جانب آخر ،إن املسألة اآلن مل تعد هي املفاضلة بني االنفتاح من عدمه ،بل يف وترية هذا االنفتاح وكيفية توظيفه لتحقيق غايات كربى ..ويبدو أن املتغريات الداخلية وازدياد أسهم املحافظني وتأييد املرشد إلصالحات خامتي تبرش بإمكانية االستمرار يف االنفتاح املتبادل بني الطرفني.
222
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
انطالق ًا من هذه املحددات ،من املحتمل أن تشهد عالقات إيران اخلارجية تطورات
ملموسة عىل خمتلف األصعدة ،وسوف يستغل خامتي هذا النجاح الكبري جلناحه اإلصالحي
يف تعزيز عالقاته مع الدول اخلليجية ،وتوثيق أوارص التعاون يف املجاالت املختلفة ،ال سيام االقتصاد والطاقة ،فقد كان التنسيق اإليراين -السعودي يف منظمة األوبك عام ً ال مه ًام يف تعرضت هلا البلدان اخلليجية يف عامي استقرار أسعار النفط ،وجتاوز آثار األزمة النفطية التي َّ 1997و ،1998لذلك من املتوقع أن تشهد املرحلة املقبلة مزيد ًا من التعاون والتنسيق بني إيران والدول اخلليجية املنتجة للنفط.
كام إن هناك العديد من العوامل التي ستدفع إيران إىل تعزيز العالقات مع دول جملس
التعاون ،وتبنِّي سياسة تقوم عىل التعاون ،منها : (1
-رغبة إيران يف اخلروج من العزلة الدولية املفروضة عليها من خالل سياسة االحتواء
املزدوج وقانون داماتو.
-نزوع إيران يف عهد اجلمهورية الثانية إىل التخليّ عن أمهية العامل املذهبي يف السياسة
اخلارجية اإليرانية ،وإدراكها بأن تشددها يف عالقاهتا مع دول اخلليج العربية ويف نزعتها الثورية سينعكس سلب ًا وبصورة مبارشة عىل رغبتها يف اخلروج من العزلة الدولية. -إن وجود ما يقارب من املليون نسمة من اإليرانيني يف دول جملس التعاون يعد من
العوامل التي تدفع إيران إىل تبنِّي سياسة أكثر واقعية يف عالقاهتا مع دول املجلس.
-تشهد إيران أوضاع ًا اقتصادية صعبة ،األمر الذي يفرض عليها التعاون والتنسيق
مع الدول اخلليجية ،كام إن رغبتها يف إعادة البناء والتعمري تتطلب مستلزمات تريد طهران احلصول عليها بأقل تكلفة ،ويف أقرص فرتة ممكنة ،األمر الذي جيعل الرشكات اخلليجية قادرة أكثر من غريها عىل تلبية تلك االحتياجات اإليرانية بتكاليف منخفضة وبرسعة يف التسليم.
-كام إن االنتعاش االقتصادي الذي سيشهده قطاع املصارف التجارية يف دول اخلليج
ويعزز فرص سيمهد الطريق أمام إقامة عالقات أفضل بني اجلانبني تقوم عىل أساس التكاملَّ ، االستقرار يف املنطقة.
« (1قراءة يف نتائج االنتخابات الترشيعية اإليرانية». مركز اخلليج لألبحاث
223
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
ثاني ًا :النفوذ والبحث عن دور إقلـيمي يؤكد الكثريون أن إيران يف طور التحول التدرجيي من الرشعية الثورية إىل الرشعية
الدستورية ،وبخاصة منذ جميء خامتي عىل رأس السلطة احلاكمة يف 23أيار/مايو عام ،1997
ورشوعه يف تبنِّي هنج إصالحي داخيل وانفتاحي عىل اخلارج شهد له البعيدون قبل القريبني،
فالرئيس اإليراين اجلديد يتمتع بفكر جديد حر وتوجه نحو حتقيق السالم الذي يعتربه رضورة للعيش ،فقد قال إثر زيارة له إىل إيطاليا إنه يشعر باالعتزاز لكونه فتح يف هناية القرن العرشين طريق ًا جديدة طابعها احلوار بني اجلمهورية اإلسالمية والثقافات األخرى ،حيث قال« :أعتز
لكوين ،وبصفتي رئيس ًا إليران ،فتحت يف هناية القرن العرشين طريق احلوار ،وال بد من بذل جمهود نحو السالم احلقيقي ،ألن العامل سئم العيش بشكل دائم يف العنف واإلرهاب» . (2
إال أن القليلني من هؤالء ما زالوا حريصني عىل إبراز الرغبة اإليرانية يف القيام بأعباء
دور إقليمي واسع يستند إىل مرياث تارخيي إمرباطوري ونظرة توسعية ملد النفوذ واحلفاظ عىل
املصلحة وممارسة نوع من اهليمنة يف حميطها اإلقليمي املجاور ،يف إشارة إىل أن حتوالت الدولة اإليرانية املنفتحة عىل اخلارج لن تق َّلل مطلق ًا من طموحات طهران وتطلعات القائمني عىل السلطة هناك ،أي ًا كان موقعهم الفكري والسلطوي وتوجهاهتم الدينية والسياسية ،يف السعي إىل تكريس اهتاممها املتزايد باخلليج.
وقد خضع الدور اإلقليمي اإليراين لتلك املجموعة من املؤثرات التي أدت دورها يف
توجيه السياسة اخلارجية اإليرانية يف شقيها اإلقليمي والدويل.
فمن جانب ،يربز الوضع الداخيل يف إيران بصفته أول املؤثرات التي توجه دفة السلوك
السيايس للخارجية اإليرانية ،وعند تناول الوضع الداخيل يف إيران ،إن أول ما تقع عليه عني املح َّلل هو ذلك الرصاع املحتدم بني املحافظني واإلصالحيني منذ سنوات عىل مراكز السلطة تسبب بتغيري العديد من مالمح هذه السياسة اخلارجية ،بل والنفوذ ،والذي ال شك يف ظانه َّ
(2أمحد جالل التدمري« ،إضاءة عىل العالقات اإليرانية العربية بني عهدين «العهد البهلوي وعهد اجلمهورية اإلسالمية» ومتطلبات التغيري »،ورقة قدمت إىل :نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران: املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري 2 ،ج (الكويت :جامعة الكويت ،مركز دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ،)2000 ،ج ،1ص .214 224
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ميزت تلك السياسة لفرتة طويلة ،حتى أصبح وتسبب كذلك بتغيري اسرتاتيجيات أساسية َّ َّ صانعو تلك السياسة يتحدثون عن «االنفتاح وعالقات اجلوار احلسن» ،بد ً ال من «تصدير الثورة» ،ويتحدثون عن «حوار احلضارات» ،بد ً ال من «حتدِّ ي هيمنة الدول الكربى» ،وحتى بالنسبة إىل «الشيطان األكرب» -الواليات املتحدة األمريكية -أصبحت املسافة بني واشنطن وطهران أقرص كثري ًا مما كانت عليه سابق ًا ..وبالطبع مل تقع تلك التغريات فجأة ،وإنام تعترب
حمصلة لفرتة طويلة من الشد واجلذب بني التيارين .وعندما انفرد املحافظون بالساحة الداخلية يف إيران عقب الثورة اإلسالمية عام ،1979اتَّسمت مقوالت سياستهم اخلارجية بالراديكالية املفرطة ،ومع سنوات حرب اخلليج األوىل مع العراق ،استتب األمر لإلمام اخلميني املرشد األول للثورة ،بحيث مل يكن من املمكن بروز منافس له .غري أنه بانتـهاء احلرب ووفاة
اخلمينـي بدأ اإليرانيـون يف التعاطي مع شؤونـهم الداخلية بشكل خمتلف ،وبرز تيار جديد
من اإلصالحيني ظل ضعيف الشوكة إىل أن جاء الرئيس اإليراين حممد خامتي عام1997 ليمثل أكرب انتصار لذلك التيار أمام املحافظني .وشيئ ًا فشيئ ًا ،وجد املحافظون أن الرأي العام يعول عليه بشكل رئيس -بدأ يتحول إىل تأييد خصومهم ،وأن الكفة بدأت اإليراين -الذي َّ
متيل إىل اجلانب اإلصالحي ،األمر الذي َّأدى إىل متركز املحافظني خلف مراكز النفوذ التي ال يزالون هييمنون عليها ،وإىل انكفائهم يف الوقت نفسه عىل الشأن الداخيل باعتباره املؤثر األول يف الرأي العام .وبالتايل مل جيد اإلصالحيون عناء يف حتويل دفة السياسة اخلارجية تبع ًا ملا يتناسب وقناعاهتم ،بحيث أصبحت «املصالح الوطنية» وليس «األيديولوجية» ،هي احلاكم
الرئيس الذي ختدمه تلك السياسة . (2
ويف هذا اإلطار ،ال يصبح ُمربر ًا االستمرار يف عداء أنظمة سياسية يمكن حتقيق مصالح
كثرية من وراء التعامل معها ،ملجرد االختالف األيديولوجي معها ،كام أصبح من الرضوري
بالنسبة لصانعي تلك السياسة اخلارجية اإليرانية ترميم العالقات التي تربط اجلمهورية اإلسالمية بمحيطها القريب ،وبالطبع فإن كال األمرين السابقني يفرس قبول طهران إجراء
سببها ذلك النظام يف السابق إليران. حوار مع النظام العراقي ،عىل الرغم من الويالت التي َّ
وبالنسبة إىل الوضع اخلارجي ،بصفته أحد الروافد التي متثل مالمح السياسة اخلارجية (2ملزيد من التفاصيل عن ثنائية املحافظني واإلصالحيني يف إيران منذ وصول خامتي إىل السلطة يف إيران ،انظر املبحث الثالث من هذا الفصل. مركز اخلليج لألبحاث
225
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
اإليرانية ،إن أكرب حدث يمكن مالحظته يف املنطقة بعد حرب اخلليج األوىل ،هو إقدام العراق عىل
غزو الكويت يف الثاين من آب/أغسطس عام ،1990األمر الذي أوقع املنطقة يف حرب ثانية.
وإذا كانت تلك اخلطوة قد ك ّلفت العراق ودول اخلليج العربية والعامل العريب بوجه
عام الكثري ،فإن إيران كان هلا رأي آخر ،إذ بدأت النظرة إليها باعتبارها دولة منبوذة تتغري، فض ً ال عن تعويضها للخسائر التي تكبدهتا خالل حرهبا مع العراق نتيجة املبادرة العراقية يف 12آب/أغسطس ،1990كام استغ َّلت إيران األوضاع اجلديدة واستفادت من انتهاء زمن العزلة ،ورشعت يف تقوية الروابط مع دول جملس التعاون واستثامر عالقاهتا الوثيقة مع سوريا ولبنان يف طرح نفسها العب ًا رئيس ًا ال يمكن إغفاله يف الرصاع العريب -اإلرسائييل من خالل ذراعها القوية (حزب اهلل اللبناين) ،وهي املستبعدة من كافة الرتتيبات الرسمية هلذا الرصاع
لكوهنا دولة غري عربية.
وكان من املنطقي أن تبادر طهران بعد ذلك إىل اتباع هنج براغاميت واستغالل الفرص
السانحة ما أمكن -مثلام حدث من استغالل إيران لظروف االنتفاضة الفلسطينية الثانية -
لتأكيد نفوذها يف املنطقة.
تسببت حرب اخلليج األوىل والعزلة التي كانت تعانيها طهران يف تضاؤل نفوذها َّ
اإلقليمي بشكل حرمها الكثري من املصالح الوطنية خالل فرتة الثامنينيات احلافلة بالتطورات
تسبب يف ترسيخ قناعة لدى صانعي السياسة يف طهران بأمهية اإلقليمية والدولية ،األمر الذي َّ
تأكيد النفوذ اإليراين يف املنطقة .باإلضافة إىل العامل النفيس لدى اإليرانيني املتمثل بالنمو
املفرط لشعورهم القومي وإحساسهم بمكانة بالدهم التي احتضنت من قبل اإلمرباطورية الفارسية ،والتي مل تتعرض مطلق ًا لالحتالل األجنبي طوال تارخيها احلديث ،إىل جانب إدراكهم حجم وإمكانات إيران ذات السبعني مليون مواطن واملساحة الشاسعة والقدرات االقتصادية والعسكرية املتميزة.
ظهر أثر هذا العامل النفيس يف الكثري من التحركات اإليرانية ،سواء عىل املستوى السيايس
مثل احلرص عىل شغل مراكز القيادة يف املنظامت الدولية احلكومية (منظمة املؤمتر اإلسالمي)، أم االقتصادي (مساعيها إىل رئاسة منظمة األوبك) ،أم حتى عىل الصعيد االسرتاتيجي
واألمني مثل انتقاداهتا املتكررة وجود قوات التحالف يف اخلليج ،وانتقادها كذلك إعالن 226
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
دمشق ،والتشديد مرار ًا عىل أن أمن اخلليج هو مسؤولية دوله فقط .وبصفة عامة ،مل تعد إيران تقبل بسهولة استبعادها من أي ترتيبات إقليمية ،سواء عىل املستوى السيايس أم االقتصادي أم
العسكري ،وهو ما قد يفرس حرصها عىل بقاء نفوذها يف سوريا ولبنان باعتباره املدخل الوحيد املتاح أمامها يف قطار تسوية الرصاع العريب -اإلرسائييل.
عىل الرغم من أن اإلمرباطورية اإليرانية ،وبخاصة يف تارخيها القديم حتى قبل الثورة اإلسالمية يف عام ،1979مل تبد اهتامم ًا جوهري ًا بالدول اخلليجية املقابلة هلا ،فإن إدراكها باحلزام اجلنويب الغريب املطل عىل الشاطئ العريب للخليج مل يكن عىل أشدِّ ه إال منذ منتصف القرن ،نتيجة ختوفها من غزو خارجي قد يتخذ من هذه املنطقة قاعدة له يف توجيه سياسة
عدوانية إزاءها ،يف ما ُيعدّ بمنزلة مدخل لبسط النفوذ األجنبي عىل شتى مناطقها مع الكشف
عن النفط وانغالق الساحة الشاملية والرشقية عىل إيران .ويف وقت كان فيه االحتاد السوفيايت
يف أوج قوته ،بدأت طهران يف توجيه أنظارها ناحية اخلليج ودوله ،ليس فقط ألهنا تسيطر حدودي ًا عىل جزء كبري من مياه اخلليج وتتحكم بمدخله باعتباره أشبه ببحرية مغلقة ،بل
ألن املنطقة ،بام متلكه من إمكانات ومقومات اسرتاتيجية ،تعد ساحة نشاط إيران األساسية، وال سيام أن حا ً ال من االختالل الواضح يف معادلة موازين القوى بينها وبني الدول اخلليجية وعرابه. املشاطئة عىل الضفة املقابلة تتيح هلا الترصف وكأهنا راعية اإلقليم َّ
احلقيقة أن دور إيران اإلقليمي حتكمه توجهات ذات طبيعة أيديولوجية -عىل حد وصف
البعض -استندت جلها إىل أفكار اإلمام اخلميني ورشوح من تبعه ،ويف إطار تقسيمه العامل إىل معسكرين :املستكربين واملستضعفني ،وسيطرة األول عىل الثاين ،وتبعية بعض دول املعسكر الثاين للمعسكر األول ،وسعيه إىل تنفيذ سياساته كل يف نطاقه اإلقليمي .فقد صبت طهران جام غضبها،
وال تزال ،عىل الواليات املتحدة ومن حيذو حذوها يف نظرها ،واستمرت عالقات طهران ببعض الدول تحُ كم هبذا التصور األيديولوجي الذي رأى أنه يستهدف جتزئة العامل اإلسالمي والسيطرة
عىل مقدراته بل وهنبه حتى يتمكن يف النهاية من االستئثار بالنفوذ السيايس واالقتصادي فيه .ومل تكن الواليات املتحدة بعيدة عن هذا البناء اإليدلوجي املسيطر للثورة اإليرانية ،خصوص ًا إهنا
إحدى قوى االستكبار العاملي وفق تصورها وترتبط باملنطقة اجلنوبية الغربية هلا بعالقات وطيدة ولذلك اتهُ مت واشنطن يف وقت من األوقات -وإن كانت حدَّ ة هذا االهتام قد خ َّفت نسبي ًا يف الوقت احلايل -باستغالل وهنب ثروات الشعوب اخلليجية ،وحماولة فرض هيمنتها السياسية مركز اخلليج لألبحاث
227
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
واالقتصادية والثقافية والعسكرية ،مطالبة الدول التي تتصل هبا بشكل وثيق بمحاربة «القوى
اخلارجية» التي حتاول السيطرة عىل جزء مهم من الدول اإلسالمية وهي الدول اخلليجية.
وتبع ًا هلذا املنطق ،كان من الصعب عىل رموز الدولة اإليرانية التغايض عن أمهية الدور
الذي يمكن أن متارسه يف املنطقة ،وبخاصة اخلليج ،وذلك ألسباب عدة ،أبرزها:
املوقع الذي حتتله عىل رأس اخلليج العريب ،وهو ما َّيمكنها من التحكم برشيان احلياة الذي َّ يغذي العامل الصناعي بعصب اقتصاداته وهو النفط (الطاقة) .لذلك ،بالنسبة إىل طهران ،من غري املحتمل أن تتناسى أن مضيق هرمز الذي تقع عىل رأسه متر به ناقلة نفط كل
عرش دقائق؛ أي ما يساوي نحو 62يف املئة من موارد العامل النفطية و 90يف املئة من حاجة اليابان النفطية و 22يف املئة من استهالك الواليات املتحدة .ويؤكد البعض أن قدرة إيران عىل التحكم يف مياه اخلليج تتأتَّى من كونه املنفذ البحري الطبيعي والوحيد لدول اخلليج ،إذ
تستطيع وقف العبور من خالله بمجرد إغراق متعمد إلحدى ناقالت النفط املارة بمياهه.
-املخاوف اإليرانية من حدوث إرضار باألمن القومي لكياهنا وبخاصة عىل حدودها
اجلنوبية ،إذ ترى أجنحة نافذة يف السلطة يف طهران أن هناك خمططات إلحداث تغيريات يف
واقعها السيايس واالقتصادي واالجتامعي والعسكري ،والشواهد التي تثريها طهران بني احلني واآلخر تتعلق حين ًا بالوجود العسكري األجنبي يف مياه اخلليج وحماوالت إرسائيل الدخول إىل املنطقة عرب تطبيع العالقات مع دول اخلليج ،ورغبة واشنطن يف إجياد قواسم للنزاع بني كل من طهران والعواصم اخلليجية األخرى أحيان ًا أخرى. االعتقاد بأن هيكل النظام اإلقليمي اخلليجي ومؤسساته القائمة ،فض ًال عن اخللل
االسرتاتيجي بينها وبني دول املنطقة ،غري قادر عىل خدمة االستقرار يف املنطقة ،األمر الذي قد يتيح الفرصة لبعض األطراف ،خصوص ًا العراق ،للخروج عن القواعد املنظمة للعبة السياسية .وال يتأتى اخلوف اإليراين من عدم قدرة النظام اإلقليمي اخلليجي عىل احلفاظ عىل االستقرار بسبب وجود مصادر هتديد يصعب السيطرة عليها ،بل ألهنا تشعر باستبعادها املتعمد من طبيعة الرتتيبات األمنية املتخذة يف املنطقة.
ُتقدَّ م طهران نفسها عىل أهنا عنرص قوي ،ينتمي إىل املنطقة أو ًال ويعرف احتياجاهتا 228
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ويستطيع ردع مصادر التهديد الشاذة ،وذلك لكي تقوم بدور قيادة املنطقة ،وتدرك أن ذلك لن يتحقق يف يوم وليلة ،وإنام بشكل تدرجيي وعرب مراحل تُو َّفر من خالهلا الثقة والطمأنينة لدول اجلوار وبأهنا ليست الطرف الساعي إىل تنحية اآلخرين وإىل تزعم املنطقة ،بل جمرد مشارك جيب أن تحُ فظ له مقومات قوته ومصاحله ،ويرتافق هذا املسعى اإليراين مع مسعى آخر
َّ يؤكد حسن تطبيع العالقات مع دول اخلليج املجاورة يف ضوء االتفاقات األمنية والزيارات املتبادلة بني كبار مسؤوليها ومسؤويل دول اخلليج العربية.
-عىل الرغم من حدوث تغيريات عدة يف السياسة احلاكمة ملامرسة دور إقليمي إليران،
إال أن قدوم رفسنجاين ثم خامتي إىل احلكم ،أحدث جمموعة من التحوالت يبدو أهنا تضفي مسحة خمتلفة عىل الدور املنتظر أن تقوم به إيران يف الفرتة املقبلة .ومن املعروف أن اخلالفات
الداخلية احلالية وطبيعة األزمة االقتصادية واالنفتاح عىل دول اخلليج املجاورة وإيصال رسالة
حول تغري التوجهات األيديولوجية ،كل ذلك جعل من الرضوري أن تعيد إيران التفكري يف دورها اإلقليمي ،لكن ذلك ال يعني جتاهل هذا الدور وإلغاءه ،بل تنقيحه وهتذيبه. وتتمثل أهم مظاهر ممارسة هذا الدور يف النقاط التالية: -ال زالت إيران تؤمن -ولو نسبي ًا -بأمهية تصدير مبادئ الثورة ،ومن غري شك فإن هذا
اإليامن ليس بالدرجة التي كان عليها يف أوج محاسته عند قيام الثورة نفسها يف أواخر السبعينيات. لكن االستعداد اإليراين لرفع شعار الثورة اإلسالمية عاملي ًا ما زال قائ ًام ،وتعمل طهران بجدِّ ية
عىل تقديم الدعم املادي واملعنوي إىل مجيع القوى املستعدة للنضال من أجل هذا اهلدف ،وقد اهتمت يف فرتة سابقة ،نتيجة ذلك ،بمحاولة التدخل يف الشؤون الداخلية للغري وإقحام نفسها
يف ما ليس هلا فيه شأن ،وعبرَّ البعض عن امتعاضه من احتامالت امتداد هذا الدور التصعيدي ملبادئ الثورة ناحية دعم اجلامعات املتطرفة التي حاربت أنظمتها يف بعض دول املنطقة .وعقيدة قوات احلرس الثوري اإليراين تؤكد رضورة تصدير الثورة وإثارة القالقل والتوتر يف املنطقة،
وتسيطر تلك القوات عىل قوات الباسيج (جيش التعبئة التطوعي) التي تتكون من مئتي ألف فرد وتصل عند التعبئة إىل املليون فرد ،وتتضح نية تصدير الثورة عملي ًا من وجود مئة ومخسني
مقات ً ال من احلرس الثوري يف لبنان ومئتي خبري عسكري إيراين يف السودان . (2
(2مجال سند السويدي« ،مأزق السياسة اإليرانية يف اخلليج ومتطلبات التغيري »،ورقة قدمت إىل :نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران :املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري ،ص .276 مركز اخلليج لألبحاث
229
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
ال خالف أن ذلك كله يشهد حتو ً ال ال لبس فيه وال غموض ،لكن ذلك ال يعرب عن
احلقيقة بكاملها ،يف ضوء انتهاء احلرب مع العراق ،ووقوف طهران إىل جانب الكويت ،إ َّبان الغزو العراقي هلا ،وتنامي قوة التيار اإلصالحي الرافض ألفكار التدخل يف شؤون اآلخر
حتت دعوى تصدير الثورة.
-استمرار احتالل اجلزر اإلماراتية الثالث ،عىل الرغم من املحاوالت املضنية من
جانب أبو ظبي للتوصل إىل تسوية بشأن هذا األمر ،سواء باجللوس عىل مائدة احلوار املبارش
أو عن طريق إحالة القضية برمتها إىل حمكمة العدل الدولية أو هيئة حتكيم خمتارة .ومن املعروف أن إيران تدرك جيد ًا االلتفاف العريب املؤيد للموقف اإلمارايت من القضية ،وختشى تفويت فرصة التقارب مع الدول اخلليجية والعربية من جراء هذا التهديد ،لذا فإهنا حتاول استاملة أطراف خليجية أخرى للدخول يف دائرة العالقات الثنائية الوطيدة أم ً ال يف أن يؤدي ذلك إىل
جتاهل قضية اجلزر املحتلة ،وتؤكد -وهو ما يظهر رغبتها يف ممارسة الدور -عدم استعدادها
لتقديم تنازالت تسمح بتسوية مرضية تأخذ بحسباهنا حقوق اإلمارات التارخيية ،ويبدو أهنا ال تأبه كثري ًا ملوقفها املتشدد من القضية .وعىل الرغم من حرصها عىل تكريس التعاون مع
الدول العربية ،فإنه سيتعذر عليها توثيق عالقاهتا متام ًا بتلك الدول .ورب قائل إن حتسني عالقاهتا بدولة كالسعودية قد يعطي لألخرية دور ًا للتأثري يف طهران باجتاه تعديل موقفها. يؤكد الكثريون أن التغري يف املوقف اإليراين من هذه القضية سيكون يف حد ذاته مؤرش ًا
عىل جدِّ ية إيران يف سعيها لتحسني عالقاهتا بالعامل العريب ،ومن ثم عىل رجحان كفة االعتدال يف سياسة إيران اخلارجية وتبديل فكرة الدور املهيمن إىل الدور املشارك .وبمفهوم معاكس، إن اإلرصار اإليراين عىل عدم تغيري املوقف من القضية يؤكد صحة الطرح القائل إن احلد
األدنى من الثوابت اإليرانية يف احلفاظ عىل األرض واحتالهلا سيكون بمنزلة خط أمحر ال يمكن االقرتاب منه أو املساس به . (2
-تبني اسرتاتيجية إقليمية تتعارض جذري ًا مع اسرتاتيجية الواليات املتحدة يف املحيط
اهلندي ومنطقة اخلليج ومرسح الرصاع العريب -اإلرسائييل .ولعل أبرز مظاهر ذلك الرفض Michael Eisenstadt, Iranian Military Power: Capabilities and Intentions, Policy )(23 Papers; no. 42 (Washington, DC: Washington Institute for Near East Policy, 1996), pp. 9-25.
230
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
التام للوجود العسكري الغريب عموم ًا واألمريكي عىل وجه اخلصوص يف منطقة اخلليج، ورؤيتها إلرسائيل باعتبارها اخلطر األكرب عىل أمنها الوطني ،واستمرار دعمها جلبهة الرفض
إلقامة عالقات طبيعية مع إرسائيل ،وتدعيم حركات املعارضة املسلحة املناوئة لعملية السالم برمتها سواء داخل األرايض املحتلة أو األرايض العربية .ويذكر يف هذا الشأن الدور اإليراين
املتعاظم يف دعم املقاومة اللبنانية ضد االحتالل اإلرسائييل يف اجلنوب اللبناين ،والعمليات التي ُنسبت لفرتة ملصلحة مجاعتي اجلهاد ومحاس الفلسطينيتني وغري ذلك. -مع اإلحساس اإليراين باخلطر من تكرار جتربة احلرب مع العراق واحتامالت امتداد
اخلطر من الوجود العسكري األجنبي يف وأرض اخلليج العربية مياهه ،سعت طهران إىل تطوير قواهتا ،وسارعت باالنفتاح عىل مصادر توريد السالح إليها لتشمل -باإلضافة إىل روسيا -ك ً ال من الصني وكوريا الشاملية ودول أوروبا الرشقية ،مع تكثيف اجلهود للحصول عىل الذخائر وقطع الغيار الغربية برصف النظر عام يؤدي إليه ذلك من نتائج ومن حدوث فضائح مثل
فضيحة القذائف «لو شري» عامي ،1985 - 1983و»إيران غيت» عامي 1985و .1986
ساعد ذلك طهران عىل استعادة عافيتها العسكرية وتصفية آثار حرهبا مع العراق .و ُقدِّ ر
عدد قواهتا بنحو مخسمئة وثالثة عرش ألف مقاتل ،بام يف ذلك قوات احلرس الثوري التي تصل إىل مئة وعرشين ألف مقاتل ،ويبلغ عدد قوات اجليش النظامي نحو ثالثمئة ومخسة
وأربعني ألف فرد ،ويبلغ عدد أفراد القوات اجلوية نحو ثالثني ألف فرد ،والقوات البحرية النظامية نحو ثامنية عرش ألف فرد ،بإإلضافة إىل أعداد كبرية من ميليشات الباسيج ونحو مخسة
وأربعني ألف فرد من قوات الرشطة وحرس احلدود ،وتزود هذه الفئات مجيعها باحتياجاهتا من السالح والعتاد الذي يوفر هلا قدرة الردع بوجه أي هتديدات حمتملة . (2
ساعدت قوة إيران البرشية يف تكوين مثل تلك األعداد الكبرية من القوات املسلحة بمختلف فروعها ،فوفق ًا إلحصاءات عام ُ 1998قدِّ ر عدد سكان إيران اإلمجايل بنحو 72.664.000
مليون نسمة ،منهم 51يف املئة من أصل فاريس 24 ،يف املئة أزيري 8 ،يف املئة جيالين/مازاندراين، 7يف املئة كردستاين 3 ،يف املئة عرب 2 ،يف املئة بلوش 2 ،يف املئة تركامن . (2
(2أنتوين كوردسامن ،القدرات العسكرية اإليرانية ،سلسلة دراسات عاملية؛ ( 6اإلمارات :مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االسرتاتيجية[ ،د .ت ،)].ص .35
(2حممد مجال مظلوم ،القدرات العسكرية اإليرانية التقليدية وغري التقليدية ،كراسات اسرتاتيجية خليجية؛ 38 مركز اخلليج لألبحاث
231
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
ويف ضوء احتامالت انتصار اخلط املتشدَّ د يف لعبة الرصاع عىل الساحة السياسية يف طهران،
إن تسارع تطوير قدرات اهلجوم قد ينتقل من طور األسلحة التقليدية إىل طور األسلحة النووية امرس ال تتوافق مع وأسلحة الدمار الشامل عموم ًا ،وما من شك يف أن مظاهر هذا الدور ا ُمل َ
التوجهات االسرتاتيجية االنفتاحية إليران التي تقوم عىل االنفتاح عىل اخلارج ،واعتامد صيغة
األمن اجلامعي ،وحتقيق تعاون اقتصادي شامل ،والتعاون ملكافحة انتشار املخدرات واجلريمة
املنظمة.
الرفض اإليراين التام ألي دور خارجي يف األمور املتعلقة بالشأن اخلليجي ،وبخاصةما يتعلق منها باألمن والدفاع عن الدول اخلليجية ،حتى لو كان ذلك الدور عربي ًا ،ألن ذلك
يؤثر سلب ًا يف ممارسة إيران لدورها يف منطقة اخلليج ،ومن هنا كان استمرار الرفض اإليراين
لكل ما يتعلق بإعالن دمشق بني دول جملس التعاون الست وكل من مرص وسوريا ،فقد كانت أهم املشكالت التي واجهها اإلعالن منذ بدايته أن ما انطوى عليه من مفهوم ألمن اخلليج
خيتلف عن الرؤية اإليرانية له ،حيث يقوم اإلعالن عىل أن األمن القومي العريب كل ال يتجزأ، وأن أمن اخلليج هو أحد أجزاء األمن القومي العريب ،وليس منفص ً ال عنه ،يف حني تتلخص الرؤية اإليرانية يف أن أمن اخلليج هو وحدة منفصلة بذاهتا هلا سامهتا التي متيزها عن األمن
القومي العريب بمفهومه الشامل .لذا فإن دوله وحدها هي التي تضمنه ،ولذا عارضت إيران إعالن دمشق وأي وجود أجنبي يف اخلليج ،سواء أكان مرصي ًا أم سوري ًا أم أمريكي ًا. وتشري إيران يف ذلك إىل أن مرص وسوريا بعيدتان عن اخلليج ،وبالتايل فإن أي هتديد ألمنه ال يمسهام بصورة مبارشة ،وعىل العكس منهام فهي تعترب طرف ًا أساسي ًا يف املنطقة. ومن املفارقات يف هذا الشأن أن االنفراج اإليراين العريب قد جاء يف أهم مظاهره يف فرتة
توقف اجتامعات إعالن دمشق ،وتزايد الدعوات العربية إىل التقارب مع إيران؛ الستخدام الورقة اإليرانية يف مواجهة إرسائيل من ناحية ،وتركيا من ناحية أخرى.
يف ضوء السعي إىل تقوية الدور اإليراين إقليمي ًا ،يمكن تفسري التحركات التي قامت هبا
طهران جتاه العراق ،حيث قام وزير اخلارجية اإليراين ،كامل خرازي ،بزيارة إىل بغداد يف الثالث
عرش من شهر ترشين األول/أكتوبر 2000عىل رأس وفد إيراين رفيع املستوى ،يف أول زيارة (القاهرة :مركز اخلليج للدراسات االسرتاتيجية ،)2001 ،ص .4 232
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
توجه سلفه األكرب واليتي وزير اخلارجية السابق هبذا املستوى إىل العراق منذ عام 1990عندما َّ
إىل بغداد قبيل غزو الكويت .تلك الزيارة التي أثارت العديد من عالمات االستفهام ،ال سيام السلم» و»ال َّ بعد سنوات العداء الطويلة مع النظام العراقي وحال «ال َّ ميزت الحرب» التي َّ العالقات بينهام خالل العقد املايض .كام إن الفرتة األخرية القصرية التي سبقت تلك الزيارة شهدت مزجي ًا متناقض ًا من مظاهر التوتر واالنفراج ،يمكن إجيازها عىل النحو التايل : (2 -يف الثامن والعرشين من شهر أيلول/سبتمرب 2000كشف عيل يونس ،وزير
االستخبارات اإليراين ،عن «شبكة إرهابية ضخمة تابعة حلزب البعث العراقي» كانت ختطط لعمليات تفجري واسعة واغتيال شخصيات عسكرية وأمنية رفيعة املستوى وزعامء املعارضة العراقيني يف إيران.
-يف التاسع والعرشين من الشهر نفسه التقى الرئيس اإليراين ،حممد خامتي ،نائب
الرئيس العراقي ،طه ياسني رمضان ،عىل هامش أعامل قمة األوبك يف فنزويال ،بناء عىل رغبة
األخري ،حيث اتفقا عىل حتسني العالقات بينهام والعمل عىل رسعة إزالة نقاط اخلالف.
يف اليوم نفسه ،شن الرئيس اإليراين السابق ،هاشمي رفسنجاين ،هجوم ًا عنيف ًا عىلالعراق ،مستعرض ًا فصول احلرب بني البلدين ،ومطالب ًا بتعويضات لقاء اخلسائر اإليرانية يف
حرب السنوات الثامين .كام تقدمت إيران يف هذا اليوم أيض ًا بشكوى ضد العراق لدى األمني العام لألمم املتحدة ،احتجاج ًا عىل «إيواء إرهابيي منظمة جماهدي خلق اإليرانية املعارضة عىل األرايض العراقية».
توجه أمحد مرتىض ،وزير النقل العراقي ،يف الثالثني من أيلول/سبتمرب (بعد يوم َّ
واحد) «لتعزيز العالقات وزيادة التبادل التجاري والصناعي بني العراق وإيران» ،بعد توجيه
دعوة إليه حلضور معرض طهران الدويل للتجارة .وقد أعلن مرتىض يف أثناء وجوده يف طهران أن بغداد مستعدة لـ»إقامة سالم كامل وحقيقي مع إيران».
-ويف الثالث عرش من ترشين األول/أكتوبر ،2000توجه وزير اخلارجية اإليراين ،كامل
خرازي ،إىل بغداد للقاء الرئيس العراقي صدام حسني لتناول «كافة القضايا العالقة بني البلدين». « (2ختطيط السياسة اخلارجية اإليرانية :بني مدلوالت الرصاع الداخيل والنفوذ اإلقليمي( »،املركز الدبلومايس للدراسات االسرتاتيجية ،الكويت ،بتاريخ 22ترشين األول/أكتوبر .)2000 مركز اخلليج لألبحاث
233
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
وأعلنت إيران عن نقاط مخس متثل األهداف الرئيسة لزيارة خرازي إىل بغداد ،وهي : (2
-1مطالبة اجلانب العراقي بتطبيق كل التزاماته وفق ًا التفاقية اجلزائر ،مقابل التزام إيران بتطبيق تعهداهتا وفق ًا لالتفاقية نفسها. -2مطالبة العراق بإيقاف كافة أنشطة مجاعة «جماهدي خلق» املس ّلحة ،ومنع تس ُّلل
عنارصها إىل داخل األرايض اإليرانية ،مع اقرتاح إيراين بإنشاء رشيط بعمق عرشة كيلومرتات عىل احلدود ،يكون التحرك فيه مسموح ًا فقط للعسكريني ورجال األمن واملأذون هلم من سكان البلدين ،بحيث يتم تأليف دوريات أمنية مشرتكة ملراقبة املنطقة األمنية.
-3السامح بزيارة جلنة لتقيص احلقائق حول األرسى واملفقودين يف كل من البلدين
للقيام بإجراء حتقيق مبارش مع األرسى الذين يدَّ عي كل من العراق وإيران بأهنم ال يرغبون يف العودة إىل وطنهم ،أو أهنم التحقوا بصفوف «جماهدي خلق» يف العراق -من األرسى
اإليرانيني -أو بـ»فيلق بدر» التابع للمجلس األعىل للثورة اإلسالمية يف إيران -من األرسى
العراقيني.
-4استئناف اإليرانيني زيارة العتبات املقدسة التي بدأت قبل سنوات باتفاق بني
مسؤويل منظمة احلج والزيارة اإليرانية واجلهات العراقية املعنية.
-5مناقشة قضايا جانبية؛ مثل التبادل التجاري وإقامة املعارض ،وموضوع بعض
علامء الدين الشيعة من ذوي األصول اإليرانية املسجونني يف العراق.
إىل جانب هذه األهداف املعلنة ،يؤكد املحللون أن زيارة خرازي اشتملت عىل بند مهم جد ًا
بالنسبة إىل الطرفني العراقي واإليراين ،ولكنه غري معلن ،يتمثل يف عقد «مقايضة» ،خيطو بموجبها
التيار اإلصالحي خطوة كبرية يف رصاعه مع املحافظني ،وذلك أن التيار اإلصالحي الذي يقوده
الرئيس خامتي ويفرتض أن يمثله خرازي أكثر من املتشدِّ دين ،يسلك طريق تطبيع العالقات مع الدول التي متتلك حدود ًا مشرتكة مع إيران ،من أفغانستان حتى العراق مرور ًا برتكيا وأذربيجان وأرمينيا ،حيث يرى أنصار خامتي أن أي رصاع حدودي يفيد التيار املتشدِّ د ،حتى لو كان األمر
يتعلق بتعاون ضمني مع الغرب واألمريكيني ضد النظام العراقي أو األفغاين.
إىل جانب كون التفاهم العراقي -اإليراين اجلديد خيدم السياسة اإليرانية العامة ،سواء (2املصدر نفسه. 234
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
جلهة تعزيز املعسكر الذي ال يسري يف ركاب السياسة الغربية من جهة ،أم ملصلحة حتصيل املزيد من أوراق التفاوض مع األمريكيني يف املستقبل من جهة أخرى ،فض ً ال عن اإلشارة التي يرسلها توقيت الزيارة املتزامن مع االنتفاضة الفلسطينية ،بأن إيران عىل استعداد للتنسيق مع أي دولة الختاذ موقف موحد ضد إرسائيل ،بعد أن دعت طهران رصاحة الدول العربية التي هلا عالقات معها ،إىل قطع تلك العالقات سياسي ًا واقتصادي ًا .وقد كتبت صحيفة إيران
احلكومية أن «هذه الزيارة متثل فرصة ذهبية لكرس اجلليد بني البلدين ،ورسم مستقبل أفضل»، مرحبة بـ«التقارب بني القوتني السياسيتني اإلقليميتني» ،باعتباره أمر ًا رضوري ًا ملواجهة
«الغطرسة اإلرسائيلية».
وبطبيعة احلال ،إن العراق مل يكن له إ َّ ال أن يرحب هبذه الزيارة ،وهو الذي يسعى منذ فرتة لكرس احلظر الدويل عليه ،وال شك يف أن االتفاق مع جار مثل إيران يصب متام ًا يف صلب
تلك املساعي .إىل جانب أن احتامالت اكتساح التياراإلصالحي للسلطة يف طهران كان قد أقلق النظام العراقي يف الفرتة األخرية ،نظر ًا إىل أن ذلك من شأنه تبديد خماوف الواليات املتحدة والغرب من فتح ملف إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسني جدِّ ي ًا ،ألن خطر
قيام حكم شيعي يف العراق سيرتاجع بنسبة كبرية.
بطبيعة احلال ،محلت هذه التحركات اإليرانية الدؤوبة ،وكذلك التقارب بني طهران وبغداد ،انعكاسات كثرية عىل دول اجلوار ،وخصوص ًا دول جملس التعاون اخلليجي .فمن
جانب ،يعد التقارب العراقي -اإليراين رضبة قوية للحظر املفروض عىل العراق ،وكذلك للعزلة الدولية التي يعانيها النظام احلاكم يف بغداد ،قد تدفع باجتاه إعادة تأهيله دولي ًا مرة
أخرى ،وخصوص ًا أن إيران بالفعل إحدى الدول التي ال تزال تصنفها الواليات املتحدة عىل أهنا من الدول املنبوذة ،وبالتايل لن يرضها كثري ًا اخرتاق احلظر الدويل ،فض ً ستسهل العن أهنا ِّ كثري ًا عىل النظام العراقي هتريب كميات أكرب من النفط لالستفادة من فورة األسعار يف ذلك
الوقت يف حتقيق عوائد إضافية تساعده عىل إعادة بناء ترسانته العسكرية مرة أخرى يف غياب
ويعزز من جلان التفتيش وانشغال العامل بمتابعة التوتر يف عملية السالم بني إرسائيل والعربَّ ، هذه الفرضية األخرية أن اتفاق ًا كان جيري بني بغداد وطهران من شأنه حت ًام أن يتضمن إهناء وجود املعارضة املسلحة يف كل من البلدين املوجهة ضد اآلخر ،أو عىل األقل جتميد نشاطاهتا العسكرية ،وهو يعني بالنسبة إىل الطرف العراقي التخلص من هجامت تنظيم «املجلس األعىل مركز اخلليج لألبحاث
235
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
للثورة اإلسالمية يف العراق» أكثر فصائل املعارضة العراقية تأثري ًا ،وبالتايل يتفرغ النظام العراقي ملوضوعات التسلح والعودة جمدد ًا إىل املرسح اإلقليمي. ومن جهة أخرى ،تعترب معاجلة ملف األرسى اإليرانيني لدى العراق فرصة ج ِّيدة
أمام الكويت لفتح ملف األرسى الكويتيني لدى العراق ،وقد تكشف معاجلة امللف األول عن معلومات أو جوانب جديدة بالنسبة إىل األرسى الكويتيني .فض ً ال عن إمكانية استثامر العالقات الكويتية -اإليرانية املتميزة يف وساطة تقوم هبا األخرية لدى النظام العراقي لإلفراج
عن أرسى الكويت.
وأخري ًا ،إن دعم النفوذ اإليراين يف اخلليج بالتقارب مع العراق ،من شأنه أن جيعل طهران
مرشحة لوضع الرشيك يف أي ترتيبات أمنية إقليمية مقبلة ،سوا ًء برضا الواليات املتحدة وبريطانيا ،أم من دون إرادهتام .وهذه األخرية قد تدفع املنطقة بأرسها إىل مرحلة جديدة من
التوتر وعدم االستقرار.
وعىل الرغم من أن كل التحليالت السياسية أشادت بالتحول الذي جاء به خامتي يف ما يتعلق بالعالقات اإليرانية -اخلليجية ،التي شهدت حتسن ًا ملحوظ ًا يف السنوات التالية لتويل
خامتي سدة احلكم يف إيران ،وانعكست بشكل واضح يف الزيارات التي قامت هبا الوفود الرسمية والربملانية اإليرانية إىل عدد من الدول اخلليجية وبخاصة اململكة العربية السعودية والكويت،
قمة طهران اإلسالمية يف كانون األول/ديسمرب عام 1997 والتي ظهرت آثارها الطيبة خالل َّ التي أعتربت بمنزلة نجاح كبري للقيادة اإليرانية اجلديدة التي متكنت يف وقت قليل من توليها من كرس العزلة حوهلا نتيجة ظهورها بوجه القيادة املعتدلة املرنة ،تلك القيادة اجلديدة التي سعت إىل التقليل من وترية مناوراهتا العسكرية والبحرية التي كانت جترهيا إيران بشكل مكثف بالقرب من
مضيق هرمز ،األمر الذي كان يس ِّبب القلق للدول العربية اخلليجية ، (2فإن البعض اآلخر ينظر إىل الدور اإليراين يف منطقة اخلليج بنظرة غري متفائلة ،عىل الرغم من معطيات القيادة اجلديدة
يف إيران ،وذلك بالنظر إىل االهتامم اإليراين املبالغ فيه بدعم قوهتا العسكرية التقليدية وغري التقليدية التي تفوق احتياجاهتا للدفاع عن نفسها ومحاية مصاحلها احليوية ،بام َّ يؤكد -ضمني ًا - (2الوضع الراهن يف اخلليج وآفاق املستقبل ،ندوة القبس ،الكويت 11-10 ،ترشين األول/أكتوبر ،1998 ص .153-152 236
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وجود نوايا للهيمنة وفرض سياسة األمر الواقع .والتطور الكبري يف معطيات ومفردات التسلح اإليراين -بخاصة الصواريخ الباليستية ذات املديني املتوسط والبعيد -إنام يشري إىل كرب املجال
احليوي الذي تسعى إيران إىل السيطرة عليه ،بمعنى أهنا تسعى إىل أن تصبح قوة إقليمية عظمى
تفرض مصاحلها اخلاصة ،وهذا يؤكد أن إيران تتمسك بثنائية «التعاون واملواجهة» ،بمعنى أهنا تقوم بتبادل الزيارات اخلارجية عىل خمتلف املستويات ،وبخاصة مع القوى اإلقليمية العربية
الكربى ملد جسور التعاون والثقة ،يف الوقت الذي تسعى إىل احلفاظ عىل استمرار اخللل يف توازن القوى بينها وبني دول اخلليج العربية ،بل وتؤكد امتالكها قدرات فوق تقليدية وأسلحة دمار شامل للمحافظة عىل اسرتاتيجية املواجهة التي تضمن هلا فرض مصاحلها االقتصادية
والسياسية واألمنية بالقوة عىل أي دولة أخرى يف املنطقة .فاسرتاتيجية التعاون جتري مع الدول
القوية يف املنطقة ،بينام جتري اسرتاتيجية املواجهة مع باقي الدول . (2
ثالث ًا :قضايا احلدود ما زالت قضية اجلزر اإلماراتية الثالث مت ِّثل املحور األسايس للعالقات بني دولتي
اإلمارات وإيران ،بل هي أساس قضايا احلدود يف العالقات اإليرانية -اخلليجية ،وهي أحد
أهم أسباب توتر تلك العالقات نتيجة املوقف اإليراين املتشدِّ د جتاه تلك القضية .ويالحظ
أنه وبصفة عامة وعىل الرغم من تغيرُّ القيادات احلاكمة يف إيران واختالف توجهاهتا وتزايد نغمة اإلصالح يف العهد اخلامتي مقابلة بالعهود السابقة ،فإن املوقف اإليراين جتاه تلك املشكلة موحد ًا. بالذات يكاد يكون موقف ًا َّ وعىل الرغم من أن الرئيس خامتي ،وهو ينتهج سياسته اإلصالحية اجلديدة ،قد أعلن أنه
يسعى إىل ختفيف حدَّ ة التوتر يف منطقة اخلليج ،حيث عكس خطابه الرئايس يف الرابع من آب/ أغسطس 1997رغبته يف حتسني العالقات مع دول اجلوار العريب ،وبخاصة دول جملس التعاون
التوجه االنفتاحي العربية ،ودعا إىل حل موضوع اجلزر اإلماراتية عن طريق احلوار ، (3القى هذا ّ ترحيب ًا من جانب العديد من الدول العربية بشكل عام ودول جملس التعاون اخلليجي بشكل (2السويدي« ،مأزق السياسة اإليرانية يف اخلليج ومتطلبات التغيري »،ص .277-274
(3صالح املانع« ،العالقات اخلليجية اإليرانية إبان حكم الرئيس حممد خامتي »،ورقة قدمت إىل :نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران :املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري ،ص .159-158 مركز اخلليج لألبحاث
237
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
األخوة اإلسالمية وروابط خاص لبناء جسور التعاون والتنسيق مع طهران ،تعبري ًا عن روابط ّ اجلوار ،وبأمل أن يؤ ِّدي ذلك التجاوب إىل حلول لكل املشكالت بني اجلانبني العريب واإليراين ويف مقدمها قضية اجلزر ،لكن ذلك مل يتبع بإجراءات عملية سوى زيارة واحدة لوزير اخلارجية،
كامل خرازي ،إىل أبوظبي ،قام هبا يف أواخر شهر أيار/مايو عام ،1998وأشار خرازي يف أحد ترصحياته إىل أن هناك رغبة إيرانية يف حتسن العالقات مع الدول العربية وحل كافة املشكالت رصحت الدكتورة معصومة ابتكار ،نائبة الرئيس القائمة بني إيران ودول جملس التعاون .كذلك َّ
اإليراين ،يف ختام زيارة قامت هبا إىل القاهرة يف مطلع عام ،1999أن مشكلة اجلزر اإلماراتية الثالث ال بد من النظر إليها عىل أهنا قضية جزئية ،وينبغي أال تكون سبب ًا يف توتر العالقات بني البلدين ،وأن حل تلك املشكلة ال بد أن يتم يف إطار ثنائي بني البلدين ،خصوص ًا أن إيران تسعى إىل تطوير عالقاهتا مع كل الدول اإلسالمية لزيادة فاعليتها ،ومنها بالطبع دولة اإلمارات . (3
يالحظ أن تلك الرؤية هي امتداد للرؤية اإليرانية يف عهد الرئيس السابق هاشمي
رفسنجاين ،حيث سبق أن رصح حممد كاظم خونسـاري ،مستشار وزير اخلارجية اإليراين
آنذاك ،خالل زيـارة قام هبا إىل املغرب يف شهر ترشين الثاين/نوفمرب عام 1996قائال« ً:نحن دائ ًام ننوي أن تكون لنا أفضل العالقات مع إخواننا العرب يف منطقة اخلليج .وأعتقد بأنه ال
توجد أي نقاط خالف بيننا وبني إحدى هذه الدول .بالتأكيد هناك خالف جزئي مع دولة اإلمارات العربية ،ونحن نسعى إىل ح ِّله عن طريق احلوار ،وال حاجة هنا بتات ًا إىل أن نفكر يف حل خالفنا مع دولة اإلمارات العربية بطرق أخرى غري طريق احلوار» . (3
من ناحيته ،واصل جملس التعاون لدول اخلليج العربية متابعة قضية اجلزر الثالث، فقد استعرض املجلس الوزاري يف دورته السابعة والستني مستجدات قضية احتالل إيران للجزر الثالث ،طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى ،التابعة لدولة اإلمارات العربية املتحدة ،يف ضوء الزيارة التي قام هبا وزير خارجية اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية إىل أبوظبي يف الثالث والعرشين من أيار/مايو .1998ويف الوقت الذي عبرَّ املجلس الوزاري عن تفاؤله بام أسفرت عنه تلك الزيارة من نتائج ،وعن متنياته بأن يؤ ِّدي استمرار االتصاالت بني البلدين (3التدمري« ،إضاءة عىل العالقات اإليرانية العربية بني عهدين «العهد البهلوي وعهد اجلمهورية اإلسالمية» ومتطلبات التغيري »،ج ،1ص .225
(3انظر حديث حممد كاظم خونساري مستشار وزير اخلارجية اإليراين ،يف :الرشق األوسـط، .1996/11/28 238
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
إىل استجابة احلكومة اإليرانية للدعوات الصادقة باتباع الوسائل السلمية حلل النزاع القائم عىل اجلزر الثالث وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل ،بام يف ذلك القبول بإحالة القضية إىل حمكمة العدل الدولية .وقد َّأكد املجلس الوزاري مواقفه الثابتة بتأكيد سيادة دولة اإلمارات العربية املتحدة عىل جزرها الثالث ،طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى ،ودعمه املطلق لكافة اإلجراءات والوسائل السلمية التي تتخذها اإلمارات الستعادة سيادهتا عىل هذه اجلزر،
ومطالبته احلكومة اإليرانية بإهناء احتالهلا للجزر الثالث ،وإلغاء كافة اإلجراءات وإزالة كل املنشآت التي سبقت إقامتها من طرف واحد يف اجلزر الثالث ،واتباع الوسائل السلمية حلل النزاع وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل ،بام يف ذلك القبول بإحالة القضية إىل حمكمة العدل الدولية .ويف إشارة املجلس الوزاري إىل تطور العالقات مع إيران يف ضوء مواقف دول جملس التعاون التي ترتكز عىل القناعة بأمهية إقامة عالقات طيبة مع اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية عىل أسس ومبادئ حسن اجلوار واالحرتام املتبادل واالمتناع عن التدخل يف الشؤون الداخلية ونبذ استخدام القوة أو التهديد هبا وحل اخلالفات بالطـرق السلمية .أشاد املجلس الوزاري باملؤرشات اإلجيابية واملتمثلة يف تكثيف االتصاالت واللقاءات الثنائية بني دول املجلس واجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ،وعبرَّ عن تفاؤله بأن تثمر هذه اللقاءات والزيارات الرسمية بني اجلانبني عن نتائج إجيابية من شأهنا تعزيز الثقة املتبادلة وإثبات حسن النوايا ،والتوصل إىل حل اخلالفات العالقة بالطرق السلمية ،ويف مقدمها قضية احتالل إيران للجزر الثالث التابعة لدولة اإلمارات العربية املتحدة ،حتقيق ًا لألمن واالستقرار يف املنطقة . (3 عىل الرغم من ذلك ،فقد َّأدت تلك القضية إىل إثارة بعض التوترات يف العالقات بني
البلدين ،ففي أواخر شهر كانون األول/ديسمرب عام 1998رصح الشيخ عبداهلل بن زايد آل هنيان ،وزير اإلعالم اإلمارايت ،بأن «إيران وإرسائيل تشكالن هتديد ًا أكرب للمنطقة من التهديد الذي يشكله العراق» .وإثر ذلك الترصيح قامت إيران باستدعاء القائم باألعامل اإلمارايت يف طهران ،وأبلغته باالحتجاجات اإليرانية عىل هذه الترصحيات ،ثم قام وزير الداخلية اإليراين، عبداهلل موسوي ،يف منتصف شباط/فرباير عام 1999يف الذكرى العرشين للثورة اإليرانية بافتتاح دار للبلدية ومركز تعليمي يف جزيرة أبو موسى ،وهو ما اعتربته دولة اإلمارات تكريس ًا لالحتالل ،وزاد األمور تعقيد ًا أن إيران قد استخدمت -يف الشهر نفسه -اجلزر الثالث قواعد
« (3البيان الصحفي( »،املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية ،األمانة العامة ،الدورة السابعة والستني 28 ،حزيران/يونيو .)1998 مركز اخلليج لألبحاث
239
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
يف مناوراهتا العسكرية يف اخلليج ومضيق هرمز ،وهو ما أدى إىل دعوة اإلمارات إىل اجتامع
طارئ ملجلس التعاون يف آذار/مارس من العام نفسه يف أبو ظبي لبحث التعديات واملناورات العسكرية اإليرانية يف جزر دولة اإلمارات العربية املتحدة املحتلة ومياهها اإلقليمية .وأسفر
االجتامع الطارئ عن إدانة املناورات العسكرية التي قامت هبا إيران ،وطالبتها دول جملس التعاون بالكف عن مثل هذه األعامل االستفزازية التي متثل انتهاك ًا صارخ ًا لسيادة دولة وتعرض املالحة اإلمارات العربية املتحدة ،ومتثل هتديد ًا خطري ًا لألمن واالستقرار يف املنطقةَّ ، اإلقليمية والدولية يف اخلليج العريب للخطر . (3
ويف دورته السبعني أشار املجلس الوزاري إىل استمرار االدعاءات اإليرانية يف اجلزر
الثالث ،طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى ،التابعة لدولة اإلمارات العربية املتحدة،
غري املقبولة ،والقيام بإجراء مناورات عسكرية استفزازية يف املياه اإلقليمية لدولة اإلمارات العربية املتحدة ،وفتح دار للبلدية اإليرانية وجممع تعليمي يف جزيرة أبو موسى هبدف تكريس االحتالل وفرض األمر الواقع.
كام َّأكد املجلس أمهية قيام مجهورية إيران اإلسالمية ،برتمجة توجهاهتا املعلنة ،يف عهد
الرئيس اإليراين حممد خامتي ،برغبتها يف حتسني العالقات مع دول املجلس ،إىل خطوات عملية ملموسة ،قو ً ال وعم ً ال ،وذلك باالستجابة الصادقة للدعوات اجلادة واملخلصة الصادرة من صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل هنيان ،رئيس دولة اإلمارات العربية
املتحدة ،ودول جملس التعاون ودول إعالن دمشق وجامعة الدول العربية واملجموعات واملنظامت اإلقليمية والدولية واألمني العام لألمم املتحدة ،الداعية إىل حل النزاع حول
اجلزر الثالث بالطرق السلمية وفق األعراف واملواثيق وقواعد القانون الدويل ،من خالل املفاوضات املبارشة أو اللجوء إىل حمكمة العدل الدولية باعتبارها الوسيلة السلمية حلل
النزاعات بني الدول من أجل بناء الثقة وتعزيز األمن واالستقرار يف املنطقة.
ويف الوقت الذي جدَّ د املجلس الوزاري تأكيده سيادة دولة اإلمارات العربية املتحدة
عىل جزرها الثالث ،طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى ،ودعمه املطلق لكافة (3البيان الصادر عن الدورة االستثنائية الثالثة والعرشين ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية ،أبو ظبي4 ، آذار/مارس .1999 240
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
اإلجراءات والوسائل السلمية التي تتخذها الستعادة سيادهتا عىل جزرها الثالث ،طالب
احلكومة اإليرانية بإهناء احتالهلا للجزر الثالث ،والكف عن ممارسة سياسة فرض األمر
الواقع بالقوة ،والتوقف عن إقامة منشآت إيرانية يف اجلزر هبدف تغيري تركيبتها السكانية،
وإلغاء كافة اإلجراءات ،وإزالة كل املنشآت التي سبقت إقامتها من طرف واحد يف اجلزر الثالث ،واتباع الوسائل السلمية حلل النزاع ،وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل ،بام يف ذلك القبول بإحالة القضية إىل حمكمة العدل الدولية.
وأشار إىل أن بناء الثقة يتحقق من خالل تبنِّي إيران خطوات عملية ذات مصداقية هادفة حلل املشكالت القائمة بني اجلانبني وفق ًا للقواعد واألعراف الدولية القاضية بحل اخلالفات بالطرق السلمية ،وعىل رأسها قضية احتالل إيران للجزر الثالث ،طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى ،التابعة لدولة اإلمارات العربية املتحدة . (3
من جانبها ،واصلت دولة اإلمارات العربية املتحدة دعوهتا إيران إىل اتباع الوسائل
السلمية وليس االستفزازية يف معاجلة قضية جزر اإلمارات الثالث املحتلة طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى ،وذلك استجابة لدعوة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل هنيان ،رئيس الدولة ،حلل النزاع حال سلمي ًا وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل ،عن طريق املفاوضات املبارشة أو اللجوء إىل حمكمة العدل الدولية.
وأشار رئيس وفد دولة اإلمارات يف الكلمة املوجهة إىل املؤمتر السابع والعرشين لوزراء
خارجية الدول اإلسالمية إىل أن دولة اإلمارات تؤمن بأن احلوار األخوي والب ّناء هو الطريق املثىل حلل النزاعات بني الدول.
وجاء يف تلك الكلمة« :إننا نتطلع ونحن نتفاعل مع العوملة وإفرازاهتا إىل احلرص عىل
العمل املشرتك ملواجهة سلبياهتا وتوحشها ،واستثامر الفرص اإلجيابية فيها واالعتصام بالقيم
العليا وثقافاتنا الوطنية واإلسالمية .إن مسار األحداث السياسية واحلروب التي شهدهتا منطقة اخلليج العريب خالل العقدين املاضيني زاد من قناعتنا بأمهية ترسيخ عالقات التعاون الثنائية واجلامعية بني دول املنطقة وبقية العامل عىل أسس ومبادئ حسن اجلوار وتدابري بناء الثقة
« (3البيان الصحفي( »،املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية ،األمانة العامة ،الدورة السبعني ،الرياض 15-14 ،آذار/مارس .)1999 مركز اخلليج لألبحاث
241
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
والتعايش السلمي ،وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية ،وتعزيز عالقات التعاون اإلقليمي
والدويل .ومن هذا املنطلق ،سعت دولة اإلمارات العربية املتحدة إىل إجياد حل سلمي لقضية احتالل إيران جلزر دولة اإلمارات الثالث طنب الكربى وطنب الصغرى و أبو موسى،
وطالبت اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية باعتبارها دولة إسالمية جارة تربطنا هبا عالقات الدين
واملصالح املشرتكة ،ووجوب العمل عىل حل هذا النزاع من خالل املفاوضات املبارشة ،أو اللجوء إىل حمكمة العدل الدولية ،غري أن املامرسات التي تقوم هبا إيران عىل تلك اجلزر توحي بعكس ما نسعى إليه من حل سلمي ،بل هتدف إىل تكريس االحتالل من خالل اختاذ العديد
من اإلجراءات العسكرية واملدنية بقصد تغيري معاملها وتركيبتها السكانية والعمرانية ،وطمس واقعها القانوين والتارخيي هبدف فرض األمر الواقع ،وباإلضافة إىل ذلك ،تقوم إيران من
وقت آلخر بإجراء مناورات عسكرية تشمل اجلزر الثالث املحتلة ومياهنا اإلقليمية ،وهذه املامرسات ال يمكن إال أن تكون استفزازية ،وتعد تدخ ً ال يف شؤوننا الداخلية ،وتعرض أمن وسالمة املالحة اإلقليمية والدولية يف اخلليج العريب للخطر.
إننا دعاة سالم ولسنا دعاة حرب ،ومن هذا املنطلق ندعو جارتنا املسلمة إيران إىل اتباع
الوسائل السلمية وليس االستفزازية يف معاجلة هذه القضية ،وذلك استجابة للدعوة التي
أطلقها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل هنيان ،رئيس دولة اإلمارات العربية املتحدة، حلل النزاع حول جزرنا املحتلة ح ًّ ال سلمي ًا وفق ًا ملبادئ وقواعد القانون الدويل ،وعن طريق املفاوضات املبارشة أو اللجوء إىل حمكمة العدل الدولية .ونحن نؤمن بأن احلوار األخوي
الب ّناء هو الطريق األمثل حلل النزاعات بني الدول ،وكانت تلك الطريقة التي تم بموجبها التوصل إىل حل مرض للطرفني ملشكالت احلدود التي كانت عالقة بني الشقيقتني اململكة العربية السعودية واجلمهورية اليمنية ،ونحن سعداء هبذا اإلنجاز التارخيي الذي يعترب دلي ً ال عىل الرغبة األكيدة واحلرص املتبادل حلل ما يعرتض العالقات بينهام باحلوار البناء .وهبذه
املناسبة ،ال يسعنا إال أن هننئ الشقيقتني اململكة العربية السعودية واجلمهورية اليمنية لتوقيعهام اتفاق احلدود بني بلدهيام ،آملني أن يشكل هذا اإلنجاز حافز ًا لبقية الدول اإلسالمية حلل خالفاهتا باحلوار والطرق السلمية» . (3
(3نص كلمة اإلمارات يف :املؤمتر اإلسالمي لوزراء اخلارجية ،الدورة السابعة والعرشين 27 ،حزيران/يونيو ،2000والبيان.2000/6/28 ، 242
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
كام َّأكد الشيخ خليفة بن زايد آل هنيان ،ويل عهد أبو ظبي ونائب القائد األعىل للقوات
املسلحة اإلماراتية ،حرص دولة اإلمارات ورغبتها الصادقة يف إجياد حل سلمي ملشكلة اجلزر اإلماراتية الثالث ،طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى ،التي حتتلها إيران ،مشري ًا إىل أن حل هذه املشكلة سلمي ًا سيوفر ظروف ًا مالئمة لقيام تعاون خالق بني دول املنطقة يف كل املجاالت ،والذي من شأنه توفري األمن واالستقرار والرخاء لشعوهبا ،ومتكني املنطقة من مواجهة حتديات عرص العوملة والتجارة احلرة والتكتالت االقتصادية العاملية . (3
هذا الرأي هو الذي أكده قادة الدول اخلليجية يف البيان اخلتامي للقمة احلادية والعرشين ملجلس التعاون اخلليجي التي عقدت يف املنامة بدولة البحرين ،حيث َّأكدوا دعمهم لإلمارات
يف مطالبتها باسرتداد السيادة عىل اجلزر الثالث.
إال أن رد الفعل اإليراين جاء خمالف ًا للتوقعات اإلماراتية واخلليجية ،حيث رفضت إيران املوقف الذي اختذه جملس التعاون اخلليجي دع ًام ملطالب دولة اإلمارات العربية املتحدة يف ما يتعلق بنزاعها مع إيران حول اجلزر اإلماراتية الثالث املحتلة ،واعتربت أن الدول اخلليجية «تبنت هذه املرة موقف ًا سينعكس سلب ًا عىل مسرية العالقات اإليرانية -اخلليجية التي تقدمت
أشواط ًا كبرية منذ انتخاب الرئيس خامتي عام .»1997
وقال املتحدث باسم وزارة اخلارجية اإليرانية ،محيد رضا آصفي ،يف مؤمتر صحايف:
إن «هذه اجلزر جزء ال يتجزأ من األرايض اإليرانية ،وستبقى كذلك إىل األبد» .وأضاف إن «البيان اخلتامي لقمة جملس التعاون اخلليجي ليس واقعي ًا ،ويفتقر إىل روح التعاون» ،وقال إن «دعم اإلمارات غري مقبول ومؤسـف … ألنه يثري املطالبة بجزء من أراضينا» ،مشري ًا إىل أن
إيران «تبقى عىل استعداد إلجراء مفاوضات ثنائية مع اإلمارات يف موضوع إدارة جزيرة أبو
موسى فقط ،وعىل أساس االتفاقات القائمة بني البلدين».
ورفض آصفي من جهة أخرى اللجنة التي َأ ّلفها جملس التعاون اخلليجي يف متوز/يوليو
عام ،1999تضم وزراء خارجية كل من السعودية وقطر وسلطنة ُعامن إلجراء حوار بني
طهران وأبو ظبي حول نزاعهام.
(3الرشق األوسـط.2000/11/3 ، مركز اخلليج لألبحاث
243
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
وأضاف« :لقد شككنا منذ البداية يف نجاح هذه اللجنة ألننا نرى أن احلل يكمن يف
مفاوضات ثنائية من أجل تبديد سوء التفاهم مع اإلمارات» . (3
وقال أحد املصادر اإليرانية يف ذلك الوقت لصحيفة الرشق األوسط إن إيران «لن
ختضع ألي ضغط من أية جهة ،إقليمية كانت أم دولية يف القضايا املصريية مثل وحدة أراضيها وأمنها القومي» .واعترب أن هناك اتفاقيات ومعاهدات حتدد اخلطوط العامة للعالقات بني إيران ودولة اإلمارات العربية املتحدة ،التي قال إهنا «كانت ملتزمة حتى هناية الثامنينيات بتلك
االتفاقيات واملعاهدات ،رغم أهنا كانت موقعة قبل تشكيل الدولة االحتادية ،ومن قبل إحدى اإلمارات السبع (أي الشارقة)» . (3
واعرتف بدور بعض اجلهات يف إيران ،ومنها القيادة السابقة للحرس الثوري ،يف إثارة مشكلة اجلزر بعد عرشين عام ًا من التعايش والتفاهم بني سكان أبو موسى من خالل تطبيق
اتفاقية عام.1971
وأضاف املصدر« :إن طرد بعض سكان اجلزيرة من اإلماراتيني واملواطنني العرب العاملني يف اجلزء اإلمارايت ألبو موسى ،كان عم ً ال استفزازي ًا وخمالف ًا اللتزامات إيران ،غري أن احلكومة اإليرانية بعد انتخاب خامتي اختذت عدة قرارات إلعادة األمور يف أبو موسى إىل طبيعتها».
وذكر أن ثالثة مرشوعات اسرتاتيجية سبق أن صادق عليها املجلس األعىل لألمن
القومي اإليراين تم تأجيلها إىل أجل غري مسمى بعد أن توىل خامتي الرئاسة ورئاسة املجلس. وأكد أن الدافع وراء قرار خامتي هذا هو هتدئة مشاعر اإلماراتيني وسائر جارات إيران يف اخلليج ،والتأكد من حسن نية إيران جتاه أهل اخلليج بوجه عام والشعب اإلمارايت بوجه
خاص .وتضمنت تلك املرشوعات ما ييل:
إنشاء حمافظة جزر اخلليج وعاصمتها أبو موسى. تأسيس قاعدة جوية كربى يف جزيرة أبو موسى ،إىل جانب تطوير القاعدة البحرية (3الرشق األوسـط.2001/1/2 ، (3املصدر نفسه. 244
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
بإنشاء ميناء حريب وأرصفة ضخمة الستقبال املدمرات والسفن احلاملة للصواريخ وطائرات
اهلليكوبرت.
حتويل جزيريت طنب الصغرى وطنب الكربى إىل مركزين لالستطالع والتجسسوبناء منصات صاروخية. وعىل صعيد تطورات القضية ،جاءت الزيارة التي قام هبا وزير الدولة للشؤون اخلارجية اإلمارايت ،الشيخ محدان بن زايد آل هنيان ،إىل طهران يف حزيران/يونيو عام ،2002وأجرى خالهلا حمادثات مع الرئيس اإليراين ،حممد خامتي ،ونائبه ،حممد عيل أبطحي ،ووزير اخلارجية، كامل خرازي ،تلك الزيارة التي دفعت التأكيدات اإلماراتية واإليرانية إىل نجاحها .وهو ما دفع املراقبني واملتابعني لقضية اجلزر والعالقات اإليرانية -اإلماراتية إىل التساؤل عن املعطيات التي ساعدت عىل حتقيق هذا النجاح ،وعام إذا كان ما حتقق كافي ًا لرسم شكل جديد للعالقات بني البلدين بشكل عام ،وحتديد مستقبل النزاع بينهام حول اجلزر الثالث طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى بشكل خاص. وأشارت التحليالت يف هذا الصدد إىل أنه خالل الزيارة وضع الطرفان إطار ًا جديد ًا ملعاجلة موضوع اجلزر خيتلف عن األسلوب الذي انتهجه البلدان يف السابق .وقد سامهت يف تعديل إطار املعاجلة مجلة من املتغريات التي أثرت يف املوقفني اإلمارايت واإليراين وجعلتهام يبحثان عن آلية جديدة ملناقشة خالفاهتام ،وأن العنوان العريض إلطار املعاجلة اجلديد هو العمل عىل إعادة اخلالف إىل الدائرة الضيقة املتمثلة يف احلوار الثنائي واعتامد دبلوماسية اخلطوة خطوة التي أثبتت فاعليتها يف معاجلة العديد من األزمات الدولية. ويف هذا السياق كان هناك -عىل ما يبدو -اتفاق عىل أمرين: األول :سحب موضوع اجلزر من التداول اإلعالمي ،والعودة به إىل ما قبل اندالع أزمة
جزيرة أبو موسى عام ،1991عندما اختذت السلطات اإليرانية إجراءات من جانب واحد لفرض سيادهتا عىل اجلزيرة ،خالف ًا ملذكرة التفاهم املوقعة بني البلدين عام .1971 الثاين :جتميد بحث هذا املوضوع يف املحافل اإلقليمية والدولية إلعطاء االتصاالت
الثنائية اجلديدة فرصة كافية ،عىل أمل أن تثمر هذه االتصاالت عن حلول عادلة ومقبولة
بالنسبة إىل الطرفني.
مركز اخلليج لألبحاث
245
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
جتلت مظاهر هذا التوافق يف الصيغة اجلديدة التي تعاطت فيها األمانة العامة ملجلس
التعاون مع موضوع اجلزر باعتباره أحد بنود جدول أعامل االجتامعات الوزارية للمجلس
يوم 9حزيران/يونيو ،2002أو حتى يف ترصحيات األمني العام ملجلس التعاون بعد القمة التشاورية يف جدة ،إذ يبدو أن بند اجلزر سيدرج يف جدول أعامل االجتامعات اخلليجية ضمن
صيغة عامة تتضمن الرتحيب باملفاوضات واالتصاالت الثنائية اجلارية بني دولة اإلمارات وإيران حلل خالفاهتام ،من دون اإلشارة إىل موضوع اجلزر ،ففي اجتامع املجلس الوزاري يف
دورته التي عقدت بمدينة جدة يف أيلول/سبتمرب عام ،2003ناقش املجلس قضية احتالل اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية للجزر الثالث :طنب الكربى ،وطنب الصغرى ،وأبو موسى،
التابعة لدولة اإلمارات العربية املتحدة .وبعد تأكيده مواقف دول املجلس الثابتة ،وقراراهتا السابقة ،الداعمة حلق دولة اإلمارات العربية املتحدة الكامل ،يف سيادهتا عىل جزرها الثالث،
وعىل املياه اإلقليمية ،واإلقليم اجلوي ،واجلرف القاري ،واملنطقة االقتصادية اخلالصة للجزر الثالث ،باعتبارها جزء ًا ال يتجزأ من دولة اإلمارات العربية املتحدة ،أعرب املجلس عن تطلعه ألن تؤدي االتصاالت املهمة ،اجلارية بني دولة اإلمارات العربية املتحدة واجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ،إىل حل سلمي لقضية اجلزر الثالث ،وبام ُيساهم يف تعزيز األمن واالستقرار يف املنطقة . (4 القراءة األوىل هلذا التطور بشأن أسلوب التعاطي مع موضوع اجلزر قد تشري إىل
تراجع إمارايت عن مكاسب إعالمية وسياسية حتققت من خالل طرح هذه القضية يف املحافل
اإلقليمية والدولية ،ومن خالل املنابر اإلعالمية املختلفة ،لكن يف مقابل ما يمكن اعتباره تراجع ًا إماراتي ًا ،هناك ثمن يبدو أن إيران أصبحت اآلن عىل استعداد لدفعه ،ويتمثل يف قبول إيران العودة إىل اتفاقية التفاهم املوقعة بينها وبني إمارة الشارقة يف ترشين الثاين/نوفمرب عام
،1971التي أصبحت بحسب األعراف والقوانني الدولية وثيقة قانونية بني دولة اإلمارات وإيران ،باعتبار أن الدولة االحتادية اإلماراتية هي الوريث القانوين لالتفاقات التي أبرمتها
اإلمارات األعضاء قبل انضاممها لالحتاد.
وعودة إيران إىل اتفاقية التفاهم ال تقترص عىل قبوهلا االتفاقية إطار ًا قانوني ًا حيكم وضع « (4البيان الصحفي( »،املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية ،الدورة الثامنة والثامنني ،جدة، 8أيلول/سبتمرب .)2003 246
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
جزيرة أبو موسى فقط ،بل يمتد أيض ًا نحو الرتاجع عن كل اخلطوات التي اختذهتا إيران يف اجلزيرة خالل السنوات العرش املاضية لفرض سيادهتا عىل اجلزيرة بصفة األمر الواقع ،وخالف ًا
ملا نصت عليه مذكرة التفاهم املشار إليها . (4
وبوضع ما يتعني عىل إيران الرتاجع عنه من إجراءات يف اجلزيرة بامليزان ،فإن هناك
مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية عدة يمكن تسجيلها ملصلحة اإلمارات:
إن مثل هذا الرتاجع يعني إقرار إيران بأن السيادة عىل جزيرة أبو موسى ليستحمسومة ،خالف ًا ملا كانت تعلنه وتؤكده طوال الفرتة املاضية. كام إن هذا الرتاجع يعني التزام إيران الرتاجع أيض ًا عن كل اخلطوات واإلجراءاتالتي استهدفت تكريس احتالهلا للجزيرة ،خالف ًا ملذكرة التفاهم التي تتضمن ترتيبات القتسام
إدارة اجلزيرة وحتديد املناطق التي تكون فيها إليران سلطات وتلك التي ختضع لسلطة اإلمارات ،والتي تنص أيض ًا عىل االستغالل املشرتك للثروات الطبيعية عىل أساس املناصفة، وأن تكون ملواطني إيران واإلمارات حقوق متساوية يف املياه اإلقليمية للجزيرة.
وضمن هذه االلتزامات أيض ًا ،سيكون عىل إيران الرتاجع عن تعيني قائد عسكريللجزيرة ،ووضع املطار الذي قامت ببنائه بصفته مرفق ًا من مرافق االنتفاع املشرتكة ،وتقليص الوجود العسكري اإليراين يف اجلزيرة الذي ازداد عدد ًا وعدة خالل فرتة األزمة ،والرتاجع
عن حماوالت فرض واقع ديمغرايف وسكاين خيدم يف املحصلة مطالب إيران بفرض السيادة عىل كامل اجلزيرة.
كام يقتيض األمر امتناع إيران عن القيام بمناورات حربية مثل تلك التي اعتادتالقيام هبا والتي كانت من املظاهر املستفزة واملهددة لألمن اإلقليمي .ويقتيض األمر أيض ًا االمتناع عن فرض قيود عىل حقوق اإلماراتيني يف الدخول إىل اجلزيرة وفق ما نصت عليه
مذكرة التفاهم ،وكذلك السامح ملواطني احلكومة اإلماراتية من غري رعايا اإلمارات بالدخول
للعمل يف املرافق واخلدمات التي تقدمها السلطات اإلماراتية ملواطنيها يف اجلزيرة.
« (4متغريات إقليمية ودولية تغري مسار العالقات اإلماراتية ـ اإليرانية »،الرشق األوسط،2002/6/8 ، راجع ذلك يف موقع صحيفة الرشق األوسط ،وبيانه كالتايل:
www.alsharqalawsat.com/pc/news/8،6،2002،024.html.
مركز اخلليج لألبحاث
247
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
ال يبدو أن قضية جزيرة أبو موسى ستكون هناية املطاف بالنسبة إىل اإلمارات ،التي لن
تتخىل عن مطالبها بجزيريت طنب الصغرى وطنب الكربى ،لكن يبدو أن دبلوماسية اخلطوة خطوة والتدرج يف معاجلة اخلالف مع إيران قد يقتضيان من اإلمارات أن تقبل مرحلي ًا عدم الربط بني وضع جزيرة أبو موسى ووضع جزيريت طنب الكربى وطنب الصغرى.
وسيكون البديل من هذا الربط صيغة فضفاضة ،تنص عىل أن يتم البحث يف قضية
العودة إىل الرتتيبات اخلاصة بجزيرة أبو موسى وفق اتفاقية التفاهم ،عىل أن يواصل البلدان
بحث أي خالفات عالقة أخرى ،وهي عبارة تقبل هبا إيران لإلشارة الضمنية إىل اخلالف حول السيادة عىل اجلزيرتني األخريني.
وأي ًا كانت االجتاهات التي ستأخذها مفاوضات البلدين يف املرحلة املقبلة ،فإن هذه
االجتاهات حمكومة بجملة من املتغريات املؤثرة يف املوقفني ،وهناك عوامل عدة ،منها : (4
حتسن موقع اجلناح اإلصالحي يف إيران بشكل جيعله قادر ًا عىل اختاذ مواقف سياسيةمرنة يف بعض القضايا الدولية ،خالف ًا ملا كانت عليه احلال يف بداية الثورة اإليرانية ،حيث
كانت هذه القضايا الدولية عرضة ملزايدات األحزاب والتيارات السياسية اإليرانية.
-شعور القيادة اإليرانية بأن قضية اجلزر ستكون عقبة حقيقية أمام تطوير عالقاهتا
باملحيط اإلقليمي الذي يمثل عمق إيران األمني واالقتصادي والتجاري.
حماولة القيادة اإليرانية تطويق أي مشكالت إقليمية قد تكون ذريعة أو سبب ًا يفتعطيل جهودها للخروج من العزلة الدولية ،أو تكون ذريعة وسبب ًا مستقبلي ًا لتصفية حسابات سياسية مع الواليات املتحدة األمريكية.
قناعة القيادة اإليرانية بأن الوجود العسكري األمريكي خصوص ًا والغريب عموم ًايف منطقة اخلليج أصبح جزء ًا من معادلة األمن اإلقليمي يف املنطقة ،ويتعني التعامل مع هذا
الوجود بصفته جزء ًا من احلقائق السياسية للمنطقة.
وجاء هذا التحول بعد أحداث أفغانستان ومن بعدها أحداث العراق التي مل ترتك (4املصدر نفسه. 248
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
الوجود العسكري األمريكي يف الضفة الغربية للخليج فقط ،بل أصبح عىل احلدود الربية اإليرانية مع أفغانستان ويف العراق ،األمر الذي يعني أن حجة إيران العتبار هذه اجلزر عنرص ًا يستخدم لتدعيم الوجود األمريكي يف املنطقة أصبحت حجة واهية ،بعد أن أصبح هذا الوجود
يف احلديقة اخللفية إليران وهي مناطق حدودها مع أفغانستان والعراق.
أما املتغريات التي أثرت يف املوقف اإلمارايت فقد متثلت يف عوامل عدة : (4 -فشل جهودها يف تأمني ضغط إقليمي أو دويل كاف جيرب إيران عىل القبول بفكرة
احلل السلمي لقضية اجلزر عىل أساس القوانني الدولية أو العرض عىل حمكمة العدل الدولية،
بانتهاء مهمة اللجنة الثالثية اخلليجية من دون توفر بديل سيايس هلا.
-شعور املسؤولني اإلماراتيني بأن تشددهم يف بحث قضية اجلزر الثالث دفعة واحدة
أسهم يف استفزاز اجلانب اإليراين ،بحيث أقدم عىل خطوات لتكريس احتالله للجزر الثالث عرب إجراءات عسكرية وإدارية من جانب واحد ،وهذا معناه فرض أمر واقع يصعب تغيريه
يف املستقبل.
-النجاح النسبي الذي حققه اجلناح اإلصالحي اإليراين يف احتواء النجاحات
السياسية التي حققتها دولة اإلمارات بشأن قضية اجلزر عىل الصعيدين اإلقليمي والدويل، فإيران استطاعت فتح جسور جديدة مع دول خليجية فاعلة مثل السعودية وسلطنة ُعامن
وقطر ،كام إهنا استطاعت كرس طوق عزلتها يف الساحة األوروبية من خالل استعادة عالقاهتا
الدبلوماسية مع بريطانيا وتنشيط عالقاهتا بدول أوروبية أخرى.
وعليه ،إن الدبلوماسية اإلماراتية مل تعد يف وارد املراهنة عىل الضغط اخلليجي أو الدويل
إلجبار إيران عىل قبول التحكيم أو أي شكل من أشكال التسوية السلمية التي تطرحها.
استغالل فرصة وجود اجلناح املعتدل عىل رأس السلطة يف إيران ،األمر الذي قدِّ يمكن اإلمارات من احلصول عىل مكاسب سياسية يف التعاطي املبارش مع هذا اجلناح الذي مل يكن يف احلكم عندما أقدمت طهران عىل تصعيد احتالهلا للجزر من خالل إلغاء مذكرة التفاهم اخلاصة بجزيرة أبو موسى. (4املصدر نفسه. مركز اخلليج لألبحاث
249
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
من هنا ،ويف ضوء هذه املتغريات ،يمكن القول إن قضية اجلزر تدخل مرحلة جديدة
قد ال يكون من السهل تتبع درجة إيقاعها وتسارعها .لكن مع ذلك ،ما زالت إيران تتمسك بموقفها واحتالل اجلزر اإلماراتية الثالث ،عىل الرغم من املحاوالت املضنية من جانب أبو ظبي
للتوصل إىل تسوية بشأن هذا األمر ،سواء باجللوس عىل مائدة احلوار املبارش ،أم عن طريق إحالة
القضية برمتها إىل حمكمة العدل الدولية ،أو هيئة حتكيم خمتارة .ومن املعروف أن إيران تدرك جيد ًا االلتفاف العريب املؤيد للموقف اإلمارايت من القضية ،وختشى تفويت فرصة التقارب مع الدول اخلليجية والعربية من جراء هذا التهديد ،لذا فإهنا حتاول استاملة أطراف خليجية أخرى للدخول يف دائرة العالقات الثنائية الوطيدة ،أم ً ال يف أن يؤدي ذلك إىل جتاهل قضية اجلزر املحتلة ،وتؤكد عدم استعدادها لتقديم تنازالت تسمح بتسوية مرضية تأخذ بحساهبا حقوق اإلمارات التارخيية ،ويبدو أهنا ال تأبه كثري ًا ملوقفها املتشدد من القضية ،وعىل الرغم من حرصها عىل تكريس التعاون مع الدول العربية ،فإنه سيتعذر عليها توثيق عالقاهتا متام ًا هبذه الدول.
سيكون التغري يف املوقف اإليراين من هذه القضية بحد ذاته مؤرش ًا عىل جدِّ ية إيران
يف حتسني عالقاهتا بالعامل العريب ،ومن ثم عىل رجحان كفة االعتدال يف سياستها اخلارجية، وتبديل فكرة الدور املهيمن إىل الدور املشارك ،وبمفهوم املخالفة ،فإن اإلرصار اإليراين عىل عدم تغيري املوقف من القضية َّ يؤكد صحة هذا الطرح ،بأن احلد األدنى من الثوابت اإليرانية يف احلفاظ عىل األرض واحتالهلا سيكون بمنزلة خط أمحر ال يمكن االقرتاب منه
أو املساس به.
رابع ًا :قضايا األمن والتسلح ترتكز السياسة العسكرية اإليرانية يف جمال التسلح عىل املجاالت اآلتية : (4
-مصادر التس ُّلح من خالل استرياد األسلحة واملعدات من اخلارج ،وحماولة احلصول
عىل نوعيات متقدمة من األسلحة.
-تطوير القاعدة الصناعية احلربية املحلية إليران ،للوفاء بالتزامات القوات املسلحة،
وحتقيق الكفاية الذاتية الدفاعية.
(4مظلوم ،القدرات العسكرية اإليرانية التقليدية وغري التقليدية ،ص .12 250
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
-بناء هيكل صناعي إلنتاج أسلحة الدمار الشامل يف املجاالت النووية والكياموية
والبيولوجية.
وتنطوي التطورات املتالحقة يف برنامج إيران لتطوير قدراهتا النووية عىل انعكاسات
اسرتاتيجية بالغة األمهية عىل الصعيدين اإلقليمي والعاملي بصفة عامة ،ومنطقة اخلليج العريب والدول املجاورة بصفة خاصة ،حيث إن تطوير القدرة النووية اإليرانية إىل جانب إدخال
الصاروخ (شهاب )3إىل اخلدمة العامة يف الرتسانة العسكرية اإليرانية يمثالن قفزة نوعية مهمة يف القدرات العسكرية اإليرانية عموم ًا ،و امتالك إيران أيض ًا إمكانات صنع القنبلة النووية يساعد عىل تعزيز مكانتها اإلقليمية عىل مستوى اخلليج والرشق األوسط.
وبصفة خاصة ،فإن الفكر االسرتاتيجي اإليراين يرتكز أساس ًا عىل توظيف إمجايل
القدرات العسكرية اإليرانية من أجل ردع أي هجامت أمريكية أو إرسائيلية أو أمريكية
-إرسائيلية ضد املنشآت النووية اإليرانية ،عالوة عىل حرص القيادة اإليرانية عىل توظيف
التطور يف القدرات النووية اإليرانية من أجل تعزيز املوقف اإليراين يف القضايا املتعلقة بأمن اخلليج.
وكانت وزارة الدفاع اإليرانية قد أجرت جتربة ناجحة عىل إطالق صاروخ (شهاب،)3-
وهي التجربة الثانية عىل هذا الصاروخ بعد التجربة التي أجريت يف متوز/يوليو 1998التي
غلب عليها الطابع الدعائي والسيايس .ويصل مدى (شهاب )3-إىل ألف وثالثمئة كيلومرت، وتبلغ رسعته سبعة آالف كم/ساعة ،وحيمل رأس ًا متفجرة تزن نحو ثامنمئة كلغ .ويرتكز الصاروخ اإليراين يف تصميمه عىل صاروخ من كوريا الشاملية وهو صاروخ (نودونج) ،الذي
تم تطويره هو اآلخر من صاروخ سكود السوفيايت الشهري .كام أعلنت إيران يف شباط/فرباير 1999عن جتربة الختبار حمرك الصاروخ (شهاب ،)4-وهو ما سيمكن إيران -وفق ًا للتقارير اإلرسائيلية يف هذا الشأن -من هتديد العديد من العواصم ومنها تل أبيب ،إضافة إىل اجلنود األمريكيني يف منطقة اخلليج . (4
يدرك املتابع للشأن اإليراين أن الطموحات اإليرانية ال تقف عند حد إطالق هذا
الصاروخ ،حيث تستعد إيران لزيادة مدى هذه الصواريخ حتى يصل إىل ألفي كيلومرت. (4املصدر نفسه ،ص .56 مركز اخلليج لألبحاث
251
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
وتطوير صواريخ شهاب هيدف إىل إنتاج صاروخ بمدى مخسة آالف كيلومرت ،وذلك إلطالق
قمر صناعي جتسيس إىل الفضاء يف السنوات املقبلة.
بل ويشري املراقبون إىل أن هدف إيران األكرب هو إحراز سالح نووي ،يمكن حتميله عىل
الصواريخ اإليرانية.
ومن ناحية أخرى ،يف حال نجاح إيران يف تطوير الصاروخني (شهاب )5/4وإدخاهلام إىل اخلدمة الفعلية ،فإن ذلك سوف حيدث انقالب ًا يف مصاف الدول القليلة يف العامل املالكة
لتكنولوجيا الصواريخ الباليستية بعيدة املدى ،وهي قدرة ال تتوافر يف الرشق األوسط إ َّ ال إلرسائيل.
احلقيقة أن برنامج القدرات النووية اإليرانية ،وبرنامج إنتاج هذين الصاروخني هيدفان
بالذات إىل زيادة املكانة الدولية إليران أكثر من كوهنام موجهني ضد هتديدات معينة ،حيث يبدو أن إيران وجدت نفسها مهدَّ دة يف ظل قيام اهلند وباكستان بتطوير قدرات صاروخية
باليستية متطورة ،باإلضافة إىل أن إرسائيل متتلك بدورها قدرات صاروخية مهمة ،األمر الذي دعا إيران إمجا ً ال إىل الدخول يف هذا السباق النووي والصاروخي . (4 ومتتلك إيران ترسانة ضخمة من الصواريخ الباليستية التكتيكية أرض -أرض ،منها: صواريخ سكود ب/يس روسية مداها أربعمئة ومخسون كيلومرت ًا. صواريخ صينية ( )CSS/8مداها مخسة وثالثون كيلومرت ًا. عدد من الصواريخ الكورية (نودونج.)1- -وكانت آخر التطورات التي شهدهتا املنظومة اإليرانية تدشني نوعني من الصواريخ
املضادة للدروع من طراز (توسان )1-و(ام )113-يمكن توجيههام بدقة بالغة ،ويعترب هذان
الصاروخان متشاهبني للغاية مع نموذج حميل من صواريخ (كوتكورز) الروسية التي يطلق عليها حلف األطليس اسم (ايه يت 5-سباندريل)َّ ، وتركب هذه الصواريخ عىل منصة ثالثية (4أمحد إبراهيم حممود« ،إيران وجهود تطوير الصواريخ الباليستية »،السياسة الدولية ،العدد ( 136نيسان/ أبريل .)1999 252
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
القوائم عىل املركبات املصفحة مثل املدرعة الروسية (يب ام يب )2-الرباعية الدفع ،واملدرعة
اإليرانية اخلفيفة (بورا).
وتضع إيران أيض ًا نسخة من صواريخ (ايه يت جي دبليو) التي تصنعها رشكتا رايثونوبوينج األمريكيتان والتي توجه بالسلك ملسافة ثالثة آالف وسبعمئة ومخسني مرت ًا ،وذلك
حتت اسم (طوفان) و(طوفان ،)2-وهي صواريخ موجهة بعيدة املدى مضادة للدبابات.
-وقد عمدت إيران إىل االستعانة بالتكنولوجيا الروسية والصينية والكورية لتطوير
وتصنيع الصواريخ أرض -أرض قصرية املدى ،مثل (عقاب) و(شاهني) و(نازايت) العاملة حالي ًا يف القوات اإليرانية. وأشارت املخابرات املركزية األمريكية إىل أن إيران سعت إىل احلصول عىل الكميات
الكافية من اليورانيوم عايل التخصيب الالزم لصنع مخس وعرشين قنبلة من النوع الذي سبق
إلقاؤه عىل اليابان عام ،1945وذلك بالنظر إىل توافر احتامالت حصول إيران عىل مئات
األطنان من خمزون ثاين أكسيد اليورانيوم املركز ،وكميات حمدودة من اليورانيوم منخفض التخصيب من جنوب أفريقيا ،واحلصول عىل اثنني من مفاعالت البحوث النووية من الصني اللذين يمكن استخدامهام يف عمليات الفصل الكهرومغناطييس إلنتاج اليورانيوم عايل
التخصيب بتطبيق تقنيات اهلندسة العكسية.
وعىل الرغم من االعرتاضات املتتالية للواليات املتحدة ،فإن الدور الرويس ال يزال
يمثل حجر الزاوية يف مستقبل الربنامج النووي اإليراين الذي يرتكز من وجهة النظر الروسية
عىل نقطتني رئيسيتني:
األوىل :تتعلق بأحقية إيران يف احلصول عىل التسهيالت ال َّ الزمة المتالك مفاعل نووي جزئي ًا ،وأن هذا احلق ال يتعارض مطلق ًا مع رشوط اتفاقية منع االنتشار النووي التي سبق
إليران التوقيع عليها.
الثانية :تؤكد أن وجود املراقبني الروس ضمن أطقم الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تقوم بمراقبة النشاط النووي اإليراين سوف حيقق التأمني ال َّ الزم ضد احتامالت سوء استخدام هذه التسهيالت يف الربامج املوجهة لالستخدامات غري السلمية.
مركز اخلليج لألبحاث
253
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
وبناء عىل ذلك ،فقد استمرت روسيا يف تدعيم الربنامج النووي اإليراين ،ومتثل هذا
الدعم يف اآليت:
-توقيع حكومة روسيا االحتادية جمموعة من الربوتوكوالت الرسية مع إيران تتضمن
الدعم الرويس لبناء مفاعالت أبحاث إيرانية يف جمال ختصيب اليورانيوم باستخدام تكنولوجيا
الطرد املركزي الفاعل للغاز.
-تدريب العلامء اإليرانيني يف املعاهد األكاديمية الروسية من ( 20 - 10سنة) ،وتوفري
العلامء والفنيني الروس الالزمني لتشغيل مفاعل بوشهر ومواقع أخرى يف إيران.
تنمية مناجم اليورانيوم يف إيران ،عل ًام بأنه لدى روسيا أكرب برنامج ختصيب لليورانيوميف العامل ،باإلضافة إىل توفر الرشكات واخلرباء الروس الذين يرغبون يف التعاون مع إيران أم ً ال
يف التهرب من قوانني السيطرة الوطنية عىل التصدير.
-ويف أعقاب زيارة سكرتري املجلس األعىل لألمن القومي اإليراين ،حسن روحاين ،لروسيا
يف منتصف كانون الثاين/يناير عام 2000لتدعيم التعاون يف املجال النووي ،أعلن نائب رئيس احلكومة الروسية املسؤول عن ملفات التسلح (إيليا كليبانوف) أن الطرفني الرويس واإليراين
توصال إىل اتفاق بصدد مشاركة روسيا يف بناء ثالثة أقسام إضافية ملحطة بوشهر الكهروذرية عىل اخلليج ،إىل جانب القسم األول الذي يواصل خرباء روس استكامل بنائه يف غضون سنوات عدة،
كام وافقت موسكو عىل تزويد املحطة بمفاعالت نووية من طراز (ف.ف.آر .)1000 -واجلدير
بالذكر أن االتفاق عىل بناء ثالثة أقسام إضافية يف حمطة بوشهر الكهروذرية هو أمر جيعل التعاون احلساس للغاية تعاون ًا سيستمر لفرتة طويلة املدى. بني الطرفني يف هذا املجال َّ -عىل الرغم من أن الروس قد التزموا للواليات املتحدة عام 1995بعدم إبرام أي
اتفاقـات جديدة إلمـداد إيـران بأي أسـلحة تقليديـة جديـدة ،فإنه يف الثاين من ترشين األول/أكتوبر 2001وقعت إيران وروسيا اتفـاق ًا يقيض بمد إيـران وملدة مخس سـنوات مقبلة قرر الرئيس بوتني استئناف التعاون بأسـلحة تبـلغ قيمتها ثالثمئة مليـون دوالر سنوي ًا ،وقد َّ
العسكري مع إيران من جديد واالنسحاب من االتفاق الذي تم توقيعه يف أيار/مايو 1995 بني نائب الرئيس األمريكي (آل غور) ورئيس الوزراء الرويس آنذاك (فيكتور تشرينو مريدين)
الذي كان يقيض بإهناء مبيعات األسلحة الروسية إىل إيران مع هناية عام ،1999غري أن املوعد 254
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
املحدَّ د مر من دون أن تتوقف روسيا عن مبيعاهتا من األسلحة إليران .ومع تزايد التعاون العسكري بني روسيا وإيران ازدادت املخاوف والقالقل لدى الواليات املتحدة األمريكية من وحيجم من نفوذها هذا التعاون الذي يضعف من سيطرة وهيمنة الواليات املتحدة عىل إيران، ِّ العسكري يف املنطقة باعتبارها حجر عثرة أمام الواليات املتحدة األمريكية يف الرشق األوسط وأمام عملية السالم .ويف ضوء ذلك اخلوف ،سعت الواليات املتحدة األمريكية إىل توقيع اتفاقية
رسية يف أيار/مايو 1995بني اجلانب األمريكي بزعامة (آل غور) نائب الرئيس األمريكي بيل كلينتون وبني اجلانب الرويس الذي مثله رئيس الوزراء الرويس (فيكتور تشرينو مريدين) آنذاك إلهناء مبيعات األسلحة الروسية إىل إيران بنهاية عام ،1999وتضمنت االتفاقية رشط ًا يؤكد
عدم إبرام روسيا عقود ًا جديدة يف جمال التسلح ونقل التكنولوجيا العسكرية إىل إيران ،وهذا الرشط نفسه وافق عليه بوريس يلتسن ،ووضع توقيعه عىل بروتوكول خاص هبذا الشأن مع
توقيع بيل كلينتون يف الثاين عرش من أيار/مايو .1995
تضمن االتفاق أيض ًا عدم تنفيذ موسكو التفاق رسي بينها وبني بالنسبة إىل موسكوّ ،
طهران ينص عىل تزويد األوىل بجهاز للطرد املركزي يساعد إيران عىل تركيز اليورانيوم
ومعاجلته بحيث تستطيع صناعة القنبلة الذرية ،وقد متكن كلينتون من إقناع يلتسن بإلغاء هذا
امللحق الرسي التابع التفاقية (بوشهر) ،وحرمت روسيا من نصف بليون دوالر . (4
كام تعتقد مصادر اخلارجية األمريكية بأن الصني قامت ببناء مصنع لليورانيوم (سدايس
الفلوريد) ضمن اتفاقية التعاون النووي مع إيران املوقعة عام ،1991كام تم وصول شحنة من غاز (سدايس فلوريد اليورانيوم) إىل إيران عام .1994يعزِّ ز ذلك كله ترصيح وكالة أنباء إيران من مصدر حكومي يف آذار/مارس 1995بأن إيران أصبحت قادرة فع ً ال عىل إنتاج هذا
النوع من الغاز يف منشآهتا البحثية التي تديرها املؤسسة اإليرانية للطاقة الذرية ،كام ينتظر تنفيذ االتفاقية الصينية -اإليرانية لبناء اثنني من املفاعالت النووية طراز (كونيشان) بقوة ثالثمئة ميغاوات يف منطقة (دار خوقني) بتكلفة مقدارها نحو مليار دوالر أمريكي.
كام تسلمت إيران من الصني اثنني من مفاعالت البحوث النووية التي يمكن استخدامها
إلنتاج اليورانيوم عايل التخصيب بأسلوب الفصل الكهرومغناطييس وتطبيقات اهلندسة )(47
Kenneth Katzman, “Iran: Current Developments and U.S. Policy,” Congressional Research Service Review (April 2002).
مركز اخلليج لألبحاث
255
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
العكسية التي سبق للعراق استخدامها منذ سنوات عدة ،وترتاوح قوة الواحد منهام بني سبع
وعرشين وثالثني ميغاوات.
عالوة عىل ذلك ،حصلت إيران عىل صواريخ طوافة مضادة للسفن من الصني من النوع متوسط املدى طراز ( )2 - 801تم اختبارها عملي ًا يف مياه اخلليج يف حزيران/يونيو عام ،1997 مع إمكانية استخدامها مع رؤوس نووية مستقب ً ال يف حال نجاح الربنامج النووي اإليراين. كام استطاعت إيران إنتاج صواريخ متوسطة املدى مضادة للسفن من طراز (،)FL-10 وهي نسخة مطابقة للصاروخ الصيني ( )FL-7و ( ،)FL-2وذلك بمعاونة اخلرباء الصينيني يف إيران .وأقامت قواعد لصوارخيها البحرية سطح -سطح عىل الضفة الرشقية للخليج العريب، فض ً ال عن قيامها بتوجيه صوارخيها أرض -أرض الباليستية ضد معظم دول اخلليج العريب .ويف ترشين الثاين/نوفمرب 1996اشرتت إيران من الصني تكنولوجيا تصنيع صواريخ متقدمة ومعدات خاصة بأنظمة رادارات رصد الصواريخ ،باإلضافة إىل أربع مئة طن من غازات األعصاب. وأعلنت صحيفة الواشنطن بوست األمريكية يف الثالث من شهر آذار/مارس عام رسية لبيع إيران مادة كياموية يمكن أن تستخدم يف 1998أن الصني قد أجرت مفاوضات ِّ ختصيب اليورانيوم . (4 ومن خالل الدراسة التحليلية ألبعاد الربنامج النووي اإليراين ،يمكن القول إن هذا الربنامج يعتمد عىل الكوادر من العلامء والفنيني واملتخصصني الروس والصينيني واإليرانيني الذين يقدر عددهم بأكثر من ثالثمئة من العلامء والفنيني واملهندسني. ومما سبق نخلص إىل النتائج اآلتية : (4 -متثل الرتسانة النووية اإليرانية هتديد ًا مبارش ًا ألمن اخلليج العريب عىل املديني القريب
واملتوسط ،األمر الذي يؤكد التوجهات اإليرانية لفرض اهليمنة عىل املنطقة.
-إن سعي إيران للحصول عىل قدرات وأسلحة نووية ويف ظل امتالكها قدرات
كيميائية وتقليدية ،جيعلها تستطيع تنويع الرؤوس املدمرة للصواريخ وزيادة فاعليتها. (4مظلوم ،القدرات العسكرية اإليرانية التقليدية وغري التقليدية ،ص .46
« (4الطموحات النووية اإليرانية وأمن اخلليج »،الدراسات السياسية (اجلزء األول) (نيسان/أبريل .)2000 256
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
-يرغب واضعو االسرتاتيجية اإليرانية يف توفري قدرات صاروخية للبالد وبكثافة
مناسبة ملواجهة قيام اخلصوم باستخدام القوة اجلوية لرضب أهداف اسرتاتيجية إيرانية ،عىل غرار ما حدث يف احلملة اجلوية لعملية عاصفة الصحراء.
-إن عامد اسرتاتيجية إيران الصاروخية هو صاروخ (سكود -يس) الذي يستطيع
محل رؤوس نووية وكياموية ،ويصل مداه إىل األهداف احليوية يف املنطقة ،وبخاصة مواقع
النفط العربية.
-تسعى إيران إىل بناء قوة اسرتاتيجية صاروخية توفر الردع ،من خالل االعتامد عىل توفري
كثافة مناسبة من هذه النوعية من أنظمة التسليح ونرشها بصورة فاعلة ،وتعدد وسائل اإلطالق بحيث يتم اإلطالق من قواعد أرضية ثابتة أو متحركة ،أو من السفن أو من الطائرات.
تغطي الرتسانة الصاروخية اإليرانية بمدياهتا ك ًال من دولة الكويت والبحرين والعراق
وسوريا واألردن وشامل إرسائيل وشامل السعودية حتى العاصمة الرياض ،وذلك قبل امتالك
الصاروخ (4ـ )SSالذي سيغطي جنوب تركيا وكل إرسائيل وحتى منتصف السعودية وقطر واإلمارات.
يرتبط كل ما سبق بالتصورات اإليرانية ألمن اخلليج ،حيث إن الرؤية اإليرانية ألمن
اخلليج هي التي دفعتها إىل الدخول يف هذا السباق حتى يكون هلا الدور الرئيس يف أمن اخلليج ،وهذه الرؤية اإليرانية أصبحت من أبرز املعوقات التي تعرتض قوة الدفع نحو مزيد
من عالقات التقارب مع دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،تلك التصورات اإليرانية ألمن اخلليج ال تتوافق مع متطلبات دول املجلس ،فالتصور األمني اإليراين للخليج ينطلق من خالل مبادئ عدة : (5
أوهلا :الرفض التام ألي تغيري يطرأ عىل احلدود السياسية يف منطقة اخلليج ،حيث إن ذلك يؤثر يف الوضع اإليراين من الناحية اجلغرافية واالسرتاتيجية يف ما يتعلق بحقوقها يف شط العرب ،أو حتى -كام تدَّ عي -يف اجلزر الثالث التي استولت عليها من اإلمارات.
(5زكريا حسني« ،أسس التصورات اإليرانية ألمن اخلليج »،السياسة الدولية ،العدد ( 137متوز/يوليو ،)1999ص .286-285 مركز اخلليج لألبحاث
257
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
ثانيها :الرفض التام للوجود األجنبي يف منطقة اخلليج ،باعتبار أن إيران هي الدولة
الوحيدة التي يستطيع العامل أن يعتمد عليها يف الدفاع عن أمن اخلليج وموارده النفطية.
ثالثها :أن األمن يف اخلليج من وجهة النظر اإليرانية هو مسؤولية الدول الواقعة عىل
شواطئه ،بمعنى أنه ال بد من مشاركة إيرانية فاعلة يف الرتتيبات األمنية اإلقليمية من خالل إطار من التحالف اإليراين اخلليجي.
رابعها :الرفض املطلق ملشاركة أي عنارص خارجية ولو كانت عربية يف الرتتيبات األمنية،
ومن هنا كان الرفض اإليراين إلعالن دمشق ،ومهامجة كل من مرص وسوريا وباقي الدول اخلليجية التي وقعته.
خامسها :أمهية أن تكون منطقة الرشق األوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. سادسها :األمهية املطلقة للتعاون الشامل ،وبخاصة يف املجاالت االقتصادية بني كل
دول منطقة اخلليج من جهة ،وإيران من جهة أخرى ،باعتبار أنه من دون ذلك التعاون ال يمكن
إقامة أمن.
سابعها :السعي إىل نسف اجتاهات تسوية الرصاع العريب -اإلرسائييل دبلوماسي ًا،
والرفض الكامل السرتاتيجية السالم.
وبدراسة التصورات اإليرانية ألمن اخلليج والرشق األوسط وحتليلها ،يتضح أهنا
تتعارض بشكل حاد مع االسـرتاتيجية العربيـة الداعية إىل اسـتقرار الشـرق األوسط بصفة
عامة والقبول العريب بدول اجلوار اجلغرايف من خالل عقد معاهدات سالم عادلة بني العرب وإرسائيل من جهة وبني السلطة الفلسطينية وإرسائيل من جهة أخرى.
كام تتعارض هذه التصورات اإليرانية مع الرتتيبات األمنية التي فرضها الغزو العراقي
لدولة الكويت ،واستمرار النظام العراقي الذي قام بعملية الغزو عىل رأس احلكم يف العراق، األمر الذي فرض عىل دول جملس التعاون اخلليجي رضورة إقرار ثالثة مستويات للرتتيبات األمنية : (5
(5املصدر نفسه ،ص .286-285 258
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
األول :توفري القدرة الذاتية للدفاع عن الرتاب الوطني وكل دولة من دول جملس التعاون اخلليجي ،وذلك باستمرار بناء قواهتا املسلحة الذاتية ،وعقد الصفقات التسليحية التي توفر قدرات قتالية رادعة وأجهزة فائقة التكنولوجيا توفر املعلومات واإلنذار يف الوقت املناسب، مع امتالكها قدرات تدمريية هائلة تعوض النقص يف حجم القوة البرشية. الثاين :بناء نظام دفاعي مجاعي بتوفري القدرة الفاعلة لقوات درع اجلزيرة يف إطار جملس التعاون اخلليجي ،يركز عىل مبدأ التكامل يف نوعيات املعدات واألجهزة ووسائل القتال، األمر الذي يوفر هلا أرقى وأرفع التكنولوجيات يف جمال التصنيع احلريب املعارص. الثالث :االعتامد مرحلي ًا عىل القوات الصديقة يف إطار االتفاقيات الثنائية للدفاع املشرتك واالتفاقيات األمنية ،خصوص ًا مع الواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا وفرنسا، وكلها ترتيبات تراها دول جملس التعاون اخلليجي حيوية ملواجهة التهديدات التي ما زالت قائمة حوهلا ،وهي تتعارض متام ًا مع السياسة األمنية والتصورات اإليرانية املعلنة. ويتعارض ،أيض ًا ،التصور األمني اإليراين الذي يرتكز عىل الرفض التام ألي تغيري يطرأ عىل احلدود السياسية بام يعني عدم استعدادها لرد اجلزر الثالث املتنازع عليها بني إيران واإلمارات ،بل والقيام بدعمها عسكري ًا مع امتداد التهديد اإليراين لدولة البحرين ،ما يشري
إىل أن حماوالت التقارب يف العالقات اإليرانية -اخلليجية تتناقض مع األفعال التي مل ترق إىل مستوى القبول بحل سلمي ينهي احتالهلا اجلزر اإلماراتية الثالث ،وهذا ما دعا إليه جملس التعاون اخلليجي يف أكثر من قمة خليجية حول رضورة قيام إيران بدعم مصداقيتها يف عالقاهتا مع دول اخلليج من خالل اختاذها اإلجراءات الفاعلة عىل طريق إهناء مشكلة اجلزر الثالث، والقبول بمساعي األمني العام لألمم املتحدة وبمبدأ التحكيم الدويل ،وهو ما مل تقبله القيادة السياسية اإليرانية حتى اآلن . (5 يف النهاية ،يمكن القول إن هناك العديد من املخاطر والتهديدات اإليرانية عىل األمن اخلليجي بصفة خاصة واألمن العريب بصفة عامة ،سوا ًء عىل املدى املنظور أم املتوسط ،بحكم أن إيران أعطت لنفسها حق الفيتو يف أي ترتيبـات أمنية يف منطـقة اخلليـج العريب ،بام خيـدم مصاحلها األمنيـة فقط.
(5املصدر نفسه ،ص .286 مركز اخلليج لألبحاث
259
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
وقد أعلنت وزارة الدفاع اإليرانية فور إطالق جتربة الصاروخ (شهاب ،)3-أن الصاروخ لن يسقط يوم ًا يف بلد إسالمي ،وذلك يف إشارة إىل أن هدفه -كام قال العديد من املراقبني -إرسائيل ،ال سيام أن طهران َّ ردها سيكون قاسي ًا إذا حذرت تل أبيب مرار ًا من أن َّ
تعرضت العتداء إرسائييل. ما َّ
وجه وزير اخلارجية اإليراين ،كامل خرازي ،رسالة تطمني إىل دول املنطقة، ومن جانبهَّ ،
وبخاصة الدول اخلليجية منها ،وقال إن «القدرات الدفاعية اإلسالمية هي يف خدمة االستقرار
واألمن يف املنطقة ،كام إن تعزيز هذه القدرات يؤ ِّدي إىل رفع مستوى القدرات الدفاعية للدول الصديقة» . (5
ومما سبق ،يتضح أن إيران حتاول أن تطرح نفسها بديال إقليمي ًا حيقق التوازن االسرتاتيجي ال من القوات األجنبية املرابطة يف منطقة اخلليج .ويعد هذا استكام ً بد ً ال للطرح الذي سبق
وقدمته يف فرتات سابقة ،والذي يقيض بإقامة حتالف اسرتاتيجي يضم دول اخلليج الست باإلضافة إىل إيران والعراق ،كام يعد استكام ً ال للطرح اإليراين اخلاص بأمن اخلليج الذي يرى
أن هذا األمن جيب أن يتحقق ذاتي ًا بقدرات الدول املعنية وليس بمساعدة أي طرف خارجي.
إن اجلهود إيران لتطوير أسلحتها -ال سيام صوارخيها -تصب يف سعيها احلثيث لكي مرة أهنا ثقل إقليمي ال يمكن جتاهله تصبح قطب ًا إقليمي ًا مه ًام… وقد أعلنت طهران أكثر من َّ
يف املستقبل لتحديد مستقبل املنطقة ،وهي -أي إيران -قد أخذت يف احلسبان وجود ثالث
قوى عىل صعيد املنطقة هي إرسائيل وتركيا وباكستان ،ومن ثم فهي ترى -ويف إطار مصاحلها
اجليوسياسية -رضورة أن متتلك القدرة العسكرية للمحافظة عىل هذه املصالح ،وبأرسع وقت ممكن ،ملواجهة التعاون االسرتاتيجي الرتكي -اإلرسائييل ،ولكي تواكب انعكاسات عملية السالم عىل صعيد املنطقة ككل.
خامس ًا :قضايا التعاون اإلقليمي إذا كانت العالقات اخلليجية -اإليرانية قد شهدت حتوالت شديدة خالل العقدين األخريين من القرن العرشين ،إال أهنا عكست تبد ً ال ملحوظ ًا يف الرؤى واملواقف « (5قراءة يف جتارب الصواريخ اإليرانية »،الدراسات السياسية (اجلزء األول) ( 29يموز/يوليو .)2000 260
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
والتوجهات ،وبخاصة منذ توليِّ الرئيس اإليراين حممد خامتي يف أيار/مايو عام ،1997نتيجة
سياسته االنفتاحية اجلديدة التي تقوم عىل احلوار واالحرتام املتبادل وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية للدول األخرى يف إطار احلرص عىل استقرار منطقة اخلليج باعتباره عام ً ال أساسي ًا لتوفري األرضية اآلمنة واملالئمة للنهوض باالقتصادات اخلليجية بام يعزِّ ز قدرهتا عىل مواجهة التحديات اإلقليمية والدولية . (5
لقد شهدت منطقة اخلليج منذ مطلع النصف الثاين من تسعينيات القرن العرشين جمموعة من التطورات التي َّأكدت وجود توجه نحو مزيد من العالقات بني إيران ودول تردد بشأن توقيع سلطنة ُعامن اتفاق ًا أمني ًا مع إيران ،عىل جملس التعاون اخلليجي ،ابتدا ًء بام َّ الرغم من نفي األوىل ذلك ،ومرور ًا بإعالن الرياض أهنا تدرس من جانبها إبرام اتفاقية أمنية مع طهران ،وانتهاء بالزيارات املتبادلة بني مسؤويل الدولة اإليرانية ونظرائهم يف عدد من الدول اخلليجية ،األمر الذي اعتربه املراقبون توجه ًا خليجي ًا لتحسني العالقات مع إيران عىل
حساب قضية اجلزر ،عىل الرغم مما يفرضه االلتزام األديب عىل دول جملس التعاون من تضامن مع دولة اإلمارات يف نزاعها حول اجلزر الثالث املحتلة من قبل إيران منذ ما يقرب من ثالثة
عقود .باعتبار أن ذلك يتم عىل حساب قضية اجلزر التي جيب أن حتتل أولوية قصوى يف سلم أولويات سياسة جملس التعاون ككل ،سواء أكان دو ً ال منفردة أم مجاعة ،وهو ما يؤ ِّدي إىل
تعول عليها دول جملس التعاون إشعار إيران بأن قضية اجلزر ليست هلا األمهية الكافية التي ِّ يف تفعيل عالقاهتا مع العاصمة طهران ،مقابل باألمهية ذاهتا التي متنحها تلك الدول «للتعاون الثنائي» والقضايا اإلقليمية والدولية ذات االهتامم املشرتك بني دول املجلس وإيران .خصوص ًا أن ذلك يتم أيض ًا وسط جتاهل تام من جانب طهران ملهمة اللجنة الثالثية التي أ ّلفها جملس التعاون إلجياد آلية مناسبة ملفاوضات ثنائية بني اإلمارات وإيران ،أو إلحالة القضية برمتها إىل حمكمة العدل الدولية والتحكيم الدويل.
وإيران لن تتحرك حترك ًا جاد ًا يف سبيل حل اخلالف الناشب بينها وبني اإلمارات حول اجلزر الثالث إ َّ ال إذا استشعرت أن احتياجاهتا السياسية واالقتصادية واالسرتاتيجية يف منطقة تلبى بسهولة ما مل اخلليج ،وبخاصة يف عالقاهتا مع الدول الواقعة عىل الضفة املقابلة هلا ،لن َّ
« (5العالقات االقتصادية اخلليجية اإليرانية :عوامل التقارب وآفاق املستقبل »،شؤون خليجية ،السنة ،5 العدد ( 32شتاء ،)2003ص .135 مركز اخلليج لألبحاث
261
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
تعرف أن ثمن حتقيق ذلك هو االستجابة الفعلية واجلادة لكل ما يؤ ِّدي إىل بناء األمن واالستقرار وطرح قضية اجلزر يف مقدمة جدول أعامل كل جولة مفاوضات خليجية إيرانية . (5 وقد متثَّلت صور التقارب اخلليجي -اإليراين خالل عهد خامتي يف ما ييل:
-1العالقات السعودية ـ اإليرانية
منذ توليَّ الرئيس اإليراين حممد خامتي مقاليد السلطة يف طهران وبروز االجتاه االنفتاحي
يف عالقات إيران اخلارجية ،ليس فقط مع الدول اخلليجية ولكن مع الواليات املتحدة وبريطانيا وباقي الدول الغربية أيض ًا ،اجتهت إيران إىل تطوير جدي لعالقاهتا مع السعودية ،حيث قام الرئيس خامتي بزيارة تارخيية للسعودية يف أيار/مايو ،1999ووصفها بأهنا «بداية فتح صفحة
جديدة يف عالقات البلدين» ،وقد مثّلت تلك الزيارة دفعة لعالقات إيران اإلقليمية بصفة عامة وللعالقات السعودية -اإليرانية بصفة خاصة ،ود َّلت عىل حرارة الرغبة يف العالقات تلك احلفاوة الكبرية التي استقبل هبا خامتي من جانب املسؤولني السعوديني ،ومن ذلك منح خامتي «قالدة بدر الكربى» التي ق َّلدها إياه امللك فهد . (5 كانت تلك الزيارة قد سبقتها زيارة األمري سلطان بن عبد العزيز ،النائب الثاين لرئيس
جملس الوزراء ووزير الدفاع والطريان السعودي ،إىل طهران يف أول أيار/مايو ،1999
وكانت بمنزلة خطوة متهيدية أساسية لزيارة خامتي ،حيث استقبل الرئيس اإليراين األمري سلطان بعيد ًا عن الربوتوكول الدبلومايس ،وجاء ترحيب خامتي وهو يتخىل عن كل التحفظات الدبلوماسية كأنه وضع عنوان ًا عريض ًا قدم به لزيارته املهمة والنوعية إىل الرياض. ويف ختام زيارة األمري سلطان إىل طهران ،أشار كامل خرازي يف املؤمتر الصحايف إىل أن
التحسن التدرجيي واملستمر يف العالقات بني إيران والعامل العريب سيحبط أنشطة جتار السالح يف منطقتي الرشق األوسط واخلليجَّ ، وأكد أن االتصاالت بني إيران والدول العربية خ َّففت من حدَّ ة التوتر ،ومهدت السبيل أمام التعاون املثمر . (5 (5االحتاد 2000/3/15 :و.2000/4/11
(5مدحت أمحد محاد« ،إيران »،2000-1999 ،يف :التقرير االسرتاتيجي اخلليجي( 2000-1999 ،الشارقة: دار اخلليج ،)2000 ،ص .181 (5اخلليـج (اإلمارات).1999/5/5 :
262
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
وتال ذلك زيارة رئيس الربملان اإليراين ،عيل أكرب ناطق نوري ،بدعوة من رئيس جملس الشورى السعودي ،ثم تلتها زيارة وزير الدفاع اإليراين ،عيل شمخاين ،إىل اململكة يف نيسان/ أبريل .2000وقبل كل ذلك كان للرئيس السابق رفسنجاين فضل السبق يف التحرك نحو السعودية ،بل يف كل ما جناه الرئيس خامتي من ثامر سياسة االنفتاح ،خصوص ًا أن رفسنجاين زار السعودية ودأب عىل القول إن حل املشكالت االقتصادية التي تعانيها إيران رهن بالتعاون بينها وبني الرياض .وشهدت تلك الفرتة استئناف الرحالت اجلوية بني طهران وجدة ،وتنسيق ًا يف ما يتعلق بأسعار النفط ارتفاع ًا وانخفاض ًا ،وتوقيع البلدين ملجموعة من االتفاقيات شملت
املجاالت االقتصادية والتقنية والعلمية والثقافية والرياضية ،وجماالت العاملة ،ومكافحة املخدرات ،واالستثامرات املتبادلة . (5 وشهدت عالقات البلدين تطورات مهمة عىل اجلانب االقتصادي ،أهم مؤرشاهتا : (5
اتفقت السعودية وإيران يف أثناء اجتامعات اللجنة السعودية -اإليرانية املشرتكة عىلتشجيع املرشوعات املشرتكة وإقامة املعارض التي من شأهنا زيادة التعاون التجاري ،ومناقشة تطوير التعاون بني الرشكة السعودية للصناعات السعودية (سابك) والرشكة األهلية للبرتوكيامويات اإليرانية ،ودراسة إقامة خط مالحي بحري يربط املوانئ السعودية واإليرانية لتيسري نقل الركاب والبضائع بني البلدين ،بعد أن دشنا يف أيلول/سبتمرب 1999بدء الرحالت للمالحة اجلوية، وذلك يف إطار اتفاق إلستئناف تسيري هذه الرحالت مرة واحدة كل أسبوع ،بعد توقف دام أكثر من ثامنية عرش عام ًا ،األمر الذي يشري إىل رغبة إيرانية -سعودية بتحسني العالقات الثنائية. -زيارة وزير التجارة السعودي ،أسامة بن جعفر فقيه ،إيران ولقاؤه مع الرئيس حممد
خامتي؛ ورئيس جممع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاين؛ ورئيس الربملان عيل أكرب
ناطق نوري ،حلضور أعامل اللجنة االقتصادية السعودية -اإليرانية املشرتكة ،وقد رافق الوزير السعودي وفد من ستني شخص ًا ،من بينهم رجال أعامل ،وقد وفرت هذه اللجنة للبلدين فرصة لبحث السبل الكفيلة بتعزيز العالقات بينهام ،ودعم تعاون القطاع اخلاص ،وإقامة
(5حممد سعد أبو عامود« ،واقع العالقات السعودية اإليرانية :رؤية مستقبلية »،السياسة الدولية ،العدد 141 (متوز/يوليو ،)2000ص .155-152 « (5زيارة وزير الدفاع اإليراين للسعودية :رؤية حتليلية( »،تقرير ،املركز الدبلومايس للدراسات االسرتاتيجية، الكويت 15 ،نيسان/أبريل .)2000 مركز اخلليج لألبحاث
263
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
املعارض التجارية واالقتصادية لتفعيل الصادرات ،بعد أن وصف حجم التبادل التجاري بني البلدين بأنه ال يتناسب مع إمكاناهتام .وقد َّأكد وزير التجارة اإليراين ،حممد رشيعتي مداري، رضورة إزالة العراقيل التجارية من خالل غرف التجارة ،معلن ًا استعداد بالده للتعاون يف
جمال تبادل السلع واالستثامرات املشرتكة ،وإرسال القوى العاملة ،وتصدير منتجات الثروة السمكية ،مقرتح ًا تأليف جلان اقتصادية وصناعية وثقافية ،إضافة إىل جلان تعنى بشؤون النقل واملواصالت والتجارة.
مشاركة السعودية يف معرض «إيران »2000الذي َّنظمه مركز تنمية الصادرات
اإليرانية خالل شهر شباط/فرباير عام 2000الذي افتتح يف مدينة جدَّ ة بمشاركة أربعمئة
متخصصة .وقد سعى القائمون عىل املعرض إىل ترويج املنتجات اإليرانية يف السوق رشكة َّ السعودية ،ودعوة رجال األعامل السعوديني إىل إقامة تعاون ومرشوعات مشرتكة مع نظرائهم اإليرانيني .ويذكر أن حجم التبادل التجاري بني البلدين ارتفع من ثالثة وثالثني مليون دوالر
عام 1995إىل أكثر من مئة وأربعة ماليني دوالر يف عام .1999
كذلك ،الزيارة التي قام هبا وزير الدفاع اإليراين ،عيل شمخاين ،إىل السعودية يف الثالث
والعرشين من نيسان/أبريل ،2000وقد جاءت تلك الزيارة يف أعقاب زيارات قام هبا وزراء دفاع دول عدة إىل السعودية ،حيث وصلها وزير الدفاع األمريكي ،وليام كوهني ،الذي بحث مع القادة السعوديني مبادرة الدفاع التعاوين ،فض ً ال عن زيارة وزير الدفاع الربيطاين ،جيفري هون.،
كام إنه كان من املتوقع أن يزور السعودية وزير الدفاع الفرنيس ،آالن ريشار .،وعكست تلك
الزيارات أمهية تعزيز التعاون العسكري بني هذه الدول من جهة والسعودية من جهة أخرى.
كام جاءت تلك الزيارة بعد التحسن امللحوظ الذي شهدته عالقات البلدين منذ تويل
حممد خامتي سدة احلكم يف إيران ،وتعد أول زيارة لوزير الدفاع اإليراين إىل السعودية منذ عام ،1979وتأيت ر ّد ًا عىل الزيارة التي قام هبا األمري سلطان بن عبد العزيز ،وزير الدفاع السعودي ،إىل إيران يف عام ،1998وهي األوىل أيض ًا ملسؤول عسكري سعودي منذ عام ،1979واتفق الطرفان خالل هذه الزيارة عىل تبادل امللحقني العسكريني.
ويرى املراقبون أن السعودية تتحرك نحو إيران من منظار إعادة ترتيب الوضع األمني
اإلقليمي يف اخلليج ،بضوء التطورات اخلليجية املستجدة ،عىل الرغم من أن هذا قد يؤثر 264
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
سلبي ًا يف أنامط العالقات داخل دائرة جملس التعاون الذي يعد القوة اإلقليمية الثالثة مع إيران والعراق يف اخلليج.
-2العالقات الكويتية ـ اإليرانية
بدت يف األفق بوادر عدة حول تزايد درجة التقارب واالتصال بني طهران والكويت،
ربام كان أبرزها كثافة زيارات مسؤويل البلدين ،فبعد الزيارة التي قام هبا وزير النفط ،الشيخ
سعود نارص الصباح ،إىل إيران يف هناية متوز/يوليو 2000؛ وتلك التي قام هبا الشيخ نارص صباح األمحد ،مستشار ويل العهد ،يف نيسان/أبريل من العام نفسه وزيارة وزير الثقافة اإليراين،
عطا اهلل مهاجراين ،إىل الكويت يف أيار/مايو ،2000قام وزير الداخلية اإليراين ،سيد عبد الواحد املوسوي ،بزيارة إىل دولة الكويت يف بداية شهر ترشين األول/أكتوبر ،2000تلبية
لدعوة نظريه الشيخ حممد اخلالد الصباح ،هبدف تنسيق العمل اإليراين -الكويتي يف التصدي لعمليات هتريب املخدرات ،إضافة إىل مكافحة ظاهرة التس ُّلل والتهريب التي شهدهتا املياه اإلقليمية الكويتية ،وبحث سبل تعزيز التعاون األمني بني البلدين.
رحب وزير الداخلية الكويتي هبذه الزيارة ،واعتربها انعكاس ًا لروح التعاون بني البلدين يف شتى املجاالت ،ال سيام يف املجال األمني ،مؤكد ًا أن العالقات الكويتية -اإليرانية يف تنام
«متميزة» ،مشدِّ د ًا عىل أن الكويت تنشد دائ ًام حتقيق املزيد من التقارب مستمر ،ووصفها بأهنا َّ واالتصال مع طهران عرب تبادل الزيارات بني مسؤويل البلدين.
ومن جهتهَّ ،أكد وزير الداخلية اإليراين أن بالده تعمل عىل تعزيز التعاون وتوطيد
أوارص الصداقة بني اجلانبني ،وبخاصة يف املجال األمني.
وقد ظهر االهتامم الكويتي بزيارة الوزير اإليراين واضح ًا يف برنامج الزيارة الذي ُأعدَّ
له؛ حيث عقد وزير الداخلية اإليراين ،سيد عبد الواحد املوسوي ،لقاءات مع أمري البالد، الشيخ جابر األمحد الصباح ،ونائب رئيس الوزراء ووزير اخلارجية ،الشيخ صباح األمحد، ورئيس جملس األمة ،جاسم اخلرايف ،كام عقد لقاء مع أعضاء غرفة جتارة وصناعة الكويت،
ولقاء آخر مع رجال األعامل الكويتيني يف السفارة اإليرانية بالكويت ،حيث طرحت القضايا
االقتصادية والتجارية املشرتكة.
مركز اخلليج لألبحاث
265
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
واتساق ًا مع هدف الزيارة الرئيس ،عقد وزير الداخلية اإليراين جلسة مباحثات مع
نظريه الكويتي ،تم فيها بحث القضايا األمنية ذات االهتامم املشرتك ،من أجل تفعيل دور
األجهزة األمنية بني البلدين.
وكان من أبرز نتائج هذه الزيارة اتفاق الطرفني عىل تأليف جلنة أمنية إيرانية -كويتية
مشرتكة ،هدفها التنسيق واملتابعة يف جمال مكافحة اإلرهاب وهتريب املخدرات ،تلك الظاهرة
التي تتسبب يف العديد من املشكالت األمنية التي هلا تداعياهتا االقتصادية واالجتامعية اخلطرية
يف كل من إيران والكويت . (6
وعىل اجلانب اإليراين ،هناك احلدود املشرتكة مع أفغانستان ،حيث تستخدم األرايض اإليرانية معرب ًا ملهريب املخدرات من أفغانستان وباكستان إىل منطقة اخلليج وأوروبا والواليات املتحدة األمريكية ،وقد خرست إيران خالل السنوات املاضية ما يقرب من ألفني وسبعمئة
قتيل من القوات املسلحة يف حرهبا مع مهريب املخدرات.
كام تبذل األجهزة األمنية الكويتية جهود ًا كبرية ملواجهة النشاط املكثف ملهريب املخدرات
الذين يتخذون من إيران بوابة للعبور إىل األرايض الكويتية ،ويعملون عىل انتشار هذه اآلفة
بني أفراد املجتمع الذي فقد العديد من أبنائه نتيجة إدماهنم املخدرات ،كام تم ضبط سبعمئة وتسعني كيلوغرام ًا من احلشيش ،وعرشين كيلوغرام ًا من اهلريوين ،وعرشة كيلوغرامات من األفيون ،وذلك يف الفرتة من ترشين األول/أكتوبر 1999وحتى متوز/يوليو .2000
تركزت العالقات بني إيران والكويت يف البداية عىل املجال األمني ،وذلك لوجود
مصلحة مشرتكة بني البلدين تتمثل يف مواجهة خطر املخدرات ،ففي حزيران/يونيو 1998 قام وزير الداخلية الشيخ ،حممد اخلالد الصباح بزيارة رسمية إىل إيران عىل رأس وفد رفيع
املستوى ،أجرى خالهلا مباحثات مع كبار املسؤولني اإليرانيني ،تركزت عىل القضايا
األمنية املشرتكة ،ال سيام ما يتعلق بإجياد الوسائل للحد من ظاهرة انتشار املخدرات ،سواء
يف ما يتعلق باإلنتاج أم التهريب.
« (6العالقات الكويتية اإليرانية :رؤية حتليلية( »،تقرير ،املركز الدبلومايس للدراسات االسرتاتيجية ،الكويت، 12ترشين األول/أكتوبر .)2000 266
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ووقع البلدان يف هذه الزيارة مذكرة تفاهم مشرتك هي األوىل من نوعها ،تدعو إىل
املهربني ومنع تسلل األشخاص والسفن ،وكذلك التعاون بني البلدين يف جمال مكافحة ِّ التعاون يف جمال هتريب األسلحة والذخرية .كام هتدف املذكرة أيض ًا إىل تشجيع التعاون يف جمال مكافحة التزوير وهتريب العمالت النقدية.
وخمتصني ويف ضوء هذه املذكرة ،تم تأليف جلنة كويتية -إيرانية مشرتكة ،تضم خرباء ِّ
من البلدين لتنفيذ اإلجراءات اخلاصة هبا.
ومل ينحرص تطور العالقات الكويتية -اإليرانية يف املجال األمني فقط ،إذ شهدت العالقات تنامي ًا ملحوظ ًا يف املجاالت السياسية واالقتصادية والثقافية ،وذلك عىل الوجه التايل: أ -املجال السيايس :كان احلدث األكثر بروز ًا عىل مستوى العالقات السياسية بني
الكويت وإيران هو إقدام األخرية عىل بدء عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي يف حقل ُد َّرة
البحري يف منطقة اجلرف القاري التي تم ترسيم حدودها بني الكويت والسعودية.
وعىل الرغم من أن ذلك احلدث كان حيسب نقطة خالف أو تصادم بني الدولتني ،فإن صحية مع جارهتا التعامل اإليراين اعترب احلدث مؤرش ًا قوي ًا عىل َّنية إيران بناء عالقات سياسية َّ الكويت.
تفهمت إيران القلق الكويتي ،وتلقت إشارات احتجاج الكويت اهلادئة عىل عمليات
التنقيب يف اجلرف القاري الذي ما زالت تبعيته القانونية موضع نزاع ،وأعلنت عىل لسان نائب وزير الطاقة ،مهدي حسني ،وقف عمليات التنقيب يف احلقل .وإلثبات املزيد من اجلدية وحسن النية ،قامت إيران بسحب آليات احلفر والتنقيب من املنطقة.
وانطلقت الدولتان بعد ذلك يف بدء مباحثات مشرتكة بني وزاريت اخلارجية يف كال البلدين، إلجياد إطار هنائي بشأن حتديد حدود اجلرف القاري ،اعتامد ًا عىل املبادئ األساسية التفاقية قانون
البحار الدولية ،إلقرار هذا اإلطار ،ومن ثم متريره إىل برملاين الدولتني للمصادقة عليه. وقد عكس ذلك احلدث أمرين:
التزام دولة الكويت سياسة ضبط النفس حفاظ ًا عىل عالقات اجلوار .ويظهر ذلكمركز اخلليج لألبحاث
267
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
واضح ًا يف الدعوة اإلجيابية لنائب رئيس جملس الوزراء ووزير اخلارجية ،الشيخ صباح األمحد،
عند بدء إيران أعامل احلفر يف اجلرف القاري إىل عدم التصعيد اإلعالمي ،والعمل عىل حل األمور بني الدولتني هبدوء.
-أن استجابة إيران الرسيعة الحتجاج الكويت تعكس عملي ًا سياسة الرئيس حممد
خامتي التي استند إليها منذ ترشيحه للرئاسة ،والتي تقوم عىل إزالة نقاط اخلالف بني إيران والدول العربية ،من أجل االرتقاء بمستوى العالقات اعتامد ًا عىل التفاهم السيايس واحرتام كل طرف أوضاع ومصالح الطرف اآلخر.
ومن ناحية أخرى ،بدا من ترصحيات املسؤولني اإليرانيني أن هناك درجة كبرية من
التوافق بني الرؤية الكويتية واإليرانية جتاه ممارسات النظام العراقي احلاكم والقضية العراقية
رصح وزير اخلارجية اإليراين ،سيد عبد الواحد املوسوي ،خالل زيارته إىل بصفة عامة ،فقد َّ
الكويت يف تعقيبه عىل التهديدات العراقية املتتالية للكويت بأن «إيران ال تقبل أي هتديد من قبل أي دولة لدولة أخرى ،وإهنا تريد املحافظة عىل األمن واالستقرار يف املنطقة».
وطالب العراق باحرتام وتطبيق قرارات األمم املتحدة ذات الصلة بحرب حترير الكويت، موضح ًا أن «مسألة الشعب العراقي ختتلف عن مسألة رئيس وحكومة النظام العراقي». ب -املجال االقتصادي :كانت الكويت حمطة رئيسة للبضائع اإليرانية طوال عقد
التسعينيات ،حتى أنشئت سوق عىل الساحل الكويتي لتسويق البضائع اإليرانية أطلق عليه السوق اإليرانية ،وظ َّلت القوارب اخلشبية التي تنقل البضائع سمة مميزة هلذه السوق حتى بعد نقل موضعها إىل منطقة أخرى لدواع أمنية.
بلغت قيمة ما استوردته الكويت من إيران يف الفرتة من 1997-1993نحو 300
مليون دوالر ،كام صدَّ رت الكويت إىل طهران يف الفرتة ذاهتا ما قيمته 55مليون دوالر ،وذلك من دون حساب ما صدَّ رته الكويت من النفط ومشتقاته إىل إيران.
وقد ظهرت مؤرشات عدة عىل اجتاه الدولتني نحو املزيد من تطوير العالقات االقتصادية
يف ما بينهام ،ومن أهم هذه املؤرشات ما ييل : (6 (6املصدر نفسه. 268
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
قام وزير النفط الكويتي ،الشيخ سعود النارص الصباح ،بزيارة إىل طهران يف هنايةمتوز/يوليو ،2000التقى خالهلا الرئيس ،حممد خامتي ،ووزير النفط ،بيجان زانجانة وعدد ًا من كبار املسؤولني اإليرانيني ،وعقدت مباحثات حول عدد من القضايا االقتصادية املشرتكة، هبدف تفعيل التعاون يف هذا املجال ،من بينها وحدة منظمة البلدان املصدرة للنفط أوبك، والتعاون الكويتي -اإليراين للمساعدة عىل استمرار هذه الوحدة.
-يف إجراء ُيعدّ األول من نوعه ،و َّقعت إيران والكويت يف متوز/يوليو 2000مذكرة تفاهم
تنص عىل تفعيل جلنة فنية مشرتكة لتقييم كميات الغاز الطبيعي اإليراين التي حتتاجها الكويت لسد احتياجاهتا .وقد اقرتحت إيران أن يكون حجم التصدير اليومي إىل الكويت ثالثمئة مليون قدم مكعب ،يضخ عرب خط أنابيب جنويب ،عىل أن تكون هذه الكمية قابلة للزيادة مستقب ً ال. -و َّقعت الدولتان يف كانون الثاين/يناير 2000مذكرة تفاهم بشأن اإلجراءات
املعرتف بتطبيقها لتعزيز وتنمية التعاون التجاري الثنائي بني البلدين ،وتبادل الوقود ،وتشجيع
تقرر السامح للتجار اإليرانيني بالدخول املشاركة يف املعارض التجارية واملناطق احلرة .حيث َّ إىل الكويت من دون تأشريات دخول ملدة اثنتني وسبعني ساعة.
-مرشوع لنقل املياه من إيران إىل الكويت ،حيث يتم ضخ املياه العذبة من سد كاركي
يف شامل غرب إيران -الذي يعترب ثالث أكرب سد يف العامل -إىل الكويت عرب خط أنابيب بحري حتت اخلليج يصل طوله إىل مئتني وعرشة كيلومرتات ،وسينتج هذا املرشوع ما ًء صاحلة للرشب تصل كميتها إىل مئتي مليون غالون من املاء املحىل يومي ًا لالستخدام الصناعي واملنزيل
يف الكويت ،ويتوقع االنتهاء من ذلك املرشوع بحلول عام ،2005ومن املنتظر أن يتم من خالله نقل املياه إىل الكويت ملدة ثالثني عام ًا بتكاليف أقل من حتلية املياه يف الوقت احلارض، ومن ثم سيعمل ذلك املرشوع عىل ختفيض حدَّ ة مشكلة املياه يف الكويت ،التي تستهلك حالي ًا نحو مئتني ومخسة ومخسني مليون غالون يومي ًا ،وتكلف عملية حتلية األلف غالون ما بني تسعة إىل أحد عرش دوالر ًا . (6
وعىل الرغم من تلك اإلجراءات ،ال يزال معدَّ ل التبادل التجاري بني إيران والكويت (6أمحد حممد طاهر« ،العالقات اخلليجية اإليرانية :نظرة مستقبلية »،السياسة الدولية ،العدد ( 146ترشين األول/أكتوبر ،)2001ص .113 مركز اخلليج لألبحاث
269
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
دون املستوى املطلوب ،ودون اإلمكانات التي تتوافر لدى البلدين .وقد حدَّ د عدد من اخلرباء
االقتصاديني معوقات تعرقل تطور العالقات االقتصادية بني البلدين يف ما ييل : (6 وجود قيود عىل حركة العمالت األجنبية داخل إيران. -وجود قيود عىل ممارسة أنشطة االسترياد والتصدير يف إيران.
صعوبة منافسة املنتجات اإليرانية يف الكويت ،وذلك الرتفاع مستوى أسعارها. -تعقيد القوانني اإليرانية ،يف الوقت الذي يسعى فيه التجار الكويتيون إىل مزيد من
حرية التجارة. ِّ
عدم وجود جلنة مشرتكة ملتابعة قرارات دعم التبادل التجاري بني البلدين.ُسوق له دولة الكويت أكرب الفرص املستقبلية للتعاون ويعد مرشوع الربط القاري الذي ت َّ
اإليراين -الكويتي يف املجال االقتصادي ،ويستهدف هذا املرشوع ربط اقتصادات آسيا مع
القوقاز عرب إيران والكويت فالبحر املتوسط ،ومن ثم العراق يف مرحلة ما بعد صدام حسني، وذلك من خالل إجياد منطقة اقتصادية ضخمة ال تقوم عىل الصناعة النفطية لدوهلا فقط ،وإنام تعتمد أساس ًا عىل برامج إعادة التصنيع وصناعة السياحة الدينية. هلذا املرشوع أمهية كبرية بالنسبة إىل واقع التنمية يف دولة الكويت ،ورضورة البحث عن مصادر بديلة ،أو مساندة للدخل القومي املتمثل بالنفط ،هذا فض ً ال عن كونه استئناف ًا لدور
الكويت الناجح يف مرحلة ما قبل النفط بوصفها وسيط ًا جتاري ًا يف املنطقة.
وكان من الطبيعي أن تفكر الكويت بإيران عند تب ّنيها هذا املرشوع االقتصادي الضخم، حيث حتتل إيران موقع ًا متميز ًا وحموري ًا يف املنطقة ،جيعل منها حلقة وصل بني دول آسيا الوسطى وآسيا عموم ًا وبني القوقاز وصو ً ال إىل منطقة الرشق األوسط واخلليج بشكل خاص. ج -املجال الثقايف :كانت العالقات الثقافية بني إيران والدول العربية -ومنها الكويت قد تأثرت بصورة واضحة بالتطورات السياسية التي شهدهتا املنطقة يف العقدين األخريين،وما ألقته هذه التطورات من ظالل عىل احلوار اإليراين -العريب. « (6العالقات الكويتية اإليرانية :رؤية حتليلية». 270
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
أدى ذلك بدوره إىل وجود قطيعة طويلة بني املثقفني يف إيران والكويت ،وإىل نوع من االغرتاب وتراكم الكثري من نقاط االلتباس يف العالقات الثقافية بينهام ،وصل يف بعض األحيان إىل ما يشبه اخلطاب املتصادم بني الطرفني. وعندما بدأت إيران باتباع سياسة االنفتاح عىل العامل ،بدأ املثقفون اإليرانيون بالدعوة ترسبات املايض. إىل بدء حوار عريب -إيراين ،وسيلة وحيدة للتخلص من ُّ وتنفيذ ًا هلذا االجتاه ،وقعت الكويت وإيران معاهدة ثقافية مشرتكة يف حزيران/يونيو ،1999توالت بعدها مظاهر التعاون بني البلدين .ومن أهم هذه املظاهر ما ييل : (6 قام وزيرالثقافة اإليراين ،عطا اهلل مهاجراين ،بزيارة إىل الكويت يف أيار/مايو 2000التقى خالهلا وزير اإلعالم ،سعد بن طفلة ،وذلك لبحث سبل التعاون اإلعالمي والثقايف بني الكويت وإيران. هناك مبادرات عدَّ ة تفرضها املؤسسات األهلية يف الكويت إلقامة جسور تصلبني الثقافتني العربية واإليرانية ،ومن بني هذه اجلهود تلك التي بذلتها مؤسسة عبد العزيز البابطني يف اإلعداد مللتقى الشاعر اإليراين سعدي الشريازي يف طهران بالتعاون مع رابطة الثقافة والعالقات اإلسالمية .حيث شهدت أطراف عدَّ ة هلذا امللتقى بالنجاح والتميز. شاركت الكويت يف املؤمتر الثاين عرش للتقارب بني املذاهب اإلسالمية الذي َّنظمته إيران يف حزيران/يونيو ،1999وكان مبدأ إقامة املؤمتر هو حماولة التقريب بني املذاهب اإلسالمية املختلفة هبدف تقوية شوكة املسلمني وجتاوز خالفاهتم. تقرر أن تكون الكويت مقر ًا ألمانة احلوار العريب -اإليراين التي تولدت فكرة إقامتها َّ -
يف ملتقى الشاعر اإليراين سعدي الشريازي ،هبدف تقريب وجهات النظر العربية واإليرانية يف جمال التعاون بني اجلانبني.
-3العالقات البحرينية ـ اإليرانية
يف هناية شهر آذار/مارس عام ،2000قام وزير اخلارجية اإليراين ،كامل خرازي ،بزيارة
إىل البحرين ،أجرى خالهلا مباحثات مع املسؤولني البحرانيني .تناول االجتامع األول للجنة (6املصدر نفسه. مركز اخلليج لألبحاث
271
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
السياسية املشرتكة تطوير التعاون الثنائي ،حيث كانت تلك الزيارة تتوجي ًا للزيارة التي قام هبا
وزير اخلارجية البحراين ،الشيخ حممد بن مبارك ،يف أيار/مايو 1999لطهران ،وتم خالهلا
االتفاق عىل تأليف جلنتني وزاريتني سياسية واقتصادية لدفع التعاون الثنائي إىل األمام ،وقد فتحت تلك الزيارة صفحة جديدة يف العالقات بني البلدين ،حيث رأى الرئيس اإليراين
السابق ،هاشمي رفسنجاين ورئيس جممع تشخيص مصلحة النظام ،يف تلك الزيارة أهنا تأيت يف إطار ما تقوم به إيران لبناء سياستها عىل مراعاة حسن اجلوار مع بلدان املنطقة ،وقال إنه
عىل اعتقاد راسخ برضورة رعاية املصالح الوطنية لكال البلدين ،وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية ،والتعامل عىل أساس االحرتام املتبادل . (6
وجاءت تلك الزيارة لتخ َّفف من جو التوتر الذي كان سائد ًا بني البلدين ،حيث إن اجلانبني كانا قد اهتام بعضهام بعض ًا بالتسبب يف إحداث توترات سياسية وأمنية عن طريق دعم الشيعة يف البحرين ،بينام اهتمت إيران األخرية بأهنا ارتكبت ممارسات عنيفة ضد املواطنني
الشيعة وانتهكت حقوقهم السياسية والدينية واالقتصادية ،ووصل األمر إىل حدود بالغة الصعوبة قبل أربع سنوات خالل االضطرابات التي رضبت البحرين ،واهتمت طهران بدعمها عىل الرغم من نفيها الدائم لذلك .لكن البلدين ،ويف حماولة لكرس حاجز الشك العميق
بينهام ،تبادال السفراء يف كانون الثاين/يناير عام 2000ألول مرة منذ عام ،1996وواصل مسؤولو البلدين زيارة بعضهام بعض ًا ،بدء ًا من استقبال املنامة لوزير التجارة اإليراين ،حممد رشيعتمداري ،وانتهاء بزيارة خرازي ،ومرور ًا باالتفاق عىل معاودة تشغيل اخلط البحري بينهام .وقد انعكست تلك التحركات عىل نمو حجم التجارة البينية بني إيران والبحرين، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بني البلدين من 26.39مليون دوالر عام 1995إىل
27.13مليون دوالر عام ،1996ثم إىل 29.9مليون دوالر عام ،1997وذلك بسبب نمو الصادرات البحرانية إىل السوق اإليرانية ،لتحقق البحرين بذلك فائض ًا يف جتارهتا مع
إيران .وعىل الرغم من الرتاجع الذي أصاب العالقات التجارية بني البلدين يف عام ،1998 فإن احلركة التجارية ما لبثت أن عادت بقوة بني البلدين منذ العام ،1999حيث تشري األرقام الصادرة عن اجلهاز املركزي لإلحصاء يف مملكة البحرين أنه خالل الفرتة من 1999إىل
(6التدمري« ،إضاءة عىل العالقات اإليرانية العربية بني عهدين «العهد البهلوي وعهد اجلمهورية اإلسالمية» ومتطلبات التغيري »،ج ،1ص .226 272
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
آب/أغسطس 2002بلغ حجم التجارة البينية مع إيران نحو 217.7مليون دوالر ،منها
113.9مليون دوالر صادرات بحرانية ،و 103.7مليون دوالر واردات ،لتحقق البحرين فائض ًا جتاري ًا مقداره 10.18مليون دوالر . (6 ويف التاسع والعرشين من أيلول/سبتمرب عام ،2000تم توقيع اتفاق بني البلدين،
ينص عىل تسهيل انتقال املواطنني ،ومعاودة فتح اخلط البحري بني البلدين .وذلك باإلضافة إىل إنشاء عدد من اللجان املشرتكة يف املجاالت السياسية واالقتصادية . (6
-4العالقات اإلماراتية ـ اإليرانية
املالحظ يف العالقات اإليرانية اإلماراتية أنه عىل الرغم من التوتر السائد يف العالقات
السياسية بني البلدين نتيجة مشكلة احتالل إيران جزر اإلمارات الثالث ،طنب الكربى وطنب الصغرى وأبو موسى ،فإن ذلك مل يقف يوم ًا عائق ًا أمام تطوير البلدين العالقات البينية عىل كافة األصعدة األخرى لتلك العالقات.
فاإلمارات تُعد -وبحق -الرشيك التجاري األول إليران يف منطقة اخلليج العريب ،وثاين
أكرب رشيك جتاري إليران بعد أملانيا عىل مستوى العامل ،وقد استحوذت اإلمارات عىل أعىل نسب
يف العالقة التجارية مع إيران خالل الفرتة من 1997وحتى ،1999حيث بلغت نسبة 76.5
يف املئة و 84.7يف املئة و 91.3يف املئة من جمموع جتارة دول جملس التعاون مع إيران بقيمة
1034مليون دوالر و 1136.6مليون دوالر و 1527مليون دوالر خالل السنوات املذكورة
بالرتتيب ،بل إن حجم التبادل التجاري بني البلدين قد ارتفع ليصل إىل 1653مليون دوالر يف عام ،2000منها 1325مليون دوالر صادرات إماراتية ،مقابل 328مليون دوالر واردات من السلع واملنتجات اإليرانية ،لتحقق اإلمارات بذلك فائض ًا جتاري ًا بلغ 997مليون دوالر. وجتدر اإلشارة إىل أن الصادرات اإلماراتية إىل إيران هي يف معظمها وبنسبة 99يف املئة جتارة إعادة تصدير للمنتجات ،وتتم بصفة أساسية عرب ديب ،حيث توجد نصف الرشكات التجارية
اإليرانية التي تتعامل مع اإلمارات ،التي يبلغ عددها نحو ثالثة آالف ومخسمئة رشكة ،تعمل حتت إرشاف جملس العمل اإليراين ،ويرتكز معظمها يف منطقة جبل عيل التجارية .وهو ما َّ نشط « (6العالقات االقتصادية اخلليجية اإليرانية :عوامل التقارب وآفاق املستقبل »،ص .137 (6طاهر« ،العالقات اخلليجية اإليرانية :نظرة مستقبلية »،ص .113
مركز اخلليج لألبحاث
273
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
من حركة االستثامرات اإليرانية يف اإلمارات وبالعكس ،حيث بلغ حجم االستثامرات اإلماراتية
يف جزيرة قشم اإليرانية نحو 1.5مليار دوالر حتى شباط/فرباير عام . (6 1997
كام امتد التقارب بني البلدين إىل النشاط السياحي ،حيث شهد قطاع السياحة تطور ًا ملحوظ ًا بني البلدين ،إذ بلغ عدد السياح اإليرانيني إىل اإلمارات ما يزيد عىل مخسة وعرشين ألف سائح شهري ًا .كام بلغت الرحالت اجلوية التي تنقل القادمني من ديب إىل إيران فقط نحو ثالث وثامنني رحلة أسبوعي ًا ،أي بمعدل ثالثمئة واثنتني وثالثني رحلة شهري ًا . (6
-5العالقات القطرية ـ اإليرانية
يف كانون الثاين/يناير عام 1999افتتح يف قطر املعرض اخلامس للمنتجات اإليرانية،
وتم عقد اجتامع اللجنة القطرية اإليرانية املشرتكة عىل هامش املعرض برئاسة وزير املالية والتجارة القطري ووزير الطاقة اإليراين ،وانتهى االجتامع بتوقيع مذكرة تفاهم لدعم وتطوير
العالقات االقتصادية والتجارية ،وإنشاء مركزين جتاريني يف الدوحة وبوشهر ،وتبودلت الزيارات الرسمية بني مسؤويل البلدين لتأكيد الرغبة الصادقة يف التعاون ودعم العالقات
بني البلدين .وخالل زيارة وزير اخلارجية القطري ،الشيخ محد بن جاسم آل ثاين ،إىل إيران يف نيسان/أبريل عام ،1999ذكر أن تفعيل العالقات القطرية مع إيران عىل كل األصعدة هو قرار خاص بقطر وحدها.
وخالل الزيارة التي قام هبا الرئيس اإليراين حممد خامتي إىل الدوحة ضمن جولة شملت
سوريا والسعودية يف مطلع شهر أيار/مايو ،1999مل يتم التعرض لقضية اجلزر اإلماراتية أو العالقات القطرية -اإلرسائيلية ،وذلك حرص ًا عىل عدم تعريض العالقات الثنائية ألي شائبة.
وتم خالل تلك الزيارة توقيع جمموعة من االتفاقيات يف خمتلف املجاالت التعاونية ،وهي : (7 اتفاقية بشأن تشجيع ومحاية االستثامرات. اتفاقية يف جمال الشباب والرياضة. « (6العالقات االقتصادية اخلليجية اإليرانية :عوامل التقارب وآفاق املستقبل »،ص .138 (6طاهر ،املصدر نفسه ،ص .113
(7محاد« ،إيران »،2000-1999 ،ص .180 274
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
بروتوكول للتعاون العاميل واالجتامعي. مذكرة تفاهم بني وزاريت الداخلية حول مكافحة اإلرهاب. مذكرة حول التعاون السياحي. مذكرة حول التعاون اإلذاعي والتلفزيوين. اتفاقية تعاون بني غرفتي التجارة والصناعة يف البلدين. -االتفاق عىل تفعيل عمل اللجنة املشرتكة بني البلدين.
ويف التاسع عرش من متوز/يوليو عام 2000و َّقعت قطر وإيران مخس اتفاقيات ومذكرات
تفاهم يف املجاالت الثقافية والفنية واإلعالمية والصحية وجتنب االزدواج الرضيبي . (7
وعىل الرغم من جهود التقارب املتبادل بني البلدين ،فإن حجم التبادل التجاري ال يعبرِّ عن تلك اجلهود بالشكل املناسب ،فقد انخفضت الصادرات القطرية إىل إيران من 58.5
مليون دوالر عام 1996/1995إىل أحد عرش مليون دوالر عام ،2000/1999ثم إىل
3.87مليون دوالر فقط عام ،2001/2000بينام ارتفعت واردات قطر غري النفطية من إيران من 19.2مليون دوالر إىل 20.2مليون دوالر ثم إىل 22.46مليون دوالر خالل الفرتة نفسها ،األمر الذي حيمل معه عجز ًا يف امليزان التجاري القطري وفائض ًا يف امليزان التجاري ملصلحة إيران خالل األعوام من 1999إىل . (7 2001
العامنية ـ اإليرانية -6العالقات ُ
ترددت أنباء حول اتفاق أمني ودفاعي بني سلطنة ُعامن وإيران ،عىل الرغم من نفي َّ األوىل لذلك مجلة وتفصي ً ال ،وإعالن طهران أنه قد تم توقيع اتفاق أمني مع سلطنة عماُ ن حول قضايا املرور عرب مضيق هرمز ومكافحة جتارة املخدرات والتهريب وحماوالت التسلل ،وكان
تردد يف وقت سابق من هذه األحداث ما مفاده وجود وساطة ُعامنية بني الواليات املتحدة قد َّ وإيران ،عىل الرغم من نفي مسقط لذلك األمر ،وال سيام أن األخرية ترتبط بعالقات جيدة بكلتا الدولتني ،وأثري هذا األمر خالل الزيارة القصرية التي قام هبا الرئيس األمريكي كلينتون « (7العالقات االقتصادية اخلليجية اإليرانية :عوامل التقارب وآفاق املستقبل »،ص .138 (7املصدر نفسه ،ص .138
مركز اخلليج لألبحاث
275
الفصل السادس :السـياسة اإليرانيـة خالل اجلمهورية الثالثة ()2000 -1997
إىل مسقط عقب انتهاء جولته يف اهلند وباكستان وبنغالدش يف هناية شهر آذار/مارس .2000 ويف واقع األمر ،إن العالقات التجارية بني إيران والسلطنة تعترب منخفضة نسبي ًا مقابلة بالعالقات اإليرانية -البحرانية مث ً ال ،شأهنا يف ذلك شأن العالقات التجارية بني إيران وقطر.
العامنية إىل ووفق ًا لإلحصاءات الصادرة عن إدارة اجلامرك اإليرانية ،يالحظ أن الصادرات ُ إيران قد انخفضت قيمتها من 1.68مليون دوالر عام 1996/1995إىل 0.399مليون
دوالر عام ،2000/1999ولكنها عادت لرتتفع بنسبة 494يف املئة إىل 2.37مليون دوالر
عام ،2001/2000ومع ذلك فإن امليزان التجاري بني البلدين يميل ملصلحة إيران . (7
ويف اخلتام ،يمكن القول إن تلك األجواء التقاربية يف العالقات اخلليجية -اإليرانية ال
تنم عن مستوى فكري واحد ومشرتك بني دول جملس التعاون اخلليجي ،لكنها متثل صور
فردية للتعاون مع إيران ،تدفع كل دولة إىل تغليب رؤاها الذاتية ومدى املصلحة التي ستعود
جراء تطبيع عالقاهتا مع إيران. عليها من َّ
وهذا التقارب اإليراين -اخلليجي عىل الرغم من أمهيته ،إ َّ ال أنه قد حيمل معه مضاعفات
سلبية عىل وحدة ومتاسك كيان جملس التعاون ،ستستفيد منها طهران عىل املدى الطويل،
وذلك يف ضوء العوامل اآلتية:
إن التقارب بشكل فردي مع إيران ومن دون اشرتاط تسوية مسألة اجلزر يعني ضمن مايعنيه حتو ًال يف املوقف اجلامعي املتضامن لدول اخلليج مع اإلمارات ،وخروج ًا عىل ثوابت املجلس
يف التعامل مع إيران يف ظل احتالهلا اجلزر ،وانسحاب ًا من مساندة موقف اإلمارات من النزاع.
-اإلرصار اإليراين عىل رفض التدخل اخلليجي يف مسألة اجلزر ،وهو ما ينفي حجج
حسنت عالقاهتا مع طهران حلل البعض بشأن إمكانية توسط أي من الدول اخلليجية التي َّ
قضية اجلزر ،فهي تأبى التعاون مع اللجنة الثالثية املكونة من السعودية وقطر وسلطنة ُعامن، وتؤكد أن القضية جيب أن تحُ ل بشكل ثنائي مبارش ،وبمعزل عن تدخل أي دولة أخرى ،يف إشارة إىل الدول ذات العالقات الطيبة التي تربطها بإيران ،ال سيام سلطنة ُعامن.
إن الثابت ،ومنذ أمد بعيد أن إيران تعمل عىل ضامن حتقيق اهليمنة عىل شؤون املنطقة
(7املصدر نفسه ،ص .138 276
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
ولو نسبي ًا ،واتبعت يف ذلك وسائل عدة ،كان أبرزها عدم توتري العالقات مع الدول املشاطئة املقابلة هلا عىل الضفة األخرى للخليج العريب ،إذ مل تعرف عالقات إيران بدول جملس التعاون التوتر الذي َّأدى إىل االنفجار الذي شهدته عالقاهتا مع العراق مث ً ال ،وقد تكون اتَّسمت حين ًا
بدرجة كربى من التعاون وأحيان ًا بالتناقض والتباين ،إال أن ذلك مل يسفر عن قطع كامل وهنائي للعالقات ،بل استمرت يف هنجها الساعي إلثبات حسن نواياها ،ال سيام مع السعودية،
باعتبارها الدولة املحورية يف املعادلة األمنية يف املنطقة.
ومن الواضح أنه قد حتقق إليران مبتغاها من تطبيع عالقاهتا مع دول اخلليج ،وبخاصة
مرصة عىل امتالك منذ جميء خامتي إىل احلكم ،فهي وعىل الرغم من حماوالت ُّ التودد ما زالت َّ أسلحة الدمار الشامل ،وال تزال تتبع القاعدة الذهبية يف اهليمنة وهي بناء قوهتا العسكرية، ورفض أي وجود أجنبي يف املنطقة ،واستمرار احتالل اجلزر اإلماراتية الثالث ،عل ًام بأنه ال توجد غري نزعة اهليمنة وحماولة السيطرة لتربير التمسك باجلزر الثالث ،فال يمكن قبول
يصبان ملصلحة اإلمارات ،وبالتايل فإن التربير األعذار القانونية أو التارخيية؛ ألن كالمها َّ الوحيد املساق يف هذا الصدد هو الرغبة يف أداء دور الرشطي ،ولكن حلساب إيران فقط ،بعد
أن كان حلساب غريها يف وقت سابق.
مركز اخلليج لألبحاث
277
خاتـمة تناولت الدراسة السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج
العربية خالل الفرتة املمتدة من عام 1979وحتى عام ،2000تلك الفرتة التي شهدت فيها الساحة السياسية اإليرانية ثالث قيادات اختلفت يف توجهاهتا اخلارجية جتاه منطقة اخلليج نتيجة اختالف املحدِّ دات التي حكمت تلك التوجهات خالل فرتة الدراسة.
بدأت الدراسة بإطار مفاهيميُ ،عني بالتعرف إىل مفهوم النظام اإلقليمي وعالقته
بالنظام الدويل الذي يعيش يف إطاره ،والتطبيق العميل لذلك عىل النظام اإلقليمي اخلليجي،
كام تناولت الدراسة مفهوم الدور اإلقليمي وعنارصه والعوامل املؤثرة فيه .كام نحت الدراسة إىل حتليل إمكانات القوة وتوزيعها يف النظام اإلقليمي اخلليجي باملقابلة بني إيران ودول جملس التعاون اخلليجي وتأثري ذلك يف الدور املنتظر لكل من طريف العالقة.
ويف إطار التعرف إىل طبيعة السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول
اخلليج العربية خالل فرتة الدراسة ،تناول الفصل الثاين السياق التارخيي لتلك السياسة واملحدِّ دات التي أ َّثرت فيها ،سوا ًء تلك النابعة من البيئة الدولية اإلقليمية أم تلك النابعة من
البيئة الدولية العاملية.
كام تناول الفصل الثالث من الدراسة األدوار املختلفة املؤ َّثرة يف عملية صنع السياسة
اخلارجية اإليرانية ،ودور كل من األيديولوجيا والقيـــادة واملصلحة القومية يف عملية صنع 278
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
السياسة اخلارجية اإليرانية ،وكذلك األدوات املستخدمة يف تنفيذ تلك السياسة خالل مراحل احلكم اإليراين املختلفة منذ ثورة 1979وحتى عام .2000
أما الفصول الرابع واخلامس والسادس ،فتختص بدراسة وحتليل السياسة اخلارجية
اإليرانية جتاه دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية خالل اجلمهوريات الثالث التي
تعاقبت عىل احلكم يف إيران منذ عام 1979وحتى عام ،2000وذلك من خالل تناول عدد
تعرضت هلا تلك السياسة مثل األيديولوجيا والبحث عن دور إقليمي إليران من القضايا التي َّ مرور ًا بقضايا احلدود ،وقضايا األمن والتسلح ،وقضايا التعاون اإلقليمي بني إيران ودول املجلس خالل العهود الثالثة.
هذا ،وقد توصلت الدراسة إىل عدد من النتائج التي يمكن بياهنا عىل النحو التايل: -1إن قوة الدولة وطبيعة العالقة يف حميطها اإلقليمي والدويل ،حتدِّ د بشكل كبري الدور الذي تؤديه تلك الدولة عىل مرسح احلياة السياسية إقليمي ًا ودولي ًا ،وتربز قوة الدولة بمقدار
تفاعل عنارص هذه القوة ومكانتها .فكلام حدث تغري يف القدرات املكونة هلذه القوة تغري تبع ًا
لذلك حجم قوة الدولة ودورها وفاعليتها عىل مرسح األحداث .وبالنظر إىل إمكانات القوة
يف النظام اخلليجي مقابلة بإيران ،نجد أن القاعدة السكانية يف النظام اإلقليمي اخلليجي تتسم بعدم التجانس االجتامعي ،وتعاين اختال ً ال واضح ًا يف التوزيع ملصلحة إيران ،وهذا ما جعل دولة مثل الكويت عاجزة عن جماهبة غزو تقوم به دولة أخرى تفوقها عدد ًا وعتاد ًا مثل العراق، كام جعل دولة مثل اإلمارات العربية املتحدة عاجزة عن اختاذ عمل عسكري مضاد إليران
السرتداد اجلزر الثالث التي استولت عليها تلك األخرية .كام أن وجود حدود مبارشة بني
إيران وعدد من الدول اخلليجية يف ظل غياب عالقات الود والتفاهم يكسب العالقات بينها وبني تلك الدول طابع ًا رصاعي ًا ،وجيعل من إيران عامل هتديد أمني ،وبخاصة بعد احتالهلا جزر اإلمارات الثالث ،وقيام الثورة اإلسالمية وما طرحته من شعارات خاصة بعدم استقالل
بعض الدول اخلليجية .وهذا من شأنه أن يساهم يف عدم االستقرار السيايس واألمني يف املنطقة .ويمكن القول إنه عىل الرغم من أن دول النظام اخلليجي متتلك إمكانات اقتصادية
هائلة مقابلة بالعديد من دول النظام العاملي ،وأن هذه الدول استطاعت حتقيق درجة عالية من النمو االقتصادي مقابلة بالعديد من دول العامل النامي ،فإن ما شهدته تلك املنطقة من مركز اخلليج لألبحاث
279
خامتة
حروب واضطرابات أمنية دفعها إىل ختصيص نسبة كبرية من إمكاناهتا االقتصادية نحو اإلنفاق
العسكري ،فقد شهدت املنطقة حربني مدمرتني ،األوىل استمرت زهاء الثامين سنوات بني
العراق وإيران ،والثانية نتيجة غزو العراق الكويت ،األمر الذي َّأدى إىل استجالب آلة احلرب الغربية إىل منطقة اخلليج وما نتج من ذلك من هدر واستنزاف للطاقات واملوارد والثروات
اخلليجية .وقد أدت تلك احلروب إىل إرهاق ميزانيات كل الدول اخلليجية ،فاجتهت تلك
الدول إىل االستدانة ،حيث بلغ إمجايل الديون املرتاكمة عىل دول النظام اخلليجي نحو مئة وستة
عرش مليار دوالر .حتتل اململكة العربية السعودية املركز األول من حيث نسبة الديون اخلارجية
بنحو ثالثني مليار دوالر ،تليها الكويت بنحو ثالثة عرش مليار دوالر ،فالعراق بنحو أحد عرش مليار ًا ،ثم اإلمارات بنحو عرشة مليارات ،فإيران بنحو تسعة مليارات ،ثم عامن وقطر بنحو
ثالثة مليارات دوالر لكل منهام ،ثم مملكة البحرين التي بلغت مديونيتها نحو ثالثمئة ومخسني مليون دوالر .وهو ما أ َّثر بشكل مبارش يف مواصلة جهود التنمية يف تلك الدول. -2ارتبطت األيديولوجيا اإليرانية ارتباط ًا وثيق ًا بالسياسة اخلارجية للجمهورية اإلسالمية ،فقد سعت إيران إىل تسييس الدين بشكل مبارش ،وطرحته ممارسة سياسية أو ً ال
قبل طرحه دين ًا ،لكن تلك املكانة التي احتلتها األيديولوجيا الثورية للنظام احلاكم يف إيران قد تق َّلص دورها إىل حد كبري يف أعقاب وفاة اخلميني وتويل رفسنجاين احلكم ،لتتقدم عوامل املصلحة القومية عىل االعتبارات األيديولوجية ،ذلك التوجه ازداد قوة مع فوز اإلصالحيني
ووصول خامتي إىل السلطة عام ،1997وبدت السياسات اخلارجية إليران أكثر واقعية .ومن
ثم تكاتفت اعتبارات املصلحة القومية اإليرانية مع جمموعة املتغريات اإلقليمية والدولية لتلقي بظالهلا عىل توجهات السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه دول اخلليج وتتعدَّ ى حدود التأثري األيديولوجي املتعصب لتصب بالسياسة اإليرانية يف بوتقة االعتدال ،بعيد ًا عن التشدُّ د والتعصب الذي كان السمة البارزة للعهد اخلميني .فام حدث هو تنحية التأثري األيديولوجي جانب ًا وليس إلغاؤه متام ًا .فقد نزعت إيران إىل التخيل التدرجيي عن أمهية العامل املذهبي يف
السياسة اخلارجية اإليرانية ،لتحل حم َّله نظرة واقعية تقوم عىل حتقيق املصالح القومية للدولة،
بعد أن َّ تأكد دور الدولة عىل حساب الثورة ،نتيجة سيطرة املعتدلني عىل السلطة ،األمر الذي جعل إيران تنتهج سياسة خارجية أكثر اعتدا ً ال جتاه دول العامل وبخاصة دول اخلليج املجاورة. ومن ثم أصبحت رعاية املصالح القومية هي الركيزة األساسية للسياسة اخلارجية اإليرانية.
280
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
-3عىل الرغم من التقارب احلادث بني إيران ودول منظومة جملس التعاون اخلليجي يف
أعقاب أزمة اخلليج الثانية نتيجة املوقف اإليراين الرافض للغزو ،وعىل الرغم من التنازالت واإلغراءات التي قدمها العراق إىل إيران لتحييدها وإغالق اجلبهة اإليرانية ،وعىل الرغم من
حتول مصدر هتديد األمن اخلليجي نحو العراق ،فإنه ما زالت هناك شكوك خليجية جتاه النوايا التوسعية اإليرانية ،وخماوف من استمرار إيران مصدر ًا لتهديد األمن اخلليجي ،وبخاصة مع التعنت اإليراين جتاه مسألة اجلزر اإلماراتية املحتلة ،واإلرصار اإليراين عىل التمسك بتلك
اجلزر ،ورفض التفاوض بشأهنا أو إحالتها إىل التحكيم الدويل ،كام ترى دولة اإلمارات ربرها بالطبع -عىل وتؤيدها يف ذلك باقي دول املجلس .وتلك الشكوك اخلليجية هلا ما ي َّ
الرغم من فوز اإلصالحيني بأغلبية مقاعد جملس الشورى يف آذار/مارس - 2000ألن يعول كثري ًا عىل الربملان وال حتى عىل الرئيس إلحداث هيكل السياسة اخلارجية يف إيران ال ِّ تغيريات جوهرية يف سياسة الدولة اخلارجية .فمن ناحية أوىل ،إن جملس صيانة الدستور الذي
خيتص باملصادقة عىل القوانني التي يقرها الربملان هييمن عليه املحافظون ،ومن ناحية ثانية، إن املرشد األعىل يتمتع بسلطات مطلقة يف ما يتعلق بالسياسة اخلارجية ،ومن ناحية ثالثة، إن الدستور اإليراين حيكم عملية إدارة السياسة اخلارجية وقواعد التعاون الدويل مع الدول
األخرى وإبرام االتفاقات واالمتيازات وغريها من الرشوط احلاكمة لتلك السياسة .وقد نص الدستور مث ً ال يف املادة ( )78عىل «عدم جواز التخيل عن أي قطعة أرض من األرايض َّ اإليرانية ،أو التفاوض مع دولة أخرى حول تغيري احلدود معها من دون موافقة 80يف املئة من
أعضاء الربملان».
-4إن سعي إيران املتزايد إىل بناء قوهتا العسكرية غري التقليدية من خالل بناء نظام
متكامل للطاقة النووية وإنتاج عدَّ ة مئات من األطنان من عوامل احلرب الكيميائية كل عام
مثل غاز اخلردل ،الكلورين ،الفوسجني ،وهيدروجني السيانيد ،وعوامل األعصاب مثل السارين ،كل ذلك يبعث عىل التخوف اخلليجي ،ويق َّلل من جماالت التعاون بني اجلانبني. وهناك سعي إيراين إىل تطوير قدراهتا العسكرية ،وبخاصة الصواريخ بعيدة املدى ،فبعد تطوير
إيران لصواريخ (شهاب )1-و(شهاب )2-خطت القدرة الصاروخية اإليرانية خطوة نوعية
أساسية ،متثَّلت يف تطوير الصاروخ (شهاب – ،)3والعمل عىل تطوير طراز آخر من الصواريخ الباليستية وهو الصاروخ (شهاب )4-بالتعاون مع روسيا التي تعترب حجر الزاوية يف مستقبل مركز اخلليج لألبحاث
281
خامتة
الربنامج النووي اإليراين إىل جانب الصني وكوريا الشاملية .وتطوير إيران لقدراهتا النووية
له انعكاسات اسرتاتيجية بالغة األمهية عىل الصعيدين اإلقليمي والعاملي بصفة عامة ،وعىل منطقة اخلليج العريب والدول املجاورة بصفة خاصة ،حيث إن تطوير تلك القدرة وإدخال
تلك الصواريخ إىل اخلدمة العامة يف الرتسانة العسكرية اإليرانية يمثَّالن قفزة نوعية مهمة يف القدرات العسكرية اإليرانية عموم ًا ،ألن امتالك إيران إلمكانات صنع القنبلة النووية يساعد
عىل تعزيز مكانتها اإلقليمية عىل مستوى اخلليج والرشق األوسط ،ويم ِّثل أساس ًا قوي ًا لردع أي هجوم مباغت قد يأيت من جانب إرسائيل أو الواليات املتحدة األمريكية عىل املنشآت
النووية اإليرانية ،عالوة عىل حرص إيران عىل توظيف التطور يف القدرات النووية اإليرانية من أجل تعزيز املوقف اإليراين يف القضايا املتعلقة بأمن اخلليج ،األمر الذي يمثل أحد أبرز
املعوقات التي تعرتض قوة الدفع نحو مزيد من عالقات التقارب مع دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية.
-5عىل الرغم من مؤرشات التقارب التي أبدهتا إيران منذ انتخاب خامتي رئيس ًا للجمهورية ،فإن هذه املؤرشات مل َ ترق إىل احلد الذي تنتفي فيه مصادر التهديد اإليرانية.
فالرؤية اإليرانية لألمن يف اخلليج مل تتغري كثري ًا ،وما زالت املواقف اإليرانية تواجه بحذر شديد من جانب القيادات اخلليجية .واإليرانيون يرون أهنم بام هلم من تاريخ سيايس عريق وحضارة إنسانية راقية وإمكانات جيوبوليتيكية هم أصحاب احلق األول يف رسم اخلريطة األمنية يف
املنطقة .وهم يرون أن أمن اخلليج ليس قضية عربية ،بل هو باألساس قضية إقليمية ،ختص
الدول املطلة عىل اخلليج فقط ،وال حيق ألي دولة خارجية سواء أكانت عربية أم غري عربية أن تشارك يف صياغة الرتتيبات األمنية يف تلك املنطقة .وانطالق ًا من ذلك التصور ،انتقدت إيران إعالن دمشق بمجرد صدوره ،وأعلنت أهنا تريد أمن ًا إقليمي ًا خالص ًا ال دور فيه ملرص
وال لسوريا ،وكذلك القوى العظمى وبخاصة الواليات املتحدة األمريكية ،ألن أمن اخلليج
هو مسؤولية دوله فقط ،وتقع عىل عاتق إيران املسؤولية الكربى يف حتقيق ذلك األمن بحكم
عوامل اجلوار اجلغرايف والظروف االجتامعية .لذا دعا الرئيس السابق هاشمي رفسنجاين إىل إقامة حتالف بني إيران ودول جملس التعاون الست ،إضافة إىل العراق ،ورأى أن ذلك التحالف
سيمثل بفضل القدرات املالية لدوله وموقعه اجلغرايف قاعدة متينة للعامل اإلسالمي يف مواجهة اخلطر اإلرسائييل .ويدعم اخلوف اخلليجي ترصيح الرئيس اإليراين (املعتدل) حممد خامتي يف
282
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
أواخر شهر كانون الثاين/يناير 2000بأن «اخلليج فاريس ،وسيبقى فارسي ًا» ،وقوله« :لن نقبل أبد ًا بالسيطرة األجنبية ،وسندافع عن منطقتنا» ،مؤكد ًا قدرة إيران عىل محاية «اخلليج
الفاريس» .وهو الترصيح الذي كان بمنزلة الصدمة بشأن توجهاته التي أعلنها من قبل ،وهو ما يعني أن األمر بالنسبة إىل مسألة األمن يف اخلليج ال خيتلف لدى اإلصالحيني عنه لدى يتعزز الشك لدى الدوائر اخلليجية يف النوايا اإليرانية بالنسبة إىل تلك املحافظني ،ومن ثم َّ املسألة ،وبخاصة مع سعي إيران احلثيث إىل تطوير قدراهتا العسكرية .ومن ثم فهناك خماطر إيرانية عىل األمن اخلليجي بصفة خاصة وعىل األمـن العريب بصـفة عامـة عىل املديني البعيد
أو املتوسـط ،بحكم أن إيران أعطت لنفسها حق الفيتو يف أي ترتيبات أمنية يف منطقة اخلليج بام خيدم مصاحلها األمنية فقط.
-6يتحدَّ د دور الدولة بمجموعة من املتغريات السياسية واالقتصادية واجلغرافية
والتارخيية ،باإلضافة إىل املتغريات القيادية وما يرتبط هبا من مفاهيم إدراكية حول دور الدولة خارجي ًا إقليمي ًا ودولي ًا .فالسياسات الداخلية تنعكس عىل دور الدولة خارجي ًا ،وطبيعة النظام السيايس والقدرات املتاحة للدولة اقتصادي ًا وجغرافي ًا وعسكري ًا واملوروثات التارخيية وطبيعة
القيادة السياسية حتدِّ د رؤية الدولة لدورها يف حميطها اإلقليمي والدويل .كام أن هذا الدور حتدده أيض ًا جمموعة من املتغريات اخلارجية املتعلقة بطبيعة النظام اإلقليمي والدويل ومستوى الضغوط التي تتعرض هلا الدولة يف حميطها اإلقليمي والدويل وقدرة الدولة عىل املناورة واحلركة .إذ ًا ،دور الدولة أو وظيفتها يف جماهلا اإلقليمي والدويل حتدِّ دمها جمموعة من املتغريات الداخلية واإلقليمية والدولية التي تعمل باعتبارها حمدِّ دات هلذا الدور .ويف ما يتعلق بإيران،
فإهنا ما زالت يف طور التحول التدرجيي من الرشعية الثورية إىل الرشعية الدستورية ،وبخاصة منذ جميء السيد خامتي عىل رأس السلطة احلاكمة يف طهران يف الثالث والعرشين من أيار/مايو
عام ،1997ورشوعه يف تبنِّي هنج إصالحي داخيل وانفتاحي عىل اخلارج يسعى إىل تبنِّي طريق احلوار ،حتى أصبح صانعو تلك السياسة يتحدثون عن «االنفتاح وعالقات اجلوار احلسن» ال من «تصدير الثورة» ،ويتحدثون عن «حوار احلضارات» بد ً بد ً ال من «حتدي هيمنة الدول الكربى» ،يف الوقت الذي حيرص فيه املحافظون عىل إبراز الرغبة اإليرانية يف القيام بأعباء دور إقليمي واسع يستند إىل مرياث تارخيي إمرباطوري ونظرة توسعية إىل مد النفوذ واحلفاظ عىل
املصلحة وممارسة نوع من اهليمنة يف حميطها اإلقليمي املجاور .والدور اإلقليمي اإليراين خضع مركز اخلليج لألبحاث
283
خامتة
ملجموعة من املؤثرات التي أ ّدت دورها يف متثيل السياسة اخلارجية اإليرانية يف شقيها اإلقليمي والدويل ،أمهها الوضع الداخيل يف إيران والرصاع املحتدم بني املحافظني واإلصالحيني عىل
مراكز السلطة والنفوذ ،والذي ال شك تسبب يف تغيري العديد من مالمح السياسة اخلارجية ميزت تلك السياسة لفرتة طويلة. اإليرانية ،بل وتسبب كذلك يف تغيري اسرتاتيجيات أساسية َّ وعندما انفرد املحافظون بالساحة الداخلية يف إيران عقب الثورة اإلسالمية عام ،1979
اتسمت مقوالت سياستهم اخلارجية بالراديكالية املفرطة ،ومع سنوات حرب اخلليج األوىل
مع العراق ،استتب األمر لإلمام اخلميني ،املرشد األول للثورة ،بحيث مل يكن من املمكن بروز منافس له ،حيث حكمت الدور اإلقليمي إليران توجهات ذات طبيعة أيديولوجية استندت
جلها إىل أفكار اإلمام اخلميني وتقسيمه العامل إىل معسكرين :املستكربين واملستضعفني ،وسيطرة
األول عىل الثاين ،وتبعية بعض دول الثاين للمعسكر األول ،وسعيه إىل تنفيذ سياساته كل يف نطاقه اإلقليمي .واستمرت عالقات طهران ببعض الدول تحُ كم هبذا التصور األيديولوجي الذي رأى أنه يستهدف جتزئة العـامل اإلسـالمي والسيطرة عىل مقدراته ،بل وهنبه حتى يتمكن
يف النهاية من االستئثار بالنفوذ السيايس واالقتصادي هبا .ومل تكن الواليات املتحدة بعيدة عن هذا البناء األيديولوجي املسيطر للثورة اإليرانية ،خصوص ًا أهنا إحدى قوى االستكبار العاملي وفق تصورها ،وترتبط باملنطقة اجلنوبية الغربية هلا بعالقات وطيدة ،ولذلك اهتمت واشنطن باستغالل وهنب ثروات الشعوب اخلليجية وحماولة فرض هيمنتها السياسية واالقتصادية
والثقافية والعسكرية ،مطالبة الدول التي تتصل هبا بشكل وثيق بمحاربة «القوى اخلارجية»
التي حتاول السيطرة عىل جزء مهم من الدول اإلسالمية وهي الدول اخلليجية.
كان إليران اخلميني تصورها اخلاص بدورها اإلقليمي يف منطقة اخلليج العريب ،وكذلك
نظريتها اخلاصة يف محاية األمن اخلليجي ،فهي تسعى إىل أن تكون الدولة القائدة يف اخلليج ويف
العامل اإلسالمي ،وتسعى إىل حتقيق أمنها القومي ،حتى ولو كان ذلك عىل حساب أمن الدول املجاورة .وقد سعى اخلميني ليفرض عىل الدول اخلليجية االعرتاف بدور إيران األمني يف
املنطقة حتت شعار «مظلة األمن» ،رغبة يف السيطرة السياسية والعقائدية عىل املنطقة ،وأدركت إيران أن سيطرهتا عىل مضيق هرمز ستحقق هلا الكثري من أهدافها يف محاية أمنها القومي اخلاص،
ومل تلتفت إىل آراء الدول اخلليجية األخرى بشأن ما ترفعه من شعارات متس أمن واستقالل
الدول اخلليجية األخرى ،وما تقدم عليه من أفعال هتدف هبا أن تصبح القوة األوىل يف املنطقة. 284
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
غري أنه بانتهاء احلرب ووفاة اخلميني ،بدأ اإليرانيون يف التعاطي مع شؤوهنم الداخلية بشكل خمتلف ،وبرز تيار جديد من اإلصالحيني ظل ضعيف الشوكة إىل أن جاء الرئيس اإليراين
حممد خامتي عام 1997ليمثل أكرب انتصار لذلك التيار أمام املحافظني ،وبدأت الكفة متيل
إىل اجلانب اإلصالحي ،وبالتايل مل جيد اإلصالحيون عناء يف حتويل دفة السياسة اخلارجية تبع ًا ملا يتناسب وقناعتهم ،بحيث أصبحت «املصالح الوطنية» وليس «األيديولوجيا» ،هي احلاكم الرئيس الذي ختدمه تلك السياسة .ومن ثم مل يعد هناك مربر لالستمرار يف عداء أنظمة
سياسية يمكن حتقيق مصالح كثرية من وراء التعامل معها ،ملجرد االختالف األيديولوجي معها ،كام أصبح من الرضوري عىل صانعي تلك السياسة اخلارجية اإليرانية ترميم العالقات
التي تربط اجلمهورية اإلسالمية بمحيطها القريب .وكان غزو العراق للكويت عام 1990
تكبدهتا فرصة سانحة إليران ملامرسة دور إقليمي أكرب وتعويض جزء كبري من اخلسائر التي َّ خالل حرهبا مع العراق نتيجة املبادرة العراقية يف اخلامس عرش من آب/أغسطس ،1990كام
استغلت إيران األوضاع اجلديدة واستفادت من انتهاء زمن العزلة ورشعت يف تقوية الروابط مع دول جملس التعاون واستثامر عالقاهتا الوثيقة مع سوريا ولبنان يف طرح نفسها العب ًا رئيس ًا
ال يمكن إغفاله يف الرصاع العريب -اإلرسائييل من خالل ذراعها القوية (حزب اهلل اللبناين)، وهي املستبعدة عن كافة الرتتيبات الرسمية هلذا الرصاع لكوهنا دولة غري عربية.
إن اخلطوات التي اتبعتها إيران يف أعقاب انتخاب الرئيس حممد خامتي ،سواء يف ما يتعلق بتوسيع نطاق الديمقراطية داخلي ًا وحماوالت اإلصالح االقتصادي وصو ً ال إىل حماوالت كرس العزلة الدولية املفروضة عليها وإعادة املياه لنهر عالقاهتا الدبلوماسية مع دول اجلوار اجلغرايف
وحتسني صورهتا يف مواجهة دول العامل األخرى ،تلك اخلطوات التي كانت نتيجة طبيعية للتطورات التي تشهدها إيران قد تدفع بالقول بقبول إيران بأفكار العوملة ،أو أهنا تسعى إىل الدخول حتت مظلتها من خالل العمل عىل حتقيق متطلباهتا السياسية واالقتصادية ،فمجمل
الوضع اإليراين َّ يوضح أن إيران تتجه نحو ديمقراطية النظام السيايس ومشاركة أحزاب وجهات وحتالفات خمتلفة يف اللعبة السياسية ،فقد شهدت انتخابات الثالث والعرشين من
أيار/مايو 1997أعىل معدل من املشاركة الشعبية يف تاريخ إيران ما بعد الثورة ،األمر الذي
َّ يؤكد رغبة الشعب اإليراين يف الديمقراطية واملشاركة السياسية ،وبخاصة بعد إعالن الرئيس اإليراين حممد خامتي عن رضورة السعى نحو إعامل حكم القانون وبناء املجتمع املدين. مركز اخلليج لألبحاث
285
خامتة
وهناك سعي من النظام السيايس نحو جذب االستثامرات املحلية واألجنبية ،ويدرك
النظام أن ذلك لن يتحقق من دون توفري قدر كبري من االستقرار واألمن السيايس وحل املشكالت التي تواجه االقتصاد اإليراين نتيجة العزلة التي فرضت عليه لفرتة طويلة .وكان
من املنطقي أن تبادر طهران بعد ذلك إىل اتباع هنج برغاميت ،واستغالل الفرص السانحة ما
أمكن لتأكيد نفوذها يف املنطقة ،من خالل عضويتها يف العديد من املنظامت الدولية احلكومية كمنظمة املؤمتر اإلسالمي ،ورئاسة منظمة األوبك ،مع رفضها املتكرر لوجود قوات التحالف يف اخلليج ،وانتقادها إلعالن دمشق ،والتأكيد مرار ًا عىل أن أمن اخلليج هو مسؤولية دوله فقط .وبصفة عامة ،مل تعد إيران تقبل بسهولة استبعادها من أي ترتيبات إقليمية ،سوا ًء عىل املستوى السيايس أم االقتصادي أم العسكري ،أم عىل املستوى اخلليجي ،أم يف ما يتعلق بتسوية
الرصاع العريب -اإلرسائييل.
ال ينفي هذا التحول يف وسائل ممارسة إيران لدورها اإلقليمي أن أفكار تصدير مبادئ الثورة ما زالت كامنة يف الشعور اإليراين ،وأن هناك استعداد ًا إيراني ًا إلحياء تلك األفكار إذا ما تطلب األمر ذلك ،خصوص ًا أن تلك األفكار متثل األساس العقيدي للحرس الثوري اإليراين .كام يؤكد ذلك الطرح استمرار احتالل اجلزر اإلماراتية الثالث ،عىل الرغم من
املحاوالت املضنية من جانب دولة اإلمارات العربية املتحدة للتوصل إىل تسوية بشأن هذا األمر ،سواء باجللوس عىل مائدة احلوار املبارش ،أم عن طريق إحالة القضية برمتها إىل حمكمة
العدل الدولية أو هيئة حتكيم .حيث يؤكد الكثريون عىل أن التغري يف املوقف اإليراين من هذه القضية سيكون يف حدَّ ذاته مؤرش ًا عىل جدية إيران يف حتسني عالقاهتا بالعامل العريب ،ومن ثم
عىل رجحان كفة االعتدال يف سياسة إيران اخلارجية ،وتبديل فكرة الدور املهيمن إىل الدور
املشارك .كام أن االهتامم اإليراين املبالغ فيه بدعم قوهتا العسكرية التقليدية وغري التقليدية التي تفوق احتياجاهتا للدفاع عن نفسها ومحاية مصاحلها احليوية َّ يؤكد ضمني ًا وجود نوايا للهيمنة وفرض سياسة األمر الواقع ،وجيعلنا ننظر إىل الدور اإليراين يف منطقة اخلليج نظرة
غري متفائلة.
-7تكاتفت جمموعة من األدوار املختلفة للتأثري يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية ،وهي :األيديولوجيا وعنرصا القيادة واملصلحة القومية للدولة اإليرانيةٍ ،وقد متثلت
األيديولوجيا اإليرانية يف انتصار الفكر اإلسالمي الشيعي الذي أطاح باحلكم البهلوي ،وأصبح 286
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
الفكر الديني لإلمام اخلميني إحدى الركائز األساسية املحدَّ دة لطبيعة عملية صنع القرار
اإليراين ،سواء عىل املستوى الداخيل أم عىل املستوى اخلارجي .فقد نجح اخلميني يف بسط سيطرة رجال الدين عىل الدولة عرب بسط سلطتهم الدينية عىل الساحة السياسية ،فخرجت
الدولة اإليرانية اجلديدة دولة شيعية ثيوقراطية ،يمسك فيها رجال الدين بكل مقاليد احلكم، ويفرضون قوانني الدولة ،ويتولون إدارة ُج َّل مؤسساهتا السياسية واالقتصادية واالجتامعية
والثقافية .فالدور الشامل للدين يف إيران مل يؤثر فحسب يف الطبيعة الثيوقراطيه للنظام السيايس، بل أثر أيض ًا يف السياسة اخلارجية وصبغها بصبغة معينة .وهكذا ارتبطت األيديولوجيا اإليرانية ارتباط ًا وثيق ًا بالسياسة اخلارجية للجمهورية اإلسالمية .فقد ألقى البعد املذهبي يف فن صياغة وتشكيل السياسة اخلارجية اإليرانية يف أعقاب الثورة بظالله عىل األنشطة والتحركات اإليرانية
اخلارجية كافة ،سواء أكانت وجهتها إقليمية أم قارية ،أم حتى عاملية.
وعىل الرغم من التعدُّ د والتنوع والتداخل الذي تتصف به تركيبة نظام احلكم يف
اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ،فإن مؤسسة القيادة املتمثلة يف املرشد تأيت عىل رأس مؤسسات احلكم يف إيران ،وهي تؤدي دور ًا مفصلي ًا يف عملية صنع قرار السياسة اخلارجية اإليرانية. حيث جيعل الدستور اإليراين مسألة اإليامن بوالية الفقيه من الركائز األساسية للجمهورية اإلسالمية ،فال يستقيم نظامها إال هبا ،وال يكتسب رشعيته إال بإعامهلا ،فاملرشد يتمتع بوضع
شديد التميز .وينص الدستور اإليراين عىل أن املرشد أو القائد هو أعىل سلطة يف إيران ،وقد
منحه الدستور السيادة السياسية والدينية .فهو الذي يوقع قرار تعيني رئيس الدولة ويعزله، ويفصل بني السلطات الثالث ،ويعينَّ كبار املسؤولني يف الدولة ،ويتوىل حتديد اخلطوط األساسية للسياسة العامة للدولة .وحيدد الدستور اإليراين الرتتيبات اخلاصة بالقائد وأسلوب اختياره والرشوط الالزم توافرها فيه والصالحيات املنوط به القيام هبا وطريقة اختياره من
خالل جملس اخلرباء .وكان آية اهلل اخلميني هو أول مرشد للثورة اإليرانية ،وقد استطاع أن
جيمع بني املرجعية الدينية والزعامة السياسية ،وقد مارس آية اهلل اخلميني صالحيات واسعة
أثرت يف صياغة قرار السياستني الداخلية واخلارجية عىل نحو سواء ،فبحكم منصبه بصفته وسع اخلميني من صالحياته ،وأدخل منصبه يف اإلطار املؤسسايت ،ففرض سلطته عىل فقيه ًاّ ، أصحاب املناصب الرسمية املهمة يف الدولة ،عن طريق تعيني ممثليه الشخصيني الذين عرفوا
بـ»ممثيل اإلمام» يف املصالح احلكومية املهمة كافة ،وملتابعة كل األمور .وكان للخميني تأثريه مركز اخلليج لألبحاث
287
خامتة
الواضح يف عملية صنع السياسات الداخلية واخلارجية إليران الثورة ،وكانت فتاويه هي التي حتدد اإلطار العام حلركة السياسة اخلارجية اإليرانية .تلك القوة مل تتوافر للمرشد األعىل الذي
خلف اخلميني يف حزيران/يونيو 1989آية اهلل عيل خامنئي ،الذي حاول بدوره تقوية نفوذه من خالل زيادة عدد مساعديه ومستشاريه السياسيني .وعني ممثلني يتبعونه شخصي ًا ويرفعون إليه تقارير حول خمتلف قضايا السياسة اخلارجية ،ولكنه مل يرق إىل قوة سلفه اخلميني.
ومع وفاة اخلميني وتويل رفسنجاين احلكم ،بدت األيديولوجيا وقد تق ّلص دورها إىل
حد كبري يف عملية صنع السياسة اخلارجية اإليرانية ،لتتقدم عليها عوامل املصلحة القومية. ذلك التوجه ازداد قوة مع فوز اإلصالحيني ووصول خامتي إىل السلطة عام ،1997وبدت السياسات اخلارجية إليران أكثر واقعية نتيجة الرغبة اإليرانية يف اخلروج من العزلة الدولية
التي فرضتها عليها الواليات املتحدة األمريكية من خالل سياسة االحتواء املزدوج ،والرغبة يف االنفتاح عىل دول أوروبا واملعسكر اآلسيوي ودول العامل النامي ودول اخلليج .ومن ثم أصبحت رعاية املصالح القومية هي الركيزة األساسية للسياسة اخلارجية اإليرانية.
-8عىل الرغم من أن قيام الثورة اإلسالمية يف إيران قد َّأدى إىل عدد من التغريات
يف عالقات إيران اخلارجية وتوجهاهتا ،فإن إيران الثورة مل ختتلف يف جوهرها األمني ويف مستمر ًا يف مرحلة ما بعد الثورة .لذلك أهدافها عن إيران الشاه ،ألن خط إيران التوسعي ظل ّ املميزة يف إطار أدوات السياسة استمرت األداة العسكرية والتهديد هبا يف احتالل مكانتها َّ
اخلارجية اإليرانية ،متفوقة بذلك عىل األدوات الدبلوماسية واالقتصادية .ولو ظهرت أدوات أخرى للسياسة اخلارجية اإليرانية توافق ًا مع طبيعة املرحلة الثورية اجلديدة ،متثلت يف «تصدير الثورة» ،ودعم احلركات اإلسالمية يف خمتلف البلدان.
وعىل الرغم من النغمة املعتدلة للترصحيات اإليرانية يف عهد رفسنجاين وعهد خامتي
بشأن رضورة إقامة عالقات حسن جوار مع دول اخلليج العربية ،فإن إيران تستخدم قوهتا العسكرية بصورة مستفزة ألمن واستقرار املنطقة ،حيث قامت إيران باستخدام شقي القوة العسكرية ،ومها التهديد هبا واالستخدام الفعيل وتوظيفها يف حتقيق أهدافها اخلارجية.
ويأيت التهديد بالقوة العسكرية من خالل ما تقوم به إيران من استعراض للقوة العسكرية يف
اختبارات األسلحة الصاروخية والعروض واملناورات العسكرية يف اخلليج ،مع استمرار االحتالل 288
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
العسكري جلزر اإلمارات الثالث الذي دعمته إيران بام اختذته من إجراءات مشددة يف عام 1992 لتكريس األمر الواقع .وهناك املحاوالت اإليرانية املستمرة لفرض سيطرهتا عىل مضيق هرمز
ومناوشة الوجود الغريب فيه ،ملا يمثله املضيق من أمهية اقتصادية واسرتاتيجية إليران.
َّ يؤكد تلك الرؤية التزايد امللحوظ الذي شهدته ميزانية اإلنفاق العسكري اإليراين خالل السنوات العرش األخرية من القرن العرشين ،فقد ارتفع اإلنفاق العسكري من 3.810مليار دوالر عام 1991إىل 4.7مليار دوالر عام ،1997ثم إىل 5.7مليار دوالر عام ،1999ثم إىل نحو 7.5مليار دوالر عام .2000 ربر حال القلق والرتقب الذي تعيشه دول اخلليج ،ويدعوها إىل دعم إن ما سبق ي ِّ
استمرار الوجود العسكري األجنبي لردع القوة اإليرانية إذا لزم األمر ،وذلك كام ُردعت
القوة العراقية من قبل.
مركز اخلليج لألبحاث
289
املراجع -1العربية كتب
أبو السعود ،عبد السالم .حلف بغداد .القاهرة ،دار القاهرة للطباعة( .1957 ،سلسلة كتب سياسية؛ الكتاب التاسع والعرشون)
أبو العز ،حممد صفي الدين (مرشف) .الوطن العريب واملتغريات العاملية .القاهرة :جامعة الدول العربية ،معهد البحوث والدراسات العربية.1991 ،
أبو غزالة ،عبد احلليم .احلرب العراقية اإليرانية 1980 ،ـ [ .1988د .م :.د .ن،]. .1994-1993 إدريس ،حممد السعيد .النظام اإلقليمي للخليج العريب .بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية( .2000 ،سلسلة أطروحات الدكتوراة؛ )34
األشعل ،عبد اهلل .اإلطار القانوين والسيايس ملجلس التعاون اخلليجي .القاهرة :دار النهضة العربية.1988 ،
ــــــ .قضية احلدود يف اخلليج العريب .القاهرة :مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام.1978 ، أمن اخلليج يف القرن احلادي والعرشين .اإلمارات :مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االسرتاتيجية.1998 ،
290
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
إيزدي ،بيزن .مدخل إىل السياسة اخلارجية جلمهورية إيران اإلسالمية .ترمجة وتقديم سعيد الصباغ .القاهرة :الدار الثقافية للنرش.2000 ،
باديب ،سعيد .العالقات السعودية اإليرانية .1983– 1932 ،لندن :دار الساقي؛ مركز الدراسات اإليرانية والعربية.1994 ، بدوي ،حممد طه .مدخل إىل علم العالقات الدولية .ط .3القاهرة :املكتب املرصي احلديث.1976 ،
برجنسكي ،رجيينو .خارج حدود السيطرة :مستقبل البرشية ىف القرن احلادي والعرشين. إعداد خمتار حممد .إسالم آباد :معهد الدراسات السياسية( .1994 ،قضايا دولية)
بشارة ،عبد اهلل .جتربة جملس التعاون اخلليجي :خطوة أو عقبة يف طريق الوحدة العربية. عامن :منتدى الفكر العريب[ ،د .ت( .].سلسلة احلوارات العربية؛ .)5 التدمري ،أمحد جالل .اجلزر العربية الثالث :دراسة وثائقية .تقديم وإرشاف خالد بن صقر القاسمي .االمارات العربية :مطبعة رأس اخليمة الوطنية.]2000[ ، التقرير االسرتاتيجي اخلليجي .2000-1999 ،الشارقة :دار اخلليج.2000 ،
التقرير االسرتاتيجي العريب .1985 ،القاهرة :مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام.1986 ، التقرير االسرتاتيجي العريب .1988 ،القاهرة :مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام.1989 ، التقرير االسرتاتيجي العريب .1990 ،القاهرة :مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام.1991 ،
جامعة الدول العربية ،معهد البحوث والدراسات العربية .الوطن العريب واملتغريات العاملية .القاهرة :اجلامعة.1991 ، جنسن ،لويد .تفسري السياسة اخلارجية .ترمجة حممد بن أمحد املفتي وحممد السيد سليم. الرياض :جامعة امللك سعود.1989 ، احلديثي ،هاين إلياس .سياسة باكستان اإلقليمية .1994-1971 ،بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية( .1998 ،سلسلة أطروحات الدكتوراه؛ )33 مركز اخلليج لألبحاث
291
املراجع
حسني ،مجال الدين .حرب حترير الكويت :حرب تدمري العراق النص الكامل للرصاع. القاهرة :مكتبة مدبويل.1991 ، حسيني ،فاضل .مشكلة شط العرب .القاهرة :جامعة الدول العربية ،معهد البحوث والدراسات العربية.1975 ، اخلميني ،آية اهلل (اإلمام) .احلكومة اإلسالمية .ط [ .3طهران] :مركز بقية اهلل[ ،د .ت].
الدرة ،حممود .القضية الكردية .بريوت :دار الطليعة.1966 ،
دستور اجلمهورية اإلسالمية يف إيران .طهران :مديرية الرتمجة والنرش ،رابطة الثقافة والعالقات اإلسالمية.1997 ، رجب ،حييى حلمي .أمن اخلليج العريب يف ضوء املتغريات اإلقليمية والعاملية .القاهرة: مركز املحروسة للبحوث والتدريب والنرش.1997 ،
الرشيدي ،أمحد (حمرر) .االنعكاسات الدولية واإلقليمية ألزمة اخلليج .القاهرة :مركز البحوث والدراسات السياسية.1991 ،
زهران ،مجال .توازن القوى بني العرب وإرسائيل بني حريب .1973 – 1967القاهرة: مكتبة مدبويل.1988 ،
سعيد ،حممد السيد .مستقبل النظام العريب بعد أزمة اخلليج .الكويت :املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب( .1992 ،عامل املعرفة) سليم ،حممد السيد .حتليل السياسة اخلارجية[ .القاهرة] :جامعة القاهرة ،مركز البحوث والدراسات السياسية.1989 ،
ـــــــ .حتليل السياسة اخلارجية .ط .2القاهرة :النهضة املرصية.1998 ،
ـــــــ (حمرر) .النظام العاملي اجلديد .القاهرة :مركز البحوث والدراسات السياسية، .1994 السويدي ،مجال سند (حمرر) .إيران واخلليج :البحث عن االستقرار .أبو ظبي :مركز اإلمارات للبحوث والدراسات االسرتاتيجية.1996 ، السيد رجب ،عمر الفاروق .قوة الدولة :دراسات جيوسرتاتيجية .القاهرة :مكتبة مدبويل.1992 ،
292
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
السيد ،مصطفى كامل .حتى ال تنشب حرب عربية وعربية أخرى .القاهرة :جامعة القاهرة ،مركز البحوث والدراسات السياسية.1992 ،
شبل ،فؤاد حممد .الفكر السيايس :دراسات مقارنة للمذاهب السياسية واالجتامعية. القاهرة :اهليئة املرصية العامة للكتاب.1974 ، شحادة ،مهدي وجواد بشارة .إيران :حتدَّ يات العقيدة والثورة .باريس :مركز الدراسات العريب األورويب.1999 ، شكر ،زهري .السياسة األمريكية يف اخلليج العريب .بريوت :معهد اإلنامء العريب.1982 ،
صبحي ،أمحد حممود .البحرين ودعوى إيران .تقديم ومراجعة حممود عيل الداود .كفر الدوار: مطبعة عوف اسكندرية.1963 ،
عامر ،كامل أمحد .جملس التعاون اخلليجي ،نموذج للتكامل االقتصادي[ .د .م :].جامعة قناة السويس ،كلية التجارة.1988 ،
عامر ،كامل أمحد .الدور املرصي والعريب يف حرب حترير الكويت .القاهرة :اهليئة املرصية العامة للكتاب( .2001 ،تاريخ املرصيني؛ )208
عبد اهلل ،عبد اخلالق .العامل املعارص والرصاعات الدولية .الكويت :املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب( .1989 ،عامل املعرفة؛ )133
عبدول ،عبد الوهاب .اجلزر العربية الثالث يف اخلليج العريب ومدى مرشوعية التغريات اإلقليمية الناجتة عن استخدام القوة :دراسة قانونية .رأس اخليمة :مركز الدراسات
والوثائق[ ،د .ت( .].كتاب األبحاث؛ )9
العفيفي ،فتحي .التوازن االسرتاتيجي يف اخلليج العريب ( .)2000-1990القاهرة :املركز األكاديمي للدراسات االسرتاتيجية( .2001 ،ملف اخلليج االسرتاتيجي؛ )2
العقاد ،صالح .معامل التغيري يف دول اخلليج العريب .القاهرة :جامعة الدول العربية ،معهد البحوث والدراسات العربية.1972 ،
العلكيم ،حسن محدان .األمن واالستقرار يف منطقة اخلليج :دراسة استرشافية .رأس اخليمة: املركز العريب للدراسات االسرتاتيجية( .1999 ،سلسلة قضايا خليجية؛ )3
علوي ،مصطفى (حمرر) .مرص وأمن اخلليج بعد احلرب .القاهرة :مركز البحوث والدراسات السياسية.1994 ،
مركز اخلليج لألبحاث
293
املراجع
العيدروس ،حممد حسن .العالقات العربية اإليرانية .1971-1921 ،الكويت :منشورات ذات السالسل.1985 ،
غورباتشوف ،ميخائيل .البرييسرتويكا :تفكري جديد لبالدنا والعامل .ترمجة محدي عبد اجلواد. القاهرة :دار الرشوق.1988 ،
فايز ،حممد .قضايا علم السياسة العام .بريوت :دار الطليعة.1986 ،
فهمي ،عبد السالم عبد العزيز .تاريخ إيران السيايس يف القرن العرشين .القاهرة :مطبعة املركز النموذجي.1973 ،
قاسم ،مجال زكريا .اخلليج العريب :دراسة لتاريخ اإلمارات العربية .1945 – 1914 ،القاهرة: [د .ن.1973 ،].
ــــــ ويونان لبيب رزق (حمرران) .العالقات العربية اإليرانية .القاهرة :جامعة الدول العربية، معهد البحوث والدراسات العربية.1993 ،
الكليني ،أبو جعفر حممد بن يعقوب .األصول من الكايف .صححه وعلق عليه عيل أكرب الغفاري .بريوت :دار االضواء 2 .1985 ،ج.
كوردسامن ،أنتوين .القدرات العسكرية اإليرانية .اإلمارات :مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االسرتاتيجية[ ،د .ت( .].سلسلة دراسات عاملية؛ )6 لوريمر ،جون جوردن .دليل اخلليج .ترمجة مكتب الرتمجة بديوان حاكم قطر .بريوت :دار العربية.1970-1967 ، مار ،فيبي ووليم لويس (حمرران) .امتطاء النمر :حتدَّ ي الرشق األوسط بعد احلرب الباردة .ترمجة عبد اهلل مجعة احلاج .أبو ظبي :مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االسرتاتيجية( .1996 ،سلسلة دراسات مرتمجة) جملس التعاون لدول اخلليج العربية ،األمانة العامة .البيانات اخلتامية لدورات املجلس األعىل .ط .13الرياض :املجلس.2000 ،
ــــــ .النرشة اإلحصائية[ .الرياض] :مركز املعلومات ،إدارة اإلحصاء.1999 ،
حمافظة ،عيل [وآخرون] .العرب وجوارهم إىل أين؟ .بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية( .2000 ،سلسلة كتب املستقبل العريب؛ )20
294
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
مركز اخلليج للدراسات االسرتاتيجية .دول جملس التعاون اخلليجي :إشكاليات الوضع الداخيل وهتديدات الساحة اخلارجية[ .القاهرة] :املركز( .2000 ،كراسات اسرتاتيجية؛ )36
ـــــ .جملس التعاون لدول اخلليج بعد 20عام ًا من إنشائه[ .ديب] :املركز.2000 ،
مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام .النظام االقليمى العريب :الوضع الراهن وحتديات املستقبل .القاهرة :املركز.1987 ،
مرهون ،عبد اجلليل زيد .أمن اخلليج بعد احلرب الباردة .بريوت :دار النهار للنرش، .1997 مسعد ،نيفني عبد املنعم .صنع القرار يف إيران والعالقات العربية – اإليرانية .بريوت: مركز دراسات الوحدة العربية.2001 ،
مسلم ،طلعت أمحد .التعاون العسكري العريب .بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية، .1990 املشاط ،عبد املنعم (حمرر) .أمن اخلليج العريب :دراسة يف اإلدراك والسياسات .القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية.1994 ،
ـــــــ (حمرر) .الدور اإلقليمي ملرص يف الرشق األوسط .القاهرة :مركز البحوث والدراسات السياسية.1995 ، مطر ،مجيل وعيل الدين هالل .النظام اإلقليمي العريب :دراسة ىف العالقات السياسية العربية .ط .3بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية.1983 ،
مظلوم ،حممد مجال .القدرات العسكرية اإليرانية التقليدية وغري التقليدية .القاهرة :مركز اخلليج للدراسات االسرتاتيجية( .2001 ،كراسات اسرتاتيجية خليجية؛ )38
مظهر ،كامل .دراسات يف تاريخ إيران احلديث واملعارص .بغداد[ :د .ن.1985 ،].
معوض ،جالل معوض« ،غزو الكويت وحرب اخلليج الثانية ».1991- 1990 ،يف: موسوعة أحداث القرن العرشين .القاهرة :دار املستقبل العريب .2000 ،ج .4 مقلد ،اسامعيل صربي .االسرتاتيجية والسياسة الدولية :املفاهيم واحلقائق األساسية. بريوت :مؤسسة األبحاث العربية.1979 ،
ــــــ .االسرتاتيجية والسياسة الدولية :املفاهيم واحلقائق األساسية .ط .2بريوت: مؤسسة األبحاث العربية.1985 ، مركز اخلليج لألبحاث
295
املراجع
ــــــ .أمن اخلليج وحتديات الرصاع الدويل .الكويت :رشكة الربيعان للنرش والتوزيع، .1984 ــــــ .نظريات السياسة الدولية :دراسة حتليلية مقارنة .الكويت :جامعة الكويت، .1982 النجار ،مصطفى [وآخرون] .تاريخ اخلليج العريب احلديث واملعارص[ .البرصة]: جامعة البرصة.1984 ،
نورس ،عالء الدين .السياسة اإليرانية يف اخلليج العريب إبان عهد كريم خان، .1779-1757بغداد :املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم؛ معهد البحوث والدراسات العربية.1982 ، نوفل ،سيد .األوضاع السياسية إلمارات اخلليج العريب وجنوب اجلزيرة العربية. القاهرة :جامعة الدول العربية ،معهد البحوث والدراسات العربية.1972 ، هويدي ،فهمي .إيران من الداخل .ط .2القاهرة :مركز األهرام للرتمجة والنرش، .1988
يوسف ،أمحد وحممد زبارة .مقدمة يف العالقات الدولية .القاهرة :األنجلو املرصية.1985 ،
يوسف ،فاروق .القوة السياسية :اقرتاب واقعي من الظاهرة السياسية .ط .2القاهرة :مكتبة عني شمس.1985 ،
دوريات
أبو طالب ،حسن« .التطورات األخرية ىف حرب اخلليج ».السياسية الدولية ،العدد ،92 نيسان/أبريل .1988
أبو عامود ،حممد سعد« .واقع العالقات السعودية اإليرانية :رؤية مستقبلية ».السياسة الدولية ،العدد ،141متوز/يوليو .2000
أبو النور ،حممد فراج« .هامش املناورات يضيق أمام العامل الثالث ،التكتالت اإلقليمية: حصار هزيل ومستقبل رمادي ».البيان (اإلمارات).2000/7/7 : االحتاد (اإلمارات)2000/3/15 :؛ 2000/4/11و.2000/5/10
«األزمة اإليرانية وانعكاساهتا الدولية ».السياسة الدولية ،العدد ،55كانون الثاين/يناير .1979
296
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
األفندي ،نزيرة« .طموحات وقضايا الوحدة األملانية ».السياسة الدولية ،العدد ،100 نيسان/أبريل .1991
بسيسو ،فؤاد محدي« .جملس التعاون اخلليجي وآفاق التوجه االسرتاتيجي العريب املتوازن». املستقبل العريب ،السنة ،4العدد ،31أيلول/سبتمرب .1981
البيـان (اإلمارات) 2000/6/28 :و.2000/7/7
التميمي ،عبد امللك خلف« .االحتالل اإليراين للجزر العربية يف اخلليج :دراسة يف تاريخ العالقات العربية اإليرانية ».1971 -1887 ،جملة دراسات اخلليج واجلزيرة العربية، العدد ،5حزيران/يونيو .1988
ثابت ،أمحد« .إيران ما بعد احلرب ،مكاسب الواقع وأزمة االختيار ».مستقبل العامل اإلسالمي ،السنة ،1العدد ،2ربيع .1991
جاد ،عامد « .دول اجلوار اجلغرايف :حسابات املكسب واخلسارة ».السياسة الدولية، العدد ،103كانون الثاين/يناير .1991 جريينربجر ،روبرت« .إيران تعطي األمريكان تطمينات عن حيادها يف حرب اخلليج». اآلفاق ،العدد .1991 ،5 احلاج ،عبد اهلل مجعة« .االستيالء عىل جزيرة أبو موسى ».شؤون اجتامعية ،العدد ،52 .1996
ـــــــ« .جملس التعاون لدول اخلليج العربية نحو القرن احلادي والعرشين ».جملة دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ،العدد ،87خريف .1997 حرب ،أسامه الغزايل« .أبعاد النزاع العراقي اإليراين ».السياسة الدولية ،العدد ،61 متوز/يوليو .1980
ــــــ« .التطور التارخيي ودوافع احلرب :ملف احلرب العراقية اإليرانية ».السياسة الدولية ،العدد ،63كانون الثاين/يناير .1981 حسني ،زكريا« .أسس التصورات اإليرانية ألمن اخلليج ».السياسة الدولية ،العدد ،137متوز/يوليو .1999 احلياة (لبنان).2000/5/20 :
مركز اخلليج لألبحاث
297
املراجع
اخلليـج (اإلمارات).1999/5/5 :
اخللييل ،جعفر« .من هم أقدم سكان الساحل العريب يف اخلليج منذ فجر التاريخ وحتى ظهور اإلسالم؟ ».املؤرخ العريب :العدد .1980 ،12
زهران ،مجال« .أبعاد الرصاع العراقي اإليراين والتوازن اإلقليمي ».السياسة الدولية، العدد ،71كانون الثاين/يناير .1983 سعودي ،حممد عبد الغني« .اخلليج بني مقومات الوحدة ورصاع القوى األعظم ».جملة دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ،العدد ،20ترشين األول/أكتوبر .1979
سعيد ،عبد املنعم« .ربيع طهران ».األهرام العريب 13 :أيار/مايو .2000
ــــــ« .اإلقليمية يف الرشق األوسط :نحو مفهوم جديد ».السياسة الدولية ،العدد ،122ترشين األول/أكتوبر .1995 سياسات (إيران).2000/5/25 :
سياسات اإليرانية.2000/5/25 ،
الرشق األوسـط1992/9/4 :؛ 2000/5/11؛ 2000/5/26؛ 2000/11/3؛ 2001/1/2و.2002/6/8
شؤون خليجية :العدد ،27خريف .2001
صادق ،جمدي« .زيارة شمخاين للرياض ».الوطن (الكويت).2000/4/24 ، الصلح ،رغيد« .إيران والسودان :امتحانات صعبة ».احلياة.2000/5/11 ،
طاهر ،أمحد حممد« .العالقات اخلليجية اإليرانية :نظرة مستقبلية ».السياسة الدولية، العدد ،146ترشين األول/أكتوبر .2001 طاهر ،عالء« .تسييس الدين :إشكالية السياسة اإليرانية بني منطقة اخلليج والساحة الدولية ».السياسة الدولية ،العدد ،22حزيران/يونيو .1994
طاهري ،أمري« .ثالثة أسباب وراء امتناع رافسنجاين عن احتالل مقعده النيايب ».الرشق األوسط.2000/5/27 ،
«الطموحات النووية اإليرانية وأمن اخلليج ».الدراسات السياسية (اجلزء األول): نيسان/أبريل .2000 298
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
عبد اهلل ،ثناء فؤاد« .السقوط الدامي يف رومانيا وأزمة البناء الصعب ».السياسة الدولية: العدد ،100نيسان/أبريل .1991
عبد اهلل ،عبد اخلالق« .النظام اإلقليمي اخلليجي ».السياسة الدولية :العدد ،114 ترشين األول/أكتوبر .1993
ــــــ« .النفط والنظام اإلقليمي اخلليجي ».املستقبل العريب ،السنة ،16العدد ،181 آذار/مارس .1994 عبد البديع ،أمحد عباس« .حقائق املوقف السوفييتي من أحداث أوروبا الرشقية». السياسة الدولية ،العدد ،100نيسان/أبريل .1991 عبد الرمحن ،إبراهيم حلمي« .التطورات الدولية اجلارية :فرص وحماذير ».كتاب األهرام االقتصادي ،العدد ،37آذار/مارس .1991 عبد العاطي ،بدر أمحد« .أبعاد التغيريات الداخلية األخرية يف املجر ».السياسة الدولية، العدد ،99كانون الثاين/يناير.1990
عبد املؤمن ،حممد السعيد« .املسألة اإليرانية :الدور اإلقليمي :املحدَّ دات واملستقبل». أوراق الرشق األوسط ،العدد ،14نيسان/أبريل ـ متوز/يوليو .1995 عبد النارص ،وليد حممود« .األبعاد اإلقليمية ألمن اخلليج بعد احلرب العراقية واإليرانية ».السياسة الدولية ،العدد ،95كانون الثاين/يناير .1989 عبيد ،جمدي عيل« .الفكر العسكري اجلديد جلورباتشوف :التغري واالستمرارية». السياسة الدولية ،العدد ،99كانون الثاين/يناير .1990
عطية ،جمدي عيل« .الفاعلية العسكرية لدول اخلليج والتهديدات اإليرانية ».السياسة الدولية ،متوز/يوليو .1986 العقاد ،صالح« .األصول التارخيية للنزاع ،ملف احلرب العراقية اإليرانية ».السياسة الدولية ،العدد ،62كانون الثاين/يناير .1981
«العالقات االقتصادية اخلليجية اإليرانية :عوامل التقارب وآفاق املستقبل ».شؤون خليجية ،السنة ،5العدد ،32شتاء .2003 العلكيم ،حسن محدان« .إيران وأمن اخلليج :سيناريوهات األمن ورصاع االسرتاتيجيات». شؤون دولية ،العدد ،1صيف .1992 مركز اخلليج لألبحاث
299
املراجع
عيل ،نجاح حممد« .إيران والسعودية وتطورات عالقاهتام ».الوسط 24 :نيسان/أبريل .2000 عمر ،السيد« .السياسة اخلارجية اإليرانية يف ظل حكم الرئيس خامتي :اإلدراك والواقع ».شؤون خليجية ،السنة ،3العدد ،25ربيع .2001 فحص ،حسن« .رسالة خامنئي املفتوحة عىل كل االجتاهات ».احلياة.2000/5/14 ،
فهمي ،أماين حممود« .االحتاد السوفييتي من الداخل والتحديات اجلديدة ».السياسية الدولية ،العدد ،103كانون الثاين/يناير .1991
القبس (الكويت).2000/5/21 :
«قراءة يف جتارب الصواريخ اإليرانية ».الدراسات السياسية (اجلزء األول) 29 :يموز/ يوليو .2000 “قراءة يف نتائج االنتخابات الترشيعية اإليرانية ”.الدراسات السياسية (اجلزء األول): 26شباط/فرباير .2000 كيهان (إيران).1987/4/11 :
لطفي ،منال“ .إيران بني رغبة رجل الشارع ورضاء الفقيه ”.األهرام.2000/5/25 ،
مبارك ،وليد إلياس« .اخلليج ىف سياسة الكويت اخلارجية من خالل األمم املتحدة». السياسة الدولية ،العدد ،96نيسان/أبريل .1989 «متغريات إقليمية ودولية تغري مسار العالقات اإلماراتية ـ اإليرانية ».الرشق األوسط، .2002/6/8
املجلة 9 :أيلول/سبتمرب .1993
حممد ،عبد العاطي« .ماذا بعد االنتخابات اإليرانية؟ ».األهرام (مرص)، .2000/2/23
حممود ،أمحد إبراهيم« .إيران وجهود تطوير الصواريخ الباليستية ».السياسة الدولية، العدد ،136نيسان/أبريل .1999 املركز العريب للدراسات االسرتاتيجية« .األمن واالستقرار يف منطقة اخلليج :دراسة استرشافية ».قضايا خليجية ،العدد ،3كانون الثاين/يناير .1999
300
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
معوض ،نازيل« .تركيا وإيران وكارثة اخلليج الثانية :مقارنة حتليلية ».جملة العلوم االجتامعية ،العدد ،201ربيع ـ صيف .1991 مهابة ،أمحد« .إيران وأمن اخلليج ».السياسة الدولية ،العدد ،105متوز/يوليو .1991
املوجز عن إيران :العدد ،2حزيران/يونيو 1992؛ كانون الثاين/ديسمرب 1990 والعدد ،12نيسان/أبريل .1991
اهلاشمي ،رضا جواد« .النشاط التجاري القديم يف اخلليج العريب وآثاره احلضارية». املؤرخ العريب ،العدد .1980 ،12 الوسـط 22 :أيار/مايو .2000
الوطن (الكويت) 2000/5/15 :و.2000/5/27
يالتا ،بول« .الثورة اإلسالمية يف إيران ».السياسة الدولية ،العدد ،73متوز/يوليو .1983
مؤمترات
العالقات العربية اإليرانية ،االجتاهات الراهنة وآفاق املستقبل :بحوث ومنقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع جامعة قطر .بريوت: املركز.1996 ،
.الغزو العراقي للكويت :املقدمات ،الوقائع وردود الفعل ،التداعيات :أعامل الندوة التي نظمها املجلس الوطني والفنون واآلداب بالكويت يف مارس .1995 الصفاة :املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب( .1995 ،عامل املعرفة؛ )195
املؤمتر اإلسالمي لوزراء اخلارجية ،الدورة السابعة والعرشين 27 ،حزيران/يونيو .2000
املؤمتر السنوي الثامن للباحثني الشباب ،السياسات اخلارجية للدول العربية يف التسعينات، كلية االقتصاد ،مركز البحوث السياسية ،أيار/مايو .2000
املؤمترالسنوي السادس «آسيا والعوملة» ،مركز الدراسات اآلسيوية بكلية االقتصاد ،جامعة القاهرة 21 - 20 ،كانون الثاين/يناير .2001
نحو آفاق جديدة للعالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران :املستجدات اإلقليمية والدولية ومتطلبات التغيري .الكويت :جامعة الكويت ،مركز دراسات اخلليج واجلزيرة العربية 2 .2000 ،ج.
مركز اخلليج لألبحاث
301
املراجع
الوضع الراهن يف اخلليج وآفاق املستقبل ،ندوة القبس ،الكويت 11-10 ،ترشين األول/ أكتوبر .1998
رسائل جامعية
آل سعود ،نواف مساعد عبد العزيز« .جملس التعاون لدول اخلليج العربية دراسة قانونية سياسية يف التنظيم الدويل اإلقليمي( ».رسالة ماجستري ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد،
.)1988
إدريس ،حممد السعيد« .النظام اإلقليمي للخليج العريب (( ».)1992-71أطروحة دكتوراه، جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد.)1998 ،
البادي ،حممد سعيد« .األمن الوطني لدولة اإلمارات العربية املتحدة ،من منظور احتادي وبعد خليجي وعريب( ».أطروحة دكتوراه ،أكاديمية نارص العسكرية العليا ،كلية الدفاع
الوطني.)1992 ،
احلساين ،سعيد محد« .تطور العالقات بني دولة اإلمارات العربية املتحدة وإيران :دراسة حالة ملشكلة اجلزر الثالث( ».أطروحة دكتوراه ،جامعة قناة السويس ،كلية التجارة.)1999 ،
خليل ،حممد حممود« .األمن القومي العريب املرصي وحرب أكتوبر( ».أطروحة دكتوراه، أكاديمية نارص العسكرية العليا ،كلية الدفاع الوطني.)1985 ،
السيار ،عائشة عيل« .األصول التارخيية والتطورات املعارصة للوحدة بني إمارات الساحل العامين( ».أطروحة دكتوراه ،جامعة عني شمس ،كلية البنات.)1983 ،
عبد الواحد ،عزت« .إدارة األزمة ىف السياسة اخلارجية املرصية :دراسة حالة ألزمة اخلليج الثانية، ( ».1991-1990رسالة ماجستري غري منشورة ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد.)1994 ،
عبيدان ،يوسف حممد« .نظام احلكم يف دول اخلليج :دراسة مقارنة لقطر والكويت والبحرين». (أطروحة دكتوراه ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد.)1982 ،
العتيبى ،منصور« .اإلدارة األمريكية ألزمة اخلليج الثانية( ».1991-1990 ،رسالة ماجستري غري منشورة ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد.)1997،
العواملة ،خالد« .الثورة اإليرانية ورشعية النظم السياسية العربية( ».رسالة ماجستري ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد.)1992 ،
302
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
القنيعري ،صالح بن عبد العزيز« .السياسة اخلارجية اإليرانية وأثرها عىل األمن القومي العريب، ( ».1995 – 1979أطروحة دكتوراه ،أكاديمية نارص العسكرية العليا ،كلية الدفاع
الوطني.)1988 ،
املال ،خالد حممد أمحد« .السياسة اخلارجية لدولة اإلمارات العربية املتحدة جتاه إيران خالل الفرتة ( ».1992-1971رسالة ماجستري ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد.)1998 ،
وثائق
«البيان اخلتامي( ».املجلس األعىل ،الدورة احلادية عرشة ،الدوحة 25-22 ،كانون األول/ديسمرب .)1990 «البيان اخلتامي( ».املجلس األعىل لدول جملـس التعـاون ،الدورة السادسة عرشة ، مسقط 6-4 ،كانون األول/ديسمرب .)1995
«البيان اخلتامي( ».املجلس األعىل لدول جملس التعاون ،الدورة السابعة عرشة ، الدوحة 28-26 ،كانون األول/ديسمرب .)1996
«البيان اخلتامي( ».املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية ،الدورة الرابعة واألربعني ،جـدة 9-7 ،أيلول/سبتمرب .)1992 البيان الصادر عن الدورة االستثنائية الثالثة والعرشين ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية ،أبو ظبي 4 ،آذار/مارس .1999 «البيان الصحفي( ».املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية ،األمانة العامة ،الدورة السابعة والستني 28 ،حزيران/يونيو .)1998 «البيان الصحفي( ».املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية ،األمانة العامة ،الدورة السبعني ،الرياض 15-14 ،آذار/مارس .)1999
«البيان الصحفي( ».املجلس الوزاري ملجلس التعاون لدول اخلليج العربية ،الدورة الثامنة والثامنني ،جدة 8 ،أيلول/سبتمرب )2003 «ختطيط السياسة اخلارجية اإليرانية :بني مدلوالت الرصاع الداخيل والنفوذ اإلقليمي».
(املركز الدبلومايس للدراسات االسرتاتيجية ،الكويت ،بتاريخ 22ترشين األول/
أكتوبر .)2000
مركز اخلليج لألبحاث
303
املراجع
«تقرير للفورين ريبورت الصادر يف لندن عن التنازالت العراقية إليران.)1991( ».
«زيارة وزير الدفاع اإليراين للسعودية :رؤية حتليلية( ».تقرير ،املركز الدبلومايس للدراسات االسرتاتيجية ،الكويت 15 ،نيسان/أبريل .)2000
«العالقات الكويتية اإليرانية :رؤية حتليلية( ».تقرير ،املركز الدبلومايس للدراسات االسرتاتيجية ،الكويت 12 ،ترشين األول/أكتوبر .)2000
304
مركز اخلليج لألبحاث
منصور حسن العتيبي
األجنبية-2 Books Al-Alkim, Hassan Hamdan. The GCC States in an Unstable World: ForeignPolicy Dilemmas of Small States. London: Saqi Books, 1994. Al-Suwaidi, Jamal S. (ed.). Iran and the Gulf : A Search for Stability. Abu Dhabi: Emirates Center for Stategic Studies and Research, 1996. Bakhash, Shaul. The Reign of the Ayatollahs: Iran and the Islamic Revolution. New York: Basic Books, 1984. Bennett, Alvin LeRoy. International Organizations: Principles and Issues. Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, [1977]. Cantori, Louis J. and Steven L. Spiegel. The International Politics of Regions; a Comparative Approach. Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, [1970]. Cordesman, Anthony H. The Gulf Military Balance and Saudi Arabia. Washington DC: Center for Strategic and International Studies, 2001. Cordesman, Anthony H. and Ahmed Hashim. Iran: Dilemmas of Dual Containment. Boulder, Colo.: Westview Press, 1997. (CSIS Middle East Dynamic Net Assessment) Eisenstadt, Michael. Iranian Military Power: Capabilities and Intentions. Washington, DC: Washington Institute for Near East Policy, 1996. (Policy Papers; no. 42) Esposito, John L. (ed.). The Iranian Revolution: Its Global Impact. Miami: Florida International University Press; Gainesville, FL: Orders, University Presses of Florida, 1990. Feste, Karen A. The Iranian Revolution and Political Change in the Arab World. Abu Dhabi: Emirates Center for Strategic Studies and Research, 1996. (Emirates Center for Strategic Studies and Research, Occasional Papers; no. 4) Frankel, Joseph. Contemporary International Theory and the Behaviour of States. London; New York: Oxford University Press, 1973. Graham, Robert. Iran, the Illusion of Power. London: Croom Helm, 1978. 305
مركز اخلليج لألبحاث
املراجع
Graz, Liesl. The Turbulent Gulf. London; New York: I. B. Tauris; New York: St. Martin’s Press, 1990. Hermann, Charles F., Charles W. Kegley, Jr. and James N. Rosenau (eds.). New Directions in the Study of Foreign Policy. Boston: Allen and Unwin, [1986]. Hunter, Shireen. Iran and the World: Continuity in a Revolutionary Decade. Bloomington: Indiana University Press, 1990. Kaplan, Morton A. System and Process in International Politics. New York: Wiley, 1962. Khadduri, Majid. The Gulf War: the origins and implications of the Iraq-Iran conflict. New York: Oxford University Press, 1988. Long, David E. and Christian Koch. (eds.). Gulf Security in the 21st Century. Abu Dahbi: Emirates Center for Strategic Studies and Research, 1997. Macridis, Roy C. Contemporary Political Ideologies: Movements and Regimes. Cambridge, MA: Winthrop Publishers, 1980. Milani, Mohsen M. The Making of Iran’s Islamic Revolution: From Monarchy to Islamic Republic. 2nd ed. Boulder: Westview Press, 1994. The Military Balance. London: Institute for Strategic Studies, 1994-1995. __________. London: Institute for Strategic Studies, 1995-1996. Morgenthau, Hans Joachim. Politics among Nations; the Struggle for Power and Peace. 2nd ed. rev. and enl. New York: Knopf, [1954]. __________. Power and Ideology in International Politics. New York: Free Press, 1961. Nye, Joseph S. Peace in Parts; Integration and Conflict in Regional Organization. Boston: Little, Brown, [1971]. (Perspectives on International Relations) Ramazani, Rouhollah K. (ed.). Iran’s Revolution: The Search for Consensus. Bloomington: Indiana University Press; Washington, DC: Published in Association with the Middle East Institute, 1990. ___________. Revolutionary Iran: Challenge and Response in the Middle East. London: Johns Hopkins University Press, 1990. ___________. Revolutionary Iran: Challenge and Response in the Middle East. Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1988 مركز اخلليج لألبحاث
306
منصور حسن العتيبي
Rosenau, James N., Kenneth W. Thompson and Gavin Boyd (eds.). World Politics: An Introduction. New York: Free Press, 1976. Simpson, John. Behind Iranian Lines. London: Robson Books, 1988. Tahtinen, Dale R. Arms in the Persian Gulf. With a Foreword by Melvin R. Laird. Washington: American Enterprise Institute for Public Policy Research, [1974]. (Foreign Affairs Study; no. 10)
Periodicals Abootalebi, Ali. “The Struggle for Democracy in the Islamic Republic of Iran,” Middle East Review of International Affairs (MERIA): Vol. 4, no. 3, September 2000. Arjomand, Said Amir. “History and Revolution in the Shi’ite Tradition in Contemporary Iran,” International Political Science Review: Vol. 10, no. 2, 1989. Chubin, Shahram and Charles Tripp. “Domestic Politics and Territorial Disputes in the Persian Gulf and Arabian Peninsula,” Survival: Winter 1993-1994. Dabiri, Mohammad Reza. “Abu Musa Island: A Binding Understanding or a Misunderstading.” Iranian Journal of International Affairs: Vol. 5, nos. 3-4, Fall-Winter 1993-1994. Emami, Mohammad Ali. “Perspectives on the Security of the Persian Gulf.” Iranian Journal of International Affairs: Vol. 5, nos. 3-4, Fall-Winter 1993- 1994. Gause, F. Gregory. “The Illogic of Dual Containment.” Foreign Affairs: Vol 73, no. 2, March- April 1994. Katzman, Kenneth.“Iran: Current Developments and U.S. Policy.” Congressional Research Service Review: April 2002. Lake, Anthony. “Confronting Backlash States.” Foreign Affairs: Vol 73, no. 2, March- April 1994. Long, David E. “United States and the Persian Gulf.” Current History: January 1979. Middle East Journal: Vol. 42, no. 3, Summer 1988. Milani, Mohsen M. “The Evolution of the Iranian Presidency: From Bani Sadr to Rafsanjani.” British Journal of Middle Eastern Studies: Vol. 20, no. 1, 1993. 307
مركز اخلليج لألبحاث
املراجع
Pedersen, Daniel. “A United Germany – The New Superpower.” Newsweek: 26 February 1990. Pipes, Daniel and Patrick Clawson. “Ambitious Iran, Troubled Neighbors.” Foreign Affairs: America and the World: Vol. 72, no. 1, 1992-1993. Shahabi, Sohab. “A Review of Iran’s Five-Year Development Plan, and a Look to the Future.” Iranian Journal of International Affairs: Vol. 4, no. 2, 1992. Stern, Fritz. “Freedom and its Discontents.” Foreign Affairs: Vol. 72, no. 4, September - October 1993. Zahed, Mojtahed. “The Political Geography and History of the Islands of Tunb and Abu Musa,” Iranian Journal of International Affairs: Vol. 4, nos. 3-4, Fall- Winter 1992.
Websites 1.
www.aljazeera.net/programs/open–dialog/articles/2001/2/2-27-1.htm.
3.
www.alsharqalawsat.com/pc/news/8،6،2002،024.html.
2.
www.aljazeera.net /in–depth/iran–file/2001/4/4–21-3–htm.
مركز اخلليج لألبحاث
308
من �إ�صدارات مركز اخلليج أ للبحاث ترجمة ون�شر: جمموعة خمتارة من الكتب املتخصصة يف جمال العلوم اإلنسانية واالجتامعية ،باإلضافة إىل بعض الكتب التي
تُعنى بقضايا منطقة اخلليج يتم ترمجتها اىل اللغة العربية. املجتمع الفوضوي: دراسة النظام يف السياسة العاملية نظريات الدولة :سياسة الديمقراطية الليربالية قضايا يف السياسة العاملية فهم العالقات الدولية قاموس بنغوين للعالقات الدولية معجم بالكويل للعلوم السياسية
هيديل بول
ISBN: 9948 424 89 1
باتريك ج دنليفي بريندان أولريي
ISBN: 9948 424 44 1
براين وايت ،مايكل سميث، ريتشارد ليتل
ISBN: 9948 400 22 4
كريس براون
ISBN: 9948 400 14 3
جيفري نيوهنام
غراهام ايفانس
ISBN: 9948 400 10 0
فرانك بييل
ISBN: 9948 400 04 6
جون بيليس ،ستيف سميث
ISBN: 9948 400 07 0
االقتصاد السيايس للعالقات الدولية
روبرت غيلبن
ISBN: 9948 400 16 X
تركيبة املجتمع الدويل
جيفري سترين
ISBN: 9948 400 00 3
ملاذا يتمرد البرش؟
تيد روبرت غور
ISBN: 9948 400 08 9
التوازن العسكري 2006-2005
مركز اخلليج لالبحاث
ISBN: 9948 432 77 0
التوازن العسكري 2004
مركز اخلليج لالبحاث
ISBN: 9948 424 91 3
التوازن العسكري 2003
مركز اخلليج لالبحاث
ISBN: 9948 424 58 1
توقعات الطاقة العاملية 2005
مركز اخلليج لالبحاث
ISBN: 9948 424 85 9
عوملة السياسة العاملية
سياسات تركيا جتاه شامل العراق -املشكالت واآلفاق املستقبلية
بيل بارك
ISBN: 9948 432 41 X
توقعات الطاقة العاملية 2006
مركز اخلليج لالبحاث
ISBN: 9948 434 25 0
التوازن العسكري 2006
مركز اخلليج لالبحاث
ISBN: 9948 434 35 8
تيم نيبلوك
ISBN: 9948 434 20 X
الري دا َيموند
ISBN: 9948 432 79 7
اململكة العربية السعودية :السلطة والرشعية
واالستمرارية
النرص املهدور :االحتالل األمريكي واجلهود املتخبطة إلحالل الديمقراطية يف العراق
�إ�صدار ون�شر: سلسلة خمتارة من الكتب واملؤلفات يف جمال العلوم اإلنسانية واالجتامعية ،ويتم اختيار الكتب بناء عىل أسس علمية دقيقة. سلامن رشيد سلامن
ISBN: 9948 400 21 6
البعد االسرتاتيجي للمعرفة
عامر عيل حسن
ISBN: 9948 400 20 8
جمموعة من املؤلفني
ISBN: 9948 400 66 6
اخلليج يف عام 2006 -2005
مركز اخلليج لالبحاث
ISBN: 9948 432 20 7
اخلليج يف عام 2004
مركز اخلليج لالبحاث
ISBN: 9948 400 91 7
اخلليج يف عام 2003
مركز اخلليج لالبحاث
ISBN: 9948 400 25 9
مصطفى العاين ،النا نسيبه،
ISBN: 9948 432 61 4
مصطفى العاين
ISBN: 9948 432 51 7
عبداخلالق عبداهلل
ISBN: 9948 432 71 1
مصطفى العاين
ISBN: 9948 432 75 4
تطور دراسة املجتمع املدين يف دول جملس التعاون اخلليجي
حسنني توفيق إبراهيم
ISBN: 9948 434 65 0
قراءة مقارنة يف تأثري حريب اخلليج الثانية والثالثة يف أمن دول جملس التعاون اخلليجي
أرشف سعد العيسوي
ISBN: 9948 434 54 4
ممرات غري آمنة انعكاسات احلادي عرش من سبتمرب عىل منطقة اخلليج العريب
دول اخلليج :قوانني ومعاهدات مكافحة اإلرهاب مبادرة اعالن منطقة اخلليج كمطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل النظام االقليمي اخلليجي دول اخلليج :التقارير املقدمة إىل لجِ ان مكافحة اإلرهاب -جملس االمن
فريدة العجمي
�سل�سلة �سيا�سات عامة: أوراق بحثية حتليلية تقدم قراءة معمقة تعتمد عىل البحث اجلاد للسياسات العامة يف دول جملس التعاون اخلليجي .وتقدم هذه األوراق البحثية (سياسات عامة) جمموعة من املفاهيم التي يمكن أن تساهم يف فهم
أفضل ألهم القضايا املطروحة يف املنطقة
أدوار حلف الناتو اإلقليمية ودوره املحتمل يف منطقة اخلليج
موسى محد القالب
ISBN: 9948 424 79 4
قوات السالم العربية
عبد العزيز بن صقر
ISBN: 9948 424 06 9
إمييل روتلدج
ISBN: 9948 424 24 7
مصطفى العاين
ISBN: 9948 424 04 2
عبد العزيز بن صقر
ISBN: 9948 400 23 2
إقامة احتاد نقدي ناجح يف دول جملس التعاون: االستعدادات واخليارات السياسية املستقبلية
املوقف املحتمل لدول جملس التعاون اخلليجي جتاه سيناريو العمل العسكري ضد املنشآت النووية اإليرانية
اإلصالح يف اململكة العربية السعودية :التحديات الراهنة وسبل املواجهة
�سل�سلة أ�وراق بحثية: دراسات وأبحاث حمكمة تغطي الربامج البحثية للمركز ويكتبها ويرشف عليها نخبة من املختصني يف شؤون املنطقة ،وتتميز بالشمولية وتفتح الباب ملزيد من الدراسات حول قضايا أكثر ختصص ًا. جوزيف كشيشيان
ISBN: 9948 432 00 2
املشاركة السياسية واالستقرار يف سلطنة ُعامن
حسنني توفيق إبراهيم
ISBN: 9948 424 93 X
سامح راشد
ISBN: 9948 424 56 5
جواد احلمد
ISBN: 9948 400 43 7
حممد يوسف اجلعييل
ISBN: 9948 400 29 1
إليزابيث ستيفنس
ISBN: 9948 400 67 4
العالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي واليابان
سونوكو سوناياما
ISBN: 9948 400 63 1
العالقات بني دول جملس التعاون اخلليجي واليمن
عبده رشيف
ISBN: 9948 400 33 X
اإلصالح السيايس يف دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية العالقات اخلليجية – العربية 2000-1970
دول جملـس التعـاون اخلـليجي والرصاع العريب اإلرسائييل 2002-1970دول جملس التعاون اخلليجي وأمن البحر األمحر
العالقات العسكرية واالقتصادية بني دول جملس التعاون اخلليجي واالحتاد األورويب
مكافحة اإلرهاب وآلية العدالة الدولية: جلنة 1267التابعة ملجلس األمن الدويل
اجتاهات استخدام اإلنرتنت :بحث ميداين عىل عينة من رواد مقاهي اإلنرتنت يف إمارة الشارقة
إجراءات اإلصالح السيايس من منظور خليجي داخيل العالقات اخلليجية ـ املرصية :جذور املايض ومعطيات احلارض وآفاق املستقبل
العالقات اخلليجية ـ األردنية الواقع واملستقبل 1980:ـ 2004
الصناعات العراقية الصغرية بعد احلرب _ الواقع وآفاق املستقبل _
االحتاد األورويب وجملس التعاون اخلليجي نحو رشاكة جديدة
نحو مرشوع أورويب _ خليجي لتطوير قطاع الغاز يف جملس التعاون اخلليجي
الواليات املتحدة األمريكية وحماولة أقلمة وتدويل األمن يف العراق
آثار قرار حل اجليش العراقي يف الوضع األمني يف العراق
تغري املناخ يف دول جملس التعاون لدول اخلليج العربية وسياسات االستجابة
مصطفى العاين
ISBN: 9948 424 61 1
السيد أمحد مصطفى عمـر
ISBN: 9948 432 49 5
عبد العزيز بن صقر
ISBN: 9948 424 50 6
عامر عيل حسن
ISBN: 9948 432 30 4
عدنان حممد هياجنة
ISBN: 9948 434 08 0
ميرس إبراهيم أمحد
ISBN: 9948 432 34 7
جاكومو لوشياين فيلكس نيوجارت
ISBN: 9948 432 26 6
ناجي أيب عاد
ISBN: 9948 432 06 1
إبراهيم خليل العالف
ISBN: 9948 432 33 9
حممود أمحد عزت
ISBN: 9948 432 32 0
أسامء عيل أباحسني
ISBN: 9948 434 37 4
�سل�سلة أ�وراق خليجية: تتضمن أوراق ومناقشات ونتائج احللقات الدراسية املتخصصة التي ينظمها املركز يف إطار «برنامج الدراسات اخلليجية» منفرد ًا أو بالتعاون مع مراكز بحثية رائدة ،والتي يستضيف خالهلا جمموعة من اخلرباء والباحثني يف
شؤون اخلليج ،وتسعى كل حلقة من احللقات الدراسية إىل حتليل ودراسة قضية من قضايا املنطقة من أجل التوصل إىل مقاربة مشرتكة وفهم أفضل هلا ،وتقديم جمموعة من التوصيات املرتبطة هبا. دور الذهب يف االحتاد النقدي لدول جملس التعاون اخلليجي األمم املتحدة وأمن اخلـلـيـج
العالقات بني ديب وأسرتاليا أسواق األسهم اخلليجية متر يف مرحلة حرجة
إيكارت ويرتز
ISBN: 9948 424 48 4
يوسف حممد البنخليل
ISBN: 9948 400 75 5
باتريشيا بريويك
ISBN: 9948 424 17 4
ايكارت ورتز
ISBN: 9948 432 59 2
�سل�سلة درا�سات عراقية:
سلسلة حمكمة تنرش دراسات وأبحاث ًا علمية يف املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتامعية والدفاع واألمن يف العراق .تصدر باللغتني العربية واإلنجليزية.
مستقبل النظام والدولة يف العراق و انعكاساته عىل األمن واالستقرار يف اخلليج
حسنني توفيق إبراهيم
ISBN: 9948 400 41 0
االحتالل واملقاومة يف العراق -دراسة يف املرشوعية
خليل اسامعيل احلديثي
ISBN: 9948 424 32 8
التحوالت الديمقراطية يف العراق -القيود والفرص مخسة خيارات أمريكية س ِّيئة للتعامل مع العراق
حسنني توفيق إبراهيم عبداجلبار أمحد عبداهلل
ISBN: 9948 424 42 5
دانيال بايامن
ISBN: 9948 424 59 X
املقاومة العراقية بني اإلرهاب والتحرر الوطني دراسة إحصائية
مراد بطل الشيشاين
ISBN: 9948 432 08 8
اجليش العراقي 2004-1921دراسة وحتليل
موسى محد القالب
ISBN: 9948 432 14 2
�سل�سلة درا�سات مينية:
سلسلة حمكمة تنرش دراسات وأبحاث ًا علمية يف املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتامعية والدفاع واألمن
يف اليمن .تصدر باللغتني العربية واإلنجليزية. العدد األول :التحديث ومسار البنى االجتامعية التقليدية (حالة اليمن)
عامر عيل حسن
ISBN: 9948 400 68 2
�سل�سلة ترجمات خليجية: يقوم املركز برتمجة ونرش جمموعة خمتارة من الدراسات والتقارير والكتب األجنبية التي تتناول مواضيع وقضايا خليجية.
اإلصالحات العربية وحتديات سياسات اإلحتاد األوريب
جمموعة من املؤلفني
ISBN: 9948 424 53 0
االمـتـثـال العاملي :اسرتاتيجية لألمن النووي
جمموعة من املؤلفني
ISBN: 9948 424 34 4
الرصاع الفلسطيني ـ اإلرسائييل
جمموعة من املؤلفني
ISBN: 9948 424 08 5
ترمجات خليجية (العدد الرابع)
جمموعة من املؤلفني
ISBN: 9948 424 82 4
ترمجات خليجية (العدد اخلامس)
جمموعة من املؤلفني
ISBN: 9948 424 81 6
ترمجات خليجية (العددالسادس)
جمموعة من املؤلفني
ISBN: 9948 432 45 2
ترمجات خليجية (العدد السابع)
جمموعة من املؤلفني
ISBN: 9948 432 46 0
ترمجات خليجية (العدد الثامن)
جمموعة من املؤلفني
ISBN: 9948 432 47 9
ترمجات خليجية (العدد التاسع)
جمموعة من املؤلفني
ISBN: 9948 432 48 7
4*]~8(* $*x~7 d : o3¡¿ k« H+ ISBN
@@A]D* f@ Jx: ¯x~|E J¡« lbp+&ÉD n£ ³* yCxE eb~z²* ~6* ,]pg´* f£+x D* i*4bE(°* ¤+2 e 8 *¡ D* 4°H]Db+ eb~z0 B4 G4]Db+ ·H]D* i*4bE(°* + cD* ,]pg´* f£+x D* i*4bE(°* ¤+2 @@ ¤~z£)xD* dg ´* *¡ D* EBILAEAD Jx~zD* J¡pgD* yE4 b g)(* fBb + fBb cD* ¡F f £ D* $b gF°* tJ4b fBb cD* B4 -b D* B4 £B¡gD* f£)]cE ,4¡-bA b~64(* ¢/xJ Master card
Visa
jgl H+ 7+
·bgD* *¡ D* ¢ < ~6°* f~z~6'¡´* ~z D* *¡ D* fDH]D* f J]´* ¥]JÄD* yExD* e 8 -b D* ·bgD* *¡ D* ¢ < c : ~64&* ¤+2 e 8 ]~7*4 t£~{D* 4b~7 +b D* $bj£E 2¡< ox+ ,]pg´* f£+x D* i*4bE(°* -bG zCbA nada@grc ae ÁHÆ D°* ]JÄD* www grc ae hFÆF(°* Ä< d :*