جلسة مع مغترب

Page 1

‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫(‪)1‬‬

‫من ىو المغترب ؟‬ ‫إنو مسلم أقاـ في بالد الكفار ‪ ..‬ألقى فيها رحلو ‪ ..‬استقر في جنباتها ‪ ..‬بعدما عصفت بو الرياح ‪ ..‬وضاقت‬ ‫بو األرض ‪ ..‬ففارؽ األىل واألوطاف ‪ ..‬وسكن في شاسع البلداف ‪ ..‬وىو في شرؽ األرض ‪ ..‬وأخوه في غربها‬ ‫‪ ..‬وأختو في شمالها ‪ ..‬وابنو في جنوبها ‪ ..‬أما ابن عمو فقد انقطعت عنو أخباره فال يدري إذا ذكره ‪ ..‬ىل‬ ‫يقوؿ ‪ :‬حفظو اهلل ! أـ يقوؿ ‪ :‬رحمو اهلل ؟!!‬ ‫المغتربوف كل واحد منهم لو قصة ‪ ..‬وكل ٍ‬ ‫أب كسير في صدره مأساة ‪ ..‬وفي وجو كل واحد منهم حكاية ‪..‬‬ ‫ولعلنا نقف في ىذا الكتاب على شيء من واقعهم ‪ ..‬ونجلس معهم ‪ ..‬نفيدىم ونستفيد منهم ‪..‬‬

‫د ‪ /‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬ ‫عضو لجنة أوربا في مؤسسة الحرمين الخيرية‬ ‫ص‪.‬ب ‪ – ٜٔ٘ٔ٘ٚ :‬الرياض ‪ٔ​ٔٚ​ٚ٘ :‬‬ ‫البريد األلكتروني ‪areefe@usa.net :‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫(‪)2‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫الحمد هلل والصالة والسالـ على رسوؿ اهلل ‪ ..‬وبعد ‪:‬‬

‫حدثني الشيخ فقاؿ ‪:‬‬

‫كنت في بلد أوربي يكثر فيو المغتربوف من الالجئين المسلمين الذي سكنوا في ىذه البالد طلباً لحياة أفضل ‪ ،‬وبعدما‬ ‫إلى أحد األخوة الكراـ وقاؿ ‪:‬‬ ‫انتهيت من صالة التراويح وإلقاء المحاضرة بعدىا ‪ ،‬جاء ّ‬

‫يا شيخ أحد األخوة العرب سمع عن مجيئك إلى ىنا للدعوة فأحب أف تقابل ابنو !! فتعجبت وقلت ‪ :‬أقابل ابنو ؟!!‬

‫إلي ويطلب ذلك بنفسو ؟‬ ‫لماذا ال أقابلو ىو ؟! ولماذا ال يأتي ّ‬

‫فقاؿ ‪ :‬ىو ال يصلي معنا ‪ ،‬ولكن ولده يشكو من مشكلة ‪ ،‬ويريدؾ أف تشارؾ في حلها ‪..‬‬

‫فركبت مع ىذا األخ في سيارتو وذىبنا إلى ىناؾ ‪ ..‬فلما دخلنا فإذا بشيخ قد ناىز الستين سنو من عمره ‪ ،‬طُّرد فيها و ُش ّرد‬ ‫‪ ،‬وعُ ّذب وسجن ‪ ،‬ثم استقر بو المقاـ مع فلذات كبده في بالد الكافرين ‪ ،‬فعاش فيها آمناً مطمئناً يأتيو رزقو رغداً من كل‬

‫علي بحرارة ثم أدخلني إلى غرفة الجلوس ‪..‬‬ ‫مكاف ‪ ،‬سلم ّ‬

‫وبعدىا حدثني بطرؼ من قصة حياتو المؤلمة وكيف أنو أتى إلى ىذه البالد طلباً لراحة الباؿ في زمن الشيخوخة بعد شقاء‬ ‫الشباب وعذابو !! قلت لو ‪ :‬وىل وجدت راحة الباؿ ؟‬

‫قاؿ ‪ :‬فيما يظهر للناس ‪ :‬نعم بيت واسع ‪ ..‬وسيارة فارىة ‪ ..‬وراتب مجزي ‪ ..‬وال عمل وال نصب ‪ ..‬وال كدح وال تعب ‪..‬‬ ‫وال تشريد وال خوؼ ‪..‬‬ ‫كل من رآني ظن أنني مرتاح الباؿ وتمنى لو أنو في مكاني ‪ ،‬ولكن الحقيقة ىي أنني أتعس الناس !!‬ ‫ال أحكم أوالدي وال بناتي !! ‪ ..‬وال أحكم زوجتي !!‬ ‫بل ال أشعر أنني رجل لو شخصيتو ومسئوليتو ‪ ..‬حياتي رتيبة جداً ! بل مملة جداً ‪ ..‬أشعر كأنني آلة أو جهاز ينتظر صانعو‬ ‫أف تنتهي مدة صالحيتو ليستبدلو بغيره ‪..‬‬

‫ثم تدارؾ ىذا الشيخ الكبير نفسو وقاؿ ‪ :‬عفواً يا شيخ !! أنا لم أطلب مقابلتك ألجل أف أبث إليك ىذه الهموـ ‪ ،‬فهي‬ ‫أكبر من أف يحويها مجلس واحد ‪ ..‬وإنما أردت مقابلتك ألجل مشكلة ألصغر أوالدي ‪..‬‬

‫أصغر أوالدي – يا شيخ – عمره تسع عشرة سنة ‪ ،‬وقد جاء إلى ىذه البالد وعمره خمس سنوات ‪ ،‬درس في مدارس ىذه‬ ‫البالد ‪ ..‬وخالط أىلها في مدارسهم ‪ ..‬وأسواقهم ‪ ..‬وبيوتهم ‪ ..‬ومالعبهم ‪ ..‬و ‪ ..‬ولم أكن أمنعو من شيء ‪ ،‬بل لم أكن‬ ‫أتدخل في حياتو !! ألف التربية الحديثة تقرر ذلك ‪ ..‬وإف شئت فقل إنني لم أكن أستطع أف أمنعو من شيء !! سواء كاف‬ ‫محرماً ‪ ..‬أو فاحشة ‪ ..‬أو غير ذلك !! ألنو يستطيع أف يتسبب في سجني أو معاقبتي لو أخبر الشرطة بذلك ‪ ..‬لن أطيل‬

‫عليك ‪ :‬ولدي منذ فترة طويلة ال يصلي ‪ ..‬وال يصوـ ‪ ..‬بل ىو غير مقتنع بالدين أصالً ‪ ..‬كل األدياف يعتبرىا ظلماً للعباد !!‬ ‫‪ ..‬وفي الفترة األخيرة بدأ يتضايق كثيراً ‪ ..‬ويعتزؿ في غرفتو ‪ ،‬وال يخالطنا ‪ ،‬بل صار في كل صباح يحلق رأسو بالموسى ‪..‬‬

‫ولو تقليعات غريبة !‪..‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫(‪)3‬‬

‫ىل يمكن أف أدعوه لك لتقابلو ؟ فلعل اهلل أف يصلح حالو على يدؾ ‪..‬‬ ‫قلت ‪ :‬ال مانع من ذلك ‪..‬‬ ‫فصاح األب الشفيق ‪ :‬محمد ‪ ..‬يا محمد ‪..‬‬ ‫وبعد لحظات ‪ ..‬دخل علينا محمد ‪ ..‬شاب قد امتأل حيوية ونشاطاً ‪ ..‬لعبت بو الشهوات كما لعب بها ‪ ..‬م ّد يده إلي وقاؿ‬ ‫السالـ عليكم ! وعليكم السالـ ‪ ،‬كيف حالك يا محمد ؟ ‪..‬‬

‫تدخل األب وقاؿ ‪ :‬يا محمد ىذا الشيخ أتى ليناقشك في األفكار التي تثيرىا دائماً عندي ‪ ،‬يا ولدي أنت مسلم ‪ ..‬يا‬

‫ولدي حراـ عليك ‪ ..‬يا ولدي ‪ ..‬ثم بكى الشيخ ‪ ..‬واشتد بكاؤه ‪ ..‬وصمت ‪..‬‬

‫فقلت لمحمد ‪ :‬ذكر أبوؾ أف عندؾ بعض األسئلة الدينية ‪ ،‬ىل يمكن أف أسمعها ؟ ‪ ..‬ولكن – عفواً – قبل أف تذكرىا ‪..‬‬

‫ىل تفهم اللغة العربية جيداً ( ٔ ) ‪..‬‬

‫فقاؿ أفهم كثيراً منها ‪ ،‬ولكن ال تتكلم معي بالفصحى ‪.‬‬

‫فقلت لو ‪ :‬في البداية يا محمد ‪ :‬ىل أنت مقتنع بأف اهلل موجود ؟!‬

‫فقاؿ ‪ :‬شو يعني مقتنع ؟!!‬ ‫فقلت لو ‪ :‬يعني ‪ :‬ىل أنت مؤمن أف اهلل موجود ؟!‬ ‫فقاؿ ‪ :‬شو يعني مؤمن ؟!!‬ ‫فقلت لو ‪do you believe Allah :‬‬ ‫فقاؿ ‪ :‬أوه !! نعم ‪ ..‬نعم ‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬إف اهلل خلقنا ورزقنا وأمرنا بعبادتو ‪ ،‬وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين ‪..‬و ‪..‬‬ ‫وطاؿ النقاش ولم يقتنع بأف اهلل تعالى رب حكم عدؿ يستحق الطاعة والعبادة ‪ ..‬فلما رأيت ذلك ‪..‬‬ ‫قلت لو ‪ :‬أريد أف أسمع منك سورة الفاتحة ( الحمد هلل رب العالمين ) ‪..‬‬ ‫فلما أراد أف يقرأىا التبست عليو !! ‪ ..‬وإذا ىوال يحفظ قصار السور ‪..‬‬ ‫فقلت لو اقترب واجلس بجانبي ‪ ،‬فلما جلس بجانبي وضعت يدي على صدره وقرأت عليو سورة الفاتحة ثالث مرات ‪..‬‬ ‫فبدأت الدموع تسيل من عينو ‪ ،‬فأوقفت القراءة ‪..‬‬ ‫وسألتو ‪ :‬لماذا تبكي ؟!‬ ‫فقاؿ بصوت يقطعو البكاء ‪ :‬ال أدري ‪ ..‬ال أدري ‪..‬‬

‫ِ‬ ‫اؿ‬ ‫ْك ْاأل َْمثَ ُ‬ ‫ِّعا ِم ْن َخ ْشيَ ِة اللَّ ِو َوتِل َ‬ ‫صد ً‬ ‫فوضعت يدي على صدره وتلوت ‪ { :‬لَ ْو أَنْػ َزلْنَا َى َذا الْ ُق ْرآ َف َعلَى َجبَ ٍل لَ​َرأَيْػتَوُ َخاش ًعا ُمتَ َ‬ ‫الرحما ُف َّ ِ‬ ‫الشه َ ِ‬ ‫َّاس لَ َعلَّ ُه ْم يَػتَػ َف َّك ُرو َف(ٕٔ) ُى َو اللَّوُ الَّ ِذي َال إِلَوَ إَِّال ُى َو َعالِ ُم الْغَْي ِ‬ ‫ض ِربػُ َها لِلن ِ‬ ‫نَ ْ‬ ‫)ى َو اللَّوُ‬ ‫يم(ٕ​ٕ ُ‬ ‫ب َو َّ َ‬ ‫ادة ُى َو َّ ْ َ‬ ‫الرح ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ار ال ُْمتَ َكبِّػ ُر ُس ْب َحا َف اللَّ ِو َع َّما يُ ْش ِرُكو َف(ٖٕ)‬ ‫وس َّ‬ ‫الَّ ِذي َال إِلَ َو إَِّال ُى َو ال َْم ِل ُ‬ ‫الس َال ُـ ال ُْم ْؤم ُن ال ُْم َه ْيم ُن ال َْع ِز ُيز ال َ‬ ‫ْجبَّ ُ‬ ‫ك الْ ُق ُّد ُ‬ ‫) ‪ ( 1‬مع أنو عربي وأمو وأبوه عربياف ‪ ..‬وولد في بالد عربية !‪.‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫(‪)4‬‬

‫ِ‬ ‫ض وىو الْع ِزيز ال ِ‬ ‫ئ الْمص ِّور لَوُ ْاألَسماء الْحسنَى يسبِّح لَوُ ما فِي َّ ِ‬ ‫يم }‬ ‫الس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ ُ َ َ ُ َ‬ ‫َْ ُ ُ ْ َُ ُ َ‬ ‫ُى َو اللَّوُ الْ َخال ُق الْبَا ِر ُ ُ َ ُ‬ ‫ْحك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫َّاس َوَما‬ ‫ض َوا ْختِ َالؼ اللَّْي ِل َوالنػ َ‬ ‫وقولو ‪ { :‬إِ َّف في َخل ِْق َّ َ َ‬ ‫َّها ِر َوالْ ُفلْك التي تَ ْج ِري في الْبَ ْح ِر ب َما يَن َف ُع الن َ‬ ‫السم ِاء ِمن م ٍاء فَأَحيا بِ ِو ْاألَرض بػع َد موتِها وب َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ص ِر ِ‬ ‫اح َو َّ ِ‬ ‫س َّخ ِر بَػ ْي َن‬ ‫الريَ ِ‬ ‫يف ِّ‬ ‫ث ف َيها م ْن ُك ِّل َدابَّة َوتَ ْ‬ ‫أَ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ َْ َْ َ َ​َ‬ ‫َنز َؿ اللَّوُ م ْن َّ َ ْ َ‬ ‫الس َحاب ال ُْم َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ض َ​َلي ٍ‬ ‫ات لَِق ْوٍـ يَػ ْع ِقلُو َف } سورة البقرة ‪ٔٙٗ:‬‬ ‫الس َماء َو ْاأل َْر ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫)و َج َع َل ِف َيها‬ ‫ك َر ُّ‬ ‫ادا ذَلِ َ‬ ‫ض فِي يَػ ْوَم ْي ِن َوتَ ْج َعلُو َف لَوُ أَن َد ً‬ ‫وقولو ‪ { :‬قُ ْل أَئِنَّ ُك ْم لَتَ ْك ُف ُرو َف بِالَّذي َخلَ َق ْاأل َْر َ‬ ‫ين(‪َ ٜ‬‬ ‫ب ال َْعالَم َ‬ ‫اسي ِمن فَػوقِها وبار َؾ فِيها وقَ َّدر فِيها أَقػْواتَػها فِي أَربػع ِة أَيَّ ٍاـ سواء لِ َّ ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫اؿ‬ ‫الس َم ِاء َو ِى َي ُد َخا ٌف فَػ َق َ‬ ‫استَػ َوى إِلَى َّ‬ ‫ين(ٓٔ)ثُ َّم ْ‬ ‫َرَو َ ْ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫لسائل َ‬ ‫َ​َ ً‬ ‫ِ​ِ‬ ‫اى َّن س ْبع سماو ٍ‬ ‫لَ َها ولِ ْألَر ِ ِ ِ‬ ‫ات فِي يَػ ْوَم ْي ِن َوأ َْو َحى ِفي ُك ِّل َس َم ٍاء أ َْم َرَىا َوَزيَّػنَّا‬ ‫ين(ٔ​ٔ)فَػ َق َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ض ُ َ َ َ​َ َ‬ ‫ض ائْتيَا طَ ْو ًعا أ َْو َك ْرًىا قَالَتَا أَتَػ ْيػنَا طَائع َ‬ ‫الدنْػيَا بِم َ ِ‬ ‫ك تَػ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِيم } فصلت ‪. ٕٔ – ٜ :‬‬ ‫َّ‬ ‫يح َو ِح ْفظًا َذلِ َ‬ ‫صاب َ‬ ‫اء ُّ َ‬ ‫الس َم َ‬ ‫وغيرىا من اَليات التي فيها تعظيم وإجالؿ هلل تعالى ‪ ..‬وكاف الشاب يبكي بحرارة مع سماعو لهذه اَليات ‪ ،‬بل كاف يتقطع‬

‫الحشر‪ٕٖ –ٕٔ:‬‬

‫بكاء ‪ ..‬حتى إنني بعدما انتهيت من التالوة حاولت إكماؿ النقاش معو فلم يستطع أف يتكلم بكلمة ‪..‬‬ ‫ً‬

‫صل ركعتين ‪ ،‬وابدأ حياة جديدة ‪..‬‬ ‫فأمسكت يده وحاولت إيقافو على قدميو ‪ ..‬وقلت ‪ :‬قم ّ‬

‫فقاـ ذليالً بين يدي خالقو ومواله ‪ ..‬الذي سواه فعدلو ‪ ..‬الذي خلقو فهو يهديو ‪ ..‬والذي ىو يطعمو ويسقيو ‪ ..‬وإذا مرض‬ ‫فهو يشفيو ‪ ..‬والذي يميتو ثم يحييو ‪..‬‬

‫قاـ بين يدي الملك جل جاللو ‪ ..‬وبكى ‪ ..‬وبكى ‪ ..‬فالقطيعة بينو وبين ربو قد طالت سنوات ‪ ..‬وبعد الصالة وعدني أف ال‬ ‫يغيب عن صالة التراويح مع الجماعة ‪ ،‬وحضور المحاضرات ‪ ..‬وكاف ذلك وهلل الحمد ‪..‬‬

‫ىذا ىو الشاب األوؿ ‪..‬‬

‫أما الثاني ‪:‬‬

‫فهو أخ ألحد المصلين المحافظين على الصالة معنا في المركز اإلسالمي ‪ ،‬جاء إلى وطلب مني مقابلة أخيو الذي ال يصلي‬ ‫وال يصوـ وال يتعبد هلل تعالى بشيء أبداً ‪..‬‬

‫ذىبت مع ىذا األخ فلما دخلت البيت ‪ ،‬أجلسني في غرفة االستقباؿ ‪ ،‬ثم صاح ‪ :‬محمد ‪ ..‬يا محمد ‪ ..‬ىذا اسم أخيو ‪..‬‬ ‫شاب عمره ثماف عشرة سنة ‪..‬‬ ‫جاء محمد وصافحني بلطف ثم جلس ‪ ..‬فقاؿ أخوه ‪ :‬ىذا يا محمد شيخ داعية زارنا في ىذا البلد وأحب التعرؼ عليك‬

‫!!‬ ‫ر ّد محمد بلطف ‪ :‬أىالً وسهالً ‪..‬‬

‫بدأت الحديث معو عن الحياة وسبب خلقنا ‪ ..‬وما يستحقو اهلل تعالى من العبادة والطاعة ‪ ..‬وأف ىؤالء الكفار في ظالؿ‬

‫مبين ‪ ..‬وأف السعادة الحقيقة في ىذا الدين ‪..‬‬ ‫ثم تكلمت – بصراحة – عن المخالفات المنتشرة بين شباب المسلمين في ىذه البالد ‪ ..‬وعقوبة تارؾ الصالة ‪ ..‬و ‪..‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫(‪)5‬‬

‫وبدا الفتى غير مكترث بكالمي وال ٍ‬ ‫مباؿ بو ‪ ..‬رغم تكلفي التلطف وتزيين العبارات بالود والتبسم ‪ ..‬لكنو بدا غير جاد في‬ ‫تفهم ما أقوؿ ‪..‬‬ ‫قلت لو ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أريد أف أسمع منك سورة الفاتحة ( الحمد هلل رب العالمين ) ‪..‬‬ ‫فابتدأ في قراءتها فأخطأ وصوبتو ‪ ..‬ثم أخطأ وصوبتو ‪ ..‬ثم أخطأ وصوبتو ‪ ..‬فسكت !! نعم ال يحفظ سورة الفاتحة !!‬ ‫قلت لو ‪ :‬نحن نحبك ‪ ..‬ونحب لك الخير ‪ ..‬و ‪ ..‬وأريدؾ أف تأتي معنا لتصلي مع المسلمين ‪ ،‬وتحضر المحاضرة بعد‬ ‫صالة التراويح ‪..‬‬ ‫وبعد تمنع شديد منو وافق على ذلك ‪ ،‬وأتى معنا ‪ ..‬وصلى التراويح وحضر الموعظة ‪..‬‬ ‫ثم خرج ولم أره بعدىا ‪ ..‬فسألت عنو أخاه ؟!‬ ‫فقاؿ ‪ :‬يا شيخ !! أخي يقوؿ إف الساعة التي قضاىا في المسجد كأنها عشر سنوات ‪ ..‬ملل ‪..‬‬ ‫وسكت ‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬ال حوؿ وال قوة إال باهلل ‪ ..‬ثم دعوت لو بالهداية ‪،‬‬ ‫ّ‬

‫أما الثالث ‪:‬‬

‫إلي أحد‬ ‫فقد كنت في ( السويد ) وىي بلد يكثر فيو الالجئوف وبعد صالة التراويح والمحاضرة ( وكانت باللغة العربية ) جاء ّ‬ ‫األخوة العرب وقاؿ‪:‬ىنا بعض الشباب السويديين المسلمين يريدوف الجلوس معك ‪..‬وكانوا متحلقين في المسجد ينتظروف‬

‫‪..‬‬ ‫وبدأت الحديث عن نعمة الهداية لهذا الدين وأىمية الثبات عليو ‪..‬‬ ‫فاستدعيت أحد األخوة ليترجم بيني وبينهم ‪ ..‬وجلست‬ ‫ُ‬ ‫وىذا األخ يترجم من العربية إلى اإلنجليزية ‪..‬‬

‫فسكت أنتظر رجوع المترجم ألكمل الحديث ‪ ..‬فطاؿ‬ ‫وفجأة نادي أحد المصلين باسم ىذا المترجم فقاـ إليو وتركنا ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫تأخره وطاؿ سكوتي وسكوتهم ‪..‬‬

‫وفجأة نطق أحد ىؤالء بلغة عربية مكسرة قائالً ‪ :‬يا شيخ ‪ ،‬أنا أستتيع أف أترشم كليالً !! ( ٕ ) ‪..‬‬ ‫فعجبت منو وقلت ‪ :‬ىل تفهم اللغة العربية ؟!‬

‫فقاؿ ‪ :‬أنا عربي فلسطيني !! أمي وأبي فلسطينياف !! لكني مولود في ىذا البلد ‪ ،‬وجنسيتي سويدي ‪ ..‬ومنذ والدتي لم‬ ‫يحرص والداي على تعليمي اللغة العربية ‪ ،‬لكني أفهم قليالً ‪ ( ..‬قاؿ ىذا الكالـ بلغة عربية مكسرة مخلوطة بعبارات‬ ‫إنجليزية ) ‪..‬‬

‫ىذا طرؼ من أحواؿ أبنائنا من شباب المسلمين في ديار الهجرة ‪ ..‬ىذا فضالً عن أولئك الشباب الذين يجروف وراء‬ ‫شهواتهم ونزواتهم ‪ ،‬ولم يوفقوا إلى الهداية والتوبة ‪..‬‬

‫وكالمي ىذا ليس فقط عن الشباب بل والفتيات أيضاً ‪ ..‬ىؤالء أبناؤنا وبناتنا ‪..‬‬ ‫أما أحواؿ اَلباء فهي أنكى وأشد ‪..‬‬

‫) ‪ ( 2‬الجملة باللغة الفصحى ‪ :‬أنا أستطيع أف أترجم قليالً ‪.‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫(‪)6‬‬

‫قاؿ الشيخ ‪:‬‬ ‫إلى منكسراً ذليالً ‪ ..‬وقاؿ ‪ :‬يا شيخ !! مللت من ىذه الحياة !! كنت أسكن في بلد من بالد المسلمين ‪ ..‬أسمع‬ ‫جاء ّ‬ ‫األذاف ‪ ..‬وأشهد الصلوات ‪ ..‬وأذكر اهلل مع الذاكرين ‪ ..‬وأركع مع الراكعين ‪ ..‬وال أرى صليباً وال كنيسة ‪..‬‬

‫نعم كنت في عيش قليل ال أملك األرصدة واألمواؿ ‪ ..‬وال شقة فاخرة ‪ ..‬وال يعالجني مستشفى متطور ‪ ..‬لكنني كنت ملكاً‬ ‫متمكناً ‪ ..‬أتربع على عرش منزلي الصغير ‪ ..‬وأوالدي وزوجتي حولي كأننا قمر حولو كواكب ‪..‬‬ ‫باألمس كنا وال يرجى تفرقنا *** واليوـ صرنا وال يرجى تالقينا‬

‫كنت أعلم أين يذىب ولدي ‪ ..‬ومع من تجلس ابنتي ‪ ..‬ومن تقابل زوجتي ‪..‬‬ ‫ثم زين لي بعض األقارب أف آتي إلى ىذا البلد المتطور الذي يعطيني الجنسية والراحة ‪ ،‬واألمن والرفاىية ‪ ،‬والراتب‬ ‫والعالج ‪ ..‬و ‪ ..‬فانخدعت بذلك وجئت إلى السويد ‪..‬‬ ‫قبلت الدولة لجوئي ‪ ..‬أسكنوني في شقة فاخرة ‪ ..‬درسوا أوالدي في مدارس متطورة ‪ ..‬عشت األياـ األولى وكأني في حلم‬ ‫جميل ‪..‬‬ ‫نعم تبدؿ صوت األذاف ‪ ..‬بجلجلة النواقيس والصلباف ‪ ..‬الوجوه المتوضئة ‪ ..‬المشرقة المؤمنة ‪ ..‬تبدلت بوجوه عليها غبرة‬ ‫ترىقها قترة ‪..‬‬ ‫لكن ىذه الحياة الجديدة ‪ ..‬والراحة والدعة جعلتني أغفل عن ىذه األمور ‪..‬‬ ‫مضت أيامي في ىذه البالد ‪ ..‬ومضت الشهور وبدأت أتنبو إلى ىذا الواقع الفاسد ‪ ..‬أخاؼ على أوالدي من حولي ‪..‬‬ ‫صرت كالجباف المختبئ من عدوه الذي يمسك أوالده عن يمينو وشمالو خوفاً عليهم من القتل ‪..‬‬

‫وفي يوـ من األياـ ‪:‬‬

‫طرؽ باب المنزؿ طارؽ ‪ ،‬فلما فتحت الباب فإذا بفتاة شقراء !!‬ ‫ما تريدين ؟!!‬ ‫أنا صديقةُ ( موىمد ) في المدرسة ‪ ،‬وأريد أف أدخل عنده في غرفتو !!‬ ‫فزجرتها وطرتها ‪ ..‬وعاتبت ولجدي وناصحتو ‪..‬‬

‫وبعد يومين ‪..‬‬ ‫طرؽ باب المنزؿ طارؽ ‪ ،‬فلما فتحت الباب فإذا بشاب أشقر !!‬ ‫ما تريد ؟!!‬ ‫أنا صديق ( سارا ) في المدرسة ‪ ،‬وأريد أف أدخل عندىا !! في غرفتها !!‬ ‫فزجرتو وطرتو ‪..‬‬ ‫وأعلنت حالة الطوارئ في البيت ‪ ..‬وأصدرت المراسيم واألنظمة ‪:‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫(‪)7‬‬

‫ممنوع االختالط ‪..‬‬ ‫ممنوع الذىاب إلى أي مكاف غير المدرسة ‪ ..‬أو المسجد يوـ الجمعة ‪..‬‬ ‫ممنوع مقابلة الفتيات السويديات ‪ ..‬أو الشباب السويديين ‪..‬‬ ‫ممنوع ‪ ..‬ممنوع ‪..‬‬ ‫وأخذت أراقب تطبيق ىذه األنظمة بكل دقة ‪..‬‬ ‫ومضت األياـ وأحسست بالراحة وأف األزمة انقضت ‪..‬‬ ‫حتى كانت الكارثة الكبرى !! ‪..‬‬ ‫في يوـ من األياـ خرجت ألشتري بعض األغراض الخاصة للبيت ‪ ..‬وبعد خروجي بدقائق خرجت زوجتي وابنتي إلى مكتب‬ ‫الشرطة وقدمتا شكوى ضدي !! بأنني أكبت حريتهم ‪ ..‬وال أحسن التعامل معهم ‪ ..‬وأمنع البنت من أصدقائها !! ‪ ..‬والولد‬ ‫من صديقاتو !!‪ ..‬الخ القائمة الطويلة ‪..‬‬ ‫فثارت ثائرة العدالة ( !! ) على ىذا األب المتخلف ‪ ..‬كيف يحوؿ بين الحبيب وحبيبة ؟! كيف يمنع الشباب والفتيات عن‬ ‫ملذاتهم ؟! ‪ ..‬كيف يقع ىذا في بالد الحرية والتطور ؟!‪..‬‬ ‫فلما عدت إلى البيت ‪ ..‬متعباً ‪ ..‬محمالً باألرزاؽ واألطعمة ‪ ..‬فإذا بالشرطة ينتظرونني !! فظننت أف البيت سرؽ في غيابي‬

‫‪ ..‬أو أف أوالدي وفلذات كبدي تعرضوا لخطر ‪..‬‬

‫ألقيت ما في يدي وىرعت إلى البيت ألدخل فإذا برجاؿ العدالة والشرؼ ( !! ) يوقفوني !!‬ ‫أنت فالف ؟‬ ‫نعم !! ماذا تريدوف ؟!!‬ ‫عندنا بالغ ضدؾ !! تعاؿ معنا ‪..‬‬ ‫علي بالسجن ثالث سنوات ‪ ..‬ألكوف عبرة للمعتبرين ‪..‬‬ ‫وحكم َّ‬ ‫واقتادوني إلى التحقيق ‪ ..‬ثم المحكمة ‪ُ ..‬‬

‫سجنت فيها ‪ ..‬وصرفوا رواتب األوالد باسم أمهم ‪ ..‬ولم‬ ‫أما أوالدي فقد أعطتهم العدالة ( !! ) منزالً في غير المدينة التي‬ ‫ُ‬ ‫يخبروني بعنوانهم ‪ ..‬ولم يسمحوا لي باالتصاؿ بهم ‪ ..‬وال تسأؿ عن حالي اليوـ ‪..‬‬

‫ىذا األب األوؿ ‪ ..‬أما الثاني ‪:‬‬

‫فهي امرأة تسكن مع أوالدىا في شقتها في مدينة بالدنمرؾ ‪..‬‬ ‫وفي يوـ من األياـ وقع شجار بين ولديها الصغيرين ( ٗ ‪ ٙ ،‬سنوات ) فضربتهما ‪ ..‬فبكيا بصوت مرتفع ‪..‬‬ ‫فلما سمع جارىا الدنمركي ( الرحيم الشفيق ) بكاء األطفاؿ اتصل مباشرة بالشرطة !!‬ ‫فجاءوا سراعاً وىجموا على األـ وخلصوا األطفاؿ من الظلم والكبت ( !! ) ‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫أؼ لهم !! يظنوف أنهم أرحم باألبناء من أمهم !!‪..‬‬ ‫وخالؿ ساعات تم ترحيل أحد الطفلين إلى مدينة في شماؿ الدانمرؾ ليتربى في كنف عائلة دنمركية ليس لديها أوالد ‪..‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫(‪)8‬‬

‫أما اَلخر فأُرسل إلى عائلة في النرويج ‪ !! ..‬ىذا خبر الطفلين ‪..‬‬ ‫أما األـ فبقيت تتجرع آالـ الحسرة والفراؽ ‪ ..‬في أرض العػػدالػة والح ػريػة والػرفػػاىيػػة ( !! ) ‪..‬‬

‫أيها األخ المغترب ‪:‬‬ ‫كل واحد من المغتربين لو قصة ‪..‬‬ ‫وكل ٍ‬ ‫أب كسير في صدره مأساة ‪..‬‬ ‫وفي وجو كل واحد منهم حكاية ‪ ..‬فما ىو الحل ؟! ‪..‬‬ ‫المر ؟ ‪ ..‬أـ تحاولوا اإلصالح والحفاظ على دينكم وأوالدكم بقدر المستطاع ‪ ..‬حتى‬ ‫ىل الحل ىو أف تستسلموا للواقع ّ‬ ‫يجعل اهلل لكم فرجاً ومخرجاً ‪..‬‬

‫من خالؿ واقع األخوة المغتربين سواء في أمريكيا أو كندا أو استراليا أو بريطانيا أو فرنسا أو الدوؿ االسكندنافية أو غيرىا‬

‫‪ ..‬أستطيع أف أخرج بهذه الوصايا ‪ ،‬التي أرجو أف يكوف حاؿ من التزـ بها أحسن من غيره ‪:‬‬

‫الوصية األولى ‪:‬‬ ‫اعلم أف الكفار أعداء ال يمكن أف ينقلبوا أصدقاء محبين للمسلمين ‪ ..‬أبداً ‪ ..‬مهما أظهروا من العدؿ والحب والحفاوة‬ ‫َّص َارى َحتَّى تَػتَّبِ َع ِملَّتَػ ُه ْم } ‪..‬‬ ‫ضى َع ْن َ‬ ‫فهم أعداء ‪ ،‬وال يرضيهم منك إال الكفر ‪َ { ..‬ولَ ْن تَػ ْر َ‬ ‫ك الْيَػ ُه ُ‬ ‫ود َوال الن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اء } ‪..‬‬ ‫اء فَال تَػتَّخ ُذوا م ْنػ ُه ْم أ َْوليَ َ‬ ‫{ َودُّوا لَ ْو تَ ْك ُف ُرو َف َك َما َك َف ُروا فَػتَ ُكونُو َف َس َو ً‬ ‫نعم ‪ ..‬واهلل ‪..‬‬ ‫فإذا كفرت – حماؾ اهلل من ذلك – أحبوؾ بعض الشيء ‪ ..‬ألنهم يفرقوف بين الكافر الذي من جلدتهم وبين من دخل في‬ ‫دينهم من غيرىم ‪..‬‬ ‫قد تقوؿ لي ‪ :‬ىم يستقبلوننا ويرحبوف بنا ويعاملوننا معاملة حسنة ‪ ..‬ويعطوننا األمواؿ ويوفروف لنا الراحة ‪..‬‬ ‫فأقوؿ لك ‪ :‬إنهم يفعلوف ذلك لمصالح يحصلوف عليها منكم ‪ ..‬فهم باستقبالهم لك يربحوف مكاسب كثيرة ‪ ،‬إف لم‬ ‫يربحوىا كلها ربحوا بعضها ‪ ،‬ىم باستقبالهم لك يكثروف عدد سكاف بالدىم ‪ ،‬وبالتالي يزيد اقتصادىم وتتطور دولتهم ‪ ..‬ىم‬ ‫بك يكثروف عدد العماؿ والموظفين ويحافظوف على عدد السكاف ال يتناقص ‪ ..‬ألف بني جلدتهم ال يتكاثروف وال يحرصوف‬ ‫على اإلنجاب ‪ ..‬بل يكتفي أحدىم بعشيقة يتمتع بها حتى يموت دوف أف يرزؽ بأوالد ‪ ..‬أو إف أراد أوالداً اكتفى بطفل أو‬ ‫اثنين على األكثر ‪ ..‬فتجد أف كبار السن عندىم أكثر من الشباب ‪ ..‬وىم يخططوف للمدى البعيد ‪ ،‬ويشهد لذلك تقرير‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫(‪)9‬‬

‫يصرح بأف أمريكا ال ب ّد أف تستقبل عشرين مليوف مهاجر سنوياً لتحافظ على توازف‬ ‫نشر قريباً من إدارة الهجرة في أمريكا ّ‬

‫البلد في السنوات القادمة ‪ ..‬فهم ما قبلوا لجوءؾ رحمة بك وإحساناً إليك ‪ ..‬كال ‪ ..‬بل يستفيدوف منك ‪..‬‬

‫وإف لم يستفيدوا منك أنت ألف فيك بقية إسالـ وقد تعارض بعض ما يخالف الشريعة ‪ ..‬وقد يزعجهم حرصك على‬

‫صالتك وعبادتك ‪ ..‬استفادوا من أوالدؾ ‪ ..‬فإف كاف في أوالدؾ تربية إسالمية فلم يستفيدوا منهم ‪ ..‬استفادوا من أوالد‬ ‫أوالدؾ ‪ ..‬الذين ولدوا عندىم وتطبعوا بطباعهم وحملوا جنسياتهم ‪..‬‬

‫ىل تعلم أف دولة البرازيل دخلها خالؿ الخمسين سنة الماضية مليوف مسلم ‪ ،‬تنصر منهم إلى اَلف نصف مليوف !!‬ ‫ود وال النَّصارى حتَّى تَػتَّبِع ِملَّتَػهم } ‪ {..‬ودُّوا لَو تَ ْك ُفرو َف َكما َك َفروا فَػتَ ُكونُو َف سواء فَال تَػت ِ‬ ‫َّخ ُذوا ِم ْنػ ُه ْم‬ ‫ضى َع ْن َ‬ ‫{ َولَ ْن تَػ ْر َ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ك الْيَػ ُه ُ َ‬ ‫َ​َ ً‬ ‫َ ْ ُ َ ُ‬ ‫ت الْبػغْ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورُى ْم أَ ْكبَػ ُر }‪ ..‬مع أف غايتهم الكبرى ىي أف تتخلى عن‬ ‫ضاءُ م ْن أَفْػ َواى ِه ْم َوَما تُ ْخفي ُ‬ ‫اء } ‪ { ..‬قَ ْد بَ َد َ‬ ‫ص ُد ُ‬ ‫أ َْوليَ َ‬ ‫إسالمك ‪ ..‬أما اعتناقك للنصرانية فهو أمر ثانوي بالنسبة لهم بدليل أنهم ىم أنفسهم غير متمسكين بالنصرانية تمسكاً تاماً‬

‫‪..‬‬

‫وتأمل معي ‪:‬‬ ‫كم يُقتل من المسلمين بأيدي النصارى في بقاع كثيرة !! البوسنة ‪ ..‬كوسوفا ‪ ..‬الشيشاف ‪ ..‬أريتريا ‪ ..‬السوداف ‪ ..‬أندونيسيا‬

‫‪..‬‬

‫ىل تظن أف النصارى ىنا يختلفوف عن النصارى ىناؾ !!‬ ‫إف الكفر ملة واحدة ‪..‬‬ ‫ومن تأمل بدقة في ىو البالد التي تستقبل الالجئين المسلمين وتحتفي بهم وجد أنها تغيبهم عن دينهم من خالؿ التعليم‬ ‫والوظيفة واالختالط والنظاـ ‪ ..‬و ‪ ..‬ويدندنوف في كل مكاف ‪ :‬حرية ‪ Free .. !! ..‬والحرية والرذيلة – عندىم – وجهاف‬ ‫لعملة واحدة ‪ ..‬ومن ظل متمسكاً باألخالؽ فهو رجعي متخلف !!‪..‬‬

‫الوصية الثانية ‪:‬‬ ‫قرر ذلك ‪ ..‬وأقنع بو نفسك ‪ ..‬وزوجتك وأوالدؾ ‪ ..‬بصرؼ النظر عن‬ ‫اعتبر بقاءؾ في ىذا البلد ليس دائماً ‪ ،‬نعم ‪ّ ..‬‬

‫واقعيتو ‪..‬‬

‫حري بأف يجعل انتماءؾ ووالءؾ ىو لبالد اإلسالـ ال لبالد الكفر ‪ ..‬وسوؼ يأتي يوـ تعود فيو إلى بالد اإلسالـ ‪..‬‬ ‫فهذا ٌ‬ ‫تسمع األذاف ‪ ..‬وتصلي مع المصلين ‪..‬‬

‫واقرأ ىذه الفتوى بتمعن ‪ ،‬وىي من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – حفظو اهلل ( ٖ ) – حيث سئل ( ٗ ) ‪:‬‬ ‫) ‪ ( 3‬رحمو اهلل تعالى‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 11‬‬

‫س ‪ /‬ما حكم اإلقامة في بالد الكفار ؟‬ ‫وغيرنا انحراؼ كثير ممن‬ ‫ج ‪ /‬اإلقامة في بالد الكفار خطر عظيم على دين المسلم وأخالقو وسلوكو وآدابو ‪ ،‬وقد شاىدنا ُ‬ ‫أقاموا ىناؾ ‪ ،‬فرجعوا بغير ما ذىبوا بو ‪ ،‬رجعوا فسلقاً ‪ ،‬وبعضهم رجع مرتداً عن دينو وكافراً بو وبسائر األدياف – وبعضهم‬

‫باهلل – حتى صاروا إلى الجحود المطلق ‪ ،‬واالستهزاء بالدين وأىلو ‪ ،‬السابقين منهم والالحقين ‪.‬‬

‫ولهذا ‪ :‬كاف ينبغي – بل يتعين – التحفظ من ذلك ‪ ،‬ووضع الشروط التي تمنع من الهوى في تلك المهالك ‪.‬‬ ‫فاإلقامة في بالد الكفر ال بد فيها من شرطين أساسيين ‪:‬‬

‫الشرط األوؿ ‪:‬‬

‫أمن المقيم على دينو ‪ ،‬بحيث يكوف عنده من العلم واإليماف وقوة العزيمة ما يطمئنو على الثبات على دينو ‪ ،‬والحذر من‬

‫االنحراؼ والزيغ ‪ ،‬وأف يكوف مضمراً لعداوة الكافرين وبغضهم ‪ ،‬مبتعداً عن مواالتهم ومحبتهم ‪ ،‬فإف مواالتهم ومحبتهم مما‬ ‫ينافي اإليماف ‪ ،‬قاؿ اهلل تعالى ‪ { :‬ال تَ ِج ُد قَػ ْوماً يػُ ْؤِمنُو َف بِاللَّ ِو َوالْيَػ ْوِـ ْاَل ِخ ِر يػُوادُّو َف َم ْن َح َّ َّ‬ ‫اء ُى ْم أ َْو‬ ‫اد الل َو َوَر ُسولَوُ َولَ ْو َكانُوا آبَ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَبػنَاءىم أَو إِ ْخوانَػهم أَو َع ِشيرتَػهم } اَلية وقاؿ تعلى ‪ { :‬يا أَيػُّها الَّ ِذين آمنُوا ال تَػت ِ‬ ‫اء بَػ ْع ُ‬ ‫َّخ ُذوا الْيَػ ُه َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬ ‫ود َوالن َ‬ ‫ْ َُ ْ ْ َ ُ ْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ض ُه ْم أ َْوليَاءُ‬ ‫َّص َارى أ َْوليَ َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ َّ‬ ‫بَػ ْع ٍ‬ ‫سا ِرعُو َف فِي ِه ْم‬ ‫ين فِي قُػلُوبِ ِه ْم َم َر ٌ‬ ‫ين (ٔ٘) فَػتَػ َرى الذ َ‬ ‫ض َوَم ْن يَػتَػ َول ُه ْم م ْن ُك ْم فَإنَّوُ م ْنػ ُه ْم إ َّف الل َو ال يَػ ْهدي الْ َق ْو َـ الظالم َ‬ ‫ض يُ َ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ ِ ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين }‬ ‫يَػ ُقولُو َف نَ ْخ َ‬ ‫سى اللَّوُ أَ ْف يَأْتِ َي بِالْ َف ْت ِح أ َْو أ َْم ٍر م ْن ع ْنده فَػيُ ْ‬ ‫صبِ ُحوا َعلَى َما أ َ‬ ‫َس ُّروا في أَنْػ ُفس ِه ْم نَادم َ‬ ‫شى أَ ْف تُصيبَػنَا َدائ َرةٌ فَػ َع َ‬ ‫مثبت في الصحيح عن النبي صلى اهلل عليو وسلم (( أف من أحب قوماً فهو منهم )) ‪ (( ،‬وأف المرء مع من أحب )) ومحبة‬ ‫أعداء اهلل من أعظم ما يكوف خطراً على المسلم ؛ ألف محبتهم تستلزـ موافقتهم واتباعهم ‪ ،‬أو على األقل عدـ اإلنكار‬

‫عليهم ‪ ،‬ولذلك قاؿ النبي صلى اهلل عليو وسلم ‪ (( :‬من أحب قوماً فهو منهم )) ‪.‬‬

‫الشرط الثاني ‪:‬‬

‫أف يتمكن من إظهار دينو بحيث يقوـ بشعائر اإلسالـ بدوف ممانع ‪ ،‬فال يُ ْمنع من إقامة الصالة ‪ ،‬والجمعة والجماعات ‪ ،‬إف‬ ‫كاف معو من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة ‪ ،‬وال يمنع من الزكاة والصياـ والحج ‪ ،‬وغيرىا من شعائر الدين ‪.‬‬

‫فإف كاف ال يتمكن‬ ‫من ذلك لم تجز اإلقامة ‪ ،‬لوجوب الهجرة حينئذ ‪ ،‬قاؿ في كتاب المغني ( ‪ ) ٗ٘ٚ/ٛ‬في الكالـ على أقساـ الناس في‬ ‫الهجرة ‪ " :‬أحدىا ‪ :‬من تجب عليو ‪ :‬وىو من يقدر عليها وال يمكنو إظهار دينو ‪ ،‬وال تمكنو إقامة واجبات دينو مع المقاـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫يم ُك ْنتُ ْم قَالُوا ُكنَّا‬ ‫ين تَػ َوفَّ ُ‬ ‫بين الكفار ‪ ،‬فهذا تجب عليو الهجرة ‪ ،‬لقولو تعالى ‪ { :‬إ َّف الذ َ‬ ‫اى ُم ال َْمالئ َكةُ ظَالمي أَنْػ ُفس ِه ْم قَالُوا ف َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫مستَ ْ ِ‬ ‫تم ِ‬ ‫اسعةً فَػتُػ َه ِ‬ ‫ين فِي ْاأل َْر ِ‬ ‫صيراً } وىذا وعيد‬ ‫اج ُروا فِ َيها فَأُولَئِ َ‬ ‫ك َمأ َْو ُ‬ ‫ض قَالُوا أَلَ ْم تَ ُك ْن أ َْر ُ‬ ‫ض اللَّو َو َ‬ ‫اء ْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َّم َو َس َ‬ ‫ض َعف َ‬ ‫اى ْم َج َهن ُ‬

‫) ‪ ( 4‬انظر ‪ :‬المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين ( ص ‪. ) ٘​٘ – ٘ٓ :‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 11‬‬

‫شديد يدؿ على الوجوب وألف القياـ بواجب دينو واجب على من قدر عليو والهجرة من ضرورة الواجب وتتمتو ‪ ،‬وما ال يتم‬ ‫الواجب إال بو فهو واجب " ازىػ ‪.‬‬ ‫وبعد تماـ ىذين الشرطين األساسيين تنقسم اإلقامة في دار الكفر إلى أقساـ ‪:‬‬

‫القسم األوؿ ‪:‬‬

‫أف يقيم للدعوة إلى اإلسالـ والترغيب فيو ‪ ،‬فهذا نوع من الجهاد ‪ ،‬فهي فرض كفاية على من قدر عليها ‪ ،‬بشرط أف تتحقق‬

‫الدعوة ‪ ،‬وأف ال يوجد من يمنع منها أو من االستجابة إليها ‪ .‬ألف الدعوة إلى اإلسالـ من واجبات الدين ‪ ،‬وىي طريقة‬ ‫المرسلين ‪ ،‬وقد أمر النبي صلى اهلل عليو وسلم بالتبليغ عنو في كل زماف ومكاف ‪ ،‬فقاؿ ‪ (( :‬بلغوا عني ولو آية ))‬

‫(٘)‬

‫القسم الثاني ‪:‬‬

‫أف يقيم لدراسة أحواؿ الكافرين ‪ ،‬والتعرؼ على ما ىم عليو من فساد العقيدة ‪ ،‬وبطالف التعبد ‪ ،‬وانحالؿ األخالؽ ‪،‬‬

‫وفوضوية السلوؾ ‪ ،‬ليحذر الناس من االغترار بهم ‪ ،‬ويبين للمعجبين بهم حقيقة حالهم ‪.‬‬ ‫وىذه اإلقامة نوع من الجهاد أيضاً لما يترتب عليها من التحذير من الكفر وأىلو ‪ ،‬المتضمن للترغيب في اإلسالـ وىديو ؛‬ ‫ألف فساد الكفر دليل دليل على صالح اإلسالـ ‪ ،‬كما قيل ‪ :‬وبضدىا تتبين األشياء ‪ ،‬لكن ال بد من ِ‬ ‫شرط أف يتحقق مراده‬ ‫بدوف مفسدة أعظم منو ‪ ،‬فإف لم يتحقق مراده بأف ُمنع من نشر ما ىم عليو والتحذير منو ‪ ،‬فال فائدة من إقامتو ‪ ،‬وإف تحقق‬

‫الكف‬ ‫مراده مع مفسدة أعظم ‪ ،‬مثل ‪ :‬أف يقابلوا فعلو بسب اإلسالـ ورسوؿ اإلسالـ وأئمة اإلسالـ ‪ ،‬وجب ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ك َزيػَّنَّا لِ ُك ِّل أ َُّم ٍة َع َملَ ُه ْم ثُ َّم إِلَى َربِّ ِه ْم‬ ‫سبُّوا اللَّوَ َع ْدواً بِغَْي ِر ِعل ٍْم َك َذلِ َ‬ ‫سبُّوا الذ َ‬ ‫ين يَ ْدعُو َف م ْن ُدوف اللو فَػيَ ُ‬ ‫لقولو تعالى ‪َ { :‬وال تَ ُ‬ ‫َم ْرِجعُ ُه ْم فَػيُػنَبِّئُػ ُه ْم بِ َما َكانُوا يَػ ْع َملُو َف } ‪.‬‬ ‫ويشبو ىذا ‪ :‬أف يقيم في بالد الكفار ليكوف عيناً للمسلمين ليعرؼ ما يدبروه للمسلمين من المكايد ‪ ،‬فيحذرىم المسلموف‬ ‫‪ ،‬كما أرسل النبي صلى اهلل عليو وسلم حذيفة بن اليماف إلى المشركين في غزوة الخندؽ ليعرؼ خبرىم ‪.‬‬

‫القسم الثالث ‪:‬‬

‫أف يقيم لحاجة الدولة المسلمة ‪ ،‬وتنظيم عالقاتها مع دولة الكفر – كموظفي السفارات – فحكمها حكم من أقاـ من أجلو‬

‫‪.‬‬ ‫فالملحق الثقافي مثال يقيم فيرعى شئوف الطلبة ‪ ،‬ويراقبهم ويحملهم على التزاـ اإلسالـ وأخالقو وآدابو ‪ ،‬فيحصل بإقامتو‬ ‫مصلحة كبيرة يندرءُ بها شر كبير ‪.‬‬

‫القسم الرابع ‪:‬‬ ‫) ‪ ( 5‬رواه البخاري ‪.‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 12‬‬

‫أف يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعالج ‪ ،‬فتباح اإلقامة بقدر الحاجة ‪ ،‬وقد نص أىل العلم رحمهم اهلل على جواز‬ ‫دخوؿ بالد الكفار للتجارة وأثروا ذلك عن بعض الصحابة ‪.‬‬

‫القسم الخامس ‪:‬‬

‫أف يقيم للدراسة ‪ ،‬وىي من جنس ما قبلها – إقامة لحاجة – لكنها أخطر منها وأشد فتكاً بدين المقيم وأخالقو ‪..‬‬

‫القسم السادس ‪:‬‬

‫أف يقيم للسكن ‪ ،‬وىذا أخطر مما قبلو وأعظم ؛ لما يترتب عليو من المفاسد ‪ :‬باالختالط التاـ بأىل الكفر ‪ ،‬وشعوره بأنو‬

‫مواطن ملتزـ بما تقتضيو الوطنية ‪ ،‬من مودة ‪ ،‬ومواالة ‪ ،‬وتكثير لسواد الكفار ‪ ،‬ويتربى أىلُو بين الكفر ‪ ،‬فيأخذوف من‬

‫أخالقهم وعاداتهم ‪ ،‬وربما قلدوىم في العقيدة والتعبد ‪ ،‬ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى اهلل عليو وسلم ‪ (( :‬من‬

‫جامع المشرؾ ‪ ،‬وسكن معو ‪ ،‬فإنو مثلو )) ( ‪ ) ٙ‬فإف المساكنة تدعوا إلى المشاركة ( ‪. ) ٚ‬‬

‫وعن قيس بن أبي حازـ عن جرير بن عبداهلل أف النبي صلى اهلل عليو وسلم قاؿ ‪ (( :‬أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر‬ ‫المشركين )) قالوا ‪ :‬يا رسوؿ اهلل ‪ ،‬ولم ؟! قاؿ ‪ (( :‬ال تراءى نارىما )) رواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬وأكثر الرواة رووه مرسالً‬ ‫عن قيس بن أبي حازـ عن النبي صلى اهلل عليو وسلم قاؿ الترمذي ‪ :‬سمعت محمداً – يعني البخاري – يقوؿ ‪ :‬الصحيح‬ ‫حديث قيس عن النبي صلى اهلل عليو وسلم مرسل ‪ .‬ا‪.‬ىػ ‪.‬‬

‫وكيف تطيب نفس مؤمن أف يسكن في بالد كفار !! تُعلن فيها شعائر الكفر ‪ ،‬ويكوف الحكم فيها لغير اهلل ورسولو ‪ ،‬وىو‬

‫يشاىد ذلك بعينيو ويسمعو بأذنيو ‪ ،‬ويرضى بو !! بل ينتسب إلى تلك البالد ‪ ،‬ويسكن فيها بأىلو وأوالده ‪ ،‬ويطمئن إليها‬ ‫كما يطمئن إلى بالد المسلمين ‪ ،‬مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليو وعلى أىلو وأوالده ‪ ،‬في دينهم وأخالقهم ‪ .‬ا‪.‬ىػ ‪.‬‬

‫الوصية الثالثة ‪:‬‬ ‫أىم ما ينبغي على المسلم أف يعتني بو ىو دينو ‪ ،‬فما قيمة الماؿ والمسكن والوظيفة والمستشفى والعيش الرغيد في غير‬ ‫طاعة الملك المالك جل جاللو !!‪..‬‬ ‫فصل ‪ ..‬في‬ ‫احرص على إقامة الشعائر أينما كنت ‪ ..‬ومن خصائص ىذا الدين أنو دين ظاىر ‪ ..‬أينما أدركتك الصالة ّ‬ ‫ت ْاألَ ْعلَى } ‪..‬‬ ‫السوؽ ‪ ..‬في المدرسة ‪ ..‬في العمل ‪ ..‬في المصنع ‪ ..‬وال تخجل من ذلك { قُػلْنَا ال تَ َخ ْ‬ ‫ف إِنَّ َ‬ ‫ك أَنْ َ‬

‫قاؿ الشيخ ‪:‬‬

‫كنت في السويد فذىبت مع اثنين من األخوة المقيمين المغتربين لزيارة متحف للكتب القديمة وبعض اَلثار ‪ ..‬وبعدما‬ ‫دفعنا رسوـ الدخوؿ وأمضينا دقائق ‪ ..‬أدركنا وقت صالة العصر ‪..‬‬ ‫) ‪ ( 6‬رواه أبو داود ‪ ،‬وصححو األلباني ‪.‬‬

‫) ‪ ( 7‬يعني أف طوؿ االختالط بالكافر ومساكنتو في بلد واحد تؤدي إلى مشاكلتو ( أي مشابهتو وموافقتو ) في أفعالو وأقوالو وتصرفاتو ‪.‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 13‬‬

‫فقاؿ أحدىما ‪ :‬يا شيخ ىيا نخرج لنصلي ثم نعود ‪..‬‬ ‫فسألتو مستغرباً ‪ :‬لماذا ال نصلي ىنا ؟!!‬

‫فقاؿ ‪ :‬ىاه !! نصلي أمامهم ؟!ٔ ال ‪ ..‬ال ‪ ..‬ىذا صعب جداً ‪ ..‬جداً ‪..‬‬

‫قلت ‪ :‬لماذا صعب جداً ‪ ..‬جداً ‪ ..‬؟!!‬

‫فقاؿ ‪ :‬يا شيخ ‪ ..‬نصلي أماـ السويديين ؟!!‬

‫قلت ‪ :‬نعم نصلي أماـ السويديين ‪ ..‬ولماذا ال نصلي أمامهم ؟! ألست تراىم يقبل بعضهم بعضاً أمامنا ‪ ..‬وال يستحوف !!‬

‫ويضم بعضهم بعضاً ‪ ..‬وال يخجلوف ‪ ..‬ويشربوف الخمر في الشوارع ‪ ..‬ويكشفوف عوراتهم ‪ ..‬ويرتكبوف األفعاؿ المخلة‬ ‫بالحياء ‪ ..‬ويعتبروف ذلك حرية ‪ ..‬ونحن أحياناً ننظر إليهم ونحن معجبوف بهذه الحرية !!‬ ‫فلماذا ال نصلي أمامهم ونعتبرىا حرية ؟!!‬ ‫فوافق صاحبي على مضض ‪..‬‬ ‫فأخذنا جانباً من ىذا المتحف واتجهت إلى القبلة ووضعت أصبعي في أذني ‪..‬‬ ‫فصاح بي صاحبي ‪ :‬يا شيخ !! ماذا تريد أف تفعل ؟!‬

‫فأجبتو بهدوووء ‪ :‬سوؼ أؤذف ‪..‬‬ ‫فقاؿ – باضطراب شديد – ‪ :‬يا شيخ تؤذف ىنا ؟!‬ ‫سمو‬ ‫قلت ‪ :‬نعم أليست حرية ‪ .. !!.. Free‬أليسوا يغنوف في الشوارع والطرقات ‪ ..‬ويسموف ذلك ‪ّ .. !! .. Free‬‬ ‫أنت أيضاً ‪ :‬حرية ‪.. !!.. Free‬‬

‫ثم أذنت وأقمت بصوت منخفض ‪ ..‬وصلينا ‪ ..‬وأكملنا زيارتنا ‪..‬‬

‫ورآنا الناس ونحن نصلي جماعة ‪ ..‬نكبر ونسبح ‪ ..‬ونركع ونسجد ‪ ..‬ولم يمسك بنا رجاؿ الشرطة ‪ ..‬ولم يدفعونا غرامة ‪..‬‬ ‫ولم يقتادونا إلى السجن ‪ ..‬ولم تنطبق السماء على األرض ‪ ..‬فلماذا يخجل بعض األخوة من الصالة أماـ الناس ‪..‬‬ ‫في الحدائق واألماكن العامة ‪ ..‬بل إف بعض المسلمين يجمعوف بين الصالتين من غير عذر سفر وال مرض بسبب أنهم‬ ‫يخجلوف أف يقيموا الصالة أماـ الناس ‪..‬‬ ‫الص ْب ِر‬ ‫استَ ِعينُوا بِ َّ‬ ‫أيها األخ الحبيب ‪ :‬إف إظهار ىذه الشعيرة وسيلة من أكبر الوسائل للدعوة إلى دين اإلسالـ ‪َ { ..‬و ْ‬ ‫ِ‬ ‫اش ِعين(٘ٗ) الَّ ِذين يظُنُّو َف أَنػَّ ُهم مالقُو ربِّ ِهم وأَنػَّ ُهم إِلَْي ِو ر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َو َّ ِ ِ‬ ‫اجعُو َف } ‪..‬‬ ‫ُْ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫الصالة َوإنػَّ َها لَ َكب َيرةٌ إ َّال َعلَى الْ َخ َ‬ ‫وال أنس أيضاً أف أذكرؾ أيها الرجل المبارؾ أف الشعائر األخرى ال ب ّد أف تظهر ‪ ،‬مثل ‪ :‬عدـ مصافحة النساء ‪ ..‬وال الخلوة‬ ‫بهن ‪ ..‬أسأؿ اهلل أف يحفظك عفيفاً ‪ ..‬ويصوف دينك وإيمانك ‪ ..‬آمين ‪.‬‬

‫الوصية الرابعة‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 14‬‬

‫منزلك أخي المغترب ىو مملكتك التي ال يكاد يزاحمك أحد عليها ‪ ،‬وسوؼ تسأؿ عن أفراد ىذا المنزؿ يوـ القيامة ‪ ،‬ومن‬ ‫أحسن التعامل مع أوالده وتنشئتهم تنشئة صالحة في صغرىم نفعوه في الدنيا واَلخرة ‪ ..‬فأحسنوا إليو في حياتو وحياتهم‬ ‫ببرىم لو ‪ ..‬وطاعتهم ‪ ..‬وعنايتهم ‪ ..‬وانتفع بهم بعد مماتو بدعائهم واستغفارىم ‪ { ..‬والَّ ِذين يػ ُقولُو َف ربػَّنَا َىب لَنَا ِمن أَ ْزو ِ‬ ‫اجنَا‬ ‫ْ‬ ‫َ َ​َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ك ذُ ِّريَّةً طَيِّبةً إِنَّ َ ِ‬ ‫يع ُّ‬ ‫الد َعا ِء }‬ ‫َوذُ ِّريَّاتِنَا قُػ َّرةَ أَ ْعيُ ٍن } ‪ ..‬وكاف من دعاء زكريا عليو السالـ أنو قاؿ ‪َ { :‬ر ِّ‬ ‫ب لِي ِم ْن لَ ُدنْ َ‬ ‫َ‬ ‫ك َسم ُ‬ ‫ب َى ْ‬ ‫‪ ..‬فلم يسأؿ ربو أي ذرية ‪ ..‬وإنما أراداىا أف تكوف ذرية طيبة ‪ ..‬ألف الذرية الفاسدة ال تزيدؾ إال عنتاً ومشقة ‪..‬‬

‫وإليك بعض التوجيهات الهامة في ذلك ‪:‬‬

‫‪ ‬احرص على إقامة الصلوات في أوقاتها جماعة مع أوالدؾ في المسجد ‪ ،‬فإف لم تتمكن من ذلك فاحرص على‬ ‫إقامتها في البيت في أوقاتها دوف تأخير وال تتساىل بغياب أحد من األوالد عن صالتها معكم جماعة ‪ ،‬وذلك في‬ ‫جميع الصلوات ‪.‬‬ ‫‪ ‬احرص على األذاف لكل صالة ‪ ،‬وال بأس أف تعلق ورقة في المنزؿ فيها بياف ألوقات الصلوات ‪ ،‬وتجعل أحد‬ ‫األوالد مسئوالً عن األذاف للصالة ‪ ،‬بحيث يكوف مكاف االجتماع للصالة معروفاً غرفة محددة من غرفات البيت‬ ‫فيؤذف المؤذف فيها ويجتمع الباقوف إلقامة الصالة ‪.‬‬

‫‪ ‬ال بد أف يكوف في البيت مكتبة ‪ ،‬ولو صغيرة ‪ ،‬فيها بعض القصص واألحكاـ الشرعية وغير ذلك ‪ ،‬من الكتب‬ ‫واألشرطة ‪ ،‬وال تبخل بما تنفقو من ماؿ في ذلك ‪ ،‬فإنو من النفقة في سبيل اهلل التي تؤجر عليها ‪.‬‬ ‫‪ ‬احرص على أف ال يمر أسبوع إال ويكوف في المنزؿ درس ديني ‪ ،‬حيث يجتمع أفراد العائلة كلهم وتقرؤوف شيئاً من‬ ‫كتاب رياض الصالحين أو التفسير أو غير ذلك ‪ ،‬وىذا مهم جداً في ربط العائلة بعضهم ببعض ‪ ،‬وحتى تحفكم‬ ‫المالئكة وتغشاكم الرحمة ويذكركم اهلل فيمن عنده ‪ ،‬وال تتساىل في تغيبهم عن الدرس ‪.‬‬

‫وىذه الدروس المنزلية طبعاً ال تغني عن حضور الدروس المقامة في المركز اإلسالمي ‪.‬‬

‫‪ ‬إف اصطحابك ألوالدؾ إلى المركز اإلسالمي من وقت َلخر لحضور الصلوات والدروس العلمية فيو تقوية إليمانهم‬ ‫‪ ،‬وربط لهم بإخوانهم المسلمين ‪ ،‬وزرع الشعور بالعزة اإلسالمية في نفوسهم ‪.‬‬ ‫‪ ‬ال تتكلم مع أوالدؾ إال باللغة العربية ‪ ،‬وشدد األمر في ذلك ‪ ،‬امنع أوالدؾ من الكالـ بغير اللغة العربية ‪ ،‬ومن‬ ‫تكلم بلغة المدرسة أو الشارع فعاقبو وكن حازماً في ذلك ‪ ،‬وال تتسامح بكلمة وال نصف كلمة ‪ ..‬ىذا ىاـ جداً ‪..‬‬

‫جداً ‪..‬‬

‫الوصية الخامسة ‪:‬‬ ‫أوالدؾ عجينة بين يديك تفعل ما تشاء ما داموا في سني الطفولة ‪ ،‬وليس لك عذر إف قصرت في شيء من تربيتهم في ىذه‬ ‫المرحلة ‪ ،‬فاحرص على ‪:‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 15‬‬

‫أف ال يبلغ ولدؾ سن الثالثة إال وقد حفظتو سورة الفاتحة ‪ ،‬فإذا أتقنها فحفظو قصار السور كسورة اإلخالص { قُ ْل‬ ‫َح ٌد }‬ ‫ُى َو اللَّوُ أ َ‬ ‫فإذا بلغ خمس سنين فح ّفظو ما بعد ذلك من السور ‪..‬‬ ‫حتى إذا بلغ العاشرة من عمره فإذا بو يحفظ ثالثة أجزاء أو أربعة ‪..‬‬

‫س ْرنَا الْ ُق ْرآ َف لِ ِّ‬ ‫لذ ْك ِر }‬ ‫وىذا قد يبدوا صعباً في البداية ولكن إذا تعود االبن على ذلك سهل عليو { َولَ​َق ْد يَ َّ‬ ‫سوؼ تتعب قليالً ‪ ،‬ولكن ىل تريد الجنة من غير تعب !!‬

‫وح ّفت النار بالشهوات )) ( ‪.. ) ٛ‬وأنت ال تدري متى ترحل من ىذه‬ ‫قاؿ صلى اهلل عليو وسلم ‪ُ (( :‬ح ّفت الجنة بالمكاره ‪ُ ،‬‬ ‫الدنيا وتفارؽ أوالدؾ ‪ ..‬فحفظهم القرآف ليبقوا لم ذخراً يث ّقل ميزانك عند اهلل تعالى يوـ القيامة ‪..‬‬

‫قاؿ صلى اهلل عليو وسلم ‪ (( :‬إذا مات اإلنساف انقطع عملو إال من ثالث ‪ :‬صدقة جارية ‪ ،‬وعلم ينتفع بو ‪ ،‬وولد صالح‬

‫(‪)ٜ‬‬ ‫وأي صالح أعظم من صالح ولد حافظ لكتاب اهلل تعالى ‪...‬‬ ‫يدعوا لو ))‬ ‫‪ّ ..‬‬

‫اؿ‬ ‫وانتبو من أف تكوف أنت أو أوالدؾ ممن اشتكى الرسوؿ صلى اهلل عليو وسلم ‪ ..‬كما في قولو تعالى ‪َ { :‬وقَ َ‬ ‫ب إِ َّف قَػ ْوِمي اتَّ َخ ُذوا َى َذا الْ ُق ْرآ َف َم ْه ُجوراً } ‪..‬‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫وؿ يَا َر ِّ‬ ‫َّ‬

‫ويمكن أف تستعين في تدريس أوالدؾ بأمور ‪ ..‬منها ‪:‬‬

‫‪ ‬األشرطة المسجلة ‪ :‬حيث يستمع الطفل إلى الشريط ويردد وراءه حتى يحفظ ‪.‬‬ ‫مدرس واحد يجلس مع أوالدىم عدة جلسات في األسبوع‬ ‫‪‬‬ ‫المدرس الخاص ‪ :‬حيث يتفق عدد من اَلباء مع ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأوؿ ‪.‬‬ ‫ويتابعهم أوالً ّ‬

‫‪ ‬تشجيع الولد على الحفظ من خالؿ الجوائز ‪.‬‬ ‫‪ ‬التقليل من األلعاب واألجهزة التي تشغل الولد عن الحفظ ‪ ،‬كألعاب الكمبيوتر ونحوىا ‪.‬‬

‫حدثني أحد الدعاة ‪:‬‬ ‫أنو ذىب إلى مدينة في السويد إللقاء المحاضرات فرأى أحد األخوة األعاجم ال يفهم من اللغة العربية كلمة واحدة ومع‬ ‫ذلك لو بنتاف وولد أكبرىم عمره اثنتي عشرة سنة ‪ ،‬وكلهم يحفظوف القرآف كامالً !!‬ ‫نعم ‪ ..‬وقد رآىم صاحبي واختبرىم ‪..‬‬

‫حسن قصده وخلصت نيتو وفقو اهلل تعالى وبارؾ فيو وفي ذريتو ‪.‬‬ ‫ومن ُ‬

‫) ‪ ( 8‬رواه مسلم ‪.‬‬

‫) ‪ ( 9‬رواه الترمذي والنسائي – صحيح ‪-‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫ورأيت في الدانمرؾ رجالً أسلم‬

‫( ‪) 16‬‬

‫حديثاً ‪ ،‬وال يفهم من اللغة العربية كلمة واحدة ‪ ،‬وكاف حريصاً على حفظ القرآف‬

‫وتعلم الدين ‪ ،‬حتى إنو يحمل معو دائماً مسجالً صغيراً وإذا رأى من يتقن العربية طلب منو أف يسجل لو شيئاً من سور‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّه ْم ُسبُػلَنَا َوإِ َّف اللَّوَ‬ ‫ين َج َ‬ ‫اى ُدوا فينَا لَنَػ ْهديَػنػ ُ‬ ‫القرآف أو األذكار أو نحو ذلك ثم يكرر االستماع إلى ذلك حتى يحفظو ‪َ { ..‬والذ َ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ين } ‪..‬‬ ‫لَ َم َع ال ُْم ْحسن َ‬

‫وحدثني داعية آخر ‪:‬‬

‫أنو كاف في استراليا ورأى طفلين مسلمين يحمالف الجنسية األسترالية – وىما من أصل سنغافوري – أحدىما عمره خمس‬

‫سنوات واَلخر سبع سنوات ‪ ،‬كالىما يحفظ القرآف كامالً ‪.. ! ..‬‬

‫وىما ال يفهماف من اللغة العربية كلمة واحدة ‪..‬‬ ‫وأخبراني ىذا الداعية أنو اختبرىما ِ‬ ‫وعجب من قوة حفظهما ‪ ،‬قاؿ ‪ :‬حتى إنني خاطبت أحدىما – باللغة اإلنجليزية –‬ ‫وقلت لو ‪ :‬أخبرني باَليات التي فيها كلمة ( جهنم ) فسردىا لي بسرعة ‪ ..‬ثم طلبت منو اَليات التي فيها كلمة ( الجنة )‬ ‫فسردىا لي !!‬ ‫وكاف الذي اىتم بحفظ ىذين الطفلين عليهما ىو زوج أمهما ‪ ..‬وكاف يحفظهما القرآف عن طريق االستماع المتكرر للسورة‬

‫من جهاز التسجيل حتى يحفظها الطفل ‪ ،‬ثم ينتقل إلى غيرىا ‪ ..‬فجزاه اهلل خيراً ‪..‬‬ ‫فتشبهوا إف لم تكونوا مثلهم إف التشبو بالكراـ فالح‬

‫الوصية السادسة ‪:‬‬ ‫احرص على أف تعلم أوالدؾ اَلداب اإلسالمية منذ الصغر فإنهم ينشئوف عليها ‪..‬‬

‫واَلداب الشرعية متنوعة ‪:‬‬

‫مثل آداب الطعاـ والشراب فيقوؿ بسم اهلل قبل األكل والحمد هلل بعده ‪ ،‬ويأكل باليد اليمنى ‪..‬‬ ‫وآداب المجالسة فيسلم عند الدخوؿ والخروج ‪ ،‬ويحترـ الكبير ‪..‬‬ ‫ويلتزـ بآداب الكالـ فال يكذب وال يتلفظ بألفاظ بذيئة ‪..‬‬ ‫وآداب الخالء كذكر اهلل قبل الدخوؿ ‪ ،‬وعدـ استقباؿ القبلة أثناء قضاء الحاجة ‪..‬‬ ‫وغير ذلك من اَلداب ‪ ،‬وما ذكرتو مجرد أمثلة فقط ‪..‬‬ ‫فإذا أىملت تعليم ولدؾ اَلداب الشرعية في صغره ‪..‬‬ ‫غيرؾ ‪ ،‬فيتعلم في الحضانة أف يأكل بالشوكة بيده اليسرى ‪ ..‬ويتعلم في الحضانة‬ ‫ىل تدري ما النتيجة ؟ سوؼ يتولى تأديبو ُ‬ ‫أف ال يغلق باب الخالء وال يستر عورتو عند قضاء الحاجة ‪ ..‬ويتعلم في الشارع السب واللعن والكالـ الفاحش ‪..‬‬ ‫فػتػػأمػل الفػػرؽ بيت التػربيػتػين ‪...‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫حدثني أحد المشايخ الدعاة‬

‫( ‪) 17‬‬

‫يبلغ من العمر خمسين سنة أنو ألقى محاضرة في أحد المراكز اإلسالمية في إيطاليا‬

‫وتكلم أثناء المحاضرة عن تربية األوالد والمسئولية نحوىم ‪ ..‬وكاف أغلب الحاضرين من العرب المغتربين ‪..‬‬

‫قاؿ الشيخ ‪:‬‬

‫وفجأة قاـ شيخ كبير قد تجاوز الثمنين وقطع محاضرتي ‪ ..‬وصاح بأعلى صوتو وقاؿ ‪:‬‬ ‫يا شيخ !! أريد أف أزوجك ابنتي !! تزوجها وخذىا معك !! أرجوؾ !! يا شيخ !! يا شيخ !!‬ ‫ثم بكى ‪ ..‬وبكى ‪..‬‬ ‫فتعجبي منو لكنني لم أرد عليو ‪..‬‬ ‫إلى وشكرتو على حسن ظنو بي ‪ ،‬وبينت لو أنني ال أرغب في الزواج ‪ ،‬ثم سألتو ‪:‬‬ ‫فلما انتهت المحاضرة دعوتو ّ‬ ‫ما سبب حماسك وبكائك ؟ ومقاطعتك للمحاضرة ؟؟‬

‫فػقػاؿ ‪ :‬يا شيخ ‪ ،‬نحن كنا أصدقاء أربعة أتينا إلى ىذه البالد مع أوالدنا طلباً لحياة أفضل ‪ ،‬وكبر أوالدنا وبدؤوا يتفلتوف من‬ ‫فتنصر جميع أوالدىم وأنا انظر ‪..‬‬ ‫أيدينا ‪ ..‬ومضت السنين ومات أصحابي َّ‬

‫أما أنا فقد كبر اَلف سني ‪ ..‬ور ّؽ عظمي ‪ ..‬واقتربت منيتي ‪ ..‬أنا خائف على ابنتي ‪ ..‬ىي اليوـ في المسجد ‪ ..‬وغداً ال‬

‫وبكيت وبكى من حولنا ‪..‬‬ ‫أدري أين تكوف ثم بكى ‪..‬‬ ‫ُ‬

‫الوصية السابعة ‪:‬‬ ‫ال ب ّد أف تتعاوف مع أـ أوالدؾ وتجندىا معك في تربيتهم ‪ ،‬وتزرع فيها الصبر واالحتساب ‪ ،‬فأحسن اختيار زوجتك ‪،‬‬

‫واحرص على أف تكوف مؤمنة متحجبة عفيفة ‪ ،‬ثم بعد الزواج احرص على ارتقاء إيمانها وزيادة معرفتها بالدين ‪ ،‬وشجعها‬

‫على حضور المحاضرات والدروس الشرعية ‪ ،‬وقراءة الكتب النافعة واستماع األشرطة المفيدة ‪..‬‬ ‫فإف األـ إذا صلحت صلح األوالد تبعاً لها ‪..‬‬

‫الوصية الثامنة ‪:‬‬ ‫أخي الكريم !! منذ كم سنة أنت مقيم ىنا في بالد الغربة ؟! بين الكفار الضالين !!‬ ‫بعض المغتربين جاء إلى بالد الغربة منذ عشر سنوات وبعضهم عشرين ‪ ،‬وال أبالغ لو قلت إف بعضهم جاء منذ أربعين سنة‬ ‫‪ ..‬سكن معهم في مساكنهم ‪ ..‬وخالطهم في وظائفهم ‪ ..‬وأسواقهم ‪ ..‬وشوارعهم ‪ ..‬ومطاعمهم ‪..‬‬

‫ولكن األسئلة الكبيرة التي أريدؾ أف تجيب عليها بصراحة ‪ :‬من خالؿ ىذه اإلقامة الطويلة ‪:‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 18‬‬

‫كم شخصاً أسلم على يدؾ خالؿ ىذه السنوات ؟ ‪ ..‬بل كم شخصاً ناقشتو عن اإلسالـ وأزلت ما في نفسو من شبهات أو‬ ‫سوء فهم عن اإلسالـ ؟ ‪..‬‬

‫كم كتاباً أو شريطاً في الدعوة إلى اإلسالـ وزعت ؟ ‪..‬‬ ‫كم مسلماً مقصراً نصحت ؟ ‪..‬‬

‫وفي الجانب اَلخر أسألك ‪:‬‬

‫كم من األمواؿ جمعت ؟ ‪ ..‬وكم شقة اشتريت ؟‪..‬‬ ‫وأعوذ باهلل أف أسألك ‪ :‬كم معصية كبيرة قارفت ؟؟‪..‬‬ ‫أيها األخ الحبيب ‪ :‬إف أصحاب المذاىب الضالة الهدامة يعملوف دائبين في الدعوة إلى مذاىبهم في دوؿ أوربا وغيرىا‬

‫أكثر من بعض المسلمين ‪ ،‬فانظر إلى نشاط " شهود يهوه " ‪ ..‬ونشاط " الشيعة " ‪ ..‬وغيرىم ‪ ..‬مع أنك على حق وىم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫صالِحا } ‪..‬‬ ‫على الباطل ‪َ { ..‬وَم ْن أ ْ‬ ‫َح َس ُن قَػ ْوالً م َّم ْن َد َعا إِلَى اللَّو َو َعم َل َ‬ ‫كن مشعل ىداية أينما كنت ‪ ،‬احمل معك الكتب واألشرطة الدعوية ولن تكلف إال مبلغاً يسيراً يعوضك اهلل بو خػيػراً ‪..‬‬

‫أحد المسلمين كاف يعمل في شركة كبرى ويحدث نفسو بالدعوة دائماً لكنو يخجل ويتكاسل ‪ ،‬وفي يوـ من األياـ‬

‫أحيل إلى التقاعد أحد زمالئو من الموظفين الكبار ‪ ،‬فعمل لو أصحابو حفلة توديع ‪ ،‬وأحضر كل واحد من زمالئو ىدية‬ ‫يودعو بها ‪..‬‬

‫واحترت ماذا أقدـ لو ؟! فتذكرت أف ىذا الموظف يحب التحف واألواني األثرية القديمة ‪ ،‬فاشتريت لو تحفة‬ ‫قاؿ صاحبنا ‪:‬‬ ‫ُ‬

‫جميلة وخبأت بداخلها كتاباً صغيراً عن اإلسالـ وكتبت عنواني عليو ‪ ،‬وغلفتها بغالؼ جميل وأىديتها إليو مع بقية زمالئي ‪..‬‬

‫ومضت األياـ ‪..‬‬

‫وبعد قرابة الشهرين فوجئت باتصاؿ من صاحبي المتقاعد يبشرني بإسالمو ‪ ..‬ويخبرني أنو قرأ الكتاب كلو ‪ ..‬ثم اشتاؽ أف‬ ‫يتعلم معلومات أكثر عن اإلسالـ فبدأ يبحث ويسأؿ حتى دخلت الهداية قلبو وأسلم ‪ ..‬والسبب األوؿ ىو ىذا الكتاب‬ ‫الذي خبأتو لو على استحياء ‪..‬‬ ‫والعجيب أف صاحبي المتقاعد بدأ يلومني ‪ :‬لماذا حجبت عني الهداية طواؿ تلك السنوات ؟!‬

‫أيها المغترب الحبيب المبارؾ ‪:‬‬

‫ىل تعلم كيف دخل اإلسالـ إلى الهند وباكستاف والصين وكثير من بالد أفريقيا ‪ ..‬وغيرىا من البالد البعيد عن مهبط الرسالة‬ ‫؟؟‬ ‫لم يدخلها عن طريق الدعاة ‪ ..‬وال عن طريق الجهاد ‪ ..‬وال عن طريق المكاتبات ‪ ..‬وال ‪ ..‬إنما دخلها عن طريق رجاؿ‬ ‫مسلمين ليسوا علماء وال دعاة ‪ ،‬تجار ذىبوا إلى ىناؾ في تجارة ‪ ..‬ذىبوا ليشتروا البضائع ويبيعوا بضائعهم ‪ ..‬ذىبوا ال‬ ‫يريدوف إى الدنيا والماؿ ‪ ..‬وماذا كانت النتيجة ؟؟‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 19‬‬

‫جمع اهلل لهم الدنيا واَلخرة ‪ ..‬جمعوا األمواؿ ‪ ..‬وتأثر أىل تلك البالد بالمسلمين ‪ ..‬رأوا صالتهم ‪ ..‬وحسن تعاملهم ‪..‬‬ ‫فسألوىم عن اإلسالـ فأخبروىم ودعوىم إليو ‪ ..‬فأسلم ما ال يحصى عدده من الناس بسبب ىؤالء التجار ‪..‬‬ ‫في الهند مائة مليوف مسلم ‪ ،‬ومن كاف سبب ىدايتهم ؟!‬ ‫وفي الصين أكثر من مائة مليوف ‪ ،‬من كاف سبب ىدايتهم ؟!‬ ‫وفي بالد أفريقيا مئات الماليين ‪ ،‬ومن كاف سبب ىدايتهم ؟!‬ ‫إنهم ىؤالء التجار الذين دخلوا ىذه البالد طلباً للدنيا فجمع اهلل لهم الحسنيين ‪..‬‬

‫أيها األخ المسلم الموفق ‪:‬‬

‫إف حالك ال يختلف كثيراً عن حاؿ أولئك التجار ‪ ،‬ىم جاءوا إلى تلك البالد طلباً للدنيا ‪ ،‬وأنت جئت إلى ىذه البالد طلباً‬ ‫للراحة الدنيوية والعيش الرغيد واألمن على النفس والولد ‪ ..‬فلماذا ال تجمع الدنيا واَلخرة !! كما فعلوىم ‪.‬‬

‫أخي الكريم ‪:‬‬

‫لعل اهلل كتب الهداية ألىل ىذه البالد على يدؾ أنت ومن معك من المغتربين ‪..‬‬

‫لعل اهلل ق ّدر عليكم من الظروؼ والمشاكل ما استجلبكم بو إلى ىذه البالد لهداية ىؤالء ‪ ،‬فلماذا ال تكونوف دعاة إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ​ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين } ‪..‬‬ ‫ربكم ‪ { ..‬قُ ْل َىذه َسبيلي أَ ْدعُو إلَى اللو َعلَى بَص َيرة أَنَا َوَم ِن اتَّػبَػ َعني َو ُس ْب َحا َف اللو َوَما أَنَا م َن ال ُْم ْش ِرك َ‬

‫وليس الدعوة للكفار فقط بل للمسلمين المقصرين المذنبين ‪ ..‬فهم وإف وقعوا في المعاصي أو قارفوا الكبائر فال يزاؿ فيهم‬

‫إيماف وحب للدين ورغبة في العودة إليو ‪..‬‬

‫قاؿ أحد الدعاة ‪:‬‬

‫إلي شاب تنبعث منو رائحة الدخاف (‬ ‫ألقيت محاضرة في مركز إسالمي بإحدى الدوؿ األوروبية ‪ ..‬وبعد المحاضرة جاء ّ‬

‫السجائر ) وقد بدت عليو آثار المعصية ‪ ..‬فصافحني وقبلني بحرارة ‪ ..‬ثم طلب مني أف أخبره كيف يستطيع أف يذىب‬

‫للجهاد في الشيشاف ‪ ..‬قلت لو ‪ :‬أنت تريد أف تجاىد ؟! قاؿ ‪ :‬نعم ‪ ..‬قلت ‪ :‬أتدري ما الجهاد ؟ إنو قتل للنفس ‪..‬‬ ‫ومفارقة لألىل واألوالد ‪ ..‬فقاؿ ‪ :‬أليس الجزاء الجنة ؟ قلت ‪ :‬بلى ‪ ..‬قاؿ ‪ :‬كل شيء يهوف ‪..‬‬

‫الوصية التاسعة ‪:‬‬ ‫كنت في أحد البالد األوربية ‪ ،‬وبعدما صليت التراويح وألقيت المحاضرة ‪ ،‬دعاني أحد األخوة إلى منزلو لتناوؿ الشاي ‪..‬‬ ‫وفي ذلك المجلس اجتمع معنا قرابة الثالثين من األخوة المغتربين ‪..‬‬ ‫آثرت في البداية أف أستمع وال أتكلم ‪..‬‬ ‫بدأ األخوة أحاديثهم ‪..‬‬ ‫احتالؿ البلد الفالني ‪..‬‬ ‫وغزو البلد اَلخر ‪..‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 21‬‬

‫وغالء األسعار ‪..‬‬ ‫والضرائب ‪..‬‬ ‫وضج الصياح ‪..‬‬ ‫ثم اشت ّد النقاش ‪ ..‬وارتفعت األصوات ‪ّ ..‬‬ ‫سب وتقذيع ‪..‬‬ ‫ثم تحوؿ األمر إلى ّ‬

‫ىذا حالهم ‪ ..‬أما حالي فهو أعجب وأغرب ‪ ..‬ألنني أوؿ األمر ظننت نفسي انتقلت إلى اجتماع ىيئة األمم المتحدة ‪.‬‬

‫تلفت حولي تذكرت أني ال أزاؿ بين ىؤالء األخوة ‪ ..‬فبقيت ىادئاً ‪..‬‬ ‫لكني بعدما ّ‬

‫في البداية خجلت أف آمرىم بالسكوت ‪ ..‬وانتظرت أف تنخفض أصواتهم ‪ ..‬فلم يفعلوا ‪..‬‬

‫التفت إلى الذي بجانبي وقلت ‪ :‬ىل سيطوؿ الحاؿ ىكذا ؟!!‬ ‫فلما طاؿ األمر‬ ‫ّ‬

‫فقاؿ ‪ :‬ما رأيت شيئاً !! ىم اليوـ ىادئوووف !! إف موعدىم الصبح !! أليس الصبح بقريب ؟!!‬ ‫ثم قاؿ ‪ :‬ىل تريد أف أسكتهم ؟‬

‫قلت ‪ :‬ىل تستطيع ذلك ؟!! نعم أسكتهم ‪.‬‬ ‫فصاح بأعلى صوتو ‪ :‬يا جماعة !! نريد أف نستفيد من الشيخ ‪ ،‬يا جماعة !! ىدووووء ‪..‬‬ ‫فخجلوا وبدأ بعضهم يسكت بعضاً ‪..‬‬ ‫فقلت لهم ‪ :‬أسألكم سؤاالً ‪:‬‬

‫الص َم ُد } ؟‬ ‫َح ٌد(ٔ)اللَّوُ َّ‬ ‫كلكم تحفظوف سورة { قُ ْل ُى َو اللَّوُ أ َ‬ ‫قالوا ‪ :‬نعم !!‬

‫الص َم ُد } ؟ فسكتوا !!‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬ما معنى { اللَّوُ َّ‬ ‫)من َش ِّر ما َخلَق(ٕ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب}‬ ‫قلت ‪ :‬كلكم تحفظوف { قُ ْل أَعُوذُ بَِر ِّ‬ ‫ب الْ َفلَ ِق(ٔ ْ َ َ َ‬ ‫)وم ْن َش ِّر غَاس ٍق إذَا َوقَ َ‬ ‫قالوا ‪ :‬نعم !!‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب } ؟ فسكتوا !! ‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬ما معنى { غَاس ٍق إ َذا َوقَ َ‬

‫فقلت ‪ :‬أيها األخوة األخيار !! لو اشتغلتم في مجلسكم ىذا بتفسير آية ‪ ..‬أو قراءة حديث ‪ ..‬أو النقاش حوؿ تربية‬

‫أوالدكم ‪ ..‬أو حل مشاكل بناتكم ‪ ..‬لكاف خيراً لكم مما أنتم فيو ‪..‬‬

‫كم ىي المجالس التي تجلسونها وينطبق عليها قولو صلى اهلل عليو وسلم ‪ (( :‬ما جلس قوـ مجلساً لم يذكروا اهلل فيو ‪ ،‬ولم‬

‫يصلوا على نبيهم ‪ ،‬إال كاف عليهم ترة يعني ‪ ( :‬حسرة وندامة ) فإف شاء عذبهم ‪ ،‬وإف شاء غفر لهم )) ( ‪ ) ٜ‬؟‬

‫وقولو صلى اهلل عليو وسلم ‪ (( :‬ما من قوـ يقوموف من مجلس ال يذكروف اهلل فيو ‪ ،‬إال قاموا عن مثل جيفة حمار وكاف لهم‬

‫حسرة )) ( ٓٔ ) ‪.‬‬

‫)‪(9‬‬

‫رواه الترمذي ‪ ،‬وىو حديث صحيح ‪.‬‬

‫) ‪ ( 10‬رواه أبو داود ‪ ،‬وىو حديث صحيح ‪.‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 21‬‬

‫ثم قلت لهم ‪ :‬ىذا تفسير ابن كثير موجود على الطاولة أمامكم ‪ ،‬فلماذا ال تستفيدوا منو ؟!!‬ ‫كيف تريدوف أف تنصروا ىذا الدين ‪ ،‬وأف تدعوا الناس إليو ‪ ،‬وأنتم تجهلوف المبادئ األساسية من الدين ‪ ،‬لو سألتكم في‬ ‫بعض أحكاـ الصالة ‪ ،‬أو الصياـ لوجدت أكثرىم بها جاىالً ‪ ..‬ثم دعوت لهم وختمت المجلس ‪..‬‬

‫وحدثني أحد الدعاة فقاؿ ‪:‬‬

‫كنت في أمريكا في شهر رمضاف ‪ ،‬وألقيت محاضرة باللغة العربية حوؿ األسرة وتربية‬

‫األوالد ووسائل الثبات على الدين ‪..‬‬

‫وما كادت المحاضرة تنتهي حتى قاـ أحدىم وسأؿ ‪:‬‬ ‫لماذا الحاكم الفالني يفعل كذا وكذا ؟!!‬ ‫فأجبتو بلطف قائالً أرجو أف تكوف األسئلة فيما يتعلق بموضوع المحاضرة ‪..‬‬ ‫فقاـ آخر فقاؿ ‪ :‬لماذا الدولة الفالنية تقاتل دولة كذا ؟!!‬ ‫فاعتذرت عن اإلجابة ألف اإلجابة ال تفيدنا بشيء ‪..‬‬

‫فقاـ أحدىم متحمساً وقد ظن أنني خائف من اإلجابة ‪ ،‬فقاؿ ‪:‬‬

‫يا شيخ !! ال تكن جباناً !! سيد الشهداء ىو الذي يجهر بكلمة الحق عند سلطاف جائر ‪ ..‬فيقتلو ‪ ..‬فاجهر بكلمة الحق‬ ‫وإف وصلت إلى سلطاف فقتلك !! أفال تريد أف تكوف سيد الشهداء ؟!!‬

‫فقلت لو ‪ :‬إذاً ما رأيك أيها األخ الشجاع أف نجمع لك اَلف ثمن تذكرة سفر ‪ ،‬وتعود إلى بلدؾ وتجهر بكلمة الحق عند‬ ‫الرئيس ( ‪ ، ) ...‬ليقتلك فتكوف أوؿ الشهداء !!! ونحن بعدؾ إف شاء اهلل ‪..‬‬

‫فضحك الجميع ‪ ..‬وأغرقوا في الضحك ‪ ..‬ثم ضج المسجد بالكالـ واالعتراضات ‪..‬‬ ‫فصحت بأعلى صوتي قائالً ‪:‬‬

‫يا جماعة !! أنا أحدثكم عن أمور تعيشونها يومياً وتقاسوف آالمها ‪ ،‬وأنتم تشغلونا بأمور لو تكلمنا عنها عشر سنين لما‬

‫استفدنا منها شيئاً ‪..‬‬

‫ثم رفعت صوتي أكثر ‪ ،‬وقلت ‪:‬‬ ‫من منكم يستطيع أف يمنع ابنتو من الزنا ؟؟‬ ‫من منكم يستطيع أف يمنع امرأتو من اتخاذ صديق أو عشيق ؟؟‬ ‫من منكم يستطيع أف يمنع ولده من شرب الخمر ؟؟ أو ارتكاب الفواحش ؟؟‬ ‫من منكم يستطيع أف يلزـ أوالده بالصالة ؟‬ ‫‪ ..‬أو بالصوـ ؟‬ ‫‪ ..‬أو بالعفة عن المحرمات ؟‬ ‫‪ ..‬أو بعدـ االختالط ؟؟ ‪..‬‬ ‫فسكتوا جميعاً ‪..‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 22‬‬

‫فقاـ أحدىم وقاؿ ‪ :‬بصراحة يا شيخ ‪ :‬ال أحػد ‪ ..‬واهلل يا شيخ !! ال أحػد ‪ ..‬لو منعت ابنتي أو ولدي من شيء‬ ‫اشتكاني إلى الشرطة ‪ ..‬حتى زوجتي ‪..‬‬

‫فقلت ‪ :‬أيها األخوة الكراـ ‪:‬‬ ‫لن يسأؿ اهلل أحداً منكم يوـ القيامة عن الحاكم الفالني أو الدولة الفالنية ‪ ..‬وال عن أسعار النفط ‪..‬وأين تصرؼ عائداتو ‪..‬‬ ‫ما ذا يفيدؾ الكالـ في ىذه األمور ما داـ أنو من باب معرفة الواقع المحيط بك ‪ ،‬أما االشتغاؿ بها وإثارتها في المجالس‬

‫والمحافل فهذا غير مناسب ألبداً ‪ ،‬بل ىو مجلبة للجداؿ والخصومات وأنتم في غنى عن ذلك ‪ ..‬لن يضركم الجهل بها‬ ‫يوـ القيامة ‪..‬‬

‫لكن واهلل ليسألن كل منكم يوـ القيامة عن أوالده وتربيتهم ‪ ..‬وبناتو وصيانتهن ‪ ..‬وزوجتو وحفظها ‪ ..‬قاؿ النبي صلى اهلل‬

‫عليو وسلم ‪ (( :‬إف اهلل سائل كل راع عما استرعاه ‪ :‬أحفظ أو ضيع ؟ حتى يسأؿ الرجل عن أىل بيتو ) ( ٔ​ٔ ) ‪.‬‬ ‫قاؿ الشيخ ‪ :‬فلما سمعوا مني ذلك ‪ ..‬أنصتوا ‪ ..‬واستمعوا ‪..‬‬

‫أيها األخ الحبيب ‪:‬‬

‫احرص على طلب العلم ‪ ..‬وتعلم أحكاـ دينك ‪ ..‬بقراءة الكتب النافعة ‪ ،‬واستماع األشرطة المفيدة ‪ ،‬ومجالسة طالب‬ ‫يمر عليك يوـ دوف أف تستفيد فيو فائدة جديدة ‪..‬‬ ‫العلم ‪ ،‬وحضور مجالس الذكر ‪ ..‬احذر أف ّ‬

‫سل نفسك ‪ :‬ىل تتقن القرآف ؟ كم تمضي من الوقت يومياً في قراءة الكتب النافعة وكم تمضي في مشاىدة التلفاز ؟ ثم‬

‫قارف بين الوقتين ‪ ..‬وسل نفسك ‪ ..‬أال يستحق ىذا الدين أف أبذؿ لو أكثر وقتي تعلماً وتعليماً و دعوة ‪..‬‬

‫أيها األخ‬

‫فعاالً ‪ ،‬إذا ُدعيت إلى مجلس فخذ‬ ‫المبارؾ ‪ :‬احرص على ما ينفعك ‪ ،‬واستعن باهلل وال تعجز ‪ ،‬وكن مؤثراً ّ‬

‫معك كتاباً نافعاً ‪ ..‬واقرأ عليهم ولو لمدة عشر دقائق ‪ ..‬عن فضل قياـ الليل ‪ ..‬أو فضل ذكر اهلل تعالى ‪ ..‬أو فضل الصدقة‬ ‫‪ ..‬أو غير ذلك ‪ ..‬ليكوف مجلسكم تحفو المالئكة وتغشاه الرحمة ‪ ..‬ويذكركم اهلل فيمن عنده ‪..‬‬

‫أسأؿ اهلل تعالى أف يجعلك مباركاً أينما كنت ‪ ..‬آمين ‪.‬‬

‫الوصية العاشرة ‪:‬‬

‫إف الفراغ الكثير يؤدي إلى كثير من المفاسد ‪ ..‬من أعظمها ‪ :‬كثرة الكالـ والقيل والقاؿ ‪ ..‬فتجد أف كثيراً من األخوة‬ ‫المغتربين يجتمعوف في مجالس متعددة فيبدأ أحدىم في غيبة اَلخر أو االنتقاص من عرضو ‪ ..‬أو التدخل في شئونو‬

‫الخاصة ‪ ..‬أو تقديم اقتراحات وآراء في أمور شخصية دوف أف يطلب منو ذلك ‪ ..‬وقد يكوف الدافع إلى ذلك أحياناً الغيرة‬

‫‪..‬‬

‫وأحياناً تمتلئ القلوب ضغينة وحقداً ‪ ..‬وبغضاً وحسداً ‪..‬‬ ‫أيها األخ الحبيب ‪:‬‬

‫) ‪ ( 11‬رواه الترمذي وابن حباف واللفظ لو ‪ ،‬وىو حديث صحيح ‪.‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 23‬‬

‫فرقتنا األحقاد‬ ‫نوحد األمة اإلسالمية ونحن لم نستطع أف ّ‬ ‫كيف تريد أف ّ‬ ‫نوحد صفوفنا المسلمة في بلد واحد ؟!! بل ّ‬

‫والخالفات ‪..‬‬

‫إف صفاء النفس وسالمة الصدر على المسلمين عبادة من أعظم العبادات ‪ ،‬بل ىي من صفات أىل الجنة { َونَػ َز ْعنَا َما فِي‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ُ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ين } ‪..‬‬ ‫ص ُدوِرى ْم م ْن غ ٍّل إ ْخ َواناً َعلَى ُس ُرٍر ُمتَػ َقابل َ‬ ‫وما أجمل قولو صلى اهلل عليو وسلم لما سئل ‪ :‬أي الناس أفضل ؟ فقاؿ ‪ (( :‬كل مخموـ القلب صدوؽ اللساف )) قالوا‬ ‫صدوؽ اللساف نعرفو فما مخموـ القلب ‪ .‬قاؿ (( ىو التقي النقي ال إثم فيو وال بغي وال غل وال حسد )) ( ٕٔ ) ‪.‬‬

‫أحسن إلى المسلمين وإف أساءوا إليك ‪ ..‬واحلم عليهم وإف غضبوا عليك ‪ ..‬واجعل صدرؾ واسعاً إلخوانك المسلمين ‪..‬‬

‫وإنما الدنيا أياـ معدودات ‪..‬‬

‫كثير من الناس يستطيع أف يتقرب إلى اهلل تعالى بصالة وصدقة وصياـ ‪ ..‬ولكن قليالً منهم من يستطيع أف يتقرب إلى اهلل‬

‫بصفاء سريرتو على المسلمين ‪ ..‬فاحذر من أف يطلع اهلل تعالى على صدرؾ فيرى فيو غالً وحسداً على المسلمين ‪..‬‬

‫الوصية الحادية عشرة ‪:‬‬ ‫انتبو ‪ ..‬احذر من الزواج من امرأة نصرانية ‪ ..‬نعم قد تقوؿ لي إف ذلك جائز في شريعة اإلسالـ ‪ ..‬فأقوؿ لك نعم ىو جائز‬ ‫‪ ..‬ولكن عند النظر فيما ترتب ويترتب على ىذا الزواج من ضياع األبناء – غالباً – وكثرة الخالفات بين الزوجين ‪ ،‬أو تخلي‬ ‫الزوج عن دينو ‪ ،‬حتى يصل إلى حاؿ يكوف تعلقو باإلسالـ بمجرد االسم فقط ‪ ..‬وال حوؿ وال قوة إال باهلل ‪ ..‬فال صالة ‪..‬‬

‫وال دعوة إلى اهلل ‪ ..‬وال حجاب لزوجتو ‪ ..‬وال محاربة لالختالط ‪ ..‬وال ‪ ..‬وال ‪..‬‬ ‫كل ىذا قد رأيتو بنفسي – واهلل – عند رجاؿ مسلمين أقدموا على الزواج من النصرانيات ثم بعدما ذىبت سكرة الزواج ‪..‬‬ ‫و ّ‬ ‫تسرعو في الزواج من النصرانية ‪..‬‬ ‫وفرحة الحياة الجديدة ‪ ..‬بدأ أحدىم يجني ثمار ّ‬

‫الوصية الثانية عشرة ‪:‬‬ ‫ما ىو مصدر تلقي الدين إليك ؟! ‪ ..‬سؤاؿ مهم ‪ ..‬الحظت أف بعض األخوة المغتربين يتتبعوف الرخص ‪ ..‬ويفرحوف بمن‬ ‫يفتيهم بما يوافق أىواءىم ‪ ..‬بل بعضهم إذا سمع فتوى توافق ىواه ‪ ..‬طار بها فرحاً ومدح المفتي قائالً ‪ :‬ىذا ىو الشيخ‬ ‫العالم ‪ ..‬ىذا ىو الشيخ الذي يفهم الواقع ‪ ..‬ىذا الذي يعيش جراح المسلمين ‪..‬‬

‫) ‪ ( 12‬رواه ابن ماجو ‪ ،‬وىو حديث صحيح ‪.‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 24‬‬

‫يقوؿ ذلك عن الفتوى وإف كانت تخالف الكتاب والسنة ‪ ..‬أو فيها تمييع للدين ‪ ..‬أو تساىل بالنصوص الشرعية ‪ ..‬أو‬ ‫تحايل للبحث عن الرخص واألقواؿ الضعيفة ‪ ..‬فالمهم أنها فتوى ‪ ..‬فتوى !!‪..‬‬

‫أيها المسلم الحبيب ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫إف اهلل سيسألك يوـ القيامة سؤاالً واحداً { ويػوـ يػنَ ِ‬ ‫ين } ‪ ..‬لن يسأؿ عن الشيخ فالف وال‬ ‫ادي ِه ْم فَػيَػ ُق ُ‬ ‫وؿ َما َذا أ َ‬ ‫َ​َْ َ ُ‬ ‫َج ْبتُ ُم ال ُْم ْر َسل َ‬ ‫فالف ‪ ..‬وإنما عن اتباع الكتاب والسنة ‪ ..‬فقط ‪..‬‬

‫أعيد عليك السؤاؿ المهم مرة أخرى ‪ :‬ما ىو مصدر تلقي الدين بالنسبة إليك ؟!‬ ‫ىل كل من لبس جبة أو عمامة وظهر في القنوات الفضائية يكوف مفتياً ‪ ..‬ويصلح أف يكوف مصدراً لتلقي الدين ؟!‬

‫إف المقياس الذي ينبغي أف تحكم بو على الشيخ المفتي ىو أف تكوف فتاواه موافقة للكتاب والسنة ‪ ..‬وال تتبع الهوى‬

‫فيضلك عن سبيل اهلل ‪..‬‬

‫قاؿ الشيخ ‪:‬‬

‫إلي أحدىم وقاؿ ‪ :‬يا شيخ لماذا تشدد في مسألة االختالط ‪ ..‬والشيخ‬ ‫ألقيت محاضرة في أحد المراكز اإلسالمية ‪ ..‬فجاء ّ‬ ‫الدكتور فالف في قناة ( ‪ ) ...‬يقوؿ إف االختالط بين الرجاؿ والنساء جائز في الوالئم والحفالت إذا حسنت النية ‪ ..‬وكاف‬

‫نظر بعضهم إلى بعض بغير شهوة ؟!‬ ‫وألقيت محاضرة في مكاف آخر إلى أحدىم ‪ ..‬وقاؿ ‪ :‬يا شيخ ما حكم الربا ؟‬ ‫قلت ‪ :‬حراـ !! بجميع صوره وأشكالو ‪..‬‬ ‫فقاؿ ‪ :‬إف الشيخ فالف في قناة ( ‪ ) ...‬يقوؿ ‪ :‬إنو ضرورة من ضرورات العصر ‪ ..‬وال بأس بو ‪..‬‬ ‫إلي مستفتياً عن حكم المعازؼ والموسيقى ‪ ..‬ثم قاؿ ‪ :‬قد أفتى الشيخ فالف أنها حالؿ ‪..‬‬ ‫وجاء ّ‬

‫فال تجعل دينك عرضة لكل من أراد أف ينتقصو أو يفسده عليك ‪ ..‬فإنك ستحاسب وحدؾ ‪ ..‬وتسأؿ وحدؾ‬

‫ِ‬ ‫ين }‬ ‫{ م ػَا َذا أ َ‬ ‫َج ْبػتُ ُػم ال ُْم ْػر َسل َ‬

‫الوصية األخيرة ‪:‬‬ ‫مقر ‪ ..‬واسأؿ اهلل تعالى حسن الخاتمة ‪..‬‬ ‫ممر ال ّ‬ ‫اذكر الوقوؼ بين يدي اهلل تعالى واعلم أف ىذه الدنيا دار ّ‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 25‬‬

‫قاؿ صاحبي ‪:‬‬ ‫كنت أدرس الطب في كندا ‪ ،‬وال أنسى أبداً ذلك اليوـ الذي كنت أقوـ فيو بالمرور اليومي على المرضى في غرفة العناية‬

‫المركزة في المستشفى ‪ ،‬ولفت انتباىي اسم المريض الذي في السرير رقم ٖ ‪ ،‬إنو محمد ‪ ...‬أخذت أتفحص وجهو الذي‬ ‫ال تكاد تراه من كثرة األجهزة واألنابيب على فمو وأنفو ‪ ،‬إنو شاب في الخامسة والعشرين من عمره مصاب بمرض ( اإليدز‬

‫) أُخل إلى المستشفى قبل يومين إثر التهاب حا ّد في الرئة ‪ ..‬حالتو خطرة ‪ ..‬جداً ‪ ..‬جداً ‪ ..‬اقتربت منو ‪ ..‬حاولت أف‬

‫علي أمو ‪ ..‬يبدوا‬ ‫أكلمو برفق ‪ :‬محمد ‪ ..‬محمد ‪ ..‬إنو يسمعني لكنو يجيب بكلمات غير مفهومة ‪ ..‬اتصلت ببيتو فردت ّ‬

‫من لكنتها أنها من أصل لبناني ‪ ..‬عرفت منها أف أباه تاجر كبير يمتلك محالت حلويات ‪ ..‬شرحت لألـ حالة ابنها ‪ ،‬وأثناء‬

‫حديثي معها بدأت أجراس اإلنذار تتعالى بشكل مخيف من األجهزة الموصلة بذلك الفتى مؤشرة على ىبوط حا ّد في الدورة‬ ‫الدموية ‪ ،‬ارتبكت في حديثي مع األـ ‪ ..‬صرخت بها ‪ :‬ال ب ّد أف تحضري اَلف ‪ ،‬قالت ‪ :‬أنا مشغولة في عملي وسوؼ‬ ‫أحضر بعد انتهاء الدواـ ‪ ،‬قلت ‪ :‬عندىا ربما يكوف األمر قد فات ‪ ..‬وأغلقت السماعة ‪..‬‬

‫بعد نصف ساعة أخبرتني الممرضة أف أـ الفتى وصلت وتريد مقابلتي ‪ ..‬قابلتها ‪ ..‬امرأة في متوسط العمر ال تبدو عليها‬ ‫مظاىر اإلسالـ ‪ ..‬رأت حالة ابنها فانفجرت باكية ‪ ..‬حاولت تهدئتها وقلت ‪ :‬تعلقي باهلل تعالى واسألي لو الشفاء ‪ ،‬قالت‬ ‫بذىوؿ ‪ :‬أنت مسلم ؟!!‬ ‫قلت ‪ :‬الحمد هلل !! قالت ‪ :‬نحن أيضاً مسلموف ‪،‬‬

‫قلت ‪ :‬حسناً ‪ ..‬لماذا ال تقفين عند رأسو وتقرئين عليو شيئاً من القرآف لعل اهلل أف يخفف عنو ‪..‬‬ ‫ارتبكت األـ ‪ ..‬ثم انخرطت في بكاء مرير ‪..‬‬

‫وقالت ‪ :‬ىاه ! القرآف ؟! ال أعرؼ !! ال أحفظ شيئاً من القرآف !!‬ ‫قلت ‪ :‬كيف تصلين ‪ ..‬أال تحفظين الفاتحة ؟!!‬

‫فغصت بعبراتها وىب تقوؿ ‪ :‬نحن ال نصلي إال في العيد منذ أف أتينا إلى ىذا البلد ‪..‬‬ ‫سألتها عن حاؿ ابنها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬كاف حالو على ما يراـ ‪ ،‬حتى تر ّدت بسبب تلك الفتاة ‪..‬‬

‫قلت ‪ :‬ىل كاف يصلي ؟‬

‫قالت ‪ :‬ال ‪ ،‬لكنو كاف ينوي أف يحج في آخر عمره ( !! ) ‪..‬‬ ‫اقتربت من الفتى المسكين ‪ ..‬إنو يعالج سكرات الموت ‪ ..‬األجهزة‬ ‫بدأت أجهزة اإلنذار ترتفع أصواتها أكثر وأكثر ‪..‬‬ ‫ُ‬

‫تص ّفر بشكل مخيف ‪ ..‬األـ تبكي بصوت مسموع ‪ ..‬الممرضات ينظروف بدىشة ‪ ..‬اقتربت من أذنو وقلت ‪ :‬ال إلو إال اهلل‬

‫إلي ‪ ..‬المسكين يحاوؿ‬ ‫‪ ..‬قل ال إلو إال اهلل ‪ ..‬الفتى ال يستجيب ‪ ..‬قل ال إلو إال اهلل ‪ ..‬إنو يسمعني ‪ ..‬بدأ يفيق وينظر ّ‬

‫بكل جوارحو ‪ ..‬الدموع تسيل من عينيو ‪ ..‬وجهو يتغير إلى السواد ‪ ..‬قل ال إلو إال اهلل ‪ ..‬بدأ يتكلم بصوت متقطع ‪ :‬آه ‪..‬‬ ‫ّ‬

‫آه ‪ ..‬ألم شديد ‪ ..‬آه ‪ ..‬أريد مسكناً لأللم ‪ ..‬آه آه ‪ ..‬بدأت أدافع عبرتي وأتوسل إليو قل ال إلو إال اهلل ‪ ..‬بدأ يحرؾ شفتيو‬ ‫‪ ..‬فرحت ‪ ..‬يا إلهي سيقولها ‪ ..‬سينطقها اَلف ‪ ..‬لكنو قاؿ ‪ ) I cant .. I cant ( :‬أريد صديقتي ‪ ..‬أريد صديقتي ‪..‬‬


‫جلسة ‪ ...‬مع مغترب الشيخ الدكتور ‪/‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬

‫( ‪) 26‬‬

‫ال أستطيع ‪ ..‬ال أستطيع ‪ ..‬األـ تنظر وتبكي ‪ ..‬النبض يتناقص ‪ ..‬يتالشى ‪ ..‬لم أتمالك نفسي ‪ ..‬أخذت أبكي بحرقة ‪..‬‬ ‫أمسكت بيده ‪ ..‬عاودت المحاولة ‪ :‬أرجوؾ قل ال إلو إال اهلل ‪ .‬ال أستطيع ‪ ..‬ال أستطيع ‪ ..‬توقّف النبض ‪ ..‬انقلب وجو‬

‫كل‬ ‫الفتى أسوداً ‪ ..‬ثم مات ‪ ..‬انهارت األـ ‪ ..‬وارتمت على صدره تصرخ ‪ ..‬رأيت ىذا المنظر فلم أتمالك نفسي ‪ ..‬نسيت َّ‬ ‫انفجرات صارخاً باألـ ‪ :‬أنت المسئولة ‪ ..‬أنت وأبوه ‪ ..‬ضيعتم األمانة ضيعكم اهلل ‪ ..‬ضيعتم األمانة‬ ‫األعراؼ الطبية ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ضيعكم اهلل ‪ { ..‬أَـ ح ِس َّ ِ‬ ‫ات أَ ْف نَ ْجعلَهم َكالَّ ِذين آمنُوا و َع ِملُوا َّ ِ ِ‬ ‫السيِّئَ ِ‬ ‫اى ْم َوَم َماتُػ ُه ْم‬ ‫اجتَػ َر ُحوا َّ‬ ‫اء َم ْحيَ ُ‬ ‫ين ْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫الصال َحات َس َو ً‬ ‫ب الذ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫اء َما يَ ْح ُك ُمو َف } ‪..‬‬ ‫َس َ‬

‫أخي المغترب ‪:‬‬

‫تأمل في حاؿ ىذا المسكين ‪ ..‬وماذا لو كاف ولدؾ أو ابنتك ‪ ..‬أو أخوؾ ‪ ..‬أو أنت ‪ ..‬نعم أنت فاحرص على طاعة اهلل‬ ‫َّ ِ‬ ‫آمنُوا اتَّػ ُقوا اللَّوَ َح َّق تُػ َقاتِ​ِو َوال تَ ُموتُ َّن إَِّال َوأَنْػتُ ْم ُم ْس ِل ُمو َف } ‪..‬‬ ‫ين َ‬ ‫تعالى { يَا أَيػُّ َها الذ َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ب‬ ‫ين يَػ ُقولُو َف َربَّػنَا َى ْ‬ ‫الجأ إلى اهلل تعالى في جميع أحوالك وسلو العوف والتوفيق في كل أعمالك ‪ ..‬سلو صالح الذرية { َوالذ َ‬ ‫لَنَا ِمن أَ ْزو ِ‬ ‫اجنَا َوذُ ِّريَّاتِنَا قُػ َّرةَ أَ ْعيُ ٍن }‪..‬‬ ‫ْ َ‬ ‫وسلو الثبات على الدين والنجاة من الفتن { اتَّػ ُقوا اللَّوَ َح َّق تُػ َقاتِ​ِو َوال تَ ُموتُ َّن إَِّال َوأَنْػتُ ْم ُم ْس ِل ُمو َف }‪..‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫آمنُوا اذْ ُك ُروا اللَّوَ ِذ ْكراً َكثِيراً } ‪ ..‬واستشعر مراقبتو إف دعتك‬ ‫ين َ‬ ‫احرص على ذكر اهلل تعالى في جميع أحوالك { يَا أَيُّػ َها الذ َ‬ ‫النفس إلى معصية واعلم أنو يراؾ ويراقبك ‪..‬‬ ‫سر ‪ ..‬أو دعوة ونصح‬ ‫وجل عالقة خفية ‪ ..‬من قياـ ليل ‪ ..‬أو صياـ ‪ ..‬أو صدقة ّ‬ ‫ومجمل القوؿ ‪ :‬اجعل بينك وبين ربك عز ّ‬

‫للناس ‪ ..‬فإف من تعرؼ إلى اهلل في الرخاء عرفو في الشدة ‪..‬‬ ‫أسأؿ اهلل أف يحفظك ويوفقك ‪..‬‬ ‫وختاماً ‪ :‬أيها األخ الحبيب ‪ ..‬أيها المسلم المغترب ‪..‬‬

‫ىذه وصايا استخرجتها لك من مكنوف نصحي ‪ ..‬سكبت فيها روحي ‪ ..‬وصدقتك فيها النصح والتوجيو ‪..‬‬

‫فال يكن نصيبي منك أقل من دعوة لي بظهر الغيب تستنزؿ بها الرحمات لي ولك من أرحم الراحمين ‪..‬‬ ‫والسالـ عليكم ورحمة اهلل وبركاتو‬ ‫محبك ‪ :‬محمد بن عبدالرحمن العريفي‬ ‫عضو ىيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض‬ ‫عضو لجنة أوربا في مؤسسة الحرمين الخيرية‬ ‫ٔ‪ٕٔٗٓ/ٕ/‬ىػ الموافق ٗ‪ٕٓ​ٓ​ٓ/٘/‬ـ‬ ‫ص‪.‬ب ‪ – ٜٔ٘ٔ٘ٚ :‬الرياض ‪ٔ​ٔٚ​ٚ٘ :‬‬ ‫البريد األلكتروني ‪areefe@usa.net :‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.