www.aljebaan.com
اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﻟﻰ
ه١٤٣٣ - ﺷﻮال www.aljebaan.com
٤
٥
٦
اﻟﺤﻤـ ــﺪ ﷲ رب اﻟﻌـ ــﺎﻟﻤﻴﻦ ،واﻟﺼـ ــﻼة واﻟﺴـ ــﻼم ﻋﻠـ ــﻰ رﺳﻮل اﷲ وﻋﻠﻰ آﻟﻪ وﺻﺤﺒﻪ أﺟﻤﻌﻴﻦ وﺑﻌﺪ: ﻓــﺈن اﷲ ﺧﻠــﻖ ﺟﻤﻴــﻊ ﺧﻠﻘــﻪ ،وأﻋﻄــﻰ ﻛــﻞ ﺷــﻲء ﺧﻠﻘﻪ ﺛﻢ ﻫـﺪى ،وﻣـﻦ ﻛﻤـﺎل ﺧﻠـﻖ اﷲ ﻟﻺﻧﺴـﺎن أن ﺟﻌـﻞ ﻟــﻪ ﻋﻘــﻼً ﻳﻌــﻲ ﺑــﻪ ،وﻗــﺪرة وإرادة ﻻ ﺗﺨــﺮج ﻫــﺬﻩ اﻟﻘــﺪرة واﻹرادة ﻋﻦ إرادة اﻟﺤﻲ اﻟﻘﻴﻮم. وﻋﻨ ــﺪ إدراك ﻧﻌﻤ ــﺔ اﷲ ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻌﺒ ــﺪ ﻣـ ـﻦ إﺣﺴ ــﺎﻧﻪ ﻟ ــﻪ ﺗﺼــﻮﻳﺮﻩ ،وإﺗﻤﺎﻣــﻪ ﻟــﻪ ﻓــﻲ ﻋﻘﻠــﻪ ،وﺗﻘﻮﻳﻤــﻪ ﻟــﻪ ﻓــﻲ ذاﺗــﻪ، وﺧﻠﻘﻪ ﻓﻲ أﺣﺴﻦ ﺗﻘﻮﻳﻢ ،ﻓﺈﻧـﻪ ﻳـﺪرك أن ﻫـﺬﻩ اﻟـﻨﱢﻌﻢ ﻻﺑـﺪ ﻣﻦ ﺷـﻜﺮ اﷲ ﻋﻠﻴﻬـﺎ ،وﻣـﻦ ﺷـﻜﺮ اﷲ ﻋﻠﻴﻬـﺎ ﺻـﺮﻓﻬﺎ ﻓﻴﻤـﺎ ﻳﺮﺿﻰ اﷲ ﻣﻦ اﻷﻗﻮال واﻷﻓﻌﺎل واﻟﻤﻘﺎﺻﺪ. ٧
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ واﻗﻊ اﻷﻣﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎً ،وﻓﻲ واﻗﻌﻨـﺎ
ﺧﺼﻮﺻ ـﺎً ﻛﻨــﺖ أﻗــﻮل ﻟﻤــﺎذا ﻫــﺬا اﻟﻀــﻌﻒ اﻟﻮاﺿــﺢ ﻓــﻲ ﺟﻤﻴ ــﻊ ﻣﺸ ــﺎرﻳﻊ اﻷﻣ ــﺔ ﺳ ــﻮاء ً اﻟﺴﻴﺎﺳ ــﻴﺔ ،أو اﻟﻌﻠﻤﻴ ــﺔ ،أو اﻟﺪﻋﻮﻳﺔ ،أو اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،أو اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ؟! ﻓﺘﻮﺻﻠﺖ إﻟﻰ أن اﻷﻣـﺔ ﻻ ﻳﻨﻘﺼــﻬﺎ أﻋــﺪاد ﺑﺸـﺮﻳﺔ ،وﻻ ﻣــﻮارد ﻣﺎﻟﻴــﺔ ،وﻻ ﻣﺴ ـ ــﺎﺣﺎت أرﺿ ـ ــﻴﺔ ،وﻻ ﻋﻘ ـ ــﻮل ﻓﻜﺮﻳ ـ ــﺔ ،وﻻ إﻣﻜﺎﻧ ـ ــﺎت ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ،إﻧﻤﺎ ﻳﻨﻘﺼﻬﺎ :اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻄﺎﻗﺎت ،واﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ. إﻧــﻚ ﻋﻨــﺪﻣﺎ ﺗﻨﻈــﺮ ﻓــﻲ أﺣــﻮال اﻷﻣــﺔ ﻓــﻲ ﻫــﺬﻩ اﻷﻳــﺎم أن اﻷﻣـ ــﺔ ﺗﻌـ ــﻴﺶ أزﻣـ ــﺔ ﻟﺘـ ــﺪرك ﺑﻌـ ــﻴﻦ اﻟﺒﺼـ ــﺮ واﻟﺒﺼـ ــﻴﺮة ﱠ ﻃﺎﻗـﺎت ﻣﻬـﺪرة ،وﺟﻬـﻮد ﻣﺒﻌﺜــﺮة ،وﻓﻮﺿـﻮﻳﺔ ﻋﺎرﻣـﺔ،ﺳــﻮاء ً ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﻌﻠﻴﺎ ،أو اﻟﺸﻌﻮب ،أو اﻷﻓﺮاد.
٨
إن اﻟﺤــﺪﻳﺚ ﻋــﻦ ﻃﺎﻗــﺎت اﻷﻣــﺔ ،وﻋﻤــﺎ ﺗﻤﺘﻠﻜــﻪ ﻣــﻦ
إﻣﻜﺎﻧــﺎت ﻟﻬــﻮ ﻏﺎﻳــﺔ ﻓــﻲ اﻷﻫﻤﻴــﺔ ،ﻛﻴــﻒ ﻻ؟! وﻧﺤــﻦ أﻣــﺔ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻤﻞ ،واﻟﻔﻘﻪ واﻟﻨﻀﺞ ،واﻟﺘﻘـﺪم واﻟﺮﻗـﻲ ،واﻟﺒـﺮوز واﻟﺤﻀﺎرة. أﻣﺘﻨــﺎ ﻫــﻲ أﻣــﺔ ﻣﺘﺒﻮﻋــﺔ ﻻ ﺗﺎﺑﻌــﺔ ،ﻣﺘﻘﺪﻣــﺔ ﻻ ﻣﺘﺨﻠﻔــﺔ، ﺳ ـ ـﺒﱠﺎﻗﺔ ﻟﻠﻤﻌـ ــﺎﻟﻲ ،أﻣﺘﻨـ ــﺎ ﻟـ ــﻴﺲ ﻣﻮﺿـ ــﻌﻬﺎ اﻟﺴـ ــﺎﻗﺔ ،إﻧﻤـ ــﺎ ﻣﻮﺿـﻌﻬﺎ اﻟﻤﻘﺪﻣــﺔ؛ ﻟﻜـﻦ ﻟﻤــﺎ ﺣ ﱠـﻞ ﺑﺎﻷﻣــﺔ اﻟﻀـﻌﻒ اﻟﻌــﺎم، واﻟﺘﺨﻠـ ــﻲ ﻋـ ــﻦ ﺑﻌـ ــﺾ ﺛﻮاﺑﺘﻬـ ــﺎ ،وﺗﻤﻜـ ــﻴﻦ اﻟﺴـ ــﻔﻬﺎء ﻣـ ــﻦ اﻟﺘﺴﻠﻂ واﻟﻌﺒﺚ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺜﻮاﺑﺖ ﻛﺎن ﻟـﻪ اﻷﺛـﺮ اﻟﺴـﻴﺊ ﻓـﻲ ﺗﺨﻠﻒ اﻷﻣﺔ ،وﻛﺜﺮة ﺗﻌﺜﺮﻫﺎ ،وﻗﻠﺔ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ. إن ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع -ﺣﻘﻴﻘﺔ -اﻷﺻﻞ ﻓﻴﻪأن ﻳ ُ ﻨـﺎﻗﺶ ﻓ ــﻲ ﻣﺮاﻛ ــﺰ اﻟﺪراﺳ ــﺎت واﻟﺒﺤ ــﻮث ،واﻟﻤﺠ ــﺎﻣﻊ اﻟﻌﻠﻤﻴ ــﺔ،
٩
واﻟﻤﻨﺘــﺪﻳﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ،وﻏﻴﺮﻫــﺎ ﻣﻤــﻦ ﻳﺴﺘﺸــﻌﺮ ﻣﺜــﻞ ﻫــﺬا
اﻷﻣﺮ اﻟﻤﻬﻢ ،واﻟﺨﻄﻴﺮ أﻳﻀﺎً. وﻟﻌﻞ ﻫﺬﻩ اﻟﻤﻘﺎﻟﺔ ﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ إﺷـﺎرة -ﻟﻄﻴﻔـﺔ -ﻟﻬـﺬا ـﺖ إﻟﻴ ــﻪ أﻫ ــﻞ اﻟﺘﺨﺼـ ــﺺ ْﺘَﻔ ـ َ اﻷﻣ ــﺮ اﻟﻤﻬ ــﻢ اﻟﺨﻄﻴ ــﺮ ،ﻟَِﻴـﻠ ِ واﻟﺨﺒــﺮة ،وأﻫــﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓــﺔ واﻟﻨﻈــﺮ ،ﻟﻴﻮﻟــﻮﻩ أﻫﻤﻴــﺔ ﻗﺼــﻮى، وﻳﺴﻌﻮا ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻣﺎ ﺗﻢ ﺑﻨﺎؤﻩ ،وﻋﻼج ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻼﺟﻪ. وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺮض -اﻟﻘﺼـﻴﺮ -ﺳﺄﺳـﻠﻂ اﻟﻀـﻮء ﻋﻠـﻰ اﻟﻄﺎﻗ ــﺎت اﻟﻤﻬـ ــﺪرة ﻟـ ــﺪى اﻷﻓـ ـﺮاد ،ﻣـ ــﻦ ﺣﻴـ ــﺚ أﺳـ ــﺒﺎﺑﻬﺎ وﻣﺴ ــﺒﺒﺎﺗﻬﺎ ،وأﺷ ــﺎرك ﺑﻌ ــﺪ ذﻟ ــﻚ ﻓ ــﻲ ﻋﻼﺟﻬ ــﺎ ﺑﺈﺷ ــﺎرات ﻟﻄﻴﻔﺔ وذﻟﻚ ﺿﻤﻦ ﻃﺮح اﻷﺳﺒﺎب ،ﻓﺄﻗﻮل ﻣﺴﺘﻌﻴﻨﺎ ﺑـﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻣﺴﺘﻤﺪاً اﻟﻌﻮن ﻣﻨﻪ :
١٠
إن ﺿــﻌﻒ اﻟﺘﺮﺑﻴــﺔ اﻟﺘــﻲ ﻳﺘﻠﻘﻬــﺎ اﻟﻔــﺮد ﻫــﻮ ﻣــﻦ أﻋﻈــﻢ اﻷﺳــﺒﺎب اﻟﺘ ـﻲ ﺗــﺆﺛﺮ ﺳ ــﻠﺒﺎً ﻋﻠﻴــﻪ ،ﻓﻴﻨــﺘﺞ ﻋﻨﻬــﺎ ﺳ ــﻠﺒﻴﺎت ﻛﺜﻴــﺮة ﻣــﻦ أﻫﻤﻬــﺎ اﻟﻬــﺪر اﻟﻮاﺿــﺢ ﻟﻄﺎﻗﺘــﻪ اﻟﺘــﻲ ﻳﻨﺒﻐــﻲ أن ﺗﺴــﺘﺜﻤﺮ ﻓﻴﻤــﺎ ﻳﻌــﻮد ﻋﻠﻴــﻪ ﺑــﺎﻟﻨﻔﻊ؛ ﻟــﺬﻟﻚ ﻳﺠــﺐ ﻋﻠﻴﻨــﺎ أن ﻧﺮاﺟ ــﻊ ﻣﻨﺎﻫﺠﻨ ــﺎ اﻟﺘﺮﺑﻮﻳ ــﺔ ،وأﺳ ــﺎﻟﻴﺒﻨﺎ ﻓ ــﻲ ﺗﺮﺑﻴ ــﺔ اﻷﻓـ ـﺮاد وﺗﻮﺟﻴﻬﻬﻢ اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ اﻟﺴﻠﻴﻢ. وﻟﻌــﻞ ﻣــﻦ اﻟﺒ ـﺮاﻣﺞ اﻟﻨﺎﺿــﺠﺔ اﻟﻨﺎﺟﺤــﺔ اﻟﺘــﻲ ﺳــﺎﻫﻤﺖ وﺑﺸ ـﻜﻞ ﺟﻴــﺪ ﻟﺤــﻞ ﻣﺜــﻞ ﻫــﺬﻩ اﻷزﻣــﺔ اﻟﻌﻤﻴﻘــﺔ ﻣــﺎ ﺗﺒﻨﺘــﻪ ﻣﺆﺳﺴ ــﺔ اﻟﻤﺮﺑ ــﻲ -ﻣﺸ ــﻜﻮرةً -ﻓ ــﻲ إﺻ ــﺪارﻫﺎ ﻟﻜﺘ ــﺎب: " ﻧﻤﺎء " اﻟﺬي ﻳﻬﺘﻢ ﺑﺘﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﺶء ﻣﻦ اﻟﻮﻻدة إﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ١١
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،واﻻﻫﺘﻤـﺎم ﺑﺠﻤﻴـﻊ اﻟﻨـﻮاﺣﻲ اﻟﺘﺮﺑﻮﻳـﺔ ،واﻟﻌﻠﻤﻴـﺔ، واﻟﻨﻔﺴــﻴﺔ ،واﻟﺴ ــﻠﻮﻛﻴﺔ ﻟﻤﻌﺎﻟﺠ ــﺔ ﻫــﺬا اﻟﻀ ــﻌﻒ اﻟﺘﺮﺑ ــﻮي، ﻓﻴﻘ ـ ــﺪم ﻣﻨﻬﺠـ ـ ــﺎً ﻣﺪروﺳ ـ ــﺎً ﻟﺒﻨـ ـ ــﺎء اﻟﺸﺨﺼ ـ ــﻴﺔ اﻟﻤﺴـ ـ ــﻠﻤﺔ اﻟﻨﺎﺿﺠﺔ اﻟﻤﺘﻜﺎﻣﻠﺔ.
إن اﻟﺒﻴﺌ ــﺔ اﻟﻀـ ــﻌﻴﻔﺔ اﻟﻬﺸـ ــﺔ ﻻ ﺗﺨـ ــﺮج إﻻ ﻣﺨﺮﺟـ ــﺎت ﺿـ ــﻌﻴﻔﺔ ﻫﺸـ ــﺔ ،ﻻ ﺗﻨﻔـ ــﻊ ﻧﻔﺴـ ــﻬﺎ ،وﻻ ﺗﻨﻔـ ــﻊ ﻣﺠﺘﻤﻌﻬـ ــﺎ، وﻟـﺬﻟﻚ اﻻﻫﺘﻤــﺎم ﺑﺎﻟﺒﻴﺌـﺎت اﻟﻨﺎﺿــﺠﺔ ،واﻟﻨﺎﺟﺤـﺔ ﻫــﻲ ﻣــﻦ اﻷﺳ ــﺒﺎب اﻟﻤﻬﻤ ــﺔ ﻟﺤﻔ ــﻆ اﻟﻄﺎﻗ ــﺎت وﺗﻮﺟﻴﻬﻬ ــﺎ اﻟﺘﻮﺟﻴ ــﻪ اﻟﺴــﻠﻴﻢ ،ﻟــﺬﻟﻚ ﻋﻠــﻰ اﻟﻔــﺮد أن ﻳﻨﻈــﺮ إﻟــﻰ اﻟﺒﻴﺌــﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴــﺔ، واﻟﺒﻴﺌــﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠــﺔ ﻓﻴﺠــﺎﻟﺲ أﻫﻠﻬــﺎ ،وﻳﺨ ـﺎﻟﻂ أﻓﺮادﻫــﺎ ﻟﻜــﻲ ﻳﺮﺗﻘﻲ ﺑﺬاﺗﻪ ،وﻳﻨﺠﺢ ﻓﻲ ﺗﻮﻇﻴﻒ ﻃﺎﻗﺎﺗﻪ. ١٢
إن ﺳــﻮء اﻟﻘﺼــﺪ ﻣــﻦ أﻋﻈــﻢ اﻷﺳــﺒﺎب اﻟﻤﺬﻫﺒــﺔ ﻟﺒﺮﻛــﺔ اﻟﻌﻤــﺮ ،واﻟﻤﻬــﺪرة ﻟﺠﻬــﺪ اﻟﻌﺒــﺪ ،ﺑــﻞ ﺣﻴﺎﺗــﻪ ﻛﻠﻬــﺎ ﺗﻀــﻴﻊ ﻫﺪراً ،وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن اﻟﺴﻠﻒ ﻳﺤﺮﺻﻮن أﺷـﺪ اﻟﺤـﺮص ﻋﻠـﻰ ﻧﻴ ــﺎﺗﻬﻢ ،وﺧﻠ ــﻮص أﻋﻤ ــﺎﻟﻬﻢ ﷲ ﺗﻌ ــﺎﻟﻰ ،ﻓﺂﺗ ــﺖ ﺟﻬ ــﻮدﻫﻢ ﺛﻤﺎرﻫ ــﺎ ،وﺑﻠ ــﻎ ﺳ ــﻌﻴﻬﻢ ﺗﻤ ــﺎم ﺑﻨﻴﺎﻧ ــﻪ ،وﺣﺴ ــﻦ ﻓ ــﻲ اﻟﻨ ــﺎس ذﻛــﺮﻫﻢ ،وﻛﺜــﺮة ﺑﺮﻛــﺔ ﻋﻠﻤﻬــﻢ؛ وﻟــﺬﻟﻚ ﻣــﻦ ﺣﺴــﻨﺖ ﻧﻴﺘــﻪ ﺑﻠﻎ ﻣﻘﺼﺪﻩ ،وﻣﻦ ﺳﺎءت ﻧﻴﺘﻪ ُﺣَﺮِم اﻟﻮﺻـﻮل وﻟـﻮ وﺻـﻞ، ورد ﻋـ ــﻦ اﻟﺤﺴـ ــﻦ اﻟﺒﺼـ ــﺮي -رﺣﻤـ ــﻪ اﷲ ﺗﻌـ ــﺎﻟﻰ – أﻧـ ــﻪ ﻗ ــﺎل):رﺣـ ــﻢ اﷲ ﻋﺒـ ــﺪاً وﻗـ ــﻒ ﻋﻨ ــﺪ ﻫﻤـ ــﻪ ،ﻓـ ــﺈن ﻛـ ــﺎن ﷲ
١٣
أﻣﻀــﺎﻩ ،وإن ﻛــﺎن ﻟﻐﻴــﺮﻩ ﺗــﺄﺧﺮ( ،ﻓﺘﺄﻣــﻞ ﺟﻴـًـﺪا ﻓــﻲ ﻫــﺬا )(١
اﻟﻔﻘﻪ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻹﻣﺎم اﻟﻤﺴﺪد.
أﺣﻴﺎﻧــﺎً ﻳﻜــﻮن ﻋﻨــﺪ اﻟﻔــﺮد ﻃﺎﻗــﺔ ،وﻳﻤﻠــﻚ ﻗــﺪرة ﻋﻠــﻰ اﻟﺘﺤـﺮك واﻟﺘﻔﻜﻴـﺮ ﻟﻜﻨــﻪ ﻳ ُ ﺒﺘﻠـﻰ ﺑﻤﻮﺟــﻪ ﺿـﻌﻴﻒ ،ﻻ ﻳﻤﻠــﻚ اﻷﻫﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻴﻪ ذاﺗﻪ أﺻﻼً ،ﺛﻢ ﻳﺘﺴﻠﻂ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺗﺤـﺖ ﻳــﺪﻩ ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻴــﻪ ،ﻓﻴــﺆﺛﺮ ذﻟــﻚ ﺳــﻠﺒﺎً ﻋﻠــﻰ اﻟﻔــﺮد ﻣﻤــﺎ ﻳﻔُﻘــﺪﻩ ﺑﻌ ــﺪ ذﻟ ــﻚ اﻟﻨﺠ ــﺎح اﻟﻤﺮﺟ ــﻮ ﻣﻨ ــﻪ ،أو ﻳﻜ ــﻮن ﻟ ــﻪ إﻧﺘﺎﺟﻴ ــﺔ ﻟﻜﻨﻬــﺎ ﺿــﻌﻴﻔﺔ ﻟﻴﺴــﺖ ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎ وﻫﺒــﻪ اﷲ ﻣــﻦ اﻟــﻨﻌﻢ؛ وﺑﻨــﺎء ً ﻋﻠﻴــﻪ ﻓــﺈن ﻋﻠــﻰ اﻟﻔــﺮد أن ﻳــﺪرس ﺻــﻔﺎت اﻟﻤﺮﺑ ــﻲ اﻟﻨ ــﺎﺟﺢ ،ﺛ ــﻢ ﻳﻘ ــﻴﺲ ذﻟ ــﻚ اﻟﻤﻮﺟ ــﻪ واﻟﻤﺮﺑ ــﻲ ﻋﻠ ــﻰ ﺗﻠـ ـﻚ ) (١أﺧﺮﺟـ ــﻪ اﺑـ ــﻦ أﺑـ ــﻲ ﺷـ ــﻴﺒﺔ ﻓـ ــﻲ اﻟﻤﺼـ ــﻨﻒ) ،(٤٩٨/١٣واﻟﺒﻴﻬﻘـ ــﻲ ﻓـ ــﻲ ﺷ ـ ـﻌﺐ اﻹﻳﻤﺎن).(٤١١/٩
١٤
اﻟﺼــﻔﺎت وﻣ ــﻦ ﺧ ــﻼل اﻟﺘﺄﻣــﻞ ﻳﻈﻬ ــﺮ ﻟ ــﻪ ﺟﻠﻴــﺎً ﻫ ــﻞ ﻫ ــﺬا
اﻟﻤﺮﺑــﻲ ،أو اﻟﻤﻮﺟــﻪ ﻣﻮﺟــﻪ ﻣﻨﺎﺳــﺐ ،أو ﻳﺤﺘــﺎج إﻟــﻰ ﺗﻮﺟﻴــﻪ ﻏﻴﺮﻩ ،وﻣﻨﺎﺻﺤﺔ ﺳﻮاﻩ.
إن ﻗﻠــﺔ اﻟﺨﺒــﺮة ﻣﻤــﺎ ﻳﻔــﻮت ﻋﻠــﻰ اﻹﻧﺴــﺎن ﻛﺜﻴـًـﺮا ﻣــﻦ اﻟﻔــﺮص ،وﻳــﺆﺧﺮ ﻛﺜﻴـًـﺮا ﻣــﻦ اﻟﻨﺠﺎﺣــﺎت ،وﻟــﺬﻟﻚ ﻓﻴﻨﺒﻐــﻲ ﻟﻠﻔ ــﺮد أن ﻳﻬ ــﺘﻢ ﺑ ــﺎﻟﺨﺒﺮات اﻟﺴ ــﺎﺑﻘﺔ ﻟ ــﻪ ﻓ ــﻲ أي ﻣﺠ ــﺎل، ﻓﺎﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺮات اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﻘﻮﻣﺎت اﻟﻌﻤﻞ ،ﺣﻴﺚ اﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠـﻰ أدوات اﻟﻌﻤـﻞ ﻟـﺪى اﻟﻤﺘﻘـﺪم ﻟـﻪ ﻳـﻮﻓﺮ ﻋﻠﻴــﻪ اﻟﻜﺜﻴــﺮ ﻣــﻦ اﻟﺠﻬــﺪ واﻟﻮﻗــﺖ ،وﻳﺴــﺎﻋﺪ ﻓــﻲ اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﺴﺮﻳﻊ ،واﻟﻨﺠـﺎح اﻟﻤﺴـﺘﻤﺮ ،ﻓـﺎﻟﺨﺒﺮات ﻣﺘﺮاﺑﻄـﺔ ﻣﺘﺮاﻛﻤﺔ ،ﻓﻴﺤﺮص ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻤﻦ ﺳﺒﻖ ﻟﻴﺴﺒﻖ.
١٥
إن ﺟﻠﺪ اﻟﺬات ،واﺣﺘﻘﺎر اﻟﺸﺨﺺ ﻟﻨﻔﺴـﻪ ﻣﻨﻬـﻲ ﻋﻨـﻪ ﺷــﺮﻋﺎً ،ﻛﻤــﺎ أن اﻟﻐــﺮور واﻟﻌﺠــﺐ ﻣﻨﻬــﻲ ﻋﻨــﻪ ،وﻟــﻴﺲ ﻫــﺬا ﻣـﻮﻃﻦ ﺗﺤﺮﻳــﺮ ﻫـﺬﻩ اﻟﻤﺴــﺄﻟﺔ ﻟﻜــﻦ ﻧﺮﻳـﺪ أن ﻧﻘــﺮر أن ﻛﺜﻴـﺮاً ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻗﺎت أﻫﺪرت ﺑﺴﺒﺐ ﺟﻠﺪ اﻟﻔـﺮد ﻟﺬاﺗـﻪ ،واﺣﺘﻘـﺎرﻩ ﻟﻨﻔﺴــﻪ ،ﻓﻜــﻢ ﻧﺴــﻤﻊ ﻣــﻦ ﻋﺒــﺎرات ﻓﻴﻬــﺎ ﺳــﺐ وﻧﻘــﺪ ﻻذع ﻣــﻦ ﺑﻌــﺾ اﻷﺷــﺨﺎص ﻟــﺬواﺗﻬﻢ ،وﻗــﺪ ﻳﻨﻜــﺮون ﻓﻀــﻞ اﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻧﻌﻤﻪ اﻟﻮاﻓﺮة ﻟﺪﻳﻬﻢ. ﻧﺤــﻦ ﻳﺠــﺐ أن ﻧﻔــﺮق ﺑــﻴﻦ ﺟﻠــﺪ اﻟــﺬات ،وﺑــﻴﻦ ﻧﻘــﺪ وﺗﻘﻮﻳﻢ اﻟﺬات ،ﻓﺎﻷول :ﻣﺬﻣﻮم ،واﻟﺜـﺎﻧﻲ :ﻣﺤﻤـﻮد ،وﻫـﻮ اﻟﺬي ﻧﺮﻳﺪ.
١٦
وﻫﻨـﺎ أرﻳـﺪ أن أﻗـﺮر ﺣﻘﻴﻘـﺔ وﻫـﻲ :أﻧـﻪ ﻻ ﻳﻮﺟـﺪ إﻧﺴــﺎن
ﺧﻠﻘ ــﻪ اﷲ ﻻ ﻳ ُﺤﺴ ــﻦ ﺷ ــﻴﺌﺎً ،ﺑ ــﻞ ﻛ ــﻞ إﻧﺴ ــﺎن ﻋﻠ ــﻰ ﻫ ــﺬﻩ اﻟﺒﺴــﻴﻄﺔ ﻗــﺪ ﺧﻠﻘــﻪ اﷲ ﻓــﻲ أﺣﺴــﻦ ﺗﻘــﻮﻳﻢ ،وﻫﻴــﺊ ﻟــﻪ ﻣــﻦ اﻷﺳﺒﺎب ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺤﺴﻦ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء ،ﻟﻜﻦ ﺑﻌـﺾ اﻟﻨـﺎس ﻗـﺪ ﻳﺠﺤـﺪ ﻧﻌﻤــﺔ اﷲ ﻋﻠﻴـﻪ ﺳـﻮاء ً ﺑﺠﻬﻠـﻪ ،أو ﺑﻌــﺪم رﺿﺎﻩ ﺑﻤﺎ ﻗﻀﺎﻩ اﷲ وﻗﺪرﻩ. وﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻔﺮد ﻳﺤﺘﻘﺮ ذاﺗﻪ أﻧﻪ ﻗـﺪ ﻳـﺮى ﻏﻴـﺮﻩ ﻣﻤـﻦ أﻧﻌــﻢ اﷲ ﻋﻠــﻴﻬﻢ ﺑــﻨﻌﻢ أﻛﺜــﺮ ﻣﻨ ـﻪ ،وﻳﺴــﺮ ﻟﻬــﻢ أﺳــﺒﺎﺑﺎً ﻟــﻢ ﺗﺘﻴﺴﺮ ﻟﻪ ﻓﻴﺤﻤﻠﻪ اﻟﺨﻮر واﻟﻌﺠﺰ ،واﻟﻀـﻌﻒ واﻟﺠـﺒﻦ إﻟـﻰ اﻻﻋﺘـﺮاض ﻋﻠــﻰ ﻗﻀــﺎء اﷲ وﻗــﺪرﻩ ،ﻓﻴــﻨﻌﻜﺲ ذﻟــﻚ ﻋﻠﻴــﻪ ﺳﻠﺒﺎً ﻣﻤﺎ ﻳﺆدي ﺑـﻪ إﻟـﻰ أن ﻳﺘـﺮك اﻟﻌﻤـﻞ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴـﺔ ،وﻟـﺬﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﻳﺘﺄﻣﻞ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻗﻮﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ :
١٧
ﻟِﻤ ــﺎ ُﺧﻠِ ـ ـ َـﻖ ﻴَﺴـ ـٌـﺮ َ اﻋْﻤﻮاﻠُ ـ ـﻓَ ُﻜ ــﻞﱞ ُﻣ ﱠ ]اﻟﻠﻴـــﻞ ،[٤:وﻗﻮﻟ ــﻪ َ »: ﻟَــﻪُ« ،ﻳــﻮﻗﻦ أﻧــﻪ ﻳﺠــﺐ ﻋﻠﻴــﻪ أن ﻳﻌﻤــﻞ ،وأن ﻳﺴــﺘﻐﻞ ﻣــﺎ )(١
أﻧﻌﻢ اﷲ ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﻌﻢ ﻟﻴﺸﻜﺮ اﷲ ﻋﻠﻴﻬﺎ. وﻟﺬﻟﻚ ﺟﺎء ﻓـﻲ دﻋـﺎء اﻟﻘﻨـﻮت اﻟـﺬي ﻋﻠﻤـﻪ اﻟﻨﺒـﻲ ﻟﻠﺤﺴــﻦ ﺑــﻦ ﻋﻠــﻲ -رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﻤــﺎ :َ -وﺑ»َ ــﺎرِْك ﻟَﻨَ ــﺎ ـﺖ « ؛ ﻓﻜـﻞ إﻧﺴــﺎنﻋأﻄـﺎﻩ اﷲ ﻋﻄـﺎء ً ﻓﻌﻠﻴــﻪ ﻓِ َﻴﻤـﺎ أ َْﻋﻄَْﻴ َ )(٢
أن ﻳـ ــﺪﻋﻮ اﷲ أن ﻳﺒـ ــﺎرك ﻟـ ــﻪ ﻓﻴـ ــﻪ ،ﻓﻠﻴﺴـ ــﺖ اﻟﻌﺒـ ــﺮة ﺑﺎﻟﻜﺜﺮة ،إﻧﻤﺎ اﻟﻌﺒﺮة ﺑﺎﻟﺒﺮﻛﺔ ،ﻓﻜـﻢ ﻣـﻦ ﻣﻘـﻞ ﺑـﺎرك اﷲ ﻓﻴـﻪ وﻟﻪ ،وﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﻜﺜﺮ ﻻ ﺑﺮﻛﺔ ﻓﻴﻪ وﻻ ﻟﻪ ،وذﻟﻚ ﻓﻀﻞ اﷲ.
) (١أﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎري) ،(٤٦٦٦وﻣﺴﻠﻢ) (٢٦٤٧ﻋﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ . )(٢
أﺧﺮﺟﻪ أﺣﻤﺪ ) ،(١٩٩/١واﺑﻦ ﻧﺼﺮ ﻓﻲ ﻗﻴﺎم اﻟﻠﻴﻞ )ص ،(١٣٤:واﺑﻦ
اﻟﺠﺎرود ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﻘﻰ)ص ،(١٤٢:واﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻦ) ،(٢١٠/٢واﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ ﻓﻲ
اﻟﻜﺒﻴﺮ).(١٣٠/١
١٨
وﻫﻨــﺎ أﻧﻘــﻞ ﻛﻠﻤــﺔ ﻧﻔﻴﺴــﺔ ﻟﻺﻣــﺎم ﻣﺎﻟــﻚ ﺑــﻦ أﻧــﺲ
إﻣــﺎم دار اﻟﻬﺠــﺮة وﻫــﻮ ﻳــﺮد ﻋﻠــﻰ ﻋﺒــﺪاﷲ ﺑــﻦ ﻋﺒــﺪاﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﻌُﻤـﺮِي اﻟﻌﺎﺑــﺪ ﺣﻴﻨﻤــﺎ ﻛﺘــﺐ إﻟﻴــﻪ ﻳﺤﻀــﻪ ﻋﻠــﻰ اﻻﻧﻔ ـﺮاد، َ ﻓﺮد ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺈﺟ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـﺎﺑﺔ ﻋـ ـ ــﺎﻟﻢ ﻋ ـ ـ ــﺎﻣﻞ ﻓﻘﻴ ـ ـﻪ ﻓﻘـ ـ ـﺎل ﻟﻪ: ) اﻋﻠ ــﻢ أن اﷲ ﻗﺴ ــﻢ اﻷﻋﻤ ــﺎل ﻛﻤ ــﺎ ﻗﺴ ــﻢ اﻷرزاق، ﻓﺮب رﺟﻞ ﻓﺘﺢ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﻼة ،وﻟﻢ ﻳﻔﺘﺢ ﻟﻪ ﻓـﻲ اﻟﺼـﻮم، وآﺧــﺮ ﻓــﺘﺢ ﻟــﻪ ﻓــﻲ اﻟﺼــﺪﻗﺔ وﻟــﻢ ﻳﻔــﺘﺢ ﻟــﻪ ﻓــﻲ اﻟﺼــﻮم، وآﺧ ــﺮ ﻓ ــﺘﺢ ﻟ ــﻪ ﻓ ــﻲ اﻟﺠﻬ ــﺎد ،ﻓﻨﺸ ــﺮ اﻟﻌﻠ ــﻢ ﻣ ــﻦ أﻓﻀ ــﻞ أﻋﻤﺎل اﻟﺒﺮ ،وﻗﺪ رﺿـﻴﺖ ﺑﻤـﺎ ﻓـﺘﺢ ﻟـﻲ ﻓﻴـﻪ ،وﻣـﺎ أﻇـﻦ ﻣـﺎ أﻧـﺎ ﻓﻴـﻪ ﺑـﺪون ﻣـﺎ أﻧـﺖ ﻓﻴـﻪ ،وأرﺟـﻮ أن ﻳﻜـﻮن ﻛﻼﻧـﺎ ﻋﻠــﻰ ﺧﻴﺮ وﺑﺮ( . )(١
) (١ﺳﻴﺮ أﻋﻼم اﻟﻨﺒﻼء).(١١٤/٨
١٩
وﻫ ـ ــﺬا ﻋﻜ ـ ــﺲ ﻣ ـ ــﺎ ﺳ ـ ــﺒﻖ ﻓ ـ ــﺈن اﻟﻐ ـ ــﺮور ﺑﺎﻟﻘ ـ ــﺪرات، واﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠـﻰ اﻟـﺬات ،وﺗـﺮك اﻻﻋﺘﻤـﺎد ﻋﻠـﻰ اﻟﻤﻨـﻊ ﻫﻮ أول ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻬﻼك ،وﻫﺪر اﻟﻄﺎﻗﺎت ،وﺻﺪق ﻣﻦ ﻗﺎل: اﷲ ﻟِ ﻠْﻔَﺘَﻰ إِذَا ﻟَﻢ ﻳ َ ﻜُﻦ ْﻋَﻮٌنِ َﻣﻦ ِ ﺘِﻬﺎدُﻩُ َﺠﻨِﻲ ﻋَﻠِ ِﻴْﻪ ْاﺟ َ ﻓَـﺄََوُل َﻣﺎ ﻳ ْ وﻟــﺬﻟﻚ ﻓﻤﺘــﻰ اﻋﺘﻤــﺪ اﻟﻔــﺮد ﻋﻠــﻰ ذاﺗــﻪ ،ﺧﺎﻧﺘــﻪ ذاﺗــﻪ وﻫﻮ ﻓﻲ أﺣﻮج اﻷوﻗﺎت ﻟﻬـﺎ ،وﻣـﻦ اﻋﺘﻤـﺪ ﻋﻠـﻰ اﷲ ﻳﺴـﺮ اﷲ أﻣﺮﻩ ،وأﻋﺎﻧﻪ ﻓﻲ أﺣﺮج اﻷوﻗﺎت. ﻓﻴﻨﺒﻐــﻲ ﻋﻠــﻰ ﻛــﻞ ﻓــﺮد ﻣﺴــﻠﻢ أن ﻳﻜﺜــﺮ ﻣــﻦ دﻋــﺎء اﷲ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ واﻟﺘﺴﺪﻳﺪ ،واﻟﻌﻮن واﻟﺘﺄﻳﻴﺪ ،ﻓـﺈن اﷲ -ﺗﻌـﺎﻟﻰ - إذا رأى ﻣ ـ ــﻦ ﻋﺒ ـ ــﺪﻩ اﻟﺘ ـ ــﺬﻟﻞ ﻟ ـ ــﻪ ،واﻻﻋﺘـ ـ ـﺮاف ﺑ ـ ــﺎﻟﻌﺠﺰ
٢٠
واﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ،واﻟﺮﻏﺒـﺔ ﻓﻴﻤـﺎ ﻋﻨـﺪﻩ أﻋﻄـﺎﻩ ﻓـﻮق ﺳـﺆﻟﻪ ،وﺑﻠﻐـﻪ
ﻏﺎﻳﺔ ﻣﻨﺎﻩ. إن ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل ،واﻟﺒﺮاﻣﺞ واﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ اﻷﻓﺮاد ﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ ﻓﺘﺢ ﻣﻦ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻠﻌﺒﺪ ،ﻓﻤﺘﻰ ﻇﻦ اﻟﻌﺒﺪ أﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺪﻩ وﺗﺨﻄﻴﻄﻪ أﻣﺴﻚ اﷲ ﻧﻌﻤﻪ ،وﺣﺮم اﻟﻌﺒﺪ اﻟﺒﺮﻛﺔ واﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻘﻮل اﷲ
ﺗﻌﺎﻟﻰ:
]ﻓﺎﻃﺮ.[٢:
إن اﻟﺘﺨﻄــﻴﻂ اﻟﺴــﻴﺊ ﻫــﻮ اﻟﺘﺨﻄــﻴﻂ اﻟــﺬي ﻳﻘــﻮم ﻋﻠــﻰ ﻋــﺪم وﺟــﻮد رؤﻳــﺔ واﺿــﺤﺔ ،وﻻ أﻫــﺪاف ﻣﺤــﺪدة ،ﻓﻴﻜــﻮن ٢١
ﻣﺨﺒﻄﺎً ﻣﺘﺨﺒﻄﺎً ،ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ واﻷﻋﻤـﺎل ،ﻓﻴﻀـﻴﻊ ﻋﻤـﺮﻩ، وﺗﺬﻫﺐ ﻃﺎﻗﺘﻪ ﻫﺪراً. إن اﻟﺮؤﻳﺔ ﻫﻲ :أول ﺷﻲء ﻳﺠﺐ ﻋﻠـﻰ اﻟﻔـﺮد ﺗﺤﺪﻳـﺪﻩ، أي ﻣــﺎذا أرﻳــﺪ ﻓ ـﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳ ـﺔ؟ وﻣــﺎ ﻫ ـﻲ اﻟﻐﺎﻳــﺔ اﻟﺘــﻲ أرﻳــﺪ أن أﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ؟ ـﻴﻎ ﺑﻌـﺪ ذﻟـﻚ ﻓﺎﻟﺮؤﻳﺔ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻔـﺮد ﻳـﺮى ﻏﺎﻳﺘـﻪ ،ﺛـﻢ ﻳﺼ ُ أﻫﺪاﻓﻪ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻏﺎﻳﺘﻪ. إن ﺿ ــﻌﻒ اﻟﺮؤﻳ ــﺔ اﻟﻮاﺿ ــﺤﺔ ،أو ﻋ ــﺪﻣﻬﺎ ﻟﻬ ــﻮ ﺳ ــﺒﺐ رﺋـﻴﺲ ﻟﺤﺮﻣــﺎن اﻟﻌﺎﻣــﻞ ﻣــﻦ ﺑﻠـﻮغ ﻣــﺎ ﻳﺮﻳــﺪ ،وﻟــﺬﻟﻚ ﻳﻨﺒﻐــﻲ أن ﻳﺮﻛــﺰ ﻛﺜﻴـًـﺮا ﻋﻠــﻰ اﻟﺮؤﻳــﺔ اﻟﻮاﺿــﺤﺔ ،ﻓــﺈذا ﺣــﺪد رؤﻳﺘــﻪ ﻓﺈﻧــﻪ ﺑﻌــﺪ ذﻟــﻚ ﻳﺤــﺪد أﻫﺪاﻓــﻪ اﻟﺘــﻲ ﺳﺘﻮﺻــﻠﻪ إﻟــﻰ ﻏﺎﻳﺘــﻪ
٢٢
اﻟﺘﻲ ﺣﺪدﻫﺎ ﻓﻲ رؤﻳﺘﻪ ،ﻓﻴﻜـﻮن ﺑـﺬﻟﻚ ﻣﻨﺘﺠـﺎً إﻳﺠﺎﺑﻴـﺎً ﻓـﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ.
ﻛﻢ أُﻫـﺪرت ﻣـﻦ ﻃﺎﻗـﺔ؟ وﻛـﻢ ُﺻـ ﱠﺪ ﻛﺜﻴٌـﺮ ﻋـﻦ ﻛﺜﻴـ ٍﺮ ﻣـﻦ اﻟﺒـﺮاﻣﺞ اﻟﻔﺎﻋﻠـﺔ ﺑﺴـﺒﺐ ﻣﻤﺎرﺳـﺔ ﺑﻌﻀـﻬﻢ ﻟﻬـﺬا اﻷﺳـﻠﻮب اﻟﺮديء وﻫﻮ أﺳﻠﻮب ﺗﺤﻄﻴﻢ اﻟﻐﻴﺮ ،واﻟﻨﻘﺪ اﻟﻤﺤﻄﻢ. ﻳﻘـﻮل ﻟـﻲ أﺣـﺪﻫﻢ وﻫـﻮ ﻣﻤـﻦ أﺗـﺎﻩ اﷲ ﻣﻌﺮﻓـﺔ ﻋﻠـﻢ ﻣــﻦ اﻟﻌﻠــﻮم ،ﻳﻘــﻮل ):ﻋﻨــﺪﻣﺎ وﻓﻘﻨــﻲ اﷲ ﻟﻬــﺬا اﻟﻌﻠــﻢ وأﺧــﺬت أﻋﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻠﻢ ،ﻛﺎن ﺑﻌﻀﻬﻢ -وﻫﻮ ﻣﻦ ﻳﻜﺒﺮﻧﻲ ﺳـ ــﻨﺎً -ﻳﻘـ ــﻮل :ﻓـ ــﻼن أﺻـ ــﺒﺢ ﻣـ ــﻦ أﻫـ ــﻞ ﻫـ ــﺬا اﻟﻌﻠـ ــﻢ؟! اﻷﻓﻀــﻞ ﻟــﻪ أن ﻳﺴــﺘﺮﻳﺢ وﻳ ـﺮﻳﺢ ،ﻓﻬــﻮ ﻻ ﻳﺼــﻠﺢ ﻟﺸــﻲء(، ﻳﻘﻮل ﺻـﺎﺣﺒﻨﺎ ):ﻓﻮﻗﻌـﺖ ﻓـﻲ ﻧﻔﺴـﻲ ﻣﻮﻗﻌـﺎً ﻋﻈﻴﻤـﺎً ،ﻟﻜـﻦ
٢٣
ﻣﻦ رﺣﻤﺔ اﷲ أﻧﻲ ﻟﻢ أﻟﺘﻔﺖ ﻟﻬﺬا اﻟﺘﺤﻄﻴﻢ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ،
وﻫﺬا اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻤﺜﺒﻂ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﻨﺖ ﺑﺎﷲ وواﺻﻠﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﺪأت ﺑﻪ ،وﻛﺎن ﻛﻼﻣﻪ ذﻟﻚ داﻓﻌﺎً ﻟﻲ ﻟﻠﺜﺒﺎت واﻻزدﻳﺎد ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﻠــﻢ ،ﺣﺘــﻰ وﻓﻘﻨــﻲ اﷲ ﻟﺒﻠــﻮغ ﻣــﺎ ﺑﻠﻐــﺖ ﻓﻴــﻪ ،وﺑﻌــﺪ ﻣــﺪة ﻳﺴﻴﺮة إذ ﺑﺼﺎﺣﺒﻲ اﻟﺬي ﻳﻨﺎل ﻣﻦ ﻗﺪراﺗﻲ ،وﻳﻘﻮل أﻧـﻲ ﻻ أﺻـ ــﻠﺢ ﻟﺸـ ــﻲء ،ﻳﺘﺼـ ــﻞ ﻋﻠـ ـ ﱠـﻲ ،وﻳﺮﻳـ ــﺪ أن ﻳﺴـ ــﺘﻔﻴﺪ ﻣﻤـ ــﺎ أﻋﻄﺎﻧﻲ اﷲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ،ﻓﺄﺟﺒﺘﻪ ،ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻓـﻲ ﻧﻔﺴـﻲ: ﻳــﺎ ﺳــﺒﺤﺎن اﷲ! ﻟــﻮ أﻧﻨــﻲ ﺳــﻤﻌﺖ ﻛﻼﻣــﻪ واﻧﺠﺮﻓــﺖ وراء ﻗﻮﻟﻪ ﻟﻔـﺎﺗﻨﻲ ﺧﻴـﺮ ﻛﺜﻴـﺮ( ،ﻓﻬـﺬﻩ اﻟﺼـﻮرة ﺻـﻮرة ﻟﻜﺜﻴـﺮ ﻣـﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﻤﺨﺬﻟﻴﻦ. إن ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﺠﻴﺪ إﻻ ﻓﻦ اﻟﺘﺤﻄﻴﻢ ،واﻻﺳﺘﺨﻔﺎف ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ ،وﻫﻨﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻢ أن ﻻ ﻳﺴﺨ ـ ـ ـ ـ ـ ـﺮ ﻣﻦ
٢٤
وﻳﻘﻒ داﺋﻤﺎً ﻋﻨﺪ، أو ﻟﻤﺰ، أو ﻏﻤﺰ، أو ﻓﻌﻞ،أﺣﺪ ﺑﻘﻮل
:وﺗﻌﺎﻟﻰ
ﻗﻮل اﻟﺤﻖ ﺗﺒﺎرك
.[١١: ]اﻟﺤﺠﺮات ﻟـﺘﻌﻠﻢ أن اﻟﺘﺨــﺬﻳﻞ ﻣـﻦ أﻋﻈـﻢ ﺻــﻔﺎت:أﺧـﻲ اﻟﻤﺒـﺎرك ﻓﻬـﻢ، ﻓﻬﻢ ﻳﺨـﺬﻟﻮن وﻳﺤﻄﻤـﻮن أﻫـﻞ اﻹﺳـﻼم،اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ، وأﻛﺜــﺮﻫﻢ ﺧــﻮراً وﺗﺨــﺬﻳﻼً ﻟﻐﻴــﺮﻫﻢ،أﻛﺜــﺮ اﻟﻨــﺎس ﺷــﻜﺎﻳﺔ
٢٥
وﻟﺬﻟﻚ ﻫﻢ أﻓﺸـﻞ اﻟﻨـﺎس ،وأﻛـﺬب اﻟﻨـﺎس ،وﻳﺮﻳـﺪون ﻣـﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎس أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﺜﻠﻬﻢ. وﻫﻨــﺎ أوﺟــﻪ رﺳــﺎﻟﺔ ﻟﻜــﻞ ﻓــﺮد :إذا ﺳــﻤﻌﺖ ﻣﺜــﻞ ﻫــﺬﻩ اﻟﻌﺒ ــﺎرات اﻟﻤﺤﻄﻤ ــﺔ ،وﻻﺣﻈ ــﺖ اﻟﺘﺤﻄ ــﻴﻢ اﻟﻤﻘﻴ ــﺖ ﻓ ــﻼ ﺗﻠﺘﻔــﺖ ﻟﻤﺜــﻞ ﻫــﺬﻩ اﻷﻗﺎوﻳــﻞ اﻟﻤﺜﺒﻄــﺔ ،وﻫــﺬﻩ اﻷﺳــﺎﻟﻴﺐ اﻟﺨﻄـﻰ ،ﻣﺴــﺘﻌﻴﻨﺎً اﻟﻤﺤﻄﻤـﺔ ،ﺑـﻞ ﻋﻠﻴـﻚ أن ﺗﻤﺸـﻲ واﺛـﻖ ُ ﺑــﺎﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ،ﻣﺘــﻮﻛﻼً ﻋﻠﻴــﻪ ،ﻓﺈﻧــﻚ ﺳﺘﺼــﻞ إﻟــﻰ ﻏﺎﻳﺘــﻚ، وﺳ ــﺘﺒﻠﻎ ُﻣﻨـ ــﺎك ،ﻓﺒﺸـ ــﻲء ﻣـ ــﻦ اﻟﺼـ ــﺒﺮ واﻟﻴﻘـ ــﻴﻦ ،واﻟﺒـ ــﺬل واﻟﺘﻀــﺤﻴﺔ ،ﻳــﺪرك اﻟﻤــﺮء ﻣ ـﺮادﻩ ،وﻳﺤﻘــﻖ ﻣﺒﺘﻐــﺎﻩ ،وﻫﻨــﺎك ﺗ ــﺬﻛﺮ ﻋﺒ ــﺎرﺗﻴﻦ واﺟﻌﻠﻬﻤ ــﺎ أﻣ ــﺎم ﻋﻴﻨﻴ ــﻚ :اﻷوﻟ ــﻰ ):رﺿ ــﺎ اﻟﻨـﺎس ﻏﺎﻳــﺔ ﻻ ﺗـﺪرك ( ﻓــﻼ ﺗﺤـﺮص ﻋﻠﻴــﻪ؛ واﻟﺜﺎﻧﻴـﺔ ):ﻣــﻦ راﻗﺐ اﻟﻨﺎس ﻣﺎت ﻫﻤﺎً( ﻓﺮاﻗﺐ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
٢٦
إن ﻣﻤــﺎ ﻳﻬــﺪر ﻛﺜﻴــﺮ ﻣــﻦ اﻟﻄﺎﻗــﺎت ،وﻳﻔﺴــﺪ ﻛﺜﻴـًـﺮا ﻣــﻦ اﻟﺒـ ـﺮاﻣﺞ ،وﻳﻌﻄ ــﻞ ﻛﺜﻴ ــﺮاً ﻣ ــﻦ اﻷﻋﻤ ــﺎل ،ﻫ ــﻮ :اﺳ ــﺘﻌﺠﺎل اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ؛ إن اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺴـﺮﻳﻌﺔ واﻟﻌﺎﺟﻠـﺔ ﻓـﻲ ﺗﺤﻘﻴـﻖ اﻷﻣـﻮر ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻓﻲ ﻏﺎﻟﺐ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ اﻹﻟﻬـﻲ؛ ﺑـﻞ اﻟﺘﻘـﺪﻳﺮ اﻟﻜــﻮﻧﻲ ﻳــﺪل ﻋﻠــﻰ أن اﻟﺤﻴــﺎة اﻟــﺪﻧﻴﺎ ﻣﺮﺣﻠــﺔ ﺗﺤﺘــﺎج إﻟــﻰ ﺗﺪرج ،وﻟﻬﺬا ﻛﺎن اﻟﺸـﺎرع اﻟﺤﻜـﻴﻢ ﻻ ﻳﻨﻈـﺮ ﻓﻘـﻂ إﻟـﻰ ﻣـﺎ ﻳﻤﻜــﻦ أن ﻳﻌﻤﻠــﻪ اﻹﻧﺴــﺎن اﻵن؛ وإﻧﻤــﺎ ﻣــﺎ ﻳﺴــﺘﻘﻴﻢ ﻋﻠﻴــﻪ وﻳﻌﻤﻠﻪ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار. وﺣ ــﻴﻦ ﻧﻨﻈ ــﺮ ﻓ ــﻲ ﺟﻮاﻧ ــﺐ اﻟﺘﺸـ ـﺮﻳﻊ واﻟﻄﻠ ــﺐ :ﻧ ــﺮى اﻟﺘــﻮازن ﺑــﻴﻦ اﻟﻌﻤــﻞ اﻟﺤﺎﺿــﺮ واﻻﺳــﺘﻤﺮارﻳﺔ ﻋﻠﻴــﻪ ،وﻳــﺪل ﻟــﺬﻟﻚ ﻣــﺎ ﺟــﺎء ﻣــﻦ ﺣــﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸــﺔ -رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻨﻬــﺎ -
٢٧
أن اﻟﻨﺒ ــﻲ دﺧ ــﻞ ﻋﻠﻴﻬ ــﺎ وﻋﻨ ــﺪﻫﺎ اﻣـ ـﺮأة ﻓﻘ ــﺎلَ »:ﻣـ ْـﻦ ـﺎل َ»:ﻣـﻪْ، َﻼَﺗِﻬﺎ .ﻗَ َ ْﻛُﺮِﻣْﻦ ﺻ َ َﻫِﺬﻩِ ؟ « ﻗَﺎﻟَﺖ :ﻓُﻼَﻧَﺔُ .ﺗَﺬ ُ ﺗُﻄﻴﻘُـﻮنَ ،ﻓـََﻮاﻟﻠﱠِـﻪ ﻻَ ﻳ ََﻤ ﱡـﻞ اﻟﻠﱠ ـﻪُ َﺣﺘﱠـﻰ َﺗَﻤﻠﱡ ـﻮا «، َﻋﻠَْـﻴﻜُْﻢ َﺑِﻤـﺎ ِ ﺐ اﻟﺪﱢﻳ ِﻦ إِ ﻟَِﻴْﻪَﻣﺎ َدَام َﻋﻠَِﻴْﻪ َﺻ ِﺎﺣﺒُﻪُ . َﺎن أََﺣ ﱠ َﻛ َ و )(١
ﻓﻨﺠﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ وﻏﻴﺮﻩ أﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ أﻣﻮر اﻟﻌﺒﺎدة ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻓﻲ ﻓﻌﻠﻬﺎ؛ وﻋﺪم اﻻﺳﺘﻌﺠﺎل ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻜﻮن اﻻﻧﻘﻄﺎع ،وﺗﺮك اﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ ،ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻔﺮد ﻋﺪم اﺳﺘﻌﺠﺎل اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ وإن ﻃﺎل اﻟﺰﻣﻦ ،ﻓﻌﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻤﺜﺎﺑﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ واﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﻋﻠﻰ وﻋﺜﺎء اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻄﻮل اﻟﺼﺒﺮ ،وﺣﺴﻦ اﻟﺘﺄﺳﻲ ﺑﺮﺳﻮل اﷲ ،وﺻﺪق اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﷲ
ﻓﺈﻧﻪ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻨﺠﺎح واﻟﻔﻼح ،ﻳﻘﻮل : ) (١أﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎري ).(٤٣ ٢٨
]ﻳﻮﺳﻒ.[٩٠:
إن اﻟـ ــﺬي ﻻ ﻳﺮﺗـ ــﺐ وﻗﺘـ ــﻪ ﺣﺴـ ــﺐ اﻷوﻟﻮﻳـ ــﺎت ﻓﺈﻧ ـ ــﻪ ﺳﻴﻀﻴﻊ ﺑﻴﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﻤﺸﺎﻏﻞ ،وﺑﻴﻦ ﺗﺪاﺧﻞ اﻟﻤﻮاﻋﻴﺪ ،وﻟﻦ ﻳﻨﺠﺰ ﺷـﻴﺌﺎً ،إن اﻟﻔﻮﺿـﻮﻳﺔ ﻓـﻲ اﻟﻮﻗـﺖ ﺗﺘﺴـﺒﺐ ﻓـﻲ ﺗـﺮاﻛﻢ اﻷﻋﻤـ ــﺎل ،واﻟﻮاﺟﺒـ ــﺎت ،واﻟﻤﻬﻤـ ــﺎت دون اﻟﻘـ ــﺪرة ﻋﻠـ ــﻰ إﻧﺠﺎزﻫــﺎ ﻓــﻲ اﻟــﺰﻣﻦ اﻟﻤﻔﺘــﺮض ،وﻫــﺬا ﻳﺸــﻜﻞ ﻋﺒﺌــﺎً ﻧﻔﺴــﻴﺎً ﻳــﺆدي إﻟــﻰ ﺗــﺄﺛﺮ ﻧﺸــﺎط اﻟﻔــﺮد ،وﻳﺤﻤﻠــﻪ ﺑﻌــﺪ ذﻟــﻚ ﻋﻠــﻰ ﺗ ــﺮك اﻟﻌﻤ ــﻞ ،وﻟ ــﺬﻟﻚ ﺗﺮﺗﻴ ــﺐ اﻟﻮﻗ ــﺖ وﺗﻨﻈﻴﻤ ــﻪ ﺣﺴ ــﺐ اﻷوﻟﻮﻳﺎت اﻟﻬﺎﻣﺔ ،ﺛﻢ اﻟﻤﻬﻤﺔ ﺛـﻢ ﻣـﺎ ﺑﻌـﺪﻫﺎ ،وإﻋﻄـﺎء ﻛـﻞ ذي ﺣﻖ ﺣﻘﻪ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ،وﻧﺠﺎح اﻟﻌﻤﻞ. ٢٩
ﻛﺜﻴﺮا ﻣـﻦ اﻟﻤﻮاﻗـﻒ اﻟﺘـﻲ ﺗﻬـﺪر ﻓﻴﻬـﺎ اﻟﻄﺎﻗـﺎت ﻫـﻲ إن ً
أﺧﻄﺎء ﻣﺘﻜﺮرة ،وﻟـﻮ ﺗﺄﻣـﻞ اﻟﻌﺎﻣـﻞ ﻓـﻲ أﺧﻄـﺎء ﻣـﻦ ﺳـﺒﻘﻪ، أو ﻓــﻲ أﺧﻄﺎﺋــﻪ ﻫــﻮ ﺛــﻢ ﻻ ﻳﻨﺘﻔــﻊ ﻣــﻦ أﺧﻄﺎﺋــﻪ ،ﻓــﺈن ذﻟــﻚ ﻣ ــﺪﻋﺎة ﻟﺘﻜ ــﺮر اﻟﺨﻄ ــﺄ ،وﻫ ــﺪر اﻟﻄﺎﻗ ــﺔ ،وﺿ ــﻴﺎع اﻟﻮﻗ ــﺖ، ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻔﺮد أن ﻳﻔﻴﺪ ﻣﻦ أﺧﻄﺎﺋﻪ ،وأن ﻻ ﻳﻜﺮرﻫﺎ ،وﻟﺬﻟﻚ اﻟﻨﺒ ــﻲ ﻳﻘـ ــﻮل»:ﻻَ ﻳـُ ْﻠ ـ َـﺪغُ اﻟُْﻤـ ـ ِْـﺆُﻣﻦ ِﻣ ـ ْـﻦ ُﺟْﺤـ ـ ٍﺮَوِاﺣـ ـٍـﺪ َﻣﱠﺮْﺗـَﻴِﻦ« . )(١
إن ﻛﺜﻴ ـﺮاً ﻣــﻦ اﻟﻨــﺎس ﻗــﺪ ﺗﺘــﻮﻓﺮ ﻟﻬــﻢ ﺟﻤﻴــﻊ اﻟﻮﺳــﺎﺋﻞ اﻟﻤﻌﻴﻨﺔ ﻷن ﻳﺴﺘﺜﻤﺮوا ﻃﺎﻗـﺎﺗﻬﻢ ،وﻳﺤﻘﻘـﻮا رﻏﺒـﺎﺗﻬﻢ ،ﻟﻜـﻦ ) (١أﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎري) ،(٥٧٨٢وﻣﺴﻠﻢ) (٢٩٩٨ﻋﻦ أﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮة .
٣٠
ﻳﺤﺠ ـ ــﺰﻫﻢ ﻋ ـ ــﻦ اﺳ ـ ــﺘﺜﻤﺎر ﻃﺎﻗ ـ ــﺎﺗﻬﻢ ،وﻗ ـ ــﺪراﺗﻬﻢ اﻟﻌﺠ ـ ــﺰ
واﻟﻜﺴ ـ ــﻞ؛ وﻟ ـ ــﺬﻟﻚ اﺳ ـ ــﺘﻌﺎذ ﻣﻨ ـ ــﻪ اﻟﻨﺒ ـ ــﻲ ﻟﺨﻄﻮرﺗ ـ ــﻪ َﺠِﺰَواﻟْﻜََﺴِﻞ« . ﺑِﻚِ َﻣﻦ اﻟْﻌْ اﻟﻠﱠﻬﱠﻢ إِ ﻧﱢﻲ أَﻋُﻮذُ َ ﻓﻘﺎلُ »: )(١
إن اﻟﻌﺠــﺰ واﻟﻜﺴــﻞ ﻗــﺪ َﺻ ـ ﱠﺪا ﻛﺜﻴــﺮاً ﻣــﻦ اﻟﻨــﺎس ﻋــﻦ ﻣﻌ ــﺎﻟﻲ اﻷﻣ ــﻮر ،وﻟ ــﺬﻟﻚ ﻳﻘ ــﻮل اﺑ ــﻦ اﻟﻘ ــﻴﻢ -رﺣﻤ ــﻪ اﷲ ﺗﻌ ــﺎﻟﻰ ):-ﻣ ــﻦ ﻧ ــﺎم ﻋﻠ ــﻰ ﻓـ ـﺮاش اﻟﻜﺴ ــﻞ ،أﺻ ــﺒﺢ ﻣﻠﻘ ــﻰ ﺑﻮادي اﻷﺳﻒ(
)(٢
.
إن ﺿﻌﻒ اﻟﻬﻤـﺔ ،ودﻧﻮﻫـﺎ ُوﺳـﻔْﻠَِﻬﺎ ﺗﻔـﻮت ﻋﻠـﻰ اﻟﻔـﺮد ﻣﺼـ ــﺎﻟﺢ ﻋﻠﻴـ ــﺎ ،وﺗﻀـ ــﻴﻊ ﻃﺎﻗﺘـ ــﻪ ،وﺗﻔﺴـ ــﺪ ﻋﻠﻴـ ــﻪ ﺣﻴﺎﺗـ ــﻪ، وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻘﻮل أﻣﻴﺮ اﻟﻤـﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻤـﺮ ﺑـﻦ اﻟﺨﻄـﺎب ):ﻻ ) (١أﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎري ) ،(٢٦٦٨وﻣﺴﻠﻢ) (٢٧٠٦ﻋﻦ أﻧﺲ .
) (٢ﺑﺪاﺋﻊ اﻟﻔﻮاﺋﺪ ).(٢٣٤/٢ ٣١
ـﻐﺮن ﻫﻤﺘ ــﻚ ﻓ ــﺈﻧﻲ ﻟ ــﻢ أر أﻗﻌ ــﺪ ﺑﺎﻟﺮﺟ ــﻞ ﻣ ــﻦ ﺳ ــﻘﻮط ﺗﺼ ـ ّ
ﻫﻤﺘﻪ( ،وﻳﻘﻮل اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ: )(١
ﱠﺎس َْﻋﻴﺒَ ﺎً ﻓِﻲُِﻋْﻴـﻮ ِب اﻟﻨ ِ َوﻟَْﻢ َأَر ْ ِﻳْﻦ ﻋَﻠﻰ اﻟْﺘَﱠﻤﺎم َﺎدر َ ْﺺ اﻟْﻘ ِ َﻛَﻨـﻘ ِ إن اﻟﻨﻔـ ـ ــﻮس اﻟﺸ ـ ـ ـﺮﻳﻔﺔ ﻻ ﺗﺮﺿـ ـ ــﻰ ﻣـ ـ ــﻦ اﻷﺷـ ـ ــﻴﺎء إﻻ ﺑﺄﻋﻼﻫــﺎ ،وأﻓﻀــﻠﻬﺎ ،وأﺣﻤــﺪﻫﺎ ﻋﺎﻗﺒــﺔ ،واﻟﻨﻔــﻮس اﻟﺪﻧﻴﺌــﺔ ﺗﺮﺿــﻰ ﻣــﻦ اﻷﺷــﻴﺎء ﺑﺎﻟــﺪﻧﻲء ،ﻓﺘﻜــﻮن ﻛﺎﻟــﺬﺑﺎب اﻟــﺬي ﻻ ﻳﻘﻊ إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺬر.
إن ﺗــﺮك اﻟﻔــﺮص ﺗﻔــﻮت ،وﻋــﺪم اﻧﺘﻬﺎزﻫــﺎ ﻳــﺆﺧﺮ اﻟﻔــﺮد ﺗــﺄﺧﻴﺮاً ﻋﻈﻴﻤ ـﺎً ،ﺑــﻞ ﻗــﺪ ﻳﺤﺮﻣــﻪ ﻣــﻦ ﺧﻴــﺮ ﻋﻈــﻴﻢ ،وﻳﻜــﻮن ) (١ﻣﺤﺎﺿﺮات اﻷدﺑﺎء ﻟﻸﺻﻔﻬﺎﻧﻲ)ص.(١٠٨: ٣٢
ﺳ ــﺒﺒﺎً ﻟﻬـ ــﺪر ﻃﺎﻗﺘـ ــﻪ ،وذﻫ ــﺎب ﻋﻤـ ــﺮﻩ ،وإن ﻋـ ــﺪم اﻧﺘﻬـ ــﺎز اﻟﻔﺮص ﻳﻌﻮد ﻷﻣﺮﻳﻦ: اﻷول :ﻋﺪم اﻟﺘﺼﻮر اﻟﻮاﺿﺢ ﻟﻤﺎ ﻳﺮﻳـﺪ اﻟﻔـﺮد أن ﻳﻘـﻮم
ﺑﻪ وﻳﻌﻤﻠﻪ ،ﻓﻠـﺬﻟﻚ ﺗﻤـﺮ ﻋﻠﻴـﻪ اﻟﻔﺮﺻـﺔ ﻓـﻼ ﻳﻨﺘﺒـﻪ ﻟﻬـﺎ ،وﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔ إﻻ ﺑﻌﺪ ذﻫﺎﺑﻬﺎ.
اﻟﺜــﺎﻧﻲ :اﻟﻜﺴــﻞ :وﻛــﻢ ﺿــﻴﻊ اﻟﻜﺴــﻞ ﻋﻠــﻰ ﻛﺜﻴــﺮ ﻣــﻦ
اﻷﻓﺮاد اﻟﻔﺮص اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ ،ﻓﻴﺤﻤﻠﻪ ﻛﺴﻠﻪ ﻋﻠـﻰ ﺗـﺮك اﻟﻌﻤـﻞ،
وﻋ ــﺪم اﻻﺳ ــﺘﻔﺎدة ﻣﻤ ــﺎ ﻳ ُ ﻌ ــﺮض ﻟ ــﻪ ،وﻟ ــﺬﻟﻚ ﻳﻘ ــﻮل اﺑ ــﻦ اﻟﺠــﻮزي -رﺣﻤــﻪ اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ):-إﻳــﺎك واﻟﺘﺴــﻮﻳﻒ ﻓﺈﻧــﻪ
أﻛﺒﺮ ﺟﻨﻮد إﺑﻠﻴﺲ ( . )(١
وﻫﻨﺎ أذﻛﺮ ﻣﺜﺎﻻً ﻓﻴﻪ اﻧﺘﻬﺎز ﻟﻠﻔﺮص ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ
ﻓﻮز ﻟﻬﺬا اﻟﻤﺴﺘﻐﻞ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻔﺮﺻﺔ ذﻟﻚ اﻟﺘﺼﺮف ﻫﻮٌ :
ﻓﻮزاً ﻋﻈﻴﻤﺎً ،إن اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ،واﻟﻤﻨﺘﻬﺰ ) (١ﺻﻴﺪ اﻟﺨﺎﻃﺮ)ص.(١٩٣: ٣٣
ﻟﻬﺎ ﻫﻮ رﺑﻴﻌﺔ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ اﻷﺳﻠﻤﻲ ،ﻳﻘﻮل رﺑﻴﻌﺔ : َﺣ َﺎﺟﺘِﻪِ ﻮﺋِﻪ َو اﻟﻠﱠﻪ ﻓَﺄَْﺗـَﻴﺘُﻪُ َﺑِﻮُﺿ ِ ﻮل ِ َﺳ ِ َﺑِﻴﺖ َ َﻣﻊ ُر ْﺖ أ ُ ﻛُﻨ ُ
َﺘَﻚ ﻓِﻲ ُﻚ َُﻣﺮاﻓـَﻘ َ ْﺖ :أ َْﺳﺄَﻟ َ َﺎل ﻟِﻲْ َ »:ﺳﻞ «؛ ﻓـَُﻘﻠ ُ ﻓـَﻘ َ
َاك. ْﺖَ :ﻫُﻮ ذ َ َﻟِﻚ؟« .ﻗُـﻠ ُ َﺎل »:أََو ﻏََْﻴـﺮ ذ َ اﻟ َْﺠﻨِﱠﺔ .ﻗ َ
ﱡﺠ ِﻮد « ؛ ﻓﻬﺬا َﺎل »:ﻓَﺄَِﻋﻨﱢﻲ َﻋﻠَﻰ َﻧـﻔ ِْﺴ َﻚ ﺑِ َﻜَﺜـْﺮةِ اﻟﺴُ ﻗَ )(١
ﻛﻌﺐ اﺳﺘﻐﻞ واﺳﺘﺜﻤﺮ ﻫﺬﻩ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺛﻤﺮة
اﺳﺘﺜﻤﺎر ﻫﺬﻩ اﻟﻔﺮﺻﺔ :اﻟﻔﻮز ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ،وﻟﻴﺲ اﻟﺠﻨﺔ ﻓﻘﻂ
ﺑﻞ ﻣﺮاﻓﻘﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻴﻬﺎ.
ﻓﺈن ﻫـﺬا اﻟﻤﻮﺿـﻮع ﻣﻬـﻢ ﻟﻠﻐﺎﻳـﺔ ﻛﻤﺎ أﺳﻠﻔﺖ ﻓﻲ أوﻟـﻪ ،وإن ذﻛـﺮ اﻷﺳـﺒﺎب واﻟﻌـﻼج ﻛـﺎن ﻋﻠــﻰ ﻋﺠــﻞ ،وإﻻ ﻛــﻞ واﺣــﺪ ﻣــﻦ ﻫــﺬﻩ اﻷﺳــﺒﺎب ﻳﺤﺘــﺎج إﻟــﻰ ﻃــﺮح ﻣﺴــﺘﻘﻞ وﺑﺤــﺚ ﻣﻄــﻮل ،ﻟﻜــﻦ ﻛــﺎن اﻟﻤﻘﺼــﻮد ) (١أﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎري) ،(٤٤١٨وﻣﺴﻠﻢ).(٤٨٩ ٣٤
وﻳﻜﻔ ــﻲ ﻣ ــﻦ، واﻟﺘﻨﺒﻴ ــﻪ ﻻ اﻹﺳــﻬﺎب،اﻹﺷــﺎرة ﻻ اﻹﻃﺎﻟ ــﺔ . واﻟﻠﺒﻴﺐ ﺑﺎﻹﺷﺎرة ﻳﻔﻬﻢ،اﻟﻘﻼدة ﻣﺎ أﺣﺎط اﻟﻌﻨﻖ ﻣﺎ أﺟﻤﻞ أن ﻧﻘﻒ ﻣﻊ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ وﻗﻔﺔ وﻳﻜﻮن اﻧﻄﻼق أﻫﻞ اﻟﻄﺎﻗﺎت، وﻋﻈﺔ وﺗﻔﻜﺮ،ﺗﺪﺑﺮ وﺗﺄﻣﻞ :
ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻳﻘﻮل اﷲ
.[٦٩-٦٦ : ]اﻟﻨﺴﺎء ، وأن ﻳﻌﻴﻨﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺿﺎﺗﻪ،أﺳﺄل اﷲ أن ﻳﻮﻓﻘﻨﺎ ﻟﻄﺎﻋﺘﻪ وأن ﻻ ﻳ َِﻜﻠَﻨﺎ إﻟـﻰ أﻧﻔﺴـﻨﺎ ﻃﺮﻓـﺔ ﻋـﻴﻦ،ﻗﻠﻮﺑﻨ ﺑﻪ وأن ﻳﻌﻠﻖ ﺎ واﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب،وﻻ أﻗﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ إن رﺑﻲ ﺳﻤﻴﻊ ﻣﺠﻴﺐ
٣٥
.اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ
اﻟﻤﻘــﺪﻣـﺔ٦.......................................
أﺳﺒﺎب ﻫﺪر اﻟﻄﺎﻗﺎت ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ١١..........
-١ﺿﻌﻒ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ١١............................. -٢اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻀﻌﻴﻔﺔ١٢............................ -٣ﺳﻮء اﻟﻘﺼﺪ١٣..............................
-٤ﺿﻌﻒ اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ١٤............................
-٥ﻗﻠﺔ اﻟﺨﺒﺮة١٥................................
-٦ﺟﻠﺪ اﻟﺬات واﺣﺘﻘﺎر اﻟﻨﻔﺲ١٦................ -٧اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﺬات٢٠......................
-٨اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ اﻟﺴﻴﺊ٢١.......................... -٩اﻟﺘﺨﺬﻳﻞ اﻟﻤﻘﻴﺖ ،واﻟﺘﺤﻄﻴﻢ اﻟﻤﺬﻣﻮم٢٣....... -١٠اﺳﺘﻌﺠﺎل اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ٢٧.......................... -١١اﻟﻔﻮﺿﻮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ٢٩...................... ٣٦
٣٠........... ﻋﺪم اﻹﻓﺎدة ﻣﻦ اﻷﺧﻄﺎء اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ-١٢ ٣٠........................... اﻟﻌﺠﺰ واﻟﻜﺴﻞ-١٣ ٣١........................ ﺿﻌﻒ اﻟﻬﻢ واﻟﻬﻤﺔ-١٤ ٣٢........................ ﻋﺪم اﻧﺘﻬﺎز اﻟﻔﺮص-١٥ ٣٥.......................................اﻟﺨﺎﺗﻤﺔ ٣٦.......................................اﻟﻔﻬﺮس
٣٧