لا آلهة فقط نحن

Page 1

‫ال آهلة‪..‬فقط أنا وأنتَ‬

‫زواية‬ ‫احلكواتي املثلي‬


‫ال آهلة‪..‬فقط أنا وأنت‬ ‫‪2‬‬ ‫اجلزء الثاني‬ ‫تأليف‪:‬‬

‫احلكواتي املثلي‬ ‫‪2016‬‬



‫تقديه‬ ‫حلق عاليا بكل حرية‪ ،‬فلتزىر من أرض جرداء‪ ،‬دع ذاتك تنساب‪...‬وباولوف خنقك آملُت‬ ‫أف تبقى صامتا‪...‬يريدوف منك أف زبتفي من أجلهم‪ ،‬ال تدعم ىبدعونك فأنت لست ملكا‬ ‫ؽبم‪.‬‬ ‫الوقت قد توقف‪ ،‬والنهاية قريبة كن على استعداد ! ُرفعت األيادي للسماء عاليا‪...‬‬ ‫نعم‪ ...‬قد تكوف ىذه آخر مرة‪ ،‬سبسك ولو بالقليل من الضوء وزبطى تلك القيود‪ ،‬افتح‬ ‫عينيك وافرد جبناحيك‪ ،‬ال تنظر للخلف فاؼباضي ال معٌت لو‪...‬غرور وتفاخر‪ ،‬كل شيء أصبح‬ ‫هبوبو الغرور والتفاخر‪.‬‬ ‫أريد أف أكوف بسيطا ال شيء يشغل بايل‪...‬ال أحد يساعدؾ خارج تلك اللعبة‪ ،‬صبيعهم‬ ‫سخروا مٍت وانتقدوين بقلوب باردة‪ ،‬ولكٍت أبقيهم بالقرب مٍت كي ال أذوب كثلج قاسي‪،‬‬ ‫أفضل أف أدعى بشرير بدال من بطل‬ ‫العامل مدينة خطَتة‪ ،‬اغبياة فيو تُسلب ببل أسلحة العلم‪ِّ ،‬‬ ‫ال حيلة لو‪.‬‬ ‫ودعت طفوليت وذايت القديبة‪...‬مت الكشف عن تلك األرض اػبصبة اآلف‪...‬افتح عيناي‪،‬‬ ‫فقد ولدت من جديد‪...‬زبطيت الظلمة‪ ،‬وىا أنا متجها كبو الشعاع‪...‬كنت عاجزا وضعيفا‬ ‫للغاية‪ ،‬ال يبكنٍت التنفس‪ ،‬ولكنٍت زبطيت ذلك حىت النهاية‪ ،‬ال تفوت ىذه اللحظة وانظر‬ ‫كبوي‪.‬‬


‫الفصل األول‬

‫الش ّس الزاحف‬


‫كاف اؼبكاف قاسيا كي أعيش فيو؛ مليء بالكراىية واغبقد‪ ،‬وكل أشكاؿ التخلف والرجعية‪ ،‬كاف‬ ‫يبلءـ الديانة الصارمة‪ ،‬وعرؽ البشر العنيد الذي يقطنو‪ ،‬لكن بعض الناس فيو مل يكونوا‬ ‫سعداء‪ ،‬وأنا كنت واحدا منهم‪:‬‬ ‫مهما كاف عدد اؼبرات اليت وقعت فيها‪...‬‬ ‫مهما كاف عدد اؼبرات اليت أُذللت فيها‪...‬‬ ‫أستمر يف السَت‪...‬‬ ‫سأعود و ّ‬ ‫أمر بآالـ كثَتة‪ ،‬ىواءه صار مليئا بالروائح‬ ‫لكن اؼبكاف كاف يزداد غباء وبشاعة‪ ،‬هبعلٍت ّ‬ ‫الكريهة اؼبقززة كرائحة اعبثث اؼبتعفنة والبارود‪ ،‬الرمل منقوع بالدـ‪ ،‬ال وجود للدؼء ىنا‪ ،‬وال‬ ‫كبلـ عن لؤلحبلـ البتة !‬ ‫كل ىذه اؼبظاىر اؼبقرفة جعلتٍت أكره ىذا اؼبكاف‪ ،‬بل أمقتو‪ ،‬ألنو مكب نفايات ال يعرؼ‬ ‫أغَت‬ ‫سوى اليأس واػبراب والوحشية‪...‬جعلٍت أعيد النظر يف الواقع‪ ،‬واألخبلؽ‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬و ّ‬ ‫كاحملرؾ الذي ال يتوقف عن العمل مطلقا كي‬ ‫رؤييت للعامل‪ ،‬كاف عقلي يشتغل على مدار األياـ ّ‬ ‫علي الساعات وأنا أفكر‪ ،‬وأفكر‪ ،‬وأفكر دوف أف أصل إىل نتيجة‬ ‫أجد اغبقيقية ؛ أحيانا ّ‬ ‫سبر ّ‬ ‫علي ذلك وقادين للجنوف‪ ،‬وأحيانا أخرى كنت أجد ىذه اغبلوؿ‬ ‫تُذكر بشأف وضعي‪ ،‬وكم كثُر ّ‬ ‫ببساطة ودوف عناء إال أهنا كانت صعبة التنفيذ أو مكلفة فلم تكن يف متناوؿ اليد‪ .‬أو كنت‬ ‫أحاوؿ اؽبروب من ىذا الواقع وإهباد وجو صبيل لو‪ ،‬لكن ال صباؿ يف اؼبكاف وال سعادة‪ ،‬كنت‬ ‫أحس فقط بو كأمل يف ؿبنة‪ ،‬كنت أغرؽ يف دوامة األمل والعجز‪ ،‬وشعوري بالفراغ الداخلي مل‬ ‫يكن ليشفى أبدا !‬ ‫كمثلي يف ىذا اؼبكاف؛ سيكرىونك‪ ،‬ويُبكونك‪ ،‬ويقتلوؾ‪،‬‬ ‫وما زاد األمر سوءا ىو أف تولد‬ ‫ٍّ‬ ‫ويع ّذبونك باؼبآسي كي تنزؿ على رجليك‪ ،‬يريدونك أف تضعف‪ ،‬وأف تكوف أضعف منهم كي‬ ‫ذبنب بعد اؽبزيبة‪ ،‬ولتضيع يف الدرب اػبطأ‪ ،‬وال يريدونك مطلقا أف تنهض وتستمر يف القتاؿ‪،‬‬ ‫سيمنعوف أيدي العوف عنك‪ ،‬لتموت يف بركة دمائك وحيدا‪.‬‬ ‫ربويل غبثالة‪...‬‬ ‫ُّ‬ ‫وصميت أماـ أشخاص جاىليُت يهينونٍت بكبلمهم‪...‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ولتزيد األمور بلة؛ أناس بدوف قدرات عقلية‪ ،‬ودوف اؼبستوى العقلي إلنساف عادي‪ ،‬ال‬ ‫يتحولوف إىل أصحاب قوؿ مصيب !‬ ‫تدعمهم سوى كثرهتم‪ّ ،‬‬ ‫ىذا إذالؿ‪...‬ىذا إذالؿ‪...‬إذالؿ‪ ،‬ىذا أكرب إذالااااؿ أف يقوـ أشخاص كهؤالء بالتحكم‬ ‫يف حيايت ويثرثروا على شخصييت ليُسمع ؽبم يف النهاية‪ ،‬والكارثة أف يُوافق على كبلمهم ! تبا‬ ‫ىذا األمر يقتلٍت غيظا‪ ،‬أكاد أنفجر‪ ،‬ألنٍت عاجز لوحدي أماـ ىذا الغباء واعبهل الضخم‪،‬‬ ‫لست سوى حثالة ؾبردا من حقوقي وحريايت‪ ،‬ينظر إيل باحتقار أو شفقة لو تكلمت وأعلنت‬ ‫مثلييت‪ ،‬أصمت كالعبد بينما أخطط كيف يبكن يل أف أهني ىذه العبودية واغبصوؿ على‬ ‫أساسيات حقوؽ البشر ألترؾ الوجود يف ىذه القارورة اػبانقة‪.‬‬ ‫كل‬ ‫لقد كنت عازما على تغيَت الواقع‪ ،‬لكن مل أدرؾ أنو من كاف يغَتين‪ ،‬زبليت عن ّ‬ ‫شيء‪ ،‬ومل أعد ؾبربا على التظاىر بالقوة‪ ،‬مل أعد قادرا على الًتكيز‪ ،‬وجسدي أصبح حائرا‬ ‫بشأف ماذا عليو أف يفعل‪ ،‬أرذبف وأحاوؿ التوقف حىت لو حاولت السيطرة على نفسي‪ ،‬مل‬ ‫يكن ىناؾ ال قمر وال مشس إىل جانيب‪ ،‬وسبنيت لو كاف باستطاعيت التحكم يف القدر‪ ،‬كي‬ ‫أغتنم الفرص الذىبية وأهنيها بأفضل وجو يل‪ ،‬لكن عوض ذلك أنا يف عامل ؾبهوؿ‪ ،‬أسافر تائها‬ ‫ربت ظباء رمادية كل يوـ خبريطة جديدة ملطخة بأحبلمي الكثَتة‪ ،‬أتساءؿ إذا يوما ما وحىت‬ ‫خبطوايت الصغَتة ىذه ىل سأكوف قادرا على السفر وراء ىذه الغيوـ ! كنت ببساطة أريد‬ ‫ـبرجا من ىذه اللعبة األبدية والثقيلة‪ ،‬لكن دباذا أضحي حىت أجعل ىذا وبدث؟‬ ‫رغم أف اغبياة كمثلي يف وسط ؾبتمع كهذا بدت ضربا من الدروب الطويلة‪ ،‬ورغم وجود‬ ‫أياـ شعرت فيها بالوحدة جعلتٍت أبكي‪ ،‬الفصوؿ كاف تستمر يف التغَت بوضوح‪ ،‬لذلك باشرت‬ ‫بالوقوؼ على قدماي ؾبددا من دوف االعتماد على اؼبعجزات‪ ،‬ؿباوال إهباد مبدأ جديد غبيايت‬

‫دوف أف أنسى التأىب الحتمالية أخرى‪.‬‬ ‫مل يكن اؼبشكل يف البدايات‪ ،‬فلطاؼبا توفرت البدايات بعد كل ىزيبة وانتكاسة‪ ،‬مل يكن‬ ‫السؤاؿ متعلقا ؼباذا أحبث؟ بل ىو مرتبط عن ماذا أحبث؟ بعد أف عاد ((كرـ)) إىل تركيا (‪،)1‬‬ ‫قررت أف ال أنتظره وأف أبدأ من جديد لكن شريطة أف ال أحبث عن اغبب فقط ىذه اؼبرة بل‬ ‫‪ - 1‬ارجع للجزء األوؿ من الرواية ‪ :‬آخر أمنية لرجل ُوبتضر‪.‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫عن ما ىو أحسن من اغبب‪ ،‬وىو االستقرار مع حبيب‪ ،‬قلت لرّدبا خبساريت شيئا صغَتا‬ ‫سأستطيع ربقيق أمر كبَت‪ ،‬أال يبدوا ىذا قانونا وأمرا بسيطا؟ كاف ذلك أمبل جديدا يل كي‬ ‫أحوؿ اآلالـ والدموع إىل النجوـ‪ ،‬كي أشعل مشعة ألنَت غدي أنا وحبييب ىذا‪ ،‬فنضع أيدينا‬ ‫فوؽ النار لنصنع غبارا المعا‪ ،‬وأبديةً تضيء بإبداع‪.‬‬ ‫ؼبثلي‬ ‫باشرت كالعادة من مواقع التواصل االجتماعي باختبلفها‪ ،‬ألهنا اؼبنطلق الوحيد ّ‬ ‫بكل شيء ال يشبو ىذا اجملتمع‪ ،‬وأظن أف األمر ال‬ ‫يعيش يف اعبزائر حيث عليك أف تقوـ سرا ّ‬ ‫وبتاج لشرح مطوؿ اآلف على األقل ! باشرت بأفكار جديدة وحساب جديد‪ ،‬وحىت ىذا‬ ‫األخَت بدوره جعلتو ينطق برغبايت للزائرين‪ ،‬كي أختصر وأذبنب أولئك الذين ال يبحثوف وال‬ ‫يشاركونٍت نفس الطموح‪ ،‬لكن رغم ىذا فتجنب بعضهم كاف صعبا خاصة أف ما وبركهم كاف‬ ‫غرائزىم وليست عقوؽبم ومبادئهم‪ ،‬فيأتيك منافقا يف البدء وبدثك عن نفس الرغبة لكن‬ ‫تنكشف ألوانو وشهوانيتو من خبلؿ ما يف كبلمو من دالالت وتناقضات‪...‬فكنت مياال إلهناء‬ ‫احملادثات مع من ظهرت فيو ىذه السمات‪.‬‬ ‫أما البعض اآلخر_وىم القلة_فقد كانوا يبدوف توجها جديا يف أحاديثهم وتعبَتاهتم وحىت‬ ‫حساباهتم؛ فتجدىم يضعوف عبارات كبو‪ :‬أنا جاد‪ /‬أحبث عن جاد‪ /‬ال ربادثٍت إف مل تكن‬ ‫جادا‪...‬أهبجٍت ىذا كثَتا شعرت بأف يدا كانت تقًتب لتمسكٍت لو أخلصت ؽبذا اؼبسعى‪،‬‬ ‫كاف من بُت الذين تعرفت عليهم شخص اظبو ((ىشاـ)) من مدينة ليست بقريبة كما أهنا‬ ‫ليست ببعيدة أيضا‪ ،‬فرحنا نتواعد عرب اؼبوقع مدة من الزمن إىل أف جعلنا التعارؼ عرب اؽباتف‪،‬‬ ‫وصار يهاتفٍت بشكل يومي كل ليلة‪ ،‬وما كاف مثَتا يف ىذا الشخص اىتمامو بالقضايا الفكرية‬ ‫وبدا أنو مهتما باالطبلع على ؾبرياهتا‪ ،‬وقد كاف سعيدا جدا على حد قولو أنو وجد شخصا‬ ‫كما كاف يريد‪ ،‬فكنا نتحدث يف السياسة وشؤوف اجملتمع‪ ،‬وحقوؽ اإلنساف‪ ،‬والدين‪ ،‬وحىت‬ ‫مرة‪:‬‬ ‫اؼبثلية‪ .‬قلت لو ذات ّ‬ ‫ أتعي ؼباذا العبلقات اؼبثلية فاشلة يف ببلدنا؟‬‫فأجاب‪:‬‬ ‫ ال أعرؼ حقا‪ ،‬ىل لديك رأي؟‬‫فرحت أشرح لو‪:‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ أرى أف اإلشكاؿ يكمن يف التنشئة االجتماعية لنا يف ىذه الببلد‪ ،‬فأنت تتذكر أننا‬‫منذ أف أصبحنا ندرؾ‪ ،‬ال ننفك لبرج من ثنائية اغببلؿ واغبراـ‪ ،‬اػبَت والشر اعبزاء‬ ‫والعقاب‪ ،‬وكاف اؼبثليوف دائما يوضعوف يف اعبانب األسود من الثنائية منذ أف يولدوا‬ ‫حىت إف مل يفعلوا شيئا‪.‬‬ ‫فقاؿ يل‪:‬‬ ‫ و ما دخل ىذا هبذا‪ ،‬ال يوجد ربط بُت األمراف !‬‫ اظبع ! أتتذكر ذلك القوؿ أو اؼبثل؛ التعليم يف الصغر كالنقش على اغبجر؟ األمر يبدأ‬‫من ىنا؛ ذبد منذ نعومة أصابعك الناس زبربؾ أف من يكوف مثليا ىو مريض بالفطرة‪،‬‬ ‫ترسخ األمر يف ذىنك وتشويو‬ ‫كما يُدينوف وجودىم وحاجاهتم‪...‬كل ىذا يؤدي إىل ّ‬ ‫شخصيتك‪ ،‬وؽبذا قبد أغلبية اؼبثليُت يف عاؼبنا اإلسبلمي يعانوف من أمراض نفسية‬ ‫كالعزلة والكآبة وكره الذات‪ ،‬ومنهم من يؤمن بأفكار خيالية مل يتم إثباهتا كالشفاء‬ ‫منها‪...‬كل ىذه تعترب مظاىر منعكسة عن تلك األقواؿ اليت ال تفارؽ أذىاننا وؿباوؿ‬ ‫للتخلص منها أو لبلمتثاؿ لضغطها فبا يؤدي لتشويو‪.‬‬ ‫ لكن إىل حد اآلف مل تثبت ؼباذا تفشل العبلقات بعد؟‬‫فرحت أرد وقد وصلت لبيت القصيد‪:‬‬ ‫اؼبثلي بنوعيو؛ فتجده رغم أنو سيدخل يف‬ ‫ ىذا التشويو يؤدي الضطراب يف قرارات ّ‬‫عبلقة مع أحدىم ال ينفك يستدعي ىذه اػبلفية؛ أنو يقوـ بفعل حراـ‪ ،‬مناؼ‬ ‫للطبيعة‪ ،‬وسيعاقب عليو عاجبل أـ آجبل‪...‬فيميل إىل إهناء العبلقة عندما يتذكر ىذه‬ ‫األقواؿ اليت ال صحة عليها‪ ،‬وىكذا دواليك سيبقى يدور يف ىذه الدائرة دوف هناية‪،‬‬

‫فبل يلتزـ دبا علّموه‪ ،‬وال يستمتع بعبلقاتو بل ترتد عليو لتصبح تأنيبا وعذابا‬ ‫يبزقانو‪...‬قد يدفعو إىل أمور خطَتة منها اإلدماف على اعبنس فقط مع أي شريك كاف‬ ‫فهو يقطع عبلقتو مع من انتهى معو‪ ،‬ولو الحظت ستجد ((الفيس بووؾ)) فبتلئا‬ ‫بالطلبات يف اجملموعات اليت تقرأ فيها أهنا‪ :‬أنا أريد سالبا ىذا اؼبساء‪ /‬أنا أحتاج موجبا‬ ‫كي ىبمد ؽبييب‪...‬أو ذبد صورا للمؤخرات القضيبات‪...‬كل ىذه أعراض سيئة‬ ‫لتشوىات يف القرارات‪ ،‬أال توافقٍت؟‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ فبممم ! ألصدقك القوؿ أجد ربليك منطقيا إىل حد بعيد‪ ،‬ألنو صحيح أننا من‬‫خبلؿ شبارىم تلك نستطيع معرفة ىذا!‬ ‫كانت ىذه إحدى القضايا اليت كنا نتناقش فيها‪ ،‬إىل أف حل اليوـ الذي ُكتب لنا فيو أف‬ ‫نلتقي وجها لوجها ونقضي وقتا مع بعض؛ أتذكر أ ّف حبلوؿ عطلة هناية األسبوع قد تبلقينا بعد‬ ‫أف أخربين سابقا أنو قرر أف يأيت إىل مدينيت كي يصطحبٍت معو إىل منزلو لنمضي اليوـ سويا‪،‬‬ ‫وبعد أف أهنيت دوامي يوـ اػبميس‪ ،‬مكثت مع صديقي قليبل يف اإلقامة اعبامعية نتناقش حوؿ‬ ‫مواضيع دراستنا ونتذكر األساتذة فنشيد باعبيدين منهم‪ ،‬ونسخر ِمن َمن كاف ال عبلقة لو‬ ‫بالتدريس منهم ! إىل أف اتصل يب ((ىشاـ)) ىبربين بوصولو وانتظاره يل بالقرب من ؿبطة‬ ‫اؼبسافرين‪ ،‬فدفعٍت ذلك إىل توديع صديقي واإلسراع يف كل خطوة أخطوىا كي أستقل اغبافلة‬ ‫وأصل للمحطة يف أقصر وقت‪ ،‬وبوصويل إليها ضبلت اؽباتف وىاتفتو سائبل إياه‪:‬‬ ‫ أنا يف احملطة اآلف أين أنت يا ((ىشاـ))؟‬‫ أنا على الطريق الذي جبانب اؼبخرج الشمايل للمحطة‪.‬‬‫وبعد أف اذبهت كبو اؼبخرج بينما ال تزاؿ اؼبكاؼبة مستمرة‪:‬‬ ‫ سباـ ! أنا أقف أماـ اؼبخرج الذي وجهتٍت إليو‪ ،‬فأين أنت؟‬‫ آىا ! اآلف فلتنظر كبو اليمُت‪...‬‬‫فالتفت إىل أين قاؿ‪.‬‬ ‫ ‪...‬ىا أنا ألوح لك ىل تراين يا ((مبلذ))؟‬‫فضحكت وقلت‪:‬‬ ‫ حسنا‪...‬حسنا‪ ،‬لقد رأيتك‪.‬‬‫وخجل جدا من‬ ‫فأغلقت اؼبكاؼبة واذبهت كبو السيارة البيضاء اليت كاف يركبها وأنا على وجل‬ ‫ٌ‬ ‫إيل بالركوب‪ ،‬مث قاؿ‪:‬‬ ‫النظر إليو ومن رفع رأسي ّ‬ ‫حىت ! وؼبا وصلت إليو فتح يل الباب مشَتا ّ‬ ‫ ىل أنت مستعد؟‬‫فأجبت متحمسا‪:‬‬ ‫ بالطبع أنا كذلك !!‬‫مث شغل احملرؾ وانطلقنا يف تلك الرحلة بينما كبن نتجاذب أطراؼ اغبديث‪ ،‬نضحك‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫جادين أحيانا أخرى‪...‬إىل أف وصلنا إىل مدينتو‪ ،‬حيث اقتٌت اؼبأكوالت‬ ‫أحيانا‪ ،‬ونكوف ّ‬ ‫واؼبشروبات اليت يفًتض أف تكوف عشاء لنا؛ وقد طلبت منو إحضار بيتزا يل ألنٍت أعشقها‬ ‫جدا‪ ،‬مث بعد ذلك توجهنا لشقتو مع حلوؿ الظبلـ‪.‬‬ ‫كانت شقتو يف الطابق األرضي من البناية‪ ،‬وقد كانت تبدو غَت كثَتة االستعماؿ؛ عفشها‬ ‫قليل‪ ،‬غبار قليل يكسو زوايا منها‪ ،‬مطبخ تتكور األواين اؼبتسخة فيو‪ ،‬وحىت رائحة اؽبواء بدت‬ ‫كأهنا قديبة‪...‬ال أدري كيف أصفها فعبل ! أخخخ كل ذلك كاف ـبيفا ومقرفا يف نفس‬ ‫الوقت‪ ،‬فبعث القرؼ يف روحي والفضوؿ‪ ،‬لذلك رحت أوجو لو األسئلة‪:‬‬ ‫ ما ىذه الشقة؟‬‫ إهنا شقة أصبحت ملكنا بعد أف تويف صاحبها الذي يقربنا‪.‬‬‫ أال يوجد شخص ليعتٍت هبا وينظف ىذه األوساخ اؼببعثرة يف أرجاءىا؟‬‫ ال يوجد‪ ،‬أنا فقط أبيت فيها من وقت لوقت‪.‬‬‫ يا سبلـ !!‬‫ورغم ما كاف جلسنا أماـ طاولة ببلستيكية يف غرفة اؼبعيشة حيث أعطاين علبة البيتزا اليت‬ ‫فتحتها ورحت آكلها قطعة قطعة بشهية كبَتة ونفس سعيدة بينما كبن نتشارؾ اغبديث؛‬ ‫وباكيٍت عن حياتو‪ ،‬وأخفف من حزين وأنا أصارحو خبيبيت يف إهباد حبيب جاد لروحي اؼبعذبة‪،‬‬ ‫ذلك اغببيب الذي مل أستيقظ من حلم إهباده مطلقا‪ ،‬رغم أنٍت ال أدري إف كنت سأعثر عليو‬ ‫أـ ال ! وأنا متأكد أف ال جواب يوجد‪.‬‬ ‫سألٍت ؼباذا قد أستمر يف ىذا الدرب اجملهوؿ‪ ،‬فلم أجد سوى أف أرد عليو بأنٍت ال يبكنٍت‬ ‫التخلي عنو‪ ،‬ال يبكنٍت التوقف يف مساري ألف شيئا يشدين إىل ذلك‪ ،‬يشدين إىل إهباد اغببيب‬ ‫والبقاء إىل جانبو بينما كبن نبتسم‪ ،‬لذلك أنا أركض كبو كل مكاف كي أجده‪ ،‬الريح تدفعٍت‬ ‫كل مرة‪ ،‬حىت ألتقي بو يوما ما‪ ،‬فأواجو اؼبستقبل دوف‬ ‫من ظهري إىل األماـ ألبدأ رحلة جديدة ّ‬ ‫أف أنظر للخلف معو‪...‬لذلك أنا أسبٌت حظا سعيدا لطريقي‪ ،‬للدرب الذي أؤمن بو‪.‬‬ ‫ ماذا لو حصل ومل ذبد ىذا الرجل الذي تبحث عنو؟ قاطعٍت ((ىشاـ))‬‫فرحت أجيبو‪:‬‬ ‫‪ -‬قد وبدث وال أحصل على ما أريد‪ ،‬لكن ذلك سيحدث إذا مل أركض يف كل مكاف‪،‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ومل أستمر باحملاولة‪...‬لن أندـ أبدا‪ ،‬ألنٍت أعلم عندما أجده أننا سنتمكن من الضحك‬ ‫ؾبددا‪ ،‬وأشعر أنو سيكوف بإمكاننا التغلب على اؼبصاعب اليت وبملها اؼبستقبل‪.‬‬ ‫سبل من الفشل مرة تلو األخرى‪ ،‬أال ترى ذلك مضيعة للوقت؟‬ ‫ لكن أمل ّ‬‫ اظبع يا ((ىشاـ)) أنا مل أعد خائفا من الفشل‪ ،‬مل أعد أخشاه ! فلقد قطعت ىذه‬‫وصقلت شخصييت‬ ‫اؼبسافة رغم العثرات‪ ،‬وأنا سعيد دبقابلة كل شخص تعلمت معو ُ‬ ‫بسببو‪ ،‬لذلك أظن أنٍت سأتابع مشواري مع ابتسامة على الوجو‪.‬‬ ‫ يبدو كبلمك وحلمك صعب اؼبناؿ‪ ،‬خاصة يف ببلد كببلدنا‪ ،‬ومع عقليات كالعقليات‬‫اليت لدى سكاهنا‪ ،‬ال قيمة يف العامل ستكوف دبثل ىؤالء الناس ألنو هبب أوال اغبصوؿ‬ ‫على اغبقيقة وتطهَت ىذا العامل منهم‪...‬من أجل عامل جديد‬ ‫ فبممم ! فبكن لكن اغبقيقة ليست أداة تستخدـ لتدمَت الواقع‪ ،‬حىت لو كاف ىناؾ‬‫عامل جديد‪ ،‬لن يؤدي ىذا لتغيَت اغبقيقة ألهنا موجودة حولنا‪ ،‬ويكفي أف نفهمها‬ ‫فقط كي ندركها‪.‬‬ ‫عندىا قاؿ ((ىشاـ))‪:‬‬ ‫ أنا حقا أشفق عليك؛ تستمر هبذا اإليباف مع علمك باغبالة البائسة اليت أنت‬‫فيها‪...‬أنت لن ذبد الدؼء ىنا أبدا‪ ،‬كما أنٍت سعيد دبقابلتك؛ فقد أدركت دبعرفتك‬ ‫كم من القوة يبكن أف يبكن للحب أف يبنح لئلنساف‪.‬‬ ‫فأجبتو‪:‬‬ ‫علي؟ أنا أعرؼ أف حيايت ضبلت يل العديد من األشياء اؼبزعجة‪ ،‬لكن‬ ‫ ؼبا قد تشفق ّ‬‫علي‪ ،‬فهذه أمور ربدث‬ ‫األشياء اؼبزعجة ال ذبعلٍت بائسا‪ .‬ليس لديك سبب لتشفق ّ‬

‫للجميع على اختبلفها‪ ،‬وإف أنكرهتا سأنكر نفسي‪ ،‬وسأنكر اؼبثلية أيضا‪...‬أنا أريد أف‬ ‫أؤمن باعبهد الذي ربملو اؼبثلية‪...‬أريد أف أؤمن بو !‬ ‫ ىا ! أعتقد أف رقتك ىذه سًتد عليك‪ ،‬وستقتلك يوما ما يا ((مبلذ)) ستبدأ بفهم‬‫ىذا حاؼبا تصل لعمري بعد العيش عرب معارؾ كثَتة‪...‬ما تقولو صعب أكثر من إبقاء‬ ‫شخص ما حيا وقد ضربت عنقو !‬ ‫‪ -‬أنا أعتقد بنفس األمر الذي تعتقده عندما وبوـ حويل الشك‪ ،‬وأحياف أشعر أف ال‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫فائدة من األمر فعبل ! لكن بسبب ذلك يبكننا أف نكافح كي نصبح أقوى‪ ،‬فكل‬ ‫خطوة تقودنا لشيء أعظم‪...‬لذلك أنا متأكد أننا سنكوف قادرين على التغيَت‪...‬ألننا‬ ‫ضعفاء‪...‬وألف اؼبوت أمر ؿبتم‪ ،‬البشر واؼبثليوف منهم وباولوف أفضل ما عندىم‪،‬‬ ‫وينتهي هبم األمر أقوى كما ترى‪ ،‬وإذا مازاؿ قلبك وبمل تردد‪ ،‬حاوؿ تذكر العصور‬ ‫اؼبرعبة من تاريخ البشرية وكيف قد ذباوزناىا وىا كبن اآلف لبجل فبا اقًتفو البشر وقتها‬ ‫بيد أف ذلك كاف يبدو الصواب يف نظرىم وقتها‪.‬‬ ‫ لقد اخًتت الطريقة الصعبة يا ((مبلذ)) أنت فبل غريب ! لكن لن أكذب أنا فعبل‬‫أحسدؾ قليبل‪.‬‬ ‫كل ما أريده منك أف ال زبسر رباطة جأشك‪ ،‬وأف ال تتقبل اؽبزيبة بكل‬ ‫ صبيل ! ّ‬‫بساطة )‪:‬‬

‫أمضينا ما تبقى من اليوـ يف تلك الشقة‪ ،‬أو على األقل أنا من فعل ذلك؛ ألنو كاف ىبرج‬ ‫من وقت آلخر‪ ،‬وبينما ىو ىناؾ كاف وبدثٍت عن الوقت الذي عرؼ فيو أنو مثلي اؼبيوؿ‪،‬‬ ‫وكيف تعامل مع األمر؛ كلما ظبعت ىذه القصص من قبل األشخاص وجدت تشابو كبَت‬ ‫فيها؛ اعبميع يعرؼ ذلك يف سن اؼبراىقة تقريبا‪ ،‬مث ىبفي ذلك عن من حولو بينما يعيش‬ ‫اضطرابات نفسية حىت يأيت اليوـ الذي إما أف يتقبل نفسو كما ىي‪ ،‬أو يستمر بالنظر لنفسو‬ ‫على أنو مريض ؿبتاج لعبلج فيدمر ذاتو وحياتو‪ ،‬ويفوت على نفسو الصداقات وفرص‬ ‫علي عبلقاتو مع الشركاء الذين صادفهم يف حياتو وألكوف صروبا مل‬ ‫السعادة‪...‬مث راح يقص ّ‬ ‫كما وليس نوعا‪،‬‬ ‫يعجبٍت ذلك اغبديث مطلقا ألنٍت التمست من ثناياه حبثا عن اعبنس فقط ّ‬ ‫فرحت اخترب الرجل مرة بعد مرة‪ .‬ال أظن أف أحدا سيلومٍت على ذلك ألنٍت ال أريد أف أرمي‬ ‫نفسي يف أحضاف رجل ينظر إىل من منظور أنٍت جسد فبتع يفرغ فيو شهوتو‪ ،‬أو أنٍت أداة‬ ‫إلشباعو‪ ،‬أنا أريد من ينظر ماذا يوجد داخل ذلك اعبسد؛ ذلك الغبلؼ الذي يبتلكو اعبميع‬ ‫ولطاؼبا سيمتلكو الناس غَت أنو ليس كفيل بالتفرقة بُت من ىو حقا إنسا ٌف يبتؤل جوفو باغبب‪،‬‬ ‫واػبَت والرغبة يف مساعدة الناس واحًتامهم‪ ،...‬وبُت من ىو شرير وخبيث‪ ،‬وأناين يسعي‬ ‫إلسعاد نفسو ولو على حساب اآلخرين‪.‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫بعد انتهاء تلك احملادثة اليت صبعتنا نبمنا بطرح الفراش على األرض‪...‬الال ! لقد كاف‬ ‫مطروحا على األرض بالفعل؛ فكاف ىناؾ فراشاف على أرضية الغرفة اليت تناولنا فيها العشاء‬ ‫لشخصُت‪ ،‬ردبا كاف قد أعدنبا مسبقا‪ ،‬ورغم اكبشارنا فيهما إال أف حديثنا انبعث من جديد‪،‬‬ ‫لكن ىذه اؼبرة حديثو كاف متمركزا حويل بكل معٌت الكلمة؛ عائليت‪ ،‬حيايت‪ ،‬عبلقايت‪...‬إىل أف‬ ‫أفضلها‪ ،‬كاف يسألٍت بينما يربت على ظهري‪،‬‬ ‫راح وباوؿ معرفة الوضعيات اعبنسية اليت ّ‬ ‫ويداعب خصبلت شعري‪ ،‬لكن عندما صارت ىذه اؼببلمسات تتجو ألماكن ضبيمة بكل‬ ‫وقاحة‪ ،‬قررت أف أصارحو‪ ،‬فأخربتو‪:‬‬ ‫ اظبع يا ((ىشاـ)) أنا ال أود فعل ىذا معك؟‬‫ نفعل ماذا؟‬‫ ألكوف واضحا جدا؛ أنا ال أريد أف أمارس اعبنس معك‪.‬‬‫ آه ! بلى‪ ،‬بلى سنفعل‪...‬أال تريد أف نعيش تلك اللحظات الساخنة؟ أليس ىذا ما‬‫كنت تبحث عنو وتنتظره؟‬ ‫ أنا كنت أحب ػ‪ ! ....‬من أين جاءتك فكرة تقويلي ىذا؟‬‫ أأنت مصاب بفقداف الذاكرة؟ أمل تكن تقل أنك تبحث عن اغبب؟ ؼباذا هترب منو‬‫إذف من أوؿ فرصة جاء إليك فيها؟؟‬ ‫ أوووؼ ! اظبع يا ((ىشاـ)) لقد مللت فعبل وتعبت إىل حد النخاع من تكرار نفس‬‫كل غبظة وأنت تلمسٍت تلك‬ ‫الكبلـ‪ ،‬لذا ىا أنا أصارحك؛ لقد كنت أنكمش يف ّ‬ ‫اللمسات الغامضة‪ ،‬وكنت أحاوؿ االنسحاب إىل أبعد زاوية كي ال أضطر إىل أف‬ ‫أقوؿ لك ىذا‪ ،‬لذا أرجوؾ ال رباوؿ معي‪...‬‬ ‫ كيف ! لكن ؼباذا؟‬‫ أنا صراحة ال أظن أف ىناؾ عبلقة ستنشأ بيننا كبن االثناف‪ ،‬كما أنّك لست مهتما‬‫فعبل بإهباد شريك لك رببو‪ ،‬ردبا ستحبو بالطريقة اليت تريدىا مٍت اآلف‪ ،‬وال أظن أين‬ ‫سأجد عندؾ ما أحبث عنو‪ ،‬لذا أرجوؾ دعنا ال نضيع الوقت‪.‬‬ ‫ أنت ال تعرفٍت جيدا حىت تقوؿ ىذا؟‬‫كل حرؼ كنت أتل ّفظ بو‪ ،‬مع كل كلمة كنت أقوؽبا‪ ،‬ومع‬ ‫كانت ىذه احملادثة تتعبٍت مع ّ‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫كل معٌت كنت أفكر فيو‪:‬‬ ‫ صدقٍت أنا أعرؼ‪ ،‬ولو تعلمت شيئا من ذباريب السابقة سيكوف معرفة نوايا الناس‬‫وأنواع قلوهبم‪ ،‬لقد صرت أعلم كل ذلك صدقٍت األمر سهل جدا؛ كل ما يتطلبو‬ ‫ؿبادثة طويلة مث تتبع أثر كبلمهم وتصرفاهتم‪ ،‬ستميز الكبلـ الذي يعكس ما يف‬ ‫داخلهم من الكبلـ اؼبزين واؼببهرج كلما طالت تلك احملادثة أكثر‪...‬أمر ؿبزف أف‬ ‫ىبتفي ذلك الربيق اعبميل الذي يبلزـ البداية دائما بالنسبة للبعض‪ ،‬وأف وبل ؿبلو‬ ‫بشاعة وغباء‪...‬أوووؼ !‬ ‫ سباـ لقد فهمت‪ ،‬لكن ىل ىذا يعٍت أنك ستقطع عبلقتك يب هنائيا؟‬‫ ليس ضروريا‪ ،‬ألنٍت سأكوف سعيدا جدا بصداقتك‪ ،‬ىل ستفعل أنت؟‬‫ردؾ يل‪ ،‬ىبل‪...‬‬ ‫ أنا حقا منزعج من ّ‬‫ أرجوؾ ال رباوؿ‪ ،‬ال ؾباؿ عندي كي أفكر يف ذلك ؾبددا‪ ،‬لذا دعنا ننم ونرتاح‪،‬‬‫أحل مسائلي العالقة‬ ‫علي العودة غدا مبكرا كي أوفر بعض الوقت و ّ‬ ‫فأنت تدرؾ أف ّ‬ ‫ حسنا‪ ،‬حسنا‪...‬تصبح على خَت إذف !‬‫دخلت ربت الفراش ووضعت رأسي على الوسادة ألجل أف أناـ‪ ،‬أما ىو فقد أخذ ضباما‬ ‫يف ذلك الوقت من الليل‪ ،‬وقد كاف أيضا مستمر اغبلوؿ واإلياب لفراشو وكأنو منبّو مضبوط‬ ‫عيٍت رحت أفكر يف حايل ووجودي يف ىذا العامل‬ ‫على ذلك ! فلما طرد ذلك النعاس من ّ‬ ‫البائس؛ ألري ؾبددا كيف ىو اغباؿ أف تستمر يف البحث اؼبميت عن ىذا اغبب‪ ،‬وأنت تدرؾ‬ ‫أف أنو لن يصبح أبدا بالطريقة اليت تريدىا‪ ،‬كما أنك لن تستفيد منو بأي شكل وىو على ىذه‬ ‫اغبالة يف ىذه الببلد العفنة ! كنت أنكمش يف ذلك الفراش يبؤلين األمل الشديد‪...‬كائن ىش‬ ‫أال تظن ذلك؟‪...‬أنكمش يف ذلك الظبلـ أحاوؿ اؽبروب من ىذا الواقع ونسيانو لفًتة مؤقتة؛‬ ‫كنت أبدو كمن يريد أف يصحح األخطاء اليت أصيبت هبا حياتو‪ ،‬كنت أسبٌت ذلك مثل‬ ‫الطفل‪ ،‬من أعماقي كنت أطلب لو تكفلت أنا برسم ـبطط حيايت‪...‬كم يبدو ىذا مروبا !‬ ‫أليس كذلك؟‪...‬مثل الطفل اؼبدلل اللعُت‪ .‬لكن مل يكن يف نيّيت إال أف أكوف سعيدا وأف أجعل‬ ‫اعبميع حويل كذلك‪ ،‬أريد إهناء اغبروب اليت تقتل حبماقة مرة تلو األخرى‪ ،‬أردت فقط مسح‬ ‫اآلالـ واألحزاف اليت تلوف ىذه اغبياة اليت فُرضت علينا دوف أف يكوف لدينا خيار أو رأي‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫بشأهنا‪ ،‬أردت اغبرية اغبقوؽ يل وللجميع على ىذا الكوكب التعيس‪...‬‬ ‫الحقا بعد ذلك اعبدؿ العميق‪ ،‬كل ما أردت فعلو مع ((ىشاـ)) وىذه العبلقة؛ أف تكوف‬ ‫لدي الشجاعة إلهنائها‪ ،‬أقطعها‪ ،‬أصافحو‪ ،‬مث أرحل‪...‬ردبا ىذا صعب من ناحية ما ولكن يف‬ ‫النهاية ىذا ما سيجعلٍت أنضج‪.‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫كربة منوذجية‬


‫مل يكن ىناؾ دليل على أف شرور العامل زبتفي؛ مل يتغَت شيء فعبل مذ أف اكتشفت أنٍت‬ ‫مثلي‪ ،‬وعانيت بسبب ذلك‪ ،‬أو حىت بعد أف تقبلت نفسي على ما ىي عليو‪...‬دبعٌت آخر‬ ‫يبكن القوؿ بأين مل أقم بأي تأثَت‪ ،‬ال أشعر باغبزف بشكل خاص ؽبذا‪ ،‬لكن يوجد شيء‬ ‫يزعجٍت يف اآلونة األخَتة؛ مع مرور األياـ تصبح مشاعري أكثر بعدا‪ ،‬اػبوؼ‬ ‫والتوتر‪...‬اؼبتعة‪...‬الغضب‪ ،‬ال أكاد أشعر بأي منها بعد اآلف‪ ،‬ردبا يف مقابل تقبل اؼبثلية‬ ‫خسرت شيئا مهما للبشر‪ ،‬كنت أحس جبميع أنواع اؼبشاعر كدوامة بداخلي عندما كنت عالقا‬ ‫يف دىليز إهباد ذايت‪...‬ذعر‪..‬خوؼ‪...‬تعب‪...‬لكن اآلف كل ما احتاج إليو ىو أف أتقبل صبيع‬ ‫األمور أيضا ! ال أعرؼ حقا ىل ىذا أمر جيد أـ سيء‪ ،‬ردبا سأكتشف ىذا قريبا كذلك‪.‬‬ ‫مل يكن لدي خيار سوى احملاولة من جديد باحثا عن حب حقيقي‪ ،‬على رغم فشل كل‬ ‫علي وأكملت البحث‪...‬تلك الكلمات كنت أقوؽبا‬ ‫ؿباوالت البحث السابقة‪ ،‬مل أدعها تؤثر ّ‬ ‫لنفسي‪ ،‬رغم أف االحتماالت مل تكن يف جانبٍت لذا كنت أرى أف االنسحاب والتوقف ينم عن‬ ‫اعبنب؛ فحىت لو مل يكن باستطاعيت رؤية اؼبستقبل على الفوز يف النهاية بشجاعة‪ ،‬كي أحتفل‬ ‫بنبيذ النصر عندىا ! دوف أف ينتهي اؼبطاؼ يب مهزوما‪ ،‬وؽبذا ىا أنا أستمر يف ىذا الدرب‬ ‫درب يبكنٍت أنا فقط إهباده‪ ،‬وسبنيت يوما ما أين‬ ‫الذي أؤمن بو ليكوف الشيء الصحيح‪ٌ ،‬‬ ‫سأجده وأخرب اعبميع عنو كي ال يستسلموا‪.‬‬ ‫ما حدث تاليا كاف مشوقا فعبل‪ ،‬مشوقا لدرجة أرتٍت معٌت وقيمة العيش‪ ،‬مثل ىذه اغبادثة‬ ‫جعلتٍت أحلم بالغد؛ كالعادة على موقع ((الفيسبووؾ)) كنت أتصفح اؼبوقع دبلل ومقت‪ ،‬إىل‬ ‫أف أرسل أحدىم يل رسالة وبيٍت فيها‪ ،‬فحييتو بدوري ورحنا نتعارؼ على بعض؛ حيث أخربين‬ ‫بتلك األمور اليت تُقاؿ عادة يف مواقف كهذه؛ االسم‪...‬العمر‪...‬العمل‪...‬وغَت ذلك‪ ،‬وقد‬

‫عرفتو أنا على نفسي كذلك‪ ،‬وبعد أف ذباوزنا ىذه اؼبرحلة راح ((زين الدين)) وبكي يل عن‬ ‫مثلي اؼبيوؿ‪.‬‬ ‫مثليتو والفًتة اليت اكتشف فيها أنو ّ‬ ‫بصراحة مل أعد أثق يف اعبزائريُت الذين يقولوف يل أهنم مثليوف موجبوف‪ ،‬ألف اؼبفًتض من‬ ‫اؼبثلي اؼبوجب أف يبيل لبٍت نوعو وحسب‪ ،‬لكن من خبلؿ ذباريب معهم ظبعت منهم بعد ىذه‬ ‫اعبملة أهنم يبيلوف كذلك لئلناث بنسب متفاوتة على حد أقواؽبم‪ ،‬وىذا خلق ىاجسا بالنسبة‬ ‫يل_رغم صدقهم أو كذهبم_ فبالنسبة لشخص ّيود شريكا كي يستمر معو ىذا األمر يشكل‬ ‫هتديدا كبَتا؛ فهذا اؼبوجب الذي ىبلط كبلمو بأنو يبيل للجنسُت يسمى أوال ثنائي اؼبيوؿ‪،‬‬


‫ولكن األمر اؼبهم ىو أنو قد ىبضع لضغوط أسرتو‪ ،‬أو اجملتمع‪ ،‬أو ردبا يصغي ألفكاره_ألف‬ ‫اؼبوجبُت يقارنوف أنفسهم مع اؼبغايرين ووببوف تقليدىم ىنا يف اعبزائر_ فيًتكك ويذىب ليتزوج‬ ‫من فتاة على سنة اهلل ورسولو‪ ،‬ألهنم يظنوف غبد اآلف أف مثليتهم ستختفي بعد زواجهم ىذا !‬ ‫وىذا السبب دفعٍت ألف ال أنشئ أي عبلقة جادة مع من يقوؿ ىذا‪ ،‬إال أنٍت ؼبا سألت ((عز‬ ‫الدين)) إف ما كاف ينجذب كبو اإلناث‪ ،‬غَت أنو نفى ذلك صبلة وتفصيبل‪ ،‬وأعلمٍت بأف ميلو‬ ‫وصب االظبنت عليو‪ ،‬وقد استغربت ذلك ألنٍت صراحة مل أقابل من قاؿ يل‬ ‫لئلناث قد مت دفنو ُّ‬ ‫ذلك‪ ،‬ورحت أسألو عن يوـ اكتشافو ؼبثليتو‪ ،‬فأجابٍت أنو اكتسبها عندما كاف يف إيطاليا عندما‬ ‫كاف يف أحد الليايل يسهر يف ديسكو معُت‪ ،‬حيث الحظو أحد الشباب العريب وتقدـ منو‬ ‫ليقوؿ لو‪:‬‬ ‫ أىبل أنت جزائري صحيح؟‬‫فأجابو ((عز الدين)) ‪:‬‬ ‫ نعم‪.‬‬‫ ىل يبكن أف تسدي خدمة يل‪.‬‬‫ حسنا‪ ،‬ما ىي؟‬‫ اظبع إذف‪ ،‬أنا أسكن يف ليبيا وأنا ىنا بسبب العمل‪ ،‬ومشكليت مع رئيسي يف العمل‪،‬‬‫مثلي فأخذه مٍت كي يستمر يف‬ ‫فهو إمارايتّ ووبجز على جواز سفري منذ أف علم أنٍت ّ‬ ‫مضاجعيت وال أىرب وأزبلى عنو‪ ،‬لكنٍت أكره ىذا اعبور‪ ،‬وأريد اؽبرب والعودة لبلدي‬ ‫بأي طريقة‪ ،‬أرجوؾ ساعدين !‬ ‫ فبمم‪ ،‬ال أظن أف يف مقدوري مساعدتك‪.‬‬‫وعندما ىم بالرحيل استوقفو الرجل وراح يًتجاه‪:‬‬ ‫ أرجوؾ يا أخي ساعدين وأطلب مٍت أي شيء‪ ،‬أنا مستعد ألي طلب أريد فقط‬‫اؽبروب من ىذا اغببس‪.‬‬ ‫وعندما مل هبد منفذا يف نفسو وضمَته أماـ ترجيو لو‪ ،‬أخربين بأنو عندما كاف عائدا‬ ‫للجزائر أخذه معو‪ ،‬وأعاده لوطنو عن طريق أحد معارفو يف اعبمارؾ أو اؼبطار‪...‬لكٍت‬ ‫استغربت ىذه اغبكاية وقلت لػ((عز الدين))‪:‬‬ ‫مثلي؟‬ ‫‪ -‬أأصبحت مثليا دبجرد حديثك مع ّ‬


‫فأجاب‪:‬‬ ‫ ال ليس كذلك فقط‪ ،‬بل يف الليلة اليت كنا سنعود يف صباحها لبلداننا بتنا مع بعض‪،‬‬‫وقد حاوؿ أف يكوف لطيفا معي لذا بدأ يقبلٍت ويلمس مناطق من جسدي‪ ،‬وقد كنت‬ ‫سكراف يف تلك الليلة فوقع ما وقع‪ ،‬واكتسبت مثلييت‪...‬وأنت كيف كانت قصتك؟‬ ‫أكيد حدثت لك قصة مشاهبة‪.‬‬ ‫ نعم ! لكن ليس كقصتك سباما‪.‬‬‫ ىبل شرحت أكثر؟‬‫ عندما وقعت أوؿ حادثة‪ ،‬مل أكتسب اؼبثلية بعدىا‪ ،‬بل أنا من سعى لوقوع اغبادثة مع‬‫ابن اعبار وكاف يل رغبة يف أف هبامعٍت قبل ذلك بفًتة طويلة قبل أف تصبح الرغبة‬ ‫واقعا‪.‬‬ ‫ وبعد ذلك؟‬‫ماضي أكثر من ذلك‪ ،‬لذا دعنا نركز علينا‪.‬‬ ‫ أنا ال أحب أف أسًتسل يف اغبديث عن‬‫ّ‬ ‫ سباـ‪.‬‬‫وعندىا سألتو‪:‬‬ ‫ ؼباذا تبحث عن شريك‪ ،‬وماذا تريد وتتوقع منو؟‬‫فراح هبيب‪:‬‬ ‫ أنا يف الثبلثُت من عمري‪ ،‬ماذا قد أريد عدا الرغبة يف إهباد أحد يقف إىل جانيب يف‬‫اؼبستقبل القريب؛ أجده عندما أعود للمنزؿ سريعا فيقف يف انتظاري‪ ،‬عندما أرجع‬ ‫مباشرة ألجلو‪..‬أحضنو‪...‬أضمو إيل‪..‬وأحكي لو ليخفف عٍت؛ ىبفف عٍت ضعفي‬ ‫الذي أخفيو عندما أبديو لو‪ ،‬فتصلو ىذه اؼبشاعر لَتبط يده بيدي وال يفلتها حىت لو‬ ‫زادت األمور صعوبة‪ ،‬ويشحنٍت من جديد عندما أستنفذ طاقيت‪ ،‬أريد منو أف يقلق‬ ‫ويبقى مستيقظا عندما ال أعود للمنزؿ‪ ،‬مث يتصل يب ىبربين أف أعود للمنزؿ‬ ‫سريعا‪...‬أريد لوجودي أف يكوف مهما ألحدىم‪ ،‬وال أظن أف أحدا غَت اغببيب قد‬ ‫يهمو ىذا‪ .‬أريد أف آخذ منو ضوء شعاع صغَت ينَت يل الطريق‪..‬أف هبمع القطع اؼببعثرة‬ ‫من قليب احملطم حىت يبتؤل ويبتؤل ويبتؤل‪ ،‬حُت يصبح اعبو أكثر برودة نوره يبؤلين‬ ‫بالكامل الليلة ويف الغد وحىت يف األماكن األكثر ظلمة‪...‬لكن كل ما يبكنٍت فعلو ىو‬


‫التفكَت يف كل ذلك بعيوين اؼبغلقة فقط‪...‬لو أكوف معو فالعامل سيكوف ملكا يل‪ ،‬إذا‬ ‫كاف جبانيب يبكنٍت السَت بينما أدندف غبنا‪ ،‬طاؼبا يكوف معي سأكوف قادرا على‬ ‫الذىاب آلخر الدنيا‪ ،‬حىت لو كاف دربا ال يبكنٍت السَت فيو وحدي‪...‬سنحضر الضوء‬ ‫لسماء الليل اليت ببل قبوـ‪...‬أريد أف نكوف يف مكاف ال يصل الشك فيو إلينا‪...‬نناـ‬ ‫مع بعض ألنٍت لن أحلم بدونو‪ ،‬سنمسك أيدينا بعضنا لنضمن أننا لن نفًتؽ‪.‬‬ ‫كاف وقع كبلمو يف نفسي كزىور تتفتح بعد كل صبلة كاف يقوؽبا ! ردبا أف تًتؾ مشاعرؾ‬ ‫ربركك لن يوصلك بعيدا‪ ،‬لكن أحسست كما لو أف ىذا الرجل لن ىبذلٍت أبدا‪ ،‬ألنو صادؽ‪،‬‬ ‫لدرجة أنو يبلك نفس أفكاري بعد أف أعارين ظبعو ورحت أقصص عليو رغبايت اليت مل تكن‬ ‫ـبتلفة مطلقا عن اػباصة بو‪ .‬لقد كاف اغبزف اظبنا األوسط أنا ىو‪ ،‬وكبن ال نريد أف نشعر على‬ ‫ىذا النحو ؾبددا‪ ،‬لذا راح كل واحد يأمل يف اآلخر على سبيل التغيَت‪ ،‬حىت أف تعارفنا ىو‬ ‫أفضل شيء حدث من أي شيء آخر‪.‬‬ ‫وبعد مدة ليست بطويلة تبادلنا الصور‪ ،‬فرآين ورأيتو؛ لن أخفي ىذا لكنو أعجبٍت فعبل‬ ‫حىت يف مظهره اػبارجي؛ فقد كاف فبتلئ اعبسم‪ ،‬لديو بشرة ؿبمرة بشكل خفيف وشعر بٍت‪،‬‬ ‫كما أنو يًتؾ شارباه فبا منحو رجولة زائدة تفيض من وجهو‪ .‬إال أنو مل يكن الوحيد يف الصورة‬ ‫بل يف كل صورة يكوف فيها كلب جبواره‪ ،‬نفس الكلب غالبا ! فلما ربدثنا الحقا سألتو عن‬ ‫قصة ذلك الكلب‪ ،‬فأجاب‪:‬‬ ‫ ذلك ليس كلبا‪ ،‬بل صديقي‪.‬‬‫فهمت مقصوده وما الذي قد يعنيو الكلب لو‪ ،‬وتابعت السؤاؿ‪:‬‬ ‫ آىا ! صديقك‪...‬ال بد وأ ّف لو اظبا؟‬‫ نعم بالتأكيد؛ اظبو ((ماكس))‪ ،‬وىو أفضل من اإلنساف بالنسبة يل‪ ،‬أزبذه صديقا يل‬‫ويل فيو مآرب أخرى‪.‬‬ ‫ ومل قد تتخذ ىذا الك ػل ػ‪...‬أقصد ((ماكس)) صديقا؟‬‫ ألنٍت أنفر من ىؤالء البشر الظبلميُت؛ العالقُت يف اعبهل‪ ،‬واؼبصاحل‪ ،‬والطمع‪،‬‬‫وباألخص النفاؽ !‬ ‫‪ -‬أنا أفهمك جيدا‪.‬‬


‫ أو ىل تعلم شيئا؟‬‫أجبت مسرعا‪:‬‬ ‫ ماذا؟‬‫ ((ماكس)) سيعيش معنا عندما نتزوج؟‬‫ نتزوج؟ أنا وأنت تقصد؟‬‫ نعم ومن غَتنا‪.‬‬‫وؽبذا السبب كانت ىذه العبلقة مشوقة‪ ،‬فهو أوؿ إنساف يطرح فكرة الزواج‪ ،‬حيث أنٍت مل‬ ‫أصل إىل ىذه النقطة مع أحد من قبل ! كاف قولو لتلك اعبملة يسحب ـباويف من عقلي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لدرجة جعلتٍت ال أخاؼ من شيء بسبب الروابط القوية اليت صبعت‬ ‫وهبعلها أوىاما وصوال‬ ‫قلبينا يف ىذه اؼبدة القصَتة‪ ،‬وبعد أف ظبعت ىذا منو أصبح جل ما يشغل تفكَتي ىو ((عز‬ ‫كل ليلة‪ ،‬حيث ال يبكنٍت اؽبروب من ضوءه ودفئو‬ ‫الدين)) وعشقي لو؛ فهو يتدفق إيل ّ‬ ‫كل ما أراه وأحس بو‪ ،‬عندما يكوف الليل متعِبا ويشتد ظبلمو‪ ،‬يتصل يب‬ ‫اؼببهرين‪ ،‬ألف ذلك ّ‬ ‫ليخربين أنو ال يستطيع قوؿ كلمة ''أحبك'' لغَتي‪ ،‬وعندما يصارحٍت بذلك أحس أين أستطيع‬ ‫ؼبس النجوـ من كثرة ضباسي‪ ،‬باإلضافة إىل شكره يل ألنٍت وضعت جوىرة مثلي بداخل قلبو‬ ‫البائس الفارغ الذي ال أحد فيو‪ ،‬وكنت بدوري أبادلو عبارات العشق الصادقة الصادرة من‬ ‫أعماؽ الفؤاد‪ :‬ابق جبانيب‪ ،‬فبوجودؾ أسبكن من التنفس‪ ،‬من فضلك ال تفلتٍت‪...‬أنا جد سعيد‬ ‫اؼبتغَت باستمرار‪ ،‬أسبٌت أف نتغَت كبن كذلك لكن ليكن لصاحل حبنا‬ ‫دبقابلتك يف زاوية ىذا العامل ّ‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫ويف أحد الليايل كالعادة اتصل يب ((عز الدين)) وبدثٍت‪ ،‬غَت أنو بدا على غَت عادتو‪:‬‬ ‫ ألو ((مبلذ)) !‬‫ نعم حبييب‪ ،‬كيف حالك؟‬‫ أنا لست خبَت يا حبييب‪.‬‬‫ ؼباذا يا ترى؟ أخربين لردبا أخفف عنك؟‬‫ ال أظن أنك تقدر‪.‬‬‫ لن لبسر شيئا ىيا أسرع و أخربين‪ ،‬فأنت ال تبدو على ما يراـ !‬‫‪ -‬بالفعل أنا كذلك‪ ،‬فأنا حاليا سكراف‪.‬‬


‫ يا للهوؿ ! ما ىذا اعبلل الذي قد يدفعك للسكر؟‬‫ ال‪ ،‬إهنا عادة فيّا‪ ،‬وهبذا الشأف اتصلت بك؛ ال أريد أف أخفي عليك ىذه األمور‪،‬‬‫فأنا أحس كما لو أين أخدعك‪.‬‬ ‫ حسنا تابع‪..‬‬‫ كما ترى اآلف أنا مدمن على الشرب بشدة‪ ،‬وليت األمر توقف عند ىذا اغبد أنا‬‫كذلك متقلب اؼبزاج؛ أغضب‪ ،‬وأحزف دوف سبب‪...‬أكسر األشياء وأفتعل مشكبلت‬ ‫مع الناس‪...‬‬ ‫ يا حراااـ ! أكاد ال أصدقك‪ ،‬وأنت ذلك الشخص الطيب واغببيب الدافئ واغبنوف‬‫الذي يكلمٌت كل يوـ‪.‬‬ ‫ ذلك ألنٍت أستأنس إليك‪ ،‬وأحبك‪ ،‬فأنت الوحيد الذي أتفاىم معو ويفهمٍت‪..‬‬‫ أصغ إيل يا روحي‪ ،‬اعًتافك يل ىذا ال هبعلٍت حزينا وأرغب يف قطع عبلقيت بك !‬‫أنت تدرؾ أننا لن نعيش على السحاب حيث ال شيء يقلقنا‪ ،‬بل ستكوف ىناؾ‬ ‫مشاكل واضطرابات أحيانا‪ ،‬إال أف ىذه أمور يبر هبا اعبميع‪ ،‬وأعدؾ أنٍت سأكوف‬ ‫اغببيب الذي سيحاوؿ جعلك تبتسم‪ ،‬وإذا مل أستطع سأحزف معك‪...‬‬ ‫ أنا فقط ال أريد أف أثقل عليك دبشاكلي‪..‬‬‫ أنت ال تفعل‪ ،‬بل سأكوف فبتنا عندما زبربين هبا‪ ،‬فهذا التصرؼ ينم عن اىتمامك يب‪،‬‬‫وىذا يسر النفس‪.‬‬ ‫ حسنا‪ ،‬سأخربؾ بشيء أخَت بعد‪.‬‬‫ أنا أستمع‪.‬‬‫ عندما أسكر‪ ،‬أضاجع يف كثَت من األحياف شبابا‪ ،‬بسبب سكري‪.‬‬‫ آه ! ؼباذا قد تفعل ىذا أال يكفيك أف تسكر فقط؟‬‫ أترى ! لذا ال أظن أنٍت سأكوف قادرا على االلتزاـ لك‪.‬‬‫سكت برىة أحاوؿ أف أفكر‪ ،‬وقلت لو‪ ،‬بعد أف حاولت إهباد حل وسط‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ ال بأس أف تفعل ذلك يف ىذه الظروؼ ألننا بعيداف عن بعض‪ ،‬لكن ستعدين بأف‬‫تًتاجع عن ذلك حاؼبا نستقر مع بعض‪ ،‬ففي بايل أفكار عديدة حوؿ ىذا اؼبوضوع‬ ‫سنناقشها فيما بعد‪.‬‬


‫فأجاب ويف نربتو االستياء‪:‬‬ ‫ يا يل من وغد ! عندما أظبع ىذا الكبلـ منك أشعر باػبجل وتأنيب الضمَت بشدة‪.‬‬‫فحاولت التخفيف من استياءه‪:‬‬ ‫ ال تكن كذلك‪ ،‬ألين أحبّك‪...‬أتعلم ! أنا سأكوف شخصا أفضل كذلك كلما‬‫أحببتك أكثر‪ ،‬أنت رائع بالنسبة يل ! ولو كنت مكانك ألحببت نفسي وابتسمت‪،‬‬ ‫ال بأس أف رببٍت دوف قلق ألين أكثر من يهتم ألمرؾ‪..‬لو كنت أنا أنت الخًتت شابا‬ ‫مثلي‪ ،‬ألنو لن يرغب يف أي شيء آخر عداؾ يا أمَتي‪...‬ىل تعلم أف أكثر شخص‬ ‫فبيز عندي ىو أنت؟ أنت األفضل ! أنت الوحيد من أجلي‪.‬‬ ‫وأردؼ ىو قائبل‪:‬‬ ‫‪ -‬أنا بدوري أفكر بك‪ ،‬أفكر بك عشر مرات‪ ،‬عشروف مرة‪ ،‬فأجدؾ غَت عاد ٍي‪ ،‬يا‬

‫فتاي‪ ،‬إذا كنت أنا الشخص الذي سيعيش معك يف اؼبستقبل القريب‪ ،‬فسأعمل على‬ ‫جعلك مبتسما دائما‪...‬لو كنت أنت أنا لكنت تعرؼ كيف أنا واقع يف حبّك بشدة‪،‬‬ ‫وستدرؾ كيف أنٍت ال أربمل ىذه اؼبسافة بيننا وأريد اجتيازىا ألصل إليك‪ ،‬كي ال‬ ‫أحب نفسي‪.‬‬ ‫أخسرؾ شخصا مثلك‪ ،‬لو كنت أنا أنت ما كنت أعيش دوف أف ّ‬

‫لكن الغريب يف ىذه العبلقة أهنا ازبذت الحقا ؾبرى ىادئا جدا رويدا رويدا بسبب انعداـ‬ ‫اللقاءات فيها‪ِ ،‬‬ ‫وطبود االتصاالت بالتدريج‪ ،‬فصار ذلك اغبب الذي جعلنا أنا و((عز الدين))‬ ‫مثل لعبتُت تطفواف على اؼباء‪ ،‬تتكسر كأف هنرا يضرهبا باذباه الصخور العمبلقة‪ .‬بقيت يف‬ ‫البداية متعلقا ؼبوعد قدومو وزيارتو يل عندما تسنح لو الظروؼ‪ ،‬لكن كما تعرفوف ! أنساين‬ ‫الزماين ذلك أيضا‪ ،‬آه كم ىو صبيل وجود النسياف يف اغبياة‪ ،‬صبيل فعبل‪ ،‬فلواله ألصبح الكثَت‬ ‫منّا ؾبانينا‪.‬‬



‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫موت السجل وحيدا‬


‫كل ما وبتاج إليو اؼبثلي للربح والعيش سعيدا وكريبا ىو الكربياء والكرامة‪ ،‬كي ال ينتهي بو‬ ‫اؼبطاؼ مهزوما ومتذلبل أماـ مشاكلو؛ اليت قد تظهر يف بيعو عبسده مقابل اؼباؿ‪ ،‬واؼباديات‪ ،‬أو‬ ‫إدمانو اؼبقرؼ على اعبنسانيات‪...‬هبب عليو إبقاء مسافة من اؽبدؼ أو الرغبة بينما يتمالك‬ ‫نفسو حىت ال ربرؽ روحو وزبدعو تلك الصورة الباىتة‪.‬‬ ‫بعد أف تعرفنا وتبادلنا أرقاـ اؽبواتف‪ ،‬اتصل يب ىذا الشاب اؼبسمى ((جليل)) والذي‬ ‫يقطن بالقرب من مدينيت كي نلتقي على أرض الواقع ومبضي أمسية مدردشُت مع بعض‪ ،‬مل‬ ‫يكن لدي شيء فبيز غَت مطالعة بعض الكتب اليت اقتنيتها ألفعلو‪ ،‬فوافقت ورحت أرتب‬ ‫شعري ومبلبسي ليس ألجلو؛ فبل أحد منهم يتكلف فعل ىذا ألجل الشخص الذي‬ ‫سيلتقوف‪ ،‬بل ألنٍت دائم االىتماـ دبظهري‪ ،‬وشكلي‪ ،‬وتصرفايت يف اػبارج‪ ،‬وحبلوؿ الوقت اتصل‬ ‫وعلي القدوـ إليو كي نلتقي‪ ،‬خرجت من اؼبنزؿ بعد‬ ‫يب ((جليل)) ليخربين أنو يف اؼبكاف كذا‪ّ ،‬‬ ‫أف قمت دبا قمت‪ ،‬وتلك السماعات يف أذين تشغّل أغاين الروؾ اليت أعشق االستماع إليها‬ ‫دوما عندما أكوف سائرا يف الطريق أو راكبا الباص ! وبوصويل للمكاف الذي أخربين عنو‬ ‫دؽ ىاتفي فكاف ىو‪ ،‬يسأؿ أين أنا اآلف‪ ،‬أخربتو أين يف عُت اؼبكاف فبلحظٍت‪ ،‬وأشار‬ ‫الشاب‪ّ ،‬‬ ‫إيل بقطع الطريق‪ ،‬وبينما أنا أفعل ذلك الحظت شابا يقف يف الطرؼ اآلخر من الرصيف‬ ‫ّ‬ ‫إيل‪ ،‬فرحت أقوؿ‪:‬‬ ‫وينظر ّ‬ ‫ أرجو أف ال يكوف ىو ! أرجو أف ال يكوف ىو‪...‬لطفا !‬‫وبإسبامي قطع الطريق‪ ،‬لوح يل بكفو‪ ،‬وحياين‪:‬‬ ‫ أأنت مبلذ؟‬‫أطنبت ػبيبة أملي وقلت‪:‬‬ ‫ بلحمو وعظمو‪...‬لكن ال أظن أنك الشخص الذي سألتقيو‪.‬‬‫استغرب وأجاب‪:‬‬ ‫ بلى أنا ىو‪(( ،‬جليل)) الذي حدثك قبل قليل‪.‬‬‫ لكن ؼباذا ىذا العبوس على وجهك؟ أين االبتسامة؟ من قتلها؟ أين النشاط‬‫واغبيوية‪..‬دبجرد أف رأيتك ألوؿ مرة فقدت الرغبة يف الدردشة‪ ،‬فأنا أكره العبوس‬ ‫عندما يتعلق األمر باؼبواقف االجتماعية‪.‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ آوووؼ ! أنا متعب فقط بسبب العمل‪...‬ىبل ركبنا السيارة لنذىب ؼبكاف ما مث نبدأ‬‫سهرتنا؟‬ ‫ سباـ‪ ،‬وأسبٌت أف ال تكوف كبداية اللقاء !‬‫ركبنا سيارتو اليت كانت مليئة بأدوات العمل‪ ،‬وقطع اؼببلبس‪ ،‬وأمور مل أعرفها يف ركنها‬ ‫اػبلفي الواسع‪ ،‬وانطلقنا يف ذلك الليل اؼبظلم؛ ىو وبكي يل عن نفسو وميولو للذكور‬ ‫واإلناث يف آف واحد بنسب متفاوتة‪ ،‬ودبجرد ظباعي ىذا وددت لو أنزؿ من العربة واتركو‬ ‫لوال نفسي اليت كانت يف ضيق‪ ،‬ورباوؿ من خبلؿ تأملها للنجوـ وأضواء اؼبدف اؼبًتائية من‬ ‫بعيد أف تزيل ضيقها لقمت بذلك بالفعل‪ ،‬غَت أنٍت استمريت يف ظباع كبلمو بينما أعطيو‬ ‫إجابات قصَتة وـبتصرة كما لو أنٍت أىتم‪ ،‬وعندما أهنى كبلمو سألٍت‪:‬‬ ‫ وأنت عن ماذا تبحث ربديدا؟‬‫وددت لو أشرح لو فعبل ما أريده منذ زمن‪ ،‬لكنٍت مللت من إعادة نفس الكبلـ الروتيٍت‬ ‫التقليدي لكل من ألقاىم‪ ،‬حوؿ سعي إلهباد حبيب‪ ،‬واالستقرار معو‪....‬يا للهوؿ ىذا‬ ‫فبل حىت عندما تكتب عنو !! لذا اكتفيت باعبواب التايل‪:‬‬ ‫ أنا أحبث عن مثليُت من أجل الصداقات فقط‪...‬آه ! وللدعم النفسي كذلك‪.‬‬‫ ماذا؟ صداقات فقط؟ أال تبحث عن متعة أو حبيب؟‬‫ صدقٍت أنت ال تريد أف تعرؼ !‬‫وبعد أف ربدثنا مدة بعد‪ ،‬نظرت للساعة اليت كانت تشَت للتاسعة‪ ،‬أخربتو أف يعيدين‬ ‫استمر يف القيادة‪ ،‬وبعد مدة‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫للمكاف الذي التقينا فيو كي أعود للمنزؿ‪ ،‬سكت و ّ‬ ‫ أليس من اؼبفًتض أف نعود للمدينة‪ ،‬ؼباذا إذف أضوائها تبعد عنا شيئا فشيئا؟‬‫ ‪......‬‬‫ أجبٍت !!‬‫علي أف أفرغ مثانيت يف خبلء قريب لذا كبن نبتعد‪.‬‬ ‫ ّ‬‫صمت بدوري‪ ،‬ورحت ال أراقب غَت الطريق اؼبظلمة إىل أف وصل ػببلء يبدو أنو حقل أو‬ ‫ما شابو‪ ،‬فقاـ الرجل بإحكاـ إغبلؽ األبواب وأطفأ السيارة‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫‪ -‬ؼباذا ىذا يا ىذا؟‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫فأجاب‪:‬‬ ‫ اظبع يا ىذا‪ ،‬أنا مل أتعرؼ عليك كي نكوف أصدقاء فقط بل من أجل أف مبتع بعض‬‫كذلك وقت اغباجة‪.‬‬ ‫ لكٍت ال أريد أي متعة‪ ،‬أريد فقط العودة للمنزؿ !‬‫ اآلف؟‬‫ نعم‪ ،‬وفورا !‬‫ ؿباؿ يا عيٍت‪ ،‬لن نذىب ألي مكاف قبل أف أذوؽ منك‬‫ إييو ! ما ىذه الوقاحة يا رجل‪ ،‬افتح األبواب ودعٍت أنزؿ‪.‬‬‫ ىل تراين غيب؟ ؼبا أحكمت إغبلقها إذف؟‬‫وبينما احتدـ الكبلـ‪ ،‬قاـ ((جليل)) دبسكي من طوؽ سًتيت وسحبها إليو‪ ،‬حاولت أف‬ ‫قوي البنية‪ ،‬مث مسك بيده األخرى فخذي‬ ‫أفك يده عن مبلبسي لكٍت مل أستطع ألنو كاف ّ‬ ‫لَتميٍت إىل اعبانب اػبلفي من السيارة‪ ،‬وقد اصطدمت ركبيت حبديد أو شيء مشابو فبا سبب‬ ‫يل أمل فيها‪ ،‬وغبقٍت بدوره ؽبذا اعبزء من العربية‪ ،‬وحنا نتصارع باأليدي يف ىذا اؼبكاف الضيق‬ ‫اعي بيد واحدة وراء ظهري‪ ،‬بينما راح يتحسس مؤخريت بيده‬ ‫حىت سبكن مٍت وأمسك كبل ذر ّ‬ ‫علي بسبب بنيتو الضخمة مقابل‬ ‫األخرى‪ ،‬كنت أسعى جاىدا للفرار منو لكنو أحكم قبضاتو ّ‬ ‫بنييت الضعيفة والنحيفة فلم أقدر‪ ،‬رحت أميل جبسدي يبينا ومشاال إال أنو حشرين يف زاوية من‬ ‫األؼبنيومي أو اغبديدي ! حيث أحسست بربودتو‪،‬‬ ‫زوايا العربة حيث التصق وجهي جبدارىا‬ ‫ّ‬ ‫بفك‬ ‫وىنا سبكن مٍت بالكامل ومل أقدر على اغبركة‪ ،‬فأكمل ربسسو ؼبؤخريت‪ ،‬وبعد مدة قاـ ّ‬ ‫حزاـ سروالو‪ ،‬وأخرج قضيبو اؼبنتصب ليتحسس بو مؤخريت بدؿ يده‪ ،‬إال أنو مل يكتفي بذلك‬ ‫فقاـ بإنزاؿ سروايل الذي ىبط بسهولو بسبب كبافة جسمي كما أنزؿ لباسي الداخلي‪ ،‬وبدأ‬ ‫وبرؾ قضيبو صعودا ونزوال على مؤخريت بينما يبسك جزء منها بيده الباقية‪.‬‬ ‫ آه ! يا ؽبا من مؤخرة صبيلة أوووه !‬‫يف لكنو مل يقدر‪ ،‬فقاـ يتبليل أصابعو باللعاب ليحاوؿ الحقا أف‬ ‫مث حاوؿ حشر قضيبو ّ‬ ‫يغرسها يف مؤخريت‪ .‬لقد كاف كاغبيواف يف ذلك ومل يبايل بصرخايت مطلقا بسبب األمل‬ ‫علي ؽبمجيتو وعنفو يف ذلك‪،‬وبعد أف فرغ تناوؿ قضيبو بيده وراح وبشره يف‪،‬‬ ‫الذي حل ّ‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫فصرخت بلهجة فازعة‪:‬‬ ‫ ال تفكر‪..‬أوه ! ال رباوؿ حشر ذلك الشيء يف ىناؾ أمراض جنسية تنتقل لو فعلت‬‫ذلك دوف واقي !‬ ‫يهتم ! فتابع عمل ذلك دوف مراعاة ألي من آالمي؛ كاف يدفع فقط وكأنو مل‬ ‫وكأنو كاف ّ‬ ‫يفعل ذلك مطلقا سابقا‪ ،‬أو ال يعلم مقدار األمل إف جرى األمر دفعة واحدة‪ ،‬وؼبا شقٍت يف‬ ‫النهاية راح حبركة ميكانيكية يقتحمٍت وىبرج مٍت وىلم جرا‪ ،‬إىل أف ألقاين على أرض العربة وقد‬ ‫علي‪ ،‬أحسست بسعادة كبَتة ألف األمر‬ ‫كانت كل أطرايف ـبدرة بسبب طوؿ مدة ضغطو ّ‬ ‫انتهى رغم ما أحس بو من أمل اآلف‪...‬مهبل ! مل ينتو بعد‪ ،‬فقد تقدـ مٍت وجثا على ركبتيو‬ ‫حيث أصبح قضيبو مقاببل وجهي‪ ،‬وراح يفركو ذىابا ورجوعا‪ ،‬وقد أدركت أنا أنو يشاىد الكثَت‬ ‫من األفبلـ اإلباحية أو متأثر هبا ! فقاـ بقذؼ سائلو على وجهي وىو يعوي كالكلب‪ ،‬ويا ليتو‬ ‫فمي أحيانا‬ ‫توقف عند ىذا اغبد بل راح يبدد من مساحة منيّو على وجهي بقضيبو ويدخلو يف ّ‬ ‫حىت أختنق وأبعد وجهي عنو‪...‬إىل أف انتهى األمر فعبل ىذه اؼبرة‪ ،‬فلبس بنطالو ونزؿ من‬ ‫السيارة بعدىا‪ ،‬أحسست بنسيم بارد نتيجة لفتح الباب اػبلفي للعربة‪ ،‬فمد يداه وقاـ بسحيب‬ ‫للخارج‪.‬‬ ‫أحسست بسقوطي على األرض بسبب رائحة الًتاب اؼبعروفة‪ ،‬مل أصدؽ أف أحدا قد‬ ‫علي‪ ،‬مل‬ ‫يفعل ىذا بأخيو اإلنساف ! ومل أحس إال بأضواء السيارة تبتعد وعجبلهتا ترمي الًتاب ّ‬ ‫أعرؼ كيف أشعر ! ماذا أواسي؟ جسدي اؼبنهك اؼبتأمل واجملروح‪ ،‬أـ كراميت اؼبسلوبة واؼبداس‬ ‫عليها من قبل ىذا الوحش الضخم القذر !!! سبنيت لو يسقط عليو نيزؾ من السماء أو أحد‬ ‫النجوـ اليت ُجعلت رجوما للشياطُت على الكريو ((جليل)) ألنو شيطاف‪ ،‬لكن لؤلسف كانت‬ ‫السيارة تبتعد وتبتعد‪...‬تبتعد إىل أف اختفت‪ ،‬قمت من مطرحي أرفع مبلبسي اؼبتسخة بالًتاب‬ ‫عيٍت‪...‬عرفت اآلف ما ىو األمل يف ؿبنة قاسية‪ ،‬وإىل أي مستوى‬ ‫واؼبٍت بينما الدموع تنهمر من ّ‬ ‫يبكن أف ينحدر البشر بأخبلقهم !‬ ‫وبينما أنا منشغل بسحب مبلبسي لؤلعلى‪ ،‬ظبعت خرخشة بالقرب مٍت‪ ،‬سبنيت لو ال‬ ‫يكوف كلبا أو حيواف بري كي ال تزيد الليلة خطورة‪ ،‬فالتفت ببطء كبو اػبلف‪ ،‬فإذا هبم صباعة‬ ‫تتقدـ كبوي مكونة من أربعة أشخاص‪ ،‬سحبت سروايل بسرعة بينما نبمت باعبري لكنهم‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫غبقوا يب كما لو قرؤوا أفكاري عن اؽبروب؛ فأمسكٍت أحدىم من خصري فمنع ىرويب‪،‬‬ ‫رجلي بعد ذلك ألصبح ؿبموال بينهما كما لو أنٍت رجل أبيض وبملو أفراد‬ ‫وأحدىم أمسك ّ‬ ‫قبيلة إفريقية على خشبة ليغلّوه يف اؼباء‪ ،‬مث طرحوين أرضا وراحوا يكرروف نفس السيناريو الذي‬ ‫كل اذباه‪،‬‬ ‫وقع يل قبل قليل‪ ،‬لكن ىذه اؼبرة مضروبا يف أربعة؛ فكانت القضباف ربيط يب من ّ‬ ‫وتدخلٍت من كل مكاف !!!‬ ‫علي‪،‬‬ ‫مل يكن ىذا فبل ما حدث فهذا ؾبرد خيايل اعبنسي القذر عندما وباوؿ أف يسيطر ّ‬ ‫آسف على االكبراؼ عن األحداث اغبقيقية اليت كانت كالتايل‪:‬‬ ‫بعد أف أهنى كبلمو قاؿ يل‪:‬‬ ‫ وأنت عن ماذا تبحث ربديدا؟‬‫وددت لو أشرح لو فعبل ما أريده منذ زمن‪ ،‬لكنٍت مللت من إعادة نفس الكبلـ الروتيٍت‬ ‫التقليدي لكل من ألقاىم‪ ،‬حوؿ سعي إلهباد حبيب‪ ،‬واالستقرار معو‪....‬يا للهوؿ ىذا فبل‬ ‫حىت عندما تكتب عنو !! لذا اكتفيت باعبواب التايل‪:‬‬ ‫ أنا أحبث عن مثليُت من أجل الصداقات فقط‪...‬آه ! وللدعم النفسي كذلك‪.‬‬‫ ماذا؟ صداقات فقط؟ أال تبحث عن متعة أو حبيب؟‬‫فرحت أوضح لو كي يفهمٍت جيدا‪:‬‬ ‫لدي قاعدة يف رأسي أزبذىا منطلقا لعبلقايت؛ األوىل أنا لن أبيع جسدي‬ ‫ اظبع أنا ّ‬‫مقابل اؼباؿ مطلقا‪ ،‬ولن أدمن أحضاف الرجاؿ فأهنض من حضن وأرسبي يف آخر‪ ،‬أنا‬ ‫ببساطة رجل لرجل واحد !‬ ‫فقاؿ‪:‬‬ ‫ ؼباذا زباطبٍت هبذه اللهجة؟ أنا مل أقصد ىذا الذي تقولو اآلف‪.‬‬‫ حقا !! وكلمة متعة يف قولك ماذا تعتربىا؟‬‫ حسنا دعنا من ىذا اآلف‪ ،‬ودعٍت أحكي لك ذبربيت‪.‬‬‫ سباـ‪ ،‬تفضل‪.‬‬‫وراح وبدثي عن دخولو يف عبلقة مع أحدىم‪ ،‬وكيف خانو بعدىا‪...‬مل أكن يف مزاج جيد‬ ‫مطلقا‪ ،‬لذلك كلما كلمٍت عن اغبب واغببيب شعرت بالغثياف‪ ،‬كما لو أف العشق قد أصبح‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫بكتَتيا تسبب يل اؼبرض‪ ،‬وتنهش قواي اغبياتية‪ ،‬بعد أف تشكلت من التجارب السابقة اؼبلوثة‪،‬‬ ‫فصبغت قليب اآلف‪ ،‬ويف تلك اللحظة شعرت كما لو أف داخلي يقوـ بانتشاؿ كل ذرة من بقايا‬ ‫اغبب‪ ،‬كي يطمسو‪ ،‬كما لو أف ىذا الشعور شيء غريب عن جسمي وأحاسيسي‪ ،‬بينما عقلي‬ ‫يهتف يل أنو ال يبكنٍت االتكاؿ على شيء كهذا طاؼبا أنا مسجوف يف ىذه الببلد‪ ،‬تبلورت يف‬ ‫علي يف البداية أف أحبث عن مكاف جديد‬ ‫ثواين بينما ((جليل)) يتكلّم أفكار زبربين أنو ّ‬ ‫ألعيش فيو‪ ،‬فأف تكوف إنسانيا يف مكاف يعج بالذباب كاعبزائر غباء حقا وأمر ؿبزف‪...‬ال‬ ‫يسعٍت سوى أف أقوؿ وداعا ؽبذه الببلد بعد أف أرتاح من ظبومها‪ ،‬حىت يبكنٍت التصاحل مع‬ ‫يف‪ ،‬ذلك البطل الذي أؽبمٍت للحب‪ ،‬حىت لو خسرتو اآلف‪ ،‬سأستمر يف‬ ‫البطل اغبقيقي الذي ّ‬ ‫يتغَت !‬ ‫السَت ىذا ىو الشيء الوحيد الذي ال أود أف ّ‬

‫بعد أف أهنى كبلمو وحكايتو نبهتو إىل أف الوقت قد تأخر على عوديت‪ ،‬فطلبت منو‬ ‫إرجاعنا ؼبلتقانا األوؿ‪ ،‬فأوقف السيارة قبل ذلك وقاؿ‪:‬‬ ‫ أىكذا تود للقائنا أف ينتهي؟‬‫ وكيف تريد لو االنتهاء إذف؟ بألعاب نارية مثبل !!‬‫ الال‪ ،‬قصدي ألن نفعل شيئا؟‪.‬‬‫ لقد ربدث ػ‪...‬مهبل‪...‬ىل حقا تقصد ذلك؟‬‫ نعم‪ ،‬أود ذلك فعبل‪ ،‬ولو كاف باألمر البسيط‪.‬‬‫حباجيب يف وجهو بينما أفتح باب العربة نازال‪ ،‬وىو ىبربين باالنتظار‪ .‬صفقت باب‬ ‫فربجت‬ ‫ّ‬ ‫السيارة على ىذا األضبق‪ ،‬ورحت أمشي باذباه اؼبدينة اليت مل تكن ببعيدة عٍت‪ ،‬ومل أنس طبعا‬ ‫وضع السماعات يف أذين أصغي ألغاين اؼبفضلة بينما أف ّكر‪:‬‬ ‫آه يا ((مبلذ)) ليس لديك مكاف تعود إليو‪ ،‬وال مكاف تتوجو إليو ! مل تستطع أف ذبعل‬ ‫أحدا وببّك ويتعلق بك رغم صدقك ووفائك‪...‬يبكنك التصديق بأنك ـبلوؽ إنساين لكنك‬ ‫عقبة يف دائرة ىذه اغبياة بأفكارؾ ورغباتك ىذه‪ ،‬أظن أنٍت مل أكن مستعدا كفاية ؼبا يأيت بعد‬ ‫تقبل اؼبثلية؛ مل أتعلم سوى اؼبعٌت اغبقيقي لليأس قبالة ىذا الواقع‪ ،‬لقد أدركت اآلف يف مكاف‬ ‫اغبب عاجز ومعطل يف ىذه الببلد‪ ،‬وعدـ يقظتك هبذا‬ ‫من قليب أف األمل غَت موجود ىنا‪ّ ...‬‬ ‫عادة سيئة ستدمرؾ‪ ،‬سبنيت فعبل لو أستطيع بناء مكاف عبميع اؼبثليُت القابعُت يف الظبلؿ‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ا إليو‪ ،‬ويكونوا على‬ ‫ـبتبئُت من اضطهاد إخوهتم البشر‪ ،‬مكاف ؽبم وؼبن يشبهٍت كي يأتو‬ ‫طبيعتهم‪ ،‬مكاف خايل من التعذيب‪ ،‬وخيبات األمل وأشواؾ اجملتمع وصبوعو الغاضبة‪ ،‬مكاف‬ ‫لبلسًتخاء والسبلـ واؽبدوء‪.‬‬ ‫ظننت أف اهلل ىو الوحيد الذي سيفهمٍت ويساعدين لكٍت علقت عليو آماال كثَتة مل‬ ‫تتحقق أبدا‪ ،‬ومل يستجب لروحي أبدا‪ ،‬كل ما فهمتو منو عندما أرجع لكتابو وأحاديثو أف الواقع‬ ‫وعلي أف أتوب ػبطاياي‪ ،‬فاػبطيئة ىي اػبطيئة عنده ال يقبل تغيَت رأيو أو التفاوض‬ ‫لن ّ‬ ‫يتغَت ّ‬ ‫حوؽبا‪ ،‬ينكمش فقط يف مكاف ما من الوجود‪ ،‬وال يواجهك؛ يريد حياة واحدة ونسخة عددىا‬ ‫اؼبليارات من نفس البشر واألفكار‪ ،‬ونفس اللوف‪...‬أظن أف اغبياة ىكذا توصف بأهنا نظاـ‬ ‫بدال من شكل حياة ! بل أسوأ فهو يسمح بتربير اعبرائم اليت يرتكبها البشر باظبو‪ ،‬وال وبرؾ‬ ‫ساكنا‪ ،‬أصوات االستياء واؼبعاناة والغضب كالتهويدة لو‪...‬وىكذا كل جريبة تولد انتقاما‪ ،‬وكل‬ ‫انتقاـ يولد اؼبزيد من اعبرائم‪...‬شيء كهذا ىبلق حلقة ال هنائية من الدمار والذبح‪ ،‬فمن يسبب‬ ‫اؼبوت يطارده اؼبوت دائما‪ ،‬ويكوف على حافتها كل الوقت‪.‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬



‫الفصل الرابع‪:‬‬

‫القنبلة املوقوتة‬


‫بدافع اغبب تولد التضحيات‪...‬تولد الكراىية‪...‬عندما يبوت أملك األخَت ستقع يف‬ ‫اليأس‪...‬حينها سنكوف قادرين على معرفة األمل‪...‬يقولوف أف اؽبزيبة واػبسارة ؽبا معٌت‪ ،‬وذبعلك‬ ‫أقوى‪...‬ىل تفهم ما الذي يعنيو ذلك؟ لكي تعيش اؼبخلوقات فإف النصر ىو اغبياة‪...‬واؽبزيبة‬ ‫تعٍت اؼبوت‪..‬إنو مثاؿ مبالغ فيو‪...‬لكن البشر وبتفظوف هبذه الغريزة‪...‬أولئك الذين يعرفوف‬ ‫اؽبزيبة يتوقوف إىل‪...‬النصر‪...‬‬ ‫كاف ما سبق ملخصا ؼبا جرى يل يف فًتة ليست ببعيدة أبدا؛ عندما كنت كالعادة أحبث‬ ‫سَتوى !‬ ‫عن اغبب اغبقيقي‪ ،‬وحبيب يصبح ملكي ظانا أف العطش الذي يسكنٍت منذ فًتة ُ‬ ‫بصراحة مل يكن اػبطأ يف الشيء الذي أحبث عنو بل كاف يتعلق يف اؼبكاف الذي أحبث فيو‪،‬‬ ‫وربديدا يف األشخاص؛ فقد حدث يف هناية العاـ السابق أف تعرفت على شاب من أقراين اظبو‬ ‫((إياد)) كاف زميل يل يف اعبامعة وقد بدأ اىتمامي بو من الوىلة األوىل اليت رأيتو فيها‬ ‫باعبامعة‪ ،‬فقط كاف فعبل شابا لطيفا ومهضوما على قدر ٍ‬ ‫عاؿ من األخبلؽ‪ ،‬إال أف ىذه األمور‬ ‫قد اكتشفتها فيو بعد أف تعرفت عليو ومل تكن الدافع الذي جعلٍت أىتم بو‪ ،‬ألف الدافع الذي‬ ‫قادين كبوه ردبا ىو قليب أو ردبا يكوف اغبدس واإلحساس الداخلي ! ال أدري صراحة‪ ،‬لكن‬ ‫رحت أحاوؿ التقرب منو بشىت الطرؽ كي أسبكن من الدخوؿ يف حياتو بطريقة عادية وطبيعية؛‬ ‫فبدأت ذلك باؼبكوث يف األماكن اليت هبلس فيها بكثرة‪ ،‬أو يف صباعات األصدقاء اؼبشًتكُت‬ ‫بيننا؛ حىت أسبكن من إلقاء السبلـ عليو‪ ،‬وىكذا أمسك خبيط يقودين إليو ! وبالفعل حدث أف‬ ‫مشت رغبيت كما أردت وبدأت تتطور عبلقتنا من ؾبرد إلقاء السبلـ إىل السؤاؿ عن اغباؿ‬ ‫واألحواؿ‪ ،‬وإقامة حوارات مطولة‪ ،‬فالذىاب واإلياب من وإىل اعبامعة سويةً‪ ،‬حىت أننا بدأنا‬ ‫نلتقي خارج اعبامعة بعد أف يطلب أحدنا من اآلخر اللقاء‪...‬اؼبشكل مل يكن ىنا فرغم‬ ‫سعاديت بلقاءايت وحديث معو‪ ،‬كانت مشاعري تكرب وتكرب اذباىو بشكل مندفع جدا إال أنٍت‬ ‫مل أستطع أف أخربه هبا‪ ،‬ألنو مل يكن مثليا‪ ،‬واألسوأ من ذلك أنو كاف متدينا يف تفكَته نوعا ما‬ ‫كسائر اؼبسلمُت الذين ي ّدعوف حب اإلسبلـ لكن ال يفقهوف وال يطبقوف منو إال الشيء‬ ‫القليل !!‬ ‫لن أكذب كنت أفكر باحتمالية تغيَته مع الوقت‪ ،‬خاصة أف الصداقة اليت ذبمعنا وصلت‬ ‫لدرجة اؼبثالية؛ حيث أصبح وبكي يل كل شيء وبدث معو من صبيع اعبوانب العائلية‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫واالجتماعية والنفسية‪...‬وقد كنت أحاوؿ أف أساعده باقًتاحايت وأفكاري‪ ،‬إال أف تلك‬ ‫اللقاءات واألحاديث كلما زادت زاد حيب وعذايب لو الذي أعيشو بيٍت وبُت نفسي‪ ،‬وأسرح‬ ‫خبيايل بعيدا جدا معو لكن يف الواقع ال أرى أين حققت أي شيء من الناحية العاطفية؛ لقد‬ ‫كنت واضحا يف تعابَتي وكبلمي أين أحبو جدا لكنو مل يفهم مطلقا أف ذلك ليس حبب‬ ‫صداقة أو حبا يف اهلل _فهذا آخر ما أحتاج إليو !_ بل ىو عشق وتيم بو‪ ،‬لذلك تطلب األمر‬ ‫صربا وشجاعة كبَتين كي أخربه إال أنٍت مل أفعل‪ ،‬رغم قويل أنو حىت لو كانت هناية حيب لو‬ ‫خيبة أمل فسأقوؿ لو مشاعري‪...‬هبب أف يعرؼ مشاعري اليت أكنها لو ! واليت ىو غَت مدرؾ‬ ‫ؽبا؛ أضع لو أنواع من اػبطط كي أريو أين أفكر بو دائما‪ ،‬أود رؤيتو‪ ،‬ولكنو رغم ذلك بعيد !‬ ‫وقريب لدرجة لو أمد يدي لو سيمسكها لكنها تبقى معلقة يف الفراغ ! كنت أحاوؿ أف أفتح‬ ‫موضوع اؼبثلية بطريقة ما معو‪ ،‬لكن مل أجد السبيل لذلك بطريقة طبيعية‪ ،‬لقد كاف عجزي‬ ‫يقلقٍت ويدمرين يف الوقت ذاتو‪ ،‬لكنٍت عرفت الطريق لذلك أخَتا !‬ ‫التقينا ذات مرة يف حديقة عمومية يف بلدتنا‪ ،‬ورحنا نتحدث عن حالو دائما فهو نوعا ما‬ ‫متمركز حوؿ ذاتو‪ ،‬ويعتقد أنو دائما ضحيةٌ وأف اؼبؤامرات رباؾ لو‪ ،‬لذلك كنت أرى فيو نوعا‬ ‫من التوجس وغياب الراحة والرضا حبالو وحياتو ألنو دائم الشعور باؽبزيبة واػبسارة‪ ،‬وصراحة‬ ‫كنت أحاوؿ مساعدتو بكل صدؽ كي أدفعو لًتؾ ىذا التفكَت البدائي إال أف غرضو من‬ ‫الشكوى كاف الشكوى فقط‪ ،‬وال يسعى غبل مشاكلو‪ .‬على كل حاؿ ! يف ىذا اللقاء وكي‬ ‫أفتح موضوع اؼبثلية ألوؿ مرة تطرقنا يف حديثنا ؼبوضوع اغبريات‪ ،‬وألنٍت رأيت أنو متدين‬ ‫جدا_عدا الشكل اػبارجي طبعا_ انطلقت من وجهة نظر دينية للحرية وكيف أف جيلنا‬ ‫الطامح للحرية كسلوؾ يبارسها دوف التسلح بالوعي فبا هبعلها ركنا للبيئة النفسية السليمة‬ ‫يفهمها بشكل خاطئ‪ ،‬مث أشرت أنا للحرية عند الغربيُت‪ ،‬وىنا قد وعبت بابا يبَ ِّكنٍت من ذكر‬

‫القضية ! وبعد استغفاره‪ ،‬واللهم ال تؤاخذنا دبا فعل السفهاء منا‪ ،‬واىتزاز عرش الرضباف‪...‬قلت‬ ‫لو‪:‬‬ ‫ ىل سبق وأف مست اؼبثلية حياتك مثبل؟‬‫فأجاب قائبل‪:‬‬ ‫لدي صديق مثليا !‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬ولن تصدؽ أف ّ‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫تفاجئت لذلك‪ ،‬وكنت أقوؿ يف نفسي ردبا ىو يقصدين ويكلمٍت باأللغاز‪ ،‬لكن كيف‬ ‫عرؼ وأنا مل أبدي لو ما يعكس مثلييت ! لكن وحبكم معرفيت بو أبعدت ىذا االحتماؿ‬ ‫ألنو مل يكن من األشخاص الذين يفقهوف التكلم هبذه الطريقة‪ ،‬ورحت أسألو مبينا رأيي‬ ‫يف القضية‪:‬‬ ‫ صبيل‪ ،‬بالنسبة يل كل شخص حر يف حياتو شريطة أال يؤذي نفسو أو اآلخرين‪ .‬ىبل‬‫أخربتٍت عن صديقك ىذا؟‬ ‫ ىو ابن اغبي الذي أسكن فيو‪ ،‬وىو رجل يف األربعُت‪-‬‬‫ ماذا؟ يف األربعُت ! اتسمي من يفوقك ب‪ 17‬سنة صديقا؟‬‫ نعم فأنا صديق للجميع على اختبلؼ أعمارىم وأماكنهم‪.‬‬‫ حسنا‪ ،‬تابع !‬‫ إنو رجل دائما ينظم لنا كبن الشباب يف اغبي عندما نتسامر أو نتجوؿ‪ ،‬ولذلك ألفناه‬‫ونعتربه صديقا لنا‪.‬‬ ‫ وىل حدث بينك وبينو‪...‬أنت تفهم مقصدي‪ ،‬صح؟‬‫ ال مل وبدث أبدا‪ ،‬كي أفعل ىذا؟‬‫ ولو حىت شيء بسيط؟‬‫ فبممم ! أتذكر مرة أنٍت كنت على انفراد معو ليبل يف اغبي‪ ،‬وطلب مٍت وقتها أف‬‫أمارس عليو اعبنس‪ ،‬لكنٍت رفضت‪ ،‬أما ىو فبعد أف خاب رجاءه‪ ،‬طلب مٍت أف أدعو‬ ‫كبيت‪ ،‬فًتكتو كي يصمت ونغَت‬ ‫يتحسس جسدي بتمرير يده على صدري وصوال لر َّ‬ ‫اغبديث‪.‬‬ ‫كنت أزبيل مشهد ىذا اؼبثلي اؼبسن الذي يبدو يائسا لدرجة أنو يطمع ويًتجى من ىم يف‬ ‫منتصف عمره ألجل اعبنس ! مث سألتو‪:‬‬ ‫ وأنت أمل وبدث لك شيء جراء ىذا االتصاؿ اعبسدي؟‬‫فقاؿ‪:‬‬ ‫ ال مطلقا ألنٍت ال أجد شهوة يف الذكور بل شهويت خالصة لئلناث فقط‪.‬‬‫‪ -‬إذف ىذه كانت اغبادثة الوحيدة اليت حدثت لك خبصوص ىذا اؼبوضوع؟‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ ال ليست الوحيدة‪ ،‬بل ىناؾ أخرى‪ ،‬وقد كانت قبل ىذه بقليل‪.‬‬‫ سباـ ! إف مل سبانع اغبديث عنها فحدثنا‪.‬‬‫فراح يسرد اغبكاية‪:‬‬ ‫ أتذكر أنٍت يف سن ما أحسست بآالـ يف قضييب الزمتٍت لفًتة‪ ،‬فحدثت أيب عنها‪،‬‬‫فحثٍت على الذىاب وزيارة طبيب متخصص يف ىذه األمور وقد اقًتح صديق لو‬ ‫يعمل طبيبا يف ؾباؿ األعضاء التناسلية الذكرية‪ ،‬فذىبت إليو من اؼبرة األوىل ألنٍت مل‬ ‫أرد االستخفاؼ بتلك اؼبنطقة اؼبهمة‪ ،‬وعندما دخلت إليو ربدثنا قليبل وأعلمتو خبطيب‪،‬‬ ‫فطلب مٍت اإلفراج عن قضييب‪-‬‬ ‫فسألتو ضاحكا وقلت‪:‬‬ ‫ وىل فعلت؟‬‫ لقد استحيت كثَتا لكٍت مل أجد خيارا آخر؛ فذلك ىو السبيل الوحيد للكشف عن‬‫خطب اؼبنطقة !‬ ‫ حسنا ! وبعد‪...‬؟‬‫ بعد أف أظهرت لو القضيب‪ ،‬ابتسم يف البداية وراح يقلبو ىنا وىناؾ‪ ،‬ويتحسسو بيده‪،‬‬‫مث قاـ بدىن يديو بسائل ما وراح يفركو وكأنو يبارس العادة السرية يل ! وعندما استقاـ‬ ‫قضييب قاؿ يل‪:‬‬ ‫ أتود مٍت أف أمصو لك؟‬‫فأجبتو بالنفي‪ ،‬والكنو ذباىل قويل ورد‪:‬‬ ‫ بلى‪...‬بلى‪...‬سأفعل‪.‬‬‫فتفاجئت بو بقبل رأس قضييب‪ ،‬وما إف وضعو يف فمو حىت رفعت سروايل وخرجت من‬ ‫عيادتو بسرعة‪.‬‬ ‫فقلت لو ىنا ساخرا‪:‬‬ ‫ مل ! ردبا يكوف جزء من العبلج !‬‫ جزءا من العبلج؟ لقد بدا مستمتعا جدا بذلك !‬‫‪ -‬ىهههههههو‪.‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫وىكذا استمرت عبلقيت بو كاعبحيم‪ ،‬أبدي لو االبتسامة والفرح لكن داخلي يُشوى عذابا‬ ‫وأؼبا؛ قليب دائما يبحث عنو لكنو ال يسمع نداء دموعو اليت يف داخلي تنهمر عندما انظر لو‬ ‫وتتسارع عندما أفكر بو‪ ،‬وأتساءؿ إذا ما كاف يوما ما سيعلم اؼبشاعر اغبقيقية اليت أكنها لو‬ ‫ويبادؽبا معي ! كاف كل شيء من حويل يشبهو‪...‬وكاف أؼبي يتسرب مع كل نفس بينما ىو ال‬ ‫يعرؼ حىت ما بقليب؛ ذلك اغبب اؼبؤمل الذي أصاب فؤادي بالكدمات فيحطمو أكثر يوما بعد‬ ‫يوـ‪ ،‬أما الدقائق فقد كنت أحاوؿ توقيفها عندما أعانقو كي أبطئ الوقت الذي أمضيو‬ ‫معو‪...‬ىل لو أف يعلم أو ينبغي أف أعرب لو عما بقليب؟ وإذا أخربتو فهل سيليب النداء؟ ألنو إذا‬ ‫تركٍت ستكوف احملاولة أصعب فأنا سأحبث عنو يف أحبلمي‪.‬‬ ‫وىكذا استمر ىذا اغبب اؼبوقوت كالقنبلة على مدار األياـ‪ ،‬األمر الذي غَت من سلوكيايت‬ ‫اذباىو‪ ،‬وأيقظ يف نفسي نوعا من الغيض اذباىو ألنو ال يفهم تلميحايت لو‪ ،‬فرحت أعاملو‬ ‫حبزـ‪ ،‬وأعاتبو على أخطاءه معي كما لو كنت أملكو‪ ،‬أو كأنٍت أعيش معو العبلقة اليت أردت‬ ‫لكن دوف علمو ! وقد قاد بنا ىذا األمر إىل قطع صداقتنا ؼبدة وكي ال اكذب أنا من طلبت‬ ‫ذلك‪ ،‬لكنو بعد مدة عاد إيل وطلب مٍت أف نعود لسابق عهدنا ألننا كنا صديقُت رائعُت‪،‬‬ ‫إيل‪ ،‬لكن‬ ‫فقبلت وفرحت جدا للطلب ألنٍت اشتقت لو ولكبلمو ولو كاف غَت منطقي‪ ،‬ولضمو ّ‬ ‫انفصلنا مرة أخرى بسبب تكرر نفس السيناريو وىا كبن نلتقي كل يوـ تقريبا باعبامعة لكن ال‬ ‫أحد فينا يكلم اآلخر‪.‬‬ ‫غَتي وال يعلم حقيقة مشاعري لو‪ ،‬وردبا حىت لو‬ ‫بالطبع أنا ال ألوـ ((إياد)) فهو شاب ّ‬ ‫حدث وصارحتو هبا ما كاف ليبادلنيها‪ ،‬فاألمر قائم على الرضا والرغبة من أساسو‪ ،‬بل كاف‬ ‫اػبطأ خطئي أنا ألنٍت سبحت يف اؼبياه اعبارفة متوقعا أف أقبو حتما‪ ،‬ومتجاىل إمكانية اؽببلؾ‬ ‫غرقا ! كنت أعطي أنبية لنفسي لدرجة أنٍت فكرت يف أنو سَتيب مشاعر اغبب اذباىي‪ ،‬وقد‬ ‫كنت أعلم ذلك يف قرارة نفسي جيدا؛ أنو كمغاير لن يقع يف حيب‪ ،‬علمت ىذا أفضل من‬ ‫اعبميع‪ ،‬ألننا لسنا دبيوؿ متكاملة‪ ،‬لكن رغم ىذا كنت أىذي باحتماؿ قباعة األمر كي أجد‬ ‫مربرا ؽبذا اغبب‪ .‬ال أعلم ؼباذا كنت أحاوؿ فاألمر ؿبتوـ من أساسو‪ ،‬ؼباذا كنت أقاوـ وأذوؽ‬ ‫األمل الذي ال يَرحم عاؼبا بنتيجة ذلك؟ ملَ ملْ أستسلم فقط؟ ردبا مل يكن الشأف خبصوص‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫االنتصار أو الفشل‪ ،‬بل خبصوص التعرؼ على نفسي ومعرفة العامل كي أصبح قويا وأتفوؽ‬ ‫على اؼبواقف اؼبشاهبة ؽبذا اؼبوقف؛ فأف أحاوؿ العيش بأي شكل مع حبيب دوف أف وببٍت‪،‬‬ ‫فأفضل أف أختار االنسحاب طواعية من عبلقة ال مستقبل ؽبا‪.‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫الفصل اخلامس‪:‬‬

‫أشياء ال أستطيع زفضها تشحبين‬


‫كثَتا ما يقاؿ لنا أف النهايات السعيدة موجودة فقط يف كتب الروايات‪ ،‬ويف عقوؿ األبرياء‬ ‫الساذجُت‪ ،‬يف كل مرة نندفع بقوة كبوىا‪ ،‬هترب منا وتطَت‪...‬أتعتقدوف أف ىناؾ مرحلة يف‬ ‫اغبياة‪ ،‬تتوقف فيها عن الشعور بالسوء عندما يتم استثنائك من أمر ما؟‪...‬على األرجح ال‪.‬‬ ‫فشلت مرة أخرى يف كبت مشاعري‪ ،‬مثل الشخصيات يف الدراما التلفزيونية وظروفهم غَت‬ ‫اؼبفهومة ! أشعر وكأنٍت أعيش قصيت اػباصة‪...‬كأنو اغبلم ذاتو يعاد ثانية‪ ،‬أريد ؿبو آثار اغبب‬ ‫أصمت‪ ،‬ألنٍت أعلم أف‬ ‫من قليب لكٍت ال أقدر‪...‬مزدضبة ذاكريت وكأنٍت عشت ألف عاـ‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫يغَت شيء‪ ،‬يف ىذا اجملتمع اؼبعاؽ الذي يعيق ! أنا ال أقاوـ العامل بل قوة أكرب؛‬ ‫اغبديث لن ّ‬ ‫أقاوـ تعيب من العامل‪...‬لكن بالرغم من أنٍت أعيش حيايت يف سياج عاؿ متّ ذبهيزه يل‬ ‫مسبقا‪..‬بفضل ما مررت بو‪ ،‬أشعر بأف حيايت بطريقة ما مثَتة لبلىتماـ‪.‬‬ ‫أشرؽ صباح يوـ جديد؛ إهنا سبطر ! وقطرات اؼبطر تتكرر انعكاساهتا اؼبنثورة‪ ،‬وأشعة‬ ‫وعلي اآلف أف أذبهز‬ ‫الضوء اؼبستقيمة ىذه بدأت تعرب إحداىا األخرى عرب مسافات ال تنتهي‪ّ ،‬‬ ‫للذىاب إىل اعبامعة‪ ،‬آه ؼباذا !! ؼباذا ال يعطوننا كتب ندرسها يف اؼبنزؿ ومبتحن فيها الحقا‬ ‫بدؿ الذىاب للجامعة بشكل يومي وتضييع وقتنا ىناؾ؟ أوووؼ ! على كل أجد نفسي‬ ‫مضطرا للذىاب‪.‬‬ ‫تبدأ أيامي الدراسية بشكل تقليدي رّدبا؛ أستيقظ‪ ،‬فأغتسل وأغسل أسناين‪ ،‬مث أشرب‬ ‫حليب الصباح يف اؼبنزؿ‪ ،‬وبعدىا أقضي حوايل نصف ساعة أرتب فيها شعري ومبلبسي حىت‬ ‫أبدو دبظهر رببو نفسي وأحس بالراحة فيو‪ ،‬مث أحشر كراسيت وأقبلمي يف احملفظة‪ ،‬وال أنسى‬ ‫كذلك وضع رواية كي اقرأىا يف وقت الفراغ الرىيب يف اعبامعة‪ ،‬وبعد ىذا أخرج من اؼبنزؿ‬ ‫دوف أف أغفل عن وضع السماعات يف أذين‪ ،‬إىل أف أصل إىل موقف حافبلت اعبامعة حيث‬ ‫ألتقي بزمبلئي يف غالب األوقات ىناؾ‪ ،‬فنركب حافلة واحدة معا‪ ،‬ونتحدث حوؿ العديد من‬ ‫اؼبواضيع؛ كالسياسة‪ ،‬والدراسة‪ ،‬والفتيات‪ ،‬واغبب‪...‬ونسخر من بعض أحيانا‪ ،‬كحاؿ صبيع‬ ‫األصدقاء‪ ،‬وبعد أف توصلنا اغبافلة للجامعة نفًتؽ إىل كلياتنا فرادى‪ ،‬ومثٌت‪...‬اذبو ناحية‬ ‫قسمي؛ قد أحيي بعض الزمبلء والزميبلت يف الكلية‪ ،‬مث أدخلو منتظرا انطبلؽ اغبصة بينما‬ ‫أطالع أحدى الروايات اليت دسستها يف حقيبيت سابقا‪ .‬بُت زمبلئي وعند أساتذيت لدي ظبعة‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫جيدة؛ فهم يرووين طموحا‪ ،‬وذكيا‪...‬متفهما‪ ،‬وأمينا‪...‬نشيطا‪ ،‬ومتواضعا‪ ،‬ومثقفا‬ ‫وحنونا‪...‬لكنٍت أراىن أف كل ىذه الصفات اعبميلة ستختفي وربل ؿبلها صفات خبيثة لو‬ ‫علموا أنٍت مثلي‪ ،‬فسأصبح بذلك غبيا‪ ،‬ومريضا نفسيا‪ ،‬ؾبرـ‪..‬ؿبب لشهواتو‪...‬أوه ! يا ليتهم‬ ‫يفهموف !‬ ‫بعد أف تنتهي اغبصص‪ ،‬وما إف يكوف بعدىا فراغ خاصة يف الصباح قبتمع أنا وبعض‬ ‫األصدقاء كي نذىب للحصوؿ على الغداء؛ أحيانا أذىب ويف أكثرىا ال أفعل كهذه اؼبرة سباما‪،‬‬ ‫فقد تركتهم يذىبوف وقررت االستخبلء برأسي يف مكاف ما‪ ،‬وبينما أنا أسَت يف الرواؽ‪ ،‬لفت‬ ‫انتباىي صورة طيف ألحد كنت أحبو وكنا سعيدين مع بعض؛ إنو ((كرـ)) لقد زبيلتو يبشي‬ ‫ناظري‪ .‬عندما زبيلت‬ ‫مقاببل يل يف الرواؽ لكن قبل أف يصل يل ينعطف يسارا ليختفي من‬ ‫ّ‬

‫صورتو تذكرت سنواتنا السعيدة اليت عشناىا مع بعض‪ ،‬وتذكرت قوؿ ((الرومي)) الذي يقوؿ‬ ‫أنك حُت ذبد العشق ستجد ذاتك كذلك ! يا ترى كيف حالو‪ ،‬وماذا يفعل اآلف؟ لقد عشقتو‬ ‫فعبل‪ ،‬ال يبكن ذبنب الوداع ىذا صحيح‪ ،‬ورغم ذلك أنا سعيد ألنٍت التقيت بو يف زاوية من‬ ‫ىذا العامل‪ ،‬وال أزاؿ رغم فراقنا أرغب يف أف نتقابل ؾبددا‪ ،‬ألننا إذا فعلنا سأسبكن من التعبَت‬ ‫عن مشاعري لو‪ ،‬فأنا يف النهاية مل أسبكن من التعبَت عنها بكلمات كبَتة‪...‬رحت أركض لؤلماـ‬ ‫يف ذلك الرواؽ متمنيا أف يكوف وجوده حقيقة‪ ،‬لكن مل يكن ىناؾ يف هناية الدرب (‪ :‬ويبدو‬ ‫أنٍت لن أستيقظ من أحبلمي لفًتة أطوؿ !!‬ ‫ويف الطريق استوقفتٍت إحدى الزميبلت اللوايت مل ألتق هبن منذ مدة‪ ،‬فرحنا نتبادؿ التساؤؿ‬ ‫عن أحوالنا‪ ،‬وحياتنا‪...‬إىل أف قالت‪:‬‬ ‫ يا مبلذ‪ ،‬أنت تتقن اللغة الًتكية صح؟‬‫ نعم أكيد‪ ،‬أتودينٍت أف أعلّمك؟‬‫ يا ليتك تفعل ىذا‪...‬فكما تعمل لقد أضافوا لنا مقياس اللغة الًتكية ىذا العاـ‪ ،‬وأنا ال‬‫أعلم شيئا عنها‪ ،‬لو تتكرـ وتعلمٍت بعض األساسيات؟‬ ‫فقلت ؽبا مستغربا‪:‬‬ ‫ ىل أنت جادة ! ومن ىو األستاذ؟‬‫‪ -‬بالطبع‪...‬يا ترى ماذا كاف اظبو‪...‬آه نعم‪..‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫وبينما أنا أنتظرىا كي تنطق باسم األستاذ‪ ،‬رفعت رأسي وأدرتو يسارا ألنٍت أحسست بشيء‬ ‫قادـ من تلك اعبهة‪ ،‬نظرت فإذا يب أرى ((كرـ)) بينما تنطقي ىي اظبو يف نفس الوقت‪ ،‬وقد‬ ‫كاف واقفا أمامي يف وقت سريع؛ ذبمدت الدماء يف عروقي‪ ،‬حلقي هبف أحاوؿ ابتبلع أي‬ ‫قطرة ريق ينتجها فمي‪ ،‬ياااه ! نفسي ىبتنق‪ ،‬واألىم من ذلك قليب ىبفق بشدة‪ ،‬بشدة‪،‬‬ ‫بشدة !! ركبتاي ترذبفاف وال تقوياف على ضبل جسمي ثانية بعد‪ ،‬وكما لو أنٍت يف فرف؛ كاف‬ ‫جسمي حارا‪ ،‬وشعرت بتبخر اؼباء منو‪...‬يا للهوؿ ما ىذا حبق اعبحيم؟ ىل نزؿ اؼبسيح؟ أىي‬ ‫يف هبذا الشكل العنيف !!‬ ‫سكرات اؼبوت؟ ؼباذا رؤيتو فقط تؤثر ّ‬ ‫? ‪- Merhaba, Melaz, nasilsin‬‬ ‫أهال يا ((مالذ)) كيف حالك؟‬

‫‪- Iiiiiii…iyiyim ! ssss..sag ol.‬‬ ‫ببببب‪...‬بخخير ششش‪...‬شكرا‬

‫مرة‪ ،‬بذلك اللساف اؼبتلعثم الذي يبدو وكأنو تعلم الكبلـ‬ ‫سباما كما رددت عليو ألوؿ ّ‬ ‫حديثا‪ ،‬كما أحسست دبشاعر ـبتلطة؛ أردت أف أرسبي عليو وأخربه كيف أحرقٍت العامل بشروره‪،‬‬ ‫وكيف أف اؽبواء ثقيل جدا عندما تتنفسو وأنت وحيد‪ ،‬ويف الوقت عينو كانت لدي رغبة ألخربه‬ ‫علي أف أعيش يف عامل آخر ‪ ،‬إذا عشت بدونو مل‬ ‫علي النظر إليو‪ ،‬وأنو كاف ّ‬ ‫أنو ما كاف هبب ّ‬ ‫كل يوـ‪ ،‬وؿباولة ترؾ ذكراه كل يوـ إال‬ ‫أكن ألعرؼ ذلك األمل‪...‬على الرغم من ؿباوليت ؿبوه ّ‬ ‫أنو بالفعل كاف عالقا يف قليب‪ ،‬بالفعل دخل قليب ىذا اإلنساف بل ملكو وال يريد أف‬ ‫يًتكو‪...‬أظن ىذا كاف حبّا‪ ،‬لكن اغبب الذي تعيشو بعيدا عمن ربب ىو عقاب من السماء‪،‬‬ ‫لذا فإف فؤادي يؤؼبٍت يف كل مرة أحبو فيها بينما ىو غائب‪...‬كاف ىذا عقايب‪ ،‬وأنا خائف‬ ‫اآلف ىل أقوؿ لو ذلك‪ ،‬أخاؼ أف أشبل وأقوؿ بوجوده وأقولو لو أين ال زلت أحبو وأريده‪...‬أريد‬ ‫أف أقوؿ لو ذلك لكن يف مكاف ال يتواجد فيو أحد حىت ىو‪ ،‬من خويف أنو من احملتمل أف‬ ‫يرحل ؾبددا بعد ظباع ذلك‪...‬أهبب أف أحبو يف أحبلمي فحسب يا ترى؟ حىت أرتاح بعد أف‬ ‫أبكي وأبكي‪...‬‬ ‫‪ -‬لكن ماذا تفعل ىنا‪ ،‬لقد تفاجئت فعبل عند رؤيتك !‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫أجاب ((كرـ))‪:‬‬ ‫ صدقٍت‪ ،‬ىذا واضح جدا عليك‪ ،‬لو أنك ترى مبلؿبك ! على كل ما رأيك أف‬‫توصلٍت اآلف إىل اغبجرة رقم ‪ ،20‬وبعدىا سنتحدث بتفاصيل أكثر‪ ،‬الوقت يدانبٍت‬ ‫اآلف‪ ،‬وىذه الكلية كالدىليز بالنسبة يل‪ ،‬ال أفقو أماكن حجراهتا‪.‬‬ ‫ظننتٍت يف البداية قد صبعت قطع الصورة ألعرؼ ؼباذا ىو ىنا‪ ،‬على كل حاؿ أوصلتو‬ ‫للحجرة‪ ،‬ونبمت بًتكو والرحيل‪ ،‬فاستوقفٍت قائبل‪:‬‬ ‫ مهبل يا ((مبلذ))‪ ،‬ؼباذا ال ربظر اغبصة معي‪ ،‬وبعدىا نغادر سويا؟‬‫فكرت قليبل وقلت‪:‬‬ ‫ فبم ! لدي بعض األمور لفعلها اآلف‪ ،‬لكن ال تقلق سأنتظرؾ أماـ ـبرج الكلية‪،‬‬‫سًتاين عندما زبرج منو‪.‬‬ ‫ حسنا إذف‪ ،‬اعتٍت بنفسك حىت ذلك الوقت‪.‬‬‫مث اذبهت مباشرة كبو اؼبكاف الذي سأنتظره فيو‪ .‬مل أشأ حضور اغبصة ألنٍت أردت ذبنب‬ ‫أي غرابة قد تقع‪ ،‬فتسمرت ىناؾ وبدأت أشعر بذلك األمل اؼبتجمد الذي يظهر كلما فكرت‬ ‫بو‪ ،‬كنت أرى أف ربطمنا ذلك كاف سابقا ألوانو‪ ،‬وقد تعلمت معٌت التحطم بسبب ذلك‬ ‫لؤلسف‪ ،‬كنا كبطلي فيلم حب‪ ،‬فيلم مل أشأ هنايتو اليت يتبلشى فيها اغبب‪ ،‬لذا ىا أنا أرجع‬ ‫شريط ىذا الفيلم اليوـ يف ذاكريت وأنظر إليو‪ ،‬رغم أنٍت حاولت حرؽ تلك الذكريات ونسياف‬ ‫أنٍت نسيتها‪ ،‬كانت تلتف من حويل ؾبددا مثل اللهب‪...‬ؼباذا ذىبت وتركتٍت وحيدا يا من كنت‬ ‫حيب الوحيد‪...‬ؼباذا؟ ؼباذا تعود اآلف وتسبب االضطراب لعاؼبي كما لو أف ذلك ينقصٍت‪ ،‬ذلك‬ ‫ّ‬ ‫يشبو الركض دوف أف تصل ألي مكاف‪...‬اظبح يل بالذىاب فقدماي قد سبزقتا من‬ ‫جري دوف توقف ىذا ما ال أستطيع التوقف عنو‪.‬‬ ‫اعبروح‪ٌ ...‬‬ ‫بعد أف عاد ((كرـ)) أظن أف كل يوـ سيصبح كتلك األياـ اليت قضيتها معو‪ ،‬ال تتبلشي‪،‬‬ ‫ستبدو وكأهنا حصلت البارحة‪ ،‬عندما أشعت عيوين وقليب بسببو‪ ،‬أريد أف اتكأ عليو ألنو من‬ ‫أراحٍت من صبيع اؽبموـ واؼبخاوؼ‪ ،‬أريد بشدة أف أسبسك بو ؾبددا‪ ،‬لكن أخاؼ من أف أُترؾ‬ ‫ؾبددا‪ ،‬كقطعة أثاث بالية‪ .‬الوعد الوحيد الذي أستطيع قطعو اآلف ىو اعبزء الوحيد من اغبقيقة‬ ‫الذي يبكنٍت إخباره بو؛ أريد أف أشيخ معو‪ ،‬متأكد أنو سيبدو رائعا بالشعر الرمادي‪ ،‬لكن يف‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫الوقت ذاتو ال يبكنٍت أف أطلب منو أف نعود ؼبا كنا إذا مل يرد‪...‬ىا أنا أعض شفتاي ندما لو‬ ‫حدث ىذا‪ ،‬لكن أنا أعرفو جيدا ألنو دائما يتصرؼ كأنو يعلم ما أريد جيدا دوف أف أتكلم؛‬ ‫إنو يقرأين ككتاب مفتوح‪ ،‬ويتبسم عندما يعرؼ‪ ،‬آآآه‪ ،‬كم أريد أف أمشي معو يدا بيد مرورا‬ ‫كل شيء مررت‬ ‫بالطرؽ غَت اؼبنهية‪ ،‬سأعطيو كل شيء ولن أندـ‪ ،‬وبذلك الوقت معا سيخفي ّ‬ ‫بو يف ىذا الطريق اعبارح‪ ،‬ذكرياتو ستصبح فبلة كذلك‪...‬ال أعلم أين سأصل بتحلية أفكاري‬ ‫كل سيء على ما يراـ‪.‬‬ ‫لكن أسبٌت أف يسَت ّ‬ ‫ آىبل ؾبددا‪ ،‬أنت ىنا إذف !‬‫نظرت جهة الصوت الذي كاف صاحبو ((كرـ)) وأجبت بعد أف طأطأت رأسي‪:‬‬ ‫ امم‪.‬‬‫ حسنا إذف فلنذىب‪ ،‬أنت متفرغ اآلف صحيح؟‬‫ امم‬‫وعندما بدأنا مبشي مبتعدين عن الكلية‪ ،‬ونروـ اػبروج من اعبامعة‪ ،‬قاؿ‪:‬‬ ‫ لو تعلم كم أنا متعب !‬‫ ؼباذا‪ ،‬ما اػبطب؟‬‫ إهنم ىؤالء الطلبة الذين أدرسهم‪ ،‬كيف من اؼبفًتض أف أعلمهم اللغة الًتكية‪ ،‬وىم ال‬‫يعرفوف ال إقبليزية وال فرنسية‪ ،‬بينما أعرفهما أنا‪ ،‬ولكن بدوري ال أجيد العربية؟ على‬ ‫الطلبة إجادة لغة أجنبية على األقل !‬ ‫ باؼبناسبة ! أخربين كيف انتهى بك اؼبطاؼ لتدرس يف كلييت؟‬‫ إهنا اتفاقية مع جامعة تركية ورئاسة اعبامعة اليت تدرس هبا‪ ،‬حيث مت إضافة الًتكية‬‫لكم‪ ،‬وبسبب ىذا مت نقلي من اؼبركز اؼبكثف إىل كليتك بصفة رظبية‪.‬‬ ‫ لكن أنسيت ما أخربتٍت بو يف آخر لقاء؟‬‫ ال مل أنس‪ ،‬لكن أفضل أف أحكي لك عندما نصل للمنزؿ‪.‬‬‫ سباـ‪ ،‬كما تريد‪.‬‬‫ال يزاؿ طبع ((كرـ)) كما ىو دوف تغيَت‪ ،‬فبعد أف دخلنا الشقة جلب يل بعض‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫اؼبأكوالت واؼبشروبات‪ ،‬مث توجو للحماـ قصد االستحماـ‪ ،‬وبعد أف فرغ من ىذا‪ ،‬جلس‬ ‫عبانيب وراح وبكي يل عن اؼبوضوع الذي وفّره لآلف‪:‬‬ ‫ أتعلم‪ ،‬بعد أف رجعت إىل ببلدي يف ذلك اليوـ‪ ،‬وبعد أف التقيت بالعائلة‬‫واألصدقاء‪...‬فكرت فعبل يف كبلمك؛ حوؿ كيف أنٍت سأدمر حيايت وحياة تلك‬ ‫الشريكة بسبب ميويل اؼبثلي‪ ،‬صبيل أف يقف اؼبرء أماـ ضمَته من فًتة ألخرى ألف‬ ‫ذلك يوضح أموره ويعطي فرصة لوزهنا وإعادة ترتيبها‪ ،‬لقد كنت أعلم أنٍت على وشك‬ ‫فعل شيء ال ربمد عقباه الحقا‪ ،‬وأف أمر الزواج لن يساعد كثَتا إف فعلتو‪ ،‬علمت‬ ‫ذلك جيدا‪ ،‬فأنا أنتمي لتيار غَت ذاؾ‪ ،‬فأنا مثلي وال أحتاج أحدا ىبربين بأنو ال فرصة‬ ‫لدي وال مصلحة يف ذلك الزواج‪ ،‬ومل أجد أحدا ألعرب لو عن ىذه اؼبكنونات اؼبؤرقة‪،‬‬ ‫كنت أفكر فيك طبعا لكٍت مل أشأ أف أزيد نبومك ونبومي‪ ،‬لذلك سايرت فكرة‬ ‫الدي ويف نفس الوقت كنت منزعجا منها‪..‬أحسست كما لو أنٍت منافق ألوؿ مرة‬ ‫و ّ‬ ‫يف حيايت‪ ،‬وأنٍت أىذي ؿباوال خداع نفسي‪ ،‬ولذلك جاء اليوـ الذي اضطررت فيو‬ ‫ؼبواجهة أىلي‪.‬‬ ‫ يا للهوؿ ىل كنت جادا؟‬‫ بالطبع‪ ،‬ألنٍت مل أصمد أماـ خنقهم يل باؼبسألة وتكرارىا‪ ،‬أحسست كما لو أهنم‬‫يرونٍت ملكا ؽبم‪ ،‬أو إنٍت عندىم ذلك الطفل الصغَت الذي ربياه‪ ،‬طفل ال شاغل لو‬ ‫غَت إطاعة أوامر والديو ولو كانت ضد رغباتو‪ ،‬فقط كي ال هبعلهما يغضبا منو‪...‬‬ ‫ وىل صارحتهما باؼبوضوع‪ ،‬وأقصد اؼبتعلق دبيولك؟‬‫علي التفكَت‬ ‫‪ -‬نعم لقد فعلت ذلك‪ ،‬ففي قرارة نفسي‪ ،‬قلت أنو من أجل سعاديت هبب ّ‬

‫كل‬ ‫باحتماالت مرتبطة باألعراؼ والتقاليد‪ ،‬وقد ارتاحت نفسي لذلك‪ ،‬وبعدىا أصبح ّ‬ ‫مرة لكن‬ ‫ما هبوؿ يف خاطري ىو واقع إخبارنبا وإلغاء ىذا الزواج‪...‬ترددت أكثر من ّ‬ ‫عندما وجدت نفسي أحشر لزاوية ضيقة ومظلة ما عدت أحتمل وأخربهتما‪..‬‬ ‫ردنبا؟‬ ‫ إييي ! وكيف كاف ّ‬‫يف ما يف باقي الشباب من أقراين وبل إين‬ ‫ أمي مل تقل شيء بعد أف أخربيت أهنا ترى ّ‬‫أحسن قد قالت ! عمل‪ ،‬منزؿ‪ ،‬بصحة جيدة‪ ،‬لقد قالت أف أمر من أميل لو وأحبو‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ليس باألمر اؼبهم أو اعبلل الذي سأقيمك عليو طاؼبا تكوف سعيدا بذلك‪ ،‬فأنت ربدد‬ ‫من تكوف بأفعالك ال دبا خلقت عليو‪ ،‬ولكن أيب‪...‬‬ ‫ ما لو أبوؾ؟‬‫خطاياي‪ ،‬كما حىت أنو أخربين أف بعد‬ ‫ حسنا‪... ،‬أنت تعلم؛ لقد أمرين أف أتوب عن‬‫ّ‬ ‫زيارة اعبزائر قد اندفع الكثَت من الدـ ألعضائي التناسلية‪ ،‬فصار دماغي مدينة أشباح‬ ‫مرة‪ ،‬لكن يف النهاية قلت‬ ‫حيث اختل تفكَتي على حد قولو‪..‬حاولت معو كثَتا كل ّ‬ ‫لو بأف ال أحد يعرؼ حقيقة نفسي أكثر مٍت‪ ،‬وأنا سعيد هبذا‪ ،‬لذا قلت لو لو سبنيت‬ ‫يل السعادة‪ ،‬سأكوف فبنونا ألف ال تراجع فيما قررت‪.‬‬ ‫ أييو ! وماذا بعد؟‬‫صمت‬ ‫ َ‬‫ صمت؟‬‫ نعم ىكذا بكل بساطة‪ ،‬ومل أستطع أف ذلك موافقة أـ رفض؟‬‫ عجيب فعبل‪ ،‬وال أدري ماذا أقوؿ؟‬‫ لو تعلم يا ((مبلذ)) لقد تظاىرت بالقوة ورباطة اعبأش لكن كل ما انتهيت إليو ىو‬‫علي أف أكوف قادرا للوصوؿ للمكاف الذي ارتاح فيو‪،‬‬ ‫أذية نفسي‪...‬أينما كنت هبب ّ‬ ‫بالطبع بعد أف أزبطى حواجز الشرؼ تلك‪ .‬على أية حاؿ ! وأنت كيف ىي أمورؾ؟‬ ‫رحت أحبث يف ثنايا عقلي عن أفكار أقوؽبا لو‪ ،‬لكن أعلم أنٍت أفشل يف ىذا دوما‪،‬‬ ‫ويتعلثم لساين وتتبخر تلك األفكار اليت أنوي قوؽبا‪ ،‬لذا قررت ترؾ قليب يتحدث‪:‬‬ ‫ كل شيء خبَت؛ العائلة‪...‬الدراسة‪...‬أنا فقط من لست خبَت !‬‫وعندما قلت ذلك ربت على ذراعي‪ ،‬مصدرا صوتا ينم عن اؼبواساة‪ ،‬وقاؿ‪:‬‬ ‫سبر بو يا عزيزي‪ ،‬وأنا آسف فعبل ؼبا سببتو لك‪.‬‬ ‫ أنا مدرؾ جيدا ؼبا فبرت و ّ‬‫أكملت حديثي‪:‬‬ ‫ أنا مل أكن خبَت بسبب رحيلك عٍت أبدا؛ ال أستطيع أف أناـ أفكر فيك ال آكل رغم‬‫جوعي‪ ،‬اندفعت بعيدا عندما انظر حويل لكن ال أعثر على شخص مثلك‪...‬كنت‬ ‫إيل‬ ‫على اؽباوية‪ ،‬مل أعرؼ ماذا أفعل ! أنساؾ‪...‬ال‪...‬كيف ذلك وأنت الذي تأيت ّ‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫يب دوف كبلـ‪ ،‬قلت ألعطو بعض الوقت فردبا لن ينساين‬ ‫دوف شكوى وتعرؼ ما ّ‬ ‫سريعا جدا‪ ،‬ولن يقع يف اغبب سريعا‪...‬سبنيت لو ؼبرة واحدة فقط أراؾ يف ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬وألنك شبُت مل أستطع توديع ذكراؾ‪ ،‬بل مل أكن أفكر يف أي شيء عداؾ‪.‬‬ ‫عندما يتغطى ضوء القمر يف السماء بدموعي اليت ال تنتهي حيب احملزف يصبح قصيدة‪،‬‬ ‫كنت أسبٌت لو أستطيع أف أنساؾ فقط ويقل سيبلف دموعي‪ ،‬فأنا حقيقة أستطيع‬ ‫البكاء عاما كامبل‪...‬أتذكر ! لقد كنت دائما جبانيب عندما أبكي‪ ،‬لكنك مل تكن‬ ‫وقتها‪.‬‬ ‫أردؼ قائبل بعزاء شديد‪:‬‬ ‫ يا قرة عيٍت‪ ،‬يا أمَتي ! أنا آسف جدا ألنٍت جعلت سبر هبذا‪ ،‬أنا سيئ ألنٍت تركتك !‬‫كنت‪ ،‬وتفكر يب يف الليايل الوحيدة‬ ‫كيف استطعت فعل ىذا وأنت رببٍت ىكذا أينما ُ‬ ‫واغبزينة‪ ،‬أنا ال أريدؾ أف تعيش وأنت سبسح الدموع‪ ،‬أنا أحبك‪ ،‬سأظل أحبّك‪،‬‬ ‫أحبك بدوف أف يعرؼ أحد‪ ،‬أو دبعرفتهم‪...‬ألنك‪...‬مشسي الوحيدة واألوىل يف ىذا‬ ‫العامل‪ ،‬أنت أزىرت كالوردة يل لكنٍت جعلتك عطشانا‪ ،‬كنت تتذكر كل اؼبواعيد‬ ‫ناىيك عن عيد ميبلدي‪ ،‬وهتنئٍت هبا ! اعتدت أف تتصل يب عدة مرات يف اليوـ تسأؿ‬ ‫عٍت وزبربين فيها حببك يل مرارا ومرارا لدرجة البكاء‪...‬أسبٌت أف ال أكوف قد تأخرت‬ ‫جدا فبدوري ال أستطيع العيش بدونك‪.‬‬ ‫ ‪.....‬‬‫ أرجوؾ أجب ! ألنٍت أحاوؿ الوصوؿ إليك ؾبددا كي أروي عطشك وجفافك‪ ،‬ال‬‫ذبعل ذلك يبدو كأنو حلم هبب ربطيمو‪ ،‬ال تدفعٍت بعيدا‪ ،‬شخص جيد مثلك كيف‬ ‫يبكنٍت لقاءه يف ىذا الزمن سيكوف ذلك كالبحث يف دوائر فارغة‪ ،‬أنا عاشق لك‪ ،‬من‬ ‫اؼبستحيل أف أتركك بعد أف عدت اآلف‪ ،‬وأعدؾ أننا سنذىب سوية ألي مكاف مع‬ ‫بعض من اآلف فصاعدا‪ ،‬لقد تركت عائليت وتراجعت عن ذلك الزواج وأتيت‪...‬أرجوؾ‬ ‫امنحٍت فرصة أخرى بعد‪ ،‬وسًتى ! سأجعلك أسعد إنساف يف الدنيا‪...‬ال أستطيع‬ ‫العيش بدونك‪ ،‬لقد ارتكبت ضباقة كبَتة خبسارتك‪ ،‬وأنت تدرؾ ؼباذا فعلت ذلك‪،‬‬ ‫ولكن الفًتة اليت بقيت فيها بدونك أرتٍت ما ىو اؼبهم‪...‬حزين جدا أنا إلحزانك‪،‬‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫اظبح يل كي أقوـ بتصحيح كل شيء‪ ،‬كي نعود كما كنا يف السابق‪.‬‬ ‫مل أعرؼ كيف أجيب‪ ،‬لكنٍت كنت ؿبتارا من أمر واحد وىو ؼباذا اآلف ال أبتهج وقد‬ ‫حصلت على شيء كنت أحبث عنو دائما ! ىل تبلشى اغبب من قليب مع الرياح؟ أـ أنٍت‬ ‫خائف أف أسلم روحي لو فَتجع ويطعنٍت يف الظهر؟ فلطاؼبا أجببت وكانت هناييت سيئة‪ ،‬ردبا أنا‬ ‫حب القدماء فبن‬ ‫حب‬ ‫شهري حىت أنو غبظي‪ ،‬على عكس ّ‬ ‫ّ‬ ‫خائف من اغبب يف ىذا الزمن؛ ّ‬ ‫ذكرهتم الكتب؛ وببوف حىت اؼبوت عندما يعشقوف أحدىم ! أتذكر حايل أثناء غيابو؛ عالقا‬ ‫الوحدة واعبفاؼ أىرب خائفا وال أريد أذية نفسي‪...‬لكن يف النهاية األمر متعلق بسعاديت ‪،‬‬ ‫فهل سأسبكن من ازباذ القرار الصحيح يا ترى؟ من يسمع ((كرـ)) يدرؾ أنو يبذؿ جهده من‬ ‫أجل أال يدعٍت استمر يف التعثر وأسقط‪ ،‬برأيي أنا قد أكوف ؿبظوظا بامتبلؾ شخص مثلو فقط‬ ‫وجب‬ ‫علي اغبفاظ عليو ! ومن جهة ليس من الواضح ما يبكن أف ذبلبو اغبياة يل‪ ،‬لذا ُ‬ ‫هبب ّ‬ ‫علي أف أكوف مستعدا ألي احتماؿ كي ال أُىدـ‪.‬‬ ‫ يا ((مبلذ)) امسح ىذا الوجو اؼبليء باليأس‪ ،‬وأجبٍت؛ اليوـ يبكنك تقريب اؼبسافة اليت‬‫بيننا أكثر لكن ىا أنت منقسم إىل مليوف قطعة ال يبكن صبعها‪...‬ال ذبعلٍت متوترا يا‬ ‫أشبن ما لدي‪..‬ال تقل كلمة النهاية أرجوؾ !!‬ ‫ اظبع يا ((كرـ)) أنا مشوش اآلف‪ ،‬وضائع بُت مشاعر كثَتة‪ ،‬دعٍت ال أعطيك جوابا‬‫وأنا يف ىذه اغباؿ‪ ،‬لذا لو ظبحت أريد العودة ؼبنزيل اآلف‪..‬وسأجيبك إىل حُت‪.‬‬ ‫ فبمم ! فهمت‪ ،‬لكن مىت؟‬‫ سأتصل بك ألخربؾ‪.‬‬‫أي قرار تتخذه‪ ،‬يكفي أف تكوف سعيدا بو‪.‬‬ ‫ سباـ‪ ،‬وقبل أف ترحل أعلمك أنٍت أحًتـ ّ‬‫وبعد أف نبمت بالرحيل قاـ ((كرـ)) بضمي إليو‪ ،‬مث رحلت‪.‬‬ ‫عدت للمنزؿ وال أجد بداخلي أي أثر للمشاعر واألحاسيس ! كاف جويف يشبو التلفاز الذي‬ ‫يشتغل‪ ،‬وأما ذلك الشعور فهو عند إيقاؼ شاشة ذلك التلفاز على مشهد معُت وتركها على‬ ‫ذلك النحو‪ ،‬وكنت أنظر لؤلمر بعقبلنية متمنيا لو بقي حايل ىكذا دوف مشاعر باختبلفها‬ ‫لؤلبد‪...‬ال‪...‬ىذا سيكوف فضيعا جدا !‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫إيل‪ ،‬ىذه‬ ‫كنت أدرؾ أف ((كرـ)) لن ىبذلٍت أبدا‪ ،‬فهو صادؽ‪ ،‬وـبلص‪ ،‬ويسرع يف طريقو ّ‬ ‫لدي صعوبة يف النوـ‪ ،‬فهناؾ الكثَت كاف وبدث يف رأسي؛ مفارقة كبَتة بُت ما هبب‬ ‫الليلة كاف ّ‬ ‫أف أكوف وما ىو كائن ! وبسبب ذلك أنا بدأت أسعد نوعا ما‪ ،‬فأي نوع من الندوب كاف‬ ‫صبيبل بالنسبة يل‪ ،‬أستطيع التحليق دوف خوؼ حىت لو حبست داخل الظبلـ‪...‬اكتشفت أين‬ ‫هبذا ؿبارب ال يستسلم‪ ،‬يبتسم ويبتسم‪ ،‬وحىت وسط الظبلـ سيجد الضوء‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫الفصل السادس‪:‬‬

‫زسول الظالو‬


‫ذىبت للجامعة كالعادة للدراسة‪ ،‬وللصراحة مل ألتق بػ((كرـ)) كثَتا‪ ،‬بل مل أرغب يف ذلك لذا‬ ‫رحت أقلل من حركيت أكثر داخل الكلية خبلؿ ىذه اؼبدة حىت ال أصادفو‪ ،‬وال يكوف اؼبوقف‬ ‫غريبا حسب ما أظن‪ ،‬لكن يف أحد اليوـ اتصل يب يف الفًتة اؼبسائية‪ ،‬يسألٍت ىل أنا أتابع‬ ‫دروسي بانتظاـ أـ ال‪ ،‬فأخربتو أنٍت أغيب أحيانا كي أذبنب التفاصيل ! فطلب مٍت القدوـ‬ ‫ؼبنزلو عندما أهني حصصي ؽبذا اليوـ فوافقت‪ ،‬وأخربتو أين سأليب طلبو‪ ،‬ولكن قبل أف تتم‬ ‫اغبصص اؼبسائية حدث أمر غريب فعبل ! فبينما أنا مع أصدقائي نتحدث‪ ،‬أحسست بشيء‬ ‫يدقٍت من اػبلف‪ ،‬فالتفت ناحية ذلك ألجد فتاة؛ كانت تبدو طالبة يف كليتنا خاصة مع‬ ‫الكتب اليت ربملها يف يدىا‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫ أنت ((مبلذ)) صح؟‬‫أجبت‪:‬‬ ‫ نعم !‬‫لدي ما أحدثك فيو؟‬ ‫ ىل تأيت قليبل‪ّ ،‬‬‫فخطونا بضع خطوات عن اؼبكاف الذي كنت فيو‪ ،‬وطلبت منها أف تتفضل وتتكلم‪،‬‬ ‫فقالت‪:‬‬ ‫ أنت تتكلم الًتكية صحيح؟‬‫ نعم !‬‫ أين تعلمتها إذف؟‬‫ يف مركز اللغات التابع للجامعة !‬‫ ىههمم ! و ما عبلقة باألستاذ ((كرـ))؟‬‫ كاف مدرسي باؼبركز !‬‫ لكن عبلقتكما مثَتة للجدؿ؛ ؼباذا تًتافقاف دائما‪ ،‬ويصب ىو عليك كل ذلك‬‫االىتماـ عندما يلقاؾ يف الكلية !؟‬ ‫بدأت أتوجس من ىذه الفتاة اليت تسألٍت وال تزيح عينيها عٍت كأمبا ربقق معي‪ ،‬يا‬ ‫للهوؿ ! ىل ىناؾ فعبل مهووسات ؽبذه الدرجة ! لذلك رحت أقوؿ‪:‬‬ ‫‪ -‬سأحاوؿ صياغة كبلمي بأحسن طريقة؛ من األخَت ماذا تريدين وإىل ما تطمحُت؟‬


‫ ال شيء ربديدا‪ ،‬فقط أرى مدى انسجامكما معا‪ ،‬تبدواف مرتاحاف كثَتا لبعضكما‬‫مقارنة بأستاذ وطالب !‬ ‫ أرجوؾ يا فتاة ! أنا أعرفو مذ حوايل أربع سنوات‪ ،‬لذا ال وبق لك الكبلـ‪.‬‬‫تتقعر !!‬ ‫ على أي حاؿ وداعا‪ .‬قالت ىذا وىي ّ‬‫أما أنا فبعد ذىاهبا رحت أنظر إليها وىي تبتعد متعجبا منها ومن تصرفها اؼبتعجرؼ‪ ،‬غَت‬ ‫مصدؽ ىذا اؽبوس !! ويف الوقت عينو كنت أنبس لنفسي لردبا تشك فيما كاف بيننا‪ ،‬أو‬ ‫تعرؼ بأمر ذىايب للبيت معو‪...‬وجدت نفسي حائرا وتائها بُت الفرضيات‪ ،‬لكن خرجت‬ ‫بنتيجة مفادىا أف أكوف أكثر حذرا ! مث عدت لزمرة زمبلئي وتابعنا حوارنا‪.‬‬ ‫بعد أف انتهت حصصي ؽبذا اليوـ تركت اعبامعة ورحت أمشي إىل منزؿ كرـ خبطى‬ ‫مسرعة قليبل‪ ،‬وال أعلم ىل كاف عقلي أـ قليب ما يتحكم يف رجبلي يف تلك اللحظة‪ ،‬يف كلتا‬ ‫اغبالتُت كنت ألذىب طواعية‪ ،‬وال بأس يف ذلك‪...‬ال بأس؛ فانفصالنا كاف دبثابة عبلمة زمن‪،‬‬ ‫كل مرة‪ ،‬لذا كاف‬ ‫وبدأ األمر عندما أصبحت أمشي وحيدا‪ ،‬لذا ال يبكنٍت أف أتأذي ىكذا ّ‬ ‫علي قولو؛ عندما أنظر‬ ‫مشيي بسرعة ورغبيت اؼبشتعلة بالوصوؿ دبثاب صبلة باكية‪ .‬ىناؾ شيء ّ‬ ‫كل ما أريد‪،‬‬ ‫ل ػ((كرـ)) يصبح قليب على وشك االنفجار والذوباف‪ ،‬عندما أنظر إليو أعلم أنو ّ‬ ‫وحُت يبقى عبانيب ووبميٍت لن أهنار بعد يوـ شاؽ‪...‬صوتو‪ ،‬ابتسامتو‪ ،‬إحساسو اللطيف هبعل‬ ‫قليب يف حالة سكر ! ال يبكنٍت إيقاؼ ىذه اؼبشاعر؛ لذا حىت لو ذىب قليب ؼبكاف آخر أو‬ ‫عاد بو الزمن للوراء سيذىب إليو‪ ،‬كما يسابق الزمن اآلف ذاىبا إليو‪.‬‬ ‫صعدت السبلمل خبطى مسرعة كذلك وقلب خافق بشدة‪ ،‬لكن تلك السرعة راحت‬ ‫تتباطأ كلما اقًتبت من باب شقتو شيئا فشيئا ! لقد تعبت مشيا يف جنازيت دوف قرب وبويٍت؛‬ ‫و((كرـ)) سيكوف الذي يُذىب عٍت الشعور بالوحدة‪ ،‬حىت عندما نتأذى سنتخطى األمر‬ ‫‪ ...‬ألف اغبب ليس أخذا بل ىو العطاء‪ ،‬وحبنا الذي خططنا لو مل يستسلم بل ىرب ؼبدة من‬ ‫الزمن‪...‬وإذا استطعنا سَتجع إىل سابق عهده‪ ،‬بعد أف كاف وباوؿ نزع مستقبلنا منا‪ .‬الدموع‬ ‫اؼبنهمرة ليست بسبب الضعف أو الندـ‪ ،‬إهنا أجزاء ولدت من اغبزف‪ ،‬ومن بُت كل األقدار‬ ‫واللحظات‪ ،‬أدركت أف ىناؾ حتمية واحدة؛ أف أرفض االستسبلـ واػبضوع وأسبرد على القدر‪،‬‬ ‫حىت يبكنٍت الشعور دبلمس يد حبييب ؾبددا والشعور حبناهنا‪ ،‬فتكرب األحبلـ اليت كانت تبدوا‬ ‫علي أف أثور للحب والقوة‪ ،‬وأترؾ‬ ‫كبَتة جدا ألهنا داخل قبضة ىاتُت اليدين الصغَتتُت‪ ،‬لذا ّ‬


‫اغبزف‪ ،‬كي أصل للنهاية بعد ذلك الوقت الطويل من البحث‪...‬ىناؾ حيث النهاية اليت كما‬ ‫أريد أنا‪ ،‬بدؿ التحرؾ يف رحلة أبدية ال تنفك أبدا‪ ،‬أتنهد كما أردت التوقف !‪...‬القدر يف‬ ‫متناوؿ يداي بعد اآلف )‪:‬‬ ‫طرقت الباب عند وصويل أخَتا ! ُففتح وظهر أمامي ((كرـ)) بابتسامتو اؼبشرقة كاؼبعتاد‪،‬‬ ‫فدخلت بعد أف سلّمنا على بعض‪ ،‬وجلست كالعادة على تلك األريكة اليت تنبعث منها رائحة‬ ‫ذكريات صبيلة وفريدة فعبل ! أما ىو فقد ذىب للمطبخ يشتغل بشي ما‪ ،‬لكن صوتو على‬ ‫فجأة‪:‬‬ ‫ يا ((مبلذ)) أال سبانع لو أمضيت الليلة ىنا‪ ،‬أـ تذىب؟‬‫أجبت بعد برىة‪:‬‬ ‫ فبمم‪ ،‬ال مشكل لدي‪ ،‬إذا كنت تريد ذلك‪ ،‬سأبقى‪.‬‬‫ إذف اتصل بعائلتك وأخربىم بذلك‪.‬‬‫ حسنا ! كما تريد‪.‬‬‫وبعد أف ىاتفت عائليت‪ ،‬وأعلمتهم بأنٍت لن أبيت اليوـ يف اؼبنزؿ‪ ،‬اذبهت إليو كبو اؼبطبخ‬ ‫أين يقبع‪ ،‬كي أعرؼ ماذا يطبخ حىت أطاؿ الغياب هبذا الشكل‪ ،‬فوجدتو يدور بُت‬ ‫الطناجر‪ ،‬واؼبقايل‪ ،‬والصحوف‪ ،...‬سألتو‪:‬‬ ‫ ىل تنتظر شخص معينا ؽبذا تعد كل ىذا الطعاـ؟‬‫ ال أدري فلتحزر أنت !‬‫ ردبا ىم أصدقاءؾ‪ .‬سيزورونك الليلة؟‬‫ ال‪.‬‬‫ فبم‪ ،‬غريب‪ ،‬ال أستطيع التخمُت أبعد من ىذا‪.‬‬‫فًتؾ ما كاف بيده وقاؿ مستسلما‪ ،‬وعبلمات الرباءة بادية على مبلؿبو‪:‬‬ ‫ ىل أنت جاد؟‬‫ وؼبا ال أكوف؟‬‫فقاؿ عندئذ‪ ،‬وقد تغَتت مبلؿبو للفرحة‪:‬‬ ‫ أنا أعد عشاءً‪ ،‬أروع عشاء‪...‬‬‫فقاطعتو قائبل‪:‬‬


‫ صبيل !! لكن ؼبن يا ترى؟ أألصدقائك الذين سيزورونك ىذا اؼبساء؟‬‫ آه ! عدنا ؾبددا لقصة األصدقاء؟‪...‬إنا أعده لك‪ ،‬وؼبن سواؾ يا عزيزي ((مبلذ))؟‬‫علي أمطارا من الورود‪ ،‬وقد بدا ضباسي واضحا جدا‬ ‫كانت مبادرتو ىذه كمن يرمي ّ‬ ‫بسبب تلك االبتسامة اليت ُرظبت على وجهي رظبا ! فقلت فرحا‪:‬‬ ‫ ستحضر يل شيئا بتلك اليدين؟ أتسائل عما وبضره عزيزي يل‪ ،‬فهناؾ روائح عطرة‬‫تأيت من الداخل !‬ ‫كنت أحاوؿ أف أمسك بأناملي وأذوؽ بعض اؼبأكوالت اليت طهاىا لكنو كاف ال يدعٍت‬ ‫أفعل ذلك لوحدي‪ ،‬بل ىو من كاف يطعمٍت إياىا ! وكنا نتبادؿ أطراؼ اغبديث إىل أف‬ ‫متّ إعداد الطاولة ووضعنا األطباؽ والكؤوس واؼببلعق عليها‪ ،‬مث يف األخَت جلسنا حوؿ‬

‫تلك الطاولة البهية مقابل بعضنا‪ ،‬ويف غبظة توقفنا فيها كأف الزمن توقف‪:‬‬ ‫ ما بالك يا ((مبلذ)) مل أنت جامد ىكذا؟‬‫قضمت شفيت وقلت‪:‬‬ ‫ ال‪...‬ال شيء‪...‬أنا فقط‪...‬‬‫ أنت فقط ماذا؟‬‫ويف غبظة ما أحاطت يب كثافة شعورية مصدرىا من داخلي‪ ،‬ومل أعلم حىت وجدت نفسي‬ ‫أبكي بكل معٌت الكلمة‪ ،‬وغرست وجهي يف الطاولة بينما أحاوؿ سبالك نفسي والتوقف‬ ‫إيل يربت ويفرؾ كتفي بكفيو ؿباوال بذلك‬ ‫عن البكاء‪ ،‬فقاـ ((كرـ)) من كرسيو واذبو ّ‬ ‫مواسايت‪:‬‬ ‫‪ -‬آه ! ما بك يا حبييب‪...‬أنت سبزؽ قليب ىكذا !! ىيا أخربين ما الذي يزعجك؟‬

‫فرحت أشكو لو أحزاين بصويت األجش واؼبتقطع‪:‬‬ ‫ لقد كانت أبسط أمنية يل أف نلتقي وكبتسي كوبا من القهوة كي أراؾ وأطمئن عليك؛‬‫كي أحكي لك كم اشتقت لك‪ ،‬وكم بائسا قد صرت بدونك ! وحيد يف الليايل وكل‬ ‫علي‪ ،‬مشتاؽ عبميع األمور؛ فقد كانت غَت سعيدة وؾبدية يل‬ ‫شيء ثقيل ّ‬ ‫بغيابك‪...‬األشياء تبدو غَت سعيدة أكثر عندما ال تكوف أنت‪...‬كل شي ىو نفسو‬ ‫ال لوف يزينو‪...‬لذا ال شيء خاص ولكن أردت رؤيتك لنشرب كوب من القهوة‬ ‫وأخربؾ بكل ذلك‪.‬‬


‫مث زادت رغبيت وإجهاشي بالبكاء‪ ،‬والدموع تسيل كما لو أهنا شبلالت‪ ،‬وكأنٍت مل أبك‬ ‫منذ أربعُت سنة !! كما لو أنٍت أستعمل شعور الوحدة ذلك الذي كاف يرافقٍت‪ ،‬مث رحت‬ ‫ألتقف اؽبواء كي أكمل الكبلـ الذي يف قليب‪:‬‬ ‫ وجعك ال ىبتفي من حيايت يا عزيز‪ ،‬حيب‪...‬حيب وحيد بدونك‪...‬ىذا الشعور‬‫بدونك يقتلٍت ! ال أريد البقاء بدونك‪ ،‬ألنٍت مل أستطع النجاح ليوـ واحد‪...‬حىت‬ ‫عندما أكوف بُت أصدقائي‪ ،‬أو عندما أغٍت‪ ،‬ال أنساؾ‪ ،‬أحاوؿ وأحاوؿ لكن مل‬ ‫أقدر‪...‬لذا مرة أخرى أحبٍت‪ ،‬أحبٍت ؾبددا وال تًتكٍت‪.‬‬ ‫قاـ ساعتها بإسناد رأسي إىل صدره‪ ،‬وكاف وبضنٍت بقوة بينما صار يربت على جانيب‪،‬‬ ‫وراح يقوؿ‪:‬‬ ‫ آه يا حلوي الصغَت ! ال تقلق من اآلف وصاعدا؛ ألنٍت‪...‬سأحافظ على مكانك‬‫جبانيب دوما‪ ،‬سأعطيك كل شيء ولن أندـ‪ ،‬قليب فعبل يؤؼبٍت ألنك شعرت على ذلك‬ ‫الشكل‪ ،‬حياتنا قصَتة لذا دعنا مبضها مع بعض‪...‬ال تنس ىذا أبدا؛ سنمسك أيدينا‬ ‫لنضمن أننا لن نفًتؽ ؾبددا‪ ،‬من اآلف وصاعدا سنتحدث ونكوف مع بعض طواؿ‬ ‫الليل وحىت شروؽ الشمس‪ ،‬وسنتشابك األيدي كما أخربتك حىت غروهبا‪...‬سنسَت‬ ‫ىكذا لؤلبد كالضوء والظل‪ ،‬فالقدر اآلف دبتناوؿ أيدينا يا حبيب ! لذلك ىبل توقفت‬ ‫عن البكاء‪ ،‬ألنٍت ال أسبالك نفسي وأحس بالسوء عندما تفعل ذلك‪ ،‬آه !! كم ال‬ ‫أستطيع التفريط فيك يا قطعة قمري !‬ ‫اعتدلت على الكرسي‪ ،‬وقد بادر ((كرـ)) دبسح دموعي بإهباميو الدافئُت‪ ،‬فبا جعلٍت‬ ‫أحس بتحسن‪ ،‬فذلك كاف دليبل أف صبيع وعودنا للنظر للمستقبل تظهر من جديد‪ ،‬وأف‬ ‫أوقات الشوؽ والوحدة ستذىب وزبتفي يف حفرهتا‪ ،‬وهبذا لن زبتفي مشاعري‪ ،‬ولن أتظاىر‬ ‫بعدـ السمع ؾبددا كي ال أجرح‪ ،‬سأحب األشياء من جديد‪ ،‬ولن أحاوؿ العودة للوراء من‬ ‫جديد يف أحبلمي بسبب الشوؽ‪ ،‬ولن تتوقف قصة حيب يف هناية تعيسة ؾبهولة‪ ،‬أو كرواية‬ ‫هنايتها غَت واضحة‪ ،‬ومل تكتمل قراءهتا !‬ ‫شرعنا بتناوؿ العشاء الذي أعده لنا ((كرـ)) لقد كاف أحسن من الذي تذوقتو سابقا !‬ ‫ال أعلم إف كنت جائعا كثَتا ! فقد بدا يل لذيذا‪ ،‬أـ أنو قد أضاؼ إليو شيئا فيما بعد؟ لقد‬ ‫كنا كبكي ونقص على مسامع بعض ما جرى يف حياتنا من مستجدات وأحداث‪ ،‬إىل أف‬


‫توقفنا عن األكل ونفذ منا اغبديث على ما يبدو ! فرحنا كبدؽ يف ذلك التلفاز الذي كاف‬ ‫يعرض مسلسبل عنوانو ''رائحة الفراولة'' على ما أتذكر‪ ،‬ال نفعل شيئا غَت التحديق ومتابعة‬ ‫حىت أنٍت استشعرت أننا ال ستطيع أف ننظر لبعض‪ ،‬كانت غبظة غريبة فعبل ! وبعد‬ ‫األحداث‪ّ ،‬‬ ‫مدة قلت‪:‬‬ ‫ حسنا ! أنا سأقوـ بغسل األواين وأنت لن تفعل شيئا ألنك من طبخ كل ىذا‪.‬‬‫فأجاب‪:‬‬ ‫ وىل يعقل يا ترى؟ سأساعدؾ كما ساعدتٍت يف الطبخ‪.‬‬‫ ىل تقصد عندما كنت أتذوؽ قطع الطعاـ اليت تعطيها يل؟‬‫ أجل‪ ،‬أنت اغسل األطباؽ وأنا أجففها‪.‬‬‫مل أستطع قوؿ شيء ووافقت‪ ،‬فجمعنا تلك اؼبائدة‪ ،‬وبدأنا نغسل األطباؽ؛ طبقا تلو‬ ‫اآلخر‪ ،‬وملعقة ملعقة‪...‬وكي نكسر ذلك الروتُت كنا نتدافع أحيانا‪ ،‬أرشو بقليل من اؼباء‪،‬‬ ‫ويقوـ بوضع رغوة الصابوف تلك على وجهي يف غفلة مٍت‪...‬فتعالت ضحكاتنا‪ ،‬وأصبح‬ ‫اؼبطبخ يعوـ باؼباء والرغوة !! فقلت حينها‪:‬‬ ‫ أنظر ؼبا فعلنا‪ ،‬ىذا عمل إضايف لنا‪.‬‬‫ فليكن ! ال شيء يستعجلنا‪ ،‬وليس ىذا باألمر الكبَت حقا !!‬‫ حسنا‪ ،‬سأبدأ بتنظيفو اآلف‪.‬‬‫فمنعٍت من ذلك قائبل‪:‬‬ ‫ دعك من ذلك‪ ،‬سنقوـ بو بعد قليل‪ ،‬واظبعٍت اآلف‪.‬‬‫ سباـ ! كلي آذاف صاغية يا حبييب‪.‬‬‫ يا ((مبلذ)) ىل تتزوجٍت؟‬‫ نعم؟‬‫ قلت لك ىل تتزوجٍت‪ ،‬وتقبل يب شريكا لك طواؿ حياتك‪ ،‬وال تتخلى عٍت أبدا‪.‬‬‫برضاؾ طبعا !‬ ‫ ىل أنت جاد؟‬‫ بالطبع يا حبييب يا أغلى ما أملك‪ ،‬أنا جاد إىل اؼباالهناية !!‬‫ود يل أحدى كفيو إشارة يل‬ ‫مث قاـ بإخراج خاسبُت من جيبو‪ ،‬ووضع كل واحد يف كف‪ّ ،‬‬


‫كي ألتقط اػبامت الذي فيها‪ .‬ال أدري ماذا حدث لعقلي يف تلك اللحظة‪ ،‬فقط جريت‬ ‫وقفزت إليو بينما أصرخ نعم‪...‬نعم‪...‬أنا أقبل‪...‬بالتأكيد ! فالتقطٍت عندما قفزت كبوه‬ ‫ورحنا نضحك بينما يدور يب‪ ،‬حىت زلت رجلو بسبب اؼباء فهوى أرضا وىويت بدوري‬ ‫فوقو‪ ،‬صمتنا للوىلة األوىل نتيجة الصدمة لكننا ضحكنا على حالنا اؼببللة بعد ذلك‬ ‫بقليل‪ ،‬إىل أف صمتنا يف النهاية ورحنا ال ننظر إال لبعض‪ ،‬فالتقطت اػبامت من يده ففهمٍت‬ ‫وم ّد يده فوضعت ذلك اػبامت يف أصبعو‪ ،‬وحاف دوري كذلك فمددت لو يدي‪ ،‬وقاـ‬ ‫بوضع اػبامت يف أصبعي كذلك ! وتقدـ بوجهو من وجهي وراح يقبلٍت‪ ،‬وقاؿ يف برىة من‬ ‫ذلك‪:‬‬ ‫‪ -‬ما علينا اآلف إال أف نزىر يف ىذه األرض اعبرداء !‬



‫عيٍت صباحا‪ ،‬وفرحت كثَتا حىت أف قليب كاد ينفجر؛ ألنٍت استيقظت يف أصبل مكاف‪،‬‬ ‫فتحت ّ‬ ‫مل أكن أحلم ! بل كاف ما أراه حقيقيا ! ىا أنا نائم بينما أحضاف حبييب ((كرـ)) الذي‬ ‫وبتضنٍت بذراعيو اليت يف كف إحداىا نفس اػبامت الذي يف كفي أنا ! أنا أتأمل تفاصيل وجهو‬ ‫غَت مصدؽ أنو قد عاد بعد أف ناديت‪ ،‬وقد كاف ىو من أجاب النداء ! ىا أنا أظبع صوت‬ ‫أنفاسو الدافئة‪ ،‬وكذلك صوت دقات قلبو‪...‬سأرعاه كثَتا حىت ال يتكسر وهبرح‪ ،‬سأضبيو من‬ ‫عيٍت ! ألنٍت بوجوده أعيش أكثر فبا أزبيلو‪ ،‬إنو رجل مثايل بالنسبة يل وببٍت كثَتا‪ ،‬ولن يسمح‬ ‫حبزين أو سيبلف دموعي‪ .‬حىت لو ذاع صييت من لساف إىل لساف‪ ،‬حىت لو قتلٍت ىذا اغبب‬ ‫مبليُت اؼبرات‪ ،‬حىت لو أدار اغبب وجهو للربيع دائما‪ ،‬فاغبب ىو سبب تعاسيت وسعاديت‪،‬‬ ‫حبنا كبن االثناف دبثابة حلم صبيل‪ ،‬أو رواية عشق وكبن أبطاؽبا‪.‬‬ ‫كل شيء فيو ال يزاؿ كما كاف‪ ،‬األمر أشبو باؽبدية اليت يهديها أحد فتضيع منك أو‬ ‫تنسى أين ىي لفًتة لكن عندما ذبدىا تبعث فيك الذكريات والسعادة؛ كاف ىو كذلك مل‬ ‫يتغَت مطلقا اذباىي؛ قوة عناقو وحضنو يل‪ ،‬شعر صدره‪ ،‬رائحة جسمو‪ ،‬قببلتو اغبنونة‪ ،‬واألىم‬ ‫من ذلك حبو وإخبلصو ومشاعره الثمينة والصادقة اليت تبدو كرياح دافئة تغلفك أينما كنت‪،‬‬ ‫إهنا مثل انفجار معجزة يف ومضة عُت‪ ،‬ألبدأ جبمع النجوـ اليت هتطل متألقة منها !‬ ‫انتهى جنوف البحث عن اغبب بالنسبة يل‪ ،‬ومطاردتو يف دوائر‪ ،‬لن أركض ؾبددا ألف‬ ‫أحب ! لن أسقط‬ ‫حبييب جبانيب‪ ،‬وسأبتسم كلما أراه وأحبو أكثر‪ ،‬ألف كل ما أعرفو ىو كيف ّ‬ ‫! حىت لو‬ ‫مرة أخرى‪...‬أنا سأكوف خبَت طاؼبا عزيزي الغايل إىل جانيب وأنا عبانبو‬ ‫ولن أتأمل ّ‬ ‫ضعت سأتبع آثاره كي ال ُذبرح أقدامي من اعبري‪ ،‬وكي أعرؼ الطريق الصحيح‪ .‬كبن ال نؤذي‬ ‫أحدا حببّنا‪ ،‬وال أحد يبكنو االعًتاض عليو ألنو ال يعنيو ما يدور بيننا بأي شكل ومن أي‬ ‫ناحية؛ اغبالة االجتماعية‪ ،‬اؼبهنة‪ ،‬األصل‪ ،‬العرؽ‪ ،‬اعبنس‪ ،‬االسم‪ ،‬الدين‪ ،‬واألعراؼ‬ ‫والعادات‪...‬ال شي من ذلك يهم وال هبب أف نتقيد هبا ألهنا زبلق الدمار واغبروب والدماء‪،‬‬ ‫والكره‪ ،‬والثأر واؼبوت‪...‬واألسوء من ذلك أف كل ما سبق لن ينتهي إال إذا اختفت‪ ،‬وهبب أف‬ ‫زبتفي ألهنا تضع روح صاحبها على احملك‪ ،‬ووجودىا سيسبب اؼبزيد واؼبزيد من اؼبوت‪ ،‬وأعتقد‬ ‫أنو كي تتطور البشرية هبب أف نفكر حقا باحتماالت غَت مرتبطة بتلك األشياء الكارثية‪،‬‬ ‫بالنسبة يل اإللو بالكاد ذو أنبية‪ ،‬مل أعد أؤمن ال باإللو وال بالقدر‪ ،‬ألف السماوات تركتنا نعاين‬ ‫ومل تكن إىل جانبنا منذ البداية‪ ،‬بل كانت على النقيض من ذلك تسعى غبزننا وموتنا رغم أهنا‬


‫ىي اليت خلقتنا هبذا الشكل كما يُقاؿ يف الكتب‪ ،‬ىناؾ شيء واحد متأكد منو ىو طاؼبا‬ ‫تعيش تلك الكتب السماوية اؼبظلمة سيغرؽ العامل يف اعبنوف والفناء تدرهبيا‪.‬‬ ‫كم ىذا مذىل حقا ! لقد وصلت أخَتا للمرحلة اليت لطاؼبا سبنيت أنا أكوف فيها مع‬ ‫وحبييب ((كرـ)) ال غَت‪ .‬فعبل البشر يتميزوف دبقاومتهم اؼبستمرة رغم أهنم كائنات ضعيفة ! قد‬ ‫تتساءؿ عن حايل وحبييب ! سأقوؿ لك كبن فعل سعيداف ببعضنا‪ ،‬ونعًتؼ أننا اؼبناسباف لنا‪،‬‬ ‫ونندـ ألننا مل نعرؼ ذلك يف وقت أسبق‪ ،‬لكننا ننظر ؽبذا األمر على أف ال يبكنو الربح دوف‬ ‫التضحية أو اؼبرور بأمل يعلمنا ذلك‪ ،‬لكن بتحمل ذلك األمل والتغلب عليو‪...‬سيحصل على‬ ‫قلب قوي ال مثيل وىو قلب إنساين بالكامل‪ ،‬فالذين ال يعرفوف األمل ال يبكنهم جلب السبلـ‬ ‫أبدا !‬



‫اخلـــــاتـــــنـــة‬


‫تأملت‪...‬يهين عضضت يشاْي وحتًُت‬ ‫تًو ايهًُات اجلازحة حمفوزة داخٌ قًيب‬ ‫مل أستطع َد جٓاحي داخٌ ٖرا ايعامل ايري َثٌ ايكفص‪،‬‬ ‫ايًيايي ناْت َٔ دوٕ ْٗاية داخٌ قًيب املظًِ‬ ‫أخفض زأسي َتجٓبا ايشُاء ني أختبئ‬ ‫***‬ ‫سأنوٕ ْفشي فكط‬ ‫أحالَي َكيدة مبشتكبًي‬ ‫سأحًل وأحًل جمددا‬ ‫يطاملا اَتًهت جسوحا ًَتٗبة‬ ‫أعًِ أْي سأشفى‪ ،‬يرا دائُا أتفاءٍ‬ ‫يهٔ سأذٖب أعًى ايشُاء‪...‬حنو ايٓجوّ‬ ‫حتى يدم قًيب املغًل وايهئيب جمددا‬ ‫يرا أحالَي اييت تطًل جٓاحيٗا‬ ‫ستشع أنثس يف ايشُاء ايززقاء‬ ‫حتًُي يألمل ٖو سبيًي ايوحيد‬ ‫يًتخًيل خازج ذيو ايباب‬ ‫ي يوَا َا‪.‬‬ ‫ألنتب يو حبٗد أنرب عُٔ سيأتي إي ّ‬ ‫***‬ ‫شسبت َٔ شساب ايعشل دوٕ إٔ أعسف‬ ‫وَسزت َٔ طسيل احلب دوٕ إٔ أعسف‬ ‫حبو عبازة عٔ هليب أيٗا احلبيب‬ ‫عبازة عٔ قطعة َٔ ْاز‬ ‫وٖبت قًيب يًٓاز دوٕ إٔ أعسف‬ ‫واحلاٍ إٔ حتب ملسة واحدة يعين إٔ متوت أيف َسة‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬


‫السوايات‬ ‫اضغط عًى صوزة ايسواية اييت تسيد يتخُيًٗا‬

‫ال آؽبة‪...‬فقط كبن‬



‫صفخة‬

‫ي الحك اتي المثتي‬ ‫اضغط عًى ايصوزة يزيازة ايصفخة‪ ،‬وَشازنتٓا بآزائو‪ ،‬وأفهازى‪ ،‬واٖتُاَاتو‪.‬‬


‫ال تنس كذلك زيارة مدونة احلكواتي املثلي على االنًتنت‪ ،‬لقراءة الكثَت والكثَت من‬ ‫اؼبوضوعات حوؿ اؼبثلية اعبنسية وغَتىا اؼبوجودة يف أرشيف اؼبدونة‪ ،‬كل ذلك فقط بضغطة‬ ‫منك على الصورة أدناه‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.