الصَّحْ ُو بِجُرعاتٍ ماثِلة ( شعر ) أمحد مَدَن ( شاعر من البحرين ) الطبعة األوىل2017 : مجيع احلقوق حمفوظة فراديس للنشر والتوزيع Faradees publishing هاتف0097339461232 : ص .ب33662 : املنامة -مملكة البحرين E-mail:darfaradees@gmail.com E-mail:musawi2000@hotmail.com
لوحة الغالف :مشس يف حجرة فارغة ، 1963 ،للفنان االمريكي إدوارد هوبر ISBN:978-99901-45-78-6 رقم اإليداع بإدارة املكتبات العامة /967 :د.ع2016/
مجيع احلقوق حمفوظة مبا فيها الرتمجة إىل لغات أخرى. ال يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو أي جزء منه أو ختزينه يف نطاق استعادة املعلومات أو نقله بأي شكل من األشكال ،دون إذن خطي مسبق من الناشر.
1
أمحد َمدَن
الصحْوُ ِبجُرعاتٍ ماثِلة َّ
2
3
(النُوَيدِرات على األرْجحِ أو ما شابَهَ القلب)
بنيَ أنْ يطالكِ الوردُ وأنْ ترمي إليكِ العصافريُ خَبْطَ أجنحةٍ كنتِ حافّةَ القلبِ كنتِ أُمْسياتِ الدروبِ وكنتِ جادَّةَ الشجر وهذا الصباحُ أُدْلِقُ منْ شُرفةِ النهارِ كتابَكِ ،كأنَّ نسيمَ الساحلِ وطأةُ الساحةِ ،وكأنّ خريفَ احلدائقِ ماءُ الكتابة ،وكأنّي خَلَلُ البداياتِ ورجْ َرجةُ احلضور ورقرقةُ الطيورِ وقلبُ املطر 4
لنْ أُدْليَ بدمي لنْ أتقاطرَ دونكِ لنْ جتْمعين الصَبَواتُ وسواكِ لنْ نُشْرِكَ واديَ اخلروج ِ أو برّيةَ الدخولِ أو بساتنيَ الغربِ أو ملوحةَ الشمال ومثْلَ أنْ تُدْرِكَ خَبَبَ القلبِ يف تفاصيل اهلَطْلِ ،ومثْلَ أنْ تَرشُفَ ظِلَّ الرحيقِ يف مرايا العشبِ ،ومثلَ أن تتمَوْسَقَ وهذا اخلريرُ ،ومثلَ أنْ تهَفْهِفَ خفْقةً منْ سَعَفِ اهلسيسِ ،ومِثْلَ أنْ تُغْرقكَ التفاصيلُ وتومئُ بالطَلَلِ املُسْهَبِ ،ومِ ْثلَ أنْ تصْحو يداكَ فال تعْرِفُكَ املنازلُ اخلفيضةُ ،ومِثْلَ أنْ تنْأى الكتابةُ فال تقْربُ سواكَ، ومِثْلَ أنْ يغزو القَفْرُ ويكتبُ جنودَهُ يف اجلذوعِ ،ومنها الواقفُ ومنها النافقُ ،ومِثْلَ أنْ يسرتيحَ فيكِ دمي النافِرُ بالرطوبةِ واملآمتِ والبطالةِ والنومِ وأحالمِ اليقظة
5
وقدْ يُلْقِي الشَطَطُ أبوابهُ ،فَتَنْقُرُ جدرانَ األحوالِ، وتَطْرُقُ ألَقَ الكتابةِ واملَحْوِ ،وسريورةَ الشبابِ، وخرائطَ االعتقال ،وممرّاتِ القيْظِ ،وأرصفةَ التُرْبِ، وطرقاتِ التعدّدِ ،ومصابيحُ تهمسُ طقْسَها وتنثرُ أثقالَ املوتِ والنعاس فصلُ الكلماتِ واألعْذاقِ والكبارِ على مصاطبِ الصباحِ ،وفصلُ شخوصكِ يقْطُرُ أُلْفَةً مِنْ حكاياتِ التكرارِ ،يُلَمْلِمُ هوامشها نسوةٌ ،يُشاغبْنَ ضجيجاً وعراكاً ،ويفْضَحْنَ خوامتَ الرجال بابُ الطرائقِ ماءُ الذاكرةِ ،وبابُ النوافذِ ظِلُّ املارّةِ، والشِغافُ فخاخُ الفِتْيَةِ ،والطيورُ مهاجرةٌ ال حتطُّ فوقَ أعجازِ النخيلِ ،وال تداري خيبةَ السفر موجُ العُمرِ كمنازلِ البحرِ يف بيوتِ املدِّ ،وكرفْقةِ الريحِ ،ال تَصْحو إالّ يف غرفِ الطّنيِ ،وال تٌسَلْسِلُ إالّ فقراءها ،وال تُمُيطُ اللثامَ إالّ يف بيوتاتِ السَعَف 6
شرائطُ األحداثِ فُوّهةُ أعوامٍ ،ال تبْدَأها مخسةٌ وستونَ بعد التسعمائةِ واأللْفِ ،وال تُنْهيها فصولُ التسعيناتِ أو مستهلُّ األَلْفِ الثالثةِ ،أو يُراوغها ساسةُ دينِ مُتَبَرِّجنيَ بتجارةٍ ال تبورُ ،أو يقرتحها املتسلّقونَ على أكتافِ فِتْيَةٍ ،منْتشنيَ بقمصانِ السوادِ ،وراياتِ التظاهرِ، وشعاراتِ اجلدرانِ ،واكتظاظِ البيوتِ ،وزخّاتِ الندواتِ املُتَلْفَزَة مرفأُ وحْدتها يف يديها ،وعلى مسافةٍ تقْرأها كيلومرتاتٍ معدوداتٍ ،تتداولُ القرى اجملاورةُ البساتنيَ اليت أقفرتْ ،والرباريَّ اليت زَرَعتْ بيوتاتٍ متعاقبةٍ، وخرائبَ عنيفةٍ ،وصفائحَ آسيوينيَ ،ومالجئَ أنقاضٍ، وكالبُ التشرّدِ مبثوثةٌ تُذرْذِرُ غوايةَ الصغارِ وفسحةَ النباح قمرُ النهارِ مشسُ ضحاها ومحيمُها اغتسالُ البحرِ بساحلِ العمر ،والضوءُ رحلةٌ من ْ عُتمةٍ ال تغادرُ سطوحَ منازهلا ،وال تبْرأُ منْ قاطنيها ،وال تشْفى مِنْ لَغَطها، وال تقاضي بارئها ،وال تغْفو على صفيحةٍ مِنْ كالم 7
وأعتابُ الصَبابةِ سالملُ مِنْ شرْقِ السَبْخةِ وآسنِ البحرِ حتى غروبِ الساحةِ وبقايا مالعبَ وبقايا مظاعنَ قيظٍ، والتمْرُ كهجرةِ أصحابهِ يُشْعلُ وجبةَ الشمسِ ،وبقايا مساجدَ
انفضَّ
املؤَدْلَجونَ،
عنها
والدروبُ
ال حتملُ أسفاراً منْ دوابٍ أو أسفاراً منْ غُتَر فصيلُ املوتِ أو فصيلُ الطمأنينةِ ،كجثومِ أهلِ اإلقامةِ والرَحْلِ ،يلْعقانِ آبارَ اجلفافِ وخرائِبَ القلبِ، والنهريات منْ بَعْدِ أَثَرٍ ،ال تُمطرُ جوانبُها ،وال تُشْغِلُ قَطْراً ،وال تُمْهرُ جذْراً ،وال تهجسُ نقعاً ،أو تفارقُ غياباً ،أو تالمسُ احلضور كأنّي بها أجْدرُ ،أو على األرجحِ أخاطرُ ،كأنيّ ال أُسَمّيها ،حدُّ رَتْقُ اللفظِ ،أو حدُّ اختصارُ الولوجِ أو هفهفةُ الروحِ ،أو حدُّ الشَبَهُ ،أو حدُّ املكوث كأنّي أحاذرُ بها يومي وكأنها لَبْثُ املاءِ وكأن ها جُرْعةُ الوقتِ بتفاصيل الوطن . 8
رمبّا يرمي سريتهُ رمبا تتْرى أخبارهُ ربّما يستوي حديثهُ والنخلَ أو ربّما يطرقُ دربُهُ ليلي أو ربّما يرتاقصُ مدُّ البحرِ وجوانبهُ أو ربّما يفْقهُ عشْبُهُ تالفيفَ عُمْري أو ربّما .. أو ربّما.. يتداولُ والنسوةُ أكتافَ التمرِ يتناولُ والصِبْيَةُ قِفافَ الطلْعِ *يف إشارة لعني (أم الشُوَّيْلي) وهي عني ماء مندثرة يف النويدرات وكان مدّ البحر حييطها من مجيع اجلهات. 9
أو ربّما .. أو ربّما.. يقدحُ بالصبايا يكاتبُ اجلهاتَ ويتلو ماءَهُ املغادرُ وميضي يغسلُ ضفافهُ والبحرُ هامشهُ األكربُ والبحرُ قاتلهُ األخريُ كَأَنْ تَلْقَفَهُ املارَّةُ أنباءً كَأَنْ يغْدو هشيمَ اهلجرةِ كأنْ تقْسوهُ املُغادَرَةُ أتُراهُ، جفافاً يتّقدُ يف جدار الظهريةِ، مشتعالً يف مشسِ صِبْيتهِ الشيوخَ أمْ تراهُ، ترتصّدهُ اخلاويةُ منِ النخلِ يتسلّقُ خطى يديهِ يُلْقي أعتابَهُ يف أُلْفةِ الورقِ يلجُ ليلَ ذاكرةٍ ال تغْفو . 10
ال يهْ دأُ هذا القيظُ يالحقنا ،ال يهْدأُ يرمي أيّامهُ شهوراً ،يرْميها مِنْ قُدّامٍ ومنْ خلْفٍ ،ال يهْدأُ يف أنْ يفاوضنا يف أجسادٍ ،يأويْها ليلَ نهارٍ ،حنسبهُ يستدعي حفيفَ أوراق شُجرياتٍ مضتْ ،وظاللَ ماءٍ غاضَ وماتَ ،يتفيّأُ مِنْ أحالمٍ تتقاطرُ وتنهضُ يف سُويعاتِ املساءِ ،قُرْبَ سالفِ العمرِ ،وعلى ضفافِ الناحيةِ اخلاويةِ ،ينسجُ منها أوكارَ الطريِ الصافنةِ املُخبّئةِ يف قرميدِ البيوتاتِ الغارقة يف مطر الطلِّ ،يشحذُ مِنْ قطراتِ الفيضِ موائدَ للتأفّفِ والتذمّرِ ،ويسألُ املارّةَ والعرباتِ،
حُسْنَ
اإلجابةِ،وحُسْنَ
اهليئةِ،وحُسْنَ
االستكانةِ يف مغادرةِ املُكيفاتِ املتوقّعة ،وغري املعلومةِ أوْبَتها 11
هكذا حننُ أسرى االنتظارِ ،هكذا لنا لونُ التوقّفِ، هكذا بنا الغُدُوُّ ،وهكذا بنا الرجوعُ ،وهكذا عجالتُ األشهرِ القائظةِ ،تكتبُ اختياراتها ،وتُمْلي فرائضَ احلضور ،وحتاصرُ هذا التقويمَ ،وتنتقي ما يُحْسِنُها ،وترمي فُتاتَ السَنَةِ ،وترْشقُ البقيّةَ باحلظِّ واملصادفةِ والطبيعةِ غري احلاضرة لو أنّا نقْتاتُ طقْساً ،ميألُ رِفْقَتَنا دفءُ الساعاتِ، ويسّاقطُ يف غيم النهارِ ،وجياهرُ يف خَلَلِ النومِ وقيلولةِ الفيْءِ وشائق اجلوِّ ،وهديرِ الصحْوِ ،ومستلزماتِ اهلدْأَةِ ،وفائضِ الوقتِ ،وسلّمِ األمنياتِ ،وأغاني الصيفِ ،ونواحي النخلِ ،وتقارير تأمنُ هسيسها وتُمْضِيكَ شروطُها ،فقرةً مِنْ كتاب األشهرِ املسرتسلة لو أنّا نأسرُ رُطَبَ القلبِ يف سِ اللِ العَرَقِ ،ومننحُ سورةَ الرجالِ قناديلَ التمرِ ،ونهدي بقايا املوجِ ساحلَ الغروبِ ،وننمو يف طرائقَ مِنْ ندى العرباتِ ،ونستأنسُ مشساً مِنْ عباءاتِ الصبايا ،ونتهادى الصمتَ يف جدرانِ 12
الرطوبةِ ،ونلْغو بأشياء القَطْرِ ،وفلولِ األقاربِ ،وبقايا الصُحْبةِ ،وطبْعةِ املساء لو أنّا يف ضواحي األشهر القائظةِ ،نلْقفُ سُبُلَ القُرْبِ، أو مسالكَ األطرافِ ،أو هوامشَ اجلُنُباتِ ،أو مساقطَ النوافذِ ،أو طلّةَ الشرفاتِ ،أو منازلَ القلوبِ ،أو قلوبَ املنازلِ ،أو ربيع َ نيسان ،أو خريفَ تشرين ،أو شتاءَ كانون ،أو حبرَ الفصولِ املاثلة شَفَقٌ يف املدينةِ يأْلفُ املصائفَ ،شفقٌ يُغنّي الشطآنَ، وحاالت القومِ نهاراتٌ مِنْ حاالتكَ ،واأللوانُ تُمْطرُ الفضاءات الغاربةِ ،والتوْقُ يقْضيكَ يف عصافري تَتْرى يف سرابيلِ احللمِ أو مناطيدِ القصائد أو خفْقِ األجنحةِ أو خبْطِ القلوب وهَجٌ يغفو بنيَ يديكَ كلّ يومٍ ،يكادُ ال يفارقكَ القُرْبَ ،وال سطْوةٌ يف بالغاتكَ ،وال حظْوةٌ يف رسوماتكَ ،وال شيءَ يُبالغُ يف نهجكَ ،سوى أنّكَ تَلْقى 13
كلّ الفِتْيةِ ،حيملونَ نهار اتهم ويصلبونها كلّ مساءٍ، عند بوّابةِ رسْمكَ ،وعند مداخل قيظكَ األخري إذْ تَسْكبُ الشمسُ عِزّتَها ،يدْلقُ العمّالُ غربةَ قارّتهم، ويشتغلُ اإلسفلتُ بالعَرَقِ واملظالّتِ وأكوام األجسادِ املتناثرةِ وجنُباتِ الطرقاتِ ،وجتنحُ البالدُ القصيّةُ إىل صخبِ اخلليجِ ،ويف اجلانبِ تؤوبُ األشجارُ إىل سريةِ الظلِّ والدفْءِ وخرائط النهارِ وجاللِ األرضِ وفُتُوّةِ العامل .
14
إذْ طوَّحَتْكَ املساءاتُ ،جرّاءَ جولةٍ يف أُفقِ النهاراتِ وأسْلَمَتْكَ إىل بوّابةِ البيتِ ،ال تلبثُ أنْ يصطادكَ هذا املطَبُّ ،ال تُدْعى إىل طرائقَ تركبُ رحيَها على أجنحةِ العرباتِ ،أو تُدعى إىل مائدةٍ منْ غروبٍ ،أنتَ صحْوةُ قوسهِ وفيكَ موئلهُ ،أو إىل فَناءٍ يرمي ختومهُ ،حدّ أطرافكَ وحدّ جهازكَ املشرّع ِ بنيَ فضاءاتكَ ،وحدّ هذا البياضِ القريبِ ،وحدّ هذه النَفْرةِ املستفزّةِ ،أو ينزلقُ الشعرُ يف إناءٍ من جُنُباتِ كتابكَ املُلْقى يف مهبِّ عينيكَ واملستحِمُّ يف أنفاسك املتشظّيةِ ،أو حيتفي الشفَقُ بِطّلَةِ نافذةٍ أنتَ مستطيلها ،أو يُخاصركَ املكيّفُ يف صوتهِ املتطفِّلِ ،أو متْلؤُكَ الشاشةُ بأنباءٍ تسْتهلُّ جسارَتها يف مُعادٍ مِن كالمِ النشراتِ ،أو يشْهدُكَ الوقعُ طَرْقاً مِنْ أجراسِ الباعةِ ،برِفْقَةٍ مِنْ شظَفِ العيشِ ،ومنْ عتَبِ 15
ب، احلاراتِ الشقيّةِ ،أو تنْ َهدُّ إليكَ أصواتٌ من خمازنَ القبا ِ ومنْ جيوبِ الفقهاءِ ومنْ سابلةِ احلديثِ ومنْ لِمَمِ املارّةِ ،أو تتقاطرُ إليكَ أفكارُكَ املكتَظّةُ كأمطارِ الرطوبةِ فوقَ اجلباهِ أو فوقَ الزجاجِ أو فوقَ اليدينِ املتدلِّ َي َتنيِ كأعناقِ النخيلِ أو كناطحاتِ البيانِ ،أو ينزلقُ الدبيبُ يف مفاصلِ حيْ َرتكَ ،أو يُطلقُ نارَ هواكَ يف هشيم وحدتكَ ،أو يستويكَ عالئقَ مِنْ تفاصيلَ ،تبذرُ فيكَ شطَطَ الغبارِ وشططَ األحالمِ وشططَ اخلارجِ ،وال تفْتأُ ترتضيكَ حواضركَ، مدائنَ ريبةٍ وطرائقَ غائمةٍ وقناني ضَجَرٍ .وإذْ سِوى وجهتكَ، جهاتٌ ال يَفْتُرُ مشالُها يتدفَّقُ يف جَلَبَةٍ مِنْ أمْركَ ،وال يَقِرُّ جنوبُها فيالقَ يديكَ ،ويشرقُ غربُها يف دَأَبِ السيولِ احلائرة متْخرُ عبابَ روحكََ ،عطْفُ اهلجرةِ ،ودواخلُ السيْرِ، وأقبيةُ املمرّاتِ ،واجلدرانُ اململّحةُ املتالزمةُ ،وأطوارُ املشْيِّ ،وخبورُ الذاكرةِ ،ومنايف القلبِ ،وتقاليدُ الصِبْيةِ ،وطفولةُ الزوايا ،ونوافذ النخيلِ ،وطرائقُ القدمنيِ فوق شظايا الزجاجِ املعشّقِ ،وركامُ الرمادِ، وبصريةُ الصمتِ ،وعماءُ النشيج أُقحمُ هنا ذؤابةَ النومِ ،وأقرأُ نعاسَ األسطرِ ،وأشهدُ مراكبَ النظرِ ،تغرقُ يف لُجّةِ الوحدة . 16
قمرٌ يُرْخي وجْهَتهُ يف األزقّةِ املُتَدارَكة قمرٌ يُرَمِّمُ صحْوةً فوقَ األسطحِ املتداعية قمرٌ ينهضُ يف اليدينِ قمرٌ يغسلُ دمي مباءِ الليلِ قبلَ ليلتنيِ تنادَتِ اليقظة بعدَ ليلتنيِ رَسَمَتْ رؤيةً وتساقطتْ جهاتُ الكالمِ وأمْطَرَتْ صحْوَ البيوتاتِ ونامتْ بنيَ السهرِ وبابِ الصباح
17
الغِبْطةُ فيكَ نثرٌ قاطعٌ والريحُ تهدْهِدُ شرُفاتِ النومِ وتفْغَرُ عتباتِ الفرحِ وتشْغلُ نورَ الصِبْيَةِ وتبلّلُ هذهِ املمرّاتِ وهذه القططَ العاشقة حينما يُخْفينا القمرُ القلبُ جزيرةٌ عاريةٌ والضفافُ مدائنَ غيمٍ تسّاقطُ مِنْ أنفاسِ النيامِ يف انتظارِ الغسَق حينما يقْصدنا القمرُ والضبابُ يتكسّرُ فوقَ الزجاجِ املرايا رحيلٌ واملرايا جنومٌ للسفر
18
أريدُ هذا القمرَ أكسرُ بهِ وردةً أو أرمي بهِ عٌتْمةً أغْمطُ بهِ العيننيِ وتشْقى بهِ الينابيعُ ويطفحُ بِهِ وجهُ البحر.
19
أقرتحُ يف مثلِ هذهِ اجلهةِ البادئةِ، أنْ ال يعْرتيين حديثٌ يُشابهُ دبيبَ النهارِ ،أو يتقاطعُ وجسرَ الليلِ ،ولي منهُ سرادقُ القلبِ ،ولي مِنْهُ رواقُ الصمتِ ،ولي منهُ دَلْوُ الصُحْبةِ ،وطرفُ األصدقاءِ، وإناءُ الصِبْيَةِ ،وفُتُوّةُ الشبابِ ،وطفْوُ الطفولةِ ،وعَبَثُ األحبّة أقرتحُ يف مثلِ هذهِ اجلهةِ الثانيةِ، أنْ ال يهاجسين هسيسٌ أو يشاغبين حفيفٌ أو جيانب أطرايف شغافٌ ،أو يتلوني همسٌ أو تسقطَ منْ بالغاتي خطاباتُ القادةِ ،أو تتناولين اهلزميةُ يف ربيعها ،أو تُمْ طرني الصلواتُ يف تراتيل الفجرِ ،أو يُعبِّؤُني الوقتُ مشاغلَ حنني ،أو مشاعلَ صُدْفة 20
أقرتحُ يف مثلِ هذه اجلهةِ الثالثةِ، أنْ أتواصى بالبحرِ ،وأن يتساحلَ قليب وجزائرَ العَصْفِ ،وأنْ تندى ثيابُ القطراتِ ،وأنْ يهْزجَ املدُّ، وأنْ تُجاورَ السواحلَ سفائنُ البَلَلِ ،وأنْ تعانقَ الغربةُ فضاءات املوجِ ،وأنْ تُشاطرَ الطريَ املرافئُ ،وأنْ تستقيمَ األجنحة أقرتحٌ يف مثلِ هذه اجلهةِ الرابعةِ، كما لو ملْ تقرتحين األمسياتُ ،وجْهَةً مِنْ خَبَبِ األغنياتِ ،أو لوحةً يف أُطُرِ اللّحْنِ عندَ أقصى مناخاتِ الوَقْعِ ،أو إيقاعاً للوِطْءِ يف سِاللِ النجومِ على ختومِ الظلمةِ وشِراكِ السماواتِ ،أو شُرْفةً حلبائل النومِ عند مداخل اليقظة أقرتحُ يف مثلِ هذه اجلهةِ اخلامسةِ، للجولةِ أبوابها ،وللصولةِ نوافذها ،وللحربِ جتّارُها وللهَمَجِ سرائرُ الدمِ ،وللحكّامِ مقاعدُ الشعبِ، وللجماهريِ الشوارعُ ،وللخيبةِ قسوتُها ،وللموتِ طرائقهُ وأطفالهُ ،وللجثثِ أنقاضُها ،وللعسكرِ أنواطُ 21
الفُرْجةِ ،ولي منّةُ الكتابةِ ،وهديرُ املكيّفِ ،وشاشةُ احلروفِ ،وعطبُ الساعةِ ،وخرابُ األمل أقرتحُ يف مثلِ هذه اجلهةِ السادسةِ، أنْ نتبادلَ خنْبَ اليومِ ،وأنْ نتدارسَ شرائطَ الكالمِ، وأنْ نسْتَسْقي غمائمَ العمرِ ،وأنْ نتَواطأَ واللهجاتِ غرا ئبَ احلديثِ ،وأنْ نتهادى صباحاتِ التَيَقّظِ ،وأنْ ندْلقَ ماءَ العشبِ ،وأنْ نروي رُطَبَ الظهريةِ ،وأنْ نُ هندسَ أصابعنا ،وشيئاً من رطوبةِ دمنا أقرتحُ يف مثلِ هذهِ اجلهةِ السابعةِ، ينابيعَ النهاراتِ ،أوائلَ الوردِ ،فضائلَ الفتحِ ،نسائمَ الفصلِ ،شرقَ الشمسِ ،أقمارَ الفضاءاتِ ،مواسمَ الطريِ ،قطارَ الوصلِ ،أطرافَ البدءِ ،مفاصلَ الصباحِ، هدْ َه َد َة املصابيحِ ،ثرثرةَ الصحْ ِو ،ب ْذرَ املساءاتِ ،ذرْ َذرةَ السطرِ ،فتحَ اهللِ والكلماتِ ،خرائطَ النحوِ ،كتائبَ األصدقاءِ ،شرائعَ احلبِّ ،قناديلَ الصورةِ ،شجرياتِ الصبابةِ ،منازلَ احلننيِ ،قرائطَ العشقِ ،سرايا الندى، طلَّ اهلطْ ِل ،قطرات الشفِِّ ،وصالَ الشوقِ ،نهرياتِ 22
الطفولةِ ،جُنباتَ الدمْ َد َم ِة ،مهابطَ الروحِ،خبْطَ القلبِ، ض ،أصيلَ اجلهةِ الغاربة مراتبَ النبْ ِ أقرتحُ يف مثلِ هذهِ اجلهاتِ، لَمْلَمَةَ الغروبِ وأبوابَ املغادرة ورفْرَفةَ الرحيلِ وهبّةَ الذهاب .
23
()1 مذْ أكثرَ منْ شهرٍ ،وأنا أستنْطقُ العاملَ وأَلْوي عُنقَ الكالم ،مُبصِرَةٌ يدايَ ،وخريرُ القلبِ يرشحُ مِنْ أفئدةِ النهارِ وليلي تَجاسرَهُ الرعبُ ،وأطفأَ سُرَّتهُ هديرُ العتمةِ ،ولستُ أداري سَوْءَةً أو أطْلقُ خطيئةً ،أو أكتفي باإلذاعاتِ ،أو أمازجَ نوميَ باملِشْيَةِ ،وعَصَبِ االحتضار ،وموتِ احلديثِ أحفرُ ،أظلُّ أحفرُ ،أكثرُ منْ شهرٍ ،وأعمقُ منْ مطرٍ، وأقسى مِنْ قصفٍ ،وأبعدُ مِنْ صباح تَوْقُ الروحِ على طَلَلِ الكالمِ ،ودفْقُ املاءِ نسيجُ الوحدةِ ،وال آخرَ يف الصفِّ وال ابتداءً للحضورِ
24
أعمقُ مِنْ غيابٍ ،وأقصرُ منْ ومْضةٍ ،ال مُدُنَ، ال ع واصمَ ،ال خرائطَ للساسةِ ،وال ورْطةً للخيبةِ أٌ مازجُ قدَرَ اليومِ ،وأهْصرُ شغافَ الفضاءِ ،وأجولُ زمنَ الغيبةِ، يدايَ مبصرتانِ وعينايَ مغمضتانِ وأطرايف فَضُّ الغيابِ ردْهةُ الصورةِ ضيقةٌ وطرائقُ الرسمِ ضبابُ الريشةِ ومذْ أحْلَلْتُ فيكمُ الوطنَ ،ال وَقْعَ دوْنهُ وال هفهفةَ الصيفِ وال مراتعَ الرطوبةِ ،وال امتثاالتِ اجلهاتِ النسوةُ ال يغادرْنَ ،يَمْتَشِقْنَ اللَبْثَ ،وتكابرُ الطفولةُ على أعتابهنَّ ،واجلنباتُ مصائدُ اللحظةِ ،والسالملُ تصّاعدُ أغْبِرَةً منْ صبايا أنهضُ، مُنطفئٌ يف دمي، وباردةٌ مفاصلي عينايَ فاترةٌ، ويدايَ حفيفُ غيم ٍ شفيف . 25
()2 مُذْ أقبلتِ األهلّةُ ،والصغارُ عناقيدُ الليلِ ،والنجيماتُ ز خارفُ الصبيةِ ،والسهلُ بساطُ الطائراتِ ،وأنا أُرْهفُ اجملالَ ،وأصيخُ السمعَ ،وأقْضي مآربَ القلبِ ،وليْ مِنْ سهامِ احلربِ اكتظاظُ اجلعْبةِ ،ولي مِنْ شظايا الشهر والنصفِ زيفُ الساسةِ وابتداعُ التحليلِ ،ولي مُروقُ التفاصيل واهلواءُ املتكسّر يف ثنايا احملطاتِ ،وليْ فقْر ةُ هذهِ النوايا ،ولي هشيمُ النهرِ وخطُّ األزرقِ ،ولي حنايا القبضةُ وتقاطيعُ الوصولِ أفهمُ غشاوةَ الوقتِ ،أفهمُ أراجيحَ املاءِ ،أفهمُ منازلَ القمرِ ،أفهمُ مراتبَ القومِ ،أفهمُ عسكرَ الوردِ يشاغلين الفهْمَ غيهَبٌ ،ويشاغبين الفهْمَ مطرُ القنوات ()3 فقطْ، ألنّي، قدْ أُقِيْلُ الرغائبَ على حافّةِ النظَرِ ،وقد أُسْقِطُ الرتَهاتِ مِنْ طرائقَ العنيِ ،وقدْ يشرفُ منّي الكالمُ على تلّةِ األوراقِ ،وقدْ أُ كوّمُ أنهار الليلِ على مشسِ 26
النهارِ ،وقدْ ترتاقصُ الفرتاتُ يف مضاجعي ،وقد تنهمرُ شهورُ القصفِ على مطالعِ أيلول ،وقد ال يُؤاخذني حَذَرٌ منْ نومٍ ،أو يقتفيين قميصٌ ،قُدَّ مِنْ نَدَمٍ ،أو تكابرُ بي سلّةُ أشعارٍ
فقطْ، ألنّي، حينها أو حينكَ ال يغادرني البحرُ أو ال تُغادرني السفائنُ ليسَ لي غري هذا الساحلِ ليسَ لي غري ثوابِ الركوب .
27
قُرْبَ حدائقِ القلبِ أَزْهَرَتْ منكِ تَلَّةٌ داوَمَتْين صغرياً، وشابّاً، أَقْلَعَتْ بي خُطايَ واسْتَقَرَّتْ بكِ املنازلُ وحينما أَوْدَعَتْين صفوفَها وتراكضَ حوهلا الفراشاتُ ملَّتِ املدرسةُ أسبابَها النوافذُ طلقةُ الفضاءِ 28
والنسوةُ يُحَدِّقْنَ يف احلضورِ يُشْرِعْنَ قَهقَهَةً ويُمْطِرْنَ عيوناً يبْحَثْنَ عنْ أحدٍ يُطْفئُ جذْوَةَ النظر مُذْ غادَرْتُكِ بنيَ فيْنَةٍ وأخرى يَرِفُّ منكِ قمرٌ يُطْفئُ البُعْدَ، ويُشْعِلُ تالمذةً، كالنهار ها أنت مُسيَّجَةً باجلِيْلِ والقلبِ والتَّلَةِ واملنازلِ وبي وها إنّي أُهفْهفُ روحي وأصطادكِ وأَنْسُجُ منْ حولكِ هذا اجلدار 29
ويف الطَرَفِ كنتُ أرْقُبُ ماءً، يَتَصَبَّبُ فِخاخاً فَأَنْقُعُ وجْهَ السننيَ وأَنْتَشِلُ أحذيةَ العابرينَ وكأنَّ، للشُّجرياتِ شَغَفُ القَفَزاتِ وللنخيالتِ وَلَعُ الصغارِ وصَرْمُ األعْذاقِ واسْتكانةُ املساء غريَ أنْ يَقْطعكِ صوتُ مكائنَ املاءِ ،مزدانةً باهلجسِ وحمْشُوَّةً باجلبالِ اخلفيضةِ ،ومرشوشةً باملالعبِ، وبالساحاتِ والطرقاتِ املبعثرَةِ ،وأشياءِ املارَّةِ وأشياءِ النخيل غريَ أنْ يتماسكَ حولكِ وبْلٌ من وشْوشةٍ وعتيقِ كالمٍ، وتتقاطرُ قُرْبكِ عرباتُ التمرِ ،شاخصةً حنو القرى القريبةِ ،مفتونةً بالرجالِ والصغار ،مُمْتَشِقنيَ غُرتاً كعمائمَ حمشُوَّةً باهلدوءِ وباألحالمِ السائبة 30
غريَ أنْ أجالسَ فيكِ الفُتوَّةَ والصبابةَ ،وأخلعُ عين حياءَ الصغارِ ،وأنثرُ لديكِ طوابريَ الصباحِ ،أُذَرْذِرُ همَّ مُعلِّميكِ وأنشرُ حَمْحَمَةَ أولياءَ األمورِ ،وأقْدحُ شقاوةَ الطلبة منْ حلكايةٍ حلكاية نبين أحالمنا بنيَ جدرانَ التشظِّي نوزِّعُ أقداراً لنا وخنرجُ منكِ أبواباً مُشَرّعةً للجنون .
31
حيٌّ يتشرَّبُ وجهي فأَسقيهِ الطفولةَ نتقاطعُ وهذا املساءُ وهذا الشفقُ الصورةُ ناصعةٌ اجلهةُ الغربيّةُ كامتداد الروحِ ال غرْبَ هلا أو ال عُمْرَ هلا 32
حدَّ صهيلَ الصغارِ أو كمالعبِ املاءِ خاويةٌ إال من قليب أو كمساحات النخيلِ مثقلةٌ بالبقايا أمّا الشرقُ فتشرقُ الرطوبةُ يف اجلدرانِ اليت غادرها الطالءُ أو ملْ تعرفهُ وتتصاعدُ البيوتُ املتقاعدة ُ والصبايا الالّتي ال يُدْرِكْنَ غربةَ احلضورِ يتقاطرْ َن كأنهنَّ مطرُ التجوِّلِ أو وابلُ العناق ويف الشمالِ كيفَ غادرَ البحرُ؟ وكيفَ ملَّتِ البيوتُ أساساتها؟ وكيفَ اشتعلَ الردمُ؟ 33
وبعيداً بعيداً أَقْفَلَتِ النوارسُ !! أما اجلنوبُ فالبويتاتُ واحداً بعد آخرَ تلفظُ أنفاسها منْ حرائقَ ودخانٍ وناسٍ فتزدحمُ الطرقاتُ وَتَغْتَدي بطالةً وفقراً وأحالماً متوت .
34
كنتُ رابعَ ثالثةٍ السطرُ، والقلمُ، وهذا األفقُ كنتُ أشْحذُ رأسي أمألُ السطرَ بدمِ القلم وكانَ األفقُ رحلةً ال جتيءُ إستطارَ األفقُ شقَّ مِنْ جييب مثانيةً وأربعنيَ 35
وكوَّمين تلَّةً منْ سنني يؤوبُ السطرُ ويؤوبُ القلمُ وغائبُ األفقِ ال يؤوبُ غيضٌ منْ وقتٍ مينحنا أوّلَ القراءةِ فيضٌ منْ سطرٍ مينحنا تضاريسَ الكتابةِ ومجيعاً نُحَمْلِقُ يف املرايا فنصْطادُ نوافذَ من زرقةِ البحرِ ونصطادُ أبواباً تِلْوَ أبوابٍ وال نكادُ خنرجُ حتى ندخلُ أثقاالً منْ هواءٍ يتكسّرُ ومنْ فراغٍ مطري
36
سالتْ بنا دنيانا حَرَجاً بني األصدقاءِ فمَألْنا عواطفنا جيشاً من خيباتٍ ومَألْنا جيوبنا مسرياتَ احتجاج تقشعرُّ أهدابُنا عندَ كلَّ خلْجةٍ ونظلُّ نُرَاوِحُ األربعة حننُ األربعة تصْحَبنا الندامة .
37
كالغربةِ يف احتجاجها قَصَرْتُ قامةَ روحي عليكِ وتَمَنْطَّقْتُ سيفَ خطاكِ ارتقيتُ جانبكِ تَهْرعُ بي الدرجاتُ تغْزِلُ أمساءَها يف شَرَكِ النهارِ وجتنحُ للظلِّ وتَشِيْدُ مبا علِقَتْهُ األرجُلُ فنُصْبِحُ قابَ أُمْنيَةٍ ونُصْبِحُ قابَ وَرْدٍ ونصبحُ قابَ العناق 38
يف أنْ تُمْطِرَ األرضُ صباباتها، وتَلْعَقُ عوائدها، وتلتظي وجعاً، يسْتَقي يوماً يف أحْذيةٍ جترْجِرُ ساكِنِيْها يف أنْ يُصَبِّحُنا املدى ضوءًا منْ مصابيحَ مُكَسَّرَةٍ، ونوراً من طفولةٍ مُطْفأَة يف أنْ تهفَّ أثوابُنا ،وختتلجَ قمصانُنا يف أنْ نُعِدَّ أجساداً ،تطَّايَرُ يف غَدْوِنا وقُفُولِنا وإنَّ علينا أن نُنَاولَ صورةَ أقدامنا، ونَدْعكَ الرتوشَ، ونرتِّبَ ابتساماتٍ ماكرة وإنَّ علينا جدلَ السائرينَ، وقهْقَهةَ األطرافِ، 39
ومشاتةَ األصدقاءِ، وخُبْثَ احلضور خطوةٌ تراقِصُ قَبْلها خطوةٌ تصْحبُ وِجْهَتها خطوةٌ أمْرُنا يف يديها .
40
وحيداً كنتُ أَرْقبُ الليلَ كانَ ينمو منذُ أكثرَ منْ ساعة ووحيداً كنتُ أخدشُ وجهَ الظالمِ كانَ يَعْلو الدارَ وميوتُ عندَ العتبة
ووحيد ًا كانَ املصباحُ ميطرُ عند الزاويةِ الضيّقة 41
ووحيد ًة الفتاةُ تَثَّاقَلُ يُلْبِسُها الليلُ خُطاها يُرْكنها هاتفٌ تُقَلِّبُ أرقاماً تأْنَسُ دِفئاً فتصْفَحُ الشوقَ وتَأْلَفُ كتابَ الظلمة وحْد ُه القمرُ يُخْلي الساحةَ ووحْدُها العتمةُ جامثةٌ حترسُ البيوتَ واللصوصَ والقططَ والسكونَ واهلدْأَةَ املستيقظة البيوتُ وحيدةً تَقْطرُ نُعاساً وتُهَدْهِدُ شهوةَ النائمنيَ 42
وفَوقَ القبابِ بَلَلُ الصمْتِ يرسو ومكبِّراتِ الصوتِ يف سُباتٍ عميق وحيداً العاملُ يغرقُ ووحيداً العاملُ صباحاً يطفو .
43
أكثرُ مِنْ شهرٍ وَطَأَتْين فَتُلَمْلِمُ وقتاً وتصاحبين كلَّ نهارْ ي أَعْرِفُ أَنّ ْ ال أُشْركُ فيها أحداً أعرفُ أنّي ليَ وحديْ كُتيب وقصائدَ يومي أَعرفُ أَنّي 44
ال أخرجُ للنزهاتْ أو تتَداوَلَين العاداتْ لكِّ ْن مطرٌ منها يُعْشِبُ قليب يَمْلَؤُني بالدنيا يُخْصبين بالشهواتْ أفْقَهُ فيها سُلَّمَ روحي أغْدوهُ أخباراً للروحِ وأنباءً للورقِ ال شيىءَ يكابرُ بنيَ يديَّ وأنتِ حفيفُ القنواتِ وأنتِ فُتُوَّةُ ماءُ الرغباتِ وأيضاً أنتِ هنا 45
ريفُ الكلماتْ أسْتبقي أَوَّلكِ أَسْتَبْقي آخركِ أغْفو بينهما أهطلُ وادٍ من قبضاتْ أرمي شغفاً من جوالتْ أُشعلُ بابَ قصيدْ إذْ يرمي بي عمَ ٌل أو تقذفين نوباتُ مشاغلَ تافهةٍ سَأُكَوِّمُ أيّاميْ سَأُجيزُ لنفسي أالّ يعتاد جوانبها أحَدٌ وسَأَهْفو بَلَالً منْ ألفاظٍ أو ألفاظاً من بَلَلٍ وسأَغرقُ يف اللُّجَةْ
46
أَقِفُ يقفُ العاملْ تقفُ احلرّيةْ ومجيعاً نرتاشقُ هذي العطلةْ .
47
()1 كلّ نهارٍ ترمُقهُ الشمسُ وال يلْبثُ أنْ يرسم ظالًّ يسّاقطُ يف كلِّ األطرافِ ويَعْدو صوْبَ اجلدرانِ ويلبسُ كلَّ اخلطواتْ ()2 البيتُ جُثُوماً يقْطفُ ماءَ النظراتِ ويسْتودعُها غُرُفاً وحضوراً 48
ينْقشُ غيْبتهُ يسْتَمْطرُ صحْوَ الظهرِ ويلْقفَُ وبْالً وَبْلٌ من أَوْبٍ وَبْلٌ من غَدْو ٍ هذا البيتُ
()3 البيتُ قعيداً البيتُ يُصاحبُ هدْأتهُ البيتُ يدقُّ الشارعَ والشارعُ يصفحُ أوراقَ املّارةِ واملارّةُ تهمسُ يف الداخلِ واخلارجِ تُلْقي أعباءَ اليومِ وتلقفُ نوءَ املشيِّ وتسْكبُ أرصفةَ الوجْ ِد تهدُّ جدارَ الصُحْبةْ
49
()4 يتدَلَّى هذا البيتُ لساناً منْ عَتَبٍ القاطعُ أوَّلهُ ومراياهُ ضيوفُ احليِّ وحديقتهُ كسماءِ القلبِ ب ونافذةُ الغَرْ ِ كنافذةِ الصبحِ مُشَرّعتانِ تُطالّنِ على فَيْء العُمْرِ ()5 البيتُ، تَسْبِقهُ النخلةُ تعْلو السورَ وتشْرِكهُ ألوانَ شجريةِ صيفٍ تغفو عندَ شجريةِ لوزٍ ٍّ ال تسْلَمُ مِنْ صِبْيَةِ رمْي ٍّ والشارعُ ال يهدأُ منْ أبيضَ وردي 50
ٍّ أو أمحرَ مُخْضَر أو وَحْي بياض ٍ أو نَظْرة عُشقٍ تتطايرُ يف الظلمةْ تنشَقُّ، بنيِ األحجبةِ السودِ وتسعى تدْركُ وطأةَ قلبٍ تدركُ أنّ الرابضَ يُكتَتَبُ تدركُ أنّ قِطافاً يف يوم ٍ يتدلّى يف غيمٍ يتدلّى يف جُمْلةِ عمْرٍ يسْكبها صاحبُها ال ختْدشها دفْقةُ صيفٍ أو يتناوهلا ثقبُ نهارٍ جاف .
51
()1 ملْ تَقْرَأهُ الصباحاتُ جيّداً ،ورأسهُ ثِقْلُ الوجعِ اآلدميِّ، الغبارُ برَسْمِ األفقِ ،والرماديّ وصْلَتهُ ،زخّاتُ مطرٍ مثقلةٌ بالوصْلِ تفتّشُ عن سقْطتها ،والسماءُ تقْطرُ سرائرها ،وأب ريل احلالي ال يصاحبُ ربيعهُ إالّ نادراً، وأصدقاءهُ ال يكفّوا عنْ دغْ َدغةِ أذنهِ مبا ال يودُّ مساعهُ ،والكتبُ اليت حيتسيها ،ترشفُ ذاكرةَ اآلخرينَ مل يَعُدْ يقرأُ وجعَهُ ،ولَم تَعُدْ تستطيبهُ الكتابةُ، الضيافةُ حضرةٌ ال جتيءُ ،وزياراتهُ للمكاتبِ تُسَطِّرُ نُدْرتها 52
العمّ الُ يف البيتِ على مقربةٍ منْ شِعْرهِ ،وآلةُ القصِّ تنشرُ أصابعهُ وتقتفي وَهْدَةَ احليِّ وتالحقُ وبْلَهُ كلّما عاوَدَتْهُ النوبةُ أرْخى يديهِ وأسدلَ الفكرةَ، وأطرقتْ لديهِ النوافذُ ،والستائرُ واحةٌ للقلق ليسَ هُوَ كما هوَ ،وعصافريُ شوقهِ غادَرَتْهُ ،وأبوابُ حرفتهُ ستغادرهُ أيضاً ،واملدى املصاحبُ يلزمُ خرائطَ روحهِ ،واملوجُ يلْعَقُ حبرهُ يف واديهِ ،وتنسكبُ األخبارُ ناثرةً حمطّاتها قربَ أطرافهِ ما زال يف جُعْبتهِ عالئقُ القومِ ورماحهم ،يشدُّ أوتاراً ويرخي الكنايةَ والبحرَ وقمْقمَ الوقتِ ،طرائدهُ تسكنهُ ،وصيدهُ يَقْرَبُ حبائلَ الصمتِ ولَسَوْفَ تسّارعُ من يديهِ حقائبُ الصِبا ،وسَتَلْقى الدفاترُ حتْفَها يف فناءِ الظهريةِ ،واملدارسُ شتّى يف مُلْتقاها ،كأنْ يأْلَفها الوقتُ ،ويأْلَفها القُرْبُ ،وتأْلفها القصائدُ ،حدّ الشمس يف أوّهلا ،وحدّ صعود الظلِّ، وحدّ رسم الطفولةِ واملاءِ ،وحدّ أمهات املنازل القريبة املتداعية الساعةُ تكتبُ دقّاتها يف عمرهِ 53
يُفْرِغُ منْ أوراقهِ غصناً ويشحذُ وطأةَ الشّجرِ ،ميتطي سبْقاً فتلْحقهُ القطراتُ ،وتلْعقهُ السيقانُ ،وخاويةً صورتهُ ،إالّ من مالعب وفْرةِ القلبِ وحَشْوِ الصباح هُوَ ذا طقسُ اآلنَ !! هُوَ ذا لُعْبةُ احلالِ !! هُوَ ذا ()2 أمْسى كما صُبْحهُ أمْسى كما صادفهُ حالُهُ الليلُ واديهُ والظلمةُ تَعْبأُ بالضوءِ فتخْمشهُ وأبواقُ العرباتِ تسرقُ هَدْأَةَ اللونِ وحتاكي صورتهُ واملَدَدُ يوقظُ اللحنَ ويصيخُ السمعَ ويطلقُ جلْسَتهُ الناسُ يف فَنَنٍ ،واملكيّفاتُ تدّخرُ وسْعًا ،واملراوحُ مرفأُ الطقسِ والفقراءُ يلمّونَ فواتريَ القيظِ ،ويقيلونَ نوافذهم، ويرمونَ أبوابهُ ها هُوَ حبْرهُ 54
وها هيَ سفائنهُ مدعوةً للرحيلِ ساعةً، وساعةً يقرُّ بها القرارُ هنا مستقرٌّ ال قرار لهُ أو ال فرار لهُ هُوَ ذا حالهُ. ()3 إذْ ملْ يوصِ سيّدةَ احلالِ أن ت ْت َبعهُ ،ومل تَرُق له ظنونَ حسُ ْن لهُ الصربُ سريورَتهُ ،وملْ يُشْفَ بهِ الفرائصِ ،ومل يُ ْ َأَلمٌ ،ومل تسْب ْق لهُ الريحُ هبوبها ،ومل ميْكثْ به اللَ ْبثُ حلظاً ،ومل يُ ْوِلم به القمرُ ضوءاً ،ومل تَصْدُقهُ نبؤاتُ الوصايةِ ،ومل يصادرْ ماءَ حالتهِ ،ومل تَعِظْ الطرائقَ أغنياتُها ،وملْ تُفِقْ بني جوانبهِ سكرةُ األمسياتِ إذْ يُفنّدُ جبهةَ الليلِ ،واحلبائلُ أغنياتُ العتمةِ ،والعشّاقُ يف مراكبِ األجسادِ ،والرطوبةُ سعفُ املنازلَِ ،واحلدائقُ فرْحةُ الصمتِ وماءُ األرخبيلِ و ساحلُ احلبِّ 55
()4 الريبةُ فوقَ اجلبلِ الريبةُ أسفلُ الريبةُ أوّلُ الريبةُ آخرُ الريبةُ ربيعُ الوقتِ وفتْنَتهُ ()5 وقوفاً مشسُ روحهِ تُلقي أسبابها والغيومُ األليفةُ تغادرُ أمطارها والسماءُ سقفٌ من حضورٍ وغيابٍ السماءُ فضّةٌ والنحاسُ قلمٌ وقلبهُ طريُ نهارٍ محيم .
56
أخرياً مثّةَ منْ يرْنو إليكَ وأنتَ تُبَسْملُ الطريقَ وعلى حافّةِ قهْقهةٍ ترِنُّ أصداؤُكَ موجُ اليدِ وشاطئكَ اخلطى تهربُ منْ مياهكَ األوىل وجتزعُ يف النَفَسِ الالحقِ كاختالجاتِ الصبحِ أو كفوّهاتِ املديح ِ 57
كأَنْ يقْرَؤُكَ العمرُ أو يقولكَ الوطنُ هلْ تَطْرَأُ الشهواتُ ؟ وهلْ تسْتَفزُّ الطرائقُ ؟ ردْحاً حيْياكَ الليلُ ويغالبكَ املدُّ وعلى طلَلِ الصمتِ ورطوبةِ القدومِ تصنعُ أوتاراً فتنهضُ األغنياتُ وتُؤطِّرُ الروحَ وردةً منْ كالم .
58
حيدثُ أنْ تَستَفِزِّكَ هذهِ الغرفةُ اليت قَطِنَتْكَ حديثاً حيدثُ أن ترمي إليكَ شعراءَها األحياءَ واملوتى حيدثُ أنْ تلْقَفَ فيها قصائدكَ املُمَزّق َة أو النائمةَ بنيَ األغلفة حيدثُ أنْ يرتقيكَ سُلَّمُها حيدثُ أن تسعى بكَ طرائقُها 59
حيدثُ أنْ تَلِجَّ بكَ األمورَ وتفضي أحاديثَها حيدثُ أن تتبادال سلّةَ الروحِ واألشعارَ والقاطننيَ واملختلفةَ قلوبهم والغرقى حيدثُ أنْ متتطيكما كتبُ الصمتِ وأرْففُ احلضورِ وأفكارُ التشرّد وأحالمُ اليقظة حيدُثُ أن تولدا معاً وحيدث أن متوتا معا.
60
إىل علي بن عبد اهلل آل إمساعيل
أبداً ملْ يغادرنا مُذْ غادَرَتْنا طقوسُهُ ملَّ طفولَتنا يف عصاهُ كانَ يَسْتَقْرِؤُنا واحداً واحداً والويلُ ملنْ خيطئُ أو يرتجرجُ أو يصمتُ كانتْ تلوحُ أو كانت تسقطُ لكنّها حرفنا األوّلُ أو قُلْ بابنا األوّلُ 61
وأمسُ أمسُ فقط كانَ النبأُ ال يسقطُ هذا الرجلُ من أجندتنا ال تزامحهُ أشياؤنا ال تُغَيّبُهُ املسافةُ ال يبْعدهُ املوتُ ال زلْنا نستظلُّ سريعَ كلماتهِ وال زالَ حثيثاً يكاتبُ فينا حرْفهُ وعصاهُ واملَدَّةُ
*
إذْ يُصيْغها يلْقَفُ يف أطرافها صغارَ قريةٍ يبْسطونَ قراءاتهم ويبْسطُ هو مسعهُ وذاكرةً ال ختطئُ منْ جيرأُ منّا أنْ يغادرهُ ؟! منْ جيرأُ أنْ يغادرَ قرآنهُ ؟! * املَدّة ،هي ما يطلقهُ أهل البحرين على حُصُرٍ تُصنع من أعواد نباتية خاصة ،وكان املرحوم مُعَلِّم قرآنٍ يعملُ يف صناعة هذه النوع من احلُصرِ اليت تكاد أن تندثر حالياً. 62
يف هذا املسِّ أرتديكِ صباحاً ومساءً وكلّ ظهريةٍ وأرتقي جانبكِ أخلعُ الظلَّ ألبسُ جداركِ وأذرُعُ املاءَ وأُكْمِلُ الشجر كأنّي هبوب العمرِ 63
كأنّي مهرجانُ اجلذورِ وكأني غمامُ مطر مخسةَ عشرَ عاماً وأنا أُنازعكِ الوقتَ والقيظَ والسقيَ والعرَقَ وَتَذْرُوْني الرياحُ كالماً ويذروني الكالمُ ورقاً وتذروني األوراقُ خُضْرةً وأسقُطُ يف بهْوكِ لوناً أو رحيقاً أو بهجةً للشفق ومًذْ غادَرَتْكِ العصافريُ ال يهدأُ الصمتُ
64
ومذْ أفْرَغْتِ روحي ال دبيبَ إالّ اللّبْثِ وال لغْوَ إالّ الصفْوِ والغمسِ واجتنابِ الطرائقِ وإذْ أُغُنَّيكِ باملاءِ والغمامِ تقدحنيَ العُمْ َر وتشربني َ من طَرَيف أو منْ إنائي وحنيَ أُحاذيكِ فأنتِ 65
تستظلّنيَ صباحي والفجرُ يُذَرْذِرُ الضوءَ ويَنْثُرُ الزهوَ والفصولَ والعاصفة.
66
طَرْقٌ يف البابِ طَرْقٌ يف القلبِ طَرْقٌ يف الطرقاتِ طَرْقٌ يف الندواتِ طَرْقٌ يف اجلدرانِ طَرْقٌ يف كلِّ مكان طَرْقٌ يف األمساءِ طَرْقٌ يف األحياءِ 67
طَرْقٌ يف األموات طَرْقٌ ..طَرْقٌ طَرْقٌ ..طَرْقٌ
وأنا أطْرِقُ هذي الورقةْ ................. ................. ما مِنْ أَحَدٍ يَسْمَعْ.
68
إىل أمحد املناعي
سكرةُ الروحِ تُشعلُ أوردةَ الطاول ْة نشوةُ الصمتِ توقدُ ذهنكَ فينا وأنتَ محيمُ النهارِ وأنتَ شِباكُ املساءِ وأنتَ صديقُ الكتبْ وكأنَّا نبحثُ اآلنَ عنّا حيثُ ال نرتضي نكهةً حيثُ ال تتداولكَ األغنيةْ
69
وكأنّا يف رواقِ الكالمْ تبعدُ اآلنَ فينا وتكاتبُ نافذةَ األسئلةْ أَهُوَ احلرفُ يف رسْمِهِ؟ أَهُوَ الشكلُ يف روحهِ؟ أمْ هُوَ اخلطُّ يف غيمةٍ مثقلةْ؟ .
70
العَشِيَّةَ لنْ تغْمِرنا الرطوبةُ ولنْ نكتشفَ قطراتِ املاءِ يف مساءاتِ جلودنا ولنْ جنادلَ اخلارجَ ولنْ نتشابهَ والعرباتِ الغارقة بلْ سنهدي أجسادَنا للمكيِّفاتِ ونقتعِدُ أنفاسَنا ونرشُّ املكانَ ظلّنا ..... 71
..... وهنا ما الذي يستقيمُ ؟ أَهُوَ صَحْوُنا أمْ صداهُ، أم هذا الكالمُ ؟ وما الذي يطغى ؟ نبتُنا، أمْ وَجْهُهُ ، أمْ ما حيكيهُ الظالمُ ؟ .... .... ربّما نَمْرُقُ بني أيدينا أو ربّما ندقُّ منازلَ احليِّ أو ربّما تُوَزِّعُنا املداخلُ بني اخلُطى والرُؤى أوْ ربّما نُشْعَلُ 72
غيوماً أو روائحَ ..... .... أو ربّما أيضا نسقطُ قيظاً هنا .
73
أبداً لنْ أَصَلَ منْ حمطاتٍ ال تشبهين بلْ سأُغادرُ موقعَ األمسِ، وسأظلُّ أميناً للظاللِ اليت تلزمين، شاحذاً رأسي، مُكْتَظًّا بالعَصَبِ سأمكثُ حمصوراً باحلالِ، مُتَّقِداً يف الضُرورةِ وسأُشْعلها جِهَةً تصلُ 74
وحاضرًا أسحبُ غيمةً، وأهْطلُ رذاذَ لفظٍ تَصْحبين فوضى املاءِ وفضاءُ العشْبِ، ومتغيِّرُ الرِفْقَةِ وبالبداهةِ سأظلُّ أميناً للجوانبِ إنْ شِئْتُم سَبْقَ الُحُجراتِ، أو شِئْتُم أرائكَ النومِ، فَلْتَخْلُدوا ،كنومِ يدي وإنْ اقْتَعَدْمت فرائصَ العمرِ يف ثوبِ اللحظةِ، فلتُدَوِّنوا وحدتي
75
وبالسهولةِ لن أتدبَّرَ عِظاتي، وبالسهولةِ لن أستسهلَ نَبْشَ األمساءِ، وسأُالزمُ حجابَ األفقِ وكيْ ال تعرجَ وردةُ روحي سالملَ الليلِ، تسقطُ الرائحةُ يف منتجعِ الشمِّ، ٍّ باألشواقِ كأني غري مكتظ وصوتِ البسطاءِ، وسأظلُّ وفيّاً لوحدتي، وسأظلُّ آتيكِ من مكانٍ أرتقي إليهِ كأنّي ملَكُ الصعودِ وأحندر إليهِ كأنّي ملَكُ االحندارِ
76
أحاصركِ باليُتْمِ ،مُتَيَقّناً صلواتي، وموقظاً أحاسيسَ الضياءِ ،موسوراً باألغنياتِ ،مكتوباً بالشقاواتِ، وخمتوماً جبناحِ اإليابِ سأُصْلحُ ما تبقّى، وأهدُّ زُرقةَ الكالمِ، ولنْ جتديَ السواحلُ أو رأْفَةُ البحرِ، بلْ سأقتفي أثرَ املوج يف أطرايف، قطْرةً قطْرَةْ... وبالقَطْعِ، عندما حتاوِلُين األيّامُ سأُمُسِّيكِ حافّةً تصطافُ يف لَبْثي وسأَمجعُ شتالتَ دخولي أزهاراً خلروجكِ وبالظنِّ، سأخيّبُ عاملَاً قائظاُ، وسأُجْمِلُ ما تبقّى من ْ خنالتٍ 77
وأُكَوِّمها مجْراً لنهاركِ تُرى هل تُسْعفين األبوابُ ،أمْ تتداعى النوافذُ يف رقِّةِ التكسّرِ، أمْ تتألّقُ اجلدران ُ فَتَنْهَمرُ؟ وبِمَقْصدي، لن أُحيطُكِ بُعْداً، ولنْ أستصغرَ فيكِ األصابعَ، ولنْ أتوجّسَ خَيْبةً بلْ سأنصبُ حبائلَ اللغةِ وأقطفكِ صورةً صورة .
78
غصنٌ يتدلّى مِنْ رأسي حتى هذه الورقة أحياناً يسدلُ لي نُصْحاً وأحياناً يرميين بأوراقِ الساعة يتدلّى مِنْ جسدي وأنا أُهَرْوِلُ يف أرْوِقَةِ اهلواءِ كأنيّ قَلَقٌ ال يستقرًّ لي سقوطٌ وال حالٌ من األفقِ 79
وكأنَّ قوافلَ األمرِ تسريُ على هامشِ الرجفةِ ويف نوازعِ الصورةِ ويف جحيم اللحظةِ ال تلبثُ أن تُنْبِتُين هذه القصيدة .
80
كأنّي أكابُدُ يوماً يُكاتبين ليلُهُ كأنّي أُفَخِّخُ وضْعاً يُصادقين فجرُهُ فتنْدى القراءاتُ تندى الصالةُ ويندى النشيدُ ويُهْدي الطريقُ الصباح.
81
هذا القلمُ ال تكادُ أصابعكَ تفارقهُ خوفَ أنْ تهزمكَ القصيدةُ بنيَ أفكار ٍ تطاردكَ يف املمشى، ومشاعرَ تبخسكَ حقَّكَ يف االصطياد حنيَ تقودُ الشمسُ غروبهَا، فقْرَتكَ املرتاميةُ اهلوامش يف الرواقِ األخريِ تُهْديكَ شفقاً مِنْ نهارٍ مُ ْتعبٍ، أو مِنْ عابر ِيوم ٍ قائظ
82
وبنيَ أن تقولَ الشمسُ غروبَها، وتفتديكَ األمسياتُ يف نهرِ الكتاب ِة صادَرْتَ نومَكَ يف فائتِ الليالي وارْتَضَيْتَ جناحَ اجللسةِ الشائكة أشْكَلْتَ حاضرَ القلبِ وهَفَتْ إليكَ قراطيسُ مِنْ قلقٍ وامتدحَتْكَ األغنياتُ يف مرمى الشفاهِ املرتقاةِ وللعِلمِ، فإنَّ نهاركَ مرتوكٌ للنهْبِ وللسلْبِ وللشهوةِ وللنومِ وللباعةِ وللمشاويرِ الزائفة قدْ تدْخلكَ القصصُ واإلشاعاتُ ،والقصائدُ واألساطريُ ،وأخبارُ احملطّاتِ ،ومومياوات الكالمِ ،وأمراءُ البالغةِ ،وساسةُ الكتبِ، وأمطارُ اهلزمية فقط، لن يصْعبَ عليكَ أن ترْميهم سلّةً منْ حروفٍ ،وأنْ متتهنَ حرفةَ القتلِ على الورقِ، أو على األقلِّ أنْ تغتابهم ،وأنْ تُشْعِلَ الضمائرَ، وأنْ تُعلنَ نفسكَ واحداً 83
وأنْ تُسايرَ صبَواتكَ، وأنْ تقتدي روائحَ الرغبة فقط، قِفْ على قارعةِ السطرِ، وارتَض ِمشهداً،لتطلَّ مِنْ حولكَ على ساحل ٍ يطفو بعشّاق ٍ ،يشغبونَ اجملازفةَ وركوبَ احلبْرِ وامتشاقَ اجلسد الرغباتُ سامرةٌ والطرقاتُ موصدةٌ ومحلةٌ منْ بذار الصربِ، تُقفلُ املعنى ،وتُكُوّمُ أفواهَ املساءِ، وتشطحُ يف الصمتِ ترمي أعناقَ الكلماتِ بِنَحْوٍ ال زالَ يرافقنا وكأنّه ُظِلُّنا على الورقِ وكأنَّهُ خطواتنا الراقصة .
84
شفٌّ للرأْفَةِ أمْ شفٌّ لإلصطيادِ؟ هَُوَ ذا الظُهْرُ دافئاً ونقياً وصرحياً يُجَرْجِرُ دابَّةَ الوقتِ يرتقي املكانَ يُجَفِّفُ راحةَ اللحظةِ
85
وشْوَشَةٌ منْ خطاكَ تدْنو، وصَبٌّ يذَرْذِرُ حزنَ النهار صَفْوَةٌ تصطفي القولَ، وبصريتكَ غابةُ وَجْدٍ أو خلْوَةٌ مِنْ فناءِ الظلِّ، حتتسيكَ صورةُ املاءِ أو تَعْلَقُكَ الرَقْرَقَة آنِيةٌ ترشحُ الطرائقَ والعالئقَ، ولغْوَ السكينةِ وتُسمّيكَ هَدْهَدَةً وتُسمّيكَ مساماتِ وَرَق خَطْرَةٌ تُحاذيكَ عِزَّ اهلَدْأَةِ وتَنَمُّلَ اجلسدِ 86
الكُلُّ أَخْرَسُ سوى املكيفاتِ وهسيسِ الروحِ ووبلْلِ القلم طريٌّ وقريبٌ وشقيقٌ وكأَنَّكَ وادٍ مِنْ غفوةٍ أو كأَنَّكَ حزمةٌ من طفولةٍ أو كأَنَّ أمْرَكَ انسكابُ عُمْرٍ طفيف أَرَقُّ منْ وصْلٍ وأَدَقُّ مِنْ غيمٍ تسَّاقطُ حافّةً تسَّاقطُ وهْدَةً تسَّاقطُ على أرائكَ مِنْ نومٍ يتكسَّر سأَجْعَلُكَ تَمْخُرُ عبابَ أناملي، وساُغْلِقُ عليكَ جفوني، وسَاُهْديكَ روحي على مرأًى من الطراوةِ 87
تتقاطرُ القشعريرةُ، وتَدُبُّ اجلُنُباتُ، وليسَ منْ أحَدٍ يُقْلِعُ، وليسَ مِنْ أحدٍ يصْحبُ احلننيَ يُوْدِعُهُ رِفْقَةً أو يقْصدُ بهِ قريةً نائية أخْلُدُ فيكَ حدَّ الشهقةِ أَخْلُدُ فيكَ حدَّ اجلوانح ولِيْ ختومُ الروحِ ولِيْ باقةُ الشهادةِ وليْ ثَمْلُ الصبابةِ، وطفْوُ النخلِ ونوباتُ االشتعال
88
وعَظْماً عَظْماً أَنْحَلُّ أرْفَعُ مِنْ أَننيٍ وأشقى مِنْ نظرةٍ عاطلة وحُضْناً حُضْناً أُكَدِّسُ شغفَ األلْفةِ ورَقاً يف كتابِ االنتظار وطَوْراً طَوْراً أرتقيكَ حدَّ التُخمةِ وحدّ شقاوةِ اللفظِ وحدّ مراتبِ اجلمجمة 89
وشفيفاً شفيفاً ينْسَلُّ وَطَرُ الصمتِ يُغادِرُ وتُغادرُ القصيدة .
90
لعلّهُ البحرُ لعلّهُ سواحلُ األطرافِ لعلّهُ موجةُ الرملِ يف رواقِ الليلِ لعلّهُ رائحةُ الدَفْقِ .
كَمَنْ يَمْسَسْهُ شيطانُ النخلِ كَمَنْ يلْعَقَهُ القطافُ يف الصيفِ أرْقُبُ الشهرَ وأرْقبُ نافذةَ العِذْقِ . 91
يعلوكَ بياضُها والشوارعُ دفْقُ عجالتٍ واحلرارةُ أوّلُ فصْلها وماءُ الدفْءِ يرتقيكَ واهلدوءُ املواربُ خلفَ األخبا ِر وخلْفَ أومسة العسكرِ يرْقبُ فيكَ البيتَ ك ويتياسرُ َ ك ويتيامنُ َ ك كأَنّ الوضوحَ حضورُ َ والسماءَ سقيفتُكَ القريبة
92
متّرُ عيناكَ والرُؤى صَبابةٌ ونسيمكَ صمتُ الغبار املشهدُ حادٌ والزوايا قاطعةٌ والصورةُ مُشْمسةٌ أهيَ العمْرُ يف مهبطِ متوز؟ أهيَ الشفُّ يف حرائقِ النهارِ؟ أهيَ األَمامُ الشقيُّ؟ أهيَ الوصلةُ البوصلة ؟ .
93
كيفَ تَبْدَأُكَ الساعةُ ؟ أمِنَ السادسةِ ؟ أمِنَ الوقفةِ ؟ أمْ مِنَ األُفقِ املسْتَفَزِّ على اجلهةِ الغاربة ؟ كيفَ تُنْهيكَ عقاربُ يف دائرةٍ !! كيفَ حتكيكَ دقّاتُها !! كيفَ تُمْلِيكَ فقرةً !! قدْ تُراكِمُ فيكَ حمطّتها قد يُشاغلكُ طَرْقُها قدْ يُناولكَ الغرفَةَ 94
قد يرتاكمُ فيكَ جدارُها ............... ............... أحدٌ ال ميدُّ سواحلهُ !! أحدٌ ال يصِلُكَ العشيّة !! .
قمرُ الوحدةِ يف يديكَ، مطرُ الليلِ يغسلُ روحكَ، والنجمةُ نافذتكَ األخرية سحائبُ القلبِ زرقتكَ والقطراتُ شواطئ ُيومكَ واجلُنُباتُ حمطّتكَ العائمة .
95
ما إنْ حيُطُّ صبْرُكَ حتى تعلمَ أنَّ اجلهاتَ بوّابةُ احلضورِ وأنَّ الريحَ شكلُ كتابٍ مفتوح ما إنْ تعْزمُ القُعودَ حتّى يهجسَ الرحيلُ خرائطهُ ويبسطَ مدائنَ السفر ما إنْ يعْلقُ الطريُ حتّى تفْردَ الشجريةُ أغصانها وتسقطُ أغْنيةً 96
للظلِّ واجلدار ما إنْ تصطفيكَ الشمسُ بزوغاً حتى يهرعَ بني يديكَ الفجرُ وينثُرَ احلقائبَ والنهار ما عليكَ سوى أنْ تغامرَ بالوحدةِ والنعاسِ، وتُقْلعُ فيكَ مياهُ الصُبحِ ،وأنْ تشْدو السفائنَ، ممهورةً يداكَ بالطلِّ ،وبالقوّةِ، كأَنَّ خريراً يقامسكَ الشقاوةَ، وكأنَّ األوراقَ آيَةُ الرحلةِ ، وكأنَّ األخضرَ مساءُ الشرفات الغائمة يهطلُ فيكَ الكالمُ تنسجُ الساحةُ أطفالَها وتئنُّ قراكَ يف زهْركَ والوردةُ تسّاقطُ يف أُذنِ اخلريفِ 97
مُقفرةٌ صباباتكَ إالّ مِنْ هاتيكَ اجلوالتِ ومنْ صبايا يُمْطِرْنَ خللَ العمرِ ومنْ فراغاتٍ ال متوت .
هُمُ هُمُ أنتَ أنتَ لنْ يُلْبسوكَ غريَ خريفهم ولنْ تَلْبسَ غري ربيعك .
98
أمحلُ مِنْ أوتارِ النهارِ صِبْ َي ًة ،يهْرعونَ للشارعِ، ال تندى عزميتهم ،يطلقونَ وَبْالً ِمنْ حناجرَ ،يطلقونَ وحدَتهم ،والشمسُ ترسمُ رحيلَها فو َق رؤوسهم ،كأنّها ت البيعِ ويف جُملِ السياسةِ ظلُّهم ،والناسُ غارقةٌ يف شعارا ِ ِ املرتْفةِ ،والعرباتُ سِراعاً ال تستبقي سؤاالً وال تُجاورُ جواباً هلم وحنْوَ هذا وحنْوَ ذاكَ ،الفِتْيَةُ بقمصانهم امللوّنةُ بزْهر الرباءةِ ،ال يوقظونَ سوى العسكرِ وال يَصْطَفونَ سوى أخوةٍ ورفاق ٍ ،توارُوا قبلَ مُدَّة وحدهمُ وقصاصاتِ الورقِ وباقاتِ التحدّي وقبضاتِ األمل وحدهمُ ،واآلخرونَ بـِزَّتهم جاهزة . 99
جُلُّ الكالمِ سيّدٌ آخرُ النهارِ يطأُ القلبَ والظهريةُ توارتْ خلفَ الظاللِ واهلدْاَةُ تبْرأُ منْ حلظتها يَهِبُ األفقَ شفقاً، ليوم ٍ يكادُ ال يَطْرأُ .
100
ألنّ الليلَ وصيّةُ اجللْسةِ ومطرُ الساعةِ والتباسُ الرذاذِ ووعورةُ احللْكةِ وتسلّقُ الظلمةِ وورشةُ الوحدةِ ألنّ الليلَ وجهُ احلديثِ وقلبُ الكالمِ وجسرُ النشيدِ واصطفافُ اهلواجسِ وحِدّةُ احلرْفِ وخبْطُ الشعرِ ألنَّ الليلَ مادّةُ النهارِ املتساقطةُ آخرَ الوَهْلةِ وخريفُ اللحظِةِ ألنّ الليلَ بوصلةٌ بال جهاتٍ قدْ حياذيكَ وقدْ يلقي إليكَ جوانبهُ
101
ال تلبَ ث أنْ تهديكَ شرائطُ اللحظةِ قرائنَ احللكةِ وتغورُ عميقاً عميقاً لِتَبْ دأَ حلْكةَ يومٍ جديد .
102
الصّبا ُح بوّابةُ احلضورِ وفَمُ الكلماتِ مطرُ العمرِ والشجرياتُ املتناثرةُ تزرعُ العصافريَ والصوتُ قلبُ العاملِ والعصافريُ ندى السماواتِ وقطرةُ الدفْءِ سكرةُ اهلدوءِ مُثقلةٌ يدايَ باألمنيا ِ ت ومُثقلٌ قليب بالتَنَزّهِ واخلرائطِ ومثقلٌ موْجي باملاءِ واملطرِ 103
أغصانُ الغيماتِ شجرٌ وموائدُ الطرقاتِ نبتةُ األفق السطوحُ تنقرُ قاطنيها والعرباتُ تصادرُ أصحابها والطَرْقُ نديّاً تزرعُ حبّاتهُ يومي والوَمْضُ قصيًّا كآخرِ الصورةِ أو كاهلجسِ يف شرفاتِ السقوط املدينةُ تهجرُ مشسَها والنهاراتُ تنثرُ صباحاتها تقْطرُ غياباتِ النومِ وحتاذيُ قليب عمائرُها ودروبُها أوّلُ الطلِّ فتنةُ الزَخِّ وسورةُ اإليابِ وطرائقُ النورِ قبعاتُ الفضّةِ الغائمة . 104
رؤيةٌ من شتاءِ القلبِ ،تثْلجُ الكلماتِ ،وتُشقي األصابع َ،وتُوْملُ درجاتِ احلرارةِ ،وتُذَرْذِرُ األجسادَ، وتشعلُ األفئدة وما منْ طرَفٍ يُجِيْدُ النهارَ ويُسْقطُ الريحَ ،وما مِنْ قسوةٍ تغضُّ النظرةَ وتقصُّ جناحَ الغَفوِ ،وما مِنْ ليلٍ يتجاسرُ وهذا السَهر جلْجلةُ األشواطِ ،وخبْطُ الكالمِ ،وهتْكُ اهلسيسِ، ووشْوشةُ الصُوُرِ املتناثرةِ ،وقرائنُ احلمْحمة
105
تِلْكُ آياتٌ ،تقْطفها جنومٌ ،وتُوْرقُ فيها األبدانُ ،وتبْذهلا األطرافُ ،وتستحثُّها الشتاءاتُ ،وتُلْقي مزاعَمها الرعدةُ الراعشة خطْوٌ هنا أو خطْوٌ هناكَ وليسَ لكَ مِنْ مدفأَةٍ سوى حصادٍ مِنْ مجرِ احلبِّ أو مجراتٍ مِنْ بيانِ اجلسد .
106
املساءُ يف اخلارجِ مدينةٌ يتنزَّّهُ فيها القلبُ واجلهاتُ تُحاصرُ الغروبَ وتُلْقي مطرَ الشروقِ وتُدْلِقُ كأسَ الذاكرة مثّةَ عشيّةٌ تطلُّ مثّةَ عشبةٌ تُلقي ظالهلا ومثّةَ حضورٌ يدلفُ الساحةَ ومثّةَ وقتٌ ينمو ليلهُ عند بابي 107
ومثّةَ مطرٌ على الرخامِ وحدائقُ ماءٍ وتقاليدُ نهارٍ مات صفحةٌ مِنْ قمر ٍ يكتبها الدفْقُ ويكتبها االنتظار مرايا العُتْمةِ تسكبُ نومها والغفوُ شديدُ الغيمِ ودميةُ احللمِ نهرُ اهلَدْأَةِ وتَرَقْرقُ فجْرٍ محيم .
108
الشفيفُ يُلْقي بساتنيَ الليلِ ويغادرُ عتمتهُ ،واهلمْسُ مصابيحُ القلبِ ،والتمْتَماتُ وُرَيقاتُ األجنمِ ،والقطراتُ مساءٌ مِنْ ضفافِ اللقطةِ ،والريحُ تألفُ هبوبَ األصابعِ، والقمرُ سقفُ الشتاءِ وجدرانهُ ،وعاريةٌ توجياتُ احلبِّ وبراعمهُ. للنداوةِ صورتُها وللرطوبةِ منازلُها ،وللساعةِ قسوةُ الربودةِ ،وللحظةِ احتدامُ املطر الليلةُ قارسةٌ والعيدُ شرفةُ الغدِ ،والسنةُ تأْلفُ أواخرها ،والقادمةُ بابُ الوقتِ ومفاتيحُ الولوج كيفَ يشخصُ القمرُ؟ وكيفُ يرجتلُ األفقُ؟ وكيفَ يرحتلُ الغيمُ؟ وكيفَ يتواطئُ العمرُ وشتاءُ العام و آخرهُ؟ 109
تطريُ األغنياتُ والغمائمُ جوانبها حتطُّ األغنياتُ والشجرياتُ هوامش أجنحةٍ وخبْطُ هواءٍ يتكسّرْ فارغةٌ فقراتِ الليلةِ فارغةٌ فقراتِ العامِ فارغةٌ فقراتِ العيدِ فارغةٌ إالّ مِنْ أمحق ٍ تغْدو خطاهُ قفزةَ حلمٍ من شرفةِ جنونٍ .
110
وِجْهةٌ يف أوّلِ النهارِ تُمْطرني الطريقَ وتُفْصحُين اجلُدرانَ وتُلْقِفُين خطايَ تفتحُ موائدَ القلبِ تَلْفظُ شَفَةَ احلديثِ ألْقطُ حجرَ الكالمِ تنْدى فقراتُ املشْيَ ِة كالغالفِ كالزُرْقةِ 111
العرباتُ تقطرُ أنفاسها احلقائبُ تصحبُ دفاترها والصبايا يهْطُلْنَ كغيماتِ الصباح .
112
وتلتفّ لديَّ دروبها ال أفهمُ منها غري طرقاتِ روحي وال أستطلعُ غري تقاطرِ نهاراتها وال أهجسُ سوى دمي وال أملُّ غري مطرِ احلجارةِ ،وغري طراوةِ الرتابِ ،ونداوةِ اجلدار ،ووشْوشةِ النوافذِ ،وسقْطةِ السعفِ يف فضاء النخيلِ ،وتَناولِ العصافري هلذا الطريانِ ،ومحامةِ األصدقاءِ ،وشقاوةِ املتاجرِ ،وثرثرةِ العمائرِ ،ودفْقِ العرباتِ كما لو أنّي ،ال أعْبُرُ فيها غري جسدي ،وغري جوانبَ الريحِ ،وغري هذا التناثرِ
113
كما لو أنّي ،ال أبتغي ذاتَ اللحظةِ ،أن تغمرني منها مساءٌ منْ صيفيٍ ومنْ شتائي كما لو أنّها ألَقُ النهارِ كما لو أنّها غمامةُ قليب كما لو أنّها املنامة .
114
كما لو أنّ النهار َالغائمَ يُلقي متائمهُ على جس ٍد مُتْعبٍ يف ساقنيِ منْ مَشْيٍ ،وينثرُ بذار العاملِ يف قدمنيِ تضخّانِ ت للقلبِ والروحِ ،ويُ ْرخي الرغبات والرياضةَ ورَهْوَ العضال ِ نقائضهُ على كراسي املمرّاتِ ،ويزهرُ أفئدةَ الساحل اجملاورِ واملتآكلِ منْ صداقةِ الردمِ ومكائن الرملِ كما لو أنّ الغروبَ يصادفُ أقنعةَ السحابِ على مرأَى مِنْ عمائرَ ،ال يصحبها رهجُ العشّاقِ أو لَهْوُ املستثمرينَ أو حدقةُ املالِ فقط ،لو أنّكَ أعَدْتَ صحْوَ التوازنِ ومطرَ الدقائقَ، ألبْقَتْكَ األحوالُ بقعةً مِنْ عزلةٍ ال تنام 115
فقط ،للمّارةِ هذا الكَمُّ منْ اللحمِ البشري ،ولي حاجةٌ مِنْ سالملِ الوحدةِ ومنْ مُربّعِ األمنِ وطمأنينةِ الساقِ وراحةِ اليدينِ وكفِّ الشجر فقط ،نعاهدُ غدَنا أنْ يعاودنا ونتزاورَ كاملطر وعلى بضْعةِ أشواق ٍ ،يُكملُ شرقُ املدينةِ غربَها ،وال نُلْقي مِنْ أرْدِيَتنا سوى طرائفِ النهارِ أو رعشةِ الغروبِ أو فسحةِ األفقِ ،وللعرباتِ شأنُها يف اصطفافٍ اليغادرُ أصحابَهُ وال يضاهي فعْلَتَهُ ،سوى ماءِ الغسيلِ وأوانيهِ وأغرابهِ .وقريباً منّا،النوارسُ تأْلَفُ عَوْمَ الطرقاتِ يف املدينةِ وصورةَ البحر يف الزجاجِ ورَشْفةَ السماء .
116
كمِثْلِ هذه احلالةِ يشغلُ القلبُ جهاتَهُ ميتهنُ موسيقاهُ يف الورقِ وعلى املرأَى ،كلماتٌ مُلْقاةٌ بني أطراف األصابعِ ويف السمعِ ،يتقاطرُ املاء ُاملغادرُ واستوْطَنَتْ يُسْراهُ ،حشودٌ من كتبِ الشعرِ ويُمْناهُ مغلولةٌ ،سوى من هذا الدفْ ِق حيدّقُ يف سقفِ األمرِ جدرانهُ دون نوافذَ أو أمَدٍ أو خريفٍ من هَبّات ٍ أو قواعد لبيتٍ من ذاكرةٍ 117
يصفحُ ليلهُ وجنومهُ غرقى سطورهِ واهلشيمُ حبرٌ يتكسرُّ والسفائنُ جانبها الطَفْوُ والسفائنُ جانبها اجلَنْبُ .
118
كأنّها واجهةٌ لنهار ٍ يقومُ كأنها مساءٌ لدروبٍ تتجدّدُ كأنها سحائبُ غيم ٍ ينشرُ ظِالًّ وكأنّ الرتائبَ تشربُ من عصافريها وكأنّ الصداقات صبايا طفولتها وتفاصيل أعناقها وكأنّ اجلفافَ ملْ يالزمها تستقيم ُ فيها األغنياتُ واألحداثُ والعشّاقُ وتفضحُ هذهِ الفضاءات أسرارَها جتْفلُ فيها الرجالُ وتلقي عزائمَها 119
خريراً من أفق ٍ مشطور ٍ تتناولُ والليلُ ،النجومَ وحكايات الصمتِ وتُقْفلُ املواضعَ املتساقطةِ وتفتح والئم الصمودِ تقْشعرُّ فيها الروحُ وماءُ الكتاب ِة ويُوهَنُ فيها اجلسدُ وجبلُ احلروف .
120
حشْدٌ من ظالل ٍ ترسمُ جدرانَ الكلمات مجْعٌ من بصيصِ ضوءٍ يتسلّقُ اجلنباتَ وسالمل األجساد ومصابيحُ أَرْخَتْ وجْهَتها وأمْطرتْ هلاثَ الطرقات والنومُ لغةٌ تنسجُ أصحابَها من حفيفِ األمل والنشيجُ يلُمْلِمُ وطْأَتهُ يف دفاتر األمهات ومنازلُ رَجْفٍ تقطنُ شعاراتٍ وأحالم ٍ ال تبادرُ يصخبُ الليلُ يف السطوحِ ويُلْقي أنفاسَ العشقِ األغرابُ على األبوابِ والرشُّ ماطرٌ والنجومُ حرائقُ منْ سحائب شاخصةٍ والشتائمُ رماحٌ طائشة 121
امليدانُ على العتباتِ احلقيقةُ ممدّدةٌ يف الشارعِ ينحين املوتُ على األفقِ يلفظُ فيهِ املصري .
122
الشمسُ تُلْقي رداءَها واألفقُ ساحةُ نهار ٍ يغادرُ والفتْية ُهلم الشفقُ املواربُ يُشْعِلونَ وقتهم والظاللُ ال تفْهمُ غري الرشْقِ وغري موائد اهلتافِ تتبادلُ واألغرابُ الطرقاتَ والقذيفةُ سيّدةٌ والقذيفةُ لغةٌ وعنيفةٌ هي الوجْهةُ والريحُ تكتبُ موتاها وختتصرُ األعمارَ 123
وتبْذُر املآمتَ وكأنَّ األحياءَ مشروعُ عظام ٍ وكأنَّ العظامَ رايةُ األحياء .
124
يف أمْسياتٍ ال تصاحبُ عاشقيها كان لي الرفْقةُ يف رُدهاتٍ ال تهادنُ سالكيها كان لي اجلوارُ يف شُرُفاتٍ ال تناصرُ ناظِريها كان لي أُلْفَةُ القمر واعرتانيَ شفٌّ وارتضانيَ مسٌّ من هسيسٍ ال جياملُ قاطنيهِ أحاذرُ أطرافَ القلبِ وجنباتِ الساحةِ القريبةِ وأقفالَ النهارِ وشعائرَ الروحِ ودفْقَ اجلنونِ طَرْقٌ يُشاغلُ أبوابهُ ،وينحلُّ من ضجيج ٍ 125
ومفاتيحُ تٌلْجمُ األصابعَ وتَوْقَ الدخولِ وحربَ احلروف مثّةَ من يبادرُ مثّةَ من يُلْغي مواعيدهُ ويقرأُ الوليمةَ وسورةَ وقيت ويوجلُ احلضورَ ويقتعدُ األملَ وفَيْءَ السقوط مثّةَ من يغامرُ أكفانهُ متائم الغربةِ ومواقدهُ حرائق الغياب يلْزَمُ أنْ يرتقي فيكَ الغروبُ حدائقهُ وأنْ ترميكَ أقواسُ الشَفَق وأنْ يشحذَ فيكَ املساءُ طرائقَ البخورِ ورشفةَ األمل وأنْ يصّاعدَ النخلُ قرابينهُ ويُلْغي أجنّدةَ القتلة .
126
ممْهوراً بفاحتةِ الظلمةِ يقضمُ الليل ُسرَّ الوقتِ ويُمْطرُ حنْكةَ النهايات وحكمةَ الغرب ِة ومينحين جزيرةً مغمورةً بالقيظِ فتشعلين حمطّاتٍ من غيابٍ أو جمطّاتٍ من إيابٍ ومتنحين وصولَ العتمة غفوٌ من أجنم ٍ صامتةٍ وهْدٌ من حدائق السكونِ قمرٌ من شرفةٍ مرجتفة وظلٌ من كالم ٍ ينام 127
هدوءٌ بني األوراقِ يتدفّقُ بني أصابعي ويعلنُ هذا املوتَ حضورٌ هلل وغيابٌ للبشر.
128
مثْل هذا احلُنُوِّ مثل هذا االمتالءِ أقسِّمُ جسمي يف فضاء الشوقِ وأرْنو للنهارِ أهْرعُ من سكْرةِ القلبِ إىل سكْرةِ الكالمِ وأشْ دو وقيت يف تفاصيل العصافريِ أو يف شفقِ األغنيةِ، املقطوعةِ على الشفاهِ والطرقاتُ تكتبُ حضورها والفتيانُ سادتُها واألغرابُ سَوْءَةُ احلاضرِ وذلُّ األمكنة
129
لكِ اآلن وجْهةُ املهرجان وماءُ الشجرياتِ لكِ احتفالُ النوم واحللمُ وساحةُ العمْرِ لكِ فسحةٌ من جرح ٍ يكتبُ يومنا لكِ ترنيمةُ البيوتات املنهكة ولكِ دمي النافرُ ولكِ نشيد اخلامتة مذْ قَطَرَتْكَ الفضاءاتُ ف واسّاقطَ الوقتُ على ضفافِ احلرو ِ وارتضيتَ طرفَ النارِ وشُغْلَ القلبِ كَمِنَتْكَ الكلماتُ وأشْعَلَتْ فيكَ الغياهبَ ولُجّةَ الشاطئ ورملَ احلضور فاغراً وقْعُهُ واملدى قبضتهُ واخلُطى ترانيمُ اجلنباتِ وشغافُ العبورِ زهْوُ الصورةِ على كفتيهِ يُلَمْلمُ حصّتهُ 130
مشاهدَ رعبٍ وأحاديثَ طلْق ٍ وبنادقَ غاز ٍ وخنْق ٍ مُميت ك الطلقُ ،أو قد يرصدكَ الصوتُ ،ويشقى بني شفتي َ قد مياثلكَ الدربُ ،وتهرعُ اجلهاتُ مكتظّةً بالعرباتِ وباألحذيةِ واحلشودُ أغنيةُ مساءٍ صديق واحلشودُ سالملُ جنم ٍ قريب يصطفي شعلةً من مجْهَرةِ القلبِ يدقُّ صباحاتِ الدهْمِ واملطاردةِ واخلطفِ ويلْعَقُ التيقّظَ يف رشْف الصبحِ يتكسّرُ الفجرُ سحائبَ خوفٍ ورذاذَ نهارٍ ال يقوم يرسمُ أوراقاً من طرائق حلمهِ وموائد من تظاهراتٍ ال تفارقُ رأسهُ 131
وال تربحُ خزائن أقمارهِ أو عتباتِ يومهِ أو مشسَ جدرانهِ الرطبة كأنْ ال يهدأُ فيكَ زحفٌ أو نبضٌ كأنْ ال تبايعكَ وقْعةٌ أو حياذيكَ هتافٌ كأن ال تشرتيكَ ذاكرةٌ أو يسعفكَ نصفُ قرن ٍ أوْلَمَ يف ثيابكَ فضاءهُ كأنْ يرميكَ أفقاً من ذات نهارٍ مفتوح .
132
صحبَ القلبُ هوامشهُ واجلنباتُ مواجع اليدينِ والغصّةُ ساحةٌ لألمل والفتنةُ تقطفُ زبائنها والشارعُ حاضرُ الكالمِ وموعدهُ أقْتَفي يومي مهرجانَ دم ٍ أقتفي النشراتِ وهزائمها ٍّ أقتفي مقاطعَ شر أبْذلُ مبْتَغى الصربِ ألنهار ٍ من جهْ ٍل وأبواق ٍ من عصرٍ 133
فاتَ وما مات احلصَّةُ جاهزةٌ ظلمةُ قرب ٍ أو قربُ ضوءٍ أو نفوقُ حلْم ٍ ومنْ يقْطنُ حلماً ال يَنْفقُ أبداً .
134
مُهْمَلةٌ يداكَ إالّ من تصاريحِ األمل ِ وجهكَ فِطْنةٌ ال يبارحها التعبُ واللسانُ فتنةُ القلب وأمواجُ الصبِّ والصورةُ ساريةٌ فوق سرادق األمل والظلُّ يكتبُ هياكلَ الوقتِ والعصافريُ تورقُ صباحكَ تُشْعلهُ حدائقَ ضجيج ٍ أو حرائق خُضْرةٍ يُستطابُ يف جناحيكِ الطريُ أو تهْملكَ أعشاشٌ مهجورةٌ وربّما ميتطيك أوّلُ النهار يف ساحلهِ القريبِ وتُسْندكَ الطرقاتُ ،وهي تنشرُ سالكيها، 135
وتبثُّ غربةَ عمّالٍ يف جانبيها وتُقْلِعُ فيك فتيةٌ ،ال يربحونَ شعاراتهم وال ميلّونَ أمسياتهم الصاخبة وال تغادركَ اجلهاتُ القصيّةُ أو تفرغُ فيك سكرَتها أو يتكسّرُ فيك حزنُها املقيمُ أو شَبَهُ القلبِ أو شَبَهُ احلبِّ أو شَبَهُ الشَبَهِ الوريقاتُ تأْلَفَكَ يف شجرياتها وتسّاقطُ حبّات حلم ٍ يف طراوتها والعشبُ لغةٌ من أبوابِ الصباحِ يتناوهلا العصفُ أو تتداوهلا املارّة .
136
يرجتفُ الصيفُ يف املدينةِ ويلقي مائدةَ الظاللِ وتُخْرجُ األشجارُ وارفَ أوقاتها وتُلْقي شواطئَ فَيْءٍ تروقُ للمارّةِ هوامشُ جدران ٍ توقظُ الطرقاتِ وتسكبُ دَفْقَ األحالم تزخرفُ األرضُ أقدامَها تكابدُ وجْهتَها ،غَ ْفو إشاراتٍ وتوابعَ أرصفةٍ
137
يغْفو القلبُ ،فيعلنُ نباهتهُ ويُعْلِنُ الصمتُ ضجيجهُ يرجتلُ الصيفُ قُرىً من دخان ٍ ومن حزن ٍ يُريمُ الصيفُ صداقاتهِ ،سِاللَ طريٍ ومواسمَ هجرةٍ يفعلها الصيفُ ،إذْ يُمطرُ أوْمسَةً من بياض ٍ وحدائقَ أطفالٍ ،وتالميذَ من هُتافٍ يفعلها الصيفُ يف حصّيت ،من ربيع ِالعربِ أو من خريفِ الساسةِ أو من رشْقِ أشجار ٍ ،متوتُ بزينةِ النبعِ يكتبها الصيفُ ،نباتاتٍ وقواعدَ من زهور ٍ راحلة .
138
عليَّ أنْ أشحذَ رأسيَ مبعاطفَ من ريح ٍ وأنْ أَلِجَ فراغَ يومي حبقائبَ من ضحى النهاراتِ وأنْ أكملَ وِالدتي يف خزائنِ الراحةِ وأن يستقّر بي احلالُ يف أنهرِ الظهريةِ وأن حيتفي بي جسدُ احلياةِ على مشهد النبعِ وأن تواريين عيونٌ ،ال تتفّتحُ يف أعماق العماءِ وأن يشملين كتابٌ ،بني ضفّتيهِ خمدّةٌ وعلى سطورهِ وردة .
139
قناديلُ مِنْ أسابيـعٍ وأيّامٍ ،حتملين إىل مثل هذه اجلمعة أكسرُ مشكاةَ الوقت ،وأقيمُ احتفالَ اللَّحْظ يف جسد الساعة ممْهوراً بصباباتٍ من طرائقِ األصدقاءِ ،ورِفْقَةِ السهرِ، وأدعيةِ الليلِ ،وشكلِ الصباحِِ ،ودِفْءِ البيوتاتِ املأهولةِ بأنفاسِ األمّهاتِ وجنّتهم قناديلُ مَن يطْرقُ فيكَ صورتهُ ،ويُدْفِقُ دخانَ القلبِ، ويدّقُ حرائقهُ وشهادات البخورِ وأوراقِ اإلقامةِ يف رُفات املوتى ،ويرفعُ هذا احلضورَ على مرأىً من احلياةِ، ومسْع ٍ من النظرِ قناديلُ ترشفُ نزيفَ الغرُفِ وحديثَ األسطحِ العارية قناديلُ مِنْ سَعَفٍ ،وقناديلُ من ورق ٍ 140
وقنايلُ لفظٍ ،تدبُّ يف الشارع وترمي غصنَ الصُوَ ِر وقناديلُ أجنحةٍ ،ترسم التحليقَ ورفْرَفَةَ صَحْو ٍ وخبْطَ كالم ٍ قناديلُ نبْض ٍ ،تزفُّ ربيعاً من قلبٍ مات .
141
الشجرياتُ جتزمُ أنّ مقاعدَ الريح يف قبضة الورقِ وأنّ العواصفَ تقضمُ من الرؤوسِ ومن الضبابِ وال تلدُ سوى الرتاتيلِ، وال تشحذُ سوى النغم الشجرياتُ تكتبُ بكائها على جسد األرض ال تستقي غري زورقِ ماءٍ من خريرٍ ،ال ينهضُ أبداً الطريُ يرقبُ العاملَ هدوءً شاحباً بني جناحيهِ يرسلُ نهراً من روح ٍ وأغنياتٍ التفاصيلُ رقعةُ قلبٍ ،بنوافذ من شِعْرٍ الوريقاتُ غابةُ فصول ٍ تلْبسُ أيّامها العشبُ يقطعُ هذا النهارَ وحيضنُ هذا الصيفَ 142
ويُشعلُ الندى قمرٌ يتسلّلُ بني سحائبَ ال ختطئ ُوجْهتها قمرٌ يشربُ عزلةَ األشجار وينامُ مشسٌ تدغدغُ هذا الصباحَ وتنهضُ .
143
هواءٌ يف حمفظة النهارِ وسخونةٌ يف جسد الوقتِ وحتملكَ الشفاهُ حمْملَ الغبارِ والينابيعُ لزوجة ُ احلديثِ وطراوةُ الفصلِ وما خلَلُ الغناءِ يف شارعِ الوجْ ِد وما أهْزوجةُ الشدْوِ يف طَبَقِ اللَّحْ ِن وما شهقةُ األشجارِ يف حمفلِ األمساءِ وما قصَصُ التّالوةِ وحِكاياتُ الصّبايا إالّ مِنْ ماءِ وجودك .
144
جسدٌّ من ليلٍ يكتبُ قمراً تسّاقطُ اهلَدْأةُ والشفُّ قلبُ املطر الفسحاتُ ظالل نوم ٍ واحلدائقُ أغنيّاتٌ تغفو النخلُ راياتُ سُهْدِ وحفيفُ صبْو ٍ بني عاشقَني
145
جنمٌ من مساء النغم ِ حلنٌ يف وردةِ احلروفِ ربيعٌ كالوالدةِ وسحائبُ عُتْمةٍ أليفة قَطْرٌ من يدينِ وسالملُ روحٍ بني ضفّتني يدقُّ موجُ الصمتِ ومداخلُ الغيمِ أناملُ النبعِ ال رفرفةٌ ال أجنحةٌّ من مرايا املساء ُ بقيّة كتابٍ والعمْرُ طرفُ بيانٍ مفتوح .
146
إذْ أصْغى الوقتُ كنتَ سؤالَ املرحلة إذ أشْعلكَ العمرُ كنتَ وطْأةَ اجلسد وطَرٌ منكَ يف كفَّتَيكَ ومرْجٌ يف أطرافكَ وزهوٌ من ماءِ الورقة جيْهدُ فيك النهارُ ويرمي وِجْهةَ القيظِ وظالالً شائعة 147
حشْدٌ من دقائقَ تريقُ يومكَ وتسْكبُ سواقي الفراغِ مكْتظّةٌ سواحلكَ بسفائنَ من إيابٍ ممهورةٌ جنباتكَ بكمائنَ احلضورِ كمنْ يقصدُ نبتةَ الظهريةِ كمنْ يهدرُ وردةَ الصباحِ أرْخَتِ الساعةُ جدرانَها أعْلنَتْكَ جسرَ البدايةِ حيضركَ الليلُ قُرْبَ عينيكَ تشْعلهُ واحةً من نظر يقتفي الوقتُ ظاللَهَُ وأنتَ مشسٌ تصحبُ هذا األمام . 148
صمتٌ يأكلُ أحزانَ القلبِ ويسعى بأوراقِ العمرِ صمتٌ ميْطرُ زخّاتٍ تثقلُ واديكَ وأذنيكَ وراحتيكَ صمتٌ كخرائبِ الغربةِ ومواقد اجلنباتِ وال يُغادرُ عُتمةَ الكالمِ حبرٌ من نار ٍ والليلُ يركبُ النهارَ ويتْلو مائدةَ القمعِ 149
ويسردُ هجمةَ األغراب وشظايا احلشودِ ويقنصُ الصغارَ وتراتيل خنلتكَ آيةٌ مبهمة مظلّةٌ من قراكَ يف شتاءٍ من قهر ٍ وبابٌ من هجرةٍ ولغةٌ من قذائفَ الغازِ ونافذةٌ من نومِ هذا العامل ما مِنْ غريهِ مطرُ الصمتِ .
150
شقْوةٌ مِن نهار ٍ ورْطةٌ من وقتٍ على نافذةِ الساعة ِ تعْلقُ اللحظةُ يف فناء النورِ الشمسُ منزلُ عُمْرٍ يتقاطرُ يف الظهريةِ والطرقاتُ تسكبُ املارّةَ وتندى اجلنباتُ وضفافُ الباعةِ مهجورةٌ جهتهُ الدفْءُ يبْذرُ وِ ْ وسحائب القلبِ تصاحبُ الزرقةَ واملشهدُ أسئلةٌ ال تُهان
151
حرائق ُالعبورِ يف سرائرِ النظر واشتعالُ احلوانيتِ على مرمى احلجر والعصافريُ تدقُّ ظالهلا والبيوتاتُ طرائقُ احلضور ومخْرةُ املكان واألزقّةُ ترسمُ جدرانها وخرائطَ املشهد آالتُ اخلرائبِ تُبعْثرُ األزمنة وحتاصرُ األغرابَ وتنتقي لعنةَ الديار وصَولتها تُزَلزلُ جبلَ العذابِ وقصرهِ تُدْلقُ الرتائبَ ناراً ورماد ًا واملنافذُ قلبُ اجلهاتِ وحديثُها والزوايا سكرةُ الوجودِ وماءُ الوقتِ واختصارُ الشهود .
152
أرْبَكَ النوءُ جدارَ العزلةِ أجْهَضَ القلبُ مشاغلَ اجلهاتِ يكتظُّ الشغَفُ يتدفَّقُ القُرْبُ موجَ وريدٍ كسحابِ اخلطى ت قدمانِ تلْعقانِ سريَ األمنيا ِ روحٌ من طرقاتٍ تتقاطرُ كنوافذِ غيم ٍ لنهاراتٍ تتساقطُ تُزهرُ يف كتفيكَ تُوقظُ حدائقَ النهوضِ تُشعلُ ضجّةَ ربيعِ اجلسد 153
ذرٌّ من ساحاتٍ وقوائمُ تبْذرُ صُوَراً من زوايا الريحِ ني رهطُ حنني ٍ يتكسّرُ بني ذراع ِ وتفاصيلُ الغزو سالملٌ قريبةٌ واجلمْعُ فيكَ نفَرٌ ينْفَضُّ واجلمْعُ فيكَ بالدٌ تفقدُ مراياها وتشْخَصُ بني أصابعكَ القوافلُ ويَفْتنكَ نهرٌ من مساءٍ يلُمّ شتاتاً ومجاهريُ أوقًدَتْ خزائنها أنْبَتَتْ فيكَ تراتيلها وحرائقها أفْضَتْ إليكَ هذا املقام .
154
لكَ العابرُ من مساءِ الكالمِ لكَ الطارقُ على بابِ الريحِ لكَ القدمانِ على رصيفِ الساع ِة ولك النَفَسُ املتجاسرُ وسحائبُ العمرِ ولك عَتْقُ الزحفِ ونوافذُ القدوم وشرائطُ الغبار ترِفُّ إليكَ الزوايا والعمائرُ غابةٌ خمْتَرَقة وحتْتَضرُ بني يديكَ اجلهاتُ واملنازلُ مطرُ اهلواءِ وشغفُ اهلطول
155
تركنُ إليك الفقراتُ والواجهاتُ والرافعاتُ والعرباتُ وتعْلقُ يف ثيابك شِجاراتٌ تائهة ترقبكَ الظاللُ وتُبَرْعمُ أشكاهلا غري أنَّكَ دون هدايةٍ أو وَحْي ٍ أو مصيفٍ أو قطْرة وقتٍ ترتكُ ظِلّك وتغادر.
156
انحية نبع صيف حرية قمر جهات تداعيات مدرسة حي أربعة خطوة تراقص قبلها ليل عطلة بيت حاالت وردة الكالم مكتبة موت حديقة صمم أفق قيظ
5 10 12 16 18 21 25 29 33 36 39 42 45 49 53 58 60 62 64 68 70 72
يف اصطياد قصيدة يد هدية حني تقول الشمس غروهبا أرق من غيم أدق من وصل ّ ّ أمنية مس ّ ظهرية ساعة حمطّة حماولة أانس صبية جل الكالم ّ حلكة ّبوابة شتاء مساء عيد وجهة مدينة ممشى
157
75 80 82 83 86 92 92 93 95 96 97 99 100 101 102 104 106 108 110 112 114 116
غرق خنلة ميدان مشهد أمسيات ظلمة هنار مفتوح قطاف صباح مورق صيف يف مدينة حفاوة نبع قناديل شجر وجود مساء وقت مطر الصمت مخرة املكان مقام عابر
118 120 122 124 126 128 130 134 136 138 140 141 143 145 146 148 150 152 154 156
158
أمحد يعقوب يوسف مدن ،شاعر ومهندس ،ولد يف النويدرات عام ،1955حاصل على بكالوريوس اهلندسة املدنية من جامعة الرياض (جامعة امللك سعود حالياً ) . عمل يف اجملال البلدي أعواماً عديدة ،وكان مديراً للخدمات الفنية وقائماً بأعمال املدير العام ،كما كان أميناً للسرّ ألسرة األدباء والكتاب يف البحرين لعدّة دورات ،وعضوًا يف مجعية املهندسني البحرينية . صدر له صباح الكتابة 1984 -م -املطبعة الشرقية -البحرين. عشب لدم الورقة 1992 -م -املطبعة الشرقية -البحرين. مساء ثالثة 2000 -م -دار الكنوز األدبية -بريوت. للتواصل مع الشاعر الربيد اإللكرتونيamadan@batelco.com.bh : 159