الصحو بجرعات ماثلة

Page 1


‫الصَّحْ ُو بِجُرعاتٍ ماثِلة ( شعر )‬ ‫أمحد مَدَن ( شاعر من البحرين )‬ ‫الطبعة األوىل‪2017 :‬‬ ‫مجيع احلقوق حمفوظة‬ ‫فراديس للنشر والتوزيع‬ ‫‪Faradees publishing‬‬ ‫هاتف‪0097339461232 :‬‬ ‫ص ‪ .‬ب‪33662 :‬‬ ‫املنامة ‪ -‬مملكة البحرين‬ ‫‪E-mail:darfaradees@gmail.com‬‬ ‫‪E-mail:musawi2000@hotmail.com‬‬

‫لوحة الغالف ‪ :‬مشس يف حجرة فارغة‪ ، 1963 ،‬للفنان‬ ‫االمريكي إدوارد هوبر‬ ‫‪ISBN:978-99901-45-78-6‬‬ ‫رقم اإليداع بإدارة املكتبات العامة‪ /967 :‬د‪.‬ع‪2016/‬‬

‫مجيع احلقوق حمفوظة مبا فيها الرتمجة إىل لغات أخرى‪.‬‬ ‫ال يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو أي جزء منه أو‬ ‫ختزينه يف نطاق استعادة املعلومات أو نقله بأي شكل من‬ ‫األشكال‪ ،‬دون إذن خطي مسبق من الناشر‪.‬‬

‫‪1‬‬


‫أمحد َمدَن‬

‫الصحْوُ ِبجُرعاتٍ ماثِلة‬ ‫َّ‬

‫‪2‬‬


3


‫(النُوَيدِرات على األرْجحِ أو ما شابَهَ القلب)‬

‫بنيَ أنْ يطالكِ الوردُ‬ ‫وأنْ ترمي إليكِ العصافريُ خَبْطَ أجنحةٍ‬ ‫كنتِ حافّةَ القلبِ‬ ‫كنتِ أُمْسياتِ الدروبِ‬ ‫وكنتِ جادَّةَ الشجر‬ ‫وهذا الصباحُ أُدْلِقُ منْ شُرفةِ النهارِ كتابَكِ‪ ،‬كأنَّ‬ ‫نسيمَ الساحلِ وطأةُ الساحةِ‪ ،‬وكأنّ خريفَ احلدائقِ‬ ‫ماءُ الكتابة‪ ،‬وكأنّي خَلَلُ البداياتِ ورجْ َرجةُ احلضور‬ ‫ورقرقةُ الطيورِ وقلبُ املطر‬ ‫‪4‬‬


‫لنْ أُدْليَ بدمي‬ ‫لنْ أتقاطرَ دونكِ‬ ‫لنْ جتْمعين الصَبَواتُ وسواكِ‬ ‫لنْ نُشْرِكَ واديَ اخلروج ِ‬ ‫أو برّيةَ الدخولِ‬ ‫أو بساتنيَ الغربِ‬ ‫أو ملوحةَ الشمال‬ ‫ومثْلَ أنْ تُدْرِكَ خَبَبَ القلبِ يف تفاصيل اهلَطْلِ‪ ،‬ومثْلَ أنْ‬ ‫تَرشُفَ ظِلَّ الرحيقِ يف مرايا العشبِ‪ ،‬ومثلَ أن تتمَوْسَقَ‬ ‫وهذا اخلريرُ‪ ،‬ومثلَ أنْ تهَفْهِفَ خفْقةً منْ سَعَفِ‬ ‫اهلسيسِ‪ ،‬ومِثْلَ أنْ تُغْرقكَ التفاصيلُ وتومئُ بالطَلَلِ‬ ‫املُسْهَبِ‪ ،‬ومِ ْثلَ أنْ تصْحو يداكَ فال تعْرِفُكَ املنازلُ‬ ‫اخلفيضةُ‪ ،‬ومِثْلَ أنْ تنْأى الكتابةُ فال تقْربُ سواكَ‪،‬‬ ‫ومِثْلَ أنْ يغزو القَفْرُ ويكتبُ جنودَهُ يف اجلذوعِ ‪ ،‬ومنها‬ ‫الواقفُ ومنها النافقُ‪ ،‬ومِثْلَ أنْ يسرتيحَ فيكِ دمي النافِرُ‬ ‫بالرطوبةِ واملآمتِ والبطالةِ والنومِ وأحالمِ اليقظة‬

‫‪5‬‬


‫وقدْ يُلْقِي الشَطَطُ أبوابهُ‪ ،‬فَتَنْقُرُ جدرانَ األحوالِ‪،‬‬ ‫وتَطْرُقُ ألَقَ الكتابةِ واملَحْوِ‪ ،‬وسريورةَ الشبابِ‪،‬‬ ‫وخرائطَ االعتقال‪ ،‬وممرّاتِ القيْظِ‪ ،‬وأرصفةَ التُرْبِ‪،‬‬ ‫وطرقاتِ التعدّدِ‪ ،‬ومصابيحُ تهمسُ طقْسَها وتنثرُ أثقالَ‬ ‫املوتِ والنعاس‬ ‫فصلُ الكلماتِ واألعْذاقِ والكبارِ على مصاطبِ‬ ‫الصباحِ‪ ،‬وفصلُ شخوصكِ يقْطُرُ أُلْفَةً مِنْ حكاياتِ‬ ‫التكرارِ‪ ،‬يُلَمْلِمُ هوامشها نسوةٌ‪ ،‬يُشاغبْنَ ضجيجاً‬ ‫وعراكاً‪ ،‬ويفْضَحْنَ خوامتَ الرجال‬ ‫بابُ الطرائقِ ماءُ الذاكرةِ‪ ،‬وبابُ النوافذِ ظِلُّ املارّةِ‪،‬‬ ‫والشِغافُ فخاخُ الفِتْيَةِ‪ ،‬والطيورُ مهاجرةٌ ال حتطُّ فوقَ‬ ‫أعجازِ النخيلِ‪ ،‬وال تداري خيبةَ السفر‬ ‫موجُ العُمرِ كمنازلِ البحرِ يف بيوتِ املدِّ‪ ،‬وكرفْقةِ‬ ‫الريحِ‪ ،‬ال تَصْحو إالّ يف غرفِ الطّنيِ‪ ،‬وال تٌسَلْسِلُ إالّ‬ ‫فقراءها‪ ،‬وال تُمُيطُ اللثامَ إالّ يف بيوتاتِ السَعَف‬ ‫‪6‬‬


‫شرائطُ األحداثِ فُوّهةُ أعوامٍ‪ ،‬ال تبْدَأها مخسةٌ وستونَ‬ ‫بعد التسعمائةِ واأللْفِ‪ ،‬وال تُنْهيها فصولُ التسعيناتِ أو‬ ‫مستهلُّ األَلْفِ الثالثةِ‪ ،‬أو يُراوغها ساسةُ دينِ مُتَبَرِّجنيَ‬ ‫بتجارةٍ ال تبورُ‪ ،‬أو يقرتحها املتسلّقونَ على أكتافِ‬ ‫فِتْيَةٍ‪ ،‬منْتشنيَ بقمصانِ السوادِ‪ ،‬وراياتِ التظاهرِ‪،‬‬ ‫وشعاراتِ اجلدرانِ‪ ،‬واكتظاظِ البيوتِ‪ ،‬وزخّاتِ‬ ‫الندواتِ املُتَلْفَزَة‬ ‫مرفأُ وحْدتها يف يديها‪ ،‬وعلى مسافةٍ تقْرأها‬ ‫كيلومرتاتٍ معدوداتٍ‪ ،‬تتداولُ القرى اجملاورةُ البساتنيَ‬ ‫اليت أقفرتْ‪ ،‬والرباريَّ اليت زَرَعتْ بيوتاتٍ متعاقبةٍ‪،‬‬ ‫وخرائبَ عنيفةٍ‪ ،‬وصفائحَ آسيوينيَ‪ ،‬ومالجئَ أنقاضٍ‪،‬‬ ‫وكالبُ التشرّدِ مبثوثةٌ تُذرْذِرُ غوايةَ الصغارِ وفسحةَ‬ ‫النباح‬ ‫قمرُ النهارِ مشسُ ضحاها ومحيمُها اغتسالُ البحرِ‬ ‫بساحلِ العمر‪ ،‬والضوءُ رحلةٌ من ْ عُتمةٍ ال تغادرُ سطوحَ‬ ‫منازهلا‪ ،‬وال تبْرأُ منْ قاطنيها‪ ،‬وال تشْفى مِنْ لَغَطها‪،‬‬ ‫وال تقاضي بارئها‪ ،‬وال تغْفو على صفيحةٍ مِنْ كالم‬ ‫‪7‬‬


‫وأعتابُ الصَبابةِ سالملُ مِنْ شرْقِ السَبْخةِ وآسنِ البحرِ‬ ‫حتى غروبِ الساحةِ وبقايا مالعبَ وبقايا مظاعنَ قيظٍ‪،‬‬ ‫والتمْرُ كهجرةِ أصحابهِ يُشْعلُ وجبةَ الشمسِ‪ ،‬وبقايا‬ ‫مساجدَ‬

‫انفضَّ‬

‫املؤَدْلَجونَ‪،‬‬

‫عنها‬

‫والدروبُ‬

‫ال حتملُ أسفاراً منْ دوابٍ أو أسفاراً منْ غُتَر‬ ‫فصيلُ املوتِ أو فصيلُ الطمأنينةِ‪ ،‬كجثومِ أهلِ اإلقامةِ‬ ‫والرَحْلِ‪ ،‬يلْعقانِ آبارَ اجلفافِ وخرائِبَ القلبِ‪،‬‬ ‫والنهريات منْ بَعْدِ أَثَرٍ‪ ،‬ال تُمطرُ جوانبُها‪ ،‬وال تُشْغِلُ‬ ‫قَطْراً‪ ،‬وال تُمْهرُ جذْراً‪ ،‬وال تهجسُ نقعاً‪ ،‬أو تفارقُ‬ ‫غياباً‪ ،‬أو تالمسُ احلضور‬ ‫كأنّي بها أجْدرُ‪ ،‬أو على األرجحِ أخاطرُ‪ ،‬كأنيّ ال‬ ‫أُسَمّيها‪ ،‬حدُّ رَتْقُ اللفظِ ‪،‬أو حدُّ اختصارُ الولوجِ أو‬ ‫هفهفةُ الروحِ‪ ،‬أو حدُّ الشَبَهُ‪ ،‬أو حدُّ املكوث‬ ‫كأنّي أحاذرُ بها يومي‬ ‫وكأنها لَبْثُ املاءِ‬ ‫وكأن ها جُرْعةُ الوقتِ بتفاصيل الوطن ‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫رمبّا يرمي سريتهُ‬ ‫رمبا تتْرى أخبارهُ‬ ‫ربّما يستوي حديثهُ والنخلَ‬ ‫أو ربّما يطرقُ دربُهُ ليلي‬ ‫أو ربّما يرتاقصُ مدُّ البحرِ وجوانبهُ‬ ‫أو ربّما يفْقهُ عشْبُهُ تالفيفَ عُمْري‬ ‫أو ربّما ‪..‬‬ ‫أو ربّما‪..‬‬ ‫يتداولُ والنسوةُ أكتافَ التمرِ‬ ‫يتناولُ والصِبْيَةُ قِفافَ الطلْعِ‬ ‫*يف إشارة لعني (أم الشُوَّيْلي) وهي عني ماء مندثرة يف النويدرات‬ ‫وكان مدّ البحر حييطها من مجيع اجلهات‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫أو ربّما ‪..‬‬ ‫أو ربّما‪..‬‬ ‫يقدحُ بالصبايا‬ ‫يكاتبُ اجلهاتَ ويتلو ماءَهُ املغادرُ‬ ‫وميضي‬ ‫يغسلُ ضفافهُ‬ ‫والبحرُ هامشهُ األكربُ‬ ‫والبحرُ قاتلهُ األخريُ‬ ‫كَأَنْ تَلْقَفَهُ املارَّةُ أنباءً‬ ‫كَأَنْ يغْدو هشيمَ اهلجرةِ‬ ‫كأنْ تقْسوهُ املُغادَرَةُ‬ ‫أتُراهُ‪،‬‬ ‫جفافاً يتّقدُ يف جدار الظهريةِ‪،‬‬ ‫مشتعالً يف مشسِ صِبْيتهِ الشيوخَ‬ ‫أمْ تراهُ‪،‬‬ ‫ترتصّدهُ اخلاويةُ منِ النخلِ‬ ‫يتسلّقُ خطى يديهِ‬ ‫يُلْقي أعتابَهُ يف أُلْفةِ الورقِ‬ ‫يلجُ ليلَ ذاكرةٍ ال تغْفو ‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫ال يهْ دأُ هذا القيظُ يالحقنا‪ ،‬ال يهْدأُ يرمي أيّامهُ‬ ‫شهوراً‪ ،‬يرْميها مِنْ قُدّامٍ ومنْ خلْفٍ ‪ ،‬ال يهْدأُ يف أنْ‬ ‫يفاوضنا يف أجسادٍ‪ ،‬يأويْها ليلَ نهارٍ‪ ،‬حنسبهُ يستدعي‬ ‫حفيفَ أوراق شُجرياتٍ مضتْ‪ ،‬وظاللَ ماءٍ غاضَ‬ ‫وماتَ‪ ،‬يتفيّأُ مِنْ أحالمٍ تتقاطرُ وتنهضُ يف سُويعاتِ‬ ‫املساءِ‪ ،‬قُرْبَ سالفِ العمرِ‪ ،‬وعلى ضفافِ الناحيةِ‬ ‫اخلاويةِ‪ ،‬ينسجُ منها أوكارَ الطريِ الصافنةِ املُخبّئةِ يف‬ ‫قرميدِ البيوتاتِ الغارقة يف مطر الطلِّ‪ ،‬يشحذُ مِنْ‬ ‫قطراتِ الفيضِ موائدَ للتأفّفِ والتذمّرِ‪ ،‬ويسألُ املارّةَ‬ ‫والعرباتِ‪،‬‬

‫حُسْنَ‬

‫اإلجابةِ‪،‬وحُسْنَ‬

‫اهليئةِ‪،‬وحُسْنَ‬

‫االستكانةِ يف مغادرةِ املُكيفاتِ املتوقّعة‪ ،‬وغري‬ ‫املعلومةِ أوْبَتها‬ ‫‪11‬‬


‫هكذا حننُ أسرى االنتظارِ‪ ،‬هكذا لنا لونُ التوقّفِ‪،‬‬ ‫هكذا بنا الغُدُوُّ‪ ،‬وهكذا بنا الرجوعُ‪ ،‬وهكذا‬ ‫عجالتُ األشهرِ القائظةِ‪ ،‬تكتبُ اختياراتها‪ ،‬وتُمْلي‬ ‫فرائضَ احلضور‪ ،‬وحتاصرُ هذا التقويمَ‪ ،‬وتنتقي ما‬ ‫يُحْسِنُها‪ ،‬وترمي فُتاتَ السَنَةِ‪ ،‬وترْشقُ البقيّةَ باحلظِّ‬ ‫واملصادفةِ والطبيعةِ غري احلاضرة‬ ‫لو أنّا نقْتاتُ طقْساً‪ ،‬ميألُ رِفْقَتَنا دفءُ الساعاتِ‪،‬‬ ‫ويسّاقطُ يف غيم النهارِ‪ ،‬وجياهرُ يف خَلَلِ النومِ وقيلولةِ‬ ‫الفيْءِ وشائق اجلوِّ‪ ،‬وهديرِ الصحْوِ‪ ،‬ومستلزماتِ‬ ‫اهلدْأَةِ‪ ،‬وفائضِ الوقتِ‪ ،‬وسلّمِ األمنياتِ‪ ،‬وأغاني‬ ‫الصيفِ‪ ،‬ونواحي النخلِ‪ ،‬وتقارير تأمنُ هسيسها‬ ‫وتُمْضِيكَ شروطُها‪ ،‬فقرةً مِنْ كتاب األشهرِ املسرتسلة‬ ‫لو أنّا نأسرُ رُطَبَ القلبِ يف سِ اللِ العَرَقِ‪ ،‬ومننحُ سورةَ‬ ‫الرجالِ قناديلَ التمرِ‪ ،‬ونهدي بقايا املوجِ ساحلَ‬ ‫الغروبِ‪ ،‬وننمو يف طرائقَ مِنْ ندى العرباتِ‪ ،‬ونستأنسُ‬ ‫مشساً مِنْ عباءاتِ الصبايا‪ ،‬ونتهادى الصمتَ يف جدرانِ‬ ‫‪12‬‬


‫الرطوبةِ‪ ،‬ونلْغو بأشياء القَطْرِ‪ ،‬وفلولِ األقاربِ‪ ،‬وبقايا‬ ‫الصُحْبةِ‪ ،‬وطبْعةِ املساء‬ ‫لو أنّا يف ضواحي األشهر القائظةِ‪ ،‬نلْقفُ سُبُلَ القُرْبِ‪،‬‬ ‫أو مسالكَ األطرافِ‪ ،‬أو هوامشَ اجلُنُباتِ‪ ،‬أو مساقطَ‬ ‫النوافذِ‪ ،‬أو طلّةَ الشرفاتِ‪ ،‬أو منازلَ القلوبِ‪ ،‬أو قلوبَ‬ ‫املنازلِ‪ ،‬أو ربيع َ نيسان‪ ،‬أو خريفَ تشرين‪ ،‬أو شتاءَ‬ ‫كانون ‪ ،‬أو حبرَ الفصولِ املاثلة‬ ‫شَفَقٌ يف املدينةِ يأْلفُ املصائفَ‪ ،‬شفقٌ يُغنّي الشطآنَ‪،‬‬ ‫وحاالت القومِ نهاراتٌ مِنْ حاالتكَ‪ ،‬واأللوانُ تُمْطرُ‬ ‫الفضاءات الغاربةِ‪ ،‬والتوْقُ يقْضيكَ يف عصافري تَتْرى يف‬ ‫سرابيلِ احللمِ أو مناطيدِ القصائد أو خفْقِ األجنحةِ أو‬ ‫خبْطِ القلوب‬ ‫وهَجٌ يغفو بنيَ يديكَ كلّ يومٍ‪ ،‬يكادُ ال يفارقكَ‬ ‫القُرْبَ‪ ،‬وال سطْوةٌ يف بالغاتكَ‪ ،‬وال حظْوةٌ يف‬ ‫رسوماتكَ‪ ،‬وال شيءَ يُبالغُ يف نهجكَ‪ ،‬سوى أنّكَ تَلْقى‬ ‫‪13‬‬


‫كلّ الفِتْيةِ‪ ،‬حيملونَ نهار اتهم ويصلبونها كلّ مساءٍ‪،‬‬ ‫عند بوّابةِ رسْمكَ‪ ،‬وعند مداخل قيظكَ األخري‬ ‫إذْ تَسْكبُ الشمسُ عِزّتَها‪ ،‬يدْلقُ العمّالُ غربةَ قارّتهم‪،‬‬ ‫ويشتغلُ اإلسفلتُ بالعَرَقِ واملظالّتِ وأكوام األجسادِ‬ ‫املتناثرةِ وجنُباتِ الطرقاتِ‪ ،‬وجتنحُ البالدُ القصيّةُ إىل‬ ‫صخبِ اخلليجِ‪ ،‬ويف اجلانبِ تؤوبُ األشجارُ إىل سريةِ‬ ‫الظلِّ والدفْءِ وخرائط النهارِ وجاللِ األرضِ وفُتُوّةِ‬ ‫العامل ‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫إذْ طوَّحَتْكَ املساءاتُ‪ ،‬جرّاءَ جولةٍ يف أُفقِ النهاراتِ‬ ‫وأسْلَمَتْكَ إىل بوّابةِ البيتِ‪ ،‬ال تلبثُ أنْ يصطادكَ هذا‬ ‫املطَبُّ‪ ،‬ال تُدْعى إىل طرائقَ تركبُ رحيَها على أجنحةِ‬ ‫العرباتِ‪ ،‬أو تُدعى إىل مائدةٍ منْ غروبٍ‪ ،‬أنتَ صحْوةُ‬ ‫قوسهِ وفيكَ موئلهُ‪ ،‬أو إىل فَناءٍ يرمي ختومهُ‪ ،‬حدّ‬ ‫أطرافكَ وحدّ جهازكَ املشرّع ِ بنيَ فضاءاتكَ‪ ،‬وحدّ هذا‬ ‫البياضِ القريبِ‪ ،‬وحدّ هذه النَفْرةِ املستفزّةِ‪ ،‬أو ينزلقُ‬ ‫الشعرُ يف إناءٍ من جُنُباتِ كتابكَ املُلْقى يف مهبِّ عينيكَ‬ ‫واملستحِمُّ يف أنفاسك املتشظّيةِ‪ ،‬أو حيتفي الشفَقُ بِطّلَةِ‬ ‫نافذةٍ أنتَ مستطيلها‪ ،‬أو يُخاصركَ املكيّفُ يف صوتهِ‬ ‫املتطفِّلِ‪ ،‬أو متْلؤُكَ الشاشةُ بأنباءٍ تسْتهلُّ جسارَتها يف‬ ‫مُعادٍ مِن كالمِ النشراتِ‪ ،‬أو يشْهدُكَ الوقعُ طَرْقاً مِنْ‬ ‫أجراسِ الباعةِ‪ ،‬برِفْقَةٍ مِنْ شظَفِ العيشِ‪ ،‬ومنْ عتَبِ‬ ‫‪15‬‬


‫ب‪،‬‬ ‫احلاراتِ الشقيّةِ‪ ،‬أو تنْ َهدُّ إليكَ أصواتٌ من خمازنَ القبا ِ‬ ‫ومنْ جيوبِ الفقهاءِ ومنْ سابلةِ احلديثِ ومنْ لِمَمِ املارّةِ‪ ،‬أو‬ ‫تتقاطرُ إليكَ أفكارُكَ املكتَظّةُ كأمطارِ الرطوبةِ فوقَ‬ ‫اجلباهِ أو فوقَ الزجاجِ أو فوقَ اليدينِ املتدلِّ َي َتنيِ كأعناقِ‬ ‫النخيلِ أو كناطحاتِ البيانِ‪ ،‬أو ينزلقُ الدبيبُ يف مفاصلِ‬ ‫حيْ َرتكَ‪ ،‬أو يُطلقُ نارَ هواكَ يف هشيم وحدتكَ‪ ،‬أو يستويكَ‬ ‫عالئقَ مِنْ تفاصيلَ‪ ،‬تبذرُ فيكَ شطَطَ الغبارِ وشططَ‬ ‫األحالمِ وشططَ اخلارجِ‪ ،‬وال تفْتأُ ترتضيكَ حواضركَ‪،‬‬ ‫مدائنَ ريبةٍ وطرائقَ غائمةٍ وقناني ضَجَرٍ‪ .‬وإذْ سِوى وجهتكَ‪،‬‬ ‫جهاتٌ ال يَفْتُرُ مشالُها يتدفَّقُ يف جَلَبَةٍ مِنْ أمْركَ ‪ ،‬وال يَقِرُّ‬ ‫جنوبُها فيالقَ يديكَ‪ ،‬ويشرقُ غربُها يف دَأَبِ السيولِ احلائرة‬ ‫متْخرُ عبابَ روحكَ‪َ ،‬عطْفُ اهلجرةِ‪ ،‬ودواخلُ السيْرِ‪،‬‬ ‫وأقبيةُ املمرّاتِ‪ ،‬واجلدرانُ اململّحةُ املتالزمةُ‪ ،‬وأطوارُ‬ ‫املشْيِّ‪ ،‬وخبورُ الذاكرةِ‪ ،‬ومنايف القلبِ‪ ،‬وتقاليدُ‬ ‫الصِبْيةِ‪ ،‬وطفولةُ الزوايا‪ ،‬ونوافذ النخيلِ‪ ،‬وطرائقُ‬ ‫القدمنيِ فوق شظايا الزجاجِ املعشّقِ‪ ،‬وركامُ الرمادِ‪،‬‬ ‫وبصريةُ الصمتِ‪ ،‬وعماءُ النشيج‬ ‫أُقحمُ هنا ذؤابةَ النومِ‪ ،‬وأقرأُ نعاسَ األسطرِ‪ ،‬وأشهدُ‬ ‫مراكبَ النظرِ‪ ،‬تغرقُ يف لُجّةِ الوحدة ‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫قمرٌ يُرْخي وجْهَتهُ يف األزقّةِ املُتَدارَكة‬ ‫قمرٌ يُرَمِّمُ صحْوةً فوقَ األسطحِ املتداعية‬ ‫قمرٌ ينهضُ يف اليدينِ‬ ‫قمرٌ يغسلُ دمي مباءِ الليلِ‬ ‫قبلَ ليلتنيِ تنادَتِ اليقظة‬ ‫بعدَ ليلتنيِ رَسَمَتْ رؤيةً‬ ‫وتساقطتْ جهاتُ الكالمِ‬ ‫وأمْطَرَتْ صحْوَ البيوتاتِ‬ ‫ونامتْ بنيَ السهرِ وبابِ الصباح‬

‫‪17‬‬


‫الغِبْطةُ فيكَ نثرٌ قاطعٌ‬ ‫والريحُ تهدْهِدُ شرُفاتِ النومِ‬ ‫وتفْغَرُ عتباتِ الفرحِ‬ ‫وتشْغلُ نورَ الصِبْيَةِ‬ ‫وتبلّلُ هذهِ املمرّاتِ‬ ‫وهذه القططَ العاشقة‬ ‫حينما يُخْفينا القمرُ‬ ‫القلبُ جزيرةٌ عاريةٌ‬ ‫والضفافُ مدائنَ غيمٍ‬ ‫تسّاقطُ مِنْ أنفاسِ النيامِ‬ ‫يف انتظارِ الغسَق‬ ‫حينما يقْصدنا القمرُ‬ ‫والضبابُ يتكسّرُ فوقَ الزجاجِ‬ ‫املرايا رحيلٌ‬ ‫واملرايا جنومٌ للسفر‬

‫‪18‬‬


‫أريدُ هذا القمرَ‬ ‫أكسرُ بهِ وردةً‬ ‫أو أرمي بهِ عٌتْمةً‬ ‫أغْمطُ بهِ العيننيِ‬ ‫وتشْقى بهِ الينابيعُ‬ ‫ويطفحُ بِهِ وجهُ البحر‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫أقرتحُ يف مثلِ هذهِ اجلهةِ البادئةِ‪،‬‬ ‫أنْ ال يعْرتيين حديثٌ يُشابهُ دبيبَ النهارِ‪ ،‬أو يتقاطعُ‬ ‫وجسرَ الليلِ‪ ،‬ولي منهُ سرادقُ القلبِ‪ ،‬ولي مِنْهُ رواقُ‬ ‫الصمتِ‪ ،‬ولي منهُ دَلْوُ الصُحْبةِ‪ ،‬وطرفُ األصدقاءِ‪،‬‬ ‫وإناءُ الصِبْيَةِ‪ ،‬وفُتُوّةُ الشبابِ‪ ،‬وطفْوُ الطفولةِ‪ ،‬وعَبَثُ‬ ‫األحبّة‬ ‫أقرتحُ يف مثلِ هذهِ اجلهةِ الثانيةِ‪،‬‬ ‫أنْ ال يهاجسين هسيسٌ أو يشاغبين حفيفٌ أو جيانب‬ ‫أطرايف شغافٌ‪ ،‬أو يتلوني همسٌ أو تسقطَ منْ بالغاتي‬ ‫خطاباتُ القادةِ‪ ،‬أو تتناولين اهلزميةُ يف ربيعها‪ ،‬أو‬ ‫تُمْ طرني الصلواتُ يف تراتيل الفجرِ‪ ،‬أو يُعبِّؤُني الوقتُ‬ ‫مشاغلَ حنني‪ ،‬أو مشاعلَ صُدْفة‬ ‫‪20‬‬


‫أقرتحُ يف مثلِ هذه اجلهةِ الثالثةِ‪،‬‬ ‫أنْ أتواصى بالبحرِ‪ ،‬وأن يتساحلَ قليب وجزائرَ‬ ‫العَصْفِ‪ ،‬وأنْ تندى ثيابُ القطراتِ‪ ،‬وأنْ يهْزجَ املدُّ‪،‬‬ ‫وأنْ تُجاورَ السواحلَ سفائنُ البَلَلِ‪ ،‬وأنْ تعانقَ الغربةُ‬ ‫فضاءات املوجِ‪ ،‬وأنْ تُشاطرَ الطريَ املرافئُ‪ ،‬وأنْ تستقيمَ‬ ‫األجنحة‬ ‫أقرتحٌ يف مثلِ هذه اجلهةِ الرابعةِ‪،‬‬ ‫كما لو ملْ تقرتحين األمسياتُ‪ ،‬وجْهَةً مِنْ خَبَبِ‬ ‫األغنياتِ‪ ،‬أو لوحةً يف أُطُرِ اللّحْنِ عندَ أقصى مناخاتِ‬ ‫الوَقْعِ‪ ،‬أو إيقاعاً للوِطْءِ يف سِاللِ النجومِ على ختومِ‬ ‫الظلمةِ وشِراكِ السماواتِ‪ ،‬أو شُرْفةً حلبائل النومِ عند‬ ‫مداخل اليقظة‬ ‫أقرتحُ يف مثلِ هذه اجلهةِ اخلامسةِ‪،‬‬ ‫للجولةِ أبوابها‪ ،‬وللصولةِ نوافذها‪ ،‬وللحربِ جتّارُها‬ ‫وللهَمَجِ سرائرُ الدمِ‪ ،‬وللحكّامِ مقاعدُ الشعبِ‪،‬‬ ‫وللجماهريِ الشوارعُ‪ ،‬وللخيبةِ قسوتُها‪ ،‬وللموتِ طرائقهُ‬ ‫وأطفالهُ‪ ،‬وللجثثِ أنقاضُها‪ ،‬وللعسكرِ أنواطُ‬ ‫‪21‬‬


‫الفُرْجةِ‪ ،‬ولي منّةُ الكتابةِ‪ ،‬وهديرُ املكيّفِ‪ ،‬وشاشةُ‬ ‫احلروفِ‪ ،‬وعطبُ الساعةِ‪ ،‬وخرابُ األمل‬ ‫أقرتحُ يف مثلِ هذه اجلهةِ السادسةِ‪،‬‬ ‫أنْ نتبادلَ خنْبَ اليومِ‪ ،‬وأنْ نتدارسَ شرائطَ الكالمِ‪،‬‬ ‫وأنْ نسْتَسْقي غمائمَ العمرِ‪ ،‬وأنْ نتَواطأَ واللهجاتِ‬ ‫غرا ئبَ احلديثِ‪ ،‬وأنْ نتهادى صباحاتِ التَيَقّظِ‪ ،‬وأنْ‬ ‫ندْلقَ ماءَ العشبِ‪ ،‬وأنْ نروي رُطَبَ الظهريةِ‪ ،‬وأنْ‬ ‫نُ هندسَ أصابعنا‪ ،‬وشيئاً من رطوبةِ دمنا‬ ‫أقرتحُ يف مثلِ هذهِ اجلهةِ السابعةِ‪،‬‬ ‫ينابيعَ النهاراتِ‪ ،‬أوائلَ الوردِ‪ ،‬فضائلَ الفتحِ‪ ،‬نسائمَ‬ ‫الفصلِ‪ ،‬شرقَ الشمسِ‪ ،‬أقمارَ الفضاءاتِ‪ ،‬مواسمَ‬ ‫الطريِ‪ ،‬قطارَ الوصلِ‪ ،‬أطرافَ البدءِ‪ ،‬مفاصلَ الصباحِ‪،‬‬ ‫هدْ َه َد َة املصابيحِ‪ ،‬ثرثرةَ الصحْ ِو‪ ،‬ب ْذرَ املساءاتِ‪ ،‬ذرْ َذرةَ‬ ‫السطرِ‪ ،‬فتحَ اهللِ والكلماتِ‪ ،‬خرائطَ النحوِ‪ ،‬كتائبَ‬ ‫األصدقاءِ‪ ،‬شرائعَ احلبِّ‪ ،‬قناديلَ الصورةِ‪ ،‬شجرياتِ‬ ‫الصبابةِ‪ ،‬منازلَ احلننيِ‪ ،‬قرائطَ العشقِ‪ ،‬سرايا الندى‪،‬‬ ‫طلَّ اهلطْ ِل‪ ،‬قطرات الشفِّ‪ِ ،‬وصالَ الشوقِ‪ ،‬نهرياتِ‬ ‫‪22‬‬


‫الطفولةِ‪ ،‬جُنباتَ الدمْ َد َم ِة‪ ،‬مهابطَ الروحِ‪،‬خبْطَ القلبِ‪،‬‬ ‫ض‪ ،‬أصيلَ اجلهةِ الغاربة‬ ‫مراتبَ النبْ ِ‬ ‫أقرتحُ يف مثلِ هذهِ اجلهاتِ‪،‬‬ ‫لَمْلَمَةَ الغروبِ وأبوابَ املغادرة‬ ‫ورفْرَفةَ الرحيلِ وهبّةَ الذهاب ‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫(‪)1‬‬ ‫مذْ أكثرَ منْ شهرٍ‪ ،‬وأنا أستنْطقُ العاملَ وأَلْوي عُنقَ‬ ‫الكالم‪ ،‬مُبصِرَةٌ يدايَ‪ ،‬وخريرُ القلبِ يرشحُ مِنْ أفئدةِ‬ ‫النهارِ وليلي تَجاسرَهُ الرعبُ‪ ،‬وأطفأَ سُرَّتهُ هديرُ‬ ‫العتمةِ‪ ،‬ولستُ أداري سَوْءَةً أو أطْلقُ خطيئةً‪ ،‬أو‬ ‫أكتفي باإلذاعاتِ‪ ،‬أو أمازجَ نوميَ باملِشْيَةِ‪ ،‬وعَصَبِ‬ ‫االحتضار‪ ،‬وموتِ احلديثِ‬ ‫أحفرُ‪ ،‬أظلُّ أحفرُ‪ ،‬أكثرُ منْ شهرٍ‪ ،‬وأعمقُ منْ مطرٍ‪،‬‬ ‫وأقسى مِنْ قصفٍ‪ ،‬وأبعدُ مِنْ صباح‬ ‫تَوْقُ الروحِ على طَلَلِ الكالمِ‪ ،‬ودفْقُ املاءِ نسيجُ‬ ‫الوحدةِ‪ ،‬وال آخرَ يف الصفِّ وال ابتداءً للحضورِ‬

‫‪24‬‬


‫أعمقُ مِنْ غيابٍ‪ ،‬وأقصرُ منْ ومْضةٍ‪ ،‬ال مُدُنَ‪،‬‬ ‫ال ع واصمَ‪ ،‬ال خرائطَ للساسةِ‪ ،‬وال ورْطةً للخيبةِ‬ ‫أٌ مازجُ قدَرَ اليومِ‪ ،‬وأهْصرُ شغافَ الفضاءِ‪ ،‬وأجولُ زمنَ‬ ‫الغيبةِ‪،‬‬ ‫يدايَ مبصرتانِ‬ ‫وعينايَ مغمضتانِ‬ ‫وأطرايف فَضُّ الغيابِ‬ ‫ردْهةُ الصورةِ ضيقةٌ‬ ‫وطرائقُ الرسمِ ضبابُ الريشةِ‬ ‫ومذْ أحْلَلْتُ فيكمُ الوطنَ‪ ،‬ال وَقْعَ دوْنهُ وال هفهفةَ‬ ‫الصيفِ وال مراتعَ الرطوبةِ‪ ،‬وال امتثاالتِ اجلهاتِ‬ ‫النسوةُ ال يغادرْنَ‪ ،‬يَمْتَشِقْنَ اللَبْثَ‪ ،‬وتكابرُ الطفولةُ‬ ‫على أعتابهنَّ‪ ،‬واجلنباتُ مصائدُ اللحظةِ‪ ،‬والسالملُ‬ ‫تصّاعدُ أغْبِرَةً منْ صبايا‬ ‫أنهضُ‪،‬‬ ‫مُنطفئٌ يف دمي‪،‬‬ ‫وباردةٌ مفاصلي‬ ‫عينايَ فاترةٌ‪،‬‬ ‫ويدايَ حفيفُ غيم ٍ شفيف ‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫(‪)2‬‬ ‫مُذْ أقبلتِ األهلّةُ‪ ،‬والصغارُ عناقيدُ الليلِ‪ ،‬والنجيماتُ‬ ‫ز خارفُ الصبيةِ‪ ،‬والسهلُ بساطُ الطائراتِ‪ ،‬وأنا أُرْهفُ‬ ‫اجملالَ‪ ،‬وأصيخُ السمعَ‪ ،‬وأقْضي مآربَ القلبِ‪ ،‬وليْ مِنْ‬ ‫سهامِ احلربِ اكتظاظُ اجلعْبةِ‪ ،‬ولي مِنْ شظايا الشهر‬ ‫والنصفِ زيفُ الساسةِ وابتداعُ التحليلِ‪ ،‬ولي مُروقُ‬ ‫التفاصيل واهلواءُ املتكسّر يف ثنايا احملطاتِ‪ ،‬وليْ‬ ‫فقْر ةُ هذهِ النوايا‪ ،‬ولي هشيمُ النهرِ وخطُّ األزرقِ ‪ ،‬ولي‬ ‫حنايا القبضةُ وتقاطيعُ الوصولِ‬ ‫أفهمُ غشاوةَ الوقتِ‪ ،‬أفهمُ أراجيحَ املاءِ‪ ،‬أفهمُ منازلَ‬ ‫القمرِ‪ ،‬أفهمُ مراتبَ القومِ‪ ،‬أفهمُ عسكرَ الوردِ‬ ‫يشاغلين الفهْمَ غيهَبٌ‪ ،‬ويشاغبين الفهْمَ مطرُ القنوات‬ ‫(‪)3‬‬ ‫فقطْ‪،‬‬ ‫ألنّي‪،‬‬ ‫قدْ أُقِيْلُ الرغائبَ على حافّةِ النظَرِ‪ ،‬وقد أُسْقِطُ‬ ‫الرتَهاتِ مِنْ طرائقَ العنيِ‪ ،‬وقدْ يشرفُ منّي الكالمُ‬ ‫على تلّةِ األوراقِ‪ ،‬وقدْ أُ كوّمُ أنهار الليلِ على مشسِ‬ ‫‪26‬‬


‫النهارِ‪ ،‬وقدْ ترتاقصُ الفرتاتُ يف مضاجعي‪ ،‬وقد تنهمرُ‬ ‫شهورُ القصفِ على مطالعِ أيلول‪ ،‬وقد ال يُؤاخذني حَذَرٌ‬ ‫منْ نومٍ‪ ،‬أو يقتفيين قميصٌ‪ ،‬قُدَّ مِنْ نَدَمٍ‪ ،‬أو تكابرُ‬ ‫بي سلّةُ أشعارٍ‬

‫فقطْ‪،‬‬ ‫ألنّي‪،‬‬ ‫حينها‬ ‫أو‬ ‫حينكَ‬ ‫ال يغادرني البحرُ‬ ‫أو ال تُغادرني السفائنُ‬ ‫ليسَ لي غري هذا الساحلِ‬ ‫ليسَ لي غري ثوابِ الركوب ‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫قُرْبَ حدائقِ القلبِ‬ ‫أَزْهَرَتْ منكِ تَلَّةٌ‬ ‫داوَمَتْين صغرياً‪،‬‬ ‫وشابّاً‪،‬‬ ‫أَقْلَعَتْ بي خُطايَ‬ ‫واسْتَقَرَّتْ بكِ املنازلُ‬ ‫وحينما‬ ‫أَوْدَعَتْين صفوفَها‬ ‫وتراكضَ حوهلا الفراشاتُ‬ ‫ملَّتِ املدرسةُ أسبابَها‬ ‫النوافذُ طلقةُ الفضاءِ‬ ‫‪28‬‬


‫والنسوةُ يُحَدِّقْنَ يف احلضورِ‬ ‫يُشْرِعْنَ قَهقَهَةً‬ ‫ويُمْطِرْنَ عيوناً‬ ‫يبْحَثْنَ عنْ أحدٍ‬ ‫يُطْفئُ جذْوَةَ النظر‬ ‫مُذْ غادَرْتُكِ‬ ‫بنيَ فيْنَةٍ وأخرى‬ ‫يَرِفُّ منكِ قمرٌ‬ ‫يُطْفئُ البُعْدَ‪،‬‬ ‫ويُشْعِلُ تالمذةً‪،‬‬ ‫كالنهار‬ ‫ها أنت‬ ‫مُسيَّجَةً باجلِيْلِ والقلبِ والتَّلَةِ واملنازلِ‬ ‫وبي‬ ‫وها إنّي أُهفْهفُ روحي‬ ‫وأصطادكِ‬ ‫وأَنْسُجُ منْ حولكِ هذا اجلدار‬ ‫‪29‬‬


‫ويف الطَرَفِ‬ ‫كنتُ أرْقُبُ ماءً‪،‬‬ ‫يَتَصَبَّبُ فِخاخاً‬ ‫فَأَنْقُعُ وجْهَ السننيَ‬ ‫وأَنْتَشِلُ أحذيةَ العابرينَ‬ ‫وكأنَّ‪،‬‬ ‫للشُّجرياتِ شَغَفُ القَفَزاتِ‬ ‫وللنخيالتِ وَلَعُ الصغارِ وصَرْمُ األعْذاقِ واسْتكانةُ‬ ‫املساء‬ ‫غريَ أنْ يَقْطعكِ صوتُ مكائنَ املاءِ‪ ،‬مزدانةً باهلجسِ‬ ‫وحمْشُوَّةً باجلبالِ اخلفيضةِ‪ ،‬ومرشوشةً باملالعبِ‪،‬‬ ‫وبالساحاتِ والطرقاتِ املبعثرَةِ‪ ،‬وأشياءِ املارَّةِ وأشياءِ‬ ‫النخيل‬ ‫غريَ أنْ يتماسكَ حولكِ وبْلٌ من وشْوشةٍ وعتيقِ كالمٍ‪،‬‬ ‫وتتقاطرُ قُرْبكِ عرباتُ التمرِ‪ ،‬شاخصةً حنو القرى‬ ‫القريبةِ‪ ،‬مفتونةً بالرجالِ والصغار‪ ،‬مُمْتَشِقنيَ غُرتاً‬ ‫كعمائمَ حمشُوَّةً باهلدوءِ وباألحالمِ السائبة‬ ‫‪30‬‬


‫غريَ أنْ أجالسَ فيكِ الفُتوَّةَ والصبابةَ‪ ،‬وأخلعُ عين حياءَ‬ ‫الصغارِ‪ ،‬وأنثرُ لديكِ طوابريَ الصباحِ‪ ،‬أُذَرْذِرُ همَّ‬ ‫مُعلِّميكِ وأنشرُ حَمْحَمَةَ أولياءَ األمورِ‪ ،‬وأقْدحُ شقاوةَ‬ ‫الطلبة‬ ‫منْ حلكايةٍ حلكاية‬ ‫نبين أحالمنا بنيَ جدرانَ التشظِّي‬ ‫نوزِّعُ أقداراً لنا‬ ‫وخنرجُ منكِ‬ ‫أبواباً مُشَرّعةً للجنون ‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫حيٌّ‬ ‫يتشرَّبُ وجهي‬ ‫فأَسقيهِ الطفولةَ‬ ‫نتقاطعُ‬ ‫وهذا املساءُ‬ ‫وهذا الشفقُ‬ ‫الصورةُ ناصعةٌ‬ ‫اجلهةُ الغربيّةُ‬ ‫كامتداد الروحِ‬ ‫ال غرْبَ هلا‬ ‫أو ال عُمْرَ هلا‬ ‫‪32‬‬


‫حدَّ صهيلَ الصغارِ‬ ‫أو كمالعبِ املاءِ‬ ‫خاويةٌ إال من قليب‬ ‫أو كمساحات النخيلِ‬ ‫مثقلةٌ بالبقايا‬ ‫أمّا الشرقُ‬ ‫فتشرقُ الرطوبةُ‬ ‫يف اجلدرانِ اليت غادرها الطالءُ أو ملْ تعرفهُ‬ ‫وتتصاعدُ البيوتُ املتقاعدة ُ‬ ‫والصبايا الالّتي ال يُدْرِكْنَ غربةَ احلضورِ‬ ‫يتقاطرْ َن‬ ‫كأنهنَّ مطرُ التجوِّلِ‬ ‫أو وابلُ العناق‬ ‫ويف الشمالِ‬ ‫كيفَ غادرَ البحرُ؟‬ ‫وكيفَ ملَّتِ البيوتُ أساساتها؟‬ ‫وكيفَ اشتعلَ الردمُ؟‬ ‫‪33‬‬


‫وبعيداً‬ ‫بعيداً‬ ‫أَقْفَلَتِ النوارسُ !!‬ ‫أما اجلنوبُ‬ ‫فالبويتاتُ‬ ‫واحداً بعد آخرَ‬ ‫تلفظُ أنفاسها‬ ‫منْ حرائقَ ودخانٍ وناسٍ‬ ‫فتزدحمُ الطرقاتُ‬ ‫وَتَغْتَدي بطالةً‬ ‫وفقراً‬ ‫وأحالماً متوت ‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫كنتُ رابعَ ثالثةٍ‬ ‫السطرُ‪،‬‬ ‫والقلمُ‪،‬‬ ‫وهذا األفقُ‬ ‫كنتُ أشْحذُ رأسي‬ ‫أمألُ السطرَ بدمِ القلم‬ ‫وكانَ األفقُ‬ ‫رحلةً ال جتيءُ‬ ‫إستطارَ األفقُ‬ ‫شقَّ مِنْ جييب‬ ‫مثانيةً وأربعنيَ‬ ‫‪35‬‬


‫وكوَّمين تلَّةً منْ سنني‬ ‫يؤوبُ السطرُ‬ ‫ويؤوبُ القلمُ‬ ‫وغائبُ األفقِ ال يؤوبُ‬ ‫غيضٌ منْ وقتٍ‬ ‫مينحنا أوّلَ القراءةِ‬ ‫فيضٌ منْ سطرٍ‬ ‫مينحنا تضاريسَ الكتابةِ‬ ‫ومجيعاً‬ ‫نُحَمْلِقُ يف املرايا‬ ‫فنصْطادُ نوافذَ من زرقةِ البحرِ‬ ‫ونصطادُ أبواباً تِلْوَ أبوابٍ‬ ‫وال نكادُ خنرجُ‬ ‫حتى ندخلُ أثقاالً‬ ‫منْ هواءٍ يتكسّرُ‬ ‫ومنْ فراغٍ مطري‬

‫‪36‬‬


‫سالتْ بنا دنيانا‬ ‫حَرَجاً بني األصدقاءِ‬ ‫فمَألْنا عواطفنا‬ ‫جيشاً من خيباتٍ‬ ‫ومَألْنا جيوبنا‬ ‫مسرياتَ احتجاج‬ ‫تقشعرُّ أهدابُنا‬ ‫عندَ كلَّ خلْجةٍ‬ ‫ونظلُّ نُرَاوِحُ األربعة‬ ‫حننُ األربعة‬ ‫تصْحَبنا الندامة ‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫كالغربةِ يف احتجاجها‬ ‫قَصَرْتُ قامةَ روحي عليكِ‬ ‫وتَمَنْطَّقْتُ سيفَ خطاكِ‬ ‫ارتقيتُ جانبكِ‬ ‫تَهْرعُ بي الدرجاتُ‬ ‫تغْزِلُ أمساءَها يف شَرَكِ النهارِ‬ ‫وجتنحُ للظلِّ‬ ‫وتَشِيْدُ مبا علِقَتْهُ األرجُلُ‬ ‫فنُصْبِحُ قابَ أُمْنيَةٍ‬ ‫ونُصْبِحُ قابَ وَرْدٍ‬ ‫ونصبحُ قابَ العناق‬ ‫‪38‬‬


‫يف أنْ تُمْطِرَ األرضُ صباباتها‪،‬‬ ‫وتَلْعَقُ عوائدها‪،‬‬ ‫وتلتظي وجعاً‪،‬‬ ‫يسْتَقي يوماً‬ ‫يف أحْذيةٍ جترْجِرُ ساكِنِيْها‬ ‫يف أنْ يُصَبِّحُنا املدى‬ ‫ضوءًا منْ مصابيحَ مُكَسَّرَةٍ‪،‬‬ ‫ونوراً من طفولةٍ مُطْفأَة‬ ‫يف أنْ تهفَّ أثوابُنا‪ ،‬وختتلجَ قمصانُنا‬ ‫يف أنْ نُعِدَّ أجساداً‪ ،‬تطَّايَرُ يف غَدْوِنا وقُفُولِنا‬ ‫وإنَّ علينا أن نُنَاولَ صورةَ أقدامنا‪،‬‬ ‫ونَدْعكَ الرتوشَ‪،‬‬ ‫ونرتِّبَ ابتساماتٍ ماكرة‬ ‫وإنَّ علينا جدلَ السائرينَ‪،‬‬ ‫وقهْقَهةَ األطرافِ‪،‬‬ ‫‪39‬‬


‫ومشاتةَ األصدقاءِ‪،‬‬ ‫وخُبْثَ احلضور‬ ‫خطوةٌ تراقِصُ قَبْلها‬ ‫خطوةٌ تصْحبُ وِجْهَتها‬ ‫خطوةٌ‬ ‫أمْرُنا يف يديها ‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫وحيداً‬ ‫كنتُ أَرْقبُ الليلَ‬ ‫كانَ ينمو منذُ أكثرَ منْ ساعة‬ ‫ووحيداً‬ ‫كنتُ أخدشُ وجهَ الظالمِ‬ ‫كانَ يَعْلو الدارَ‬ ‫وميوتُ عندَ العتبة‬

‫ووحيد ًا‬ ‫كانَ املصباحُ ميطرُ‬ ‫عند الزاويةِ الضيّقة‬ ‫‪41‬‬


‫ووحيد ًة‬ ‫الفتاةُ تَثَّاقَلُ‬ ‫يُلْبِسُها الليلُ خُطاها‬ ‫يُرْكنها هاتفٌ‬ ‫تُقَلِّبُ أرقاماً‬ ‫تأْنَسُ دِفئاً‬ ‫فتصْفَحُ الشوقَ‬ ‫وتَأْلَفُ كتابَ الظلمة‬ ‫وحْد ُه‬ ‫القمرُ يُخْلي الساحةَ‬ ‫ووحْدُها‬ ‫العتمةُ جامثةٌ‬ ‫حترسُ البيوتَ واللصوصَ‬ ‫والقططَ والسكونَ‬ ‫واهلدْأَةَ املستيقظة‬ ‫البيوتُ وحيدةً‬ ‫تَقْطرُ نُعاساً‬ ‫وتُهَدْهِدُ شهوةَ النائمنيَ‬ ‫‪42‬‬


‫وفَوقَ القبابِ‬ ‫بَلَلُ الصمْتِ‬ ‫يرسو‬ ‫ومكبِّراتِ الصوتِ‬ ‫يف سُباتٍ عميق‬ ‫وحيداً‬ ‫العاملُ‬ ‫يغرقُ‬ ‫ووحيداً‬ ‫العاملُ‬ ‫صباحاً‬ ‫يطفو ‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫أكثرُ مِنْ شهرٍ‬ ‫وَطَأَتْين‬ ‫فَتُلَمْلِمُ وقتاً‬ ‫وتصاحبين كلَّ نهارْ‬ ‫ي‬ ‫أَعْرِفُ أَنّ ْ‬ ‫ال أُشْركُ فيها أحداً‬ ‫أعرفُ أنّي‬ ‫ليَ وحديْ‬ ‫كُتيب‬ ‫وقصائدَ يومي‬ ‫أَعرفُ أَنّي‬ ‫‪44‬‬


‫ال أخرجُ للنزهاتْ‬ ‫أو تتَداوَلَين العاداتْ‬ ‫لكِّ ْن‬ ‫مطرٌ منها‬ ‫يُعْشِبُ قليب‬ ‫يَمْلَؤُني بالدنيا‬ ‫يُخْصبين بالشهواتْ‬ ‫أفْقَهُ فيها‬ ‫سُلَّمَ روحي‬ ‫أغْدوهُ‬ ‫أخباراً للروحِ‬ ‫وأنباءً للورقِ‬ ‫ال شيىءَ يكابرُ بنيَ يديَّ‬ ‫وأنتِ حفيفُ القنواتِ‬ ‫وأنتِ فُتُوَّةُ ماءُ الرغباتِ‬ ‫وأيضاً‬ ‫أنتِ هنا‬ ‫‪45‬‬


‫ريفُ الكلماتْ‬ ‫أسْتبقي أَوَّلكِ‬ ‫أَسْتَبْقي آخركِ‬ ‫أغْفو بينهما‬ ‫أهطلُ وادٍ من قبضاتْ‬ ‫أرمي شغفاً من جوالتْ‬ ‫أُشعلُ بابَ قصيدْ‬ ‫إذْ يرمي بي عمَ ٌل‬ ‫أو تقذفين نوباتُ مشاغلَ تافهةٍ‬ ‫سَأُكَوِّمُ أيّاميْ‬ ‫سَأُجيزُ لنفسي أالّ يعتاد جوانبها أحَدٌ‬ ‫وسَأَهْفو‬ ‫بَلَالً منْ ألفاظٍ‬ ‫أو ألفاظاً من بَلَلٍ‬ ‫وسأَغرقُ يف اللُّجَةْ‬

‫‪46‬‬


‫أَقِفُ‬ ‫يقفُ العاملْ‬ ‫تقفُ احلرّيةْ‬ ‫ومجيعاً‬ ‫نرتاشقُ هذي العطلةْ ‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫(‪)1‬‬ ‫كلّ نهارٍ‬ ‫ترمُقهُ الشمسُ‬ ‫وال يلْبثُ أنْ يرسم ظالًّ‬ ‫يسّاقطُ يف كلِّ األطرافِ‬ ‫ويَعْدو صوْبَ اجلدرانِ‬ ‫ويلبسُ كلَّ اخلطواتْ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫البيتُ جُثُوماً‬ ‫يقْطفُ ماءَ النظراتِ‬ ‫ويسْتودعُها غُرُفاً‬ ‫وحضوراً‬ ‫‪48‬‬


‫ينْقشُ غيْبتهُ‬ ‫يسْتَمْطرُ صحْوَ الظهرِ‬ ‫ويلْقفَُ وبْالً‬ ‫وَبْلٌ من أَوْبٍ‬ ‫وَبْلٌ من غَدْو ٍ‬ ‫هذا البيتُ‬

‫(‪)3‬‬ ‫البيتُ قعيداً‬ ‫البيتُ يُصاحبُ هدْأتهُ‬ ‫البيتُ يدقُّ الشارعَ‬ ‫والشارعُ يصفحُ أوراقَ املّارةِ‬ ‫واملارّةُ تهمسُ يف الداخلِ واخلارجِ‬ ‫تُلْقي أعباءَ اليومِ‬ ‫وتلقفُ نوءَ املشيِّ‬ ‫وتسْكبُ أرصفةَ الوجْ ِد‬ ‫تهدُّ جدارَ الصُحْبةْ‬

‫‪49‬‬


‫(‪)4‬‬ ‫يتدَلَّى هذا البيتُ‬ ‫لساناً منْ عَتَبٍ‬ ‫القاطعُ أوَّلهُ‬ ‫ومراياهُ ضيوفُ احليِّ‬ ‫وحديقتهُ كسماءِ القلبِ‬ ‫ب‬ ‫ونافذةُ الغَرْ ِ‬ ‫كنافذةِ الصبحِ‬ ‫مُشَرّعتانِ‬ ‫تُطالّنِ على فَيْء العُمْرِ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫البيتُ‪،‬‬ ‫تَسْبِقهُ النخلةُ‬ ‫تعْلو السورَ‬ ‫وتشْرِكهُ ألوانَ شجريةِ صيفٍ‬ ‫تغفو عندَ شجريةِ لوزٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ال تسْلَمُ مِنْ صِبْيَةِ رمْي‬ ‫ٍّ‬ ‫والشارعُ ال يهدأُ منْ أبيضَ وردي‬ ‫‪50‬‬


‫ٍّ‬ ‫أو أمحرَ مُخْضَر‬ ‫أو وَحْي بياض ٍ‬ ‫أو نَظْرة عُشقٍ تتطايرُ يف الظلمةْ‬ ‫تنشَقُّ‪،‬‬ ‫بنيِ األحجبةِ السودِ‬ ‫وتسعى‬ ‫تدْركُ وطأةَ قلبٍ‬ ‫تدركُ أنّ الرابضَ يُكتَتَبُ‬ ‫تدركُ أنّ قِطافاً يف يوم ٍ‬ ‫يتدلّى يف غيمٍ‬ ‫يتدلّى يف جُمْلةِ عمْرٍ‬ ‫يسْكبها صاحبُها‬ ‫ال ختْدشها دفْقةُ صيفٍ‬ ‫أو يتناوهلا ثقبُ نهارٍ جاف ‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫(‪)1‬‬ ‫ملْ تَقْرَأهُ الصباحاتُ جيّداً‪ ،‬ورأسهُ ثِقْلُ الوجعِ اآلدميِّ‪،‬‬ ‫الغبارُ برَسْمِ األفقِ‪ ،‬والرماديّ وصْلَتهُ‪ ،‬زخّاتُ مطرٍ‬ ‫مثقلةٌ بالوصْلِ تفتّشُ عن سقْطتها‪ ،‬والسماءُ تقْطرُ‬ ‫سرائرها‪ ،‬وأب ريل احلالي ال يصاحبُ ربيعهُ إالّ نادراً‪،‬‬ ‫وأصدقاءهُ ال يكفّوا عنْ دغْ َدغةِ أذنهِ مبا ال يودُّ‬ ‫مساعهُ‪ ،‬والكتبُ اليت حيتسيها‪ ،‬ترشفُ ذاكرةَ‬ ‫اآلخرينَ‬ ‫مل يَعُدْ يقرأُ وجعَهُ‪ ،‬ولَم تَعُدْ تستطيبهُ الكتابةُ‪،‬‬ ‫الضيافةُ حضرةٌ ال جتيءُ‪ ،‬وزياراتهُ للمكاتبِ تُسَطِّرُ‬ ‫نُدْرتها‬ ‫‪52‬‬


‫العمّ الُ يف البيتِ على مقربةٍ منْ شِعْرهِ‪ ،‬وآلةُ القصِّ‬ ‫تنشرُ أصابعهُ وتقتفي وَهْدَةَ احليِّ وتالحقُ وبْلَهُ‬ ‫كلّما عاوَدَتْهُ النوبةُ أرْخى يديهِ وأسدلَ الفكرةَ‪،‬‬ ‫وأطرقتْ لديهِ النوافذُ‪ ،‬والستائرُ واحةٌ للقلق‬ ‫ليسَ هُوَ كما هوَ‪ ،‬وعصافريُ شوقهِ غادَرَتْهُ‪ ،‬وأبوابُ‬ ‫حرفتهُ ستغادرهُ أيضاً‪ ،‬واملدى املصاحبُ يلزمُ خرائطَ‬ ‫روحهِ‪ ،‬واملوجُ يلْعَقُ حبرهُ يف واديهِ‪ ،‬وتنسكبُ األخبارُ‬ ‫ناثرةً حمطّاتها قربَ أطرافهِ‬ ‫ما زال يف جُعْبتهِ عالئقُ القومِ ورماحهم‪ ،‬يشدُّ أوتاراً‬ ‫ويرخي الكنايةَ والبحرَ وقمْقمَ الوقتِ‪ ،‬طرائدهُ‬ ‫تسكنهُ‪ ،‬وصيدهُ يَقْرَبُ حبائلَ الصمتِ‬ ‫ولَسَوْفَ تسّارعُ من يديهِ حقائبُ الصِبا‪ ،‬وسَتَلْقى‬ ‫الدفاترُ حتْفَها يف فناءِ الظهريةِ‪ ،‬واملدارسُ شتّى يف‬ ‫مُلْتقاها‪ ،‬كأنْ يأْلَفها الوقتُ‪ ،‬ويأْلَفها القُرْبُ‪ ،‬وتأْلفها‬ ‫القصائدُ ‪ ،‬حدّ الشمس يف أوّهلا‪ ،‬وحدّ صعود الظلِّ‪،‬‬ ‫وحدّ رسم الطفولةِ واملاءِ‪ ،‬وحدّ أمهات املنازل القريبة‬ ‫املتداعية‬ ‫الساعةُ تكتبُ دقّاتها يف عمرهِ‬ ‫‪53‬‬


‫يُفْرِغُ منْ أوراقهِ غصناً ويشحذُ وطأةَ الشّجرِ‪ ،‬ميتطي‬ ‫سبْقاً فتلْحقهُ القطراتُ‪ ،‬وتلْعقهُ السيقانُ‪ ،‬وخاويةً‬ ‫صورتهُ‪ ،‬إالّ من مالعب وفْرةِ القلبِ وحَشْوِ الصباح‬ ‫هُوَ ذا طقسُ اآلنَ !!‬ ‫هُوَ ذا لُعْبةُ احلالِ !!‬ ‫هُوَ ذا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫أمْسى كما صُبْحهُ‬ ‫أمْسى كما صادفهُ حالُهُ‬ ‫الليلُ واديهُ والظلمةُ تَعْبأُ بالضوءِ فتخْمشهُ‬ ‫وأبواقُ العرباتِ تسرقُ هَدْأَةَ اللونِ وحتاكي صورتهُ‬ ‫واملَدَدُ يوقظُ اللحنَ ويصيخُ السمعَ ويطلقُ جلْسَتهُ‬ ‫الناسُ يف فَنَنٍ‪ ،‬واملكيّفاتُ تدّخرُ وسْعًا‪ ،‬واملراوحُ مرفأُ‬ ‫الطقسِ‬ ‫والفقراءُ يلمّونَ فواتريَ القيظِ‪ ،‬ويقيلونَ نوافذهم‪،‬‬ ‫ويرمونَ أبوابهُ‬ ‫ها هُوَ حبْرهُ‬ ‫‪54‬‬


‫وها هيَ سفائنهُ مدعوةً للرحيلِ ساعةً‪،‬‬ ‫وساعةً يقرُّ بها القرارُ‬ ‫هنا مستقرٌّ‬ ‫ال قرار لهُ‬ ‫أو‬ ‫ال فرار لهُ‬ ‫هُوَ ذا حالهُ‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫إذْ ملْ يوصِ سيّدةَ احلالِ أن ت ْت َبعهُ‪ ،‬ومل تَرُق له ظنونَ‬ ‫حسُ ْن لهُ الصربُ سريورَتهُ‪ ،‬وملْ يُشْفَ بهِ‬ ‫الفرائصِ ‪ ،‬ومل يُ ْ‬ ‫َأَلمٌ‪ ،‬ومل تسْب ْق لهُ الريحُ هبوبها‪ ،‬ومل ميْكثْ به اللَ ْبثُ‬ ‫حلظاً‪ ،‬ومل يُ ْوِلم به القمرُ ضوءاً‪ ،‬ومل تَصْدُقهُ نبؤاتُ‬ ‫الوصايةِ‪ ،‬ومل يصادرْ ماءَ حالتهِ‪ ،‬ومل تَعِظْ الطرائقَ‬ ‫أغنياتُها‪ ،‬وملْ تُفِقْ بني جوانبهِ سكرةُ األمسياتِ‬ ‫إذْ يُفنّدُ جبهةَ الليلِ‪ ،‬واحلبائلُ أغنياتُ العتمةِ‪ ،‬والعشّاقُ يف‬ ‫مراكبِ األجسادِ‪ ،‬والرطوبةُ سعفُ املنازلِ‪َ ،‬واحلدائقُ‬ ‫فرْحةُ الصمتِ وماءُ األرخبيلِ و ساحلُ احلبِّ‬ ‫‪55‬‬


‫(‪)4‬‬ ‫الريبةُ فوقَ اجلبلِ‬ ‫الريبةُ أسفلُ‬ ‫الريبةُ أوّلُ‬ ‫الريبةُ آخرُ‬ ‫الريبةُ ربيعُ الوقتِ وفتْنَتهُ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫وقوفاً‬ ‫مشسُ روحهِ تُلقي أسبابها‬ ‫والغيومُ األليفةُ تغادرُ أمطارها‬ ‫والسماءُ سقفٌ من حضورٍ وغيابٍ‬ ‫السماءُ فضّةٌ‬ ‫والنحاسُ قلمٌ‬ ‫وقلبهُ طريُ نهارٍ محيم ‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫أخرياً‬ ‫مثّةَ منْ يرْنو إليكَ‬ ‫وأنتَ تُبَسْملُ الطريقَ‬ ‫وعلى حافّةِ قهْقهةٍ ترِنُّ‬ ‫أصداؤُكَ موجُ اليدِ‬ ‫وشاطئكَ اخلطى‬ ‫تهربُ منْ مياهكَ األوىل‬ ‫وجتزعُ يف النَفَسِ الالحقِ‬ ‫كاختالجاتِ الصبحِ‬ ‫أو كفوّهاتِ املديح ِ‬ ‫‪57‬‬


‫كأَنْ يقْرَؤُكَ العمرُ‬ ‫أو يقولكَ الوطنُ‬ ‫هلْ تَطْرَأُ الشهواتُ ؟‬ ‫وهلْ تسْتَفزُّ الطرائقُ ؟‬ ‫ردْحاً حيْياكَ الليلُ‬ ‫ويغالبكَ املدُّ‬ ‫وعلى طلَلِ الصمتِ‬ ‫ورطوبةِ القدومِ‬ ‫تصنعُ أوتاراً‬ ‫فتنهضُ األغنياتُ‬ ‫وتُؤطِّرُ الروحَ‬ ‫وردةً منْ كالم ‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫حيدثُ أنْ تَستَفِزِّكَ هذهِ الغرفةُ‬ ‫اليت قَطِنَتْكَ حديثاً‬ ‫حيدثُ أن ترمي إليكَ شعراءَها‬ ‫األحياءَ واملوتى‬ ‫حيدثُ أنْ تلْقَفَ فيها قصائدكَ املُمَزّق َة‬ ‫أو النائمةَ بنيَ األغلفة‬ ‫حيدثُ أنْ يرتقيكَ سُلَّمُها‬ ‫حيدثُ أن تسعى بكَ طرائقُها‬ ‫‪59‬‬


‫حيدثُ أنْ تَلِجَّ بكَ األمورَ وتفضي أحاديثَها‬ ‫حيدثُ أن تتبادال سلّةَ الروحِ واألشعارَ والقاطننيَ‬ ‫واملختلفةَ قلوبهم والغرقى‬ ‫حيدثُ أنْ متتطيكما كتبُ الصمتِ وأرْففُ احلضورِ‬ ‫وأفكارُ التشرّد وأحالمُ اليقظة‬ ‫حيدُثُ أن تولدا معاً‬ ‫وحيدث أن متوتا معا‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫إىل علي بن عبد اهلل آل إمساعيل‬

‫أبداً‬ ‫ملْ يغادرنا‬ ‫مُذْ غادَرَتْنا طقوسُهُ‬ ‫ملَّ طفولَتنا يف عصاهُ‬ ‫كانَ يَسْتَقْرِؤُنا واحداً واحداً‬ ‫والويلُ ملنْ خيطئُ أو يرتجرجُ أو يصمتُ‬ ‫كانتْ تلوحُ‬ ‫أو كانت تسقطُ‬ ‫لكنّها‬ ‫حرفنا األوّلُ‬ ‫أو قُلْ‬ ‫بابنا األوّلُ‬ ‫‪61‬‬


‫وأمسُ‬ ‫أمسُ فقط‬ ‫كانَ النبأُ‬ ‫ال يسقطُ هذا الرجلُ من أجندتنا‬ ‫ال تزامحهُ أشياؤنا‬ ‫ال تُغَيّبُهُ املسافةُ‬ ‫ال يبْعدهُ املوتُ‬ ‫ال زلْنا نستظلُّ سريعَ كلماتهِ‬ ‫وال زالَ حثيثاً يكاتبُ فينا حرْفهُ وعصاهُ‬ ‫واملَدَّةُ‬

‫*‬

‫إذْ يُصيْغها‬ ‫يلْقَفُ يف أطرافها صغارَ قريةٍ‬ ‫يبْسطونَ قراءاتهم‬ ‫ويبْسطُ هو مسعهُ وذاكرةً ال ختطئُ‬ ‫منْ جيرأُ منّا أنْ يغادرهُ ؟!‬ ‫منْ جيرأُ أنْ يغادرَ قرآنهُ ؟!‬ ‫* املَدّة‪ ،‬هي ما يطلقهُ أهل البحرين على حُصُرٍ تُصنع من أعواد نباتية‬ ‫خاصة‪ ،‬وكان املرحوم مُعَلِّم قرآنٍ يعملُ يف صناعة هذه النوع من احلُصرِ‬ ‫اليت تكاد أن تندثر حالياً‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫يف هذا املسِّ‬ ‫أرتديكِ‬ ‫صباحاً‬ ‫ومساءً‬ ‫وكلّ ظهريةٍ‬ ‫وأرتقي جانبكِ‬ ‫أخلعُ الظلَّ‬ ‫ألبسُ جداركِ‬ ‫وأذرُعُ املاءَ‬ ‫وأُكْمِلُ الشجر‬ ‫كأنّي هبوب العمرِ‬ ‫‪63‬‬


‫كأنّي مهرجانُ اجلذورِ‬ ‫وكأني غمامُ مطر‬ ‫مخسةَ عشرَ عاماً‬ ‫وأنا أُنازعكِ الوقتَ‬ ‫والقيظَ‬ ‫والسقيَ‬ ‫والعرَقَ‬ ‫وَتَذْرُوْني الرياحُ كالماً‬ ‫ويذروني الكالمُ ورقاً‬ ‫وتذروني األوراقُ خُضْرةً‬ ‫وأسقُطُ يف بهْوكِ‬ ‫لوناً‬ ‫أو رحيقاً‬ ‫أو بهجةً للشفق‬ ‫ومًذْ غادَرَتْكِ العصافريُ‬ ‫ال يهدأُ الصمتُ‬

‫‪64‬‬


‫ومذْ أفْرَغْتِ روحي‬ ‫ال دبيبَ إالّ اللّبْثِ‬ ‫وال لغْوَ‬ ‫إالّ الصفْوِ والغمسِ‬ ‫واجتنابِ الطرائقِ‬ ‫وإذْ‬ ‫أُغُنَّيكِ‬ ‫باملاءِ‬ ‫والغمامِ‬ ‫تقدحنيَ العُمْ َر‬ ‫وتشربني َ‬ ‫من طَرَيف‬ ‫أو‬ ‫منْ إنائي‬ ‫وحنيَ‬ ‫أُحاذيكِ‬ ‫فأنتِ‬ ‫‪65‬‬


‫تستظلّنيَ صباحي‬ ‫والفجرُ‬ ‫يُذَرْذِرُ‬ ‫الضوءَ‬ ‫ويَنْثُرُ‬ ‫الزهوَ‬ ‫والفصولَ‬ ‫والعاصفة‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫طَرْقٌ يف البابِ‬ ‫طَرْقٌ يف القلبِ‬ ‫طَرْقٌ يف الطرقاتِ‬ ‫طَرْقٌ يف الندواتِ‬ ‫طَرْقٌ يف اجلدرانِ‬ ‫طَرْقٌ يف كلِّ مكان‬ ‫طَرْقٌ يف األمساءِ‬ ‫طَرْقٌ يف األحياءِ‬ ‫‪67‬‬


‫طَرْقٌ يف األموات‬ ‫طَرْقٌ ‪ ..‬طَرْقٌ‬ ‫طَرْقٌ ‪ ..‬طَرْقٌ‬

‫وأنا أطْرِقُ هذي الورقةْ‬ ‫‪.................‬‬ ‫‪.................‬‬ ‫ما مِنْ أَحَدٍ يَسْمَعْ‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫إىل أمحد املناعي‬

‫سكرةُ الروحِ تُشعلُ أوردةَ الطاول ْة‬ ‫نشوةُ الصمتِ توقدُ ذهنكَ فينا‬ ‫وأنتَ محيمُ النهارِ‬ ‫وأنتَ شِباكُ املساءِ‬ ‫وأنتَ صديقُ الكتبْ‬ ‫وكأنَّا‬ ‫نبحثُ اآلنَ عنّا‬ ‫حيثُ ال نرتضي نكهةً‬ ‫حيثُ ال تتداولكَ األغنيةْ‬

‫‪69‬‬


‫وكأنّا‬ ‫يف رواقِ الكالمْ‬ ‫تبعدُ اآلنَ فينا‬ ‫وتكاتبُ نافذةَ األسئلةْ‬ ‫أَهُوَ احلرفُ يف رسْمِهِ؟‬ ‫أَهُوَ الشكلُ يف روحهِ؟‬ ‫أمْ هُوَ اخلطُّ يف غيمةٍ مثقلةْ؟ ‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫العَشِيَّةَ‬ ‫لنْ تغْمِرنا الرطوبةُ‬ ‫ولنْ نكتشفَ‬ ‫قطراتِ املاءِ‬ ‫يف مساءاتِ جلودنا‬ ‫ولنْ جنادلَ اخلارجَ‬ ‫ولنْ نتشابهَ والعرباتِ الغارقة‬ ‫بلْ‬ ‫سنهدي أجسادَنا للمكيِّفاتِ‬ ‫ونقتعِدُ أنفاسَنا‬ ‫ونرشُّ املكانَ ظلّنا‬ ‫‪.....‬‬ ‫‪71‬‬


‫‪.....‬‬ ‫وهنا‬ ‫ما الذي يستقيمُ ؟‬ ‫أَهُوَ صَحْوُنا‬ ‫أمْ صداهُ‪،‬‬ ‫أم هذا الكالمُ ؟‬ ‫وما الذي يطغى ؟‬ ‫نبتُنا‪،‬‬ ‫أمْ وَجْهُهُ ‪،‬‬ ‫أمْ ما حيكيهُ الظالمُ ؟‬ ‫‪....‬‬ ‫‪....‬‬ ‫ربّما نَمْرُقُ بني أيدينا‬ ‫أو ربّما ندقُّ منازلَ احليِّ‬ ‫أو ربّما تُوَزِّعُنا املداخلُ‬ ‫بني اخلُطى‬ ‫والرُؤى‬ ‫أوْ ربّما نُشْعَلُ‬ ‫‪72‬‬


‫غيوماً‬ ‫أو روائحَ‬ ‫‪.....‬‬ ‫‪....‬‬ ‫أو‬ ‫ربّما أيضا‬ ‫نسقطُ‬ ‫قيظاً‬ ‫هنا ‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫أبداً‬ ‫لنْ أَصَلَ منْ حمطاتٍ ال تشبهين‬ ‫بلْ‬ ‫سأُغادرُ موقعَ األمسِ‪،‬‬ ‫وسأظلُّ‬ ‫أميناً للظاللِ اليت تلزمين‪،‬‬ ‫شاحذاً رأسي‪،‬‬ ‫مُكْتَظًّا بالعَصَبِ‬ ‫سأمكثُ حمصوراً باحلالِ‪،‬‬ ‫مُتَّقِداً يف الضُرورةِ‬ ‫وسأُشْعلها جِهَةً تصلُ‬ ‫‪74‬‬


‫وحاضرًا‬ ‫أسحبُ غيمةً‪،‬‬ ‫وأهْطلُ رذاذَ لفظٍ‬ ‫تَصْحبين فوضى املاءِ‬ ‫وفضاءُ العشْبِ‪،‬‬ ‫ومتغيِّرُ الرِفْقَةِ‬ ‫وبالبداهةِ‬ ‫سأظلُّ أميناً للجوانبِ‬ ‫إنْ شِئْتُم سَبْقَ الُحُجراتِ‪،‬‬ ‫أو شِئْتُم أرائكَ النومِ‪،‬‬ ‫فَلْتَخْلُدوا‪ ،‬كنومِ يدي‬ ‫وإنْ اقْتَعَدْمت فرائصَ العمرِ‬ ‫يف ثوبِ اللحظةِ‪،‬‬ ‫فلتُدَوِّنوا وحدتي‬

‫‪75‬‬


‫وبالسهولةِ‬ ‫لن أتدبَّرَ عِظاتي‪،‬‬ ‫وبالسهولةِ‬ ‫لن أستسهلَ نَبْشَ األمساءِ‪،‬‬ ‫وسأُالزمُ حجابَ األفقِ‬ ‫وكيْ ال تعرجَ وردةُ روحي سالملَ الليلِ‪،‬‬ ‫تسقطُ الرائحةُ يف منتجعِ الشمِّ‪،‬‬ ‫ٍّ باألشواقِ‬ ‫كأني غري مكتظ‬ ‫وصوتِ البسطاءِ‪،‬‬ ‫وسأظلُّ وفيّاً لوحدتي‪،‬‬ ‫وسأظلُّ آتيكِ من مكانٍ أرتقي إليهِ‬ ‫كأنّي ملَكُ الصعودِ‬ ‫وأحندر إليهِ‬ ‫كأنّي ملَكُ االحندارِ‬

‫‪76‬‬


‫أحاصركِ باليُتْمِ‪ ،‬مُتَيَقّناً صلواتي‪،‬‬ ‫وموقظاً أحاسيسَ الضياءِ‪ ،‬موسوراً‬ ‫باألغنياتِ‪ ،‬مكتوباً بالشقاواتِ‪،‬‬ ‫وخمتوماً جبناحِ اإليابِ‬ ‫سأُصْلحُ ما تبقّى‪،‬‬ ‫وأهدُّ زُرقةَ الكالمِ‪،‬‬ ‫ولنْ جتديَ السواحلُ أو رأْفَةُ البحرِ‪،‬‬ ‫بلْ سأقتفي أثرَ املوج يف أطرايف‪،‬‬ ‫قطْرةً قطْرَةْ‪...‬‬ ‫وبالقَطْعِ‪،‬‬ ‫عندما حتاوِلُين األيّامُ‬ ‫سأُمُسِّيكِ حافّةً تصطافُ يف لَبْثي‬ ‫وسأَمجعُ شتالتَ دخولي أزهاراً خلروجكِ‬ ‫وبالظنِّ‪،‬‬ ‫سأخيّبُ عاملَاً قائظاُ‪،‬‬ ‫وسأُجْمِلُ ما تبقّى من ْ خنالتٍ‬ ‫‪77‬‬


‫وأُكَوِّمها مجْراً لنهاركِ‬ ‫تُرى هل تُسْعفين األبوابُ‪ ،‬أمْ‬ ‫تتداعى النوافذُ يف رقِّةِ التكسّرِ‪،‬‬ ‫أمْ تتألّقُ اجلدران ُ فَتَنْهَمرُ؟‬ ‫وبِمَقْصدي‪،‬‬ ‫لن أُحيطُكِ بُعْداً‪،‬‬ ‫ولنْ أستصغرَ فيكِ األصابعَ‪،‬‬ ‫ولنْ أتوجّسَ خَيْبةً‬ ‫بلْ سأنصبُ حبائلَ اللغةِ‬ ‫وأقطفكِ‬ ‫صورةً‬ ‫صورة ‪.‬‬

‫‪78‬‬


‫غصنٌ‬ ‫يتدلّى مِنْ رأسي‬ ‫حتى هذه الورقة‬ ‫أحياناً‬ ‫يسدلُ لي نُصْحاً‬ ‫وأحياناً‬ ‫يرميين بأوراقِ الساعة‬ ‫يتدلّى مِنْ جسدي‬ ‫وأنا أُهَرْوِلُ يف أرْوِقَةِ اهلواءِ‬ ‫كأنيّ قَلَقٌ‬ ‫ال يستقرًّ لي سقوطٌ‬ ‫وال حالٌ من األفقِ‬ ‫‪79‬‬


‫وكأنَّ قوافلَ األمرِ‬ ‫تسريُ على هامشِ الرجفةِ‬ ‫ويف نوازعِ الصورةِ‬ ‫ويف جحيم اللحظةِ‬ ‫ال تلبثُ أن تُنْبِتُين هذه القصيدة ‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫كأنّي أكابُدُ يوماً يُكاتبين ليلُهُ‬ ‫كأنّي أُفَخِّخُ وضْعاً يُصادقين فجرُهُ‬ ‫فتنْدى القراءاتُ‬ ‫تندى الصالةُ‬ ‫ويندى النشيدُ‬ ‫ويُهْدي الطريقُ الصباح‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫هذا القلمُ‬ ‫ال تكادُ أصابعكَ تفارقهُ‬ ‫خوفَ أنْ تهزمكَ القصيدةُ‬ ‫بنيَ أفكار ٍ تطاردكَ يف املمشى‪،‬‬ ‫ومشاعرَ تبخسكَ حقَّكَ يف االصطياد‬ ‫حنيَ تقودُ الشمسُ غروبهَا‪،‬‬ ‫فقْرَتكَ املرتاميةُ اهلوامش يف الرواقِ األخريِ‬ ‫تُهْديكَ شفقاً مِنْ نهارٍ مُ ْتعبٍ‪،‬‬ ‫أو مِنْ عابر ِيوم ٍ قائظ‬

‫‪82‬‬


‫وبنيَ أن تقولَ الشمسُ غروبَها‪،‬‬ ‫وتفتديكَ األمسياتُ يف نهرِ الكتاب ِة‬ ‫صادَرْتَ نومَكَ يف فائتِ الليالي‬ ‫وارْتَضَيْتَ جناحَ اجللسةِ الشائكة‬ ‫أشْكَلْتَ حاضرَ القلبِ‬ ‫وهَفَتْ إليكَ قراطيسُ مِنْ قلقٍ‬ ‫وامتدحَتْكَ األغنياتُ يف مرمى الشفاهِ املرتقاةِ‬ ‫وللعِلمِ‪،‬‬ ‫فإنَّ نهاركَ مرتوكٌ للنهْبِ وللسلْبِ وللشهوةِ‬ ‫وللنومِ وللباعةِ وللمشاويرِ الزائفة‬ ‫قدْ تدْخلكَ القصصُ واإلشاعاتُ‪ ،‬والقصائدُ‬ ‫واألساطريُ‪ ،‬وأخبارُ احملطّاتِ‪ ،‬ومومياوات‬ ‫الكالمِ‪ ،‬وأمراءُ البالغةِ‪ ،‬وساسةُ الكتبِ‪،‬‬ ‫وأمطارُ اهلزمية‬ ‫فقط‪،‬‬ ‫لن يصْعبَ عليكَ أن ترْميهم سلّةً منْ حروفٍ‪ ،‬وأنْ‬ ‫متتهنَ حرفةَ القتلِ على الورقِ‪،‬‬ ‫أو على األقلِّ أنْ تغتابهم‪ ،‬وأنْ تُشْعِلَ الضمائرَ‪،‬‬ ‫وأنْ تُعلنَ نفسكَ واحداً‬ ‫‪83‬‬


‫وأنْ تُسايرَ صبَواتكَ‪،‬‬ ‫وأنْ تقتدي روائحَ الرغبة‬ ‫فقط‪،‬‬ ‫قِفْ على قارعةِ السطرِ‪،‬‬ ‫وارتَض ِمشهداً‪،‬لتطلَّ مِنْ حولكَ على ساحل ٍ‬ ‫يطفو بعشّاق ٍ‪ ،‬يشغبونَ اجملازفةَ وركوبَ احلبْرِ‬ ‫وامتشاقَ اجلسد‬ ‫الرغباتُ سامرةٌ‬ ‫والطرقاتُ موصدةٌ‬ ‫ومحلةٌ منْ بذار الصربِ‪،‬‬ ‫تُقفلُ املعنى‪ ،‬وتُكُوّمُ أفواهَ املساءِ‪،‬‬ ‫وتشطحُ يف الصمتِ‬ ‫ترمي أعناقَ الكلماتِ‬ ‫بِنَحْوٍ‬ ‫ال زالَ يرافقنا‬ ‫وكأنّه ُظِلُّنا على الورقِ‬ ‫وكأنَّهُ خطواتنا الراقصة ‪.‬‬

‫‪84‬‬


‫شفٌّ‬ ‫للرأْفَةِ‬ ‫أمْ شفٌّ‬ ‫لإلصطيادِ؟‬ ‫هَُوَ ذا الظُهْرُ‬ ‫دافئاً ونقياً وصرحياً‬ ‫يُجَرْجِرُ دابَّةَ الوقتِ‬ ‫يرتقي املكانَ‬ ‫يُجَفِّفُ راحةَ اللحظةِ‬

‫‪85‬‬


‫وشْوَشَةٌ منْ خطاكَ تدْنو‪،‬‬ ‫وصَبٌّ يذَرْذِرُ حزنَ النهار‬ ‫صَفْوَةٌ تصطفي القولَ‪،‬‬ ‫وبصريتكَ غابةُ وَجْدٍ‬ ‫أو خلْوَةٌ مِنْ فناءِ الظلِّ‪،‬‬ ‫حتتسيكَ صورةُ املاءِ‬ ‫أو تَعْلَقُكَ الرَقْرَقَة‬ ‫آنِيةٌ‬ ‫ترشحُ الطرائقَ والعالئقَ‪،‬‬ ‫ولغْوَ السكينةِ‬ ‫وتُسمّيكَ هَدْهَدَةً‬ ‫وتُسمّيكَ مساماتِ وَرَق‬ ‫خَطْرَةٌ‬ ‫تُحاذيكَ‬ ‫عِزَّ اهلَدْأَةِ‬ ‫وتَنَمُّلَ اجلسدِ‬ ‫‪86‬‬


‫الكُلُّ أَخْرَسُ‬ ‫سوى املكيفاتِ‬ ‫وهسيسِ الروحِ‬ ‫ووبلْلِ القلم‬ ‫طريٌّ وقريبٌ وشقيقٌ‬ ‫وكأَنَّكَ وادٍ مِنْ غفوةٍ‬ ‫أو كأَنَّكَ حزمةٌ من طفولةٍ‬ ‫أو كأَنَّ أمْرَكَ انسكابُ عُمْرٍ طفيف‬ ‫أَرَقُّ منْ وصْلٍ‬ ‫وأَدَقُّ مِنْ غيمٍ‬ ‫تسَّاقطُ حافّةً‬ ‫تسَّاقطُ وهْدَةً‬ ‫تسَّاقطُ على أرائكَ مِنْ نومٍ يتكسَّر‬ ‫سأَجْعَلُكَ تَمْخُرُ عبابَ أناملي‪،‬‬ ‫وساُغْلِقُ عليكَ جفوني‪،‬‬ ‫وسَاُهْديكَ روحي على مرأًى من الطراوةِ‬ ‫‪87‬‬


‫تتقاطرُ القشعريرةُ‪،‬‬ ‫وتَدُبُّ اجلُنُباتُ‪،‬‬ ‫وليسَ منْ أحَدٍ يُقْلِعُ‪،‬‬ ‫وليسَ مِنْ أحدٍ‬ ‫يصْحبُ احلننيَ‬ ‫يُوْدِعُهُ رِفْقَةً‬ ‫أو يقْصدُ بهِ قريةً نائية‬ ‫أخْلُدُ فيكَ‬ ‫حدَّ الشهقةِ‬ ‫أَخْلُدُ فيكَ‬ ‫حدَّ اجلوانح‬ ‫ولِيْ ختومُ الروحِ‬ ‫ولِيْ باقةُ الشهادةِ‬ ‫وليْ ثَمْلُ الصبابةِ‪،‬‬ ‫وطفْوُ النخلِ‬ ‫ونوباتُ االشتعال‬

‫‪88‬‬


‫وعَظْماً‬ ‫عَظْماً‬ ‫أَنْحَلُّ‬ ‫أرْفَعُ مِنْ أَننيٍ‬ ‫وأشقى مِنْ نظرةٍ عاطلة‬ ‫وحُضْناً‬ ‫حُضْناً‬ ‫أُكَدِّسُ‬ ‫شغفَ األلْفةِ‬ ‫ورَقاً‬ ‫يف كتابِ االنتظار‬ ‫وطَوْراً‬ ‫طَوْراً‬ ‫أرتقيكَ حدَّ التُخمةِ‬ ‫وحدّ شقاوةِ اللفظِ‬ ‫وحدّ مراتبِ اجلمجمة‬ ‫‪89‬‬


‫وشفيفاً‬ ‫شفيفاً‬ ‫ينْسَلُّ وَطَرُ الصمتِ‬ ‫يُغادِرُ‬ ‫وتُغادرُ القصيدة ‪.‬‬

‫‪90‬‬


‫لعلّهُ البحرُ‬ ‫لعلّهُ سواحلُ األطرافِ‬ ‫لعلّهُ موجةُ الرملِ يف رواقِ الليلِ‬ ‫لعلّهُ رائحةُ الدَفْقِ ‪.‬‬

‫كَمَنْ يَمْسَسْهُ شيطانُ النخلِ‬ ‫كَمَنْ يلْعَقَهُ القطافُ يف الصيفِ‬ ‫أرْقُبُ الشهرَ‬ ‫وأرْقبُ نافذةَ العِذْقِ ‪.‬‬ ‫‪91‬‬


‫يعلوكَ بياضُها‬ ‫والشوارعُ دفْقُ عجالتٍ‬ ‫واحلرارةُ أوّلُ فصْلها‬ ‫وماءُ الدفْءِ يرتقيكَ‬ ‫واهلدوءُ املواربُ خلفَ األخبا ِر‬ ‫وخلْفَ أومسة العسكرِ‬ ‫يرْقبُ فيكَ البيتَ‬ ‫ك‬ ‫ويتياسرُ َ‬ ‫ك‬ ‫ويتيامنُ َ‬ ‫ك‬ ‫كأَنّ الوضوحَ حضورُ َ‬ ‫والسماءَ سقيفتُكَ القريبة‬

‫‪92‬‬


‫متّرُ عيناكَ‬ ‫والرُؤى صَبابةٌ‬ ‫ونسيمكَ صمتُ الغبار‬ ‫املشهدُ حادٌ‬ ‫والزوايا قاطعةٌ‬ ‫والصورةُ مُشْمسةٌ‬ ‫أهيَ العمْرُ يف مهبطِ متوز؟‬ ‫أهيَ الشفُّ يف حرائقِ النهارِ؟‬ ‫أهيَ األَمامُ الشقيُّ؟‬ ‫أهيَ الوصلةُ البوصلة ؟ ‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫كيفَ تَبْدَأُكَ الساعةُ ؟‬ ‫أمِنَ السادسةِ ؟‬ ‫أمِنَ الوقفةِ ؟‬ ‫أمْ مِنَ األُفقِ املسْتَفَزِّ على اجلهةِ الغاربة ؟‬ ‫كيفَ تُنْهيكَ عقاربُ يف دائرةٍ !!‬ ‫كيفَ حتكيكَ دقّاتُها !!‬ ‫كيفَ تُمْلِيكَ فقرةً !!‬ ‫قدْ تُراكِمُ فيكَ حمطّتها‬ ‫قد يُشاغلكُ طَرْقُها‬ ‫قدْ يُناولكَ الغرفَةَ‬ ‫‪94‬‬


‫قد يرتاكمُ فيكَ جدارُها‬ ‫‪...............‬‬ ‫‪...............‬‬ ‫أحدٌ ال ميدُّ سواحلهُ !!‬ ‫أحدٌ ال يصِلُكَ العشيّة !! ‪.‬‬

‫قمرُ الوحدةِ يف يديكَ‪،‬‬ ‫مطرُ الليلِ يغسلُ روحكَ‪،‬‬ ‫والنجمةُ نافذتكَ األخرية‬ ‫سحائبُ القلبِ زرقتكَ‬ ‫والقطراتُ شواطئ ُيومكَ‬ ‫واجلُنُباتُ حمطّتكَ العائمة ‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫ما إنْ حيُطُّ صبْرُكَ‬ ‫حتى تعلمَ أنَّ اجلهاتَ بوّابةُ احلضورِ‬ ‫وأنَّ الريحَ شكلُ كتابٍ مفتوح‬ ‫ما إنْ تعْزمُ القُعودَ‬ ‫حتّى يهجسَ الرحيلُ خرائطهُ‬ ‫ويبسطَ مدائنَ السفر‬ ‫ما إنْ يعْلقُ الطريُ‬ ‫حتّى تفْردَ الشجريةُ أغصانها‬ ‫وتسقطُ‬ ‫أغْنيةً‬ ‫‪96‬‬


‫للظلِّ‬ ‫واجلدار‬ ‫ما إنْ تصطفيكَ الشمسُ بزوغاً‬ ‫حتى يهرعَ بني يديكَ الفجرُ‬ ‫وينثُرَ احلقائبَ والنهار‬ ‫ما عليكَ سوى أنْ تغامرَ بالوحدةِ والنعاسِ‪،‬‬ ‫وتُقْلعُ فيكَ مياهُ الصُبحِ‪ ،‬وأنْ تشْدو السفائنَ‪،‬‬ ‫ممهورةً يداكَ بالطلِّ‪ ،‬وبالقوّةِ‪،‬‬ ‫كأَنَّ خريراً يقامسكَ الشقاوةَ‪،‬‬ ‫وكأنَّ األوراقَ آيَةُ الرحلةِ ‪،‬‬ ‫وكأنَّ األخضرَ مساءُ الشرفات الغائمة‬ ‫يهطلُ فيكَ الكالمُ‬ ‫تنسجُ الساحةُ أطفالَها‬ ‫وتئنُّ قراكَ يف زهْركَ‬ ‫والوردةُ تسّاقطُ يف أُذنِ اخلريفِ‬ ‫‪97‬‬


‫مُقفرةٌ صباباتكَ‬ ‫إالّ مِنْ هاتيكَ اجلوالتِ‬ ‫ومنْ صبايا يُمْطِرْنَ خللَ العمرِ‬ ‫ومنْ فراغاتٍ ال متوت ‪.‬‬

‫هُمُ هُمُ‬ ‫أنتَ أنتَ‬ ‫لنْ يُلْبسوكَ غريَ خريفهم‬ ‫ولنْ تَلْبسَ غري ربيعك ‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫أمحلُ مِنْ أوتارِ النهارِ صِبْ َي ًة‪ ،‬يهْرعونَ للشارعِ‪،‬‬ ‫ال تندى عزميتهم‪ ،‬يطلقونَ وَبْالً ِمنْ حناجرَ‪ ،‬يطلقونَ‬ ‫وحدَتهم‪ ،‬والشمسُ ترسمُ رحيلَها فو َق رؤوسهم ‪ ،‬كأنّها‬ ‫ت البيعِ ويف جُملِ السياسةِ‬ ‫ظلُّهم‪ ،‬والناسُ غارقةٌ يف شعارا ِ‬ ‫ِ‬ ‫املرتْفةِ‪ ،‬والعرباتُ سِراعاً ال تستبقي سؤاالً وال تُجاورُ جواباً‬ ‫هلم‬ ‫وحنْوَ هذا وحنْوَ ذاكَ‪ ،‬الفِتْيَةُ بقمصانهم امللوّنةُ بزْهر‬ ‫الرباءةِ‪ ،‬ال يوقظونَ سوى العسكرِ وال يَصْطَفونَ سوى‬ ‫أخوةٍ ورفاق ٍ‪ ،‬توارُوا قبلَ مُدَّة‬ ‫وحدهمُ وقصاصاتِ الورقِ وباقاتِ التحدّي وقبضاتِ‬ ‫األمل‬ ‫وحدهمُ ‪ ،‬واآلخرونَ بـِزَّتهم جاهزة ‪.‬‬ ‫‪99‬‬


‫جُلُّ الكالمِ‬ ‫سيّدٌ آخرُ النهارِ‬ ‫يطأُ القلبَ‬ ‫والظهريةُ توارتْ خلفَ الظاللِ‬ ‫واهلدْاَةُ تبْرأُ منْ حلظتها‬ ‫يَهِبُ األفقَ‬ ‫شفقاً‪،‬‬ ‫ليوم ٍ‬ ‫يكادُ‬ ‫ال يَطْرأُ ‪.‬‬

‫‪100‬‬


‫ألنّ الليلَ وصيّةُ اجللْسةِ ومطرُ الساعةِ والتباسُ‬ ‫الرذاذِ ووعورةُ احللْكةِ وتسلّقُ الظلمةِ وورشةُ‬ ‫الوحدةِ‬ ‫ألنّ الليلَ وجهُ احلديثِ وقلبُ الكالمِ وجسرُ‬ ‫النشيدِ واصطفافُ اهلواجسِ وحِدّةُ احلرْفِ وخبْطُ‬ ‫الشعرِ‬ ‫ألنَّ الليلَ مادّةُ النهارِ املتساقطةُ آخرَ الوَهْلةِ وخريفُ‬ ‫اللحظِةِ‬ ‫ألنّ الليلَ بوصلةٌ بال جهاتٍ‬ ‫قدْ حياذيكَ‬ ‫وقدْ يلقي إليكَ جوانبهُ‬

‫‪101‬‬


‫ال تلبَ ث أنْ تهديكَ شرائطُ اللحظةِ‬ ‫قرائنَ احللكةِ‬ ‫وتغورُ عميقاً عميقاً‬ ‫لِتَبْ دأَ حلْكةَ يومٍ جديد ‪.‬‬

‫‪102‬‬


‫الصّبا ُح‬ ‫بوّابةُ احلضورِ‬ ‫وفَمُ الكلماتِ‬ ‫مطرُ العمرِ‬ ‫والشجرياتُ املتناثرةُ‬ ‫تزرعُ العصافريَ‬ ‫والصوتُ قلبُ العاملِ‬ ‫والعصافريُ ندى السماواتِ‬ ‫وقطرةُ الدفْءِ سكرةُ اهلدوءِ‬ ‫مُثقلةٌ يدايَ باألمنيا ِ‬ ‫ت‬ ‫ومُثقلٌ قليب بالتَنَزّهِ واخلرائطِ‬ ‫ومثقلٌ موْجي باملاءِ واملطرِ‬ ‫‪103‬‬


‫أغصانُ الغيماتِ شجرٌ‬ ‫وموائدُ الطرقاتِ نبتةُ األفق‬ ‫السطوحُ تنقرُ قاطنيها‬ ‫والعرباتُ تصادرُ أصحابها‬ ‫والطَرْقُ نديّاً‬ ‫تزرعُ حبّاتهُ يومي‬ ‫والوَمْضُ قصيًّا‬ ‫كآخرِ الصورةِ‬ ‫أو كاهلجسِ يف شرفاتِ السقوط‬ ‫املدينةُ تهجرُ مشسَها‬ ‫والنهاراتُ تنثرُ صباحاتها‬ ‫تقْطرُ غياباتِ النومِ‬ ‫وحتاذيُ قليب عمائرُها ودروبُها‬ ‫أوّلُ الطلِّ‬ ‫فتنةُ الزَخِّ وسورةُ اإليابِ‬ ‫وطرائقُ النورِ‬ ‫قبعاتُ الفضّةِ الغائمة ‪.‬‬ ‫‪104‬‬


‫رؤيةٌ من شتاءِ القلبِ‪ ،‬تثْلجُ الكلماتِ‪ ،‬وتُشقي‬ ‫األصابع‪ َ،‬وتُوْملُ درجاتِ احلرارةِ‪ ،‬وتُذَرْذِرُ األجسادَ‪،‬‬ ‫وتشعلُ األفئدة‬ ‫وما منْ طرَفٍ يُجِيْدُ النهارَ ويُسْقطُ الريحَ‪ ،‬وما مِنْ‬ ‫قسوةٍ تغضُّ النظرةَ وتقصُّ جناحَ الغَفوِ‪ ،‬وما مِنْ ليلٍ‬ ‫يتجاسرُ وهذا السَهر‬ ‫جلْجلةُ األشواطِ‪ ،‬وخبْطُ الكالمِ‪ ،‬وهتْكُ اهلسيسِ‪،‬‬ ‫ووشْوشةُ الصُوُرِ املتناثرةِ‪ ،‬وقرائنُ احلمْحمة‬

‫‪105‬‬


‫تِلْكُ آياتٌ‪ ،‬تقْطفها جنومٌ‪ ،‬وتُوْرقُ فيها األبدانُ‪ ،‬وتبْذهلا‬ ‫األطرافُ‪ ،‬وتستحثُّها الشتاءاتُ‪ ،‬وتُلْقي مزاعَمها‬ ‫الرعدةُ الراعشة‬ ‫خطْوٌ هنا‬ ‫أو خطْوٌ هناكَ‬ ‫وليسَ لكَ مِنْ مدفأَةٍ‬ ‫سوى حصادٍ‬ ‫مِنْ مجرِ احلبِّ‬ ‫أو مجراتٍ مِنْ بيانِ اجلسد ‪.‬‬

‫‪106‬‬


‫املساءُ يف اخلارجِ‬ ‫مدينةٌ‬ ‫يتنزَّّهُ فيها القلبُ‬ ‫واجلهاتُ‬ ‫تُحاصرُ الغروبَ‬ ‫وتُلْقي مطرَ الشروقِ‬ ‫وتُدْلِقُ كأسَ الذاكرة‬ ‫مثّةَ عشيّةٌ تطلُّ‬ ‫مثّةَ عشبةٌ تُلقي ظالهلا‬ ‫ومثّةَ حضورٌ يدلفُ الساحةَ‬ ‫ومثّةَ وقتٌ ينمو ليلهُ عند بابي‬ ‫‪107‬‬


‫ومثّةَ مطرٌ على الرخامِ‬ ‫وحدائقُ ماءٍ‬ ‫وتقاليدُ نهارٍ مات‬ ‫صفحةٌ مِنْ قمر ٍ‬ ‫يكتبها الدفْقُ‬ ‫ويكتبها االنتظار‬ ‫مرايا العُتْمةِ تسكبُ نومها‬ ‫والغفوُ شديدُ الغيمِ‬ ‫ودميةُ احللمِ‬ ‫نهرُ اهلَدْأَةِ‬ ‫وتَرَقْرقُ فجْرٍ محيم ‪.‬‬

‫‪108‬‬


‫الشفيفُ يُلْقي بساتنيَ الليلِ ويغادرُ عتمتهُ‪ ،‬واهلمْسُ‬ ‫مصابيحُ القلبِ‪ ،‬والتمْتَماتُ وُرَيقاتُ األجنمِ‪ ،‬والقطراتُ‬ ‫مساءٌ مِنْ ضفافِ اللقطةِ‪ ،‬والريحُ تألفُ هبوبَ األصابعِ‪،‬‬ ‫والقمرُ سقفُ الشتاءِ وجدرانهُ‪ ،‬وعاريةٌ توجياتُ احلبِّ‬ ‫وبراعمهُ‪.‬‬ ‫للنداوةِ صورتُها وللرطوبةِ منازلُها‪ ،‬وللساعةِ قسوةُ‬ ‫الربودةِ‪ ،‬وللحظةِ احتدامُ املطر‬ ‫الليلةُ قارسةٌ والعيدُ شرفةُ الغدِ‪ ،‬والسنةُ تأْلفُ‬ ‫أواخرها‪ ،‬والقادمةُ بابُ الوقتِ ومفاتيحُ الولوج‬ ‫كيفَ يشخصُ القمرُ؟ وكيفُ يرجتلُ األفقُ؟ وكيفَ‬ ‫يرحتلُ الغيمُ؟ وكيفَ يتواطئُ العمرُ وشتاءُ العام‬ ‫و آخرهُ؟‬ ‫‪109‬‬


‫تطريُ األغنياتُ والغمائمُ جوانبها‬ ‫حتطُّ األغنياتُ والشجرياتُ هوامش أجنحةٍ وخبْطُ‬ ‫هواءٍ يتكسّرْ‬ ‫فارغةٌ فقراتِ الليلةِ‬ ‫فارغةٌ فقراتِ العامِ‬ ‫فارغةٌ فقراتِ العيدِ‬ ‫فارغةٌ‬ ‫إالّ مِنْ أمحق ٍ تغْدو خطاهُ قفزةَ حلمٍ من شرفةِ‬ ‫جنونٍ ‪.‬‬

‫‪110‬‬


‫وِجْهةٌ‬ ‫يف أوّلِ النهارِ‬ ‫تُمْطرني الطريقَ‬ ‫وتُفْصحُين اجلُدرانَ‬ ‫وتُلْقِفُين خطايَ‬ ‫تفتحُ موائدَ القلبِ‬ ‫تَلْفظُ شَفَةَ احلديثِ‬ ‫ألْقطُ حجرَ الكالمِ‬ ‫تنْدى فقراتُ املشْيَ ِة‬ ‫كالغالفِ‬ ‫كالزُرْقةِ‬ ‫‪111‬‬


‫العرباتُ تقطرُ أنفاسها‬ ‫احلقائبُ تصحبُ دفاترها‬ ‫والصبايا يهْطُلْنَ كغيماتِ الصباح ‪.‬‬

‫‪112‬‬


‫وتلتفّ لديَّ دروبها‬ ‫ال أفهمُ منها غري طرقاتِ روحي‬ ‫وال أستطلعُ غري تقاطرِ نهاراتها‬ ‫وال أهجسُ سوى دمي‬ ‫وال أملُّ غري مطرِ احلجارةِ‪ ،‬وغري طراوةِ الرتابِ‪ ،‬ونداوةِ‬ ‫اجلدار‪ ،‬ووشْوشةِ النوافذِ‪ ،‬وسقْطةِ السعفِ يف فضاء‬ ‫النخيلِ‪ ،‬وتَناولِ العصافري هلذا الطريانِ‪ ،‬ومحامةِ‬ ‫األصدقاءِ‪ ،‬وشقاوةِ املتاجرِ‪ ،‬وثرثرةِ العمائرِ‪ ،‬ودفْقِ‬ ‫العرباتِ‬ ‫كما لو أنّي‪ ،‬ال أعْبُرُ فيها غري جسدي‪ ،‬وغري جوانبَ‬ ‫الريحِ‪ ،‬وغري هذا التناثرِ‬

‫‪113‬‬


‫كما لو أنّي‪ ،‬ال أبتغي ذاتَ اللحظةِ‪ ،‬أن تغمرني منها‬ ‫مساءٌ منْ صيفيٍ ومنْ شتائي‬ ‫كما لو أنّها ألَقُ النهارِ‬ ‫كما لو أنّها غمامةُ قليب‬ ‫كما لو أنّها املنامة ‪.‬‬

‫‪114‬‬


‫كما لو أنّ النهار َالغائمَ يُلقي متائمهُ على جس ٍد مُتْعبٍ يف‬ ‫ساقنيِ منْ مَشْيٍ‪ ،‬وينثرُ بذار العاملِ يف قدمنيِ تضخّانِ‬ ‫ت للقلبِ والروحِ‪ ،‬ويُ ْرخي‬ ‫الرغبات والرياضةَ ورَهْوَ العضال ِ‬ ‫نقائضهُ على كراسي املمرّاتِ‪ ،‬ويزهرُ أفئدةَ الساحل‬ ‫اجملاورِ واملتآكلِ منْ صداقةِ الردمِ ومكائن الرملِ‬ ‫كما لو أنّ الغروبَ يصادفُ أقنعةَ السحابِ على مرأَى‬ ‫مِنْ عمائرَ‪ ،‬ال يصحبها رهجُ العشّاقِ أو لَهْوُ املستثمرينَ‬ ‫أو حدقةُ املالِ‬ ‫فقط ‪ ،‬لو أنّكَ أعَدْتَ صحْوَ التوازنِ ومطرَ الدقائقَ‪،‬‬ ‫ألبْقَتْكَ األحوالُ بقعةً مِنْ عزلةٍ ال تنام‬ ‫‪115‬‬


‫فقط‪ ،‬للمّارةِ هذا الكَمُّ منْ اللحمِ البشري‪ ،‬ولي‬ ‫حاجةٌ مِنْ سالملِ الوحدةِ ومنْ مُربّعِ األمنِ وطمأنينةِ‬ ‫الساقِ وراحةِ اليدينِ وكفِّ الشجر‬ ‫فقط‪ ،‬نعاهدُ غدَنا أنْ يعاودنا ونتزاورَ كاملطر‬ ‫وعلى بضْعةِ أشواق ٍ‪ ،‬يُكملُ شرقُ املدينةِ غربَها‪ ،‬وال‬ ‫نُلْقي مِنْ أرْدِيَتنا سوى طرائفِ النهارِ أو رعشةِ الغروبِ‬ ‫أو فسحةِ األفقِ‪ ،‬وللعرباتِ شأنُها يف اصطفافٍ اليغادرُ‬ ‫أصحابَهُ وال يضاهي فعْلَتَهُ‪ ،‬سوى ماءِ الغسيلِ وأوانيهِ‬ ‫وأغرابهِ ‪ .‬وقريباً منّا‪،‬النوارسُ تأْلَفُ عَوْمَ الطرقاتِ يف‬ ‫املدينةِ وصورةَ البحر يف الزجاجِ ورَشْفةَ السماء ‪.‬‬

‫‪116‬‬


‫كمِثْلِ هذه احلالةِ‬ ‫يشغلُ القلبُ جهاتَهُ‬ ‫ميتهنُ موسيقاهُ يف الورقِ‬ ‫وعلى املرأَى‪ ،‬كلماتٌ مُلْقاةٌ بني أطراف األصابعِ‬ ‫ويف السمعِ‪ ،‬يتقاطرُ املاء ُاملغادرُ‬ ‫واستوْطَنَتْ يُسْراهُ‪ ،‬حشودٌ من كتبِ الشعرِ‬ ‫ويُمْناهُ مغلولةٌ‪ ،‬سوى من هذا الدفْ ِق‬ ‫حيدّقُ يف سقفِ األمرِ‬ ‫جدرانهُ دون نوافذَ‬ ‫أو أمَدٍ‬ ‫أو خريفٍ من هَبّات ٍ‬ ‫أو قواعد لبيتٍ من ذاكرةٍ‬ ‫‪117‬‬


‫يصفحُ ليلهُ‬ ‫وجنومهُ غرقى سطورهِ‬ ‫واهلشيمُ حبرٌ يتكسرُّ‬ ‫والسفائنُ جانبها الطَفْوُ‬ ‫والسفائنُ جانبها اجلَنْبُ ‪.‬‬

‫‪118‬‬


‫كأنّها واجهةٌ لنهار ٍ يقومُ‬ ‫كأنها مساءٌ لدروبٍ تتجدّدُ‬ ‫كأنها سحائبُ غيم ٍ ينشرُ ظِالًّ‬ ‫وكأنّ الرتائبَ تشربُ من عصافريها‬ ‫وكأنّ الصداقات صبايا طفولتها وتفاصيل‬ ‫أعناقها‬ ‫وكأنّ اجلفافَ ملْ يالزمها‬ ‫تستقيم ُ فيها األغنياتُ واألحداثُ والعشّاقُ‬ ‫وتفضحُ هذهِ الفضاءات أسرارَها‬ ‫جتْفلُ فيها الرجالُ‬ ‫وتلقي عزائمَها‬ ‫‪119‬‬


‫خريراً من أفق ٍ مشطور ٍ‬ ‫تتناولُ والليلُ ‪ ،‬النجومَ وحكايات الصمتِ‬ ‫وتُقْفلُ املواضعَ املتساقطةِ‬ ‫وتفتح والئم الصمودِ‬ ‫تقْشعرُّ فيها الروحُ وماءُ الكتاب ِة‬ ‫ويُوهَنُ فيها اجلسدُ وجبلُ احلروف ‪.‬‬

‫‪120‬‬


‫حشْدٌ من ظالل ٍ ترسمُ جدرانَ الكلمات‬ ‫مجْعٌ من بصيصِ ضوءٍ يتسلّقُ اجلنباتَ وسالمل األجساد‬ ‫ومصابيحُ أَرْخَتْ وجْهَتها وأمْطرتْ هلاثَ الطرقات‬ ‫والنومُ لغةٌ تنسجُ أصحابَها من حفيفِ األمل‬ ‫والنشيجُ يلُمْلِمُ وطْأَتهُ يف دفاتر األمهات‬ ‫ومنازلُ رَجْفٍ تقطنُ شعاراتٍ وأحالم ٍ ال تبادرُ‬ ‫يصخبُ الليلُ يف السطوحِ ويُلْقي أنفاسَ العشقِ‬ ‫األغرابُ على األبوابِ‬ ‫والرشُّ ماطرٌ‬ ‫والنجومُ حرائقُ منْ سحائب شاخصةٍ‬ ‫والشتائمُ رماحٌ طائشة‬ ‫‪121‬‬


‫امليدانُ على العتباتِ‬ ‫احلقيقةُ ممدّدةٌ يف الشارعِ‬ ‫ينحين املوتُ على األفقِ‬ ‫يلفظُ فيهِ املصري ‪.‬‬

‫‪122‬‬


‫الشمسُ تُلْقي رداءَها‬ ‫واألفقُ ساحةُ نهار ٍ يغادرُ‬ ‫والفتْية ُهلم الشفقُ املواربُ‬ ‫يُشْعِلونَ وقتهم‬ ‫والظاللُ ال تفْهمُ غري الرشْقِ‬ ‫وغري موائد اهلتافِ‬ ‫تتبادلُ واألغرابُ الطرقاتَ‬ ‫والقذيفةُ سيّدةٌ‬ ‫والقذيفةُ لغةٌ‬ ‫وعنيفةٌ هي الوجْهةُ‬ ‫والريحُ تكتبُ موتاها‬ ‫وختتصرُ األعمارَ‬ ‫‪123‬‬


‫وتبْذُر املآمتَ‬ ‫وكأنَّ األحياءَ مشروعُ عظام ٍ‬ ‫وكأنَّ العظامَ رايةُ األحياء ‪.‬‬

‫‪124‬‬


‫يف أمْسياتٍ ال تصاحبُ عاشقيها‬ ‫كان لي الرفْقةُ‬ ‫يف رُدهاتٍ ال تهادنُ سالكيها‬ ‫كان لي اجلوارُ‬ ‫يف شُرُفاتٍ ال تناصرُ ناظِريها‬ ‫كان لي أُلْفَةُ القمر‬ ‫واعرتانيَ شفٌّ‬ ‫وارتضانيَ مسٌّ من هسيسٍ ال جياملُ قاطنيهِ‬ ‫أحاذرُ أطرافَ القلبِ وجنباتِ الساحةِ القريبةِ‬ ‫وأقفالَ النهارِ وشعائرَ الروحِ ودفْقَ اجلنونِ‬ ‫طَرْقٌ يُشاغلُ أبوابهُ‪ ،‬وينحلُّ من ضجيج ٍ‬ ‫‪125‬‬


‫ومفاتيحُ تٌلْجمُ األصابعَ وتَوْقَ الدخولِ وحربَ‬ ‫احلروف‬ ‫مثّةَ من يبادرُ‬ ‫مثّةَ من يُلْغي مواعيدهُ ويقرأُ الوليمةَ وسورةَ وقيت‬ ‫ويوجلُ احلضورَ ويقتعدُ األملَ وفَيْءَ السقوط‬ ‫مثّةَ من يغامرُ‬ ‫أكفانهُ متائم الغربةِ‬ ‫ومواقدهُ حرائق الغياب‬ ‫يلْزَمُ أنْ يرتقي فيكَ الغروبُ حدائقهُ‬ ‫وأنْ ترميكَ أقواسُ الشَفَق‬ ‫وأنْ يشحذَ فيكَ املساءُ طرائقَ البخورِ ورشفةَ األمل‬ ‫وأنْ يصّاعدَ النخلُ قرابينهُ‬ ‫ويُلْغي أجنّدةَ القتلة ‪.‬‬

‫‪126‬‬


‫ممْهوراً بفاحتةِ الظلمةِ‬ ‫يقضمُ الليل ُسرَّ الوقتِ‬ ‫ويُمْطرُ حنْكةَ النهايات وحكمةَ الغرب ِة‬ ‫ومينحين جزيرةً مغمورةً بالقيظِ‬ ‫فتشعلين حمطّاتٍ من غيابٍ‬ ‫أو جمطّاتٍ من إيابٍ‬ ‫ومتنحين وصولَ العتمة‬ ‫غفوٌ من أجنم ٍ صامتةٍ‬ ‫وهْدٌ من حدائق السكونِ‬ ‫قمرٌ من شرفةٍ مرجتفة‬ ‫وظلٌ من كالم ٍ ينام‬ ‫‪127‬‬


‫هدوءٌ بني األوراقِ‬ ‫يتدفّقُ بني أصابعي‬ ‫ويعلنُ هذا املوتَ‬ ‫حضورٌ هلل‬ ‫وغيابٌ للبشر‪.‬‬

‫‪128‬‬


‫مثْل هذا احلُنُوِّ‬ ‫مثل هذا االمتالءِ‬ ‫أقسِّمُ جسمي يف فضاء الشوقِ وأرْنو للنهارِ‬ ‫أهْرعُ من سكْرةِ القلبِ إىل سكْرةِ الكالمِ‬ ‫وأشْ دو وقيت يف تفاصيل العصافريِ‬ ‫أو يف شفقِ األغنيةِ‪،‬‬ ‫املقطوعةِ على الشفاهِ‬ ‫والطرقاتُ تكتبُ حضورها‬ ‫والفتيانُ سادتُها‬ ‫واألغرابُ سَوْءَةُ احلاضرِ‬ ‫وذلُّ األمكنة‬

‫‪129‬‬


‫لكِ اآلن وجْهةُ املهرجان وماءُ الشجرياتِ‬ ‫لكِ احتفالُ النوم واحللمُ وساحةُ العمْرِ‬ ‫لكِ فسحةٌ من جرح ٍ يكتبُ يومنا‬ ‫لكِ ترنيمةُ البيوتات املنهكة‬ ‫ولكِ دمي النافرُ‬ ‫ولكِ نشيد اخلامتة‬ ‫مذْ قَطَرَتْكَ الفضاءاتُ‬ ‫ف‬ ‫واسّاقطَ الوقتُ على ضفافِ احلرو ِ‬ ‫وارتضيتَ طرفَ النارِ وشُغْلَ القلبِ‬ ‫كَمِنَتْكَ الكلماتُ‬ ‫وأشْعَلَتْ فيكَ الغياهبَ ولُجّةَ الشاطئ ورملَ‬ ‫احلضور‬ ‫فاغراً وقْعُهُ‬ ‫واملدى قبضتهُ‬ ‫واخلُطى ترانيمُ اجلنباتِ وشغافُ العبورِ‬ ‫زهْوُ الصورةِ على كفتيهِ‬ ‫يُلَمْلمُ حصّتهُ‬ ‫‪130‬‬


‫مشاهدَ رعبٍ‬ ‫وأحاديثَ طلْق ٍ‬ ‫وبنادقَ غاز ٍ‬ ‫وخنْق ٍ مُميت‬ ‫ك الطلقُ‪ ،‬أو‬ ‫قد يرصدكَ الصوتُ‪ ،‬ويشقى بني شفتي َ‬ ‫قد مياثلكَ الدربُ‪ ،‬وتهرعُ اجلهاتُ مكتظّةً‬ ‫بالعرباتِ وباألحذيةِ‬ ‫واحلشودُ أغنيةُ مساءٍ صديق‬ ‫واحلشودُ سالملُ جنم ٍ قريب‬ ‫يصطفي شعلةً من مجْهَرةِ القلبِ‬ ‫يدقُّ صباحاتِ الدهْمِ واملطاردةِ واخلطفِ‬ ‫ويلْعَقُ التيقّظَ يف رشْف الصبحِ‬ ‫يتكسّرُ الفجرُ سحائبَ خوفٍ ورذاذَ نهارٍ‬ ‫ال يقوم‬ ‫يرسمُ أوراقاً من طرائق حلمهِ‬ ‫وموائد من تظاهراتٍ ال تفارقُ رأسهُ‬ ‫‪131‬‬


‫وال تربحُ خزائن أقمارهِ‬ ‫أو عتباتِ يومهِ‬ ‫أو مشسَ جدرانهِ الرطبة‬ ‫كأنْ ال يهدأُ فيكَ زحفٌ أو نبضٌ‬ ‫كأنْ ال تبايعكَ وقْعةٌ أو حياذيكَ هتافٌ‬ ‫كأن ال تشرتيكَ ذاكرةٌ أو يسعفكَ نصفُ قرن ٍ‬ ‫أوْلَمَ يف ثيابكَ فضاءهُ‬ ‫كأنْ يرميكَ أفقاً من ذات نهارٍ مفتوح ‪.‬‬

‫‪132‬‬


‫صحبَ القلبُ هوامشهُ‬ ‫واجلنباتُ مواجع اليدينِ‬ ‫والغصّةُ ساحةٌ لألمل‬ ‫والفتنةُ تقطفُ زبائنها‬ ‫والشارعُ حاضرُ الكالمِ وموعدهُ‬ ‫أقْتَفي يومي مهرجانَ دم ٍ‬ ‫أقتفي النشراتِ وهزائمها‬ ‫ٍّ‬ ‫أقتفي مقاطعَ شر‬ ‫أبْذلُ مبْتَغى الصربِ‬ ‫ألنهار ٍ من جهْ ٍل‬ ‫وأبواق ٍ من عصرٍ‬ ‫‪133‬‬


‫فاتَ‬ ‫وما مات‬ ‫احلصَّةُ جاهزةٌ‬ ‫ظلمةُ قرب ٍ‬ ‫أو قربُ ضوءٍ‬ ‫أو نفوقُ حلْم ٍ‬ ‫ومنْ يقْطنُ حلماً‬ ‫ال يَنْفقُ أبداً ‪.‬‬

‫‪134‬‬


‫مُهْمَلةٌ يداكَ إالّ من تصاريحِ األمل ِ‬ ‫وجهكَ فِطْنةٌ ال يبارحها التعبُ‬ ‫واللسانُ فتنةُ القلب وأمواجُ الصبِّ‬ ‫والصورةُ ساريةٌ فوق سرادق األمل‬ ‫والظلُّ يكتبُ هياكلَ الوقتِ‬ ‫والعصافريُ تورقُ صباحكَ‬ ‫تُشْعلهُ حدائقَ ضجيج ٍ‬ ‫أو حرائق خُضْرةٍ‬ ‫يُستطابُ يف جناحيكِ الطريُ‬ ‫أو تهْملكَ أعشاشٌ مهجورةٌ‬ ‫وربّما ميتطيك أوّلُ النهار يف ساحلهِ القريبِ‬ ‫وتُسْندكَ الطرقاتُ‪ ،‬وهي تنشرُ سالكيها‪،‬‬ ‫‪135‬‬


‫وتبثُّ غربةَ عمّالٍ يف جانبيها‬ ‫وتُقْلِعُ فيك فتيةٌ‪ ،‬ال يربحونَ شعاراتهم‬ ‫وال ميلّونَ أمسياتهم الصاخبة‬ ‫وال تغادركَ اجلهاتُ القصيّةُ‬ ‫أو تفرغُ فيك سكرَتها‬ ‫أو يتكسّرُ فيك حزنُها املقيمُ‬ ‫أو شَبَهُ القلبِ‬ ‫أو شَبَهُ احلبِّ‬ ‫أو شَبَهُ الشَبَهِ‬ ‫الوريقاتُ تأْلَفَكَ يف شجرياتها‬ ‫وتسّاقطُ حبّات حلم ٍ يف طراوتها‬ ‫والعشبُ لغةٌ من أبوابِ الصباحِ‬ ‫يتناوهلا العصفُ‬ ‫أو تتداوهلا املارّة ‪.‬‬

‫‪136‬‬


‫يرجتفُ الصيفُ يف املدينةِ‬ ‫ويلقي مائدةَ الظاللِ‬ ‫وتُخْرجُ األشجارُ وارفَ أوقاتها‬ ‫وتُلْقي شواطئَ فَيْءٍ تروقُ للمارّةِ‬ ‫هوامشُ جدران ٍ توقظُ الطرقاتِ‬ ‫وتسكبُ دَفْقَ األحالم‬ ‫تزخرفُ األرضُ أقدامَها‬ ‫تكابدُ وجْهتَها‪ ،‬غَ ْفو إشاراتٍ وتوابعَ أرصفةٍ‬

‫‪137‬‬


‫يغْفو القلبُ‪ ،‬فيعلنُ نباهتهُ‬ ‫ويُعْلِنُ الصمتُ ضجيجهُ‬ ‫يرجتلُ الصيفُ قُرىً من دخان ٍ ومن حزن ٍ‬ ‫يُريمُ الصيفُ صداقاتهِ‪ ،‬سِاللَ طريٍ ومواسمَ هجرةٍ‬ ‫يفعلها الصيفُ‪ ،‬إذْ يُمطرُ أوْمسَةً من بياض ٍ وحدائقَ‬ ‫أطفالٍ‪ ،‬وتالميذَ من هُتافٍ‬ ‫يفعلها الصيفُ يف حصّيت‪ ،‬من ربيع ِالعربِ‬ ‫أو من خريفِ الساسةِ‬ ‫أو من رشْقِ أشجار ٍ‪ ،‬متوتُ بزينةِ النبعِ‬ ‫يكتبها الصيفُ‪ ،‬نباتاتٍ وقواعدَ من زهور ٍ راحلة ‪.‬‬

‫‪138‬‬


‫عليَّ أنْ أشحذَ رأسيَ مبعاطفَ من ريح ٍ‬ ‫وأنْ أَلِجَ فراغَ يومي حبقائبَ من ضحى النهاراتِ‬ ‫وأنْ أكملَ وِالدتي يف خزائنِ الراحةِ‬ ‫وأن يستقّر بي احلالُ يف أنهرِ الظهريةِ‬ ‫وأن حيتفي بي جسدُ احلياةِ على مشهد النبعِ‬ ‫وأن تواريين عيونٌ‪ ،‬ال تتفّتحُ يف أعماق العماءِ‬ ‫وأن يشملين كتابٌ‪ ،‬بني ضفّتيهِ خمدّةٌ وعلى‬ ‫سطورهِ وردة ‪.‬‬

‫‪139‬‬


‫قناديلُ مِنْ أسابيـعٍ وأيّامٍ‪ ،‬حتملين إىل مثل هذه اجلمعة‬ ‫أكسرُ مشكاةَ الوقت‪ ،‬وأقيمُ احتفالَ اللَّحْظ يف‬ ‫جسد الساعة‬ ‫ممْهوراً بصباباتٍ من طرائقِ األصدقاءِ‪ ،‬ورِفْقَةِ السهرِ‪،‬‬ ‫وأدعيةِ الليلِ‪ ،‬وشكلِ الصباحِ‪ِ ،‬ودِفْءِ البيوتاتِ‬ ‫املأهولةِ بأنفاسِ األمّهاتِ وجنّتهم‬ ‫قناديلُ مَن يطْرقُ فيكَ صورتهُ‪ ،‬ويُدْفِقُ دخانَ القلبِ‪،‬‬ ‫ويدّقُ حرائقهُ وشهادات البخورِ وأوراقِ اإلقامةِ يف رُفات‬ ‫املوتى‪ ،‬ويرفعُ هذا احلضورَ على مرأىً من احلياةِ‪،‬‬ ‫ومسْع ٍ من النظرِ‬ ‫قناديلُ ترشفُ نزيفَ الغرُفِ وحديثَ األسطحِ العارية‬ ‫قناديلُ مِنْ سَعَفٍ ‪ ،‬وقناديلُ من ورق ٍ‬ ‫‪140‬‬


‫وقنايلُ لفظٍ‪ ،‬تدبُّ يف الشارع وترمي غصنَ الصُوَ ِر‬ ‫وقناديلُ أجنحةٍ‪ ،‬ترسم التحليقَ ورفْرَفَةَ صَحْو ٍ وخبْطَ‬ ‫كالم ٍ‬ ‫قناديلُ نبْض ٍ‪ ،‬تزفُّ ربيعاً من قلبٍ مات ‪.‬‬

‫‪141‬‬


‫الشجرياتُ جتزمُ أنّ مقاعدَ الريح يف قبضة الورقِ‬ ‫وأنّ العواصفَ تقضمُ من الرؤوسِ ومن الضبابِ‬ ‫وال تلدُ سوى الرتاتيلِ‪،‬‬ ‫وال تشحذُ سوى النغم‬ ‫الشجرياتُ تكتبُ بكائها على جسد األرض‬ ‫ال تستقي غري زورقِ ماءٍ من خريرٍ‪ ،‬ال ينهضُ أبداً‬ ‫الطريُ يرقبُ العاملَ هدوءً شاحباً بني جناحيهِ‬ ‫يرسلُ نهراً من روح ٍ وأغنياتٍ‬ ‫التفاصيلُ رقعةُ قلبٍ‪ ،‬بنوافذ من شِعْرٍ‬ ‫الوريقاتُ غابةُ فصول ٍ تلْبسُ أيّامها‬ ‫العشبُ يقطعُ هذا النهارَ‬ ‫وحيضنُ هذا الصيفَ‬ ‫‪142‬‬


‫ويُشعلُ الندى‬ ‫قمرٌ يتسلّلُ بني سحائبَ ال ختطئ ُوجْهتها‬ ‫قمرٌ يشربُ عزلةَ األشجار وينامُ‬ ‫مشسٌ تدغدغُ هذا الصباحَ وتنهضُ ‪.‬‬

‫‪143‬‬


‫هواءٌ يف حمفظة النهارِ‬ ‫وسخونةٌ يف جسد الوقتِ‬ ‫وحتملكَ الشفاهُ حمْملَ الغبارِ‬ ‫والينابيعُ لزوجة ُ احلديثِ وطراوةُ الفصلِ‬ ‫وما خلَلُ الغناءِ يف شارعِ الوجْ ِد‬ ‫وما أهْزوجةُ الشدْوِ يف طَبَقِ اللَّحْ ِن‬ ‫وما شهقةُ األشجارِ يف حمفلِ األمساءِ‬ ‫وما قصَصُ التّالوةِ وحِكاياتُ الصّبايا‬ ‫إالّ مِنْ ماءِ وجودك ‪.‬‬

‫‪144‬‬


‫جسدٌّ من ليلٍ‬ ‫يكتبُ قمراً‬ ‫تسّاقطُ اهلَدْأةُ‬ ‫والشفُّ قلبُ املطر‬ ‫الفسحاتُ ظالل نوم ٍ‬ ‫واحلدائقُ أغنيّاتٌ تغفو‬ ‫النخلُ راياتُ سُهْدِ‬ ‫وحفيفُ صبْو ٍ بني عاشقَني‬

‫‪145‬‬


‫جنمٌ من مساء النغم ِ‬ ‫حلنٌ يف وردةِ احلروفِ‬ ‫ربيعٌ كالوالدةِ‬ ‫وسحائبُ عُتْمةٍ أليفة‬ ‫قَطْرٌ من يدينِ‬ ‫وسالملُ روحٍ بني ضفّتني‬ ‫يدقُّ موجُ الصمتِ‬ ‫ومداخلُ الغيمِ أناملُ النبعِ‬ ‫ال رفرفةٌ‬ ‫ال أجنحةٌّ من مرايا‬ ‫املساء ُ بقيّة كتابٍ‬ ‫والعمْرُ طرفُ بيانٍ مفتوح ‪.‬‬

‫‪146‬‬


‫إذْ أصْغى الوقتُ‬ ‫كنتَ سؤالَ املرحلة‬ ‫إذ أشْعلكَ العمرُ‬ ‫كنتَ وطْأةَ اجلسد‬ ‫وطَرٌ منكَ يف كفَّتَيكَ‬ ‫ومرْجٌ يف أطرافكَ‬ ‫وزهوٌ من ماءِ الورقة‬ ‫جيْهدُ فيك النهارُ‬ ‫ويرمي وِجْهةَ القيظِ وظالالً شائعة‬ ‫‪147‬‬


‫حشْدٌ من دقائقَ تريقُ يومكَ‬ ‫وتسْكبُ سواقي الفراغِ‬ ‫مكْتظّةٌ سواحلكَ بسفائنَ من إيابٍ‬ ‫ممهورةٌ جنباتكَ بكمائنَ احلضورِ‬ ‫كمنْ يقصدُ نبتةَ الظهريةِ‬ ‫كمنْ يهدرُ وردةَ الصباحِ‬ ‫أرْخَتِ الساعةُ جدرانَها‬ ‫أعْلنَتْكَ جسرَ البدايةِ‬ ‫حيضركَ الليلُ قُرْبَ عينيكَ‬ ‫تشْعلهُ واحةً من نظر‬ ‫يقتفي الوقتُ ظاللَهَُ‬ ‫وأنتَ مشسٌ تصحبُ هذا األمام ‪.‬‬ ‫‪148‬‬


‫صمتٌ يأكلُ أحزانَ القلبِ‬ ‫ويسعى بأوراقِ العمرِ‬ ‫صمتٌ ميْطرُ زخّاتٍ‬ ‫تثقلُ واديكَ وأذنيكَ وراحتيكَ‬ ‫صمتٌ كخرائبِ الغربةِ‬ ‫ومواقد اجلنباتِ‬ ‫وال يُغادرُ عُتمةَ الكالمِ‬ ‫حبرٌ من نار ٍ‬ ‫والليلُ يركبُ النهارَ ويتْلو مائدةَ القمعِ‬ ‫‪149‬‬


‫ويسردُ هجمةَ األغراب وشظايا احلشودِ‬ ‫ويقنصُ الصغارَ‬ ‫وتراتيل خنلتكَ آيةٌ مبهمة‬ ‫مظلّةٌ من قراكَ يف شتاءٍ من قهر ٍ‬ ‫وبابٌ من هجرةٍ‬ ‫ولغةٌ من قذائفَ الغازِ‬ ‫ونافذةٌ من نومِ هذا العامل‬ ‫ما مِنْ غريهِ‬ ‫مطرُ الصمتِ ‪.‬‬

‫‪150‬‬


‫شقْوةٌ مِن نهار ٍ‬ ‫ورْطةٌ من وقتٍ على نافذةِ الساعة ِ‬ ‫تعْلقُ اللحظةُ يف فناء النورِ‬ ‫الشمسُ منزلُ عُمْرٍ يتقاطرُ يف الظهريةِ‬ ‫والطرقاتُ تسكبُ املارّةَ‬ ‫وتندى اجلنباتُ‬ ‫وضفافُ الباعةِ مهجورةٌ‬ ‫جهتهُ‬ ‫الدفْءُ يبْذرُ وِ ْ‬ ‫وسحائب القلبِ تصاحبُ الزرقةَ‬ ‫واملشهدُ أسئلةٌ ال تُهان‬

‫‪151‬‬


‫حرائق ُالعبورِ يف سرائرِ النظر‬ ‫واشتعالُ احلوانيتِ على مرمى احلجر‬ ‫والعصافريُ تدقُّ ظالهلا‬ ‫والبيوتاتُ طرائقُ احلضور ومخْرةُ املكان‬ ‫واألزقّةُ ترسمُ جدرانها وخرائطَ املشهد‬ ‫آالتُ اخلرائبِ تُبعْثرُ األزمنة‬ ‫وحتاصرُ األغرابَ وتنتقي لعنةَ الديار وصَولتها‬ ‫تُزَلزلُ جبلَ العذابِ وقصرهِ‬ ‫تُدْلقُ الرتائبَ ناراً ورماد ًا‬ ‫واملنافذُ قلبُ اجلهاتِ وحديثُها‬ ‫والزوايا سكرةُ الوجودِ وماءُ الوقتِ واختصارُ‬ ‫الشهود ‪.‬‬

‫‪152‬‬


‫أرْبَكَ النوءُ جدارَ العزلةِ‬ ‫أجْهَضَ القلبُ مشاغلَ اجلهاتِ‬ ‫يكتظُّ الشغَفُ‬ ‫يتدفَّقُ القُرْبُ‬ ‫موجَ وريدٍ كسحابِ اخلطى‬ ‫ت‬ ‫قدمانِ تلْعقانِ سريَ األمنيا ِ‬ ‫روحٌ من طرقاتٍ‬ ‫تتقاطرُ كنوافذِ غيم ٍ‬ ‫لنهاراتٍ تتساقطُ‬ ‫تُزهرُ يف كتفيكَ‬ ‫تُوقظُ حدائقَ النهوضِ‬ ‫تُشعلُ ضجّةَ ربيعِ اجلسد‬ ‫‪153‬‬


‫ذرٌّ من ساحاتٍ‬ ‫وقوائمُ تبْذرُ صُوَراً من زوايا الريحِ‬ ‫ني‬ ‫رهطُ حنني ٍ يتكسّرُ بني ذراع ِ‬ ‫وتفاصيلُ الغزو سالملٌ قريبةٌ‬ ‫واجلمْعُ فيكَ نفَرٌ ينْفَضُّ‬ ‫واجلمْعُ فيكَ بالدٌ تفقدُ مراياها‬ ‫وتشْخَصُ بني أصابعكَ القوافلُ‬ ‫ويَفْتنكَ نهرٌ من مساءٍ يلُمّ شتاتاً‬ ‫ومجاهريُ أوقًدَتْ خزائنها‬ ‫أنْبَتَتْ فيكَ تراتيلها وحرائقها‬ ‫أفْضَتْ إليكَ هذا املقام ‪.‬‬

‫‪154‬‬


‫لكَ العابرُ من مساءِ الكالمِ‬ ‫لكَ الطارقُ على بابِ الريحِ‬ ‫لكَ القدمانِ على رصيفِ الساع ِة‬ ‫ولك النَفَسُ املتجاسرُ وسحائبُ العمرِ‬ ‫ولك عَتْقُ الزحفِ ونوافذُ القدوم وشرائطُ الغبار‬ ‫ترِفُّ إليكَ الزوايا‬ ‫والعمائرُ غابةٌ خمْتَرَقة‬ ‫وحتْتَضرُ بني يديكَ اجلهاتُ‬ ‫واملنازلُ مطرُ اهلواءِ وشغفُ اهلطول‬

‫‪155‬‬


‫تركنُ إليك الفقراتُ والواجهاتُ والرافعاتُ والعرباتُ‬ ‫وتعْلقُ يف ثيابك شِجاراتٌ تائهة‬ ‫ترقبكَ الظاللُ وتُبَرْعمُ أشكاهلا‬ ‫غري أنَّكَ دون هدايةٍ أو وَحْي ٍ أو مصيفٍ أو قطْرة وقتٍ‬ ‫ترتكُ ظِلّك وتغادر‪.‬‬

‫‪156‬‬


‫انحية‬ ‫نبع‬ ‫صيف‬ ‫حرية‬ ‫قمر‬ ‫جهات‬ ‫تداعيات‬ ‫مدرسة‬ ‫حي‬ ‫أربعة‬ ‫خطوة تراقص قبلها‬ ‫ليل‬ ‫عطلة‬ ‫بيت‬ ‫حاالت‬ ‫وردة الكالم‬ ‫مكتبة‬ ‫موت‬ ‫حديقة‬ ‫صمم‬ ‫أفق‬ ‫قيظ‬

‫‪5‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪72‬‬

‫يف اصطياد قصيدة‬ ‫يد‬ ‫هدية‬ ‫حني تقول الشمس غروهبا‬ ‫أرق من غيم‬ ‫أدق من وصل ّ‬ ‫ّ‬ ‫أمنية‬ ‫مس‬ ‫ّ‬ ‫ظهرية‬ ‫ساعة‬ ‫حمطّة‬ ‫حماولة‬ ‫أانس‬ ‫صبية‬ ‫جل الكالم‬ ‫ّ‬ ‫حلكة‬ ‫ّبوابة‬ ‫شتاء‬ ‫مساء‬ ‫عيد‬ ‫وجهة‬ ‫مدينة‬ ‫ممشى‬

‫‪157‬‬

‫‪75‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪101‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪104‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪112‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪116‬‬


‫غرق‬ ‫خنلة‬ ‫ميدان‬ ‫مشهد‬ ‫أمسيات‬ ‫ظلمة‬ ‫هنار مفتوح‬ ‫قطاف‬ ‫صباح مورق‬ ‫صيف يف مدينة‬ ‫حفاوة نبع‬ ‫قناديل‬ ‫شجر‬ ‫وجود‬ ‫مساء‬ ‫وقت‬ ‫مطر الصمت‬ ‫مخرة املكان‬ ‫مقام‬ ‫عابر‬

‫‪118‬‬ ‫‪120‬‬ ‫‪122‬‬ ‫‪124‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪130‬‬ ‫‪134‬‬ ‫‪136‬‬ ‫‪138‬‬ ‫‪140‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪145‬‬ ‫‪146‬‬ ‫‪148‬‬ ‫‪150‬‬ ‫‪152‬‬ ‫‪154‬‬ ‫‪156‬‬

‫‪158‬‬


‫أمحد يعقوب يوسف مدن‪ ،‬شاعر ومهندس‪ ،‬ولد يف‬ ‫النويدرات عام ‪ ،1955‬حاصل على بكالوريوس اهلندسة‬ ‫املدنية من جامعة الرياض (جامعة امللك سعود حالياً ) ‪.‬‬ ‫عمل يف اجملال البلدي أعواماً عديدة‪ ،‬وكان مديراً‬ ‫للخدمات الفنية وقائماً بأعمال املدير العام‪ ،‬كما كان‬ ‫أميناً للسرّ ألسرة األدباء والكتاب يف البحرين لعدّة‬ ‫دورات‪ ،‬وعضوًا يف مجعية املهندسني البحرينية ‪.‬‬ ‫صدر له‬ ‫ صباح الكتابة ‪1984 -‬م ‪ -‬املطبعة الشرقية ‪-‬‬‫البحرين‪.‬‬ ‫ عشب لدم الورقة ‪1992 -‬م ‪ -‬املطبعة الشرقية ‪-‬‬‫البحرين‪.‬‬ ‫ مساء ثالثة ‪2000 -‬م ‪ -‬دار الكنوز األدبية ‪-‬‬‫بريوت‪.‬‬ ‫للتواصل مع الشاعر‬ ‫الربيد اإللكرتوني‪amadan@batelco.com.bh :‬‬ ‫‪159‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.