ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﳉﺪﻳﺪة
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﳉﺪﻳﺪة ﺑني ﻣﴫ واﻷﻣﺮﻳﻜﺘني
ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻣﺤﻤﺪ ﺛﺎﺑﺖ
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﺤﻤﺪ ﺛﺎﺑﺖ
رﻗﻢ إﻳﺪاع ٢٠١٤ / ١٥٩٣٧ ﺗﺪﻣﻚ٩٧٨ ٩٧٧ ٧٦٨ ٠٧٣ ٨ : ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻨﺎﴍ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ املﺸﻬﺮة ﺑﺮﻗﻢ ٨٨٦٢ﺑﺘﺎرﻳﺦ ٢٠١٢ / ٨ / ٢٦ إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره وإﻧﻤﺎ ﱢ ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ ٥٤ﻋﻤﺎرات اﻟﻔﺘﺢ ،ﺣﻲ اﻟﺴﻔﺎرات ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﴫ ،١١٤٧١اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﴫ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺎﻛﺲ+ ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣ : ﺗﻠﻴﻔﻮن+ ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢ : اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhindawi@hindawi.org : املﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhttp://www.hindawi.org : ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف :ﺧﺎﻟﺪ املﻠﻴﺠﻲ. ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺼﻮرة وﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ملﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ .ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻷﺧﺮى ذات اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. Cover Artwork and Design Copyright © 2014 Hindawi Foundation for Education and Culture. All other rights related to this work are in the public domain.
اﳌﺤﺘﻮﻳﺎت
ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﱃ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ واﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
7 11 13 141
ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﱃ
ملﺎ أن اﻋﺘﺰﻣﺖ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺠﻮﻟﺘﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم إﱃ ﺑﻼد اﻷﻣﺮﻳﻜﺘني أﺧﺬﺗﻨﻲ اﻟﺤرية :أﻳﻬﻤﺎ أﻓﻀﻞ؟ وﻛﺎن ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎ أن أﺳﺎرع إﱃ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻬﺪ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ وﻣﻨﻬﻞ اﻟﺤﻀﺎرة ،ﻟﻜﻨﻲ ﻋُ ﺪ ُ ْت ﻓﺂﺛﺮت اﻟﺒﺪء ﺑﺄﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ؛ ﻷﻧﱠﺎ ﻧﺠﻬﻞ ﻋﻦ أﻗﻄﺎرﻫﺎ اﻟﴚءَ اﻟﻜﺜري ،وﻷﻧﻬﺎ — رﻏﻢ ﺑُﻌْ ﺪﻫﺎ ﻋﻨﱠﺎ — ﺧري ﻣﺎ ﻳﻼﺋﻢ اﻟﺤﻴﺎة املﴫﻳﺔ ْ إن ﻃﺎب ﻷﺑﻨﺎﺋﻨﺎ اﻟﻨﺰوح واﻻﻏﱰاب ،وﻫﺎ ﻗﺪ ﺑﺪت ﺑﻮادر ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﺑني رﻫﻂ ﻣﻦ ﻓﺘﻴﺘﻨﺎ ،ﻓﺄﺧﺬوا ﻳﻔ ﱢﻜﺮون ﰲ اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﺎﻟﺸﺒﺎب ﻣﻦ أﻫﻞ أوروﺑﺎ وﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻨﻬﻢ ﻗﻄﺮ ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،ﻳﺮﺗﺤﻠﻮن ﺳﻌﻴًﺎ وراء ً ﺳﺒﻴﻼ؛ ﺣﺘﻰ إﻧﻲ ﺷﻌﺮت وأﻧﺎ ﰲ رﻓﻌﺔ أوﻃﺎﻧﻬﻢ وﻛﺴﺐ ﻋﻴﺸﻬﻢ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا إﱃ ذﻟﻚ »ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس« ﺑﺄﻧﻲ وﺳﻂ ﺑﻨﻲ ﻗﻮﻣﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻃﻘني ﺑﺎﻟﻀﺎد ،وﻟﻘﺪ أرد ُ ْت أن أﺟﻤﻊ ﰲ ﺟﻮﻟﺘﻲ ﺑني ﺑﻼد املﻐﺮب واﻷﻧﺪﻟﺲ وأﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ؛ ﻷرى ﻣﺒﻠﻎ أﺛﺮ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﺣ ﱠﻠﻬﺎ اﻟﻌﺮبُ ،ﻓﻬﻢ ﺑﻌﺪ أن ﺳﺎدوا املﻐﺮب اﻧﺘﻘﻠﻮا إﱃ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺣﻴﺚ ازدﻫ َﺮ ْت ﺑﻄﺎﺑﻊ ﻣﻴﱠ َﺰ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴني ﻋﲆ ﺣﻀﺎرﺗﻬﻢ وﺑﻠﻐﺖ أوج ﻣﻨﻌﺘﻬﺎ وﻋﺰﻫﺎ ،وﻃﺒﻌﻮا أﻫﻞ اﻟﺒﻼد ٍ ﺳﺎﺋﺮ اﻷوروﺑﻴني ،وﻫﺆﻻء ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺸﻔﻮا أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ وﻧﺰﺣﻮا إﻟﻴﻬﺎ ُز َر ٍ اﻓﺎت ﻻ ﺗﺰال ﺳﻼﺋﻠﻬﻢ ﺗﻤﺜﱢﻞ اﻟﺴﻮاد اﻷﻋﻈﻢ ﻟﻸﻫﻠني ﻫﻨﺎك. رﻏﺒﺖ ﰲ أن أﻗﻒ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻟﻠﻌﺮب ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،ﻓﺒﺪا ﱄ أن ﺷﻤﺎل وإن َ أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻻ ﻳﺰال ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﺎﻷﺛﺮ اﻟﴩﻗﻲ ﰲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪْ ، أﺧﺬَ اﻷﺛ ُﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻳ َِﺠ ﱡﺪ ﰲ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻛﺎد ﻳﺘﻢ ﻟﻪ ذﻟﻚ ،وﻛﻨﺖ أملﺲ ﻫﺬا ﰲ ﻣﻈﻬﺮ اﻟﺒﻼد ،وﰲ ﻧ ُ ُ ﻈﻢ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﰲ اﻷزﻳﺎء ،واﻻﺧﺘﻼط ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴني واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺎت ،وﰲ إﻏﻔﺎل اﻟﻘﻮم — وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻷﺣﺪاث — اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ! وﰲ ﺗﻮﻧﺲ ﻻ ﺗﺰال ﻟﻠﴩق ﺑﻘﻴﺔ ﺗﻜﺎﻓﺢ وﺗﻨﺎﺿﻞ ،ﻋﲆ أن اﻟﺘﻴﺎر اﻟﻐﺮﺑﻲ آﺧِ ﺬ ﱢ وﻳﺮﻏﺐ ﻟﺪﻳﻬﻢ اﻟﺴﻔ َﺮ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ واﺗﺨﺎذ اﻟﺰوﺟﺎت ﰲ اﻟﻐﻠﺒﺔ ﻳﴫف اﻟﺸﺒﺎب ﻋﻦ ﻗﻮﻣﻴﺘﻬﻢ،
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻓﻴﺤﺎول اﻹﺑﻘﺎءَ ﻋﲆ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﰲ املﺴﺎﺟﺪ واﻟﺼﺤﺎﻓﺔ واﻟﺨﻠﻴﻼت ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺎت؛ أﻣﺎ اﻟﻘﺪﻳﻢ ِ ْ َ واﻧﺘﺸﺎر املﻄﺒﻮﻋﺎت املﴫﻳﺔ ،وﻫﻮ ﻳﻘﺎوم اﻟﺘﺠﻨﻴﺲ اﻟﻔﺮﻧﴘ اﻟﺬي ﻓﺮﺿﺘﻪ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﲆ ُ ﻓﻌﺼﺒﻴﺔ وﺗﺤﺎول ﻓﺮﺿﻪ ﻫﻨﺎ ،ﻟﻜﻦ ﺑﻼد ﻣﺮاﻛﺶ ﻟﻢ ﻳَ َﻜ ْﺪ ﻳُﺤﺪِث اﻟﻐﺮبُ ﻓﻴﻬﺎ أﺛ ًﺮا؛ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ِ اﻟﻘﻮم ﺑﺎﻟﻐﺔ ،وﻧﻔﻮرﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﺟﻨﺒﻲ ﺷﺪﻳﺪ ،وﺣﺘﻰ أﻧﺎ املﺴﻠﻢ ﻗﺪ ﺧﺎﻣَ َﺮﻫﻢ اﻟﺸ ﱡﻚ ﰲ أﻣﺮي ً دﺧﻴﻼ ﻋﻠﻴﻬﻢ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺮﻣﻴﻬﻢ اﻷوروﺑﻴﻮن وﻃﺮدوﻧﻲ ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪﻫﻢ ﰲ ﻓﺎس ﺧﺸﻴﺔ أن أﻛﻮن ﺑﺄﻧﻬﻢ »اﻟﻄﺮف اﻟﻐﺮﺑﻲ اﻟﻬﻤﺠﻲ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﴩق«! أﻣﺎ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ وأﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻓﺈﻧﻲ أﻟﻔﻴﺖ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﺴﻮدﻫﻢ إﱃ أﻗﺎﴆ ﺟﺒﺎل اﻷﻧﺪﻳﺰ ،ﻓﺎملﻼﻣﺢ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﺿﺤﺔ ﰲ ﺗﻘﺎﻃﻴﻌﻬﻢ ،وﺧﻤﺮﻳﺔ أﻟﻮاﻧﻬﻢ ،وﺳﻤﺮة ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ ،وﺳﻮاد ﺷﻌﻮرﻫﻢ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻳﻠﺒﺴﻦ أردﻳﺔ ﻫﻲ أﻗﺮب إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ إﱃ أزﻳﺎء أوروﺑﺎ ،ﻓﻬﻲ أردﻳﺔ ﻗﺼرية ﻣﻬﻔﻬﻔﺔ ،أﻓﺎرﻳﺰﻫﺎ ﻫﺎدﻟﺔ ﻣﻨﺘﻔﺨﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻮق ﺑﻌﺾ ،وﻏﺎﻟﺒﻬﻦ ﻳﺮﺧﻲ ﻋﲆ اﻟﺮأس »اﻟﻄﺮﺣﺔ« اﻟﺴﻮداء ﻓﻮق ﺗﺎج ﻣﻦ ﺷﺒﺎك اﻟﻌﺎج وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺷﺒﻪ ﺣﺠﺎب ،وﻫﻦ ﰲ رﻗﺼﻬﻦ ﻻ ﻳﺨﺎﴏن اﻟﺮﺟﺎل ،ﺑﻞ ﻳﺮﻗﺼﻦ ﰲ ﺣﻠﻘﺎت واﻟﺼﻨﺞ )اﻟﺼﺎﺟﺎت( ﰲ أﻳﺪﻳﻬﻦ .أﻣﺎ املﻮﺳﻴﻘﻰ ﻓﺄﺣﺒﻬﺎ ﻟﺪﻳﻬﻢ اﻟﻘﻴﺜﺎر ،ﺷﺒﻴﻪ املﺰﻫﺮ )اﻟﻌﻮد( ﺑﻀﺨﺎﻣﺔ رﻧﻴﻨﻪ ،وﻳﺄﻟﻔﻮن ﻣﻨﻪ ﻧﻈﺎم »اﻟﺘﻘﺎﺳﻴﻢ« ،وﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎء اﻟﺘﺄوﱡه واﻟﺘﻮﺟﱡ ﻊ — ﻛﺎﻟﻐﻨﺎء اﻟﺒﻠﺪي ﻋﻨﺪﻧﺎ. واﻟﻔﺘﻴﺎت ﻳﻘﻔﻦ وﻳﺨﺘﻠﺴﻦ اﻟﻨﻈﺮات ﻣﻦ وراء أﺑﻮاب ﻧﺼﻒ ﻣﻐﻠﻘﺔ ،ﻓﺈن ﻧﻈﺮت إﻟﻴﻬﻦ اﻧﺰوﻳﻦ وراءﻫﺎ أو ﻋﺠﻠﻦ ﺑﺈﻏﻼﻗﻬﺎ ،وﻻ ﻳﺠﻮز ﻟﻠﻐﺎدة أن ﺗﺤﴬ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺮﺟﺎل ﻋﺎرﻳﺔ ﻣﻨﺰل ﻣﺎ إﻻ ﰲ ﺣﴬة ﺻﺎﺣﺒﻪ ،واﻟﺰواج ﻳﺘ ﱡﻢ ﺑﺪون ﺗﻌﺎ ُر ٍ ف اﻷذرع ،وﻻ ﻳﺒﺎح ﻟﻠﺼﺪﻳﻖ زﻳﺎرة ٍ ﺳﺎﺑﻖ ﺑني اﻟﺰوﺟني ،وﻳﻈ ﱡﻞ اﻟﺸﺎب ﰲ ﻛﻨﻒ أﺑﻴﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﺰواج ،وﻗﺪ ﺗﻔﻌﻞ اﻟﻔﺘﺎة ذﻟﻚ .وﻫﻢ ٍ ْ ﻛﺮام ﻣﺆدﺑﻮن ،ﻻ ﻳﻤﺮ أﺣﺪﻫﻢ ﻋﲆ اﻟﻐري دون أن ﻳُﻘ ِﺮﺋﻬﻢ اﻟﺴﻼم ،ﺳﻮاء أﻋﺮﻓﻬﻢ أم ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻬﻢ ،وﻋﻨﺪ اﻟﻄﻌﺎم أو اﻟﻌﻄﺎس ﻳُﺒﺪِي اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﻤﻨﻴﺎﺗﻪ اﻟﻄﻴﺒﺔ ﻟﺮﻓﻴﻘﻪ ْ ﻛﺄن ﻳﻘﻮل» :ﺑﺎﻟﻬﻨﺎ ِ ﻣﺘﻮاﺻﻞ ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﰲ اﻟﺘﺸﺎؤم واﻟﺘﻔﺎؤل، أو ﺑﺎﻟﺼﺤﺔ «.واﻟﺴﻼم ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻋﻨﺎق ﻓﱰاﻫﻢ ﻳﻌﻠﻘﻮن ﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻋﲆ أﺑﻮاب دورﻫﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺎﺧﺮة؛ ﻷن ذﻟﻚ ﺑﺸري ﺑﺎﻟﺨري وداﻓﻊ ﻟﻠﺴﻮء ،وﻫﻢ ﻳﻘﺪﱢرون اﻷدب واﻷدﺑﺎء واﻟﺸﻌﺮ واﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻛﻠﻪ ،وﰲ ﻟﻐﺘﻬﻢ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،أذﻛﺮ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ :أﺛﻴﺘﻮﻧﺎ Aceitunaﻟﻠﺰﻳﺘﻮن، أﺛﻴﺘﻲ Aceitrﻟﻠﺰﻳﻮت ،أﺛﻮﻛﺮو Azucaroﻟﻠﺴﻜﺮ ،رﻳﺎﻟﺲ ﻟﻠﺮﻳﺎل ،دﻧريو ﻟﻠﻨﻘﻮدEl Cid ، ﻟﻠﺴﻴﺪ Maulas ،ﻟﻠﻤﻮاﱄ Almenar ،ﻟﻠﻤﻨﺎر Alhama ،ﻟﻠﺮأس Alcazar ،ﻟﻠﻘﴫAlmacen ، ﻟﻠﻤﺨﺰن Alcala ،ﻟﻠﻘﻠﻌﺔ Alcantara ،ﻟﻠﻘﻨﻄﺮة Ceca ،ﻟﺪارﺳﻚ اﻟﻨﻘﻮد Alcasba ،ﻟﻠﻘﺼﺒﺔ، Mataﻟﻠﻤﻮت. 8
ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﱃ
وﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ :ﺳﺎرة ،ﺑﺮوﻛﺔ ،ﺑﺨﻴﺘﺔ ،وﻫﻢ ﻳﻨﻄﻘﻮن ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺮوف اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ً ﻧﻄﻘﺎ ﻋﺮﺑﻴٍّﺎ ،ﻓﺤﺮف C, Zﻳُﻨ َ ﻄﻖ ث J ،ﻳﻨﻄﻖ خ V ،ﻳﻨﻄﻖ ب D ،ﻳﻨﻄﻖ ذ؛ ﻓﻬﻮ أﺳﻬﻞ ﻋﲆ ﻟﺴﺎﻧﻬﻢ ﺳﻠﻴﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻣﻦ اﻟﻨﻄﻖ اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ. أﻣﺎ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ وﻫﻨﺪﺳﺘﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﺰال ﻋﺮﺑﻴﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري؛ ﻓﻤﺪﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻳﻜﺴﻮه اﻟﻘﻴﺸﺎﻧﻲ ﱠ وﻳﺘﻮﺳﻄﻪ ﻓﻨﺎء رﺋﻴﴘ ﻣﻜﺸﻮف وﻳﻠﺘﻮي ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﻲ ﻳﺤﺠﺐ اﻟﺪاﺧﻞ ﻋﻦ أﻧﻈﺎر املﺎرة، ﺗﻄ ﱡﻞ ﻋﻠﻴﻪ أﻏﻠﺐ اﻟﺤﺠﺮات واﻟﻨﻮاﻓﺬ ﰲ أﻋﻤﺪة وﺑﻮاﺋﻚ ﻧﺤﻴﻠﺔ ﺗﺰﻳﱢﻨﻬﺎ املﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻲ ﱢ ُ أﺻﺺ اﻟﺰﻫﻮر اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،وﺗﺘﻮﺳﻂ ﻫﺬا ﻧﺎﻓﻮرة ﻋﺮﺑﻴﺔ وﺗﺤﲇ ﺟﻮاﻧﺒَﻬﺎ ﻗﻨﺎدﻳﻞ املﺴﺎﺟﺪ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ، ُ وﻛﻨﺖ أملﺲ وﻗﺎر اﻟﻌﺮب أﻧﻴﻘﺔ ،وﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﻮاﻓﺬ واﻷﺑﻮاب ﺗﻐﺸﺎﻫﺎ ﺷﺒﺎك اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﺜﻘﻴﻞ. وأدﺑﻬﻢ ﻇﺎﻫ ًﺮا ،ﻓﻬﻢ ﻳﺠﻤﻌﻮن ﺑني ﻣﻈﻬﺮ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎدة واﻹﻣﺎرة ،وﺑني ﺑﺴﺎﻃﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ورﻓﻊ اﻟﻜﻠﻔﺔ ،واﺧﺘﻼط اﻟﻐﻨﻲ ﺑﺎﻟﻔﻘري ﰲ ﺻﻌﻴﺪ واﺣﺪ. أﻟﻴﺲ ﰲ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﺆﻳﱢﺪ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻌﺮب وﺳﻴﺎدة ﻋﻨﺎﴏ ﺣﻀﺎرﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﺑ ﱠﺰ ْت ﻏريﻫﺎ، وﻛﺎﻧﺖ أﻗﺮب ً ﻣﻨﺎﻻ ﻣﻦ ﻧﻔﻮس اﻟﻨﺎس ،وأﺻﻠﺢ ﺑﻘﺎءً رﻏﻢ ﴏوف اﻟﺪﻫﺮ وﻣﻌﻘﺒﺎﺗﻪ؟ أﺗﻤﻤﺖ ﺗﻄﻮاﰲ ﺑﺎﻟﻜﺜري ﻣﻦ ﺑﻼد ﴍق أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،ﺛﻢ اﺧﱰﻗﺘﻬﺎ إﱃ أﻗﻄﺎرﻫﺎ ً ﺷﻤﺎﻻ ﻋﱪ ﻗﻨﺎة »ﺑﻨﻤﺎ« إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺘﺴﻊ، اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ وﴎت ﻓﻄﻔﺖ ﺑﺄرﺟﺎء »ﻧﻴﺎﺟﺮا« و»ﻧﻴﻮﻳﻮرك« اﻟﺘﻲ أﺛﺎرت ﻋﻈﻤﺘﻬﺎ ﰲ ﻧﻔﴘ ﺛﺎﺋﺮة ﻟﻦ ﺗﻬﺪأ ﺣﺘﻰ ً دارﺳﺎ ﻣﻨﻘﺒًﺎ ﻋﻦ ﻋﻨﺎﴏ ﺗﻠﻚ املﺪﻧﻴﺔ اﻟﻔﺘﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺎح ﱄ ﻓﺮﺻﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ،ﻓﺄﻋﺎودﻫﺎ ﺗﺴري ﺑﺨﻄﻰ ﻋﺎﺟﻠﺔ ﺗﺪﻓﻌﻬﺎ ﻋﻘﻮل ﺟﺒﱠﺎرة ،وﺗﺪﻋﻤﻬﺎ ﺛﺮوة ﻻ ﻳﻨﻀﺐ ﻟﻬﺎ ﻣﻌني. ﻓﻬﺎ أﻧﺎ أﻗﺺ ﻣﻦ أﻧﺒﺎء اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﺎ أرﺟﻮ أن ﻳﺼﻴﺐ ﺑﻪ أﺑﻨﺎؤﻧﺎ ﺧريًا ،ﺳﺪد ﷲ ﺧﻄﺎﻫﻢ ،وﺟﻌﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ً ﺧﻠﻔﺎ ﺻﺎﻟﺤً ﺎ ﻳﻌﻮﺿﻨﺎ ﻋﻤﱠ ﺎ ﻓﺮط ،وﻳﻘﻮﱢم ﻟﻨﺎ ﻣﺎ اﻋﻮجﱠ . وﷲ أﺳﺄل أن ﻳﻬﻴﱢﺊَ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ أﻣﺮﻧﺎ رﺷﺪًا.
9
ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ واﻟﺜﺎﻟﺜﺔ
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ رﻏﺒﺘﻲ اﻷﻛﻴﺪة ،ﻳﻮم ﺑﺪأت ﺟﻮﻻﺗﻲ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ ،أن أدرس ﺷﻌﻮب اﻟﻌﺎﻟﻢ، وأﺗﺪﺳﺲ إﱃ اﻟﺼﻤﻴﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ؛ ﻷﺧﻠﺺ إﱃ ﻣﺎ ﻳﺴﻮد ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺧﻼق واﻟﻌﺎدات ،وﻗﺪ ﻛﻨﺖ أﺻﺪر ﻋﻘﺐ ﻛﻞ »ﺟﻮﻟﺔ« ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﻳﻀ ﱡﻢ ﻣﺸﺎﻫﺪاﺗﻲ ﻋﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ زرﺗﻬﺎ. وﻛﻢ ﻛﺎن ﴎوري ﻋﻈﻴﻤً ﺎ أن ﺗﻬﺎﻓﺖ أﺑﻨﺎﺋﻲ اﻟﱪرة وزﻣﻼﺋﻲ اﻟﻜﺮام ﻋﲆ اﻗﺘﻨﺎء ﻫﺬه »اﻟﺠﻮﻻت« ،ﺣﺘﻰ ﻧﻔﺪت اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﱃ وﻫﺎ أﻧﺎ ذا ﱢ أﺣﻘﻖ اﻟﻴﻮم رﺟﺎء اﻟﻜﺜريﻳﻦ ﻣﻤﻦ ﻟﻢ ﺗﺴﻌﺪ »ﺟﻮﻻﺗﻲ« ﺑﴩف اﻗﺘﻨﺎﺋﻬﻢ ﻟﻬﺎ ،ﻓﺄﻗﺪم اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،ﺑﻌﺪ أن أﻋﻤﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﺪ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ، وأﺿﻔﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺬﻛﺮاﺗﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ُ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ أﻏﻔﻠﺖ ﻧﴩه ﰲ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﱃ. وإﻧﻲ َﻟﺴﻌﻴﺪ إذ أرى »ﻣﴫ« ﺗﺴﻤﻮ ﺑﺪراﺳﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ إﱃ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻮﺻﻒ اﻟﺸﻌﻮب وﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن ،ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺼﺪت إﻟﻴﻬﺎ ﺟﻮﻻﺗﻲ ﻫﺬه. وﻟﻘﺪ زادﻧﻲ ﻏﺒﻄﺔ ﻣﺎ ﻻﺣﻈﺖ ﻣﻦ أن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻹﺧﻮان ﺗﺘﺠﻪ ﻋﻨﺎﻳﺘﻬﻢ إﱃ اﻟﺮﺣﻼت، ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺣﴬاﺗﻬﻢ ،وﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺤﺮﺻﻮن ﻋﲆ ﺗﺪوﻳﻦ ﻣﺬﻛﺮات ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﺗﺤﺪﱠث إﱄ ﱠ ﰲ ذﻟﻚ ﻏريُ ٍ ﱠ ﻧﺰف إﱃ أﺑﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﻮﻃﻦ ﻳﻨﴩوﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﻬﻢ؛ ﺣﺘﻰ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﺠﻮﻻﺗﻬﻢ وﺟﻮﻻﺗﻲ أن اﻟﻌﺰﻳﺰ ،ﺑﻠﻐﺘﻪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ »ﻛﺘﺎب اﻟﺪﻧﻴﺎ« ﻳُﻄﺎﻟِﻌﻮن ﻓﻴﻪ أﺣﻮال ﺷﻌﻮب ﺗﻘﺪﱠﻣَ ْﺖ رﻛﺐَ اﻷﻣﻢ، وأﺧﺮى ﺗﺨﻠﻔﺖ ،وﻋﴗ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه أﺣﺴﻦ اﻟﻌِ َﱪ ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ أﺟﻤﻞ اﻷﺛﺮ. وﻳﴪﻧﻲ أن أﺗﻘﺪﱠم ﻟﺤﴬات ﻗﺮاﺋﻲ اﻷﻋﺰاء ﺑﺎﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺑﻌﺪ أن راﺟﻌﺘﻬﺎ وأدﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ اﺳﺘﺤﺪث ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪات.
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﳉﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻛﺎن ﻣﻘﺪ ًرا أن ﺗﻘﻮم ﺑﻨﺎ اﻟﺒﺎﺧﺮة اﻟﻴﻮم ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺄﺧﺮت ﻟﺮداءة اﻟﺠﻮ ﰲ املﻨﺶ وﰲ ﺑﺤﺎر ﻛﺮوﻧﺎ ﻓﺎﻧﺘﻈﺮﻧﺎﻫﺎ ﻃﻴﻠﺔ ﻳﻮﻣَ ﻲ اﻟﺜﻼﺛﺎء واﻷرﺑﻌﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺨﻤﻴﺲ ﻟﻴﻠﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﻨﺘﻈﺮﻫﺎ ﻋﲆ املﻴﻨﺎء ،واﻟﺠﻮ ﻗﺎرس اﻟﱪد واﺑﻞ املﻄﺮ ،وﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﱰﻗﺒﻬﺎ إﱃ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ ﺣني ُ واﻧﴫﻓﺖ ﻋﺎﺋﺪًا إﱃ اﻷوﺗﻴﻞ وﺳﻂ ﺳﻴﻞ ﻣﻦ املﻄﺮ ،وﻟﺸﺪ ﺗﺮﻛﻨﺎ ﻣﺘﺎﻋﻨﺎ ﰲ اﻟﺠﻤﺮك ﻟﻠﺼﺒﺎح ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ دﻫﺸﺘﻲ ﺣني أﻟﻔﻴﺖ اﻷﺑﻮاب ﻣﻐﻠﻘﺔ ،وﻟﺒﺜﺖ أﻃﺮق اﻟﺒﺎب وﻻ ﻣﻦ ﻣﺠﻴﺐ ،وﻗﺪ ُ ﻛﺪت أﻏﺮق ﺑﺜﻴﺎﺑﻲ ﰲ ﻣﺎء املﻄﺮ ﻓﺤﺮت ﰲ أﻣﺮي وأﺧﺬت أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﻧ ُ ُﺰل َ آﺧﺮ ﻓﻠﻢ أﺟﺪ ﻓﻜﻠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻜﺎن أﻧﺎم ﻓﻴﻪ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻬﻤﻮا ﻗﺼﺪي ﻣﻐﻠﻘﺔ ،وﺣﺎوﻟﺖ اﻟﺘﻔﺎﻫﻢ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ املﺎرة ﻋﲆ ﻫﺪﻳﻲ إﱃ ٍ ﻣﻮﻗﻔﺎ ﻗﺎﺳﻴًﺎ ٍّ ً ﺣﻘﺎ ،وأﺧريًا ﻋﺪت إﱃ اﻟﺠﻤﺮك وﺣﺎوﻟﺖ اﻟﺘﻔﺎﻫﻢ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻤﱠ ﺎﻟني، ﻓﻜﺎن ً ُ ُ ﻓﻘﺎدﻧﻲ إﱃ ﻧﺰل ﻗﺮﻳﺐ ﻛﺎن ﻣﻐﻠﻘﺎ ،ﻓﺄﺧﺬ ﻳﻄﺮق اﻟﺒﺎب ﺑﺸﺪة وﻳﺼﻔﻖ وﻳﻨﺎدي ﺣﺘﻰ وﺟﺪ ً رﺟﻼ أودﻋﻨﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﺻﻐرية ﻧﻤﺖ ﻓﻴﻬﺎ إﱃ اﻟﺼﺒﺎح ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﺑﻌﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺪيﱠ ﺛﻴﺎب ﻏري املﺒﺘﻠﺔ اﻟﺘﻲ أﻟﺒﺴﻬﺎ ،ﻓﻨﻤﺖ اﻟﻠﻴﻞ .ﻟﻴﻠﺔ أﻟﻴﻤﺔ ﻟﻦ أﻧﺴﺎﻫﺎ ﺷﺒﻪ ﻋﺎر ﰲ ذاك اﻟﱪد اﻟﻘﺎرس إﱃ اﻟﺼﺒﺎح ،وﻇﻠﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻣﺘﺄﺧﺮة وﻟﻢ ﺗﺤﴬ إﻻ ﻇﻬ ًﺮا. أﻗﻠﻌَ ْﺖ ﺑﻨﺎ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻣﻮﻧﺖ ﺳﺎرﻣﻴﻨﺘﻮ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻬﺮ ،وﻫﻲ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ ١٨أﻟﻒ ﻃﻦ ،وأﻇﺮف ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻬﺎ ذات درﺟﺔ واﺣﺪة؛ ﺟﻤﻴﻊ املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺘﺴﺎوون ﻳﺠﻠﺴﻮن إﱃ ﻣﺎﺋﺪة واﺣﺪة ﻳﻤﺮﺣﻮن ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﻛﺎن ﺟﻞ رﻛﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻷملﺎن واﻹﺳﺒﺎن ﻳﻨﺎﻫﺰون ﺟﻤﻴﻌً ﺎ اﻷرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻣﻌﺪة ﻟﺤﻤﻞ ٢٥٠٠ﻣﺴﺎﻓﺮ ،وﻛﺎن وﺳﻘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ً ﺛﻘﻴﻼ ﺟﺪٍّا ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﻈﻨﺎ؛ ﻷن اﺿﻄﺮاب ﻣﻮج املﺤﻴﻂ ﻟﻢ ﻳَ َﻜ ْﺪ ﻳﺆﺛﱢﺮ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺒﻴﻨﺎ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺒﴫ ﺑﺎﻟﺒﻮاﺧﺮ اﻷﺧﺮى ﺗﻌﻠﻮ ﻣﻊ املﻮج وﺗﻬﺒﻂ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ ﺗﺴري ﰲ اﺗﺰان ﻋﺠﻴﺐ .وﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﻤﺨﺮ ﻋﺒﺎب املﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ اﻟﺮﻫﻴﺐ ﻃﻴﻠﺔ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ وﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ وﻧﺤﻦ ﻣﺴﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﺮﻓﺎق ﻣﺆﻧﺴني وﺟﻮ ﺟﻤﻴﻞ وﺑﺤﺮ رﻓﻴﻖ ،وﻗﺪ أﻋﻠﻦ اﻟﺮﺑﱠﺎ ُن اﻟﺠﻤﻴ َﻊ أن ﱠ ﻳﺘﺄﻫﺒﻮا ملﻨﺎورة
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ً ورﺟﺎﻻ ،وﻳﻘﻒ ﻛ ﱞﻞ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ زورق اﻟﻨﺠﺎة اﻟﺨﺎص ﺑﺤﺮﻳﺔ ﻓﻴﻠﺒﺴﻮا »أﻧﻄﻘﺔ اﻟﻨﺠﺎة« ﻧﺴﺎءً ﺑﺠﻤﺎﻋﺘﻪ ،ﻓﻔﻌﻠﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﻛﺎن ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷﺟﻨﺎس واﻷزﻳﺎء ﺟﺬﱠاﺑًﺎ ،وﻻ أﻧﴗ ﺳﺨﺮﻳﺔ اﻟﻘﻮم واﻧﻔﺠﺎرﻫﻢ ﺿﺎﺣﻜني ملﺎ أن أﺑﴫوا ﺑﺮﺟﻞ ﻏﻠﻴﻆ اﻟﺠﺜﺔ ﻣﻨﺘﻔﺦ اﻟﺒﻄﻦ واﻟﻌﺠﺰ واﻓﺪًا ﻳﺮﺗﺪي ﻧﻄﺎق اﻟﻨﺠﺎة اﻟﺬي زاده ِﺳﻤَ ﻨًﺎ ﻋﲆ ِﺳﻤَ ﻨﻪ ،وﻗﺪ ﺧﺘﻢ اﻟﻘﻮم ﺿﺤﻜﻬﻢ ﺑﺘﺼﻔﻴﻖ ﺣﺎد ﺑﻌﺪ أن ﻗﺎﺑَ َﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﺿﺤﻜﻬﻢ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﺤﻠﻴﻢ اﻟﺮزﻳﻦ ،وﻗﺪ أﺧﺬ اﻟﻘﻮم ﻳﺮدﱢدون ﻛﻠﻤﺔ »ﻣﺎﻧﻴﺎﻧﺎ ﻛﻨﺎرﻳﺎ« وﻫﻢ َﻓ ِﺮﺣﻮن — أﻋﻨﻲ :ﻏﺪًا ﻛﻨﺎرﻳﺎ. ﺗﻔﺘﺤﺖ ﻋﻴﻮﻧﻨﺎ ﰲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ﻋﲆ ﺻﺨﻮر ﺟﺰاﺋﺮ »ﻛﻨﺎرﻳﺎ« اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ وﻫﻲ ﺗﻤﺘﺪ ﰲ ﺳﻼﺳ َﻞ ﻣﺘﻌﺎﻗﺒ ٍﺔ ،ﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺠﺎﻧﺒﻬﺎ ﺳﺎﻋﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺣﺘﻰ رﺳﻮﻧﺎ وﺳﻂ ﻣﻴﻨﺎءِ أﻛ ِﱪ ﺑﻼدﻫﺎ »ﻻس ﺑﺎملﺎس« ،وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ »أﺷﺠﺎر اﻟﻨﺨﻴﻞ« ،أﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻛﻨﺎرﻳﺎ »ﻓﺄرض اﻟﻜﻼب«؛ ﻷن اﻟﺮوم ملﺎ ﺣ ﱡﻠﻮﻫﺎ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ اﺳﺘﺼﺤﺒﻮا إﻟﻴﻬﺎ ﻗﻄﻴﻌً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻼب cannisﻓﺄﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻻﺳﻢ ،ﻓﻜﺄﻧﻲ ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﰲ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻣﻦ أرض »اﻷراﻧﺐ« إﱃ أرض »اﻟﻜﻼب« — وإﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ روﻣﺎﻧﻴﺔ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ »اﻷراﻧﺐ«؛ ﻟﻜﺜﺮة ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان ﻓﻴﻬﺎ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻳﻮم ﺣ ﱠﻠﻬﺎ اﻟﺮوﻣﺎن. رﺳﻮﻧﺎ وﺳﻂ ﻣﻴﻨﺎﺋﻬﺎ اﻟﺬي ﻳﺤﻜﻲ ﺷﻜﻞ ) ٢اﺛﻨني( ،وﺗﻘﻮم اﻷﺑﻨﻴﺔ ﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ وﻫﻲ ً ﻃﻮﻳﻼ ﻋﲆ ﺷﺎﻃﺊ ﺗﺘﺪرج ﺻﻌﺪًا ﻋﲆ ﺳﻔﻮح ﻣﻨﺤﺪراﺗﻬﺎ ،واﻟﺒﻠﺪة ﺿﻴﻘﺔ اﻟﻌﺮض ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻤﺘﺪ املﺎء ،وﺗﺘﺪرج اﻟﺠﺒﺎل ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ ،وأﻋﻼﻫﺎ ﺟﺒﺎل »ﺗﻨريﻳﻒ« ،وﺟﻠﻬﺎ ﻣﺠﺪب ﻋﺎر ﻋﻦ اﻟﻨﺒﺖ، ً ﺟﻤﻴﻼ وﻳﺸﻖ اﻟﺒﻠﺪة ﺗﺮام ﺻﻐري وأﻫﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻘﺮاء اﻹﺳﺒﺎن ،و َﻛ ْﻢ ﻛﺎن ﻣﺸﻬﺪ ﺟﻤﻮﻋﻬﻢ وﻗﺪ اﻟﺘﻔﻮا ﺑﺰوارﻗﻬﻢ اﻟﺼﻐرية ﺣﻮل ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ وﺑﺴﻄﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻌﺮوﺿﺎﺗﻬﻢ ﻟﻠﺒﻴﻊ ،وﺟﻠﻬﺎ ﻣﻦ أﺷﻐﺎل اﻟﻬﻨﺪ واﻟﻴﺎﺑﺎن — أﻗﻤﺸﺔ وﺣﺮاﻳﺮ وﻣﺨﺮﻣﺎت وﺧﺮط اﻟﻌﺎج … إﻟﺦ — ﻫﺬا إﱃ اﻟﺴﺠﺎﺋﺮ وﺑﻌﺾ اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ،وﻋﺠﺒﺖ ﻣﻦ رداءة اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،وﺣﺘﻰ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﺑﻼد اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ ،ﻓﻨﻮع اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﺘﻌﺪد ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺗﻔﺘﻘﺮ إﱃ اﻟﺠﻮدة ،وﺧري ﻣﺎ راﻗﻨﻲ ﺑﻬﺎ املﻮز ﻣﻊ أﻧﻪ وﻟﻴﺪ ﺑﻴﺌﺔ ﺣﺎرة ﻏري ﺑﻴﺌﺘﻬﻢ ،وزاد املﻮﻗﻒ ﻣﺮﺣً ﺎ أﻟﻖ ﰲ اﻟﺒﺤﺮ ﺻﻴﺎح اﻟﺼﺒﻴﺔ »أوﻳﺠﺎ — أي اﺳﻤﻊ«» ،ﻛﺎﻓﺎﻟريي أو ﺳﻨﻴﻮر — أي ﺳﻴﺪي« ِ )أو ﻧﺎﺑﺴﻴﻨﺎ( وﻣﺎ ﻛﺪﻧﺎ ﻧﻠﻘﻲ ﻟﻪ اﻟﻘﺮش ﰲ اﻟﻴﻢ ﺣﺘﻰ رﻣﻰ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻏﺎص ﰲ املﺎء واﻟﺘﻘﻄﻪ ﰲ ﻓﻤﻪ .وﻟﻢ ﻧﺸﻒ ﻣﻦ »ﻻس ﺑﺎملﺎس« ﻏﻠﺔ؛ إذ ﻟﻢ ﻳﺠﺎوز وﻗﻮف اﻟﺒﺎﺧﺮة ﺑﻬﺎ ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت ،وﰲ اﻟﻌﺎﴍة ﻗﻤﻨﺎ ﻧﺸﻖ ﻋﺒﺎب املﺎء وﻗﺪ اﻛﻔﻬ ﱠﺮ اﻟﺠﻮ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ،وﻏﻀﺐ اﻟﺒﺤﺮ ،وﻋﻼ املﻮج، وﻛﺎدت ﺗﻌﻠﻮ وﺟﻮه اﻟﻘﻮم ﻏﱪة ووﺟﻞ ﻟﻮﻻ أن اﺗﺰان اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻗﺪ ﻋﺎد ﻓﻄﻤﺄﻧﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ. ﺟﻠﺴﻨﺎ إﱃ ﻣﺎﺋﺪة اﻟﻐﺪاء وﺻﺎد َ َف ﺟﻠﻮﳼ ﰲ ﻣﺠﺎورة ﻋﺎﺋﻠﺔ أرﺟﻨﺘﻴﻨﻴﺔ ﺗﻘﻄﻦ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ،وﻛﺎن ﻟﻬﻢ ﻏﻼم ﰲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﴩة ،وﺳﻴﻢ اﻟﻮﺟﻪ ،ﻧﺤﻴﻞ اﻟﺠﺴﻢ ،ﻇﺮﻳﻒ اﻟﺤﺎﺷﻴﺔ ،ﻛﺎن 14
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻋﲆ ﻇﻬﺮ اﻟﺒﺎﺧﺮة اﻷملﺎﻧﻴﺔ وﺳﻂ اﻷﻃﻠﻨﻄﻴﻖ.
ﺳﻠﻮﺗﻲ ﻷﻧﻪ ﻳﻌﺮف اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،وﻗﺪ أدﻫﺸﻨﻲ ﻣﺴﺘﻮى ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ ﻋﲆ ﺣﺪاﺛﺔ ﺳﻨﻪ ،ﻓﻜﺎن ﻛﺜري اﻟﻘﺮاءة ﻳﺴﺘﻌري اﻟﻜﺘﺎب ﺗﻠﻮ َ ُ أﻛﱪت ﻓﻴﻪ ﺳﻌﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻪ اﻟﻌﺎﻣﺔ، اﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺒﺎﺧﺮة ،وﻗﺪ 15
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﺄﻧﻲ ﻣﴫي أﺧﺬ ﻳﺤﺪﱢﺛﻨﻲ ﻋﻦ ﻛﺜري ﻣﻦ آﺛﺎرﻧﺎ — اﻷﻫﺮام واﻟﻜﺮﻧﻚ وﺗﻮت ﻋﻨﺦ — وﻋﻦ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ وﻣﺎ أﺗﻮا ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ،وﻗﺎل ﺑﺄن أﺟﺪادﻛﻢ ﻻ ﺷﻚ ﻓﺘﺤﻮا أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻗﺒﻞ ﻛﻮملﺐ؛ ﻷﻧﺎ ﻧﻌﻠﻢ أن ﻛﻞ ﺷﻌﻮب أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻜﻤﻬﺎ ﻣﻠﻜﺔ واﺣﺪة ﰲ املﻜﺴﻴﻚ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ »إﻳﺰﻳﺲ« ،وﺗﻠﻚ إﺣﺪى آﻟﻬﺔ املﴫﻳني ،وﻗﺪ ﺧﻠﻒ املﴫﻳﻮن ﰲ املﻜﺴﻴﻚ آﺛﺎرﻫﻢ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﻫﺮام اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ واﻟﻨﺤﻮت واﻟﻨﻘﻮش ،وأﻳﱠﺪ ﻗﻮﻟﻪ ﺑﺄن ﻗﺎرة »أﻧﻠﻨﺘﻴﻜﺎ« ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﺎﻟﺠﺪﻳﺪة — وﻗﺪ ﻏﺮﻗﺖ اﻟﻴﻮم — ﻓريﺟﺢ أن ﻳﻜﻮن املﴫﻳﻮن ﻗﺪ وﺻﻠﻮا أﻣﺮﻳﻜﺎ ﺑﻮﺳﺎﻃﺘﻬﺎ أو ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺳﻔﻨﻬﻢ .ﺛﻢ أﺧﺬ ﱢ ﻳﻔﴪ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻠﺪان — ﻣﺜﻞ :إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻛﻨﺎرﻳﺎ — وﻗﺪ ﻗﺎل ﺑﺄن ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺪﻳﺮا أرض اﻟﻐﺎﺑﺎت ﻟﻜﺜﺮﺗﻬﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ ،وﻻ ﺗﺰال ﻛﻠﻤﺔ »ﻣﺪﻳﺮا« ﺑﺎﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺗﺪل ﻋﲆ »اﻟﺨﺸﺐ« ،وﻣﻌﻨﻰ أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ أرض اﻟﻔﻀﺔ ،ورﻳﻮد ﻟﺒﻼﺗﺎ ﻧﻬﺮ اﻟﻔﻀﺔ — ﻷن ﺑﻼﺗﺎ ﻫﻲ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﱠني واﻟﻨﺠﻢ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﻔﻀﺔ .ﺛﻢ ﺟﺮﻧﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ إﱃ اﻟﺴﻴﺎرات واﻟﻨﺠﻮم ،ﻓﻜﺎن ﻋﻠﻴﻤً ﺎ ﺑﺎﻟﺪﺑ ْ ِ اﻟﻘﻄﺒﻲ اﻟﺸﻤﺎﱄ ،وﻗﺎل ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺮاﻫﺎ ﰲ اﻷرﺟﻨﺘني ﻓﻠﻨﺎ ﺑﺮج َ آﺧﺮ ﻫﻮ ﺻﻠﻴﺐ اﻟﺠﻨﻮب ﻳﻬﺪﻳﻨﺎ إﱃ اﻟﻨﺠﻢ اﻟﻘﻄﺒﻲ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،إﱃ ذﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻳﺠﻴﺪ ﻟﻌﺐ اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ ،ﻓﻘﻠﺖ ﰲ ﻧﻔﴘ إن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﺜﻞ أﻫﻞ أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ وﻣﺴﺘﻮاﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻓﻬﻢ إذن ﻳﻔﻮﻗﻮن اﻷوروﺑﻴني ﻋﻠﻤً ﺎ وذﻛﺎءً! أﺻﺒﺤﻨﺎ واﻟﺒﺤﺮ أﻫﺪأ ﻣﻦ أﻣﺲ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﻳﺢ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ ﺗﻬﺐ ﰲ ﴎﻋﺔ ﻛﺒرية وﺛﺒﺎت ﻋﲆ اﺗﺠﺎﻫﻬﺎ ،أذﻛﺮﻧﻲ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻴﺪ ﻋﻬﺪ اﻟﻜﺸﻒ اﻷول ﻳﻮم اﻓﺘﻘﺮت اﻟﺴﻔﻦ اﻟﴩاﻋﻴﺔ ﻟﺪﻓﻊ اﻟﺮﻳﺎح؛ ﻓﻬﻲ ﺧﻠﻴﻘﺔ ﺑﺎﺳﻢ »اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ«؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺷﻚ ﻋﺎوﻧﺖ ﻋﲆ ﻧﻘﻞ اﻟﺴﻠﻊ واملﺘﺎع ﻛﺜريًا .وﰲ اﻟﻠﻴﻞ وﻗﻔﺖ أﺗﻜﺊ ﻋﲆ ﻣﺆﺧﺮ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ أﺷﺎﻫﺪ ﻧﺰاﻋﻬﺎ ﻣﻊ املﻮج ،وﻗﺪ ﺷﻘﺖ املﺎء ﻓﺄرﻏﻰ وأزﺑﺪ وﺑﺪا ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ ﻧﻬ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻦ اﻟﺨﺎﻟﺺ ﻳﻤﺘﺪ إﱃ اﻷﻓﻖ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻇﻼم اﻟﻠﻴﻞ ﺣﺎﻟ ًﻜﺎ .أﺧﺬ اﻟﺨﻴﺎل ﻳﴪح ﰲ ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎوات واﻷرض وﰲ ﺟﻼل اﻟﻘﺪرة، وإذا ﺑﺼﻴﺺ ﻛﺜﺮﻳﺎت اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﺗﺘﻔﺘﺢ وﺗﺘﻮﻫﺞ ،ﺛﻢ ﻻ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﺨﺒﻮ وﺗﻨﻄﻔﺊ وﺳﻂ املﺎء، ً ﺧﺎﻃﻔﺎ وﻋﺪدﻫﺎ ﻓﺨﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ﻧﺠﻮم اﻟﺴﻤﺎء ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ املﺎء ﻟﻜﻦ ﺑﺮﻳﻘﻬﺎ ﻛﺎن وﻓريًا ﻛﺎد ﻳﻔﺮش املﺎء ﰲ ﻣﺆﺧﺮ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ،ﻓﺄﻳﻘﻨﺖ ﺑﺄن ﺗﻠﻚ ﺟﻤﻮع »اﻟﺴﻤﻚ اﻟﻔﺴﻔﻮري« ﻳﴤء وﻳﺨﺒﻮ ،وﻟﻘﺪ أزﻋﺠﺘﻪ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﰲ ﻣﻘﺮه ﻓﺎﻫﺘﺎج وأﺿﺎء ﰲ ﻣﺸﻬﺪ ﺟﻤﻴﻞ رﻏﻢ دﻗﺔ ﻫﻴﻜﻠﻪ اﻟﺬي ﻻ ﺗﺮاه ﻋﻴﻮﻧﻨﺎ املﺠﺮدة. ً ُ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ أﺣ ﱡﻞ ﻏﺮﻓﺔ Cabinﺑﻬﺎ أرﺑﻌﺔ ﻋﻤﻴﻘﺎ ،وﻗﺪ ﻧﻤﺖ ﻟﻴﻠﺘﻲ اﻟﻔﺎﺋﺘﺔ ﻧﻮﻣً ﺎ أﺷﺨﺎص ﻛﻠﻬﻢ ﻣﻦ اﻹﺳﺒﺎن اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌﻮزﻫﻢ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ؛ ﻳﺒﺼﻘﻮن وﻳﺘﻤﺨﻄﻮن وﻳﻐﺴﻠﻮن ﺛﻴﺎﺑﻬﻢ داﺧﻞ »اﻟﻘﻤﺮة «Cameraوﻻ ﻳﺮاﻋﻮن إﺣﺴﺎس اﻟﻐﺮﻳﺐ وﺳﻄﻬﻢ ،ﻓﻴﺘﻜﻠﻤﻮن ﺑﺼﻮت ﻣﺮﺗﻔﻊ ﺳﻮاء أﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺒﻜ ًﺮا ﰲ اﻟﺼﺒﺎح أم ﻣﺘﺄﺧ ًﺮا ﰲ اﻟﻠﻴﻞ! ذﻫﺒﺖ إﱃ اﻟﺮﺋﻴﺲ Chief steward 16
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺟﺮاف ﺗﺴﺒﻠني ﻳﺤﻠﻖ ﻓﻮق ﻣﻴﺎه رﻳﻮدﺟﻨريو.
ورﺟﻮﺗﻪ أن ﻳﺮﺣﻤﻨﻲ ﺑﻐﺮﻓﺔ أﻗﻞ زﺣﺎﻣً ﺎ ،ﻓﻜﺎن ﺣﻈﻲ ﰲ ﻏﺮﻓﺔ ذات ﴎﻳﺮﻳﻦ ﺣﻠﻠﺘﻬﺎ أﻧﺎ وﺣﺪي؛ وذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻋﻠﻢ ﺑﺄﻧﻲ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﻗﺪ اﻋﺘﺬر إﱄ ﱠ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺮف ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ، وﻗﺪ أوﴅ اﻟﺨﺎدم ﺑﻲ ﺧريًا. ﻛﺎن اﻟﺒﺤﺮ ﻫﺎدﺋًﺎ واملﺎء ﻛﺄﻧﻪ ﻟﺞ ﻣﻦ اﻟﺰﻳﺖ ،ﻋﲆ أن ﺳري اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺑﻄﻲء ﻟﺜ َِﻘﻞ ﻋﺒﺌﻬﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﺣﻤﻠﺖ ﻓﻮق ﻃﺎﻗﺘﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻣﻌﺪل ﴎﻋﺘﻬﺎ ﺑني ١٣وً ١٤ ﻣﻴﻼ ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ ،وﻛﻨﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﰲ ﺳريﻧﺎ إﱃ اﻟﺠﻨﻮب ﺑﻜﺮ ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ؛ ﻷن اﻟﻨﻬﺎر أﺧﺬ ﰲ اﻟﻘﴫ ﺗﺪرﻳﺠﻴٍّﺎ ﻛﻲ ﻳﺴﺎوي اﻟﻠﻴﻞ ﻋﻨﺪ ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء ،ﻋﲆ أن ذﻟﻚ ﻛﺎن ﻳُﻌﻮﱠض ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ﺑﺴريﻧﺎ إﱃ اﻟﻐﺮب، ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﱠﻣْ ﻨﺎ ﻏﺮﺑًﺎ ﱠ ﺗﺄﺧﺮ اﻟﻐﺮوب؛ ﻷن اﻟﺸﻤﺲ إذا ذاك ﺗﴩق ﻣﺘﺄﺧﺮة وﺗﻐﺮب ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻋﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﴩﻗﻴﺔ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻳﻀﻄﺮﻧﺎ أن ﱢ ﻧﺆﺧﺮ ﺳﺎﻋﺘﻨﺎ زﻫﺎء ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ﻛﻞ ﻳﻮم، وﰲ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻣﺴﺎءً ملﺤﻨﺎ ً ﻗﺒﺴﺎ ﻣﻦ ﻧﻮر إﱃ ﻳﺴﺎرﻧﺎ ،وذاك ﻓﻨﺎر ﰲ أﻗﴡ ﺷﻤﺎل ﺟﺰر اﻟﺮأس اﻷﺧﴬ ،وﻋﺠﻴﺐ أﻧﺎ أﺧﺬﻧﺎ ﻧﺴري إزاء ﺳﻮاﺣﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻃﻮال اﻟﻠﻴﻞ ،وﰲ اﻟﺼﺒﺎح ﺗﺠﲆ إﱃ ﻳﻤﻴﻨﻨﺎ ﻃﺮف ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰاﺋﺮ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﰲ ﻣﺨﺮوط ﺑﺮﻛﺎﻧﻲ ﻫﺎﺋﻞ ﻋﻠﻮه ﺷﺎﻫﻖ ،وﻛﺎن ﻳﺒﺪو 17
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ً ﺟﻤﺎﻻ ﺑﻘﻊ ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺎب َﻛ َﺴ ْﺖ وﺳﻄﻪ ﻓﺎﺗ ًﺮا وﺳﻂ رﻃﻮﺑﺔ اﻟﺠﻮ واﻧﺘﺸﺎر اﻟﻀﺒﺎب ،وزاده ﻓﻜﻨﱠﺎ ﻧﺮى ذراه ﻧﺎﺗﺌﺔ ﻓﻮق ﻧﻄﺎق أﺑﻴﺾ ﻣﻦ ﺳﺤﺎب اﻟﺴﻤﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﱪﻛﺎن وﺷﻄﺂن اﻟﺠﺰﻳﺮة ﺑﺎدﻳﺔ أﺳﻔﻠﻪ ،ﻳﴬب املﻮج ﰲ ﺳﻮاﺣﻠﻬﺎ ﰲ أﻧﺎة ورﻓﻖ. وﺑﻌﺪ اﻹﻓﻄﺎر ﺑﺪأت املﻮﺳﻴﻘﻰ ﺗﻌﺰف ﻷول ﻣﺮة ﻣﻨﺬ ﻏﺎدرﻧﺎ ﻓﻴﺠﻮ؛ ﻷن اﻟﻘﻮم ﻗﺪ أﻋﻠﻨﻮا اﻟﺤﺪاد ﻋﲆ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻫﻨﺪﻧﱪج اﻟﺬي ﻗﴣ ﻧﺤﺒﻪ ﻳﻮم ﺑﺮﺣﻨﺎ ﻓﻴﺠﻮ ،وﻛﺎﻧﺖ وﻃﻨﻴﺔ اﻷملﺎن ﱢ ﻣﺘﻮﻗﺪة؛ ﻛﻠﻤﺎ ﺟﺮﻧﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻌﻬﻢ ﻋﻦ أملﺎﻧﻴﺎ ذﻛﺮوا »ﻫﺘﻠﺮ« ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻨﻘﺬ أملﺎﻧﻴﺎ ٍّ ﺣﻘﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻣَ ﺜَﻞ أﻋﲆ ﻟﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﻛﻔﺎه ﻓﺨ ًﺮا أﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﻘﺎﴇ »ﻣﺎر ًﻛﺎ« واﺣﺪًا ﻣﻦ ﻣﺎل اﻟﺪوﻟﺔ؛ ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻤﻞ ﻟﻠﻮﻃﻦ ﺑﺪون أﺟﺮ ،وﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻐﻨﻲ ،ﺑﻞ ﻳﻀﻤﻦ آراءه ُﻛﺘُﺒًﺎ وﻣﻦ ﻣﻮرد أﺛﻤﺎﻧﻬﺎ ﻳﻌﻴﺶ. وﻟﻘﺪ ﺣﺪﱠﺛﻮﻧﻲ ﻋﻦ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻴﻬﻮد ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻓﻘﺎﻟﻮا ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺸﻌﺮون ﺑﺎﻟﻌﻄﻒ ﻋﲆ أملﺎﻧﻴﺎ وﺣﺮﻛﺘﻬﺎ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻷملﺎن ،وﻛﺎن ﻫﻤﻬﻢ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻮﻗﻒ واﻟﺠﺮي وراء املﺎل ﻓﺤﺴﺐ ،وﻗﺪ ﻋ ﱠﻠﻠﻮا ذﻟﻚ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻋﻨﴫ َ آﺧﺮ ﻏري أملﺎﻧﻲ ﻫﻮ اﻟﻌﻨﴫ اﻟﺴﺎﻣﻲ ،وذﻟﻚ ﻣﺎ ﺣﺪا ﺑﻬﻢ إﱃ ﻋﺪم اﻟﺘﻌﺼﺐ ﻟﻘﻮﻣﻴﺘﻬﻢ اﻷملﺎﻧﻴﺔ ،ﻋﲆ أﻧﻲ ر َدد ُ ْت ﺣﺠﺘﻬﻢ ﻫﺬه ﺑﺄن اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ً ﻣﺜﻼ واﻟﻔﺮﻧﺴﻴني ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺲ اﻵري ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻢ ﻣﻌﺎدون ﻷملﺎﻧﻴﺎ ،ﻓﻔﻜﺮة اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺬات ﺷﺄن ﺑﻞ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻫﻮ ﻛﻞ ﳾء ،وﻳﻈﻬﺮ أن »ﻣﺎدﻳﺔ« اﻟﻴﻬﻮد ﻫﻲ اﻟﺘﻲ أَﻧ ْ َﺴﺘْﻬﻢ واﺟﺒﻬﻢ اﻟﻘﻮﻣﻲ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻳﺮاﻓﻘﻨﺎ ﻋﲆ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﺟﻤﻊ ﻣﻦ ﻳﻬﻮد اﻷملﺎن ﻫﺎﺟﺮوا إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ ،وﻗﺪ ذﻛﺮوا ﺑﻌﺾ اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻫﺘﻠﺮ؛ إذ ﻛ ﱠﻠ َ ﻒ أﺻﺤﺎبَ اﻷﻋﻤﺎل أن ﻳﻤﺪﱡوا ﻋﻤﱠ ﺎﻟﻬﻢ ﺑﺈﻋﺎﻧﺔ ﻣﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ ٢٠ﻣﺎر ًﻛﺎ ﰲ اﻟﺸﻬﺮ ﻟﻜﻞ ﻃﻔﻞ إﱃ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﴩة، أﻋﻨﻲ أن ﻣَ ﻦ ﻳﻌﻮل ﺳﺘﺔ أﻃﻔﺎل ﻳﺘﻘﺎﴇ ١٢٠ﻣﺎر ًﻛﺎ ﻓﻮق ﻣﺮﺗﺒﻪ اﻟﺸﻬﺮي ،أي ﻧﺤﻮ ﻋﴩة ﺟﻨﻴﻬﺎت — اﻟﺠﻨﻴﻪ ١٢ﻣﺎر ًﻛﺎ — وﻗﺎﻟﻮا ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺤﺘﻢ ﻋﲆ اﻟﻨﺶء ﺟﻤﻴﻌً ﺎ اﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﺮﻳﺎﴈ َ اﻷملﺎن ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻟﻠﺤﺮب إن دﻋﺖ اﻟﺤﺎل ،ﻋﲆ أﻧﻬﻢ ﻣﻐﺎﻟﻮن ﰲ ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﻢ اﻟﻌﺴﻜﺮي؛ ﻛﻲ ﻳﻌ ﱠﺪ ﻟﻠﺠﻨﺴﻴﺔ؛ ﻓﻬﻢ ﺿﺪ ﻓﻜﺮة اﻻﺧﺘﻼط ﺑﺄي ﺟﻨﺲ ﻏري »اﻵري« ،وﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﱄ اﻟﻔﺮق واﺿﺤً ﺎ ﺑني اﻷملﺎن وﺳﺎﺋﺮ اﻟﺠﻨﺴﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﰲ اﻟﺒﺎﺧﺮة — وﻏﺎﻟﺐ َ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻹﺳﺒﺎن واﻟﱪﺗﻐﺎل — ﺛﻘﺎﻓﺔ وأرق ً ً ً ﻋﻞ ﻛﺄﻧﻬﻢ ذوﻗﺎ وأﻛﺜﺮ ﻓﻬﻢ أﻋﲆ ﻧﻈﺎﻓﺔ ،ﻋﲆ أﻧﻬﻢ ﻳﻨﻈﺮون إﱃ اﻟﻐري ﻧﻈﺮة ﻣﻦ ٍ ﱠ وﻛﺄن أﺟﺴﺎدﻫﻢ ﻗﺪ ﻋﺎوﻧﺘﻬﻢ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮات اﻟﻌﻠﻴﺎ؛ ﻓﻜﻠﻬﻢ ﻋﻤﺎﻟﻘﺔ اﻟﺴﺎدة املﱰﻓﻌﻮن، ً ورﺟﺎﻻ ،واﻟﺬي ﻳﻘﺎرب أﻃﻮاﻟﻨﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﺷﺎذﱞ ﻗﺰم ﺑﻴﻨﻬﻢ. ﻧﺴﺎءً ً ﺷﻤﺎﻻ؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎدت اﻟﺸﻤﺲ ﺗﻜﻮن ﻓﻮق رءوﺳﻨﺎ ﻇﻬ ًﺮا؛ ﻛﻨﱠﺎ ﺣﻮاﱄ ﺧﻂ اﻟﻌﺮض °١٠ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن اﻟﺤﺮ ﺷﺪﻳﺪًا ،ﻋﲆ أﻧﱠﺎ ﰲ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺎر ﻻﺣﻈﻨﺎ ﱡ ﺗﻐريًا ﰲ اﺗﺠﺎه اﻟﺮﻳﺢ؛ ﻓﻘﺪ أﺿﺤﺖ ﺟﻨﻮﺑﻴﺔ ﻏﺮﺑﻴﺔ — وﻫﻲ املﻮﺳﻤﻴﺔ اﻟﺼﻴﻔﻴﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺻﻘﺎع — ﻓﺨﻔﻔﺖ ﻣﻦ 18
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺷﺪة اﻟﺤﺮ ،وزادت رﻃﻮﺑﺔ اﻟﺠﻮ ،وﰲ املﺴﺎء ﺗﻠﺒﺪت اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺎﻟﻐﻴﻮم وﺳﺢﱠ املﻄﺮ ً واﺑﻼ ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﻘﻮم ﻟﺰﻣﻮا ﻣﻘﺎﻋﺪ اﻟﺒﻬﻮ اﻟﻜﺒري ﰲ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ .وﻗﺪ أﻗﻴﻤﺖ ﺣﻔﻠﺔ راﻗﺼﺔ ﱠ ﺗﺠﲆ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﺮام ً رﺟﺎﻻ وﻧﺴﺎءً ،ﺷﻴﺒًﺎ وﺷﺒﱠﺎﻧًﺎ ،ﻳﻘﺼﺪ اﻟﻮاﺣﺪ إﱃ أﻳﺔ ﺳﻴﺪة ﺟﺎﻟﺴﺔ ﺣﺘﻰ وﻟﻮ اﻟﻘﻮم ﺑﺎﻟﻠﻬﻮ ً راﻗﺼﺎ وإﻳﺎﻫﺎ ﻋﲆ أﻧﻐﺎم املﻮﺳﻴﻘﻰ ،وﻛﻨﺖ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ﻳﻄﻠﺒﻬﺎ ﰲ رﻓﻖ وﻳﺨﺎﴏﻫﺎ أدﻫﺶ ﻟﻠﻜﺜري ﻣﻤﱠ ﻦ ﻛﺴﺎ اﻟﺸﻴﺐُ َ رءوﺳﻬﻢ وأﺣﻨﻰ اﻟﺰﻣﺎن ﻇﻬﻮرﻫﻢ ﻳﺸﺎﻃﺮون اﻟﺠﻤﻊ ﰲ اﻟﺮﻗﺺ ﰲ ﻏري ﺣﻴﺎء وﻻ اﻛﱰاث ،ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ ﻫﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﰲ ﻋﺮﻓﻬﻢ؛ ﻳﺴﺎﻫﻢ املﺮء ﰲ ﺣﻠﻮﻫﺎ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع إﱃ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ .ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻳﺪﻫﺸﻨﻲ ﺑﻌﺾ اﻷزﻳﺎء اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﺪوﻧﻬﺎ ﰲ أﺷﻜﺎل ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣُﻀﺤِ ﻜﺔ ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺮﺟﻞ ً ﻛﻬﻼ واملﺮأة ﻣﻨﻔﺮة اﻟﺴﺤﻨﺔ ﻛﺌﻴﺒﺔ املﻨﻈﺮ ﻋﺠﻮ ًزا ﺷﻤﻄﺎء، ٍ وأرﺑﻄﺔ ﻟﻠﺮﻗﺒﺔ ﺗﺤﻜﻲ أزﻳﺎء اﻟﺮﺟﺎل ،إﻻ ﰲ أﻟﻮاﻧﻬﺎ اﻟﻔﺎﺿﺤﺔ، ﻟﻜﻨﻚ ﺗﺮاﻫﺎ آﻧًﺎ ﰲ ﴎاوﻳ َﻞ وﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ أو اﺛﻨﺘني ﺗﺮاﻫﺎ ﺗﺴري ﺷﺒﻪ ﻋﺎرﻳﺔ ،وآﻧًﺎ ﰲ اﻷردﻳﺔ املﻬﻔﻬﻔﺔ ،وﺣﺘﻰ ﻗﺴﺲ اﻟﺒﺎﺧﺮة — وﻛﺎن ﻳﺰاﻣﻠﻨﺎ ﺛﻼﺛﺔ ،ﻣﻨﻬﻢ اﺛﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚَ ، وآﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ — ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸﺎﻃﺮون ﰲ اﻟﺮﻗﺺ وﰲ ﺗﻐﻴري اﻷزﻳﺎء ،وﰲ ﻣﺴﺎﻣﺮة اﻟﻨﺴﺎء ذﻫﺎﺑًﺎ وﺟﻴﺌﺔ ﻋﲆ ﺳﻄﺢ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺷﺄن ﺟﻤﻴﻊ املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ. أﺻﺒﺤﻨﺎ واﻟﺠﻮ أﺧﻒ ﺣﺮار ًة واﻟﺮﻳﺢ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺗﻬﺐ ﰲ اﻧﺘﻈﺎم ،وﻛﺎن اﻟﻘﻮم ﺣﻔﻞ اﺑﺘﻬﺎﺟً ﺎ ﺑﻌﺒﻮره — وﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﻳﺘﺄﻫﺒﻮن ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء ،وﻳﻌﺪﱡون اﻟﻌﺪة ﻹﻗﺎﻣﺔ ٍ ُ ﻋﻴﺪ ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء — وﻗﺪ اﻛﺘﺘﺐ اﻟﺮﻛﺎب ﰲ ﴍاء ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻮ ﱠزع ﻋﲆ اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ، وﻳﺸﺘﻤﻞ اﻟﺤﻔﻞ ﻋﲆ اﻟﺘﻌﻤﻴﺪ واﻟﺮﻗﺺ وﻋﺮض اﻷﻟﻌﺎب. ً ً ﻋﻤﻴﻘﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ُﻣﻠِﺊ ﻣﻦ ﻣﺎء املﺤﻴﻂ ،ﺛﻢ ﺣﻮﺿﺎ أﻗﺎم اﻟﺒﺤﱠ ﺎرة ﰲ ﺳﻄﺢ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻟﺒﺲ ﺑﻌﻀﻬﻢ أردﻳﺔ اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ﺑﺸﻌﻮرﻫﻢ اﻟﻬﺎدﻟﺔ وﺟﻮﻫﻬﻢ املﺤﻤﺮة وﺛﻴﺎﺑﻬﻢ املﻬﻠﻬﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻜﺴﻮ ﻣﻦ اﻷﺟﺴﺎد ﺷﻴﺌًﺎ ،وﻗﺪ أﻣﺴﻜﻮا ﺑﺤﺮاﺑﻬﻢ ،وﻛﺎن رﺋﻴﺴﻬﻢ ﻳﻤﺜﱢﻞ ﻧﺒﺘﻮن إﻟﻪ املﺎء ﺑﻠﺤﻴﺘﻪ اﻟﻬﺎدﻟﺔ وﻣﻌﻪ أﻧﺼﺎره وﻗﻀﺎﺗﻪ ،وﻃﺎﻓﻮا ﻳﺼﻴﺤﻮن ﺻﻴﺤﺎت ﻣﺰﻋﺠﺔ ،ﺛﻢ ﺻﻔﻮا إﱃ ﺟﻮار اﻟﺤﻮض وﻗﺎم ﺳﻴﺪﻫﻢ ﻳﺨﻄﺐ ،ﺛﻢ ﺗﻼه َ آﺧﺮ ﻳﻨﺎدي أﺳﻤﺎء ﻣَ ﻦ ﻳﺮﻳﺪون اﻟﺘﻌﻤﻴﺪ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺠﻠﺲ اﻟﻮاﺣﺪ ﻋﲆ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺤﻮض ،ﺛﻢ ﻳﺘﻘﺪﱠم اﻟﺤﻼق وﻳﻤﺴﺢ وﺟﻬﻪ ﺑﻔﺮﺷﺔ ﻛﺒرية ﻛﺴﺎﻫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺠني ﺑﺪل اﻟﺼﺎﺑﻮن ،ﺛﻢ ﻳﻠﻘﻲ ﺑﻪ ﰲ اﻟﺤﻮض ﺑﺸﺪة ﻣﺨﻴﻔﺔ ،ﻓﻴﺘﻨﺎوﻟﻪ ﰲ املﺎء َ آﺧﺮان ﻃﻮﻳﻼ وﻫﻮ ﻳﺤﺎول اﻟﻨﺠﺎة ﺣﺘﻰ ﻳﻔ ﱠﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻳﺠﺮي ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻧﺐ َ ً اﻵﺧﺮ وﻫﻮ ﻳﻐﻮﺻﺎن ﺑﻪ ً ً وﻣﺨﻴﻔﺎ ﻟﺒﺚ زﻫﺎء ﺳﺎﻋﺘني وﺟﻤﻬﻮر املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﻳﺘﺰاﺣﻤﻮن ﺟﻤﻴﻼ ﻳﻘﻄﺮ ﻣﺎءً ،ﻛﺎن ﻣﺸﻬﺪًا ﺣﻮﻟﻪ وﻳﻐﺮﻗﻮن ﰲ اﻟﻀﺤﻚ واﻟﴪور .ﺛﻢ أﻗﺒﻞ املﺴﺎء وﻗﺪ ُزﻳ َﱢﻦ اﻟﺒﻬﻮ اﻟﻜﺒري ﺑﺎﻟﺜﺮﻳﺎت اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﰲ أﻟﻮان ﻋﺪة ﺗﺤﻮﻃﻬﺎ أ ُ ُ ﻃﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺮ واﻟﻮرق املﻠﻮﱠن ،ﺛﻢ ﻋﺰﻓﺖ املﻮﺳﻴﻘﻰ وأﻗﻴﻢ املﺮﻗﺺ 19
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻣﻴﻨﺎء رﻳﻮدﺟﻨريو.
ً ورﺟﺎﻻ أردﻳﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ ،ﻓﺒﻌﻀﻬﻢ ﰲ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻣﺎ ﺷﻬﺪت أﺑﺪع ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ؛ ﻟﺒﺲ اﻟﻘﻮم ﻧﺴﺎءً ﺑﺪا ﰲ أردﻳﺔ ﻣﻬﻠﻬﻠﺔ ،وآﺧﺮون ﰲ أردﻳﺔ اﻟﻬﻨﻮد ،واﻟﺒﻌﺾ ارﺗﺪى اﻟﻄﺮاﺑﻴﺶ اﻟﱰﻛﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻬﻼل ،واﻟﺒﻌﺾ ﺑﻘﺒﻌﺎت ﻟﻠﺴﺨﺮﻳﺔ ﻻ ﻳﺘﻤﺎﻟﻚ اﻟﻮاﺣﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻟﻀﺤﻚ ملﺠﺮد اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻗﺪ َ َ وﺟﻮﻫﻬﻢ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ اﻷﻟﻮان ،وﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﻜﻬﻮل اﻟﺸﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻃ َﻠﻮا رددن إﱃ أرذل اﻷﻋﻤﺎر ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ،وﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﺎء ﻇﻬﺮن ﰲ زي اﻟﺮﺟﺎل وﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﰲ أزﻳﺎء اﻟﻨﺴﺎء! وﻗﺪ ﻧﺎل اﻟﺨﻤﺮ ﻣﻦ ﻟُﺒﱢﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﻛﺎن ﻳﺘﺨﻠﻞ أدوار اﻟﺮﻗﺺ ﻣﻘﻄﻮﻋﺎت ﻣﻀﺤﻜﺔ ﻳﻠﻘﻴﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ وﺳﻂ ﻗﻬﻘﻬﺔ اﻟﺠﻤﻴﻊ ،وﻇ ﱠﻞ ﻫﺬا اﻟﺤﻔﻞ اﻟﻐﺮﻳﺐ اﻟﺒﺪﻳﻊ إﱃ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ،وﻛﺎن ﻳﺮأﺳﻪ رﺑﱠﺎن اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ — اﻟﻘﺒﻄﺎن — ﻧﻔﺴﻪ. وﰲ اﻟﺼﺒﺎح أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﺣﻔﻠﺔ اﻷﻟﻌﺎبَ ، ﺳﺎﻫ َﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺼﺒﻴﺔ واﻟﻔﺘﻴﺎت واﻷﻃﻔﺎل واﻟﻨﺴﺎء واﻟﺮﺟﺎل ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﰲ دورﻫﺎ ،وﻏﺎﻟﺐ اﻷﻟﻌﺎب ﻛﺎﻧﺖ ﻣُﻀﺤِ ﻜﺔ ﻣﺴﻠﻴﺔ؛ ﻣﻨﻬﺎ أن ﺗﻮﺿﻊ اﻟﺠﺎﺋﺰة ﺗﺤﺖ إﻧﺎء ﻣﻦ ﺻﻔﻴﺢ ﺛﻢ ﻳﻐﻤﻰ اﻟﻐﻼم ﺑﻤﻨﺪﻳﻞ وﻳﻤﺴﻚ ﺑﻌﺼﺎ وﻳﺴري ﺻﻮب اﻹﻧﺎء ﻟﻴﴬﺑﻪ ﺑﺎﻟﻌﺼﺎ ،ﻓﺈن أﺻﺎب ﺧﻼل ﺛﻼث ﴐﺑﺎت أﺧﺬ اﻟﺠﺎﺋﺰة وإﻻ آبَ ﺧﺎﴎا .وﻣﻨﻬﺎ ً أن ﺗﻮﺿﻊ ﻛﺮة ﻣﻦ اﻟﺒﻄﺎﻃﺲ ﰲ ﻣﻠﻌﻘﺔ ﻳﻤﺴﻜﻬﺎ اﻟﻔﺘﻰ ﺛﻢ ﻳﺠﺮي إﱃ ﺟﻮار أﻗﺮاﻧﻪ ذﻫﺎﺑًﺎ 20
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ورﺟﻌﺔ إﱃ ﺣﺪ ﻣﻌني ،وﻣَ ﻦ ﺳﺒﻖ ﻓﺎز .وﻣﻨﻬﺎ أن ﻳﺮﺳﻢ ﺧﻨﺰﻳﺮ ﺑﺎﻟﻄﺒﺎﺷري ﻣﻜﱪًا ﻋﲆ اﻷرض وﻳﻐﻤﻰ اﻟﻮاﺣﺪ وﺑﻴﺪه اﻟﻄﺒﺎﺷري وﻳﺨﻄﻮ إﻟﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻳﻘﻒ ﺣﻴﺚ ﺷﺎء وﻳﻌني ﺑﺎﻟﻄﺒﺎﺷري ﺻﻠﻴﺒًﺎ، ﻓﺈن أﺻﺎب ﻋني اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ أو ﻛﺎن أﻗﺮب إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ إﺷﺎرة ﻏريه ﻓﺎز .وﻟﻸﻃﻔﺎل ﻟﻌﺒﺔ املﺮﺑﻰ ﻳﺠﺮون إﻟﻴﻬﺎ وﻳﻠﻌﻘﻮﻧﻬﺎ ﺛﻢ ﻳﺤﻤﻞ ﻛ ﱞﻞ َ ﻃﺒﻘﻪ ﻋﺎﺋﺪًا ،وﻣَ ﻦ ﺳﺒﻖ ﻓﺎز ،وﻟﻠﺴﻴﺪات ﻳﺠﻠﺴﻦ وﺑﻴﺪﻫﻦ اﻟﺨﻴﻂ وﻳﺠﺮي إﻟﻴﻬﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺎﻹﺑﺮ »ﻓﺘﻠﻀﻢ« ،ﺛﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮﻧﻬﺎ ﻋﺎﺋﺪﻳﻦ ﺟﺮﻳًﺎ ،أو ﻳﺠﻠﺲ اﻟﻨﺴﺎء وﻣﻌﻬﻦ ﻋﻠﺐ اﻟﺜﻘﺎب وﻳﺠﺮي اﻟﺮﺟﺎل إﻟﻴﻬﻦ وﺑﺄﻓﻮاﻫﻬﻢ اﻟﻠﻔﺎﺋﻒ ﻳﺸﻌﻠﻮﻧﻬﺎ ﻟﻬﻢ ،ﺛﻢ ﻳﺠﺮون ﻋﺎﺋﺪﻳﻦ واﻷﺳﺒﻖ ﻫﻮ اﻟﻔﺎﺋﺰ .ﺛﻢ ُﺧﺘِﻤﺖ اﻷﻟﻌﺎب »ﺑﺸﺪ اﻟﺤﺒﻞ« ﻟﻠﻨﺴﺎء واﻟﺮﺟﺎل واﻟﻔﺘﻴﺎت واﻟﻔﺘﻴﺎن ،ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺑﺪورﻫﺎ ،وﻗﺪ ُو ﱢزع ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﻫﺬه اﻷﻟﻌﺎب ﻋﲆ أرﺑﻌﺔ أﻳﺎم ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺴﻠﻴﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗﺘﺨﻠﻠﻬﺎ ﻓﱰات املﻮﺳﻴﻘﻰ ،وﰲ املﺴﺎء اﻟﺮﻗﺺ. وﻟﺒﺜﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﻟﻌﺎب ﺗﻘﺎم أرﺑﻌﺔ أﻳﺎم ﺣﺘﻰ ﻧﺮﺳﻮ ﻋﲆ أول ﺛﻐﺮ ﺑﻌﺪ ﻋﺒﻮر ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء »رﻳﻮدﺟَ ﻨريو« ،وﺗﻠﻚ اﻟﺤﻔﻼت ﻟﻢ أﺷﻬﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ رﻏﻢ أﻧﻲ ﻋﱪت ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أرﺑﻊ ﻣﺮات ،وﻳﻈﻬﺮ أن اﻷملﺎن ﻗﻮم ﻳﻔﻮﻗﻮن ﻏريﻫﻢ ﰲ ﻣﻴﻠﻬﻢ ﻟﻠﻤﺮح واﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا، آن؛ ﺿﺤً ﻰ وﻇﻬ ًﺮا وﻋﴫًا وﻫﻢ َﻛﻠِﻔﻮن ﺑﺴﻤﺎع املﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻌ َﺰف ﰲ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻛﻞ ٍ وﻣﺴﺎءً وﰲ أﺑﻬﺎء اﻟﻄﻌﺎم ﻋﻨﺪ اﻟﻮﺟﺒﺎت ،وﻗﺪ ُ ﻛﻨﺖ أﺧﺎل اﻷملﺎن — وﻫﻢ ﻣﻦ ﺷﻌﻮب اﻟﺸﻤﺎل — أﻗﺮب إﱃ اﻟﺠﺪ واﻟﺘﻘﻄﻴﺐ وأﺑﻌﺪ ﻋﻦ املﺮح واﻟﻠﻬﻮ ،وإذا ﺑﻬﻢ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻔﺮﻃﻮن ﻣﻐﺎﻟﻮن ﰲ ﺳﻮﻳﻌﺎت ﻓﺮاﻏﻬﻢ. ﺻ ﱠﻔ ِﺖ اﻟﺠﻮاﺋ ُﺰ وﺗﻘ ﱠﺪ َم اﻟﺮﺑﺎن وأﺧﺬ ﻳﺴﻠﻢ ٍّ وﰲ أﺻﻴﻞ اﻟﺜﻼﺛﺎء ُ ﻛﻼ ﺟﺎﺋﺰﺗﻪ وﻳﺤﻴﱢﻴﻪ، وآﺧِ ﺮ اﻟﺠﻮاﺋﺰ ﺷﻬﺎدات اﻟﺘﻌﻤﻴﺪ ُ ﻃ ِﺒﻌﺖ ﰲ ﺷﻜﻞ ﺟﻤﻴﻞ و ُﻛﺘِﺒﺖ ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻜﺒري املﺰﻳﱠﻦ ﺑﺎﻷﻟﻮان، ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺎﻷملﺎﻧﻴﺔ واﻟﺒﻌﺾ ﺑﺎﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻮﻫﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﻬﺎدات اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻟﻜﺒرية، وﻫﺬه ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺎ ورد ﻓﻴﻬﺎ: ﻧﺤﻦ ﻧﺒﺘﻮن إﻟﻪ املﺎء ﰲ اﻟﺒﺤﺮ واﻟﺒﺤرية واﻟﻨﻘﻊ واﻟﻨﻬﺮ … إﻟﺦ ،ﻧﺸﻬﺪ ﺑﺄن ﻓﻼﻧًﺎ ﻗﺪ ﻏﻤﺮ ﰲ ﻣﻴﺎه ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء ﻟﻴﻄﻬﺮ ﻣﻦ أوﺿﺎر ﻧﺼﻒ اﻟﻜﺮة اﻟﺸﻤﺎﱄ ،وﻟﻘﺪ ُﻣﻨِﺢ اﺳﻢ )أي ﺣﻴﻮان ﺑﺤﺮي( وأ ُ ِ ﻋﻄ َﻲ ﻫﺬه اﻟﺸﻬﺎدة ﰲ ﺳﻨﺔ .١٩٣٤ ١٩٣٤/ ٨ / ١٠ اﻹﻣﻀﺎء ﻧﺒﺘﻮن 21
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ُﴩف ﻋﲆ رﻳﻮدﺟﻨريو. ﺗﻤﺜﺎل املﺴﻴﺢ ﻳ ِ
وﻗﺪ ﺗﺴ ﱠﻠﻤْ ُﺖ أﻧﺎ ﺷﻬﺎدﺗﻲ ﺷﺎﻛ ًﺮا. أﻋﻠﻦ اﻟﺮﺑﺎن ﻧﺒﺄ ﻋﺒﻮر املﻨﻄﺎد »ﺟﺮاف ﺗﺰﺑﻠني« ﻓﻮق ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﺴﺎءً، وﻗﺪ اﺗﺼﻞ ﺑﻪ ﻻﺳﻠﻜﻴٍّﺎ ﻓﺘﺄﻫﺒﻨﺎ ﻟﻠﻘﺎﺋﻪ ،وﰲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ إﻻ رﺑﻌً ﺎ ﺑﺪا ﰲ اﻷﻓﻖ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ اﻟﴩﻗﻲ ﻛﺄﻧﻪ ﻃﺎﺋﺮ ﻓﴤ ﺻﻐري ،وﰲ أﻗﻞ ﻣﻦ ﻋﴩ دﻗﺎﺋﻖ ﻛﺎن ﻓﻮق رءوﺳﻨﺎ ﺑﻬﻴﻜﻠﻪ اﻟﻬﺎﺋﻞ وﻣﺮاوﺣﻪ اﻟﺨﻤﺲ ،وﻗﺪ ﺣﺎﻛﻰ اﻟﻘﻨﺒﻠﺔ املﺴﺘﻄﻴﻠﺔ أو اﻟﺤﻮت اﻟﻬﺎﺋﻞ ،وﻛﺎن ﻳُﻘ ﱡﻞ ﺧﻤﺴني ﻣﺴﺎﻓ ًﺮا ﻟﻮﱠﺣُ ﻮا ﻟﻨﺎ ﺑﻤﻨﺎدﻳﻠﻬﻢ وﺑﺎﻟﻌﻠﻢ اﻷملﺎﻧﻲ ،وﻗﺪ ﺣﻴﺘﻪ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﺑﺼﻴﺤﺎﺗﻬﺎ اﻟﺜﻼث ،وﻛﺎن اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ اﻷملﺎن ﻳﺼﻴﺤﻮن ﺻﻴﺤﺎت اﻟﻔﺮح واﻟﻔﺨﺎر ،وﻛﻴﻒ ﻻ ،وزﺑﻠني ﻫﻮ اﻟﺬي ﺳﻮدﻫﻢ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺠﻮ ﻋﲆ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺪول؟! ﻓﻜﺎن رﻓﻘﺎﺋﻲ ﺑني آوﻧﺔ وأﺧﺮى ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻨﻲ :ﻛﻴﻒ رأﻳﺖ ﻣﻨﻄﺎدﻧﺎ؟ 22
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻓﺄﻗﻮل :ﻋﻈﻴﻢ وﺟﺪﻳﺮ ﻫﻮ وﻣﻨﺸﺌﻪ وﻣﻨﺒﺖ ﺑﺎﻧﻴﻪ ﺑﻜﻞ إﻛﺒﺎر وإﺟﻼل ،وﻫﻮ ﺧري ﺷﻬﻴﺪ ﺑﺄن أملﺎﻧﻴﺎ ﻻ ﺷﻚ ﺳﻴﺪة اﻟﺠﻮ واﻟﻬﻮاء .واملﻨﻄﺎد ﻳﻘﻮم ﻣﺮة ﻛﻞ اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺑني أملﺎﻧﻴﺎ ورﻳﻮدﺟﺎﻧريو ،زﻫﺎء ﺳﺘﺔ آﻻف ﻣﻴﻞ ﻳﻘﻄﻌﻬﺎ ﰲ ﺳﺒﻌني ﺳﺎﻋﺔ أي أﻗﻞ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم — واﻟﺒﺎﺧﺮة ﺗﻘﻄﻌﻬﺎ ﰲ ﻋﴩﻳﻦ ﻳﻮﻣً ﺎ — وﻳﺤﻤﻞ ﺧﻤﺴني ﻣﺴﺎﻓ ًﺮا أﺟﺮ اﻟﻮاﺣﺪ زﻫﺎء ١٣٠ ﺟﻨﻴﻬً ﺎ ،وﻗﺪ أُﻋِ ﱠﺪ ﺑﻐﺮف اﻟﻨﻮم واﻟﻄﻌﺎم وأﺑﻬﺎء اﻟﻠﻬﻮ واﻟﺮاﺣﺔ ،وﰲ اﻷﻳﺎم اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻳﻘﻮم ً ﺑﺮﺣﻼت ﺧﺎﺻﺔ ﻳﺪرس ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺠﻮ ً دﻗﻴﻘﺎ ،وﻷملﺎﻧﻴﺎ ﻣﻨﺎﻃﻴﺪ أﺧﺮى أﻗﻞ ﺷﺄﻧًﺎ ﻣﻦ درﺳﺎ ً زﺑﻠني ﺗﺼﻞ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﰲ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻳﺎم وﺗﺴﻠﻚ ﺳﺒﻴﻼ آﺧﺮ؛ إذ ﺗﺠﺎﻧﺐ اﻟﱪ إﱃ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻋﻨﺪ ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء ،ﺛﻢ ﺗﻌﱪ املﺤﻴﻂ وﺗﻘﻒ ﰲ املﻄﺎر اﻷملﺎﻧﻲ اﻟﺜﺎﺑﺖ اﻟﺬي أُﻗِ ﻴ َﻢ ﰲ ﺑﺎﺧﺮة وﺳﻂ املﺤﻴﻂ ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻴﺰود ﺑﺤﺎﺟﺘﻪ ،وملﺎ ﺳﺄﻟﺘﻬﻢِ :ﻟ َﻢ ﻻ ﻳﺴري زﺑﻠني ﺑني أوروﺑﺎ وأﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﺣﺮﻛﺔ اﻟﻨﻘﻞ واملﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﻓﻴﻬﺎ أروج؟! ﻗﺎﻟﻮا ﺑﺄن اﻟﺴﻔﻦ ﻫﻨﺎك ﴎﻳﻌﺔ ﺗﻘﻄﻊ املﺴﺎﻓﺔ ﰲ أرﺑﻌﺔ أﻳﺎم ،ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﺗﻨﺎﻓﺲ املﻨﺎﻃﻴﺪ ﻛﺜريًا؛ ﻷن أﺟﺮﻫﺎ زﻫﻴﺪ إذا ﻗِ َ ﻴﺲ ﺑﺄﺟﻮر اﻟﻄﻴﺎرات. اﺷﺘ ﱠﺪ ﻋﺼﻒ اﻟﺮﻳﺢ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﴩﻗﻲ — اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ — ﰲ املﺴﺎء، ﻓﺎﻫﺘﺎج اﻟﺒﺤﺮ وأﺧﺬت اﻟﺒﺎﺧﺮة ﺗﱰﻧﺢ ً ﻗﻠﻴﻼ ،وﻗﺪ ﺑﺪت ﻋﲆ اﻷﻓﻖ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﺑﻌﺾ أﺿﻮاء ﻣﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ا ُملﺠﺎﻧِﺒﺔ ﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﱪازﻳﻞ ،وﻗﺪ ﻟﺰﻣﻨﺎ ﻣﻘﺎﻋﺪﻧﺎ ﻣﻦ املﻘﺼﻒ ﻧﴩب املﺮﻃﺒﺎت وﻧﺴﺘﻤﻊ ﻷﻧﻐﺎم املﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺸﺠﻴﺔ ،ﺛﻢ آوﻳﻨﺎ إﱃ ﻣﻀﺎﺟﻌﻨﺎ ﻣﺒﻜﺮﻳﻦ ﻟﻨﺮﻳﺢ أﺟﺴﺎدﻧﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺎء اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. ﻣﺎ زال اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻀﻄﺮﺑًﺎ ،وﻣﺮض اﻟﺒﺤﺮ ﻳﺒﺪو ﻋﲆ وﺟﻮه اﻟﻜﺜريﻳﻦ ،وﻛﺎن اﻟﺒﺤﺮ ﻳﻐﺺ ﺑﺎﻟﺴﻤﻚ اﻟﻄﻴﱠﺎر ،وﻫﻮ ﰲ ﺣﺠﻢ »اﻟﴪدﻳﻦ« أﺑﻴﺾ ﻓﴤ ﻳﻘﻔﺰ ﰲ اﻟﻬﻮاء إﱃ ارﺗﻔﺎع ﻗﺪم، ﺛﻢ ﻳﻄري أﻓﻘﻴٍّﺎ ﰲ اﻟﻬﻮاء ﺑﻀﻌﺔ أﻣﺘﺎر ،وﻳﻌﻮد إﱃ ﻣﻘﺮه ﻣﻦ املﺎء ﰲ ُز َراﻓﺎت ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺗﺤﺖ ً ﻋﺎﺻﻔﺎ واﻟﻬﻮاء ﺑﺎردًا واملﻮج ﻣﻀﻄﺮﺑًﺎ ﻫﺎﺋﺠً ﺎ ،واﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺗﱰﻧﺢُ ، ﺣﴫ ،وﻇ ﱠﻞ اﻟﺠﻮ وﺧﻴﱢ َﻞ إﱄ ﱠ ٍ أﻧﻲ ﰲ ﺷﺘﺎء ﻣﴫ ،اﻟﺴﻤﺎء ﺗﻨﺘﺜﺮ ﱡ ﺑﺎﻟﺴﺤُ ﺐ ،واﻟﱪد ﻣﺘﺰاﻳﺪ أﺷﻌﺮﻧﻲ ﺑﴬورة ﻟﺒﺲ اﻷردﻳﺔ اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ،وﻟﻢ ﻧﺼﻞ ﺑﻌ ُﺪ إﱃ ﺧﻂ اﻟﻌﺮض °٢٠ﺟ ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﻧﺬﻳ ًﺮا ﺑﺸﺪة اﻟﱪد إذا وﺻﻠﻨﺎ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ،وﻫﻲ ﻋﲆ ﺧﻂ °٣٥ﺟ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ؛ ذﻟﻚ ﻷن ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻬﻮر ﻫﻲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﰲ ﻧﺼﻒ اﻟﻜﺮة اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ.
23
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
رﺑﻮة ﻛﺮﻛﻮﻓﺎدو ﻧﺼﻌﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﱰام املﻌﻠﻖ ﰲ رﻳﻮدﺟﻨريو.
) (1ﺑﻼد اﻟﱪازﻳﻞ ﺑﺪت ﺻﺨﻮر ﺷﻮاﻃﺊ اﻟﱪازﻳﻞ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح ﰲ ﺳﻼﺳﻞ ﺟﺒﻠﻴﺔ ﻣﺠﺪﺑﺔ اﻟ ﱡﺮﺑَﻰ أو ﻣﺨﺮوﻃﺘﻬﺎ، وﻋﲆ ﻋﻠﻮ ﻛﺒري ﻳﺤﻔﻬﺎ ﺷﺎﻃﺊ رﻣﲇ ﺿﻴﻖ. وﺑﻼد اﻟﱪازﻳﻞ أﺧﻄﺄﻫﺎ ﻛﺎﺷﻔﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﱪﺗﻐﺎل ،ﻓﺤﺴﺒﻮﻫﺎ إﺣﺪى ﺟﺰاﺋﺮ اﻟﻬﻨﺪ وأﺳﻤﻮﻫﺎ ﺟﺰاﺋﺮ اﻟﺼﻠﻴﺐ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ،Ilha de Vera Cruzوملﺎ ﺗﻢ ﻛﺸﻔﻬﺎ وﺻﺪﱠرت ﻷورﺑﺎ ﻛﺜريًا ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﺤﻤﺮاء اﻟﺬي ﻳُﺘﱠ َﺨﺬ ﻣﻦ ﺷﺠﺮ اﺳﻤﻪ »ﺑﺮازﻳﻞ« ،أُﻃﻠِﻖ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،وﻫﻲ ﻫﺎﺋﻠﺔ اﻻﻣﺘﺪاد ﺗﻘﺮب ﻣﻦ ﻧﺼﻒ اﻟﻘﺎرة ،وأﻛﱪ ﻣﻦ أﺳﱰاﻟﻴﺎ ،وﺗﻠﻤﺲ ﺣﺪودﻫﺎ ﻛﻞ دول أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻣﺎ ﺧﻼ ﺷﻴﲇ وإﻛﻮادور وأﻫﻠﻬﺎ زﻫﺎء ٤١ ١٢ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ،وﻣﺎ واﻓﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﺣﺘﻰ ﻛﻨﺎ ﻋﲆ أﺑﻮاب …
24
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
رﻳﻮدﺟﻨريو َ ﻣﺎﺟﻼن ﺳﻨﺔ ،١٥١٩ﻓﻠﺒﺚ ﻓﻴﻬﺎ أرﺑﻌﺔ ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ،وﻗﺪ ﺑﺪت ﻃﻼﺋﻌﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ راع ﺟﻤﺎﻟُﻬﺎ ﰲ ﺧﻠﻴﺞ ﺑﺪﻳﻊ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻬﻼل اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺗﺤﻔﻪ ُرﺑًﻰ ﻣﺴﻨﱠﻨﺔ ﻣﺨﺮوﻃﺔ اﻟﺸﻜﻞ ،وﻫﻲ ﺧري ﻣﺎ ﻳﻤﻴﱢﺰ اﻟﺒﻠﺪة ،وﻗﺪ أﻏﺮى ذاك اﻟﺨﻠﻴﺞُ ﺑﺠﻤﺎﻟﻪ اﻟﻜﺎﺷﻔني ،وﻗﺪ رأوا ﰲ وﺳﻄﻪ ﺛﻠﻤﺔ ﻣﺴﺘﻄﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ﺣﺴﺒﻮﻫﺎ ﻧﻬ ًﺮا ،ﻟﺬﻟﻚ ﻋﺠﻠﻮا ﺑﺘﺴﻤﻴﺘﻬﺎ — ﺑﻨﻬﺮ ﻳﻨﺎﻳﺮ — وﻗﻔﻨﺎ وﺳﻂ املﺎء ً ﻗﻠﻴﻼ ﺣﺘﻰ أﻧﺠﺰ رﺟﺎل اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ واﻟﺼﺤﺔ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﺛﻢ ﴎﻧﺎ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﱪ ،ﻓﻈﻬﺮت املﻴﻨﺎء ﺑﺤﺮﻛﺘﻬﺎ اﻟﺼﺎﺧﺒﺔ واﻣﺘﺪادﻫﺎ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وﻣﻮﻗﻌﻬﺎ وﺳﻂ اﻷﻟﻮان اﻟﺴﺎﺣﺮة ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻧﻈري ،وﻫﻲ ﺗﻤﺘﺪ آﻳﺎت ً ﺳﺘﺔ أﻣﻴﺎل ﻋﲆ ﻃﻮل ﺳﺎﺣﻞ ﻫﺸﻤﺘﻪ اﻷﻣﻮاج ،ﻓﺼﺎﻏﺖ ﻣﻨﻪ ٍ ﻓﻨﻴﺔ وﺧﴬة املﺮﺗﻔﻌﺎت وراءﻫﺎ ﺗﺒﺪو ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﺳﻤﺮة اﻟﺼﺨﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﴬب ﻓﻴﻬﺎ املﺎء ،وأﺟﻤﻞ ﺻﺨﻮرﻫﺎ ﻗﻤﻊ اﻟﺴﻜﺮ اﻟﺠﺮاﻧﻴﺘﻲ ) ١١٠٠ﻗﺪم( ،ﻛﺮﻛﻮﻓﺎدو ) ٢٣٠٠ﻗﺪم( وﻋﻠﻴﻪ ﺗﻤﺜﺎل املﺴﻴﺢ اﻟﻬﺎﺋﻞ، وﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ﺛﻼﺛني ً ﻣﻴﻼ ﺗﺒﺪو ﺟﺒﺎل Organﺑﺄﺳﻨﺎﻧﻬﺎ اﻟﺨﻤﺲ اﻟﺘﻲ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ »أﺻﺎﺑﻊ ﷲ« ﻓﻤﻈﻬﺮ املﻴﻨﺎء ﻻ ﻳُﺒﺎ َرى. وﻗﺪ اﺳﱰﻋﻰ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ أن ﻏﺎﻟﺐ أﺑﻨﻴﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﺣﺎﻓﺔ املﺎء ﰲ اﻣﺘﺪاد ﻫﺎﺋﻞ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻛﺎد ﻳﺤﺎﻛﻲ ﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﺴﺤﺎب وأﻋﻼﻫﺎ ﺑﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ Anoitèاﻟﺬي ﻳﻮاﺟﻪ املﺎء ،وﻳﻘﻒ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻌﻤﻼق ﺑﺄدواره اﻻﺛﻨني واﻟﻌﴩﻳﻦ ،وﻟﻘﺪ ُزوﱢد ﺑﺄرﺑﻌﺔ ﻣﺼﺎﻋﺪ :اﺛﻨﺎن ﻣﻨﻬﺎ ﴎﻳﻌﺎن »إﻛﺴﱪﻳﺲ« ﻻ ﻳﻘﻔﺎن إﻻ ﺑﻌﺪ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ﺻﻌﺪﻧﺎه ،ﻓﺈذا ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺨﻠﻴﺞ واﻟﺒﻠﺪة ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻪ راﺋﻊ ،وﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ أﺑﻨﻴﺔ املﺪﻳﻨﺔ ﺗﻘﻮم ﻓﻮق املﻨﺤﺪرات ،وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻃﻮل املﺪﻳﻨﺔ وﻫﻲ ﺗﺠﺎﻧﺐ ﺣﺎﻓﺔ املﺎء ً ﺑﺎﻟﻐﺎ ﺣﺪٍّا ﻛﺒريًا ،ﻏﺎدرﻧﺎ املﻴﻨﺎء وﺳﻂ أﺑﻨﻴﺔ ﻓﺎﺧﺮة ،وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻘﺒﻠﻨﺎ ﺷﺎرع اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺮﺋﻴﴘ »رﻳﻮﺑﻼﻧﻜﻮ «Rio Blancoﰲ ﺣﺮﻛﺔ ﻻ ﺗﻬﺪأ واﻣﺘﺪاد ﻻ ﺣ ﱠﺪ ﻟﻪ، وأﺑﻨﻴﺔ ﺗﺴﱰﻋﻲ اﻷﻧﻈﺎر ﺑﺠﻤﺎل ﻫﻨﺪﺳﺘﻬﺎ وﺷﺎﻫﻖ ﺑﻨﻴﺎﻧﻬﺎ ،وﺣﺘﻰ أرﺻﻔﺘﻪ اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﻧ ُ ﱢﺴﻘﺖ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة املﻠﻮﻧﺔ ،وﻣﻦ أول ﻣﺎ ﻳﺴﱰﻋﻲ ﻧﻈﺮ اﻟﺴﺎﺋﺢ أن اﻟﻨﺎس ﻳﺒﺪو ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﺴﻮد ﺑﻜﺜﺮةٍ، وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻻ ﻳﺰال ﺣﺎﻟ ًﻜﺎ ﺻﺎﻓﻴًﺎ ،واﻟﻐﺎﻟﺐ اﻣﺘﺰج ﺑﺎﻟﱪﺗﻐﺎل ﻓﻨﺸﺄ ﻋﻨﻬﻢ ﻟﻮن أﺳﻤﺮ ،وﺳﻮاء أﻛﺎﻧﻮا ﺳﻮدًا أم ﺳﻤ ًﺮا ﻓﻜﻠﻬﻢ ﻳﻠﺒﺴﻮن اﻷردﻳﺔ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ وﻳﺴريون ﰲ ﺗﺄﻧﱡﻖ وﻧﻈﺎﻓﺔ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ اﻟﺒﻴﺾ ،وﻫﻢ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ؛ إذ ﻳﺆﻣﻮن املﺪارس واﻟﻜﻠﻴﺎت ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺾ ﻋﲆ ﺣ ﱟﺪ ﺳﻮاء .وﻣﻦ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﱢﺰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﺧﻠﻮﱡﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻮارق اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ وﻣﺸﻜﻼﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺰال ﻳﱧ ﺗﺤﺖ وﻳﻼﺗﻬﺎ ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻷﺧﺮى ،ﻓﺎﻟﱪازﻳﲇ اﻟﻴﻮم وﻟﻴﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﺟﻨﺎس وﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻴﻪ ﺻﻔﺎﺗﻬﻢ اﻟﻮاﺿﺤﺔ :ذﻛﺎء اﻟﱪﺗﻐﺎﱄ ورﻗﺘﻪ ،وﺣﺮارة اﻟﺰﻧﺠﻲ وﺣﺒﻪ ﻟﻸﴎة ،وﻣﻜﺮ اﻟﻬﻨﺪي وﻋﻮاﻃﻔﻪ اﻟﻮﺛﱠﺎﺑﺔ. 25
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺣﺘﻰ أﻓﺎرﻳﺰ اﻟﻄﺮق ﺗﺰﻳﻨﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻮش ﰲ رﻳﻮدﺟﻨريو.
وﻣﻦ املﻌﺮوﺿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺮوق اﻟﺴﺎﺋﺢ ﰲ اﻟﺤﻮاﻧﻴﺖ ﺟﻠﻮد اﻷﻓﺎﻋﻲ وﻣﺎ ﻳُﻌﻤَ ﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻠﻊ ،واﻟﻄﻴﻮر املﺼﱪة اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﴐوب اﻟﻔﺮاش ،وﻗﺪ اﺧﺘﺼﻮا ﺑﻌﻤﻞ اﻷواﻧﻲ ُﻜﴗ ﺑﺎﻟﺰﺟﺎج وﺗﺰﻳﱢﻨﻪ أ ُ ُ ﻛﻤﻄﺎﻓﺊ اﻟﻄﺒﺎق »واﻟﺼﻮاﻧﻲ« وﻣﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﻔﺮاش ،ﻳ َ ﻃﺮ ﻣﻦ املﻌﺪن أو اﻟﺨﺸﺐ اﻟﱪازﻳﲇ اﻟﻘﻴﱢﻢ ،ﻓﻴﺒﺪو ﻛﺄﻧﻪ اﻟﺼﺪف ﰲ أﻟﻮان ﻋﺪة ،وﻳﻜﺎد ﻳﻌﺮض ذﻟﻚ ﰲ ﻛ ﱢﻞ اﻟﺤﻮاﻧﻴﺖ إﱃ ذﻟﻚ اﻷﺣﺠﺎر اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻳُﻌ َﺮض ﺑﻌﻀﻬﺎ ً ﻏﻔﻼ واﻟﺒﻌﺾ ﻣﺠﻬ ًﺰا، وﻟﻘﺪ َأﻗ ﱠﻠﺘْﻨﺎ ﺳﻴﺎرة ﺧﺎﺻﺔ ﻃﺎﻓﺖ ﺑﻨﺎ اﻟﺒﻠﺪة وﺑﻌﺾ ﺿﻮاﺣﻴﻬﺎ ﰲ أرﺑﻊ ﺳﺎﻋﺎت ،ﻓﺰاد ﺟﻤﺎل اﻟﺒﻠﺪة ﰲ ﻋﻴﻮﻧﻨﺎ ،ﻓﺘﻜﺎد ﺗﻜﻮن ﻛ ﱡﻞ أﺣﻴﺎﺋﻬﺎ ﻧﻈﻴﻔﺔ أﻧﻴﻘﺔ ﺗﺰﻳﱢﻨﻬﺎ ﻣﻴﺎدﻳﻦ ﻓﺴﻴﺤﺔ ُزوﱢدت ﺑﺎﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ واملﺘﻨﺰﻫﺎت وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻷﺣﻴﺎء املﺠﺎﻧﺒﺔ ﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮ رﻏﻢ اﻣﺘﺪادﻫﺎ اﻟﻬﺎﺋﻞ ،وﻣﻦ اﻟ ﱡﺮﺑَﻰ اﻟﺸﻬرية ﺑﻬﺎ اﺛﻨﺘﺎن؛ إﺣﺪاﻫﻤﺎ وﻫﻲ أﻋﲆ ﻣﻜﺎن ﺑﻬﺎ ﻗﺪ ﺗُﻮﱢﺟَ ْﺖ ﺑﺘﻤﺜﺎل املﺴﻴﺢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﻣﺼﻠﻮﺑًﺎ ﻧُﺤِ َﺖ ﻣﻦ ﻣﺮﻣﺮ ﺑﺮاق ﰲ ارﺗﻔﺎع ﻫﺎﺋﻞ ﻫﻮ أرﺑﻌﻮن ﻣﱰًا ،وﻣﺪى ذراﻋﻴﻪ 26
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ُﴩف ﻋﲆ اﻟﺒﻠﺪة ﻛﻠﻬﺎ ﺛﻼﺛﻮن ﻣﱰًا ،وﻃﻮل ﻳﺪه ﺧﻤﺴﺔ أﻣﺘﺎر ،وﻋﻠﻮ اﻟﺼﺨﺮة ٧٢٠ﻣﱰًا ،وﻳ ِ ﱠت ﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺼﺨﺮة ﱡ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻛﺄﻧﻪ اﻟﺤﺎرس اﻷﻣني ،ﺻﻌﺪﻧﺎ إﻟﻴﻪ ﰲ ﻃﺮق ُﻗﺪ ْ ﺗﺤﻔﻬﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﻜﺜﻴﻔﺔ املﻐﻠﻘﺔ ،وﻛﺎن ﻳﺘﺨ ﱠﻠﻞ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻌﺾ املﻘﺎﻫﻲ واﻷﻧﺰال ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺼﻌﻮد ﺑﻘﻄﺎر ﻣﺴﻨﱠﻦ اﻟﻌﺠﻞ ،وﻗﺪ ﺟﻠﺴﻨﺎ إﱃ ﺟﻮار أﻗﺪام املﺴﻴﺢ ،ﻓﻜﺎن املﻨﻈﺮ ﻣﻦ إﱃ اﻟﺬروة إﻻ ٍ دوﻧﻨﺎ ﺟﺪﻳ ًﺮا ﺑﺨﻴﺎل اﻟﺸﻌﺮاء ﻻ ﺑﻘﻠﻤﻲ اﻟﻜﻠﻴﻞ .أﻣﺎ اﻟﺮﺑﻮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺘُﺴﻤﱠ ﻰ »ﻗﻤﻊ اﻟﺴﻜﺮ« Pan de azucar؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺤﺎﻛﻲ اﻟﻘﻤﻊ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ،وﺗﻠﻚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻴﻬﺎ إﻻ ﻣﻦ رﺑﻮ ٍة أوﻃﺄ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺪ و ُِﺻﻠﺖ ذروﺗﻬﺎ ﺑﺬروة ذاك اﻟﻘﻤﻊ ﺑﱰام ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﻣﻌﻠﻖ ،رﻛﺒﻨﺎه وﺳﺎر ﺑﻨﺎ ﰲ اﻟﻬﻮاء ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ،وﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﺗﺮﺗﺠﻒ ﻛﻠﻤﺎ ﻃﻮﺣﺖ أﻧﻈﺎرﻧﺎ إﱃ اﻟﻬُ ﻮَى اﻟﺴﺤﻴﻘﺔ ﻣﻦ دوﻧﻨﺎ ،وﻧﺤﻦ ﻣﻌﻠﻘﻮن ﰲ اﻟﻬﻮاء وﻗﺪ وﺻﻠﻨﺎ ﺑﻪ إﱃ املﺤﻄﺔ اﻷوﱃ ،وﻋﻨﺪﻫﺎ اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ إﱃ َ آﺧﺮ، وﻫﻨﺎك ﺟﻠﺴﻨﺎ ﻧﴩب اﻟﻘﻬﻮة اﻟﱪازﻳﻠﻴﺔ اﻟﻠﺬﻳﺬة ﰲ أﻛﻮاب ﺻﻐرية أذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺑﻘﻬﻮﺗﻨﺎ املﴫﻳﺔ اﻟﺸﻬﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ املﻨﺎﻇﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ أروع ﻣﻦ أن ﺗﺼﻔﻬﺎ اﻷﻗﻼم. ﻇﻠﺖ اﻟﺴﻴﺎرة ﺗﺸﻖ ﺑﻨﺎ دروﺑًﺎ وﻟﻴﱠﺎت ﻣﻦ رﺑﻮة إﱃ رﺑﻮة ،وﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﻜﺜﻴﻔﺔ، آن َ ُﻔﺎﺟﺌﻨﺎ ﱠ ﺷﻼل ﻫﺎﺋﻞ ﻳﻘﻒ اﻟﺴﺎﺋﺤﻮن ﻣﻦ دوﻧﻪ ذاﻫﻠني ،وﻗﺪ أدﻫﺸﺘﻨﺎ وآﺧﺮ ﻛﺎن ﻳ ِ وﺑني ٍ ٍ وﺑﺨﺎﺻﺔ املﻮز واﻟﱪﺗﻘﺎل ،وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺒﺘﺎع املﻮزﺗني ﺑﻤﻠﻴﻢ واﻟﱪﺗﻘﺎﻟﺔ اﻟﻜﺒرية ﺑﺄﻗ ﱠﻞ ﻛﺜﺮة اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻢ ،وﻧﺤﻦ ﺳﺎﺋﺤﻮن ﻳﺒﺎع ﻟﻬﻢ ﺑﺄﺿﻌﺎف اﻷﺿﻌﺎف ،وﻣﻦ املﻮز ﻧﻮع ﺻﻐري ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ ﺛﻼﺛﺔ ﺳﻨﺘﻴﻤﱰات ،وﺣﻼوﺗﻪ ﻓﺎﺋﻘﺔ وراﺋﺤﺘﻪ زﻛﻴﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري ،وﻛﻢ ﻗﻄﻔﻨﺎ ﻣﻦ ﻏﺎﺑﺎت اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﺛﻤﺎر ﺑﺮﻳﺔ َ أﺧ ﱡ ﺼﻬﺎ »اﻟﻔﺮاوﻟﺔ« وﻧﻮﻋً ﺎ أﺻﻔﺮ ﻛﺎﻟﺒﻠﺢ ﻟﺬﻳﺬ اﻟﻄﻌﻢ. وﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ﻗﻤﻨﺎ ﺑﺠﻮﻟﺔ أﺧﺮى ﺑﺎﻟﺴﻴﺎرة زرﻧﺎ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ املﺘﻨﺰﻫﺎت اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ، وﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻨﺒﺎت اﻟﺘﻲ ُﻏ ٍّ ﺼ ْﺖ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﻨﺒﺖ وﺑﺨﺎﺻﺔ أﺷﺠﺎر املﻨﻄﻘﺔ اﻟﺤﺎرة ،وﻗﻴﻞ إﻧﻬﺎ ﺗﺤﻮي ﺳﺘني أﻟﻒ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﺒﺎت .وﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﻬﺎ زرﻧﺎ املﺘﺤﻒ وﻗﺴﻢ ﻣﻨﻪ ﺟﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﺑﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻔﺮﻳﺎت َ اﻟﻘﻴﱢﻤﺔ ،وﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺼﺨﻮر واملﻌﺎدن واﻷﺣﺠﺎر اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺑﺒﻠﻮراﺗﻬﺎ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ، واﻟﻘﺴﻢ َ اﻵﺧﺮ ملﺨﻠﻔﺎت اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ﻣﻦ أﻧﺴﺠﺔ وأردﻳﺔ وأدوات ﻟﻠﺰﻳﻨﺔ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻋﻘﻮد اﻷﺳﻨﺎن واﻟﻌﻈﺎم واﻟﺮﻳﺶ اﻟﺬي ﻳ َ ُﻮﺿﻊ ﰲ ﺷﻜﻞ اﻟﺘﺎج اﻟﻜﺒري ،ﺛﻢ أﺳﻠﺤﺘﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﺎم وزوارﻗﻬﻢ املﻨﻘﻮرة ﰲ ﻏﻠﻴﻆ اﻟﺸﺠﺮ .وﰲ ﻣﺪﺧﻞ املﺘﺤﻒ ﺷﻬﺎب ﻫﺎﺋﻞ ﺳﻘﻂ ﻫﻨﺎك وزﻧﺘﻪ ٥٣٦٠ﻛﻴﻠﻮﺟﺮاﻣً ﺎ ﰲ ﺻﺨﺮة ﺳﻮداء ﻓﺎﺣﻤﺔ ﻏري ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ اﻟﺸﻜﻞ ،ﺻﻘﻞ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺒﺪا ﺑ ﱠﺮ ًاﻗﺎ ﻛﺼﻔﺤﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﺼﻘﻴﻞ ،وﻳﻈﻬﺮ أن ﻏﺎﻟﺐ ﻣﺎدﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ .وﰲ ﺟﺎﻧﺐ َ آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﻣﻌﺮض اﻟﺴﻤﻚ »اﻷﻛﻮارﻳﻮم« ،وأﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﺑﻪ اﻟﺴﻤﻚ اﻟﺸﻔﺎف واﻟﺴﻤﻚ ذو اﻷﺟﻨﺤﺔ اﻟﺤﺮﻳﺮﻳﺔ اﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ،واﻟﺴﻤﻚ اﻟﺼﻐري اﻟﺬي ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﺣﺠﻤﻪ ﻋﲆ ﻋﻘﻠﺔ اﻹﺻﺒﻊ ،وأﻧﻮاع أﺧﺮى 27
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻣﺜﻞ ﻣﻦ ﻗﻨﻮات رﻳﻮدﺟﻨريو وﻧﺨﻴﻠﻬﺎ.
ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺗﺤﺖ ﺣﴫ ،ﺛﻢ ﻗﺼﺪﻧﺎ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺤﻴﻮان وﻻ ﺑﺄس ﺑﻜﱪﻫﺎ وﺗﻨﺴﻴﻘﻬﺎ ،وﻣﻦ أﻏﺮب ﻣﻌﺮوﺿﺎﺗﻬﺎ أﺳﺪ أﻣﺮﻳﻜﺎ »اﻟﺒﻮﻣﺎ« ،وﻧﻤﺮﻫﺎ »اﻟﺠﺠﻮار« ،ﺛﻢ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻓﺎﻋﻲ اﻟﻜﺒرية. أﻣﺎ ﰲ اﻟﻠﻴﻞ ﻓﺄﺿﻮاء اﻟﺒﻠﺪة ﻣﻨﺜﻮرة ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﻫﻲ ذوات أﻟﻮان ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،إﻻ أن ﺗﺰاﺣُ َﻢ اﻟﻘﻮم ً ﻴﺲ ﺑﺸﺪة اﻟﺘﺰاﺣﻢ اﻟﺬي ُ ﻟﻴﻼ ﻗﻠﻴﻞ ﺟﺪٍّا إذا ﻗِ َ ﻛﻨﺖ أراه ﰲ ﺑﻼد إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻋﲆ أﻧﱠﺎ ﻟﻢ ﻧﻠﻤﺲ ﺟﻤﺎل ﺗﻠﻚ اﻷﺿﻮاء ٍّ ﺣﻘﺎ إﻻ ﺳﺎﻋﺔ أن ﺑﺮﺣﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة املﺪﻳﻨﺔ ً ﻟﻴﻼ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻬﺎﺋﻞ ﻳﺒﺪو ﰲ ﻋﻘﺪ ﻫﻼﱄ ﻣﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺛﺮﻳﺎت إﱃ ﻗﺼﺎرى ﻣﺴﺎرح اﻟﻨﻈﺮ ،وﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ﻧﺠﻮم ﻣﻦ ﺛﺮﻳﺎت ﻣﻨﺜﻮرة ﻓﻮق ﺣﺠﻮر اﻟ ﱡﺮﺑَﻰ ،وﻳﺘﻮﱢج ﻛﺜريًا ﻣﻦ املﺮﺗﻔﻌﺎت أﺿﻮاء ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻫﺎﻻت ﻣﻦ 28
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻧﻮر ،واﻟﻘﺴﻢ اﻟﺮﺋﻴﴘ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪة ﻳﺒﺪو وﺳﻂ اﻟﻬﻼل ﻣﻠﺘﻬﺒًﺎ ﻧﻮ ًرا ﻣﻠﻮﻧًﺎ ،وأﺧﺬت اﻟﺜﺮﻳﺎت ﺗﺘﻘﺎرب وﻧﻄﺎق اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻳُﺤﺪد وﻳُﺤﴫ ﻛﻠﻤﺎ ﻧﺄت اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻋﻨﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ رﺑﻮة »ﻗﻤﻊ اﻟﺴﻜﺮ« ﺗﺒﺪو ﺳﻮداء ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺣﻴﻮان ﻣﺎرد ﻣﺨﻴﻒ أو أﺑﻮ اﻟﻬﻮل اﻟﺮاﺑﺾ ،وﻛﺎن ﺗﻤﺜﺎل املﺴﻴﺢ ﻳﺒﺪو ً ﺑﺮاﻗﺎ ،وﻗﺪ اﻧﻌﻜﺴﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻠﻚ اﻷﺿﻮاء املﺘﻮﻫﺠﺔ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻚ ﺗﺨﺎﻟﻪ ﻃﺎﺋ ًﺮا ﰲ اﻟﻬﻮاء؛ ﻷن أﺳﻔﻞ اﻟﺮﺑﻰ ﺣﺎﻟﻚ اﻟﺴﻮاد ﻓﻼ ﻳﺘﻤﺎﻟﻚ املﺮء ﻧﻔﺴﻪ أن ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ املﺴﻴﺢ ﻳﺼﻌﺪ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻫﻮ أول ﻣﺎ ﻳُ َﺮى ﻣﻦ دﻗﺎﺋﻖ اﻟﺒﻠﺪة إذا ْأﻗﺒَ ْﻠ َﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وآﺧِ ﺮ ﻣﺎ ﻳﺨﺘﻔﻲ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ. وﰲ اﻟﺤﻖ أن رﻳﻮدﺟﻨريو ﻟﺘﺸﻬﺪ ﻟﻠﱪﺗﻐﺎل ﺑﺤﺴﻦ اﻟﺬوق وﻛﺒري اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺒﻠﺪاﻧﻬﻢ ،وﻫﻲ ً وﺗﻨﺴﻴﻘﺎ ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﺻﺢ ﺑﻼد املﻨﺎﻃﻖ اﻟﺤﺎرة، ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ ﺑﻼد اﻟﺪﻧﻴﺎ وأﻛﺜﺮﻫﺎ ﻧﻈﺎﻓﺔ ً ﺟﻤﺎﻻ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﺑﻐﺎﺑﺎﺗﻬﺎ ﻓﻨﺴﺒﺔ اﻟﻮﻓﻴﺎت ﺑﻬﺎ ﻋﴩون ﰲ اﻷﻟﻒ ﻟﻴﺲ ﻏري ،وﻗﺪ زادﻫﺎ ﻓﻮق ُرﺑَﺎﻫﺎ املﺒﻌﺜﺮة ،وﺑﺤﺮ أوﻏﻞ ﻓﻴﻬﺎ وزودﻫﺎ ﺑﺸﺎﻃﺊ ﻫﻼﱄ ﻋﻈﻴﻢ اﻻﻣﺘﺪاد ،وﻗﺪ ﱠ ﺷﻖ اﻟﻘﻮم وﺳﻂ اﻟﺒﻠﺪة ﻗﻨﺎ ًة ﺗﺼﻞ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﺒﺤﺮ ،ﻓﻴﻤﺮ املﺎء ﺑﻬﺎ وﻳﻄﻬﺮ أوﺿﺎر املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻳ َُﻠﻘﻰ ﺑﻬﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻨﺎة ،وﺗﺤﻴﻂ ﺑﺠﻮاﻧﺐ اﻟﻘﻨﺎة ﺻﻔﻮف ﻣﻦ اﻟﻨﺨﻴﻞ املﻠﻜﻲ اﻟﺬي ﻳﻨﺎﻃﺢ اﻟﺴﺤﺎب ﺑﻌﻠﻮه ،وﻳﺮوق اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ ﺑﺒﻴﺎض ﺳﻮﻗﻪ واﺳﺘﻘﺎﻣﺘﻬﺎ اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻔﻮف ﻛﺜري ﰲ ﺟﻬﺎت أﺧﺮى ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻦ ﻣﻤﻴﺰات رﻳﻮدﺟﻨريو ،واﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎك ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن اﻟﱪﺗﻐﺎﻟﻴﺔ؛ ﻷن ﻣﺴﺘﻌﻤﺮﻳﻬﺎ اﻷواﺋﻞ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ اﻟﱪﺗﻐﺎل ،أﻣﺎ ﺳﺎﺋﺮ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻓﻤﻦ اﻹﺳﺒﺎن ﻋﲆ أن ﻏﺎﻟﺒﻬﻢ ﻳﺘﻜﻠﻢ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻟﻘﺮب اﻟﺸﺒﻪ ﺑني اﻟﻠﻐﺘني ،وﻛﺜري ﻳﺘﻜﻠﻢ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، وأﺟﺪ ﻣﻦ ﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﺘﻔﺎﻫﻢ ﻣﺎ وﺟﺪﺗﻪ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ،واملﻌﻴﺸﺔ ﻫﻨﺎك أرﺧﺺ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﺑﻼد إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وﻛﺎن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﱠﺎ ﻳﺪﻓﻊ ﺛﻤﻨًﺎ ﻟﻄﻌﺎم اﻟﻔﺎﺧﺮ »ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻴﻞ راﻳﺲ« ،واملﻴﻞ راﻳﺲ ﻳﺴﺎوي اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﻣﻠﻴﻤً ﺎ أﻋﻨﻲ ﺳﺘﺔ ﻗﺮوش ،ﻛﺎن اﻟﺠﻨﻴﻪ ﻳﺴﺎوي ٧٢ﻣﻴﻞ راﻳﺲ ،واﻟﻌﺠﺐ أن املﻴﻞ راﻳﺲ ﻳﻨﻘﺴﻢ إﱃ أﻟﻒ راﻳﺲ ،وﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺸﱰي ﺑﻌُ ْﴩه ﻣﺎ ﺗﺘﺒﻠﻎ ﺑﻪ ،وﻛﻢ ﻳﻬﻮﻟﻚ اﺳﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﻮل :دﻓﻌﺖ ﰲ املﻄﻌﻢ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻴﻞ راﻳﺲ أي ﺧﻤﺴﺔ آﻻف راﻳﺲ، وﻗﺪ راﻋﻨﻲ ذﻟﻚ ﻋﻨﺪ أول ﺳﻤﺎﻋﻪ ،وإذا ﺑﺎملﺒﻠﻎ ﻛﻠﻪ ﺳﺘﺔ ﻗﺮوش! أﻗﻠﻌﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻣﺴﺎء إﱃ ﺳﻨﺘﻮس ،وﰲ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﺻﺒﺎح اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ﺑﺪت ﺟﺒﺎل اﻟﺸﻮاﻃﺊ ﱠ ﻣﻌﻘﺪَة ﺷﺎﻫﻘﺔ ،ﺛﻢ أوﻏﻠﻨﺎ ﰲ ﺧﻠﻴﺞ ﺿﻴﻖ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻔﺴﻴﺢ اﻟﺘﻮى ً ﻳﻤﻨﺔ ﺛﻢ ﻳﴪ ًة ،وﻛﺎن ﺟﺎﻧﺒﺎه ﻣﺨﺘﻠﻔﻲ اﻟﺴﻄﺢ؛ اﻷﻳﻤﻦ ﺟﺒﲇ واﻷﻳﴪ ﺳﻬﻞ ﻓﺴﻴﺢ ،وﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺐ ذاك اﻟﺠﻮن ﻗﺎﻣﺖ أﺑﻨﻴﺔ ﺳﻨﺘﻮس اﻟﺘﻲ ﺣﻠﻠﻨﺎﻫﺎ وﺟﺒﻨﺎ أرﺟﺎءﻫﺎ ﻮرﻧ َ ْﺖ ﺑﺮﻳﻮدﺟﻨريو؛ ﻓﻬﻲ ﺑﻠﺪة ﻓﻘرية ﺑﺄﺑﻨﻴﺘﻬﺎ وﻃﺮﻗﻬﺎ، ﺑﺎﻟﺴﻴﺎرة ،ﻓﺈذا ﺑﻬﺎ ﻻ ﳾء إذا ُﻗ ِ ري ،وﰲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﺗﺤﻜﻲ اﻷﺣﻴﺎء اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻦ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،إﻻ ﰲ وﻳﻌﻮزﻫﺎ اﻟﺠﻤﺎل إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒ ٍ 29
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺑﻌﺾ اﻟ ﱡﺮﺑَﻰ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻋﺠﻠﻨﺎ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎم إﱃ »ﺳﺎن ﺑﺎوﻟﻮ« وﻫﻲ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺠﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺰﻳﺎرة ﰲ ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ ،ﻓﺄﺧﺬﻧﺎ ﻧﺸﻖ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎرة ً ﺳﻬﻼ ُﻏ ﱠ ﺺ ﺑﺎﻟﺸﺠريات اﻟﱪﻳﺔ واﻟﻌﺸﺐ املﻬﻤﻞ زﻫﺎء ً ﺟﺒﺎﻻ ﻣﻌﻘﺪة ﻛﺴﺎﻫﺎ اﻟﺸﺠﺮ واﻟﻐﺎب اﻟﻜﺜﻴﻒ ،وﺳﻂ ﻋﴩﻳﻦ ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا ،ﺛﻢ ﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺘﺴﻠﻖ ﻃﺮق ﺛﻌﺒﺎﻧﻴﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ؛ وﻛﻨﱠﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﻋﻠﻮﻧﺎ ﻧﺮى ﺳﻬﻮل ﺳﻨﺘﻮس ﻣﺤﺪودة إﱃ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ دوﻧﻨﺎ ﺗﺸﻘﻬﺎ ﻧﻘﺎﺋﻊ ﻣﻨﺜﻮرة وﻧﻬريات ﻣﻌﻮﺟﺔ دﻗﻴﻘﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻨﺎ اﻟﺬﱡ َرى ﻋﲆ ﻋﻠ ﱢﻮ ﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ﻣﱰ، وﻫﻨﺎ ﺑَﺪ َِت اﻟﻬﻀﺒﺔ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ َ اﻵﺧﺮ ﺗﻤﺘﺪ إﱃ اﻵﻓﺎق ،وﻫﻲ ﺗﻜﺎد ﺗﻜﻮن ﻣﺴﻄﺤﺔ إﻻ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻐﻀﻨﺎت اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ،وﻟﻘﺪ ﺣﺴﺒﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﺪء ﺻﺨﺮﻳﺔ اﻟﱰﺑﺔ ،وإذا ﺑﻬﺎ ﺗﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﺗﺮﺑﺔ ﺣﻤﺮاء دﻗﻴﻘﺔ اﻟﺤﺒﻴﺒﺎت إﱃ أﻋﻤﺎق ﻗﺪ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺌﺎت اﻷﻣﺘﺎر ،وﻛﺎن ﻫﺒﺎؤﻫﺎ ﻳﺘﻄﺎﻳﺮ ﻓﻴﺪرك ﻛﻞ ﳾء ،وﻗﺪ ﻋﻜﺮ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺻﻔﻮ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺒﺪﻳﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ،وﺟ ﱡﻞ ﺗﻠﻚ املﺴﺎﺋﺢ ﻣﻬﻤَ ٌﻞ ﻳﻜﺴﻮه اﻟﻌﺸﺐ واﻟﺸﺠريات اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ إﻻ ﰲ ﺑﻌﺾ ﺑﻴﻮت رﻳﻔﻴﺔ ﺗﻘﻮم وﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺰراﻋﺎت، وﻣﻦ أﻛﱪ ﻣﻤﻴﺰات ﺗﻠﻚ اﻟﻬﻀﺒﺔ ﻛﺜﺮة اﻟﻨﻘﺎﺋﻊ اﻵﺳﻨﺔ ﺑﻤﺎﺋﻬﺎ اﻟﺮاﺋﻖ اﻟﻔﴤ.
ﺗﻌﻠﻮ ﻫﻀﺒﺔ اﻟﱪازﻳﻞ ﻣﻦ ﺳﻨﺘﻮس إﱃ ﺳﺎن ﺑﺎوﻟﻮ.
أﺧريًا ﺑﻌﺪ ﻣﺴرية ﺳﺎﻋﺔ وﻧﺼﻒ ،أي ﺑﻌﺪ ﺳﺘني ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا ﻣﻦ »ﺳﻨﺘﻮس« ﺑﺪت ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺳﺎن ﺑﺎوﻟﻮ« اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﰲ وﻫﺪة ارﺗﻔﺎﻋﻬﺎ ٣٠٠٠ﻗﺪم وﺳﻂ ﻫﻀﺒﺔ اﻟﱪازﻳﻞ؛ وﻟﻘﺪ ﺑﺎ َﻟ َﻎ اﻟﻘﻮم 30
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ً ﺷﺎﻫﻘﺎ ،وﻗﺪ أﺧﺬﻧﺎ ﻧﺨﱰق ﰲ ﺗﻨﺴﻴﻘﻬﺎ وﺿﺨﺎﻣﺔ ﺑﻨﻴﺎﻧﻬﺎ ،ﻓﻜﺜري ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻌﻠﻮ ﰲ اﻟﺠﻮ ﻋﻠﻮٍّا ﻃﺮﻗﻬﺎ اﻟﻔﺴﻴﺤﺔ ﺗﺰﻳﻨﻬﺎ اﻷﺷﺠﺎر واملﺘﻨﺰﻫﺎت ،وﺗﺘﻮﺳﻄﻬﺎ املﻴﺎدﻳﻦ ذات اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﺑﺪﻳﻌﺔ اﻟﻔﻦ ،وﻛﻢ راﻗﻨﻲ ﺑﻨﺎء »دار اﻷوﺑﺮا« اﻟﺘﻲ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﻋﲆ ﻧﻤﻂ أوﺑﺮا ﺑﺎرﻳﺲ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،واﻟﺒﻠﺪة ﻛﻠﻬﺎ ﺗُﺸﻌِ ﺮ ﺑﺤﺴﻦ ذوق اﻟﻘﻮم وﺗﻮاﻓﺮ ﺛﺮاﺋﻬﻢ ،وﻳ َُﺨﻴﱢﻞ إﱄ ﱠ أﻧﻬﻢ ﻳﻘﺘﻔﻮن أﺛﺮ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﰲ ﺗﺨﻄﻴﻂ ﺑﻠﺪاﻧﻬﻢ ،وﻗﺪ زرﻧﺎ ﺑﻌﺾ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎﺗﻬﺎ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،وﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻜﻠﻴﺔ اﻟﻄﺐ ﰲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ اﻟﻔﺎﺧﺮ ،وأﺧريًا دﺧﻠﻨﺎ ﻣﻌﻬﺪ ،Butantanوﻫﻨﺎ راﻋﺘﻨﺎ ﻣﺠﺎﻣﻴﻊ اﻟﺤﻴﺎت واﻷﻓﺎﻋﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺑﻴﻬﺎ اﻟﻘﻮم ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ اﻷﻧﻮاع ،وﺟﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﺎﺑﺎت اﻷﻣﺎزون ،وﻗﺪ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﻟﻬﺎ أﺑﻨﻴﺔ ﰲ ﺷﺒﻪ أﻗﺒﻴﺔ ﺻﻐرية ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺗﺤﺖ ﺣﴫ ،ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺧﻨﺪق ﻳﺠﺮي ﺑﻪ املﺎء ،وﻟﻘﺪ أﺧﺬ اﻟﺤﺎرس ﻳﺠﺮ اﻟﺤﻴﺎت ﺑﺨ ﱠ ﻄﺎﻓﻪ ﺣﺘﻰ ﻛﺪ َ ﱠس أﻣﺎﻣﻨﺎ زﻫﺎء اﻟﺨﻤﺴني ﰲ أﺷﻜﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وأﻟﻮان ﻣﻨﻮﻋﺔ، ﺑﻌﻀﻬﺎ أﺧﴬ زرﻋﻲ واﻟﺒﻌﺾ أﺣﻤﺮ ﻣﻨﻘﻮش ً ﻧﻘﺸﺎ ﺑﺪﻳﻌً ﺎ ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺎق ﻗﺎﻣﺔ اﻟﺮﺟﻞ ً ﻃﻮﻻ ،وأﺧﺬ ﻳﻌﺪﱢد ﻟﻨﺎ أﺳﻤﺎءﻫﺎ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻠﺒﺲ ﰲ رﺟﻠﻴﻪ أﺣﺬﻳﺔ إﱃ اﻟﺮﻛﺒﺘني، وﻛﺎن ﻛﻠﻤﺎ ﺣﺎ َو َل اﻟﻘﺮب ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺒ ْﱠﺖ ﻓﻴﻪ ﻧﺎﻓﺮة وﺣﺎوﻟﺖ أن ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺄﻓﻮاﻫﻬﺎ رﺟﻠﻴﻪ ،وﻟﺸﺪ ﻣﺎ راﻋﻨﻲ ﻣﺸﻬﺪ أﻓﻌﻰ ﻛﺒرية َ أﻣﺴ َﻜﻬﺎ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ رأﺳﻬﺎ ﺑﻴﺪه ﺑﻌﺪ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ وﺿﻐﻂ ﻋﲆ ﻓﻜﻴﻬﺎ وأدﺧﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻋﺼﺎه ،ﻓﺒَﺪ َِت اﻷﺳﻨﺎن ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻹﺑﺮ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ،ﺛﻢ ﻋﻤﺪ اﻟﺮﺟﻞ إﱃ »ﺟﻔﺖ« ﺿﻐﻂ ﺑﻪ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺒَﻲ اﻟﻨﺎﺑني ﻓﺄﺧﺬ اﻟﺴﻢ ﻳﺘﻘﺎﻃﺮ إﱃ اﻷرض ﰲ ﻏﺰارة أدﻫﺸﺘﻨﺎ ً ﺷﻔﺎﻓﺎ ،ﺛﻢ أزاح أﻏﺸﻴﺔ اﻟﻠﺜﺔ واﺟﺘﺬب اﻟﻨﺎب ﻓﺎﻗﺘﻠﻌﻪ وأﻟﻘﻰ ﺑﻪ إﱃ اﻷرض وﻛﺄﻧﻪ وﻛﺎن ﻟﻮﻧﻪ ﺷﻮﻛﺔ دﻗﻴﻘﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﺛﻢ رﻣﻰ ﺑﺎﻟﺤﻴﺔ إﱃ املﺎء .وﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﺎت ﺗُﺮﺑﱠﻰ وﺗُﺠﻤﻊ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪار ﻟﻜﻲ ﻳُﺴﺘﻤَ ﺪ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺴ ﱡﻢ اﻟﻨﻘﻲ ﻻﺳﺘﺨﻼص املﺼﻞ اﻟﻮاﻗﻲ ﺿﺪ اﻟﺴﻤﻮم ،وﻳﻘﻮﻟﻮن ﺑﺄﻧﻪ أﻛﱪ ﻣﻌﺎﻫﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﻲ أُﻗِ ﻴﻤَ ْﺖ ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض ،وﻣﻦ أﻋﺠﺐ اﻷﻓﺎﻋﻲ اﻟﺘﻲ رأﻳﻨﺎﻫﺎ »اﻟﺒﻮاﻛﻨﺴﱰﻛﺘﻮر« واﻟﺤﻴﺔ ذات اﻟﺠﺮس ،Rattle snakeأﻣﺴﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻄﺮف ذﻧﺒﻬﺎ وﻫ ﱠﺰه ﻓﺈذا ﺑﺮﻧﻴﻨﻪ ﺣﺎ َﻛﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أﺻﻮات ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻷﺟﺮاس اﻟﺼﻐرية ،وﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎت ﻏري اﻟﺴﺎﻣﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒرية أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﻟﻬﺎ ﺣﻈرية ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ. ﻟﺒﺜﻨﺎ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ إﱃ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﺴﺎءً ،ﺛﻢ ﻗﻤﻨﺎ ﻋﺎﺋﺪﻳﻦ إﱃ ﺳﻨﺘﻮس واﺧﱰﻗﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮى وﻛﺎن ﻳﺒﺪو ﻋﲆ أﻫﻠﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻮز ،وﺗﻌﻮزﻫﻢ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ،ﻓﻜﺜري ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ً ﻣﺘﺴﻮﻻ واﺣﺪًا ﻻ ﻫﻨﺎ وﻻ ﰲ رﻳﻮدﺟﻨريو ،وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى وﻧﺤﻦ راﺟﻌﻮن ﺣﻔﺎة إﻻ أﻧﻲ ﻟﻢ أﻻﺣﻆ ً ﺣﺮﻗﺎ، ﻧرياﻧًﺎ ﻣﻠﺘﻬﺒﺔ ﰲ ﺑﻘﺎع ﻧﺎﺋﻴﺔ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻨﺎ إﻧﻪ اﻟﺒﻦ اﻟﻔﺎﺋﺾ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺔ اﻷﺳﻮاق ﻳُﺘ َﻠﻒ ً ﻋﺎﻣﺔ وﻟﻬﺬه املﻨﻄﻘﺔ ﺧﺎﺻﺔ. وﻫﻮ اﻟﻐﻠﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻟﻠﱪازﻳﻞ 31
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻷﻓﺎﻋﻲ وأوﻛﺎرﻫﺎ ﰲ ﺑﻮﺗﺎﻧﺘﺎن ﺑﺎﻟﱪازﻳﻞ.
ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺣﻮل واﻟﺒ ﱡُﻦ ﻳﻜﺜﺮ ﰲ اﻟﱰﺑﺔ اﻟﺤﻤﺮاء Terraroxaاﻟﺘﻲ ﺗُ َﺮى ﰲ ﺟﻬﺎت ﻛﺜرية ﺳﺎن ﺑﺎوﻟﻮ ورﻳﻮدﺟﻨريو اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺒﻠﻎ ﺛﻼﺛﺔ اﻷﻣﺘﺎر ُﺳﻤْ ًﻜﺎ ،وﻳﺒﺪأ اﻟﻘﻮم ﺑﻐﺮس اﻟﻔﺴﻴﻞ ﺑني ﻧﻮﻓﻤﱪ وﻓﱪاﻳﺮ ،وﺗﺜﻤﺮ اﻟﺸﺠريات ﰲ ﺳﻦ اﻟﺮاﺑﻌﺔ وﻳﻜﻮن اﻟﺠﻨﻲ ﺑني ﻣﺎﻳﻮ وﺳﺒﺘﻤﱪ ،واﻟﺒﻦ ٪٧٠ﻣﻦ ﺻﺎدرات اﻟﺒﻼد أو أﻛﺜﺮ وﻳُﻘﺪﱠر ﺑﻨﺤﻮ ٪٦١ﻣﻦ ﺗﻤﻮﻳﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ،وﻫﻮ أﻛﱪ ﻣﻮارد اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻧﺤﻮ ٪٦٠ﻣﻦ اﻟﺼﺎدر ﻣﻦ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ ﺳﺎن ﺑﺎوﻟﻮ ،و ٪٢٧ﻣﻦ رﻳﻮدﺟﻨريو، وﺗﺴﺘﻬﻠﻚ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻧﺤﻮ ٪٥٧ﻣﻨﻪ ،وﻓﺮﻧﺴﺎ ،٪١٠وأملﺎﻧﻴﺎ ،٪١٠وﺗﺤﻜﻢ رﻗﺎﺑﺔ اﻷﺳﻮاق ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻟﻠﺒ ﱢُﻦ أو ﺷﺒﻪ وزارة ﺗﺸﱰي املﺤﺼﻮل وﺗﺨ ﱢﺰﻧﻪ ﻟﻸوﻗﺎت املﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻠﺒﻴﻊ، وﻟﻠﺪوﻟﺔ أن ﺗﻘﻴﱢﺪ اﻟﺼﺎدر ﻣﻨﻪ ﻣﺘﻰ ﺷﺎءت ،وﺑﺴﺒﺐ ﻛﺜﺮة املﺤﺼﻮل اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻦ ﻛﺜﺮة اﻹﻧﺘﺎج وﻣﻦ ﻗﻠﺔ اﻟﺘﴫﻳﻒ ﻛﺎن ﰲ املﺨﺎزن ﻣﺤﺼﻮل ﺳﻨﺔ ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ ﻛﻞ ﻋﺎم ،وﻳُﻘﺪﱠر ﻣﺤﺼﻮل ﺳﻨﺔ ١٩٣٤ﺑﻨﺤﻮ ٣٠ﻣﻠﻴﻮن ﻛﻴﺲ ،ﻳﺼﺪﱠر ﻣﻨﻬﺎ ١٨واﻟﺒﺎﻗﻲ ﻳُﻀﺤﱠ ﻰ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺸﱰﻳﻪ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻼح ﺑﺴﻌﺮ ٣٠ﻣﻴﻞ راﻳﺲ ﻟﻠﻜﻴﺲ ،وﻗﺪ ﻗﺮرت ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺒﻦ أﻻ ﺗﺰرع ﺷﺠﺮة واﺣﺪة ﰲ اﻟﺒﻼد ملﺪة ﺛﻼث ﺳﻨني ،وأن ﺗﺼﺪﱢر ٪٤٠ﻣﻦ املﺤﺼﻮل ،وﺗﺒﻴﺢ ﻟﻠﺘﺠﺎر ﺗﺼﺪﻳﺮ ،٪٣٠ وﻣﺎ ﺑﻘﻲ وﻫﻮ ٪٣٠ﻳﺤﺠﺰ أو ﻳﺘﻠﻒ ،وﻳُﺤ َﺮق ﻛﻞ أﺳﺒﻮع ﻧﺤﻮ ٣٠٠أﻟﻒ ﻛﻴﺲ ،وﻗﺪ ﺣﺮق ٢٣١٠٦٦٠٥أﻛﻴﺎس ،وﻛﺎن اﻟﺼﺎدر ﺳﻨﺔ ١٩٣٣ﻧﺤﻮ ١٢ﻣﻠﻴﻮن ﻛﻴﺲ ﺑﻠﻎ ﻣﺎ أ ُ ِ 32
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻗﺪ ﺗﺰﻳﺪ اﻷﻓﻌﻰ ﻋﲆ ﻃﻮل ﻗﺎﻣﺔ اﻟﺮﺟﻞ.
— اﻟﻜﻴﺲ ٦٠ﻛﻴﻠﻮﺟﺮاﻣً ﺎ — ﺛﻤﻨﻬﺎ ٢٦ ١٢ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ — وﻗﺪ ﻛﺎن ﺳﻨﺔ ١٤ ،١٩٢٨ﻣﻠﻴﻮن ﻛﻴﺲ ﺛﻤﻨﻬﺎ ٧٠ ١٢ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ. أﻣﺎ اﻟﺠﻮ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﺎﻓﻴًﺎ ،ﻓﺎﻟﺴﻤﺎء ﻛﺎن ﻳﻐﺸﺎﻫﺎ ﺳﺤﺎب وﻗﺪ أﻣﻄﺮﺗﻨﺎ رذاذًا ،وﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ً واﺑﻼ ،واملﻄﺮ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺴﺎﺣﻠﻴﺔ ﻳﺴﻘﻂ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻔﺼﻮل ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺮﻃﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﺟﻴﻬﺎ اﻟﺮﻳﺎح اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺸﺎﻃﺌﻴﺔ .أﻣﺎ اﻟﺸﺘﺎء ﻫﻨﺎك ﻓﻐﺎﻳﺔ ﰲ اﻟﺪفء ،ﻟﻢ ﻳُﺸﻌِ ﺮﻧﻲ ﺑﴬورة ﺗﻐﻴري ﳾء ﻣﻦ ﻣﻼﺑﺲ اﻟﺼﻴﻒ ﻋﻨﺪﻧﺎ.
33
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﺠﻤﺎﻫري اﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﰲ ﺷﻮارع ﺳﺎن ﺑﺎوﻟﻮ.
ﻗﻤﺖ ﻣﺒ ﱢﻜ ًﺮا ﱠ أﺗﺄﻫﺐ ﻟﻠﻨﺰول إﱃ ﺳﻨﺘﻮس ،وإذا اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻠﺒﱠﺪَة ﱡ ﺑﺎﻟﺴﺤُ ﺐ ،واﻟﺠﻮ أﻏﱪ، واملﻄﺮ واﺑﻞ ،ﻇ ﱠﻞ ﻫﻜﺬا ﺑﺪون اﻧﻘﻄﺎع إﱃ اﻟﻠﻴﻞ ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺳﻮء ﺣﻈﻲ؛ ﻷﻧﻲ ﻟﻢ أﺗﻔﻘﺪ ُ آﺛﺮت أن أﻗﻮم ﺑﺠﻮﻟﺔ ﻓﻴﻬﺎ رﻏﻢ ذاك اﻟﺠﻮ املﻨﻔﺮ ،ﻟﻜﻦ املﺘﺎﺟﺮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻠﺪة ﺟﻴﺪًا ،ﻋﲆ أﻧﻲ ً ﻣﻐﻠﻘﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ،وﻋﺠﺒﺖ ﻷن اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﻳﻤﻨﻊ اﻟﺒﻴﻊ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ،وﺗﻠﻚ إﺣﺪى ﻇﻮاﻫﺮ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ .وﻟﻌﻞ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﰲ اﻟﺒﻠﺪة ﺻﺨﺮة ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت ﺗﺴ ﱠﻠ ْﻘﻨَﺎﻫﺎ ﺑﱰام ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﻣﺴﻨﱠﻦ اﻟﻌﺠﻞ »ﻓﻮﻧﻜﻠري« ،وﺟﻠﺴﻨﺎ ﰲ ﻣﻘﻬﻰ اﻟﺬروة وﴍﺑﻨﺎ اﻟﻘﻬﻮة اﻟﱪازﻳﻠﻴﺔ ً ﺟﻤﻴﻼ رﻏﻢ أن اﻟﻘﻬﻮة ﻟﻢ ﺗُﻌَ ﱠﺪ ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ املﴫﻳﺔ، اﻟﺸﻬﻴﺔ ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﺒري اﻟﺒﻦ ﻋﻄ ًﺮا 34
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
وﻟﻘﺪ ﺑﺪت اﻟﺒﻠﺪة ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ دوﻧﻨﺎ ﻣﻜﺘﻈﺔ اﻟﺒﻴﻮت ،ﻣﺒﺴﻮﻃﺔ اﻟﺴﻄﺢ إﱃ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺬي ﻇﻬﺮ َ ً ﻋﺮﺿﺎ. ﺿﻌﻔ ْﻲ ﻧﻴﻠﻨﺎ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻳﻜﺎد ﻳﻔﻮق ﻋﺪ ُ ْت إﱃ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻏري ِ آﺳﻒ ملﺼﺎدﻓﺔ ذاك اﻟﺠﻮ اﻟﻌﻜﺮ؛ ﻷﻧﻲ ﻟﻢ أﻓﻘﺪ ﺷﻴﺌًﺎ؛ إذ اﻟﺒﻠﺪة ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻓﺘﻘﺎرﻫﺎ إﱃ املﻨﺎﻇﺮ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،وﻳﻜﺎد ﻳ ِ ُﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﺑﻠﺪة ﻣﻘﺒﻀﺔ ،إﻻ أن أرﺻﻔﺔ ﻣﻴﻨﺎﺋﻬﺎ ﻫﺎﺋﻠﺔ اﻻﻣﺘﺪاد ،ﻳﻘﻮم ﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ﺧﻤﺴﺔ وﻋﴩون ﻣﺨﺰﻧًﺎ ﻛﺒريًا ﻟﻠﺴﻠﻊ، وﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ Armazamوﻫﻲ ﻣﺤ ﱠﺮﻓﺔ ﻋﻦ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،Almacenوﻫﺬه ﻋﻦ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ »املﺨﺰن«. ﻋﺪ ُ ْت إﱃ اﻟﺒﺎﺧﺮة وإذا اﻷملﺎن ﰲ ﺣﺮﻛﺔ ﻏري ﻋﺎدﻳﺔ ،وﻗﺪ ﻋُ ﱢﻠ َﻘ ْﺖ ﰲ ﻟﻮﺣﺎت اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻛﻠﻬﺎ »ﻛﻠﻤﺔ «Yaﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻜﺒري ،ﺗﺤﻮﻃﻬﺎ ﰲ اﻷرﻛﺎن ﺑﺎﻗﺎت ﻣﻦ اﻟﻌﺸﺐ اﻷﺧﴬ ،وملﺎ ﺳﺄﻟﺘﻬﻢ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻗﺎﻟﻮا ﺑﺄن ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ﻳﻮم اﻟﺘﺼﻮﻳﺖ ﻟﺮﺋﻴﺲ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻷملﺎﻧﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻫﻨﺪﻧﱪج ،وﻗﺪ أﻋﻠﻦ ﺑﺪء اﻻﻧﺘﺨﺎب ﺑﺎﻟﻼﺳﻠﻜﻲ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷملﺎن ﰲ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻴﻌﻄﻲ ﻛ ﱞﻞ ﺻﻮﺗَﻪ ،وﻛﺎن اﻻﻗﱰاع ﻋﲆ »ﻫﺘﻠﺮ« ﻧﻔﺴﻪ ،وﻛﺎن ﻗﺪ أﻋَ ﱠﺪ ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﻳﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﺮﺋﻴﺲ ً رﺋﻴﺴﺎ إذا ﻣﺎت ﺧﻠﻔﻪ »املﺴﺘﺸﺎر« ﰲ اﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﺑﺪون اﻧﺘﺨﺎب ،ﻟﻜﻦ ﻫﺘﻠﺮ رﻓﺾ أن ﻳﺼﺒﺢ ﺑﺪون إﺟﺮاء اﻻﺳﺘﻔﺘﺎء؛ ﻟﻴﻘﻨﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ أن اﻟﺸﻌﺐ اﻷملﺎﻧﻲ وراءه ﻳﺆﻳﱢﺪه ،وﻗﺪ أﻋﻠﻦ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ إﻻ إذا ﻗﺎل اﻟﺸﻌﺐ Yaأي »ﻧﻌﻢ«؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺘﺒﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﺣﺜٍّﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻋﲆ اﻧﺘﺨﺎﺑﻪ. وﰲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ ﺗﻤﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻧﺘﺨﺎب ،وﰲ اﻟﺼﺒﺎح ﺟﺎءت اﻷﻧﺒﺎء ﺑﺄن ﻫﺘﻠﺮ أﺣﺮز ٪٨٨٫٤ﻣﻦ ٪٩٥ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺐ اﻷملﺎﻧﻲ ،وﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ أﻋﻄﻮا أﺻﻮاﺗﻬﻢ ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﻧﴫًا ﻣﺒﻴﻨًﺎ ﻟﻠﻤﺒﺎدئ اﻟﻬﺘﻠﺮﻳﺔ ،وﻛﻢ أﻛﱪت ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﻫﺆﻻء؛ ﻓﻔﻲ ﻛﻞ أﻧﺤﺎء ﴎا وﻳُﻠﻘِ ﻲ ُﺪﱄ ﺑﺼﻮﺗﻪ ٍّ اﻷرض ﻻ ﻳﻀﻴﻊ ﺻﻮت أملﺎﻧﻲ ،وﻛﺎن ﻳﺘﻘﺪﱠم اﻟﻮاﺣﺪ ﰲ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ وﻳ ِ رﻗﻴﺐ أو ﻣﺆﺛ ﱢ ٍﺮ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻬﺠﺔ اﻟﻘﻮم ﺑﺬاك اﻟﻔﻮز ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺑﻮرﻗﺘﻪ إﱃ اﻟﺼﻨﺪوق دون ٍ واﻟﺒﴩ ﺑﺪا ﻋﲆ وﺟﻮه اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺧﻼ ﻓﺌﺔ ﻣﻦ ﻳﻬﻮد اﻷملﺎن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﺎﺟﺮة ﻣﻦ أملﺎﻧﻴﺎ ،وﻫﺆﻻء ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﺣﻖ اﻟﺘﺼﻮﻳﺖ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺤﻤﻠﻮن ﺟﻮازات ﺳﻔﺮ أملﺎﻧﻴﺔ. واﻟﺤﻖ أن ﻫﺘﻠﺮ ﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺜﻘﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﺟﻬﺪه ﻻﺳﺘﻌﺎدة ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻗﻮﻣﻪ ﺑني اﻷﻣﻢ، ﻓﻴُﻌِ ﱡﺪ أﺑﻨﺎءه وﻳﻘﻮم ً ﻣﺜﻼ ﻟﻠﺘﻔﺎﻧﻲ ﰲ اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﻟﻠﻮﻃﻦ ،وﻳﺪرﺑﻬﻢ ﻋﲆ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻣﻘﺎم اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ،وﻳﺒﻌﺚ ﺑﺎﻟﻜﺜري إﱃ أﻧﺤﺎء اﻷرض ﻳﺒﺜﻮن ﻣﺒﺎدﺋﻪ وﻳﺜﺒﺘﻮن ﻷملﺎﻧﻴﺎ ﻳﺪًا ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،إﱃ ذﻟﻚ ﻓﻬﻢ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﻧﺼري اﻟﻔﻘري ،ﻓﻬﻮ داﺋﻤً ﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﺤﺴني ﻣﻮاردﻫﻢ ،وﻳُﺮﻏِﻢ املﻤﻮﱢﻟني وأﺻﺤﺎب اﻷﻋﻤﺎل أن ﻳﺨﺼﻮا اﻟﻌﻤﺎل ﺑﺄﺟﺮ ﺣَ َﺴﻦ وﻣﻌﺎش ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻜﻔﻮل ،وﻗﺪ ﱠ ﺑﺚ ﰲ اﻟﺸﺒﺎب روﺣً ﺎ ﻋﺠﻴﺒًﺎ؛ إذ أﻋﻠﻦ أن اﻟﺸﺎب ﻣﻦ ﱢ ﺳﻦ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻋﴩة ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﻘﺪﱠم ﻟﻴﺨﺪم ﰲ ﻣﻌﺎوﻧﺔ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺰراﻋﻴﺔ وﰲ إﺻﻼح اﻟﻄﺮق 35
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻣﻘﺎﺑﻞ ،واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺰوﱢده ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم واملﻠﺒﺲ واملﺴﻜﻦ ،وإن ﻃﻠﺐ وﺗﺠﻔﻴﻒ املﻨﺎﻗﻊ ﺑﺪون ٍ ً ﴏف ﻟﻪ ﻗﺮش وﻧﺼﻒ ﰲ اﻟﻴﻮم ﻟﻴﺲ ﻏري ،وﻣﺪى ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺪﻣﺔ ﺳﻨﺔ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد ،ﻓﻜﺄﻧﻬﺎ ﻣﺎﻻ ُ ِ ﺟﻨﺪﻳﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ ملﻌﺎوﻧﺔ ﻣﺎﻟﻴﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ،ودﻫﺸﺖ ملﺎ ﻋﻠﻤﺖ أن ﺳﻴﻞ املﺘﻄﻮﻋني داﻓﻖ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻇ ًﻔﺎ ﰲ ﻋﻤﻞ ﱠ ﻏري املﺤﺘﺎﺟني وﻣﻦ اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ،وﻣَ ﻦ ﻛﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻮ ﱠ ﺗﺨﲆ ﻋﻦ ﻋﻤﻠﻪ ﻷﺣﺪ اﻟﻌﺎﻃﻠني أﺻﺤﺎب اﻟﻌﺎﺋﻼت ﻣﺪى ﻋﺎ ٍم ،ﺛﻢ ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ ﻋﻤﻠﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ!
أﻛﺪاس اﻟﺒﻦ اﻟﺬي ﻳُﺤ َﺮق ﰲ ﺳﺎن ﺑﺎوﻟﻮ.
وﻃﻨﻴﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ وإﺧﻼص ﻟﻠﻮﻃﻦ ﻳﺪﻋﻮ إﱃ اﻹﻛﺒﺎر! أﻗﻠﻌﻨﺎ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻌﺎﴍة ﻣﺴﺎءً ً ﻃﻮﻳﻼ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻷﺿﻮاء ﺗﻤﺘﺪ ﻋﲆ أﺣﺪ ﺟﺎﻧﺒﻴﻪ ،ﺛﻢ ﺧﺮﺟﻨﺎ إﱃ وﴎﻧﺎ ﰲ ﺧﻠﻴﺞ ﺳﻨﺘﻮس ﻋﺮض اﻟﺒﺤﺮ ﻧﺴري ﺻﻮب اﻟﺠﻨﻮب ،وﰲ اﻟﺼﺒﺎح ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى ﺻﺨﻮر ﺷﻮاﻃﺊ اﻟﱪازﻳﻞ إﱃ ﻳﻤﻴﻨﻨﺎ وﻛﺎن اﻟﺠﻮ ﺷﺒﻴﻬً ﺎ ﺑﺸﺘﺎء ﻣﴫ ،واﻟﺴﻤﺎء ﺗﻨﻘﺸﻬﺎ اﻟﻐﻴﻮم املﺒﻌﺜﺮة اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ ،وﻋﻨﺪ اﻟﻈﻬﺮ ﺑﺪت ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺟﺰاﺋﺮ ﺻﻐرية ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت ،ﺛﻢ أﻋﻘﺒﻬﺎ ﺷﺎﻃﺊ ﻣﺤﺪود وراءه ُ ِ ﻧﺴﺘﻄﻊ اﻟﻨﺰول إﻟﻴﻬﺎ؛ ﻷن اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻟﻢ ﺗﻘﻒ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺳﺎن ﻓﺮﻧﺴﺴﻜﻮ دل ﺳﻴﺪ« وﻟﻢ ﺗﻘﻮم ﻣﻴﺎﻫﻬﺎ ﺳﻮى ﺳﺎﻋﺘني ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻒ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ اﻟﱪ ﻷن ﻏﻮر املﺎء ﻗﺮﻳﺐ ،ﺛﻢ ﻏﺎدرﻧﺎﻫﺎ وﻟﺒﺜﻨﺎ 36
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻧﺴري إﱃ رﻳﻮﺟﺮاﻧﺪ آﺧِ ﺮ ﺟﻬﺎت اﻟﱪازﻳﻞ ﺟﻨﻮﺑًﺎ إﱃ ﺑﺎﻛﻮرة اﻷرﺑﻌﺎء ،ﺛﻢ اﻧﻌﺮﺟﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة إﱃ ﺑﺴﻴﻂ ﻣﻦ املﺎء ﻻ ﺗﻤﻴﱢﺰه ﻋﻦ املﺤﻴﻂ إﻻ ﺑﻠﻮﻧﻪ اﻟﻌَ ﻜِﺮ ،وﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ ﺑَﺪَا إﱃ ﻳﻤﻴﻨﻨﺎ ﺟﴪ ﺻﻨﺎﻋﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ﻋﻈﻴﻢ اﻻﻣﺘﺪاد ،ﻳﺠﺎﻧﺒﻪ ﻣﻦ اﻟﻴﺴﺎر ﱠ ﺻﻔﺎن ﻣﻦ »اﻟﺸﻤﻨﺪورات« اﻟﺼﻐرية ﻟﺘﺴري اﻟﺴﻔﻦ وﺳﻄﻬﺎ وﻻ ﺗﻌﺪوﻫﺎ ،وإﻻ أوﻏﻠﺖ ﰲ اﻟﺼﺨﻮر واﻷدﻏﺎل ،وﻟﻘﺪ أﺑﴫﻧﺎ ﺑﺒﺎﺧﺮة ﻛﺒرية ﺧﺎﻧﻬﺎ اﻟﺤﻆ اﻟﻌﺎﺛﺮ ﻓﺼﺪﻣﺖ ﻃﺮف اﻟﺠﴪ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺣﺎدت ً ﻗﻠﻴﻼ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ »اﻟﺸﻤﻨﺪورات« ً ُ ﻓﺸ ﱠﻘ ْﺖ ﻧﺼﻔني ،وﻻ ﻳﺰال ﻧﺼﻔﻬﺎ ﺑﺎدﻳًﺎ ﻓﻮق املﺎء واﻟﻨﺼﻒ َ ﻏﺎرﻗﺎ .وﺑﻌﺪ ﻣﺴرية زﻫﺎء اﻵﺧﺮ ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع اﻟﺴﺎﻋﺔ وﻗﻔﻨﺎ وﺳﻂ املﺎء؛ إذ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺒﻮاﺧﺮ اﻟﻜﺒرية اﻟﺘﻘﺪﱡم ﻟﻘﺮب ﻏﻮر املﺎء، ﺛﻢ ﺟﺎءت اﻟﺒﻮاﺧﺮ اﻟﺼﻐرية ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﺤﻤﻞ املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ واﻟﺒﻌﺾ ﻳﻨﻘﻞ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ واملﺘﺎع. ﻧﺰﻟﻨﺎ ﻧﺠﻮب أﻃﺮاف اﻟﺒﻠﺪة ،ﻓﺈذا ﺑﻬﺎ ﻏري ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻲ أﺳﻤﻴﺘﻬﺎ ﺗﻬ ﱡﻜﻤً ﺎ »رﻳﻮﺑﻜﻮﻧﻴﻮ« أي رﻳﻮ اﻟﺼﻐرية ﺑﺪل ﺟﺮاﻧﺪ — وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﻛﺒرية — ﻓﻬﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺷﻮارع ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺔ ﻣﺘﻌﺎﻣﺪة ،ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻻ ﺗﻌﻠﻮ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﻮاﺣﺪ ،ﺗﻤﻴﱢﺰﻫﺎ أ ُ ُ ﻃﺮ وأﺳﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﺒﻨﺎء آن َ ً ﻣﺘﻨﺰﻫﺎ ﺻﻐريًا ﺗﺘﻮﺳﻄﻪ ﻧﺎﻓﻮرة ،وﻗﺪ أدﻫﺸﻨﻲ وآﺧﺮ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى أو ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﺻﻐرية ،وﺑني ٍ ﺳﻜﻮن اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺘﻲ ﺑﺪت وﻛﺄﻧﻬﺎ ﻏري ﻣﺄﻫﻮﻟﺔ ،وﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺣﻮاﻧﻴﺘﻬﺎ ﻏري ﻣﻔﺘﺤﺔ ﺣﺘﻰ إﻧﻲ ً ﻛﺎﻣﻼ ﺧﻠﺖ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ وإذا ﺑﻪ اﻷرﺑﻌﺎء ،ﻓﻜﺄﻧﻬﺎ ﺑﻠﺪة ﻣﻴﺘﺔ ،ﴏﻓﻨﺎ ﰲ أرﺟﺎﺋﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻧﺪر ﻣﺎ ﻧﻔﻌﻞ ،ﻓﻌﻤﺪﻧﺎ إﱃ ﺣﺎﻧﻮت ﻓﺎﻛﻬﺔ ،وﴍﺑﻨﺎ ﻣﻦ املﻮز واﻟﱪﺗﻘﺎل ﺷﻴﺌًﺎ ﻛﺜريًا ،وﺛﻤﻨﻪ ﻟﻢ ِ ﻫﻨﺎك زﻫﻴﺪ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،وﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺄﻛﻞ ﺣﺘﻰ ﺿﺠﺖ اﻟﺒﻄﻮن وﻋﺎﻓﺖ اﻟﻨﻔﻮس ،وﻳﺒﺪو ﻋﲆ أﻫﻞ اﻟﺒﻠﺪة — وﻗﻠﻴﻞ ﻣﺎ ﻫﻢ — اﻟﻔﻘﺮ ،ﻓﻜﺜري ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻳﺴريون ﰲ ﺧﺮق ﺑﺎﻟﻴﺔ ﻋﺮاة اﻷﻗﺪام، ﻋﲆ أن اﻟﺒﻠﺪة ﻋﺎﺻﻤﺔ أﻗﴡ ﻣﺪﻳﺮﻳﺎت اﻟﱪازﻳﻞ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ،وﻫﻲ أﻏﻨﻰ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎملﺮﻋﻰ ،وﻫﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ ﻫﺎﺋﻞ ﻣﻦ املﺎء ﻓﺴﻴﺢ ﻳﺒﺪو ﻛﺄﻧﻪ ذراع ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،وﻳﻜﺎد ﻳﺤﻮط اﻟﺒﻠﺪ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺟﻬﺎﺗﻪ .أﻣﺎ ﺟﻮ اﻟﺒﻠﺪ ﻓﺮﻃﺐ ﻛﺜري ﱡ اﻟﺴﺤُ ﺐ واﻷﻣﻄﺎر ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺮﻳﺢ ﺑﺎردﻫﺎ ،وﰲ اﻟﺼﺒﺎح واملﺴﺎء ﻳﺴﻮد اﻟﺠ ﱠﻮ ﺿﺒﺎبٌ ﻛﺜﻴﻒ ﻻ ﺗﺒﺪﱢده اﻟﺸﻤﺲ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﺎﴍة ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﺗﺪق أﺟﺮاﺳﻬﺎ دﻗﺎت ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ؛ ﻟﺘﺪل اﻟﺒﻮاﺧﺮ املﺎﺧﺮة ﺑﺠﺎﻧﺒﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻮﺿﻌﻬﺎ ﻣﻦ املﺎء ،وﻗﺪ ﻇﻠﺖ ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ ﺗﻔﺮغ ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ إﱃ ﻇﻬﺮ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ،وﻣﺎ ﻛﺪﻧﺎ ﻧُﻌ َﻠﻦ ﺑﺎﻹﺑﺤﺎر ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ إن اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺴري إﻻ ﺑﻌﺪ ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت ﻟﻘﺮب ﻏﻮر املﺎء؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﺠَ ْﺰر ،واملﺪ واﻟﺠﺰر ﻳﺘﻌﺎﻗﺒﺎن ﻣﺮﺗني ﰲ اﻟﻴﻮم :ﻣﺪ ﻓﺠﺰر ،ﻓﻤﺪ ﺛﻢ ﺟﺰر ،ﻓﻠﺒﺜﻨﺎ ﺣﺘﻰ ُ أﺧﺬت ﻋﲆ اﻟﺮﺑﱠﺎن ﺗﻬﺎوُﻧﻪ ﰲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ذﻟﻚ؛ ﻷﻧﻪ أﻋﻠﻨﻨﺎ ﺑﺎﻟﺮﺣﻴﻞ ﺛﻢ ﻋﻼ املﺎء وﻇﻬﺮ املﺪ ،وﻟﻘﺪ ﻗﻴﻞ إﻧﻪ وﻗﺖ اﻟﺠﺰر ،وﻣﻮاﻗﻴﺖ املﺪ واﻟﺠﺰر ﻟﻜﻞ ﻣﻴﻨﺎء ﻣﺪوﱠﻧﺔ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ،وﻣﻦ أﻟﺰم واﺟﺒﺎت 37
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﺒﺤﱠ ﺎر أن ﻳﻜﻮن ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻴﻤً ﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﺑﻐريه ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺴري ،وﻗﺪ ﻳﻌ ﱢﺮض ﺳﻔﻴﻨﺘﻪ ﻷﺧﻄﺎر أوﺣﺎل اﻟﺠﺰر وﺻﺨﻮره. ) (2ﺑﻼد أرﺟﻮاي ﻏﺎدرﻧﺎ رﻳﻮﺟﺮاﻧﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﺴﺎء وﻟﺒﺜﻨﺎ اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ وﻧﻬﺎر اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ،وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى ً ﺳﻬﻮﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎرﺑﻨﺎ »ﻣﻨﺘﻔﺪﻳﻮ«، اﻟﺴﻮاﺣﻞ ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ،وﻗﺪ أﺧﺬت ﺟﺒﺎﻟﻬﺎ ﺗﻨﺪر ﺣﺘﻰ أﺿﺤﺖ وﻗﺒﻞ رؤﻳﺔ اﻟﺒﻠﺪة ﺑﻨﺤﻮ ﺳﺎﻋﺘني أﺧﺬ املﺎء ﻟﻮﻧًﺎ ﻛﺪ ًرا ﻳﺸﺒﻪ ﻟﻮن ﻣﺎء ﻧﻴﻠﻨﺎ إﺑﱠﺎن اﻟﻐﻴﺾ — اﻟﺘﺤﺎرﻳﻖ — ذﻟﻚ ﻷﻧﱠﺎ ﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺪﺧﻞ ﻣﺼﺐﱠ ﻻﺑﻼﺗﺎ اﻟﻬﺎﺋﻞ .ﰲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﺴﺎءً ﻇﻬﺮت ﻋﲆ ﺑُﻌْ ٍﺪ أﺑﻨﻴﺔ ﻣﻨﺘﻔﺪﻳﻮ ﻣﻤﺪودة ﰲ ﺳﻬﻞ ﻻ ﺗﺘﺨﻠﻠﻪ ﻧﺠﺎد ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﺗﻞ وﻃﻲء ﻣﺨﺮوط اﻟﺸﻜﻞ ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﻣﻮﻧﺖ، ﺗﺠﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﺜﺮى وﻫﻮ أول ﻣﺎ رآه اﻟﻜﺎﺷﻔﻮن ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪٍ ،ﻓﺼﺎح أﺣﺪﻫﻢ أي :ﺟﺒﻞ .ﻓﻴﺪ ،أي :أرى .أﻳﻮ ،أي :أﻧﺎ« أﻋﻨﻲ :إﻧﻲ أرى ً ﺟﺒﻼ .وملﺎ ﺣﻠﻮا املﻜﺎن أﺳﻤﻮا اﻟﺒﻠﺪة ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ املﻀﻠﻞ .ﺟﺒﺖ ﻛﺜريًا ﻣﻦ أرﺟﺎﺋﻬﺎ؛ ﺗﺎرة ﺑﺎﻷوﺗﻮﺑﻴﺲ ،وﻃﻮ ًرا ﺑﺎﻟﱰام أو ﺳريًا ﻋﲆ اﻷﻗﺪام ،ﻓﺒﺪت ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﺎﺧﺮة ﺷﺎﻫﻘﺔ اﻟﺒﻨﻴﺎن ،ﻧﻈﻴﻔﺔ اﻟﻄﺮق ،ﻛﺜرية املﺘﻨﺰﻫﺎت واملﻴﺎدﻳﻦ اﻟﻔﺴﻴﺤﺔ ،أﺧﺺ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ :ﻣﻴﺪان اﻟﺪﺳﺘﻮر »ﻛﻨﺴﺘﻴﺘﻮﺳﻴﻮن« اﻟﻬﺎﺋﻞ ﺗﺤﻮﻃﻪ اﻷﺑﻨﻴﺔ اﻟﻔﺎﺧﺮة وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﻜﺘﺪراﺋﻴﺔ ودار املﺆﺗﻤﺮ »اﻟﱪملﺎن« ،ﺛﻢ ﻣﻴﺪان اﻻﺳﺘﻘﻼل وﻳﺰﻳﻨﻪ ﺑﻨﺎء اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ واﻷوﺑﺮا ،ﺛﻢ ﻣﻴﺪان »ﻟﱪﺗﺎد« ،وﺷﺎرع اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺮﺋﻴﴘ ﻳﻔﻮق ﺷﺎرع ﻓﺆاد اﻷول ﻋﻨﺪﻧﺎ ﰲ أﺑﻬﺘﻪ ورواﺋﻪ وﻟﻬﻴﺐ أﺿﻮاﺋﻪ ً ﻟﻴﻼ ،وﺗﺨﻄﻴﻂ ﺷﻮارع اﻟﺒﻠﺪة ﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن ﰲ اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ واﺣﺪة ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﻮازي اﻟﺒﻌﺾ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﻘﻄﻌﻬﺎ ﻣﺘﻌﺎﻣﺪًا ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻛﺜري ﻣﻦ ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ وﻃﻲء ذو ﻃﺎﺑﻖ واﺣﺪ إﺳﺒﺎﻧﻲ ﰲ ﻫﻨﺪﺳﺘﻪ وﻧﻮاﻓﺬه ،واﻟﺒﻠﺪة ﺗُﻌ َﺮف ﺑﻜﺜﺮة ﺣﺪاﺋﻘﻬﺎ وزﻫﻮرﻫﺎ اﻟﺘﻲ أﻛﺴﺒﺘﻬﺎ اﺳﻢ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻮرد ،City of rosesواﻟﺒﻠﺪة ﺗُﺸﻌِ ﺮ اﻟﺰاﺋﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋﺎﺻﻤﺔ أﻣﺔ ﻛﺒرية، ﻟﻜﻨﻲ ﻋﻠﻤﺖ ﺑﺄﻧﻬﺎ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﻮﺣﻴﺪة ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ وﻣﺎ ﻋﺪاﻫﺎ ﰲ ﺣﻜﻢ اﻟﻘﺮى ،وﻗﺪ ﺿﻤﺖ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﺪوﻟﺔ وﻫﻢ ١٨٥٠٠٠٠ﻧﺤﻮ ٦٥٥٥٩٩أي ﻓﻮق ﺛﻠﺚ اﻷﻫﻠني ،وأورﺟﻮاي أﺻﻐﺮ دول أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ً ٧٢١٥٣ ﻣﻴﻼ ﻣﺮﺑﻌً ﺎ ،واﺳﻤﻬﺎ ﻫﻨﺪي اﺧﺘﻠﻒ ﰲ ﻣﻌﻨﺎه، وﻗﻴﻞ إﻧﻪ ﻣﺮﻛﺐ ﻣﻦ ﺛﻼث ﻛﻠﻤﺎت أورو uruأيْ ﻃﺎﺋﺮ ،وا Uaأيْ أﺟﻮف ،واي أيْ ﻧﻬﺮ. وﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺾ املﺘﺎﺣﻒ اﻟﺼﻐرية ﻟﻜﻦ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ وﻟﻴﺴﺖ ﺑﺬات ﺷﺄن ،وﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻮد أو املﻮ ﱠﻟﺪﻳﻦ ﻟﻜﻨﻬﻢ أﻗﻞ ﻛﺜريًا ﻣﻤﱠ ﻦ رأﻳﻨﺎﻫﻢ ﰲ ﺑﻼد اﻟﱪازﻳﻞ ،وﺟﻞ اﻟﺒﻼد أرض ﻛﻸ ﻣﺒﻮﺳﻄﺔ ﺗﻤﻮن املﺎﺷﻴﺔ ذوات اﻟﻘﺮون اﻟﻜﺒرية ،وﺗﻠﻚ ﻋﻤﺎد ﺻﺎدراﺗﻬﺎ ،واﻟﺒﻼد ﰲ ﻧﺠﻮة ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎري واﻟﺜﻠﻮج واﻟﻮﺣﻮش واﻷﻓﺎﻋﻲ ،ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻫﺠﻤﺎت اﻟﺠﺮاد، 38
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻗﺼﺎﺑﻮن ﱠ ً وﻣﻦ اﻟﻌﻮاﺻﻒ واﻟﺠﻔﺎف ،وأﻫﻠﻬﺎ ﱠ ﻃﻔﻼ ﻳﺘﺴﻠﻖ ﻋﲆ ﺳﻔﺎﺣﻮن ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺮى رﻛﺒﺔ اﻟﺤﺼﺎن ﻟﻴﻌﺘﲇ ﻇﻬﺮه ،وﻳﺠﺮي ﺑﻪ ﻟﻴﺼﻴﺪ ﺷﺎة ﺑﺤﺒﻠﻪ »اﻟﻼﺳﻮ« وﻳﻨﺤﺮﻫﺎ وﻳﺴﻠﺨﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر ﻛﺄﻧﻪ ﺟﺰار ﻣﺎﻫﺮ ،وﺗﻠﻚ املﻬﻨﺔ ﻣﻬﻨﺔ اﻟﺬﺑﺢ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺰى إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻴﻠﻬﻢ إﱃ ﺳﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء ،ﻓﴪﻋﺎن ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺧﻨﺠﺮه ﰲ املﻨﺎزﻋﺎت وﺣﺘﻰ ﰲ اﻷﻟﻌﺎب ،وﰲ اﻟﺒﻼد ﺣني َ وآﺧﺮ. ﻛﺜري ﻣﻦ املﺎﺷﻴﺔ واﻟﺨﻴﻮل اﻟﱪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻴﺪوﻧﻬﺎ ﺑني ٍ ً ﻣﺪﻫﺸﺎ ﻋﺠﻴﺒًﺎ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺎت أﻣﺮﻳﻜﺎ؛ ﻓﻬﻲ دوﻟﺔ ذات وﻛﺎن ﺗﻄﻮﱡر أرﺟﻮاي ﺣﻜﻮﻣﺔ أﻗﺪاﻣﻬﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ وﻣﺮﻛﺰﻫﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻣﺪﻋﻢ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺤﺴﺪﻫﺎ اﻟﻜﺜري ،ﻣﻊ أن اﺳﺘﻌﻤﺎرﻫﺎ ﱠ ﺗﺄﺧﺮ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻋﻦ ﺟرياﻧﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﻗﺴﻮة ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺗﺸﺎروا ﻣﻦ اﻟﻬﻨﻮد أﻫﻠﻬﺎ اﻷﺻﻠﻴني ،وﻫﻲ أول دول أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﻮﻟﺖ ﻟﻠﻨﺴﺎء ﺣﻖ اﻻﻧﺘﺨﺎب وﺣﻖ اﻟﻄﻼق واﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﻮﻇﺎﺋﻒ واﻷﻋﻤﺎل اﻟﺤﺮة ﻋﲆ ﻗﺪم املﺴﺎواة ﻣﻊ اﻟﺮﺟﻞ ،وﻣﻨﺬ ﺳﻨﺔ ١٩٠٧أﻟﻐﺖ اﻹﻋﺪام ،وﻳﻘﻮم ﻧﻬﺮ ً ﻓﻔﻀﻼ ﻋﻦ أﻧﻪ اﻟﺤﺪ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻬﻮ ﺧري اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻟﻨﻘﻞ أرﺟﻮاي ﺑﺨﺪﻣﺎت ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻟﻬﺎ ﻏﻼﺗﻬﺎ ﻣﻦ املﺮﻋﻰ. وأﻫﻞ اﻟﺒﻼد اﻷﺻﻠﻴﻮن »اﻟﺘﺸﺎروا« ﻛﺎدوا ﻳﻨﻘﺮﺿﻮن واﺗﺨﺬ ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ اﻟﻴﻮم اﻟﺠﻮﻛﺎ ﺑﻮﺟﻬﻪ اﻟﻌﺮﻳﺾ ،وﻟﻮﻧﻪ اﻷﺣﻤﺮ ،وﺷﻌﺮه اﻷﺳﻮد املﺮﺳﻞ ،وﻋﻴﻮﻧﻪ املﺴﺘﺪﻳﺮة املﺘﻘﺪة ،وﺟﺴﻤﻪ املﻔﺘﻮل اﻟﻘﻮي ،وأﻛﺘﺎﻓﻪ اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ،ورﻗﺒﺘﻪ اﻟﻐﻠﻴﻈﺔ ،وﻋﺠﺰه اﻟﻀﺎﻣﺮ ،وﺳﻴﻘﺎﻧﻪ املﻘﻮﺳﺔ ﻣﻦ ﻛﺜﺮة رﻛﻮب اﻟﺨﻴﻞ ،ﻓﻬﻮ ﻧ ﱡﺪ اﻟﻜﺎوﺑﻮي ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ وﺗﺮاه ﻳﻠﺒﺲ اﻟﺒﻮﻧﺸﻮ ،poncho وﻫﻮ ﺷﺎل ﻣﺨﻄﻂ ﻣﻦ اﻟﺼﻮف ﻳﺸﻖ وﺳﻄﻪ ﻟﺘﺪﺧﻞ اﻟﺮأس ﻣﻨﻪ وﻳﺮﺗﻤﻲ ﻋﲆ اﻷﻛﺘﺎف، واﻟﺒﻮﻣﺒﺎﺗﺸﻮ ،bombachoوﻫﻮ ﴎوال ﻫﺎﺋﻞ ﻳُﺮﺑَﻂ ﺣﻮل اﻟﺨﴫ واﻟﻌﺮﻗﻮﺑني ،وﰲ اﻟﺸﺘﺎء ﺷﺎﻻ ً ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻮق ذﻟﻚ ً ﺛﻘﻴﻼ ﻣﻦ اﻟﻮﺑﺮ »ﻛﻮﻓﻴﺔ« chirippaﻳﻠﻔﻪ ﺣﻮل وﺳﻄﻪ وﻳﺪﱄ أﻃﺮاﻓﻪ أﻣﺎﻣﻪ إﱃ اﻟﻘﺪﻣني ،ﻓﻴ َُﺨﻴﱠﻞ ﻟﻠﻤﺮء أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺤﺮاك ﻣﻦ ﻋﺐء اﻟﺜﻴﺎب ،ﻋﲆ أﻧﻪ ﻳﺆدي ﻋﻤﻠﻪ وﻫﻮ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ ﺟﻮاده ،وﺗﻌﺠﺐ ﻛﻴﻒ ﻳﺤﺘﻤﻞ اﻟﺤﺼﺎن وﺧﺰات املﻬﻤﺎز اﻟﺬي ﻳﺰﻳﺪ ﻗﻄﺮه ﻋﲆ ﺳﺖ ﺑﻮﺻﺎت ،وﻳﻈﻬﺮ أن اﻟﺤﺼﺎن ﻗﺪ أﻟﻒ ذﻟﻚ اﻟﻮﺧﺰ وﻫﻮ ﺧري ﻋﻮن ﻟﺮاﻛﺒﻪ إذا ﻣﺎ أﻟﻘﻰ ﺑﺤﺒﻠﻪ »اﻟﻼﺳﻮ« ﻋﲆ ﺣﻴﻮان اﻟﱪاري ﻟﻴﺼﻴﺪه ،ذاك ﻫﻮ ﺳﺎﻛﻦ اﻟﺮﻳﻒ ﰲ أرﺟﻮاي ﺗﺮاه ﺑﻤﺠﺮد ﺧﺮوﺟﻚ ﻣﻦ ﻣﻨﺘﻔﺪﻳﻮ ،ﻋﲆ ﻋﻜﺲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺎﻟﻬﺎ ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﺑﺎرﻳﺲ ﰲ أزﻳﺎء أﻫﻠﻬﺎ وﺗﺄﻧﻘﻬﻢ وﺗﻨﺴﻴﻖ ﻃﺮﻗﻬﺎ وﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ وﻣﺘﻨﺰﻫﺎﺗﻬﺎ ،وأﺣﺐ ﻃﻌﺎم ﻟﻠﺠﻮﻛﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ ً ﻻﺻﻘﺎ ﺑﻪ وﻫﻢ ﻳﻔﻀﻠﻮﻧﻪ ﻋﲆ ﻏريه وﻳﻘﻮﻟﻮن ﻟﺤﻢ اﻟﺒﻘﺮ وﻳﺸﻮى ﰲ اﻟﻌﺮاء ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺠﻠﺪ ،carne con cueroوﻳُﻘﺪﱠر ﻃﻌﺎم اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﰲ اﻟﻌﺎم ﺑﻤﺎ ﺑني ١٠٠–٧٠رأس ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ، وﻳﺪﻣﻨﻮن ﴍب املﺎﺗﻲ. 39
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻠﺤﺮب اﻟﻜﱪى ﻓﻀﻞ ﰲ زﻳﺎدة ﺛﺮوة اﻟﺒﻼد؛ إذ ارﺗﻔﻌﺖ أﺳﻌﺎر اﻟﻠﺤﻮم واﻏﺘﻨﻰ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻜﺜري ،ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا »ﻣﻠﻴﻮﻧريات« وزادوا ﻗﻄﻌﺎﻧﻬﻢ ﻓﺒﻠﻐﺖ ١٥ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ ،و ٧ﻣﻦ املﺎﺷﻴﺔ وﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﺨﻴﻮل ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﱢ ﻳﻐريوا ﻧﻈﺎم ﻣﻌﻴﺸﺘﻬﻢ ،ﻓﻔﻲ اﻟﻔﺠﺮ ﺗﺮاه ﺧﺎرﺟً ﺎ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ ﺟﻮاده ،وﰲ اﻟﻈﻬﺮ ﺗﺮاه ﻋﲆ ﴎﻳﺮه ﻳﺴﱰﻳﺢ ً ﻗﻠﻴﻼ ،وﰲ اﻷﺻﻴﻞ ﺗﺮاه أﻣﺎم ﻣﻮﻗﺪه ﻳﺘﺪﻓﺄ ً ﻗﻠﻴﻼ ،وﰲ اﻟﻌﺎﴍة ﰲ ﻓﺮاﺷﻪ ،وﻧﻈﺎم املﻌﻴﺸﺔ ﻳﺤﻜﻲ ﻧﻈﺎم اﻹﻗﻄﺎع ،واﻷب أو رﺋﻴﺲ اﻟﺒﻴﺖ ﻫﻮ املﺘﴫف املﻄﻠﻖ. وإﱃ اﻟﻴﻮم ﻻ ﺗﺰال أراﴈ املﻤﻠﻜﺔ ﻛﻠﻬﺎ وﻫﻲ ٧٢أﻟﻒ ﻣﻴﻞ — أي ٣٦ﻣﻠﻴﻮن ﻓﺪان — ﻳﻤﻠﻜﻬﺎ ٦٠٠ﻋﺎﺋﻠﺔ ،ﻣﻨﻬﻢ أرﺑﻌﻮن ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻮن ،أي إن اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺗﻤﻠﻚ ﺳﺘني أﻟﻒ ﻓﺪان ،واﻟﺒﻼد ﺳﻌﻴﺪة ﺑﺠﻮ رﻳﻔﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻞ اﻟﺬي ﻳﺨﻠﻮ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ اﻷﻣﺮاض املﻌﺪﻳﺔ ،وﺟﻮ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ ﺟﻮ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس؛ ﻷن اﻟﺒﺤﺮ ﻳﻜﺎد ﻳﻄﻮﻗﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﻟﺬﻟﻚ أﺟﺪر ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ، وﻟﻘﻠﺔ املﺼﺎﻧﻊ ﻟﻢ ﺗﺠﺘﺬب اﻟﺒﻼد ﻛﺜريًا ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ،وﻫﻢ ﻣﻨﺸﺄ اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت ﰲ اﻟﺪول اﻷﺧﺮى ،واﻟﻄﺒﻘﺎت ﻫﻨﺎك ﻣﺘﻌﺎدﻟﺔ ،ﻓﺄﻧﺖ ﻻ ﺗﺮى اﻟﻔﻘﺮ املﺪﻗﻊ أو املﺘﺴﻮﻟني واﻟﺤﻔﺎة ﺑني املﺎرة ﻗﻂ ،ﺑﻞ ﺗﺮى ﺷﻌﻮﺑًﺎ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ .وأول ﻣﺎ أُدﺧِ ﻠﺖ املﺎﺷﻴﺔ واﻟﺨﻴﻮل ﺳﻨﺔ ١٥٨٦ﺣني أﻃﻠﻖ Hernado Ariasﻣﺎﺋﺔ ﻣﺎﺷﻴﺔ ﻣﻦ ذوات اﻟﻘﺮون اﻟﻜﺒرية وﺑﻌﺾ اﻟﺨﻴﻮل ،ﻓﺘﻜﺎﺛﺮ ﻋﺪدﻫﺎ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻟﻘﺪ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻬﻨﻮد رﻛﻮب اﻟﺨﻴﻞ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﺰادت ﻗﺪرﺗﻬﻢ ﻋﲆ ﻣﻐﺎﻟﺒﺔ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺗﺸﺎروا ،واﻟﻘﻮم ﻳﺠﻠﻮن اﻟﺸﻌﺮاء أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺗﺤني ﻣﻦ اﻹﺳﺒﺎن واﻟﱪﺗﻐﺎل اﺣﱰاﻣﻬﻢ ﻟﻠﻘﺎدة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴني وﺗﻠﻚ ذاﺋﻌﺔ ﰲ ﺳﺎﺋﺮ ﺑﻼد أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ .وﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ ﻛﺄن ﺗُﴩﱠ ح اﻟﻠﺤﻮم ﴍاﺋﺢ رﻗﻴﻘﺔ ﺗُ َ ﻨﴩ ﰲ اﻟﺠﻮ ﻟﺘُ ﱠ ﻳ ﱠ ُﺤﴬ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ْ ﺠﻔﻒ وﺗُﺼﺪﱠر إﱃ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺳﻤﻚ »اﻟﺒﻜﺎﻻه«. وﰲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻳﺴﻤﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻠﻐﺎت املﺘﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﻜﺜﺮة اﻷﺧﻼط ،ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ إﻧﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺛﻼﺛﺔ أﻃﻔﺎل ﻳﻮﻟﺪون اﺛﻨﺎن آﺑﺎؤﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ ،ﻋﲆ أﻧﻬﺎ رﻏﻢ ذﻟﻚ أﻗﻞ اﺧﺘﻼ ً ﻃﺎ ﻣﻦ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ً ﻣﺜﻼ .ﻓﱰة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ أﻣﻀﻴﻨﺎﻫﺎ ﰲ ﻋﺎﺻﻤﺔ أوراﺟﻮاي ،ﺛﻢ أﻗﻠﻌﻨﺎ ُ ﻣﺨﺎوف ﻋﺪ ٌة؛ ﻓﻠﻘﺪ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﴩة ﻣﺴﺎء ﺻﻮب ﺑﻼد أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ ،وﻗﺪ ﺳﺎورﺗﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻗﺮأت ﰲ دﻟﻴﻞ ﻋﻦ اﻟﺒﻼد ﻣﺼﺎد ً َﻓﺔ أن اﻟﺸﻬﺎدات اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺪﱢﻣﻬﺎ املﺴﺎﻓﺮ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻻ ﻳﺼﺢ أن ﻳﺰﻳﺪ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻋﲆ ﺷﻬﺮ وإﻻ ُرﻓِﻀﺖ ،وﻻ ﻳﺒﺎح ﻟﺤﺎﻣﻠﻬﺎ اﻟﻨﺰول إﱃ اﻷراﴈ اﻷرﺟﻨﺘﻴﻨﻴﺔ، وﺷﻬﺎداﺗﻲ ﻗﺪ ﻣﴣ ﻋﻠﻴﻬﺎ زﻫﺎء ﺛﻼﺛﺔ ﺷﻬﻮر ،إﱃ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻤﺖ أن اﻟﻄﺒﻴﺐ ﱢ ﻳﺪﻗﻖ ﰲ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﲆ ﻋﻴﻮن املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﻣﻦ ﻛﺎن ﻣﺼﺎﺑًﺎ »ﺑﺎﻟﱰاﻛﻮﻣﺎ« ﻻ ﻳﺒﺎح ﻟﻪ اﻟﻨﺰول، وأﻧﺎ ﻻ ﻳﺰال ﻟﺬاك املﺮض ﻋﻨﺪي ﺑﻘﻴﺔ رﻏﻢ أﻧﻲ ﻋﺎﻟﺠﺘﻪ زﻣﻨًﺎ ،ﻟﻬﺬه اﻟﻮﺳﺎوس ﻟﻢ أﺗ ﱠﻢ ﻟﻴﻠﺘﻲ 40
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
إﻻ ﻏﺮا ًرا ،وﻗﺪ ُﺧﻴﱢ َﻞ إﱄ ﱠ أﻧﻬﻢ ﻟﻦ ﻳﺒﻴﺤﻮا ﱄ ﺣﻠﻮل ﺑﻼدﻫﻢ ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ أﻋﻮد ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﺗﻴﺖ ﺑﻌﺪ ْت ﻣﺘﺎﻋﺐ اﻟﺴﻔﺮ وﻧﻔﻘﺎﺗﻪ اﻟﺒﺎﻫﻈﺔ ،وﻟﻘﺪ ذﻛﺮت ﻣﻮﻗﻔﻲ ﻳﻮم َ أن ﺗﻜﺒﱠﺪ ُ رﻓ َﺾ أوﻟﻮ اﻷﻣﺮ ﰲ ﻧﺎﺗﺎل وﺟﻨﻮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ أن أﺣ ﱠﻞ ﺑﻼدﻫﻢ وأﺳﺎءوا ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻲ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﺮﻳﺮة. وﰲ اﻟﺼﺒﺎح ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺠﺎﻧﺐ ﺷﻮاﻃﺊ اﻷرﺟﻨﺘني اﻟﻮﻃﻴﺌﺔ ،وﺗﻴﺎر اﻟﻨﻬﺮ داﻓﻖ وﻣﺎؤه ﻛﺪر واﺗﺴﺎﻋﻪ ﻋﻈﻴﻢ ،ﺑﺪا ﻛﺄﻧﻪ املﺤﻴﻂ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﻳﺮى ﻟﻪ ﺷﺎﻃﺊ َ آﺧﺮ ،وﻗﺒﻞ وﺻﻮﻟﻨﺎ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ﺑﻨﺤﻮ ﻋﴩﻳﻦ ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا ﻗﺎﻣﺖ »اﻟﺸﻤﻨﺪورات« وﺳﻂ املﺎء ﻟﺘﻬﺪﻳﻨﺎ ﻃﺮﻳﻘﻨﺎ وﻧﺴري وﺳﻄﻬﺎ ،وﰲ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ رﺳﻮﻧﺎ ﻋﲆ رﺻﻴﻒ املﻴﻨﺎء اﻟﻬﺎﺋﻞ وﺗﺠَ ﱠﻠ ْﺖ ﻟﻨﺎ اﻟﺒﻠﺪة ﰲ اﻣﺘﺪاد ﻋﻈﻴﻢ وأﺑﻨﻴﺔ ﻓﺤﺼﺎ ً ً دﻗﻴﻘﺎ ،وملﺎ أن ﺷﺎﻫﻘﺔ .ﻫﻨﺎ أﻗﺒﻞ رﺟﺎل اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ واﻟﻄﺒﻴﺐ وأﺧﺬوا ﻳﻔﺤﺼﻮن اﻷوراق ﺟﺎء دوري ﻻﺣﻆ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻮﺿﻊ أوراﻗﻲ ﺟﺎﻧﺒًﺎ وأﺷﺎر إﱄ ﱠ ﺑﺎﻻﻧﺘﻈﺎر ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ؛ ﻷن ﰲ اﻷﻣﺮ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺄﻳﻘﻨﺖ أﻧﻬﻢ ﺳريﻓﻀﻮﻧﻨﻲ وﻳﻠﺰﻣﻮﻧﻨﻲ ﺑﺎﻟﻌﻮدة ،وأﺧريًا ﺗﺤﺎدﺛﻮا ﰲ أﻣﺮي ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺘﻬﻢ ،وﻓﺤﺺ اﻟﻄﺒﻴﺐ ﻋﻴﻮﻧﻲ وﻻﺣَ َ ﻆ آﺛﺎر اﻟﺤﺒﻮب »اﻟﱰاﻛﻮﻣﺎ« ﺑﻬﺎ ،ﻓﺄﴎﻋﺖ ﺑﺈﺧﺒﺎرﻫﻢ ﺑﺄن ﺳﻴﺎﺣﺘﻲ ﻗﺼرية وﻟﻐﺮض ﻋﻠﻤﻲ ﺟﻐﺮاﰲ ،وأﻧﻲ ﻻ أﻗﺼﺪ املﻘﺎم ً ﻃﻮﻳﻼ ﺑﻞ ﺳﺄﻋﱪ إﱃ ﺷﻴﲇ ،وأﻧﻲ ﻣﺪرس ﰲ ﻣﺪارس اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ املﴫﻳﺔ ،وأﻧﻲ ﻣﻮﻓﺪ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﺷﺒﻪ رﺳﻤﻴﺔ إﱃ وزارة ﻣﻌﺎرف ﺷﻴﲇ ،وﻛﺎن ﻣﻌﻲ ﺧﻄﺎب ﺗﻮﺻﻴﺔ ﻣﻦ ﺳﻌﺎدة وزﻳﺮ ﺷﻴﲇ ﰲ ﻣﴫ ﻓﺄﻃﻠﻌﺘﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺑَﺪ ْ َت ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﻼﺋﻢ اﻟﺮﺿﺎ وﺗﺠﺎوزوا ﻋﻤﱠ ﺎ اﻋﺘﺰﻣﻮا ُ ﻓﻜﺪت أﻃري ﻓﺮﺣً ﺎ وﺣﻤﺪت ﻟﻬﻢ ذاك اﻟﺠﻤﻴﻞ وﺗﻠﻚ وﺧﺘﻤﻮا اﻟﺠﻮاز وأﺑﺎﺣﻮا ﱄ اﻟﻨﺰول، املﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺴﻤﺤﺔ ،وﺣﺘﻰ رﺟﺎل اﻟﺠﻤﺮك واﻟﺤﻤﱠ ﺎﻟﻮن ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻮداﻋﺔ وﻫﻢ ﱡ ﺑﺎﺷﻮن ﻣﺆدﱠﺑﻮن ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﺗﻠﻚ ﻣﻦ ﻣﺰاﻳﺎ اﻟﺸﻌﺐ اﻷرﺟﻨﺘﻴﻨﻲ. ) (3ﺑﻼد اﻷرﺟﻨﺘني أو اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﻔﻀﻴﺔ :ﻧﺒﺬة ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ ﻛﺎن ﻳﻘﻄﻦ اﻟﺒﻼد ﻗﻮم ﻗﺴﺎة ﻣﻦ اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ﻗﺘﻠﻮا ﺟﻮان دﻳﺎزدي ﺳﻮﻳﺲ اﻟﺬي ﻛﺸﻒ ﻣﺼﺐ ﻻﺑﻼت وﻧﺰل اﻟﺒﻼد ﺑﻔﺮﻗﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ اﻟﻌﺪد ،ﻓﻬﺎﺟﻤﻬﻢ اﻟﻬﻨﻮد وﻗﺘﻠﻮﻫﻢ وأﻛﻠﻮا ﻟﺤﻮﻣﻬﻢ. وﰲ ﺳﻨﺔ ١٥٣٥ﺟﺎء ﺑﻴﺪرو دي ﻣﻨﺪوزا ﺑﺤﻤﻠﺔ ﻛﺒرية ،ﱠ وأﺳﺲ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس وأﺳﻤﺎﻫﺎ ﻛﺬﻟﻚ ً ﻋﺎﺟﻼ ،وﻗﺪ ﻟﺤُ ْﺴﻦ ﻫﻮاﺋﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻬﻨﻮد ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﻟﺪرﺟﺔ أن اﻹﺳﺒﺎن ﻫﺠﺮوﻫﺎ ﺗﻜ ﱠﺮ َر اﺣﺘﻼﻟﻬﺎ وﺗَ ْﺮﻛﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺟﺎء Juan de Garayﺳﻨﺔ ١٥٨٠ﱠ وأﺳﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ،وﻧﴩ اﻟﺨﻴﻞ واملﺮﻋﻰ وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺿﺠﺮ اﻟﻘﻮم ﻣﻦ ﱡ ﺗﺪﺧﻞ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﺘﺠﺎري؛ إذ 41
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺣﺘﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ أن ﺗﻤﺮ ﺗﺠﺎرة أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺑريو وﺑﻨﻤﺎ إﱃ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻟﻴﻜﻔﻠﻮا اﺣﺘﻜﺎرﻫﺎ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ،وﺣ ﱠﺮﻣﻮا ﻋﲆ أﻫﻞ ﻻﺑﻼت اﻻﺗﺠﺎر ﻣﻊ أوروﺑﺎ ،ﻓﻠﺠﺄ أوﻟﺌﻚ إﱃ ﺗﺠﺎرة اﻟﺘﻬﺮﻳﺐ .وملﺎ ﺟﺎء اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ﺑﺪأ ﻛﻔﺎح ﺑني اﻟﺪول ﻣﻦ أﺟﻞ أﺳﻮاق اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﰲ ﺳﻨﺔ ُ ١٧٧٦ﻓ ِﺼﻠﺖ ﺑﻼد أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ وﺑﺮﺟﻮاي وأرﺟﻮاي وﺑﻮﻟﻴﻔﻴﺎ ﻣﻦ ﺑريوُ ، وﺿﻤﱠ ﺖ ﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس وﻧﻤﺖ اﻟﺘﺠﺎرة ﻣﻊ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وزادت ﺛﺮوة اﻟﺒﻼد ،ﻓﺒﺪأ اﻟﺘﺬﻣﱡ ﺮ ﻳﺰﻳﺪ وأﺧﺬت اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺗﻨﺸﻂ ،وملﺎ ﺣﺎﻟﻔﺖ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن دﻋﺎ ذﻟﻚ إﱃ ً ﻋﺎﺟﻼ ،ﻓﺄﻋﺎدت ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻟﻠﺒﻼد ،ﻓﺎﺣﺘﻠﻮا ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ﺳﻨﺔ ١٨٠٦ﻟﻜﻨﻬﻢ ُﻫ ِﺰﻣﻮا إﻧﺠﻠﱰا اﻟﻜ ﱠﺮة ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ُﻫ ِﺰﻣﺖ واﺿﻄﺮت إﱃ ﺗﺮك ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس وﻣﻨﺘﻔﺪﻳﻮ ،ﻓﺸﺠﱠ ﻊ ﻫﺬا اﻟﻨﴫ أﻫﻞ اﻟﺒﻼد أن ﻳﺜﻮروا ﺿﺪ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ .وﰲ ﻳﻮم ٢٥ﻣﺎﻳﻮ ﺳﻨﺔ ١٨١٠ﺑﺪءوا ﱢ ﺑﺒﺚ ﺟﻨﻮدﻫﻢ ﰲ أرﺟﺎء اﻟﺒﻼد ﻟﻄﺮد اﻹﺳﺒﺎن ،وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨١٣ﺟﺎء ﺳﺎن ﻣﺎرﺗني وﻋﺎو ََن ﺑﻼد أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻋﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ وأرﺟﻮاي ،وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨١٦أُﻋﻠِﻦ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﺛﻢ ﺟﺎء رﻓﺎ داﻓﻴﺎ ﺳﻨﺔ ،١٨٢١وﺣﻜﻢ اﻟﺒﻼد ﰲ ﺣﺰم وﻋﺰم ﻟﻜﻦ اﻓﺘﻘﺎر اﻟﺒﻼد ﻟﻄﺮق املﻮاﺻﻼت ﻟﻢ ﻳﻤ ﱢﻜﻦ ﻣﻦ إﻳﺠﺎد ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﺮﻛﺰﻳﺔ ﻗﻮﻳﺔ ،ﻓﺘﺒﻊ ذﻟﻚ زﻣﻦ اﺳﺘﺒﺪادٍ ﻇ ﱠﻞ أرﺑﻌني ﻋﺎﻣً ﺎ ،وأﻛﱪ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺑﻪ ،Mamel Rosasوﻫﻮ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر ﻣﻼك اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس ،أراد أن ﻳﺴﺘﻘﻞ ﺑﻤﻘﺎﻃﻌﺔ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس وﻳﺴﻮدﻫﺎ ﻋﲆ ﺳﺎﺋﺮ املﻘﺎﻃﻌﺎت. وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٦٢ﺟﺎء ﺑﺎرﺛﻠﻤﻴﻮﻣﻴﱰي Mitreوأﺻﺒﺢ رﺋﻴﺲ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ،وﰲ ﻋﻬﺪه ﻧﻤﺖ ﺛﺮوة اﻟﺒﻼد وﺿﻮﻋﻒ ﺳﻜﺎن ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ،ﺛﻢ ﺟﺎء Rocaواﻧﺘﴫ ﻋﲆ ﻣﱰي ،Mitre ً ﺛﺎﻧﻴﺔ ورﻓﻊ ﺷﺄن اﻟﺒﻼد وﻧﴩ اﻟﺴﻠﻢ وﺑﻌﺪ أن ﺣﻜﻢ ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺗﺮك اﻟﺤﻜﻢ ،ﺛﻢ ﻋﺎد إﻟﻴﻪ ﻓﻴﻬﺎ ،وﰲ زﻣﻨﻪ ﺣُ ﱠﻠ ْﺖ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺪود ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﺷﻴﲇ ،وملﺎ ﺟﺎءت اﻟﺤﺮب اﻟﻜﱪى ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻴﻮل اﻟﺒﻼد ﻣﻊ أملﺎﻧﻴﺎ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻇ ﱠﻠ ْﺖ ﻣﺤﺎﻳﺪة وﻧﻤَ ْﺖ ﻣﻮاردﻫﺎ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري. ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ُ ﺣﻠﻠﺖ ﻧ ُ ُﺰ ًﻻ ﺳﻮرﻳٍّﺎ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ إﻟﻴﺎس ﻳﻌﻘﻮب ﰲ ﺷﺎرع رﻳﻜﻮﻧﻜﻴﺴﺘﺎ ،ﻫﺪاﻧﻲ إﻟﻴﻪ ﺳﻮري ﻻﻗﻴﺘﻪ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ اﻟﺒﺎﺧﺮة ،وﻫﻨﺎ ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻲ وﺳﻂ ﺑﻨﻲ ﻗﻮﻣﻲ ﻛﻠﻬﻢ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﰲ اﻟﻠﻬﺠﺔ اﻟﺴﻮرﻳﺔ ،واﻟﻨ ﱡ ُﺰل ﻋﻈﻴﻢ اﻟﺒﻨﺎء ،ﻧﻈﻴﻒ اﻷﺛﺎث واﻟﻄﻌﺎم ﻋﺮﺑﻲ ،ﻓﴪﻋﺎن ﻣﺎ ُﻗ ﱢﺪ َم ﻟﻨﺎ »املﺤﴚ اﻟﺪﺳﻢ« و»اﻟﻜﺒﻴﺒﺔ« اﻟﻠﺬﻳﺬة واﻟﻜﺒﺎب اﻟﺸﻬﻲ ،وﺣﺘﻰ املﻠﻮﺧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ُ ﻛﻨﺖ أﺣﻠﻢ ﺑﺘﺬوﱡﻗﻬﺎ ﰲ ﺑﻼد اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،واﻟﺴﻮرﻳﻮن ﻫﻨﺎك ﺟﺎﻟﻴﺔ ﻛﺒرية ﺗﻨﺎﻫِ ﺰ اﻟﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ ،وﻫﻢ ﻧﺸﻴﻄﻮن ﻣﺤﺒﻮن ﻟﻠﻌﻤﻞ ،ﺑﻴﺪﻫﻢ ﻛﺜري ﻣﻦ املﺘﺎﺟﺮ واﻷراﴈ واﻟﻌﻘﺎر ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر 42
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﰲ ﻣﻴﺪان اﻟﺪﺳﺘﻮر ﰲ ﻣﻨﺖ ﻓﺪﻳﻮ.
املﻤﻮﻟني ،ورﻏﻢ أﻧﻬﻢ ﻣﺠﻨﺴﻮن ﺑﺎﻟﺠﻨﺴﻴﺔ اﻷرﺟﻨﺘﻴﻨﻴﺔ ﻓﻬﻢ ﻳﺤﺘﻔﻈﻮن ﺑﺎﻟﻜﺜري ﻣﻦ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﻢ، وﻳﺤﺮﺻﻮن ﻋﲆ ﻟﻐﺘﻬﻢ ،وﻟﻬﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﺗُﻄﺒَﻊ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻗﺮأت إﺣﺪاﻫﺎ »اﻟﺰﻣﺎن« ،وﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ﻣﺠﻨﺪون وﺿﺒﺎط ﰲ اﻟﺠﻴﺶ اﻷرﺟﻨﺘﻴﻨﻲ ،وﰲ اﻟﺒﻼد ﻛﺜري ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷﺟﺎﻧﺐ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﻄﻠﻴﺎن ،ﺛﻢ اﻹﺳﺒﺎن ،ﺛﻢ اﻷملﺎن وﻛﺜري ﻏريﻫﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺎل املﺮء أﻧﻬﺎ ﺑﻼد ﻋﺎملﻴﺔ ﻳﺄﺗﻨﺲ اﻟﻐﺮﻳﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺠﻤﻬﺮة ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻗﻮﻣﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻨﺴﻴﺘﻪ. ُ ﻧﺰﻟﺖ أﺟﻮب ﺑﻌﺾ أرﺟﺎء املﺪﻳﻨﺔ ﻓﺄدﻫﺸﺘﻨﻲ ﻋﻈﻤﺔ أﺑﻨﻴﺘﻬﺎ ،واﻣﺘﺪاد ﺷﻮارﻋﻬﺎ ،وﻧﻈﺎﻓﺔ ﻃﺮﻗﻬﺎ وأﻫﻠﻬﺎ ،وﺷﺪة ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ ،وﻓﺴﻴﺢ ﻣﻴﺎدﻳﻨﻬﺎ ،وﺗﻨﺴﻴﻖ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎﺗﻬﺎ ،وﺟﻤﺎل ﺗﻤﺎﺛﻴﻠﻬﺎ ً ﺟﻤﺎﻻ وأﻧﺼﺎﺑﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ ﻣﺪن اﻟﺪﻧﻴﺎ وأﻏﻨﺎﻫﺎ وأﻧﻈﻤﻬﺎ ،ﺗﺤﻜﻲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك وﻳﺰﻳﺪﻫﺎ ُ ﺑﺪأت زﻳﺎرﺗﻲ ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ذوات اﻟﻨﻮاﻓﺬ واﻟﴩﻓﺎت اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ واﻷﺑﺮاج اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ .وﻟﻘﺪ ﺑﻤﻴﺪان ﻣﺎﻳﻮ Plaza de Mayoاﻟﻬﺎﺋﻞ ﻳﺰﻳﻨﻪ ﻣﺘﻨﺰه ﺑﺪﻳﻊ أُﻗِ ﻴﻢ ﰲ وﺳﻄﻪ ﻧﺼﺐ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺗﻤﺜﺎل ﺳﻴﺪة ﺑﻴﺪﻫﺎ ﺣﺮﺑﺔ ،وﻫﻲ رﻣﺰ اﻟﺤﺮﻳﺔ ،وﻗﺪ ُﻛﺘِﺐ ﻋﻠﻴﻪ » ٢٥ﻣﺎﻳﻮ «١٨١٠وﻫﻮ ﻳﻮم اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﻢ ،وﺗﻄ ﱡﻞ ﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺒﻪ ﻣﻦ اﻟﴩق ﴎاي اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ وﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ La Casa Rosada؛ 43
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻷن ﻟﻮﻧﻬﺎ أﺣﻤﺮ أرﺟﻮاﻧﻲ ،وﻫﻲ ﻣﻘﺮ رﺋﻴﺲ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ،وﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺑﻬﺎء ﺑﺪﻳﻌﺔ اﻟﻨﻘﺶ واﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﺟﻤﻴﻠﺔ اﻟﻔﻦ ﻣﺎ ﻳﺤﺎر ﻓﻴﻪ اﻟﻠﺐ ،وﻳﻘﻒ ﻋﲆ أﺑﻮاﺑﻬﺎ اﻟﻌﺪة اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ،وﻗﺪ ﻟﺒﺲ أردﻳﺔ ﻳﺤﻮﻃﻬﺎ اﻟﻠﻮن اﻷﺣﻤﺮ ﰲ ﺟﻤﺎل ورﻫﺒﺔ ،ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻄﻞ ﻋﲆ املﻴﺪان اﻟﻜﺘﺪراﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺟُ ﱢﺪد ْ َت ﻣﺮا ًرا ،وﻫﻨﺎ أُﻗِ ﻴﻤﺖ أﻗﺪم ﻛﻨﺎﺋﺲ اﻟﺒﻠﺪة .وﻣﻦ املﻴﺪان ﰲ اﻟﺠﺎﻧﺐ املﻘﺎﺑﻞ ﻟﴪاي اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻳﺒﺪأ ﺷﺎرع ﻣﺎﻳﻮ Avenida de Mayoﻗﻠﺐ املﺪﻳﻨﺔ وأﻋﻈﻢ ﺷﻮارﻋﻬﺎ ،وﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧﻪ أﺟﻤﻞ ﺷﻮارع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻛﻠﻬﺎ ،وﺗﺤﺘﻪ ﻳﺠﺮي اﻟﱰام ،Subwayوﰲ ﻃﺮﻓﻪ َ اﻵﺧﺮ ﻣﻴﺪان املﺆﺗﻤﺮ ﴩف ﻋﻠﻴﻪ ﴎاي املﺆﺗﻤﺮ ﰲ ﻫﻨﺪﺳﺘﻬﺎ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ اﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ ،ﺗﻌﻠﻮ وﺳﻄﻬﺎ ﻗﺒﺔ Congresoﺗُ ِ ﺷﺎﻫﻘﺔ وﻫﻲ ﻣﻘﺮ اﻟﱪملﺎن ،وأﻣﺎﻣﻬﺎ ﰲ املﻴﺪان ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎب واﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﺗﺤﻮﻃﻬﺎ اﻟﻨﺎﻓﻮرات اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻔﺠﺮ املﺎء ﻣﻨﻬﺎ ﰲ أﻗﻮاس ﻣﺘﻘﺎﻃﻌﺔ وﻋﻠﻮ ﺷﺎﻫﻖ ،وﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﲆ ﻣﻴﺎﻫﻬﺎ ً ﻟﻴﻼ أﺿﻮاء ﻗﻮﻳﺔ ﻣﻠﻮﱠﻧﺔ أذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺑﻨﺎﻓﻮرات ﻗﺼﻮر ﻓﺮﺳﺎي ،وﺗﻌﱪ ذﻳﻨﻚ املﻴﺪاﻧني وﺷﺎرع ﻣﺎﻳﻮ أﻏﻠﺐُ اﻟﺸﻮارع اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ذات اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﻬﺎﻣﺔ ،وﻗﺪ و ُِﺿﻊ ﺗﺼﻤﻴﻢ ﺷﻮارع ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺨﺮج ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﻨﻬﺮ ﰲ ﻏري اﻧﺜﻨﺎءٍ ،وﺗﻘﻄﻌﻬﺎ اﻟﺸﻮارع ِ ﻣﺘﻌﺎﻣﺪة ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻟﻘﺪ ﻧﻈﻤﺖ اﻷﺑﻨﻴﺔ ﰲ ﻛﺘﻞ ﻣﺮﺑﻌﺔ ﻣﺪى ﻛﻞ ﻛﺘﻠﺔ ١٣٠ﻣﱰًا ،ﺛﻢ اﻷﺧﺮى ﻳﻔﺼﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻜﺘﻞ املﺠﺎورة أرﺑﻌﺔ ﺷﻮارع ،وﻗﺪ ُﻗ ﱢﺴ َﻢ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﻞ ﻛﺘﻠﺔ إﱃ ﻣﺎﺋﺔ رﻗﻢ ﺗﺮاﻫﺎ ﻣﻜﱪة ﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻄﺮق. وﻗﺪ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ اﻷرﻗﺎم ﺛﻼﺛﺔ آﻻف أو أرﺑﻌﺔ ،واﻟﻌﺠﻴﺐ أن رﻗﻢ ً ١٢٠ ﻣﺜﻼ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﺮﻗﻢ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺸﻮارع املﻮازﻳﺔ ﻟﻪ ،وﻏﺎﻟﺐ اﻟﺸﻮارع ﺿﻴﻖ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺒﺎح ﻟﻠﻌﺮﺑﺎت أو اﻟﱰام املﺮور إﻻ ﰲ اﺗﺠﺎه واﺣﺪ ،وﺗﺮى ﺳﻬﻤً ﺎ ﻛﺒريًا ﻣﻦ »اﻟﺼﺎج« د ﱠُق ﰲ رءوس اﻟﻄﺮق ،ﻓﺈن ﻛﺎن اﻻﺗﺠﺎه ﰲ ﻫﺬا اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱃ اﻟﺸﻤﺎل ﻛﺎن ﰲ اﻟﺸﺎرع اﻟﺘﺎﱄ ﻟﻪ إﱃ اﻟﺠﻨﻮب ،وﻫﻜﺬا .وﻛﻢ ﻳﻬﻮﻟﻚ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﺸﺎرع ﺑﺄﺑﻨﻴﺘﻪ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ واﻣﺘﺪاده اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻲ ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮق ﺷﺎرع Rivadaviaأﻃﻮل ﺷﻮارع اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻓﻬﻮ ﰲ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس وﺣﺪﻫﺎ ﻋﴩون ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا ،ﺛﻢ إﻧﻪ ﻳﻤﺘﺪ ﰲ اﻟﻀﻮاﺣﻲ إﱃ اﻟﺒﻠﺪان اﻷﺧﺮى؛ أﻣﺎ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺴﻴﺎرات ﻓﻤﺮوﻋﺔ ﺗﻜﺎد ﺗﺴﺪ اﻟﻄﺮق ﻛﻠﻬﺎ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷوﻗﺎت ،وﻛﻠﻬﺎ ﺗﺴري إﱃ اﻟﻴﺴﺎر ﻻ إﱃ اﻟﻴﻤني ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺤﺎل ﻋﻨﺪﻧﺎ ،ﻋﲆ أن ﺧﻄﺮاﺗﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ؛ ﻷن اﻟﺴﺎﺋﻘني ﻫﺎدﺋﻮن ﺣَ ﺬِرون ،وﺷﺎرع »ﻓﻠﻮرﻳﺪا« اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺘﺠﺎري ،وﻳُﻤﻨَﻊ ﻓﻴﻪ ﻣﺮور اﻟﻌﺠﻼت ﺑني اﻟﻌﴫ واملﺴﺎء ،ﻓﱰى ﺟﻤﻮع املﺎرة ﺑﻪ إذ ذاك ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻣﺘﻼﺻﻘﺔ ،وﻫﻮ ﰲ ﺗﻼﺻﻖ ﺣﻮاﻧﻴﺘﻪ وﻣﺘﺎﺟﺮه ﻳﺤﻜﻲ Rue de la Paixﰲ ﺑﺎرﻳﺲ، وﻳﺴﻬﻞ ﻋﲆ اﻟﻐﺮﻳﺐ ﺗﻌﺮف ﻃﺮﻳﻘﻪ أﻳﻨﻤﺎ ﺳﺎر؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺴري إﱃ اﻟﺮﻗﻢ اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪه ،ﺛﻢ ﻳﺄﺧﺬ اﻻﺗﺠﺎه املﻘﺎﻃﻊ ﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ اﻟﺸﺎرع واﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪ. 44
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻣﻴﺪان املﺆﺗﻤﺮ اﻟﻔﺎﺧﺮ ﰲ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس.
ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻮﻟﺘﻲ اﻟﻠﻴﻠﻴﺔ ﰲ أﺣﻴﺎء »ﺑﺎرﻳﺲ أﻣﺮﻳﻜﺎ« ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ،وﻣﺎ ﻛﺎد اﻟﻠﻴﻞ ُ أﻳﻘﻨﺖ أﻧﻪ ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴني أن ﻳﺴﻤﻮا ﻋﺎﺻﻤﺘﻬﻢ »ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس« أوروﺑﺎ؛ ﻳﻨﺘﺼﻒ ﺣﺘﻰ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻔﻮق ﺑﺎرﻳﺲ ﰲ ﻣﺠﻮﻧﻬﺎ وﺧﻼﻋﺘﻬﺎ وﻣﻼﻫﻴﻬﺎ ووﺟﺎﻫﺘﻬﺎ ،ﻓﺪور اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ واﻟﺘﻴﺎﺗﺮات ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺗﺤﺖ ﺣﴫ ،ﻓﻔﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻮارع ﺗﺮاﻫﺎ ﻣﱰاﺻﺔ ﺑﺎﻟﻌﴩات إﱃ ﺟﻮار ﺑﻌﻀﻬﺎ ﰲ أﺑﻨﻴﺔ ﺗﺮوع املﺮء ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ وﺛﺮاﺋﻬﺎ وﺣﺴﻦ ﺗﻨﺴﻴﻘﻬﺎ ،وﻫﻢ ﻳﺒﺎﻟﻐﻮن ﰲ وﺟﺎﻫﺘﻬﺎ إﱃ أﻗﴡ ﺣﺪﱟ، ﻓﱰى اﻟﺠﺪران ﺗُ َ ﻜﴗ ﺑﺎملﺮﻣﺮ املﻠﻮﱠن ﰲ ﻧﻘﺶ ﺑﺪﻳﻊ ،وﺗُﻔ َﺮش ﻣﺪاﺧﻠﻬﺎ ﺑﺒ ُُﺴﻂ وﺛرية ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺴﻴﻎ املﺮء ﻟﻨﻔﺴﻪ أن ﻳﻄﺄﻫﺎ ﺑﺤﺬاﺋﻪ ،أﻣﺎ أﺿﻮاؤﻫﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﻟﻮان ﻓﺘﺨﻄﻒ اﻷﺑﺼﺎر ،ﺣﺘﻰ ﻟﻴ َُﺨﻴﱠﻞ إﻟﻴﻚ أن اﻟﺸﺎرع ﻛﻠﻪ ﺷﻌﻠﺔ ﻣﻦ ﻧريان ﺗﺘﻐري أﻟﻮاﻧﻬﺎ ﺑني ﻟﺤﻈﺔ وأﺧﺮى؛ أﻣﺎ املﺮاﻗﺺ واملﻘﺎﻫﻲ اﻟﻔﺎﺧﺮة ﻓﺤﺪﱢث ﻋﻦ ﻛﺜﺮﺗﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ املﻘﺎﻫﻲ ﺗﻌﺰف ﺟﻮﻗﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﰲ ﴍﻓﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ دوﻧﻬﺎ ﻣﻨﺎﺿﺪ اﻟﺠﺎﻟﺴني؛ وأﻣﺎ ﺟﻤﻬﻮر اﻟﻘﻮم ﰲ ﺗﻠﻚ املﺤﺎل واﻟﺬﻳﻦ ﺗﺮاﻫﻢ ً ورﺟﺎﻻ ،وﻫﻢ ﻳﺒﺎﻟﻐﻮن ﰲ اﻟﻮﺟﺎﻫﺔ وﻳﺤﺒﻮن ﻳﺠﻮﺑﻮن اﻟﻄﺮق ﻓﻴﺒﺪون ﰲ ﻫﻨﺪام أﻧﻴﻖ ﻧﺴﺎء اﻟﺰﻫﻮ واﻟﻔﺨﻔﺨﺔ ،وﻳﻄﺮﺑﻮن ﻻﺳﺘﺤﺴﺎن اﻟﻨﺎس ﻷزﻳﺎﺋﻬﻢ وﻫﻢ ﻏﺎدون أو راﺋﺤﻮن ،وﺗﻠﻚ اﻟﻨﺰﻋﺔ ﻳُﻌ َﺮف ﺑﻬﺎ أﻫﻞ أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ ﻛﻠﻬﻢ ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ أن ﺟﻠﻬﻢ ﻳﻨﻔﻖ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ دﺧﻠﻪ ﻣﺨﺎﻓﺔ أﻻ ﻳﺒﺪو وﺟﻴﻬً ﺎ ﺑني ﺑﻨﻲ ﻗﻮﻣﻪ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ادﺧﺎرﻫﻢ ً ﻗﻠﻴﻼ ،وﻫﺬا ﻗﺪ ﺣﺪا ﺑﺎﻟﺤ ﱠﻜﺎم أن ﻳﺒﺘﻠﻌﻮا 45
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻣﻦ اﻷﻣﻮال اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ،وﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﺑني ﻛﺒري وﺻﻐري ﻳﻤﻴﻞ إﱃ اﻻرﺗﺸﺎء املﻴﻞ ﻛﻠﻪ، وﺑﺎملﺎل ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ املﺮء أن ﻳﺴﺘﻤﻴﻞ اﻟﺤ ﱠﻜﺎم وﻳﻘﴤ ﻣﺎ ﺷﺎء ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻤﺘﻠﻚ أﻓﺨﺮ اﻟﺴﻴﺎرات وﻳﻘﻄﻦ ﰲ ﻗﺼﻮر ﻏﺎﻟﻴﺔ اﻷﺟﻮر ،ﺑﻠﺪة ﻳﻠﻤﺲ اﻟﻐﺮﻳﺐ ملﺠﺮد رؤﻳﺘﻬﺎ اﻟﺜﺮاء ً واﻟﻐﻨﻰ ،وﻳﺤﻜﻢ ﺑﺄن أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ أرض ﺗﻔﻮق ﺑﻼد أوروﺑﺎ ً وﻋﻘﻼ ،وﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺧﺎل ﺑﻮﻧﺲ ﻣﺎﻻ أﻳﺮس ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ذاك اﻟﺸﺄن؛ ﻓﻬﻲ ﰲ ﻧﻈﺮي ﺗﻔﻮق ﺟﻤﻴﻊ ﻋﻮاﺻﻢ أوروﺑﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﺎرﻳﺲ وﺑﺮﻟني ،وﻏﺎﻟﺐ ﻇﻨﻲ أﻧﻬﻢ ﻫﻨﺎ ﻳﺤﺘﺬون ﻣﺜﻞ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ وﻳﻨﺴﺠﻮن ﻋﲆ ﻣﻨﻮاﻟﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ ﳾء ،وﻣﻦ اﻷﺑﻨﻴﺔ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﺴﺤﺎب إﻻ أن أﻋﻼﻫﺎ ﺗﺒﻠﻎ ﻃﺒﻘﺎﺗﻪ ﺳﺘٍّﺎ وﺛﻼﺛني ﺻﻌﺪﺗﻬﺎ إﱃ اﻟﺬروة ﰲ ﻣﺼﺎﻋﺪ ﴎﻳﻌﺔ ،وﻟﺸﺪ ﻣﺎ ﻫﺎﻟﻨﻲ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﺒﻠﺪة ﺑﺸﻮارﻋﻬﺎ اﻟﺘﻲ ُﺧ ﱠ ﻄ ْﺖ اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺗﺎﻣﺔ وﺗﻘﺎ ُ ٍ ﻃ ٍﻊ ﻋﻤﻮدي ،أﻣﺎ اﻷﺿﻮاء ﻣﺴﺎءً ﻓﻴﺰوغ اﻟﺒﴫ ﻓﻴﻬﺎ وﻳﺤﺎر ،وﻏﺎﻟﺐ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻮاﻃﺢ ﺗﻀﻴﻖ ﺗﺪرﻳﺠً ﺎ ﰲ أدوارﻫﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﺪو ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻫﺮﻣﻲ اﻟﺸﻜﻞ .أﻣﺎ ﺟﻮ اﻟﺒﻠﺪة ﻓﻜﺎن ﰲ اﻟﻴﻮم اﻷول ﻣﻤﺘﻌً ﺎ ﻫﻮ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﺄﻳﺎم اﻟﺸﺘﺎء املﺸﻤﺴﺔ اﻟﺪﻓﺌﺔ ﰲ ﻣﴫ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﺣﻘﻖ ﰲ ﻇﻨﻲ ﺗﺴﻤﻴﺔ املﺪﻳﻨﺔ »ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس« أي »اﻟﺠﻮ اﻟﺠﻤﻴﻞ«. ﻋﲆ أن ﺟﻮ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ﻛﺎن ﻏﺎﺋﻤً ﺎ ﺑﺎردًا إﱃ اﻟﻈﻬﺮ ،ﻋ ﱠﻜﺮﺗﻪ اﻟﺮﻳﺎح اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ »اﻟﺒﺎﻣﺒريو« اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺐ ﻣﻦ ﺳﻬﻮل اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﻠﺤﻖ ﺑﺎﻟﺒﻼد ﻣﻦ أﴐار إذا رﻓﻌﺖ ﻣﻮج اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻔﺴﻴﺢ ﻓﺄﻏﺮﻗﺖ ﻣﻦ ﺷﻄﺂن وﺣﻄﻤﺖ ﻣﻦ ﺳﻔﻦ ،ﻋﲆ أن اﻟﺠﻮ ﺗﺤﺴ َﻦ ً ﱠ ﻗﻠﻴﻼ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺰﻳﺎرة ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﺑﻞ اﻟﺮﺑﻴﻊ واﻟﺨﺮﻳﻒ ﺧري املﻮاﺳﻢ ﻟﺰﻳﺎرﺗﻬﺎ ،وﻟﻘﺪ اﺳﱰﻋﻰ ﻧﻈﺮي ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ وﻛﺜﺮة اﻟﺠﺮاﺋﺪ وﻛﱪﻫﺎ ،ﻓﺠﺮﻳﺪة La Prensaأي اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﺗﺨﺮج ﰲ اﺛﻨﺘني وﺧﻤﺴني ﺻﻔﺤﺔ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ،واﻟﻜﺮﺗﻴﻜﺎ Critca وﻧﺎﺳﻴﻮن Nacionﰲ اﺛﻨﺘني وأرﺑﻌني ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ،وﺗﺒﺎع ﺑﻌﴩة ﺳﻨﺘﺎﻓﻮس — ﻗﺮش ﺗﻌﺮﻳﻔﺔ — وﻋﺪد اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﻫﻨﺎك ،٥٢٠واﻟﺠﺮﻳﺪة أرﺑﻌﺔ أﻗﺴﺎم :اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺮﺋﻴﴘ ﻟﻸﺧﺒﺎر ،ﺛﻢ ﻗﺴﻢ ﻣﺼﻮﱠر ،وﺛﺎﻟﺚ ﻟﻸﻃﻔﺎل ،وراﺑﻊ ﻟﻸدب ،واﻟﻌﺠﻴﺐ أن ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳُﻄﺒَﻊ أرﺑﻊ ﻃﺒﻌﺎت ﰲ اﻟﻴﻮم ﰲ ﻓﱰات ﺳﺎﻋﺘني أو ﺛﻼث ﺑني ﻛ ﱟﻞ ،وﻛ ﱡﻞ ﻃﺒﻌﺔ ﺗﻀﻴﻒ ﻣﺎ ﺟ ﱠﺪ ﻣﻦ اﻟﺸﺌﻮن واﻷﻧﺒﺎء ،واﻟﺘﻮزﻳﻊ اﻟﻴﻮﻣﻲ ﺑني ﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن وﻣﻠﻴﻮن ،وﻟﻠﺼﺤﺎﻓﺔ ﻫﻨﺎك ﺣﺮﻳﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻻ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ أﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﰲ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻷﺧﺮى؛ إذ ﻻ ﺗﺨﻀﻊ ﻷﻳﺔ رﻗﺎﺑﺔ وذﻟﻚ ﺑﻨﺺ اﻟﺪﺳﺘﻮر ،ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ أﺛﺮ ﻛﺒري ﰲ ﺣﺮﻳﺔ اﻷﻓﻜﺎر وﺗﺜﻘﻴﻒ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺠﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺰﻳﺎرة ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺤﻴﻮان ﰲ ﺟﻬﺔ ﻣﺘﻄﺮﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪة ،وﺑﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﻴﱢﻤَ ﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﻮان أﻣﺮﻳﻜﺎ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﺒﻮﻣﺎ أﺳﺪ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،وﻫﻮ ً ﻧﺤﻴﻼ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻘﻂ اﻟﻜﺒري ،وﻟﻴﺲ ﻟﻠﺬﻛﺮ ﺗﻠﻚ املﻌﺮﻓﺔ املﻬﻴﺒﺔ ﰲ أﺳﺪ ﻗﺎرﺗﻨﺎ اﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ، ﻳﺮى وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺠﺠﻮار ﻧﻤﺮ أﻣﺮﻳﻜﺎ وﻫﻮ أﻛﱪ ﻣﻦ اﻟﺒﻮﻣﺎ ﺣﺠﻤً ﺎ وﻳﺤﻜﻲ ﺷﻴﺘﺎ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺑﺠﻠﺪه 46
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺷﺎرع ﻣﺎﻳﻮ أﺟﻤﻞ ﺷﻮارع اﻟﺪﻧﻴﺎ ﰲ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس.
اﻷﺻﻔﺮ ﺗﺰﻳﱢﻨﻪ ﺑﻘﻊ ﺳﻮداء ،ﻋﲆ أن ﺗﻨﺴﻴﻖ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ دون ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺑﻜﺜري؛ ﻓﺤﺪﻳﻘﺘﻨﺎ أﻛﱪ وأﺟﻤﻞ ،وإﱃ ﺟﻮارﻫﺎ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻨﺒﺎت ﻋﻈﻴﻤﺔ اﻻﻣﺘﺪاد .وﻣﻦ أﻛﱪ ﻣﻤﻴﺰات ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ﻣﻴﺎدﻳﻨﻬﺎ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ املﺘﻌﺪدة ،وﻳﻐﻠﺐ أن ﺗﺘﻮﺳﻄﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ واﻷﻧﺼﺎب ،وأﻋﻈﻤﻬﺎ ﺷﺄﻧًﺎ ﻣﻴﺪان »ﻣﺎﻳﻮ« ،ﺛﻢ ﻣﻴﺪان اﻟﱪملﺎن ،وﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﺪول ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ أﻫﺪوﻫﺎ ﻟﻸرﺟﻨﺘني ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ً ﻫﺎﺋﻼ ﻣﻦ اﻵﺟﺮ اﻷﺣﻤﺮ ﻋﻠﻮه ٢٠٧ ﻣﺮور ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﻋﲆ اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﺠﻠﱰا أﻗﺎﻣﺖ ﺑﺮﺟً ﺎ أﻗﺪا ٍم ،ﺗﺘﻮﺟﻪ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺄرﺑﻌﺔ وﺟﻮه ﻗﻄﺮﻫﺎ ١٤ ١٢ﻗﺪﻣً ﺎ ،وإذا دﻗﺖ ﺳﻤﻌﺖ ﻧﻮاﻗﻴﺴﻬﺎ ﻣﻦ أﺑﻌﺎد
47
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻣﺪﻳﺪة .وﻟﻘﺪ أﻫﺪت اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺗﻤﺜﺎل واﺷﻨﻄﻮن ،وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﺗﻤﺜﺎل ﻛﺮﺳﺘﻮف ﻛﻮﻟﻮﻣﺐ، وأﻫﺪت ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺗﻤﺜﺎل اﻟﺤﺮﻳﺔ أﺳﻔﻠﻪ أرﺑﻊ ﺳﻴﺪات ﻳﻤﺜ ﱢ ْﻠ َﻦ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ واﻟﺰراﻋﺔ واﻟﻔﻦ. أﻣﺎ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎت اﻟﺒﻠﺪة ﻓﺤﺪﱢث ﻋﻦ ﻛﺜﺮﺗﻬﺎ وﺑﻬﺎﺋﻬﺎ ،وأﻫﻤﻬﺎ ﻣﺘﻨﺰه ﺑﺎﻟﺮﻣﻮ ،وﻳﻤﺘﺪ ﻓﻮق ﺗﺴﻌني أﻟﻒ إﻳﻜﺮ ﺗﺸﻘﻪ اﻟﺸﻮارع اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻳﺤﻒ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺼﻔﺼﺎف واﻟﺒﻌﺾ اﻟﻨﺨﻴﻞ، وﺗﺘﻮﺳﻄﻬﺎ اﻟﻨﺎﻓﻮرات وﺗﻘﻮم ﺣﻮﻟﻬﺎ أﻗﺒﻴﺔ اﻟﻨﺒﺖ ﰲ أﺷﻜﺎل ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ،وﻗﺴﻢ ﻣﻨﻪ ُﺧ ﱠ ﺺ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ اﻟﺰﻫﻮر اﺳﻤﻪ »روزﻳﺪال« ،وﻣﻦ أﺑﺪﻋﻬﺎ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎت »دﻳﺠﺮاي« ﻋﲆ ﺿﻔﺎف اﻟﻨﻬﺮ ،وﻛﻢ ﻳﺮوﻗﻚ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﻘﻮم وﻫﻢ ﻏﺎدون راﺋﺤﻮن ﰲ ﻛﺜﺎﻓﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻃﻴﻠﺔ اﻟﻴﻮم رﻏﻢ أﻧﻪ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺸﺘﺎء ،وﺗﻼﺣﻆ ﻣﻐﺎزﻟﺔ اﻟﺸﺒﱠﺎن ﻟﻠﺴﻴﺪات ﻋﻠﻨًﺎ ،ﻓﻬﻢ ﻳﺸريون إﻟﻴﻬﻦ وﻳﻠﻘﻮن ﺑﺎﻟﻘﻮل ﻣﺪﺣً ﺎ ﻓﻴﻬﻦ ،وﻫﻦ ﻳﻘﺎﺑﻠﻦ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺒﴩ واﻟﴪور ،وﻻ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ذﻟﻚ ﺗﻌﺪﻳًﺎ ﻋﻠﻴﻬﻦ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺪﱡه أﻗﻮام َ آﺧﺮون ،ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺜﺮت ﺗﻠﻚ املﻐﺎزﻟﺔ ﻋُ ﱠﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺣُ ْﺴﻦ اﻟﺬوق واملﺠﺎﻣﻠﺔ! ُ زرت ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ﰲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ اﻟﻀﺨﻢ وﺣﺮﻛﺎﺗﻬﺎ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﻨﺎﺷﻄﺔ ،وﻫﻨﺎك أدﻫﺸﺘﻨﻲ إﺣﺼﺎءات املﺪارس واﻟﻄﻠﺒﺔ ﰲ أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻤﺖ أن املﺪارس اﻷوﻟﻴﺔ اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ ﻳﺒﻠﻎ ﻋﺪدﻫﺎ ً ١١ أﻟﻔﺎ ،ﺑﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺧﻤﺴني أﻟﻒ ﻣﺪ ﱢرس وﻣﻠﻴﻮن وﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن ﻃﺎﻟﺐ ،واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ إﺟﺒﺎري وﻣﺠﺎﻧﻲ ملﺪة ﺳﺖ ﺳﻨني ،وﻣﻦ املﺪارس اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ اﻟﻜﺒرية ٤٠٠ﰲ أﺑﻨﻴﺔ ﱠ املﻌﻘﻢ ﻣﺠﺎﻧًﺎ ،واملﺪارس اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ٢٠٦ﺑﻬﺎ ٢٥أﻟﻒ ﻓﺎﺧﺮة ،وﻓﻴﻬﺎ ﻳُﴫَف اﻟﺨﺒﺰ واﻟﻠﺒﻦ ﻃﺎﻟﺐ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻮي ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ،وﻫﻨﺎ ﻳﺘﻌﻠﻢ اﻟﻄﺎﻟﺐ اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،وﻻ ﻳُﻌَ ﱡﺪ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﺘﻌﻠﻤً ﺎ إﻻ إذا درس اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ واﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،أﻣﺎ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت ﻓﺨﻤﺲ ،وﻓﻴﻬﺎ ﻧﺤﻮ ٪٥٨ﻣﻦ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻳﺪرﺳﻮن اﻟﻄﺐ ،و ٪٢٠اﻟﻘﺎﻧﻮن ،واﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺗﻌﻄﻲ ﺛﻠﺚ أﺻﻮات إدارﺗﻬﺎ ﻟﻜﺒﺎر اﻷﺳﺎﺗﺬة واﻟﺜﻠﺚ ِ ﻟﺼ َﻐﺎرﻫﻢ واﻟﺜﻠﺚ اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻟﻠﻄﻠﺒﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻛﺒرية وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﺘﻜﺮر إﴐاﺑﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﰲ املﺪارس اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ .أدﻫﺸﻨﻲ ذاك اﻟﺮﻗﻲ اﻟﻌﻠﻤﻲ ،وﻗﺪ ﻳﻤﺾ ﻋﲆ اﺳﺘﻘﻼل ﺟﺎوزت ﻧﺴﺒﺔ املﺘﻌﻠﻤني ٪٦٥ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﻼد وﻋﺪدﻫﻢ ١٢ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ،و ﱠملﺎ ِ اﻟﺒﻼد إﻻ ﻗﺮن ورﺑﻊ ﻗﺮن ،وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺰال ﻧﺘﻌﺜﺮ ﰲ ﻧ ُ ُ ِ ﻧﺴﺘﻄﻊ ﻣﺤ ﱠﻮ اﻷﻣﻴﺔ ﻈﻤﻨﺎ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ وﻟﻢ ﺗﺠﺎوز ،٪١٣وﻟﻦ أﻧﴗ ﻣﻮﻗﻔﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺷﺒﺎن اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻫﻨﺎك ﺣني إﻻ ﰲ ﻧﺴﺒﺔ ﺿﺌﻴﻠﺔ ﻻ ِ ﻓﺴﻜﺖ ً ﺑﺪرﻧﻲ أﺣﺪﻫﻢ ً ﱡ ﻗﻠﻴﻼ أﻓ ﱢﻜﺮ ﻗﺎﺋﻼ» :أﻇﻦ أن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﰲ ﻣﴫ ﻻ ﺗﺰال ﻣﺘﺄﺧﺮة«. ﰲ اﻟﺠﻮاب ،ﻓﺄﴎع ﻫﻮ ً ُ ﻓﻘﻠﺖ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر :ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ. ﻗﺎﺋﻼ» :أﻇﻦ أن اﻷﻣﻴﺔ ﻋﻨﺪﻛﻢ ﺣﻮل «.٪٥٠ وأﻧﺎ ﰲ ﺷﺪة اﻟﺨﺠﻞ. ً ُ ﻗﻤﺖ ﺑﻘﻄﺎر اﻟﺼﺒﺎح إﱃ ﻣﻨﺪوزا آﺳﻔﺎ ﺷﺪﻳﺪ اﻷﺳﻒ ﻋﲆ ﻣﻐﺎدرة ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻄﻴﺐ ﻟﻠﻤﺮء املﻘﺎم ﻓﻴﻬﺎ ﻃﻴﻠﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﻓﺄﺧﺬ اﻟﻘﻄﺎر ﻳﺸﻖ ﻃﺮﻳﻘﻪ وﺳﻂ اﻟﺒﻠﺪة ،وﺑﻌﺪ 48
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻣﺜﻞ ﻣﻦ ﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﺴﺤﺎب ﰲ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس.
ﱡ اﻟﺘﻐﻀﻦ ﳾء ﻗﻂ ،وﺗﻜﺴﻮﻫﺎ ﻗﻠﻴﻞ أﺻﺒﺤﻨﺎ وﺳﻂ ﺳﻬﻮل ﻣﱰاﻣﻴﺔ اﻷﻃﺮاف ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﴬة ﻣﻠﺘﺼﻘﺔ ﺑﺎﻷرض ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﻟﻬﺎ ﻋﻮد إﱃ اﻵﻓﺎق ،وﺗﻠﻚ ﺑﺪاءة ﺳﻬﻮل اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس 49
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﺸﻬرية ،وﻇ ﱠﻞ اﻟﻘﻄﺎر اﻟﻴﻮم ﻛﻠﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ املﻨﺎﻇﺮ املﻮﺣﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻠﻬﺎ املﺴﺎﻓﺮ ﻟﻮﻻ وﺟﻪ اﻟﺸﺒﻪ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني أرﺿﻨﺎ املﺤﺒﻮﺑﺔ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻤﺜﱢﻞ ﱄ وﻃﻨﻲ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻓﻴﻐﻠﺐ ُ أﻧﺲ ﺗﻠﻚ اﻟﺬﻛﺮى َ آن َ وآﺧﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺪو أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺣﺪود اﻟﻀﻴﺎع Estanciasﺑﺸﺒﺎك وﺣﺸﻴﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻬﻮل ،وﺑني ٍ اﻟﺴﻠﻚ اﻟﻮاﻃﺌﺔ ،ﺗﺤﻒ ﻣﺪاﺧﻠﻬﺎ أﺷﺠﺎر ﺑﺎﺳﻘﺔ ،وﻻ ﻳﻐﻴﺐ ﻋﻦ اﻟﻌني ﻣﺸﻬﺪ اﻟﺨﻴﻮل واملﺎﺷﻴﺔ أﺑﺪًا ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺮى ﻗﻄﻌﺎﻧﻬﺎ ﻳﺴﻮﻗﻬﺎ ﺧﻴﱠﺎل أو اﺛﻨني ﻣﻦ اﻟﺠﻮﻛﺎ ،Gauchosوﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ َ ٍ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﺗﺠﺮﻫﺎ ﻣﺠﺎﻣﻴﻊ اﻟﺨﻴﻮل. ﺑﻤﺤﺎرﻳﺚ اﻷراﴈ ﻳﺰرﻋﻬﺎ اﻟﻘﻮم وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﺮﺛﻮﻧﻬﺎ أﻣﺎ اﻟﻘﺮى ﻓﻨﺎدرة وﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﺗﻘﺎم ﻣﻦ ﻃﺎﺑﻖ واﺣﺪ ﻣﻦ آﺟﺮ أﺣﻤﺮ ﻻ ﻳﻜﺴﻮه ﻃﻼء، وﻃﺮﻗﻬﺎ ﻏري ﻣﺮﺻﻮﻓﺔ ﺗﻐﻮص اﻟﻌﺠﻼت اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﰲ ﺛﺮاﻫﺎ ،وﺗﺜري وراءﻫﺎ زوﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﺒﺎء، وﺟ ﱡﻞ أﻫﻠﻬﺎ ﺗﻌﻮزﻫﻢ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ﰲ ﻫﻨﺪاﻣﻬﻢ املﻬﻠﻬﻞ ،وﺷﺘﱠﺎن ﺑني ﻣﻈﻬﺮﻫﻢ اﻟ ﱠﺮ ﱢ ث وﺑني أﻫﻞ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس اﻷﺛﺮﻳﺎء املﺘﺄﻧﱢﻘني ،وﻳ َُﺨﻴﱠﻞ إﱄ ﱠ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮى ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺷﺒﻪ ﺑﻘﺮاﻧﺎ املﴫﻳﺔ ،أﻣﺎ ﺗﺮﺑﺔ اﻷرض ﻓﺴﻮداء ﻛﺄرﺿﻨﺎ وﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﺨﺼﺐ ﻛﺒري ،ﺗﻌﻮزﻫﺎ اﻷﻳﺪي اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ واملﺎء اﻟﻮﻓري؛ ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺮى ﻏﺎﻟﺐ اﻟﻀﻴﺎع ﻗﺪ أﻗﺎم دوارات ﻫﻮاﺋﻴﺔ ﻛﺎملﺮوﺣﺔ املﺴﺘﺪﻳﺮة ﺗﺪﻳﺮﻫﺎ اﻟﺮﺑﺢ ﻓﱰﻓﻊ ﺑﻌﺾ املﺎء اﻟﺒﺎﻃﻨﻲ ﻟﻠﺮي ،وأرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ ذات ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﺗﻌﺎدل ﺛﻠﺚ أوروﺑﺎ ،وﻫﻲ أﻛﱪ اﻟﺪول املﺘﺤﴬة اﻟﺘﻲ ﻧﺠﻬﻞ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻜﺜري ،وﺷﻬﺮﺗﻬﺎ ﺗﺮﺟﻊ إﱃ ﺗﺼﺪﻳﺮ اﻟﻠﺤﻮم واﻟﺬرة واﻟﻘﻤﺢ وإﱃ ﻛﺜﺮة اﻟﺜﻮرات ،واﻟﻄﺒﻘﺔ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻧﻈﺎﺋﺮﻫﺎ ﰲ ﺳﺎﺋﺮ ﺑﻼد اﻟﺪﻧﻴﺎ؛ ﻓﻬﻲ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ املﺎل اﻟﺬي ﺟﺎءﻫﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺰﻳﺎدة ﰲ أﺳﻌﺎر اﻷراﴈ، وﻻ ﺗﻘﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ أرض اﻟﺰرع ﻋﻦ ٢٥٠ﻣﻠﻴﻮن إﻳﻜﺮ ،وﻣﺜﻠﻬﺎ أرض ﻟﻠﺮﻋﻲ ،وﺗُﻘﺪﱠر ﺻﺎدرات اﻟﻠﺤﻮم ﺑﻨﺤﻮ ٤٧ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ ،وﻛﺎن ﻳﻘﻄﻦ اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس ﺷﻌﻮب ﺑﻬﻮاﻟﺘﺶ Pehualches اﻟﺬﻳﻦ اﻧﻘﺮﺿﻮا وﺧﻠﻔﻬﻢ اﻟﺠﻮﻛﺎ ،وﻫﻢ ً أﻳﻀﺎ آﺧِ ﺬون ﰲ اﻟﺰوال ،وﻻ ﻳﺰال أﺛﺮ اﻟﺮﻋﻲ ﰲ اﻷﻫﻠني واﺿﺤً ﺎ ﰲ ﻧﻈﺎم ﺳﻴﺎدة رب اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،ﻓﺎﻟﺸﺎب إذا ﺗﺰوﱠجَ ﻳﻈﻞ ﰲ ﻛﻨﻒ أﺑﻴﻪ واﻟﺤﻔﻴﺪ ﻛﺬﻟﻚ ،وﻗﺪ ﺗﻔﻌﻞ اﻟﺒﻨﺖ ذﻟﻚ إذا ﻣﺎ ﺗﺰوﱠﺟَ ْﺖ ،واﻟﺠﻮﻛﺎ ﺟﻤﻌﻮا اﻷدب اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ إﱃ اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ ،ﻓﱰاﻫﻢ ﺳﺎﻋﺔ ﻃﺮوﺑني ﻟﺴﻤﺎع املﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺸﺠﻴﺔ ،وﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻨﻬﻤﻜني ﰲ ذﺑﺢ ﺣﻴﻮان أو ﻋﺪ ﱟو ﻟﻬﻢ ﺑﺪون رﺣﻤﺔ ،وﻳﺮوﻗﻚ ﻣﻨﻈﺮﻫﻢ ﰲ ﻫﻨﺪاﻣﻬﻢ املﺰرﻛﺶ ﺗﺰﻳﱢﻨﻪ اﻷزرار واملﻬﺎﻣﻴﺰ. وﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻼد اﻷرﺟﻨﺘني ﻣﻮردًا ﻟﻠﺜﺮوة اﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ﺑﺪون ﻛﺒري َﻛ ﱟﺪ أو ﻧ َ َ ﺼ ٍﺐ ،ﺑﻤﺠﺮد ﻣﺎ أدﺧﻠﺖ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ واﻵﻻت وﻣﺜﺎﻟﺞ اﻟﻠﺤﻮم ﺑﺮءوس اﻷﻣﻮال اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،وﻻ ﺗﺰال ﺗﺴﻤﻊ اﻟﻨﺎس وﻻ ﺣﺪﻳﺚ ﻟﻬﻢ إﻻ املﺎل ﻳﻨﻔﻘﻮﻧﻪ ﻋﻦ ﺳﻌﺔ ﰲ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس وﺑﺎرﻳﺲ ،وﻻ ﺗﻜﺎد ﺼ َ ﺟﻤﻠﺔ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ Pesoوﻳ َُﻘ ﱡ ﻮن ﻋﻠﻴﻚ ﻏﺮاﺋﺐ اﻹﺛﺮاء اﻟﺬي ﻧﺎﻟﻪ اﻟﻜﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﰲ أﻣﺪ 50
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
وﺟﻴﺰ ،ﻋﲆ أن زﻣﺎن اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﺜﺮوة ﺑﺘﻠﻚ اﻟﴪﻋﺔ ﻗﺪ ﻣﴣ وﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺠﺪ اﻟﻴﻮم ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻌﺘﻘﺪ أن ﺧري ﱡ اﻟﺴﺒُﻞ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ املﺎل أن ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻦ ذوي اﻟﻨﻔﻮذ ﰲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،ﻋﲆ أن ذوي اﻟﻨﻔﻮذ ﻫﺆﻻء ﻣﻦ ﺿﻌﺎف اﻟﺘﴫﱡف ،وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﺒﺎﻗﺮة ،وذﻟﻚ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ رﺟﺎل اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺿﻌﻔﺎء ﻟﻴﺴﻮا ﺟﺪﻳﺮﻳﻦ ﺑﻤﺮاﻛﺰﻫﻢ. واﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎك ﻳﺤﺒﻮن اﻹﺳﺒﺎن ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﺤﺘﻘﺮوﻧﻬﻢ ،وﻳﺮون ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺑﻼدًا ﻣﺘﺄﺧﺮة رﺟﻌﻴﺔ ،ﻓﻬﻢ ﰲ ﻧﻈﺮﻫﻢ »وراء اﻷرﺟﻨﺘني ﺑﻘﺮون ﻛﺎﻣﻠﺔ ﰲ اﻟﺮﻗﻲ«؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻘﺼﺪون إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﰲ رﺣﻼﺗﻬﻢ إﱃ أوروﺑﺎ إﻻ ﻧﺎد ًرا ،وﺟﻠﻬﻢ ﻳﻘﺼﺪون ﻓﺮﻧﺴﺎ وﺑﺎرﻳﺲ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺨﺬوﻧﻬﺎ املﺜﻞ ﱡ وﺗﻌﺼﺒﻬﻢ اﻷﻋﲆ ﻟﻬﻢ ﰲ ﻛﻞ ﳾء ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﰲ أدب ﻟﻐﺘﻬﻢ ﻓﻬﻢ ﻳﺮﺟﻌﻮن ﻓﻴﻪ إﱃ ﻣﺪرﻳﺪ، ﻟﻘﻮﻣﻴﺘﻬﻢ ﻓﺎﺋﻖ اﻟﺤﺪ ﻓﺤﺐﱡ اﻟﻮﻃﻦ ﺳﺎﺑﻖ ﻋﲆ ﺣﺐﱢ اﻷﺑﻮﻳﻦ ،وأﻧﺖ ﻻ ﺗﺮى ﻋﻠﻤً ﺎ ﻣﻦ أﻋﻼﻣﻬﻢ ُرﻓِﻊ وﺳﻂ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﻤﺮ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻻ وﻳﴪع اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺮﻓﻊ ﻗﺒﻌﺎﺗﻬﻢ اﺣﱰاﻣً ﺎ ﻟﻪ ،وﻛﻠﻬﻢ ﻓﺨﻮرون ﺑﺄﴎﺗﻬﻢ وﻣﺪﻧﻴﺘﻬﻢ وﺷﻌﺒﻬﻢ ﻟﺪرﺟﺔ اﻟﻐﺮور ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻗﺎل ﱄ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﺄن أﻫﻞ أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ أرق أﻧﺎس اﻷرض ،وأن ﺑﻼدﻫﻢ أﻛﺜﺮ ﺑﻼد اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻘﺪﱡﻣً ﺎ ورﻗﻴٍّﺎ. وﻻ ﺗﺰال اﻟﻨﺴﺎء ﺷﺒﻪ ﻣﺤﺠﺒﺎت ،ﻓﻼ ﻳﺒﺎح ﻟﻬﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻣﻊ اﻟﺮﺟﺎل ،وﻗﻠﻤﺎ ﻳﺪﻋﻮ أﺣﺪﻫﻢ ً ً ﺿﻴﻔﺎ ﰲ ﺑﻴﺘﻪ ،وذﻟﻚ ﻣﻦ أﺛﺮ اﻹﺳﺒﺎن وﻣﺎ ﺧﻠﻔﻪ اﻟﻌﺮب ﻓﻴﻬﻢ .ووﺣﺪة ﻗﻴﺎس ﺻﺪﻳﻘﺎ ﻟﻪ أو املﺴﺎﺣﺎت ﻋﻨﺪﻫﻢ ٦٤٠٠إﻳﻜﺮ ،واملﺎﻟﻚ ﻗﺪ ﻳﺤﻮز ٢٠٠أﻟﻒ إﻳﻜﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﻄﻌﺎن ﻻ ﻳﻌﺮف ﻋﺪدﻫﺎ ،ﻟﻜﻨﻬﻢ اﻟﻴﻮم ﺑﺪءوا ﻳﺤﴫوﻧﻬﺎ وﻳﻌﻤﻠﻮن ﻋﲆ ﺗﻐﺬﻳﺘﻬﺎ ﺗﻐﺬﻳﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻓﺰاد إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ، وﻗﺪ أﺣﺎل اﻟﻜﺜري ﺑﻌﺾ املﺴﺎﺣﺎت إﱃ اﻟﺰرع وإﻧﺘﺎج اﻟﻐﻼل ،وﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن اﻋﺘﻤﺎدﻫﻢ ﻋﲆ املﺮﻋﻰ ﻓﺤﺴﺐ ،أﺻﺒﺤﺖ ﺑﻼدﻫﻢ ﻣﻦ أﻛﱪ ﻣﺼﺪري اﻟﻐﻼل ،واﻟﺰراﻋﺔ آﺧِ ﺬة ﰲ اﻟﺰﻳﺎدة ﺑﻨﺴﺒﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳني إﻳﻜﺮ ﰲ اﻟﻌﺎم ،وﻳﻘﻮﻟﻮن ﺑﺄن ذﻟﻚ ﻳﺰﻳﺪ أﻛﺜﺮ ﻟﻮ وﺟﺪ ﺻﻐﺎر اﻟﻔﻼﺣني ﻧﺼﻴﺒًﺎ ﻣﻦ اﻷرض؛ إذ ﻏﺎﻟﺒﻬﺎ ﰲ ﻣﻠﻜﻴﺎت ﻛﺒرية ،ﻧﻌﻢ ﻳُﴪ املﺎﻟﻚ ﺑﻜﻞ ﻣﺰارع ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺨﺪم ﺟﺰءًا ﻣﻦ أرﺿﻪ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺰارع ﻳﺮى أﻧﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﻟﻐريه ،وذﻟﻚ ﻳﻀﻌﻒ ﻣﻦ ﻋﺰﻳﻤﺘﻪ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ، وﺗﻔ ﱢﻜﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻴﻮم ﰲ إرﻏﺎم اﻟﻨﺰﻻء ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﻋﲆ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﰲ اﻟﺮﻳﻒ ﻻ املﺪن .و َملﻦ أراد ً ﺻﺎدﻗﺎ ﻋﻦ اﻷرﺟﻨﺘني َﻓ ْﻠﻴﺨﺎﻟﻂ اﻟﺮﻋﺎة وﻳﺄﻛﻞ ﻣﻌﻬﻢ ﺷﻮاءﻫﻢ Asado أن ﻳﺘﻌﺮف ﺷﻴﺌًﺎ ُﻮﺿﻊ ﺣﻮل ﱡ ً اﻟﺬي ﻳ َ ﻛﺎﻣﻼ وﺑﺠﻠﺪه ،Carne con cuèroوﻛﻞ واﺣﺪ ﻳﻘﻄﻊ ﻣﻨﻪ ﴍاﺋﺢ ﺳﻔﻮد ً ً ﻳﺄﻛﻠﻬﺎ ﻃﺎزﺟﺔ ،وﻳﻘﻮﻟﻮن ﺑﺄن ﺑﻘﺎء اﻟﺠﻠﺪ ﻳ ِ زﻛﻴﺔ! واﻟﺠﻮﻛﺎ ﻻ ﻳﺒﺪو ﻣﺮﺣً ﺎ راﺋﺤﺔ ُﻜﺴﺐ اﻟﻠﺤﻢ ﺿﺤﻮ ًﻛﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺪو اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ،وﺣﺘﻰ ﰲ رﻗﺼﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻒ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻓﻴﻬﺎ دواﺋﺮ ﻳﺮﻗﺼﻮن وﻳﻔﺮﻗﻌﻮن ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻬﻢ ﺗﺠﺪﻫﻢ ﻣﻘ ﱢ ﻄﺒني. 51
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
رﻓﺎداﻓﻴﺎ أﻃﻮل ﺷﻮارع اﻟﺪﻧﻴﺎ.
واﻟﺒﺎﻣﺒﺎس ﻟﻸرﺟﻨﺘني ﻛﺎﻟﻨﻴﻞ ملﴫ ،ﻓﻬﻲ ﻣﻮردﻫﻢ اﻟﺮﺋﻴﴘ ،وﻓﻴﻬﺎ اﺳﺘﺄﻧﺲ اﻟﻬﻨﻮد ﰲ اﻟﺒﺪء اﻟﻼﻣﺎ واﻷﻟﺒﺎﻛﺎ واﻟﺠﻮاﻧﺎﻛﻮ ،وﻟﻢ ﻳﺮوا املﺎﺷﻴﺔ ﺣﺘﻰ أدﺧﻠﻬﺎ اﻷﺧﻮان اﻟﱪﺗﻐﺎﻟﻴﺎن Goesﺳﻨﺔ ١٥٥٢ َ ري ﻣﻦ املﺎﺷﻴﺔ واﻟﻀﺄن، ﺣني أﻃﻠﻘﺎ ﺳﺒﻊ ﺑﻘﺮات وﺛﻮ ًرا ،ﺛﻢ ﺗﺒﻊ ذﻟﻚ إﻃﻼق اﻹﺳﺒﺎن ﻟﻜﺜ ٍ وﻛﺎن ﻗﺪ أﻃﻠﻖ ﺑﺪرودي ﻣﻨﺪوزا ﺳﻨﺔ ١٥٣٥ﺳﺘﺔ ﺟﻴﺎد وﺧﻤﺲ أﻣﻬﺎر ،ﻓﺘﻜﺎﺛﺮت ﺗﻜﺎﺛ ًﺮا ﻋﺠﻴﺒًﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺟﻮدة املﻨﺎخ ووﻓﺮة ﻋﺸﺐ ،Alfalfaوﻛﺎن ﻳﺒﻴﺢ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻟﻠﻔﺮد أن ﻳﺼﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ 52
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ً أﻟﻔﺎ ،ﻓﺈن أراد اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻋﺪد أﻛﱪ ﻟﺰم أﺧﺬ ﺗﴫﻳﺢ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻛﻢ وإﻻ ﻋُ ﻮﻗِﺐ ﺑﺎﻟﻜﻲ ،وإن ﺗﻜ ﱠﺮر ﻓﺎﻟﻌﻘﺎب اﻟﻘﺘﻞ ،وﻇﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺮﻧني ﻛﺎﻣﻠني وﻻ ﻋﻤﻞ ﻟﻪ إﻻ اﺳﺘﺌﻨﺎس ﱢ املﺎﺷﻴﺔ اﻟﺠﺎﻣﺤﺔ ،وﻗﺪ ذﺑﺢ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻜﺜري ﻷﺧﺬ اﻟﺸﺤﻢ واﻟﺠﻠﺪ ﻓﻘﻂ! وﻗﺪ ﻳﺼﻴﺪ اﻟﺮﺟﻞ ً رأﺳﺎ ﻟﻴﺄﻛﻞ وﺟﺒﺔ واﺣﺪة ﻓﻘﻂ! وﻛﺎن اﻟﺠﻨﺪي ﻳﺼﻴﺪ ﺑﻘﺮة ﻟﻜﻲ ﻳﺮﺑﻂ ﰲ ﻗﺮوﻧﻬﺎ ﺧﻄﺎم ﻓﺮﺳﻪ أﺛﻨﺎء راﺣﺘﻪ؛ ﻷن اﻟﺸﺠﺮ ﻣﻌﺪوم ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻬﻮل! وﻛﺎن اﻟﻬﻨﻮد ﻳﺠﺘﻤﻌﻮن ﺑﺤﺮاﺑﻬﻢ ﰲ ﺣﻠﻘﺎت ﺗﺤﺎﴏ ﻗﻄﻴﻌً ﺎ ﺛﻢ ﻳﻀﻴﱢﻘﻮن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺨﻨﺎق ﰲ ﺷﻜﻞ ﻫﻼل وﻳﴬﺑﻮن ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن ً ﻓﺮﻳﺴﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻬﺮب اﻟﻘﻄﻴﻊ ﻛﻠﻪ ،ﺛﻢ ﻳﺴﻠﺨﻮن ﻣﺎ ﻳﺴﻘﻂ وﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺠﻠﻮد ﺗﺎرﻛني اﻟﻠﺤﻢ ﻟﻠﻄﻴﻮر واﻟﻜﻼب اﻟﱪﻳﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻓﻊ أﺛﻤﺎن اﻟﺮﻗﻴﻖ املﺴﺘﻮرد ﺑﺎﻟﺠﻠﻮد. وأﺧﺬ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﺪد اﻟﻐﻨﻢ ملﺎ أن ﻧﻤﺖ ﺗﺠﺎرة اﻟﺼﻮف ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻴﻮم ٨٠ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ، وملﺎ زاد اﻟﻄﻠﺐ ﻋﲆ اﻟﻠﺤﻮم ﺷﺠﱠ ﻌﻮا ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺴﻤني ،وأﻗﺎﻣﻮا ﻣﻀﺨﺎت املﺎء اﻟﻬﻮاﺋﻴﺔ ﻟﻠﺴﻘﻲ ،وﻛﺎن ﺷﺢﱡ املﺎء ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ﻳﺴﺒﱢﺐ ﻗﺘﻞ ﻣﻼﻳني ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮان ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪ اﻟﻨﺰﻻء اﻷواﺋﻞ ﻣﻮاﻃﻦ املﺴﺘﻨﻘﻌﺎت ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺠﺜﺚ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺬي أﻫﻠﻜﻪ اﻟﻌﻄﺶ ﰲ ﺳﻨﺔ ﺗﺨﻠﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺒﻊ املﺎء ﻋﻦ اﻷﻧﺪﻳﺰ ،وﻻﻧﺒﺴﺎط اﻟﺴﻄﺢ واﻧﺘﻈﺎم ﻫﺒﻮب اﻟﺮﻳﺎح ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺿﻤﻦ اﻟﻨﺎس دوران املﻀﺨﺎت داﺋﻤً ﺎ؛ وﻗﺪ ﺑﺪأ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﺰرع اﻷﺷﺠﺎر ﻛﺄﺳﻮار ﻟﻠﻤﺰارع ،ﻟﻜﻦ ﴎﻋﺎن ﻣﺎ وﻗﻒ ذﻟﻚ ملﺎ أن اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ اﻷﺳﻼك ﰲ اﻷﺳﻮار ،وﻫﻲ أﻧﻔﻊ ﰲ ﻣﻨﻊ اﺧﺘﻼط اﻟﻘﻄﻌﺎن ﺟﻴﺪة اﻷﺻﻞ داﺧﻞ املﺰرﻋﺔ ﺑﺎﻟﻘﻄﻌﺎن اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ردﻳﺌﺔ اﻟﻨﺴﻞ ﺧﺎرﺟﻬﺎ ،وذﻟﻚ زاد ﰲ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻨﺘﺠﺎت املﺮﻋﻰ وﺻﺎدراﺗﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ زﻳﺎدة ﺣﻴﻮان املﺮﻋﻰ ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ ﺟﺬب اﻟﺠﺠﻮار واﻟﺒﻮﻣﺎ ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺐ اﻷﻧﺪﻳﺰ إﱃ اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس .وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﺨﻴﻮل ورﺧﺼﻬﺎ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ أن ﺷﻮارع ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس اﻷوﱃ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﺎء ﺑﺸﺤﻢ اﻟﺨﻴﻮل ،وأﻛﱪ ﻣﺼﺎﺋﺐ اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس اﻟﺠﻔﺎف واﻟﺠﺮاد وزﻳﺎدة املﺤﺼﻮل ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺔ اﻷﺳﻮاق واﻷوﺑﺌﺔ ،وﻗﺒﻞ ﺳﻨﺔ ١٨٧٠ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻼد ﺗﺴﺘﻮرد ﻗﻤﺤﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج، ﻟﻜﻨﻬﺎ اﻟﻴﻮم ﺗﻤﻮﱢن أﺳﻮاق اﻟﻌﺎﻟﻢ. ً وﺳﻜﺎن أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﺳﻨﺔ ١٨٩٥أرﺑﻌﺔ ﻣﻼﻳني واﻟﻴﻮم اﺛﻨﺎ ﻋﴩ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎ ،وﻫﻨﺎك ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﱠ ﺎل املﺆﻗﺘني ﻳﺬﻫﺒﻮن إﱃ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ أوروﺑﺎ ملﺪة ﻗﺼرية وﻳﻌﻮدون ﺑﺄرﺑﺎﺣﻬﻢ ﺣﴢ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء إﱃ اﻟﻴﻮم ﻓﻮق ﺗﺴﻌﺔ ﻣﻼﻳني ،وأﻛﱪ اﻟﺠﺎﻟﻴﺎت ﻫﻨﺎك إﱃ ﺑﻼدﻫﻢ ،وﻗﺪ أ ُ ِ َ اﻟﻄﻠﻴﺎن ،وﻏﺎﻟﺐ ﱠ ﻣﻼك املﺴﺎﺣﺎت اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ أﻳﺮﻟﻨﺪﻳﻮن وإﻧﺠﻠﻴﺰ وﻛﺜري ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ ﰲ اﻟﺮﻳﻒ، أﻣﺎ اﻷملﺎن واﻹﺳﺒﺎن واﻟﺴﻮرﻳﻮن ﻓﻐﺎﻟﺒﻬﻢ ﺳﻜﺎن ﻣﺪن — وﻧﺤﻮ ﻧﺼﻒ ﺳﻜﺎن أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ ﺳﻜﺎن ﻣﺪن — وملﺎ ﻛﺎن ﻏﺎﻟﺐ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻧﺰﻻء اﻷﺟﺎﻧﺐ ،ﺧﻠﺺ اﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﺗﻘﻴﻴﺪ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،ﻓﺄﻧﺒﺖ ذﻟﻚ ﺷﻌﺒًﺎ ﺷﺠﺎﻋً ﺎ وﺛﱠﺎﺑًﺎ ﻣﻐﺎﻣ ًﺮا ،وأﺿﺤﺖ أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ ً ﻣﺜﻼ ملﻌﺠﺰات اﻟﻄﻔﺮة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺑني ﺑﻼد اﻟﺪﻧﻴﺎ. 53
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺳﻬﻮل اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس املﻤﻠﺔ.
وﻣﻦ أﺷﻬﻰ ﻏﺬاء اﻟﺠﻮﻛﺎ املﺪرع »اﻷرﻣﺎدﻟﻮ« ﻳﺼﻴﺪوﻧﻪ ﺑﴩاك ﻣﻦ ﺻﻔﻴﺤﺔ ﺗُ َ ﺪﻓﻦ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﰲ اﻷرض وﺗُﺮﻣَ ﻰ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻢ ﰲ ﻗﺎﻋﻬﺎ ،ﻓﺈذا ﻧﺰل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻴﻮان ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ً ﻛﺎﻣﻼ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻀﺞ ﻟﺤﻤﻪ داﺧﻞ أﻏﺸﻴﺘﻪ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻟﺨﺮوج ﻟﻨﻌﻮﻣﺔ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻳﺸﻮى َ اﻟﺘﻲ ﺗُﻨ َﺰع وﻳﺆﻛﻞ ﻣﺎ ﺑﻬﺎ ،وﻳﻐﻠﺐ أن ﻳﻐﻄﻲ اﻟﺠﻮﻛﺎ ﺳﻮﻗﻪ ﺑ ِﻘﻄﻊ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ ،وﻗﺪ ﻳﻐﻄﻲ أرﺟﻞ اﻟﺤﺼﺎن ً أﻳﻀﺎ ﻟﻜﻴﻼ ﻳﺆذﻳﻪ اﻟﺸﻮك واﻟﻌﺸﺐ اﻟﻴﺎﺑﺲ ،وﻫﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﺻﻐﺎر اﻟﻘﻄﻌﺎن ﰲ آذاﻧﻬﺎ ﺑﺨﺮوق ﺑﺂﻟﺔ ﺷﺒﻴﻬﺔ »ﺑﺨﺮاق اﻟﺘﺬاﻛﺮ« ،وﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺑﻤﺠﺮد اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ. وﰲ اﻟﻀﻴﻌﺔ ﻳﻌﻴﺶ اﻟﺠﻮﻛﺎ ﻣﻌﻴﺸﺔ اﻷﺻﺪﻗﺎء اﻷوﻓﻴﺎء ﻓﻴﺄﺧﺬ اﻟﻮاﺣﺪ ﺣﺼﺎن ﺟﺎره ً راﺟﻼ؛ ﺑﺪون ﻋﻠﻤﻪ أﻳﺎﻣً ﺎ وأﺳﺎﺑﻴﻊ ،واملﺎﺷﻴﺔ ﺗﺠﻤﺢ وﺗﺠﺮي ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮى أﺣﺪًا ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺨﺎﻟﻪ ﺣﻴﻮاﻧًﺎ َ آﺧﺮ إذ اﻋﺘﺎدت رؤﻳﺔ اﻟﺠﻮﻛﺎ ﻋﲆ ﻇﻬﻮر اﻟﺨﻴﻞ داﺋﻤً ﺎ ،وﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﻳﻤﴚ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﲆ رﺟﻠﻴﻪ ،وﻗﺪ ﻳﺴري املﺮء ﻋﲆ ﻇﻬﻮر اﻟﺨﻴﻞ أﻳﺎﻣً ﺎ ﰲ ﻣﺰرﻋﺔ واﺣﺪة؛ إذ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﺌﺎت اﻟﻔﺮاﺳﺦ ﻳﻤﺘﻠﻜﻬﺎ ﻏﻨﻲ واﺣﺪ ،وﻗﺪ ﺗﻀﻢ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺎﺷﻴﺔ وﻣﺌﺎت اﻷﻟﻮف ﻣﻦ اﻟﺨﻴﻞ ،واﻟﺠﻮﻛﺎ ﻫﻢ ﺧﺪﻣﻬﺎ وﻣﺄﺟﻮروﻫﺎ ،وﻗﺪ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﺎﻟﻜﻬﺎ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﺣﺘﻰ 54
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
وﻻ ﺣﺪودﻫﺎ إذا ﺣﺪث وﻫﺒ ِﱠﺖ اﻟﺒﺎﻣﺒريو واﻛﺘﺴﺤﺖ أﺳﻮارﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻏﺎﻟﺒًﺎ ،وﻛﺜري ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻛﻦ اﻟﺴﺎدة ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﺗﺰال ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ﺑﺎﻟﻄني واﻟﻌﴢ ﻻ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻐﻨﻰ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ أﺑﺪًا ،وﺣﺘﻰ ﻣﺎء اﻟﴩب ﻳ َ ُﻮﺿﻊ ﰲ ﺑﺮاﻣﻴﻞ وﻳﴩب اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻘﺮون املﺎﺷﻴﺔ ﺑﺪل اﻷﻛﻮاب، وﺟ ﱡﻞ ﺧﻔﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻼب اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ وﺣﺸﻴﺔ واﺳﺘُﺆﻧ َِﺴ ْﺖ ،وﻣﻦ اﻟﻜﻼب اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ﻛﺜري ،وإذا أﻣﻀﻬﺎ اﻟﺠﻮع ﻫﺎﺟَ ﻤَ ْﺖ ﰲ ﺟﻤﺎﻋﺎت وﻃﺮﺣﺖ اﻟﻔﺎرس ً أرﺿﺎ وﻧﻬﺸﺖ ﻟﺤﻤﻪ ﻫﻮ وﺟﻮاده. وﺟ ﱡﻞ ﱠ املﻼك ﻣﻦ اﻹﺳﺒﺎن وزوﺟﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻮد أو ﺳﻼﺋﻞ أﺧﻼط اﻟﺴﻮد واﻟﻬﻨﻮد ،وﺗﺤﻴﺘﻬﻢ املﺎﺗﻲ ﺗﻘﺪﱢﻣﻪ اﻟﺰوﺟﺔ واﻟﻘﻮم ﺟﻠﻮس ﻋﲆ ﻣﻘﺎﻋﺪ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﺟﻢ اﻟﺜريان اﻟﻜﺒرية ،وﻗﺪ ﻳُﻼﺣَ ﻆ ﻋﲆ أﺑﻨﺎء املﺎﻟﻚ ﱡ ﺗﻐري اﻟﺴﺤﻦ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻣﻦ زوﺟﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺎت ،وﻏﺬاؤﻫﻢ أﻛﻮاز اﻟﺬرة املﺴﻠﻮﻗﺔ واﻟﻠﺤﻢ ،وﰲ ﺑﺎﻛﻮرة اﻟﺼﺒﺎح ﻳﺨﺮج اﻷﺑﻨﺎء ﻋﲆ ﻇﻬﻮر ﺟﻴﺎدﻫﻢ ﻟرياﻗﺒﻮا اﻟﻘﻄﻌﺎن ﺧﺸﻴﺔ أن ﺗﺨﺮج ﻣﻦ املﺰرﻋﺔ ،وﻳﻜﺎدون ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻛﻞ رأس ﻣﻦ ﻣﺎﺷﻴﺔ ﺳﻴﺪﻫﻢ اﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﺑﻤﺌﺎت اﻷﻟﻮف وﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻌ ﱠﻠﻤَ ﺔ ،ﺛﻢ ﻳﻌﻮدون ﰲ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﴩة ﻟﺘﻨﺎول اﻹﻓﻄﺎر ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ واملﺎﺗﻲ ،وﻛﻞ اﻟﺨﻴﻮل ﺗﴪح ﰲ املﺮﻋﻰ ﻧﻬﺎ ًرا إﻻ واﺣﺪًا ﻳﻈﻞ ﰲ اﻟﺒﻴﺖ اﺳﺘﻌﺪادًا ﻟﻠﻄﻮارئ. وﻳﻘﺘﻨﻲ ﻓﺘﻴﺎت ﺻﺎﺣﺐ املﺰرﻋﺔ ﻋﺎدة ﻧﻌﺎﻣﺘني :واﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻮل املﺠﺎورة ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ وﻫﻲ اﻷﺻﻐﺮ ﺣﺠﻤً ﺎ ﻣﻦ ﺑﺘﺎﺟﻮﻧﻴﺎ ،وﻧﻌﺎم أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻻ ﻳُﺬ َﻛﺮ إﻻ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻨﻌﺎم اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ،ﻓﺮﻳﺸﻪ ً ً ً وﺟﻤﺎﻻ ،وﺣﺠﻤﻪ أﺻﻐﺮ إﱃ اﻟﻨﺼﻒ ،وأﻗﺪاﻣﻪ ذوات ﺛﻼث أﺻﺎﺑﻊ ﻻ اﺛﻨﺘني ورﻗﺔ ﻧﻌﻮﻣﺔ أﻗﻞ ﻛﺎﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ،واﻟﻌﺠﻴﺐ أن اﻷﻧﺜﻰ ﺗﻀﻊ ﺑﻴﻀﻬﺎ ﻣُﺒﻌﺜ َ ًﺮا ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ﰲ ﻏري ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺑﻪ ،واﻟﺬي ﻳﻌﻨﻰ ﺑﺠﻤﻌﻪ ﰲ ﺑﺆره ﻫﻮ اﻟﺬﻛﺮ ،وإذا اﻗﱰب إﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﺶ ﻫﺎﺟَ ﻤَ ﻪ ورﻓﺴﻪ ﺑﺄرﺟﻠﻪ، وإذا ﺗﺒﻌﻪ ﺻﻴﱠﺎد رﻣﻰ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﰲ املﺎء وأﺧﺬ ﻳﺴﺒﺢ ﺑﻌﻴﺪًا ،وﻃﻌﺎم اﻟﻨﻌﺎﻣﺔ اﻟﻌﺸﺐ واﻟﺠﺬور ﻌﺎوﻧﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻬﻀﻢ ،وﰲ اﻟﺮﺑﻴﻊ واﻟﺜﻤﺮ اﻟﱪي ،وﺗﺒﺘﻠﻊ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﴡ واﻷﺻﺪاف ﻟﺘُ ِ ً ً ﱠ دﻗﻴﻘﺔ ،وﻳﺤﺎرب أي ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻳﺘﺨري اﻟﺬﻛﺮ إﻧﺎﺛﻪ ﺑني ٣و ٨وﻳﺮاﻗﺒﻬﺎ )أﻛﺘﻮﺑﺮ وﻧﻮﻓﻤﱪ( ﻧﻌﺎم َ آﺧﺮ ﻳﻘﱰب ﻣﻨﻬﺎ ،وﻛﻠﻬﺎ ﺗﻀﻊ اﻟﺒﻴﺾ ﻣﻌً ﺎ ﺑني ٢٠و ،٥٠ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻨﻌﺎم ﺣﻀﻨﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ ﺑﻴﺾ اﻟﻨﻌﺎم ﻳﺤﺘﻤﻞ ﱡ ﺗﻐري اﻟﺠﻮ ﻛﺜريًا ،وﻗﺪ ﻳﺪﺣﺮج اﻟﺬﻛﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻴﺾ، وﻋﻨﺪ اﻟﻔﻘﺲ ﻳﻜﴪ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺾ ﻟﻴﺠﺘﺬب اﻟﺬﺑﺎب اﻟﺬي ﺗﺄﻛﻠﻪ أﻓﺮاﺧﻪ اﻟﺼﻐﺎر ،وﺻﻴﺪه ﺷﺎق ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﺘﺎﺑﻌﺘﻪ ﺑﺎﻟﺨﻴﻞ وﺣﴫه ﰲ داﺋﺮة أو اﺳﺘﻤﺮار ﻣﺘﺎﺑﻌﺘﻪ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺗﻌﺐ ﺻﻴﺎد ﺗﺒﻌﻪ َ آﺧﺮ ﺣﺘﻰ إذا أﺟﻬﺪ اﻟﺠﺮي اﻟﻨﻌﺎم أﻟﻘﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟ ،boliadoresوﻫﻲ ﺛﻼث ﻛﻮر ﻣﻦ ﺧﺸﺐ أو ﺣﺠﺮ داﺧﻞ ﻏﺸﺎء ﻣﻦ ﺟﻠﺪ ﺗُﺮﺑَﻂ ﻛ ﱞﻞ إﱃ ﻃﺮف ﺣﺒﻞ ذي ﺛﻼث ﺷﻌﺐ ﻣﻦ ﻋﺮوق اﻟﺤﻴﻮان ،وﻳﻤﺴﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺈﺣﺪى اﻟﻜﻮر وﻳﺪﻳﺮ اﻟﺤﺒﻞ ﻓﻮق رأﺳﻪ ﺛﻢ ﻳﻠﻘﻲ ﺑﻪ إﱃ أرﺟﻞ اﻟﻨﻌﺎم ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ﻋﴩﻳﻦ ﻣﱰًا أو ﺛﻼﺛني ،ﻓﺘﻌﻮق ﺳريه وﻳﺴﻘﻂ إﱃ اﻷرض ،وﻳﻤﺘﺎز اﻟﺬﻛﺮ ﻋﻦ 55
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻷﻧﺜﻰ ﺑﻜﱪ رأﺳﻪ وﺳﻤﺮة رﻳﺸﻪ ،وﻗﺪ ﻳﺬﺑﺢ اﻟﺠﻮﻛﺎ اﻟﻨﻌﺎم ﻟﻴﺄﻛﻠﻮه ،وأﺣﺐﱡ أﺟﺰاﺋﻪ ﻟﺪﻳﻬﻢ اﻷﺟﻨﺤﺔ واﻷﻗﺪام. وﺻﻴﺪ اﻟﺨﻴﻮل اﻟﱪﻳﺔ ﻣﻦ أﺷﻖ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ :ﻳﺮﻛﺒﻮن اﻟﺨﻴﻮل وﻳﴪﻋﻮن ﻛﺎﻟﱪق وﻫﻢ ﻳﺪﻳﺮون أﻃﺮاف اﻟﺨﻄﺎم ﰲ أﻳﺪﻳﻬﻢ وﻳﺼﻴﺤﻮن ﺻﻴﺤﺎت ﻋﺎﻟﻴﺔ ،ﺛﻢ ﻳﺮﻣﻮن ﺑﺎﻟﻼﺳﻮ Lasso ﺣﻮل رﻗﺒﺔ اﻟﺤﺼﺎن وﻳﻠﻘﻮﻧﻪ إﱃ اﻷرض ،ﻓﺈذا ﻧﻬﺾ ﺗﻘ ﱠﺪ َم ﻏﻼم َ آﺧﺮ ورﻣﻰ اﻟﻼﺳﻮ ﰲ أﻗﺪاﻣﻪ ً ً ﺿﻌﻴﻔﺎ ﻋﲆ ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﺛﻢ ﺗُﻜﺒﱠﻞ أرﺟﻠﻪ وﻳُﻔ ﱡﻚ »اﻟﻼﺳﻮ« ﻣﻨﻪ وﻳُﱰَك اﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﻓﻴﺴﻘﻂ إﱃ اﻷرض اﻷرض وﻫﻮ ﻳﺮﺗﻌﺪ ً ﺧﻮﻓﺎ ،ﺛﻢ ﻳ َ ُﻮﺿﻊ ﻋﲆ ﻇﻬﺮه ﴎج وﰲ ﻓﻤﻪ »ﻻﺳﻮ« ﻟﻴﻘﻮم ﻣﻘﺎم اﻟﺨﻄﺎم، ﺛﻢ ﺗﺴﱰﺧﻲ اﻟﻘﻴﻮد ﺗﺪرﻳﺠً ﺎ وﻳﻤﺴﻜﻪ َرﺟُ ﻼن ﻣﻦ اﻵذان وﺗُﻐ ﱠ ﻄﻰ ﻋﻴﻮﻧﻪ ،وﻫﻨﺎ ﻳﺘﻘﺪﱠم أﺷﺠﻊ اﻟﻐﻠﻤﺎن وﻳﺮﻛﺒﻪ ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺗُﻔ ﱡﻚ اﻟﻘﻴﻮد ﺗﻤﺎﻣً ﺎ وﻳﴬب اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻤﻬﻤﺎزه اﻟﺤﺎد إﱃ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺤﺼﺎن اﻟﺬي ﻳﻈ ﱡﻞ ً واﻗﻔﺎ ﻣﺒﻬﻮﺗًﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف واﻟﻔﺰع ،وﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﴐﺑﺎت ﺑﺎملﻬﻤﺎز ﻳﺠﺮي ﻓﺰﻋً ﺎ ﻛﺎﻟﱪق وﻳﻘﻔﺰ ً ً وﺷﻤﺎﻻ وﻳﻬﺰ ﺟﺴﺪه ،ﻛﻞ واﻗﻔﺎ ﻋﲆ ﻗﺪﻣﻴﻪ اﻟﺨﻠﻔﻴﺘني ،وﻳﺪور ﻳﻤﻴﻨًﺎ ً ﻣﺤﺎوﻻ أن ﻳﺮﻣﻲ راﻛﺒﻪ إﱃ اﻷرض ،وﻗﺪ ﻳﺤﺎول اﻟﺠﻮاد اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ رﺟﻠﻴﻪ اﻷﻣﺎﻣﻴﺘني، ذﻟﻚ وﻫﻨﺎ اﻟﺨﻄﺮ ﻷن اﻟﺮاﻛﺐ إذا ﻫﻮى ﻗﺘﻠﻪ اﻟﺤﺼﺎن ،وﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ ﰲ ذاك اﻟﻜﻔﺎح ﻳﺠﻬﺪ اﻟﺤﺼﺎن ﻓﻴﻘﻒ ﺛﻢ ﻳﻨﺰل اﻟﻔﺎرس ﻣﻦ ﻋﲆ ﻇﻬﺮه ،وﺗﺪﻫﺶ َ ﻟﻠﻔ ْﺮق اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺑني ﺣﺎل اﻟﺤﺼﺎن اﻟﴩس ً أوﻻ وﺑني ﻫﺪوﺋﻪ واﺳﺘﺴﻼﻣﻪ اﻵن ﺑﻌﻴﻨَﻴْﻪ املﻐﻠﻘﺘني وﻓﻤﻪ وﺟﻮاﻧﺒﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻘﺎﻃﺮ اﻟﺪم ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ أﺛﺮ اﻟﻼﺳﻮ واملﻬﻤﺎز ،وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻳﺼﺒﺢ ً ذﻟﻮﻻ وﻳ َُﻘﺎد إﱃ إﺳﻄﺒﻞ اﻟﺪار وﻳﻈ ﱡﻞ أﻳﺎﻣً ﺎ ﻻ ﻳﺄﻛﻞ ﻗ ﱡ ﻂ ،وﻗﺪ ﻳُﻌَ ﺎد ذاك اﻟﺪرس اﻟﻘﺎﳼ ﻣﺮﺗني أو ﺛﻼﺛًﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺘ ﱠﻢ اﺳﺘﺌﻨﺎﺳﻪ. ً وﻣﻦ ﻋﺎداﺗﻬﻢ أن اﻹﻧﺎث ﻣﻦ اﻟﺨﻴﻞ ﻳﺠﺐ اﺣﱰاﻣﻬﺎ ،ﻓﻼ ﺗُﺮ َﻛﺐ وﻻ ﺗُ ﱠ ﻣﻄﻠﻘﺎ؛ ﺴﺨﺮ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻠﺪ اﻟﺠﻴﺎد .وﻣﻦ أﻟﻌﺎﺑﻬﻢ ﺑﺎﻟﺨﻴﻞ »املﺼﺎدرة« وﻓﻴﻬﺎ ﻳﻘﻒ ﻓﺎرﺳﺎن ﻣﺘﻘﺎﺑﻠني ،ﺛﻢ ﺑﻌﻨﻒ وﻳﴬب ﻛ ﱞﻞ ﺑﺼﺪره إﱃ ﺻﺪر َ ٍ اﻵﺧﺮ ،وﻳﻌﺎد ذﻟﻚ ﻣﺮات ﻳﻬﻤﺰان اﻟﻔﺮﺳني وﻳﻬﺠﻤﺎن ﺣﺘﻰ ﻳﺴﻘﻂ أﺣﺪ اﻟﻔﺎرﺳني إﱃ اﻷرض .ﺛﻢ ﻟﻌﺒﺔ »اﻟﺤﴩ« وﻓﻴﻬﺎ ﻳﻘﻒ اﻟﺨﻴﺎﻟﺔ ﻣﺘﺠﺎورﻳﻦ، ﻣﺤﺎو ًﻻ ﻛ ﱞﻞ أن ﻳﻌﻄﻞ ﺳري َ اﻵﺧﺮ ﺣﺘﻰ وﺟﺴﻮم ﺧﻴﻮﻟﻬﻢ ﻣﺘﻼﺻﻘﺔ ،ﺛﻢ ﻳﻬﻤﺰوﻧﻬﺎ ﻓﺘﺠﺮي ِ ﻳﻘﺎرﺑﻮا اﻟﺒﺎب واﻟﺬي ﻳﺪﺧﻠﻪ ﻳﻔﻮز .ﺛﻢ ﻟﻌﺒﺔ ﺗﺨ ﱢ ﺑﺎب ﻄﻲ اﻟﻌﻮاﺋﻖ ،وﻓﻴﻬﺎ ﻳﺠﺮي اﻟﻔﺎرس إﱃ ٍ أُﻗﻔِ َﻞ ﺑﺎﻟﻌﻮارض اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ إﱃ ﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﺼﺎن ،ﻓﺈذا ﻗﺎ َربَ اﻟﻌﺎرﺿﺔ ﱠ ﻟﻒ اﻟ ﱠﺮﺟُ ﻞ ﻧﻔﺴﻪ ودار ﺗﺤﺖ ﺑﻄﻦ اﻟﻔﺮس ،ﺛﻢ دﺧﻞ اﻟﺒﺎب وﻋﺎد إﱃ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻇﻬﺮ اﻟﺠﻮاد دون أن ﻳﱪﺣﻪ أو ﻳﻠﻤﺲ اﻷرض. وﺣﻴﺎة اﻟﺠﻮﻛﺎ ﻣﻮﺣﺸﺔ ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ،ﻻ ﻳﺮى ﺣﻮﻟﻪ ﺷﻴﺌًﺎ وﻻ ﻳﺨﺘﻠﻂ َ ﺑﺂﺧﺮﻳﻦ ﻏري آﻟِﻪ ﻟﺒُﻌْ ﺪ اﻟﺸﻘﺔ ﺑني املﺰرﻋﺔ واﻷﺧﺮى ،ﻟﺬﻟﻚ ﻇ ﱠﻞ ﻣﺘﺄﺧ ًﺮا ﻏري ﻣﺘﻌ ﱢﻠﻢ رﺟﻌﻴٍّﺎ 56
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
رﻳﻒ أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ ﻣﻬﻤﻞ ﻳﺤﻜﻲ رﻳﻒ ﻣﴫ.
ﱡ وأﺧﺺ ﺻﻔﺎﺗﻪ اﻟﻜﺮم واﻟﺨﺮاﻓﺎت واﻟﺨﺪاع وﻋﺎدة ﴍب املﺎﺗﻲ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﺨﺎرج ﺷﻴﺌًﺎ، وﺣﻤﻞ ﺳﻼح اﻟﻼﺳﻮ واﻟﺒﻮﻟﻴﺎدور ً ﻧﻘﻼ ﻋﻦ اﻟﻬﻨﻮد اﻷﺻﻠﻴني ﰲ ﺑﺘﺎﺟﻮﻧﻴﺎ. واﻟﻌﺎدة ﻋﻨﺪ وﻓﺎة املﺎﻟﻚ أن ﻳﻮﴆ ﺑﺜﻠﺚ املﺰرﻋﺔ ﻟﻠﺰوﺟﺔ واﻟﺒﺎﻗﻲ ﻟﻸﺑﻨﺎء ﺑﺎﻟﺘﺴﺎوي ذﻛﻮ ًرا وإﻧﺎﺛًﺎ ،واﻟﻌﻤﱠ ﺎل ﻳﻘﻮﻣﻮن ﻣﺒﻜﺮﻳﻦ زﻫﺎء ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﴩوق ،وﻳﴩﺑﻮن املﺎﺗﻲ ﱠ ﻟﻴﺘﺨريوا ﻣﻜﺎن اﻟﺮﻋﻲ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ،ﺛﻢ ﻳﺴﻮﻗﻮن ﻗﻄﻌﺎﻧﻬﻢ ﺑﺪون ﺳﻜﺮ ،ﺛﻢ ﻳﺮﻛﺒﻮن ﺧﻴﻮﻟﻬﻢ إﻟﻴﻪ وﻳﺮاﻗﺒﻮﻧﻬﺎ ،وﻓﺮﻳﻖ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻜﺒﱢﻞ ﺻﻐﺎر اﻟﺨﻴﻞ ﻟﻴﺬ ﱢﻟﻠﻬﺎ ﻟﻜﻴﻼ ﺗﺮﻓﺲ ﻣﻬﻤﺎ ﻻﻣَ َﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﳾء ،وﰲ اﻟﻀﺤﻰ ﻳﻌﻮد ﻓﺮﻳﻖ إﱃ رب املﺰرﻋﺔ ﻟﻴﺨﱪه ﻋﻦ ﺣﺎل ﻗﻄﻌﺎﻧﻪ ،ﺛﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﻄﻌﺎم ﻟﻺﻓﻄﺎر ،وﰲ اﻟﻈﻬﺮ ﻳﻌﻮدون ﻟﴩب املﺎﺗﻲ وﻟﺘﻨﺎول اﻟﻐﺪاء وﻟﻠﻘﻴﻠﻮﻟﺔ ،Siestaﺛﻢ ﻳﻌﻮدون ً ﻣﻔﱰﺷﺎ ﺑﻌﺾ ﰲ اﻟﻐﺴﻖ ﻟﻴﺄﻛﻠﻮا اﻟﺸﻮاء وﻳﴩﺑﻮا املﺎﺗﻲ ،وﻳﻠﻒ ﻛﻞ ﺟﺴﺪه ﰲ ﺣﺮاﻣﻪ وﻳﻨﺎم اﻟﻔﺮاء اﻟﻐﻔﻞ ،وﻻ ﻳﻐﻔﻠﻮن اﻻﺣﺘﻔﺎء ﺑﻴﻮم »اﻟﺴﺒﺖ« ﻗﻂ ،وﻣَ ﻦ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ﻳﻐﺮم ﻋﴩﻳﻦ ً رﻳﺎﻻ ،وﻓﻴﻪ ﻳﺒﺎح اﻟﻠﻌﺐ واﻟﺴﻜﺮ واملﻘﺎﻣﺮة ،وﻗﺪ ﻳﻨﺎزل اﻟﺸﺒﺎن ﺑﻌﻀﻬﻢ أﻣﺎم اﻟﺠﻤﺎﻫري ،وﻗﺪ 57
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻛﻴﻼ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺒﺢ ً ﻳﺼﺎب اﻟﻜﺜري ﺑﺠﺮوح وﻟﻠﻤﻨﺘﴫ ﺗﻘﺪﻳﺮ اﻟﻐري ،ﻓﻴﻜﻴﻠﻮن ﻟﻪ اﻟﺨﻤﺮ ً ﺛﻤﻼ، ﻓﻼ ﻳﻤﻴﺰ ﰲ اﻟﻨﺰال ﺑني اﻟﺼﺪﻳﻖ واﻟﻌﺪو. ري؛ ﻓﺒﺪل اﻟﴪوال — اﻟﺒﻨﻄﻠﻮن — ﺣِ َﺮام ﻳﻠﻒ ورداء اﻟﺮﻋﺎة اﻟﻜﺎﻣﻞ ﺟﻤﻴﻞ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒ ٍ وﻳﺘﺪﱃ إﱃ اﻟﺮﻛﺒﺘني Chiropàوﻳُﺮﺑَﻂ ﺑﺎﻟﺤﺰام ،وﻳُﻐ ﱠ ﱠ ﻄﻰ اﻟﺴﺎق ﺑﻘﻤﺎش ﻣﻦ ﺣﻮل اﻟﻌﺠﺰ اﻟﻘﻄﻦ أو اﻟﻜﺘﺎن ُز ﱢو َد ﺑﺄﻫﺪاب ﻋﺪة ،ﺛﻢ ﰲ اﻷﻗﺪام اﻷﺣﺬﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻠﺪ اﻟﺨﻴﻞ ،وﻳﺰﻳﱢﻦ اﻟﻌﻘﺐ ﻣﻬﻤﺎز ﺑ ﱠﺮاق ﻟﻪ ﻧﺠﻤﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﺴﻨﱠﻨَﺔ ﺗﻌﻄﻲ رﻧﻴﻨًﺎ ﻋﺎﻟﻴًﺎ إذا ﻣﺎ ﻣﴚ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ، وﺣﻮل اﻟﺼﺪر ﻗﻤﻴﺺ وﺻﺪار ،وﰲ ﺣﺰاﻣﻪ ﻳﺤﻤﻞ وراءه ﺧﻨﺠ ًﺮا ،واﻟﺤﺰام ﻋﺮﻳﺾ وﺑﻪ ﺟﻴﻮب ﻟﺤﻤﻞ اﻟﺜﻘﺎب واﻟﻄﺒﺎق ،وﻗﺪ ﺗﺰﻳﱢﻨﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﻔﻀﻴﺔ أو اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ. واﻟﻨﻘﻞ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﺎت اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺗﺠ ﱡﺮﻫﺎ اﻟﺨﻴﻮل أو اﻟﺜريان ،وﻗﺪ ﻳﺠﺮ اﻟﻌﺮﺑﺔ اﻟﻮاﺣﺪة أرﺑﻌﺔ أزواج ﻣﻦ اﻟﺜريان ﻳﻨﺨﺴﻬﺎ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻌﻜﺎزﺗﻪ املﻠﺘﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ُزوﱢدت ﺑﺄﺳﻨﺎن ﺣﺎدة ،ﻓﺈن أراد أن ﻳُﺪِﻳﺮﻫﺎ ﻳﻤﻴﻨًﺎ َ وﺧ َﺰﻫﺎ ﰲ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ اﻷﻳﻤﻦ ﻓﺘﻨﺤﺪر إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ،وﻻ ﺗﺰال اﻟﻄﺮق املﱰﺑﺔ اﻟﺮدﻳﺌﺔ ﻏري ﻣﻼﺋﻤﺔ ﻟﺴري اﻟﺴﻴﺎرات ،وﺑﺨﺎﺻﺔ إذا ﺳﻘﻂ املﻄﺮ ﻓﺄﺣﺎﻟﻬﺎ ﺑﺮ ًﻛﺎ ﻣﻦ اﻷوﺣﺎل، وﻋﻨﺪ أوﻗﺎت اﻟﺮاﺣﺔ ﺗُﻔ ﱡﻚ اﻟﺪواب وﺗُﻄﻌَ ﻢ ﺛﻢ ﻳُﺬﺑَﺢ ﺣﻴﻮان وﻳُﻘ ﱠ ﻮﺿﻊ اﻟﻘِ َ ﻄﻊ وﺗُ َ ﻄﻊ ﰲ أﺳﻴﺎخ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺗﺪق واﻗﻔﺔ ﻋﲆ اﻷرض وﺗُ َ ُﺨﺮج ﻛ ﱞﻞ ﺧﻨﺠ َﺮه وﻳﻨﻬﺶ ﻮﻗﺪ ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻟﻨريان ،وﻋﻨﺪ اﻷﻛﻞ ﻳ ِ ﻗﻄﻌﺔ ﻟﺤﻢ ﻳﻤﺴﻚ أﺣﺪ ﻃﺮﻓﻴﻬﺎ ﺑﺄﺳﻨﺎﻧﻪ واﻵﺧﺮ ﺑﻴﺪه ،وﺑﻴﺪه اﻷﺧﺮى ﻳﺄﺧﺬ ﺧﻨﺠﺮه وﻳﻘﻄﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﺰءًا ﻳﻠﺘﻬﻤﻪ وﻫﻜﺬا .وﻣﻦ آداب اﻷﻛﻞ ﻣﻊ »اﻟﺠﻮﻛﺎ« ﰲ اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس أن اﻟﻜﻞ ﻳﺄﻛﻠﻮن ﻣﻦ إﻧﺎء واﺣﺪ ،ﻓﻴﻀﻊ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻠﻌﻘﺘﻪ ﰲ وﺳﻄﻪ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﺛﻢ ﻳﺠ ﱡﺮ ﺑﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻹﻧﺎء ﻓﺈن ﺣﺎ َد ً ﰲ اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ،ﺛﻢ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻬﺎْ ، ﻗﻠﻴﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻋُ ﱠﺪ ﺳﻴﺊ اﻷدب ،وﻫﻢ ﻗﺬرون؛ إذ ﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﻳﻐﺘﺴﻠﻮن ﻟﻨﺪرة املﺎء ﺣﻮﻟﻬﻢ. وﻣﻦ ﺣﻴﻮان اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس ﻛﻠﺐ اﻟﱪاري ﰲ ﺣﺠﻢ اﻷرﻧﺐ ،وﻳﺤﻜﻲ اﻟﻀﺒﻊ ﰲ ﺷﻜﻠﻪ وﻟﻮﻧﻪ، وإذا ﻣﺎ ﻫﺪأت اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻘﻴﻠﻮﻟﺔ أو ﰲ املﺴﺎء ﺧﺮج ﻣﻦ أﺟﺤﺎر ﻻ ﺣﴫَ ﻟﻬﺎ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻬﻮل ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻜﻠﺐ ﻗ ﱡ ﻂ ،ﺑﻞ أُﻃﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻪ ذاك اﻻﺳﻢ ﻷﻧﻪ ﻳﻨﺒﺢ ﻧﺒﺎﺣً ﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻧﺒﺎح اﻟﻜﻼب اﻟﺼﻐرية. وﺑﺠﻮار ﻣﻨﺪوزا ﰲ ﻣﺰارﻋﻬﺎ رأﻳﺖ أﺟﺤﺎ ًرا ﻋﺪة ﻳﻘﻄﻨﻬﺎ اﻷرﻣﺎدﻟﻮ Armadilloاملﺪرع، وﻫﻮ ﻗﺎرض ﻋﻠﻴﻪ ﺟﻠﺪ ﻣﺘﺤﺠﺮ ﻛﺎﻟﺴﻠﺤﻔﺎة ،ﻟﻜﻦ ﻟﻪ ﻃﻴﺎت ﺗﻤﻜﻨﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻛﺔ ،وﻓﻤﻪ ﻣﺪﺑﺐ وﻳﺄﻛﻠﻮن ﻟﺤﻤﻪ وﻫﻮ أﺑﻴﺾ ﻧﺎﺻﻊ ،وراﺋﺤﺘﻪ ﺗﺤﻜﻲ راﺋﺤﺔ ﻟﺤﻢ اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ اﻟﺼﻐري ،واﻟﻬﻨﻮد ﻳﻔﺼﻠﻮﻧﻪ ﻧﺼﻔني :أﻋﲆ وأﺳﻔﻞ ،وﻳﻀﻌﻮﻧﻪ ﰲ اﻟﻨﺎر ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻀﺞ وﻳﺄﻛﻠﻮﻧﻪ؛ وﻗﺪرﺗﻬﻢ ﻋﲆ ﺗﻌ ﱡﺮف ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ إن ﺿﻠﻮا اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣُﺪﻫِ ﺸﺔ؛ إذ ﻳﻘﻄﻒ اﻟﻮاﺣﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺸﺐ وﻳﻤﻀﻎ ﺟﺬوره 58
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻓﻘﺮاء اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس ﺣﻔﺎة ﻋﺮاة.
ﻓﻴﻌﺮف ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﻣﻦ املﺎء اﻟﻌﺬب أو املﻠﺢ ،وﻣﻦ ﺣﺮﻛﺎت اﻟﻄري واﻟﻐﺰﻻن واﻟﻼﻣﺎ ﻳﺴﺘﺪﻟﻮن ﻋﲆ ﺟﻬﺔ ﻗﺪوم اﻟﻌﺪو ،وﻣﻦ ﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﱰاب ﻋﲆ ﺑُﻌْ ٍﺪ ﻳﺤﻜﻢ ﻋﲆ ﻋﺪد اﻷﻋﺪاء املﻘﺒﻠني ﻋﻠﻴﻪ ،وﻣﻦ ﺗﺤﻠﻴﻖ ﻃﻴﻮر اﻟﻌﻘﺎب واﻟﺮخ ﻳﺴﺘﻨﺒﻄﻮن ﻣﻜﺎن ﻣﻌﺴﻜﺮ رﺣﻞ ﻋﻨﻪ أﻫﻠﻪ ﻗﺮﻳﺒًﺎ ،أو ﱢ ﻣﺘﻌﺼﺒﻮن دﻳﻨﻴٍّﺎ وﺧﺎﺿﻌﻮن ﻟﻘﺴﺴﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﺪون إﱃ ﻣﻜﺎن ﺟﻴﻔﺔ ﻟﺤﻴﻮان ُﻗﺘِﻞ ،وﻫﻢ ﺗﻤﺜﺎل املﺴﻴﺢ ﰲ ﻣﻮﺳﻢ ﺧﺎص وﻳﺼﻠﺒﻮﻧﻪ ،واﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ ﻳﻨﺪﺑﻮن وﻳﻠﻄﻤﻮن ﺻﺪورﻫﻢ، واﻟﻨﺴﺎء ﻳﻜﺜﺮون ﻣﻦ اﻋﱰاﻓﺎﺗﻬﻦ ﺑﺎﻟﺬﻧﻮب ﻟﻠﻘﺴﺲ ﻛﻞ ﻳﻮم. ﺑﺘﻨﺎ ﻟﻴﻠﺘﻨﺎ ﰲ اﻟﻘﻄﺎر وﰲ ﺑﺎﻛﻮرة اﻟﺼﺒﺎح أﺑﴫﻧﺎ ﺑﻤﻨﺎﺑﺖ ﻓﺴﻴﺤﺔ ﻟﻠﻜﺮوم ،وﻛﺜري ﻣﻦ ﺷﺠﺮ اﻟﺼﻔﺼﺎف واﻟﺤﻮر ،poplarوﻋﻨﺪ اﻷﻓﻖ اﻟﻐﺮﺑﻲ رأﻳﻨﺎ ﻣﺮﺗﻔﻌﺎت اﻷﻧﺪﻳﺰ اﻟﺮاﺋﻌﺔ، ً زﻟﺰاﻻ ﻋﺎﺗﻴًﺎ دﻣﱠ ﺮﻫﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﺳﻨﺔ ١٨٦١ وﻗﺪ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﻣﻨﺪوزا ﰲ ﺣﺠﺮﻫﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺔ ١٥٦١ﻟﻜﻦ 59
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﺠﻮﻛﺎ ﺣﻮل ﺷﻮاء ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ ﺑﺠﻠﺪه.
ﻓﺄُﻋِ ﻴﺪ ﺑﻨﺎؤﻫﺎ ،وﻫﻲ ﺗﻀﻢ اﻟﻴﻮم ﻓﻮق ﻣﺎﺋﺘَ ْﻲ أﻟﻒ ﻧﻔﺲ .دﺧﻠﻨﺎ اﻟﺒﻠﺪة ﺑﻌﺪ ﺳﻔﺮ ﻋﴩﻳﻦ ً ً ُ ﻛﺎﻣﻼ ﻓﺒﺪ ْ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺤﻠﻮان َت ﺟﺒﺖ أرﺟﺎءﻫﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺳﺎﻋﺔ ،وﻧﺰﻟﺘﻬﺎ ﰲ أوﺗﻴﻞ Plazاﻟﻔﺎﺧﺮ ،ﺛﻢ ﰲ أﺑﻨﻴﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺪو اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﻮاﺣﺪ ،ﻏري أن ﺷﻮارﻋﻬﺎ ﻣﺤﻔﻮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺸﺠﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ً ﻳﺎﺑﺴﺎ ورﻗﻪ ﻣﻤﺎ أﻧﻘﺺ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﻋﲆ ﺟﺎﻧﺒَﻲ اﻟﻄﺮق إزاء اﻹﻃﺎرﻳﻦ ﻣﺠﺎري ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ ﱠ ﻳﺘﺪﻓﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎء ﻋَ ﻜِﺮ ﻳﻔﺪ ﻣﻦ أﻋﺎﱄ ﺟﺒﺎل اﻷﻧﺪﻳﺰ وﻳﺴﺘﻤﺪ اﻟﻘﻮم ﻣﻨﻪ ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ ،ﻓﺄذﻛﺮﻧﻲ ذﻟﻚ ﺑﻄﻬﺮان وﺳﺎﺋﺮ ﺑﻼد ﻓﺎرس ،إﻻ أن اﻟﻘﻮم ﻫﻨﺎ ﻻ ﻳﴩﺑﻮن ﻣﻦ ذﻟﻚ املﺎء ﻗﺒﻞ ﺗﻘﻄريه .وأﺟﻤﻞ ﺷﻮارع اﻟﺒﻠﺪة »ﺳﺎن ﻣﺎرﺗني« وﻓﻴﻪ ﻏﺎﻟﺐ املﺘﺎﺟﺮ اﻟﻜﺒرية ،وﺧري ﻣﺘﻨﺰﻫﺎت اﻟﺒﻠﺪة »ﻣﺘﻨﺰه ﺳﺎن ﻣﺮﺗني« اﻟﻔﺎﺧﺮ ،دﺧﻠﻨﺎه ﻣﻦ ﺑﺎب ﺣﺪﻳﺪي ﺛﻘﻴﻞ ُ ﻃ ِﲇ ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻟﺬﻫﺒﻲ وﺷﻤﻞ ﺑﺎﺑًﺎ وﺳ ً ﻄﺎ آﺧ َﺮﻳْﻦ ﻟﻠﺴﻴﺎرات ،وﻋﲆ ﺟﺎ ِﻧﺒ َْﻲ ﻫﺬﻳﻦ َ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺒَﻴْﻪ َ آﺧ َﺮﻳْﻦ ﻟﻠﻤﺎرة ،وﻣﻨﻈﺮه ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻔﺨﺎﻣﺔ، وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻪ ﻗﺪ ﺻﻨﻊ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﻟﺴﻠﻄﺎن ﺗﺮﻛﻴﺎ ،ﻟﻜﻦ ملﺎ داﻟﺖ دوﻟﺘﻪ ﴍﺗﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪة، أﻣﺎ »اﻟﺒﺎرك« ﻣﻦ داﺧﻠﻪ ﻓﺠﻨﺔ ٍّ ﺣﻘﺎ وﻫﻮ ﻣﻔﺨﺮة ملﻨﺪوزا؛ إذ ﻳﻨﺪر وﺟﻮد ﻣﺜﺎﻟﻪ ﺑﻄﺮﻗﺎﺗﻪ 60
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،ﻳﺤﻔﻬﺎ اﻟﺸﺠﺮ اﻟﺒﺎﺳﻖ وﻧﺎﻓﻮراﺗﻪ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ وﺟﻮاﺳﻘﻪ املﻨﺴﻘﺔ واﻣﺘﺪاده اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻲ، وﰲ داﺧﻠﻪ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺤﻴﻮان وﻣﺴﺘﺸﻔﻰ اﻷﻃﻔﺎل. ري ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻌﻮز؛ ﻓﺎملﺘﺴﻮﻟﻮن ﻛﺜريون وﻻ ﺗﻤ ﱡﺮ ﺑﺠﺎﻧﺐ أﻣﺎ أﻫﻞ اﻟﺒﻠﺪة ﻓﻴﺒﺪو ﻋﲆ ﻛﺜ ٍ ﻣﺴﺎﺣِ ﻲ اﻷﺣﺬﻳﺔ ﰲ أﺷﻜﺎﻟﻬﻢ َ ﺷﺎرع دون أن ﺗﺮى ﺟﻤﻬﺮة ﻣﻦ ﱠ اﻟﻘﺬِرة .أﻣﺎ ﻧﻈﺎم اﻷﺑﻨﻴﺔ ﻓﻜﺘﻞ ﻣﻨﻤﺮة ﻋﲆ ﻧﻈﺎم ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﻻ ﻳﻌﻠﻮ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻦ ﻃﺒﻘﺔ واﺣﺪة إﻻ اﻟﻨﺎدر، وملﻨﺪوزا ﺷﻬﺮة ﺑﺎﻟﻨﺒﻴﺬ اﻷﺣﻤﺮ ﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﻳﺤﻮط ﻣﻨﺤﺪراﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﺮوم؛ ﻓﻬﻲ ﺗﻌﴫ ﰲ اﻟﻌﺎم أرﺑﻌﺔ ﻣﻼﻳني »ﺑﺮﻣﻴﻞ« ،ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻜﺜﺮ ﻣﻨﺎﺑﺖ اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ واﻟﺰﻫﻮر اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ اﻟﺘﻲ أﻛﺴﺒﺘﻬﺎ اﺳﻢ »ﺟﻨﺔ اﻷﻧﺪﻳﺰ« ،وﻳﻌﺪﻫﺎ اﻟﻘﻮم أﺟﻤﻞ ﺑﻼد اﻷرﺟﻨﺘني ﺑﻌﺪ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮسْ ، وإن ﺑَﺪَا ﱄ ﰲ ذﻟﻚ ﺑﻌﺾ املﻐﺎﻻة ،وﻳﻜﺜﺮ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻧﺒﺎت املﺎﺗﻲ اﻟﺬي ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﺷﺠﺮه وﻛﺄﻧﻪ ﺷﺠﺮ اﻟﱪﺗﻘﺎل ً ﻄﻒ أوراﻗﻪ وﺗُﻘﻄﻊ ﺑﻌﺾ ﻓﺮوﻋﻬﺎ وﺗُ ﱠ ﻗﻠﻴﻼ وورﻗﻪ أرق ،ﺗُﻘ َ وورﻗﺎ ،إﻻ أﻧﻪ أﻛﱪ ً ً ﺠﻔﻒ ﺷﻜﻼ ﺑﺈﺷﻌﺎل اﻟﻨريان ﺣﻮل ﻛﻮﻣﺎت ﻣﻨﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ ٢٤ﺳﺎﻋﺔ ﻳ َ ُﻀﻐﻂ وﺗُﺸﺤَ ﻦ اﻷوراق إﱃ املﺰرﻋﺔ ً ﺣﻴﺚ ﺗُ َ ﺛﺎﻧﻴﺔ وﺗُﺸﺤَ ﻦ ،واﻟﻨﺒﺎت ﰲ ﻧﺠﻮة ﻣﻦ اﻵﻓﺎت ﺟﻤﻴﻌً ﺎ وﻣﻦ اﻟﺠﺮاد ،وﻗﻴﻞ ﻟﻨﺎ إﻧﻪ ﻀﻐﻂ ﻳُﺰ َرع ﰲ ﻣﺴﺎﺣﺎت ﺷﺎﺳﻌﺔ ﰲ ﺷﻤﺎل أرﺟﻨﺘني ،أﻣﺎ ﰲ ﺟﻨﻮب اﻟﱪازﻳﻞ ﻓﻴﻨﻤﻮ ﺑﺮﻳٍّﺎ ﻓﻄﺮﻳﱠﺎ، وﻛﻠﻤﺔ ﻣﺎﺗﻲ ﺗﺪل ﻋﲆ اﻹﻧﺎء اﻟﺬي ﻳﴩب ﻣﻨﻪ ،وﻫﻮ ﺷﺒﻪ ﺟﻮزة أو ﻗﺮﻋﺔ ﺑﻴﻀﺎء ﻳﺤﺘﺴﻴﻪ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺄﻧﺒﻮﺑﺔ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ bombillaﰲ أﺳﻔﻠﻬﺎ ﻣﺼﻔﺎة ﻣﺨﺮﻣﺔ ﻣﻨﺘﻔﺨﺔ ،وﻫﺬا اﻟﴩاب ﻫﻮ اﻟﺬي أﻧﻘﺬ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻣﻦ وﻳﻼت اﻟﺨﻤﻮر ،وﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ ﻣﺎدة أزوﺗﻴﺔ »ﻧﻴﱰوﺟﻴﻨﻴﺔ« ﻣﻐﺬﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﻣﻨﻘﺬة ﺿﺪ املﺮض ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ،وﻫﻲ ﻻ ﺗﺠﻬﺪ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻬﻀﻤﻲ ﻗ ﱡ ﻂ، وﺑﻬﺎ ﻣﺎدة ﻣﺨﺎﻃﻴﺔ ﺗﻠﻄﻒ اﻟﻐﺸﺎء املﺨﺎﻃﻲ ﻟﻠﺒﻠﻌﻮم ،وﻟﻪ ﺗﺄﺛري ﻣﺪﻫﺶ ﰲ إﻧﻌﺎش اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻬﻤﴤ. ً ُ ﻗﻤﺖ أﻏﺎدر ﺑﻼد اﻷرﺟﻨﺘني ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ أﺛﺎ َر ْت ﰲ ﻧﻔﴘ آﻻﻣً ﺎ ﺟﻤﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ذﻛﺮت ﺑﻼدﻧﺎ اﻷﺳﻴﻔﺔ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ،وﻛﻼﻧﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﻨﺒﺖ اﻷرض ،وﺗﺜﻘﻠﻪ اﻷﻣﻮال اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،ﻓﻠﻸﺟﺎﻧﺐ ﻫﻨﺎك ﻓﻮق ٨٠٠ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ ﺗُﻮ ﱠ ﻇﻒ ﰲ ﻣﺨﺘﻠﻒ املﴩوﻋﺎت ،وﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﺮﻳﻔﻴﺔ ﺗﺤﻜﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ً ﻓﻄﺮﻳﺔ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻌﺰﺗﻬﻢ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺤﺪ، ﰲ ﺳﺬاﺟﺘﻬﺎ وﺑﻘﺎﺋﻬﺎ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ ورﻗﺎﺑﺘﻬﻢ ﻋﲆ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻧﺘﺎج واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻣﺴﺘﻮى اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻛﺒري ،وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺰال ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻳُﺮﺛَﻰ ﻟﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻻ ﺷ ﱠﻚ ﻣﻦ أﺛﺮ اﻟﻴﺪ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻏري املﺨﻠﺼﺔ، ﻓﻬﻲ ﻫﻨﺎ ﺗُ ِ ﻔﺴﺪ ﻛﻞ ﳾء ،أﻣﺎ ﻫﻨﺎك ﻓﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﺘﴩﻳﻊ اﻟﺒﻼد ﺧﻀﻮﻋً ﺎ ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ،واﻟﻌﺠﻴﺐ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺨﺸﻮن زﻳﺎدة اﻟﻨﺰﻻء ﻣﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﺳﻨﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ،ﻻ ﺑﻞ ﻳﺴﺎﻋﺪون ذﻟﻚ وﻳﺮﻏﺒﻮن اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻋﲆ اﻟﺘﻮ ﱡ ﻃﻦ ﰲ ﺑﻼدﻫﻢ ،ﻓﻘﺎﻧﻮﻧﻬﺎ ﻳﺬﻟﻞ اﻟﻬﺠﺮة ﻟﻠﻤﺰارﻋني واﻟﻌﻤﱠ ﺎل ﻣﻤﱠ ﻦ ﻫﻢ دون ٦٠ﺳﻨﺔ 61
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺗﺮوﻳﺾ اﻟﺨﻴﻞ اﻟﱪﻳﺔ اﻟﺠﺎﻣﺤﺔ ﰲ اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس.
ﰲ اﻟﻌﻤﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻌِ ﱡﺪ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻨﺰﻻء ﻣﻘﺎﻣً ﺎ وﺗﻤﻮﱢﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﻐﺬاء ملﺪة اﻟﺨﻤﺴﺔ أﻳﺎم اﻷوﱃ ،وﻻ ُﻌﻔﻰ ﻣﺘﺎﻋﻬﻢ ﻣﻦ ﴐاﺋﺐ اﻟﺠﻤﺎرك ،وﻳ َ ﻳﺰال ﻧ ُ ُﺰل املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻳﺌﻮي ٤٠٠٠ﻧﻔﺲ ،وﻳ َ ُﻨﻘﻞ املﻬﺎﺟﺮ وﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﺑﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻣﺠﺎﻧًﺎ إﱃ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪ املﻘﺎم ﻓﻴﻬﺎ ،وﺗُﻌﺎ َﻟﺞ أﻣﺮاﺿﻪ ﻋﲆ ﺣﺴﺎب اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ُﻗﻴﱢ َﺪ اﻟﻴﻮم ﻟﻜﺜﺮة اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﰲ اﻟﺒﻼد ،وﻻ ﺑﺪ ﻟﻠﻤﻬﺎﺟﺮ أن ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻘﺪًا ﻳﻀﻤﻦ ﻟﻪ اﻟﻌﻤﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺬﻟﻞ ﻟﻪ اﻟﺪﺧﻮل. وﻣﻦ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﺒﻼد ﻧﺤﻮ ٣٨٤ﻣﻠﻴﻮن إﻳﻜﺮ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻠﺰرع واﻟﺮﻋﻲ ،وذﻟﻚ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻤﻮﱢن ﻣﺎﺋﺔ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وﻻ ﺗﺰال ﴍوط اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻷراﴈ ﺳﻬﻠﺔ ﺟﺪٍّا ﻋﲆ أن اﻷرض ﻛﻠﻤﺎ ﻗﺎرﺑ َِﺖ اﻟﻌﻤﺮان ﻛﺎﻧﺖ أﺛﻤﺎﻧﻬﺎ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ،ﻓﺈﱃ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﻴﻞ ﻣﻦ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ﻳﺒﺎع اﻹﻳﻜﺮ ﺑﻨﺤﻮ ١٥ﺟﻨﻴﻬً ﺎ ،وﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ً ٢٥٠ ﻣﻴﻼ ﺑﻨﺤﻮ ٨ﺟﻨﻴﻬﺎت ،وﰲ اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس ﺑني ﺟﻨﻴﻪ وﺛﻼﺛﺔ ،وﻟﻠﺪوﻟﺔ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷرض ﺗﺒﻴﻌﻬﺎ ﺑﺄﻗﺴﺎط ﻏﺎﻳﺔ ﰲ اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ،وﻻ ﺗﺰال املﻠﻜﻴﺔ ﻛﺒرية؛ إذ ﱢ ﻳﻔﻀﻞ اﻟﻨﺎس أن ﻳﺸﺎﻃﺮ املﺰارع املﺎﻟﻚ ﰲ اﻹﻧﺘﺎج ،وﻳﻘﻮل اﻟﻜﺜري إن اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ ﺣﺎن ﻟﴬورة ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻀﻴﺎع اﻟﻜﺒرية إﱃ إﻗﻄﺎﻋﺎت ﺻﻐرية ﻟﻴﺨﺪﻣﻬﺎ ﺻﻐﺎر ﱠ املﻼك ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺐ، وﻏﺎﻟﺐ ﴍﻛﺎت ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺗﻤﺘﻠﻚ اﻷراﴈ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻘﻬﺎ وﺗﺴﻬﻞ ﺑﻴﻌﻬﺎ وﺗﻮﻃﻨﻬﺎ َملﻦ أراد، وﻗﺪ ﺗﻘﺪﱢم ﻟﺒﻌﻀﻬﻢ اﻟﻘﺮوض ﻟﺘﻌﺎوﻧﻬﻢ ﻋﲆ اﻹﻧﺘﺎج .ﻋﲆ أن ﻧﻔﻘﺔ املﻌﻴﺸﺔ ﰲ أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ ﻏﺎﻟﻴﺔ ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﻌﻤﻮم.
62
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻳﺼﻴﺪون اﻟﻨﻌﺎم واﻟﺨﻴﻮل ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﺒﺎل املﻌﻘﺪة ﰲ اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس.
ﻋﱪ اﻷﻧﺪﻳﺰ اﻟﺮاﺋﻌﺔ ً ﺧﻴﺎﻻ ﺑﻌﻴﺪ املﻨﺎل ،أن أﻋﱪ ﺟﺒﺎل اﻷﻧﺪﻳﺰ ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ أﺣﻼﻣﻲ اﻟﺘﻲ ﺧﻠﺘﻬﺎ ﻣﻨﺬ أﻣﺪ ﺑﻌﻴﺪ وأﻣﺘﻊ اﻟﻨﻈﺮ ﺑﻤﺸﻬﺪ »أﻛﻮﻧﻜﺎﺟﻮا« ﺛﺎﻧﻴ ِﺔ ذُ َرى اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻠﻮٍّا ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺎودﻧﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻨﻴﺔ ﺳﻨﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ،ﺣﺘﻰ ﺷﺎءت املﻘﺎدﻳﺮ ﻓﺤﻘﻘﺖ ﱄ ذاك اﻷﻣﻞ ﰲ اﻟﺼﻴﻒ املﺎﴈ ،وﻛﻢ ﻛﺜﺮت 63
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻷراﺟﻴﻒ وأﻧﺎ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ اﻟﺒﺎﺧﺮة إﱃ »اﻷرﺟﻨﺘني« ﺑﺄن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻌ ﱠ ﻄﻞ وﻟﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﻋﺒﻮره ُ ﻗﺼﺪت ﻋﲆ اﻟﻔﻮر دا ًرا ﻟﻠﺴﻴﺎﺣﺔ ﻣﺴﺘﻌﻠﻤً ﺎ، اﻟﻴﻮم ،وﻣﺎ ﻛﺪت أﺻﻞ إﱃ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ﺣﺘﻰ ﻓﻘﻴﻞ ﱄ إن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻌ ﱠ ﻄﻞ ﻋﲆ أﺛﺮ اﻟﺴﻴﻮل واﻟﺜﻠﻮج اﻟﺘﻲ اﺟﺘﺎﺣﺖ ﻣﻨﻪ اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ً ﻣﻴﻼ ﺑﻘﻄﺮﻫﺎ وﻣﺤﺎﻃﻬﺎ وﻗﻨﺎﻃﺮﻫﺎ ،وﻟﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﻋﺒﻮره ﰲ ذاك اﻟﺠﺰء إﻻ ﻋﲆ ﻣﺘﻮن اﻟﺒﻐﺎل املﻤﻀﺔ وﺳﻂ اﻟﺴﻬﻮل اﻟﺮﻫﻴﺒﺔ ﻣﺪى أﺳﺒﻮع ،ﻓﺄﺧﺬﺗﻨﻲ اﻟﺪﻫﺸﺔ وﻛﺎد ﻳﺘﻄﺮق اﻟﻴﺄس إﱄ ﱠ ،ﻟﻜﻨﻨﻲ ُ ﻋﺪت ﻓﺎﻋﺘﺰﻣﺖ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ أﺣﺮم رؤﻳﺔ ﻣﺠﺎﻫﻞ اﻷﻧﺪﻳﺰ اﻟﺮﻫﻴﺒﺔ ،وﺑﻌﺪ ْ ي ﻣﺎ ﻗﺒ َﻠ ْﺖ ﴍﻛﺔ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ أن ﺗﺒﻴﻌﻨﻲ اﻟﺘﺬﻛﺮة ،وﻗﺪ اﺷﱰ َ ﻃ ْﺖ ﱠأﻻ ﺗﺘﺤﻤﱠ ﻞ أﻳﺔ ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ َﻷ ٍ إذا ﺣﺪث ﱄ ﺣﺎدث ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﻛﻢ ﴎح اﻟﺨﻴﺎل ﰲ ﺗﻠﻚ املﺠﺎﻫﻞ ﺑﻘﻴﺔ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ وﻃﻴﻠﺔ ً ﻣﺨﻴﻔﺎ ،وﻃﻮ ًرا ﻳﴤء اﻷﻣﻞ ﻓﺘﺒﺪو اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻧﺎﺟﺤﺔ ﺷﺎﺋﻘﺔ. اﻷﺣﺪ ،ﻓﻜﺎن ﺗﺎر ًة ﻳﺒﺪو اﻷﻣﺮ ﻗﺎﺗﻤً ﺎ ُ ﻗﺼﺪت دار اﻟﴩﻛﺔ ﺻﺒﺎح اﻻﺛﻨني ﻷﺗﺴ ﱠﻠﻢ اﻟﺘﺬﻛﺮة ،وﻣﺎ ﻛﺎد ﻳﺮاﻧﻲ اﻟﺮﺟﻞ ﺣﺘﻰ ﺻﺎح ﺑﺎﺳﻤً ﺎ ْ أن ﻗﺪ ُﻓﺘِﺢ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻷول ﻣﺮة ،وأﻧﻲ ﺳﺄﻋﱪ املﻨﻄﻘﺔ املﻨﻬﺎرة ﻋﲆ اﻟﺴﻴﺎرات املﺮﻳﺤﺔ ﺑﺪل اﻟﺒﻐﺎل َ اﻟﺨ ِﻄﺮة ،وذاك أول ﻳﻮم ﻳُﺴﺘﺄﻧَﻒ ﻓﻴﻪ اﻟﺴﻔﺮ املﺄﻣﻮن ﺑﻌﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ ﻋﺎم، وﻣﻦ اﻟﻌﺠﻴﺐ أﻧﻲ ﻟﻢ أﻗﺎﺑﻞ ذاك اﻟﻨﺒﺄ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﺮح واﻟﺒﻬﺠﺔ؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﻔﺲ ﺗﻄﻤﺢ إﱃ رﻛﻮب اﻟﺒﻐﺎل وﺳﻂ اﻟﺜﻠﻮج ،ﻓﺘﻜﻮن ﻣﺨﺎ َ ُ اﺑﺘﻌﺖ اﻟﺘﺬﻛﺮة ﻃ َﺮة ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ. ُ ودﻓﻌﺖ زﻫﺎء ﺳﺘﺔ ﻋﴩ ﺟﻨﻴﻬً ﺎ ﻣﴫﻳٍّﺎ ﺛﻤﻨًﺎ ﻟﻬﺎ. إﱃ ﺳﺎﻧﺘﻴﺎﺟﻮ ﻗﻤﻨﺎ ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎرة ﻧﱪح ﻣﻨﺪوزا ﺻﻮب ﺟﺒﺎل اﻷﻧﺪﻳﺰ ،وﻣﺎ ﻛﺪﻧﺎ ﻧﻐﺎدر ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺒﻠﺪة ﺣﺘﻰ أوﻏﻠﻨﺎ ﰲ ﺳﻬﻮل ﺷﺒﻪ ﺻﺤﺮاوﻳﺔ ﻳﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﺤﴡ وﺗﺘﺨﻠﻠﻬﺎ أﻋﺸﺎب وﺷﺠريات ﻗﺼرية ﺷﺎﺋﻜﺔ ﻳﺎﺑﺴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮم ﺟﺒﺎل اﻷﻧﺪﻳﺰ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﰲ ﺻﻔﺤﺔ ﻗﺎﺗﻤﺔ ﻣﻨﻔﺮة ﻋﺮﻳﺖ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﺖ ،وﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺴري ﺻﻌﺪًا ﻋﲆ ﻟﻴ ِ ﱠﺎت أﺣ ِﺪ ودﻳﺎﻧﻬﺎ اﻟﻐﺎﺋﺮة اﻟﺠﺎﻓﺔ ﺣﺘﻰ ﻓﺎﺟﺄﻧﺎ ﺷﺒﻪ ﺳﻬﻞ ﰲ وﺳﻂ اﻟﺠﺒﺎل ﺑﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺰرع واﻟﺸﺠﺮ اﻷﺧﴬ ،ﻓﺒﺪا ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻮاﺣﺔ وﺳﻂ اﻟﺼﺤﺮاء ،وﺗﻠﻚ ﻣﺤﻄﺔ »أﺳﺒﺎﻳﺎﺗﺎ ،«Uspallataوﻫﻨﺎ ﺑﺪت اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻌﺎﺗﻴﺔ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﺜﻠﻮج املﴩﻗﺔ ﻳﺴﻴﻞ ﻣﺎؤﻫﺎ ﰲ وادٍ ﺿﻴﻖ ،ﺟﻮاﻧﺒﻪ ﻣﴩﻓﺔ ﻋﺎﺗﻴﺔ ﻣﺠﺪﺑﺔ ،وﻳﺠﺮي ﰲ أﺳﻔﻠﻪ ﻣﺎء ﺷﺤﻴﺢ — وﻫﻮ ﻧﻬﺮ ﻣﻨﺪوزا — وﻫﺬا ﻣﻤﺮ أﺳﺒﺎﻳﺎﺗﺎ اﻟﺬي ﺳﻠﻜﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺬ ﺣ ﱠﻞ أﻣﺮﻳﻜﺎ ً ﻣﺨﱰﻗﺎ ﺑﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺎل ،وملﺎ ﺟﺎء اﻹﺳﺒﺎن اﺗﺨﺬوه ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ ﻋﲆ ﻣﺘﻮن ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺒﺎﺋﺪة اﻟﺒﻐﺎل ﺛﻼﺛﺔ ﻗﺮون ،ﺣﺘﻰ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،وﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﻗﻨﻄﺮة ﺻﻐرية ﻣﺤﺪﺑﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ،وﻻ ﻳﺰال ﻳﺴﻤﱢ ﻴﻪ اﻟﻘﻮم Andes Camina de Losأي ﻃﺮﻳﻖ اﻷﻧﺪﻳﺰ ،ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺧﺬت اﻟﺴﻴﺎرة ﺗﺼﻌﺪ ﰲ ﻣﻨﻌﻄﻔﺎت وﻋﺮة دوﻧﻬﺎ ﻫﻮًى ﺳﺤﻴﻘﺔ ،وأﻣﺎﻣﻬﺎ ﻧﺠﺎد ﺷﺎﻫﻘﺔ ﺗﺠﻠﻠﻬﺎ اﻟﺜﻠﻮج اﻟﻨﺎﺻﻌﺔ ﰲ ﻣﺸﻬﺪ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﺎﻷﻟﺒﺎب ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﻠﻤﺢ ﻋﲆ 64
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺑُﻌْ ٍﺪ ﺟﻮاﻧﺎﻛﻮ ﻳﴪع ﺑﺎﻟﻬﺮوب ﺑﻤﺠﺮد إﺣﺴﺎﺳﻪ ﺑﻨﺎ وﻫﻮ ﻛﺎﻟﻼﻣﺎ ﻣﻦ ﻓﺼﻴﻠﺔ اﻟﺠﻤﻞ ،وﺑﻌﺪ ﻣﺴرية ﺳﺖ ﺳﺎﻋﺎت ﺑﺴﻴﺎراﺗﻨﺎ وﺻﻠﻨﺎ ﻣﺤﻄﺔ »ﻻس ﻓﺎﻛﺎس« ،وﻛﻨﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻓﻠﻮل اﻟﻘﻀﺒﺎن واﻟﻘﻨﺎﻃﺮ ﻣﻬﺸﻤﺔ أﻳﻤﺎ ﺗﻬﺸﻴﻢ. وﻗﻔﻨﺎ ﻧﻨﺘﻈﺮ اﻟﻘﻄﺎر واﻟﺮﻳﺢ ﻋﺎﺻﻔﺔ واﻟﱪد ﻗﺎرس زﻣﻬﺮﻳﺮ ،وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ﻗﻤﺔ Tupungatoﺑﻬﺎﻣﺘﻬﺎ املﺪﺑﺒﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﻋﲆ ذُ َرى اﻷﻧﺪﻳﺰ؛ إذ ﻳﺒﻠﻎ ﻋﻠﻮﻫﺎ ٢٢١٣٦ ﻗﺪﻣً ﺎ. ً أﻗﺒﻞ اﻟﻘﻄﺎر وﻛﺎن ﻣﻘﺪﻣﻪ ﻣﻐ ً وﺳﻘﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻴﺪ اﻟﻨﺎﺻﻊ، ﻄﻰ ﺑﺎﻟﺜﻠﻮج ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺤﻤﻞ وﺣﻠﻠﺖ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﱃ وﻫﻲ ﺗﻘﺎرب اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ ،وﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻘﻄﺎر ﺳﻮى ُ ﻓﻠﺠﺄت ﻓﻮ ًرا إﱃ درﺟﺘني ،وﻛﺎن ﻗﺪ أﻣَ ﱠﻀﻨﻲ اﻟﺠﻮع؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻬﺮ، ﻋﺮﺑﺔ اﻟﻄﻌﺎم وﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﻐﺪاء اﻟﺸﻬﻲ اﻟﺠﻴﺪ ،وﻛﺎن ﺛﻤﻨﻪ زﻫﻴﺪًا ﻻ ﻳﺠﺎوز ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻗﺮوش، وذﻟﻚ ﻣﻦ أﺛﺮ اﻟﺮﺧﺺ اﻟﺬي ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺴﻤﻊ ﻋﻨﻪ ﰲ ﺑﻼد ﺷﻴﲇ .وﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﻌﺎم ﻓﺎﺟﺄﻧﺎ ﻣﻨﻈﺮ ﻏﺮﻳﺐ؛ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ أﺳﻨﺎن اﻟﺼﺨﺮ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻮق ﺑﻌﺾ ﺗﺘﻮﺟﻬﺎ ﺻﺨﺮة ﻛﺒرية ﺣﺎﻛﺖ اﻟﺪﻳﺮ ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ،واﻷﺳﻨﺎن ﺷﺎﺑﻬﺖ اﻟﺮﻫﺒﺎن اﻟﺼﺎﻋﺪﻳﻦ إﻟﻴﻪ ،وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﻮم اﺳﻢ ،Penitentesﺛﻢ وﻗﻒ ﺑﻨﺎ اﻟﻘﻄﺎر ﰲ ﻣﺤﻄﺔ »ﺑﻮﻧﺘﺎدل إﻧﻜﺎس« وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﺟﴪ اﻷﻧﻜﺎ ،ﻓﻨﺰﻟﻨﺎ ﴎاﻋً ﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺠﴪ اﻟﻌﺠﻴﺐ ،ﻓﺈذا ﺑﻪ ﺻﺨﺮة ﻣﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﺠﻮاﻧﺐ ،ﺗﺤﺘﻬﺎ وادٍ ﻓﺴﻴﺢ ﻳﺠﺮي ﺑﻪ ﻣﺎء ،ﺑﻌﻀﻪ ﻣﺴﺘﻤَ ﺪ ﻣﻦ ﻋﻴﻮن ﺣﺎرة ﻋﻈﻴﻤﺔ اﻟﻨﻔﻊ ﰲ اﻻﺳﺘﺸﻔﺎء ،واﻟﺠﴪ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻋﻈﻴﻢ اﻻﺗﺴﺎع ،ﻳﻤﻜﻦ ﺛﻼث ﻋﺮﺑﺎت ﻣﺘﺠﺎورة ﻣﻦ املﺮور ،ﻓﻌﺮﺿﻪ ﺗﺴﻌﻮن ﻗﺪﻣً ﺎ وﻋﻠﻮﱡه ٥٦وﺳﻤﻜﻪ ،٧٠وﻗﺪ ﻋُ ِﺮف ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ وأُﺣِ ﻴﻂ ﺑﺎﻟﺨﺮاﻓﺎت وأﻧﻪ ﻣﻘﺮ اﻷﺑﺎﻟﺴﺔ ﰲ ﻋﺮف اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ،وأُﻃﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ أﺣﺪ ﻗﻮاد اﻷﻧﻜﺎ »ﺗﻮﺑﺎك ﺗﻮﺑﺎﻛﻮي ،«Tuppac Tupaqui وﻗﺪ وﻗﻔﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎم اﻟﻘﻄﺎر ﱠ ﻧﱰﻗﺐ ﻗﻤﺔ »أﻛﻮﻧﻜﺎﺟﻮا« أﻋﲆ ذرى اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة »٢٣٣٠٠ ﻗﺪم« ،وأول ﻣﺎ ﺗﺴﻨﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﻫﺎﻣﺘﻬﺎ ﰲ ١٤ﻳﻨﺎﻳﺮ ﺳﻨﺔ ،١٨٩٧ﻇﻬﺮت ﺗﺸﻤﺦ ﺑﺎﺳﻘﺔ ﰲ اﻟﺴﻤﺎء وﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺟﻤﻬﺮة ﻣﻦ اﻟﺬﱡ َرى اﻷﺧﺮى ﻳﺠﻠﻠﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺑﻴﺎض اﻟﺜﻠﺞ اﻟﻨﺎﺻﻊ ،وﺑني ﻓﱰة وأﺧﺮى ﻛﺎن ﻳﺤﻠﻖ ﻓﻮق رءوﺳﻨﺎ ﻃﺎﺋﺮ اﻟﺮخ اﻟﻬﺎﺋﻞ ﻣﻠﻚ املﺮﺗﻔﻌﺎت وأﻗﺪر اﻟﺤﻴﻮان ﻋﲆ اﺣﺘﻤﺎل ﻋﺼﻒ اﻟﺮﻳﺢ وﻗﺮ اﻟﱪد ،وﻛﺎن اﻟﺜﻠﺞ ﻳﺴﻮد اﻷرﺟﺎء ﻛﻠﻬﺎ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺠريات اﻟﻘﺼرية وﻧﺒﺎت اﻟﺼﺒﺎر »اﻟﻜﺎﻛﺘﺎس« ﰲ ﺷﻜﻠﻪ اﻟﻌﺠﻴﺐ وﻛﺄﻧﻪ أﺳﻄﻮاﻧﺎت ﺗﻘﻮم ﻣﺘﺠﺎورة ،وﻳﻜﺴﻮﻫﺎ زﻏﺐ ﻣﻦ ﺷﻮك ﻃﻮﻳﻞ ،وﻛﻨﱠﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ زادت ﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﺜﻠﺞ ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﻘﻄﺎر ﻛﺎن ﻳﺠﺮي ﺑني ﺟﺪران ﺧﺎﻧﻖ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻴﺪ اﻟﻨﺎﺻﻊ ﻛﺎن ﻳﻐﻄﻲ اﻟﻌﺮﺑﺎت إﱃ ﻧﺼﻒ ارﺗﻔﺎﻋﻬﺎ. 65
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻧﱪح ﻣﻨﺪوزا ﺻﻮب ﺟﺒﺎل اﻷﻧﺪﻳﺰ.
وﰲ ﻣﺤﻄﺔ »ﻻس ﺧﻮﻳﻔﺎس« دﺧﻞ اﻟﻘﻄﺎر ﻇﻠﺔ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ املﺠﺰع ﺗﻔﺎدﻳًﺎ ﻣﻦ ﺛﻘﻞ اﻟﺜﻠﺞ ،وﻫﻨﺎ ﺗﻌ ﱠﺪد َِت اﻟﺮﺑﻰ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﻬﺎﻣﺎت اﻟﺸﻢ ﺟ ﱠﻠ َﻠﻬﺎ اﻟﺸﻴﺐ اﻟﻨﺎﺻﻊ ،وﻣﻦ 66
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
وﺳﻂ ﻣﻤﺮ أﺳﺒﺎﻳﺎﺗﺎ ﰲ اﻷﻧﺪﻳﺰ.
أﻟﺴﻨﺔ ﺟﻠﻴﺪﻫﺎ ﻛﺎن ﻳﺴﻴﻞ ﻟﻌﺎﺑﻬﺎ ﰲ زرﻗﺔ ﻣﺴﺘﻤﻠﺤﺔ ﻳﺰﻳﱢﻨﻬﺎ زﺑﺪ أﺑﻴﺾ ،وﻛﻢ ﺗﻜﺎﺛﺮ اﻟﺜﻠﺞ ﻋﲆ أﺳﻼك ﻏﻼظ وﺻﻔﺎﺋﺢ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﻓﻘﻮﺿﻬﺎ ،وأﻧﺖ ﺗﺮى ﺑﻘﻊ اﻟﺜﻠﺞ اﻷﺑﻴﺾ ﻛﻤﻨﺪوف اﻟﻘﻄﻦ ﺗﻤﻸ اﻟﺘﺠﺎوﻳﻒ اﻟﻮاﺣﺪة ﺗﺤﺖ اﻷﺧﺮى ،واملﺎء ﻳﺴﻴﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه ﻓﻴﻬﻮي ﰲ ﺟﻨﺎد َل وﺷﻼﻻت إﱃ اﻷﺧﺮى ﻓﻴﻐﺬﻳﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻳﺠﻤﺪ ﺑﻌﺾ املﺎء اﻟﻬﺎوي ﻓﻴﻈﻬﺮ ﰲ زواﺋﺪ وأﺳﻨﺎن ﺑﻠﻮرﻳﺔ ،وﰲ اﻟﻬُ ﻮى اﻟﻐﺎﺋﺮة ﻳﺘﺠﻤﻊ املﺎء وﻳﺠﺮي ﰲ وادٍ ﺿﻴﻖ ،وﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺎع ﻛﺎن ﻳﻘﺎم ﻟﻠﻘﻄﺎر ﻧﻔﻖ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺗﻜﺎﺛﺮ اﻟﺜﻠﺞ ،وﰲ ﻫﺬا اﻟﺠﺰء ﻛﺎن اﻟﻘﻄﺎر ﻳﺴري ﻋﲆ ﺛﻼﺛﺔ ﻗﻀﺒﺎن، اﻷوﺳﻂ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺴﻨﻦ ﻟﻜﻲ ﺗﺸﺘﺒﻚ ﺑﻪ ﺗﺮوﺳﻪ ﺧﺸﻴﺔ وﻋﻮرة املﻨﺤﺪر. دﺧﻞ ﺑﻨﺎ اﻟﻘﻄﺎر ً ﻧﻔﻘﺎ ﻃﻮﻟﻪ ﻣﻴﻼن ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،وﻣﻦ ﻏﺮﻳﺐ املﺼﺎدﻓﺎت أن ارﺗﻔﺎﻋﻪ ﻋﻦ ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻴﻼن ً أﻳﻀﺎ ،وﻫﻮ أﻋﲆ ﺟﻬﺎت ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،ﻓﻬﻲ ﻫﻨﺎ ١٠٥١٢ﻗﺪﻣً ﺎ ﻓﻮق ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ ،وﰲ وﺳﻂ اﻟﻨﻔﻖ اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑني اﻷرﺟﻨﺘني وﺷﻴﲇ ،وﺑﻤﺠﺮد ﻋﺒﻮر اﻟﻘﻄﺎر ﺑﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ داﺧﻞ اﻟﻨﻔﻖ ،ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻠﻴﻞ أﺟﺮاس ﺗﺪق ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻀﻐﻂ اﻟﻘﻄﺎر ﻋﲆ أﺳﻼﻛﻬﺎ؛ وذﻟﻚ إﻳﺬاﻧًﺎ ﺑﺘﺨﻄﻲ اﻟﺤﺪود .وملﺎ أن ﺧﺮج اﻟﻘﻄﺎر ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻖ إﱃ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ أﺷﺎر اﻟﻘﻮم أن ﻫﺎ ﻫﻮ »اﻟﻜﺮﻳﺴﺘﻮ« إﱃ ﻳﻤﻴﻨﻨﺎ ،وﻫﻮ ﺗﻤﺜﺎل ﻫﺎﺋﻞ ﻟﻠﻤﺴﻴﺢ أُﻗِ ﻴﻢ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٠٤ﺣﻴﻨﻤﺎ اﺣﺘﻜﻢ اﻟﺨﺼﻤﺎن ﰲ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺪود إﱃ ﻣﻠﻚ إﻧﺠﻠﱰا إدوارد اﻟﺴﺎﺑﻊ، 67
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﴐب ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺎر اﻟﻬﺎﺋﻞ ﰲ اﻷﻧﺪﻳﺰ.
ﺗﻮﺳﻂ ﰲ ﺣﺴﻢ اﻟﻨﺰاع وﻋﺮﺿﻪ ﻟﻠﺘﺤﻜﻴﻢ ﻧﺴﺎء اﻟﻔﺮﻳﻘني وﻗﺴﺎوﺳﺘﻬﻢ ﻋﲆ أن ﺗُ َ واﻟﺬي ﱠ ﻨﻔﻖ ﻧﻘﻮد اﻟﺤﺮب ﰲ ﺗﺤﺴني اﻟﻄﺮق ﻋﲆ اﻷﻧﺪﻳﺰ ،وﺑﺠﺰء ﻣﻦ ذﻟﻚ املﺎل أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،ﺛﻢ اﻛﺘﺘﺒﻮا ﻟﻬﺬا اﻟﺘﻤﺜﺎل ،وﻗﴣ ﻣﻠﻚ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﺑﺠﻌﻞ اﻟﺤﺪ ﻋﻨﺪ ﺗﻘﺴﻴﻢ املﻴﺎه ﺑني اﻟﺪوﻟﺘني ،وﻫﻲ ﻫﻨﺎ ﻋﲆ ﻋﻠﻮ ١٢٨٠٠ﻗﺪم ،واﻟﺘﻤﺜﺎل ﻣﻦ اﻟﱪوﻧﺰ اﻟﻘﺎﺗﻢ ﺻﻴﻎ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ املﺪاﻓﻊ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﺬوﻫﺎ ﻣﻦ اﻹﺳﺒﺎن ﰲ ﺣﺮب اﻻﺳﺘﻘﻼل رﻣ ًﺰا ﻟﻠﺴﻠﻢ وﺗﺤﻄﻴﻢ أدوات اﻟﺤﺮب، وﻳﻘﻮم ﻋﲆ ﻗﺎﻋﺪة ﻣﻦ ﺟﺮاﻧﻴﺖ وﻋﻠﻮه ٢٦ﻗﺪﻣً ﺎ ،وﻗﺪ ﻧُﻘِ ﺶ ﻋﲆ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺘﻤﺜﺎل ،وﺗﺤﺖ أﻗﺪام
68
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻟﻴﺎت اﻟﻄﺮق ﻓﻮق اﻷﻧﺪﻳﺰ املﺠﺪﺑﺔ.
املﺴﻴﺢ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎه» :ﻟﻘﺪ أﻗﺴﻢ رﺟﺎل اﻷﻣﺘني ﺑني ﻳﺪي املﺴﻴﺢ ﱠأﻻ ﻳ َ ُﻨﻘﺾ ﻋﻬﺪ اﻟﺴﻼم ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ُد ﱠﻛ ْﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺎل ﻓﺼﺎ َر ْت ﻫﺒﺎءً «.ﻋﲆ أن اﻟﺘﻤﺜﺎل ﻛﺎدت ﺗﻜﺴﻮه اﻟﺜﻠﻮج ﻓﺘﺨﻔﻴﻪ. وﻋﺮ ،ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻘﻄﺎر ﻟﻴﺴﺘﻄﻴﻌﻪ ﻟﻮﻻ اﻟﻘﻀﺒﺎن املﺴﻨﻨﺔ، أﺧﺬﻧﺎ ﰲ اﻻﻧﺨﻔﺎض ﻣﻦ ﻣﻨﺤﺪر ٍ ٍ وﻣﻦ دوﻧﻨﺎ وادي أﻛﻮﻧﻜﺎﺟﻮا اﻟﻐﺎﺋﺮ ،وﺑني ﻣﺤﻄﺘﻲ ﻛﺎراﻛﻮس وﺑﻮرﺗﻴﻠﻴﻮ ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﺎ ﻣﺠﺎﻣﻴﻊ اﻟﺮﺑﻰ ﰲ ﺗﻌﻘﻴﺪ رﻫﻴﺐ ﺗﺘﻮﺳﻄﻪ ﺑﺤرية اﻷﻧﻜﺎ ﻋﲆ ﻋﻠ ﱢﻮ ٩٠٠٠ﻗﺪم ،وﻳﻘﻮﻟﻮن ﺑﺄن ﻣﺎءﻫﺎ ﺛﺎﺑﺖ املﻘﺪار ﻻ ﻳﺰﻳﺪ وﻻ ﻳﻨﻘﺺ ﻃﻴﻠﺔ اﻟﻌﺎم ،وذاك ﻣﺎ زاد ﻗﺪﺳﻴﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻬﻨﻮد! وﻟﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻗﻠﻢ ُﻌﺮب ﻋﻤﱠ ﺎ ﻳﺤﺴﻪ املﺴﺎﻓﺮ ﻣﻦ رﻫﺒﺔ وﺟﻼل ﺗﺘﻤﺜﻞ ﰲ ﻣﻬﻤﺎ أُوﺗ َِﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺎن واﻹﻓﺼﺎح أن ﻳ ِ ﻋﻈﻤﺘﻬﺎ اﻟﻘﺪرة اﻹﻟﻬﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺰري ﺑﻜﻞ ﳾء ،وﻣﺎ اﻟﻮﺻﻒ ﺑﻤﺠ ٍﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﻠﻦ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﻘﺎرئ ً ﻣﻦ ﻗﻮﱄ إﻻ ً ﺿﺌﻴﻼ ،وﻋﻠﻴﻪ إذا أراد اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ﳾء ﻣﻨﻬﺎ أن ﻳﻤﺘﻊ ﻧﻈﺮه ﺑﻤﺮآﻫﺎ؛ ﻗﺒﺴﺎ ُ أﺣﺴﺴﺖ ،وﻳﻘﻮﻟﻮن إن أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﺗﺮى ﻣﻨﺎﻇﺮ اﻟﺼﺨﻮر وأروﻋﻬﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻲ ﻳﺤﺲ ﻣﺎ ﺑني ﺗﻴﻨﻚ املﺤﻄﺘني .أﺧﺬﻧﺎ ﻧﻤﺮ ﺑﺎملﺤﺎط اﻟﺸﻴﻠﻴﺔ ،وﻛﻠﻤﺎ ﻫﺒﻄﻨﺎ ﻧﺪر اﻟﺜﻠﺞ وزادت اﻟﻘﺮى وﺗﻌﺪدت املﺴﺎﻳﻞ املﺎﺋﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺑﺪا ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل أﻏﻨﻰ ﺑﻌﻨﺎﴏ اﻟﺤﻴﺎة ﺑني إﻧﺴﺎن وﺣﻴﻮان وﻧﺒﺖ وﺷﺠﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﴩﻗﻲ؛ ﻷن رﻳﺎح اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻚ ﺗﺪ ﱡر ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﻠﻠﻬﺎ ﻣﺎءً وﻓريًا ﻋﲆ ﻧﻘﻴﺾ اﻟﺠﺎﻧﺐ َ اﻵﺧﺮ اﻟﴩﻗﻲ .وﻣﻦ اﻷﻧﻬﺎر اﻟﺘﻲ اﺳﱰﻋﺖ أﻧﻈﺎرﻧﺎ »اﻟﺮﻳﻮﺑﻼﻧﻜﻮ« 69
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻗﻄﺎر اﻷﻧﺪﻳﺰ وﺳﻂ اﻟﺜﻠﻮج.
أو اﻟﻨﻬﺮ اﻷﺑﻴﺾُ ، وﺳﻤﱢ ﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﻳﻌﱰض ﻣﺎءه ﻣﻦ ﺻﺨﻮر ﻳﺮﻏﻲ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻓﻴﺒﺪو ً َ ﻃﻮﻳﻼ ﰲ ﻣﺤﻄﺔ Los Andesوﻋﻨﺪﻫﺎ ﱠ ﻏريﻧﺎ اﻟﻘﻄﺎر اﻟﻀﻴﻖ إﱃ أﺑﻴﺾ ﻧﺎﺻﻌً ﺎ .ﺛﻢ وﻗﻔﻨﺎ َ آﺧﺮ ،ﺛﻢ ﺧﻴﱠﻢ املﺴﺎء ﻓﺤﺮﻣﻨﺎ اﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﺠﻤﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑني ﻫﺬه وﺳﺎﻧﺘﻴﺎﺟﻮ ،وﻟﻘﺪ ﱠ ﻏريﻧﺎ اﻟﻘﻄﺎر ﻣﺮة أﺧﺮى ﰲ ﻣﺤﻄﺔ »ﻻي ﻻي« ،وﻫﻨﺎ ﻳﺮى أول ﻗﺒﺲ ﻣﻦ ﻣﻴﺎه املﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدي إﱃ ﻳﻤني املﺴﺎﻓﺮ.
70
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻧﺠﺘﺎز ﻧﻔﻖ اﻟﺤﺪود ﺑني أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ وﺷﻴﲇ.
وﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﴩة ﻣﺴﺎءً دﺧﻠﻨﺎ ﺳﺎﻧﺘﻴﺎﺟﻮ ﺑﻌﺪ ﻣﺴرية زﻫﺎء ﺳﺒﻊ ﻋﴩة ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺪوزا أو ﺳﺒﻊ وﺛﻼﺛني ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ،وﻛﺎن ﻣﻘﺪ ًرا ﻟﻌﺒﻮر اﻟﻘﺎرة ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس إﱃ ﺳﺎﻧﺘﻴﺎﺟﻮ ﺛﻼﺛﻮن ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﻘﻄﺎر ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻗﺪرﻫﺎ ً ٨٨٨ ﻣﻴﻼ أو ﺗﺰﻳﺪ.
71
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
) (4ﺑﻼد ﺷﻴﲇ ﺣﻠ ْﻠ ُﺖ ﻧ ُ ُﺰل Astoriaاﻟﻜﺒري ودﻫﺸﺖ ﻟﺮﺧﺼﻪ؛ إذ أﺟﺮه ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﴩ ﺑﻴﺴﻮ ﺷﻴﻠﻴٍّﺎ — واﻟﺠﻨﻴﻪ ١٢٤ﺑﻴﺴﻮ أي إن اﻟﺒﻴﺴﻮ ﻳﺴﺎوي ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻠﻴﻤﺎت — وأﺟﺮ اﻟﻴﻮم ﰲ اﻟﻨ ﱡ ُﺰل ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻄﻌﺎم ﻧﺤﻮ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ ً ﻗﺮﺷﺎ ،وﻟﻘﺪ أﺣﺴﺴﺖ اﻟﻔﺮق اﻟﺸﺎﺳﻊ ﺑني اﻷﺳﻌﺎر ﻫﻨﺎ وﺑﻴﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ؛ ﻓﻜﻞ ﳾء رﺧﻴﺺ إﻻ اﻟﻮاردات اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ وﺟﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻗﻤﺸﺔ واﻵﻻت ،ﻓﺄﺟﺮ اﻟﱰام ﻋﴩون ﺳﻨﺘﺎﻓﺎ أي أﻗﻞ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻤني وﻣﺴﺢ اﻟﺤﺬاء ﻛﺬﻟﻚ ،وﻟﻘﺪ اﺳﱰﻋﻰ ﻧﻈﺮي ﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎص رﺧﺺ اﻷﺣﺬﻳﺔ؛ ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﴍاء ﺣﺬاء ﺟﻤﻴﻞ ﺑﺜﻼﺛني ً ﻗﺮﺷﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ رﺧﺺ ﻟﻔﺎﺋﻒ اﻟﺘﺒﻎ ﻓﺎﻟﺼﻨﺪوق اﻟﺬي ﻳﺤﻮي ١٤ﺳﻴﺠﺎ ًرا ﺑﺴﺘﺔ ﻣﻠﻠﻴﻤﺎت ،وﻏﺎﻟﺐ ﻇﻨﻲ أن ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺬي ﺷﺠﻊ اﻷﻃﻔﺎل ﻋﲆ اﻟﺘﺪﺧني .وﻳﻘﻊ اﻟﻨ ﱡ ُﺰل ﰲ ﺷﺎرع أﻫﻮﻣﺎدا Ahumadaأﻛﺜﺮ ﺷﻮارع اﻟﺒﻠﺪة ً ﺧﺼﻮﺻﺎ وﻗﺖ اﻟﻈﻬﺮ ،وﻋﻨﺪ اﻷﺻﻴﻞ ﻣﺪﻫﺶ إذ ﻻ ﺣﺮﻛﺔ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة وﺗﺰاﺣﻢ املﺎرة ﺑﻪ ً ﻃﺮﻳﻘﺎ وﺳﻂ اﻟﺠﻤﺎﻫري ،وﻳﺘﻀﺎﻋﻒ ذاك اﻟﺰﺣﺎم ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ﺣني ﺗﺮى اﻟﻨﺎس ﺗﻜﺎد ﺗﺸﻖ ﻟﻚ ً ﰲ أﺟﻤﻞ أزﻳﺎﺋﻬﻢ ﻧﺴﺎءً ورﺟﺎﻻ ،ﻳﺮوﺣﻮن وﻳﻐﺪون ﰲ ﻛﺜﺎﻓﺔ ﺗﻔﻮق اﻟﻮﺻﻒ ،وﻛﺄن اﻟﻘﻮم ً ﻣﻌﺮﺿﺎ ﱢ ﻟﻠﺴﺤَ ِﻦ واﻷزﻳﺎء ،وﻳﻨﺘﻬﻲ ذاك اﻟﺸﺎرع ﻣﻦ أﺣﺪ ﺟﺎﻧﺒﻴﻪ ﺑﻤﻴﺪان أرﻣﺎس ﻳﺘﺨﺬوﻧﻪ Armasاﻟﺼﻐري املﻨﺴﻖ ،وﻫﻮ أول ﻣﺎ أ ُ ِ ﻧﺸﺊ وﻗﺎﻣﺖ ﺣﻮﻟﻪ املﺪﻳﻨﺔ ﻋﲆ ﻧﻈﺎم ﺳﺎﺑﻘﺘﻬﺎ ﻟﻴﻤﺎ، ﺑﺎﻟﺒﻮاﺋﻚ وﺑﻌﺾ املﺒﺎﻧﻲ ذات اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ املﻮرﻳﺔ ﺑﺄﺑﻮاﺑﻬﺎ وﻧﻮاﻓﺬﻫﺎ اﻟﻜﺒرية. وﺗﻘﻮم ﺣﻮﻟﻪ املﺒﺎﻧﻲ اﻟﻔﺎﺧﺮة وﻟﻌﻞ أﺟﻤﻠﻬﺎ »اﻟﻜﺘﺪارﺋﻴﺔ« دﺧﻠﺘﻬﺎ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ﻋﻨﺪ اﻟﻈﻬﺮ، وﻛﺎن اﻟﻘﻮم ﻳﺼﻠﻮن ﻓﻬﺎﻟﺘﻨﻲ ﻛﺜﺮة املﺼﻠني؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ أﻓﻨﻴﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗُ َﺴ ﱡﺪ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﺳﺪٍّا وﺟﻠﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻦ ﻳﺤﺘﺸﻤﻦ ﰲ اﻟﻬﻨﺪام وﻳﺘﺨرين اﻟﻠﻮن اﻷﺳﻮد ،وأﺛﺮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻫﻨﺎك ﻗﻮي؛ ﻓﻬﻲ ﺗﺸﺎﻃﺮ ﰲ ﻗﺴﻢ ﻛﺒري ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻴﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺗﺤﻈﺮ ﻋﲆ اﻟﻘﻮم اﻟﻠﻬﻮ أو اﻟﺘﺴﻠﻴﺔ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻛﺒرية ﺣﻮل اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻛﻠﻬﺎ .ﺛﻢ دار اﻟﱪﻳﺪ واﻟﱪق ،وﻣﻦ وراء اﻟﻜﺘﺪراﺋﻴﺔ ﻣﻘﺮ املﺆﺗﻤﺮ — اﻟﱪملﺎن — ﰲ أﻋﻤﺪﺗﻪ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ وﻫﻨﺪﺳﺘﻪ اﻟﻔﺎﺧﺮة ،وﻣﻦ أﻓﺨﺮ ﻣﻄﺎﻋﻤﻬﺎ ،La Bahia وﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺘﺬوق املﺮء ﻫﻨﺎك أﺣﺐ ﻃﻌﺎم ﻟﺪﻳﻬﻢ وﻳﺴﻤﻮﻧﻪ langosta con mayonesaأو ﺳﻤﻚ اﻟﴪﻃﺎن lobsterﺑﺎملﺎﻳﻮﻧﻴﺰ corvine salsatartare ،أي ﺳﻤﻚ ﻛﻮرﻓﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﺼﻠﺼﺔ، وﰲ اﻟﻄﺮف َ اﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﺷﺎرع أﻫﻮﻣﺎدا اﻓﻨﻴﺪا دي ﻻس دﻟﺴﻴﺎس ،Deliciasوﻳﻘﺴﻢ اﻟﺒﻠﺪة ﺷﻄﺮﻳﻦ وﻳﻤﺘﺪ ﺑﻄﻮﻟﻬﺎ وﻫﻮ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ ﺷﻮارع اﻟﻌﺎﻟﻢ ،اﺗﺴﺎﻋﻪ ﻳﻌﺎدل ﺛﻼﺛﺔ أﺿﻌﺎف ﺷﺎرع املﻠﻜﺔ ﻧﺰﱄ ﻋﻨﺪﻧﺎ ،وﺗﺘﻮﺳﻄﻪ املﺘﻨﺰﻫﺎت واﻟﺰﻫﻮر واﻟﻨﺎﻓﻮرات وﺗﻘﻮم ﺑﻴﻨﻬﺎ اﻷﻧﺼﺎب واﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﻟﻜﺜري ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫري رﺟﺎﻻﺗﻬﻢ وإﱃ ﺟﺎﻧﺒ َْﻲ ذﻟﻚ اﻟﱰام ،ﺛﻢ ﺷﻮارع ملﺮور اﻟﻌﺮﺑﺎت ﺛﻢ اﻹﻃﺎران ﻟﻠ ﱠﺮﺟﱠ ﺎﻟﺔ ،وﺗﺰﻳﻨﻪ ﺻﻔﻮف اﻟﺸﺠﺮ إﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن ً ﻳﺎﺑﺴﺎ وﺑﻌﻀﻪ ﺑﺪأ ﻳﻮرق ﻷن ﻫﺬا 72
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺳﻨﺘﻴﺎﺟﻮ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺷﻴﲇ.
املﻮﺳﻢ ﺑﺪء اﻟﺮﺑﻴﻊ ﻋﻨﺪﻫﻢ وﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺸﺘﺎء ،وﻏﺎﻟﺐ وزارات اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﲆ ذاك اﻟﻄﺮﻳﻖ ﰲ أﺑﻨﻴﺔ ﻓﺎﺧﺮة وﻫﻮ ﻣﺴﱰاض اﻟﻘﻮم ﻋﻨﺪ اﻷﺻﻴﻞ ﰲ اﻟﻮﺳﻂ ﻟﻠﻄﺒﻘﺎت اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ، أﻣﺎ ﰲ ﻃﺮﻓﻴﻪ ﻓﻴﻨﺘﻬﻲ ﺑﺄﺣﻴﺎء ﻓﻘرية ،ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺮى اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻫﻨﺎك ﰲ ﺟﻬﻞ وﻗﺬارة ﺟﻠﻬﻢ ﰲ أﺳﻤﺎل ﻣﻬﻠﻬﻠﺔ ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﺣﻔﺎة ﻣﺘﺴﻮﻟﻮن ،وﻋﺪد ﻣﺴﺎﺣﻲ اﻷﺣﺬﻳﺔ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﺗﺤﺖ ﺣﴫ، وﻛﻨﺖ أدﻫﺶ ﻟﻜﺜﺮة اﻟﻔﻘﺮاء ﻫﻨﺎ ﻣﻊ أن ﺳﻜﺎن اﻟﺒﻼد أرﺑﻌﺔ ﻣﻼﻳني ورﺑﻊ واﻣﺘﺪادﻫﺎ ﺷﺎﺳﻊ ً أﻣﻮاﻻ ﻃﺎﺋﻠﺔ وﺟﻞ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﺑﺮءوس وﻣﻮاردﻫﺎ ﻛﺒرية ،ﻋﲆ أن اﺳﺘﺜﻤﺎر ﺗﻠﻚ املﺼﺎدر ﻳﺘﻄﻠﺐ أﻣﻮال أﺟﻨﺒﻴﺔ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة وإﻧﺠﻠﱰا. أﻣﺎ اﻟﺸﻌﻮذة اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﺒﺎﻟﻐﺔ أﺷﺪﻫﺎ ،ﻓﻔﻲ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ً ﻣﺜﻼ ﻳﺠﻤﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﺟﻤﻬﺮة ﻣﻦ اﻷﻃﻔﺎل أو اﻟﻔﺘﻴﺎت وﻳﻘﺮأ ﰲ اﻹﻧﺠﻴﻞ ،وﺑني ﻓﱰة وأﺧﺮى ﻳﺮدد اﻟﺼﻐﺎر أﻧﻐﺎﻣً ﺎ دﻳﻨﻴﺔ وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﻘﻒ وﺑﻴﺪه اﻟﻘﻴﺜﺎر وﻳﺮﺗﻠﻮن وﻓﻖ أﻧﻐﺎﻣﻪ ،أﻣﺎ ﺳﺤﻦ اﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎ ﻓﺘﺴﱰﻋﻲ اﻟﻨﻈﺮ ﺑﻜﺜﺮة ﺗﻨﻮﻋﻬﺎ واﺧﺘﻼف ﺗﻘﺎﻃﻴﻌﻬﺎ ،ﻓﺒﻴﻨﻬﻢ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻔﺎﺗﻦ واﻟﺴﺤﻦ املﻨﻔﺮة؛ وذﻟﻚ ﻟﻜﺜﺮة اﺧﺘﻼط أﻧﺴﺎﺑﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﻐري ﻣﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ وﻣﻊ اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ،وذﻟﻚ أوﺿﺢ ﺟﺪٍّا ﰲ اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻮﺳﻄﻰ واﻟﺪﻧﻴﺎ ،وأﺟﲆ ﻣﺎ ﻳُ َﺮى ذﻟﻚ ﰲ ﺳﻤﺮة اﻟﻮﺟﻮه واﻟﺸﻌﺮ املﻐﻮﱄ اﻷﺳﻮد املﺮﺳﻞ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺬﻛﺮﻧﻲ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻴﺪات ﺑﺸﻌﻮر ﺑﻨﺎت اﻟﻴﺎﺑﺎن ،وﻗﺪ ﺗﺼﺎﻫﺮ اﻹﺳﺒﺎن اﻷواﺋﻞ 73
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
دﻟﺴﻴﺎس أﻓﺨﻢ ﺷﻮارع ﺳﻨﺘﻴﺎﺟﻮ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻠﻮا اﻟﺒﻼد ﺑﺎﻟﻬﻨﻮد؛ إذ ﻟﻢ ﻳﺤﴬوا ﻧﺴﺎءﻫﻢ ﻣﻌﻬﻢ ،أﻣﺎ اﻹﺳﺒﺎن اﻷﺻﻔﻴﺎء ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺒﻼد ﻓﻴﻤﺜﱢﻠﻮن اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ .وﻣﻦ املﺘﻨﺰﻫﺎت املﺤﺒﻮﺑﺔ ﻫﻨﺎﻟﻚ »ﺑﺎرك ﻛﻮﺳﻴﻨﻴﻮ« ﰲ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﺘﻄﺮﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪة ﻋﻈﻴﻢ اﻻﻣﺘﺪاد ﻛﺜﻴﻒ اﻟﺸﺠﺮ ﻏري أﻧﻪ ﺑﺴﻴﻂ اﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ،وﰲ ﻗﻠﺐ املﺪﻳﻨﺔ َرﺑْﻮَﺗﺎن :ﴎوﺳﺎن ﻟﻮﺳﻴﺎ وﴎوﺳﺎن ﻛﺮﺳﺘﺒﺎل ،اﻷوﱃ ﺻﻐرية وﻋﲆ ارﺗﻔﺎع أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ آن َ وآﺧﺮ ﻗﺪم ﺗﺮﺗﻘﻲ إﱃ ذروﺗﻬﺎ ﺑﻤﺠﺎﻣﻴﻊ ﻣﻦ درج ودﻫﺎﻟﻴﺰ ﻣﻠﺘﻮﻳﺔ ﰲ ﻫﻨﺪﺳﺔ ﻓﺎﺧﺮة وﺑني ٍ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻨﺎ اﻟﺪرج إﱃ رﺣﺒﺔ ُزﻳﱢﻨ َ ْﺖ ﺑﺎﻟﻨﺎﻓﻮرات واﻟﺰﻫﻮر واﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ،واﻟﺮﺑﻮة ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻷﺷﺠﺎر ﻓﺘﺒﺪو ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ وﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﻘﻠﻌﺔ ﻇﻠﻠﺖ ﺑﺎﻟﺸﺠﺮ ،أﻣﺎ ﺗﻞ ﻛﺮﺳﺘﺒﺎل ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻋﻠﻮٍّا وأﻗﻞ ً ﺗﻨﺴﻴﻘﺎ ﻳﻜﺴﻮه اﻟﺸﺠﺮ وﻗﺪ ﺻﻌﺪﻧﺎ ذروﺗﻪ ﺑﱰام ﻣﺴﻨﱠﻦ »ﻓﻮﻧﻜﻠري« ،وﻳﺘﻮج ذروة ﻫﺬا اﻟﺘﻞ ﺗﻤﺜﺎل ﻫﺎﺋﻞ ﻟﻠﻌﺬراء ﺗﻘﻒ ﺑﺎﺳﻄﺔ أﻛﻔﻬﺎ ﻣﺤﺪﻗﺔ ﰲ اﻟﺴﻤﺎء ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻄﻠﺐ ﻟﻠﺒﻠﺪ وأﻫﻠﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ واﻟﻐﻔﺮان ،وﰲ ﻗﺎﻋﺪﺗﻪ ﺣﺠﺮة ﺑﻬﺎ ﻫﻴﻜﻞ وﺗﺠﺎوره ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺻﻐرية ،وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻮق ﺗﻞ ﻟﻮﺳﻴﺎ ﺗﺮى ﺑﻌﺾ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﻟﻠﻘﺪﻳﺴني. وأﻧﺖ ﻻ ﺗﻤﺮ ﺑﻤﻜﺎن ﻻ ﺗﻠﻤﺲ ﻓﻴﻪ أﺛﺮ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﻓﺠُ ﱡﻞ ﺗﻤﺎﺛﻴﻠﻬﻢ وأﺳﻤﺎء أﻣﺎﻛﻨﻬﻢ و ُِﺿﻌﺖ ﻋﲆ أﺳﻤﺎء اﻟﻘﺪﻳﺴني ،أﻣﺎ ﻣﺸﻬﺪ املﺪﻳﻨﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻤﺔ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺘﻠني ﻓﺮاﺋﻊ ،ﺗﺮى 74
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ِ ﻣﺘﻌﺎﻣﺪة ﻋﲆ اﻟﺒﻠﺪة ﺑﺸﻮارﻋﻬﺎ املﺨﻄﻄﺔ وﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ اﻟﻮﻃﻴﺌﺔ ،وﺗﺒﺪو ﻃﺮق اﻟﻘﺴﻢ املﺴﺘﺤﺪث ﻧﻈﺎم ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس ،وﻳﺒﺪو ﻧﻬﺮ ﺳﻨﺘﻴﺎﺟﻮ اﻟﺼﻐري وﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﻧﻬﺮ »ﻣﺎﺑﻮﻛﻮ« ﻳﺴﻴﻞ ﻣﺎؤه اﻟﻌَ ﻜِﺮ ً داﻓﻘﺎ ﰲ ﺷﺪة ﻋﻨﻴﻔﺔ ،ﻏري أﻧﻪ ﺷﺤﻴﺢ املﺎء ،وﺗﻌﱪه ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻗﻨﺎﻃﺮ ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﻣﺘﺠﺎورة، وﻗﺪ ُﻣﺪ ْ ﱠت ﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺒﻪ املﺘﻨﺰﻫﺎت اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ إﻻ أن أﺣﻴﺎءه ﻓﻘرية ﻗﺪﻳﻤﺔ ،وﺗﻄﻮق اﻟﺒﻠﺪة ﺳﻼﺳﻞ ﱠ اﻟﻮﺿﺎءة اﻟﺠﺒﺎل ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺠﻬﺎت أﻋﻼﻫﺎ ﰲ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﴩﻗﻲ ،ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺮاﻫﺎ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﺜﻠﻮج اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻸﻷ إذا ﻣﺎ اﻧﻌﻜﺲ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻬﺮ ،وﻛﺜري ﻣﻨﻪ ﻳﻔﻮق ﻋﻠﻮه ١٣٠٠٠ ُ وﻛﻨﺖ أﺗﺨﺬ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺬرى وأﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﺸﻬﺪ ﺳﻨﺘﻴﺎﺟﻮ ﻗﺪم ،ﺻﻌﺪت ذﻳﻨﻚ اﻟﺘﻠني ﻣﺮا ًرا ً ﻣﺸﻤﺴﺎ اﻟﺒﺪﻳﻊ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻫﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻲ اﻟﺴﻬﻞ ﺑني املﺮﺗﻔﻌﺎت ،أﻣﺎ اﻟﺠﻮ ﻓﻜﺎن دﻓﺌًﺎ ﺑﺪﻳﻌً ﺎ ،وﻟﻢ أﺣﺲ ﺷﺪة اﻟﱪد ﻗﻂ رﻏﻢ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺸﺘﺎء ،ورﻏﻢ أن اﻟﺒﻠﺪة ﻋﲆ ﻋﻠ ﱢﻮ ١٧٠٦أﻗﺪام.
ﻣﻨﺘﺰه ﺳﺎن ﻟﻮﺳﻴﺎ اﻟﻔﺎﺧﺮ ﰲ ﺳﻨﺘﻴﺎﺟﻮ.
ً ﻣﺰدﺣﻤﺔ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻋﻈﻴﻤﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺌﻮي ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع املﻠﻴﻮن ﰲ واملﺪﻳﻨﺔ ﺗﺒﺪو َ ﴎت أدﻫﺸﺘﻚ ﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﺠﻤﺎﻫري ،ﻟﻜﻦ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺗﻘﺮب ﻣﻦ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻣﻴﺎل ﻣﺮﺑﻌﺔ ،ﻓﺄﻧﺖ أﻳﻨﻤﺎ 75
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺷﺘﺎن ﺑني ﻣﻈﻬﺮ اﻟﻐﻨﻰ واﻟﺘﺄﻧﱡﻖ اﻟﺬي ﺗﺮاه ﰲ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس وﺑني اﻷﻫﻠني ﻫﻨﺎ ،ﻓﻬﻨﺎك ﺗﺮى ُ وﻛﻨﺖ أﻋﺠﺐ ﻟﻮﻗﻮف أﻓﺨﺮ اﻷزﻳﺎء واملﺮﻛﺒﺎت واﻟﺴﻴﺎرات ،أﻣﺎ ﻫﻨﺎ ﻓﻬﻲ دون ﻫﺎﺗﻴﻚ ﺑﻜﺜري، ً ٍ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﰲ أﺣﺴﻦ ﻫﻨﺪاﻣﻬﻢ ،وﻻ ﻋﻤﻞ ﻟﻬﻢ إﻻ اﺳﺘﻌﺮاض ﺳﺎﻋﺎت اﻟﺮﺟﺎل ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺒَﻲ اﻟﻄﺮق املﺎرة ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪات وإﺑﺪاء املﻼﺣﻈﺎت واملﻐﺎزﻻت ،وﻗﺪ ﻫﺎﻟﻨﻲ أﻣﺮ رﺟﻞ ﺧﻠﻊ ﻗﺒﻌﺘﻪ واﻧﺤﻨﻰ وﺻﺎح ﰲ وﺟﻪ ﺳﻴﺪة ﺟﻤﻴﻠﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺒﻌﻪ ﺻﺤﺒﻪ ﺿﺎﺣﻜني واﻟﺴﻴﺪة ﻟﻢ ﺗُﺒْ ِﺪ أيﱠ اﻣﺘﻌﺎض ،وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻨﻜﺮ أﺣﺪ اﻟﻨﺎس ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ .وﺣﺮﻳﺔ اﻟﻨﺴﺎء ﻫﻨﺎك ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺤﺪ ،ﻓﺎﻟﺴﻴﺪة ﺗﺼﺎدق ﻣَ ﻦ ﺗﺸﺎء ﻋﲆ ﻋﻠ ٍﻢ ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ! وﻳ َُﺨﻴﱠﻞ إﱄ ﱠ أﻧﻬﻦ ﻻ ﻳﻘﺮن ﰲ ﺑﻴﻮﺗﻬﻦ ﻗﻂ؛ ﻟﻜﺜﺮة ﻣَ ﻦ ﺗﺮى ﻣﻨﻬﻦ آن ،وﻗﺪ أذﻛﺮﻧﻲ ذﻟﻚ ﺑﺈﺣﺪى اﻟﺸﻬﺎدات اﻟﺘﻲ ﻃﻠﺒَﺘْﻬﺎ ﻣﻨﻲ ﻣﻔﻮﺿﻴﺘﻬﻢ ﰲ اﻟﻄﺮﻗﺎت ﰲ ﻛﻞ ٍ ﰲ ﻣﴫ؛ ﻟﺘﺜﺒﺖ ﻟﻬﻢ رﺳﻤﻴٍّﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﱄ اﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﺘﺠﺎرة اﻟﺮﻗﻴﻖ اﻷﺑﻴﺾ ،وﻳﻈﻬﺮ أن ذﻟﻚ ﻛﺜري اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻋﻨﺪﻫﻢ. ُ ﻗﻤﺖ إﱃ ﻓﻠﱪﻳﺰو ﰲ ﻗﻄﺎر اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﴩة واﻟﻨﺼﻒ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ﻓﻮﺻﻠﺘﻬﺎ ﰲ أرﺑﻊ ﺳﺎﻋﺎت، واﻷﺟﺮة ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﱃ ٣١ﺑﻴﺴﻮ — ً ٢٦ ﻗﺮﺷﺎ — وﻗﺪ أﻣﻀﻴﻨﺎ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻷوﱃ وﺳﻂ ﺳﻬﻮل ﻓﺴﻴﺤﺔ ﻣﻨﺰرﻋﺔ وﻫﻲ ﺑﻘﻴﺔ اﻣﺘﺪاد اﻟﻮﻫﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎم ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ،وﻛﺎن اﻟﻔﻼﺣﻮن ﻳﻔﻠﺤﻮن اﻷرض ﺑﻤﺤﺎرﻳﺚ ﻋﺘﻴﻘﺔ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﻤﺤﺎرﻳﺜﻨﺎ ﰲ ﻣﴫ .واﻟﺨﻴﻮل اﻟﻀﺨﻤﺔ املﺮﺳﻠﺔ اﻟﺸﻌﻮر ﻣﻄﻴﺘﻬﻢ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﰲ ﻗﻠﻮب املﺪن اﻟﻜﺒرية ،وﺗﺴﱰﻋﻲ اﻟﻨﻈﺮ ﺷﻴﻼﻧﻬﻢ وﻣﻼﻓﺤﻬﻢ ،ﻓﺎﻟﺸﺎل أو املﻌﻄﻒ ﻗﻄﻌﺔ ﻛﺒرية ﻣﻦ ﺻﻮف ﻳﻔﺘﺤﻮن ﰲ وﺳﻄﻬﺎ داﺋﺮة ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺮأس ﻣﻨﻬﺎ دون أﻛﻤﺎم أو أزرار ،وﺳﺤﻨﻬﻢ ﺳﻤﺮاء ﻣﺴﺘﻄﻴﻠﺔ وﺷﻌﻮرﻫﻢ ﻻﻣﻌﺔ ﺳﻮداء ﻣﺮﺳﻠﺔ ﺗﺆﻳﱢﺪ ﺷﺪﻳﺪ اﺧﺘﻼﻃﻬﻢ ﺑﺎﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺧﺬ اﻟﻘﻄﺎر اﻟﻔﺎﺧﺮ ﻳﻮﻏﻞ ﰲ اﻟﺠﺒﺎل واﻟﺮﺑﻰ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﺨﴬة واﻟﺸﺠﺮ وﺻﺒﺎر اﻟﻜﺎﻛﺘﺲ وﺗﺘﺪﻓﻖ ﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ املﺴﺎﻳﻞ آن َ وآﺧﺮ ﻛﺎن ﻳُﺒﺎﻏِ ﺘﻨﺎ أﺣﺪ اﻟﻮدﻳﺎن املﻠﺘﻮﻳﺔ أو إﺣﺪى اﻟﻮﻫﺎد املﻨﺰرﻋﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﴪﻳﻌﺔ ،وﺑني ٍ زﻫﻮر ﻃﻼﺋﻊ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﺗﻨﻘﺶ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺠﺬاﺑﺔ ،وﰲ ﻣﺤﻄﺔ »ﻻي ﻻي« ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ً أﻧﻔﺎﻗﺎ ﻋﺪة ،ﻋﲆ أن اﻟﺠﻮ ﻫﻨﺎ ﺑﺪأ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺴري ﻏﺮﺑًﺎ ﺻﻮب املﺤﻴﻂ اﻷﻋﻈﻢ وﻧﺨﱰق ﱠ ﻳﺘﻐري وﺗﻠﺒﱠﺪ َِت اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺎﻟﻐﻴﻮم اﻟﺘﻲ ﺗﺰﺟﻴﻬﺎ رﻳﺎح املﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدي ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻨﺘﻴﺎﺟﻮ ﰲ ﻧﺠﻮة ﻣﻦ واﺑﻠﻬﺎ وﻃﻠﻬﺎ .وﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﺑَﺪَا ﺧﻠﻴﺞ ﻓﻠﱪﻳﺰو اﻟﺴﺎﺣﺮ اﻟﺬي أذﻛﺮﻧﻲ ﺑﺨﻠﻴﺞ ﻧﺎﺑﲇ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﰲ اﻣﺘﺪاده اﻟﻬﻼﱄ ،وﻇﻬﺮت أﺑﻨﻴﺔ اﻟﺒﻠﺪة ﻋﲆ ﻃﻮل ﻣﻨﺤﺪره ﺗﺘﺪرج ﻋﻠﻮٍّا.
76
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
رﺑﻮة ﺳﺎن ﻛﺮﺳﺘﺒﺎل ﻧﺼﻌﺪﻫﺎ ﺑﱰام ﻣﻌﻠﻖ.
ﻓﻠﺒﺎرﻳﺰو أو Valde Paraisoأي » Vale of paradiseوادي اﻟﺠﻨﺔ« ،ﻫﻲ ﺟﻨﺔ ٍّ ﺣﻘﺎ ﺑﻤﺸﺎﻫﺪﻫﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺴﺎﺣﺮة ،وﻗﺪ ﺷﺒﱠﻬﻮﻫﺎ ﺑﻤﺎﺳﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻏﺮﺳﺖ وﺳﻂ ﻣﺘﺴﻊ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺮد ﻳﺪﻋﻤﻬﺎ ﻣﺆﺧﺮ ﺟﺬاب ﻣﻦ ﻓريوز أزرق؛ ﻧﺰﻟﺖ أﺟﻮب ﺑﻌﺾ أرﺟﺎﺋﻬﺎ ﻓﺘﺠﻠﺖ اﻟﺒﻠﺪة أﻣﺎﻣﻲ ً ﻗﻮﺳﺎ ﻫﻼﻟﻴٍّﺎ ،ﺟﺰؤﻫﺎ اﻷﺳﻔﻞ ﺳﻬﻞ ﻗﻠﻴﻞ اﻟﻌﺮض ﻋﻈﻴﻢ اﻻﻣﺘﺪاد ،وﻣﻦ وراﺋﻪ ﻣﺒﺎﴍة اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺘﻆ ﺑﺎملﺒﺎﻧﻲ املﺪرﺟﺔ واﻟﺸﺠﺮ اﻟﻜﺜﻴﻒ ،ﻓﻬﻲ ﺑﻠﺪﺗﺎن :اﻟﺴﻔﲆ واﻟﻌﻠﻴﺎ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺴﻔﲆ ﻏﺎﻟﺐ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ،وﰲ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻏﺎﻟﺐ املﺴﺎﻛﻦ ،وﺷﻮارع اﻟﺒﻠﺪة ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻘﻮﺳﺔ ﺑﺤﺬاء اﻟﺸﺎﻃﺊ 77
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ ،وﻫﻲ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺰﻳﺪ ﻋﲆ اﻷرﺑﻌﺔ إﻻ ﰲ ﺑﻘﺎع ﻧﺎدرة ،وﺑني ﻓﱰة وأﺧﺮى ً ﻣﺘﻨﺰﻫﺎ ﺑﺪﻳﻌً ﺎ ﻧُﺴﻘﺖ ﻣﻨﺎﺑﺘﻪ وﻗﺎﻣﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ واﻟﺠﻮاﺳﻖ واملﻘﺎﻋﺪ ،وﺗﺆدي ﻏﺎﻟﺐ ﺗﺮى اﻟﺸﻮارع اﻟﻄﻮﻟﻴﺔ إﻟﻴﻪ ،وﺗﻜﺎد ﺗﻘﺘﴫ ﺣﺮﻛﺔ املﺮور ﰲ ﻛﻞ ﺷﺎرع ﻋﲆ ﺟﻬﺔ واﺣﺪة ،وﻫﺬه ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺟﻬﺔ اﻟﺴري ﰲ اﻟﺸﺎرع املﺠﺎور وﻫﻜﺬا .أﻣﺎ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﱰﺗﻘﻲ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺮواﻓﻊ راﺟ ًﻼ درج »ﻓﻨﻜﻠري« ﺑﺄﺟﺮ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ املﻠﻴﻢ ،وﻫﻲ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷرﺟﺎء؛ و َملﻦ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺼﻌﻮد ِ ﻣﻠﺘﻮ ﺷﺎﻫﻖ ،أﻣﺎ ﻣﻨﺎﻇﺮ اﻟﺒﺤﺮ واﻟﺮﺑﻰ واﻟﻐﺎﺑﺎت ﻣﻦ ﻓﻮق ﺗﻠﻚ املﺮﺗﻔﻌﺎت ﻓﺴﺎﺣﺮ ،وﻟﻘﺪ أﻋ ﱠﺪ ٍ اﻟﻘﻮم ﺑﻌﺾ املﺘﻨﺰﻫﺎت واملﻘﺎﻋﺪ ﺗﻄ ﱡﻞ ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻴﺞ ،ﻳﺠﻠﺲ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻼ ﻳﺘﻤﺎﻟﻚ أن ﻳﴪح َ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺷﺒﱠﻬَ ﻬﺎ اﻟﻘﻮم ﺑﻨﺎﺑﲇ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﰲ ذﻫﻮل ﺑﻪ اﻟﺨﻴﺎل ﰲ ﺷﺒﻪ ٍ ﻧﻈﺮي أﻛﺜﺮ ً ﺧﻔﺔ وأﺑﻬﻰ ﻣﻨﻈ ًﺮا؛ وﻣﻦ أﻓﺨﺮ ﺿﻮاﺣﻴﻬﺎ »ﻓﻴﻨﺎدل ﻣﺎر «Vinadel marﻣﺴﻜﻦ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺑﻔﻼﺗﻬﺎ اﻟﻔﺎﺧﺮة ،وأﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﺬﻛﺮﻫﺎ ﺑﻪ اﻟﺰاﺋﺮون »اﻟﻜﺎزﻳﻨﻮ« ﺷﺒﻴﻪ ﻛﺎزﻳﻨﻮ ﻣﻮﻧﺖ ﻛﺎرﻟﻮ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ ﻟﻴﺪو أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،وﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﴐوب املﻼﻫﻲ وﻣﻼﻋﺐ املﻴﴪ ﳾء ﻛﺜري ،ﺛﻢ »اﻟﺒﻼج« ﻟﻼﺳﺘﺤﻤﺎم ،وﺳﻜﺎن ﺗﻠﻚ اﻟﻀﺎﺣﻴﺔ وﺣﺪﻫﺎ ﺧﻤﺴﻮن ً أﻟﻔﺎ ،وﻫﻲ أﻓﻀﻞ ﺟﻮٍّا ﻣﻦ ﻓﻠﱪﻳﺰو ﻷﻧﻬﺎ أﻗﻞ ﺗﻌ ﱡﺮ ً ﺿﺎ ﻟﻠﻌﻮاﺻﻒ. وﻳﺒﺪو ﻋﲆ ﻓﻠﱪﻳﺰو ﻛﺜﺮة ﺗﺰاﺣﻢ اﻷﻫﻠني ،ﻓﻬﻲ ﻋﲆ ِﺻ َﻐﺮﻫﺎ ﺗﺌﻮي زﻫﺎء ١٩٠٠٠٠ ﻧﻔﺲ ،وﻣﻦ أﻇﻬﺮ اﻟﺠﺎﻟﻴﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ :اﻷملﺎن واﻹﻧﺠﻠﻴﺰ واﻟﻄﻠﻴﺎن ،ﻋﲆ أن اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻷﻫﻠني ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻌﻮز واﻟﻔﻘﺮ املﺪﻗﻊ ،ﻓﺎﻟﻄﺮق ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺼﺒﻴﺔ اﻟﺸﻮارع وﻫﻢ ﺣﻔﺎة َﻗﺬِرون ،وﰲ ﺛﻴﺎب ﻣﻬﻠﻬﻠﺔ واملﺘﺴﻮﻟﻮن ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،واﻷﺣﻴﺎء اﻟﻔﻘرية ﻛﺜرية وﻟﻬﻢ ﺳﻮق ﰲ أﺣﺪ املﻴﺎدﻳﻦ ُ ﺑﺴ َﻠﻌﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﴬ وزﻫﻮر وﻣﺄﻛﻮﻻت ،وﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑ ِﻘ َ َ اﻷرض ِ ﻄﻊ اﻟﺒﺎﻋﺔ اﻟﻔﺴﻴﺤﺔ ﻳﻔﱰش ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ ﺻﺪئ ﻗﺪﻳﻢ وﻛﺜري ﻣﻦ ﺳﻘﻂ املﺘﺎع ،وﺗﺰاﺣُ ﻢ اﻟﺒﻘﺎء واملﻜﺎﻓﺤﺔ ﰲ اﻟﺒﻴﻊ واﻟﴩاء ﱠ ﻫﻨﺎك ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺤﺪ اﻷﻗﴡ ،وﻛﻢ ُ ﻳﺘﺠﲆ ﻋﲆ وﺟﻮه اﻟﻜﺜري ﻛﻨﺖ أﺗﺄﻟﻢ ملﻈﻬﺮ اﻟﺒﺆس اﻟﺬي ﻛﺎن وأزﻳﺎﺋﻬﻢ ،وﻏﺎﻟﺐ اﻟﻘﻮم ﻫﻨﺎ ﻣﻨ َﻜﺒﱡﻮن ﻋﲆ إدﻣﺎن اﻟﺨﻤﺮ وﻋﲆ اﻹﴎاف ﰲ اﻟﻠﻬﻮ واملﺠﻮن ً ﻟﻴﻼ، وﻳﻜﺎدون ﻳﻈﻠﻮن ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻋﲆ أن وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻠﻬﻮ ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﻜﺜﺮة واﻟﻔﺨﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ رأﻳﺘﻬﺎ ﰲ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﻨﺖ أﺳﺎﺋﻞ ﻧﻔﴘ :ﻣﺎذا ﻋﴗ أن ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺆﻻء ﻟﻮ أُوﺗُﻮا ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻰ ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﻠﻬﻮ ﻣﺎ أُوﺗِﻴﻪ أﻫﻞ ﺑﻮﻧﺲ أﻳﺮس؟ أﻣﺎ ﻣﺸﻬﺪ ﺧﻠﻴﺞ ﻓﻠﱪﻳﺰو ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺮﺑﻰ ً ﻟﻴﻼ ﻓﺴﺎﺣﺮ ﻟﻢ أ َ َر أﺟﻤﻞ ﻣﻨﻪ ،ﺟﻠﺴﺖ ﻣﺮا ًرا ﻋﲆ ﺟﺮف ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺑﻰ وﻣﻦ دوﻧﻲ ﻗﻮس ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ ﺿﺨﻤﺔ ﻧﺎﺻﻌﺔ اﻟﺒﻴﺎض ﺿﻮءﻫﺎ ﺧﺎﻃﻒ ،وﻣﻦ ﺧﻠﻔﻬﺎ ﻧﺠﻮم ﺗﺘﻸﻷ ﰲ ﻛﺜﺮة ﺗﻤﻸ اﻟﺮﺑﻰ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﺳﻔﺎﺋﻦ املﺎء ﻣﻨﺜﻮرة ﰲ ُ ﻓﻜﻨﺖ أﺟﺪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻠﺴﺎت ﻟﺬ ًة ﻛﺒري ًة واﺳﺘﻤﺘﺎﻋً ﺎ ﻻ ﺣ ﱠﺪ ﻟﻪ، ﻋﺮض املﻴﻨﺎء ﺑﺄﺿﻮاﺋﻬﺎ، 78
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺗﺰاﺣﻢ املﺼﻠني ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺳﻨﺘﻴﺎﺟﻮ.
ﻟﻴﻼ ،وﻛﻢ َ واملﻨﻈﺮ ﻻ ﻳﻘﻞ روﻋﺔ ﻋﻦ ﻣﻨﻈﺮ رﻳﻮدﺟﺎﻧريو ً أﻧﻘ َ ﺺ ﻣﻦ ﺟﻼل ﺗﻠﻚ املﻨﺎﻇﺮ اﻟﺠ ﱡﻮ اﻟﻌَ ِﻜﺮ املﺎﻃﺮ اﻟﺬي اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ ﺑﻪ ﻓﻠﱪﻳﺰو ﻋﲆ ﺧﻼف ﻣﺎ ﻋﻬﺪﺗﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ املﺘﻮﺳﻄﺔ ﻣﻦ ﻟﻜﻦ ﺣ ﱢ ﺷﻴﲇ؛ إذ ﻧﻌﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﺟﻨﺔ اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﺷﻤﺴﻬﺎ ﻣﴩﻗﺔ وﺷﺘﺎؤﻫﺎ دﰲء ﺟﻤﻴﻞ ،ﱠ ﻈﻲ ً ﻛﺎﻣﻼ؛ ﻷن ذاك اﻟﺠﻮ اﻟﺮديء ﻧﺎدر ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،ﻓﺈذا ﻣﺎ ﻫﺒﺖ ﺑﻌﺾ ﻋﻮاﺻﻒ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ املﺤﻴﻂ أو اﺷﺘﺪت رﻳﺤﻪ أزﺟﺖ أﺑﺨﺮة اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻚ ﻓﺸﺒﻌﺖ اﻟﺠﻮ وﻋﻠﺖ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺎل ﻓﺄﺷﺒﻌﺘﻬﺎ ً واﺑﻼ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺣﺪث أﻳﺎﻣﻲ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﻤﺘﻬﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻏﺰارة املﻄﺮ ﺗﺸﺘﺪ ﰲ اﻷﺻﻴﻞ واملﺴﺎء ،وﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺳﺎﺋﻞ ﻧﻔﴘ :ﻣﺎذا ﻋﴗ أن ﺗﻜﻮن ﺣﺎل اﻟﺠﻮ 79
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻧﺼﻌﺪ إﱃ ﻓﻠﱪﻳﺰو اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺮواﻓﻊ.
ﰲ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﻦ ﺷﻴﲇ داﺋﻢ اﻟﺘﻌ ﱡﺮض ﻟﻠﺮﻳﺎح اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻌﻪ ً واﺑﻼ ﻣﻦ ﻃﻠﻬﺎ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺸﻬﻮر واﻷﻳﺎم. َ وﻏﺎﻟﺐ ﻣﺒﺎﻧﻲ املﺪﻳﻨﺔ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻬﺪ ﺑﺎﻹﻧﺸﺎء ،ﻓﻜﻢ ﺗﻌ ﱠﺮﺿ ِﺖ اﻟﺒﻠﺪة ﻟﻠﻌﻮاﺻﻒ واﻟﻨريان ً ﺧﺼﻮﺻﺎ واﻟﺰﻻزل اﻟﺘﻲ أﺑﺎدت ﻣﻨﺸﺂﺗﻬﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن اﻟﻘﻮم ﻳﺘﺤﺎﺷﻮن إﻗﺎﻣﺔ اﻷﺑﻨﻴﺔ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ﰲ املﺮﺗﻔﻌﺎت ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﺎ أُﻗِ ﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﺧﺸﻴﺔ اﻟﺰﻻزل .وﻳﻈﻬﺮ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻈﺮوف اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻘﻮم ﰲ ﺷﻴﲇ ﻛﻠﻬﺎ أﻣﻴﻞ إﱃ اﻟﺴﻜﻮن واﻟﺘﻘﻄﻴﺐ؛ ﻓﺄﻧﺖ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺴﻤﻊ ﻟﻬﻢ ﺟﻠﺒﺔ رﻏﻢ ﻛﺜﺮﺗﻬﻢ ﰲ اﻟﻄﺮﻗﺎت ،وﻗﺪ رﻣﺎﻫﻢ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﻨﺰﻋﺔ اﻟﺤﺰن واﻻﻛﺘﺌﺎب ،وﻫﻢ ﰲ ذﻟﻚ ﻳﺸﺒﻬﻮن اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻻﺳﻜﺘﺶ ،أﻣﺎ ﺟﻤﺎل اﻟﺴﻴﺪات وﺗﺪﻟﻠﻬﻦ ﰲ اﻟﺴري ﻓﻔﺎﺋﻖ اﻟﺤﺪ، وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻦ ﻣﻤﱠ ﻦ ﻳﻤﻠﻦ ﻣﻊ اﻟﻬﻮى ،وﺑﻴﻮت اﻟﺪﻋﺎرة ﻻ ﺣﴫ ﻟﻬﺎ! ﻏري أن اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﻳﺮاﻗﺒﻬﻦ ﰲ ﺷﺪة وﴏاﻣﺔ؛ ﻓﻼ ﻳﺴﻤﺢ ﻹﺣﺪاﻫﻦ ﺑﺎملﺮور ﰲ اﻟﻄﺮﻗﺎت أو ﻣﻌﺎﻛﺴﺔ املﺎرة ،ﻏري أﻧﻬﻦ ﱢ ُﴩ َن ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻦ ،واﻷﻣﺮاض اﻟﴪﻳﺔ ﻣﻨﺘﴩة ﻳﻠﺘﻤﺴﻦ ﻏﻔﻠﺘﻪ وﻳﺠﺘﺬﺑﻦ املﺎرة وﻳﺼﻔ ْﺮ َن ﻟﻬﻢ وﻳ ِ ْ ﰲ ﻃﻮل اﻟﺒﻼد وﻋﺮﺿﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺑني ﺻﻐﺎر اﻷﻃﻔﺎل وﺑﺨﺎﺻﺔ أﺑﻨﺎء اﻟﺴﺒﻴﻞ. 80
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺳﻴﺪات اﻷروﻛﺎﻧﺎ ﺑﺴﺤﻨﻬﻦ املﻨﻔﺮة.
وﺳﻜﺎن اﻟﺒﻼد اﻷﺻﻠﻴﻮن — وﻫﻢ ﻗﺒﺎﺋﻞ أروﻛﺎﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻬﻨﻮد ﻟﻢ ﻳﻐﻠﺒﻮا أﺑﺪًا ،وﻻ ﺗﺰال ﻣﻨﻬﻢ ﻓﺌﺔ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﰲ اﻟﺠﻨﻮب وﻳﺴﻤﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ Mapuchesأي أﻫﻞ اﻟﺒﻼد ،وﻳﻔﺎﺧﺮ ﻛﺜري ﻣﻦ أﻫﻞ ﺷﻴﲇ ﺑﺎﺧﺘﻼط دﻣﻪ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ،وﻫﻢ ذوو أﺟﺴﺎم ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ وﻗﺎﻣﺎت ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ، وأﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﺗﺮى ﺣﻔﻼت اﻟﺮﻗﺺ وﻓﻴﻬﺎ ﻳﻘﻔﻮن ﰲ دواﺋ َﺮ ﻣﺘﻼﺻﻘﻲ اﻷﻛﺘﺎف وﻳﺪورون ﰲ ﻫﺮوﻟﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﲆ ﻧﻘﺮات ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﺗﺪق ﻋﲆ ﻗﻄﻊ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ،وﰲ ﺧﺘﺎم اﻟﺤﻔﻠﺔ ﺗﺸﻮى ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻴﻮل وﺗﺆﻛﻞ ﻣﻊ اﻟﺬرة ،وﻳﴩب اﻟﺨﻤﺮ ﰲ إﴎاف ﻓﻈﻴﻊ .وزﻋﻴﻢ اﻟﻄﺐ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ Machiﻳﻤﺴﻚ ﻃﺒﻠﺔ داﺧﻠﻬﺎ أﺟﺮاس ﻳﺪﻗﻬﺎ ﻓﺘﺬﻋﺮ ﻋﻔﺎرﻳﺖ املﺮض وﺗﻬﺮب ،وﺗﻠﺒﺲ 81
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺠﻮز ً ﺷﺎﻻ أﺣﻤ َﺮ ،وﻳُﻌ َﺮف ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﻌﻤﻮد ﻳُﻌ ﱠﻠﻖ ﻓﻴﻪ ﻓﺮع ﺷﺠﺮة ﻣﻘﺪﺳﺔ وﺟﻠﺪ ﺷﺎة وﺑﻌﺾ دم اﻟﺸﺎة ﺿﺤﻴﺔ ﻟﻶﻟﻬﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺼﻌﺪه املﺮأة وﺗﻠﻘﻲ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻪ إﱃ اﻷرض ،وملﺎ ﺣﺎ َو َل اﻹﺳﺒﺎن ﻏﺰو اﻟﺒﻼد ﺳﻨﺔ ١٥٣٥ﻻﻗﻮا ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻋﻨﻴﻔﺔ ،وﺗﻜﺮرت املﺬاﺑﺢ ﺑني اﻟﻔﺮﻳﻘني ،ﻓﻜﺎن ﻓﺎﻟﺪﻳﻔﻴﺎ ﻳﺄﻣﺮ رﺟﺎﻟﻪ أن ﻳﻘﻄﻌﻮا أﻧﻮف اﻷﴎى ﻣﻦ اﻷروﻛﺎﻧﺎ وأﻳﺪﻳﻬﻢ وﻳﻄﻠﻘﻮﻫﻢ ﻳﻌﻮدون ﻷﻫﻠﻬﻢ ،ﻓﻜﺎن اﻷروﻛﺎﻧﺎ ﻳﻘﺎﺑﻠﻮن ذﻟﻚ ﺑﺼﺐ اﻟﺬﻫﺐ املﺼﻬﻮر ﰲ أﻓﻮاه أﴎاﻫﻢ ﻣﻦ اﻹﺳﺒﺎن ،وﻟﻢ ﻳﻔﻠﺢ اﻹﺳﺒﺎن ﰲ ﻏﺰوﻫﻢ إﻻ ﺑﺎملﺼﺎﻫﺮة ﻣﻌﻬﻢ ،وﻗﺪ ﺳﺎﻋَ َﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ أن اﻹﺳﺒﺎن ﻟﻢ ﻳﺤﴬوا ﻧﺴﺎءَﻫﻢ ﻣﻌﻬﻢ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،ﻓﺘﺰوﱠﺟﻮا ﻣﻦ اﻟﻬﻨﻮد ،وﻟﻘﺪ ﻧﺘﺞ ﻋﻦ اﻟﺸﻌﺒني اﻟﺒﺎﺳﻠني — اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ واﻟﻬﻨﺪي اﻷﺣﻤﺮ — أﻏﻠﺒﻴﺔ أﻫﻞ ﺷﻴﲇ اﻟﻴﻮم ،وﻫﻢ ٍ وﴍف ،ﻟﻜﻦ أﺳﻮأ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮن ﻟﻪ اﻟﻴﻮم إدﻣﺎن اﻟﺨﻤﺮ اﻟﺬي ﻳﺒﺘﺎﻋﻮﻧﻪ اﺳﺘﻘﻼل وﺟ ﱟﺪ ﻗﻮم ٍ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ اﻟﺠﻨﻮب ،وﻳﺆﺛﺮون أﻛﻞ ﻟﺤﻢ اﻟﺨﻴﻞ، ﺑﺎﻟﺠﻠﻮد ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻋﲆ اﻟﻔﻄﺮة واﻷﻣﺮاض ﻣﻨﺘﴩة ﰲ ﺷﻴﲇ ﻛﻠﻬﺎ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﺠﺪري واﻟﻜﻮﻟريا ،وﻧﺴﺒﺔ وﻓﻴﺎت اﻷﻃﻔﺎل ﻛﺒرية ﻟﺠﻬﻠﻬﻢ وﻗﺬارﺗﻬﻢ ،ﻓﻨﺤﻮ ٪٤٠ﻣﻨﻬﻢ أﻣﻴﻮن ،وﻻ ﺗﺰال ﻟﺪى اﻷﻣﻬﺎت اﻟﺨﺮاﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮل »ﺑﺄن ﺗﺴﻌﺔ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺻﻐﺎر ﺧري ﺿﻤني ﺑﺪﺧﻮل اﻟﺠﻨﺔ« ،أﻋﻨﻲ أن اﻷم اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻮت ﻟﻬﺎ ﺗﺴﻌﺔ ﱡ اﻟﺘﺄﺧﺮ؛ ﻓﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺸﺎﻃﺮ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺠﻨﺔ ،وﻗﻴﻞ إن ﺗﻌﺼﺒﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﻋﺎو ََن ذاك ﰲ ﻗﺴﻢ ﻛﺒري ﻣﻦ ﻣﻮارد اﻟﺪوﻟﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻓﻼ ﺗﺰال ﻣﻦ أﺻﻔﻴﺎء اﻹﺳﺒﺎن ﻳﺤﺘﻔﻈﻮن ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻮﻇﺎﺋﻒ وﻣﻠﻜﻴﺔ اﻷرض ،واﻟﺠﻴﺶ وﻧﻈﺎﻣﻪ — ﻣﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ أملﺎﻧﻴﺎ — واﻷﺳﻄﻮل — ﻣﻘﺘﺒﺲ ﻋﻦ إﻧﺠﻠﱰا — وﻫﻢ ﻳﱰﻛﻮن ﻏﺎﻟﺐ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ واﻟﺰراﻋﻴﺔ ﻟﻠﻐري اﺣﺘﻘﺎ ًرا ﻟﻬﺎ .وﻣﻤﺎ ﻳُﺬ َﻛﺮ ﻋﻦ ﺷﻴﲇ أﻧﻬﺎ أول ﻣﻨﺒﺖ ﻟﻠﺒﻄﺎﻃﺲ اﻟﺬي ﻧﻘﻞ ﻣﻨﻬﺎ إﱃ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺒﻮب ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺸﻒ اﻟﺠﻐﺮاﰲ ﺳﻮى اﻟﺬرة ،وﻻ ﻣﻦ ذوات اﻷرﺑﻊ ﺳﻮى اﻟﻐﺰال واﻟﺠﻮاﻧﺎﻛﻮ ،ﻟﻜﻨﻚ ﺗﺮى اﻟﻴﻮم ﻛﻞ أﻧﻮاع اﻟﺤﺒﻮب وﺣﻴﻮان املﺮﻋﻰ واﻟﺨﻴﻮل. ﻗﻤﺖ أﺑﺮح ﻓﻠﺒﺎرﻳﺰو اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ وﻏﺎدرت أوﺗﻴﻞ Palace Coppolaاﻟﻔﺎﺧﺮ اﻟﺮﺧﻴﺺ — ٢٠ﺑﻴﺴﻮ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ أي ً ١٦ ﻗﺮﺷﺎ — وﻳﻌﺎدل أﻓﺨﺮ اﻟﻔﻨﺎدق ﻋﻨﺪﻧﺎ ،وﺣﻠﻠﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة »ﺳﺎﻧﺘﺎ ﻛﻼرا« ﻟﴩﻛﺔ Star lineاﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ وﻫﻲ ردﻳﺌﺔ ،ﻓﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﱃ ﺑﻬﺎ دون درﺟﺔ ﺗﻮرﻳﺴﺖ ﰲ »ﻣﻮﻧﺖ ﺳﺎرﻣﻴﻨﺘﻮ اﻷملﺎﻧﻴﺔ« ،أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ َ ﻓﻘﺬِرة ﻣﻨﻔﺮة ،وﻟﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﻧﺘﻬﻜﻢ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﴩﻛﺔ ﻓﻨﺴﻤﻴﻬﺎ ،Disgrace lineﻋﲆ أن ﺧري ﻣﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﴎﻋﺘﻬﺎ؛ ﻓﻬﻲ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ أﴎع ﺑﻮاﺧﺮ اﻟﺴﺎﺣﻞ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﺗﻘﻄﻊ املﺴﺎﻓﺔ إﱃ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﰲ ﺳﺒﻌﺔ ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ،وﻣﻮاﻗﻴﺖ وﺻﻮﻟﻬﺎ وﻗﻴﺎﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﻐﻮر دﻗﻴﻘﺔ ﺟﺪٍّا. ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻨﺎ ﰲ ﺗﻤﺎم اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ وأﺧﺬ ﺧﻠﻴﺞ ﻓﻠﱪﻳﺰو ﻳﺘﺠﲆ ﰲ ﻛﺎﻣﻞ ﺑﻬﺎﺋﻪ وﺑﺪﻳﻊ روﻧﻘﻪ، وﻣﺎ ﻛﺪﻧﺎ ﻧﺨﺮج إﱃ املﺤﻴﻂ اﻷﻋﻈﻢ ﺣﺘﻰ أﺧﺬت ﺗﱰﻧﺢ وﺳﻂ ﻣﻮﺟﻪ اﻟﻬﺎﺋﺞ اﻟﺮﻫﻴﺐ ،وﻋﺮا
Mapuches
82
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻏﺎﻟﺐ املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ُ ﻣﺮض اﻟﺒﺤﺮ ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻴﻈﻬﺮ أن ﻛﺜﺮة اﻟﺘﺠﻮال ورﻛﻮب اﻟﺒﺤﺎر ﻗﺪ أﻛﺴﺒﺘﻨﻲ ً ﻣﻨﺎﻋﺔ ﺿﺪ ﻫﺬا املﺮض ،ﻣﻊ أﻧﻲ ُ ﻛﻨﺖ ﱠ ﺣﺴ ً ﻋﻤﻴﻘﺎ، ﺎﺳﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ،وﻗﺪ ﻧﻤﺖ ﻟﻴﻠﺘﻲ ﻧﻮﻣً ﺎ ً ﺟﻤﻴﻼ ﱠ ً ﻟﻜﻦ ﻧ َ ِﺴﻤﻴَﻪ ﻗﻮي ﺑﺎرد ،وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى اﻟﺸﻮاﻃﺊ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻋﲆ ﻣﺸﻤﺴﺎ وﻛﺎن اﻟﺼﺒﺎح ﺑﻌﺪ ﻃﻴﻠﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﰲ ﺳﻼﺳ َﻞ ﺟﺒﻠﻴ ٍﺔ ﻣﺘﻌﺮﺟﺔ ،وأﺳﻤﺎك اﻟﺒﺤﺮ وﺣﻴﻮاﻧﺎﺗﻪ ﺗﻠﻌﺐ ﰲ ﻛﺜﺮة آن َ وآﺧﺮ ﺑﻨﺎﻓﻮرﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺬف ﺑﺎملﺎء إﱃ ﻋﻠﻮ ﻓﺎﺋﻘﺔ وأﻋﻤﻬﺎ اﻟﺤﻮت اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻈﻬﺮ ﺑني ٍ ﻛﺒري. وﻛﻨﺎ ﻧﺮى ﻋﲆ ﺑُﻌْ ٍﺪ إﱃ ﻳﺴﺎرﻧﺎ ﺑﻌﺾ ﺟﺰاﺋﺮ ﺳﺎﻧﺘﺎ ﻛﻼرا اﻟﺼﻐرية اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﻃﻦ »روﺑﻦ ﺳﺎن ﻛﺮوزو« ،وﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ رﺳﺖ ﺑﻨﺎ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﰲ ﻣﻴﻨﺎء »ﺷﻨﺎرال« إﺣﺪى ﻣﺪن ﺷﻴﲇ اﻟﺼﻐرية اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﲆ اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﻐﺮﺑﻲ ،وﻟﺸﺪ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ دﻫﺸﺘﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ رأﻳﺖ اﻹﻗﻠﻴﻢ ً ﻏﺎﻳﺔ ﰲ اﻟﺠﺪب واﻟﺠﻔﺎف؛ أرض ﺟﺒﻠﻴﺔ ﻋﺎرﻳﺔ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﺖ ﺣﺘﻰ اﻷﻋﺸﺎب اﻟﺸﺎﺋﻜﺔ وﺟﺒﺎﻟﻪ ﺗﺤﻜﻲ ﺟﺒﺎل ﺣﻠﻮان ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﺷﺘﺎن ﺑني ﻣﻈﻬﺮ اﻟﺨﺼﺐ واﻟﺨﴬة ﻣﻦ ﺷﺠﺮ وﻧﺒﺖ ﰲ ﻓﻠﱪﻳﺰو أﻣﺲ وﺑني ذاك املﻨﻈﺮ اﻟﻴﻮم .وﻟﻘﺪ ﻇﻠﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة إﱃ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ ﺗﺤﻤﻞ وﺳﻘﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﻞ اﻟﻨﺤﺎس اﻟﻐﻔﻞ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻐﻞ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺎل ،واﻟﺬي ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ﻗﺎﻣﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺼﻐرية املﻨﻌﺰﻟﺔ ،وﺑﻼد ﺷﻴﲇ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺟﻬﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺈﻧﺘﺎج اﻟﻨﺤﺎس ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،وﺑﺠﻮارﻫﺎ ً أﻳﻀﺎ ﻣﻨﺎﺟﻢ ﻟﻠﺤﺪﻳﺪ ،أﻣﺎ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻠﻴﺲ ﺑﻬﺎ ﳾء ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ؛ ﻓﻬﻲ ﺗﺤﻜﻲ اﻟﻘﺮى املﺠﺎﻧﺒﺔ ﻟﻠﺼﺤﺎري ﻋﻨﺪﻧﺎ ،ﻋﲆ أﻧﻬﺎ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﺗُ َﻀﺎء ﺑﺎﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ً ﻟﻴﻼ ﻓﻴ َُﺨﻴﱠﻞ إﻟﻴﻚ أﻧﻬﺎ ذات ﺷﺄن ﺑﺜﺮﻳﺎﺗﻬﺎ املﻨﺜﻮرة. دﻋﺎﻧﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ أﺣﺪ اﻟﺼﻴﻨﻴني ﻣﻦ رﻛﺎب اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﱃ ملﺸﺎﻫﺪة ﺑﻌﺾ اﻷﻓﻼم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻴﻌﺮﺿﻬﺎ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ اﻟﺒﺎﺧﺮة ،وإذا ﺑﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﺮب اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ، وﻛﻴﻒ اﻋﺘﺪى اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﻮن ﻋﲆ ﺑﻼد اﻟﺼني وﺧﺮﺑﻮا أﺣﻴﺎء ﻣﻦ ﺷﻨﻐﻬﺎي وﻗﺘﻠﻮا ﻣﻦ اﻷﻧﻔﺲ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ اﻟﱪﻳﺌﺔ ،وﻗﺪ أﻇﻬﺮت اﻷﻓﻼ ُم اﻟﺼﻴﻨﻴني ﻓﺎﺋﺰﻳﻦ ﻣﺘﻔﺎﻧني ﰲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﺑﻼدﻫﻢ وﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼم ﻧﺎﻃﻘﺔ ،وﻛﺎن ﻫﻮ وﺑﻌﺾ ﻣﻮاﻃﻨﻴﻪ ﻳﱰﺟﻤﻮن ﻟﻨﺎ ذﻟﻚ ﺑﺎﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ،ﻓﺄﻛﱪت ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ واﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺑﻼدﻫﻢ ﺿﺪ ﻃﻐﻴﺎن اﻟﻴﺎﺑﺎن ،واﻟﺮﺟﻞ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﰲ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻫﻮ وﻛﺜري ﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻪ ﻟﻴُﻮﻗِﻒ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ اﻓﺘﻴﺎت اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻋﲆ ﺣﻘﻮق اﻟﺼني ،وﺗﻠﻚ وﺳﻴﻠﺔ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻌﺎﻟﺔ ﰲ اﻛﺘﺴﺎب ﻋﻄﻒ اﻟﺸﻌﻮب واﺳﺘﻔﺰازﻫﺎ ﺿﺪ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﻪ اﻟﻴﺎﺑﺎن .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻲ أﻛﺎد أﻛﻮن ﻣﺘﺤﻴ ًﺰا ﻟﻠﻴﺎﺑﺎﻧﻴني ﻟﺸﺪة ﺣﺒﻲ ﻟﻬﻢ وإﻛﺒﺎري ﻹﺧﻼﺻﻬﻢ ﻟﺒﻼدﻫﻢ ،إﻻ أﻧﻲ ﺷﻌﺮت ﻋﻨﺪ ﻣﺸﺎﻫﺪة ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼم ﺑﴚء ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻴﺎء ﻣﻨﻬﻢ؛ إذ ﱠ ﱠ ﻣﺠﺴﻤً ﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ ﺗﺠﲆ ﻇﻠﻤﻬﻢ ﻟﻠﻐري ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎل ﺟﻤﻴﻊ املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻬﺪوا ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼم. 83
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
أﺻﺒﺤﻨﺎ واﻟﺠﻮ ﺑﺎرد واﻟﺴﻤﺎء ﻗﺎﺗﻤﺔ ،وإﱃ ﻳﻤﻴﻨﻨﺎ ﺟﺒﺎل ﺷﻤﺎل ﺷﻴﲇ املﺠﺪﺑﺔ ،وﻫﻲ ﺑﺪء ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺴﻤﺎد املﺸﻬﻮرة ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻐري ﺷﻴﲇ ،اﻟﺠﺰء اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﻨﻬﺎ »اﻧﺘﻮﻓﺠﺎﺳﺘﺎ« ﻟﺒﻮﻟﻴﻔﻴﺎ ،واﻟﺸﻤﺎﱄ »أﻛﻴﻚ« ﻟﺒريو ،ﺛﻢ اﻏﺘﺼﺒﺘﻬﺎ ﺷﻴﲇ ﻋﻘﺐ اﻧﺘﺼﺎرﻫﺎ ﰲ ﺣﺮب اﻟﺴﻤﺎد أﺧﺮﻳﺎت اﻟﻘﺮن املﺎﴈ ) .(١٨٧٩ﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺮى ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻌﺎﺗﻴﺔ املﺠﺪﻳﺔ ،وﻗﺪ أﺧﺬت ﺗﺰداد ﻋﻠﻮٍّا وﺗﻌﻘﻴﺪًا وﻳﻐﱪ ﻟﻮﻧﻬﺎ ﰲ اﺣﻤﺮار ﻣﻨﻔﺮ ﺣﺘﻰ رأﻳﻨﺎ ﻃﻼﺋﻊ ﺑﻠﺪة … أﻧﺘﻮﻓﺎﺟﺎﺳﺘﺎ ﻇﻬ ًﺮا ورﺳﻮﻧﺎ ﰲ ﻣﻴﻨﺎﺋﻬﺎ اﻟﺼﻐري ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﺻﻴﻒ؛ ﻷن ﻏﻮرﻫﺎ ﻟﻴﺲ ﺑﻌﻴﺪًا ،وأﻗﻠﻨﺎ زورق ﺻﻐري إﱃ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺘﻲ ﺑﺪت ﻧﻈﻴﻔﺔ ﺻﻐرية ،ﻃﺮﻗﻬﺎ ﰲ اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ وﺗﻌﺎﻣﺪ ،وﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﲆ ﻃﺎﺑﻖ واﺣﺪ اﻟﻠﻬﻢ إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﺟﺪٍّا اﻟﺬي ﺑﻠﻎ اﻻﺛﻨني أو اﻟﺜﻼﺛﺔ ،وﺟﻠﻬﺎ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻳ َ ُﻄﲆ ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻷﺣﻤﺮ ﻟﻴﺤﻜﻲ ﻟﻮن اﻟﱰﺑﺔ واﻟﺠﺒﺎل ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻬﺎ ،وﻟﻘﺪ أﻗﺎم اﻟﻘﻮم ﺑﻌﺾ املﺘﻨﺰﻫﺎت اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﰲ املﻴﺎدﻳﻦ اﻟﺼﻐرية رﻏﻢ أﻧﻬﺎ ﺗﻜﻠﻔﻬﻢ ﻛﺜريًا ،ﻓﱰﺑﺔ اﻟﺒﻼد ﻣﻠﺤﺔ ﻛﺜرية اﻟﻨﱰات واﻟﺼﻮدا وﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻠﺰرع أﺑﺪًا؛ ﻟﺬﻟﻚ ﺟﻠﺒﻮا ﺗﺮﺑﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺪاﺋﻖ ﻣﻦ وﺳﻂ ﺷﻴﲇ ،أﻣﺎ املﺎء ﻓﺸﺤﻴﺢ ﻻ ﺑﻞ ﻣﻌﺪوم ﻟﺸﺪة ﺟﻔﺎف اﻟﱰﺑﺔ ،وﻟﻜﺜﺮة أﻣﻼﺣﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻴﺎه اﻵﺑﺎر ﻣﺎﻟﺤﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻴﺎه اﻟﺒﺤﺎر؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻳُﺠ َﻠﺐ املﺎء ﰲ أﻧﺎﺑﻴﺐ ﻣﻦ ﻗﺮب ﺣﺪود أرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻛﻴﻠﻮﻣﱰ ،وﻟﻬﺬا ﻛﺎن املﺎء ﻏﺎﻟﻴًﺎ ﻳﺒﺎع املﱰ ﺑﺄرﺑﻊ ﺑﻴﺴﺎت أي ﻓﻮق ﺛﻼﺛﺔ ﻗﺮوش. واﻟﺒﻠﺪة ﺗﻘﻮم ﻋﲆ ﺗﺠﺎرة اﻟﻨﱰات ،وﺗﺼﻠﻬﺎ ﺑﺴﺎﺋﺮ ﺑﻼد ﺷﻴﲇ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻨﻬﺎ إﱃ ﻻﺑﺎز ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺑﻮﻟﻴﻔﻴﺎ ،وﺻﺎدف ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺟﻤﻴﻊ املﺘﺎﺟﺮ ﻣﻐﻠﻘﺔ وﺣﺮﻛﺔ اﻟﺒﻠﺪة ﻧﺎدرة ،إﻻ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻛﻦ ﻳﴩﻓﻦ ﻣﻦ ﻧﻮاﻓﺬ ﺑﻴﻮﺗﻬﻦ وﻳﺤﺎوﻟﻦ اﺟﺘﺬاﺑﻨﺎ ﺑﺎﻹﺷﺎرات واﻟﻨﺪاء واﻻﺑﺘﺴﺎم ،وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻴﻮم أﺣﺪ أﻋﻴﺎد اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﺧﺮج اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﺘﻴﺎت وﺻﺒﻴﺔ ،ﰲ ٍ َ ﺧﺎﺻﺔ ،واﻟﻨﺴﺎء واﻟﺮﺟﺎل ﰲ اﻷردﻳﺔ اﻟﺴﻮد ،ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷﻋﻼم وﻳﺮﺗﻠﻦ ﻣﻘﻄﻮﻋﺎت ﻣﻼﺑﺲ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ ،وﺟﻤﻬﺮة ﻣﻦ زﻋﻤﺎء اﻟﻘﺴﺲ ﺗﺴري ﰲ ﻟﺒﺎس اﻟﻜﻬﻨﻮت ﺗﺤﺖ ﻇﻠﻞ ﻛﺒرية ﻓﻜﺎن ً ﺟﻤﻴﻼ ،واملﺬاﻫﺐ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻣﺘﻐﻠﻐﻠﺔ ﰲ ﻗﻠﻮب اﻟﻘﻮم إﱃ اﻷﻋﻤﺎق ،ﻏري ﻣﻨﻈ ًﺮا أن ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻨﺴﻴﻬﻢ ﻣﺠﻮﻧﻬﻢ ،ﻓﻬﻢ ﻛﺜريو اﻹﴎاف ﰲ أﻣﻮر اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺨﻤﺮ واملﻴﴪ ،وﻋﻨﺪ ﻣﻮاﻗﻴﺖ اﻟﺼﻼة أو اﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻳﺘﺰاﺣﻤﻮن ﻋﲆ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﰲ ﺷﻜﻞ ﻳﺴﱰﻋﻲ اﻷﻧﻈﺎر. أﻧﺠﺰت ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﻞ اﻟﻨﺤﺎس ،واﻟﺒﻠﺪة ﺗﻈﻬﺮﻫﺎ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﺑﺬاك املﻌﺪن، ً وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻻﺑﺎز؛ ﻷﻧﻬﺎ وﻫﻲ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ ،وﺗﺘﺼﻞ ﺑﺠرياﻧﻬﺎ ﺑﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻣﴫف ﺗﺠﺎرة ﺗﻠﻚ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﺳﺘﻮن ً أﻟﻔﺎ ،وﻛﺎن ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺒﻠﺪة أﺛﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ أﺑﻬﻰ ﻣﻨﻪ 84
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
أﺛﻨﺎء اﻟﻨﻬﺎر؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻀﺎء ﺑﺎﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺛﺮﻳﺎﺗﻬﺎ ﺗﺒﺪو ﻣﻨﺜﻮرة ﰲ ﺳﻔﺢ اﻟﺠﺒﺎل ﰲ ﻛﺜﺮة ﻋﺠﻴﺒﺔ ،وﻣﻤﺎ ﻳﻠﻔﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﰲ ﺑﻠﺪان ﺷﻴﲇ ﻛﻠﻬﺎ ﺻﻐريﻫﺎ وﻛﺒريﻫﺎ ،وﻓﺮة اﻹﻧﺎرة ﺑﺎﻟﻜﻬﺮﺑﺎء؛ وذﻟﻚ ﻟﻮﻓﺮة ﻣﻨﺤﺪرات املﺎء ﻓﻴﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻫﻨﺎ ﺗُﻮ ﱠﻟﺪ ﺑﻘﻮة اﻟﺒﱰول ،واملﻨﻄﻘﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﺑﻪ وﺑﺎﻟﻔﻀﺔ واﻟﻨﺤﺎس .ﻗﻤﻨﺎ ﺻﺒﺎح اﻟﻴﻮم ﻣﺒﻜﺮﻳﻦ؛ ﻟﻨﺮى ﺛﻐﺮ Tocopillaاﻟﺬي رﺳﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ، وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻘﺎﻃﺮت »ﺻﻨﺎدل« وﺳﻘﺖ ﺑﺒﻠﻮرات »ﻧﱰات اﻟﺼﻮدا« وﻳﺴﻤﻴﻪ اﻟﻘﻮم saltpere أو Salitreﰲ ﻟﻮن أﺑﻴﺾ ﻧﺎﺻﻊ ﺑﺪا ﻛﺄﻧﻪ ﻓﺘﺎت اﻟﺴﻜﺮ أو املﻠﺢ اﻟﺼﺎﰲ ،وﺗﻠﻚ ﻫﻲ اﻷﺳﻤﺪة ذاﺋﻌﺔ اﻟﺼﻴﺖ ﰲ ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ ﺑﺎدﻳﺔ اﺗﻜﺎﻣﺎ ،وﺗﻮﺟﺪ ﻓﻮق ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺎل ﺗﻐﻄﻴﻬﺎ ﻃﺒﻘﺔ ﺻﺨﺮﻳﺔ ﻳﺰﻳﺤﻬﺎ اﻟﻘﻮم ،ﻓﻴﺒﺪو ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ ﻏﺸﺎء ﺻﺨﺮي ﻳﻜﴪوﻧﻪ ﺑﺎﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ ﺛﻢ ﻳﻨﻘﻠﻮﻧﻪ إﱃ املﻄﺎﺣﻦ ﻟﻴُﺴﺤَ ﻖ ﺛﻢ ﻳﺬاب ﰲ املﺎء اﻟﺴﺎﺧﻦ وﻳﱪد ﻓﱰﺳﺐ اﻟﺒﻠﻮرات وﺗُﺼﺪﱠر ﻋﲆ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي رأﻳﻨﺎه؛ وﻫﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻌﻤﻠﻴﺎت ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ أﺧﺮى ﻟﻴُﺠﻬﱠ ﺰ ﻣﻊ ﻏريه ﻣﻦ املﺮﻛﺒﺎت — ﻓﻮﺳﻔﺎت أو ﺑﻮﺗﺎس … إﻟﺦ — ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻄﻠﺒﻬﺎ ﻛﻞ ﻧﺒﺎت .وﻧﱰات اﻟﺼﻮدا اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﰲ اﻟﺘﺴﻤﻴﺪ واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻜﻴﻤﺎوﻳﺔ ،وﺗﻤﺘﺪ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺷﺎﺳﻌﺔ ﺟﻌﻠﺖ املﺤﺼﻮل ﺣﻜ ًﺮا ﻟﺸﻴﲇ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ — ٤٠٠ﻣﻴﻞ ً ﻃﻮﻻ ،و ٤٠إﱃ ١٠٠ﰲ داﺧﻞ اﻟﺒﻼد، ً وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻋﲆ ﻋﻠ ﱟﻮ ﺑني ٣٠٠٠و ٥٠٠٠ﻗﺪم — واملﺎدة أﻫﻢ ﺻﺎدرات ﺷﻴﲇ وﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎرك اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺒﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻫﻢ ﻣﻮارد اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻗﺪ ﺑﺪأت ﺳﻨﺔ ١٨٣٠ﺑﺘﺼﺪﻳﺮ ٨٠٠ﻃﻦ ،وﻧﻤﺖ ﺗﺠﺎرﺗﻪ ﺣﺘﻰ ﻣ ﱠﻮﻧ َ ْﺖ ﺷﻴﲇ اﻟﻌﺎﻟ َﻢ ﺑﻨﺤﻮ ٪٧٥ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺘﻪ ،ﻟﻜﻦ ﻣﺰاﺣﻤﺔ اﻟﻨﱰات اﻟﻜﻴﻤﺎوﻳﺔ ﻗﺪ ﻫﺒﻂ ﺑﺎﻟﺼﺎدر اﻟﻴﻮم إﱃ ١ ٢١ﻣﻠﻴﻮن ﻃﻦ ،واﻟﻨﱰات ﺗﻤﻮن زﻫﺎء رﺑﻊ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎك ،ﻳﺤﻠﻮن ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ املﺠﺪﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻳﺖ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ أﻟﺰم ﴐورﻳﺎت اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ ﻏﺬاء ووﻗﻮد وﺣﺘﻰ املﺎء واﻟﱰﺑﺔ اﻷرﺿﻴﺔ ﻟﻠﺤﺪاﺋﻖ واملﺘﻨﺰﻫﺎت ﻳﺠﺐ اﺳﺘريادﻫﺎ وﻟﻦ ﻳﻨﻔﺪ ﻫﺬا املﻮرد ﻗﺒﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ،وﻗﻴﻞ إن ﺳﻬﻮﻟﺔ اﺳﺘﺨﺮاﺟﻪ ﻗﺪ ﺳﺎﻋﺪت ﻋﲆ اﻟﻜﺴﻞ واﻟﺨﻤﻮل ﺑني أﻫﻞ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﰲ ﺷﻴﲇ ،وﻳﻈﻬﺮ أن أﺻﻞ اﻟﻨﱰات ﺑﺮﻛﺎﻧﻲ ،وﻗﻴﻞ إن ﻣﺴﺎرب املﺎء اﻟﻨﺎزل ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺠﺒﺎل إﱃ ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ املﺠﺪﺑﺔ ﻳﻜﻮن ﻣﻨﺎﻗﻊ ﺗﺠﻒ ﻓﱰﺳﺐ اﻷﻣﻼح ﰲ ﺑﻄﻮن ﻛﻮﱠﻧﺖ ﺗﻠﻚ املﺎدة ،واملﺎدة اﻟﻐﻔﻞ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ Chucaﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﺴﺤﻖ واﻟﻐﻠﻴﺎن واﻟﺘﺒﻠﻮر، واﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ Calicheﺗﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﺗﺮﺑﺔ رﻣﻠﻴﺔ ﻃﻴﻨﻴﺔ ﻫﺸﺔ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺳﻠﻔﺎت اﻟﺼﻮدا واﻟﺠري ،وﺳﻤﻜﻬﺎ ﺑني ١٠و ١٦ﺑﻮﺻﺔ ،ﺗﺤﺘﻬﺎ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ اﻟﻔﻠﺴﺒﺎر واﻟﺒﻮرﻓري وﻣﻠﺢ اﻟﻄﻌﺎم ﺗﻤﺎﺳﻜﺖ ﺑﺎﻟﻜﻠﺲ ،وﻳﻔﻮق ﺳﻤﻜﻬﺎ ﻗﺪﻣً ﺎ ،وﺗﺤﺘﻬﺎ أﺧﺮى ﺑﻬﺎ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﱰات ﻗﻠﻴﻠﺔ ،وﺗﺤﺖ ﻫﺬه ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻜﺎﻟﻴﴚ وﻳﱰاوح ﺳﻤﻜﻬﺎ ﺑني ١٨و ١٢ﻗﺪﻣً ﺎ ،وﺧري أﻧﻮاﻋﻬﺎ ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ ٪٥٠ ﻣﻦ اﻟﻨﱰات اﻟﻨﻘﻲ ،وﻗﺪ زاد ﰲ ﻗﻴﻤﺔ ﻧﱰات ﺷﻴﲇ اﺣﺘﻮاؤه ﻋﲆ … 85
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﻴﻮد :Iodineﻳُﺴﺘﺨ َﺮج ﺑﻜﻤﻴﺎت ﺗﺰﻳﺪ ﻋﲆ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ — ﻓﻮق ٪٩٠ﻣﻦ إﻧﺘﺎج اﻟﺪﻧﻴﺎ — ﻋﲆ أن زﻳﺎدة ﻣﻨﺎﻓﻌﻪ اﻟﻴﻮم ﰲ ﻋﻼج اﻷﻣﺮاض وﰲ اﻟﺘﻌﻘﻴﻢ وﰲ ﺗﻐﺬﻳﺔ املﺎﺷﻴﺔ زاد اﻟﻄﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻣﻦ ﻓﻀﻼت اﻟﻄﻴﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﰲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ املﺠﺎورة ﻟﺸﻴﲇ وﺑريو ﻳﺘﺨﺬ اﻟﺠﻮاﻧﻮ ،وﻫﻮ ﺳﻤﺎد ﻗﻴﻢ وﺳﺎﻋﺪ ﻣﻌﻴﺸﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﻴﻮر ﻛﺜﺮة اﻟﺴﻤﻚ اﻟﺬي ﻳﺠﺘﺬﺑﻪ ﺗﻴﺎر ﻫﻤﺒﻮﻟﺖ اﻟﺒﺎرد ،وﻣﻨﻪ ﻳﺘﻐﺬى اﻟﻄري ،وﺑﻪ ﻧﺴﺒﺔ ﻛﺒرية ﻣﻦ اﻟﻨﱰات واﻟﻔﻮﺳﻔﺎت — ،٪١١ .٪٧
اﻧﺘﻮﻓﺠﺎﺳﺘﺎ ﺛﻐﺮ اﻟﻨﱰات ﰲ ﺷﻴﲇ.
أﻣﺎ ﺑﻠﺪة ﺗﻮﻛﻮﺑﻠﻴﺎ ﻓﺸﺒﻴﻬﺔ أﺧﺘﻬﺎ اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ »اﻧﺘﻮﻓﺠﺎﺳﺘﺎ« ،ﻟﻜﻨﻬﺎ أﺻﻐﺮ ﻣﺪى وﺟﺒﺎﻟﻬﺎ ﱡ اﻟﺘﻐﻀﻦ واﻟﺠﺪب واﻟﻌﻠﻮ ،وﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﻨﺰول ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ أﺷﺪ ﻋﺘﻮٍّا وﻏﱪة وأﻣﻌﻦ ﰲ رﻏﻢ أﻧﺎ أﻗﻤﻨﺎ ﰲ ﻣﻴﺎﻫﻬﺎ زﻫﺎء ﺛﻤﺎن ﺳﺎﻋﺎت؛ ذﻟﻚ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻮﺑﻮءة ﺑﻤﺮض »اﻟﺘﻴﻔﻮس« ،وﻻ ﻳﺰال ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﻣﺮاض املﻌﺪﻳﺔ ﻣﻨﺘﴩًا ﰲ ﺑﻼد ﺷﻴﲇ ﻟﺠﻬﻞ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﻫﻠني ،واﻓﺘﻘﺎرﻫﻢ إﱃ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ.
86
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
) (5ﺑريو ﻣﻬﺪ ﻣﺪﻧﻴﺔ اﻷﻧﻜﺎ وﺻﻠﻨﺎ أرض ﺑريو ﺑﺎﻛﻮرة ﻫﺬا اﻟﺼﺒﺎح وﻗﺪ أﺧﺮﻧﺎ ﺳﺎﻋﺎﺗﻨﺎ ﺳﺎﻋﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﻨﺘﻤﴙ ﻣﻊ زﻣﻦ ﺑريو ،وﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ رﺳﺖ ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ وﺳﻂ ﺑﺤﺮ ﻣﻀﻄﺮب ﻣﺎﺋﺞ إﱃ ﺟﻮار ﺷﻮاﻃﺊ ﺛﻐﺮ »ﻣﻮﻟﻴﻨﺪو «Moliendoاﻟﺬي ﻛﺎن ﻳُﺮى ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪٍ ،ذي ﺷﺎﻃﺊ ﺻﺨﺮي ﻣﺨﻴﻒ ﻳﴬب املﻮج ﻓﻴﻪ ﻓﻴﻌﻠﻮ رﺷﺎﺷﻪ وزﺑﺪه إﱃ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء ،وﻟﻘﺪ َأﻗ ﱠﻠﻨﺎ إﱃ اﻟﱪ زورق ﺻﻐري ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ً ﻋﻨﻴﻔﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎرﺑﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺨﻮر ﻟﻢ ﻧﺴﺘﻄﻊ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻌﺐ ﺑﻪ اﻷﻣﻮاج وﺗﺘﺠﺎذﺑﻪ ﺗﺠﺎذﺑًﺎ ﻣﻼﻣﺴﺘﻬﺎ؛ ﺑﻞ دارت إﺣﺪى رواﻓﻊ املﻴﻨﺎء وأدﻟﺖ ﻛﺮﺳﻴٍّﺎ ﻛﺒريًا إﱃ اﻟﺰورق أﻣﺴﻜﻨﺎ ﺑﻪ ،ﺛﻢ رﻓﻌﺘﻨﺎ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻛﺒرية ودارت ﺑﻨﺎ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﱪ وأﻟﻘﺖ ﺑﻨﺎ ﻓﻴﻪ ،وﺗﻠﻚ ﻫﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻬﺎ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ اﻟﱪ أو إﱃ اﻟﺒﻮاﺧﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻒ ﺑﻌﻴﺪًا .أﻣﺎ اﻟﺒﻠﺪة ﻓﻤﺠﻤﻮﻋﺔ أﺑﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﺟﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺔ واﺣﺪة أُﻟﻘِ ﻴﺖ ﰲ ﻏري ﻧﻈﺎم ﺗﻤﺮ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻃﺮق رﻣﻠﻴﺔ ﻣﱰﺑﺔ ﻏري ﻣﺮﺻﻮﻓﺔ ،وﻛﻨﺖ أﻋﺠﺐ ﻟﻘﻠﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﺑﻬﺎ وﻧﺪرة اﻷﻫﻠني ﻓﻜﺄﻧﻬﺎ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن ،وﻛﺎن ﻳﺒﺪو ﻋﲆ وﺟﻮه اﻟﻜﺜري املﻼﻣﺢ اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ ،ﻓﻜﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺴﻤﺮة ﻣﴩف اﻷﻧﻒ ﻫﺎدل اﻟﺸﻌﺮ ،وﻗﺪ أﺗﻴﺤﺖ ﱄ ﻓﺮﺻﺔ زﻳﺎرة ﻣﺪرﺳﺘني :املﺪرﺳﺔ اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ،وﻫﻲ ﻗﺴﻤﺎن؛ ﻟﻠﺬﻛﻮر ﻗﺴﻢ ،وﻟﻺﻧﺎث َ آﺧﺮ ،وﻻ ﺑﺄس ﺑﺘﻤﻮﻳﻨﻬﺎ وأدواﺗﻬﺎ ،وﻋﺪد اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻗﻠﻴﻞ ﻓﻜﺎن ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ أرﺑﻌﺔ .وﺛ َ ﱠﻢ املﺪرﺳﺔ اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺴني ،وﻫﻨﺎ ﺑﺪا ﻋﲆ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷوﻻد اﻻﻓﺘﻘﺎر إﱃ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ،وﻛﺎن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺣﻔﺎة اﻷﻗﺪام ،وأرض اﻟﺒﻠﺪة ﻣﻤﻮﺟﺔ ﻣﺠﺪﺑﺔ ﻣﱰﺑﺔ وﺗﻘﻮم ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻳﺖ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻧﺒﺖ ،وﺗﻘﻊ ﻋﲆ ﺷﻮاﻃﺊَ ﻟﻠﻤﺎء أﺳﻮأ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺘﻘﻰ ﻹﻗﺎﻣﺔ ﻣﺮﻓﺄ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﴩﻓﺔ ﻏﺎﺋﺮة ،وﴐب املﺎء ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺪﻳﺪ ﻻ ﻳﻬﺪأ ﺛﺎﻧﻴﺔ واﺣﺪة .ﻋﲆ أن ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺒﻠﺪة ﻋﲆ ِﺻ َﻐﺮﻫﺎ — ١٠٠٠٠ﻧﻔﺲ — ﻫﺎم؛ إذ ﻫﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺑني ﻛﺰﻛﻮ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﻺﻧﻜﺎ وإﱃ ﺑﺤرية ﺗﺘﻜﺎﻛﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﲆ اﻟﺤﺪود ﺑني ﺑﻮﻟﻴﻔﻴﺎ وﺑريو؛ ﻓﻬﻲ إذن إﺣﺪى املﻨﺎﻓﺬ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﻬﺎﻣﺔ ﻟﺒﻮﻟﻴﻔﻴﺎ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻳﻘﺼﺪ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺋﺤني زﻳﺎرة اﻟﺒﺤرية واملﺪﻳﻨﺔ ﻟﺮؤﻳﺔ آﺛﺎر اﻷﻧﻜﺎ. وﻗﻔﺖ ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻳﻮﻣني اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ﺧﻼﻟﻬﻤﺎ أن ﻧﺮﻛﺐ اﻟﺴﻴﺎرات إﱃ ﺑﺤرية ﺗﺘﻜﺎﻛﺎ وﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﺰﻣﻮ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻷﻧﻜﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻓﻜﻨﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺻﻌﺪﻧﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﺧﺼﺐ اﻹﻗﻠﻴﻢ وﻳﻜﺜﺮ ﻧﺒﺘﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺗﺠﺎﻧﺒﻬﺎ وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺪوﻧﻬﺎ ﰲ اﻟﺪاﺧﻞ أﻋﲆ ﺳﻜﻚ ﺣﺪﻳﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ. وﺑﻌﺪ ﺳﺖ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻘﺮﻳﺔ »أرﻛﻮﻳﺒﺎ« وأﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﺑﻬﺎ ﺑﺮﻛﺎن »ﻣﺴﺘﻲ« املﺨﺮوﻃﻲ اﻟﺸﺎﻫﻖ ﺗﻜﺴﻮ أﻋﺎﻟﻴﻪ اﻟﺜﻠﻮج وﻳﺤﻮﻃﻪ اﻟﻨﺎس ﺑﺨﺮاﻓﺎت ﻋﺠﻴﺒﺔ ،وﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺘني وﺻﻠﻨﺎ ﺑﺤرية 87
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ُﴩف ﻋﲆ أرﻛﻮﻳﺒﺎ ﰲ ﺑريو. ﺑﺮﻛﺎن ﻣﺴﺘﻲ ﻳ ِ
ﻣﻴﻼ ﰲ ً ٥٠ ﺗﺘﻜﺎﻛﺎ اﻟﺘﻲ ﺑﺪت ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻤﺪودة ﻣﻦ ﻣﻴﺎه زرﻗﺎء ﺻﺎﻓﻴﺔ ذرﻋﻬﺎ ً ١٦٠ ﻣﻴﻼ، وﻋﻤﻘﻬﺎ ٨٧٥ﻗﺪﻣً ﺎ ،وﻫﻲ أﻋﲆ ﺑﺤريات اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺬﺑﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻌﻴﺶ ﰲ ﻣﺎﺋﻬﺎ ﺣﻴﻮان ﺳﻮى ﻧﻮع واﺣﺪ ﻳﺤﻜﻲ اﻟﴪدﻳﻦ ،وﻛﻨﺎ ﻧﺮى اﻟﺠﺰر ﺗﺘﺨﻠﻠﻬﺎ ﻋﲆ ﺑُﻌْ ٍﺪ وﺗﺠﻮﺑﻬﺎ اﻟﺰوارق ذوات اﻟﴩاع اﻟﻌﺠﻴﺐ اﻟﺬي ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﺴﺎ ،balsasوﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﺟﺰاﺋﺮﻫﺎ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﰲ ﺣﺪود ﺑﻮﻟﻴﻔﻴﺎ ،وﺗﻘﻮل أﻗﺎﺻﻴﺼﻬﻢ ﺑﺄن »ﻣﺎﻧﻜﻮﻛﺎﺑﺎك« وأﺧﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺰوﱠﺟَ ﻬﺎ ﺧﺮﺟَ ﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﱠ وأﺳ َﺴﺎ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻷﻧﻜﺎ ﰲ ﻛﺰﻛﻮ .وﻗﺪ ﺣﺎوﻟﻨﺎ أن ﻧﺮﻛﺐ ﻣﺎءﻫﺎ ﻟﻨﺮى ﺑﻌﺾ ﺟﻬﺎت ﺑﻮﻟﻴﻔﻴﺎ ﻟﻜﻨﻬﻢ رﻓﻀﻮا؛ ﻷن اﻟﺒﻼد ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺣﺮب ﻣﻊ ﺑﺮاﺟﻮاي ،وﻛﻨﺎ ﻧﺮى أﻋﲆ ﺑﻮاﺧﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ً ﻗﺎرﺳﺎ ،وﻟﻘﺪ أﺻﺎﺑﻨﻲ ﺗﻤﺨﺮ ﻋﺒﺎﺑﻬﺎ وﺗﺼﻞ ﻣﺎ ﺑني اﻟﻘﻄﺮﻳﻦ .وﻟﻘﺪ ﻛﺎن زﻣﻬﺮﻳﺮ اﻟﱪد ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻫﻨﺎك ﺻﺪاع ﺷﺪﻳﺪ ،ﻗﻴﻞ ﱄ إﻧﻪ ﻣﻦ أﺛﺮ اﻻرﺗﻔﺎع ،وﻣﺮض اﻟﺠﺒﺎل ﻫﻨﺎك ﻣﻌﺮوف ﻳﺸﻌﺮ 88
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺼﺪاع ﻳﺼﺤﺒﻪ ﻗﻲء وﺣﻤﻰ واﻛﺘﺌﺎب وﺿﻌﻒ وﺷﻌﻮر ﺑﺎملﺮض ﻳﺼﻌﺐ وﺻﻔﻪ، وﻳﻨﻔﺠﺮ اﻟﺪم ﻣﻦ اﻷﻧﻒ؛ وذﻟﻚ راﺟﻊ إﱃ ﺗﺨﻠﺨﻞ اﻟﻬﻮاء ،ﻋﲆ أن املﺘﻤﺮن ﻋﻠﻴﻪ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺼﺎب ً ﺧﺎﻃﻔﺎ ،وﻳﻘﻮﻟﻮن ﺑﺄﻧﻪ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻌﴚ ﺑﻪ ،وﻛﺎن ﺑﺮﻳﻖ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ﻋﲆ اﻟﺜﻠﻮج ﺣﻮﻟﻨﺎ اﻷﺑﺼﺎر ﻓﻴﴪع اﻟﻬﻨﻮد إﱃ ﻋﻼﺟﻪ ﺑﻮﺿﻊ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻢ ﺣﻴﻮان اﻟﻔﻴﻜﻮﻧﺎ وﻫﻲ ﻻ ﺗﺰال ﺗﻘﻄﺮ دﻣً ﺎ .وﻛﻨﺎ ﻧﺮى أﻫﻞ املﺮﺗﻔﻌﺎت ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻹﻳﻤﺎرا ﻗﺼﺎر اﻷﺟﺴﺎم أﻗﻮﻳﺎء اﻟﺒﻨﻴﺔ أﺷﺪاء ً ﻃﻮﻳﻼ ﻓﻮق ﺗﻠﻚ اﻟﻬﻀﺒﺎت »اﻟﺘﻮﺑﻼﻧﻮ« ،وﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺸﻬرية »اﻟﻜﻮﺗﺸﻮا« أﻫﻞ ﻋﲆ املﺴري اﻟﻮدﻳﺎن واملﻨﺨﻔﻀﺎت ،وﻫﻢ أﻗﻞ ﺳﻤﺮة وأﻛﺜﺮ ﻣﺴﺎملﺔ وأﻛﱪ ﻗﺎﻣﺎت ،واﻻرﺗﻔﺎع ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﲆ ﺿﻤﻮر اﻟﺠﺴﻢ وﺗﻘﻮﱡس ﻋﻈﺎم اﻟﺼﺪر ﺣﺘﻰ َﻟﱰى ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺗﺤﻜﻲ »اﻟﱪﻣﻴﻞ« ،وﻳﺰﻳﺪ ذﻟﻚ ﰲ ﻋﺪد ﻛﺮﻳﺎت اﻟﺪم اﻟﺤﻤﺮاء ﻛﻲ ﻳﺴﺘﺨﻠﺺ أﻛﱪ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻷﻛﺴﺠني اﻟﻨﺎدر ﰲ ذاك اﻟﻬﻮاء املﺨﻠﺨﻞ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﻨﺎ ﻧﺮى ﻏﺎﻟﺐ اﻟﻨﺎس ﻳﺴريون وأﻓﻮاﻫﻬﻢ ﻣﻔﺘﺤﺔ ﻛﺄﻧﻬﻢ اﻟﺒﻠﻬﺎء ﻻﺳﺘﻨﺸﺎق ﻣﻘﺪار أﻛﱪ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء ،وﻳﻈﻬﺮ أن ﻣﻌﻴﺸﺔ املﺮﺗﻔﻌﺎت ﺗﻄﻴﻞ اﻟﻌﻤﺮ؛ ﻓﻘﺪ ﻗﻴﻞ إن اﻹﺣﺼﺎء أﺛﺒﺖ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺰال ﺑني ﺳﻜﺎن ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺔ زﻫﺎء ١٢٠٠ﺷﺨﺺ ﺟﺎوزت أﻋﻤﺎرﻫﻢ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم. واﺻﻠﺖ اﻟﺴﻴﺎرة ﺑﻨﺎ اﻟﺴري ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت أﴍﻓﻨﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﺪﻳﻨﺔ … ﻛﺰﻛﻮ ﻓﺄﺧﺬﻧﺎ ﻧﺸﻖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺷﻮارع ﻣﺨﺘﻨﻘﺔ ﻣﻨﺤﺪرة ﺗﺮﺻﻒ أرﺿﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ اﻷﻧﻜﺎ ،وﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﺎت اﺧﱰاﻗﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻛﻨﺎ ﻧﺮى ﻗﻄﻌﺎﻧًﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﻮان اﻟﻼﻣﺎ ﺗﺴري ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﺑﺮءوﺳﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻲ رءوس اﻟﺠﻤﺎل ،وأﺟﺴﺎﻣﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻐﻨﻢ ،وأرﺟﻠﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎرب أرﺟﻞ اﻟﻐﺰﻻن ،وﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮوﻗﻨﺎ ﻣﺸﻴﺔ اﻟﻼﻣﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻮﻗﺎرُ ، ﻓﺨﻴﱢ َﻞ إﻟﻴﻨﺎ أن اﻟﺤﻴﻮان ﻻ ﻳﺰال ﻳﻔﺎﺧﺮ ﺑﺄﻧﻪ داﺑﺔ آﻟﻬﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﻣﻌﺒﻮدة اﻷﻧﻜﺎ ،واﻟﻌﺠﺐ أﻧﻚ إذا أﻏﻀﺒﺖ اﻟﺤﻴﻮان ﺑﺼﻖ ﰲ وﺟﻬﻚ! وإذا ﺣﻤﻠﺘﻪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻄﻴﻖ ﺑﺮك ﰲ اﻷرض وﻟﻢ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺣﺘﻰ ﱢ ﺗﺨﻔﻒ ﻣﻦ أﻋﺒﺎﺋﻪ .وﻏري اﻟﻼﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺮى ﻗﻄﻌﺎﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻴﻜﻮﻧﺎ واﻷﻟﺒﺎﻛﺎ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺷﺒﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻜﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻧﺤﻮﻻ ،وﻻ ﺗﺰال ﺗﺮى ﻗﻄﻌﺎن اﻟﺒﻐﺎل ﺗُ ﱠ ً ﺴﺨﺮ ﰲ اﻟﻨﻘﻞ ﻓﻮق ﻣﺮﺗﻔﻌﺎﺗﻬﻢ اﻟﻌﺎﺗﻴﺔ ،واﻟﻌﺠﺐ أن ﻋﻴﻮﻧﻬﺎ ﺗﻐﻤﻰ ﻋﻨﺪ ﺗﺤﻤﻴﻠﻬﺎ ﻟﻜﻴﻼ ﻳﺰﻋﺠﻬﺎ ﻛﱪ اﻷﺣﻤﺎل ،وﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺨﻠﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻦ املﺒﺎﻧﻲ ً أﺳﺎﺳﺎ ﻟﻠﺠﺪﻳﺪة ،وﺣﺘﻰ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺳﺎﻧﺘﻮ دوﻣﻨﺠﻮ ﺗﻘﻮم وﺳﻂ ﺟﺮاﻧﻴﺖ ﻣﻌﺒﺪ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﺗﺨﺬت اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺬي ﻗﻴﻞ ﻟﻨﺎ إن أﺑﻮاﺑﻪ وﺳﻘﻮﻓﻪ وأرض ﺣﺪاﺋﻘﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺎم ﻣﻦ ذﻫﺐ ﺧﺎﻟﺺ! وﻳﺪﻫﺸﻚ وﺿﻊ اﻷﺣﺠﺎر ﺑﺪون ِﻣﻼط ،واﺳﺘﺪارة زواﻳﺎ اﻷﺑﻨﻴﺔ ﰲ إﺣﻜﺎم ﻋﺠﻴﺐ ،وﻳﻘﻮل اﻟﻌﻠﻤﺎء إن إﺗﻘﺎن اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ودﻗﺔ اﻟﻌﻤﺎرة ﰲ ﻣﻌﺒﺪ اﻟﺸﻤﺲ ﻻ ﻳﻀﺎرع ﰲ أي أﺛﺮ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ 89
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻋﲆ ﻣﻴﺎه ﺗﺘﻜﺎﻛﺎ أﻋﲆ ﺑﺤريات اﻟﻌﺎﻟﻢ.
ﺑﺸﻜﻠﻪ املﺴﺘﺪﻳﺮ اﻟﺬي ﻏﺎﻟﺐ اﻟﺰﻻزل اﻟﻌﺎﺗﻴﺔ ﻗﺮوﻧًﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗُﺤﺪِث ﺑﻪ ﺳﻮى ﺻﺪع ﺑﺴﻴﻂ ﰲ ﺑﻌﺾ أﺣﺠﺎره اﻟﺠﺮاﻧﻴﺘﻴﺔ ،وأﻏﺮب ﻣﺎ ﻻﺣﻈﻨﺎه ﰲ أﺑﻨﻴﺘﻬﻢ ﻣﻴﻠﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻧﺤﻮ املﺮﻛﺰ ﻛﻠﻤﺎ ﻋﻠﺖ، واﺳﺘﺪارة ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ﻣﻤﺎ أذﻛﺮﻧﻲ ﺑﻤﺨﻠﻔﺎت أﺟﺪادﻧﺎ ﻗﺪﻣﺎء املﴫﻳني ،وﻟﻌﻞ أﻓﺨﺮ ﺑﻘﺎﻳﺎﻫﻢ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺠﺎر اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻳﻘﻮم إﱃ ﺟﻮارﻫﺎ ﻣﺪرج ﻣﻦ ﺣﺠﺮ ﻛﺎن ﻣﻘﺮ ﻋﺮش ﻣﻠﻮك اﻷﻧﻜﺎ، ً ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻟﻌﻬﺪ اﻷﻧﻜﺎ ،وﻗﺪ ﻗﺎﻟﻮا ﺑﺄﻧﻪ ﺧري ﻧﺪ ﺛﻢ ﺣﺼﻦ ﺳﺎﻛﺴﺎ ﻫﻮاﻣﺎن اﻟﺬي ﻳﺨﺎﻟﻪ اﻟﺒﻌﺾ ﻷﻫﺮاﻣﻨﺎ ،ﻟﻜﻨﻲ أﻟﻔﻴﺘﻪ دون ذﻟﻚ ﺑﻜﺜري ،وﻣﻦ أﺣﺠﺎره ﻣﺎ ﻳﺰن اﻟﻮاﺣﺪ ١٧٠ﻃﻨٍّﺎ ،و ُِﺿﻊ اﻟﻮاﺣﺪ ﻓﻮق َ اﻵﺧﺮ ﺑﺪون ِﻣﻼط. 90
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻣﺒﺎﻧﻲ اﻷﻧﻜﺎ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺷﺒﻪ ﺑﻤﺒﺎﻧﻲ املﴫﻳني اﻟﻘﺪﻣﺎء.
وﻗﺪ دﻟﺘﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻵﺛﺎر ﻋﲆ ﻗﻴﺎم ﻣﺪﻧﻴﺔ ﻗﺪ ﺗﺮﺟﻊ إﱃ أرﺑﻌﺔ ﻋﴩ ً أﻟﻔﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻨني، وﻗﺒﻞ ﺑﺘﺰارو واﻹﺳﺒﺎن ﺑﺄرﺑﻌﺔ ﻗﺮون ﱠ أﺳﺲ ﻫﺆﻻء اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻋﺎﺻﻤﺘﻬﻢ ﰲ ﻛﺰﻛﻮ ﰲ وﻫﺪة ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻟﺠﺒﺎل ،وﻟﻘﺪ ﺻﺎﻏﻮا اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻘِ ﺪَم ﰲ دﻗﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ ،وزرﻋﻮا ودﻳﺎﻧﻬﻢ وﻣﺪرﺟﺎﺗﻬﻢ ،وﻧﺴﺠﻮا ﻏﺰﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻦ اﻟﺬي أﻧﺒﺘﻮه ﺑﻜﺜﺮة ﰲ ودﻳﺎﻧﻬﻢ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺻﻮف اﻟﻼﻣﺎ ،وﻣﻨﺴﻮﺟﺎﺗﻬﻢ ﺗﻀﺎﻫﻲ أرﻗﻰ ﻣﻨﺴﻮﺟﺎت ﻋﴫﻧﺎ ،وﻟﻘﺪ ﺣﺎر ﻛﺒﺎر املﻬﻨﺪﺳني اﻟﻴﻮم ﰲ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺮي اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻮﻫﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﻗﺪ أﻗﺎﻣﻮا املﺪن وﻋﺒﱠﺪوا اﻟﻄﺮق ،وﻗﺪ ُر ِﺻﻒ ً ﻃﺮﻳﻘﺎ ﺑني ﻋﺎﺻﻤﺘﻴﻬﻢ ﻛﻴﺘﻮ وﻛﺰﻛﻮ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻀﺔ ﻟﻜﺜﺮﺗﻬﺎ ﰲ ﺟﺒﺎﻟﻬﻢ ،وﻗﺪ ﻣﺪوا ْ ١١٠٠ﻣﻴﻞ ،وزﻳﻨﻮا ﻗﺼﻮرﻫﻢ وﻣﻌﺎﺑﺪﻫﻢ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ واﻟﺠﻮاﻫﺮ ،وﻣﺪﱡوا ُﻣﻠ َﻜﻬﻢ ﻣﻦ إﻛﻮادور إﱃ ﺷﻴﲇ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﲆ ١٢أﻟﻒ ﻣﻴﻞ ،وﻟﻢ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮا ﺳﻮى املﺤﺮاث اﻟﺨﺸﺒﻲ؛ ﺧﺸﻴﺔ أن ﻳُﻈﻬ َﺮ اﻟﺤﺪﻳﺪيﱡ اﻟﻨﱰات واﻷﻣﻼح اﻟﻐﺎﺋﺮة ﻓﻴﻤﻴﺖ اﻟﺰرع ،وﻻ ﺗﺰال ﻣﺠﺎرﻳﻬﻢ وأرﺻﻔﺘﻬﻢ ﺑﺎﻗﻴﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﺒﺎﻧﻴﻬﻢ اﻟﺠﺮاﻧﻴﺘﻴﺔ اﻟﻌﺎﺗﻴﺔ ،وﻗﻴﻞ إﻧﻬﻢ اﺳﺘﺨﺪﻣﻮا ﻋﺼري ﺑﻌﺾ اﻟﺠﺬور ﰲ ﻗﻄﻊ اﻷﺣﺠﺎر ،وﺣﻨﻄﻮا اﻟﺠﺜﺚ اﻟﺘﻲ رأﻳﻨﺎﻫﺎ ﰲ املﺘﺎﺣﻒ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺣﺎﻓ ً ﻈﺎ ﻟﺸﻜﻠﻪ إﱃ اﻵن! وﺣﻔﻈﻮا ﻣﺄﻛﻮﻻﺗﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻄﺐ ﺑﻮﺿﻌﻬﺎ ﰲ ﻛﻮﻣﺎت ﻣﻦ اﻟﺜﺮى املﺒﻠﻞ ﻓﻮق املﺮﺗﻔﻌﺎت ﻳﺠﻤﺪ 91
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ وﻳﺜﻠﺠﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﻢ ﺷﻴﻮﻋﻴﺔ ﻣُﺼﻠِﺤﺔ ﺗﻮ ﱢزع ﻗِ َ ﻄﻊ اﻷرض ،وﺗﱰك ﺛﻠﺚ املﺤﺼﻮل ﻟﺮﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ ،واﻟﺜﻠﺚ ﻟﻠﺰراع ،وﺗﺄﺧﺬ ﻫﻲ اﻟﺜﻠﺚ ،وﻣﻨﻪ ﺗﻨﻔﻖ ﻋﲆ اﻟﺪﻓﺎع واﻟﻄﺮق واملﺴﺘﺸﻔﻴﺎت واﻟﻌﺠﺰة ،وﺗﺪﺧﺮ اﻟﻐﺬاء ﻟﺴﻨﻮات اﻟﻘﺤﻂ ﰲ ﻣﺤﺎط ﺗﻘﺎم ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ أرﺑﻌني ً ﻣﻴﻼ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻠﻴﻤني ﺑﺰراﻋﺔ ﺳﺘني ﻧﺒﺎﺗًﺎ ﺑني ﻧﺒﺎت املﻨﺎﻃﻖ اﻟﺤﺎرة ﻳﺰرع ﰲ املﻨﺨﻔﻀﺎت واﻟﺒﺎردة ﻓﻮق اﻟﻬﻀﺎب ،وﻟﻢ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮا اﻟﻨﻘﻮد؛ إذ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﻬﻢ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻴﻬﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺠﻮا ﻣﻦ اﻵﺛﺎم واﻟﺠﺮاﺋﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﺪون ﻟﻬﻢ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺟﺮﻳﻤﺔ واﺣﺪة؛ ﻷن املﺎل واﻟﻄﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﻫﻮ ﻻ ﺷﻚ أﻛﱪ داﻓﻊ ﻋﲆ اﻹﺟﺮام ،وﻗﺪ ﺻﺎﻏﻮا املﻌﺎدن ﻟﻠﺰﻳﻨﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﻌني ﻟﻬﻢ املﻼﻋﺐ واﻟﺤﻔﻼت ﻳﺤﴬﻫﺎ اﻟﻨﺎس ﻣﺠﺎﻧًﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺳﻨﺘﻬﻢ اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﺷﻬ ًﺮا ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ اﻷﻳﺎم ﻛﻞ ﺷﻬﺮ ﺛﻼﺛﻮن ﻳﻮﻣً ﺎ ،واﻟﺨﻤﺴﺔ اﻷﻳﺎم اﻷﺧرية أﻋﻴﺎد رﺳﻤﻴﺔ ﻳﺸﱰك ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌً ﺎ. أﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬه أﺳﻌﺪ ﺣﻜﻮﻣﺔ وأﻫﻨﺄ أﻣﺔ ﻋﺮﻓﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ؟! ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﻌُ ﱠﺪ اﻟﺮﺟﺎل ﺨﺮج زﻋﻤﺎء أﻓﺬاذًا ،ﻟﺬﻟﻚ ملﺎ داﻫﻤﻬﻢ اﻟﻄﺎﻏﻴﺔ ﺑﺘﺰارو وﻗﺘﻞ ﻣﻠﻜﻬﻢ ﻓﺰﻋﻮا ﻟﻠﻘﺘﺎل وﻟﻢ ﺗُ ِ وﺷﺘﺘﻮا وذﻫﺒﺖ رﻳﺤُ ﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺒﺪون اﻟﺸﻤﺲ ،وﺣﺘﻰ املﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﻴﻮم ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺘﻤﻜﻨﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ؛ إذ رأﻳﻨﺎﻫﻢ ﻳﺤﻮﻃﻮن ﺻﻠﺒﺎﻧﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﰲ ﻛﻨﺎﺋﺴﻬﻢ وﺑﻴﻮﺗﻬﻢ وﻓﻮق أﻛﺪاس ﻏﻼﻟﻬﻢ ﰲ ُ أدرﻛﺖ ﻓﻌﻠﻬﺎ اﻟﺴﺤﺮي اﻟﺤﻘﻮل ﺑﻬﺎﻻت ﺗﺤﻜﻲ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ،وﻟﻬﻢ اﻟﺤﻖ ﰲ ﻋﺒﺎدﺗﻬﺎ إذا ﰲ إﻧﻀﺎج زرﻋﻬﻢ ﻓﻮق ﺗﻠﻚ املﺮﺗﻔﻌﺎت ذات اﻟﺜﻠﻮج ،وﻣﺎ أﻗﴗ ﻟﻴﺎﻟﻴﻬﻢ إذا ﻗﻮرﻧﺖ ﺑﻨﻬﺎرﻫﻢ املﺸﻤﺲ اﻟﺪﰲء ،وﻳﻈﻬﺮ أﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ﻋﺒﺎدﺗﻬﻢ أﻗﺮب إﱃ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ،ﻳﺆﻳﺪ ذﻟﻚ ﺑﻌﺾ أدﻋﻴﺘﻬﻢ ﰲ اﻟﺼﻼة؛ أذﻛﺮ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ :ﻳﺎ رب اﻟﻜﻮن أﻳﻦ ﻣﺴﺘﻘﺮك؟ ِﻟ َﻢ ﺗﺨﺘﻔﻲ وراء ﺷﻤﺴﻚ ﻫﺬه؟! ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻓﻮﻗﻨﺎ وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺗﺤﺘﻨﺎ وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻨﺎ ﰲ اﻟﻔﻀﺎء؟ أﻳﻦ ﺗُ َﺮى ﻣﻘﺮ ﻋﺮﺷﻚ اﻟﻌﻈﻴﻢ؟ أﻧﺼﺖ ﻟﻘﻮﱄ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮن ﺑني اﻷﻣﻮاه اﻟﻌﻠﻴﺎ وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺑني اﻷﻣﻮاه اﻟﺪﻧﻴﺎ ورﻣﺎل ﺷﻄﺂﻧﻬﺎ ﻫﻨﺎ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﻮﻃﻨﻚ ﺧﺎﻟﻖ اﻟﻜﻮن ﻣﻮﺟﺪ اﻹﻧﺴﺎن. ﻟﺒﺜﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﺗﺤﻤﻞ وﺳﺎﻗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻮف أﻫﻢ ﻏﻼت اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ إﱃ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﻇﻬﺮ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ،ﺛﻢ أﻗﻠﻌﺖ وﺳﻂ اﺿﻄﺮاب املﺎء وﻋﻨﻒ اﻟﺮﻳﺢ .أﻣﺎ اﻟﺠﻮف ﻓﻘﺪ أﺧﺬ ﰲ اﻟﺪفء ً ﻗﻠﻴﻼ؛ ﻷﻧﺎ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﻘﺎرب ﻋﺮض °١٦ﺟ ،واﻟﺴﻤﺎء ﻳﻐﺸﺎﻫﺎ ﻏﻄﺎء ﻣﻦ ﺳﺤﺎب ﻣﺠﺰع ﺣﺠﺐ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ أو ﻛﺎد ،وﻗﺪ ﺻﺎد َ َف أن زاﻣﻠﻨﻲ ﰲ اﻟﺒﺎﺧﺮة أﺳﺘﺎذ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺎت ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﻳﺤﺎﴐ ﰲ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ﰲ ﻋﺪة ﺟﺎﻣﻌﺎت ،وﻳﻘﻮم ﺑﺮﺣﻼت ﻛﺒرية ،وﻛﺎن ﻣﻌﻪ اﺑﻨﻪ أﺣﺪ ﻃﻼب ً ﻋﻼﻗﺔ ﺑني ﻃﻠﺒﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت واملﺪارس ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ُﻮﺟﺪ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻦ أوﱃ أﻏﺮاﺿﻪ أن ﻳ ِ ﺑﻼد أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ وﺑني ﺟﺎﻣﻌﺘﻪ ،وﻗﺪ ﻣﴣ ﻃﻠﺒﺘﻪ ﻋﲆ ورﻗﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻳﻘﺪﱢﻣﻬﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﺪرﺳﺔ ﻳﺰورﻫﺎ ،وﻃﺒﻊ ﺷﺒﻪ ﺷﻬﺎدة ﺑﺎﺳﻢ املﺪرﺳﺔ واملﻤﻠﻜﺔ ورﻏﺒﺘﻬﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺪاﻗﺔ ﻳﻤﻀﻴﻬﺎ ﻧﺎﻇﺮ 92
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
اﻟﺘﺤﻨﻴﻂ ﻣﻨﺬ ﻋﴩة آﻻف ﺳﻨﺔ ﰲ ﺑريو.
ﻛﻞ ﻣﺪرﺳﺔ وﻳﺨﺘﻤﻬﺎ ﺑﺨﺎﺗﻢ املﺪرﺳﺔ ،ﺛﻢ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻣﻌﻪ إﱃ ﻣﺪرﺳﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،وﺗﺒﺪأ ﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ املﺨﺎﻃﺒﺎت ﻟﻠﻤﺪرﺳﺔ ﻣﻌﻄﻴﺔ أﺧﺒﺎر اﻟﺪوﻟﺔ وﻃﺮق اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واملﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ ﻛ ﱢﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻣﺎﺿﻴﻬﺎ وﺣﺎﴐﻫﺎ؛ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﻃﻠﺒﺔ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد؛ ﻷن ﻏﺎﻟﺒﻬﻢ ﻳﻜﺎدون ﻳﻌﺘﻘﺪون أن أﻫﻞ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻣﺘﻮﺣﺸﻮن — وذﻟﻚ ﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﻋﻨﱠﺎ ﰲ ﻣﴫ — وﻗﺪ زار اﻟﺮﺟﻞ ﰲ رﺣﻠﺘﻪ ﻏﺎﻟﺐ املﺪارس واﻟﺠﺎﻣﻌﺎت وﺣﻤﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻬﺎدات، وﻗﺪ رﻣﺰ ﻟﻠﺸﻬﺎدات ﺑﺮﺳﻢ ﺻﻐري »ﻟﻼﻣﺎ« ﺷﻌﺎر أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ.
93
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺳﻼﺋﻞ اﻷﻧﻜﺎ ﰲ ﺑريو.
ﻓﻜﺮة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻳﺎ ﺣﺒﺬا ﻟﻮ و ﱢُﻓﻘﻨﺎ إﱃ ﺗﻘﻠﻴﺪﻫﺎ ﺑني ﻃﻠﺒﺘﻨﺎ وﻃﻠﺒﺔ أوروﺑﺎ وأﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ؛ اﻟﺠﻬﻞ. ﻟﻨﻌﻄﻴﻬﻢ ﻋﻦ ﺑﻼدﻧﺎ ﻓﻜﺮ ًة ﺻﺎﺋﺒﺔ وﻫﻢ ﻳﺠﻬﻠﻮﻧﻬﺎ ﻛ ﱠﻞ ِ وﻫﻮ ﻳﺤﺎﴐ ﻋﻦ رﺣﻼﺗﻪ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ﰲ ١٥٠ﻛﻠﻴﺔ وﻣﺪرﺳﺔ ،ودﻫﺸﺖ ملﺎ رأﻳﺖ ﺷﻌﻮر ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺷﻴﲇ وأرﺟﻨﺘﻴﻨﺎ — ﺿﺪ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺘﻬﻤﻮﻧﻬﺎ أﻫﻞ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ — ﺑﺈرﺷﺎء رﺟﺎﻟﻬﻢ وﺑﺘﻮرﻳﻄﻬﻢ ﰲ اﻻﺳﺘﺪاﻧﺔ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﻛﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﻟﻬﺎ ﻧﻔﻮذ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،وﻳﻈﻬﺮ أﻧﻬﻢ أدرﻛﻮا ذﻟﻚ ﻓﺒﺪءوا ﻳﻨﴩون ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎﻳﺎت ﻣﺎ ﻳﺤﺒﺒﻬﻢ ﻓﻴﻬﻢ.
94
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
املﻮﻟﺪون ﻣﻦ أﻫﻞ ﻛﺰﻛﻮ ﰲ ﺑريو.
ﻏﺎدرﻧﺎ ﻣﻠﻴﻨﺪو وﻛﺎن ﻣﻘﺮ ًرا أﻻ ﻧﻘﻒ إﻻ ﰲ »ﻛﻼءو« ﺛﻐﺮ ﻟﻴﻤﺎ؛ ﻟﻜﻨﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﴍة ﺻﺒﺎﺣً ﺎ دﺧﻠﻨﺎ ﺧﻠﻴﺠً ﺎ ﻣﺘﺴﻌً ﺎ ،ﻗﻠﻴ َﻞ اﻟﻐﻮر ،رﻣﲇ ﱠ اﻟﺸﻮاﻃﺊ ،ﺗﺤﻔﻪ ﻋﺪة ﺟﺰاﺋﺮ ﺻﺨﺮﻳﺔ ،وﰲ وﺳﻄﻪ ﺗﻘﻮم ﻣﺪﻳﻨﺔ Piscoاﻟﺼﻐرية ،وﻫﻨﺎ ﻏﺎﻳﺮت ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷرض ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻣﻦ ﺑﻠﺪان؛ ﻓﻬﻲ ﺳﻬﻮل ﻣﻤﺪودة ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺮى اﻟﺠﺒﺎل إﻻ ﰲ اﻵﻓﺎق ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ،وﻗﺪ ﺑﺪت اﻟﺨﴬة وﺑﻌﺾ اﻷﺷﺠﺎر َ اﻟﻘﻄﻦ اﻟﺬي ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﺠﺪب املﻤﻴﺖ اﻟﺬي ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ،وﺧري ﻣﺎ ﺗﻨﺒﺘﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻬﻮ ُل وﻗﻔﻨﺎ أرﺑﻊ ﺳﺎﻋﺎت ﻧﺤﻤﻞ وﺳﻘﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﺎﻻﺗﻪ ،وﻫﻮ ﻣﻦ أﺟﻮد اﻷﻧﻮاع ،وﻟﻴﻔﺘﻪ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻛﻤﺎ أﺧﱪوﻧﻲ ،ﻏري أن ﻣﺤﺼﻮﻟﻪ ﻗﻠﻴﻞ ﻟﻘﻠﺔ اﻟﺪراﻳﺔ ﺑﺰرﻋﻪ وﻧﺪرة املﺎء ،ﻓﺎﻹﻗﻠﻴﻢ ﺟﺎف ﺻﺤﺮاوي 95
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻟﻜﻦ ﻳُﺠ َﻠﺐ املﺎء ﻟﻪ ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﺠﺒﺎل ﻣﺴﺎﻓﺎت ﺑﻌﻴﺪة ،وﻗﺪ ﻛﺎن »اﻷﻧﻜﺎ« ﻳﻔﻌﻠﻮن ذﻟﻚ ﻣﻦ ُ ٍ ﻣﴩوﻋﺎت ﻟﻠﺮي ﻛﺒرية ﻻﺳﺘﻐﻼل اﻟﺪوﻟﺔ ﻗﺒ ُﻞ ،وﻟﻘﻨﻮاﺗﻬﻢ أﺛﺮ ﻻ ﺗﺰال أﻧﻘﺎﺿﻪ ﻇﺎﻫﺮة ،وﺗُﻌِ ﱡﺪ املﻨﻄﻘﺔ املﻨﺒﺴﻄﺔ ﺧﺼﺒﺔ اﻟﱰﺑﺔ وﺗﺨﺺ ﺑﺰراﻋﺔ اﻟﻘﻄﻦ ،وﺟﻞ اﻟﻘﻄﻦ ﻳُﺼﺪﱠر إﱃ ﻟﻔﺮﺑﻮل، وﻫﻮ ﻻ ﺷﻚ ﺳﻴﺤﻞ ﻣﺤﻞ ﺑﻌﺾ ﻗﻄﻨﻨﺎ اﻟﺬي ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻨﺎ إﱃ اﺳﺘﻬﻼﻛﻪ إﻻ ﺑﺈﻧﺸﺎء ﻣﺼﺎﻧﻊ اﻟﻨﺴﻴﺞ ﻋﻨﺪﻧﺎ ،وﺑﺈﻧﻘﺎص زراﻋﺔ اﻟﻘﻄﻦ واﺳﺘﺒﺪاﻟﻪ ﺑﻐريه ﻣﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻟﻪ أﺣﻮج ﻣﻦ اﻟﻐﻼت. َ اﻟﻘﻄﻦ املﴫيﱠ املﺴﻤﱠ ﻰ ﻣﻴﺖ ﻋﻔﻴﻔﻲ وﻫﻮ ﻧﺎﺟﺢ ﻋﻨﺪﻫﻢ ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ أن وﻟﻘﺪ أدﺧﻞ اﻟﻘﻮ ُم اﻟﺒﻼد ﺻ ﱠﺪ َر ْت ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻦ اﻟﻌﺎم اﻟﻔﺎﺋﺖ ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ وﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﻗﻨﻄﺎر ،وﻻ ﺗﺰال زراﻋﺘﻪ ﺗﺸﺠﻊ ﰲ ﻧﺤﻮ ٣٥ﻣﻦ اﻟﻮدﻳﺎن ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد. أﻣﺎ اﻟﺒﻠﺪة ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﺼﻐرية ﺗﺤﻜﻲ أﺧﺘﻬﺎ ﻣﻠﻴﻨﺪو إﻻ ﰲ ﺷﺎﻃﺌﻬﺎ اﻟﺮﻣﲇ ﻗﻠﻴﻞ اﻟﻐﻮر ﻫﺎدئ املﺎء ،وﰲ أن ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﲆ ﺳﻬﻞ ﻣﻤﺪود ﺣﻮﻟﻪ املﺰارع اﻟﻜﺜرية ،ﺛﻢ ﻏﺎدرﻧﺎ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺴﺎءً ،وﰲ ﺳﺎﻋﺘني وﺻﻠﻨﺎ ﺛﻐ ًﺮا َ آﺧﺮ اﺳﻤﻪ Cerro azulأﺻﻐﺮ ﻣﻦ ﺳﺎﻟﻔﻪ ﻏري أن ﺑﻴﺌﺘﻪ ﺟﺒﻠﻴﺔ ﺣﻮﻟﻪ ﺗﻘﻮم اﻟﺮﺑﻰ اﻟﻌﺎﺗﻴﺔ .وﺗﻤﺘﺪ ﺳﻼﺳﻞ ﻣﻦ ﺟﺰاﺋﺮ ﺣﺠﺮﻳﺔ ﻣﻐﱪة ،وﰲ وﺳﻂ ً وﺳﻘﺎ ﻻ ذاك اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻀﻴﻖ ﻗﺎﻣﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺣﻘرية ﻏري ذات ﺑﺎل ،وﻟﻘﺪ ﺣﻤﻠﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ ﺑﺄس ﺑﻪ ﻣﻦ ﺑﺎﻻت اﻟﻘﻄﻦ ،وﻟﺸﺪ ﻣﺎ ﻛﺎن ﴎوري ملﺎ أن ﻓﺘﺸﺖ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺎﻻت — وﻟﻢ ِ أﻃ ْﻖ ﺻﱪًا ﺣﺘﻰ أﻋﺮف ﻣﺪى ﺟﻮدﺗﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻘﻄﻨﻨﺎ — وأﺧﺮﺟﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺎم ﻓﺄﻟﻔﻴﺖ اﻟﻠﻴﻔﺔ ﻗﺼرية ﺟﺪٍّا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻘﻄﻨﻨﺎ ﻏري أن ﻧﻌﻮﻣﺔ اﻟﻘﻄﻦ وﺑﻴﺎﺿﻪ ﺗﻀﺎﻫﻲ ﻗﻄﻨﻨﺎ .أﻣﺎ ﻣﺮﳻ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻓﻜﺎن وﺳﻂ املﺎء املﻀﻄﺮب اﻟﺬي ﻟﺒﺚ ﻳﻤﻴﻠﻬﺎ ﻳﻤﻨﺔ وﻳﴪة ،وﻳﺪﻓﻌﻬﺎ ﺗﻴﺎره اﻟﺸﺪﻳﺪ ً ﻣﺨﻴﻔﺎ، ﺑﻌﻴﺪًا رﻏﻢ ﻛﱪﻫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺛﻤﺔ ﺑﻮاﺧﺮ أﺧﺮى أﺻﻐﺮ ﻣﻨﻬﺎ واﻗﻔﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻟﻌﺐ املﺎء ﺑﻬﺎ ً ﻃﻮﻳﻼ وﻧﻔﺨﺖ وزاد اﻟﻄني ﺑﻠﺔ أن رﺟﺎل املﻴﻨﺎء ﺗﻠﻜﺌﻮا ﰲ ﻣﻼﻗﺎة اﻟﺒﻮاﺧﺮ رﻏﻢ أﻧﻬﺎ وﻗﻔﺖ ﰲ ﺑﻮﻗﻬﺎ ﺗﻨﺎدﻳﻬﻢ ﻣﺮا ًرا ،وﻗﺪ ﻗﻴﻞ ﱄ إن ﺗﻠﻚ ﻋﺎدة املﻮاﻧﻲ ﰲ ﺑريو ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻳﺘﺒﺎﻃﺌﻮن ﰲ أداء واﺟﺒﻬﻢ ﻛﻲ ﻳﻄﻴﻠﻮا أﻣﺪ ﻋﻤﻠﻬﻢ ،ﻏري آﺑﻬني ﻟﻐﻀﺐ اﻟﺒﻮاﺧﺮ وإﺿﺎﻋﺔ ﺳﻤﻌﺘﻬﻢ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ؛ إذ إن ذﻟﻚ ﻻ ﺷﻚ ﻳﻌﺮﻗﻞ ازدﻳﺎد اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻣﻊ اﻟﻐري. ﻗﻤﻨﺎ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ ،وﰲ ﺑﺎﻛﻮرة اﻟﺼﺒﺎح دﺧﻠﻨﺎ ﻣﻴﻨﺎء ﻛﻼءو ،وﻻ ﻳﻨﻄﻘﻮﻧﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻞ »ﻛﺎﻳﱠﺎؤ« ،وﻋﺠﺒﺖ ملﺎ ﻋﻠﻤﺖ أن ﻟﻬﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﻮ »اﺧﺮس؛ ﻻ ﺗﺘﻜﻠﻢ«. وﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ املﻮاﻧﻲ ﻋﲆ اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻚ وإن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻜﺒرية ﻻ ﺗﺰال ﺗﺮﺳﻮ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ املﺮﳻ ،واﻟﻌﻤﻞ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﲆ إﻋﺪادﻫﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺼﻠﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺴﻔﻦ ﻗﺮﻳﺒًﺎ .ﺑﺪت ﰲ ﺳﻬﻞ ﻻ ﺗﺒﺪو ﺣﻮﻟﻪ اﻟﺠﺒﺎل ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﰲ ﺷﺒﺢ ﻓﺎﺗﺮ ﻋﻨﺪ اﻷﻓﻖ وﰲ ﺟﺰﻳﺮة ﺻﺨﺮﻳﺔ ﺟﻨﻮب اﻟﺨﻠﻴﺞ ﺗﺘﺨﺬﻫﺎ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﺤﻄﺔ ﻟﻸﺳﻄﻮل اﻟﺬي رأﻳﻨﺎ ﺑﻌﺾ ﻗﻄﻌﻪ راﺳﻴﺔ وﺳﻂ املﻴﻨﺎء .ﻧﺰﻟﻨﺎ املﺪﻳﻨﺔ 96
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻻ ﺗﺰال اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ ﺗﻌﻴﺶ ﻋﲆ اﻟﻔﻄﺮة ﰲ ﺑريو.
ﰲ »ﻟﻨﺶ ﺻﻐري« ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺸﺤﻦ واﻟﺘﻔﺮﻳﻎ ﻛﺒرية ،وﻗﺎﻃﺮات اﻟﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺗﺮوح وﺗﻐﺪو وﻫﻲ ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ ﺑﺎﻟﺴﻠﻊ ﰲ ﺣﺮﻛﺔ ﻧﺎﺷﻄﺔ .أﻣﺎ أﺑﻨﻴﺔ اﻟﺒﻠﺪة ﻓﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﺎﻟﻴﺔ ،وﻃﻴﺌﺔ ﺟﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺎﺑﻖ واﺣﺪ ،وﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﺛﻨني ،وﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ً ٧٥ أﻟﻔﺎ وﺣﺪﻫﺎ ،وﻳﺼﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺜﻤﺎﻧﻴﺔ أﻣﻴﺎل اﻟﻘﻄﺎر واﻟﱰام واﻟﺒﺲ ،ﻓﺒﻌﺪ ﺟﻮﻟﺔ ﻗﺼرية ﻓﻴﻬﺎ أﺧﺬﻧﺎ اﻟﱰام اﻟﻔﺎﺧﺮ ذا اﻟﻔﺮش اﻟﻮﺛرية ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ ﻣﺴرية ﺛﻠﺚ ﺳﺎﻋﺔ إﱃ ﻟﻴﻤﺎ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺒﻼد ،ﻓﺴﺎر ﺑﻨﺎ وﺳﻂ ﺳﻬﻞ زراﻋﻲ ﻣﻤﺪود إﱃ اﻵﻓﺎق ﻳﻜﺴﻮه اﻟﻨﺒﺖ ﻣﻦ ﺣﺸﺎﺋﺶ وﺧﴬ وﻏريﻫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮم ﺑﻌﺾ ري اﻟﺤﺠ ِﻢ أو ﻣﻦ اﻟﻄني ،وأﺳﻮار اﻟﺤﻘﻮل ﻛﺬﻟﻚ ،أﻣﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ أﺑﻨﻴﺔ اﻟﻔﻼﺣني ﻣﻦ اﻟ ﱠﻠ ِﺒ ِﻦ ﻛﺒ ِ ﻓﻐري ﻣﺮﺻﻮف ﻛﺜري اﻟﺤﴡ واﻟﱰاب .أﺧريًا دﺧﻠﻨﺎ …
97
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻟﻴﻤﺎ دون ﱡ ﺗﻐري ﰲ اﻧﺒﺴﺎط اﻷراﴈ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﺧﺼﺒﺔ اﻟﱰﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺤﺪر اﻧﺤﺪا ًرا ﻏري ﻣﺤﺴﻮس ﺗﺨري ﺑﺘﺰارو إﱃ اﻟﺒﺤﺮ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻴﻬﺎ ﺟﺒﺎل اﻷﻧﺪﻳﺰ ﻣﻦ ﺑﺮودة اﻟﻘﻤﻢ اﻟﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ،ﱠ َ ﻣﻮﺿﻌﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻬﻀﺒﺔ ﻟﻴﻜﻔﻞ اﻟﺠﻮ اﻟﺤَ َﺴﻦ ،وﻗﺒﻴﻞ ﻣﺼﺐ ﻧﻬﺮ Rimecﻟﻴﻜﻔﻞ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﺗﺨريﻫﺎ ٦ﻳﻨﺎﻳﺮ ﺳﻨﺔ ،١٥٣٥ﻟﻜﻦ ﻟﺬﻛﺮ ﻳﻮ ِم ﱡ ِ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،وأﺳﻤﺎﻫﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ املﻠﻮك إﺣﻴﺎءً ِ اﻻﺳﻢ اﻟﻬﻨﺪي ﺳﺎد أﺧريًا ،وﻫﻮ اﺳﻢ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﺬي ﺣﺮﻓﻪ اﻹﺳﺒﺎن إﱃ ﻟﻴﻤﺎ. ﺟُ ﺒْﻨَﺎ َ ٍ ﻫﺎﺋﻠﺔ دوﻧﻬﺎ ﺷﺎرع املﻠﻜﺔ ﻧﺎزﱄ ﺑﻌﺾ ﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ ﻓﺄدﻫﺸﻨﻲ ﻣﺎ رأﻳﺖ ﻣﻦ ﺷﻮار َع َ ﻣﻴﺎدﻳﻦ ﻧ ُ ﱢﺴ َﻘ ْﺖ أﻳﻤﺎ ﺗﻨﺴﻴﻖ ،وﻗﺎﻣﺖ وﺳﻄﻬﺎ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ واﻷﻧﺼﺎب أذﻛﺮ ﻋﻨﺪﻧﺎ ،ﺗﺘﻼﻗﻰ ﰲ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ :ﻣﻴﺪان ﻣﺎﻳﻮ ﺑﻨﺼﺐ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻄﺎﺋﺮ ﰲ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻣﻴﺪان ﺳﺎن ﻣﺎرﺗني ﺑﺘﻤﺜﺎﻟﻪ ﻳﻤﺘﻄﻲ ﺣﺼﺎﻧًﺎ ،وﻣﻴﺪان أرﻣﺎس ،وﻣﻴﺪان ﺑﻮﻟﻴﻔﺎر وﻓﻴﻪ ﺗﻤﺜﺎﻟﻪ ﻋﲆ ﺟﻮاده اﻟﺠﺎﺛﻲ ﻋﲆ رﺟﻠﻴﻪ اﻟﺨﻠﻔﻴﺘني ،وﻛﺜري ﻏريﻫﺎ؛ أﻣﺎ املﺒﺎﻧﻲ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮق املﻨﺴﻘﺔ ﻓﻔﺎﺧﺮة وﰲ ﻃﺮز ﻣﻦ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ. دﺧﻠﺖ اﻟﻜﺘﺪراﺋﻴﺔ ،وﻫﻲ أﻗﺪم أﺑﻨﻴﺔ اﻟﺒﻠﺪة ،أﻗﺎﻣﻬﺎ »ﻓﺮﻧﺴﺴﻜﻮ ﺑﺘﺰارو« ﻣﻨﺸﺊ ﻟﻴﻤﺎ ﺳﻨﺔ ١٥٣٥ﰲ ﺿﺨﺎﻣﺔ ﺗﻔﻮق اﻟﺤﺪ؛ إذ رأﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ ﺑﱪﺟَ ﻴْﻬﺎ اﻟﺸﺎﻫﻘني وﻛﺘﻠﻬﺎ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،أﻣﺎ ﻣﻦ داﺧﻠﻬﺎ ﻓﺎﻷﻗﺒﻴﺔ واﻟﻨﻘﻮش واملﺰاﻣري ﻳﺤﺎر املﺮء أﻣﺎﻣﻬﺎ ،وﻗﺪ ُﻛ ِﺴﻴﺖ املﻘﺼﻮرة اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﺑﺠﺪران وﻣﻘﺎﻋ َﺪ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﻷرز اﻟﻘﺎﺗﻢ ﰲ ﺧﺮط ﺑﺪﻳﻊ ،وﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺗُ َ ﺪﻓﻦ ﺟﺜﺔ »ﺑﺘﺰارو« ٍ داﺧﻞ ﺻﻨﺪوق ﻓﺎﺧﺮ وﻓﻮق ﻏﻄﺎﺋﻪ ﺗﻤﺜﺎﻟﻪ اﻟﺬﻫﺒﻲ اﻟﻨﺎﺋﻢ ،وﺣﻮﻟﻪ ﺟﻞ رﺟﺎﻟﻪ وﻗﻮﱠاده .ﻛﺸﻒ اﻟﺮﺟﻞ ﱄ ﻋﻦ ﺟﺜﺘﻪ ﻓﺈذا ﺑﻬﺎ ﻣﺤﻨﻄﺔ ﻻ ﺗﺰال ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺠﻠﺪ ﺗﺒﺪو ﻋﲆ اﻟﻌﻈﺎم ،وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﺮﺟﻞ إﱃ اﻹﺻﺎﺑﺘني اﻟﻠﺘني أ ُ ِﺻﻴﺐَ ﺑﻬﻤﺎ :واﺣﺪة ﰲ ﺻﺪﻏﻪ اﻷﻳﻤﻦ واﻷﺧﺮى ﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﺛﺪﻳﻪ اﻷﻳﻤﻦ ،وﻗﺪ أﻟﻔﺖ ﻧﻈﺮي ﻃﻮل ﺟﺜﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺄﻧﻬﺎ ١٨٠ﺳﻢ ،وﻛﺎن أﺳﻔﻞ وﺟﻬﻪ ﴐب ﺑﻬﺎ املﺜﻞ رﻏﻢ ﺷﻴﺨﻮﺧﺘﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﺑﻠﻎ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻳﺒﺪو ﻣﻘﻄﺒًﺎ ﻣﻨﻔ ًﺮا أذﻛﺮﻧﻲ ﺑﻘﺴﻮﺗﻪ اﻟﺘﻲ ُ ِ واﻟﺴﺘني ﻋﺎﻣً ﺎ ،واﻟﻌﺠﻴﺐ أﻧﻪ ﻛﺎن أﻣﻴٍّﺎ ،ﺣﺎول أن ﻳﺘﻌﻠﻢ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﻄﻖ ﺻﱪًا ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻋﺮف ﻛﻴﻒ ﻳﻜﺘﺐ إﻣﻀﺎءه ﻓﻘﻂ ،وﻗﻴﻞ إﻧﻪ ﻧﴘ ذﻟﻚ وﻛﺎن ﺳﻜﺮﺗريه ﻳﻤﴤ ﻋﻨﻪ وﻫﻮ ﻳﻀﻊ ﻓﻮق إﻣﻀﺎﺋﻪ ﻟﻴﺎت ﺛﻌﺒﺎﻧﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،وﻟﻢ ﻳﺘﺰوج ﻗﻂ ،ﺑﻞ ﺣﺎز اﺑﻨﺔ ﻣﻠﻚ اﻷﻧﻜﺎ »أﺗﺎﻫﻮاﻟﺒﺎ« ،و ُر ِزق ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺒﻨﺘني وﻏﻼم ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﱠ ﻣﻮﻓ ًﻘﺎ ﰲ اﻧﺘﺼﺎره ﻋﲆ اﻟﻬﻨﻮد؛ إذ إﻧﻪ ﺻﺎدف ﻣﻠﻚ اﻷﻧﻜﺎ ﻋﺎﺋﺪًا إﱃ ﻋﺎﺻﻤﺘﻪ ﻓﺒﺎﻏﺘﻪ ﺑﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ ﻗﻠﻴﻞ وﻗﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺎﻓﺘﺪى أﺗﺎﻫﻮاﻟﺒﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﻛﱪ ﻓﺪﻳﺔ ﻋﺮﻓﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ :ﺣﺠﺮة ﻣﻦ ذﻫﺐ ذرﻋﻬﺎ ٢٢ﻗﺪﻣً ﺎ ﰲ ،١٦وﻋﻠﻮﻫﺎ ﻗﺎﻣﺔ رﺟﻞ ﺑﺄذرﻋﻪ 98
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻣﻴﺪان ﻣﺎرﺗني اﻟﺮاﺋﻊ ﰲ ﻟﻴﻤﺎ.
ﻣﻤﺪودة ،وﻟﻜﻨﻪ ﺑﻌﺪ أن أﻣﻨﻪ وﺗﺴ ﱠﻠ َﻢ اﻟﻔﺪﻳﺔ ﻏﺪر ﺑﻪ وﻗﺘﻠﻪ ،وﻗﺪ ﻧﻘﺶ ﻋﲆ ﺻﻨﺪوﻗﻪ :ﱢ ﻣﺆﺳﺲ ﻟﻴﻤﺎ ﰲ ١٨ﻳﻨﺎﻳﺮ ﺳﻨﺔ ،١٥٣٥واملﺘﻮﰱ ﰲ ٢٦ﻳﻮﻧﻴﻮ ﺳﻨﺔ .١٥٤١ وﻳﻼﺻﻖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﻴﺖ »اﻟﺒﺸﻮب« زﻋﻴﻢ اﻟﺪﻳﻦ ﰲ ﺑﻨﺎء ﻓﺎﺧﺮ ﺗﺨﺮج ﻣﻨﻪ اﻟﴩﻓﺎت ﰲ ﺧﺮط ﻣﻦ اﻷﺧﺸﺎب اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ،واﻟﺒﻴﺖ ﻳُﺸﻌِ ﺮ ﺑﻌﻈﻴﻢ اﻟﻨﻔﻮذ اﻟﺬي ﻟﺮﺟﻞ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﻫﻨﺎك. وﻳﻄ ﱡﻞ ﻋﲆ املﻴﺪان ﻧﻔﺴﻪ »ﻣﻴﺪان أرﻣﺎس« دار اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﰲ ﺑﻨﺎء ﺿﺨﻢ ﻣﻦ ﻫﻨﺪﺳﺔ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ،وﻣﻦ اﻷﺑﻨﻴﺔ اﻟﻔﺎﺧﺮة ﺑﻨﺎء املﺆﺗﻤﺮ Congresoأو دار اﻟﱪملﺎن ﰲ ﻣﻴﺪان ﺑﻮﻟﻴﻔﺎر ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻘﺪ ﻣﺤﺎﻛﻢ اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ ﰲ ﺟﺎﻧﺒﻪ املﻌﺪ اﻟﻴﻮم ملﺠﻠﺲ اﻟﺴﻨﺎﺗﻮ ،ﺛﻢ ﻗﺼﺪت إﱃ دار اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ أ ُ ﱢﺳ َﺴ ْﺖ ﺳﻨﺔ ١٥٥١؛ وﻫﻲ ﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﺟﺎﻣﻌﺎت أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ 99
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ُ ﴎت أﻻﻗﻲ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺘﻲ ﻳﻬﻮﻟﻨﻲ ﺑﻨﺎؤﻫﺎ ،وﻗﺪ وأﻗﺪم ﺟﺎﻣﻌﺎت اﻷﻣﺮﻳﻜﺘني ،وﻛﻨﺖ أﻳﻨﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ أن ﰲ ﻟﻴﻤﺎ وﺣﺪﻫﺎ ٦٧ﻛﻨﻴﺴﺔ ،وﺗﺠﺎور اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺳﺎن ﻣﺎرﻛﻮ اﻟﻔﺎﺧﺮة ﻋﲆ املﻴﺪان املﺴﻤﻰ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ .وﻗﺪ زرت املﺘﺤﻒ اﻷﻫﲇ ﰲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻷﻋﲆ ﻣﻦ ﺑﻨﺎء اﻟﺒﻠﺪﻳﺔ ،وﻫﻮ ﻗﺴﻤﺎن :ﻗﺪﻳﻢ َ وآﺧﺮ ﺣﺪﻳﺚ ،ﻓﻔﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻔﺎت اﻷﻧﻜﺎ وﺻﻨﺎﻋﺎﺗﻬﻢ ،أﺧﺺ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ً ً ﺟﻤﻴﻼ وﺻﺎﻏﻮا ﻣﻨﻪ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻋﺪة، ﺻﻘﻼ ﻣﻨﻬﺎ :اﻟﻔﺨﺎر ﺑﺪﻳﻊ اﻟﺼﻨﻊ ،ﻓﻘﺪ ﺻﻘﻠﻮه ﺛﻢ اﻟﻨﺴﻴﺞ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن واﻟﺼﻮف وﺑﻌﻀﻪ دﻗﻴﻖ اﻟﺼﻨﻊ ﺟﺪٍّا ،وﻋﺠﺒﺖ ﻟﻘﺪرﺗﻬﻢ ﻋﲆ ﺗﻨﻮﱡع ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ ﻋﻤﻞ اﻟﺒﺴﻂ اﻟﺸﺒﻴﻬﺔ »ﺑﺎﻷﻛﺎﻟﻴﻢ« ،ﺛﻢ ﺑﻌﺾ أدوات اﻷﺻﺒﺎغ زاﻫﻴﺔ اﻷﻟﻮان، ﻣﻮﺳﻴﻘﺎﻫﻢ ﰲ أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﺮﺑﺎب وﻣﺰاﻣري اﻟﻐﺎب ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن ﺑﻌﺾ أﻧﻮاع »املﻘﻼع« إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺴﻬﺎم ﰲ اﻟﺼﻴﺪ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻧﻮع ﻣﻦ املﴪة — اﻟﺘﻠﻴﻔﻮن — ﻣﻦ أﺳﻄﻮاﻧﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ »ﻓﻮق املﱰ« ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﺟﻮﻓﺖ ُ وﺷ ﱠﻘ ْﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺘﺤﺔ ﻟﻬﺎ ذؤاﺑﺎت ﰲ اﻟﺠﺎﻧﺒني ،وﺑﺎﻟﻄﺮق ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻌﻄﻲ أﻧﻐﺎﻣً ﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ َ اﻵﺧﺮ ﻋﲆ ﺑُﻌْ ٍﺪ ﻓﻴﺠﻴﺐ ﻋﻨﻬﺎ .أﻣﺎ ﺻﻮغ اﻟﻨﺤﺎس ﻓﻈﻬﺮت ﻗﺪرﺗﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﰲ ﺑﻌﺾ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﻮﺟﻪ اﻵدﻣﻲ ،ﺛﻢ رأﻳﺖ ﺑﻌﺾ ﺟﺜﺜﻬﻢ ﻣﺤﻨﱠﻄﺔ، وﻳﻘﻌﺪ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻘﺮﻓﺼﺎء ،رﻛﺒﺘﺎه ﻋﻨﺪ ذﻗﻨﻪ وذراﻋﺎه ﻣﻄﺒﻮﻗﺘﺎن إﱃ ﺧﺪه ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻼﻣﺲ اﻟﻜﻔﺎن اﻷذﻧني ،واﻟﺠﺜﺚ ﰲ ٍ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻔﻆ ﻻ ﺑﺄس ﺑﻬﺎ ،وﻟﻘﺪ أﺛﺎر ذاك اﻟﺘﺤﻨﻴﻂ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﻫﻨﺪﺳﺔ أﺑﻨﻴﺘﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﺣﺎﻛﺖ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ املﴫﻳﺔ ً ﺟﺪﻻ ﺑني اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻳﺆﻳﱢﺪ اﻟﻜﺜري اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ملﴫ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺠﻬﺎت ﻗﺪﻳﻤً ﺎ .أﻣﺎ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻠﻤﺘﺤﻒ ﻓﻤﻦ ﻣﺨﻠﻔﺎت اﻟﻌﻬﺪ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ، ﻓﻴﻪ ﻳُﻌ َﺮض ﻛﺜري ﻣﻦ ﻣﺘﺎع ﺑﺘﺰارو وﻋﻬﺪه ﻣﻦ أﺳﻠﺤﺔ وﻓﺮش وﻋﺮوش وﻧﻘﻮد وﺑﻌﺾ ﺻﻮر ً زﻳﺘﻴﺔ ﻓﺎﺧﺮة ﻟﺮﺟﺎل اﻟﺤﻜﻢ .وﰲ ﺟﺎﻧﺐ َ ﻣﺘﺤﻔﺎ ﺻﻐريًا »ﻣﺘﺤﻒ اﻷﻧﻜﺎ« آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪة أﻗﺎﻣﻮا ﺑﻨﺎؤه ﰲ ﻫﻨﺪﺳﺔ اﻷﻧﻜﺎ ﺑﻜﺘﻠﻬﺎ اﻟﻀﺨﻤﺔ وﺣﻮاﺋﻄﻬﺎ املﺎﺋﻠﺔ إﱃ اﻟﺪاﺧﻞ ،وﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﻘﻮش ﺑﻌﺾ اﻟﻮﺟﻮه اﻵدﻣﻴﺔ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ،وﺑﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ آﺛﺎرﻫﻢ وﻟﺒﺎﺳﻬﻢ وﺳﻼﺣﻬﻢ. ﻛﻨﺖ أﻋﻬﺪه؛ إذ ُ ﺑﺪت ﰲ ﻧﻈﺮي ﻟﻴﻤﺎ ﻏري ﻣﺎ ُ ﻛﻨﺖ أﺧﺎل أﻧﻲ ﺳﺄرى ﺑﻠﺪة ﻣﺘﺄﺧﺮة ،ﻓﺈذا ﻟﺘﻘﺎوم اﻟﺰﻻزل اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ ﻫﻨﺎك ،وﺣﺘﻰ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﻌﻮاﺻﻢ ﺑﻤﺒﺎﻧﻴﻬﺎ اﻟﻔﺎﺧﺮة اﻟﺘﻲ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ِ أﺣﻴﺎؤﻫﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ إذ ﻛﻠﻬﺎ ﰲ أﺑﻨﻴﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺑﺤﺘﺔ ،ﺑﺒﻴﻮﺗﻬﺎ ذوات اﻷﺑﻮاب اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ،واملﻄﺎرق املﻌﺪﻧﻴﺔ ،وﻧﻮاﻓﺬﻫﺎ ﺗﻐﺸﺎﻫﺎ ﺷﺒﺎك ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ ﻏﻠﻴﻆ ،وﻓﻨﺎء اﻟﺪار ﻏري ُﻜﴗ ﺑﺎﻟﻘﻴﺸﺎﻧﻲ وأﺻﺺ اﻟﺰرع ،وﻟﻘﺪ ﱠ ﻣﺴﻘﻮف ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺠﺮات واﻟﴩﻓﺎت ،وﻳ َ ﺣﻘﻘﺖ ﰲ ﻧﻈﺮي ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ Prescottﻋﻨﻬﺎ» :ﻟﻴﻤﺎ ﺑﻠﺪة املﻠﻮك اﻟﺮاﺋﻌﺔ ،أﺟﻤﻞ ﺟﻮﻫﺮة ﻋﲆ ﺷﻮاﻃﺊ اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻚ ،وأﻓﺨﺮ ﻣﺎ ﺧﻠﻔﻪ ﺑﺘﺰارو وﺳﻂ اﻟﻮﻳﻞ واﻟﺪﻣﺎر اﻟﺬي ﺟ ﱠﺮه ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ وأﺗﺒﺎﻋﻪ ﻋﲆ ً ﻃﻮﻳﻼ، أراﴈ اﻷﻧﻜﺎ املﻘﺪﺳﺔ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ «.وﻟﻘﺪ ﻟﺒﺜ َ ْﺖ ﺑﺤﻖ ﻋﺎﺻﻤﺔ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ زﻣﺎﻧًﺎ 100
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻟﻴﻤﺎ وﻓﻴﻬﺎ رﻓﺎت اﻟﻄﺎﻏﻴﺔ ﺑﺘﺰارو.
وﺗﺌﻮي ﻣﻦ اﻷﻫﻠني اﻟﻴﻮم ٢٧٢٧٤٢ﰲ ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮض ١٢ﺟﻨﻮﺑًﺎ واﻟﻌﻠﻮ اﻟﺒﺎﻟﻎ ٥٠٠ ﻗﺪم ﻟﻴﺲ ﻏري .واﻷﺣﻮال اﻟﺼﺤﻴﺔ ﺑﻬﺎ ﻣﺮﻋﻴﺔ؛ ﻓﻨﺴﺒﺔ اﻟﻮﻓﻴﺎت ﻻ ﺗﺠﺎوز ٢٤ﰲ اﻷﻟﻒ ،أﻣﺎ اﻷﻫﻠﻮن ﻓﻴﺴﻮدﻫﻢ اﻻﺧﺘﻼط ،وﰲ ﻏﺎﻟﺐ اﻟﺴﺤﻦ ﺗﺘﺠﲆ اﻟﺘﻘﺎﻃﻴﻊ اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،وﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻈﺮوف ﻛﻨﺖ أﺣﺴﺒﻬﻢ ﺻﻴﻨﻴني ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺳﻜﺎن اﻟﺒﻼد اﻷﺻﻠﻴﻮن اﺧﺘﻠﻄﻮا ﺑﺎﻟﺠﻨﺲ اﻷﺑﻴﺾ ،وﻗﺪ اﺳﱰﻋﻰ ﻧﻈﺮي ورق أﺧﴬ ﻳﻤﻀﻐﻮﻧﻪ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﺮﺟﺎل ،وﻫﻮ ورق ﺷﺠﺮة اﻟﻜﻮﻛﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ املﱰ ﻋﻠﻮٍّا ،وﻳﺤﺮص اﻟﻨﺎس أن ﺗﻈﻞ ﺻﻐرية ﺑني ﻗﺪﻣني وﺛﻼث؛ َ ﺧﺸﻴﺔ ﻓﺴﺎد ورﻗﻬﺎ ،واﻟﻨﺒﺎت اﻟﺼﻐري ﻳﻨﻤﻮ ﻋﺎد ًة ﺗﺤﺖ وﻗﺎﻳﺔ ﺷﺠﺮ املﻮز ،وﻳﻨﺘﺞ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ اﻟﻌﴩﻳﻦ ،وﻗﻴﻤﺘﻪ ﰲ ورﻗﻪ اﻟﺒﻴﻀﺎوي ﺧﻔﻴﻒ اﻟﺨﴬة ﰲ ﻃﻮل ﺑﻮﺻﺔ وﻧﺼﻒ، وﻳﺤﺴﻦ ﻧﻤﻮه ﻋﲆ املﺪرﺟﺎت ،وﻳُﻘ َ ﻄﻒ ورﻗﻪ ﺛﻼث ﻣﺮات أو أرﺑﻌً ﺎ ﰲ اﻟﻌﺎم ،ﺗُﺮﺑَﻂ وﺗُﺼﺪﱠر إﱃ أوروﺑﺎ وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﺑﻮﻟﻴﻔﻴﺎ وﺑريو؛ ﻻﺳﺘﺨﺮاج ﻣﺎدة اﻟﻜﻮﻛﺎﻳني ﻣﻨﻬﺎ ،وﻛﺜري ﻣﻦ ﻣﺼﺎﻧﻌﻪ ﰲ ﻟﻴﻤﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪﱢر ﻧﺤﻮ ٣٣٠٠رﻃﻞ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻛﺎﻳني ﻛﻞ ﻋﺎم ،وﺟﻠﻪ ﻳﺒﺎع ﻟﻠﻴﺎﺑﺎن ،وأﻫﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻳﻤﻀﻐﻮن اﻟﻮرق ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻀﻎ اﻟﻄﺒﺎق واﻟﺒﻴﺘﻞ betelﰲ اﻟﻬﻨﺪ وﻏريﻫﺎ ،وﻳﻘﻮﻟﻮن ﻋﻨﻪ 101
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺑﺄﻧﻪ ﻋﻈﻴﻢ اﻷﺛﺮ ﰲ إﻣﺪاد اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ واﺣﺘﻤﺎل اﻟﺠﻬﺪ واملﺘﺎﻋﺐ؛ إذ ﺑﻤﻀﻐﻪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺮﺟﻞ أن ﻳﺴري ﰲ اﻟﺠﺒﺎل أﻳﺎﻣً ﺎ ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ دون ﺷﻌﻮر ﺑﺘﻌﺐ ،وﰲ ﻏﺎﻟﺐ دول ﻏﺮب أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻳﴩﺑﻮن ﻣﻨﻘﻮﻋﻪ ﺑﺎملﺎء اﻟﺴﺎﺧﻦ ﻟﻴﺴ ﱢﻜﻦ أوﺟﺎع املﻌﺪة. ُ ﻋﺪت آﺧِ ﺮ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ إﱃ »ﻛﻼءو« ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ أذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺑﻐﺰوات Drake ً ﻃﻮﻳﻼ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻋﻨﻒ اﻟﺰﻻزل ﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ،واﻟﺘﻲ ﻗﺎﺳﺖ ﻣﻨﻪ وﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻪ ُ وأﻛﻠﺖ ﻣﻦ ﻓﺎﻛﻬﺘﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،ﻣﻮز وﺗﻔﺎح وﺑﺮﺗﻘﺎل وﺧﻮخ ،وﺑﻌﺾ أﻧﻮاع ﻏﺮﻳﺒﺔ أذﻛﺮ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﴐﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎم اﻟﺼﻐري املﺼﻔﺮ اﻟﺸﻬﻲ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﺣﺠﻤﻪ ﻋﲆ اﻟﻘﺜﺎءَ ، وآﺧﺮ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﻘﺸﻄﺔ اﻟﻠﺬﻳﺬة ،وﴐوب أﺧﺮى ﻣﻦ ﻓﺎﻛﻬﺔ اﻟﺒﻼد اﻟﺤﺎرة ،ﺷﻬﻴﺔ املﺄﻛﻞ ﻏﺮﻳﺒﺔ اﻟﺸﻜﻞ واﻟﺘﺴﻤﻴﺔ .وﻗﺪ ﺑﺮﺣﻨﺎ اﻟﺜﻐﺮ ﰲ ﺗﻤﺎم اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﺴﺎءً ،ﺑﻌﺪ أن ﻇﻠﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻃﻮل ﻣﻜﺜﻬﺎ ﺗﻮﺳﻖ ً ﻛﺘﻼ ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس اﻟﻐﻔﻞ وﺑﺎﻻت ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻦ ،أﻣﺎ اﻟﺠﻮ ﻓﻜﺎن ﻣﻠﺒﺪًا ﺑﺎﻟﻐﻴﻮم، ﺧﺸﻴﻨﺎ أن ﻳﺪﻫﻤﻨﺎ ﺑﺄﻣﻄﺎره ،ﻟﻜﻨﻲ ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻪ ﻳﻈﻞ ﻫﻜﺬا ﻏﺎﻟﺐ اﻷﻳﺎم ،ﻟﻜﻦ ﺟﻔﻮﻧﻪ ﻻ ﺗﺴﺢ ﺷﻴﺌًﺎ؛ ﻷن اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻻ زا َﻟ ْﺖ ﺻﺤﺮاوﻳﺔ. ﻋﺎر ﻋﻦ أي ﻧﺒﺖ ﺣﺘﻰ ﻧﺨﻴﻞ اﻟﺼﺤﺮاء، وﻣﻨﻈﺮ ﺑريو ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ املﺤﻴﻂ ﻣﻨﻔﺮ ﻣﺠﺪب ٍ وﻟﻘﺪ ﻗﻴﻞ إن اﻟﺴﻤﺎء ﻟﻢ ﺗَﺠُ ْﺪ ﺑﺮﺧﺔ ﻣﻄﺮ إﻻ ﻣﻨﺬ ﺳﺘﺔ ﻋﴩ ﻋﺎﻣً ﺎ! ﻓﻤﻨﻈﺮﻫﺎ ﱢ ﻳﺰﻫﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺎدم ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،ﻟﻜﻨﻚ ﺗﺠﺪ وراء ذﻟﻚ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻗﻄ ًﺮا ﻣﻦ أﺟﻤﻞ أﻗﻄﺎر اﻷرض وأﻏﻨﺎﻫﺎ، ﻓﻮراء اﻟﺴﺎﺣﻞ املﺠﺪب ﻫﻀﺒﺔ ذات ودﻳﺎن ﺧﺼﻴﺒﺔ ،ووراء ﻫﺬه ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻏﺎﺑﺎت ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻛﺜرية املﻄﺮ اﻟﺬي ﻳﺴﻘﻂ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ »ﻣﻨﺘﺎﻧﺎ« ،ﻓﺒريو ﺑﻼد ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ٍّ ﺣﻘﺎ ،وﺗُﺮﻣَ ﻰ ﺑريو ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﻣﺘﺴﻮل ﻳﻌﻴﺶ ﻋﲆ ﺟﺒﻞ ﻣﻦ ذﻫﺐ« ﺑﺴﺒﺐ ﻓﺴﺎد ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ أﻓﻘﺮت اﻟﺒﻼد رﻏﻢ ﻛﻨﻮزﻫﺎ ً ﺳﺬاﺟﺔ وأﺑﻌﺪ ﻋﻦ املﺪﻧﻴﺔ ،ﻓﻘﺮب اﻟﺴﺎﺣﻞ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،وﻛﻠﻤﺎ أوﻏﻠﻨﺎ ﰲ اﻟﺪاﺧﻞ ﻻﻗﻴﻨﺎ ﺷﻌﻮﺑًﺎ أﻛﺜﺮ ﱡ واﻟﺘﺤﴬ، ﺳﻼﺋﻞ اﻹﺳﺒﺎن اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺨﺘﻠﻄﻮا ﺑﺎﻟﻬﻨﻮد ،وﻫﻢ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ ﻟﻴﻤﺎ ،أﺟﺴﺎﻣﻬﻢ أﻣﻴﻞ إﱃ اﻟﺴﻤﻨﺔ ﻟﻜﺜﺮة وﻧﺴﺎؤﻫﻢ أﺟﻤﻞ ﻧﺴﺎء أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ، اﺳﺘﻘﺮارﻫﻢ ﰲ اﻟﺒﻴﻮت ،وﻟﻘﻠﺔ اﺷﺘﻐﺎﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ،وﻳﻜﺜﺮون ﻣﻦ اﻟﺘﺰﻳﱡﻦ وﻟﺒﺲ اﻟﺤﲇ ،وﻳﲇ اﻹﺳﺒﺎن ﰲ ﺑﻼد اﻟﻮﺳﻂ ﻫﻨﻮد ﻛﻮﺗﺸﻮا اﻟﻨﺸﻴﻄﻮن وﻟﻐﺘﻬﻢ ﻫﻲ اﻟﺴﺎﺋﺪة ،أﻣﺎ إذا دﺧﻠﻨﺎ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻐﺎﺑﺎت ﺳﺎد اﻟﻬﻤﺞ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻷﺣﺮاش ﺑﻠﻬﺠﺎﺗﻬﻢ املﺘﻌﺪدة اﻟﺘﻲ ﺗﻐﺎﻳﺮ اﻟﻮاﺣﺪة اﻷﺧﺮى ،وﻗﺪ ُﻗﺪﱢر ﻋﺪدﻫﻢ ﺑﻨﺤﻮ ٣٠٠أﻟﻒ ﻳﻨﻘﺴﻤﻮن إﱃ أﻛﺜ َﺮ ﻣﻦ ٩٠ﻟﻬﺠﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ. وﺟﻮ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻣﻠﺒﺪ ﺑﻀﺒﺎب ﻛﺜﻴﻒ ﻳﺤﺠﺐ اﻟﺸﻤﺲ ﻏﺎﻟﺐ اﻷوﻗﺎت ،ﻟﻜﻨﺎ إذا ﺗﺴﻠﻘﻨﺎ املﺮﺗﻔﻌﺎت إﱃ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻮﺳﻄﻰ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ﺻﻔﺎ اﻟﺠﻮ وﻧﻘﺺ ﺣﺮه ،وﻏﺎﻟﺐ أﻫﻞ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ اﻟﻬﻨﻮد ﰲ أﺳﻤﺎﻟﻬﻢ اﻟﻘﺬرة وﺳﺤﻨﻬﻢ اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﺗﺸﻮا واﻹﻳﻤﺎرا اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺳﺎدة 102
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﱡ اﻟﺘﺄﺧﺮ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ﻓﺄذﻟﻬﻢ اﻹﺳﺒﺎن ،ﻓﺎﻧﺤﻄﻮا اﻟﻴﻮم إﱃ ذﻟﻚ املﺴﺘﻮى ﻣﻦ أﻓﺮاد أﻣﺔ ﺷﻴﻮﻋﻴﺔ ﻟﻜ ﱟﻞ ﻧﺼﻴﺐٌ ﰲ ﻣﺎل اﻟﺒﻼد ،وﻻ ﻣﺠﺎ َل ﻟﺠﻤﻊ اﻟﺜﺮوة ﻣﻦ ﻛﺜﺮة املﺠﻬﻮد واﻟﻌﻤﻞ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻧﺼﻴﺐ اﻟﻔﺮد ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﺤﺪودًا ً ﻗﻠﻴﻼ ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ﻣﻌﻴﺸﺘﻬﻢ ﻫﺬه ً ﻋﺎﺟﻼ ،وﻣﻴﻠﻬﻢ إﱃ اﻟﻌﻤﻞ ﻗﻠﻴﻞ، ﺳﻌﺪاء ﺣﺘﻰ ﺟﺎء اﻹﺳﺒﺎن ﺑﺤﻀﺎرﺗﻬﻢ ﻓﺘﺪﻫﻮر أوﻟﺌﻚ ﻓﻬﻢ إﱃ اﻟﻜﺴﻞ أﻗﺮب ﻟﻘﻠﺔ ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﻢ ،ﻓﻠﺒﺎﺳﻬﻢ ﻻ ﻳﺠﺎوز ﻗﺒﻌﺔ اﻟﺨﻮص واﻟﺸﺎل املﺴﻤﻰ ،Ponchoوﻛﺄﻧﻪ »اﻟﺒﻄﺎﻧﻴﺔ« ﺷﻖ ﰲ وﺳﻄﻪ ﻣﻜﺎن ﻟﺪﺧﻮل اﻟﺮأس ،وﻧﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ اﻟﻐﻔﻞ ﻳﺤﻜﻲ ﻧﻌﺎل اﻟﻌﺮب ،وﻟﻜﺜﺮة ﻣﻀﻐﻬﻢ ﻟﻮرق اﻟﻜﻮﻛﺎ ﻗ ﱠﻞ ذﻛﺎؤﻫﻢ ،وﻟﺬﻟﻚ ﺗﺮى اﻟﻨﺴﺎء أذﻛﻰ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﻜﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻷﻧﻬﻦ ﻻ ﻳﻤﻀﻐﻨﻪ إﻻ ﻧﺎد ًرا ،وﺗﻌﺪﱡد اﻟﺰوﺟﺎت ﺷﺎﺋﻊ ﺑﻴﻨﻬﻢ؛ اﻟﻨﺴﺎء ﻋﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،وﺑني ﺑﻌﺾ ﻗﺒﺎﺋﻠﻬﻢ ﻣَ ﻦ ﻳﻌﺘﻘﺪون أﻧﻬﻢ إذا ﻗﺘﻠﻮا ﻋﺪوﻫﻢ وأﻛﻠﻮا ﻟﺤﻤﻪ اﻧﺘﻘﻠﺖ إﻟﻴﻬﻢ ﻗﻮﺗﻪ! وﻫﺬا ﻣﺎ ﺣَ ﺪَا ﺑﻬﻢ إﱃ أﻛﻞ ﻟﺤﻮم اﻟﺒﴩ أﺣﻴﺎﻧًﺎ — اﻟﺮﺟﺎل ﻻ اﻟﻨﺴﺎء — وﻣﻦ أﻗﴗ ﻋﺎداﺗﻬﻢ إﻏﺮاق املﻮﻟﻮد اﻟﺠﺪﻳﺪ إذا ﻟﻢ ﻳﻮاﻓﻖ رﻏﺒﺔ اﻷﺑﻮﻳﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻧﻮﻋﻪ :ذﻛﺮ أو أﻧﺜﻰ ،وﻏﺎﻟﺐ اﻟﺪﻓﻦ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺑﺄن ﻳﻠﻘﻮا اﻟﺠﺜﺚ ﰲ اﻟﻨﻬﺮ إﻻ املﻘﺎﺗِﻠﺔ ﻓﺘُﺤﻨﱠﻂ أﺟﺴﺎﻣﻬﻢ وﺗُﻌ َﺮض ﺗﻔﺎﺧ ًﺮا وﺳﻂ اﻟﺪار ،وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳُﻌ ﱢﻠﻖ ﺟﺜﺔ اﻟﻘﺘﻴﻞ ﰲ ﺣﺒﻞ ﺛﻢ ﺗُ َﻠﻘﻰ ﰲ ﻣﺎء اﻟﻨﻬﺮ ،ﻓﺈذا ﻣﺎ أﻛﻞ اﻟﺴﻤ ُﻚ اﻟﻠﺤ َﻢ وﻇﻬﺮت اﻟﻌﻈﺎم ،ﺣُ ِﻤﻠﺖ إﱃ اﻟﺒﻴﺖ وﺧﻀﺒﺖ ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻷﺣﻤﺮ وﺣُ ﻔِ ﻈﺖ ﻫﻨﺎﻟﻚ، وﻫﺆﻻء اﻟﻬﻨﻮد ﻣَ ﻬَ َﺮة ﺟﺪٍّا ﰲ رﻛﻮب اﻟﺰوارق اﻟﻨﺤﻴﻠﺔ — ﻋﺮﺿﻬﺎ ﻗﺪﻣﺎن وﻃﻮﻟﻬﺎ — ٣٦ وﺳﻂ أﻧﻬﺎرﻫﻢ اﻟﻌﺪة ،وﻫﻲ ﻣﻨﺎﺑﻊ اﻷﻣﺎزون اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻖ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻛﺒريًا ﻣﻦ داﺧﻞ ﺑريو ،وﻗﻴﻞ إن ﻣﺠﻤﻮع ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻬريات ﻳﺒﻠﻎ ﻋﴩﻳﻦ أﻟﻒ ﻣﻴﻞ ﰲ ﻗﺴﻢ ﺑريو اﻟﺪاﺧﲇ املﺴﻤﱠ ﻰ »ﻣﻨﺘﺎﻧﺎ«، وﻛﻠﻤﺔ ﺑريو ﻣﺤ ﱠﺮﻓﺔ ﻋﻦ اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ »ﺑﻴﻠﻮ« وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ »ﻧﻬﺮ«؛ ﻟﻜﺜﺮة أﻧﻬﺎرﻫﺎ. ُ وﻋﻠﻤﺖ أن ﻣﻠﻬﻰ اﻟﺜريان ﺳﻴﻔﺘﺢ أﺑﻮاﺑﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﺮﺻﺔ وﻗﺪ ﺻﺎدف ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ، ُ ﺳﻤﻌﺖ ﻋﻨﻪ ،وﰲ اﻟﺼﻴﻒ وﺑﻌﺾ أﻳﺎم ﺟﻤﻴﻠﺔ ﱄ أن أﺷﻬﺪ ذاك اﻟﻠﻌﺐ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻃﺎملﺎ اﻟﺸﺘﺎء ﺗُ َ ﻌﻘﺪ ﺣﻔﻼت اﻟﴫاع ﺑﻜﺜﺮة ،وﻳﺆم اﻟﺒﻼد ﻛﺒﺎر املﺼﺎرﻋني ﻣﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وﻳﺘﻘﺎﺿﻮن أﺟﻮ ًرا ﺗﻜﺎد ﺗﻔﻮق ﻣﺎ ﻳ َ ُ دﻓﻌﺖ ُﺪﻓﻊ ﻟﻨﺠﻮم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ! دﺧﻠﺖ املﻠﻬﻰ اﻟﻬﺎﺋﻞ املﺴﺘﺪﻳﺮ ،ﺑﻌﺪ أن ﻗﺮﺷﺎ ﺛﻤﻨًﺎ ﻟﻠﺪﺧﻮل ،وملﺎ ﺣﺎن ﻣﻴﻌﺎد اﻟﻠﻌﺐ ﻧُﻔِ ﺨﺖ اﻷﺑﻮاق ُ ﺳﺘني ً وﻓﺘِﺤﺖ اﻷﺑﻮاب اﻟﻜﺒرية إﱃ اﻟﻴﻤني ،وﺗﻘﺪﱠم املﺼﺎرﻋﻮن ﰲ أردﻳﺘﻬﻢ اﻟﱪﱠاﻗﺔ ﻛﺜرية اﻷﻟﻮان واملﺠﻮﻫﺮات إﱃ وﺳﻂ اﻟﺤﻠﺒﺔ ﰲ ﺻﻒ واﺣﺪ وﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ اﻟﺸﺎل ،Capaوﻳﺮاﻓﻘﻬﻢ ﻣﻌﺎوﻧﻮن Picadoresﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺤِ َﺮاب اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻳﻤﺘﻄﻮن اﻟﺨﻴﻮل املﻐﻤﺎة ،ﻓﻘﺎﺑﻠﻬﻢ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﺑﺰوﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻔﻴﻖ ﺗﺒﻌﻬﺎ ﺳﻜﻮن ﻋﻤﻴﻖ أﺧﺬ ﻳﻨﺒﺚ املﺼﺎرﻋﻮن ﺧﻼﻟﻪ ﰲ ﺣﻠﺒﺔ املﻴﺪان؛ ﻛ ﱞﻞ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺄوى ﺧﺸﺒﻲ ﺻﻐري ﺛﺎﻧﻴﺔ ُ ً ﻓﻔﺘِﺢ ﺑﺎب ﺣﺪﻳﺪي ﻛﺒري إﱃ اﻟﻴﺴﺎر وﻫﺠﻢ ﻳﻠﺠﺄ إﻟﻴﻪ وﻗﺖ اﻟﺨﻄﺮ ،ﺛﻢ ﻧﻔﺨﺖ اﻷﺑﻮاق 103
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻣﻨﻪ ﺛﻮر أﺳﻮد ﺗﺰﻳﱢﻨﻪ ﺑﻘﻊ ﺑﻴﻀﺎء ،ووﻗﻒ ﺣﺎﺋ ًﺮا وﺳﻂ اﻟﺤﻠﺒﺔ ﻳﻨﻈﺮ ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ،ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎ ملﺢ ﺧﺮﻗﺔ ﻳﻠﻮح ﻟﻪ ﺑﻬﺎ أﺣﺪ املﺼﺎرﻋني اﻧﺪﻓﻊ إﻟﻴﻪ ﻛﺎﻷﺳﺪ اﻟﻜﺎﴎ ،وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻨﺤﱠ ﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻨﻪ وﺷﺎﻛﺴﻪ َ ً ﻃﻮﻳﻼ واﻟﺜﻮر ﻳﺠﺮي ﻣﻦ واﺣ ٍﺪ إﱃ آﺧﺮ ﺑﺨﺮﻗﺘﻪ ،وﻇﻠﺖ ﺗﻠﻚ املﻌﺎﻛﺴﺔ َ اﻵﺧﺮ ﺣﺘﻰ ﻃﺎف ﺑﺎﻟﺤﻠﺒﺔ ﻓﺄﺟﻬﺪت ﻗﻮاه ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ أﻟﻘﻰ أﺣﺪﻫﻢ ﺑﺨﺮﻗﺘﻪ ﺣﻮل رأس اﻟﺜﻮر اﻟﺬي اﺳﺘﺸﺎط ﻏﻀﺒًﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻪ اﻟﺮﺟﻞ ﺣﺎﺋ ًﺮا وﻣﴙ ﻏري ﻣﻜﱰث إﱃ ﻣﻜﺎﻧﻪ وﺳﻂ اﻟﺘﺼﻔﻴﻖ اﻟﺬي ﻳﺼﻢ اﻵذان! ﻣﺼﺎرع َ آﺧﺮ ﰲ أردﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ وﻫﻮ ﻳﻤﺘﻄﻲ ﺟﻮادًا ﻏﻤﺖ إﺣﺪى ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺗﻘ ﱠﺪ َم ِ ﻛﺎﴎا ﻋﲆ اﻟﺠﻮاد املﺠﺎﻧﺒﺔ ﻟﻠﺜﻮر وﺑﻴﺪه ﺣﺮﺑﺘﻪ ،وﻗﺎ َربَ اﻟﺜﻮر اﻟﺬي ﻧﻈﺮ ﺣﺎﺋ ًﺮا ،ﺛﻢ ﻫﺠﻢ ً ودﻓﻊ ﺑﻘﺮوﻧﻪ ﺗﺤﺖ ﺑﻄﻨﻪ ورﻓﻌﻪ ﻫﻮ وﻓﺎرﺳﻪ إﱃ اﻟﺠﻮ ،وﴎﻋﺎن ﻣﺎ اﻗﱰب املﺼﺎرﻋﻮن َ اﻵﺧﺮون وأﺧﺬوا ﻳﻠﻮﺣﻮن ﻟﻠﺜﻮر ﺑﺨﺮﻗﻬﻢ ﻟﻴﴫﻓﻮه ﻋﻦ اﻟﺠﻮاد إﻟﻴﻬﻢ .ﻫﻨﺎ ﺻﺎﺣﺖ اﻷﺑﻮاق ﻓﺘﻨﺤﻰ املﺼﺎرﻋﻮن إﻻ ﻣﺼﺎرﻋً ﺎ أﺧﺬ ﻳﻠﻮح ﻓﻮق رأﺳﻪ ﺑﺴﻬﻤني ،وﻳﴬب اﻷرض ﺑﻘﺪﻣﻪ، وﻳﺼﻴﺢ ﰲ وﺟﻪ اﻟﺜﻮر اﻟﺬي ﻃﺄﻃﺄ رأﺳﻪ وأﺧﺬ ﻳﺘﻘﺪﱠم إﱃ اﻟﺮﺟﻞ ،واﻟﺮﺟﻞ ﻳﺘﻘﺪﱠم ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎ ﻛﺎد ﻳﻠﻤﺴﻪ أﺣﻨﻰ اﻟﺮﺟﻞ رأﺳﻪ وﺑﴪﻋﺔ ﻛﺎﻟﱪق دﻓﻊ ﺑﺤﺮﺑﺘَﻴْﻪ إﱃ ﻋﻨﻖ اﻟﺜﻮر وﺗﺮﻛﻬﻤﺎ ﻋﺎﻟﻘﺘني ﺑﻪ وﺗﻨﺤﻰ ً ﻗﻠﻴﻼ ،وأﻋﺎد اﻟﻜﺮة ﻣﺮات ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺖ رﻗﺒﺔ اﻟﺜﻮر ﻣﺮﺷﻮﻗﺔ ﺑﺎﻟﺴﻬﺎم اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺆملﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺤﺮك ،ﻟﺬﻟﻚ زﻫﺪ ﰲ اﻟﺤﺮﻛﺔ ووﻗﻒ ﺧﺎﺋ ًﺮا واﻟﺪم ﻳﻘﻄﺮ ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺒﻪ، ﻫﻨﺎ ﺻﺎﺣﺖ اﻷﺑﻮاق ﺛﺎﻧﻴﺔ وﺗﻘ ﱠﺪ َم أﻣﻬﺮ املﺼﺎرﻋني وﺑﺈﺣﺪى ﻳﺪﻳﻪ ﺷﺒﻪ ﻋﻠﻢ ﻟﻮﱠحَ ﺑﻪ ﻳﻤﻴﻨًﺎ وﻳﺴﺎ ًرا وﺑﺎﻟﻴﺪ اﻷﺧﺮى ﺳﻴﻔﻪ ،ﺛﻢ رﻛﻊ ﻋﲆ إﺣﺪى رﻛﺒﺘﻴﻪ واﻟﺜﻮر اﻟﻐﺎﺿﺐ اﻟﺨﺎﺋﺮ ﻳﻬﺎﺟﻤﻪ، وﻫﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﱰة ﺣﺮﺟﺔ ﻛﺎدت ﺗﻮدي ﺑﺤﻴﺎة املﺼﺎرع ،وﻟﻜﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ املﺼﺎرع اﻵن ﻣﻌﻨﻰ ﺧﺎص واﺳﻢ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻫﻮاة ذاك اﻟﻠﻌﺐ ،وﻣﺎ إن أﺛﺒﺖ اﻟﺮﺟﻞ ﻗﺪرﺗﻪ ﰲ اﻟﴫاع ﺣﺘﻰ ﻧﻔﺦ ﰲ اﻟﺼﻮر اﻟﻨﻔﺨﺔ اﻷﺧرية ،وﻟﻮﱠحَ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻠﺜﻮر ﺑﻌﻠﻤﻪ اﻷﺣﻤﺮ ﰲ ﻳﺪه اﻟﻴﴪى ،وملﺎ ﻫﺎﺟَ َﻢ اﻟﺜﻮر ذاك اﻟﻌﻠﻢ ﺑَﻴ َﱠﺖ املﺼﺎرع ﺳﻴﻔﻪ ﰲ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﻋﻨﻖ اﻟﺜﻮر ،ﻓﱰﻧﱠﺢَ اﻟﺜﻮر أ ًملﺎ ورﻛﻊ وﺻﺎح ﻣﺘﺄو ًﱢﻫﺎ واﻟﺪم ﻳﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﻓﻤﻪ وأﻧﻔﻪ ،وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺳﻘﻂ إﱃ اﻷرض وﺳﻂ أﺻﻮات ﻣﻦ اﻟﺘﻬﻠﻴﻞ واﻻﺑﺘﻬﺎج واﻟﺘﺼﻔﻴﻖ وﺳﻴﻞ اﻟﻘﺒﻌﺎت اﻟﺘﻲ اﻧﻬﺎﻟﺖ ﻋﲆ املﺼﺎرع وﻫﻮ ﻳﻄﻮف ُ ﺗﻔﺎﺧ ٍﺮ ،وﻳﺮدد ﺗﺤﻴﺔ اﻟﻨﺎس ﰲ اﺑﺘﺴﺎم املﻨﺘﴫ اﻟﻔﺨﻮر .ﻣﺸﻬﺪ ﺗَ ْﻘ َﺸﻌِ ﱡﺮ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺤﻠﺒﺔ ﰲ ﺷﺒﻪ اﻷﺑﺪان وﺗَ ْﺸﻤَ ِﺌ ﱡﺰ اﻟﻨﻔﻮس ،وﻫﻞ أﻣﻌﻦ ﰲ اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ واﻟﻘﺴﻮة ﻣﻦ ذﻟﻚ؟!
104
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
) (6إﱃ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء :إﻛﻮادور وﰲ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺎء اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ رﺳﻮﻧﺎ ﰲ ﺗﺎﻻرا ،Talaraوﻫﻲ ﺑﻠﺪة ﺻﻐرية ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ﺑريو ،ﺛﻢ واﺻﻠﻨﺎ ﺳريﻧﺎ وﰲ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ دﺧﻠﻨﺎ ﻧﻬﺮ ﺟﻮاﻳﺎ اﻟﺬي ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﻮاﻳﺎ ﻛﻮﻳﻞ أﻛﱪ ﻣﺮﻛﺰ ﺗﺠﺎري ﰲ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ إﻛﻮادور؛ ﻓﻬﻲ أﻛﱪ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ وﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ً ١٢٠ أﻟﻔﺎ.
ﻣﺒﺎﻧﻲ ﺟﻮاﻳﺎ ﻛﻮﻳﻞ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﺗﻘﻮم ﻋﲆ أﻋﻤﺪة.
وﻫﺬا اﻻﺳﻢ ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﺟﻮاﻳﺎ اﺳﻢ أﺣﺪ ﻣﻠﻮك ﻫﻨﻮد ذاك املﻜﺎن ،و»ﻛﻴﻞ« اﺳﻢ زوﺟﺘﻪ إﺣﺪى اﻷﻣريات. ﻟﻢ ﻧﻼﺣﻆ أﻧﱠﺎ دﺧﻠﻨﺎ ﻧﻬ ًﺮا؛ ﻷن اﺗﺴﺎﻋﻪ ﻫﺎﺋﻞ ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺒ ُﺪ اﻟﺸﺎﻃﺊ َ اﻵﺧﺮ ،ﻋﲆ أن املﺎء ﺗﻐري ﻟﻮﻧﻪ وأﺿﺤﻰ ﻋَ ِﻜ ًﺮا ،وﺑﻌﺪ املﺪﺧﻞ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﺑﺪت ﺟﺰﻳﺮة »ﺑﻮﻧﺎ« اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ إﱃ ﻳﺴﺎرﻧﺎ ﻗﺪ ﱠ َ وﺿﻔﺔ اﻟﻨﻬﺮ إﱃ ﻳﻤﻴﻨﻨﺎ ،وﻫﻨﺎ واﻓﺎﻧﺎ اﻟﺪﻟﻴﻞ »اﻟﺒﻠﻮت «Pilot؛ ﻟﻴﺴري ﺑﺎﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﰲ ﻣﻴﺎه اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻀﺤﻠﺔ ﰲ ﺑﻌﺾ ﺑﻘﺎﻋﻪ .ﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺴري ﰲ اﻟﻨﻬﺮ ﺳﺎﻋﺘني »ً ٣٠ أراض ﻣﻨﺒﺴﻄﺔ ﻣﻴﻼ« ﺑني ٍ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت املﻘﻔﻠﺔ ،وﻛﺎن ﺑني ٍ آوﻧﺔ وأﺧﺮى ﻳﻔﺎﺟﺌﻨﺎ راﻓﺪ ﺻﻐري ﺣﻮﻟﻪ ﺑﻌﺾ اﻷﻛﻮاخ 105
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ ﻣﻨﺤﺪرة اﻟﺴﻘﻮف ﺗﻘﻮم ﻋﲆ ﻋﴢ أو ﻋﻤﺪ ﻣﻦ ﺷﺠﺮ ،واﻷﻫﻠﻮن ﻧﺼﻒ ﻋﺮاة ﰲ زوارﻗﻬﻢ اﻟﻨﺤﻴﻠﺔ املﺴﺘﻄﻴﻠﺔ أو ﰲ ﻋﻮاﻣﺎت ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﻛﺎﻷرﻣﺎث املﻤﺘﺪة ﻳﺤﻤﻠﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻷﺧﺸﺎب أو املﻮز ،وﻣﻦ ذاك اﻟﺸﺠﺮ ﻧﻮع ﺧﻔﻴﻒ اﻟﻮزن ﺟﺪٍّا ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ املﺮء أن ﻳﺤﻤﻞ ﺟﺬﻋني ﻣﻨﻪ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ واﺳﻤﻪ ،Balzaوﻛﺎﻧﺖ ﺗﺆﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﴍاﺋﺢ ﻟﻠﻄﻴﺎرات وﻳﺼﻨﻌﻮن ﻣﻨﻪ ﻣﺴﺎﻛﻦ ﻟﻬﻢ ،ﺛﻢ ﺷﺠﺮ َ ُ َ آﺧﺮ ﻳﺆﺗﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻮاﻣﺎﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ذﻟﻚ اﻻﺳﻢ ،وﻗﺪ ﻳﺘﺨﺬﻫﺎ َ أﺑﻴﺾ ﺛﻤ ًﺮا اﺳﻤﻪ ﺟﻮز اﻟﻌﺎج Ivory nutsﻛﺎﻟﺠﻮز اﻟﻜﺒري ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺼﻼﺑﺔ إذا ﺻﻘﻞ ﺑﺪا ﻧﺎﺻﻌً ﺎ ،وﺗﺼﻨﻊ ﻣﻨﻪ اﻷزرار وﺑﻌﺾ ﺧﺮط اﻟﻌﺎج ﻓﻴﺒﺪو ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻌﺎج اﻷﺻﻴﻞ ،وﻳُﺼﺪﱠر ﻣﻨﻪ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد. أﺧريًا ﺑﺪت ﺟﻮاﻳﺎ ﻛﻮﻳﻞ ﻣﻤﺪودة ﻋﲆ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﻴﻤﻨﻰ ﻋﲆ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺗﻴﺎره ﺷﺪﻳﺪًا وﻣﺎؤه ﻛﺜﻴﻒ اﻟﻮﺣﻞ واﻟﻄﻤﻲ ،وﻃﻼﺋﻊ ﻣﺴﺎﻛﻨﻬﺎ ﻣﻦ أﻛﻮاخ ﺗﻘﻮم ﻋﲆ اﻟﻌﴢ ،ﺛﻢ ﻇﻬﺮت أرﺻﻔﺔ املﻴﻨﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﻨﺎﻃﺮ اﻟﺨﺸﺐ ﻳﺆدي َد َرﺟُ ﻬَ ﺎ إﱃ اﻟﺒﻮاﺧﺮ اﻟﺼﻐرية ،وﻫﺬه ﺗﺤﻤﻞ املﺘﺎع واملﺴﺎﻓﺮﻳﻦ إﱃ وﺳﻂ اﻟﻨﻬﺮ ﺣﻴﺚ ﺗﻘﻒ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻜﺒرية ،وﺳﻌﺔ اﻟﻨﻬﺮ ﺗﻌﺎدل ﻧﻴﻠﻨﺎ ﻣﺮﺗني أو ﺛﻼﺛًﺎ .ﻧﺰﻟﻨﺎ اﻟﺒﻠﺪة وإذا ﻗﺴﻤﻬﺎ املﺴﺘﺤﺪث ﻧﻈﻴﻒ ﺣﺴﻦ اﻟﺮﺻﻒ ،ﺗﺰﻳﻨﻪ ﺑﻌﺾ املﺘﻨﺰﻫﺎت ﺗﺘﻮﺳﻄﻬﺎ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ وﺗﻘﻮم ﺑﻪ ﺑﻌﺾ املﺒﺎﻧﻲ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ املﺴﺘﺤﺪﺛﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺪاﺧﲇ وﻫﻮ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺒﻠﺪة ﻓﻄﺮﻗﻪ ﻣﺘﻬﺪﻣﺔ ﻣﻬﻤﻠﺔ ﻏري ﻣﺮﺻﻮﻓﺔ ،ﻳﻨﺒﺖ اﻟﻌﺸﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺘﺒﺪو ﻛﺄﻧﻬﺎ أﺟﺰاء ﻣﻦ ﺣﻘﻮل املﺰارع ،وﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻴﻮت ﻋﺘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﻳ َ ُﻄﲆ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺠري املﻠﻮﱠن ،وأﻛﱪ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ أﺑﻨﻴﺔ اﻟﺒﻠﺪة ﺟﻤﻴﻌً ﺎ — ﺣﺪﻳﺜﺔ وﻗﺪﻳﻤﺔ — أﻧﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ،وأن واﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ﺗﻘﻮم ﻋﲆ ﻋﻤﺪ ﻣﻦ ﺟﺬوع اﻟﺸﺠﺮ ﺗﺰود ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻄﺮق ﺑﻤﻤﺎر ﻣﺴﻘﻮﻓﺔ ﺗﻘﻲ املﺎرة وﻫﺞ اﻟﺸﻤﺲ. أﻣﺎ ﺣﺮارة اﻟﺠﻮ ﻫﻨﺎك ﻓﺒﺎﻟﻐﺔ اﻟﺤﺪ :اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻮق رءوﺳﻨﺎ ﻇﻬ ًﺮا ،وﻻ ﻳﻄﻴﻖ املﺮء املﻜﺚ ﺑﻬﺎ دﻗﻴﻘﺔ واﺣﺪة ،واﻟﺠﻮ اﺳﺘﻮاﺋﻲ ﻣﺮﻃﻮب ،ﻟﺬﻟﻚ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺠﻬﺪ اﻟﺸﺪﻳﺪ إذا ﴎﻧﺎ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻗﺼرية ،وﻗﺪ ﻋﺠﺒﺖ ﻟﴪﻋﺔ اﻟﻔﺮق ،ﻓﻤﻨﺬ ﻳﻮﻣني ﻛﻨﱠﺎ ﰲ ﺟﻮ ﺑﺎرد ﺛﻢ أﺻﺒﺤﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﰲ ﻫﺠري ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء ،وﻟﻘﺪ ﺑَﺪَا أﺛﺮه اﻟﺴﻴﺊ ﰲ أﺟﺴﺎم اﻷﻫﻠني اﻟﻨﺎﺣﻠﺔ ﻫﻨﺎك وﺗﻘﺎﻃﻴﻌﻬﻢ املﺴﺘﻄﻴﻠﺔ وأﻟﻮاﻧﻬﻢ اﻟﻘﺎﺗﻤﺔ اﻟﺸﺎﺣﺒﺔ ،وﻛﻨﺖ أرى اﻟﻜﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺮﺗﻤﻲ إﱃ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺠﺪران ﰲ ﺧﻤﻮل وﺳﻜﻮن ،وإذا ﻧﻈﺮت إﱃ داﺧﻞ أﺣﺪ اﻟﺒﻴﻮت ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬﺗﻪ أو ﺑﺎﺑﻪ أﻟﻔﻴﺖ اﻟﻘﺎﻃﻨني ﺑﻪ ً رﺟﺎﻻ وﻧﺴﺎءً — وﰲ ﻓﱰة اﻟﻘﻴﻠﻮﻟﺔ ﻳﺴﺘﻠﻘﻮن ﻋﲆ أرﺟﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﺷﺒﺎك اﻟﺤﺒﻞ ﻧﺼﻒ ﻋﺮاة — ُر ِﺑﻂ َ ﻃﺮﻓﺎﻫﺎ ﰲ رﻛﻨَﻲ اﻟﻐﺮﻓﺔ ،واﻟﻌﺮق واﻟﺘﻘﻄﻴﺐ ﻳﻌﺮو وﺟﻮﻫﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ .ﻫﻨﺎ ذﻛﺮت ﺑﻼد املﻼﻳﻮ وﺑﻼد اﻟﻬﻨﺪ؛ ﻓﻬﻲ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺷﺒﻪ ﺑﺄوﻟﺌﻚ ﰲ اﻟﺠﻮ واﻟﺨﻤﻮل وﻧﺤﻮل اﻷﺟﺴﺎد وﺷﺤﻮب اﻷﻟﻮان ،وﻗﺪ زاد اﻟﺸﺒﻪ ﻗﺮﺑًﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻴﻮت ذوات اﻟﻈﻠﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻢ اﻟﻄﺮق ﻛﻠﻬﺎ .ﱟ ﺣﻘﺎ إن ﻟﻠﺠﻮ 106
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ُ أﺣﺴﺴﺖ ذﻟﻚ ﰲ ﻧﻔﴘ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻟﺤﺎر اﻟﺮﻃﺐ ﻷﺛ ًﺮا ﺳﻴﺌًﺎ ﻋﲆ ﻣﺠﻬﻮد اﻹﻧﺴﺎن وإﻧﺘﺎﺟﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺣﺎول أن أﻓﻜﺮ أو أﻛﺘﺐ ﻫﻨﺎ ﻛﻤﺎ ُ ُ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ،ﻓﻼ ﺗﺠﻮد اﻟﻘﺮﻳﺤﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﻨﺰر اﻟﻴﺴري، وإﻧﻲ أﻋﺰو ﻣﻈﻬﺮ اﻟﻔﻘﺮ اﻟﺬي ﻳﻌﻢ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ إﱃ ﻗﻠﺔ اﻹﻧﺘﺎج ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺠﻮ املﻨﻔﺮ. أﻣﺎ اﻷﻫﻠﻮن ﻓﺬوو ِﺳﺤَ ٍﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وإن ﺗﺸﺎﺑﻬﺖ أﺟﺴﺎدﻫﻢ ﰲ اﻟﻨﺤﻮل؛ ﻓﻤﻨﻬﻢ اﻷﺳﻮد وﻣﻨﻬﻢ اﻷﺳﻤﺮ ﺑﻄﺒﻘﺎﺗﻪ اﻟﻌﺪة ،وﻣﻨﻬﻢ اﻷﺑﻴﺾ — وﻫﻮ ﻗﻠﻴﻞ — ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻘﺎﻃﻴﻊ اﻟﻮﺟﻪ ﺗﺮاﻫﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻟﻜﻦ املﻈﻬﺮ اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻫﻮ اﻟﺘﻘﺎﻃﻴﻊ اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ .أﻣﺎ اﻟﻨﻘﻮد املﺘﺪاوﻟﺔ ﻫﻨﺎك ﻓﺄﺳﺎﺳﻬﺎ »اﻟﺴﻮﻛﺮ« وﻫﻮ رﻳﺎل إﻛﻮادور ،ﻟﻜﻦ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﻫﺒﻮط ﺷﺪﻳﺪ ،ﻓﺎﻟﺮﻳﺎل املﴫي ﻳﺴﺎوي ُ وﻋﺠﺒﺖ ﻟﺸﺪة رﺧﺺ اﻟﻴﻮم ﻋﴩة ﻣﻨﻪ أو ﻳﺰﻳﺪ ،أﻋﻨﻲ أن اﻟﺴﻮﻛﺮ ﻛﺎن ﻳﻌﺎدل ﻗﺮﺷني، املﺄﻛﻞ ﺑﻜﺎﻓﺔ ﺻﻨﻮﻓﻪ ،ﻓﺎﻟﻮﺟﺒﺔ اﻟﻮاﻓﻴﺔ ﺑﺴﻮﻛﺮﻳﻦ ،أي ﺑﺄرﺑﻌﺔ ﻗﺮوش ،وﻛﻮب اﻟﴩاب املﺜﻠﺞ ﺑﻤﻠﻴﻤني ،واﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ﻳﻬﻮﻟﻚ رﺧﺼﻬﺎ وﻛﺜﺮﺗﻬﺎ؛ ﻓﺎملﻮز ﺑﺎﻟﻎ اﻟﺤﺠﻢ ،ﴍﻳﻨﺎ »اﻟﺪﺳﺘﺔ« ﺑﺨﻤﺴﺔ ﻣﻠﻴﻤﺎت ،وﺛﻢ أﻧﻮاع ﻻ ﺗُ َ ﺤﴡ ﻛﺎﻷﻧﺎﻧﺎس واﻟﺒﺎﺑﺎز واﻟﻘﺸﻄﺔ واﻟﱪﺗﻘﺎل وﺻﻨﻮف أﺧﺮى ﻻ أﻋﺮف ﻟﻬﺎ اﺳﻤً ﺎ ،واملﻌﻴﺸﺔ ﻛﻠﻬﺎ رﺧﻴﺼﺔ ﻋﺪا املﺼﻨﻮﻋﺎت اﻟﻮاردة ،وﺣﺘﻰ أﺟﺮ اﻟﱰام واﻷﺗﻮﺑﻴﺲ ﺧﻤﺴﺔ ﺳﻨﺘﺎﻓﺎت ،أي ﻣﻠﻴﻢ واﺣﺪ ،وﻣﺴﺢ اﻟﺤﺬاء ﻛﺬﻟﻚ ،وﺻﻨﺪوق اﻟﺴﺠﺎﻳﺮ »١٢ ﺳﻴﺠﺎرة« ﺑﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻠﻴﻤﺎت ،ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ أﻋﺠﺐ ﻟﻌﺪم وﺟﻮد »ﺗﺬﻛﺮﺟﻲ« ﰲ اﻟﱰام أو اﻟﺒﺲ ،ﺑﻞ ﺻﻨﺪوق ﻳﺠﺎور اﻟﺴﺎﺋﻖ ﺗﻀﻊ ﻓﻴﻪ اﻷﺟﺮ ﻋﻨﺪ دﺧﻮﻟﻚ ،وﻣﻤﺎ ﻳﺆملﻨﻲ ﺟﺪٍّا ﻛﺜﺮ ُة اﻟﺒﺎﺋﺴني ﺑﻴﻨﻬﻢ واملﺘﺴﻮﻟني وأﺑﻨﺎء اﻟﺸﻮارع اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺮاﻫﻢ ﺣﻔﺎ ًة ﻋﺮا ًة ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻳُﺮﺛَﻰ ﻟﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻧﺎو ْﻟ ُﺖ ﺳﻴﺪ ًة ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ إﺣﺴﺎﻧًﺎ ﻋﴩ َة ﺳﻨﺘﺎﻓﺎت أي ﻣﻠﻴﻤني ،ﻓﺄﻏﺮﻗﺘﻨﻲ دﻋﺎءً وﺷﻜ ًﺮا وﻛﺎدت ﺗﻄري ﻓﺮﺣً ﺎ! ﻇﻠﺖ ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﻛﻠﻪ ﺗﺤﻤﻞ وﺳﻘﻬﺎ ،وﺟُ ﱡﻠﻪ ﻣﻦ املﻮز اﻟﻀﺨﻢ اﻟﺬي ﻧﻘﻠﺖ ﻣﻨﻪ ﰲ ﺟﻮﻓﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ٢٤أﻟﻒ ﻋﺮﺟﻮن ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﻘﻠﻮﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺰوارق إﱃ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻋﲆ ﺟﻬﺎز ﻳﺪور ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻳﻠﻘﻲ ﺑﺎﻟﻌﺮاﺟني إﱃ ﺑﻄﻦ اﻟﺒﺎﺧﺮة واﻟﺮﺟﺎل وﻗﻮف ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺻﻔﻮﻓﻪ ،وإﱃ ﺟﺎﻧﺐ املﻮز ﺣﻤﻠﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻄﻦ وﺻﻨﺎدﻳﻖ ﻗﺒﻌﺎت ﺑﻨﻤﺎ اﻟﺸﻬرية وﺑﻌﺾ اﻟﻜﺎﻛﺎو واﻟﺒﻦ. وﻗﺪ ﻫﺎﻟﺘﻨﻲ ﻛﺜﺮ ُة اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻨﻬﺎ ﻃﺮﻳﻖ واﺣﺪ ،وﺟ ﱡﻠﻬﺎ ﻛﺒري املﺴﺎﺣﺔ ﺷﺎﻫﻖ اﻟﺒﻨﺎء ،ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻟﺒﻴﻮت ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ؛ ﻟﻜﺜﺮة وﺟﻮده ﺣﻮﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وﻷﻧﻪ ﻳﻘﺎوم أﺛﺮ اﻟﺰﻻزل ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ،وﻟﻜﻲ ﻳﻘﻴﻬﻢ اﻟﺤﺮ ﺗﺠﺪ اﻟﺠﻮاﻧﺐ املﻌﺮﺿﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﻮت ﺗﻐﺸﺎﻫﺎ ﴍاﺋﺢ ﻣﻦ ﺷﺒﻪ ﻏﺎب »ﺧﻴﺰران« ﺻﻘﻴﻞ .وإﻛﻮادور ﻫﻲ اﻟﻘﻄﺮ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻄﺮد ﻣﻨﻪ اﻟﺠﺰوﻳﺖ؛ ﻓﺎﻟﻘﺴﺲ ﺗﺮاﻫﻢ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن وﻳﺴﻮدون اﻵﻓﺎق، 107
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺗﻜﺎد ﺗﺴﻴﻄﺮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﰲ إﻛﻮادور ﻋﲆ ﻛﻞ ﳾء.
ﱡ اﻟﺘﺄﺧﺮ ،وﺟ ﱡﻞ ﻓﻬﻢ ﻋﴩ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﺴﻜﺎن ،وﻧﺤﻮ رﺑﻊ اﻷﻣﻼك ﻫﻨﺎك ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ ،واﻟﺒﻼد ﺷﺪﻳﺪة أﻫﻠﻬﺎ َﻗﺬِرون أﻣﻴﱡﻮن رﻏﻢ أن اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻫﻨﺎك ﻗﺪ ﺣﺘﱠ َﻢ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻹﺟﺒﺎري ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺔ ،١٨٨٠ أﻋﻨﻲ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺼﺪر ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻨﻔﺬ! وﺟﻮاﻳﺎ ﻛﻴﻞ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﻜﻴﺘﻮ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺑﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻣﺪى ً ٢٩٠ ﻣﻴﻼ ﻓﻮق ﻟﻴﱠﺎت اﻟﺠﺒﺎل، وﰲ اﻟﺒﻼد ﻛﺜري ﻣﻦ ذُ َرى اﻷﻧﺪﻳﺰ وﺑﺮاﻛﻴﻨﻬﺎ اﻟﺸﻬرية ،ﻧﺨﺺ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ :ﻛﻮﺗﻮﺑﺎﻛﴘ وﺷﻤﺒﻮرازو ) ،(٢٠٥٠٠وﻫﺬا اﻷﺧري ﻳﺒﺪو ﺑﻌﺾ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻔﻮ أدﻳﻤﻬﺎ ﰲ أﻓﻖ ﺟﻮاﻳﺎ ﻛﻴﻞ ،وﻟﻘﺪ ﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﱰﻗﺒﻪ ﻃﻴﻠﺔ اﻟﻴﻮم ﻓﻠﻢ ﻧﻈﻔﺮ ﻣﻨﻪ إﻻ ﺑﻘﺒﺲ ﺿﺌﻴﻞ ﻣﺘﻘﻄﻊ؛ ﻟﻜﺜﺮة اﻟﺴﺤﺐ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﴙ ﺟﺎﻧﺒﻪ .واﻟﻘﺴﻢ اﻟﴩﻗﻲ ﻣﻦ إﻛﻮادور ﻏﺎﺑﺎت ﻳﻘﻄﻨﻬﺎ ﻣﺘﻮﺣﱢ ُﺸﻮ اﻟﻬﻨﻮد ﻳﺼﻴﺪون اﻟﺤﻴﻮان واﻟﻌﺪو ﺑﺴﻬﺎﻣﻬﻢ املﺴﻤﻮﻣﺔ ﰲ أﻧﺎﺑﻴﺒﻬﻢ Blow-pipeاﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ أرﺑﻌﺔ َ دﻗﺎﺋﻖ ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻔﺴﺪﻫﺎ ﰲ اﻷﻛﻞ ،وإذا ﻛﺎن اﻟﺤﻴﻮان أﻣﺘﺎر ،واﻟﺴﻬﻢ ﻳﻘﺘﻞ ﺳﻤﻪ اﻟﻔﺮﻳﺴﺔ ﰲ املﺼﻴﺪ ﺻﻐريًا ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن ﰲ ﻗﺘﻠﻪ ﻛﻮ ًرا ﺻﻐرية ﻣﻦ اﻟﻄني املﺠﻔﻒ ﻳﻨﻔﺨﻮﻧﻪ ﰲ اﻟﻘﺼﺒﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ .وأﻫﻢ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺟﻴﻔﺎروس ،Jivarosوﻣﻦ ﻋﺎداﺗﻬﻢ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ أﻧﻬﻢ إذا اﺳﺘﻴﻘﻈﻮا ً رﻳﺸﺔ ﰲ ﺣﻨﺎﺟﺮﻫﻢ ﻟﻴﺘﻘﻴﱠﺌﻮا ﻣﺎ ﺗﺨ ﱠﻠﻒ ﰲ ﻣﻌﺪاﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﻃﻌﺎم اﻟﻴﻮم ﰲ اﻟﺼﺒﺎح دﻓﻌﻮا 108
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻏﺮاﺋﺐ املﻮﺳﻴﻘﻰ ﺑني ﻫﻨﻮد إﻛﻮادور.
ً ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ ﺻﺤﺘﻬﻢ ،وﻳُﻌ َﺮف ﻋﻨﻬﻢ أﻧﻬﻢ أﺻﺤﺎء وﻣﺒﺎﻟﻐﻮن ﰲ ﻣﺮاﻋﺎة ﺻﺤﺘﻬﻢ، اﻟﺴﺎﻟﻒ؛ وﻳﻌﻴﺸﻮن ﻋﲆ اﻟﻠﺤﻮم املﺼﻴﺪة وﻋﲆ ﻣﺠﻬﺰات »اﻟﻜﺴﺎﻓﺎ« اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﺒﻄﺎﻃﺲ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻳﻌﺪون ﺧﻤﺮﻫﻢ؛ وذﻟﻚ ﺑﺄن ﻳﻤﻀﻎ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺠﺬور وﻳﱰﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﺘﺨﻤﺮ ،وﻫﻮ ﴍاب ﻣﻨﻌﺶ ﻣﻬﻀﻢ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﲆ ﻋﺪم إﴐار اﻟﻠﺤﻮم ﺑﺠﺴﻮﻣﻬﻢ. وﻳﺘﺰﻳﱠﻦ رﺟﺎل اﻟﺠﻔﺎروس ﺑﻌﻘﻮد ﻣﻦ اﻷزرار وﻏﺎب ﰲ اﻵذان ،وﻳﺮﺳﻠﻮن ﺷﻌﻮرﻫﻢ وﻳﻀﻔﺮون ﻓﻴﻬﺎ رﻳﺶ اﻟﻄري اﻷﺻﻔﺮ ،وﻻ ﻳﻠﺒﺴﻮن ﺳﻮى ﻗﻄﻌﺔ ﻗﻤﺎش ﱡ ﺗﻠﻒ ﺣﻮل اﻟﺨﴫ، وﻧﺼﻔﻬﻢ اﻷﻋﲆ ﻋﺎر وﻫﻢ أﴍس اﻟﻬﻨﻮد ﻫﻨﺎك ،وﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﺳﻢ ﺻﻴﺎدي اﻟﺮءوس ،وﻣﻦ 109
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
أﻋﺠﺐ ﻋﺎداﺗﻬﻢ أﻧﻬﻢ ﻳﻘﻄﻌﻮن رءوس أﻋﺪاﺋﻬﻢ وﻳﺜﻘﺒﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻒ وﻳﺨﺮﺟﻮن ﻣﺎ ﰲ ﺟﻮﻓﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻤﻠﺌﻮﻧﻬﺎ ً رﻣﻼ ﺳﺎﺧﻨًﺎ ﻓﻴﻨﻜﻤﺶ اﻟﺮأس إﱃ رﺑﻊ ﺣﺠﻤﻪ وﻳﺼﺒﺢ ﺷﺒﻪ ﻣﺤﻨﻂ، ً ﻛﺎﻣﻼ ،ﺛﻢ وﻋﻠﻴﻪ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻬﺎدل اﻟﻄﻮﻳﻞ ،وأﺟﺰاء اﻟﻮﺟﻪ وﺑﴩﺗﻪ ،ﻓﻴﺒﻘﻰ ﺷﺒﻪ اﻟﺸﺨﺺ ﺗﻌﻠﻖ ﻫﺬه ﰲ اﻟﺒﻴﻮت ﺗﻔﺎﺧ ًﺮا ﺑﺎﻟﻨﴫ! وﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺤﴬ ﺑﻌﺾ ﻧﺴﺎء اﻷﻋﺪاء وﻳﻜﻠﻔﻦ أن ﻳﺮﻗﺼﻦ وﻳﺒﻜني ﻋﲆ ﻣﺸﻬﺪ ﻣﻦ ذاك اﻟﺘﺸﻨﻴﻊ ﺑﺄﻫﻠﻬﻦ! وﻻ ﺗﺰال ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎدة ﺷﺎﺋﻌﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ ً ﺧﻠﺴﺔ، ري ﻣﻦ ﺛﻐﻮر ﺑريو وإﻛﻮادور رﻏﻢ ﺗﺤﺮﻳﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻟﻬﺎ ،وﺗﺒﺎع ﺗﻠﻚ اﻟﺮءوس ﰲ ﻛﺜ ٍ وﻗﺪ ﻏﻠﺖ أﺛﻤﺎﻧﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﺎ ﺑني ﺧﻤﺴﺔ ﺟﻨﻴﻬﺎت وﻋﴩة؛ ﻷن اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻳﺤ ﱢﺮم ﺑﻴﻌﻬﺎ.
ﻗﺒﻌﺎت ﺑﻨﻤﺎ اﻟﺸﻬرية ﻳﺠﺪﻟﻬﺎ اﻟﻔﺘﻴﺎت.
وﻣﻦ ﻋﺎدات ﻫﺆﻻء اﻟﻬﻨﻮد ﻛﺜﺮة اﻟﻮﺷﻢ واﻟﺘﺠﺮﻳﺢ واﻟﻨﻘﺶ ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻪ ﺑﺄﺷﻜﺎل ﺗﺪل ﻋﲆ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻔﺮد ﻣﻨﻬﻢ ،وﻫﻲ ﰲ اﻟﺮﺟﺎل أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺑني اﻟﻨﺴﺎء وﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺗُﻠ ِﺒﺲ ﻣﻮﺗﺎﻫﺎ أردﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﺰرﻛﺸﺔ ﻟﺘﻨﻔﻌﻬﻢ ﰲ اﻵﺧﺮة ،وﻫﻢ ﺻﻴﺎدون ﻣَ ﻬَ َﺮة ﻳﺴﺘﺪﻟﻮن ﻋﲆ ﻗﻨﺼﻬﻢ ﺑﺤﺎﺳﺔ اﻟﺸﻢ املﺮﻫﻔﺔ ﻟﺪﻳﻬﻢ ،وإذا أراد أﺣﺪﻫﻢ اﻟﺰواج اﺻﻄﺎد ً ﻗﻨﺼﺎ وأﻟﻘﻰ ﺑﻪ إﱃ ﻗﺪﻣَ ْﻲ َ ﺑﺎﺣﺘﻘﺎر ﻛﺎن أﻋﺮﺿ ْﺖ ﻋﻨﻪ ﺧﻄﻴﺒﺘﻪ؛ ﻓﺈن أﺧﺬﺗﻪ وﻃﺒﺨﺘﻪ ﻛﺎن دﻟﻴﻞ اﻟﺮﺿﺎ واﻟﻘﺒﻮل ،وإن ٍ 110
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻋﻨﻮان اﻟﺮﻓﺾ! وﻫﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮن أﺟريﻳﻦ ﰲ ﺣﻘﻮل اﻟﻜﺎﻛﺎو وﻳﺨﻀﻌﻮن ﺧﻀﻮع اﻟﺮق؛ ﱠ ﻓﺎملﻼك ﻳﻐﺮوﻧﻬﻢ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﺪاﻧﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﺈن ﺣﺎ َو َل اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺨﺮوج ﻋﲆ ﺳﻴﺪه ﻃﻠﺐ اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﻟﻴﺴﺎﻋﺪه ﻋﲆ إرﺟﺎﻋﻪ وإﺧﻀﺎﻋﻪ ﻋﻨﻮ ًة ،وﻫﺬا ﻻ ﺷ ﱠﻚ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺮق ،رﻏﻢ أن اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻳﺤ ﱢﺮم ﱠ اﻟﺮق ً ﻋﻼﻧﻴﺔ ،وﺳﻴﻠﺒﺜﻮن ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺬوﻗﻮا ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﻫﻮ ﻣﻬﻤﻞ ﺑﻴﻨﻬﻢ وإن ﺣﺘﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻹﺟﺒﺎري ،واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻫﻨﺎك ردﻳﺌﺔ ﺟﺪٍّا ﻫﻤﻬﺎ ﺟﻤﻊ املﺎل ﺑﺪون ﻛﺪ ،ﻓﺎملﻮﻇﻔﻮن ﺗﻐري اﻟﺤﺰب ﻳﻤﻬﺮون ﻣﺮﺗﺒﺎت ﺿﺌﻴﻠﺔ ،وﻻ ﻳﺴﺘﻤﺮون ﰲ اﻟﺤﻜﻢ إﻻ إذا ﺳﺎد ﺣﺰﺑﻬﻢ ،ﻓﺈن ﱠ َ واﻟﺮﺋﻴﺲ ﻏريوا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺤﺎوﻟﻮن ﺟﻤﻊ املﺎل ﺑﺎﻟﺮﺷﺎوى ﻣﺪة ﺣﻜﻤﻬﻢ ،وﻫﻲ أرﺑﻊ ﺳﻨني آن. ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻐري اﻟﺮﺋﻴﺲ ،واﻷﻫﻠﻮن ﻳﺘﻮﻗﻌﻮن اﻟﴬاﺋﺐ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻛﻞ ٍ أﻗﻠﻌﻨﺎ ﻣﻦ املﻴﻨﺎء اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻣﺴﺎء ،وﺳﻂ أﺿﻮاﺋﻬﺎ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ وﺗﻴﺎر ﻧﻬﺮﻫﺎ اﻟﺠﺎرف، وﰲ اﻟﻌﺎﴍة ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ﻛﻨﺎ ﰲ ﻣﻴﺎه »ﻣﺎﻧﺘﺎ ،«Mantaوﻫﻮ ﺛﻐﺮ ﺷﻬري ﺑﺘﺠﺎرﺗﻪ ﰲ إﻛﻮادور رﻏﻢ ِﺻ َﻐﺮه ،ﻓﺴﻜﺎﻧﻪ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف ﻧﻔﺲ ،وﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﺑﺒﻴﻮﺗﻪ اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ اﻟﺼﻐرية ﻋﲆ ﻣﺪرج رﻣﲇ ﺑﺪا ﻛﺎﻟﺒﻘﻌﺔ اﻟﺼﻔﺮاء وﺳﻂ اﻟﺠﺒﺎل املﺨﴬة ،وﻫﻨﺎ ﻟﺒﺜﻨﺎ إﱃ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﺴﺎءً ﻧﺤﻤﻞ ﺻﺎدرات ﻣﻦ اﻟﺒﻦ واﻟﻜﺎﻛﺎو واﻟﻘﻄﻦ وﻗﺒﻌﺎت ﺑﻨﻤﺎ ،وﻫﺬه اﻟﺠﻬﺔ ﺧري ﺟﻬﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺈﻧﺘﺎج ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﻌﺎت ،وﻗﺪ ﻫﺎﺟﻤﺘﻨﺎ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﺟﻤﺎﻫري اﻟﺒﺎﻋﺔ ،وأﺧﺬوا ﻳﻌﺮﺿﻮن ﺳﻠﻌﻬﻢ وأﺧﺼﻬﺎ اﻟﻘﺒﻌﺎت وﺑﻌﺾ أﺷﻐﺎل ذاك »اﻟﺨﻮص« ﻣﻦ اﻷﺣﺰﻣﺔ واﻷﺣﺬﻳﺔ »ﺷﺒﺎﺷﺐ« وﺷﺒﺎك ﻟﻠﺸﻌﺮ وﺣﻘﺎﺋﺐ اﻟﻴﺪ واﻟﺴﻼل املﻠﻮﻧﺔ ،وﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻮص ﻧﺨﻴﻞ ﺗﻮﻛﻴﻠﻴﺎ ،وﻗﺒﻌﺎت ﺑﻨﻤﺎ أﺣﺴﻦ أﻧﻮاع اﻟﻘﺒﻌﺎت اﻟﺒﻴﻀﺎء ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻳُﺼﺪﱠر ﻏﺎﻟﺒﻬﺎ ﻷﻣﺮﻳﻜﺎ وإﻧﺠﻠﱰا ،وﻗﺪ أُﻃﻠ َِﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ ﺑﻨﻤﺎ ﺧﻄﺄ؛ ﻷﻧﻪ ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﻜﺸﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﻤﺎ أﻛﱪ املﺪن اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻋﲆ ﺳﺎﺣﻞ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﻐﺮﺑﻲ، وﺻﻨﺎﻋﺘﻬﺎ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻣﺠﻬﻮدًا ﻛﺒريًا ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻴﺪ ،وﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﺰﻣﻦ ﻟﻠﻮاﺣﺪة أﺳﺒﻮﻋﺎن ،واﻟﻨﻮع ُ وﻋﺠﺒﺖ ملﺎ ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﺗﺒﺎع اﻟﺠﻴﺪ اﻟﻨﺎدر ﻳﺴﺘﻠﺰم ﻋﻤﻞ ﺳﺘﺔ ﺷﻬﻮر — ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻄﻨﺎﻓﺲ — ﺑﺎﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ،وﻗﺪ ﻳﺼﻞ ﺛﻤﻦ اﻟﻮاﺣﺪة ١٠٠٠رﻳﺎل أي ٢٠٠ﺟﻨﻴﻪ ،وﻳﻘﻄﻊ ﺧﻮص ذاك اﻟﻨﺨﻴﻞ وﻳ َ ُﻮﺿﻊ ﰲ املﺎء اﻟﺴﺎﺧﻦ ،وﺑﻌﺪ ﻧﻘﺎوﺗﻪ ﻣﻦ املﻮاد اﻟﻐﺮوﻳﺔ ﺗﻘﻄﻊ ﴍاﺋﺢ ﰲ ﻋﺮض ﻣﺘﻌﺎدل وﻫﻨﺎ املﻬﺎرة ،وﻳﺒﺪأ اﻟﺠﺪل ﺑﺎﻟﻨﺎﺻﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺤﺘﻮي أﻟﻮف اﻟﴩاﺋﺢ ،وﻗﺪ ﺗﺤﻮي ﻋﴩات ﻓﻘﻂ ﺣﺴﺐ دﻗﺔ اﻟﺼﻨﻊ وﻏﻠﻮ اﻟﺜﻤﻦ ،وﺗﻠﻚ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﻮا َرﺛَﻬﺎ اﻟﺤﺎﴐون ﻋﻦ اﻟﻬﻨﻮد اﻷﻗﺪﻣني ،وﻳﺸﺎﻃﺮ إﻛﻮادور ﰲ ﺻﻨﻌﻬﺎ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺑريو وﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻴﺎ. وأﻫﻢ اﻟﺼﺎدرات اﻟﻜﺎﻛﺎو اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻤﻮﱢن ﻛ ﱠﻞ ﻓﺮد ﰲ ﻣﴫ ﺑﺴﺘﺔ أرﻃﺎل ﰲ اﻟﻌﺎم ،وﺷﻜﻞ ﺛﻤﺮه ﻛﺄﻛﻮاز اﻟﺸﻤﺎم ﻣﺪﺑﱠﺐ اﻟﻄﺮف وﰲ ﺣﺠﻢ ﻛﺒري .وﻛﻠﻤﺔ ﺷﻜﻼﺗﺔ أﺻﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺘني ﻫﻨﺪﻳﺘني chocoأي زﺑﺪ أو رﻳﻢ Lataأي ﻣﺎء ،ﻧﻘﻠﻪ اﻹﺳﺒﺎن إﱃ ﺑﻼدﻫﻢ وﻻ 111
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ً ﺳﺎﺋﻼ ،أﻣﺎ ﰲ إﻛﻮادور ﻓﻜﻞ ﻓﺮد ﻳﴩﺑﻪ ﻋﲆ اﻟﺪوام ،وﻟﻘﺪ ﻗﻴﻞ ﱄ إن ﻳﺰال ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﻫﻨﺎك ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ أن ﻳﻌﻴﺶ اﻹﻧﺴﺎن ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﺑﺪون ﻛﻠﻒ اﻟﺒﺘﺔ ،ﻓﺎملﻨﺎخ اﻟﺤﺎر ﻻ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﻦ املﻼﺑﺲ إﻻ اﻟﻴﺴري ،وﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺘﻨﺎول إﻓﻄﺎره ﻣﻦ اﻟﺸﻜﻼﺗﺔ ،وﻏﺪاءه ﻣﻦ املﻮز واﻟﻨﺮﺟﻴﻞ ،وﻋﺸﺎءه ﻣﻦ اﻷﻧﺎﻧﺎس. ) (7إﱃ ﻛﻮملﺒﻴﺎ أو ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﴎﻧﺎ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺷﻮاﻃﺊ ﻛﻮملﺒﻴﺎ وﻗﺪ ﺑﺪت ﻧﺠﺎدﻫﺎ وﻃﻴﺌﺔ ﻻ ﺗُﺸﻌِ ﺮ ﺑﻌﻈﻤﺔ اﻷﻧﺪﻳﺰ وﻋﻠﻮﻫﺎ اﻟﺬي أﻟﻔﻨﺎه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻛﺎﻧﺖ أرﺿﻬﺎ ﺗُ َ ﻜﴗ ﺑﺎﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﻜﺜﻴﻔﺔ اﻟﻌﺬراء ،ﺛﻢ دﺧﻠﻨﺎ ﺧﻠﻴﺠً ﺎ ﻫﻮ ﻣﺼﺐ ﻧﻬﺮ »ﺟﺮاﻳﺎ« اﻟﻔﺴﻴﺢ ،ﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺴري ﺑني ﺷﺎﻃﺌﻴﻪ ﺳﺎﻋﺘني واﻟﻐﺎﺑﺎت ﺗﺴﺪ اﻵﻓﺎق ﺳﺪٍّا ﺗﺘﺨﻠﻠﻬﺎ املﺴﺎﻳﻞ اﻟﺼﻐرية اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﺎﺟﺌﻨﺎ ﺑني ﺣني وآﺧﺮ ،وأﺧريًا ﻇﻬﺮ ﺛﻐﺮ ﺑﻮﻳﻨﺎ ﻓﻨﺘﻮرا ،وﻛﺎن اﺳﻤﻬﺎ »ﻣﺎﻻ ﻓﻨﺘﻮرا« ﻳﻮم أن اﺳﺘﻘﺒﻠﺖ أول ﺑﻌﺜﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺑﺘﺤﻄﻴﻢ ﺳﻔﻨﻬﻢ ،وﻫﻲ أﻛﱪ ﺛﻐﻮر ﻛﻮملﺒﻴﺎ ﻋﲆ اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻚ ،وإذا ﺑﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أﻛﻮاخ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﻋﲆ ﻋُ ﻤُﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،و ُﻛ ِﺴﻴﺖ ﺳﻘﻮﻓﻬﺎ املﻨﺤﺪرة ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺪ املﺠﺰع وﻧُﺜِﺮت ﰲ ﻏري ﻧﻈﺎم ،ﻋﲆ أن ﻣﺎء اﻟﺜﻐﺮ ﻋﻤﻴﻖ ،ﻟﺬﻟﻚ رﺳﺖ ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ إﱃ ﺟﻮار اﻟﺮﺻﻴﻒ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﺗﻠﻚ أول ﻣﺮة أﻣﻜﻨﻬﺎ ذﻟﻚ ﺑﻌﺪ ﻓﻠﱪﻳﺰو. ﻧﺰﻟﻨﺎ اﻟﺒﻠﺪة ﻓﺈذا ﻃﺮﻗﻬﺎ ﻣﱰﺑﺔ ﻏري ﻣﺮﺻﻮﻓﺔ ،ﺗﻌﻠﻮ وﺗﻬﺒﻂ ﰲ أرض ﻣﻤﻮﺟﺔ ﻳﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﻌﺸﺐ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ اﻟﻜﺜﻴﻒ ،واﻟﺒﻴﻮت ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ،وﻏﺎﻟﺐ اﻷﻫﻠني ﻣﻦ اﻟﺴﻮد؛ إذ اﻟﺒﻴﺾ ﺑﻴﻨﻬﻢ أﻗﻠﻴﺔ ﻏري واﺿﺤﺔ ،وﻟﻘﺪ أذﻛﺮﺗﻨﻲ ﻫﺬه اﻟﺒﻠﺪة ﺑﺒﻼد ﴍق أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ووﺳﻄﻬﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﰲ أﻫﻠﻬﺎ وﺑﻴﻮﺗﻬﺎ وﻃﺮﻗﻬﺎ وﻧﺒﺘﻬﺎ ،وزاد اﻟﺸﺒﻪ ﺣﺮﻫﺎ اﻟﻼﻓﺢ املﺠﻬﺪ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻌﺮق ﻳﺘﺼﺒﱠﺐ ﻣﻦ ﺟﺴﻮﻣﻨﺎ ،وﻛﻨﺎ ﻧﻠﻬﺚ ﻓﻨﻀﻄﺮ إﱃ اﻟﻮﻗﻮف وﺳﻂ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮق اﻟﺮدﻳﺌﺔ رﻏﻢ أن اﻟﺴﺤﺐ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺠﺐ وﻫﺞ اﻟﺸﻤﺲ .أﻣﺎ املﻄﺮ ﻓﻜﺎن ﻏﺎﻣ ًﺮا ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﻨﻘﻄﻊ ،وﻟﻘﺪ ﻣﻨﻌﻨﻲ اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﺧﺬ آﻟﺔ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻣﻌﻲ؛ وذﻟﻚ ﻷن اﻟﺒﻼد ﰲ ﺷﺒﻪ ﺣﺮب ﻣﻊ ﺑريو ،وﻟﻘﺪ ُ زرت ﻣﺪرﺳﺘني ﻣﻦ ﻣﺪارﺳﻬﺎ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ،وﺟﻠﻬﺎ ﰲ ﻳﺪ املﺒﴩﻳﻦ واﻟﻘﺴﺲ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻮدون اﻷﻫﻠني ﰲ ﻛﻞ ﳾء ،واﻷﻣﻴﺔ ﺿﺎرﺑﺔ أﻃﻨﺎﺑﻬﺎ واﻟﺒﻼد ﻣﺘﺄﺧﺮة ﺟﺪٍّا ،ﺗﻔﻮق إﻛﻮادور وﺑريو ﺗﺪﻫﻮ ًرا! أﻫﻠﻬﺎ ﺣﻔﺎة ،ﺗﺒﺪو ﻋﲆ وﺟﻮﻫﻬﻢ ﺳﻴﻤﺎء اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ واﻟﺴﺬاﺟﺔ ،وﻫﻢ ﻳﻤﻘﺘﻮن اﻷوروﺑﻴني ﻣﻘﺘًﺎ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﺬﻛﺮون ﻓﻈﺎﺋﻊ اﻹﺳﺒﺎن ﰲ ذﺑﺢ أﻧﺎﺳﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺒﺪوا اﻟﺸﻤﺲ واﻟﻘﻤﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﺣﻔﻼت ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ إﻳﻘﺎد ﻧريان ﻫﺎﺋﻠﺔ ﺣﻮل إﺣﺪى ﺑﺤرياﺗﻬﻢ املﻘﺪﺳﺔ واﺳﻤﻬﺎ ﺟﻮاﺗﺎﻓﻴﺘﺎ ،Juatavitaﻓﺘﺤﺎط ﺷﻮاﻃﺌﻬﺎ ﺑﺴﺤﺎﺋﺐ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﺨﻮر ،وﻳﺄﺗﻲ ﻣﻠﻜﻬﻢ ا ُمل َ ﻨﺘﺨﺐ ﻋﺎرﻳًﺎ وﻳﻠﻄﺦ ﺑﺎﻟﻄني ﺛﻢ ﻳ َ ُﻜﴗ ﺑﺎﻟﺘﱪ ،وﻳﺮﻛﺐ املﺎء ﰲ ﻋﻮﱠاﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺎب ﻣﺰﻳﱠﻨﺔ ،وﺗﻜﺪس 112
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺗﺤﺖ أﻗﺪاﻣﻪ أﻛﻮام ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﺰﻣﺮد ،وﻳﺼﻞ إﱃ ﻗﻠﺐ اﻟﺒﺤرية وﺳﻂ اﻟﺘﻬﻠﻴﻞ واملﺰاﻣري، وﻫﻨﺎ ﻳُﻘﺬَف ﰲ املﺎء وﻳُﻐﺴﻞ اﻟﺘﱪ وﻳُﻨﺜَﺮ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﺰﻣﺮد ﰲ أرﺟﺎء اﻟﺒﺤرية ﻗﺮﺑﺎﻧًﺎ ﻹﻟﻪ اﻟﺸﻤﺲ! وﻣﻦ ذﻟﻚ ﺟﺎءت ﺧﺮاﻓﺔ اﻟﺪرادو أو اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬﻫﺒﻲ ،وﻳﻘﻮﻟﻮن ﺑﺄن ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺣﺪﻳﺚ ﺧﺮاﻓﺔ. واﻟﺒﻼد ﻣﻦ أﻏﻨﻰ أﻗﻄﺎر اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻟﻜﻦ دوام اﻟﺜﻮرات واﻻﺿﻄﺮاب ﱠ أﺧ َﺮﻫﺎ ﺟﺪٍّا وﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﻦ أﻓﻘﺮ اﻟﺒﻼد ،وزاد ذﻟﻚ ﻋﻨﺎﻳﺔ اﻟﺤ ﱠﻜﺎم ﺑﺎﻵداب وإﻫﻤﺎل املﺎدة واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺎت؛ إذ ﻳﺤﺘﻘﺮون اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻴﺪوﻳﺔ واﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻹﺳﺒﺎن ،وﻗﺪ أﻓﺎدﻫﻢ ﻓﺘﺢ ﻗﻨﺎة ﺑﻨﻤﺎ؛ إذ ﻗ ﱠﺮب ﻏﻼﺗﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺳﻮاق رﻏﻢ أﻧﻬﻢ ﺛﺎروا ﻟﻠﻔﻜﺮة وﻻﻗﺘﻄﺎع ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻣﻦ أﻣﻼﻛﻬﻢ ،واﻟﺒﻼد ﻣﻌﺮوﻓﺔ ً أﻣﻴﺎﻻ ﻋﲆ ﻇﻬﻮرﻫﺎ دون أن ﺗﻤﺲ اﻷرض ﺑﻜﺜﺮة اﻟﺘﻤﺎﺳﻴﺢ ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ إﻧﻚ ﻟﺘﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺴري ﻋﲆ ﺑﻌﺾ ﺿﻔﺎف أﻧﻬﺎرﻫﺎ! وﻟﻘﺪ ﻟﺒﺜ َ ْﺖ ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ إﱃ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻦ واﻟﻜﺎﻛﺎو وﻗﺒﻌﺎت ﺑﻨﻤﺎ ،وأﻫﻢ ﻏﻼﺗﻬﻢ اﻟﺒﻦ وﻫﻮ أﺟﻮد ﻣﻦ اﻟﱪازﻳﲇ ،وﻳُﺰ َرع ﺑﻴﺪ ﺻﻐﺎر ﱠ املﻼك ﻏﺎﻟﺒًﺎ، وﻋﺪد ﺷﺠرياﺗﻪ ﺑﻬﺎ ﻫﺎﺋﻞ ﻳﺒﻠﻎ ،٥٣١٠١٨٠٠٠ﻓﻬﻲ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ إﻧﺘﺎﺟً ﺎ ﻟﻠﺒﻦ ،وﺗﺼﺪﱢر ٪٨٨ﻣﻨﻪ ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،وﻳُﺰ َرع ﻋﲆ ﻋﻠﻮ ٧٠٠٠–٢٠٠٠ﻗﺪم ،وﻣﺘﻮﺳﻂ ﺣﻤﻞ اﻟﺸﺠﺮة ٢ ١٢رﻃﻞ ،وأﻏﲆ اﻟﺒﻦ ﺛﻤﻨًﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻫﻮ ﻣﻦ Medallinوﻳُﻌ َﺮف ﺑﺎﺳﻢ ،Excelsoوﻳُﺠﻨَﻰ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺸﻬﻮر ﻃﻮل اﻟﺴﻨﺔ ،وﻫﺬا ﺳﺎﻋﺪ ﻋﲆ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺗﻤﻮﻳﻦ اﻷﺳﻮاق وﺗﻮزﻳﻊ ﻋﻤﻞ املﺰارع ﻋﲆ ﻣﺪى اﻟﺴﻨﺔ وﺳﺒﺐ اﻟﺘﻮازن ﰲ دﺧﻞ اﻟﻔﻼح ،واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺮاﻗﺐ ﺟﻮدﺗﻪ وﺗﺤﺮم اﺳﺘرياد أﻳﺔ ﺑﺬرة أﺟﻨﺒﻴﺔ ،وﺗﺼﺪﱢر ﰲ اﻟﻌﺎم ٣ ٢١ﻣﻼﻳني ﻛﻴﺲ .أﺑﺤﺮﻧﺎ َ وﺳﻴْ ُﻞ املﻄﺮ داﻓِ ﻖ ،ووﻣﻴﺾ اﻟﱪق ﺧﺎﻃﻒ ،ودوي اﻟﺮﻋﺪ ﻳﺼﻢ اﻵذان. ) (8إﱃ ﻗﻨﺎة ﺑﻨﻤﺎ ٍّ ﻣﻤﻀﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ أﻧﻢ إﻻ ﻏﺮا ًرا ،وﻛﺎن ﺻﺒﺎح اﻟﻴﻮم ﻣﺸﺒﻌً ﺎ ﻛﺎن ﺣﺮ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﻔﺎﺋﺘﺔ ﻗﺎﺳﻴًﺎ ﺑﺎﻟﺮﻃﻮﺑﺔ ﻣﻠﺒﺪًا ﺑﺎﻟﻐﻴﻮم ،وﺑﻌﺪ ﺗﻨﺎول اﻹﻓﻄﺎر أﻧﺬرﺗﻨﺎ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻋﺎﺗﻴﺔ ﺑﺴﺤﺎﺑﻬﺎ اﻟﻘﺎﺗﻢ اﻟﺬي أﺧﺬ ﻳﻔﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺎرة إﻟﻴﻨﺎ ،وزاد ﻇﻼم اﻟﺠﻮ ﻓﺄﺿﺤﻰ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻐﺮوب ،ﺛﻢ ﺗﻮاﱃ وﻣﻴﺾ اﻟﱪق وﻋﻠﺖ ﻗﻌﻘﻌﺔ اﻟﺮﻋﺪ وﻫﺰﻳﻤﻪ اﻟﺬي أﻟﻘﻰ اﻟﺮﻋﺐ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻨﺎ ﺟﻤﻬﺮة ﻣﻦ اﻟﺼﻴﻨﻴني اﻧﺴﻠﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺧﺎﺋﻔني إﱃ ﻣﻀﺎﺟﻌﻬﻢ ،ﺛﻢ ﺳﺤﺖ ﺟﻔﻮن اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻮاﺑﻞ ﻟﻢ أﻋﻬﺪه ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ، ً ﻓﻜﺄن ﺑﺤﺎر اﻟﺴﻤﺎء ﻗﺪ ُ ﻃﻮﻳﻼ وﻟﻢ ﻳﻨﻜﺸﻒ اﻟﺠﻮ ﺑﻌﺾ ﺻﺒ ْﱠﺖ ﻋﲆ اﻷرض ،وﻟﺒﺜﺖ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﴚء إﻻ ﻋﴫً ا ،وﰲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻣﺴﺎءً ﺑﺪت أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﺰاﺋﺮ املﻨﺜﻮرة ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﺨﴬة 113
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﺘﻲ أﺳﻔﺮت ﻋﻦ ﻏﺎﺑﺎت ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎرﺑﻨﺎﻫﺎ وﻣﺮرﻧﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﻫﻲ ﺗﺴﺎﻣﺖ اﻟﺴﻮاﺣﻞ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻟﺒﻨﻤﺎ ،وﻣﻦ وراﺋﻬﺎ ﺑﺪت »ﺑﺎﻟﺒﻮا« ،وﺑﻨﻤﺎ إﱃ ﻳﻤﻴﻨﻨﺎ ﺑﺄﺿﻮاﺋﻬﺎ املﺒﺜﻮﺛﺔ ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك، وﻏﺎﻟﺐ اﻟﺒﻠﺪة أرض وﻃﻴﺌﺔ ﻟﻴﺲ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ املﺮﺗﻔﻌﺎت إﻻ ﺗﻞ ﻣﺨﺮوﻃﻲ.
اﻟﺒﺎﺧﺮة ﺗﺸﻖ ﻗﻨﺎة ﺑﻨﻤﺎ.
رﺳﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻋﲆ أرﺻﻔﺔ ﺑﺎﻟﺒﻮا اﻟﺘﻲ ُﺳﻤﱢ ﻴﺖ ﻛﺬﻟﻚ إﺣﻴﺎءً ﻟﺬﻛﺮ ﺑﺎﻟﺒﻮا اﻟﺬي ﻛﺎن َ وﺷﺎﻫ َﺪ ﻣﻴﺎه اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻚ ،ﻫﻨﺎ ﺗﺠ ﱠﻠ ِﺖ اﻟﻘﺪرة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﰲ أول ﻣَ ﻦ ﻗﻄﻊ ﺑﺮزخ ﺑﻨﻤﺎ إﻗﺎﻣﺔ املﺪن وﺣﺴﻦ ﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ،ﻓﺎملﺮﳻ ﻣﺰوﱠد ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﺘﻄﻠﺒﻪ اﻟﴪﻋﺔ وإﺳﻌﺎف اﻟﺘﺠﺎرة واﻷﺳﻮاق ،ﻣﺨﺎزن ﺷﺎﻫﻘﺔ ﻓﺴﻴﺤﺔ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ املﺠﺰع و ُزوﱢدت ﺑﺎﻹرﺷﺎدات واﻟﻌﺮﺑﺎت اﻷوﺗﻮﻣﺎﺗﻴﻜﻴﺔ وﺗﺨﱰﻗﻬﺎ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،و ُﻛﺘِﺒﺖ اﻹرﺷﺎدات اﻟﻼزﻣﺔ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻟﻜﻴﻼ ﻳﻀﻞ أﺣﺪ أو ﻳﻘﻊ ﰲ اﻟﺨﻄﺄ ،وﻻ ﻳُﺴﻤَ ﺢ ﻟﻐري اﻟﻌﻤﱠ ﺎل املﻜ ﱠﻠﻔني ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﺧﱰاق ﻧﻄﺎﻗﻬﺎ ،وﰲ داﺧﻠﻬﺎ 114
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﱡ ﺗﺼﻒ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﰲ ﻧﻈﺎم دﻗﻴﻖ وﻋﲆ ﻛﻞ ﻟﻮﺣﺔ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت اﻟﻼزﻣﺔ .أﻣﺎ املﺪﻳﻨﺔ ﻓﻘﺪ أدﻫﺸﻨﻲ ﺣﺴ ُﻦ ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ وﻃﺮﻗﻬﺎ املﻤﻬﺪة ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ،وﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻼت أﻧﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﺗﻐﺸﺎﻫﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺷﺒﺎك اﻟﺴﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻖ ﻣﻨﻌً ﺎ ﻟﻠﺒﻌﻮض؛ ﻷن املﻨﻄﻘﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺄﻣﺮاﺿﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ، وﻫﻲ ﺗُﺸﻌِ ﺮك ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﺴﻜﻦ ﻃﺒﻘﺔ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ وﻓرية اﻟﻐﻨﻰ ،وﻳﺆدي ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺮام وﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﺗﻮﺑﻴﺴﺎت إﱃ ﺑﻨﻤﺎ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ،وﻫﺬه ً أﻳﻀﺎ ﺣﺴﻨﺔ اﻟﻨﻈﺎم واﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ دون ﺟﺎرﺗﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ ،وﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﺗﺠﺎﻧﺒﻬﺎ اﻷﻋﻤﺪة ﻟﺘﻈﻞ املﺎرة ﰲ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻄﺮق. واﻟﺒﻠﺪة ذات ﺗﺎرﻳﺦ ﻗﺪﻳﻢ؛ إذ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ ﻋﲆ أﻧﻘﺎض ﺑﻠﺪة ﻗﺪﻳﻤﺔ ،وﻻ ﺗﺰال ﺗﺮى ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﻦ اﻷﺑﻨﻴﺔ اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻘﻞ ﻗﺮﺻﺎن اﻟﺒﺤﺮ ،واﻟﺒﻠﺪﺗﺎن رﻏﻢ اﺧﺘﻼﻃﻬﻤﺎ ﻫﻜﺬا ﻣﻨﻔﺼﻠﺘﺎن ﰲ اﻹدارة ،ﻓﺎﻷوﱃ وﻫﻲ ﺑﺎﻟﺒﻮا داﺧﻠﺔ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻘﻨﺎة، وﻫﻲ ﻣﻘﺮ إدارة اﻟﻘﻨﺎة وﻫﻨﺪﺳﺘﻬﺎ وﺗﺤﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،أﻣﺎ ﺑﻨﻤﺎ ﻓﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﺑﻨﻤﺎ. ً أﻣﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻴﻼ ﻓﺤﺪث ﰲ دﻫﺸﺔ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺣﺪ؛ إﴎاف ﰲ املﺠﻮن ﻻ ﻳ َ ُﻮﺻﻒ ،ﺣﺘﻰ ُﺧﻴﱢ َﻞ إﱄ ﱠ أن ﺟﻤﻴﻊ ﻧﺴﺎء اﻟﺒﻠﺪة داﻋﺮات ﻳﻘﻔﻦ ﰲ اﻟﻄﺮﻗﺎت وأﻣﺎم ﺑﻴﻮﺗﻬﻦ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن! وﻣﻘﺎﺻﻒ اﻟﺨﻤﺮ واملﺮاﻗﺺ ﺗﻌ ﱡﻢ اﻟﺒﻠﺪة وﻻ ﻋﻤﻞ ﻟﻠﻨﺎس ﻓﻴﻬﺎ إﻻ اﻟﺴﻜﺮ واﻟﻨﺴﺎء ،وﺣﺘﻰ ﻧﺴﺎء اﻟﺰﻧﻮج ﺗﺮاﻫﻦ ﻗﺪ ﻏﺎﻟني ﰲ اﻟﺘﺒﺨﱰ ﰲ املﺸﻴﺔ واﻟﺘﺄﻧﻖ ﰲ املﻠﺒﺲ واﻟﺘﱪج ﰲ زﻳﻨﺔ اﻟﻮﺟﻪ وﻃﻼﺋﻪ ﺑﺄﻟﻮان ﺗﺆﺛﱢﺮ ﰲ اﻟﻠﻮن اﻷﺳﻮد ﻓﺘﺤﻴﻠﻪ ﻗﺮﻧﻔﻠﻴٍّﺎ ،وﻫﻨﺎ ﺗﺠﻠﺖ اﻹﺑﺎﺣﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ُ ﻛﻨﺖ أﺳﻤﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ،ﻓﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﺒﻴﺤﻮن أن ﻳﺄﺗﻮا ﰲ ﺳﻮﻳﻌﺎت اﻟﻔﺮاغ ﻣﺎ ﻳﺮوﻗﻬﻢ ،وﻳﻌﻄﻮن ﻟﻠﻨﺴﺎء ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺣﺪٍّا ﻧﺮاه ﻧﺤﻦ ﻣﻌﻴﺒًﺎ .وﺳﻜﺎن اﻹﻗﻠﻴﻢ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ ﺷﻌﻮب ﻋﺪة ﺟﻠﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻮد ،ﺛﻢ اﻹﺳﺒﺎن واﻟﻬﻨﻮد واﻟﺼﻴﻨﻴني واﻷﻣﺮﻳﻜﻴني وأﺧﻼط ﻣﻦ ﻛﻞ ﱡ وﺗﻐري اﻟﺴﺤﻦ أﻳﻨﻤﺎ ﴎت. أوﻟﺌﻚ ،ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺪﻫﺶ ﻻﺧﺘﻼط اﻷﻟﻮان ﻗﻤﺖ ﻣﺒﻜ ًﺮا ﻷﻣﺘﻊ اﻟﻨﻈﺮ ﺑﻤﺸﻬﺪ ﻗﻨﺎة ﺑﻨﻤﺎ ،ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺎملﺎ ﺣﺪﺛﺖ اﻟﻨﻔﺲ ُ وﺗﻤﻨﻴﺖ ﻟﻮ رأﻳﺘﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻜﺎد ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ ﻋﺠﺎﺋﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻫﻲ ﺧري ﻣﺎ أﻧﺘﺠﺘﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﺟﺒﺎﺑﺮة اﻟﻌﻘﻮل ﰲ ﻫﺬا اﻟﻘﺮن .أﻗﻠﻌَ ِﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ودﺧﻠﺖ ﺑﻨﺎ ﺧﻠﻴﺠً ﺎ ﻣﻦ املﺎء ﻛﺜري اﻟﺮﺑﻰ ،ﻣﻐﻀﻦ اﻟﺸﻮاﻃﺊ ،ﻳﻐﺸﺎه ﻣﻦ اﻟﻌﺸﺐ واﻟﺸﺠﺮ ﳾء ﻛﺜري ،أﺧﺬ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻳﻀﻴﻖ ﺗﺪرﻳﺠً ﺎ ﺛﻢ ﺑﺪت اﻷﻫﻮﺳﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻗﻄﻌﻨﺎ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻣﻴﺎل ﻛﻠﻬﺎ ﰲ ﻣﺴﺘﻮى املﺤﻴﻂ اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻜﻲ، ﺛﻢ ﻗﺎرﺑ َِﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻣﺪﺧﻞ اﻟﻬﻮﻳﺲ ،وﻫﻮ ذو ﺷﻌﺒﺘني ﻣﻨﻔﺼﻠﺘني ﻣﺘﻮازﻳﺘني ،ﺟﺎﻧﺐ ﻟﻠﺴﻔﻦ َ واﻵﺧﺮ ﻟﻠﻌﺎﺋﺪة ،وﺳﻌﺔ اﻟﻬﻮﻳﺲ ﻟﻢ ﺗﺰد ﻋﲆ ﻋﺮض اﻟﺒﺎﺧﺮة إﻻ ً ﻗﻠﻴﻼ ،وﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﺬاﻫﺒﺔ اﻟﺒﻮاﺧﺮ اﻟﻜﺒرية — ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ ١٧أﻟﻒ ﻃﻦ — وﺑﻌﺪ أن أوﻏﻠﻨﺎ ﻓﻴﻪ أُﻏﻠِﻘﺖ اﻷﺑﻮاب اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ 115
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺑﻴﻮت ﻛﻮﻟﻮن ﻣﻨﺜﻮرة وﺳﻂ اﻟﻐﺎﺑﺎت.
املﺰدوﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺎﻫﺰ وزن ﺑﻌﻀﻬﺎ ٧٠٠ﻃﻦ ،وأﺧﺬ املﺎء ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻨﺎ ﻓﻨﺰﻳﺪ ﻋﻠﻮٍّا ،وذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺑﺎﻟﻜﻬﺮﺑﺎء أُﺗﻮﻣﺎﺗﻴﻜﻴٍّﺎ ،ﺛﻢ وﺛﻘﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﺑﺤﺒﺎل اﻟﺴﻠﻚ اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ إﱃ ﺛﻼﺛﺔ أزواج ﻣﻦ ﻋﺮﺑﺎت ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ،واﺣﺪة أﻣﺎﻣﻨﺎ وأﺧﺮى وﺳﻂ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ وﺛﺎﻟﺜﺔ ﺧﻠﻔﻬﺎ ،وﻣﺜﻞ ﻫﺎﺗﻴﻚ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ َ اﻵﺧﺮ ،وملﺎ ﺷﺪت ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺒﺎل ﺑﻬﺎ اﺗﱠ َﺰﻧ َ ِﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮ ُة وﺳﻂ اﻟﻘﻨﺎة ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﺛﻢ أﺧﺬت ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺮﺑﺎت وﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ Mulesﺗﺘﺤﺮك ﺑﺎﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ،وﻫﻲ ﺗﺴري ﻋﲆ ﻗﻀﺒﺎن ﻣﺴﻨﱠﻨﺔ ﺛﻢ ﻋﻠﺖ ﺑﻨﺎ درﺟﺔ ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻮى املﺤﻴﻂ ،وﻗﺪ ﺗﺴﻠﻘﺖ ذﻟﻚ ﰲ ﻣﻨﺤﺪر وﻋﺮ ﺑﺪأ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﻘﻨﺎة ،وملﺎ اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ إﱃ اﻟﻬﻮﻳﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ أﻋﺎدت اﻟ َﻜ ﱠﺮة ﻓﻌﻠﻮﻧﺎ ﻣﻊ املﺎء درﺟﺔ أﺧﺮى ،ﺛﻢ ﺟﺮﺗﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﺎت ﺧﺎرج اﻷﻫﻮﺳﺔ وﺗﺮﻛﺘﻨﺎ ﰲ ﺑﺤرية ﺻﻐرية اﻣﺘﺪادﻫﺎ ﻣﻴﻞ ﻋﱪﻧﺎه إﱃ ﻫﻮﻳﺴني َ آﺧﺮﻳﻦ ﻋﻠﻮﻧﺎ ﰲ ﻣﻴﺎﻫﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﺎﺑﻖ إﱃ ﻣﺴﺘﻮى ﺑﺤرية ﺟﺎﺗﻮن. ﻫﻨﺎ دﺧﻠﻨﺎ ﻗﻨﺎة ﺿﻴﻘﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺬات ﺷﻘني ،ﻣﻠﺘﻮﻳﺔ اﻟﺴري ،ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ﺻﺨﺮﻳﺔ ﺳﻮداء ﻣﻦ ﺑﺎزﻟﺖ ﺑﺮﻛﺎﻧﻲ ﻣﺨﻴﻒ ،وﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ اﻟﺮﺑﻰ واﻟﻮﻫﺎد ﺗﻜﴗ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺑﺎﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﻌﺬراء 116
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﱡ ﺗﻐﺺ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺮى ﺑﻬﺎ ﻣﻦ املﺴﺎﻛﻦ إﻻ ﺑﻌﺾ أﻛﻮاخ ﻧﺎدرة ،ﻟﻜﻨﻬﺎ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﻄﻴﻮر املﻠﻮﻧﺔ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،واﻟﺰﻫﻮر اﻟﱪﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻸﻷ ﰲ ﻛﻞ اﻷﻧﺤﺎء ،وذاك اﻟﺠﺰء اﻟﺼﺨﺮي ﻗﺪ ﻗﺪت اﻟﻘﻨﺎة وﺳﻄﻪ إﱃ اﻣﺘﺪاد ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻣﻴﺎل وﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ،Cutﺛﻢ اﻧﻔﺴﺢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻴﻼ إﻻ ً ﻓﺸﻴﺌًﺎ ﻓﺄﺿﺤﻰ ﺑﺤرية ﻋﻈﻴﻤﺔ اﻻﺗﺴﺎع ،وﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺴري ﻓﻴﻬﺎ ً ٢٤ ﻗﻠﻴﻼ ،وﺗﻠﻚ ﺑﺤرية ﺟﺎﺗﻮن اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻧﺸﺄت ملﺎ أن ﻋﻤﺪ املﻬﻨﺪﺳﻮن إﱃ ﻧﻬﺮ ﺷﺎﺟﺮس Chagresاﻟﺬي ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﺎءه ﻣﻦ املﺮﺗﻔﻌﺎت ﻗﺮب اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻚ وﻳﺠﺮي إﱃ املﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ ،ﻓﺄﻗﺎﻣﻮا ﰲ وﺟﻬﻪ ﺳﺪٍّا ﺣﺒﺲ ﻣﺎءه ً ﻓﻌﻼ وﻏﻤﺮ ﺗﻠﻚ املﺴﺎﺣﺔ اﻟﻜﺒرية ،ﻓﻜﺎن ﺧﺰان ﺟﺎﺗﻮن ﻫﺬا ﻳﺤﺠﺰ ٥٠٠ﻣﻠﻴﺎر ﺟﺎﻟﻮن ،ﻓﻬﻮ ﺑﺬﻟﻚ أﻛﱪ ﺧﺰان ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻳﻔﻮق ﻃﺎﻗﺔ ﺧﺰان أﺳﻮان ﻋﻨﺪﻧﺎ. أﻣﺎ ﻋﻦ ﺟﻤﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺤرية وﻣﺴﺎرﺑﻬﺎ اﻟﻌﺪة ،ﻓﺬاك ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻗﻠﻤﻲ اﻟﻜﻠﻴﻞ اﻹﻓﺼﺎح ﻋﻨﻪ ،وﻗﺪ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻌﺪة ﻧﻬريات ﺻﻐرية ﺗﺼﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ وﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻧﻬﺮ ﺷﺎﺟﺮس ﻧﻔﺴﻪ ،وﻛﺎن ﻟﺒﻌﻀﻬﺎ ﻣﺴﺎﻗﻂ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﻄﺔ ﺗﻮﻟﻴﺪ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﺗﻘﻮم إﱃ ﻳﺴﺎرﻧﺎ ﻋﲆ ﺑﺤرية ﺟﺎﺗﻮن ﻋﻨﺪ اﻟﺴﺪ ،وﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮة اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ اﻧﺤﺪار ﻣﻴﺎه اﻟﺒﺤرية ،واملﻨﻄﻘﺔ ﻣﺰ ﱠودَة ﺑﺸﺒﺎك ﻣﻦ املﺼﺎﺑﻴﺢ ﰲ ﺻﻔﻮف أﻧﻴﻘﺔ ،وﻋﻨﺪ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺒﺤرية أﺑﴫﻧﺎ ﺑﺎﻟﺴﺪ اﻟﺬي أُﻗِ ﻴﻢ ﻓﺤﺒﺲ ﻣﺎء اﻟﻨﻬﺮ ،وﻣﺴﺘﻮى اﻟﺒﺤرية ﻓﻮق ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﺑﻨﺤﻮ ٨٥ﻗﺪﻣً ﺎ ،وﺗﻠﻚ ﻫﻲ املﺴﺎﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻮﻧﺎﻫﺎ ﺑﺎﻷﻫﻮﺳﺔ اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ اﻟﺬﻛﺮ ،وﻟﻮﻻ إﺣﺪاث ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺤرية ﻻﺿﻄﺮ املﻬﻨﺪﺳﻮن إﱃ ﺣﻔﺮ ﻫﺬا اﻟﺠﺰء اﻟﻄﻮﻳﻞ — ً ٣٢ ﻣﻴﻼ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ — ﺑﻘﺪر ﻋﻠﻮﻧﺎ ﻋﻦ اﻟﺒﺤﺮ .ﺛﻢ ﻇﻬﺮت أﻫﻮﺳﺔ ﺟﺎﺗﻮن اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﻮاﺣﺪ دون َ اﻵﺧﺮ ،وﻗﺪ اﺧﱰﻗﻨﺎﻫﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﻨﺰل ﻣﻦ املﺴﺘﻮى املﺮﺗﻔﻊ إﱃ ﻣﺴﺘﻮى أدﻧﻰ ﻣﻨﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮﻧﺎ اﻟﻌﺮﺑﺎت ﻋﲆ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﺎﻟﻒ وﺗﻨﺰل ﺑﻨﺎ درﺟﺔ ﺑﻌﺪ درﺟﺔ ﺣﺘﻰ ﺧﺮﺟﻨﺎ إﱃ ﻗﻨﺎة ﻣﺘﺴﻌﺔ أد ْ ﱠت ﺑﻨﺎ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺘَ ْﻲ ﻛﺮﺳﺘﻮﺑﺎل وﻛﻮﻟﻮن ،رﺳﻮﻧﺎ ﻋﲆ أرﺻﻔﺔ ﻛﺮﺳﺘﻮﺑﺎل ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺴﺎء ،أﻋﻨﻲ أﻧﱠﺎ اﺧﱰﻗﻨﺎ اﻟﻘﻨﺎة ﻛﻠﻬﺎ — زﻫﺎء ﺧﻤﺴني ً ﻣﻴﻼ — ﰲ ﺳﺒﻊ ﺳﺎﻋﺎت وﻧﺼﻒ؛ إذ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺴري ﺑﴪﻋﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻴﻚ ،ﻟﻜﻨﱠﺎ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﴪﻋﺔ اﻟﺒﻄﻴﺌﺔ اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ ﻣﻦ املﺤﻴﻂ اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻜﻲ إﱃ املﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ، وﻟﻘﺪ ﻛﺎدت ﺗﺴﺎوي ﺗﺠﺎرة ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻨﺎة أﻫﻤﻴﺔ ﻗﻨﺎة اﻟﺴﻮﻳﺲ؛ إذ ﻣ ﱠﺮ ﺑﻬﺎ ﺳﻨﺔ ٤٤٩٤ ،١٩٣٣ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ ﻓﻮق ١٨ﻣﻠﻴﻮن ﻃﻦ ،وﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٣٠ﻛﺎﻧﺖ ٣٠ﻣﻠﻴﻮن ﻃﻦ. ﻧﺰﻟﻨﺎ اﻟﺒﻠﺪة ﻓﺈذا ﺑﻬﺎ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺸﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻜﻲ؛ أرض ﻣﻤﺪودة وﺷﻮارع ﻧﻈﻴﻔﺔ وﻧﻈﺎم أﻣﺮﻳﻜﻲ ﻣﺘﻘﻦ ،وﻫﻲ ﺗﺤﺖ اﻹدارة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺗﺪﺧﻞ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻘﻨﺎة وﺗﺘﺼﻞ ﺑﺄﺧﺘﻬﺎ ﻛﻮﻟﻮن اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﻨﻤﺎ ،ﻓﻼ ﻳﺪرك املﺮء ﻓﻮاﺻﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،واﻷﺑﻨﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﺸﺐ ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺘني ﺗﻤﻴﱢﺰﻫﺎ اﻷﻋﻤﺪة اﻟﻜﺒرية ،وﻳﺸﻖ اﻟﺒﻠﺪة ﺷﺎرع رﺋﻴﴘ أُﻗِ ﻴﻢ وﺳﻄﻪ 117
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
وﻋﲆ ﻃﻮل اﻣﺘﺪاده ﻣﺘﻨﺰه ﺑﺪﻳﻊ ﻓﺴﻴﺢ ﻳﺒﺪأ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺤﺮ ،وﻫﻨﺎ ﻳﻘﻮم ﺗﻤﺜﺎل ﻛﻮﻟﻮﻣﺐ وﻗﺪ ُﻛﺘِﺐ ﻋﻠﻴﻪ »اﻟﺨﺎﻟﺪ اﻟﺬﻛﺮ ﻛﺎﺷﻒ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ« ،وﺑﻌﺪه ﺗﻤﺜﺎل ﻧﺼﻔﻲ ﻟﻔﺮدﻧﺎﻧﺪ دﻟﺴﺒﺲ ﻣﺒﺘﻜﺮ ﻓﻜﺮة اﻟﻘﻨﺎة ،وﺑﻌﺪه ﺗﻤﺜﺎل ﺑﻮﻟﻴﻔﺎر ﻧﺼري اﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺛﻢ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ أﺧﺮى. أﻣﺎ ﻋﻦ اﻷﻫﻠني واﺧﺘﻼف ﺻﻨﻮﻓﻬﻢ وﻋﻦ املﺠﻮن أﺛﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﻓﺬاك ﻳﻜﺎد ﻳﻔﻮق ﺑﻨﻤﺎ، وﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻣﺤﻂ رﺣﺎل اﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ ﻣﻦ املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﺑني املﺤﻴﻄني ،وﻛﻠﻬﻢ ﻳﺘﻤﻨﱠﻮن ﻟﻮ ﺗﻤﻜﺚ ً ﻃﻮﻳﻼ ،واﺳﻢ ﻫﺎﺗني املﺪﻳﻨﺘني اﺧﺘري ﻟﺘﺨﻠﻴﺪ ذﻛﺮ ﻛﺎﺷﻒ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺒﺎﺧﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻠﻬﻢ ﻫﻨﺎك ﻓﺎﺳﻤﻪ ﺑﺎﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ »ﻛﺮﺳﺘﻮﺑﺎل ﻛﻮﻟﻮن« ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﻤﺎ أﻛﺜﺮ ﺑﻼد اﻷرض وﺑﺎءً ﻟﻜﻨﻬﺎ اﺳﺘﺤﺎ َﻟ ِﺖ اﻟﻴﻮم إﱃ ﻣﺰار ﺻﺤﻲ ،ﻓﺒﻤﺠﺮد اﻣﺘﻼك أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻟﻬﺎ أﻋﻠﻨﺖ ﺣﺮﺑًﺎ ﺷﻌﻮاء ﻋﲆ اﻟﺒﻌﻮض واﺳﺘﺆﺻﻞ اﻟﻮﺑﺎء اﻷﺻﻔﺮ واملﻼرﻳﺎ ،وﻗﺪ ﺑﺎﻋﺖ اﻟﴩﻛﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ أﻧﻘﺎﺿﻬﺎ ﺑﻨﺤﻮ ٤٠ﻣﻠﻴﻮن رﻳﺎل ،وملﺎ ﻃﻠﺒ َِﺖ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻟﺘﴫﻳﺢ ﺑﺎﻹﴍاف ﻋﲆ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﺑﻌﺪ إﺗﻤﺎﻣﻬﺎ ،ﺗﻠ ﱠﻜﺄ َ ْت ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻛﻮملﺒﻴﺎ وﻋﺎ َر َ ض ﺑﻌﺾ رﺟﺎﻟﻬﺎ ،ﻓﺜﺎرت ﺑﻨﻤﺎ ﻃﺎﻟﺒﺔ اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻓﺄﻳﱠ َﺪﺗْﻬﺎ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة واﻋﱰﻓﺖ ﺑﻬﺎ ﺳﻨﺔ ،١٩٠٣وأﺧﺬت ﻣﻠﻜﻴﺔ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻘﻨﺎة وﺑﺪأت ﺣﺮﺑﻬﺎ ﺿﺪ اﻷوﺑﺌﺔ واﻟﺒﻌﻮض ،ﺛﻢ ﺟﺎءت ﻓﻜﺮة :ﻫﻞ ﺗﺸﻖ اﻟﻘﻨﺎة إﱃ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺒﺤﺮ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن رأي دﻟﺴﺒﺲ أو ﺗﻨﻔﺬ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ اﻷﻫﻮﺳﺔ املﺮﺗﻔﻌﺔ؟ ﻓﺄرﺳﻠﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﻌﺜﺔ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ً ﻣﻬﻨﺪﺳﺎ ،ﻓﻘ ﱠﺮ َر ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺣﻔﺮﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﻗﻨﺎة اﻟﺴﻮﻳﺲ ،ﻟﻜﻦ ﺗﻘﺮﻳﺮ اﻷﻗﻠﻴﺔ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻋﴩ راق اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة واﺳﺘﻠ َﺰ َم ذﻟﻚ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻴﺎء :اﻷﻫﻮﺳﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ ،وﺣﻔﺮ ﺗﺴﻌﺔ أﻣﻴﺎل ﰲ ﺻﻤﻴﻢ اﻟﺼﺨﺮ ،وﺧﻠﻖ ﺑﺤرية ﻋﲆ ﻋﻠ ﱢﻮ ٨٥ﻗﺪﻣً ﺎ. ﻳﺨﺸﻮن ﻓﻴﻀﺎن ﻧﻬﺮ ﺷﺎﺟﺮس اﻟﺬي َ وﻛﺎن اﻟﺠﻤﻴﻊ َ ارﺗﻔ َﻊ ﻣﺮة ٢٥ﻗﺪﻣً ﺎ ،ﰲ ﻳﻮم واﺣﺪ، وﺑﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﻘﻄﻊ اﻟﻘﻨﺎة أﺿﺤﻰ ﺧﻄ ًﺮا ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ ُر ِؤيَ ﴐورة ﻋﻤﻞ ﺑﺤرية ﺟﺎﺗﻮن اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻟﻴﺼﺐﱠ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎءه اﻟﻜﺜريُ ، وﻗ ﱢﺪ َر ِت اﻟﻨﻔﻘﺎت ﻛﻠﻬﺎ — أﻣﺮﻳﻜﻴﺔ وﻓﺮﻧﺴﻴﺔ — ﺑﻨﺤﻮ ١٤٠ﻣﻠﻴﻮن ﺨﺮجَ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻤﻸ ﺟﻨﻴﻪ ،ﻧﺼﻴﺐ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻣﻨﻬﺎ ٨٠ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،وﻗﻴﻞ إن اﻟﺮدم اﻟﺬي اﺳﺘُ ِ ﻋﺮﺑﺎت ﺳﻌﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻋﴩون ﻳﺎردة ﻣﻜﻌﺒﺔ ،ﻳﻤﻜﻦ ﺻﻔﻬﺎ ﰲ ﻗﻄﺎر ﻳﻄﻮق اﻷرض ﺣﻮل ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء ﺛﻼث ﻣﺮات وﻧﺼﻒ! وﻟﻘﺪ اﻧﺘﴫ روزﻓﻠﺖ ﻋﲆ ﻣﻌﺎرﴈ ﻓﻜﺮﺗﻪ ﰲ ﻓﺘﺢ اﻟﻘﻨﺎة، وﻫﻲ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻓﺼﻠﺖ أﻣﺮﻳﻜﺘني ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺑﺎملﺎء إﻻ أﻧﻬﺎ وﺻﻠﺘﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻬﺘني اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻫﺬا وﻳﻘﻮم اﻟﻴﻮم ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻨﻤﺎ ﻣﻌﻬﺪ ﻟﺪراﺳﺔ أﻣﺮاض املﻨﺎﻃﻖ اﻟﺤﺎرة اﺧﺘﻔﻰ ﺑﻔﻀﻠﻪ اﻟﻮﺑﺎء اﻷﺻﻔﺮ ،وﻛﺎدت ﺗﺨﺘﻔﻲ املﻼرﻳﺎ. ﻗﻤﻨﺎ ﻧﱪح ﻛﻮﻟﻮن اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻌﺎﴍة ﻣﺴﺎءً ،وﰲ اﻟﺼﺒﺎح أﻳﻘﻈﻨﺎ ﺗﻤﺎﻳُ ُﻞ اﻟﺒﺎﺧﺮة وﺗﺮﻧﱡﺤﻬﺎ وﺳﻂ ﻣﻴﺎه ﻫﻮج وأﻣﻮاج ﻋﺎﺗﻴﺔ ورﻳﺎح ﺷﻤﺎﻟﻴﺔ ﴍﻗﻴﺔ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻮاﺣﺪ 118
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
اﻟﻮﻗﻮف أﻣﺎﻣﻬﺎ ،وﻗﺪ أﺧﺬ اﺿﻄﺮاب اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻳﺸﺘﺪ وﺣﺮﻛﺎﺗﻬﺎ ﺗﺘﻌﺜﺮ وﺳﻂ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻴﺎرات املﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﻣﻦ دوﻧﻬﺎ ،وﻫﻨﺎ ﻷول ﻣﺮة ﺷﻌﺮت ﺑﺎرﺗﺒﺎك ﻣﻌﺪﺗﻲ ودوار رأﳼ ﺑﻌﺪ أن ُ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ وﺛﻘﺖ ﺑﺄﻧﻲ أوﺗﻴﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ املﻨﺎﻋﺔ ﺿﺪ ﻣﺮض اﻟﺒﺤﺮ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ذاك ﺑﻤﺴﺘﻐﺮب إذ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺨﱰق اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻜﺎرﻳﺒﻲ اﻟﺬي ﻋُ ِﺮف ﻣﻨﺬ اﻟﻘِ ﺪَم ﺑﺘﻴﺎراﺗﻪ اﻟﻐﺪارة ورﻳﺎﺣﻪ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ وزواﺑﻌﻪ املﺪﻣﺮة؛ ﻓﻬﻮ ﻣﻌﻘﻞ اﻟﻬﺮﻛني hurricanesاﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺨﻠﻮ ﺟﻮه ﻣﻨﻬﺎ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﰲ ﻫﺬا املﻮﺳﻢ ،وﻗﺪ ﺑﺎﻏﺘﺘﻨﺎ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻴﻚ ﻇﻬ ًﺮا ﻓﺎﻛﻔﻬﺮت اﻟﺴﻤﺎء ودارت اﻷﻫﻮاء ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ، وﻋﻼ ﻣﺎء اﻟﺒﺤﺮ ﺣﺘﻰ ﻛﺎد ﻳﻐﺮﻗﻨﺎ رﺷﺎﺷﻪ ،وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى ﺑﻘﺎﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ﻋﻼ ﻣﺎؤﻫﺎ ﰲ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﺎﺗﺼﻞ ﺑﺎﻟﺴﺤﺐ ﰲ ﺷﺒﻪ ﻣﺪﺧﻨﺔ ﻣﺨﻴﻔﺔ ،وﻗﺪ ﻟﻌﺐ اﻟﺒﺤﺮ إذ ذاك ﺑﻨﺎ وﺑﺒﺎﺧﺮﺗﻨﺎ — رﻏﻢ ﻛﱪﻫﺎ وﻋﻈﻴﻢ ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ — ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﻧﺴﺘﻄﻊ اﻟﻮﻗﻮف ،ﺑﻞ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺸﻬﺪ ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ ﻛﻮى ﺣﺠﺮاﺗﻨﺎ املﻐﻠﻘﺔ ،وﻇﻠﺖ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ زﻫﺎء ﺳﺎﻋﺘني ﰲ ﺷﺪﺗﻬﺎ ﺛﻢ ﺗﻘﺸﻌﺖ ،أﻣﺎ اﺿﻄﺮاب اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻈ ﱠﻞ إﱃ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ،وﻟﻜﻲ أﺗﻘﻲ ﻣﻨﻐﺼﺎﺗﻪ آوﻳﺖ إﱃ ﻣﻀﺠﻌﻲ اﻟﻴﻮم ﻛﻠﻪ. ﻇﻞ اﻟﺒﺤﺮ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ﻣﻀﻄﺮﺑًﺎ ﻛﻌﺎدﺗﻪ إﱃ اﻟﻈﻬﺮ ﺣني ﺑﺪت ﺑﻌﺾ ﺟﺰر اﻟﻬﻨﺪ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺼﻐرية ،ﺑﻌﻀﻬﺎ إﱃ اﻟﻴﻤني واﻟﺒﻌﺾ إﱃ اﻟﻴﺴﺎر ،وﺑﻤﺠﺮد اﺟﺘﻴﺎزﻫﺎ اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ إﱃ ﺑﺤﺮ ﻫﺎدئ وﻋﺎدت اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ إﱃ اﺗﺰاﻧﻬﺎ ﻣﻤﺎ أﻳﱠﺪ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻋﻨﻒ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻜﺎرﻳﺒﻲ اﻟﺸﺪﻳﺪ إذا ﻗﺎرﻧﺎه ﺑﺎملﺤﻴﻄني اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ واﻟﻬﺎدي ،وﻳ َُﺨﻴﱠﻞ إﱄ ﱠ أن اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻚ أﻫﺪأ اﻟﺒﺤﺎر اﻟﺘﻲ اﺧﱰﻗﺘﻬﺎ ﻓﺎﺳﻤﻪ ﺧري دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ .وﻫﻨﺎ ذﻛﺮت ﻣﺎﺟﻼن اﻟﺬي ﺗﻮﱠﺟَ ﻪ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ »اﻟﻬﺎدي« ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﺎﳻ ﺑﺤﺮ ﻣﺎؤه ﺳﺎﻛﻦ وﻧﺴﻴﻤﻪ ﻣﺮارة اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ وﻣﻀﻴﻖ ﻣﺎﺟﻼن؛ ﻷﻧﻪ ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻞ إﱃ ٍ ﻋﻠﻴﻞ .وﰲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﺴﺎءً ﻛﻨﺎ ﺑني اﻟﺠﺰﻳﺮﺗني :ﻛﻮﺑﺎ إﱃ ﻳﺴﺎرﻧﺎ ،وﻫﺎﻳﺘﻲ إﱃ ﻳﻤﻴﻨﻨﺎ ،ﻇﻬﺮﺗﺎ ﻛﺎﻟﺤﻮاﺋﻂ اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﺨﴬة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ. ً ُ ﺷﻤﺎﻻ زاد ﺟﻮ ﻻﺣﻈﺖ أﻧﻨﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﻇ ﱠﻞ اﻟﺒﺤﺮ ﻫﺎدﺋًﺎ ﻋﻤﻴﻖ اﻟﺰرﻗﺔ ،ﻋﲆ أﻧﻲ اﻟﺒﺤﺮ دﻓﺌًﺎ ،ﻣﻊ أﻧﱠﺎ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء ،وذﻟﻚ ﻣﻦ أﺛﺮ ﺗﻴﺎر اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﺪاﻓﺊ اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻊ املﻴﺎه اﻻﺳﺘﻮاﺋﻴﺔ إﱃ اﻟﺸﻤﺎل ﻓﻴﺪﻓﺊ اﻟﻬﻮاء اﻟﺬي ﻳﻤﺮ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﻔﻮ ﰲ ﺗﻠﻚ املﻴﺎه ﻗﻄﻊ ﻣﻨﺜﻮرة ﻣﻦ ﻋﺸﺐ ﻣﺼﻔﺮ ذي درﻧﺎت ﺻﻐرية ﻣﺘﺠﺎورة ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻋﺮاﺟني اﻟﻌﻨﺐ اﻟﺼﻐري ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ ﻣﻤﺮ ﺗﻴﺎر اﻟﺨﻠﻴﺞ ،وﻳﺪﻫﺶ »ﻋﻨﺐ اﻟﺪﻳﺐ« ،وﺗﻠﻚ ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ املﻴﺎه اﻟﺪﻓﻴﺌﺔ املﺮء ﻟﻠﻔﺮق ﺑني ﺑﺮودة املﺎء وﻫﻮاء اﻟﺒﺤﺮ ﻋﲆ اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﰲ ﻣﺠﺎورة ﺑريو وإﻛﻮادور ﰲ اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻚ رﻏﻢ ﻗﺮﺑﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء ،ودفء املﺎء وﻫﻮاﺋﻪ ﻫﻨﺎ رﻏﻢ ﺑﻌﺪه ﻋﻦ ﻣﺪار ً ﺷﻤﺎﻻ ،وذﻟﻚ ﻳﺆﻳﱢﺪ ﻓﻀﻞ ﺗﻴﺎر ﻫﺎﻣﺒﻮﻟﺖ Hamboldtأو ﺗﻴﺎر ﺑريو اﻟﺬي ﻳﻨﺪﻓﻊ اﻟﴪﻃﺎن ﺑﻤﻴﺎﻫﻪ ﻣﻦ املﺤﻴﻂ املﺘﺠﻤﺪ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻮاﻃﺊ اﻻﺳﺘﻮاﺋﻴﺔ ﻓﻴﻠﻄﻔﻬﺎ .وﻗﺪ ﻇ ﱠﻞ اﻟﺤﺮ 119
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺷﺪﻳﺪًا ﻃﻴﻠﺔ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ،وﰲ ﺻﺒﺎح اﻻﺛﻨني ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻠﺒﺪة ﺑﺎﻟﻐﻴﻮم ،وﺷﻌﺮﻧﺎ ﻛﺄﻧﻨﺎ اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ إﱃ ﻣﻨﻄﻘﺔ أﺧﺮى ﺗﻨﺎﻗِ ﺾ اﻷوﱃ َ ﻣﻨﺎﻗ َﻀ ًﺔ ﺗﺎﻣﺔ؛ إذ اﺷﺘ ﱠﺪ اﻟﱪد ﻓﺤﺎ َﻛﻰ أﻳﺎم اﻟﺸﺘﺎء ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻓﻜﺄﻧﺎ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻋﻦ ﻧﻄﺎق ﺗﻴﺎر اﻟﺨﻠﻴﺞ؛ إذ ﻟﻢ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺪفء ﰲ اﻟﻬﻮاء ﻗ ﱡ ﻂ. ) (9إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺑﻼد اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ أﺧﺬﻧﺎ ﻧﱰﻗﺐ إﱃ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻣﻦ ﻟﻴﻞ أﻣﺲ أﺿﻮاء ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،وﺣﻮاﱄ اﻟﻌﺎﴍة ﻣﺴﺎءً ﺑَﺪَا ﺧﻂ ﻣﻦ ﻧﻮر ﻋﻨﺪ اﻷﻓﻖ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻨﺎ ﻫﻲ أﺿﻮاء ﻧﻴﻮﺟﺮﳼ ،ﺛﻢ دﺧﻠﻨﺎ ﺑني ﺻﻔني ﻣﻦ اﻟﻀﻮء ،إﱃ اﻟﻴﻤني ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺟﺰاﺋﺮ أﻗﺮﺑﻬﺎ إﻟﻴﻨﺎ ﻛﻮﻧﻲ ﺟﺰﻳﺮة املﻼﻫﻲ اﻟﺸﻬرية ،وﺑﻬﺎ ﻟﻮﻧﺎ ﺑﺎرك أﻣﺮﻳﻜﺎ ذاﺋﻊ اﻟﺼﻴﺖ ،وﻫﻨﺎ واﻓﺎﻧﺎ »اﻟﺒﻴﻠﻮت« ،وﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺴري ﻓﻨﻠﻘﻰ وﺳﻂ املﺎء ﻣﺤﺎ ﱠ ط ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺑﺄﺿﻮاﺋﻬﺎ املﺘﻮﻫﺠﺔ ﻟﺮﺳﻮ زوارق اﻟﺨﻔﺎرة واملﺮﺷﺪﻳﻦ ،وأﺧﺬت أﺿﻮاء »اﻟﺸﻤﻨﺪورات« أﺟﺮاﺳﺎ ﻟﺘﻨﺒﻪ اﻟﺴﻔﻦ ْ ً إن ﻏ ﱠﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻀﺒﺎب، ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﻟﻮان ﺗﺪور ﺣﻮل ﻧﻔﺴﻬﺎ وﺗﺪق ُ آوﻳﺖ ﺛﻢ ﺑﺪت إﱃ اﻟﻴﺴﺎر أﺿﻮاء ﻧﻴﻮﻳﻮرك املﺘﻮﻫﺠﺔ ،ووﻗﻔﻨﺎ وﺳﻂ املﺎء ﻧﻨﺘﻈﺮ إﱃ اﻟﺼﺒﺎح. ُ ﻓﺘﺨﻴﻠﺖ إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻲ وﻗﺪ ﻋﺎودﺗﻨﻲ اﻟﻮﺳﺎوس ،وأوﺟﺴﺖ ﺧﻴﻔﺔ اﻟﻜﺸﻒ اﻟﻄﺒﻲ ﰲ اﻟﺼﺒﺎح، أﻧﻬﻢ ﺳريﻓﻀﻮﻧﻨﻲ ﺑﺴﺒﺐ »اﻟﱰاﻛﻮﻣﺎ« وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺗﻔﻠﺖ ﻣﻨﻲ ﻓﺮﺻﺔ ﻏﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ رؤﻳﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ أﻛﺪ أﻧﺎم ﻟﻴﻠﺘﻲ ﻗ ﱡ ﻂ .وﰲ ﺑﺎﻛﻮرة اﻟﺼﺒﺎح وﻓﺪ اﻟﻐﻼم ﻳﺘﻌﺠﻠﻨﺎ إﱃ ﻣﻮاﻓﺎة اﻟﻄﺒﻴﺐ، ﻓﻘﻤﺖ ﻓﺰﻋً ﺎ وإذا ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺳﻬﻞ؛ إذ اﺳﺘﻌﺮﺿﻨﺎ اﻟﻄﺒﻴﺐ ﺑﻈﺮﻓﻪ وﻧﺤﻦ وﻗﻮف ،وﻟﻢ ﻳﻠﻖ ﺣﺘﻰ ﻓﻜﺪت أﻃري ﻓﺮﺣً ﺎ ،ﺛﻢ أﻋﻘﺒﻪ رﺟﺎل املﻬﺎﺟﺮة وﻟﻢ ﻳﻘﻠﻮا ً ُ ﻇﺮﻓﺎ ﻋﻨﻪ، ﻣﺠﺮد ﻧﻈﺮة ﻋﲆ ﻋﻴﻮﻧﻨﺎ ﺛﻢ ﺗﻘﺪﱠﻣﺖ ﺑﻨﺎ اﻟﺒﺎﺧﺮة إﱃ املﻴﻨﺎء ﻓﺘﺠ ﱠﻠ ْﺖ ﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﺴﺎﺣﺐ ﰲ ﻟﻮن ﻗﺎﺗﻢ؛ إذ ﻛﺎن ﻳﻐﴙ اﻟﺠﻮ اﻟﻀﺒﺎب ،وﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺴﻤﻊ ﺿﻮﺿﺎء املﺪﻳﻨﺔ وﺳﻂ ﺿﺒﺎﺑﻬﺎ املﺘﺼﺎﻋﺪ. ﺣﻠﻠﻨﺎ اﻟﺠﻤﺮك وﻛﺎن اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ ﰲ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﻟﻢ أﻋﻬﺪﻫﺎ وﴎﻋﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ؛ وذﻟﻚ ﺑﻔﻀﻞ ُ ﺣﻠﻠﺖ ﻧ ُ ُﺰل Endicott اﻟﺪﻗﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة وﺣﺴﻦ اﻟﻨﻈﺎم ﰲ ﺗﻮزﻳﻊ اﻷﻋﻤﺎل ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد املﺜﺎﻟﻴﺔ. ﰲ ﺷﺎرع » ،«٨١وﻫﻮ ﻗﴫ ﻓﺎﺧﺮ ﰲ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أدوار ،ﻟﻜﻨﻪ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﻳﺒﺪو ﻗﺰﻣً ﺎ ﻣﺘﻮاﺿﻌً ﺎ إزاء ﻣﺎ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﻃﺤﺎت ،ﻫﻨﺎ ُز ﱢود ُ ْت ﺑﺎﻟﺨﺮاﺋﻂ واملﻄﺒﻮﻋﺎت ﻋﻦ اﻟﺒﻠﺪة وﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻋﺎدة ُ وﻧﺎﻗﺸﺖ أدﻟﺔ اﻟﻨ ﱡ ُﺰل وﻫﻢ ﻛﺜريون ﻳﻘﻔﻮن رﻫﻦ ﻛﻞ اﻷﻧﺰال ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد اﻟﻐﻨﻴﺔ اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ، إﺷﺎرة اﻟﻀﻴﻒ ﰲ ﻛﻞ وﻗﺖ ً ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎ ًرا ،وﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﱄ أن ﺗﺨﻄﻴﻂ املﺪﻳﻨﺔ ﻳﺴﻬﻞ ﺗﻌﺮﻓﻪ؛ ﻓﻬﻮ ﰲ ﻃﺮق ﻣﺘﻮازﻳﺔ ﻣﻨﻤﺮة ﺑﺎﻟﱰﺗﻴﺐ إﱃ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﺜﻠﺜﻤﺎﺋﺔ ،وﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ اﻟﴩق إﱃ اﻟﻐﺮب ،وﺗﺘﻌﺎﻣﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻃﺮق أﻓﺴﺢ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ .Avenuesﻧﺰﻟﺖ أﺟﻮب ﺑﻌﺾ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ﻓﺄذﻫﻠﺘﻨﻲ ﺿﺨﺎﻣﺘﻬﺎ وﺷﺪﻳﺪ ﺿﻮﺿﺎﺋﻬﺎ وﻓﺨﺎﻣﺘﻬﺎ؛ اﻟﺴﻴﺎرات ﺗﻜﺎد ﺗﺴﺪ اﻟﻄﺮق ﺳﺪٍّا ﰲ 120
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺟﻤﻴﻊ اﻷوﻗﺎت ،واملﺎرة ﻳﺘﻼﺻﻘﻮن ﻓﻮق إﻃﺎرات اﻟﻄﺮق وﻫﻢ ﺳﺎﺋﺮون ﰲ ﻋﺠﻠﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ، ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ ﻣﺘﻌﺪدة أﺧﺼﻬﺎ اﻟﻘﻄﺎر املﺮﺗﻔﻊ ،Elevatorsوﻳﺸﻖ أﻏﻠﺐ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻫﻮ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﲆ ﺷﺒﺎك ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ ﻏﻠﻴﻆ ،وﻳﺴري ﻗﻄﺎر إﱃ اﻟﻴﻤني َ وآﺧﺮ إﱃ اﻟﻴﺴﺎر وﺛﺎﻟﺚ ﰲ اﻟﻮﺳﻂ وﻫﻮ اﻟﴪﻳﻊ »إﻛﺴﱪﻳﺲ« ،وﻟﻪ ﻣﺤﺎﻃﻪ املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻌﺪ املﺮء ﻟﻬﺎ درﺟً ﺎ ً ﻫﺎﺋﻼ ،وﻳﻮازي ﺳريه ﻋﺎدة اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ املﺒﺎﻧﻲ ،ﺛﻢ ﻧﻮع َ آﺧﺮ ﻳﺴري ﰲ ﺷﺒﺎك ﺗﺤﺖ اﻷرض Subway وﴎﻋﺘﻪ ﻣﺨﻴﻔﺔ ﺗﻔﻮق اﻟﻮﺻﻒ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻔﻀﻠﻪ رﺟﺎل اﻷﻋﻤﺎل ﻋﻦ ﻏريه ،ﺛﻢ ﺗﺮام اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﻌﺎدي ،ﺛﻢ اﻷوﺗﻮﺑﻴﺲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷﺷﻜﺎل واﻷﻧﻮاع ،أﻣﺎ ﻋﻦ ﻧﻈﺎم ﺳري ﻫﺎﺗﻴﻚ ﻓﺤﺪ ْ ﱢث :دﻗﺔ ﺗﻔﻮق اﻟﻮﺻﻒ ،وﻋﻨﺎﻳﺔ ﺑﺮاﺣﺔ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻳُﻐﺒَﻂ اﻟﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ. وأﻧﺖ ﻻ ﺗﺒﺘﺎع ﺗﺬﻛﺮ ًة ﻟﻠﺪﺧﻮل ﻷن اﻟﻮﻗﺖ ﺛﻤني واﻟﺘﺰاﺣﻢ ﺷﺪﻳﺪ ،ﻟﻜﻦ أ ْﻟ ِﻖ ﺑﺎﻟﻘﺮش nickelﰲ ﺻﻨﺎدﻳﻖ اﻷﺑﻮاب املﻤﺪودة أﻣﺎﻣﻚ وادﻓﻊ اﻟﺤﺎﺟﺰ ﻳَ ُﺪ ْر ﺑﻚ إﱃ ﻣﻜﺎن اﻟﻘﻄﺎر ،وﻣﺘﻰ وﻗﻒ اﻟﻘﻄﺎر ُﻓﺘِﺤﺖ أﺑﻮاﺑﻪ أﺗﻮﻣﺎﺗﻴﻜﻴٍّﺎ ،ﺛﻢ د ﱠُق اﻟﺠﺮس ﻓﺄُﻏﻠِﻘﺖ وﻗﺎم ﻳﻨﻬﺐ اﻷرض أو اﻟﺠﻮ ﻧﻬﺒًﺎ ،ورﻏﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻓﺈن ﺳﻴﺎرات »اﻟﺘﺎﻛﴘ« ﺗﺴﺪ اﻟﻄﺮق ﺳﺪٍّا ،ﺗﻌﻠﻮﻫﺎ أﻗﻮاس ﻣﻦ ﻧﻮر ،وﻗﺪ ُز ﱢود ْ َت ﺑﺠﻬﺎز ﻟﻠﺮادﻳﻮ ﺗﺴﻤﻌﻪ وأﻧﺖ ﻣﴪع إﱃ ﻋﻤﻠﻚ. ﺑﺪأت ﺑﺮﻛﻮب اﻟ elevatorﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ إﱃ َ آﺧﺮ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ؛ وﻻ أﻛﻮن ﻣﻐﺎﻟﻴًﺎ إن ُ ﻗﻠﺖ ﺑﺄﻧﻲ ً ُ ُ ُ أﻓﻘﺖ أﻗﻮل :ﻳﺎ ﻟﻘﺪرة اﻹﻧﺴﺎن وﻛﻨﺖ ﻛﻠﻤﺎ ذاﻫﻼ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺔ ﻣﺎ أرى، ﻟﺒﺜﺖ ﺟ ﱠﻞ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺠﺒﱠﺎر! ﻫﻞ ﺑﻠﻎ اﻟﺮﻗﻲ واﻟﻨﻬﻮض ﺑﻪ إﱃ ﻫﺬا املﺴﺘﻮى؟ ﻛﻞ ﳾء ﺣﻮﱄ ﻋﻈﻴﻢ ﻳﻤﺜﱢﻞ ﺛﺮاء ﺗﻄﺎول اﻟﺴﻤﺎء ﻋﻠﻮٍّاُ ، ﻛﻨﺖ أﻗﻒ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻨﻬﺎ وأﻃﻮح ﺑﻨﻈﺮي اﻟﻌﻘﻞ واملﺎل؛ ﻋﻤﺎﺋﺮ ِ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻴﻨﻘﻄﻊ ﻣﺪى اﻟﻨﻈﺮ ،وأﺣﺲ دوا ًرا ﰲ رأﳼ ،ﻓﻬﻲ ٍّ ﺣﻘﺎ ﻟﻠﺴﺤﺎب ﻧﻮاﻃﺢ ،ﺛﻢ ﻟﺒﱠﻴ ُْﺖ دﻋﻮة اﻷﺳﺘﺎذ Prof Northزﻣﻴﻞ اﻟﺒﺎﺧﺮة؛ إذ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻃﻌﺎم اﻟﻐﺪاء ﻣﻌﻪ ﺑﺮﻓﻘﺔ ﺟﻤﻊ ﻣﻦ اﻷﺳﺎﺗﺬة وﺳﻴﺪاﺗﻬﻢ ،ﺛﻢ ﻗﺼﺪت ﻣﻌﻬﻢ إﱃ زﻳﺎرة ﻧﺎدي اﻟﻜﺎﺷﻔني Discoverers Club اﻟﻬﺎﺋﻞ ،ﻳﻀﻢ ً آﻻﻓﺎ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻜﺎﺷﻔني ،وﺑﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺑﻼد اﻷرض وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮب املﺘﻮﺣﺸﺔ ،ﻣﻦ ﺟﻠﻮد وأﺳﻠﺤﺔ وأدوات وﻣﻼﺑﺲ ،وﻛﻠﻤﺎ آبَ أﺣﺪﻫﻢ ﻣﻦ رﺣﻠﺘﻪ ﻋﺎ َوﻧَﻪ اﻟﻨﺎدي ﻋﲆ ﻃﺒﻊ ﻣﺬﻛﺮاﺗﻪ ،وإﻟﻘﺎء ﻣﺤﺎﴐاﺗﻪ وﺗﺴﺠﻴﻠﻬﺎ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﺴﻌﻰ ﰲ ﺗﺰوﻳﺪﻫﻢ ﺑﺎﻟﺘﻮﺻﻴﺎت واملﻌﺎوﻧﺎت املﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﻘﻠﺖ ﰲ ﻧﻔﴘ :أ َ َﻟ ْﻢ ﻳَﺤِ ﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻌ ُﺪ أن ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻼدﻧﺎ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ،ﻓﺘﺸﺠﻊ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻜﺸﻒ ،وﻳﺼﺒﺢ اﺳﻢ ﻣﴫ ﻋﻠﻤً ﺎ ﰲ اﻟﺨﺎرج؟ وﻟﻮ ﻧﻈﺮت إﱃ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﺑﺪت أﻣﺎﻣﻚ ﺷﺒﻪ ﻣﺴﺘﻄﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل إﱃ اﻟﺠﻨﻮب، وﻳﻨﺘﻬﻲ ﻃﺮﻓﻪ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻫﺮم أو ﻣﺜﻠﺚ ،وإﱃ ﻳﻤني ذﻟﻚ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﴩﻗﻲ ،EastRوإﱃ ﻳﺴﺎره ﻧﻬﺮ ﻫﺪﺳﻦ .وﻧﻈﺎم املﺒﺎﻧﻲ ﰲ ﻛﺘﻞ ﺗﻔﺼﻠﻬﺎ ﺷﻮارع ﻣﺘﻮازﻳﺔ وﻣﺘﻌﺎﻣﺪة ،وﻳﻘﺴﻢ 121
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻮارع املﻤﺘﺪة ﻣﻦ اﻟﴩق إﱃ اﻟﻐﺮب Fifth Avenueﰲ وﺳﻄﻬﺎ إﱃ ﺷﻄﺮﻳﻦ :ﴍﻗﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ ،وﺗُﻌ َﺮف ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻮارع ﺑﻨﻤﺮﻫﺎ املﺴﻠﺴﻠﺔ ،إﻻ ﰲ أﻗﴡ ﺟﻨﻮب املﺪﻳﻨﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﻠﺘﻘﻲ اﻟﻨﻬﺮان ،ﻓﺈن املﺒﺎﻧﻲ واﻟﻄﺮق ﺗﺼﺒﺢ ﻣﻜﺘﻈﺔ ﰲ ﻏري ﻧﻈﺎم ،وﻫﻨﺎ املﺮﻛﺰ املﺎﱄ ﻟﻨﻴﻮﻳﻮرك، َ أﻗﺒﻠﺖ ﻋﲆ ﺛﻢ ﻣﻦ اﻷﺑﻨﻴﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ وﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﺴﺤﺎب اﻟﻜﺜري ،وﻧﺮاﻫﺎ ﺷﺎﺧﺼﺔ ﺷﺎﻣﺨﺔ إذا ُ ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻦ ﻣﺨﻠﻔﺎت املﺎﴈ ﰲ أﺑﻨﻴﺘﻬﺎ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،وﻫﻨﺎ ﺑﺪأت ﻧﻴﻮﻳﻮرك اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻟﻘﺪ وﻃﺮﻗﻬﺎ ﻓﻠﻢ أﻋﺜﺮ ﻋﲆ ﳾء؛ إذ ﻗﺪ اﺳﺘﺤﺎﻟﺖ ﻛﻠﻬﺎ إﱃ ﻋﻤﺎﺋﺮ ﻣﺨﻴﻔﺔ وﻣﺮاﳼ ﻟﻠﺴﻔﻦ ﺗﺮاﻫﺎ ﻣﺮﺻﻮﺻﺔ ﻋﲆ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﻨﻬﺮﻳﻦ وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻫﺪﺳﻮن ﰲ ﺿﺨﺎﻣﺔ وﺣﺴﻦ ﻧﻈﺎم ،وﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻳُﻄﻠِﻘﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ down townوأﻧﺖ ﻃﻮال اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﺴﻤﻊ down townوup town وﻛﺬﻟﻚ Eastو.West ُ ﺟﺒﺖ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﰲ أﻗ ﱠﻞ ﻣﻦ ﻳﻮم ﺑﻔﻀﻞ ﺳﻬﻮﻟﺔ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ وﴎﻋﺘﻬﺎ وﺗﻌﺪﱡدﻫﺎ ،وﺧري ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﻧﻴﻮﻳﻮرك :ﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﺴﺤﺎب ،وﺗﻠﻚ ﰲ ﻇﻨﻲ ﺗﻤﺜﱢﻞ اﻟﻌﻈﻤﺔ واﻟﻀﺨﺎﻣﺔ واﻟﻐﻨﻰ ،ﻟﻜﻦ ﻳﻌﻮزﻫﺎ ﳾء ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﻔﻦ؛ إذ ﺗﺮاﻫﺎ ً ﻛﺘﻼ ﻏري ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ اﻟﻌﻠﻮ وﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺗﺸﻤﺦ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻠﻮﻧﻬﺎ اﻷﻏﱪ اﻟﺬي أﻛﺴﺒﻬﺎ إﻳﺎه ﺗﺰاﺣ ُﻢ اﻟﺒﻠﺪ وﻛﺜﺮ ُة ﻣﺼﺎﻧﻌﻪ ،وﻣﺎ ﻳﺼﻌﺪ ﻣﻦ ﻫﺒﺎء ودﺧﺎن ،وﻗﺪ أ َ ْر َﺧ ْﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻮاﻃﺢ ﻋﲆ اﻟﻄﺮق ﺣﺠﺎﺑًﺎ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺎﺗﻬﺎ ﻓﺒﺪت ﻗﺎﺗﻤﺔ وﻛﺎدت ﺗﺤﺮم ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ،وﺗﺒﺪو اﻟﻄﺮق ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﺨﺘﻨﻘﺔ رﻏﻢ اﺗﺴﺎﻋﻬﺎ اﻟﻌﻈﻴﻢ .وﻟﻘﺪ ﺣﺎوﻟﺖ ﻣﺮا ًرا أﺧﺬ ﺻﻮر ُﻓﺘﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻟﺒﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮق اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻓﻜﺎن ﻳﻌﻮزﻫﺎ اﻟﻀﻮء ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻨﻬﺎر ،إﱃ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﺗﻼﺻﻖ اﻟﺴﻴﺎرات وﺣﺮﻛﺔ املﺎرة ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺪ املﻨﻈﺮ أﻣﺎﻣﻲ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺮى ﻏﺎﻟﺐ اﻟﺼﻮر ﺗُ َ ﻋﻞ .ﺻﻌﺪت ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻮاﻃﺢ ،وأروﻋﻬﺎThe : ﺆﺧﺬ ﻣﻦ ٍ Empire Stateورﻛﻔﻠﺮ ،واﻷول أﻋﻼﻫﺎ وأﺣﺪﺛﻬﺎ ،أدواره إﱃ اﻟﻘﻤﺔ ﻣﺎﺋﺔ واﺛﻨﺎن ،وﻋﻠﻮﱡه ١٢٤٦ﻗﺪﻣً ﺎ أي ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻣﱰ ،وﺟﺰؤه اﻷﺳﻔﻞ ﻳﺸﻐﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻷرض ،وﻛﻠﻤﺎ ﻋﻼ ﻋﴩات اﻟﻄﻮاﺑﻖ ﺿﺎﻗﺖ ﻣﺴﺎﺣﺘﻪ وﺗﻘﺎرﺑﺖ ﺟﺪراﻧﻪ ،وﺗﻠﻚ ﻫﻲ اﻟﻌﺎدة ﰲ ﻏﺎﻟﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻮاﻃﺢ ﺣﺘﻰ ﻟﻴﺒﺪو ﺷﻜﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻫﺮﻣﻴٍّﺎ ،وﻗﺪ ﻗﺪرت ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﺴﻄﺢ أدواره ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺜﻼﺛﺔ وﺳﺘني ﻓﺪاﻧًﺎ ،وﺟﺪران ذاك اﻟﺒﻨﺎء ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ ﻃﺒﻘﺔ ﺑﺮاﻗﺔ ﻣﻦ ﺷﺒﻪ ﻣﺮﻣﺮ أو رﺧﺎم ﻗﺎﺗﻢ اﻟﻠﻮن ،ﺗﺮﺑﻂ ﻣﺎ ﺑني ﻗﻄﻌﻬﺎ ﺻﻔﺎﺋﺢ ﻣﻦ ﻣﻌﺪن أﺑﻴﺾ ﺑ ﱠﺮاق ﻛﺄﻧﻪ اﻷملﻨﻴﻮم ﻳﻤﺘﺪ ً ﻣﻊ اﻷﺣﺠﺎر إﱃ ذروة اﻟﺒﻨﺎء ﻓﻴ ِ ﺑﺮﻳﻘﺎ ﺟﺬﱠاﺑًﺎ .دﺧﻠﺖ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻷﺳﻔﻞ ﻓﺄذﻫﻠﺘﻨﻲ ﻛﺜﺮة ُﻜﺴﺒﻪ اﻹﴎاف ﰲ زﺧﺮﻓﻪ ،ﻳﺒﻄﻦ ﺑﺎﻷﺣﺠﺎر اﻟﺼﻘﻴﻠﺔ املﻠﻮﻧﺔ اﻟﱪاﻗﺔ ،وأرﺿﻪ ﻳﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﺮﺧﺎم ﻳﺤﺪه وﺳﻠﻊ، اﻟﻨﺤﺎس اﻷﺻﻔﺮ اﻟﺠﻤﻴﻞ ،وﻫﻨﺎ أﺧﺬت أﻃﻮف ﺑﺎملﻜﺎن أﺳﺘﻌﺮض ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺘﺎﺟ َﺮ ٍ ﻗﺼﺪت إﱃ اﻟﺮواﻓﻊ ﻟﺘﻘ ﱠﻠﻨﻲ إﱃ أﻋﻼه ،ﻓﺪﻓﻌﺖ ً ُ رﻳﺎﻻ أﺟ ًﺮا ﻟﺬﻟﻚ ،وﺗﻠﻚ وملﺎ أﻋﻴﺎﻧﻲ اﻟﺴري 122
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﴐﻳﺒﺔ ﺗﺪ ﱡر أرﺑﺎﺣً ﺎ ﻃﺎﺋﻠﺔ؛ إذ ﺳﻴﻞ اﻟﺼﺎﻋﺪﻳﻦ ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﺻﺒﺎح ﻣﺴﺎء ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﻓﻊ اﻟﻌﴩات ﻳﻜﺘﺐ ﺑﺎﻟﻨﻮر ﻋﲆ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ اﻷدوار اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻬﺎ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﴎﻳﻊ ﻻ ﻳﻘﻒ إﻻ ﻛﻞ ﻋﴩة أدوار ً ﻣﺜﻼ ،واﻟﺒﻌﺾ ﺑﻄﻲء ﻳﻘﻒ ﰲ ﻓﱰات أﻗﴫ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻴﻚ ،وﰲ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ رواﻓﻊ ﴎﻳﻌﺔ ﺣﻤﻠﺘﻨﺎ إﱃ اﻟﺬروة ﰲ ﴎﻋﺔ ﻣﺨﻴﻔﺔ ،وﻫﻨﺎك ﺧﺮﺟﻨﺎ إﱃ أﺑﻬﺎء اﻟﻘﻤﺔ وﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ً ﻃﻮﻳﻼ. املﻘﺎﻫﻲ واملﻘﺎﻋﺪ ﻣﺎ ﻳﺸﺘﻬﻲ اﻹﻧﺴﺎن املﻘﺎم ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻨﺎ ﺑﺪت ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺧﺮﻳﻄﺔ اﻟﻴﺪ ﺗﺮى ﻃﺮﻗﻬﺎ وﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ وأﻧﻬﺎرﻫﺎ ﰲ ﺟﻼء ﺗﺎم. ً ﻃﻮﻳﻼ أﻃﻮح اﻟﻨﻈﺮ ﻳﻤﻨﺔ وﻳﴪة أﻣﺎ ﻋﻦ ﺟﻤﺎل املﻨﺎﻇﺮ ﻓﺬاك ﻣﺎ ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ وﺻﻔﻪ ،ﺟﻠﺴﺖ واﻟﻌﻘﻞ ﺣﺎﺋﺮ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺪرة املﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣ ﱠﻜﻨ َ ْﺖ أوﻟﺌﻚ ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻮاﻣﺦ؛ ﻓﻘﺪ ﻗﻴﻞ ﱄ إن ذاك اﻟﺒﻨﺎء ﻛ ﱠﻠﻒ أرﺑﻌني ﻣﻠﻴﻮن رﻳﺎل ،أي ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻼﻳني ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ،وﻳﻤﻸ اﻟﺼﻠﺐ اﻟﺬي اﺳﺘُﺨ ِﺪ َم ﰲ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﻗﻄﺎ ًرا ﻃﻮﻟﻪ أﺣﺪ ﻋﴩ ً ﻣﻴﻼ ،وﻳﺘﻌﻤﻖ أﺳﺎس اﻟﺒﻨﺎء ﰲ اﻷرض ﺑني ُ وﻛﻨﺖ أﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻔﺲ :ﻫﻞ ﻳﺮﺑﺢ أوﻟﺌﻚ ﻣﻦ وراء إﻳﻘﺎف ﺗﻠﻚ املﺒﺎﻟﻎ اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ﺛﻤﺎﻧني وﻣﺎﺋﺔ ﻣﱰ، ﻛﺜريًا؟! ﻟﻜﻦ اﻷﺟﻮر ﰲ ﺗﻠﻚ املﻨﺎزل ﺑﺎﻫﻈﺔ؛ إذ ﻳﺸﻐﻠﻬﺎ ﻋﺎدة رﺟﺎل اﻷﻋﻤﺎل ﻟﻠﺘﺠﺎرة ،وﻳﻨﺪر أن ﺗﻜﻮن ﻟﻠﺴﻜﻨﻰ ،وﻳﻘﺪرون إﻳﺠﺎر اﻟﻘﺪم املﺮﺑﻌﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﺑﺨﻤﺴﺔ رﻳﺎﻻت ﰲ اﻟﻌﺎم؛ أﻋﻨﻲ أن اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﻗﺪم ﻳﺪﻓﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺴﺘﺄﺟﺮوﻫﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﻨﻴﻪ ﰲ اﻟﻌﺎم؛ أي زﻫﺎء ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺟﻨﻴﻬﺎت ﰲ اﻟﺸﻬﺮ ،وﻳﻨﺎﻫﺰ ﻣﺠﻤﻮع ﺳﻜﺎن اﻟﺒﻴﺖ ٢٥أﻟﻒ ﻧﻔﺲ ،ﻓﻜﺄﻧﻪ ﺑﻠﺪة ﻛﺎﻣﻠﺔ. ﻗﺼﺪت إﱃ ﺑﻨﺎء رﻛﻔﻠﺮ ،وﻻ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﺑﻨﺎء ﺑﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ رﻛﻔﻠﺮ أو Radio City؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻋﺪة ﻧﻮاﻃﺢ ﻣﺘﺠﺎورة ﺗﺸﻐﻞ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻛﺒريًا ﻣﻦ ذاك اﻟﺤﻲ املﻜﺘﻆ ،واﻟﺒﻨﺎء اﻷوﺳﻂ ﻳﻌﻠﻮ ﰲ ً دﻓﻌﺖ ً ُ رﻳﺎﻻ ﺛﻢ رﻓﻌﻨﻲ »اﻟﻠﻔﺖ« إﱃ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﺴﺘني ،وﻫﻨﺎك ﻃﻔﻨﺎ ﻃﺎﺑﻘﺎ، اﻟﺴﻤﺎء ﺳﺒﻌني ﺑﴩﻓﺎت اﻟﺒﻨﺎء ،ﺛﻢ َأﻗ ﱠﻠﻨَﺎ راﻓِ ٌﻊ َ آﺧﺮ ﺗﺴﻌﺔ أدوار أﺧﺮى إﱃ ﻣﻘﻬﻰ ﺑﺪﻳﻊ ﻳﺆدي ﻣﻨﻪ ﺳﻠﻢ إﱃ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﺴﺒﻌني وﻫﻮ اﻷﺧري ،وﻗﺪ ُ ﺻ ﱠﻔ ْﺖ ﺑﻪ املﻘﺎﻋﺪ ﰲ ﻣﺪرﺟﺎت ﺟﻠﺴﻨﺎ وﺳﻄﻬﺎ ،وﻋﺎ َﻟﻢ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﻳُ َﺮى ﻛﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻨﻤﻞ ﻣﻦ دوﻧﻨﺎ .وﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺑﻨﺎء رﻛﻔﻠﺮ ﻣﺤﻄﺔ اﻹذاﻋﺔ اﻟﻼﺳﻠﻜﻴﺔ ﰲ ﺣﺠﺮات ﻻ ﺣﴫَ ﻟﻬﺎ ،ﺗﺪﺧﻞ اﻟﻮاﺣﺪ َة ﻓﻼ ﺗﺮى ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺟﻬﺰة ﺷﻴﺌًﺎ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ أزرا ًرا ﱢ ٍ ﻏﺮﻓﺔ ﻷﺧﺮى ،وﺗﺮى ﺟﻮﻗﺎت اﻹذاﻋﺔ ﻛﻞ ﻣﺘﻨﻘ ًﻼ ﻣﻦ ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ﺗﺪﻳﺮﻫﺎ ﻓﺘﺴﻤﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﰲ ﻏﺮﻓﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،وﻣﻦ اﻟﻐﺮف ﻣﺎ ﻳ ِ ُﺴﻤﻌﻚ ﻛﻞ أوﻟﺌﻚ ﻣﺠﺘﻤﻌني أو ﻣﺘﻔﺮﻗني. ً ً ﺟﻤﻴﻼ ،وﻣﺎ ْ وﰲ اﻟﻠﻴﻞ ﺗُﺴ ﱠﻠﻂ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت أﺿﻮاء ﻗﻮﻳﺔ ﺗُ ِ إن أﻗﺒﻞ روﻧﻘﺎ ﻜﺴﺒﻬﺎ اﻟﻠﻴﻞ ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت ﺗﻠﺘﻬﺐ املﺪﻳﻨﺔ ﺿﻮءًا ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ املﺘﻮﺳﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪة ﻋﲆ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ أﺑﻨﻴﺔ روﻛﻔﻠﺮ واﻟﻄﺮق املﺆدﻳﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﺑﺮودواي ،Broad wayوﻫﻮ اﻟﻄﺮﻳﻖ 123
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﺴري ﻣﻌﻮﺟٍّ ﺎ ﻓﻴﻘﻄﻊ اﻟﺸﻮارع اﻷﺧﺮى ﴍﻗﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ ،وﻳﻤﺘﺪ ﻣﻦ أﻗﴡ املﺪﻳﻨﺔ إﱃ أﻗﺼﺎﻫﺎ .وﻫﻨﺎ ﺗﻘﻮم ﻏﺎﻟﺐ دور املﻼﻫﻲ ،وﰲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻷﺳﻔﻞ ﻟﺒﻨﺎء روﻛﻔﻠﺮ ﻣﻠﻬﻰ Radio Cityأﻓﺨﺮ ﻣﻼﻫﻲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﺑﻞ واﻟﻌﺎﻟﻢ ،دﺧﻠﺘﻪ ﺧﻼل أﺑﻬﺎء وﻣﻤﺎر ﺗُ َ ﻜﴗ ﺑﺄﻓﺨﺮ اﻟﺒ ُُﺴﻂ ُ وﺗُﺒ ﱠ اﻟﺴﻘﻮف ﺑﺜﺮﻳﺎت ﺗﺨﻄﻒ اﻟﺒﴫ ﻄﻦ ﺟﺪراﻧُﻬﺎ ﺑﺎملﺮﻣﺮ أﺣﻴﻂ ﺑﺎﻟﻨﺤﺎس اﻟﱪاق ،و ُزﻳﱢﻨ َ ِﺖ ﺑﻀﻮﺋﻬﺎ وﺟﻤﺎل ﺗﻨﺴﻴﻘﻬﺎ ،واﻟﺪار ﻣﻦ داﺧﻠﻬﺎ أﺑﺪع وأروع ،املﻘﺎﻋﺪ ُﻣﺪ ْ ﱠت ﰲ دواﺋ َﺮ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺤﴫﻫﺎ اﻟﻨﻈﺮ ﻟﻜﺜﺮﺗﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻛﺴﺘﻬﺎ »اﻟﻘﻄﻴﻔﺔ« اﻟﺤﻤﺮاء اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ،واﻷرض ﺑﺎﻟﺒ ُُﺴﻂ اﻟﻮﺛرية، اﻧﻘﻄﺎع ً ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎ ًرا ،ﻳﺤﴬﻫﺎ وأﻣﺎﻣﻨﺎ ﻗﺎم املﴪح اﻟﻬﺎﺋﻞ ،واﻷﻟﻌﺎب ﺗﻌﺮض ﻫﻨﺎك ﺑﺪون ٍ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﺘﻰ ﺷﺎء وﻳﻈﻞ ﺣﺘﻰ إذا اﻧﺘﻬﻰ ُ »اﻟﱪُﺟْ َﺮام« وﺑﺪأ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪٍ ،ﻳﱪح املﻜﺎن ﺣﺴﺐ رﻏﺒﺘﻪ ،وﻣﺘﻮﺳﻂ اﻷﺟﺮ رﻳﺎل ﻋﲆ ﱠ أن اﻟﻘﻴﻤﺔ ﰲ املﺴﺎء أﻋﲆ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﻨﻬﺎر. ﺮﺧﻰ أﺳﺘﺎر وﺗُ َ واﻟﱪﺟﺮام ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ رواﻳﺔ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻣﺘﻜﻠﻤﺔ ،ﺛﻢ ﺗﻨﻔﺘﺢ أﺑﻮاب وﺗُ َ ﺮﻓﻊ أﺧﺮى ،ﻓﱰى ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﻳﻔﻮق أﻓﺮادﻫﺎ املﺎﺋﺔ ﻳﻌﺰﻓﻮن ﻋﲆ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻵﻻت اﻟﻮﺗﺮﻳﺔ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻨﺤﺎس إﱃ ﺟﺎﻧﺐ »اﻟﻔﻠﻮت« ،ﻳﻌﺰﻓﻮن ﺗﺎر ًة ﻣﺮ ًة واﺣﺪ ًة وﺗﺎرة ﻃﻮاﺋﻒ ،وﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻳﻬﻮي املﴪح ﻛﻠﻪ ﺑﻬﻢ ﻓﻴﺨﺘﻔﻮن دﻓﻌﺔ واﺣﺪة ،ﺛﻢ ﺗﻼ ذﻟﻚ Cocktailوﻫﻮ رﻗﺺ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺮ ﻳﺄﺗني ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻛﺎت ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ ﻣﻬﺎرة ﻧﺎدرة ،ﺛﻢ ﺷﺒﻪ ﻋﺮاﻳﺎ ﺗﺤﻮﻃﻬﻦ أﺟﻨﺤﺔ ﻣﻦ ٍ دور اﻟﻌﺸﺎء ،Dinnerواﺷﺘﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﻤﺜﻴﻞ وﻟﻴﻤﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻟﺘﻨﺎول اﻟﻌﺸﺎء ﺑﻤﺎ أﺣﺎﻃﻬﺎ ﻣﻦ رﻗﺺ وﻣﺮاﺳﻴﻢَ ،وﻛﺎن املﺪﻋﻮﱡون ﻳﻈﻬﺮون ﰲ ﺛﻴﺎب ﻓﺎﺧﺮة ،وﻗﺪ ﻗﺼﺪوا ﺑﻌﺪ اﻟﻄﻌﺎم ﻧﺎدي املﺴﺎء Nite clubﻟﻴﻤﺜﻠﻮا ﺣﻴﺎة اﻷﻧﺪﻳﺔ ،وﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺘني وﻧﺼﻒ ﺑﺪأت اﻟﻘﺼﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ، ً ُ ﻣﺪﻫﺸﺎ رﻏﻢ اﺗﺴﺎع املﻜﺎن؛ إذ وﺳﻊ ٦٢٠٠ﻛﺮﳼ ،واﻟﻨﺎس واﻓﺪون ﻛﻨﺖ أرى ﺗﺰاﺣﻢ اﻟﻘﻮم َ وآﺧﺮون ﻣﻨﴫﻓﻮن ﰲ ﻛﻞ دﻗﻴﻘﺔ ﺑﺪون اﻧﻘﻄﺎع. ﺧﺮﺟﺖ أﺗﺠﻮل ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻮاﺣﻲ ً ُ ﻟﻴﻼ ﻓﻜﺎﻧﺖ دور املﻼﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻫري، وﻛﻠﻬﺎ ﰲ ﻓﺨﺎﻣﺔ وزﺧﺮف ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺼﺪﱢﻗﻪ اﻟﻌﻘﻞ ،أﻣﺎ اﻷﺿﻮاء اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻃﻬﺎ ﻓﺘﻜﺎد ﺗﻜﺴﻮ ﺟﺪران اﻟﺸﻮارع ﻛﻠﻬﺎ ،واﻷﻣﺮﻳﻜﻴﻮن ﻣﻌﺮوﻓﻮن ﺑﺎﻹﴎاف ﰲ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼن إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻻ ﻳُﺒﺎ َرى. ُ ً ً وأﻧﺎﺳﺎ ﺗﺠﺮي وﺗﻠﻌﺐ ،وﺣﻴﻮاﻧﺎت ﺗﺘﺤﺮك ،وﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻣﻴﺎﻫﺎ ﺗﺘﺪﻓﻖ، ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ ﻓﺄرى ﱢ املﺘﻮﻫﺞ ﰲ أﻟﻮان ﻣﺘﻐرية ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺔ ﻷﺧﺮى ،وﻳﻈﻞ ذﻟﻚ اﻟﻠﻴﻞ ﺗﺘﺘﺎﺑﻊ ،ﻛ ﱡﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻨﻮر ﻛﻠﻪ واﻟﺤﺮﻛﺔ ﻻ ﺗﻨﻘﻄﻊ ،ودور املﻘﺎﻫﻲ واملﻄﺎﻋﻢ ﻣﻔﺘﺤﺔ ،وﺑﻌﺾ املﺘﺎﺟﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻈﻞ اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ وﻻ ﺗﻐﻠﻖ أﺑﻮاﺑﻬﺎ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪ ﺗﻘﺎﻃﻊ »ﺑﺮودواي ﺑﺸﺎرع ،«٤٢وﺗُﺴﻤﱠ ﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ »اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻌﻈﻴﻢ« ،إذا ﻧﻈﺮﺗﻬﺎ ﻣﻦ ذروة إﺣﺪى اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت ﺷﺎﺑَﻬَ ْﺖ ﺣﻔﺮ ًة ﻣﺸﺘﻌﻠﺔ اﻟﻨريان ﻣﺘﻠﻮﻧﺔ ،وﻣﻨﻈﺮ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت ﻛﺄﻧﻪ ﻣﺴﺎﻛﻦ أﻫﻞ املﻐﺎﺋﺮ ﺑﺜﻘﻮﺑﻬﺎ املﻨرية ً ﻟﻴﻼ ،ﻋﲆ أﻧﻲ 124
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﻟﻢ أﻟﺤﻆ ﻣﻦ املﺠﻮن واﺑﺘﺬال اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺎ ﻻﺣﻈﺘﻪ ﰲ اﻟﺒﻠﺪان اﻷﺧﺮى ،وإﻧﻲ أﻋﺰو ذﻟﻚ إﱃ اﻹﺑﺎﺣﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة واﻟﺤﺮﻳﺔ املﻄﻠﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ﻫﻨﺎك ،ﻣﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﴐورة ﻣﻌﻬﺎ إﱃ ﺳﻠﻮك ذاك املﺴﻠﻚ املﺒﺘﺬل. وﻣﻦ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﱠ ﺗﻔﻘ ْﺪﺗُﻬﺎ »ﻛﺮﻳﺴﻠﺮ« ﺑﻄﺒﻘﺎﺗﻪ اﻟﺴﺒﻊ واﻟﺴﺒﻌني ،وﺳﻜﺎﻧﻪ اﻟﺒﺎﻟﻐني ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ ً أﻟﻔﺎ ،وﺑﻨﺎء »ووﻟﻮرث« وﻫﻮ أﺟﻤﻠﻬﺎ ،أُﻗِ ﻴﻢ ﻋﲆ اﻟﻨﺴﻖ اﻟﻘﻮﻃﻲ ﰲ ﺳﺘني أﻟﻔﺎ ،وﻣﻮ ﱢﻟﺪ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﺑﻪ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺘﻤﻮﻳﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ أﻫﻠﻬﺎ ﺧﻤﺴﻮن ً دو ًرا ،وأﻫﻠﻪ ً ١٢ أﻟﻔﺎ ،وﺑﻌﺾ رواﻓﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت ﻣﺰدوج ،أي إﻧﻪ ﺑﺪورﻳﻦ ﻓﻴﻘﻒ ﻋﲆ دورﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﺎء ﻣﺮ ًة واﺣﺪ ًة، وﻳﻬﻮﻟﻚ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد أﻣﺮ اﻟﻌﺠﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺤﻈﻬﺎ أﻳﻨﻤﺎ ﺣﻠ ْﻠ َﺖ؛ اﻟﻨﺎس ﻳﺴريون ﻣﴪﻋني ،ﻓﺈن َ ﺳﺄﻟﺖ أﺣﺪﻫﻢ ﺷﻴﺌًﺎ أﺟﺎﺑﻚ وﻟﻜﻦ ﰲ ﻏري وﻗﻮف ،ﻓﻬﻮ ﻳﻜ ﱢﻠﻤﻚ وﻗﺪﻣﺎه ﺗﴪﻋﺎن ﰲ اﻟﺴري ﻓﺘﻀﻄﺮ أن ﺗﺘﺎﺑﻌﻪ ﺧﻄﺎك ،وﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺮى ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺘﺴﻜﻌً ﺎ؛ ﻓﺎﻟﻮﻗﺖ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺛﻤني ﺣﺘﻰ ﰲ ﺳﻮﻳﻌﺎت اﻟﻠﻬﻮ ،واملﻘﺎﻫﻲ ﺟﻠﻬﺎ ﻻ ﺗﺰودك ﺑﺎملﻘﺎﻋﺪ ﺑﻞ ﺗﴩب ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ وأﻧﺖ واﻗﻒ إﱃ ﺟﻮار »اﻟﺒﻨﻚ« ،وﻛﺬﻟﻚ املﻄﺎﻋﻢ ﻓﺠ ﱡﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﺎ أوﺗﻮﻣﺎﺗﻴﻜﻲ ،ﺗُﻠﻘِ ﻲ ﺑﻘﻄﻊ اﻟﻨﻘﻮد ﰲ اﻟﺼﻨﺪوق ﻓﺘﺄﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ،وأﻧﺖ ﺗﺮى ﺻﻨﺎدﻳﻖ ﰲ املﺤﺎط ورءوس اﻟﻄﺮق ﻟﺒﻴﻊ املﺄﻛﻮﻻت واﻟﺤﻠﻮى وأوراق اﻟﱪﻳﺪ وﻟﻌﺐ اﻷﻃﻔﺎل ﻋﲆ ذاك اﻟﻨﻈﺎم اﻷوﺗﻮﻣﺎﺗﻴﻜﻲ ،دون ﺻﺎﺣﺐ أو رﻗﻴﺐ ﻳﻘﻒ إﱃ ﺟﻮارﻫﺎ ،وﺗﻠﻚ املﻄﺎﻋﻢ ﻋﺪﻳﺪة ﻻ ﺣﴫ ﻟﻬﺎ وﺗﺠﺪﻫﺎ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻄﺮق أﻳﻨﻤﺎ َ ﴎت ،واﻟﻄﻌﺎم ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻴﺪ ورﺧﻴﺺ ،ﻓﺎﻟﻮﺟﺒﺔ ﺑني ٤٠و ٥٠ﺳﻨﺘًﺎ ،أي ٨و ١٠ﻗﺮوش. ُ ٍ ﻋﱪت ﻣﻨﻬﺎ اﺛﻨﺘني: ﻫﺎﺋﻠﺔ، وﻳﺼﻞ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﺑﺎﻟﺠﺰاﺋﺮ املﺠﺎورة ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻗﻨﺎﻃ َﺮ »ﻣﺎﻧﻬﺎﺗﺎن« أﻏﻼﻫﺎ ً ﻛﻠﻔﺎ؛ إذ ﻛﻠﻔﺖ ٣١ﻣﻠﻴﻮن رﻳﺎل ،و»ﺑﺮوﻛﻠﻦ« أﺿﺨﻤﻬﺎ ،وﺗﺆدﻳﺎن إﱃ ﺟﺰﻳﺮة ﺑﺮوﻛﻠﻦ ،وﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﻳﺮة »ﻣﺎﻧﻬﺎﺗﺎن« ﺑﺎﻋﻬﺎ اﻟﻬﻨﻮد ﺳﻨﺔ ١٦٢٦ﺑﺄرﺑﻌﺔ وﻋﴩﻳﻦ ً رﻳﺎﻻ ،ﻓﺄﺻﺒﺢ ﺛﻤﻨﻬﺎ اﻟﻴﻮم ﻣﻠﻴﺎرﻳﻦ ،واﻟﻘﺪم ﺗﺒﺎع ﰲ أرﺿﻬﺎ ﺑﻤﺎﺋﺘني إﱃ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ رﻳﺎل ،وﺗﻠﻚ اﻟﻘﻨﻄﺮة أدﻫﺸﺘﻨﻲ ﺑﻀﺨﺎﻣﺘﻬﺎ واﺗﺴﺎﻋﻬﺎ وﺷﺎﻫﻖ ﻋﻠﻮﱢﻫﺎ ،وﻫﻲ ﻣﻊ ﻫﺬا ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻋﲆ ﺷﺒﺎكٍ ﻣﻦ ﺣﺪﻳ ٍﺪ وأﺳﻄﻮاﻧﺎت ﻗﺪ ﻳﻔﻮق ﻗﻄﺮﻫﺎ اﻟﺬراع ،وﺑﻬﺎ ﻃﺮﻳﻖ ﻟﻠﺴﻴﺎرات ﻳﻠﻴﻪ َ آﺧﺮ ﻟﻠﱰام ﺛﻢ ﺛﺎﻟﺚ ﻟﻺﻟﻔﻴﱰ ،ﻫﺬا إﱃ اﻟﻴﻤني وﻣﺜﻞ ﻫﺬه إﱃ اﻟﻴﺴﺎر ،واﻟﻄﺮﻳﻖ املﺘﻮﺳﻂ ﻟﻠﻤﺎرة ﻋﲆ اﻷﻗﺪام، وﻫﻮ أﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻦ اﻟﻄﺮق اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ ،وﻣﻨﻈﺮ ﻧﻴﻮﻳﻮرك وﻧﺎﻃﺤﺎﺗﻬﺎ — وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﻘﺴﻢ املﺎﱄ — ﻣﻦ ﻓﻮق ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻨﻄﺮة راﺋﻊ. َ َ وﻣﺘﺎﺣﻒُ ، وﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻻ ﺗُ َ زرت ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ :ﻣﺘﺤﻒ اﻷﺣﻴﺎء ﻣﻌﺎرض ﺤﴡ ﻣﻦ املﺎﺋﻴﺔ ،Aquariumﰲ ﻫﻨﺪﺳﺘﻪ املﺴﺘﺪﻳﺮة ﻳﻄﻞ ﻋﲆ املﻴﻨﺎء ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ﺣﺼﻨًﺎ وﺑﻪ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺴﻤﻚ واﻟﻄﻴﻮر واﻟﺰواﺣﻒ املﺎﺋﻴﺔ ﳾء ﻻ ﻳ َ ُﺤﴡ ،وأﻋﺠﺒﻪ اﻟﺴﻤﻚ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ 125
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
Electric fishﻳﺸﺒﻪ ﺣﻮت اﻟﻨﻴﻞ اﻷﻏﱪ اﻟﻠﻮن ،ﻟﻜﻦ ﻟﻪ ﺷﺒﻪ ﻣﺮوﺣﺔ ﺗﺤﺖ ﺟﺴﻤﻪ ﻳﺮوﱢح ﺑﻬﺎ إذا ﺗﺤ ﱠﺮك ،وﻃﻮﻟﻪ ﺛﻤﺎن أﻗﺪام ،وﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳُﺤﺪِث ﻫﺰة ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ﺗﴫع ﺣﺼﺎﻧًﺎ ﻗﻮﻳٍّﺎ، وﻣﻮﻃﻨﻪ اﻷﻣﺰون واﻷورﻳﻨﻜﻮ؛ ﺛﻢ ﺳﻤﻚ اﻟﺮاي Rayﻛﺎملﺮوﺣﺔ املﺴﺘﺪﻳﺮة اﻟﺮﺧﻮة ،وﻟﻪ ذﻧﺐ ﻃﻮﻳﻞ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﺸﻮﻛﺔ إذا ﴐب ﺑﻬﺎ أﺣﺪًا آذاه ،وﺟ ْﻠﺪُه ﻳُﴬَ ب ﺑﻤﺘﺎﻧﺘﻪ املﺜﻞ ،وﻗﺪ ﺗﺘﺨﺬ ﻣﻨﻪ املﺒﺎرد؛ ﺛﻢ اﻟﺴﻤﻚ اﻟﺬﻫﺒﻲ Gold fishﺑﻠﻮﻧﻪ اﻷﺻﻔﺮ وأﻫﺪاﺑﻪ اﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﺤﺮﻳﺮ اﻷﺑﻴﺾ؛ ﺛﻢ ﺳﻤﻚ nagelﺗﺮى اﻟﻮاﺣﺪة »ﻛﺎﻟﺒﻠﻄﻲ« اﻟﻜﺒري ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻫﺰﻳﻠﺔ ﺗﻜﺎد ﺗﺒﺪو ﻋﻈﺎﻣﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ، وﻋﻴﻮﻧﻬﺎ ﻛﺎﻟﻌﻨﺐ اﻷﺳﻮد اﻟﻐﻠﻴﻆ؛ ﺛﻢ اﻟﺴﻤﻚ ذو اﻟﺮﺋﺔ Lung fishأﺳﻤﺮ ﻛﺎﻟﺜﻌﺒﺎن ﻳﻘﻄﻦ اﻷﻣﺰون وﺑﺮﺟﻮاي ،وﻋﻨﺪ اﻟﺠﻔﺎف ﻳﺄوي إﱃ اﻟﻮﺣﻞ واﻟﻄني ﺑﻌﺪ أن ﻳﺤﻮط ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻐﺸﺎء ﻣﺨﺎﻃﻲ ﻣﻦ إﻓﺮازه؛ ﺛﻢ ﺳﻤﻚ اﻟﺰﺑﺮا Zebra fishﻣﺨﻄﻂ ﻛﺄﻧﻪ ﺣﻤﺎر اﻟﻮﺣﺶ ،وﻟﻪ ﺷﻮك ﺑﺪل اﻟﺰﻋﺎﻧﻒ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻘﻨﻔﺬ اﻟﻜﺒري؛ ﺛﻢ ﺳﻤﻚ اﻟﺨﻴﻂ Thread fishوﻟﻪ ﺧﻴﻮط دﻗﻴﻘﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﻄﻮل .وﻣﻦ اﻟﻄﻴﻮر املﺎﺋﻴﺔ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻟﺒﻨﺠﻮﻳﻦ اﻟﻘﻄﺒﻲ رزﻳﻦ املﺸﻴﺔ ﺑﻄﻲء اﻟﺤﺮﻛﺎت ،ﻳُﻮﻣِﺊ ﻛﺄﻧﻪ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻨﺎﻃﻖ. ُ زرت ﻣﺘﺤﻒ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﻫﻮ ﻳﻜﺎد ﻳﻔﻮق ﻣﺘﺤﻒ ﻟﻨﺪن ﰲ أﺑﻬﺘﻪ وﺛﺮوة وﻗﺪ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎﺗﻪ ،ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﺑﻪ أﺑﻬﺎء ﻟﻠﺪراﺳﺔ وﻣﻌﺎﻣﻞ واﻓﻴﺔ ﻟﻠﺒﺤﺚ ،و َملﻦ ﺷﺎء ﻣﻦ املﺪارس أن ﻳﺬﻫﺐ ﺑﻄﻠﺒﺘﻪ وﻳﺴﺘﻌﺮض ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻛﺄﻧﻪ ﰲ ﻣﺪرﺳﺘﻪ ،وﻟﻌﻞ أﻏﻨﻰ ﻣﺎ ﺑﻪ املﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ وﺑﻘﺎﻳﺎ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻘﺪﻳﻢ وﺗﻄﻮﱡره ،ﺗﻌﺮض ﰲ ﻫﻴﺎﻛﻠﻬﺎ ﻣﺪرﺟﺔ اﻟﻌﺼﻮر ،ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺒﺎﺋﺪ ﰲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﺼﻮر ،ﺗﻠﻴﻬﺎ املﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻨﺒﺎﺗﻴﺔ ،ﺛﻢ اﻟﺼﺨﻮر املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻫﻨﺎك ﻗﺴﻢ ﻛﺎﻣﻞ ﺗُﻌ َﺮض ﺑﻪ اﻷﺣﺠﺎر اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ،واملﺪﻫﺶ أﻧﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ إﻫﺪاء ﺑﻌﺾ رﺟﺎﻻﺗﻬﻢ ،وﻏﺎﻟﺐ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت ﻣﺘﺎﺣﻔﻬﻢ ﻣﻬﺪا ًة ﻣﻦ ﻫﻮاة اﻟﺒﺎﺣﺜني وﻛﺒﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻫﻨﺎك ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ ﺑﻬﺎ أﺟﻬﺰة ﻟﻠﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ واﻟﻨﺠﻮم ،وﻣﻨﻬﺎ ﺗﺮى ﺣﺮﻛﺎت اﻷرض واﻟﻘﻤﺮ واﻟﻜﺴﻮف واﻟﺨﺴﻮف ﰲ ﺟﻼءٍ ﺗﺎمﱟ. ُ ﻗﺼﺪت ﻣﺘﺤﻒ اﻟﻔﻦ اﻟﻌﺎملﻲ ،Metropolitan Museum of Artوﺑﻪ ﻣﺨﻠﻔﺎت ﺛﻢ اﻟﻌﺼﻮر واملﺪﻧﻴﺎت ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣﻦ آﺛﺎر ﻗﺪﻳﻤﺔ وأﺳﻠﺤﺔ وﻣﻨﺘﺠﺎت ﻓﻨﻴﺔ ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ،وﻣﻦ أﻇﻬﺮﻫﺎ ﺼ َ اﻟﻘﺴﻢ املﴫي اﻟﻘﺪﻳﻢ ،وﻗﺪ ُﺧ ﱢ ﺺ ﻟﻪ ﺧﻤﺲ ﻋﴩة ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﻓﺎﺗﻦ ،ﺛﻢ ﻏﺮﻓﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﺤﲇ ﻣﻦ ذﻫﺐ وﻓﻀﺔ وأﺣﺠﺎر ﻟﻠﻤﻠﻜﺔ ﺣﺘﺸﺒﺴﻮت ﺗﻈﻬﺮﻫﺎ ﰲ ٍ ﺟﻤﺎل ٍ ﻛﺮﻳﻤﺔ وﻣﺮاﻳﺎ ﻣﻦ ﻓﻀﺔ ﻋﲆ ﺣﻮاﻣﻞ ﺧﺸﺒﻴﺔ ُﻛ ِﺴﻴﺖ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،وﻻ ﺗﻘﻞ ﰲ ﻃﻼء وﺟﻬﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﺮاﻳﺎ اﻟﺰﺟﺎج اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ )اﻷﴎة ،(١٨ﺛﻢ ﻏﺮﻓﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺮﻧﺮﻓﻮن ،وأﻣﺎم املﺘﺤﻒ ﺗﻘﻮم إﺣﺪى املﺴﻼت املﴫﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺮاﻧﻴﺖ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮم أﻣﺎم ﻣﻌﺒﺪ اﻟﺸﻤﺲ ﺑﻬﻠﻴﻮﺑﻮﻟﺲ 126
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
وﻧُﻘِ ﻠﺖ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ وﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ،Cleopatras’ Needleﻟﻜﻦ ﻛﺜريًا ﻣﻦ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ اﻟﻬﺮوﻏﻠﻴﻔﻴﺔ ﻛﺎدت ﺗﻤﺤﻮﻫﺎ ﺗﻘﻠﺒﺎت اﻟﺠﻮ وﻛﺜﺮة اﻷﻣﻄﺎر ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك .أﻣﺎ أﺑﻨﻴﺔ املﺘﺎﺣﻒ ﻓﺘﻬﻮل اﻟﺰاﺋﺮ ﺑﻀﺨﺎﻣﺘﻬﺎ وﻋﻈﻴﻢ ﺑﻨﻴﺎﻧﻬﺎ ،وﺑﺎملﺘﺤﻒ ﻗﺴﻢ ﻛﺒري ﻟﻠﺘﺼﻮﻳﺮ ﺗُﻌ َﺮض ﺑﻪ ﺗﺤﻒ ﻟﺠﻤﻴﻊ رﺟﺎل اﻟﻔﻦ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ وﺣﺪﻳﺜًﺎ. وﰲ اﻟﻄﺮف اﻟﺸﻤﺎﱄ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﺘﻨﺰه ﺑﺮﻧﻜﺲ Bronx Parkاﻟﻬﺎﺋﻞ اﻟﺬي ﻳﺤﻜﻲ اﻟﻐﺎﺑﺔ املﻐﻠﻘﺔ ﻛﺜﻴﻔﺔ اﻟﺸﺠﺮ ،ﺗﺸﻘﻬﺎ اﻟﻄﺮق ﻟﻠﻤﺎرة وﻟﻠﺴﻴﺎرات ،وﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﻪ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺤﻴﻮان، دﺧﻠﺘﻬﺎ وﺗﻔﻘﺪت أﻏﻠﺐ ﻣﻘﺎﺻريﻫﺎ اﻟﺘﻲ أﻗﻴﻤﺖ ﻟﻜﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮان ﰲ ﻫﻨﺪﺳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، وﻣﻦ أﻋﺠﺐ ﻣﺎ رأﻳﺖ ﻣﻦ ﺣﻴﻮاﻧﻬﺎ اﻟﻴﺎك Yakاﻟﺬي ﻳﺤﻜﻲ اﻟﺠﺎﻣﻮس اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ »اﻟﺒﻴﺴﻮن« إﻻ ﰲ أن رأﺳﻪ ﻣﻄﺄﻃﺄ ﺑﻘﺮوﻧﻪ إﱃ اﻷرض ،وأن ﺷﻌﺮه اﻷﺳﻮد اﻟﻬﺎدل اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻻ ﻳﻜﺴﻮ ﺟﺴﻤﻪ ﻛﻠﻪ ،ﺑﻞ اﻟﻘﺴﻢ اﻷﺳﻔﻞ ﻣﻨﻪ وﻳﻜﺎد ﻳﻠﻤﺲ اﻷرض ،وﻫﻮ داﺑﺔ اﻟﺤﻤﻞ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﰲ ﺑﻼد اﻟﺘﺒﺖ ،ﺛﻢ ﻛﻠﺐ املﺎء ،beaverوﺑﺎﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ اﻟﻄﻴﻮر واﻟﻘﺮدة ،ﻋﲆ أﻧﻲ ً ﺗﻨﺴﻴﻘﺎ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺤﻴﻮان ﻻ أزال أﻗﻮل ﺑﺄن ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة أﻛﺜﺮ ﺟﺎذﺑﻴﺔ وأﻋﻈﻢ ﻫﻨﺎك أﻛﺜﺮ. ﻧﻴﺎﺟﺮا ُ ﻗﺼﺪت إﱃ ﻣﺤﻄﺔ اﻟﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻟﴩﻛﺔ Grand Centralأﻛﱪ ﻣﺤﻄﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ وأﻏﲆ ً ﻛﻠﻔﺎ ،ﻃﺎﻗﺘﻬﺎ ٢٠٠ﻗﻄﺎر و ٧٠أﻟﻒ ﻣﺴﺎﻓﺮ ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ وﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ٧٠إﻳﻜ ًﺮا ،ﺑﻬﺎ ٤٢ :ﺧ ٍّ ﻄﺎ ﻟﻺﻛﺴﱪﻳﺲ و ٢٥ﻟﻐريه ،واملﺤﺎط ﻫﻨﺎك ﻣﺘﻌﺪدة ﻟﺘﻌﺪﱡد اﻟﴩﻛﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮي ﻗﺎﻃﺮاﺗﻬﺎ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻧﺤﺎء ،وﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﺄﻧﻬﺎ أﺟﻤﻞ ﻣﺤﺎط اﻟﺪﻧﻴﺎ وأﻏﻨﺎﻫﺎ ﺑﻨﺎء ،وﻗﻔﺖ داﺧﻠﻬﺎ وأﻧﺎ ذاﻫﻞ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺔ ﻣﺎ رأﻳﺖ؛ إﴎاف ﺷﺪﻳﺪ ﰲ اﻟﻀﺨﺎﻣﺔ واﻟﻨﻘﺶ واﻟﺰﺧﺮف واﻹﺿﺎءة ،ﻫﻨﺎ أﺑﻬﺎء ﻟﻠﻌﺮض واﻟﺘﺬاﻛﺮ ،وﻫﻨﺎك ﻣﻤﺎر ﺗﺆدي ﺑﻚ إﱃ ﻣﺨﺘﻠﻒ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﺗﺮام وﻗﻄﺮ ﺗﺤﺖ اﻷرض وﻏريﻫﺎ ،وذاك ﻳﺆدي ﺑﻚ إﱃ اﻻﺳﱰاﺣﺎت اﻟﻮﺛرية واملﻄﺎﻋﻢ اﻟﻔﺎﺧﺮة ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ رﺧﺎم ﻣﻠﻮن ﺑﺮاق ،ﻳﺘﻮﺳﻂ اﻟﺒﻬﻮ اﻟﺮﺋﻴﴘ ﻗﻠﻢ اﻻﺳﺘﻌﻼم ﻳﺰودك ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ً ﻗﻮﻻ وﻛﺘﺎﺑﺔ؛ إذ ﺗﺮى أﻛﺪاس املﻄﺒﻮﻋﺎت ذوات اﻟﺼﻮر واﻟﺠﺪاول واﻟﺨﺮاﺋﻂ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﺸﺎء ﺑﺪون ﻣﻘﺎﺑﻞ. ً اﺑﺘﻌﺖ ﺗﺬﻛﺮة إﱃ ﻧﻴﺎﺟﺮا ذﻫﺎﺑًﺎ وإﻳﺎﺑًﺎ ﻣﺴﺎﻓﺔ ٤٦١ﻣﻴﻼ ﻟﻠﺬﻫﺎب وﻣﺜﻠﻬﺎ ﻟﻺﻳﺎب وﺛﻤﻨﻬﺎ ً ٢٨ ٢١ رﻳﺎﻻ ،ﺛﻢ دﺧﻠﺖ اﻟﻘﻄﺎر ،وﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﻼد درﺟﺔ واﺣﺪة ﻫﻲ اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﱃ؛ ﻟﻜﻴﻼ ﻳﻜﻮن ﺑني اﻟﻨﺎس ﺗﻔﺮﻗﺔ ،وﻫﻲ وإن ﺷﺠﻌﺖ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ إﻻ أن أﺛﻤﺎﻧﻬﺎ ﻏﺎﻟﻴﺔ 127
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
إذا ﻗﻮرﻧﺖ ﺑﻐريﻫﺎ ﰲ املﻤﺎﻟﻚ اﻷﺧﺮى ،واﻟﻌﺮﺑﺎت ﻓﺎﺧﺮة ﻣﺰودة ﺑﺎﻟﻔﺮش اﻟﻮﺛرية واملﻴﺎه املﺜﻠﺠﺔ .وﻗﺎم ﺑﻨﺎ اﻟﻘﻄﺎر ﺻﻮب اﻟﺸﻤﺎل ﻣﺘﺘﺒﻌً ﺎ املﻨﺨﻔﻀﺎت ﰲ وادي ﻫﺪﺳﻦ اﻟﺸﻬري ،ﺛﻢ اﻧﻌﺮج ﺑﻌﺪ اﻟﺒﺎﻧﻲ Albanyﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﻏﺮﺑًﺎ وراء ﻧﻬﺮ ﻣﻮﻫﻮك ،وﻣﻨﺎﻇﺮ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻛﺎﻧﺖ أراﴈ ﻣﻤﻮﺟﺔ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻷﺷﺠﺎر واﻷﻋﺸﺎب وﺗﺘﺨﻠﻠﻬﺎ اﻟﻨﻘﺎﺋﻊ وﻣﺴﺎﻳﻞ املﺎء، ً ﻣﻬﻤﻼ إﻻ ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺟﺪ اﻟﻘﺮى واملﺪن ﺣني ﻳﺰرﻋﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻵﻻت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، وﻏﺎﻟﺒﻬﺎ ﻳُ َﺮى ﻋﲆ أن ﻋﺪد اﻟﻘﺮى ﻗﻠﻴﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺴﻌﺔ ﺗﻠﻚ اﻷراﴈ ،وﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﻓﻼت ﺧﺸﺒﻴﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ،أﻣﺎ املﺪن ﻓﻜﻠﻬﺎ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺘﺰاﺣﻢ واﻟﺜﺮاء ﰲ أﺑﻨﻴﺘﻬﺎ اﻟﻀﺨﻤﺔ وﻃﺮﻗﻬﺎ املﻤﺪودة وﺣﺮﻛﺘﻬﺎ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﻨﺎﺷﻄﺔ ،أﻣﺎ ﻋﻦ املﺪاﺧﻦ واملﺼﺎﻧﻊ املﺘﺰاﺣﻤﺔ ﻓﺬاك ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﻣﻦ املﺪن اﻟﻜﺒرية املﺒﺎﻧﻲ ﺳرياﻛﻮزا وروﺷﺴﱰ ﻣﻘﺮ ﻛﻮداك وﻣﺼﺪر أﻓﻼﻣﻪ اﻟﻌﺎملﻴﺔ. أﺧريًا ﺑﻌﺪ ﻋﴩ ﺳﺎﻋﺎت أو ﻳﺰﻳﺪ دﺧﻠﻨﺎ »ﺑﻔﻠﻮ« ،وﻫﻲ ﻣﻦ ﻛﱪﻳﺎت املﺪن ﻣﻈﻬﺮﻫﺎ ﺻﻨﺎﻋﻲ ﺑﺤﺖ ،وﻫﻨﺎ ﱠ ﻏريﻧﺎ اﻟﻘﻄﺎر ﻓﴪﻧﺎ إزاء ﻧﻬﺮ ﻧﻴﺎﺟﺮا اﻟﺬي ﻳﻔﻮق ﻧﻴﻠﻨﺎ اﺗﺴﺎﻋً ﺎ ﺣﺘﻰ ﺧﻠﺘﻪ ﺑﺤرية إﻳﺮى ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﺿﻔﺎﻓﻪ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻨﺴﻘﺔ اﻟﺰرع ﻣﻨﺜﻮرة اﻟﻘﺮى واملﺴﺎﻛﻦ ،وﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﻴﺎﺟﺮا ﻧﻔﺴﻬﺎ آﻳﺔ ﰲ اﻟﻔﻦ واﻟﺠﻤﺎل .ﻫﻨﺎ أﻗﻠﺘﻨﺎ ﺳﻴﺎرة ﻧﻈري ﺛﻼﺛﺔ رﻳﺎﻻت إﱃ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺸﻼل اﻟﺬي ﺑﺪا زﺑﺪه ورذاذه ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪٍ ،وأﺧﺬﻧﺎ ﻧﻘﺎرﺑﻪ ﻓﺘﺴﺘﺒني ﺟﻮاﻧﺒﻪ ﺣﺘﻰ ﻓﻮﺟﺌﻨﺎ ﺑﻤﻈﻬﺮه ً ﻛﺎﻣﻼ ﻓﺄُرﺗِﺞَ ﻋﻠﻴﻨﺎ وﻛﻨﱠﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺋﺤني ،وﻟﻢ ﻳﻨﻄﻖ أﺣﺪﻧﺎ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺑﻞ ﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺮﻗﺒﻪ ً ﺗﺠﻮﻳﻔﺎ، ذاﻫﻠني؛ املﺎء داﻓﻖ ﰲ ﺷﺪة ﻣﺮوﻋﺔ ،وﻣﺴﻘﻄﻪ ﻏﺎﺋﺮ ﻳﺘﻘﻮس املﺎء ﻓﻴﱰك وراءه دﺧﻠﻨﺎه ﻓﻜﺎن املﺎء اﻟﻬﺎوي أﻣﺎﻣﻨﺎ ،ﺛﻢ ﻧﺰﻟﻨﺎ إﱃ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺸﻼل وﺣﻤﻠﺘﻨﺎ إﻟﻴﻪ ﺑﺎﺧﺮة ﺻﻐرية، ووﻗﻔﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﺨﻮره املﻨﻬﺎرة واملﺎء ﻳﺴﺎﻗﻂ أﻣﺎﻣﻨﺎ ،وﻗﺪ أﻇﻠﻨﺎ رذاذه ﻓﺒﻠﻞ أﺟﺴﺎدﻧﺎ ،وﻛﺎن دوﻳﻪ ﻳﺼﻢ اﻵذان ،وﻟﻠﻬﻨﻮد اﻟﺤﻖ ﰲ ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ ﻧﻴﺎﺟﺮا ،وﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﻫﻨﺪﻳﺔ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ »رﻋﺪ املﺎء«، وﰲ اﻟﺤﻖ إن ﻣﺸﻬﺪه ﻟﻴﺄﺧﺬ ﺑﺎﻷﻟﺒﺎب ،ﻓﻬﻮ ﰲ روﻋﺘﻪ ﻻ ﻳﺠﺎرﻳﻪ ﻏريه ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﺷﻼل ﻓﻜﺘﻮرﻳﺎ ﻋﲆ اﻟﺰﻣﺒﻴﺰي ﰲ أواﺳﻂ أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،وﻟﻴﺲ اﻟﻮﺻﻒ ﺑﻤُﺠْ ٍﺪ ﰲ إﻇﻬﺎر ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ؛ ﻓﺄﻧﺖ ﻟﻦ ﺗﻘﺪﱢر ﻋﻈﻤﺘﻪ وروﻋﺘﻪ إﻻ إذا زرﺗﻪ وﻣﺘﻌﺖ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﺑﻤﺸﻬﺪه. ﺳﺎرت ﺑﻨﺎ اﻟﺴﻴﺎرة ﻋﲆ اﻟﻀﻔﺎف اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﻠﻨﻬﺮ ﻧﺘﻔﻘﺪ ﺟﻨﺎدﻟﻪ وﺷﻄﺂﻧﻪ املﴩﻓﺔ ،وﻗﺪ وﻗﻔﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﺿﻔﺔ Whirlpoolاﻟﺘﻲ ﻳﻨﻔﺴﺢ اﻟﺨﺎﻧﻖ ﻋﻨﺪﻫﺎ ً ﻗﻠﻴﻼ ﻓﻴﻨﻔﺠﺮ املﺎء وﻳﺪور ﺣﻮل ﻧﻔﺴﻪ ﰲ دواﻣﺎت ﻣﺨﻴﻔﺔ ،ﺛﻢ ﻳﻌﻮد ﺑﻨﺎ إﱃ اﺧﺘﻨﺎﻗﻪ وﻳﺘﺎﺑﻊ ﺳريه ﰲ ﴎﻋﺔ ﻣﺨﻴﻔﺔ ،واﻟﺨﺎﻧﻖ ﺗﻌﱪه ﻋﺪة ﻗﻨﺎﻃﺮ ﻣﻌﻠﻘﺔ أﻧﻴﻘﺔ ﻋﱪﻧﺎ إﺣﺪاﻫﺎ إﱃ ﺣﺪود ﻛﻨﺪا ،وﻫﻨﺎك ﻋﺮﺿﻨﺎ ﺟﻮازاﺗﻨﺎ ً ﺛﺎﻧﻴﺔ؛ ﻷن ﺗﺄﺷريﺗﻲ وﻛﺎد اﻟﺮﺟﻞ أﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﱄ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل؛ ﺧﺸﻴﺔ أﻻ ﺗﻘﺒﻠﻨﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ُ وﺟﺒﺖ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺷرية ﻣﺮور ملﺪة ﻗﺼرية ﻓﻘﻂ ،ﻟﻜﻨﻲ أﺑﻘﻴﺖ ﺟﻮازي رﻫﻴﻨﺔ ﻋﻨﺪه 128
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺷﻼل ﻧﻴﺎﺟﺮا اﻟﺮاﺋﻊ.
ً ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ أن وﻃﺌﺖ ﻗﺪﻣﺎي ﺟﺰءًا ﻳﺴريًا ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻀﻔﺎف اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﰲ ﺳﺎﻋﺘني ،وﻋﺪت أرض ﻛﻨﺪا ،وﻣﺸﻬﺪ اﻟﺸﻼل ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﻨﺪا أروع وأﺟﻤﻞ ،ﻋﲆ أن ﻛﻼ اﻟﺸﻼﻟني اﻟﻜﻨﺪي واﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻳﺮاﻫﻤﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻮﺿﻊ. ً ﺛﺎﻧﻴﺔ إﱃ ﺟﺰﻳﺮة ﺟﻮت Goatاﻟﺘﻲ ﺗﻘﻒ وﺳﻂ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺸﻼل وﺗﻘﺴﻤﻪ إﱃ رﺟﻌﻨﺎ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻜﻨﺪي — وﻳُﺴﻤﱠ ﻰ »ﻫﻮرس ﺷﻮ« ملﺤﺎﻛﺎﺗﻪ ﻟﺤﺪوة اﻟﺤﺼﺎن ،ﻫﺬا إﱃ ﻳﺴﺎرﻫﺎ وإﱃ اﻟﻴﻤني اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ﺟﺰﻳﺮة lrisﻟﻜﺜﺮة أﻗﻮاس اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻔﻬﺎ املﻴﺎه ﺣﻮﻟﻬﺎ ،وﻗﺪ ُﺳﻤﱢ ﻴ َْﺖ ﺑﺎﻻﺳﻢ 129
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺗﺨﻠﻴﺪًا ﻟﺬﻛﺮ ﻗﺴﻴﺲ راﻫﺐ ﺣﻠﻬﺎ وأﻣﴣ ﺑﻬﺎ ﺷﺘﺎء ﺳﻨﺔ ١٧٧٠وﺳﻂ ﺛﻠﻮﺟﻪ وﻗﺴﻮﺗﻪ! وﺗﺘﺼﻞ ﻫﺬه اﻟﺠﺰﻳﺮة ﺑﺎﻟﺸﺎﻃﺊ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﺑﻘﻨﻄﺮة. وﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺸﻼل وﺧﺎﻧﻖ ﻧﻴﺎﺟﺮا ﺗﻨﴫف ﻣﻴﺎه اﻟﺒﺤريات اﻟﻌﻈﻤﻰ ،ذاك اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺪاﺧﲇ اﻟﺬي ﻳﺸﻤﻞ ﻧﺼﻒ املﻴﺎه اﻟﻌﺬﺑﺔ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﰲ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺗﺒﻠﻎ ١٥٠أﻟﻒ ﻣﻴﻞ ﻣﺮﺑﻊ ،ﻳﻤ ﱡﺮ ﻓﺎﺋﺾ ﻣﻴﻼ ،وﻳﻘﻊ اﻟﺸﻼل ﻗﺒﻴﻞ ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ ﺑﻨﺤﻮ ً ١٤ ﻣﺎﺋﻪ ﰲ ﻧﻬﺮ ﻧﻴﺎﺟﺮا ﻣﺴﺎﻓﺔ ً ٣٦ ﻣﻴﻼ ،وﰲ ذاك ً ﺟﻤﻴﻼ ﰲ أﻟﻮاﻧﻪ وأﻗﻮاس اﻟﺴﻤﺎء املﺪى اﻟﻘﺼري ﻳﻬﻮي املﺎء ٣٣٦ﻗﺪﻣً ﺎ ﻣﻀﻄﺮﺑًﺎ ﰲ إرﻏﺎﺋﻪ، اﻟﺘﻲ ﻳﺨﻠﻔﻬﺎ ،وﻛﺎن أول ﻣَ ﻦ ﺷﻬﺪه اﻟﻔﺮﻧﴘ اﻵب Hennepilﺳﻨﺔ ،١٦٧٨ووﺻﻔﻪ ﺑﺄﻧﻪ أروع ﻣﺸﺎﻫﺪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،وﻛﺎن ﻗﺪ وﻓﺪ ﻣﻦ ﻛﻮﺑﻚ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺻﻤﺔ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ إذ ﻓﺴﻴﺢ ﱡ ﺗﺤﻔﻪ اﻷﺷﺠﺎ ُر ،وﺑﻌﺪ ﺧﻤﺴﺔ ذاك .وﻳﺨﺮج ﻧﻬﺮ ﻧﻴﺎﺟﺮا ﻣﻦ ﺑﺤرية إﻳﺮي ﰲ ﻣﺠﺮى ٍ ﻣﺘﺴﻊ ﻗﺪ ﻳﺒﻠﻎ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻣﻴﺎل ،ﺛﻢ ﺗﻌﱰﺿﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺟﺰاﺋﺮ وﻻ ﻳﻔﺘﺄ أﻣﻴﺎل ﻳﻬﻮي إﱃ ٍ ٍ ﻣﺨﻴﻒ ،ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ :إن ﻣﺸﻬﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻨﺎدل اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﻌﺪُ ،ﻳﻬﻮي وﺳﻂ ﺟﻨﺎدل ﻋﺪة ﰲ دويﱟ أروع ﻣﻦ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﺸﻼل ﻧﻔﺴﻪ .وأﺧريًا ﻳﺼﻞ ﻣﺴﻘﻂ ﻧﻴﺎﺟﺮا املﺨﻴﻒ اﻟﺬي راﻋﻨﺎ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﺳﻴﺠﻌﻠﻪ ً ﻣﺎﺛﻼ ﰲ ﻣﺨﻴﻠﺘﻨﺎ ﻣﺎ ﺣﻴﻴﻨﺎ ،وﻳُﻘﺪﱠر ﻣﺠﻤﻮع املﺎء اﻟﺬي ﻳﻬﻮي ﻣﻦ اﻟﺸﻼل ﰲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻨﺤﻮ ٢١٠أﻟﻒ ﻗﺪم ﻣﻜﻌﺒﺔ ،أو ١ ٢١ﻣﻠﻴﻮن ﺟﺎﻟﻮن ،وﻻ ﺗﺒﻴﺢ املﻌﺎﻫﺪات اﺳﺘﺨﺪام أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٥٦أﻟﻒ ﻗﺪم ﻟﺘﻮﻟﻴﺪ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ،وﻣﺎ ﻳﺴﺘﻐﻞ ﻣﻦ ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻪ اﻟﻴﻮم ١ ١٢ﻣﻠﻴﻮن ﺣﺼﺎن ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ، واﻟﻌﺠﻴﺐ أن اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻋﲆ اﺗﺴﺎﻋﻪ — ١١٠٠ﻗﺪم — ﻻ ﻳﻤﺮ ﺑﻪ ﻣﻦ املﺎء ﺳﻮى ً ﺿﻌﻔﺎ، ،٪٥أﻣﺎ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﻨﺪا واﺗﺴﺎﻋﻪ » ٢٣٧٦ﻗﺪﻣً ﺎ« ﻓﻴﻤﺮ ﺑﻪ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻋﴩﻳﻦ ً ﻛﻬﻮﻓﺎ ﻳﻬﻮي وذاك املﺎء اﻟﺪاﻓﻖ ﻳﺤﻄﻢ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﺼﺨﺮ اﻟﺴﻔﲆ وﻫﻲ ﻃﻔﻠﻴﺔ ﻫﺸﺔ ،وﻳﺨﻠﻒ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻬﺎ اﻟﺼﺨﺮ اﻟﺠريي املﴩف ﻓﻴﱰاﺟﻊ اﻟﺸﻼل إﱃ اﻟﻮراء ﺑﻤﻌﺪل ﺧﻤﺲ أﻗﺪام ﰲ اﻟﻌﺎم. ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺸﻼل ﻣﻨﺬ أرﺑﻌني أﻟﻒ ﻋﺎم دون ﻣﻮﺿﻌﻪ اﻟﺤﺎﱄ ﺑﺴﺒﻌﺔ أﻣﻴﺎل، ً وﻳﻘﻮﻟﻮن ﺑﺄن ﻣﺸﻬﺪ اﻟﺸﻼل ﰲ اﻟﺸﺘﺎء أروع ﻣﻨﻪ اﻵن؛ إذ ﻳﻤﺜﱢﻞ ﺣﺎﺋ ً ﺷﺎﻫﻘﺎ ﻄﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻴﺪ ﺑﺄﺳﻨﺎﻧﻪ وﺣﺒﻴﺒﺎﺗﻪ ،وﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻧﻈري إﻻ ﰲ املﻨﺎﻃﻖ املﺘﺠﻤﺪة ،وﻣﺪى ﻏﻮر اﻟﺸﻼل ١٦٥ﻗﺪﻣً ﺎ ﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﻨﺪا ،و ١٥٩ﰲ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ .وﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺟﺰﻳﺮة ﺟﻮت ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻨﺰول إﱃ أﺳﻔﻞ اﻟﺸﻼل ﺑﱰام ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﻣﻌ ﱠﻠﻖ إﱃ ﻣﻐﺎرة اﻟﺮﻳﺎح وراء املﺎء ،ﻓﱰى ﻣﻴﺎه اﻟﺸﻼل ﺳﺎﻗﻄﺔ أﻣﺎﻣﻚ وأﻧﺖ داﺧﻠﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻋﲆ ﻋﻠ ﱢﻮ ﻣﺎﺋﺔ ﻗﺪم ،واﺗﺴﺎﻋﻬﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وﻣﻨﻄﻘﺔ ﻧﻴﺎﺟﺮا ﻛﻠﻬﺎ ﺗُﻌ َﺮف ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺷﻬﺮ اﻟﻌﺴﻞ Honey moon land؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺑﻬﺪوﺋﻬﺎ وﺟﻤﺎل ﻣﻨﺎﻇﺮﻫﺎ وﺑﺪﻳﻊ ﻣﻨﺎﺧﻬﺎ ﺧري ﻣﺎ ﻳﻼﺋﻢ اﻟﺰوﺟني ﰲ ﻃﻠﻴﻌﺔ ﺣﻴﺎﺗﻬﻤﺎ ،وﻳﻜﺎد ﻛﻞ زوﺟني 130
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺟﺪﻳﺪﻳﻦ ﻳﻤﻀﻴﺎن أﻳﺎﻣﻬﻤﺎ اﻷوﱃ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺑﻮع اﻟﺘﻲ وﺻﻔﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻌﺮاء ﺑﺤﻖ ﻓﻘﺎل: »إﻧﻬﺎ أﻓﺨﻢ ﻣﺸﺎﻫﺪ اﻷرض ،وﻣﺎ اﻟﺸﻼل إﻻ رﻣﺰ ﻟﻘﺪرة ﷲ وﻋﻈﻤﺘﻪ« ،وﰲ ﻟﻴﺎﱄ اﻟﺼﻴﻒ ﺗُﺴ ﱠﻠﻂ ﻋﲆ اﻟﺸﻼل ﰲ ﻣﻨﺎﺣﻴﻪ املﺨﺘﻠﻔﺔ أﺿﻮاء ﻗﻮﻳﺔ ﺗﻨﺎﻫﺰ ١٣٣٠ﻣﻠﻴﻮن ﺷﻤﻌﺔ ﻟﺘﺰﻳﺪه ً ً وﺟﻤﺎﻻ. روﻋﺔ ُ ﻋﺪت إﱃ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ذاك اﻟﺒﻠﺪ املﻤﺘﻊ اﻟﺬي ﻻ ﺗﻘﺘﴫ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻴﻪ ﻋﲆ أﺑﻨﺎء أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻓﺤﺴﺐ، ﺑﻞ وﻣﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﰲ اﻟﺒﻠﺪ أﺣﻴﺎء وﺷﻮارع ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﺠﺎﻟﻴﺎت ُ ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻮرﻳﺔ ﻳﺘﺤﺎدث ﺑﻬﺎ أﻧﺎس ﰲ أﻣﻬﺎت ﻃﺮق ﻧﻴﻮﻳﻮرك، اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،وﻛﻢ ْ أﻣﺎ ﻋﻦ اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴني وﻛﺜﺮﺗﻬﻢ ﻓﺤﺪﱢث؛ ﻓﻬﻢ ﻳﻤﺘﻠﻜﻮن ﺟ ﱠﻞ أﻣﻮال ﻧﻴﻮﻳﻮرك وﻳﺪﻳﺮون ﻛﺜريًا ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ وﻣﻨﺸﺂﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﺎل ﱄ أﺣﺪ أﺑﻨﺎء ﻧﻴﻮﻳﻮرك :إﻧﻬﻢ ﻳﻜﺎدون ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ اﻟﻴﻮم Jew !Yorkوأﻧﺖ ﻃﻮال اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﺴﺘﻤﻊ ﻷﻗﻮام ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﰲ ﻣﻨﻄﻖ ﻣﻨﻔﺮ ،ﻓﺘﺪرك ﻋﲆ اﻟﻔﻮر أﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﺰﻻء اﻷﺟﺎﻧﺐ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﺧﺮة اﻟﻌﻮدة ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻄﻠﻴﺎن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮوﺣﻮن وﻳﻐﺪون ﺑني ﺑﻼدﻫﻢ وأﻣﺮﻳﻜﺎ. أﻋﻴﺎﻧﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻧﻴﻮﻳﻮرك اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻓﺎﻫﺘﺪﻳﺖ إﱃ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻔﻘرية ﰲ ﺣﻲ »ﻣﺎﻧﻬﺎﺗﺎن« ﰲ ﺟﻨﻮب ﴍق اﻟﺒﻠﺪة ،وﻫﻨﺎ ﻻﻗﻴﺖ ﺑﻌﺾ املﺘﺴﻮﻟني وﻣﻨﻬﻢ ﺳﻴﺪة ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮض ﻃﻔﻠﺘﻬﺎ ﰲ ﻋﺮﺑﺔ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺼﻐرية وﺗﺴﺘﺠﺪي ﺑﻬﺎ ،وﻗﻴﻞ إن ذﻟﻚ ﻣﻦ أﺛﺮ اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ واﻹﻓﻼس اﻷﺧري اﻟﺬي أﺧﲆ ﻧﺤﻮًا ﻣﻦ ١٢ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻬﻢ ،وﻟﺬﻟﻚ أﺧﺬت اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﺸﺠﱢ ﻊ اﻟﻌﻮدة إﱃ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺰراﻋﻴﺔ ،وﺑﺪأ اﻟﻨﺎس ﻳﻌﻮدون إﱃ ﺳﻜﻨﻰ اﻟﺮﻳﻒ، وﻗﺪ ﻟﺠﺄ ﻓﻮرد إﱃ ﻧﻈﺎ ٍم ﱢ ﻳﺨﻔﻒ وﻳﻼت اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ،ﻓﺄﻗﺎم ﺑﻌﺾ املﺼﺎﻧﻊ اﻟﺼﻐرية ﻣﺒﻌﺜﺮ ًة ﰲ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ،وو ﱠ ﻇ َ ﻒ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻤﱠ ﺎل أﻧﺼﺎف أﻳﺎم ،وﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﻳﴫﻓﻪ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﰲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺰراﻋﺔ .ﻋﲆ أن ﻣﻈﻬﺮ اﻟﻐﻨﻰ واﻟﺜﺮاء ﻫﻮ اﻟﻈﺎﻫﺮ اﻟﺬي ﻳﻠﺤﻈﻪ اﻟﻐﺮﻳﺐ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،وﻛﻞ ﺗﻠﻚ املﻨﺸﺂت ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ ﻧﻘﻞ وأﺑﻨﻴﺔ وﺳﻔﺎﺋﻦ وﻣﺼﺎرف وﻣﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻠﻚ ﻟﻠﴩﻛﺎت واﻷﻓﺮاد، وﻗﻠﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻟﻠﺪوﻟﺔ ﳾء ﻣﻨﻬﺎ ،وأﻧﺖ ﺗﻠﺤﻆ اﻟﺘﺰاﺣﻢ أﻳﻨﻤﺎ ﴎت ﰲ اﻟﻄﺮق واملﺘﺎﺟﺮ واملﺒﺎﻧﻲ واملﺘﻨﺰﻫﺎت وﺣﺘﻰ ﰲ املﺘﺎﺣﻒ؛ إذ ﺗﺮى ﺟﻤﻮع اﻟﻄﻠﺒﺔ واﻟﻄﺎﻟﺒﺎت ﻳﺘﻔﻘﺪون ﻣﺎ ﻳﺪرﺳﻮن ﻣﻦ ً ٍ ﻣﺘﺤﻒ وﻻ ﺗﺮى ﺟﻤﻌً ﺎ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻣﺴﺘﻮى اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏﺮﻓﺔ ﰲ املﻮﺿﻮﻋﺎت ﻋﻤﻠﻴٍّﺎ ،وﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺪﺧﻞ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﺟﺪٍّا ﺑﻔﻀﻞ رﻗﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﻛﺜﺮة املﺘﺎﺣﻒ وﺗﻌﺪﱡد املﻌﺮوﺿﺎت اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ َ ﻋﻠﻤﺖ أن ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮملﺒﻴﺎ ﺑﻨﻴﻮﻳﻮرك وﺗﻨﻮﱡع املﻄﺒﻮﻋﺎت ﻣﻦ ﻛﺘﺐ وﺻﺤﻒ ،وﻗﺪ ﺗﺪﻫﺶ إذا ٣٨أﻟﻒ ﻃﺎﻟﺐ ،وﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،٣١٥٠٠وﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﻛﻮﻟﺪج ،١٨٣٠٠وﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓﻮردﻫﺎم ٨٧٢٦ﻃﺎﻟﺒًﺎ وﺗﻠﻚ أﺷﻬﺮ ﺟﺎﻣﻌﺎﺗﻬﺎ. 131
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
وﻳﻬﻮﻟﻚ اﻹﻗﺒﺎل ﻋﲆ اﺑﺘﻴﺎع اﻟﺼﺤﻒ واﻻﻧﻜﺒﺎب ﻋﲆ ﻗﺮاءﺗﻬﺎ رﻏﻢ ﻋﺪدﻫﺎ اﻟﺬي ﻻ ﻳ َ ُﺤﴡ، وﻛﺜري ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ ﺛﻼﺛني ﺻﻔﺤﺔ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ،وﺗُﺒَﺎع ﺑﺄرﺑﻌﺔ ﻣﻠﻠﻴﻤﺎت ،وﻣﻦ أﺷﻬﺮﻫﺎ »ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﺗَﻴﻤﺰ« ،وﺗﻈﻬﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﺑني ٤٢و ٦٢ﺻﻔﺤﺔ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺸﻤﺲ ،The Sun ﱠ ﺗﺼﻔﺤَ ﻬﺎ وﻏريﻫﺎ ﻛﺜري ،وأﻧﺖ أﻳﻨﻤﺎ ﺣﻠﻠﺖ ﺗﺮى اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﻣﻄﺒﻮﻗﺔ وﻗﺪ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ اﻟﺬي أو ﻗﺮأﻫﺎ ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻟﻜﻲ ﻳﻠﺘﻘﻄﻬﺎ ﻣَ ﻦ ﺷﺎء وﻳﻘﺮؤﻫﺎ ،ﰲ اﻟﻘﻄﺎر واﻟﱰام وﻋﲆ أرﺻﻔﺔ اﻟﻄﺮق، وﰲ ﺻﻨﺎدﻳﻖ املﻬﻤﻼت؛ وﻛﺜريًا ﻣﺎ رأﻳﺖ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻦ املﺎرة ﻳﻔﺘﺢ ﺳﻠﺔ املﻬﻤﻼت وﻳﻠﺘﻘﻂ ﻣﻨﻬﺎ ﺻﺤﻴﻔﺔ أو اﺛﻨﺘني ﻳﻘﺮؤﻫﺎ وﻳﻌﻴﺪ وﺿﻌﻬﺎ ﰲ ﻣﻜﺎن َ آﺧﺮ ،و َﻛ ْﻢ ﻫﺎﻟﻨﻲ ﻣﺸﻬﺪ ﻧﻘﻞ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﻣﻦ دورﻫﺎ واﻷﺧﺬ ﰲ ﺗﻮزﻳﻌﻬﺎ ،ﺗﺮى إﱃ ﺟﻮاﻧﺐ دار اﻟﺠﺮﻳﺪة — وﻛﺜري ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﻃﺤﺎت ً ﺻﻔﻮﻓﺎ ﻻ ﺣﴫَ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ »اﻟﻠﻮرﻳﺎت« اﻟﻀﺨﻤﺔ ﺗُ َﻠﻘﻰ إﻟﻴﻬﺎ أﻛﺪاس اﻟﺠﺮاﺋﺪ، اﻟﺴﺤﺎب — وﺗﺴري ﺑﻬﺎ ﺗﻨﻬﺐ اﻷرض ﻧﻬﺒًﺎ إﱃ أﻃﺮاف املﺪﻳﻨﺔ ،وﻻ ﻋﺠﺐ ﻓﺴﻜﺎن ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻼﻳني، أي ﻧﺤﻮ ﻧﺼﻒ ﺳﻜﺎن اﻟﻘﻄﺮ املﴫي ﻛﻠﻪ. َان أو ﺛﻼﺛﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻮق ﺑﻌﺾ ،ﻓﺎﻟﺠﻤﺎﻫري وﺣﺮﻛﺔ اﻟﻨﻘﻞ ﺗﺮاﻫﺎ ﻓﺎﻟﺒﻠﺪ ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﻠﺪ ِ ﺗﺤﺖ اﻷرض وﰲ اﻟﻄﺮق وﺑﺮواﻓﻊ اﻟﻨﻮاﻃﺢ ﰲ اﻟﺠﻮ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء. ﺣﺪث ﻣﺮة أﻧﻲ ُ ﻛﻨﺖ أﻗﻒ ﻋﲆ رأس أﺣﺪ اﻟﻄﺮق أﺷﺎﻫﺪ ﺣﺮﻛﺔ املﺮور اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،وإذا ً ُ ﺣﺮﻳﻘﺎ أو ﺑﺮﻛﺎﻧًﺎ ﻓﻔﺰﻋﺖ وﺧﻠﺘﻪ ﺑﺪﺧﺎن وﺑﺨﺎر اﻧﻔﺠﺮ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻲ ﺻﺎﻋﺪًا إﱃ اﻟﺠﻮ، ﻟﻔ َ ﻈ ْﺖ ﺑﻪ اﻷرض ،وإذا ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻨﻮاﻓﺬ ﻣﻦ ﺷﺒﺎك اﻟﺤﺪﻳﺪ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻟﺘﻄﺮد اﻟﻬﻮاء اﻟﻔﺎﺳﺪ اﻟﺤﺎر ﻣﻦ اﻟﻄﺮق ﺗﺤﺖ اﻷرض ،ﺛﻢ ﺗﻌﻮﺿﻪ املﻀﺨﺎت ﺑﺄﻫﻮﻳﺔ ﺳﻠﻴﻤﺔ ﻣﻨﻌﺸﺔ ،وﻋﺠﺒﺖ ﻣﻦ ُ وﻛﻨﺖ أﺧﺎل أﻧﻬﻢ ﺳﻴﻤﻠﺌﻮن ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻄﺮق ﻟريﻗﺒﻮا ﺗﻠﻚ ﻗﻠﺔ أﺟﻨﺎد اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﰲ اﻟﻄﺮﻗﺎت، اﻟﺤﺮﻛﺔ املﺎﺋﺠﺔ ،ﻟﻜﻨﻚ ﺗﺮى اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻨﻬﻢ وﰲ ﻳﺪ ﻛ ﱟﻞ ﻋﺼﺎه اﻟﻘﺼرية ﻳﺴري ﻋﲆ اﻹﻃﺎر ذﻫﺎﺑًﺎ ورﺟﻌﺔ ،وﻣﻈﻬﺮه ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺮﻫﺒﺔ ﺑﺎﻟﻘﺪر اﻟﺬي ﻳُﻼﺣَ ﻆ ﰲ ﺑﻮﻟﻴﺲ ﻟﻨﺪن. وﻳﻈﻬﺮ ٍّ ً ﺣﻘﺎ أن أﻋﻈﻢ رﺟﺎل اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ً وﻣﻬﺎﺑﺔ ﰲ ﺑﻼد اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ واﻷملﺎن .وﻣﻦ أﻫﻞ دﻗﺔ َ ﴎت ،وﻏﺎﻟﺒﻬﻢ ﻣﻤﱠ ﻦ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺄﻋﻤﺎل ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﻋﺪد ﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﻮد ﺗﺮاﻫﻢ أﻳﻨﻤﺎ اﻟﺨﺪم ،ﻋﲆ أن ﻫﻨﺎك ﻧﻔ ًﺮا ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺰاﺣﻤﻮن اﻟﺒﻴﺾ ﰲ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻜﺒرية وﻋﺪدﻫﻢ آﺧِ ﺬ ﰲ اﻟﺰﻳﺎدة؛ ﻷن أﺟﻮر اﻟﺠﻨﺲ اﻷﺑﻴﺾ ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﻫﻢ ﻫﻨﺎك ﻻ ﺗﺴﺎء ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺤﺎل ﰲ ﻣﻘﺎﻃﻌﺎت اﻟﺠﻨﻮب ﺣﻴﺚ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﺴﻮد ﻋﲆ اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ،ﻳﻤﺘﻬﻨﻬﻢ اﻟﺠﻨﺲ اﻷﺑﻴﺾ ﱢ ﻓﻴﺨﺼﺺ ﻟﻬﻢ ﻣﺮﻛﺒﺎت وﺟﻮاﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﱰام وﺑﻌﺾ املﻄﺎﻋﻢ ،وﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻬﻢ وﻳﺒﻐﻀﻬﻢ، ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺒﻴﺾ! وﻗﺪ ﻧﺎﻗﺸﺖ أﺣﺪ ﻣﺜﻘﻔﻲ اﻟﺒﻴﺾ ﰲ أﻣﺮ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل ﺑﺄﻧﻪ ﺷﻌﻮر ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﻣﻘﺎوﻣﺘﻪ ،ﻳﺤﺴﺐ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺄن اﻷﺳﻮد دوﻧﻪ ﻣﻘﺎﻣً ﺎ ﻓﻼ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻨﻔﺴﻪ 132
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
أن ﻳﺄﺗﻠﻒ ﺑﻪ أو ﻳﺤﺎدﺛﻪ إﻻ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﺪﻋﻮ اﻟﴬورة! ﻋﲆ أن اﻟﺴﻮد ﻳﻘﺎﺑﻠﻮن ذاك اﻟﻨﻔﻮر ُ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﺼﺎﺣﺒﻲ :ﻟﻜﻦ أﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﺑﻤﺜﻠﻪ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﻘﻊ اﻟﺤﻮادث ﺑني اﻟﻔﺮﻳﻘني! اﻟﺘﻔﻜري ﰲ ﺣ ﱟﻞ ﻹزاﻟﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻮارق ﺑﺪل اﻻﺳﱰﺳﺎل ﰲ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﻣﺪى اﻟﺨﻠﻒ واﻟﺒﻐﻀﺎء؟! ﻗﺎل :ذاك ﻣﺎ ﻻ ﻧﻈﻨﻪ ﻳﻘﻊ ﻳﻮﻣً ﺎ؛ ﻷن اﺧﺘﻼط اﻟﺠﻨﺴني ﺗﻤﻨﻌﻪ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻓﻠﻦ ﻳﻨﺪﻣﺞ اﻻﺛﻨﺎن أﺑﺪًا ،وﺳﺘﻈﻞ ﻣﺸﻜﻠﺘﻬﻢ ﻣﻦ أﻋﻘﺪ املﺸﺎﻛﻞ أﻣﺎم ﺣﻜﻮﻣﺎت اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﻛﺮه اﻟﺒﻴﺾ ﻟﻬﻢ أن اﻷﺳﻮ َد ْ إن أذﻧﺐ ﻻ ﻳﻄﻴﻘﻮن اﻻﻧﺘﻈﺎر ﺣﺘﻰ ﻳُﺼﺪِر اﻟﻘﻀﺎءُ ﻓﻴﻪ ﺣﻜﻤﻪ، ﺑﻞ ﻳﻬﺠﻤﻮن ﻋﲆ املﺠﺮم وﻳﻨﺰﻟﻮن ﺑﻪ أﻗﴗ اﻟﻌﻘﻮﺑﺎت! ﻧﺰﻋﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻻ ﺗﺘﻔﻖ وﻣﺎ ﻳُﻌ َﺮف ﻋﻦ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني ﻣﻦ اﻹﺑﺎﺣﺔ وﺗﻘﺪﻳﺮﻫﻢ ﻟﻠﺤﺮﻳﺔ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﻧﴩﻫﺎ! وﻟﻜﻲ ﻧﺪ ﱠﻟ َﻚ ﻋﲆ ﺿﺨﺎﻣﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك وﻋﻈﻴﻢ ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ ،ﻧُﺜ ِﺒﺖ ﺗﻠﻚ اﻹﺣﺼﺎءات اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ: ﺛﻮان ،وﻳ َ ُﻌﻘﺪ ﻛ ﱠﻞ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻨﻬﺎر ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﻳُﻮ َﻟﺪ ﻃﻔﻞ ﻛﻞ أرﺑﻊ دﻗﺎﺋﻖ وﺳﺖ ٍ ١٤ﻋﻘﺪ زواج ،وﻳﺰﻳﺪ ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن ٣٨٩٩ﻛﻞ ﺷﻬﺮ ،وﰲ اﻟﺒﻠﺪة ﻳﻔﻮق اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺮﺟﺎل ﺑﻨﺤﻮ ً ١٥ أﻟﻔﺎ ،وﺗﺴﺘﻬﻠﻚ املﺪﻳﻨﺔ ﻛﻞ ﻋﺎم ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ٣ ٢١ﻣﻼﻳني ﻃﻦ ،أي ﺑﻤﻌﺪل ١٠٠٠رﻃﻞ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد ،وﻳﺤﻤﻠﻪ ﻛﻞ ﻳﻮم إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻗﻄﺎر ﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮﻟﻪ ً ١٢ ﻣﻴﻼ ،وﻣﺎ ﻳﺴﺘﻨﻔﺪ ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻦ ﰲ اﻟﻴﻮم — Quarts ٢٦٥٩٦٣٢اﻟﻜﻮارت رﺑﻊ اﻟﺠﺎﻟﻮن — وﻣﻦ اﻟﺒﻴﺾ ٧ﻣﻼﻳني ،وﻣﻦ املﺎء ٨٧٥٠٠٠٠٠٠ﺟﺎﻟﻮن ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ،أي ﺑﻤﻌﺪل ١٤٥ﺟﺎﻟﻮﻧًﺎ ﻟﻜ ﱢﻞ ﻓﺮد ،ﺑﻴﻨﺎ ﺗﺴﺘﻬﻠﻚ ﻟﻨﺪن ﺑﻤﻌﺪل ً ﺷﺨﺼﺎ أي ﻧﺤﻮ ٨٢٣٣٠٠٠ﻣﻜﺎملﺔ ﰲ اﻟﻔﺮد ٤٣ﺟﺎﻟﻮﻧًﺎ ،وﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻟﺘﻠﻴﻔﻮن ﻛﻞ ﺛﺎﻧﻴﺔ ١٩٠ ١ اﻟﻴﻮم ،وإذا ُﻣﺪ ْ ٍ ﱠت أﺳﻼك اﻟﺘﻠﻴﻔﻮن ﰲ اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺑﻠﻐﺖ ١٢ﻣﻦ املﺴﺎﻓﺔ ﺑني اﻷرض واﻟﺸﻤﺲ، أو وﺻﻠﺖ ﻣﺎ ﺑني اﻷرض واﻟﻘﻤﺮ ﺑﻨﺤﻮ ٣٥ﺳﻠ ًﻜﺎ ﻣﺘﺠﺎورة؛ ﻷن ﻃﻮﻟﻬﺎ ً ٨٣٦٧٠٠٠ ﻣﻴﻼ، وﻳ َُﻀﺎف إﻟﻴﻬﺎ ﻛ ﱠﻞ ﻋﺎم ٥٠٠٠٠٠ﻣﻴﻞ ،وﻋُ ﺪَد اﻟﺘﻠﻴﻔﻮن ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ،١٧٠٠٠٠٠وﻫﻲ ُﺧﻤْ ﺲ ﻣﺎ ﰲ أوروﺑﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ. ً ﺷﺨﺼﺎ وﻣﺘﻮﺳﻂ ﻣﺎ ﻳُﻬﺪَم ﻣﻦ املﺒﺎﻧﻲ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ﺳﺘﺔ وﻣﺎ ﻳﻘﺎم ،٢٣وﻟﻜﻞ أﺣﺪ ﻋﴩ ﺳﻴﺎرة ،وﻻ ﻳﺰال ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ٥٠٠٠٠ﺣﺼﺎن ،وﻳﺪﺧﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ٥٠٠٠٠٠ﻓﺮ ٍد ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ٢٠٠٠٠٠ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺋﺤني ،وﻳﺮﻛﺐ اﻟﱰام واﻟﺒﺲ ﻋﲆ اﺧﺘﻼف أﻧﻮاﻋﻬﺎ ﻛﻞ ﻳﻮم ٩ﻣﻼﻳني ﻓﺮد ،وﻳﺒﻠﻎ ﻋﺪد اﻟﺴﻴﺎرات اﻟﺘﺎﻛﴘ ،٢٣٦٢٨وﻃﻮل ﻣﻴﻨﺎﺋﻬﺎ ً ٩٩٥ ﻣﻴﻼ ،وﺗﱪﺣﻬﺎ ﻧﺤﻮ ٥٠٠ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ إﱃ ﺧﻤﺴني ﺟﻬﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻗﻴﻤﺔ ﺻﺎدراﺗﻬﺎ ١٧٦٩٦٨٤٥٧١رﻳﺎل، وﻫﻮ ٪٣٤ﻣﻦ ﺻﺎدرات اﻟﻮﻻﻳﺎت ﻛﻠﻬﺎ ،واﻟﻮاردات ١٩٤٩٩٨٢٧٠٧وﻫﻮ ﻧﺼﻒ واردات اﻟﻮﻻﻳﺎت ،وﺗﻨﺘﺞ ﻣﺼﺎﻧﻌﻬﺎ ﻋُ ْﴩ ﻣﺎ ﺗﻨﺘﺠﻪ اﻟﻮﻻﻳﺎت ،ﻣﻨﻬﺎ ٢٧٠٦٢ﻣﺼﻨﻌً ﺎ ﻳﻤﻮﱢن ٥٥٢٥٠٧ رﻳﺎﻻ ،وﻳﻨﺘﺠﻮن ﻣﺎ ﻗﻴﻤﺘﻪ ً ٥٧٢٢٠٧١٢٥٩ ﻋﻤﺎل ﻳﺘﻘﺎﺿﻮن ً ٩٠٤٦٤٦٤٢٧ رﻳﺎﻻ ﰲ اﻟﻌﺎم، 133
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻣﺜﻞ ﻣﻦ ﺷﻮارع ﻟﻴﻤﺎ ﻣﻔﺨﺮة اﻹﺳﺒﺎن.
وﻣﺘﻮﺳﻂ أﺟﺮ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻓﻴﻬﺎ ً ١٦٣٧ رﻳﺎﻻ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ — وﻣﺘﻮﺳﻄﻪ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻋﻤﻮﻣً ﺎ ً ١٢٩٨ رﻳﺎﻻ — وﺗﺴﻠﻢ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﱪﻳﺪ ﻟﻸﻓﺮاد ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ١٥ﻣﻠﻴﻮن رﺳﺎﻟﺔ ،وﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﻣﻦ ً ﻃﺎﺑﻘﺎ ١٢٠ﺑﻨﺎء .ﺗﻠﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ واﻹﺣﺼﺎءات ﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﺴﺤﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮق ﻋﴩﻳﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻲ اﻟﻘﺎرئ ﻓﻜﺮ ًة ﻋﻦ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،ﻓﻴﺤﻜﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ أﻋﻈﻢ ﻣﺪن اﻷرض ﰲ ﻛﻞ ﳾء ،ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻤﺜﱢﻞ ﺳﺎﺋﺮ ﺑﻼد اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،ﻓﺘﻠﻚ ﻓﺮﻳﺪة ﰲ ﻧﻮﻋﻬﺎ .أﻣﺎ اﻟﺤﻴﺎة ﰲ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺒﻠﺪان ُ ﻻﻗﻴﺖ اﻷﺧﺮى ﻓﻼ ﺗﺒﻠﻎ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻠﺒﺔ ،وﻻ ﺗﻌﻄﻲ ﻓﻜﺮة اﻟﻀﺨﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻴﻬﺎ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،وﻛﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻣﻤﱠ ْﻦ وﻓﺪوا ﻟﺰﻳﺎرة ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﻷول ﻣﺮة ،وﻗﺪ ﻛﺎدت دﻫﺸﺘﻬﻢ ﺗﻌﺎدل دﻫﺸﺘﻲ وأﻧﺎ اﻟﻐﺮﻳﺐ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد! وﺣﻴﺎة اﻟﺮﻳﻒ ﻫﻨﺎك ﻫﺎدﺋﺔ ﻟﻴﺲ ﺑﻬﺎ ﳾء ﻣﻤﺎ ﺗﺮاه ﰲ ﻋﺎﺻﻤﺘﻬﻢ. وﻛﻢ أدﻫﺸﻨﻲ اﻟﻔﺮق اﻟﺸﺎﺳﻊ ﺑني اﻷﻫﻠني ﻫﻨﺎك وﺑني اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ،رﻏﻢ أﻧﻬﻢ أﺑﻨﺎء ﻟﺴﺎن واﺣﺪ ،ﻓﺄﺧﻼﻗﻬﻢ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ؛ ﻓﺎﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻳﺴﺘﻨﻜﺮ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﱡ ﺗﺮﻓﻌَ ﻪ ﻋﻦ اﻟﺪﺧﻮل ﰲ ﻣﺤﺎدﺛﺔ اﻟﻐري وﻳﺮﻣﻴﻪ ﺑﺄﻧﻪ أﺻﻢ ﺧﺎﻣﻞ اﻟﻔﻜﺮ ،واﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﴎﻳﻊ اﻟﺘﻌﺎرف ورﻓﻊ اﻟﻜﻠﻔﺔ ﻣﻊ ﻏريه، 134
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
وﻻ ﻳﺨﻔﻲ ﻋﻦ اﻟﻐري ﺣﺘﻰ دﺧﺎﺋﻞ ﺑﻴﺘﻪ؛ ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺤﺪث ﻟﻠﻨﺎس ﻋﻦ ﻣﺒﻠﻎ ﻛﺴﺒﻪ ،وﻋﻦ ﻧﺸﺄﺗﻪ ﴎا ﻣﻜﺘﻮﻣً ﺎ ،وﻟﻌﻞ أﻣﻴﺰ اﻟﻮﺿﻴﻌﺔ ،وﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ إﺛﺮاﺋﻪ؛ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ٍّ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺷﺪة ﺑﺴﺎﻃﺘﻪ ﻋﻦ أﻫﻞ أوروﺑﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ؛ ﻓﺄﻧﺖ ﻻ ﺗﺮى ً ﻓﺮﻗﺎ ﺑني ﻫﻨﺪام املﻤﻮل اﻟﻜﺒري واﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺒﺴﻴﻂ ﻫﻨﺎك ،ﻛﻤﺎ ﺗﺮى ذﻟﻚ واﺿﺤً ﺎ ﰲ أوروﺑﺎ ،وﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺠﺪ ﻣﻦ اﻷﻧﺰال واملﻄﺎﻋﻢ ً ﻃﺒﻘﺔ دون ﻏريﻫﺎ ،ﻓﺎﻟﻜﻞ ﺳﻮاﺳﻴﺔ ﻋﲆ ﻋﻜﺲ ﻣﺎ ﺗﺮى ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ً ﱡ ﻣﺜﻼ ،وﻫﻮ ﰲ ﻳﺨﺺ ﻣﺎ رﺋﺎﺳﺘﻪ ﻟﻸﻋﻤﺎل ﻣﺪﻳﻦ ﻟﻜﻔﺎﻳﺎﺗﻪ ودﻫﺎﺋﻪ. ﻣﻐﺎﻣﺮ ﻳﺤﺎول أن ﻳﺴﺘﻌ َ ِ ني ﺑﺎﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻋﲆ واﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻧﺸﻴﻂ ﻳَﻘِﻆ ﻣﻘﺪام ً َ ﺗﺬﻟﻴﻞ اﻟﺼﻌﺎب ﻛﻠﻬﺎ ،وﻫﻮ أﻗﻞ ﺳ ﱠﻜﺎن اﻷرض ﻗﻨﺎﻋﺔ؛ ﻓﻬﻮ أﺑﺪًا ﻧ ﱠﺰا ٌع إﱃ اﻟﺴﻤﻮ واﻟﻨﻤﻮ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺒﺪ اﻟﻨﺠﺎح ورﻣﺰ ذﻟﻚ املﻌﺒﻮد اﻟﺮﻳﺎل اﻟﻘﺎدر The Almighty Dollarﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ،وﻣﻦ اﻟﻌﺠﻴﺐ أن ذاك اﻹﺧﻼص »ﻟﻠﺪوﻻر« ﻻ ﻳﺼﺤﺒﻪ ﺑﺨﻞ أو ﺗﻘﺘري أو ﺣﻘﺪ ﻋﲆ اﻟﻐري؛ إذ ﻳﺮى اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻋﲆ ﺻﻔﺎء ﻣﻊ ﻣﺰاﺣﻤﻪ ﻳﻜﻠﻤﻪ ﰲ ﻏري ﻛﻠﻔﺔ ﻛﺄﻧﻪ أخ ﻟﻪ ﺣﻤﻴﻢ. واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة أﻛﱪ ﻣﺼﻬﺮ ﻟﻸﺟﻨﺎس ﺗﻨﺪﻣﺞ ﻓﻴﻬﺎ ﺧري ﻛﻔﺎﻳﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﻨﺰح إﻟﻴﻬﺎ إﱃ ﻃﻼﺋﻊ اﻟﺤﺮب اﻟﻜﱪى ﻣﻠﻴﻮن ورﺑﻊ ﰲ ﻛﻞ ﻋﺎم ،وإﻧﻚ ﻣﺪرك ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼط اﻟﻌﺠﻴﺐ ملﺠﺮد ﻗﺮاءة اﻷﺳﻤﺎء اﻟﺘﻲ ﺗُﻜﺘَﺐ ﻋﲆ رءوس اﻟﺤﻮاﻧﻴﺖ ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك؛ ﻓﺄﻧﺖ ﺗﻜﺎد ﺗﻤ ﱡﺮ ﻋﲆ ﻛﻞ اﺳﻢ ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء املﻌﺮوﻓﺔ ﰲ ﻛﻞ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ املﺘﺤﴬ ،ﻓﻤﻦ اﻟﻴﻬﻮد ً ﻣﺜﻼ ﰲ ً ﺿﻌﻔﺎ ،وﻣﻦ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك وﺣﺪﻫﺎ ﻋﺪد ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ ﻳﻬﻮد ﻓﻠﺴﻄني ﻛﻠﻬﺎ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ اﻟﻄﻠﻴﺎن ﻋﺪد ﻳﻔﻮق ﺳﻜﺎن روﻣﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ. وﰲ ﻛﻠﻴﻔﻠﻨﺪ زﻫﺎء ﺛﻤﺎﻧني ﰲ املﺎﺋﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن ﻣﻦ ﻋﻨﴫ أﺟﻨﺒﻲ ،وﺗﺸﻬﺮ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻠﻮوﻛﻲ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺛﺎﻟﺜﺔ املﺪن اﻷملﺎﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻋﲆ أن ﺧﻄﺮ ذﻟﻚ ﺑَﺪَا إﺑﱠﺎن اﻟﺤﺮب اﻟﻜﱪى ﺣني ﱠ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺗﺠﲆ إﺧﻼص اﻟﻨﺰﻻء ﻟﻮﻃﻨﻬﻢ اﻷول ،ﻟﺬﻟﻚ ﺑﺪءوا ﰲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻋﺪد املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ إﻟﻴﻬﺎ، َ أرﺧﺺ ﺑﺄﺟﻮر وأن ﻣﺴﺘﻮى املﻌﻴﺸﺔ ﻟﻸﻣﺮﻳﻜﻲ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﺟﺪٍّا ،وﺟﻞ اﻟﻨﺰﻻء ﻣﺴﺘﻌﺪون ﻟﻠﻌﻤﻞ ٍ ﻣﻦ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻧﻔﺴﻪ ،وﰲ ﻫﺬا ﺧﻄﺮ اﻟﻮﻗﻮع ﰲ ﻛﺎرﺛﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ؛ إذ ﻳﺤ ﱡ ﻂ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻨﻘﻮد، وإﱃ ﺗﻠﻚ املﺨﺎوف واﻻﺣﺘﻴﺎط ﻹﻳﻘﺎف املﻬﺎﺟﺮة ﻳُﻌ َﺰى ﻧﻈﺎم »ﺳﺪود املﻬﺎﺟﺮة« املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ Quota Systemاﻟﺬي وﺿﻌﻮه ﺳﻨﺔ ،١٩١٧واﻟﺬي أﺛﺎر ﺳﺨﻂ ﻛﺜري ﻣﻦ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ املﺘﻤﺪﻳﻦ ،وﺑﻤﻘﺘﻀﺎه ﺣﺪد اﻟﺪﺧﻮل ﺑﻨﺴﺒﺔ ٪٣ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻨﺴﻴﺔ داﺧﻞ اﻟﺒﻼد ﰲ ﻛﻞ ﻋﺎم. ﻗﻤﺖ ﻣﺒﻜ ًﺮا أﺑﺮح ﻧﻴﻮﻳﻮرك اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻋﲆ ﻣﻀﺾ ﻣﻨﻲ؛ إذ ُ ُ ﻛﻨﺖ أود أن أﻗﻴﻢ ﺑﻬﺎ ﺷﻬﻮ ًرا ﻛﻲ أدرس ﻋﻨﺎﴏ ﺗﻠﻚ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﻨﺸﻴﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪو إﱃ اﻟﺘﻘﺪم ﺑﺨﻄﻰ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺼﺪﱢﻗﻬﺎ اﻟﻌﻘﻞ، 135
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
وﻛﺎن اﻟﺠﻮ ﻋﻜ ًﺮا ﻣﺎﻃ ًﺮا ﻗﺎﺗﻤً ﺎ ،وﻳﻐﻠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻨﺎك ،وﻫﻢ ﱠ ﻳﺘﻮﻗﻌﻮن اﻟﺴﺤﺎب واملﻄﺮ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم. ُ ﻗﺼﺪت املﻴﻨﺎء اﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ ٥٦٠ﻣﺮﳻ ملﺨﺘﻠﻒ اﻟﺴﻔﻦ ،وﻛﺎن ﻣﺮﳻ ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ رﻗﻢ ٥٩ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺷﺎرع ١٨ﻏﺮب ،وﰲ ﻃﺮﻳﻘﻲ إﻟﻴﻪ أدﻫﺸﺘﻨﻲ ﺣﺮﻛﺔ املﺨﺎزن املﺠﺎﻧﺒﺔ ﻟﻠﻤﻴﻨﺎء، وﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﺤﻦ ﻟﻠﻔﺎﻛﻬﺔ واﻟﺨﴬ وﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ »ﻟﻮرﻳﺎت« ﺛﻘﻴﻠﺔ ﺗﺴﺪ اﻵﻓﺎق ﺳﺪٍّا. ﺑَﺪَا رﻗﻢ املﺮﳻ واﺿﺤً ﺎ ،وﻗﺪ ُﻛﺘِﺐ ﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ﺑﺎب ﻣﻦ أﺑﻮاﺑﻬﺎ ﻧﻮع ﻣَ ﻦ ﻳﺒﺎح ﻟﻬﻢ اﻟﺪﺧﻮل؛ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب ﻟﺮﻛﺎب اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﱃ ،وذاك ﻟﻠﺜﺎﻧﻴﺔ ،وﺛﺎﻟﺚ ﻟﻠﺜﺎﻟﺜﺔ ،وراﺑﻊ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﺐ اﻟﺼﻐرية، ُ ﺑﺤﻘﻴﺒﺘﻲ داﺧﻞ ﺑﺎب اﻟﺤﻘﺎﺋﺐ وﴎﻋﺎن ﻣﺎ وﺿﻌﻬﻤﺎ ﻓﺄﻟﻘﻴﺖ وﺧﺎﻣﺲ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﺐ اﻟﻜﺒرية. ﱠ اﻟﺤﻤﱠ ﺎﻟﻮن ﻋﲆ اﻷﴍﻃﺔ املﺘﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ أﻟﻘﺖ ﺑﻬﻤﺎ ﰲ ﻗﻠﺐ اﻟﺒﺎﺧﺮة ،ﺛﻢ ﺣﻠﻠﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﺑﻌﺪ وﺟﻌَ ْ ﺖ أوراﻗﻲ ،وﻫﻨﺎ أدﻫﺸﺘﻨﻲ ﺿﺨﺎﻣﺘﻬﺎ؛ ﻓﻬﻲ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻛﻮﻧﺖ دي ﺳﺎﻓﻮﻳﺎ Conte أن ُر ِ di Savoiaاﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ،ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ ٤٨٠٠٠ﻃﻦ ،وﻫﻲ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ ﻋﻤﺎﻟﻘﺔ ﺑﺤﺎر اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻗﻠﻴﻞ ُ ﻓﺄﻛﱪت ﰲ أﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ،وﻫﻲ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺑﻮاﺧﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﴩﻛﺔ ﺣﺠﻤً ﺎ؛ إذ أوﻻﻫﺎ ٥٢ Rexأﻟﻒ ﻃﻦ، ﻣﻮﺳﻮﻟﻴﻨﻲ ﻋﻈﻴﻢ ﺗﺸﺠﻴﻌﻪ ﻟﺘﻠﻚ املﴩوﻋﺎت اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﱪ ﻗﻮﻣﻪ ﰲ ﻧﻈﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻗﺪ ﻛﺎن إﻋﺠﺎب اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻛﺒريًا ،واﻟﺒﺎﺧﺮة ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﺗﺮﻳﺴﺘﺎ وﺷﻘﻴﻘﺘﻬﺎ Rexﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﺟﻨﻮا ،وﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻔﻮﻗﻬﻤﺎ ﻛﱪًا ﻣﻦ ﺳﻔﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ. أﻣﺎ ﻋﻦ ﻧﻈﺎم اﻟﺒﺎﺧﺮة وﻧﻈﺎﻓﺘﻬﺎ وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮﺿﻪ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺮاﺣﺔ واﻟﺘﺴﻠﻴﺔ ﻓﺤﺪﱢث؛ ﻃﻌﺎم ﻓﺎﺧﺮ وﻏﺮف ﻟﻠﻨﻮم وﺛرية اﻟﻔﺮش ﺑﺮاﻗﺔ اﻷﺛﺎث إﱃ ذﻟﻚ املﻘﺎﺻﻒ اﻟﻔﺎﺧﺮة آن َ وآﺧﺮ ،ﻫﺬا واملﺮاﻗﺺ املﻨﺴﻘﺔ وﺗﻌﺰف املﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺸﺠﻴﺔ وﺗﻌﺮض أﴍﻃﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺑني ٍ إﱃ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷﻟﻌﺎب وﺣﻮض اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم وﺣﺪاﺋﻖ اﻟﺰﻫﻮر ،وﴎﻋﺘﻬﺎ ﻛﺒرية رﻏﻢ ﺿﺨﺎﻣﺘﻬﺎ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ؛ ﻓﻬﻲ ﺗﺴري ﻣﺎ ﺑني ٣٢ ،٢٨ﻋﻘﺪة ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ .وﻛﺎن ﺟ ﱡﻞ ر ﱠﻛﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻠﻴﺎن ،وﻫﻢ ﻗﻮم ﻇﺮﻓﺎء ﻣَ ِﺮﺣﻮن ﻻ ﺗﻤ ﱡﺮ ﺑﻬﻢ ﻓﱰة دون أن ﻳﴪوا ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺎملﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﺮﻗﺺ واﻟﻐﻨﺎء ﺷﻴﺒًﺎ وﺷﺒﺎﻧًﺎ ،ﻋﲆ أﻧﻬﻢ ﺗﻌﻮزﻫﻢ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ؛ ﻓﻜﻢ ُ ﻛﻨﺖ أﺗﺄﻟﻢ وﻫﻢ ﻳﺒﺼﻘﻮن ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻋﲆ أرض اﻟﺒﺎﺧﺮة وﻓﺮﺷﻬﺎ .وﻗﺪ ﻛﺎن ﻳﺮاﻓﻘﻨﺎ ﻋﺪد ﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻔﻨﻮن ،واﻟﺒﻌﺾ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻼﻫﻮت ،واﻟﺒﻌﺾ ﻟﺪرس اﻟﻘﺎﻧﻮن ،وﻳﻌﱰﻓﻮن ﺑﺄن إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ أرﻗﻰ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻮاﺣﻲ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﻼدﻫﻢ .أﻣﺎ ﻋﻦ اﺗﺰان اﻟﺒﺎﺧﺮة اﻟﻌﺠﻴﺐ ﻓﻮق ﻣﺎء اﻷﻃﻠﻨﻄﻴﻖ املﺎﺋﺞ املﻀﻄﺮب ،ﻓﻜﺎن ﻳُﻌ َﺰى إﱃ ﺿﺨﺎﻣﺘﻬﺎ وﻋﻈﻴﻢ ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ ،وﺷﺘﺎن ﺑني ﻫﺪوء املﺎء ﰲ اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻚ اﻟﻌﻈﻴﻢ وﺑني اﺿﻄﺮاﺑﻪ ﰲ املﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ اﻟﺸﻤﺎﱄ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﺻﻒ واﻟﺘﻴﺎرات اﻟﺸﺪﻳﺪة. 136
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ﺟﺮى اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻴﻨﻲ وﺑني اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني ،وملﺎ ﻋﺮﻓﻮا أﻧﻨﻲ ﻣﺪرس ﺑﺪرﻧﻲ أﺣﺪﻫﻢ ً ﻗﺎﺋﻼ :إذن أﻧﺖ ﺗﺪرس ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺼﻮل املﻜﺸﻮﻓﺔ ﻣﻦ اﻷﺧﺼﺎص املﻌﺮﺿﺔ ﻟﻠﻬﻮاء اﻟﻄﻠﻖ ،Open airوإذن ﺗﻼﻣﻴﺬك ﻳﺨﻠﻌﻮن ﻧﻌﺎﻟﻬﻢ »وﻗﺒﻌﺎﺗﻬﻢ!« إذا دﺧﻠﻮا اﻟﻔﺼﻞ وﺟﻠﺴﻮا أﻣﺎﻣﻚ ُ ُ وﻗﻠﺖ :ﻣﻦ أﻳﻦ ﻟﻚ ﻫﺬه املﻌﻠﻮﻣﺎت؟! إن ﻣﺪارﺳﻨﺎ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ ﻧﻈﺎم ﻓﻀﺤﻜﺖ اﻟﻘﺮﻓﺼﺎء؟! ﻣﺪارﺳﻜﻢ ﰲ ﻫﻨﺪام ﺗﻼﻣﻴﺬﻫﺎ واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺄﺑﻨﻴﺘﻬﺎ ،وﻛﻠﻬﻢ ﻳﻠﺒﺴﻮن ﻛﻤﺎ ﺗﺮاﻧﻲ أﻣﺎﻣﻚ اﻵن. َ ُ وﻗﺮأت ﰲ ﻧﻈﺮاﺗﻬﻢ ﻋﺪم ﺗﺼﺪﻳﻘﻬﻢ ملﺎ أﻗﻮل ،ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻓﺎﻟﺘﻔ َﺖ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﺒﻌﺾ، َ آﺧﺮ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻋﺮض أﺣﺪ أﻓﻼم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ اﻟﺒﺎﺧﺮة :أﻇﻨﻜﻢ ﰲ ﻣﴫ ﻻ ﺗﺮون اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻗ ﱡ ﻗﻠﺖ :وﻛﻴﻒ ﺑﻞ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻛﻢ ﰲ ﺑﻼدﻛﻢ! ﻗﺎلُ «Movies & talkies!» : ﻂ؟! ُ ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ. واﻧﻔﺠﺮت ﰲ ﻣﺤﺪﱢﺛﻲ ً ﻗﺎﺋﻼ :إن ﺑﻼدﻧﺎ ﻻ ﺗﻘﻞ ﺣﻀﺎر ًة ﻋﻦ ﻣﻌﻈﻢ ﺑﻼدﻛﻢ ،وﻛﻞ ﻣﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ املﺪﻧﻴﺔ ﺗﺮاه ﰲ ﻣﴫ ﻛﻤﺎ ﺗﺮاه ﻋﻨﺪﻛﻢ .ﻓﻌﺮﺗﻪ دﻫﺸﺔ وﻗﺎل :إﻧﱠﺎ ﻻ ﻧﻌﺮف ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺷﻴﺌًﺎ! وﰲ ﺻﺒﺎح ﻳﻮ ٍم ﺟﺎءﻧﻲ ﻃﺎﻟِﺐ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺠﺮي وﺑﻴﺪه ﻣﺠﻠﺔ ﻃﻠﻴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺼﻮرة ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻮر املﺰرﻳﺔ ﻋﻦ ﻣﺮاﻛﺶ وأﻫﻠﻬﺎ وﻣﺴﺎﺟﺪﻫﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻓﻘﺪﱠﻣَ ﻬﺎ إﱄ ﱠ وﻗﺎلَ : أﻟﻴﺴ ْﺖ ﺗﻠﻚ املﻨﺎﻇﺮ ﻣﻦ ﻣﴫ؟! ُ ﻗﻠﺖ :اﻗﺮأ ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ .ﻓﻘﺎل ،Maroc :أﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ وﻣﴫ ﻗﻄ ًﺮا واﺣﺪًا؟! ﻓﺪ ﱠل ﺑﺬﻟﻚ ﻋﲆ ﺟﻬﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﺑﺎﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ .اﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﻳﺠﻬﻞ اﻟﻘﻮم ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد اﻟﺮاﻗﻴﺔ ﻛ ﱠﻞ ﳾء ﻋﻦ ﻣﴫ؟ وﻳﻈﻬﺮ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن إﻻ اﻷﻫﺮام واﻟﻌﺮﺑﺎن املﺠﺎﻧﺒني ﻟﻬﺎ ﺑﺈﺑﻠﻬﻢ وﺧﻴﺎﻣﻬﻢ وﻋﻤﺎﺋﻤﻬﻢ وأﻗﺪاﻣﻬﻢ اﻟﻌﺎرﻳﺔ! ﻓﻘﻠﺖ ﰲ ﻧﻔﴘ :إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﺗﻬﻤﻞ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﻟﺒﻼدﻧﺎ ﻫﻨﺎك؟ ِﻟ َﻢ ﻻ ﺗﻌ ﱡﺪ ﺣﻜﻮﻣﺘﻨﺎ أﻓﻼﻣً ﺎ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﺗﺄﺧﺬﻫﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض ،ﻳﻄﻮف ُ ﺑﻌﺾ ﺑﻬﺎ أﺣﺪ املﴫﻳني أو املﺄﺟﻮرﻳﻦ ﻣﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻳﻌﺮﺿﻬﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد؟ وﻫﻞ ﺗﻜ ﱢﻠﻔﻨﺎ املﻄﺒﻮﻋﺎت املﺼﻮرة ﻋﻦ ﻣﴫ ﻛﺜريًا؟ إﻧﻲ أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻪ إذا ﻋﻬﺪ ﻟﻜﻞ ﺳﻔﺎرة ﺑﺎﻟﻘﻴﺎم ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا، َ ﻣﺪارس وﻧﻮاديَ وﻣﻌﺎﻫ َﺪ وﺑﺘﻮزﻳﻊ ﺗﻠﻚ املﻄﺒﻮﻋﺎت ﺑﺴﺨﺎءٍ ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻣﻦ ٍ وﺟﻤﻌﻴﺎت ﺗﺨﺪﻣﻨﺎ ﺧﺪﻣﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ،وﻻ ﻳﺨﺠﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﱠﺎ أن ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﺑﻠﺪ ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻫﻠﻪ ﻓﻴﻨﺎ ذاك اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺨﺎﻃﺊ املﺰري املﺸﻔﻮع ﺑﺎﻻﺣﺘﻘﺎر اﻟﺬي ﻳﺨﻔﻮﻧﻪ ﻋﻨﱠﺎ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺗﺄ ﱡدﺑًﺎ ،وﻻ ﻳﻈﻬﺮ إﻻ إذا ُرﻓِﻌﺖ اﻟﻜﻠﻔﺔ ﺑﻴﻨﻨﺎ ،وﻫﻨﺎ ذﻛﺮت اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺠﻠﻴﻞ اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﻪ »اﻟﱪوﻓﺴﻮر «North ﰲ إﻳﺠﺎد اﻟﺼﻠﺔ ﺑني ﻣﺪارس أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ واﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﺳﻴﻮاﻓﻮن ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﻨﺒ ٍﺬ ﻋﻦ ﺑﻼدﻫﻢ وﻣﺼﻮرات ﺗﺠﻠﻮ ﻣﺎ ﺧﻔﻲ ﻋﻦ ﻋﻠﻢ ﻛﻼ اﻟﻔﺮﻳﻘني .ﻓﻨﺤﻦ أﺣﻮج ﻣﺎ ﻧﻜﻮن ملﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﺑﻂ ،وﻟﻮ أﻧﻲ ُﻛ ﱢﻠ ْﻔ ُﺖ ﺑﻌﻤﻞ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ،أو ﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﻌﻲ ﻣﻦ املﻄﺒﻮﻋﺎت املﴩﻓﺔ ﻟﺒﻼدﻧﺎ ﳾءَ ،ﻟ ُ ﻘﻤﺖ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﺧري ﻗﻴﺎ ٍم. 137
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻇ ﱠﻞ ﻫﺪوء اﻟﺒﺤﺮ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻴﻮﻣني ﻣﺘﻮﺳ ً ﻄﺎ ،وﻟﻮ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﺪل ﻫﺪوء املﺤﻴﻂ اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻜﻲ، ً ﺷﻤﺎﻻ ،وﻫﻲ ﺟﺰﻳﺮة Floresﺑﺪ ْ َت إﱃ وﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﺴﺎءً ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺄﻗﴡ ﺟﺰاﺋﺮ أزورا ﻳﻤﻴﻨﻨﺎ ،وﺟﺰﻳﺮة Corvoإﱃ ﻳﺴﺎرﻧﺎ ﰲ ﺟﺒﺎل ﺷﺎﻫﻘﺔ ﺑﺮﻛﺎﻧﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮى وﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﺨﴬة اﻟﻘﺼرية ،وأرﺧﺒﻴﻞ أزورا ِﻣﻠﻚ ﻟﻠﱪﺗﻐﺎل ،ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺟﺰره ً ٩٢٢ ﻣﻴﻼ ﻣﺮﺑﻌً ﺎ ،وﺳﻜﺎﻧﻪ ً ٢٣٥ أﻟﻔﺎ ،وﺗﻤﺘﺪ ﺟﺰره ﻣﺪى ﺛﻼث درﺟﺎت ﻋﺮﺿﻴﺔ وأرﺑﻊ ﻃﻮﻟﻴﺔ )–٣٦ ٣٩ش٣١–٢٥ ،غ( ،وﻋﺪدﻫﺎ ﺗﺴﻊ ﺟﺰر ،وﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﱪﺗﻐﺎل ٨٠٠ﻣﻴﻞ ،وﻫﻲ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﺰﻻز َل وﺑﺮاﻛ َ ني ﻗﺎﺳﻴ ٍﺔ؛ ﻓﻔﻲ ﺳﻨﺔ ١٥٢٢ﺛﺎرت ﺣﻮل Villafrancaﻋﺎﺻﻤﺔ ﺳﺎن ﻣﺸﻞ ودﻛﺘﻬﺎ ﺑﻞ ودﻣﺮﺗﻬﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﻗﺪ وﺻﻠﻬﺎ اﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴﻮن ﻗﺪﻳﻤً ﺎ؛ إذ و ُِﺟﺪت ﻧﻘﻮدﻫﻢ ﻣﺪﻓﻮﻧﺔ ﻫﻨﺎك ،وﺣ ﱠﻠﻬﺎ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﻮن ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ،وﺗﻤ ﱠﻠ َﻜﻬﺎ اﻟﱪﺗﻐﺎل ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ ،وﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﺼﺎﺋﺪ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻷﻧﺎﻧﺎس ،وأﻫﻢ ﺛﻐﻮرﻫﺎ اﻟﻴﻮم Delgad Pontaﰲ ﻗﻴﻤﺔ ،وأول إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ﺟﻨﻮب ﺳﺎن ﻣﺸﻞ ،وﻗﺪ اﺗﺨﺬﺗﻬﺎ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻗﺎﻋﺪ ًة ﻟﻸﺳﻄﻮل إﺑﱠﺎن اﻟﺤﺮب اﻟﻜﱪى ،وﻻ ﺗﺨﻠﻮ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ دوارات اﻟﻬﻮاء ،Windmillsوﺟﻞ اﻷﻫﻠني ﻣﻦ اﻟﱪﺗﻐﺎل ،وﻟﻘﺪ ﻛﺸﻔﻬﺎ ﻛﺎﺑﺮال ﺳﻨﺔ .١٤٣٩ﰲ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ﺑﺪ ْ َت ﺳﻮاﺣﻞ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ إﱃ ﻳﺴﺎرﻧﺎ ﰲ ﴍﻓﺎت ﺻﺨﺮﻳﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ، ﻳﴬب املﻮج ﰲ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ﺑﺸﺪة ،وأﺧﺬت ﺗﺘﻘﻮس إﱃ اﻟﻐﺮب ﺣﺘﻰ رأس ﺳﻨﺖ ﻓﻨﺴﻨﺖ اﻟﺬي ﻇﻬﺮ ﻣﺴﻨﱠﻨًﺎ ﻧﺎﺗﺌًﺎ ،وﻫﻮ أﻗﴡ أراﴈ أوروﺑﺎ ﻏﺮﺑًﺎ. وﻛﺎن ﻛﺜري ﻣﻦ رﻛﺎب ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ ﻣﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ املﺘﺠﻨﺴني ﺑﺎﻟﺠﻨﺴﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،وﻫﻢ ﻟﺸﻌﻮب ﻋﺪةٍ؛ ﺧﻠﻴﻂ ﻋﺠﻴﺐ أﻳﱠ َﺪ ﻣﺎ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﰲ ﺟ ﱢﻞ أﻫﻞ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻣﻦ أﻧﻬﻢ ﺳﻼﺋﻞ ٍ ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن اﻷب إﻳﻄﺎﻟﻴٍّﺎ واﻷم أﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻫﻲ أﺟﻨﺒﻴﺔ ً أﻳﻀﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻣﻨﻄﻘﻬﻢ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣﺤ ﱠﺮ ًﻓﺎ ،وﻗﺪ أﻓﺴﺪ ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼط ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ ﻛﺜريًا ﻓﻬﻲ دون اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﺻﺤﺔ وﺑﻴﺎﻧًﺎ ،وﻛﺜري ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ ﺧﺎﻧﻬﻢ اﻟﺤﻆ اﻟﻴﻮم ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮا اﻟﻜﺴﺐ ﻟﻜﺜﺮة اﻟﻌﺎﻃﻠني ،وﻗﺪ ﻗﺼﻮا ﻋﲇ ﱠ ﻧﺒﺄ اﻟﺒﺆس املﻨﺘﴩ اﻟﻴﻮم ﰲ رﻳﻒ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،وﺣﺘﻰ اﻟﻌﻤﱠ ﺎل املﺸﺘﻐﻠﻮن ﻗﺪ ﻻ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﰲ اﻷﺳﺒﻮع أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻳﻮﻣني ،واﻷﻳﺎم اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻋﻄﻠﺔ ﻻ ﻳﺘﻘﺎﺿﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺟﻮ ًرا ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﺠﺪ اﻵن ﻗﻮت ﻳﻮﻣﻪ ،واﻟﻌﺠﻴﺐ أن ﻟﻜ ﱢﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﺳﻴﺎرة ﻟﻜﻨﻬﻢ أﺻﺒﺤﻮا ﻋﺎﺟﺰﻳﻦ ﻋﻦ دﻓﻊ ﺛﻤﻦ »اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ« ،ﻓﺄ ُ ِ ﻫﻤﻠﺖ وﺻﺪﺋﺖ وﺗﻠﻔﺖ واﻟﻜﻞ ﻧﺎﻗﻤﻮن، واﻟﻨﻬﺐ واﻻﻏﺘﻴﺎل ﰲ راﺑﻌﺔ اﻟﻨﻬﺎر وﰲ أﻣﻬﺎت املﺪن وﰲ اﻟﻄﺮق أﺿﺤﻰ أﻣ ًﺮا ﺷﺎﺋﻌً ﺎ ﰲ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺤﺎء ،ﻓﻠﻢ ﺗﺼﺒﺢ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻫﻨﺎك ﻣﺄﻣﻮﻧﺔ َملﻦ ﻳﻈﻦ أن ﻟﺪﻳﻪ ً ﻣﺎﻻ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﰲ ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ وﻣﺎ ﺟﺎ َو َرﻫﺎ ،واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺻ ﱠﺪ ذﻟﻚ ،وﻛﺜري ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﻳ ِ ُﺸﺎﻃﺮون املﺠﺮﻣني إﺟﺮاﻣﻬﻢ. 138
إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ
ُ وﻛﻨﺖ أرﺟﻮ أن أدرك ﺑﺎﺧﺮﺗﻨﺎ املﴫﻳﺔ »اﻟﻨﻴﻞ« وﺻﻠﻨﺎ ﻧﺎﺑﲇ ﺻﺒﻴﺤﺔ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ، ﱠ َ ً ﻓﻴﻄﻤﱧ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﲆ ﻧﺠﺎح ﻣﻨﺸﺂﺗﻨﺎ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ املﻮﻓﻘﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺳﺒﻘﺘﻨﻲ ﻋﺎﺋﺪة إﱃ ﻣﴫ، ُ ﻓﺮﻛﺒﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة إﺳﱪﻳﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺑﻘﻴﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﰲ ﻧﺎﺑﲇ ،وﰲ ﻳﻮﻣني أﻗﺒﻠﻨﺎ ﻋﲆ أرض اﻟﻮﻃﻦ املﻔﺪى ،اﻟﺬي ﻏﺎب ﻋﻨﻲ أﻧﺴﻪ ً ﻧﻴﻔﺎ وأرﺑﻌﺔ ﺷﻬﻮر ،ﻗﻄﻌﺖ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻣﺪاﻫﺎ ً ٢٣١٨٣ ﻣﻴﻼ أو ٣٧٠٩٢٫٨ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا ،أرﺑﻌﺔ أﺧﻤﺎﺳﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺤ ًﺮا واﻟﺨﻤﺲ ﺑ ٍّﺮا. ُ ﻗﻤﺖ ﺑﺮﺣﻠﺔ أﻃﻮف ﺑﻬﺎ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺒﺘﺪﺋًﺎ اﻟﺴري وﰲ ﺻﻴﻒ ﺳﻨﺔ ١٩٣٧ ً ﴍﻗﺎ إﱃ أﺳﱰاﻟﻴﺎ ،ﻓﺠﺰاﺋﺮ املﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدي ،ﺛﻢ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻣﻦ ﺷﻮاﻃﺌﻬﺎ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﻋﱪت أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﺎ ٍّرا ﺑﺎﻟﻜﺜري ﻣﻦ ﺑﻼد ﻛﻨﺪا واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة إﱃ اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﴩﻗﻲ ،وﻋﱪ َْت ﺑﻨﺎ اﻟﺒﺎﺧﺮة املﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ ،ﻓﺎﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ املﺘﻮﺳﻂ إﱃ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ.
139
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ﺑﺮﺣﻨﺎ ﻫﻨﻮﻟﻮﻟﻮ وﻋﺪﻧﺎ إﱃ املﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدي ﻧﺸﻖ ﻣﻴﺎﻫﻪ اﻟﻮدﻳﻌﺔ ﻳﻮﻣني ،ﺛﻢ أﻋﻘﺒﻬﻤﺎ َ آﺧﺮان ﺑَﺪَا ﺧﻼﻟﻬﻤﺎ اﻟﺒﺤﺮ ﻋﲆ ﻏري ﻣﺎ ﻋﻬﺪﻧﺎه؛ إذ ﻇ ﱠﻞ ﻣﻀﻄﺮﺑًﺎ ﺣﺘﻰ أﻋﻴﺎ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ. ) (1ﻟﻮز أﻧﺠﻠﻴﺰ وﰲ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ ٩أﻏﺴﻄﺲ دﺧﻠﻨﺎ ﻣﻴﻨﺎء »ﺳﺎن ﺑﻴﺪرو« ،وﻫﻮ ﺛﻐﺮ »ﻟﻮز أﻧﺠﻠﻴﺰ« وﻛﺎن ﺷﺎﻃﺊ ﻛﻠﻴﻔﻮرﻧﻴﺎ اﻟﺼﺨﺮي ﻗﺪ ﺑَﺪَا إزاءﻧﺎ ﻣﻨﺬ املﺴﺎء .ﺣﻠﻠﻨﺎ اﻟﺒﻠﺪة وﻫﻲ ﺿﺎﺣﻴﺔ ﺻﻐرية ﻣﻴﻨﺎؤﻫﺎ ﻻ ﻳﺰال ﺗﺤﺖ اﻟﺘﻨﻘﻴﺢ واﻹﻧﺸﺎء ،ورﻛﺒﻨﺎ اﻟﱰام ﻣﺴﺎﻓﺔ أرﺑﻌني ً ﻣﻴﻼ إﱃ ﻟﻮز أﻧﺠﻠﻴﺰ — وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ املﻼﺋﻜﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ — ﻓﻬﺎﻟﻨﺎ ﻣﺎ رأﻳﻨﺎ ﻣﻦ أﻣﺮﻫﺎ؛ ﻓﻬﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺻﺎﺧﺒﺔ ري ،وﺗﻜﺎد ﺗﺘﺒﻊ ﰲ ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ ﻧﻴﻮﻳﻮرك؛ ﻷن ﺷﻮارﻋﻬﺎ ﻣﺎﺋﺠﺔ ﺑﺎﻟﻨﺎس واﻟﺤﺮﻛﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒ ٍ ﻣﺘﻘﺎﻃﻌﺔ وﻣﺘﻌﺎﻣﺪة ﻏري أﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠﻮ وﺗﻬﺒﻂ ﺣﺴﺐ ﺗﻤﻮﱡج اﻷرض ﺣﻮﻟﻬﺎ ،وﻟﻘﺪ ﻧَﻤَ ْﺖ ﻧﻤﻮٍّا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﻣﻨﺬ ﱠ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧرية ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﺳ ﱠﻜﺎﻧﻬﺎ أﺳ َﺴﻬﺎ اﻹﺳﺒﺎن ﻣﻦ ١٥٠ﺳﻨﺔ، ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ورﺑﻌً ﺎ ،وأﺿﺤﺖ ﺧﺎﻣﺴﺔ ﻣﺪن أﻣﺮﻳﻜﺎ؛ ﻓﻬﻲ أﻛﱪ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة .أﻣﺎ ﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ ﻓﺠﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﺴﺤﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮق أدوا ُرﻫﺎ اﻟﻌﴩﻳﻦ ،وﻟﻌﻞ أروع ﺷﻮارﻋﻬﺎ »ﺑﺮودواي« ﻧﻈري أﺧﻴﻪ ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﰲ وﺟﺎﻫﺘﻪ واﻟﺘﺄﻧﻖ اﻟﻔﺎﺋﻖ ﰲ ﻋﺮض ﻣﺘﺎﺟﺮه ،واﻹﴎاف اﻟﻜﺒري ﰲ ﺗﻤﻮﻳﻦ ﻣﺒﺎﻧﻴﻪ ﺑﺎملﺮﻣﺮ املﻠﻮن اﻟﺬي ﻳﺒﺪو وﻛﺄﻧﻪ اﻟﺨﺰف اﻟﻔﺎﺧﺮ ﺗﺤﺪه أﺳﻼك اﻟﻨﺤﺎس اﻷﺻﻔﺮ اﻟﺒﺪﻳﻊ إﱃ ذروﺗﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻋﻼ .أﻣﺎ ﻋﻦ ﺣﻴﺎة اﻟﻠﻴﻞ ﻓﻴﻪ وﻓﻴﻤﺎ ﺟﺎ َو َره ﻣﻦ ﻃﺮق ﻓﺬاك أﻣﺮ ﻳﺒﻬﺮ اﻟﻨﻈﺮ وﻳﺴﺘﻬﻮي اﻟﺤﻜﻴﻢ ،ﻓﺎملﻘﺎﺻﻒ واملﻘﺎﻫﻲ ﺗﻌ ﱠﺪد ْ َت أﺷﻜﺎﻟﻬﺎ وﺑُﻮﻟِ َﻎ ﰲ ﺗﻨﺴﻴﻘﻬﺎ، ودور املﻼﻫﻲ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ َ ً ﺟﻤﺎﻻ ،وﺣﺮﻛﺔ املﺮور ﰲ اﻟﺸﻮارع ﺗﺴ ﱡﺪ ﻓﺎﻗ ْﺖ ﻛ ﱠﻞ وﺻﻒ آن ﻫﺬا إﱃ اﻟﱰام ﻣﺘﻌﺪد اﻷﻧﻮاع وﻗﻄﺮ ﺗﺤﺖ اﻷرض، اﻵﻓﺎق ﺳﺪٍّا ،ﻓﺴﻴﻞ اﻟﺴﻴﺎرات داﻓﻖ ﻛ ﱠﻞ ٍ
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
وﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﰲ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻷﺗﻮﺑﻴﺲ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﺣ ٍﺪ أن ﻳﻌﱪ ﻣﻔﺎرق اﻟﻄﺮق إﻻ إذا أوﻗﻔﺖ إﺷﺎرة املﺮور. َ واﻹﺷﺎرات »أوﺗﻮﻣﺎﺗﻴﻜﻴﺔ« ﺑﺎﻷﻧﻮار املﻠﻮﻧﺔ وذراع ﻳُﺮﻓﻊ وﻋﻠﻴﻪ ﻛﻠﻤﺔ Goﻓﺘﻤﺮ اﻟﺴﻴﺎرات ﱠ وﻳﺘﻮﻗﻒ املﺎرة ،ﺛﻢ ﻳﺪق اﻟﺠﺮس وﻳﺴﻘﻂ ذاك اﻟﺬراع وﻳ َ ُﺮﻓﻊ ﻏريه وﻋﻠﻴﻪ ُ .Stop زرت ﺑﻌﺾ ﺣﺪاﺋﻘﻬﺎ وﻣﺘﻨﺰﻫﺎﺗﻬﺎ اﻟﺮاﺋﻌﺔ وﻣﻨﻬﺎ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺎز ﺑﺈﻇﻬﺎر ﺑﻴﺌﺔ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﻏﺎﺑﺎت وﺟﺒﺎل ،ﺛﻢ ﻣﺰرﻋﺔ اﻟﺴﺒﺎع وﺑﻬﺎ زﻫﺎء ٢٠٠أﺳﺪ ﻳﺮوﺿﻮﻧﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻠﻌﺐ ﻓريﻛﺒﻬﺎ اﻟﺮﺟﻞ وﻳﺪرﺑﻬﺎ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ اﻷﻟﻌﺎب ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳ َ ُﺮﺳﻞ إﱃ ﻫﻮﻟﻴﻮود ﻟﻴﺸﺎﻃﺮ ﰲ إﺧﺮاج اﻷﻓﻼم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ! ﺛﻢ ﻣﺰرﻋﺔ اﻟﺘﻤﺎﺳﻴﺢ ﻟﱰﺑﻴﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮان ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻔﻮق ﻋﻤﺮه املﺎﺋﺔ ﻋﺎم ،ﺛﻢ ﻣﺮرﻧﺎ ﻋﲆ دار اﻷﻟﻌﺎب اﻷُملﺒﻴﺔ »اﻷﺳﺘﻮدﻳﻮم« اﻟﺬي ﻳﺒﻠﻎ ١٧ﻓﺪاﻧًﺎ ،وﺑﻪ ﻣﻘﺎﻋﺪ ﻟﻌﺪد ،١٠٥٠٠٠ﺛﻢ ﻣﺮت ﺑﻨﺎ اﻟﺴﻴﺎرة ﺧﺎرج اﻟﺒﻠﺪة ﺧﻼل ﺑﺴﺎﺗني اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﱪﺗﻘﺎل اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻔﻮف أﺷﺠﺎره املﻨﺘﻈﻤﺔ ﺗﻤﺘﺪ إﱃ اﻵﻓﺎق ،وﻫﻲ ﺟﺰء ﻣﻦ إﻧﺘﺎج ﻛﻠﻔﻮرﻧﻴﺎ اﻟﺘﻲ اﺷﺘﻬَ َﺮ ْت ﺑﻪ ﺣﺘﻰ ُﻗ ﱢﺪ َر ﻣﺤﺼﻮل اﻟﱪﺗﻘﺎل ﺑﻌﴩﻳﻦ ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ ﰲ ﻛﻞ ﻋﺎم ،ﺛﻢ ﻛﺎن رﻛﻮﺑﻨﺎ اﻟﱰام إﱃ … ) (2ﻫﻮﻟﻴﻮود ﺨﺮج وﺣﺪﻫﺎ زﻫﺎء ٪٨٥ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻓﻼم اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ؛ إذ ﺗُ ِ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻄﻤﺢ آﻣﺎل اﻟﻜﺜري ﻣﻤﱠ ﻦ أَﻧ ُِﺴﻮا ﰲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻛﻔﺎء ًة ﰲ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ واﻟﻐﻨﺎء واملﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﺠﻤﺎل وﺑﻌﺾ اﻷﻟﻌﺎب ﻛﺎملﺼﺎرﻋﺔ واﻟﺮﻗﺺ واملﻼﻛﻤﺔ وﻣﺎ إﻟﻴﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ إن ﺛﻠﺚ رﻛﺎب اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻨﻬﻢ ،وﻛﻠﻬﻢ ﺟﺎءوا ﻳﻄﻠﺒﻮن اﻟﻐﻨﻰ واملﺎل ﰲ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻋﺔ واﻟﺠﻤﺎل. دﺧﻠﻨﺎ اﻟﺒﻠﺪ ﺑﻌﺪ ﻣﺴرية ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﱰام ،ﻓﺒﺪت ﺗﻘﻮم ﰲ ﺣﻀﻦ ﺟﺒﻞ ﻣﻨﺨﻔﺾ ﺗﺘﻮﱢﺟﻪ ً ﻣﴩﻓﺎ ﺑﻘﺒﺎﺑﻪ ،وﻗﺪ زرﻧﺎه وﺑﻪ ﻣﻦ ُرﺑﻰ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﺨﴬة ،وﻗﺪ ﺑَﺪَا ﺑﻨﺎء ﻣﺮﺻﺪ »ﺟﺮﻓﺚ« املﻨﺎﻇري ﻣﺎ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ ﺑني أﻛﱪ ﻣﻨﺎﻇري اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻨﻈﺎر ﺟﺒﻞ وﻟﺴﻮن — وﻫﻮ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ذاك املﻮﺿﻊ — ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗُﺘَﺢْ ﻟﻨﺎ ﻓﺮﺻﺔ زﻳﺎرﺗﻪ ﻟﻨﺮى ﻣﻨﻈﺎره اﻟﺒﺎﻟﻎ ﻗﻄﺮه ١٠٠ﺑﻮﺻﺔ — وﻫﻢ اﻟﻴﻮم ﻳﺼﺒﻮن ﻋﺪﺳﺎت ﻣﻨﻈﺎر َ آﺧﺮ ﻗﻄﺮه ٢٠٠ﺑﻮﺻﺔ — ﺛﻢ ﻣﻮﺿﻊ ﻟﻠﻔﻠﻚ »ﺑﻼﻧﺘﻮر ﻳﻮم« ﺷﺒﻴﻪ ذاك اﻟﺬي زرﻧﺎه ﰲ ﺑﺮﻟني. أﻣﺎ ﻋﻦ ﺟﻤﺎل ﺑﻠﺪة ﻫﻮﻟﻴﻮد واﻹﴎاف ﰲ إﻗﺎﻣﺔ ﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ وﺗﻨﺴﻴﻖ ﺣﺪاﺋﻘﻬﺎ ﻓﺬاك أﻣﺮ ﻻ ﻳﺠﺪي ﻓﻴﻪ اﻟﻘﻠﻢ ،ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﺸﺎﻫﺪه ﺑﻨﻔﺴﻚ ﻛﻲ ﺗﺪرك روﻧﻘﻪ وﺗﺤﺲ ﺟﻤﺎﻟﻪ وﺗﺮى ﺑﺮﻳﻖ املﺒﺎﻧﻲ وﻓﺎﺧﺮ ﻓﺮﺷﻬﺎ وراﺋﻊ ﻫﻨﺪﺳﺘﻬﺎ وﺑﺪﻳﻊ ﻣﻌﺮوﺿﺎﺗﻬﺎ ،ﻣﻤﺎ ﻳُﺸﻌِ ﺮ ﺑﺎﻟﻐﻨﻰ املﻔﺮط 142
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
واﻟﺠﺎه اﻟﻜﺒري ،وﺑﺨﺎﺻﺔ دور املﻼﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺗﺤﺖ ﺣﴫ ،وﻗﺪ راﻗﻨﻲ ﻣﻨﻬﺎ »املﻠﻬﻰ اﻟﺼﻴﻨﻲ «Chinese Theatreأُﻗِ ﻴﻢ ﻋﲆ ﻧﻤﻂ ﺑﺎﺟﻮدا اﻟﺼني ،وﺑُﻮ ِﻟ َﻎ ﰲ ﺗﺠﻤﻴﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ و ُز ﱢو َد ﺑﺎﻟﻔﺮاش اﻟﻮﺛري ،وﻳﺴﻤﻮﻧﻪ Premier؛ ﻷن ﻛﻞ ﻓﻴﻠﻢ ﺟﺪﻳﺪ ﻳُﻌ َﺮض ﻓﻴﻪ ً أوﻻ ،وﰲ ﺑﻬﻮ ﻣﺪﺧﻠﻪ اﻟﻔﺴﻴﺢ ﺗﺮى ﻛ ﱠﻞ رﺧﺎﻣﺔ ُر ِﺻﻔﺖ ﺑﻬﺎ اﻷرض ﺗﺤﻤﻞ ﻃﺎﺑﻊ ﻳﺪي إﺣﺪى ﻧﺠﻮم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ وﺑﻌﺾ ﺗﻤﻨﻴﺎﺗﻬﺎ ﻟﻠﻤﻠﻬﻰ وإﻣﻀﺎءﻫﺎ واﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﺤﻔﻮر ﰲ ﺻﻤﻴﻢ اﻟﺼﺨﺮ .وﻣﻦ اﻟﺪور اﻟﺸﻬرية املﻠﻬﻰ املﴫيُ ،ﺳﻤﱢ َﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻷﻧﻪ أُﻗِ ﻴﻢ ﰲ ﻫﻨﺪﺳﺔ املﻌﺎﺑﺪ املﴫﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﴎ ْت ﺗﻼﻗﻴﻚ »اﻻﺳﺘﺪﻳﻮﻫﺎت« اﻟﺬاﺋﻌﺔ اﻟﺼﻴﺖ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﺧﺬ داﺧﻠﻬﺎ أﻓﻼم اﻟﻌﺎﻟﻢ وأﻳﻨﻤﺎ َ َ أﺟﻤﻊ ،وﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ »اﺳﺘﻮدﻳﻮ« ﺷﺎرﱄ ﺷﺎﺑﻠﻦ اﻟﺬي ﻗﴫ ﺗﻤﺜﻴﻠﻪ اﻟﻴﻮم ﻋﲆ ﻓﻴﻠﻢ أو اﺛﻨني ﰲ اﻟﻌﺎم ،ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺸﻮق اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻪ وﻻ ﻳﺰﻫﺪوا ﰲ أﻓﻼﻣﻪ ْ إن ﻛﺜﺮت ﻋﺪدًا ،وﻛﺎن ﱄ ﺣﻆ ﻟﻘﺎﺋﻪ ﻫﻨﺎك. ﻃﻔﻘﺖ أﺳري ﰲ ﺟﻨﺒﺎت ﺗﻠﻚ اﻟﻀﺎﺣﻴﺔ اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ أﺷﺎﻫﺪ ﺳﻴﻮل املﺎرة ﺗﺴﺪ اﻟﻄﺮق وأرﺻﻔﺘﻬﺎ ﺳﺪٍّا ،وﺑﺤﺮ اﻟﺴﻴﺎرات زاﺧﺮ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﺎد ﺗﻔﺮش اﻟﻄﺮق ﺑﻬﺎ ً ﻓﺮﺷﺎ ﻓﻼ ﻳﻜﺎد ُ وﻛﻨﺖ أﻋﺠﺐ ﻟﻠﺤﻴﺎة ﻛﻴﻒ ﺗﺴري ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ؛ أرى اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺨﺮج اﻟﻮاﺣﺪ إﻻ ﰲ ﺳﻴﺎرﺗﻪ، ﻗﺪ ﻇﻬﺮن ﰲ أزﻳﺎء اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﴎاوﻳ َﻞ وﺟﺎﻛﺘﺎت وأرﺑﻄﺔ رﻗﺒﺔ وﺷﻌﺮ ﻣﻘﺼﻮص ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺼﻌﺐ اﻟﺘﻌ ﱡﺮف إﻟﻴﻬﻦ ﺑني اﻟﺬﻛﻮر ،وﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ دﻫﻦ وﺟﻬﻪ وﺣﻤﱠ َﺮ ﺷﻔﺎﻫﻪ وأرﺧﻰ ﺷﻌﺮه و ﱠملﻊ أﻇﺎﻓﺮه وﺳﺎر ﻳﺘﺒﺨﱰ وﻳﺘﻴﻪ ﻋﺠﺒًﺎ ﻛﺄﻧﻪ اﻵﻧﺴﺔ اﻟﺤﺴﻨﺎء! أﻣﺎ ﻋﻦ ﺟﻤﺎل اﻟﺴﺤﻦ ودﻻل املﺸﻴﺔ وﻓﺎﺧﺮ اﻟﻬﻨﺪام ﻓﺬﻟﻚ ﻟﻢ أره ﰲ ﻣﻜﺎن ﻗﺒﻞ ﻫﺬا ،وﻛﺜري ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ ﻣﻦ ﴎاة اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﺠﻮم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻃﺒﻘﺖ اﻵﻓﺎق ﺳﻤﻌﺘﻬﻢ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣَ ﻦ وﻓﺪ ﻃﺎﻣﻌً ﺎ ﰲ اﻟﻐﻨﻰ راﻏﺒًﺎ ﰲ اﻟﻮﺟﺎﻫﺔ ﺳﺎﻋﻴًﺎ ﺑﺠﻤﺎﻟﻪ وﺧﻔﺔ ﺣﺮﻛﺎﺗﻪ ورﺷﺎﻗﺔ ﻗﺪه وﺷﺠﻰ ﺻﻮﺗﻪ أن ﻳﺼﺒﺢ ﰲ ﻋﺪاد ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺠﻮم ،وﻻ ﻋﺠﺐ أن ﺗﺼﺒﺢ ﻫﻮﻟﻴﻮود ﺑﻐﻴﺔ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ أﻗﴡ اﻷرض ،وﻫﻞ ﻳﺘﺎح ﻟﻬﻢ ﻣﻦ املﺠﻮن ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﻠﻬﻮ واﻹﴎاف ﻣﺎ ﻳﻠﻘﻮﻧﻪ ﻫﻨﺎ ،وﻫﻞ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﻮى ﻫﻮﻟﻴﻮود واﺣﺪة! وﻣﺎ أﺑﺪع ﻣﺎ ﻳﺮى ﺷﺎرع »ﻫﻮﻟﻴﻮود ﺑﻮﻟﻴﻔﺎر« ﻗﻠﺐ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﻨﺎﺑﺾ، وﺷﺎرع »ﻫﻮﻟﻴﻮود أﻓﻨﻴﻮ« اﻟﺬي ﻳﻠﻴﻪ ﻓﺨﺎ ًرا وﻳﻘﻄﻌﻪ ﻣﺘﻌﺎﻣﺪًا ﻋﻠﻴﻪ ،ﻣﺎ أﺑﺪﻋﻬﻤﺎ ً ﻟﻴﻼ ﺣني ﺗﻜﺎد اﻷﺿﻮاء ﻓﻴﻬﻤﺎ ﺗﺒﻬﺮ اﻟﻨﻈﺮ وﺗﺴﺘﻬﻮي اﻟﺮزﻳﻦ ،وﻗﺪﻳﻤً ﺎ ﻋُ ِﺮف اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﻮن ﺑﺎﻹﴎاف ﰲ ُﺳﺒُﻞ اﻹﻋﻼن ،وﻣﻦ أﺧﺼﻬﺎ اﻹﺿﺎءة املﻠﻮﻧﺔ املﺘﺤﺮﻛﺔ ً ﻟﻴﻼ ،وﻟﻢ أ َ َﻛ ْﺪ أوﻏﻞ ﰲ أﻃﺮاف املﺪﻳﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﺑﺪت املﺴﺎﻛﻦ اﻷﻧﻴﻘﺔ ﺑﺤﺪاﺋﻘﻬﺎ املﻨﺴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻐﻨﻰ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ املﻔﺮط وﺣﺴﻦ ذوﻗﻬﻢ وﺟﻤﻴﻞ اﺧﺘﻴﺎرﻫﻢ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻮق ﺗ ﱟﻞ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﺑﻴﻔﺮﱄ Beverly؛ ﺣﻴﺚ رأﻳﻨﺎ ﺟ ﱠﻞ ﻣﻨﺎزل اﻟﻨﺠﻮم ﰲ إﺑﺪاع ﻳﻔﻮق اﻟﻮﺻﻒ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﱰﻋﻲ ﻧﻈﺮي ً ﻟﻴﻼ أﺷﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻀﻮء 143
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﻘﻮي ﺗُ َ ﺮﺳﻞ ﻛﺎﻟﺴﻬﺎم إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ﰲ اﺗﺠﺎﻫﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺗﺘﺤﺮك ﻋﱪ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎوات وﻫﻲ ﺗﺘﻘﺎﻃﻊ وﺗﻘﻮى ﺛﻢ ﺗﺨﺒﻮ ،وﻗﺪ ﺗﺒﺪو ﻛﻮاﺑﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺐ واﻟﻨﻴﺎزك اﻟﻔﺨﻤﺔ ،وﺗﻠﻚ ﻣﻦ ﻣﻤﻴﺰات ﻛﻠﻔﻮرﻧﻴﺎ ﻋﻤﻮﻣً ﺎ ﰲ اﻹﻋﻼن وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻫﻮﻟﻴﻮد ،ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺮاﻫﺎ ﻋﲆ ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ داﺋﻤً ﺎ ﺗﻨﺒﻌﺚ ُ وﻛﻨﺖ أرى ﺗﻠﻚ املﺼﺎﺑﻴﺢ ﺗﺴري ﻋﲆ ﻋﺠﻞ ﰲ اﻟﺸﻮارع ،وإﱃ وﻛﺄﻧﻬﺎ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻘﻮﻳﺔ، ﺟﻮار ﻛ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ »دﻳﻨﺎﻣﻮ« ﻛﺒري ﻳﻮ ﱢﻟﺪ ﻟﻪ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ،وﻳﺤﺮك اﻟﺮﺟﻞ املﺼﺎﺑﻴﺢ ﻓﻴﺘﻤﺎﻳﻞ ﺷﻌﺎع اﻟﻀﻮء ﰲ ﻛﻞ اﺗﺠﺎه. وﻋﺪت ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ أزور ﻫﻮﻟﻴﻮود ﻷﻧﻲ ﻟﻢ أﺷﻒ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻏﻠﺔ ،وﺗﺰودت ﻣﻨﻪ ﻃﻮال اﻟﻴﻮم ،وﻗﺪ ﻻﺣﻈﺖ أن اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻴﻬﺎ أﻏﲆ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺒﻼد ،ﻓﻼ أﻛﺎد أﺧﺮج اﻟﺮﻳﺎل ﺣﺘﻰ ﻻ أرى ﻟﻪ ﺑﻘﻴﺔ ،وأﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﺗﻨﻔﻖ اﻟﺮﻳﺎل ﺗﻠﻮ أﺧﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺒﺢ وﻓﺎﺿﻚ ﺧﻠﻮٍّا ﻣﻦ املﺎل ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺗﻔﻴﻖ ﻟﻨﻔﺴﻚ وﻻ ﺗﻨﺪم ﻋﲆ ﻣﺎ أﻧﻔﻘﺖ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ﺣﺎل ﻫﻮﻟﻴﻮود وأﻫﻠﻬﺎ! وﻟﻘﺪ اﺳﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ﰲ أﺣﺪ ﺷﻮارﻋﻬﺎ ﻣﻨﻈﺮ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﱠ ﺎل ﻳﻨﻘﻠﻮن ﺑﻴﺘًﺎ ﺑﺮﻣﺘﻪ ﻣﻦ ﻗﻄﻌﺔ أرض إﱃ أﺧﺮى ،وﻗﺪ ﺣﻔﺮوا ﺣﻮل اﻷﺳﺲ وأوﻗﻔﻮا ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺒﻴﺖ ﻋﲆ أﻋﻤﺪة ﻣﻦ ﻛﺘﻞ ُ وﻗﻔﺖ ﻣﺒﻬﻮﺗًﺎ ﺧﺸﺒﻴﺔ ﺗﺤﺘﻬﺎ ﺑﻜﺮ ﻛﺒري ،وﺳﻴﺰﻣﻌﻮن ﺟ ﱠﺮه ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻜﺮ إﱃ ﺑﻴﺌﺘﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪة، ﻷﻧﻲ ُ ﻛﻨﺖ أﺧﺎل ذﻟﻚ ملﺎ ﺳﻤﻌﺘﻪ أول ﻣﺮة ﻣﻨﺬ ﻋﺎﻣني ﴐﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺎل أو ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻬ ﱡﻜﻢ ﻋﲆ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني »وﻓﴩﻫﻢ« ،ﻟﻜﻨﻲ أﻟﻔﻴﺘﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ،وﻗﺪ دﻫﺶ ﺻﺪﻳﻖ ﱄ أﻣﺮﻳﻜﻲ ﻷﻧﻲ ﻟﻢ أﻋﺮف أﻧﻬﻢ ﻳﻨﻘﻠﻮن اﻟﺒﻴﻮت اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﺑﻌﻴﺪة ﻣﻨﺬ زﻣﺎن ﺑﻌﻴﺪ! ﻣﺎﻟﺖ اﻟﺸﻤﺲ وآذن ﻣﻴﻌﺎد اﻟﻌﻮدة إﱃ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻓﺄﺧﺬت أودع ذاك اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺴﺎﺣﺮ ،وﻛﺎن آﺧِ ﺮ ﻣﺎ وﻗﻊ ﻧﻈﺮي ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﺰل اﻟﻨﺠﻤﺔ Ann Hardingﻓﻮق ﺣﺠﺎرة ﺗﺤﻜﻲ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻦ دوﻧﻬﺎ ﺑﺮﻛﺔ اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم اﻟﻔﺴﻴﺤﺔ ،ﺛﻢ ﻣﻨﺰل اﻟﻨﺠﻤﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ Marion Daviesﺑﺪﻳﻊ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﻓﺎﺧﺮ اﻟﺤﺪاﺋﻖ ،وﻗﺪ ُﻓﺘِﺢ ﻟﻠﻘﺎء ﻣَ ﻦ أراد ﻣﻦ اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ،وﻗﺪ اﺳﺘﻤﺘﻌﺖ ﺑﺰﻳﺎرﺗﻪ وﻟﻘﺎء ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ ،ﺛﻢ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻤﺪرج Hollyood Bowlاﻟﺬي ﻧُﻘِ ﺮ ﻣﴪﺣﻪ اﻟﻬﺎﺋﻞ ﰲ ﺻﺨﺮ اﻟﺠﺒﻞ ،و ُز ﱢو َد ﺑﻤﻘﺎﻋﺪ ﰲ ً أﻧﺼﺎف دواﺋﺮ ﺗﺘﺴﻊ ﻛﻠﻤﺎ ﺑﻌﺪت وﻋﻠﺖ ،وﻫﻨﺎ ﻳﻌﺮض اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ وﺗُ َ ﺻﻴﻔﺎ ﺆﺧﺬ ﺑﻌﺾ اﻷﻓﻼم َ ُ ُ وﻋﻠﻤﺖ أن ﺑﻬﺎ ﻃﺎﻟﺒًﺎ ﻣﴫﻳٍّﺎ اﺳﻤﻪ »ﻏﻨﻴﻢ« ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻫﻮﻟﻴﻮود زرت ﰲ اﻟﻬﻮاء اﻟﻄﻠﻖ ،وﻗﺪ ﺣﺎوﻟﺖ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻪ ﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أ ُ ﱠ ُ وﻓﻖ ،وﻫﻲ ﻏﻨﻴﺔ ﺑﺄﻗﺴﺎم اﻟﻔﻨﻮن واﻟﺘﻤﺜﻴﻞ واملﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﻐﻨﺎء. ﺳﺎر اﻟﱰام وﺳﻂ ﺿﻮاﺣﻲ ﻫﻮﻟﻴﻮود ﰲ ﻃﺮق ﺗﺤﺪﻫﺎ أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺸﻜﻞ، ﺛﻢ ﻋﺮج ﺑﻨﺎ ﻋﲆ ﻟﻮز أﻧﺠﻠﻴﺰ ،وﻗﺪ ﺗﺰودﻧﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وروﻋﺔ ﺷﻮارﻋﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺮب ﻣﻴﻌﺎد اﻟﻌﺸﺎء ﻓﺂﺛﺮﻧﺎ أن ﻧﺘﻨﺎوﻟﻪ ﰲ ﻣﻄﻌﻢ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻮدة إﱃ اﻟﺒﺎﺧﺮة ،ﻓﺪﺧﻠﻨﺎ أﺣﺪ املﻄﺎﻋﻢ اﻟﻔﺎﺧﺮة وﻗﺪ ُﻛﺘِﺐَ ﻋﻠﻴﻪ »اﻟﻮﺟﺒﺔ ﺛﻤﻨﻬﺎ ٣٥ﺳﻨﺘﻴﻤً ﺎ أي ٧ﻗﺮوش« ،وملﺎ أن وﺻﻠﻨﺎ املﻘﺎﻋﺪ ﺟﻠﺴﻨﺎ 144
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ً ﻃﻮﻳﻼ ﻓﻠﻢ ﻳﺤﴬ واﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻳﺄﻛﻠﻮن ،ﻓﺼﻔﻘﻨﺎ ﻓﺎﺳﱰﻋﻰ ذﻟﻚ ﻧﻨﺘﻈﺮ اﻟﺨﺎدم ﻧﻈﺮ اﻟﺠﻤﻴﻊ وﺟﺎءﺗﻨﺎ آﻧﺴﺔ ﺗﻘﻮل :ﻣﺎذا ﺟﺮى؟! ﻗﻠﻨﺎ :ﻧﺮﻳﺪ ﻋﺸﺎءﻧﺎ! ﻗﺎﻟﺖ :ﻗﻮﻣﻮا ﺗﻨﺎوﻟﻮه ً ﺻﻔﻮﻓﺎ ﻋﲆ ﻋﺪة ﻓﺘﻴﺎت اﻷوﱃ ﻧﺎوﻟﺘﻨﺎ »ﺻﻴﻨﻴﺔ وﻓﻮﻃﺔ وﺳﻜﻴﻨًﺎ وﻣﻠﻌﻘﺔ ﺑﺄﻧﻔﺴﻜﻢ! ﻓﺒﺪأﻧﺎ ﻧﻤ ﱡﺮ وﺷﻮﻛﺔ« ،ﻓﺤﻤﻠﻨﺎﻫﺎ إﱃ ﻗﺴﻢ اﻟﴩﺑﺔ ﻓﻤﻸت اﻷﺧﺮى ﻟﻨﺎ »ﺳﻠﻄﻨﻴﺔ« وﺿﻌﺘﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ، ﺛﻢ زﺣﻔﻨﺎ ﺑﻤﺘﺎﻋﻨﺎ إﱃ ﻗﺴﻢ اﻟﻠﺤﻮم واﻟﺴﻤﻚ ﻧﻨﺘﻘﻲ ﻣﺎ ﻧﺤﺐ ،ﺛﻢ إﱃ ﻗﺴﻢ اﻟﺨﴬ ،ﺛﻢ إﱃ ُ أﻟﻔﻴﺖ »ﺻﻴﻨﻴﺘﻲ« ﻗﺪ ﻗﺴﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎت ،ﺛﻢ ﻗﺴﻢ اﻟﺤﻠﻮى ،وأﺧريًا ﻗﺴﻢ املﴩوﺑﺎت ،ﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ُﻣﻠِﺌﺖ وﺛﻘﻞ ﻋﲇ ﱠ ﺣﻤﻠُﻬﺎ وﺷﻌﺮت ﺑﻐﻀﺎﺿﺔ ﰲ ﻧﻔﴘ أن أﻋﻤﻞ ﻋﻤﻞ اﻟﺨﺪم ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ أ َ َر ﺑﺪٍّا ﻣﻦ ذﻟﻚ واﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎك ﻛﻠﻬﻢ ﺳﻮاء ،وﺣﻤﻠﺘﻬﺎ ﰲ ﺟﻬﺪ إﱃ املﻨﺎﺿﺪ املﺠﺎﻧﺒﺔ ،ﺛﻢ أﺧﺬﻧﺎ ﻧﺘﻨﺎول ﻃﻌﺎﻣﻨﺎ ﺑﺸﻬﻴﺔ ﻛﺒرية ،وأﺧريًا ﺗﻨﺎوﻟﻨﺎ ورﻗﺔ ﺑﺎﻟﺜﻤﻦ » ٣٥ﺳﻨﺘﻴﻤً ﺎ« ﺛﻢ دﻓﻌﻨﺎه ﻋﻨﺪ اﻟﺨﺮوج، وذاك اﻟﻨﻮع ﻣﻦ املﻄﺎﻋﻢ ﻫﻮ اﻟﺸﺎﺋﻊ ﰲ ﻛﻞ ﺑﻼدﻫﻢ ،وﻳﺮى ﻓﻴﻪ اﻟﻘﻮم أداة ﺳﻬﻠﺔ ﻟﻚ أن ﺗﺨﺘﺎر ﻣﺎ ﻳﺮوﻗﻚ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم املﺮﺻﻮص أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻴﻚ ،إﱃ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﺗﻠﻚ املﻄﺎﻋﻢ رﺧﻴﺼﺔ ﺟﺪٍّا ،ﺣﺘﻰ إﻧﻚ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺘﻐﺪى ﺑﺜﻼﺛﺔ ﻗﺮوش .وﻣﻦ املﻄﺎﻋﻢ ﻣﺎ ﺗﺪﺧﻠﻬﺎ وﺗﻘﻒ إﱃ ﺟﻮار »اﻟﺒﻨﻚ« وﺗﻄﻠﺐ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ وﺗﺄﻛﻠﻪ ﻛﻠﻪ ً واﻗﻔﺎ ،وﻫﻮ أﻛﺜﺮﻫﺎ اﻧﺘﺸﺎ ًرا؛ إذ ﺗﺮى ﻣﻨﻬﺎ ﻋﴩات ﰲ ﻛﻞ ﺷﺎرع ،وﻗﺪ ﺷﺠﱠ َﻊ ﻋﲆ ﻛﺜﺮﺗﻬﺎ ﺗﺰاﺣﻢ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻷن ﺟ ﱠﻞ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺧﺎرج املﻨﺎزل ،ﻓﻼ ﻳﻜﺎدون ﻳﻌﺪون ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﰲ املﻨﺎزل ﺷﻴﺌًﺎ ،ﺑﻞ ﺗﺨﺮج اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ وﺟﺒﺔ وﻳﺄﻛﻠﻮن ﻣﺎ ﻳﺮﻏﺒﻮن. رﻛﺒﻨﺎ اﻟﱰام اﻟﴪﻳﻊ ﻋﺎﺋﺪﻳﻦ إﱃ ﺳﺎن ﺑﻴﺪرو ،وﻛﻨﺎ ﻧﻤﺮ ﺑﻘﺮى ﻛﺒرية ،وﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ أﺑﴫﻧﺎ ﺑﺸﺒﻪ ﻏﺎﺑﺎت ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺷﺒﺎك اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻨﺎ ﻫﻲ آﺑﺎر اﻟﺒﱰول اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﻛﻠﻔﻮرﻧﻴﺎ ﻣﻦ أوﱃ ﺟﻬﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ إﻧﺘﺎﺟً ﺎ ﻟﻬﺬا املﻌﺪن ،وﻛﺎﻧﺖ ﺧﺰاﻧﺎت اﻟﺒﱰول Tanksاﻷﺳﻄﻮاﻧﻴﺔ اﻟﻐﻠﻴﻈﺔ ﺗﴤء ﺑﻠﻮﻧﻬﺎ اﻟﻔﴤ ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ أﻣﻴﺎل. ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﺗﱪح ﻟﻮز أﻧﺠﻠﻴﺰ وﺿﻮاﺣﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن أﻗﻤﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣني ﻛﺎﻣﻠني ،وﻟﻢ ﻳَﺒ َْﻖ ﰲ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﺘﻤﺎﺋﺔ ﻣﺴﺎﻓﺮ ﺳﻮى ﻣﺎﺋﺔ ،واﻟﺒﺎﻗﻮن أﴎﻋﻮا إﱃ املﻘﺎم ﰲ ﻫﻮﻟﻴﻮود، وﻟﻘﺪ أﻗﻔﺮت اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻣﻦ أﻧﺴﻬﻢ وﺧﻔﺔ روﺣﻬﻢ؛ ﻓﺠﻠﻬﻢ ﻣﻤﱠ ﻦ أﻟﻔﻮا ﺣﻴﺎة املﺠﻮن واﻟﻠﻬﻮ ﰲ ﻏري ﻗﻴﺪ ﻟﺪرﺟﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻬﻮﻟﻨﻲ ،ﻓﺎﻵﻧﺴﺎت ﻳﺨﺘﻠﻔﻦ إﱃ اﻟﻔﺘﻴﺎن ،وﻳﻐﺎزﻟﻮن ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ ﺟﻬﺎ ًرا ،ﺛﻢ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﻘﺒﻴﻞ »واﻟﺰﻏﺰﻏﺔ« واﻻﺣﺘﻀﺎن وﻣﺎ ﻓﻮق ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺳﺘﻨﻜﺮه ﻛﺜريًا! واﻟﻌﺠﺐ أن ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺴﱰﻋﻲ ﻣﻦ أﻧﻈﺎر اﻵﺧﺮﻳﻦ أو ﻳﺜري ﺳﺨﻄﻬﻢ ،ﺑﻞ ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺎﻫﻤﻮن ﻓﻴﻪ ،وﺣﺘﻰ اﻷﻣﻬﺎت أو اﻵﺑﺎء ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺎﻋﺪون ﺑﻨﺎﺗﻬﻢ ﻋﲆ ذاك اﻟﻠﻬﻮ، وﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻴﺎت ﱠ ﻛﻦ ﻳﴪن ﻋﺮاﻳﺎ ﰲ ﻏري ﺣﻴﺎء ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺨﺮون ﻣﻨﻲ إذا ﻣﺎ ﻏﻀﻀﺖ 145
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻨﻬﻦ وﻋﻤﱠ ﺎ ﻳﺄﺗني ،وﻟﻢ أﺷﻬﺪ ﻣﻦ اﻹﺑﺎﺣﺔ ﰲ أﺳﻔﺎري اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ ﻣﺎ ﺷﻬﺪﺗﻪ ﻫﺬه املﺮة، وﻻ ﻋﺠﺐ ﻓﺠ ﱡﻞ اﻟﻘﻮم ﻣﻦ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني »اﻟﻬﻮﻟﻴﻮودﻳني« واﻟﻨﻴﻮزﻳﻠﻨﺪﻳني واﻷﺳﱰاﻟﻴني ،وﻛﻠﻬﻢ ﺳﻮاﺳﻴﺔ ﰲ اﻷﺧﺬ ﺑﺄﻛﱪ ﻧﺼﻴﺐ ﻣﻦ اﻹﺑﺎﺣﺔ ﰲ ﻛﻞ ﳾء. آوَى ﺟ ﱡﻞ املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﻫﺬه اﻟﻠﻴﻠﺔ إﱃ ﻣﻘﺎرﻫﻢ ﻋﲆ ﺧﻼف اﻟﻌﺎدة ﻟﻴﻌﺪوا ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ وﻳﺤﺰﻣﻮا ﻣﺘﺎﻋﻬﻢ؛ ﻷﻧﻬﺎ آﺧِ ﺮ أﻳﺎﻣﻨﺎ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ اﻟﺒﺎﺧﺮة اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺼﻞ »ﻓﺮﺳﻜﻮ« ﻇﻬﺮ اﻟﻐﺪ ،وﻛﺎن اﻟﻜﻞ ﻳﺄﺳﻔﻮن ﻋﲆ ﻣﺒﺎﺣﺔ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ واﻟﺤﺮﻣﺎن ﻣﻦ ﻣﺘﺎع اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻴﻬﺎ ،واﻟﺤﻴﺎة ﻋﲆ ﻇﻬﺮ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻣﱰﻓﺔ ﻧﺸﻴﻄﺔ؛ ﻓﻔﻲ ﺑﺎﻛﻮرة اﻟﺼﺒﺎح ﻳﻤ ﱡﺮ اﻟﻐﻼم ﺑﺠﺮس ﻳﻌﻄﻲ أﻧﻐﺎﻣً ﺎ »ﻛﺎﻟﺒﻴﺎﻧﻮ« ﻟﻴُﻮﻗِﻆ اﻟﻘﻮم ﻋﻨﺪ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ،ﺛﻢ ﻳﻄﻮف َ آﺧﺮ ﺑﺎﻟﺠﺮﻳﺪة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ اﻟﺼﻐرية ﻣﻦ ﺳﺖ ﻋﴩة ﺻﻔﺤﺔ ﻋﲆ ورق ﺻﻘﻴﻞ ﺟﻤﻴﻞ ،ﻛﻨﺎ ﻧﻘﺮأ ﻓﻴﻬﺎ أﺧﺒﺎر اﻟﺒﺎﺧﺮة واﻟﻼﺳﻠﻜﻲ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ،ﺛﻢ ﻣﻘﺎﻻت ﻗﻴﱢﻤَ ﺔ ﻋﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻘﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻣﺰ ﱠودَة ﺑﺎﻟﺼﻮر اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،ﺛﻢ ﺗﻤﺮ اﻵﻧﺴﺔ ﺑﻜﺄس اﻟﺸﺎي وﺑﻌﺾ اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ .وﰲ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ﻳﻄﻮف اﻟﺠﺮس اﻟﺜﺎﻧﻲ وﻳﺼﻴﺢ اﻟﻐﻼم» :إن اﻹﻓﻄﺎر ﺳﻴُﻘﺪﱠم ﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ «.ﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﻧﺘﻮﺟﱠ ﻪ إﱃ املﻄﻌﻢ ،وﻧﺄﻛﻞ ﻣﺎ راﻗﻨﺎ ﻣﻦ ﻃﻌﺎم ﺷﻬﻲ ،ﻓﺎﻛﻬﺔ ﻣﺜﻠﺠﺔ وﻃﺎزﺟﺔ وﻣﻄﺒﻮﺧﺔ ،وﺑﻌﺾ اﻟﺒﻮردج — اﻟﻌﺼﻴﺪة ﺑﺎﻟﻠﺒﻦ — أو ﻣﻘﺼﻮص اﻟﺮﻗﺎق اﻟﻴﺎﺑﺲ Corn flakesأو اﻟﻜﻨﺎﻓﺔ ،Shreaded wheatوﺑﻌﺾ اﻟﻠﺤﻮم واﻟﻜﺒﺪ واﻟﺴﻤﻚ وﺑﻌﺾ اﻟﺒﻴﺾ — ﻋﺠﺔ أو ﻣﻘﲇ … إﻟﺦ — وﻓﻄﺎﺋﺮ وﻣﺮﺑﻰ وﻋﺴﻞ وﻟﺒﻦ وزﺑﺪ وﺷﺎي أو ﻗﻬﻮة أو ﻛﺎﻛﺎو ،وإذا ﻣﺎ ﻓﺮﻏﻨﺎ ﻣﻦ اﻹﻓﻄﺎر ﻗﺼﺪﻧﺎ ﺑﻬﻮ املﻄﺎﻟﻌﺔ ﻧﻘﺮأ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﺮاﺋﺪ واﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﻧﻘﱰﺿﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺒﺎﺧﺮة ،ﺛﻢ ﻧﺨﺮج إﱃ ﺳﻄﻮح اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻟﻨﺴﺎﻫﻢ ﰲ اﻷﻟﻌﺎب املﺨﺘﻠﻔﺔ — ﺗﻨﺲ ،وﺑﻨﺞ ﺑﻨﺞ ،و ،Board Ballورﻣﻲ اﻟﺤﻠﻖ ،ودﻓﻊ اﻷﻗﺮاص ،Shuffle boardواﻻﺳﺘﺤﻤﺎم ﰲ اﻟﱪﻛﺔ املﺎﻟﺤﺔ ،وﻣﺎ إﱃ ذﻟﻚ — وﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﻳﺎم ﻳﻘﺎم ﺳﺒﺎق اﻟﺨﻴﻞ! وﺑني ﻣﺤﻄﺔ وأﺧﺮى ﺗﻘﺎم ﻣﺒﺎرﻳﺎت ﻋﻤﻮﻣﻴﺔ ﻳﺴﺎﻫﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ وﺗُﻌ َ ﻄﻰ اﻟﺠﻮاﺋﺰ ﻟﻠﻔﺎﺋﺰﻳﻦ. وﰲ اﻟﻌﺎﴍة ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ﻳﻄﻮف اﻟﻐﻼم ﺑﻜﺌﻮس »املﺜﻠﺠﺎت ،«Creamوإذا أﻗﺒﻞ اﻟ ﱡ ﻈﻬْ ﺮ ﱠ دق ﺟﺮس اﻟﻐﺪاء ،ﻓﺬﻫﺐ اﻟﻘﻮم إﱃ املﻄﻌﻢ ﰲ ﻏري ﺗﻜ ﱡﻠﻒ ﰲ اﻟﻬﻨﺪام ،ﻓﱰى اﻟﻜﻞ ﻧﺼﻒ ﻋﺮاﻳﺎ وﻗﺪ ﺗﺤ ﱠﺮروا ﻣﻦ ﻛﻞ ﻗﻴﺪ .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗُﻌ َﺰف املﻮﺳﻴﻘﻰ ﻓﻨﺴﺘﻤﻊ ﻟﻬﺎ ،وﺑﻌﻀﻨﺎ ﻳُﺆﺛِﺮ اﻟﻘﺮاءة ،واﻟﺒﻌﺾ ﻳﻌﻜﻒ ﻋﲆ اﻟﻀﺎﻣﺔ Checkersأو اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ Checkأو اﻟﻨﺮد أو اﻟﻮرق، وﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﺗُﻌ َﺰف املﻮﺳﻴﻘﻰ وﻳُﻘﺪﱠم اﻟﺸﺎي ،ﺛﻢ ﺗﻨﺸﻂ ﺣﺮﻛﺔ اﻷﻟﻌﺎب اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ، وﰲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻳﺪق ﺟﺮس اﻟﻌﺸﺎء وﻳﺼﻴﺢ اﻟﻐﻼم ﻣﻨﺒﱢﻬً ﺎ ﺑﺄن اﻟﻄﻌﺎم ﺳﻴُﻘﺪﱠم ﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ ً رﺟﺎﻻ وﻧﺴﺎءً إﱃ ﻏﺮﻓﻬﻢ ﻟﻴﺘﺰﻳﱠﻨﻮا وﻳﻠﺒﺴﻮا ﻓﺎﺧﺮ ﺛﻴﺎﺑﻬﻢ ﺳﺎﻋﺔ ،ﻫﻨﺎ ﻳﴪع اﻟﻘﻮم ﺟﻤﻴﻌً ﺎ 146
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ﺣﺘﻰ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻨﻬﻢ ،وﻫﻢ ﻳﺮون اﻟﻠﺒﺲ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﺸﺎء ﻻزﻣً ﺎ ،ﻓﻜﻨﺖ أﺳﺘﻌﺮض ﻣﻦ اﻷزﻳﺎء ً ﺻﻨﻮﻓﺎ وأﻟﻮاﻧًﺎ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺳﺘﺼﻞ ﺛﻐ ًﺮا ﰲ اﻟﺼﺒﺎح ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻔﻠﺔ اﻟﻌﺸﺎء ﻛﺒري ًة ﻟﻠﻮداع ،Farewell Dinnerﻧﺪﺧﻞ املﻄﻌﻢ ﻓﻨﺮى اﻷﻋﻼم اﻟﺼﻐرية وﻣﻼﺑﺲ ﻟﻠﺮأس ﻣﻦ ورق ﻣﻠﻮن ﻣﻀﺤﻚ Fancy Dressوﻗﺪ ﻳﻠﺒﺲ اﻟﺠﻤﻴﻊ أردﻳﺔ ﻣﻀﺤﻜﺔ ،أو أزﻳﺎء ﺗﻤﺜﱢﻞ ﻫﻤﺞ ً ﺟﻤﻴﻼ ،وﻻ ﺗﻠﺒﺚ ﺑﺎﻟﻮﻧﺎت اﻟﺠﻠﺪ اﻟﺮﻗﻴﻖ اﻹﻧﺴﺎن ،أو ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻢ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﻴﻜﻮن ﻋﺸﺎء املﻠﻮن ﺗﺮﻓﺮف ﻋﲆ اﻟﺮءوس وﺗﻄري ،ﺛﻢ ﻳﴬﺑﻬﺎ اﻟﺨﺎدم ﺑﺪﺑﻮس ﻓﺘﻨﻔﺠﺮ ﰲ ﺻﻮت ﻛﺼﻮت املﺪاﻓﻊ .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻧﺤﴬ ﺣﻔﻠﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ،وﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻌﺎﴍة ﻳﺒﺪأ اﻟﺮﻗﺺ واﻟﴩب إﱃ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ ،وﻫﻨﺎ ﻳﻄﻮف اﻟﻐﻼم ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺼﻮاﻧﻲ »اﻟﺴﺎﻧﺪوﺗﺶ« املﻨﻮع ،وﻗﺪ ﺗُ َ ﻌﻘﺪ أﻟﻌﺎب ﻟﻠﻤﻘﺎﻣﺮة وﺳﻂ ﻛﻞ أوﻟﺌﻚ. ذﻟﻚ ﻣﺜﻞ ﻣﻦ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﻧﻤﻀﻴﻪ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ اﻟﺒﺎﺧﺮة ،وﻻ ﻋﺠﺐ أن ﺑﺪأ اﻟﺠﻤﻊ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻷﺳﻒ ملﻐﺎدرة اﻟﺒﺤﺮ رﻏﻢ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺼﺎدﻓﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﻐﺼﺎت ﻣﻮﺟﻪ وﻣﺮﺿﻪ ،وﰲ اﻟﺤﻖ أن ﺣﻴﺎة اﻟﺒﺤﺮ ﻟﺘﻌﺸﻖ إن أﺧﻼﻫﺎ املﺮء ﻣﻦ املﻐﺎﻻة ﰲ املﺠﻮن واﻟﻠﻬﻮ ،وﻟﻌﻞ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ اﻹﺧﻮان اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺼﻄﺤﺐ ﺑﻬﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺜﺮ ﻋﺪد املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ،ﺗﺮاﻫﻢ ﻳﺨﺘﻠﻄﻮن وﻳﺘﺠﺎذﺑﻮن أﻃﺮاف اﻟﺤﺪﻳﺚ وﻳﺼريون أﺻﺪﻗﺎء ،ﻓﺤﻴﺎة اﻟﺒﺤﺮ ﺧري ﻋﻮن ﻋﲆ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﲆ ﺣﺐ املﻌﺎﴍة واﻟﺘﻬﺬﻳﺐ واﻟﺪﻋﺔ ،وﻟﻘﺪ ﴏﻓﺖ ﻧﺼﻒ ﻳﻮم اﻹﺛﻨني ﻛﻠﻪ ﰲ ﻋﺒﺎرات اﻟﻮداع وﺗﺒﺎدُل ﺑﻄﺎﻗﺎت اﻷﺳﻤﺎء واﻟﻌﻨﺎوﻳﻦ ،وﻛﻠﻨﺎ ِ آﺳﻒ ﺟﺪ اﻷﺳﻒ ﻋﲆ ﻓﺮاق ﺣﺒﻴﺒﻪ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺰد ﻋﻬﺪ ﺻﺪاﻗﺘﻪ ﻋﲆ أﺳﺒﻮﻋني .ﱠ دق ﺟﺮس اﻟﻄﺒﻴﺐ ﻇﻬ ًﺮا ،وﻗﺪ وﻓﺪ ﻣﻊ رﺟﺎل املﻬﺎﺟﺮة ُ ﻣﺮرت ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺘﻘﺪﱠﻣْ ﻨﺎ ،وﻛﺎن ﻗﻠﺒﻲ ﻳﺮﺗﺠﻒ ﺧﺸﻴﺔ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻜﺸﻒ اﻟﻄﺒﻲ ﻗﺎﺳﻴًﺎ ،ﻟﻜﻨﻲ َ اﻟﻐﺒﻄﺔ ﻛ ﱠﻠﻬﺎ، وﺗﺴ ﱠﻠﻤْ ُﺖ أوراق ﻧﺰوﱄ إﱃ أرض اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة دون ﻗﻴﺪ ،ﻓﺎﻏﺘﺒﻄﺖ ﺑﺬﻟﻚ وﻳﻈﻬﺮ أﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﺗﻐﺎﺿﻮا اﻟﻴﻮم ﻋﻦ »اﻟﱰاﻛﻮﻣﺎ«؛ رﻏﺒﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﺄﻣﻮال اﻟﺴﺎﺋﺤني. ﺧﺮﺟﻨﺎ إﱃ ﺳﻄﺢ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻧﴩف ﻋﲆ رﺑﻰ ﻛﻠﻔﻮرﻳﻨﺎ وﻧﺴﺘﻘﺒﻞ ﺧﻠﻴﺞ ﺳﺎن ﻓﺮﻧﺴﺴﻜﻮ ،ﻓﺒَﺪَا ﰲ ﻣﺪﺧﻞ ﺿﻴﻖ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ »اﻟﺒﺎب اﻟﺬﻫﺒﻲ «The golden gateﻳﻔﺼﻞ ﻣﺎ ﺑني ﻓﺮﺳﻜﻮ إﱃ ﻳﻤﻴﻨﻨﺎ »وأوﻛﻠﻨﺪ وﺑﺮﻛﲇ« إﱃ اﻟﻴﺴﺎر ،وﻗﺪ ﺑﺪأ اﻟﻘﻮم ﻳﺼﻠﻮن ﻃﺮﻓﻴﻪ ﺑﻘﻨﻄﺮة ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺷﺎﻫﻘﺔ ﺳﺘﻜﻮن أﻛﱪ ﻗﻨﺎﻃﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻃ ٍّﺮا وأﻋﻼﻫﺎ ،وﻗﺪ رأﻳﻨﺎ اﻟﻘﻮاﺋﻢ ُﺷﺪ ْ ﱠت ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺠﻨﺎزﻳﺮ اﻟﻀﺨﻤﺔ املﻘﻮﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺤﻤﻞ اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻋﻨﺪ ﺗﻤﺎﻣﻬﺎ.
147
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
) (3ﺳﺎن ﻓﺮﻧﺴﺴﻜﻮ ﺑَﺪَا ﺧﻠﻴﺞ ﻓﺮﺳﻜﻮ ﻣﻐﻀﻨًﺎ ﰲ ﺷﻌﺎب ﻋﺪة ﺗﺘﻮﺳﻄﻪ ﺟﺰر ﺻﻐرية ،رأﻳﻨﺎ ﻋﲆ إﺣﺪاﻫﺎ أﻛﱪ ﺳﺠﻦ ﻫﻨﺎك ﻳﻀ ﱡﻢ ﺑني ﺟﺪراﻧﻪ املﺤﺼﻨﺔ ﻛﺒﺎر ﻣﺠﺮﻣﻲ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻛﻠﻬﻢ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻋﺼﺎﺑﺎت ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ ،Gangstersوﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺐ ﺗﻠﻚ اﻷﺟﻮان ﺗﻘﻮم املﺪﻳﻨﺔ وﺿﻮاﺣﻴﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﺪرﺟﺎت ﺟﺒﺎل ﻣﻐﻀﻨﺔ ،وأﺑﴫﻧﺎ ﺑﻘﻨﻄﺮة أﺧﺮى ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﻄﻮل »ﻓﺮﺳﻜﻮ وﺑﺮﻛﲇ«؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺼﻞ ﻣﺎ ﺑني ﻣﻴﻼ ،وﻗﺪ ﻛ ﱠﻠﻔﺖ ً ٧٧٢٠٠٠٠٠ اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ وﻳﺒﻠﻎ اﻣﺘﺪادﻫﺎ ً ٨ ١٢ رﻳﺎﻻ ،أي ﻓﻮق ١٥ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ، وﻫﻲ أﻃﻮل ﻗﻨﺎﻃﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﺳﻄﺤﻬﺎ ﻣﻦ دورﻳﻦ :اﻷﻋﲆ ﻟﻠﺴﻴﺎرات اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ ،وﺳﻴﻤﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ إذا ﻣﺎ ﺗ ﱠﻢ ﺑﻨﺎؤﻫﺎ ٦٥أﻟﻒ ﺳﻴﺎرة ،واﻟﺪور اﻷﺳﻔﻞ ملﺮور اﻟﻌﺮﺑﺎت اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ واﻟﱰام، وﻳﺠﺘﺎزﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﻛﺎب ً ١٢٧ أﻟﻔﺎ ﰲ اﻟﻴﻮم .وﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﺸﻬﺪ املﺮﻓﺄ ﺳﺎﺣ ًﺮا ﺑﺪﻳﻌً ﺎ ،واملﻴﻨﺎء ً ﺟﻤﺎﻻ وﺗُﻌَ ﱡﺪ أﻛﱪ املﻮاﻧﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ املﻐﻠﻘﺔ اﻵﻣﻨﺔ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ. ﺗُﻨﺎﻓِ ُﺲ ِﺳ ْﺪﻧِﻲ ورﻳﻮدﺟﺎﻧريو ﻧﺰﻟﻨﺎ اﻟﺒﻠﺪ وﻧﻘﻠﺘﻨﺎ اﻟﺴﻴﺎرة إﱃ ﻧ ُ ُﺰل Stewartﰲ ﺷﺎرع ،Gearyوأﺟﺮه رﻳﺎل وﻧﺼﻒ ﰲ اﻟﻴﻮم ،واﻟﻔﻨﺪق ﻓﺎﺧﺮ ﺟﺪٍّا وﻳﻐﺺ ﺑﺎملﺴﺎﻓﺮﻳﻦ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻟﻢ أﻋﻬﺪه ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ .ﺧﺮﺟﺖ أﺟﻮب اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺪق ،وإذا ﺑﺸﻮارﻋﻬﺎ ﻋﻈﻴﻤﺔ اﻻﻣﺘﺪاد ﺷﺎﻣﺨﺔ اﻟﺒﻨﺎء ﻓﺎﺧﺮة املﺘﺎﺟﺮ واملﻌﺮوﺿﺎت ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ ﺟﺪٍّا؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻗﻠﺐ املﺪﻳﻨﺔ وﺑﺨﺎﺻﺔ ﺷﺎرع Market strأﻋﻈﻢ ً ﺣﺮﻛﺔ ،ﻳﺠﺮي ﺑﻪ أرﺑﻌﺔ أﴍﻃﺔ ﻟﻠﱰام ﻣﺘﺠﺎورة ﻟﴩﻛﺘني ﻣﺨﺘﻠﻔﺘني، ﺷﻮارع املﺪﻳﻨﺔ وأﺷﺪﻫﺎ وﺑﻌﺾ اﻟﺸﻮارع ﺗﺘﻌﺎﻣﺪ ﻋﻠﻴﻪ واﻟﺒﻌﺾ ﺗﺘﻮازى ﻣﻌﻪ وأﺧﺮى ﺗﻤﻴﻞ ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻨﻪ ،ﺛﻢ ﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﻏريﻫﺎ ﻣﺘﻌﺎﻣﺪة ﻋﻠﻴﻬﺎ ً أﻳﻀﺎ ،واﻟﻜﻞ ﺗﺴري ﻋﲆ ﻧﻈﺎم اﻟﻜﺘﻞ Blocksﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺤﺎل ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﻴﺎء اﻟﻔﺎﺧﺮة ﻛﺜري ﻣﻦ ﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﺴﺤﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ أدوارﻫﺎ ﺑني اﻟﺨﻤﺴﺔ ﻋﴩ واﻟﺨﻤﺴﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ ،وﻗﺪ ﺻﻌﺪﻧﺎ أﻋﻼﻫﺎ وﻫﻲ ﻧﺎﻃﺤﺔ ﴍﻛﺔ اﻟﺘﻠﻔﻮن إﱃ ً ﺟﻤﻴﻼ ﺳﺎﺣ ًﺮا ،وﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﻬﺎ ﰲ ﺳﺎﻋﺎت ﺳﻄﺢ اﻟﺪور اﻟﺜﻼﺛني ،ﻓﻜﺎن ﻣﺸﻬﺪ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻨﻪ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ املﻮﻇﻔني ١٦٠٠ﻣﻮﻇﻒ. وﻣﻦ املﺒﺎﻧﻲ اﻟﺮاﺋﻌﺔ دار اﻟﺒﻠﺪﻳﺔ Gity Hauﺑﻘﺒﺘﻬﺎ اﻷﻧﻴﻘﺔ ﺗﺰﻳﻦ ﻣﻴﺪاﻧﻬﺎ اﻟﻨﺎﻓﻮرات ﱡ ﺗﻐﺺ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎم ﻳُﻄﻌِ ﻤﻪ اﻟﻨﺎس ﻓريﻓﺮف ﻋﲆ أﻛﺘﺎﻓﻬﻢ وﻫﻮ أﻟﻴﻒ واﻟﺤﺪاﺋﻖ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،وﻫﻲ ودﻳﻊ .أﻣﺎ ﻋﻦ ﺣﻴﺎة اﻟﻠﻴﻞ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻮارع ﻓﺼﺎﺧﺒﺔ ﻣﺎﺋﺠﺔ ﺗﺰﻳﻨﻬﺎ اﻷﺿﻮاء املﻠﻮﻧﺔ اﻟﺘﻲ أﻟﻔﻨﺎﻫﺎ ﰲ ﻫﻮﻟﻴﻮود وﻟﻮز أﻧﺠﻠﻴﺰ ﰲ إﴎاف ﻛﺒري ،ودور املﻼﻫﻲ ﻻ ﺗُ َ ﺤﴡ ،واملﻄﺎﻋﻢ واﻟﻔﻨﺎدق ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﺑﺎملﺌﺎت؛ ﻓﻔﻲ ﺳﺎن ﻓﺮﻧﺴﺴﻜﻮ ١٥٠٠ﻓﻨﺪق ،وﻓﻮق ٣٠٠ﻣﻄﻌﻢ ﻣﻊ أن ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻻ ﻳﺰﻳﺪون ﻋﲆ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ! وﻗﺪ ﻋﺠﺒﺖ ﻛﻴﻒ ﺗﺠﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻨﺎدق واملﻄﺎﻋﻢ ﻣﻦ اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻴﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻲ ﻋﻠﻤﺖ ﱠ أن ﻧﺤﻮ ٪٥٥ﻣﻦ ﺳﻜﺎن املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ روﱠاد ﺗﻠﻚ اﻟﻨ ﱡ ُﺰل 148
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
واملﻄﺎﻋﻢ؛ ﻣﻤﺎ أﻓﻘﺪ اﻟﺒﻴﻮت روﻧﻘﻬﺎ وﻛﺎد ﻳﻘﴤ ﻋﲆ ﻧﻈﺎم اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﺒﺪﻳﻊ ،ﻓﻼ ﻳﻜﺎد أﺣﺪﻫﻢ ﻳﺄﻛﻞ ﰲ ﺑﻴﺘﻪ أﺑﺪًا ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻨﺎم ﰲ اﻟﻔﻨﺎدق ،وإذا أﺿﺎﻓﻚ أﺣﺪﻫﻢ ﻋﲆ ﻃﻌﺎم أو ﴍاب دﻋﺎك إﱃ أﺣﺪ ﺗﻠﻚ املﻄﺎﻋﻢ ،أﻣﺎ اﻟﺒﻴﺖ وﻣﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﺮﻣﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ وﺟﻤﻴﻞ أﺛﺮ ﰲ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﺶء ﻓﺬاك ﻣﺎ ﻻ ﺗﺮاه ﻫﻨﺎك أﺑﺪًا ،وﻛﺜري ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺎﻛﻦ ﺑﺎﻫﻈﺔ اﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ؛ إذ أﺟﺮ املﺒﻴﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻔﻮق ﺳﺘﺔ رﻳﺎﻻت ﰲ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ،ﻋﲆ أﻧﻚ ﺗﺠﺪ اﻟﻜﺜري ﺑني ﻧﺼﻒ اﻟﺮﻳﺎل واﻟﺮﻳﺎل ،وﺟ ﱡﻞ ﱠ »اﻟﻮﻗﺎﰲ« ﺗﺨﺪم ﻧﻔﺴﻚ وﺗﺪﻓﻊ ﻣﺎ ﺑني ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺮوش وﻋﴩة ﰲ اﻟﻌﺎدة. املﻄﺎﻋﻢ ﻋﲆ اﻟﻨﻈﺎم رﻛﺒﻨﺎ ﺳﻴﺎرة اﻟﻨﺰﻫﺔ Sightseeingﰲ رﺣﻠﺔ ﻣﺪاﻫﺎ ﻓﻮق ﺛﻼﺛني ً ﻣﻴﻼ ﰲ ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت، وأﺟﺮﻫﺎ رﻳﺎﻻن ،وﻃﻔﻨﺎ ﺑﺠﻞ ﻧﻮاﺣﻲ املﺪﻳﻨﺔ وأﻃﺮاﻓﻬﺎ ،وزرﻧﺎ ﺑﻌﺾ ﻛﻨﺎﺋﺴﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، وﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ زﻫﺎء ٣٠٠ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺟُ ﱡﻠﻬَ ﺎ ﻟﻠﻤﺬﻫﺐ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ،ﺛﻢ دﺧﻠﻨﺎ اﻷﻛﻮارﻳﻮم اﻟﺬي ﺣﻮى ً ً ً ﺧﺼﻮﺻﺎ املﻠﻮن اﻟﺒﺪﻳﻊ ،وﻟﻌﻞ أﻋﺠﺒﻪ Turkey fishوﻫﻮ ﻗﻴﻤﺔ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ اﻟﺴﻤﻚ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻠﻮﱠن ،وﺗﺤﻜﻲ أﺟﻨﺤﺘﻪ اﻟﺪﻳﻚ اﻟﺮوﻣﻲ .ﺛﻢ دﺧﻠﻨﺎ ﻣﺘﺤﻒ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ وﻻ ﺑﺄس ً ﺧﺼﻮﺻﺎ املﻌﺪﻧﻴﺔ ،ﺛﻢ وﻗﻔﻨﺎ ﺑﺸﻮاﻃﺊ اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم اﻟﺮﻣﻠﻴﺔ املﺪﻳﺪة ،وﻗﺪ أُﻗِ ﻴﻤَ ْﺖ ﺑﻤﺤﺘﻮﻳﺎﺗﻪ ﺣﻮﻟﻬﺎ املﻼﻫﻲ ودور اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ واﻟﻠﻮﻧﺎﺑﺎرك واملﻄﺎﻋﻢ ،وﰲ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﺰء ﺻﺨﺮي ﻣﻦ ﺗﻐﺺ ﻣﻴﺎﻫﻬﺎ ِ ﱡ ﺑﺴﺒَﺎع اﻟﺒﺤﺮ ﺗﻨﻔﺮ ﰲ املﺎء وﺗﻠﻌﺐ ﻣﺮﺣﺔ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﺑﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﺰﻳﺮات اﻟﺘﻲ آﻣﻨﺔ .وﻗﺪ اﺧﱰﻗﻨﺎ أﻛﱪ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎت اﻟﺒﻠﺪة وﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﻣﺘﻨﺰه اﻟﻘﺮن اﻟﺬﻫﺒﻲ وﻣﺴﺎﺣﺘﻪ ١٠١٣ ﻓﺪاﻧًﺎ ،وﺗﻜﺜﺮ املﺘﻨﺰﻫﺎت ﺧﺎرج اﻟﺒﻠﺪة ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻨﺪر ﺟﺪٍّا ﰲ وﺳﻄﻬﺎ ،ﺛﻢ اﻋﺘﻠﻴﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻼل املﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﺎ ﻓﻜﺎن ﻣﻨﻈﺮ املﺪﻳﻨﺔ وﺑﺤﺎرﻫﺎ وﻗﻨﺎﻃﺮﻫﺎ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺬﻫﺒﻲ راﺋﻌً ﺎ. ﻋﺎدت ﺑﻨﺎ اﻟﺴﻴﺎرة اﻟﻜﺒرية اﻟﻔﺎﺧﺮة ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﺎﻓﺮ إﱃ أﻗﴡ ﺑﻼد اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة، وﻳﻔﻀﻠﻬﺎ اﻟﻜﺜري ﻋﲆ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺮﻳﺤﺔ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وﻷن أﺟﺮﻫﺎ أرﺧﺺ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،ﻓﺄﺟﺮ اﻟﺴﻔﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﺎن ﻓﺮﻧﺴﺴﻜﻮ إﱃ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ً ﻣﺜﻼ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺟﻨﻴﻬﺎت وﻧﺼﻒ ،ﻣﻊ أن اﻷﺟﺮ ﰲ اﻟﻘﻄﺎر ﺿﻌﻒ ذﻟﻚ .ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ زﻳﺎرﺗﻲ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ China Townوﻫﻲ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ اﺣﺘ ﱠﻠﻪ اﻟﺼﻴﻨﻴﻮن ،وﻫﻢ ﻫﻨﺎك ﺟﺎﻟﻴﺔ ﻛﺒرية اﻟﻌﺪد ﺣﺘﻰ إن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺗﺌﻮي أﻛﱪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻴﻨﻴني ﺧﺎرج اﻟﺼني ،وﺗﻘﻊ ﻋﲆ ﺗﻞ ﺗﻨﺤﺪر ﻣﻨﻪ اﻟﺸﻮارع ﰲ ﻣﻴﻞ ﻣﺨﻴﻒ ﻗﺪ ﻳﻨﺰل ﻓﺠﺄة .°٤٥أﺧﺬﻧﺎ ﻧﺴري وﺳﻂ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻮارع ﻓﺄذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺑﺮﺣﻠﺘﻲ ﰲ اﻟﺼني ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﺎملﺒﺎﻧﻲ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﻋﲆ اﻟﻨﻤﻂ اﻟﺼﻴﻨﻲ ذي اﻟﺴﻘﻮف اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ املﻘﻮﺳﺔ ورق ﻣﻠﻮ ٍﱠن ،وﻋﻨﻮاﻧﺎت املﺘﺎﺟﺮ ﰲ ﴍاﺋﺢ ﻃﻮﻟﻴﺔ ﺗﺰﻳﻨﻬﺎ اﻷﻃﺮاف ،واملﺼﺎﺑﻴﺢ ﻣﻦ ﺣﺪﻳ ٍﺪ أو ٍ ﺑﻘﻊ اﻟﺨﻂ اﻟﺼﻴﻨﻲ اﻟﺠﺬاب ،واﻟﺤﺮﻛﺔ ﻫﻨﺎك ﻧﺎﺷﻄﺔ ﻣﺎﺋﺠﺔ ﺑﺎملﺎرة ﻣﻦ اﻟﺼﻴﻨﻴني ﺑﻌﻴﻮﻧﻬﻢ املﺎﺋﻠﺔ املﻨﺘﻔﺨﺔ وﻗﺎﻣﺎﺗﻬﻢ اﻟﻘﺼرية وأردﻳﺘﻬﻢ اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ،وﺟﻞ ﻣﺎ ﻳُﻌ َﺮض ﰲ ﻣﺘﺎﺟﺮﻫﻢ ﻣﻦ 149
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻷﻧﺴﺠﺔ واﻟﻠﻌﺐ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ،وﻟﻬﻢ ﻫﻨﺎك ﻣﻄﺎﻋﻤﻬﻢ وﻣﻜﺎﺗﺒﻬﻢ وﺟﺮاﺋﺪﻫﻢ اﻟﺘﻲ ﺗُﻄﺒَﻊ ﺑﻠﻐﺘﻬﻢ، وﻗﺪ ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﻌﺸﺎء ﰲ إﺣﺪى ﺗﻠﻚ املﻄﺎﻋﻢ وراﻗﻨﻲ ﻣﻨﻬﺎ اﻷرز وﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ ﻧﺜري اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺴﻤﻚ واﻟﴪدﻳﻦ وﺻﻨﻮف أﺧﺮى ﻟﻢ أﻋﺮﻓﻬﺎ ،واﺳﺘﻤﺘﻌﺖ ﺑﺎﻟﺸﺎي اﻟﺼﻴﻨﻲ اﻷﺧﴬ اﻟﺬﻛﻲ، ً رواﻳﺔ ﺑﺎملﻼﺑﺲ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ،ﻋﲆ أﻧﻲ أﻟﻔﻴﺖ ﺛﻢ دﺧﻠﺖ »دار اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ اﻟﺼﻴﻨﻲ« ﻓﻤﺜﱠﻠﻮا أﻣﺎﻣﻨﺎ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺟﺎﻣﺪًا ﺗﻌﻮزه اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ ،ﻓﻼ ﺗﻜﺎد املﻤﺜﻠﺔ ﺗﺘﺤﺮك أﺑﺪًا ،وﺻﻮﺗﻬﻢ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﻐﻨﺎء ﻣﻨﻔﺮ ﺟﺪٍّا ،واﻟﻨﺴﺎء ﻳﺘﻜﻠﻔﻦ اﻟﻘﻮل ﰲ ﺗﻤﺎوت ﺳﻘﻴﻢ ،وأدﻫﻰ ﻣﺎ ﰲ اﻷﻣﺮ ﻣﻮﺳﻴﻘﺎﻫﻢ؛ وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻃﺒﻮل ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﺮﻋﺪ أو ﺻﻮت ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺋﺢ ﺗﻘﺮع ﻋﺎﻟﻴًﺎ ،وﻳﺼﻴﺢ ﻣﻌﻬﺎ ﻣﺰﻣﺎر ﻣﻤﻞ اﻟﻨﻐﻤﺎت ،وﻳﺒﻠﻎ ﻣﻦ ﻋﻠﻮ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻠﺒﺔ أﻧﱠﺎ ﻟﻢ ﻧﻜﺪ ﻧﺴﻤﻊ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﻢ ﰲ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺷﻴﺌًﺎ وﻗﺪ ﺗﺼﺪﻋﺖ رءوﺳﻨﺎ ،ﻋﲆ أن اﻟﺼﻴﻨﻴني ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻨﺼﺘني ﻣﺄﺧﻮذﻳﻦ ،وﻫﻢ ﻣﻌﺮوﻓﻮن ﺑﺘﻘﺪﻳﺮﻫﻢ ﻟﻠﺒﻼﻏﺔ ﰲ اﻟﻘﻮل واﻟﺘﻌﻤﱡ ﻖ ﰲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﺛﻢ ﻛﺎن اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ املﺘﺜﺎﻗﻞ ،وأﻣﺜﺎل ﺗﻠﻚ اﻟﺪور ﻛﺜرية ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪة. ُ وﻃﻔﻘﺖ أرﺑﻌﺔ أﻳﺎم ﻛﺎﻣﻠﺔ أﺗﺰوﱠد ﻣﻦ ﻇﺮف ﺳﺎن ﻓﺮﻧﺴﺴﻜﻮ وﺧﻔﺔ آوﻳ ُْﺖ إﱃ اﻟﻨ ﱡ ُﺰل روﺣﻬﺎ وأُﻧْﺲ أﻫﻠﻬﺎ ،وﻟﻦ أﻧﴗ ﻣﺸﻴﺘﻲ ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻮارع اﻷﻧﻴﻘﺔ اﻟﻐﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻫري آن َ ً وآﺧﺮ ﺗﻠﻚ املﺒﺎﻧﻲ اﻟﺸﺎﻣﺨﺔ اﻟﺘﻲ ﺑُﻮﻟِ َﻎ ﰲ ﺗﻨﺴﻴﻘﻬﺎ ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎ ًرا ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ﺑني ٍ وﺗﺠﻤﻴﻞ ﻣﻮاﺿﻌﻬﺎ ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺒﺪو ﺟﺪﻳﺪًا ،وﻫﺬا اﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪة ﻫﻮ اﻟﺬي دﻣﱠ َﺮه اﻟﺰﻟﺰال ﺳﻨﺔ ،١٩٠٦واﺷﺘﻌﻠﺖ ﺑﻪ اﻟﻨﺎر ﻓﻠﻢ ﺗُﺒ ِْﻖ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌًﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ أﻧﺸﺄه اﻟﻘﻮم ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﲆ ﻧﻈﺎم ﱠ ﻳﺘﻮﺳﻄﻪ ﺷﺎرع .Marketوﻟﻘﺪ ﻫﻮ ﺧري ﻣﻦ ﺳﺎﻟﻔﻪ ،وﻫﻮ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺸﻤﺎﱄ اﻟﴩﻗﻲ اﻟﺬي رﻏﺒﺖ ﰲ زﻳﺎرة اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻓﺮﻛﺒﺖ ﻟﻬﺎ »اﻟﻔﺮي« ﰲ ﺿﺎﺣﻴﺔ »ﺑﺮﻛﲇ ،«Berklyوﻫﻨﺎك ﰲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ اﻟﻔﺎﺧﺮ ﻛﺎن ﱠ ﻳﺘﻠﻘﻰ دروس اﻟﺼﻴﻒ زﻫﺎء ١٦٠٠ﻃﺎﻟﺐ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺠﻬﺎت ،أﻣﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﺸﺘﺎء ﻓﻌﺪد ﻃﻼﺑﻬﺎ ً ٢٢ أﻟﻔﺎ ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﻛﱪ ﺟﺎﻣﻌﺎت أﻣﺮﻳﻜﺎ ،ﺛﻢ ﻋﺮﺟﺖ ﰲ ﻋﻮدﺗﻲ ﻋﲆ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ وﺷﺎﻃﺊ اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم ،وﻣﺎ ﺣﻮى ﻣﻦ ﺻﻨﻮف اﻷﻟﻌﺎب اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻋﲆ ٍ ﻧﻤﻂ ﻣﺎ رأﻳﻨﺎه ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ املﻼﻫﻲ ﰲ ﻣﻌﺮض اﻟﻌﺎم اﻟﻔﺎﺋﺖ ،إﻻ أﻧﻪ ﺛﺎﺑﺖ وﻋﻈﻴﻢ اﻻﻣﺘﺪاد ُ وﻣﺘﻌﺪد اﻷﻟﻌﺎب ،وﺗﺪﻫﺶ ﻟﻸﻣﻮال اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻔﻘﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎك ،وﺣﺘﻰ اﻷﻃﻔﺎل ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﻔﻘﻮن ً ُ ﻣﺨﱰﻗﺎ ﺑﻌﺾ ﺿﻮاﺣﻲ اﻟﺴﻜﻨﻰ ،وﺟﻞ ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺪت رﻳﺎﻻت ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﺑﺪون اﻛﱰاث ،ﺛﻢ َ دورﻳﻦ أو ﺛﻼﺛﺔ وﻏﺎﻟﺒﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﺸﺐ اﻟﺬي ﻳُﻄﲆ ﻓريى وﻛﺄﻧﻪ اﻟﺒﻨﺎء اﻷﺻﻢ؛ وذﻟﻚ ﺧﺸﻴﺔ آﺛﺎر اﻟﺰﻻزل ﻛﺜرية اﻟﺤﺪوث ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺎت. وﻟﻘﺪ أﻋﺪت ﺗﺠﻮاﱄ ﻟﻴﻠﺘﻲ اﻷﺧرية أﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺄﻧﻮار املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺨﺎﻃﻔﺔ وﺣﺮﻛﺘﻬﺎ املﺴﺘﻤﺮة وﻣﺘﺎﺟﺮﻫﺎ املﻌﺮوﺿﺔ ،وﺣﺘﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻨﻮك وﺑﺨﺎﺻﺔ »ﺑﻨﻚ أﻣﺮﻳﻜﺎ« ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺿﻮاء ﺗﴩق 150
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ﰲ ﺑﻨﺎﺋﻪ اﻟﻔﺎﺧﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ املﺎﻟﻴﺔ ﻓﻴﻪ ﻣﺴﺘﻤﺮة ،وﻗﺪ ُﻛﺘِﺐَ ﻋﻠﻴﻪ :اﻟﺒﻨﻚ ﻣﻔﺘﻮح آﻧﺎء اﻟﻠﻴﻞ وأﺛﻨﺎء اﻟﻨﻬﺎر .ﻋﲆ أﻧﻲ ﻻﺣﻈﺖ — رﻏﻢ ﻛﺜﺮة اﻷﻣﻮال — ﻋﺪدًا ﻛﺒريًا ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻃﻠني، وﻣﻨﻬﻢ ﻣَ ﻦ ﻛﺎن ﻳﻌﱰﺿﻨﻲ وﻳﻄﻠﺐ ﻋﻮﻧًﺎ ﻣﺎﻟﻴٍّﺎ وﻳﻘﻮل ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻌﻮز ﻻ ﻳﺠﺪ ً ﻋﻤﻼ ،وﻗﻴﻞ ﱄ إن ﻋﺪدﻫﻢ ﻳﻨﺎﻫﺰ ﻋﴩة ﻣﻼﻳني ﰲ اﻟﺒﻼد ﻛﻠﻬﺎ! وﻣﻨﻬﻢ ﻣَ ﻦ ﺗﺪﻓﻊ ﻟﻪ اﻟﺪوﻟﺔ إﻋﺎﻧﺔ ﻣﺎﻟﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺪ ً ُ وﻛﻨﺖ أﺣﺲ ﺑﺎﻷﻟﻢ املﻔﺠﻊ ﻷﻣﺜﺎل ﻫﺆﻻء؛ إذ ﻳﺒﴫون ﺑﻌﻴﻮﻧﻬﻢ ﻣﺒﻠﻎ املﺘﺎع اﻟﺬي ﻣﺮﺗﺰﻗﺎ، ﻳﻨﻐﻤﺲ ﻓﻴﻪ أﻗﺮاﻧﻬﻢ ،واﻟﺮﻳﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺬر ﺑﺴﺨﺎء ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك وﻫﻮ ﺻﻔﺮ اﻟﻴﺪﻳﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺳ ﱠﺪ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻤﺎ اﻋﺘﺎد ﻣﻦ ﺻﻨﻮف املﱰﻓﺎت وﻣﻄﺎﻟﺐ اﻟﺤﻴﺎة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﺪ ،وﻛﺎن ﻛﺜري ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺴﺒﻴﻞ ﺣﻔﺎة وﰲ ﺛﻴﺎب ﻣﺮﻗﻌﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﻢ رﻏﻢ ذﻟﻚ املﻈﻬﺮ اﻟﺒﺎﺋﺲ ﻳﺴريون ﻣَ ِﺮﺣني ،ﻓﺈذا ﺳﺄﻟﻚ أﺣﺪﻫﻢ ﻋﻮﻧًﺎ وﻟﻢ ﺗُ ِﺠﺒْﻪ إﱃ ﺳﺆﻟﻪ ﻟﻢ ﻳﻠﺤﻒ ﰲ اﻟﻄﻠﺐ ،ﺑﻞ اﺑﺘﺴﻢ وﺳﺎر إﱃ ﺳﺒﻴﻠﻪ. ُ ﻗﻤﺖ أودﱢع ﺳﺎن ﻓﺮﻧﺴﺴﻜﻮ اﻟﺘﻲ ﱠ أﺳﺴﻬﺎ اﻹﺳﺒﺎن وﰲ ﺻﺒﺎح اﻟﺠﻤﻌﺔ ١٣أﻏﺴﻄﺲ ﺳﻨﺔ ١٧٦٩ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺑﻌﺾ ﺑﻌﻮﺛﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،St Francisوﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٢٨ﻟﻢ ﻳﺰد ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻋﲆ ،٨٠٠وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺸﻒ »ﻣﺎرﺷﺎل« اﻟﺬﻫﺐَ ﺣﻮل ﻣﺠﺮى ﺳﺎﻛﺮﻣﻨﺘﻮ ﻫﺎﺟَ َﺮ اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ ﻓﺞﱟ ،وﺑﻠﻎ اﻟﺘﺰاﺣُ ُﻢ ﺣﺪٍّا ﻛﺎن اﻟﻔﺮاش ﻳﺴﺘﺄﺟﺮ ﺑﺠﻨﻴﻪ ﰲ اﻟﻠﻴﻠﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻴﻀﺔ ﺗﺒﺎع رﻳﺎﻻ ﰲ اﻟﻴﻮم ،وﰲ ﻋﺎﻣني ﺑﻠﻎ أﻫﻠﻬﺎ ً ٣٠ ﺑﺮﻳﺎل ،وﺑﻠﻐﺖ أﺟﻮر اﻟﻌﻤﺎل ً ٢٠ أﻟﻔﺎ. رﻛﺒﺖ »اﻟﺴﺎﺑﺤﺔ« إﱃ أوﻛﻠﻨﺪ ﺣﻴﺚ ﻣﺤﻄﺔ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪَ ، ُ وأﻗ ﱠﻠﻨﻲ اﻟﻘﻄﺎر ﺳﺎﺋ ًﺮا ﺻﻮب ً ﻣﺨﱰﻗﺎ ﺟﺒﺎل اﻟﺮﻛﻲ اﻟﺸﺎﻣﺨﺔ ،وﻛﺎن اﻟﺠﻮ ﺧﻼل إﻗﺎﻣﺘﻲ ﰲ ﻓﺮﺳﻜﻮ اﻟﺸﻤﺎل إﱃ ﺑﻼد ﻛﻨﺪا ً ﺟﻤﻴﻼ أﻗﺮب إﱃ ﺷﺘﺎء ﻣﴫ ﻣﻨﻪ إﱃ ﺻﻴﻔﻬﺎ ،ﺑﻌﻜﺲ ﻣﺎ ﻗﺎﺳﻴﺘﻪ ﰲ »ﻫﻮﻟﻴﻮد وﻟﻮز أﻧﺠﻠﻴﺰ« ﻣﻦ اﻟﻬﺠري اﻟﻼﻓﺢ اﻟﺬي ﻳﻔﻮق ﰲ ﻧﻈﺮي ﺻﻴﻒ ﻣﴫ ،وذﻟﻚ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺿﻤﻦ اﻟﻌﻮاﺋﻖ اﻟﺘﻲ ُ ﴏﻓﺘﻨﻲ ﻋﻦ زﻳﺎرة »ﺧﺎﻧﻖ ﻛﻠﺮادو« ﺑﻌﺪ أن ُ اﻋﺘﺰﻣﺖ زﻳﺎرﺗﻪ. ﻛﻨﺖ ﻗﺪ دﺧﻞ ﺑﻨﺎ اﻟﻘﻄﺎر ﰲ ﺳﻬﻮل ﻣﺒﺴﻮﻃﺔ ﻗﺪ اﺻﻔ ﱠﺮ أدﻳﻤﻬﺎ ﺑﺒﻘﺎﻳﺎ اﻟﻐﻼل املﺤﺼﻮدة ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺘﺴﻌﺎت ﻫﺎﺋﻠﺔ ُز ِرﻋﺖ ﺑﺄﺷﺠﺎر اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﱪﺗﻘﺎل ،ﺛﻢ أﺧﺬت اﻟﺨﴬة اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺗﺰداد ﺑﻌﺪ أن ﴎﻧﺎ زﻫﺎء ﺛﻤﺎن ﺳﺎﻋﺎت ،وﻛﺜﺮ اﻟﺸﺠﺮ اﻟﱪي ،ﺛﻢ أﺧﺬﻧﺎ ﻧﻮﻏﻞ ﰲ اﻟﺮﺑﻰ وﻧﱰك ري رﻏﻢ ﺿﺨﺎﻣﺔ ﻗﺎﻃﺮﺗﻪ ،ﺛﻢ ﻋﻤﱠ ِﺖ اﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﻨﺠﺎد اﻟﺴﻬﻮل واﻟﻘﻄﺎر ﻳﺘﻠﻮى ﺻﺎﻋﺪًا ﰲ ﺟﻬﺪ ﻛﺒ ٍ ﻛﻠﻬﺎ وﻫﻲ ﰲ اﻟﻘﻤﻢ ﻣﻦ ﺷﺠﺮ اﻟﺼﻨﻮﺑﺮ ،ﻟﻜﻦ اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﺷﺠﺎر املﻮرﻗﺔ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ Red ،woodوﻛﺎﻧﺖ ودﻳﺎن املﺎء اﻟﻐﺎﺋﺮة املﺘﻌﺮﺟﺔ ﺗﺒﺪو ﰲ رواء ﻳﺴﺘﻬﻮي اﻟﻘﻠﻮب ،وﰲ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺷﻼﻻت ﻛﺒرية ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺮى ﻧﺎدرة ﺗﻘﻮم ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ اﻟﺼﻐرية ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ،وﰲ ﻣﺠﺎورة املﺠﺎري املﺎﺋﻴﺔ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى ﻛﺜريًا ﻣﻦ ﻣﻨﺎﴍ اﻟﺨﺸﺐ وﻫﻮ ﻣﻦ أﻛﱪ ﺻﺎدرات ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺎت ،وﰲ 151
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ املﺠﺎري ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺘﻞ اﻟﺨﺸﺐ اﻟﻐﻔﻞ ﺗﻮﺻﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻮارض ﺧﺸﺒﻴﺔ ،ﻓﺘﻜﻮن »ﻋﻮاﻣﺔ« ﺳﺎﺑﺤﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ،وﻣﻘﺪﻣﻬﺎ ﻳﺮص ﰲ ﺷﻜﻞ ﻣﻘﺪم اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﰲ ﻣﺜﻠﺚ؛ ﻛﻲ ﻳﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻖ املﺎء ،وﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﻄﻌﻪ اﻟﻘﻮم ﻣﺎ ﺑﻠﻎ ﺿﺨﺎﻣﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ؛ ﺑﺤﻴﺚ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى ﺟﺰءًا ﺻﻐريًا ﻣﻦ ﺷﺠﺮة واﺣﺪة ﻳﻤﻸ ﻓﺮاغ ﻋﺮﺑﺔ ﻧﻘﻞ ﻛﺒرية ،وﻛﻠﻔﻮرﻧﻴﺎ وأرﺟﻮن ﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺬاك اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮ اﻟﻀﺨﻢ اﻟﺸﺎﻫﻖ اﻟﻌﻠﻮ ،وﻫﻮ ،Red Woodوﻛﺜري ﻣﻦ املﻨﺎﴍ ﺗﻘﻮم إﱃ ﺟﻮارﻫﺎ ﻣﺼﺎﻧﻊ ﻋﺠﻴﻨﺔ اﻟﻮرق ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،وأﺧﺬ ذاك اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗَ َﻜ ْﺪ ﺗﻤﺴﻪ ﻳﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺰداد ﺣﺘﻰ ﻗﺎرﺑﻨﺎ اﻟﺒﺤﺮ ﻋﻨﺪ ﺑﻠﺪة »ﺳﻴﺎﺗﻞ« ،وﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﻓﺮﺳﻜﻮ ً ١٧٥ ﺑﺄﻟﺴﻦ ﻻ ﺣﴫَ ﻟﻬﺎ ،واﻟﺒﻠﺪة ﻣﻘﺎﻣﺔ ﻋﲆ ﻣﻴﻼ ،وﺗﻘﻊ ﻋﲆ ﺟﻮن ﻏﺎﺋﺮ ﰲ اﻷرض ٍ ﻣﺪرج ﻓﻮق اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت ﰲ ﻣﺸﻬﺪ ﺟﻤﻴﻞ ،وﺗﺒﺪأ اﻟﺸﻮارع ﻣﺘﻮازﻳﺔ ﻣﻦ 1st Avإﱃ 2ndإﱃ … 3rdإﻟﺦ ،وﻛﻞ واﺣﺪ ﻳﻌﻠﻮ أﺧﺎه ﺑﻨﺤﻮ ﻋﴩة أﻣﺘﺎر أو ﻳﺰﻳﺪ ،وﺗﻘﻄﻌﻬﺎ ﻣﺘﻌﺎﻣﺪة ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻮار ُع أﺧﺮى ،وأﻫﻤﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺷﺎرع Pikeﻣﻘﺮ املﺘﺎﺟﺮ اﻟﻜﺒرية واﻟﺤﺮﻛﺔ ُ ﺟﺒﺖ ﺟ ﱠﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻮارع وﻫﻲ ﻋﲆ ﻧﻤﻂ املﺪن اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،وﻟﻌﻞ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ اﻟﺼﺎﺧﺒﺔ ،وﻟﻘﺪ اﺳﱰﻋﻰ ﻧﻈﺮي اﻟﺴﻮق اﻟﻌﺎم Public Marketﺗُﻌ َﺮض ﻓﻴﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺴﻠﻊ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ أﻧﻮاﻋﻬﺎ، ً وﺧﺼﻮﺻﺎ املﺄﻛﻮﻻت ﰲ ﺗﻨﺴﻴﻖ ﻛﺒري وﻧﻈﺎﻓﺔ ﺗﺎﻣﺔ ،واﻟﺒﺎﻋﺔ ﻳﺤﺎوﻟﻮن اﺳﺘﻤﺎﻟﺘﻚ ﺑﺼﻴﺎﺣﻬﻢ ﺑﺎﻟﺜﻤﻦ وﺗﺤﺴني ﺑﻀﺎﺋﻌﻬﻢ ﰲ ﺗﺰاﺣُ ٍﻢ ﻟﻢ أره ﰲ ﺳﺎﺋﺮ املﺪن اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻷﺧﺮى ،ﻣﻤﺎ أذﻛﺮﻧﻲ ﺑﺄﺳﻮاق اﻟﴩق ﻋﻨﺪﻧﺎ ،وﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻴﻨﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﺣﻴﻬﻢ ﰲ اﻟﺴﻜﻨﻰ ﻋﲆ ﻣﺜﺎل ﻓﺮﺳﻜﻮ ،وﰲ رﻛﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪة ﻣﻴﺪان ﻓﻴﻪ ﻣﺘﻨﺰه ﺻﻐري ،أُﻗِ ﻴ َﻢ وﺳﻄﻪ ﻧﺼﺐ ﻫﻨﺪي ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ،Totem Poleوﻫﻮ ﻳﻤﺜﱢﻞ ﺷﺠﺮة اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻷﻫﻞ أﻻﺳﻜﺎ ﻣﻦ اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ،وﻳﻈﻬﺮ أن اﻟﺤﺎﻟﺔ ُ ﺷﺎﻫﺪت ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻃﻠني واملﺘﺴﻜﻌني ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻘﻒ ﻋﲆ املﺎﻟﻴﺔ ﰲ اﻟﺒﻠﺪة ﻛﺎﺳﺪة ﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﻧﻮاﴆ اﻟﻄﺮق وﻳﺴﺘﺠﺪي املﺎرة. ) (4إﱃ ﻛﻨﺪا ُ ﻏﺎدرت ﺳﻴﺎﺗﻞ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ إﱃ ﻛﻨﺪا ،ﻓﺮﻛﺒﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة اﻟﻔﺎﺧﺮة ،وﻛﺎﻧﺖ ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺠﻤﺎﻫري املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ،ﻓﺴﺎرت ﺑﻨﺎ ﻓﻮق أرﺑﻊ ﺳﺎﻋﺎت »ً ٨١ ﻣﻴﻼ« ﻛﻠﻬﺎ أﺟﻮان وﺟﺰر ﺗﺤﺪﻫﺎ اﻟ ﱡﺮﺑَﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﱢﺟﻬﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﰲ ﻣﻨﺎﻇﺮ ﺳﺎﺣﺮة ،وملﺎ أن رﺳﻮﻧﺎ ﻋﲆ ﻓﻜﺘﻮرﻳﺎ ﰲ ﺟﺰﻳﺮة ﻓﻨﻜﻮﻓﺮ ،ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺮﺟﺎل املﻬﺎﺟﺮة ﻓﺨﺘﻤﻮا ﺟﻮاز اﻟﺴﻔﺮ ﰲ ﻏري ﺗﻌﻄﻴﻞ ،ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻠﺖ إﱃ ﻧ ُ ُﺰل ﺟﻤﻴﻞ ﻓﺎﺧﺮ ﻫﻮ Dominion Hotelﺑﺮﻳﺎل وﻧﺼﻒ ﰲ اﻟﻠﻴﻠﺔ ،وﻓﻴﻜﺘﻮرﻳﺎ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ 152
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ﻛﻠﻤﺒﻴﺎ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ،ﻣﻊ أﻧﻬﺎ أﺻﻐﺮ ﻣﻦ ﻓﻨﻜﻮﻓﺮ ،ﻓﺴﻜﺎﻧﻬﺎ ً ٦١ أﻟﻔﺎ ،وﻟﻘﺪ ﱠ أﺳ َﺴﺘْﻬﺎ ﴍﻛﺔ ﺧﻠﻴﺞ ﻫﺪﺳﻦ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻣﻨﺬ أن أﻗﺎﻣﺖ ﻗﻠﻌﺘﻬﺎ ﺳﻨﺔ .١٨٤٣ أﻟﻘﻴﺖ ﺑﺤﻘﺎﺋﺒﻲ ﰲ اﻟﻨ ﱡ ُﺰل ﺛﻢ ﺳﺎرﻋﺖ ﺑﺄﺧﺬ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺳﻴﺎرة اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ،ﻓﻄﺎﻓﺖ ً ﻣﻮﺣﺶ؛ ﻫﺎدﺋﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﺑﻨﺎ ﻓﻮق ﺳﺎﻋﺘني »ﺑﺮﻳﺎل« ﺧﻼل املﺪﻳﻨﺔ وﺧﺎرﺟﻬﺎ ،ﻓﺒﺪ َِت اﻟﺒﻠﺪ ُة ٍ ﻷﻧﻪ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وﻷن ﺑﻼد ﻛﻨﺪا ﺑﻌﻴﺪة ﻛﻞ اﻟﺒُﻌْ ﺪ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻠﺒﺔ وﴎﻋﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺎﻫﺪﻫﺎ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺪن اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،واﻟﺸﻮارع ﻫﻨﺎ أﻓﺴﺢ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﺸﻮارع ﻏﺮ َم ﺑﻬﺎ أﻫﻞ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ واﻃﺌﺔ ﻻ ﺗﺮى ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت اﻟﺘﻲ أ ُ ِ ً ووﺟﺎﻫﺔ Governmentو Douglasاﻟﺬي ﻳﻮازﻳﻪ ،ﺛﻢ املﺘﺤﺪة ،وأﻛﺜﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮق ﺣﺮﻛﺔ Yatesو Fortاﻟﻠﺬان ﻳﻘﻄﻌﺎﻧﻬﻤﺎ ،وﻣﻦ أﺟﻤﻞ أﺣﻴﺎﺋﻬﺎ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ وﻫﻲ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﰲ ﻓﺮﺳﻜﻮ ﻟﻜﻨﻬﺎ أﺻﻐﺮ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻣﻦ املﺒﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺘﺬب اﻟﻨﻈﺮ دار اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻳﺘﻘﺪﱠﻣﻬﺎ ﴘ ﻣﻦ ﴩف ﻋﲆ ﺟﻨﺎح ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،ﺛﻢ أوﺗﻴﻞ Empressاﻟﻬﺎﺋﻞ اﻟﺬي ُﻛ ِ َ ﺗﻤﺜﺎل »ﻓﻜﺘﻮرﻳﺎ« ،وﺗُ ِ ﺧﺎرﺟﻪ ﺑﺎﻟﻨﺒﺎت املﺘﺴﻠﻖ اﻷﺧﴬ اﻟﺒﺪﻳﻊ ،وﻫﻮ ﻣﺰوﱠد ﺑﺂﻳﺎت اﻟﺰﺧﺮف واﻹﴎاف ﰲ اﻟﺘﺄﺛﻴﺚ ﻣﻦ داﺧﻠﻪ ،وإﱃ ﺟﻮاره املﺘﺤﻒ اﻟﺼﻐري واﻟﺰورق اﻟﴩاﻋﻲ اﻟﺬي ﻃﺎف ﺑﻪ ﺷﺎب ﺳﻨﺔ ١٩٣٠ ﻧﺤﻮ ٤٠أﻟﻒ ﻣﻴﻞ ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻟﻘﺪ ﺧﺮﺟَ ْﺖ ﺑﻨﺎ اﻟﺴﻴﺎرة ﻣﺨﱰﻗﺔ اﻟﻐﺎﺑﺎت ﺧﺎرج اﻟﺒﻠﺪة، ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ،Fernsوﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺜﻴﻔﺔ اﻟﺸﺠﺮ وﻫﻲ ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻨﺒﺎت اﻟﻄﻔﻴﲇ ﺟﺪٍّا ،وﻛﻨﱠﺎ ﻧﻤ ﱡﺮ ﺑﺎﻟﺒﻴﻮت اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ اﻟﺼﻐرية ﻣﻨﺜﻮرة وﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻣﺰارع اﻟﻐﻼل واﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ املﻨﺨﻔﻀﺎت ،وأﺧريًا دﺧﻠﻨﺎ ﺣﺪﻳﻘﺔ Butchartوﻫﻮ أﺣﺪ اﻟﴪاة أﺻﺤﺎب املﻼﻳني َ َ ً َ َ ز ﱠو َد ﺑﻴﺘﻪ ﺑﺤﺪاﺋﻖ ﺑﺎﻟﻎ ﰲ ﺗﻨﺴﻴﻘﻬﺎ وﺗﻨﻮﻳﻊ ﺷﺠﺮﻫﺎ وزﻫﻮرﻫﺎ اﻟﺘﻲ أﻋَ ﱠﺪ ﻟﻬﺎ ﺑﻴﻮﺗﺎ زﺟﺎﺟﻴﺔ، ﺟﻨﺎح ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻟﻠﺤﻴﻮان ﺛﻢ أﻣَ ﺪﱠﻫﺎ ﺑﻤﻘﺎﻋﺪ ﰲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷﺷﻜﺎل وﰲ ﻋﺪدٍ ﻻ ﺣﴫَ ﻟﻪ ،وﰲ ٍ ري ﻣﻦ املﺘﺴﻌﺎت ﻗﺪ أﻋ ﱠﺪ ﻣﻼﻋﺐ ﻟﻸﻃﻔﺎل وأراﺟﻴﺢ ،ﺛﻢ ﻓﺘﺢ أﺑﻮاﺑﻬﺎ ﻟﻠﺠﻤﺎﻫري واﻟﻄﻴﻮر ،وﰲ ﻛﺜ ٍ ﺗﺆﻣﻬﺎ ﻟﻠﻨﺰﻫﺔ واﻟﻠﻌﺐ ﻣﺘﻰ ﺷﺎءت. ﺻﻨِﻊُ ، وﰲ ﻋﻮدﺗﻨﺎ زرﻧﺎ املﺮﺻﺪ ﻓﻮق رﺑﻮة ﺷﺎﻫﻘﺔ ،وﺑﻪ ﻣﻨﻈﺎر ﻳﻌ ﱡﺪ ﻣﻦ أﻛﱪ ﻣﺎ ُ ﺻﺒ ْﱠﺖ ﻋﺪﺳﺎﺗﻪ ﰲ ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ ُ وﺻ ﱢﺪ َر ْت إﻟﻴﻪ ﻗﺒﻞ اﺣﺘﻼل اﻷملﺎن ملﺪﻳﻨﺔ Liegeﺑﺜﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻓﻘﻂ ،واملﺮﺻﺪ ﺛﺎﻧﻲ ﻣﺮاﺻﺪ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ،واملﺪﻳﻨﺔ ﺑَﺪ ْ َت آﻳﺔ ﰲ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ أﻋﺠﺐ ملﺎ ﻮرﻧ َ ْﺖ ﺑﺎﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎوﻳﻬﺎ ﻋﺪدًا ﰲ ﻋﻠﻤﺖ أن ﻧﺴﺒﺔ وﻓﻴﺎت اﻷﻃﻔﺎل أﺻﻐﺮﻫﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،إذا ُﻗ ِ اﻟﺴﻜﺎن ،وﻳُﻄﻠِﻘﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ »ﺑﺎب ﻛﻨﺪا«؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻧﻘﻄﺔ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﺠﻤﻴﻊ اﻟﺒﻼد اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ؛ ً وﻣﻌﺮوﺿﺎ ﻟﻠﺒﻴﻊ ﰲ ﻛﺜري وﻟﺬﻟﻚ ﻳﺮﻣﺰون ﻟﻬﺎ ﺑﻤﻔﺘﺎح ذﻫﺒﻲ ﺗﺮاه ﻣﻌ ﱠﻠ ًﻘﺎ ﻋﲆ ﺻﺪور ﺑﻌﻀﻬﻢ، ﻣﻦ ﻣﺘﺎﺟﺮﻫﻢ ،وﻣﺎ ﻛﺎن أﺟﻤﻞ دار اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ وﻗﺪ أﴈء ﺻﺪرﻫﺎ ﻛﻠﻪ ﺑﺎﻟﺜﺮﻳﺎت ً ﻟﻴﻼ ،وﻛﺎﻧﺖ 153
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺗﻮاﺟﻬﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﺤﺮ ﺳﻔﻴﻨﺔ ُ ﺻﻨِﻌَ ْﺖ ﰲ ﺷﻜﻞ ﻣﴪح ﻫﺎﺋﻞ ُز ﱢو َد ﺑﺎﻟﻨﻘﻮش واﻷﺿﻮاء اﻟﻘﻮﻳﺔ، وأُﻗِ ﻴ َﻢ ﻣﺪرج ﻛﺒري أﻣﺎﻣﻪ ﻋﲆ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﺟﻠﺲ ﻓﻴﻪ اﻟﺠﻤﺎﻫري ﻳﺴﺘﻤﻌﻮن ﻟﻔﺮﻗﺔ املﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻜﺒرية ،وﻟﻐﻨﺎء ﺑﻌﺾ املﺘﻄﻮﻋني ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺮﺟﺎل ،أﻣﺎ أﺿﻮاء اﻟﺸﻮارع وﻣﻼﻫﻴﻬﺎ ﻓﻘﻠﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ملﺎ ﺗﺮاه ﰲ املﺪن اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،واﻟﺒﻠﺪ ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺴﻜﺴﻮﻧﻲ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﰲ ﺑﺮوده وﺟﻤﻮد ﺣﺮﻛﺘﻪ ،ﻋﲆ أﻧﻪ ﺧﻔﻴﻒ اﻟﺮوح ﰲ ﺟﻤﻠﺘﻪ. وﻻ ﻳﺒﺪو ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎ ﻣﻈﻬﺮ اﻟﻐﻨﻰ وﺗﺒﺪﻳﺪ املﺎل ﻛﻤﺎ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ، وﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻓﻘﺮاء وﻳﺴﺘﺠﺪون ﻏريﻫﻢ ،وﻳﺒﺪو ﻋﲆ ﻫﻨﺪام ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﻌﻮز اﻟﺸﺪﻳﺪ، وﺣﺘﻰ أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ ﻗﺪ اﻋﺘﺎد اﻟﻜﺜريُ ﻣﻨﻬﻢ ذاك اﻟﺘﺴ ﱡﻮ َل. َ اﻟﺴﺎﺑﺤﺔ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ … ﻗﻤﻨﺎ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺴﺎءً ﻧﺴﺘﻘ ﱡﻞ ) (5ﻓﻨﻜﻮﻓﺮ وﻛﺎن اﻟﺘﺰاﺣُ ُﻢ ﻓﻮق اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻛﺒريًا ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ أﻛﺘﺎﻓﻨﺎ ﺗﺘﺴﺎﻧﺪ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻣﻜﺎن ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ؛ ذﻟﻚ ﻷن ﻫﺬا املﻴﻌﺎد ﺻﺎد َ َف اﻟﻴﻮﺑﻴﻞ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﻟﺬﻟﻚ أﻗﺎﻣﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺪة ﻣﻬﺮﺟﺎﻧﺎت وزﻳﱠﻨﻮﻫﺎ وﺧﻔﻀﻮا أﺟﻮر اﻟﻨﻘﻞ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﻛﺎﻣﻠني ،ﻫﺬا إﱃ أن اﻟﻘﻮم ﻳﺤﺒﻮن اﻻﻧﺘﻘﺎل ،ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺳﻨﺤﺖ ﻟﻬﻢ ﻓﺮﺻﺔ ﺳﺎﻓﺮوا ﰲ ﻧﺰﻫﺔ ﺑﺤﺮﻳﺔ ،وﻫﻞ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ اﻟﺴري ﺑني أﺟﻮان ﺟﺰﻳﺮة ﻓﻨﻜﻮﻓﺮ وﻣﻨﺎﻇﺮﻫﺎ اﻟﺴﺎﺣﺮة. ٍ وﺟﺰﻳﺮات ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت وﺗﺘﻠﻮى ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺻﺨﻮر ﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺴري أرﺑﻊ ﺳﺎﻋﺎت وﺳﻂ ٍ ً ﺧﻼﺑﺔ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﻨﺎدق ﻣﻜﺘ ﱠ اﻷﺟﻮان ﰲ ﻣﻨﺎﻇﺮ ﱠ ُ ﻏﺮﻓﺔ وﺟﺪت ﻈﺔ ﺣﺘﻰ إﻧﻲ ﺑﻌﺪ ﺟﻬﺪ ١ ﱄ ﰲ ﻧ ُ ُﺰل Dunsmuirوﻻ َ ﺑﺄس ﺑﻬﺎ وأﺟﺮﻫﺎ » ١ ٢رﻳﺎل« ،أﺧﺬت أﺟﻮب أﻛﺜﺮ ﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ ً ﺣﺮﻛﺔ ﰲ ﺷﻮارع ﻓﺴﻴﺤﺔ وأﺑﻨﻴﺔ ﻻ ﺑﺄس ﺑﻮﺟﺎﻫﺘﻬﺎ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻮ ﻋﴩﻳﻦ دو ًرا ،وﻗﺪ ُزﻳﱢﻨ َ ْﺖ ﺑﺎﻷﻋﻼم واﻟﺜﺮﻳﺎت ،و ُﻛﺘِﺐَ ﻋﲆ اﻷﻋﻤﺪة »ﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺑﻜﻢ«؛ وذﻟﻚ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻻﺣﺘﻔﺎل اﻟﺬﻫﺒﻲ ،وأﻛﱪ ﺷﻮارﻋﻬﺎ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﺟﺮاﻧﻔﻞ Granvilleﻳﻤﺘﺪ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا ،وﰲ أﺣﺪ ﻃﺮﻓﻴﻪ ﻧﻬﺮ ﻓﺮﻳﺰر ،وﻣﻦ أﺟﻤﻞ املﺒﺎﻧﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻨﺪق ﻓﺎﻧﻜﻮﻓﺮ اﻟﺬي ﺗﺪﻳﺮه ﺳﻜﺔ ﺣﺪﻳﺪ ﻛﻨﺪا اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻜﻴﺔ، ُ أﺧﺬت ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺳﻴﺎرة اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ وﻃﻔﻨﺎ ﺑﻨﻮاﺣﻲ وﺑﻬﺎ ﻓﻮق ٥٠٠ﻏﺮﻓﺔ ،وﰲ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺒﻠﺪة ،وﻣﻤﺎ راﻗﻨﻲ ﻛﺜريًا املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ،وﺑﻬﺎ ١٤أﻟﻒ ﺻﻴﻨﻲ ﻳﻘﻄﻨﻮن ﰲ ﺑﻴﻮت ﺻﻴﻨﻴﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ،وﻟﻬﻢ ﻣﻌﺎﺑﺪ ،وإﻋﻼﻧﺎﺗﻬﻢ ﺑﺨﻄﻬﻢ اﻟﻌﺠﻴﺐ. ودﺧﻠﻨﺎ ﻣﻌﺮﺿﻬﻢ وﻓﻴﻪ ﺑﻮاﺑﺔ ﻓﺎﺧﺮة أﻗﺮﺿﺘﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺣﻔﻼت اﻟﻴﻮﺑﻴﻞ ،وإﱃ ﺟﻮارﻫﺎ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ وﺑﻬﺎ ﺳﺒﻌﺔ آﻻف ،وأﺧريًا وﺻﻠﻨﺎ Stanley Parkﰲ 154
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ﻣﺴﺎﺣﺔ ١٠٨٤ﻓﺪاﻧًﺎ ،ﺟﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﺘﻲ أدﻫﺸﻨﺎ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺸﺠﺮ ﻓﻴﻬﺎ وﺿﺨﺎﻣﺘﻪ، ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ،Red Cedar وﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﺤﻴﻄﻪ ﻋﲆ ٦٠ﻗﺪﻣً ﺎ ،وﻳﺸﻤﺦ ﻋﺎﻟﻴًﺎ ﰲ اﻟﺠﻮ وﺗﺒﺪو ﺟﺬوﻋﻪ وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺣﺰﻣﺔ ﻣﻦ أﺷﺠﺎر اﻟﺘﻮت ﻋﲆ ﺑﻌﻀﻬﺎ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻨﻤﻮ ﻣﻦ وﺳﻂ ﺟﺬع ﻟﺸﺠﺮ ٍة أﺧﺮى ُﻗ ِﻄﻌﺖ ﻣﻦ ﻗﺪﻳﻢ ،وﻫﻨﺎك ﺷﺠﺮة ﻣﻠﺘﻮﻳﺔ ﻧﻤﺎ اﻟﻘﺴﻢ اﻷﻛﱪ ﻣﻦ ﺟﺬﻋﻬﺎ ٍ أﻓﻘﻴٍّﺎ ،وﻗﺪ ﻧﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺠﺮﺗﺎن رأﺳﻴﺘﺎن ﻣﻦ ﻧﻮع َ آﺧﺮ ،وأﻗﺴﺎم اﻟﺰﻫﻮر ﻫﻨﺎك ﻛﺒرية وﺗﺤﻮي ً وﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﻘﺴﻢ املﺴﻤﱠ ﻰ ،Shakespeare’s houseوﻓﻴﻪ ﺗﻨﻤﻮ ﻛﻞ اﻟﺰﻫﻮر ﻣﺠﺎﻣﻴﻊ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﺣﻮض ﻟﻠﺰﻫﻮر اﻟﺘﻲ ورد ذﻛﺮﻫﺎ ﰲ ﻣﺆﻟﻔﺎت ﺷﻜﺴﺒري ،واﻟﻌﺠﻴﺐ أﻧﻬﻢ ﻳﻀﻌﻮن وﺳﻂ ﻛﻞ ٍ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢَ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﻟﺘﴤء ً ﻟﻴﻼ ،وﺗﻈﻬﺮ اﻟﺰﻫﻮر ﰲ ﺷﻜﻞ ﺑﺪﻳﻊ ،وﻗﺪ ُز ﱢو َد املﺘﻨﺰه ﺑﺎملﻼﻋﺐ ﱠ ﻣﺨﺼﺺ ﻟﻠﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ،وﻗﺪ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﺑﻪ املﺨﺘﻠﻔﺔ واﻟﺤﻤﺎﻣﺎت وﺣﻈﺎﺋﺮ اﻟﺤﻴﻮان ،وﺑﻪ ﻗﺴﻢ ً ﺷﺎﻫﻘﺎ ،وﻫﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻫﻨﺪﻳﺔ ﻧﻤﻮذﺟﻴﺔ ﺗﺘﻘﺪﱠﻣﻬﺎ أﻧﺼﺎﺑﻬﻢ املﺨﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﻧﻘﺮ اﻟﺨﺸﺐ ،وﺗﺒﻠﻎ ﻋﻠﻮٍّا ٍ أﺟﻨﺤﺔ ﺗﻨﺬر ﺑﺎﻟﺮﻋﺪ واملﻄﺮ ،وﻋﻴﻮن ﻣﺤﺪﻗﺔ ﺗﻨﺬر ﺑﻮﻣﻴﺾ اﻟﱪق املﺨﻴﻒ. ﺗﻤﺜﱢﻞ اﻵﻟﻬﺔ ذوات وﻫﻨﺎك أﺛﺮ ﺣﺠﺮي ﻟﻠﻬﻨﻮد ُﻗ ﱢﺪ َر ﻋﻤﺮه ﺑﻨﺤﻮ ١٨٠٠ﺳﻨﺔ ،وﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ املﺘﻨﺰه ﺟﺰﻳﺮة ﺻﺨﺮﻳﺔ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ Dead Mans’ Islandﻛﺎن اﻟﻬﻨﻮد ﻳﺪﻓﻨﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻮﺗﺎﻫﻢ ،وﻃﺮﻳﻘﺘﻬﻢ ﰲ اﻟﺪﻓﻦ أن ﺗُ َ ﻮﺿﻊ اﻟﺠﺜﺔ ﰲ زورق ﻳُﻌ ﱠﻠﻖ ﺑني اﻷﺷﺠﺎر وﺗﺤﺮﺳﻪ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﺒﺎح واﻷﻧﺼﺎب ُﴩف ﻋﲆ أﺟﻮان املﻴﻨﺎء ﻣﻦ ﻋﺪة ﻣﻮاﺿﻊ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺒﺪو اﻟﺠﺰﻳﺮات واﻟ ﱡﺮﺑَﻰ اﻟﺒﺸﻌﺔ ،واملﺘﻨﺰه ﻳ ِ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت ﰲ ﺟﻤﺎل راﺋﻊ ،ﻓﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺎت ﻏﻨﻴﺔ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻬﻮي ً ﻃﻮﻳﻼ. املﺮءَ أن ﻳُﻘِﻴ َﻢ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﺎع َ ﻓﻠﻴﺴ ْﺖ ﰲ روﻋﺔ اﻟﺒﻼد اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،وﻳﺒﺪو ﻋﲆ ﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ اﻟﻘِ ﺪَم؛ ﻓﻬﻲ أﻣﺎ اﻟﺒﻠﺪة ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﻗﺎﺗﻤﺔ ﻏﱪاء ،وأﻫﻠﻬﺎ أﺑﻌﺪ ﻋﻦ وﺟﺎﻫﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني ﰲ ﻫﻨﺪاﻣﻬﻢ وﻣﺮﺣﻬﻢ ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ رﻗﻴﻖ اﻟﺤﺎل ﻣﻌﻮز ﻣﺤﺘﺎج. وﻣﻦ املﺘﺎﺟﺮ اﻟﺘﻲ زرﻧﺎﻫﺎ Stanleyﻣﻦ ﺳﺘﺔ أدوار ،وﰲ أﻋﻼﻫﺎ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﺳﻤﺎوﻳﺔ ﻣﻌ ﱠﻠ َﻘﺔ ﻳﺼﻌﺪ إﻟﻴﻬﺎ ﻣَ ﻦ ﺷﺎء اﻟﱰﻳﱡﺾ واﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﻤﻨﻈﺮ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻗﺪ راﻗﻨﻲ ﰲ اﻟﺪور اﻟﺴﺎدس ﻣﻌﺮوﺿﺎت »املﻮﺑﻠﻴﺎت« ﺗﻔﺮش اﻟﺤﺠﺮات ً ﻓﺮﺷﺎ ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ،ﻓﻴ َُﺨﻴﱠﻞ إﻟﻴﻚ أﻧﻬﺎ ﰲ ٍ ﺑﻴﺖ ِ ً ﺧﻤﺴﺎ ﻋﺎﻣ ٍﺮ ﺑﺎﻟﺴﻜﺎن ،وﻗﺪ اﺳﱰﻋﻰ ﻧﻈﺮي ﻛﺜﺮة اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﰲ ﻓﻨﻜﻮﻓﺮ وﻓﻜﺘﻮرﻳﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﺠﺪ ﺷﺎرع واﺣﺪٍ ،إﱃ ذﻟﻚ ﺟﻤﺎﻋﺔ املﺒﴩﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ُ ﻛﻨﺖ أراﻫﻢ ﰲ ﻧﻮاﴆ اﻟﻄﺮق ﻳﺨﻄﺒﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ٍ ﱡ اﻟﺘﻤﺴﻚِ ﺑ Jesusوﻣﻌﻬﻢ املﻮﺳﻴﻘﻰ ﺗﻌﺰف ﻟﻬﻢ ﺑني آوﻧﺔ وأﺧﺮى ،وﻛﻨﺖ اﻟﻨﺎس ﺣﺎﺛﱢني ﻋﲆ ً ﻧﺴﺨﺎ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﰲ ﻛﻞ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎدق ﻫﻨﺎك. أرى ُ ﻗﻤﺖ ﻣﺴﺎءً ﺑﻘﻄﺎر Canadian Nationalاﻟﺴﺎﺑﻌﺔ إﻻ رﺑﻌً ﺎ أﺧﱰق … 155
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
) (6ﺟﺒﺎل اﻟﺮﻛﻲ ً ﱡ ﺟﺒﺎﻻ وﻃﻴﺌﺔ ﺗﻐﺺ ﺑﺎﻟﻐﻼل واﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ،ﺛﻢ ﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺘﺴﻠﻖ ﻓﴪﻧﺎ ﰲ ﻣﺘﺴﻌﺎت ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻮل ري، ﻧﺼﻒ ﻣﺠﺪﺑﺔ ،وﻣﺎ ﻓﺘﺌﺖ اﻷﺷﺠﺎر ﺗﺘﺰاﻳﺪ واﻟﺠﺒﺎل ﺗﻌﻠﻮ واﻟﻘﻄﺎر ﻳﺠ ﱡﺪ ﺻﺎﻋﺪًا ﰲ ﺟﻬ ٍﺪ ﻛﺒ ٍ وﻗﺎﻃﺮﺗﻪ ﺗﻌ ﱡﺪ ﻣﻦ أﺿﺨﻢ ﻗﺎﻃﺮات اﻟﻌﺎﻟﻢ وأﺣﺪﺛﻬﺎ ،وﰲ ﺷﻔﻖ اﻟﺼﺒﺎح ﺑﺪأﻧﺎ ﻧﻮﻏﻞ ﰲ ﺗﻴﻪ ﻣﻦ اﻟ ﱡﺮﺑَﻰ واﻟﻐﺎﺑﺎت ﺗﻄﻮﻗﻬﺎ ﻣﺴﺎﻳﻞ املﻴﺎه ﺗﻨﻘﺒﺾ ﺗﺎر ًة وﺗﻨﺒﺴﻂ أﺧﺮى ،ودوي املﻴﺎه ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﺮﻋﺪ ،وﻛﻢ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺸﻼﻻت راﺋﻌﺔ أﻓﺨﻤﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧًﺎ »ﺷﻼل اﻷﻫﺮام« اﻟﺬي ﺗﺘﻔﺠﺮ ﻣﻴﺎﻫﻪ وﻫﻲ ﻫﺎوﻳﺔ إﱃ اﻷﻏﻮار ﰲ ﺷﻜﻞ ﻣﺜﻠﺚ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺪﺑﺒﺔ اﻟﺴﻮداء ﻗﻴﱢﻤَ ﺔ اﻟﻔﺮاء واﻟﺘﻴﺎﺗﻞ واملﻮس واﻷﻟﻚ ﺗُ َﺮى ﻫﻨﺎك ﻋﲆ ﻗﻠﺔ ،وﻗﺪ ﺷﻌﺮت أﻧﻬﺎ آﻣﻨﺔ؛ إذ ﻫﻲ ﰲ اﻟﺤﺮم اﻟﺬي ﻳُﻤﻨَﻊ ﻓﻴﻪ ﺑﺈذن ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،وﻗﺪ ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺼﻴﺪ ،وﺣﺘﻰ املﺘﻮﺣﺶ ﻻ ﻳﴬﺑﻪ اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ إﻻ ٍ ﻣﻦ ﺑﺤريات ﻓﻀﻴﺔ آﺳﻨﺔ ﺗﻨﻌﻜﺲ ذرى اﻟﺠﺒﺎل املﺤﻴﻄﺔ ﺑﺄﺷﺠﺎرﻫﺎ اﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ ﻣﺎﺋﻬﺎ ﰲ ﻣﺸﻬﺪ راﺋﻊ ،وﺑني آوﻧﺔ وأﺧﺮى ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى ﺑﻌﺾ اﻟﺜﻠﺞ اﻟﻨﺎﺻﻊ اﻟﺒﻴﺎض ﻳﻜﺴﻮ اﻟﺮﺑﻰ اﻟﻨﺎﺋﻴﺔ ،وﻟﻌﻞ أروﻋﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ Mt. Robsonوﻋﻠﻮه » ،«١٢٩٧٢وﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻷﻧﻬﺎر اﻟﺘﻲ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻬﺎ ﻓﺮﻳﺰر اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﺴﻊ ﰲ ﺑﻌﺾ ﺟﻬﺎﺗﻪ إﱃ ﺛﻼﺛﺔ أﻣﺜﺎل ﻧﻴﻞ ﻣﴫ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺑﺤﺎت اﻟﺨﺸﺐ ﺗﻌﻮم ﰲ ﺳﻼﺳﻞ ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﺗﺠﺮﻫﺎ اﻟﻠﻨﺸﺎت إﱃ ﺣﻴﺚ ﺗﻨﴩ ،وﻛﺎن ﻳﻬﻮﻟﻨﻲ ً ﻋﺠﻴﺒﺔ ،وﻇ ﱠﻠ ْﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻤﻮ اﻷﺳﻔﻞ ﻟﻠﻨﺒﺎت اﻟﻄﻔﻴﲇ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﴪﺧﺲ Fernsاﻟﺬي ﻛﺜﺮ ﻛﺜﺮ ًة ﱠ اﻟﺨﻼﺑﺔ ﺗﺘﺰاﻳﺪ ﺳﺤ ًﺮا ﻛﻠﻤﺎ أوﻏﻠﻨﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺎل ،وﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮى اﻟﻨﺎدرة ﺑﺒﻴﻮﺗﻬﺎ املﻨﺎﻇﺮ اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ اﻟﺼﻐرية ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻮاﺣﺪة واﻟﻨﺼﻒ ﻣﻦ ﻳﻮم اﻷرﺑﻌﺎء ﺣني وﺻﻠﻨﺎ … ) (7ﺟﺎﺳﱪ ُ ﺗﺮﻛﺖ اﻟﻘﻄﺎر وودﱠﻋْ ُﺖ ﻣَ ﻦ ﺣﻮﱄ ﻣﻦ رﺟﺎل وﻧﺴﺎء أي ﺑﻌْ َﺪ زﻫﺎء ١٨ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻓﻨﻜﻮﻓﺮ ،ﻫﻨﺎ ُ آوﻳﺖ إﱃ ﻓﻨﺪق »اﻷﻫﺮام« اﻟﺘﻔﻮا ﺑﻲ وﻋﻜﻔﻮا ﻋﲆ اﻟﺘﺤﺪﱡث إﱄ ﱠ وﺗﻤﻨﱠﻮا ﱄ رﺣﻠﺔ ﺳﻌﻴﺪة ،ﺛﻢ اﻟﺼﻐري اﻟﺠﻤﻴﻞ ،وﻗﺪ آﺛﺮﺗﻪ ﻋﲆ ﻏريه ﺑﻤﺠﺮد أن رأﻳﺘﻪ ﻳﺤﻤﻞ اﺳﻤً ﺎ ﻣﴫﻳٍّﺎ ،واﻟﺒﻠﺪة ﻛﻠﻬﺎ ٍ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻼت اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،ﻧُﺜِﺮت وﺳﻂ املﺰارع اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺻﻐرية ﺗﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺗُ َ ﻜﴗ ﺑﺎﻟﺨﴬة واﻟﺸﺠﺮ اﻟﺼﻨﻮﺑﺮي، وﻗﺎﻣﺖ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﺨﺎرﻳﻂ اﻟﺠﺒﺎل ﻣﻦ ﻛﻞ ٍ ﱠ وﻳُﻐ ﱠ اﻟﻮﺿﺎءة ،وﻫﻲ ﻫﺎدﺋﺔ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺴﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺮﻛﺔ ﻓﺘﺨﺎﻟﻬﺎ ﺧﻠﻮٍّا ﻣﻦ ﻄﻰ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺎﻟﺜﻠﻮج اﻷﻫﻠني ،وﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻋﲆ ،١٥٠٠وﻗﺪ اﺧﺘريت وﺳﻂ Gasper National Parkاﻟﺬي أوﻗﻔﺘﻪ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﺘﺎﻋً ﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﰲ ﻣﺴﺎﺣﺔ ٤٢٠٠ﻓﺪان ،وﺣ ﱠﺮﻣَ ْﺖ ﻓﻴﻪ ﺻﻴ َﺪ اﻟﺤﻴﻮان 156
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
وﻗ ْ ﻄ َﻊ اﻟﺸﺠﺮ واﻣﺘﻼ َك اﻷرض ،وﻟﻘﺪ ﻋﻨﻴﺖ ﴍﻛﺔ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ C. Nationalﺑﺘﻨﺴﻴﻘﻪ ﰲ ٍ وﺑﺨﺎﺻﺔ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺟﺎﺳﱪ؛ ﻟﺘﺠﺘﺬب اﻟﺴﺎﺋﺤني ﺑﻌﺾ ﺟﻬﺎﺗﻪ وﺗﺰوﻳﺪه ﺑﺎﻟﻄﺮق واﻟﻔﻨﺎدق ُ إﻟﻴﻪ ،وﻟﻘﺪ زرت ﻓﻨﺪﻗﻬﺎ اﻟﻔﺎﺧﺮ Lodgeاﻟﺬي أﻗِ ﻴ َﻢ ﻣﻦ ﻛﺘﻞ اﻟﺨﺸﺐ اﻷﺳﻄﻮاﻧﻴﺔ ﰲ ﻋﺪة أﺑﻨﻴﺔ ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ ،وﻧ ُ ﱢﺴ َﻘ ْﺖ ﺣﻮﻟﻪ اﻟﺤﺪاﺋﻖ أﻳﻤﺎ ﺗﻨﺴﻴﻖ ،و ُز ﱢو َد ﺑﱪﻛﺔ ﺻﺎﻓﻴﺔ املﺎء ﻟﻼﺳﺘﺤﻤﺎم ،ﻟﻜﻦ ُ ﺣﻔﻈﺖ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﰲ ﺳﻴﺎر ِة اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ أﺟﺮه ﺑﺎﻫﻆ ﻫﻮ ﺳﺒﻌﺔ رﻳﺎﻻت ﰲ اﻟﻴﻮم ﻟﻠﻨﻮم ﻓﻘﻂ ،وﻗﺪ ﺑﺮﻳﺎﻟني ،ﻓﻄﺎﻓﺖ ﺑﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﺒﺎل املﺠﺎورة ،ﺛﻢ ﺧﺎﻧﻖ Maligneاﻟﺬي ﴎﻧﺎ ﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺒﻪ ﺧﻤﺴﺔ أﻣﻴﺎل وﻫﻮ ﻳﺘﻠﻮﱠى وﺗﺘﻌﻘﺪ ﺻﺨﻮره ،وﺗﻬﻮي رواﺋﻊ ﺷﻼﻻﺗﻪ ﰲ ﻣﻨﺎﻇﺮ ﻧﺎدرة املﺜﺎل، وﻋﺪﻧﺎ ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺘني وﻧﺼﻒ. وﻣﻦ أروع اﻟﺠﺒﺎل املﴩﻓﺔ ﻋﲆ اﻟﺒﻠﺪة »ﻛﺎﻓﻞ« ﰲ ﻫﺮم ﻣﺪرج ﺗﻜﺴﻮه اﻟﺜﻠﻮج اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ، وﻣﻦ دوﻧﻪ ﺑﺤرية ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﺻﻔﺎء ﻧﺎﺻﻊ ،ﺛﻢ ﻧﻬﺮ أﺗﺎﺑﺎﺳﻜﺎ املﺨﺘﻨﻖ اﻟﺬي ﻳﺘﻠﻮى إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺒﻠﺪة ﻟﻴ ٍ ﱠﺎت ﺷﺪﻳﺪ ًة ،وﺗﻜﺎد ﺗﺴﺪه اﻟﻐﺎﺑﺎت ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺒﻴﻪ ،وﺑﻤﺠﺮد ﻧﺰوﻟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﺎر اﺳﱰﻋﻰ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﻋﻤﻮد Totem Poleاﻟﺬي ﻳﺬﻫﺐ ﻋﻬﺪه إﱃ ١٨٠٠ﺳﻨﺔ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ،وﻫﻮ رﻣﺰ ﺳﻴﺎدة اﻷﴎة ﻋﻨﺪ اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ،ﻳﺤﺘﻔﻈﻮن ﺑﻪ ﻟﻴﺪل ﻋﲆ أﻧﻬﻢ ﻣﻦ أﺻﻞ ﻋﺮﻳﻖ ﴍﻳﻒ ،وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى ً ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ اﻟﻬﻨﻮد ﺑﻮﺟﻮﻫﻬﻢ اﻟﻘﺒﻴﺤﺔ وﻟﻮﻧﻬﻢ اﻷﻏﱪ اﻟﻜﺪر وﻗﺎﻣﺎﺗﻬﻢ اﻟﻘﺼرية وأﻛﺘﺎﻓﻬﻢ املﻘﻮﺳﺔ ،وﻋﺠﻴﺐ أﻧﻬﻢ ﺑﻌﻴﺪون ﻋﻦ أي اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺘﻘﺪﱡم؛ ﻓﻤﺴﺘﻮاﻫﻢ اﻟﻌﻘﲇ ﻣﻨﺤ ﱞ ﻂ وﻫﻢ ﺑﻄﻴﺌﻮ اﻟﻔﻬﻢ رﻏﻢ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺪوﻟﺘني — اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ واﻟﻜﻨﺪﻳﺔ — ﺗﺤﺴني ﺣﺎﻟﻬﻢ ،وﻫﻢ ﻻ ﺷ ﱠﻚ آﺧِ ﺬون ﰲ اﻻﻧﻘﺮاض ،وﺷﺘﱠﺎن ﺑني ﻋﻘﻠﻴﺘﻬﻢ اﻟﺮاﻛﺪة وﺳﺤﻨﺘﻬﻢ املﻨﻔﺮة ،وﺑني املﺎوري ً ﻣﺜﻼ ﺑﺬﻛﺎﺋﻬﻢ املﻔﺮط وﺟﻤﺎﻟﻬﻢ اﻟﺠﺬﱠاب ،واﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ﻗﺮﻳﺒﻮ ﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺼﻴﻨﻴني؛ ﻟﺬﻟﻚ ُرﺟﱢ ﺢَ أﻧﻬﻢ وﻓﺪوا ﻣﻦ اﻟﺼني ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺳﻴﱪﻳﺎ وأﻻﺳﻜﺎ واﻧﺘﴩوا ﰲ اﻷﻣﺮﻳﻜﺘني ،وﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﺪدﻫﻢ ﰲ ﻛﻨﺪا ﻋﲆ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ. وﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﺼﻴﺪ اﻟﺴﻤﻚ وﺣﻴﻮان اﻟﻔﺮاء وﻗﻄﻊ اﻟﺨﺸﺐ ،وﻳﺴﻮد اﻷﺳﻜﻴﻤﻮ اﻟﺒﻼد اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ﻋﺪﻳﺪة ﻻ ﺗُ َ ﺤﴡ وأﻫﻤﻬﺎ :اﻷﺳﻜﻴﻤﻮ واملﻜﻤﺎك Micmacواملﻨﺘﺎﻧﻴﺎ واﻟﺘﺸﺒﻮا واﻷﺗﺎوا واﻟﻜﺮي Greeواﻟﺒﻼﻛﻔﻴﺖ واﻟﻬﻮرون إﻳﺮوﻛﻮا. وﰲ اﻟﺒﻠﺪة ﻣﺪرﺳﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗﺤﻮي اﻟﺴﻨﻮات اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ واﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ﻣﻌً ﺎ ،وﺑﻌﺾ ﻓﺼﻮﻟﻬﺎ ُ ﻃﻔﻘﺖ ﻳﻮﻣني أﺟﻮب ﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ وأرﺗﻘﻲ ﺟﺒﺎﻟﻬﺎ وأﻏﺎﻟﺐ ﻏﺎﺑﺎﺗﻬﺎ، ﻳﺰﻳﺪ ﻋﺪده ﻋﲆ اﻷرﺑﻌني. واﻟﻬﺪوء ﻣﻦ ﺣﻮﱄ ﺷﺎﻣﻞ أﺷﻌﺮﻧﻲ ﺑﴚء ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺸﺔ واﻟﺤﻨني إﱃ ﺿﻮﺿﺎء املﺪن اﻟﺘﻲ أﻟﻔﺘﻬﺎ ﰲ رﺣﻠﺘﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم؛ إذ ﺟﻠﻬﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺎﻣﺮة اﻟﺼﺎﺧﺒﺔ ،وﺟﺎﺳﱪ ﺧري ﻣﻜﺎن ﻟﻄﻼب اﻟﺮاﺣﺔ واﻟﺴﻜﻮن وﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻔﻼﺳﻔﺔ .أﻣﺎ اﻟﺠﻮ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺤﺎء ﻓﺒﺎرد 157
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻣﻨﺸﻂ ﺗﻨﺘﺜﺮ ﺳﻤﺎؤه ﺑﺎﻟﻐﻴﻮم اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺢ ﺟﻔﻮﻧﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺘﻜﺸﻒ ﻋﻦ أﺿﻮاء ﺟﺬﱠاﺑﺔ ﻣﻦ وراء ﺣﺠﺐ اﻟﺠﺒﺎل واﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﻘﺎﺗﻤﺔ ،واﻟﻨﻬﺎر ﻫﻨﺎك ﻃﻮﻳﻞ ﺟﺪٍّا؛ إذ ُ ﻛﻨﺖ أﻗﺮأ اﻟﺠﺮاﺋﺪ أﻣﺎم اﻟﻨ ﱡ ُﺰل اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻣﺴﺎءً ﻋﲆ ﺿﻮء اﻟﺸﻔﻖ؛ ذﻟﻚ ﻷن املﻜﺎن ﻋﲆ ﺧﻂ ﻋﺮض ﻣﺮﺗﻔﻊ ﺟﺪٍّا ً ﺷﻤﺎﻻ« ،وملﺎ أن وﺻﻠﻨﺎ ﺟﺎﺳﱪ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﻋﺘﻨﺎ اﻟﻮاﺣﺪة واﻟﻨﺼﻒ ،ﻟﻜﻨﺎ أﻟﻔﻴﻨﺎﻫﺎ ﻫﻮ »°٥٤ ﻫﻨﺎك اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ واﻟﻨﺼﻒ ﻓﻘﺪﱠﻣﻨﺎ ﺳﺎﻋﺎﺗﻨﺎ واﺣﺪة. وﺑﻼد ﻛﻨﺪا ﻋﺮﻳﻀﺔ ﺟﺪٍّا ﺑﻬﺎ أرﺑﻊ ﻣﻨﺎﻃﻖ زﻣﻨﻴﺔ ،ﻓﻜﻠﻤﺎ ﴎﻧﺎ إﱃ اﻟﴩق ﺧﻤﺲ ﻋﴩة درﺟﺔ دﻓﻌﻨﺎ ﺑﻌﻘﺎرب ﺳﺎﻋﺎﺗﻨﺎ ﺧﻄﻮة إﱃ اﻷﻣﺎم .أﻣﺎ ﺣﻴﺎة اﻟﻠﻴﻞ ﻫﻨﺎك ﻓﻤﻮﺣﺸﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ ﻋﺪﻳﻤﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ ،ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﺴﻠﻴﺔ ﻧﺎدرة ،ﻓﻠﻴﺲ ﺛﻤﺔ إﻻ ﺳﻴﻨﻤﺎ واﺣﺪة ﺻﻐرية وﻣﻘﺼﻒ أو اﺛﻨﺎن ،وأذﻛﺮ أﻧﻨﻲ ُ ﻛﻨﺖ أﺗﻨﺎول اﻟﺸﺎي ﰲ أﺣﺪﻫﺎ ،وإذا ﺑﺮﺟﻞ ﻣﺘﻘﺪم اﻟﺴﻦ دﺧﻞ ﰲ زﻣﺮة ﻣﻦ اﻷﻃﻔﺎل ﻳﻔﻮﻗﻮن اﻟﻌﴩة ﻋﺪٍّا وﻫﻢ ﻣَ ِﺮﺣﻮن ،وﻗﺪ ﻫﺠﻤﻮا ﻋﲆ اﻟﺒﺎﺋﻊ ﻳﻄﻠﺐ ﻛ ﱞﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﻏﺐ ﻣﻦ ﴍاب أو ﻣﺮﻃﺐ ،ودﻓﻊ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺮﺟﻞ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وملﺎ أن ﺳﺄﻟﺘﻪ :أﻫﺆﻻء ﺑَﻨُﻮ َك؟ ﻗﺎل :ﻛﻼ، آن .ﻓﺄﻛﱪت ﺑﻞ إﻧﻲ أﺣﺐ أن أﺟﻤﻊ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﻔﻘﺮاء وأزوﱢدﻫﻢ ﺑﴚء ﻣﻤﺎ ﻧﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ آﻧًﺎ ﺑﻌﺪ ٍ ﻓﻴﻪ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﻮر اﻟﺠﻤﻴﻞ ،وﻋﻠﻤﺖ أن اﻟﻜﺜري ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﱢ ﺧريون ﻃﻴﱢﺒﻮ اﻟﻘﻠﺐ ﺷﻔﻴﻘﻮن ﱢ اﻟﺮث ﺑﺎﻟﻐري ،واملﺪﻫﺶ أن اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻢ ﻳﱰﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﺠﻠﻮس ﻣﻌﻬﻢ وﻣﺴﺎﻣﺮﺗﻬﻢ رﻏﻢ ﻫﻨﺪاﻣﻬﻢ وﺣﺎﻟﺘﻬﻢ املﺰرﻳﺔ ،ﻫﻨﺎ ﻟُﻤْ ُﺖ ﻧﻔﴘ وﺷﻌﺮت ﺑﴚء ﻣﻦ اﻟﺨﺠﻞ واﻟﺨﺰي؛ ﻷﻧﻲ ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ُ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻣﻊ ﴍﻳﺪي اﻟﺸﻮارع ﰲ ﻣﴫ وﻫﻢ ﻻ ﻳ َ وآﻟﻴﺖ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ أن أﴍك ُﺤﺼﻮن ﻋﺪٍّا، ﺑﻌﺾ ﻫﺆﻻء ﻣﻌﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﱠ ﻣﻦ ﷲ ﺑﻪ ﻋﲇ ﱠ ﻣﻦ ﻧﻌﻴﻢ وﻣﺘﺎع. ﻗﻤﺖ ﺑﻘﻄﺎر اﻟﺨﻤﻴﺲ ﺻﻮب :وﻧﻨﺒﺞ وأرض اﻟﱪﻳﺮي اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ املﻨﻄﻘﺔ ﺟﺒﻠﻴﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﺑﻤﻨﺎﻇﺮﻫﺎ وﻏﺎﺑﺎﺗﻬﺎ وﺑﺤرياﺗﻬﺎ وﻣﺠﺎرﻳﻬﺎ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻧﻬﺮ أﺛﺎﺑﺎﺳﻜﺎ ،ﺛﻢ أﺧﺬَ ِت اﻷﺷﺠﺎ ُر ُ ﱢ اﻟﺒﻴﺌﺔ ﺑﺴﺘﺎﻧﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ Parkوﻧﺪرت اﻟﺠﺒﺎل ،ﺛﻢ أﺻﺒﺤﻨﺎ واﻟﺼ َﻐﺮ ،وأﺿﺤَ ِﺖ ﰲ اﻟﻘﻠﺔ وﺳﻂ ﺳﻬﻮل ﻣﱰاﻣﻴﺔ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺮى ﰲ أرﺿﻬﺎ ﺗﻤﻮﱡﺟً ﺎ وﻻ ﺣﺰوﻧًﺎ ،وذاك ملﺎ أن ﺑﻠﻐﻨﺎ َ اﻷرض »أدﻣﻮﻧﺘﻮن« ﻣﻦ ﻛﱪﻳﺎت ﻣﺪن ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ،Albertaوﻇﻬﺮت ﻣﻨﺎﺑﺖ اﻟﻘﻤﺢ وﻗﺪ ﻛﺴﺎ ﺑﺒﻘﺎﻳﺎه اﻟﺼﻔﺮاء اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ،وﻛﺎن اﻟﻘﻮم ﺟﺎدﻳﻦ ﰲ ﺣﺼﺪه ودرﺳﻪ ﺑﺂﻻت ﻛﺒرية ﻏﺎﻟﺒﻬﺎ ﻳُﺪَار ﺑﺎﻟﺒﻨﺰﻳﻦ واﻟﻘﻠﻴﻞ ﺑﺎﻟﺨﻴﻞ ،واملﺪﻳﻨﺔ ﻣﺮﻛﺰ ﻫﺎم ﻟﻠﻐﻼل وﻟﻠﺘﻌﺪﻳﻦ ،وﻗﺪ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻤﻄﺎرﻫﺎ اﻟﻬﺎﺋﻞ ً ﺷﻤﺎﻻ ،وﺑﻬﺎ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺰال ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ،وﺗﻄري ﻣﻨﻪ اﻟﻄﺎﺋﺮات أﻟﻒ ﻣﻴﻞ إﱃ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻌﺪﻳﻦ ﻛﻨﻮز اﻟﺬﻫﺐ واﻟﺮادﻳﻮم وﻳﺨﺎﻟﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ أﻏﻨﻰ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ ،واﻟﻄﺎﺋﺮات ﺧري وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻷﺻﻘﺎع اﻟﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﺒﺎردة ،إﱃ ذﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﻟﺘﺠﺎرة اﻟﻔﺮاء وﺻﻴﺪ ﺣﻴﻮاﻧﻪ إﱃ ﺷﻤﺎﻟﻬﺎ. ﻋﺪﻧﺎ إﱃ اﻟﴩق زﻫﺎء ٩٠٠ﻣﻴﻞ ﻛﻠﻬﺎ ﺳﻬﻮل ﻣﺒﺴﻮﻃﺔ اﺧﴬﱠ أدﻳﻤﻬﺎ ﺑﻌﺸﺐ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﻋﻮده ،وﻇﻬﺮت ﻣﻨﺎﺑﺖ اﻟﻘﻤﺢ اﻟﺼﻔﺮاء ﺧﻼﻟﻪ ،وﻛﻠﻤﺎ ﻗﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﺪول أو وادي 158
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ِ اﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﻘﺼري َة املﻐﻠﻘﺔ ،واﻷرض ﻫﻨﺎك ﱠ ﻣﻘﺴﻤَ ﺔ ﻧﻬﺮ ﻇﻬﺮ اﻟﺸﺠﺮ اﻟﻘﺼري وﺣﺎ َﻛﻰ اﻹﻗﻠﻴ ُﻢ ٍ ﻛﻮخ أو اﺛﻨني ،وإﱃ ﺣﺎﻓﺔ إﱃ ﻣﺰارع ﻳﺴﻮرﻫﺎ ذووﻫﺎ وﻳﻘﻴﻤﻮن وﺳﻄﻬﺎ ﺑﻴﺘﻬﻢ اﻟﺼﻐري ﻣﻦ ٍ املﺰرﻋﺔ راﻓﻌﺔ اﻟﻐﻼل Elevatorﻛﺎﻟﱪج املﺮﺑﻊ ﺗﻌﻠﻮه ﺷﺒﻪ ﻗﺒﺔ ،وﻫﻨﺎ ﺗُﺨ ﱠﺰن اﻟﻐﻼل؛ ﺣﻔ ً ﻈﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﻮﻳﺲ أو ﺧﻄﺮ اﻟﻔريان ،وﻟﻴﺲ ﺑﺎملﺰارع أﺷﺠﺎر وﻻ آﺑﺎر وﻻ ﻣﻀﺨﺎت ﻫﻮاﺋﻴﺔ ﻛﺘﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﱢﺰ أرض ﺑﺎﻣﺒﺎس أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ. واملﺰارع ﻣﻴﻞ ﻣﺮﺑﻊ ﰲ املﺘﻮﺳﻂ »زﻫﺎء ٦٠٠ﻓﺪان« وأﺻﻐﺮﻫﺎ رﺑﻊ ذﻟﻚ ،واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺴﺎﻋﺪ اﻟﻘﻮم ﺑﺈﻋﻄﺎء ﻣَ ﻦ أراد ١٦٠ﻓﺪاﻧًﺎ ﻳﺨﺪﻣﻬﺎ ﺛﻼث ﺳﻨنيْ ، ﻓﺈن أﻓﻠﺢ ﺗُ ِﺮﻛﺖ ﻟﻪ ﺑﻘﻴﻢ زﻫﻴﺪة ﺗﱰاوح ﺑني ٤و ٦ﺟﻨﻴﻬﺎت ﻟﻠﻔﺪان ،واﻟﻐﻼل ﺗُﺰ َرع ﻋﲆ املﻄﺮ ﻟﻴﺲ ﻏري ،ﻓﻴُﺒﺬَر اﻟﻘﻤﺢ ﰲ ﻣﺎﻳﻮ وﻳ َ ُﺤﺼﺪ ﰲ أﻏﺴﻄﺲ ،واملﻄﺮ ﻳﺴﻘﻂ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺪة ﻋﺎد ًة ،وإذا ﻣﺎ ﻓﺮغ اﻟﻔﻼح ﻣﻦ اﻟﺤﺼﺎد وﺗﺨﺰﻳﻦ ﻗﻤﺤﻪ ﺣﺮث أرﺿﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ وﺗﺮﻛﻬﺎ ﻟﻠﻌﺎم املﻘﺒﻞ ،وﻳﻨﺰل ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺜﻠﺞ ﺷﺘﺎءً إﱃ ﻋﻠﻮ ﻳﺎردة ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،وإذا ﻣﺎ ذاب ﰲ اﻟﺮﺑﻴﻊ َروَى اﻷرض وﺑَﺬَ َر اﻟﻔﻼح ﻗﻤﺤﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪ، ً ﺧﺪﻣﺔ ﺑﻞ ﻳﻨﻤﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وﺣﺪه ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻀﺞ ،وﻗﻤﺢ ﻛﻨﺪا أﺣﺴﻦ أﻧﻮاع وﻻ ﻳﺘﻄﻠﺐ املﺤﺼﻮ ُل ً ﻗﺎﻃﺒﺔ ،وﻳﺴﻤﻮﻧﻪ Gradeوﻻ ﻳﺰال ﻳﺤﺘﻔﻆ ﰲ اﻷﺳﻮاق ﺑﺄﻏﲆ ﺛﻤﻦ ،وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم اﻟﻌﺎﻟﻢ ٨٥ﺳﻨﺘﻴﻤً ﺎ ﻟﻠﺒﻮﺷﻞُ ، وﻗ ﱢﺪ َر ﻣﺤﺼﻮﻟﻪ ﺑﻨﺤﻮ ٢٥٠ﻣﻠﻴﻮن ﺑﻮﺷﻞ — أي ﻧﺤﻮ ٥٠ﻣﻠﻴﻮن إردب — وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺤﺼﻮل ﻫﺬا اﻟﻌﺎم وﻓريًا ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺠﻔﺎف اﻟﺬي ﺣ ﱠﻞ ﺑﺎﻷراﴈ وﻧﺪرة املﻄﺮ، ﻟﻜﻦ ﷲ ﻋﻮ َ ﱠﺿﻬﻢ ﺧريًا ،ﻓﺮﻓﻊ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺜﻤﻦ ﻋﻤﱠ ﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ،وﻗﺪﱠروا ﻣﺘﻮﺳﻂ املﺤﺼﻮل ﻟﻠﻔﺪان ﺑﻨﺤﻮ ١٠ﺑﻮﺷﻞ ﻣﻊ أن اﻟﻌﺎدة ﻛﺎن ﺑني ٢٠و ٣٠ﺑﻮﺷﻞ. ﻟﺒﺜﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﻛﻠﻪ ﱡ ﻧﺸﻖ ﺗﻠﻚ اﻟﱪﻳﺮي املﺒﺴﻮﻃﺔ املﻤﻠﺔ ،وﻛﺎن ﺗﺮاﺑﻬﺎ ﻳﺨﱰق ﻛﻞ ﳾء ﻣﻤﺎ أذﻛﺮﻧﻲ ﺑﱰاب ﺻﻌﻴﺪ ﻣﴫ ،وﻗﺪ اﺷﺘ ﱠﺪ اﻟﺤ ﱡﺮ وﺳ َ ﻂ اﻟﻨﻬﺎر ﺟﺪٍّا ،وﻧﺰل ﰲ اﻟﻠﻴﻞ إﱃ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﺮد ﺷﺘﺎء ﻣﴫ ،وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﺤﺮ ﻣﻨﺬ ﺷﻬﺮ ﺑﺎﻟﻎ اﻟﺸﺪة ﻫﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﺎت ﺑﺴﺒﺒﻪ اﻟﻜﺜري؛ إذ زادت اﻟﺤﺮارة ﰲ اﻟﻈﻞ ﻋﲆ °١١٠ف ،واﻟﻌﺠﻴﺐ أن اﻟﺸﺘﺎء املﺎﴈ ﻛﺎن ﻗﺎﺳﻴًﺎ ً أﻳﻀﺎ؛ إذ ﻧﺰ َﻟ ِﺖ اﻟﺤﺮار ُة °٥٠ﺗﺤﺖ اﻟﺼﻔﺮ ،وﻛﻠﻤﺎ ﻗﺎرﺑﻨﺎ وﻧﻴﺒﺞ زاد اﻧﺒﺴﺎط اﻷرض واﺳﻮ ﱠد أدﻳﻤﻬﺎ ً ﺷﻤﺎﻻ زﻫﺎء ٣٠٠ﻣﻴﻞ ،وﺟﻨﻮﺑًﺎ إﱃ وﺟﺎد ﻧﻮﻋﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﺧري أراﴈ اﻟﱪﻳﺮي ﺧﺼﺒًﺎ ،وﺗﻤﺘﺪ ﻣﺴﺎﺣﺎت ﺑﻌﻴﺪة ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة. ُ ﱠ ﱠ وﻛﺎن ﻳ َُﺨﻴﱠﻞ إﱄ ﱠ أن املﺰارع ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،إذا ﻗﻠﻤَ ﺎ ﻛﻨﺎ ﻧ ِ ﺒﴫ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻋﻤﻼ ﻛﺜريًا ،ﻋﲆ أن اﻟﻌﻤﺎل ﻗﺪ ﻳُﻮ ﱠ ذﻟﻚ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﻄﻠﺐ ً ﻇﻔﻮن ﻫﻨﺎك ﰲ ﻣﻮاﺳﻢ اﻟﺤﺼﺎد، وأﺟﺮﻫﻢ ﻧﺼﻒ ﺟﻨﻴﻪ ﰲ اﻟﻴﻮم ،وﻳُﺰوﱠدون ﺑﺎملﺴﻜﻦ ﻣﺠﺎﻧًﺎ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻢ ﻏري ﻗﺎﻧﻌني، وﻳﺮﻏﺒﻮن ﰲ املﺰﻳﺪ ،واﻟﻘﻮم ﻫﻨﺎ ﻇﺮﻓﺎء وﻳﻤﻴﻠﻮن إﱃ اﻟﻌِ ْﴩة وإﻛﺮام اﻟﻐﺮﻳﺐ ﺟﺪٍّا ،وﻓﻴﻬﻢ ﳾء ﻛﺒري ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﺒﺪو واﻟﺮﻋﺎة. 159
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
وﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺪﻫﺸﻨﻲ ﺟﺪٍّا ﻣﺴﺘﻮى أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺎء واﻟﺮﺟﻮﻟﺔ ،ﻳﺘﺤﺪث إﱄ ﱠ اﻟﻄﻔ ُﻞ وﻫﻮ ﻋﻠﻴﻢ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ أﺣﺎط ﺑﻪ ﻣﻦ ﻇﺮوف اﻷرض واﻟﺠﻮ واﻹﻧﺘﺎج ،اﻋﺘﺎد اﻟﺴﻔﺮ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ ﺑﻠﺪه، ُ ﻓﻜﻨﺖ أﻏﺒﻂ اﻟﻘﻮم ﻋﲆ ﺗﻠﻚ واﻋﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ،وملﺎ ﺗﺒﻠﻎ ﺳﻨﱡﻪ اﻟﻌﺎﴍ َة؛ وآﺳ ُ اﻟﱰﺑﻴﺔ اﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔَ ، ﻒ ﻟﻨﺼﻴﺐ أﺑﻨﺎﺋﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،واملﺪارس ﻫﻨﺎ ﺗﺒﺪأ ﺑﺎﻟﺮوﺿﺔ ﺛﻢ ﺑﺎﻟﻔﺮق اﻻﺛﻨﺘﻲ ﻋﴩة ،وﺑﻌﺪﻫﺎ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻄﺎﻟﺐ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،وﻻ ﻳﺘﻌﻠﻢ ﻟﻐﺔ أﺟﻨﺒﻴﺔ إﻻ ﰲ اﻟﻔﺮﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﺛﻤﺎن وﻋﴩﻳﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﻓﻘﻂ ،وﻫﻲ ﻫﻨﺎ إﻣﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ أو اﻷملﺎﻧﻴﺔ أو اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ .أﺧريًا ،ﺑﻌﺪ ٍ دﺧﻠﻨﺎ وﻧﻴﺒﺞ ﺑﻌﺪ أن اﺧﱰﻗﻨﺎ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ ﺳﺎﺳﻜﺎﺷﻮان ،ووﻗﻔﻨﺎ ﺑﺒﻠﺪة ﺳﺎﺳﻜﺎﺗﻮن اﻟﻜﺒرية، ﺛﻢ أوﻏﻠﻨﺎ ﰲ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ ﻣﺎﻧﻴﺘﻮﺑﺎ وﻗﺪﱠﻣﻨﺎ ﺳﺎﻋﺎﺗﻨﺎ واﺣﺪة ،وﰲ وﻧﻴﺒﺞ ﺣﻠﻠﺖ ﻧ ُ ُﺰل »وﻧﻴﺒﺞ« اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻣﻘﺎﺑﻞ رﻳﺎل ﻟﻠﻴﻠﺔ .واملﺪﻳﻨﺔ ﻣﻘﺎﻣﺔ وﺳﻂ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻬﻮل ﰲ ﺷﻮارع ﻓﺴﻴﺤﺔ ﻳُﺰﻳﱢﻦ أﻏﻠﺒَﻬﺎ اﻟﺸﺠ ُﺮ املﺰدوج ،وأﻛﱪ ﺷﻮارﻋﻬﺎ Portageو Mainوﺑﻬﺎ ﻏﺎﻟﺐ املﺘﺎﺟﺮ ودور اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ واملﻘﺎﻫﻲ واملﻄﺎﻋﻢ ،وﺧري ﻣﺎ ﻳُ َﺰار ﺑﻬﺎ City Parkوﻫﻮ ﺧﺎرج املﺪﻳﻨﺔ ﺣﻮى ﺣﺪﻳﻘﺔ ﺣﻴﻮان ﺻﻐرية وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﻫﻮر اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،ﺛﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺤريات ﻟﻠﺴﺒﺎﺣﺔ وﻣﻼﻋﺐ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،واﻟﺒﻠﺪ ﺗﻘﻊ ﻋﻨﺪ ﺗﻼﻗﻲ ﻧﻬ َﺮيْ ،lssinaboin٫ Redوﻫﻲ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان ً وﺟﺎﻫﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺴﺎﺣﻠﻴﺔ ،وأﻫﻠﻬﺎ أﺑﺴ ُ ﻂ اﻟﻜﱪى إﻻ أن املﻈﻬﺮ اﻟﺮﻳﻔﻲ ﻳﺴﻮدﻫﺎ؛ ﻓﻬﻲ أﻗﻞ ﱡ وأرق ً ﺣﺎﻻ ،وﻫﻢ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒري ﻣﻦ ﻛﺮم اﻟﻄﺒﺎع واﻟﻈﺮف. ﻫﻨﺪاﻣً ﺎ ً ﺛﺎﻧﻴﺔ ) (8إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻣﻴﻨﺎﺑﻠﺲ ُ ﻗﻤﺖ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ﺻﻮب اﻟﺠﻨﻮب إﱃ ﻣﻴﻨﺎﺑﻠﺲ ﻣﺴﺎﻓﺔ ٥٠٠ﻣﻴﻞ ،ﻗﻄﻌﻨﺎﻫﺎ ﰲ ١٤ ﺳﺎﻋﺔ ،ﻓﺄﺧﺬﻧﺎ ﻧﺸﻖ اﻟﺴﻬﻮل ذات اﻟﱰﺑﺔ اﻟﺴﻮداء واﻟﺴﻄﺢ املﻨﺒﺴﻂ واﻟﺨﺼﺐ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﰲ ﻛﺜﺮة اﻟﻌﺸﺐ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،واﻟﺤﻖ أن أرض »اﻟﱪﻳﺮي« ﻻ ﻳﻌﻮزﻫﺎ إﻻ املﺎء واﻷﻳﺪي اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺮﺧﻴﺼﺔ اﻟﻘﺎﻧﻌﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻐﻞ ﻣﻦ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻨﺒﺎﺗﻲ أﺿﻌﺎف ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻴﻮم؛ إذ إﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ إﻻ زرع اﻟﻐﻼل واﻟﻌﺸﺐ ﺷﻬﻮ ًرا ﻗﻠﻴﻠﺔ وﺗُﱰَك ﺑﻮ ًرا ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻌﺎم ،وﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺪو اﻟﺒﺤريات أو اﻟﺠﺪاول ﻛﺎن اﻟﻨﺒﺖ ﻳﺰداد واﻟﺸﺠﺮ ﻳﺘﻜﺎﺛﻒ ﻓﻴﺼﺒﺢ املﻜﺎن أﺷﺒﻪ ﺑﻐﺎﺑﺔ ﻣﻐﻠﻘﺔ .وﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺘني وﻧﺼﻒ وﺻﻠﻨﺎ ﺣﺪود اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،وﺗﻘﺪم رﺟﺎل اﻟﺠﻤﺎرك رﻓﻖ ،ﺛﻢ ﻣ ﱠﺮ ﺿﺎﺑﻂ املﻬﺎﺟﺮة وﺧﺘﻢ اﻟﺠﻮاز ،وﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﱠﻣﻨﺎ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ﻛﺜﺮ وﻓﺘﺸﻮا أﻣﺘﻌﺘﻨﺎ ﰲ ٍ ﱠ وﺗﻀﺨﻤَ ْﺖ ﻣﺨﺎزن اﻟﺸﺠﺮ وﺳﻂ ﺗﻠﻚ اﻟﱪﻳﺮي املﻤﺘﺪة ،وزادت اﻵﻻت اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻘﻮل 160
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
اﻟﻐﻼل و رواﻓﻌﻪ ،Elevatorsوﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻫﺠري اﻟﺤﺮ ﺷﺪﻳﺪًا ﻻﻓﺤً ﺎ ﻃﻴﻠﺔ اﻟﻴﻮم ﻣﻤﺎ ﻓﺎق أردأ أﻳﺎم اﻟﺼﻴﻒ ﰲ ﻣﴫ ﺷﺪ ًة ،وذﻟﻚ رﻏﻢ املﺮاوح اﻟﺘﻲ ُز ﱢو َد ﺑﻬﺎ اﻟﻘﻄﺎر ،وﺻﻨﺎﺑري املﺎء َ ﻃﺮﰲ ْ ﻛ ﱢﻞ ﻋﺮﺑﺔ ﺗﺤﺘﺴﻴﻪ ﰲ أﻛﻮاب ﻣﻦ ورق و ُِﺿﻌﺖ ﰲ أﺳﻄﻮاﻧﺎت ﻓﻮق اﻟﺼﻨﺒﻮر، املﺜﻠﻮج ﰲ واملﻘﺎﻋﺪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻘﻄﺎر اﺳﱰﻋﺖ ﻧﻈﺮي ﺑﻮﺛري ﻓﺮﺷﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻴﻔﺔ اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ،واملﻘﺎﻋﺪ ﻓﺮدﻳﺔ ﻣﺤﻮر ﻓﻴﺤ ﱢﺮﻛﻬﺎ اﻟﺠﺎﻟﺲ ﰲ أيﱢ اﺗﺠﺎ ٍه ﺷﺎء ،وﻣﻨﻬﺎ ﺻﻒ ﰲ ﻛﻞ ﻛﺒرية — ﻓﻮﺗﻴﻞ — ﺗﺪور ﻋﲆ ٍ ﻓﱰك ﻓﺴﻴﺤً ﺎ ،وﻗﺪ ُز ﱢو َد ﺑﺎﻟﺒﺴﻂ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ ،وﻣﻄﺎﻓﺊ اﻟﺴﺠﺎﻳﺮ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺑﺔ ،أﻣﺎ وﺳﻄﻬﺎ ُ ِ اﻷﻧﻴﻘﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺸﻌﺮ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺠﻠﺲ ﰲ ﺻﺎﻟﻮن أو ﻣﻘﻬﻰ ﻓﺎﺧﺮ ،وﻋﺮﺑﺔ اﻟﻄﻌﺎم واملﺮﻃﺒﺎت ﻣﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﻘﻄﺎر ﻧﺸﱰي ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻧﺮﻳﺪ ،رﻏﻢ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﱠ ﻧﻐﺺ اﻟﺤﺮ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻋﻴﺸﻨﺎ ،ﻓﻜﺎن اﻟﻘﻮم ﻳﺨﻠﻌﻮن ﻛﻞ ﺛﻴﺎﺑﻬﻢ وﻳﺒﺪون ﻋﺮاﻳﺎ ،وﻗﺪ اﺑﺘ ﱠﻠ ْﺖ ﻣﻼﺑﴘ ﻛﻠﻬﺎ ً ﻋﺮﻗﺎ ،وأﻇﺮف ﳾء ﰲ ﻗﻄﺎرات اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة وﻛﻨﺪا أﻧﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ذات درﺟﺔ واﺣﺪة ،ﻻ ﻓﺮق ﻓﻴﻬﺎ ﺑني ﻏﻨﻲ وﻓﻘري ،ﺗﻨﺘﻘﻲ ُ ﻻﺣﻈﺖ ﰲ املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺔ اﻟﻔﻘﺮاء ﺣُ ْﺴﻦ اﻟﺬوق ،ﻓﺈذا ﻣﻦ املﻘﺎﻋﺪ ﻣﺎ راﻗﻚ ،ﻋﲆ أﻧﻲ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﻤﱠ ﺎل ﻣَ ﻦ ﻳﺮﺗﺪي ﻣﻼﺑﺲ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺮﺛﱠﺔ ﻻ ﻳﺘﻘﺪﱠم وﺳﻂ اﻟﺠﻠﻮس ،ﺑﻞ ﻳﺘﻨﺤﱠ ﻰ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻫﻮ وإﺧﻮاﻧﻪ ،ﻋﲆ أﻧﻚ ﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﺗﺮى أﺣﺪﻫﻢ ﰲ ﻗﺬارة ﺗﻨﻔﺮ ﻣﻨﻬﺎ. أﺧريًا أﻗﺒﻠﻨﺎ ﻋﲆ ﻃﻼﺋﻊ ﺑﻠﺪة ﻛﺒرية ﺑﺄﺿﻮاﺋﻬﺎ اﻟﺨﺎﻃﻔﺔ وﻫﻲ ﻣﻴﻨﺎﺑﻠﺲ ،ﺛﻢ ﻗﺎم اﻟﻘﻄﺎر إﱃ ﺷﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺳﺎﻧﺖ ﺑﻮل اﻟﺘﻲ وﺻﻠﻨﺎﻫﺎ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﴩة ﻣﺴﺎءً ،ﺣﻠﻠﺖ ﻧ ُ ُﺰل Ryanاﻟﻜﺒري ً ُ ﻋﻤﻴﻘﺎ ،وﰲ اﻟﺼﺒﺎح أﻗﻠﺘﻨﻲ ﺳﻴﺎرة اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ وﻧﻤﺖ ﻟﻴﻠﺘﻲ ﻧﻮﻣً ﺎ اﻟﻔﺎﺧﺮ »ﺑﺮﻳﺎل وﻧﺼﻒ«، »ﻣﻘﺎﺑﻞ ٢٫٥رﻳﺎل« ﻟﻨﻄﻮف املﺪﻳﻨﺘني اﻟﺸﻘﻴﻘﺘني ،Twin Citiesوﻫﻤﺎ ﺗﻘﻌﺎن ﻋﲆ ﻧﻬﺮ ﻣﺴﺴﺒﻲ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺨﺎل اﻟﻨﻬﺮ ﻫﻮ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻏري ذﻟﻚ؛ إذ اﻟﻨﻬﺮ ﻫﻨﺎك ﻳﻠﺘﻮي ﰲ ﺷﻜﻞ ،Sﰲ اﻟﻄﺮف اﻟﺸﻤﺎﱄ ﺗﻘﻊ ﻣﻴﻨﺎﺑﻠﺲ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﻨﻬﺮ ،وﰲ اﻟﻄﺮف اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﺗﻘﻊ ﺳﺎﻧﺖ ﺑﻮل ،واملﺴﺎﻓﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺗﻔﻮق ﻋﴩة أﻣﻴﺎل؛ ﻓﻬﻤﺎ ﻟﻴﺴﺘﺎ ﻣﺘﻘﺎﺑﻠﺘني ،وﻋﻨﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﻫﺬا اﻻﻟﺘﻮاء ﻗﻨﻄﺮﺗﺎن ﻳﺨﱰﻗﻬﻤﺎ اﻟﱰام ﻓﻴﺼﻞ ﻣﺎ ﺑني اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ ،وﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﺪة ﻗﻨﺎﻃﺮ ﺗﺼﻞ ﺑني ﻧﻮاﺣﻴﻬﻤﺎ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﻔﻲ ﻣﻴﻨﺎﺑﻠﺲ وﺣﺪﻫﺎ ﻋﴩون ﻗﻨﻄﺮة ،وأﻛﱪ اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ ﻣﻴﻨﺎﺑﻠﺲ، وﺳ ﱠﻜﺎﻧﻬﺎ دون ﻧﺼﻒ املﻠﻴﻮن ﺑﻘﻠﻴﻞ ،وﻫﻲ ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺘني :ﻣﻴﻨﻲ ﻫﻨﺪﻳﺔ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ املﻴﺎه، ﺑﻮﻟﺲ اﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ ،وﻗﺪ ﺣﻤﻠﺖ اﺳﻢ ﻣﺪﻳﻨﺔ املﻴﺎه ﻷن ﺑﻬﺎ إﺣﺪى ﻋﴩة ﺑﺤرية، ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺨﻤﺲ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻗﺪ رﺻﻔﺖ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ﱠ وﺣﻔﻬﺎ اﻟﺸﺠﺮ اﻟﻜﺜﻴﻒ ،وﰲ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺟﺰاﺋﺮ ﻛﺜﻴﻔﺔ اﻟﻐﺎﺑﺎت ،وﻓﻴﻬﺎ ﺗﻘﺎم أﻟﻌﺎب املﺎء ﻣﻦ ﺳﺒﺎﺣﺔ وزوارق Yakhtingوﻣﺰاﻟﻖ ﻟﻠﺠﻠﻴﺪ ﺷﺘﺎءً ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ أن املﻨﻄﻘﺔ املﺠﺎورة ملﻴﻨﺎﺑﻮﻟﺲ ﺑﻬﺎ ﻋﴩة آﻻف ﺑﺤرية وﺳﻂ ﻏﺎﺑﺎت اﻟﺼﻨﻮﺑﺮ. أﻣﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ املﺘﻨﺰﻫﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﻮل اﻟﺒﻠﺪ ﻓﺬاك ﻣﺎ ﻟﻢ أره ﰲ ﺑﻠﺪ َ آﺧﺮ ،وﻗﺪ ﺗُ ِﺮك ﻏﺎﻟﺒﻬﺎ ﰲ ﺣﺎﻟﺘﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﻏﺎﺑﺎت وﺟﺪاو َل وأﺣﺮاش ﻳﺄوي إﻟﻴﻬﺎ املﱰﻳﱢﻀﻮن ،وﻳﻘﻴﻤﻮن ﻓﻴﻬﺎ 161
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺧﻴﺎﻣﻬﻢ وﻳﺴﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﻤﻨﺎﻇﺮ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺟﺬﱠاﺑﺔ ،وﻟﻘﺪ ُﻗ ﱢﺮ َر ﻟﻜﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻧﻔﺲ ﻫﻨﺎك ﻓﺪان ﻣﻦ املﺘﻨﺰﻫﺎت ،وﺗﻠﻚ ﻻ ﺷﻚ ﻧﺴﺒﺔ ﻻ ﻧﺮاﻫﺎ ﰲ ﺑﻠﺪ َ آﺧﺮ ،وﺗﺪﻫﺶ إذ ﺗﻌﻠﻢ أن ﻏﺎﻟﺐ ﺗﻠﻚ املﺘﻨﺰﻫﺎت ﱢ اﻟﺨريﻳﻦ ﻫﻨﺎك ،وﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺐ ﻛﺜري ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺘﻨﺰﻫﺎت واﻟﺒﺤريات ﺗﻘﻮم ﻫﺒﺎت ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ُ َ ﻣﺴﺎﻛﻦ اﻷﺛﺮﻳﺎء ﰲ ﻓﻼت ﺧﺸﺒﻴﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﺗﻄﲆ ﺑﺎﻟﺠﺺ املﻠﻮﱠن ﰲ أﺷﻜﺎل اﻟﺮﺧﺎم واﻵﺟﺮ واﻟﺤﺠﺎرة ،وﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺠﺪ اﺛﻨﺘني ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺘني ﰲ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ أﻋﺠﺐ ملﺎ ﻋﻠﻤﺖ أن ﻣﻴﻨﺎﺑﻠﺲ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺒﺤريات واملﺘﻨﺰﻫﺎت واﻟﺒﻴﻮت اﻟﻔﺎﺧﺮة ،وﺟ ﱡﻞ املﺴﺎﻓﺔ ﺑني اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎت ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﻤﻂ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﺤﻤﻞ أﺳﻤﺎء ﻫﻨﺪﻳﺔ ﻣﺜﻞ ﺑﺤرية ﻛﺘﴚ ﻛﻮﻣﻮ ،وﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ رأﻳﻨﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ أﻛﻮام ﻣﺨﺮوﻃﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺜ ﱠ َﺮى ﻣﻨﺜﻮرة إﱃ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﺑﻌﻴﺪة ،وﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎن ﻳﺪﻓﻦ اﻟﻬﻨﻮ ُد ﻣﻮﺗﺎﻫﻢ وﻳﻘﻴﻤﻮن ﻧﺼﺒًﺎ ﺻﻐريًا ﻋﲆ ذروة ﻛ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ ،واﻟﺒﻴﺾ ﻟﻢ ﻳﺤ ﱡﻠﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺔ إﻻ ﻣﻨﺬ ٧٥ﻋﺎﻣً ﺎ ،وﻫﻮ ﻋﻤﺮ ﺗﻠﻚ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ. ﺟﻤﺎﻻ ً ً ﻓﺎﺋﻘﺎْ ، وإن ُ أﻣﺎ ﻟﻴ ُ ﻛﻨﺖ ﱠﺎت ﻣﺴﺴﺒﻲ وﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﺸﺠﺮ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺒﻴﻪ ﻓﺬﻟﻚ ﻗﺪ أﻛﺴﺒﻪ أﺧﺎل اﻟﻨﻬﺮ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎءً وأﻓﺴﺢ ﻣﺠﺮى؛ إذ أﻟﻔﻴﺘﻪ ﺻﻐريًا ﻻ ﻳﺒﻠﻎ ﻧﺼﻒ ﻧﻴﻠﻨﺎ اﺗﺴﺎﻋً ﺎ، وﻣﺎؤه ﺷﺤﻴﺢ ِ ُﴩف اﻟﺠﻮاﻧﺐ ﰲ ﺟﺰءٍ ﻣﻨﻪ ﺷﻼ ٌل آﺳﻦ ،وﻫﻮ ﻫﻨﺎك أﺷﺒﻪ ﺑﺨﺎﻧﻖ ﺻﺨﺮي ﻣ ِ ﺻﻐريٌ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ،Hiawatha, Minnihabaوﻣﻦ أروع املﺒﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻬﺎ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻨﺴﻮﺗﺎ ﰲ اﻣﺘﺪاد ﻳﻔﻮق اﻟﻮﺻﻒ ،وﻳﻠﺘﺤﻖ ﺑﻬﺎ ٢٧أﻟﻒ ﻃﺎﻟﺐ ،وﺗُﻌَ ﱡﺪ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﺟﺎﻣﻌﺎت اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة، وراﺑﻌﺔ ﺟﺎﻣﻌﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﻌﺪ ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻛﻠﻤﺒﻴﺎ ﺑﻨﻴﻮﻳﻮرك ،وﺑﺮﻛﲇ ﰲ ﺳﺎن ﻓﺮﻧﺴﺴﻜﻮ ،وﺑﻬﺎ ﻣﺪرج املﺤﺎﴐات أُﻋِ ﱠﺪ ﺑﻨﺤﻮ ٦٥أﻟﻒ ﻣﻘﻌﺪ ،ﺛﻢ اﻟﻜﻠﻴﺔ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ وﻫﻲ ﻓﺮض ﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ﻃﺎﻟﺐ أن ﻳﺠﺘﺎز دراﺳﺘﻬﺎ ﻟﻴﻠ ﱠﻢ ﺑﺎﻟﺸﺌﻮن اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ. ﺨﺮج ٥٢٥ﺳﻴﺎرة ﰲ اﻟﻴﻮم ،وﻗﺪ أُﻗِ ﻴﻢ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﺛﻢ زرﻧﺎ أﺣﺪ ﻣﺼﺎﻧﻊ ﻓﻮرد اﻟﺘﻲ ﺗُ ِ املﺴﺴﺒﻲ ،وﻫﻨﺎ ﺣﺒﺲ ﻛﻞ ﻣﺎﺋﻪ ﰲ ﺧ ﱠﺰان ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ دﻓﻌﻪ ﻗﻮة اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﻤﺼﻨﻊ، ُﴩف ﻋﲆ اﻟﻨﻬﺮ ﺑﻤﺪاﺧﻨﻪ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،وﻳﺨﺮج ﻛﻞ ﻳﻮم ووﻗﻔﻨﺎ ﺑﺄﻛﱪ ﻣﻄﺤﻦ ﻟﻠﻐﻼل ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳ ِ ٩٠أﻟﻒ ﺑﺮﻣﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺪﻗﻴﻖ. وﻣﻴﻨﺎﺑﻠﺲ ﺗﻔﺎﺧﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺪﻗﻴﻖ ،Flour Cityوﰲ ﻣﺨﺎزﻧﻬﺎ ورواﻓﻌﻬﺎ ﻳُﻄﺤَ ﻦ ٦٠٠ﻣﻠﻴﻮن ﺑﻮﺷﻞ ﰲ ﻛﻞ ﻋﺎم. وﺟﻮ املﺪﻳﻨﺘني ﺻﻨﺎﻋﻲ ﺑﻜﺜﺮة املﺪاﺧﻦ وﻏﱪة اﻟﺠﻮ اﻟﺬي ﻛﺴﺎ ﺑﺮﻣﺎده املﺒﺎﻧﻲ ﺑﻠﻮن ﻗﺎﺗﻢ، واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﻐﻼل ﻫﻨﺎك ﺑﺬر اﻟﻜﺘﺎن ،Linseedأﻣﺎ ﻣﺒﺎﻧﻲ املﺪﻳﻨﺘني ﻓﻌﻈﻴﻤﺔ ﺷﺄن ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺒﻼد اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﻞ إﱃ ﻧﻈﺎم »اﻟﺒﻠﻮك« واﻟﻨﻮاﻃﺢ ،وأﻋﻼﻫﺎ ﻧﺎﻃﺤﺔ Foshay ﺗﻌﻠﻮ ٣٢دو ًرا وﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﱪج ،ودورﻫﺎ اﻷرﴈ ذو ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﻨﺴﻘﺔ ،واﻟﻨﺎﻃﺤﺔ ﺗﻘﻮم 162
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
وﺳﻄﻪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﺌﺬﻧﺔ املﺴﺠﺪ ،وﻫﻲ رﻣﺰ ﻟﻮاﺷﻨﻄﻮن ،واملﺪﻳﻨﺘﺎن ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺘﺎن إﻻ أن ﺳﺎن ﺑﻮل ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘِ ﺪَم ﰲ ﺿﻴﻖ ﺷﻮارﻋﻬﺎ وﻗ َِﴫ ﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ واﻏﱪار ﻟﻮﻧﻬﺎ ،وﻫﻲ أﺻﻐﺮ اﻣﺘﺪادًا، ً ﺷﻤﺎﻻ، ﻓﺴﻜﺎﻧﻬﺎ ﻧﺤﻮ رﺑﻊ املﻠﻴﻮن ،وﰲ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻣﻴﻨﺎﺑﻮﻟﻴﺲ ﻟﻮﺣﺔ وﺿﻌﺖ ﻋﲆ ﺧﻂ °٤٥ وﻫﻮ ﻣﻨﺘﺼﻒ املﺴﺎﻓﺔ ﺑني ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء واﻟﻘﻄﺐ اﻟﺸﻤﺎﱄ ،ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﺒﻠﺪ ﻗﻠﺐ ﻧﺼﻒ اﻟﻜﺮة اﻟﺸﻤﺎﱄ. وﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎ ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻈﻬﺮ اﻟﻐﻨﻰ ،وﺣﺘﻰ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﰲ ﺛﻴﺎﺑﻪ املﻐﱪة ﻳﻀﻊ ُﺨﺮﺟﻬﺎ ﻗﺎﺑﻀﺔ ﻋﲆ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ أوراق اﻟﺮﻳﺎﻻت ،ﻳﺪﻓﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺛﻤﻦ ﻣﺎ اﺷﱰى ﻳﺪه ﰲ ﺟﻴﺒﻪ وﻳ ِ ﰲ ﻏري اﻛﱰاث ،وﻧﺤﻮ ٪٥٩ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن ﻳﻤﻠﻜﻮن اﻟﺒﻴﻮت اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻄﻨﻮن ﺑﻬﺎ ،وﺟﻠﻬﻢ ﻳﺤﺮزون ﺳﻴﺎرات ﻫﻲ ﻣﻄﻴﺘﻬﻢ ﰲ اﻻﻧﺘﻘﺎل ،وﻟﻘﺪ أدﻫﺸﻨﻲ ﺣﺸﺪ اﻟﺴﻴﺎرات ﺧﺎرج ﻣﺼﻨﻊ ﻓﻮرد ،وﻫﻲ ﻣﻠﻚ ﻟﻠﻌﻤﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن داﺧﻞ املﺼﻨﻊ ،ﻓﺈذا ﻣﺎ ﻓﺮﻏﻮا ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ اﺳﺘﻘ ﱠﻞ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻄﻴﺘﻪ ،إﻻ أﻧﻲ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ أوﻟﺌﻚ ُ ﻛﻨﺖ أرى ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮاء واملﺘﺴﻮﻟني اﻟﻜﺜري وﺑﺨﺎﺻﺔ ﰲ ﺳﺎﻧﺖ ﱠ ﻣﺠﺴﻤً ﺎ ،وأﻣﺮﻳﻜﺎ ﺑﻠﺪ املﺘﻨﺎﻗﻀﺎت؛ ﺑﻮل ،واﻟﺤﻲ اﻟﻔﻘري ﻫﻨﺎك َﻗﺬِر وأﻫﻠﻪ ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺒﺆس ﺗﺮى اﻟﻐﻨﻲ املﻔﺮط إﱃ ﺟﻮار اﻟﺒﺎﺋﺲ املﺴﻜني! ﻗﻤﺖ ﺻﺒﺎح اﻟﺜﻼﺛﺎء إﱃ ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ ورﻛﺒﺖ اﻟﻘﻄﺎر اﻟﴪﻳﻊ املﻔﺘﺨﺮ اﻟﺬي ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ،Zephyrوﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻋﺮﺑﺔ واﺣﺪة ﻣﻤﻄﻮﻃﺔ ﺟﺪٍّا ﰲ ﺷﻜﻞ اﻟﺤﻮت ،وﰲ ﻃﻮل ﺧﻤﺲ ﻋﺮﺑﺎت ﻛﺎﻣﻠﺔ ،وﻫﻮ ﻣﻦ ﺧﺎرﺟﻪ ﻣﻦ اﻷملﻨﻴﻮم اﻟﻔﴤ اﻟﱪاق ﰲ ﺛﻨﻴﺎت ﻃﻮﻟﻴﺔ ﻣﺘﻌﺮﺟﺔ، وﻳﺠﺮي ﺑﴪﻋﺔ ً ٧٠ ﻣﻴﻼ ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺑﻘﻮة اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ،وﻗﺪ ﻗﻄﻊ املﺴﺎﻓﺔ ﺑني اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ ﰲ ﺳﺖ ﺳﺎﻋﺎت وﻧﺼﻒ .أﻣﺎ ﻓﺮﺷﻪ ﻣﻦ داﺧﻠﻪ ﻓﻔﺎﺧﺮ إﱃ درﺟﺔ ﻛﺒرية ،وإذا ﺣ ﱠﻞ ﻣﻴﻌﺎد اﻟﻄﻌﺎم ﺗﻘﺪﱠم اﻟﺨﺎدم وﺛﺒﺖ ﻣﻨﻀﺪة ﺻﻐرية أﻣﺎم ﻛﻞ ﻣﻘﻌﺪ ،وﻗ ﱠﺪ َم اﻟﻄﻌﺎم واﻟﴩاب املﻄﻠﻮب ،وﻧﺤﻦ ﺧﻼل ذﻟﻚ ﻧﺴﻤﻊ اﻟﺮادﻳﻮ اﻟﺒﺪﻳﻊ اﻟﻮاﺿﺢ ،وﺑﻪ أﻣﻜﻨﺔ ﻓﺨﻤﺔ ﻟﻠﻐﺴﻴﻞ واﻟﺘﻮاﻟﺖ وﺻﻨﺎﺑري ُ وﻗﻠﺖ: املﺎء اﻟﺒﺎرد واﻟﺴﺎﺧﻦ .أﻣﺎ ﻣﺎء اﻟﴩب ﻓﻤﺜﻠﻮج ﻧﺤﺘﺴﻴﻪ ﰲ أﻛﻮاب ﻣﻦ ورق ،ﻓﺪﻫﺸﺖ إﱃ أي ﺣ ﱟﺪ ﺳﻴﺒﻠﻎ اﻟﱰف ﺑﻬﺆﻻء اﻟﻘﻮم املﻨﻌﻤني ،اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺪﺧﺮون وﺳﻌً ﺎ ﰲ ﺗﻮﻓري وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻌﻴﻢ واﻟﺮاﺣﺔ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر ﻛﻠﻪ؟! ً ﺳﻬﻮﻻ ﻛﺜرية املﻨﺎﻗﻊ واملﺴﺎﻳﻞ املﺎﺋﻴﺔ ،وﻟﻘﺪ ﻟﺒﺜﻨﺎ زﻫﺎء ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت أﻣﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻘﺪ ﺑَﺪَا ﺑﺎﺗﺴﺎع ﻋﻈﻴ ٍﻢ ،ﺿﻔﺎﻓﻪ ﺑﺮﻳﺔ ﻣﻬﻤﻠﺔ ﻛﺜﻴﻔﺔ اﻟﺸﺠﺮ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻧﻬﺮ املﺴﺴﺒﻲ ،وﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﻫﻨﺎ ٍ واﻟﻌﺸﺐ ،أﻣﺎ اﺧﺘﻨﺎﻗﻪ ﻋﻨﺪ ﺳﺎﻧﺖ ﺑﻮل ﻓﺬاك ﻷﻧﻪ ﻳﺪﺧﻞ ﰲ ﺧﺎﻧﻖ ﺣﺠﺮي ﻳﺒﺪأ ﻣﻦ ﺷﻼل ﺳﻨﺖ أﻧﺜﻮﻧﻲ املﺠﺎور ملﻴﻨﺎﺑﻠﺲ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻠﻤﻼﺣﺔ ﺷﻤﺎل ذاك اﻟﺸﻼل ،ﺛﻢ أﺧﺬت ﻣﻨﺎﺑﺖ اﻟﺬرة ﺗﺒﺪو ﰲ ﻣﺘﺴﻌﺎت إﱃ اﻷﻓﻖ ،وﻛﺎﻧﺖ أﻛﺪاس اﻷﺳﻤﺪة اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻣﻨﺜﻮرة ﰲ اﻟﺤﻘﻮل ،وإﱃ 163
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺟﻮار ذﻟﻚ ﺑﻌﺾ املﺮاﻋﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺮ واﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ،وﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ ﰲ ﻣﺰارع ﻣﺴﻮرة ،ﺛﻢ ﺑﺪت اﻟﺘﻼل اﻟﺠريﻳﺔ املﺘﻌﺪدة ،ﻣﻤﺎ أﻛﺴﺐ اﻷرض ﻣﻈﻬ ًﺮا ﻏري ﻣﻈﻬﺮ اﻟﱪﻳﺮي؛ إذ ﻛﺜﺮ ﺷﺠﺮﻫﺎ ً ً ﺳﻬﻮﻻ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﻤﻼ ﰲ ﻣﺴﺎﺣﺎت ﻛﺒرية ،وزاد ﺗﻤﻮﱡج اﻷرض ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺼﺢ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ وﺗُ ِﺮك ﻣﻀﺨﺎت اﻟﻬﻮاء ﺗﻈﻬﺮ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻘﻮل ﻣﻤﺎ أذﻛﺮﻧﻲ ﺑﺴﻬﻮل ﺑﺎﻣﺒﺎس أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ، إﻻ أن اﻷرض ﻫﻨﺎ ﻛﺜرية اﻟﺸﺠﺮ ﻏري ﻣﻤﻠﺔ املﻨﻈﺮ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﺣﺎل اﻟﺒﺎﻣﺒﺎس ،واﻟﺒﻴﻮت ﻣﺒﻌﺜﺮة وﺳﻂ اﻟﺤﻘﻮل ،وﺟﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ اﻟﻜﺜري ﻫﻨﺎك. ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ وملﺎ أن ﻗﺎرﺑﻨﺎ »ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ« َﻛﺜ ُ َﺮ ِت اﻟﻘﺮى املﻜﺘﻈﺔ ،وزاد ْ َت ﻣﺪاﺧﻦ املﺼﺎﻧﻊ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن. أﻣﺎ ﻋﻦ ﻗﻀﺒﺎن ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻓﺬاك أﻣﺮ ﻫﺎﻟﻨﻲ إﱃ أﻗﴡ ﺣﺪﱟ ،ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﺮش اﻷرض إﱃ اﻷﻓﻖ ،وﺗﻘﻮم املﺼﺎﻧﻊ وﺳﻄﻬﺎ واﻟﻘﻀﺒﺎن ﺗﺠﺮي ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻮق ﺑﻌﺾ ،وﻗﺪ ﻧﺮى ﺛﻼﺛﺔ ﻗﻄﺎرات اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﺤﺖ أﺧﻴﻪ ،وملﺎ ﻟﻢ ﻳَﺒ َْﻖ ﻋﲆ املﺪﻳﻨﺔ ﺳﻮى ﺳﺘﺔ أﻣﻴﺎل اﻏﱪﱠ اﻟﺠﻮ، وﺳﺎده اﻟﺪﺧﺎن اﻟﺬي ﻛﺴﺎ املﺒﺎﻧﻲ ﻟﻮﻧًﺎ ﻗﺎﺗﻤً ﺎ ﻣﻨﻔ ًﺮا رﻏﻢ ﺿﺨﺎﻣﺘﻬﺎ ،وأﺧريًا ﻇﻬﺮت وﺳﻂ ُ ٍ ﻫﺎﺋﻠﺔ ،ﺣﺘﻰ ُﺧﻴﱢ َﻞ إﱄ ﱠ أﻧﻬﺎ ﻓﺎﻗﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﺴﺤﺎب ﰲ ﻛﺜﺮ ٍة ذاك اﻟﻈﻼم اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،ﺛﻢ أوﻏﻞ اﻟﻘﻄﺎر ﰲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﻨﺎﻃﺮ ﻣﻠﺘﻮﻳﺔ ﺣﺘﻰ دﺧﻞ ﴎادﻳﺐ ﻻ ﺣﴫَ ﻟﻬﺎ ﺟ ﱡﻠﻬﺎ ﺗﺤﺖ اﻷرض ،وﻫﻲ ﻣﺤﻄﺔ ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت ﻣﺎ أﻋ ﱠﺪ ﰲ ﻛﻞ َ أردت اﻟﺼﻌﻮد إﱃ ﺑﻴﺘﻚ ُرﻓِﻌْ َﺖ ﺑﺴﻴﺎرﺗﻚ ﻣﻬﻤﺎ ﻋﻼ اﻟﺪور دور »ﺟﺮاﺟﺎت« ﻟﻠﺴﻴﺎرات ،ﻓﺈذا اﻟﺬي أﻧﺖ ﻓﻴﻪ. ﺣﻠﻠﺖ ﻓﻨﺪق Midland Club Hotelاﻟﺮاﺋﻊ اﻟﻔﺨﻢ ،وأﺟﺮه ﻧﺼﻒ ﺟﻨﻴﻪ ﰲ اﻟﻠﻴﻠﺔ، ُ ﻛﺪت أﻧﺰل ﻷﺟﻮب ﺑﻌﺾ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﺒﻠﺪة وﺷﻴﻜﺎﻏﻮ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ أﻏﲆ اﻟﺒﻼد ﻋﲆ اﻟﻐﺮﻳﺐ ،وﻣﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﺼﻒ اﻟﺮﻋ ُﺪ وأَﺑْ َﺮ َق اﻟﺠ ﱡﻮ وﺳﺢﱠ املﻄﺮ ً واﺑﻼ ﻋﺎق ﺣﺮﻛﺔ املﺮور ،ﻟﻜﻨﻲ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﻧﺰﻟﺖ أﺧﻮض ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻷرﺟﺎء ،ﻓﻜﺎن أﺛﺮ اﻟﺒﻠﺪة وﻧﻮاﻃﺤﻬﺎ املﺮﺻﻮﺻﺔ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ً ﺑﺎﻟﻐﺎ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻲ ﻧﺴﻴﺖ إﱃ ﺟﻮارﻫﺎ ﻧﻴﻮﻳﻮرك وﻋﻈﻤﺘﻬﺎ. ً ﺑﺎﺳﻘﺎ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ﰲ ﻣﺮﻣﺮ ﺑ ﱠﺮاق ،وﻗﺪ ُز ﱢو َد ﺑﺎﻷﺑﻮاب أﻧﻈﺮ إﱃ اﻟﺒﻨﺎء ﻓﺄﺟﺪه ﻳﻌﻠﻮ ً ﱢ اﻟﻨﺤﺎﺳﻴﺔ اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ اﻟﺮاﺋﻌﺔ ،وﺛﻤﻦ ﺑﺎب واﺣﺪ ﰲ ﻇﻨﻲ ﻳﻘﻴﻢ ﺑﻴﺘﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﻮﺗﻨﺎ ،واﻟﻌﺠﻴﺐ أﻧﻬﻢ ﻳﻨريون ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻮاﻃﺢ ﺑﺈﴎاف ﺷﺪﻳﺪ ،ﺛﻢ ﻳﺴﻠﻄﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺷﻌﺔ ﺑﻴﻀﺎء ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻨﻈﺮﻫﺎ ﻟﻠﻮاﻓﺪﻳﻦ راﺋﻌً ﺎ ،وﺗﺮى اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻷﺳﻔﻞ ﻟﻬﺎ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺷﻮارع ﻧ ُ ﱢﺴ َﻘ ْﺖ ﺑﻬﺎ املﺘﺎﺟﺮ وﻣﻌﺮوﺿﺎﺗﻬﺎ أﻳﻤﺎ ﺗﻨﺴﻴﻖ ،وﰲ أرﻛﺎﻧﻬﺎ اﻟﺮواﻓﻊ ﻧﻤﺮت ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻠﻎ اﻷرﺑﻌني. 164
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
واﻟﺤﻖ أن ذاك املﺸﻬﺪ اﻟﻬﺎﺋﻞ َﻷول ﻣﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﻋﲆ اﻟﻮاﻓﺪ ﻟﺒﱠﻪ ،وﻳﻜﺎد ﻳﺬﻫﻠﻪ ﻓﻼ ﻳﻨﴗ ﻣﺎ ﺧﻠﻔﻪ ذاك ﰲ ﻣﺨﻴﻠﺘﻪ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺔ وﻓﺨﺎﻣﺔ ﻻ ﻳﺪاﻧﻴﻬﺎ أي ﺑﻠﺪ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺳﻮى ﻧﻴﻮﻳﻮرك. ﻓﻤﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت اﻟﺘﻲ راﻋﺘﻨﻲ Fieldﺑﻬﺎ ٤٢دو ًرا ،واﻟﱪج ﻳﻌﻠﻮ ﻓﻮق ذﻟﻚ ١٩ دو ًرا وﻫﻮ أﺣﺪث اﻷﺑﻨﻴﺔ ،وﻟﻘﺪ اﻋﺘﻠﻴﺖ ﻗﻤﺘﻪ ﻓﻜﺎن ﻣﺸﻬﺪ املﺪﻳﻨﺔ راﺋﻌً ﺎ ،ﺛﻢ ﺑﻨﺎء Trade Board ofوأدواره ،٤٤واﻟﺪور املﺨﺼﻮص ﻟﻠﺒﻮرﺻﺔ ﻣﺰوﱠد ﺑﺄﺣﺪث اﻟﻨ ﱡ ُ ﻈﻢ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ،وﻳُﻌَ ﱡﺪ ُﴩف ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻤﺜﺎل Ceresإﻟﻬﺔ اﻟﻘﻤﺢ ،وأروع ﻣﺎ ﺗﺮى أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﻧﻈﺎﺋﺮه ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻳ ِ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت ﰲ »ﻣﺸﺠﺎن أﻓﻨﻴﻮ« ﺣﻴﺚ ﺗﺒﺪو ﰲ ﺻﻒ ﻣﺴﺘﻘﻴ ٍﻢ ،ﺗﻤﺘﺪ إﱃ اﻷﻓﻖ وﺗﻨﺎﻃﺢ ﴩف ﻛﻠﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺒﺤرية ،واﻟﺸﺎرع ﻗﺪ ُز ﱢو َد ﺑﺎملﺘﻨﺰﻫﺎت اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،واﻷرض ذراﻫﺎ اﻟﺴﺤﺎب ،وﺗُ ِ رﺻﻔﺖ »ﺑﺎملﺴﻠﺢ« ،و ُر ِﺳﻤﺖ اﻟﺨﻄﻮط اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﱢد ﻟﻠﺴﻴﺎرات ﺳريﻫﺎ ،وﻧﻈﺎم اﻟﺴري ﻳﻜﻔﻞ أرﺑﻊ ﺳﻴﺎرات ﺗﺴري ﻣﺘﺠﺎورة إﱃ اﻟﻴﻤني وأﺧﺮى ﻣﺜﻠﻬﺎ إﱃ اﻟﻴﺴﺎر ،وإذا أﻋﻄﻴﺖ إﺷﺎرة املﺮور ﺗﺤ ﱠﺮ َﻛ ْﺖ ﺳﻴﺎرات ﺟﺎﻧﺐ واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ،ﺛﻢ ﻳﻮﻗﻒ ﻫﺬا وﻳﺘﺤﺮك َ اﻵﺧﺮ؛ وذﻟﻚ ﻟﻴﻤﻜﻦ املﺎرة ﻣﻦ اﺧﱰاق اﻟﺸﺎرع ﻋﲆ دﻓﻌﺘني ،وﻟﻮﻻ ذﻟﻚ ﻻﺳﺘﺤﺎل ﻋﲆ اﻟﻨﺎس املﺮور ﻟﻜﺜﺮة اﻟﺴﻴﺎرات اﻟﺘﻲ َ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺳﺪٍّا ﰲ ﻛﻞ دﻗﻴﻘﺔ ،وﻟﺸﺪ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ دﻫﺸﺘﻲ ملﺎ أن ﻋﻠﻤﺖ أن أﺟﺮ ﻏﺴﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﺗﺴ ﱡﺪ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت ٦٠٠٠رﻳﺎل ،وﻫﻢ ﻳﺤﺮﺻﻮن ﻋﲆ ﻏﺴﻠﻬﺎ ﻟﻴﺰﻳﻠﻮا ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﺴﻮداء اﻟﺘﻲ ﻳﺨﻠﻔﻬﺎ ﻓﻮﻗﻬﺎ دﺧﺎن املﺼﺎﻧﻊ اﻟﺘﻲ ﱡ ﺗﻐﺺ ﺑﻬﺎ ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ. وﻣﻦ اﻷﺑﻨﻴﺔ اﻟﻔﺎﺧﺮة ﻟﻮﻛﺎﻧﺪة »إﺳﺘﻴﻔﻨﺰ« أﻛﱪ ﻓﻨﺎدق اﻟﺪﻧﻴﺎ؛ إذ ﺑﻬﺎ ٣٠٠٠ﻏﺮﻓﺔ ،وﰲ ﻛﻞ ﻏﺮﻓﺔ ﺣﻤﺎم وﺗﻮاﺑﻌﻪ ،ﺛﻢ أﺛﺮ اﻟﺤﺮب اﻟﺬي ﻛ ﱠﻠﻔﻬﻢ ٣ﻣﻼﻳني رﻳﺎل ،وﺑُﻮﻟِ َﻎ ﰲ ﻧﻘﺸﻪ وﺗﺄﺛﻴﺜﻪ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻟﻢ أ َر ﻧﻈريه ﰲ ﻣﻜﺎن َ آﺧﺮ ،ﺛﻢ ﺑﻨﺎء ﻣﺘﺤﻒ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﻫﻮ ﻋﲆ ﻧﻤﻂ ﻣﺘﺤﻒ ﻣﻴﻮﻧﺦ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ ،وإﱃ ﺟﻮاره دار اﻻﺳﺘﺎدﻳﻮم اﻟﺬي ﻳﺴﻊ ١٥٠أﻟﻒ ﻧﻔﺲ، وﻗﺪ ﻛ ﱠﻠﻔﻬﻢ ٥ﻣﻼﻳني رﻳﺎل ،ﺛﻢ ﻣﻌﻬﺪ اﻟﻔﻠﻚ Planetoriumاﻟﺬي ﻳﺤﻜﻲ ﻣﻌﻬﺪ ﺑﺮﻟني، وﺗُﻌ َ ﻄﻰ املﺤﺎﴐات اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر ﻛﻞ ﻳﻮم .وﻣﻦ أﻓﺨﺮ ﺷﻮارﻋﻬﻢ »ﻣﺸﺠﻦ اﻓﻴﻨﻮ« ﻋﲆ اﻟﺒﺤرية ،وﺷﺎرع Ateاﻟﺬي ﻳﺸﻖ ﻗﻠﺐ اﻟﺒﻠﺪ وﻳﻮازي »ﻣﺸﺠﻦ« ،وﻫﻮ ﻣﻘﺮ املﺘﺎﺟﺮ اﻟﻔﺎﺧﺮة، ودور املﻼﻫﻲ ،وﻣﺴﱰاض املﺤﺒني ﻃﻮال اﻟﻠﻴﻞ ،وﻛﺜري ﻣﻦ ﺷﻮارع اﻟﺒﻠﺪة ﻣﻨﻤﱠ ﺮ ﻋﲆ ﻧﻤﻂ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،وﻳﻘﺴﻤﻬﺎ ﺷﺎرع »ﻣﺎدﻟني« إﱃ ،East West townوﻳﺸﻖ املﺪﻳﻨﺔ ﻧﻬﺮ ﺻﻐري ﻫﻮ ﻧﻬﺮ »ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ« ﻳﺼﺐﱡ ﰲ اﻟﺒﺤرية ،وﻗﺪ أُﻗِ ﻴﻤَ ْﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﴩات اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ،وﻗﺎﻣﺖ ﻋﲆ ﺿﻔﺎﻓﻪ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت ،أﻣﺎ ﻋﻦ املﺘﻨﺰﻫﺎت املﻨﺴﻘﺔ اﻟﻔﺴﻴﺤﺔ ﻓﺬاك ﻗﺪ ﻓﺎق ﻛ ﱠﻞ ﺣﺪﱟ؛ ﻓﻔﻲ ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ ً ﻣﺘﻨﺰﻫﺎ ،وﻣﻦ أﻓﺨﺮﻫﺎ Lincolnوﻣﺴﺎﺣﺘﻪ ٦٠٠ﻓﺪان ،وﰲ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻪ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺤﻴﻮان، ١٦٩ وﺑﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﺟﺪٍّا وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﺴﺒﺎع ،ﺛﻢ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻨﺒﺎت وﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﺰﻫﻮر ﰲ ﺟﺎﻧﺐ َ آﺧﺮ. 165
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
وﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ َ آﺧﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺘﻨﺰﻫﺎت ﺗﻄ ﱡﻞ ﺑﻴﻮت اﻟﺴﻜﻨﻰ ،وﺟﻠﻬﺎ ﻓﺎﺧﺮ ﻻ ﻳﺠﺎوز أرﺑﻌﺔ أدوار ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﰲ اﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺒﺤرية املﺴﻤﱠ ﻰ ﺟﻮﻟﺪ ﻛﻮﺳﺖُ ، وﺳﻤﱢ َﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻣﺄوى اﻷﺛﺮﻳﺎء »املﻠﻴﻮﻧريز« ،وﻫﻨﺎك ﻧﺎﻃﺤﺔ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ﺑﻴﺖ املﻠﻴﻮﻧريز ﺑﻬﺎ ١٤دو ًرا ،وﰲ ﻛﻞ دور ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺴﻜﻦ »ملﻠﻴﻮﻧري«. أﻣﺎ اﻟﺒﺤرية ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻬﺎﺋﻠﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺰاﺧﺮ ﻣﺮﺗﻔﻊ املﻮج ،ﻛﺜري اﻟﺘﻌﺮﺟﺎت ،وﻗﺪ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻮاﺟﺰ اﻷﻣﻮاج واملﺮاﻓﺊ ،وﻧ ُ ﱢﺴ َﻘ ْﺖ اﻟﻄﺮق واﻟﺤﺪاﺋﻖ ،وﻻ ﻋﺠﺐ ﻓﻬﻲ راﺑﻌﺔ ﺑﺤريات اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺬﺑﺔ ،وﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﺰﻳﺪون ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻷرض ﻋﲆ ﺣﺴﺎﺑﻬﺎ ،وﻳﻤﺪون اﻟﻄﺮق إﱃ ﺟﻮارﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ ً ٢٦ ﻣﻴﻼ ،وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮى وﺳﻂ املﺎء ﺑﻌﻴﺪًا ﻣﻨﺎ أرﺑﻊ ﻣﺤﻄﺎت ﻟﺮﻓﻊ املﺎء وﺳﻘﻲ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺸﻮاﻃﺊ ﻣﺪرﺟﺔ رﻣﻠﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ املﺴﺎﺑﺢ اﻟﺘﻲ ﻳﺆﻣﻬﺎ ﺧﻠﻖ ﻛﺜري ،ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻮﻟﺘﻲ ﰲ اﻟﺤﻲ اﻟﺰﻧﺠﻲ وﻛﺜري ﻣﻦ أﺑﻨﻴﺘﻪ ﻓﺎﺧﺮ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻛﺜري ﻣﻦ املﻠﻴﻮﻧريز املﺜﻘﻔني ،وﰲ اﻟﺒﻠﺪ ٢٣٤أﻟﻒ زﻧﺠﻲ أﺳﻮد ،ﺟﻠﻬﻢ ﻳﻘﻄﻨﻮن ﺑﺠﻬﺔ واﺣﺪة »ﺣﻲ ﻛﻮﻟﻨﺰ« ،وﻗﺪ ُ ﻣﺮرت ﺑﺄﻛﱪ ﻓﻨﺎدﻗﻬﻢ Rilzوﻫﻮ أﺟﻤﻞ ﻓﻨﺎدق اﻟﺰﻧﻮج ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﻲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ؛ ﻷن اﻟﺴﻮد ﻣﺘﻌﺼﺒﻮن ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺟﺪٍّا ،وﻳﺆﻣﻮن اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ داﺋﻤً ﺎ. ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ زورﺗﻲ ﻟﻠﺠﺎﻣﻌﺔ وأﺑﻨﻴﺘﻬﺎ املﺮﺻﻮﺻﺔ إﱃ ﻣ ﱢﺪ اﻟﺒﴫ ،واملﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ وﻟﻬﺎ ٥٢ﻓﺮﻋً ﺎ ﻣﻨﺜﻮرة ﰲ ﻋﺮض املﺪﻳﻨﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻌﺮض اﻟﻔﻦ اﻟﺠﻤﻴﻞ وﺑﻪ ﻗﺴﻢ ﻣﴫي ﺣﻮى ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ واﻟﺠﺜﺚ واﻟﺤﲇ واﻟﺘﻮاﺑﻴﺖ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ .ﺑﻠﺪ ﻫﺎﺋﻞ ﻣﺎ ُ ﻛﻨﺖ إﺧﺎﻟﻪ ﺑﻠﻎ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ اﻟﺬي ﻓﺎق ﺳﺎﺋﺮ ﺑﻼد اﻟﺪﻧﻴﺎ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،ﻓﺄﻧﺖ ﺗﻠﻤﺲ آﻳﺎت اﻟﺜﺮاء واﻟﻐﻨﻰ ملﺠﺮد اﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺒﺎﻧﻴﻬﻢ وﻓﻨﺎدﻗﻬﻢ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﺣﻮل املﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ،The Loopeوﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﻛﺬﻟﻚ ﻷن اﻟﻘﻄﺎر املﺮﺗﻔﻊ Elevatorﻳﻄﻮﻓﻬﺎ ،وذاك اﻟﻘﻄﺎر ﻣﻦ اﻷﻋﺎﺟﻴﺐ ﻓﻬﻮ ﻳﺴري إزاء اﻟﺪور اﻟﺜﺎﻧﻲ أو اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﻮت ،وﻳﺸﻖ أﻣﻬﺎت اﻟﻄﺮق ،وﻫﻮ ﻣﺮﻓﻮع ﻋﲆ ﺷﺒﺎك ﺛﻘﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻧﻤ ﱡﺮ ﻧﺤﻦ واﻟﺴﻴﺎرات وﺗﺮام اﻷرض ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ ،وﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻧﻈري ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ إﻻ ﰲ َت اﻟﺒﻠﺪ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺧﻄﻮط ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﺗﺤﺖ اﻷرض ،وﻛﻢ ُ ﻧﻴﻮﻳﻮرك .إﱃ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ُز ﱢود ْ ﻛﻨﺖ أﻗﻒ ﻣﺒﻬﻮﺗًﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻔﺎرق ﺑﻌﺾ اﻟﻄﺮق ﺣﻴﺜﻤﺎ ُ ﻛﻨﺖ أرى ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺠﺎﻣﻴﻊ ﻣﻦ ﻗﻄﺎرات ﻳﺴري اﻟﻮاﺣﺪ ﻓﻮق َ اﻵﺧﺮ ،واﻟﺴﻴﺎرات ﺗﺴﺪ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺳﺪٍّا ،وﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﺳﻴﻠﻬﺎ ﺛﺎﻧﻴﺔ واﺣﺪة ،واملﺎرة َ ﻋﻠﻤﺖ أن ﺳﻜﺎن ﻋﲆ اﻷرﺻﻔﺔ اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﺟﻤﺎﻫري ﻣﺘﻼﺻﻘﺔ اﻷﻛﺘﺎف ،وﻟﻴﺲ ذﻟﻚ ﺑﻌﺠﻴﺐ إذا ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ ﻗﺎرﺑﻮا أرﺑﻌﺔ ﻣﻼﻳني. أﻣﺎ اﻟﺠﻠﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻌﻬﺎ أﻳﻨﻤﺎ َ ﻛﻨﺖ ﰲ ﺻﻮت ﻛﺎﻟﺮﻋﺪ ﻓﺘﻨﻐﺺ ﻋﲆ املﺮء ﻧﻮﻣﻪ إﻻ إذا ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺣﻮل »اﻟﻠﻮب« ﺗﺴﱰﻋﻲ اﻟﻨﻈﺮ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻛﺜﺮة اﻟﺠﻤﺎﻫري اﻋﺘﺎدﻫﺎ ،وﺣﻴﺎة اﻟﻠﻴﻞ 166
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ً وﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﺴﻴﺪات ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ﻳ َُﺨﻴﱠﻞ إﱄ ﱠ أن ﻟﻴﺲ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴريون ﰲ اﻟﻄﺮق ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ، ﻟﻠﻘﻮم ﺑﻴﻮت ﻳﺄوون إﻟﻴﻬﺎ ﺳﻮى املﻄﺎﻋﻢ واملﻘﺎﻫﻲ ودور اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ وأرﺻﻔﺔ اﻟﺸﻮارع ،وﻏﺮاﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺑﺎﻟﻎ اﻟﺤﺪ ،ﻓﺄﺟﺮ اﻟﺪﺧﻮل زﻫﺎء ٣٤رﻳﺎل ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺸﻖ ﻟﻚ ﻣﻜﺎﻧًﺎ وﺳﻂ اﻟﺠﻤﺎﻫري اﻟﺪاﻓﻘﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،رﻏﻢ أن اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻣﺘﻮاﺻﻞ ﻧﻬﺎ ًرا ً وﻟﻴﻼ ،وﻛﻠﻤﺎ اﻧﺘﻬﺖ اﻟﺮواﻳﺔ ﺑﺪأت ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،وﻟﻘﺪ دﺧﻠﺖ أﻛﱪ اﻟﺪور Palace Theaterوﴍﻳﺖ اﻟﺘﺬﻛﺮة وزاﺣﻤﺖ وﺳﻂ ً وﻗﻮﻓﺎ ﰲ ردﻫﺎت املﻠﻬﻰ ﻧﺤﻮ ﺳﺎﻋﺔ ﺣﺘﻰ ﺟﺎء دوري ﰲ اﻟﺪﺧﻮل؛ اﻟﺠﻤﺎﻫري اﻟﻐﻔرية ،وﻟﺒﺜﻨﺎ ذﻟﻚ ﻷن اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺧﺮج ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ املﺘﻔﺮﺟني اﺳﺘُﻌِ ﻴﺾ ﺑﻐريه ﻣﻦ املﻨﺘﻈﺮﻳﻦ. وﻻ أدري ﻣﻦ أﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻮال اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻔﻘﻬﺎ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺣﺘﻰ اﻟﻌﻤﺎل واﻷﺟريات؛ إذ ﻳﻨﻔﻘﻮن اﻟﺮﻳﺎﻻت املﺘﺘﺎﺑﻌﺔ ،ﻋﲆ أﻧﻲ ملﺎ ﻣ ﱠﺮ ْر ُت ﺑﺄﺣﻴﺎﺋﻬﻢ اﻟﻔﻘرية ﺗﺄ ﱠﻟﻤْ ُﺖ ﺟﺪٍّا ﻷن ﺟ ﱠﻞ ﻗﺎﻃﻨﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻔﺎة واملﺘﺴﻮﻟني ﻳﺄوون إﱃ ﺑﻴﻮت َﻗﺬِرة ﻣﻬﻤﻠﺔ ﻣﺘﻬﺪﻣﺔ ،وﻗ ﱠﻠﻤﺎ ﻳﺮى اﻟﻐﺮﻳﺐ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﻴﺎء ،ﺑﻞ ﺗﺄﺧﺬه ﻋﻈﻤﺔ اﻟﻘﺴﻢ املﺴﺘﺤﺪث اﻟﺮاﺋﻊ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻴ َ ُﺸﻐﻞ ﺑﻪ ﻋﻦ ﻏريه ،واملﺪﻳﻨﺔ ﺗﻔﺎﺧﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ أﺟﻤﻞ املﺪن وأﻛﺜﺮﻫﺎ ﺗﻘﺪﱡﻣً ﺎ. أﻣﺎ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻬﻮ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﺟﺪٍّا ،وﻳ َُﺨﻴﱠﻞ إﱄ ﱠ أن اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻴﻪ راﺟﻊ إﱃ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ً أوﻻ ،وإﱃ دور اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺛﺎﻧﻴًﺎ ،ﻓﺎﻷوﱃ ﺗﺰوﱢد ﻛﻞ اﻟﻄﺒﻘﺎت ﺑﺒﺪاﺋﻊ املﺼﻮرات واملﻘﺎﻻت واملﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﺳﺐ ﻋﻘﻠﻴﺘﻬﻢ ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺠﺘﺬﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻄﺒﻘﺎت وﺗُﻨ ِﺒﺌﻬﻢ ﻋﻦ ﻃﻔﻼ أو ً ﻓﺘﻮﺳﻊ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺪارﻛﻬﻢ ،وﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺮى ً ﱢ رﺟﻼ أو اﻣﺮأة ﻳﺴري ﺑﺪون اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﺠﻼت واﻟﺠﺮاﺋﺪ؛ ﻓﺎﻟﻜﻞ ﻗ ﱠﺮاء ﻟﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﺴﺘﻠﻔﺖ اﻟﻨﻈﺮ. أﻗﻤﺖ ﰲ اﻟﺒﻠﺪة ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،وﻟﻢ ﻳﺴﻌﻔﻨﻲ ﰲ ﱡ ُ ﺗﻔﻘﺪ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ أﺣﻴﺎﺋﻬﺎ ﺳﻮى ﺳﻴﺎرة اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﺒﺜ َ ْﺖ ﺗﺠﻮب ﺑﻨﺎ ﺧﻤﺲ ﺳﺎﻋﺎت ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻮﻋﺒﻨﺎ ﺟ ﱠﻞ ﻣﺎ ﻳﻬﻢ اﻟﺴﺎﺋﺤني أﻣﺮه ﻣﻦ ُ رﻛﺒﺖ اﻟﱰام املﺮﺗﻔﻊ إﱃ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻋﺮض ﺣﻴﻮان املﺮاﻋﻲ وﴍاﺋﻪ، املﺪﻳﻨﺔ ،وملﺎ أن ﻋﺪت ﻋﴫًا ﺛﻢ ﻣﺼﺎﻧﻊ ذﺑﺤﻪ وإﻋﺪاد اﻟﻠﺤﻮم ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﻮﱠﻧﺖ ﻋﻈﻤﺔ ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ املﺎﻟﻴﺔ وﻳﺴﻤﱡ ﻮﻧﻬﺎ Union ،Stock Yardsوﺗﻘﻊ ﰲ ﺟﻨﻮب اﻟﺒﻠﺪ ﻣﺎ ﺑني ﺷﺎرﻋﻲ ٣٩و ،٤٣وﺗﺸﻐﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻗﺪرﻫﺎ ً ﻃﻮﻳﻼ ﻳﺴري وﻣﻦ دوﻧﻪ إﱃ اﻵﻓﺎق ﻣﺮﺑﻌﺎت ﻣﻦ ﺣﻮاﺟ َﺰ ﺧﺸﺒﻴ ٍﺔ ٤٠٠ﻓﺪان ،ﻓﻈ ﱠﻞ اﻟﻘﻄﺎر ﻣﻸى ﺑﺎﻟﺤﻴﻮان »أﺑﻘﺎر وﺧﺮاف وﺧﻨﺎزﻳﺮ« ،وإﻟﻴﻬﺎ ﺗَﻔِ ُﺪ ُ أﻟﻒ ﺳﻴﺎرة ﻛﺒرية ﻣﻦ أﻧﺤﺎء اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺤﻤﱠ َﻠ ًﺔ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮان اﻟﺬي ﻳُﻌ َﺮض ﻫﻨﺎك ،ﻓﻴَ ِﻔ ُﺪ ﺗﺠﱠ ﺎر اﻟﺠﻤﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﺨﱪاء وﻳﺸﱰون ﻣﺎ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎن ﻣﻦ اﻟﺮﻳﺎﻻت ،أي أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ،وﰲ وﺳﻂ املﻨﻄﻘﺔ ﺗﻨﺘﴩ ﻣﺼﺎﻧﻊ اﻟﻠﺤﻮم اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ وأﻛﱪﻫﺎ »ﺳﻮﻓﺖ وﴍﻛﺎه ،وآرﺛﺮ وﴍﻛﺎه« ،وﻫﻤﺎ ﻳﺒﻴﺤﺎن ﻟﻠﻨﺎس 167
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
زﻳﺎرة املﺼﻨﻊ ﺗﺤﺖ إﴍاف دﻟﻴﻞ ﺧﺒري ﻳﻘﻮدﻫﻢ ﺷﺎرﺣً ﺎ ﻛﻞ ﳾء ،ﻋﲆ أﻧﻲ وﺻﻠﺖ ﻫﻨﺎك ﺑﻌﺪ املﻴﻌﺎد؛ إذ ﺗُ َ ُ ُ وﻋﺪت ﻓﺎﺿﻄﺮرت أن أرﺟﺊ ﺳﻔﺮي ﻳﻮﻣً ﺎ، ﻮﻗﻒ اﻟﺰﻳﺎرة ﺑﻌﺪ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﺴﺎءً، ُ ودﺧﻠﺖ ﻣﺼﻨﻊ ﺳﻮﻓﺖ اﻟﻬﺎﺋﻞ اﻟﺬي ﻳﻘﻊ ﰲ »املﻴﻞ املﺮﺑﻊ املﻌﺮوف ﺑﺄﻧﻪ أﻛﺜﺮ ﺑﻘﺎع ﰲ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﺠﺎرﻳﺔ« ،وﻣﺴﺎﺣﺔ املﺼﻨﻊ وﺣﺪه ٥٨ﻓﺪاﻧًﺎ ،وﻳﺒﺘﺎع ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮان ﺑﻤﻠﻴﻮن ورﺑﻊ ﻣﻠﻴﻮن رﻳﺎل .اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﺎ اﻟﺪﻟﻴﻞ وأﻗﻌﺪﻧﺎ ﰲ ﻏﺮﻓﺔ اﻻﻧﺘﻈﺎر ،وﻗ ﱠﺪ َم ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﱠﺎ ﻛﺘﻴﺒًﺎ ﻣﺼﻮ ًرا ﻋﻦ املﺼﻨﻊ ،وﻋﺮض ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺗﺎت ﻣﺼﻮرة ﻋﻦ املﺼﻨﻊ أُﻋِ ﺪ ْ ﱠت ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﱪﻳﺪ ﻋﲆ املﻜﺎﺗﺐ املﺮﺻﻮﺻﺔ ﻫﻨﺎك ،وملﺎ ﺗﺠﻤﻬﺮ ﻋﺪد ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ﺗﻘﺪﱠﻣَ ﻨﺎ اﻟﺪﻟﻴ ُﻞ وﺳﺎر ﺑﻨﺎ إﱃ ﻗﺴﻢ »اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ« ،واملﺼﻨﻊ أﻛﱪ ﺟﻬﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ إﻧﺘﺎﺟً ﺎ ﻟﻠﺤﻮم اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ Ham and Baconﻓﺒﺪأ ﺑﻘﺴﻢ اﻟﺬﺑﺢ ،وﻫﻨﺎ رأﻳﻨﺎ ﻣﻨﻈ ًﺮا ﻣﻔﺰﻋً ﺎ؛ ﻋﺠﻼت ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﻛﺎﻟﱰوس اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺗﺘﺪﱃ ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ﺳﻼﺳﻞ ﻏﻠﻴﻈﺔ ،وﺗﻠﻚ اﻟﻌﺠﻼت ﺗﺪور ﻓﻴﺴﺎق ﻗﻄﻴﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﻼﻟﻴﻒ اﻟﺴﻤﺎن ﰲ ﴎداب ،وﺑﻤﺠﺮد ﻣﻼﻣﺴﺔ اﻟﺤﻴﻮان ﻟﻠﺴﻠﺴﺔ ﺗﻘﺒﺾ ﻋﲆ ﻳﺪه وﺗﺮﻓﻌﻪ ﻣﻌ ﱠﻠ ًﻘﺎ وﻫﻮ ﻳﺼﻴﺢ ﺻﻴﺎﺣً ﺎ ﻣﻨﻜ ًﺮا ،وﺗﺪﻓﻊ ﺑﻪ إﱃ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ ﺗﻘﻮده إﱃ ﻗﺼﺎب ﺑﻴﺪه آﻟﺔ ﻣﺪﺑﱠﺒﺔ ﻳﻐﻤﺪﻫﺎ ﰲ ﻣﻜﺎن ﻣﻦ ﺣﻠﻖ اﻟﺤﻴﻮان ﻓﻴﻨﻔﺠﺮ اﻟﺪم وﻳﺴري إﱃ ﻣﺠﺎر ﺗﺤﺖ اﻷرض ﻟﻴﺘﺠﻤﻊ ،وﺗُﺼﻨَﻊ ﻣﻨﻪ اﻷﺳﻤﺪة ،وﺑﻌﺾ أﻏﺬﻳﺔ اﻟﻄﻴﻮر واﻟﻌﻠﻒ ،ﺗﺼﻮر ﻣﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﻌﺠﻼت واﻟﺼﻔﻮف واﻟﻘﺼﺎﺑني ﻳﻘﺘﻠﻮن ﺟﻤﺎﻫري اﻟﺤﻴﻮان ﰲ ذاك املﺸﻬﺪ اﻟﺒﺸﻊ ،ووﺳﻂ ﺻﻴﺎح وﻋﻮﻳﻞ ﻣﻦ اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ﻳﺼﻢ اﻵذان ،وﻳﻠﻘﻲ اﻟﺮﻋﺐ ﰲ اﻟﻘﻠﻮب! َ ﻋﻠﻤﺖ أن ﻋﺪد ﻣﺎ ﻳُﻘﺘَﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﻼﻟﻴﻒ ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻮاﺣﺪة وإﺧﺎﻟﻚ ﺗﺪﻫﺶ دﻫﺸﺘﻲ إذا َ ،٧٥٠ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﻋﺎت اﻷﺳﺒﻮع ،٤٥–٤٢ﻓﺘﺼﻮﱠر اﻟﻌﺪد اﻟﻬﺎﺋﻞ اﻟﺬي ﻳُﻘﺘﻞ ﰲ اﻟﻌﺎم ﰲ أﺣﺪ ﻣﺼﺎﻧﻊ ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ — ﻓﻮق ﻣﻠﻴﻮن وﺳﺘﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ — وملﺎ أن ﺻﻔﻲ دم اﻟﺤﻴﻮان ﺟﺮﺗﻪ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ إﱃ املﺤﺎرق ،ﻓﻴﻤﺮ ﻋﲆ ﻟﻬﻴﺐ ﻳﺄﻛﻞ اﻟﺸﻌﺮ وﻣﺎ ﺗﺨ ﱠﻠﻒ ﻳﻨ ﱢ ﻈﻔﻪ اﻟﻌﻤﱠ ﺎل وﻫﻮ ﻳﻤﺮ ﺗﺒﺎﻋً ﺎ اﻟﻮاﺣﺪ ﺑﻌﺪ َ اﻵﺧﺮ ،وﻫﻨﺎ ﻳﻤﺮ ﻛﻞ ﺣﻴﻮان ﻋﲆ ﻣﻔﺘﺶ اﻟﺼﺤﺔ اﻟﺬي ﻳﺨﺘﱪ َﻏ َﺪ َد اﻟﺤﻠﻖ واﻟﺮأس واﻟﻜﺒﺪ واﻟﻄﺤﺎل ،وإذا ﺑَﺪَا ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻴﺐ أﺗﻠﻒ ﻟﺤﻢ اﻟﺤﻴﻮان ﻋﲆ اﻟﻔﻮر ،ﺛﻢ ﺗﻤ ﱡﺮ اﻟﺠﺜﺚ ﻋﲆ رﺟﺎل ﻳﺮﺷﻮﻧﻬﺎ ﺑﺎملﺎءَ ، ﻓﺂﺧﺮون ﻳﺴﻮﻗﻮﻧﻬﺎ إﱃ املﺨﺮﻃﺔ — ﻣﺜﻞ اﻟﺠﻴﻠﻮﺗني ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ً أﻧﺼﺎﻓﺎ أو أرﺑﺎﻋً ﺎ ،وﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻤﺮ ﻋﲆ ﻓﺘﻴﺎت ﻳﺤﺰﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ دون أن — ﻓﺘﻘﻄﻊ اﻟﺠﺜﺔ ﻳﻤﺴﺴﻦ اﻟﻠﺤﻢ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻦ ،ﺛﻢ ﺗُﱰَك ﻫﺬه ﰲ اﻟﻐﺮف املﺜﻠﺠﺔ وﻳﺨﺮﺟﻦ زﻫﺎء ﻣﺎﺋﺘَ ْﻲ ﺣﺰﻣﺔ ﰲ ُﻮﺿﻊ ﰲ اﻟﻐﺮﻓﺔ املﺜﻠﺠﺔ ﺑني ٣٤و ٤٨ﺳﺎﻋﺔ ،وﺑﻌﺾ اﻟﻘِ َ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳ َ ﻄﻊ ﺗﻤ ﱡﺮ ﻋﲆ رﺟﺎل ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﻣﺸﺎرط وﻣﻔﺎرم ﻳﺸﺬﺑﻮن ﺑﻬﺎ زواﺋﺪ اﻟﻠﺤﻢ ،وﻳﺴﺘﺒﻌﺪون اﻟﺸﺤﻢ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻈﺎﻳﺎه ﺗﺘﻄﺎﻳﺮ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ،ﺛﻢ ﺗﻤﺮ اﻟﻘﻄﻊ ﺑني أﺳﻄﻮاﻧﺎت ﻓﺘﺼﺒﺢ رﻗﺎﺋﻖ ﻣﺴﻄﺤﺔ، 168
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ﺛﻢ ﺗُ َﺴﺎق اﻟﻘﻄﻊ إﱃ أﻓﺮان اﻟﺘﺒﺨري واﻟﺘﺪﺧني ،وﻫﻨﺎك ﺗﺒﻘﻰ ﺑني ٢٤و ٣٦ﺳﺎﻋﺔ ﻓﻮق ﻧﺎر ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺼﻼﺑﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺴري إﱃ ﻗﺴﻢ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ واﻟﺸﺤﻦ ،وﻫﻨﺎ زﻫﺎء ٦٠٠٠ﻋﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻋﺮﺑﺎت ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ذات املﺜﺎﻟﺞ ﻳُﺸﺤَ ﻦ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻠﺤﻢ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﺒﻘﻰ ﰲ درﺟﺔ اﻟﺘﺠﻤﱡ ﺪ داﺋﻤً ﺎ. ﺧﻠﻔﻨﺎ اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ﺑﺼﻴﺎﺣﻬﺎ وﻋﻔﻮﻧﺎﺗﻬﺎ ودﻫﻨﻬﺎ ﻣﻨﻔﺮ اﻟﺮاﺋﺤﺔ ،وﴎﻧﺎ إﱃ ﻗﺴﻢ اﻟﻐﻨﻢ ﺣﻴﺚ ﻳُﻘﺘَﻞ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻴﻨﻬﺎ ٨٠٠رأس ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ أي ١٣ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ ،ﺛﻢ ﺗﻤﺮ ﻋﲆ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻠﺨﻮﻧﻬﺎ ﰲ ﻋﺠﻠﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ ،وﺟﻠﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺰﻧﻮج ،ﺛﻢ إﱃ اﻟﺘﻘﻄﻴﻊ ،ﻓﺎﻟﻀﻐﻂ، ﻓﺎﻟﺘﺜﻠﻴﺞ واﻟﺤﺰم ،وﻛﻞ ذﻟﻚ ﰲ أﻗﻞ ﻣﻦ ٢٦دﻗﻴﻘﺔ. ﺛﻢ ﴎﻧﺎ إﱃ ﻗﺴﻢ املﺎﺷﻴﺔ واﻟﺒﻘﺮ ،Beefوﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺬﺑﺢ وﻫﻲ ﻫﻨﺎك ﻧﻮﻋﺎن: ٍ ﺑﻤﻄﺮﻗﺔ ﺣﺎد ٍة ﰲ ﻣﺨﻪ ﻓﻴﻤﻮت ﻟﺴﺎﻋﺘﻪ ،ﺛﻢ ﻳﻐﻤﺪ ﰲ زوره ﺧﻨﺠﺮ اﻷول ﺑﴬب اﻟﺤﻴﻮان ﺣﺎد ﻓﻴﺼﻔﻰ اﻟﺪم! واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﺬﺑﺢ ﺑﺠﺮة واﺣﺪة ﻣﻦ ﺳﻜني ﺣﺎد ،وذﻟﻚ ﺗﺤﺖ إﴍاف رﺟﺎل ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد ﻟﻜﻴﻼ ﻳُﺤ َﺮﻣﻮا أﻛ َﻞ ذاك اﻟﺤﻴﻮان! وﺑﻌﺪ ﻣﺸﺎﻫﺪة اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻳُﺨﺘَﻢ اﻟﻠﺤﻢ وإﻻ اﻣﺘﻨ َ َﻊ ﺷﻖ اﻟﺼﺪر وإﺧﺮاج اﻷﺣﺸﺎء اﻟﻌﻠﻴﺎ ،ﺛﻢ ﱢ اﻟﻴﻬﻮد ﻋﻦ ﴍاﺋﻪ ،ﺛﻢ ﺗﻤ ﱡﺮ ﻋﲆ اﻟﻐﺴﻴﻞ ﺛﻢ ﱢ ﺷﻖ اﻟﺒﻄﻦ ﻹﺧﺮاج اﻷﺣﺸﺎء اﻟﺴﻔﲆ ،وﰲ ٢٥دﻗﻴﻘﺔ ﻳُﻌَ ﱡﺪ اﻟﺤﻴﻮان ﻟﻠﺘﺼﺪﻳﺮ ،وﻋﺪد ﻣﺎ ﻳُﺬﺑَﺢ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺮ ١٨٠ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ — أي ﻧﺤﻮ ٤٠٠أﻟﻒ ﰲ اﻟﻌﺎم — وﺻﺎﻟﺔ اﻟﺘﺜﻠﻴﺞ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻘﻰ درﺟﺘﻬﺎ °٣٤داﺋﻤً ﺎ ﺗﺴﻊ ٣٠٠٠ﻧﺼﻒ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺮ املﺸﻘﻮق ﺑﻄﻮﻟﻪ ،وﻟﻘﺪ ﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﺮﻋﺪة اﻟﱪد وﻗﺴﻮة اﻟﺘﺠﻤﱡ ﺪ وﻧﺤﻦ ﻧﻤﴚ داﺧﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ ،وﻳﺰن اﻟﺤﻴﻮان املﺘﻮﺳﻂ أﻟﻒ رﻃﻞ ،وإذا أُﻋِ ﱠﺪ ﻧﺰل اﻟﺼﺎﰲ ﻣﻨﻪ إﱃ ،٥٥٠وﻣﻤﺎ ﺑﻘﻲ ﺗُﺴﺘﺨ َﺮج ﻣﻮا ﱡد أﺧﺮى ﺗﺰن ً ١٥٠ رﻃﻼ ،وﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺔ ﻓﺮوع أﻫﻤﻬﺎ :اﻷﺳﻤﺪة وأﻏﺬﻳﺔ اﻟﻜﻼب واﻟﻘﻄﻂ واﻟﺒﺼﻄﺮﻣﺔ واﻟﺼﺎﺑﻮن واملﺮﺟﺮﻳﻦ وﻫﻮ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ دﻫﻦ اﻟﺤﻴﻮان واﻟﺰﻳﻮت اﻟﻨﺒﺎﺗﻴﺔ. أﺧريًا ﺑﻌﺪ ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺧﺮﺟﻨﺎ إﱃ ﻏﺮﻓﺔ ُﻗﺪﱢﻣَ ْﺖ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻠﻮى وودﱠﻋﻨﺎ رﺟﺎل ،Swiftوﴏﱠﺣﻮا ﺑﺄن املﺼﻨﻊ ﻳﺮﺣﱢ ﺐ ﺑﺄﻳﺔ زﻳﺎرة أﺧﺮى ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﻋﺪد اﻟﺰﻳﺎرات واﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ،وﻋﺪد ﻣَ ﻦ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل ﻫﻨﺎك ً ٥٥ أﻟﻔﺎ ،ذﻟﻚ ﻣﺠﻬﻮد ﻣﺼﻨﻊ واﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﺌﺎت املﺼﺎﻧﻊ املﺮﺻﻮﺻﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺔ .ﻫﻨﺎ ﻓﻬﻤﻨﺎ ٍّ ﺣﻘﺎ ﻣﺒﻠﻎ أﻫﻤﻴﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ وﻓﺮوﻋﻬﺎ ﻟﺸﻴﻜﺎﻏﻮ وأﻫﻠﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻏﻨﻰ ً وﻣﺎﻻ. ﻋﺪﻧﺎ إﱃ »اﻹﻟﻔﻴﱰ« ﻧﺸﻊ ﻣﻦ راﺋﺤﺔ اﻟﻠﺤﻮم ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﺷﺤﻢ اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ اﻟﺬي ﻇ ﱠﻠ ْﺖ راﺋﺤﺘﻪ ﰲ أﻧﻔﻲ ﺗﻨﻐﺼﻨﻲ اﻟﻴﻮم ﻛﻠﻪ ،وزاد اﻟﻄني ﺑﻠﺔ راﺋﺤﺔ اﻟﺰراﺑﻲ املﺠﺎورة Stock ،Vardsﻋﲆ أﻧﱠﺎ ﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻈﻤﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ وذاك املﺠﻬﻮد املﺎﱄ اﻟﺠﺒﱠﺎر اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﺑﻪ أوﻟﺌﻚ اﻟﻘﻮم ﻓﻴﺪ ﱡر ﻋﻠﻴﻬﻢ ً ﻣﺎﻻ وﻓريًا. 169
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ً ﺛﺎﻧﻴﺔ ) (9إﱃ ﻛﻨﺪا ُ ﻗﻤﺖ أودﱢع ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ — وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﻬﻨﺪﻳﺔ اﻟﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺘﺺ ﰲ زراﻋﺔ اﻟﺒﺼﻞ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ،واﻟﻴﻮم ﺗﺸﻊ ﻟﺤﻤً ﺎ وﺷﺤﻤً ﺎ — وﻟﺒﺜﺖ ﺳﺎﺋ ًﺮا ﺻﻮب »ﻧﻴﺎﺟﺮا« ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻋﴩ ً ﺳﻬﻮﻻ ﻣﺒﺴﻮﻃﺔ ﻛﺜرية املﺮﻋﻰ واﻟﺬرة ﻣﻨﺜﻮرة ﺑﺎﻟﺸﺠﺮ، ﺳﺎﻋﺎت ﺑﺎﻟﻘﻄﺎر ،وﻛﺎن أوﻟﻬﺎ وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺠﺎﻧﺐ ﺣﺎﻓﺔ ﺑﺤرية ﻣﺘﺸﺠﻦ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻠﻐﻨﺎ ﺣﺪود ﻛﻨﺪا ﻃﺎف ﺑﻨﺎ رﺟﺎل اﻟﺠﻤﺎرك واملﻬﺎﺟﺮة ،ﺛﻢ أوﻏﻠﻨﺎ ﰲ أرض ﻛﻨﺪا دون أن ﻧﻼﺣﻆ ﱡ ﺗﻐريًا ﰲ املﻨﺎﻇﺮ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﺑﻌﻴﺪًا ﰲ ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺒﺤريات ﺗﻤﻮﱠجَ ﺳﻄﺢ اﻷرض وﻛﺜﺮت ﻏﺎﺑﺎﺗﻪ وﻣﺴﺎﻳﻞ ﻣﺎﺋﻪ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ، ﻮﺟﺌﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﺑﻠﺪة »ﻫﻤﻠﺘﻮن« ﺑﻤﺰار َع وزاد ﺣﻴﻮان املﺮﻋﻰ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﺒﻘﺮ ﰲ اﻟﺤﻘﻮل ،ﺛﻢ ُﻓ ِ ٍ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺮوم واﻟﻔﺎﻛﻬﺔ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻔﺎح ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺪ اﻷرض ﻛﻠﻬﺎ إﱃ اﻷﻓﻖ ،وﻛﺎﻧﺖ املﺤﺎط اﻟﺼﻐرية ﻫﻨﺎك ﺗﺸﺤﻦ ﺻﻨﺎدﻳﻖ ﻻ ﻋ ﱠﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎح ،واﻟﺼﺒﻴﺔ ﻳﺴريون وﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ﻳﴪﻓﻮن ﰲ أﻛﻠﻬﺎ واﻟﻠﻌﺐ ﺑﻬﺎ ،وﻟﻘﺪ ﱠ ﻏري ُْت اﻟﻘﻄﺎر إﱃ ﻧﻴﺎﺟﺮا اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺘُﻬﺎ ﻋﴫًا. ﻧﻴﺎﺟﺮا ﺛﻢ ﺷﺎءت املﻘﺎدﻳﺮ أن أزور ﻧﻴﺎﺟﺮا وأﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﺸﻬﺪﻫﺎ اﻟﺮاﺋﻊ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ؛ ﻛﻲ أﺷﻔﻲ ﰲ اﻟﻨﻔﺲ ً ﻏﻠﺔ ،وأﻃﻔﺊ ﻇﻤﺄ ً ملﺎ ﻳﻤ ﱢﻜﻨﱢﻲ ﺳﺤﺎبُ ﻧﻴﺎﺟﺮا وﻣﻄﺮﻫﺎ اﻟﻌﺎم اﻟﻔﺎﺋﺖ ﻣﻦ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ. دﺧﻠﺘﻬﺎ واﻟﺴﻤﺎء ﺗﻘﻄﺮ ً ُ وﻛﺪت واﺑﻼ واﻟﺴﺤﺎب أدﻛﻦ ﻗﺎﺗﻢ ﻣﻨﻔﺮ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻨﻲ ﺧﻴﺒﺔ أﻣﻞ، أواﺻﻞ ﺳريي إﱃ ﺗﻮرﻧﺘﻮ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻘﻠﺐ ﺣﺪﱠﺛﻨﻲ ﱠأﻻ أﻳﺄس ﻣﻦ رﺣﻤﺔ ﷲ ،ﻓﻠﻌﻞ ﷲ ﻳﻔﻌﻞ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻣ ًﺮا ﻓﺘﻘﻠﻊ اﻟﺴﻤﺎء وﻳﺼﻔﻮ اﻟﺠﻮ ،ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻨﺪق Fox Head Innاﻟﺠﻤﻴﻞ »ﺑﺮﻳﺎﻟني«، وﻫﻮ ﻳﻄﻞ ﻋﲆ اﻟﺸﻼل ﺑﻤﺸﻬﺪه اﻟﺬي ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻤﺠﺎﻣﻊ اﻟﻘﻠﻮب. أﻟﻘﻴﺖ ﺑﺤﻘﺎﺋﺒﻲ وﻧﺰﻟﺖ أﺷﻖ ﻃﺮﻳﻘﻲ وﺳﻂ ﺳﻴﻞ املﻄﺮ وﻗﺮ اﻟﱪد وﻋﺼﻒ اﻟﺮﻳﺢ .ﺑَﺪَا ُﴩف ﻋﲆ ﺧﺎﻧﻖ ﻧﻴﺎﺟﺮا اﻟﻔﺎﺗﺮ ﺑﴩﻓﺎﺗﻪ اﻟﺮأﺳﻴﺔ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ،وﻳﻬﻮي ١٦٠ اﻟﺸﻼل ﺑﺮوﻋﺘﻪ ﻳ ِ ﻗﺪﻣً ﺎ ﰲ زﺑﺪ أﺑﻴﺾ ﻧﺎﺻﻊ ،وإذا ﻣﺎ وﺻﻞ ﻣﺎؤه اﻟﻬﻮة أﺳﻔﻠﻪ أرﻏﻰ وﻓﺎر وﺻﻌﺪ ﺑﺮذاذ ﻳﺼﻞ إﱃ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء ،وﻳﺪرك املﺮء أﻳﻨﻤﺎ ﺳﺎر ﻋﲆ ﻣﺮأى ﻣﻨﻪ ،وﻫﻮ ﻳُ َﺮى وﻛﺄﻧﻪ ﺑﺨﺎر ﻧﺎﺻﻊ أو دﺧﺎن أﺑﻴﺾ ،وﻳﻨﻘﺴﻢ ذاك اﻟﺸﻼل اﻟﺮاﺋﻊ ﺷﻄﺮﻳﻦ ﺑﺠﺰﻳﺮة Goatﺑﻐﺎﺑﺎﺗﻬﺎ املﺴﺘﻤﻠﺤﺔ، ﻓﺘﱰك اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ ً ﻗﻮﺳﺎ ﻛﺒريًا ﻳﺤﻜﻲ ﺣﺪوة اﻟﻔﺮس ،وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ُﺳﻤﱢ َﻲ ،Horse Shoeوﻫﻮ 170
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ﻳﻨﺎﻫﺰ ﺛﻠﺜﻲ اﻟﺸﻼل ﻛﻠﻪ ،واﻟﻘﺴﻢ اﻷﻳﴪ وﻫﻮ اﻷﺻﻐﺮ داﺧﻞ ﰲ اﻟﺤﺪود اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،وﺗﻨﺰل ﻣﻴﺎﻫﻪ ﰲ ﺟﺪاﺋﻞ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺳﻤ ًﻜﺎ وﻻ ﺗﻠﺒﺚ ﻟﻔﺎﺋﻒ ﻣﺎﺋﻪ اﻟﻬﺎوي أن ﺗﺘﻌﻘﺪ ﺛﻢ ﺗﺘﺒﻌﺜﺮ إذا ﻣﺎ ﺻﺎدﻣﺘﻬﺎ رﻛﺎم اﻟﺼﺨﻮر اﻟﺴﻔﲆ ،ﺛﻢ ﺗﺬوب ﻣﺎء ﻳﺘﻔﺠﺮ ﺧﻼل اﻟﺼﺨﺮ وﻳﻨﺪﻓﻊ إﱃ ﻗﺮار اﻟﺨﺎﻧﻖ وﻫﻮ ﻳﻠﺘﻮي ﰲ دواﻣﺎت ﻣﺨﻴﻔﺔ ،وأروع ﻣﺎ ﺗﺮى ﺗﻠﻚ اﻟﺪواﻣﺎت ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﻘﻨﻄﺮة اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ املﻌ ﱠﻠﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﱪ اﻟﻨﻬﺮ أﺳﻔﻞ اﻟﺸﻼل ،وﺗﺼﻞ ﻣﺎ ﺑني اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻃﺮﰲ اﻟﻘﻨﻄﺮة رﺟﺎل اﻟﺠﻤﺎرك واملﻬﺎﺟﺮة؛ واﻟﻜﻨﺪي اﻟﺬي ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺤﻞ أرﺿﻪ؛ ﻟﺬﻟﻚ وﻗﻒ ﻋﲆ َِ ﻟﻴ ﱠ ﻄﻠِﻌﻮا ﻋﲆ ﻣﺘﺎع اﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ وﺟﻮازاﺗﻬﻢ. أﻋﻴﺎﻧﻲ اﻟﺴري وﺳﻂ ذاك اﻟﺠﻮ املﻨﻔﺮ ،ﻓﺂوﻳﺖ إﱃ اﻟﻨ ﱡ ُﺰل أﺗﻨﺎول ﻃﻌﺎم اﻟﻌﺸﺎء ،ﺛﻢ ﻋﺪت إﱃ اﻟﺸﻼل وﻛﺎن رذاذ املﻄﺮ ﻗﺪ ﱠ ُ ُ رأﻳﺖ؛ ﺧﻒ أو ﻛﺎد ﻳﻨﻘﻄﻊ ،ﻫﻨﺎ أذﻫﻠﻨﻲ ﺟﻤﺎل ﻣﺎ أُﻃﻠ َِﻘ ِﺖ اﻷﺿﻮاء اﻟﻘﻮﻳﺔ املﻠﻮﱠﻧﺔ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢَ ﻻ ﺣﴫَ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻮﻗﻌﺖ أﺷﻌﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻴﺎه اﻟﺸﻼل ً ً وﺣﺎﻓﺘﻪ ﰲ أﻟﻮان ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻐري ﺑني دﻗﻴﻘﺔ وأﺧﺮى ،ﻓﺘُ ِ ﺳﺤﺮﻳﺔ ﻟﻦ روﻋﺔ ﻜﺴﺐ اﻟﺸﻼل ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻘﻠﻢ ﺗﺼﻮﻳﺮﻫﺎ ،ﻓﻠﻴﺲ ﱠإﻻ اﻟﻘﻠﺐ وﻛﺎﻣﻦ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﻤﺪرك ﻣﺒﻠﻎ أﺛﺮﻫﺎ ﰲ اﻟﻨﻔﺲ، وﻗﺪ ﻣﺪت اﻟﻄﺮق املﺮﺻﻮﻓﺔ ﺗﺘﻠﻮى ﻋﲆ ﻃﻮل اﻟﺨﺎﻧﻖ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺸﻼل ،وﺑني ﻓﱰة وأﺧﺮى ﺗﺨﺮج ﴍﻓﺔ ﻧﺎﺗﺌﺔ ﻓﻮق املﺎء ُز ﱢود ْ َت ﺑﺎملﻨﺎﻇري اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮب اﻟﺸﻼل وﺗﺰﻳﺪ ﻣﻨﻈﺮه روﻋﺔ. ً ُ ُ ﺑﺼﻴﺺ اﻟﻘﻤﺮ ﻣﻦ روﻋﺔ وﺳﺤ ًﺮا أﺧﺬت أﺟﻮاب ﺗﻠﻚ املﻨﺎﻇﺮ اﻟﺴﺎﺣﺮة ،وﻣﻤﺎ زاد املﻨﻈﺮ ﺑني أﻛﺪاس اﻟﺴﺤﺐ ،وﻗﺪ أﺣﺎ َ ﻃ ْﺖ ﺑﻪ ﻫﺎﻟﺔ ﺑﻴﻀﺎء ﺑﺪﻳﻌﺔ ،ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﻋﲆ ﻧﺎﺻﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻴﻚ ﻣﺘﺴﻮل ﴐﻳﺮ ﻳﻌﺰف ﻋﲆ ﻗﻴﺜﺎرﺗﻪ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ﺑﻴﺪﻳﻪ ،وﰲ ﻓﻤﻪ »ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻔﻢ اﻟﺼﻐرية« ﺗﺘﺒﻊ اﻟﻘﻴﺜﺎر ﰲ أﻧﻐﺎم ﺟﺬﱠاﺑﺔ. ﺑﻜﺮت ﰲ اﻟﺼﺒﺎح ،وأﻧﺎ أوﺟﺲ ﺧﻴﻔﺔ اﻟﺠﻮ اﻷﻏﱪ املﻄري ،وإذا ﺑﺎﻟﺸﻤﺲ ﻧﺎﺻﻌﺔ ﺑني ﻣﻨﺜﻮر اﻟﺴﺤﺎب واﻟﻬﻮاء ﺑﻠﻴﻞ ﻣُﻨﻌِ ﺶ ،ﻓﻜﺎن اﻏﺘﺒﺎﻃﻲ ﻻ ﻳﺤﺪ ،وأﺧﺬت أﻋﻴﺪ اﻟﻜﺮة أﺳﺘﺠﲇ رواﺋﻊ اﻟﺸﻼل وﻣﺎ أﺣﺎﻃﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل ،وزﺣﺎم اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺑﻘﺎع اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺜﻴﻒ ﻫﺎﺋﻞ، ﺛﻢ رﻛﺒﺖ اﻟﺒﺎﺧﺮة اﻟﺼﻐرية اﻟﺘﻲ ُﻛﺘِﺐَ ﻋﻠﻴﻬﺎ Maid of The Mistووﺻ َﻠ ْﺖ ﺑﻨﺎ ﻫﻮة اﻟﺸﻼل اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ،واﻋﺘﻠﻴﻨﺎ ﺑﻌﺾ ﺻﺨﻮره ﺑﻘﻨﺎﻃ َﺮ ﺻﻐري ٍة ﺑﻌﺪ أن ﻛﺴﻮﻧﺎ أﺟﺴﺎدﻧﺎ ورءوﺳﻨﺎ َ ٍ رﻗﻴﻘﺔ ﻻ ﻳﺆﺛﱢﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻠﻞ املﺎء ،ﺛﻢ دﺧﻠﻨﺎ ﻣﻐﺎرة وراء املﺎء ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻛﺘﻠﺘﻪ اﻟﻬﺎوﻳﺔ ﺑﻤﻌﺎﻃﻒ ﺗﻨﺰل أﻣﺎﻣﻨﺎ وﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﺴﺘﺎر اﻟﻜﺜﻴﻒ ﰲ إرﻏﺎء ﺷﺪﻳﺪ وﻫﺰﻳﻢ ﻛﺄﻧﻪ ﺻﻮت اﻟﺮﻋﺪ أو ﻓﺮﻗﻌﺔ املﺪاﻓﻊ اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ،ﺛﻢ ﻧﻘﻠﺘﻨﺎ اﻟﺒﺎﺧﺮة إﱃ اﻟﺸﻼل اﻟﻜﻨﺪي ،وﻟﻢ ﻧﺴﺘﻄﻊ أن ﻧﺪﻧﻮ ﻣﻦ ﻫﻮﱠﺗﻪ ﻟﺸﺪة ﺗﻴﺎره وﻏﺰارة ﻣﺎﺋﻪ. 171
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
َ ﻓﺄﴎﻓ ْﺖ ﰲ اﻟﻔﻨﺎدق اﻟﻔﺎﺧﺮة وﺑﻠﺪة »ﻧﻴﺎﺟﺮا ﻓﻮﻟﺰ« ﺻﻐرية ﻗﺎﻣَ ْﺖ ﻋﲆ ﺷﺌﻮن اﻟﺴﺎﺋﺤني، واملﻄﺎﻋﻢ اﻟﻜﺒرية ،ﱠ وﻧﺴ َﻘ ْﺖ ﻣﻦ املﺘﻨﺰﻫﺎت ﰲ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،وﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﺳﻴﻞ اﻟﺴﺎﺋﺤني ُ ً ﻣﻀﺾ ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎ ًرا ،وﻫﻲ ﻻ ﺷﻚ ﺧري ﻣﺴﱰاض ﻟﻠﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ أرﻫﻘﻬﺎ َﻛ ﱡﺪ اﻟﻌﻤﻞ أو أﺿﻨﺎﻫﺎ اﻟﻮﺟﺪ واﻟﻬﻮى؛ ﻓﻬﻲ أﻛﱪ ﻋﻮن ﻟﻠﻨﻔﺲ أن ﺗﺴﺘﻌﻴﺪ ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﰲ أﻳﺎم ﻗﻠﻴﻠﺔ ،إﱃ ذﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﻣﻠﺘﻘﻰ املﺤﺒني ﺣﺘﻰ آﺛ َ َﺮﻫﺎ ﻛ ﱡﻞ ﺣﺪﻳﺜﻲ ﻋﻬ ٍﺪ ﺑﺎﻟﺰواج ،أو ﻛﻞ َ ني ﻋﲆ أﻫﺒﺔ اﻻﻗﱰان، إﻟﻔ ْ ِ ﻟﺬﻟﻚ أﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ »أرض ﺷﻬﺮ اﻟﻌﺴﻞ«. ﺗﻮرﻧﺘﻮ ُ ﻗﻤﺖ أودﱢع ﻧﻴﺎﺟﺮا ﺑﻘﻄﺎر اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻬﺮ ﺻﻮب ﺗﻮرﻧﺘﻮ ،وﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺸﻖ أرض اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ املﻤﺪودة ،ﺛﻢ ﻋﱪﻧﺎ ﻗﻨﺎة »وﻻﻧﺪ« اﻟﺘﻲ ُز ﱢود ْ َت ﺑﺎﻷﻫﻮﺳﺔ ﻟﺘﺼﻞ املﻼﺣﺔ ﺑني ﺑﺤريﺗَ ْﻲ أﻳﺮي ُ ُ واﺧﱰﻗﺖ ﻣﺤﻄﺘﻬﺎ دﺧﻠﺖ املﺪﻳﻨﺔ واﻧﺘﺎرﻳﻮ ،وﺗﺠﺘﻨﺐ ﺷﻼل ﻧﻴﺎﺟﺮا ،وﺑﻌﺪ ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت ُ ُ ﻧﺰﻟﺖ أﺟﻮب ﺑﻌﺾ أرﺟﺎﺋﻬﺎ ﻓﺒﺪ ْ َت وآوﻳﺖ إﱃ ﻧ ُ ُﺰل » Rite Carlsﺑﺮﻳﺎل وﻧﺼﻒ« ،ﺛﻢ اﻟﺮاﺋﻌﺔ ً ً ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﻤﺘﺎز ﺑﺎﺗﺴﺎع ﻃﺮﻗﻬﺎ وﺷﺪة ﻧﻈﺎﻓﺘﻬﺎ وﺣُ ْﺴﻦ ﻧﻈﺎم املﺮور ﺑﻬﺎ ،ﻓﻌﲆ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﻮاﴆ ﺗﻘﻮم اﻷﺿﻮاء املﺜﻠﺜﺔ اﻟﻠﻮن :اﻷﺧﴬ ﻟﺘﻔﺘﺢ اﻟﻄﺮق ،واﻷﺻﻔﺮ ﻟﻼﺳﺘﻌﺪاد ،واﻷﺣﻤﺮ ﻹﻳﻘﺎف املﺮور ،ﻳ َ ُﻮﻗﺪ وﻳ َ ُﻄﻔﺄ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺸﻮارع ﰲ ﻓﱰات ﺛﺎﺑﺘﺔ ،واﻟﻨﺎس ً ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻋﺪم وﺟﻮد رﻗﻴﺐ ﻣﻦ ﻳﺨﻀﻌﻮن ﻟﺘﻠﻚ اﻹﺷﺎرات وﻻ ﻳﺘﻌﺪون اﻟﻘﺎﻧﻮن ً وﻗﻮﻓﺎ — وﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﺮﻛﺔ املﺮور ﻣﺰدﺣﻤﺔ — ﺣﺘﻰ اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ،وﺣﺘﻰ املﺎرة ﻳﻨﺘﻈﺮون ﺗﻔﺘﺢ اﻹﺷﺎرة اﻟﺨﴬاء ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﻓﻘﻂ ﻳﻌﱪون اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﻄﺮق Youngﻣﻘﺮ املﺘﺎﺟﺮ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ،وﻫﻮ ﻳﻘﺴﻢ اﻟﺒﻠﺪ إﱃ ﺷﻄﺮﻳﻦ :ﴍﻗﻲ ،وﻏﺮﺑﻲ. ُ أﻟﻔﻴﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻫﺎدﺋﺔ ﰲ ﺳﺎﺋﺮ أﻧﺤﺎء اﻟﺒﻠﺪة؛ وذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ ﺣني ﻋﲆ أﻧﻲ ﻳﺘﺄﻫﺐ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻟﻠﺮاﺣﺔ ،أﻣﺎ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ وﻫﻮ اﻷﺣﺪ ،ﻓﻘﺪ ُﺧﻴﱢ َﻞ إﱄ ﱠ أن ﻟﻴﺲ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ أﺣﺪ؛ ﻷﻧﻲ ُ ﱡ اﻟﺘﻌﺼﺐ ﻟﺬاك اﻟﻴﻮم ،ﻓﻼ ﻳﺒﻴﺤﻮن اﻟﻌﻤﻞ ﻛﻨﺖ أﺳري ﰲ اﻟﻄﺮق وﺣﺪي وﻫﻢ ﺷﺪﻳﺪو ً ُ ودﻫﺸﺖ ملﺎ أن ﻣﻄﻠﻘﺎ ،وﻳﺠﺐ أن ﺗُﻐ َﻠﻖ ﺟﻤﻴﻊ املﺘﺎﺟﺮ ﺳﻮى اﻟﺼﻴﺪﻟﻴﺎت واملﻄﺎﻋﻢ، ﻓﻴﻪ ﴎت ً ُ ﻟﻴﻼ أﺗﻔﻘﺪ دور املﻼﻫﻲ ،ﻓﺈذا ﺑﻬﺎ ﻣﻐﻠﻘﺔ؛ ذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ وﻻ ﻳﺒﺎح ﻓﺘﺤﻬﺎ إﱃ ﺑﻌﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺗﻤﻮج ﺑﺎﻟﻨﺎس وﺟﻠﻬﻢ ﻣﻦ املﺘﺬﻣﺮﻳﻦ اﻟﻨﺎﻗﻤني ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﻮذة اﻟﺘﻌﺼﺐ ،وﻗﺪ راﻗﻨﻲ ً ﱡ ﻟﻴﻼ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ املﺒﴩﻳﻦ ﻋﲆ رءوس اﻟﻄﺮق ﻳﺼﻴﺤﻮن وذاك ﱡ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ وﻋﺪم اﻻﻧﻬﻤﺎك وراء املﺎدﻳﺎت ﻫﻜﺬا ،وﻗﺪ وﻳﺨﻄﺒﻮن اﻟﻨﺎس ﺣﺎﺛﱢني ﻋﲆ ﺿﺤﻜﺖ ملﺎ أن ﻛﺎن أﺣﺪﻫﻢ ﻳﻘﻮل ﺑﺄن املﺎل ﻟﻴﺲ ﻛﻞ ﳾء ،ﻓﻼ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻨﻪ إذا ﻟﻢ ﻳﺼﺤﺒﻪ 172
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
اﻹﻳﻤﺎن ﰲ … وﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻄﻖ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ ﺻﺎح اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺘﻬﻜﻤني ﻗﺎﺋﻠني Jesus Chirstوﻇﻠﻮا ﻳﺴﺨﺮون ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻴﺐ ،وﻫﻮ ﻳﺤﺎول إﻗﻨﺎﻋﻬﻢ ﻋﺒﺜًﺎ ،وﻗﺪ ﺑَﺪَا ﱄ أن ﺟﻞ اﻟﻨﺎس ﻣﻨﺪﻓﻌﻮن وراء اﻹﻟﺤﺎد واملﺎدﻳﺎت ،رﻏﻢ ﻛﺜﺮة اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻎ ﻋﺪدﻫﺎ ٣٥٠وﺟﻠﻬﺎ ﰲ أﺑﻨﻴﺔ ﻓﺎﺧﺮة … أﻗﻠﺘﻨﻲ ﺳﻴﺎرة اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ »ﺑﺮﻳﺎل وﻧﺼﻒ« وﻃﺎﻓﺖ ﺑﻨﺎ اﻟﺒﻠﺪة ﻛﻠﻬﺎ وﻣﺘﻨﺰﻫﺎﺗﻬﺎ ،وأﻛﱪﻫﺎ ﻣﺴﺎﺣﺔ »ﻫﻮارد« ذرﻋﻪ ٣٥٥ﻓﺪاﻧًﺎ ،واﻟﻌﺠﻴﺐ أﻧﻪ ﻫﺒﺔ ﻣﻦ أﺣﺪ ﱢ اﻟﺨريﻳﻦ ،ﺛﻢ ﻣﺘﻨﺰه Aigh ً ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﺘﻴﺎﻧﻞ واﻟﻴﺎك وﺟﺎﻣﻮس أﻣﺮﻳﻜﺎ، وﻛﺄﻧﻪ اﻟﻐﺎﺑﺔ املﻐﻠﻘﺔ وﺑﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮان وﻛﺎن اﻟﺴﻨﺠﺎب ﻳﺠﺮي ﺣﻮﻟﻨﺎ وﻳَ ِﻔ ُﺪ ﻟﻴﺄﻛﻞ ﻣﻦ أﻳﺪﻳﻨﺎ ﰲ ﺟﺴﻤﻪ اﻟﺼﻐري وذﻧﺒﻪ املﻨﺘﻔﺦ اﻟﻜﺒري ،واﻟﺒﻠﺪﻳﺔ ﻫﻨﺎك ﻣﺼﻠﺤﺔ إﱃ درﺟﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﺮﻋﻰ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻨﺎس وﺗﻜﺎد ﺗﺪﻳﺮ ﻛﻞ ﳾء؛ ﻓﻔﻲ املﺘﻨﺰﻫﺎت ﺗﻘﻴﻢ ﻟﻬﻢ املﻘﺎﻋﺪ واملﻨﺎﺿﺪ وﺗُ ِﺒﻴﺢ َملﻦ ﺷﺎء أن ﻳﻌﺴﻜﺮ ﻟﻴﻠﺔ اﻷﺣﺪ وﰲ اﻷﻋﻴﺎد ،وﻗﺪ ُﻗ ﱢﺴﻤَ ِﺖ املﺘﻨﺰﻫﺎت إﱃ ﻗِ َ ً ﺗﺮﺧﻴﺼﺎ ﺑﻤﻌﺴﻜﺮه ﰲ ﻧﻤﺮة ﻄﻊ ﻣﻨﻤﱠ َﺮة ﻳﺘﺴﻠﻢ ﻛﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻌﻴﻨﺔ؛ ﻟﻜﻴﻼ ﻳﺘﺸﺎﺣﻦ اﻟﻘﻮم ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ ﺗﺪﻳﺮﻫﺎ ﻫﻲ وﻳﺮﺑﻄﻬﺎ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﱢ وﺗﻐري ﻣﺎ ﺑﺒﻌﺾ »اﻟﱰام واﻷﺗﻮﺑﻴﺲ« ،وﻟﻚ أن ﺗﺮﻛﺐ ﻣﻦ أول اﻟﺒﻠﺪ إﱃ آﺧِ ﺮه ﺑﺘﺬﻛﺮة واﺣﺪة، َ ٍ ﺧﻄﻮط .ﻛﺬﻟﻚ اﻹﺿﺎءة اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ﻓﺎﻟﻄﺮق ﺗُ َﻀﺎء ﺑﺈﴎاف ﺷﺪﻳﺪ ،وﰲ اﻟﺸﻮارع ﺷﺌﺖ ﻣﻦ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﺗﺮى املﺼﺎﺑﻴﺢ ﻣﺘﻘﺎرﺑﺔ وﻓﻮق ﻛﻞ ﻋﻤﻮد ﺳﺘﺔ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ ﰲ داﺋﺮة ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وﺗﻜﺎﻟﻴﻒ اﻹﺿﺎءة ﰲ املﻨﺎزل ﻻ ﺗﺠﺎوز ً رﻳﺎﻻ ﰲ اﻟﺸﻬﺮ ،وﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮى ﻣﺴﺘﻤﺪة ﻣﻦ ﺷﻼل ﻧﻴﺎﺟﺮا. وﻟﻘﺪ اﺧﱰﻗﻨﺎ ﺣﻲ اﻟﺴﻜﻦ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻲ واﺳﻤﻪ ،Rose Daeوإذا ﺑﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻓﻼت ﺑﺪﻳﻌﺔ ﻛ ﱡﻞ ﺑﻴﺖ ﻳﻐﺎﻳﺮ َ اﻵﺧﺮ ﰲ ﻫﻨﺪﺳﺘﻪ وﻳﺤﺎط ﺑﺎﻟﺸﺠﺮ املﺰﻫﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺟ ﱠﺪ ﺑﻴﺖ ُ اﻟﺒﻠﺪﻳﺔ أﻣﺎﻣﻪ ﺷﺠﺮة اﻻﺳﻔﻨﺪان ،Mapleوﻫﻲ ﺷﻌﺎر ﻛﻨﺪا ﻛﻠﻬﺎ ،وﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﻲ ﺗﺘﻠﻮى زرﻋَ ِﺖ ﻃﺮق وﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺴﺘﻘﻴﻢ ﺑﻀﻌﺔ أﻣﺘﺎر؛ وذﻟﻚ ﻟﺘﻤﻨﻊ اﻹﴎاع ﰲ ﺳﻮق اﻟﺴﻴﺎرات ،وﺑﺬﻟﻚ ﺗﺨﻒ ً ﻣﻄﻠﻘﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن املﻜﺎن ﺳﺎﻛﻨًﺎ ﺳﻜﻮﻧًﺎ اﻟﻀﻮﺿﺎء ،وﻻ ﻳُﺒَﺎح ﻓﺘﺢُ املﺘﺎﺟﺮ وﻻ املﻄﺎﻋﻢ ﻫﻨﺎك ً ً ﻣﻄﻠﻘﺎ ،وﻳﺤﺎط اﻟﺤﻲ ﺑﺨﻨﺪق ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ،Ravineوﺣﺘﻰ ﻋﻤﻴﻘﺎ ﻻ ﺗﺴﻤﻊ ﺑﻪ ﺣﺮﻛﺔ أﺳﻼك اﻟﻨﻮر ُﻣﺪ ْ ﱠت ﺗﺤﺖ اﻷرض ﻓﻼ ﺗﺮى ﻟﻬﺎ أﺛ ًﺮا ،ﺛﻢ ﻛﺎن ﻣﺮورﻧﺎ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ وأﻗﺴﺎﻣﻬﺎ، ُ ﻛﺎﻣﻼ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ أﺣِ ﻴ َ ً ﻂ ﺑﺄﺑﺪع املﺘﻨﺰﻫﺎت ،وﺑﻬﺎ ٢٨ﺑﻨﺎءً ﻛ ﱞﻞ ﻳﻤﺜﱢﻞ ﻓﻬﻲ ﺗﻜﺎد ﺗﺸﻐﻞ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻛﻠﻴﺔ ،Facultyوﻫﻲ أﻛﱪ ﺟﺎﻣﻌﺎت ﻛﻨﺪا ،ﺑﻬﺎ ﻧﺤﻮ ٨٠٠٠ﻃﺎﻟﺐ وﻋﻤﺮﻫﺎ ١١٢ﻋﺎﻣً ﺎ ،وﻗﺪ ﺗﺨ ﱠﺮج ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻜﺘﺸﻒ اﻷﻧﺴﻮﻟني ﻋﻼج اﻟﺴﻜﺮ ،وﻻ ﻳﺰال أﺳﺘﺎذًا ﻫﻨﺎك. واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻫﻨﺎك إﺟﺒﺎري وﻣﺠﺎﻧﻲ ﺑني ﺳﻦ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﴩة ،وﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ١٠٤ ﻣﺪارس اﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ ،Publicواملﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻛﺒرية ﺟﺪٍّا وﻟﻬﺎ ١٧ﻓﺮﻋً ﺎ ﺗﻨﺘﴩ ﰲ أرﺟﺎء اﻟﺒﻠﺪة، 173
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻧﺎﻃﺤﺔ »ﻟﱪﺗﻲ« اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ.
وﰲ ﻋﻄﻠﺔ اﻟﺼﻴﻒ ﻳُﻘِﻴﻤﻮن ﻣﺪارس ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ وﺳﻂ املﺘﻨﺰﻫﺎت ﻟﺘﺜﻘﻴﻒ اﻟﺼﻐﺎر وﺗﻨﺸﻴﻂ َ ﺳﺒﻌﺔ أرﻃﺎل. ﻗﻮاﻫﻢ اﻟﺠﺴﻤﻴﺔ ،ﺣﺘﻰ إن وزن اﻟﻄﻔﻞ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ املﺘﻮﺳﻂ ﻋﻘﺐ ﻛﻞ إﺟﺎزة ﺛﻢ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺤﻲ ﻣﺴﺎﻛﻦ اﻟﻌﻤﱠ ﺎل ،ﻓﺪﻫﺸﻨﺎ ﻣﻦ ﻧﻈﺎﻓﺘﻪ وﺟﻞ اﻟﺒﻴﻮت ﻣﻠﻚ ﻟﻬﻢ ،وﻛﻨﺎ ﻧﺮى ﻟﻜﻞ ﺑﻴﺘني واﺟﻬﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ؛ وذﻟﻚ ﻟﻴﺘﺨﻠﺼﻮا ﻣﻦ اﻟﴬﻳﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُ َ ﺪﻓﻊ ﺑﺤﺴﺐ اﻣﺘﺪاد واﺟﻬﺔ ُ ُ ﻋﻠﻤﺖ أن ٪٦٤ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﺒﻠﺪة ﻳﻤﺘﻠﻜﻮن ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ وﻋﺠﺒﺖ ملﺎ اﻟﺒﻴﺖ ﻋﲆ اﻟﻄﺮق اﻟﻌﺎﻣﺔ، ُ رﻏﻢ ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن اﻟﺬي ﻓﺎق ٨٠٠أﻟﻒ ﻧﻔﺲ؛ ﻟﺬﻟﻚ أﻃﻠ َِﻖ ﻋﲆ املﺪﻳﻨﺔ ،City of Homes وآﺧﺮ ﻟﻠﻴﻬﻮد وﻋﺪدﻫﻢ ً ٥٠ وﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﺣﻲ ﻟﻠﺼﻴﻨﻴني وﻫﻢ زﻫﺎء ٦٠٠٠ﻧﻔﺲَ ، أﻟﻔﺎ ،وﻳﺒﺪو ﻋﲆ 174
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
اﻟﺒﻠﺪ وأﻫﻠﻪ ﻃﺎﺑﻊ إﻧﺠﻠﻴﺰي؛ ﻓﻬﻢ أﻫﺪأ ﻃﺒﺎﻋً ﺎ وأﻛﺜﺮ ﱡ ﺗﻤﺴ ًﻜﺎ ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني؛ َ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻟﻜﻨﺪا. ﻟﺬﻟﻚ ﻋُ ﺪ ِﱠت وﻣﻤﺎ ﻳﺴﱰﻋﻲ اﻟﻨﻈﺮ ﻫﻨﺎك ﻛﺜﺮة اﻟﻔﺮوع ﻟﻠﻤﺼﺎرف ﰲ ﻛﻞ ﺷﺎرع ،ﻋﲆ أن ﻋﺪد املﺼﺎرف اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﺤﺪود ،وﻛﻠﻬﺎ ﺗﺤﺖ إﴍاف اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ أﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﴍﱠ إﻓﻼس َ ﺻﺎدﻓ ْﺖ زﻳﺎرﺗﻲ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺤﺎل ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺪد ﻣﺼﺎرﻓﻬﺎ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﺧﻄري ،وﻗﺪ ﻟﱰﻧﺘﻮ ﻣﻴﻌﺎد اﻧﻌﻘﺎد »املﻌﺮض اﻟﻌﺎم« وﻫﻮ ﻳ َ ُﻌﻘﺪ ﻣﺮة ﰲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ٢٨أﻏﺴﻄﺲ إﱃ ُ ﴏﻓﺖ ﻓﻴﻪ ﺷﻄ ًﺮا ﻣﻦ ﻣﺴﺎء اﻟﺴﺒﺖ، ٢٠ﺳﺒﺘﻤﱪ ،وﻳﻘﻮم ﻋﲆ ﻣﺴﺎﺣﺔ ٣٥٠ﻓﺪاﻧًﺎ ،وﻟﻘﺪ وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮوﺿﺎﺗﻪ ﻋﻈﻴﻤﺔ وﻣﺘﻌﺪدة وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻗﺴﻢ املﺴﻠﻴﺎت واملﻼﻫﻲ ،ﻋﲆ أﻧﻪ ﰲ ﺟﻤﻠﺘﻪ ﻻ ﻳﻔﻮق ﻣﻌﺮﺿﻨﺎ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻛﺜريًا ،وإن ﻗﺎﻟﻮا ﻋﻨﻪ ﺑﺄﻧﻪ أﻛﱪ ﻣﻌﺎرض اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﺟﺰء ﻣﻨﻪ ﻳﻄ ﱡﻞ ﻋﲆ ﺑﺤرية اﻧﺘﺎرﻳﻮ ذات املﻴﺎه اﻟﻬﺎدﺋﺔ واﻟﺸﻮاﻃﺊ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺎد ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت ،وﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻘﻮم ﻣﻴﻨﺎء ﺗﻮرﻧﺘﻮ ،وﻫﻢ ﺟﺎدﱡون ﰲ ﺗﻮﺳﻴﻌﻬﺎ ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺗﺼﺒﺢ أﻛﱪ اﻟﺜﻐﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺪ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻋﻦ َ املﺤﻴﻂ — أﻣﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﻤﻨﱰﻳﺎل ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﱢ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻴﺎه ﺗﺤﻘﻖ ذﻟﻚ — وﻟﻘﺪ ﻗ ﱠﺪ َر اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ اﻟﺒﺤرية ﻣﻨﺬ زﻣﺎن ﺑﻌﻴﺪ؛ ﻟﺬﻟﻚ أﺳﻤﻮﻫﺎ »اﻧﺘﺎرﻳﻮ أي املﻴﺎه اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ« .وﻟﻘﺪ ﺧﺘﻤﺖ زﻳﺎرﺗﻲ ﺑﺎملﺘﺤﻒ اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻜﺜري املﻌﺮوﺿﺎت وﺑﺨﺎﺻﺔ املﺨﻠﻔﺎت اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،ﺛﻢ ﺣﺪﻳﻘﺔ ً اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺘﻲ ﺣَ ﻮ ْ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻻ ﺑﺄس ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﻮان أﻣﺮﻳﻜﺎ وأﺳﱰاﻟﻴﺎ. َت أﺗﺎوة ﻗﻤﻨﺎ ﺻﺒﺎح اﻹﺛﻨني ﺻﻮب أﺗﺎوة اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻜﻨﺪا ،وﻛﺎن اﻟﻘﻄﺎر ﻳﺠﺎﻧﺐ ﺑﺤرية ً ﺳﻬﻮﻻ اﻧﺘﺎرﻳﻮ ﺑﻤﻴﺎﻫﻬﺎ املﻠﺴﺎء وﺷﻮاﻃﺌﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻷراﴈ ﻟﻠﻔﺎﻛﻬﺔ واﻟﻐﻼل اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﺼﺪوﻧﻬﺎ ﻋﻨﺪ ذاك ﺑﺂﻻت ﺗﺠﺮﻫﺎ اﻟﺨﻴﻮل ،وﻛﻨﱠﺎ ﻛﻠﻤﺎ اﻗﱰﺑﻨﺎ ﻣﻦ أﺗﺎوة زاد ْ َت ﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﻐﺎﺑﺎت وﺑﺨﺎﺻﺔ ﺷﺠﺮ »اﻟﺒﺘﻮﻻ واﻟﺼﻨﻮﺑﺮ« ،وﻗﺪ ﻋﺮى اﻟﻘﻮم ﻣﺴﺎﺣﺎت أﻃﻠﻘﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺮاﻋﻴﻬﻢ »ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺮ واﻟﺨﻴﻮل واﻷﻏﻨﺎم« ودﺟﺎﺟﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺮى ﺻﻐري ًة ٌ أﻛﻮاخ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﺗﻘﻮم وﺳﻂ اﻟﻐﺎﺑﺎت ،وﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺴﺘﺒني ﺧﻼل اﻷﺷﺠﺎر إﻻ ﻛﻠﻤﺎ ﺑَﺪَا ﺑﻴﻮﺗُﻬﺎ ٍ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺎﺑﺎت ﺷﺎرع ﻣﺮﺻﻮف ﺷﻖ وﺳﻂ اﻟﻐﺎﺑﺎت ،وﻟﺒﺜﻨﺎ ﺳﺒﻊ ﺳﺎﻋﺎت ﰲ ﻣﻨﺎﻇ َﺮ ﺗﺠﺮي ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﻨﻬريات اﻟﴪﻳﻌﺔ ﺗﻌﻮم ﻓﻴﻬﺎ اﻷﺧﺸﺎب ﻣﺴﺎﻓﺎت ﺑﻌﻴﺪة ﺣني ﺗﻠﺘﻘﻲ ﻋﻨﺪ ﻣﺼﻨﻊ ﻟﻠﻮرق أو ﻣﻨﴩ ﻟﻠﺨﺸﺐ ،ﺛﻢ أﻗﺒﻠﻨﺎ ﻋﲆ أﺗﺎوة؛ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﺒﻂ اﺳﻤﻬﺎ ﺑﻨﻬﺮ أﺗﺎوة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻪ ،وﻟﻘﺪ ﺑَﺪَا ذاك اﻟﻨﻬﺮ ﻓﺴﻴﺤً ﺎ ً ﻫﺎﺋﻼ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﺒﻠﺪة ﺛﻢ ﺿﺎق ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎرﺑﻨﺎﻫﺎ ،وﻟﻘﺪ ﻛﺸﻔﻪ ﺷﺎﻣﺒﻠني Champlainﺳﻨﺔ ،١٦١٣وﺑﻬﺮه ﺟﻤﺎل ﺷﻼﻻﺗﻪ، 175
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﻳﻮم أن وﻗﻒ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺑﻮة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻠﻬﺎ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻴﻮم ،وﻗﺪ أﺳﻤﺎﻫﺎ ﺷﻮدﻳري ﻷﻧﻬﺎ َ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻔﻮر وﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﺪر اﻟﺸﺎي — ﺷﻮدﻳري أي ﻏﻼﻳﺔ — ﺛﻢ ﻣﺎ ﻟﺒﺚ ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺮ أن أﺻﺒﺢ ﺗﺠﺎرة اﻟﻔﺮاء ﻣﺪة ﻗﺮن وﻧﺼﻒ. وﻛﺎن اﻟﻬﻨﻮد ﻳﺮﺳﻠﻮن ﻋﲆ ﻣﻴﺎﻫﻪ ﻓﺮاءﻫﻢ إﱃ ﻣﻨﱰﻳﺎل ،وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٣٠ﺗﻨﺒﱠﺄ أﻣﺮﻳﻜﻲ اﺳﻤﻪ »ﻓﻴﻠﻤﺎن رﻳﺖ ،«Phileman Rightﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺠﻬﺔ وﻧﺰل ﰲ ﻣﻜﺎن اﻟﻘﺮﻳﺔ »ﻫﻞ «Hullاملﻘﺎﺑﻠﺔ ﻷﺗﺎوة وﺑﺪأ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﺸﺐ ﻓﻴﻬﺎ ،وﺗﻠﻚ ﻫﻲ املﻮرد اﻟﺮﺋﻴﴘ اﻟﻴﻮم ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺒﻼد، ﺛﻢ زادت ﺷﻬﺮ ًة أﺗﺎوة ملﺎ أن ُﺷ ﱠﻘ ْﺖ ﻗﻨﺎة »رﻳﺪو «Rideauاﻟﺘﻲ ﺗﺼﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﺒﺤرية اﻧﺘﺎرﻳﻮ دون أن ﺗﻤﺲ ﺣﺪود أﻣﺮﻳﻜﺎ ،وﻗﺪ ﺑُﻨِﻴﺖ ﻷﻏﺮاض ﺣﺮﺑﻴﺔ ﻳﻮم ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑني إﻧﺠﻠﱰا وأﻣﺮﻳﻜﺎ ﻣﺘﻮﺗﺮ ًة ،وﻗﺪ ﺑﺪأﻫﺎ اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﻞ ،John Byوﻗﺪ رأﻳﻨﺎ ﺣﺠﺮﻳﻦ ﻓﻮق Hill Parkﻳﻌﻴﱢﻨﺎن َ ﻣﻜﺎن ﻣﻘ ﱢﺮ ذاك املﻬﻨﺪس اﻟﻘﺪﻳﺮ وراء ﻗﴫ ﻟﻮرﻳﻲ ،وﻟﻘﺪ ﻇﻠﺖ أﺗﺎوة ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎي By townإﱃ ﺳﻨﺔ ،١٨٥٥وﻟﻢ ﺗﺼﺒﺢ أﺗﺎوة ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻛﻨﺪا إﻻ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺔ ،١٨٥٧ﺣني اﺧﺘﺎرﺗﻬﺎ املﻠﻜﺔ ﻓﻜﺘﻮرﻳﺎ ﺣَ ْﺴﻤً ﺎ ﻟﻠﻨﺰاع واملﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﺤﺎدة ﺑني ﻣﻨﱰﻳﺎل وﺗﻮرﻧﺘﻮ؛ إذ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﴩف ﻋﲆ ﻧﻬﺮ أﺗﺎوة ،وﻣﻦ وراﺋﻪ ﺗﺼﺒﻮ أن ﺗﻜﻮن ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺒﻼد .وﻫﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﲆ رﺑﻮة ﺗُ ِ ﻣﺮﺗﻔﻌﺎت ﻟﻮرﻧﺸﻴﺎ اﻟﻮﻃﻴﺌﺔ ،وﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﻠﺘﻘﻲ ﻧﻬﺮ ﺟﺎﺗﻴﻨﻮ Gatineauورﻳﺪو Rideauﺑﻨﻬﺮ أﺗﺎوة؛ ﻟﺬﻟﻚ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﺴﺘﻐﻞ ﻗﻮة اﻧﺤﺪار ﺗﻠﻚ املﻴﺎه املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﺷﻼﻻت ﺷﻮدﻳري ٍ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻻ ﺗﺠﺎوز أرﺑﻌني اﻟﺘﻲ رأﻳﻨﺎﻫﺎ ﻋﲆ ﺑُﻌْ ٍﺪ ﻣﻦ رﺑﻮة اﻟﱪملﺎن ،وﻟﻘﺪ أُﻗِ ﻴﻤَ ْﺖ اﻟﻴﻮم ﻋﲆ ً ﻣﻴﻼ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﻧ َﻊ وﻣﻮﻟﺪات ﻟﻠﻜﻬﺮﺑﺎء ،ﻓﻌﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻋﴩة أﻣﻴﺎل ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﻐﻼل ١٢٥٠أﻟﻒ ﺣﺼﺎن ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﻣﻦ ﻣﻨﺤﺪراﺗﻬﺎ ،وﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ ً ٤٥ ﻣﻴﻼ َ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗُ ِ ﻣﻠﻴﻮن ﺣﺼﺎن ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ أو ﻳﺰﻳﺪ. ﺨﻀﻊ ﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻬﺎ ُ ﺣﻠﻠﺖ ﻧ ُ ُﺰل King Edwardﺑﺮﻳﺎل وﻧﺼﻒ ،وﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ ،وﻫﻮ ﻳﻮاﺟﻪ ﻣﺤﻄﺔ Union ،Stationﺛﻢ ﻗﺼﺪت ﻟﺴﺎﻋﺘﻲ رﺑﻮة اﻟﱪملﺎن اﻟﺬاﺋﻌﺔ اﻟﺼﻴﺖ ،وﻫﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎت ﴩف ﻋﲆ ﻧﻬﺮ أﺗﺎوة ﺑﻘﻨﺎﻃﺮه اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗُ َ ﺤﴡ ،وﺷﻌﺎﺑﻪ اﻟﻜﺜرية وﺟﺰاﺋﺮه ﺑﺪﻳﻌﺔ ﺗُ ِ اﻷﻧﻴﻘﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮاﺟﻬﻨﺎ ﰲ اﻟﺠﺎﻧﺐ َ اﻵﺧﺮ ﺿﺎﺣﻴﺔ Hullاﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﲆ أﻫﻠﻬﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،وﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻨﻬﺮ ﺑَﺪ ْ َت ﻣﺼﺎﻧﻊ اﻟﻮرق وﻛﺎﻧﺖ أﻛﺪاس اﻟﺨﺸﺐ إﱃ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء، واﻟﻨﻬﺮ ﻳﻐﺺ ﺑﻜﺘﻞ اﻟﺨﺸﺐ اﻟﺴﺎﺑﺤﺔ ،وﻛﻞ ﻛﺘﻠﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻃﺎﺑﻊ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ،وﻋﻨﺪ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ ﻳﻘﻒ اﻟﻨﺎس ﻟﻴﻔﺮزوا ﻣﺎ ﻟﻬﻢ وﻳﺤﺰﻣﻮه ً آﻻﻓﺎ ﰲ ﺳﺎﺑﺤﺎت ﻛﺒرية ﺗﻘﻄﺮﻫﺎ ﺑﺎﺧﺮة ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﻨﺒﻊ اﻟﻨﻬﺮ ﺣني ﺻﻐرية إﱃ املﺼﻨﻊ ،واملﻨﻈﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺑﻮة ﺳﺎﺣﺮ ﺑَﺪَا ﺷﻼل ﺷﻮدﻳري اﻟﺼﻐري اﻟﺬي ﺣُ ِﺒﺴﺖ ﻣﻴﺎﻫﻪ واﺳﺘُﻐِ َﻠ ْﺖ ﰲ ﺗﻮﻟﻴﺪ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ،وﺗﺰﻳﱢﻦ ﺗﻠﻚ 176
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ُ املﺘﻨﺰﻫﺎت دار اﻟﱪملﺎن اﻟﺘﻲ أُﻗِ ﻴﻤﺖ ﻋﲆ ٍ رأﻳﺖ دا ًرا أﻓﺨﺮ ﻣﻨﻬﺎ، ﻗﻮﻃﻲ راﺋﻊ ﻻ إﺧﺎﻟﻨﻲ ﻧﻤﻂ ﱟ وﻫﻲ ﻣﻦ داﺧﻠﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ آﻳﺎت ﻓﻨﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺖ واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ وﺧﺮط اﻟﺨﺸﺐ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﰲ املﻜﺘﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻮت ﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺠﻠﺪُ ، وﻗ ﱢﺴﻤَ ْﺖ ﺑﺤﺴﺐ املﺪﻳﺮﻳﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺑﻬﺎ ﻏﺮﻓﺔ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ً ً ﻣﻘﺪﺳﺎ ﻧُﻘِ َﺶ ﻋﲆ ﺟﺪراﻧﻪ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ أﺳﻤﺎء أﺑﻨﺎء ﻛﻨﺪا اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻘﺪوا ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﰲ اﻟﺤﺮب ﻫﻴﻜﻼ اﻟﻜﱪى ،وﺑﺮج اﻟﺪار ﺷﺎﻫﻖ ﺗﻌﻠﻮه ﺳﺎﻋﺔ ﱡ ﺗﺪق ﻛ ﱠﻞ ﺳﺎﻋﺔ دو ًرا ﻣﻮﺳﻴﻘﻴٍّﺎ ﻳﻈﻞ ﺧﻤﺲ دﻗﺎﺋﻖ وﻫﻮ ﻳﺮن رﻧﻴﻨًﺎ ﺟﺬﱠاﺑًﺎ ﻋﺎﻟﻴًﺎ ﻳُﺴﻤَ ﻊ ﻣﻦ آﺧِ ﺮ اﻟﺒﻠﺪة ،وﺣﻮﻟﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ دور اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، وﻳﻮاﺟﻬﻪ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ َ اﻵﺧﺮ ﻟﻘﻨﺎة رﻳﺪو ﻗﴫ ﻟﻮرﻳﻲ Chateaulawrierﰲ ﻫﻨﺪﺳﺔ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ،وﻫﻲ أﻛﱪ ﻓﻨﺪق ﻫﻨﺎك ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻮرﻳﻲ رﺋﻴﺲ اﻟﻮزراء وزﻋﻴﻢ اﻷﺣﺮار ﻣﺪة ١٥ﺳﻨﺔ ،وﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن ﺷﺎرع رﻳﺪو اﻟﺮﺋﻴﴘ ﰲ املﺘﺎﺟﺮ واﻷﺿﻮاء. وﻟﻴﺴﺖ ﻣﺒﺎﻧﻲ اﻟﺒﻠﺪة ﺷﺎﻫﻘﺔ ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻟﺒﻼد اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،ﻓﻘﻠﻤﺎ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﺪور اﻟﺜﺎﻟﺚ، وﻛﺜري ﻣﻦ املﺘﺎﺟﺮ ﻳُﻜﺘَﺐ اﺳﻤﻪ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،وﻫﻨﺎ ﻷول ﻣﺮة ﻛﻨﺖ أﺳﻤﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻮم ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﺑﻬﺎ ﰲ اﻟﺸﻮارع وﺑﺨﺎﺻﺔ ﰲ ﺑﻠﺪة »ﻫﻞ« ،وﺣﺘﻰ ﰲ اﻹذاﻋﺔ ﻳﺘﻜﻠﻢ املﺬﻳﻊ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﱡ اﻟﺘﻐري وﻗ ﱠﻠ ْﺖ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﺠﻤﺎل ﻫﻨﺎ ﺟﺪٍّا ﻋﻤﱠ ﺎ ﻛﺎﻧﺖ واﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﻗﺪ ﺑَﺪَا ﻋﲆ ﺳﺤﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ُ ﻃﻔﺖ ﺑﺎﻟﻜﺜري ﻣﻦ املﺘﻨﺰﻫﺎت اﻟﻔﺎﺧﺮة وﺑﺎملﺰرﻋﺔ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻷﺧﺮى ،ﺛﻢ ﺗﺒﻠﻎ ٩٠٠ﻓﺪان ،أُﻋﱢ ﺪ ْ َت ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻔﻼح وﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺰراﻋﺔ ﰲ اﻟﺒﻼد ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺠﻮ ﺑﺎردًا ﻛﺄﻧﻪ ﺷﺘﺎء ﻣﴫ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،واﻟﺴﺤﺎب ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ،وﰲ اﻟﺸﺘﺎء ﻳﻘﺴﻮ اﻟﱪد ﺟﺪٍّا ،وﺗﺠﻤﺪ ﻣﻴﺎه ﻧﻬﺮ أﺗﺎوة إﱃ ﻋﻤﻖ ﻳﺎردة وﻳﻜﺜﺮ اﻻﻧﺰﻻق ﻋﻠﻴﻪ ،وﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﺑﻌﺾ املﺰاﻟﻖ ﺗﻌﻠﻮ ﰲ اﻟﺠﻮ ١٥٠ﻗﺪﻣً ﺎ. ﻣﻨﱰﻳﺎل ُ ﻗﻤﺖ إﱃ ﻣﻨﱰﻳﺎل اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺘﻬﺎ ﰲ ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت ،وﻛﺎﻧﺖ أﺟﲆ ﻇﺎﻫﺮة ﺣﻮﱄ ﻛﺜﺮة ﻣَ ﻦ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﻄﺎر وﰲ ﺷﻮارع املﺪﻳﻨﺔ ،وﺟ ﱡﻞ اﻟﻌﻨﻮاﻧﺎت وأﺳﻤﺎء اﻟﺸﻮارع ُﻛﺘِﺒﺖ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ً أوﻻ وﺗﺤﺘﻬﺎ ﺑﺎﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﺧﺪﱠام اﻟﻔﻨﺎدق ﻳﺒﺪءون اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ؛ ذﻟﻚ ﻷن املﺪﻳﻨﺔ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﺛﺎﻟﺜﺔ املﺪن اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﱪًا ﺑﻌﺪ ﺑﺎرﻳﺲ وﻣﺮﺳﻴﻠﻴﺎ ،ﻓﺴ ﱠﻜﺎﻧﻬﺎ ،١٢٠٠٠٠٠أي ﻓﻮق ﻣﺠﻤﻮع ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺎﻫﺮة ،وﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎﻋﻬﻢ ٪٧٦ﻓﺮﻧﺴﻴﻮن ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﺤﺘﻔﻈﻮن ﺑﺘﻘﺎﻟﻴﺪﻫﻢ وﻋﺼﺒﻴﺘﻬﻢ وﻣﺬﻫﺒﻬﻢ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﺣﺘﻤً ﺎ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻓﺮد أن ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻢ اﻟﻠﻐﺘني اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ واﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﻛﻞ ﳾء ﻳُﻜﺘَﺐ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﺻﻮرﺗني ،وﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ 177
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ُ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻻﺣﻈﺖ أن املﺸﺎدة واﻟﺒﻐﻀﺎء ﺑني اﻟﻔﺮﻳﻘني ﺣﺎدة، اﻟﻄﺎﺋﻔﺘني ﻣﺪارﺳﻬﻢ ،ﻋﲆ أﻧﻲ َ اﻟﻄﻠﺒﺔ ،ﻓﻜﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﻳﻤﻘﺖ اﻵﺧﺮ ﻣﻘﺘًﺎ ،وﺣُ ﱠﻖ ملﻨﱰﻳﺎل أن ﺗﻈ ﱠﻞ ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ؛ ﻷن ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻳﺆﻳﱢﺪ ذﻟﻚ؛ إذ ﻛﺎن ﺟﺎك ﻛﺎرﺗﻴﻲ أول ﻣَ ﻦ رﺳﺎ ﻫﻨﺎ ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ أﻟﻒ ﻣﻴﻞ ﻣﻦ املﺤﻴﻂ ﺳﻨﺔ ،١٥٣٦ورأى ﻫﻨﺎ ﻗﺮﻳﺔ ﻫﻨﺪﻳﺔ اﺳﻤﻬﺎ ،Hochelagaﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳَﺒ َْﻖ ﻟﻬﺎ أﺛﺮ ﻳﻮم وﺻﻞ ﺷﺎﻣﺒﻠني ﺳﻨﺔ ،١٦١١ﺛﻢ أﻃﻠﻖ ﺷﺎﻣﺒﻠني اﺳﻢ ﻣﻮﻧﺖ روﻳﺎل ﻋﲆ املﻜﺎن إﻛﺒﺎ ًرا ملﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،واملﻜﺎن ﻋﲆ رﺑﻮة ﻋﻠﻮﻫﺎ ٧٦٩ﻗﺪﻣً ﺎ ،وﻟﻢ ﻳُﻤَ ﱡﺪ أول ﺷﺎرع وﺗُ َﻘ ْﻢ أول ﻣﺤﻠﺔ ﻟﻠﻨﺰﻻء إﻻ ﺳﻨﺔ ١٦٧٢ َ ٍ اﻷرض ﻋﲆ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴني ﻋﲆ ﻋﻨﻴﻒ ﺑني اﻟﺒﻴﺾ واﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ ،وﻗﺪ و ﱠز َع املﻠﻚ ﻛﻔﺎح ﺑﻌﺪ ٍ ﻧﻈﺎم اﻹﻗﻄﺎع ،وﻟﻜﻲ ﻳﺸﺠﱢ ﻌﻬﻢ ﻋﲆ اﺳﺘﻐﻼﻟﻬﺎ واﻟﺒﻘﺎء ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺚ ﺑﺎﻟﺴﻔﻦ املﻸى ﺑﺎﻟﻔﺘﻴﺎت ﱠ ﻟﻴﻜﻦ ﻗﺮﻳﻨﺎت ﻟﻠﻨﺰﻻء ﺣﺘﻰ أُﻃﻠ َِﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ »ﺳﻔﻦ اﻟﻌﺮاﺋﺲ«، اﻟﺠﻤﻴﻼت ﻣﻦ آﻧﺴﺎت ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻟﻜﻦ اﻟﻨﻈﺎم اﻹﻗﻄﺎﻋﻲ ﻓﺸﻞ؛ ﻷن اﻟﻨﺎس ﱠ ﻓﻀﻠﻮا ﺻﻴﺪ ﺣﻴﻮان اﻟﻔﺮاء ﻣﻦ اﻟﻐﺎﺑﺎت واﻻﺗﺠﺎر ﻓﻴﻬﺎ وﰲ اﻷﺧﺸﺎب ،وﻇﻠﺖ اﻟﺒﻼد ﺗﺤﺖ ﻟﻮاء ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎﻫﺪة ﺑﺎرﻳﺲ اﻟﺘﻲ أﻧﻬﺖ ﺣﺮوب اﻟﺴﻨني اﻟﺴﺒﻊ ﺳﻨﺔ ،١٧٦٣ﺣني ﺣ ﱠﻞ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻲ ﻣﺤﻞ اﻟﻔﺮﻧﴘ. واملﺪﻳﻨﺔ أﻛﱪ ﺑﻼد ﻛﻨﺪا وﺳﺎﺑﻌﺔ ﺑﻼد أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺑﺎرﻳﺲ أﻣﺮﻳﻜﺎ؛ ﻷن اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺤﻜﻲ ﺣﻴﺎة ﺑﺎرﻳﺲ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري ،وﺣﺘﻰ دور املﻼﻫﻲ أﺿﺤﺖ ﻣﻦ املﺮاﻗﺺ اﻟﺒﺎرﻳﺴﻴﺔ »ﻛﺎﺑﺮﻳﻪ« ،وﻏﻠﺐ ﴍب اﻟﻨﺒﻴﺬ ﻏريه ﻣﻦ املﴩوﺑﺎت ،وﻫﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ واﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻟﻜﻨﺪا ،وﺗُﻌَ ﱡﺪ أﻛﱪ ﺛﻐﻮر أﻣﺮﻳﻜﺎ ﺑﻌﺪ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،وﻫﻲ أول ﺛﻐﻮر اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﺼﺪﻳ ًﺮا ﻟﻠﻘﻤﺢ ،وﺗﻘﻊ ﻋﲆ ﺟﺰﻳﺮة وﺳﻂ اﻟﻨﻬﺮ ذرﻋﻬﺎ ١٠ × ٣٠أﻣﻴﺎل ،وﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﻼﻗﻲ ﻧﻬﺮ أﺗﺎوة أﺑﺎه ﺳﻨﺖ ﻟﻮرﻧﺲ ،ﺛﻢ ﻳﻨﺸﻌﺐ ﻧﻬﺮ أﺗﺎوة اﺛﻨني ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺟﺰﻳﺮة ،Jesusوﺑني ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﻳﺮة وﻣﻨﱰﻳﺎل ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ اﻟﻔﺮع ،Riviére des prairiesوﺑني ﻫﺬه واﻟﻘﺎرة ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﻧﻬﺮ اﻷﻟﻒ ﺟﺰﻳﺮة ،Riviére des milles islesوﻟﻘﺪ ﺧﺎل ﻛﺮﺗﻴﻲ ﻳﻮم ﺳﺎر ﰲ اﻟﻨﻬﺮ أﻧﻪ وﺟﺪ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱃ اﻟﺼني ،وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ أﻃﻠﻖ اﻻﺳﻢ ﻋﲆ ﺷﻼﻻت »ﻻﺷني« اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ،وأﻗﺎم ﻋﲆ ذروة »ﺟﺒﺎل روﻳﺎل« ﺻﻠﻴﺒًﺎ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﺳﺘُﺒ ِﺪ َل اﻟﻴﻮم ﺑﻪ ﺻﻠﻴﺐ ﻫﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺧﺼﻮﺻﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﺣني ﻳ َ ً ُﻮﻗﺪ ﺑﺎﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ،ﻓﺘﺘﻸﻷ ﺛﺮﻳﺎﺗﻪ ﺗﺮاه ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ أﻣﻴﺎل ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪة، ﻣﴩﻗﺔ راﺋﻌﺔ ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﺗﺒﺪو ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﺻﻢ اﻟﻜﱪى ،وﻗﺴﻤﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ وﺟﻠﻪ إﻧﺠﻠﻴﺰي ﻳﺤﻜﻲ ﻣﺪن أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﻜﱪى ﰲ ﺣﺮﻛﺘﻪ وأﺿﻮاﺋﻪ وﻣﻌﺮوﺿﺎت ﻣﺘﺎﺟﺮه ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﰲ ﺷﺎرع ﺳﻨﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ ،واﻟﻘﺴﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﺮﻧﴘ ﺑﺤﺖ ﺿﻴﻖ اﻟﻄﺮق واﻃﺊ املﺒﺎﻧﻲ إﻻ ﺣﻮل ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻧﻮﺗﺮدام أﻛﱪ ﻛﻨﺎﺋﺲ اﻟﺒﻠﺪة؛ ﺣﻴﺚ ﺗﻘﻮم اﻟﺒﻴﻮت املﺎﻟﻴﺔ واﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ،وﻫﻨﺎك ﺷﺎرع ﻧﻮﺗﺮدام أﻃﻮل ﺷﻮارع املﺪﻳﻨﺔ ﻳﻤﺘﺪ ً ٣٧ ﻣﻴﻼ ،واملﺴﺎﻛﻦ ﻫﻨﺎك ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻗﺎﺗﻤﺔ ،وأﻏﺮب ﳾء 178
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ﻓﻴﻬﺎ أن اﻟﺴﻠﻢ ﻳ َُﻘﺎم ﺧﺎرﺟﻬﺎ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﻟﻜﻞ دور ﺳﻠﻢ ﻗﺪ ﻳﻠﺘﻮي ﻓﻴﺼﺒﺢ ﺣﻠﺰوﻧﻴٍّﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺮى واﺟﻬﺔ املﻨﺎزل ﻋﲆ ﻃﻮل اﻟﺸﺎرع ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﻢ ﻣﻌﻮﺟﺔ ﰲ ﺷﻜﻞ ﻣﻀﺤﻚ؛ وذﻟﻚ ﱢ ﻟﻴﻮﻓﺮوا ﻣﻜﺎن اﻟﺴﻠﻢ وﻳﻘﻴﻤﻮا ﻏﺮﻓﺔ؛ ﻷن ﻏﺎﻟﺐ اﻟﺒﻴﻮت ﻣﻜﺘﻈﺔ ،واﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻫﻨﺎك وﻓرية اﻟﻌﺪد ﻛﺜرية اﻟﻨﺴﻞ ﺟﺪٍّا — ﻋﲆ ﻋﻜﺲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ — وﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎء اﻟﻔﻘرية ﻓﺮاش واﺣﺪٍ ،وﻛﻠﻤﺎ أﻣﴣ ﻓﺮﻳﻖ ﰲ اﻟﻔﺮاش ﺳﺎﻋﺎت ﻧﻮﻣﻪ اﻧﴫف ﻳﻨﺎم اﻷﻃﻔﺎل ﺑﺎﻟﺪور ﻋﲆ ٍ وﺣ ﱠﻞ ﻣﺤﻠﻪ اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺜﺎﻧﻲ! وﻛﻞ ﺑﻴﺘني ﻣﺘﻼﺻﻘﺎن ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﺑﻴﺖ واﺣﺪ؛ وذﻟﻚ ﻟﺴﻬﻮﻟﺔ اﻟﺘﺪﻓﺌﺔ ﺷﺘﺎءً ،وﺑﺮد اﻟﺸﺘﺎء ﻫﻨﺎك ﻗﺎرس ﺟﺪٍّا ،ﻓﺎملﺘﻮﺳﻂ °١٨ف ،وﻗﺪ ﺗﻨﺰل اﻟﺤﺮارة إﱃ ٦٤ﺗﺤﺖ اﻟﺼﻔﺮ ،ﻓﺘﺠﻤﺪ املﻴﺎه وﺗُﺘﱠ َﺨﺬ اﻷﻧﻬﺎر واﻟﱪك ﻣﺰاﻟﻖ ﻷﻟﻌﺎب اﻟﺠﻠﻴﺪ ،وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ اﻷﺑﺮاج ﺗﻌﻠﻮ ً ﻣﺨﻴﻔﺎ ﻟﻴﻨﺰﻟﻖ اﻟﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻟﻌﺒﻬﻢ ﺷﺘﺎء ،وﻗﺪ ﻳﺘﻜﺎﺛﻒ اﻟﺜﻠﺞ ﻓﻴﺴ ﱡﺪ اﻟﻄﺮق ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﻋﻠﻮٍّا ﺗﻤﺮ ﻛﺎﻧﺴﺎت اﻟﺠﻠﻴﺪ ﻓﺘﺰﻳﺤﻪ ﻋﲆ اﻟﺠﻮاﻧﺐ ،ﺛﻢ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﺑﻌﻴﺪًا ﻟﺘﺴﻬﻞ ﻟﻠﻨﺎس املﺮور ،ﻟﺬﻟﻚ أُﻏﻠِﻘﺖ ﻣﻴﻨﺎء ﻣﻨﱰﻳﺎل ﻣﻦ أﻛﺘﻮﺑﺮ إﱃ ﻓﱪاﻳﺮ ،وﺗﺤ ﱠﻮ َﻟ ِﺖ اﻟﺘﺠﺎرة إﱃ ﻫﻠﻔﺎﻛﺲ. وﻗﺪ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺤﻲ West Mountﻣﻘﺮ اﻟﺴﻜﻦ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻲ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﻼﺗﻪ آﻳﺔ ﰲ اﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ،وﻳﺴﻜﻨﻬﺎ ٦٠أﻟﻒ ﻧﻔﺲ ﻫﻢ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ واﻟﻔﺮﻧﺴﻴني ،وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ وﺟﺎﻫﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ أن أﺟﺮه ﻳﺰﻳﺪ ﰲ اﻟﺸﻬﺮ ﻋﲆ ٧٠ﺟﻨﻴﻬً ﺎ ،وﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺛﺮﻳﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﺄﺛﺮوا ﺑﺎﻷزﻣﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ﻗ ﱡ ﻂ ،ﺑﻞ ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ ذﻟﻚ َرﺑ َْﺖ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ،واﻟﻀﺎﺣﻴﺔ ﺷﺒﻪ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﺗﺪﻳﺮ َ ﻣﻨﺘﺨ ٍﺐ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻻ ﺗﺰال ﺗﻨﻔﺬ ﻗﺎﻧﻮن ﺗﺤﺮﻳﻢ اﻟﺨﻤﺮ ﺑني ﺑﻤﺠﻠﺲ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ وﺣﺪﻫﺎ ٍ ﺟﺪراﻧﻬﺎ. ﱠ وﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎء املﺘﻮﺳﻄﺔ »ﻧﻮﺗﺮدام دي ﺟﺮاس« وﺳﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻟﻜﻦ ﻣﻼك اﻷراﴈ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴني ،وﻟﻘﺪ ﻟﻔﺖ ﻧﻈﺮﻧﺎ اﻟﺪﻟﻴﻞ إﱃ ﺑﻴﺖ ﺻﻐري ﻗﺎل ﺑﺄﻧﻪ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻄﺎﺑﺦ ،Seven Kitchensوملﺎ ﺳﺄﻟﻨﺎه ﻋﻦ اﻟﺴﺒﺐ ﺿﺤﻚ وﻗﺎل :ﻷن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﻴﺖ اﺳﻤﻪ »املﺴﱰ ﻣﻄﺒﺦ ،«Kichenوزوﺟﺘﻪ املﺴﺰ ﻣﻄﺒﺦ ،وأرﺑﻌﺔ ﺑﻨني ﻫﻢ ﻣﻄﺎﺑﺦ ً أﻳﻀﺎ، ﺛﻢ ﻣﻄﺒﺦ اﻟﺒﻴﺖ! ﻓﺄﻏﺮق اﻟﻘﻮم ﰲ اﻟﻀﺤﻚ رﻏﻢ ﺑﺮود ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻜﺘﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ! وإﱃ ﺟﻮار املﻨﻄﻘﺔ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﻦ اﻷرض املﺰروﻋﺔ ﻫﻲ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،ﺗﺒﻴﺢ ﻟﻠﻌﺎﻃﻠني أن ﻳﺤﺮزوا ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا زرﻋﻪ ﰲ اﻟﻌﺎم ﻟﻴﺘﻌﻴﺸﻮا ﻣﻨﻪ ﺑﺪون ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺪوا ﻟﻬﻢ ً ﻋﻤﻼ ،وﻣﺘﻨﺰﻫﺎت املﺪﻳﻨﺔ ﻻ ﺣ ﱠﺪ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻌﺪدُﻫﺎ ٧٢وﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎرك ﻣﻨﱰﻳﺎل ﻣﺴﺎﺣﺘﻪ ٦٩٢ ﻓﺪاﻧًﺎ ،وﺟﻠﻪ ﺗُ ِﺮك ﻏﺎﺑﺎت ﰲ ﺷﻜﻠﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﰲ أﺣﺪﻫﺎ ُز ِرﻋﺖ ٥٠٠ﺷﺠﺮة ﻣﻦ اﻻﺳﻔﻨﺪان Mapleﺷﻌﺎر ﻛﻨﺪا ،وﻋُ ﱢﻠ َﻖ ﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ واﺣﺪة اﺳﻢ ﺟﻨﺪي ﻣﻤﱠ ْﻦ ﻓﻘﺪوا ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻜﱪى ،وﻋﲆ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﺎ ﻋُ ﱢﻠ َﻖ ﺛﻼﺛﺔ أﺳﻤﺎء ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ واﺣﺪة .أﻣﺎ ﻋﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺘﻲ 179
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
َ ﴎت ،وﻋﻈﻤﺔ ﺑﻨﻴﺎﻧﻬﺎ واﻹﴎاف ﰲ ﻧﻘﺸﻬﺎ وزﺧﺮﻓﻬﺎ ،ﻓﺬاك ﻣﺎ ﻛﺎد ﻳﻔﻮق روﻣﺎ ﺗﻠﻘﺎﻫﺎ أﻳﻨﻤﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻮارع ﺗﺮى اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻣﺘﻼﺻﻘﺔ ،وﻻ ﻳﺨﻠﻮ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻘﺴﺲ أو ً ﺷﻜﻞ ﻣﻌﻄﻔﺎ أﺳﻮ َد وﺣﺰاﻣً ﺎ أﺧﴬَ ﺗﺘﺪﱃ ﻟﻪ ذؤاﺑﺘﺎن ﻃﻮﻳﻠﺘﺎن ﰲ ﺻﺒﻴﺘﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﺒﺴﻮن ٍ ﻳﺴﱰﻋﻲ اﻟﻨﻈﺮ ،وﻧﻔﻮذﻫﻢ ﰲ ﺗﴫﻳﻒ اﻷﻣﻮر ﻋﻈﻴﻢ ﺟﺪٍّا ﺣﺘﻰ ﻛﺎد ْ َت أن ﺗﺼﺒﺢ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ »ﻛﻮﺑﻚ« ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ وﻏﺎﻟﺒﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ،وﻟﺬﻟﻚ أُﻃﻠ َِﻖ ﻋﲆ اﻟﺒﻠﺪة »ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ«؛ ﻓﻔﻴﻬﺎ ٢٥٠ﻛﻨﻴﺴﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻔﻬﺎ ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ،واﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﻫﻨﺎك ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ وأﻛﱪ ﺟﺮاﺋﺪﻫﻢ La Presseاﻟﺘﻲ ﺗﻮزع ﻓﻮق ٣٠٠أﻟﻒ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﻮاﺣﺪ ،واﻟﻘﻀﺎء ﰲ اﻟﺒﻼد ﻧﻮﻋﺎن: ﻓﺮﻧﴘ ﻳﺘﺒﻊ »ﻗﺎﻧﻮن ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن« ،وإﻧﺠﻠﻴﺰي ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﺴﺒﱢﺐ ذﻟﻚ ارﺗﺒﺎ ًﻛﺎ ﺑني املﺘﺨﺎﺻﻤني، َ ً واﻵﺧﺮ إﻧﺠﻠﻴﺰﻳٍّﺎ ﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴٍّﺎ ،وأﻛﱪ ﻛﻨﺎﺋﺴﻬﻢ ﺧﺼﻮﺻﺎ إذا ﻛﺎن أﺣﺪ اﻟﺨﺼﻤني ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴٍّﺎ ﻧﻮﺗﺮدام ﻋﲆ ﻧﻤﻂ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺑﺎرﻳﺲ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﻫﻲ ﺗﴩف ﻋﲆ ﻣﻴﺪان اﻟﺤﺮاب Place d’armes ﺑُﻨِﻴﺖ ﺳﻨﺔ ،١٦٧٢ﺛﻢ ﺟُ ﱢﺪد ْ َت ﺳﻨﺔ ،١٨٢٤وﻳﺤﺘﻮي ﺑﺮﺟﺎﻫﺎ ﻋﲆ ﻋﴩة أﺟﺮاس؛ أﺣﺪﻫﺎ ﻳُﻌَ ﱡﺪ أﻛﱪ أﺟﺮاس اﻷﻣﺮﻳﻜﺘني ،وﺑﻬﺎ ﻣﻘﺎﻋﺪ ﻟﻌﴩة آﻻف ﻣﺼ ﱟﻞ. وﻋﲆ رﺑﻮة ﰲ اﻟﺠﺒﻞ ﻫﻴﻜﻞ ﺳﺎن ﺟﻮزﻳﻒ أﻗﺎﻣﻪ ﻗﺴﻴﺲ اﺳﻤﻪ Andréﺻﻐريًا ﻟﻴﺘﻌﺒﺪ ﻓﻴﻪ ،ﺛﻢ ذاﻋﺖ ﻋﻨﻪ اﻟﻜﺮاﻣﺎت ﻓﺒُﻨِﻲ ﺑﺸﻜﻞ أﻛﱪ ،ﺛﻢ أﺧﺬوا ﻳﻤﺪون ﻓﻴﻪ ،وﻻ ﻳﺰال اﻟﺒﻨﺎء ﺳﺎﺋ ًﺮا، وﺳﻴﻜﻮن ﻣﻦ أﻓﺨﺮ ﻫﻴﺎﻛﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ وأﻛﱪﻫﺎ .ﻧ ُ ﱢﺴ َﻘ ِﺖ املﺘﻨﺰﻫﺎت أﺳﻔﻠﻪ ﺛﻢ ﺑﺪأت اﻟﺴﻼﻟﻢ إﻟﻴﻪ وﻋﺪدﻫﺎ ،٩٩وﻛﺎن اﻟﺤﺠﺎج ﻫﻨﺎك ﻛﺜريﻳﻦ ﺟﺪٍّا ﻳﺮﻛﻌﻮن ﻋﲆ ﻛﻞ ﺳﻠ ٍﻢ ﻣﻨﻬﺎ وﻳﻘﺮءون ِو ْردًا، ُﻮرﻛﻮا ﻓﺸﻔﻮا ﻣﻦ أﻣﺮاﺿﻬﻢ وﺿﻤﻨﻮا وﻣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻮا اﻟﻘﻤﺔ دﺧﻠﻮا اﻟﻬﻴﻜﻞ وﻗﺪﱠﻣﻮا ﻗﺮاﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑ ِ اﻟﺠﻨﺔ! ﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟﻮن! وﻻ ﻳﺰال اﻟﻘﺲ أﻧﺪرﻳﻪ ﻳﺘﻌﻬﱠ ﺪ اﻟﻬﻴﻜﻞ وﻳﺪ ﱢرس ﰲ ﻣﺪرﺳﺔ أﺳﻔﻠﻪ، ﻣﻊ أﻧﻪ ﺑﻠﻎ ﺳﻦ ٩١ﺳﻨﺔ ،وﻳﺼﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﺑﺎت زﻫﺎء ٢٠٠أﻟﻒ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮون اﻟﺮ ﱠد ﻣﻨﻪ واﻟﺘﱪﻳﻚ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻢ ﺳﻌﺎدﺗﻬﻢ ،وﻣَ ﻦ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺤﻀﻮر ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺣﺞﱠ إﱃ املﻜﺎن ﻣﻦ أﻗﴡ اﻷرض ،وﻟﻴﺲ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﺴﺤﺎب ،ﻓﺄﻋﲆ اﻷﺑﻨﻴﺔ ٢٥دو ًرا ،وﻟﻘﺪ ﺣ ﱠﺮ َم اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻴﻮم اﻟﻌﻠﻮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺪور اﻟﺮاﺑﻊ ،وﻟﻘﺪ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺈﺣﺪى ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت املﺘﻮاﺿﻌﺔ ُ ُ ﻋﻠﻤﺖ أن ﺑﻬﺎ ﺳﺘﺔ أدوار ﺗﺤﺖ دﻫﺸﺖ ملﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻷﺧﻮاﺗﻬﺎ ﰲ ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ وﻧﻴﻮﻳﻮرك ،ﻟﻜﻨﻲ اﻷرض ﻹﻳﻮاء ﺳﻴﺎرات اﻟﺴﺎﻛﻨني ﰲ ذاك اﻟﺒﻨﺎء ،وﻋﺪد ﺳﻴﺎراﺗﻬﻢ ،٦٥٠وﺟ ﱡﻞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻫﻨﺎك ﺗﺤﺖ إﴍاف اﻟﻘﺴﺲ ،وﻗﺴﻢ ﻛﺒري ﻣﻨﻪ دﻳﻨﻲ ﺑﺤﺖ ،وﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﻗﺎﻧﻮن إﺟﺒﺎري ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻨﺤﻮ ٪٩٩ﻣﻦ اﻷﻃﻔﺎل ﻳﺆﻣﻮن املﺪارس .وﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﺟﺎﻣﻌﺘﺎن :ﻣﺎك ﺟﻞ Mc J’ll أ ُ ﱢﺳ َﺴ ْﺖ ﺳﻨﺔ ١٨١١وﺗﺸﻤﻞ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﻛﻠﻴﺎت ،ﺛﻢ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻨﱰﻳﺎل ﱠ أﺳﺴﻬﺎ ﻗﺴﺲ ﻛﻮﺑﻚ ﺳﻨﺔ ،١٨٧٨وﻫﻲ ﻓﺮع ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ Lavalﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﻮﺑﻚ وﺑﻬﺎ ٣٥٠٠ﻃﺎﻟﺐ. 180
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ُ زرت ﻣﺴﺘﻮدع ﻟﻠﺪواء ﻓﺎﺧﺮ اﻟﺒﻨﻴﺎن ﻋﻈﻴﻢ اﻟﺰﺧﺮف ،ﺣﺘﻰ إن ﺳﻘﻔﻪ وﻣﻦ أﻋﺠﺐ ﻣﺎ ُ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﺼﺐ ﰲ وزن أﻃﻨﺎن ﻛﺜرية ﺗ َﺮى ﰲ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﻨﻪ ،وﻣﻦ أدواره اﻟﻌﺪة اﻟﺘﻠﻴﻔﻮن وﻣﻜﱪات اﻟﺼﻮت ﺗﻠﺒﻲ ﻧﺪاء أي إﻧﺴﺎن ﰲ أﻗﴡ املﺪﻳﻨﺔ وﺗﺴﻌﻔﻪ ﺑﺎﻟﻌﻼج ،واﻟﺮﺟﺎل واﻟﺴﻴﺪات اﻟﻮﻗﻮف ﺑﻪ ﻣﻦ ﺧﱪاء اﻷﻃﺒﺎء ،وﻫﻮ ﻳﻌﻤﻞ ﺻﺒﺎحَ ﻣﺴﺎءَ وﻻ ﺗُ َ ﻘﻔﻞ أﺑﻮاﺑﻪ ﺳﺎﻋﺔ ،وﻳﺘﻮﱃ اﻟﻌﻤﺎل رﻗﺎﺑﺘﻬﻢ ﻋﲆ ﺛﻼث دﻓﻌﺎت ﰲ اﻟﻴﻮم ﻟﻜ ﱟﻞ ﺛﻤﺎن ﺳﺎﻋﺎت ،وأﻇﺮف ﻣﺎ ﺑﻪ أﻧﻪ ﻳﻔﺘﺢ أﺑﻮاﺑﻪ ﻟﻠﺰاﺋﺮﻳﻦ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﻳﻤﺪﻫﻢ ﺑﺎﻟﻜﺮﺗﺎت املﺼﻮرة ،وﻳﺒﻴﺢ ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن أن ﻳﻜﺘﺐ رﺳﺎﻟﺔ ُ ﻛﺘﺒﺖ أﻧﺎ ﺑﻄﺎﻗﺘني وﺳﺠﱠ ْﻠ ُﺖ اﺳﻤﻲ ﺑني ﻳﺮﺳﻠﻬﺎ املﺤﻞ إﱃ أﻗﴡ اﻷرض ﻋﲆ ﺣﺴﺎﺑﻪ ،وﻗﺪ ﻛﺸﻮف اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ،وﻟﻦ أﻧﴗ ﺑﻬﺎء املﻨﻈﺮ وأﻧﺎ أﻗﻒ ﻋﲆ ﴍﻓﺔ ﺟﺒﻞ »ﻣﻨﱰﻳﺎل« أﻃﻞ ﻋﲆ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻔﺴﻴﺢ اﻟﻬﺎﺋﻞ وﺟﺰاﺋﺮه املﻨﺜﻮرة ،وﻗﺪ ﻧُﺜِﺮت ﺑﻌﺾ املﺪاﻓﻊ اﻟﺘﻲ ﻏﻨﻤﻮﻫﺎ ﰲ ﺣﺮوﺑﻬﻢ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻣﻦ أﺑﺪﻋﻬﺎ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﺎن ﻫﻴﻠني اﻟﺘﻲ ُﺳﻤﱢ ﻴ َْﺖ ﻋﲆ اﺳﻢ زوﺟﺔ ﺷﺎﻣﺒﻠني ،وﻫﻲ ﰲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﻣﺘﻨ ﱠﺰه واﺣﺪ ﻛﺒري ،وﻳﺼﻠﻬﺎ ﻫﻲ واﻟﺠﺰاﺋﺮ اﻷﺧﺮى ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻗﻨﺎﻃ َﺮ ٍ أﻧﻴﻘﺔ. ﻛﻮﺑﻚ ﻗﻤﺖ إﱃ ﻛﻮﺑﻚ ﰲ ﺳﻴﺎرة اﻷﻣﻨﻴﺒﻮس — ٧رﻳﺎﻻت ذﻫﺎﺑًﺎ وإﻳﺎﺑًﺎ — اﻟﻔﺎﺧﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻘ ﱡﻞ ﺛﻼﺛني راﻛﺒًﺎ ،وﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﺎﻫﺔ ﺣﺪٍّا ﻓﺎق ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ؛ ﻓﺎملﻘﺎﻋﺪ ﺑﺎﻟﻘﻄﻴﻔﺔ اﻟﻮﺛرية، واﻟﺸﻤﺎﻋﺎت اﻟﱪاﻗﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ ،وﻋﲆ رءوﺳﻨﺎ رﻓﻮف ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ اﻟﱪﱠاق اﻟﺜﻤني ،واملﺮاوح ﺗﺪور ً ٍ ﺛﺎﺑﺘﺔ وأﺟﺮﻫﺎ أرﺧﺺ ﻣﻦ ﺻﻴﻔﺎ واملﺪاﻓﺊ ﺷﺘﺎء ،وﺗﻠﻚ ﺗﺸﻖ أرﺟﺎء أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻤﻮاﻋﻴ َﺪ ري ،ﻓﺎﻟﺴﻔﺮ ﻣﻦ ﺳﺎن ﻓﺮﻧﺴﺴﻜﻮ إﱃ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،أو ﻣﻦ ﺷﻮاﻃﺊ املﺤﻴﻂ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺑﻜﺜ ٍ اﻟﻬﺎدي إﱃ اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ دون ﻋﴩة ﺟﻨﻴﻬﺎت ،وذﻟﻚ أﻗﻞ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ اﻷﺟﺮ ﰲ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ، ً ﻃﺮﻗﺎ أﺟﻤﻞ ﺑﻜﺜري وﻻ ﺗﺤﺠﺐ املﻨﺎﻇﺮ ﻛﺜﺮة اﻷﺳﻼك واملﺤﻄﺎت وﻓﻮق ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺴﻠﻚ وﻋﺮﺑﺎت اﻟﺸﺤﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻐﺺ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺳﻔﺮﻧﺎ ﰲ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ .ﻗﻤﺖ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ﻓﻮﺻﻠﺘﻬﺎ ﻋﴫًا ﰲ ً ﻫﺎﺋﻼ ،وﻣﺎؤه ﺳﺒﻊ ﺳﺎﻋﺎت ،وﻛﺎن ﺟﻞ ﺳريﻧﺎ إزاء ﻣﺠﺮى ﺳﻨﺖ ﻟﻮرﻧﺲ اﻟﺬي ﻛﺎن اﺗﺴﺎﻋﻪ ﻫﺎدﺋًﺎ ﺑ ﱠﺮ ًاﻗﺎ ً آن َ وآﺧﺮ ﻛﺎن ﻳﻼﻗﻴﻪ ﻓﺮع أو اﺛﻨﺎن ،ﺛﻢ ﺗﻜﺜﺮ اﻟﺠﺰاﺋﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸﻌﺐ راﺋﻘﺎ ،وﺑني ٍ املﻴﺎه ﺣﻮﻟﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮم املﺼﺎﻧﻊ اﻟﻜﺒرية ﻃﻮال اﻟﻄﺮﻳﻖ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻷﺧﺸﺎب واﻟﻮرق ،ﺛﻢ ﻣﻄﺎﺣﻦ اﻟﻐﻼل وﻣﺨﺎزﻧﻬﺎ ورواﻓﻌﻬﺎ. ُ واﻟﻄﺮﻳﻖ ﻛﻠﻪ ﻣﺪن وﻗﺮى ﺑﺪﻳﻌﺔ أﻗِ ﻴﻤﺖ أﺑﻨﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﰲ ﺗﻨﺴﻴﻖ وﻧﻈﺎﻓﺔ ﺗﺎﻣﺔ، واﻹﻗﻠﻴﻢ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﺴﻜﺎن ،وﻛﻠﻬﻢ ﻓﺮﻧﺴﻴﻮن ﻻ ﻳﻜﺎدون ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ إﻻ إذا اﺿﻄﺮوا 181
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
إﻟﻴﻬﺎ ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺗﻜﻮن ﻟﻐﺘﻬﻢ رﻛﻴﻜﺔ ﺿﻌﻴﻔﺔ ،وأﻛﱪ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﻛﺜﺮة اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ واﻟﻘﺴﺲ واﻟﺼﻠﺒﺎن اﻟﺘﻲ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺮاﻫﺎ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﰲ وﺳﻂ اﻟﺤﻘﻮل ،ﻓﺄﻳﻨﻤﺎ ﻧﻈﺮت أﻟﻔﻴﺖ ً ﻗﺴﻴﺴﺎ أو ﺻﻠﻴﺒًﺎ ،واﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻛﺒرية وﻓﺎﺧﺮة إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري ﺣﺘﻰ ﰲ اﻟﻘﺮى اﻟﺼﻐرية ،ﻣﻤﺎ د ﱠل ﻋﲆ ﺷﺪﻳﺪ ﻋﺼﺒﻴﺔ اﻟﻘﻮم اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وﻛﻠﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ املﺘﻤﺴﻜني ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﺗﻤﺴ ًﻜﺎ ﺷﺪﻳﺪًا، واﻷراﴈ ﻛﻠﻬﺎ ﺳﻬﻮل ﻓﺴﻴﺤﺔ إﱃ اﻵﻓﺎق ﻳﺰرﻋﻬﺎ اﻟﻘﻮم ﻣﻦ اﻟﺨﴬ ﻋﲆ اﺧﺘﻼﻓﻬﺎ ،ﺛﻢ اﻟﻐﻼل ً ٍ ﻣﻬﻤﻼ ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎ ﻓ َﻜ َﺴﺘْﻪ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﻘﻤﺢ ،ﺛﻢ اﻟﺸﻮﻓﺎن ،ﺛﻢ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺬرة ،وﺑﻌﺾ اﻟﺒﻘﺎع ﺗُ ِﺮك اﻟﻐﺎﺑﺎت ،وﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﻜﺜﺮ ﻣﻨﺎﺷري اﻟﺨﺸﺐ وﻣﺼﺎﻧﻊ اﻟﻮرق ،وﰲ ﺗﻠﻚ املﺼﺎﻧﻊ ﻳُﺴﺤَ ﻖ اﻟﺨﺸﺐ ﺛﻢ ﻳ َ ُﻨﻘﻊ ﰲ اﻟﺴﻠﻔﻴﺪ Sulphideﻟﻴﺴﺘﺤﻴﻞ ﻋﺠﻴﻨﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻳُﺼﻨَﻊ اﻟﻮرق أو ﺗُﺼﺪﱠر ﺧﺎﻣﺘﻪ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻮرق ﰲ اﻟﺒﻼد اﻷﺧﺮى ،وﻗﻄﻊ اﻟﺨﺸﺐ ﻋﻤﻞ رﺋﻴﴘ ﻳﺪ ﱡر ﻋﲆ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ ﻛﻮﺑﻚ وﺣﺪﻫﺎ ﻓﻮق أرﺑﻌني ﻣﻠﻴﻮن رﻳﺎل ﻛ ﱠﻞ ﻋﺎم ،وﻳﺠﺘﺬب ً آﻻﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻛ ﱠﻞ ﻋﺎم ﻳﻬﻴﻤﻮن ﰲ املﺠﺎﻫﻞ ً ٍ رﺟﻼ ﻳﻘﻄﻌﻮن اﻟﺨﺸﺐ ﺛﻢ ﻳﺴﻮﻗﻮﻧﻪ إﱃ ﻣﻌﺴﻜﺮات ﻳﻀﻢ اﻟﻮاﺣﺪ ﺧﻤﺴني وﻳﺘﻮزﻋﻮن ﰲ املﺠﺎري املﺘﺠﻤﺪة ،وإذا ﻣﺎ ذاب ﺟﻠﻴﺪﻫﺎ ﻋﻮﻣﺖ اﻟﻜﺘﻞ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ؛ إذ ﻳﻘﻒ اﻟﻮاﺣﺪ ﻋﲆ ﻛﺘﻠﺔ ﺳﺎﺑﺤﺔ ،وﰲ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﺣﺬاء ذو ﻧﻌﻞ ﺑﺎرز املﺴﺎﻣري ،ﺛﻢ ﻳﺤﺮك اﻟﻜﺘﻠﺔ ﺑﺮﺟﻠﻴﻪ ﻓﺘﺪور وﻫﻮ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﺛﻢ ﺗﺴﺒﺢ ﰲ ﴎﻋﺔ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ. وﻛﺎن ﻳﺴﺘﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮي أن اﻟﺴﻜﺎن ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﴩون ﻣﻼﺑﺴﻬﻢ املﻐﺴﻮﻟﺔ ﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻄﺮق رﻗﻴﺐ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻳﻌﺮﺿﻮن ﺑﻌﺾ أﺷﻐﺎل أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ »اﻟﻄﻨﺎﻓﺲ« اﻟﺼﻐرية ،وﻻ ﺗﺘﻌﺮض ﺑﺪون ٍ ٍ ﻟﴪﻗﺔ أو ٍ ﻋﺒﺚ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻨﻲ أﻣﺘﺪح ﻓﻴﻬﻢ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺎﻧﺔ .وأﻣﺎم ﺳﻮر ﻛﻞ ﺑﻴﺖ ﺻﻨﺪوق ﻫﺬه َ ﻣﻔﺘﻮح ﻳُﻮﺿﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﱪﻳﺪ واﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻜﻞ ﺑﻴﺖ ،وﻻ ﻳﺘﻌ ﱠﺮض ﻟﻬﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ املﺎرة ً ﻣﻄﻠﻘﺎ ،وﺣﺘﻰ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻌﺒﻮن وﻳﻤﺮﺣﻮن ﻃﻮال اﻟﻴﻮم .وﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﺮﻳﻖ وﻗﻔﻨﺎ ﺑﺒﻠﺪة اﻷﻧﻬﺎر اﻟﺜﻼﺛﺔ ،Trois rivieresوﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﺘﻼﻗﻰ أﻧﻬﺎر ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻊ ﺳﻨﺖ ﻟﻮرﻧﺲ ﻓﺘﺠﻌﻞ ﻣﻨﻈﺮ املﻴﺎه املﻤﺪودة ﰲ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ راﺋﻌً ﺎ ،واملﻜﺎن ﺻﻨﺎﻋﻲ وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻟﻠﻮرق واﻟﺨﺸﺐ ،وﻛﻨﺎ ﻧﺮى ﻣﺠﺎري اﻷﻧﻬﺎر ﱠ ﻣﻘﺴﻤﺔ ﺑﺸﺒﻪ ﺣﺪو ٍد ﻣﻦ ﻋﻮاﻣﺎت ﻣﻦ ﻛﺘﻞ اﻟﺨﺸﺐ؛ ﻟﺘﻤﻨﻊ اﺧﺘﻼط أﺧﺸﺎب ﻛﻞ ﻣﺼﻨﻊ ﻣﻊ ﻏريﻫﺎ. دﺧﻠﻨﺎ ﻛﻮﺑﻚ وﻧﺤﻦ ﻧﺴري ﰲ ﻃﺮق ﺿﻴﻘﺔ ﺗﻌﻠﻮ وﺗﻬﺒﻂ ،وﺗﴩف ﻋﻠﻴﻬﺎ رﺑﻮة ﺻﺨﺮﻳﺔ ُ وﺣﻠﻠﺖ ﻓﻨﺪق Old homestead hotelاملﺘﻮاﺿﻊ ﰲ املﻴﺪان ،Place d’armes ﻋﺎﺗﻴﺔ، وأﻣﺎﻣﻪ »ﺷﺎﺗﻮﻓﺮﻧﺘﻨﺎك« ﻋﲆ اﺳﻢ أﺣﺪ اﻟﺤ ﱠﻜﺎم اﻟﻔﺮﻧﺴﻴني اﻷواﺋﻞ ،أﻓﺨﺮ ﻓﻨﺎدق اﻟﺒﻠﺪة ،وﻫﻮ ِﻣﻠﻚ ﻟﴩﻛﺔ »ﻛﻨﺪا اﻟﺒﺎﺳﻔﻴﻜﻴﺔ« ،ﺑُﻨِﻲ ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ﺣﺼﻮن اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ و ُﻣﺪ ْ ﱠت أﻣﺎﻣﻪ اﻷرﺻﻔﺔ ُز ﱢود ْ َت ﺑﺎملﻘﺎﻋﺪ واملﻘﺎﺻري ﻟﺘﻄ ﱠﻞ ﻋﲆ اﻟﻨﻬﺮ واملﺪﻳﻨﺔ اﻟﺴﻔﲆ ﻣﻦ أﻋﲆ اﻟﺮﺑﻮة ﰲ 182
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ﻣﻨﻈﺮ ﺳﺎﺣﺮ .وﻛﻮﺑﻚ ﺑﻠﺪﺗﺎن :اﻟﺴﻔﲆ ﻣﻘﺮ دور اﻷﻋﻤﺎل واﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ،واﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻮق ﺻﺨﺮة ﻛﻮﺑﻚ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ وﺟﻠﻬﺎ ﻟﻠﺴﻜﻨﻰ ،وﻛﻢ ﻛﺎن ﻳﺮوﻗﻨﻲ اﻟﺴري وﺳﻂ ﺗﻠﻚ اﻷزﻗﺔ املﺘﻠﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺎد ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ املﺘﻘﺎﺑﻠﺔ ﺗﺘﻼﺻﻖ وﻫﻲ ﻗﺎﺗﻤﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ ،وﻗﺪ ُر ِﺻﻔﺖ أرﺿﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة اﻟﺼﻐرية اﻟﺒﺎرزة ﻟﻜﻲ ﱢ ﺗﺨﻔ َ ﻒ ﻣﻦ أﺛﺮ ﺷﺪة اﻧﺤﺪار اﻟﻄﺮق ،وﻛﻨﺎ ﻧﻌﻠﻮ إﱃ اﻟﻄﺮق اﻟﺘﻲ ﻓﻮق اﻟﺮﺑﻮة ﺑﺪرﺟﺎت ﻗﺪ ﺗﻔﻮق املﺎﺋﺔ ،واﻟﱰام ﻳﺴري ﻓﻮق ﻣﻨﺤﺪرات ﻣﺨﻴﻔﺔ ﺟﺪٍّا ،وﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻳﻜﻮن اﻟﺼﻌﻮد ﺑﺎﻟﺮواﻓﻊ .Elevator واملﻴﻨﺎء ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ وﺑﺎﻟﺴﻔﻦ اﻟﻜﺒرية اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺨﺮ املﺤﻴﻂ ﺑني أورﺑﺎ وﻛﻮﺑﻚ ،واﻟﻨﻬﺮ ﻫﺎﺋﻞ اﻻﺗﺴﺎع ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻌﻤﻖ وﻳﺨﻀﻊ ﻟﻠﻤﺪ اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﻌﻠﻮ ١٦ﻗﺪﻣً ﺎ ،وﻋﺠﻴﺐ أن املﻴﺎه ﻛﻠﻬﺎ ﻋﺬﺑﺔ وﺗﻈﻞ ﻛﺬﻟﻚ أرﺑﻌني ً ﻣﻴﻼ ﺟﻬﺔ املﺼﺐ ،وﺗﺠﺎﻧﺐ املﻴﻨﺎء ﺳﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪ، وﻗﺪ اﺳﺘﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﻣﺴﺘﻮدع اﻟﻐﻼل ﻟﴩﻛﺔ Can. nationalﺑﺮواﻓﻌﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻊ ﻟﻨﺤﻮ ٤٥٠ﻣﻠﻴﻮن ﺑﻮﺷﻞ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﺼﺎﻧﻊ اﻟﻮرق اﻟﻜﺜرية ﻫﻨﺎك ،ﺛﻢ ﻣﺼﻨﻊ ﻫﺎﺋﻞ ﻟﻸﺣﺬﻳﺔ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ أﻛﱪﻫﺎ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﻌﺮﺑﺎت ذات اﻟﻌﺠﻠﺘني ﻳﺠﺮﻫﺎ ﺣﺼﺎن ﺗﺬ ﱢﻛﺮ املﺮء ﺑﺎﻟﻌﺼﻮر اﻟﻐﺎﺑﺮة ،وﻗﺪ أﻋَ ﺪ ْ ﱠت ﴍﻛﺔ اﻟﱰام ﻋﺮﺑﺎت ﻣﺪرﺟﺔ ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ ﻟﻴﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺮﻛﺎب أن ﻳﺸﺎﻫﺪوا ﻣﻨﺎﻇﺮ اﻟﺒﻠﺪة ﰲ ﺟﻼء ،وﰲ زاوﻳﺔ ﻣﻦ ﺷﺎرع ﺿﻴﻖ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺴﻔﲆ زرﻧﺎ ﺑﻴﺖ ﺷﺎﻣﺒﻠني ﱢ ﻣﺆﺳﺲ ﻛﻮﺑﻚ ،وﻫﻮ ﺻﻐري ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻜﻮخ اﻟﺨﺸﺒﻲ ،وإﱃ ﺟﻮاره ﺗﺪﻓﻦ رﻓﺎﺗﻪ، ﺛﻢ ﺻﻌﺪﻧﺎ إﱃ ﺳﻄﺢ اﻟﺮﺑﻮة ﻓﺄﴍﻓﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻨﻈﺮ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺴﻔﲆ واﻟﻨﻬﺮ اﻟﻔﺴﻴﺢ اﻟﻬﺎﺋﻞ ﺑﺪﻳﻊ وﻗﺪ ُﺳ ﱢﻮ َر ِت اﻟﺮﺑﻮة ُ وﺻ ﱠﻔ ْﺖ ﻋﲆ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ املﺪاﻓﻊ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﰲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻻ ﰲ ﻣﺸﻬﺪ ٍ ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ ،وﰲ اﻟﺴﻬﻞ اﻟﻔﺴﻴﺢ »ﺳﻬﻞ «Abrahamﻛﺎﻧﺖ املﻮﻗﻌﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑني ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺠﻴﺶ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي »ووﻟﻒ «Wolfeوﻗﺎﺋﺪ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻔﺮﻧﴘ ﻣﻮﻧﺘﻜﺎم ،Montcalmوﻛﺎن اﻟﻨﴫ ﺣﻠﻴﻒ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺎﺋﺪﻳﻦ ُﻗﺘ َِﻼ ﰲ املﻮﻗﻌﺔ ،وﺳﺠﱠ َﻼ ﻟﻬﻤﺎ ﻓﺨ ًﺮا ﻛﺒريًا ﺳﻨﺔ ،١٧٥٩وﻗﺪ أُﻗِ ﻴ َﻢ ﻟﻬﻤﺎ أﺛﺮ ﺗﺬﻛﺎري ﰲ إﺣﺪى اﻟﺤﺪاﺋﻖ ﻫﻨﺎك ،وﺑﻴﺖ ﻣﻮﻧﺘﻜﺎم اﻟﺨﺸﺒﻲ اﻟﺼﻐري ﻫﻨﺎك وﻫﻮ ﻣﺪﻓﻮن ﰲ دﻳﺮ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ،واﻟﺴﻬﻞ اﻟﻴﻮم ﺗُ ِﺮ َك ﻓﺴﻴﺤً ﺎ ﺗﻜﺴﻮه اﻟﺨﴬة. أﻣﺎ ﻋﻦ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻓﺬاك ﰲ ﻛﺜﺮ ٍة ﻻ ﺗُ َ ﻮﺻﻒ ،ﺑﺤﻴﺚ ُﺧﻴﱢ َﻞ إﱄ ﱠ أن اﻟﺒﻠﺪ ﻛﻠﻪ ﻣﻘﺮ دﻳﻨﻲ ﻟﻠﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ! وﻣﻤﺎ زرﻧﺎ ﻣﻌﺒﺪ Franciscan Sistersوأﻋﺠﺐ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﺮاﻫﺒﺎت ﻳﺘﻨﺎوﺑﻦ اﻟﺮﻛﻮع أﻣﺎم اﻟﻬﻴﻜﻞ ﺻﺒﺎحَ ﻣﺴﺎءَ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻨﻬﻦ ﻃﻮال اﻟﻌﺎم ،وﻗﺪ رأﻳﻨﺎ ﺧﻤﺲ ﻓﺘﻴﺎت رﻛﻌً ﺎ ﻣﻄﺄﻃﺌﺎت اﻟﺮءوس ﻳﻘﺮأ ْ َن أورادﻫﻦ وﻻ ﻳﻨﴫﻓﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﻮاﻓﻴﻬﻦ ﺻﻮﻳﺤﺒﺎﺗﻬﻦ. ﺧﺎﻟﺼﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻧﺴﻤﻊ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻫﻨﺎك ﻗ ﱡ ً ﻂ ،وﻳﺪﻳﺮ ﺷﺌﻮن اﻟﺒﻼد ﻣﺠﻠﺲ واﻟﺒﻠﺪ ﺑَﺪَا ﻓﺮﻧﺴﻴٍّﺎ املﺪﻳﺮﻳﺔ املﺆ ﱠﻟﻒ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ ﻋﻀﻮًا ﻓﺮﻧﺴﻴٍّﺎ وﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ،وﻫﻢ ﻳﺤﺎوﻟﻮن اﻻﺣﺘﻔﺎظ 183
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺑﺎﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﰲ ﻛﻞ ﳾء ،وﻳﺘﻌﺼﺒﻮن ﻟﻘﻮﻣﻴﺘﻬﻢ وﻟﻐﺘﻬﻢ ﺟﺪٍّا ،وﺣﺘﻰ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ وﻟﻴﺲ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ إﻻ ﺟﺮﻳﺪة واﺣﺪة إﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ،Chronicle Telegraphﻋﲆ أن ُ وﻛﻨﺖ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ رﻏﻢ ﻗﻠﺘﻬﻢ وﺿﻌﻒ ﻧﻔﻮذﻫﻢ ﻫﻢ أﺻﺤﺎب رءوس اﻷﻣﻮال ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد، أﻋﺠﺐ ﻛﻴﻒ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن أن ﻳﺤﺘﻔﻈﻮا ﺑﻘﻮﻣﻴﺘﻬﻢ رﻏﻢ ﻣﺮور ﻗﺮن وﻧﺼﻒ وﻫﻢ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﻜﻢ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ،ﻟﻜﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴني ﻗﺪ ﻋُ ِﺮﻓﻮا ﺑﻮﻃﻨﻴﺘﻬﻢ اﻟﺸﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺨﻔﻮﻧﻬﺎ َ ﻋﻮاﺋﻖ ،وﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﻌﺪﱡون ﴍق ﻛﻨﺪا »ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة« ﻛﻤﺎ أﺳﻤﺎﻫﺎ ﻣﻬﻤﺎ أﺣﺎﻃﻬﻢ ﻣﻦ ً ﺷﺎﻣﺒﻠني ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ،وﻓﻮق ٪٩٠ﻣﻦ ﺳﻜﺎن ﻛﻮﺑﻚ اﻟﺒﺎﻟﻎ ﻋﺪدﻫﻢ ١٤٢أﻟﻔﺎ ﻓﺮﻧﺴﻴﻮن ،وﻻ ﻋﺠﺐ ﻓﻜﻮﺑﻚ — وﻣﻌﻨﻰ اﺳﻤﻬﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺼﺨﺮة — Rock Cityوﻫﻲ »ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة« وﻗﺪ ﻇﻠﺖ أرﺑﻌﺔ ﻗﺮون ﺗﺤﺮس ﻣﺪﺧﻞ اﻟﺴﻨﺖ ﻟﻮراﻧﺲ ﺑﺤﺼﻮﻧﻬﺎ اﻟﻌﺎﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﴏف ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺤﻬﺎ ٣٥ﻣﻠﻴﻮن رﻳﺎل ،وﻫﻲ ﰲ ﻇﻨﻲ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻻ ﻳﺘﻤﺎﻟﻚ اﻟﺰاﺋﺮ ﻟﻬﺎ أن ﻳﻌﺸﻘﻬﺎ ﻟﺠﻤﺎل ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ ،وﻫﻞ أروع ﻣﻦ ﻣﻨﻈﺮ اﻟﻨﻬﺮ وﺟﺰاﺋﺮه وﺑﺨﺎﺻﺔ ﺟﺰﻳﺮة ﻟﻮرﻧﺲ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ رأﻳﺘﻪ ﻣﻦ أﻋﲆ اﻟﺮﺑﻮة ،أو أﺟﻤﻞ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﺮ ﺻﺨﺮة ﻛﻮﺑﻚ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣني رأﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺰورق إزاء ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،إﱃ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﺣﺘﻔﺎﻇﻬﺎ ﺑﺄﺑﻨﻴﺔ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ وأزﻗﺘﻬﺎ ً ﺟﻤﺎﻻ ،ﻫﺬا إﱃ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮط ﻛﻞ رﻛﻦ املﺨﺘﻠﻔﺔ املﺘﻠﻮﻳﺔ زادﻫﺎ ﰲ ﻧﻈﺮي ﻣﻦ أرﻛﺎﻧﻬﺎ .وﻣﻤﺎ ﻳﻠﻔﺖ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻛﺜﺮة ﻣﻴﺎدﻳﻨﻬﺎ اﻟﻀﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﺳﻄﻬﺎ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﻋﻈﻤﺎء اﻟﺮﺟﺎل ،وﻣﻦ أﺧﺼﻬﻢ ﻻﻓﺎل أول ﻗﺴﻴﺲ ﺣ ﱠﻠﻬﺎ وﺑﺪأ ﻧﻮاة ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻻﻓﺎل أﻛﱪ ﻣﻌﺎﻫﺪ ً ﻣﴩﻓﺎ ﻋﲆ اﻟﻨﻬﺮ. اﻟﻌﻠﻢ ﰲ ﻛﻨﺪا ،وﻛﺬﻟﻚ ﺗﻤﺜﺎل ﺷﺎﻣﺒﻠني وﻳﺠﺎور ﺷﺎﺗﻮ ﻓﺮﻧﺘﻨﺎك إﱃ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ُ ُ وﺣﻠﻠﺖ ﻧ ُ ُﺰل Chelseaﰲ ﺷﺎرع ٢٣ﺑﻘﺮب 7th Avenueﻣﻘﺮ املﺘﺎﺟﺮ ﻗﻤﺖ إﱃ ﻧﻴﻮﻳﻮرك اﻟﻜﺒرية واملﺒﺎﻧﻲ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ واﻟﺜﺮوة اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ،وﻣﻨﻪ إﱃ ﺑﺮودواي وﺷﺎرع ٤٢وﻣﺎ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺻﻴﺖ ﰲ املﻼﻫﻲ واﻷﺿﻮاء ً ﻟﻴﻼ؛ ﻓﻠﻘﺪ ﺧﻠﻔﺎ ﰲ ﻣﺨﻴﻠﺘﻲ أﺛ ًﺮا ﻗﻮﻳٍّﺎ ﻣﻨﺬ زﻳﺎرﺗﻲ اﻷوﱃ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻌﺒﺖ ﺑﻘﻠﻤﻲ ،ﻟﻜﻦ أﻟﻔﻴﺘﻨﻲ ﻟﻢ ﱢ ُ ْ أوف ﺗﻠﻚ ﻛﺘﺒﺖ وﺧﺸﻴﺖ أن ﺗﻜﻮن املﺒﺎﻟﻐﺔ ﻗﺪ ﺷﻜﻜﺖ ﻓﻴﻤﺎ اﻟﺠﻬﺎت ﱠ ﺣﻘﻬﺎ ﻣﻦ اﻹﻛﺒﺎر؛ ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎن أﺛﺮﻫﺎ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أروع ﻣﻨﻪ ﰲ اﻷوﱃ وأﺑﻠﻎ ،وﻛﻢ ً ذاﻫﻼ وأﻧﺎ أرى ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت ﺗﻜﺴﻮﻫﺎ اﻷﺿﻮاء املﺘﻠﻮﻧﺔ املﺘﺤﺮﻛﺔ ،وأوﻟﺌﻚ اﻟﺠﻤﺎﻫري وﻗﻔﺖ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺪون اﻟﻄﺮق ﺳﺪٍّا ً ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎ ًرا ،ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗُ َ ﺤﴡ ﻋﺪٍّا ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﰲ ﻧﻈﺎ ٍم ٍ ووﺟﺎﻫﺔ ﻻ ﺗﺤﺪ. ﺗﺎ ﱟم 184
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
اﻟﻘﻄﺎر املﺮﺗﻔﻊ ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك.
EmpireوChrysler
ﺛﻢ ﻛﺎن اﻟﺼﺒﺎح وﻛﺎﻧﺖ ﺟﻮﻟﺘﻲ ﺣﻮل اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت اﻟﺸﻬرية ﻣﺜﻞ ورﻛﻔﻠﺮ وﻣﺎ أﺣﺎﻃﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺮق وأﺑﻨﻴﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮاﺗﻲ ﻟﻬﺎ إﻛﺒﺎ ًرا ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻘﻮم ذوي اﻟﻌﻘﻮل ُ رﻛﺒﺖ ﻗﻄﺎر ﺗﺤﺖ اﻷرض Subwayوﻫﻮ اﻟﺠﺒﱠﺎرة واﻷﻣﻮال اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ،وﻣﺎ واﰱ اﻟﻈﻬﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﺴري ﺗﺤﺖ اﻷرض ﰲ اﻟﺸﻮارع اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺠﺮي ﻓﻮﻗﻬﺎ »اﻹﻟﻴﻔﻴﱰ «Elevator؛ وذﻟﻚ ﻟﻴﺠﺪ اﻟﻨﺎس وﺳﻴﻠﺔ ﻳﺮﻛﺒﻮﻧﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ ﺷﺎرع ،وﻛﺎن ﻣﻘﺼﺪي ﺟﺰﻳﺮة ﻛﻮﻧﻲ ،Coney lsland ﻓﻈ ﱠﻞ اﻟﻘﻄﺎر ﻳﺴري زﻫﺎء ﺳﺎﻋﺔ ﰲ ﴎﻋﺔ ﻣﺨﻴﻔﺔ ،وﻟﻘﺪ اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ ﻣﻨﻪ إﱃ ﻏريه ﺛﻼث ﻣﺮات ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺑﻘﺮش واﺣﺪ ،ﻓﺒﻤﺠﺮد أن ﺗُﻠﻘِ ﻲ ﺑﺎﻟﻘﺮش ﰲ اﻟﺼﻨﺪوق ﻳﺪور ﺑﻚ اﻟﺒﺎب ﻓﺘﺪﺧﻞ ﻣﺤﻄﺔ، 185
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
َ ﺷﺌﺖ Expressأو Localإﱃ Up townأو إﱃ ،Down townوﻟﻮ ﻗﻄﺎر ﻟﻚ أن ﺗﺮﻛﺐ أي ٍ أﺣﺒﺒﺖ أن ﺗﻈﻞ ﻳﻮﻣﻚ ﻛﻠﻪ ﺗﺮﻛﺐ ﻫﺬا وﺗﻨﺘﻘﻞ إﱃ ذاك ،ﻓﻌﻠﺖ ﻣﺎ دﻣﺖ داﺧﻞ املﺤﻄﺎت ،ﻓﺈن ﺧﺮﺟْ َﺖ وﺟﺐ أن ﺗﺪﻓﻊ ً ﻗﺮﺷﺎ َ آﺧﺮ .ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ اﺧﱰﻗﻨﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻗﻨﺎﻃﺮ أد ْ ﱠت ﺑﻨﺎ إﱃ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻓﺄﻟﻔﻴﺘﻬﺎ ﺑﻠﺪًا ﻋﺎﻣ ًﺮا ُﻣﺪ ْ ﱠت اﻟﺤﻤﺎﻣﺎت اﻟﻔﺎﺧﺮة ﻋﲆ ﺷﻮاﻃﺌﻪ اﻟﺮﻣﻠﻴﺔ ،وأُﻗِ ﻴﻤﺖ ﰲ ﺑﺸﻜﻞ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻧﻈري ﰲ أﻳﺔ وﺳﻄﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ دور املﻼﻫﻲ واملﻌﺎرض واملﻘﺎﺻﻒ واملﻄﺎﻋﻢ ٍ ﺛﻤﺎن ﺳﺎﻋﺎت ﻛﺎﻣﻼت ﺣﺘﻰ ﻣﺮرت ﺑﻬﺎ ﻣﺮو ًرا ﺟﻬﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﰲ ﻛﺜﺮة اﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﻣﻦ وﻗﺘﻲ ِ ﴎﻳﻌً ﺎ؛ ﻓﻠﻘﺪ ﺣﻮ ْ َت ﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺎﻟﺒﺎل ﻣﻦ ﺻﻨﻮف اﻷﻟﻌﺎب :اﻟﺒﻬﻠﻮاﻧﻴﺔ واﻟﺴﺤﺮﻳﺔ واملﻴﴪ واﻷراﺟﻴﺢ وﻋﺮض ﺧﻮارق اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﻮان وإﻧﺴﺎن؛ ﻓﻬﻨﺎك ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ أﻧﺼﺎف ُ رأﻳﺖ ﺟﺴ ُﻢ ﻓﺘﺎ ٍة ﻟﻬﺎ رأﺳﺎن، اﻵدﻣﻴني واﻟﺬﻳﻦ ُوﻟِﺪوا ﻋﲆ ﻧﻘﺺ ﰲ ﺗﻜﻮﻳﻨﻬﻢ ،وﻣﻦ أﻋﺠﺐ ﻣﺎ وﺟﺴﻢ إﻧﺴﺎن أﻃﺮاﻓﻪ ﻛﻌﺠﻞ اﻟﺒﺤﺮَ ، وآﺧﺮ ﻛﺠﻠﺪ اﻟﺘﻤﺴﺎح ،وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻗﺰام اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻃﻮﻟﻬﻢ ﻋﲆ ﻧﺼﻒ ﻣﱰ ،وﺛﻼث ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﺟﻤﻌﻦ ﺑني ﺻﻔﺎت اﻟﺬﻛﺮ واﻷﻧﺜﻰ ،ﻓﻨﺼﻒ اﻟﺠﺴﺪ اﻷﻳﻤﻦ ﺧﺸﻦ ﻗﻮي اﻟﻌﻀﻼت وﻓري اﻟﺸﻌﺮ ،واﻷﻳﴪ أﻣﻠﺲ رﻗﻴﻖ ﻧﺎﻋﻢ ،وﺟﻤﻌﻦ ﺑني ً ﻣﺨﻴﻔﺎ ،ﻓﻤﺤﻴﻂ ﺑﻄﻨﻬﺎ ﻣﱰان َي اﻟﺘﺬﻛري واﻟﺘﺄﻧﻴﺚ ﻣﻌً ﺎ! وﺳﻴﺪة ﺑﻠﻎ ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻤﻦ ﺣﺪٍّا ﻋﻀﻮ ِ وﻧﺼﻒ ،ووزﻧﻬﺎ ً ٧١٥ رﻃﻼ ،وﻃﻮﻟﻬﺎ ﻣﱰ. وﻛﺜري ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﻌﺮوﺿﺎت ﺗُﴩَ ح ﴍﺣً ﺎ ﻋﻠﻤﻴٍّﺎ ﻳﺮﻣﻲ إﱃ ﻓﺎﺋﺪة اﻟﺠﻤﻬﻮر رﻏﻢ ﻣﻈﻬﺮه ً ُ ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ أﻧﻮاع اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﱠﺒَﻌَ ﺔ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ دﺧﻠﺖ اﻟﻬﺰﱄ ،ﻓﻠﻘﺪ ً ﺟﻠﻴﺔ ،أذﻛﺮ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ ﰲ ﺑﻼد اﻟﺼني، ﻈﻬﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﰲ وﺻﻔﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺑﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﺗُ ِ ﻗﻔﺺ ﻳﻨﻜﻤﺶ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ،وﻳ َ ﻳ َ ُﻀﻐﻂ ﻋﲆ املﺴﻜني وﻫﻮ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﺛﻢ ﺗُﻄ َﻠﻖ ُﻮﺿﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﰲ ٍ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻓﱤان ﺟﺎﺋﻌﺔ ﻛﺒرية ﺗﻨﻬﺶ ﻟﺤﻤﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻮت ،و»اﻟﻌﺎﺷﻖ واﻟﻌﺎﺷﻘﺔ« إذا أﺣَ ﺒ ْﱠﺖ ﻓﺘﺎ ٌة ﺷﺎﺑٍّﺎ رﻏﻢ إرادة أﺑ َﻮﻳْﻬﺎ ﺣُ ﻜِﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻮﺿﻌﻪ ﰲ »ﺻﻨﺪوق اﻟﺴﻤﺎء« وأُﻗﻔِ َﻞ ﻋﻠﻴﻪ وﰲ ﻏﻄﺎء اﻟﺼﻨﺪوق ﻣﺴﺎﻣري ﺣﺎدة ،وﻋﻠﻴﻪ ﻣﻜﺒﺲ ﻻ ﺗﻔﺘﺄ ﺗﺪﻳﺮه ﻓﻴﻀﻐﻂ ﻣﻌﺸﻮﻗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻮت ﺑﻴﺪﻳﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﺮأى ﻣﻦ أﺑﻴﻬﺎ! وﰲ اﺳﻜﺘﻠﻨﺪة ﰲ اﻟﻘﺮن ١٥ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻀﻌﻮن أﻗﺪام املﺬﻧﺐ ﰲ أﺣﺬﻳﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ وﺗُ َ ﺼﺐﱡ ﻓﻴﻬﺎ املﻨﺼﻬﺮات .وﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﺳﻨﺔ ١٤٤٧م اﺳﺘُﺨ ِﺪ َم اﻟﻮﺛﺎق Rackﻳﺸﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻮاﺳﻄﺔ أﺳﻄﻮاﻧﺔ »ﻋﺼﺎرة« ﻛﻠﻤﺎ دارت ﺷﺪ ْ ﱠت اﻟﺮﺟﻞ ﻓﺎﺳﺘﻄﺎل ﺣﺘﻰ ﻣﺎت! ﺛﻢ اﻟﺘﺤﻤري اﻟﺒﻄﻲء ﺑﺄن ﻳُﺮﺑَﻂ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﲆ ﺣﺎﻓﺔ ﻋﺠﻠﺔ ﻛﺒرية ﺗﺪور ﺑﻪ وﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ ﻧﺎر ﻣﺘﻘﺪة ﺗﻜﺎد ﺗﻠﻤﺲ اﻟﺠﺴﻢ ﻛﻠﻤﺎ ﻣ ﱠﺮ ﺑﻬﺎ ،وﺑﺬﻟﻚ ﻳُﺸﻮَى اﻟﺮﺟﻞ ﺷﻴٍّﺎ ﺑﻄﻴﺌًﺎ! وﰲ املﺠﺮ ﺳﻨﺔ ١٨١٥ﻋﺬﱠﺑﻮا املﺠﺮم ﺑﺮﺑﻄﻪ ﻧﺎﺋﻤً ﺎ ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺠﻼد ﺑﻜﺘﻠﺔ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ ﺳﺨﻦ إﱃ درﺟﺔ اﻻﺣﻤﺮار وﻛﻮى ﻗﺪﻣﻴﻪ ﻛﻴٍّﺎ ﺑﻄﻴﺌًﺎ! ﺛﻢ اﻟﺪﻓﻦ ﺣﻴًﺎ ﰲ أواﺳﻂ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻋﺪا اﻟﺮأس ،ﺛﻢ 186
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ﻛﺮﻳﺴﻠﺮ ﻳﻌﻠﻮ ً ٧٧ ﻃﺒﻘﺎ ،و ١٠٤٦ﻗﺪﻣً ﺎ ﰲ ﺳﻤﺎء ﻧﻴﻮﻳﻮرك.
ﻳُﻠ ﱠ ﻄﺦ اﻟﺠﺴﺪ ﺑﺎﻟﻌﺴﻞ ﻓﻴﻨﺠﺬب اﻟﻨﺤﻞ اﻟﻜﺒري إﻟﻴﻪ وﻳﻨﻬﺶ اﻟﺠﺜﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻮت اﻟﺮﺟﻞ ،أو ﻳ َ ُﻮﺿﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﰲ ﺑﺮﻣﻴﻞ وﺗﺒﻘﻰ رأﺳﻪ ﻇﺎﻫﺮة ﺗُﻌﺮض ﻟﻠﺸﻤﺲ املﺤﺮﻗﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻮت! وأﺧريًا ﻋﺮﺿﺖ املﻘﺼﻠﺔ وﻫﻲ ﺗﻬﻮي ﻋﲆ رأس »ﻣﺎري أﻧﺘﻮان« ﰲ ﻣﺨﺮﻃﺔ ﺛﻘﻴﻠﺔ ﺣﺎدة؛ أدر ﻣﺼﺪره ،ﺛﻢ ﻣﻌﺮض َ آﺧﺮ وﻧﺤﻦ ﺧﻼل ذﻟﻚ ﻧﺴﻤﻊ أﻧﻴﻨًﺎ واﺳﺘﻐﺎﺛﺔ وﺑﻜﺎءً ﻣﺆ ًملﺎ ﻣﺆﺛ ًﺮا ﻟﻢ ِ ﻟﻌﺎدات ﺑﻌﺾ اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ وزﻧﻮج أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻣﻦ رﻗﺺ وأزﻳﺎء ،وﻫﻨﺎ ﻳﺒﺪو ﺟﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﺰﻧﻮج اﻟﺤﻘﻴﻘﻴني ﻳﻌﺮﺿﻮن ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻬﻢ ،وﻧﺤﻦ ﺧﻼل ذﻟﻚ ﻧﺮى أﻣﺎم ﻛﻞ ﻣﻌﺮض ً رﺟﻼ أﻣﺴﻚ ﺑﻴﺪه ﻣﻜﱪ اﻟﺼﻮت ،وأﺧﺬ ﻳﺤﺎﴐ اﻟﻨﺎس وﻳﻐﺮﻳﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺪﺧﻮل ﺑﻌﺒﺎرات ﺷﺎﺋﻘﺔ ﺟﺬﱠاﺑﺔ 187
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ٍ إﴎاف ﺷﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﺴﺘﻬﻮي ﻛ ﱠﻞ إﻧﺴﺎن ،وﻣﺎ أﻗﺒﻞ املﺴﺎء ﺣﺘﻰ اﻧﺘﴩت ﺛﺮﻳﺎت اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﰲ ﻋﻘﻮد ﻣﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ﻻ أول ﻟﻬﺎ وﻻ آﺧِ ﺮ .ﻣﻜﺎن ﻳﺴﺤﺮ اﻟﻘﻠﻮب وﻳﺴﺘﻬﻮي اﻟﻨﻔﻮس ،وزﺣﺎم اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺜﻴﻒ ،ورﻏﻢ رﺧﺺ أﺟﻮر اﻟﺪﺧﻮل إﱃ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺎﻛﻦ — ﻓﻬﻲ زﻫﺎء ﻗﺮﺷني ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ — ﻳﻨﻔﻖ اﻟﻮاﺣﺪ رﻳﺎﻻت ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ دون أن ﻳﺸﻌﺮ إﻻ وﻗﺪ ﺧﻼ ﺟﻴﺒﻪ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ دﻫﺸﺘﻲ ﻛﺒرية ملﺎ ﻳﻨﻔﻘﻪ اﻟﻘﻮم ﻫﻨﺎك ﺣﺘﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺒﺪو ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﻼﺋﻢ اﻟﻔﻘﺮ واﻷﻃﻔﺎل اﻟﺼﻐﺎر ،وﻛﻔﻰ أن ﻳﺮى املﺮء ذاك اﻟﺒﻠﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄن أﻣﺮﻳﻜﺎ ﺑﻼد اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ واملﺪﻫﺸﺎت. ُ ﻓﺂﺛﺮت أن أزور ﺑﻌﺾ املﺘﻨﺰﻫﺎت ﻷرى ﻣﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ ،ﻓﻘﺼﺪت ﻛﺎن اﻟﻴﻮم اﻷﺣﺪ ٦ﺳﺒﺘﻤﱪ ُ Central Parkﻓﻜﺎﻧﺖ ﺟﻤﻮع اﻟﻨﺎس ﻛﺜﻴﻔﺔ ،وﰲ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﻨﻪ أﻗِ ﻴﻤﺖ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻟﻠﺤﻴﻮان ﻫﻲ أﺻﻐﺮ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ ﺣﺪﻳﻘﺔ Bronx Parkاﻟﺘﻲ زرﺗﻬﺎ ﻋﺎﻣﻲ اﻟﻔﺎﺋﺖ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺿﻤﱠ ْﺖ ﺑني أﻗﻔﺎﺻﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﻴﻤﺔ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺤﻴﻮان ﰲ ﺣﻴﺰ ﻣﻦ اﻷرض ﺻﻐري ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد أن ﻳﻄﻮف ﺑﻬﺎ ،وﻳﺨﺮج ﺑﺪرس ﰲ اﻟﺤﻴﻮان ﻣﻔﻴﺪ ،ﺛﻢ رﻛﺒﺖ اﻟﻘﻄﺎر املﺮﺗﻔﻊ إﱃ ﻃﺮف املﺪﻳﻨﺔ املﺴﻤﱠ ﻰ ،Batteryوﻫﻮ أﻗﺪﻣﻬﺎ وﻫﻨﺎك ُﻣﺪ ِﱠت املﺘﻨﺰﻫﺎت اﻟﻔﺴﻴﺤﺔ ﻋﲆ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺒﺤﺮ ،وﻛﺎن ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺑﺮوﻛﻠﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﺴﺪون املﻜﺎن ﺳﺪٍّا؛ ﻷن اﻟﺒﻮاﺧﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﺗﺮوح وﺗﻐﺪو ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺔ ،وﻟﻘﺪ أدﱠى ﺑﻲ اﻟﺴري ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺔ إﱃ أﺣﻴﺎء اﻟﻌﻤﺎل وﻣﺴﺎﻛﻦ اﻟﻔﻘﺮاء املﺘﻘﺎرﺑﺔ املﻜﺘﻈﺔ ،واﻟﺠﻬﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻌﻮزﻫﺎ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ وأﻫﻠﻬﺎ ﺑَﺪَا ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻌَ َﻮ ُز اﻟﺸﺪﻳﺪ، وﻛﺜﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ املﺘﺴﻮﻟﻮن وأﺑﻨﺎء اﻟﺸﻮارع واﻟﺴﻜﺎرى املﺪﻣﻨﻮن ﰲ ﺛﻴﺎﺑﻬﻢ َ اﻟﺨﻠ َِﻘ ِﺔ. وﰲ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ ﺣﻲ اﻟﻴﻬﻮد ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﱪﻳﺔ ﺗُﻜﺘَﺐ ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻌﺮﻳﺾ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﺑﺎﻋﺔ املﻼﺑﺲ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻋﲆ رءوس اﻟﺸﻮارع ،وﺑﺎﻋﺔ »اﻟﴩﺑﺎت« ﻳﻌﺮﺿﻮﻧﻬﺎ ﰲ ﺑﺮاﻣﻴ َﻞ زﺟﺎﺟﻴ ٍﺔ وﻗﺪ أ َ ْﻟ َﻘﻮْا ﻓﻴﻬﺎ ﻗﴩ اﻟﻠﻴﻤﻮن واﻟﱪﺗﻘﺎل وﻛﺘﺒﻮا :ﺛﻤﻦ اﻟﻜﻮب ﺳﻨﺘﻴﻤً ﺎ واﺣﺪًا ،أي ﻣﻠﻠﻴﻤني ،وﻗﻔﺖ وﺳﻂ ﻗﻨﻄﺮة ﻣﺎﻧﻬﺎﺗﻦ وأﻧﺎ دﻫﺶ ﻣﺬﻫﻮل ،وﻛﺎن ﻣﻨﻈﺮ اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ اﻷﺧﺮى وﺑﺨﺎﺻﺔ ﺑﺮوﻛﻠﻦ واملﺎء ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ وواﺟﻬﺔ ﺟﺰﻳﺮة ﺑﺮوﻛﻠﻦ ﺑﻨﺎﻃﺤﺎﺗﻬﺎ اﻟﺴﺎﺣﻘﺔ ُ ﻓﺎﺟﺄت ﺑﻪ ﺷﺎﺑٍّﺎ ﻛﺎن ﻳﻘﻒ إﱃ ﺟﻮاري ﻋﲆ اﻟﻘﻨﻄﺮة ،ﻓﻨﻈﺮ راﺋﻌً ﺎ ﺑﺪﻳﻌً ﺎ .ﻫﻨﺎ ﻋَ ﱠﻦ ﱄ ﺳﺆال ُ ﺟﺌﺖ ﻫﻨﺎ ﻣﻨﺬ إﱄ ﱠ واﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل :أﻧﺖ اﺑﻦ ﻋﺮب .ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ﻣﴫي .ﻗﺎل :وأﻧﺎ »إﺳﻜﻨﺪراﻧﻲ« ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ،وﻻ ﺗﺰال ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ﰲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ .ﻋﲆ أن اﻟﻜﺴﺎد اﻟﺤﺎﱄ ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻗﺪ أﺧﻼه ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻫﻮ وزﻫﺎء ﺳﺘﺔ ﻣﻦ املﴫﻳني ،ﻗﻠﺖ :وﻟﻜﻦ أﺗﻈﻠﻮن ﻋﺎﻃﻠني اﻟﻮﻗﺖ ﻛﻠﻪ؟! ﻗﺎل :ﻛﻼ، ﻓﺈن اﻟﺮﺋﻴﺲ »روزﻓﻠﺖ« اﻟﺬي ﻳﺤﺒﻪ اﻟﻌﻤﱠ ﺎل ﺣﺒٍّﺎ ﺟﻤٍّ ﺎ ﻗﺪ اﺑﺘ َﻜ َﺮ ﻧﻈﺎﻣً ﺎ ﻳﻮ ﱢ ﻇﻒ ﺑﻪ اﻟﻌﺎﻃﻠني ﻗﻠﺖ :وﻛﻢ ﺗُ ْﺆﺟَ ُﺮون ﻋﲆ ذﻟﻚ؟ ﻗﺎلً ١٢ : ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻛ ﱠﻞ أﺳﺒﻮع ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺪوا ً ﻋﻤﻼ ﺛﺎﺑﺘًﺎُ . رﻳﺎﻻ ﰲ اﻷﺳﺒﻮع ،أي ﺛﻤﺎﻧني ً ﻗﺮﺷﺎ ﻟﻠﻴﻮم اﻟﻮاﺣﺪ ،أﻋﻨﻲ زﻫﺎء ﻋﴩة ﺟﻨﻴﻬﺎت ﰲ اﻟﺸﻬﺮ ،وﻻ ﻳﻜﺎد 188
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ذاك املﺒﻠﻎ ﻳﻔﻲ ﺑﺤﺎﺟﺎﺗﻨﺎ؛ إذ املﻌﻴﺸﺔ ﻫﻨﺎ ﻏﺎﻟﻴﺔ ،وﻣﻄﺎﻟﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﺘﻌﺪدةُ . ﻗﻠﺖ :وﻣﺎذا َ ﻛﻨﺖ ً ُ وﻛﻨﺖ أﺗﻘﺎﴇ ٢٥ ﻋﺎﻣﻼ ﰲ ﻋﻤﺎرة أﺧﺘﺺ ﺑﺎﻟﺮاﻓﻌﺔ ،Lift ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ؟ ﻗﺎل :اﺷﺘﻐﻠﺖ رﻳﺎﻻ ﰲ اﻷﺳﺒﻮع أﻋﻨﻲ ﻋﴩﻳﻦ ﺟﻨﻴﻬً ﺎ ﰲ اﻟﺸﻬﺮ ،وﻣَ ﻦ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ً ً ﻋﻤﻼ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻃﻠني ﻳﻘﻴﱢﺪ وﻳﺘﻘﺎﴇ ً َ رﻳﺎﻻ ﰲ اﻟﻴﻮم ﺗﺪﻓﻌﻪ ﻟﻪ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻟﻘﺪ ﱠ ﺗﻤﺴ َﻚ أن أراﻓﻘﻪ اﺳﻤﻪ ﰲ ﻛﺸﻒ اﻟ Relief ﱠ ْ ُ إﱃ املﻘﻬﻰ ،وأﴍب ﻣﻌﻪ ً ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻬﻮة، ﻓﺄﻛﱪت ﻓﻴﻪ ﻫﺬا اﻟﻜﺮم اﻟﺬي ﻋﻠﻤَ ﺘ ُﻪ إﻳﺎه ﻣﴫُ وﺗﻤﴫ! ﺑﻼ ُد اﻟﻜﺮم ،وﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﻨﴫ أﺟﻨﺒﻲ ُوﻟِﺪ ﰲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﱠ َ ودﱠﻋْ ﺘُﻪ ﺛﻢ ﻋﺮﺟﺖ ﰲ ﻋﻮدﺗﻲ ﻋﲆ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ China Townﺑﺸﻮارﻋﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﱢﻨﻬﺎ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﰲ ﺑﻘﻊ ﻋﺮﻳﻀﺔ ُﻛﺘِﺒﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﲆ ﴍاﺋﺢ ﺗُﻌ ﱠﻠﻖ إﱃ ﺟﻮاﻧﺐ املﺘﺎﺟﺮ ،وﻋُ ﺪ ُ ْت إﱃ ﻗﻠﺐ ﻧﻴﻮﻳﻮرك اﻟﻨﺎﺑﺾ Times Squareاﻟﺬي ﻋﻨﺪه ﺗﺘﻼﻗﻰ اﻟﺸﻮارع اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺸﻬرية ،ﺑﺮودري و ٤٢واﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺴﺎﺑﻊ ،7th Avenueوﺗﺘﻮﺳﻄﻪ ﻋﻤﺎرة ﺟﺮﻳﺪة ﺑﻘﺮش ﻓﺄﻟﻔﻴﺘﻪ اﻟﺘﻴﻤﺰ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ N. Y. Timesﰲ ﻧﺎﻃﺤﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،وﻗﺪ ﴍﻳﺖ ﻋﺪد ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ٍ ٧٦ﺻﻔﺤﺔ ﰲ أرﺑﻌﺔ أﻗﺴﺎم :املﺼﻮر ،واﻷﺧﺒﺎر ،واﻟﻬﺰل ،واﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ،وﺗﻈﻞ ﺗﻌﻠﻦ أﻫﻢ أﺧﺒﺎر اﻟﻴﻮم ﺑﺎﻟﻀﻮء املﺘﺤﺮك ﰲ ﺣﺮوف ﻛﺒرية ﺟﺪٍّا ﻟﻴﻘﺮأﻫﺎ املﺎرة ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،ﻫﻨﺎ ﺑﻬﺮﺗﻨﻲ أﺿﻮاء ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ وإﻋﻼﻧﺎﺗﻬﺎ املﺪﻫﺸﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺪ اﻟﺠﺪران ﺳﺪٍّا ،وﻟﻘﺪ راﻗﻨﻲ ﻣﻦ ﺑني ﺗﻠﻚ اﻹﻋﻼﻧﺎت ﻳﻐﺺ ﺑﺎﻟﺴﻤﻚ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻨﻮع ﰲ أﻟﻮان ﺑﺪﻳﻌﺔ ﻣﺘﺤﺮﻛﺔَ ، اﻟﺘﻲ ﻻ ﺣﴫَ ﻟﻬﺎ ﺑﺤﺮ ﻣﺎﺋﺞ ﱡ وآﺧﺮ ﻣﻦ رﺟﻞ ﻳﺼﺐ ﴍاﺑًﺎ أﺣﻤ َﺮ ﻣﻦ زﺟﺎﺟﺔ ﰲ ﻛﺄس ،وﺛﺎﻟﺚ ﻓﻨﺠﺎل ﻣﻦ اﻟﻘﻬﻮة ﻳﺼﻌﺪ ﻣﻨﻪ ﺑﺨﺎر ﻛﺜﻴﻒ وﺳﻴﺠﺎرة ﺗﺤﱰق وﻳﺼﻌﺪ دﺧﺎﻧﻬﺎ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﻮر املﺘﻮﻫﺞ املﺘﺤﺮك ،وﻣﻦ ﺻﻨﻮف اﻹﻋﻼن ﻋﻦ ﺑﻌﺾ املﺮاﻗﺺ إﻗﺎﻣﺔ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﻟﻠﺮاﻗﺼني واﻟﺮاﻗﺼﺎت ﺗﺘﺤﺮك وﺗﺮﻗﺺ ﰲ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ واﻷﺿﻮاء ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،أﻣﺎ ﺳﻴﻞ اﻟﻨﺎس وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻣﺴﺎء اﻷﺣﺪ ،ﻓﺬاك أﻣﺮه ﻋﺠﻴﺐ؛ اﻷﻛﺘﺎف ﺗﺘﻼﺻﻖ ﰲ ﻏري ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ،وأﻳﻨﻤﺎ ُ ﻛﻨﺖ أﺳري ﻛﺎن ﻳﻘﻮدﻧﻲ ﺗﻴﺎر اﻟﻨﺎس ودﻓﻌﻬﻢ ﱄ ،واﻟﺴﻴﺎرات اﻟﻔﺎﺧﺮة ﺗﺴﺪ اﻟﻄﺮق ،وﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﻊ أﺻﻮات اﻟﺮادﻳﻮ ﻣﻨﺒﻌﺜﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻴﺎرة ﰲ ﺟﻠﺒﺔ ﻛﺒرية ،وﻇﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎس إﱃ ﺑﻌﺪ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ وﺑﻴﻨﻬﻢ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺼﻐﺎر، وﻟﻬﻢ اﻟﻌﺬر إذ املﻜﺎن ﻳﺒﻬﺮ اﻟﻌﻘﻮل وﻳﺴﺘﻬﻮي ﻣﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﺤﻜﻴﻢ اﻟﺮزﻳﻦ ،ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻚ ﺑﺎﻷﻃﻔﺎل ُ وﻛﻨﺖ ﻛﻠﻤﺎ ﻫﻤﻤْ ُﺖ ﺑﺎﻟﻌﻮدة إﱃ اﻟﻔﻨﺪق ﻷﻧﺎم ،ووﺟﻬﺖ ﺧﻄﺎي إﻟﻴﻪ أﺟﺪﻫﺎ ﺿﻌﺎف اﻷﺣﻼم؟! ﺗﺴﺎﻳﺮ اﻟﺘﻴﺎر وﺗﺄﺑَﻰ إﻻ اﻟﺘﺠﻮﱡل ﰲ ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ اﻟﺴﺎﺣﺮة! ُ ﻗﻤﺖ ﺻﺒﺎح اﻹﺛﻨني ﻗﺎﺻﺪًا ﺗﻤﺜﺎل اﻟﺤﺮﻳﺔ ،ﻓﺄﻗ ﱠﻠﻨﻲ اﻟﻘﻄﺎر املﺮﺗﻔﻊ Elevatorإﱃ اﻟﺒﺎﺗﺮي ،South Ferryوﻫﻨﺎك أﺧ ْﺬ ُت اﻟﺒﺎﺧﺮ َة Ferryإﱃ ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻐرية أُﻗِ ﻴﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺘﻤﺜﺎ ُل اﻟﺬي أﻫﺪﺗﻪ اﻷﻣﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻣﻨﺬ ﺳﺘني ﺳﻨﺔ ،وﻫﻮ ﻟﺴﻴﺪة ﺗﻤﺜﱢﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺗﻤﺴﻚ 189
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
اﻟﺠﺒﻬﺔ اﻟﺴﻔﲆ ﻣﻦ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﺑﻨﺎﻃﺤﺎﺗﻬﺎ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ.
َ ﺷﻌﻠﺔ اﻟﻬﺪى واﻟﺤﻖ واﻟﺤﺮﻳﺔ ﻣﺮﻓﻮﻋﺔ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ،وﺑﺎﻟﻴﴪى ﻛﺘﺎب ﻫﻮ دﺳﺘﻮر ﺑﻴﺪﻫﺎ اﻟﻴﻤﻨﻰ اﻟﺤﺮﻳﺔ ،وﻗﻤﺔ اﻟﺸﻌﻠﺔ ﺗﻌﻠﻮ ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺒﺤﺮ ٣٠٦ﻗﺪم ،أي زﻫﺎء ﻣﺎﺋﺔ ﻣﱰ ،ورأس اﻟﺴﻴﺪة ﺗﺒﻌﺚ أﺷﻌﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﺸﻤﺲ ﰲ ﻟﻮﻧﻬﺎ اﻟﺬﻫﺒﻲ ،وﰲ اﻟﻠﻴﻞ ﺗﻮﻗﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﻠﺔ ﺑﺎملﺼﺎﺑﻴﺢ ً وﺑﺮﻳﻘﺎ، اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ وﺗﻠﻘﻲ أﺷﻌﺔ اﻟﻨﻮر ﻣﻦ اﻷرﻛﺎن ﻋﲆ ﺟﺴﻢ اﻟﺘﻤﺜﺎل ﻛﻠﻪ ،ﻓﻴﻠﺘﻬﺐ وﺿﻮﺣً ﺎ وﻗﺪ أُﻗِ ﻴ َﻢ ﻋﲆ ﻗﺎﻋﺪة ﻣﻦ اﻟﺠﺮاﻧﻴﺖ ُز ﱢود ْ َت ﺑﺎﻟﺮواﻓﻊ واﻟﺪرج اﻟﺘﻲ ﱢ ﺗﻮﺻﻠُﻨﺎ إﱃ أﻗﺪام اﻟﺘﻤﺜﺎل، وﺣﻮل ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻧ ُ ﱢﺴﻘﺖ املﺘﻨﺰﻫﺎت و ُزوﱢدت ﺑﺎملﻘﺎﻋﺪ ،وﻟﻘﺪ ﻫﺎﻟﻨﻲ ﺟﻤﺎﻫري اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ً ﺗﻘﺪﻳﺴﺎ ﻳﺴﺪون املﻜﺎن ﻃﻮال اﻟﻴﻮم ،وﻗﺪ أﻋ ﱠﺪ ﻫﻨﺎك ﺳﺠﻞ ﻟﻘﻴﺪ اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ،وﻗﺪ د ﱠوﻧ ْ ُﺖ اﺳﻤﻲ ﻟﻠﺤﺮﻳﺔ وإﻳﻤﺎﻧًﺎ ﺑﻬﺎ. ُ ُ رﻛﺒﺖ أﻃﻮل ﺧﻄﻮط »اﻹﻟﻔﻴﱰ« واﺧﱰﻗﺖ اﻟﺒﻠﺪة ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ أدﻧﺎﻫﺎ إﱃ ﻋﺪت وملﺎ أن ً ً ُ ﻗﻄﻌﺖ ﺧﻼﻟﻬﺎ أﻋﻼﻫﺎ؛ وﻟﻘﺪ اﺳﺘﻐﺮﻗﺖ املﺴﺎﻓﺔ ﺑﺎﻟﻘﻄﺎر اﻟﴪﻳﻊ »اﻹﻛﺴﱪﻳﺲ« ﺳﺎﻋﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﻮق ﻣﺎﺋﺘﻲ ﺷﺎرع وﺳﻂ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،وذﻟﻚ ﻋﲆ ﻃﻮل ،3rd Avﻛ ﱡﻞ ذﻟﻚ »ﺑﻨﻴﻜﻞ«، أي ﻗﺮش واﺣﺪ رﻣﻴﺘﻪ ﰲ ﺻﻨﺪوق املﺪﺧﻞ وأدرت اﻟﺒﺎب ،واﻧﺘﻈﺮت ﻫﻨﻴﻬﺔ ﺣﺘﻰ وﻓﺪ اﻟﻘﻄﺎر 190
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ُ وﻓﺘِﺤﺖ أﺑﻮاﺑﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﺮﻛﺒﺘﻪ ﺛﻢ ﱠ دق اﻟﺠﺮس ﻓﺎﻣﺘﻨﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ اﻟﺮﻛﻮب وأُﻗﻔِ َﻠ ِﺖ اﻷﺑﻮاب وﺣﺪﻫﺎ وﺳﺎر ﺑﻨﺎ ﻳﻨﻬﺐ اﻷرض ﻧﻬﺒًﺎ ،وﻫﺬا اﻟﻘﻄﺎر ﻳﺠﺮي ﻣﻦ أﻗﴡ اﻟﺒﻠﺪة إﱃ أﻗﺼﺎﻫﺎ ﰲ أرﺑﻌﺔ ﺷﻮارع ﺗﻜﺎد ﺗﻜﻮن ﻣﺘﻮازﻳﺔ ،وﰲ آﺧِ ﺮه ﺗﺠﻮﻟﺖ ﰲ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻨﺒﺎت ﺑﺒﻴﻮﺗﻬﺎ اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻮت ﻧﺒﺎت ﺟﻤﻴﻊ املﻨﺎﻃﻖ ،ﺛﻢ ﻋﺮﺟﺖ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺤﻴﻮان وﺑﻪ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﻜﱪى. th وﰲ ﻋﻮدﺗﻲ أﺧﺬت ﻗﻄﺎر ﺗﺤﺖ اﻷرض Subwayﺟﺮى ﺑﻲ ﻋﲆ ﻃﻮل ﺷﺎرع ،7 Av واﻟﻌﺎدة أﻧﻪ ﻳﺴري ﰲ اﻟﺸﻮارع اﻟﻜﱪى اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺠﺮي ﻓﻮﻗﻬﺎ اﻟﱰام املﺮﺗﻔﻊ ،وﻫﻮ أﴎع اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ؛ إذ ﻻ ﺗﻌﻮﻗﻪ ﻋﻼﻣﺎت املﺮور ،ﻓﻬﻮ ﺗﺤﺖ اﻷرض ﰲ ﴎادﻳﺒﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﻟﻘﺪ دﻫﺸﺖ ملﺎ أﻟﻔﻴﺖ اﻟﴪادﻳﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ أرﺑﻌﺔ أﴍﻃﺔ ﻣﺘﺠﺎورة ﻟﻺﻛﺴﱪﻳﺲ واﻟﻌﺎدي Express and localﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ ﻳﺴريان إﱃ أﺳﻔﻞ املﺪﻳﻨﺔ ،Down townوﻣﺜﻠﻬﻤﺎ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ إﱃ أﻋﲆ املﺪﻳﻨﺔ ،Up townوأﺟﺮه »ﻧﻴﻜﻞ« ً أﻳﻀﺎ ،وﺣﺪث أن ﻣﺤﻄﺘﻲ اﻟﺘﻲ ُ ﻛﻨﺖ أرﻳﺪ اﻟﻨﺰول ﺑﻬﺎ »ﺷﺎرع «٢٣ﻻ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻹﻛﺴﱪﻳﺲ ،ﻓﻤ ﱠﺮ ﺑﻬﺎ ووﻗﻒ ﰲ »ﺷﺎرع ،«١٨ﻓﻨﺰﻟﺖ وﺧﻄﻮت إﱃ اﻟﺠﺎﻧﺐ َ اﻵﺧﺮ Up townواﻧﺘﻈﺮت ﺣﺘﻰ ﺟﺎء اﻟﻘﻄﺎر اﻟﻌﺎدي localﻓﺮﻛﺒﺘﻪ ُ أردت وﻟﻢ أدﻓﻊ ﻟﺬﻟﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ،إﱃ ذﻟﻚ ﻓﻬﻨﺎك ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﱰام اﻟﻌﺎدي واﻷﺗﻮﺑﻴﺲ إﱃ ﺣﻴﺚ اﻟﻔﺎﺧﺮ اﻟﺒﺪﻳﻊ واﻟﺒﻮاﺧﺮ Ferriesاملﺘﻌﺪدة اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻬﱢ ﻞ ﻟﻚ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﺄﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ وﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺰاﺋ َﺮ ،وﻛﻞ ذﻟﻚ »ﺑﻨﻴﻜﻞ« ﻟﻴﺲ ﻏري ،وﻟﻬﻢ اﻟﺤﻖ أن ﻳﻔﺎﺧﺮوا ﺑﺄن ﻣﻮاﺻﻼت ﻧﻴﻮﻳﻮرك أرﺧﺺ وأﴎع وأرﻗﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ أﻳﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔ أﺧﺮى ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻟﻘﺪ ﺳﺎﻋﺪﻫﺎ ﻋﲆ رواﺟﻬﺎ ﻫﺬا وﻓﺮة اﻟﺮﻛﺎب اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻐﺺ ﺑﻬﻢ اﻟﻌﺮﺑﺎت ﺻﺒﺎحَ ﻣﺴﺎءَ ،ﻓﻼ ﺗﺘﺠﺎوز املﺪة ﺑني ُ ﻋﺪدت ﻋﺮﺑﺎت ﻗﻄﺎر ﺗﺤﺖ اﻷرض ﻓﺄﻟﻔﻴﺘﻬﺎ ﻋﴩًا ﰲ ﻛﻞ اﻟﻘﻄﺎر واﻟﺬي ﻳﻠﻴﻪ دﻗﻴﻘﺘني ،وﻗﺪ ﻗﻄﺎر ،ﻛﻞ ذﻟﻚ وﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺠﺪ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﺧﺎﻟﻴًﺎ وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﻈﻞ ً واﻗﻔﺎ. وﻟﻌﻞ أﻓﺨﺮ ﻣﺎ رأﻳﺘﻪ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ ﻫﻨﺎك ﻣﺤﻄﺔ »ﺑﻨﺴﻠﻔﺎﻧﻴﺎ« ﻟﻠﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ،وﻗﺪ ُ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ واﻓﺪًا ﻣﻦ ﻣﻨﱰﻳﺎل Grand centralﻻ ﻳﻔﻮﻗﻬﺎ ﰲ ﻛﻨﺖ إﺧﺎل أن املﺤﻄﺔ اﻟﺘﻲ اﻷﺑﻬﺔ واﻟﻔﺨﺎﻣﺔ ﳾء ،وإذا ﺑﻬﺎ ﻻ ﺗُﺬ َﻛﺮ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ املﺤﻄﺔ اﻷﺧﺮى »ﺑﻨﺴﻠﻔﺎﻧﻴﺎ« ،ﺑَﻬْ ﻮ املﺪﺧﻞ ﻳﺒﻬﺮ اﻟﻨﻈﺮ ﺑﻤﺮﻣﺮه وﺑﺮﻳﻘﻪ وﺟﻤﺎل املﺘﺎﺟﺮ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺒني واﻷﻗﺒﻴﺔ ﱠ املﺬﻫﺒَﺔ ﻓﻮق اﻟﺮءوس، ٌ ً ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ أﻋﻤﺪة ﻛﺎد ْ َت ﺗﺒﻠﻎ ﺑﻌﻈﻤﺘﻬﺎ أﻋﻤﺪة اﻟﻜﺮﻧﻚ ،ﺛﻢ ﺗﻨﺰل درﺟً ﺎ واﺟﻬﺔ ﻣﻨﻪ وﺗﺰﻳﱢﻦ إﱃ ﺑَﻬْ ﻮ َ آﺧﺮ ﻓﺴﻴﺢ ﻟﻠﺘﺬاﻛﺮ واﻻﺳﱰاﺣﺎت واملﻄﺎﻋﻢ واﻟﺘﻠﻐﺮاف واﻟﺘﻠﻴﻔﻮن واﻻﺳﺘﻌﻼم ،ﺛﻢ ﺗﻨﺰل إﱃ ﺛﺎﻟﺚ ﻋﻈﻴﻢ ﺑﻪ ﻳﻘﻒ املﺴﺎﻓﺮون ،ﻛ ﱡﻞ ﻓﺮﻳﻖ أﻣﺎم ﻣﺪﺧﻞ رﺻﻴﻔﻪ Trackوﺣﻮل ً رﺻﻴﻔﺎ ﻟﻘﻄﺎرات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،واﻟﺮادﻳﻮ ﺑﻤﻜﱪاﺗﻪ ﻳﺬﻳﻊ ﻋﲆ اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺘﻲ املﻜﺎن ﻣﺪﺧﻞ ٢٨ 191
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺗﻜﺎد اﻟﺴﻴﺎرات ﺗﺴﺪ اﻟﻄﺮق ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك.
ﺗﺮاﻫﺎ ﻛ ﱠﻞ ﻟﺤﻈﺔ رﻗﻢ اﻟﻘﻄﺎر اﻟﺬي ﺳﻴﻘﻮم اﻵن ووﺟﻬﺘﻪ ،وﻣﻦ أي رﺻﻴﻒ ﻳﺴري ،وإذا دﺧﻠﻮا ﻧﺰﻟﻮا درﺟً ﺎ َ آﺧﺮ ﺗﺤﺖ اﻷرض ورﻛﺒﻮا ﻋﺮﺑﺎﺗﻬﻢ. ُ ﻋﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﻧﺰﻋﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني إﱃ اﻟﻈﻬﻮر ﺑﻤﻈﻬﺮ اﻷﺑﻬﺔ واﻟﻐﻨﻰ املﻔﺮط ﰲ ﻛﻞ ﳾءٍ ،ﻓﻼ th ً ذاﻫﻼ ﻳﺮوﻗﻬﻢ إﻻ اﻟﻀﺨﻢ اﻟﻄﲇ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء ،وﺗﻘﻊ ﺗﻠﻚ املﺤﻄﺔ ﰲ .7 avﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﻬﺎ ُ وأﺣﺒﺒﺖ أن أُﻟﻘِ َﻲ ﺑﺂﺧِ ﺮ ﻧﻈﺮة ﻋﲆ أﻛﱪ ﻧﺎﻃﺤﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ ،The Empire Stateوﻛﺎن ﻋﲆ ُ ُ ﻓﺰدت إﻋﺠﺎﺑًﺎ ﺑﻪ وﺑﺎﻟﻘﺪرة اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺘﺠﺘﻪ ،وﻗﺪ أﻋﻠﻨﻮا ﰲ ﻓﻄﻔﺖ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻪ، ﺑﻌﺾ ﻧﻮاﻓﺬه اﻟﺴﻔﲆ »اﻟﻔﱰﻳﻨﺎت« ﻳﺤﻀﻮن اﻟﻨﺎس ﻋﲆ اﻟﺼﻌﻮد إﱃ ﻗﻤﺘﻪ ،وأذﻛﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ أﻧﻬﻢ وﺿﻌﻮا ﻧﻤﺎذجَ ﻛﺒري ًة ﻟﻠﺒﻨﺎء إﱃ ﺟﻮار ﺑﺮج إﻳﻔﻞ وﻣﺴﻠﺔ واﺷﻨﻄﻦ واﻟﻬﺮم اﻷﻛﱪ وﺑﺮج ً ﻧﻘﺼﺎ ﰲ ﺑﻴﺰا املﺎﺋﻞ ،و ُرو ِﻋﻴ َْﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻧ َِﺴﺐ اﻻرﺗﻔﺎع ﻓﻜﺎن ﻫﻮ أﻋﻼﻫﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺪ ﱠرﺟَ ِﺖ اﻷﺧﺮى اﻟﻌﻠﻮ ﻋﲆ اﻟﱰﺗﻴﺐ املﺬﻛﻮر ،وﰲ ﻧﺎﻓﺬة أﺧﺮى أﻋﻠﻨﻮا ﻋﻦ ﻋﺪد اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ﻟﻘﻤﺔ اﻟﺒﻨﺎء ﻓﻜﺎﻧﻮا ﰲ اﻷﺳﺒﻮع اﻷﺧري ﻣﻦ أﻏﺴﻄﺲ َ ،١٢٦٤٤ دﻓ َﻊ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻢ ً رﻳﺎﻻ أﺟ ًﺮا ﻟﻠﺼﻌﻮد ،ﺛﻢ ذﻛﺮوا اﻟﺪول املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻬﺎ أوﻟﺌﻚ اﻟﺰاﺋﺮون وﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﴫ ،ﺛﻢ ﻧﴩوا ﺟﻤﻴﻊ أﻋﻼم ﺗﻠﻚ 192
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
اﻟﺪول وﻛﺎن ﻋﻠﻤﻨﺎ اﻷﺧﴬ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻇﺎﻫ ًﺮا ﺑﻴﻨﻬﺎ ،ﻛ ﱡﻞ ذﻟﻚ ﻟﻴﺴﺘﻤﻴﻠﻮا اﻟﻨﺎس إﱃ اﻟﺼﻌﻮد ً ﻓريﺑﺤﻮا ﻣﻦ وراء ذﻟﻚ ً ُ ﻋﺎﺟﻼ ﻫﺬه اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻷن ﻏﺪاﺋﻲ ﻛﺎن أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺎﻟﺠﻮع ﻣﺎﻻ وﺻﻴﺘًﺎ. ُ رأﻳﺖ ﰲ إﻋﻼن اﻟﻄﻌﺎم اﻟﺬي ﻳﻀﻌﻮﻧﻪ ﻋﲆ ﻣﻘﺪم ﻣﻄﺎﻋﻤﻬﻢ ﺑﺎﻟﺨﻂ ﻣﻔﺎﺟﺄة ﻏﺮﻳﺒﺔ؛ ﻓﻠﻘﺪ اﻟﻜﺒري وﻋﻠﻴﻪ اﻟﺜﻤﻦ ،أن اﻟﻄﺒﻖ اﻟﺨﺎص اﻟﻴﻮم Special dishﻫﻮ Hot dogوﻣﻌﻨﺎه اﻟﻜﻠﺐ اﻟﺤﺎر ،ﻓﺄﺣﺒﺒ ُْﺖ أن أﺗﺬوﱠق ﻟﺤﻢ اﻟﻜﻼب اﻟﺬي ﻳﺤﺒﻪ اﻟﻘﻮم ﺣﺒٍّﺎ ﺟﻤٍّ ﺎ؛ ﻟﻜﺜﺮة وروده ﻋﲆ أﻟﺴﻨﺘﻬﻢ وﰲ إﻋﻼﻧﺎﺗﻬﻢ ،وإذا ﺑﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻮم ﻣﻘﻄﻌﺔ ﺗﺤﻜﻲ اﻟﺒﺴﻄﺮﻣﺔ ﺣُ ِﴩت ﰲ أﻏﺸﻴﺔ ﺣﻤﺮاء أﺳﻄﻮاﻧﻴﺔ ﺗﺤﻜﻲ »املﻨﺒﺎر«! ُ اﺳﺘﻔﴪت ﻋﻨﻬﺎ آﺧِ ﺮ ﺗﻨﺎو ْﻟﺘُﻬﺎ ﰲ ﻏري ﺷﻬﻴﺔ ﻇﻨٍّﺎ ﻣﻨﻲ أﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﺤﻮم اﻟﻜﻼب ،وملﺎ أن اﻷﻣﺮ ﺿﺤﻚ اﻟﺮﺟﻞ وﻗﺎل ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﺤﻮم اﻟﺒﻘﺮ! وﻗﺪ ُﺳﻤﱢ ﻴ َْﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﻷن اﻟﻜﻼب ﺗﺤﺐ راﺋﺤﺘﻬﺎ ﺣﺒٍّﺎ ﺟﻤٍّ ﺎ! دﺧﻠﺖ ﰲ املﺴﺎء ﻣﻄﻌﻤً ﺎ ﻟﻠﻌﺸﺎء ،وﻫﻨﺎ ﻛﺎن رأس اﻟﻄﻌﺎم ﺻﻴﻨﻲ اﻷﺻﻞ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ،Chop suéyوﻳُﻌ َﻠﻦ ﻋﻨﻪ ﺑﺤﺮوف ﻛﺒرية ﻣﻦ ﻧﻮر أﻣﺎم املﻄﺎﻋﻢ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﺧﻠﺘﻪ ﺷﻬﻴٍّﺎ ،وإذا ﺑﻪ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ ﻧﺜري ﻟﺤﻢ اﻟﺒﻘﺮ وﴍاﺋﺢ اﻟﺒﺼﻞ واﻟﺸﻜﻮرﻳﺎ ُ ﺻﺒ ْﱠﺖ ﻋﻠﻴﻪ »اﻟﺼﻠﺼﺔ« ﻓﺒَﺪَا ﻛﺎﻟﻌﺠني ﻣﻀﺾ ﻣﻨﻲ؛ ﻷن ﻣﺬاﻗﻪ ﻛﺎن ﻣﻨﻔ ًﺮا ،وﻟﻢ ﻳﻨﻘﺬﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﻮع ﺳﻮى اﻷﺣﻤﺮ ،ﻓﺘﻨﺎوﻟﺘُﻪ ﻋﲆ ٍ اﻟﺤﺴﺎء واﻟﺨﺒﺰ واﻟﺰﺑﺪ ،وذﻟﻚ ﻳُﻘﺪﱠم ﻣﻊ ﻛﻞ ﻃﻌﺎم ،ﺛﻢ ﻓﻄري اﻟﺘﻔﺎح Apple pieوﻓﻨﺠﺎل اﻟﻘﻬﻮة ﻣﻊ اﻟﻠﺒﻦ وذاك ﻧﻈﺎم ﻃﻌﺎﻣﻬﻢ اﻟﻌﺎدي ،وﻗﺪ ﻛ ﱠﻠ َﻔﺘْﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺟﺒﺔ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻗﺮوش ﻣﴫﻳﺔ! اﻧﺤﺪ َر ْت ﺑﻲ ﻗﺪﻣﺎي إﱃ ﻛﻌﺒﺔ أﻫﻞ ﻧﻴﻮﻳﻮرك وزاﺋﺮﻳﻬﺎ ﺑﺮودوي وﺷﺎرع ٤٢و،7th av ُ ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎل ﻛﻤﺎ ﺗﺮاﻫﺎ ﻛﻞ ٍ وﻛﻨﺖ أﺳﻤﻊ ﻟﻴﻠﺔ ،ﺑﺤﺮ زاﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷرض، ﻛ ﱠﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ املﺎرة ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻠﻐﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ،وﻃﻠﻴﺎﻧﻴﺔ ،وﻳﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ،وﻋﺮﺑﻴﺔ ،وإﺳﺒﺎﻧﻴﺔ … إﻟﺦ ،وﺣﺘﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻜﻠﻤﻬﺎ اﻟﺴﻮاد اﻷﻋﻈﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﺑﻞ وأﻣﺮﻳﻜﺎ ﻣﺤ ﱠﺮﻓﺔ دﺧﻠﻬﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ. وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺮوﻗﻨﻲ ﺳﻤﺎﻋﻬﺎ ﻣﻨﻬﻢ؛ ﻓﻘﺪ أﻛﺴﺒﻮﻫﺎ اﻋﻮﺟﺎﺟً ﺎ وإﺿﻐﺎﻣً ﺎ أﻓﻘﺪﻫﺎ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻨﻄﻖ اﻟﺬي ﻧﺴﻤﻌﻪ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﺴﻴﺪات ،وذﻟﻚ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﺑني أﻣﺔ ﻗﺪ ﺗﺄ ﱠﻟ َﻔ ْﺖ ﻣﻦ وﺟﻨﺴﻴﺎت ﻋﺪة ﺗﻮ ﱠ ٍ ٍ ﻃﻨُﻮا ﰲ اﻟﺒﻼد وﻟﻢ ﺗﺘﺄﺻﻞ ﰲ أﻟﺴﻨﺘﻬﻢ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ، ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻋﻨﺎﴏَ أﻣﺎ ﻋﻦ اﻟﻠﺤﻦ واﻟﺘﻜﺴري ﰲ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻠﻐﺔ ﻓﺬاك ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻨﻪ أﺣﺪ ﻫﻨﺎك. ُ ﻃﻔﻘﺖ أﺗﺠﻮل ﻫﻨﺎك وأﻧﺎ ﻣﺒﺘﻬﺞ ﺑﻤﺎ أرى ﻣﻦ أﻧﻮار وأزﻳﺎء ،ﻃﺮوب ملﺎ أﺳﻤﻊ ﻣﻦ ُ ﻓﺄﺣﺒﺒﺖ ﺿﻮﺿﺎء وﺣﺮﻛﺔ املﺮور اﻟﺼﺎﺧﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻐﺼﻨﻲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ،ﺛﻢ أﻟﻔﺘﻬﺎ ﺳﻤﺎﻋﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻴﺎح اﻟﻨﺎس ﻳﻌﻠﻨﻮن ﻋﻦ ﻣﻼﻫﻴﻬﻢ ،إﱃ ﺻﻮت اﻟﻌﺠﻼت ،إﱃ ﻏﻨﺎء اﻟﺮادﻳﻮ 193
ﺟﻮﻟﺔ ﰲ رﺑﻮع اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺑﺎرك أﻓﻨﻴﻮ ﻣﺴﻜﻦ أﻛﱪ ﴎاة اﻟﻌﺎﻟﻢ.
املﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻴﺎرةٍ ،إﱃ ﺟﻠﺒﺔ »اﻹﻟﻔﻴﱰ« ﻓﻮق اﻟﺮءوس ،و»اﻟﺴﺒﻮي« ﺗﺤﺖ اﻷرض ،وﻛﺎن ﺻﻮﺗﻪ ﻳﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﻓﺬ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻐﻞ ﻛﺜريًا ﻣﻦ أرض اﻟﻄﺮق ﰲ ﺷﺒﺎك ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﻻ ﻳﻔﺘﺄ آن َ وآﺧﺮ ﻳﺘﻔﺠﺮ ﻣﻨﻬﺎ دﺧﺎن وﺑﺨﺎر ﺳﺎﺧﻦ ،ﻫﻮ اﻟﻬﻮاء اﻟﻔﺎﺳﺪ اﻟﺬي ﺗﻄﺮده ﻣﻀﺨﺎت ﺑني ٍ اﻟﺘﻬﻮﻳﺔ وﺗﻌﻴﻀﻪ ﺑﻐريه ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء اﻟﺒﺎرد املﻨﻌﺶ ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻄﺎرات ﻣﺎ ﻳﺴري ﻓﻮق ﺑﻌﻀﻪ؛ ﻓﻬﻨﺎك ﺛﻼﺛﺔ أدوار »ﻟﻠﺴﺒﻮي« اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﺤﺖ َ اﻵﺧﺮ ،وﻓﻮق أوﻟﺌﻚ ﺗﺮام اﻷرض اﻟﻌﺎدي ،وﻓﻮق ذﻟﻚ »اﻹﻟﻔﻴﱰ« ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ دورﻳﻦ ﻗﻄﺎر ﻳﺠﺮي ﻓﻮق َ اﻵﺧﺮ ،أﻋﻨﻲ أن وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ ﻗﺪ ً ﺟﻠﺒﺔ ﺗﻘﻠﻖ راﺣﺔ ﻣَ ﻦ ﻳﺤﻞ اﻟﺒﻠﺪ ﻷول ﺑﻌﺾ ،ﻛ ﱡﻞ ذﻟﻚ ﻳُﺤﺪِث ﺗﺸﻐﻞ ﺳﺘﺔ أدوار ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻮق ٍ 194
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ
وﻫﻠﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻔﺘﺄ ﻳﻌﺘﺎدﻫﺎ ﻓﻴﻨﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﻮن وﻳﻌﺪﱡه ﴐﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺸﺔ املﻘﻠﻘﺔ ،وذﻟﻚ ﻣﺎ ُ ُ رﺟﻌﺖ إﱃ اﻟﻔﻨﺪق وﻛﺎن ﺟﻮ اﻟﻴﻮم ﺣﺎ ٍّرا ﺑﻌﺪ ﻛﻨﺖ أﺣﺴﻪ أﻧﺎ آﺧِ ﺮ اﻷﻣﺮ .وﻋﻨﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ أن ﻛﺎن أﻣﻴﻞ إﱃ اﻟﱪودة ﰲ اﻷﻳﺎم اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ ،واﻟﺠﻮ ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﴎﻳﻊ اﻟﺘﻘ ﱡﻠﺐ؛ ﻓﺒﻴﻨﺎ ﺗﺠﺪ اﻟﺸﻤﺲ ﺻﺎﺣﻴﺔ ﱠ وﺿﺎءة واﻟﻬﻮاء ً ﻋﻠﻴﻼ ،إذا ﺑﻪ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﰲ ﺳﺎﻋﺔ واﺣﺪة ،ﻓﻴﺤﺠﺐ اﻟﺴﺤﺎبُ ُﻤﻄﺮ ً اﻟﺸﻤﺲ ،وﻗﺪ ﻳ ِ َ واﺑﻼ أو ﻳﻌ ﱡﻢ اﻟﺠﻮ ﺷﺒﻪ دﺧﺎن ﻳﺨﻔﻲ اﻟﻜﺜريَ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل ﻣﻨﺎﻇﺮ اﻟﺒﻠﺪة َ وﻣﺎ أﺣﺎﻃﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺤﺎر وﺟﺰر وﻧﺎﻃﺤﺎت ،وذﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﺴﺎﺋﺪ ﰲ ﺟﻮ ﻧﻴﻮﻳﻮرك؛ إذ ﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﻳﺼﻔﻮ اﻟﺠ ﱡﻮ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ.
195