حول تفسير سورة الفاتحة

Page 1

‫حول تفسٌر‬ ‫سورة الفاتحة‬ ‫أم القرآن الكرٌم‬ ‫بقلم‬ ‫اإلمام المفسر المحدث الشٌخ‬ ‫عبد هللا سراج الدٌن الحسٌنً‬ ‫رضً هللا عنه‬

‫‪1‬‬


‫بسم هللا الرحمن الرحٌم‬ ‫الحمد هلل رب العالمٌن ‪ ,‬وأفضل الصبلة وأكمل التسلٌم‪ ,‬وعلى سٌدنا محمد‬ ‫خاتم األنبٌاء والمرسلٌن ‪ ,‬وأكرم األولٌن واآلخرٌن على رب العالمٌن ‪,‬‬ ‫وعلى آله وصحبه وسلم تسلٌما ً كثٌراً ‪.‬‬ ‫وبعد ‪:‬‬ ‫فهذه كلمات فً التفسٌر موجزة ؛ تعبر عن بعض معانً سورة الفاتحة ‪,‬‬ ‫التً هً أم القرآن الكرٌم – لعل هللا تعالى ٌنفعنً بها ‪ ,‬وٌنفع بها من اطلع‬ ‫علٌها ‪ ,‬وهً فً الحقٌقة تدور حول بعض معانً سورة الفاتحة ‪ ,‬ألن بحر‬ ‫معانٌها وعلومها ؛ ومعارفها وأسرارها ؛ هو بحر ال ساحل له ‪.‬‬ ‫فقد قال أمٌر المإمنٌن سٌدنا علً رضً هللا عنه وكرم هللا وجهه ‪ :‬لو‬ ‫تكلمت لكم على سورة الفاتحة ألوقرت سبعٌن بعٌراً ‪ .‬اه ‪.‬‬ ‫والمعنى ‪ :‬لو تكلم على ما فهمه هللا تعالى من معانً سورة الفاتحة ‪ ,‬لمؤل‬ ‫كتبا ً كثٌر ًة ٌحتاج حملها لسبعٌن جمبلً ‪.‬‬ ‫وقال العبلمة فخر الدٌن الرازي رحمه هللا تعالى ‪ :‬اعلم أنه مر على لسانً‬ ‫فً بعض األوقات أن سورة الفاتحة ٌمكن أن ٌستنبط من فوابدها عشرة‬ ‫آالؾ مسؤلة ‪ ,‬فاستبعد ذلك الحساد ‪ ,‬فشرعت فً تصنٌؾ هذا الكتاب –‬ ‫ٌعنً تفسٌره – وقدمت له مقدمة لتصٌر له كالبٌنة على أن ما ذكرناه أمر‬ ‫ممكن الحصول ‪ .‬اه ‪.‬‬ ‫وإن معانً كتاب هللا تعالى ال تنتهً ؛ وإن عجاببه ال تنقضً ‪ ,‬كما قال‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬كتاب هللا تعالى ‪ :‬فٌه نبؤ ما قبلكم ‪ ,‬وخبر ما‬ ‫بعدكم‪ ,‬وحكم ما بٌنكم ‪ ,‬هو الفصل لٌس بالهزل ‪ ,‬من تركه من جبار‬ ‫قصمه هللا تعالى ‪ ,‬ومن ابتؽى فً ؼٌره الهدى أضله هللا تعالى ‪.‬‬ ‫وهو حبل هللا المتٌن ‪ ,‬وهو الذكر الحكٌم ‪ ,‬وهو الصراط المستقٌم ‪ ,‬وهو‬ ‫الذي ال تزٌػ به األهواء ‪ ,‬وال تلتبس به األلسنة ‪ ,‬وال تشبع منه العلماء‬

‫‪2‬‬


‫‪,‬وال ٌخلق على كثرة الرد ‪ ,‬وال تنقضً عجاببه ‪,‬وهو الذي لم تنته‬ ‫الجن إذا سمعته حتى قالوا ‪ { :‬إنا سمعنا قرآنا ً عجبا ً ‪ٌ .‬هدي إلى الرشد‬ ‫فآمنا به } ‪.‬‬ ‫من قال به صدق ‪ ,‬ومن عمل به أجر ‪ ,‬ومن حكم به عدل ‪ ,‬ومن دعا إلٌه‬ ‫هدي إلى صراط المستقٌم ] ‪.‬‬ ‫وإن معارفه وعلومه ال تنفد على مدى العوالم ‪ ,‬وقد ورد أن أهل الجنة ال‬ ‫ٌزالون ٌقرإون القرآن وٌترقون به ‪ .‬وتنجلً لهم منه المعارؾ والعلوم ما‬ ‫شاء هللا تعالى ‪.‬‬ ‫روى البخاري ‪ ,‬والترمذي وؼٌرهما ‪ ,‬عن عبد هللا بن عمرو رضً هللا‬ ‫عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ٌ [ :‬قال لصاحب‬ ‫القرآن ‪ :‬اقرأ وارق ‪ ,‬ورتل كما كنت ترتل فً الدنٌا‪ ,‬فإن منزلتك عند آخر‬ ‫آٌة تقرإها ] فهو فً الجنة ٌقرأ وال ٌزال ٌرقى‪.‬‬ ‫وأعظم موقؾ تتجلى لهم فٌه المعارؾ اإللهٌة‪ ,‬واألسرار القرآنٌة‪ ,‬حٌن‬ ‫ٌسمعون القرآن من رب العالمٌن سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫جاء فً (الفردوس) عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ‪ ,‬عن النبً صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم قال‪ [:‬كؤن الخلق لم ٌسمعوا القرآن حٌن ٌسمعونه من‬ ‫الرحمن ٌتلوه علٌهم ٌوم القٌامة]‪.‬‬ ‫وٌشهد لهذا الحدٌث ما رواه الحكٌم الترمذي مرفوعا ً ‪ :‬وفٌه‪ [ :‬فبل تقر‬ ‫أعٌنهم كما تقر بذلك‪ ,‬ولم ٌسمعوا شٌبا ً أعظم من ذلك وال أحسن منه]‬ ‫الحدٌث‪.‬‬ ‫فأقول وباهلل التوفٌق ‪ ,‬لبٌان الحق وللسٌر على أقوم طرٌق‪:‬‬

‫أي ‪ :‬ال ٌمل وال ٌسؤم منه على كثرة تردٌده بل هو ؼض طري دابما ً ‪.‬‬ ‫رواه الترمذي عن أمٌر المإمنٌن سٌدنا علً كرم هللا تعالى وجهه ورضً هللا عنه‬ ‫‪.‬‬ ‫وقد ذكرت نص الحدٌث فً كتابً ( تبلوة القرآن المجٌد) فارجع إلٌه‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫سورة الفاتحة مكٌة عند األكثرٌن ‪ ,‬وتعد من أوابل ما نزل من القرآن‬ ‫الكرٌم ‪ ,‬أي‪ :‬هً ثالث ما نزل ‪.‬‬ ‫وقٌل‪ :‬إنها أول ما نزل ولكن رده الجمهور ‪ ,‬فؤول ما نزل خمس آٌات من‬ ‫أول سورة { أقرأ} ‪ ,‬ثم بعد فترة من الوحً نزلت خمس آٌات من أول‬ ‫المدثر‪ ,‬ثم نزلت سورة الفاتحة كما ثبت عند المحققٌن من العلماء ‪.‬‬ ‫وقال بعض السلؾ ‪ :‬إنها مدنٌة‪.‬‬ ‫وقال بعضهم‪ :‬نزلت مرتٌن‪ :‬فً مكة حٌن فرضت الصبلة‪ ,‬وفً المدٌنة لما‬ ‫حولت القبلة إلى الكعبة المعظمة ‪ ,‬ولها أشباه ونظابر من بعض السور ‪,‬‬ ‫وبعض اآلٌات فً تعدد نزولها ؛ ألسباب وحكم لٌس موضع بٌانها هنا ‪.‬‬ ‫حكم التعوذ باهلل تعالى‬ ‫قبل قراءة القرآن الكرٌم‬ ‫قال هللا تعالى ‪ { :‬فإذا قرأت القرآن فاستعذ باهلل من الشٌطان الرجٌم } ‪.‬‬ ‫أمر هللا تعالى رسوله صلى هللا علٌه وآله وسلم فً هذه اآلٌة الكرٌمة أن‬ ‫ٌستعٌذ باهلل من الشٌطان الرجٌم إذا أراد أن ٌقرأ القرآن الكرٌم ‪ ,‬وهذا‬ ‫نظٌر قوله تعالى ‪ { :‬إذا قمتم إلى الصبلة فاؼسلوا وجوهكم وأٌدٌكم ‪} . . .‬‬ ‫أي ‪ :‬إذا أردتم القٌام إلى الصبلة ‪.‬‬ ‫واألمر بالتعوذ ٌعم جمٌع األمة ‪ ,‬وإنما وجه الخطاب إلٌه صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم – كما فً كثٌر من اآلٌات القرآنٌة – ألنه صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم هو موضع الخطاب من الحق إلى الخلق ‪ ,‬وهو الوجه األول المتلقً‬ ‫عن الحق ‪ ,‬ثم هو صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌوجه الخطاب إلى العباد ‪.‬‬ ‫فإنه صلى هللا علٌه وآله وسلم وجه الخطاب ‪ ,‬وواسطة السإال والجواب ‪,‬‬ ‫كما ٌشٌر إلى ذلك قوله تعالى ‪ { :‬وإذا سؤلك عبادي عنً فإنً قرٌب أجٌب‬ ‫دعوة الداع إذا دعان } اآلٌة ‪.‬‬ ‫وإنما موضع بحثها وأمثالها مما ٌتعلق بنزول القرآن الكرٌم ومراتب نزوله وبٌان‬ ‫أسباب النزول ‪ ,‬ذلك ٌذكر فً مقدمة علم التفسٌر إن شاء هللا تعالى‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫والمعنى ‪ :‬أنت ٌا رسول هللا واسطة السإال عنً ‪ ,‬وأنت واسطة الجواب‬ ‫منً لهم ‪.‬‬ ‫والكالم فً التعوذ له وجوه متعددة‪ :‬أهمها ما ٌلً ‪ :‬أووًال‪ :‬حكمه‪ ,‬انٌا ًال‪:‬‬ ‫صفته‪ ,‬ال ا ًال‪ :‬معناه‪ ,‬رابعا ًال ‪ :‬ذكر أهم المواضع التً ٌسن بها التعوذ‪.‬‬ ‫األول فً حكم التعوذ‪:‬‬ ‫هو سنة عند الجمهور أمام القراءة فً الصبلة وؼٌرها‪ ,‬ولكن فً الصبلة‬ ‫ٌتعوذ فً الركعة األولى عند الحنفٌة‪ ,‬وأما عند الشافعٌة فهناك رواٌتان‪:‬‬ ‫رواٌة باالكتفاء بالتعوذ فً الركعة األولى من الصبلة‪ ,‬ورواٌة فً كل‬ ‫ركعة من الصبلة‪.‬‬ ‫وذهب بعض العلماء ومنهم عطاء إلى وجوب االستعاذة ‪ ,‬سواء كانت‬ ‫القراءة فً الصبلة أو خارج الصبلة؛ أخذاً بظاهر األمر فً قوله تعالى‪{:‬‬ ‫فاستعذ باهلل } فإن األمر ٌقتضً الوجوب ما لم ٌصرفه عن الوجوب‬ ‫صارؾ‪ ,‬ولٌس ثمة صارؾ عند عطاء وؼٌره‪.‬‬ ‫وقال الجمهور بل االستعاذة سنة للقراءة فً الصبلة وؼٌرها ‪ ,‬والصارؾ‬ ‫عن الوجوب هو عدم مواظبته صلى هللا علٌه وآله وسلم علٌها‪ ,‬فإن أفعاله‬ ‫وأقواله هً بٌان للقرآن وأحكامه‪ ,‬وقد وردت أحادٌث كثٌرة فٌها القراءة‬ ‫بدون تعوذ‪:‬‬ ‫كحدٌث أبً سعٌد بن المعلى كما فً البخاري حٌن دعاه النبً صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم ‪ ,‬وكان أبو سعٌد ٌصلً فلم ٌجبه‪ ,‬ثم أجابه بعد الفراغ من‬ ‫الصبلة‪.‬‬ ‫فقال له صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬ما منعك أن تجٌبنً]؟‬ ‫فقال ‪ :‬إنً كنت أصلً‪.‬‬ ‫فقال له‪ [:‬ألم ٌقل هللا تعالى‪ {:‬استجٌبوا هلل وللرسول إذا دعاكم}‪ -‬ثم قال له‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ -:‬ألعلمنك سورة هً أعظم سورة فً القرآن ‪{:‬‬ ‫الحمد هلل رب العالمٌن}] الحدٌث‪ ,‬وسٌؤتً نصه تاما ً إن شاء هللا تعالى‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫ونظٌره حدٌث أبً بن كعب رضً هللا عنه ‪ ,‬عندما سؤله صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم عن أي آٌة فً كتاب هللا أعظم‪.‬‬ ‫وحدٌث لما نزل قوله تعالى‪ {:‬الذٌن آمنوا ولم ٌلبسوا إٌمانهم بظلم أولبك‬ ‫لهم األمن وهم مهتدون} فشق ذلك على الصحابة وقالوا‪ٌ :‬ا رسول هللا وأٌنا‬ ‫لم ٌظلم نفسه؟‪ -‬أي‪ :‬لم ٌفعل ذنبا ً ولو من صؽابر الصؽابر‪.‬‬ ‫فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح ‪ {:‬إن‬ ‫الشرك لظلم عظٌم } هو الشرك] أي‪ :‬ولم ٌلبسوا إٌمانهم بشرك‪.‬‬ ‫وؼٌر ذلك من األحادٌث التً فٌها ذكره صلى هللا علٌه وآله وسلم آٌات من‬ ‫القرآن الكرٌم ولم ٌؤت فٌها بتعوذ‪.‬‬ ‫وقد أجاب من استدل على وجوب التعوذ بؤنه صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫كان ٌتعوذ سراً‪ -‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬ ‫والحكمة فً مشروعٌة التعوذ عند إرادة القراءة هً‪ :‬أن قراءة القرآن‬ ‫الكرٌم هً عبادة عظمى وقربة كبرى‪.‬‬ ‫والدلٌل على أنها عبادة قوله صلى اله‪ .‬علٌه وآله وسلم ‪ [:‬من قرأ حرفا ً من‬ ‫كتاب هللا تعالى فله به حسنة‪ ,‬والحسنة بعشر أمثالها‪ ,‬ال أقول { آلم } حرؾ‬ ‫‪ ,‬ولكن ألؾ حرؾ ‪ ,‬والم حرؾ‪ ,‬ومٌم حرؾ]‪.‬‬ ‫فمن قرأ حرفا ً من كتاب هللا تعالى فله به حسنة‪ ,‬ولو بؽٌر فهم وال حضور‬ ‫قلب‪ ,‬والحسنة بعشر أمثالها‪ ,‬فإذا كانت عن فهم أو حضور قلب تتضاعؾ‬ ‫إلى سبعٌن إلى سبعمابة وإلى ما هنالك‪.‬‬ ‫وأما أن تالوة القرآن الكرٌم هً قربة إلى هللا تعالى ففً حدٌث الترمذي‬ ‫وؼٌره‪ ,‬قوله صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬وما تقرب العباد إلى هللا تعالى‬ ‫بمثله ] أي‪ :‬بمثل القرآن الكرٌم‪.-‬‬ ‫فإذا كانت تبلوة القرآن الكرٌم عبادة وقربة إلى هللا تعالى ‪ ,‬فهً تتطلب‬ ‫اإلخبلص فٌها هلل تعالى‪ ,‬وإحضار القلب لٌعظم األجر‪ ,‬وإن من شؤن‬ ‫الشٌطان أن ٌوسوس لئلنسان إذا دخل فً عبادة ‪ ,‬وٌشاؼب علٌه ‪,‬‬

‫‪6‬‬


‫فٌوسوس له لٌشؽل قلبه عن الحضور‪ ,‬ولٌشوش علٌه فً بعض األمور ‪,‬‬ ‫فجاء األمر اإللهً بالتعوذ عند قراءة القرآن الكرٌم؛ لٌكون فً عٌاذ منٌع‬ ‫من تلك الوساوس ‪ ,‬وحرز حصٌن ‪ ,‬وبذلك ٌحضر القلب ‪ ,‬وٌنشرح‬ ‫للتبلوة‪ ,‬وٌنفتح القلب لٌتذوق تلك الحبلوة‪ ,‬وبذلك ٌضاعؾ له أجر التبلوة‪.‬‬ ‫ال انً صفة‪ -‬صٌغة‪ -‬التعوذ‪:‬‬ ‫ذهب الجمهور من القراء والمحدثٌن وؼٌرهم إلى أن كٌفٌة التعوذ قبل‬ ‫القراءة هً‪ (:‬أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم)‪ ,‬وهً أكثر الرواٌات الواردة‬ ‫عنه صلى هللا علٌه وآله وسلم أنه كان ٌستعٌذ كذلك‪.‬‬ ‫روى الواحدي والثعلبً ‪ ,‬عن ابن مسعود رضً هللا عنه أنه قرأ على‬ ‫النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم فقال‪ :‬أعوذ باهلل السمٌع العلٌم من الشٌطان‬ ‫الرجٌم‪.‬‬ ‫فقال له صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ٌ [:‬ا ابن أم عبد قل‪ :‬أعوذ باهلل من‬ ‫الشٌطان الرجٌم‪ ,‬هكذا أقرأنٌه جبرٌل عن اللوح المحفوظ عن القلم]‪.‬‬ ‫وقد جاء فً (صحٌح) البخاري وؼٌره ‪ ,‬فً حدٌث الرجل الذي اشتد‬ ‫ؼضبه ‪ ,‬أنه صلى هللا علٌه وآله وسلم قال‪ [:‬إنً ألعلم كلمة لو قالها لذهب‬ ‫ما ٌجده‪ -‬أي‪ :‬ؼضبه الشدٌد‪ -‬لو قال ‪ :‬أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم‪]...‬‬ ‫الحدٌث كما سٌؤتً بتمامه إن شاء هللا تعالى ص‪./15/‬‬ ‫نعم قد جاء فً األحادٌث عنه صلى هللا علٌه وآله وسلم كٌفٌات من التعوذ‬ ‫فٌها زٌادات على ذلك‪.‬‬ ‫روى أبو داود ‪ ,‬والبٌهقً‪ ,‬عن السٌدة عابشة أم المإمنٌن رضً هللا عنها‪-‬‬ ‫فً ذكر اإلفك‪ -‬قالت‪ :‬فجلس رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬وكشؾ‬ ‫عن وجهه الشرٌؾ وقال‪ [:‬أعوذ باهلل السمٌع العلٌم من الشٌطان الرجٌم{ إن‬ ‫الذٌن جاءو باإلفك عصبة منكم }] اآلٌة‪.‬‬ ‫وروٌا أٌضا ً – واللفظ ألبً داود‪ -‬عن أبً سعٌد الخدري رضً هللا عنه‬ ‫قال ‪ ( :‬كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا قام من اللٌل كبر ثم‬ ‫ٌقول‪ [:‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ,‬وتبارك اسمك‪ ,‬وتعالى جدك‪ ,‬وال إله‬ ‫‪7‬‬


‫ؼٌرك]‪ - ,‬ثبلثا ً‪ ,‬ثم ٌقول‪ [:‬ال إله إال هللا ]‪ -‬ثبلثا ً‪ ,‬ثم ٌقول‪ [:‬هللا أكبر‬ ‫كبٌراً]‪ ,-‬ثم ٌقول‪ [ :‬أعوذ باهلل السمٌع العلٌم من الشٌطان الرجٌم؛ من همزه‬ ‫ونفخه ونفثه] ثم ٌقرأ القرآن)‪.‬‬ ‫وقد روى نحو ذلك ابن ماجه ‪ ,‬عن عمرو بن مرة وقال‪ :‬همزه‪ :‬الموتة‪,‬‬ ‫ونفثه‪ :‬نفخ ببل رٌق‪ ,‬ونفخه‪ :‬الكبر‪.‬‬ ‫وقال ابن ماجه ‪ :‬الموتة ٌعنً‪ :‬الجنون‪ ,‬والنفث‪ :‬نفخ الرجل من فٌه من‬ ‫ؼٌر أن ٌخرج رٌقه‪ ,‬ونفخه‪ :‬الكبر والتٌه‪.‬‬ ‫فللشٌطان تخبٌل لئلنسان ‪ ,‬وهو نوع من الجنون‪ ,‬ونفثات ٌوجهها على‬ ‫اإلنسان ‪ ,‬وقد ٌتٌه اإلنسان‪.‬‬ ‫فٌنبؽً للمسلم أن ٌستعٌذ باهلل تعالى من ذلك كله‪.‬‬ ‫والكبلم على التعوذ هو مفصل فً كتب القراءات‪.‬‬ ‫ال الث فً معنى‪ :‬أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم‪:‬‬ ‫أعوذ باهلل‪ :‬أتحصن باهلل تعالى‪ ,‬وأستجٌر به‪ ,‬ملتجبا ً إلٌه ألجل أن ٌحفظنً‬ ‫من شر الشٌطان الرجٌم‪ ,‬ووسواسه‪ ,‬وإفساده علً أمر دٌنً أو دنٌاي‪ ,‬فإنه‬ ‫ال ٌحفظ العبد وٌجٌره من الشٌطان الرجٌم‪ :‬إال هللا تعالى رب العرش‬ ‫العظٌم‪.‬‬ ‫والشٌطان‪ :‬فً اللؽة مشتق من شطن إذا بعد‪ ,‬فهو شٌطان‪ -‬أي‪ :‬بعٌد عن‬ ‫هللا تعالى‪ ,‬وعن رحمة هللا‪ ,‬وعن كل طبع وخصلة تؤتً بخٌر‪ ,‬فهو على‬ ‫وزن ‪ :‬فٌعال‪.‬‬ ‫وقال بعض علماء اللؽة ‪ :‬إنه مشتق من شاط إذا احترق‪ ,‬ألنه مخلوق من‬ ‫نار‪ ,‬فهو على وزن‪ :‬فعبلن‪ -‬واألول أصح‪.‬‬ ‫وٌقال لمن تمرد وتباعد عما ٌرضً هللا تعالى من إنس أو جن شٌطان‪ ,‬قال‬ ‫تعالى‪ ... {:‬شٌاطٌن اإلنس والجن ٌوحً بعضهم إلى بعض زخرؾ القول‬ ‫ؼروراً}‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫وفً (المسند) عن أبً ذر رضً هللا عنه‪ ,‬أن النبً صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم قال‪ٌ [:‬ا أبا ذر تعوذ باهلل من شٌاطٌن اإلنس والجن]‪.‬‬ ‫فقلت‪ :‬أو لئلنس شٌاطٌن؟‬ ‫قال‪ [:‬نعم]‪.‬‬ ‫والرجٌم‪ :‬معناه المرجوم‪ ,‬وأصل الرجم الرمً بالحجارة‪ ,‬فالشٌطان رجٌم‬ ‫مرمً بلعنة هللا تعالى ‪ ,‬ومطرود عن رحمته‪ ,‬فهو طرٌد مهٌن‪.‬‬ ‫ولوال أن للشٌطان تؤثٌراً فً الشر والفساد على ابن آدم؛ ما أمرنا هللا تعالى‬ ‫أن نستعٌذ باهلل منه‪ ,‬فإنه ال ٌقٌنا شره وضره ووسواسه وهمزاته ونفثاته إال‬ ‫هللا العلً العظٌم‪ -‬أعاذنا هللا العظٌم من الشٌطان الرجٌم‪ ,‬ومن شٌاطٌن‬ ‫اإلنس والجن كلهم‪.‬‬ ‫وقد علم النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم أمته التعوذ باهلل من الشٌطان‬ ‫الرجٌم فً مواضع متعددة بصٌػ متنوعة‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬التعاوٌذ التً ٌنبغً اوهتمام بها‪:‬‬ ‫‪- 1‬عند اشتداد غضب اإلنسان إذا اختصم مع غٌره‪:‬‬ ‫وقد تقدم ص‪ /13/‬حدٌث الرجل لما اشتد ؼضبه‪ ....‬وهو متفق علٌه ‪,‬‬ ‫ولفظ مسلم‪:‬‬ ‫عن سلٌمان بن صرد قال‪( :‬استب رجبلن عند النبً صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم ‪ ,‬فجعل أحدهما ٌؽضب وٌحمر وجهه‪ ,‬وتنتفخ أوداجه‪ ,‬فنظر إلٌه‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم فقال‪ [:‬إنً ألعلم كلمة لو قالها لذهب عنه‪,‬‬ ‫ٌقول‪ :‬أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم]‪.‬‬ ‫فقام رجل ممن سمع النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬فقال ‪ :‬هل تدري‬ ‫ما قال النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم آنفاً؟ قال‪ [ :‬إنً ألعلم كلمة لو‬ ‫قالها لذهب عنه‪ -‬أي‪ :‬الؽضب – أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم]‪.‬‬ ‫فقال له الرجل‪ :‬أمجنون ترانً )‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫فبل تؽضب ٌا أخً ‪ ,‬وإذا ؼضبت فتعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم‪.‬‬ ‫‪-2‬التعوذ عند إرادة الخالء‪:‬‬ ‫روى ابن أبً شٌبة وؼٌره ‪ ,‬عن أنس رضً هللا عنه قال‪ :‬كان رسول‬ ‫هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا دخل – أي‪ :‬أراد أن ٌدخل‪ -‬الكنٌؾ‬ ‫قال‪ [:‬بسم هللا‪ ,‬اللهم إنً أعوذ بك من الخبث والخباب ٍث‬ ‫ث]‪.‬‬ ‫والمقصود من التسمٌة هنا إلقاء الستر بٌن الجن وبٌن عورات ابن آدم‪,‬‬ ‫كما جاء فً (سنن) الترمذي وابن ماجه‪ ,‬عن أمٌر المإمنٌن علً‬ ‫رضً هللا عنه وكرم وجهه‪ ,‬أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال‪[:‬‬ ‫ستر ما بٌن الجن وعورات ابن آدم إذا دخل أحدهم الخبلء – أي‪ :‬أراد‬ ‫الخبلء – أن ٌقول‪ :‬بسم هللا]‪.‬‬ ‫فالتسمٌة هنا للستر‪ ,‬والتعوذ للتوقً والحفظ من تحرش الشٌطان –‬ ‫فافهم سر التسمٌة والمقصود منها حسب المواضع الواردة‪.‬‬ ‫‪ -3‬التعوذ عند دخول المسجد للحفظ من وسواس الشٌطان فً‬ ‫الصالة والعبادة وغٌر ذلك ‪:‬‬ ‫روى أبو داود‪ ,‬عن ابن عمر قال‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم إذا دخل المسجد قال‪ [:‬أعوذ باهلل العظٌم ‪ ,‬وبوجهه‬ ‫الكرٌم‪ ,‬وبسلطانه القدٌم‪ ,‬من الشٌطان الرجٌم]‪ ,‬وقال صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم ‪ [:‬إذا قال العبد ذلك‪ :‬حفظ منه – أي‪ :‬من الشٌطان –‬ ‫سابر الٌوم] وسٌؤتً أنه تسن التسمٌة أٌضا ً والصبلة على النبً‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم عند دخول المسجد ص‪./46/‬‬ ‫‪-4‬التعوذ عند إرادة السفر‪:‬‬ ‫روى الترمذي ‪ ,‬عن عبد هللا بن سرجس قال‪ :‬كان النبً صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم إذا سافر ٌقول‪ [:‬اللهم أنت الصاحب فً السفر‪,‬‬ ‫والخلٌفة فً األهل‪ ,‬اللهم إنً أعوذ بك من وعثاء السفر‪ ,‬وكآبة‬ ‫المنقلب‪ ,‬وسوء المنظر فً المال واألهل‪ ,‬ومن الحور بعد الكور‪,‬‬ ‫أي‪ :‬من الفساد بعد الصبلح‪ -‬ومن دعوة المظلوم ‪ ,‬اللهم اصحبنا فً‬ ‫سفرنا هذا ‪ ,‬واخلفنا فً أهلنا]‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫‪-5‬تعوذ المسافر إذا حل فً مكان أو ننل مننوًال‪:‬‬ ‫روى مسلم‪ ,‬والترمذي‪ ,‬عن خولة بنت حكٌم رضً هللا عنها‪ ,‬أنها‬ ‫سمعت رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌقول‪ [:‬من نزل منزالً‬ ‫فقال‪ :‬أعوذ بكلمات هللا التامة من شر ما خلق‪ -‬لم ٌضره شًء حتى‬ ‫ٌرتحل]‪.‬‬ ‫‪-6‬التعوذ من شرور الشٌاطٌن‪ ,‬والتحصن من إٌذائها‪:‬‬ ‫عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه‬ ‫آله وسلم ‪ [:‬رأٌت لٌلة أسري بً عفرٌتا ً من الجن ٌطلبنً بشعلة من‬ ‫نار‪ ,‬كلما التفت رأٌته‪.‬‬ ‫فقال لً جبرٌل علٌه السبلم‪ :‬أال أعلمك كلمات تقولها فتطفا شعلته‪,‬‬ ‫وٌخر لٌفه ] – أي‪ٌ :‬سقط على وجهه‪-‬؟‬ ‫فقال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ :‬بلى]‪.‬‬ ‫فقال جبرٌل علٌه السبلم‪ :‬قل‪ :‬أعوذ بوجه هللا الكرٌم ‪ ,‬وبكلمات هللا‬ ‫التامات التً ال ٌجاوزهن بر وال فاجر‪ ,‬من شر ما ٌنزل من السماء‬ ‫وشر ما ٌعرج فٌها و ومن شر ما ذرأ فً األرض وشر ما ٌخرج‬ ‫منها‪ ,‬ومن فتن اللٌل والنهار‪ ,‬ومن طوارق اللٌل والنهار؛ إال طارقا ً‬ ‫ٌطرق بخٌر ٌا رحمن]‪.‬‬ ‫وفً (مسند) اإلمام احمد ‪ ,‬عن عبد الرحمن بن خنبش رضً هللا‬ ‫عنه أن رجبلً سؤله كٌؾ صنع رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫لٌلة كادته الشٌاطٌن؟‬ ‫فقال‪( :‬إن الشٌاطٌن تحدرت تلك اللٌلة على رسول هللا صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم من األودٌة والشعاب‪ ,‬وفٌهم شٌطان بٌده شعلة من‬ ‫نار‪ٌ ,‬رٌد أن ٌحرق بها وجه رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪,‬‬ ‫فهبط إلٌه جبرٌل علٌه السبلم فقال له ‪ٌ :‬ا محمد قل‪.‬‬ ‫قال‪ [:‬ما أقول؟‬ ‫قال‪ -‬جبرٌل علٌه السبلم‪ :-‬قل‪ :‬أعوذ بكلمات هللا التامات‪ :‬من شر ما‬ ‫ٌنزل من السماء ومن شر ما ٌعرج فٌها‪ ,‬ومن شر ما ذرأ فً‬ ‫األرض ومن شر ما ٌخرج منها‪ ,‬ومن شر فتن اللٌل والنهار‪ ,‬ومن‬ ‫شر كل طارق إال طارقا ً ٌطرق بخٌر ٌا رحمن]‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫فطفبت نار الشٌاطٌن وهزمهم هللا عز وجل) ‪.‬‬ ‫‪-7‬التعوذ من الفنع فً النوم واألرق‪:‬‬ ‫روى أصحاب السنن‪ ,‬وأحمد وؼٌرهم‪ ,‬عن عمرو بن شعٌب عن‬ ‫أبٌه عن جده قال‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌعلمنا‬ ‫كلمات نقولهن عند النوم من الفزع‪ [:‬بسم هللا ‪ ,‬أعوذ بكلمات هللا‬ ‫التامات من‪ :‬ؼضبه وعقابه وشر عباده‪ ,‬ومن همزات الشٌاطٌن وأن‬ ‫ٌحضرون]‪.‬‬ ‫وروى اإلمام أحمد وؼٌره‪ ,‬عن خالد بن الولٌد رضً هللا عنه أنه‬ ‫قال‪ٌ :‬ا رسول هللا إنً أجد فً النوم وحشة‪ ,‬وفً رواٌة‪ :‬إنً أروع‬ ‫فً منامً‪.‬‬ ‫فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬إذا أخذت مضجعك فقل‪ :‬أعوذ‬ ‫بكلمات هللا التامة من ‪ :‬ؼضبه وعقابه وشر عباده‪ ,‬ومن همزات‬ ‫الشٌاطٌن ‪ ,‬وأن ٌحضرون‪ -‬فإنه ال ٌضرك]‪.‬‬ ‫‪-8‬التعوذ من الهوام ومما ٌلدغ‪:‬‬ ‫روى الترمذي وؼٌره‪ ,‬عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال‪ :‬قال‬ ‫رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬من قال حٌن ٌمسً ثبلث‬ ‫مرات‪ :‬أعوذ بكلمات هللا التامة من شر ما خلق – لم ٌضره لدؼة‬ ‫حٌة فً تلك اللٌلة]‪.‬‬ ‫وفً رواٌة البٌهقً‪ [:‬لم ٌلدغ ولم ٌضره] – أي‪ :‬ال ٌضره لدؼة أي‬ ‫هامة تلدغ ‪ ,‬من حٌة أو عقرب أو ؼٌرهما‪.‬‬ ‫‪-9‬التعوذ إذا سمع نهٌق الحمٌر أو نباح الكالب‪:‬‬ ‫عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم ‪ [:‬إذا سمعتم أصوات الدٌكة فسلوا هللا من فضله ‪ ,‬فإنها‬ ‫رأت ملكا ً‪.‬‬

‫المسند ‪.419 /3 :‬‬ ‫قال العبلمة المناوي رحمه هللا تعالى‪ :‬الدٌكة‪ :‬بكسر ففتح جمع دٌك وٌجمع قلٌبلً‬ ‫على أدٌاك ودٌوك‪.‬اه‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫وإذا سمعتم نهٌق الحمٌر فتعوذوا هللا من الشٌطان فإنها رأت شٌطانا ً]‬ ‫رواه البخاري ومسلم‪ ,‬والترمذي وأبو داود وؼٌرهم‪.‬‬ ‫وروى اإلمام أحمد ‪ ,‬وابن حبان وؼٌرهما‪ ,‬عن جابر رضً هللا عنه‬ ‫‪ ,‬أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال‪ [:‬إذا سمعتم نباح الكبلب‬ ‫ونهٌق الحمٌر باللٌل فتعوذوا باهلل من الشٌطان ‪ ,‬فإنهن ٌرٌن ما ال‬ ‫ترون] الحدٌث‪.‬‬ ‫‪-10‬التعوذ إذا رأى فً النوم ما ٌكرهه أو ٌحننه‪:‬‬ ‫روى اإلمام مسلم عن أبً قتادة رضً هللا عنه ‪ ,‬أن رسول هللا‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم قال ‪ [:‬الرإٌا الصالحة من هللا تعالى‪,‬‬ ‫والرإٌا السوء من الشٌطان‪ ,‬فمن رأى رإٌا فكره منها شٌبا ً ‪ :‬فلٌنفث‬ ‫عن ٌساره‪ ,‬ولٌتعوذ باهلل من الشٌطان – أي‪ :‬بعد ما ٌستٌقظ‪ -‬وال‬ ‫ٌخبر بها أحداً ‪.‬‬ ‫فإن رأى رإٌا حسنة فلٌبشر وال ٌخبر بها إال من ٌحب ]‪.‬‬ ‫وروى البخاري وؼٌره نحو هذا الحدٌث‪.‬‬ ‫بسم هللا الرحمن الرحٌم‬ ‫الكالم على البسملة ٌتناول أمرٌن‪:‬‬ ‫األمر األول ‪ :‬شرح مفرداتها ‪:‬‬ ‫اوسم‪ :‬هو ما دل على مسماه‪ ,‬فقد ٌراد به اوسم نفسه‪ ,‬نحو‪ :‬كتبت‬ ‫هللا ‪ ,‬أي‪ :‬هذا االسم‪ ,‬ونطقت باهلل‪ ,‬أي‪ :‬بهذا االسم ‪ ,‬وقد ٌراد به‬ ‫المسمى نحو‪ :‬عبد هلل‪ ,‬قال تعالى‪ {:‬واعبدوا هللا وال تشركوا به شٌبا ً‬ ‫} فالمراد به المسمى‪.‬‬ ‫وهللا هو اسم علم‪ ,‬دال على ذات هللا تعالى رب العالمٌن اإلله‬ ‫المعبود حقا ً ‪ ,‬متصفا ً بجمٌع الكماالت المطلقة التً ال تعد وال‬ ‫تحصى‪ ,‬وال تحد وال تستقصى‪ ,‬ومننها ًال عن جمٌع العٌوب واآلفات‪,‬‬ ‫المتفرد بوجوب الوجود‪ ,‬ولم ٌتسم بهذا االسم ؼٌره سبحانه‪ ,‬ولن‬ ‫ٌتسم به ؼٌره ‪ ,‬ولذا لم ٌثن ولم ٌجمع‪.‬‬ ‫ألن الدعاء بحضور الملك مجاب لتؤمٌنه على الدعاء‪ ,‬واستؽفاره له‪ ,‬ونزول‬ ‫الرحمة بحضره‪ ,‬قال العلماء‪ :‬وهذا ٌدل على استحباب الدعاء عند حضور‬ ‫الصالحٌن‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫وهذا االسم الجلٌل له خصابص متعددة أذكر بعضا ً منها‪:‬‬ ‫‪-1‬هذا االسم هو جامع األسماء اإللهٌة الظاهرة والباطنة‪,‬على الوجه‬ ‫الذي ال نهاٌة له كما هو أهله سبحانه ‪,‬ألن أسماءه تعالى هً على‬ ‫حسب صفات كماله‪ ,‬وصفات كماله ما لها نهاٌة‪,‬فؤسماإه ما لها‬ ‫نهاٌة ‪ ,‬وقد جاء فً الحدٌث ‪ [:‬أسؤلك بؤسمابك الحسنى كلها ما علمنا‬ ‫منها وما لم نعلم] الحدٌث‪ ,‬فمنها الظاهر ‪ ,‬ومنها الباطن‪ ,‬وفً‬ ‫الحدٌث‪ [:‬أسؤلك بكل اسم هو لك‪ ,‬سمٌت به نفسك‪ ,‬أو أنزلته فً‬ ‫كتابك‪ ,‬أو علمته أحداً من خلقك‪ ,‬أو استؤثرت به فً علم الؽٌب‬ ‫عندك ‪ ,‬أن تجعل القرآن العظٌم ربٌع قلبً ‪ ,‬ونور بصري‪ ,‬وجبلء‬ ‫حزنً‪ ,‬وذهاب همً وؼمً ] آمٌن فهناك أسماء إلهٌة استؤثر هللا‬ ‫تعالى بعلمها لم تظهر‪.‬‬ ‫وجمٌع األسماء اإللهٌة هً داخلة فً دابرة هذا االسم‪ ,‬ولهذا ٌقال له‬ ‫االسم األعظم‪ ,‬كما قال ابن عباس ‪( :‬اسم هللا األعظم هو ‪:‬هللا) ‪,‬‬ ‫وكما قال جابر بن ٌزٌد ‪ :‬اسم هللا األعظم هو هللا‪ ,‬أال ترى أنه فً‬ ‫جمٌع القرآن ٌبدأ به قبل كل اسم‪.‬اه ‪.‬‬ ‫‪-2‬وهذا االسم هو المتبوع ‪ ,‬وجمٌع األسماء تابعة له‪ ,‬قال تعالى‪{:‬‬ ‫هو هللا الخالق البارئ المصور له األسماء الحسنى} اآلٌة‪ ,‬فترى أن‬ ‫اسم الخالق والبارئ والمصور كلها تابعة السم الجبللة {هللا} على‬ ‫طرٌق الوصؾ والنعت‪.‬‬ ‫‪-3‬هذا االسم الجلٌل {الهع} تعلقت به جمٌع العوالم بذراتها وبؤنواعها‬ ‫قال تعالى‪ٌ {:‬ا أٌها الناس أنتم الفقراء إلى هللا وهللا هو الؽنً الحمٌد}‪.‬‬ ‫فجمٌع العباد ٌقولون ٌا أهلل‪ ,‬دعاء أو سإاالً‪ ,‬نداء أو ذكراً ‪ ,‬أو‬ ‫مناجاة‪ ,‬ولكن فً الحقٌقة كل واحد منهم متعلق باسم خاص‪ ,‬داخل‬ ‫فً دابرة اسم هللا الذي هو اسم الجبللة‪ ,‬وإنما ٌتبٌن ذلك االسم من‬ ‫الحال الذي فٌها الداعً‪ ,‬أو الذاكر‪ ,‬أو المناجً‪ ,‬أو السابل‪ ,‬فمقتضى‬ ‫رواه ابن مردوٌه وؼٌره عن ابن عباس رضً هللا عنهما ‪.‬‬ ‫رواه ابن أبً شٌبة والبخاري فً (تارٌخه)‪ ,‬وابن الضرٌس‪ ,‬وابن أبً حاتم‪,‬‬ ‫وروى ابن أبً شٌبة وابن أبً الدنٌا عن الشعبً أنه قال‪ :‬اسم هللا األعظم ‪ٌ :‬ا أهلل‪.‬‬ ‫اه‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫حال القابل ٌا أهلل‪ ,‬هو الذي ٌدلك على االسم الخاص الذي تعلق به‪,‬‬ ‫فالمرٌض ٌقول‪ٌ :‬ا أهلل‪ ,‬والفقٌر ٌقول‪ٌ :‬ا أهلل‪ ,‬وضعٌؾ القوى ٌقول‪:‬‬ ‫ٌا أهلل‪ ,‬والضال ٌقول‪ٌ :‬ا أهلل‪ ,‬والمظلوم ٌقول‪ٌ :‬ا أهلل‪.‬‬ ‫فالكل متعلقون بهذا االسم الجلٌل‪ ,‬ولكن الذي ٌجٌب كل واحد منهم‬ ‫هو االسم الذي ٌقتضٌه حاله‪.‬‬ ‫فقول المرٌض‪ٌ :‬ا أهلل أي‪ٌ :‬ا شافً‪.‬‬ ‫وقول المحتاج‪ٌ :‬ا أهلل أي‪ٌ :‬ا كافً‪.‬‬ ‫وقول الضعٌؾ العاجز ‪ٌ :‬ا أهلل أي‪ٌ :‬ا قوي‪.‬‬ ‫وقول المظلوم ‪ٌ :‬ا أهلل أي‪ٌ :‬ا ناصر من ال ناصر له ا نصرنً على‬ ‫من ظلمنً‪.‬‬ ‫وقول المبؽً علٌه والمعتدى علٌه‪ٌ :‬ا أهلل أي‪ٌ :‬ا منتقم‪.‬‬ ‫فٌجٌبه االسم الخاص كما هو مقتضى حاله‪ ,‬وذلك االسم هو داخل‬ ‫فً دابرة اسم الجبللة ‪ :‬هللا جل وعال‪.‬‬ ‫‪-4‬ومن خصابص اسم الجبللة { هللا} أنك إذا أدخلت علٌه ٌاء النداء‬ ‫تبقى األلؾ ثابتة تقول‪ٌ :‬ا أهلل بؤلؾ ثابتة‪ ,‬ولو دخلت على ؼٌره من‬ ‫األسماء لحذفت األلؾ كما هو معلوم فً لؽة العرب‪.‬‬ ‫‪-5‬ومن خصابص هذا االسم الجلٌل مبلزمة األلؾ والبلم له‪ ,‬فهما‬ ‫من ذات االسم الجلٌل ‪ ,‬ولٌسا بزابدٌن‪.‬‬ ‫‪-6‬ومن خصابص هذا االسم الجلٌل أنه قد تحذؾ ٌاء النداء من أوله‬ ‫وتعوض عنها مٌم مشددة فٌقال ‪ :‬اللهم‪.‬‬ ‫‪-7‬ومن خصابص هذا االسم الجلٌل{ هللا} حٌثما تصرفت حروفه‬ ‫دلك على هللا تعالى‪:‬‬ ‫فإذا حذفت منه األلؾ صار (هلل)‪ ,‬قال تعالى‪ {:‬هلل ما فً السموات‬ ‫وما فً األرض}‪.‬‬ ‫فإذا حذفت منه األلؾ والبلم األولى صار (له)‪ ,‬قال تعالى‪ {:‬له ما‬ ‫فً السموات وما فً األرض وكفى باهلل وكٌبلً }‪.‬‬ ‫وإذا حذفت األلؾ والبلمان صار (هو) قال تعالى‪ {:‬هو الذي خلق‬ ‫لكم ما فً األرض جمٌعا ً ثم استوى إلى السماء} اآلٌة‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫ولهذا االسم الجلٌل خصابص وفضابل كثٌرة مذكورة فً كتب‬ ‫المطوالت ‪.‬‬ ‫الرحمن‪ :‬هذا االسم مما اختص هللا تعالى به‪ ,‬وهو اسم دال على‬ ‫رحمته سبحانه العامة لجمٌع الكابنات على مختلؾ أنواعها ‪ ,‬وهذه‬ ‫الرحمة هً المذكورة فً قوله تعالى‪ {:‬ورحمتً وسعت كل شًء }‬ ‫فهذه الرحمة عمت وشملت كل شًء ٌقال له شًء ‪ ,‬ولذلك قال‬ ‫تعالى‪ {:‬الرحمن على العرش استوى } فاستوى باسمه الرحمن على‬ ‫العرش المحٌط بما هنالك كله‪ ,‬فالعرش وما حواه من العوالم التً ال‬ ‫ٌعلمها إال هللا تعالى محاط باسم الرحمن‪ ,‬واستواإه سبحانه على‬ ‫العرش هو كما جاء عن أبمة السلؾ الصالح ‪ ,‬ومن أشهرهم اإلمام‬ ‫مالك رحمه هللا تعالى للسابل عن آٌة { الرحمن على العرش استوى}‬ ‫فؤطرق اإلمام ثم قال‪ :‬االستواء معلوم ‪ ,‬والكٌؾ مجهول‪ ,‬واإلٌمان‬ ‫به واجب‪ .‬اه‪.‬‬ ‫نعم ألنه سبحانه لٌس كمثله شًء‪ ,‬فاستواإه لٌس مثله شًء‪ ,‬وال‬ ‫ٌقتضً التحٌز وال التجسٌم‪ ,‬وال التمثٌل وال التشبٌه‪ ,‬فهو سبحانه‬ ‫كان وال مكان‪ ,‬وهو اآلن على ما علٌه كان سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫فقوله سبحانه‪ {:‬الرحمن على العرش } عم برحمته جمٌع خلقه من‬ ‫المؤل األعلى واألدنى‪ ,‬واإلنس والجن‪ ,‬والمإمنٌن والكفار‪,‬‬ ‫فرحمانٌته وسعت الكل‪ ,‬فهو ٌمد الكل باإلٌجاد واإلمداد‪ ,‬والهواء‬ ‫والماء والؽذاء‪ ,‬وٌعطٌهم جمٌع ما تتطلبه وجودهم وحٌاتهم وبقاإهم‪.‬‬ ‫الرحٌم‪ :‬فهو ٌدل على الرحمة الخاصة ‪ ,‬فإما أن تكون خاصة‬ ‫بطابفة من العباد المرحومٌن وهم أهل اإلٌمان‪ ,‬وإما أن ٌكون‬ ‫خصوصها بتناولها أنواعا ً خاصة من الرحمة؛ وإن كانت عامة‬ ‫لجمٌع العباد‪.‬‬ ‫والمعنى‪ :‬أنها قد ٌراد بها خصوص نوع المرحومٌن بها أو نوع‬ ‫من أنواعها‪.‬‬ ‫فاألول‪ :‬وهو أن اسم الرحٌم هو اسم هلل تعالى دال على رحمته‬ ‫الخاصة بمن شاء‪ٌ ,‬دل على قوله تعالى‪ٌ {:‬ختص برحمته من ٌشاء‬ ‫وهللا ذو الفضل العظٌم} فهو سبحانه ٌخص من ٌشاء بما شاء من‬ ‫‪16‬‬


‫أنواع الرحمة اختصاصا ً‪ ,‬وهذه الرحمة الخاصة على أنواع متعددة‪,‬‬ ‫ومراتب مختلفة‪:‬‬ ‫فمنها نعمة اإلٌمان‪ ,‬قال تعالى ‪{:‬وكان بالمإمنٌن رحٌما ً}‪ ,‬وقال‬ ‫تعالى‪ {:‬ولوال فضل هللا علٌكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً }‪.‬‬ ‫فمن هذه الرحمة نعمة اإلٌمان المذكورة فً قوله تعالى‪ {:‬ولكن هللا‬ ‫حبب إلٌكم اإلٌمان وزٌنه فً قلوبكم وكره إلٌكم الكفر والفسوق‬ ‫والعصٌان أولبك هم الراشدون ‪ .‬فضبلً من هللا ونعمة وهللا علٌم‬ ‫حكٌم}‪.‬‬ ‫فذكر هناك الفضل والرحمة فقال‪ {:‬ولوال فضل هللا علٌكم ورحمته‬ ‫ما زكى منكم من أحد أبداً }‪ .‬ثم ذكر هنا الفضل والنعمة أي‪ :‬نعمة‬ ‫اإلٌمان التً هً من تلك الرحمة الخاصة فافهم‪.‬‬ ‫ومنها نعمة النبوة‪ ,‬قال تعالى‪ {:‬ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون‬ ‫نبٌا ً}‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪ {:‬وما كنت ترجو أن ٌلقى إلٌك الكتاب إال رحمة من‬ ‫ربك }‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪ {:‬وقالوا لوال نزل هذا القرآن على رجل من القرٌتٌن‬ ‫عظٌم ‪ .‬أهم ٌقسمون رحمة ربك }‪.‬‬ ‫ومن هذه الرحمة الخاصة ما أكرم هللا تعالى به عباده المإمنٌن‪ ,‬وما‬ ‫ٌكرم به أولٌاءه المكرمٌن‪ ,‬وأنبٌاءه المصطفٌن‪ ,‬قال تعالى‪ {:‬إذ أوى‬ ‫الفتٌة إلى الكهؾ فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهٌا لنا من أمرنا‬ ‫رشداً}‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪ -‬إخباراً عن الراسخٌن فً العلم أنهم ٌسؤلونه هذه‬ ‫الرحمة‪ {: -‬ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هدٌتنا وهب لنا من لدنك رحمة‬ ‫إنك أنت الوهاب }‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪ -‬لحبٌبه األكرم صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ {:‬فبما رحمة‬ ‫من هللا لنت لهم } اآلٌة‪.‬‬ ‫فجمٌع ذلك من أنواع الرحمة الخاصة‪.‬‬ ‫كما أن الرحمة العامة هً أٌضا ًال على أنواع متعددة ‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫وأنواع الرحمة العامة والخاصة ال ٌعلمها إال هللا تعالى ‪ ,‬وبهذا‬ ‫التقسٌم المتقدم من أن الرحمة منها عامة ومنها خاصة ‪ ,‬ولكل واحدة‬ ‫مراتب وأنواع نعلم أنه ال تعارض بٌن قوله تعالى ‪ {:‬ورحمتً‬ ‫وسعت كل شًء} حٌث عمم‪ ,‬وبٌن قوله تعالى‪ٌ {:‬ختص برحمته من‬ ‫ٌشاء } حٌث خصص‪.‬‬ ‫فإن قٌل‪ :‬فما معنى قوله تعالى ‪ {:‬ورحمتً وسعت كل شًء‬ ‫فسؤكتبها للذٌن ٌتقون وٌإتون الزكاة والذٌن هم بآٌتنا ٌإمنون }‪.‬‬ ‫فخص بعد ما عم ؟‬ ‫فالجواب‪ :‬أن المراد بالكتابة التثبٌت والتحتٌم‪ ,‬كما قال سبحانه‪ {:‬وإذا‬ ‫جاءك الذٌن ٌإمنون بآٌتنا فقل سبلم علٌكم كتب ربكم على نفسه‬ ‫الرحمة } والمعنى أوجبها لهم وحتمها ‪.‬‬ ‫أو المراد بالكتابة الجمع‪ ,‬أي‪ :‬فسؤجمع أنواع الرحمة العامة بما فٌها‬ ‫من الرحمة الخاصة للذٌن ٌتقون‪ -‬فإن الكتابة قد تطلق على الجمع‬ ‫ومنه كتٌبة الجٌش‪.‬‬ ‫أو المراد بقوله‪ {:‬فسؤكتبها } الضمٌر ٌعود إلى الخاصة من باب‬ ‫االستخدام‪ ,‬وهو ‪ :‬إعادة الضمٌر على الكلمة وإرادة معنى آخر‪ ,‬لكن‬ ‫بٌنهما ارتباط من وجه ‪ :‬إما سببٌة ومسببٌة كما فً قول الشاعر‪:‬‬ ‫إذا نزل السماء بؤرض قوم – أي‪ :‬المطر‪-‬‬ ‫رعٌناه إن كانوا ؼضابا‬ ‫أي‪ :‬رعٌنا عشبه وخصبه‪.‬‬ ‫أو عموم وخصوص ونحو ذلك كما هو مفصل فً نوع البدٌع من‬ ‫الببلؼة ؛ والمعنى‪ :‬فسؤخص وأمنح خاصة الرحمة{ للذٌن ٌتقون‪}...‬‬ ‫إلى آخر اآلٌة‪.‬‬ ‫فمن هذه الرحمة الخاصة تخرق العادات ‪ :‬وتظهر لؤلنبٌاء‬ ‫المعجزات ‪ ,‬ولؤلولٌاء الكرامات ‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ {:‬ذكر رحمت ربك عبده زكرٌا}‪ ,‬فإنه سبحانه وهبه ٌحٌى‬ ‫علٌهما السبلم على كبر سنه وعقر امرأته ‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫وقال تعالى فً أصحاب الكهؾ ‪ {:‬فضربنا على ءاذانهم فً الكهؾ‬ ‫سنٌن عدداً } بعد كا دعوا فقالوا‪ {:‬ربنا آتنا من لدنك رحمة وهٌا لنا‬ ‫من أمرنا رشداً}‪.‬‬ ‫فهً رحمة خاصة لدنٌة ‪ ,‬تخرق األسباب العادٌة‪ ,‬ولذلك قال سٌدنا‬ ‫زكرٌا علٌه وعلى نبٌنا الصبلة والسبلم ‪ {:‬فهب لً من لدنك ولٌا ً}‪.‬‬ ‫وأما ال انً ‪ :‬وهً الخاصة بذكر نوع من الرحمات الخاصة‪ ,‬قال‬ ‫تعالى‪ {:‬ربكم الذي ٌزجً لكم الفلك فً البحر لتبتؽوا من فضله إنه‬ ‫كان بكم رحٌما ً }‪ ,‬وقوله تعالى ‪ {:‬وٌمسك السماء أن تقع على‬ ‫األرض إال بإذنه إن هللا بالناس لرءوؾ رحٌم }‪.‬‬ ‫وسٌؤتً بقٌة الكبلم على الفوارق بٌن الرحمة العامة والخاصة فً‬ ‫سورة الفاتحة إن شاء هللا تعالى‪.‬‬ ‫وههنا تنبٌهات فٌها تفهٌمات ٌنبغً للمؤمن اللبٌب أن ٌعرفها‪:‬‬ ‫األول‪ :‬اعلم أن اسم الرحمن والرحٌم باقترانهما ٌكونان من جملة‬ ‫االسم األعظم الذي إذا دعً هللا تعالى به أجاب‪ ,‬وإذا سبل به‬ ‫أعطى‪ ,‬كما فً الحدٌث الذي رواه الترمذي وؼٌره‪ ,‬عن أسماء بنت‬ ‫ٌزٌد ‪ ,‬أن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم قال‪ [:‬اسم هللا األعظم‬ ‫فً هاتٌن اآلٌتٌن ‪ {:‬وإلهكم إله واحد ال إله إال هو الرحمن الرحٌم}‬ ‫وقوله تعالى ‪ {:‬آلم ‪ .‬هللا ال إله إال هو الحً القٌوم } ]‪.‬‬ ‫ومن المعلوم أن االسم األعظم الذي هو أجمع لجمٌع األسماء اإللهٌة‬ ‫هو هللا اسم الجبللة‪ ,‬واألسماء اإللهٌة كلها تابعة له‪ ,‬ومجموعة فٌه ‪,‬‬ ‫وأما االسم األعظم الذي إذا دعً هللا تعالى به أجاب‪ ,‬وإذا سبل به‬ ‫أعطى فهو متعدد كما بٌنت ذلك فً كتاب (الدعاء) مع األدلة من‬ ‫األحادٌث النبوٌة‪.‬‬ ‫ومن ذلك اسم الرب‪ ,‬وفً الحدٌث ‪ [:‬إذا قال العبد ‪ٌ :‬ا رب ٌا رب ٌا‬ ‫رب ‪ ,‬قال هللا تعالى ‪ :‬لبٌك عبدي سل تعطه ] وسٌؤتً الكبلم على‬ ‫اسم الرب‪.‬‬ ‫ال انً‪ :‬واعلم أن اسم الرحمن إذا اقترن باسم الرحٌم دل اسم‬ ‫الرحمن على الرحمة العامة‪ ,‬ودل اسم الرحٌم على الرحمات‬ ‫رواه ابن أبً الدنٌا عن السٌدة عابشة رضً هللا عنها‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫الخاصة ‪ ,‬وإذا أفرد اسم الرحمن بالذكر شمل وعم الرحمات‬ ‫الخاصة أٌضا ً ‪ ,‬قال تعالى‪ {:‬الرحمن ‪ .‬علم القرآن ‪ .‬خلق اإلنسان‪.‬‬ ‫علمه البٌان ‪ .‬الشمس والقمر بحسبان } إلى تمام السورة‪.‬‬ ‫فبدأ سورة الرحمن باسمه الرحمن‪ ,‬ثم ذكر ما شمله اسم الرحمن من‬ ‫أنواع النعم وأصناؾ االمتنان ‪ ,‬فكلما ذكر نوعا ً من الرحمة أردفها‬ ‫بذكر النعمة و المنة فٌقول سبحانه‪ {:‬فبؤي آالء ربكما تكذبان }‪.‬‬ ‫فذكر نعما ً ورحمات عمت جمٌع الثقلٌن ‪ ,‬مإمنهم وكافرهم‪ ,‬وبرهم‬ ‫وفاجرهم‪ ,‬ثم ذكر نعمه الخاصة ‪ ,‬ورحمته الخاصة بالمإمنٌن ‪ ,‬قال‬ ‫تعالى‪ {:‬ولمن خاؾ مقام ربه جنتان ‪ }..‬اآلٌات‪.‬‬ ‫فهذا كله داخل تحت اسم الرحمن الذي بدأ به السورة ‪ ,‬فجمٌع‬ ‫أصناؾ االمتنان المذكورة فً السورة هً مظاهر السم الرحمن‬ ‫وآثاره‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ٌ {:‬وم نحشر المتقٌن إلى الرحمن وفداً }‪.‬‬ ‫فشمل اسم الرحمن هنا اسم الرحٌم أٌضا ً ‪ ,‬ألن المتقٌن حشروا إلى‬ ‫رضوان هللا تعالى وجنته‪ ,‬وهً من الرحمة الخاصة التً قال تعالى‬ ‫فٌها ‪ {:‬وأما الذٌن ابٌضت وجوههم ففً رحمة هللا هم فٌها خالدون}‪.‬‬ ‫فنال المتقون أنواع الرحمات اإللهٌة العامة والخاصة ‪.‬‬ ‫ال الث‪ :‬الحكمة فً تخصٌص هذٌن االسمٌن فً البسملة‪.‬‬ ‫لقد تعرؾ سبحانه إلى عباده بهذٌن االسمٌن ‪ ,‬فؤعلنهما وصفٌن السم‬ ‫جبللته‪ ,‬الذي بدأ به األمور كلها فقال سبحانه‪ {:‬بسم هللا الرحمن‬ ‫الرحٌم } مخصصا ً لذكر صفة الرحمن والرحٌم ‪ ,‬وفً هذا وجوه‬ ‫من الحكم ‪:‬‬ ‫أووًال ‪ :‬لٌعرؾ عباده بؤن هللا تعالى الذي هو ربهم هو الرحمن‬ ‫الرحٌم‪ ,‬لٌحببهم به فٌتقربوا إلٌه حبا ً فٌه‪ ,‬وطمعا ً فٌما عنده من‬ ‫الرحمات التً ال تحصى أنواعها‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ {:‬وإن ربكم الرحمن} اآلٌة‪.‬‬ ‫فهو سبحانه رب العالمٌن ‪ ,‬رباهم برحمته‪ ,‬وؼذاهم بنعمته‪ ,‬والتربٌة‬ ‫الكاملة ال تقوم إال على أساس الرحمة‪ ,‬ولذلك لما خلق الخلق كتب‬ ‫فً كتاب عنده فوق العرش ‪ [ :‬إن رحمتً سبقت ؼضبً] الحدٌث‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫وفً رواٌة ‪ [:‬كتب على نفسه كتابا ً فهو عنده فوق العرش ‪ :‬إن‬ ‫رحمتً سبقت ؼضبً ]‪.‬‬ ‫وفً رواٌة ‪ [:‬ؼلبت]‪ ,‬وفً رواٌة‪ [:‬تؽلب] ‪ ,‬وكلها وارد فً‬ ‫الصحاح‪.‬‬ ‫فإن رحمته سبقت ؼضبه ‪ ,‬وؼلبت ؼضبه ‪ ,‬وتؽلب ؼضبه‪.‬‬ ‫فحتم على نفسه سبحانه أن ٌرحم جمٌع مخلوقاته ‪ ,‬أعلن ذلك لما‬ ‫خلق الخلق سبحانه‪ ,‬فهو أرحم بعباده وسابر مخلوقاته من أنفسهم‪,‬‬ ‫فإن رحمتهم ألنفسهم هً من مظاهر اسم الرحمن‪ ,‬كما جاء فً‬ ‫الحدٌث الذي رواه الشٌخان‪ ,‬والترمذي‪ ,‬عن أبً هرٌرة رضً هللا‬ ‫عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه و آله وسلم ‪ [:‬جعل هللا‬ ‫الرحمة مابة جزء‪ ,‬فؤمسك عنده تسعة وتسعٌن‪ -‬أي‪ :‬جزءاً‪ ,‬وفً‬ ‫رواٌة مسلم‪ [:‬لٌوم القٌامة]‪ -‬وأنزل فً األرض جزءاً واحداً ‪ ,‬فمن‬ ‫ذلك الجزء تتراحم الخبلبق ‪ -,‬أي‪ :‬فٌما بٌنها – حتى ترفع الدابة‬ ‫حافرها عن ولدها خشٌة أن تصٌبه ] ‪.‬‬ ‫وفً رواٌة لمسلم ‪ [ :‬إن هللا تعالى خلق بعد خلق السماوات‬ ‫واألرض مابة رحمة ‪ ,‬كل رحمة طباق ما بٌن السماء األرض ‪,‬‬ ‫فجعل منها فً األرض رحمة واحدة ‪ ,‬فبها تعطؾ الوالدة على‬ ‫ولدها ‪ ,‬والوحش والطٌر بعضها على بعض ‪ ,‬فإذا كان ٌوم القٌامة‬ ‫أكملها هللا تعالى بهذه الرحمة ] ‪.‬‬ ‫انٌا ًال ‪ :‬إن اسم الرحمن هو محٌط بجمٌع األكوان ‪ ,‬وآثاره مشهودة‬ ‫بالعٌان ‪ ,‬وثابتة بالبرهان ‪ ,‬وهً شاملة لئلنسان والحٌوان والطٌور‪,‬‬ ‫وجمٌع عوالم الملك والملكوت والدنٌا واآلخرة ‪.‬‬ ‫فخلق اإلنسان والجان بالرحمة ‪ ,‬قال تعالى فً سورة الرحمن التً‬ ‫بٌن سبحانه فٌها مظاهر رحمانٌته فقال ‪ { :‬الرحمن‪ .‬علم القرآن‪.‬‬ ‫خلق اإلنسان ‪ } . . .‬اآلٌات‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫ثم رباه بالرحمة ‪ ,‬فؤودعه الرحم ‪ ,‬والرحم شجنة من الرحمن ‪ ,‬ثم‬ ‫ؼذاه بالرضاع ثم بالماء والؽذاء والهواء‪ ,‬وأحاطه بؤنواع من النعم ‪,‬‬ ‫كل ذلك من آثار اسم الرحمن‪.‬‬ ‫وهكذا الزمان المشتمل علٌهم والمكان المحٌط بهم‪ ,‬قال تعالى‪ {:‬ومن‬ ‫رحمته جعل لكم اللٌل والنهار لتسكنوا فٌه ولتبتؽوا من فضله ولعلكم‬ ‫تشكرون }‪.‬‬ ‫األمر ال انً‪ :‬بٌان هل هً آٌة مستقلة أم آٌة من كل سورة من‬ ‫القرآن الكرٌم‪:‬‬ ‫ذهب بعض األئمة من السلؾ الصالح رضً هللا عنهم إلى أن‬ ‫البسملة هً من القرآن الكرٌم‪ ,‬نزلت مستقلة ‪ ,‬بمعنى ‪ :‬أنها لٌست‬ ‫من سورة معٌنة‪ ,‬بل هً من القرآن ‪ ,‬كما تقول‪ :‬سورة اإلخبلص‬ ‫سورة من القرآن‪ ,‬وضعت آٌة البسملة أمام كل سورة ‪ ,‬للفصل بٌن‬ ‫السور‪.‬‬ ‫وذهب بعض األئمة إلى أن البسملة هً من سورة الفاتحة خاصة‪,‬‬ ‫ولكن وضعت هذه اآلٌة أمام كل سورة للفصل بٌن السور‪.‬‬ ‫وذهب األئمة الك ٌرون إلى أن البسملة هً آٌة من كل سورة بعدها‪,‬‬ ‫فمن قرأ السورة ولم ٌؤت ببسملة فقد قرأ السورة ناقصة‪ ,‬وهذا‬ ‫القول‪ -‬وهو أن البسملة أمام كل سورة ‪ ,‬هً آٌة من السورة التً‬ ‫بعدها‪ -‬هو القول الجامع بٌن األقوال ‪ ,‬وله أدلة كثٌرة وصرٌحة‬ ‫أذكر بعضا ً منها‪:‬‬ ‫روى أبو داود ‪ ,‬واإلمام أحمد ‪ ,‬وابن خزٌمة فً (صحٌحه)‬ ‫والحاكم فً (المستدرك ) عن أم سلمة رضً هللا عنها قالت‪ :‬كان‬ ‫رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌقطع قراءته – أي‪ٌ :‬قرأ آٌة‬

‫كما جاء فً ( سنن ) أبً داود والترمذي وؼٌرهما ‪ ,‬عن ابن عمرو بن العاص‬ ‫رضً هللا عنهما قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬الراحمون‬ ‫ٌرحمهم هللا تعالى ‪ ,‬ارحموا من فً األرض ٌرحمكم من فً السماء ‪ ,‬الرحم ‪ :‬شجنة‬ ‫من الرحمن – أي‪ :‬مشتبكة بهذا االسم كاشتباك العروق – من وصلها وصله هللا‬ ‫تعالى‪ ,‬ومن قطعها قطعه هللا تعالى]‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫آٌة‪ { -‬بسم هللا الرحمن الرحٌم‪ .‬الحمد هلل رب العالمٌن‪ .‬الرحمن‬ ‫الرحٌم‪ .‬مالك ٌوم الدٌن }‪.‬‬ ‫وروى البخاري ‪ ,‬وابن أبً شٌبة ‪ ,‬والدار قطنً ‪ ,‬وؼٌرهم عن أنس‬ ‫رضً هللا عنه أنه سبل عن قراءة رسول هللا صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم ‪ ,‬فقال ‪( :‬كانت مداً ‪ ,‬ثم قرأ { بسم هللا الرحمن الرحٌم} ٌمد‬ ‫بسم هللا ‪ ,‬وٌمد الرحمن‪ ,‬وٌمد الرحٌم)‪.‬‬ ‫وروى الدار قطنً ‪ ,‬والبٌهقً فً (سننه) بسند صحٌح ‪ ,‬عن عبد بن‬ ‫خٌر قال‪ :‬سبل علً رضً هللا عنه عن السبع المثانً ‪ ,‬فقال‪( :‬الحمد‬ ‫هلل رب العالمٌن} – أي‪ :‬سورة الفاتحة‪.‬‬ ‫فقٌل له ‪ :‬إنما هً ست آٌات ‪ ,‬فقال ‪ {:‬بسم هللا الرحمن الرحٌم } آٌة‬ ‫– أي ‪ :‬من الفاتحة‪.-‬‬ ‫وروى الطبرانً فً (األوسط) ‪ ,‬وابن مردوٌه فً (تفسٌره)‬ ‫والبٌهقً‪ ,‬عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ‪ {[:‬الحمد هلل رب العالمٌن} سبع آٌات‪ { :‬بسم هللا‬ ‫الرحمن الرحٌم } إحداهن‪ ,‬وهً السبع المثانً والقرآن العظٌم ‪,‬‬ ‫وهً أم القرآن ‪ ,‬وهً فاتحة الكتاب‪.]...‬‬ ‫فالبسملة آٌة من الفاتحة ‪ ,‬وهً آٌة من كل سورة بعدها‪.‬‬ ‫والدلٌل على ذلك أٌضا ً‪:‬‬ ‫روى أبو داود ‪ ,‬والبزار‪ ,‬والطبرانً ‪ ,‬والحاكم فً ( مستدركه‬ ‫)والبٌهقً فً (المعرفة) عن ابن عباس رضً هللا عنهما قال‪ :‬كان‬ ‫النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ال ٌعرؾ فصل السورة ‪ ,‬وفً‬ ‫رواٌة‪ :‬خاتمة السورة حتى ٌنزل علٌه ‪ {:‬بسم هللا الرحمن الرحٌم}‪.‬‬ ‫زاد الطبرانً فً رواٌته‪ :‬فإذا نزلت { بسم هللا الرحمن الرحٌم }‬ ‫عرؾ أن السورة – أي‪ :‬السابقة – قد ختمت ‪ ,‬وابتدبت سورة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫فقول ابن عباس رضً هللا عنهما ‪ :‬حتى ٌنزل علٌه ‪ {:‬بسم هللا‬ ‫الرحمن الرحٌم } صرٌح فً أن البسملة كانت تنزل مع نزول كل‬ ‫سورة ‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫وروى الطبرانً ‪ ,‬والحاكم وصححه‪ ,‬والبٌهقً فً (الشعب) عن‬ ‫ابن عباس رضً هللا عنهما ‪ ,‬أن النبً صلى هللا صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم كان إذا جاء جبرٌل فقرأ ‪ { :‬بسم هللا الرحمن الرحٌم } علم‬ ‫أنها سورة – أي‪ :‬نزلت سورة أخرى ؼٌر السورة السابقة فً‬ ‫النزول‪.‬‬ ‫فقوله ‪ :‬فقرأ‪ {:‬بسم هللا الرحمن الرحٌم } هذا صرٌح أنها من‬ ‫السورة‪.‬‬ ‫وٌإٌد ذلك ما رواه األبمة الخمسة ‪ ,‬عن أنس رضً هللا عنه قال‪:‬‬ ‫بٌنا رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم فً المسجد إذ أؼفى إؼفاءة‬ ‫‪ ,‬ثم رفع رأسه ضاحكا ً‪.‬‬ ‫فقٌل‪ :‬ما أضحكك ٌا رسول هللا ؟‬ ‫فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬نزلت علً سورة آنفا ً‪ -‬أي‪ :‬اآلن‪-‬‬ ‫فقرأ { بسم هللا الرحمن الرحٌم‪ .‬إنا أعطٌناك الكوثر}] حتى ختمها‪.‬‬ ‫ثم قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬أتدرون ما الكوثر]؟‬ ‫قلنا ‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪.‬‬ ‫قال‪ [:‬إنه نهر وعدنٌه ربً عز وجل ‪ ,‬علٌه خٌر كثٌر ‪ ,‬وهو‬ ‫حوض ترد علٌه أمتً ٌوم القٌامة ‪ ,‬آنٌته عدد نجوم السماء‪ ,‬فٌختلج‬ ‫العبد] – ٌعنً ‪ :‬أن بعض الناس فً الموقؾ ٌؤتون إلى الحوض‬ ‫لٌشربوا ‪ ,‬فٌإخذ بهم وٌبعدون عنه‪.‬‬ ‫قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬فؤقول ‪ :‬رب إنه من أمتً ‪.‬‬ ‫فٌقول ‪ :‬ما تدري ما أحدث بعدك ] ‪.‬‬ ‫وهإالء هم المرتدون بعد إٌمانهم – والعٌاذ باهلل تعالى ‪.‬‬ ‫وقول أنس رضً هللا عنه ‪ :‬أؼفى إؼفاءة ‪ٌ :‬رٌد أنه صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم اعترته حالة الوحً ‪ ,‬وهً الكٌفٌة التً قال فٌها صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم حٌن سبل ‪ :‬كٌؾ ٌؤتٌك الوحً ؟‬

‫‪24‬‬


‫قال ‪ [ :‬أحٌاناً​ً ٌؤتٌنً فً مثل صلصلة الجرس ‪ ,‬وهو أشده علً‬ ‫‪ ,‬فٌفصم عنً وقد وعٌت عنه ما قال ‪ ,‬وأحٌانا ًال ٌتمثل لً الملك‬ ‫رجبلً فٌكلمنً فؤعً ما ٌقول ‪ ] . .‬الحدٌث كما فً البخاري وؼٌره ‪.‬‬ ‫فإذا جاء الوحً على الكٌفٌة األولى – أي ‪ :‬دون أن ٌتمثل له الملك‬ ‫رجبلً – ففً هذه الحالة ٌحمر وجهه الشرٌؾ صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم ‪ ,‬وٌظل ساكتا ً فبل ٌكلمهم وال ٌكلمونه ‪ ,‬ألنه ٌتلقى الوحً عن‬ ‫جبرٌل علٌه السبلم ‪ ,‬وسٌدنا جبرٌل علٌه السبلم وقتبذ على حقٌقته‬ ‫الملكٌة الجبرٌلٌة دون تمثل ‪.‬‬ ‫والوحً النبوي له كٌفٌات متعددة لٌس موضع تفصٌلها هنا ‪.‬‬ ‫ومما ٌدل على أن البسملة هً آٌة من السورة بعدها ‪:‬‬ ‫أخرج ابن أبً شٌبة ‪ ,‬وعبد بن حمٌد ‪ ,‬وأبو ٌعلى ‪ ,‬والحاكم‬ ‫وصححه ‪ ,‬وابن مردوٌه ‪,‬وأبو نعٌم ‪ ,‬والبٌهقً فً ( الدالبل ) ‪,‬‬ ‫وابن عساكر ‪ ,‬عن جابر رضً هللا عنهما قال ‪ :‬قال أبو جهل فً‬ ‫مؤل من قرٌش ‪ :‬قد انتشر علٌنا أمر محمد – صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم – فلو التمستم رجبلً عالما ً بالسحر والكهانة والشعر – أي ‪:‬‬ ‫حتى ٌذهب إلٌه فٌكلمه ‪.‬‬ ‫فقال عتبة بن ربٌعة ‪ :‬علمت من ذلك علما ً‪ ,‬وما ٌخفى علً إن كان‬ ‫كذلك ‪.‬‬ ‫فؤتى النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم فقال له ‪ :‬فٌم تشتم آلهتنا ‪,‬‬ ‫وتضلل آباءنا ‪ ,‬فإن كنت ترٌد الرٌاسة عقدنا ألوٌتنا لك فكنت رأسنا‬ ‫ما بقٌت ‪ ,‬وإن كان بك الباءة زوجناك عشرة ؛ تختار من أي بنات‬ ‫قرٌش ‪ ,‬وإن كان بك الحاجة جمعنا لك من أموالنا ما تستؽنً به‬ ‫أنت وعقبك – أي ‪ :‬ذرٌتك من بعدك – وأطال الكبلم ‪.‬‬ ‫قال جابر‪ :‬ورسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ساكت ال ٌتكلم –‬ ‫نعم ألن الوحً ٌنزل علٌه ‪. -‬‬ ‫وجه التشبٌه هو فً تتابع الكبلم الذي ٌلقٌه علٌه جبرٌل علٌه السبلم ‪ ,‬فإن جبرٌل‬ ‫علٌه السبلم هو ملك ال ٌتوقؾ إلقاإه الكبلم على نفس حتى ٌنقطع الكبلم بانقطاع‬ ‫النفس – ولٌس وجه التشبٌه بصوت الجرس فً نؽمته ‪ ,‬ولذا قال ‪ [ :‬فً مثل‬ ‫صلصلة الجرس ] اه ‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫فلما فرغ قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬أفرؼت ٌا أبا‬ ‫الولٌد ] ؟‬ ‫قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬ ‫قال ‪ [ :‬فاستمع منً ] ‪.‬‬ ‫قال عتبة ‪ :‬أفعل – أي ‪ :‬أسمع ‪. -‬‬ ‫فقال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ { :‬بسم هللا الرحمن الرحٌم‬ ‫حم‪ .‬تنزٌل من الرحمن الرحٌم‪ .‬كتاب فصلت ءاٌاته قرءانا ً عربٌا ً‬ ‫لقوم ٌعلمون ‪ } . . .‬فقرأ حتى بلػ ‪ { :‬فإن أعرضوا فقل أنذرتكم‬ ‫صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } ‪.‬‬ ‫فؤمسك عتبة على فٌه وقال ‪ :‬أناشدك الرحم أن تكؾ عنه ‪.‬‬ ‫ثم رجع عتبة إلى قومه ‪ ,‬فقال ‪ٌ :‬ا قوم أطٌعونً فً هذا الٌوم ‪,‬‬ ‫واعصونً بعده ‪ ,‬وهللا لقد سمعت من هذا الرجل كبلما ً ما سمعت‬ ‫مثله قط ‪ ,‬اتركوا الرجل واعتزلوه ‪ ,‬فو هللا ما هو بتارك ما هو علٌه‬ ‫‪ ,‬وخلوا بٌنه وبٌن سابر العرب ‪ ,‬فإن ٌكن ٌظهر علٌهم ٌكن شرفه‬ ‫شرفكم‪ ,‬وعزه عزكم – أي ‪ :‬تتشرفون بشرفه وتعتزون بعزته –‬ ‫وملكه ملككم ‪ ,‬وإن ٌظهروا علٌه تكونوا قد كفٌتم بؽٌركم ‪.‬‬ ‫فقالوا‪ :‬صبؤت ٌا أبا الولٌد – أي ‪ :‬ملت إلى جانب محمد صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم ‪ ,‬وأعجبك أمره ‪ ,‬وتركت ما علٌه قومك من عبادة‬ ‫األصنام ‪.‬‬ ‫فقال ‪ٌ :‬ا قوم وهللا لقد سمعت منه كبلما ً ما هو بسحر وال بشعر وال‬ ‫كهانة ‪ ,‬سمعته ٌقول ‪ { :‬فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل‬ ‫صاعقة عاد وثمود } فناشدته الرحم حتى ٌكؾ ‪ ,‬وقد علمتم أن‬ ‫محمداً – صلى هللا علٌه وآله وسلم – إذا قال شٌبا ً لم ٌكذب ‪ ,‬فخفت‬ ‫أن ٌنزل بكم العذاب ‪ .‬اه ‪.‬‬ ‫وقد أدخلت فٌما ذكرته بعض الرواٌات على بعض لتتم الفابدة ‪.‬‬ ‫ومما ٌدل على أن البسملة آٌة من كل سورة بعدها أنها مكتوبة أمام‬ ‫كل سورة ‪ ,‬وقد منعوا أن ٌكتبوا مع القرآن ؼٌره ‪ ,‬حتى إنهم – أي‬ ‫‪ :‬الصحابة رضً هللا عنهم – كانوا ال ٌكتبون العبلمات الدالة على‬ ‫األعشار واألخماس ونحو ذلك ؛ لببل ٌختلط بالقرآن ما لٌس بقرآن ‪,‬‬ ‫‪26‬‬


‫فلو لم تكن البسملة آٌة من كل سورة ما كتبوها أمام كل سورة‪.‬‬ ‫هذا وقد أجمع السلؾ األول على أن ما بٌن الدفتٌن هو كبلم هللا‬ ‫تعالى‪ ,‬والبسملة مكتوبة بٌن كل سورتٌن بٌن الدفتٌن‪.‬‬ ‫وقد ورد فً األحادٌث النبوٌة ما ٌدل على أنه صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم كان كثٌراً ما ٌجهر بالبسملة فً الصلوات الجهرٌة‪ ,‬وكان ٌسر‬ ‫بها أحٌانا ً ‪ٌ ,‬دل على ذلك مما ٌلً ‪:‬‬ ‫روى الدار قطنً والبٌهقً ‪ ,‬عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ‪ ,‬أن‬ ‫النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم كان إذا قرأ وهو ٌإم الناس افتتح ب‬ ‫{بسم هللا الرحمن الرحٌم }‪.‬‬ ‫قال أبو هرٌرة ‪ :‬هً آٌة من كتاب هللا تعالى‪ ,‬اقرإوا إن شبتم فاتحة‬ ‫الكتاب كاملة‪ ,‬فإنها اآلٌة السابعة‪.‬‬ ‫وروى ابن أبً شٌبة ‪ ,‬واإلمام أحمد‪ ,‬وأبو داود ‪ ,‬وابن األنباري‪,‬‬ ‫وابن خزٌمة فً (صحٌحه) وابن سعد فً (الطبقات)‪ ,‬والدار‬ ‫قطنً‪ ,‬والحاكم وصححه‪ ,‬والخطٌب وابن عبد البر كبلهما فً‬ ‫(كتاب المسؤلة) عن أم سلمة رضً هللا عنها ‪( :‬أن النبً صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم كان ٌقرأ‪ {:‬بسم هللا الرحمن الرحٌم ‪ .‬الحمد هلل رب‬ ‫العالمٌن ‪ .‬الرحمن الرحٌم‪ .‬مالك ٌوم الدٌن‪ .‬إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن‬ ‫‪ .‬اهدنا الصراط المستقٌم ‪ .‬صراط الذٌن أنعمت علٌهم ؼٌر‬ ‫المؽضوب علٌهم وال الضالٌن} قطعها آٌة آٌة ) الحدٌث كما فً‬ ‫(الدر المنثور)‪.‬‬ ‫وأخرج أبو داود ‪ ,‬والترمذي‪ ,‬والدار قطنً‪ ,‬والبٌهقً‪ ,‬عن ابن‬ ‫عباس رضً هللا عنهما قال ‪ :‬كان النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫ٌفتتح صبلته ب {بسم هللا الرحمن الرحٌم } –أي‪ :‬فكان الصحابة‬ ‫ٌسمعون ذلك جهراً‪.‬‬ ‫وروى البزار ‪ ,‬والدار قطنً والبٌهقً فً (الشعب) من طرٌق أبً‬ ‫الطفٌل قال‪ :‬سمعت علً بن أبً طالب وعماراً رضً هللا عنهما‬ ‫ٌقوالن ‪( :‬إن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌجهر فً‬ ‫الصلوات المفروضة الجهرٌة ب {بسم هللا الرحمن الرحٌم } فً‬ ‫فاتحة الكتاب )‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫وروى الدار قطنً ‪ ,‬عن علً بن أبً طالب رضً هللا عنه قال‪:‬‬ ‫(كان النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌجهر ب { بسم هللا الرحمن‬ ‫الرحٌم } فً السورتٌن جمٌعا ً )‪.‬‬ ‫أي‪ٌ :‬جهر بالبسملة قبل الفاتحة ‪ ,‬وبالبسملة من السورة التً ٌقرإها‬ ‫بعد الفاتحة فً الصبلة الجهرٌة ‪.‬‬ ‫وأما الدلٌل على أنه صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌسر بالبسملة‬ ‫أحٌانا ً فً الصلوات الجهرٌة ‪ ,‬ففً (الصحٌحٌن) عن أنس رضً‬ ‫هللا عنه قال‪ :‬صلٌت خلؾ النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم وأبً بكر‬ ‫وعمر وعثمان فكانوا ٌفتتحون ب { الحمد هلل رب العالمٌن}‪.‬‬ ‫وروى مسلم ‪ ,‬عن عابشة رضً هللا عنها قالت‪ :‬كان رسول هللا‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌفتتح الصبلة بالتكبٌر ‪ ,‬والقراءة ب‬ ‫{الحمد هلل رب العالمٌن }‪.‬‬ ‫أي‪ٌ :‬فتتح القراءة فً الصبلة بسورة {الحمد هلل رب العالمٌن } ال‬ ‫بؽٌرها من السور‪ -‬أي‪ :‬فما كان ٌفتتح القراءة فً الصبلة ب {قل هو‬ ‫هللا أحد} وال بؽٌرها من السور‪ -‬وأما البسملة فٌسر بها ال أنه ٌتركها‬ ‫‪ ,‬وهذا محمول على بعض األحٌان ‪ ,‬بدلٌل إثبات جهره صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم بها فً األحادٌث المتعددة المتقدمة‪ ,‬التً هً‬ ‫بمجموعها حجة قاطعة فً االستدالل على الجهر بها‪.‬‬ ‫وأما ما جاء فً رواٌة لمسلم ‪ :‬عن أنس رضً هللا عنه قال‪( :‬صلٌت‬ ‫خلؾ النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم وأبً بكر وعمر وعثمان‬ ‫فكانوا ٌفتتحون ب{الحمد هلل رب العالمٌن } ال ٌذكرون {بسم هللا‬ ‫الرحمن الرحٌم} فً أول قراءة وال فً آخرها) فهً محمولة على‬ ‫أنهم ال ٌذكرونها جهراً‪ ,‬وإنما ٌذكرونها سراً‪ -‬أي‪ :‬أحٌانا ً – ولٌس‬ ‫المراد أنهم ال ٌذكرون شٌبا ً أبداً‪.‬‬ ‫فكما أنه صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌسر بدعاء الثناء بعد افتتاحه‬ ‫بالتكبٌر‪ ,‬وبالتوجه‪ ,‬وبالتعوذ‪ ,‬فكذلك كان صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫ٌسر بالبسملة ‪ ,‬فإن دعاء الثناء والتوجه والتعوذ ثابت عنه صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم فً الصلوات ‪ ,‬فبل ٌجوز أن ٌفهم من قول أنس‬

‫‪28‬‬


‫رضً هللا عنه الوارد فً مسلم ‪ :‬ال ٌذكرون {بسم هللا الرحمن‬ ‫الرحٌم } وال ؼٌرها على النفً المطلق؛ بل على نفً الجهر بها‪.‬‬ ‫فقد روى البخاري ‪ ,‬عن قتادة قال‪ :‬سؤلت أنس بن مالك كٌؾ كانت‬ ‫قراءة النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ؟ فقال‪ :‬كانت مداً‪ ,‬ثم قرأ أنس‬ ‫‪ {:‬بسم هللا الرحمن الرحٌم } ٌمد بسم هللا –أي‪ :‬البلم التً قبل هاء‬ ‫الجبللة – وٌمد الرحمن‪ -‬أي‪ :‬المٌم التً قبل النون‪ -‬وٌمد صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم الرحٌم‪ -‬أي‪ :‬الحاء – فهذه الرواٌة عن أنس تدل‬ ‫على أنه صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌجهر بالبسملة ‪.‬‬ ‫ورواٌته عدم ذكر البسملة محمولة على اإلسرار بها‪ ,‬كما كان صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ٌسر بدعاء التوجه بعد التكبٌر‪.‬‬ ‫ففً ( الصحٌحٌن ) والرواٌة لمسلم ‪ ,‬عن أمٌر المإمنٌن علً رضً‬ ‫هللا عنه قال ‪ ( :‬كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا قام إلى‬ ‫الصبلة كبر ثم قال ‪ [ :‬وجهت وجهً للذي فطر السماوات واألرض‬ ‫حنٌفا ً وما أنا من المشركٌن ‪ ,‬إن صبلتً ونسكً ومحٌاي ومماتً‬ ‫هلل رب العالمٌن ال شرٌك له وأنا من المسلمٌن ] ) ‪.‬‬ ‫وفً رواٌة لمسلم ‪ [ :‬وأنا أول المسلمٌن ] الحدٌث ‪.‬‬ ‫وبه أخذ اإلمام الشافعً رضً هللا عنه ‪.‬‬ ‫وروى أبو داود والترمذي ‪ ,‬عن عابشة رضً هللا عنها قالت ‪ :‬كان‬ ‫رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا افتتح الصبلة قال ‪[ :‬‬ ‫سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ,‬وتبارك اسمك ‪ ,‬وتعالى جدك ‪,‬وال إله‬ ‫ؼٌرك ] ‪.‬‬ ‫وبهذا أخذ اإلمام أبو حنٌفة رضً هللا عنه ‪.‬‬ ‫سنٌة افتتاح مهام األمور ب { بسم هللا الرحمن الرحٌم } ‪:‬‬ ‫جاء فً الحدٌث عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬كل أمر ذي بال ال ٌبدأ فٌه ب{بسم‬ ‫أي‪ :‬ذي شؤن وشرؾ‪ ,‬قال العبلمة المناوي‪ :‬وفً رواٌة ‪ [:‬كل كبلم] واألمر أعم‬ ‫من الكبلم‪ ,‬ألنه قد ٌكون – أي‪ :‬األمر – فعبلً فلذا آثر رواٌته ‪.‬اه‪.‬‬ ‫والمعنى كل أمر قوالً كان أو فعبلً‪ ,‬له شؤن ٌهتم به شرعا ً ‪.‬‬ ‫فالمراد بالبال هنا الحال ‪ ,‬وقد ٌطلق البال فً اللؽة على القلب ‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫هللا الرحمن الرحٌم} أقطع ‪ ]...‬وقد حسنه النووي والسٌوطً بعده‬ ‫وؼٌرهما‪.‬‬ ‫أما افتتاح تالوة القرآن الكرٌم ب { بسم هللا الرحمن الرحٌم } ‪:‬‬ ‫فقد روى البخاري وؼٌره ‪ ,‬عن أم سلمة رضً هللا عنها أنها سبلت‬ ‫عن قراءة رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم فقالت ‪ :‬كان ٌقطع‬ ‫قراءته آٌة آٌة ‪ { :‬بسم هللا الرحمن الرحٌم‪ .‬الحمد هلل رب العالمٌن‪.‬‬ ‫الرحمن الرحٌم‪ .‬مالك ٌوم الدٌن ‪ } . . .‬الحدٌث ‪.‬‬ ‫ومن ذلك افتتاح الكتب والرسائل فقد كان رسول هللا صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم ٌفتتح كتبه ورسابله ب { بسم هللا الرحمن الرحٌم } ‪.‬‬ ‫فهذا كتابه صلى هللا علٌه وآله وسلم إلى هرقل‪ ,‬وفٌه كما فً‬ ‫(صحٌح )البخاري ‪ [:‬بسم هللا الرحمن الرحٌم من محمد عبد هللا‬ ‫ورسوله إلى هرقل عظٌم الروم سبلم على من اتبع الهدى ‪ ,‬وأما‬ ‫بعد ‪ :‬فإنً أدعوك بدعاٌة اإلسبلم ]‪.‬‬ ‫وفً رواٌة لمسلم ‪ [:‬بداعٌة اإلسبلم‪ -‬أي‪ :‬بالكلمة الداعٌة لئلسبلم ‪,‬‬ ‫وهً شهادة أن ال إله إال هللا وأن محمداً رسول هللا – أسلم تسلم‬ ‫ٌإتك هللا أجرك مرتٌن ‪ ,‬فإن تولٌت فإن علٌك إثم األرٌسٌ​ٌن‪ -‬أي‪:‬‬ ‫إثم أتباعك‪ { -‬قل ٌا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بٌننا وبٌنكم أال‬ ‫نعبد إال هللا وال نشرك به شٌبا ً وال ٌتخذ بعضنا بعضا ً أربابا ً من دون‬ ‫هللا فإن تولوا فقولوا اشهدوا بؤنا مسلمون }]‪.‬‬ ‫وروى الخطٌب البؽدادي ‪ ,‬عن أبً جعفر محمد بن علً رضً هللا‬ ‫عنهم ‪ ,‬عن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال‪ [:‬بسم هللا الرحمن‬ ‫الرحٌم مفتاح كل كتاب]‪.‬‬ ‫وكان صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌفتتح كبلمه وٌختتمه ببسم هللا‪:‬‬ ‫معنى أقطع ‪ :‬ممحوق من كل خٌر وبركة ‪.‬‬ ‫قال اإلمام النووي بعد سٌاقه هذا الحدٌث وما قبله وهو حدٌث ابن ماجه ‪ [ :‬كل‬ ‫امرىء ذي بال ال ٌبدأ بالحمد هلل أقطع ] ‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬روٌنا هذه األلفاظ فً األربعٌن للرهاوي وهو حدٌث حسن ‪ ,‬وقد روي‬ ‫موصوالً ومرسبلً ‪ ,‬ورواٌة الموصول جٌدة اإلسناد ‪ ,‬وإذا روي الحدٌث موصوالً‬ ‫ومرسبلً فالحكم لبلتصال عند الجمهور ‪ . . .‬اه فقد حسن النووي حدٌث البسملة ‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫كما جاء فً حدٌث هند بن أبً هالة المذكور فً شمابل الترمذي‬ ‫وؼٌرها‪ ,‬وفٌه‪ :‬كان صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌفتتح كبلمه وٌختمه‬ ‫باسم هللا تعالى‪ ...‬الحدٌث بطوله‪.‬‬ ‫وقد ورد استحباب التسمٌة فً عدة أمور ‪ ,‬ولكن تختلف المقاصد‬ ‫فٌها حسب حال األمر الذي بدأه بالبسملة ‪.‬‬ ‫فمن األمور ذات البال التً تسن فٌها التسمٌة ‪:‬‬ ‫عند الوضوء‪ ,‬وعند دخول المسجد‪ ,‬وعند الخروج من المنزل‬ ‫والدخول فٌه‪ ,‬وعند ركوب الدابة‪ ,‬وإؼبلق الباب وؼٌر ذلك ‪ ,‬وعند‬ ‫تناول الطعام والشراب‪ ,‬ولباس الثٌاب‪ ,‬والمقصود من ذلك تعظٌم‬ ‫هللا تعالى والتبرك باسمه تعالى ‪ ,‬ولٌحصل الخٌر والنفع بذلك على‬ ‫وجه التمام والدوام‪ ,‬واالعتراؾ له سبحانه بالفضل والنعمة‪.‬‬ ‫وقد ٌقصد به التعوذ – أي‪ :‬وقد ٌقصد بالبدء بالبسملة التعوذ‪ -‬من‬ ‫شر اإلنس والجن‪ ,‬والتحصن ‪ ,‬وإبعاد الشٌاطٌن ‪ ,‬والتحرز من‬ ‫شرورهم وفسادهم‪.‬‬ ‫وقد ٌراد به الحفظ للشًء‪ٌ ,‬فهم ذلك من المواضع التً ٌطلب فٌها‬ ‫البسملة كما سٌبٌن لك من األحادٌث النبوٌة اآلتٌة ‪:‬‬ ‫وأما التسمٌة على الذبٌحة فهً فرض لقوله تعالى ‪ {:‬فكلوا مما ذكر‬ ‫اسم هللا علٌه إن كنتم بآٌاته مإمنٌن}‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪ {:‬وال تؤكلوا مما لم ٌذكر اسم هللا علٌه وإنه لفسق }‬ ‫اآلٌة‪.‬‬ ‫وتفصٌل أقوال أبمة الفقه فً ذلك تجده فً كتب الفقه مفصبلً‪.‬‬ ‫أما البسملة عند الوضوء ‪ :‬فعن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال‪ :‬قال‬ ‫رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ {:‬ال صبلة لمن ال وضوء له‪,‬‬ ‫وال وضوء لمن لم ٌذكر اسم هللا تعالى علٌه ] وقد جاء فً رواٌة‬ ‫الترمذي ‪ [:‬ال وضوء لمن لم ٌذكر اسم هللا علٌه ]‪.‬‬ ‫قال الحافظ المنذري ‪ :‬رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ‪ ,‬والطبرانً‪ ,‬والحاكم‬ ‫وصححه‪ ,‬ثم قال ‪ :‬وقد ذهب الحسن‪ -‬البصري‪ -‬وإسحاق بن راهوٌه وأهل الظاهر‬ ‫إلى وجوب التسمٌة فً الوضوء‪ ,‬حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء ‪ ,‬قال‪ :‬وهو‬ ‫رواٌة عن اإلمام أحمد ‪ .‬إلخ‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫وأما التسمٌة عند دخول المسجد ‪ :‬روى اإلمام أحمد وابن ماجه‬ ‫وؼٌرهما‪ ,‬عن السٌدة الكبرى السٌدة فاطمة الزهراء علٌها السبلم‬ ‫والرضوان قالت‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا دخل‬ ‫المسجد ٌقول‪ [:‬بسم هللا‪ ,‬والسبلم على رسول هللا‪ ,‬اللهم اؼفر لً‬ ‫ذنوبً وافتح لً أبواب رحمتك]‪.‬‬ ‫وإذا خرج من المسجد قال‪ [:‬بسم هللا‪ ,‬والسبلم على رسول هللا‪ ,‬اللهم‬ ‫اؼفر لً ذنوبً ‪ ,‬وافتح لً أبواب فضلك ]‪.‬‬ ‫م ٌأتً داخل المسجد بالتعوذ ‪ :‬روى أبو داود ‪ ,‬عن ابن عمر‬ ‫رضً هللا عنهما قال ‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا‬ ‫دخل المسجد قال ‪ [ :‬أعوذ باهلل العظٌم ‪ ,‬وبوجهه الكرٌم ‪ ,‬وسلطانه‬ ‫القدٌم ‪ ,‬من الشٌطان الرجٌم ] وقال ‪ [ :‬من قال ذلك ‪ :‬حفظ منه –‬ ‫أي ‪ :‬من الشٌطان – سابر الٌوم ] ‪.‬‬ ‫التسمٌة عند الخروج من المننل ‪ :‬عن أم سلمة رضً هللا عنها‬ ‫قالت ‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا خرج من بٌته‬ ‫قال ‪ [ :‬بسم هللا ‪ ,‬توكلت على هللا ‪ ,‬اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل أو‬ ‫نضل ‪ ,‬أو نظلم أو نظلم ‪ ,‬أو نجهل أو ٌجهل علٌنا ] ‪.‬‬ ‫وعن أنس رضً هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم ‪ [:‬من قال إذا خرج من بٌته‪ :‬بسم هللا‪ ,‬توكلت على هللا‪ ,‬وال‬ ‫حول وال قوة إال باهلل ‪ٌ ,‬قال هل‪ -‬أي‪ٌ :‬قول له الملك‪ :-‬حسبك هدٌت‬ ‫وكفٌت ووقٌت‪ ,‬وتنحى عنه الشٌطان ] ‪.‬‬ ‫التسمٌة عند دخول المننل‪ :‬روى أبو داود ‪ ,‬عن أبً مالك‬ ‫األشعري رضً هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم ‪ [:‬إذا ولج – أي‪ :‬دخل‪ -‬الرجل إلى بٌته فلٌقل‪ :‬اللهم إنً أسؤلك‬ ‫خٌر المولج وخٌر المخرج ‪ ,‬بسم هللا ولجنا‪ ,‬وبسم هللا خرجنا‪ ,‬وعلى‬ ‫هللا ربنا توكلنا ‪ ,‬ثم لٌسلم – الرجل‪ -‬على أهله]‪.‬‬ ‫التسمٌة إذا دخل السوق ‪ :‬روى الطبرانً والحاكم وؼٌرهما عن‬ ‫برٌدة رضً هللا عنه قال‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫رواه أصحاب ( السنن ) كما فً ( جامع األصول ) ‪.‬‬ ‫رواه أبو داود والترمذي‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫إذا دخل السوق قال‪ [:‬بسم هللا ‪ ,‬اللهم إنً أسؤلك من خٌر هذه السوق‬ ‫وخٌر ما فٌها ‪ ,‬وأعوذ بك من شرها وشر ما فٌها ‪ ,‬اللهم إنً أعوذ‬ ‫بك أن أصٌب فٌها – أي‪ :‬أن أعمل فٌها – ٌمٌنا ً فاجرة أو صفقة‬ ‫خاسرة]‪.‬‬ ‫التسمٌة على الطعام والشراب‪ :‬عن السٌدة عابشة رضً هللا عنها‬ ‫قالت‪ :‬كان النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌؤكل طعامه فً ستة من‬ ‫أصحابه ‪ ,‬فجاء أعرابً فؤكله بلقمتٌن‪.‬‬ ‫فقال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬أما إنه لو سمى – أي‪:‬‬ ‫لو أن األعرابً قال‪ :‬بسم هللا – لكفتكم] ‪.‬‬ ‫وفً (المسند) أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم كان إذا قرب إلٌه‬ ‫طعامه قال‪ [:‬بسم هللا ]‪ ,‬فإذا فرغ قال‪ [:‬اللهم إنك أطعمت وسقٌت‪,‬‬ ‫وأؼنٌت وأقنٌت ‪ ,‬وهدٌت واجتبٌت ‪ ,‬فلك الحمد على ما أعطٌت]‪.‬‬ ‫وعن جابر رضً هللا عنه ‪ ,‬أنه سمع النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫ٌقول‪ [:‬إذا دخل الرجل بٌته فذكر هللا تعالى عند دخوله ‪ ,‬وعند‬ ‫طعامه‪ ,‬قال الشٌطان‪ - :‬أي‪ :‬ألتباعه الشٌاطٌن – ال مبٌت لكم وال‬ ‫عشاء ‪ ,‬وإذا دخل فلم ٌذكر هللا تعالى عند دخوله قال الشٌطان ‪:‬‬ ‫أدركتم المبٌت ‪ ,‬وإذا لم ٌذكر هللا تعالى عند طعامه قال الشٌطان‪:‬‬ ‫أدركتم المبٌت والعشاء ]‪.‬‬ ‫التسمٌة عند الركوب ‪ :‬روى اإلمام أحمد فً ( مسنده ) عن علً بن‬ ‫ربٌعة قال ‪ :‬رأٌت أمٌر المإمنٌن علٌا ً رضً هللا عنه أتً بدابة فلما‬ ‫وضع رجله فً الركاب قال ‪ :‬بسم هللا فلما استوى علٌها قال ‪ :‬الحمد‬ ‫هللا ‪ ,‬و { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنٌن‪ .‬وإنا إلى ربنا‬ ‫لمنقلبون } ‪ ,‬ثم حمد هللا تعالى ثبلثا ً ‪ ,‬وكبر ثبلثا ً ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬سبحانك‬ ‫ال إله إال أنت ‪ ,‬قد ظلمت نفسً فاؼفر لً – ثم ضحك ‪.‬‬ ‫فقلت له ‪ :‬مم ضحكت ٌا أمٌر المإمنٌن ؟‬ ‫قال المنذري ‪ :‬رواه أبو داود والترمذي وقال‪ :‬حسن صحٌح ‪ ,‬وابن ماجه‪ ,‬وابن‬ ‫حبان فً (صحٌحه)‪ ,‬وزاد ‪ :‬قال صلى هللا علٌه وسلم ‪ [:‬فإذا أكل أحدكم طعامه‬ ‫فلٌذكر اسم هللا علٌه ‪ ,‬فإن نسً فً أوله ؛ فلٌقل‪ :‬بسم هللا أوله وآخره ]‪.‬‬ ‫وقد روى أبو داود وابن ماجه هذه الزٌادة فً حدٌث مستقل‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫فقال علً رضً هللا عنه ‪ :‬رأٌت النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫فعل مثل ما فعلت ثم ضحك ‪ ,‬فقلت ‪ :‬مم ضحكت ٌا رسول هللا ؟‬ ‫فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ٌ [:‬عجب الرب تبارك وتعالى من‬ ‫عبده إذا قال ‪ :‬رب اؼفر لً ‪ ,‬وٌقول – سبحانه – ‪ :‬علم عبدي أنه‬ ‫ال ٌؽفر الذنوب ؼٌري ] ‪.‬‬ ‫التسمٌة عند إرادة النوم ‪ :‬عن أبً األزهر رضً هللا عنه ‪ ,‬أن‬ ‫النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم كان إذا أخذ مضجعه من اللٌل قال ‪:‬‬ ‫[ بسم هللا وضعت جنبً ] ‪ ,‬وفً رواٌة ‪ [ :‬وبك أرفعه ‪ ,‬اللهم اؼفر‬ ‫لً ذنبً ‪ ,‬واخسؤ شٌطانً ‪ ,‬وفك رهانً ‪ ,‬وثقل مٌزانً ‪ ,‬واجعلنً‬ ‫فً الندي األعلى ] ‪.‬‬ ‫وعن البراء رضً هللا عنه قال ‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم إذا أخذ مضجعه من اللٌل وضع ٌده تحت خده ‪ ,‬ثم ٌقول ‪[ :‬‬ ‫باسمك اللهم أحٌا وباسمك اللهم أموت ] ‪.‬‬ ‫وإذا استٌقظ قال ‪ [ :‬الحمد هلل الذي أحٌانا بعد ما أماتنا وإلٌه النشور ]‬ ‫‪.‬‬ ‫والٌد الذي ٌضعها تحت خده هً الٌمنى ‪ ,‬كما جاء فً حدٌث البراء‬ ‫رضً هللا عنه قال ‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا‬ ‫أخذ مضجعه جعل ٌده الٌمنى تحت خده األٌمن وقال ‪ [ :‬رب قنً‬ ‫عذابك ٌوم تبعث عبادك ] ‪.‬‬ ‫التسمٌة إذا أراد الرجل أن ٌأتً أهله ‪ :‬عن ابن عباس رضً هللا‬ ‫عنهما قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬لو أن‬ ‫أحدكم إذا أراد أن ٌؤتً أهله قال ‪ :‬بسم هللا ‪ ,‬اللهم جنبنا الشٌطان ‪,‬‬ ‫ومعنى ٌعجب الرب تبارك وتعالى ‪ٌ :‬عظم شؤن عبده عنده إذا قال ‪ :‬رب اؼفر‬ ‫لً ‪ ,‬وهو ٌعلم انه ال ٌؽفر الذنوب إال هللا تعالى ‪.‬‬ ‫قال الحافظ ابن كثٌر ‪ :‬وهكذا رواه أبو داود ‪ ,‬والترمذي ‪ ,‬والنسابً من حدٌث‬ ‫أبً األحوص ‪ .‬اه ‪.‬‬ ‫رواه أبو داود والحاكم ‪.‬‬ ‫عزاه فً( الجامع الصؽٌر ) إلى ( الصحٌحٌن) و ( المسند ) ‪.‬‬ ‫رواه الترمذي ‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫وجنب الشٌطان ما رزقتنا ‪ ,‬فإنه إن قضً بٌنهما ولد من ذلك لم‬ ‫ٌضره الشٌطان أبداً ] ‪.‬‬ ‫أي ‪ :‬ألنه سمى علٌه ‪ ,‬أي ‪ :‬ذكر اسم هللا تعالى علٌه ‪ ,‬وكل ذلك قبل‬ ‫التكشؾ – أي ‪ :‬حال الستر ‪. -‬‬ ‫فحافظ أٌها المسلم على ذلك ‪ ,‬فإنه حرز لك ‪ ,‬ولزوجتك ‪ ,‬ولولدك‬ ‫من الشٌطان ‪.‬‬ ‫التسمٌة عند إغالق األبواب وإطفاء المصباح ونحو ذلك ‪ :‬عن‬ ‫جابر رضً هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫‪ [ :‬إذا استجنح اللٌل ] ‪ ,‬وفً رواٌة ‪ [ :‬إذا كان جنح اللٌل فكفوا‬ ‫صبٌانكم ‪ ,‬فإن الشٌاطٌن تنتشر حٌنبذ ‪ ,‬فإذا ذهب ساعة من اللٌل‬ ‫فخلوهم ‪ ,‬وأؼلقوا األبواب واذكروا اسم هللا‪ ,‬فإن الشٌطان ال ٌفتح‬ ‫بابا ً مؽلقا ً ‪ -,‬أي‪ :‬إذا ذكر اسم هللا علٌه‪ -‬وأوكبوا قرابكم واذكروا اسم‬ ‫هللا‪ ,‬وخمروا آنٌتكم واذكروا اسم هللا‪ -‬ولو أن تعرضوا علٌه شٌبا ً ‪,‬‬ ‫وأطفبوا مصابٌحكم] ‪.‬‬ ‫فاعتبر أٌها العاقل فً هذا الحدٌث الشرٌؾ الجامع ألنواع من‬ ‫اإلرشادات ‪ ,‬واآلداب الجامعة لكل خٌر‪ ,‬وكلها مرتبطة ببسم هللا‪,‬‬ ‫فً كل فعل وحركة وسكون‪ ,‬بحٌث تجعلك فً سبلمة من آفات‬ ‫الدارٌن ‪ ,‬وفساد أمر الدٌن والدنٌا‪ ,‬فقد أمر صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫بإؼبلق األبواب مع ذكر اسم هللا تعالى ‪ ,‬وهذا ٌشمل كل باب ٌؽلق‪,‬‬ ‫سواء باب المنزل‪ ,‬أو باب صندوق األمتعة‪ ,‬فإن األمتعة من األلبسة‬ ‫ونحوها هً معرضة لتسلط الشٌاطٌن علٌها‪ ,‬كما هً معرضة‬ ‫لدخول الهوام فٌها ‪ ,‬فسم هللا تعالى إذا وضعتها إن لم تكن فً‬ ‫موضع له باب ‪ ,‬وإن وضعتها فً موضع له باب فسم هللا تعالى عند‬ ‫رواه الشٌخان واإلمام أحمد ‪.‬‬ ‫أي ‪ :‬اقبل اللٌل بظبلمه ‪ ,‬فإن الشٌاطٌن واألرواح الخبٌثة تنتشر ‪ ,‬فتفسد وتضر ‪,‬‬ ‫فربما تإذ األوالد فً تلك الساعة ‪.‬‬ ‫بحاء مهملة مضمومة ‪ ,‬وفً رواٌة ‪ :‬بخاء معجمة مفتوحة أي ‪ :‬من التخلٌة‪,‬‬ ‫والمعنى ‪ :‬فبل تمنعوهم من الخروج والدخول ‪.‬‬ ‫رواه الشٌخان واإلمام أحمد والبزار وؼٌرهم‪ ,‬ومعنى‪ [:‬خمروا آنٌتكم] أي‪:‬‬ ‫اجعلوا علٌها ؼطاء بؤي شًء تٌسر‪ ,‬فإن البسملة تجعله قوٌا ً منٌعا ً ‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫إؼبلق الباب ‪ ,‬فإن اسم هللا تعالى هو السور العظٌم‪ ,‬والحجاب‬ ‫المنٌع؛ مانع لتدخل الشٌاطٌن ‪.‬‬ ‫روى أبو الشٌخ فً (العظمة) عن صفوان بن سلٌم قال‪ :‬الجن‬ ‫ٌستمتعون بمتاع اإلنس وثٌابهم‪ ,‬فمن أخذ منكم ثوبا ً أو وضعه فلٌقل‬ ‫بسم هللا فإن اسم هللا تعالى مانع‪.‬‬ ‫وأمر صلى هللا علٌه وآله وسلم بالقرب أن توكؤ‪ -‬أي‪ :‬تسد أفواهها‬ ‫بما ٌسد به فم القربة‪ -‬مع اسم هللا تعالى حتى ال تدخل فٌه الهوام‪,‬‬ ‫وال تفسده الشٌاطٌن‪.‬‬ ‫وأمر بتخمٌر األوانً – أي‪ :‬بتؽطٌتها ولو بؽطاء خفٌؾ‪ -‬فٌنبؽً‬ ‫تؽطٌة أوانً الطعام والشراب مع ذكر اسم هللا تعالى ‪ ,‬فإن ذكر اسم‬ ‫هللا تعالى هو الذي ٌحفظها ال الؽطاء‪ ,‬فسم هللا تعالى لحفظها من‬ ‫الهوام الظاهرة ‪ ,‬والشٌاطٌن الخفٌة‪.‬‬ ‫وإذا وضعت أوانً الطعام والشراب فً محفظة لها كالمبردات فً‬ ‫زماننا فسم هللا تعالى؛ وأؼلق الباب ٌكفٌك عن تؽطٌتها‪.‬‬ ‫وأمر بإطفاء المصابٌح عند النوم‪ ,‬وجاء فً تعلٌل األمر بإطفاء‬ ‫المصابٌح التً كانت تضًء بسبب الفتٌلة المستمدة من الزٌت ‪,‬‬ ‫فؤمر صلى هللا علٌه وآله وسلم بإطفاء المصباح مخافة أن تؤتً‬ ‫الفوٌسقة بتحرٌك من الشٌاطٌن فتجر الفتٌلة فتحرق البٌت‪.‬‬ ‫وقد نص العلماء على أن األمر بإطفاء تلك المصابٌح هو لئلرشاد‪,‬‬ ‫مخافة األذى ووقوع الضرر‪ ,‬ولكن إذا لم ٌكن هناك ضرر أو‬ ‫مخافة األذى منها فبل مانع من ترك إطفاء المصباح عند النوم حسب‬ ‫الحاجة‪ ,‬وكل ذلك من باب شفقته صلى هللا علٌه وآله وسلم على‬ ‫أمته‪ ,‬فإنه صلى هللا علٌه وآله وسلم أشفق على أمته من الوالدة على‬ ‫ولدها‪ ,‬ولم ٌدع صلى هللا علٌه وآله وسلم شفقة دٌنٌة أو دنٌوٌة إال‬ ‫وقد أرشد أمته إلٌها؛ ودلهم علٌها‪ -‬صلى هللا تعالى علٌه وعلى آله‬ ‫وسلم تسلٌماَاً​ً ‪.‬‬ ‫وفً هذا الحدٌث الشرٌؾ ما ٌدلك على أن تعاطً األسباب الظاهرة‬ ‫هو أمر مشروع ال بد منه‪ ,‬فؤمر صلى هللا علٌه وآله وسلم بإؼبلق‬ ‫األبواب‪ ,‬وإٌكاء السقاء‪ ,‬وتؽطٌة األوانً – وؼٌر ذلك كما تقدم‬ ‫‪36‬‬


‫ولكن بٌن أن ذلك وحده ال ٌكفً ‪ ,‬بل ال بد من ذكر اسم هللا تعالى ‪,‬‬ ‫فإن األسباب لٌس لها تؤثٌر فً الحفظ والوقاٌة‪ -‬من ذاتها‪ -‬وإنما‬ ‫المإثر بالذات والفعال هو هللا تعالى وحده ‪ ,‬فإن األسباب هو الذي‬ ‫نصٌها‪ -,‬ولكن لم ٌجعل لها تؤثٌراً من ذاتها‪ -‬فإن شاء أعملها وجعل‬ ‫لها التؤثٌر ‪ ,‬وإن شاء أهملها ‪ ,‬فاألسباب كآلة عمل إن أمدتها قوة‬ ‫كهرباء أو نحوها تحركت؛ وإال فهً عاطلة عن الحركة ‪.‬‬ ‫واألسباب كاألجسام ‪ ,‬فإن جعل هللا تعالى فٌها روحا ً عملت‬ ‫وتحركت‪ ,‬وإال فبل حراك لها‪.‬‬ ‫فلٌس لسبب تؤثٌر ذاتً ‪ ,‬فقد ٌحرق سبحانه بالنار ‪ ,‬وقد ٌجعلها برداً‬ ‫وسبلما ً – وهً نار‪ -‬كما جعلها على سٌدنا إبراهٌم الخلٌل علٌه‬ ‫الصبلة والسبلم‪.‬‬ ‫وصبلبة الحدٌد لٌست من ذاته بل بقوة من هللا تعالى و وقد ٌجعله‬ ‫لٌنا ً وهو حدٌد‪ ,‬قال تعالى فً سٌدنا داود علٌه السبلم‪ {:‬وألنا له‬ ‫الحدٌد}‪.‬‬ ‫والدواء سبب ولكن الذي ٌشفً به هو هللا تعالى‪.‬‬ ‫والماء سبب ولكن الذي ٌروي به هو هللا تعالى وهكذا‪...‬‬ ‫فبل بد من األسباب ‪ ,‬ولكن لٌس التؤثٌر من األسباب ‪ ,‬بل من‬ ‫المسبب سبحانه وتعالى ألنه هو الذي خلقها‪ ,‬وقد أمر هللا تعالى‬ ‫باألخذ باألسباب ‪ ,‬وقد تعاطى رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫األسباب ‪ ,‬قال تعالى‪ {:‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط‬ ‫الخٌل ترهبون به عدو هللا وعدوكم}‪.‬‬ ‫فانظر فً قوله تعالى ‪ {:‬ترهبون به } أي‪ :‬بسبب ما أعددتم ‪ ,‬ولكن‬ ‫هللا تعالى هو الذي ٌجعل بذلك الرهبة والرعب‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ {:‬سؤلقً فً قلوب الذٌن كفروا الرعب فاضربوا فوق‬ ‫األعناق واضربوا منهم كل بنان }اآلٌة‪.‬‬ ‫وضرب األعناق ال بد له من سٌؾ ‪ ,‬والسٌؾ ال بد له من إعداد‬ ‫وقوة ٌد تضرب به‪.‬‬ ‫ولما نزل قوله تعالى‪ {:‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط‬ ‫الخٌل} اآلٌة‪ ,‬صعد النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم المنبر فقرأ قول‬ ‫‪37‬‬


‫هللا تعالى ‪ {:‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} وقال‪ [:‬أال إن القوة‬ ‫الرمً‪ ,‬أال إن القوة الرمً‪ ,‬أال إن القوة الرمً] كما ورد ذلك فً‬ ‫مسلم و (مسند) أحمد وؼٌرهما‪.‬‬ ‫فتفكر أٌها العاقل فً هذا الحدٌث النبوي الذي فٌه معجزة كبرى من‬ ‫معجزات إخباراته المؽٌبة صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬وذلك أن القوة‬ ‫فً كل عصر وفً كل الحروب هً الرمً ؛ وإن كانت اآلالت‬ ‫والمخترعات التً ٌرمى بها تختلؾ حسب اختراع أهل العصر ‪,‬‬ ‫فكانت قوة الرمً بالسهام ‪ ,‬والرمً بالمنجنٌق ‪ ,‬ثم بعد ذلك الرمً‬ ‫بالرصاص وأشباهه ‪ ,‬والقنابل وأمثالها ‪ ,‬ثم الصوارٌخ التً ٌرمى‬ ‫بها من أبعاد ومسافات ‪ ,‬وجمٌع ذلك داخل تحت قوله صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم ‪ [ :‬أال إن القوة الرمً ] ‪.‬‬ ‫فصلى هللا العظٌم علٌك ٌا سٌدي ٌا رسول هللا ‪ ,‬ما تركت أمراً ٌكون‬ ‫إلى قٌام الساعة إال أخبرت عنه ‪ ,‬وعرفتنا به ‪ ,‬وهذه كلها معجزات‬ ‫محققة الوقوع ‪ ,‬شاهدة بصدق نبوته صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫ورسالته إلى جمٌع العالمٌن إلى ٌوم الدٌن ‪.‬‬ ‫هذا وقد ذكرت لك جملة موجزة من المواضع التً ٌتؤكد علٌك فٌها‬ ‫اإلتٌان بالبسملة ‪ ,‬وهناك عدة مواضع عدٌدة هً معلومة‪ ,‬وربما‬ ‫تمر على بعضها فً هذا الكتاب‪.‬‬ ‫ومن هذه األحادٌث التً تقدمت فً البسملة تعلم فضلها‬ ‫وخصابصها‪ ,‬وقوة آثارها فً البركة‪ ,‬واستفتاح أبواب الخٌر‬ ‫واستنزال رحمة هللا تعالى‪ ,‬وافتتاح أبواب الفضل اإللهً‪ ,‬وتعلم ما‬ ‫فٌها من قوة التعوذ والتحصن من الشٌاطٌن ‪ ,‬وما فٌها من قوة‬ ‫الحفظ من المضار والهوام ‪ ,‬وكل ما ٌتؤتى منه الفساد والشرور‪,‬‬ ‫وتعلم ما فٌها من قوة التجاء العبد إلى هللا تعالى‪ :‬مواله ونصٌره‬ ‫وحفٌظه ووكٌله‪ ,‬وما فٌها من اعتراؾ العبد بفقره إلى هللا تعالى ‪:‬‬ ‫فً جمٌع أموره‪ ,‬وتعلم أسماء هللا تعالى‪ ,‬وقوة تؤثٌرها ‪ ,‬وسرٌان‬ ‫آثارها فً العوالم إلى ؼٌر ذلك ‪ ,‬وبسم هللا أوالً وآخراً ‪ ,‬والحمد هلل‬ ‫على ذلك‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫التسمٌة فً كل صباح ومساء ال ا ًال‪ :‬روى أبو داود ‪ ,‬وابن حبان‬ ‫وؼٌرهما ‪ ,‬عن عثمان بن عفان رضً هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هلل‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬من قال حٌن ٌمسً ‪ :‬بسم هللا الذي ال‬ ‫ٌضر مع اسمه شًء فً األرض وال فً السماء وهو السمٌع العلٌم‪-‬‬ ‫ثبلث مرات؛ لم ٌصبه فجؤة ببلء حتى ٌصبح‪ ,‬ومن قالها حٌن ٌصبح‬ ‫ثبلث مرات ؛ لم ٌصبه فجؤة ببلء حتى ٌمسً]‪.‬‬ ‫التسمٌة لتسكٌن اآلوم واألوجاع‪ :‬روى الترمذي‪ ,‬عن ابن عباس‬ ‫رضً هللا عنهما قال‪ :‬كان النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌعلمهم‬ ‫من الحمى واألوجاع كلها أن ٌقول‪ [ :‬بسم هللا الكبٌر‪ ,‬أعوذ باهلل‬ ‫العظٌم ‪ ,‬من كل عرق نعار ومن شر حر النار ]والعرق النعار هو‬ ‫الذي ازدادت حركته أو حرارته‪.‬‬ ‫وعن عثمان بن أبً العاص رضً هللا عنه أنه اشتكى إلى رسول‬ ‫هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم وجعا ً ٌجده فً جسده منذ أسلم‪.‬‬ ‫فقال له صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬ضع ٌدك على الذي تؤلم من‬ ‫جسدك وقل‪ :‬بسم هللا‪ -‬ثبلث مرات‪ ,‬وقل سبع مرات ‪ :‬أعوذ بعزة هللا‬ ‫وقدرته ‪ ,‬من شر ما أجد – أي‪ :‬وجعه‪ -‬وأحاذر] – أي‪ :‬أخاؾ من‬ ‫عاقبة هذا الوجع ‪.-‬‬ ‫قال عثمان ‪ :‬ففعلت ذلك مراراً ؛ فؤذهب هللا ما كان بً ‪ ,‬فلم أزل‬ ‫آمر أهلً وؼٌرهم بذلك‪.‬‬ ‫وفً رواٌة‪ [:‬أعوذ باهلل وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ] رواه مسلم‪,‬‬ ‫وأبو داود والترمذي وؼٌرهم‪.‬‬ ‫وروى مسلم ‪ ,‬والترمذي ‪ ,‬عن أبً سعٌد رضً هللا عنه قال‪ :‬أتى‬ ‫جبرٌل علٌه السبلم النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم فقال جبرٌل علٌه‬ ‫السبلم ‪ٌ [:‬ا محمد اشتكٌت] أي‪ :‬من وجع‪-‬؟‬ ‫فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬نعم]‪.‬‬ ‫فقال جبرٌل علٌه السبلم ‪ [:‬بسم هللا أرقٌك‪ ,‬من كل داء ٌإذٌك‪ ,‬ومن‬ ‫شر كل نفس أو عٌن حاسد‪ ,‬هللا ٌشفٌك‪ ,‬بسم هللا أرقٌك]‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫التحذٌر الشدٌد من إلقاء اسم هللا تعالى ‪ ,‬أو آٌة من كتابه العنٌن ‪,‬‬ ‫أو حدٌث رسوله صلى هللا علٌه وسلم على األرض‪ ,‬أو عدم‬ ‫تعظٌمها‪:‬‬ ‫أخرج أبو داود فً (مراسٌله ) عن عمر بن عبد العزٌز ‪ ,‬أن النبً‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم مر على كتاب فً األرض فقال لفتى‬ ‫معه‪ [:‬ما فً هذا]؟‬ ‫فقال الفتى‪ :‬فٌه بسم هللا‪.‬‬ ‫فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬لعن هللا تعالى من فعل هذا‪ ,‬ال‬ ‫تضعوا بسم هللا إال فً موضعه]‪.‬‬ ‫فعلٌك ٌا أخً بتعظٌم أسماء هللا تعالى وآٌاته ‪ ,‬وتعظٌم أحادٌث‬ ‫رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم وأسمابه‪ ,‬فإن تعظٌم ذلك هو‬ ‫من تقوى القلوب ‪ ,‬ألم تسمع قول هللا تعالى ‪ {:‬ومن ٌعظم شعابر هللا‬ ‫فإنها من تقوى القلوب } والشعابر جمع شعٌرة‪.‬‬ ‫قال العبلمة القرطبً رحمه هللا تعالى ‪ :‬وهً – أي‪ :‬شعابر هللا‬ ‫تعالى‪ -‬كل شًء هلل تعالى فٌه أمر أشعر به وأعلم ‪ ,‬ومنه شعار‬ ‫القوم فً الحرب‪ -‬أي‪ :‬عبلمتهم التً ٌتعارفون بها‪ -‬فشعابر هللا‬ ‫تعالى هً أعبلم دٌنه ال سٌما المناسك ‪.‬اه‪.‬‬ ‫قال عبد هللا‪ :‬فشعابر هللا تعالى هً‪ :‬معالم دٌنه‪ ,‬ومواضع عباداته‪,‬‬ ‫فٌدخل فٌها الكعبة المعظمة ‪ ,‬وجمٌع مواضع مناسك الحج‪ :‬كعرفة ‪,‬‬ ‫والمشعر الحرام‪ ,‬والمزدلفة‪ ,‬وجمٌع بٌوت هللا تعالى وهً‪ :‬المساجد‪,‬‬ ‫وٌشمل ذلك أٌضا ً الكتب الشرعٌة والدٌنٌة‪ ,‬وحملة الشرٌعة‪ ,‬وعلماء‬ ‫الدٌن‪ ,‬وحملة القرآن الكرٌم‪ ,‬فقد استدل اإلمام النووي رحمه هللا‬ ‫تعالى بقوله تعالى‪ {:‬ومن ٌعظم شعابر هللا فإنها من تقوى القلوب }‬ ‫استدل بها على وجوب إكرام أهل القرآن الكرٌم‪ ,‬وتعظٌم علماء‬ ‫الدٌن‪ ,‬ألنهم حملة دٌن هللا تعالى‪.‬‬ ‫ونقل اإلمام النووي عن اإلمامٌن الكبٌرٌن أبً حنٌفة والشافعً‬ ‫رضً هللا عنهما أنهما قاال‪ :‬إن لم ٌكن العلماء أولٌاء هللا تعالى فلٌس‬ ‫هلل تعالى ولً‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫كما نقل عن الحافظ ابن عساكر رحمه هللا تعالى أنه فال ‪ :‬اعلم ٌا‬ ‫أخً وفقنا هللا تعالى وإٌاك لمرضاته ‪ ,‬وجعلنا ممن ٌخشاه وٌتقٌه‬ ‫حق تقاته‪ ,‬أن لحوم العلماء مسمومة ‪ ,‬وعادة هللا تعالى فً هتك‬ ‫أستار منتقصٌهم معلومة ‪ ,‬وأن من أطلق لسانه فً العلماء بالثلب‪-‬‬ ‫الطعن واالحتقار‪ -‬ابتبله هللا تعالى قبل موته – جسما ً – بموت القلب‬ ‫{ فلٌحذر الذٌن ٌخالفون عن أمره أن تصٌبهم فتنة أو ٌصٌبهم عذاب‬ ‫ألٌم}‪.‬اه‪.‬‬ ‫فإذا كان تعظٌم شعابر هللا تعالى من تقوى القلوب ‪ ,‬فإن تعظٌم‬ ‫أسمابه سبحانه وآٌاته ‪ ,‬وأحادٌث رسوله صلى هللا علٌه وآله وسلم ؛‬ ‫ذلك من أعظم تقوى القلوب‪ ,‬ومن المعلوم أن تقوى القلوب إذا تحقق‬ ‫بها المسلم حملته على تقوى القوالب – أي‪ :‬الجسم وجوارحه‪ -‬كما‬ ‫قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬التقوى ههنا‪ ,‬التقوى ههنا‪ ,‬التقوى‬ ‫ههنا] وٌشٌر إلى صدره الشرٌؾ صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪.‬‬ ‫فافهم واعقل ‪ ,‬وال تجهل‪ ,‬وال تؽفل عن ذلك ‪ ,‬فالتقوى لٌست مجرد‬ ‫كبلم ودعوى ‪ ,‬بل هً ما صدر عن قلب فٌه تعظٌم ما أمر هللا‬ ‫تعالى بتعظٌمه‪ ,‬وتكرٌم ما أمر هللا تعالى بتكرٌمه‪.‬‬ ‫فاهلل تعالى ٌكرم وٌعظم من عظم ذلك‪ ,‬وٌهٌن من استهان بذلك‬ ‫وٌعذبه‪:‬‬ ‫روى البٌهقً فً (الشعب) بإسناده عن أمٌر المإمنٌن علً رضً‬ ‫هللا عنه وكرم وجهه أنه قال‪ :‬تنوق رجل فً { بسم هللا الرحمن‬ ‫الرحٌم} فؽفر هللا تعالى له‪.‬‬ ‫ثم قال البٌهقً ‪ :‬هذا موقوؾ ‪ ,‬وقد أورده الحافظ السٌوطً مرفوعا ً‬ ‫‪ ,‬وعلى كل حال فالموقوؾ فً مثل هذا له حكم المرفوع‪ ,‬ألنه ال‬ ‫مجال للرأي فً ذلك ‪.‬‬ ‫فهذا رجل كتب { بسم هللا الرحمن الرحٌم} فجودها وحسنها وتؤنق‬ ‫بها تكرٌما ً وتعظٌما ً فؽفر هللا تعالى له ‪.‬‬ ‫الشًء األنٌق‪ :‬هو الشًء الحسن الجمٌل ‪ ,‬وتؤنق الرجل فً األمر أي‪ :‬عمله‬ ‫بنٌقة مثل تنوق‪ -‬أي‪ :‬حسنه وجمله اه ملخصا ً من (النهاٌة) البن األثٌر مادة تنوق‪,‬‬ ‫وكما فً (مختار الصحاح) مادة أنق‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫وأخرج أبو نعٌم فً (تارٌخ أصبهان) وابن أشته فً (المصاحؾ)‬ ‫بسند ضعٌؾ عن أنس رضً هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬من كتب { بسم هللا الرحمن الرحٌم } مجودة‬ ‫تعظٌما ً هلل تعالى ؼفر هللا له ]‪.‬‬ ‫وروى البٌهقً فً (الشعب) عن أبً عبد الرحمن السلمً فً ذكر‬ ‫منصور بن عمار أنه أوتً الحكمة ‪ ,‬وأن سبب ذلك أنه وجد رقعة‬ ‫صؽٌرة فً الطرٌق مكتوبا ً علٌها [ بسم هللا الرحمن الرحٌم } فؤخذها‬ ‫فلم ٌجد لها موضعا ً – محترما ً‪ -‬فابتلعها ‪ ,‬فؤري فً المنام قاببلً ٌقول‬ ‫له ‪ :‬قد فتح هللا علٌك باب الحكمة باحترامك لتلك الرقعة – فكان بعد‬ ‫ذلك ٌتكلم بالحكمة ‪.‬اه‪.‬‬ ‫وقد ذكر اإلمام القشٌري رحمه هللا تعالى عن بشر الحافً رحمه هللا‬ ‫تعالى أنه أصاب فً الطرٌق ورقة مكتوبا ً فٌها اسم هللا عز وجل ‪,‬‬ ‫وقد وطبتها األقدام ‪ ,‬فؤخذها‪ ,‬واشترى بدراهم كانت معه ؼالٌة‪ -‬أي‪:‬‬ ‫طٌبا ً جٌداً‪ -‬فطٌب بها الورقة ‪ ,‬ثم جعلها فً شق جدار عال حصٌن‬ ‫‪ ,‬فرأى فً تلك اللٌلة وهو نابم كؤن قاببلً ٌقول له‪ٌ :‬ا بشر طٌبت‬ ‫اسمً ألطٌبنك فً الدنٌا واآلخرة‪.‬‬ ‫وٌروى أن هذه الرإٌة كانت سبب إنابته بكلٌته إلى مواله سبحانه ‪.‬‬ ‫وقد جاء مثل ذلك فً (وفٌات األعٌان) وؼٌره من كتب التارٌخ‬ ‫والتراجم‪ ,‬وقد أوردها الحافظ البٌهقً فً (شعب اإلٌمان) بإسناده ‪,‬‬ ‫وأنه – أي‪ :‬بشر الحافً – وجد قرطاسا ً فٌه {بسم هللا الرحمن‬ ‫الرحٌم} فعظم ذلك علٌه ‪ ,‬ورفع طرفه إلى السماء ‪ ,‬وقال‪ :‬سٌدي‬ ‫اسمك ها هنا ملقى ‪ ,‬فرفعه من األرض وأزال عنه التراب‪ ,‬وأتى‬ ‫عطاراً فاشترى بدرهم ؼالٌة – لم ٌكن معه سواه‪ -‬ولطخ به‬ ‫القرطاس ‪ ,‬ثم أدخله فً شق حابط مرتفع ‪ ,‬وانصرؾ إلى زجاج‬ ‫كان ٌجالسه‪.‬‬ ‫فقال له الزجاج‪ :‬وهللا ٌا أخً لقد رأٌت فً هذه اللٌلة رإٌا ما رأٌت‬ ‫أحسن منها ‪ ,‬ولست أقولها حتى تحدثنً ما فعلت فً هذه األٌام فٌما‬ ‫بٌنك وبٌن هللا تعالى ‪.‬‬ ‫ومن المعلوم عند المحدثٌن أن الضعٌؾ ٌعمل به فً الفضابل‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫فقال بشر ‪ :‬ما فعلت شٌبا ً أعلمه ‪ ,‬ؼٌر أنً فعلت كذا‪ -‬وذكر له ذلك‪.‬‬ ‫فقال الزجاج ‪ :‬رأٌت كؤن قاببلً ٌقول لً فً النوم ‪:‬قل لبشر‪ :‬رفع‬ ‫اسما ً لنا من األرض إجبلالً إذ ٌداس ‪ ,‬لننوهن – أي‪ :‬لنرفعن‪-‬‬ ‫باسمك فً الدنٌا واآلخرة ‪.‬اه‪.‬‬ ‫قال عبد هللا ‪ :‬والظاهر أن بشراً رأى تلك الرإٌا فً المنام ‪ ,‬وأٌضا ً‬ ‫ربٌت له‪ ,‬ألنها بشرى من هللا تعالى ‪ ,‬وقد بٌن صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم فً قوله تعالى ‪ {:‬لهم البشرى فً الحٌاة الدنٌا وفً اآلخرة }‬ ‫اآلٌة‪ ,‬أن البشرى من هللا تعالى فً الحٌاة الدنٌا هً الرإٌا الصالحة‬ ‫ٌراها المإمن أو ترى له‪.‬‬ ‫فإٌاك ٌا أخً المسلم أن تعرض أسماء هللا تعالى ‪ ,‬أو أسماء النبً‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم لئلهانة ‪ ,‬أو الوضع على األرض‪ ,‬فبل‬ ‫ٌجوز كتابة ذلك على أوراق تؽلؾ بها األمتعة ‪ ,‬أو تصر فٌها‬ ‫األمتعة‪ ,‬وال على السلة وال الكٌس المصنوعة لحمل األمتعة‬ ‫ووضعها فً داخلها ‪ ,‬كؤن تكتب علٌه اسم عبد الرحمن ‪ ,‬أو عبد‬ ‫القادر‪ ,‬أو عبد الكرٌم‪ ,‬ونحو ذلك ‪ ,‬أو اسم محمد أو أحمد ونحوهما‬ ‫– تبتؽً من ذلك الدعاٌة لتروٌج بضاعتك ‪ ,‬لتجر من وراء ذلك‬ ‫كثرة المال‪ ,‬وأنت تعلم وترى أٌن مصٌر تلك األوراق أو السلة‪ ,‬فإن‬ ‫ذلك ال ٌجوز لوجوه‪:‬‬ ‫أووًال‪ -‬إن ؼبلؾ الصر أو األوراق التً تصر فٌها األمتعة‪ ,‬وإن‬ ‫كٌس األمتعة هً فً ذاتها لٌس مصنوعة لبلحترام والتكرٌم ‪ ,‬بل‬ ‫هً مصنوعة لحمل األمتعة المختلفة‪ ,‬وتوضع هنا وهناك كما هو‬ ‫معروؾ ‪ ,‬فكٌؾ تكتب علٌها أسماء معظمة! على أوراق وسلة‬ ‫مصنوعة لبلمتهان‪.‬‬ ‫انٌا ًال‪ -‬أنت تعلم أنها حٌن تفرغ من األمتعة أٌن توضع‪ ,‬فإنها ؼالبا ً‬ ‫توضع على األرض ‪ ,‬أو فً أماكن ؼٌر محترمة ‪ ,‬ومعرضة‬ ‫لبلمتهان ‪ ,‬وأن تداس باألقدام‪.‬‬ ‫ثالثا ً‪ -‬أنت تعلم أٌن مصٌر تلك األوراق أو السلة و وأنها سوؾ‬ ‫توضع مع األوساخ والكناسة ‪ ,‬وما أكثر ذلك بٌن األوساخ ‪.‬‬ ‫فإن قلت‪ :‬إن اإلثم على الذي ٌضعها فً تلك المواضع‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫فالجواب‪ :‬أنت آثم أٌضا ً ‪ ,‬ألنك المتسبب فً ذلك ‪.‬‬ ‫وإن نعمت أنك و تعرف حكم الشرع فً ذلك‪.‬‬ ‫فالجواب‪ :‬أن جهلك بحكم الشرع فً ذلك لٌس عذراً لك عند هللا‬ ‫تعالى‪ ,‬وقد نص العلماء على أن الجهل بؤحكام الشرٌعة فً أمور‬ ‫ٌتعاطاها اإلنسان وهو فً ببلد اإلسبلم لٌس بعذر له عند هللا تعالى‪,‬‬ ‫ألنه ٌجب علٌه أن ٌسؤل أهل العلم بذلك ‪.‬‬ ‫فإن كنت ال تدري فتلك مصٌبة‬ ‫وإن كنت تدري فالمصٌبة أعظم‬ ‫وحسبنا هللا ونعم الوكٌل‪.‬‬ ‫بسم هللا الرحمن الرحٌم‬ ‫فاتحة الكتاب‪:‬‬ ‫افتتح بها كتابة الكتاب‪ -‬أي‪ :‬المصحؾ‪ -‬بؤمره صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪,‬‬ ‫ألنها أول ما نزل بعد خمس من أول سورة { اقرأ} كما فً حدٌث عابشة‬ ‫رضً هللا عنها‪ ,‬ثم أول { المدثر} كما فً حدٌث جابر رضً هللا عنه ‪ ,‬ثم‬ ‫الفاتحة الثالثة أو الرابعة نزوالً فً مكة‪ ,‬ثم فً المدٌنة‪.‬‬ ‫وتسمى سورة الشفاء‪ ,‬والرقٌة ‪ ,‬كما فً حدٌث أبً سعٌد ‪ ,‬وأم الكتاب‪,‬‬ ‫وأم القرآن‪ ,‬و { الحمد هلل رب العالمٌن}‪.‬‬ ‫ووجه تسمٌتها بؤم القرآن ألن األم هً أصل الشًء ومرجعه‪ ,‬ومنه أم‬ ‫القرى مكة‪.‬‬ ‫وتسمى سورة الصالة لحدٌث‪ [:‬قسمت الصبلة بٌنً وبٌن عبدي نصفٌن‬ ‫‪ ]...‬رواه مسلم وسٌؤتً تمامه تقرٌبا ً‪.‬‬ ‫وتسمى السبع الم انً‪ {:‬ولقد ءاتٌناك سبعا ً من المثانً والقرآن العظٌم}‪.‬‬ ‫والكبلم على وجه تسمٌتها بالسبع المثانً سٌؤتً مفصبلً آخر الكتاب إن‬ ‫شاء هللا تعالى ‪ ,‬فً مناسبة الكبلم على فضابل سورة الفاتحة‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫وتسمى سورة المسألة والدعاء لحدٌث‪ [:‬أبشر‪ -‬أي ٌا رسول هللا صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم – بنورٌن أوتٌتهما لم ٌإتهما نبً قبلك ‪ ,‬فاتحة الكتاب‬ ‫وخواتٌم سورة البقرة ‪ ,‬لم تقرأ بحرؾ منهما إال أوتٌته] ففٌهما الدعاء ‪,‬‬ ‫وتعلٌم الدعاء‪ ,‬والمعلم هو هللا تعالى – وسٌؤتً الحدٌث بنصه إن شاء هللا‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫وتسمى سورة الحمد ألن فٌها ‪ { :‬الحمد هلل رب العالمٌن } ‪.‬‬ ‫لما ورد فً الحدٌث الذي رواه مسلم وؼٌره ‪ [ :‬قسمت الصبلة بٌنً وبٌن‬ ‫عبدي نصفٌن ‪ ,‬وفً رواٌة ‪ [ :‬قسمٌن ] – فإذا قال ‪ { :‬الحمد هلل رب‬ ‫العالمٌن } ‪.‬‬ ‫قال هللا تعالى ‪ :‬حمدنً عبدي ‪.‬‬ ‫فإذا قال ‪ { :‬الرحمن الرحٌم } ‪.‬‬ ‫قال هللا تعالى ‪ :‬أثنى علً عبدي ‪.‬‬ ‫فإذا قال ‪ { :‬مالك ٌوم الدٌن } ‪.‬‬ ‫قال هللا تعالى ‪ :‬مجدنً عبدي ‪.‬‬ ‫فإذا قال ‪ { :‬نعبد وإٌاك نستعٌن } ‪.‬‬ ‫قال هللا تعالى ‪ :‬هذا بٌنً وبٌن عبدي ولعبدي ما سؤل ‪.‬‬ ‫فإذا قال ‪ { :‬اهدنا الصراط المستقٌم صراط الذٌن أنعمت علٌهم ؼٌر‬ ‫المؽضوب علٌهم وال الضالٌن } ‪.‬‬ ‫قال هللا تعالى ‪ :‬هذا لعبدي ولعبدي ما سؤل ‪.‬‬ ‫{ الحمد هلل رب العالمٌن }‬ ‫الكبلم على هذه اآلٌة الكرٌمة له وجوه متعددة ‪:‬‬

‫رواه مسلم والترمذي‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫أووًال ‪ :‬افتتحها هللا تعالى بالحمد ‪ ,‬والكبلم على ذلك فٌه عدة من الحكم ‪:‬‬ ‫معنى الحمد ‪ ,‬وشمول الحمد هنا ‪ ,‬وأنه مستحق هلل تعالى بالذات ؛ ووجه‬ ‫استحقاقه ذلك ألنه هو هللا تعالى ‪ ,‬وألنه رب العالمٌن ‪ ,‬وبٌان فضل مقام‬ ‫الحمد ‪ ,‬وبٌان فضل مقام أحمد الحامدٌن صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪.‬‬ ‫معنى الحمد هو ‪ :‬الثناء على المحمود بذكر محامده وكماالته القابمة بذاته‬ ‫‪ ,‬أو محامده الفعلٌة الصادرة عنه على وجه اإلجبلل والتعظٌم ‪ ,‬والمراد‬ ‫بالحمد هنا جنسه ‪ ,‬فٌشمل حمد هللا تعالى لنفسه ‪ ,‬وحمد كل حامد من‬ ‫مخلوقاته ‪ ,‬فإن ذلك كله هو حق هللا تعالى ‪ ,‬فٌشمل محامده األزلٌة األبدٌة‬ ‫‪ ,‬فإنه سبحانه ٌحمد نفسه وٌثنً على نفسه ‪ ,‬وٌمدح نفسه ‪ ,‬وثناإه على‬ ‫نفسه هو كما أثنى على نفسه ‪.‬‬ ‫وحق له أن ٌحمد نفسه ‪ ,‬ألن كماالته ذاتٌة له ؛ لٌست من ؼٌره ‪ ,‬وهً‬ ‫ؼٌر متناهٌة ‪ ,‬وهً مطلقة ؼٌر مقٌدة ‪ ,‬ولذلك حق له أن ٌحمد نفسه ‪ ,‬وأن‬ ‫ٌمدح نفسه سبحانه وتعالى ‪ ,‬كما جاء فً ( الصحٌحٌن ) و (المسند)‬ ‫وؼٌره ‪ ,‬عن ابن مسعود رضً هللا عنه ‪ ,‬أن رسول هللا صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم قال ‪ [ :‬ال أحد أؼٌر من هللا ؛ ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها‬ ‫وما بطن ‪,‬وال أحد أحب إلٌه المدح من هللا ولذلك مدح نفسه ‪ ,‬وال أحد‬ ‫أحب إلٌه العذر من هللا؛ من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل]‪.‬‬ ‫والمعنى‪ :‬أن هللا تعالى أقام الحجة على العباد بإنزال الكتب اإللهٌة‪,‬‬ ‫وإرسال الرسل‪ ,‬فبل عذر لمن ٌخالؾ أوامر هللا تعالى بعد ذلك‪ ,‬ألن عذره‬ ‫ؼٌر صحٌح‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ {:‬رسبلً مبشرٌن ومنذرٌن لببل ٌكون للناس على هللا حجة بعد‬ ‫الرسل }‪.‬‬ ‫أما ؼٌره سبحانه‪ ,‬فبل ٌجوز أن ٌحمد نفسه ‪ ,‬وال أن ٌثنً على نفسه بما‬ ‫عنده من الكماالت ‪ ,‬ألنها لٌست من نفسه ‪ ,‬بل ٌجب علٌه أن ٌحدث بنعمة‬ ‫ربه علٌه بتلك الكماالت ‪ ,‬وأن ٌحمد هللا تعالى الذي تفضل علٌه بذلك ‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫وإنما حق هلل تعالى الحمد كله‪ ,‬وأوجب ذلك على عباده ‪ ,‬ألنه هو هللا تعالى‬ ‫‪ ,‬المتصؾ بكل كمال‪ ,‬المنزه عن كل نقصان‪ ,‬وإلى هذا ٌشٌر قوله تعالى‬ ‫‪ {:‬الحمد هلل} أي‪ :‬ألنه هو هللا تعالى‪ ,‬فهو ٌحمد لذاته‪ ,‬وٌحمد لنواله‬ ‫وإفضاله‪ ,‬وإكرامه ونعمه‪ ,‬وإلٌه اإلشارة بقوله تعالى ‪ {:‬رب العالمٌن}‬ ‫والمعنى‪ :‬أنه ٌحمد ألنه رب العالمٌن ‪ ,‬أي‪ :‬خالقهم ومربٌهم‪ ,‬والمنعم‬ ‫علٌهم‪ ,‬والمتفضل علٌهم بؤنواع النعم والفضل‪ ,‬والنعم التً ال تحصى؛‬ ‫الظاهرة والباطنة‪ ,‬والنفسٌة واآلفاقٌة‪ ,‬والخاصة والعامة‪ ,‬والماضٌة‬ ‫واآلتٌة‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ {:‬وإن تعدوا نعمت هللا ال تحصوها إن اإلنسان لظلوم كفار }‬ ‫أي‪ :‬كثٌر الظلم لنفسه ‪ ,‬بارتكاب الذنوب والخطاٌا‪ ,‬وكفره نعم هللا تعالى‬ ‫علٌه ؛ إال المإمنٌن الذٌن ٌعملون الصالحات‪ ,‬وٌشكرون هللا تعالى على‬ ‫نعمه‪ ,‬وٌحمدونه على فضله وكرمه‪ ,‬وهذا نظٌر قوله تعالى ‪ {:‬والعصر ‪.‬‬ ‫إن اإلنسان لفً خسر ‪ .‬إال الذٌن آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق‬ ‫وتواصوا بالصبر }‪.‬‬ ‫هذا وإن أعظم نعم هللا تعالى نعمة القرآن ‪ ,‬ونزوله على سٌد ولد عدنان‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬قال تعالى‪ {:‬الرحمن‪ .‬علم القرآن ‪ .‬خلق‬ ‫اإلنسان ‪ .‬علمه البٌان }‪.‬‬ ‫فاهلل تعالى الرحمن‪ ,‬علم القرآن أوالً لسٌد األكوان صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم ‪ ,‬وأمره أن ٌعلمه لعباده‪ ,‬فلذلك حمد نفسه سبحانه على إنزاله‬ ‫الكتاب‪ ,‬فقال‪ {:‬الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب } اآلٌة‪ ,‬وجًء هنا‬ ‫بكلمة الكتاب ‪ ,‬فإنه من الكتب وهو الجمع‪ ,‬باعتبار أنه الكتاب الجامع‬ ‫لجمٌع ما فٌه مصالح العباد وسعادتهم‪ ,‬ولذلك افتتح سبحانه فاتحة كتابه ب{‬ ‫الحمد هلل رب العالمٌن }‪ ,‬فإن تمام تربٌتهم هو بإنزال هذا القرآن ‪,‬‬ ‫المتضمن للتنظٌمات اإللهٌة‪ ,‬واإلرشادات الربانٌة‪ ,‬والتعالٌم المبٌنة لجمٌع‬ ‫الحقوق االجتماعٌة‪ ,‬والفردٌة‪ ,‬واألدبٌة‪ ,‬والمالٌة‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫وهو الكتاب الجامع والكفٌل لمصالح العباد وسعادتهم فً الدنٌا واآلخرة‪,‬‬ ‫ألنه أنزله هللا تعالى خالق العالمٌن‪ ,‬فهو العلٌم الخبٌر بما فٌه صبلح‬ ‫مخلوقاته ونجاحهم‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ {:‬آلم ‪ .‬تنزٌل الكتاب ال رٌب فٌه من رب العالمٌن}‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪ -‬ممتنا ً على عباده‪ {: -‬حم‪ .‬تنزٌل من الرحمن الرحٌم‪ .‬كتاب‬ ‫فصلت آٌاته قرآنا ً عربٌا ً لقوم ٌعلمون}‪.‬‬ ‫فقد نزله الرحمن الرحٌم لٌرحم العباد والببلد ‪ ,‬وٌسعدهم فً الدنٌا؛‬ ‫واآلخرة ٌوم المعاد‪.‬‬ ‫كما بٌن سبحانه أنه أنزله لٌخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ قال‬ ‫تعالى‪ {:‬آلر كتاب أنزلناه إلٌك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن‬ ‫ربهم إلى صراط العزٌز الحمٌد }‪.‬‬ ‫والظلمات أنواع‪ :‬ظلمة الكفر بؤنواعه‪ ,‬وظلمة الجهل – والجهل نوعان ‪:‬‬ ‫جهل علمً وجهل عملً‪ ,‬وكل منهما ٌتنوع إلى أفراد متعددة‪ -‬وظلمة‬ ‫الظلم وهو نوعان‪ :‬ظلم اإلنسان لنفسه ‪ ,‬وظلم اإلنسان لؽٌره‪ :‬من إنسان‬ ‫وحٌوان ودابة وطابر إلى ؼٌر ذلك‪ ,‬وقد قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪[:‬‬ ‫إٌاكم والظلم فإن الظلم ظلمات]‪.‬‬ ‫فجاء القرآن الكرٌم ٌخرج الناس من تلك الظلمات ‪ ,‬من ظلمة الكفر إلى‬ ‫نور اإلٌمان ‪ ,‬ومن ظلمة الجهل إلى نور العلم والمعرفة‪ ,‬ومن ظلمة الظلم‬ ‫إلى نور الحق والعدل‪.‬‬ ‫وإنما وصؾ الكفر والجهل والظلم بؤنه ظلمات ‪ ,‬ألن شؤن الظلمة أن تجعل‬ ‫صاحبها الماشً فٌها تجعله فً حٌرة وشك ٌتخبط‪ ,‬وربما وقع فً مكان‬ ‫سحٌق‪ ,‬وهكذا الكفر فإن صاحبه لٌس على دلٌل قاطع ‪ ,‬وال برهان ساطع‪,‬‬ ‫وهكذا الجاهل ٌتخبط فً جهله أو جهالته بؽٌر علم ‪ ,‬وال ٌدري عاقبة ما‬ ‫ٌفعله‪ ,‬وهكذا الظلم فإنه ثورة نفس وحشٌة شرسة ‪ ,‬فالظالم والحٌوان‬ ‫الوحشً المفترس هما سواء‪...‬‬

‫‪48‬‬


‫ولما كانت محامده سبحانه وكماالته ال نهاٌة لها‪ ,‬كان حمد كل حامد‬ ‫قاصراً عن إحصاء الثناء علٌه سبحانه ‪ ,‬وعن اإلحاطة بمحامده‪ ,‬وفً‬ ‫الحدٌث عن عابشة رضً هللا عنها قالت‪ :‬فقدت رسول هللا صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم ذات لٌلة ‪ ,‬فالتمسته فوقعت ٌدي على بطن قدمه‪ ,‬وهو ساجد‬ ‫ٌقول‪ {:‬اللهم إنً أعوذ برضاك من سخطك ‪ ,‬وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك‪,‬‬ ‫وأعوذ بك منك ال أحصً ثناء علٌك أنت كما أثنٌت على نفسك ] ‪.‬‬ ‫وأن أحمد الحامدٌن لرب العالمٌن من األولٌن واآلخرٌن هو سٌدنا أحمد‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم‪ ,‬الذي مؤل العوالم كلها بمحامد هللا تعالى‪ ,‬ولم‬ ‫ٌبق لؽٌره مكان ذرة‪ ,‬كما دل علٌه حدٌث ‪ [:‬وملء ما شبت من شًء بعد]‬ ‫‪ ,‬وكما دل علٌه حدٌث‪ [:‬فؤحمده بمحامد ال أعلمها اآلن]‪ ,‬وقال‪ [:‬فٌفتح هللا‬ ‫تعالى علً من محامده وحسن الثناء علٌه ما لم ٌفتح على أحد قبلً ]‬ ‫فتؤمل ذلك تعلم ٌقٌنا ً أنه ال أحد ٌحصً ثناء علٌه‪ ,‬وال أحد ٌحٌط بحمده ‪,‬‬ ‫فإن محامده سبحانه على حسب صفات كماالته ‪ ,‬وكماالته ال حد لها وال‬ ‫انتهاء‪ ,‬فإن هللا تعالى قد فتح على سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم من‬ ‫محامده وحسن الثناء علٌه ما لم ٌفتحه على أحد ‪ ,‬وسٌفتح علٌه ٌوم القٌامة‬ ‫من محامده وحسن الثناء علٌه محامد ال ٌعلمها اآلن ؛ وهكذا إلى ما ال‬ ‫نهاٌة ‪.‬‬ ‫ولذلك أعطً مقام لواء الحمد الذي تحته جمٌع الحامدٌن من النبٌ​ٌن‬ ‫والمرسلٌن وأممهم ‪ ,‬ولذلك سماه هللا تعالى أحمد صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫‪ ,‬وهذا من باب التسمٌة العلمٌة المبلزمة للوصفٌة ‪ ,‬فهو لٌس داالً على‬ ‫الذات فحسب ؛ بل على الصفات ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬ومبشراً برسول ٌؤتً من بعدي اسمه أحمد } صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم ‪.‬‬

‫رواه أبو داود وؼبره‪.‬‬ ‫رواه الترمذي وؼٌره‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫وأمته المتبعون له سماهم ‪ :‬الحمادٌن ؛ كما ورد أن أمته صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم الحمادون ؛ فهم فً أعلى مقام الحامدٌن الذٌن امتن هللا تعالى‬ ‫علٌهم بقوله ‪ { :‬التاببون العابدون الحامدون } فً السراء والضراء ‪.‬‬ ‫وكان صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا أتاه األمر ٌسره قال ‪ [ :‬الحمد هلل الذي‬ ‫بنعمته تتم الصالحات ] ‪ ,‬وإذا أتاه األمر ٌكرهه قال‪ [:‬الحمد هلل على كل‬ ‫حال] رواه الحاكم‪ ,‬وابن السنً‪ ,‬عن عابشة رضً هللا عنها ‪ ,‬وفً رواٌة‪[:‬‬ ‫رب أعوذ بك من حال أهل النار]‪.‬‬ ‫وهذا مقام له فضله‪.‬‬ ‫كما ورد ‪ :‬إن أول ما ٌدعى إلى الجنة ٌوم القٌامة الذٌن ٌحمدون هللا تعالى‬ ‫فً السراء والضراء‪.‬‬ ‫والحمد هو رأس الشكر‪ ,‬كما جاء فً الحدٌث ‪ ,‬عن ابن عمرو رضً هللا‬ ‫عنهما مرفوعا ً ‪ [:‬الحمد رأس الشكر‪ ,‬ما شكر هللا تعالى عبد لم ٌحمده]‬ ‫رواه البٌهقً وؼٌره‪ ,‬وقد رمز الحافظ السٌوطً إلى حسنه‪.‬‬ ‫وفً حدٌث الطبرانً ‪ ,‬عن األسود بن سرٌع مرفوعا ً‪ [:‬إن هللا تعالى ٌحب‬ ‫أن ٌحمده] فالحامد هلل تعالى هو محبوب عند هللا تعالى‪.‬‬ ‫وروى اإلمام أحمد وؼٌره‪ ,‬عن انس رضً هللا عنه قال‪ :‬كان رسول هللا‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا أوى إلى فراشه قال‪ [:‬الحمد هلل الذي أطعمنا‬ ‫وسقانا‪ ,‬وكفانا وآوانا‪ ,‬فكم ممن ال كافً له وال مإوي له ]‪.‬‬ ‫وفً (المسند) وؼٌره‪ ,‬عن أبً سعٌد رضً هللا عنه قال‪ :‬كان رسول هللا‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا فرغ من طعامه قال ‪ [:‬الحمد هلل الذي أطعمنا‬ ‫وسقانا‪ ,‬وجعلنا من المسلمٌن ]‪.‬‬ ‫وروى ابن السنً ‪ ,‬عن أنس رضً هللا عنه قال ‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم إذا نظر وجهه فً المرآة قال‪ [:‬الحمد هلل الذي سوى خلقً‬ ‫فعدله‪ ,‬وكرم صورة وجهً فحسنها‪ ,‬وجعلنً من المسلمٌن]‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫وروى الطبرانً وؼٌره‪ ,‬عن ابن عباس رضً هللا عنهما قال‪ :‬كان رسول‬ ‫هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا نظر فً المرآة قال‪ [:‬الحمد هلل الذي حسن‬ ‫خلقً وخلقً ‪ ,‬وزان منً ما شان من ؼٌري]‪.‬‬ ‫وإذا لبس نعله بدأ بالٌمنى‪ ,‬وإذا خلع خلع الٌسرى‪ ,‬وإذا دخل المسجد أدخل‬ ‫رجله الٌمنى‪ ,‬وكان صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌحب التٌمن فً كل شًء‪:‬‬ ‫أخذ وعطاء‪.‬‬ ‫فهو سبحانه ٌحمد لكماله وجماله وجبلله‪ ,‬ولذلك كان صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم ٌقول كما جاء فً الحدٌث المتفق علٌه‪ ,‬عن ابن عباس رضً هللا‬ ‫عنهما ‪ ,‬أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌقول‪ [:‬اللهم ربنا لك الحمد‬ ‫أنت قٌم السماوات واألرض ومن فٌهن‪ ,‬ولك الحمد أنت رب السماوات‬ ‫واألرض ومن فٌهن‪ ,‬ولك الحمد أنت نور السماوات واألرض ومن فٌهن‪,‬‬ ‫ولك الحمد أنت مالك السماوات واألرض ومن فٌهن‪ ,‬ولك الحمد أنت‬ ‫الحق‪ ,‬ووعدك حق‪ ,‬ولقاإك حق‪ ,‬والجنة حق‪ ,‬والنار حق‪ ,‬والنبٌون حق‪,‬‬ ‫ومحمد صلى هللا علٌه وآله وسلم حق‪ ]...‬الحدٌث‪.‬‬ ‫وإلٌه اإلشارة بقوله تعالى ‪ {:‬الحمد هلل} أي‪ :‬ألنه هو هللا اإلله الحق‪,‬‬ ‫المتصؾ بالكماالت المطلقة التً ال نهاٌة لها‪ ,‬وكماالته ذاتٌة له‪ ,‬فحق له‬ ‫أن ٌحمد نفسه‪ ,‬وأن ٌؤمر عباده بحمده سبحانه‪ ,‬وٌحمد لنعمه ونواله‪.‬‬ ‫ومن ذلك محامده صلى هللا علٌه وآله وسلم عقب األكل والشرب‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث الذي رواه الترمذي ‪ [:‬إن هللا تعالى لٌرضى عن العبد أن‬ ‫ٌؤكل األكلة فٌحمده علٌها]‪.‬‬ ‫وٌدخل تحت هذا الحمد الشكر‪ ,‬ألن الحمد رأس الشكر‪ ,‬كما تقدم‪.‬‬ ‫وإلٌه ٌشٌر قوله تعالى‪ {:‬رب العالمٌن} ـؤي‪ :‬خالقهم ورازقهم ومالكهم‬ ‫ومربٌهم‪ ,‬وسٌدهم المطلق ‪ ,‬فإن اسم الرب له معان‪:‬‬ ‫فقد ٌراد به الخالق ‪ ,‬وهذا هو هللا تعالى وحده‪ ,‬فبل ٌراد به ؼٌره‪ ,‬وقد‬ ‫ٌراد به المالك‪ ,‬فإذا وصؾ به العبد وجب تقٌ​ٌده‪ ,‬فتقول‪ :‬رب الدار أي‪:‬‬ ‫مالكها ‪ ,‬وقد ٌراد به السٌد ‪ ,‬قال تعالى – إخباراً عن ٌوسؾ علٌه السبلم‬ ‫‪51‬‬


‫‪ {:‬قال ارجع إلى ربك فسبله ما بال النسوة التً قطعن أٌدٌهن }اآلٌة‪ -‬أي‪:‬‬‫ارجع إلى سٌدك ‪ ,-‬وقد ٌراد به المربً ‪ ,‬فٌقال ‪ :‬فبلن رب العابلة‪ ,‬ففً‬ ‫جمٌع ذلك إذا وصؾ به العبد ٌجب تقٌ​ٌده‪.‬‬ ‫فإطبلق اسم الرب هذا خاص باهلل تعالى ‪ ,‬فإنه سبحانه هو الرب المطلق‪,‬‬ ‫فبل ٌجوز اسم الرب على العبد ‪ ,‬كؤن تقول فبلن رب‪ ,‬فإن اسم الرب إذا‬ ‫أطلق ال ٌراد به إال هللا تعالى ‪.‬‬ ‫كما جاء فً (صحٌح) مسلم وؼٌره ‪ ,‬أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫كان ٌقول‪ [:‬اللهم ربنا ورب كل شًء أنا شهٌد أنك الرب وحدك ال شرٌك‬ ‫لك‪.‬‬ ‫اللهم ربنا ورب كل شًء أنا شهٌد أن محمداً عبدك ورسولك‪.‬‬ ‫اللهم ربنا ورب كل شًء أنا شهٌد أن العباد كلهم إخوة‪.‬‬ ‫اللهم ربنا ورب كل شًء اجعلنً مخلصا ً لك وأهلً فً كل ساعة من‬ ‫الدنٌا واآلخرة‪ٌ -‬ا ذا الجبلل واإلكرام اسمع واستجب]‪.‬‬ ‫فاعتبر فً قوله صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬أنا شهٌد أنك الرب وحدك ال‬ ‫شرٌك لك ]‪ ,‬فؤطلق اسم الرب على هللا تعالى وحده‪ ,‬ومن هنا تعلم أن اسم‬ ‫الرب باإلطبلق ال ٌطلق إال على هللا رب العالمٌن‪.‬‬ ‫ومن خصابص اسم الرب أن فٌه إجابة الدعاء‪ ,‬وٌستحب تكرٌره كما روى‬ ‫البزار‪ ,‬عن عابشة أم المإمنٌن رضً هللا عنها ‪ ,‬عن النبً صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم قال‪ [:‬إذا قال العبد ٌا رب أربعا ً قال هللا تعالى ‪ :‬لبٌك عبدي سل‬ ‫تعطه]‪.‬‬ ‫ورواٌة ابن أبً الدنٌا كما تقدم ٌقول‪ [:‬رب رب ]‪.‬‬ ‫روى الطبرانً وؼٌره‪ ,‬من حدٌث سعد ٌن خارجة ‪ ,‬أن قوما ً شكوا إلى‬ ‫النبً صلى الهو علٌه وآله وسلم قحوط المطر فقال‪ [ :‬اجثوا على الركب ‪,‬‬ ‫وقولوا‪ٌ :‬ا رب ٌا رب‪ ,‬وارفعوا السبابة إلى السماء ] ففعلوا ذلك فسقوا‪,‬‬ ‫حتى أحبوا أن ٌكشؾ عنهم المطر‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫وفً (المسند) وؼٌره‪ ,‬عن الفضل بن عباس رضً هللا عنهما ‪ ,‬عن النبً‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم قال‪ [:‬الصبلة مثنى مثنى‪ ,‬وتشهد فً كل‬ ‫ركعتٌن‪ ,‬وتضرع و وتخشع‪ ,‬وتمسكن‪ ,‬وتفتح ٌدٌك تقول ترفعهما إلى ربك‬ ‫مستقببلً بهما وجهك‪ ,‬وتقول‪ٌ :‬ا رب ٌا رب ‪ ,‬فمن لم ٌفعل ذلك فهً خداج]‬ ‫أي‪ :‬صبلته ناقصة‪.‬‬ ‫وروى ٌزٌد الرقاشً ‪ ,‬عن أنس رضً هللا عنه مرفوعا ً ‪ [:‬ما من عبد‬ ‫ٌقول ٌا رب ٌا رب ٌا رب ‪ ,‬إال قال له ربه لبٌك لبٌك]‪.‬‬ ‫وعن عطاء ‪( :‬ما من عبد ٌقول ٌا رب ثبلثا ً إال نظر هللا تعالى إلٌه)‪.‬‬ ‫{الحمد هلل رب العالمٌن}‬ ‫وأنواع العالمٌن ال ٌعلمها إال خالقها‪ ,‬والعامل ما سوى هللا تعالى من كل‬ ‫موجود ؛ مؽٌب أو مشهود ‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ {:‬فتبارك هللا رب العالمٌن}‪.‬‬ ‫فالعوالم كثٌرة كبٌرة فمنها نفسٌة‪ ,‬ومنها آفاقٌة تشاهدها‪.‬‬ ‫وفً قوله تعالى ‪ {:‬رب العالمٌن} ٌنبه هللا تعالى إلى أمور فٌها بٌنات‬ ‫وبٌانات ‪:‬‬ ‫أووًال‪ :‬تعرٌؾ العباد ‪ ,‬وحملهم على اإلقرار بوجوب وجوده‪ ,‬فإنهم ٌبصرون‬ ‫وٌشاهدون العوالم وال ٌنكرونها ‪ ,‬ألنها موجودة مشهودة‪ ,‬وهً عبلمات‬ ‫مثبتة لصانعها ‪ ,‬فمن الذي صنعها ‪ ,‬فإنهم ال ٌستطٌعون ذلك‪.‬‬ ‫إذاً إن لها خالقا ً خلقها‪ ,‬ألنهم ال ٌستطٌعون خلقها‪ ,‬فمن رأى البناٌة أٌقن‬ ‫بوجود البانً‪ ,‬ومن رأى األشجار أٌقن بوجود الؽارس لها‪ ,‬ومن رأى‬ ‫اآلالت أٌقن بوجود القوى المحركة لها‪ -‬ولو لم ٌشهدها‪ -‬ومن رأى‬ ‫المصنوعات أٌقن بوجود صانعها؛ فهذا العالم المصنوع صنعه من ؟‬ ‫نعم كما قال هللا تعالى ‪ {:‬صنع هللا الذي أتقن كل شًء}‪.‬‬ ‫ولذلك قال تعالى‪ {:‬أفً هللا شك فاطر السماوات واألرض}‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫فإذا شاهدوا العوالم بؤعٌنهم فقد شاهدوا وعاٌنوا قدرة هللا تعالى‪ ,‬الذي خلقها‬ ‫وأبدعها‪ ,‬وشاهدوا حكمته؛ أٌقنوا بعلمه المحٌط بكل شًء قال تعالى‪ {:‬أال‬ ‫ٌعلم من خلق } ؟!‬ ‫فالعلم بالخلق سابق على التخلٌق‪ ,‬والعلم بصنع البناء سابق على إقامة‬ ‫البناء عقبلً‪ ,‬فرإٌتهم مظاهر الصفات وآثارها تدلهم وتعرفهم باهلل تعالى ‪,‬‬ ‫المتصؾ بجمٌع الكماالت المطلقة‪ ,‬معرفة تحملهم على الٌقٌن الجازم ‪ ,‬بل‬ ‫تحملهم على عٌن الٌقٌن بوجوب وجود هللا تعالى رب العالمٌن‪ ,‬ووحدانٌته‪,‬‬ ‫وحقٌة ألوهٌته‪ ,‬وأن كماالته ال تنتهً‪.‬‬ ‫فالقدرة ما لها انتهاء كما قال تعالى‪ {:‬ما خلقكم وال بعثكم إال كنفس واحدة}‪.‬‬ ‫فإن نسبة القلٌل والكثٌر إلى ما ال ٌنتهً هً متساوٌة‪ ,‬وإذا اختلفت دل‬ ‫على التناهً ‪ ,‬فإن نسبة العشرة والمابة إلى العدد الكبٌر المتناهً متفاوتة‬ ‫‪ ,‬ولكن نسبتهما إلى ما ال ٌتناهى متساوٌة فافهم‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث‪ [ :‬ما السماوات السبع واألرضون السبع فً الكرسً إال‬ ‫كحلقة فً فبلة‪ ,‬والكرسً فً العرش كتلك الحلقة]‪.‬‬ ‫وقد فهم العارفون من هذا الحدٌث أن العوالم كروٌة مستدٌرة‪ ,‬ألنه صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ٌشبه ذلك بالحلقة‪ ,‬وهً مستدٌرة‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث‪ [:‬إن هلل ملكا ً لو أمره هللا تعالى أن ٌبتلع السماوات واألرض‬ ‫بلقمة البتلعها ‪ ,‬تسبٌحه‪ :‬سبحانك حٌث كنت ] رواه الطبرانً‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث‪ [:‬أذن لً أن أحدث عن ملك من مبلبكة هللا تعالى‪ :‬أن ما بٌن‬ ‫شحمة أذنه إلى عاتقه مسٌرة سبعمابة عام] رواه أبو داود‪.‬‬ ‫فالقدرة اإللهٌة ما لها نهاٌة‪ ,‬فما صدر عنها من صؽٌر وكبٌر؛ ومن جزبً‬ ‫وكلً؛ فذلك بالنسبة للقدرة على حد سواء‪ ,‬كما قال تعالى ‪ {:‬ما خلقكم وال‬ ‫بعثكم إال كنفس واحدة}‪.‬‬ ‫وعلمه سبحانه ما له انتهاء ‪ ,‬كما قال تعالى ‪ { :‬وما أوتٌتم من العلم إال‬ ‫قلٌبلً } ‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫ومهما أقللت من هذه القلة و وتصورت من قلتها ‪ ,‬فالواقع أقل ‪ ,‬ولذا قال‬ ‫سٌدنا الخضر لسٌدنا موسى على نبٌنا وعلٌهما الصبلة والسبلم كل حٌن‬ ‫وأوان ‪ ,‬قال له ‪ [ :‬ما علمً وعلمك وعلم سابر الخبلبق فً علم هللا تعالى‬ ‫إال كما أخذ هذا العصفور من البحر ‪ ] . . .‬متفق علٌه ‪.‬‬ ‫فعلم هللا تعالى وجمٌع صفاته ال حد لها وال انتهاء ‪ ,‬فإن إلٌه المنتهى ولكنه‬ ‫لٌس له انتهاء ‪ ,‬وبٌان ذلك بمثل تقرٌبً ‪ ,‬للفرق بٌن الكثٌر وبٌن ما ال‬ ‫ٌتناهى ‪ ,‬مثل ذلك ‪ :‬لو أن هللا تعالى أمر ملكا ً من المبلبكة علٌهم السبلم‬ ‫بنقل تراب عالم الدنٌا إلى عالم آخر‪ ,‬فجعل الملك ٌنقل تراب الدنٌا كل‬ ‫ملٌون سنة واحدة من التراب ‪ ,‬حسب ما أمر بذلك فهو كم ٌحتاج ؟ ٌحتاج‬ ‫إلى المبلٌ​ٌن الكثٌرة من السنٌن حتى ٌنقلها كلها إلى عالم آخر ‪ ,‬فمهما‬ ‫كثرت تلك السنون فهذه المدة الطوٌلة كلها متناهٌة؛ وإن طالت دهوراً‬ ‫وعصوراً‪ ,‬وهذه المدد الطوٌلة كلها تعتبر من باب المتناهٌات‪ ,‬وأما ما ال‬ ‫ٌتناهى فهو ما ال ٌتناهى بحد وال بمقدار‪ ,‬وال بامتداد الدهور وال‬ ‫األعصار‪ ,‬وال ٌدخل تحت حكم العد وال اإلحصاء‪ ,‬وال اإلحاطة وال‬ ‫االستقصاء‪ ,‬من جمٌع الوجوه واالعتبارات ‪ ,‬فسبحان من أحاط علمه‬ ‫بالمتناهٌات والبلمتناهٌات‪.‬‬ ‫انٌا ًال‪ :‬فٌه بٌان فقر العالم إلى ربه ‪ ,‬وؼنى الرب سبحانه بالذات عن‬ ‫العالمٌن‪ ,‬وإن فقر العالم إلى ربه هو فقر ذاتً من جمٌع الوجوه‬ ‫واالعتبارات ‪ ,‬وإن ؼنى الرب سبحانه عما سواه هو ؼنى مطلق ذاتً له‬ ‫وحده‪ ,‬فإن رب العالمٌن هو خالقهم ومربٌهم‪ ,‬فالعالم فً كل لحظة أو لمحة‬ ‫بصر بل أقرب من ذلك محتاج ومفتقر إلى أن ٌمده هللا تعالى بالوجود‪ ,‬وما‬ ‫ٌتطلبه هذا الموجود مما ٌتوقؾ علٌه نظام بقابه ووجوده‪ ,‬فإن المربوب ال‬ ‫ٌستؽنً عن ربه سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫فإن جمٌع األشٌاء‪ -‬كما قرره أهل العلم‪ -‬هً لدى السبر والتقسٌم عقبلً‬ ‫وواقعٌا ً هً ثبلثة أقسام‪-1:‬الواجب وجوده‪-2,‬المستحٌل وجوده‪- 3 ,‬الممكن‬ ‫وجوده وعدمه‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫فواجب الوجود الذي ال ٌجوز فً العقل عدمه أزالً وأبداً هذا هو هللا تعالى‬ ‫وحده ‪ ,‬بؤسمابه الحسنى ‪ ,‬وصفاته العلٌا جل وعبل سبحانه وتعالى ‪ ,‬وهذا‬ ‫ثابت باألدلة القاطعة ‪ ,‬والبراهٌن الساطعة ‪ ,‬كما هو مفصل فً موضعه ‪.‬‬ ‫وأما المستحٌل وجوده فهو ما ٌحٌل العقل وجوده باألدلة القطعٌة أٌضا ً ‪,‬‬ ‫كتعدد اآللهة ‪ ,‬وشرٌك الباري تعالى ‪ ,‬ونحو ذلك ‪.‬‬ ‫وأما الممكن وجوده وعدمه ‪ ,‬فهذا لٌس له من نفسه إال العدم ولكن ال على‬ ‫وجه االستحالة كما هو فً المستحٌل ‪ ,‬بل الممكن هو قابل للوجود من‬ ‫موجده وهو هللا تعالى ‪ ,‬فإذا أفاض هللا تعالى نور الوجود علٌه صار‬ ‫موجوداً بإٌجاده سبحانه ‪ ,‬قال تعالى ‪ { :‬إنما قولنا لشًء إذا أردناه أن نقول‬ ‫له كن فٌكون } ‪.‬‬ ‫أي ‪ :‬فٌظهر فً عالم الكون بالوجود الخارجً ‪ ,‬ولكن هذا الوجود الذي‬ ‫ظهر به الممكن لٌس واجبا ً له ‪ ,‬وال ٌملكه ‪ ,‬فبل ٌستؽنً عن موجده لمحة‬ ‫بصر ؛ وال أقل من ذلك ‪ ,‬بل هو مفتقر إلى إمداد هللا تعالى له بالوجود فً‬ ‫كل لمحة بصر ؛ بل أقرب من ذلك ‪ ,‬فما أشد فقر العالم إلى ربه ‪ ,‬وما‬ ‫أعظم ؼناء – سبحانه – عن ؼٌره ‪ ,‬قال تعالى ‪ٌ { :‬ا أٌها الناس أنتم‬ ‫الفقراء إلى هللا وهللا هو الؽنً الحمٌد ‪ .‬إن ٌشؤ ٌذهبكم وٌؤت بخلق جدٌد }‪.‬‬ ‫ال ا ًال ‪:‬فٌه التحدي واإلعبلن لجمٌع العباد ‪ ,‬بعجزهم عن أن ٌخلقوا مثل هذا‬ ‫العالم ‪ ,‬بل هم عاجزون عن إحاطته ‪ ,‬فهو سبحانه رب العالمٌن وحده ال‬ ‫شرٌك له ‪ ,‬فهذه الكواكب وهذه الشمس ‪ ,‬وهذه األرض ‪ ,‬وسٌرها بحسبان‬ ‫دقٌق ‪ ,‬وإٌقاعها فً أفبلكها ومواقعها المعٌنة لها ؛ ذلك تقدٌر العزٌز العلٌم‬ ‫‪ ,‬وهكذا الجبال والبحار ‪ ,‬والهواء والماء؛ فجمٌع ذلك تعجز عن إٌجاده‬ ‫قدرة العباد ولو كان بعضهم لبعض ظهٌراً ‪ ,‬فإذاً ٌقال من الذي أوجدها ؟‬ ‫نعم هذا هوهللا رب العالمٌن ‪ ,‬فالحمد هلل رب العالمٌن حقا ً ‪.‬‬ ‫رابعا ًال ‪ :‬فٌه بٌان كثرة العوالم وعظمها ‪ ,‬فإن هللا تعالى العلً العظٌم ‪ ,‬لما‬ ‫مدح نفسه ‪ ,‬وحمد نفسه سبحانه بؤنه رب العالمٌن ‪ ,‬دل ذلك على أن أمر‬ ‫العوالم عظٌم خلقا ً وتدبٌراً ‪ ,‬وأحكاما ً وحكمة ‪ . . .‬وكلمة { العالمٌن } أي‬ ‫‪ :‬هً كثٌراً جداً ال تحصى ‪,‬فمن ذلك ‪ :‬عالم األمر والخلق وسعتهما ‪,‬‬ ‫‪56‬‬


‫وعالم الملكوت ‪ ,‬وعالم الجبروت ‪ ,‬وعالم العرش ‪ ,‬وعالم الكرسً ‪,‬‬ ‫وعالم القلم ‪ ,‬وعالم اللوح ‪ ,‬وعالم المثال ‪ ,‬وعالم البرزخ ‪ ,‬وقد ذكرت‬ ‫جملة من العوالم العلوٌة فً كتاب ‪ ( :‬هدي القرآن الكرٌم إلى معرفة‬ ‫العوالم والتفكر فً األكوان ) فارجع إلٌه ‪.‬‬ ‫ومن جملة العوالم التً مر علٌها اإلنسان ‪ :‬عالم األرواح ‪ ,‬وعالم الذر و‬ ‫وعالم األصبلب ‪ ,‬وعالم الرحم ‪ ,‬وعالم الدنٌا ‪ ,‬وعالم النوم ‪.‬‬ ‫وأما العوالم التً سٌمر علٌها اإلنسان بعد الموت فقد ذكرت ذلك فً‬ ‫الكتاب ‪ ( :‬اإلٌمان بعوالم اآلخرة ومواقفها ) ‪.‬‬ ‫ولكل عالم من هذه العوالم التً مر علٌها اإلنسان أحكام وخصابص ‪:‬‬ ‫فعالم الذر هو المذكور فً قوله تعالى ‪ { :‬وإذ أخذ ربك من بنً آدم من‬ ‫ظهورهم ذرٌتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى } – أي ‪:‬‬ ‫أنت ربنا حقا ً – { شهدنا أن تقولوا ٌوم القٌامة إنا كنا عن هذا ؼافلٌن } ‪.‬‬ ‫وعالم األصالب هو المذكور فً قوله تعالى – ممتنا ً على هذه األمة‬ ‫المحمدٌة ‪ { :‬إنا لما طؽا الماء حملناكم فً الجارٌة } – أي ‪ :‬الطوفان العام‬ ‫نصرة لنوح علٌه السبلم حملناكم ٌا أمة محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم –‬ ‫{ فً الجارٌة } السفٌنة حٌث كنتم فً أصبلب الذٌن ركبوا مع نوح علٌه‬ ‫السبلم { لنجعلها لكم تذكرة وتعٌهآ أذن واعٌة } – أي ‪ :‬لتذكروا هذه النعمة‬ ‫علٌكم ‪ ,‬وتعوا ؛ فتشكروا ربكم سبحانه ‪.‬‬ ‫ولما نزلت هذه اآلٌة الكرٌمة ‪ ,‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪[ :‬‬ ‫سالت ربً أن ٌجعلها أذن علً ] ‪.‬‬ ‫قال مكحول ‪ :‬فكان علً رضً هللا عنه ٌقول ‪ ( :‬ما سمعت من رسول هللا‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم شٌبا ً فنسٌته ) رواه سعٌد بن منصور ‪ ,‬وابن‬ ‫جرٌر ‪ ,‬وابن المنذر ‪ ,‬وبن أبً حاتم ‪ ,‬وابن مردوٌه عن مكحول ‪.‬‬ ‫وأما عالم الرحم فهو المذكور فً قوله تعالى ‪ { :‬هو الذي ٌصوركم فً‬ ‫األرحام كٌؾ ٌشاء ال إله إال هو العزٌز الحكٌم }‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫ففً هذا العالم جرى على اإلنسان التصوٌر ‪ ,‬وتسجٌل التقدٌر‪ :‬بكتب‬ ‫رزقه‪ ,‬وأجله‪ ,‬وشقً أو سعٌد‪ ,‬وخص كل إنسان بصورة لٌست كؽٌرها‬ ‫من صورة من بنً آدم ‪ ,‬وأجرى هللا تعالى التبدٌل والتطوٌر علٌه‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ٌ {:‬خلقكم فً بطون أمهاتكم خلقا ً من بعد خلق فً ظلمات ثبلث‬ ‫ذلكم هللا ربكم } أي‪ :‬ظلمة المشٌمة ‪ ,‬فً ظلمة الرحم‪ ,‬فً ظلمة بطن‬ ‫الحامل‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪ {:‬هو أعلم بكم إذ أنشؤكم من األرض وإذ أنتم أجنة فً بطون‬ ‫أمهاتكم فبل تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} فبل تمدحوا أنفسكم ‪ ,‬بل‬ ‫احمدوا هللا تعالى الذي وفقكم ‪ ,‬والمعنى ‪ :‬أن هللا تعالى هو أعلم بكم‬ ‫وأحوالكم‪ ,‬بعلمه القدٌم الذي ال أول له‪ ,‬وهو أعلم بكم إذ أنشاكم فً ضمن‬ ‫نشؤة أبٌكم آدم علٌه السبلم من تراب األرض ‪ ,‬كما قال سبحانه‪ {:‬ومن‬ ‫آٌاته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون}‪ ,‬ومن المعلوم أن‬ ‫األرض مختلفة البقاع والتربة فً لونها‪ ,‬ومنها السهل والوعر‪ ,‬ومنها‬ ‫الخبٌث والطٌب‪ ,‬فهو سبحانه ٌعلم من أي تربة خلقكم منها‪.‬‬ ‫وبٌن معنى اآلٌة ما جاء فً الحدٌث عن أبً موسى األشعري رضً هللا‬ ‫عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬إن هللا تعالى خلق آدم‬ ‫من قبضة قبضها من جمٌع األرض ‪ ,‬فجاء بنو آدم على قدر األرض؛ جاء‬ ‫منهم األحمر واألبٌض واألسود وبٌن ذلك‪ ,‬والسهل والحزن‪ -‬أي‪ :‬الؽلٌظ‬ ‫الذي فٌه عنؾ – والخبٌث والطٌب وبٌن ذلك ] رواه الترمذي وصححه ‪,‬‬ ‫وأبو داود ‪ ,‬واحمد ‪ ,‬والحاكم وؼٌرهم‪.‬‬ ‫فخلق سبحانه من األرض الحمراء األحمر‪ ,‬ومن البٌضاء األبٌض‪ ,‬ومن‬ ‫السوداء األسود‪ ,‬وهذا من حٌث األلوان‪ ,‬ومن حٌث األخبلق ‪ :‬فخلق من‬ ‫سهل األرض سهل الخلق اللٌن الرفٌق‪ ,‬ومن حزنها وؼلٌظها الفظ الؽلٌظ‪,‬‬ ‫ومن األرض الطٌبة ذات النبات الحسن خلق المإمن الطٌب‪ ,‬فإنه طٌب‬ ‫كله‪ ,‬طاب بالكلمة الطٌبة وهً‪ :‬ال إله إال هللا ‪ ,‬قال تعالى ألم تر كٌؾ‬ ‫ضرب هللا مثبلً كلمة طٌبة كشجرة طٌبة أصلها ثابت وفرعها فً السماء }‬

‫‪58‬‬


‫جاء فً الحدٌث هً ‪ :‬ال إله إال هللا محمد رسول هللا صلى اله علٌه وآله‬ ‫وسلم ‪.‬‬ ‫وخلق من األرض الخبٌثة الكافر ‪ ,‬قال تعالى‪ {:‬والبلد الطٌب ٌخرج نباته‬ ‫بإذن ربه والذي خبث ال ٌخرج إال نكداً كذلك نصرؾ اآلٌات لقوم‬ ‫ٌشكرون}‪.‬‬ ‫وقد روى سعٌد بن منصور ‪ ,‬وأبو حاتم ‪ ,‬عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ‪:‬‬ ‫( إن هللا تعالى لما أراد أن ٌخلق آدم علٌه السبلم بعث ملكا ً من حملة‬ ‫العرش ٌؤتً بتراب من األرض ‪ ,‬فاخذ من وجهها‪ -‬أي‪ :‬من أدٌم األرض‬ ‫كلها‪ -‬ومن طٌبها وخبٌثها) الحدٌث كما فً شرح المناوي وهللا تعالى أعلم‪.‬‬ ‫وأما علم المنام فهو المذكور فً قوله تعالى ‪ {:‬ومن آٌاته منامكم باللٌل‬ ‫والنهار وابتؽاإكم من فضله إن فً ذلك آلٌات لقوم ٌسمعون}‪.‬‬ ‫ففً هذه اآلٌات ‪ ,‬ذكر سبحانه عالمً المنام والٌقظة‪,‬وقرن بٌنهما‪ ,‬لٌعلم‬ ‫اإلنسان أن عالم المنام هو عالم حقٌقً لٌس وهمٌا ً‪ ,‬بل له آثاره‪ ,‬أال ترى‬ ‫النابم إلى جانبك ٌرى ما ٌسره فٌضحك؛ وأنت تراه ٌضحك‪ ,‬وٌرى ما‬ ‫ٌخفٌه فٌبكً؛ وأنت قد تراه ٌبكً وٌصٌح وٌصرخ ‪ ,‬وقد ٌرى من‬ ‫ٌخاصمه وٌجادله فقد ٌعلو صوته وأنت تسمع ما ٌقوله أحٌانا ً ‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫فهذا دلٌل على أن المنام عالم حقٌقً له آثاره‪ ,‬وٌرى فٌه الرإٌا الصادقة‬ ‫والصالحة‪ ,‬وقد ٌرى فٌه األحبلم المختلطة ‪ ,‬وٌعتبر عالم المنام برزخا ً بٌن‬ ‫عالم الدنٌا وبٌن عالم برزخ اآلخرة بعد الموت‪ ,‬ولذلك قد ٌرى النابم ماذا‬ ‫ٌحصل أو ٌقع فً الٌقظة‪ ,‬ألن تلك األمور تكون قد تنزلت حتى انتهت إلى‬ ‫البرزخ بٌن الدنٌا واآلخرة‪ ,‬وربما انكشؾ للنابم أمور ؼٌبٌة لعروج روحه‬ ‫إلى العوالم العلوٌة‪ -‬والناس فً ذلك على مراتب مختلفة‪.‬‬ ‫وٌدلك على أن عالم المنام له اعتباره الحقٌقً‪ ,‬ما ذكره هللا تعالى عن‬ ‫ٌوسؾ الصدٌق على نبٌنا وعلٌه الصبلة والسبلم ‪ {:‬إذ قال ٌوسؾ ألبٌه ٌا‬ ‫أبت إنً رأٌت أحد عشر كوكبا ً والشمس والقمر رأٌتهم لً ساجدٌن }‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫ثم ذكر سبحانه تحقق تلك الرإٌا وتؤوٌلها ‪ ,‬فقال سبحانه ‪ {:‬فلما دخلوا على‬ ‫ٌوسؾ ءاوى إلٌه أبوٌه وقال ادخلوا مصر إن شاء هللا آمنٌن‪ .‬ورفعع أبوٌه‬ ‫على العرش وخروا له سجداً وقال ٌا أبت هذا تؤوٌل رإٌاي من قبل قد‬ ‫جعلها ربً حقا ً }‪.‬‬ ‫وقد تكلمت على أنواع الرإٌا وآدابها فً كتابً ‪ ( :‬الدعاء) وؼٌره ‪ ,‬كما‬ ‫ذكرت جملة من العوالم العلوٌة فً كتاب ‪ ( :‬هدي القرآن الكرٌم إلى‬ ‫معرفة العوالم والتفكر فً األكوان) فارجع إلٌه ٌنفعك بإذن هللا تعالى ‪.‬‬ ‫{ الرحمن الرحٌم}‬ ‫جٌا بهذٌن الوصفٌن بعد قوله سبحانه‪ {:‬الحمد هلل رب العالمٌن} وفً هذا‬ ‫وجوه من الحكم‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬بٌان أن رحمته مبلزمة لربوبٌته‪ ,‬فهو سبحانه رب العالمٌن أي‪:‬‬ ‫خالقهم ‪ ,‬وملكهم أي‪ :‬المدبر أمورهم والمتصرؾ فٌهم ‪ ,‬ومالكهم فهم‬ ‫مملوكون له‪ ,‬وسٌدهم فالكل عباده‪ ,‬ولكن جمٌع ذلك قابم على أساس‬ ‫الرحمة ‪ ,‬فخلقه وتدبٌره أمور عباده وتصرفه فٌهم كل ذلك محاط بالرحمة‬ ‫‪ ,‬قال تعالى‪ {:‬الرحمن على العرش استوى}‪ ,‬فالعرش العظٌم محٌط بجمٌع‬ ‫العوالم وهو – أي‪ :‬العرش‪ -‬محاط باسم الرحمن‪.‬‬ ‫وقال سبحانه – فً سورة ٌونس ‪ {:-‬إن ربكم هللا الذي خلق السماوات‬ ‫واألرض فً ستة أٌام ثم استوى على العرش ٌدبر األمر} اآلٌة‪.‬‬ ‫فتدبٌره أمور عباده ومخلوقاته كل ذلك صادر عن رحمانٌته‪ ,‬ومن المعلوم‬ ‫أن العرش العظٌم هو محٌط بج مٌع العوالم ‪ ,‬كما دلت على ذلك األحادٌث‬ ‫النبوٌة ‪ ,‬وقد ذكرت ذلك مفصبلً فً متابً ‪ ( :‬هدي القرآن الكرٌم إلى‬ ‫معرفة العوالم )‪.‬‬ ‫ثانٌا ً‪ :‬إن ذكره سبحانه هاتٌن الصفتٌن { الرحمن الرحٌم} بعد قوله ‪ {:‬الحمد‬ ‫هلل رب العالمٌن} فٌه بٌان وجه من وجوه استحقاقه للحمد وذلك ألنه {‬ ‫الرحمن الرحٌم}‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫ثالثا ً‪ :‬فٌه بٌان أن رحمته وسعت جمٌع الخبلبق‪ ,‬وجمٌع العالمٌن فً جمٌع‬ ‫العوالم الماضٌة واآلتٌة‪ ,‬على مختلؾ أجناسها وأصنافها‪ ,‬كما قال‬ ‫سبحانه‪ {:‬ورحمتً وسعت كل شًء}‪.‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬لقد ذكر هللا تعالى فً سورة الرحمن التً افتتحها باسمه الرحمن؛‬ ‫ذكر فٌها شمول رحمته وشواهد ذلك ومشاهد ذلك‪ ,‬فعدد أصنافا ً كثٌرة‬ ‫وأنواعا ً كبٌرة من آثار اسمه الرحمن ‪ ,‬ومظاهره فً األكوان‪ ,‬وما فً ذلك‬ ‫من نعمه وآالبه فً الدنٌا واآلخرة‪ ,‬وكلما ذكر صنفا ً من النعم أردفها بقوله‬ ‫تعالى ‪ {:‬فبؤي آالء ربكما تكذبان } امتنانا ً علٌهم بما هم ٌقرون به ‪ ,‬وال‬ ‫ٌمكنهم إنكاره‪ ,‬فً سورة الرحمن ترى مظاهر هذا االسم وآثاره المتجلٌة‬ ‫فً جمٌع العوالم واألكوان ‪ :‬المشهودة بالجنان‪ ,‬والمبصرة بالعٌان؛‬ ‫الساطعة البرهان على وجه ال ٌختلؾ فٌه اثنان ‪ ,‬كما قال سبحانه‪ {:‬فبؤي‬ ‫آالء ربكما تكذبان }‪.‬‬ ‫وقد نقل الحافظ البٌهقً عن العبلمة أبً سلٌمان الخطابً أنه قال‪ :‬ذهب‬ ‫الجمهور من الناس – أي‪ :‬العلماء‪ -‬أن اسم الرحمن مشتق من الرحمة‪,‬‬ ‫مبنً على المبالؽة‪ -‬أي‪ :‬جاء على صٌؽة فعبلن التً تدل على المبالؽة‪-‬‬ ‫ومعناه ذو الرحمة التً ال نظٌر له فٌها سبحانه‪ ,‬ولذلك ال ٌثنى وال ٌجمع‪,‬‬ ‫كما ٌثنى اسم الرحٌم وٌجمع‪ ,‬وبناء فعبلن فً كبلمهم – كبلم العرب‪-‬‬ ‫بناء المبالؽة ‪ٌ ,‬قال لشدٌد االمتبلء ‪ :‬مآلن‪ ,‬ولشدٌد الشبع‪ :‬شبعان‪.‬‬ ‫قال رحمه هللا تعالى ‪ :‬والذي ٌدل على مذهب االشتقاق فً هذا االسم –‬ ‫أي‪ :‬اسم الرحمن من الرحمة خبلفا ً لمن أنكر اشتقاقه – حدٌث عبد الرحمن‬ ‫بن عوؾ رضً هللا عنه ‪ ,‬أنه سمع رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫ٌقول‪ [:‬قال هللا عز وجل ‪ :‬أنا الرحمن خلقت الرحم‪ ,‬وشققت لها اسما ً من‬ ‫اسمً ‪ ,‬فمن وصلها وصلته ‪ ,‬ومن قطعها قطعته]‪.‬‬ ‫قال الخطابً رحمه هللا تعالى ‪ :‬فالرحمن هو ذو الرحمة الشاملة التً‬ ‫وسعت الخلق فً أرزاقهم وأسباب معاٌشهم ومصالحهم ‪ ,‬وعمت المإمن‬ ‫والكافر والصالح والطالح ‪ ,‬وأما الرحٌم فخاص بالمإمنٌن لقوله تعالى ‪{:‬‬ ‫وكان بالمإمنٌن رحٌما ً}‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫قال‪ :‬والرحٌم وزنه فعٌل بمعنى فاعل‪ ,‬وبناء فعٌل أٌضا ً للمبالؽة كعالم‬ ‫وعلٌم وقادر وقدٌر‪.‬اه‪.‬‬ ‫فاهلل تعالى و الرحمن الرحٌم و وهو سبحانه خٌر الرحمٌن‪ ,‬كما قال‬ ‫سبحانه ‪ {:‬وقل رب اؼفر وارحم وأنت خٌر الراحمٌن }‪ ,‬وهو سبحانه‬ ‫أرحم الراحمٌن ‪ ,‬قال تعالى ‪ {:‬وأٌوب إذ نادى ربه أنً مسنً الضر وأنت‬ ‫أرحم الراحمٌن}‪.‬‬ ‫وهذا من جملة االسم األعظم الذي إذا دعً هللا تعالى به أجاب ولذلك قال‬ ‫تعالى‪ {:‬فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر } اآلٌة‪.‬‬ ‫ومن دعابه صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬اللهم إنً أشكو إلٌك ضعؾ قوتً‬ ‫‪ ,‬وقلة حٌلتً ‪ ,‬وهوانً على الناس ‪ٌ ,‬ا أرحم الراحمٌن ] الحدٌث المشهور‬ ‫وقد ذكره بتمامه فً كتاب ( الدعاء ) ‪.‬‬ ‫وروى أبو الشٌخ وؼٌره ‪ ,‬عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ‪ ,‬أن النبً صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم قال ‪ [ :‬ألح رجل بٌا أرحم الراحمٌن – أكثر من دعابه‬ ‫ٌا أرحم الراحمٌن – فنودي أن قد سمعتك فما حاجتك ] أي ‪ :‬فسل تعط ‪.‬‬ ‫وروى الحاكم ‪ ,‬عن أبً أمامة رضً هللا عنه ‪ ,‬أن النبً صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم قال ‪ [ :‬إن هلل تعالى ملكا ً موكبلً بمن ٌقول ‪ٌ :‬ا أرحم الراحمٌن ‪,‬‬ ‫فمن قالها ثبلثا ُ ‪ ,‬قال له الملك ‪ :‬إن أرحم الراحمٌن قد أقبل علٌك فسل ] أي‬ ‫‪ :‬تعط ‪.‬‬ ‫وروى العبلمة السهٌلً بسنده إلى اللٌث بن سعد قال‪ :‬بلؽنً أن زٌد بن‬ ‫حارثة اكترى – أستؤجر‪ -‬بؽبلً من رجل‪ ,‬واشترط علٌه أن ٌنزله حٌث‬ ‫شاء زٌد ‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فمال به‪ -‬صاحب البؽل‪ -‬إلى خربة فقال له‪ :‬انزل فنزل‪ ,‬فإذا فً‬ ‫الخربة قتلى كثٌر – أي‪ :‬كان ٌؤخذ مالهم ثم ٌقتلهم فً تلك الخربة‬ ‫المهجورة بسٌؾ معه‪ -‬فلما أراد أن ٌقتله ‪ ,‬قال له زٌد ‪ :‬دعنً أصلً‬ ‫ركعتٌن‪ ,‬قال‪ :‬فلما صلٌت أتانً لٌقتلنً ‪ ,‬قفلت ‪ :‬دعنً أصلً ركعتٌن ‪,‬‬ ‫قال‪ :‬فلما صلٌت أتانً لٌقتلنً ‪ ,‬فقلت‪ٌ :‬ا أرحم الراحمٌن ‪ ,‬قال‪ :‬فسمع‬ ‫‪62‬‬


‫صوتا ً ال تقتله‪,‬فهاب الرجل من ذلك الصوت ‪ ,‬فخرج لٌطلب‪ -‬أي‪ :‬لٌبحث‬ ‫عن الصوت – ثم رجع إلً‪ ,‬فنادٌت‪ٌ :‬ا أرحم الراحمٌن‪ -‬فعل ذلك ثبلثا ً‪-‬‬ ‫فإذا أنا بفارس على فرس بٌده حربة حدٌد ‪ ,‬فً رأسها شعلة نار‪ ,‬فطعنه‬ ‫بها فؤنفذها من ظهره‪ ,‬فوقع مٌتا ً ثم قال لً‪ :‬أي‪ :‬الفارس‪ -‬لما دعوت المرة‬ ‫األولى ٌا أرحم الراحمٌن كنت فً السماء السابعة ‪ ,‬فلما دعوت الثانٌة ٌا‬ ‫أرحم الراحمٌن كنت فً سماء الدنٌا ‪ ,‬فلما دعوت المرة الثالثة ٌا أرحم‬ ‫الراحمٌن أتٌتك‪.‬‬ ‫قال الحافظ الزرقانً ‪ :‬وفً هذا دلٌل االعتناء بهذا الدعاء‪ ,‬وأن المخلص‬ ‫فٌه محقق اإلجابة ‪.‬اه من (المواهب وشرحها)‪.‬‬ ‫{ مالك ٌوم الدٌن}‬ ‫المالك ‪ :‬هو الذي ٌملك رقاب األشٌاء وذواتها‪ ,‬فهً ملك له‪ ,‬وأما الملك‬ ‫فهو المتصرؾ فً األمور والمدبر لها‪ ,‬فاهلل تعالى هو { مالك ٌوم الدٌن}‬ ‫ومالك ما جمع فٌه من األولٌن واآلخرٌن ‪ ,‬وهو ملك ٌوم الدٌن كما جاء‬ ‫فً قراءة سبعٌة ‪ ,‬وقال تعالى‪ {:‬الملك ٌومبذ هلل ٌحكم بٌنهم}‪.‬‬ ‫وروى البخاري ‪ ,‬عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ‪ ,‬عن رسول هللا صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم قال‪ٌ [:‬قبض هللا تعالى األرض‪ ,‬وٌطوي السماء بٌمٌنه‬ ‫ثم ٌقول‪ :‬أنا الملك أٌن ملوك األرض]‪.‬‬ ‫وأم ر الدٌن} فقد تطلق كلمة الدٌن على العقٌدة وما تتطلبه من األعمال‬ ‫واألقوال‪ ,‬ومنه‪ { :‬إن الدٌن عند هللا اإلسبلم} أي‪:‬االستسبلم له سبحانه‪,‬‬ ‫اعتقاداً بالجنان‪ ,‬وعمبلً باألركان‪ ,‬وقوالً باللسان‪.‬‬ ‫وٌقال‪ :‬دان بهاعتقده وعمل به‪ ,‬قال تعالى – فً الكفار‪ {: -‬وال ٌدٌنون دٌن‬ ‫الحق}‪.‬‬ ‫وقد تطلق كلمة الدٌن على الحساب والجزاء ‪ ,‬قال تعالى ‪ {:‬إن األبرار لفً‬ ‫نعٌم ‪ .‬وإن الفجار لفً جحٌم ‪ٌ .‬صلونها ٌوم الدٌن ‪ .‬وما هم عنها بؽاببٌن‪,‬‬ ‫وما أدراك ما ٌوم الدٌن‪ .‬ثم ما أدراك ما ٌوم الدٌن ‪ٌ .‬وم ال تملك نفس‬ ‫لنفس شٌبا ً واألمر ٌومبذ هلل}‪.‬‬ ‫‪63‬‬


‫ٌقال‪ :‬دانه إذا حاسبه وجازاه‪ ,‬قال تعالى ‪ٌ {:‬ومبذ ٌوفٌهم هللا دٌنهم الحق‬ ‫‪ }...‬أي‪ :‬جزاءهم الحق دون ظلم ‪.‬‬ ‫وكما جاء فً الحدٌث ‪ [:‬الكٌس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‪,‬‬ ‫والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على هللا األمانً ] ‪.‬‬ ‫فمعنى دان نفسه ‪:‬أي‪ :‬حاسب نفسه فً الدنٌا قبل الموت‪.‬‬ ‫فالمراد بالدٌن هنا فً اآلٌة ‪ :‬الجزاء والحساب ‪ ,‬وما ٌترتب علٌه من ثواب‬ ‫وعقاب‪ ,‬فهو سبحانه وتعالى مالك ٌوم الدٌن ‪ ,‬وهو ملكه وحده ال ؼٌره ‪,‬‬ ‫كما قال سبحانه ‪ { :‬إن إلٌنا إٌابهم ‪ .‬ثم إن علٌنا حسابهم}‪.‬‬ ‫وكما جاء فً الحدٌث الذي رواه عبد الرزاق فً (مصنفه) عن أبً قبلبة ‪,‬‬ ‫أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال‪ [:‬البر ال ٌبلى ‪ ,‬والذنب ال ٌنسى ‪,‬‬ ‫والدٌان – سبحانه‪ -‬ال ٌموت‪ ,‬اعمل ما شبت كما تدٌن تدان] أي‪ :‬تحاسب‪.‬‬ ‫وعن عبد هللا بن أنٌس رضً هللا عنه ‪ ,‬أنه سمع النبً صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم ٌقول‪ٌ [:‬حشر هللا تعالى العباد ٌوم القٌامة‪ -‬أو قال‪ :‬الناس‪ -‬عراة ؼرالً‬ ‫بهما ً]‪.‬‬ ‫قال‪ :‬قلنا‪ :‬وما بهما ؟‬ ‫قال‪ [ :‬لٌس معهم شًء‪.‬‬ ‫ثم ٌنادٌهم بصوت ٌسمعه من بعد كما ٌسمعه من قرب ‪ :‬أنا الدٌان ‪ ,‬أنا‬ ‫الملك ‪:‬‬ ‫ال ٌنبؽً ألحد من أهل النار أن ٌدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق‬ ‫؛ حتى أقصه منه‪.‬‬

‫رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه والحاكم‪ ,‬عن شداد بن أوس رضً هللا عنه‪,‬‬ ‫وفً رواٌة البٌهقً عن أنس رضً هللا عنه‪ ,‬أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫قال‪ [:‬الكٌس من عمل لما بعد الموت ‪ ,‬والعاري ‪ :‬العاري من الدٌن ‪ ,‬اللهم ال عٌش‬ ‫إال عٌش اآلخرة‪.]..‬‬ ‫‪64‬‬


‫وال ٌنبؽً ألحد من أهل الجنة أن ٌدخل الجنة وألحد من أهل الجنة عنده‬ ‫حق؛ حتى أقصه منه – حتى اللطمة]‪.‬‬ ‫قال‪ :‬قلنا‪ :‬كٌؾ وإننا عراة ؼرالً بهما؟‬ ‫قال‪ [:‬الحسنات والسٌبات‪. ]...‬‬ ‫وجاء { مالك ٌوم الدٌن } بعد ر الرحمن الرحٌم} لٌبٌن سبحانه كمال‬ ‫ربوبٌته بالرحمة لعباده المربوبٌن ‪ ,‬ومن الرحمة أن ٌنزل علٌهم كتبا ً و‬ ‫وٌرسل رسبلً فتعلمهم ما ٌنفعهم وما ٌضرهم‪ ,‬بؤوامر ومناهً‪ ,‬فمن أطاع‬ ‫فله جزاإه ‪ ,‬ومن أساء فعلٌه سوإه؛ فمن الرحمة إنزال الكتب وشرع‬ ‫الشرٌعة‪ ,‬قال تعالى ‪ {:‬حم‪ .‬تنزٌل من الرحمن الرحٌم}‪.‬‬ ‫وهو ٌتضمن أوامر ومناهً ‪ ,‬فمن أخذ بها وأطاع وأحسن فله الحسنى‪,‬‬ ‫ومن أساء فله السوآى‪ -‬كما هو مقتضى الحكمة ‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ {:‬فما ٌكذبك بعد بالدٌن ‪ .‬ألٌس هللا بؤحكم الحاكمٌن }‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث ‪ٌ [:‬قول هللا تعالى ٌوم القٌامة ‪ :‬أنا أرحم الراحمٌن ‪ ,‬وأحكم‬ ‫الحاكمٌن ]‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪ {:‬كبل بل تكذبون بالدٌن ‪ .‬وإن علٌكم لحافظٌن ‪}....‬اآلٌات‪.‬‬ ‫و{ ٌوم الدٌن } هو من أٌام اآلخرة و وذلك ألن الٌوم اآلخر هو آخر األٌام‬ ‫‪ ,‬وله أول وما له آخر‪ ,‬فقد اشتمل هذا الٌوم على أٌام وأزمنة‪ٌ ,‬وقع هللا‬ ‫تعالى فٌها الوقابع ‪,‬وٌحق فٌها الحقابق‪ ,‬وٌجري فٌها أموراً متعددة ‪ ,‬فمن‬ ‫تلك األٌام األخروٌة ٌوم الخروج ‪ ,‬وٌوم الجمع ‪ ,‬وٌوم التناد‪ ,‬وٌوم اآلزفة‪,‬‬ ‫وٌوم الحساب‪ ,‬وٌوم العرض على هللا تعالى ‪ ,‬وٌوم الدٌن‪.‬‬ ‫وٌرحم هللا تعالى القابل ‪:‬‬ ‫إلى دٌان ٌوم الدٌن نمضً‬ ‫وعند هللا تجتمع الخصوم‬ ‫رواه اإلمام أحمد بإسناد حسن‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫سنعلم فً المعاد إذا التقٌنا‬ ‫ؼداً عند الحساب من الظلوم‬ ‫فٌوم الخروج قال هللا تعالى ‪ٌ { :‬وم ٌسمعون الصٌحة بالحق ذلك ٌوم‬ ‫الخروج ‪ .‬إنا نحن نحًٌ ونمٌت وإلٌنا المصٌر‪ٌ .‬وم تشقق األرض عنهم‬ ‫سراعا } اآلٌات ‪.‬‬ ‫وهو ٌوم الجمع قال تعالى ‪ { :‬وتنذر ٌوم الجمع ال رٌب فٌه } اآلٌة ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬وٌوم نسٌر الجبال وترى األرض بارزة وحشرناهم فلم‬ ‫نؽادر منهم أحداً } أي ‪:‬جمعناهم فً صعٌد واحد ‪.‬‬ ‫{ مالك ٌوم الدٌن ‪}.‬‬ ‫أي ‪ :‬الجزاء ‪ ,‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬وإن الدٌن لواقع } أي ‪:‬الجزاء‬ ‫والحساب ‪ ,‬وهذا فً الٌوم اآلخر ‪.‬‬ ‫فهما ٌومان ‪ٌ:‬وم الدنٌا المشتمل على السنٌن واألٌام ‪ ,‬والٌوم اآلخر‬ ‫المشتمل على أٌام متعددة تجري فٌها وقابع وأمور ؛ ٌوقعها هللا تعالى إلى‬ ‫أن ٌنتهً أمر العباد إلى الجنة أو النار ‪.‬‬ ‫فالٌوم اآلخر ٌشتمل على أٌام – كما تقدم – فمنها ‪:‬‬ ‫ٌوم الخروج ‪ ,‬وٌوم التناد ‪ ,‬وٌوم الجمع – أي ‪:‬الحشر ‪.‬‬ ‫وٌوم العرض على هللا تعالى كما قال سبحانه ‪ٌ { :‬ومبذ تعرضون ال تخفى‬ ‫منكم خافٌة } اآلٌة ‪.‬‬ ‫وٌوم الحسرة كما قال سبحانه ‪ {:‬وأنذرهم ٌوم الحسرة } ‪.‬‬ ‫وٌوم التبلق كما قال سبحانه ‪ٌ {:‬لقً الروح من أمره على من ٌشاء من‬ ‫عباده لٌنذر ٌوم التبلق} ‪.‬‬ ‫وٌوم الفصل ‪ ,‬وهو القضاء بٌن العباد ‪ ,‬كما قال سبحانه ‪ {:‬إن ٌوم الفصل‬ ‫كان مٌقاتا ً}‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫وٌوم اآلزفة كما قال سبحانه ‪ {:‬وأنذزهم ٌوم األزفة } أي‪ :‬القٌامة القرٌبة ‪,‬‬ ‫وذلك بالنسبة لما مضى ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬أزقت األزفة ‪ .‬لٌس لها من دون هللا كاشفة } أي‪ :‬نفس كاشفة‬ ‫وقت وقوعها ‪ ,‬أو مزٌلة ألهوالها‪.‬‬ ‫وفً ذلك الٌوم ٌكون القضاء بٌن العباد ‪ ,‬قال تعالى ‪ {:‬وجاء ربك والملك‬ ‫صفا ً صفا ً } فلما جاء لفصل القضاء ‪ ,‬أشرقت األرض بنور ربها ‪ ,‬قال‬ ‫تعالى ‪ {:‬وأشرقت األرض بنور ربها } أي‪ :‬حٌن تجلى لفصل القضاء ‪,‬‬ ‫وبهذا النور ظهرت خفاٌا األمور ‪ ,‬وخباٌا الصدور ‪ ,‬فهنا علمت نفس ما‬ ‫أحضرت ‪ ,‬ووجدت ما عملت ‪ ,‬ألن قوة النور تظهر دقابق األمور ‪.‬‬ ‫وفً قوله تعالى ‪ {:‬وأشرقت األرض } دلٌل قوة نورها ‪ ,‬قال سبحانه ‪ {:‬هللا‬ ‫نور السماوات واألرض} أي‪ :‬فهو نورها ‪ ,‬وبه ظهورها ‪ ,‬فؤظهرها‬ ‫بؤنواره من ظلمات العدم فصارت ظاهرة ‪ ,‬موجودة بنور الوجود المفاض‬ ‫علٌها من واجب الوجود‪ ,‬الذي أشرقت له الظلمات فصلح أمر الدنٌا‬ ‫واآلخرة ‪.‬‬ ‫وقد جاء فً دعابه صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌوم الطابؾ ‪ [ :‬اللهم إنً‬ ‫أشكو إلٌك ضعؾ قوتً وقلة حٌلتً‪ ,‬وهوانً على الناس ‪.‬‬ ‫ٌا أرحم الراحمٌن ‪ :‬إلى من تكلنً ‪ ,‬إلى عدو ٌتجهمنً – أي‪ٌ :‬تلقانً‬ ‫بالؽلظة والوجه الكرٌه – أم إلى قرٌب ملكته أمري ‪ ,‬إن لم ٌكن بك‬ ‫ؼضب علً فبل أبالً – وفً رواٌة ‪ [:‬إن لم تكن ساخطا ً علً فبل أبالً ]‬ ‫– ؼٌر أن عافٌتك أوسع لً ‪.‬‬ ‫أعوذ بنور وجهك الكرٌم الذي أضاءت له السماوات واألرض ‪ ,‬وأشرقت‬ ‫له الظلمات ‪ ,‬وصلح علٌه أمر الدنٌا واآلخرة ‪ :‬أن تحل علً ؼضبك ‪ ,‬أو‬ ‫تنزل علً سخطك ‪.‬‬ ‫ولك العتبى – أي ‪ :‬الرجوع عما ال ٌرضٌك – حتى ترضى وال حول وال‬ ‫وقوة إال بك ] رواه الطبرانً وؼٌره عن عبد هللا بن جعفر ‪.‬‬ ‫{ مالك ٌوم الدٌن ‪} .‬‬ ‫‪67‬‬


‫فً ذلك تنبٌهات متعددة ‪:‬‬ ‫األول ‪ :‬فٌه تنبٌه إلى حقٌة ذلك الٌوم ‪ ,‬ومعقولٌته ‪ ,‬وحكمته ‪ ,‬ولك أن‬ ‫القضٌة هً دٌن ‪ ,‬أي ‪ :‬جزاء ‪ ,‬ومن المعلوم أن الجزاء إنما ٌكون عقبلً‬ ‫على حسب العمل ‪ ,‬فالمحسن له إحسانه ‪ ,‬والمسًء علٌه سوإه { لٌجزي‬ ‫الذٌن أساإوا بما عملوا وٌجزي الذٌن أحسنوا بالحسنى } وهذا مما ٌقره كل‬ ‫ذي عقل ‪.‬‬ ‫فقوله تعالى ‪ { :‬مالك ٌوم الدٌن } جاء بعد قول ه تعالى ‪ :‬ر الحمد هلل رب‬ ‫العالمٌن ‪ .‬الرحمن الرحٌم } ‪.‬‬ ‫فإن هللا تعالى رب العالمٌن ‪ ,‬ومن شؤنه أنه ٌربً عباده ‪ ,‬وٌدلهم على ما‬ ‫فٌه صبلحهم ‪ ,‬وٌحذرهم ما فٌه فسادهم ‪ ,‬وذلك بإنزال الشرابع اإللهٌة ‪,‬‬ ‫والكتب اإللهٌة التً جاءت به الرسل علٌهم السبلم ‪ ,‬فمن العباد من حقق‬ ‫تلك اإلرشادات والتعالٌم اإللهٌة الشرعٌة ‪ ,‬فؤحسن العمل وأصلحه ‪ ,‬ومنهم‬ ‫من خبلؾ تلك اإلرشادات والشرابع فؤفسد وأساء ‪ ,‬فبل بد من مقتضً‬ ‫الحكمة أن ٌلقً كل جزاء ما عمله ‪ ,‬كما قال سبحانه ‪ { :‬لٌجزي الذٌن‬ ‫أساإوا بما عملوا وٌجزي الذٌن أحسنوا بالحسنى } ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬هل جزاء اإلحسان إال اإلحسان } ‪.‬‬ ‫وقال سبحانه ‪ { :‬للذٌن أحسنوا الحسنى وزٌادة } اآلٌة ‪.‬‬ ‫فجاء { مالك ٌوم الدٌن} ٌبٌن حكمة رب العالمٌن فً جمعه الناس ٌوم الدٌن‬ ‫‪ ,‬وأنه ا بد منه ‪ ,‬ألنه ٌوم فٌه جزاء كل عامل بعمله‪ ,‬كما قال صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم فً خطبته ‪ [:‬أال وإن الدنٌا عرض حاضر ‪ٌ ,‬ؤكل منه البر‬ ‫والفاجر‪ ,‬أال وإن اآلخرة أجل صادق ٌقضً فٌها ملك قادر‪.‬‬ ‫أال وإن الخٌر كله بحذافٌره فً الجنة ‪ ,‬أال وإن الشر كله بحذافٌره فً‬ ‫النار‪.‬‬ ‫أال فاعملوا وأنتم من هللا على حذر ‪ ,‬واعلموا أنكم معروضون على‬ ‫أعمالكم ‪ ,‬فمن ٌعمل مثقال ذرة خٌراً ٌره ‪ ,‬ومن ٌعمل مثقال ذرة شراً ٌره‬ ‫]‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫قال فً (المشكاة)‪ :‬رواه الشافعً رضً هللا عنه ‪ ,‬وفً (الدر المنثور)‪:‬‬ ‫رواه أبو نعٌم والحسن بن سفٌان فً (مسنده)‪.‬‬ ‫كما قال تعالى ‪ٌ {:‬ا أٌها اإلنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ً فمبلقٌه } أي‪:‬‬ ‫إنك كادح فً هذه الدنٌا إلى أن تلقى ربك فٌجازٌك وٌحاسبك ‪.‬‬ ‫الثانً‪ :‬التنبٌه إلى إحسان العمل ‪ ,‬ألنه سوؾ ٌجازى علٌه ‪ ,‬واإلبعاد عن‬ ‫السوء ألنه سوؾ ٌلقى سوء ما عمل‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أن ذلك مقتضى الحكمة ‪ ,‬ألن المساواة بٌن المحسن والمسًء ؼٌر‬ ‫معقولة وال مقبولة ‪ ,‬كما أنه ال تتساوى األضداد‪ :‬العلم والجهل‪ ,‬والظلمة‬ ‫والنور‪ ,‬قال تعالى ‪ {:‬أم نجعل الذٌن آمونا وعملوا الصالحات كالمفسدٌن‬ ‫فً األرض أم نجعل المتقٌن كالفجار ‪ .‬كتاب أنزلناه مبارك لٌدبروا آٌاته‬ ‫ولٌتذكر أولوا األلباب }‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬فما ٌكذبك بعد بالدٌن ‪ ,‬الٌس هللا بؤحكم الحاكمٌن }‪.‬‬ ‫فالدٌن – أي‪ :‬الجزاء على األعمال – هو مقتضى الحكمة اإللهٌة ‪ ,‬وهللا‬ ‫تعالى ٌوفٌهم دٌنهم الحق – أي‪ :‬جزاءهم – وهو { مالك ٌوم الدٌن }‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬فٌه دلٌل على أن العباد المكلفٌن أعطاهم هللا تعالى العقل والفكر وال‬ ‫اختٌار ‪ ,‬والقدرة الممكنة لهم من فعل الخٌر والشر‪ ,‬ورتب على ذلك‬ ‫جزاءهم ‪ ,‬فلوال أن لهم اختٌاراً لما استحق المسًء العقاب‪ ,‬ولما استحق‬ ‫المحسن الثواب ‪ ,‬ألنه حٌنبذ كل قد فعل ما فعله مجبوراً؛ ولم ٌكن‬ ‫مختاراً‪.‬قال تعالى – فً الكفار ‪ {:-‬ذلك جزٌناهم ببؽٌهم وإنا لصادقون}‪.‬‬ ‫فنسب البؽً إلٌهم ‪ ,‬وأخبر سبحانه بؤنه صادق فٌما ٌقوله ؛ والصدق هو ‪:‬‬ ‫مطابقة القول للواقع الحقٌقً ؛ فإذاً هم بؽاة حقا ً وحقٌقة ‪ ,‬باختٌارهم‬ ‫وإرادتهم ‪ ,‬ومن أصدق من هللا قٌبلً ؟‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬وهل نجازي إال الكفور }‪.‬‬ ‫وقال سبحانه ‪ {:‬أولبك هم الكافرون حقا ً } أي‪ :‬حقٌقة واقعة ‪ ,‬ال وهما ً وال‬ ‫خٌاالً‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫وقال سبحانه – فً المإمنٌن ‪ {:-‬أولبك هم المإمنون حقا ً } أي‪ :‬حقٌقة‬ ‫واقعٌة ‪ ,‬هم مإمنون باختٌارهم ‪ ,‬ال وهما ً وال تخٌبلً ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬إن هذا لكم جزاء وكان سعٌكم مشكوراً } أي‪ :‬نعٌم الجنة‬ ‫كان لكم جزاء على عملكم المبرور ‪ ,‬وشكرهم على سعٌهم ‪ ,‬ألنه صدر‬ ‫منهم باختٌارهم ؛ فلوال أن لهم اختٌاراً فً ذلك لما استحقوا الشكر على‬ ‫سعٌهم ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬ما ٌفعل هللا بعذابكم إن شكرتم وءامنتم وكان هللا شاكراً‬ ‫علٌما ً }‪.‬‬ ‫الخامس ‪ {:‬مالك ٌوم الدٌن } فً هذا موقؾ ٌمجٌد العبد لربه تعالى ‪ ,‬كما‬ ‫جاء فً الحدٌث ‪ [:‬فإذا قال العبد ‪ {:‬مالك ٌوم الدٌن } قال هللا تعالى ‪:‬‬ ‫مجدنً عبدي ] والممجد فً اللؽة ‪ :‬علو الشرؾ ‪ ,‬وعزة المقام ‪ ,‬وال شك‬ ‫أن المجد األعظم ‪ ,‬والعز االكرم‪ ,‬والسلطان االمنع‪ ,‬والمقام األرفع على‬ ‫وجه ال ٌساوى وال ٌدانى ‪ ,‬وال ٌماثل وال ٌشابه‪ ,‬ذلك كله هلل رب العالمٌن‬ ‫وحده‪ ,‬فإنه سبحانه هو أهل الثناء والمجد الذاتً المطلق ‪ ,‬األعلى األجل‪,‬‬ ‫ومن ثم جًء بعد الحمد فً قوله تعالى ‪ {:‬الحمد هلل رب العالمٌن } وبعد‬ ‫الثناء فً قوله تعالى ‪ {:‬الرحمن الرحٌم } جًء بالتمجٌد بقوله ‪ {:‬مالك‬ ‫ٌوم الدٌن } وقد كان رسول هلل صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌجمع بٌنهما كما‬ ‫جاء فً (صحٌح ) مسلم ‪ ,‬عن أبً سعٌد رضً هللا عنه قال ‪ ( :‬كان‬ ‫رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال ‪ [:‬ربنا‬ ‫لك الحمد ‪ ,‬ملء السماوات ‪ ,‬وملء األرض و وملء ما بٌنهما ‪ ,‬وملء ما‬ ‫شبت من شًء بعد ‪ ,‬أهل الثناء والمجد ‪ ,‬أحق ما قال العبد ‪ ,‬وكلنا لك عبد‬ ‫؛ اللهم ال مانع لما أعطٌت ‪ ,‬وال معطً لما منعت‪ ,‬وال ٌنفع ذا الجد منك‬ ‫الجد ])‪.‬‬ ‫فاهلل تعالى هو الحمٌد المجٌد ‪ ,‬وهو سبحانه ٌحمد نفسه وحق له ذلك ‪,‬‬ ‫وٌمجد نفسه وحق له ذلك ‪.‬‬ ‫روى اإلمام أحمد عن ابن عمر رضً هللا عنهما قال‪ :‬إن رسول هللا صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم قرأ هذه اآلٌة ذات ٌوم على النبر ‪ {:‬وما قدروا هللا حق‬ ‫‪70‬‬


‫قدره واألرض جمٌعا ً قبضته ٌوم القٌامة والسماوات مطوٌات بٌمٌنه‬ ‫سبحانه وتعالى عما ٌشركون } ورسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌقول‬ ‫بٌده هكذا ٌحركها ٌقبل بها وٌدبر ‪ٌ[ :‬مجد الرب نفسه ‪ :‬أنا الجبار ‪ ,‬أنا‬ ‫المتكبر ‪ ,‬أنا الملك ‪ ,‬أنا العزٌز ‪ ,‬أنا الكرٌم ]‪.‬‬ ‫قال ابن عمر رضً هللا عنهما ‪ :‬فرجؾ المنبر برسول هللا صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم حتى لٌخرن به ‪.‬‬ ‫وفً رواٌة مسلم ‪ :‬قال ابن عمر رضً هللا عنهما ‪ ,‬حتى نظرت إلى المنبر‬ ‫ٌتحرك من أسفل شًء – أي ‪ :‬كله – حتى ؼنً ألقول ‪ :‬أساقط برسول هللا‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪.‬‬ ‫فانظر ٌا أخً المإمن وٌا أختً المإمنة ‪ ,‬واعتبرا فً هذا المنبر كٌؾ‬ ‫ٌتؤثر بموعظة رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬وٌخشع لسماعه‬ ‫حدٌث رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬وٌؽلبه حال الخشٌة والهٌبة ‪,‬‬ ‫فٌهتز ‪ ,‬وٌضطرب ‪.‬‬ ‫وسبقه إلى ذلك جذع النخلة الذي كان ٌخطب رسول هللا صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم عنده ‪ ,‬فلما فارق وصعد المنبر ؼلبه حال الشوق وألم الفراق‬ ‫للجبٌب األكرم صلى هللا علٌه وله وسلم ‪ ,‬فصاح وناح ‪ ,‬وحن وأن ‪ ,‬حتى‬ ‫مسحه النبً األكرم صلى هللا علٌه وآله وسلم وسكنه ‪ ,‬وهدأه كما ٌهدأ‬ ‫الصبً من بكابه ‪ ,‬فما بالك أنت ٌا أخً ال تتذكر ‪ ,‬وال تتؤثر ‪ ,‬وال نحن‬ ‫شوقا ً إلٌه صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪.‬‬ ‫على نفسه فلٌبك من ضاع عمره‬ ‫ولٌس له من ذا نصٌب وال سهم‬ ‫{ إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن }‬ ‫أي ‪ :‬ال نعبد إال إٌاك ‪ ,‬ألنك ربنا ورب كل شًء ‪ ,‬والكل عبادك ‪ ,‬وحق‬ ‫على العبد أن ٌعبد ربه سبحانه ‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫والعبادة هً ‪ :‬قٌام العبد وأعمال وأقوال شرعها هللا تعالى له ‪ ,‬مبل حظا ً أنه‬ ‫عبد ٌطٌع وٌتذلل ‪ ,‬وٌخضع لربه الذي هو رب العالمٌن ‪ ,‬وأن ما ٌقوم به‬ ‫من تلك األعمال واألقوال حق هللا تعالى علٌه ‪ ,‬فالعبادة قابمة على هذه‬ ‫األمور ‪.‬‬ ‫‪-1‬معرفة هللا تعالى ‪ ,‬واعتقاد وحدا نٌته ‪.‬‬ ‫‪-2‬الطاعة هلل تعالى فٌما أمر به ‪ ,‬واالنتهاء عما نهى بواسطة رسوله صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ‪.‬‬ ‫فاالبتمار بؤمره تعالى ‪ ,‬واتقاء ما حرمه هو العبادة ‪ ,‬كما فً الحدٌث ‪[ :‬‬ ‫اتق المحارم تكن أعبد الناس ‪ ] . . .‬الحدٌث كما فً ( سنن ) الترمذي ‪.‬‬ ‫وال بد فً ذلك كله من مبلحظة الذل ‪ ,‬وخضوع العبد لربه الذي خلقه‬ ‫ورزقه ‪ ,‬وبٌده األمر كله ‪ ,‬وهو رب العالمٌن كلهم ‪.‬‬ ‫‪-3‬مبلحظة أن ذلك كله من باب القٌام بواجب حق الرب سبحانه علٌه ‪,‬‬ ‫باعتبار أن للرب حقا ً على العبد أن ٌعبده ‪.‬‬ ‫فالعبادة أمر تقتضٌه العبودٌة هلل تعالى ؛ فمن خرج من دابرة العبدٌة هلل‬ ‫تعالى لٌس علٌه أن ٌعبد هللا تعالى – ٌعنً ‪ :‬إذا زعم اإلنسان أنه رب نفسه‬ ‫وأنه خلقها ‪ ,‬وهو ٌحٌ​ٌها ‪ ,‬وهو ٌمٌتها ‪ ,‬فما علٌه أن ٌعبد ربا ً ‪ ,‬ألنه رب‬ ‫نفسه فٌما ٌزعم ! ! ولكن ال ٌقول ذلك إال المجنون ‪ ,‬بل وهللا ال ٌقول ذلك‬ ‫المجنون ‪ ,‬وال الحٌوان ‪ ,‬وال الحمار‪ ,‬زال ما هو دون ذلك ‪ ,‬ألنه إذا كان‬ ‫ٌزعم أنه رب نفسه فلٌرزق نفسه وبمنع عنه اآلفات ؛ والعاهات ؛‬ ‫والموت ‪ ,‬قال تعالى ‪ { :‬فلوال عن كنتم ؼٌر مدٌنٌن ‪ .‬ترجعونها إن كنت‬ ‫صادقٌن } ‪.‬‬ ‫فالرب حق وهو رب العالمٌن ‪ ,‬وكل ما سواه فهم عبٌد له ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬إن كل من فً السماوات واألرض إال ءاتى الرحمن عبداً }‬ ‫أي ‪ :‬اآلن ‪ ,‬وأما ٌوم القٌامة فقد قال بعد ذلك سبحانه ‪ { :‬وكلهم ءاتٌه ٌوم‬ ‫القٌامة فرداً } ‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫إذاً فالعبادة هلل تعالى هً حق ذاتً له ‪ ,‬اله الري وحده ‪ ,‬وكلهم عباده ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ٌ { :‬ا أٌها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذٌن من قبلكم لعلكم‬ ‫تتقون ‪ .‬الذي جعل لكم األرض فراشا ً والسماء بنا ًء وأنزل من السماء ما ًء‬ ‫فؤخرج به من الثمرات رزقا ً لكم فبل تجعلوا هلل أنداداً وأنتم تعلمون } ‪.‬‬ ‫فانظر فً قوله تعالى ‪ {:‬اعبدوا ربكم } أي ‪ :‬ألنه ربكم وأنتم عباده ‪.‬‬ ‫ثم أردؾ ذلك بدلٌل ربوبٌته الحقة فقال ‪ {:‬الذي خلقكم والذٌن من قبلكم‬ ‫لعلكم تتقون } اآلٌة ‪.‬‬ ‫ومن هنا جاء فً الحدٌث عن معاذ فقال ‪ {:‬الً خلقكم والذٌن من قبلكم‬ ‫لعلكم تتقون } اآلٌة ‪.‬‬ ‫ومن هنا جاء فً الحدٌث عن معاذ رضً هللا عنه قال‪ :‬كنت ردٌؾ رسول‬ ‫هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم على الدابة ٌوما ً ‪ ,‬فقال لً ‪ٌ [:‬ا معاذ ]‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬لبٌك ٌا رسول هللا – ثم سكت ساعة ‪.‬‬ ‫ثم قال ‪ٌ [:‬ا معاذ]‪.‬‬ ‫قلت ‪ :‬لبٌك ٌا رسول هللا – ثم سكت ساعة ‪.‬‬ ‫ثم قال ‪ :‬ب ٌا معاذ بن جبل ]‪.‬‬ ‫قلت ‪ :‬لبٌك وسعدٌك ٌا رسول هللا ‪.‬‬ ‫قال‪ [:‬أتدري ما حق هللا على عباده ]؟‬ ‫قلت‪ :‬هللا ورسوله أعلم ‪.‬‬ ‫قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬حق هللا على عباده أن ٌعبدوه وال ٌشركوا‬ ‫به شٌبا ً ]‪.‬‬ ‫ثم قال‪ٌ [:‬ا معاذ ]‪.‬‬ ‫قلت ‪ :‬لبٌك ٌا رسول هللا ‪.‬‬ ‫قال‪ [:‬أتدري ما حق العباد على هللا إذا عبدوه ولم ٌشركوا به شٌبا ً ]؟‬ ‫‪73‬‬


‫قلت ‪ :‬هللا ورسوله أعلم ‪.‬‬ ‫قال ‪ [:‬حق العباد على هللا إذا عبدوه ولم ٌشركوا به شٌبا ً أن ال ٌعذبهم ] ‪.‬‬ ‫فحق هللا تعالى على عباده أن ٌعبدوه ؛ هو حق واجب ذاتً له ‪ ,‬وأما حقهم‬ ‫علٌه إذا عبدوه ولم ٌشركوا به شٌبا ً أن ال ٌعذبهم ‪ ,‬وفً رواٌة ‪ [:‬أن ٌؽفر‬ ‫لهم ] وفً رواٌة ‪ [:‬أن ٌدخلهم الجنة ] فهذا حق هو سبحانه حقه على نفسه‬ ‫‪ ,‬تفضبلً منه وتكرما ً ‪ ,‬فإنه سبحانه من كرمه وفضله هو قد ٌحق على‬ ‫نفسه ‪ ,‬وقد ٌوجب على نفسه ‪ ,‬وٌكتب على نفسه ‪ ,‬وٌحتم على نفسه ‪,‬‬ ‫وٌحرم على نفسه ‪ ,‬كل ذلك من باب الفضل والكرم ‪ ,‬والجود اإللهً ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬وكان حقا ً علٌنا نصر المإمنٌن } ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬وما من دآبة فً األرض إال على هللا رزقها } ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬كتب ربكم على نفسه الرحمة } ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬كان على ربكم حتما ً مقضٌا ً } ‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث القدسً ‪ [:‬وجبت محبتً للمتحابٌن فً ‪,‬وللمتباذلٌن فً ‪,‬‬ ‫وللمتزاورٌن فً ‪,‬وللمتجالسٌن فً ] كما فً الصحٌح ‪.‬‬ ‫فهو سبحانه ٌحق على نفسه ‪ ,‬وٌوجب على نفسه فضبلً منه وكرما ً ‪ ,‬وأما‬ ‫ؼٌر هللا تعالى فما له على هللا تعالى حق واجب علٌه ‪ ,‬ألن كل ما سواه‬ ‫فهم عباد له سبحانه ‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث ‪ٌ [:‬ا عبادي إنً حرمت الظلم على نفسً وجعلته بٌنكم‬ ‫محرما ً فبل تظالموا ] ‪.‬‬ ‫{ إٌاك نعبد}‬ ‫هذا تلقٌن وتعلٌم من هللا تعالى لعباده أن ٌقولوا ذلك ‪ ,‬بعد أن وقفوا موقؾ‬ ‫الذاكرٌن له ب { بسم هللا الرحمن الرحٌم }‪ ,‬وموقؾ الحامدٌن له بقوله ‪{:‬‬ ‫متفق علٌه‪.‬‬ ‫رواه مسلم فً (صحٌحٌه ) ‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫الحمد هلل رب العالمٌن }‪ ,‬وموقؾ المثنٌن علٌه بقوله ‪ {:‬الرحمن الرحٌم }‪,‬‬ ‫وموقؾ التمجٌد له بقوله ‪ {:‬مالك ٌوم الدٌن }‪ ,‬فقدموا تلك المقدمات ‪,‬‬ ‫وارتقوا فً القرب وعلو الدرجات فقال لهم قولوا ‪ {:‬إٌاك نعبد وإٌاك‬ ‫نستعٌن } اآلٌات‪.‬‬ ‫فعلمهم السإال ‪ ,‬واالستهداء‪ ,‬واالستجداء ‪.‬‬ ‫{ إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن ‪ .‬اهدنا الصراط المستقٌم }‬ ‫فؤنت ترى أن جمٌع ذلك جًء فٌه بالنون الدالة على الجمع ‪ ,‬فٌقول العبد‬ ‫‪ {:‬إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } وال ٌقول ‪ :‬إٌاك أعبد باإلفراد ؛ وذلك لحكم ‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬هذا موقؾ فٌه هضم النفس ‪ ,‬واالعتراؾ واإلقرار بالعبودٌة لرب‬ ‫العالمٌن ‪ ,‬واالستشعار بالذل واالفتقار له‪ ,‬فكؤنه ٌقول بلسان حاله ‪ٌ :‬ا أهلل ‪,‬‬ ‫أنت رب العالمٌن ‪ ,‬وأنت الرحمن الرحٌم‪ ,‬ومالك ٌوم الدٌن‪ ,‬ولك عزة‬ ‫الربوبٌة ‪ ,‬وسٌادة األلوهٌة ‪ ,‬ما أنا بالذي بلؽت عبادتً القاصرة تلك‬ ‫المكانة حتى أذكرها وحدها‪ ,‬وأتقدم بها إلٌك‪ ,‬بل أخلطها وأجمعها إلى‬ ‫عبادات جمٌع العابدٌن لك‪ ,‬وأذكر الكل بعبارة واحدة – لعلك ترضى‪-‬‬ ‫فاسلكنً فً نظامهم ‪ ,‬وأجملنً فً جملتهم‪ ,‬فإن فٌهم األنبٌاء ‪ ,‬والرسل‪,‬‬ ‫واألولٌاء ‪ ,‬وكلهم عبادك وعبادك و وخاصة إمام العباد وسٌد العباد‪ ,‬وإمام‬ ‫األنبٌاء والمرسلٌن سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬فاقبلنً فً‬ ‫جملة العابدٌن من أتباعه ‪ ,‬وتقبل عبادتً بشفاعته وكرامته صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم ‪ ,‬فهو إمام العباد والصالحٌن ‪ ,‬بنص قوله تعالى ‪ {:‬إن ولًٌ هللا‬ ‫الذي نزل الكتاب وهو ٌتولى الصالحٌن }‪.‬‬ ‫فإن والء هللا تعالى وتولٌته لعبد هً على قدر صبلحه ‪ ,‬فلما خص هللا‬ ‫تعالى سٌدنا محمداً صلى هللا علٌه وآله وسلم بتولٌته الخاصة‪ ,‬فً قوله ‪{:‬‬ ‫إن ولًٌ هللا } دل على أن صبلحه فوق كل صبلح‪ ,‬وهو صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم أتقى األولٌن واآلخرٌن ‪ ,‬وأخشاهم هلل تعالى رب العالمٌن ‪ ,‬كما‬ ‫فً الحدٌث ‪ [:‬أما وهللا إنً ألتقاكم هلل وأخشاكم له ‪.]....‬‬ ‫وهو أكرمهم على هللا تعالى ‪ ,‬كما فً اآلٌة ‪ {:‬إن أكرمكم عند هللا أتقاكم }‪.‬‬

‫‪75‬‬


‫صلى هللا علٌه وآله وسلم كلما ذكره الذاكرون وؼفل عن ذكره الؽافلون ‪.‬‬ ‫ثانٌا ً ‪ :‬اتهام العابد عن نفسه بنقص العبادة البلبقة ‪ ,‬فٌشفعها إلى عبادة‬ ‫العابدٌن ‪ ,‬لعل هللا تعالى ٌقبل ذلك ‪ ,‬فإن من كرمه سبحانه أن ٌلحق‬ ‫الناقص بالكاملٌن إذا انضم إلٌهم ‪ ,‬كما جاء فً الحدٌث ‪ [:‬هم القوم ال‬ ‫ٌشقى بهم جلٌسهم ] والحدٌث معلوم ‪.‬‬ ‫ثالثا ً‪ :‬إن الجمع فً ر إٌاك نعبد } وما بعدها فٌه إعبلن عن حاجة الكل إلى‬ ‫عبادته سبحانه وتعالى ‪ ,‬التً خلقهم هللا تعالى ألجلها ‪ ,‬كما قال سبحانه ‪{:‬‬ ‫وما خلقت الجن واإلنس إال لٌعبدون }‪ ,‬ففً الجمع بٌان أن جمٌع العباد‬ ‫والعابدٌن واقفون فً هذا الباب – أي‪ :‬التوجه إلى هللا تعالى المعبود وحده‬ ‫– وهو أي العابد القابل ‪ { :‬إٌاك نعبد } هو واقؾ معهم ‪ ,‬وفٌهم كامل‬ ‫العبادة وناقصها ‪ ,‬فكمال أهل الكمال ٌجبر وٌؽطً على أهل النقص؛ من‬ ‫باب الفضل والجود اإللهً ‪ ,‬ألنه أكرم األكرمٌن جل وعبل ‪ ,‬فهو أجل من‬ ‫أن ٌقبل بعضا ً وٌرد بعضا ً ‪ ,‬فً حٌن أن الكل واقفون على بابه ‪,‬‬ ‫ومتوجهون ؼلى جنابه فً عباداتهم‪ ,‬واستعانتهم به‪ ,‬وطلب الهداٌة منه إلى‬ ‫ما هنالك – سواء كانوا مجتمعٌن بؤجسامهم كصبلة الجماعة ‪ ,‬أو متفرقٌن‬ ‫منفردٌن ‪ ,‬فإن القلوب كلها مجتمعة ومتوجهة إلى رب واحد ‪ ,‬وعبود واحد‬ ‫سبحانه وتعالى ‪ ,‬والكل ٌطلبون اإلعانة وٌسؤلونها من رب واحد‪ ,‬ومعبود‬ ‫واحد‪ ,‬ومعٌن قدٌر واحد سبحانه وتعالى ‪ ,‬والكل متبعون فً عباداتهم‬ ‫إلمام واحد ‪ ,‬وهو اإلمام األكبر ‪ ,‬والحبٌب األعظم سٌدنا محمد صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم ‪ ,‬إمام األولٌن واآلخرٌن ‪ ,‬واألنبٌاء والمرسلٌن ‪ ,‬صلى اله‬ ‫تعالى علٌه وعلى آله وسلم تسلٌما ً كثٌراً ‪.‬‬ ‫فبل إله إال هللا محمد رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم صبلة تلٌق بمقامه‬ ‫األسمى ‪ ,‬وكماله األسنى ‪ ,‬وعلى آله وصحبه ‪ ,‬وأزواجه وذرٌته ‪ ,‬وعلٌنا‬ ‫معهم أجمعٌن ‪.‬‬ ‫{ إٌاك نعبد }‬

‫‪76‬‬


‫قٌاما ً بالحق الذي لك علٌنا ‪ ,‬ووفاء بالعهد الذي عاهدناك علٌه ‪ ,‬وعقد‬ ‫البٌع الذي التزمناه ‪ ,‬وقد تضمن شروطا ً ‪ :‬ومنها ‪ { :‬التاببون العابدون‬ ‫الحامدون } ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬إن هللا اشترى من المإمنٌن أنفسهم وأموالهم حقا ً فً التوراة‬ ‫واإلنجٌل والقرءان ومن أوفى بعهده من هللا فاستبشروا ببٌعكم الذي باٌعتم‬ ‫به وذلك هو الفوز العظٌم }‪.‬‬ ‫ثم ذكر سبحانه بعد عقد شرابه وبٌعهم له سبحانه – كر شروطا ً ‪ ,‬وكل‬ ‫شرط ٌتضمن عدة مطالب وواجبات ‪ ,‬وعدة التزامات ومسإولٌات ‪ ,‬فقال‬ ‫سبحانه ‪ { :‬التاببون العابدون الحامدون السابحون الراكعون الساجدون‬ ‫األمرون بالمعروؾ والناهون عن المنكر والحافظون لحدود هللا وبشر‬ ‫المإمنٌن } ‪.‬‬ ‫أي ‪ :‬بشر المإمنٌن الذٌن اشترى هللا تعالى منهم أنفسهم وأموالهم ‪,‬‬ ‫وصدقوا فً بٌعهم ‪ ,‬وأدوا ما شرط علٌهم من التحقق بتلك الصفات ‪ ,‬فلهم‬ ‫من هللا تعالى البشارة العظمى ‪.‬‬ ‫اللهم اجعلنا من الموفٌن بعهدهم ‪ ,‬برحمتك وفضلك وإحسانك وكرمك –‬ ‫اللهم آمٌن ‪.‬‬ ‫{ إٌاك نعبد }‬ ‫ألنك ٌا رب خلقتنا لعبادك ‪ ,‬قال تعالى ‪ { :‬وما خلقت الجن واإلنس إال‬ ‫لٌعبدون } ‪.‬‬ ‫وبعبادتنا لك عزنا وشرفنا ‪ ,‬وجاهنا وكرماتنا فً الدارٌن ‪ ,‬ألنك خلقتنا‬ ‫لتكرمنا بعبادتك وتشرفنا بها ‪.‬‬ ‫فبعبادتنا لك ننال قربك وحبك ‪ ,‬وتدخلنا جنتك { فً مقعد صدق عند ملٌك‬ ‫مقتدر } ونظفر بكل خٌر فً الدنٌا واآلخرة ‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫وبعبادتنا لك نحفظ علٌنا كرامتنا اآلدمٌة واإلنسانٌة التً شرفتنا بها ‪ ,‬فإن‬ ‫المقصود من الشًء إذا لم ٌتحقق فٌه ذلك المقصود ؛ فقد خرج ذلك الشًء‬ ‫عن حقٌقته ‪ ,‬ولو بقٌت علٌه هٌبته وصورته ‪.‬‬ ‫أال ترى السٌارة فإنها صنعت لتسٌر بالركاب – ألنها سٌارة فعبلً – فإذا‬ ‫تعطلت أو تحطمت ولم تسر فإنها والصخرة سواء فً الحقٌقة – وإن‬ ‫اختلفنا فً الصورة‪ -‬فبل ٌقال لها حقٌقة سٌارة ‪ ,‬ألنها لم تعد تسٌر فعبلً ‪,‬‬ ‫وإن كانت صورتها وهٌبتها سٌارة‪ ,‬وإن كان اسمها بالظاهر سٌارة ‪.‬‬ ‫وهكذا الفرس ٌكر وٌفر‪ ,‬فإذا لم ٌكن كذلك فهو فً الحقٌقة حمار‪ ,‬وإن كان‬ ‫اسمه فرسا ً لصورته وهٌبته الظاهرة ‪.‬‬ ‫وهكذا اإلنسان خلقه هللا تعالى وصنعه للعبادة ‪ ,‬فاإلنسان الحقٌقً هو الذي‬ ‫اتصؾ باإلنسانٌة اإلٌمانٌة‪ ,‬ولم تؽلب علٌه البهٌمٌة الحٌوانٌة ‪ ,‬وهذا إنما‬ ‫ٌكون إذا تحقق بالعبادة هلل تعالى على الوجه الذي شرعه هللا تعالى له‪ ,‬وإذا‬ ‫لم ٌتحقق بتعالٌم هللا تعالى وعباداته ‪ ,‬فإن صورته إنسان ‪ ,‬لكنه فً الحقٌقة‬ ‫بهٌمة حٌوان‪.‬‬ ‫قال تعالى – فً الكفار‪ {:-‬أم تحسب أن أكثرهم ٌسمعون أو ٌعقلون إن هم‬ ‫إال كاألنعام بل هم أضل سبٌبلً}‪.‬‬ ‫وإنما كانوا أضل من البهابم ألن كل حٌوان وبهٌمة لها حدها فً وصفها‬ ‫البهٌمً الحٌوانً ‪ ,‬فالثعلب له صفته فً المكر وخاصته الثعلبٌة‪ ,‬ولكنه ال‬ ‫ٌوصؾ بصفة الحمار مثبلً‪ ,‬وال بالعكس ‪ ,‬وكل حٌوان فٌه نوع من‬ ‫البهٌمٌة والحٌوانٌة ال ٌتعداها ‪ ,‬أما اإلنسان فإنه إن لم ٌتمسك بعبادة هللا‬ ‫تعالى على الوجه الذي شرعه هللا تعالى ‪ ,‬فإنه تجتمع فٌه جمٌع الصفات‬ ‫الذمٌمة الحٌوانٌة والبهٌمٌة‪ ,‬فتراه من جهة احتٌاله كالثعلب‪ ,‬ومن جهة‬ ‫ببلدته كالحمار‪ ,‬ومن جهة قلة حٌابه دٌوثا ً كالخنزٌر مثبلً ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬إن شر الدواب عند هللا الذٌن كفروا } اآلٌة‪.‬‬ ‫وهللا تعالى إنما ٌذكر الحق ‪ ,‬وٌبٌن الحقٌقة ‪ ,‬فهم إنسان بالصورة والهٌبة؛‬ ‫ال بالحقٌقة والمعنى ‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫وقال تعالى ‪ {:‬لقد خلقنا اإلنسان فً أحسن تقوٌم‪ .‬ثم رددناه أسفل سافلٌن‪.‬‬ ‫إال الذٌن آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر ؼٌر ممنون } أي‪ :‬أجر دابم ‪,‬‬ ‫ؼٌر مقطوع‪.‬‬ ‫فاإلنسان الكافر رده هللا تعالى بسبب كفره أسفل سافلٌن ‪ ,‬وأخرجه عن‬ ‫دابرة اإلنسانٌة القٌمة ‪.‬‬ ‫وٌدلك على أن المراد باإلنسان الذي رده هللا تعالى أسفل سافلٌن هو‬ ‫اإلنسان الكافر ‪ٌ ,‬دلك على ذلك أن هللا تعالى قال بعد ذلك ‪ {:‬إال الذٌن‬ ‫آمنوا وعملوا الصالحات }‪ ,‬إذاً فهإالء لم ٌردهم أسفل سافلٌن ‪ ,‬بل رفعهم‬ ‫أعلى علٌ​ٌن ‪ ,‬ألنهم حافظوا على إنسانٌتهم القوٌمة الكاملة ‪ ,‬بسبب تمسكهم‬ ‫بشرٌعة هللا تعالى ‪ ,‬إٌمانا ً به‪ ,‬وعبادة له سبحانه ‪.‬‬ ‫فإن للعبادات أسراراً وأنواراً وآثاراً‪:‬‬ ‫‪-1‬فمن أسرارها ‪ :‬أنها بها تكون القرب من حضرة الرب ‪ ,‬كما قال‬ ‫سبحانه ‪ {:‬واسجد واقترب} فبالسجود ٌتقرب العابد من المعبود‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬أولبك الذٌن ٌدعون ٌبتؽون إلى ربهم الوسٌلة أٌهم أقرب }‬ ‫اآلٌة‪.‬‬ ‫وقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬أقرب ما ٌكون العبد من ربه وهو ساجد‬ ‫فؤكثروا الدعاء ]‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث القدسً ‪ [:‬وما تقرب إلً عبدي بمثل ما افترضته علٌه ‪]....‬‬ ‫الحدٌث‪.‬‬ ‫‪-2‬وبالعبادة ٌنصبػ بها قلب العابد ‪ ,‬بل روحه‪ ,‬بل وجسمه باألنوار اإللهٌة‬ ‫‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬صبؽة هللا ومن أحسن من هللا صبؽة ونحن له عابدون }‪.‬‬ ‫‪-3‬وبالعبادة ٌنتقل العابد من العبدٌة العامة إلى العبدٌة الخاصة‪ ,‬التً ٌنال‬ ‫بها شرؾ اإلضافة إلٌه سبحانه ‪ ,‬وبها تكرٌمه وتفضٌله ‪:‬‬

‫‪79‬‬


‫قال تعالى ‪ {:‬قل لعبادي الذٌن آمنوا ٌقٌموا الصبلة وٌنفقوا مما رزقناهم‬ ‫سراً وعبلنٌة من قبل أن ٌؤتً ٌوم ال بٌع فٌه وال خبلل }‪.‬‬ ‫‪-4‬وبالعبادة تخلٌصه وحصانته ‪:‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬إن عبادي لٌس لك علٌهم سلطان }‪.‬‬ ‫‪-5‬وبها ٌنال البشابر ‪:‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬فبشر عباد ‪ .‬الذٌن ٌستمعون القول فٌتبعون أحسنه }‪.‬‬ ‫‪-6‬ولهم من هللا تعالى األمان ‪:‬‬ ‫قال تعالى ‪ٌ {:‬ا عباد ال خوؾ علٌكم الٌوم وال أنتم تحزنون }‪.‬‬ ‫فهم العباد العباد ‪ ,‬ومن ثم قال بعضهم رضً هللا عنه فً قوله تعالى ‪{:‬‬ ‫وعباد الرحمن الذٌن ٌمشون على األرض هونا ً } وأمثال هذه اآلٌات قال‪:‬‬ ‫العباد هنا جمع عابد ‪ ,‬كما أن صحاب جمع صاحب‪ ,‬نعم إن شرؾ العبا‬ ‫على حسب شرؾ عباداتهم ‪ ,‬وإن أشرؾ العباد والعباد وأفضلهم وأكرمهم‬ ‫هو السٌد األكرم ‪ ,‬والرسول األعظم ‪ ,‬سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم ‪ ,‬الذي قال هللا تعالى فٌه ‪ {:‬الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب }‬ ‫اآلٌة‪.‬‬ ‫‪-7‬وبالعبادة ٌطعم العبد طعم اإلٌمان وحبلوته ‪:‬‬ ‫قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬ثبلث من فعلهن فقد طعم طعم اإلٌمان ‪:‬‬ ‫من عبد هللا وحده وعلم أنه ال إله إال هللا ‪ ,‬وأعطى زكاة ماله طٌبة بها نفسه‬ ‫‪ ,‬ولم ٌعط الهرمة وال الدرنة وال المرٌضة وال الشرط اللبٌمة ‪,‬‬ ‫ولكن من وسط أموالكم ‪ ,‬فإن هللا تعالى لم ٌسؤلكم خٌره ولم ٌؤمركم بشره]‪.‬‬ ‫وقد فصلت الكبلم على بعض أسرار العبادات وأنواعها فً كتابً (التقرب‬ ‫إلى هللا تعالى ) فارجع إلٌه تجد ما ٌسرك ‪.‬‬ ‫الكبٌرة السن‪.‬‬ ‫الدرنة‪ :‬الجرباء‪ ,‬وأصله من الدرن وهو الوسخ‪.‬‬ ‫قال فً (النهاٌة) ‪ :‬الشرط اللبٌمة ‪ :‬أي‪ :‬رذال المال‪ ,‬وقٌل صؽاره وشراره ‪.‬اه‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫{إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن}‬ ‫أي‪ :‬ال نستعٌن إال بك ‪ ,‬فإنه ال معٌن ؼٌرك‪ ,‬إذ الكل إلٌك‪ ,‬فؤنت الؽنً‬ ‫المطلق بالذات والصفات‪ ,‬وما سواك كلهم فقراء إلٌك بالذات والصفات ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ٌ {:‬ا أٌها الناس أنتم الفقراء إلى هللا وهللا هو الؽنً الحمٌد }‪.‬‬ ‫فالعباد كلهم فقراء إلى هللا تعالى ‪ ,‬فً وجود ذاتهم ‪ ,‬وبقابهم‪ ,‬وحٌاتهم‪,‬‬ ‫وؼذابهم‪ ,‬ومابهم‪ ,‬وجمٌع ذراتهم‪ ,‬وجمٌع أمورهم ‪ ,‬وهللا تعالى هو وحده‬ ‫الرب الؽنً على اإلطبلق ‪ ,‬فها نخن نطلب منك ‪ ,‬ونسؤلك ٌا ربنا أن تعٌننا‬ ‫على جمٌع أمورنا الدٌنٌة‪ ,‬وما أبحته لنا من أمور دنٌانا التً فٌها معاشنا‬ ‫فؤعنا‪.‬‬ ‫وهذا موقؾ االستعانة ‪ٌ ,‬شمل اإلعانة على أداء األمور الدٌنٌة ‪ ,‬كما دل‬ ‫على ذلك حدٌث معاذ رضً هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم ‪ٌ {:‬ا معاذ إنً ألحبك ‪ ,‬أوصٌك ٌا معاذ أن ال تدعن – أي‪ :‬ال‬ ‫تتركن – فً دبر كل صبلة ‪ -‬بعد كل صبلة‪ -‬أن تقول ‪ :‬اللهم أعنً على‬ ‫ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ] رواه أحمد وأبو داود وؼٌرهما ‪.‬‬ ‫وهذا الحدٌث فٌه جوامع الدعوات التً فٌها مجامع الخٌرات ‪:‬‬ ‫‪-1‬فٌه سإال اإلعانة على ذكره سبحانه‪ ,‬وٌدخل تحته الذكر اللسانً‬ ‫والجنانً ‪ ,‬والذكر النفسً والملبً‪ ,‬والذكر القولً والقلبً‪ ,‬وجمٌع أنواع‬ ‫الذكر هلل تعالى ‪ :‬القرآن الكرٌم‪ ,‬والتسبٌح‪ ,‬والتحمٌد‪ ,‬والتكبٌر‪ ,‬والتهلٌل‪,‬‬ ‫والصبلة على النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬وؼٌر ذلك ‪.‬‬ ‫‪-2‬فٌه سإال اإلعانة على الشكر ‪ ,‬وٌدخل فٌه ‪ :‬الشكر القولً ‪ ,‬وهو الحمد‬ ‫والثناء علٌه سبحانه ‪ ,‬والشكر العملً قال تعالى ‪ {:‬اعملوا ءال شكراً }‬ ‫وهذا ٌكون باألعمال الصالحة ‪ ,‬التً شرعها هللا تعالى ‪ ,‬والشكر القلبً‬ ‫وهو االعتقاد الجازم والعلم القاطع بؤنه ما بك من نعمة فمن هللا تعالى‬ ‫وحده قال تعالى ‪ {:‬وما بكم من نعمة فمن هللا } اآلٌة‪.‬‬ ‫‪-3‬وفٌه سإال اإلعانة على حسن العبادة ‪ ,‬وذلك – أي‪ :‬حسن العبادة‪ -‬هو‬ ‫تحقق العابد حال عبادته بالحضور القلبً ‪ ,‬بحٌث ال ٌكون حال العبادة‬ ‫‪81‬‬


‫ؼافبلً أو الهٌا ً بل حاضر القلب‪ ,‬مبل حظا ً ما ٌقول وٌعمل‪ ,‬وبالمواظبة‬ ‫على ذلك ٌرتقً إلى مقام المراقبة هلل تعالى ‪ ,‬ثم المشاهدة وهً أعلى‪ ,‬وكل‬ ‫من المراقبة والمشاهدة لها أنواع على حسب رتبة المراقب والمشاهد‪,‬‬ ‫وٌسمى هذا مقام اإلحسان ‪ ,‬المذكور فً حدٌث جبرٌل علٌه السبلم حٌن‬ ‫سؤل النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم عن اإلسبلم ثم عن اإلٌمان ثم قال ‪[:‬‬ ‫فؤخبرنً عن اإلحسان ]؟‬ ‫فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬هو أن تعبد هللا كؤنك تراه ‪ ,‬فإن لم تكن‬ ‫تراه فإنه ٌراك ‪.]....‬‬ ‫فاألول مشاهدة‪ ,‬والثانً مراقبة‪.‬‬ ‫وفً (الحلٌة) وؼٌرها‪ ,‬عن زٌد بن أرقم رضً هللا عنه ‪ ,‬أن النبً صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم قال له ‪ [:‬اعبد هللا كؤنك تراه ‪ ,‬فإن لم تكن تراه فإنه‬ ‫ٌراك ‪ ,‬واحسب نفسك مع الموتى ‪ ,‬واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة ]‪.‬‬ ‫وتفصٌل الكبلم على مقام اإلحسان تجده فً كتاب ( الصعود ) وكتاب‬ ‫( التقرب ) فارجع إلٌهما ‪.‬‬

‫{ وإٌاك نستعٌن }‬ ‫وهذا ٌشمل اإلعانة على ما ٌنفع العبد من األمور الدنٌوٌة ‪ ,‬كما دل علٌه‬ ‫الحدٌث ‪ ,‬عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ‪ ,‬أن النبً صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم قال ‪ [:‬المإمن القوي خٌر وأحب إلى هللا تعالى من المإمن الضعٌؾ‬ ‫– وفً كل خٌر ‪ ,‬احرص على ما ٌنفعك ‪ ,‬واستعن باهلل ‪ ,‬وال تعجز ‪ ,‬وإن‬

‫‪82‬‬


‫أصابك شًء فبل تقل لو أنً فعلت كذا لكان كذا وكذا ‪ ,‬ولكن قل ‪ :‬قدر هللا‬ ‫وما شاء فعل – فإن لو تفتح عمل الشٌطان ] ‪.‬‬ ‫فلٌبذل المإمن جهده على ما ٌنفعه من أمور دنٌاه ‪ ,‬وال ٌقعده الكسل وال‬ ‫ٌعجز عن العمل ‪ ,‬ولٌستعن باهلل تعالى على ذلك ‪ ,‬فإن أصابه شًء ‪ :‬بؤن‬ ‫خسر ‪ ,‬أو فشل ‪ ,‬أو لم ٌتحقق ؼرضه الذي سعى إلٌه ‪ ,‬فبل ٌرجع على‬ ‫نفسه باللوم واللو ‪ ,‬بل ٌقول ‪ [:‬قدر هللا وما شاء فعل ] ‪ ,‬فٌرد أمره إلى هللا‬ ‫تعالى ‪ ,‬فإن هللا تعالى ال بد وأن ٌجبر كسره ‪ ,‬وٌخرجه من تلك المصٌبة‬ ‫‪.‬‬ ‫{ وإٌاك نستعٌن }‬ ‫ٌشمل اإلعانة على األعداء ‪:‬‬ ‫روى أصحاب ( السنن ) عن ابن عباس رضً هللا عنهما ‪ ,‬أن النبً صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم كان ٌقول ‪ [:‬اللهم أعنً وال تعن علً ‪ ,‬وانصرنً وال‬ ‫تنصر علً ‪ ,‬وامكر لً وال تمكر علً ‪ ,‬واهدنً وٌسر لً الهدى ‪,‬‬ ‫وانصرنً على من بؽى علً ‪ ,‬رب اجعلنً لك ذكاراً ‪ ,‬لك شكاراً ‪ ,‬لك‬ ‫رهابا ً ‪ ,‬مطواعا ً إلٌك مخبتا ً ‪ ,‬أواها ً منٌبا ً ‪.‬‬ ‫رب تقبل توبتً ‪ ,‬واهد قلبً ‪ ,‬وسدد لسانً ‪ ,‬واؼسل حوبتً ‪ ,‬وأجب‬ ‫دعوتً ‪ ,‬وثبت حجتً ‪ ,‬واسلل سخٌمة صدري ] أي ‪ :‬نق قلبً من الحقد‬ ‫والحسد والؽل ؛ وسابر أمراض القلب ‪ ,‬وهذا من التعلٌم لؤلمة ‪ ,‬ألن قلبه‬ ‫الشرٌؾ صلى هللا علٌه وآله وسلم هو القلب الطٌب التقً ‪ ,‬السلٌم النقً من‬ ‫جمٌع ما هنالك ‪.‬‬ ‫{ إٌاك نستعٌن }‬ ‫فً هذا موقؾ اعتراؾ العبد وإقراره بعجزه ‪ ,‬وأنه ال حول وال قوة إال‬ ‫باهلل العلً الكبٌر ‪ ,‬وأنه ال معٌنة على الحقٌقة إال هللا تعالى ‪ ,‬فهو سبحانه‬ ‫وحده المعٌن الذي ال ٌحتاج إلى معٌن ‪ ,‬وأن كل ما سواه سبحانه فهو‬ ‫العاجز المستعٌن به ‪.‬‬

‫‪83‬‬


‫وفً الحدٌث ‪ [ :‬اللهم لك الحمد ‪ ,‬وإلٌك المشتكى ‪ ,‬وأنت المستعان ‪ ,‬وبك‬ ‫المستؽاث ‪ ,‬وال حول وال قوة إال باهلل العلً العظٌم ] ‪.‬‬ ‫وروى الترمذي وؼٌره ‪ ,‬عن ابن عباس رضً هللا عنهما قال ‪ :‬كنت خلؾ‬ ‫النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌوما ً فقال لً ‪ٌ [ :‬ا ؼبلم ‪ :‬إنً أعلمك‬ ‫كلمات ‪:‬‬ ‫احفظ هللا ٌحفظك ‪ ,‬احفظ هللا تجده تجاهك ‪ ,‬إذا سؤلت فاسؤل هللا ‪ ,‬وإذا‬ ‫استعنت فاستعن باهلل ‪.‬‬ ‫واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ٌنفعوك بشًء لم ٌنفعوك إال بشًء قد‬ ‫كتبه هللا لك ‪ :‬وإن اجتمعت على أن ٌضروك بشًء لم ٌضروك إال بشًء‬ ‫قد كتبه هللا علٌك ‪ ,‬رفعت األقبلم وجفت الصحؾ ]‪.‬‬ ‫فٌجب على العبد أن ٌرجع فً أموره كلها إلى هللا تعالى ‪ ,‬فٌسؤله حاجاته‬ ‫كلها ‪ ,‬ألنه ال ٌملك قضاء حاجات العبد إال هللا تعالى ‪ ,‬فهو سبحانه وحده‪,‬‬ ‫هو الؽنً المطلق الذاتً ‪ ,‬وجمٌع العباد فقراء إلٌه فقراً ذاتٌا ً ‪ ,‬محتاجون‬ ‫إلٌه فً كل شًء ؛ وهو سبحانه وحده الؽنً على كل شًء ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ٌ { :‬ؤٌها الناس أنتم الفقرآء إلى هللا وهللا ه الؽنً الحمٌد } ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬وسبلوا هللا من فضله } ‪ .‬وروى الترمذي ‪ ,‬عن ابن مسعود‬ ‫رضً هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬سلوا هللا‬ ‫من فضله ‪ ,‬فإن هللا ٌحب أن ‪ٌ,‬سؤل ‪ ,‬وأفضل العبادة انتظار الفرج ]‪.‬‬ ‫اللهم إنا نسؤلك من فضلك العظٌم ‪.‬‬ ‫وروى الترمذي ‪ ,‬عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ‪ ,‬عن النبً صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم قال‪ [:‬من لم ٌسؤل هللا ٌؽضب علٌه ]‪.‬‬ ‫اللهم إنا نسؤلك التوفٌق لمحابك من األعمال ‪ ,‬وحسن الظن بك ‪ ,‬وصدق‬ ‫التوكل علٌك‪ ,‬ونسؤلك العفو والعافٌة فً الدنٌا واآلخرة ‪.‬‬ ‫رواه الطبرانً وؼٌره ‪.‬‬ ‫‪84‬‬


‫وروى الترمذي ‪ ,‬وابن حبان ‪ ,‬عن أنس رضً هللا عنه ‪ ,‬عن النبً صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم قال‪ [:‬لٌسؤل أحدكم ربه حاجته كلها ‪ ,‬حتى ٌسؤله شسع‬ ‫نعله إذا انقطع ]‪.‬‬ ‫وفً رواٌة ‪ [:‬لٌسؤل أحدكم ره حاجته ‪ ,‬حتى ٌسؤله الملح‪ ,‬وحتى ٌسؤله‬ ‫شسعه ] أي‪ :‬زمام النعل ورباطه الذي ٌشد به ‪.‬‬ ‫وهكذا االستعانة ‪ :‬فإن العباد كلهم عاجزون محتاجون إلى عونه سبحانه ‪,‬‬ ‫ال حول لهم عن حال إلى حال؛ وال قوة لهم على فعل أمر من األمور ؛ إال‬ ‫باهلل العلً العظٌم ‪.‬‬ ‫ولكن جمٌع ذلك ال ٌنافً أنه سبحانه جعل لقضابه حاجات العباد أسبابا ً‬ ‫ووسابط ‪ ,‬وجعل إلعانته لمن استعان به أسبابا ً ‪ ,‬ووسابط‪ ,‬ووسابل‪ ,‬فاهلل‬ ‫تعالى هو المعٌن على الحقٌقة ‪ ,‬وال معٌن ؼٌره ‪ ,‬ولكن قد جعل عونه لك‬ ‫منوطا ً بواسطة ‪ ,‬وهذه الواسطة من الذي أعانها على عونك ؟‬ ‫نعم إنما هو هللا تعالى وحده ال شرٌك له ‪.‬‬ ‫فؤنت قد تحتاج أن تحمل الحمل الثقٌل على الدابة فتعجز ‪ ,‬فتسؤل هللا تعالى‬ ‫اإلعانة ‪ ,‬فقد ٌجعل فٌك قوة على ذلك ‪ ,‬وقد ٌبعث إلٌك من ٌعٌنك على‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث ‪ [:‬وتعٌن الرجل فً دابته؛ فتحمله علٌها أو ترفع له علٌها‬ ‫متاعه صدقة ] ‪.‬‬ ‫فالذي أعان على الحقٌقة هو هللا تعالى ‪,‬والرجل الذي أعانك هو واسطة ال‬ ‫تنكر‪ ,‬وسبب فً عون هللا تعالى ‪ ,‬فبل تنكر المسبب‪ ,‬وال تعطل السبب‪,‬‬ ‫وال تنكر الوسابط التً جعلها هللا تعالى واسطة‪ -‬وهذا أمر ظاهر فً أمور‬ ‫كثٌرة ‪ ,‬فتجد أن هللا تعالى أضافها ونسبها إلٌه سبحانه ‪ ,‬وتارة تجد أن هللا‬ ‫تعالى نسبها وأضافها إلى السبب والواسطة ‪.‬‬

‫متفق علٌه‪.‬‬ ‫‪85‬‬


‫فهناك اإلحٌاء ‪ :‬قال تعالى ‪ {:‬إنا نحن نحًٌ ونمٌت وإلٌنا المصٌر } فهو‬ ‫سبحانه المحًٌ والممٌت على الحقٌقة ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬ومن أحٌاها فكؤنما أحٌا الناس جمٌعا ً } فنسب اإلحٌاء إلى‬ ‫الواسطة‪ ,‬الذي هو سبب فً حٌاة تلك النفس ‪.‬‬ ‫ومن ذلك الهداٌة ‪ :‬فإن الهادي الموفق هو هللا تعالى وحده ‪:‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬من ٌهد هللا فهو المهتد} اآلٌة‪ ,‬ومع ذلك فقد جعل لهداٌته‬ ‫واسطة‪ ,‬كما دل علٌه الحدٌث فً خطبته صلى هللا علٌه وآله وسلك فً‬ ‫األنصار وفٌها ‪ٌ [:‬ا معشر األنصار ألم أجدكم ضبلالً فهداكم هللا بً‪,‬‬ ‫وكنتم متفرقٌن فؤلفكم هللا بً‪ ,‬وعالة – أي‪ :‬فقراء ال مال عندكم – فؤؼناكم‬ ‫هللا بً ]‪ ,‬وكانوا كلما قال صلى هللا علٌه وآله وسلم شٌبا ً قالوا ‪( :‬هللا‬ ‫ورسوله أمن) الحدٌث ‪.‬‬ ‫فاهلل تعالى هو الذي هداهم ‪ ,‬لكن بواسطة رسوله صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫‪ ,‬وجمعهم وألفهم به مع أنه قال سبحانه ‪ {:‬لو أنفقت ما فً األرض جمٌعا ً‬ ‫ما ألفت بٌن قلوبهم ولكن هللا ألؾ بٌنهم } أي‪ :‬بواسطتك ‪ ,‬كما قال صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬فؤلفكم هللا بً ] فبل تنكر السبب والواسطة ‪.‬‬ ‫وهكذا التوفٌه ‪ :‬قال تعالى ‪ {:‬هللا ٌتوفى األنفس حٌن موتها } اآلٌة‪ ,‬فهو‬ ‫سبحانه ٌتوفى األنفس – أي‪ٌ :‬قبض األرواح – ومع ذلك جعل لذلك‬ ‫واسطة‪ ,‬وهو ملك الموت‪ ,‬قال تعالى ‪ {:‬قل ٌتوفاكم ملك الموت الذي وكل‬ ‫بكم } أي‪ :‬وكله هللا تعالى بكم ‪.‬‬ ‫وهكذا الرزق ‪ :‬قال تعالى ‪ {:‬إن هللا هو الرزاق ذو القوة المتٌن }‪ ,‬فهو‬ ‫الرزاق على الحقٌقة ال ؼٌره‪ ,‬قال تعالى ‪ {:‬قل من ٌرزقكم من السماوات‬ ‫واألرض قل هللا إ اآلٌة من سورة سبؤ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬وإذا حضر القسمة أولوا القربى والٌتامى والمساكٌن‬ ‫فارزقوهم منه وقولوا لهم قوالً معروفا ً }‪.‬‬ ‫متفق علٌه‪ ,‬واللفظ للبخاري‪.‬‬ ‫‪86‬‬


‫فنسب الرزق للواسطة ‪ ,‬فقال‪ {:‬فارزقوهم منه }‪.‬‬ ‫وهكذا اإلعانة ‪ :‬فهو سبحانه وحده المعٌن على الحقٌقة ؛ قال تعالى –‬ ‫معلما ً لعباده أن ٌقولوا ‪ {: -‬إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } أي‪ :‬ال نستعٌن إال‬ ‫بك ‪ ,‬ألنه ال معٌن ؼٌرك ‪ ,‬ومع ذلك قال ‪ {:‬وتعاونوا على البر والتقوى }‬ ‫فؤمر عباده أن ٌعٌن بعضهم بعضا ً على البر والتقوى ‪ ,‬فؤضاؾ العون‬ ‫إلٌهم ‪,‬ألنهم واسطة فً عون هللا تعالى لهم ‪.‬‬ ‫وقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬وهللا فً عون العبد ما دام العبد فً عون‬ ‫أخٌه ‪ ]...‬الحدٌث كما فً ( صحٌح ) مسلم‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث – كما مر ‪ {:-‬وتعٌن الرجل فً دابته فتحمله علٌها أو ترفع‬ ‫له علٌها متاعه صدقة ] ‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪ {:‬وأما السابل فبل تنهر } وسواء فً ذلك سابل المال ‪ ,‬أو العلم‬ ‫‪ ,‬وؼٌرهما مما ٌحتاجه السابل ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬فسبلوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون } فهذا ال ٌتنافى وال‬ ‫ٌناقض قوله صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪[:‬وإذا سؤلت فاسؤل هللا ] الحدٌث كما‬ ‫تقدم ‪.‬‬ ‫وقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬سلونً ما شبتم ‪ ,‬فما تسبلونً عن شًء‬ ‫إال بٌنته لكم ] الحدٌث متفق علٌه ‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث عن ربٌعة بن كعب األسلمً قال ‪ :‬قال لً رسول هللا صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ‪ٌ [:‬ا ربٌعة سلنً أعطك ]‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬أسؤلك مرافقتك فً الجنة ‪.‬‬ ‫قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬أو ؼٌر ذلك ] ‪.‬‬ ‫قال ربٌعة ‪ :‬بل هو ذاك ‪.‬‬

‫متفق علٌه‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬فؤعنً على نفسك بكثرة السجود ]‬ ‫الحدٌث ‪.‬‬ ‫وهكذا اإلؼاثة ‪ { :‬إذ تستؽٌثون ربكم فاستجاب لكم } ومع ذلك تنسب‬ ‫اإلؼاثة للعبد الذي هو واسطة ‪:‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬فاستؽاثه الذي من شٌعته على الذي من عدوه فوكزه موسى‬ ‫فقضى علٌه } ‪ ,‬فقد أؼاث موسى الذي أؼاثه ‪.‬‬ ‫وقال صلى هللا علٌه وآله وسلم كما فً حدٌث الشفاعة الذي رواه الخمسة‬ ‫وؼٌرهم ‪ ,‬فقد جاء فً رواٌة البخاري ‪ :‬عن ابن عمر رضً هللا عنهما‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬ما ٌزال الرجل ٌسؤل‬ ‫الناس حتى ٌؤتً ٌوم القٌامة لٌس فً وجهه مزعة – أي ‪ :‬قطعة – لحم ] ‪.‬‬ ‫وها جزاء من ٌسؤل وهو ؼٌر محتاج ‪ ,‬بل عنده ما ٌكفٌه ‪.‬‬ ‫وقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬إن الشمس تدنو ٌوم القٌامة حتى ٌبلػ‬ ‫العرق نصؾ األذن من شدة أهوال الموقؾ وطوله ] ‪.‬‬ ‫قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬بٌنما كذلك هم استؽاثوا بآدم ‪ ,‬ثم بموسى‬ ‫‪ ,‬ثم بمحمد صلى هللا علٌه وآله وسلم فٌشفع ‪ - ,‬أي ‪ :‬لٌقضى بٌن الخلق –‬ ‫فٌمشً حتى ٌؤخذ بحلقة الباب – أي ‪ :‬باب الجنة – فٌومبذ ٌبعثه هللا مقاما ً‬ ‫محموداً ‪ٌ ,‬حمده أهل الجمع كلهم ] كما فً البخاري من كتاب الزكاة ‪.‬‬ ‫فانظر ٌا أخً لقد استؽاث الناس – أهل الموقؾ كلهم – بسٌدنا محمد‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم فؤؼاثهم ؛ بؤن شفع عند هللا تعالى فٌهم ‪ ,‬حتى‬ ‫ٌخلصوا من أهوال الموقؾ ‪ ,‬وٌنتهً األمر إلى فصل القضاء بٌنهم‪.‬‬ ‫وقد اقتصر الراوي هنا ذكر الرسل الذٌن ٌمر علٌهم أهل الوقؾ‪ ,‬فإنهم كما‬ ‫جاء فً أحادٌث الشفاعة ‪ٌ :‬ؤتون آدم‪ ,‬ثم نوحا ً‪ ,‬ثم إبراهٌم‪ ,‬ثم موسى‪ ,‬ثم‬ ‫عٌسى‪ ,‬ثم ٌؤتون السٌد األكرم محمداً صلى هللا علٌه وآله وسلم صلوات هللا‬ ‫تعالى وسبلمه علٌه وعلٌهم ‪ ,‬ولم ٌقل أحد من الرسل إنه ال حاجة بكم إلى‬ ‫من ٌؽٌثكم ‪ ,‬أو ٌشفع أو ٌكون وسٌلتكم إلى ربكم‪ ,‬بل أقروهم على سإالهم‬

‫‪88‬‬


‫اإلؼاثة والشفاعة ‪ ,‬ولكن أحالوا األمر لمن خصه هللا تعالى بمقام الشفاعة‬ ‫العامة صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪.‬‬ ‫وجاء فً الحدٌث‪ ,‬عن أبً سعٌد رضً هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬إٌاكم والجلوس فً الطرقات ]‪.‬‬ ‫قالوا‪ٌ :‬ا رسول هللا ما لنا بد من مجالسنا ‪ .‬نتحدث فٌها ‪.‬‬ ‫فقال‪ [:‬إذا أتٌتم إال المجلس ‪ ,‬فؤعطوا الطرٌق حقه ]‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬وما حقه ٌا رسول هللا ؟‬ ‫قال‪ [:‬ؼض البصر‪ ,‬وكؾ األذى‪ ,‬ورد السبلم‪ ,‬واألمر بالمعروؾ‪ ,‬والنهً‬ ‫عن المنكر] ‪.‬‬ ‫وفً رواٌة ‪ [:‬وتؽٌثوا الملهوؾ ‪ ,‬وتهدوا الضال]‪.‬‬ ‫ومن ذلك النصر ‪ :‬فإن النصر هو من عند هللا تعالى ‪:‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬وما النصر إال من عند هللا العزٌز الحكٌم }‪.‬‬ ‫وقد أضاؾ النصر إلى المخلوق فقال تعالى ‪ {:‬وإن استنصروكم فً الدٌن‬ ‫فعلٌكم النصر إال على قوم بٌنكم وبٌنهم مٌثاق }‪.‬‬ ‫وروى الترمذي وؼٌره‪ ,‬عن أنس رضً هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬انصر أخاك ظالما ً أو مظلوما ً ]‪.‬‬ ‫فقٌل‪ٌ :‬ا رسول هللا أنصره إذا كان مظلوما ً ‪ ,‬فكٌؾ أنصره إذا كان ظالما ً ؟‬ ‫فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬تحجزه عن الظلم – أي‪ :‬تمنعه عن الظلم‬ ‫– فإن ذلك نصره ] ٌعنً ‪ :‬أنك بذلك تنصره على شٌطانه ونفسه بمنعك له‬ ‫عن الظلم ‪.‬‬ ‫وعن السٌدة مٌمونة رضً هللا عنها – أم المإمنٌن‪ -‬قالت ‪ :‬بات عندي‬ ‫رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم لٌلة‪ ,‬فقام ٌتوضؤ للصبلة‪ ,‬فسمعته‬ ‫الحدٌث رواه اإلمام احمد والبخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫‪89‬‬


‫ٌقول فً متوضبه – أي‪ :‬مكان وضوبه صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:-‬لبٌك‬ ‫‪ ,‬لبٌك‪ ,‬لبٌك‪- ,‬ثبلثا ً‪ -‬نصرت ‪ ,‬نصرت‪ ,‬نصرت]‪.‬‬ ‫فلما فرغ ‪ ,‬قلت‪ٌ :‬ا رسول هللا ‪ ,‬سمعتك تقول فً متوضبك ‪ [:‬لبٌك لبٌك‬ ‫لبٌك ‪ ,‬نصرت نصرت نصرت ] كؤنك تكلم إنسانا ً فهل كان معك أحد؟‬ ‫فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬هذا راجز – أي‪ :‬شاعر – بنً كعب‬ ‫ٌستصرخنً – أي‪ٌ :‬ستؽٌث بً – وٌزعم أن قرٌشا ً أعانت علٌهم بنً بكر‬ ‫]‪.‬‬ ‫قالت مٌمونة رضً هللا عنها ‪ :‬فؤقمنا ثبلثا ً ‪ ,‬ثم صلى رسول هللا صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم الصبح بالناس صبح الٌوم الثالث ‪ ,‬فسمعت الراجز – أي‪:‬‬ ‫شاعر بنً كعب – ٌنشد بعد فراؼهم من الصبلة ‪ ,‬فٌقول أمام رسول هللا‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪:‬‬ ‫ٌا رب إنً ناشد محمداً‬ ‫حلؾ أبنا وأبٌه األتلدا‬ ‫إن قرٌشا ً أخلفوك الموعدا‬ ‫ونقضوا مٌثاقك المإكدا‬ ‫وزعموا أن لست تدعو أحدا‬ ‫فانصر هداك هللا نصراً أبدا‬ ‫وادع عباد هللا ٌؤتوا مددا‬ ‫فٌهم رسول هللا قد تجردا‬ ‫قالت السٌدة عابشة أم المإمنٌن رضً هللا عنها ‪ :‬لقد رأٌت رسول هللا‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم ؼضب مما كان من شؤن بنً كعب ؼضبا ً لم أره‬ ‫مناصرة‪.‬‬ ‫أي ‪ :‬األقدم ‪ ,‬والتلٌد هو القدٌم‪.‬‬ ‫أي‪ :‬شمر عن ساعد الجد لحرب العدو‪.‬‬ ‫‪90‬‬


‫ؼضبه منذ زمان ‪ ,‬وقال ‪ [:‬ال نصرنً هللا تعالى إن لم أنصر بنً كعب ]‬ ‫كما فً رواٌة أبً ٌعلى بسند جٌد ‪ ,‬وقد روى أصل الحدٌث الطبرانً فً‬ ‫(معجمه الصؽٌر ) وابن إسحاق وؼٌرهم من أصحاب السٌر ‪.‬‬ ‫قال الحافظ الزرقانً رحمه هللا تعالى ‪ :‬وفً إخباره صلى هللا علٌه و آله‬ ‫وسلم بما قاله الراجز قبل قدومه ؛ فٌه علم من أعبلم النبوة باهر ‪ ,‬فإما أنه‬ ‫أعلم بذلك بالوحً ‪ ,‬وعلم ما ٌصوره الراجز فً نفسه ‪ ,‬أو كان الراجز‬ ‫ٌكلم به أصحابه فؤجابه صلى هللا علٌه وآله وسلم بذلك‪ ,‬أو أنه كان ٌرتجز‬ ‫فً سفره وأسمعه هللا تعالى كبلمه قبل قدومه بثبلث‪ ,‬فقد روى أبو نعٌم‬ ‫مرفوعا ً ‪ [:‬إنً ألسمع أطٌط السماء‪ ,‬وما تبلم أن تبط ‪ ]...‬الحدٌث اه‪.‬‬ ‫فكان صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌسمع تسبٌح السماء‪ ,‬وهذه المناشدة كانت‬ ‫سببا ً مهٌجا ً إلى التعجل فً فتح مكة المكرمة ‪.‬‬ ‫وقد قال تعالى ‪ {:‬ونزلنا من السماء ماء مباركا ً فؤنبتنا به جنات وحب‬ ‫الحصٌد ‪ .‬والنخل باسقات لها طلع نضٌد‪ .‬رزقا ً للعباد وأحٌ​ٌنا به بلدة مٌتا ً‬ ‫كذلك الخروج }‪.‬‬ ‫فاعتبر وفكر فً وقله سبحانه ‪ {:‬فؤنبتنا به} فهو سبحانه الذي أنبت الزرع ‪,‬‬ ‫ولكن بسبب الماء الذي هو سبحانه جعله سببا ً ‪ ,‬وانظر فً قوله تعالى ‪{:‬‬ ‫وأحٌ​ٌنا به بلدة مٌتا ً } فهو سبحانه المحًٌ وحده كما قال ‪ {:‬اعلموا أن هللا‬ ‫ٌحًٌ األرض بعد موتها قد بٌنا لكم اآلٌات لعلكم تعقلون }‪ ,‬ولكن جعل‬ ‫الماء سببا ً فً الحٌاة ‪ ,‬قبل تنكر األسباب‪ ,‬فإن الذي جعلها أسبابا ً هو هللا‬ ‫تعالى رب األرباب ‪ ,‬وال تنكر الوسابل وال الوسابط التً جعلها هللا تعالى‬ ‫وسابل ووسابط ‪.‬‬ ‫وهللا تعالى هو الشافً وحده‪ ,‬وال شفاء إال شفاإه سبحانه ‪ ,‬ولكن قد ٌجعل‬ ‫الشفاء منوطا ً بؤسباب ‪:‬‬ ‫قال تعالى فً العسل‪ {:‬فٌه شفاء للناس}‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬وننزل من السماء ما هو شفاء ورحمة للمإمنٌن }‪.‬‬ ‫وهناك أسباب من األدوٌة المركبة والعقاقٌر ‪:‬‬ ‫‪91‬‬


‫روى مسلم وؼٌره ‪ ,‬عن جابر رضً هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬إن لكل داء دواء ‪ ,‬فإذا أصٌب دواء الداء برئ بإذن‬ ‫هللا تعالى ]‪.‬‬ ‫وروى البخاري وؼٌره ‪ ,‬عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول‬ ‫هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬ما أنزل هللا تعالى من داء إال وأنزل له‬ ‫دواء ]‪.‬‬ ‫والبحث فً هذا الموضوع واسع ‪ ,‬ولٌس موضع بسطه ‪ ,‬وإنما ذكرت‬ ‫جملة من األمور‪ ,‬لعل هللا تعالى ٌنفع بها‪ ,‬وٌزٌل بها شبهة من ٌشتبه علٌه‬ ‫هذا الموضوع ‪.‬‬ ‫{ إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن }‬ ‫والحكمة فً تقدٌم العبادة على االستعانة لها وجوه‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬هو أن العبادة هً حق هلل تعالى على عباده ‪ ,‬وأما االستعانة فهً‬ ‫سإالهم منه اإلعانة‪ ,‬وهً تعود إلٌهم‪ ,‬وإن حق هللا تعالى وما هو هلل تعالى‬ ‫فإنه مقدم على ما هو للعبد‪ ,‬كما ٌدل على ذلك الحدٌث الذي رواه مسلم ‪,‬‬ ‫عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ‪ ,‬أن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫قال‪ٌ [:‬قول هللا تعالى ‪ :‬قسمت الصبلة بٌنً وبٌن عبدي نصفٌن‪ ,‬فنصفها‬ ‫لً‪ ,‬ونصفها لعبدي ‪ ,‬ولعبدي ما سؤل‪.‬‬ ‫فإذا قال‪ {:‬الحمد هلل رب العالمٌن} قال هللا تعالى ‪ :‬حمدنً عبدي ‪ ,‬وإذا قال‬ ‫‪ {:‬الرحمن الرحٌم} قال هللا تعالى أثنى علً عبدي ‪ ,‬فإذا قال ‪ {:‬مالك ٌوم‬ ‫الدٌن } قال هللا تعالى مجدنً عبدي‪ ,‬وإذا قال ‪ {:‬إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن }‬ ‫قال‪ :‬هذا بٌنً وبٌن عبدي ولعبدي ما سؤل ‪ ,‬فإذا قال ‪ {:‬اهدنا الصراط‬ ‫المستقٌم ‪ .‬صراط الذٌن أنعمت علٌهم ؼٌر المؽضوب علٌهم وال الضالٌن }‬ ‫قال هللا تعالى ‪ :‬هذا لعبدي ولعبدي ما سؤل ]‪.‬‬ ‫ثانٌا ً ‪ :‬هً العبادة تشمل على أعمال صالحة ‪ ,‬وأقوال طٌبة ‪ٌ,‬تقرب العبد‬ ‫ؼلى هللا تعالى ‪ ,‬وٌسترضٌه ‪ ,‬فٌكون من باب تقدٌم التوسل إلى هللا تعالى‬ ‫باألعمال الصالحة ‪ ,‬واألقوال الطٌبة ‪ ,‬على سإال االستعانة والدعاء بها ‪,‬‬ ‫‪92‬‬


‫وذلك ٌكون أرجى فً قبول الدعاء ‪ ,‬وإجابة السإال ‪ ,‬وهذا له نظابر‬ ‫وأشباه كثٌرة فً الشرع ‪ ,‬فإن الدعاء عقب العبادة مجاب ‪ ,‬وإلٌه اإلشارة‬ ‫فً الحدٌث معاذ رضً هللا عنه ‪ ,‬أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال‬ ‫له ‪ [ :‬وهللا إن ألحبك ‪ ,‬فبل تنس ] وفً رواٌة ‪ [ :‬أوصٌك أن تقول دبر كل‬ ‫صبلة ‪ :‬اللهم أعنً على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ] ‪.‬‬ ‫ودعاء الصابم عند فطره مجاب ؛ ألنه بعد عبادة ‪.‬‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬لما وقؾ العبد موقؾ العابد ‪ ,‬والمقر هلل تعالى بؤنه هو اإلله المعبود‬ ‫وحده ‪ ,‬فقال ‪ {:‬إٌاك نعبد } أي ‪ :‬نعبدك اعتقاداً وعمبلً وقوالً ‪ ,‬ولكن ذلك‬ ‫كله إنما هو بعونك ٌا رب ‪ ,‬وتفضلك بالتوفٌق ‪ ,‬والعون والتٌسٌر ‪ ,‬فلو ال‬ ‫فضلك بالتوفٌق والعون والتٌسٌر ما عبدتك ‪ ,‬فمنك الفضل علً ‪ ,‬و لك‬ ‫المنة أوالً وآخراً فً اإلعانة على العبادة وقبولها ‪ ,‬والثواب علٌها ‪.‬‬ ‫رابعا ً ‪ :‬أن العبادة هً قٌام العبد بتكالٌؾ الشرٌعة التً شرعها هللا تعالى ‪,‬‬ ‫وفٌها األوامر والمناهً ‪ ,‬وهذه هً األمانة الكبرى التً التزمها اإلنسان‬ ‫وحملها ‪ٌ ,‬وم عرضت على السماوات واألرض والجبال فؤبٌن ٌحملنها ‪,‬‬ ‫وأشفقت منها لثقلها ‪ ,‬وحملها اإلنسان ‪ ,‬كما بٌنت ذلك مفصبلً فً كتاب (‬ ‫هدي القرآن إلى معرفة األكوان ) ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬إنا عرضنا على السماوات واألرض فؤبٌن أن ٌحملنها‬ ‫وأشفقن منها وحملها اإلنسان إنه كان ظلوما ً جهوالً } ‪.‬‬ ‫فاإلنسان الذي حمل تلك األمانة ‪ ,‬واستعان باهلل تعالى على ذلك ‪ :‬أعانه هللا‬ ‫تعالى ‪ ,‬وأدى حق العبادة وموجبها ‪ ,‬فإنه خرج عن الظلم والجهل ‪,‬‬ ‫والكافر الذي لم ٌفعل ذلك كان ظلوما ً جهوالً ‪.‬‬ ‫خامسا ً ‪ :‬إن هللا تعالى قال ‪ { :‬وما خلقت الجن واإلنس ؼبل لٌعبدون } أي ‪:‬‬ ‫ألن فً عبادتهم له شرفهم ‪ ,‬وكرامتهم ‪ ,‬وعزتهم ‪ ,‬ورفعة شؤنهم فً الدنٌا‬ ‫واآلخرة ‪ ,‬فقام العبد المإمن ٌقر بذلك ‪ ,‬وٌشهد هللا تعالى على ذلك ‪,‬‬ ‫وٌناجٌه فً الصبلة فٌقول ‪ { :‬إٌاك نستعٌن } أي ‪ :‬تحقٌقا ً لؤلصل الذي‬ ‫خلقتنا من أجله ‪ ,‬وتطبٌقا ً للمراد المحبوب ‪ ,‬الذي أردته منا فً خلقك لنا ‪,‬‬

‫‪93‬‬


‫فها نحن عبادك نعبد ‪ :‬حاالً وماالً ‪ ,‬ونسؤلك أن تعٌننا على ذلك حتى آخر‬ ‫لحظة ‪ ,‬قال تعالى ‪ { :‬واعبد ربك حتى ٌؤتٌك الٌقٌن } والمراد بالٌقٌن ‪:‬‬ ‫الموت ‪ ,‬كما قال تعالى عن عٌسى علٌه السبلم ‪ { :‬وأوصانً بالصبلة‬ ‫والزكاة ما دمت حٌا ً } ‪ ,‬وبذلك تتم النعمة ‪ ,‬وتحسن الخاتمة ‪ ,‬ولذلك فإن‬ ‫هللا تعالى أمر العبد أن ٌقول بعد ‪ { :‬إٌاك نعبد } ٌقول ‪ { :‬وإٌاك نستعٌن }‬ ‫اللهم آمٌن ‪.‬‬ ‫{ اهدنا الصراط المستقٌم ‪} .‬‬ ‫أي‪ :‬وفقنا للسلوك على الصراط المستقٌم ‪ ,‬الذي هدانا إلٌه رسولك سٌدنا‬ ‫محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬ودعانا إلٌه حٌث قلت فً كتابك مخاطبا ً‬ ‫له‪ {:‬وإنك لتهدي إلى صراط مستقٌم ‪ .‬صراط هللا } وقلت ‪ {:‬وإنك لتدعوهم‬ ‫إلى صراط مستقٌم }‪.‬‬ ‫وهذا الصراط هو دٌن اإلسبلم ‪ ,‬الذي جاء ٌدعو إلٌه رسول هللا صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم ‪ ,‬الجامع للعقابد اإلٌمانٌة ‪ ,‬واألوامر العملٌة‪ ,‬وهً‬ ‫العبادات القابمة على أساس االعتقاد ‪ ,‬واالعتراؾ بالعبودٌة لرب العالمٌن‬ ‫‪ ,‬فإن من اعتقد واعترؾ أنه عبد مخلوق بعد أن كان معدوما ً ؛ وجب علٌه‬ ‫أن ٌعبد ربه وخالقه الذي أوجده‪ ,‬من بابا القٌام بحق هللا تعالى علٌه‪ ,‬كما‬ ‫ورد فً الحدٌث ‪ [:‬أتدري ما حق هللا على عباده ]؟ أي‪ :‬ما حق هللا تعالى‬ ‫الذي ال رب ؼٌره على عباده‪ ,‬الذٌن هم ال محالة عباده‪ ,‬ببل شك وال رٌب‬ ‫‪ ,‬فإنهم عباده‪ ,‬ولٌسوا أرباب أنفسهم‪ ,‬وال رب لهم ؼٌره سبحانه ‪.‬‬ ‫قلت ‪ :‬هللا ورسوله أعلم ‪.‬‬ ‫قال‪ [:‬حق هللا على عباده أن ٌعبدوه وال ٌشركوا به شٌبا ً ‪ ]...‬الحدٌث ‪.‬‬ ‫والدلٌل على أن المراد بالصراط هنا هو اإلسبلم – أي‪ :‬دٌن اإلسبلم‪ -‬ما‬ ‫رواه اإلمام أحمد وؼٌره ‪ ,‬عن النواس بن سمعان رضً هللا عنه ‪ ,‬أن‬ ‫النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال‪ [:‬ضرب هللا تعالى مثبلً ‪ ,‬صراطا ً‬ ‫مستقٌما ً ‪ ,‬وعلى جنبتً الصراط – أي‪ :‬جانبً الصراط‪ -‬سوران‪ -‬تثنٌة‬ ‫متقؾ علٌه‪.‬‬ ‫‪94‬‬


‫سور وهو الحابط المنٌع – فٌهما أبواب مفتحة ‪ ,‬وعلى األبواب ستور‬ ‫مرخاة ‪ ,‬وعلى باب الصراط داع ٌقول ‪ٌ :‬ا أٌها الناس ادخلوا الصراط‬ ‫جمٌعا ً ‪ ,‬وال تتعوجوا‪ -‬أي‪ :‬ال تنحرفوا عن الصراط – وداع ٌدعو من فوق‬ ‫–أي‪ :‬الصراط – فإذا أراد اإلنسان أن ٌفتح شٌبا ً من تلك األبواب قال‪:‬‬ ‫وٌحك ال تفتحه فإنك إن فتحته تلجه ] أي‪ :‬تدخل فٌه ‪.‬‬ ‫قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬فالصراط اإلسبلم ‪ ,‬والسوران حدود هللا‬ ‫تعالى ‪ ,‬واألبواب المفتحة محارم هللا تعالى ‪ ,‬وذلك الداعً على رأس‬ ‫الصراط كتاب هللا تعالى ‪ ,‬والداعً من فوقه واعظ هللا تعالى فً قلب كل‬ ‫مسلم ] أي‪ :‬وهو لمة الملك الذي ٌدله على الخٌر ‪ ,‬كما جاء فً الحدٌث‬ ‫الذي رواه الترمذي وؼٌره ‪ ,‬عن ابن مسعود رضً هللا عنه قال‪ :‬قال‬ ‫رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬إن للشٌطان لمة بابن آدم ‪ ,‬وللملك‬ ‫لمة‪ ,‬فؤما لمة الشٌطان فإٌعاد بالشر وتكذٌب بالحق‪ ,‬وأما لمة الملك فإٌعاد‬ ‫بالخٌر وتصدٌق بالحق‪ ,‬فمن وجد من ذلك – أي‪ :‬من إٌعاد الخٌر وتصدٌق‬ ‫الحق‪ -‬فلٌعلم أنه من هللا تعالى ‪ ,‬من وجد األخرى فلٌتعوذ باهلل من‬ ‫الشٌطان] ثم قرأ ‪ {:‬الشٌطان ٌعدكم الفقر وٌؤمركم بالفحشاء وهللا ٌعدكم‬ ‫مؽفرة منه وفضبلً وهللا واسع علٌم }‪.‬‬ ‫واللمة هً ‪ :‬العارض والخطرة التً تقع فً القلب ‪ ,‬وتمر بسرعة‪ ,‬فهناك‬ ‫خطرات وعوارض للقلب ملكٌة وهً ‪ :‬التً تدلك على الخٌر وتبعدك عن‬ ‫الوساوس والشر‪ ,‬وهناك خطرات شٌطانٌة ترد على القلب فاستعذ باهلل‬ ‫منها ‪.‬‬ ‫وقال بعض الؽارفٌن ‪ :‬واعظ هللا تعالى فً قلب كل مسلم – الوارد ذكره‬ ‫فً هذا الحدث ونحوه‪ -‬هو الواعظ اإللهً ‪ ,‬بسبب نور اإلٌمان الذي فً‬ ‫قلب المسلم حقا ً ‪ ,‬وهذا النور هو من عند هللا تعالى ‪ ,‬ومن شؤنه أن تكون‬ ‫فٌه البصابر والبشابر ‪ ,‬واإللهامات اإللهٌة‪ ,‬وهذا النور هو المذكور فً‬ ‫قوله تعالى ‪ {:‬أفمن شرح هللا صدره لئلسبلم فهو على نور من ربه فوٌل‬ ‫للقاسٌة قلوبهم من ذكر هللا} اآلٌة‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫وهذا النور هو المذكور فً الحدٌث المروي عن ابن عباس رضً هللا‬ ‫عنهما ‪ ,‬وابن مسعود رضً هللا عنه‪ ,‬أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫سبل عن هذه اآلٌة ‪ {:‬فمن ٌرد هللا أن ٌهدٌه ٌشرح صدره لئلسبلم } قالوا‪:‬‬ ‫ٌا رسول هللا كٌؾ ٌشرح صدره؟‬ ‫فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬نور ٌقذفه فً القلب – أي‪ٌ :‬قذفه هللا فً‬ ‫القلب – فٌشرح له الصدر وٌنفسح ]‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬وهل لذلك من أمارة – أي‪ :‬عبلمة‪ -‬تعرؾ ؟‬ ‫فقال‪ [:‬نعم]‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬وما هً ؟‬ ‫قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [:‬اإلنابة إلى دار الخلود ‪ ,‬والتجافً عن دار‬ ‫الؽرور ‪ ,‬واالستعداد للموت فبل نزول الموت ] رواه عبد الرزاق ‪ ,‬وابن‬ ‫جرٌر ‪ ,‬واٌن أبً حاتم وؼٌرهم برواٌات متعددة ‪.‬‬ ‫وقوله تعالى ‪ {:‬اهدنا} فٌه أن موقؾ العبد ‪ ,‬موقؾ االستهداء من هللا تعالى‬ ‫‪ ,‬وأنه إن لم ٌهده فهو ضال عن طرٌق الحق ‪ ,‬الموصل إلى سعادة الدنٌا‬ ‫واآلخرة ‪ ,‬كما جاء فً الحدٌث القدسً‪ٌ [:‬ا عبادي كلكم ضال إال من‬ ‫هدٌته فاستهدونً أهدكم ]‪.‬‬ ‫وهذه الهداٌة التً علمنا هللا تعالى إٌاها هً هداٌة التوفٌق لسلوك الصراط‬ ‫المستقٌم و فإن الهداٌة فً القرآن والسنة ‪ ,‬تؤتً على معان ٌهمنا أن نذكر‬ ‫منها ما ٌلً ‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬هداٌة هللا تعالى لجمٌع المخلوقات لما فٌه صبلح وجودها ‪,‬‬ ‫ومصالح عٌشها فً دنٌاها ؛ وهً عبلمة لئلنس ‪ ,‬والجن ‪ ,‬والطٌر ‪,‬‬ ‫والحٌوانات ‪ ,‬وجمٌع ما هنالك ‪ ,‬وهذه الهداٌة المذكورة فً قوله تعالى ‪:‬‬ ‫{قال ربنا الذي أعطى كل شًء خلقه ثم هدى } المعنى ‪ :‬أنه سبحانه أعطى‬ ‫كل شًء أبرزه لعالم الخلق اإلٌجادي ‪ ,‬أعطاه وجوده الكونً البلبق به ؛‬ ‫من حٌث حقٌقته الوجودٌة ‪ ,‬وصورته الكونٌة المناسبة له ‪ ,‬كما هو‬ ‫مقتضى الحكمة اإللهٌة ‪ ,‬من حٌث نوعه ‪ ,‬وكمه ‪ ,‬وكٌفه ‪ ,‬وزمانه ‪,‬‬ ‫‪96‬‬


‫ومكانه ‪ ,‬وجمٌع شإونه ‪ ,‬وحاالته فً كل شًء ‪ ,‬أحسن هللا تعالى خلقه‬ ‫كما قال تعالى ‪ { :‬الذي أحسن كل شًء خلقه } ‪ ,‬وكل شًء أتقن هللا تعالى‬ ‫صنعه كما قال سبحانه ‪ { :‬صنع هللا الذي أتقن كل شًء } فكل شًء هو‬ ‫حسن الخلق ‪ ,‬ومتقن الصنع بالنسبة لنوعه ‪ ,‬فالحمار بالنسبة لكونه حماراً‬ ‫هكذا ٌنبؽً أن ٌكون ‪ ,‬والكلب بالنسبة لنوعه وهو الحٌوان الكلبً هكذا أن‬ ‫ٌكون ‪ ,‬وهلم جراً ‪ ,‬وهللا تعالى أعطاه ذلك كله على حسب ما ٌلٌق به ‪,‬‬ ‫بمقتضى علمه سبحانه السابق القدٌم ‪ ,‬الذي ال أول له ‪ ,‬المحٌط بكل شًء‬ ‫‪ ,‬وحسب حكمته الشامل لكل شًء – وهللا تعالى علٌم حكٌم ‪.‬‬ ‫وبقدرته التً ال ٌعجزها شًء أوجد ذلك كله ‪ ,‬ثم هدى ذلك الشًء لما فٌه‬ ‫صبلح وجوده وبقابه ‪ ,‬وحٌاته ‪ ,‬وهداه لمعرفته بربه خالقه ورازقه ‪,‬‬ ‫وهداه لمعرفة معاشه وؼذابه‪ ,‬ومطعمه ومشربه ‪ ,‬وهداه لمعرفة ما ٌضره‬ ‫وما ٌنفعه من المؤكوالت والمشروبات ‪ ,‬وهداه لمعرفة من ٌؤتلؾ معه ‪,‬‬ ‫ومن ٌحذر من شره ‪.‬‬ ‫فترى العصفور مثبلً ٌؤتلؾ مع بنً نوعه ونوع الحمام ‪ ,‬ولكنه ٌفرمن‬ ‫الؽراب ونحوه من سباع الطٌور‪.‬‬ ‫وهكذا هدى سبحانه جمٌع المخلوقات إلى ما فٌه نظامها وانتظامها ‪ :‬قال‬ ‫تعالى ‪ {:‬وما من دابة فً األرض وال طابر ٌطٌر بجناحٌه إال أمم أمثالكم‬ ‫}‪.‬‬ ‫وقد تكلمت بعض الكبلم علة هذه اآلٌة فً كتاب (هدي القرآن إلى معرفة‬ ‫العوالم والتفكر فً األكوان ) فارجع إلٌه ‪.‬‬ ‫النوع الثانً من الهداٌة‪ :‬هداٌة البٌان والداللة على كل خٌر ‪ ,‬وفٌها التحذٌر‬ ‫من كل شر‪ ,‬وهذه هداٌة المكلفٌن عامة إلى معرفة الحق من الضبلل‪,‬‬ ‫وبٌان ما فٌه الخٌر لهم‪ ,‬وما ٌعود علٌهم بالشر والفساد‪ ,‬وبٌان ما ٌنفعهم‪,‬‬ ‫وٌصلح أمورهم الخاصة والعامة؛ فً الدنٌا واآلخرة‪ ,‬جماعات وفرادى ‪.‬‬ ‫وهذه الهداٌة اإللهٌة هً التً أوجبها هللا تعالى على نفسه ‪ ,‬رحمة بعباده‬ ‫بواسطة الرسل صلوات هللا تعالى علٌهم‪ -‬وهً وظٌفتهم فً الدنٌا وٌوم‬

‫‪97‬‬


‫المعاد ‪ ,‬وبها ٌظهر اختٌار المكلؾ‪ :‬فإما أن ٌختار اإلٌمان الثابت بالبٌنات‬ ‫والبرهان ‪ ,‬الذي جاء به هذا الهدي البٌانً ‪ ,‬وإما أن ٌختار الكفر – وهو ‪:‬‬ ‫ستر الحق بعد ما ظهر له بالهدى والبٌنات – وبذلك ٌكون من أهل الردى‬ ‫‪.‬‬ ‫وعلى هذا االختبار الذي ٌظهر فٌه االختٌار ٌترتب الثواب ‪ :‬إن اختار‬ ‫واستحب اإلٌمان والهدى ‪ ,‬وٌترتب علٌه العقاب ‪ :‬إن اختار الكفر واستحب‬ ‫العمى على الهدى ‪.‬‬ ‫وهذه أمور أربعة تتعلق بهداٌة البٌان والداللة ‪:‬‬ ‫األول‪ :‬إن هللا تعالى أوجبها على نفسه رحمة بعباده ‪ ,‬قال تعالى ‪ {:‬إن‬ ‫علٌنا للهدى ‪ .‬وإن لنا لآلخرة واألولى }‪ ,‬فقد أوجب على نفسه سبحانه أن‬ ‫ٌهدي العباد – أي‪ٌ :‬دلهم على الحق ‪ ,‬وٌبٌن طرٌق الحق وما ٌإدي إلٌه‬ ‫من الفبلح ‪ ,‬وصبلح الدنٌا واآلخرة ‪ ,‬كما بٌن طرٌق الضبلل وما ٌإدي‬ ‫ؼلٌه من الشر والفساد و وهذا كما قال تعالى ‪ {:‬وهدٌناه النجدٌن } أي‪ :‬بٌنا‬ ‫له الطرٌقٌن الواضحٌن ‪ :‬طرٌق الخٌر وطرٌق الشر ‪.‬‬ ‫روى الطبرانً ‪ ,‬عن أبً أمامة رضً هللا عنه ‪ ,‬أن النبً صلى هللا علٌه‬ ‫وآله وسلم قال‪ٌ [:‬ا أٌها الناس إنما هما نجدان – أي‪ :‬طرٌقان‪ -‬نجد خٌر ‪,‬‬ ‫ونجد شر ]‪.‬‬ ‫وروى ابن مردوٌه وابن أبً حاتم نحو ها مرفوعا ً ‪.‬‬ ‫وأخرج عبد الرزاق ‪ ,‬وابن جرٌر‪ ,‬وابن المنذر‪ ,‬وابن أبً حاتم‪,‬‬ ‫والطبرانً‪ ,‬والحاكم وصححه‪ ,‬عن ابن مسعود رضً هللا عنه فً قوله‬ ‫تعالى ‪ {:‬وهدٌناه النجدٌن } قال ‪ :‬سبٌل الخٌر والشر‪.‬‬ ‫ومثل ذلك جاء عن أمٌر المإمنٌن سٌدنا علً رضً هللا عنه ‪ ,‬وعن ابن‬ ‫عباس رضً هللا تعالى عنهما أٌضا ً ‪.‬‬ ‫ومنذ أهبط هللا تعالى بنً آدم إلى األرض ‪ ,‬تعهدهم بهذا الهدي البٌانً‪:‬‬

‫‪98‬‬


‫قال تعالى ‪ {:‬قلنا اهبطوا منها جمٌعا ً فإما ٌؤتٌنكم منً هدى فمن اتبع هداي‬ ‫فبل خوؾ علٌهم وال هم ٌحزنون ‪ .‬والذٌن كفروا وكذبوا بآٌاتنا أولبك‬ ‫أصحاب النار هم فٌها خالدون }‪.‬‬ ‫الثانً‪ :‬أن هذه الهداٌة اإللهٌة التً فٌها البٌان والداللة على الحق‪ ,‬والخٌر‬ ‫والرشاد‪ ,‬والتحذٌر من الضبلل والشر والفساد ‪ ,‬هً بواسطة الرسل‬ ‫صلوات هللا علٌهم‪ ,‬وبإنزال الكتب اإللهٌة ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬لقد أرسلنا رسلنا بالبٌنات وأنزلنا معهم الكتاب والمٌزان }‬ ‫اآلٌة‪.‬‬ ‫وقال تعالى لحبٌبه سٌدنا رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ {:‬وإنك‬ ‫لتهدي إلى صراط مستقٌم ‪ .‬صراط هللا }‪.‬‬ ‫وقال سبحانه مخبراً عن الخلٌل على نبٌنا وعلٌه أفضل الصلوات‬ ‫والتسلٌمات قوله ألبٌه ‪ {:‬فاتبعنً أهدك صراطا ً سوٌا ً }‪.‬‬ ‫وقال تعالى مخبراً عن الكلٌم علٌه الصبلة والسبلم – لما أرسله هللا تعالى‬ ‫إلى فرعون أن ٌقول له ‪ {:‬فقل هل لك إلى أن تزكى ‪ .‬وأهدٌك إلى ربك‬ ‫فتخشى }‪.‬‬ ‫والمعنى ‪ :‬أدلك على الطرٌق الذي ٌوصلك إلى ربك فتخشاه ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬إنما أنت منذر ولكل قوم هاد } ‪.‬‬ ‫فجاءت الرسل صلوات هللا علٌهم ٌهدون العبادة إلى ربهم ‪ ,‬وٌدولونهم على‬ ‫طرٌق الحق الموصل إلى هللا تعالى ‪ ,‬وذلك بالبٌنات القطعٌة الذي جاإوا‬ ‫بها ‪ ,‬كما قال سبحانه ‪ { :‬ألم ٌؤتٌكم نبوا الذٌن من قبلكم قوم نوح وعاد‬ ‫وثمود والذٌن من بعدهم فبل ٌعلمهم إال هللا جاءتهم رسلهم بالبٌنات فردوا‬ ‫أٌدٌهم فً أفواههم } اآلٌة ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬ولقد أرسلنا من قبلك رسبلً إلى قومهم فجاءهم بالبٌنات‬ ‫فانتقمنا من الذٌن أجرموا وكان حقا ً على نصر المإمنٌن } اآلٌة ‪.‬‬

‫‪99‬‬


‫وقال تعالى ‪ { :‬وعاداً وثموداً وقد تبٌن لكم من مساكنهم وزٌن لهم الشٌطان‬ ‫أعمالهم فصدهم عن السبٌل وكانوا مستبصرٌن ‪ .‬وقارون وفرعون وهامان‬ ‫ولقد جاءهم موسى بالبٌنات فاستكبروا فً األرض وما كانوا سابقٌن ‪ .‬فكبلً‬ ‫أخذنا بذنبه } اآلٌات ‪.‬‬ ‫فما من رسول إال وقد جاء قومه بالبٌنات – والبٌنات جمع بٌنة ‪ ,‬وهً ‪ :‬ما‬ ‫كانت حقا ً ظاهرة فً نفسها ‪ ,‬ومظهرة لحقٌة ما سٌقت له ‪.‬‬ ‫والبٌنات الذي جاءت بها رسل كلها قطعٌة ‪ ,‬وهً تشمل الحجج العقلٌة ‪,‬‬ ‫والبراهٌن القاطعة ‪ ,‬كما قال تعالى ‪ { :‬وتلك حجتنا ءاتٌناها على قومه }‬ ‫اآلٌة ‪.‬‬ ‫وتشمل المعجزات المربٌة المشهودة ‪ ,‬وبهذا تكوم الحجة على العباد ‪.‬‬ ‫فالبٌنات العلمٌة العقلٌة تثبت الحق وتدحض الباطل ‪ ,‬وتزٌل الشبه‬ ‫والشكوك ‪ ,‬والبٌنات المربٌة وهً المعجزات الخارقة للعادات فإنها تشهدك‬ ‫حقٌة ما جاءت به الرسل عٌانا ً ‪.‬‬ ‫فكل رسول من الرسل صلوات هللا تعالى علٌهم أوتً من البٌنات ؛ وأنزل‬ ‫هللا تعالى علٌه من اآلٌات ؛ ما فٌه الحجة على قومه ‪ ,‬بحٌث تكون قاطعة‬ ‫دامؽة ال تبقً رٌبة لمرتاب ‪ ,‬وال عذراً لمعتذر ‪.‬‬ ‫وقد أعطى هللا تعالى سٌدنا محمداً صلى هللا علٌه وآله وسلم أنواع‬ ‫المعجزات ومجامع البٌنات ‪ ,‬الن رسالته عامة لجمٌع األمم ؼلى ٌوم‬ ‫القٌامة ‪ ,‬وفٌها الحجج القاطعة على جمٌع الطبقات ‪ ,‬ولذلك سماه هللا تعالى‬ ‫بالبٌنة ‪:‬‬ ‫فقال سبحانه ‪ { :‬لم ٌكن الذٌن كفروا من أهل الكتاب والمشركٌن منفكٌن‬ ‫حتى تؤتٌهم البٌنة ‪ .‬رسول من هللا } صلى هللا تعالى علٌه وآله وسلم ‪ ,‬فهو‬ ‫البٌنة الجامع لكل بٌنة ‪ ,‬والذي جاء بكل بٌنة ‪.‬‬ ‫وإن أعظم معجزاته ‪ ,‬وأجمع بٌناته ‪ ,‬هو هذا القرآن العظٌم ‪ ,‬والكتاب‬ ‫المبٌن ‪ ,‬الباقً إلى ٌوم الدٌن ‪ ,‬ببلؼا ً صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬وحجة‬ ‫على جمٌع العالمٌن ‪.‬‬ ‫‪100‬‬


‫قال تعالى لحبٌبه األكرم صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ { :‬قل هللا شهٌد بٌنً‬ ‫وبٌنكم وأوحى إلى هذا القرآن ألنذركم به ومن بلػ } اآلٌة ‪.‬‬ ‫وروى ابن أبً شٌبة ‪ ,‬وابن الضرٌس ‪ ,‬وابن جرٌر ‪ ,‬وابن المنذر ‪ ,‬وابن‬ ‫أبً حاتم ‪ ,‬وأبو شٌخ عم محمد بن كعب القرظً ‪ :‬فً معنى قول هللا تعالى‬ ‫‪ { :‬وأوحى إلى هذا القرآن ألنذركم به ومن بلػ } قال ‪ :‬من بلؽه القرآن‬ ‫فكؤنما رأى النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم – أي ‪ :‬فبلؽه ‪. -‬‬ ‫وفً لفظ آخر له ‪ :‬من بلؽه القرآن حتى ٌفهمه وٌعقله ؛ فكؤنه عاٌن رسول‬ ‫هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم وكلمه ‪ .‬اه ‪.‬‬ ‫وأما أن هذا القرآن هو أعظم حجة بالؽة باقٌة إلى ٌوم القٌامة ‪,‬تشهد بصدق‬ ‫نبوة سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ورسالته ‪ ,‬فدلٌل ذلك هو‬ ‫الحدٌث الذي رواه البخاري ‪ ,‬عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال ‪ :‬قال‬ ‫رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم ‪ [ :‬ما من األنبٌاء نبً إال أعطً من اآلٌات‬ ‫ما مثله آمن علٌه البشر ‪ ,‬وإنما كان الذي أوتٌته وحٌا ً أوحاه إلى هللا تعالى‬ ‫إلً ‪,‬فؤرجو أن أكون أكثرهم تابعا ً ] ‪.‬‬ ‫والمعنى ‪ :‬أن هللا تعالى خصه بوحً القرآن العظٌم المعجز لجمٌع العالمٌن‬ ‫‪ ,‬الباقً حجة إلى ٌوم الدٌن على جمٌع المكلفٌن ‪ ,‬فؤتباعه هم أكثر من‬ ‫جمٌع أتباع الرسل قلبه ‪ ,‬وقد بٌنت ذلك مفصبلً فً كتاب ‪ ( :‬هدي القرآن‬ ‫إلى حجة والبرهان ) ‪.‬‬ ‫الثالث ‪ :‬إن هداٌة البٌان والداللة هً حجة هللا تعالى على العباد فً الدنٌا‬ ‫وٌوم المعاد ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬رسبلً مبشرٌن ومنذرٌن لببل ٌكون للناس على هللا حجة بعد‬ ‫الرسل وكان هللا عزٌزاً حكٌما ً } ‪.‬‬ ‫فجاءت رسل هللا تعالى ٌهدون العباد إلى طرٌق الحق ‪ ,‬والصبلح والفبلح‬ ‫والنجاح ‪ ,‬وٌدولونهم على كل خٌر فً الحال والمال ‪ ,‬وٌحذرونهم من كل‬ ‫شر ٌعود علٌهم فً الحال والمال ‪ ,‬وكل ذلك قابم على البٌنات واألدلة‬ ‫القاطعة الساطعة ‪ ,‬حتى ال ٌبقى للعباد حجة فٌما إذا خالفوا ‪ ,‬وال ٌبقى لهم‬ ‫‪101‬‬


‫عذر ٌعتذرون به ‪ ,‬كما جاء فً الحدٌث الذي رواه مسلم ؼٌره ‪ ,‬عن عبد‬ ‫هللا بن عمرو رضً هللا عنهما ‪ ,‬أن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫قال ‪ [ :‬إ ّنه لم ٌكن نبً قبلً إال كان حقا ً علٌه أن ٌد ّل أمته على خٌر ما‬ ‫ٌعلمه لهم ‪ ,‬وٌنذرهم شرّ ما ٌعلمه لهم‪ ,‬وإنّ أمتكم هذه جعل عافٌتها فً‬ ‫أولها ‪ ,‬وسٌصٌب آخرها ببلء وأمور تنكرونها ‪ ,‬فتجًء فتنة ‪ ,‬فٌر ّقق‬ ‫بعضها بعضا ً ‪ ,‬وتجًء الفتنة فٌقول المإمن ‪ :‬هذه مهلكتً ‪ ,‬ثم تنكشؾ ‪,‬‬ ‫ثم تجًء الفتنة فٌقول المإمن ‪ :‬هذه ] – أي ‪ :‬مهلكتً ‪. -‬‬ ‫قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬فمن أحبّ أن ٌزحزح عن النار وٌدخل‬ ‫الجنة ‪ ,‬فلتؤته منٌّته وهو مإمن باهلل والٌوم اآلخر ‪ ,‬ولٌؤت إلى الناس الذي‬ ‫ٌحب أن ٌوتى إلٌه ] ‪.‬‬ ‫فجاءت الرسل صلوات هللا تعالى على نبٌنا وعلٌهم بهداٌة البٌان والداللة‬ ‫على كل خٌر عاجل وآجل ‪ ,‬والتحذٌر من كل شر عاجل وآجل ‪ ,‬مع‬ ‫البٌنات القاطعة ‪ ,‬كما قال تعالى ‪ { :‬لٌّهلك من هلك عن بٌّنة وٌحٌى من‬ ‫حىّ عن بٌّنة وإنّ هللا لسمٌع علٌم } ‪.‬‬ ‫ولذلك قال سبحانه ‪ { :‬وما ك ّنا ّ‬ ‫معذبٌن حتى نبعث رسوالً } ‪ ,‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫{ ولو أ ّنا أهلكناهم بعذاب مّن قبله لقالوا ربّنا لوال أرسلت إلٌنا رسوالً فنتبع‬ ‫ءاٌتك من قبل أن ّنذ ّل ونجزى } ‪.‬‬ ‫فهو سبحانه ال ٌعذب ال فً الدنٌا وال فً اآلخرة من كفر وجحد ‪ ,‬حتى‬ ‫ٌبعث رسوالً ‪ٌ :‬قٌم الحجة ‪ ,‬وٌدل على الطرٌق النٌّرة ‪ ,‬والمحجّ ة البٌضاء‬ ‫‪.‬‬ ‫فلم ٌعذب فً الدنٌا عذاب استبصال لمن كفر ؛ إال بعدما أرسل فٌهم رسوالً‬ ‫‪:‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬وكم أهلكنا من قرٌة بطرت معٌشتها فتهلك مساكنهم لم‬ ‫تسكن مّن بعدهم إال قلٌبلً وك ّنا نحن الوارثٌن ‪ .‬وما كان ربّك مهلك القرى‬ ‫ح ّتى ٌبعث فً أمّها رسوالً ٌتلوا علٌهم ءاٌاتنا وما ك ّنا مهلكً القرى إالّ‬ ‫وأهلها ظالمون } ‪.‬‬ ‫‪102‬‬


‫فبٌّن هللا تعالى أنه لم ٌؤخذ القرى بالعذاب فٌهلكهم إال بعد أن ٌبعث فً أمّها‬ ‫– أي ‪ :‬عاصمتها ؛ وهً البلد الكبرى التً ترجع إلٌها القرى فً مهام‬ ‫أمورها – رسوالً ‪ ,‬فٌبلّؽهم ‪ ,‬وٌبلػ القرى المحٌطة بها ‪ ,‬وٌتلو علٌهم آٌات‬ ‫هللا تعالى ‪ ,‬فٌكفروا وٌجحدوا ‪ ,‬فٌستحقون العذاب ؛ ألنهم ظالمون ألنفسهم‬ ‫‪.‬‬ ‫ولما كانت مكة المكرمة هً أم أمهات القرى كلها ‪ ,‬وعاصمة العواصم ‪,‬‬ ‫باعتبار أن الببلد ترجع إلٌها فً محجّ ها وصلواتها ‪ ,‬كانت من الحكمة أن‬ ‫ٌبعث صاحب الرسالة العامّة لجمٌع الببلد منها ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪{ :‬وكذلك أوحٌنا إلٌك قرءانا ً عرب ٌّا ً لّتنذر أ ّم القرى ومن حولها }‬ ‫اآلٌة ‪.‬‬ ‫فقوله تعالى ‪ {:‬ومن حولها } ٌشمل جمٌع الببلد ‪ ,‬ألنّ مكة هً فً منتصؾ‬ ‫المعمورة ‪.‬‬ ‫ثم إنّ قوله تعالى ‪ { :‬ح ّتى ٌبعث فً أمّها رسوالً } ٌنبهك أٌها العاقل إلى أنّ‬ ‫الرسل ٌختارهم هللا تعالى من المدن المتحضرة ‪ ,‬والببلد العامرة ‪ ,‬ال من‬ ‫البوادي المهجورة ‪ ,‬وال من أطراؾ الحافات المؽمورة ‪ ,‬بل ٌولدون فً‬ ‫ببلد عامرة حاضرة و ٌبعثون منها ‪.‬‬ ‫كما أ ّنه سبحانه ال ٌعذب فً اآلخرة إال بعد بعثة الرسل ‪ ,‬وإقامة البٌنات ‪,‬‬ ‫وبٌان اآلٌات ‪ ,‬واإلتٌان بالحجج والمعجزات _ كما أخبر فً اآلٌة عن أهل‬ ‫النار ‪ :‬قال تعالى ‪ { :‬كلّما ألقً فٌها فوج سؤلهم خزنتها ألم ٌؤتٌكم نذٌر ‪.‬‬ ‫قالوا بلى قد جاءنا نذٌر ّ‬ ‫فكذبنا وفلنا ما ّ‬ ‫نزل هللا من شًء إن انتم إالّ فً‬ ‫ضبلل كبٌر} ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬وقال الّذٌن فً ال ّنار لخزنة جه ّنم ادعوا ربّكم ٌخ ّفؾ ع ّنا‬ ‫ٌوما ً من العذاب ‪ .‬قالوا أولم تك تؤتٌكم رسلكم بالبٌّنات قالوا بلى } أي ‪ :‬قد‬ ‫جابتنا رسلنا بالبٌنات واألدلة وأقاموا الحجج { قالوا فادعوا وما دعوا‬ ‫الكافرٌن إالّ فً ضبلل } ‪.‬‬

‫‪103‬‬


‫وقال تعالى ‪ { :‬وأنٌبوا إلى ربّكم وأسلموا له من قبل أن ٌؤتٌكم العذاب ث ّم ال‬ ‫تنصرون ‪ .‬وا ّتبعوا أحسن ما أنزل إلٌكم مّن ربّكم مّن قبل أن ٌؤتٌكم العذاب‬ ‫ً‬ ‫بؽتة وأنتم ال تشعرون ‪ .‬أن تقول نفس ٌاحسرتى على ما فرّ طت فً جنب‬ ‫هللا وإن كنت لمن السّاخرٌن ‪ .‬أو تقول لو أنّ هللا هدانً لكنت من الم ّتقٌن ‪.‬‬ ‫أو تقول حٌن ترى العذاب لو أنّ لً كرّ ة } – أي ‪ :‬رجعة إلى الدنٌا – {‬ ‫فؤكون من المحسنٌن ‪ .‬بلى قد جاءتك ءاٌاتً ّ‬ ‫فكذبت بها واستكبرت وكنت‬ ‫من الكافرٌن } ‪.‬‬ ‫فر ّد هللا تعالى معاذٌرهم ‪ ,‬وقول أحدهم ‪ :‬لو أن هللا هدانً – بٌّن طرٌق‬ ‫الحق والسعادة وسبٌل الفبلح – ر ّد علٌهم بقوله ‪ { :‬بلى قد جاءتك آٌاتً }‬ ‫ٌعنً ‪ :‬أرسلت فٌكم رسبلً ‪ ,‬فهدوكم إلى طرٌق الحق ‪ :‬وجاإوكم باآلٌات‬ ‫والبٌنات ‪ ,‬ودلوكم على كل خٌر ‪ ,‬وحذروكم من كل شر ‪ ,‬ولكن كنتم‬ ‫تسخرون منهم ‪ ,‬وتتكبرون علٌهم ‪ ,‬وتستهزبون بهم ‪.‬‬ ‫كما قال سبحانه ‪ { :‬فلمّا جاءتهم رسلهم بالبٌّنات فرحوا بما عندهم مّن العلم‬ ‫وحاق بهم مّا ٌستهزءون } ‪.‬‬ ‫فكانت األمم الكافرة تفرح بعلومها الدنٌوٌة ‪ ,‬وتسخر بما جاءت به الرسل‬ ‫من علوم الدٌن ‪ ,‬وتعالٌم الشرعٌة التً فٌما ضمان الحقوق ‪ ,‬وكمال العدل‬ ‫‪ ,‬وسعادة الدنٌا واآلخرة ‪ ,‬فجابت شرابع هللا تعالى بعلوم فٌها عمارة الدنٌا‬ ‫و اآلخرة ‪,‬وسعادة الدنٌا واآلخرة ‪ ,‬ولكن الكفرة إ ّنما ٌرٌدون الدنٌا وال‬ ‫ٌرٌدون اآلخرة – بل ال ٌإمنون باآلخرة أصبلً ‪.‬‬ ‫ولو أنهم فكروا وعقلوا ‪ ,‬وتجردوا عن كبرهم ‪ ,‬واتباع أهوابهم وشهواتهم‬ ‫البهٌمٌة المفرطة ‪ ,‬لو فعلوا ذلك لعقلوا‪ ,‬وعملوا حق العلم أنّ اآلخرة هً‬ ‫الحق ‪ ,‬وأ ّنها ال رٌب فٌها – كما أوضحت ذلك مفصبلً فً كتاب ( اإلٌمان‬ ‫بعوالم اآلخرة ومواقفها ) ‪.‬‬ ‫الرابع من هداٌة البٌان والداللة الذي هدى هللا تعالى بها العباد بواسطة‬ ‫الرسل صلوات هللا علٌهم ‪ ,‬بها ٌظهر اختٌار العاقل المكلؾ ‪:‬‬

‫‪104‬‬


‫فإما أن ٌختار وٌستحب اإلٌمان ‪ ,‬وٌمشً على هدىً وبصٌرة سوٌا ً على‬ ‫صراط مستقٌم ؛حتى ٌنتهً أمره إلى الجنة الخلد ونعٌم األبد ‪.‬‬ ‫وإما أن ٌختار وٌستحب العمى على الهدى ‪ ,‬فٌتخبط فً ظلمات الضبلل‬ ‫المبٌن ‪ ,‬حتى ٌنتهً أمره إلى جهنم وببس المهاد ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬وأما ثمود فهدٌناهم } – أي ‪ :‬بٌّنا لهم ‪ ,‬ودللناهم على الحق‬ ‫الذي فٌه سعادة الدنٌا واآلخرة ‪ ,‬مع البٌّنات وإٌضاح الدالالت – { فاستحبو‬ ‫العمى على الهدى فؤخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا ٌكسبون ‪.‬‬ ‫ونجٌنا الذٌن امنوا وكانوا ٌتقون } ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬إنا هدٌناه السبٌل إما شاكراً وإما كفوراً } والمعنى أ ّنه‬ ‫سبحانه بٌّن لئلنسان سبٌل الحق ‪ ,‬وطرٌق الخٌر ‪ ,‬وبصّره به ‪ ,‬وأوضحه‬ ‫له بالبٌّنات ؛ كل ذلك بواسطة الرسل صلوات هللا علٌهم ‪ ,‬وإنزال الكتب‬ ‫اإللهٌة علٌهم ‪ ,‬فهنا ٌظهر اختٌار اإلنسان ‪ :‬فإما أن ٌهتدي ‪ ,‬أي ‪ٌ :‬سٌر‬ ‫على طرٌق الهدى المنٌر ‪ ,‬شاكراً لربّه على نعمة اإلٌمان واإلكرام ‪ ,‬ونعم‬ ‫هللا تعالى التً ال تحصى ‪.‬‬ ‫وإما أن ٌكفر بذلك ظلما ً وعلواً ‪,‬أو كبراً وطؽٌانا ً ‪ ,‬أو فسقا ً واستؽراقا ً فً‬ ‫الشهوات البهٌمٌة ‪.‬‬ ‫وعلى ذلك ٌترتب الثواب والعقاب ‪ ,‬ولذا قال سبحانه بعد تلك اآلٌات‪:‬‬ ‫{ ؼنا أعتدنا للكافرٌن سبلالً وأؼبلالً وسعٌراً ‪.‬إن األبرار ٌشربون من كؤس‬ ‫كان مزاجها كافوراً } اآلٌات ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬وقل الحق من ربكم فمن شاء فل ٌإمن ومن شاء فلٌكفر } ‪.‬‬ ‫والمعنى ‪ :‬قد جبتكم بالحق من ربّكم ‪ ,‬ففكروا فً حقٌّة ذلك واعقلوه ‪ ,‬فإنّ‬ ‫الحق هو األمر الموافق للواقع ‪ ,‬وال ٌمكن بل ال ٌجوز للعاقل أن ٌنكر‬ ‫الواقع المشهود عقبلً ‪ ,‬كما ال ٌجوز أن ٌنكر المشهود بصراً ‪.‬‬ ‫فهل ٌجوز للعاقل أن ٌنكر ضوء النهار ‪ ,‬وٌزعم أ ّنه لٌل مظلم ‪ ,‬فإنه إذا‬ ‫قال ذلك حكم الناس علٌه بالمجنون ‪ ,‬وهكذا فإنّ نور الشرع والحق الذي‬ ‫‪105‬‬


‫جاء به رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬فإنه نور مشهود لدى العقول‬ ‫والقلوب واألفكار ‪ ,‬فمن أنكره فهو أشد جنونا ً ممن ٌنكر طلوع النهار‬ ‫وضوءه ‪.‬‬ ‫ولذلك قال سبحانه ‪ { :‬قد جاءكم من هللا نور وكتاب مبٌن } ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬كتاب أنزلناه إلٌك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } ‪.‬‬ ‫فبعد بٌان الحق ‪ ,‬وظهور النور ‪:‬‬ ‫فمن شاء فلٌإمن ألنه ال ٌسعه إالّ أن ٌصدق بالحق ‪ ,‬ومن شاء فلٌكفر –‬ ‫هذا من باب التهدٌد والوعٌد الشدٌد ‪ ,‬نظٌر قوله تعالى ‪ { :‬اعلموا ما شبتم‬ ‫إنه بما تعمون بصٌر } ‪ ,‬فلٌس المراد هنا فعل المؤمور به ‪ ,‬بل المراد‬ ‫التحذٌر والتهدٌد بالوعٌد الشدٌد ‪.‬‬ ‫والمعنى ‪ :‬فمن ٌكفر فقد ستر الحق ‪ ,‬واعرض عن النور الذي جاء به‬ ‫رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬والبٌان الذي بٌّنه ‪ ,‬إذاً فلٌعلم أنّ‬ ‫هناك الحساب والعقاب ‪ ,‬فإن هللا تعالى هو أسرع الحاسبٌن ‪ ,‬وهو أحكم‬ ‫الحاكمٌن ‪ ,‬وهو شدٌد العقاب ‪.‬‬ ‫ولذلك قال سبحانه ‪ { :‬ومن شاء فلٌكفر إنا أعتدنا للظالمٌن ناراً أحاط به‬ ‫سرادقها } أي ‪ :‬ألنهم ظلموا أنفسهم ‪ ,‬فتركوا الحق الظاهر وكرهوه ‪ ,‬ولم‬ ‫ٌختاروه ‪ ,‬واستحبوا العمى ‪ ,‬واتبعوا الباطل ‪ ,‬ففوّ توا على أنفسهم النعٌم‬ ‫األكبر ‪ ,‬وحرموها الخٌر الكثٌر ‪ ,‬فهم الظالمون ألنفسهم ‪ ,‬حٌث سلكوا‬ ‫طرٌق الباطل الموصول إلى جهنم وعذاب الحرٌق ‪ ,‬وأعرضوا عن طرٌق‬ ‫الحق الموصول إلى الجنة والنعٌم المقٌم ‪ ,‬فؤيّ ظلم أعظم من هذا الظلم‬ ‫ألنفسهم ؟!‬ ‫النوع الثالث من الهداٌة ‪ :‬هداٌة التوفٌق للعمل بموجب الهدي البٌانً ‪,‬‬ ‫الذي جاء به رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪,‬وسلوك الصراط‬ ‫المستقٌم ‪ ,‬والطرٌق القوٌم ‪ ,‬الذي مشى علٌه الرسول صلى هللا علٌه وآله‬ ‫وسلم ‪ ,‬ودعا إلٌه ‪ ,‬ود ّل العباد علٌه ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬قل ؼنً هدانً ربً إلى صراط مستقٌم } ‪.‬‬ ‫‪106‬‬


‫وقال سبحانه ‪ { :‬إنك لعلى هدى مستقٌم } ‪.‬‬ ‫وقد قال صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬وإنّ خٌر الهدي هدي محمد ] صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ‪.‬‬ ‫وهذه الهداٌة فً المعنٌّة فً قول هللا تعالى – ٌعلّم عباده أن ٌقولوا ‪[ : -‬‬ ‫اهدنا الصراط المستقٌم} ‪ ,‬وأن ٌسؤلوه سبحانه هداٌتهم إلى هذا الصراط‬ ‫المستقٌم ‪ ,‬كل ٌوم ولٌلة ‪ ,‬فً أكمل قرباتهم ‪ ,‬وأفضل عباداتهم وهً ‪:‬‬ ‫الصلوات الخمس ‪.‬‬ ‫فمن نال هذه الهداٌة ٌسمى بالمهتدي ‪ ,‬وال ٌملك هذه الهداٌة وال ٌقدر علٌها‬ ‫إال هللا تعالى ‪:‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬من ٌهد هللا فهو المهتد ومن ٌضلل فلم تجد له ولٌا مرشدا } ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬إنك ال تهدي من أحببت ولكن هللا ٌهدي من ٌشاء } ‪.‬‬ ‫فهذه الهداٌة هً التوفٌق للعمل بما جاء به صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬وبما‬ ‫هداهم – أي ‪ :‬دلّهم علٌه – فؤثبت له صلى هللا علٌه وآله وسلم هداٌة البٌان‬ ‫؛ والداللة على صراط مستقٌم ‪ ,‬الجامع لكل خٌر ‪ ,‬فقال ‪ { :‬وإنك لتهدي‬ ‫إلى صراط مستقٌم } ‪.‬‬ ‫وأما التوفٌق للسٌر على هذا الصراط والمشً علٌه فهذا إلى هللا تعالى ‪,‬‬ ‫كما قال سبحانه ‪ { :‬وهللا ٌدعوا إلى دار السبلم وٌهدي من ٌشاء إلى‬ ‫صراط مستقٌم } ‪.‬‬ ‫فاهلل تعالى دعا عباده فً القرآن العظٌم ؛ وعلى لسان رسوله الكرٌم صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬دعاهم كلهم إلى دار السبلم ؛ وهً الجنة ‪ ,‬حتى‬ ‫ٌسترٌحوا من دار السّقام وهً الدنٌا ‪ ,‬فجاء صلى هللا علٌه وآله وسلم داعٌا ً‬ ‫إلى هللا السبلم ‪ ,‬وإلى داره دار السبلم ‪ ,‬ولكن هداٌة التوفٌق من عنده ‪.‬‬ ‫قال هللا تعالى ‪ٌ {:‬ضل به كثٌرا وٌهدي به كثٌرا وما ٌضل به إال الفاسقٌن ‪.‬‬ ‫الذٌن ٌنقضون عهد هللا من بعد مٌثاقه وٌقطعون ما أمر هللا به أن ٌوصل‬ ‫وٌفسدون فً األرض أولبك هم الخاسرون } ‪.‬‬

‫‪107‬‬


‫والفاسق هو الذي خرج عن منهاج الحق واالعتدال بعدما ا ّتضح له ؛‬ ‫وسلك طرٌق الؽًّ والضبلل ‪.‬‬ ‫روى البخاري وؼٌره ‪ ,‬عن جابر رضً هللا عنه قال ‪ ( :‬جاءت مبلبكة‬ ‫إلى النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم وهو نابم فقال بعضهم ‪ :‬إنه نابم ‪ ,‬وقال‬ ‫بعضهم ‪ :‬العٌن نابمة والقلب ٌقظان ‪.‬‬ ‫فقالوا ‪ :‬إن لصاحبكم هذا مثبلً فاضربوا له مثبلً ‪.‬‬ ‫فقالوا ‪ :‬مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فٌها مابدة ‪ ,‬وبعث داعٌا ً ‪ ,‬فمن‬ ‫أجاب الداعً ‪ :‬دخل الدار ‪ ,‬وأكل من المؤدبة ‪ ,‬ومن لم ٌجب الداعً لم‬ ‫ٌدخل الدار ولم ٌؤكل من المؤدبة ‪.‬‬ ‫فقالوا ‪ - :‬أي ‪ :‬المبلبكة – أولوها ٌفقهها‪.‬‬ ‫فقال ‪ :‬إن العٌن نابمة والقلب ٌقظان ‪ ,‬فالدار الجنة ‪ ,‬والداعً محمد صلى‬ ‫هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬فمن أطاع محمداً صلى هللا علٌه وآله وسلم فقد أطاع‬ ‫هللا تعالى ‪ ,‬ومن عصى محمداً فقد عصى هللا تعالى ‪ ,‬ومحمد صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم فرق بٌن الناس ) ‪.‬‬ ‫وفً رواٌة الترمذي ‪ ,‬عن ابن مسعود رضً هللا عنه ‪ ( :‬فقال الملك ‪:‬‬ ‫اسمع سمعت أذناك ‪ ,‬واعقل عقل قلبك ‪ ,‬إنما مثلك كمثل أمتك ‪ :‬كمثل ملك‬ ‫اتخذ داراً ‪ ,‬ثم بنى فٌها بٌتا ً ‪ ,‬ثم جعل فٌها مابدة – وفً رواٌة ‪ :‬مؤدبة –‬ ‫ثم بعث رسوالً ٌدعوا الناس إلى طعامه‪ ,‬فمنهم من أجاب الرسول ‪ ,‬ومنهم‬ ‫من تركه ‪ ,‬فاهلل هو الملك ‪ ,‬والدار واإلسبلم ‪ ,‬والبٌت الجنة ‪ ,‬وانت ٌا‬ ‫محمد – صلى هللا علٌه وآله وسلم – رسول– أي ‪ :‬الداعً – فمن أجابك‬ ‫دخل اإلسبلم ‪ ,‬ومن دخل اإلسبلم دخل الجنة ‪ ,‬ومن دخل الجنة اكل مما‬ ‫فٌها ) ‪.‬‬ ‫والسبلم فً قوله تعالى ‪ { :‬وهللا ٌدعوا إلى دار السبلم } إما المراد به اسمه‬ ‫تعالى السبلم ‪ ,‬وأضاؾ الدار إلٌه إضافة تشرٌؾ وتكرٌم ‪ ,‬كالكعبة فهً‬ ‫بٌت هللا تعالى ‪ ,‬وإما المراد بالسبلم ‪ :‬السبلم منه ‪ :‬أي ‪ :‬تحٌاته لهم سبحانه‬ ‫‪ ,‬كما قال ج ّل وعبل ‪ { :‬تحٌتهم فً سبلم } ‪.‬‬ ‫‪108‬‬


‫وقال تعالى ‪ { :‬تحٌتهم ٌوم ٌلقونه سبلم وأعد لهم أجراً كرٌما ً } ‪.‬‬ ‫وقال تعالى – مخبراً عن كثرة سبلمه على أهل الجنة ‪ { : -‬سبلم قوالً من‬ ‫رب رحٌم } أي ‪ :‬سبلم دابر ٌتوارد علٌهم من رب رحٌم ‪.‬‬ ‫روى ابن ماجه وؼٌره ‪ ,‬عن جابر بن عبد هللا رضً هللا عنهما قال ‪ :‬قال‬ ‫رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ [ :‬بٌنما أهل الجنة فً نعٌمهم إذ‬ ‫سطح علٌهم نور ‪ ,‬فرفعوا رإوسهم فإذا الرب تبارك وتعالى قد أشرق‬ ‫علٌهم من فوقهم ‪.‬‬ ‫فٌقول ‪ :‬السبلم علٌكم ٌا أهل الجنة ‪,‬فٌحٌٌّهم وٌحٌٌّونه ‪ ,‬فذلك قوله تعالى ‪:‬‬ ‫{ سبلم قوالً من رب رحٌم } ] ‪.‬‬ ‫قال ‪ [ :‬فٌنظر إلٌهم ‪ ,‬وٌنظرون إلٌه ‪ ,‬فبل ٌلتفتون إلى شًء من النعٌم ما‬ ‫داموا ٌنظرون إلٌه ‪ ,‬حتى ٌحتجب عنهم ‪ ,‬وٌبقى نور بركته علٌهم فً‬ ‫دٌارهم ‪.‬‬ ‫اللهم اجعلنا منهم ٌا رب ٌا رحٌم ‪ .‬ومن المبلبكة أٌضا ً قال تعالى ‪{ :‬‬ ‫والمبلبكة ٌدخلون علٌهم من كل باب ‪ .‬سبلم علٌكم بما صبرتم فنعم عقبً‬ ‫الدار } ‪.‬‬ ‫والسبلم من بعضهم على بعض قال تعالى ‪ { :‬ال ٌسمعون فٌها لؽواً وال‬ ‫تؤثٌما ً ‪ .‬إال قٌبلً سبلما ً سبلما ً } ‪.‬‬ ‫وفٌها السبلمة من اآلفات واألسقام واألمراض‪ ,‬فهً دار السبلم العام ؛‬ ‫أوّ الً من هللا تعالى ‪ ,‬ثم السبلم من المبلبكة علٌهم السبلم ‪ ,‬ثم من بعضهم‬ ‫على بعض قال تعالى ‪ { :‬ال ٌسمعون فٌها لؽواً وال تؤثٌما ً ‪ .‬إال قٌبلً سبلما ً‬ ‫سبلما ً } ‪.‬‬ ‫وههنا مسؤلتان‬ ‫األولى ‪ :‬إذا كانت هداٌة التوفٌق هً من هللا تعالى وحده ال ٌملكها ؼٌره ؛‬ ‫فما هو موقؾ الضا ّل الذي لم تنله هداٌة التوفٌق ؛ ما هو موقفه من الجزاء‬ ‫؟‬

‫‪109‬‬


‫الثانٌة ‪ :‬المإمنون مؤمورون أن ٌقولوا فً صلواتهم ؛ وؼٌر صلواتهم ‪{ :‬‬ ‫اهدنا الصراط المستقٌم } فً حٌن أنهم مهتدون ‪ ,‬فما المقصود من سإالهم‬ ‫الهداٌة ؟‬ ‫الجواب عن المسؤلة األولى ‪:‬‬ ‫إن هللا تعالى قد اوجب على نفسه – رحمة منه وفضبلً – هداٌة البٌان‬ ‫والداللة كما تقدم ‪ ,‬وذلك بؤن ٌبعث الرسل وٌنزل الكتب فتبٌّن للناس ‪,‬‬ ‫وٌهدونهم إلى طرٌق الحق ‪ ,‬وٌدلونهم علٌه ‪ ,‬وٌؤتونهم بالحجج والبراهٌن ‪,‬‬ ‫واآلٌات والبٌنات ‪ ,‬بحٌث ال تبقً لهم عذراً لمعتذر ‪ ,‬كما قال سبحانه ‪{ :‬‬ ‫رسبلً مبشرٌن ومنذرٌن لببل ٌكون للناس على حجة بعد الرسل وكان هللا‬ ‫عزٌزاً حكٌما ً } وٌبقى كل رسول مع أمتة مدة طوٌلة واسعة من الزمان ‪,‬‬ ‫وهو ٌحاجّ هم وٌناظرهم ‪ ,‬وٌبٌّن لهم ‪ ,‬فبعد البٌان والتبٌان فهناك ٌعلمون‬ ‫الحق من الباطل ‪ ,‬وٌعرفون ما ٌنفع وما ٌضر ‪ ,‬وٌفرقون بٌن الهدى‬ ‫والضبلل – ٌعرفون ذلك كله ‪ ,‬فبعد هذه المعرفة ‪:‬‬ ‫منهم من ٌمٌل قلبه وبحب اتباع الحق بعد معرفته بذلك ‪ ,‬وٌستحسنه‬ ‫فٌشرح هللا صدره ‪ ,‬وٌفتح قلبه ‪ ,‬فلٌقً فٌه نور اإلٌمان ‪ ,‬فٌقرّ وٌعترؾ ‪,‬‬ ‫وٌعلن ذلك بالشهادتٌن معبّراً عمّا قلبه ‪.‬‬ ‫زمنهم من ٌعرؾ لكن ال ٌعترؾ ‪ ,‬وٌعلم حقٌّة ما جاءت به الرسل صلوات‬ ‫هللا علٌهم ولكن ٌجحد بعدما علم وٌنكر ‪ ,‬وذلك ‪ :‬إما بسبب كبر النفس قال‬ ‫تعالى ‪ { :‬إن فً صدورهم إال كبر ما هم ببالؽٌه } ‪ ,‬وقال تعالى – فً قوم‬ ‫فرعون ‪ { : -‬وجحدوا بها واستٌقنتها أنفسهم ظلما ً وعلواً } وإما بسبب‬ ‫اتباع أهوابهم وشهواتهم ‪ ,‬فإنها ال تنفق مع ما جاء به رسول هللا صلى هللا‬ ‫علٌه وآله وسلم ‪ ,‬قال تعالى ‪ { :‬وكذبوا وتبعوا أهوابهم } أي ‪ :‬كذبوا بالحق‬ ‫الذي جبت به ‪ ,‬وقد علموا أنه الحق ‪ ,‬ولكنه مخالؾ ألهوابهم الفاسدة ‪ ,‬وما‬ ‫هم علٌه من الشهوات البهٌمٌة ‪ ,‬ومن ث ّم قال تعالى ‪ { :‬فإن لم ٌستجٌبوا لك‬ ‫فاعلم أنما ٌتبعون أهوابهم } ‪.‬‬ ‫والمعنى ‪ :‬أنهم إن لم ٌستجٌبوا لك حٌن تدعوهم إلى الحق ونور الهدى‬ ‫بعدما بان لهم ببٌناتك التً جبتهم بها ‪ ,‬فاعلم أ ّنهم ٌتبعون أهوابهم ألنهم قوم‬ ‫‪110‬‬


‫ال ٌرٌدون الحق ‪ ,‬وؼنما ٌمشون وراء أهوابهم الباطلة ‪ ,‬ولذلك كان شؤنهم‬ ‫دابما ً بؤن ٌعرضون وٌعارضوا ‪ ,‬وٌصرّ وا على كفرهم وبؽٌهم مراراً‬ ‫وتكراراً ‪ ,‬حتى إذا بلؽوا ؼاٌة الجحود والعناد ‪ ,‬والظلم والفساد ‪ ,‬طبع هللا‬ ‫ً‬ ‫عقوبة لهم من جنس عملهم – فهم ال ٌإمنون ‪.‬‬ ‫تعالى على قلوبهم الكفر –‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬إن الذٌن كفروا } – أي ‪ :‬الذٌن ستروا الحق الذي جبتهم به‬ ‫‪ ,‬وألقوا الحجاب وأصرّ وا ‪ ,‬ومردوا على الكفر مع بٌانك وتبٌانك ٌا رسول‬ ‫هللا – { سواء علٌهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم ال ٌإمنون ‪ .‬ختم هللا على‬ ‫قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم ؼشاوة ولهم عذاب عظٌم } ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬كذلك ٌطبع هللا على قلوب الكافرٌن } عقوبة لهم ‪ ,‬وجزاء‬ ‫على إصرارهم على الكفر ‪ ,‬وإعراضهم عن الحق بعدما عرفوه ‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬كذلك ٌطبع هللا على كل قلب متكبر جبار } أي ‪ :‬متكبر‬ ‫على قبول الحق بعدما تبٌن له ‪ ,‬كما قال سبحانه ‪ { :‬فلما زاؼوا أزاغ هللا‬ ‫قلوبهم وهللا ال ٌهدي القوم الفاسقٌن } أي ‪ :‬أل ّنهم فسقوا فجاوزوا الحدود‬ ‫الشرعٌة تجاوزاً بعٌداً ‪ ,‬منكرٌن ومتكبرٌن ‪ ,‬ومعرضٌن عنها استمراراً‬ ‫وإصراراً ‪ ,‬كما قال سبحانه ‪ { :‬ونقلب أفبدتهم وأبصارهم كما لم ٌإمنوا به‬ ‫أول مرة ونذرهم فً طؽٌانهم ٌعمهون } ‪.‬‬ ‫فهم طؽاة بؽاة ‪ ,‬استحبوا العمى على الهدى ‪ ,‬واختاروا طرٌق الفساد‬ ‫والؽًّ والردى ‪ ,‬فؤعطاهم العمى فهم ٌعمهون ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬وأما ثمود فهدٌناهم فاستحبوا العمى على الهدى } أي ‪ :‬بٌّنا‬ ‫لهم الحق وسبٌل الرشاد فؤعرضوا ‪ ,‬واستحبوا العمى على الهدى ‪ ,‬وهذا‬ ‫من باب العدل اإللهً ‪ ,‬فإنّ هذه العقوبات بالطبع والختم على قلوبهم وما‬ ‫هنالك ‪,‬كانت بؤسباب جرابمهم الصادرة عنهم باختٌارهم ‪ ,‬وإعراضهم ‪,‬‬ ‫كما قال سبحانه ‪ { :‬وما كان هللا لٌضل قوما بعد إذ هداهم حتى ٌبٌن لهم ما‬ ‫ٌتقون } فهداهم – أي ‪ :‬بٌن هللا تعالى لهم – بواسطة الرسل وإنزال الكتب‬ ‫‪ ,‬وباآلٌات والبٌّنات ‪ ,‬ومناظرات الرسل لهم ‪ ,‬فبٌّن لهم حتى بان لهم نور‬ ‫الحق فؤعرضوا ‪ ,‬وبصّرهم نور الحق فتعاموا ‪ ,‬وأسمعهم كبلم الحق‬ ‫فتصامّوا ؛ فعاقبهم بؤن جعلهم ص ّما ً بكما ً عمٌا ً القلوب ‪.‬‬ ‫‪111‬‬


‫ومن هذا قوله تعالى ‪ٌ { :‬س ‪ .‬والقرآن الحكٌم ‪ .‬إنك لمن المرسلٌن ‪ .‬على‬ ‫صراط مستقٌم ‪ .‬تنزٌل العزٌز الحكٌم ‪ .‬لتنذر قوما ً ما أنذر ءاباإهم فهم‬ ‫ؼافلون ‪ .‬لقد حق القول على أكثرهم فهم ال ٌإمنون ‪ .‬إنا جعلنا فً أعناقهم‬ ‫أؼبلالً فهً إلى األذقان فهم مقمحون ‪ .‬وجعلنا من بٌن أٌدٌهم سدا ومن‬ ‫خلفهم سدا فؤؼشٌناهم فهم ال ٌبصرون ‪ .‬وسواء علٌهم أءنذرتهم أم لم‬ ‫تنذرهم ال ٌإمنون } ‪.‬‬ ‫فقد أقسم سبحانه بالقرآن الحكٌم – أي ‪ :‬الجامع ألنواع الحكمة ‪ ,‬التً ال‬ ‫تحصى – على أنّ سٌدنا محمداً صلى هللا علٌه وآله وسلم هو من المرسلٌن‬ ‫‪ ,‬ال ٌحتمل أمره أن ٌكون شاعراً أو ساحراً أو كاهنا ً ؛ وال وال ‪ . . .‬بل هو‬ ‫رسول هللا حقا ً ‪ ,‬فإ ّنه قد مضت قبله رسل ثبتت رسالتهم بالبٌنات‬ ‫والمعجزات ‪ ,‬وإنزال الكتب اإللهٌة علٌهم ‪ ,‬وإن كل الشواهد والبراهٌن‬ ‫واألدلة واآلٌات والمعجزات التً أثبتت رسالة من قبله ؛ هً كلها مجتمعة‬ ‫لتصدٌق سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬فلقد أوتً من المعجزات‬ ‫وخوارق العادات فوق معجزات الرسل قبله ‪ ,‬وإنّ الكتاب الذي جاء به هو‬ ‫أجمع من الكتب النازلة على الرسل قبله ‪ ,‬وأعظمها ‪ ,‬وقد جاء هذا الكتاب‬ ‫على وجوده من اإلعجاز مع التحدي لجمٌع العالم بؤن ٌؤتوا بسورة مثله ‪,‬‬ ‫وال قال سبحانه ‪ { :‬تنزٌل العزٌز الرحٌم } أي ‪ :‬ال ٌحتمل أن ٌكون هذا‬ ‫الكتاب الحكٌم من المخلوقٌن ‪ :‬اإلنس والجن وؼٌرهما ‪ ,‬بل هو قطعا ً‬ ‫تنزٌل من هللا العزٌز الرحٌم ‪ ,‬جاء لٌنذر قوما ً ما أنذر آباءهم ‪ ,‬وٌبٌن لهم‬ ‫الحق بالحجج واألدلة ‪ ,‬وأوضح لهم رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪,‬‬ ‫وبٌّن لهم ‪ ,‬وحاجّ هم ‪ ,‬وناظرهم ‪ ,‬وأقام علٌهم الحجة والبراهٌن القاطعة ‪,‬‬ ‫وأراهم أنواعا ً من المعجزات المربٌة ‪ ,‬ومع ذلك فهم ٌجحدون وٌعرضون‬ ‫وٌكذبون ‪ ,‬واستمروا على ما هم علٌه ‪ ,‬وأصروا ‪ ,‬وعاندوا ‪ ,‬وعارضوا ‪,‬‬ ‫فكانت النتٌجة أن حق علٌهم القول ‪ ,‬وهو قوله تعالى – إلبلٌس ‪ { : -‬قال‬ ‫فالحق والحق أقول ‪ .‬ألمؤلن جهنم منك وممن تبعك معهم أجمعٌن} ‪.‬‬ ‫فضرب الكفر علٌهم ‪ ,‬وس ّدت علٌهم األبواب عقوبة لهم ‪.‬‬ ‫وهذا نظٌر قوله تعالى ‪ { :‬وإذا أردنا أن نهلك قرٌة أمرنا متر فٌها فسقوا‬ ‫فٌها فحق القول فدمرناها تدمٌراً } ‪.‬‬ ‫‪112‬‬


‫فلما فسقوا وأصروا على كفرهم ‪ ,‬ولم ٌزدجروا ؛ حق علٌهم القول‬ ‫بتدمٌرهم ‪ ,‬فلقد أخذهم بالعذاب الم ّدمر لهم ‪ :‬بالحق ال بالظلم ‪ ,‬كما قال‬ ‫تعالى – فً الكفار من األمم السابقة ‪ { : -‬وجادلوا بالباطل لٌدحضوا به‬ ‫الحق فؤخذتهم فكٌؾ كان عقاب ‪ .‬وكذلك حقت كلمت ربك على الذٌن‬ ‫كفروا أنهم أصحاب النار } أي ‪ :‬ألنهم كفروا‪ ,‬فما ظلمهم هللا تعالى ‪ ,‬ولكن‬ ‫كانوا أنفسهم ٌظلمون ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬وما هللا ٌرٌد ظلما ً للعالمٌن }‪.‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬وما ربك بظبلم للعبٌد }‪.‬‬ ‫فكانت معاقبته سبحانه لهم فً الدنٌا واآلخرة من باب العدل‪ ,‬ال من باب‬ ‫الظلم ‪ ,‬فإنّ تصرفه فً عباده ال ظلم فٌه‪ ,‬وال جور‪ ,‬بل هو على صراط‬ ‫الحق والعدل والحكمة ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ {:‬فمن ٌرد هللا أن ٌهدٌه ٌشرح صدره لئلسبلم ومن ٌرد أن‬ ‫ٌضله ٌجعل صدره ضٌقا ً كؤنما ٌصعد فً السماء كذلك ٌجعل هللا الرجس‬ ‫على الذٌن ال ٌإمنون }‪.‬‬ ‫فانظر فً قوله تعالى ‪ {:‬كذلك } أي‪ :‬هكذا عادته سبحانه‪ ,‬ومقتضى حكمته‬ ‫وعدله ‪ ,‬أن ٌجعل هذا الرجس‪ ,‬وهو الكفر بسبب ضٌق الصدر الذي‬ ‫صاروا إلٌه ؛ ٌجعله على الذٌن ال ٌإمنون بالحق بعدما تبٌن لهم ‪ ,‬فكذبوا‬ ‫باآلٌات البٌنات ‪ ,‬ولم ٌصدقوا رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬وال‬ ‫بما جاء به من اآلٌات القرآنٌة المعجزة ‪ ,‬وال بٌّناته القاطعة ‪ ,‬بل جحدوا‬ ‫بذلك بعد علمهم أ ّنها حق من عند هللا تعالى ‪ ,‬وأنّ الذي جاء به هو رسول‬ ‫هللا حقا ً صلى هللا علٌه آله وسلم ‪.‬‬ ‫كما قال سبحانه ‪ { :‬فإنهم ال ٌكذبونك ولكن الظالمٌن بآٌات هللا ٌجحدون } ‪.‬‬ ‫والمعنى ‪ :‬أ ّنهم ٌعلمون ٌقٌنا ً أ ّنك صادق ‪ ,‬وأنّ اآلٌات التً تتلوها هً‬ ‫لٌست من عندك ؛ وال كبلم المخلوقٌن إلعجازها ‪ ,‬ولك ّنهم ظالمون ‪,‬‬ ‫فراحوا ٌجحدون بعد علم ‪ ,‬وٌنسبونك إلى الكذب وهم على علم أ ّنك صادق‬ ‫األمٌن – صلى هللا علٌه وآله وسلم – وكان ذلك منهم على كبر طؽٌان ‪,‬‬ ‫‪113‬‬


‫كما قال تعالى‪ -‬عن فرعون وقومه ‪ { : -‬وجحدوا بها واستٌقنتها أنفسهم‬ ‫ظلما ً وعلواً } ‪.‬‬ ‫وقوله سبحانه ‪ { :‬كذلك ٌجعل هللا الرجس على الذٌن ال ٌإمنون } – أي ‪:‬‬ ‫ال ٌصدقون بالحق بعدما ظهر لهم ‪ ,‬بل ٌجحدون بعد علم‪ -‬فً هذا دلٌل‬ ‫على أنّ الذي هداه هللا تعالى ‪ ,‬وشرح صدره قد ختار اإلٌمان واستحسنته ‪,‬‬ ‫واستحب الهدى على الضبلل والعمى ‪ ,‬لما تبٌن الحق له وآمن – أي ‪:‬‬ ‫ص ّدق باآلٌات و البٌنات التً جاءت بها الرسول صلى هللا علٌه وآله وسلم‬ ‫‪ ,‬فهداه هللا تعالى هداٌة التوفٌق ‪ ,‬وثبت ذلك فً قلبه ‪ ,‬فشرح هللا صدره‬ ‫ووسعه‪ ,‬وألقى فٌه النور اإلٌمانً ‪ ,‬كما قال سبحانه ‪ { :‬أفمن شرح هللا‬ ‫صدره لئلسبلم فهو على نور من ربه فوٌل للقاسٌة قلوبهم من ذكر هللا‬ ‫أولبك فً ضبلل مبٌن } ‪.‬‬ ‫فشرح هللا تعالى صدره الذي استحب الهدى واختاره ‪ ,‬فمؤل سبحانه قلبه‬ ‫نوراً إٌمانا ً ‪ ,‬بحٌث ال ٌرتد ‪ ,‬وصبؽه صبؽة إٌمانٌة ال تمحى قال تعالى ‪{ :‬‬ ‫صبؽة هللا ومن أحسن هللا صبؽة } ‪.‬‬ ‫ثم قال سبحانه – بعدما ذكر المإمن الذي شرح هللا صدره ‪ ,‬وتضٌ​ٌق‬ ‫صدر الكافر الجاحد ‪ { : -‬وهذا صراط ربك مستقٌما ً قد فصلنا اآلٌات لقوم‬ ‫ٌذكرون } ‪.‬‬ ‫وأشار بقوله سبحانه ‪ { :‬هذا } – أي ‪ :‬ما تقدم ذكره من شرح صدر ذاك ‪,‬‬ ‫وتضٌ​ٌق صدر ذاك – { وهذا صراط ربك مستقٌما ً } أي ‪ :‬صراط الحق‬ ‫والعدل اإللهً ‪ ,‬ومقتضى الحكمة الربانٌة ‪ ,‬فهو سبحانه ٌدبر أمور عباده‬ ‫‪ ,‬وٌتصرؾ فً ملكه على طرٌق العدل ‪ ,‬وصراط الحق ‪ ,‬كما هو مقتضى‬ ‫حكمته الربانٌة ‪ ,‬فإنه العلٌم الحكٌم ‪ ,‬ال ظلم وال جور ‪ ,‬بل جمٌع ذلك على‬ ‫صراط الحق والعدل المستقٌم ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬شهد هللا أنه ال إله إال هو والمبلبكة وأولوا العلم قابما بالقسط‬ ‫ال إله إال هو العزٌز الحكٌم } ‪.‬‬

‫‪114‬‬


‫فبل اعتراض على الحكٌم العلٌم ‪ ,‬وال اعتراض على عدله المستقٌم ‪ ,‬فهو‬ ‫سبحانه قوله الفصل ‪ ,‬وقضاإه العدل ‪ ,‬كما جاء فً الحدٌث ‪ [ :‬اللهم إ ّنً‬ ‫عبدك ‪ ,‬وابن عبدك ‪ ,‬وابن أمتك ‪ ,‬ناصٌتً بٌدك ماض فًّ حكمك ‪ ,‬عدل‬ ‫فًّ قضاإك ‪ ,‬أسؤلك بكل اسم هو لك ‪ ,‬سمٌت به نفسك ‪ ,‬أو أنزلته فً‬ ‫كتابك ‪ ,‬أو علمته أحداً من خلقك ‪ ,‬أو استؤثرت به فً علم الؽٌب عندك ‪,‬‬ ‫أن تجعل القرآن العظٌم ربٌع قلبً ‪ ,‬ونور صدري ] – وفً رواٌة ‪[ :‬‬ ‫ونور بصري } – وجبلء حزنً ‪ ,‬وذهاب همًّ وؼمًّ ] ‪.‬‬ ‫وقال هللا تعالى ‪ { :‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعٌنهم تفٌض‬ ‫من الدمع مما عرفوا من الحق ٌقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدٌن } ‪.‬‬ ‫فلما عرفوا الحق استجابوا له ‪ ,‬وقالوا ‪ :‬ربّنا آمنا ‪ ,‬فعلموا بموجب ما‬ ‫عرفوا وسؤلوا هللا تعالى أن ٌكتبهم مع الشاهدٌن ‪ ,‬وهم أمة سٌدنا محمد‬ ‫صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ ,‬الذٌن ٌشهدون على من قبلهم من األمم ‪.‬‬ ‫{وما لنا ال نإمن باهلل وما جاءنا من الحق ونطمع أن ٌدخلنا ربنا مع القوم‬ ‫الصالحٌن ‪ .‬فؤثابهم هللا بما قالوا جنات تجري من تحتها األنهار خالدٌن فٌها‬ ‫ذلك جزاء المحسنٌن } ‪.‬‬ ‫فهذا موقؾ مإمنٌن األخٌار مع كتاب هللا تعالى ‪.‬‬ ‫ثم أخبر سبحانه بعد ذلك عن الذٌن كفروا ‪ -‬أي ‪ :‬ستروا – وجحدوا الحق‬ ‫بعدما تبٌن لهم ‪ ,‬وعرفوه واتضح لهم ‪ ,‬فقال سبحانه ‪ { :‬والذٌن كفروا‬ ‫وكذبوا بباٌاتنا أولبك أصحاب الجحٌم } ‪.‬‬ ‫فهذا موقؾ الكفار واألشرار مع آٌات هللا تعالى ‪.‬‬ ‫اللهم اجعلنا من { الذٌن ٌستمعون القول فٌتبعون أحسنه أولبك الذٌن هداهم‬ ‫هللا وأولبك هم أولوا األلباب } ‪.‬‬ ‫فاهلل تعالى فً جمٌع تدبٌره وتصرفه بمخلوقاته ‪ :‬خفضهم‬ ‫ورفعهم‪,‬وإعزازهم وإذاللهم ‪ ,‬وإماتتهم وإحٌابهم ‪ ,‬وفً جمٌع معامبلته مع‬ ‫كما فً الترمذي والمسند ‪.‬‬ ‫‪115‬‬


‫عباده هو فً ذلك كله على صراط مستقٌم ‪ ,‬وهو صراط الحكمة الربانٌة‬ ‫والعدل اإللهً ‪ ,‬فإ ّنه العلٌم الخبٌر بعباده ‪ ,‬علما ً قدٌما ً أزلٌا ً ال أول له ‪,‬‬ ‫ومحٌطا ً ال نهاٌة له ‪ ,‬فهو العلٌم بمواقع الفضل اإلٌمانً وأهله ‪ ,‬قال تعالى‬ ‫– فً أصحاب النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ‪ { :‬وألزمهم كلمة التقوى‬ ‫وكانوا أحق بها وأهلها وكان هللا بكل شًء علٌما ً } ‪.‬‬ ‫فهو سبحانه العلٌم الحكٌم ‪ ,‬والحكمة تقتضً وضع األمور فً مواضعها‬ ‫البلبقة فٌها ‪:‬‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬وٌإت كل ذي فضل فضله } فهو سبحانه ٌضع فضله‬ ‫موضعه ‪.‬‬ ‫وقال تعالى – فً الكفار ‪ { : -‬ولو علم هللا فٌهم خٌراً ألسمعهم ولو أسمعهم‬ ‫لتولوا وهم معرضون } فهم ٌنفرون من سماع القرآن واإلٌمان ‪ ,‬وتضٌق‬ ‫صدورهم ‪ ,‬كما قال تعالى ‪ { :‬وإذا ذكر هللا وحده اشمؤزت قلوب الذٌن ال‬ ‫ٌإمنون باآلخرة } وٌستحبون وٌختارون العمى على الهدى ‪ ,‬وتنشرح‬ ‫صدورهم للكفر‪ ,‬قال تعالى ‪ { :‬ولكن من شرح بالكفر صدراً فعلٌهم‬ ‫ؼضب من هللا ولهم عذاب عظٌم ‪ .‬ذلك بؤنهم استحبوا الحٌاة الدنٌا على‬ ‫اآلخرة وأن هللا ال ٌهدي القوم الكافرٌن } أي ‪ :‬الذٌن جاءهم الحق واتضح‬ ‫لهم بالبٌنات حتى بان لهم الحق وظهر لهم وعرفوه ‪ ,‬ولكنهم جحدوا به بعد‬ ‫علم ‪ ,‬ولم ٌقروا و ولم ٌعترفوا بل أخفوه وستروه‪ ,‬ولذلك سماهم هللا تعالى‬ ‫كفاراً ‪ ,‬والكفر هو ‪ :‬ستر الحق بعد ما وضح‪ ,‬ولذلك قال تعالى فٌهم إذا‬ ‫جاءت القٌامة ‪ {:‬بل بدا لهم ما كانوا ٌخفون من قبل } اآلٌة‪.‬‬ ‫فرتب جمٌع ذلك على اختٌارهم الضبلل‪ ,‬واستحسانهم له‪ ,‬ومحبتهم إٌّاه‪,‬‬ ‫وكراهٌتهم للهدى واإلٌمان بعد ما ظهر لهم بالحجة والبرهان‪ ,‬فعوقبوا‬ ‫بالطبع على القلوب والسمع واألبصار‪ -‬والعٌاذ باهلل تعالى من ذلك كله‪.‬‬ ‫فاهلل تعالى كما قال‪ {:‬وال ٌظلم ربك أحداً }‪ ,‬فهو الرب سبحانه ‪ ,‬والكل‬ ‫عباده‪ ,‬وهو فً تصرفه فً عباده على صراط مستقٌم‪ ,‬قال تعالى‪ -‬مخبراً‬ ‫عن هود علٌه السبلم ‪ {: -‬إنً توكلت على هللا ربً وربكم ما من دآبة إال‬ ‫هو آخذ بناصٌتها إن ربً على صراط مستقٌم } أي‪ :‬الحكمة البالؽة والعدل‬ ‫‪116‬‬


‫القوٌم ‪ ,‬وٌسمى هذا الصراط الربوبٌة وهو صراط الحق والحكمة اإللهٌة‪,‬‬ ‫التً ٌدبر بها أمور الخبلبق ‪,‬وٌتصرؾ فٌهم ‪ ,‬وأما الصراط فً قوله‬ ‫تعالى ‪ { :‬اهدنا الصراط المستقٌم } فهو صراط اإلسبلم هلل تعالى ‪,‬‬ ‫والعبودٌة له تعالى‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث ‪ [ :‬اللهم أنت ربً ال إله إالّ أنت علٌك توكلت وأنت ربّ‬ ‫العرش العظٌم ‪ ,‬وال حول وال قوة إال باهلل العلً العظٌم ‪ ,‬أعلم أنّ هللا على‬ ‫كل شًء قدٌر ‪ ,‬وأنّ هللا قد أحاط بك ّل شًء علما ً ‪.‬‬ ‫اللهم إ ّنً أعوذ بك من شرّ نفسً ‪ ,‬ومن شرّ كل دابّة أنت آخذ بناصٌتها إنّ‬ ‫ربً على صراط مستقٌم ] ‪.‬‬ ‫فإن قٌل ‪ :‬إنّ مشٌبة العبد واختٌاره األمور التكلٌفٌة والقٌام بها ‪ ,‬أو عدم‬ ‫اختٌاره لها وقٌامه بها‪ -‬هذا االختٌار هو بخلق هللا تعالى ومشٌبة هللا تعالى‬ ‫‪ ,‬بدلٌل قوله تعالى ‪ {:‬وما تشاءون إال أن ٌشاء هللا } إذاً فمشٌبة العبد‬ ‫واختٌاره لٌس لذلك أثر وال اعتبار ‪.‬‬ ‫فالجواب ‪ :‬نعم إنّ مشٌبة العبد واختٌاره وأفعاله كلها مخلوقة ‪ ,‬خلقها هللا‬ ‫تعالى ‪ ,‬ولكن ال ٌلزم من كون ذلك بمشٌبة هللا تعالى ‪ ,‬وكون الشًء‬ ‫مخلوقا ً له تعالى ‪ :‬ال ٌلزم من ذلك أن ال ٌكون له أثر فً الوجود‪ ,‬وال حكم‬ ‫له فً الواقع ‪ ,‬وال ٌترتب علٌه ثواب أو عقاب‪ ,‬فإنّ االختٌار والمشٌبة هما‬ ‫من صفات العبد التً خلقها هللا تعالى فٌه‪ ,‬كالحٌاة والسمع والبصر‪,‬‬ ‫والقدرة والكبلم‪ ,‬والعلم والعقل‪ ,‬فإنّ جمٌع ذلك هو بخلق هللا تعالى ‪,‬‬ ‫ومشٌبته سبحانه‪ ,‬ولكن لها أثرها فً الوجود‪ ,‬ولها اعتبار وحكم فً‬ ‫الواقع‪ ,‬وٌترتب علٌها حقوق واجبات ومسإولٌات‪.‬‬ ‫فاإلنسان حًّ بخلق هللا تعالى فً الحٌاة‪ ,‬فاهلل تعالى هو المحًٌ‪ ,‬والعبد‬ ‫حًّ ‪ ,‬وحٌاته لها أثرها فً الرواح والمجًء‪ ,‬والحركات والسكنات ‪,‬‬ ‫واألقوال واألعمال ‪ ,‬وهو حًّ حقٌقة بحٌاة مخلوقة فٌه ‪ ,‬ال وهما ً وال خٌاالً‬ ‫– بدلٌل أنّ هناك مٌتا ً لٌس فٌه حٌاة ‪.‬‬

‫‪117‬‬


‫حول تفسٌر سورة الفاتحة‬ ‫أم القرآن الكرٌم‬ ‫بقلن فضٍلة الشٍخ اإلهام الوحدث الوفسر سٍدي عبد هللا سراج الدٌن‬ ‫الحسٍنً رضً هللا تعالى عنه‬ ‫وصٌة وذكرى‬ ‫مقدمة الكتاب‬ ‫حكم التعوذ قبل قراءة القرآن الكرٌم‬ ‫الكالم عن التعوذ له وجوه متعددة‬ ‫‪ – 1‬حكم التعوذ‬ ‫بٌان الحكمة من التعوذ عند القراءة‬ ‫‪ – 2‬صفة – صٌؽة التعوذ‬ ‫‪ – 3‬معنى التعوذ كلمة كلمة‬ ‫‪ – 4‬المواطن التً ٌنبؽً التعوذ عندها – ذكر عشرة منها مع‬ ‫دلٌل ذلك مفصبلً‬ ‫الكالم على البسملة – ٌشتمل على أمرٌن ‪:‬‬ ‫األول – شرح مفرداتها‬ ‫ذكر معنى لفظ الجبللة [ هللا ] وبعض خصابصه مفصبلً‬ ‫ذكر معنى اسم [ الرحمن ] وما ٌدل علٌه‬ ‫ذكر ما ٌدل علٌه اسم [ الرحٌم ] من الرحمة الخاصة والعامة‬ ‫بٌان بعض الرحمة الخاصة التً ٌدل علٌها اسم [ الرحٌم ]‬ ‫الجواب عما ٌسؤل عن قوله سبحانه ‪ {:‬ورحمتً وسعت كل شًء‬ ‫} اآلٌة حٌث خصص ثم عمم‬ ‫تنبٌهات وتفهٌمات ٌنبؽً للمإمن اللبٌب أن ٌعرفها حول سر‬ ‫اقتران اسم [ الرحمن ] مع اسم [ الرحٌم ]‬ ‫‪ – 1‬الرحمن الرحٌم باقترانهما ٌكونان اسم هللا األعظم‬ ‫‪ – 2‬الرحمن الرحٌم إذا اقترنا دل كل منهما على رحمة خاصة‬ ‫‪118‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪29‬‬


‫‪ – 3‬الحكمة فً تخصٌص هذٌن االسمٌن فً البسملة – بٌان‬ ‫وجوه منها‬ ‫الثانً – هل البسملة آٌة مستقلة فً القرآن الكرٌم ‪ ,‬أم آٌة من كل‬ ‫سورة بٌان ذلك مفصبلً مع األدلة‬ ‫سنٌة افتتاح مهام األمور بالبسملة – ذكر األدلة على ذلك‬ ‫كل مفصبلً‬ ‫ذكر جملة من األمور التً تسن البسملة فٌها مع دلٌل ٍث‬ ‫الشرح الواضح الموجز لحدث ‪ [:‬إذا استجنح اللٌل ] وبٌان جملة‬ ‫من اإلرشادات واآلداب التً اشتمل علٌها‬ ‫تنبٌه وتحذٌر من إلقاء شًء فٌه اسم هللا تعالى أو آٌة قرآنٌة ‪,‬‬ ‫أو حدٌث شرٌف على األرض أو عدم تعظٌمه – وهو موضوع‬ ‫مهم ٌنبغً اوطالع علٌه والعمل بموجبه‬ ‫فاتحة الكتاب – ذكر عدة من أسمائها مع الدلٌل على ذلك‬ ‫الكبلم حول { الحمد هلل رب العالمٌن }‬ ‫بٌان معنى الحمد ‪ ,‬والمراد به فً اآلٌة الكرٌمة‬ ‫بٌان أن الحمد حق هلل سبحانه وتعالى – ذكر جملة من األدلة‬ ‫على ذلك ‪ ,‬مع جملة من النعم التً أنعمها سبحانه على عباده ‪,‬‬ ‫فكان الحمد حقا ً واجبا ً له سبحانه‬ ‫أعظم نعم هللا تعالى هو القرآن الكرٌم – ذكر الدلٌل على ذلك‬ ‫مطوالً‬ ‫بٌان أحمد الحامدٌن هلل سبحانه وتعالى مع الدلٌل على ذلك‬ ‫ذكر جملة من محامد سٌدنا رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم‬ ‫تفسٌر قول هللا تعالى ‪ {:‬رب العالمٌن }‬ ‫ذكر بعض خصابص اسم الرب سبحانه بٌان معنى { العالمٌن }‬ ‫العوالم كثٌرة وكبٌرة ٌنبه هللا تعالى فٌها إلى أمور فٌها بٌنات‬ ‫وبٌانات‬ ‫‪ – 1‬تعرٌؾ العباد وحملهم على اإلقرار بوجوب وجوده سبحانه‬ ‫‪ – 2‬بٌان فقر العالم إلى ربه سبحانه‬ ‫‪ – 3‬التحدي لجمٌع العباد أن ٌخلقوا مثل هذا العالم ‪ ,‬بل عن‬ ‫اإلحاطة به‬ ‫‪ – 4‬بٌان كثرة العوالم وعظمها‬ ‫ذكر جملة من العوالم وبٌان خصابص كل منها‬ ‫الكبلم حول ‪ {:‬الرحمن الرحٌم }‬ ‫جٌا بهذٌن الوصفٌن لوجوه من الحكم‬ ‫‪119‬‬

‫‪30‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪63‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪65‬‬

‫‪67‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪84‬‬


‫‪84‬‬ ‫‪ – 1‬بٌان أن رحمة هللا تعالى مبلزمة لربوبٌته‬ ‫‪85‬‬ ‫‪ – 2‬اإلعبلم باستحقاق الحمد هلل سبحانه‬ ‫‪85‬‬ ‫‪ – 3‬بٌان أن رحمته تعالى وسعت جمٌع خلقه‬ ‫‪ – 4‬شمول رحمته تعالى – ذكر نبذة موجزة عن سورة الرحمن ‪85‬‬ ‫‪86‬‬ ‫{ الرحمن الرحٌم } اسم هللا األعظم – ذكر أدلة ذلك‬ ‫‪88‬‬ ‫الكبلم حول ‪ {:‬مالك ٌوم الدٌن } تفسٌر مفردات هذه اآلٌة‬ ‫الكرٌمة مفصبلً‬ ‫‪92‬‬ ‫{ مالك ٌوم الدٌن } أي ‪ :‬الجزاء والحساب ؼداً ٌوم القٌامة‬ ‫‪92‬‬ ‫كل‬ ‫ذكر األٌام التً اشتمل علٌها الٌوم اآلخر مع الدلٌل على ٍث‬ ‫‪94‬‬ ‫{ مالك ٌوم الدٌن } فً ذلك تنبٌهات متعددة‬ ‫‪94‬‬ ‫‪ – 1‬التنبٌه إلى حقٌة ذلك الٌوم ومعقولٌته وحكمته ودلٌل ذلك‬ ‫‪95‬‬ ‫‪ – 2‬التنبٌه إلى إحسان العمل فً الدنٌا استعداداً لذلك الٌوم‬ ‫‪96‬‬ ‫‪ – 3‬مقتضى حكمة هللا تعالى محاسبة العباد فً ٌوم الدٌن‬ ‫‪ – 4‬بٌان أن العباد المكلفٌن أعطاهم هللا تعالى العقل واالختٌار ‪96‬‬ ‫والقدرة الممكنة لهم من فعل الخٌر والشر‬ ‫‪97‬‬ ‫‪ – 5‬إذا اقل العبد ‪ {:‬مالك ٌوم الدٌن } فإنه ٌمجد هللا تعالى –‬ ‫ذكر معنى ذلك مع األدلة‬ ‫‪99‬‬ ‫الكبلم حول ‪ {:‬إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن }‬ ‫‪99‬‬ ‫ذكر معنى العبادة ‪ ,‬وبٌان ما تقوم علٌه‬ ‫‪103‬‬ ‫{ إٌاك نعبد } فٌها تلقٌن وتعلٌم من هللا تعالى لعباده‬ ‫{ إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن اهدنا الصراط المستقٌم } ذكر وجوه ‪103‬‬ ‫من الحكم فً مجًء هذه اآلٌات بنون الجمع‬ ‫‪103‬‬ ‫‪ – 1‬هضم النفس واالعتراؾ بالعبودٌة هلل تعالى‬ ‫‪ – 2‬اتهام العبد نفسه بنقص عبادته البلبقة باهلل تعالى فٌضٌفها ‪105‬‬ ‫إلى عبادة العباد‬ ‫‪ – 3‬اإلعبلن عن حاجة كل المخلوقات إلى هللا سبحانه وتعالى ‪105‬‬ ‫{ إٌاك نعبد } قٌاما ً بالحق ووفاء بالعهد – ذكر العهد مع البٌان ‪106‬‬ ‫المفصل له‬ ‫‪107‬‬ ‫{ إٌاك نعبد } ألنك خلقتنا لعبادتك ‪ ,‬وألن شرفنا فً ذلك‬ ‫‪107‬‬ ‫بٌان اإلنسان الحقٌقً الذي اتصؾ باإلٌمان وتحلى به ‪ ,‬وذاك‬ ‫الذي هو أضل من األنعام مع بٌان وتوضٌح ٌنبؽً االهتمام به‬ ‫‪109‬‬ ‫ذكر جملة من أسرار وأنوار وآثار العبادة – سبعة منها ‪-‬‬ ‫{ إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } فٌها بٌان افتقار العباد إلى هللا تعالى ‪111‬‬ ‫‪120‬‬


‫وؼناه سبحانه عن كل ما سواه‬ ‫ذكر حدٌث سٌدنا معاذ بن جبل وقول النبً صلى هللا علٌه وسلم‬ ‫له ‪ [:‬إنً أحبك ] وبٌان ما اشتمل علٌه الحدٌث من مجامع الخٌر‬ ‫{ وإٌاك نستعٌن } ٌشمل اإلعانة على ما ٌنفع من األمور الدنٌوٌة‬ ‫{ وإٌاك نستعٌن } ٌشمل اإلعانة على ما ٌنفع من األعداء‬ ‫{ وإٌاك نستعٌن } فٌها موقؾ اعتراؾ العبد بعجزه وافتقاره إلى‬ ‫خالقه سبحانه‬ ‫ذكر األدلة المفصلة الواضحة حول األسباب والوسابط التً‬ ‫جعلها هللا تعالى لخلقه فً عون بعضهم بعضا ً واستعانة بعضهم‬ ‫ببعض – وهذا ال ٌنافً أن المعٌن هو هللا وحده سبحانه‬ ‫بٌان وجوه من الحكمة فً تقدٌم العبادة على االستعانة فً { إٌاك‬ ‫نعبد وإٌاك نستعٌن }‬ ‫الكبلم على { اهدنا الصراط المستقٌم }‬ ‫بٌان معنى الهداٌة ‪ ,‬والمراد من الصراط‬ ‫ذكر أنواع الهداٌة التً جاءت فً الكتاب والسنة مع الدلٌل على‬ ‫ذلك‬ ‫‪ – 1‬هداٌة هللا تعالى لجمٌع المخلوقات لما فً صبلح وجودها‬ ‫‪ – 2‬هداٌة البٌان والداللة على الخٌر – ذكر أمور أربعة تتعلق‬ ‫بهداٌة البٌان وآثار كل منها‬ ‫‪ – 3‬هداٌة التوفٌق للعمل الصالح‬ ‫إٌراد مسألتان مع اإلجابة علٌهما ‪:‬‬ ‫أ – الجواب عما ٌقال ‪ :‬إذا كانت الهداٌة من هللا تعالى فما موقؾ‬ ‫الضال الذي لم تنله هذه الهداٌة – وهو بحث نفٌس نادر ٌنبؽً‬ ‫االطبلع علٌه ‪ ,‬واالهتمام به‬ ‫ب – المإمن من ٌسؤل الهداٌة فً قوله ‪ {:‬اهدنا الصراط } فما‬ ‫معنى طلبه لها ؟ ذكر أقوال السادة العلماء فً اإلجابة على ذلك‬ ‫مفصبلً ومطوالً‬ ‫بٌان معنى اإلسبلم واإلٌمان والمراد بكل منهما مفردٌن‬ ‫ومجتمعٌن‬ ‫ذكر ما ٌطالب به الماشً على الصراط من أوامر ومناهً‬ ‫ذكر حدٌث شعب اإلٌمان ثم تعداد هذه الشعب اإلٌمانٌة إجماالً‬ ‫الترؼٌب فً دوام سإال العبد الهداٌة لٌرتقً فً مقاماته ومنازله‬ ‫السٌر على الصراط ٌتطلب أمرٌن ؟ بٌانهما مع األدلة‬ ‫‪121‬‬

‫‪111‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪116‬‬

‫‪125‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪131‬‬ ‫‪131‬‬ ‫‪132‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪147‬‬ ‫‪147‬‬

‫‪159‬‬

‫‪161‬‬ ‫‪167‬‬ ‫‪168‬‬ ‫‪176‬‬ ‫‪178‬‬


‫{ صراط الذٌن أنعمت علٌهم } هذه اآلٌة بٌان للصراط المذكور‬ ‫فً { اهدنا الصراط المستقٌم }‬ ‫{ صراط الذٌن أنعمت علٌهم } فٌه تنبٌه للمإمن على حسن الظن‬ ‫باهلل تعالى‬ ‫بٌان أن أعظم النعم اإللهٌة على عباده فً هداٌتهم وتوفٌقهم‬ ‫لئلٌمان – بٌان جملة من النعم العامة والخاصة مع الدلٌل على‬ ‫كل‬ ‫ٍث‬ ‫امتن هللا على عباده بؤصناؾ النعم وذكرهم بنعمتٌن عظٌمتٌن –‬ ‫بٌانهما مع الشرح لهما‬ ‫بٌان أعظم من أنعم هللا تعالى علٌه بنعمة النبوة والرسالة – وفٌه‬ ‫البٌان المجمل ألول سورة { ن والقلم }‬ ‫{ صراط الذٌن أنعمت علٌهم } بٌان المعنى المراد من اآلٌة‬ ‫الكرٌمة‬ ‫تنبٌه وذكرى ؟‬ ‫الجواب عما ٌقال ‪ :‬الصراط الذي تمشً علٌه األمم واحد ‪ ,‬ومن‬ ‫المعلوم أن الشرابع مختلفة – فكٌؾ ٌتم ذلك ؟‬ ‫بٌان األصول الستة المتفق علٌها بٌن الشرابع جمٌعا ً‬ ‫{ ؼٌر المؽضوب علٌهم وال الضالٌن } فً هذه اآلٌة موقؾ‬ ‫االستعاذة باهلل تعالى والتحصن به من االنحراؾ عن الصراط‬ ‫المستقٌم‬ ‫{ ؼٌر المؽضوب علٌهم وال الضالٌن } فٌها إعبلن الؽضب من‬ ‫هللا تعالى على من انحرؾ عن الصراط المستقٌم‬ ‫بٌان معنى الؽضب والضبلل‬ ‫{ ؼٌر المؽضوب علٌهم وال الضالٌن } فٌها شهادة من هللا تعالى‬ ‫للمإمنٌن الصادقٌن بنجاتهم وفبلحهم‬ ‫بعض اللطائف التً اشتملت علٌها سورة الفاتحة فً الصالة‬ ‫وما فً ذلك من البشائر‬ ‫تنبٌه ‪ :‬من السنة أن ٌؤتً القارئ بعد ختام سورة الفاتحة بـ‬ ‫[ آمٌن ] – ذكر األدلة على ذلك‬ ‫استحباب التؤمٌن عند كل دعاء – وبٌان أن الداعً والمإمن‬ ‫شرٌكان فً األجر‬ ‫من فضائل سورة الفاتحة وخصائصها ‪:‬‬ ‫‪ – 1‬هً أعظم سورة فً القرآن الكرٌم‬ ‫‪122‬‬

‫‪181‬‬ ‫‪183‬‬

‫‪184‬‬ ‫‪186‬‬ ‫‪191‬‬ ‫‪193‬‬ ‫‪194‬‬ ‫‪196‬‬ ‫‪202‬‬ ‫‪203‬‬

‫‪206‬‬ ‫‪208‬‬ ‫‪209‬‬ ‫‪210‬‬ ‫‪213‬‬ ‫‪215‬‬ ‫‪217‬‬ ‫‪217‬‬


‫‪ – 2‬جامعة لذكر هللا تعالى وحمده والثناء علٌه‬ ‫ذكر الدلٌل على أن ما فً سورة الفاتحة مضمون اإلجابة‬ ‫‪ – 3‬هً سورة المناجاة‬ ‫‪ – 4‬سورة الفاتحة شفاء من كل داء‬ ‫‪ – 5‬تحفظ من شر العٌن الحاسدة‬ ‫‪ٌ – 6‬رقى بها المعتوه والمجنون‬ ‫‪ – 7‬تقرأ لقضاء الحاجات‬ ‫‪ – 8‬تقرأ عند النوم لؤلمان‬ ‫‪ – 9‬ذكر بعض أسماء سورة الفاتحة مع الدلٌل‬ ‫ذكر جملة من المعانً والعلوم التً اشتملت علٌها سورة‬ ‫الفاتحة‪:‬‬ ‫‪227‬‬ ‫األول – علوم العقابد‬ ‫‪227‬‬ ‫الثانً – النبوات‬ ‫‪227‬‬ ‫الثالث – علوم العبادات‬ ‫‪228‬‬ ‫الرابع – العلوم التً ٌحصل بها الكمال اإلٌمانً‬ ‫‪229‬‬ ‫الخامس – علم القصص واإلخبار عن األمم الماضٌة‬ ‫‪229‬‬ ‫‪ – 10‬وتسمى سورة الفاتحة بالسبع المثانً – بٌان معنى ذلك‬ ‫‪230‬‬ ‫‪ – 11‬ونزلت من كنز تحت العرش‬ ‫‪231‬‬ ‫‪ – 12‬تقرأ عند المرٌض مع { قل هو هللا أحد } والمعوذتٌن‬ ‫‪231‬‬ ‫‪ – 13‬بٌان أثر قراءة الفاتحة عند دخول المقابر‬ ‫‪232‬‬ ‫خاتمة الكتاب‬ ‫والحمد هلل فً البدء والختام وصلى هللا وسلم على سٌدنا محمد سٌد ولد‬ ‫عدنان وعلى آله وصحبه وسلم تسلٌما ًال ك ٌراًال ك ٌراًال إلى ٌوم الدٌن ‪.‬‬ ‫‪219‬‬ ‫‪221‬‬ ‫‪222‬‬ ‫‪222‬‬ ‫‪224‬‬ ‫‪224‬‬ ‫‪225‬‬ ‫‪225‬‬ ‫‪226‬‬ ‫‪227‬‬

‫‪123‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.