حول تفسٌر سورة الفاتحة أم القرآن الكرٌم بقلم اإلمام المفسر المحدث الشٌخ عبد هللا سراج الدٌن الحسٌنً رضً هللا عنه
1
بسم هللا الرحمن الرحٌم الحمد هلل رب العالمٌن ,وأفضل الصبلة وأكمل التسلٌم ,وعلى سٌدنا محمد خاتم األنبٌاء والمرسلٌن ,وأكرم األولٌن واآلخرٌن على رب العالمٌن , وعلى آله وصحبه وسلم تسلٌما ً كثٌراً . وبعد : فهذه كلمات فً التفسٌر موجزة ؛ تعبر عن بعض معانً سورة الفاتحة , التً هً أم القرآن الكرٌم – لعل هللا تعالى ٌنفعنً بها ,وٌنفع بها من اطلع علٌها ,وهً فً الحقٌقة تدور حول بعض معانً سورة الفاتحة ,ألن بحر معانٌها وعلومها ؛ ومعارفها وأسرارها ؛ هو بحر ال ساحل له . فقد قال أمٌر المإمنٌن سٌدنا علً رضً هللا عنه وكرم هللا وجهه :لو تكلمت لكم على سورة الفاتحة ألوقرت سبعٌن بعٌراً .اه . والمعنى :لو تكلم على ما فهمه هللا تعالى من معانً سورة الفاتحة ,لمؤل كتبا ً كثٌر ًة ٌحتاج حملها لسبعٌن جمبلً . وقال العبلمة فخر الدٌن الرازي رحمه هللا تعالى :اعلم أنه مر على لسانً فً بعض األوقات أن سورة الفاتحة ٌمكن أن ٌستنبط من فوابدها عشرة آالؾ مسؤلة ,فاستبعد ذلك الحساد ,فشرعت فً تصنٌؾ هذا الكتاب – ٌعنً تفسٌره – وقدمت له مقدمة لتصٌر له كالبٌنة على أن ما ذكرناه أمر ممكن الحصول .اه . وإن معانً كتاب هللا تعالى ال تنتهً ؛ وإن عجاببه ال تنقضً ,كما قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :كتاب هللا تعالى :فٌه نبؤ ما قبلكم ,وخبر ما بعدكم ,وحكم ما بٌنكم ,هو الفصل لٌس بالهزل ,من تركه من جبار قصمه هللا تعالى ,ومن ابتؽى فً ؼٌره الهدى أضله هللا تعالى . وهو حبل هللا المتٌن ,وهو الذكر الحكٌم ,وهو الصراط المستقٌم ,وهو الذي ال تزٌػ به األهواء ,وال تلتبس به األلسنة ,وال تشبع منه العلماء
2
,وال ٌخلق على كثرة الرد ,وال تنقضً عجاببه ,وهو الذي لم تنته الجن إذا سمعته حتى قالوا { :إنا سمعنا قرآنا ً عجبا ً ٌ .هدي إلى الرشد فآمنا به } . من قال به صدق ,ومن عمل به أجر ,ومن حكم به عدل ,ومن دعا إلٌه هدي إلى صراط المستقٌم ] . وإن معارفه وعلومه ال تنفد على مدى العوالم ,وقد ورد أن أهل الجنة ال ٌزالون ٌقرإون القرآن وٌترقون به .وتنجلً لهم منه المعارؾ والعلوم ما شاء هللا تعالى . روى البخاري ,والترمذي وؼٌرهما ,عن عبد هللا بن عمرو رضً هللا عنهما قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌ [ :قال لصاحب القرآن :اقرأ وارق ,ورتل كما كنت ترتل فً الدنٌا ,فإن منزلتك عند آخر آٌة تقرإها ] فهو فً الجنة ٌقرأ وال ٌزال ٌرقى. وأعظم موقؾ تتجلى لهم فٌه المعارؾ اإللهٌة ,واألسرار القرآنٌة ,حٌن ٌسمعون القرآن من رب العالمٌن سبحانه وتعالى. جاء فً (الفردوس) عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ,عن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:كؤن الخلق لم ٌسمعوا القرآن حٌن ٌسمعونه من الرحمن ٌتلوه علٌهم ٌوم القٌامة]. وٌشهد لهذا الحدٌث ما رواه الحكٌم الترمذي مرفوعا ً :وفٌه [ :فبل تقر أعٌنهم كما تقر بذلك ,ولم ٌسمعوا شٌبا ً أعظم من ذلك وال أحسن منه] الحدٌث. فأقول وباهلل التوفٌق ,لبٌان الحق وللسٌر على أقوم طرٌق:
أي :ال ٌمل وال ٌسؤم منه على كثرة تردٌده بل هو ؼض طري دابما ً . رواه الترمذي عن أمٌر المإمنٌن سٌدنا علً كرم هللا تعالى وجهه ورضً هللا عنه . وقد ذكرت نص الحدٌث فً كتابً ( تبلوة القرآن المجٌد) فارجع إلٌه. 3
سورة الفاتحة مكٌة عند األكثرٌن ,وتعد من أوابل ما نزل من القرآن الكرٌم ,أي :هً ثالث ما نزل . وقٌل :إنها أول ما نزل ولكن رده الجمهور ,فؤول ما نزل خمس آٌات من أول سورة { أقرأ} ,ثم بعد فترة من الوحً نزلت خمس آٌات من أول المدثر ,ثم نزلت سورة الفاتحة كما ثبت عند المحققٌن من العلماء . وقال بعض السلؾ :إنها مدنٌة. وقال بعضهم :نزلت مرتٌن :فً مكة حٌن فرضت الصبلة ,وفً المدٌنة لما حولت القبلة إلى الكعبة المعظمة ,ولها أشباه ونظابر من بعض السور , وبعض اآلٌات فً تعدد نزولها ؛ ألسباب وحكم لٌس موضع بٌانها هنا . حكم التعوذ باهلل تعالى قبل قراءة القرآن الكرٌم قال هللا تعالى { :فإذا قرأت القرآن فاستعذ باهلل من الشٌطان الرجٌم } . أمر هللا تعالى رسوله صلى هللا علٌه وآله وسلم فً هذه اآلٌة الكرٌمة أن ٌستعٌذ باهلل من الشٌطان الرجٌم إذا أراد أن ٌقرأ القرآن الكرٌم ,وهذا نظٌر قوله تعالى { :إذا قمتم إلى الصبلة فاؼسلوا وجوهكم وأٌدٌكم } . . . أي :إذا أردتم القٌام إلى الصبلة . واألمر بالتعوذ ٌعم جمٌع األمة ,وإنما وجه الخطاب إلٌه صلى هللا علٌه وآله وسلم – كما فً كثٌر من اآلٌات القرآنٌة – ألنه صلى هللا علٌه وآله وسلم هو موضع الخطاب من الحق إلى الخلق ,وهو الوجه األول المتلقً عن الحق ,ثم هو صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌوجه الخطاب إلى العباد . فإنه صلى هللا علٌه وآله وسلم وجه الخطاب ,وواسطة السإال والجواب , كما ٌشٌر إلى ذلك قوله تعالى { :وإذا سؤلك عبادي عنً فإنً قرٌب أجٌب دعوة الداع إذا دعان } اآلٌة . وإنما موضع بحثها وأمثالها مما ٌتعلق بنزول القرآن الكرٌم ومراتب نزوله وبٌان أسباب النزول ,ذلك ٌذكر فً مقدمة علم التفسٌر إن شاء هللا تعالى. 4
والمعنى :أنت ٌا رسول هللا واسطة السإال عنً ,وأنت واسطة الجواب منً لهم . والكالم فً التعوذ له وجوه متعددة :أهمها ما ٌلً :أووًال :حكمه ,انٌا ًال: صفته ,ال ا ًال :معناه ,رابعا ًال :ذكر أهم المواضع التً ٌسن بها التعوذ. األول فً حكم التعوذ: هو سنة عند الجمهور أمام القراءة فً الصبلة وؼٌرها ,ولكن فً الصبلة ٌتعوذ فً الركعة األولى عند الحنفٌة ,وأما عند الشافعٌة فهناك رواٌتان: رواٌة باالكتفاء بالتعوذ فً الركعة األولى من الصبلة ,ورواٌة فً كل ركعة من الصبلة. وذهب بعض العلماء ومنهم عطاء إلى وجوب االستعاذة ,سواء كانت القراءة فً الصبلة أو خارج الصبلة؛ أخذاً بظاهر األمر فً قوله تعالى{: فاستعذ باهلل } فإن األمر ٌقتضً الوجوب ما لم ٌصرفه عن الوجوب صارؾ ,ولٌس ثمة صارؾ عند عطاء وؼٌره. وقال الجمهور بل االستعاذة سنة للقراءة فً الصبلة وؼٌرها ,والصارؾ عن الوجوب هو عدم مواظبته صلى هللا علٌه وآله وسلم علٌها ,فإن أفعاله وأقواله هً بٌان للقرآن وأحكامه ,وقد وردت أحادٌث كثٌرة فٌها القراءة بدون تعوذ: كحدٌث أبً سعٌد بن المعلى كما فً البخاري حٌن دعاه النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وكان أبو سعٌد ٌصلً فلم ٌجبه ,ثم أجابه بعد الفراغ من الصبلة. فقال له صلى هللا علٌه وآله وسلم [:ما منعك أن تجٌبنً]؟ فقال :إنً كنت أصلً. فقال له [:ألم ٌقل هللا تعالى {:استجٌبوا هلل وللرسول إذا دعاكم} -ثم قال له صلى هللا علٌه وآله وسلم -:ألعلمنك سورة هً أعظم سورة فً القرآن {: الحمد هلل رب العالمٌن}] الحدٌث ,وسٌؤتً نصه تاما ً إن شاء هللا تعالى.
5
ونظٌره حدٌث أبً بن كعب رضً هللا عنه ,عندما سؤله صلى هللا علٌه وآله وسلم عن أي آٌة فً كتاب هللا أعظم. وحدٌث لما نزل قوله تعالى {:الذٌن آمنوا ولم ٌلبسوا إٌمانهم بظلم أولبك لهم األمن وهم مهتدون} فشق ذلك على الصحابة وقالواٌ :ا رسول هللا وأٌنا لم ٌظلم نفسه؟ -أي :لم ٌفعل ذنبا ً ولو من صؽابر الصؽابر. فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح {:إن الشرك لظلم عظٌم } هو الشرك] أي :ولم ٌلبسوا إٌمانهم بشرك. وؼٌر ذلك من األحادٌث التً فٌها ذكره صلى هللا علٌه وآله وسلم آٌات من القرآن الكرٌم ولم ٌؤت فٌها بتعوذ. وقد أجاب من استدل على وجوب التعوذ بؤنه صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌتعوذ سراً -وهللا تعالى أعلم. والحكمة فً مشروعٌة التعوذ عند إرادة القراءة هً :أن قراءة القرآن الكرٌم هً عبادة عظمى وقربة كبرى. والدلٌل على أنها عبادة قوله صلى اله .علٌه وآله وسلم [:من قرأ حرفا ً من كتاب هللا تعالى فله به حسنة ,والحسنة بعشر أمثالها ,ال أقول { آلم } حرؾ ,ولكن ألؾ حرؾ ,والم حرؾ ,ومٌم حرؾ]. فمن قرأ حرفا ً من كتاب هللا تعالى فله به حسنة ,ولو بؽٌر فهم وال حضور قلب ,والحسنة بعشر أمثالها ,فإذا كانت عن فهم أو حضور قلب تتضاعؾ إلى سبعٌن إلى سبعمابة وإلى ما هنالك. وأما أن تالوة القرآن الكرٌم هً قربة إلى هللا تعالى ففً حدٌث الترمذي وؼٌره ,قوله صلى هللا علٌه وآله وسلم [:وما تقرب العباد إلى هللا تعالى بمثله ] أي :بمثل القرآن الكرٌم.- فإذا كانت تبلوة القرآن الكرٌم عبادة وقربة إلى هللا تعالى ,فهً تتطلب اإلخبلص فٌها هلل تعالى ,وإحضار القلب لٌعظم األجر ,وإن من شؤن الشٌطان أن ٌوسوس لئلنسان إذا دخل فً عبادة ,وٌشاؼب علٌه ,
6
فٌوسوس له لٌشؽل قلبه عن الحضور ,ولٌشوش علٌه فً بعض األمور , فجاء األمر اإللهً بالتعوذ عند قراءة القرآن الكرٌم؛ لٌكون فً عٌاذ منٌع من تلك الوساوس ,وحرز حصٌن ,وبذلك ٌحضر القلب ,وٌنشرح للتبلوة ,وٌنفتح القلب لٌتذوق تلك الحبلوة ,وبذلك ٌضاعؾ له أجر التبلوة. ال انً صفة -صٌغة -التعوذ: ذهب الجمهور من القراء والمحدثٌن وؼٌرهم إلى أن كٌفٌة التعوذ قبل القراءة هً (:أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم) ,وهً أكثر الرواٌات الواردة عنه صلى هللا علٌه وآله وسلم أنه كان ٌستعٌذ كذلك. روى الواحدي والثعلبً ,عن ابن مسعود رضً هللا عنه أنه قرأ على النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم فقال :أعوذ باهلل السمٌع العلٌم من الشٌطان الرجٌم. فقال له صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌ [:ا ابن أم عبد قل :أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم ,هكذا أقرأنٌه جبرٌل عن اللوح المحفوظ عن القلم]. وقد جاء فً (صحٌح) البخاري وؼٌره ,فً حدٌث الرجل الذي اشتد ؼضبه ,أنه صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:إنً ألعلم كلمة لو قالها لذهب ما ٌجده -أي :ؼضبه الشدٌد -لو قال :أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم]... الحدٌث كما سٌؤتً بتمامه إن شاء هللا تعالى ص./15/ نعم قد جاء فً األحادٌث عنه صلى هللا علٌه وآله وسلم كٌفٌات من التعوذ فٌها زٌادات على ذلك. روى أبو داود ,والبٌهقً ,عن السٌدة عابشة أم المإمنٌن رضً هللا عنها- فً ذكر اإلفك -قالت :فجلس رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وكشؾ عن وجهه الشرٌؾ وقال [:أعوذ باهلل السمٌع العلٌم من الشٌطان الرجٌم{ إن الذٌن جاءو باإلفك عصبة منكم }] اآلٌة. وروٌا أٌضا ً – واللفظ ألبً داود -عن أبً سعٌد الخدري رضً هللا عنه قال ( :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا قام من اللٌل كبر ثم ٌقول [:سبحانك اللهم وبحمدك ,وتبارك اسمك ,وتعالى جدك ,وال إله 7
ؼٌرك] - ,ثبلثا ً ,ثم ٌقول [:ال إله إال هللا ] -ثبلثا ً ,ثم ٌقول [:هللا أكبر كبٌراً] ,-ثم ٌقول [ :أعوذ باهلل السمٌع العلٌم من الشٌطان الرجٌم؛ من همزه ونفخه ونفثه] ثم ٌقرأ القرآن). وقد روى نحو ذلك ابن ماجه ,عن عمرو بن مرة وقال :همزه :الموتة, ونفثه :نفخ ببل رٌق ,ونفخه :الكبر. وقال ابن ماجه :الموتة ٌعنً :الجنون ,والنفث :نفخ الرجل من فٌه من ؼٌر أن ٌخرج رٌقه ,ونفخه :الكبر والتٌه. فللشٌطان تخبٌل لئلنسان ,وهو نوع من الجنون ,ونفثات ٌوجهها على اإلنسان ,وقد ٌتٌه اإلنسان. فٌنبؽً للمسلم أن ٌستعٌذ باهلل تعالى من ذلك كله. والكبلم على التعوذ هو مفصل فً كتب القراءات. ال الث فً معنى :أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم: أعوذ باهلل :أتحصن باهلل تعالى ,وأستجٌر به ,ملتجبا ً إلٌه ألجل أن ٌحفظنً من شر الشٌطان الرجٌم ,ووسواسه ,وإفساده علً أمر دٌنً أو دنٌاي ,فإنه ال ٌحفظ العبد وٌجٌره من الشٌطان الرجٌم :إال هللا تعالى رب العرش العظٌم. والشٌطان :فً اللؽة مشتق من شطن إذا بعد ,فهو شٌطان -أي :بعٌد عن هللا تعالى ,وعن رحمة هللا ,وعن كل طبع وخصلة تؤتً بخٌر ,فهو على وزن :فٌعال. وقال بعض علماء اللؽة :إنه مشتق من شاط إذا احترق ,ألنه مخلوق من نار ,فهو على وزن :فعبلن -واألول أصح. وٌقال لمن تمرد وتباعد عما ٌرضً هللا تعالى من إنس أو جن شٌطان ,قال تعالى ... {:شٌاطٌن اإلنس والجن ٌوحً بعضهم إلى بعض زخرؾ القول ؼروراً}.
8
وفً (المسند) عن أبً ذر رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قالٌ [:ا أبا ذر تعوذ باهلل من شٌاطٌن اإلنس والجن]. فقلت :أو لئلنس شٌاطٌن؟ قال [:نعم]. والرجٌم :معناه المرجوم ,وأصل الرجم الرمً بالحجارة ,فالشٌطان رجٌم مرمً بلعنة هللا تعالى ,ومطرود عن رحمته ,فهو طرٌد مهٌن. ولوال أن للشٌطان تؤثٌراً فً الشر والفساد على ابن آدم؛ ما أمرنا هللا تعالى أن نستعٌذ باهلل منه ,فإنه ال ٌقٌنا شره وضره ووسواسه وهمزاته ونفثاته إال هللا العلً العظٌم -أعاذنا هللا العظٌم من الشٌطان الرجٌم ,ومن شٌاطٌن اإلنس والجن كلهم. وقد علم النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم أمته التعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم فً مواضع متعددة بصٌػ متنوعة. الرابع :التعاوٌذ التً ٌنبغً اوهتمام بها: - 1عند اشتداد غضب اإلنسان إذا اختصم مع غٌره: وقد تقدم ص /13/حدٌث الرجل لما اشتد ؼضبه ....وهو متفق علٌه , ولفظ مسلم: عن سلٌمان بن صرد قال( :استب رجبلن عند النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ,فجعل أحدهما ٌؽضب وٌحمر وجهه ,وتنتفخ أوداجه ,فنظر إلٌه صلى هللا علٌه وآله وسلم فقال [:إنً ألعلم كلمة لو قالها لذهب عنه, ٌقول :أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم]. فقام رجل ممن سمع النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ,فقال :هل تدري ما قال النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم آنفاً؟ قال [ :إنً ألعلم كلمة لو قالها لذهب عنه -أي :الؽضب – أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم]. فقال له الرجل :أمجنون ترانً ).
9
فبل تؽضب ٌا أخً ,وإذا ؼضبت فتعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم. -2التعوذ عند إرادة الخالء: روى ابن أبً شٌبة وؼٌره ,عن أنس رضً هللا عنه قال :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا دخل – أي :أراد أن ٌدخل -الكنٌؾ قال [:بسم هللا ,اللهم إنً أعوذ بك من الخبث والخباب ٍث ث]. والمقصود من التسمٌة هنا إلقاء الستر بٌن الجن وبٌن عورات ابن آدم, كما جاء فً (سنن) الترمذي وابن ماجه ,عن أمٌر المإمنٌن علً رضً هللا عنه وكرم وجهه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال[: ستر ما بٌن الجن وعورات ابن آدم إذا دخل أحدهم الخبلء – أي :أراد الخبلء – أن ٌقول :بسم هللا]. فالتسمٌة هنا للستر ,والتعوذ للتوقً والحفظ من تحرش الشٌطان – فافهم سر التسمٌة والمقصود منها حسب المواضع الواردة. -3التعوذ عند دخول المسجد للحفظ من وسواس الشٌطان فً الصالة والعبادة وغٌر ذلك : روى أبو داود ,عن ابن عمر قال :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا دخل المسجد قال [:أعوذ باهلل العظٌم ,وبوجهه الكرٌم ,وبسلطانه القدٌم ,من الشٌطان الرجٌم] ,وقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:إذا قال العبد ذلك :حفظ منه – أي :من الشٌطان – سابر الٌوم] وسٌؤتً أنه تسن التسمٌة أٌضا ً والصبلة على النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم عند دخول المسجد ص./46/ -4التعوذ عند إرادة السفر: روى الترمذي ,عن عبد هللا بن سرجس قال :كان النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا سافر ٌقول [:اللهم أنت الصاحب فً السفر, والخلٌفة فً األهل ,اللهم إنً أعوذ بك من وعثاء السفر ,وكآبة المنقلب ,وسوء المنظر فً المال واألهل ,ومن الحور بعد الكور, أي :من الفساد بعد الصبلح -ومن دعوة المظلوم ,اللهم اصحبنا فً سفرنا هذا ,واخلفنا فً أهلنا]. 10
-5تعوذ المسافر إذا حل فً مكان أو ننل مننوًال: روى مسلم ,والترمذي ,عن خولة بنت حكٌم رضً هللا عنها ,أنها سمعت رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌقول [:من نزل منزالً فقال :أعوذ بكلمات هللا التامة من شر ما خلق -لم ٌضره شًء حتى ٌرتحل]. -6التعوذ من شرور الشٌاطٌن ,والتحصن من إٌذائها: عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه آله وسلم [:رأٌت لٌلة أسري بً عفرٌتا ً من الجن ٌطلبنً بشعلة من نار ,كلما التفت رأٌته. فقال لً جبرٌل علٌه السبلم :أال أعلمك كلمات تقولها فتطفا شعلته, وٌخر لٌفه ] – أيٌ :سقط على وجهه-؟ فقال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم :بلى]. فقال جبرٌل علٌه السبلم :قل :أعوذ بوجه هللا الكرٌم ,وبكلمات هللا التامات التً ال ٌجاوزهن بر وال فاجر ,من شر ما ٌنزل من السماء وشر ما ٌعرج فٌها و ومن شر ما ذرأ فً األرض وشر ما ٌخرج منها ,ومن فتن اللٌل والنهار ,ومن طوارق اللٌل والنهار؛ إال طارقا ً ٌطرق بخٌر ٌا رحمن]. وفً (مسند) اإلمام احمد ,عن عبد الرحمن بن خنبش رضً هللا عنه أن رجبلً سؤله كٌؾ صنع رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم لٌلة كادته الشٌاطٌن؟ فقال( :إن الشٌاطٌن تحدرت تلك اللٌلة على رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم من األودٌة والشعاب ,وفٌهم شٌطان بٌده شعلة من نارٌ ,رٌد أن ٌحرق بها وجه رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم , فهبط إلٌه جبرٌل علٌه السبلم فقال له ٌ :ا محمد قل. قال [:ما أقول؟ قال -جبرٌل علٌه السبلم :-قل :أعوذ بكلمات هللا التامات :من شر ما ٌنزل من السماء ومن شر ما ٌعرج فٌها ,ومن شر ما ذرأ فً األرض ومن شر ما ٌخرج منها ,ومن شر فتن اللٌل والنهار ,ومن شر كل طارق إال طارقا ً ٌطرق بخٌر ٌا رحمن]. 11
فطفبت نار الشٌاطٌن وهزمهم هللا عز وجل) . -7التعوذ من الفنع فً النوم واألرق: روى أصحاب السنن ,وأحمد وؼٌرهم ,عن عمرو بن شعٌب عن أبٌه عن جده قال :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع [:بسم هللا ,أعوذ بكلمات هللا التامات من :ؼضبه وعقابه وشر عباده ,ومن همزات الشٌاطٌن وأن ٌحضرون]. وروى اإلمام أحمد وؼٌره ,عن خالد بن الولٌد رضً هللا عنه أنه قالٌ :ا رسول هللا إنً أجد فً النوم وحشة ,وفً رواٌة :إنً أروع فً منامً. فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:إذا أخذت مضجعك فقل :أعوذ بكلمات هللا التامة من :ؼضبه وعقابه وشر عباده ,ومن همزات الشٌاطٌن ,وأن ٌحضرون -فإنه ال ٌضرك]. -8التعوذ من الهوام ومما ٌلدغ: روى الترمذي وؼٌره ,عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:من قال حٌن ٌمسً ثبلث مرات :أعوذ بكلمات هللا التامة من شر ما خلق – لم ٌضره لدؼة حٌة فً تلك اللٌلة]. وفً رواٌة البٌهقً [:لم ٌلدغ ولم ٌضره] – أي :ال ٌضره لدؼة أي هامة تلدغ ,من حٌة أو عقرب أو ؼٌرهما. -9التعوذ إذا سمع نهٌق الحمٌر أو نباح الكالب: عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:إذا سمعتم أصوات الدٌكة فسلوا هللا من فضله ,فإنها رأت ملكا ً.
المسند .419 /3 : قال العبلمة المناوي رحمه هللا تعالى :الدٌكة :بكسر ففتح جمع دٌك وٌجمع قلٌبلً على أدٌاك ودٌوك.اه. 12
وإذا سمعتم نهٌق الحمٌر فتعوذوا هللا من الشٌطان فإنها رأت شٌطانا ً] رواه البخاري ومسلم ,والترمذي وأبو داود وؼٌرهم. وروى اإلمام أحمد ,وابن حبان وؼٌرهما ,عن جابر رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:إذا سمعتم نباح الكبلب ونهٌق الحمٌر باللٌل فتعوذوا باهلل من الشٌطان ,فإنهن ٌرٌن ما ال ترون] الحدٌث. -10التعوذ إذا رأى فً النوم ما ٌكرهه أو ٌحننه: روى اإلمام مسلم عن أبً قتادة رضً هللا عنه ,أن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:الرإٌا الصالحة من هللا تعالى, والرإٌا السوء من الشٌطان ,فمن رأى رإٌا فكره منها شٌبا ً :فلٌنفث عن ٌساره ,ولٌتعوذ باهلل من الشٌطان – أي :بعد ما ٌستٌقظ -وال ٌخبر بها أحداً . فإن رأى رإٌا حسنة فلٌبشر وال ٌخبر بها إال من ٌحب ]. وروى البخاري وؼٌره نحو هذا الحدٌث. بسم هللا الرحمن الرحٌم الكالم على البسملة ٌتناول أمرٌن: األمر األول :شرح مفرداتها : اوسم :هو ما دل على مسماه ,فقد ٌراد به اوسم نفسه ,نحو :كتبت هللا ,أي :هذا االسم ,ونطقت باهلل ,أي :بهذا االسم ,وقد ٌراد به المسمى نحو :عبد هلل ,قال تعالى {:واعبدوا هللا وال تشركوا به شٌبا ً } فالمراد به المسمى. وهللا هو اسم علم ,دال على ذات هللا تعالى رب العالمٌن اإلله المعبود حقا ً ,متصفا ً بجمٌع الكماالت المطلقة التً ال تعد وال تحصى ,وال تحد وال تستقصى ,ومننها ًال عن جمٌع العٌوب واآلفات, المتفرد بوجوب الوجود ,ولم ٌتسم بهذا االسم ؼٌره سبحانه ,ولن ٌتسم به ؼٌره ,ولذا لم ٌثن ولم ٌجمع. ألن الدعاء بحضور الملك مجاب لتؤمٌنه على الدعاء ,واستؽفاره له ,ونزول الرحمة بحضره ,قال العلماء :وهذا ٌدل على استحباب الدعاء عند حضور الصالحٌن. 13
وهذا االسم الجلٌل له خصابص متعددة أذكر بعضا ً منها: -1هذا االسم هو جامع األسماء اإللهٌة الظاهرة والباطنة,على الوجه الذي ال نهاٌة له كما هو أهله سبحانه ,ألن أسماءه تعالى هً على حسب صفات كماله ,وصفات كماله ما لها نهاٌة,فؤسماإه ما لها نهاٌة ,وقد جاء فً الحدٌث [:أسؤلك بؤسمابك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم] الحدٌث ,فمنها الظاهر ,ومنها الباطن ,وفً الحدٌث [:أسؤلك بكل اسم هو لك ,سمٌت به نفسك ,أو أنزلته فً كتابك ,أو علمته أحداً من خلقك ,أو استؤثرت به فً علم الؽٌب عندك ,أن تجعل القرآن العظٌم ربٌع قلبً ,ونور بصري ,وجبلء حزنً ,وذهاب همً وؼمً ] آمٌن فهناك أسماء إلهٌة استؤثر هللا تعالى بعلمها لم تظهر. وجمٌع األسماء اإللهٌة هً داخلة فً دابرة هذا االسم ,ولهذا ٌقال له االسم األعظم ,كما قال ابن عباس ( :اسم هللا األعظم هو :هللا) , وكما قال جابر بن ٌزٌد :اسم هللا األعظم هو هللا ,أال ترى أنه فً جمٌع القرآن ٌبدأ به قبل كل اسم.اه . -2وهذا االسم هو المتبوع ,وجمٌع األسماء تابعة له ,قال تعالى{: هو هللا الخالق البارئ المصور له األسماء الحسنى} اآلٌة ,فترى أن اسم الخالق والبارئ والمصور كلها تابعة السم الجبللة {هللا} على طرٌق الوصؾ والنعت. -3هذا االسم الجلٌل {الهع} تعلقت به جمٌع العوالم بذراتها وبؤنواعها قال تعالىٌ {:ا أٌها الناس أنتم الفقراء إلى هللا وهللا هو الؽنً الحمٌد}. فجمٌع العباد ٌقولون ٌا أهلل ,دعاء أو سإاالً ,نداء أو ذكراً ,أو مناجاة ,ولكن فً الحقٌقة كل واحد منهم متعلق باسم خاص ,داخل فً دابرة اسم هللا الذي هو اسم الجبللة ,وإنما ٌتبٌن ذلك االسم من الحال الذي فٌها الداعً ,أو الذاكر ,أو المناجً ,أو السابل ,فمقتضى رواه ابن مردوٌه وؼٌره عن ابن عباس رضً هللا عنهما . رواه ابن أبً شٌبة والبخاري فً (تارٌخه) ,وابن الضرٌس ,وابن أبً حاتم, وروى ابن أبً شٌبة وابن أبً الدنٌا عن الشعبً أنه قال :اسم هللا األعظم ٌ :ا أهلل. اه. 14
حال القابل ٌا أهلل ,هو الذي ٌدلك على االسم الخاص الذي تعلق به, فالمرٌض ٌقولٌ :ا أهلل ,والفقٌر ٌقولٌ :ا أهلل ,وضعٌؾ القوى ٌقول: ٌا أهلل ,والضال ٌقولٌ :ا أهلل ,والمظلوم ٌقولٌ :ا أهلل. فالكل متعلقون بهذا االسم الجلٌل ,ولكن الذي ٌجٌب كل واحد منهم هو االسم الذي ٌقتضٌه حاله. فقول المرٌضٌ :ا أهلل أيٌ :ا شافً. وقول المحتاجٌ :ا أهلل أيٌ :ا كافً. وقول الضعٌؾ العاجز ٌ :ا أهلل أيٌ :ا قوي. وقول المظلوم ٌ :ا أهلل أيٌ :ا ناصر من ال ناصر له ا نصرنً على من ظلمنً. وقول المبؽً علٌه والمعتدى علٌهٌ :ا أهلل أيٌ :ا منتقم. فٌجٌبه االسم الخاص كما هو مقتضى حاله ,وذلك االسم هو داخل فً دابرة اسم الجبللة :هللا جل وعال. -4ومن خصابص اسم الجبللة { هللا} أنك إذا أدخلت علٌه ٌاء النداء تبقى األلؾ ثابتة تقولٌ :ا أهلل بؤلؾ ثابتة ,ولو دخلت على ؼٌره من األسماء لحذفت األلؾ كما هو معلوم فً لؽة العرب. -5ومن خصابص هذا االسم الجلٌل مبلزمة األلؾ والبلم له ,فهما من ذات االسم الجلٌل ,ولٌسا بزابدٌن. -6ومن خصابص هذا االسم الجلٌل أنه قد تحذؾ ٌاء النداء من أوله وتعوض عنها مٌم مشددة فٌقال :اللهم. -7ومن خصابص هذا االسم الجلٌل{ هللا} حٌثما تصرفت حروفه دلك على هللا تعالى: فإذا حذفت منه األلؾ صار (هلل) ,قال تعالى {:هلل ما فً السموات وما فً األرض}. فإذا حذفت منه األلؾ والبلم األولى صار (له) ,قال تعالى {:له ما فً السموات وما فً األرض وكفى باهلل وكٌبلً }. وإذا حذفت األلؾ والبلمان صار (هو) قال تعالى {:هو الذي خلق لكم ما فً األرض جمٌعا ً ثم استوى إلى السماء} اآلٌة.
15
ولهذا االسم الجلٌل خصابص وفضابل كثٌرة مذكورة فً كتب المطوالت . الرحمن :هذا االسم مما اختص هللا تعالى به ,وهو اسم دال على رحمته سبحانه العامة لجمٌع الكابنات على مختلؾ أنواعها ,وهذه الرحمة هً المذكورة فً قوله تعالى {:ورحمتً وسعت كل شًء } فهذه الرحمة عمت وشملت كل شًء ٌقال له شًء ,ولذلك قال تعالى {:الرحمن على العرش استوى } فاستوى باسمه الرحمن على العرش المحٌط بما هنالك كله ,فالعرش وما حواه من العوالم التً ال ٌعلمها إال هللا تعالى محاط باسم الرحمن ,واستواإه سبحانه على العرش هو كما جاء عن أبمة السلؾ الصالح ,ومن أشهرهم اإلمام مالك رحمه هللا تعالى للسابل عن آٌة { الرحمن على العرش استوى} فؤطرق اإلمام ثم قال :االستواء معلوم ,والكٌؾ مجهول ,واإلٌمان به واجب .اه. نعم ألنه سبحانه لٌس كمثله شًء ,فاستواإه لٌس مثله شًء ,وال ٌقتضً التحٌز وال التجسٌم ,وال التمثٌل وال التشبٌه ,فهو سبحانه كان وال مكان ,وهو اآلن على ما علٌه كان سبحانه وتعالى. فقوله سبحانه {:الرحمن على العرش } عم برحمته جمٌع خلقه من المؤل األعلى واألدنى ,واإلنس والجن ,والمإمنٌن والكفار, فرحمانٌته وسعت الكل ,فهو ٌمد الكل باإلٌجاد واإلمداد ,والهواء والماء والؽذاء ,وٌعطٌهم جمٌع ما تتطلبه وجودهم وحٌاتهم وبقاإهم. الرحٌم :فهو ٌدل على الرحمة الخاصة ,فإما أن تكون خاصة بطابفة من العباد المرحومٌن وهم أهل اإلٌمان ,وإما أن ٌكون خصوصها بتناولها أنواعا ً خاصة من الرحمة؛ وإن كانت عامة لجمٌع العباد. والمعنى :أنها قد ٌراد بها خصوص نوع المرحومٌن بها أو نوع من أنواعها. فاألول :وهو أن اسم الرحٌم هو اسم هلل تعالى دال على رحمته الخاصة بمن شاءٌ ,دل على قوله تعالىٌ {:ختص برحمته من ٌشاء وهللا ذو الفضل العظٌم} فهو سبحانه ٌخص من ٌشاء بما شاء من 16
أنواع الرحمة اختصاصا ً ,وهذه الرحمة الخاصة على أنواع متعددة, ومراتب مختلفة: فمنها نعمة اإلٌمان ,قال تعالى {:وكان بالمإمنٌن رحٌما ً} ,وقال تعالى {:ولوال فضل هللا علٌكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً }. فمن هذه الرحمة نعمة اإلٌمان المذكورة فً قوله تعالى {:ولكن هللا حبب إلٌكم اإلٌمان وزٌنه فً قلوبكم وكره إلٌكم الكفر والفسوق والعصٌان أولبك هم الراشدون .فضبلً من هللا ونعمة وهللا علٌم حكٌم}. فذكر هناك الفضل والرحمة فقال {:ولوال فضل هللا علٌكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً } .ثم ذكر هنا الفضل والنعمة أي :نعمة اإلٌمان التً هً من تلك الرحمة الخاصة فافهم. ومنها نعمة النبوة ,قال تعالى {:ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبٌا ً}. وقال تعالى {:وما كنت ترجو أن ٌلقى إلٌك الكتاب إال رحمة من ربك }. وقال تعالى {:وقالوا لوال نزل هذا القرآن على رجل من القرٌتٌن عظٌم .أهم ٌقسمون رحمة ربك }. ومن هذه الرحمة الخاصة ما أكرم هللا تعالى به عباده المإمنٌن ,وما ٌكرم به أولٌاءه المكرمٌن ,وأنبٌاءه المصطفٌن ,قال تعالى {:إذ أوى الفتٌة إلى الكهؾ فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهٌا لنا من أمرنا رشداً}. وقال تعالى -إخباراً عن الراسخٌن فً العلم أنهم ٌسؤلونه هذه الرحمة {: -ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هدٌتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب }. وقال تعالى -لحبٌبه األكرم صلى هللا علٌه وآله وسلم {:فبما رحمة من هللا لنت لهم } اآلٌة. فجمٌع ذلك من أنواع الرحمة الخاصة. كما أن الرحمة العامة هً أٌضا ًال على أنواع متعددة .
17
وأنواع الرحمة العامة والخاصة ال ٌعلمها إال هللا تعالى ,وبهذا التقسٌم المتقدم من أن الرحمة منها عامة ومنها خاصة ,ولكل واحدة مراتب وأنواع نعلم أنه ال تعارض بٌن قوله تعالى {:ورحمتً وسعت كل شًء} حٌث عمم ,وبٌن قوله تعالىٌ {:ختص برحمته من ٌشاء } حٌث خصص. فإن قٌل :فما معنى قوله تعالى {:ورحمتً وسعت كل شًء فسؤكتبها للذٌن ٌتقون وٌإتون الزكاة والذٌن هم بآٌتنا ٌإمنون }. فخص بعد ما عم ؟ فالجواب :أن المراد بالكتابة التثبٌت والتحتٌم ,كما قال سبحانه {:وإذا جاءك الذٌن ٌإمنون بآٌتنا فقل سبلم علٌكم كتب ربكم على نفسه الرحمة } والمعنى أوجبها لهم وحتمها . أو المراد بالكتابة الجمع ,أي :فسؤجمع أنواع الرحمة العامة بما فٌها من الرحمة الخاصة للذٌن ٌتقون -فإن الكتابة قد تطلق على الجمع ومنه كتٌبة الجٌش. أو المراد بقوله {:فسؤكتبها } الضمٌر ٌعود إلى الخاصة من باب االستخدام ,وهو :إعادة الضمٌر على الكلمة وإرادة معنى آخر ,لكن بٌنهما ارتباط من وجه :إما سببٌة ومسببٌة كما فً قول الشاعر: إذا نزل السماء بؤرض قوم – أي :المطر- رعٌناه إن كانوا ؼضابا أي :رعٌنا عشبه وخصبه. أو عموم وخصوص ونحو ذلك كما هو مفصل فً نوع البدٌع من الببلؼة ؛ والمعنى :فسؤخص وأمنح خاصة الرحمة{ للذٌن ٌتقون}... إلى آخر اآلٌة. فمن هذه الرحمة الخاصة تخرق العادات :وتظهر لؤلنبٌاء المعجزات ,ولؤلولٌاء الكرامات . قال تعالى {:ذكر رحمت ربك عبده زكرٌا} ,فإنه سبحانه وهبه ٌحٌى علٌهما السبلم على كبر سنه وعقر امرأته .
18
وقال تعالى فً أصحاب الكهؾ {:فضربنا على ءاذانهم فً الكهؾ سنٌن عدداً } بعد كا دعوا فقالوا {:ربنا آتنا من لدنك رحمة وهٌا لنا من أمرنا رشداً}. فهً رحمة خاصة لدنٌة ,تخرق األسباب العادٌة ,ولذلك قال سٌدنا زكرٌا علٌه وعلى نبٌنا الصبلة والسبلم {:فهب لً من لدنك ولٌا ً}. وأما ال انً :وهً الخاصة بذكر نوع من الرحمات الخاصة ,قال تعالى {:ربكم الذي ٌزجً لكم الفلك فً البحر لتبتؽوا من فضله إنه كان بكم رحٌما ً } ,وقوله تعالى {:وٌمسك السماء أن تقع على األرض إال بإذنه إن هللا بالناس لرءوؾ رحٌم }. وسٌؤتً بقٌة الكبلم على الفوارق بٌن الرحمة العامة والخاصة فً سورة الفاتحة إن شاء هللا تعالى. وههنا تنبٌهات فٌها تفهٌمات ٌنبغً للمؤمن اللبٌب أن ٌعرفها: األول :اعلم أن اسم الرحمن والرحٌم باقترانهما ٌكونان من جملة االسم األعظم الذي إذا دعً هللا تعالى به أجاب ,وإذا سبل به أعطى ,كما فً الحدٌث الذي رواه الترمذي وؼٌره ,عن أسماء بنت ٌزٌد ,أن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:اسم هللا األعظم فً هاتٌن اآلٌتٌن {:وإلهكم إله واحد ال إله إال هو الرحمن الرحٌم} وقوله تعالى {:آلم .هللا ال إله إال هو الحً القٌوم } ]. ومن المعلوم أن االسم األعظم الذي هو أجمع لجمٌع األسماء اإللهٌة هو هللا اسم الجبللة ,واألسماء اإللهٌة كلها تابعة له ,ومجموعة فٌه , وأما االسم األعظم الذي إذا دعً هللا تعالى به أجاب ,وإذا سبل به أعطى فهو متعدد كما بٌنت ذلك فً كتاب (الدعاء) مع األدلة من األحادٌث النبوٌة. ومن ذلك اسم الرب ,وفً الحدٌث [:إذا قال العبد ٌ :ا رب ٌا رب ٌا رب ,قال هللا تعالى :لبٌك عبدي سل تعطه ] وسٌؤتً الكبلم على اسم الرب. ال انً :واعلم أن اسم الرحمن إذا اقترن باسم الرحٌم دل اسم الرحمن على الرحمة العامة ,ودل اسم الرحٌم على الرحمات رواه ابن أبً الدنٌا عن السٌدة عابشة رضً هللا عنها. 19
الخاصة ,وإذا أفرد اسم الرحمن بالذكر شمل وعم الرحمات الخاصة أٌضا ً ,قال تعالى {:الرحمن .علم القرآن .خلق اإلنسان. علمه البٌان .الشمس والقمر بحسبان } إلى تمام السورة. فبدأ سورة الرحمن باسمه الرحمن ,ثم ذكر ما شمله اسم الرحمن من أنواع النعم وأصناؾ االمتنان ,فكلما ذكر نوعا ً من الرحمة أردفها بذكر النعمة و المنة فٌقول سبحانه {:فبؤي آالء ربكما تكذبان }. فذكر نعما ً ورحمات عمت جمٌع الثقلٌن ,مإمنهم وكافرهم ,وبرهم وفاجرهم ,ثم ذكر نعمه الخاصة ,ورحمته الخاصة بالمإمنٌن ,قال تعالى {:ولمن خاؾ مقام ربه جنتان }..اآلٌات. فهذا كله داخل تحت اسم الرحمن الذي بدأ به السورة ,فجمٌع أصناؾ االمتنان المذكورة فً السورة هً مظاهر السم الرحمن وآثاره. قال تعالىٌ {:وم نحشر المتقٌن إلى الرحمن وفداً }. فشمل اسم الرحمن هنا اسم الرحٌم أٌضا ً ,ألن المتقٌن حشروا إلى رضوان هللا تعالى وجنته ,وهً من الرحمة الخاصة التً قال تعالى فٌها {:وأما الذٌن ابٌضت وجوههم ففً رحمة هللا هم فٌها خالدون}. فنال المتقون أنواع الرحمات اإللهٌة العامة والخاصة . ال الث :الحكمة فً تخصٌص هذٌن االسمٌن فً البسملة. لقد تعرؾ سبحانه إلى عباده بهذٌن االسمٌن ,فؤعلنهما وصفٌن السم جبللته ,الذي بدأ به األمور كلها فقال سبحانه {:بسم هللا الرحمن الرحٌم } مخصصا ً لذكر صفة الرحمن والرحٌم ,وفً هذا وجوه من الحكم : أووًال :لٌعرؾ عباده بؤن هللا تعالى الذي هو ربهم هو الرحمن الرحٌم ,لٌحببهم به فٌتقربوا إلٌه حبا ً فٌه ,وطمعا ً فٌما عنده من الرحمات التً ال تحصى أنواعها. قال تعالى {:وإن ربكم الرحمن} اآلٌة. فهو سبحانه رب العالمٌن ,رباهم برحمته ,وؼذاهم بنعمته ,والتربٌة الكاملة ال تقوم إال على أساس الرحمة ,ولذلك لما خلق الخلق كتب فً كتاب عنده فوق العرش [ :إن رحمتً سبقت ؼضبً] الحدٌث. 20
وفً رواٌة [:كتب على نفسه كتابا ً فهو عنده فوق العرش :إن رحمتً سبقت ؼضبً ]. وفً رواٌة [:ؼلبت] ,وفً رواٌة [:تؽلب] ,وكلها وارد فً الصحاح. فإن رحمته سبقت ؼضبه ,وؼلبت ؼضبه ,وتؽلب ؼضبه. فحتم على نفسه سبحانه أن ٌرحم جمٌع مخلوقاته ,أعلن ذلك لما خلق الخلق سبحانه ,فهو أرحم بعباده وسابر مخلوقاته من أنفسهم, فإن رحمتهم ألنفسهم هً من مظاهر اسم الرحمن ,كما جاء فً الحدٌث الذي رواه الشٌخان ,والترمذي ,عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه و آله وسلم [:جعل هللا الرحمة مابة جزء ,فؤمسك عنده تسعة وتسعٌن -أي :جزءاً ,وفً رواٌة مسلم [:لٌوم القٌامة] -وأنزل فً األرض جزءاً واحداً ,فمن ذلك الجزء تتراحم الخبلبق -,أي :فٌما بٌنها – حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشٌة أن تصٌبه ] . وفً رواٌة لمسلم [ :إن هللا تعالى خلق بعد خلق السماوات واألرض مابة رحمة ,كل رحمة طباق ما بٌن السماء األرض , فجعل منها فً األرض رحمة واحدة ,فبها تعطؾ الوالدة على ولدها ,والوحش والطٌر بعضها على بعض ,فإذا كان ٌوم القٌامة أكملها هللا تعالى بهذه الرحمة ] . انٌا ًال :إن اسم الرحمن هو محٌط بجمٌع األكوان ,وآثاره مشهودة بالعٌان ,وثابتة بالبرهان ,وهً شاملة لئلنسان والحٌوان والطٌور, وجمٌع عوالم الملك والملكوت والدنٌا واآلخرة . فخلق اإلنسان والجان بالرحمة ,قال تعالى فً سورة الرحمن التً بٌن سبحانه فٌها مظاهر رحمانٌته فقال { :الرحمن .علم القرآن. خلق اإلنسان } . . .اآلٌات.
21
ثم رباه بالرحمة ,فؤودعه الرحم ,والرحم شجنة من الرحمن ,ثم ؼذاه بالرضاع ثم بالماء والؽذاء والهواء ,وأحاطه بؤنواع من النعم , كل ذلك من آثار اسم الرحمن. وهكذا الزمان المشتمل علٌهم والمكان المحٌط بهم ,قال تعالى {:ومن رحمته جعل لكم اللٌل والنهار لتسكنوا فٌه ولتبتؽوا من فضله ولعلكم تشكرون }. األمر ال انً :بٌان هل هً آٌة مستقلة أم آٌة من كل سورة من القرآن الكرٌم: ذهب بعض األئمة من السلؾ الصالح رضً هللا عنهم إلى أن البسملة هً من القرآن الكرٌم ,نزلت مستقلة ,بمعنى :أنها لٌست من سورة معٌنة ,بل هً من القرآن ,كما تقول :سورة اإلخبلص سورة من القرآن ,وضعت آٌة البسملة أمام كل سورة ,للفصل بٌن السور. وذهب بعض األئمة إلى أن البسملة هً من سورة الفاتحة خاصة, ولكن وضعت هذه اآلٌة أمام كل سورة للفصل بٌن السور. وذهب األئمة الك ٌرون إلى أن البسملة هً آٌة من كل سورة بعدها, فمن قرأ السورة ولم ٌؤت ببسملة فقد قرأ السورة ناقصة ,وهذا القول -وهو أن البسملة أمام كل سورة ,هً آٌة من السورة التً بعدها -هو القول الجامع بٌن األقوال ,وله أدلة كثٌرة وصرٌحة أذكر بعضا ً منها: روى أبو داود ,واإلمام أحمد ,وابن خزٌمة فً (صحٌحه) والحاكم فً (المستدرك ) عن أم سلمة رضً هللا عنها قالت :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌقطع قراءته – أيٌ :قرأ آٌة
كما جاء فً ( سنن ) أبً داود والترمذي وؼٌرهما ,عن ابن عمرو بن العاص رضً هللا عنهما قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :الراحمون ٌرحمهم هللا تعالى ,ارحموا من فً األرض ٌرحمكم من فً السماء ,الرحم :شجنة من الرحمن – أي :مشتبكة بهذا االسم كاشتباك العروق – من وصلها وصله هللا تعالى ,ومن قطعها قطعه هللا تعالى]. 22
آٌة { -بسم هللا الرحمن الرحٌم .الحمد هلل رب العالمٌن .الرحمن الرحٌم .مالك ٌوم الدٌن }. وروى البخاري ,وابن أبً شٌبة ,والدار قطنً ,وؼٌرهم عن أنس رضً هللا عنه أنه سبل عن قراءة رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ,فقال ( :كانت مداً ,ثم قرأ { بسم هللا الرحمن الرحٌم} ٌمد بسم هللا ,وٌمد الرحمن ,وٌمد الرحٌم). وروى الدار قطنً ,والبٌهقً فً (سننه) بسند صحٌح ,عن عبد بن خٌر قال :سبل علً رضً هللا عنه عن السبع المثانً ,فقال( :الحمد هلل رب العالمٌن} – أي :سورة الفاتحة. فقٌل له :إنما هً ست آٌات ,فقال {:بسم هللا الرحمن الرحٌم } آٌة – أي :من الفاتحة.- وروى الطبرانً فً (األوسط) ,وابن مردوٌه فً (تفسٌره) والبٌهقً ,عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم {[:الحمد هلل رب العالمٌن} سبع آٌات { :بسم هللا الرحمن الرحٌم } إحداهن ,وهً السبع المثانً والقرآن العظٌم , وهً أم القرآن ,وهً فاتحة الكتاب.]... فالبسملة آٌة من الفاتحة ,وهً آٌة من كل سورة بعدها. والدلٌل على ذلك أٌضا ً: روى أبو داود ,والبزار ,والطبرانً ,والحاكم فً ( مستدركه )والبٌهقً فً (المعرفة) عن ابن عباس رضً هللا عنهما قال :كان النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ال ٌعرؾ فصل السورة ,وفً رواٌة :خاتمة السورة حتى ٌنزل علٌه {:بسم هللا الرحمن الرحٌم}. زاد الطبرانً فً رواٌته :فإذا نزلت { بسم هللا الرحمن الرحٌم } عرؾ أن السورة – أي :السابقة – قد ختمت ,وابتدبت سورة أخرى. فقول ابن عباس رضً هللا عنهما :حتى ٌنزل علٌه {:بسم هللا الرحمن الرحٌم } صرٌح فً أن البسملة كانت تنزل مع نزول كل سورة .
23
وروى الطبرانً ,والحاكم وصححه ,والبٌهقً فً (الشعب) عن ابن عباس رضً هللا عنهما ,أن النبً صلى هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم كان إذا جاء جبرٌل فقرأ { :بسم هللا الرحمن الرحٌم } علم أنها سورة – أي :نزلت سورة أخرى ؼٌر السورة السابقة فً النزول. فقوله :فقرأ {:بسم هللا الرحمن الرحٌم } هذا صرٌح أنها من السورة. وٌإٌد ذلك ما رواه األبمة الخمسة ,عن أنس رضً هللا عنه قال: بٌنا رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم فً المسجد إذ أؼفى إؼفاءة ,ثم رفع رأسه ضاحكا ً. فقٌل :ما أضحكك ٌا رسول هللا ؟ فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:نزلت علً سورة آنفا ً -أي :اآلن- فقرأ { بسم هللا الرحمن الرحٌم .إنا أعطٌناك الكوثر}] حتى ختمها. ثم قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:أتدرون ما الكوثر]؟ قلنا :هللا ورسوله أعلم. قال [:إنه نهر وعدنٌه ربً عز وجل ,علٌه خٌر كثٌر ,وهو حوض ترد علٌه أمتً ٌوم القٌامة ,آنٌته عدد نجوم السماء ,فٌختلج العبد] – ٌعنً :أن بعض الناس فً الموقؾ ٌؤتون إلى الحوض لٌشربوا ,فٌإخذ بهم وٌبعدون عنه. قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:فؤقول :رب إنه من أمتً . فٌقول :ما تدري ما أحدث بعدك ] . وهإالء هم المرتدون بعد إٌمانهم – والعٌاذ باهلل تعالى . وقول أنس رضً هللا عنه :أؼفى إؼفاءة ٌ :رٌد أنه صلى هللا علٌه وآله وسلم اعترته حالة الوحً ,وهً الكٌفٌة التً قال فٌها صلى هللا علٌه وآله وسلم حٌن سبل :كٌؾ ٌؤتٌك الوحً ؟
24
قال [ :أحٌاناًً ٌؤتٌنً فً مثل صلصلة الجرس ,وهو أشده علً ,فٌفصم عنً وقد وعٌت عنه ما قال ,وأحٌانا ًال ٌتمثل لً الملك رجبلً فٌكلمنً فؤعً ما ٌقول ] . .الحدٌث كما فً البخاري وؼٌره . فإذا جاء الوحً على الكٌفٌة األولى – أي :دون أن ٌتمثل له الملك رجبلً – ففً هذه الحالة ٌحمر وجهه الشرٌؾ صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وٌظل ساكتا ً فبل ٌكلمهم وال ٌكلمونه ,ألنه ٌتلقى الوحً عن جبرٌل علٌه السبلم ,وسٌدنا جبرٌل علٌه السبلم وقتبذ على حقٌقته الملكٌة الجبرٌلٌة دون تمثل . والوحً النبوي له كٌفٌات متعددة لٌس موضع تفصٌلها هنا . ومما ٌدل على أن البسملة هً آٌة من السورة بعدها : أخرج ابن أبً شٌبة ,وعبد بن حمٌد ,وأبو ٌعلى ,والحاكم وصححه ,وابن مردوٌه ,وأبو نعٌم ,والبٌهقً فً ( الدالبل ) , وابن عساكر ,عن جابر رضً هللا عنهما قال :قال أبو جهل فً مؤل من قرٌش :قد انتشر علٌنا أمر محمد – صلى هللا علٌه وآله وسلم – فلو التمستم رجبلً عالما ً بالسحر والكهانة والشعر – أي : حتى ٌذهب إلٌه فٌكلمه . فقال عتبة بن ربٌعة :علمت من ذلك علما ً ,وما ٌخفى علً إن كان كذلك . فؤتى النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم فقال له :فٌم تشتم آلهتنا , وتضلل آباءنا ,فإن كنت ترٌد الرٌاسة عقدنا ألوٌتنا لك فكنت رأسنا ما بقٌت ,وإن كان بك الباءة زوجناك عشرة ؛ تختار من أي بنات قرٌش ,وإن كان بك الحاجة جمعنا لك من أموالنا ما تستؽنً به أنت وعقبك – أي :ذرٌتك من بعدك – وأطال الكبلم . قال جابر :ورسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ساكت ال ٌتكلم – نعم ألن الوحً ٌنزل علٌه . - وجه التشبٌه هو فً تتابع الكبلم الذي ٌلقٌه علٌه جبرٌل علٌه السبلم ,فإن جبرٌل علٌه السبلم هو ملك ال ٌتوقؾ إلقاإه الكبلم على نفس حتى ٌنقطع الكبلم بانقطاع النفس – ولٌس وجه التشبٌه بصوت الجرس فً نؽمته ,ولذا قال [ :فً مثل صلصلة الجرس ] اه . 25
فلما فرغ قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :أفرؼت ٌا أبا الولٌد ] ؟ قال :نعم . قال [ :فاستمع منً ] . قال عتبة :أفعل – أي :أسمع . - فقال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم { :بسم هللا الرحمن الرحٌم حم .تنزٌل من الرحمن الرحٌم .كتاب فصلت ءاٌاته قرءانا ً عربٌا ً لقوم ٌعلمون } . . .فقرأ حتى بلػ { :فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } . فؤمسك عتبة على فٌه وقال :أناشدك الرحم أن تكؾ عنه . ثم رجع عتبة إلى قومه ,فقال ٌ :ا قوم أطٌعونً فً هذا الٌوم , واعصونً بعده ,وهللا لقد سمعت من هذا الرجل كبلما ً ما سمعت مثله قط ,اتركوا الرجل واعتزلوه ,فو هللا ما هو بتارك ما هو علٌه ,وخلوا بٌنه وبٌن سابر العرب ,فإن ٌكن ٌظهر علٌهم ٌكن شرفه شرفكم ,وعزه عزكم – أي :تتشرفون بشرفه وتعتزون بعزته – وملكه ملككم ,وإن ٌظهروا علٌه تكونوا قد كفٌتم بؽٌركم . فقالوا :صبؤت ٌا أبا الولٌد – أي :ملت إلى جانب محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وأعجبك أمره ,وتركت ما علٌه قومك من عبادة األصنام . فقال ٌ :ا قوم وهللا لقد سمعت منه كبلما ً ما هو بسحر وال بشعر وال كهانة ,سمعته ٌقول { :فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } فناشدته الرحم حتى ٌكؾ ,وقد علمتم أن محمداً – صلى هللا علٌه وآله وسلم – إذا قال شٌبا ً لم ٌكذب ,فخفت أن ٌنزل بكم العذاب .اه . وقد أدخلت فٌما ذكرته بعض الرواٌات على بعض لتتم الفابدة . ومما ٌدل على أن البسملة آٌة من كل سورة بعدها أنها مكتوبة أمام كل سورة ,وقد منعوا أن ٌكتبوا مع القرآن ؼٌره ,حتى إنهم – أي :الصحابة رضً هللا عنهم – كانوا ال ٌكتبون العبلمات الدالة على األعشار واألخماس ونحو ذلك ؛ لببل ٌختلط بالقرآن ما لٌس بقرآن , 26
فلو لم تكن البسملة آٌة من كل سورة ما كتبوها أمام كل سورة. هذا وقد أجمع السلؾ األول على أن ما بٌن الدفتٌن هو كبلم هللا تعالى ,والبسملة مكتوبة بٌن كل سورتٌن بٌن الدفتٌن. وقد ورد فً األحادٌث النبوٌة ما ٌدل على أنه صلى هللا علٌه وآله وسلم كان كثٌراً ما ٌجهر بالبسملة فً الصلوات الجهرٌة ,وكان ٌسر بها أحٌانا ً ٌ ,دل على ذلك مما ٌلً : روى الدار قطنً والبٌهقً ,عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم كان إذا قرأ وهو ٌإم الناس افتتح ب {بسم هللا الرحمن الرحٌم }. قال أبو هرٌرة :هً آٌة من كتاب هللا تعالى ,اقرإوا إن شبتم فاتحة الكتاب كاملة ,فإنها اآلٌة السابعة. وروى ابن أبً شٌبة ,واإلمام أحمد ,وأبو داود ,وابن األنباري, وابن خزٌمة فً (صحٌحه) وابن سعد فً (الطبقات) ,والدار قطنً ,والحاكم وصححه ,والخطٌب وابن عبد البر كبلهما فً (كتاب المسؤلة) عن أم سلمة رضً هللا عنها ( :أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌقرأ {:بسم هللا الرحمن الرحٌم .الحمد هلل رب العالمٌن .الرحمن الرحٌم .مالك ٌوم الدٌن .إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن .اهدنا الصراط المستقٌم .صراط الذٌن أنعمت علٌهم ؼٌر المؽضوب علٌهم وال الضالٌن} قطعها آٌة آٌة ) الحدٌث كما فً (الدر المنثور). وأخرج أبو داود ,والترمذي ,والدار قطنً ,والبٌهقً ,عن ابن عباس رضً هللا عنهما قال :كان النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌفتتح صبلته ب {بسم هللا الرحمن الرحٌم } –أي :فكان الصحابة ٌسمعون ذلك جهراً. وروى البزار ,والدار قطنً والبٌهقً فً (الشعب) من طرٌق أبً الطفٌل قال :سمعت علً بن أبً طالب وعماراً رضً هللا عنهما ٌقوالن ( :إن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌجهر فً الصلوات المفروضة الجهرٌة ب {بسم هللا الرحمن الرحٌم } فً فاتحة الكتاب ). 27
وروى الدار قطنً ,عن علً بن أبً طالب رضً هللا عنه قال: (كان النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌجهر ب { بسم هللا الرحمن الرحٌم } فً السورتٌن جمٌعا ً ). أيٌ :جهر بالبسملة قبل الفاتحة ,وبالبسملة من السورة التً ٌقرإها بعد الفاتحة فً الصبلة الجهرٌة . وأما الدلٌل على أنه صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌسر بالبسملة أحٌانا ً فً الصلوات الجهرٌة ,ففً (الصحٌحٌن) عن أنس رضً هللا عنه قال :صلٌت خلؾ النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم وأبً بكر وعمر وعثمان فكانوا ٌفتتحون ب { الحمد هلل رب العالمٌن}. وروى مسلم ,عن عابشة رضً هللا عنها قالت :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌفتتح الصبلة بالتكبٌر ,والقراءة ب {الحمد هلل رب العالمٌن }. أيٌ :فتتح القراءة فً الصبلة بسورة {الحمد هلل رب العالمٌن } ال بؽٌرها من السور -أي :فما كان ٌفتتح القراءة فً الصبلة ب {قل هو هللا أحد} وال بؽٌرها من السور -وأما البسملة فٌسر بها ال أنه ٌتركها ,وهذا محمول على بعض األحٌان ,بدلٌل إثبات جهره صلى هللا علٌه وآله وسلم بها فً األحادٌث المتعددة المتقدمة ,التً هً بمجموعها حجة قاطعة فً االستدالل على الجهر بها. وأما ما جاء فً رواٌة لمسلم :عن أنس رضً هللا عنه قال( :صلٌت خلؾ النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم وأبً بكر وعمر وعثمان فكانوا ٌفتتحون ب{الحمد هلل رب العالمٌن } ال ٌذكرون {بسم هللا الرحمن الرحٌم} فً أول قراءة وال فً آخرها) فهً محمولة على أنهم ال ٌذكرونها جهراً ,وإنما ٌذكرونها سراً -أي :أحٌانا ً – ولٌس المراد أنهم ال ٌذكرون شٌبا ً أبداً. فكما أنه صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌسر بدعاء الثناء بعد افتتاحه بالتكبٌر ,وبالتوجه ,وبالتعوذ ,فكذلك كان صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌسر بالبسملة ,فإن دعاء الثناء والتوجه والتعوذ ثابت عنه صلى هللا علٌه وآله وسلم فً الصلوات ,فبل ٌجوز أن ٌفهم من قول أنس
28
رضً هللا عنه الوارد فً مسلم :ال ٌذكرون {بسم هللا الرحمن الرحٌم } وال ؼٌرها على النفً المطلق؛ بل على نفً الجهر بها. فقد روى البخاري ,عن قتادة قال :سؤلت أنس بن مالك كٌؾ كانت قراءة النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ؟ فقال :كانت مداً ,ثم قرأ أنس {:بسم هللا الرحمن الرحٌم } ٌمد بسم هللا –أي :البلم التً قبل هاء الجبللة – وٌمد الرحمن -أي :المٌم التً قبل النون -وٌمد صلى هللا علٌه وآله وسلم الرحٌم -أي :الحاء – فهذه الرواٌة عن أنس تدل على أنه صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌجهر بالبسملة . ورواٌته عدم ذكر البسملة محمولة على اإلسرار بها ,كما كان صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌسر بدعاء التوجه بعد التكبٌر. ففً ( الصحٌحٌن ) والرواٌة لمسلم ,عن أمٌر المإمنٌن علً رضً هللا عنه قال ( :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا قام إلى الصبلة كبر ثم قال [ :وجهت وجهً للذي فطر السماوات واألرض حنٌفا ً وما أنا من المشركٌن ,إن صبلتً ونسكً ومحٌاي ومماتً هلل رب العالمٌن ال شرٌك له وأنا من المسلمٌن ] ) . وفً رواٌة لمسلم [ :وأنا أول المسلمٌن ] الحدٌث . وبه أخذ اإلمام الشافعً رضً هللا عنه . وروى أبو داود والترمذي ,عن عابشة رضً هللا عنها قالت :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا افتتح الصبلة قال [ : سبحانك اللهم وبحمدك ,وتبارك اسمك ,وتعالى جدك ,وال إله ؼٌرك ] . وبهذا أخذ اإلمام أبو حنٌفة رضً هللا عنه . سنٌة افتتاح مهام األمور ب { بسم هللا الرحمن الرحٌم } : جاء فً الحدٌث عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :كل أمر ذي بال ال ٌبدأ فٌه ب{بسم أي :ذي شؤن وشرؾ ,قال العبلمة المناوي :وفً رواٌة [:كل كبلم] واألمر أعم من الكبلم ,ألنه قد ٌكون – أي :األمر – فعبلً فلذا آثر رواٌته .اه. والمعنى كل أمر قوالً كان أو فعبلً ,له شؤن ٌهتم به شرعا ً . فالمراد بالبال هنا الحال ,وقد ٌطلق البال فً اللؽة على القلب . 29
هللا الرحمن الرحٌم} أقطع ]...وقد حسنه النووي والسٌوطً بعده وؼٌرهما. أما افتتاح تالوة القرآن الكرٌم ب { بسم هللا الرحمن الرحٌم } : فقد روى البخاري وؼٌره ,عن أم سلمة رضً هللا عنها أنها سبلت عن قراءة رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم فقالت :كان ٌقطع قراءته آٌة آٌة { :بسم هللا الرحمن الرحٌم .الحمد هلل رب العالمٌن. الرحمن الرحٌم .مالك ٌوم الدٌن } . . .الحدٌث . ومن ذلك افتتاح الكتب والرسائل فقد كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌفتتح كتبه ورسابله ب { بسم هللا الرحمن الرحٌم } . فهذا كتابه صلى هللا علٌه وآله وسلم إلى هرقل ,وفٌه كما فً (صحٌح )البخاري [:بسم هللا الرحمن الرحٌم من محمد عبد هللا ورسوله إلى هرقل عظٌم الروم سبلم على من اتبع الهدى ,وأما بعد :فإنً أدعوك بدعاٌة اإلسبلم ]. وفً رواٌة لمسلم [:بداعٌة اإلسبلم -أي :بالكلمة الداعٌة لئلسبلم , وهً شهادة أن ال إله إال هللا وأن محمداً رسول هللا – أسلم تسلم ٌإتك هللا أجرك مرتٌن ,فإن تولٌت فإن علٌك إثم األرٌسٌٌن -أي: إثم أتباعك { -قل ٌا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بٌننا وبٌنكم أال نعبد إال هللا وال نشرك به شٌبا ً وال ٌتخذ بعضنا بعضا ً أربابا ً من دون هللا فإن تولوا فقولوا اشهدوا بؤنا مسلمون }]. وروى الخطٌب البؽدادي ,عن أبً جعفر محمد بن علً رضً هللا عنهم ,عن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:بسم هللا الرحمن الرحٌم مفتاح كل كتاب]. وكان صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌفتتح كبلمه وٌختتمه ببسم هللا: معنى أقطع :ممحوق من كل خٌر وبركة . قال اإلمام النووي بعد سٌاقه هذا الحدٌث وما قبله وهو حدٌث ابن ماجه [ :كل امرىء ذي بال ال ٌبدأ بالحمد هلل أقطع ] . قال :روٌنا هذه األلفاظ فً األربعٌن للرهاوي وهو حدٌث حسن ,وقد روي موصوالً ومرسبلً ,ورواٌة الموصول جٌدة اإلسناد ,وإذا روي الحدٌث موصوالً ومرسبلً فالحكم لبلتصال عند الجمهور . . .اه فقد حسن النووي حدٌث البسملة . 30
كما جاء فً حدٌث هند بن أبً هالة المذكور فً شمابل الترمذي وؼٌرها ,وفٌه :كان صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌفتتح كبلمه وٌختمه باسم هللا تعالى ...الحدٌث بطوله. وقد ورد استحباب التسمٌة فً عدة أمور ,ولكن تختلف المقاصد فٌها حسب حال األمر الذي بدأه بالبسملة . فمن األمور ذات البال التً تسن فٌها التسمٌة : عند الوضوء ,وعند دخول المسجد ,وعند الخروج من المنزل والدخول فٌه ,وعند ركوب الدابة ,وإؼبلق الباب وؼٌر ذلك ,وعند تناول الطعام والشراب ,ولباس الثٌاب ,والمقصود من ذلك تعظٌم هللا تعالى والتبرك باسمه تعالى ,ولٌحصل الخٌر والنفع بذلك على وجه التمام والدوام ,واالعتراؾ له سبحانه بالفضل والنعمة. وقد ٌقصد به التعوذ – أي :وقد ٌقصد بالبدء بالبسملة التعوذ -من شر اإلنس والجن ,والتحصن ,وإبعاد الشٌاطٌن ,والتحرز من شرورهم وفسادهم. وقد ٌراد به الحفظ للشًءٌ ,فهم ذلك من المواضع التً ٌطلب فٌها البسملة كما سٌبٌن لك من األحادٌث النبوٌة اآلتٌة : وأما التسمٌة على الذبٌحة فهً فرض لقوله تعالى {:فكلوا مما ذكر اسم هللا علٌه إن كنتم بآٌاته مإمنٌن}. وقال تعالى {:وال تؤكلوا مما لم ٌذكر اسم هللا علٌه وإنه لفسق } اآلٌة. وتفصٌل أقوال أبمة الفقه فً ذلك تجده فً كتب الفقه مفصبلً. أما البسملة عند الوضوء :فعن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم {:ال صبلة لمن ال وضوء له, وال وضوء لمن لم ٌذكر اسم هللا تعالى علٌه ] وقد جاء فً رواٌة الترمذي [:ال وضوء لمن لم ٌذكر اسم هللا علٌه ]. قال الحافظ المنذري :رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ,والطبرانً ,والحاكم وصححه ,ثم قال :وقد ذهب الحسن -البصري -وإسحاق بن راهوٌه وأهل الظاهر إلى وجوب التسمٌة فً الوضوء ,حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء ,قال :وهو رواٌة عن اإلمام أحمد .إلخ. 31
وأما التسمٌة عند دخول المسجد :روى اإلمام أحمد وابن ماجه وؼٌرهما ,عن السٌدة الكبرى السٌدة فاطمة الزهراء علٌها السبلم والرضوان قالت :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا دخل المسجد ٌقول [:بسم هللا ,والسبلم على رسول هللا ,اللهم اؼفر لً ذنوبً وافتح لً أبواب رحمتك]. وإذا خرج من المسجد قال [:بسم هللا ,والسبلم على رسول هللا ,اللهم اؼفر لً ذنوبً ,وافتح لً أبواب فضلك ]. م ٌأتً داخل المسجد بالتعوذ :روى أبو داود ,عن ابن عمر رضً هللا عنهما قال :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا دخل المسجد قال [ :أعوذ باهلل العظٌم ,وبوجهه الكرٌم ,وسلطانه القدٌم ,من الشٌطان الرجٌم ] وقال [ :من قال ذلك :حفظ منه – أي :من الشٌطان – سابر الٌوم ] . التسمٌة عند الخروج من المننل :عن أم سلمة رضً هللا عنها قالت :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا خرج من بٌته قال [ :بسم هللا ,توكلت على هللا ,اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل أو نضل ,أو نظلم أو نظلم ,أو نجهل أو ٌجهل علٌنا ] . وعن أنس رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:من قال إذا خرج من بٌته :بسم هللا ,توكلت على هللا ,وال حول وال قوة إال باهلل ٌ ,قال هل -أيٌ :قول له الملك :-حسبك هدٌت وكفٌت ووقٌت ,وتنحى عنه الشٌطان ] . التسمٌة عند دخول المننل :روى أبو داود ,عن أبً مالك األشعري رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:إذا ولج – أي :دخل -الرجل إلى بٌته فلٌقل :اللهم إنً أسؤلك خٌر المولج وخٌر المخرج ,بسم هللا ولجنا ,وبسم هللا خرجنا ,وعلى هللا ربنا توكلنا ,ثم لٌسلم – الرجل -على أهله]. التسمٌة إذا دخل السوق :روى الطبرانً والحاكم وؼٌرهما عن برٌدة رضً هللا عنه قال :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم رواه أصحاب ( السنن ) كما فً ( جامع األصول ) . رواه أبو داود والترمذي. 32
إذا دخل السوق قال [:بسم هللا ,اللهم إنً أسؤلك من خٌر هذه السوق وخٌر ما فٌها ,وأعوذ بك من شرها وشر ما فٌها ,اللهم إنً أعوذ بك أن أصٌب فٌها – أي :أن أعمل فٌها – ٌمٌنا ً فاجرة أو صفقة خاسرة]. التسمٌة على الطعام والشراب :عن السٌدة عابشة رضً هللا عنها قالت :كان النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌؤكل طعامه فً ستة من أصحابه ,فجاء أعرابً فؤكله بلقمتٌن. فقال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:أما إنه لو سمى – أي: لو أن األعرابً قال :بسم هللا – لكفتكم] . وفً (المسند) أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم كان إذا قرب إلٌه طعامه قال [:بسم هللا ] ,فإذا فرغ قال [:اللهم إنك أطعمت وسقٌت, وأؼنٌت وأقنٌت ,وهدٌت واجتبٌت ,فلك الحمد على ما أعطٌت]. وعن جابر رضً هللا عنه ,أنه سمع النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌقول [:إذا دخل الرجل بٌته فذكر هللا تعالى عند دخوله ,وعند طعامه ,قال الشٌطان - :أي :ألتباعه الشٌاطٌن – ال مبٌت لكم وال عشاء ,وإذا دخل فلم ٌذكر هللا تعالى عند دخوله قال الشٌطان : أدركتم المبٌت ,وإذا لم ٌذكر هللا تعالى عند طعامه قال الشٌطان: أدركتم المبٌت والعشاء ]. التسمٌة عند الركوب :روى اإلمام أحمد فً ( مسنده ) عن علً بن ربٌعة قال :رأٌت أمٌر المإمنٌن علٌا ً رضً هللا عنه أتً بدابة فلما وضع رجله فً الركاب قال :بسم هللا فلما استوى علٌها قال :الحمد هللا ,و { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنٌن .وإنا إلى ربنا لمنقلبون } ,ثم حمد هللا تعالى ثبلثا ً ,وكبر ثبلثا ً ,ثم قال :سبحانك ال إله إال أنت ,قد ظلمت نفسً فاؼفر لً – ثم ضحك . فقلت له :مم ضحكت ٌا أمٌر المإمنٌن ؟ قال المنذري :رواه أبو داود والترمذي وقال :حسن صحٌح ,وابن ماجه ,وابن حبان فً (صحٌحه) ,وزاد :قال صلى هللا علٌه وسلم [:فإذا أكل أحدكم طعامه فلٌذكر اسم هللا علٌه ,فإن نسً فً أوله ؛ فلٌقل :بسم هللا أوله وآخره ]. وقد روى أبو داود وابن ماجه هذه الزٌادة فً حدٌث مستقل. 33
فقال علً رضً هللا عنه :رأٌت النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم فعل مثل ما فعلت ثم ضحك ,فقلت :مم ضحكت ٌا رسول هللا ؟ فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌ [:عجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال :رب اؼفر لً ,وٌقول – سبحانه – :علم عبدي أنه ال ٌؽفر الذنوب ؼٌري ] . التسمٌة عند إرادة النوم :عن أبً األزهر رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم كان إذا أخذ مضجعه من اللٌل قال : [ بسم هللا وضعت جنبً ] ,وفً رواٌة [ :وبك أرفعه ,اللهم اؼفر لً ذنبً ,واخسؤ شٌطانً ,وفك رهانً ,وثقل مٌزانً ,واجعلنً فً الندي األعلى ] . وعن البراء رضً هللا عنه قال :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا أخذ مضجعه من اللٌل وضع ٌده تحت خده ,ثم ٌقول [ : باسمك اللهم أحٌا وباسمك اللهم أموت ] . وإذا استٌقظ قال [ :الحمد هلل الذي أحٌانا بعد ما أماتنا وإلٌه النشور ] . والٌد الذي ٌضعها تحت خده هً الٌمنى ,كما جاء فً حدٌث البراء رضً هللا عنه قال :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا أخذ مضجعه جعل ٌده الٌمنى تحت خده األٌمن وقال [ :رب قنً عذابك ٌوم تبعث عبادك ] . التسمٌة إذا أراد الرجل أن ٌأتً أهله :عن ابن عباس رضً هللا عنهما قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :لو أن أحدكم إذا أراد أن ٌؤتً أهله قال :بسم هللا ,اللهم جنبنا الشٌطان , ومعنى ٌعجب الرب تبارك وتعالى ٌ :عظم شؤن عبده عنده إذا قال :رب اؼفر لً ,وهو ٌعلم انه ال ٌؽفر الذنوب إال هللا تعالى . قال الحافظ ابن كثٌر :وهكذا رواه أبو داود ,والترمذي ,والنسابً من حدٌث أبً األحوص .اه . رواه أبو داود والحاكم . عزاه فً( الجامع الصؽٌر ) إلى ( الصحٌحٌن) و ( المسند ) . رواه الترمذي . 34
وجنب الشٌطان ما رزقتنا ,فإنه إن قضً بٌنهما ولد من ذلك لم ٌضره الشٌطان أبداً ] . أي :ألنه سمى علٌه ,أي :ذكر اسم هللا تعالى علٌه ,وكل ذلك قبل التكشؾ – أي :حال الستر . - فحافظ أٌها المسلم على ذلك ,فإنه حرز لك ,ولزوجتك ,ولولدك من الشٌطان . التسمٌة عند إغالق األبواب وإطفاء المصباح ونحو ذلك :عن جابر رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :إذا استجنح اللٌل ] ,وفً رواٌة [ :إذا كان جنح اللٌل فكفوا صبٌانكم ,فإن الشٌاطٌن تنتشر حٌنبذ ,فإذا ذهب ساعة من اللٌل فخلوهم ,وأؼلقوا األبواب واذكروا اسم هللا ,فإن الشٌطان ال ٌفتح بابا ً مؽلقا ً -,أي :إذا ذكر اسم هللا علٌه -وأوكبوا قرابكم واذكروا اسم هللا ,وخمروا آنٌتكم واذكروا اسم هللا -ولو أن تعرضوا علٌه شٌبا ً , وأطفبوا مصابٌحكم] . فاعتبر أٌها العاقل فً هذا الحدٌث الشرٌؾ الجامع ألنواع من اإلرشادات ,واآلداب الجامعة لكل خٌر ,وكلها مرتبطة ببسم هللا, فً كل فعل وحركة وسكون ,بحٌث تجعلك فً سبلمة من آفات الدارٌن ,وفساد أمر الدٌن والدنٌا ,فقد أمر صلى هللا علٌه وآله وسلم بإؼبلق األبواب مع ذكر اسم هللا تعالى ,وهذا ٌشمل كل باب ٌؽلق, سواء باب المنزل ,أو باب صندوق األمتعة ,فإن األمتعة من األلبسة ونحوها هً معرضة لتسلط الشٌاطٌن علٌها ,كما هً معرضة لدخول الهوام فٌها ,فسم هللا تعالى إذا وضعتها إن لم تكن فً موضع له باب ,وإن وضعتها فً موضع له باب فسم هللا تعالى عند رواه الشٌخان واإلمام أحمد . أي :اقبل اللٌل بظبلمه ,فإن الشٌاطٌن واألرواح الخبٌثة تنتشر ,فتفسد وتضر , فربما تإذ األوالد فً تلك الساعة . بحاء مهملة مضمومة ,وفً رواٌة :بخاء معجمة مفتوحة أي :من التخلٌة, والمعنى :فبل تمنعوهم من الخروج والدخول . رواه الشٌخان واإلمام أحمد والبزار وؼٌرهم ,ومعنى [:خمروا آنٌتكم] أي: اجعلوا علٌها ؼطاء بؤي شًء تٌسر ,فإن البسملة تجعله قوٌا ً منٌعا ً . 35
إؼبلق الباب ,فإن اسم هللا تعالى هو السور العظٌم ,والحجاب المنٌع؛ مانع لتدخل الشٌاطٌن . روى أبو الشٌخ فً (العظمة) عن صفوان بن سلٌم قال :الجن ٌستمتعون بمتاع اإلنس وثٌابهم ,فمن أخذ منكم ثوبا ً أو وضعه فلٌقل بسم هللا فإن اسم هللا تعالى مانع. وأمر صلى هللا علٌه وآله وسلم بالقرب أن توكؤ -أي :تسد أفواهها بما ٌسد به فم القربة -مع اسم هللا تعالى حتى ال تدخل فٌه الهوام, وال تفسده الشٌاطٌن. وأمر بتخمٌر األوانً – أي :بتؽطٌتها ولو بؽطاء خفٌؾ -فٌنبؽً تؽطٌة أوانً الطعام والشراب مع ذكر اسم هللا تعالى ,فإن ذكر اسم هللا تعالى هو الذي ٌحفظها ال الؽطاء ,فسم هللا تعالى لحفظها من الهوام الظاهرة ,والشٌاطٌن الخفٌة. وإذا وضعت أوانً الطعام والشراب فً محفظة لها كالمبردات فً زماننا فسم هللا تعالى؛ وأؼلق الباب ٌكفٌك عن تؽطٌتها. وأمر بإطفاء المصابٌح عند النوم ,وجاء فً تعلٌل األمر بإطفاء المصابٌح التً كانت تضًء بسبب الفتٌلة المستمدة من الزٌت , فؤمر صلى هللا علٌه وآله وسلم بإطفاء المصباح مخافة أن تؤتً الفوٌسقة بتحرٌك من الشٌاطٌن فتجر الفتٌلة فتحرق البٌت. وقد نص العلماء على أن األمر بإطفاء تلك المصابٌح هو لئلرشاد, مخافة األذى ووقوع الضرر ,ولكن إذا لم ٌكن هناك ضرر أو مخافة األذى منها فبل مانع من ترك إطفاء المصباح عند النوم حسب الحاجة ,وكل ذلك من باب شفقته صلى هللا علٌه وآله وسلم على أمته ,فإنه صلى هللا علٌه وآله وسلم أشفق على أمته من الوالدة على ولدها ,ولم ٌدع صلى هللا علٌه وآله وسلم شفقة دٌنٌة أو دنٌوٌة إال وقد أرشد أمته إلٌها؛ ودلهم علٌها -صلى هللا تعالى علٌه وعلى آله وسلم تسلٌماَاًً . وفً هذا الحدٌث الشرٌؾ ما ٌدلك على أن تعاطً األسباب الظاهرة هو أمر مشروع ال بد منه ,فؤمر صلى هللا علٌه وآله وسلم بإؼبلق األبواب ,وإٌكاء السقاء ,وتؽطٌة األوانً – وؼٌر ذلك كما تقدم 36
ولكن بٌن أن ذلك وحده ال ٌكفً ,بل ال بد من ذكر اسم هللا تعالى , فإن األسباب لٌس لها تؤثٌر فً الحفظ والوقاٌة -من ذاتها -وإنما المإثر بالذات والفعال هو هللا تعالى وحده ,فإن األسباب هو الذي نصٌها -,ولكن لم ٌجعل لها تؤثٌراً من ذاتها -فإن شاء أعملها وجعل لها التؤثٌر ,وإن شاء أهملها ,فاألسباب كآلة عمل إن أمدتها قوة كهرباء أو نحوها تحركت؛ وإال فهً عاطلة عن الحركة . واألسباب كاألجسام ,فإن جعل هللا تعالى فٌها روحا ً عملت وتحركت ,وإال فبل حراك لها. فلٌس لسبب تؤثٌر ذاتً ,فقد ٌحرق سبحانه بالنار ,وقد ٌجعلها برداً وسبلما ً – وهً نار -كما جعلها على سٌدنا إبراهٌم الخلٌل علٌه الصبلة والسبلم. وصبلبة الحدٌد لٌست من ذاته بل بقوة من هللا تعالى و وقد ٌجعله لٌنا ً وهو حدٌد ,قال تعالى فً سٌدنا داود علٌه السبلم {:وألنا له الحدٌد}. والدواء سبب ولكن الذي ٌشفً به هو هللا تعالى. والماء سبب ولكن الذي ٌروي به هو هللا تعالى وهكذا... فبل بد من األسباب ,ولكن لٌس التؤثٌر من األسباب ,بل من المسبب سبحانه وتعالى ألنه هو الذي خلقها ,وقد أمر هللا تعالى باألخذ باألسباب ,وقد تعاطى رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم األسباب ,قال تعالى {:وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخٌل ترهبون به عدو هللا وعدوكم}. فانظر فً قوله تعالى {:ترهبون به } أي :بسبب ما أعددتم ,ولكن هللا تعالى هو الذي ٌجعل بذلك الرهبة والرعب. قال تعالى {:سؤلقً فً قلوب الذٌن كفروا الرعب فاضربوا فوق األعناق واضربوا منهم كل بنان }اآلٌة. وضرب األعناق ال بد له من سٌؾ ,والسٌؾ ال بد له من إعداد وقوة ٌد تضرب به. ولما نزل قوله تعالى {:وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخٌل} اآلٌة ,صعد النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم المنبر فقرأ قول 37
هللا تعالى {:وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} وقال [:أال إن القوة الرمً ,أال إن القوة الرمً ,أال إن القوة الرمً] كما ورد ذلك فً مسلم و (مسند) أحمد وؼٌرهما. فتفكر أٌها العاقل فً هذا الحدٌث النبوي الذي فٌه معجزة كبرى من معجزات إخباراته المؽٌبة صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وذلك أن القوة فً كل عصر وفً كل الحروب هً الرمً ؛ وإن كانت اآلالت والمخترعات التً ٌرمى بها تختلؾ حسب اختراع أهل العصر , فكانت قوة الرمً بالسهام ,والرمً بالمنجنٌق ,ثم بعد ذلك الرمً بالرصاص وأشباهه ,والقنابل وأمثالها ,ثم الصوارٌخ التً ٌرمى بها من أبعاد ومسافات ,وجمٌع ذلك داخل تحت قوله صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :أال إن القوة الرمً ] . فصلى هللا العظٌم علٌك ٌا سٌدي ٌا رسول هللا ,ما تركت أمراً ٌكون إلى قٌام الساعة إال أخبرت عنه ,وعرفتنا به ,وهذه كلها معجزات محققة الوقوع ,شاهدة بصدق نبوته صلى هللا علٌه وآله وسلم ورسالته إلى جمٌع العالمٌن إلى ٌوم الدٌن . هذا وقد ذكرت لك جملة موجزة من المواضع التً ٌتؤكد علٌك فٌها اإلتٌان بالبسملة ,وهناك عدة مواضع عدٌدة هً معلومة ,وربما تمر على بعضها فً هذا الكتاب. ومن هذه األحادٌث التً تقدمت فً البسملة تعلم فضلها وخصابصها ,وقوة آثارها فً البركة ,واستفتاح أبواب الخٌر واستنزال رحمة هللا تعالى ,وافتتاح أبواب الفضل اإللهً ,وتعلم ما فٌها من قوة التعوذ والتحصن من الشٌاطٌن ,وما فٌها من قوة الحفظ من المضار والهوام ,وكل ما ٌتؤتى منه الفساد والشرور, وتعلم ما فٌها من قوة التجاء العبد إلى هللا تعالى :مواله ونصٌره وحفٌظه ووكٌله ,وما فٌها من اعتراؾ العبد بفقره إلى هللا تعالى : فً جمٌع أموره ,وتعلم أسماء هللا تعالى ,وقوة تؤثٌرها ,وسرٌان آثارها فً العوالم إلى ؼٌر ذلك ,وبسم هللا أوالً وآخراً ,والحمد هلل على ذلك.
38
التسمٌة فً كل صباح ومساء ال ا ًال :روى أبو داود ,وابن حبان وؼٌرهما ,عن عثمان بن عفان رضً هللا عنه قال :قال رسول هلل صلى هللا علٌه وآله وسلم [:من قال حٌن ٌمسً :بسم هللا الذي ال ٌضر مع اسمه شًء فً األرض وال فً السماء وهو السمٌع العلٌم- ثبلث مرات؛ لم ٌصبه فجؤة ببلء حتى ٌصبح ,ومن قالها حٌن ٌصبح ثبلث مرات ؛ لم ٌصبه فجؤة ببلء حتى ٌمسً]. التسمٌة لتسكٌن اآلوم واألوجاع :روى الترمذي ,عن ابن عباس رضً هللا عنهما قال :كان النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌعلمهم من الحمى واألوجاع كلها أن ٌقول [ :بسم هللا الكبٌر ,أعوذ باهلل العظٌم ,من كل عرق نعار ومن شر حر النار ]والعرق النعار هو الذي ازدادت حركته أو حرارته. وعن عثمان بن أبً العاص رضً هللا عنه أنه اشتكى إلى رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم وجعا ً ٌجده فً جسده منذ أسلم. فقال له صلى هللا علٌه وآله وسلم [:ضع ٌدك على الذي تؤلم من جسدك وقل :بسم هللا -ثبلث مرات ,وقل سبع مرات :أعوذ بعزة هللا وقدرته ,من شر ما أجد – أي :وجعه -وأحاذر] – أي :أخاؾ من عاقبة هذا الوجع .- قال عثمان :ففعلت ذلك مراراً ؛ فؤذهب هللا ما كان بً ,فلم أزل آمر أهلً وؼٌرهم بذلك. وفً رواٌة [:أعوذ باهلل وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ] رواه مسلم, وأبو داود والترمذي وؼٌرهم. وروى مسلم ,والترمذي ,عن أبً سعٌد رضً هللا عنه قال :أتى جبرٌل علٌه السبلم النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم فقال جبرٌل علٌه السبلم ٌ [:ا محمد اشتكٌت] أي :من وجع-؟ فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:نعم]. فقال جبرٌل علٌه السبلم [:بسم هللا أرقٌك ,من كل داء ٌإذٌك ,ومن شر كل نفس أو عٌن حاسد ,هللا ٌشفٌك ,بسم هللا أرقٌك].
39
التحذٌر الشدٌد من إلقاء اسم هللا تعالى ,أو آٌة من كتابه العنٌن , أو حدٌث رسوله صلى هللا علٌه وسلم على األرض ,أو عدم تعظٌمها: أخرج أبو داود فً (مراسٌله ) عن عمر بن عبد العزٌز ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم مر على كتاب فً األرض فقال لفتى معه [:ما فً هذا]؟ فقال الفتى :فٌه بسم هللا. فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:لعن هللا تعالى من فعل هذا ,ال تضعوا بسم هللا إال فً موضعه]. فعلٌك ٌا أخً بتعظٌم أسماء هللا تعالى وآٌاته ,وتعظٌم أحادٌث رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم وأسمابه ,فإن تعظٌم ذلك هو من تقوى القلوب ,ألم تسمع قول هللا تعالى {:ومن ٌعظم شعابر هللا فإنها من تقوى القلوب } والشعابر جمع شعٌرة. قال العبلمة القرطبً رحمه هللا تعالى :وهً – أي :شعابر هللا تعالى -كل شًء هلل تعالى فٌه أمر أشعر به وأعلم ,ومنه شعار القوم فً الحرب -أي :عبلمتهم التً ٌتعارفون بها -فشعابر هللا تعالى هً أعبلم دٌنه ال سٌما المناسك .اه. قال عبد هللا :فشعابر هللا تعالى هً :معالم دٌنه ,ومواضع عباداته, فٌدخل فٌها الكعبة المعظمة ,وجمٌع مواضع مناسك الحج :كعرفة , والمشعر الحرام ,والمزدلفة ,وجمٌع بٌوت هللا تعالى وهً :المساجد, وٌشمل ذلك أٌضا ً الكتب الشرعٌة والدٌنٌة ,وحملة الشرٌعة ,وعلماء الدٌن ,وحملة القرآن الكرٌم ,فقد استدل اإلمام النووي رحمه هللا تعالى بقوله تعالى {:ومن ٌعظم شعابر هللا فإنها من تقوى القلوب } استدل بها على وجوب إكرام أهل القرآن الكرٌم ,وتعظٌم علماء الدٌن ,ألنهم حملة دٌن هللا تعالى. ونقل اإلمام النووي عن اإلمامٌن الكبٌرٌن أبً حنٌفة والشافعً رضً هللا عنهما أنهما قاال :إن لم ٌكن العلماء أولٌاء هللا تعالى فلٌس هلل تعالى ولً.
40
كما نقل عن الحافظ ابن عساكر رحمه هللا تعالى أنه فال :اعلم ٌا أخً وفقنا هللا تعالى وإٌاك لمرضاته ,وجعلنا ممن ٌخشاه وٌتقٌه حق تقاته ,أن لحوم العلماء مسمومة ,وعادة هللا تعالى فً هتك أستار منتقصٌهم معلومة ,وأن من أطلق لسانه فً العلماء بالثلب- الطعن واالحتقار -ابتبله هللا تعالى قبل موته – جسما ً – بموت القلب { فلٌحذر الذٌن ٌخالفون عن أمره أن تصٌبهم فتنة أو ٌصٌبهم عذاب ألٌم}.اه. فإذا كان تعظٌم شعابر هللا تعالى من تقوى القلوب ,فإن تعظٌم أسمابه سبحانه وآٌاته ,وأحادٌث رسوله صلى هللا علٌه وآله وسلم ؛ ذلك من أعظم تقوى القلوب ,ومن المعلوم أن تقوى القلوب إذا تحقق بها المسلم حملته على تقوى القوالب – أي :الجسم وجوارحه -كما قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:التقوى ههنا ,التقوى ههنا ,التقوى ههنا] وٌشٌر إلى صدره الشرٌؾ صلى هللا علٌه وآله وسلم . فافهم واعقل ,وال تجهل ,وال تؽفل عن ذلك ,فالتقوى لٌست مجرد كبلم ودعوى ,بل هً ما صدر عن قلب فٌه تعظٌم ما أمر هللا تعالى بتعظٌمه ,وتكرٌم ما أمر هللا تعالى بتكرٌمه. فاهلل تعالى ٌكرم وٌعظم من عظم ذلك ,وٌهٌن من استهان بذلك وٌعذبه: روى البٌهقً فً (الشعب) بإسناده عن أمٌر المإمنٌن علً رضً هللا عنه وكرم وجهه أنه قال :تنوق رجل فً { بسم هللا الرحمن الرحٌم} فؽفر هللا تعالى له. ثم قال البٌهقً :هذا موقوؾ ,وقد أورده الحافظ السٌوطً مرفوعا ً ,وعلى كل حال فالموقوؾ فً مثل هذا له حكم المرفوع ,ألنه ال مجال للرأي فً ذلك . فهذا رجل كتب { بسم هللا الرحمن الرحٌم} فجودها وحسنها وتؤنق بها تكرٌما ً وتعظٌما ً فؽفر هللا تعالى له . الشًء األنٌق :هو الشًء الحسن الجمٌل ,وتؤنق الرجل فً األمر أي :عمله بنٌقة مثل تنوق -أي :حسنه وجمله اه ملخصا ً من (النهاٌة) البن األثٌر مادة تنوق, وكما فً (مختار الصحاح) مادة أنق. 41
وأخرج أبو نعٌم فً (تارٌخ أصبهان) وابن أشته فً (المصاحؾ) بسند ضعٌؾ عن أنس رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:من كتب { بسم هللا الرحمن الرحٌم } مجودة تعظٌما ً هلل تعالى ؼفر هللا له ]. وروى البٌهقً فً (الشعب) عن أبً عبد الرحمن السلمً فً ذكر منصور بن عمار أنه أوتً الحكمة ,وأن سبب ذلك أنه وجد رقعة صؽٌرة فً الطرٌق مكتوبا ً علٌها [ بسم هللا الرحمن الرحٌم } فؤخذها فلم ٌجد لها موضعا ً – محترما ً -فابتلعها ,فؤري فً المنام قاببلً ٌقول له :قد فتح هللا علٌك باب الحكمة باحترامك لتلك الرقعة – فكان بعد ذلك ٌتكلم بالحكمة .اه. وقد ذكر اإلمام القشٌري رحمه هللا تعالى عن بشر الحافً رحمه هللا تعالى أنه أصاب فً الطرٌق ورقة مكتوبا ً فٌها اسم هللا عز وجل , وقد وطبتها األقدام ,فؤخذها ,واشترى بدراهم كانت معه ؼالٌة -أي: طٌبا ً جٌداً -فطٌب بها الورقة ,ثم جعلها فً شق جدار عال حصٌن ,فرأى فً تلك اللٌلة وهو نابم كؤن قاببلً ٌقول لهٌ :ا بشر طٌبت اسمً ألطٌبنك فً الدنٌا واآلخرة. وٌروى أن هذه الرإٌة كانت سبب إنابته بكلٌته إلى مواله سبحانه . وقد جاء مثل ذلك فً (وفٌات األعٌان) وؼٌره من كتب التارٌخ والتراجم ,وقد أوردها الحافظ البٌهقً فً (شعب اإلٌمان) بإسناده , وأنه – أي :بشر الحافً – وجد قرطاسا ً فٌه {بسم هللا الرحمن الرحٌم} فعظم ذلك علٌه ,ورفع طرفه إلى السماء ,وقال :سٌدي اسمك ها هنا ملقى ,فرفعه من األرض وأزال عنه التراب ,وأتى عطاراً فاشترى بدرهم ؼالٌة – لم ٌكن معه سواه -ولطخ به القرطاس ,ثم أدخله فً شق حابط مرتفع ,وانصرؾ إلى زجاج كان ٌجالسه. فقال له الزجاج :وهللا ٌا أخً لقد رأٌت فً هذه اللٌلة رإٌا ما رأٌت أحسن منها ,ولست أقولها حتى تحدثنً ما فعلت فً هذه األٌام فٌما بٌنك وبٌن هللا تعالى . ومن المعلوم عند المحدثٌن أن الضعٌؾ ٌعمل به فً الفضابل. 42
فقال بشر :ما فعلت شٌبا ً أعلمه ,ؼٌر أنً فعلت كذا -وذكر له ذلك. فقال الزجاج :رأٌت كؤن قاببلً ٌقول لً فً النوم :قل لبشر :رفع اسما ً لنا من األرض إجبلالً إذ ٌداس ,لننوهن – أي :لنرفعن- باسمك فً الدنٌا واآلخرة .اه. قال عبد هللا :والظاهر أن بشراً رأى تلك الرإٌا فً المنام ,وأٌضا ً ربٌت له ,ألنها بشرى من هللا تعالى ,وقد بٌن صلى هللا علٌه وآله وسلم فً قوله تعالى {:لهم البشرى فً الحٌاة الدنٌا وفً اآلخرة } اآلٌة ,أن البشرى من هللا تعالى فً الحٌاة الدنٌا هً الرإٌا الصالحة ٌراها المإمن أو ترى له. فإٌاك ٌا أخً المسلم أن تعرض أسماء هللا تعالى ,أو أسماء النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم لئلهانة ,أو الوضع على األرض ,فبل ٌجوز كتابة ذلك على أوراق تؽلؾ بها األمتعة ,أو تصر فٌها األمتعة ,وال على السلة وال الكٌس المصنوعة لحمل األمتعة ووضعها فً داخلها ,كؤن تكتب علٌه اسم عبد الرحمن ,أو عبد القادر ,أو عبد الكرٌم ,ونحو ذلك ,أو اسم محمد أو أحمد ونحوهما – تبتؽً من ذلك الدعاٌة لتروٌج بضاعتك ,لتجر من وراء ذلك كثرة المال ,وأنت تعلم وترى أٌن مصٌر تلك األوراق أو السلة ,فإن ذلك ال ٌجوز لوجوه: أووًال -إن ؼبلؾ الصر أو األوراق التً تصر فٌها األمتعة ,وإن كٌس األمتعة هً فً ذاتها لٌس مصنوعة لبلحترام والتكرٌم ,بل هً مصنوعة لحمل األمتعة المختلفة ,وتوضع هنا وهناك كما هو معروؾ ,فكٌؾ تكتب علٌها أسماء معظمة! على أوراق وسلة مصنوعة لبلمتهان. انٌا ًال -أنت تعلم أنها حٌن تفرغ من األمتعة أٌن توضع ,فإنها ؼالبا ً توضع على األرض ,أو فً أماكن ؼٌر محترمة ,ومعرضة لبلمتهان ,وأن تداس باألقدام. ثالثا ً -أنت تعلم أٌن مصٌر تلك األوراق أو السلة و وأنها سوؾ توضع مع األوساخ والكناسة ,وما أكثر ذلك بٌن األوساخ . فإن قلت :إن اإلثم على الذي ٌضعها فً تلك المواضع. 43
فالجواب :أنت آثم أٌضا ً ,ألنك المتسبب فً ذلك . وإن نعمت أنك و تعرف حكم الشرع فً ذلك. فالجواب :أن جهلك بحكم الشرع فً ذلك لٌس عذراً لك عند هللا تعالى ,وقد نص العلماء على أن الجهل بؤحكام الشرٌعة فً أمور ٌتعاطاها اإلنسان وهو فً ببلد اإلسبلم لٌس بعذر له عند هللا تعالى, ألنه ٌجب علٌه أن ٌسؤل أهل العلم بذلك . فإن كنت ال تدري فتلك مصٌبة وإن كنت تدري فالمصٌبة أعظم وحسبنا هللا ونعم الوكٌل. بسم هللا الرحمن الرحٌم فاتحة الكتاب: افتتح بها كتابة الكتاب -أي :المصحؾ -بؤمره صلى هللا علٌه وآله وسلم , ألنها أول ما نزل بعد خمس من أول سورة { اقرأ} كما فً حدٌث عابشة رضً هللا عنها ,ثم أول { المدثر} كما فً حدٌث جابر رضً هللا عنه ,ثم الفاتحة الثالثة أو الرابعة نزوالً فً مكة ,ثم فً المدٌنة. وتسمى سورة الشفاء ,والرقٌة ,كما فً حدٌث أبً سعٌد ,وأم الكتاب, وأم القرآن ,و { الحمد هلل رب العالمٌن}. ووجه تسمٌتها بؤم القرآن ألن األم هً أصل الشًء ومرجعه ,ومنه أم القرى مكة. وتسمى سورة الصالة لحدٌث [:قسمت الصبلة بٌنً وبٌن عبدي نصفٌن ]...رواه مسلم وسٌؤتً تمامه تقرٌبا ً. وتسمى السبع الم انً {:ولقد ءاتٌناك سبعا ً من المثانً والقرآن العظٌم}. والكبلم على وجه تسمٌتها بالسبع المثانً سٌؤتً مفصبلً آخر الكتاب إن شاء هللا تعالى ,فً مناسبة الكبلم على فضابل سورة الفاتحة.
44
وتسمى سورة المسألة والدعاء لحدٌث [:أبشر -أي ٌا رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم – بنورٌن أوتٌتهما لم ٌإتهما نبً قبلك ,فاتحة الكتاب وخواتٌم سورة البقرة ,لم تقرأ بحرؾ منهما إال أوتٌته] ففٌهما الدعاء , وتعلٌم الدعاء ,والمعلم هو هللا تعالى – وسٌؤتً الحدٌث بنصه إن شاء هللا تعالى. وتسمى سورة الحمد ألن فٌها { :الحمد هلل رب العالمٌن } . لما ورد فً الحدٌث الذي رواه مسلم وؼٌره [ :قسمت الصبلة بٌنً وبٌن عبدي نصفٌن ,وفً رواٌة [ :قسمٌن ] – فإذا قال { :الحمد هلل رب العالمٌن } . قال هللا تعالى :حمدنً عبدي . فإذا قال { :الرحمن الرحٌم } . قال هللا تعالى :أثنى علً عبدي . فإذا قال { :مالك ٌوم الدٌن } . قال هللا تعالى :مجدنً عبدي . فإذا قال { :نعبد وإٌاك نستعٌن } . قال هللا تعالى :هذا بٌنً وبٌن عبدي ولعبدي ما سؤل . فإذا قال { :اهدنا الصراط المستقٌم صراط الذٌن أنعمت علٌهم ؼٌر المؽضوب علٌهم وال الضالٌن } . قال هللا تعالى :هذا لعبدي ولعبدي ما سؤل . { الحمد هلل رب العالمٌن } الكبلم على هذه اآلٌة الكرٌمة له وجوه متعددة :
رواه مسلم والترمذي. 45
أووًال :افتتحها هللا تعالى بالحمد ,والكبلم على ذلك فٌه عدة من الحكم : معنى الحمد ,وشمول الحمد هنا ,وأنه مستحق هلل تعالى بالذات ؛ ووجه استحقاقه ذلك ألنه هو هللا تعالى ,وألنه رب العالمٌن ,وبٌان فضل مقام الحمد ,وبٌان فضل مقام أحمد الحامدٌن صلى هللا علٌه وآله وسلم . معنى الحمد هو :الثناء على المحمود بذكر محامده وكماالته القابمة بذاته ,أو محامده الفعلٌة الصادرة عنه على وجه اإلجبلل والتعظٌم ,والمراد بالحمد هنا جنسه ,فٌشمل حمد هللا تعالى لنفسه ,وحمد كل حامد من مخلوقاته ,فإن ذلك كله هو حق هللا تعالى ,فٌشمل محامده األزلٌة األبدٌة ,فإنه سبحانه ٌحمد نفسه وٌثنً على نفسه ,وٌمدح نفسه ,وثناإه على نفسه هو كما أثنى على نفسه . وحق له أن ٌحمد نفسه ,ألن كماالته ذاتٌة له ؛ لٌست من ؼٌره ,وهً ؼٌر متناهٌة ,وهً مطلقة ؼٌر مقٌدة ,ولذلك حق له أن ٌحمد نفسه ,وأن ٌمدح نفسه سبحانه وتعالى ,كما جاء فً ( الصحٌحٌن ) و (المسند) وؼٌره ,عن ابن مسعود رضً هللا عنه ,أن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [ :ال أحد أؼٌر من هللا ؛ ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ,وال أحد أحب إلٌه المدح من هللا ولذلك مدح نفسه ,وال أحد أحب إلٌه العذر من هللا؛ من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل]. والمعنى :أن هللا تعالى أقام الحجة على العباد بإنزال الكتب اإللهٌة, وإرسال الرسل ,فبل عذر لمن ٌخالؾ أوامر هللا تعالى بعد ذلك ,ألن عذره ؼٌر صحٌح. قال تعالى {:رسبلً مبشرٌن ومنذرٌن لببل ٌكون للناس على هللا حجة بعد الرسل }. أما ؼٌره سبحانه ,فبل ٌجوز أن ٌحمد نفسه ,وال أن ٌثنً على نفسه بما عنده من الكماالت ,ألنها لٌست من نفسه ,بل ٌجب علٌه أن ٌحدث بنعمة ربه علٌه بتلك الكماالت ,وأن ٌحمد هللا تعالى الذي تفضل علٌه بذلك .
46
وإنما حق هلل تعالى الحمد كله ,وأوجب ذلك على عباده ,ألنه هو هللا تعالى ,المتصؾ بكل كمال ,المنزه عن كل نقصان ,وإلى هذا ٌشٌر قوله تعالى {:الحمد هلل} أي :ألنه هو هللا تعالى ,فهو ٌحمد لذاته ,وٌحمد لنواله وإفضاله ,وإكرامه ونعمه ,وإلٌه اإلشارة بقوله تعالى {:رب العالمٌن} والمعنى :أنه ٌحمد ألنه رب العالمٌن ,أي :خالقهم ومربٌهم ,والمنعم علٌهم ,والمتفضل علٌهم بؤنواع النعم والفضل ,والنعم التً ال تحصى؛ الظاهرة والباطنة ,والنفسٌة واآلفاقٌة ,والخاصة والعامة ,والماضٌة واآلتٌة. قال تعالى {:وإن تعدوا نعمت هللا ال تحصوها إن اإلنسان لظلوم كفار } أي :كثٌر الظلم لنفسه ,بارتكاب الذنوب والخطاٌا ,وكفره نعم هللا تعالى علٌه ؛ إال المإمنٌن الذٌن ٌعملون الصالحات ,وٌشكرون هللا تعالى على نعمه ,وٌحمدونه على فضله وكرمه ,وهذا نظٌر قوله تعالى {:والعصر . إن اإلنسان لفً خسر .إال الذٌن آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }. هذا وإن أعظم نعم هللا تعالى نعمة القرآن ,ونزوله على سٌد ولد عدنان صلى هللا علٌه وآله وسلم ,قال تعالى {:الرحمن .علم القرآن .خلق اإلنسان .علمه البٌان }. فاهلل تعالى الرحمن ,علم القرآن أوالً لسٌد األكوان صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وأمره أن ٌعلمه لعباده ,فلذلك حمد نفسه سبحانه على إنزاله الكتاب ,فقال {:الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب } اآلٌة ,وجًء هنا بكلمة الكتاب ,فإنه من الكتب وهو الجمع ,باعتبار أنه الكتاب الجامع لجمٌع ما فٌه مصالح العباد وسعادتهم ,ولذلك افتتح سبحانه فاتحة كتابه ب{ الحمد هلل رب العالمٌن } ,فإن تمام تربٌتهم هو بإنزال هذا القرآن , المتضمن للتنظٌمات اإللهٌة ,واإلرشادات الربانٌة ,والتعالٌم المبٌنة لجمٌع الحقوق االجتماعٌة ,والفردٌة ,واألدبٌة ,والمالٌة.
47
وهو الكتاب الجامع والكفٌل لمصالح العباد وسعادتهم فً الدنٌا واآلخرة, ألنه أنزله هللا تعالى خالق العالمٌن ,فهو العلٌم الخبٌر بما فٌه صبلح مخلوقاته ونجاحهم. قال تعالى {:آلم .تنزٌل الكتاب ال رٌب فٌه من رب العالمٌن}. وقال تعالى -ممتنا ً على عباده {: -حم .تنزٌل من الرحمن الرحٌم .كتاب فصلت آٌاته قرآنا ً عربٌا ً لقوم ٌعلمون}. فقد نزله الرحمن الرحٌم لٌرحم العباد والببلد ,وٌسعدهم فً الدنٌا؛ واآلخرة ٌوم المعاد. كما بٌن سبحانه أنه أنزله لٌخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ قال تعالى {:آلر كتاب أنزلناه إلٌك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزٌز الحمٌد }. والظلمات أنواع :ظلمة الكفر بؤنواعه ,وظلمة الجهل – والجهل نوعان : جهل علمً وجهل عملً ,وكل منهما ٌتنوع إلى أفراد متعددة -وظلمة الظلم وهو نوعان :ظلم اإلنسان لنفسه ,وظلم اإلنسان لؽٌره :من إنسان وحٌوان ودابة وطابر إلى ؼٌر ذلك ,وقد قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [: إٌاكم والظلم فإن الظلم ظلمات]. فجاء القرآن الكرٌم ٌخرج الناس من تلك الظلمات ,من ظلمة الكفر إلى نور اإلٌمان ,ومن ظلمة الجهل إلى نور العلم والمعرفة ,ومن ظلمة الظلم إلى نور الحق والعدل. وإنما وصؾ الكفر والجهل والظلم بؤنه ظلمات ,ألن شؤن الظلمة أن تجعل صاحبها الماشً فٌها تجعله فً حٌرة وشك ٌتخبط ,وربما وقع فً مكان سحٌق ,وهكذا الكفر فإن صاحبه لٌس على دلٌل قاطع ,وال برهان ساطع, وهكذا الجاهل ٌتخبط فً جهله أو جهالته بؽٌر علم ,وال ٌدري عاقبة ما ٌفعله ,وهكذا الظلم فإنه ثورة نفس وحشٌة شرسة ,فالظالم والحٌوان الوحشً المفترس هما سواء...
48
ولما كانت محامده سبحانه وكماالته ال نهاٌة لها ,كان حمد كل حامد قاصراً عن إحصاء الثناء علٌه سبحانه ,وعن اإلحاطة بمحامده ,وفً الحدٌث عن عابشة رضً هللا عنها قالت :فقدت رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ذات لٌلة ,فالتمسته فوقعت ٌدي على بطن قدمه ,وهو ساجد ٌقول {:اللهم إنً أعوذ برضاك من سخطك ,وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك, وأعوذ بك منك ال أحصً ثناء علٌك أنت كما أثنٌت على نفسك ] . وأن أحمد الحامدٌن لرب العالمٌن من األولٌن واآلخرٌن هو سٌدنا أحمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ,الذي مؤل العوالم كلها بمحامد هللا تعالى ,ولم ٌبق لؽٌره مكان ذرة ,كما دل علٌه حدٌث [:وملء ما شبت من شًء بعد] ,وكما دل علٌه حدٌث [:فؤحمده بمحامد ال أعلمها اآلن] ,وقال [:فٌفتح هللا تعالى علً من محامده وحسن الثناء علٌه ما لم ٌفتح على أحد قبلً ] فتؤمل ذلك تعلم ٌقٌنا ً أنه ال أحد ٌحصً ثناء علٌه ,وال أحد ٌحٌط بحمده , فإن محامده سبحانه على حسب صفات كماالته ,وكماالته ال حد لها وال انتهاء ,فإن هللا تعالى قد فتح على سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم من محامده وحسن الثناء علٌه ما لم ٌفتحه على أحد ,وسٌفتح علٌه ٌوم القٌامة من محامده وحسن الثناء علٌه محامد ال ٌعلمها اآلن ؛ وهكذا إلى ما ال نهاٌة . ولذلك أعطً مقام لواء الحمد الذي تحته جمٌع الحامدٌن من النبٌٌن والمرسلٌن وأممهم ,ولذلك سماه هللا تعالى أحمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وهذا من باب التسمٌة العلمٌة المبلزمة للوصفٌة ,فهو لٌس داالً على الذات فحسب ؛ بل على الصفات . قال تعالى { :ومبشراً برسول ٌؤتً من بعدي اسمه أحمد } صلى هللا علٌه وآله وسلم .
رواه أبو داود وؼبره. رواه الترمذي وؼٌره. 49
وأمته المتبعون له سماهم :الحمادٌن ؛ كما ورد أن أمته صلى هللا علٌه وآله وسلم الحمادون ؛ فهم فً أعلى مقام الحامدٌن الذٌن امتن هللا تعالى علٌهم بقوله { :التاببون العابدون الحامدون } فً السراء والضراء . وكان صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا أتاه األمر ٌسره قال [ :الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات ] ,وإذا أتاه األمر ٌكرهه قال [:الحمد هلل على كل حال] رواه الحاكم ,وابن السنً ,عن عابشة رضً هللا عنها ,وفً رواٌة[: رب أعوذ بك من حال أهل النار]. وهذا مقام له فضله. كما ورد :إن أول ما ٌدعى إلى الجنة ٌوم القٌامة الذٌن ٌحمدون هللا تعالى فً السراء والضراء. والحمد هو رأس الشكر ,كما جاء فً الحدٌث ,عن ابن عمرو رضً هللا عنهما مرفوعا ً [:الحمد رأس الشكر ,ما شكر هللا تعالى عبد لم ٌحمده] رواه البٌهقً وؼٌره ,وقد رمز الحافظ السٌوطً إلى حسنه. وفً حدٌث الطبرانً ,عن األسود بن سرٌع مرفوعا ً [:إن هللا تعالى ٌحب أن ٌحمده] فالحامد هلل تعالى هو محبوب عند هللا تعالى. وروى اإلمام أحمد وؼٌره ,عن انس رضً هللا عنه قال :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا أوى إلى فراشه قال [:الحمد هلل الذي أطعمنا وسقانا ,وكفانا وآوانا ,فكم ممن ال كافً له وال مإوي له ]. وفً (المسند) وؼٌره ,عن أبً سعٌد رضً هللا عنه قال :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا فرغ من طعامه قال [:الحمد هلل الذي أطعمنا وسقانا ,وجعلنا من المسلمٌن ]. وروى ابن السنً ,عن أنس رضً هللا عنه قال :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا نظر وجهه فً المرآة قال [:الحمد هلل الذي سوى خلقً فعدله ,وكرم صورة وجهً فحسنها ,وجعلنً من المسلمٌن].
50
وروى الطبرانً وؼٌره ,عن ابن عباس رضً هللا عنهما قال :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا نظر فً المرآة قال [:الحمد هلل الذي حسن خلقً وخلقً ,وزان منً ما شان من ؼٌري]. وإذا لبس نعله بدأ بالٌمنى ,وإذا خلع خلع الٌسرى ,وإذا دخل المسجد أدخل رجله الٌمنى ,وكان صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌحب التٌمن فً كل شًء: أخذ وعطاء. فهو سبحانه ٌحمد لكماله وجماله وجبلله ,ولذلك كان صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌقول كما جاء فً الحدٌث المتفق علٌه ,عن ابن عباس رضً هللا عنهما ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌقول [:اللهم ربنا لك الحمد أنت قٌم السماوات واألرض ومن فٌهن ,ولك الحمد أنت رب السماوات واألرض ومن فٌهن ,ولك الحمد أنت نور السماوات واألرض ومن فٌهن, ولك الحمد أنت مالك السماوات واألرض ومن فٌهن ,ولك الحمد أنت الحق ,ووعدك حق ,ولقاإك حق ,والجنة حق ,والنار حق ,والنبٌون حق, ومحمد صلى هللا علٌه وآله وسلم حق ]...الحدٌث. وإلٌه اإلشارة بقوله تعالى {:الحمد هلل} أي :ألنه هو هللا اإلله الحق, المتصؾ بالكماالت المطلقة التً ال نهاٌة لها ,وكماالته ذاتٌة له ,فحق له أن ٌحمد نفسه ,وأن ٌؤمر عباده بحمده سبحانه ,وٌحمد لنعمه ونواله. ومن ذلك محامده صلى هللا علٌه وآله وسلم عقب األكل والشرب. وفً الحدٌث الذي رواه الترمذي [:إن هللا تعالى لٌرضى عن العبد أن ٌؤكل األكلة فٌحمده علٌها]. وٌدخل تحت هذا الحمد الشكر ,ألن الحمد رأس الشكر ,كما تقدم. وإلٌه ٌشٌر قوله تعالى {:رب العالمٌن} ـؤي :خالقهم ورازقهم ومالكهم ومربٌهم ,وسٌدهم المطلق ,فإن اسم الرب له معان: فقد ٌراد به الخالق ,وهذا هو هللا تعالى وحده ,فبل ٌراد به ؼٌره ,وقد ٌراد به المالك ,فإذا وصؾ به العبد وجب تقٌٌده ,فتقول :رب الدار أي: مالكها ,وقد ٌراد به السٌد ,قال تعالى – إخباراً عن ٌوسؾ علٌه السبلم 51
{:قال ارجع إلى ربك فسبله ما بال النسوة التً قطعن أٌدٌهن }اآلٌة -أي:ارجع إلى سٌدك ,-وقد ٌراد به المربً ,فٌقال :فبلن رب العابلة ,ففً جمٌع ذلك إذا وصؾ به العبد ٌجب تقٌٌده. فإطبلق اسم الرب هذا خاص باهلل تعالى ,فإنه سبحانه هو الرب المطلق, فبل ٌجوز اسم الرب على العبد ,كؤن تقول فبلن رب ,فإن اسم الرب إذا أطلق ال ٌراد به إال هللا تعالى . كما جاء فً (صحٌح) مسلم وؼٌره ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌقول [:اللهم ربنا ورب كل شًء أنا شهٌد أنك الرب وحدك ال شرٌك لك. اللهم ربنا ورب كل شًء أنا شهٌد أن محمداً عبدك ورسولك. اللهم ربنا ورب كل شًء أنا شهٌد أن العباد كلهم إخوة. اللهم ربنا ورب كل شًء اجعلنً مخلصا ً لك وأهلً فً كل ساعة من الدنٌا واآلخرةٌ -ا ذا الجبلل واإلكرام اسمع واستجب]. فاعتبر فً قوله صلى هللا علٌه وآله وسلم [:أنا شهٌد أنك الرب وحدك ال شرٌك لك ] ,فؤطلق اسم الرب على هللا تعالى وحده ,ومن هنا تعلم أن اسم الرب باإلطبلق ال ٌطلق إال على هللا رب العالمٌن. ومن خصابص اسم الرب أن فٌه إجابة الدعاء ,وٌستحب تكرٌره كما روى البزار ,عن عابشة أم المإمنٌن رضً هللا عنها ,عن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:إذا قال العبد ٌا رب أربعا ً قال هللا تعالى :لبٌك عبدي سل تعطه]. ورواٌة ابن أبً الدنٌا كما تقدم ٌقول [:رب رب ]. روى الطبرانً وؼٌره ,من حدٌث سعد ٌن خارجة ,أن قوما ً شكوا إلى النبً صلى الهو علٌه وآله وسلم قحوط المطر فقال [ :اجثوا على الركب , وقولواٌ :ا رب ٌا رب ,وارفعوا السبابة إلى السماء ] ففعلوا ذلك فسقوا, حتى أحبوا أن ٌكشؾ عنهم المطر.
52
وفً (المسند) وؼٌره ,عن الفضل بن عباس رضً هللا عنهما ,عن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:الصبلة مثنى مثنى ,وتشهد فً كل ركعتٌن ,وتضرع و وتخشع ,وتمسكن ,وتفتح ٌدٌك تقول ترفعهما إلى ربك مستقببلً بهما وجهك ,وتقولٌ :ا رب ٌا رب ,فمن لم ٌفعل ذلك فهً خداج] أي :صبلته ناقصة. وروى ٌزٌد الرقاشً ,عن أنس رضً هللا عنه مرفوعا ً [:ما من عبد ٌقول ٌا رب ٌا رب ٌا رب ,إال قال له ربه لبٌك لبٌك]. وعن عطاء ( :ما من عبد ٌقول ٌا رب ثبلثا ً إال نظر هللا تعالى إلٌه). {الحمد هلل رب العالمٌن} وأنواع العالمٌن ال ٌعلمها إال خالقها ,والعامل ما سوى هللا تعالى من كل موجود ؛ مؽٌب أو مشهود . قال تعالى {:فتبارك هللا رب العالمٌن}. فالعوالم كثٌرة كبٌرة فمنها نفسٌة ,ومنها آفاقٌة تشاهدها. وفً قوله تعالى {:رب العالمٌن} ٌنبه هللا تعالى إلى أمور فٌها بٌنات وبٌانات : أووًال :تعرٌؾ العباد ,وحملهم على اإلقرار بوجوب وجوده ,فإنهم ٌبصرون وٌشاهدون العوالم وال ٌنكرونها ,ألنها موجودة مشهودة ,وهً عبلمات مثبتة لصانعها ,فمن الذي صنعها ,فإنهم ال ٌستطٌعون ذلك. إذاً إن لها خالقا ً خلقها ,ألنهم ال ٌستطٌعون خلقها ,فمن رأى البناٌة أٌقن بوجود البانً ,ومن رأى األشجار أٌقن بوجود الؽارس لها ,ومن رأى اآلالت أٌقن بوجود القوى المحركة لها -ولو لم ٌشهدها -ومن رأى المصنوعات أٌقن بوجود صانعها؛ فهذا العالم المصنوع صنعه من ؟ نعم كما قال هللا تعالى {:صنع هللا الذي أتقن كل شًء}. ولذلك قال تعالى {:أفً هللا شك فاطر السماوات واألرض}.
53
فإذا شاهدوا العوالم بؤعٌنهم فقد شاهدوا وعاٌنوا قدرة هللا تعالى ,الذي خلقها وأبدعها ,وشاهدوا حكمته؛ أٌقنوا بعلمه المحٌط بكل شًء قال تعالى {:أال ٌعلم من خلق } ؟! فالعلم بالخلق سابق على التخلٌق ,والعلم بصنع البناء سابق على إقامة البناء عقبلً ,فرإٌتهم مظاهر الصفات وآثارها تدلهم وتعرفهم باهلل تعالى , المتصؾ بجمٌع الكماالت المطلقة ,معرفة تحملهم على الٌقٌن الجازم ,بل تحملهم على عٌن الٌقٌن بوجوب وجود هللا تعالى رب العالمٌن ,ووحدانٌته, وحقٌة ألوهٌته ,وأن كماالته ال تنتهً. فالقدرة ما لها انتهاء كما قال تعالى {:ما خلقكم وال بعثكم إال كنفس واحدة}. فإن نسبة القلٌل والكثٌر إلى ما ال ٌنتهً هً متساوٌة ,وإذا اختلفت دل على التناهً ,فإن نسبة العشرة والمابة إلى العدد الكبٌر المتناهً متفاوتة ,ولكن نسبتهما إلى ما ال ٌتناهى متساوٌة فافهم. وفً الحدٌث [ :ما السماوات السبع واألرضون السبع فً الكرسً إال كحلقة فً فبلة ,والكرسً فً العرش كتلك الحلقة]. وقد فهم العارفون من هذا الحدٌث أن العوالم كروٌة مستدٌرة ,ألنه صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌشبه ذلك بالحلقة ,وهً مستدٌرة. وفً الحدٌث [:إن هلل ملكا ً لو أمره هللا تعالى أن ٌبتلع السماوات واألرض بلقمة البتلعها ,تسبٌحه :سبحانك حٌث كنت ] رواه الطبرانً. وفً الحدٌث [:أذن لً أن أحدث عن ملك من مبلبكة هللا تعالى :أن ما بٌن شحمة أذنه إلى عاتقه مسٌرة سبعمابة عام] رواه أبو داود. فالقدرة اإللهٌة ما لها نهاٌة ,فما صدر عنها من صؽٌر وكبٌر؛ ومن جزبً وكلً؛ فذلك بالنسبة للقدرة على حد سواء ,كما قال تعالى {:ما خلقكم وال بعثكم إال كنفس واحدة}. وعلمه سبحانه ما له انتهاء ,كما قال تعالى { :وما أوتٌتم من العلم إال قلٌبلً } .
54
ومهما أقللت من هذه القلة و وتصورت من قلتها ,فالواقع أقل ,ولذا قال سٌدنا الخضر لسٌدنا موسى على نبٌنا وعلٌهما الصبلة والسبلم كل حٌن وأوان ,قال له [ :ما علمً وعلمك وعلم سابر الخبلبق فً علم هللا تعالى إال كما أخذ هذا العصفور من البحر ] . . .متفق علٌه . فعلم هللا تعالى وجمٌع صفاته ال حد لها وال انتهاء ,فإن إلٌه المنتهى ولكنه لٌس له انتهاء ,وبٌان ذلك بمثل تقرٌبً ,للفرق بٌن الكثٌر وبٌن ما ال ٌتناهى ,مثل ذلك :لو أن هللا تعالى أمر ملكا ً من المبلبكة علٌهم السبلم بنقل تراب عالم الدنٌا إلى عالم آخر ,فجعل الملك ٌنقل تراب الدنٌا كل ملٌون سنة واحدة من التراب ,حسب ما أمر بذلك فهو كم ٌحتاج ؟ ٌحتاج إلى المبلٌٌن الكثٌرة من السنٌن حتى ٌنقلها كلها إلى عالم آخر ,فمهما كثرت تلك السنون فهذه المدة الطوٌلة كلها متناهٌة؛ وإن طالت دهوراً وعصوراً ,وهذه المدد الطوٌلة كلها تعتبر من باب المتناهٌات ,وأما ما ال ٌتناهى فهو ما ال ٌتناهى بحد وال بمقدار ,وال بامتداد الدهور وال األعصار ,وال ٌدخل تحت حكم العد وال اإلحصاء ,وال اإلحاطة وال االستقصاء ,من جمٌع الوجوه واالعتبارات ,فسبحان من أحاط علمه بالمتناهٌات والبلمتناهٌات. انٌا ًال :فٌه بٌان فقر العالم إلى ربه ,وؼنى الرب سبحانه بالذات عن العالمٌن ,وإن فقر العالم إلى ربه هو فقر ذاتً من جمٌع الوجوه واالعتبارات ,وإن ؼنى الرب سبحانه عما سواه هو ؼنى مطلق ذاتً له وحده ,فإن رب العالمٌن هو خالقهم ومربٌهم ,فالعالم فً كل لحظة أو لمحة بصر بل أقرب من ذلك محتاج ومفتقر إلى أن ٌمده هللا تعالى بالوجود ,وما ٌتطلبه هذا الموجود مما ٌتوقؾ علٌه نظام بقابه ووجوده ,فإن المربوب ال ٌستؽنً عن ربه سبحانه وتعالى. فإن جمٌع األشٌاء -كما قرره أهل العلم -هً لدى السبر والتقسٌم عقبلً وواقعٌا ً هً ثبلثة أقسام-1:الواجب وجوده-2,المستحٌل وجوده- 3 ,الممكن وجوده وعدمه.
55
فواجب الوجود الذي ال ٌجوز فً العقل عدمه أزالً وأبداً هذا هو هللا تعالى وحده ,بؤسمابه الحسنى ,وصفاته العلٌا جل وعبل سبحانه وتعالى ,وهذا ثابت باألدلة القاطعة ,والبراهٌن الساطعة ,كما هو مفصل فً موضعه . وأما المستحٌل وجوده فهو ما ٌحٌل العقل وجوده باألدلة القطعٌة أٌضا ً , كتعدد اآللهة ,وشرٌك الباري تعالى ,ونحو ذلك . وأما الممكن وجوده وعدمه ,فهذا لٌس له من نفسه إال العدم ولكن ال على وجه االستحالة كما هو فً المستحٌل ,بل الممكن هو قابل للوجود من موجده وهو هللا تعالى ,فإذا أفاض هللا تعالى نور الوجود علٌه صار موجوداً بإٌجاده سبحانه ,قال تعالى { :إنما قولنا لشًء إذا أردناه أن نقول له كن فٌكون } . أي :فٌظهر فً عالم الكون بالوجود الخارجً ,ولكن هذا الوجود الذي ظهر به الممكن لٌس واجبا ً له ,وال ٌملكه ,فبل ٌستؽنً عن موجده لمحة بصر ؛ وال أقل من ذلك ,بل هو مفتقر إلى إمداد هللا تعالى له بالوجود فً كل لمحة بصر ؛ بل أقرب من ذلك ,فما أشد فقر العالم إلى ربه ,وما أعظم ؼناء – سبحانه – عن ؼٌره ,قال تعالى ٌ { :ا أٌها الناس أنتم الفقراء إلى هللا وهللا هو الؽنً الحمٌد .إن ٌشؤ ٌذهبكم وٌؤت بخلق جدٌد }. ال ا ًال :فٌه التحدي واإلعبلن لجمٌع العباد ,بعجزهم عن أن ٌخلقوا مثل هذا العالم ,بل هم عاجزون عن إحاطته ,فهو سبحانه رب العالمٌن وحده ال شرٌك له ,فهذه الكواكب وهذه الشمس ,وهذه األرض ,وسٌرها بحسبان دقٌق ,وإٌقاعها فً أفبلكها ومواقعها المعٌنة لها ؛ ذلك تقدٌر العزٌز العلٌم ,وهكذا الجبال والبحار ,والهواء والماء؛ فجمٌع ذلك تعجز عن إٌجاده قدرة العباد ولو كان بعضهم لبعض ظهٌراً ,فإذاً ٌقال من الذي أوجدها ؟ نعم هذا هوهللا رب العالمٌن ,فالحمد هلل رب العالمٌن حقا ً . رابعا ًال :فٌه بٌان كثرة العوالم وعظمها ,فإن هللا تعالى العلً العظٌم ,لما مدح نفسه ,وحمد نفسه سبحانه بؤنه رب العالمٌن ,دل ذلك على أن أمر العوالم عظٌم خلقا ً وتدبٌراً ,وأحكاما ً وحكمة . . .وكلمة { العالمٌن } أي :هً كثٌراً جداً ال تحصى ,فمن ذلك :عالم األمر والخلق وسعتهما , 56
وعالم الملكوت ,وعالم الجبروت ,وعالم العرش ,وعالم الكرسً , وعالم القلم ,وعالم اللوح ,وعالم المثال ,وعالم البرزخ ,وقد ذكرت جملة من العوالم العلوٌة فً كتاب ( :هدي القرآن الكرٌم إلى معرفة العوالم والتفكر فً األكوان ) فارجع إلٌه . ومن جملة العوالم التً مر علٌها اإلنسان :عالم األرواح ,وعالم الذر و وعالم األصبلب ,وعالم الرحم ,وعالم الدنٌا ,وعالم النوم . وأما العوالم التً سٌمر علٌها اإلنسان بعد الموت فقد ذكرت ذلك فً الكتاب ( :اإلٌمان بعوالم اآلخرة ومواقفها ) . ولكل عالم من هذه العوالم التً مر علٌها اإلنسان أحكام وخصابص : فعالم الذر هو المذكور فً قوله تعالى { :وإذ أخذ ربك من بنً آدم من ظهورهم ذرٌتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى } – أي : أنت ربنا حقا ً – { شهدنا أن تقولوا ٌوم القٌامة إنا كنا عن هذا ؼافلٌن } . وعالم األصالب هو المذكور فً قوله تعالى – ممتنا ً على هذه األمة المحمدٌة { :إنا لما طؽا الماء حملناكم فً الجارٌة } – أي :الطوفان العام نصرة لنوح علٌه السبلم حملناكم ٌا أمة محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم – { فً الجارٌة } السفٌنة حٌث كنتم فً أصبلب الذٌن ركبوا مع نوح علٌه السبلم { لنجعلها لكم تذكرة وتعٌهآ أذن واعٌة } – أي :لتذكروا هذه النعمة علٌكم ,وتعوا ؛ فتشكروا ربكم سبحانه . ولما نزلت هذه اآلٌة الكرٌمة ,قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [ : سالت ربً أن ٌجعلها أذن علً ] . قال مكحول :فكان علً رضً هللا عنه ٌقول ( :ما سمعت من رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم شٌبا ً فنسٌته ) رواه سعٌد بن منصور ,وابن جرٌر ,وابن المنذر ,وبن أبً حاتم ,وابن مردوٌه عن مكحول . وأما عالم الرحم فهو المذكور فً قوله تعالى { :هو الذي ٌصوركم فً األرحام كٌؾ ٌشاء ال إله إال هو العزٌز الحكٌم }.
57
ففً هذا العالم جرى على اإلنسان التصوٌر ,وتسجٌل التقدٌر :بكتب رزقه ,وأجله ,وشقً أو سعٌد ,وخص كل إنسان بصورة لٌست كؽٌرها من صورة من بنً آدم ,وأجرى هللا تعالى التبدٌل والتطوٌر علٌه. قال تعالى ٌ {:خلقكم فً بطون أمهاتكم خلقا ً من بعد خلق فً ظلمات ثبلث ذلكم هللا ربكم } أي :ظلمة المشٌمة ,فً ظلمة الرحم ,فً ظلمة بطن الحامل. وقال تعالى {:هو أعلم بكم إذ أنشؤكم من األرض وإذ أنتم أجنة فً بطون أمهاتكم فبل تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} فبل تمدحوا أنفسكم ,بل احمدوا هللا تعالى الذي وفقكم ,والمعنى :أن هللا تعالى هو أعلم بكم وأحوالكم ,بعلمه القدٌم الذي ال أول له ,وهو أعلم بكم إذ أنشاكم فً ضمن نشؤة أبٌكم آدم علٌه السبلم من تراب األرض ,كما قال سبحانه {:ومن آٌاته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} ,ومن المعلوم أن األرض مختلفة البقاع والتربة فً لونها ,ومنها السهل والوعر ,ومنها الخبٌث والطٌب ,فهو سبحانه ٌعلم من أي تربة خلقكم منها. وبٌن معنى اآلٌة ما جاء فً الحدٌث عن أبً موسى األشعري رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:إن هللا تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جمٌع األرض ,فجاء بنو آدم على قدر األرض؛ جاء منهم األحمر واألبٌض واألسود وبٌن ذلك ,والسهل والحزن -أي :الؽلٌظ الذي فٌه عنؾ – والخبٌث والطٌب وبٌن ذلك ] رواه الترمذي وصححه , وأبو داود ,واحمد ,والحاكم وؼٌرهم. فخلق سبحانه من األرض الحمراء األحمر ,ومن البٌضاء األبٌض ,ومن السوداء األسود ,وهذا من حٌث األلوان ,ومن حٌث األخبلق :فخلق من سهل األرض سهل الخلق اللٌن الرفٌق ,ومن حزنها وؼلٌظها الفظ الؽلٌظ, ومن األرض الطٌبة ذات النبات الحسن خلق المإمن الطٌب ,فإنه طٌب كله ,طاب بالكلمة الطٌبة وهً :ال إله إال هللا ,قال تعالى ألم تر كٌؾ ضرب هللا مثبلً كلمة طٌبة كشجرة طٌبة أصلها ثابت وفرعها فً السماء }
58
جاء فً الحدٌث هً :ال إله إال هللا محمد رسول هللا صلى اله علٌه وآله وسلم . وخلق من األرض الخبٌثة الكافر ,قال تعالى {:والبلد الطٌب ٌخرج نباته بإذن ربه والذي خبث ال ٌخرج إال نكداً كذلك نصرؾ اآلٌات لقوم ٌشكرون}. وقد روى سعٌد بن منصور ,وأبو حاتم ,عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه : ( إن هللا تعالى لما أراد أن ٌخلق آدم علٌه السبلم بعث ملكا ً من حملة العرش ٌؤتً بتراب من األرض ,فاخذ من وجهها -أي :من أدٌم األرض كلها -ومن طٌبها وخبٌثها) الحدٌث كما فً شرح المناوي وهللا تعالى أعلم. وأما علم المنام فهو المذكور فً قوله تعالى {:ومن آٌاته منامكم باللٌل والنهار وابتؽاإكم من فضله إن فً ذلك آلٌات لقوم ٌسمعون}. ففً هذه اآلٌات ,ذكر سبحانه عالمً المنام والٌقظة,وقرن بٌنهما ,لٌعلم اإلنسان أن عالم المنام هو عالم حقٌقً لٌس وهمٌا ً ,بل له آثاره ,أال ترى النابم إلى جانبك ٌرى ما ٌسره فٌضحك؛ وأنت تراه ٌضحك ,وٌرى ما ٌخفٌه فٌبكً؛ وأنت قد تراه ٌبكً وٌصٌح وٌصرخ ,وقد ٌرى من ٌخاصمه وٌجادله فقد ٌعلو صوته وأنت تسمع ما ٌقوله أحٌانا ً ...إلخ. فهذا دلٌل على أن المنام عالم حقٌقً له آثاره ,وٌرى فٌه الرإٌا الصادقة والصالحة ,وقد ٌرى فٌه األحبلم المختلطة ,وٌعتبر عالم المنام برزخا ً بٌن عالم الدنٌا وبٌن عالم برزخ اآلخرة بعد الموت ,ولذلك قد ٌرى النابم ماذا ٌحصل أو ٌقع فً الٌقظة ,ألن تلك األمور تكون قد تنزلت حتى انتهت إلى البرزخ بٌن الدنٌا واآلخرة ,وربما انكشؾ للنابم أمور ؼٌبٌة لعروج روحه إلى العوالم العلوٌة -والناس فً ذلك على مراتب مختلفة. وٌدلك على أن عالم المنام له اعتباره الحقٌقً ,ما ذكره هللا تعالى عن ٌوسؾ الصدٌق على نبٌنا وعلٌه الصبلة والسبلم {:إذ قال ٌوسؾ ألبٌه ٌا أبت إنً رأٌت أحد عشر كوكبا ً والشمس والقمر رأٌتهم لً ساجدٌن }.
59
ثم ذكر سبحانه تحقق تلك الرإٌا وتؤوٌلها ,فقال سبحانه {:فلما دخلوا على ٌوسؾ ءاوى إلٌه أبوٌه وقال ادخلوا مصر إن شاء هللا آمنٌن .ورفعع أبوٌه على العرش وخروا له سجداً وقال ٌا أبت هذا تؤوٌل رإٌاي من قبل قد جعلها ربً حقا ً }. وقد تكلمت على أنواع الرإٌا وآدابها فً كتابً ( :الدعاء) وؼٌره ,كما ذكرت جملة من العوالم العلوٌة فً كتاب ( :هدي القرآن الكرٌم إلى معرفة العوالم والتفكر فً األكوان) فارجع إلٌه ٌنفعك بإذن هللا تعالى . { الرحمن الرحٌم} جٌا بهذٌن الوصفٌن بعد قوله سبحانه {:الحمد هلل رب العالمٌن} وفً هذا وجوه من الحكم: أوالً :بٌان أن رحمته مبلزمة لربوبٌته ,فهو سبحانه رب العالمٌن أي: خالقهم ,وملكهم أي :المدبر أمورهم والمتصرؾ فٌهم ,ومالكهم فهم مملوكون له ,وسٌدهم فالكل عباده ,ولكن جمٌع ذلك قابم على أساس الرحمة ,فخلقه وتدبٌره أمور عباده وتصرفه فٌهم كل ذلك محاط بالرحمة ,قال تعالى {:الرحمن على العرش استوى} ,فالعرش العظٌم محٌط بجمٌع العوالم وهو – أي :العرش -محاط باسم الرحمن. وقال سبحانه – فً سورة ٌونس {:-إن ربكم هللا الذي خلق السماوات واألرض فً ستة أٌام ثم استوى على العرش ٌدبر األمر} اآلٌة. فتدبٌره أمور عباده ومخلوقاته كل ذلك صادر عن رحمانٌته ,ومن المعلوم أن العرش العظٌم هو محٌط بج مٌع العوالم ,كما دلت على ذلك األحادٌث النبوٌة ,وقد ذكرت ذلك مفصبلً فً متابً ( :هدي القرآن الكرٌم إلى معرفة العوالم ). ثانٌا ً :إن ذكره سبحانه هاتٌن الصفتٌن { الرحمن الرحٌم} بعد قوله {:الحمد هلل رب العالمٌن} فٌه بٌان وجه من وجوه استحقاقه للحمد وذلك ألنه { الرحمن الرحٌم}.
60
ثالثا ً :فٌه بٌان أن رحمته وسعت جمٌع الخبلبق ,وجمٌع العالمٌن فً جمٌع العوالم الماضٌة واآلتٌة ,على مختلؾ أجناسها وأصنافها ,كما قال سبحانه {:ورحمتً وسعت كل شًء}. رابعا ً :لقد ذكر هللا تعالى فً سورة الرحمن التً افتتحها باسمه الرحمن؛ ذكر فٌها شمول رحمته وشواهد ذلك ومشاهد ذلك ,فعدد أصنافا ً كثٌرة وأنواعا ً كبٌرة من آثار اسمه الرحمن ,ومظاهره فً األكوان ,وما فً ذلك من نعمه وآالبه فً الدنٌا واآلخرة ,وكلما ذكر صنفا ً من النعم أردفها بقوله تعالى {:فبؤي آالء ربكما تكذبان } امتنانا ً علٌهم بما هم ٌقرون به ,وال ٌمكنهم إنكاره ,فً سورة الرحمن ترى مظاهر هذا االسم وآثاره المتجلٌة فً جمٌع العوالم واألكوان :المشهودة بالجنان ,والمبصرة بالعٌان؛ الساطعة البرهان على وجه ال ٌختلؾ فٌه اثنان ,كما قال سبحانه {:فبؤي آالء ربكما تكذبان }. وقد نقل الحافظ البٌهقً عن العبلمة أبً سلٌمان الخطابً أنه قال :ذهب الجمهور من الناس – أي :العلماء -أن اسم الرحمن مشتق من الرحمة, مبنً على المبالؽة -أي :جاء على صٌؽة فعبلن التً تدل على المبالؽة- ومعناه ذو الرحمة التً ال نظٌر له فٌها سبحانه ,ولذلك ال ٌثنى وال ٌجمع, كما ٌثنى اسم الرحٌم وٌجمع ,وبناء فعبلن فً كبلمهم – كبلم العرب- بناء المبالؽة ٌ ,قال لشدٌد االمتبلء :مآلن ,ولشدٌد الشبع :شبعان. قال رحمه هللا تعالى :والذي ٌدل على مذهب االشتقاق فً هذا االسم – أي :اسم الرحمن من الرحمة خبلفا ً لمن أنكر اشتقاقه – حدٌث عبد الرحمن بن عوؾ رضً هللا عنه ,أنه سمع رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌقول [:قال هللا عز وجل :أنا الرحمن خلقت الرحم ,وشققت لها اسما ً من اسمً ,فمن وصلها وصلته ,ومن قطعها قطعته]. قال الخطابً رحمه هللا تعالى :فالرحمن هو ذو الرحمة الشاملة التً وسعت الخلق فً أرزاقهم وأسباب معاٌشهم ومصالحهم ,وعمت المإمن والكافر والصالح والطالح ,وأما الرحٌم فخاص بالمإمنٌن لقوله تعالى {: وكان بالمإمنٌن رحٌما ً}.
61
قال :والرحٌم وزنه فعٌل بمعنى فاعل ,وبناء فعٌل أٌضا ً للمبالؽة كعالم وعلٌم وقادر وقدٌر.اه. فاهلل تعالى و الرحمن الرحٌم و وهو سبحانه خٌر الرحمٌن ,كما قال سبحانه {:وقل رب اؼفر وارحم وأنت خٌر الراحمٌن } ,وهو سبحانه أرحم الراحمٌن ,قال تعالى {:وأٌوب إذ نادى ربه أنً مسنً الضر وأنت أرحم الراحمٌن}. وهذا من جملة االسم األعظم الذي إذا دعً هللا تعالى به أجاب ولذلك قال تعالى {:فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر } اآلٌة. ومن دعابه صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :اللهم إنً أشكو إلٌك ضعؾ قوتً ,وقلة حٌلتً ,وهوانً على الناس ٌ ,ا أرحم الراحمٌن ] الحدٌث المشهور وقد ذكره بتمامه فً كتاب ( الدعاء ) . وروى أبو الشٌخ وؼٌره ,عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [ :ألح رجل بٌا أرحم الراحمٌن – أكثر من دعابه ٌا أرحم الراحمٌن – فنودي أن قد سمعتك فما حاجتك ] أي :فسل تعط . وروى الحاكم ,عن أبً أمامة رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [ :إن هلل تعالى ملكا ً موكبلً بمن ٌقول ٌ :ا أرحم الراحمٌن , فمن قالها ثبلثا ُ ,قال له الملك :إن أرحم الراحمٌن قد أقبل علٌك فسل ] أي :تعط . وروى العبلمة السهٌلً بسنده إلى اللٌث بن سعد قال :بلؽنً أن زٌد بن حارثة اكترى – أستؤجر -بؽبلً من رجل ,واشترط علٌه أن ٌنزله حٌث شاء زٌد . قال :فمال به -صاحب البؽل -إلى خربة فقال له :انزل فنزل ,فإذا فً الخربة قتلى كثٌر – أي :كان ٌؤخذ مالهم ثم ٌقتلهم فً تلك الخربة المهجورة بسٌؾ معه -فلما أراد أن ٌقتله ,قال له زٌد :دعنً أصلً ركعتٌن ,قال :فلما صلٌت أتانً لٌقتلنً ,قفلت :دعنً أصلً ركعتٌن , قال :فلما صلٌت أتانً لٌقتلنً ,فقلتٌ :ا أرحم الراحمٌن ,قال :فسمع 62
صوتا ً ال تقتله,فهاب الرجل من ذلك الصوت ,فخرج لٌطلب -أي :لٌبحث عن الصوت – ثم رجع إلً ,فنادٌتٌ :ا أرحم الراحمٌن -فعل ذلك ثبلثا ً- فإذا أنا بفارس على فرس بٌده حربة حدٌد ,فً رأسها شعلة نار ,فطعنه بها فؤنفذها من ظهره ,فوقع مٌتا ً ثم قال لً :أي :الفارس -لما دعوت المرة األولى ٌا أرحم الراحمٌن كنت فً السماء السابعة ,فلما دعوت الثانٌة ٌا أرحم الراحمٌن كنت فً سماء الدنٌا ,فلما دعوت المرة الثالثة ٌا أرحم الراحمٌن أتٌتك. قال الحافظ الزرقانً :وفً هذا دلٌل االعتناء بهذا الدعاء ,وأن المخلص فٌه محقق اإلجابة .اه من (المواهب وشرحها). { مالك ٌوم الدٌن} المالك :هو الذي ٌملك رقاب األشٌاء وذواتها ,فهً ملك له ,وأما الملك فهو المتصرؾ فً األمور والمدبر لها ,فاهلل تعالى هو { مالك ٌوم الدٌن} ومالك ما جمع فٌه من األولٌن واآلخرٌن ,وهو ملك ٌوم الدٌن كما جاء فً قراءة سبعٌة ,وقال تعالى {:الملك ٌومبذ هلل ٌحكم بٌنهم}. وروى البخاري ,عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ,عن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم قالٌ [:قبض هللا تعالى األرض ,وٌطوي السماء بٌمٌنه ثم ٌقول :أنا الملك أٌن ملوك األرض]. وأم ر الدٌن} فقد تطلق كلمة الدٌن على العقٌدة وما تتطلبه من األعمال واألقوال ,ومنه { :إن الدٌن عند هللا اإلسبلم} أي:االستسبلم له سبحانه, اعتقاداً بالجنان ,وعمبلً باألركان ,وقوالً باللسان. وٌقال :دان بهاعتقده وعمل به ,قال تعالى – فً الكفار {: -وال ٌدٌنون دٌن الحق}. وقد تطلق كلمة الدٌن على الحساب والجزاء ,قال تعالى {:إن األبرار لفً نعٌم .وإن الفجار لفً جحٌم ٌ .صلونها ٌوم الدٌن .وما هم عنها بؽاببٌن, وما أدراك ما ٌوم الدٌن .ثم ما أدراك ما ٌوم الدٌن ٌ .وم ال تملك نفس لنفس شٌبا ً واألمر ٌومبذ هلل}. 63
ٌقال :دانه إذا حاسبه وجازاه ,قال تعالى ٌ {:ومبذ ٌوفٌهم هللا دٌنهم الحق }...أي :جزاءهم الحق دون ظلم . وكما جاء فً الحدٌث [:الكٌس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت, والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على هللا األمانً ] . فمعنى دان نفسه :أي :حاسب نفسه فً الدنٌا قبل الموت. فالمراد بالدٌن هنا فً اآلٌة :الجزاء والحساب ,وما ٌترتب علٌه من ثواب وعقاب ,فهو سبحانه وتعالى مالك ٌوم الدٌن ,وهو ملكه وحده ال ؼٌره , كما قال سبحانه { :إن إلٌنا إٌابهم .ثم إن علٌنا حسابهم}. وكما جاء فً الحدٌث الذي رواه عبد الرزاق فً (مصنفه) عن أبً قبلبة , أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:البر ال ٌبلى ,والذنب ال ٌنسى , والدٌان – سبحانه -ال ٌموت ,اعمل ما شبت كما تدٌن تدان] أي :تحاسب. وعن عبد هللا بن أنٌس رضً هللا عنه ,أنه سمع النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌقولٌ [:حشر هللا تعالى العباد ٌوم القٌامة -أو قال :الناس -عراة ؼرالً بهما ً]. قال :قلنا :وما بهما ؟ قال [ :لٌس معهم شًء. ثم ٌنادٌهم بصوت ٌسمعه من بعد كما ٌسمعه من قرب :أنا الدٌان ,أنا الملك : ال ٌنبؽً ألحد من أهل النار أن ٌدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق ؛ حتى أقصه منه.
رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه والحاكم ,عن شداد بن أوس رضً هللا عنه, وفً رواٌة البٌهقً عن أنس رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:الكٌس من عمل لما بعد الموت ,والعاري :العاري من الدٌن ,اللهم ال عٌش إال عٌش اآلخرة.].. 64
وال ٌنبؽً ألحد من أهل الجنة أن ٌدخل الجنة وألحد من أهل الجنة عنده حق؛ حتى أقصه منه – حتى اللطمة]. قال :قلنا :كٌؾ وإننا عراة ؼرالً بهما؟ قال [:الحسنات والسٌبات. ]... وجاء { مالك ٌوم الدٌن } بعد ر الرحمن الرحٌم} لٌبٌن سبحانه كمال ربوبٌته بالرحمة لعباده المربوبٌن ,ومن الرحمة أن ٌنزل علٌهم كتبا ً و وٌرسل رسبلً فتعلمهم ما ٌنفعهم وما ٌضرهم ,بؤوامر ومناهً ,فمن أطاع فله جزاإه ,ومن أساء فعلٌه سوإه؛ فمن الرحمة إنزال الكتب وشرع الشرٌعة ,قال تعالى {:حم .تنزٌل من الرحمن الرحٌم}. وهو ٌتضمن أوامر ومناهً ,فمن أخذ بها وأطاع وأحسن فله الحسنى, ومن أساء فله السوآى -كما هو مقتضى الحكمة . قال تعالى {:فما ٌكذبك بعد بالدٌن .ألٌس هللا بؤحكم الحاكمٌن }. وفً الحدٌث ٌ [:قول هللا تعالى ٌوم القٌامة :أنا أرحم الراحمٌن ,وأحكم الحاكمٌن ]. وقال تعالى {:كبل بل تكذبون بالدٌن .وإن علٌكم لحافظٌن }....اآلٌات. و{ ٌوم الدٌن } هو من أٌام اآلخرة و وذلك ألن الٌوم اآلخر هو آخر األٌام ,وله أول وما له آخر ,فقد اشتمل هذا الٌوم على أٌام وأزمنةٌ ,وقع هللا تعالى فٌها الوقابع ,وٌحق فٌها الحقابق ,وٌجري فٌها أموراً متعددة ,فمن تلك األٌام األخروٌة ٌوم الخروج ,وٌوم الجمع ,وٌوم التناد ,وٌوم اآلزفة, وٌوم الحساب ,وٌوم العرض على هللا تعالى ,وٌوم الدٌن. وٌرحم هللا تعالى القابل : إلى دٌان ٌوم الدٌن نمضً وعند هللا تجتمع الخصوم رواه اإلمام أحمد بإسناد حسن. 65
سنعلم فً المعاد إذا التقٌنا ؼداً عند الحساب من الظلوم فٌوم الخروج قال هللا تعالى ٌ { :وم ٌسمعون الصٌحة بالحق ذلك ٌوم الخروج .إنا نحن نحًٌ ونمٌت وإلٌنا المصٌرٌ .وم تشقق األرض عنهم سراعا } اآلٌات . وهو ٌوم الجمع قال تعالى { :وتنذر ٌوم الجمع ال رٌب فٌه } اآلٌة . وقال تعالى { :وٌوم نسٌر الجبال وترى األرض بارزة وحشرناهم فلم نؽادر منهم أحداً } أي :جمعناهم فً صعٌد واحد . { مالك ٌوم الدٌن }. أي :الجزاء ,ومنه قوله تعالى { :وإن الدٌن لواقع } أي :الجزاء والحساب ,وهذا فً الٌوم اآلخر . فهما ٌومان ٌ:وم الدنٌا المشتمل على السنٌن واألٌام ,والٌوم اآلخر المشتمل على أٌام متعددة تجري فٌها وقابع وأمور ؛ ٌوقعها هللا تعالى إلى أن ٌنتهً أمر العباد إلى الجنة أو النار . فالٌوم اآلخر ٌشتمل على أٌام – كما تقدم – فمنها : ٌوم الخروج ,وٌوم التناد ,وٌوم الجمع – أي :الحشر . وٌوم العرض على هللا تعالى كما قال سبحانه ٌ { :ومبذ تعرضون ال تخفى منكم خافٌة } اآلٌة . وٌوم الحسرة كما قال سبحانه {:وأنذرهم ٌوم الحسرة } . وٌوم التبلق كما قال سبحانه ٌ {:لقً الروح من أمره على من ٌشاء من عباده لٌنذر ٌوم التبلق} . وٌوم الفصل ,وهو القضاء بٌن العباد ,كما قال سبحانه {:إن ٌوم الفصل كان مٌقاتا ً}.
66
وٌوم اآلزفة كما قال سبحانه {:وأنذزهم ٌوم األزفة } أي :القٌامة القرٌبة , وذلك بالنسبة لما مضى . قال تعالى {:أزقت األزفة .لٌس لها من دون هللا كاشفة } أي :نفس كاشفة وقت وقوعها ,أو مزٌلة ألهوالها. وفً ذلك الٌوم ٌكون القضاء بٌن العباد ,قال تعالى {:وجاء ربك والملك صفا ً صفا ً } فلما جاء لفصل القضاء ,أشرقت األرض بنور ربها ,قال تعالى {:وأشرقت األرض بنور ربها } أي :حٌن تجلى لفصل القضاء , وبهذا النور ظهرت خفاٌا األمور ,وخباٌا الصدور ,فهنا علمت نفس ما أحضرت ,ووجدت ما عملت ,ألن قوة النور تظهر دقابق األمور . وفً قوله تعالى {:وأشرقت األرض } دلٌل قوة نورها ,قال سبحانه {:هللا نور السماوات واألرض} أي :فهو نورها ,وبه ظهورها ,فؤظهرها بؤنواره من ظلمات العدم فصارت ظاهرة ,موجودة بنور الوجود المفاض علٌها من واجب الوجود ,الذي أشرقت له الظلمات فصلح أمر الدنٌا واآلخرة . وقد جاء فً دعابه صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌوم الطابؾ [ :اللهم إنً أشكو إلٌك ضعؾ قوتً وقلة حٌلتً ,وهوانً على الناس . ٌا أرحم الراحمٌن :إلى من تكلنً ,إلى عدو ٌتجهمنً – أيٌ :تلقانً بالؽلظة والوجه الكرٌه – أم إلى قرٌب ملكته أمري ,إن لم ٌكن بك ؼضب علً فبل أبالً – وفً رواٌة [:إن لم تكن ساخطا ً علً فبل أبالً ] – ؼٌر أن عافٌتك أوسع لً . أعوذ بنور وجهك الكرٌم الذي أضاءت له السماوات واألرض ,وأشرقت له الظلمات ,وصلح علٌه أمر الدنٌا واآلخرة :أن تحل علً ؼضبك ,أو تنزل علً سخطك . ولك العتبى – أي :الرجوع عما ال ٌرضٌك – حتى ترضى وال حول وال وقوة إال بك ] رواه الطبرانً وؼٌره عن عبد هللا بن جعفر . { مالك ٌوم الدٌن } . 67
فً ذلك تنبٌهات متعددة : األول :فٌه تنبٌه إلى حقٌة ذلك الٌوم ,ومعقولٌته ,وحكمته ,ولك أن القضٌة هً دٌن ,أي :جزاء ,ومن المعلوم أن الجزاء إنما ٌكون عقبلً على حسب العمل ,فالمحسن له إحسانه ,والمسًء علٌه سوإه { لٌجزي الذٌن أساإوا بما عملوا وٌجزي الذٌن أحسنوا بالحسنى } وهذا مما ٌقره كل ذي عقل . فقوله تعالى { :مالك ٌوم الدٌن } جاء بعد قول ه تعالى :ر الحمد هلل رب العالمٌن .الرحمن الرحٌم } . فإن هللا تعالى رب العالمٌن ,ومن شؤنه أنه ٌربً عباده ,وٌدلهم على ما فٌه صبلحهم ,وٌحذرهم ما فٌه فسادهم ,وذلك بإنزال الشرابع اإللهٌة , والكتب اإللهٌة التً جاءت به الرسل علٌهم السبلم ,فمن العباد من حقق تلك اإلرشادات والتعالٌم اإللهٌة الشرعٌة ,فؤحسن العمل وأصلحه ,ومنهم من خبلؾ تلك اإلرشادات والشرابع فؤفسد وأساء ,فبل بد من مقتضً الحكمة أن ٌلقً كل جزاء ما عمله ,كما قال سبحانه { :لٌجزي الذٌن أساإوا بما عملوا وٌجزي الذٌن أحسنوا بالحسنى } . وقال تعالى { :هل جزاء اإلحسان إال اإلحسان } . وقال سبحانه { :للذٌن أحسنوا الحسنى وزٌادة } اآلٌة . فجاء { مالك ٌوم الدٌن} ٌبٌن حكمة رب العالمٌن فً جمعه الناس ٌوم الدٌن ,وأنه ا بد منه ,ألنه ٌوم فٌه جزاء كل عامل بعمله ,كما قال صلى هللا علٌه وآله وسلم فً خطبته [:أال وإن الدنٌا عرض حاضر ٌ ,ؤكل منه البر والفاجر ,أال وإن اآلخرة أجل صادق ٌقضً فٌها ملك قادر. أال وإن الخٌر كله بحذافٌره فً الجنة ,أال وإن الشر كله بحذافٌره فً النار. أال فاعملوا وأنتم من هللا على حذر ,واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم ,فمن ٌعمل مثقال ذرة خٌراً ٌره ,ومن ٌعمل مثقال ذرة شراً ٌره ]. 68
قال فً (المشكاة) :رواه الشافعً رضً هللا عنه ,وفً (الدر المنثور): رواه أبو نعٌم والحسن بن سفٌان فً (مسنده). كما قال تعالى ٌ {:ا أٌها اإلنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ً فمبلقٌه } أي: إنك كادح فً هذه الدنٌا إلى أن تلقى ربك فٌجازٌك وٌحاسبك . الثانً :التنبٌه إلى إحسان العمل ,ألنه سوؾ ٌجازى علٌه ,واإلبعاد عن السوء ألنه سوؾ ٌلقى سوء ما عمل. الثالث :أن ذلك مقتضى الحكمة ,ألن المساواة بٌن المحسن والمسًء ؼٌر معقولة وال مقبولة ,كما أنه ال تتساوى األضداد :العلم والجهل ,والظلمة والنور ,قال تعالى {:أم نجعل الذٌن آمونا وعملوا الصالحات كالمفسدٌن فً األرض أم نجعل المتقٌن كالفجار .كتاب أنزلناه مبارك لٌدبروا آٌاته ولٌتذكر أولوا األلباب }. وقال تعالى {:فما ٌكذبك بعد بالدٌن ,الٌس هللا بؤحكم الحاكمٌن }. فالدٌن – أي :الجزاء على األعمال – هو مقتضى الحكمة اإللهٌة ,وهللا تعالى ٌوفٌهم دٌنهم الحق – أي :جزاءهم – وهو { مالك ٌوم الدٌن }. الرابع :فٌه دلٌل على أن العباد المكلفٌن أعطاهم هللا تعالى العقل والفكر وال اختٌار ,والقدرة الممكنة لهم من فعل الخٌر والشر ,ورتب على ذلك جزاءهم ,فلوال أن لهم اختٌاراً لما استحق المسًء العقاب ,ولما استحق المحسن الثواب ,ألنه حٌنبذ كل قد فعل ما فعله مجبوراً؛ ولم ٌكن مختاراً.قال تعالى – فً الكفار {:-ذلك جزٌناهم ببؽٌهم وإنا لصادقون}. فنسب البؽً إلٌهم ,وأخبر سبحانه بؤنه صادق فٌما ٌقوله ؛ والصدق هو : مطابقة القول للواقع الحقٌقً ؛ فإذاً هم بؽاة حقا ً وحقٌقة ,باختٌارهم وإرادتهم ,ومن أصدق من هللا قٌبلً ؟ وقال تعالى {:وهل نجازي إال الكفور }. وقال سبحانه {:أولبك هم الكافرون حقا ً } أي :حقٌقة واقعة ,ال وهما ً وال خٌاالً.
69
وقال سبحانه – فً المإمنٌن {:-أولبك هم المإمنون حقا ً } أي :حقٌقة واقعٌة ,هم مإمنون باختٌارهم ,ال وهما ً وال تخٌبلً . وقال تعالى {:إن هذا لكم جزاء وكان سعٌكم مشكوراً } أي :نعٌم الجنة كان لكم جزاء على عملكم المبرور ,وشكرهم على سعٌهم ,ألنه صدر منهم باختٌارهم ؛ فلوال أن لهم اختٌاراً فً ذلك لما استحقوا الشكر على سعٌهم . وقال تعالى {:ما ٌفعل هللا بعذابكم إن شكرتم وءامنتم وكان هللا شاكراً علٌما ً }. الخامس {:مالك ٌوم الدٌن } فً هذا موقؾ ٌمجٌد العبد لربه تعالى ,كما جاء فً الحدٌث [:فإذا قال العبد {:مالك ٌوم الدٌن } قال هللا تعالى : مجدنً عبدي ] والممجد فً اللؽة :علو الشرؾ ,وعزة المقام ,وال شك أن المجد األعظم ,والعز االكرم ,والسلطان االمنع ,والمقام األرفع على وجه ال ٌساوى وال ٌدانى ,وال ٌماثل وال ٌشابه ,ذلك كله هلل رب العالمٌن وحده ,فإنه سبحانه هو أهل الثناء والمجد الذاتً المطلق ,األعلى األجل, ومن ثم جًء بعد الحمد فً قوله تعالى {:الحمد هلل رب العالمٌن } وبعد الثناء فً قوله تعالى {:الرحمن الرحٌم } جًء بالتمجٌد بقوله {:مالك ٌوم الدٌن } وقد كان رسول هلل صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌجمع بٌنهما كما جاء فً (صحٌح ) مسلم ,عن أبً سعٌد رضً هللا عنه قال ( :كان رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال [:ربنا لك الحمد ,ملء السماوات ,وملء األرض و وملء ما بٌنهما ,وملء ما شبت من شًء بعد ,أهل الثناء والمجد ,أحق ما قال العبد ,وكلنا لك عبد ؛ اللهم ال مانع لما أعطٌت ,وال معطً لما منعت ,وال ٌنفع ذا الجد منك الجد ]). فاهلل تعالى هو الحمٌد المجٌد ,وهو سبحانه ٌحمد نفسه وحق له ذلك , وٌمجد نفسه وحق له ذلك . روى اإلمام أحمد عن ابن عمر رضً هللا عنهما قال :إن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم قرأ هذه اآلٌة ذات ٌوم على النبر {:وما قدروا هللا حق 70
قدره واألرض جمٌعا ً قبضته ٌوم القٌامة والسماوات مطوٌات بٌمٌنه سبحانه وتعالى عما ٌشركون } ورسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌقول بٌده هكذا ٌحركها ٌقبل بها وٌدبر ٌ[ :مجد الرب نفسه :أنا الجبار ,أنا المتكبر ,أنا الملك ,أنا العزٌز ,أنا الكرٌم ]. قال ابن عمر رضً هللا عنهما :فرجؾ المنبر برسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم حتى لٌخرن به . وفً رواٌة مسلم :قال ابن عمر رضً هللا عنهما ,حتى نظرت إلى المنبر ٌتحرك من أسفل شًء – أي :كله – حتى ؼنً ألقول :أساقط برسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم . فانظر ٌا أخً المإمن وٌا أختً المإمنة ,واعتبرا فً هذا المنبر كٌؾ ٌتؤثر بموعظة رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وٌخشع لسماعه حدٌث رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وٌؽلبه حال الخشٌة والهٌبة , فٌهتز ,وٌضطرب . وسبقه إلى ذلك جذع النخلة الذي كان ٌخطب رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم عنده ,فلما فارق وصعد المنبر ؼلبه حال الشوق وألم الفراق للجبٌب األكرم صلى هللا علٌه وله وسلم ,فصاح وناح ,وحن وأن ,حتى مسحه النبً األكرم صلى هللا علٌه وآله وسلم وسكنه ,وهدأه كما ٌهدأ الصبً من بكابه ,فما بالك أنت ٌا أخً ال تتذكر ,وال تتؤثر ,وال نحن شوقا ً إلٌه صلى هللا علٌه وآله وسلم . على نفسه فلٌبك من ضاع عمره ولٌس له من ذا نصٌب وال سهم { إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } أي :ال نعبد إال إٌاك ,ألنك ربنا ورب كل شًء ,والكل عبادك ,وحق على العبد أن ٌعبد ربه سبحانه .
71
والعبادة هً :قٌام العبد وأعمال وأقوال شرعها هللا تعالى له ,مبل حظا ً أنه عبد ٌطٌع وٌتذلل ,وٌخضع لربه الذي هو رب العالمٌن ,وأن ما ٌقوم به من تلك األعمال واألقوال حق هللا تعالى علٌه ,فالعبادة قابمة على هذه األمور . -1معرفة هللا تعالى ,واعتقاد وحدا نٌته . -2الطاعة هلل تعالى فٌما أمر به ,واالنتهاء عما نهى بواسطة رسوله صلى هللا علٌه وآله وسلم . فاالبتمار بؤمره تعالى ,واتقاء ما حرمه هو العبادة ,كما فً الحدٌث [ : اتق المحارم تكن أعبد الناس ] . . .الحدٌث كما فً ( سنن ) الترمذي . وال بد فً ذلك كله من مبلحظة الذل ,وخضوع العبد لربه الذي خلقه ورزقه ,وبٌده األمر كله ,وهو رب العالمٌن كلهم . -3مبلحظة أن ذلك كله من باب القٌام بواجب حق الرب سبحانه علٌه , باعتبار أن للرب حقا ً على العبد أن ٌعبده . فالعبادة أمر تقتضٌه العبودٌة هلل تعالى ؛ فمن خرج من دابرة العبدٌة هلل تعالى لٌس علٌه أن ٌعبد هللا تعالى – ٌعنً :إذا زعم اإلنسان أنه رب نفسه وأنه خلقها ,وهو ٌحٌٌها ,وهو ٌمٌتها ,فما علٌه أن ٌعبد ربا ً ,ألنه رب نفسه فٌما ٌزعم ! ! ولكن ال ٌقول ذلك إال المجنون ,بل وهللا ال ٌقول ذلك المجنون ,وال الحٌوان ,وال الحمار ,زال ما هو دون ذلك ,ألنه إذا كان ٌزعم أنه رب نفسه فلٌرزق نفسه وبمنع عنه اآلفات ؛ والعاهات ؛ والموت ,قال تعالى { :فلوال عن كنتم ؼٌر مدٌنٌن .ترجعونها إن كنت صادقٌن } . فالرب حق وهو رب العالمٌن ,وكل ما سواه فهم عبٌد له . قال تعالى { :إن كل من فً السماوات واألرض إال ءاتى الرحمن عبداً } أي :اآلن ,وأما ٌوم القٌامة فقد قال بعد ذلك سبحانه { :وكلهم ءاتٌه ٌوم القٌامة فرداً } .
72
إذاً فالعبادة هلل تعالى هً حق ذاتً له ,اله الري وحده ,وكلهم عباده . قال تعالى ٌ { :ا أٌها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذٌن من قبلكم لعلكم تتقون .الذي جعل لكم األرض فراشا ً والسماء بنا ًء وأنزل من السماء ما ًء فؤخرج به من الثمرات رزقا ً لكم فبل تجعلوا هلل أنداداً وأنتم تعلمون } . فانظر فً قوله تعالى {:اعبدوا ربكم } أي :ألنه ربكم وأنتم عباده . ثم أردؾ ذلك بدلٌل ربوبٌته الحقة فقال {:الذي خلقكم والذٌن من قبلكم لعلكم تتقون } اآلٌة . ومن هنا جاء فً الحدٌث عن معاذ فقال {:الً خلقكم والذٌن من قبلكم لعلكم تتقون } اآلٌة . ومن هنا جاء فً الحدٌث عن معاذ رضً هللا عنه قال :كنت ردٌؾ رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم على الدابة ٌوما ً ,فقال لً ٌ [:ا معاذ ]. قلت :لبٌك ٌا رسول هللا – ثم سكت ساعة . ثم قال ٌ [:ا معاذ]. قلت :لبٌك ٌا رسول هللا – ثم سكت ساعة . ثم قال :ب ٌا معاذ بن جبل ]. قلت :لبٌك وسعدٌك ٌا رسول هللا . قال [:أتدري ما حق هللا على عباده ]؟ قلت :هللا ورسوله أعلم . قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:حق هللا على عباده أن ٌعبدوه وال ٌشركوا به شٌبا ً ]. ثم قالٌ [:ا معاذ ]. قلت :لبٌك ٌا رسول هللا . قال [:أتدري ما حق العباد على هللا إذا عبدوه ولم ٌشركوا به شٌبا ً ]؟ 73
قلت :هللا ورسوله أعلم . قال [:حق العباد على هللا إذا عبدوه ولم ٌشركوا به شٌبا ً أن ال ٌعذبهم ] . فحق هللا تعالى على عباده أن ٌعبدوه ؛ هو حق واجب ذاتً له ,وأما حقهم علٌه إذا عبدوه ولم ٌشركوا به شٌبا ً أن ال ٌعذبهم ,وفً رواٌة [:أن ٌؽفر لهم ] وفً رواٌة [:أن ٌدخلهم الجنة ] فهذا حق هو سبحانه حقه على نفسه ,تفضبلً منه وتكرما ً ,فإنه سبحانه من كرمه وفضله هو قد ٌحق على نفسه ,وقد ٌوجب على نفسه ,وٌكتب على نفسه ,وٌحتم على نفسه , وٌحرم على نفسه ,كل ذلك من باب الفضل والكرم ,والجود اإللهً . قال تعالى {:وكان حقا ً علٌنا نصر المإمنٌن } . وقال تعالى {:وما من دآبة فً األرض إال على هللا رزقها } . وقال تعالى {:كتب ربكم على نفسه الرحمة } . وقال تعالى {:كان على ربكم حتما ً مقضٌا ً } . وفً الحدٌث القدسً [:وجبت محبتً للمتحابٌن فً ,وللمتباذلٌن فً , وللمتزاورٌن فً ,وللمتجالسٌن فً ] كما فً الصحٌح . فهو سبحانه ٌحق على نفسه ,وٌوجب على نفسه فضبلً منه وكرما ً ,وأما ؼٌر هللا تعالى فما له على هللا تعالى حق واجب علٌه ,ألن كل ما سواه فهم عباد له سبحانه . وفً الحدٌث ٌ [:ا عبادي إنً حرمت الظلم على نفسً وجعلته بٌنكم محرما ً فبل تظالموا ] . { إٌاك نعبد} هذا تلقٌن وتعلٌم من هللا تعالى لعباده أن ٌقولوا ذلك ,بعد أن وقفوا موقؾ الذاكرٌن له ب { بسم هللا الرحمن الرحٌم } ,وموقؾ الحامدٌن له بقوله {: متفق علٌه. رواه مسلم فً (صحٌحٌه ) . 74
الحمد هلل رب العالمٌن } ,وموقؾ المثنٌن علٌه بقوله {:الرحمن الرحٌم }, وموقؾ التمجٌد له بقوله {:مالك ٌوم الدٌن } ,فقدموا تلك المقدمات , وارتقوا فً القرب وعلو الدرجات فقال لهم قولوا {:إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } اآلٌات. فعلمهم السإال ,واالستهداء ,واالستجداء . { إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن .اهدنا الصراط المستقٌم } فؤنت ترى أن جمٌع ذلك جًء فٌه بالنون الدالة على الجمع ,فٌقول العبد {:إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } وال ٌقول :إٌاك أعبد باإلفراد ؛ وذلك لحكم : أوالً :هذا موقؾ فٌه هضم النفس ,واالعتراؾ واإلقرار بالعبودٌة لرب العالمٌن ,واالستشعار بالذل واالفتقار له ,فكؤنه ٌقول بلسان حاله ٌ :ا أهلل , أنت رب العالمٌن ,وأنت الرحمن الرحٌم ,ومالك ٌوم الدٌن ,ولك عزة الربوبٌة ,وسٌادة األلوهٌة ,ما أنا بالذي بلؽت عبادتً القاصرة تلك المكانة حتى أذكرها وحدها ,وأتقدم بها إلٌك ,بل أخلطها وأجمعها إلى عبادات جمٌع العابدٌن لك ,وأذكر الكل بعبارة واحدة – لعلك ترضى- فاسلكنً فً نظامهم ,وأجملنً فً جملتهم ,فإن فٌهم األنبٌاء ,والرسل, واألولٌاء ,وكلهم عبادك وعبادك و وخاصة إمام العباد وسٌد العباد ,وإمام األنبٌاء والمرسلٌن سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ,فاقبلنً فً جملة العابدٌن من أتباعه ,وتقبل عبادتً بشفاعته وكرامته صلى هللا علٌه وآله وسلم ,فهو إمام العباد والصالحٌن ,بنص قوله تعالى {:إن ولًٌ هللا الذي نزل الكتاب وهو ٌتولى الصالحٌن }. فإن والء هللا تعالى وتولٌته لعبد هً على قدر صبلحه ,فلما خص هللا تعالى سٌدنا محمداً صلى هللا علٌه وآله وسلم بتولٌته الخاصة ,فً قوله {: إن ولًٌ هللا } دل على أن صبلحه فوق كل صبلح ,وهو صلى هللا علٌه وآله وسلم أتقى األولٌن واآلخرٌن ,وأخشاهم هلل تعالى رب العالمٌن ,كما فً الحدٌث [:أما وهللا إنً ألتقاكم هلل وأخشاكم له .].... وهو أكرمهم على هللا تعالى ,كما فً اآلٌة {:إن أكرمكم عند هللا أتقاكم }.
75
صلى هللا علٌه وآله وسلم كلما ذكره الذاكرون وؼفل عن ذكره الؽافلون . ثانٌا ً :اتهام العابد عن نفسه بنقص العبادة البلبقة ,فٌشفعها إلى عبادة العابدٌن ,لعل هللا تعالى ٌقبل ذلك ,فإن من كرمه سبحانه أن ٌلحق الناقص بالكاملٌن إذا انضم إلٌهم ,كما جاء فً الحدٌث [:هم القوم ال ٌشقى بهم جلٌسهم ] والحدٌث معلوم . ثالثا ً :إن الجمع فً ر إٌاك نعبد } وما بعدها فٌه إعبلن عن حاجة الكل إلى عبادته سبحانه وتعالى ,التً خلقهم هللا تعالى ألجلها ,كما قال سبحانه {: وما خلقت الجن واإلنس إال لٌعبدون } ,ففً الجمع بٌان أن جمٌع العباد والعابدٌن واقفون فً هذا الباب – أي :التوجه إلى هللا تعالى المعبود وحده – وهو أي العابد القابل { :إٌاك نعبد } هو واقؾ معهم ,وفٌهم كامل العبادة وناقصها ,فكمال أهل الكمال ٌجبر وٌؽطً على أهل النقص؛ من باب الفضل والجود اإللهً ,ألنه أكرم األكرمٌن جل وعبل ,فهو أجل من أن ٌقبل بعضا ً وٌرد بعضا ً ,فً حٌن أن الكل واقفون على بابه , ومتوجهون ؼلى جنابه فً عباداتهم ,واستعانتهم به ,وطلب الهداٌة منه إلى ما هنالك – سواء كانوا مجتمعٌن بؤجسامهم كصبلة الجماعة ,أو متفرقٌن منفردٌن ,فإن القلوب كلها مجتمعة ومتوجهة إلى رب واحد ,وعبود واحد سبحانه وتعالى ,والكل ٌطلبون اإلعانة وٌسؤلونها من رب واحد ,ومعبود واحد ,ومعٌن قدٌر واحد سبحانه وتعالى ,والكل متبعون فً عباداتهم إلمام واحد ,وهو اإلمام األكبر ,والحبٌب األعظم سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ,إمام األولٌن واآلخرٌن ,واألنبٌاء والمرسلٌن ,صلى اله تعالى علٌه وعلى آله وسلم تسلٌما ً كثٌراً . فبل إله إال هللا محمد رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم صبلة تلٌق بمقامه األسمى ,وكماله األسنى ,وعلى آله وصحبه ,وأزواجه وذرٌته ,وعلٌنا معهم أجمعٌن . { إٌاك نعبد }
76
قٌاما ً بالحق الذي لك علٌنا ,ووفاء بالعهد الذي عاهدناك علٌه ,وعقد البٌع الذي التزمناه ,وقد تضمن شروطا ً :ومنها { :التاببون العابدون الحامدون } . قال تعالى { :إن هللا اشترى من المإمنٌن أنفسهم وأموالهم حقا ً فً التوراة واإلنجٌل والقرءان ومن أوفى بعهده من هللا فاستبشروا ببٌعكم الذي باٌعتم به وذلك هو الفوز العظٌم }. ثم ذكر سبحانه بعد عقد شرابه وبٌعهم له سبحانه – كر شروطا ً ,وكل شرط ٌتضمن عدة مطالب وواجبات ,وعدة التزامات ومسإولٌات ,فقال سبحانه { :التاببون العابدون الحامدون السابحون الراكعون الساجدون األمرون بالمعروؾ والناهون عن المنكر والحافظون لحدود هللا وبشر المإمنٌن } . أي :بشر المإمنٌن الذٌن اشترى هللا تعالى منهم أنفسهم وأموالهم , وصدقوا فً بٌعهم ,وأدوا ما شرط علٌهم من التحقق بتلك الصفات ,فلهم من هللا تعالى البشارة العظمى . اللهم اجعلنا من الموفٌن بعهدهم ,برحمتك وفضلك وإحسانك وكرمك – اللهم آمٌن . { إٌاك نعبد } ألنك ٌا رب خلقتنا لعبادك ,قال تعالى { :وما خلقت الجن واإلنس إال لٌعبدون } . وبعبادتنا لك عزنا وشرفنا ,وجاهنا وكرماتنا فً الدارٌن ,ألنك خلقتنا لتكرمنا بعبادتك وتشرفنا بها . فبعبادتنا لك ننال قربك وحبك ,وتدخلنا جنتك { فً مقعد صدق عند ملٌك مقتدر } ونظفر بكل خٌر فً الدنٌا واآلخرة .
77
وبعبادتنا لك نحفظ علٌنا كرامتنا اآلدمٌة واإلنسانٌة التً شرفتنا بها ,فإن المقصود من الشًء إذا لم ٌتحقق فٌه ذلك المقصود ؛ فقد خرج ذلك الشًء عن حقٌقته ,ولو بقٌت علٌه هٌبته وصورته . أال ترى السٌارة فإنها صنعت لتسٌر بالركاب – ألنها سٌارة فعبلً – فإذا تعطلت أو تحطمت ولم تسر فإنها والصخرة سواء فً الحقٌقة – وإن اختلفنا فً الصورة -فبل ٌقال لها حقٌقة سٌارة ,ألنها لم تعد تسٌر فعبلً , وإن كانت صورتها وهٌبتها سٌارة ,وإن كان اسمها بالظاهر سٌارة . وهكذا الفرس ٌكر وٌفر ,فإذا لم ٌكن كذلك فهو فً الحقٌقة حمار ,وإن كان اسمه فرسا ً لصورته وهٌبته الظاهرة . وهكذا اإلنسان خلقه هللا تعالى وصنعه للعبادة ,فاإلنسان الحقٌقً هو الذي اتصؾ باإلنسانٌة اإلٌمانٌة ,ولم تؽلب علٌه البهٌمٌة الحٌوانٌة ,وهذا إنما ٌكون إذا تحقق بالعبادة هلل تعالى على الوجه الذي شرعه هللا تعالى له ,وإذا لم ٌتحقق بتعالٌم هللا تعالى وعباداته ,فإن صورته إنسان ,لكنه فً الحقٌقة بهٌمة حٌوان. قال تعالى – فً الكفار {:-أم تحسب أن أكثرهم ٌسمعون أو ٌعقلون إن هم إال كاألنعام بل هم أضل سبٌبلً}. وإنما كانوا أضل من البهابم ألن كل حٌوان وبهٌمة لها حدها فً وصفها البهٌمً الحٌوانً ,فالثعلب له صفته فً المكر وخاصته الثعلبٌة ,ولكنه ال ٌوصؾ بصفة الحمار مثبلً ,وال بالعكس ,وكل حٌوان فٌه نوع من البهٌمٌة والحٌوانٌة ال ٌتعداها ,أما اإلنسان فإنه إن لم ٌتمسك بعبادة هللا تعالى على الوجه الذي شرعه هللا تعالى ,فإنه تجتمع فٌه جمٌع الصفات الذمٌمة الحٌوانٌة والبهٌمٌة ,فتراه من جهة احتٌاله كالثعلب ,ومن جهة ببلدته كالحمار ,ومن جهة قلة حٌابه دٌوثا ً كالخنزٌر مثبلً . قال تعالى {:إن شر الدواب عند هللا الذٌن كفروا } اآلٌة. وهللا تعالى إنما ٌذكر الحق ,وٌبٌن الحقٌقة ,فهم إنسان بالصورة والهٌبة؛ ال بالحقٌقة والمعنى . 78
وقال تعالى {:لقد خلقنا اإلنسان فً أحسن تقوٌم .ثم رددناه أسفل سافلٌن. إال الذٌن آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر ؼٌر ممنون } أي :أجر دابم , ؼٌر مقطوع. فاإلنسان الكافر رده هللا تعالى بسبب كفره أسفل سافلٌن ,وأخرجه عن دابرة اإلنسانٌة القٌمة . وٌدلك على أن المراد باإلنسان الذي رده هللا تعالى أسفل سافلٌن هو اإلنسان الكافر ٌ ,دلك على ذلك أن هللا تعالى قال بعد ذلك {:إال الذٌن آمنوا وعملوا الصالحات } ,إذاً فهإالء لم ٌردهم أسفل سافلٌن ,بل رفعهم أعلى علٌٌن ,ألنهم حافظوا على إنسانٌتهم القوٌمة الكاملة ,بسبب تمسكهم بشرٌعة هللا تعالى ,إٌمانا ً به ,وعبادة له سبحانه . فإن للعبادات أسراراً وأنواراً وآثاراً: -1فمن أسرارها :أنها بها تكون القرب من حضرة الرب ,كما قال سبحانه {:واسجد واقترب} فبالسجود ٌتقرب العابد من المعبود. وقال تعالى {:أولبك الذٌن ٌدعون ٌبتؽون إلى ربهم الوسٌلة أٌهم أقرب } اآلٌة. وقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:أقرب ما ٌكون العبد من ربه وهو ساجد فؤكثروا الدعاء ]. وفً الحدٌث القدسً [:وما تقرب إلً عبدي بمثل ما افترضته علٌه ].... الحدٌث. -2وبالعبادة ٌنصبػ بها قلب العابد ,بل روحه ,بل وجسمه باألنوار اإللهٌة . قال تعالى {:صبؽة هللا ومن أحسن من هللا صبؽة ونحن له عابدون }. -3وبالعبادة ٌنتقل العابد من العبدٌة العامة إلى العبدٌة الخاصة ,التً ٌنال بها شرؾ اإلضافة إلٌه سبحانه ,وبها تكرٌمه وتفضٌله :
79
قال تعالى {:قل لعبادي الذٌن آمنوا ٌقٌموا الصبلة وٌنفقوا مما رزقناهم سراً وعبلنٌة من قبل أن ٌؤتً ٌوم ال بٌع فٌه وال خبلل }. -4وبالعبادة تخلٌصه وحصانته : قال تعالى {:إن عبادي لٌس لك علٌهم سلطان }. -5وبها ٌنال البشابر : قال تعالى {:فبشر عباد .الذٌن ٌستمعون القول فٌتبعون أحسنه }. -6ولهم من هللا تعالى األمان : قال تعالى ٌ {:ا عباد ال خوؾ علٌكم الٌوم وال أنتم تحزنون }. فهم العباد العباد ,ومن ثم قال بعضهم رضً هللا عنه فً قوله تعالى {: وعباد الرحمن الذٌن ٌمشون على األرض هونا ً } وأمثال هذه اآلٌات قال: العباد هنا جمع عابد ,كما أن صحاب جمع صاحب ,نعم إن شرؾ العبا على حسب شرؾ عباداتهم ,وإن أشرؾ العباد والعباد وأفضلهم وأكرمهم هو السٌد األكرم ,والرسول األعظم ,سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ,الذي قال هللا تعالى فٌه {:الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب } اآلٌة. -7وبالعبادة ٌطعم العبد طعم اإلٌمان وحبلوته : قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:ثبلث من فعلهن فقد طعم طعم اإلٌمان : من عبد هللا وحده وعلم أنه ال إله إال هللا ,وأعطى زكاة ماله طٌبة بها نفسه ,ولم ٌعط الهرمة وال الدرنة وال المرٌضة وال الشرط اللبٌمة , ولكن من وسط أموالكم ,فإن هللا تعالى لم ٌسؤلكم خٌره ولم ٌؤمركم بشره]. وقد فصلت الكبلم على بعض أسرار العبادات وأنواعها فً كتابً (التقرب إلى هللا تعالى ) فارجع إلٌه تجد ما ٌسرك . الكبٌرة السن. الدرنة :الجرباء ,وأصله من الدرن وهو الوسخ. قال فً (النهاٌة) :الشرط اللبٌمة :أي :رذال المال ,وقٌل صؽاره وشراره .اه. 80
{إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن} أي :ال نستعٌن إال بك ,فإنه ال معٌن ؼٌرك ,إذ الكل إلٌك ,فؤنت الؽنً المطلق بالذات والصفات ,وما سواك كلهم فقراء إلٌك بالذات والصفات . قال تعالى ٌ {:ا أٌها الناس أنتم الفقراء إلى هللا وهللا هو الؽنً الحمٌد }. فالعباد كلهم فقراء إلى هللا تعالى ,فً وجود ذاتهم ,وبقابهم ,وحٌاتهم, وؼذابهم ,ومابهم ,وجمٌع ذراتهم ,وجمٌع أمورهم ,وهللا تعالى هو وحده الرب الؽنً على اإلطبلق ,فها نخن نطلب منك ,ونسؤلك ٌا ربنا أن تعٌننا على جمٌع أمورنا الدٌنٌة ,وما أبحته لنا من أمور دنٌانا التً فٌها معاشنا فؤعنا. وهذا موقؾ االستعانة ٌ ,شمل اإلعانة على أداء األمور الدٌنٌة ,كما دل على ذلك حدٌث معاذ رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌ {:ا معاذ إنً ألحبك ,أوصٌك ٌا معاذ أن ال تدعن – أي :ال تتركن – فً دبر كل صبلة -بعد كل صبلة -أن تقول :اللهم أعنً على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ] رواه أحمد وأبو داود وؼٌرهما . وهذا الحدٌث فٌه جوامع الدعوات التً فٌها مجامع الخٌرات : -1فٌه سإال اإلعانة على ذكره سبحانه ,وٌدخل تحته الذكر اللسانً والجنانً ,والذكر النفسً والملبً ,والذكر القولً والقلبً ,وجمٌع أنواع الذكر هلل تعالى :القرآن الكرٌم ,والتسبٌح ,والتحمٌد ,والتكبٌر ,والتهلٌل, والصبلة على النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وؼٌر ذلك . -2فٌه سإال اإلعانة على الشكر ,وٌدخل فٌه :الشكر القولً ,وهو الحمد والثناء علٌه سبحانه ,والشكر العملً قال تعالى {:اعملوا ءال شكراً } وهذا ٌكون باألعمال الصالحة ,التً شرعها هللا تعالى ,والشكر القلبً وهو االعتقاد الجازم والعلم القاطع بؤنه ما بك من نعمة فمن هللا تعالى وحده قال تعالى {:وما بكم من نعمة فمن هللا } اآلٌة. -3وفٌه سإال اإلعانة على حسن العبادة ,وذلك – أي :حسن العبادة -هو تحقق العابد حال عبادته بالحضور القلبً ,بحٌث ال ٌكون حال العبادة 81
ؼافبلً أو الهٌا ً بل حاضر القلب ,مبل حظا ً ما ٌقول وٌعمل ,وبالمواظبة على ذلك ٌرتقً إلى مقام المراقبة هلل تعالى ,ثم المشاهدة وهً أعلى ,وكل من المراقبة والمشاهدة لها أنواع على حسب رتبة المراقب والمشاهد, وٌسمى هذا مقام اإلحسان ,المذكور فً حدٌث جبرٌل علٌه السبلم حٌن سؤل النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم عن اإلسبلم ثم عن اإلٌمان ثم قال [: فؤخبرنً عن اإلحسان ]؟ فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:هو أن تعبد هللا كؤنك تراه ,فإن لم تكن تراه فإنه ٌراك .].... فاألول مشاهدة ,والثانً مراقبة. وفً (الحلٌة) وؼٌرها ,عن زٌد بن أرقم رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال له [:اعبد هللا كؤنك تراه ,فإن لم تكن تراه فإنه ٌراك ,واحسب نفسك مع الموتى ,واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة ]. وتفصٌل الكبلم على مقام اإلحسان تجده فً كتاب ( الصعود ) وكتاب ( التقرب ) فارجع إلٌهما .
{ وإٌاك نستعٌن } وهذا ٌشمل اإلعانة على ما ٌنفع العبد من األمور الدنٌوٌة ,كما دل علٌه الحدٌث ,عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:المإمن القوي خٌر وأحب إلى هللا تعالى من المإمن الضعٌؾ – وفً كل خٌر ,احرص على ما ٌنفعك ,واستعن باهلل ,وال تعجز ,وإن
82
أصابك شًء فبل تقل لو أنً فعلت كذا لكان كذا وكذا ,ولكن قل :قدر هللا وما شاء فعل – فإن لو تفتح عمل الشٌطان ] . فلٌبذل المإمن جهده على ما ٌنفعه من أمور دنٌاه ,وال ٌقعده الكسل وال ٌعجز عن العمل ,ولٌستعن باهلل تعالى على ذلك ,فإن أصابه شًء :بؤن خسر ,أو فشل ,أو لم ٌتحقق ؼرضه الذي سعى إلٌه ,فبل ٌرجع على نفسه باللوم واللو ,بل ٌقول [:قدر هللا وما شاء فعل ] ,فٌرد أمره إلى هللا تعالى ,فإن هللا تعالى ال بد وأن ٌجبر كسره ,وٌخرجه من تلك المصٌبة . { وإٌاك نستعٌن } ٌشمل اإلعانة على األعداء : روى أصحاب ( السنن ) عن ابن عباس رضً هللا عنهما ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم كان ٌقول [:اللهم أعنً وال تعن علً ,وانصرنً وال تنصر علً ,وامكر لً وال تمكر علً ,واهدنً وٌسر لً الهدى , وانصرنً على من بؽى علً ,رب اجعلنً لك ذكاراً ,لك شكاراً ,لك رهابا ً ,مطواعا ً إلٌك مخبتا ً ,أواها ً منٌبا ً . رب تقبل توبتً ,واهد قلبً ,وسدد لسانً ,واؼسل حوبتً ,وأجب دعوتً ,وثبت حجتً ,واسلل سخٌمة صدري ] أي :نق قلبً من الحقد والحسد والؽل ؛ وسابر أمراض القلب ,وهذا من التعلٌم لؤلمة ,ألن قلبه الشرٌؾ صلى هللا علٌه وآله وسلم هو القلب الطٌب التقً ,السلٌم النقً من جمٌع ما هنالك . { إٌاك نستعٌن } فً هذا موقؾ اعتراؾ العبد وإقراره بعجزه ,وأنه ال حول وال قوة إال باهلل العلً الكبٌر ,وأنه ال معٌنة على الحقٌقة إال هللا تعالى ,فهو سبحانه وحده المعٌن الذي ال ٌحتاج إلى معٌن ,وأن كل ما سواه سبحانه فهو العاجز المستعٌن به .
83
وفً الحدٌث [ :اللهم لك الحمد ,وإلٌك المشتكى ,وأنت المستعان ,وبك المستؽاث ,وال حول وال قوة إال باهلل العلً العظٌم ] . وروى الترمذي وؼٌره ,عن ابن عباس رضً هللا عنهما قال :كنت خلؾ النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌوما ً فقال لً ٌ [ :ا ؼبلم :إنً أعلمك كلمات : احفظ هللا ٌحفظك ,احفظ هللا تجده تجاهك ,إذا سؤلت فاسؤل هللا ,وإذا استعنت فاستعن باهلل . واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ٌنفعوك بشًء لم ٌنفعوك إال بشًء قد كتبه هللا لك :وإن اجتمعت على أن ٌضروك بشًء لم ٌضروك إال بشًء قد كتبه هللا علٌك ,رفعت األقبلم وجفت الصحؾ ]. فٌجب على العبد أن ٌرجع فً أموره كلها إلى هللا تعالى ,فٌسؤله حاجاته كلها ,ألنه ال ٌملك قضاء حاجات العبد إال هللا تعالى ,فهو سبحانه وحده, هو الؽنً المطلق الذاتً ,وجمٌع العباد فقراء إلٌه فقراً ذاتٌا ً ,محتاجون إلٌه فً كل شًء ؛ وهو سبحانه وحده الؽنً على كل شًء . قال تعالى ٌ { :ؤٌها الناس أنتم الفقرآء إلى هللا وهللا ه الؽنً الحمٌد } . وقال تعالى {:وسبلوا هللا من فضله } .وروى الترمذي ,عن ابن مسعود رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:سلوا هللا من فضله ,فإن هللا ٌحب أن ٌ,سؤل ,وأفضل العبادة انتظار الفرج ]. اللهم إنا نسؤلك من فضلك العظٌم . وروى الترمذي ,عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ,عن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:من لم ٌسؤل هللا ٌؽضب علٌه ]. اللهم إنا نسؤلك التوفٌق لمحابك من األعمال ,وحسن الظن بك ,وصدق التوكل علٌك ,ونسؤلك العفو والعافٌة فً الدنٌا واآلخرة . رواه الطبرانً وؼٌره . 84
وروى الترمذي ,وابن حبان ,عن أنس رضً هللا عنه ,عن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:لٌسؤل أحدكم ربه حاجته كلها ,حتى ٌسؤله شسع نعله إذا انقطع ]. وفً رواٌة [:لٌسؤل أحدكم ره حاجته ,حتى ٌسؤله الملح ,وحتى ٌسؤله شسعه ] أي :زمام النعل ورباطه الذي ٌشد به . وهكذا االستعانة :فإن العباد كلهم عاجزون محتاجون إلى عونه سبحانه , ال حول لهم عن حال إلى حال؛ وال قوة لهم على فعل أمر من األمور ؛ إال باهلل العلً العظٌم . ولكن جمٌع ذلك ال ٌنافً أنه سبحانه جعل لقضابه حاجات العباد أسبابا ً ووسابط ,وجعل إلعانته لمن استعان به أسبابا ً ,ووسابط ,ووسابل ,فاهلل تعالى هو المعٌن على الحقٌقة ,وال معٌن ؼٌره ,ولكن قد جعل عونه لك منوطا ً بواسطة ,وهذه الواسطة من الذي أعانها على عونك ؟ نعم إنما هو هللا تعالى وحده ال شرٌك له . فؤنت قد تحتاج أن تحمل الحمل الثقٌل على الدابة فتعجز ,فتسؤل هللا تعالى اإلعانة ,فقد ٌجعل فٌك قوة على ذلك ,وقد ٌبعث إلٌك من ٌعٌنك على ذلك. وفً الحدٌث [:وتعٌن الرجل فً دابته؛ فتحمله علٌها أو ترفع له علٌها متاعه صدقة ] . فالذي أعان على الحقٌقة هو هللا تعالى ,والرجل الذي أعانك هو واسطة ال تنكر ,وسبب فً عون هللا تعالى ,فبل تنكر المسبب ,وال تعطل السبب, وال تنكر الوسابط التً جعلها هللا تعالى واسطة -وهذا أمر ظاهر فً أمور كثٌرة ,فتجد أن هللا تعالى أضافها ونسبها إلٌه سبحانه ,وتارة تجد أن هللا تعالى نسبها وأضافها إلى السبب والواسطة .
متفق علٌه. 85
فهناك اإلحٌاء :قال تعالى {:إنا نحن نحًٌ ونمٌت وإلٌنا المصٌر } فهو سبحانه المحًٌ والممٌت على الحقٌقة . وقال تعالى {:ومن أحٌاها فكؤنما أحٌا الناس جمٌعا ً } فنسب اإلحٌاء إلى الواسطة ,الذي هو سبب فً حٌاة تلك النفس . ومن ذلك الهداٌة :فإن الهادي الموفق هو هللا تعالى وحده : قال تعالى {:من ٌهد هللا فهو المهتد} اآلٌة ,ومع ذلك فقد جعل لهداٌته واسطة ,كما دل علٌه الحدٌث فً خطبته صلى هللا علٌه وآله وسلك فً األنصار وفٌها ٌ [:ا معشر األنصار ألم أجدكم ضبلالً فهداكم هللا بً, وكنتم متفرقٌن فؤلفكم هللا بً ,وعالة – أي :فقراء ال مال عندكم – فؤؼناكم هللا بً ] ,وكانوا كلما قال صلى هللا علٌه وآله وسلم شٌبا ً قالوا ( :هللا ورسوله أمن) الحدٌث . فاهلل تعالى هو الذي هداهم ,لكن بواسطة رسوله صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وجمعهم وألفهم به مع أنه قال سبحانه {:لو أنفقت ما فً األرض جمٌعا ً ما ألفت بٌن قلوبهم ولكن هللا ألؾ بٌنهم } أي :بواسطتك ,كما قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:فؤلفكم هللا بً ] فبل تنكر السبب والواسطة . وهكذا التوفٌه :قال تعالى {:هللا ٌتوفى األنفس حٌن موتها } اآلٌة ,فهو سبحانه ٌتوفى األنفس – أيٌ :قبض األرواح – ومع ذلك جعل لذلك واسطة ,وهو ملك الموت ,قال تعالى {:قل ٌتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } أي :وكله هللا تعالى بكم . وهكذا الرزق :قال تعالى {:إن هللا هو الرزاق ذو القوة المتٌن } ,فهو الرزاق على الحقٌقة ال ؼٌره ,قال تعالى {:قل من ٌرزقكم من السماوات واألرض قل هللا إ اآلٌة من سورة سبؤ. وقال تعالى {:وإذا حضر القسمة أولوا القربى والٌتامى والمساكٌن فارزقوهم منه وقولوا لهم قوالً معروفا ً }. متفق علٌه ,واللفظ للبخاري. 86
فنسب الرزق للواسطة ,فقال {:فارزقوهم منه }. وهكذا اإلعانة :فهو سبحانه وحده المعٌن على الحقٌقة ؛ قال تعالى – معلما ً لعباده أن ٌقولوا {: -إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } أي :ال نستعٌن إال بك ,ألنه ال معٌن ؼٌرك ,ومع ذلك قال {:وتعاونوا على البر والتقوى } فؤمر عباده أن ٌعٌن بعضهم بعضا ً على البر والتقوى ,فؤضاؾ العون إلٌهم ,ألنهم واسطة فً عون هللا تعالى لهم . وقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:وهللا فً عون العبد ما دام العبد فً عون أخٌه ]...الحدٌث كما فً ( صحٌح ) مسلم. وفً الحدٌث – كما مر {:-وتعٌن الرجل فً دابته فتحمله علٌها أو ترفع له علٌها متاعه صدقة ] . وقال تعالى {:وأما السابل فبل تنهر } وسواء فً ذلك سابل المال ,أو العلم ,وؼٌرهما مما ٌحتاجه السابل . وقال تعالى {:فسبلوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون } فهذا ال ٌتنافى وال ٌناقض قوله صلى هللا علٌه وآله وسلم [:وإذا سؤلت فاسؤل هللا ] الحدٌث كما تقدم . وقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:سلونً ما شبتم ,فما تسبلونً عن شًء إال بٌنته لكم ] الحدٌث متفق علٌه . وفً الحدٌث عن ربٌعة بن كعب األسلمً قال :قال لً رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌ [:ا ربٌعة سلنً أعطك ]. قال :أسؤلك مرافقتك فً الجنة . قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:أو ؼٌر ذلك ] . قال ربٌعة :بل هو ذاك .
متفق علٌه. 87
قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :فؤعنً على نفسك بكثرة السجود ] الحدٌث . وهكذا اإلؼاثة { :إذ تستؽٌثون ربكم فاستجاب لكم } ومع ذلك تنسب اإلؼاثة للعبد الذي هو واسطة : قال تعالى {:فاستؽاثه الذي من شٌعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى علٌه } ,فقد أؼاث موسى الذي أؼاثه . وقال صلى هللا علٌه وآله وسلم كما فً حدٌث الشفاعة الذي رواه الخمسة وؼٌرهم ,فقد جاء فً رواٌة البخاري :عن ابن عمر رضً هللا عنهما قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :ما ٌزال الرجل ٌسؤل الناس حتى ٌؤتً ٌوم القٌامة لٌس فً وجهه مزعة – أي :قطعة – لحم ] . وها جزاء من ٌسؤل وهو ؼٌر محتاج ,بل عنده ما ٌكفٌه . وقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :إن الشمس تدنو ٌوم القٌامة حتى ٌبلػ العرق نصؾ األذن من شدة أهوال الموقؾ وطوله ] . قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :بٌنما كذلك هم استؽاثوا بآدم ,ثم بموسى ,ثم بمحمد صلى هللا علٌه وآله وسلم فٌشفع - ,أي :لٌقضى بٌن الخلق – فٌمشً حتى ٌؤخذ بحلقة الباب – أي :باب الجنة – فٌومبذ ٌبعثه هللا مقاما ً محموداً ٌ ,حمده أهل الجمع كلهم ] كما فً البخاري من كتاب الزكاة . فانظر ٌا أخً لقد استؽاث الناس – أهل الموقؾ كلهم – بسٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم فؤؼاثهم ؛ بؤن شفع عند هللا تعالى فٌهم ,حتى ٌخلصوا من أهوال الموقؾ ,وٌنتهً األمر إلى فصل القضاء بٌنهم. وقد اقتصر الراوي هنا ذكر الرسل الذٌن ٌمر علٌهم أهل الوقؾ ,فإنهم كما جاء فً أحادٌث الشفاعة ٌ :ؤتون آدم ,ثم نوحا ً ,ثم إبراهٌم ,ثم موسى ,ثم عٌسى ,ثم ٌؤتون السٌد األكرم محمداً صلى هللا علٌه وآله وسلم صلوات هللا تعالى وسبلمه علٌه وعلٌهم ,ولم ٌقل أحد من الرسل إنه ال حاجة بكم إلى من ٌؽٌثكم ,أو ٌشفع أو ٌكون وسٌلتكم إلى ربكم ,بل أقروهم على سإالهم
88
اإلؼاثة والشفاعة ,ولكن أحالوا األمر لمن خصه هللا تعالى بمقام الشفاعة العامة صلى هللا علٌه وآله وسلم . وجاء فً الحدٌث ,عن أبً سعٌد رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:إٌاكم والجلوس فً الطرقات ]. قالواٌ :ا رسول هللا ما لنا بد من مجالسنا .نتحدث فٌها . فقال [:إذا أتٌتم إال المجلس ,فؤعطوا الطرٌق حقه ]. قالوا :وما حقه ٌا رسول هللا ؟ قال [:ؼض البصر ,وكؾ األذى ,ورد السبلم ,واألمر بالمعروؾ ,والنهً عن المنكر] . وفً رواٌة [:وتؽٌثوا الملهوؾ ,وتهدوا الضال]. ومن ذلك النصر :فإن النصر هو من عند هللا تعالى : قال تعالى {:وما النصر إال من عند هللا العزٌز الحكٌم }. وقد أضاؾ النصر إلى المخلوق فقال تعالى {:وإن استنصروكم فً الدٌن فعلٌكم النصر إال على قوم بٌنكم وبٌنهم مٌثاق }. وروى الترمذي وؼٌره ,عن أنس رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:انصر أخاك ظالما ً أو مظلوما ً ]. فقٌلٌ :ا رسول هللا أنصره إذا كان مظلوما ً ,فكٌؾ أنصره إذا كان ظالما ً ؟ فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:تحجزه عن الظلم – أي :تمنعه عن الظلم – فإن ذلك نصره ] ٌعنً :أنك بذلك تنصره على شٌطانه ونفسه بمنعك له عن الظلم . وعن السٌدة مٌمونة رضً هللا عنها – أم المإمنٌن -قالت :بات عندي رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم لٌلة ,فقام ٌتوضؤ للصبلة ,فسمعته الحدٌث رواه اإلمام احمد والبخاري ومسلم . 89
ٌقول فً متوضبه – أي :مكان وضوبه صلى هللا علٌه وآله وسلم [:-لبٌك ,لبٌك ,لبٌك- ,ثبلثا ً -نصرت ,نصرت ,نصرت]. فلما فرغ ,قلتٌ :ا رسول هللا ,سمعتك تقول فً متوضبك [:لبٌك لبٌك لبٌك ,نصرت نصرت نصرت ] كؤنك تكلم إنسانا ً فهل كان معك أحد؟ فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:هذا راجز – أي :شاعر – بنً كعب ٌستصرخنً – أيٌ :ستؽٌث بً – وٌزعم أن قرٌشا ً أعانت علٌهم بنً بكر ]. قالت مٌمونة رضً هللا عنها :فؤقمنا ثبلثا ً ,ثم صلى رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم الصبح بالناس صبح الٌوم الثالث ,فسمعت الراجز – أي: شاعر بنً كعب – ٌنشد بعد فراؼهم من الصبلة ,فٌقول أمام رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم : ٌا رب إنً ناشد محمداً حلؾ أبنا وأبٌه األتلدا إن قرٌشا ً أخلفوك الموعدا ونقضوا مٌثاقك المإكدا وزعموا أن لست تدعو أحدا فانصر هداك هللا نصراً أبدا وادع عباد هللا ٌؤتوا مددا فٌهم رسول هللا قد تجردا قالت السٌدة عابشة أم المإمنٌن رضً هللا عنها :لقد رأٌت رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ؼضب مما كان من شؤن بنً كعب ؼضبا ً لم أره مناصرة. أي :األقدم ,والتلٌد هو القدٌم. أي :شمر عن ساعد الجد لحرب العدو. 90
ؼضبه منذ زمان ,وقال [:ال نصرنً هللا تعالى إن لم أنصر بنً كعب ] كما فً رواٌة أبً ٌعلى بسند جٌد ,وقد روى أصل الحدٌث الطبرانً فً (معجمه الصؽٌر ) وابن إسحاق وؼٌرهم من أصحاب السٌر . قال الحافظ الزرقانً رحمه هللا تعالى :وفً إخباره صلى هللا علٌه و آله وسلم بما قاله الراجز قبل قدومه ؛ فٌه علم من أعبلم النبوة باهر ,فإما أنه أعلم بذلك بالوحً ,وعلم ما ٌصوره الراجز فً نفسه ,أو كان الراجز ٌكلم به أصحابه فؤجابه صلى هللا علٌه وآله وسلم بذلك ,أو أنه كان ٌرتجز فً سفره وأسمعه هللا تعالى كبلمه قبل قدومه بثبلث ,فقد روى أبو نعٌم مرفوعا ً [:إنً ألسمع أطٌط السماء ,وما تبلم أن تبط ]...الحدٌث اه. فكان صلى هللا علٌه وآله وسلم ٌسمع تسبٌح السماء ,وهذه المناشدة كانت سببا ً مهٌجا ً إلى التعجل فً فتح مكة المكرمة . وقد قال تعالى {:ونزلنا من السماء ماء مباركا ً فؤنبتنا به جنات وحب الحصٌد .والنخل باسقات لها طلع نضٌد .رزقا ً للعباد وأحٌٌنا به بلدة مٌتا ً كذلك الخروج }. فاعتبر وفكر فً وقله سبحانه {:فؤنبتنا به} فهو سبحانه الذي أنبت الزرع , ولكن بسبب الماء الذي هو سبحانه جعله سببا ً ,وانظر فً قوله تعالى {: وأحٌٌنا به بلدة مٌتا ً } فهو سبحانه المحًٌ وحده كما قال {:اعلموا أن هللا ٌحًٌ األرض بعد موتها قد بٌنا لكم اآلٌات لعلكم تعقلون } ,ولكن جعل الماء سببا ً فً الحٌاة ,قبل تنكر األسباب ,فإن الذي جعلها أسبابا ً هو هللا تعالى رب األرباب ,وال تنكر الوسابل وال الوسابط التً جعلها هللا تعالى وسابل ووسابط . وهللا تعالى هو الشافً وحده ,وال شفاء إال شفاإه سبحانه ,ولكن قد ٌجعل الشفاء منوطا ً بؤسباب : قال تعالى فً العسل {:فٌه شفاء للناس}. وقال تعالى {:وننزل من السماء ما هو شفاء ورحمة للمإمنٌن }. وهناك أسباب من األدوٌة المركبة والعقاقٌر : 91
روى مسلم وؼٌره ,عن جابر رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:إن لكل داء دواء ,فإذا أصٌب دواء الداء برئ بإذن هللا تعالى ]. وروى البخاري وؼٌره ,عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:ما أنزل هللا تعالى من داء إال وأنزل له دواء ]. والبحث فً هذا الموضوع واسع ,ولٌس موضع بسطه ,وإنما ذكرت جملة من األمور ,لعل هللا تعالى ٌنفع بها ,وٌزٌل بها شبهة من ٌشتبه علٌه هذا الموضوع . { إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } والحكمة فً تقدٌم العبادة على االستعانة لها وجوه: أوالً :هو أن العبادة هً حق هلل تعالى على عباده ,وأما االستعانة فهً سإالهم منه اإلعانة ,وهً تعود إلٌهم ,وإن حق هللا تعالى وما هو هلل تعالى فإنه مقدم على ما هو للعبد ,كما ٌدل على ذلك الحدٌث الذي رواه مسلم , عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه ,أن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم قالٌ [:قول هللا تعالى :قسمت الصبلة بٌنً وبٌن عبدي نصفٌن ,فنصفها لً ,ونصفها لعبدي ,ولعبدي ما سؤل. فإذا قال {:الحمد هلل رب العالمٌن} قال هللا تعالى :حمدنً عبدي ,وإذا قال {:الرحمن الرحٌم} قال هللا تعالى أثنى علً عبدي ,فإذا قال {:مالك ٌوم الدٌن } قال هللا تعالى مجدنً عبدي ,وإذا قال {:إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } قال :هذا بٌنً وبٌن عبدي ولعبدي ما سؤل ,فإذا قال {:اهدنا الصراط المستقٌم .صراط الذٌن أنعمت علٌهم ؼٌر المؽضوب علٌهم وال الضالٌن } قال هللا تعالى :هذا لعبدي ولعبدي ما سؤل ]. ثانٌا ً :هً العبادة تشمل على أعمال صالحة ,وأقوال طٌبة ٌ,تقرب العبد ؼلى هللا تعالى ,وٌسترضٌه ,فٌكون من باب تقدٌم التوسل إلى هللا تعالى باألعمال الصالحة ,واألقوال الطٌبة ,على سإال االستعانة والدعاء بها , 92
وذلك ٌكون أرجى فً قبول الدعاء ,وإجابة السإال ,وهذا له نظابر وأشباه كثٌرة فً الشرع ,فإن الدعاء عقب العبادة مجاب ,وإلٌه اإلشارة فً الحدٌث معاذ رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال له [ :وهللا إن ألحبك ,فبل تنس ] وفً رواٌة [ :أوصٌك أن تقول دبر كل صبلة :اللهم أعنً على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ] . ودعاء الصابم عند فطره مجاب ؛ ألنه بعد عبادة . ثالثا ً :لما وقؾ العبد موقؾ العابد ,والمقر هلل تعالى بؤنه هو اإلله المعبود وحده ,فقال {:إٌاك نعبد } أي :نعبدك اعتقاداً وعمبلً وقوالً ,ولكن ذلك كله إنما هو بعونك ٌا رب ,وتفضلك بالتوفٌق ,والعون والتٌسٌر ,فلو ال فضلك بالتوفٌق والعون والتٌسٌر ما عبدتك ,فمنك الفضل علً ,و لك المنة أوالً وآخراً فً اإلعانة على العبادة وقبولها ,والثواب علٌها . رابعا ً :أن العبادة هً قٌام العبد بتكالٌؾ الشرٌعة التً شرعها هللا تعالى , وفٌها األوامر والمناهً ,وهذه هً األمانة الكبرى التً التزمها اإلنسان وحملها ٌ ,وم عرضت على السماوات واألرض والجبال فؤبٌن ٌحملنها , وأشفقت منها لثقلها ,وحملها اإلنسان ,كما بٌنت ذلك مفصبلً فً كتاب ( هدي القرآن إلى معرفة األكوان ) . قال تعالى { :إنا عرضنا على السماوات واألرض فؤبٌن أن ٌحملنها وأشفقن منها وحملها اإلنسان إنه كان ظلوما ً جهوالً } . فاإلنسان الذي حمل تلك األمانة ,واستعان باهلل تعالى على ذلك :أعانه هللا تعالى ,وأدى حق العبادة وموجبها ,فإنه خرج عن الظلم والجهل , والكافر الذي لم ٌفعل ذلك كان ظلوما ً جهوالً . خامسا ً :إن هللا تعالى قال { :وما خلقت الجن واإلنس ؼبل لٌعبدون } أي : ألن فً عبادتهم له شرفهم ,وكرامتهم ,وعزتهم ,ورفعة شؤنهم فً الدنٌا واآلخرة ,فقام العبد المإمن ٌقر بذلك ,وٌشهد هللا تعالى على ذلك , وٌناجٌه فً الصبلة فٌقول { :إٌاك نستعٌن } أي :تحقٌقا ً لؤلصل الذي خلقتنا من أجله ,وتطبٌقا ً للمراد المحبوب ,الذي أردته منا فً خلقك لنا ,
93
فها نحن عبادك نعبد :حاالً وماالً ,ونسؤلك أن تعٌننا على ذلك حتى آخر لحظة ,قال تعالى { :واعبد ربك حتى ٌؤتٌك الٌقٌن } والمراد بالٌقٌن : الموت ,كما قال تعالى عن عٌسى علٌه السبلم { :وأوصانً بالصبلة والزكاة ما دمت حٌا ً } ,وبذلك تتم النعمة ,وتحسن الخاتمة ,ولذلك فإن هللا تعالى أمر العبد أن ٌقول بعد { :إٌاك نعبد } ٌقول { :وإٌاك نستعٌن } اللهم آمٌن . { اهدنا الصراط المستقٌم } . أي :وفقنا للسلوك على الصراط المستقٌم ,الذي هدانا إلٌه رسولك سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ,ودعانا إلٌه حٌث قلت فً كتابك مخاطبا ً له {:وإنك لتهدي إلى صراط مستقٌم .صراط هللا } وقلت {:وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقٌم }. وهذا الصراط هو دٌن اإلسبلم ,الذي جاء ٌدعو إلٌه رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ,الجامع للعقابد اإلٌمانٌة ,واألوامر العملٌة ,وهً العبادات القابمة على أساس االعتقاد ,واالعتراؾ بالعبودٌة لرب العالمٌن ,فإن من اعتقد واعترؾ أنه عبد مخلوق بعد أن كان معدوما ً ؛ وجب علٌه أن ٌعبد ربه وخالقه الذي أوجده ,من بابا القٌام بحق هللا تعالى علٌه ,كما ورد فً الحدٌث [:أتدري ما حق هللا على عباده ]؟ أي :ما حق هللا تعالى الذي ال رب ؼٌره على عباده ,الذٌن هم ال محالة عباده ,ببل شك وال رٌب ,فإنهم عباده ,ولٌسوا أرباب أنفسهم ,وال رب لهم ؼٌره سبحانه . قلت :هللا ورسوله أعلم . قال [:حق هللا على عباده أن ٌعبدوه وال ٌشركوا به شٌبا ً ]...الحدٌث . والدلٌل على أن المراد بالصراط هنا هو اإلسبلم – أي :دٌن اإلسبلم -ما رواه اإلمام أحمد وؼٌره ,عن النواس بن سمعان رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [:ضرب هللا تعالى مثبلً ,صراطا ً مستقٌما ً ,وعلى جنبتً الصراط – أي :جانبً الصراط -سوران -تثنٌة متقؾ علٌه. 94
سور وهو الحابط المنٌع – فٌهما أبواب مفتحة ,وعلى األبواب ستور مرخاة ,وعلى باب الصراط داع ٌقول ٌ :ا أٌها الناس ادخلوا الصراط جمٌعا ً ,وال تتعوجوا -أي :ال تنحرفوا عن الصراط – وداع ٌدعو من فوق –أي :الصراط – فإذا أراد اإلنسان أن ٌفتح شٌبا ً من تلك األبواب قال: وٌحك ال تفتحه فإنك إن فتحته تلجه ] أي :تدخل فٌه . قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:فالصراط اإلسبلم ,والسوران حدود هللا تعالى ,واألبواب المفتحة محارم هللا تعالى ,وذلك الداعً على رأس الصراط كتاب هللا تعالى ,والداعً من فوقه واعظ هللا تعالى فً قلب كل مسلم ] أي :وهو لمة الملك الذي ٌدله على الخٌر ,كما جاء فً الحدٌث الذي رواه الترمذي وؼٌره ,عن ابن مسعود رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [:إن للشٌطان لمة بابن آدم ,وللملك لمة ,فؤما لمة الشٌطان فإٌعاد بالشر وتكذٌب بالحق ,وأما لمة الملك فإٌعاد بالخٌر وتصدٌق بالحق ,فمن وجد من ذلك – أي :من إٌعاد الخٌر وتصدٌق الحق -فلٌعلم أنه من هللا تعالى ,من وجد األخرى فلٌتعوذ باهلل من الشٌطان] ثم قرأ {:الشٌطان ٌعدكم الفقر وٌؤمركم بالفحشاء وهللا ٌعدكم مؽفرة منه وفضبلً وهللا واسع علٌم }. واللمة هً :العارض والخطرة التً تقع فً القلب ,وتمر بسرعة ,فهناك خطرات وعوارض للقلب ملكٌة وهً :التً تدلك على الخٌر وتبعدك عن الوساوس والشر ,وهناك خطرات شٌطانٌة ترد على القلب فاستعذ باهلل منها . وقال بعض الؽارفٌن :واعظ هللا تعالى فً قلب كل مسلم – الوارد ذكره فً هذا الحدث ونحوه -هو الواعظ اإللهً ,بسبب نور اإلٌمان الذي فً قلب المسلم حقا ً ,وهذا النور هو من عند هللا تعالى ,ومن شؤنه أن تكون فٌه البصابر والبشابر ,واإللهامات اإللهٌة ,وهذا النور هو المذكور فً قوله تعالى {:أفمن شرح هللا صدره لئلسبلم فهو على نور من ربه فوٌل للقاسٌة قلوبهم من ذكر هللا} اآلٌة.
95
وهذا النور هو المذكور فً الحدٌث المروي عن ابن عباس رضً هللا عنهما ,وابن مسعود رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم سبل عن هذه اآلٌة {:فمن ٌرد هللا أن ٌهدٌه ٌشرح صدره لئلسبلم } قالوا: ٌا رسول هللا كٌؾ ٌشرح صدره؟ فقال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:نور ٌقذفه فً القلب – أيٌ :قذفه هللا فً القلب – فٌشرح له الصدر وٌنفسح ]. قالوا :وهل لذلك من أمارة – أي :عبلمة -تعرؾ ؟ فقال [:نعم]. قالوا :وما هً ؟ قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [:اإلنابة إلى دار الخلود ,والتجافً عن دار الؽرور ,واالستعداد للموت فبل نزول الموت ] رواه عبد الرزاق ,وابن جرٌر ,واٌن أبً حاتم وؼٌرهم برواٌات متعددة . وقوله تعالى {:اهدنا} فٌه أن موقؾ العبد ,موقؾ االستهداء من هللا تعالى ,وأنه إن لم ٌهده فهو ضال عن طرٌق الحق ,الموصل إلى سعادة الدنٌا واآلخرة ,كما جاء فً الحدٌث القدسًٌ [:ا عبادي كلكم ضال إال من هدٌته فاستهدونً أهدكم ]. وهذه الهداٌة التً علمنا هللا تعالى إٌاها هً هداٌة التوفٌق لسلوك الصراط المستقٌم و فإن الهداٌة فً القرآن والسنة ,تؤتً على معان ٌهمنا أن نذكر منها ما ٌلً : النوع األول :هداٌة هللا تعالى لجمٌع المخلوقات لما فٌه صبلح وجودها , ومصالح عٌشها فً دنٌاها ؛ وهً عبلمة لئلنس ,والجن ,والطٌر , والحٌوانات ,وجمٌع ما هنالك ,وهذه الهداٌة المذكورة فً قوله تعالى : {قال ربنا الذي أعطى كل شًء خلقه ثم هدى } المعنى :أنه سبحانه أعطى كل شًء أبرزه لعالم الخلق اإلٌجادي ,أعطاه وجوده الكونً البلبق به ؛ من حٌث حقٌقته الوجودٌة ,وصورته الكونٌة المناسبة له ,كما هو مقتضى الحكمة اإللهٌة ,من حٌث نوعه ,وكمه ,وكٌفه ,وزمانه , 96
ومكانه ,وجمٌع شإونه ,وحاالته فً كل شًء ,أحسن هللا تعالى خلقه كما قال تعالى { :الذي أحسن كل شًء خلقه } ,وكل شًء أتقن هللا تعالى صنعه كما قال سبحانه { :صنع هللا الذي أتقن كل شًء } فكل شًء هو حسن الخلق ,ومتقن الصنع بالنسبة لنوعه ,فالحمار بالنسبة لكونه حماراً هكذا ٌنبؽً أن ٌكون ,والكلب بالنسبة لنوعه وهو الحٌوان الكلبً هكذا أن ٌكون ,وهلم جراً ,وهللا تعالى أعطاه ذلك كله على حسب ما ٌلٌق به , بمقتضى علمه سبحانه السابق القدٌم ,الذي ال أول له ,المحٌط بكل شًء ,وحسب حكمته الشامل لكل شًء – وهللا تعالى علٌم حكٌم . وبقدرته التً ال ٌعجزها شًء أوجد ذلك كله ,ثم هدى ذلك الشًء لما فٌه صبلح وجوده وبقابه ,وحٌاته ,وهداه لمعرفته بربه خالقه ورازقه , وهداه لمعرفة معاشه وؼذابه ,ومطعمه ومشربه ,وهداه لمعرفة ما ٌضره وما ٌنفعه من المؤكوالت والمشروبات ,وهداه لمعرفة من ٌؤتلؾ معه , ومن ٌحذر من شره . فترى العصفور مثبلً ٌؤتلؾ مع بنً نوعه ونوع الحمام ,ولكنه ٌفرمن الؽراب ونحوه من سباع الطٌور. وهكذا هدى سبحانه جمٌع المخلوقات إلى ما فٌه نظامها وانتظامها :قال تعالى {:وما من دابة فً األرض وال طابر ٌطٌر بجناحٌه إال أمم أمثالكم }. وقد تكلمت بعض الكبلم علة هذه اآلٌة فً كتاب (هدي القرآن إلى معرفة العوالم والتفكر فً األكوان ) فارجع إلٌه . النوع الثانً من الهداٌة :هداٌة البٌان والداللة على كل خٌر ,وفٌها التحذٌر من كل شر ,وهذه هداٌة المكلفٌن عامة إلى معرفة الحق من الضبلل, وبٌان ما فٌه الخٌر لهم ,وما ٌعود علٌهم بالشر والفساد ,وبٌان ما ٌنفعهم, وٌصلح أمورهم الخاصة والعامة؛ فً الدنٌا واآلخرة ,جماعات وفرادى . وهذه الهداٌة اإللهٌة هً التً أوجبها هللا تعالى على نفسه ,رحمة بعباده بواسطة الرسل صلوات هللا تعالى علٌهم -وهً وظٌفتهم فً الدنٌا وٌوم
97
المعاد ,وبها ٌظهر اختٌار المكلؾ :فإما أن ٌختار اإلٌمان الثابت بالبٌنات والبرهان ,الذي جاء به هذا الهدي البٌانً ,وإما أن ٌختار الكفر – وهو : ستر الحق بعد ما ظهر له بالهدى والبٌنات – وبذلك ٌكون من أهل الردى . وعلى هذا االختبار الذي ٌظهر فٌه االختٌار ٌترتب الثواب :إن اختار واستحب اإلٌمان والهدى ,وٌترتب علٌه العقاب :إن اختار الكفر واستحب العمى على الهدى . وهذه أمور أربعة تتعلق بهداٌة البٌان والداللة : األول :إن هللا تعالى أوجبها على نفسه رحمة بعباده ,قال تعالى {:إن علٌنا للهدى .وإن لنا لآلخرة واألولى } ,فقد أوجب على نفسه سبحانه أن ٌهدي العباد – أيٌ :دلهم على الحق ,وٌبٌن طرٌق الحق وما ٌإدي إلٌه من الفبلح ,وصبلح الدنٌا واآلخرة ,كما بٌن طرٌق الضبلل وما ٌإدي ؼلٌه من الشر والفساد و وهذا كما قال تعالى {:وهدٌناه النجدٌن } أي :بٌنا له الطرٌقٌن الواضحٌن :طرٌق الخٌر وطرٌق الشر . روى الطبرانً ,عن أبً أمامة رضً هللا عنه ,أن النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم قالٌ [:ا أٌها الناس إنما هما نجدان – أي :طرٌقان -نجد خٌر , ونجد شر ]. وروى ابن مردوٌه وابن أبً حاتم نحو ها مرفوعا ً . وأخرج عبد الرزاق ,وابن جرٌر ,وابن المنذر ,وابن أبً حاتم, والطبرانً ,والحاكم وصححه ,عن ابن مسعود رضً هللا عنه فً قوله تعالى {:وهدٌناه النجدٌن } قال :سبٌل الخٌر والشر. ومثل ذلك جاء عن أمٌر المإمنٌن سٌدنا علً رضً هللا عنه ,وعن ابن عباس رضً هللا تعالى عنهما أٌضا ً . ومنذ أهبط هللا تعالى بنً آدم إلى األرض ,تعهدهم بهذا الهدي البٌانً:
98
قال تعالى {:قلنا اهبطوا منها جمٌعا ً فإما ٌؤتٌنكم منً هدى فمن اتبع هداي فبل خوؾ علٌهم وال هم ٌحزنون .والذٌن كفروا وكذبوا بآٌاتنا أولبك أصحاب النار هم فٌها خالدون }. الثانً :أن هذه الهداٌة اإللهٌة التً فٌها البٌان والداللة على الحق ,والخٌر والرشاد ,والتحذٌر من الضبلل والشر والفساد ,هً بواسطة الرسل صلوات هللا علٌهم ,وبإنزال الكتب اإللهٌة . قال تعالى {:لقد أرسلنا رسلنا بالبٌنات وأنزلنا معهم الكتاب والمٌزان } اآلٌة. وقال تعالى لحبٌبه سٌدنا رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم {:وإنك لتهدي إلى صراط مستقٌم .صراط هللا }. وقال سبحانه مخبراً عن الخلٌل على نبٌنا وعلٌه أفضل الصلوات والتسلٌمات قوله ألبٌه {:فاتبعنً أهدك صراطا ً سوٌا ً }. وقال تعالى مخبراً عن الكلٌم علٌه الصبلة والسبلم – لما أرسله هللا تعالى إلى فرعون أن ٌقول له {:فقل هل لك إلى أن تزكى .وأهدٌك إلى ربك فتخشى }. والمعنى :أدلك على الطرٌق الذي ٌوصلك إلى ربك فتخشاه . وقال تعالى { :إنما أنت منذر ولكل قوم هاد } . فجاءت الرسل صلوات هللا علٌهم ٌهدون العبادة إلى ربهم ,وٌدولونهم على طرٌق الحق الموصل إلى هللا تعالى ,وذلك بالبٌنات القطعٌة الذي جاإوا بها ,كما قال سبحانه { :ألم ٌؤتٌكم نبوا الذٌن من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذٌن من بعدهم فبل ٌعلمهم إال هللا جاءتهم رسلهم بالبٌنات فردوا أٌدٌهم فً أفواههم } اآلٌة . وقال تعالى { :ولقد أرسلنا من قبلك رسبلً إلى قومهم فجاءهم بالبٌنات فانتقمنا من الذٌن أجرموا وكان حقا ً على نصر المإمنٌن } اآلٌة .
99
وقال تعالى { :وعاداً وثموداً وقد تبٌن لكم من مساكنهم وزٌن لهم الشٌطان أعمالهم فصدهم عن السبٌل وكانوا مستبصرٌن .وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبٌنات فاستكبروا فً األرض وما كانوا سابقٌن .فكبلً أخذنا بذنبه } اآلٌات . فما من رسول إال وقد جاء قومه بالبٌنات – والبٌنات جمع بٌنة ,وهً :ما كانت حقا ً ظاهرة فً نفسها ,ومظهرة لحقٌة ما سٌقت له . والبٌنات الذي جاءت بها رسل كلها قطعٌة ,وهً تشمل الحجج العقلٌة , والبراهٌن القاطعة ,كما قال تعالى { :وتلك حجتنا ءاتٌناها على قومه } اآلٌة . وتشمل المعجزات المربٌة المشهودة ,وبهذا تكوم الحجة على العباد . فالبٌنات العلمٌة العقلٌة تثبت الحق وتدحض الباطل ,وتزٌل الشبه والشكوك ,والبٌنات المربٌة وهً المعجزات الخارقة للعادات فإنها تشهدك حقٌة ما جاءت به الرسل عٌانا ً . فكل رسول من الرسل صلوات هللا تعالى علٌهم أوتً من البٌنات ؛ وأنزل هللا تعالى علٌه من اآلٌات ؛ ما فٌه الحجة على قومه ,بحٌث تكون قاطعة دامؽة ال تبقً رٌبة لمرتاب ,وال عذراً لمعتذر . وقد أعطى هللا تعالى سٌدنا محمداً صلى هللا علٌه وآله وسلم أنواع المعجزات ومجامع البٌنات ,الن رسالته عامة لجمٌع األمم ؼلى ٌوم القٌامة ,وفٌها الحجج القاطعة على جمٌع الطبقات ,ولذلك سماه هللا تعالى بالبٌنة : فقال سبحانه { :لم ٌكن الذٌن كفروا من أهل الكتاب والمشركٌن منفكٌن حتى تؤتٌهم البٌنة .رسول من هللا } صلى هللا تعالى علٌه وآله وسلم ,فهو البٌنة الجامع لكل بٌنة ,والذي جاء بكل بٌنة . وإن أعظم معجزاته ,وأجمع بٌناته ,هو هذا القرآن العظٌم ,والكتاب المبٌن ,الباقً إلى ٌوم الدٌن ,ببلؼا ً صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وحجة على جمٌع العالمٌن . 100
قال تعالى لحبٌبه األكرم صلى هللا علٌه وآله وسلم { :قل هللا شهٌد بٌنً وبٌنكم وأوحى إلى هذا القرآن ألنذركم به ومن بلػ } اآلٌة . وروى ابن أبً شٌبة ,وابن الضرٌس ,وابن جرٌر ,وابن المنذر ,وابن أبً حاتم ,وأبو شٌخ عم محمد بن كعب القرظً :فً معنى قول هللا تعالى { :وأوحى إلى هذا القرآن ألنذركم به ومن بلػ } قال :من بلؽه القرآن فكؤنما رأى النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم – أي :فبلؽه . - وفً لفظ آخر له :من بلؽه القرآن حتى ٌفهمه وٌعقله ؛ فكؤنه عاٌن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم وكلمه .اه . وأما أن هذا القرآن هو أعظم حجة بالؽة باقٌة إلى ٌوم القٌامة ,تشهد بصدق نبوة سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ورسالته ,فدلٌل ذلك هو الحدٌث الذي رواه البخاري ,عن أبً هرٌرة رضً هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم [ :ما من األنبٌاء نبً إال أعطً من اآلٌات ما مثله آمن علٌه البشر ,وإنما كان الذي أوتٌته وحٌا ً أوحاه إلى هللا تعالى إلً ,فؤرجو أن أكون أكثرهم تابعا ً ] . والمعنى :أن هللا تعالى خصه بوحً القرآن العظٌم المعجز لجمٌع العالمٌن ,الباقً حجة إلى ٌوم الدٌن على جمٌع المكلفٌن ,فؤتباعه هم أكثر من جمٌع أتباع الرسل قلبه ,وقد بٌنت ذلك مفصبلً فً كتاب ( :هدي القرآن إلى حجة والبرهان ) . الثالث :إن هداٌة البٌان والداللة هً حجة هللا تعالى على العباد فً الدنٌا وٌوم المعاد . قال تعالى { :رسبلً مبشرٌن ومنذرٌن لببل ٌكون للناس على هللا حجة بعد الرسل وكان هللا عزٌزاً حكٌما ً } . فجاءت رسل هللا تعالى ٌهدون العباد إلى طرٌق الحق ,والصبلح والفبلح والنجاح ,وٌدولونهم على كل خٌر فً الحال والمال ,وٌحذرونهم من كل شر ٌعود علٌهم فً الحال والمال ,وكل ذلك قابم على البٌنات واألدلة القاطعة الساطعة ,حتى ال ٌبقى للعباد حجة فٌما إذا خالفوا ,وال ٌبقى لهم 101
عذر ٌعتذرون به ,كما جاء فً الحدٌث الذي رواه مسلم ؼٌره ,عن عبد هللا بن عمرو رضً هللا عنهما ,أن رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم قال [ :إ ّنه لم ٌكن نبً قبلً إال كان حقا ً علٌه أن ٌد ّل أمته على خٌر ما ٌعلمه لهم ,وٌنذرهم شرّ ما ٌعلمه لهم ,وإنّ أمتكم هذه جعل عافٌتها فً أولها ,وسٌصٌب آخرها ببلء وأمور تنكرونها ,فتجًء فتنة ,فٌر ّقق بعضها بعضا ً ,وتجًء الفتنة فٌقول المإمن :هذه مهلكتً ,ثم تنكشؾ , ثم تجًء الفتنة فٌقول المإمن :هذه ] – أي :مهلكتً . - قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :فمن أحبّ أن ٌزحزح عن النار وٌدخل الجنة ,فلتؤته منٌّته وهو مإمن باهلل والٌوم اآلخر ,ولٌؤت إلى الناس الذي ٌحب أن ٌوتى إلٌه ] . فجاءت الرسل صلوات هللا تعالى على نبٌنا وعلٌهم بهداٌة البٌان والداللة على كل خٌر عاجل وآجل ,والتحذٌر من كل شر عاجل وآجل ,مع البٌنات القاطعة ,كما قال تعالى { :لٌّهلك من هلك عن بٌّنة وٌحٌى من حىّ عن بٌّنة وإنّ هللا لسمٌع علٌم } . ولذلك قال سبحانه { :وما ك ّنا ّ معذبٌن حتى نبعث رسوالً } ,وقال تعالى : { ولو أ ّنا أهلكناهم بعذاب مّن قبله لقالوا ربّنا لوال أرسلت إلٌنا رسوالً فنتبع ءاٌتك من قبل أن ّنذ ّل ونجزى } . فهو سبحانه ال ٌعذب ال فً الدنٌا وال فً اآلخرة من كفر وجحد ,حتى ٌبعث رسوالً ٌ :قٌم الحجة ,وٌدل على الطرٌق النٌّرة ,والمحجّ ة البٌضاء . فلم ٌعذب فً الدنٌا عذاب استبصال لمن كفر ؛ إال بعدما أرسل فٌهم رسوالً : قال تعالى { :وكم أهلكنا من قرٌة بطرت معٌشتها فتهلك مساكنهم لم تسكن مّن بعدهم إال قلٌبلً وك ّنا نحن الوارثٌن .وما كان ربّك مهلك القرى ح ّتى ٌبعث فً أمّها رسوالً ٌتلوا علٌهم ءاٌاتنا وما ك ّنا مهلكً القرى إالّ وأهلها ظالمون } . 102
فبٌّن هللا تعالى أنه لم ٌؤخذ القرى بالعذاب فٌهلكهم إال بعد أن ٌبعث فً أمّها – أي :عاصمتها ؛ وهً البلد الكبرى التً ترجع إلٌها القرى فً مهام أمورها – رسوالً ,فٌبلّؽهم ,وٌبلػ القرى المحٌطة بها ,وٌتلو علٌهم آٌات هللا تعالى ,فٌكفروا وٌجحدوا ,فٌستحقون العذاب ؛ ألنهم ظالمون ألنفسهم . ولما كانت مكة المكرمة هً أم أمهات القرى كلها ,وعاصمة العواصم , باعتبار أن الببلد ترجع إلٌها فً محجّ ها وصلواتها ,كانت من الحكمة أن ٌبعث صاحب الرسالة العامّة لجمٌع الببلد منها . قال تعالى { :وكذلك أوحٌنا إلٌك قرءانا ً عرب ٌّا ً لّتنذر أ ّم القرى ومن حولها } اآلٌة . فقوله تعالى {:ومن حولها } ٌشمل جمٌع الببلد ,ألنّ مكة هً فً منتصؾ المعمورة . ثم إنّ قوله تعالى { :ح ّتى ٌبعث فً أمّها رسوالً } ٌنبهك أٌها العاقل إلى أنّ الرسل ٌختارهم هللا تعالى من المدن المتحضرة ,والببلد العامرة ,ال من البوادي المهجورة ,وال من أطراؾ الحافات المؽمورة ,بل ٌولدون فً ببلد عامرة حاضرة و ٌبعثون منها . كما أ ّنه سبحانه ال ٌعذب فً اآلخرة إال بعد بعثة الرسل ,وإقامة البٌنات , وبٌان اآلٌات ,واإلتٌان بالحجج والمعجزات _ كما أخبر فً اآلٌة عن أهل النار :قال تعالى { :كلّما ألقً فٌها فوج سؤلهم خزنتها ألم ٌؤتٌكم نذٌر . قالوا بلى قد جاءنا نذٌر ّ فكذبنا وفلنا ما ّ نزل هللا من شًء إن انتم إالّ فً ضبلل كبٌر} . وقال تعالى { :وقال الّذٌن فً ال ّنار لخزنة جه ّنم ادعوا ربّكم ٌخ ّفؾ ع ّنا ٌوما ً من العذاب .قالوا أولم تك تؤتٌكم رسلكم بالبٌّنات قالوا بلى } أي :قد جابتنا رسلنا بالبٌنات واألدلة وأقاموا الحجج { قالوا فادعوا وما دعوا الكافرٌن إالّ فً ضبلل } .
103
وقال تعالى { :وأنٌبوا إلى ربّكم وأسلموا له من قبل أن ٌؤتٌكم العذاب ث ّم ال تنصرون .وا ّتبعوا أحسن ما أنزل إلٌكم مّن ربّكم مّن قبل أن ٌؤتٌكم العذاب ً بؽتة وأنتم ال تشعرون .أن تقول نفس ٌاحسرتى على ما فرّ طت فً جنب هللا وإن كنت لمن السّاخرٌن .أو تقول لو أنّ هللا هدانً لكنت من الم ّتقٌن . أو تقول حٌن ترى العذاب لو أنّ لً كرّ ة } – أي :رجعة إلى الدنٌا – { فؤكون من المحسنٌن .بلى قد جاءتك ءاٌاتً ّ فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرٌن } . فر ّد هللا تعالى معاذٌرهم ,وقول أحدهم :لو أن هللا هدانً – بٌّن طرٌق الحق والسعادة وسبٌل الفبلح – ر ّد علٌهم بقوله { :بلى قد جاءتك آٌاتً } ٌعنً :أرسلت فٌكم رسبلً ,فهدوكم إلى طرٌق الحق :وجاإوكم باآلٌات والبٌنات ,ودلوكم على كل خٌر ,وحذروكم من كل شر ,ولكن كنتم تسخرون منهم ,وتتكبرون علٌهم ,وتستهزبون بهم . كما قال سبحانه { :فلمّا جاءتهم رسلهم بالبٌّنات فرحوا بما عندهم مّن العلم وحاق بهم مّا ٌستهزءون } . فكانت األمم الكافرة تفرح بعلومها الدنٌوٌة ,وتسخر بما جاءت به الرسل من علوم الدٌن ,وتعالٌم الشرعٌة التً فٌما ضمان الحقوق ,وكمال العدل ,وسعادة الدنٌا واآلخرة ,فجابت شرابع هللا تعالى بعلوم فٌها عمارة الدنٌا و اآلخرة ,وسعادة الدنٌا واآلخرة ,ولكن الكفرة إ ّنما ٌرٌدون الدنٌا وال ٌرٌدون اآلخرة – بل ال ٌإمنون باآلخرة أصبلً . ولو أنهم فكروا وعقلوا ,وتجردوا عن كبرهم ,واتباع أهوابهم وشهواتهم البهٌمٌة المفرطة ,لو فعلوا ذلك لعقلوا ,وعملوا حق العلم أنّ اآلخرة هً الحق ,وأ ّنها ال رٌب فٌها – كما أوضحت ذلك مفصبلً فً كتاب ( اإلٌمان بعوالم اآلخرة ومواقفها ) . الرابع من هداٌة البٌان والداللة الذي هدى هللا تعالى بها العباد بواسطة الرسل صلوات هللا علٌهم ,بها ٌظهر اختٌار العاقل المكلؾ :
104
فإما أن ٌختار وٌستحب اإلٌمان ,وٌمشً على هدىً وبصٌرة سوٌا ً على صراط مستقٌم ؛حتى ٌنتهً أمره إلى الجنة الخلد ونعٌم األبد . وإما أن ٌختار وٌستحب العمى على الهدى ,فٌتخبط فً ظلمات الضبلل المبٌن ,حتى ٌنتهً أمره إلى جهنم وببس المهاد . قال تعالى { :وأما ثمود فهدٌناهم } – أي :بٌّنا لهم ,ودللناهم على الحق الذي فٌه سعادة الدنٌا واآلخرة ,مع البٌّنات وإٌضاح الدالالت – { فاستحبو العمى على الهدى فؤخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا ٌكسبون . ونجٌنا الذٌن امنوا وكانوا ٌتقون } . وقال تعالى { :إنا هدٌناه السبٌل إما شاكراً وإما كفوراً } والمعنى أ ّنه سبحانه بٌّن لئلنسان سبٌل الحق ,وطرٌق الخٌر ,وبصّره به ,وأوضحه له بالبٌّنات ؛ كل ذلك بواسطة الرسل صلوات هللا علٌهم ,وإنزال الكتب اإللهٌة علٌهم ,فهنا ٌظهر اختٌار اإلنسان :فإما أن ٌهتدي ,أي ٌ :سٌر على طرٌق الهدى المنٌر ,شاكراً لربّه على نعمة اإلٌمان واإلكرام ,ونعم هللا تعالى التً ال تحصى . وإما أن ٌكفر بذلك ظلما ً وعلواً ,أو كبراً وطؽٌانا ً ,أو فسقا ً واستؽراقا ً فً الشهوات البهٌمٌة . وعلى ذلك ٌترتب الثواب والعقاب ,ولذا قال سبحانه بعد تلك اآلٌات: { ؼنا أعتدنا للكافرٌن سبلالً وأؼبلالً وسعٌراً .إن األبرار ٌشربون من كؤس كان مزاجها كافوراً } اآلٌات . وقال تعالى { :وقل الحق من ربكم فمن شاء فل ٌإمن ومن شاء فلٌكفر } . والمعنى :قد جبتكم بالحق من ربّكم ,ففكروا فً حقٌّة ذلك واعقلوه ,فإنّ الحق هو األمر الموافق للواقع ,وال ٌمكن بل ال ٌجوز للعاقل أن ٌنكر الواقع المشهود عقبلً ,كما ال ٌجوز أن ٌنكر المشهود بصراً . فهل ٌجوز للعاقل أن ٌنكر ضوء النهار ,وٌزعم أ ّنه لٌل مظلم ,فإنه إذا قال ذلك حكم الناس علٌه بالمجنون ,وهكذا فإنّ نور الشرع والحق الذي 105
جاء به رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ,فإنه نور مشهود لدى العقول والقلوب واألفكار ,فمن أنكره فهو أشد جنونا ً ممن ٌنكر طلوع النهار وضوءه . ولذلك قال سبحانه { :قد جاءكم من هللا نور وكتاب مبٌن } . وقال تعالى { :كتاب أنزلناه إلٌك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } . فبعد بٌان الحق ,وظهور النور : فمن شاء فلٌإمن ألنه ال ٌسعه إالّ أن ٌصدق بالحق ,ومن شاء فلٌكفر – هذا من باب التهدٌد والوعٌد الشدٌد ,نظٌر قوله تعالى { :اعلموا ما شبتم إنه بما تعمون بصٌر } ,فلٌس المراد هنا فعل المؤمور به ,بل المراد التحذٌر والتهدٌد بالوعٌد الشدٌد . والمعنى :فمن ٌكفر فقد ستر الحق ,واعرض عن النور الذي جاء به رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ,والبٌان الذي بٌّنه ,إذاً فلٌعلم أنّ هناك الحساب والعقاب ,فإن هللا تعالى هو أسرع الحاسبٌن ,وهو أحكم الحاكمٌن ,وهو شدٌد العقاب . ولذلك قال سبحانه { :ومن شاء فلٌكفر إنا أعتدنا للظالمٌن ناراً أحاط به سرادقها } أي :ألنهم ظلموا أنفسهم ,فتركوا الحق الظاهر وكرهوه ,ولم ٌختاروه ,واستحبوا العمى ,واتبعوا الباطل ,ففوّ توا على أنفسهم النعٌم األكبر ,وحرموها الخٌر الكثٌر ,فهم الظالمون ألنفسهم ,حٌث سلكوا طرٌق الباطل الموصول إلى جهنم وعذاب الحرٌق ,وأعرضوا عن طرٌق الحق الموصول إلى الجنة والنعٌم المقٌم ,فؤيّ ظلم أعظم من هذا الظلم ألنفسهم ؟! النوع الثالث من الهداٌة :هداٌة التوفٌق للعمل بموجب الهدي البٌانً , الذي جاء به رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وسلوك الصراط المستقٌم ,والطرٌق القوٌم ,الذي مشى علٌه الرسول صلى هللا علٌه وآله وسلم ,ودعا إلٌه ,ود ّل العباد علٌه . قال تعالى { :قل ؼنً هدانً ربً إلى صراط مستقٌم } . 106
وقال سبحانه { :إنك لعلى هدى مستقٌم } . وقد قال صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :وإنّ خٌر الهدي هدي محمد ] صلى هللا علٌه وآله وسلم . وهذه الهداٌة فً المعنٌّة فً قول هللا تعالى – ٌعلّم عباده أن ٌقولوا [ : - اهدنا الصراط المستقٌم} ,وأن ٌسؤلوه سبحانه هداٌتهم إلى هذا الصراط المستقٌم ,كل ٌوم ولٌلة ,فً أكمل قرباتهم ,وأفضل عباداتهم وهً : الصلوات الخمس . فمن نال هذه الهداٌة ٌسمى بالمهتدي ,وال ٌملك هذه الهداٌة وال ٌقدر علٌها إال هللا تعالى : قال تعالى { :من ٌهد هللا فهو المهتد ومن ٌضلل فلم تجد له ولٌا مرشدا } . وقال تعالى { :إنك ال تهدي من أحببت ولكن هللا ٌهدي من ٌشاء } . فهذه الهداٌة هً التوفٌق للعمل بما جاء به صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وبما هداهم – أي :دلّهم علٌه – فؤثبت له صلى هللا علٌه وآله وسلم هداٌة البٌان ؛ والداللة على صراط مستقٌم ,الجامع لكل خٌر ,فقال { :وإنك لتهدي إلى صراط مستقٌم } . وأما التوفٌق للسٌر على هذا الصراط والمشً علٌه فهذا إلى هللا تعالى , كما قال سبحانه { :وهللا ٌدعوا إلى دار السبلم وٌهدي من ٌشاء إلى صراط مستقٌم } . فاهلل تعالى دعا عباده فً القرآن العظٌم ؛ وعلى لسان رسوله الكرٌم صلى هللا علٌه وآله وسلم ,دعاهم كلهم إلى دار السبلم ؛ وهً الجنة ,حتى ٌسترٌحوا من دار السّقام وهً الدنٌا ,فجاء صلى هللا علٌه وآله وسلم داعٌا ً إلى هللا السبلم ,وإلى داره دار السبلم ,ولكن هداٌة التوفٌق من عنده . قال هللا تعالى ٌ {:ضل به كثٌرا وٌهدي به كثٌرا وما ٌضل به إال الفاسقٌن . الذٌن ٌنقضون عهد هللا من بعد مٌثاقه وٌقطعون ما أمر هللا به أن ٌوصل وٌفسدون فً األرض أولبك هم الخاسرون } .
107
والفاسق هو الذي خرج عن منهاج الحق واالعتدال بعدما ا ّتضح له ؛ وسلك طرٌق الؽًّ والضبلل . روى البخاري وؼٌره ,عن جابر رضً هللا عنه قال ( :جاءت مبلبكة إلى النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم وهو نابم فقال بعضهم :إنه نابم ,وقال بعضهم :العٌن نابمة والقلب ٌقظان . فقالوا :إن لصاحبكم هذا مثبلً فاضربوا له مثبلً . فقالوا :مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فٌها مابدة ,وبعث داعٌا ً ,فمن أجاب الداعً :دخل الدار ,وأكل من المؤدبة ,ومن لم ٌجب الداعً لم ٌدخل الدار ولم ٌؤكل من المؤدبة . فقالوا - :أي :المبلبكة – أولوها ٌفقهها. فقال :إن العٌن نابمة والقلب ٌقظان ,فالدار الجنة ,والداعً محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ,فمن أطاع محمداً صلى هللا علٌه وآله وسلم فقد أطاع هللا تعالى ,ومن عصى محمداً فقد عصى هللا تعالى ,ومحمد صلى هللا علٌه وآله وسلم فرق بٌن الناس ) . وفً رواٌة الترمذي ,عن ابن مسعود رضً هللا عنه ( :فقال الملك : اسمع سمعت أذناك ,واعقل عقل قلبك ,إنما مثلك كمثل أمتك :كمثل ملك اتخذ داراً ,ثم بنى فٌها بٌتا ً ,ثم جعل فٌها مابدة – وفً رواٌة :مؤدبة – ثم بعث رسوالً ٌدعوا الناس إلى طعامه ,فمنهم من أجاب الرسول ,ومنهم من تركه ,فاهلل هو الملك ,والدار واإلسبلم ,والبٌت الجنة ,وانت ٌا محمد – صلى هللا علٌه وآله وسلم – رسول– أي :الداعً – فمن أجابك دخل اإلسبلم ,ومن دخل اإلسبلم دخل الجنة ,ومن دخل الجنة اكل مما فٌها ) . والسبلم فً قوله تعالى { :وهللا ٌدعوا إلى دار السبلم } إما المراد به اسمه تعالى السبلم ,وأضاؾ الدار إلٌه إضافة تشرٌؾ وتكرٌم ,كالكعبة فهً بٌت هللا تعالى ,وإما المراد بالسبلم :السبلم منه :أي :تحٌاته لهم سبحانه ,كما قال ج ّل وعبل { :تحٌتهم فً سبلم } . 108
وقال تعالى { :تحٌتهم ٌوم ٌلقونه سبلم وأعد لهم أجراً كرٌما ً } . وقال تعالى – مخبراً عن كثرة سبلمه على أهل الجنة { : -سبلم قوالً من رب رحٌم } أي :سبلم دابر ٌتوارد علٌهم من رب رحٌم . روى ابن ماجه وؼٌره ,عن جابر بن عبد هللا رضً هللا عنهما قال :قال رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم [ :بٌنما أهل الجنة فً نعٌمهم إذ سطح علٌهم نور ,فرفعوا رإوسهم فإذا الرب تبارك وتعالى قد أشرق علٌهم من فوقهم . فٌقول :السبلم علٌكم ٌا أهل الجنة ,فٌحٌٌّهم وٌحٌٌّونه ,فذلك قوله تعالى : { سبلم قوالً من رب رحٌم } ] . قال [ :فٌنظر إلٌهم ,وٌنظرون إلٌه ,فبل ٌلتفتون إلى شًء من النعٌم ما داموا ٌنظرون إلٌه ,حتى ٌحتجب عنهم ,وٌبقى نور بركته علٌهم فً دٌارهم . اللهم اجعلنا منهم ٌا رب ٌا رحٌم .ومن المبلبكة أٌضا ً قال تعالى { : والمبلبكة ٌدخلون علٌهم من كل باب .سبلم علٌكم بما صبرتم فنعم عقبً الدار } . والسبلم من بعضهم على بعض قال تعالى { :ال ٌسمعون فٌها لؽواً وال تؤثٌما ً .إال قٌبلً سبلما ً سبلما ً } . وفٌها السبلمة من اآلفات واألسقام واألمراض ,فهً دار السبلم العام ؛ أوّ الً من هللا تعالى ,ثم السبلم من المبلبكة علٌهم السبلم ,ثم من بعضهم على بعض قال تعالى { :ال ٌسمعون فٌها لؽواً وال تؤثٌما ً .إال قٌبلً سبلما ً سبلما ً } . وههنا مسؤلتان األولى :إذا كانت هداٌة التوفٌق هً من هللا تعالى وحده ال ٌملكها ؼٌره ؛ فما هو موقؾ الضا ّل الذي لم تنله هداٌة التوفٌق ؛ ما هو موقفه من الجزاء ؟
109
الثانٌة :المإمنون مؤمورون أن ٌقولوا فً صلواتهم ؛ وؼٌر صلواتهم { : اهدنا الصراط المستقٌم } فً حٌن أنهم مهتدون ,فما المقصود من سإالهم الهداٌة ؟ الجواب عن المسؤلة األولى : إن هللا تعالى قد اوجب على نفسه – رحمة منه وفضبلً – هداٌة البٌان والداللة كما تقدم ,وذلك بؤن ٌبعث الرسل وٌنزل الكتب فتبٌّن للناس , وٌهدونهم إلى طرٌق الحق ,وٌدلونهم علٌه ,وٌؤتونهم بالحجج والبراهٌن , واآلٌات والبٌنات ,بحٌث ال تبقً لهم عذراً لمعتذر ,كما قال سبحانه { : رسبلً مبشرٌن ومنذرٌن لببل ٌكون للناس على حجة بعد الرسل وكان هللا عزٌزاً حكٌما ً } وٌبقى كل رسول مع أمتة مدة طوٌلة واسعة من الزمان , وهو ٌحاجّ هم وٌناظرهم ,وٌبٌّن لهم ,فبعد البٌان والتبٌان فهناك ٌعلمون الحق من الباطل ,وٌعرفون ما ٌنفع وما ٌضر ,وٌفرقون بٌن الهدى والضبلل – ٌعرفون ذلك كله ,فبعد هذه المعرفة : منهم من ٌمٌل قلبه وبحب اتباع الحق بعد معرفته بذلك ,وٌستحسنه فٌشرح هللا صدره ,وٌفتح قلبه ,فلٌقً فٌه نور اإلٌمان ,فٌقرّ وٌعترؾ , وٌعلن ذلك بالشهادتٌن معبّراً عمّا قلبه . زمنهم من ٌعرؾ لكن ال ٌعترؾ ,وٌعلم حقٌّة ما جاءت به الرسل صلوات هللا علٌهم ولكن ٌجحد بعدما علم وٌنكر ,وذلك :إما بسبب كبر النفس قال تعالى { :إن فً صدورهم إال كبر ما هم ببالؽٌه } ,وقال تعالى – فً قوم فرعون { : -وجحدوا بها واستٌقنتها أنفسهم ظلما ً وعلواً } وإما بسبب اتباع أهوابهم وشهواتهم ,فإنها ال تنفق مع ما جاء به رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ,قال تعالى { :وكذبوا وتبعوا أهوابهم } أي :كذبوا بالحق الذي جبت به ,وقد علموا أنه الحق ,ولكنه مخالؾ ألهوابهم الفاسدة ,وما هم علٌه من الشهوات البهٌمٌة ,ومن ث ّم قال تعالى { :فإن لم ٌستجٌبوا لك فاعلم أنما ٌتبعون أهوابهم } . والمعنى :أنهم إن لم ٌستجٌبوا لك حٌن تدعوهم إلى الحق ونور الهدى بعدما بان لهم ببٌناتك التً جبتهم بها ,فاعلم أ ّنهم ٌتبعون أهوابهم ألنهم قوم 110
ال ٌرٌدون الحق ,وؼنما ٌمشون وراء أهوابهم الباطلة ,ولذلك كان شؤنهم دابما ً بؤن ٌعرضون وٌعارضوا ,وٌصرّ وا على كفرهم وبؽٌهم مراراً وتكراراً ,حتى إذا بلؽوا ؼاٌة الجحود والعناد ,والظلم والفساد ,طبع هللا ً عقوبة لهم من جنس عملهم – فهم ال ٌإمنون . تعالى على قلوبهم الكفر – قال تعالى { :إن الذٌن كفروا } – أي :الذٌن ستروا الحق الذي جبتهم به ,وألقوا الحجاب وأصرّ وا ,ومردوا على الكفر مع بٌانك وتبٌانك ٌا رسول هللا – { سواء علٌهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم ال ٌإمنون .ختم هللا على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم ؼشاوة ولهم عذاب عظٌم } . وقال تعالى { :كذلك ٌطبع هللا على قلوب الكافرٌن } عقوبة لهم ,وجزاء على إصرارهم على الكفر ,وإعراضهم عن الحق بعدما عرفوه . وقال تعالى { :كذلك ٌطبع هللا على كل قلب متكبر جبار } أي :متكبر على قبول الحق بعدما تبٌن له ,كما قال سبحانه { :فلما زاؼوا أزاغ هللا قلوبهم وهللا ال ٌهدي القوم الفاسقٌن } أي :أل ّنهم فسقوا فجاوزوا الحدود الشرعٌة تجاوزاً بعٌداً ,منكرٌن ومتكبرٌن ,ومعرضٌن عنها استمراراً وإصراراً ,كما قال سبحانه { :ونقلب أفبدتهم وأبصارهم كما لم ٌإمنوا به أول مرة ونذرهم فً طؽٌانهم ٌعمهون } . فهم طؽاة بؽاة ,استحبوا العمى على الهدى ,واختاروا طرٌق الفساد والؽًّ والردى ,فؤعطاهم العمى فهم ٌعمهون . قال تعالى { :وأما ثمود فهدٌناهم فاستحبوا العمى على الهدى } أي :بٌّنا لهم الحق وسبٌل الرشاد فؤعرضوا ,واستحبوا العمى على الهدى ,وهذا من باب العدل اإللهً ,فإنّ هذه العقوبات بالطبع والختم على قلوبهم وما هنالك ,كانت بؤسباب جرابمهم الصادرة عنهم باختٌارهم ,وإعراضهم , كما قال سبحانه { :وما كان هللا لٌضل قوما بعد إذ هداهم حتى ٌبٌن لهم ما ٌتقون } فهداهم – أي :بٌن هللا تعالى لهم – بواسطة الرسل وإنزال الكتب ,وباآلٌات والبٌّنات ,ومناظرات الرسل لهم ,فبٌّن لهم حتى بان لهم نور الحق فؤعرضوا ,وبصّرهم نور الحق فتعاموا ,وأسمعهم كبلم الحق فتصامّوا ؛ فعاقبهم بؤن جعلهم ص ّما ً بكما ً عمٌا ً القلوب . 111
ومن هذا قوله تعالى ٌ { :س .والقرآن الحكٌم .إنك لمن المرسلٌن .على صراط مستقٌم .تنزٌل العزٌز الحكٌم .لتنذر قوما ً ما أنذر ءاباإهم فهم ؼافلون .لقد حق القول على أكثرهم فهم ال ٌإمنون .إنا جعلنا فً أعناقهم أؼبلالً فهً إلى األذقان فهم مقمحون .وجعلنا من بٌن أٌدٌهم سدا ومن خلفهم سدا فؤؼشٌناهم فهم ال ٌبصرون .وسواء علٌهم أءنذرتهم أم لم تنذرهم ال ٌإمنون } . فقد أقسم سبحانه بالقرآن الحكٌم – أي :الجامع ألنواع الحكمة ,التً ال تحصى – على أنّ سٌدنا محمداً صلى هللا علٌه وآله وسلم هو من المرسلٌن ,ال ٌحتمل أمره أن ٌكون شاعراً أو ساحراً أو كاهنا ً ؛ وال وال . . .بل هو رسول هللا حقا ً ,فإ ّنه قد مضت قبله رسل ثبتت رسالتهم بالبٌنات والمعجزات ,وإنزال الكتب اإللهٌة علٌهم ,وإن كل الشواهد والبراهٌن واألدلة واآلٌات والمعجزات التً أثبتت رسالة من قبله ؛ هً كلها مجتمعة لتصدٌق سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ,فلقد أوتً من المعجزات وخوارق العادات فوق معجزات الرسل قبله ,وإنّ الكتاب الذي جاء به هو أجمع من الكتب النازلة على الرسل قبله ,وأعظمها ,وقد جاء هذا الكتاب على وجوده من اإلعجاز مع التحدي لجمٌع العالم بؤن ٌؤتوا بسورة مثله , وال قال سبحانه { :تنزٌل العزٌز الرحٌم } أي :ال ٌحتمل أن ٌكون هذا الكتاب الحكٌم من المخلوقٌن :اإلنس والجن وؼٌرهما ,بل هو قطعا ً تنزٌل من هللا العزٌز الرحٌم ,جاء لٌنذر قوما ً ما أنذر آباءهم ,وٌبٌن لهم الحق بالحجج واألدلة ,وأوضح لهم رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم , وبٌّن لهم ,وحاجّ هم ,وناظرهم ,وأقام علٌهم الحجة والبراهٌن القاطعة , وأراهم أنواعا ً من المعجزات المربٌة ,ومع ذلك فهم ٌجحدون وٌعرضون وٌكذبون ,واستمروا على ما هم علٌه ,وأصروا ,وعاندوا ,وعارضوا , فكانت النتٌجة أن حق علٌهم القول ,وهو قوله تعالى – إلبلٌس { : -قال فالحق والحق أقول .ألمؤلن جهنم منك وممن تبعك معهم أجمعٌن} . فضرب الكفر علٌهم ,وس ّدت علٌهم األبواب عقوبة لهم . وهذا نظٌر قوله تعالى { :وإذا أردنا أن نهلك قرٌة أمرنا متر فٌها فسقوا فٌها فحق القول فدمرناها تدمٌراً } . 112
فلما فسقوا وأصروا على كفرهم ,ولم ٌزدجروا ؛ حق علٌهم القول بتدمٌرهم ,فلقد أخذهم بالعذاب الم ّدمر لهم :بالحق ال بالظلم ,كما قال تعالى – فً الكفار من األمم السابقة { : -وجادلوا بالباطل لٌدحضوا به الحق فؤخذتهم فكٌؾ كان عقاب .وكذلك حقت كلمت ربك على الذٌن كفروا أنهم أصحاب النار } أي :ألنهم كفروا ,فما ظلمهم هللا تعالى ,ولكن كانوا أنفسهم ٌظلمون . قال تعالى {:وما هللا ٌرٌد ظلما ً للعالمٌن }. وقال تعالى {:وما ربك بظبلم للعبٌد }. فكانت معاقبته سبحانه لهم فً الدنٌا واآلخرة من باب العدل ,ال من باب الظلم ,فإنّ تصرفه فً عباده ال ظلم فٌه ,وال جور ,بل هو على صراط الحق والعدل والحكمة . قال تعالى {:فمن ٌرد هللا أن ٌهدٌه ٌشرح صدره لئلسبلم ومن ٌرد أن ٌضله ٌجعل صدره ضٌقا ً كؤنما ٌصعد فً السماء كذلك ٌجعل هللا الرجس على الذٌن ال ٌإمنون }. فانظر فً قوله تعالى {:كذلك } أي :هكذا عادته سبحانه ,ومقتضى حكمته وعدله ,أن ٌجعل هذا الرجس ,وهو الكفر بسبب ضٌق الصدر الذي صاروا إلٌه ؛ ٌجعله على الذٌن ال ٌإمنون بالحق بعدما تبٌن لهم ,فكذبوا باآلٌات البٌنات ,ولم ٌصدقوا رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم ,وال بما جاء به من اآلٌات القرآنٌة المعجزة ,وال بٌّناته القاطعة ,بل جحدوا بذلك بعد علمهم أ ّنها حق من عند هللا تعالى ,وأنّ الذي جاء به هو رسول هللا حقا ً صلى هللا علٌه آله وسلم . كما قال سبحانه { :فإنهم ال ٌكذبونك ولكن الظالمٌن بآٌات هللا ٌجحدون } . والمعنى :أ ّنهم ٌعلمون ٌقٌنا ً أ ّنك صادق ,وأنّ اآلٌات التً تتلوها هً لٌست من عندك ؛ وال كبلم المخلوقٌن إلعجازها ,ولك ّنهم ظالمون , فراحوا ٌجحدون بعد علم ,وٌنسبونك إلى الكذب وهم على علم أ ّنك صادق األمٌن – صلى هللا علٌه وآله وسلم – وكان ذلك منهم على كبر طؽٌان , 113
كما قال تعالى -عن فرعون وقومه { : -وجحدوا بها واستٌقنتها أنفسهم ظلما ً وعلواً } . وقوله سبحانه { :كذلك ٌجعل هللا الرجس على الذٌن ال ٌإمنون } – أي : ال ٌصدقون بالحق بعدما ظهر لهم ,بل ٌجحدون بعد علم -فً هذا دلٌل على أنّ الذي هداه هللا تعالى ,وشرح صدره قد ختار اإلٌمان واستحسنته , واستحب الهدى على الضبلل والعمى ,لما تبٌن الحق له وآمن – أي : ص ّدق باآلٌات و البٌنات التً جاءت بها الرسول صلى هللا علٌه وآله وسلم ,فهداه هللا تعالى هداٌة التوفٌق ,وثبت ذلك فً قلبه ,فشرح هللا صدره ووسعه ,وألقى فٌه النور اإلٌمانً ,كما قال سبحانه { :أفمن شرح هللا صدره لئلسبلم فهو على نور من ربه فوٌل للقاسٌة قلوبهم من ذكر هللا أولبك فً ضبلل مبٌن } . فشرح هللا تعالى صدره الذي استحب الهدى واختاره ,فمؤل سبحانه قلبه نوراً إٌمانا ً ,بحٌث ال ٌرتد ,وصبؽه صبؽة إٌمانٌة ال تمحى قال تعالى { : صبؽة هللا ومن أحسن هللا صبؽة } . ثم قال سبحانه – بعدما ذكر المإمن الذي شرح هللا صدره ,وتضٌٌق صدر الكافر الجاحد { : -وهذا صراط ربك مستقٌما ً قد فصلنا اآلٌات لقوم ٌذكرون } . وأشار بقوله سبحانه { :هذا } – أي :ما تقدم ذكره من شرح صدر ذاك , وتضٌٌق صدر ذاك – { وهذا صراط ربك مستقٌما ً } أي :صراط الحق والعدل اإللهً ,ومقتضى الحكمة الربانٌة ,فهو سبحانه ٌدبر أمور عباده ,وٌتصرؾ فً ملكه على طرٌق العدل ,وصراط الحق ,كما هو مقتضى حكمته الربانٌة ,فإنه العلٌم الحكٌم ,ال ظلم وال جور ,بل جمٌع ذلك على صراط الحق والعدل المستقٌم . قال تعالى { :شهد هللا أنه ال إله إال هو والمبلبكة وأولوا العلم قابما بالقسط ال إله إال هو العزٌز الحكٌم } .
114
فبل اعتراض على الحكٌم العلٌم ,وال اعتراض على عدله المستقٌم ,فهو سبحانه قوله الفصل ,وقضاإه العدل ,كما جاء فً الحدٌث [ :اللهم إ ّنً عبدك ,وابن عبدك ,وابن أمتك ,ناصٌتً بٌدك ماض فًّ حكمك ,عدل فًّ قضاإك ,أسؤلك بكل اسم هو لك ,سمٌت به نفسك ,أو أنزلته فً كتابك ,أو علمته أحداً من خلقك ,أو استؤثرت به فً علم الؽٌب عندك , أن تجعل القرآن العظٌم ربٌع قلبً ,ونور صدري ] – وفً رواٌة [ : ونور بصري } – وجبلء حزنً ,وذهاب همًّ وؼمًّ ] . وقال هللا تعالى { :وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعٌنهم تفٌض من الدمع مما عرفوا من الحق ٌقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدٌن } . فلما عرفوا الحق استجابوا له ,وقالوا :ربّنا آمنا ,فعلموا بموجب ما عرفوا وسؤلوا هللا تعالى أن ٌكتبهم مع الشاهدٌن ,وهم أمة سٌدنا محمد صلى هللا علٌه وآله وسلم ,الذٌن ٌشهدون على من قبلهم من األمم . {وما لنا ال نإمن باهلل وما جاءنا من الحق ونطمع أن ٌدخلنا ربنا مع القوم الصالحٌن .فؤثابهم هللا بما قالوا جنات تجري من تحتها األنهار خالدٌن فٌها ذلك جزاء المحسنٌن } . فهذا موقؾ مإمنٌن األخٌار مع كتاب هللا تعالى . ثم أخبر سبحانه بعد ذلك عن الذٌن كفروا -أي :ستروا – وجحدوا الحق بعدما تبٌن لهم ,وعرفوه واتضح لهم ,فقال سبحانه { :والذٌن كفروا وكذبوا بباٌاتنا أولبك أصحاب الجحٌم } . فهذا موقؾ الكفار واألشرار مع آٌات هللا تعالى . اللهم اجعلنا من { الذٌن ٌستمعون القول فٌتبعون أحسنه أولبك الذٌن هداهم هللا وأولبك هم أولوا األلباب } . فاهلل تعالى فً جمٌع تدبٌره وتصرفه بمخلوقاته :خفضهم ورفعهم,وإعزازهم وإذاللهم ,وإماتتهم وإحٌابهم ,وفً جمٌع معامبلته مع كما فً الترمذي والمسند . 115
عباده هو فً ذلك كله على صراط مستقٌم ,وهو صراط الحكمة الربانٌة والعدل اإللهً ,فإ ّنه العلٌم الخبٌر بعباده ,علما ً قدٌما ً أزلٌا ً ال أول له , ومحٌطا ً ال نهاٌة له ,فهو العلٌم بمواقع الفضل اإلٌمانً وأهله ,قال تعالى – فً أصحاب النبً صلى هللا علٌه وآله وسلم { :وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان هللا بكل شًء علٌما ً } . فهو سبحانه العلٌم الحكٌم ,والحكمة تقتضً وضع األمور فً مواضعها البلبقة فٌها : قال تعالى { :وٌإت كل ذي فضل فضله } فهو سبحانه ٌضع فضله موضعه . وقال تعالى – فً الكفار { : -ولو علم هللا فٌهم خٌراً ألسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون } فهم ٌنفرون من سماع القرآن واإلٌمان ,وتضٌق صدورهم ,كما قال تعالى { :وإذا ذكر هللا وحده اشمؤزت قلوب الذٌن ال ٌإمنون باآلخرة } وٌستحبون وٌختارون العمى على الهدى ,وتنشرح صدورهم للكفر ,قال تعالى { :ولكن من شرح بالكفر صدراً فعلٌهم ؼضب من هللا ولهم عذاب عظٌم .ذلك بؤنهم استحبوا الحٌاة الدنٌا على اآلخرة وأن هللا ال ٌهدي القوم الكافرٌن } أي :الذٌن جاءهم الحق واتضح لهم بالبٌنات حتى بان لهم الحق وظهر لهم وعرفوه ,ولكنهم جحدوا به بعد علم ,ولم ٌقروا و ولم ٌعترفوا بل أخفوه وستروه ,ولذلك سماهم هللا تعالى كفاراً ,والكفر هو :ستر الحق بعد ما وضح ,ولذلك قال تعالى فٌهم إذا جاءت القٌامة {:بل بدا لهم ما كانوا ٌخفون من قبل } اآلٌة. فرتب جمٌع ذلك على اختٌارهم الضبلل ,واستحسانهم له ,ومحبتهم إٌّاه, وكراهٌتهم للهدى واإلٌمان بعد ما ظهر لهم بالحجة والبرهان ,فعوقبوا بالطبع على القلوب والسمع واألبصار -والعٌاذ باهلل تعالى من ذلك كله. فاهلل تعالى كما قال {:وال ٌظلم ربك أحداً } ,فهو الرب سبحانه ,والكل عباده ,وهو فً تصرفه فً عباده على صراط مستقٌم ,قال تعالى -مخبراً عن هود علٌه السبلم {: -إنً توكلت على هللا ربً وربكم ما من دآبة إال هو آخذ بناصٌتها إن ربً على صراط مستقٌم } أي :الحكمة البالؽة والعدل 116
القوٌم ,وٌسمى هذا الصراط الربوبٌة وهو صراط الحق والحكمة اإللهٌة, التً ٌدبر بها أمور الخبلبق ,وٌتصرؾ فٌهم ,وأما الصراط فً قوله تعالى { :اهدنا الصراط المستقٌم } فهو صراط اإلسبلم هلل تعالى , والعبودٌة له تعالى. وفً الحدٌث [ :اللهم أنت ربً ال إله إالّ أنت علٌك توكلت وأنت ربّ العرش العظٌم ,وال حول وال قوة إال باهلل العلً العظٌم ,أعلم أنّ هللا على كل شًء قدٌر ,وأنّ هللا قد أحاط بك ّل شًء علما ً . اللهم إ ّنً أعوذ بك من شرّ نفسً ,ومن شرّ كل دابّة أنت آخذ بناصٌتها إنّ ربً على صراط مستقٌم ] . فإن قٌل :إنّ مشٌبة العبد واختٌاره األمور التكلٌفٌة والقٌام بها ,أو عدم اختٌاره لها وقٌامه بها -هذا االختٌار هو بخلق هللا تعالى ومشٌبة هللا تعالى ,بدلٌل قوله تعالى {:وما تشاءون إال أن ٌشاء هللا } إذاً فمشٌبة العبد واختٌاره لٌس لذلك أثر وال اعتبار . فالجواب :نعم إنّ مشٌبة العبد واختٌاره وأفعاله كلها مخلوقة ,خلقها هللا تعالى ,ولكن ال ٌلزم من كون ذلك بمشٌبة هللا تعالى ,وكون الشًء مخلوقا ً له تعالى :ال ٌلزم من ذلك أن ال ٌكون له أثر فً الوجود ,وال حكم له فً الواقع ,وال ٌترتب علٌه ثواب أو عقاب ,فإنّ االختٌار والمشٌبة هما من صفات العبد التً خلقها هللا تعالى فٌه ,كالحٌاة والسمع والبصر, والقدرة والكبلم ,والعلم والعقل ,فإنّ جمٌع ذلك هو بخلق هللا تعالى , ومشٌبته سبحانه ,ولكن لها أثرها فً الوجود ,ولها اعتبار وحكم فً الواقع ,وٌترتب علٌها حقوق واجبات ومسإولٌات. فاإلنسان حًّ بخلق هللا تعالى فً الحٌاة ,فاهلل تعالى هو المحًٌ ,والعبد حًّ ,وحٌاته لها أثرها فً الرواح والمجًء ,والحركات والسكنات , واألقوال واألعمال ,وهو حًّ حقٌقة بحٌاة مخلوقة فٌه ,ال وهما ً وال خٌاالً – بدلٌل أنّ هناك مٌتا ً لٌس فٌه حٌاة .
117
حول تفسٌر سورة الفاتحة أم القرآن الكرٌم بقلن فضٍلة الشٍخ اإلهام الوحدث الوفسر سٍدي عبد هللا سراج الدٌن الحسٍنً رضً هللا تعالى عنه وصٌة وذكرى مقدمة الكتاب حكم التعوذ قبل قراءة القرآن الكرٌم الكالم عن التعوذ له وجوه متعددة – 1حكم التعوذ بٌان الحكمة من التعوذ عند القراءة – 2صفة – صٌؽة التعوذ – 3معنى التعوذ كلمة كلمة – 4المواطن التً ٌنبؽً التعوذ عندها – ذكر عشرة منها مع دلٌل ذلك مفصبلً الكالم على البسملة – ٌشتمل على أمرٌن : األول – شرح مفرداتها ذكر معنى لفظ الجبللة [ هللا ] وبعض خصابصه مفصبلً ذكر معنى اسم [ الرحمن ] وما ٌدل علٌه ذكر ما ٌدل علٌه اسم [ الرحٌم ] من الرحمة الخاصة والعامة بٌان بعض الرحمة الخاصة التً ٌدل علٌها اسم [ الرحٌم ] الجواب عما ٌسؤل عن قوله سبحانه {:ورحمتً وسعت كل شًء } اآلٌة حٌث خصص ثم عمم تنبٌهات وتفهٌمات ٌنبؽً للمإمن اللبٌب أن ٌعرفها حول سر اقتران اسم [ الرحمن ] مع اسم [ الرحٌم ] – 1الرحمن الرحٌم باقترانهما ٌكونان اسم هللا األعظم – 2الرحمن الرحٌم إذا اقترنا دل كل منهما على رحمة خاصة 118
1 5 9 10 10 11 12 14 15 21 21 21 24 25 25 27 29 29 29
– 3الحكمة فً تخصٌص هذٌن االسمٌن فً البسملة – بٌان وجوه منها الثانً – هل البسملة آٌة مستقلة فً القرآن الكرٌم ,أم آٌة من كل سورة بٌان ذلك مفصبلً مع األدلة سنٌة افتتاح مهام األمور بالبسملة – ذكر األدلة على ذلك كل مفصبلً ذكر جملة من األمور التً تسن البسملة فٌها مع دلٌل ٍث الشرح الواضح الموجز لحدث [:إذا استجنح اللٌل ] وبٌان جملة من اإلرشادات واآلداب التً اشتمل علٌها تنبٌه وتحذٌر من إلقاء شًء فٌه اسم هللا تعالى أو آٌة قرآنٌة , أو حدٌث شرٌف على األرض أو عدم تعظٌمه – وهو موضوع مهم ٌنبغً اوطالع علٌه والعمل بموجبه فاتحة الكتاب – ذكر عدة من أسمائها مع الدلٌل على ذلك الكبلم حول { الحمد هلل رب العالمٌن } بٌان معنى الحمد ,والمراد به فً اآلٌة الكرٌمة بٌان أن الحمد حق هلل سبحانه وتعالى – ذكر جملة من األدلة على ذلك ,مع جملة من النعم التً أنعمها سبحانه على عباده , فكان الحمد حقا ً واجبا ً له سبحانه أعظم نعم هللا تعالى هو القرآن الكرٌم – ذكر الدلٌل على ذلك مطوالً بٌان أحمد الحامدٌن هلل سبحانه وتعالى مع الدلٌل على ذلك ذكر جملة من محامد سٌدنا رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم تفسٌر قول هللا تعالى {:رب العالمٌن } ذكر بعض خصابص اسم الرب سبحانه بٌان معنى { العالمٌن } العوالم كثٌرة وكبٌرة ٌنبه هللا تعالى فٌها إلى أمور فٌها بٌنات وبٌانات – 1تعرٌؾ العباد وحملهم على اإلقرار بوجوب وجوده سبحانه – 2بٌان فقر العالم إلى ربه سبحانه – 3التحدي لجمٌع العباد أن ٌخلقوا مثل هذا العالم ,بل عن اإلحاطة به – 4بٌان كثرة العوالم وعظمها ذكر جملة من العوالم وبٌان خصابص كل منها الكبلم حول {:الرحمن الرحٌم } جٌا بهذٌن الوصفٌن لوجوه من الحكم 119
30 33 43 45 50 57
63 65 65 65
67 69 71 72 72 75 75 78 79 79 79 84 84
84 – 1بٌان أن رحمة هللا تعالى مبلزمة لربوبٌته 85 – 2اإلعبلم باستحقاق الحمد هلل سبحانه 85 – 3بٌان أن رحمته تعالى وسعت جمٌع خلقه – 4شمول رحمته تعالى – ذكر نبذة موجزة عن سورة الرحمن 85 86 { الرحمن الرحٌم } اسم هللا األعظم – ذكر أدلة ذلك 88 الكبلم حول {:مالك ٌوم الدٌن } تفسٌر مفردات هذه اآلٌة الكرٌمة مفصبلً 92 { مالك ٌوم الدٌن } أي :الجزاء والحساب ؼداً ٌوم القٌامة 92 كل ذكر األٌام التً اشتمل علٌها الٌوم اآلخر مع الدلٌل على ٍث 94 { مالك ٌوم الدٌن } فً ذلك تنبٌهات متعددة 94 – 1التنبٌه إلى حقٌة ذلك الٌوم ومعقولٌته وحكمته ودلٌل ذلك 95 – 2التنبٌه إلى إحسان العمل فً الدنٌا استعداداً لذلك الٌوم 96 – 3مقتضى حكمة هللا تعالى محاسبة العباد فً ٌوم الدٌن – 4بٌان أن العباد المكلفٌن أعطاهم هللا تعالى العقل واالختٌار 96 والقدرة الممكنة لهم من فعل الخٌر والشر 97 – 5إذا اقل العبد {:مالك ٌوم الدٌن } فإنه ٌمجد هللا تعالى – ذكر معنى ذلك مع األدلة 99 الكبلم حول {:إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } 99 ذكر معنى العبادة ,وبٌان ما تقوم علٌه 103 { إٌاك نعبد } فٌها تلقٌن وتعلٌم من هللا تعالى لعباده { إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن اهدنا الصراط المستقٌم } ذكر وجوه 103 من الحكم فً مجًء هذه اآلٌات بنون الجمع 103 – 1هضم النفس واالعتراؾ بالعبودٌة هلل تعالى – 2اتهام العبد نفسه بنقص عبادته البلبقة باهلل تعالى فٌضٌفها 105 إلى عبادة العباد – 3اإلعبلن عن حاجة كل المخلوقات إلى هللا سبحانه وتعالى 105 { إٌاك نعبد } قٌاما ً بالحق ووفاء بالعهد – ذكر العهد مع البٌان 106 المفصل له 107 { إٌاك نعبد } ألنك خلقتنا لعبادتك ,وألن شرفنا فً ذلك 107 بٌان اإلنسان الحقٌقً الذي اتصؾ باإلٌمان وتحلى به ,وذاك الذي هو أضل من األنعام مع بٌان وتوضٌح ٌنبؽً االهتمام به 109 ذكر جملة من أسرار وأنوار وآثار العبادة – سبعة منها - { إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } فٌها بٌان افتقار العباد إلى هللا تعالى 111 120
وؼناه سبحانه عن كل ما سواه ذكر حدٌث سٌدنا معاذ بن جبل وقول النبً صلى هللا علٌه وسلم له [:إنً أحبك ] وبٌان ما اشتمل علٌه الحدٌث من مجامع الخٌر { وإٌاك نستعٌن } ٌشمل اإلعانة على ما ٌنفع من األمور الدنٌوٌة { وإٌاك نستعٌن } ٌشمل اإلعانة على ما ٌنفع من األعداء { وإٌاك نستعٌن } فٌها موقؾ اعتراؾ العبد بعجزه وافتقاره إلى خالقه سبحانه ذكر األدلة المفصلة الواضحة حول األسباب والوسابط التً جعلها هللا تعالى لخلقه فً عون بعضهم بعضا ً واستعانة بعضهم ببعض – وهذا ال ٌنافً أن المعٌن هو هللا وحده سبحانه بٌان وجوه من الحكمة فً تقدٌم العبادة على االستعانة فً { إٌاك نعبد وإٌاك نستعٌن } الكبلم على { اهدنا الصراط المستقٌم } بٌان معنى الهداٌة ,والمراد من الصراط ذكر أنواع الهداٌة التً جاءت فً الكتاب والسنة مع الدلٌل على ذلك – 1هداٌة هللا تعالى لجمٌع المخلوقات لما فً صبلح وجودها – 2هداٌة البٌان والداللة على الخٌر – ذكر أمور أربعة تتعلق بهداٌة البٌان وآثار كل منها – 3هداٌة التوفٌق للعمل الصالح إٌراد مسألتان مع اإلجابة علٌهما : أ – الجواب عما ٌقال :إذا كانت الهداٌة من هللا تعالى فما موقؾ الضال الذي لم تنله هذه الهداٌة – وهو بحث نفٌس نادر ٌنبؽً االطبلع علٌه ,واالهتمام به ب – المإمن من ٌسؤل الهداٌة فً قوله {:اهدنا الصراط } فما معنى طلبه لها ؟ ذكر أقوال السادة العلماء فً اإلجابة على ذلك مفصبلً ومطوالً بٌان معنى اإلسبلم واإلٌمان والمراد بكل منهما مفردٌن ومجتمعٌن ذكر ما ٌطالب به الماشً على الصراط من أوامر ومناهً ذكر حدٌث شعب اإلٌمان ثم تعداد هذه الشعب اإلٌمانٌة إجماالً الترؼٌب فً دوام سإال العبد الهداٌة لٌرتقً فً مقاماته ومنازله السٌر على الصراط ٌتطلب أمرٌن ؟ بٌانهما مع األدلة 121
111 113 114 114 116
125 128 128 131 131 132 143 147 147
159
161 167 168 176 178
{ صراط الذٌن أنعمت علٌهم } هذه اآلٌة بٌان للصراط المذكور فً { اهدنا الصراط المستقٌم } { صراط الذٌن أنعمت علٌهم } فٌه تنبٌه للمإمن على حسن الظن باهلل تعالى بٌان أن أعظم النعم اإللهٌة على عباده فً هداٌتهم وتوفٌقهم لئلٌمان – بٌان جملة من النعم العامة والخاصة مع الدلٌل على كل ٍث امتن هللا على عباده بؤصناؾ النعم وذكرهم بنعمتٌن عظٌمتٌن – بٌانهما مع الشرح لهما بٌان أعظم من أنعم هللا تعالى علٌه بنعمة النبوة والرسالة – وفٌه البٌان المجمل ألول سورة { ن والقلم } { صراط الذٌن أنعمت علٌهم } بٌان المعنى المراد من اآلٌة الكرٌمة تنبٌه وذكرى ؟ الجواب عما ٌقال :الصراط الذي تمشً علٌه األمم واحد ,ومن المعلوم أن الشرابع مختلفة – فكٌؾ ٌتم ذلك ؟ بٌان األصول الستة المتفق علٌها بٌن الشرابع جمٌعا ً { ؼٌر المؽضوب علٌهم وال الضالٌن } فً هذه اآلٌة موقؾ االستعاذة باهلل تعالى والتحصن به من االنحراؾ عن الصراط المستقٌم { ؼٌر المؽضوب علٌهم وال الضالٌن } فٌها إعبلن الؽضب من هللا تعالى على من انحرؾ عن الصراط المستقٌم بٌان معنى الؽضب والضبلل { ؼٌر المؽضوب علٌهم وال الضالٌن } فٌها شهادة من هللا تعالى للمإمنٌن الصادقٌن بنجاتهم وفبلحهم بعض اللطائف التً اشتملت علٌها سورة الفاتحة فً الصالة وما فً ذلك من البشائر تنبٌه :من السنة أن ٌؤتً القارئ بعد ختام سورة الفاتحة بـ [ آمٌن ] – ذكر األدلة على ذلك استحباب التؤمٌن عند كل دعاء – وبٌان أن الداعً والمإمن شرٌكان فً األجر من فضائل سورة الفاتحة وخصائصها : – 1هً أعظم سورة فً القرآن الكرٌم 122
181 183
184 186 191 193 194 196 202 203
206 208 209 210 213 215 217 217
– 2جامعة لذكر هللا تعالى وحمده والثناء علٌه ذكر الدلٌل على أن ما فً سورة الفاتحة مضمون اإلجابة – 3هً سورة المناجاة – 4سورة الفاتحة شفاء من كل داء – 5تحفظ من شر العٌن الحاسدة ٌ – 6رقى بها المعتوه والمجنون – 7تقرأ لقضاء الحاجات – 8تقرأ عند النوم لؤلمان – 9ذكر بعض أسماء سورة الفاتحة مع الدلٌل ذكر جملة من المعانً والعلوم التً اشتملت علٌها سورة الفاتحة: 227 األول – علوم العقابد 227 الثانً – النبوات 227 الثالث – علوم العبادات 228 الرابع – العلوم التً ٌحصل بها الكمال اإلٌمانً 229 الخامس – علم القصص واإلخبار عن األمم الماضٌة 229 – 10وتسمى سورة الفاتحة بالسبع المثانً – بٌان معنى ذلك 230 – 11ونزلت من كنز تحت العرش 231 – 12تقرأ عند المرٌض مع { قل هو هللا أحد } والمعوذتٌن 231 – 13بٌان أثر قراءة الفاتحة عند دخول المقابر 232 خاتمة الكتاب والحمد هلل فً البدء والختام وصلى هللا وسلم على سٌدنا محمد سٌد ولد عدنان وعلى آله وصحبه وسلم تسلٌما ًال ك ٌراًال ك ٌراًال إلى ٌوم الدٌن . 219 221 222 222 224 224 225 225 226 227
123