بسم اهلل الرمحن الرحيم مت بفضل اهلل التحميل من موقع www.4kotob.com نرجو منكم اخوايت األحباء املسامهة معنا يف نشر املوقع بني األصدقاء واألقارب ويف املنتديات
يكن لنا مجيعا بإذن اهلل صدقة جارية واهلل املوفق
..يف بَطْنِ احلُوْتِ .. د.حممد بن عبد الرمحن العريفي
..أعمى يسدد الهدف .. أول أبنائي.. لم أكن جاوزت الثالثين حين أنجبت زوجتي ّ ما زلت أذكر تلك الليلة ..بقيت إلى آخر الليل مع ال ّشلة في إحدى االستراحات .. كانت سهرة مليئة بالكالم الفارغ ..بل بالغيبة والتعليقات المحرمة .. كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم ..وغيبة الناس ..وهم يضحكون .. أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيرا.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد .. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه .. أجل كنت أسخر من هذا وذاك ..لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي .. صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني .. أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتس ّول في السّوق ..واألدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه ال يدري ما يقول ..وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق .. عدت إلى بيتي متأخرا كالعادة .. وجدت زوجتي في انتظاري ..كانت في حالة يرثى لها .. قالت بصوت متهدج :راشد ..أين كنتَ ؟ قلت ساخرا :في المريخ ..عند أصحابي بالطبع .. كان اإلعياء ظاهرا عليها ..قالت والعبرة تخنقها :راشد… أنا تعبة جدا ..الظاهر أن موعد والدتي صار وشيكا .. سقطت دمعة صامته على خدها .. أحسست أنّي أهملت زوجتي .. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي ..خاصة أنّها في شهرها التاسع .. حملتها إلى المستشفى بسرعة .. دخلت غرفة الوالدة ..جعلت تقاسي اآلالم ساعات طوال .. كنت أنتظر والدتها بفارغ الصبر ..تعسرت والدتها ..فانتظرت طويال حتى تعبت ..فذهبت إلى البيت .. وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني .. بعد ساعة ..اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم .. ذهبت إلى المستشفى فورا .. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها .. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على والدة زوجتي .. ُ صرخت بهم :أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم .. قالوا ..أوال ..راجع الطبيبة .. دخلت على الطبيبة ..كلمتني عن المصائب ..والرضى باألقدار .. ثم قالت :ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !! المتسول األعمى ..الذي دفعته في السوق خفضت رأسي ..وأنا أدافع عبراتي ..تذ ّكرت ذاك ّ وأضحكت عليه الناس .. سبحان هللا كما تدين تدان ! بقيت واجما قليال ..ال أدري ماذا أقول ..ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ..ومضيت ألرى زوجتي ..
لم تحزن زوجتي ..كانت مؤمنة بقضاء هللا ..راضية ..طالما نصحتني أن أكف عن االستهزاء بالناس .. كانت تردد دائما ..ال تغتب الناس .. خرجنا من المستشفى ..وخرج سالم معنا .. في الحقيقة ..لم أكن أهتم به كثيرا.. اعتبرته غير موجود في المنزل .. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة ألنام فيها .. كانت زوجتي تهتم به كثيرا ..وتحبّه كثيرا .. أما أنا فلم أكن أكرهه ..لكني لم أستطع أن أحبّه ! كبر سالم ..بدأ يحبو ..كانت حبوته غريبة .. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي ..فاكتشفنا أنّه أعرج .. أصبح ثقيال على نفسي أكثر .. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالدا .. مرّت السنوات ..وكبر سالم ..وكبر أخواه .. كنت ال أحب الجلوس في البيت ..دائما مع أصحابي .. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم .. لم تيأس زوجتي من إصالحي.. كانت تدعو لي دائما بالهداية ..لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة .. لكنها كانت تحزن كثيرا إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته .. كبر سالم ..وكبُر معه همي .. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين .. لم أكن أحس بمرور السنوات ..أيّامي سواء ..عمل ونوم وطعام وسهر .. في يوم جمعة .. استيقظت الساعة الحادية عشر ظهرا.. ما يزال الوقت مبكرا بالنسبة لي ..كنت مدعوا إلى وليمة .. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج .. مررت بصالة المنزل ..استوقفني منظر سالم ..كان يبكي بحرقة ! إنّها المرّة األولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفال ..عشر سنوات مضت ..لم ألتفت إليه ..حاولت أن أتجاهله ..فلم أحتمل ..كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة .. التفت ..ثم اقتربت منه ..قلت :سالم ! لماذا تبكي ؟! حين سمع صوتي توقّف عن البكاء ..فلما شعر بقربي .. بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين ..ما ِبه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول االبتعاد عني !! وكأنه يقول :اآلن أحسست بي ..أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ..كان قد دخل غرفته .. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه .. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه ..وأنا أستمع إليه وأنتفض ..تدري ما السبب !! ّ تأخر عليه أخوه عمر ..الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد ..
األول .. وألنها صالة جمعة ..خاف أالّ يجد مكانا في الصف ّ نادى عمر ..ونادى والدته ..ولكن ال مجيب ..فبكى ..أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين .. لم أستطع أن أتحمل بقية كالمه .. وضعت يدي على فمه ..وقلت :لذلك بكيت يا سالم !!.. قال :نعم .. نسيت أصحابي ..ونسيت الوليمة ..وقلت : سالم ال تحزن ..هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟ .. قال :أكيد عمر ..لكنه يتأخر دائما .. قلت :ال ..بل أنا سأذهب بك .. دهش سالم ..لم يص ّدق ّ .. ظن أنّي أسخر منه ..استعبر ثم بكى .. مسحت دموعه بيدي ..وأمسكت يده .. أردت أن أوصله بالسيّارة ..رفض قائال :المسجد قريب ..أريد أن أخطو إلى المسجد - ..إي وهللا قال لي ذلك .. - ال أذكر متى كانت آخر م ّرة دخلت فيها المسجد .. لكنها المرّ ة األولى التي أشعر فيها بالخوف ..والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية .. األول .. كان المسجد مليئا بالمصلّين ..إالّ أنّي وجدت لسالم مكانا في الصف ّ استمعنا لخطبة الجمعة معا وصلى بجانبي ..بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه .. بعد انتهاء الصالة طلب منّي سالم مصحفا .. استغربت !! كيف سيقرأ وهو أعمى ؟ كدت أن أتجاهل طلبه ..لكني جاملته خوفا من جرح مشاعره ..ناولته المصحف .. طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف.. أخذت أقلب الصفحات تارة ..وأنظر في الفهرس تارة ..حتى وجدتها .. أخذ مني المصحف ..ثم وضعه أمامه ..وبدأ في قراءة السورة ..وعيناه مغمضتان .. يا هللا !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة !! خجلت من نفسي ..أمسكت مصحفا .. أحسست برعشة في أوصالي ..قرأت ..وقرأت.. دعوت هللا أن يغفر لي ويهديني .. لم أستطع االحتمال ..فبدأت أبكي كاألطفال .. كان بعض الناس ال يزال في المسجد يصلي السنة ..خجلت منهم ..فحاولت أن أكتم بكائي .. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق .. لم أشعر إالّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ..ثم تمسح عنّي دموعي .. إنه سالم !! ضممته إلى صدري .. نظرت إليه ..قلت في نفسي ..لست أنت األعمى ..بل أنا األعمى ..حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار .. عدنا إلى المنزل ..كانت زوجتي قلقة كثيرا على سالم .. لكن قلقها تح ّول إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم .. من ذلك اليوم لم تفتني صالة جماعة في المسجد .. هجرت رفقاء السوء ..وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد..
ذقت طعم اإليمان معهم .. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا .. أفوت حلقة ذكر أو صالة الوتر .. لم ّ ختمت القرآن ع ّدة مرّات في شهر .. رطّبت لساني بالذكر لع ّل هللا يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس .. أحسست أنّي أكثر قربا من أسرتي .. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي .. االبتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم .. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها .. حمدت هللا كثيرا على نعمه .. ذات يوم ..قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّ هوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة .. تر ّددت في الذهاب ..استخرت هللا ..واستشرت زوجتي .. توقعت أنها سترفض ..لكن حدث العكس ! فرحت كثيرا ..بل ش ّجعتني ..فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقا وفجورا .. توجهت إلى سالم ..أخبرته أني مسافر ..ضمني بذراعيه الصغيرين مودعا .. تغيّبت عن البيت ثالثة أشهر ونصف .. كنت خالل تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأح ّدث أبنائي ..اشتقت إليهم كثيرا ..آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته ..هو الوحيد الذي لم يح ّدثني منذ سافرت .. إ ّما أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم .. كلّما ح ّدثت زوجتي عن شوقي إليه ..كانت تضحك فرحا وبشرا .. إالّ آخر مرّة هاتفتها فيها ..لم أسمع ضحكتها المتوقّعة ..تغيّر صوتها .. قلت لها :أبلغي سالمي لسالم ..فقالت :إن شاء هللا ..وسكتت .. أخيرا عدت إلى المنزل ..طرقت الباب .. تمنّيت أن يفتح لي سالم .. لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره .. حملته بين ذراعي وهو يصرخ :بابا ..يابا .. ال أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت .. استعذت باهلل من الشيطان الرجيم .. إلي زوجتي ..كان وجهها متغيرا ..كأنها تتصنع الفرح .. أقبلت ّ ك؟ تأ ّملتها جيدا ..ثم سألتها :ما ب ِ قالت :ال شيء .. فجأة تذ ّكرت سالما ..فقلت ..أين سالم ؟ خفضت رأسها ..لم تجب ..سقطت دمعات حارة على خديها .. صرخت بها ..سالم ..أين سالم ..؟ لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد ..يقول بلثغته :بابا ..ثالم الح الجنّة ..عند هللا.. لم تتحمل زوجتي الموقف ..أجهشت بالبكاء ..كادت أن تسقط على األرض ..فخرجت من الغرفة .. عرفت بعدها أن سالم أصابته ح ّمى قبل موعد مجيئي بأسبوعين ..
فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ..ولم تفارقه ..حين فارقت روحه جسده .. * * * * * * * * * *
..الملك .. بعض الناس ..تشتاق نفسه إلى الهداية .. لكنه يمنعه الكبر من اتباع شعائر الدين .. نعم يتكبر عن تقصير ثوبه فوق الكعبين ..وإعفاء لحيته ومخالفة المشركين ..فجمال مظهره أعظم عنده من طاعة ربه .. وبعض النساء كذلك ..ال تزال تتساهل بأمر الحجاب ..حرصا على تكميل زينتها ..وحسن بزتها ..أو تعصي ربها بنتف حاجبها ..أو تضييق لباسها ..وإذا نصحت استكبرت وطغت .. وال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ..فكيف إذا كان هذا الكبر مانعا من الهداية .. كان جبلة بن األيهم .. ملكا من ملوك غسان ..دخل إلى قلبه اإليمان .. فأسلم ثم كتب إلى الخليفة عمر رضي هللا عنه ..يستأذنه في القدوم عليه .. سرّ عم ُر والمسلمون لذلك سرورا عظيما .. وكتب إليه عمر :أن اقدم إلينا ..ولك مالنا وعليك ما علينا .. فأقبل جبلة في خمسمائة فارس من قومه .. فلما دنا من المدينة لبس ثيابا منسوجة بالذهب ..ووضع على رأسه تاجا مرصعا بالجوهر .. وألبس جنوده ثيابا فاخرة .. ثم دخل المدينة ..فلم يبق أحد إال خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان .. فلما دخل على عمر رحَّب به وأدنى مجلسه ! .. فلما دخل موسم الحج ..حج عمر وخرج معه جبلة .. فبينا هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل فقير من بني فزارة .. فالتفت إليه جبلة مغضبا ..فلطمه فهشم أنفه .. فغضب الفزاري ..واشتكاه إلى عمر بن الخطاب .. فبعث إليه فقال :ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف ..فهشمت أنفه ! فقال :إنه وطئ إزاري ؟ ولوال حرمة البيت لضربت عنقه .. فقال له عمر :أما اآلن فقد أقررت ..فإما أن ترضيه ..وإال اقتص منك ولطمك على وجهك .. قال :يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ! قال عمر :يا جبلة ..إن اإلسالم قد ساوى بينك وبينه ..فما تفضله بشيء إال بالتقوى .. قال جبلة :إذن أتنصر .. قال عمر :من بدل دينه فاقتلوه ..فإن تنصرت ضربت عنقك .. فقال ّ : أخرني إلى غ ٍد يا أمير المؤمنين ..
قال :لك ذلك ..فلما كان الليل خرج جبلةُ وأصحابُه من مكة ..وسار إلى القسطنطينية فتنصّر .. فلما مضى عليه زمان هناك .. ذهبت اللذات ..وبقيت الحسرات ..فتذكر أيام إسالمه ..ولذة صالته وصيامه .. فندم على ترك الدين ..والشرك برب العالمين .. فجعل يبكي ويقول : تنصرت األشراف من عار لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تكنفني منها لجاج ونخوة * وبعت لها العين الصحيحة بالعور فياليت أمي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القول الذي قال لي عمر وياليتني أرعى المخاض بقفرة * وكنت أسير في ربيعة أو مضر وياليت لي بالشام أدنى معيشة * أجالس قومي ذاهب السمع والبصر ثم ما زال على نصرانيته حتى مات .. نعم ..مات على الكفر ألنه تكبر عن الذلة لشرع رب العالمين .. * * * * * * * * * *
..شيخ في مرقص .. قال لي : كان في حارتنا مسجد صغير يؤم الناس فيه شيخ كبير ..قضى حياته في الصالة والتعليم .. الحظ أن عدد المصلين يتناقص ..كان مهتما بهم ..يشعر أنهم أوالده .. ذات يوم التفت الشيخ إلى المصلين وقال لهم :ما بال أكثر الناس ..خاصة الشباب ال يقربون المسجد وال يعرفونه .. فأجابه المصلون :إنهم في المراقص والمالهي .. قال الشيخ :مراقص !! وما المراقص ؟ فقال أحد المصلين :المرقص صالة كبيرة فيها خشبة مرتفعة ..تصعد عليها الفتيات يرقصن والناس حولهن ينظرون إليهن .. قال الشيخ :أعوذ باهلل ..والذين ينظرون إليهن مسلمون .. قالوا :نعم .. فقال بكل براءة :ال حول وال قوة إال باهلل ..يجب أن ننصح الناس .. قالوا :يا شيخ ..أتعظ الناس وتنصحهم في المرقص ..؟ فقال نعم ..ثم نهض خارجا من المسجد ..وهو يقول :هيا بنا إلى المرقص .. حاولوا أن يثنوه عن عزمه ..أخبروه أنهم سيواجهون بالسخرية واالستهزاء ..وسينالهم األذى .. فقال :وهل نحن خير من محمد صلى هللا عليه وسلم !! ثم أمسك الشيخ بيد أحد المصلين ..وقال :دلني على المرقص .. مضى الشيخ يمشي ..بكل صدق وثبات .. وصلوا إلى المرقص .. رآهم صاحب المرقص من بعيد ..ظن أنهم ذاهبين لدرس أو محاضرة .. فلما أقبلوا عليه ..تعجب ..فلما توجهوا إلى باب المرقص ..
سألهم :ماذا تريدون ؟ قال الشيخ :نريد أن ننصح من في المرقص .. تعجب صاحب المرقص ..وأخذ ينظر إليهم ..واعتذر عن قبولهم .. أخذ الشيخ يساومه ..ويذكره بالثواب العظيم ..لكنه أبى .. فأخذ يساومه بالمال ليأذن لهم ..حتى دفعوا له مبلغا من المال يعادل دخله اليومي .. فوافق صاحب المرقص ..وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي ! فلما كان الغد والناس في المرقص .. وخشبة المسرح تعج بالمنكرات ..والشياطين تحف الناس وتصفق لهم .. وفجأة أسدل الستار .. ثم فُتح ..فإذا شيخ وقور يجلس على كرسي .. ُدهش الناس ..وتعجبوا ..ظن بعضهم أنها فقرة فكاهية .. بدأ الشيخ بالبسملة ..والحمد هلل ..والثناء عليه ..وصلى على النبي عليه الصالة والسالم .. ثم بدأ في وعظ الناس .. نظر الناس بعضهم إلى بعض ..منهم من يضحك ..ومنهم من ينتقد ..ومنهم من يعلق بسخرية .. والشيخ ماض في موعظته ال يلتفت إليهم .. حتى قام أحد الحضور ..وأسكت الناس .. وطلب منهم اإلنصات .. بدأ الهدوء يحيط بالناس ..والسكينة تنزل على القلوب .. حتى هدأت األصوات ..فال تسمع إال صوت الشيخ .. قال كالما ما سمعوه من قبل .. آيات تهز الجبال ..وأحاديث وأمثال ..وقصص لتوبة بعض العصاة .. وأخذ يدافع عبراته ويقول .. يا أيها الناس ..إنكم عشتم طويال ..وعصيتم هللا كثيرا .. فأين ذهبت لذة المعصية ..لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء .. ستسألون عنها يوم القيامة .. سيأتي يوم يفنى فيه كل شيء إال هللا الواحد القهار .. أيها الناس ..هل نظرتم إلى أعمالكم ..والى أين ستؤ ّدي بكم .. إنكم ال تتحملون النار في الدنيا ..وهي جزء من سبعين جزءا من نار جهنم .. فبادروا بالتوبة قبل فوات األوان .. وبدا الشيخ متأثرا وهو يعظ ..كانت كلماته قد خرجت من القلب ..فوصلت إلى القلب .. بكى الناس ..فزاد في موعظته ..ثم دعا لهم بالرحمة والمغفرة ..وهم يرددون :آمين ..آمين .. ثم قام من على كرسيه ..تجلله المهابة والوقار .. وخرج الجميع وراءه - ..نعم الجميع .. - وكانت توبتهم على يده ..عرفوا س َّر وجودهم في الحياة ..وما تغني عنهم الرقصات واللذات ..إذا تطايرت الصحف وكبرت السيئات .. حتى صاحب المرقص ..تاب وندم على ما كان منه .. * * * * * * * * * *
..الشيخ الضال .. أحيانا ..يعرف المرء الحق ويرغب في اتباعه .. لكنه يغرى بمتع الدنيا ..فيظل على معصيته .. األعشى بن قيس .. كان شيخا كبيرا شاعرا ..خرج من اليمامة ..من نجد ..يريد النبي عليه الصالة والسالم ..راغبا في الدخول في اإلسالم .. مضى على راحلته ..مشتاقا للقاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ..بل كان يسير وهو يردد في مدح النبي صلى هللا عليه وسلم قائال : ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * وبت كما بات السلي ُم مسهدا أال أيهذا السائلي أين يممت * فإن لها في أهل يثرب موعدا نبي يرى ما ال ترون وذكرُه * أغار لعمري في البالد وأنجدا نبي اإلله حيث أوصى وأشهدا أجدِّك لم تسمع وصاة محمد * ِّ إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى * وال قيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على أن ال تكون كمثله * فترصد لألمر الذي كان أرصدا وما زال يقطع الفيافي والقفار..يحمله الشوق والغرام ..إلى النبي عليه الصالة السالم .. راغبا في اإلسالم ..ونبذ عبادة األصنام .. فلما كان قريبا من المدينة..اعترضه بعض المشركين فسألهوه عن أمره؟ فأخبرهم أنه جاء يريد لقاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ليسلم ..فخافوا أن يسلم هذا الشاعر .. فيقوى شأن النبي صلى هللا عليه وسلم ..فشاعر واحد وهو حسان بن ثابت قد فعل بهم األفاعيل .. فكيف لو أسلم شاعر العرب األعشى بن قيس .. فقالوا له :يا أعشى دينك ودين آبائك خير لك .. قال :بل دينه خير وأقوم .. فنظر بعضهم إلى بعض وجعلوا يتشاورون ..كيف يصدوه عن الدين .. فقالوا له :يا أعشى ..إنه يحرم الزنا ..فقال :أنا شيخ كبير ..وما لي في النساء حاجة .. فقالوا :إنه يحرم الخمر .. فقال :إنها مذهبة للعقل ..مذلة للرجل ..وال حاجة لي بها .. فلما رأوا أنه عازم على اإلسالم .. قالوا :نعطيك مائةَ بعير وترجع إلى أهلك ..وتترك اإلسالم .. فجعل يفكر في المال ..فإذا هو ثروة عظيمة ..فتغلب الشيطان على عقله ..والتفت إليهم وقال : أما المال ..فنعم .. فجمعوا له مائة بعير ..فأخذها ..وارتد على عقبيه ..وك َّر راجعا إلى قومه بكفره .. واستاق اإلبل أمامه ..فرحا بها مستبشرا .. فلما كاد أن يبلغ دياره ..سقط من على ناقته فانكسرت رقبته ومات .. * * * * * * * * * *
..سارة .. اإلشارة حمراء ..والطريق مليء بالسيارات . ..لم يتبق على الموعد سوى بضع دقائق .. تبا لهذه اإلشارة إنها طويلة ..يا ليتني كنت في الصف األول ..لكنت قطعتها .. الثواني تمر بطيئة كأنها دقائق بل ساعات .. أنظر إلى الساعة حينا وإلى اإلشارة حينا آخر .. أضاءت اإلشارة اللون األخضر ..ضغطت على منبه السيارة أزعجت الجميع ..تحركت السيارات ..تجاوزت األول ..كدت اصطدم بالثاني ..قيادتي للسيارة أفزعت من حولي.. حاولت أن أسرع ..لكنني لم أستطع .. مضى الوقت ..وضاع الموعد ..ولم أجد األصدقاء ..لقد ذهبوا.. إلى أين أذهب ؟ ..احترت في اإلجابة ..أطلقت زفرة من صدري ..ياليتني كنت أعرف مكانهم.. السيارة تمضي بهدوء ..انطلقت أفكر ..أيقظني منبه سيارة أخرى ..نظرت إلى صاحب السيارة بغضب ..وأشرت إليه بيدي ..تمهل الدنيا لن تطير ..ونسيت حالي قبل دقائق.. قررت أن أقضي السهرة في البيت ..إنها فكرة جيده ..فابنتي الوحيدة مريضة ..واألفضل أن أكون قريبا منها.. أوقفت السيارة أمام محل الفيديو ..نزلت إلى المحل ..اخترت عدة أفالم ..وانطلقت إلى المنزل.. فتحت الباب ..ناديت على زوجتي ..احضري الشاهي والمكسرات.. دخلت إلى الغرفة " ..يالها من زوجة معقدة" ..اآلن ستقول لي":اتق هللا يا أحمد" ..لقد تعودت على هذه الكلمات حتى تبلدت أحاسيسي نحوها ..لكنها زوجة مطيعة ..طيبة ..تشقى من أجل سعادتي.. دخلت ومعها الشاهي والمكسرات ..ابتسمت في وجهي ..قالت :البد أنك سئمت السهر مع أصدقائك وتريد أن تجلس في البيت.. فرحت وهمت أن تجلس .. قلت :نعم ..تعالي واجلسي ِ .. وقمت أنا إلى جهاز الفيديو والتلفاز ..فانطلقت الموسيقى الصاخبة .. أرخت المسكينة رأسها وقالت :اتق هللا يا أحمد ..وخرجت تجر أذيال الحسرة والهزيمة ..فهي ال تسمع الموسيقى .. ارتفعت األصوات في الغرفة ..موسيقى ..صراخ ..ضحكات ..وانطلقت أشرب الشاهي .. وأتناول المكسرات ..وعيناي قد تسمرتا في شاشة التلفاز.. انتهى الشريط األول ..والشريط الثاني .. الساعة تشير إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل .. فجأة ..مقبض الباب يتحرك ببطء ..صرخت :ماذا تريدين ؟ ..لم أسمع جوابا.. انفتح الباب ..دخلت ابنتي المريضة .. فاجأني الموقف ..سكت برهة ولم أتكلم .. ي بهدوووء ..ثم قالت :اتق هللا يا بابا ..اتق هللا يا بابا .. اقتربت مني ..نظرت إل َّ ثم انصرفت وأغلقت الباب.. ناديتها ..سارة ..سارة ..لم تجب ..انطلقت خلفها.. ال أكاد أصدق..هل هذه ابنتي ؟.. فتحت باب الغرفة ..وجدتها سبقتني إلى فراشها ..ونامت في حضن أُمها ..إنها هي..
عدت إلى غرفة الجلوس ..أغلقت جهاز الفيديو ..صوت ابنتي يمأل الغرفة ..اتق هللا يا بابا ..اتق هللا يا بابا .. قشعريرة سرت في جسدي ..تصبب العرق من رأسي.. ال أدري ماذا أصابني .. ما عدت أسمع إال صوتها ..وال أرى إال صورتها ..كلماتها اخترقت كل الحواجز الجاثمة على ص ..دخان ..أفالم خليعة .. صدري منذ زمن بعيد ..ترك صالة ..معا ٍ أيقظتني من الغفلة ..تسارعت نبضات قلبي ..وألقيت بجسدي على األرض.. حاولت أن أنام ..لكنني لم أستطع ..مضى الوقت سريعا .. صور من الماضي استعرضتها أمامي ..ومع كل صورة اسمع صوت ابنتي يتردد ..اتق هللا .. اتق هللا .. وهنا ..ارتفع صوت األذان ..اهتزت جوانحي ..ارتعدت فرائصي .. رعشة سرت في أطرافي ..جعل يردد " :الصالة خي ٌر من النوم " ..قلت :صدقت ..الصالة خير من النوم ..أوووه ..لقد كنت نائما كل هذه السنين.. توضأت وخرجت إلى المسجد ..مشيت في الطريق وكأني ال أعرفه .. كأن نسائم الفجر تعاتبني أين أنت ؟ .. وطيور السماء تقول :مرحبا بالنائم الذي استيقظ أخيرا.. دخلت المسجد ..صليت ركعتين ..وجلست اقرأ القرآن .. تلعثمت في القراءة .. منذ زمن لم أقرأ القرآن .. شعرت أن القرآن يسألني :لم هجرتني منذ سنوات ..أل ُ ست كالم ربك .. أخذت أردد في سورة الزمر ( :قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رحمة هللا إن هللا يغفر الذنوب جميعا ) ..عجبا ..جميعا ..ما أرحم هللا بنا .. تمنيت أن استمر في القراءة ..لكن المؤذن ..أقام الصالة ..تجمدت في مكاني لحظة ثم تقدمت مع الناس ..وقفت في الصف ..وكأنني غريب.. انتهت الصالة..جلست في المسجد حتى أشرقت الشمس .. عدت إلى البيت ..فتحت باب الغرفة ..ألقيت نظرة على زوجتي وسارة .. كانتا نائمتين ..تركتهما وخرجت إلى العمل .. ليس من عادتي الذهاب مبكرا إلى العمل .. تفاجأ الزمالء بوجودي .. انطلقت عبارات التهنئة ممزوجة بالسخرية .. لم أبال بما يقولون ..تسمرت عيناي على الباب ..أنتظر قدوم إبراهيم .. زميلي في المكتب ..والذي طالما نصحني .. إنه شخص طيب األخالق ..حسن المعاملة .. حضر إبراهيم ..فقمت من مكاني استقبله ..لم يصدق عينيه .. سألني :أنت أحمد ؟!!.. قلت :نعم ..جذبت يده ..وقلت :أريد أن أحدثك .. قال :ال بأس ..نتحدث في المكتب ..قلت :ال ..نذهب إلى االستراحة.. صمت إبراهيم ..وراح يصغي لكلماتي ..حدثته بحديث البارحة .. أمتألت عيناه بالدموع ..وابتسم ابتسامة عريضه ..قال لي :
ذاك نور أضاء قلبك فال تطفئه بظلمة المعاصي.. كان يوما حافال بالنشاط والجدية ..رغم أني لم أنم منذ البارحة .. تفان في العمل .. ابتسامة تعلو وجهي ٍ .. المراجعون يتجهون نحوي ..يطلبون مني مساعدتهم ..بعضهم قال لي : ما هذا النشاط؟!..أجبته :إنها صالة الفجر في المسجد.. مسكين إبراهيم ..كان يتحمل العبء األكبر من العمل ..أما أنا فقد كنت أنام .. لم يشتك ولم يتذمر ..ياله من إنسان طيب .. نعم إنه اإليمان عندما تخالط حالوته القلوب.. مضى الوقت ولم أشعر بالتعب واإلرهاق .. قال لي إبراهيم :أحمد ..يجب أن تذهب إلى البيت ..فإنك لم تنم منذ البارحة ..وسأقوم بعملك .. نظرت إلى الساعة ..لم يبق على أذان الظهر سوى دقائق ..قررت البقاء.. أذن المؤذن ..فسارعت إلى المسجد ..جلست في الصف األول .. شعرت بالندم على األيام التي كنت أهرب فيها من العمل وقت الصالة.. بعد الصالة انطلقت إلى البيت .. في الطريق انتابني شعور بالقلق ..يا ترى كيف حال سارة ؟.. شعرت بانقباض ..ال أدري لماذا ؟! أحسست أن الطريق هذه المرة طويل ..ازداد الخوف ..رفعت رأسي إلى السماء .. دعوت هللا أن يعجل بشفاء ابنتي.. وصلت إلى البيت ..فتحت الباب ..ناديت زوجتي ..لم أسمع جوابا .. دخلت الغرفة مسرعا .. زوجتي منطوية على نفسها تبكي .. ي ..صرخت وهي تبكي :لقد ماتت سارة .. التفتت إل َّ لم أتبين ما تقول ..اندفعت نحو سارة ..ضممتها إلى صدري .. حاولت حملها ..سقطت يدها نحو األرض ..جسمها بارد .. كذلك يداها وقدماها ..نبضها ..أنفاسها ..لم أسمع شيئا .. نظرت إلى وجهها ..نو ٌر يتألأل ..كأنه كوكب دري .. ايقظتها ..حركتها ..هززتها .. صرخت أمها :سارة ..سارة ..لقد ماتت ..ماتت ..وانخرطت في البكاء.. لم أصدق ما أرى ..كأنه حلم .. انهمرت الدموع من عيني ..أخذت أشهق .. أنظر إلى وجهها الجميل ..وشعرها الناعم .. أقبِّل فمها الصغير ..كأنها تردد اآلن :عيب عليك ..عيب عليك ..يا بابا .. تذكرت أن هذه مصيبة ..أخذت أردد ..ال حول وال قوة إال باهلل .. إنا هلل وإنا إليه راجعون .. اتصلت بإبراهيم ..قلت له :تعال فورا ..لقد ماتت سارة .. النساء في الداخل مع زوجتي يغسلن ابنتي .. انتهين من تغسيلها ..لففن على جسدها الطاهر خرقة بيضاء .. نادتني زوجتي .. دخلت كي أودع سارة الوداع األخير ..كدت أسقط على األرض ..تماسكت ..
قبلتها على جبينها .. عاهدتها على الثبات حتى الممات ..نظرت إلى أمها ..فإذا هي زائغة العينين ..شاحبة الوجه .. تنتفض .. قلت لها :ال تحزني ..فقد ذهبت إلى الجنة بإذن هللا ..هناك سنلتقي ..فشمري كي تشفع لنا .. ثم قرأت قوله تعالى { :والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من امرئ بما كسب رهين}.. عملهم من شي ٍء كل ٍ بكت األم وبكيت أنا.. صلينا عليها صالة الجنازة ..ثم سرنا بها إلى المقبرة .. أنظر إلى الجنازة وكأنني أنظر إلى النور الذي أضاء لي حياتي.. وصلنا المقبرة ..المكان موحش ..مخيف ..توجهنا إلى القبر .. وقفت على شفير القبر ..هنا سأضع ابنتي ..أمسك إبراهيم بكتفي وقال :اصبر يا أحمد.. نزلت إلى القبر .. إنها دارك يا أحمد ..ربما اليوم وربما غدا .. ماذا أعددت لهذه الدار .. ناداني إبراهيم :أحمد خذ البنت ..وضعتها على صدري ..وددت لو أدفنها فيه .. ضممتها ..قبلتها .. ثم وضعتها على شقها األيمن ..وقلت :بسم هللا وعلى ملة رسول هللا .. صففت اللبن ..سددت كل المنافذ .. خرجت من القبر ..بدأ الناس يهيلون التراب ..لم أملك دموعي.. * * * * * * * * * *
..ذكريات تائب .. هو شيخ كبير ..نجلس إليه ..بعدما كبر سنه ..ورق عظمه ..وكف بصره .. وهو يحكي ذكريات شبابه .. نجلس إلى كعب بن مالك رضي هللا عنه .. وهو يحكي ذكرياته ..في تخلفه عن غزوة تبوك .. وكانت آخر غزوة غزاها النبي صلى هللا عليه وسلم .. آذن النبي صلى هللا عليه وسلم الناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم .. وجمع منهم النفقات لتجهيز الجيش ..حتى بلغ عدد الجيش ثالثين ألفا .. وذلك حين طابت الظالل الثمار .. في حر شديد ..وسفر بعيد ..وعدو قوي عنيد .. وكان عدد المسلمين كثيرا ..ولم تكن أسماؤهم مجموعة في كتاب .. قال كعب – كما في الصحيحين : - وأنا أيسر ما كنت ..قد جمعت راحلتين ..وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد .. وأنا في ذلك أصغي إلى الظالل ..وطيب الثمار ..
فلم أزل كذلك ..حتى قام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم غاديا بالغداة .. فقلت :أنطلق غدا إلى السوق فأشتري جهازي ..ثم ألحق بهم .. فانطلقت إلى السوق من الغد ..فعسر علي بعض شأني ..فرجعت .. ي بعض شأني أيضا .. فقلت :أرجع غدا إن شاء هللا فألحق بهم ..فعسر عل َّ فقلت :أرجع غدا إن شاء هللا ..فلم أزل كذلك .. حتى مضت األيام ..وتخلفت عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .. فجعلت أمشي في األسواق ..وأطوف بالمدينة .. فال أرى إال رجال مغموصا عليه في النفاق ..أو رجال قد عذره هللا .. نعم تخلف كعب في المدينة ..أما رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقد مضى بأصحابه الثالثين ألفا .. حتى إذا وصل تبوك ..نظر في وجوه أصحابه ..فإذا هو يفقد رجال صالحا ممن شهدوا بيعة العقبة .. فيقول صلى هللا عليه وسلم :ما فعل كعب بن مالك ؟! فقال رجل :يا رسول هللا ..خلفه برداه والنظر في عطفيه .. فقال معاذ بن جبل :بئس ما قلت ..وهللا يا نبي هللا ما علمنا عليه إال خيرا .. فسكت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .. قال كعب : فلما قضى النبي صلى هللا عليه وسلم غزوة تبوك ..وأقبل راجعا إلى المدينة ..جعلت أتذكر .. بماذا أخرج به من سخطه ..وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي .. ُ عرفت أني ال أنجو إال بالصدق .. حتى إذا وصل المدينة .. فدخل النبي صلى هللا عليه وسلم المدينة ..فبدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ..ثم جلس للناس .. فجاءه المخلفون ..فطفقوا يعتذرون إليه ..ويحلفون له .. وكانوا بضعة وثمانين رجال ..فقبل منهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عالنيتهم ..واستغفر لهم ..ووكل سرائرهم إلى هللا .. وجاءه كعب بن مالك ..فلما سلم عليه ..نظر إليه النبي صلى هللا عليه وسلم ..ثم تبسَّم تبسُّم المغضب .. ثم قال له :تعال .. فأقبل كعب يمشي إليه ..فلما جلس بين يديه .. قال له صلى هللا عليه وسلم :ما خلفك ..ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ قال :بلى .. قال :فما خلفك ؟! فقال كعب :يا رسول هللا ..إني وهللا لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ..لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر ..ولقد أعطيت جدال .. ولكني وهللا لقد علمت ..أني إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به علي ..ليوشكن هللا أن يسخطك علي .. ي فيه ..إني ألرجو فيه عف َو هللا عني .. ولئن حدثتك حديث صدق ..تجد عل َّ يا رسول هللا ..وهللا ما كان لي من عذر .. وهللا ما كنت قط أقوى ..وال أيسر مني حين تخلفت عنك .. ثم سكت كعب .. فالتفت النبي صلى هللا عليه وسلم إلى أصحابه ..وقال :
أما هذا ..فقد صدقكم الحديث ..فقم ..حتى يقضي هللا فيك .. فقام كعب يجر خطاه ..وخرج من المسجد ..مهموما مكروبا ..ال يدري ما يقضي هللا فيه .. فلما رأى قومه ذلك ..تبعه رجال منهم ..وأخذوا يلومونه ..ويقولون : وهللا ما نعلمك أذنبت ذنبا قط ..قبل هذا ..إنك رجل شاعر .. أعجزت أال تكون اعتذرت إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون .. هال اعتذرت بعذر يرضى عنك فيه ..ثم يستغفر لك ..فيغفر هللا لك .. قال كعب : فلم يزالوا يؤنبونني ..حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي .. فقلت :هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا :نعم ..رجالن قاال مثل ما قلت ..فقيل لهما مثل ما قيل لك .. قلت :من هما ؟ قالوا :مرارة بن الربيع ..وهالل بن أمية .. فإذا هما رجالن صالحان قد شهدا بدرا ..لي فيهما أسوة .. فقلت :وهللا ال أرجع إليه في هذا أبدا ..وال أكذب نفسي .. * * * * * * * * * ثم مضى كعب رضي هللا عنه ..حزينا ..كسير النفس ..وقعد في بيته .. يمض وقت ..حتى نهى النبي صلى هللا عليه وسلم الناس عن كالم كعب وصاحبيه .. فلم ِ قال كعب : فاجتنبنا الناس ..وتغيروا لنا ..فجعلت أخرج إلى السوق ..فال يكلمني أحد .. وتنكر لنا الناس ..حتى ما هم بالذين نعرف .. وتنكرت لنا الحيطان ..حتى ما هي بالحيطان التي نعرف .. وتنكرت لنا األرض ..حتى ما هي باألرض التي نعرف .. فأما صاحباي فجلسا في بيوتهما يبكيان ..جعال يبكيان الليل والنهار ..وال يطلعان رؤوسهما .. ويتعبدان كأنهما الرهبان .. وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ..فكنت أخرج ..فأشهد الصالة مع المسلمين ..وأطوف في األسواق ..وال يكلمني أحد .. وآتي المسجد فأدخل .. وآتي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فأسلم عليه .. فأقول في نفسي :هل حرك شفتيه برد السالم علي أم ال ؟ ثم أصلي قريبا منه ..فأسارقه النظر ..فإذا أقبلت على صالتي ..أقبل إلي .. ُّ التفت نحوه ..أعرض عني .. وإذا * * * * * * * * * ومضت على كعب األيام ..واآلالم تلد اآلالم .. وهو الرجل الشريف في قومه .. بل هو من أبلغ الشعراء ..عرفه الملوك واألمراء .. وسرت أشعاره عند العظماء ..حتى تمنوا لقياه ..
ثم هو اليوم ..في المدينة ..بين قومه ..ال أحد يكلمه ..وال ينظر إليه .. حتى ..إذا اشتدت عليه الغربة ..وضاقت عليه الكربة ..نزل به امتحان آخر : فبينما هو يطوف في السوق يوما .. إذا رجل نصراني جاء من الشام .. فإذا هو يقول :من يدلني على كعب بن مالك ..؟ فطفق الناس يشيرون له إلى كعب ..فأتاه ..فناوله صحيفة من ملك غسان .. عجبا !! من ملك غسان !!.. إذا قد وصل خبره إلى بالد الشام ..واهتم به ملك الغساسنة ..فماذا يريد الملك ؟!! فتح كعب الرسالة فإذا فيها .. أما بعد ..يا كعب بن مالك ..إنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك .. ولست بدار مضيعة وال هوان ..فالحق بنا نواسك .. ي أهل الكفر .. فلما أتم قراءة الرسالة ..قال رضي هللا عنه :إنا هلل ..قد طمع ف َّ هذا أيضا من البالء والشر .. ثم مضى بالرسالة فورا إلى التنور ..فأشعله ثم أحرقها فيه .. ولم يلتفت كعب إلى إغراء الملك .. نعم فُتح له باب إلى بالط الملوك ..وقصور العظماء ..يدعونه إلى الكرامة والصحبة .. والمدينة من حوله تتجهمه ..والوجوه تعبس في وجهه .. يسلم فال يرد عليه السالم .. ويسأل فال يسمع الجواب .. ومع ذلك لم يلتفت إلى الكفار .. ولم يفلح الشيطان في زعزعته ..أو تعبيده لشهوته .. ألقى الرسالة في النار ..وأحرقها .. * * * * * * * * * ومضت األيام تتلوها األيام ..وانقضى شهر كامل ..وكعب على هذا الحال .. والحصار يشتد خناقه ..والضيق يزداد ثقله .. فال الرسول صلى هللا عليه وسلم يُمضي ..وال الوحي بالحكم يقضي .. فلما اكتملت أربعون يوما .. فإذا رسول من النبي صلى هللا عليه وسلم يأتي إلى كعب ..فيطرق عليه الباب .. فيخرج كعب إليه ..لعله جاء بالفرج ..فإذا الرسول يقول له : إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك .. قال :أطلقها ..أم ماذا ؟ قال :ال ..ولكن اعتزلها وال تقربها .. فدخل كعب على امرأته وقال :الحقي بأهلك .. فكوني عندهم حتى يقضي هللا في هذا األمر .. وأرسل النبي صلى هللا عليه وسلم إلى صاحبي كعب بمثل ذلك .. فجاءت امرأة هالل بن أمية ..فقالت : يا رسول هللا ..إن هالل بن أمية شيخ كبير ضعيف ..فهل تأذن لي أن أخدمه ..؟
قال :نعم ..ولكن ال يقربنك .. فقالت المرأة :يا نبي هللا ..وهللا ما به من حركة لشيء .. ما زال مكتئبا ..يبكي الليل والنهار ..منذ كان من أمره ما كان .. * * * * * * * * * ومرت األيام ثقيلة على كعب ..واشتدت الجفوة عليه ..حتى صار يراجع إيمانه .. يكلم المسلمين وال يكلمونه .. ويسلم على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فال يرد عليه .. فإلى أين يذهب !!..ومن يستشير !؟ قال كعب رضي هللا عنه : ي ..فإذا هو في ي البالء ..ذهبت إلى أبي قتادة ..وهو ابن عمي ..وأحب الناس إل َّ فلما طال عل َّ حائط بستانه ..فتسورت الجدار عليه .. ودخلت ..فسلمت عليه .. فوهللا ما رد علي السالم .. فقلت :أنشدك هللا ..يا أبا قتادة ..أتعلم أني أحب هللا ورسوله ؟ فسكت .. فقلت :يا أبا قتادة ..أتعلم أني أحب هللا ورسوله ؟ فسكت .. فقلت :أنشدك هللا ..يا أبا قتادة ..أتعلم أني أحب هللا ورسوله ؟ فقال :هللا ورسوله أعلم .. سمع كعب هذا الجواب ..من ابن عمه وأحب الناس إليه ..ال يدري أهو مؤمن أم ال ؟ فلم يستطع أن يتجلد لما سمعه ..وفاضت عيناه بالدموع .. ثم اقتحم الحائط خارجا .. وذهب إلى منزله ..وجلس فيه .. يقلب طرفه بين جدرانه ..ال زوجة تجالسه ..وال قريب يؤانسه .. وقد مضت عليهم خمسون ليلة ..من حين نهى النبي صلى هللا عليه وسلم الناس عن كالمهم .. * * * * * * * * * وفي الليلة الخمسين ..نزلت توبتهم على النبي صلى هللا عليه وسلم ثلث الليل .. فقالت أم سلمة رضي هللا عنها : يا نبي هللا ..أال نبشر كعب بن مالك .. قال :إذا يحطمكم الناس ..ويمنعونكم النوم سائر الليلة .. فلما صلى النبي صلى هللا عليه وسلم الفجر ..آذن الناس بتوبة هللا علينا .. فانطلق الناس يبشرونهم .. قال كعب : وكنت قد صليت الفجر على سطح بيت من بيوتنا .. ي األرض بما فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر هللا تعالى ..قد ضاقت علي نفسي ..وضاقت عل َّ رحبت ..
ي رسو ُل هللا صلى هللا عليه وسلم ..أو وما من شيء أهم ّ إلي ..من أن أموت ..فال يصلي عل َّ ي .. يموت ..فأكون من الناس بتلك المنزلة ..فال يكلمني أحد منهم ..وال يصلي عل َّ فبينما أنا على ذلك .. إذ سمعت صوت صارخ ..على جبل سلع بأعلى صوته يقول : يا كعب بن مالك ! ..أبشر .. فخررت ساجدا ..وعرفت أن قد جاء فرج من هللا .. ي رجل على فرس ..واآلخر صاح من فوق جبل .. وأقبل إل َّ وكان الصوت أسرع من الفرس .. ي فكسوته إياهما ببشراه .. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ..نزعت له ثوب َّ وهللا ما أملك غيرهما .. واستعرت ثوبين ..فلسبتهما .. وانطلقت إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ..فتلقاني الناس فوجا ..فوجا .. يهنئوني بالتوبة ..يقولون :ليهنك توبة هللا عليك .. حتى دخلت المسجد ..فسلمت على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .. وهو يبرق وجهه من السرور ..وكان إذا ُس َّر استنار وجهه ..حتى كأنه قطعة قمر .. فقال لي :أبشر بخير يوم م َّر عليك منذ ولدتك أمك .. قلت :أمن عندك يا رسول هللا ..أم من عند هللا ؟ قال :ال ..بل من عند هللا ..ثم تال اآليات .. فلما جلست بين يديه .. قلت :يا رسول هللا ! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى هللا ..وإلى رسوله .. فقال :أمسك عليك بعض مالك ..فهو خير لك .. فقلت :يا رسول هللا ! إن هللا إنما نجاني بالصدق ..وإن من توبتي أال أحدث إال صدقا ما بقيت .. نعم ..تاب هللا على كعب وصاحبيه ..وأنزل في ذلك قرءانا يتلى .. فقال عز وجل : َاب َّ ين اتَّبَعُوهُ فِي َسا َع ِة ْال ُع ْس َر ِة ِم ْن بَ ْع ِد َما َكا َد يَ ِزي ُغ ار الَّ ِذ َ اج ِر َ ين َو ْاألَ ْن َ { لَقَ ْد ت َ هللاُ َعلَى النَّبِ ِّي َو ْال ُمهَ ِ ص ِ ضاقَ ْ َاب َعلَ ْي ِه ْم إِنَّهُ بِ ِه ْم َر ُؤ ٌ ت وف َر ِحي ٌم * َو َعلَى الثَّالثَ ِة الَّ ِذ َ ين ُخلِّفُوا َحتَّى ِإ َذا َ ق ِم ْنهُ ْم ثُ َّم ت َ قُلُوبُ فَ ِري ٍ ضاقَ ْ َعلَ ْي ِه ُم ْاألَرْ ضُ ِب َما َر ُحبَ ْ َاب َعلَ ْي ِه ْم هللا ِإ َّال إِلَ ْي ِه ث ُ َّم ت َ ت َو َ ت َعلَيْ ِه ْم أَ ْنفُ ُسهُ ْم َوظَنُّوا أَ ْن ال َم ْل َجأ َ ِم َن َّ ِ ِليَتُوب ُوا ِإ َّن َّ هللاَ هُ َو التَّ َّوابُ الر َِّحي ُم } .. * * * * * * * * * *
..في بطن الحوت .. كل الناس يذكرون هللا عند الشدائد .. لكن منهم من يذكره ويطيعه ..فإذا زالت الشدة عصاه ونساه .. ومنهم من يستمر صالحه وتوبته .. يونس عليه السالم ..دعا قومه إلى اإليمان ..فأعرضوا وتكبروا ..فغضب ..وركب البحر مع سفينة ..فلما ثقلت بهم خافوا أن يغرقوا جميعا ..فعلموا أنه ال بد أن يخففوا الحمل بإلقاء أحد ركابها إلى البحر ..عملوا القرعة مرارا فوقعت على يونس ..ألقوه في البحر ..فالتقمه الحوت .. ثم نزل به إلى األعماق .. كل شيء حدث بسرعة ..يونس في الظلمات .. تسمع حوله ..فإذا به يسمع تسبيح الحصى الذي في قعر البحر .. ت أَ ْن ال ِإلَهَ ِإ َّال أَ ْنتَ ُس ْب َحان ََك ِإنِّي ُك ْن ُ ين ) .. ت ِم َن الظَّا ِل ِم َ فانتفض ( ..فَنَا َدى ِفي الظُّلُ َما ِ فقرعت كلماته أبواب السماء ..فنزل عليه الفرج .. هذا خبر يونس النبي عليه الصالة والسالم .. أما يونس اليوم فيقول : كنت شابا أظن أن الحياة ..مال وفير ..وفراش وثير ..ومركب وطيء .. وكان يوم جمعة ..جلست مع مجموعة من رفقاء الدرب على الشاطئ .. وهم كالعادة مجموعة من القلوب الغافلة .. سمعت النداء حي على الصالة ..حي على الفالح .. أقسم أني سمعت األذان طوال حياتي ..ولكني لم أفقه يوما معنى كلمة فالح .. طبع الشيطان على قلبي ..حتى صارت كلمات األذان كأنها تقال بلغة ال أفهمها .. كان الناس حولنا يفرشون سجاداتهم ..ويجتمعون للصالة .. ونحن كنا نجهز عدة الغوص وأنابيب الهواء .. استعدادا لرحلة تحت الماء.. لبسنا عدة الغوص ..ودخلنا البحر ..بعدنا عن الشاطئ .. حتى صرنا في بطن البحر .. كان كل شيء على ما يرام ..الرحلة جميلة .. وفي غمرة المتعة ..فجأة تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء إلى الفم ..ولتمده بالهواء من األنبوب ..وتمزقت أثناء دخول الهواء إلى رئتي ..وفجأة أغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي ...وبدأت أموت .. بدأت رئتي تستغيث وتنتفض ..تريد هواء ..أي هواء .. أخذت اضطرب ..البحر مظلم ..رفاقي بعيدون عني .. بدأت أدرك خطورة الموقف ..إنني أموت .. بدأت أشهق ..وأشرق بالماء المالح.. بدأ شريط حياتي بالمرور أمام عيني .. مع أول شهقة ..عرفت كم أنا ضعيف .. بضع قطرات مالحة سلطها هللا علي ليريني أنه هو القوي الجبار ..
آمنت أنه ال ملجأ من هللا إال إليه ...حاولت التحرك بسرعة للخروج من الماء ..إال أني كنت على عمق كبير .. ليست المشكلة أن أموت ..المشكلة كيف سألقى هللا ؟! إذا سألني عن عملي ..ماذا سأقول ؟ أما ما أحاسب عنه ..الصالة ..وقد ضيعتها .. تذكرت الشهادتين ..فأردت أن يختم لي بهما .. فقلت أشهـ ..فغصَّ حلقي ..وكأن يدا خفية تطبق على رقبتي لتمنعني من نطقها .. حاولت جاهدا ..أشهـ ..أشهـ ..بدأ قلبي يصرخ :ربي ارجعون ..ربي ارجعون ..ساعة .. دقيقة ..لحظة ..ولكن هيهات.. بدأت أفقد الشعور بكل شيء ..أحاطت بي ظلمة غريبة .. هذا آخر ما أتذكر .. لكن رحمة ربي كانت أوسع .. فجأة بدأ الهواء يتسرب إلى صدري مرة أخرى .. انقشعت الظلمة ..فتحت عيني ..فإذا أحد األصحاب .. يثبت خرطوم الهواء في فمي .. ويحاول إنعاشي ..ونحن مازلنا في بطن البحر .. رأيت ابتسامة على محياه ..فهمت منها أنني بخير .. عندها صاح قلبي ..ولساني ..وكل خلية في جسدي .. أشهد أن ال إله إال هللا ..وأشهد أن محمد رسول هللا ..الحمد هلل .. خرجت من الماء ..وأنا شخص أخر .. تغيرت نظرتي للحياة .. أصبحت األيام تزيدني من هللا قربا ..أدركت س َّر وجودي في الحياة ..تذكرت قول هللا ( إال ليعبدون ) .. صحيح ..ما خلقنا عبثا .. مرت أيام ..فتذكرت تلك الحادثة .. فذهبت إلى البحر ..ولبست لباس الغوص .. ثم أقبلت إلى الماء ..وحدي وتوجهت إلى المكان نفسه في بطن البحر .. وسجدت هلل تعالى سجدة ما أذكر اني سجدت مثلها في حياتي .. في مكان ال أظن أن إنسانا قبلي قد سجد فيه هلل تعالى .. عسى أن يشهد علي هذا المكان يوم القيامة فيرحمني هللا بسجدتي في بطن البحر ويدخلني جنته اللهم أمين .. * * * * * * * * * *
وغدراتي وفجراتي !! ربنا أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا .. ومن سعة رحمته ..أنه عرض التوبة على كل أحد .. مهما أشرك العبد وكفر ..أو طغى وتجبر .. فإن الرحمة معروضة عليه ..وباب التوبة مشرع بين يديه .. وانظر إلى ذاك الشيخ الهرم ..الذي ..كبر سنه ..وانحنى ظهره ..ورق عظمه .. أقبل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ..وهو جالس بين أصحابه يوما .. يجر خطاه ..وقد سقط حاجباه على عينيه ..وهو ي ّدعم على عصا .. جاء يمشي ..حتى قام بين يديّ النبي صلى هللا عليه وسلم ..فقال بصوت تصارعه اآلالم .. يا رسول هللا ..أرأيت رجال عمل الذنوب كلها ..فلم يترك منها شيئا .. وهو في ذلك لم يترك حاجة ..وال داجة ..أي صغيرة وال كبيرة ..إال أتاها .. لو قسّمت خطيئته بين أهل األرض ألوبقتهم ..فهل لذلك من توبة ؟ فرفع النبي صلى هللا عليه وسلم بصره إليه ..فإذا شيخ قد انحنى ظهره ..واضطرب أمره .. قد هده مر السنين واألعوام ..وأهلكته الشهوات واآلالم .. فقال له صلى هللا عليه وسلم :فهل أسلمت ؟ قال :أما أنا ..فأشهد أن ال إله إال هللا ..وأنك رسول هللا .. فقال صلى هللا عليه وسلم :تفعل الخيرات ..وتترك السيئات ..فيجعلهن هللا لك خيرات كلهن .. فقال الشيخ :وغدراتي ..وفجراتني .. فقال :نعم .. فصاح الشيخ :هللا أكبر ..هللا أكبر ..هللا أكبر .. فما زال يكبر حتى توارى عنهم .. الحديث :رواه الطبراني والبزار ،وقال المنذري :إسناده جيد قوي ،وقال ابن حجر هو على شرط الصحيح . * * * * * * * * * *
هل تطرحه في النار ؟! هللا أرحم بعباده ..من آبائهم وأمهاتهم .. في الصحيحين : ُ أن النبي صلى هللا عليه وسلم لما انتهى من حرب هوازن ..أتي إليه بعد المعركة ..بأطفال الكفار ونسائهم ..ثم جمعوا في مكان .. فالتفت النبي صلى هللا عليه وسلم إليهم ..فإذا امرأة من السبي ..أم ثكلى ..تجر خطاها ..تبحث عن ولدها ..وفلذة كبدها .. قد اضطرب أمرها ..وطار صوابها ..واشت ّد مصابها .. تطوف على األطفال الرضع ..تنظر في وجوههم ..يكاد ثديها يتفجر من احتباس اللبن فيه .. تتمنى لو أن طفلها بين يديها ..تضمه ضمة ..وتشمه شمة ..ولو كلفها ذلك حياتها ..
فبينما هي على ذلك .. إذ وجدت ولدها ..فلما رأته جف دمعها ..وعاد صوابها .. ثم انكبت عليه ..وانطرحت بين يديه ..وقد رحمت جوعه وتعبه ..وبكاءه ونصبه ..أخذت تضمه وتقبله .. ثم ألصقته بصدرها ..وألقمته ثديها .. فنظر الرحيم الشفيق إليها ..وقد أضناها التعب ..وعظم النصب .. وقد طال شوقها إلى ولدها ..واشتد مصابه ومصابها .. فلما رأى ذلها ..وانكسارها ..وفجيعتها بولدها .. التفت إلى أصحابه ثم قال : أتُ َرون هذه ..طارحة ولدها في النار ..يعني لو أشعلنا نارا وأمرناها أن تطرح ولدها فيها .. أترون أنها ترضى .. فعجب الصحابة الكرام :كيف تطرحه في النار ..وهو فلذة كبدها ..وعصارة قلبها ..كيف تطرحه ..وهي تلثمه ..وتقبله ..وتغسل وجهه بدموعها ..كيف تطرحه .. وهي األم الرحيمة ..والوالدة الشفيقة .. قالوا :ال ..وهللا ..يا رسول هللا ..ال تطرحه في النار ..وهي تقدر على أن ال تطرحه .. فقال صلى هللا عليه وسلم :وهللا ..هلل ..أرحم بعباده من هذه بولدها .. * * * * * * * * * *
..في المستشفى .. • دخلت على مريض في المستشفى ..فلما أقبلت إليه ..فإذا رجل قد بلغ من العمر أربعين سنة .. من أنضر الناس وجها ..وأحسنهم قواما .. لكن جسده كله مشلو ٌل ال يتحرك منه ذرة ..إال رأسه وبعض رقبته .. دخلت غرفته ..فإذا جرس الهاتف يرن ..فصاح بي وقال :يا شيخ أدرك الهاتف قبل أن ينقطع االتصال .. فرفعت سماعة الهاتف ثم قربتها إلى أذنه ووضعت مخدة تمسكها ..وانتظرت قليال حتى أنهى مكالمته ..ثم قال :يا شيخ ..أرجع السماعة مكانها .. فأرجعتها مكانها ..ثم سألته :منذ متى وأنت على هذا الحال ؟ فقال :منذ عشرين سنة ..وأنا أسير على هذا السرير .. • وحدثني أحد الفضالء أنه مر بغرفة في المستشفى ..فإذا فيها مريض يصيح بأعلى صوته .. ويئن أنينا يقطع القلوب .. قال صاحبي :فدخلت عليه ..فإذا هو جسده مشلو ٌل كله .. وهو يحاول االلتفات فال يستطيع .. فسألت الممرض عن سبب صياحه ..فقال : هذا مصاب بشلل تام ..وتلف في األمعاء ..وبعد كل وجبة غداء أو عشاء ..يصيبه عسر هضم .. فقلت له :ال تطعموه طعاما ثقيال ..جنبوه أكل اللحم ..والرز ..
فقال الممرض :أتدري ماذا نطعمه ..وهللا ال ندخل إلى بطنه إال الحليب من خالل األنابيب الموصلة بأنفه .. وكل هذه اآلالم ..ليهضم هذا الحليب .. • وحدثني آخر أنه م ّر بغرفة مريض مشلول أيضا ..ال يتحرك منه شيء أبدا .. قال :فإذا المريض يصيح بالمارين ..فدخلت عليه .. فرأيت أمامه لوح خشب عليه مصحف مفتوح ..وهذا المريض منذ ساعات ..كلما انتهى من قراءة الصفحتين أعادهما ..فإذا فرغ منهما أعادهما ..ألنه ال يستطيع أن يتحرك ليقلب الصفحة ..ولم يجد أحدا يساعده .. فلما وقفت أمامه ..قال لي :لو سمحت ..اقلب الصفحة .. فقلبتها ..فتهلل وجهه ..ثم وجّ ه نظره إلى المصحف وأخذ يقرأ .. فانفجرت باكيا بين يديه ..متعجبا من حرصه وغفلتنا .. • وحدثني ثالث أنه دخل على رجل مقعد مشلول تماما في أحد المستشفيات ..ال يتحرك إال رأسه .. فلما رأى حاله ..رأف به وقال :ماذا تتمنى .. فقال المريض ..أنا عمري قرابة األربعين ..وعندي خمسة أوالد .. وعلى هذا السرير ..منذ سبع سنين ..ال أتمنى أن أمشي ..وال أن أرى أوالدي ..وال أن أعيش مثل الناس .. لكنني أتمنى أني أستطيع أن ألصق هذه الجبهة على األرض ذلة لرب العالمين ..وأسجد كما يسجد الناس .. • وأخبرني أحد األطباء أنه دخل في غرفة اإلنعاش على مريض ..فإذا شيخ كبير ..على سرير أبيض وجهه يتألأل نورا ..قال صاحبي :أخذت أقلب ملفه ..فإذا هو قد أجريت له عملية في القلب ..أصابه نزيف خاللها ..مما أدى إلى توقف الدم عن بعض مناطق الدماغ ..فأصيب بغيبوبة تامة .. وإذا األجهزة موصلة به ..وقد وضع على فمه جهاز للتنفس الصناعي يدفع إلى رئتيه تسعة أنفاس في الدقيقة ..كان بجانبه أح ُد أوالده ..سألته عنه فأخبرني أن أباه مؤذن في أحد المساجد منذ سنين .. أخذت أنظر إليه ..حركت يده ..حركت عينه ..كلمته ..ال يدري عن شيء أبدا.. كانت حالته خطيرة .. اقترب ولده من أذنه وصار يكلمه ..وهو ال يعقل شيئا .. فبدأ الولد يقول ..يا أبي ..أمي بخير ..وإخواني بخير ..وخالي رجع من السفر .. واستمر الولد يتكلم .. واألمر على ما هو عليه ..الشيخ ال يتحرك ..والجهاز يدفع تسعة أنفاس في الدقيقة .. وفجأة قال الولد ..والمسجد مشتاق إليك ..وال أحد يؤذن فيه إال فالن ..ويخطئ في األذان .. ومكانك في المسجد فارغ .. فلما ذكر المسجد واألذان ..اضطرب صدر الشيخ ..وبدأ يتنفس ..فنظرت إلى الجهاز فإذا هو يشير إلى ثمانية عشر نفسا في الدقيقة .. والولد ال يدري ..
ثم قال الولد :وابن عمي تزوج ..وأخي تخرج .. فهدأ الشيخ مرة أخرى ..وعادت األنفاس تسعة ..يدفعها الجهاز اآللي .. فلما رأيت ذلك أقبلت إليه ..حتى وقفت عند رأسه ..حركت يده ..عينه ..هززته ..ال شيء ..كل شيء ساكن ..ال يتجاوب معي أبدا ..تعجبت .. قربت فمي من أذنه ثم قلت :هللا أكبرررر ..حي على الصالة ..حي على الفالح .. وأنا أسترق النظر إلى جهاز التنفس ..فإذا به يشير إلى ثمان عشرة نفس في الدقيقة .. فلله درهم من مرضى ..بل وهللا نحن المرضى.. ون يَ ْوما تَتَقَلَّبُ هللا َو ِإقَ ِام الصَّال ِة َوإِيتَا ِء ال َّز َكا ِة يَخَافُ َ نعم ِ ( ..ر َجا ٌل ال تُلْ ِهي ِه ْم ِت َج َ ارةٌ َوال بَ ْي ٌع َع ْن ِذ ْك ِر َّ ِ هللاُ أَحْ َس َن َما َع ِملُوا َويَ ِزي َدهُ ْم ِم ْن فَضْ لِ ِه َو َّ ْصا ُر * لِيَجْ ِزيَهُ ُم َّ هللاُ يَرْ ُز ُ ق َم ْن يَ َشا ُء ِب َغي ِْر فِي ِه ْالقُلُوبُ َو ْاألَب َ ب ) .. ِح َسا ٍ هذا حال أولئك المرضى .. فأنت يا سليما من األمراض واألسقام ..يا معافى من األدواء واألورام .. يا من تتقلب في النعم ..وال تخشى النقم .. ماذا فعل هللا بك فقابلته بالعصيان ..بأي شيء آذاك ..أليست نعمه عليك تترى ..وأفضاله عليك ال تحصى ؟ أما تخاف ..أن توقف بين يدي هللا غدا .. فيقول لك ..يا عبدي ألم أصح لك في بدنك ..وأوسع عليك في رزقك .. وأسلم لك سمعك وبصرك ..فتقول بلى ..فيسألك الجبار : فلم عصيتني بنعمي ..وتعرضت لغضبي ونقمي .. فعندها تنشر في المأل عيوبك ..وتعرض عليك ذنوبك .. فتبا للذنوب ..ما أشد شؤمها ..وأعظم خطرها .. وهل أخرج أبانا من الجنة إال ذنب من الذنوب .. وهل أغرق قوم نوح إال الذنوب .. وهل أهلك عادا وثمود إال الذنوب .. وهل قلب على قوم لوط ديارهم ..وعجل لقوم شعيب عذابهم .. وأمطر على أبرهة حجارة من سجيل ..وأنزل بفرعون العذاب الوبيل .. إال المعاصي والذنوب .. * * * * * * * * * * ..الجبال الراسيات .. في أول بعثة النبي عليه الصالة والسالم كان يدعو إلى اإلسالم في مكة سرا ..وكان المسلمون يختفون بدينهم .. فلما تكامل عددهم ثمانية وثالثين رجال .. أل َّح أبو بكر رضي هللا عنه على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في الظهور .. فقال صلى هللا عليه وسلم :يا أبا بكر ..إنا قليل ..
فلم يزل أبو بكر يلح عليه حتى خرج صلى هللا عليه وسلم ..إلى المسجد ..وخرج المسلمون معه.. وتفرقوا في نواحي المسجد ..كل رجل في عشيرته.. وقام أبو بكر في الناس خطيبا ..فكان أول خطيب دعا إلى هللا ..فلما رأى المشركون من يسفه آلهتهم ..ويتنقص دينهم .. ثاروا على أبي بكر وعلى المسلمين .. يضربونهم في نواحي المسجد ضربا شديدا .. فجعلوا ِ وأبو بكر يجهر بالدين ..فأحاط به جمع منهم .. فضربوه ..حتى وقع على األرض ..وهو كهل قد قارب عمره الخمسين سنة .. ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة ..وجعل يطأ على بطنه وصدره ..ويضربه بنعلين مخصوفين .. ويحرفهما على وجهه ..حتى مزق لحم وجهه ..وجعلت دماؤه تسيل ..حتى ما يعرف وجهه من أنفه ..وأبو بكر مغمى عليه .. فجاءت قبيلته بنو تيم يتعادون ..ودفعوا المشركين عنه .. وحملوه في ثوب ..وال يشكون في موته ..حتى أدخلوه منزله .. وقعد أبوه وقومه عند رأسه ..يكلمونه فال يجيب .. حتى إذا كان آخر النهار ..أفاق ..وفتح عينيه ..فكان أول كلمة تكلم بها ان قال :ما فعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ..؟؟ فغضب أبوه وسبه ..ثم خرج من عنده .. فقعدت أمه عند رأسه ..تجتهد أن تطعمه أو تسقيه ..وتل ّح عليه .. وهو يردد :ما فعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.. فقالت :وهللا مالي علم بصاحبك .. فقال :اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب ..فسليها عنه ..وكانت أم جميل مسلمة تكتم إسالمها .. فخرجت أمه حتى جاءت أم جميل فقالت : إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد هللا ؟ فخافت أم جميل أن يكتشفوا إسالمها ..فقالت :ما أعرف أبا بكر ..وال محمدا ..ولكن إن أحببت مضيت معك إلى ابنك .. قالت :نعم ..فمضت معها .. فلما دخلت على أبي بكر ..وجدته صريعا دنفا ..ممزق الوجه ..ودماؤه تسيل .. فبكت وقالت :وهللا إن قوما نالوا هذا منك ألهل فسق وكفر ..وإني ألرجو أن ينتقم هللا لك منهم .. فالتفت إليها أبو بكر ..وما يكاد يطيق ..فقال :يا أم جميل ..ما فعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .. فنظرت أم جميل إلى أم أبي بكر وكانت لم تسلم بعد ..فخشيت أن تخبر الكفار بأسرار المسلمين .. فقالت أم جميل ألبي بكر :هذه أمك تسمع .. قال :فال شيء عليك منها .. قالت :رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سال ٌم صال ٌح ..قال :فأين هو ؟ قالت :في دار أبي األرقم .. فقالت أمه :قد عرفت خبر صاحبك ..فكل واشرب اآلن .. فقال :ال ..إن هلل علي أن ال أذوق طعاما أو شرابا ..حتى آتي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .. فأراه بعيني .. فأمهلتاه ..حتى إذا أظلم الليل ..وهدأ الناس ..
حاول أن يقوم ..فلم يستطع ..خرجت به أمه وأم جميل يتكئ عليهما ..حتى أدخلتاه على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .. فلما رآه النبي عليه الصالة والسالم ..أكب عليه يقبله .. وأكبَّ عليه المسلمون ..ورق له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رقة شديدة .. وأبو بكر يقول :بأبي وأمي أنت يا رسول هللا ..ليس بي من بأس ..إال ما نال الفاسق من وجهي .. ثم قال أبو بكر :يا رسول هللا ..هذه أمي برة بولدها ..وأنت رجل مبارك ..فادعها إلى هللا عز وجل ..وادع هللا لها ..عسى هللا أن يستنقذها بك من النار .. فدعا لها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ..ثم دعاها إلى هللا ..فأسلمت .. فانظر إلى هذا الجبل الراسي ..أبي بكر رضي هللا عنه ..وتأمل في حرصه على الدعوة إلى هللا .. واعجب من قوة ثباته على الدين .. * * * * * * * * * *
..قال :معاذ هللا .. كان شابا فقيرا ..يعمل بائعا ..يتجول في الطرقات .. وكانت هي امرأة فارغة ..ال تكف عن التعرض للحرام ..كانت مصيدة للشيطان .. مرّ ذات يوم بجانب بيتها ..أطلت من طرف الباب وسألته عن بضاعته فأخبرها .. طلبت منه أن يدخل لترى البضاعة ..فلما دخل أغلقت الباب .. ثم دعته إلى الحرام ..فصاح بها ..معاذ هللا .. وتذكر حاله عندما تذهب اللذات ..وتبقى الحسرات .. تذكر يوم تشهد عليها أعضاؤه التي متعتها بالزنا .. رجله التي مشى بها ..يده التي لمس بها ..لسانه الذي تكلم به.. بل تشهد عليه ..كل ذرة من ذراته ..وكل شعرة من شعراته .. تذكر حرارة النيران ..وعذاب الرحمن .. يوم يعلق الزناة في النار ..ويضربون بسياط من حديد ..فإذا استغاث أحدهم من الضرب ..نادته المالئكة :أين كان هذا الصوت وأنت تضحك ..وتفرح ..وتمرح ..وال تراقب هللا وال تستحي منه!!.. تذكر قول النبي عليه الصالة والسالم ( :يا أمة محمد ..وهللا إنه ال أحد أغير من هللا ..أن يزنى عبده ..أو تزني أمته ..يا أمة محمد وهللا لو تعلمون ما أعلم ..لضحكتم قليال ولبكيتم كثيرا ) .. تذكر يوم رأى النبي عليه الصالة والسالم في منامه رجاال ونساء عراة في مكان ضيق مثل التنور ..أسفله واسع وأعاله ضيق ..وهم يصيحون ويصرخون ..وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ..فإذا أتاهم ذلك اللهب صاحوا من شدة حره ..فقال صلى هللا عليه وسلم :من هؤالء يا جبريل ؟ قال :هؤالء الزناة والزواني ..فهذا عذابهم إلى يوم القيامة ..
ولعذاب اآلخرة أشد وأبقى ..نسأل هللا العفو والعافية . قالت له نفسه :افعل وتب ..قال ..أعوذ باهلل ..كيف أهتكت ستر ربي ..كيف أنظر إلى امرأة ال تحل لي وهللا عز وجل من فوقنا ..ينظر إلينا ..كيف نختفي من الخلق ..ونفجر أمام الخالق .. فبقي ساكنا يفكر في مخرج ..وينظر على الباب .. فصاحت به الفاجرة :وهللا إن لم تفعل ما أريده منك صرخت ..فيحضر الناس فأقول :هذا الشاب.. ي في داري ..فما ينتظرك بعدها إال القتل أو السجن .. هجم عل َّ خوفها باهلل فلم تنزجر .. فأخذ الشاب العفيف يرتجف ّ .. فلما رأى ذلك ..فكر في حيلة يتخلص بها .. فقال :أريد الخالء ..الحمام ..فأشارت له إليه .. فلما دخل الخالء ..نظر إلى نوافذه فإذا هو ال يستطيع الهرب من خاللها .. ففكر في طريقة يتخلص بها .. فأقبل على الصندوق الذي يُجمع فيه الغائط .. وجعل يأخذ منه ويلقي على ثيابه ..ويديه ..وجسده.. ثم خرج إليها ..فلما رأته صاحت ..وألقت في وجهه بضاعته ..وطردته من البيت .. فمضى يمشي في الطريق ..والصبيان يصيحون وراءه :مجنون ..مجنون.. حتى وصل بيته ..فأزال عنه النجاسة ..واغتسل.. فلم يزل يُش ُّم منه رائحة المسك ..حتى مات.. ( ذكر القصة ابن الجوزي في المواعظ ) .. * * * * * * * * * *
..ينغمس في أنهارها .. كان ماعز شابا من الصحابة ..متزوج في المدينة .. وسوس له الشيطان يوما ..وأغراه بجارية لرجل من األنصار .. فخال بها عن أعين الناس ..وكان الشيطان ثالثَهما ..فلم يزل يزين كال منهما لصاحبه حتى وقعا في الحرام .. فلما فرغ ماعز من جرمه ..تخلى عنه الشيطان ..فبكى وحاسب نفسه ..والمها ..وخاف من عذاب هللا ..وضاقت عليه حياته ..وأحاطت به خطيئته ..حتى أحرق الذنب قلبه .. فجاء إلى طبيب القلوب ..ووقف بين يديه وصاح من حرّ ما يجد وقال : يا رسول هللا ..إن األبعد قد زنى ..فطهرني .. فأعرض عنه النبي صلى هللا عليه وسلم ..فجاء من شقه اآلخ َر فقال :يا رسول هللا ..زنيت .. فطهرني .. فقال صلى هللا عليه وسلم :ويحك ارجع ..فاستغفر هللا وتب إليه .. فرجع غير بعيد ..فلم يطق صبرا .. فعاد إلى النبي صلى هللا عليه وسلم وقال :يا رسول هللا طهرني .. فقال رسول هللا :ويحك ..ارجع فاستغفر هللا وتب إليه ..
قال :فرجع غير بعيد ..ثم جاء فقال :يا رسول هللا طهرني .. فصاح به النبي صلى هللا عليه وسلم ..وقال :ويلك ..وما يدريك ما الزنا ؟ .. ثم أمر به فطرد ..وأخرج .. ثم أتاه الثانية ،فقال :يا رسول هللا ،زنيت ..فطهرني .. فقال :ويلك ..وما يدريك ما الزنا ؟ .. وأمر به ..فطُرد ..وأخرج .. ثم أتاه الثالثةَ ..والرابعةَ كذلك ..فلما أكثر عليه .. سأل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قو َمه :أبه جنون ؟ قالوا :يا رسول هللا ..ما علمنا به بأسا .. فقال :لعله شرب خمرا ؟ فقام رجل فاستنكهه وش ّمه فلم يجد منه ريح خمر .. فقال صلى هللا عليه وسلم :هل تدري ما الزنا ؟ قال :نعم ..أتيت من امرأة حراما ،مث َل ما يأتي الرجل من امرأته حالال .. فقال صلى هللا عليه وسلم :فما تريد بهذا القول ؟ قال :أريد أن تطهرني .. قال صلى هللا عليه وسلم :نعم ..فأمر به أن يرجم ..فرجم حتى مات .. فلما صلوا عليه ودفنوه م َّر النبي صلى هللا عليه وسلم على موضعه مع بعض أصحابه .. فسمع النبي صلى هللا عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه : انظر إلى هذا ..الذي ستر هللا عليه ولم تدعه نفسه حتى رُجم َرجم الكالب .. فسكت النبي صلى هللا عليه وسلم ..ثم سار ساعة ..حتى مر بجيفة حمار ..قد أحرقته الشمس حتى انتفخ وارتفعت رجاله .. فقال صلى هللا عليه وسلم :أين فالن وفالن ؟ ذان ..يا رسول هللا .. قاال :نحن ِ قال :انزال ..فكال من جيفة هذا الحمار .. قاال :يا نبي هللا !! غفر هللا لك ..من يأكل من هذا ؟ فقال صلى هللا عليه وسلم :ما نلتما ..من عرض أخيكما ..آنفا أش ُّد من أكل الميتة ..لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم ..والذي نفسي بيده إنه اآلن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها .. فطوبى ..لماعز بن مالك ..نعم وقع في الزنى ..وهتك الستر الذي بينه وبين ربه .. لكنه تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم .. ( أصل قصته في الصحيحين وسقتها من مجموع رواياتها ) .. * * * * * * * * * *
..المغني .. وقفت على النافذة تراقبني بعينين دامعتين ..تلوح بيديها اللتين أهزلهما مر السنين .. كانت تدافع عبراتها ..حتى غلبها البكاء ..فبكت .. وقفت أنظر إليها ..نشيجها يصل إلى مسمعي ..لكن المعاصي الجاثمة على صدري حالت بينه وبين الوصول إلى قلبي القاسي .. لم أرحم توسالتها بالبقاء معها ..وااللتحاق بجامعة في نفس المدينة .. أنانية ..حب للذات ..بحث عن حرية مزعومة ..و شخصية مستقلة بذاتها .. بل شهوات وملذات ..وشياطين من اإلنس والجن يؤازر بعضهم بعضا .. هروب من نصائحها ومواعظها ..من عطفها وشفقتها ..وخوفها أن أنحرف .. تركتها وهي واقفة تودعني ..غبت عنها وهي لم تفارق مكانها ..وداعا أمي .. وهناك ..لم أعد أسمع عند خروجي :في حفظ هللا يا ولدي ..إلى أين تذهب يا ولدي ؟ وهناك :لم أعد أسمع :لماذا تأخرت يا ولدي ؟.. انطلقت في حياة اللهو والترف ..حياة الغفلة والخوض في المعاصي واآلثام .. صوتي الجميل أغرى رفقاء السوء الذين زينوا ل ّي الغناء .. بدأت أغني وشياطين األنس يغدقون عبارات الثناء التي المست قلبي .. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي دعوت فيه لكي أغني على المسرح ..عشت صراعا رهيبا فال زال الحياء يحتل من قلبي مساحة صغيرة ..فعشت بين الرفض والموافقة لحظات ..فقلبي يعاتبني :ال لست من يقف ليغني كما يفعل الفسقة ..لكن نفسي توبخني وتلومني :هذه فرصتك ال تضيعها سوف تصبح مشهورا ..وبعد عناء وتردد وافقت .. صعدت على المسرح والزال للحياء بقية ..لكنه رحل مع أول كلمة تغنيت بها .. اهتزت القاعة طربا ..وتمايلت األجساد نشوة ..عبارات الثناء والمديح تستحثني على المواصلة كلما سكت .. لتمضي تلك الليلة ولتقضي على ماتبقى من إيمان .. رفقاء السوء من حولي قد أزدادوا ..الدعوات كثرت ..تنقلت من قاعة إلى قاعة ..تنقلت بين أصناف المعاصي واآلثام ..سهرات خاصة وعامة .. قدمت ل ّي دعوة للمشاركة في حفل غنائي في أحد القصور ..قدمت بعض األغاني والتي تفاعل معها الجمهور وكنت بحق النجم القادم إلى الساحة الفنية .. تلقيت بعد هذه الحفلة دعوة من أحد أهل الفن يعرض عل ّي رغبته في أن يتبناني فنيا ويهتم بي .. أخذت موعدا مع فنان مشهور عن طريق وكيل أعماله ..ليتم التنسيق بهذا الشأن ..وكان الموعد يوم الخميس .. األيام تمضي سريعة .. قبل الموعد بيومين رجعت إلى أهلي ..لمشاركتهم في بعض المناسبات .. حركة دائبة في المنزل فزواج أخي يوم الخميس ..ويوم األربعاء سيتم عقد قران اثنتين من أخواتي .. كانت أمي كالنحلة ..تنتقل من مكان إلى مكان ..ال تكاد الدنيا تسعها من الفرح ..تردد الدعوات والتبريكات .. على شفتيها فرح لو قسم على العالم البتسم ..تواصل الليل بالنهار .. تعد العدة للفرح الكبير ..تطمئن على كل شيء ..ال تدع صغيرة وال كبيرة إال وتسأل عنها ..
وجاء يوم األربعاء سريعا .. فإذا به يحمل الفاجعة التي غيرت مجرى حياتي ..الفاجعة التي أيقظتني من الغفلة .. أحيت قلبي الذي قد مات .. جاءت الفاجعة لتنتشلني من المستنقع القذر ..مستنقع الرذيلة ..مستنقع الغناء والطرب .. ماتت أمي ..كيف !! ال أدري ..المهم أنها ماتت .. بعد أن شاركتنا لحظات بسيطة من الفرح ..تنحت قليال .. وألقت بجسدها المنهك على سريرها ..وكأنها تقول :وداعا صغاري ..لقد كبرتم .. تحول الفرح إلى حزن ..وجوه صامتة قد تملكتها الدهشة وألجمتها الفاجعة .. ال ترى إال دموعا تنهمر ..وقلوبا ترتجف .. وال تسمع إال نشيجا ينطلق من كل زاوية في المنزل ..كل شيء كان يبكي وينوح ..إال أمي فقد كانت على فراشها ساكنة ..ال تدري عما حولها .. جهزوا جنازتها ..بدؤوا يغسلونها .. دخلت عليها بعدما غسلت ..ألقيت عليها النظرة األخيرة ..كان وجهها هادئا ..كما كان في الحياة .. ي من الفساد .. نظرت إلى فمها ..عينيها ..يديها ..كانت باألمس تنهاني عن مفارقتها خوفا عل َّ قبلتها ..بكيت ..بكت أخواتي حولي ..أخرجوني من غرفة التغسيل .. مضت الساعات سريعة ..لم أشعر إال وأنا أقف في الصف أصلي عليها ..جثتها هامدة ..واإلمام يردد هللا :أكبر ..هللا أكبر .. دعوت لها بكل جوارحي ..دعوت هللا أن يغفر لي تقصيري في حقها .. حملت جنازتها مع من حملوا ..سرنا بها إلى القبر .. جعلت أهيل عليها التراب ..اللهم ثبتها ..اللهم ثبتها .. مضى النهار مع المعزين ..لكن كان لليل قول آخر .. أويت إلى غرفتي مبكرا ..أطفأت األنوار .. ألقيت بجسدي على الفراش .. صو ٌر من الماضي بدأت تظهر لي ..صوتها يمأل المكان ..يا ولدي قم ..ال تفتك الصالة .. زمالئك في المسجد ينتظرونك .. يا ولدي أبق معي ..واصل دراستك هنا ..ال تسافر ..يا ولدي أنتبه لنفسك .. حسرات وندم ..هموم وغموم أطبقت على صدري ..لم استطع أن أتنفس .. صور من العقوق ..شريط الذكريات يمر أمامي .. كانت تسعدني وأشقيها ..تفرحني وأبكيها .. تذكرت ..توسالتها ..رجاءها ..ال تذهب ..ال تفعل ..زفرات وحسرات .. آآآآآه كم كنت عاقا .. بكيت بكاء مرا ..قمت أصلي لكنني لم استطع أن أصلي فقد استعجم لساني .. كانت دموعي ساخنة فأذابت قسوة قلبي .. سجدت هلل بللت موضع سجودي بالدموع .. النحيب مشفوع بدعوات صادقة تنطلق من األعماق ..تؤمن عليها كل ذرة من ذرات جسدي .. عاهدت ربي على البر بها بعد موتها .. سألته أن يثبتني على ذلك ..رددت الدعاء :اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك .. انتهيت من الصالة ..
توجهت نحو الماضي الكئيب ..أقلب بين الدفاتر واألوراق .. أغان خاصة .. فهنا دفتر يحمل بعض األغاني ..وهنا رسائل ..وهناك صور ..هذا شريط ٍ وهذه أشرطة لبعض الفساق .. عمدت إلى جيبي أخرجت ما فيه من بطاقات ..وجدت بطاقة الفنان الكبير ..تذكرت موعده ..يوم الخميس عصرا .. صرخت :أعوذ باهلل ..مزقته بيدي .. جمعت كل شيء يذكرني بالمعاصي واآلثام ..وضعتها في كيس وفي اليوم الثاني كان الفراق بيني وبينها .. * * * * * * * * * *
..البطل .. شاب نضر ..نشأ في بيت عز وسلطان ..ومنعة ومكان .. كان معظما عند قومه ..مهيبا في بلده ..مقدما بين أقرانه ..فريدا في زمانه .. انظر إلى سلمان الفارسي رضي هللا عنه .. كان مجوسيا ..يعبد النار وكان أبوه سي َد قومه .. وكان يحبه حبا عظيما ..وقد حبسه في بيته عند النار .. ومع طول مالزمته للنار ..اجتهد في المجوسية ..حتى صار قاطن النار الذي يوقدها .. وكان ألبيه بستان عظيم ..يذهب إليه كل يوم .. فشغل األب في بنيان له يوما في داره ..فقال لسلمان : فانطلق إلى ضيعتي فاصنع فيها كذا وكذا .. ففرح سلمان وخرج من حبسه ..وتوجه إلى البستان ..فبينما هو في طريقه إذ م َّر بكنيسة للنصارى ..فسمع صالتهم فيها .. فدخل عليهم ينظر ماذا يصنعون .. وأعجبه ما رأى من صالتهم ..ورغب في اتباعهم .. وقال في نفسه :هذا خير من ديننا الذي نحن عليه .. فسألهم :عن دينهم .. فقالوا :أصله بالشام ..وأعلم الناس به هناك .. فلم يزل عندهم ..حتى غابت الشمس .. فلما رجع إليه ..قال أبوه :أي بني أين كنت ؟ قال :إني مررت على ناس يصلون في كنيسة لهم ..فأعجبني ما رأيت من أمرهم وصالتهم .. ورأيت أن دينهم خير من ديننا .. ففزع أبوه ..وقال :أي بني ..دينك ودين آبائك خير من دينهم .. قال :كال وهللا ..بل دينهم خير من ديننا .. فخاف أبوه أن يخرج من دين المجوس ..فجعل في رجله قيدا ..ثم حبسه في البيت.. فلما رأى سلمان ذلك ..بعث إلى النصارى رسوال من عنده ..يقول لهم :إني قد رضيت دينكم ورغبت فيه ..فإذا قدم عليكم ركب من الشام من النصارى ..فأخبروني بهم ..
فما مضى زمن حتى قدم عليهم ركب من الشام ..تجار من النصارى ..فبعثوا إلى سلمان فأخبروه .. فقال للرسول :إذا قضى التجار حاجاتهم وأرادوا الرجوع إلى الشام فآذنوني .. فلما أراد التجار الرجوع أرسلوا إليه ..وواعدوه في مكان ..فتحيل حتى فك القيد من قدميه .. ثم خرج إليهم فانطلق معهم إلى الشام .. فلما دخل الشام ..سألهم :من أفضل أهل هذا الدين علما ؟ قالوا :األسقف الذي في الكنيسة .. فتوجه إلى الكنيسة ..فأخبر األسقف خبره ..وقال له :إني قد رغبت في هذا الدين ..وأحب أن أكون معك ..أخدمك ..وأصلي معك ..وأتعلم منك .. فقال له األسقف :أقم معي .. فمكث معه سلمان في الكنيسة .. فكان سلمان يحرص على الخيرات ..والتعبد والصلوات .. أما األسقف فكان رجل سوء في دينه ..كان يأمر الناس بالصدقة ويرغبهم فيها .. فإذا جمعوا إليه األموال ..اكتنـزها لنفسه ..ولم يعطها المساكين .. فأبغضه سلمان بغضا شديدا ..لكنه ال يستطيع أن يخبر أحدا بخبره ..فاألسقف معظم عندهم ..أما هو فغريب ..قريب العهد بدينهم .. فلم يلبث األسقف أن مات .. فحزن عليه قومه ..واجتمعوا ليدفنوه .. فلما رأى سلمان حزنهم عليه قال :إن هذا كان رجل سوء ..يأمركم بالصدقة ..ويرغبكم فيها .. فإذا جئتموه بها ..اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا .. قالوا :فما عالمة ذلك ؟ قال :أنا أدلكم على كنزه ..فمضى بهم حتى دلهم على موضع المال ..فحفروه ..فأخرجوا سبع قالل مملوءة ذهبا وفضة .. فقالوا :وهللا ال ندفنه أبدا ..ثم صلبوه على خشبة ..ورجموه بالحجارة .. وجاءوا برجل آخر ..فجعلوه مكانه في الكنيسة .. قال سلمان :فما رأيت رجال ال يصلي الخمس ..كان خيرا منه ..أعظم رغبة في اآلخرة ..وال أزهد في الدنيا ..وال أدأب ليال وال نهارا منه ..فأحببته حبا ما علمت أني أحببته شيئا كان قبله .. فلم يزل سلمان يخدمه ..حتى كبر وحضرته الوفاة .. فحزن على فراقه ..وخاف أن ال يثبت على الدين بعده ..فقال له : يا فالن ..قد حضرك ما ترى من أمر هللا ..فإلى من توصي بي ؟ قال :أي بني ..وهللا ما أعلم أحدا على ما كنت عليه ..لقد هلك الناس وبدلوا ..وتركوا كثيرا مما كانوا عليه .. إال رجال بالموصل وهو فالن ..وهو على ما كنت عليه فالحق به .. فلما توفي الرجل العابد ..خرج سلمان من الشام إلى العراق .. فأتى صاحب الموصل .. فأقام عنده ..حتى حضرته الوفاة ..فأوصى سلمان لرجل بنصيبين .. فشد رحاله إلى الشام مرة أخرى .. حتى أتى نصيبين ..فأقام عند صاحبه طويال ..حتى نزل به الموت ..فأوصاه أن يصاحب رجال بعمورية بالشام ..
فذهب إلى عمورية .. وأقام عند صاحبه ..واكتسب حتى كانت عنده بقرات وغنيمة ..ثم لم يلبث العابد أن مرض ونزل به الموت ..فحزن سلمان عليه ..وقال له مودعا : يا فالن إلى من توصي بي ؟ فقال الرجل الصالح : يا سلمان ..وهللا ما أعلم أصبح على مثل ما نحن فيه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ..يعني لقد غير الناس وبدلوا .. ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية ..يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين ( أي أرضين سوداوين ) بينهما نخل ..به عالمات ال تخفى : أنه يأكل الهدية .. وال يأكل الصدقة .. بين كتفيه خاتم النبوة .. إذا رأيته عرفته ..فإن استطعت أن تلحق بتلك البالد فافعل .. ثم مات و ُدفن فمكث سلمان بعمورية ما شاء هللا أن يمكث .. وهو يلتمس من يخرج به إلى أرض النبوة .. فما زال كذلك ..حتى م َّر به نفر من قبيلة كلب ..تجار ..فسألهم عن بالدهم ..فأخبروه أنهم من أرض العرب .. فقال لهم :تحملوني إلى أرضكم ..وأعطيكم بقراتي وغنيمتي ؟ قالوا :نعم ..فأعطاهم إياها ..وحملوه معهم .. حتى إذا قدموا به وادي القُرى ..طمعوا في المال ..فظلموه وادعوا أنه عبد مملوك لهم ..وباعوه لرجل من اليهود ..فلم يستطع سلمان أن يدفع عن نفسه .. فصار عند هذا اليهودي يخدمه .. حتى قدم على اليهودي يوما ابن عم له من المدينة من يهود بنى قريظة ..فاشترى سلمان منه .. فاحتمله إلى المدينة ..فلما رآها ..ورأى نخلها ..وحجارتها ..عرف أنها أرض النبوة التي وصفها له صاحبه ..فأقام بها ..وأخذ يترقب أخبار النبي المرسل .. ومرت السنوات .. وبعث هللا رسوله عليه السالم فأقام بمكة ما أقام ..وسلمان ال يسمع له بذكر .. لشدة ما هو فيه من الخدمة عند اليهودي .. ثم هاجر صلى هللا عليه وسلم إلى المدينة ومكث بها ..وسلمان ال يدري عنه شيئا .. فبنما هو يوما في رأس نخلة لسيده ..يعمل فيها ..وسيده جالس أسفل النخلة .. إذ أقبل رجل يهودي من بني عمه ..حتى وقف عليه ..فقال : أي فالن ..قاتل هللا بني قيلة ..يعني األوس والخزرج ..إنهم اآلن لمجتمعون على رجل بقباء .. قدم من مكة يزعمون أنه نبي .. فلما سمع سلمان ذلك ..انتفض جسده ..وطار فؤاده .. ورجفت النخلة ..حتى كاد أن يسقط على صاحبه ..ثم نزل سريعا وهو يصيح بالرجل :ماذا تقول ؟ ما هذا الخبر ؟ فغضب سيده ..ورفع يده فلطمه بها لطمة شديدة ..ثم قال : ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك .. فسكت سلمان ..وصعد نخلته يكمل عمله ..
وقلبه مشغول بخبر النبوة ..ويريد أن يتيقن من صفات هذا النبي ..التي وصفها صاحبه ..يأكل الهدية ..وال يأكل الصدقة ..وبين كتفيه خاتم النبوة .. فلما أقبل الليل ..جمع ما كان عنده من طعام ..ثم خرج حتى جاء إلى رسول هللا &.. ;16516# وهو جالس بقُباء فدخل عليه ..فإذا حوله نفر من أصحابه ..فقال : إنه بلغني أنكم أهل حاجة وغربة ..وقد كان عندي شيء وضعته للصدقة ..فجئتكم به .. ثم وضعه سلمان بين يدي النبي عليه السالم ..واعتزل ناحية ينظر إليه ماذا يفعل ؟ فنظر النبي صلى هللا عليه وسلم إلى الطعام ..ثم التفت إلى أصحابه ..فقال :كلوا .. وأمسك هو صلى هللا عليه وسلم فلم يأكل .. فلما رأى سلمان ذلك قال في نفسه :هذه وهللا واحدة ..ال يأكل الصدقة ..وبقي اثنتان .. ثم رجع إلى سيده .. وبعدها بأيام ..جمع طعاما آخر ..ثم أقبل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فسلم عليه ..ثم قال له :إني قد رأيتك ال تأكل الصدقة ..وهذه هدية أهديتها كرامة لك ..ليست بصدقة .. ثم وضعها بين يديه صلى هللا عليه وسلم ..فمد يده إليها ..فأكل وأكل أصحابه .. فلما رأى سلمان ذلك قال في نفسه :هذه أخرى .. وبقي واحدة ..أن ينظر إلى خاتم النبوة بين كتفيه صلى هللا عليه وسلم ..ولكن أنى له ذلك .. رجع سلمان إلى خدمة سيده ..وقلبه مشغول بحال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .. فمكث أياما ..ثم مضى إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يبحث عنه ..فإذا هو في بقيع الغرقد .. قد تبع جنازة رجل من األنصار ..فجاءه فإذا حوله أصحابه ..وعليه شملتان مؤتزرا بواحدة .. مرتديا باألخرى ..كلباس اإلحرام .. فسلم عليه ..ثم استدار ينظر إلى ظهره ..هل يرى الخاتم الذي وصف له صاحبه !! فلما رأى النبي صلى هللا عليه وسلم استدارته عرف أنه يستثبت في شيء وصف له .. فحرك كتفيه ..فألقى رداءه عن ظهره ..فنظر سلمان إلى الخاتم ..فعرفه ..فانكب عليه يقبله ويبكى .. فقال له النبي صلى هللا عليه وسلم تحول ..أي اجلس أمامي ..فاستدار حتى قابل وجه النبي عليه السالم .. فسأله صلى هللا عليه وسلم عن خبره ..فقص عليه قصته ..وأخبره أنه كان شابا مترفا ..ترك العز والسلطان ..طلبا للهداية واإليمان ..حتى تنقل بين الرهبان ..يخدمهم ويتعلم منهم .. واستقر به المقام عبدا مملوكا ليهودي في المدينة .. ثم أخذ سلمان ينظر إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ..ودموعه تجري على خدية ..فرحا وبشرا .. ثم أسلم ..ونطق الشهادتين ..ومضى إلى سيده اليهودي ..فزاده اليهودي شغال وخدمة .. فكان الصحابة يجالسون النبي صلى هللا عليه وسلم ..أما هو فقد شغله الرق ..عن مجالسته ..حتى فاتته معركة بدر ثم أحد .. فلما رأى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ذلك قال له :كاتب يا سلمان ..أي اشتر نفسك من سيدك بمال تؤديه إليه .. فسأل سلمان صاحبه أن يكاتبه ..فشدد عليه اليهودي .. وأبى عليه إال بأربعين أوقية من فضة .. وثالثِمائ ِة نخلة ..يجمعها فسائل صغار ..ثم يغرسها ..واشترط عليه أن تحيا كلُّها ..
فلما أخبر سلمان رسو َل هللا صلى هللا عليه وسلم بما اشترط عليه اليهودي ..قال صلى هللا عليه وسلم ألصحابه :أعينوا أخاكم بالنخل .. فأعانه المسلمون ..وجعل الرجل يمضي إلى بستانه فيأتيه بما يستطيع من فسيلة نخل ..فلما جمع النخل .. فقال صلى هللا عليه وسلم :يا سلمان ..اذهب ففقر لها -أي احفر لها -لغرسها ..فإذا أنت أردت أن تضعها فال تضعها حتى تأتيني فتؤذنني .. فبدأ سلمان يحفر لها ..وأعانه أصحابه ..حتى حفر ثالثَمائة حفرة .. ثم جاء فأخبر النبي صلى هللا عليه وسلم ..فخرج صلى هللا عليه وسلم معه إليها ..فجعل الصحابة يقربون له فسيلة النخل ..ويضعه صلى هللا عليه وسلم بيده في الحفر .. قال سلمان :فوالذي نفس سلمان بيده..ما ماتت منها نخلة واحدة .. فلما أدى النخل إلى اليهودي ..بقي عليه المال .. فأُتي النبي صلى هللا عليه وسلم يوما بذهب من بعض المغازي .. فالتفت إلى أصحابه وقال :ما فعل الفارسي المكاتب .. فدعوه له ..فقال صلى هللا عليه وسلم :خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان .. فأخذها سلمان ..فأدى منها المال إلى اليهودي .. وعتق ..ثم الزم النبي صلى هللا عليه وسلم حتى مات .. * * * * * * * * * *
..مفتاح الش ّر .. قال لي : كان لي صديق حميم في مكانة األخ ..مات األسبوع الماضي فجأة في حادث سير .. أسأل هللا أن يرحمه ويتجاوز عنه .. المشكلة ..أن هذا الصديق له خبرة في االنترنت ..وكان متعلقا باكتشاف المواقع اإلباحية ..وجمع الصور الخليعة .. حتى إنه صمم موقعا إباحيا يحتوي على صور خليعة .. بل لديه مجموعة أشخاص ..مسجلين في الموقع ..يرسل إلى بريدهم كل فترة ما يستجد لديه من صور ..إباحية ..يرسلها الموقع إليهم آليا .. ومات الرجل فجأة .. والمصيبة أننا ال نعرف الرمز السري للموقع للتصرف فيه أو إغالقه .. كنت أفكر في ذلك ..وأنا أنتظر الصالة عليه في المسجد .. مشيت في جنازته ..وهو محمول على النعش .. كنت أفكر ..ماذا سيستقبله في قبره ..صور خليعة ؟!.. حسبنا هللا ونعم الوكيل !! وصلنا إلى المقبرة ..قبور موحشة ..الناس يتزاحمون على القبر .. نظرت داخل قبره ..آآآه ..كيف سيكون حاله فيه .. رأيت بعض الناس يبكي ..
قلت في نفسي :هل سينفعه بكاؤهم !! دفناه ..ثم ذهبنا وتركناه .. والدته رأت في المنام صبية يمرون على قبره ويتبولون فوقه .. كانت تتساءل عن تعبيرها ..المسكينه ال تدري عن خفايا األمور !! سمعت عن هذه الرؤيا .. فقلت في نفسي ..ما تحتاج إلى تعبير ..معناها واضح .. هؤالء الصبية الذين يتبولون على قبره ..هم الذين أرسل إليهم الصور .. وبدؤوا هم بإرسالها لمن يعرفون .. يا للهول ..كيف سيتحمل آثام هؤالء !! ( من دعا إلى ضاللة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه ال ينقص ذلك من أوزارهم شيئا ) .. حاولت جاهدا ..أن أحسن إليه .. خاطبت الشركة الكبرى المستضيفة للموقع ليوقفوا االشتراك .. فاعتذروا عن عمل أي شيء ..بل لم يصدقوني ..ألني ال أعرف أرقامه السرية التي حجز بها الموقع .. ي .. صرخت بهم ..يا جماعة ..الرجل ماااااااااات ..لم يلتفتوا إل َّ جلست أتفكر في حاله ..كم صرخت به : كيف تتحمل ذنوب الناس ..كيف تكون مفتاحا للشر ..كيف تحمل أوزارهم في القيامة على كتفيك .. لكنه لم يكن يتأثر بكالمي ..كان يرى أنه شباب ويريد أن ( يفرفش ) ..وهذه أمور للتسلية فقط .. أعوذ باهلل ..كم من شاب نظر نظرة إلى صورة فتبع ذلك وقوع في فاحشة .. وكم من فتاة وقعت في ذلك كذلك .. الرجل مات ..لكنه سيسأل يوم القيامة عن كل نظرة نظرها ..ونظروها ..وكل فاحشة واقعها .. وواقعوها ..وصورة نشرها ..ونشروها .. ال أدري كم سيستمر يتحمل آثامهم ..ولكن عسى هللا أن يتجاوز عنه .. وحسبي هللا ونعم الوكيل .. * * * * * * * * * *
السماء ال تمطر !!.. بنو إسرائيل ..أصابهم قحط على عهد موسى عليه السالم ..فاجتمع الناس إليه .. فقالوا :يا كليم هللا ..ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث .. فقام معهم ..وخرجوا إلى الصحراء ..وهم سبعون ألفا أو يزيدون .. اجتمعوا بين يديه ..وقاموا يدعون ..وهم شعث غبر ..عطاش جوعى .. وقام كليم هللا يدعو :إلهي ..اسقنا غيثك ..وانشر علينا رحمتك ..وارحمنا باألطفال الرضع .. والبهائم الرتع ..والمشايخ الركع .. فما زادت السماء إال تقشعا ..والشمس إال حرارة .. فقال موسى :إلهي ..اسقنا ..
فقال هللا :كيف أسقيكم ؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة ..فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم ..فبه منعتكم .. فصاح موسى في قومه :يا أيها العبد العاصي ..الذي يبارز هللا منذ أربعين سنة ..اخرج من بين أظهرنا ..فبك منعنا المطر .. فنظر العبد العاصي ..ذات اليمين وذات الشمال ..فلم ير أحدا خرج ..فعلم أنه المطلوب .. فقال في نفسه :إن أنا خرجت من بين هذا الخلق ..افتضحت على رؤوس بني إسرائيل ..وإن قعدت معهم منعوا المطر بسببي ..فانكسرت نفسه ..ودمعت عينه .. فأدخل رأسه في ثيابه ..نادما على فعاله ..وقال : إلهي ..وسيدي ..عصيتك أربعين سنة ..وسترتني وأمهلتني ..وقد أتيتك طائعا فاقبلني ..وأخذ يبتهل إلى خالقه .. فلم يستتم الكالم ..حتى ارتفعت سحابة بيضاء ..فأمطرت كأفواه القرب .. فعجب موسى وقال :إلهي ..سقيتنا ..وما خرج من بين أظهرنا أحد .. فقال هللا :يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم .. فقال موسى :إلهي ..أرني هذا العبد الطائع .. فقال :يا موسى ..إني لم أفضحه وهو يعصيني ..أأفضحه وهو يطيعني .. * * * * * * * * * *
..الفراق .. بدأ اإلسالم ينتشر في مكة ..فبدا الناس يترددون في اتباعه .. وكان من بينهم أم سلمة رضي هللا عنها ..نظرت في هذا الدين فإذا هو يأمرها بترك عبادة األصنام ..وعبادة الواحد العالم ..فأسلمت هي وزوجها ..فاشتد عليهما أذى قريش ..فهاجرا إلى الحبشة .. ثم عادا إلى مكة بعد زمان .. فعادت قريش إليذائهم ..فأخذ أبو سلمة زوجته وولده ..وخرج بهم إلى المدينة مهاجرا .. أركبها على بعير ..ووضع الغالم في حجرها ..ومضى خارجا من مكة .. فلما كان في بعض الطريق ..رآه رجال من بني مخزوم وهم قبيلة أم سلمة .. فقالوا :هذه نفسك قد غلبتنا عليها ..أرأيت أبنتنا هذه ! عالم نتركك تسير بها في البالد ؟ ثم تزاحموا عليه ..فنزعوا خطام البعير من يده ..وأخذوها يقودونها ..وهو ينظر إلى زوجته وولده ..ال يملك لهما شيئا .. فصار المسكين يتلفت يمنة ويسرة ..يبحث عن معين .. فمر به رجال من قبيلته ..فلما رأوه مغلوبا ..أقبلوا إلى أم سلمة ليأخذوها ..فأبى قومها .. فأقبل قوم أبي سلمة على الغالم الصغير وانتزعوه من يد أمه وهم يقولون ..ال وهللا ..ال نترك ابننا عندها .. فصاحت أم سلمة ..فأقبل قومها على الغالم ليأخذوه .. وأولئك يمسكون به ..حتى جعلوا يتجاذبون الصغير بينهم ..وهو يصرخ باكيا ..وقلبها يتقطع عليه ..حتى خلعوا يده ..وانطلق به قوم أبي سلمة .. ومضى قوم أم سلمة بأم سلمة ..كسيرة حزينة ..
فحبسوها عندهم ..وانطلق قوم أبي سلمة بالغالم إلى ديارهم .. ومضى أبو سلمة مهاجرا إلى المدينة .. ففرقوا بينها وبين زوجها وبين ولدها .. فكانت المسكينة تخرج في كل صباح ..فتجلس على الرمال ..فتفكر في زوجها وولدها ..فال تزال تبكي حتى تمسي .. ومضى عليها على هذا الحال ..شهر ..وشهران ..وعشرة ..وقلبها يحن إلى ولدها ..وفكرها مشغول على زوجها .. حتى أتمت ستة كاملة ..وهي في بحر من الدموع .. حتى مر بها رجل من بني عمها ..فرآها باكية شاحبة ..فرحمها ..فقال لقومها :أال تخرجون هذه المسكينة ..فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها .. فقال قومها :الحقي بزوجك إن شئت .. فاستبشرت ..وجمعت متاعها ..وركبت بعيرها وحدها .. فعلم قوم أبي سلمة بخروجها ..فردوا عليها ولدها .. فوضعت ولدها في حجرها ..ومضت جهة المدينة .. حتى إذا كانت في بعض الطريق ..لقيها عثمان بن أبي طلحة .. فتعجب من سفرها وحدها ..فسألها :إلى أين يا بنت أمية ؟ فقلت :أريد زوجي بالمدينة .. قال :أو معك أحد ؟ قلت :ال ..ما معي إال هللا ..ومعي ابني هذا .. قال :وهللا مالك من مترك ..فأخذ بخطام البعير ..فانطلق معها بي .. قالت أم سلمة : فوهللا ما صحبت رجال من العرب قط ..أرى أنه كان أكرم منه .. كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ..ثم استأخر عني ..حتى إذا نزلت استأخر ببعيري .. فحط عنه ..ثم قيده في الشجرة ..ثم تنحى عني إلى شجرة ..فاضطجع تحتها .. فاذا دنا وقت المسير ..قام إلى بعيري فقدمه فرحله ..ثم استأخر عني .. وقال :اركبي ..فاذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه ..فقاده .. حتى ينزل بي ..فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة .. فلما نظر الى قرية بني عمرو بن عوف بقباء .. قال :زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة هللا ..ثم انصرف راجعا إلى مكة .. ثم اسلم عثمان بن أبي طلحة بعد ذلك .. * * * * * * * * * *
القرار الشجاع .. الطفيل بن عمرو .. كان سيدا مطاعا في قبيلته دوس .. قدم مكة يوما في حاجة ..فلما دخلها ..رآه أشراف قريش ..فأقبلوا عليه .. قالوا له :من أنت ؟ قال :أنا الطفيل بن عمرو ..سيد دوس ..
فنظر بعضهم إلى بعض ..وخافوا أن يراه النبي عليه الصالة والسالم فيدعوه إلى اإلسالم ..فإن أسلم هذا السيد ..قوي به اإلسالم .. فاجتمعوا عليه وقال له أحدهم :إن ههنا رجل في مكة يزعم أنه نبي ..فاحذر أن تجلس معه أو تسمع كالمه ..فإنه ساحر ..إن استمعت إليه ذهب بعقلك .. ثم قال له اآلخر مثل ذلك ..وزاد الثالث عليهما ..وأكثروا الكالم .. قال الطفيل :فوهللا ما زالوا بي يخوفونني منه ..حتى أجمعت أال أسمع منه شيئا ..وال أكلمه ..بل ي كرسفا -وهو القطن – خوفا من أن يبلغني شيء من قوله ..وأنا مارّ به .. حشوت في أذن َّ فغدوت إلى المسجد .. فإذا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة .. فقمت منه قريبا ..فأبى هللا إال أن يسمعني بعض قوله .. فسمعت كالما حسنا .. ُ الحسن من القبيح ..فما يمنعني ي فقلت في نفسي :واثكل أمي ! وهللا إني لرجل لبيب ..ما يخفى عل َّ أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ..فإن كان الذي به حسنا قبلته ..وإن كان قبيحا تركته .. فمكثت حتى قضى صالته ..فلما قام منصرفا إلى بيته تبعته .. حتى إذا دخل بيته دخلت عليه ..فقلت :يا محمد ..إن قومك قالوا لي كذا وكذا .. ووهللا ما برحوا يخوفونني منك حتى سددت أذني بكرسف لئال أسمع قولك ..وقد سمعت منك قوال ي أمرك .. حسنا ..فاعرض عل َّ فابتهج النبي عليه الصالة والسالم ..وفرح ..وعرض اإلسالم على الطفيل ..وتال عليه القرآن .. فتفكر الطفيل في حاله ..فإذا كل يوم يعيشه يزيده من هللا بعدا .. وإذا هو يعبد حجرا ..ال يسمع دعاءه إذا دعاه ..وال يجيب نداءه إذا ناداه .. وهذا الحق قد تبين له .. ثم بدأ الطفيل يتفكر في عاقبة إسالمه .. كيف يغير دينه ودين آبائه !! ..ماذا سيقول الناس عنه ؟! حياته التي عاشها ..أمواله التي جمعها ..أهله ..ولده ..جيرانه ..خالنه .. كل هذا سيضطرب .. سكت الطفيل ..يفكر ..يوازن بين دنياه وأخراه .. وفجأة إذا به يضرب بدنياه عرض الحائط .. نعم سوف يستقيم على الدين .. وليرض من يرضى ..وليسخط من يسخط .. وماذا يكون أهل األرض ..إذا رضي أهل السماء .. ماله ورزقه بيد من في السماء .. صحته وسقمه بيد من في السماء .. منصبه وجاهه بيد من في السماء .. بل حياته وموته بيد من في السماء .. فإذا رضي أهل السماء ..فال عليه ما فاته من الدنيا .. إذا أحبه هللا ..فلبيغضه بعدها من شاء ..وليتنكر له من شاء ..وليستهزئ به من شاء .. فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى واألنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
نعم ..أسلم الطفيل في مكانه ..وشهد شهادة الحق .. ثم ارتفعت همته ..وثارت عزيمته ..فقال : يا نبي هللا ..إني امرؤ مطاع في قومي ..وإني راجع إليهم وداعيهم إلى اإلسالم .. ثم خرج الطفيل من مكة ..مسرعا إلى قومه ..حامال ه َّم هذا الدين .. يصعد به جبل ..وينزل به واد .. حتى وصل إلى ديار قومه ..فلما دخلها ..أقبل إليه أبوه ..وكان شيخا كبيرا .. فقال الطفيل :إليك عني يا أبت ..فلست منك ولست مني .. قال :و لم يا بني ؟ قال :أسلمت وتابعت دين محمد صلى هللا عليه وسلم .. قال :ديني هو دينك .. قال :فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ..ثم ائتني حتى أعلمك مما علمت .. فذهب أبوه واغتسل وطهر ثيابه ..ثم جاء فعرض عليه اإلسالم فأسلم .. ثم مشى الطفيل إلى بيته ..فأقبلت إليه زوجته .. فقال :إليك عني ..فلست منك ولست مني .. قالت :ولم ؟ بأبي أنت وأمي .. قال :فرَّق بيني وبينك اإلسالم ..وتابعت دين محمد صلى هللا عليه وسلم .. قالت :فديني دينك .. ي ..فولّته ظهرها ذاهبة .. قال :فاذهبي فتطهري ..ثم ارجعي إل َّ وكان لهم صنم اسمه ذو الشرى ..يعظمونه ويرون أن من ترك عبادته أصابه الصنم بعقوبة .. فخافت المسكينة إن أسلمت أن يضرها أو يضر أوالدها .. فرجعت إليه وقالت :بأبي أنت وأمي ..أما تخشى على الصبية من ذي الشرى ..؟ وذو الشرى صنم عندهم يعبدونه ..وكانوا يرون أن من ترك عبادته أصابه أو أصاب ولده بأذى .. فقال الطفيل :اذهبي ..أنا ضامن لك أن ال يضرهم ذو الشرى .. فذهبت فاغتسلت ..ثم عرض عليها اإلسالم فأسلمت .. ثم جعل الطفيل يطوف في قومه ..يدعوهم إلى اإلسالم بيتا بيتا ..ويقبل عليهم في نواديهم ..ويقف عليهم في طرقاتهم .. لكنهم أبو إال عبادة األصنام .. فغضب الطفيل ..وذهب إلى مكة .. فأقبل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال :يا رسول هللا ..إن دوسا قد عصت وأبت ..يا رسول هللا ..فادع هللا عليهم .. فتغير وجه النبي عليه الصالة والسالم ..ورفع يديه إلى السماء .. دوس .. فقال الطفيل في نفسه ..هلكت ْ فإذا بالرحيم الشفيق صلى هللا عليه وسلم ..يقول " :اللهم اهد دوسا ..اللهم اهد دوسا .. ثم التفت إلى الطفيل وقال :ارجع إلى قومك ..فادعهم ..وارفق بهم .. فرجع إليهم ..فلم يزل بهم ..حتى أسلموا .. ومرت األيام ..ومات النبي عليه الصالة والسالم .. فخرج الطفيل مع ولده والمسلمين لقتال مسليمة الكذاب في اليمامة .. فرأى في منامه رؤيا و هو متوجه إلى اليمامة أن رأسه حلق ..وأنه خرج من فمه طائر ..وأنه لقيته امرأة فأدخلته فيها ..وأرى ابنه يطلبه طلبا حثيثا ثم رأيته حبس عنه ..
فلما أصبح أخبر أصحابه بالرؤيا ..وقال فإني قد عبرتها :قالوا :ب َم .. قال :أما حلق رأسي فوضعه ..وأما الطائر الذي خرج منه فروحي .. وأما المرأة التي أدخلتني فيها فاألرض تحفر لي فأغيب فيها .. وأما طلب ابني إياي ثم حبسه عني فإني أراه سيجتهد أن يصيبه من الشهادة ما أصابني .. فقتل رضي هللا عنه شهيدا باليمامة ..وجرح ابنه جراحه شديدة ..لكنه نجى من الموت .. ثم استشهد في معركة اليرموك زمن عمر رضي هللا عنه .. * * * * * * * * * *
يرى مقعده في الجنة !! شاب ..بلغ من عمره ستة عشر عاما ..كان في المسجد يتلو القرآن ..وينتظر إقامة صالة الفجر .. فلما أقيمت الصالة ..رد المصحف إلى مكانه ..ثم نهض ليقف في الصف .. فإذا به يقع على األرض فجأة مغمى عليه .. حمله بعض المصلين إلى المستشفى .. فحدثني الدكتور الجبير الذي عاين حالته ..قال : أُتي إلينا بهذا الشاب محموال كالجنازة ..فلما كشفت عليه فإذا هو مصاب بجلطة في القلب ..لو أصيب بها جمل ألردته ميتا .. نظرت إلى الشاب فإذا هو يصارع الموت ..ويودع أنفاس الحياة .. سارعنا إلى نجدته وتنشيط قلبه .. أوقفت عنده طبيب اإلسعاف يراقب حالته ..وذهبت إلحضار بعض األجهزة لمعالجته .. فلما أقبلت إليه مسرعا ..فإذا الشاب متعلق بيد طبيب اإلسعاف .. والطبيب قد الصق أذنه بفم الشاب ..والشاب يهمس في أذنه بكلمات ..فوقفت أنظر إليهما .. لحظات.. وفجأة أطلق الشاب يد الطبيب ..وحاول جاهدا أن يلتفت لجانبه األيمن .. ثم قال بلسان ثقيل :أشهد أن ال إله إال هللا ..وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ..وأخذ يكررها .. ونبضه يتالشى ..وضربات القلب تختفي ..ونحن نحاول إنقاذه ..ولكن قضاء هللا كان أقوى.. ومات الشاب.. عندها انفجر طبيب اإلسعاف باكيا ..حتى لم يستطع الوقوف على قدميه.. فعجبنا وقلنا له :يا فالن ! ..ما لك تبكي !! ..ليست هذه أول مرة ترى فيها ميتا.. لكن الطبيب استمر في بكائه ونحيبه.. فلما خف عنه البكاء ..سألناه :ماذا كان يقول لك الفتى ؟ فقال :لما رآك يا دكتور ..تذهب وتجيء ..وتأمر وتنهى ..علم أنك الطبيب المختص به ..فقال لي : يا دكتور ..قل لصاحبك طبيب القلب ..ال يتعب نفسه ..ال يتعب ..أنا ميت ال محالة ..وهللا إني أرى مقعدي من الجنة اآلن .. * * * * * * * * * *
..على فراش الموت .. ي: كتبت إل َّ ما من يوم يمر علي إال وأبكي .. كل يوم يمر أفكر فيه باالنتحار مرات .. لم تعد حياتي تهمني أبدا ..أتمنى الموت كل ساعة .. ليتني لم أولد ولم أعرف هذه الدنيا .. بدايتي كانت مع واحدة من صديقاتي القليالت .. دعتني ذات يوم إلى بيتها ..وكانت من الذين يستخدمون اإلنترنت كثيرا ..وقد أثارت في الرغبة لمعرفة هذا العالم .. لقد علمتني كيف يستخدم ..وكل شيء تقريبا على مدار شهرين ..حيث بدأت أزورها كثيرا .. تعلمت منها "التشات" بكل أشكاله .. تعلمت منها كيفية التصفح ..وبحث المواقع الجيدة والرديئة .. في خالل هذين الشهرين كنت في عراك مع زوجي كي يدخل اإلنترنت في البيت .. وكان ضد تلك المسألة ..حتى أقنعته بأني أشعر بالملل الشديد ..ونحن نسكن بعيدا عن أهلي .. تحججت بأن كل صديقاتي يستخدمن اإلنترنت ..فلم ال أستخدمه وأحادثهن من خالله فهو أرخص من فاتورة الهاتف على أقل تقدير .. وافق زوجي ..ويا ليته لم يفعل .. أصبحت بشكل يومي أحادث صديقاتي .. بعدها أصبح زوجي ال يسمع مني أي شكوى أو مطالب .. أعترف بأنه ارتاح كثيرا من إزعاجي وشكواي .. كان كلما خرج من البيت أقبلت كالمجنونة على اإلنترنت بشغف شديد .. أجلس أقضي الساعات الطوال .. بدأت أتمنى غيابه كثيرا ..وقد كنت اشتاق إليه حتى بعد خروجه بقليل .. أنا أحب زوجي بكل ما تعني هذه الكلمة ..وهو لم يقصر معي .. حتى وحالته المادية ليست بالجيدة مقارنة بأخواتي وصديقاتي ..إال أنه كان بدون مبالغة يبذل إلسعادي بأي طريقة .. ومع مرور األيام وجدت اإلنترنت تسعدني أكثر فأكثر ..أصبحت ال أهتم حتى بالسفر إلى أهلي .. وقد كنا كل أسبوعين نسافر لنرى أهلي وأهله .. كان كلما دخل البيت فجأة ارتبكت فأطفئ كل شيء عندي بشكل جعله يستغرب فعلي .. لم يكن عنده شك ..بل كان يريد أن يرى ماذا أفعل في اإلنترنت .. ربما كان لديه فضول ..أو هي الغيرة ..حيث قد رأى يوما محادثة صوتية لم أستطع إخفائها.. بعدها كان يعاتبني ويقول :اإلنترنت مجال واسع للمعرفة ..وليس مضيعة وقت .. مرت األيام وأنا أزداد بالتشات فتنة .. تركت مسألة تربية األبناء للخادمة .. كنت أعرف متى يعود ..فأطفئ الجهاز قبل مجيئه .. ومع ذلك أهملت نفسي كثيرا ..كنت في السابق أكون في أحسن شكل ..وأجمل زينة عند عودته من العمل ..
وبعد اإلنترنت بدأ هذا يتالشى حتى اختفى كليا .. كنت مشغوفة باإلنترنت ..لدرجت أني أذهب خلسة بعد نومه ..وأرجع خلسة قبل أن يصحو من النوم .. ربما أدرك الحقا أن كل ما أفعله في اإلنترنت هي مضيعة وقت ولكن كان يشفق علي من الوحدة وبعد األهل وقد استغللت هذا أحسن استغالل .. كان منزعجا إلهمالي األوالد .. وبخني كثيرا ..وكنت أتظاهر بالبكاء ..وأقول أنت ال تعرف ماذا يدور في البيت في غيبتك ..فأنا مهتمة بهم حريصة عليهم ..لكنهم يتعبوني .. باختصار أهملت كل شيء ..حتى زوجي ..كنت أهاتفه عشرات المرات وهو خارج البيت فقط أريد سماع صوته ..واآلن وبعد اإلنترنت أصبح ال يسمع صوتي أبدا إال في حالة احتياج البيت لبعض الطلبات النادرة .. تولدت لدى زوجي غيرة كبيرة من اإلنترنت .. ي ستة أشهر على هذا الحال .. مر عل َّ بنيت عالقات مع أسماء مستعارة ال أعرف إن كانت لرجل أم أنثى .. كنت أحاور كل من يحاورني عبر التشات .. حتى وأنا أعرف أن الذي يحاورني رجل .. إال أن شخصا واحدا هو الذي أقبلت عليه بشكل كبير .. أحببت حديثه ونكته ..كان مسليا ..بدأت العالقة بيننا تقوى مع األيام .. تكونت هذه العالقة اليومية في خالل 3أشهر تقريبا .. كان يغمرني بكالمه المعسول ..وكلمات الحب والشوق .. ربما لم تكن كلماته جميلة إلى هذه الدرجة ..ولكن الشيطان ج ّملها بعيني كثيرا ..كانت محاثاتنا كلها كتابة ..عبر " التشات " .. في يوم من األيام طلب سماع صوتي ..فرفضت ..أصر على طلبه ..هددني بتركي وأن يتجاهلني في التشات واإليميل .. حاولت كثيرا مقاومة هذا الطلب ولم أستطع ..ال أدري لماذا .. حتى قبلت مع بعض الشروط ..أن تكون مكالمة واحدة فقط .. استخدمنا برنامجا للمحادثة الصوتية ..رغم أن البرنامج ليس بالجيد ..ولكن كان صوته جميال جدا وكالمه عذب جدا .. قال لي :صوتك غير واضح عبر االنترنت ..أعطيني رقم هاتفك .. رفضت ذلك ..تعجبت من جرأته ..لم أجرؤ على مكالمته لمدة طويلة .. كنت أعلم وهللا أن الشيطان الرجيم كان يالزمني ويحسن صوته في نفسي ويصارع بقايا العفة والدين وما أملك من أخالق .. حتى أتى اليوم الذي كلمته من الهاتف .. ومن هنا بدأت حياتي باالنحراف ..لقد انجرفت كثيرااااااا .. أصبحنا كالجسد الواحد ..نستخدم "التشات" ونحن نتكلم عبر الهاتف .. لن أطيل الكالم .. من يقرا قصتي يشعر بأن زوجي مهمل في حقي ..أو كثير الغياب عن البيت .. ولكن العكس هو الصحيح ..كان يخرج من عمله وال يذهب إلى أصدقائه كثيرا من أجلنا أنا وأوالدي ..
ومع مرور األيام وبعد اندماجي باإلنترنت والتي كنت أقضي بها ما يقارب 8إلى 61ساعة يوميا ..أصبحت أكره كثرة تواجده في البيت ..ألومه على هذا كثيرا .. أشجعه بأن يعمل في المساء حتى نتخلص من الديون المتراكمة واألقساط التي ال تريد أن تنتهي .. وفعال أخذ بكالمي ..ودخل شريكا مع أحد أصدقائه في مشروع صغير .. بعد ذلك ..أصبح الوقت الذي أقضيه في اإلنترنت أكثر وأكثر .. رغم انزعاجه كثيرا من فاتورة الهاتف والتي تصل إلى اآلالف أحيانا ..إال أنه لم يقدر على صدي عن هذا أبدا .. بدأت عالقتي بصاحبي تتطور .. أصبح يطلب رؤيتي بعدما سمع صوتي مرارا ..بل ربما مل منه .. لم أكن أبالي كثيرا أو أحاول قطع اتصالي به .. بل كنت فقط أعاتبه على طلبه ..وربما كنت أكثر منه شوقا إلى رؤيته .. لكني كنت أترفع عن ذلك ..ال لشيء ..سوى أنني خائفة .. أصبح إلحاحه يزداد يوما بعد يوم ..يريد فقط رؤيتي ال أكثر .. قبلت طلبه بشرط أن تكون أول وآخر مرة نتقابل فيها .. تواعدنا ثم التقينا في أحد األسواق وكان الشيطان ثالثنا .. في الحقيقة من أول نظرة أعجبني ..بل زيَّنه الشيطان في عيني .. لم يكن زوجي قبيحا ..لكن الشيطان يزين الحرام .. افترقنا ..بدأ بعدها يقوي عالقته بي .. لم يكن يعرف أني متزوجة ..وأم أوالد .. رآني بعدها مرارا ..عرف عني كل شيء .. جعلني أكره زوجي .. عرض علي الطالق من زوجي ألتزوجه .. بدأت أكره زوجي ..بدأت اصطنع معه المشاكل كل يوم ليطلقني .. لم يحتمل زوجي هذه المشاكل التافهة ..و بدأ يكثر الغياب عن البيت .. حتى وقعت الكارثة .. قال زوجي إنه ذاهب في رحلة عمل لمدة خمسة أيام .. ي أن أذهب مع األوالد إلى أهلي .. عرض عل َّ أحسست أن هذا هو الوقت المناسب .. رفضت الذهاب ألهلي .. فوافق مضطرا وذهب مسافرا في يوم الجمعة .. وفي يوم األحد كان الموعد .. اتفقت مع الشيطان أن أقابله في مكان بأحد األسواق .. ركبت سيارته ثم أنطلق يجوب الشوارع .. أول مرة في حياتي أخرج مع رجل غريب .. كان يبدو عليه القلق أكثر مني .. قلت له :ال أريد أن يطول وقت خروجي من البيت ..أخشى أن يتصل زوجي أو يحدث شيء .. قال لي :وإذا عرف زوجك ..ربما يطلقك وترتاحين منه .. لم يعجبني حديثه و نبرة صوته ..بداء القلق يزداد عندي .. قلت له :يجب أن ال تبتعد كثيرا ..ال أريد أن أتأخر عن البيت ..
بدأ يشغلني بأحاديث جانبية .. وفجأة وإذا أنا في مكان ال أعرفه ..مظلم وهي أشبه باستراحة أو مزرعة .. بدأت أصرخ به ما هذا المكان ؟ إلى أين تأخذني ؟ .. ي الباب ويخرجني بالقوة .. وما هي إال ثوان معدودات ..وإذا بالسيارة تقف ..ورجل آخر يفتح عل َّ وثالث داخل االستراحة ..ورابع رأيته جالسا ..روائح غريبة تنبعث من المكان .. كان كل شيء ينزل علي كالصاعقة .. صرخت وبكيت واستعطفتهم .. أصبحت من شدة الرعب ال أفهم ما يدور حولي .. شعرت بضربة كف على وجهي ..وصوت يصرخ علي .. فزلزلني زلزاال فقدت الوعي بعده من شدة الخوف .. وقع ما وقع .. صحوت بعدها من إغمائي .. تملكني رعب شديد ..جسمي يرتعش ..لم أتوقف عن البكاء .. ربطوا عيني ..وحملوني إلى السيارة ..ورموني في مكان قريب من البيت .. دخلت البيت مسرعة ..بقيت أبكي وأبكي حتى جفت دموعي .. أصبحت حبيسة غرفتي ..لم أر أبنائي ..ولم أدخل في فمي لقمة .. كرهت نفسي ..حاولت االنتحار .. أبنائي لم أعد أعرفهم ..أو أشعر بوجودهم .. رجع زوجي من السفر ..كانت حالتي سيئة لدرجة أنه أخذني إلى المستشفى بقوة .. أعطوني مهدئات ومقويات .. طلبت من زوجي أن يأخذني إلى أهلي بأسرع وقت .. كنت أبكي كثيرا ..وأهلي ال يعلمون شيئا ..يعتقدون أن هنالك مشكلة بيني وبين زوجي.. حاول أبي أن يتفاهم مع زوجي ..ولم يصل معه إلى نتيجة ..ألن زوجي أصال ال يعلم شيئا.. ال أحد يعلم ما الذي حل بي ..حتى أن أهلي عرضوني على بعض القراء ..اعتقادا منهم بأني مريضة .. باختصار ..أنا ال أستحق زوجي أبدا .. لذا طلبت منه الطالق ..إكراما له وهللا ..فأنا ال أستحق أن أعيش بين األشراف مطلقا .. أنا التي حفرت قبري بيدي ..وصديق "التشات" لم يكن سوى صائد لفريسة من البنات الّلواتي يستخدمن التشات .. حزن زوجي لحالي ..بل ترك عمله أياما ليكون قريبا مني ..رفض أن يطلقني ..كان المسكين يحبني ..تعب حتى كون أسرة وبيتا وال يريد أن يهدمه .. ذل أصابني من أولئك كتمت سرّي في صدري ..وكل يوم يمر بي أزداد قهرا على قهري ..أي ٍ األنذال ..كيف أكون مزبلة لشراب خمر ومتعاطي مخدرات يعبثون بجسدي كما شاءوا ..كم كنت غبية حمقاء ..كيف أمضيت أشهرا في صرف عواطفي لمن ال يستحقها .. وها أنا أكتب هذه القصة من على فراش المرض والهزال ..بل لعله يكون فراش الموت .. * * * * * * * * * *
..اتخذوه مهجورا .. قالت : كنت في الحرم المكي ..في قسم النساء ..وإذا بامرأة تطرق على كتفي ..وتردد بلكنة أعجمية : يا حاجة !! يا حاجة !!.. إلتفت إليها ..فإذا امرأة متوسطة السن ..غلب على ظني أنها تركية .. سلمت علي ..وقعت في قلبي محبتها ! سبحان هللا األرواح جند مجندة .. كانت تريد أن تقول شيئا ..تحاول استجماع كلماتها .. أشارت إلى المصحف الذي كنت أحمله ..ثم قالت بعربية مكسرة : أنت تقرأ في قرآن ..؟! قلت :نعم ! ..وإذا بالمرأة .. يحمر وجهها ..وتمتلئ عيناها بالدموع .. قد هالني منظرها ..بدأت في البكاء !! قلت لها :ما بك !؟ قالت بصوت مخنوق وهي تنظر بخجل .. قالت :أنا ما أقرأ قرآن .. قلت :لماذا ؟ قالت :ما أعرف ..ومع انتهاء حرف الفاء ..انفجرت باكية .. ظللت أربت على كتفيها وأهديء من روعها .. قلت :أنت اآلن في بيت هللا ..اسأليه أن يعلمك ..وأن يعينك على قراءة القرآن .. كفكفت دموعها .. وفي مشهد لن أنساه ما حييت ..رفعت المرأة يديها تدعو هللا قائلة :اللهم افتح قلبي ..اللهم افتح قلبي أقرأ قرآن ..اللهم افتح قلبي أقرأ قرآن .. ي وقالت :أنا أموت وما قرأت قرآن .. ثم التفتت إل َّ قلت لها :ال ..إن شاء هللا سوف تقرأينه كامال وتختميه مرات ومرات .. سألتها :هل تقرأين الفاتحة ؟ فاستبشرت ..وقالت :نعم .. ثم بدأت ترتل :الحمد هلل رب العالمين ..الرحمن الرحيم .. حتى ختمتها .. ثم جلست تعدد صغار السور التي تحفظها .. كنت متعجبة من عربيتها الجيدة إلى حد ما ..وهي تتكلم عن حياتها ..وما تبذله لتتعلم القرآن .. وفجأة تغير وجهها ..وقالت :إذا أنا أموت ما قرأت قرآن ..أنا في نار !! أنا وهللا أسمع شريط ..بس الزم في قراءة !! هذا كالم هللا ..كالم هللا العظيم ! وبدأت المسكينة تدافع عبراتها وهي تتكلم عن عظمة هللا ..وحق كتابه علينا .. لم أتمالك نفسي من البكاء ! امرأة أعجمية ..في بالد علمانية ..تخشى أن تلقى هللا ولم تقرأ كتابه .. منتهى أملها في الحياة أن تختم القرآن .. تبكي ..وتحزن ..وتضيق عليها نفسها ..ألنها ال تستطيع تالوة كتاب هللا ..
فما بالنا قد هجرناه ؟ قد أوتيناه فنسيناه ؟ ما بالنا والسبل ميسرة لحفظه وتالوته وفهمه ؟ باهلل ..على أي شيء تحترق قلوبنا ؟ وما الذي يثير مدامعنا ويهيج أحزاننا ؟ * * * * * * * * * *