فى بطن الحوت

Page 1

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬ ‫مت بفضل اهلل التحميل من موقع ‪www.4kotob.com‬‬ ‫نرجو منكم اخوايت األحباء املسامهة معنا يف نشر املوقع بني األصدقاء‬ ‫واألقارب ويف املنتديات‬

‫يكن لنا مجيعا بإذن اهلل صدقة جارية‬ ‫واهلل املوفق‬


‫‪ ..‬يف بَطْنِ احلُوْتِ ‪..‬‬ ‫د‪.‬حممد بن عبد الرمحن العريفي‬


‫‪ ..‬أعمى يسدد الهدف ‪..‬‬ ‫أول أبنائي‪..‬‬ ‫لم أكن جاوزت الثالثين حين أنجبت زوجتي ّ‬ ‫ما زلت أذكر تلك الليلة ‪ ..‬بقيت إلى آخر الليل مع ال ّشلة في إحدى االستراحات ‪..‬‬ ‫كانت سهرة مليئة بالكالم الفارغ ‪ ..‬بل بالغيبة والتعليقات المحرمة ‪..‬‬ ‫كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم ‪ ..‬وغيبة الناس ‪ ..‬وهم يضحكون ‪..‬‬ ‫أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيرا‪..‬‬ ‫كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد ‪..‬‬ ‫بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه ‪..‬‬ ‫أجل كنت أسخر من هذا وذاك ‪ ..‬لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي ‪..‬‬ ‫صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني ‪..‬‬ ‫أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتس ّول في السّوق‪ ..‬واألدهى أنّي وضعت قدمي أمامه‬ ‫فتعثّر وسقط يتلفت برأسه ال يدري ما يقول ‪ ..‬وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق ‪..‬‬ ‫عدت إلى بيتي متأخرا كالعادة ‪..‬‬ ‫وجدت زوجتي في انتظاري ‪ ..‬كانت في حالة يرثى لها ‪..‬‬ ‫قالت بصوت متهدج ‪ :‬راشد ‪ ..‬أين كنتَ ؟‬ ‫قلت ساخرا ‪ :‬في المريخ ‪ ..‬عند أصحابي بالطبع ‪..‬‬ ‫كان اإلعياء ظاهرا عليها ‪ ..‬قالت والعبرة تخنقها‪ :‬راشد… أنا تعبة جدا ‪ ..‬الظاهر أن موعد‬ ‫والدتي صار وشيكا ‪..‬‬ ‫سقطت دمعة صامته على خدها ‪..‬‬ ‫أحسست أنّي أهملت زوجتي ‪..‬‬ ‫كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي ‪ ..‬خاصة أنّها في شهرها التاسع ‪..‬‬ ‫حملتها إلى المستشفى بسرعة ‪..‬‬ ‫دخلت غرفة الوالدة ‪ ..‬جعلت تقاسي اآلالم ساعات طوال ‪..‬‬ ‫كنت أنتظر والدتها بفارغ الصبر ‪ ..‬تعسرت والدتها ‪ ..‬فانتظرت طويال حتى تعبت ‪ ..‬فذهبت إلى‬ ‫البيت ‪..‬‬ ‫وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني ‪..‬‬ ‫بعد ساعة ‪ ..‬اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ‪..‬‬ ‫ذهبت إلى المستشفى فورا ‪..‬‬ ‫أول ما رأوني أسأل عن غرفتها ‪..‬‬ ‫طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على والدة زوجتي ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫صرخت بهم ‪ :‬أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم ‪..‬‬ ‫قالوا ‪ ..‬أوال ‪ ..‬راجع الطبيبة ‪..‬‬ ‫دخلت على الطبيبة ‪ ..‬كلمتني عن المصائب ‪ ..‬والرضى باألقدار ‪..‬‬ ‫ثم قالت ‪ :‬ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!‬ ‫المتسول األعمى ‪ ..‬الذي دفعته في السوق‬ ‫خفضت رأسي ‪ ..‬وأنا أدافع عبراتي ‪ ..‬تذ ّكرت ذاك‬ ‫ّ‬ ‫وأضحكت عليه الناس ‪..‬‬ ‫سبحان هللا كما تدين تدان ! بقيت واجما قليال ‪ ..‬ال أدري ماذا أقول ‪ ..‬ثم تذكرت زوجتي وولدي ‪..‬‬ ‫فشكرت الطبيبة على لطفها ‪ ..‬ومضيت ألرى زوجتي ‪..‬‬


‫لم تحزن زوجتي ‪ ..‬كانت مؤمنة بقضاء هللا ‪ ..‬راضية ‪ ..‬طالما نصحتني أن أكف عن االستهزاء‬ ‫بالناس ‪..‬‬ ‫كانت تردد دائما ‪ ..‬ال تغتب الناس ‪..‬‬ ‫خرجنا من المستشفى ‪ ..‬وخرج سالم معنا ‪..‬‬ ‫في الحقيقة ‪ ..‬لم أكن أهتم به كثيرا‪..‬‬ ‫اعتبرته غير موجود في المنزل ‪..‬‬ ‫حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة ألنام فيها ‪..‬‬ ‫كانت زوجتي تهتم به كثيرا ‪ ..‬وتحبّه كثيرا ‪..‬‬ ‫أما أنا فلم أكن أكرهه ‪ ..‬لكني لم أستطع أن أحبّه !‬ ‫كبر سالم ‪ ..‬بدأ يحبو ‪ ..‬كانت حبوته غريبة ‪..‬‬ ‫قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي ‪ ..‬فاكتشفنا أنّه أعرج ‪..‬‬ ‫أصبح ثقيال على نفسي أكثر ‪..‬‬ ‫أنجبت زوجتي بعده عمر وخالدا ‪..‬‬ ‫مرّت السنوات ‪ ..‬وكبر سالم ‪ ..‬وكبر أخواه ‪..‬‬ ‫كنت ال أحب الجلوس في البيت ‪ ..‬دائما مع أصحابي ‪..‬‬ ‫في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ‪..‬‬ ‫لم تيأس زوجتي من إصالحي‪..‬‬ ‫كانت تدعو لي دائما بالهداية ‪ ..‬لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة ‪..‬‬ ‫لكنها كانت تحزن كثيرا إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته ‪..‬‬ ‫كبر سالم ‪ ..‬وكبُر معه همي ‪..‬‬ ‫لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين ‪..‬‬ ‫لم أكن أحس بمرور السنوات ‪ ..‬أيّامي سواء ‪ ..‬عمل ونوم وطعام وسهر ‪..‬‬ ‫في يوم جمعة ‪..‬‬ ‫استيقظت الساعة الحادية عشر ظهرا‪..‬‬ ‫ما يزال الوقت مبكرا بالنسبة لي ‪ ..‬كنت مدعوا إلى وليمة ‪..‬‬ ‫لبست وتعطّرت وهممت بالخروج ‪..‬‬ ‫مررت بصالة المنزل ‪ ..‬استوقفني منظر سالم ‪ ..‬كان يبكي بحرقة !‬ ‫إنّها المرّة األولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفال ‪ ..‬عشر سنوات مضت ‪ ..‬لم ألتفت‬ ‫إليه ‪ ..‬حاولت أن أتجاهله ‪ ..‬فلم أحتمل ‪ ..‬كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة ‪..‬‬ ‫التفت ‪ ..‬ثم اقتربت منه ‪ ..‬قلت ‪ :‬سالم ! لماذا تبكي ؟!‬ ‫حين سمع صوتي توقّف عن البكاء ‪ ..‬فلما شعر بقربي ‪..‬‬ ‫بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين ‪ ..‬ما ِبه يا ترى؟!‬ ‫اكتشفت أنه يحاول االبتعاد عني !!‬ ‫وكأنه يقول ‪ :‬اآلن أحسست بي ‪ ..‬أين أنت منذ عشر سنوات ؟!‬ ‫تبعته ‪ ..‬كان قد دخل غرفته ‪..‬‬ ‫رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه ‪..‬‬ ‫حاولت التلطف معه ‪..‬‬ ‫بدأ سالم يبين سبب بكائه ‪ ..‬وأنا أستمع إليه وأنتفض ‪ ..‬تدري ما السبب !!‬ ‫ّ‬ ‫تأخر عليه أخوه عمر ‪ ..‬الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد ‪..‬‬


‫األول ‪..‬‬ ‫وألنها صالة جمعة ‪ ..‬خاف أالّ يجد مكانا في الصف ّ‬ ‫نادى عمر ‪ ..‬ونادى والدته ‪ ..‬ولكن ال مجيب ‪ ..‬فبكى ‪ ..‬أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه‬ ‫المكفوفتين ‪..‬‬ ‫لم أستطع أن أتحمل بقية كالمه ‪..‬‬ ‫وضعت يدي على فمه ‪ ..‬وقلت ‪ :‬لذلك بكيت يا سالم !!‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬نعم ‪..‬‬ ‫نسيت أصحابي ‪ ..‬ونسيت الوليمة ‪ ..‬وقلت ‪:‬‬ ‫سالم ال تحزن ‪ ..‬هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟ ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬أكيد عمر ‪ ..‬لكنه يتأخر دائما ‪..‬‬ ‫قلت ‪ :‬ال ‪ ..‬بل أنا سأذهب بك ‪..‬‬ ‫دهش سالم ‪ ..‬لم يص ّدق ‪ّ ..‬‬ ‫ظن أنّي أسخر منه ‪ ..‬استعبر ثم بكى ‪..‬‬ ‫مسحت دموعه بيدي ‪ ..‬وأمسكت يده ‪..‬‬ ‫أردت أن أوصله بالسيّارة ‪ ..‬رفض قائال ‪ :‬المسجد قريب ‪ ..‬أريد أن أخطو إلى المسجد ‪ - ..‬إي وهللا‬ ‫قال لي ذلك ‪.. -‬‬ ‫ال أذكر متى كانت آخر م ّرة دخلت فيها المسجد ‪..‬‬ ‫لكنها المرّ ة األولى التي أشعر فيها بالخوف ‪ ..‬والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية ‪..‬‬ ‫األول ‪..‬‬ ‫كان المسجد مليئا بالمصلّين ‪ ..‬إالّ أنّي وجدت لسالم مكانا في الصف ّ‬ ‫استمعنا لخطبة الجمعة معا وصلى بجانبي ‪ ..‬بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه ‪..‬‬ ‫بعد انتهاء الصالة طلب منّي سالم مصحفا ‪..‬‬ ‫استغربت !! كيف سيقرأ وهو أعمى ؟‬ ‫كدت أن أتجاهل طلبه ‪ ..‬لكني جاملته خوفا من جرح مشاعره ‪ ..‬ناولته المصحف ‪..‬‬ ‫طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف‪..‬‬ ‫أخذت أقلب الصفحات تارة ‪ ..‬وأنظر في الفهرس تارة ‪ ..‬حتى وجدتها ‪..‬‬ ‫أخذ مني المصحف ‪ ..‬ثم وضعه أمامه ‪ ..‬وبدأ في قراءة السورة ‪ ..‬وعيناه مغمضتان ‪..‬‬ ‫يا هللا !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة !!‬ ‫خجلت من نفسي‪ ..‬أمسكت مصحفا ‪..‬‬ ‫أحسست برعشة في أوصالي‪ ..‬قرأت ‪ ..‬وقرأت‪..‬‬ ‫دعوت هللا أن يغفر لي ويهديني ‪..‬‬ ‫لم أستطع االحتمال ‪ ..‬فبدأت أبكي كاألطفال ‪..‬‬ ‫كان بعض الناس ال يزال في المسجد يصلي السنة ‪ ..‬خجلت منهم ‪ ..‬فحاولت أن أكتم بكائي ‪..‬‬ ‫تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ‪..‬‬ ‫لم أشعر إالّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ‪ ..‬ثم تمسح عنّي دموعي ‪..‬‬ ‫إنه سالم !! ضممته إلى صدري ‪..‬‬ ‫نظرت إليه ‪ ..‬قلت في نفسي ‪ ..‬لست أنت األعمى ‪ ..‬بل أنا األعمى ‪ ..‬حين انسقت وراء فساق‬ ‫يجرونني إلى النار ‪..‬‬ ‫عدنا إلى المنزل ‪ ..‬كانت زوجتي قلقة كثيرا على سالم ‪..‬‬ ‫لكن قلقها تح ّول إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ‪..‬‬ ‫من ذلك اليوم لم تفتني صالة جماعة في المسجد ‪..‬‬ ‫هجرت رفقاء السوء ‪ ..‬وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد‪..‬‬


‫ذقت طعم اإليمان معهم ‪..‬‬ ‫عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا ‪..‬‬ ‫أفوت حلقة ذكر أو صالة الوتر ‪..‬‬ ‫لم ّ‬ ‫ختمت القرآن ع ّدة مرّات في شهر ‪..‬‬ ‫رطّبت لساني بالذكر لع ّل هللا يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس ‪..‬‬ ‫أحسست أنّي أكثر قربا من أسرتي ‪..‬‬ ‫اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي ‪..‬‬ ‫االبتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم ‪..‬‬ ‫من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها ‪..‬‬ ‫حمدت هللا كثيرا على نعمه ‪..‬‬ ‫ذات يوم ‪ ..‬قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّ هوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة ‪..‬‬ ‫تر ّددت في الذهاب‪ ..‬استخرت هللا ‪ ..‬واستشرت زوجتي ‪..‬‬ ‫توقعت أنها سترفض ‪ ..‬لكن حدث العكس !‬ ‫فرحت كثيرا ‪ ..‬بل ش ّجعتني ‪..‬فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقا وفجورا ‪..‬‬ ‫توجهت إلى سالم ‪ ..‬أخبرته أني مسافر ‪ ..‬ضمني بذراعيه الصغيرين مودعا ‪..‬‬ ‫تغيّبت عن البيت ثالثة أشهر ونصف ‪..‬‬ ‫كنت خالل تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأح ّدث أبنائي ‪ ..‬اشتقت إليهم‬ ‫كثيرا ‪ ..‬آآآه كم اشتقت إلى سالم !!‬ ‫تمنّيت سماع صوته ‪ ..‬هو الوحيد الذي لم يح ّدثني منذ سافرت ‪..‬‬ ‫إ ّما أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم ‪..‬‬ ‫كلّما ح ّدثت زوجتي عن شوقي إليه ‪ ..‬كانت تضحك فرحا وبشرا ‪..‬‬ ‫إالّ آخر مرّة هاتفتها فيها ‪ ..‬لم أسمع ضحكتها المتوقّعة ‪ ..‬تغيّر صوتها ‪..‬‬ ‫قلت لها ‪ :‬أبلغي سالمي لسالم ‪ ..‬فقالت ‪ :‬إن شاء هللا ‪ ..‬وسكتت ‪..‬‬ ‫أخيرا عدت إلى المنزل ‪ ..‬طرقت الباب ‪..‬‬ ‫تمنّيت أن يفتح لي سالم ‪..‬‬ ‫لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره ‪..‬‬ ‫حملته بين ذراعي وهو يصرخ ‪ :‬بابا ‪ ..‬يابا ‪..‬‬ ‫ال أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت ‪..‬‬ ‫استعذت باهلل من الشيطان الرجيم ‪..‬‬ ‫إلي زوجتي ‪ ..‬كان وجهها متغيرا ‪ ..‬كأنها تتصنع الفرح ‪..‬‬ ‫أقبلت ّ‬ ‫ك؟‬ ‫تأ ّملتها جيدا ‪ ..‬ثم سألتها ‪ :‬ما ب ِ‬ ‫قالت ‪ :‬ال شيء ‪..‬‬ ‫فجأة تذ ّكرت سالما ‪ ..‬فقلت ‪ ..‬أين سالم ؟‬ ‫خفضت رأسها ‪ ..‬لم تجب ‪ ..‬سقطت دمعات حارة على خديها ‪..‬‬ ‫صرخت بها ‪ ..‬سالم ‪ ..‬أين سالم ‪..‬؟‬ ‫لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد ‪ ..‬يقول بلثغته ‪ :‬بابا ‪ ..‬ثالم الح الجنّة ‪ ..‬عند هللا‪..‬‬ ‫لم تتحمل زوجتي الموقف ‪ ..‬أجهشت بالبكاء ‪ ..‬كادت أن تسقط على األرض ‪ ..‬فخرجت من‬ ‫الغرفة ‪..‬‬ ‫عرفت بعدها أن سالم أصابته ح ّمى قبل موعد مجيئي بأسبوعين ‪..‬‬


‫فأخذته زوجتي إلى المستشفى ‪..‬‬ ‫فاشتدت عليه الحمى ‪ ..‬ولم تفارقه ‪ ..‬حين فارقت روحه جسده ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫‪ ..‬الملك ‪..‬‬ ‫بعض الناس ‪ ..‬تشتاق نفسه إلى الهداية ‪..‬‬ ‫لكنه يمنعه الكبر من اتباع شعائر الدين ‪..‬‬ ‫نعم يتكبر عن تقصير ثوبه فوق الكعبين ‪ ..‬وإعفاء لحيته ومخالفة المشركين ‪ ..‬فجمال مظهره أعظم‬ ‫عنده من طاعة ربه ‪..‬‬ ‫وبعض النساء كذلك ‪ ..‬ال تزال تتساهل بأمر الحجاب ‪ ..‬حرصا على تكميل زينتها ‪ ..‬وحسن‬ ‫بزتها ‪ ..‬أو تعصي ربها بنتف حاجبها ‪ ..‬أو تضييق لباسها ‪ ..‬وإذا نصحت استكبرت وطغت ‪..‬‬ ‫وال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ‪ ..‬فكيف إذا كان هذا الكبر مانعا من الهداية ‪..‬‬ ‫كان جبلة بن األيهم ‪..‬‬ ‫ملكا من ملوك غسان ‪ ..‬دخل إلى قلبه اإليمان ‪..‬‬ ‫فأسلم ثم كتب إلى الخليفة عمر رضي هللا عنه ‪ ..‬يستأذنه في القدوم عليه ‪..‬‬ ‫سرّ عم ُر والمسلمون لذلك سرورا عظيما ‪..‬‬ ‫وكتب إليه عمر ‪ :‬أن اقدم إلينا ‪ ..‬ولك مالنا وعليك ما علينا ‪..‬‬ ‫فأقبل جبلة في خمسمائة فارس من قومه ‪..‬‬ ‫فلما دنا من المدينة لبس ثيابا منسوجة بالذهب ‪ ..‬ووضع على رأسه تاجا مرصعا بالجوهر ‪..‬‬ ‫وألبس جنوده ثيابا فاخرة ‪..‬‬ ‫ثم دخل المدينة ‪ ..‬فلم يبق أحد إال خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان ‪..‬‬ ‫فلما دخل على عمر رحَّب به وأدنى مجلسه ! ‪..‬‬ ‫فلما دخل موسم الحج ‪ ..‬حج عمر وخرج معه جبلة ‪..‬‬ ‫فبينا هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل فقير من بني فزارة ‪..‬‬ ‫فالتفت إليه جبلة مغضبا ‪ ..‬فلطمه فهشم أنفه ‪..‬‬ ‫فغضب الفزاري ‪ ..‬واشتكاه إلى عمر بن الخطاب ‪..‬‬ ‫فبعث إليه فقال ‪ :‬ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف ‪ ..‬فهشمت أنفه !‬ ‫فقال ‪ :‬إنه وطئ إزاري ؟ ولوال حرمة البيت لضربت عنقه ‪..‬‬ ‫فقال له عمر ‪ :‬أما اآلن فقد أقررت ‪ ..‬فإما أن ترضيه ‪ ..‬وإال اقتص منك ولطمك على وجهك ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة !‬ ‫قال عمر ‪ :‬يا جبلة ‪ ..‬إن اإلسالم قد ساوى بينك وبينه ‪ ..‬فما تفضله بشيء إال بالتقوى ‪..‬‬ ‫قال جبلة ‪ :‬إذن أتنصر ‪..‬‬ ‫قال عمر ‪ :‬من بدل دينه فاقتلوه ‪ ..‬فإن تنصرت ضربت عنقك ‪..‬‬ ‫فقال ‪ّ :‬‬ ‫أخرني إلى غ ٍد يا أمير المؤمنين ‪..‬‬


‫قال ‪ :‬لك ذلك ‪ ..‬فلما كان الليل خرج جبلةُ وأصحابُه من مكة ‪ ..‬وسار إلى القسطنطينية فتنصّر ‪..‬‬ ‫فلما مضى عليه زمان هناك ‪..‬‬ ‫ذهبت اللذات ‪ ..‬وبقيت الحسرات ‪ ..‬فتذكر أيام إسالمه ‪ ..‬ولذة صالته وصيامه ‪..‬‬ ‫فندم على ترك الدين ‪ ..‬والشرك برب العالمين ‪..‬‬ ‫فجعل يبكي ويقول ‪:‬‬ ‫تنصرت األشراف من عار لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر‬ ‫تكنفني منها لجاج ونخوة * وبعت لها العين الصحيحة بالعور‬ ‫فياليت أمي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القول الذي قال لي عمر‬ ‫وياليتني أرعى المخاض بقفرة * وكنت أسير في ربيعة أو مضر‬ ‫وياليت لي بالشام أدنى معيشة * أجالس قومي ذاهب السمع والبصر‬ ‫ثم ما زال على نصرانيته حتى مات ‪..‬‬ ‫نعم ‪ ..‬مات على الكفر ألنه تكبر عن الذلة لشرع رب العالمين ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫‪ ..‬شيخ في مرقص ‪..‬‬ ‫قال لي ‪:‬‬ ‫كان في حارتنا مسجد صغير يؤم الناس فيه شيخ كبير ‪ ..‬قضى حياته في الصالة والتعليم ‪..‬‬ ‫الحظ أن عدد المصلين يتناقص ‪ ..‬كان مهتما بهم ‪ ..‬يشعر أنهم أوالده ‪..‬‬ ‫ذات يوم التفت الشيخ إلى المصلين وقال لهم ‪ :‬ما بال أكثر الناس ‪ ..‬خاصة الشباب ال يقربون‬ ‫المسجد وال يعرفونه ‪..‬‬ ‫فأجابه المصلون ‪ :‬إنهم في المراقص والمالهي ‪..‬‬ ‫قال الشيخ ‪ :‬مراقص !! وما المراقص ؟‬ ‫فقال أحد المصلين ‪ :‬المرقص صالة كبيرة فيها خشبة مرتفعة ‪ ..‬تصعد عليها الفتيات يرقصن‬ ‫والناس حولهن ينظرون إليهن ‪..‬‬ ‫قال الشيخ ‪ :‬أعوذ باهلل ‪ ..‬والذين ينظرون إليهن مسلمون ‪..‬‬ ‫قالوا ‪ :‬نعم ‪..‬‬ ‫فقال بكل براءة ‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل ‪ ..‬يجب أن ننصح الناس ‪..‬‬ ‫قالوا ‪ :‬يا شيخ ‪ ..‬أتعظ الناس وتنصحهم في المرقص ‪..‬؟‬ ‫فقال نعم ‪ ..‬ثم نهض خارجا من المسجد ‪ ..‬وهو يقول ‪ :‬هيا بنا إلى المرقص ‪..‬‬ ‫حاولوا أن يثنوه عن عزمه ‪ ..‬أخبروه أنهم سيواجهون بالسخرية واالستهزاء ‪ ..‬وسينالهم األذى ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬وهل نحن خير من محمد صلى هللا عليه وسلم !!‬ ‫ثم أمسك الشيخ بيد أحد المصلين ‪ ..‬وقال ‪ :‬دلني على المرقص ‪..‬‬ ‫مضى الشيخ يمشي ‪ ..‬بكل صدق وثبات ‪..‬‬ ‫وصلوا إلى المرقص ‪..‬‬ ‫رآهم صاحب المرقص من بعيد ‪ ..‬ظن أنهم ذاهبين لدرس أو محاضرة ‪..‬‬ ‫فلما أقبلوا عليه ‪ ..‬تعجب ‪ ..‬فلما توجهوا إلى باب المرقص ‪..‬‬


‫سألهم ‪ :‬ماذا تريدون ؟‬ ‫قال الشيخ ‪ :‬نريد أن ننصح من في المرقص ‪..‬‬ ‫تعجب صاحب المرقص ‪ ..‬وأخذ ينظر إليهم ‪ ..‬واعتذر عن قبولهم ‪..‬‬ ‫أخذ الشيخ يساومه ‪ ..‬ويذكره بالثواب العظيم ‪ ..‬لكنه أبى ‪..‬‬ ‫فأخذ يساومه بالمال ليأذن لهم ‪ ..‬حتى دفعوا له مبلغا من المال يعادل دخله اليومي ‪..‬‬ ‫فوافق صاحب المرقص ‪ ..‬وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي !‬ ‫فلما كان الغد والناس في المرقص ‪..‬‬ ‫وخشبة المسرح تعج بالمنكرات ‪ ..‬والشياطين تحف الناس وتصفق لهم ‪..‬‬ ‫وفجأة أسدل الستار ‪..‬‬ ‫ثم فُتح ‪ ..‬فإذا شيخ وقور يجلس على كرسي ‪..‬‬ ‫ُدهش الناس ‪ ..‬وتعجبوا ‪ ..‬ظن بعضهم أنها فقرة فكاهية ‪..‬‬ ‫بدأ الشيخ بالبسملة ‪ ..‬والحمد هلل ‪ ..‬والثناء عليه ‪ ..‬وصلى على النبي عليه الصالة والسالم ‪..‬‬ ‫ثم بدأ في وعظ الناس ‪..‬‬ ‫نظر الناس بعضهم إلى بعض ‪ ..‬منهم من يضحك ‪ ..‬ومنهم من ينتقد ‪ ..‬ومنهم من يعلق بسخرية ‪..‬‬ ‫والشيخ ماض في موعظته ال يلتفت إليهم ‪..‬‬ ‫حتى قام أحد الحضور ‪ ..‬وأسكت الناس ‪..‬‬ ‫وطلب منهم اإلنصات ‪..‬‬ ‫بدأ الهدوء يحيط بالناس ‪ ..‬والسكينة تنزل على القلوب ‪..‬‬ ‫حتى هدأت األصوات ‪ ..‬فال تسمع إال صوت الشيخ ‪..‬‬ ‫قال كالما ما سمعوه من قبل ‪..‬‬ ‫آيات تهز الجبال ‪ ..‬وأحاديث وأمثال ‪ ..‬وقصص لتوبة بعض العصاة ‪..‬‬ ‫وأخذ يدافع عبراته ويقول ‪..‬‬ ‫يا أيها الناس ‪ ..‬إنكم عشتم طويال ‪ ..‬وعصيتم هللا كثيرا ‪..‬‬ ‫فأين ذهبت لذة المعصية ‪ ..‬لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء ‪..‬‬ ‫ستسألون عنها يوم القيامة ‪..‬‬ ‫سيأتي يوم يفنى فيه كل شيء إال هللا الواحد القهار ‪..‬‬ ‫أيها الناس ‪ ..‬هل نظرتم إلى أعمالكم ‪ ..‬والى أين ستؤ ّدي بكم ‪..‬‬ ‫إنكم ال تتحملون النار في الدنيا ‪ ..‬وهي جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ‪..‬‬ ‫فبادروا بالتوبة قبل فوات األوان ‪..‬‬ ‫وبدا الشيخ متأثرا وهو يعظ ‪ ..‬كانت كلماته قد خرجت من القلب ‪ ..‬فوصلت إلى القلب ‪..‬‬ ‫بكى الناس ‪ ..‬فزاد في موعظته ‪ ..‬ثم دعا لهم بالرحمة والمغفرة ‪ ..‬وهم يرددون ‪ :‬آمين ‪ ..‬آمين ‪..‬‬ ‫ثم قام من على كرسيه ‪ ..‬تجلله المهابة والوقار ‪..‬‬ ‫وخرج الجميع وراءه ‪ - ..‬نعم الجميع ‪.. -‬‬ ‫وكانت توبتهم على يده ‪ ..‬عرفوا س َّر وجودهم في الحياة ‪ ..‬وما تغني عنهم الرقصات واللذات ‪ ..‬إذا‬ ‫تطايرت الصحف وكبرت السيئات ‪..‬‬ ‫حتى صاحب المرقص ‪ ..‬تاب وندم على ما كان منه ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬


‫‪ ..‬الشيخ الضال ‪..‬‬ ‫أحيانا ‪ ..‬يعرف المرء الحق ويرغب في اتباعه ‪..‬‬ ‫لكنه يغرى بمتع الدنيا ‪ ..‬فيظل على معصيته ‪..‬‬ ‫األعشى بن قيس ‪..‬‬ ‫كان شيخا كبيرا شاعرا ‪ ..‬خرج من اليمامة ‪ ..‬من نجد ‪ ..‬يريد النبي عليه الصالة والسالم ‪ ..‬راغبا‬ ‫في الدخول في اإلسالم ‪..‬‬ ‫مضى على راحلته ‪ ..‬مشتاقا للقاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬بل كان يسير وهو يردد في‬ ‫مدح النبي صلى هللا عليه وسلم قائال ‪:‬‬ ‫ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * وبت كما بات السلي ُم مسهدا‬ ‫أال أيهذا السائلي أين يممت * فإن لها في أهل يثرب موعدا‬ ‫نبي يرى ما ال ترون وذكرُه * أغار لعمري في البالد وأنجدا‬ ‫نبي اإلله حيث أوصى وأشهدا‬ ‫أجدِّك لم تسمع وصاة محمد * ِّ‬ ‫إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى * وال قيت بعد الموت من قد تزودا‬ ‫ندمت على أن ال تكون كمثله * فترصد لألمر الذي كان أرصدا‬ ‫وما زال يقطع الفيافي والقفار‪..‬يحمله الشوق والغرام ‪ ..‬إلى النبي عليه الصالة السالم ‪..‬‬ ‫راغبا في اإلسالم ‪ ..‬ونبذ عبادة األصنام ‪..‬‬ ‫فلما كان قريبا من المدينة‪..‬اعترضه بعض المشركين فسألهوه عن أمره؟‬ ‫فأخبرهم أنه جاء يريد لقاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ليسلم ‪ ..‬فخافوا أن يسلم هذا الشاعر ‪..‬‬ ‫فيقوى شأن النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬فشاعر واحد وهو حسان بن ثابت قد فعل بهم األفاعيل ‪..‬‬ ‫فكيف لو أسلم شاعر العرب األعشى بن قيس ‪..‬‬ ‫فقالوا له ‪ :‬يا أعشى دينك ودين آبائك خير لك ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬بل دينه خير وأقوم ‪..‬‬ ‫فنظر بعضهم إلى بعض وجعلوا يتشاورون ‪ ..‬كيف يصدوه عن الدين ‪..‬‬ ‫فقالوا له ‪ :‬يا أعشى ‪ ..‬إنه يحرم الزنا ‪ ..‬فقال ‪ :‬أنا شيخ كبير ‪ ..‬وما لي في النساء حاجة ‪..‬‬ ‫فقالوا ‪ :‬إنه يحرم الخمر ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬إنها مذهبة للعقل ‪ ..‬مذلة للرجل ‪ ..‬وال حاجة لي بها ‪..‬‬ ‫فلما رأوا أنه عازم على اإلسالم ‪..‬‬ ‫قالوا ‪ :‬نعطيك مائةَ بعير وترجع إلى أهلك ‪ ..‬وتترك اإلسالم ‪..‬‬ ‫فجعل يفكر في المال ‪ ..‬فإذا هو ثروة عظيمة ‪ ..‬فتغلب الشيطان على عقله ‪ ..‬والتفت إليهم وقال ‪:‬‬ ‫أما المال ‪ ..‬فنعم ‪..‬‬ ‫فجمعوا له مائة بعير ‪ ..‬فأخذها ‪ ..‬وارتد على عقبيه ‪ ..‬وك َّر راجعا إلى قومه بكفره ‪..‬‬ ‫واستاق اإلبل أمامه ‪ ..‬فرحا بها مستبشرا ‪..‬‬ ‫فلما كاد أن يبلغ دياره ‪ ..‬سقط من على ناقته فانكسرت رقبته ومات ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬


‫‪ ..‬سارة ‪..‬‬ ‫اإلشارة حمراء ‪ ..‬والطريق مليء بالسيارات ‪. ..‬لم يتبق على الموعد سوى بضع دقائق ‪..‬‬ ‫تبا لهذه اإلشارة إنها طويلة ‪ ..‬يا ليتني كنت في الصف األول ‪ ..‬لكنت قطعتها ‪..‬‬ ‫الثواني تمر بطيئة كأنها دقائق بل ساعات ‪..‬‬ ‫أنظر إلى الساعة حينا وإلى اإلشارة حينا آخر ‪..‬‬ ‫أضاءت اإلشارة اللون األخضر ‪ ..‬ضغطت على منبه السيارة أزعجت الجميع ‪ ..‬تحركت‬ ‫السيارات ‪ ..‬تجاوزت األول ‪..‬كدت اصطدم بالثاني ‪ ..‬قيادتي للسيارة أفزعت من حولي‪..‬‬ ‫حاولت أن أسرع ‪ ..‬لكنني لم أستطع ‪..‬‬ ‫مضى الوقت‪ ..‬وضاع الموعد‪ ..‬ولم أجد األصدقاء ‪ ..‬لقد ذهبوا‪..‬‬ ‫إلى أين أذهب ؟‪ ..‬احترت في اإلجابة ‪ ..‬أطلقت زفرة من صدري ‪ ..‬ياليتني كنت أعرف مكانهم‪..‬‬ ‫السيارة تمضي بهدوء ‪ ..‬انطلقت أفكر ‪ ..‬أيقظني منبه سيارة أخرى ‪ ..‬نظرت إلى صاحب السيارة‬ ‫بغضب ‪ ..‬وأشرت إليه بيدي ‪ ..‬تمهل الدنيا لن تطير ‪ ..‬ونسيت حالي قبل دقائق‪..‬‬ ‫قررت أن أقضي السهرة في البيت ‪ ..‬إنها فكرة جيده ‪ ..‬فابنتي الوحيدة مريضة ‪ ..‬واألفضل أن‬ ‫أكون قريبا منها‪..‬‬ ‫أوقفت السيارة أمام محل الفيديو ‪ ..‬نزلت إلى المحل ‪ ..‬اخترت عدة أفالم ‪ ..‬وانطلقت إلى المنزل‪..‬‬ ‫فتحت الباب ‪ ..‬ناديت على زوجتي ‪ ..‬احضري الشاهي والمكسرات‪..‬‬ ‫دخلت إلى الغرفة ‪" ..‬يالها من زوجة معقدة" ‪ ..‬اآلن ستقول لي‪":‬اتق هللا يا أحمد"‪ ..‬لقد تعودت‬ ‫على هذه الكلمات حتى تبلدت أحاسيسي نحوها‪ ..‬لكنها زوجة مطيعة‪ ..‬طيبة‪ ..‬تشقى من أجل‬ ‫سعادتي‪..‬‬ ‫دخلت ومعها الشاهي والمكسرات‪ ..‬ابتسمت في وجهي ‪ ..‬قالت ‪ :‬البد أنك سئمت السهر مع‬ ‫أصدقائك وتريد أن تجلس في البيت‪..‬‬ ‫فرحت وهمت أن تجلس ‪..‬‬ ‫قلت ‪ :‬نعم ‪ ..‬تعالي واجلسي ‪ِ ..‬‬ ‫وقمت أنا إلى جهاز الفيديو والتلفاز ‪ ..‬فانطلقت الموسيقى الصاخبة ‪..‬‬ ‫أرخت المسكينة رأسها وقالت ‪ :‬اتق هللا يا أحمد‪ ..‬وخرجت تجر أذيال الحسرة والهزيمة‪ ..‬فهي ال‬ ‫تسمع الموسيقى ‪..‬‬ ‫ارتفعت األصوات في الغرفة ‪ ..‬موسيقى ‪ ..‬صراخ ‪ ..‬ضحكات‪ ..‬وانطلقت أشرب الشاهي ‪..‬‬ ‫وأتناول المكسرات ‪ ..‬وعيناي قد تسمرتا في شاشة التلفاز‪..‬‬ ‫انتهى الشريط األول ‪ ..‬والشريط الثاني ‪..‬‬ ‫الساعة تشير إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ‪..‬‬ ‫فجأة ‪ ..‬مقبض الباب يتحرك ببطء ‪ ..‬صرخت ‪ :‬ماذا تريدين ؟ ‪ ..‬لم أسمع جوابا‪..‬‬ ‫انفتح الباب‪ ..‬دخلت ابنتي المريضة ‪..‬‬ ‫فاجأني الموقف ‪ ..‬سكت برهة ولم أتكلم ‪..‬‬ ‫ي بهدوووء ‪ ..‬ثم قالت ‪ :‬اتق هللا يا بابا ‪ ..‬اتق هللا يا بابا ‪..‬‬ ‫اقتربت مني ‪ ..‬نظرت إل َّ‬ ‫ثم انصرفت وأغلقت الباب‪..‬‬ ‫ناديتها ‪ ..‬سارة ‪ ..‬سارة ‪ ..‬لم تجب ‪ ..‬انطلقت خلفها‪..‬‬ ‫ال أكاد أصدق‪..‬هل هذه ابنتي ؟‪..‬‬ ‫فتحت باب الغرفة‪ ..‬وجدتها سبقتني إلى فراشها ‪ ..‬ونامت في حضن أُمها‪ ..‬إنها هي‪..‬‬


‫عدت إلى غرفة الجلوس ‪ ..‬أغلقت جهاز الفيديو ‪ ..‬صوت ابنتي يمأل الغرفة ‪ ..‬اتق هللا يا بابا ‪ ..‬اتق‬ ‫هللا يا بابا ‪..‬‬ ‫قشعريرة سرت في جسدي ‪ ..‬تصبب العرق من رأسي‪..‬‬ ‫ال أدري ماذا أصابني ‪..‬‬ ‫ما عدت أسمع إال صوتها ‪ ..‬وال أرى إال صورتها ‪ ..‬كلماتها اخترقت كل الحواجز الجاثمة على‬ ‫ص ‪ ..‬دخان ‪ ..‬أفالم خليعة ‪..‬‬ ‫صدري منذ زمن بعيد ‪ ..‬ترك صالة ‪ ..‬معا ٍ‬ ‫أيقظتني من الغفلة‪ ..‬تسارعت نبضات قلبي ‪ ..‬وألقيت بجسدي على األرض‪..‬‬ ‫حاولت أن أنام ‪ ..‬لكنني لم أستطع ‪ ..‬مضى الوقت سريعا ‪..‬‬ ‫صور من الماضي استعرضتها أمامي ‪ ..‬ومع كل صورة اسمع صوت ابنتي يتردد ‪ ..‬اتق هللا ‪..‬‬ ‫اتق هللا ‪..‬‬ ‫وهنا ‪ ..‬ارتفع صوت األذان ‪ ..‬اهتزت جوانحي ‪ ..‬ارتعدت فرائصي ‪..‬‬ ‫رعشة سرت في أطرافي ‪ ..‬جعل يردد ‪ " :‬الصالة خي ٌر من النوم " ‪ ..‬قلت ‪ :‬صدقت ‪ ..‬الصالة خير‬ ‫من النوم ‪ ..‬أوووه ‪ ..‬لقد كنت نائما كل هذه السنين‪..‬‬ ‫توضأت وخرجت إلى المسجد ‪ ..‬مشيت في الطريق وكأني ال أعرفه ‪..‬‬ ‫كأن نسائم الفجر تعاتبني أين أنت ؟ ‪..‬‬ ‫وطيور السماء تقول ‪ :‬مرحبا بالنائم الذي استيقظ أخيرا‪..‬‬ ‫دخلت المسجد ‪ ..‬صليت ركعتين ‪ ..‬وجلست اقرأ القرآن ‪..‬‬ ‫تلعثمت في القراءة ‪..‬‬ ‫منذ زمن لم أقرأ القرآن ‪..‬‬ ‫شعرت أن القرآن يسألني ‪ :‬لم هجرتني منذ سنوات ‪ ..‬أل ُ‬ ‫ست كالم ربك ‪..‬‬ ‫أخذت أردد في سورة الزمر ‪ ( :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رحمة هللا إن‬ ‫هللا يغفر الذنوب جميعا ) ‪ ..‬عجبا ‪ ..‬جميعا ‪ ..‬ما أرحم هللا بنا ‪..‬‬ ‫تمنيت أن استمر في القراءة ‪ ..‬لكن المؤذن ‪ ..‬أقام الصالة ‪ ..‬تجمدت في مكاني لحظة ثم تقدمت مع‬ ‫الناس ‪ ..‬وقفت في الصف ‪ ..‬وكأنني غريب‪..‬‬ ‫انتهت الصالة‪..‬جلست في المسجد حتى أشرقت الشمس ‪..‬‬ ‫عدت إلى البيت‪ ..‬فتحت باب الغرفة ‪ ..‬ألقيت نظرة على زوجتي وسارة ‪..‬‬ ‫كانتا نائمتين ‪ ..‬تركتهما وخرجت إلى العمل ‪..‬‬ ‫ليس من عادتي الذهاب مبكرا إلى العمل ‪..‬‬ ‫تفاجأ الزمالء بوجودي ‪..‬‬ ‫انطلقت عبارات التهنئة ممزوجة بالسخرية ‪..‬‬ ‫لم أبال بما يقولون ‪ ..‬تسمرت عيناي على الباب ‪ ..‬أنتظر قدوم إبراهيم ‪..‬‬ ‫زميلي في المكتب ‪ ..‬والذي طالما نصحني ‪..‬‬ ‫إنه شخص طيب األخالق ‪ ..‬حسن المعاملة ‪..‬‬ ‫حضر إبراهيم ‪ ..‬فقمت من مكاني استقبله ‪ ..‬لم يصدق عينيه ‪..‬‬ ‫سألني ‪ :‬أنت أحمد ؟!!‪..‬‬ ‫قلت ‪ :‬نعم ‪ ..‬جذبت يده ‪ ..‬وقلت ‪ :‬أريد أن أحدثك ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬ال بأس ‪ ..‬نتحدث في المكتب ‪ ..‬قلت ‪ :‬ال ‪ ..‬نذهب إلى االستراحة‪..‬‬ ‫صمت إبراهيم ‪ ..‬وراح يصغي لكلماتي ‪ ..‬حدثته بحديث البارحة ‪..‬‬ ‫أمتألت عيناه بالدموع ‪ ..‬وابتسم ابتسامة عريضه ‪ ..‬قال لي ‪:‬‬


‫ذاك نور أضاء قلبك فال تطفئه بظلمة المعاصي‪..‬‬ ‫كان يوما حافال بالنشاط والجدية ‪ ..‬رغم أني لم أنم منذ البارحة ‪..‬‬ ‫تفان في العمل ‪..‬‬ ‫ابتسامة تعلو وجهي ‪ٍ ..‬‬ ‫المراجعون يتجهون نحوي ‪ ..‬يطلبون مني مساعدتهم ‪ ..‬بعضهم قال لي ‪:‬‬ ‫ما هذا النشاط؟!‪..‬أجبته ‪ :‬إنها صالة الفجر في المسجد‪..‬‬ ‫مسكين إبراهيم ‪ ..‬كان يتحمل العبء األكبر من العمل ‪ ..‬أما أنا فقد كنت أنام ‪..‬‬ ‫لم يشتك ولم يتذمر ‪ ..‬ياله من إنسان طيب ‪..‬‬ ‫نعم إنه اإليمان عندما تخالط حالوته القلوب‪..‬‬ ‫مضى الوقت ولم أشعر بالتعب واإلرهاق ‪..‬‬ ‫قال لي إبراهيم ‪ :‬أحمد ‪ ..‬يجب أن تذهب إلى البيت ‪ ..‬فإنك لم تنم منذ البارحة ‪ ..‬وسأقوم بعملك ‪..‬‬ ‫نظرت إلى الساعة ‪ ..‬لم يبق على أذان الظهر سوى دقائق ‪ ..‬قررت البقاء‪..‬‬ ‫أذن المؤذن ‪ ..‬فسارعت إلى المسجد ‪ ..‬جلست في الصف األول ‪..‬‬ ‫شعرت بالندم على األيام التي كنت أهرب فيها من العمل وقت الصالة‪..‬‬ ‫بعد الصالة انطلقت إلى البيت ‪..‬‬ ‫في الطريق انتابني شعور بالقلق ‪ ..‬يا ترى كيف حال سارة ؟‪..‬‬ ‫شعرت بانقباض ‪ ..‬ال أدري لماذا ؟!‬ ‫أحسست أن الطريق هذه المرة طويل ‪ ..‬ازداد الخوف ‪ ..‬رفعت رأسي إلى السماء ‪..‬‬ ‫دعوت هللا أن يعجل بشفاء ابنتي‪..‬‬ ‫وصلت إلى البيت ‪ ..‬فتحت الباب ‪ ..‬ناديت زوجتي ‪ ..‬لم أسمع جوابا ‪..‬‬ ‫دخلت الغرفة مسرعا ‪..‬‬ ‫زوجتي منطوية على نفسها تبكي ‪..‬‬ ‫ي ‪ ..‬صرخت وهي تبكي ‪ :‬لقد ماتت سارة ‪..‬‬ ‫التفتت إل َّ‬ ‫لم أتبين ما تقول ‪ ..‬اندفعت نحو سارة ‪ ..‬ضممتها إلى صدري ‪..‬‬ ‫حاولت حملها ‪ ..‬سقطت يدها نحو األرض ‪ ..‬جسمها بارد ‪..‬‬ ‫كذلك يداها وقدماها ‪ ..‬نبضها ‪ ..‬أنفاسها ‪ ..‬لم أسمع شيئا ‪..‬‬ ‫نظرت إلى وجهها ‪ ..‬نو ٌر يتألأل ‪ ..‬كأنه كوكب دري ‪..‬‬ ‫ايقظتها ‪ ..‬حركتها ‪ ..‬هززتها ‪..‬‬ ‫صرخت أمها ‪ :‬سارة ‪ ..‬سارة ‪ ..‬لقد ماتت ‪ ..‬ماتت ‪ ..‬وانخرطت في البكاء‪..‬‬ ‫لم أصدق ما أرى ‪ ..‬كأنه حلم ‪..‬‬ ‫انهمرت الدموع من عيني ‪ ..‬أخذت أشهق ‪..‬‬ ‫أنظر إلى وجهها الجميل ‪ ..‬وشعرها الناعم ‪..‬‬ ‫أقبِّل فمها الصغير ‪ ..‬كأنها تردد اآلن ‪ :‬عيب عليك ‪ ..‬عيب عليك ‪ ..‬يا بابا ‪..‬‬ ‫تذكرت أن هذه مصيبة ‪ ..‬أخذت أردد ‪ ..‬ال حول وال قوة إال باهلل ‪..‬‬ ‫إنا هلل وإنا إليه راجعون ‪..‬‬ ‫اتصلت بإبراهيم ‪ ..‬قلت له ‪ :‬تعال فورا ‪ ..‬لقد ماتت سارة ‪..‬‬ ‫النساء في الداخل مع زوجتي يغسلن ابنتي ‪..‬‬ ‫انتهين من تغسيلها ‪ ..‬لففن على جسدها الطاهر خرقة بيضاء ‪..‬‬ ‫نادتني زوجتي ‪..‬‬ ‫دخلت كي أودع سارة الوداع األخير ‪ ..‬كدت أسقط على األرض ‪ ..‬تماسكت ‪..‬‬


‫قبلتها على جبينها ‪..‬‬ ‫عاهدتها على الثبات حتى الممات ‪ ..‬نظرت إلى أمها ‪ ..‬فإذا هي زائغة العينين ‪ ..‬شاحبة الوجه ‪..‬‬ ‫تنتفض ‪..‬‬ ‫قلت لها ‪ :‬ال تحزني ‪ ..‬فقد ذهبت إلى الجنة بإذن هللا ‪ ..‬هناك سنلتقي ‪ ..‬فشمري كي تشفع لنا ‪..‬‬ ‫ثم قرأت قوله تعالى ‪ { :‬والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من‬ ‫امرئ بما كسب رهين}‪..‬‬ ‫عملهم من شي ٍء كل‬ ‫ٍ‬ ‫بكت األم وبكيت أنا‪..‬‬ ‫صلينا عليها صالة الجنازة ‪ ..‬ثم سرنا بها إلى المقبرة ‪..‬‬ ‫أنظر إلى الجنازة وكأنني أنظر إلى النور الذي أضاء لي حياتي‪..‬‬ ‫وصلنا المقبرة ‪ ..‬المكان موحش ‪ ..‬مخيف ‪ ..‬توجهنا إلى القبر ‪..‬‬ ‫وقفت على شفير القبر ‪ ..‬هنا سأضع ابنتي ‪ ..‬أمسك إبراهيم بكتفي وقال ‪ :‬اصبر يا أحمد‪..‬‬ ‫نزلت إلى القبر ‪..‬‬ ‫إنها دارك يا أحمد ‪ ..‬ربما اليوم وربما غدا ‪..‬‬ ‫ماذا أعددت لهذه الدار ‪..‬‬ ‫ناداني إبراهيم ‪ :‬أحمد خذ البنت ‪ ..‬وضعتها على صدري ‪ ..‬وددت لو أدفنها فيه ‪..‬‬ ‫ضممتها ‪ ..‬قبلتها ‪..‬‬ ‫ثم وضعتها على شقها األيمن ‪ ..‬وقلت ‪ :‬بسم هللا وعلى ملة رسول هللا ‪..‬‬ ‫صففت اللبن ‪ ..‬سددت كل المنافذ ‪..‬‬ ‫خرجت من القبر ‪ ..‬بدأ الناس يهيلون التراب ‪ ..‬لم أملك دموعي‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫‪ ..‬ذكريات تائب ‪..‬‬ ‫هو شيخ كبير ‪ ..‬نجلس إليه ‪ ..‬بعدما كبر سنه ‪ ..‬ورق عظمه ‪ ..‬وكف بصره ‪..‬‬ ‫وهو يحكي ذكريات شبابه ‪..‬‬ ‫نجلس إلى كعب بن مالك رضي هللا عنه ‪..‬‬ ‫وهو يحكي ذكرياته ‪ ..‬في تخلفه عن غزوة تبوك ‪..‬‬ ‫وكانت آخر غزوة غزاها النبي صلى هللا عليه وسلم ‪..‬‬ ‫آذن النبي صلى هللا عليه وسلم الناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم ‪..‬‬ ‫وجمع منهم النفقات لتجهيز الجيش ‪ ..‬حتى بلغ عدد الجيش ثالثين ألفا ‪..‬‬ ‫وذلك حين طابت الظالل الثمار ‪..‬‬ ‫في حر شديد ‪ ..‬وسفر بعيد ‪ ..‬وعدو قوي عنيد ‪..‬‬ ‫وكان عدد المسلمين كثيرا ‪ ..‬ولم تكن أسماؤهم مجموعة في كتاب ‪..‬‬ ‫قال كعب – كما في الصحيحين ‪: -‬‬ ‫وأنا أيسر ما كنت ‪ ..‬قد جمعت راحلتين ‪ ..‬وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد ‪..‬‬ ‫وأنا في ذلك أصغي إلى الظالل ‪ ..‬وطيب الثمار ‪..‬‬


‫فلم أزل كذلك ‪ ..‬حتى قام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم غاديا بالغداة ‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬أنطلق غدا إلى السوق فأشتري جهازي ‪ ..‬ثم ألحق بهم ‪..‬‬ ‫فانطلقت إلى السوق من الغد ‪ ..‬فعسر علي بعض شأني ‪ ..‬فرجعت ‪..‬‬ ‫ي بعض شأني أيضا ‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬أرجع غدا إن شاء هللا فألحق بهم ‪ ..‬فعسر عل َّ‬ ‫فقلت ‪ :‬أرجع غدا إن شاء هللا ‪ ..‬فلم أزل كذلك ‪..‬‬ ‫حتى مضت األيام ‪ ..‬وتخلفت عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪..‬‬ ‫فجعلت أمشي في األسواق ‪ ..‬وأطوف بالمدينة ‪..‬‬ ‫فال أرى إال رجال مغموصا عليه في النفاق ‪ ..‬أو رجال قد عذره هللا ‪..‬‬ ‫نعم تخلف كعب في المدينة ‪ ..‬أما رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقد مضى بأصحابه الثالثين ألفا ‪..‬‬ ‫حتى إذا وصل تبوك ‪ ..‬نظر في وجوه أصحابه ‪ ..‬فإذا هو يفقد رجال صالحا ممن شهدوا بيعة‬ ‫العقبة ‪..‬‬ ‫فيقول صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬ما فعل كعب بن مالك ؟!‬ ‫فقال رجل ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ..‬خلفه برداه والنظر في عطفيه ‪..‬‬ ‫فقال معاذ بن جبل ‪ :‬بئس ما قلت ‪ ..‬وهللا يا نبي هللا ما علمنا عليه إال خيرا ‪..‬‬ ‫فسكت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪..‬‬ ‫قال كعب ‪:‬‬ ‫فلما قضى النبي صلى هللا عليه وسلم غزوة تبوك ‪ ..‬وأقبل راجعا إلى المدينة ‪ ..‬جعلت أتذكر ‪..‬‬ ‫بماذا أخرج به من سخطه ‪ ..‬وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫عرفت أني ال أنجو إال بالصدق ‪..‬‬ ‫حتى إذا وصل المدينة ‪..‬‬ ‫فدخل النبي صلى هللا عليه وسلم المدينة ‪ ..‬فبدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ‪ ..‬ثم جلس للناس ‪..‬‬ ‫فجاءه المخلفون ‪ ..‬فطفقوا يعتذرون إليه ‪ ..‬ويحلفون له ‪..‬‬ ‫وكانوا بضعة وثمانين رجال ‪ ..‬فقبل منهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عالنيتهم ‪ ..‬واستغفر‬ ‫لهم ‪ ..‬ووكل سرائرهم إلى هللا ‪..‬‬ ‫وجاءه كعب بن مالك ‪ ..‬فلما سلم عليه ‪ ..‬نظر إليه النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬ثم تبسَّم تبسُّم‬ ‫المغضب ‪..‬‬ ‫ثم قال له ‪ :‬تعال ‪..‬‬ ‫فأقبل كعب يمشي إليه ‪ ..‬فلما جلس بين يديه ‪..‬‬ ‫قال له صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬ما خلفك ‪ ..‬ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟‬ ‫قال ‪ :‬بلى ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬فما خلفك ؟!‬ ‫فقال كعب ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ..‬إني وهللا لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ‪ ..‬لرأيت أني أخرج من‬ ‫سخطه بعذر ‪ ..‬ولقد أعطيت جدال ‪..‬‬ ‫ولكني وهللا لقد علمت ‪ ..‬أني إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به علي ‪ ..‬ليوشكن هللا أن‬ ‫يسخطك علي ‪..‬‬ ‫ي فيه ‪ ..‬إني ألرجو فيه عف َو هللا عني ‪..‬‬ ‫ولئن حدثتك حديث صدق ‪ ..‬تجد عل َّ‬ ‫يا رسول هللا ‪ ..‬وهللا ما كان لي من عذر ‪..‬‬ ‫وهللا ما كنت قط أقوى ‪ ..‬وال أيسر مني حين تخلفت عنك ‪..‬‬ ‫ثم سكت كعب ‪..‬‬ ‫فالتفت النبي صلى هللا عليه وسلم إلى أصحابه ‪ ..‬وقال ‪:‬‬


‫أما هذا ‪ ..‬فقد صدقكم الحديث ‪ ..‬فقم ‪ ..‬حتى يقضي هللا فيك ‪..‬‬ ‫فقام كعب يجر خطاه ‪ ..‬وخرج من المسجد ‪ ..‬مهموما مكروبا ‪ ..‬ال يدري ما يقضي هللا فيه ‪..‬‬ ‫فلما رأى قومه ذلك ‪ ..‬تبعه رجال منهم ‪ ..‬وأخذوا يلومونه ‪ ..‬ويقولون ‪:‬‬ ‫وهللا ما نعلمك أذنبت ذنبا قط ‪ ..‬قبل هذا ‪ ..‬إنك رجل شاعر ‪..‬‬ ‫أعجزت أال تكون اعتذرت إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون ‪..‬‬ ‫هال اعتذرت بعذر يرضى عنك فيه ‪ ..‬ثم يستغفر لك ‪ ..‬فيغفر هللا لك ‪..‬‬ ‫قال كعب ‪:‬‬ ‫فلم يزالوا يؤنبونني ‪ ..‬حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي ‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬هل لقي هذا معي أحد ؟‬ ‫قالوا ‪ :‬نعم ‪ ..‬رجالن قاال مثل ما قلت ‪ ..‬فقيل لهما مثل ما قيل لك ‪..‬‬ ‫قلت ‪ :‬من هما ؟ قالوا ‪ :‬مرارة بن الربيع ‪ ..‬وهالل بن أمية ‪..‬‬ ‫فإذا هما رجالن صالحان قد شهدا بدرا ‪ ..‬لي فيهما أسوة ‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬وهللا ال أرجع إليه في هذا أبدا ‪ ..‬وال أكذب نفسي ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * *‬ ‫ثم مضى كعب رضي هللا عنه ‪ ..‬حزينا ‪ ..‬كسير النفس ‪ ..‬وقعد في بيته ‪..‬‬ ‫يمض وقت ‪ ..‬حتى نهى النبي صلى هللا عليه وسلم الناس عن كالم كعب وصاحبيه ‪..‬‬ ‫فلم‬ ‫ِ‬ ‫قال كعب ‪:‬‬ ‫فاجتنبنا الناس ‪ ..‬وتغيروا لنا ‪ ..‬فجعلت أخرج إلى السوق ‪ ..‬فال يكلمني أحد ‪..‬‬ ‫وتنكر لنا الناس ‪ ..‬حتى ما هم بالذين نعرف ‪..‬‬ ‫وتنكرت لنا الحيطان ‪ ..‬حتى ما هي بالحيطان التي نعرف ‪..‬‬ ‫وتنكرت لنا األرض ‪ ..‬حتى ما هي باألرض التي نعرف ‪..‬‬ ‫فأما صاحباي فجلسا في بيوتهما يبكيان ‪ ..‬جعال يبكيان الليل والنهار ‪ ..‬وال يطلعان رؤوسهما ‪..‬‬ ‫ويتعبدان كأنهما الرهبان ‪..‬‬ ‫وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ‪ ..‬فكنت أخرج ‪ ..‬فأشهد الصالة مع المسلمين ‪ ..‬وأطوف في‬ ‫األسواق ‪ ..‬وال يكلمني أحد ‪..‬‬ ‫وآتي المسجد فأدخل ‪..‬‬ ‫وآتي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فأسلم عليه ‪..‬‬ ‫فأقول في نفسي ‪ :‬هل حرك شفتيه برد السالم علي أم ال ؟‬ ‫ثم أصلي قريبا منه ‪ ..‬فأسارقه النظر ‪ ..‬فإذا أقبلت على صالتي ‪ ..‬أقبل إلي ‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫التفت نحوه ‪ ..‬أعرض عني ‪..‬‬ ‫وإذا‬ ‫* * * * * * * * *‬ ‫ومضت على كعب األيام ‪ ..‬واآلالم تلد اآلالم ‪..‬‬ ‫وهو الرجل الشريف في قومه ‪..‬‬ ‫بل هو من أبلغ الشعراء ‪ ..‬عرفه الملوك واألمراء ‪..‬‬ ‫وسرت أشعاره عند العظماء ‪ ..‬حتى تمنوا لقياه ‪..‬‬


‫ثم هو اليوم ‪ ..‬في المدينة ‪ ..‬بين قومه ‪ ..‬ال أحد يكلمه ‪ ..‬وال ينظر إليه ‪..‬‬ ‫حتى ‪ ..‬إذا اشتدت عليه الغربة ‪ ..‬وضاقت عليه الكربة ‪ ..‬نزل به امتحان آخر ‪:‬‬ ‫فبينما هو يطوف في السوق يوما ‪..‬‬ ‫إذا رجل نصراني جاء من الشام ‪..‬‬ ‫فإذا هو يقول ‪ :‬من يدلني على كعب بن مالك ‪ ..‬؟‬ ‫فطفق الناس يشيرون له إلى كعب ‪ ..‬فأتاه ‪ ..‬فناوله صحيفة من ملك غسان ‪..‬‬ ‫عجبا !! من ملك غسان ‪!!..‬‬ ‫إذا قد وصل خبره إلى بالد الشام ‪ ..‬واهتم به ملك الغساسنة ‪ ..‬فماذا يريد الملك ؟!!‬ ‫فتح كعب الرسالة فإذا فيها ‪..‬‬ ‫أما بعد ‪ ..‬يا كعب بن مالك ‪ ..‬إنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك ‪..‬‬ ‫ولست بدار مضيعة وال هوان ‪ ..‬فالحق بنا نواسك ‪..‬‬ ‫ي أهل الكفر ‪..‬‬ ‫فلما أتم قراءة الرسالة ‪ ..‬قال رضي هللا عنه ‪ :‬إنا هلل ‪ ..‬قد طمع ف َّ‬ ‫هذا أيضا من البالء والشر ‪..‬‬ ‫ثم مضى بالرسالة فورا إلى التنور ‪ ..‬فأشعله ثم أحرقها فيه ‪..‬‬ ‫ولم يلتفت كعب إلى إغراء الملك ‪..‬‬ ‫نعم فُتح له باب إلى بالط الملوك ‪ ..‬وقصور العظماء ‪ ..‬يدعونه إلى الكرامة والصحبة ‪..‬‬ ‫والمدينة من حوله تتجهمه ‪ ..‬والوجوه تعبس في وجهه ‪..‬‬ ‫يسلم فال يرد عليه السالم ‪..‬‬ ‫ويسأل فال يسمع الجواب ‪..‬‬ ‫ومع ذلك لم يلتفت إلى الكفار ‪..‬‬ ‫ولم يفلح الشيطان في زعزعته ‪ ..‬أو تعبيده لشهوته ‪..‬‬ ‫ألقى الرسالة في النار ‪ ..‬وأحرقها ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * *‬ ‫ومضت األيام تتلوها األيام ‪ ..‬وانقضى شهر كامل ‪ ..‬وكعب على هذا الحال ‪..‬‬ ‫والحصار يشتد خناقه ‪ ..‬والضيق يزداد ثقله ‪..‬‬ ‫فال الرسول صلى هللا عليه وسلم يُمضي ‪ ..‬وال الوحي بالحكم يقضي ‪..‬‬ ‫فلما اكتملت أربعون يوما ‪..‬‬ ‫فإذا رسول من النبي صلى هللا عليه وسلم يأتي إلى كعب ‪ ..‬فيطرق عليه الباب ‪..‬‬ ‫فيخرج كعب إليه ‪ ..‬لعله جاء بالفرج ‪ ..‬فإذا الرسول يقول له ‪:‬‬ ‫إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬أطلقها ‪ ..‬أم ماذا ؟‬ ‫قال ‪ :‬ال ‪ ..‬ولكن اعتزلها وال تقربها ‪..‬‬ ‫فدخل كعب على امرأته وقال ‪ :‬الحقي بأهلك ‪..‬‬ ‫فكوني عندهم حتى يقضي هللا في هذا األمر ‪..‬‬ ‫وأرسل النبي صلى هللا عليه وسلم إلى صاحبي كعب بمثل ذلك ‪..‬‬ ‫فجاءت امرأة هالل بن أمية ‪ ..‬فقالت ‪:‬‬ ‫يا رسول هللا ‪ ..‬إن هالل بن أمية شيخ كبير ضعيف ‪ ..‬فهل تأذن لي أن أخدمه ‪..‬؟‬


‫قال ‪ :‬نعم ‪ ..‬ولكن ال يقربنك ‪..‬‬ ‫فقالت المرأة ‪ :‬يا نبي هللا ‪ ..‬وهللا ما به من حركة لشيء ‪..‬‬ ‫ما زال مكتئبا ‪ ..‬يبكي الليل والنهار ‪ ..‬منذ كان من أمره ما كان ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * *‬ ‫ومرت األيام ثقيلة على كعب ‪..‬واشتدت الجفوة عليه ‪..‬حتى صار يراجع إيمانه ‪..‬‬ ‫يكلم المسلمين وال يكلمونه ‪..‬‬ ‫ويسلم على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فال يرد عليه ‪..‬‬ ‫فإلى أين يذهب ‪ !!..‬ومن يستشير !؟‬ ‫قال كعب رضي هللا عنه ‪:‬‬ ‫ي ‪ ..‬فإذا هو في‬ ‫ي البالء ‪ ..‬ذهبت إلى أبي قتادة ‪ ..‬وهو ابن عمي ‪ ..‬وأحب الناس إل َّ‬ ‫فلما طال عل َّ‬ ‫حائط بستانه ‪ ..‬فتسورت الجدار عليه ‪..‬‬ ‫ودخلت ‪ ..‬فسلمت عليه ‪..‬‬ ‫فوهللا ما رد علي السالم ‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬أنشدك هللا ‪ ..‬يا أبا قتادة ‪ ..‬أتعلم أني أحب هللا ورسوله ؟‬ ‫فسكت ‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬يا أبا قتادة ‪ ..‬أتعلم أني أحب هللا ورسوله ؟‬ ‫فسكت ‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬أنشدك هللا ‪ ..‬يا أبا قتادة ‪ ..‬أتعلم أني أحب هللا ورسوله ؟‬ ‫فقال ‪ :‬هللا ورسوله أعلم ‪..‬‬ ‫سمع كعب هذا الجواب ‪ ..‬من ابن عمه وأحب الناس إليه ‪ ..‬ال يدري أهو مؤمن أم ال ؟‬ ‫فلم يستطع أن يتجلد لما سمعه ‪ ..‬وفاضت عيناه بالدموع ‪..‬‬ ‫ثم اقتحم الحائط خارجا ‪..‬‬ ‫وذهب إلى منزله ‪ ..‬وجلس فيه ‪..‬‬ ‫يقلب طرفه بين جدرانه ‪ ..‬ال زوجة تجالسه ‪ ..‬وال قريب يؤانسه ‪..‬‬ ‫وقد مضت عليهم خمسون ليلة ‪ ..‬من حين نهى النبي صلى هللا عليه وسلم الناس عن كالمهم‬ ‫‪..‬‬ ‫* * * * * * * * *‬ ‫وفي الليلة الخمسين ‪ ..‬نزلت توبتهم على النبي صلى هللا عليه وسلم ثلث الليل ‪..‬‬ ‫فقالت أم سلمة رضي هللا عنها ‪:‬‬ ‫يا نبي هللا ‪ ..‬أال نبشر كعب بن مالك ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬إذا يحطمكم الناس ‪ ..‬ويمنعونكم النوم سائر الليلة ‪..‬‬ ‫فلما صلى النبي صلى هللا عليه وسلم الفجر ‪ ..‬آذن الناس بتوبة هللا علينا ‪..‬‬ ‫فانطلق الناس يبشرونهم ‪..‬‬ ‫قال كعب ‪:‬‬ ‫وكنت قد صليت الفجر على سطح بيت من بيوتنا ‪..‬‬ ‫ي األرض بما‬ ‫فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر هللا تعالى ‪ ..‬قد ضاقت علي نفسي ‪ ..‬وضاقت عل َّ‬ ‫رحبت ‪..‬‬


‫ي رسو ُل هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬أو‬ ‫وما من شيء أهم ّ‬ ‫إلي ‪ ..‬من أن أموت ‪ ..‬فال يصلي عل َّ‬ ‫ي ‪..‬‬ ‫يموت ‪ ..‬فأكون من الناس بتلك المنزلة ‪ ..‬فال يكلمني أحد منهم ‪ ..‬وال يصلي عل َّ‬ ‫فبينما أنا على ذلك ‪..‬‬ ‫إذ سمعت صوت صارخ ‪ ..‬على جبل سلع بأعلى صوته يقول ‪:‬‬ ‫يا كعب بن مالك ! ‪ ..‬أبشر ‪..‬‬ ‫فخررت ساجدا ‪ ..‬وعرفت أن قد جاء فرج من هللا ‪..‬‬ ‫ي رجل على فرس ‪ ..‬واآلخر صاح من فوق جبل ‪..‬‬ ‫وأقبل إل َّ‬ ‫وكان الصوت أسرع من الفرس ‪..‬‬ ‫ي فكسوته إياهما ببشراه ‪..‬‬ ‫فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ‪ ..‬نزعت له ثوب َّ‬ ‫وهللا ما أملك غيرهما ‪..‬‬ ‫واستعرت ثوبين ‪ ..‬فلسبتهما ‪..‬‬ ‫وانطلقت إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬فتلقاني الناس فوجا ‪ ..‬فوجا ‪..‬‬ ‫يهنئوني بالتوبة ‪ ..‬يقولون ‪ :‬ليهنك توبة هللا عليك ‪..‬‬ ‫حتى دخلت المسجد ‪ ..‬فسلمت على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪..‬‬ ‫وهو يبرق وجهه من السرور ‪ ..‬وكان إذا ُس َّر استنار وجهه ‪ ..‬حتى كأنه قطعة قمر ‪..‬‬ ‫فقال لي ‪ :‬أبشر بخير يوم م َّر عليك منذ ولدتك أمك ‪..‬‬ ‫قلت ‪ :‬أمن عندك يا رسول هللا ‪ ..‬أم من عند هللا ؟‬ ‫قال ‪ :‬ال ‪ ..‬بل من عند هللا ‪ ..‬ثم تال اآليات ‪..‬‬ ‫فلما جلست بين يديه ‪..‬‬ ‫قلت ‪ :‬يا رسول هللا ! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى هللا ‪ ..‬وإلى رسوله ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬أمسك عليك بعض مالك ‪ ..‬فهو خير لك ‪..‬‬ ‫فقلت ‪ :‬يا رسول هللا ! إن هللا إنما نجاني بالصدق ‪ ..‬وإن من توبتي أال أحدث إال صدقا ما بقيت ‪..‬‬ ‫نعم ‪ ..‬تاب هللا على كعب وصاحبيه ‪ ..‬وأنزل في ذلك قرءانا يتلى ‪..‬‬ ‫فقال عز وجل ‪:‬‬ ‫َاب َّ‬ ‫ين اتَّبَعُوهُ فِي َسا َع ِة ْال ُع ْس َر ِة ِم ْن بَ ْع ِد َما َكا َد يَ ِزي ُغ‬ ‫ار الَّ ِذ َ‬ ‫اج ِر َ‬ ‫ين َو ْاألَ ْن َ‬ ‫{ لَقَ ْد ت َ‬ ‫هللاُ َعلَى النَّبِ ِّي َو ْال ُمهَ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫َاب َعلَ ْي ِه ْم إِنَّهُ بِ ِه ْم َر ُؤ ٌ‬ ‫ت‬ ‫وف َر ِحي ٌم * َو َعلَى الثَّالثَ ِة الَّ ِذ َ‬ ‫ين ُخلِّفُوا َحتَّى ِإ َذا َ‬ ‫ق ِم ْنهُ ْم ثُ َّم ت َ‬ ‫قُلُوبُ فَ ِري ٍ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫َعلَ ْي ِه ُم ْاألَرْ ضُ ِب َما َر ُحبَ ْ‬ ‫َاب َعلَ ْي ِه ْم‬ ‫هللا ِإ َّال إِلَ ْي ِه ث ُ َّم ت َ‬ ‫ت َو َ‬ ‫ت َعلَيْ ِه ْم أَ ْنفُ ُسهُ ْم َوظَنُّوا أَ ْن ال َم ْل َجأ َ ِم َن َّ ِ‬ ‫ِليَتُوب ُوا ِإ َّن َّ‬ ‫هللاَ هُ َو التَّ َّوابُ الر َِّحي ُم } ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬


‫‪ ..‬في بطن الحوت ‪..‬‬ ‫كل الناس يذكرون هللا عند الشدائد ‪..‬‬ ‫لكن منهم من يذكره ويطيعه ‪ ..‬فإذا زالت الشدة عصاه ونساه ‪..‬‬ ‫ومنهم من يستمر صالحه وتوبته ‪..‬‬ ‫يونس عليه السالم ‪ ..‬دعا قومه إلى اإليمان ‪ ..‬فأعرضوا وتكبروا ‪ ..‬فغضب ‪ ..‬وركب البحر مع‬ ‫سفينة ‪ ..‬فلما ثقلت بهم خافوا أن يغرقوا جميعا ‪ ..‬فعلموا أنه ال بد أن يخففوا الحمل بإلقاء أحد‬ ‫ركابها إلى البحر ‪ ..‬عملوا القرعة مرارا فوقعت على يونس ‪ ..‬ألقوه في البحر ‪ ..‬فالتقمه الحوت ‪..‬‬ ‫ثم نزل به إلى األعماق ‪..‬‬ ‫كل شيء حدث بسرعة ‪ ..‬يونس في الظلمات ‪..‬‬ ‫تسمع حوله ‪ ..‬فإذا به يسمع تسبيح الحصى الذي في قعر البحر ‪..‬‬ ‫ت أَ ْن ال ِإلَهَ ِإ َّال أَ ْنتَ ُس ْب َحان َ​َك ِإنِّي ُك ْن ُ‬ ‫ين ) ‪..‬‬ ‫ت ِم َن الظَّا ِل ِم َ‬ ‫فانتفض ‪ ( ..‬فَنَا َدى ِفي الظُّلُ َما ِ‬ ‫فقرعت كلماته أبواب السماء ‪ ..‬فنزل عليه الفرج ‪..‬‬ ‫هذا خبر يونس النبي عليه الصالة والسالم ‪..‬‬ ‫أما يونس اليوم فيقول ‪:‬‬ ‫كنت شابا أظن أن الحياة ‪ ..‬مال وفير ‪ ..‬وفراش وثير ‪ ..‬ومركب وطيء ‪..‬‬ ‫وكان يوم جمعة ‪ ..‬جلست مع مجموعة من رفقاء الدرب على الشاطئ ‪..‬‬ ‫وهم كالعادة مجموعة من القلوب الغافلة ‪..‬‬ ‫سمعت النداء حي على الصالة ‪ ..‬حي على الفالح ‪..‬‬ ‫أقسم أني سمعت األذان طوال حياتي ‪ ..‬ولكني لم أفقه يوما معنى كلمة فالح ‪..‬‬ ‫طبع الشيطان على قلبي ‪ ..‬حتى صارت كلمات األذان كأنها تقال بلغة ال أفهمها ‪..‬‬ ‫كان الناس حولنا يفرشون سجاداتهم ‪ ..‬ويجتمعون للصالة ‪..‬‬ ‫ونحن كنا نجهز عدة الغوص وأنابيب الهواء ‪..‬‬ ‫استعدادا لرحلة تحت الماء‪..‬‬ ‫لبسنا عدة الغوص ‪ ..‬ودخلنا البحر ‪ ..‬بعدنا عن الشاطئ ‪..‬‬ ‫حتى صرنا في بطن البحر ‪..‬‬ ‫كان كل شيء على ما يرام ‪ ..‬الرحلة جميلة ‪..‬‬ ‫وفي غمرة المتعة ‪ ..‬فجأة تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه‬ ‫لتحول دون دخول الماء إلى الفم ‪ ..‬ولتمده بالهواء من األنبوب ‪ ..‬وتمزقت أثناء دخول الهواء إلى‬ ‫رئتي ‪ ..‬وفجأة أغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي‪ ...‬وبدأت أموت ‪..‬‬ ‫بدأت رئتي تستغيث وتنتفض ‪ ..‬تريد هواء ‪ ..‬أي هواء ‪..‬‬ ‫أخذت اضطرب ‪ ..‬البحر مظلم ‪ ..‬رفاقي بعيدون عني ‪..‬‬ ‫بدأت أدرك خطورة الموقف ‪ ..‬إنني أموت ‪..‬‬ ‫بدأت أشهق ‪ ..‬وأشرق بالماء المالح‪..‬‬ ‫بدأ شريط حياتي بالمرور أمام عيني ‪..‬‬ ‫مع أول شهقة ‪ ..‬عرفت كم أنا ضعيف ‪..‬‬ ‫بضع قطرات مالحة سلطها هللا علي ليريني أنه هو القوي الجبار ‪..‬‬


‫آمنت أنه ال ملجأ من هللا إال إليه‪ ...‬حاولت التحرك بسرعة للخروج من الماء ‪ ..‬إال أني كنت على‬ ‫عمق كبير ‪..‬‬ ‫ليست المشكلة أن أموت ‪ ..‬المشكلة كيف سألقى هللا ؟!‬ ‫إذا سألني عن عملي ‪ ..‬ماذا سأقول ؟‬ ‫أما ما أحاسب عنه ‪ ..‬الصالة ‪ ..‬وقد ضيعتها ‪..‬‬ ‫تذكرت الشهادتين ‪ ..‬فأردت أن يختم لي بهما ‪..‬‬ ‫فقلت أشهـ ‪ ..‬فغصَّ حلقي ‪ ..‬وكأن يدا خفية تطبق على رقبتي لتمنعني من نطقها ‪..‬‬ ‫حاولت جاهدا ‪ ..‬أشهـ ‪ ..‬أشهـ ‪ ..‬بدأ قلبي يصرخ ‪ :‬ربي ارجعون ‪ ..‬ربي ارجعون ‪ ..‬ساعة ‪..‬‬ ‫دقيقة ‪ ..‬لحظة ‪ ..‬ولكن هيهات‪..‬‬ ‫بدأت أفقد الشعور بكل شيء ‪ ..‬أحاطت بي ظلمة غريبة ‪..‬‬ ‫هذا آخر ما أتذكر ‪..‬‬ ‫لكن رحمة ربي كانت أوسع ‪..‬‬ ‫فجأة بدأ الهواء يتسرب إلى صدري مرة أخرى ‪..‬‬ ‫انقشعت الظلمة ‪ ..‬فتحت عيني ‪ ..‬فإذا أحد األصحاب ‪..‬‬ ‫يثبت خرطوم الهواء في فمي ‪..‬‬ ‫ويحاول إنعاشي ‪ ..‬ونحن مازلنا في بطن البحر ‪..‬‬ ‫رأيت ابتسامة على محياه ‪ ..‬فهمت منها أنني بخير ‪..‬‬ ‫عندها صاح قلبي ‪ ..‬ولساني ‪ ..‬وكل خلية في جسدي ‪..‬‬ ‫أشهد أن ال إله إال هللا ‪ ..‬وأشهد أن محمد رسول هللا ‪ ..‬الحمد هلل ‪..‬‬ ‫خرجت من الماء ‪ ..‬وأنا شخص أخر ‪..‬‬ ‫تغيرت نظرتي للحياة ‪..‬‬ ‫أصبحت األيام تزيدني من هللا قربا ‪ ..‬أدركت س َّر وجودي في الحياة ‪ ..‬تذكرت قول هللا ( إال‬ ‫ليعبدون ) ‪..‬‬ ‫صحيح ‪ ..‬ما خلقنا عبثا ‪..‬‬ ‫مرت أيام ‪ ..‬فتذكرت تلك الحادثة ‪..‬‬ ‫فذهبت إلى البحر ‪ ..‬ولبست لباس الغوص ‪..‬‬ ‫ثم أقبلت إلى الماء ‪ ..‬وحدي وتوجهت إلى المكان نفسه في بطن البحر ‪..‬‬ ‫وسجدت هلل تعالى سجدة ما أذكر اني سجدت مثلها في حياتي ‪..‬‬ ‫في مكان ال أظن أن إنسانا قبلي قد سجد فيه هلل تعالى ‪..‬‬ ‫عسى أن يشهد علي هذا المكان يوم القيامة فيرحمني هللا بسجدتي في بطن البحر ويدخلني جنته‬ ‫اللهم أمين ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬


‫وغدراتي وفجراتي !!‬ ‫ربنا أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا ‪..‬‬ ‫ومن سعة رحمته ‪ ..‬أنه عرض التوبة على كل أحد ‪..‬‬ ‫مهما أشرك العبد وكفر ‪ ..‬أو طغى وتجبر ‪..‬‬ ‫فإن الرحمة معروضة عليه ‪ ..‬وباب التوبة مشرع بين يديه ‪..‬‬ ‫وانظر إلى ذاك الشيخ الهرم ‪ ..‬الذي ‪ ..‬كبر سنه ‪ ..‬وانحنى ظهره ‪ ..‬ورق عظمه ‪..‬‬ ‫أقبل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬وهو جالس بين أصحابه يوما ‪..‬‬ ‫يجر خطاه ‪ ..‬وقد سقط حاجباه على عينيه ‪ ..‬وهو ي ّدعم على عصا ‪..‬‬ ‫جاء يمشي ‪ ..‬حتى قام بين يديّ النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬فقال بصوت تصارعه اآلالم ‪..‬‬ ‫يا رسول هللا ‪ ..‬أرأيت رجال عمل الذنوب كلها ‪ ..‬فلم يترك منها شيئا ‪..‬‬ ‫وهو في ذلك لم يترك حاجة ‪ ..‬وال داجة ‪ ..‬أي صغيرة وال كبيرة ‪ ..‬إال أتاها ‪..‬‬ ‫لو قسّمت خطيئته بين أهل األرض ألوبقتهم ‪ ..‬فهل لذلك من توبة ؟‬ ‫فرفع النبي صلى هللا عليه وسلم بصره إليه ‪ ..‬فإذا شيخ قد انحنى ظهره ‪ ..‬واضطرب أمره ‪..‬‬ ‫قد هده مر السنين واألعوام ‪ ..‬وأهلكته الشهوات واآلالم ‪..‬‬ ‫فقال له صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬فهل أسلمت ؟‬ ‫قال ‪ :‬أما أنا ‪ ..‬فأشهد أن ال إله إال هللا ‪ ..‬وأنك رسول هللا ‪..‬‬ ‫فقال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬تفعل الخيرات ‪ ..‬وتترك السيئات ‪ ..‬فيجعلهن هللا لك خيرات كلهن ‪..‬‬ ‫فقال الشيخ ‪ :‬وغدراتي ‪ ..‬وفجراتني ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬نعم ‪..‬‬ ‫فصاح الشيخ ‪ :‬هللا أكبر ‪ ..‬هللا أكبر ‪ ..‬هللا أكبر ‪..‬‬ ‫فما زال يكبر حتى توارى عنهم ‪..‬‬ ‫الحديث ‪ :‬رواه الطبراني والبزار ‪ ،‬وقال المنذري ‪ :‬إسناده جيد قوي ‪،‬وقال ابن حجر هو على‬ ‫شرط الصحيح ‪.‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫هل تطرحه في النار ؟!‬ ‫هللا أرحم بعباده ‪ ..‬من آبائهم وأمهاتهم ‪..‬‬ ‫في الصحيحين ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫أن النبي صلى هللا عليه وسلم لما انتهى من حرب هوازن ‪ ..‬أتي إليه بعد المعركة ‪ ..‬بأطفال الكفار‬ ‫ونسائهم ‪ ..‬ثم جمعوا في مكان ‪..‬‬ ‫فالتفت النبي صلى هللا عليه وسلم إليهم ‪ ..‬فإذا امرأة من السبي ‪ ..‬أم ثكلى ‪ ..‬تجر خطاها ‪ ..‬تبحث‬ ‫عن ولدها ‪ ..‬وفلذة كبدها ‪..‬‬ ‫قد اضطرب أمرها ‪ ..‬وطار صوابها ‪ ..‬واشت ّد مصابها ‪..‬‬ ‫تطوف على األطفال الرضع ‪ ..‬تنظر في وجوههم ‪ ..‬يكاد ثديها يتفجر من احتباس اللبن فيه ‪..‬‬ ‫تتمنى لو أن طفلها بين يديها ‪ ..‬تضمه ضمة ‪ ..‬وتشمه شمة ‪ ..‬ولو كلفها ذلك حياتها ‪..‬‬


‫فبينما هي على ذلك ‪..‬‬ ‫إذ وجدت ولدها ‪ ..‬فلما رأته جف دمعها ‪ ..‬وعاد صوابها ‪..‬‬ ‫ثم انكبت عليه ‪ ..‬وانطرحت بين يديه ‪ ..‬وقد رحمت جوعه وتعبه ‪ ..‬وبكاءه ونصبه ‪..‬أخذت تضمه‬ ‫وتقبله ‪..‬‬ ‫ثم ألصقته بصدرها ‪ ..‬وألقمته ثديها ‪..‬‬ ‫فنظر الرحيم الشفيق إليها ‪ ..‬وقد أضناها التعب ‪ ..‬وعظم النصب ‪..‬‬ ‫وقد طال شوقها إلى ولدها ‪ ..‬واشتد مصابه ومصابها ‪..‬‬ ‫فلما رأى ذلها ‪ ..‬وانكسارها ‪ ..‬وفجيعتها بولدها ‪..‬‬ ‫التفت إلى أصحابه ثم قال ‪:‬‬ ‫أتُ َرون هذه ‪ ..‬طارحة ولدها في النار ‪ ..‬يعني لو أشعلنا نارا وأمرناها أن تطرح ولدها فيها ‪..‬‬ ‫أترون أنها ترضى ‪..‬‬ ‫فعجب الصحابة الكرام ‪ :‬كيف تطرحه في النار ‪ ..‬وهو فلذة كبدها ‪ ..‬وعصارة قلبها ‪..‬كيف‬ ‫تطرحه ‪ ..‬وهي تلثمه ‪ ..‬وتقبله ‪ ..‬وتغسل وجهه بدموعها ‪ ..‬كيف تطرحه ‪..‬‬ ‫وهي األم الرحيمة ‪ ..‬والوالدة الشفيقة ‪..‬‬ ‫قالوا ‪ :‬ال ‪ ..‬وهللا ‪ ..‬يا رسول هللا ‪ ..‬ال تطرحه في النار ‪ ..‬وهي تقدر على أن ال تطرحه ‪..‬‬ ‫فقال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬وهللا ‪ ..‬هلل ‪ ..‬أرحم بعباده من هذه بولدها ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫‪ ..‬في المستشفى ‪..‬‬ ‫• دخلت على مريض في المستشفى ‪ ..‬فلما أقبلت إليه ‪ ..‬فإذا رجل قد بلغ من العمر أربعين سنة ‪..‬‬ ‫من أنضر الناس وجها ‪ ..‬وأحسنهم قواما ‪..‬‬ ‫لكن جسده كله مشلو ٌل ال يتحرك منه ذرة ‪ ..‬إال رأسه وبعض رقبته ‪..‬‬ ‫دخلت غرفته ‪ ..‬فإذا جرس الهاتف يرن ‪ ..‬فصاح بي وقال ‪ :‬يا شيخ أدرك الهاتف قبل أن ينقطع‬ ‫االتصال ‪..‬‬ ‫فرفعت سماعة الهاتف ثم قربتها إلى أذنه ووضعت مخدة تمسكها ‪ ..‬وانتظرت قليال حتى أنهى‬ ‫مكالمته ‪ ..‬ثم قال ‪ :‬يا شيخ ‪ ..‬أرجع السماعة مكانها ‪..‬‬ ‫فأرجعتها مكانها ‪ ..‬ثم سألته ‪ :‬منذ متى وأنت على هذا الحال ؟‬ ‫فقال ‪ :‬منذ عشرين سنة ‪ ..‬وأنا أسير على هذا السرير ‪..‬‬ ‫• وحدثني أحد الفضالء أنه مر بغرفة في المستشفى ‪ ..‬فإذا فيها مريض يصيح بأعلى صوته ‪..‬‬ ‫ويئن أنينا يقطع القلوب ‪..‬‬ ‫قال صاحبي ‪ :‬فدخلت عليه ‪ ..‬فإذا هو جسده مشلو ٌل كله ‪..‬‬ ‫وهو يحاول االلتفات فال يستطيع ‪..‬‬ ‫فسألت الممرض عن سبب صياحه ‪ ..‬فقال ‪:‬‬ ‫هذا مصاب بشلل تام ‪ ..‬وتلف في األمعاء ‪ ..‬وبعد كل وجبة غداء أو عشاء ‪ ..‬يصيبه عسر هضم ‪..‬‬ ‫فقلت له ‪ :‬ال تطعموه طعاما ثقيال ‪ ..‬جنبوه أكل اللحم ‪ ..‬والرز ‪..‬‬


‫فقال الممرض ‪ :‬أتدري ماذا نطعمه ‪ ..‬وهللا ال ندخل إلى بطنه إال الحليب من خالل األنابيب‬ ‫الموصلة بأنفه ‪..‬‬ ‫وكل هذه اآلالم ‪ ..‬ليهضم هذا الحليب ‪..‬‬ ‫• وحدثني آخر أنه م ّر بغرفة مريض مشلول أيضا ‪ ..‬ال يتحرك منه شيء أبدا ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬فإذا المريض يصيح بالمارين ‪ ..‬فدخلت عليه ‪..‬‬ ‫فرأيت أمامه لوح خشب عليه مصحف مفتوح ‪ ..‬وهذا المريض منذ ساعات ‪ ..‬كلما انتهى من قراءة‬ ‫الصفحتين أعادهما ‪ ..‬فإذا فرغ منهما أعادهما ‪ ..‬ألنه ال يستطيع أن يتحرك ليقلب الصفحة ‪ ..‬ولم‬ ‫يجد أحدا يساعده ‪..‬‬ ‫فلما وقفت أمامه ‪ ..‬قال لي ‪ :‬لو سمحت ‪ ..‬اقلب الصفحة ‪..‬‬ ‫فقلبتها ‪ ..‬فتهلل وجهه ‪ ..‬ثم وجّ ه نظره إلى المصحف وأخذ يقرأ ‪..‬‬ ‫فانفجرت باكيا بين يديه ‪ ..‬متعجبا من حرصه وغفلتنا ‪..‬‬ ‫• وحدثني ثالث أنه دخل على رجل مقعد مشلول تماما في أحد المستشفيات ‪ ..‬ال يتحرك إال رأسه ‪..‬‬ ‫فلما رأى حاله ‪ ..‬رأف به وقال ‪ :‬ماذا تتمنى ‪..‬‬ ‫فقال المريض ‪ ..‬أنا عمري قرابة األربعين ‪ ..‬وعندي خمسة أوالد ‪..‬‬ ‫وعلى هذا السرير ‪ ..‬منذ سبع سنين ‪ ..‬ال أتمنى أن أمشي ‪ ..‬وال أن أرى أوالدي ‪ ..‬وال أن أعيش‬ ‫مثل الناس ‪..‬‬ ‫لكنني أتمنى أني أستطيع أن ألصق هذه الجبهة على األرض ذلة لرب العالمين ‪ ..‬وأسجد كما يسجد‬ ‫الناس ‪..‬‬ ‫• وأخبرني أحد األطباء أنه دخل في غرفة اإلنعاش على مريض ‪ ..‬فإذا شيخ كبير ‪ ..‬على سرير‬ ‫أبيض وجهه يتألأل نورا ‪ ..‬قال صاحبي ‪ :‬أخذت أقلب ملفه ‪ ..‬فإذا هو قد أجريت له عملية في‬ ‫القلب ‪ ..‬أصابه نزيف خاللها ‪ ..‬مما أدى إلى توقف الدم عن بعض مناطق الدماغ ‪ ..‬فأصيب‬ ‫بغيبوبة تامة ‪..‬‬ ‫وإذا األجهزة موصلة به ‪ ..‬وقد وضع على فمه جهاز للتنفس الصناعي يدفع إلى رئتيه تسعة أنفاس‬ ‫في الدقيقة ‪ ..‬كان بجانبه أح ُد أوالده ‪..‬سألته عنه‬ ‫فأخبرني أن أباه مؤذن في أحد المساجد منذ سنين ‪..‬‬ ‫أخذت أنظر إليه ‪ ..‬حركت يده ‪ ..‬حركت عينه ‪ ..‬كلمته ‪ ..‬ال يدري عن شيء أبدا‪..‬‬ ‫كانت حالته خطيرة ‪..‬‬ ‫اقترب ولده من أذنه وصار يكلمه ‪ ..‬وهو ال يعقل شيئا ‪..‬‬ ‫فبدأ الولد يقول ‪ ..‬يا أبي ‪ ..‬أمي بخير ‪ ..‬وإخواني بخير ‪ ..‬وخالي رجع من السفر ‪..‬‬ ‫واستمر الولد يتكلم ‪..‬‬ ‫واألمر على ما هو عليه ‪ ..‬الشيخ ال يتحرك ‪ ..‬والجهاز يدفع تسعة أنفاس في الدقيقة ‪..‬‬ ‫وفجأة قال الولد ‪ ..‬والمسجد مشتاق إليك ‪ ..‬وال أحد يؤذن فيه إال فالن ‪ ..‬ويخطئ في األذان ‪..‬‬ ‫ومكانك في المسجد فارغ ‪..‬‬ ‫فلما ذكر المسجد واألذان ‪ ..‬اضطرب صدر الشيخ ‪ ..‬وبدأ يتنفس ‪ ..‬فنظرت إلى الجهاز فإذا هو‬ ‫يشير إلى ثمانية عشر نفسا في الدقيقة ‪..‬‬ ‫والولد ال يدري ‪..‬‬


‫ثم قال الولد ‪ :‬وابن عمي تزوج ‪ ..‬وأخي تخرج ‪..‬‬ ‫فهدأ الشيخ مرة أخرى ‪ ..‬وعادت األنفاس تسعة ‪ ..‬يدفعها الجهاز اآللي ‪..‬‬ ‫فلما رأيت ذلك أقبلت إليه ‪ ..‬حتى وقفت عند رأسه ‪ ..‬حركت يده ‪ ..‬عينه ‪ ..‬هززته ‪ ..‬ال شيء ‪ ..‬كل‬ ‫شيء ساكن ‪ ..‬ال يتجاوب معي أبدا ‪ ..‬تعجبت ‪..‬‬ ‫قربت فمي من أذنه ثم قلت ‪ :‬هللا أكبرررر ‪ ..‬حي على الصالة ‪ ..‬حي على الفالح ‪..‬‬ ‫وأنا أسترق النظر إلى جهاز التنفس ‪ ..‬فإذا به يشير إلى ثمان عشرة نفس في الدقيقة ‪..‬‬ ‫فلله درهم من مرضى‪ ..‬بل وهللا نحن المرضى‪..‬‬ ‫ون يَ ْوما تَتَقَلَّبُ‬ ‫هللا َو ِإقَ ِام الصَّال ِة َوإِيتَا ِء ال َّز َكا ِة يَخَافُ َ‬ ‫نعم ‪ِ ( ..‬ر َجا ٌل ال تُلْ ِهي ِه ْم ِت َج َ‬ ‫ارةٌ َوال بَ ْي ٌع َع ْن ِذ ْك ِر َّ ِ‬ ‫هللاُ أَحْ َس َن َما َع ِملُوا َويَ ِزي َدهُ ْم ِم ْن فَضْ لِ ِه َو َّ‬ ‫ْصا ُر * لِيَجْ ِزيَهُ ُم َّ‬ ‫هللاُ يَرْ ُز ُ‬ ‫ق َم ْن يَ َشا ُء ِب َغي ِْر‬ ‫فِي ِه ْالقُلُوبُ َو ْاألَب َ‬ ‫ب ) ‪..‬‬ ‫ِح َسا ٍ‬ ‫هذا حال أولئك المرضى ‪..‬‬ ‫فأنت يا سليما من األمراض واألسقام ‪ ..‬يا معافى من األدواء واألورام ‪..‬‬ ‫يا من تتقلب في النعم ‪ ..‬وال تخشى النقم ‪..‬‬ ‫ماذا فعل هللا بك فقابلته بالعصيان ‪ ..‬بأي شيء آذاك ‪ ..‬أليست نعمه عليك تترى ‪ ..‬وأفضاله عليك ال‬ ‫تحصى ؟‬ ‫أما تخاف ‪ ..‬أن توقف بين يدي هللا غدا ‪..‬‬ ‫فيقول لك ‪ ..‬يا عبدي ألم أصح لك في بدنك ‪ ..‬وأوسع عليك في رزقك ‪..‬‬ ‫وأسلم لك سمعك وبصرك ‪ ..‬فتقول بلى ‪ ..‬فيسألك الجبار ‪:‬‬ ‫فلم عصيتني بنعمي ‪ ..‬وتعرضت لغضبي ونقمي ‪..‬‬ ‫فعندها تنشر في المأل عيوبك ‪ ..‬وتعرض عليك ذنوبك ‪..‬‬ ‫فتبا للذنوب ‪ ..‬ما أشد شؤمها ‪ ..‬وأعظم خطرها ‪..‬‬ ‫وهل أخرج أبانا من الجنة إال ذنب من الذنوب ‪..‬‬ ‫وهل أغرق قوم نوح إال الذنوب ‪..‬‬ ‫وهل أهلك عادا وثمود إال الذنوب ‪..‬‬ ‫وهل قلب على قوم لوط ديارهم ‪ ..‬وعجل لقوم شعيب عذابهم ‪..‬‬ ‫وأمطر على أبرهة حجارة من سجيل ‪ ..‬وأنزل بفرعون العذاب الوبيل ‪..‬‬ ‫إال المعاصي والذنوب ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬ ‫‪ ..‬الجبال الراسيات ‪..‬‬ ‫في أول بعثة النبي عليه الصالة والسالم كان يدعو إلى اإلسالم في مكة سرا ‪ ..‬وكان المسلمون‬ ‫يختفون بدينهم ‪..‬‬ ‫فلما تكامل عددهم ثمانية وثالثين رجال ‪..‬‬ ‫أل َّح أبو بكر رضي هللا عنه على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في الظهور ‪..‬‬ ‫فقال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬يا أبا بكر ‪ ..‬إنا قليل ‪..‬‬


‫فلم يزل أبو بكر يلح عليه حتى خرج صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬إلى المسجد ‪ ..‬وخرج المسلمون معه‪..‬‬ ‫وتفرقوا في نواحي المسجد ‪ ..‬كل رجل في عشيرته‪..‬‬ ‫وقام أبو بكر في الناس خطيبا ‪ ..‬فكان أول خطيب دعا إلى هللا ‪ ..‬فلما رأى المشركون من يسفه‬ ‫آلهتهم ‪ ..‬ويتنقص دينهم ‪..‬‬ ‫ثاروا على أبي بكر وعلى المسلمين ‪..‬‬ ‫يضربونهم في نواحي المسجد ضربا شديدا ‪..‬‬ ‫فجعلوا‬ ‫ِ‬ ‫وأبو بكر يجهر بالدين ‪ ..‬فأحاط به جمع منهم ‪..‬‬ ‫فضربوه ‪ ..‬حتى وقع على األرض ‪ ..‬وهو كهل قد قارب عمره الخمسين سنة ‪..‬‬ ‫ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة ‪ ..‬وجعل يطأ على بطنه وصدره ‪ ..‬ويضربه بنعلين مخصوفين ‪..‬‬ ‫ويحرفهما على وجهه ‪ ..‬حتى مزق لحم وجهه ‪ ..‬وجعلت دماؤه تسيل ‪ ..‬حتى ما يعرف وجهه من‬ ‫أنفه ‪ ..‬وأبو بكر مغمى عليه ‪..‬‬ ‫فجاءت قبيلته بنو تيم يتعادون ‪ ..‬ودفعوا المشركين عنه ‪..‬‬ ‫وحملوه في ثوب ‪ ..‬وال يشكون في موته ‪ ..‬حتى أدخلوه منزله ‪..‬‬ ‫وقعد أبوه وقومه عند رأسه ‪ ..‬يكلمونه فال يجيب ‪..‬‬ ‫حتى إذا كان آخر النهار ‪ ..‬أفاق ‪ ..‬وفتح عينيه ‪ ..‬فكان أول كلمة تكلم بها ان قال ‪ :‬ما فعل رسول‬ ‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬؟؟‬ ‫فغضب أبوه وسبه ‪ ..‬ثم خرج من عنده ‪..‬‬ ‫فقعدت أمه عند رأسه ‪ ..‬تجتهد أن تطعمه أو تسقيه ‪ ..‬وتل ّح عليه ‪..‬‬ ‫وهو يردد ‪ :‬ما فعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪..‬‬ ‫فقالت ‪ :‬وهللا مالي علم بصاحبك ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب ‪ ..‬فسليها عنه ‪ ..‬وكانت أم جميل مسلمة تكتم إسالمها ‪..‬‬ ‫فخرجت أمه حتى جاءت أم جميل فقالت ‪:‬‬ ‫إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد هللا ؟‬ ‫فخافت أم جميل أن يكتشفوا إسالمها ‪ ..‬فقالت ‪ :‬ما أعرف أبا بكر ‪ ..‬وال محمدا ‪ ..‬ولكن إن أحببت‬ ‫مضيت معك إلى ابنك ‪..‬‬ ‫قالت ‪ :‬نعم ‪ ..‬فمضت معها ‪..‬‬ ‫فلما دخلت على أبي بكر ‪ ..‬وجدته صريعا دنفا ‪ ..‬ممزق الوجه ‪ ..‬ودماؤه تسيل ‪..‬‬ ‫فبكت وقالت ‪ :‬وهللا إن قوما نالوا هذا منك ألهل فسق وكفر ‪ ..‬وإني ألرجو أن ينتقم هللا لك منهم ‪..‬‬ ‫فالتفت إليها أبو بكر ‪ ..‬وما يكاد يطيق ‪ ..‬فقال ‪ :‬يا أم جميل ‪ ..‬ما فعل رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫وسلم ‪..‬‬ ‫فنظرت أم جميل إلى أم أبي بكر وكانت لم تسلم بعد ‪ ..‬فخشيت أن تخبر الكفار بأسرار المسلمين ‪..‬‬ ‫فقالت أم جميل ألبي بكر ‪ :‬هذه أمك تسمع ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬فال شيء عليك منها ‪..‬‬ ‫قالت ‪ :‬رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سال ٌم صال ٌح ‪ ..‬قال ‪ :‬فأين هو ؟‬ ‫قالت ‪ :‬في دار أبي األرقم ‪..‬‬ ‫فقالت أمه ‪ :‬قد عرفت خبر صاحبك ‪ ..‬فكل واشرب اآلن ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬ال ‪ ..‬إن هلل علي أن ال أذوق طعاما أو شرابا ‪ ..‬حتى آتي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪..‬‬ ‫فأراه بعيني ‪..‬‬ ‫فأمهلتاه ‪ ..‬حتى إذا أظلم الليل ‪ ..‬وهدأ الناس ‪..‬‬


‫حاول أن يقوم ‪ ..‬فلم يستطع ‪ ..‬خرجت به أمه وأم جميل يتكئ عليهما ‪ ..‬حتى أدخلتاه على رسول‬ ‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪..‬‬ ‫فلما رآه النبي عليه الصالة والسالم ‪ ..‬أكب عليه يقبله ‪..‬‬ ‫وأكبَّ عليه المسلمون ‪ ..‬ورق له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رقة شديدة ‪..‬‬ ‫وأبو بكر يقول ‪ :‬بأبي وأمي أنت يا رسول هللا ‪ ..‬ليس بي من بأس ‪ ..‬إال ما نال الفاسق من وجهي ‪..‬‬ ‫ثم قال أبو بكر ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ..‬هذه أمي برة بولدها ‪ ..‬وأنت رجل مبارك ‪ ..‬فادعها إلى هللا عز‬ ‫وجل ‪ ..‬وادع هللا لها ‪ ..‬عسى هللا أن يستنقذها بك من النار ‪..‬‬ ‫فدعا لها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬ثم دعاها إلى هللا ‪ ..‬فأسلمت ‪..‬‬ ‫فانظر إلى هذا الجبل الراسي ‪ ..‬أبي بكر رضي هللا عنه ‪ ..‬وتأمل في حرصه على الدعوة إلى هللا ‪..‬‬ ‫واعجب من قوة ثباته على الدين ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫‪ ..‬قال ‪ :‬معاذ هللا ‪..‬‬ ‫كان شابا فقيرا ‪ ..‬يعمل بائعا ‪ ..‬يتجول في الطرقات ‪..‬‬ ‫وكانت هي امرأة فارغة ‪ ..‬ال تكف عن التعرض للحرام ‪ ..‬كانت مصيدة للشيطان ‪..‬‬ ‫مرّ ذات يوم بجانب بيتها ‪ ..‬أطلت من طرف الباب وسألته عن بضاعته فأخبرها ‪..‬‬ ‫طلبت منه أن يدخل لترى البضاعة ‪ ..‬فلما دخل أغلقت الباب ‪..‬‬ ‫ثم دعته إلى الحرام ‪ ..‬فصاح بها ‪ ..‬معاذ هللا ‪..‬‬ ‫وتذكر حاله عندما تذهب اللذات ‪ ..‬وتبقى الحسرات ‪..‬‬ ‫تذكر يوم تشهد عليها أعضاؤه التي متعتها بالزنا ‪..‬‬ ‫رجله التي مشى بها‪ ..‬يده التي لمس بها‪ ..‬لسانه الذي تكلم به‪..‬‬ ‫بل تشهد عليه ‪ ..‬كل ذرة من ذراته ‪ ..‬وكل شعرة من شعراته ‪..‬‬ ‫تذكر حرارة النيران ‪ ..‬وعذاب الرحمن ‪..‬‬ ‫يوم يعلق الزناة في النار‪ ..‬ويضربون بسياط من حديد ‪ ..‬فإذا استغاث أحدهم من الضرب‪ ..‬نادته‬ ‫المالئكة ‪ :‬أين كان هذا الصوت وأنت تضحك‪ ..‬وتفرح‪ ..‬وتمرح‪ ..‬وال تراقب هللا وال تستحي‬ ‫منه‪!!..‬‬ ‫تذكر قول النبي عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬يا أمة محمد‪ ..‬وهللا إنه ال أحد أغير من هللا‪ ..‬أن يزنى‬ ‫عبده‪ ..‬أو تزني أمته‪ ..‬يا أمة محمد وهللا لو تعلمون ما أعلم‪ ..‬لضحكتم قليال ولبكيتم كثيرا ) ‪..‬‬ ‫تذكر يوم رأى النبي عليه الصالة والسالم في منامه رجاال ونساء عراة في مكان ضيق مثل‬ ‫التنور ‪ ..‬أسفله واسع وأعاله ضيق ‪ ..‬وهم يصيحون ويصرخون ‪ ..‬وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل‬ ‫منهم ‪ ..‬فإذا أتاهم ذلك اللهب صاحوا من شدة حره ‪ ..‬فقال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬من هؤالء يا‬ ‫جبريل ؟‬ ‫قال ‪ :‬هؤالء الزناة والزواني ‪ ..‬فهذا عذابهم إلى يوم القيامة ‪..‬‬


‫ولعذاب اآلخرة أشد وأبقى ‪ ..‬نسأل هللا العفو والعافية ‪.‬‬ ‫قالت له نفسه ‪ :‬افعل وتب ‪ ..‬قال ‪ ..‬أعوذ باهلل ‪ ..‬كيف أهتكت ستر ربي ‪ ..‬كيف أنظر إلى امرأة ال‬ ‫تحل لي وهللا عز وجل من فوقنا ‪ ..‬ينظر إلينا ‪ ..‬كيف نختفي من الخلق ‪ ..‬ونفجر أمام الخالق ‪..‬‬ ‫فبقي ساكنا يفكر في مخرج ‪ ..‬وينظر على الباب ‪..‬‬ ‫فصاحت به الفاجرة ‪ :‬وهللا إن لم تفعل ما أريده منك صرخت ‪ ..‬فيحضر الناس فأقول ‪ :‬هذا الشاب‪..‬‬ ‫ي في داري ‪ ..‬فما ينتظرك بعدها إال القتل أو السجن ‪..‬‬ ‫هجم عل َّ‬ ‫خوفها باهلل فلم تنزجر ‪..‬‬ ‫فأخذ الشاب العفيف يرتجف ‪ّ ..‬‬ ‫فلما رأى ذلك ‪ ..‬فكر في حيلة يتخلص بها ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬أريد الخالء ‪ ..‬الحمام ‪ ..‬فأشارت له إليه ‪..‬‬ ‫فلما دخل الخالء ‪ ..‬نظر إلى نوافذه فإذا هو ال يستطيع الهرب من خاللها ‪..‬‬ ‫ففكر في طريقة يتخلص بها ‪..‬‬ ‫فأقبل على الصندوق الذي يُجمع فيه الغائط ‪..‬‬ ‫وجعل يأخذ منه ويلقي على ثيابه‪ ..‬ويديه‪ ..‬وجسده‪..‬‬ ‫ثم خرج إليها‪ ..‬فلما رأته صاحت ‪ ..‬وألقت في وجهه بضاعته ‪ ..‬وطردته من البيت ‪..‬‬ ‫فمضى يمشي في الطريق ‪ ..‬والصبيان يصيحون وراءه ‪ :‬مجنون‪ ..‬مجنون‪..‬‬ ‫حتى وصل بيته‪ ..‬فأزال عنه النجاسة‪ ..‬واغتسل‪..‬‬ ‫فلم يزل يُش ُّم منه رائحة المسك‪ ..‬حتى مات‪..‬‬ ‫( ذكر القصة ابن الجوزي في المواعظ ) ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫‪ ..‬ينغمس في أنهارها ‪..‬‬ ‫كان ماعز شابا من الصحابة ‪ ..‬متزوج في المدينة ‪..‬‬ ‫وسوس له الشيطان يوما ‪ ..‬وأغراه بجارية لرجل من األنصار ‪..‬‬ ‫فخال بها عن أعين الناس ‪ ..‬وكان الشيطان ثالثَهما ‪ ..‬فلم يزل يزين كال منهما لصاحبه حتى وقعا‬ ‫في الحرام ‪..‬‬ ‫فلما فرغ ماعز من جرمه ‪ ..‬تخلى عنه الشيطان ‪ ..‬فبكى وحاسب نفسه ‪ ..‬والمها ‪ ..‬وخاف من‬ ‫عذاب هللا ‪ ..‬وضاقت عليه حياته ‪ ..‬وأحاطت به خطيئته ‪ ..‬حتى أحرق الذنب قلبه ‪..‬‬ ‫فجاء إلى طبيب القلوب ‪ ..‬ووقف بين يديه وصاح من حرّ ما يجد وقال ‪:‬‬ ‫يا رسول هللا ‪ ..‬إن األبعد قد زنى ‪ ..‬فطهرني ‪..‬‬ ‫فأعرض عنه النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬فجاء من شقه اآلخ َر فقال ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ..‬زنيت ‪..‬‬ ‫فطهرني ‪..‬‬ ‫فقال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬ويحك ارجع ‪ ..‬فاستغفر هللا وتب إليه ‪..‬‬ ‫فرجع غير بعيد ‪ ..‬فلم يطق صبرا ‪..‬‬ ‫فعاد إلى النبي صلى هللا عليه وسلم وقال ‪ :‬يا رسول هللا طهرني ‪..‬‬ ‫فقال رسول هللا ‪ :‬ويحك ‪ ..‬ارجع فاستغفر هللا وتب إليه ‪..‬‬


‫قال ‪ :‬فرجع غير بعيد ‪ ..‬ثم جاء فقال ‪ :‬يا رسول هللا طهرني ‪..‬‬ ‫فصاح به النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬وقال ‪ :‬ويلك ‪ ..‬وما يدريك ما الزنا ؟ ‪..‬‬ ‫ثم أمر به فطرد ‪ ..‬وأخرج ‪..‬‬ ‫ثم أتاه الثانية ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬زنيت ‪ ..‬فطهرني ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬ويلك ‪ ..‬وما يدريك ما الزنا ؟ ‪..‬‬ ‫وأمر به ‪ ..‬فطُرد ‪ ..‬وأخرج ‪..‬‬ ‫ثم أتاه الثالثةَ ‪ ..‬والرابعةَ كذلك ‪ ..‬فلما أكثر عليه ‪..‬‬ ‫سأل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قو َمه ‪ :‬أبه جنون ؟ قالوا ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ..‬ما علمنا به بأسا ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬لعله شرب خمرا ؟ فقام رجل فاستنكهه وش ّمه فلم يجد منه ريح خمر ‪..‬‬ ‫فقال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬هل تدري ما الزنا ؟‬ ‫قال ‪ :‬نعم ‪ ..‬أتيت من امرأة حراما ‪ ،‬مث َل ما يأتي الرجل من امرأته حالال ‪..‬‬ ‫فقال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬فما تريد بهذا القول ؟‬ ‫قال ‪ :‬أريد أن تطهرني ‪..‬‬ ‫قال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬نعم ‪ ..‬فأمر به أن يرجم ‪ ..‬فرجم حتى مات ‪..‬‬ ‫فلما صلوا عليه ودفنوه م َّر النبي صلى هللا عليه وسلم على موضعه مع بعض أصحابه ‪..‬‬ ‫فسمع النبي صلى هللا عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه ‪:‬‬ ‫انظر إلى هذا ‪ ..‬الذي ستر هللا عليه ولم تدعه نفسه حتى رُجم َرجم الكالب ‪..‬‬ ‫فسكت النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬ثم سار ساعة ‪ ..‬حتى مر بجيفة حمار ‪ ..‬قد أحرقته الشمس‬ ‫حتى انتفخ وارتفعت رجاله ‪..‬‬ ‫فقال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬أين فالن وفالن ؟‬ ‫ذان ‪ ..‬يا رسول هللا ‪..‬‬ ‫قاال ‪ :‬نحن ِ‬ ‫قال ‪ :‬انزال ‪ ..‬فكال من جيفة هذا الحمار ‪..‬‬ ‫قاال ‪ :‬يا نبي هللا !! غفر هللا لك ‪ ..‬من يأكل من هذا ؟‬ ‫فقال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬ما نلتما ‪ ..‬من عرض أخيكما ‪ ..‬آنفا أش ُّد من أكل الميتة ‪ ..‬لقد تاب توبة‬ ‫لو قسمت بين أمة لوسعتهم ‪ ..‬والذي نفسي بيده إنه اآلن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها ‪..‬‬ ‫فطوبى ‪ ..‬لماعز بن مالك ‪ ..‬نعم وقع في الزنى ‪ ..‬وهتك الستر الذي بينه وبين ربه ‪..‬‬ ‫لكنه تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم ‪..‬‬ ‫( أصل قصته في الصحيحين وسقتها من مجموع رواياتها ) ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬


‫‪ ..‬المغني ‪..‬‬ ‫وقفت على النافذة تراقبني بعينين دامعتين ‪ ..‬تلوح بيديها اللتين أهزلهما مر السنين ‪..‬‬ ‫كانت تدافع عبراتها ‪ ..‬حتى غلبها البكاء ‪ ..‬فبكت ‪..‬‬ ‫وقفت أنظر إليها ‪ ..‬نشيجها يصل إلى مسمعي ‪ ..‬لكن المعاصي الجاثمة على صدري حالت بينه‬ ‫وبين الوصول إلى قلبي القاسي ‪..‬‬ ‫لم أرحم توسالتها بالبقاء معها ‪ ..‬وااللتحاق بجامعة في نفس المدينة ‪..‬‬ ‫أنانية ‪ ..‬حب للذات ‪ ..‬بحث عن حرية مزعومة ‪ ..‬و شخصية مستقلة بذاتها ‪..‬‬ ‫بل شهوات وملذات ‪ ..‬وشياطين من اإلنس والجن يؤازر بعضهم بعضا ‪..‬‬ ‫هروب من نصائحها ومواعظها ‪ ..‬من عطفها وشفقتها ‪ ..‬وخوفها أن أنحرف ‪..‬‬ ‫تركتها وهي واقفة تودعني ‪ ..‬غبت عنها وهي لم تفارق مكانها ‪ ..‬وداعا أمي ‪..‬‬ ‫وهناك ‪ ..‬لم أعد أسمع عند خروجي ‪ :‬في حفظ هللا يا ولدي ‪ ..‬إلى أين تذهب يا ولدي ؟‬ ‫وهناك ‪ :‬لم أعد أسمع ‪ :‬لماذا تأخرت يا ولدي ؟‪..‬‬ ‫انطلقت في حياة اللهو والترف ‪ ..‬حياة الغفلة والخوض في المعاصي واآلثام ‪..‬‬ ‫صوتي الجميل أغرى رفقاء السوء الذين زينوا ل ّي الغناء ‪..‬‬ ‫بدأت أغني وشياطين األنس يغدقون عبارات الثناء التي المست قلبي ‪..‬‬ ‫إلى أن جاء ذلك اليوم الذي دعوت فيه لكي أغني على المسرح ‪ ..‬عشت صراعا رهيبا فال زال‬ ‫الحياء يحتل من قلبي مساحة صغيرة ‪ ..‬فعشت بين الرفض والموافقة لحظات ‪ ..‬فقلبي يعاتبني ‪ :‬ال‬ ‫لست من يقف ليغني كما يفعل الفسقة ‪ ..‬لكن نفسي توبخني وتلومني ‪ :‬هذه فرصتك ال تضيعها‬ ‫سوف تصبح مشهورا ‪ ..‬وبعد عناء وتردد وافقت ‪..‬‬ ‫صعدت على المسرح والزال للحياء بقية ‪ ..‬لكنه رحل مع أول كلمة تغنيت بها ‪..‬‬ ‫اهتزت القاعة طربا ‪ ..‬وتمايلت األجساد نشوة ‪ ..‬عبارات الثناء والمديح تستحثني على المواصلة‬ ‫كلما سكت ‪..‬‬ ‫لتمضي تلك الليلة ولتقضي على ماتبقى من إيمان ‪..‬‬ ‫رفقاء السوء من حولي قد أزدادوا ‪ ..‬الدعوات كثرت ‪ ..‬تنقلت من قاعة إلى قاعة ‪ ..‬تنقلت بين‬ ‫أصناف المعاصي واآلثام ‪ ..‬سهرات خاصة وعامة ‪..‬‬ ‫قدمت ل ّي دعوة للمشاركة في حفل غنائي في أحد القصور ‪..‬قدمت بعض األغاني والتي تفاعل‬ ‫معها الجمهور وكنت بحق النجم القادم إلى الساحة الفنية ‪..‬‬ ‫تلقيت بعد هذه الحفلة دعوة من أحد أهل الفن يعرض عل ّي رغبته في أن يتبناني فنيا ويهتم بي ‪..‬‬ ‫أخذت موعدا مع فنان مشهور عن طريق وكيل أعماله ‪ ..‬ليتم التنسيق بهذا الشأن ‪ ..‬وكان الموعد‬ ‫يوم الخميس ‪..‬‬ ‫األيام تمضي سريعة ‪..‬‬ ‫قبل الموعد بيومين رجعت إلى أهلي ‪ ..‬لمشاركتهم في بعض المناسبات ‪..‬‬ ‫حركة دائبة في المنزل فزواج أخي يوم الخميس ‪ ..‬ويوم األربعاء سيتم عقد قران اثنتين من‬ ‫أخواتي ‪..‬‬ ‫كانت أمي كالنحلة ‪ ..‬تنتقل من مكان إلى مكان ‪ ..‬ال تكاد الدنيا تسعها من الفرح ‪ ..‬تردد الدعوات‬ ‫والتبريكات ‪..‬‬ ‫على شفتيها فرح لو قسم على العالم البتسم ‪ ..‬تواصل الليل بالنهار ‪..‬‬ ‫تعد العدة للفرح الكبير ‪ ..‬تطمئن على كل شيء ‪ ..‬ال تدع صغيرة وال كبيرة إال وتسأل عنها ‪..‬‬


‫وجاء يوم األربعاء سريعا ‪..‬‬ ‫فإذا به يحمل الفاجعة التي غيرت مجرى حياتي ‪ ..‬الفاجعة التي أيقظتني من الغفلة ‪..‬‬ ‫أحيت قلبي الذي قد مات ‪..‬‬ ‫جاءت الفاجعة لتنتشلني من المستنقع القذر ‪ ..‬مستنقع الرذيلة ‪ ..‬مستنقع الغناء والطرب ‪..‬‬ ‫ماتت أمي ‪ ..‬كيف !! ال أدري ‪ ..‬المهم أنها ماتت ‪..‬‬ ‫بعد أن شاركتنا لحظات بسيطة من الفرح ‪ ..‬تنحت قليال ‪..‬‬ ‫وألقت بجسدها المنهك على سريرها ‪ ..‬وكأنها تقول ‪ :‬وداعا صغاري ‪ ..‬لقد كبرتم ‪..‬‬ ‫تحول الفرح إلى حزن ‪ ..‬وجوه صامتة قد تملكتها الدهشة وألجمتها الفاجعة ‪..‬‬ ‫ال ترى إال دموعا تنهمر ‪ ..‬وقلوبا ترتجف ‪..‬‬ ‫وال تسمع إال نشيجا ينطلق من كل زاوية في المنزل ‪ ..‬كل شيء كان يبكي وينوح ‪ ..‬إال أمي فقد‬ ‫كانت على فراشها ساكنة ‪ ..‬ال تدري عما حولها ‪..‬‬ ‫جهزوا جنازتها ‪ ..‬بدؤوا يغسلونها ‪..‬‬ ‫دخلت عليها بعدما غسلت ‪ ..‬ألقيت عليها النظرة األخيرة ‪ ..‬كان وجهها هادئا ‪ ..‬كما كان في‬ ‫الحياة ‪..‬‬ ‫ي من الفساد ‪..‬‬ ‫نظرت إلى فمها ‪ ..‬عينيها ‪ ..‬يديها ‪ ..‬كانت باألمس تنهاني عن مفارقتها خوفا عل َّ‬ ‫قبلتها ‪ ..‬بكيت ‪ ..‬بكت أخواتي حولي ‪ ..‬أخرجوني من غرفة التغسيل ‪..‬‬ ‫مضت الساعات سريعة ‪ ..‬لم أشعر إال وأنا أقف في الصف أصلي عليها ‪ ..‬جثتها هامدة ‪ ..‬واإلمام‬ ‫يردد هللا ‪ :‬أكبر ‪ ..‬هللا أكبر ‪..‬‬ ‫دعوت لها بكل جوارحي ‪ ..‬دعوت هللا أن يغفر لي تقصيري في حقها ‪..‬‬ ‫حملت جنازتها مع من حملوا ‪ ..‬سرنا بها إلى القبر ‪..‬‬ ‫جعلت أهيل عليها التراب ‪ ..‬اللهم ثبتها ‪ ..‬اللهم ثبتها ‪..‬‬ ‫مضى النهار مع المعزين ‪ ..‬لكن كان لليل قول آخر ‪..‬‬ ‫أويت إلى غرفتي مبكرا ‪..‬أطفأت األنوار ‪..‬‬ ‫ألقيت بجسدي على الفراش ‪..‬‬ ‫صو ٌر من الماضي بدأت تظهر لي ‪ ..‬صوتها يمأل المكان ‪ ..‬يا ولدي قم ‪ ..‬ال تفتك الصالة ‪..‬‬ ‫زمالئك في المسجد ينتظرونك ‪..‬‬ ‫يا ولدي أبق معي ‪ ..‬واصل دراستك هنا ‪ ..‬ال تسافر ‪ ..‬يا ولدي أنتبه لنفسك ‪..‬‬ ‫حسرات وندم ‪ ..‬هموم وغموم أطبقت على صدري ‪ ..‬لم استطع أن أتنفس ‪..‬‬ ‫صور من العقوق ‪ ..‬شريط الذكريات يمر أمامي ‪..‬‬ ‫كانت تسعدني وأشقيها‪ ..‬تفرحني وأبكيها ‪..‬‬ ‫تذكرت ‪ ..‬توسالتها ‪ ..‬رجاءها ‪ ..‬ال تذهب ‪ ..‬ال تفعل ‪ ..‬زفرات وحسرات ‪..‬‬ ‫آآآآآه كم كنت عاقا ‪..‬‬ ‫بكيت بكاء مرا ‪ ..‬قمت أصلي لكنني لم استطع أن أصلي فقد استعجم لساني ‪..‬‬ ‫كانت دموعي ساخنة فأذابت قسوة قلبي ‪..‬‬ ‫سجدت هلل بللت موضع سجودي بالدموع ‪..‬‬ ‫النحيب مشفوع بدعوات صادقة تنطلق من األعماق ‪ ..‬تؤمن عليها كل ذرة من ذرات جسدي ‪..‬‬ ‫عاهدت ربي على البر بها بعد موتها ‪..‬‬ ‫سألته أن يثبتني على ذلك ‪ ..‬رددت الدعاء ‪ :‬اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ‪..‬‬ ‫انتهيت من الصالة ‪..‬‬


‫توجهت نحو الماضي الكئيب ‪ ..‬أقلب بين الدفاتر واألوراق ‪..‬‬ ‫أغان خاصة ‪..‬‬ ‫فهنا دفتر يحمل بعض األغاني ‪ ..‬وهنا رسائل ‪ ..‬وهناك صور ‪ ..‬هذا شريط‬ ‫ٍ‬ ‫وهذه أشرطة لبعض الفساق ‪..‬‬ ‫عمدت إلى جيبي أخرجت ما فيه من بطاقات ‪ ..‬وجدت بطاقة الفنان الكبير ‪ ..‬تذكرت موعده ‪ ..‬يوم‬ ‫الخميس عصرا ‪..‬‬ ‫صرخت ‪ :‬أعوذ باهلل ‪ ..‬مزقته بيدي ‪..‬‬ ‫جمعت كل شيء يذكرني بالمعاصي واآلثام ‪ ..‬وضعتها في كيس وفي اليوم الثاني كان الفراق بيني‬ ‫وبينها ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫‪ ..‬البطل ‪..‬‬ ‫شاب نضر ‪ ..‬نشأ في بيت عز وسلطان ‪ ..‬ومنعة ومكان ‪..‬‬ ‫كان معظما عند قومه ‪ ..‬مهيبا في بلده ‪ ..‬مقدما بين أقرانه ‪ ..‬فريدا في زمانه ‪..‬‬ ‫انظر إلى سلمان الفارسي رضي هللا عنه ‪..‬‬ ‫كان مجوسيا ‪ ..‬يعبد النار وكان أبوه سي َد قومه ‪..‬‬ ‫وكان يحبه حبا عظيما ‪ ..‬وقد حبسه في بيته عند النار ‪..‬‬ ‫ومع طول مالزمته للنار ‪ ..‬اجتهد في المجوسية ‪ ..‬حتى صار قاطن النار الذي يوقدها ‪..‬‬ ‫وكان ألبيه بستان عظيم ‪ ..‬يذهب إليه كل يوم ‪..‬‬ ‫فشغل األب في بنيان له يوما في داره ‪ ..‬فقال لسلمان ‪:‬‬ ‫فانطلق إلى ضيعتي فاصنع فيها كذا وكذا ‪..‬‬ ‫ففرح سلمان وخرج من حبسه ‪ ..‬وتوجه إلى البستان ‪ ..‬فبينما هو في طريقه إذ م َّر بكنيسة‬ ‫للنصارى ‪ ..‬فسمع صالتهم فيها ‪..‬‬ ‫فدخل عليهم ينظر ماذا يصنعون ‪..‬‬ ‫وأعجبه ما رأى من صالتهم ‪ ..‬ورغب في اتباعهم ‪..‬‬ ‫وقال في نفسه ‪ :‬هذا خير من ديننا الذي نحن عليه ‪..‬‬ ‫فسألهم ‪ :‬عن دينهم ‪..‬‬ ‫فقالوا ‪ :‬أصله بالشام ‪ ..‬وأعلم الناس به هناك ‪..‬‬ ‫فلم يزل عندهم ‪ ..‬حتى غابت الشمس ‪..‬‬ ‫فلما رجع إليه ‪ ..‬قال أبوه ‪ :‬أي بني أين كنت ؟‬ ‫قال ‪ :‬إني مررت على ناس يصلون في كنيسة لهم ‪ ..‬فأعجبني ما رأيت من أمرهم وصالتهم ‪..‬‬ ‫ورأيت أن دينهم خير من ديننا ‪..‬‬ ‫ففزع أبوه ‪ ..‬وقال ‪ :‬أي بني ‪ ..‬دينك ودين آبائك خير من دينهم ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬كال وهللا ‪ ..‬بل دينهم خير من ديننا ‪..‬‬ ‫فخاف أبوه أن يخرج من دين المجوس ‪ ..‬فجعل في رجله قيدا ‪ ..‬ثم حبسه في البيت‪..‬‬ ‫فلما رأى سلمان ذلك ‪ ..‬بعث إلى النصارى رسوال من عنده ‪ ..‬يقول لهم ‪ :‬إني قد رضيت دينكم‬ ‫ورغبت فيه ‪ ..‬فإذا قدم عليكم ركب من الشام من النصارى ‪ ..‬فأخبروني بهم ‪..‬‬


‫فما مضى زمن حتى قدم عليهم ركب من الشام ‪ ..‬تجار من النصارى ‪ ..‬فبعثوا إلى سلمان‬ ‫فأخبروه ‪..‬‬ ‫فقال للرسول ‪ :‬إذا قضى التجار حاجاتهم وأرادوا الرجوع إلى الشام فآذنوني ‪..‬‬ ‫فلما أراد التجار الرجوع أرسلوا إليه ‪ ..‬وواعدوه في مكان ‪ ..‬فتحيل حتى فك القيد من قدميه ‪..‬‬ ‫ثم خرج إليهم فانطلق معهم إلى الشام ‪..‬‬ ‫فلما دخل الشام ‪ ..‬سألهم ‪ :‬من أفضل أهل هذا الدين علما ؟‬ ‫قالوا ‪ :‬األسقف الذي في الكنيسة ‪..‬‬ ‫فتوجه إلى الكنيسة ‪ ..‬فأخبر األسقف خبره ‪ ..‬وقال له ‪ :‬إني قد رغبت في هذا الدين ‪ ..‬وأحب أن‬ ‫أكون معك ‪ ..‬أخدمك ‪ ..‬وأصلي معك ‪ ..‬وأتعلم منك ‪..‬‬ ‫فقال له األسقف ‪ :‬أقم معي ‪..‬‬ ‫فمكث معه سلمان في الكنيسة ‪..‬‬ ‫فكان سلمان يحرص على الخيرات ‪ ..‬والتعبد والصلوات ‪..‬‬ ‫أما األسقف فكان رجل سوء في دينه ‪ ..‬كان يأمر الناس بالصدقة ويرغبهم فيها ‪..‬‬ ‫فإذا جمعوا إليه األموال ‪ ..‬اكتنـزها لنفسه ‪ ..‬ولم يعطها المساكين ‪..‬‬ ‫فأبغضه سلمان بغضا شديدا ‪ ..‬لكنه ال يستطيع أن يخبر أحدا بخبره ‪ ..‬فاألسقف معظم عندهم ‪ ..‬أما‬ ‫هو فغريب ‪ ..‬قريب العهد بدينهم ‪..‬‬ ‫فلم يلبث األسقف أن مات ‪..‬‬ ‫فحزن عليه قومه ‪ ..‬واجتمعوا ليدفنوه ‪..‬‬ ‫فلما رأى سلمان حزنهم عليه قال ‪ :‬إن هذا كان رجل سوء ‪ ..‬يأمركم بالصدقة ‪ ..‬ويرغبكم فيها ‪..‬‬ ‫فإذا جئتموه بها ‪ ..‬اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا ‪..‬‬ ‫قالوا ‪ :‬فما عالمة ذلك ؟‬ ‫قال ‪ :‬أنا أدلكم على كنزه ‪ ..‬فمضى بهم حتى دلهم على موضع المال ‪ ..‬فحفروه ‪ ..‬فأخرجوا سبع‬ ‫قالل مملوءة ذهبا وفضة ‪..‬‬ ‫فقالوا ‪ :‬وهللا ال ندفنه أبدا ‪ ..‬ثم صلبوه على خشبة ‪ ..‬ورجموه بالحجارة ‪..‬‬ ‫وجاءوا برجل آخر ‪ ..‬فجعلوه مكانه في الكنيسة ‪..‬‬ ‫قال سلمان ‪ :‬فما رأيت رجال ال يصلي الخمس ‪ ..‬كان خيرا منه ‪ ..‬أعظم رغبة في اآلخرة ‪ ..‬وال‬ ‫أزهد في الدنيا ‪ ..‬وال أدأب ليال وال نهارا منه ‪ ..‬فأحببته حبا ما علمت أني أحببته شيئا كان قبله ‪..‬‬ ‫فلم يزل سلمان يخدمه ‪ ..‬حتى كبر وحضرته الوفاة ‪..‬‬ ‫فحزن على فراقه ‪ ..‬وخاف أن ال يثبت على الدين بعده ‪ ..‬فقال له ‪:‬‬ ‫يا فالن ‪ ..‬قد حضرك ما ترى من أمر هللا ‪ ..‬فإلى من توصي بي ؟‬ ‫قال ‪ :‬أي بني ‪ ..‬وهللا ما أعلم أحدا على ما كنت عليه ‪ ..‬لقد هلك الناس وبدلوا ‪ ..‬وتركوا كثيرا مما‬ ‫كانوا عليه ‪..‬‬ ‫إال رجال بالموصل وهو فالن ‪ ..‬وهو على ما كنت عليه فالحق به ‪..‬‬ ‫فلما توفي الرجل العابد ‪ ..‬خرج سلمان من الشام إلى العراق ‪..‬‬ ‫فأتى صاحب الموصل ‪..‬‬ ‫فأقام عنده ‪ ..‬حتى حضرته الوفاة ‪ ..‬فأوصى سلمان لرجل بنصيبين ‪..‬‬ ‫فشد رحاله إلى الشام مرة أخرى ‪..‬‬ ‫حتى أتى نصيبين ‪ ..‬فأقام عند صاحبه طويال ‪ ..‬حتى نزل به الموت ‪ ..‬فأوصاه أن يصاحب رجال‬ ‫بعمورية بالشام ‪..‬‬


‫فذهب إلى عمورية ‪..‬‬ ‫وأقام عند صاحبه ‪ ..‬واكتسب حتى كانت عنده بقرات وغنيمة ‪ ..‬ثم لم يلبث العابد أن مرض ونزل‬ ‫به الموت ‪ ..‬فحزن سلمان عليه ‪ ..‬وقال له مودعا ‪:‬‬ ‫يا فالن إلى من توصي بي ؟ فقال الرجل الصالح ‪:‬‬ ‫يا سلمان ‪ ..‬وهللا ما أعلم أصبح على مثل ما نحن فيه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ‪ ..‬يعني لقد غير‬ ‫الناس وبدلوا ‪..‬‬ ‫ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية ‪ ..‬يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض‬ ‫بين حرتين ( أي أرضين سوداوين ) بينهما نخل ‪ ..‬به عالمات ال تخفى ‪:‬‬ ‫أنه يأكل الهدية ‪..‬‬ ‫وال يأكل الصدقة ‪..‬‬ ‫بين كتفيه خاتم النبوة ‪..‬‬ ‫إذا رأيته عرفته ‪ ..‬فإن استطعت أن تلحق بتلك البالد فافعل ‪..‬‬ ‫ثم مات و ُدفن فمكث سلمان بعمورية ما شاء هللا أن يمكث ‪..‬‬ ‫وهو يلتمس من يخرج به إلى أرض النبوة ‪..‬‬ ‫فما زال كذلك ‪ ..‬حتى م َّر به نفر من قبيلة كلب ‪ ..‬تجار ‪ ..‬فسألهم عن بالدهم ‪ ..‬فأخبروه أنهم من‬ ‫أرض العرب ‪..‬‬ ‫فقال لهم ‪ :‬تحملوني إلى أرضكم ‪ ..‬وأعطيكم بقراتي وغنيمتي ؟‬ ‫قالوا ‪ :‬نعم ‪ ..‬فأعطاهم إياها ‪ ..‬وحملوه معهم ‪..‬‬ ‫حتى إذا قدموا به وادي القُرى ‪ ..‬طمعوا في المال ‪ ..‬فظلموه وادعوا أنه عبد مملوك لهم ‪ ..‬وباعوه‬ ‫لرجل من اليهود ‪ ..‬فلم يستطع سلمان أن يدفع عن نفسه ‪..‬‬ ‫فصار عند هذا اليهودي يخدمه ‪..‬‬ ‫حتى قدم على اليهودي يوما ابن عم له من المدينة من يهود بنى قريظة ‪ ..‬فاشترى سلمان منه ‪..‬‬ ‫فاحتمله إلى المدينة ‪ ..‬فلما رآها ‪ ..‬ورأى نخلها ‪ ..‬وحجارتها ‪ ..‬عرف أنها أرض النبوة التي‬ ‫وصفها له صاحبه ‪ ..‬فأقام بها ‪ ..‬وأخذ يترقب أخبار النبي المرسل ‪..‬‬ ‫ومرت السنوات ‪..‬‬ ‫وبعث هللا رسوله عليه السالم فأقام بمكة ما أقام ‪ ..‬وسلمان ال يسمع له بذكر ‪..‬‬ ‫لشدة ما هو فيه من الخدمة عند اليهودي ‪..‬‬ ‫ثم هاجر صلى هللا عليه وسلم إلى المدينة ومكث بها ‪ ..‬وسلمان ال يدري عنه شيئا ‪..‬‬ ‫فبنما هو يوما في رأس نخلة لسيده ‪ ..‬يعمل فيها ‪ ..‬وسيده جالس أسفل النخلة ‪..‬‬ ‫إذ أقبل رجل يهودي من بني عمه ‪ ..‬حتى وقف عليه ‪ ..‬فقال ‪:‬‬ ‫أي فالن ‪ ..‬قاتل هللا بني قيلة ‪ ..‬يعني األوس والخزرج ‪ ..‬إنهم اآلن لمجتمعون على رجل بقباء ‪..‬‬ ‫قدم من مكة يزعمون أنه نبي ‪..‬‬ ‫فلما سمع سلمان ذلك ‪ ..‬انتفض جسده ‪ ..‬وطار فؤاده ‪..‬‬ ‫ورجفت النخلة ‪ ..‬حتى كاد أن يسقط على صاحبه ‪ ..‬ثم نزل سريعا وهو يصيح بالرجل ‪ :‬ماذا تقول‬ ‫؟ ما هذا الخبر ؟‬ ‫فغضب سيده ‪ ..‬ورفع يده فلطمه بها لطمة شديدة ‪ ..‬ثم قال ‪:‬‬ ‫ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك ‪..‬‬ ‫فسكت سلمان ‪ ..‬وصعد نخلته يكمل عمله ‪..‬‬


‫وقلبه مشغول بخبر النبوة ‪ ..‬ويريد أن يتيقن من صفات هذا النبي ‪ ..‬التي وصفها صاحبه ‪ ..‬يأكل‬ ‫الهدية ‪ ..‬وال يأكل الصدقة ‪ ..‬وبين كتفيه خاتم النبوة ‪..‬‬ ‫فلما أقبل الليل ‪ ..‬جمع ما كان عنده من طعام ‪ ..‬ثم خرج حتى جاء إلى رسول هللا &‪.. ;16516#‬‬ ‫وهو جالس بقُباء فدخل عليه ‪ ..‬فإذا حوله نفر من أصحابه ‪ ..‬فقال ‪:‬‬ ‫إنه بلغني أنكم أهل حاجة وغربة ‪ ..‬وقد كان عندي شيء وضعته للصدقة ‪ ..‬فجئتكم به ‪..‬‬ ‫ثم وضعه سلمان بين يدي النبي عليه السالم ‪ ..‬واعتزل ناحية ينظر إليه ماذا يفعل ؟‬ ‫فنظر النبي صلى هللا عليه وسلم إلى الطعام ‪ ..‬ثم التفت إلى أصحابه ‪ ..‬فقال ‪ :‬كلوا ‪..‬‬ ‫وأمسك هو صلى هللا عليه وسلم فلم يأكل ‪..‬‬ ‫فلما رأى سلمان ذلك قال في نفسه ‪ :‬هذه وهللا واحدة ‪ ..‬ال يأكل الصدقة ‪ ..‬وبقي اثنتان ‪..‬‬ ‫ثم رجع إلى سيده ‪..‬‬ ‫وبعدها بأيام ‪ ..‬جمع طعاما آخر ‪ ..‬ثم أقبل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فسلم عليه ‪ ..‬ثم قال‬ ‫له ‪ :‬إني قد رأيتك ال تأكل الصدقة ‪ ..‬وهذه هدية أهديتها كرامة لك ‪ ..‬ليست بصدقة ‪..‬‬ ‫ثم وضعها بين يديه صلى هللا عليه وسلم ‪..‬فمد يده إليها ‪ ..‬فأكل وأكل أصحابه ‪..‬‬ ‫فلما رأى سلمان ذلك قال في نفسه ‪ :‬هذه أخرى ‪..‬‬ ‫وبقي واحدة ‪ ..‬أن ينظر إلى خاتم النبوة بين كتفيه صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬ولكن أنى له ذلك ‪..‬‬ ‫رجع سلمان إلى خدمة سيده ‪ ..‬وقلبه مشغول بحال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪..‬‬ ‫فمكث أياما ‪ ..‬ثم مضى إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يبحث عنه ‪ ..‬فإذا هو في بقيع الغرقد ‪..‬‬ ‫قد تبع جنازة رجل من األنصار ‪ ..‬فجاءه فإذا حوله أصحابه ‪ ..‬وعليه شملتان مؤتزرا بواحدة ‪..‬‬ ‫مرتديا باألخرى ‪ ..‬كلباس اإلحرام ‪..‬‬ ‫فسلم عليه ‪ ..‬ثم استدار ينظر إلى ظهره ‪ ..‬هل يرى الخاتم الذي وصف له صاحبه !!‬ ‫فلما رأى النبي صلى هللا عليه وسلم استدارته عرف أنه يستثبت في شيء وصف له ‪..‬‬ ‫فحرك كتفيه ‪ ..‬فألقى رداءه عن ظهره ‪ ..‬فنظر سلمان إلى الخاتم ‪ ..‬فعرفه ‪ ..‬فانكب عليه يقبله‬ ‫ويبكى ‪..‬‬ ‫فقال له النبي صلى هللا عليه وسلم تحول ‪ ..‬أي اجلس أمامي ‪ ..‬فاستدار حتى قابل وجه النبي عليه‬ ‫السالم ‪..‬‬ ‫فسأله صلى هللا عليه وسلم عن خبره ‪ ..‬فقص عليه قصته ‪ ..‬وأخبره أنه كان شابا مترفا ‪ ..‬ترك العز‬ ‫والسلطان ‪ ..‬طلبا للهداية واإليمان ‪ ..‬حتى تنقل بين الرهبان ‪ ..‬يخدمهم ويتعلم منهم ‪..‬‬ ‫واستقر به المقام عبدا مملوكا ليهودي في المدينة ‪..‬‬ ‫ثم أخذ سلمان ينظر إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬ودموعه تجري على خدية ‪ ..‬فرحا‬ ‫وبشرا ‪..‬‬ ‫ثم أسلم ‪ ..‬ونطق الشهادتين ‪ ..‬ومضى إلى سيده اليهودي ‪ ..‬فزاده اليهودي شغال وخدمة ‪..‬‬ ‫فكان الصحابة يجالسون النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬أما هو فقد شغله الرق ‪ ..‬عن مجالسته ‪ ..‬حتى‬ ‫فاتته معركة بدر ثم أحد ‪..‬‬ ‫فلما رأى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ذلك قال له ‪ :‬كاتب يا سلمان ‪ ..‬أي اشتر نفسك من سيدك‬ ‫بمال تؤديه إليه ‪..‬‬ ‫فسأل سلمان صاحبه أن يكاتبه ‪ ..‬فشدد عليه اليهودي ‪..‬‬ ‫وأبى عليه إال بأربعين أوقية من فضة ‪..‬‬ ‫وثالثِمائ ِة نخلة ‪ ..‬يجمعها فسائل صغار ‪ ..‬ثم يغرسها ‪ ..‬واشترط عليه أن تحيا كلُّها ‪..‬‬


‫فلما أخبر سلمان رسو َل هللا صلى هللا عليه وسلم بما اشترط عليه اليهودي ‪ ..‬قال صلى هللا عليه‬ ‫وسلم ألصحابه ‪ :‬أعينوا أخاكم بالنخل ‪..‬‬ ‫فأعانه المسلمون ‪ ..‬وجعل الرجل يمضي إلى بستانه فيأتيه بما يستطيع من فسيلة نخل ‪ ..‬فلما جمع‬ ‫النخل ‪..‬‬ ‫فقال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يا سلمان ‪ ..‬اذهب ففقر لها ‪ -‬أي احفر لها ‪ -‬لغرسها ‪ ..‬فإذا أنت أردت‬ ‫أن تضعها فال تضعها حتى تأتيني فتؤذنني ‪..‬‬ ‫فبدأ سلمان يحفر لها ‪ ..‬وأعانه أصحابه ‪ ..‬حتى حفر ثالثَمائة حفرة ‪..‬‬ ‫ثم جاء فأخبر النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬فخرج صلى هللا عليه وسلم معه إليها ‪ ..‬فجعل الصحابة‬ ‫يقربون له فسيلة النخل ‪ ..‬ويضعه صلى هللا عليه وسلم بيده في الحفر ‪..‬‬ ‫قال سلمان ‪ :‬فوالذي نفس سلمان بيده‪..‬ما ماتت منها نخلة واحدة ‪..‬‬ ‫فلما أدى النخل إلى اليهودي ‪ ..‬بقي عليه المال ‪..‬‬ ‫فأُتي النبي صلى هللا عليه وسلم يوما بذهب من بعض المغازي ‪..‬‬ ‫فالتفت إلى أصحابه وقال ‪ :‬ما فعل الفارسي المكاتب ‪..‬‬ ‫فدعوه له ‪ ..‬فقال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان ‪..‬‬ ‫فأخذها سلمان ‪ ..‬فأدى منها المال إلى اليهودي ‪..‬‬ ‫وعتق ‪ ..‬ثم الزم النبي صلى هللا عليه وسلم حتى مات ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫‪ ..‬مفتاح الش ّر ‪..‬‬ ‫قال لي ‪:‬‬ ‫كان لي صديق حميم في مكانة األخ ‪ ..‬مات األسبوع الماضي فجأة في حادث سير ‪..‬‬ ‫أسأل هللا أن يرحمه ويتجاوز عنه ‪..‬‬ ‫المشكلة ‪ ..‬أن هذا الصديق له خبرة في االنترنت ‪ ..‬وكان متعلقا باكتشاف المواقع اإلباحية ‪ ..‬وجمع‬ ‫الصور الخليعة ‪..‬‬ ‫حتى إنه صمم موقعا إباحيا يحتوي على صور خليعة ‪..‬‬ ‫بل لديه مجموعة أشخاص ‪ ..‬مسجلين في الموقع ‪ ..‬يرسل إلى بريدهم كل فترة ما يستجد لديه من‬ ‫صور ‪ ..‬إباحية ‪ ..‬يرسلها الموقع إليهم آليا ‪..‬‬ ‫ومات الرجل فجأة ‪..‬‬ ‫والمصيبة أننا ال نعرف الرمز السري للموقع للتصرف فيه أو إغالقه ‪..‬‬ ‫كنت أفكر في ذلك ‪ ..‬وأنا أنتظر الصالة عليه في المسجد ‪..‬‬ ‫مشيت في جنازته ‪ ..‬وهو محمول على النعش ‪..‬‬ ‫كنت أفكر ‪ ..‬ماذا سيستقبله في قبره ‪ ..‬صور خليعة ؟!‪..‬‬ ‫حسبنا هللا ونعم الوكيل !!‬ ‫وصلنا إلى المقبرة ‪ ..‬قبور موحشة ‪ ..‬الناس يتزاحمون على القبر ‪..‬‬ ‫نظرت داخل قبره ‪ ..‬آآآه ‪ ..‬كيف سيكون حاله فيه ‪..‬‬ ‫رأيت بعض الناس يبكي ‪..‬‬


‫قلت في نفسي ‪ :‬هل سينفعه بكاؤهم !!‬ ‫دفناه ‪ ..‬ثم ذهبنا وتركناه ‪..‬‬ ‫والدته رأت في المنام صبية يمرون على قبره ويتبولون فوقه ‪..‬‬ ‫كانت تتساءل عن تعبيرها ‪ ..‬المسكينه ال تدري عن خفايا األمور !!‬ ‫سمعت عن هذه الرؤيا ‪..‬‬ ‫فقلت في نفسي ‪ ..‬ما تحتاج إلى تعبير ‪ ..‬معناها واضح ‪..‬‬ ‫هؤالء الصبية الذين يتبولون على قبره ‪ ..‬هم الذين أرسل إليهم الصور ‪..‬‬ ‫وبدؤوا هم بإرسالها لمن يعرفون ‪..‬‬ ‫يا للهول ‪ ..‬كيف سيتحمل آثام هؤالء !!‬ ‫( من دعا إلى ضاللة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه ال ينقص ذلك من أوزارهم شيئا ) ‪..‬‬ ‫حاولت جاهدا ‪ ..‬أن أحسن إليه ‪..‬‬ ‫خاطبت الشركة الكبرى المستضيفة للموقع ليوقفوا االشتراك ‪..‬‬ ‫فاعتذروا عن عمل أي شيء ‪ ..‬بل لم يصدقوني ‪ ..‬ألني ال أعرف أرقامه السرية التي حجز بها‬ ‫الموقع ‪..‬‬ ‫ي ‪..‬‬ ‫صرخت بهم ‪ ..‬يا جماعة ‪ ..‬الرجل ماااااااااات ‪ ..‬لم يلتفتوا إل َّ‬ ‫جلست أتفكر في حاله ‪ ..‬كم صرخت به ‪:‬‬ ‫كيف تتحمل ذنوب الناس ‪ ..‬كيف تكون مفتاحا للشر ‪ ..‬كيف تحمل أوزارهم في القيامة على‬ ‫كتفيك ‪..‬‬ ‫لكنه لم يكن يتأثر بكالمي ‪ ..‬كان يرى أنه شباب ويريد أن ( يفرفش ) ‪ ..‬وهذه أمور للتسلية فقط ‪..‬‬ ‫أعوذ باهلل ‪ ..‬كم من شاب نظر نظرة إلى صورة فتبع ذلك وقوع في فاحشة ‪..‬‬ ‫وكم من فتاة وقعت في ذلك كذلك ‪..‬‬ ‫الرجل مات ‪ ..‬لكنه سيسأل يوم القيامة عن كل نظرة نظرها ‪ ..‬ونظروها ‪ ..‬وكل فاحشة واقعها ‪..‬‬ ‫وواقعوها ‪ ..‬وصورة نشرها ‪ ..‬ونشروها ‪..‬‬ ‫ال أدري كم سيستمر يتحمل آثامهم ‪ ..‬ولكن عسى هللا أن يتجاوز عنه ‪..‬‬ ‫وحسبي هللا ونعم الوكيل ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫السماء ال تمطر ‪!!..‬‬ ‫بنو إسرائيل ‪ ..‬أصابهم قحط على عهد موسى عليه السالم ‪ ..‬فاجتمع الناس إليه ‪..‬‬ ‫فقالوا ‪ :‬يا كليم هللا ‪ ..‬ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث ‪..‬‬ ‫فقام معهم ‪ ..‬وخرجوا إلى الصحراء ‪ ..‬وهم سبعون ألفا أو يزيدون ‪..‬‬ ‫اجتمعوا بين يديه ‪ ..‬وقاموا يدعون ‪ ..‬وهم شعث غبر ‪ ..‬عطاش جوعى ‪..‬‬ ‫وقام كليم هللا يدعو ‪ :‬إلهي ‪ ..‬اسقنا غيثك ‪ ..‬وانشر علينا رحمتك ‪ ..‬وارحمنا باألطفال الرضع ‪..‬‬ ‫والبهائم الرتع ‪ ..‬والمشايخ الركع ‪..‬‬ ‫فما زادت السماء إال تقشعا ‪ ..‬والشمس إال حرارة ‪..‬‬ ‫فقال موسى ‪ :‬إلهي ‪ ..‬اسقنا ‪..‬‬


‫فقال هللا ‪ :‬كيف أسقيكم ؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة ‪ ..‬فناد في الناس حتى‬ ‫يخرج من بين أظهركم ‪ ..‬فبه منعتكم ‪..‬‬ ‫فصاح موسى في قومه ‪ :‬يا أيها العبد العاصي ‪ ..‬الذي يبارز هللا منذ أربعين سنة ‪ ..‬اخرج من بين‬ ‫أظهرنا ‪ ..‬فبك منعنا المطر ‪..‬‬ ‫فنظر العبد العاصي ‪..‬ذات اليمين وذات الشمال ‪..‬فلم ير أحدا خرج ‪..‬فعلم أنه المطلوب ‪..‬‬ ‫فقال في نفسه ‪ :‬إن أنا خرجت من بين هذا الخلق ‪ ..‬افتضحت على رؤوس بني إسرائيل ‪ ..‬وإن‬ ‫قعدت معهم منعوا المطر بسببي ‪ ..‬فانكسرت نفسه ‪ ..‬ودمعت عينه ‪..‬‬ ‫فأدخل رأسه في ثيابه ‪ ..‬نادما على فعاله ‪ ..‬وقال ‪:‬‬ ‫إلهي ‪ ..‬وسيدي ‪ ..‬عصيتك أربعين سنة ‪..‬وسترتني وأمهلتني ‪ ..‬وقد أتيتك طائعا فاقبلني ‪ ..‬وأخذ‬ ‫يبتهل إلى خالقه ‪..‬‬ ‫فلم يستتم الكالم ‪ ..‬حتى ارتفعت سحابة بيضاء ‪..‬فأمطرت كأفواه القرب ‪..‬‬ ‫فعجب موسى وقال ‪ :‬إلهي ‪ ..‬سقيتنا ‪ ..‬وما خرج من بين أظهرنا أحد ‪..‬‬ ‫فقال هللا ‪ :‬يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم ‪..‬‬ ‫فقال موسى ‪ :‬إلهي ‪ ..‬أرني هذا العبد الطائع ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬يا موسى ‪ ..‬إني لم أفضحه وهو يعصيني ‪ ..‬أأفضحه وهو يطيعني ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫‪ ..‬الفراق ‪..‬‬ ‫بدأ اإلسالم ينتشر في مكة ‪ ..‬فبدا الناس يترددون في اتباعه ‪..‬‬ ‫وكان من بينهم أم سلمة رضي هللا عنها ‪ ..‬نظرت في هذا الدين فإذا هو يأمرها بترك عبادة‬ ‫األصنام ‪ ..‬وعبادة الواحد العالم ‪ ..‬فأسلمت هي وزوجها ‪ ..‬فاشتد عليهما أذى قريش ‪ ..‬فهاجرا إلى‬ ‫الحبشة ‪..‬‬ ‫ثم عادا إلى مكة بعد زمان ‪..‬‬ ‫فعادت قريش إليذائهم ‪ ..‬فأخذ أبو سلمة زوجته وولده ‪ ..‬وخرج بهم إلى المدينة مهاجرا ‪..‬‬ ‫أركبها على بعير ‪ ..‬ووضع الغالم في حجرها ‪ ..‬ومضى خارجا من مكة ‪..‬‬ ‫فلما كان في بعض الطريق ‪ ..‬رآه رجال من بني مخزوم وهم قبيلة أم سلمة ‪..‬‬ ‫فقالوا ‪ :‬هذه نفسك قد غلبتنا عليها ‪ ..‬أرأيت أبنتنا هذه ! عالم نتركك تسير بها في البالد ؟‬ ‫ثم تزاحموا عليه ‪ ..‬فنزعوا خطام البعير من يده ‪ ..‬وأخذوها يقودونها ‪ ..‬وهو ينظر إلى زوجته‬ ‫وولده ‪ ..‬ال يملك لهما شيئا ‪..‬‬ ‫فصار المسكين يتلفت يمنة ويسرة ‪ ..‬يبحث عن معين ‪..‬‬ ‫فمر به رجال من قبيلته ‪ ..‬فلما رأوه مغلوبا ‪ ..‬أقبلوا إلى أم سلمة ليأخذوها ‪ ..‬فأبى قومها ‪..‬‬ ‫فأقبل قوم أبي سلمة على الغالم الصغير وانتزعوه من يد أمه وهم يقولون ‪ ..‬ال وهللا ‪ ..‬ال نترك ابننا‬ ‫عندها ‪..‬‬ ‫فصاحت أم سلمة ‪ ..‬فأقبل قومها على الغالم ليأخذوه ‪..‬‬ ‫وأولئك يمسكون به ‪ ..‬حتى جعلوا يتجاذبون الصغير بينهم ‪ ..‬وهو يصرخ باكيا ‪ ..‬وقلبها يتقطع‬ ‫عليه ‪ ..‬حتى خلعوا يده ‪ ..‬وانطلق به قوم أبي سلمة ‪..‬‬ ‫ومضى قوم أم سلمة بأم سلمة ‪ ..‬كسيرة حزينة ‪..‬‬


‫فحبسوها عندهم ‪ ..‬وانطلق قوم أبي سلمة بالغالم إلى ديارهم ‪..‬‬ ‫ومضى أبو سلمة مهاجرا إلى المدينة ‪..‬‬ ‫ففرقوا بينها وبين زوجها وبين ولدها ‪..‬‬ ‫فكانت المسكينة تخرج في كل صباح ‪ ..‬فتجلس على الرمال ‪ ..‬فتفكر في زوجها وولدها ‪ ..‬فال تزال‬ ‫تبكي حتى تمسي ‪..‬‬ ‫ومضى عليها على هذا الحال ‪ ..‬شهر ‪ ..‬وشهران ‪ ..‬وعشرة ‪ ..‬وقلبها يحن إلى ولدها ‪ ..‬وفكرها‬ ‫مشغول على زوجها ‪..‬‬ ‫حتى أتمت ستة كاملة ‪ ..‬وهي في بحر من الدموع ‪..‬‬ ‫حتى مر بها رجل من بني عمها ‪ ..‬فرآها باكية شاحبة ‪ ..‬فرحمها ‪ ..‬فقال لقومها ‪ :‬أال تخرجون هذه‬ ‫المسكينة ‪ ..‬فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها ‪..‬‬ ‫فقال قومها ‪ :‬الحقي بزوجك إن شئت ‪..‬‬ ‫فاستبشرت ‪ ..‬وجمعت متاعها ‪ ..‬وركبت بعيرها وحدها ‪..‬‬ ‫فعلم قوم أبي سلمة بخروجها ‪ ..‬فردوا عليها ولدها ‪..‬‬ ‫فوضعت ولدها في حجرها ‪ ..‬ومضت جهة المدينة ‪..‬‬ ‫حتى إذا كانت في بعض الطريق ‪ ..‬لقيها عثمان بن أبي طلحة ‪..‬‬ ‫فتعجب من سفرها وحدها ‪ ..‬فسألها ‪ :‬إلى أين يا بنت أمية ؟‬ ‫فقلت ‪ :‬أريد زوجي بالمدينة ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬أو معك أحد ؟‬ ‫قلت ‪ :‬ال ‪ ..‬ما معي إال هللا ‪ ..‬ومعي ابني هذا ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬وهللا مالك من مترك ‪ ..‬فأخذ بخطام البعير ‪ ..‬فانطلق معها بي ‪..‬‬ ‫قالت أم سلمة ‪:‬‬ ‫فوهللا ما صحبت رجال من العرب قط ‪ ..‬أرى أنه كان أكرم منه ‪..‬‬ ‫كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ‪ ..‬ثم استأخر عني ‪ ..‬حتى إذا نزلت استأخر ببعيري ‪..‬‬ ‫فحط عنه ‪ ..‬ثم قيده في الشجرة ‪ ..‬ثم تنحى عني إلى شجرة ‪ ..‬فاضطجع تحتها ‪..‬‬ ‫فاذا دنا وقت المسير ‪ ..‬قام إلى بعيري فقدمه فرحله ‪ ..‬ثم استأخر عني ‪..‬‬ ‫وقال ‪ :‬اركبي ‪ ..‬فاذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه ‪ ..‬فقاده ‪..‬‬ ‫حتى ينزل بي ‪ ..‬فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ‪..‬‬ ‫فلما نظر الى قرية بني عمرو بن عوف بقباء ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة هللا ‪ ..‬ثم انصرف راجعا إلى مكة ‪..‬‬ ‫ثم اسلم عثمان بن أبي طلحة بعد ذلك ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫القرار الشجاع ‪..‬‬ ‫الطفيل بن عمرو ‪..‬‬ ‫كان سيدا مطاعا في قبيلته دوس ‪..‬‬ ‫قدم مكة يوما في حاجة ‪ ..‬فلما دخلها ‪ ..‬رآه أشراف قريش ‪ ..‬فأقبلوا عليه ‪..‬‬ ‫قالوا له ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬أنا الطفيل بن عمرو ‪ ..‬سيد دوس ‪..‬‬


‫فنظر بعضهم إلى بعض ‪ ..‬وخافوا أن يراه النبي عليه الصالة والسالم فيدعوه إلى اإلسالم ‪ ..‬فإن‬ ‫أسلم هذا السيد ‪ ..‬قوي به اإلسالم ‪..‬‬ ‫فاجتمعوا عليه وقال له أحدهم ‪ :‬إن ههنا رجل في مكة يزعم أنه نبي ‪ ..‬فاحذر أن تجلس معه أو‬ ‫تسمع كالمه ‪ ..‬فإنه ساحر ‪ ..‬إن استمعت إليه ذهب بعقلك ‪..‬‬ ‫ثم قال له اآلخر مثل ذلك ‪ ..‬وزاد الثالث عليهما ‪ ..‬وأكثروا الكالم ‪..‬‬ ‫قال الطفيل ‪ :‬فوهللا ما زالوا بي يخوفونني منه ‪ ..‬حتى أجمعت أال أسمع منه شيئا ‪ ..‬وال أكلمه ‪ ..‬بل‬ ‫ي كرسفا ‪ -‬وهو القطن – خوفا من أن يبلغني شيء من قوله ‪ ..‬وأنا مارّ به ‪..‬‬ ‫حشوت في أذن َّ‬ ‫فغدوت إلى المسجد ‪..‬‬ ‫فإذا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة ‪..‬‬ ‫فقمت منه قريبا ‪ ..‬فأبى هللا إال أن يسمعني بعض قوله ‪..‬‬ ‫فسمعت كالما حسنا ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫الحسن من القبيح ‪ ..‬فما يمنعني‬ ‫ي‬ ‫فقلت في نفسي ‪ :‬واثكل أمي ! وهللا إني لرجل لبيب ‪ ..‬ما يخفى عل َّ‬ ‫أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ‪ ..‬فإن كان الذي به حسنا قبلته ‪ ..‬وإن كان قبيحا تركته ‪..‬‬ ‫فمكثت حتى قضى صالته ‪ ..‬فلما قام منصرفا إلى بيته تبعته ‪..‬‬ ‫حتى إذا دخل بيته دخلت عليه ‪ ..‬فقلت ‪ :‬يا محمد ‪ ..‬إن قومك قالوا لي كذا وكذا ‪..‬‬ ‫ووهللا ما برحوا يخوفونني منك حتى سددت أذني بكرسف لئال أسمع قولك ‪ ..‬وقد سمعت منك قوال‬ ‫ي أمرك ‪..‬‬ ‫حسنا ‪ ..‬فاعرض عل َّ‬ ‫فابتهج النبي عليه الصالة والسالم ‪ ..‬وفرح ‪..‬وعرض اإلسالم على الطفيل ‪ ..‬وتال عليه القرآن ‪..‬‬ ‫فتفكر الطفيل في حاله ‪ ..‬فإذا كل يوم يعيشه يزيده من هللا بعدا ‪..‬‬ ‫وإذا هو يعبد حجرا ‪ ..‬ال يسمع دعاءه إذا دعاه ‪ ..‬وال يجيب نداءه إذا ناداه ‪..‬‬ ‫وهذا الحق قد تبين له ‪..‬‬ ‫ثم بدأ الطفيل يتفكر في عاقبة إسالمه ‪..‬‬ ‫كيف يغير دينه ودين آبائه !!‪ ..‬ماذا سيقول الناس عنه ؟!‬ ‫حياته التي عاشها ‪ ..‬أمواله التي جمعها ‪ ..‬أهله ‪ ..‬ولده ‪ ..‬جيرانه ‪ ..‬خالنه ‪..‬‬ ‫كل هذا سيضطرب ‪..‬‬ ‫سكت الطفيل ‪ ..‬يفكر ‪ ..‬يوازن بين دنياه وأخراه ‪..‬‬ ‫وفجأة إذا به يضرب بدنياه عرض الحائط ‪..‬‬ ‫نعم سوف يستقيم على الدين ‪..‬‬ ‫وليرض من يرضى ‪ ..‬وليسخط من يسخط ‪..‬‬ ‫وماذا يكون أهل األرض ‪ ..‬إذا رضي أهل السماء ‪..‬‬ ‫ماله ورزقه بيد من في السماء ‪..‬‬ ‫صحته وسقمه بيد من في السماء ‪..‬‬ ‫منصبه وجاهه بيد من في السماء ‪..‬‬ ‫بل حياته وموته بيد من في السماء ‪..‬‬ ‫فإذا رضي أهل السماء ‪ ..‬فال عليه ما فاته من الدنيا ‪..‬‬ ‫إذا أحبه هللا ‪ ..‬فلبيغضه بعدها من شاء ‪ ..‬وليتنكر له من شاء ‪ ..‬وليستهزئ به من شاء ‪..‬‬ ‫فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى واألنام غضاب‬ ‫وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب‬ ‫إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب‬


‫نعم ‪ ..‬أسلم الطفيل في مكانه ‪ ..‬وشهد شهادة الحق ‪..‬‬ ‫ثم ارتفعت همته ‪ ..‬وثارت عزيمته ‪ ..‬فقال ‪:‬‬ ‫يا نبي هللا ‪ ..‬إني امرؤ مطاع في قومي ‪ ..‬وإني راجع إليهم وداعيهم إلى اإلسالم ‪..‬‬ ‫ثم خرج الطفيل من مكة ‪ ..‬مسرعا إلى قومه ‪ ..‬حامال ه َّم هذا الدين ‪..‬‬ ‫يصعد به جبل ‪ ..‬وينزل به واد ‪..‬‬ ‫حتى وصل إلى ديار قومه ‪ ..‬فلما دخلها ‪ ..‬أقبل إليه أبوه ‪ ..‬وكان شيخا كبيرا ‪..‬‬ ‫فقال الطفيل ‪ :‬إليك عني يا أبت ‪ ..‬فلست منك ولست مني ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬و لم يا بني ؟‬ ‫قال ‪ :‬أسلمت وتابعت دين محمد صلى هللا عليه وسلم ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬ديني هو دينك ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ‪ ..‬ثم ائتني حتى أعلمك مما علمت ‪..‬‬ ‫فذهب أبوه واغتسل وطهر ثيابه ‪ ..‬ثم جاء فعرض عليه اإلسالم فأسلم ‪..‬‬ ‫ثم مشى الطفيل إلى بيته ‪ ..‬فأقبلت إليه زوجته ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬إليك عني ‪ ..‬فلست منك ولست مني ‪..‬‬ ‫قالت ‪ :‬ولم ؟ بأبي أنت وأمي ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬فرَّق بيني وبينك اإلسالم ‪ ..‬وتابعت دين محمد صلى هللا عليه وسلم ‪..‬‬ ‫قالت ‪ :‬فديني دينك ‪..‬‬ ‫ي ‪ ..‬فولّته ظهرها ذاهبة ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬فاذهبي فتطهري ‪ ..‬ثم ارجعي إل َّ‬ ‫وكان لهم صنم اسمه ذو الشرى ‪ ..‬يعظمونه ويرون أن من ترك عبادته أصابه الصنم بعقوبة ‪..‬‬ ‫فخافت المسكينة إن أسلمت أن يضرها أو يضر أوالدها ‪..‬‬ ‫فرجعت إليه وقالت ‪ :‬بأبي أنت وأمي ‪ ..‬أما تخشى على الصبية من ذي الشرى ‪ ..‬؟‬ ‫وذو الشرى صنم عندهم يعبدونه ‪ ..‬وكانوا يرون أن من ترك عبادته أصابه أو أصاب ولده بأذى ‪..‬‬ ‫فقال الطفيل ‪ :‬اذهبي ‪ ..‬أنا ضامن لك أن ال يضرهم ذو الشرى ‪..‬‬ ‫فذهبت فاغتسلت ‪ ..‬ثم عرض عليها اإلسالم فأسلمت ‪..‬‬ ‫ثم جعل الطفيل يطوف في قومه ‪ ..‬يدعوهم إلى اإلسالم بيتا بيتا ‪ ..‬ويقبل عليهم في نواديهم ‪ ..‬ويقف‬ ‫عليهم في طرقاتهم ‪..‬‬ ‫لكنهم أبو إال عبادة األصنام ‪..‬‬ ‫فغضب الطفيل ‪ ..‬وذهب إلى مكة ‪..‬‬ ‫فأقبل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ..‬إن دوسا قد عصت وأبت ‪ ..‬يا‬ ‫رسول هللا ‪ ..‬فادع هللا عليهم ‪..‬‬ ‫فتغير وجه النبي عليه الصالة والسالم ‪ ..‬ورفع يديه إلى السماء ‪..‬‬ ‫دوس ‪..‬‬ ‫فقال الطفيل في نفسه ‪ ..‬هلكت ْ‬ ‫فإذا بالرحيم الشفيق صلى هللا عليه وسلم ‪ ..‬يقول ‪ " :‬اللهم اهد دوسا ‪ ..‬اللهم اهد دوسا ‪..‬‬ ‫ثم التفت إلى الطفيل وقال ‪ :‬ارجع إلى قومك ‪ ..‬فادعهم ‪ ..‬وارفق بهم ‪..‬‬ ‫فرجع إليهم ‪ ..‬فلم يزل بهم ‪ ..‬حتى أسلموا ‪..‬‬ ‫ومرت األيام ‪ ..‬ومات النبي عليه الصالة والسالم ‪..‬‬ ‫فخرج الطفيل مع ولده والمسلمين لقتال مسليمة الكذاب في اليمامة ‪..‬‬ ‫فرأى في منامه رؤيا و هو متوجه إلى اليمامة أن رأسه حلق ‪ ..‬وأنه خرج من فمه طائر ‪ ..‬وأنه‬ ‫لقيته امرأة فأدخلته فيها ‪ ..‬وأرى ابنه يطلبه طلبا حثيثا ثم رأيته حبس عنه ‪..‬‬


‫فلما أصبح أخبر أصحابه بالرؤيا ‪ ..‬وقال فإني قد عبرتها ‪ :‬قالوا ‪ :‬ب َم ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬أما حلق رأسي فوضعه ‪ ..‬وأما الطائر الذي خرج منه فروحي ‪..‬‬ ‫وأما المرأة التي أدخلتني فيها فاألرض تحفر لي فأغيب فيها ‪..‬‬ ‫وأما طلب ابني إياي ثم حبسه عني فإني أراه سيجتهد أن يصيبه من الشهادة ما أصابني ‪..‬‬ ‫فقتل رضي هللا عنه شهيدا باليمامة ‪ ..‬وجرح ابنه جراحه شديدة ‪ ..‬لكنه نجى من الموت ‪..‬‬ ‫ثم استشهد في معركة اليرموك زمن عمر رضي هللا عنه ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬

‫يرى مقعده في الجنة !!‬ ‫شاب ‪ ..‬بلغ من عمره ستة عشر عاما ‪ ..‬كان في المسجد يتلو القرآن ‪ ..‬وينتظر إقامة صالة‬ ‫الفجر ‪..‬‬ ‫فلما أقيمت الصالة ‪ ..‬رد المصحف إلى مكانه ‪ ..‬ثم نهض ليقف في الصف ‪..‬‬ ‫فإذا به يقع على األرض فجأة مغمى عليه ‪..‬‬ ‫حمله بعض المصلين إلى المستشفى ‪..‬‬ ‫فحدثني الدكتور الجبير الذي عاين حالته ‪ ..‬قال ‪:‬‬ ‫أُتي إلينا بهذا الشاب محموال كالجنازة ‪ ..‬فلما كشفت عليه فإذا هو مصاب بجلطة في القلب ‪ ..‬لو‬ ‫أصيب بها جمل ألردته ميتا ‪..‬‬ ‫نظرت إلى الشاب فإذا هو يصارع الموت ‪ ..‬ويودع أنفاس الحياة ‪..‬‬ ‫سارعنا إلى نجدته وتنشيط قلبه ‪..‬‬ ‫أوقفت عنده طبيب اإلسعاف يراقب حالته ‪ ..‬وذهبت إلحضار بعض األجهزة لمعالجته ‪..‬‬ ‫فلما أقبلت إليه مسرعا ‪ ..‬فإذا الشاب متعلق بيد طبيب اإلسعاف ‪..‬‬ ‫والطبيب قد الصق أذنه بفم الشاب ‪ ..‬والشاب يهمس في أذنه بكلمات‪ ..‬فوقفت أنظر إليهما ‪..‬‬ ‫لحظات‪..‬‬ ‫وفجأة أطلق الشاب يد الطبيب ‪ ..‬وحاول جاهدا أن يلتفت لجانبه األيمن ‪..‬‬ ‫ثم قال بلسان ثقيل ‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا ‪ ..‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ..‬وأخذ يكررها ‪..‬‬ ‫ونبضه يتالشى ‪ ..‬وضربات القلب تختفي‪ ..‬ونحن نحاول إنقاذه‪ ..‬ولكن قضاء هللا كان أقوى‪..‬‬ ‫ومات الشاب‪..‬‬ ‫عندها انفجر طبيب اإلسعاف باكيا‪ ..‬حتى لم يستطع الوقوف على قدميه‪..‬‬ ‫فعجبنا وقلنا له ‪ :‬يا فالن !‪ ..‬ما لك تبكي !!‪ ..‬ليست هذه أول مرة ترى فيها ميتا‪..‬‬ ‫لكن الطبيب استمر في بكائه ونحيبه‪..‬‬ ‫فلما خف عنه البكاء ‪ ..‬سألناه ‪ :‬ماذا كان يقول لك الفتى ؟‬ ‫فقال ‪ :‬لما رآك يا دكتور ‪ ..‬تذهب وتجيء ‪ ..‬وتأمر وتنهى‪ ..‬علم أنك الطبيب المختص به ‪ ..‬فقال‬ ‫لي ‪:‬‬ ‫يا دكتور ‪ ..‬قل لصاحبك طبيب القلب‪ ..‬ال يتعب نفسه‪ ..‬ال يتعب‪ ..‬أنا ميت ال محالة ‪ ..‬وهللا إني أرى‬ ‫مقعدي من الجنة اآلن ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬


‫‪ ..‬على فراش الموت ‪..‬‬ ‫ي‪:‬‬ ‫كتبت إل َّ‬ ‫ما من يوم يمر علي إال وأبكي ‪..‬‬ ‫كل يوم يمر أفكر فيه باالنتحار مرات ‪..‬‬ ‫لم تعد حياتي تهمني أبدا ‪ ..‬أتمنى الموت كل ساعة ‪..‬‬ ‫ليتني لم أولد ولم أعرف هذه الدنيا ‪..‬‬ ‫بدايتي كانت مع واحدة من صديقاتي القليالت ‪..‬‬ ‫دعتني ذات يوم إلى بيتها ‪ ..‬وكانت من الذين يستخدمون اإلنترنت كثيرا ‪ ..‬وقد أثارت في الرغبة‬ ‫لمعرفة هذا العالم ‪..‬‬ ‫لقد علمتني كيف يستخدم ‪ ..‬وكل شيء تقريبا على مدار شهرين ‪ ..‬حيث بدأت أزورها كثيرا ‪..‬‬ ‫تعلمت منها "التشات" بكل أشكاله ‪..‬‬ ‫تعلمت منها كيفية التصفح ‪ ..‬وبحث المواقع الجيدة والرديئة ‪..‬‬ ‫في خالل هذين الشهرين كنت في عراك مع زوجي كي يدخل اإلنترنت في البيت ‪..‬‬ ‫وكان ضد تلك المسألة ‪ ..‬حتى أقنعته بأني أشعر بالملل الشديد ‪ ..‬ونحن نسكن بعيدا عن أهلي ‪..‬‬ ‫تحججت بأن كل صديقاتي يستخدمن اإلنترنت ‪ ..‬فلم ال أستخدمه وأحادثهن من خالله فهو أرخص‬ ‫من فاتورة الهاتف على أقل تقدير ‪..‬‬ ‫وافق زوجي ‪ ..‬ويا ليته لم يفعل ‪..‬‬ ‫أصبحت بشكل يومي أحادث صديقاتي ‪..‬‬ ‫بعدها أصبح زوجي ال يسمع مني أي شكوى أو مطالب ‪..‬‬ ‫أعترف بأنه ارتاح كثيرا من إزعاجي وشكواي ‪..‬‬ ‫كان كلما خرج من البيت أقبلت كالمجنونة على اإلنترنت بشغف شديد ‪..‬‬ ‫أجلس أقضي الساعات الطوال ‪..‬‬ ‫بدأت أتمنى غيابه كثيرا ‪ ..‬وقد كنت اشتاق إليه حتى بعد خروجه بقليل ‪..‬‬ ‫أنا أحب زوجي بكل ما تعني هذه الكلمة ‪ ..‬وهو لم يقصر معي ‪..‬‬ ‫حتى وحالته المادية ليست بالجيدة مقارنة بأخواتي وصديقاتي ‪ ..‬إال أنه كان بدون مبالغة يبذل‬ ‫إلسعادي بأي طريقة ‪..‬‬ ‫ومع مرور األيام وجدت اإلنترنت تسعدني أكثر فأكثر ‪ ..‬أصبحت ال أهتم حتى بالسفر إلى أهلي ‪..‬‬ ‫وقد كنا كل أسبوعين نسافر لنرى أهلي وأهله ‪..‬‬ ‫كان كلما دخل البيت فجأة ارتبكت فأطفئ كل شيء عندي بشكل جعله يستغرب فعلي ‪..‬‬ ‫لم يكن عنده شك ‪ ..‬بل كان يريد أن يرى ماذا أفعل في اإلنترنت ‪..‬‬ ‫ربما كان لديه فضول ‪ ..‬أو هي الغيرة ‪ ..‬حيث قد رأى يوما محادثة صوتية لم أستطع إخفائها‪..‬‬ ‫بعدها كان يعاتبني ويقول ‪ :‬اإلنترنت مجال واسع للمعرفة ‪ ..‬وليس مضيعة وقت ‪..‬‬ ‫مرت األيام وأنا أزداد بالتشات فتنة ‪..‬‬ ‫تركت مسألة تربية األبناء للخادمة ‪..‬‬ ‫كنت أعرف متى يعود ‪ ..‬فأطفئ الجهاز قبل مجيئه ‪..‬‬ ‫ومع ذلك أهملت نفسي كثيرا ‪ ..‬كنت في السابق أكون في أحسن شكل ‪ ..‬وأجمل زينة عند عودته‬ ‫من العمل ‪..‬‬


‫وبعد اإلنترنت بدأ هذا يتالشى حتى اختفى كليا ‪..‬‬ ‫كنت مشغوفة باإلنترنت ‪ ..‬لدرجت أني أذهب خلسة بعد نومه ‪ ..‬وأرجع خلسة قبل أن يصحو من‬ ‫النوم ‪..‬‬ ‫ربما أدرك الحقا أن كل ما أفعله في اإلنترنت هي مضيعة وقت ولكن كان يشفق علي من الوحدة‬ ‫وبعد األهل وقد استغللت هذا أحسن استغالل ‪..‬‬ ‫كان منزعجا إلهمالي األوالد ‪..‬‬ ‫وبخني كثيرا ‪ ..‬وكنت أتظاهر بالبكاء ‪ ..‬وأقول أنت ال تعرف ماذا يدور في البيت في غيبتك ‪ ..‬فأنا‬ ‫مهتمة بهم حريصة عليهم ‪ ..‬لكنهم يتعبوني ‪..‬‬ ‫باختصار أهملت كل شيء ‪ ..‬حتى زوجي ‪ ..‬كنت أهاتفه عشرات المرات وهو خارج البيت فقط‬ ‫أريد سماع صوته ‪ ..‬واآلن وبعد اإلنترنت أصبح ال يسمع صوتي أبدا إال في حالة احتياج البيت‬ ‫لبعض الطلبات النادرة ‪..‬‬ ‫تولدت لدى زوجي غيرة كبيرة من اإلنترنت ‪..‬‬ ‫ي ستة أشهر على هذا الحال ‪..‬‬ ‫مر عل َّ‬ ‫بنيت عالقات مع أسماء مستعارة ال أعرف إن كانت لرجل أم أنثى ‪..‬‬ ‫كنت أحاور كل من يحاورني عبر التشات ‪..‬‬ ‫حتى وأنا أعرف أن الذي يحاورني رجل ‪..‬‬ ‫إال أن شخصا واحدا هو الذي أقبلت عليه بشكل كبير ‪..‬‬ ‫أحببت حديثه ونكته ‪ ..‬كان مسليا ‪ ..‬بدأت العالقة بيننا تقوى مع األيام ‪..‬‬ ‫تكونت هذه العالقة اليومية في خالل ‪ 3‬أشهر تقريبا ‪..‬‬ ‫كان يغمرني بكالمه المعسول ‪ ..‬وكلمات الحب والشوق ‪..‬‬ ‫ربما لم تكن كلماته جميلة إلى هذه الدرجة ‪ ..‬ولكن الشيطان ج ّملها بعيني كثيرا ‪ ..‬كانت محاثاتنا‬ ‫كلها كتابة ‪ ..‬عبر " التشات " ‪..‬‬ ‫في يوم من األيام طلب سماع صوتي ‪ ..‬فرفضت ‪ ..‬أصر على طلبه ‪ ..‬هددني بتركي وأن يتجاهلني‬ ‫في التشات واإليميل ‪..‬‬ ‫حاولت كثيرا مقاومة هذا الطلب ولم أستطع ‪ ..‬ال أدري لماذا ‪..‬‬ ‫حتى قبلت مع بعض الشروط ‪ ..‬أن تكون مكالمة واحدة فقط ‪..‬‬ ‫استخدمنا برنامجا للمحادثة الصوتية ‪ ..‬رغم أن البرنامج ليس بالجيد ‪ ..‬ولكن كان صوته جميال‬ ‫جدا وكالمه عذب جدا ‪..‬‬ ‫قال لي ‪ :‬صوتك غير واضح عبر االنترنت ‪ ..‬أعطيني رقم هاتفك ‪..‬‬ ‫رفضت ذلك ‪ ..‬تعجبت من جرأته ‪ ..‬لم أجرؤ على مكالمته لمدة طويلة ‪..‬‬ ‫كنت أعلم وهللا أن الشيطان الرجيم كان يالزمني ويحسن صوته في نفسي ويصارع بقايا العفة‬ ‫والدين وما أملك من أخالق ‪..‬‬ ‫حتى أتى اليوم الذي كلمته من الهاتف ‪..‬‬ ‫ومن هنا بدأت حياتي باالنحراف ‪ ..‬لقد انجرفت كثيرااااااا ‪..‬‬ ‫أصبحنا كالجسد الواحد ‪ ..‬نستخدم "التشات" ونحن نتكلم عبر الهاتف ‪..‬‬ ‫لن أطيل الكالم ‪..‬‬ ‫من يقرا قصتي يشعر بأن زوجي مهمل في حقي ‪ ..‬أو كثير الغياب عن البيت ‪..‬‬ ‫ولكن العكس هو الصحيح ‪ ..‬كان يخرج من عمله وال يذهب إلى أصدقائه كثيرا من أجلنا أنا‬ ‫وأوالدي ‪..‬‬


‫ومع مرور األيام وبعد اندماجي باإلنترنت والتي كنت أقضي بها ما يقارب ‪ 8‬إلى ‪ 61‬ساعة‬ ‫يوميا ‪ ..‬أصبحت أكره كثرة تواجده في البيت ‪ ..‬ألومه على هذا كثيرا ‪..‬‬ ‫أشجعه بأن يعمل في المساء حتى نتخلص من الديون المتراكمة واألقساط التي ال تريد أن تنتهي ‪..‬‬ ‫وفعال أخذ بكالمي ‪ ..‬ودخل شريكا مع أحد أصدقائه في مشروع صغير ‪..‬‬ ‫بعد ذلك ‪ ..‬أصبح الوقت الذي أقضيه في اإلنترنت أكثر وأكثر ‪..‬‬ ‫رغم انزعاجه كثيرا من فاتورة الهاتف والتي تصل إلى اآلالف أحيانا ‪ ..‬إال أنه لم يقدر على صدي‬ ‫عن هذا أبدا ‪..‬‬ ‫بدأت عالقتي بصاحبي تتطور ‪..‬‬ ‫أصبح يطلب رؤيتي بعدما سمع صوتي مرارا ‪ ..‬بل ربما مل منه ‪..‬‬ ‫لم أكن أبالي كثيرا أو أحاول قطع اتصالي به ‪..‬‬ ‫بل كنت فقط أعاتبه على طلبه ‪ ..‬وربما كنت أكثر منه شوقا إلى رؤيته ‪..‬‬ ‫لكني كنت أترفع عن ذلك ‪ ..‬ال لشيء ‪ ..‬سوى أنني خائفة ‪..‬‬ ‫أصبح إلحاحه يزداد يوما بعد يوم ‪ ..‬يريد فقط رؤيتي ال أكثر ‪..‬‬ ‫قبلت طلبه بشرط أن تكون أول وآخر مرة نتقابل فيها ‪..‬‬ ‫تواعدنا ثم التقينا في أحد األسواق وكان الشيطان ثالثنا ‪..‬‬ ‫في الحقيقة من أول نظرة أعجبني ‪ ..‬بل زيَّنه الشيطان في عيني ‪..‬‬ ‫لم يكن زوجي قبيحا ‪ ..‬لكن الشيطان يزين الحرام ‪..‬‬ ‫افترقنا ‪ ..‬بدأ بعدها يقوي عالقته بي ‪..‬‬ ‫لم يكن يعرف أني متزوجة ‪ ..‬وأم أوالد ‪..‬‬ ‫رآني بعدها مرارا ‪ ..‬عرف عني كل شيء ‪..‬‬ ‫جعلني أكره زوجي ‪..‬‬ ‫عرض علي الطالق من زوجي ألتزوجه ‪..‬‬ ‫بدأت أكره زوجي ‪ ..‬بدأت اصطنع معه المشاكل كل يوم ليطلقني ‪..‬‬ ‫لم يحتمل زوجي هذه المشاكل التافهة ‪ ..‬و بدأ يكثر الغياب عن البيت ‪..‬‬ ‫حتى وقعت الكارثة ‪..‬‬ ‫قال زوجي إنه ذاهب في رحلة عمل لمدة خمسة أيام ‪..‬‬ ‫ي أن أذهب مع األوالد إلى أهلي ‪..‬‬ ‫عرض عل َّ‬ ‫أحسست أن هذا هو الوقت المناسب ‪..‬‬ ‫رفضت الذهاب ألهلي ‪..‬‬ ‫فوافق مضطرا وذهب مسافرا في يوم الجمعة ‪..‬‬ ‫وفي يوم األحد كان الموعد ‪..‬‬ ‫اتفقت مع الشيطان أن أقابله في مكان بأحد األسواق ‪..‬‬ ‫ركبت سيارته ثم أنطلق يجوب الشوارع ‪..‬‬ ‫أول مرة في حياتي أخرج مع رجل غريب ‪..‬‬ ‫كان يبدو عليه القلق أكثر مني ‪..‬‬ ‫قلت له ‪ :‬ال أريد أن يطول وقت خروجي من البيت ‪ ..‬أخشى أن يتصل زوجي أو يحدث شيء ‪..‬‬ ‫قال لي ‪ :‬وإذا عرف زوجك ‪ ..‬ربما يطلقك وترتاحين منه ‪..‬‬ ‫لم يعجبني حديثه و نبرة صوته ‪ ..‬بداء القلق يزداد عندي ‪..‬‬ ‫قلت له‪ :‬يجب أن ال تبتعد كثيرا ‪ ..‬ال أريد أن أتأخر عن البيت ‪..‬‬


‫بدأ يشغلني بأحاديث جانبية ‪..‬‬ ‫وفجأة وإذا أنا في مكان ال أعرفه ‪ ..‬مظلم وهي أشبه باستراحة أو مزرعة ‪..‬‬ ‫بدأت أصرخ به ما هذا المكان ؟ إلى أين تأخذني ؟ ‪..‬‬ ‫ي الباب ويخرجني بالقوة ‪..‬‬ ‫وما هي إال ثوان معدودات ‪ ..‬وإذا بالسيارة تقف ‪ ..‬ورجل آخر يفتح عل َّ‬ ‫وثالث داخل االستراحة ‪ ..‬ورابع رأيته جالسا ‪ ..‬روائح غريبة تنبعث من المكان ‪..‬‬ ‫كان كل شيء ينزل علي كالصاعقة ‪..‬‬ ‫صرخت وبكيت واستعطفتهم ‪..‬‬ ‫أصبحت من شدة الرعب ال أفهم ما يدور حولي ‪..‬‬ ‫شعرت بضربة كف على وجهي ‪ ..‬وصوت يصرخ علي ‪..‬‬ ‫فزلزلني زلزاال فقدت الوعي بعده من شدة الخوف ‪..‬‬ ‫وقع ما وقع ‪..‬‬ ‫صحوت بعدها من إغمائي ‪..‬‬ ‫تملكني رعب شديد ‪ ..‬جسمي يرتعش ‪ ..‬لم أتوقف عن البكاء ‪..‬‬ ‫ربطوا عيني ‪ ..‬وحملوني إلى السيارة ‪ ..‬ورموني في مكان قريب من البيت ‪..‬‬ ‫دخلت البيت مسرعة ‪ ..‬بقيت أبكي وأبكي حتى جفت دموعي ‪..‬‬ ‫أصبحت حبيسة غرفتي ‪ ..‬لم أر أبنائي ‪ ..‬ولم أدخل في فمي لقمة ‪..‬‬ ‫كرهت نفسي ‪ ..‬حاولت االنتحار ‪..‬‬ ‫أبنائي لم أعد أعرفهم ‪ ..‬أو أشعر بوجودهم ‪..‬‬ ‫رجع زوجي من السفر ‪ ..‬كانت حالتي سيئة لدرجة أنه أخذني إلى المستشفى بقوة ‪..‬‬ ‫أعطوني مهدئات ومقويات ‪..‬‬ ‫طلبت من زوجي أن يأخذني إلى أهلي بأسرع وقت ‪..‬‬ ‫كنت أبكي كثيرا ‪..‬وأهلي ال يعلمون شيئا ‪..‬يعتقدون أن هنالك مشكلة بيني وبين زوجي‪..‬‬ ‫حاول أبي أن يتفاهم مع زوجي ‪..‬ولم يصل معه إلى نتيجة ‪..‬ألن زوجي أصال ال يعلم شيئا‪..‬‬ ‫ال أحد يعلم ما الذي حل بي ‪ ..‬حتى أن أهلي عرضوني على بعض القراء ‪ ..‬اعتقادا منهم بأني‬ ‫مريضة ‪..‬‬ ‫باختصار ‪ ..‬أنا ال أستحق زوجي أبدا ‪..‬‬ ‫لذا طلبت منه الطالق ‪ ..‬إكراما له وهللا ‪ ..‬فأنا ال أستحق أن أعيش بين األشراف مطلقا ‪..‬‬ ‫أنا التي حفرت قبري بيدي ‪ ..‬وصديق "التشات" لم يكن سوى صائد لفريسة من البنات الّلواتي‬ ‫يستخدمن التشات ‪..‬‬ ‫حزن زوجي لحالي ‪ ..‬بل ترك عمله أياما ليكون قريبا مني ‪ ..‬رفض أن يطلقني ‪ ..‬كان المسكين‬ ‫يحبني ‪ ..‬تعب حتى كون أسرة وبيتا وال يريد أن يهدمه ‪..‬‬ ‫ذل أصابني من أولئك‬ ‫كتمت سرّي في صدري ‪ ..‬وكل يوم يمر بي أزداد قهرا على قهري ‪ ..‬أي ٍ‬ ‫األنذال ‪ ..‬كيف أكون مزبلة لشراب خمر ومتعاطي مخدرات يعبثون بجسدي كما شاءوا ‪ ..‬كم كنت‬ ‫غبية حمقاء ‪ ..‬كيف أمضيت أشهرا في صرف عواطفي لمن ال يستحقها ‪..‬‬ ‫وها أنا أكتب هذه القصة من على فراش المرض والهزال ‪ ..‬بل لعله يكون فراش الموت ‪..‬‬ ‫* * * * * * * * * *‬


‫‪ ..‬اتخذوه مهجورا ‪..‬‬ ‫قالت ‪:‬‬ ‫كنت في الحرم المكي ‪ ..‬في قسم النساء ‪ ..‬وإذا بامرأة تطرق على كتفي ‪ ..‬وتردد بلكنة أعجمية ‪:‬‬ ‫يا حاجة !! يا حاجة !!‪..‬‬ ‫إلتفت إليها ‪ ..‬فإذا امرأة متوسطة السن ‪ ..‬غلب على ظني أنها تركية ‪..‬‬ ‫سلمت علي ‪ ..‬وقعت في قلبي محبتها !‬ ‫سبحان هللا األرواح جند مجندة ‪..‬‬ ‫كانت تريد أن تقول شيئا ‪ ..‬تحاول استجماع كلماتها ‪..‬‬ ‫أشارت إلى المصحف الذي كنت أحمله ‪ ..‬ثم قالت بعربية مكسرة ‪:‬‬ ‫أنت تقرأ في قرآن ‪..‬؟!‬ ‫قلت ‪ :‬نعم ! ‪ ..‬وإذا بالمرأة ‪..‬‬ ‫يحمر وجهها ‪ ..‬وتمتلئ عيناها بالدموع ‪..‬‬ ‫قد هالني منظرها ‪ ..‬بدأت في البكاء !!‬ ‫قلت لها ‪ :‬ما بك !؟‬ ‫قالت بصوت مخنوق وهي تنظر بخجل ‪..‬‬ ‫قالت ‪ :‬أنا ما أقرأ قرآن ‪..‬‬ ‫قلت ‪ :‬لماذا ؟‬ ‫قالت ‪ :‬ما أعرف ‪ ..‬ومع انتهاء حرف الفاء ‪ ..‬انفجرت باكية ‪..‬‬ ‫ظللت أربت على كتفيها وأهديء من روعها ‪..‬‬ ‫قلت ‪ :‬أنت اآلن في بيت هللا ‪ ..‬اسأليه أن يعلمك ‪ ..‬وأن يعينك على قراءة القرآن ‪..‬‬ ‫كفكفت دموعها ‪..‬‬ ‫وفي مشهد لن أنساه ما حييت ‪ ..‬رفعت المرأة يديها تدعو هللا قائلة ‪ :‬اللهم افتح قلبي ‪ ..‬اللهم افتح‬ ‫قلبي أقرأ قرآن ‪ ..‬اللهم افتح قلبي أقرأ قرآن ‪..‬‬ ‫ي وقالت ‪ :‬أنا أموت وما قرأت قرآن ‪..‬‬ ‫ثم التفتت إل َّ‬ ‫قلت لها ‪ :‬ال‪ ..‬إن شاء هللا سوف تقرأينه كامال وتختميه مرات ومرات ‪..‬‬ ‫سألتها ‪ :‬هل تقرأين الفاتحة ؟‬ ‫فاستبشرت ‪ ..‬وقالت ‪ :‬نعم ‪..‬‬ ‫ثم بدأت ترتل ‪ :‬الحمد هلل رب العالمين ‪ ..‬الرحمن الرحيم ‪..‬‬ ‫حتى ختمتها ‪..‬‬ ‫ثم جلست تعدد صغار السور التي تحفظها ‪..‬‬ ‫كنت متعجبة من عربيتها الجيدة إلى حد ما‪ ..‬وهي تتكلم عن حياتها ‪ ..‬وما تبذله لتتعلم القرآن ‪..‬‬ ‫وفجأة تغير وجهها ‪ ..‬وقالت ‪ :‬إذا أنا أموت ما قرأت قرآن ‪ ..‬أنا في نار !!‬ ‫أنا وهللا أسمع شريط ‪ ..‬بس الزم في قراءة !!‬ ‫هذا كالم هللا ‪ ..‬كالم هللا العظيم ! وبدأت المسكينة تدافع عبراتها وهي تتكلم عن عظمة هللا ‪ ..‬وحق‬ ‫كتابه علينا ‪..‬‬ ‫لم أتمالك نفسي من البكاء ! امرأة أعجمية ‪ ..‬في بالد علمانية ‪ ..‬تخشى أن تلقى هللا ولم تقرأ كتابه ‪..‬‬ ‫منتهى أملها في الحياة أن تختم القرآن ‪..‬‬ ‫تبكي ‪ ..‬وتحزن ‪ ..‬وتضيق عليها نفسها ‪ ..‬ألنها ال تستطيع تالوة كتاب هللا ‪..‬‬


‫فما بالنا قد هجرناه ؟‬ ‫قد أوتيناه فنسيناه ؟‬ ‫ما بالنا والسبل ميسرة لحفظه وتالوته وفهمه ؟‬ ‫باهلل ‪ ..‬على أي شيء تحترق قلوبنا ؟ وما الذي يثير مدامعنا ويهيج أحزاننا ؟‬ ‫* * * * * * * * * *‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.