تأليف مشعلْ
تصميم وضبط وتدقيق لغوي آسيةْبازرارة
شكر خاص مصطفىْالكندري ُ
آسيةْبازرارة
جمانةْالقحطاني صفاءْالعنزي روابيْالزهراني عبدالرمحنْ
المقدمة
ُ انتهيت من كتاب ِة هذه الرّواية التي تعتبر أوّ ل رواية أ ْنشرها وهي تتح ّدث عن بفضل هللا تعالى شاب في عمر ال ّزهور صار ضحي ًّة أل ٍ قاس ..ح ّتى أصبح بليد اإلحساس ، ب مُهمل ،وج ٍّد متسلّط ٍ جاف المشاعر ،كثير المشاكل ،تغمر قلبه الكراهية لكن وفي لحظة لم يتوقعها يقع في إعجاب ابنة خالته التي كانت سببًا بتورّطه في قضيّة أدخلته السّجن.
رواية ( ما زال هناك أمل ) تحمل في ط ّياتها الكثير من األمل ،أُهديها ألولئك الذين فقدوا األمل ح ّتى سيطر عليهم اليأس فأصبحوا ضحايا في بئره المظلم فلع ّل هذه الرّواية تنتشلهم إلى البساتين الخضراء.
“ منفذ “ ]في وسط الظالم ابحث عن بصيص ن األمل [ م ُ النّور ..فهناك يك ُ
لإلقتراحات والنقد والدعم : Twitter: @ma8roo6 Email: m.n.k.s@hotmail.com
الفصل األول
األسرة جالسون على مائدة الطعام ،ينظر الج ّد إلى الوجوه التي اعتاد أن يراها كل يوم كي يتأكد من وجودهم جميعًا هنا ،لكنه الحظ أن سعد ليس موجو ًدا بينهم فنظر إلى أبا سعد -الذي يُدعى حمد -بغضب وقال " :أين ذهب سعد؟ " حمد أطرق برأس ً قائًل : " ال أدري ،فمنذ الصباح " ... فقاطعه الجد غاضبًا وهو يضرب بكف ّيه على المائدة بقوة ويتهيأ للوقوف : " كيف ال تدري وهو ابنك؟ " ثم جلس على كرسيه وأردف: " أيّ إهمال هذا !!؟ "
لم ينطق حمد بأيّ كلمة فالتزم الصمت ألنه ال يملك إجابة على أسئلته تلك ،فأمر الج ّد ابنه حمد أن يتصل على سعد ،فاتصل مرارً ا وتكرارً ا لكن ال مجيب! ألن سعد يعلم أنّ أباه يتصل بسبب ج ّده ،وهو يرى أنه قد كبر وال يحتاج من أحد أن يخاف عليه كل هذا الخوف المبالغ به !! عند الظهيرة حصل كما حصل في الصباح ،تفقّد الجد األسرة فوجد أن سعد مازال غائبًا فغضب وقال لحمد: " إن لم تأتيني بسعد فسوف أُعاقبك يا مهمل "
قال تلك الكلمات وهو يشير بسبابته التي كانت ترتجف بتوتر ممزوج بالغضب خصوصًا أن سعد شاب في نهاية مراهقته وعني ٌد ج ًّدا وال يكترث بتعليمات الج ّد بعدما كان يخافه عندما كان صغيرً ا ،وهذا األمر الذي جعل الج ّد يفكر مرارً ا بطريقة يُخلّص فيها سعد من هذا العناد.
في تلك اللحظة كان سعد يلهو مع أصحابه عند بحر سلوى أو ( أنجفه ) كما هو شائع اسمه في الكويت ،هناك كانوا يعيشون طفولتهم في األلعاب الموجودة بالقرب من الشاطئ ،ويسبحون في البحر.
كان الطقس حينها داف ًئا قبل فصل الشتاء فاستغل الشباب كعادتهم كل سنة أن يذهبوا منذ الصباح حتى الظهيرة ،ومن بعدها يعود الجميع إلى منازلهم ليستحموا ويغيروا من ردائهم ومن ثم يذهبوا إلى التس ُّكع في المجمعات.
رجع سعد إلى المنزل ودخل بهدوء ،فهو يعلم يقي ًنا أنّ ج ّده نائ ٌم في هذا الوقت بعد تناول وجبة الغداء ،وصالة العصر فيظ ُّل نائمًا حتى قبيل صالة المغرب ،وبينما سعد يستحم أح ّست شقيقته ريم بشخص في دورة المياه ،فطرقت الباب ورد عليها: " من ؟ " " أأنت سعد ؟ " " نعم سعد ،ماذا تريدين ؟ " " ال شيء ،لكنّ أبي خائفٌ عليك وذهب ليبحث عنك ! " توقفت يدا سعد التي كانت تفرك فروة الرأس وقال في نفسه مستغربًا:
ُ ُ يبحث عني وأنا قد كبرت وصرت يبحث ع ّني ! إ ّنه ألم ٌر غريب!! ماذا دهاه؟ ومنذ متى أبي " ً ّ الحق في ذلك لكن اآلن ليس من حقّه !!! همممم حس ًنا ال يهمني ذلك!! رجال !!! نعم في طفولتي له إ ّنها مشكلته أن يخاف علي ويبالغ بخوفه ،يجب أن أنتهي سري ًعا وأذهب إلى أصدقائي " وبينما هو كذلك غارق في تفكيره وحديث نفسه قاطعته أخته ريم: " سعد لماذا سكت ؟ " " ها؟ ال شيء ياريم ،فقد أخذني تفكيري إلى مكان آخر "
" آه حس ًنا "
ذهبت ريم إلى صالة المنزل وجلست تشاهد أحد البرامج على قناة ( عالم الحيوان ) فهي مهووسة بحب الحيوانات السيما القطط.
بعد لحظات خرج سعد من الحمام وذهب إلى غرفته المبعثرة المهملة ،فقميصه ملقى األر ُلي بعد شهور من اإلهمال ،وسريره تك ّدست فوقه المنشفة وبع المالبس التي تم تنظيفها وقد ب َ لكنه لم يضعها في دوالب مالبسه ،ناهيك عن الكتب المدرسيّة الملقاة في ركن الغرفة ،وأحذيته التي ليست على أرففها المركونة بجانبها وكأنّ تلك األرفف زينة ! ،وبعدما انتهى من ارتداء مالبسه ذهب ألخته ريم ووقف أمامها وهو يعر نفسه: " ما رأيكِ يا ريم؟ هل أبدو أني ًقا ؟ " " ياي ٌ .. أنيق ج ًّدا يا أخي " " رغمًا عنكِ "
وضحك ممازحً ا إيّاها حينما رآها قد غضبت ،ثم خرج من المنزل ..فصادف أباه الذي ركن السيارة ونزل منها.
نظ ر سعد إلى أبيه الغاضب ،ووقف وقفة الالمبالي وهو يتأمل نظرات أبيه لينظر ماذا سيفعل به بعد هذا البحث والعناء منذ الظهيرة !!!
الفصل الثاني
نظر األب إلى ابنه وهو ينزل من سيارته نوع كوروال أبي توقف أمامه وقد تغيّر وجهه غضبًا ! سأله :
اللون ،وعندما وصل إليه
" أين كنت يا سعد منذ الصباح ؟ " أشاح سعد بوجهه عن أبيه وقال بنبرة استياء " :مع أصدقائي " غضب األب وقال: " عندما يتحدث إليك الكبير ،ال ٌتشحْ وجهك عنه !! وقل لي أين كنت بالضبط ؟ " نظر سعد إلى عينيّ والده وقد رفع حاجبًا وكأنّ كالم أبيه لم يعجبه ثم قال: ً ّ ويحق لي أن " ... رجال " قلت لك مع أصدقائي! وال يهم أين كنت فقد أصبحت
ً صرخة أخرجت جيرانه الذين فقاطعه األب غاضبًا وهو يرفع سبابته بوجه سعد وصرخ بجانب منزله:
" إيّاك أن تقلها مرة أخرى ،فما زلت تحتاج إلى أنْ تتعلم الكثير! ومن حقي كأب أن أعرف كل ما يحصل في المنزل "
وفي لحظة صمت مًلت المكان ،ينظر سعد إلى عيني والده وتارة ينظر إلى أصبعه السبابة وال يملك شي ًئا يقوله !! فهي المرة األولى التي يغضب فيها والده منه ،ولم يملك الجيران المتجمعون حولهما ّإال محاولة تهدئة الوضع لكن األب طلب منهم االنصراف ،ثم دخل كل من حمد وابنه سعد للمنزل ليكمال لهيب الحوار. نظر األب إلى مالبس سعد نظرات ازدراء من أعلى ألسفل ثم قال: " وما هذا اللباس الغريب؟ وإلى أين أنت ذاهب اآلن ؟ " ضحك سعد بسخرية ثم قال: " غريب ؟!! هذا لبس الموضة! وأنا ذاهب مع أصدقائي "
ع
االب شفته بغيظ وجحظت عيناه من الغضب وقال:
" ليذهب أصدقاؤك إلى الجحيم ،فقد كرهتهم بسببك !! " رفع سعد يده بوجه أبيه وهو يصرخ: " ّإال أصدقائي ! ال أرضى ألحد أن يتكلم عنهم أو يمسّهم بسوء !! "
نظر األب نحو يد سعد مصدومًا ،وفي تلك اللحظة استيقظ الج ّد بسبب صراخ سعد ،ففتح نافذته وقد أط ّل عليهم من الدور األول وهو يفرك عينيه ثم ارتدى نظارته ثم ح ّدق ال ّنظر وقال غاضبًا: ت به إلى غرفة الجلوس فلي حسابٌ معه " " ال تجعله يخرج يا حمد ،ائ ِ نظر حمد إلى الج ّد وهو يحتمي بيده اليمنى عينيه من ضوء الشمس وقال: " حس ًنا يا أبي سآتي به اآلن ".
حينما سمع سعد كلمات ج ّده تلك استغل فرصته للهروب بينما والده منشغل مع الج ّد بالكالم ، ففتح الباب وهرب ً بعيدا!
حاول أباه اللحاق به لكن ال جدوى ..فقد توارى عن األنظار بين األزقة والطرقات ،فقال األب غاضبًا :
" ت ًّبا لقد أفلت مني ،يا إلهي ماذا سأقول ألبي؟ أقسم لو ضربني بعصاه فسوف أبحث عن سعد وألقنه درسًا مؤلمًا لن ينساه!"
رجع حمد إلى المنزل وهو يجرُّ خطاه خائبًا على هروب سعد فاستقبله الج ّد جالسًا على ً حاملة كوب الماء ،وريم تقوم بتدليك قدميه كعادتها كل يوم قبل الغروب، كرسيه ،والج ّدة بجانبه وزوجة حمد بالمطبخ تع ّد الشاي والقهوة العربية ،وبدر الذي يصغر سعد -وهو عكس سعد تمامًا - منشغل على جهاز الكمبيوتر ،فرفع الج ّد عصاه نحو حمد وقال بنبرة قاسية: " أيّها الجبان ،كيف هرب منك ذلك المراهق ؟ ألم تستطع اللحاق به وإمساكه ؟ "
قام الج ّد من كرسيه ومشى بخطوات بطيئة ودار حول حمد حتى وقف خلفه ثم قال:
ُ ُ كنت أسرع أقراني !! وأنت !! هل خرجت من ظهري لتكون كنت في س ّنك " أتدري؟ عندما كأمّك ضعي ًفا ؟ "
قال جملته األخيرة وعيناه تتجه نحو زوجته -الج ّدة -أمّا حمد فلم ينطق حر ًفا ،واكتفى بزفرة خفيفة ،وشحُ ب وجهه ألمًا فهو إن أجابه بالنفي فسوف يحكي له مغامراته أيّام شبابه وإن أجابه بالتأييد فسوف يكذبّه ولن يصدقه. صمت الجميع بعد ذلك وفي تلك اللحظة جاءت زوجة حمد وقالت للجد: " عمّي لقد انتهيت من إعداد الشاي والقهوة ،وقد جهزتهما في غرفة الجلوس " " هممم حس ًنا سآتي اآلن " كان سعد في تلك األثناء جالسً ا في بيت صديقه عادل الذي لم يأتِه منذ أمد بعيد.
عادل ينظر إلى سعد متعجّ بًا وعالمات االستفهام قد أثقلت رأسه بسبب مجيئه ،كلما حاول أن يسأله عن السبب تردد فهو لم ي ْ ُرد أن يحرجه بأسئلته الفضوليّة ،لكن فضوله كان أقوى فكسر حاجز الصمت وقال بنبرة هادئة يشوبها الفضول: " اممم ممكن سؤال ؟ " قطع ذلك السؤال حبل أفكار سعد فقال: " تفضل " ت إليّ " بصراحة أنا متع ّجبٌ منْ مجيئك في هذا الوقت ،خصوصً ا أنك منذ مدة طويلة ج ًّدا لم تأ ِ بل وحتى بالمناسبات لم تتصل بي فكيف " ..... قاطعه سعد ً قائال بشكل متقطع: " هل ..يعني ..ذلك ..أنني ..سببت ..لك ..إزعاجً ا ..في مجيئي ..إليك ؟!؟ " قال عادل متر ّد ًدا: " الال ال ال يا صاحبي لـ لـ لم أقصد ذلك لكنه مـ مجرّد فضول !! "
ح ّدق سعد ّ النظر في وجه عادل وقال: ك" " فضول ؟ ال تنسى أنك رجل ،فاترك الفضول ع ْن َ " ماذا تعني ؟ " ُ عنيت ما عنيت ،واللبيب باإلشارة يفهم ! " "
ً أصال لم يتوصل للمقصد ُعر لًلمر اهتمامًا ألنه ثم سكتا وبدأ عادل يفكر في مقصده لكنه لم ي ِ من كلماته ،فك ّل ما يهمّه هو أنْ يعرف سبب مجيئه ،لكن قاطع تفكيره سعد فقال: " حس ًنا يا ذا الفضول ،سأشفي غليل فضولك ،أتيتك ألجل أن أطمئن وأسلّم عليك "
ذلك المبرر لم يقنع عادل أب ًدا ،فال يُعقل بشاب مثل سعد طائ ًشا أن يبادر بمثل تلك المبادرات!
بعد ذلك دخال في أحاديث أخرى ومن ثم احتسيا الشاي األخضر ،ثم طلب سعد من عادل أن يذهب به إلى منطقة مشرف حيث يسكن صديقه محمد ،فأوصله إلى هناك ودخل في منزله ،وطلب ت أخاه أو أباه ،فهناك يكون قد ابتعد عن منزله منه أن يذهب به إلى بحر الزور فورً ا قبل أن يأ ِ واحتمالية وجوده تكاد تكون معدومة من ِق َبل أهله.
ً باحثا وقد ذهب وق ّدم كان أهل سعد يشغلهم التفكير بأمره ،فاألب ينتقل من مكان إلى مكان بال ًغا في المخفرالذين قاموا بدورهم مشكورين بالبحث عنه.
أمّا الجد فقد شعر بالتعب وهو يف ّكر بأمر سعد فتارة يغضب وتارة يبكي ألمًا فهو يحبّه ح ًّبا ج ًّما خصوصا ذكريات طفولته وهما يمرحان في حديقة المنزل ووسط البراري وعلى الشواطئ .. فكلما تذكر تلك األيام فإن نار الغضب ُتطف ُئها دموع الحنين.
وبينما هو كذلك غارق في التفكير شعر بالتعب وأغشي عليه ،فتجمع حوله أهله باستثناء حمد الذي كان خارجً ا يبحث عن سعد ،وبدر الذي كان يبحث أيضًا عند أصدقاء سعد المقرّبين ،ولسوء حظ الج ّد أنّ بدر لم يرُد سريعًا على الهاتف حينما جاءه اتصال من المنزل فقال وهو يمسك هاتفه: " ماذا يريدون؟؟ كعادتهم يسألون عن سعد ،ال ُيهم! "
قذف بجهازه على المقعد الفارغ بجانبه ،ومع تكرار االتصاالت -أكثر من عشر مرات -رد عليهم عندما أحس بخطر ما قد حصل ،أمسك بالهاتف ويده ترتعد : " نـ نــعم م ماذا تريدون؟ " جاء صوت ريم بنبرة خائفة مضطربة تبكي: " لقد أغمي على جدي وأبي بعي ٌد ع ّنا ،أرجوك تعال بسرعة لتأخذه إلى المشفى " رد عليها بنبرة ال تقل خو ًفا منها وكان مصدومًا مما سمع: " يا إلهي ..سآتي ً حاال " أسرع بدر بسيارته وقد كانت منطقة مشرف بجانبه ،فهو كان في طريقه لمنزل محمد لكن االتصال جاءه قبل أن يصل إليه.
تزامن وصوله مع وصول والده ،وبسرعة أدخلوا الجد في سيارة حمد ثم انطلق مسرعًا إلى المشفى ،أما بدر فقد لحق بأبيه ومعه أهله ،وفور وصولهم أدخل األطباء الجد إلى العناية الفائقة، وحمد وابنه بدر بالخارج وباقي أهله أيضًا موجودون ينتظرون ويبكون ؛ فهم اآلن وقعوا في مصيبتين ( مصيبة الج ّد ومصيبة هروب سعد ) !! وليس لهم اآلن سوى الصبر والرضا والدعاء.
الفصل الثالث
الجميع ينتظر خروج الطبيب المعالج وكان الوقت يم ّر عليهم بطي ًئا ج ًّدا فالثواني اصبحت بالنسبة إليهم لحظات طويلة عصيبة وبعد انتظار خرج الطبيب وقال: " إ ّنه في غيبوبة " ... سكت ً قليال وأطرق رأسه مُرد ًفا بأسى: ً مشلوال وإنْ لم يستفق فادعوا له بالرحمة " " ورُبما ستطول به الغيبوبة ! فإن استفاق منها صار
ثم أدار ظهره ومضى إلى مكتبه ،بينما حزن الجميع لسماع ما حصل للجد ،وصاروا يزورونه كل يوم لينظروا إليه والدعاء له فقط.
ريم كانت تأتي وبيدها المصحف لتقرأ عند رأسه القرآن كل يوم ،فهي تعلم يقي ًنا أنّ القرآن شفاء وقاه ٌر لك ِّل مر ٍ عضوي ونفسي وروحي ،وبدر يتصدق ويدعو كل يوم واألب أصبح يُنفق بما يقدر على الفقراء والمحتاجين بنيّة شفاء والده ،وكذلك أم سعد فهي تقوم بدورها بالصالة في آخر الليل والدعاء له بالشفاء ،حتى باقي األهل واألقارب صار هذا ديدنهم ،وصار لسان حالهم يقول : " ما زال هناك أمل بالشفاء "
تر فيها سعد لم يرجع إلى المنزل وصاروالده يف ّكر به كثيرً ا ،واألم تبكي كلما مرّت ساعة لم َ ابنها وبدر المسكين كل يوم يبحث عنه.
المشكلة تكمن في ذكاء سعد في عملية الهروب واالختباء ،فهو يختار أماكن ال تخطر في بال أهله أبدا وربما سبب ذلك أن أهله ال يعلمون شي ًئا عن تلك األماكن أو أ ّنها بعيدة ج ًّدا ولن يتوقعوا أن يكون هناك ً أبدا !
لكن بدر أيضًا كان يبحث في كل مكان سواء قريب منهم أم بعيد ،وخطر بباله أن يذهب إلى صديقه مساعد المعروف بحكمته في ح ّل المشاكل والذي يسكن بالقرب من منطقتهم وبالتحديد في منطقة األندلس.
وصل إليه ونزل من سيارته ثم طرق الباب فخرج أبو مساعد ،فتقدم بدر نحوه وقبّل رأسه وسأله عن مساعد ،فطلب من بدر أن يتفضل في مجلس الرجال حالما ينتهي مساعد من االستحمام.
دخل بدر المجلس وجلس أبو مساعد أمامه وتحدثا عن دراسة بدر وطموحه الذي يريده ،بعد ذلك الحديث الملهم دخل مساعد الحكيم المجلس فقبّل رأس أبيه ثم سلّم على بدر وانطلق إلى حيث الشاي والقهوة العربية وجاء بهما ،وبعدما شربا القهوة وضع أمامه وأمام بدر كوبًا من الشاي.
اعتدل بدر من جلسته كي يبدأ بسرد تفاصيل مشكلة سعد ،وحكى له كل ما حصل ،ومساعد ينصت بإحكام ويقظة دون شرود ودون أن ينشغل بشيء آخر ،وفجأة انقطعت عنهم الكهرباء ت بشمعة ،فذهب ثم أتى بها وهي بسبب عطل حصل في المنزل فاستأذن مساعد من بدر أنْ يأ ِ ٍ مشتعلة وقد بدأت تذوب من حرارة اللهب ،وحرارة المشكلة العقيمة. جلس مساعد بجانب بدر ينصت من جديد حتى إذا انتهى بدر قال مساعد بوقار: " انتهيت يا صديقي ؟ " " نعم انتهيت "
" حس ًنا أنت ذكرت أن سعد شاب طائش ومتهور ،وذكرت أنه طويل اللسان وحاد المزاج وحذر ج ًدا وذكي ،وهو قد هرب منذ أيام لكنكم لم تجدوه ،هل بحثتم عنه في مكان بعيد عن الفردوس ؟ " " نعم في كل مكان "
" صدقني يا بدر لم تبحثوا في كل مكان ،فهو لم يخرج من الكويت بسبب أن أمن الحدود لديهم صورته وبياناته ،ربما هناك ثمة مكان لم تبحث فيه " سكت وهو يفكر ثم أردف بهمس:
" بل رُبما أماكن يا صديقي ! " صمت بدر ً قليال ثم قال: " رُبما أنك على صواب لكن أين تتوقع أن نجده " تنحنح مساعد وقال: " صديقي بدر هل بحثت في شاليهات منطقة الجليعة ؟ "
" بصراحة ال ،لم أفكر بها أب ًدا خصوصًا أن سعد ليس لديه أصدقاء بالقرب من تلك المنطقة ،لكن قل لي لماذا الجليعة بالذات؟ ولم ت ُقل مثال شاليهات الدوحة ؟ "
" ألن شاليهات الدوحة قريبة من منزلكم ،ولربما شاهده أحد قريب منكم أو جار لكم في مكان ما بالقرب من هناك ،أفهمت يا صديقي ؟ " " نعم فهمت ،لكنه ال يملك شاليهًا بالجليعه أيضًا " ابتسم مساعد بثقة وقال:
" يا عزيزي رُبما استأجروا شاليهًا هناك ،ال تدري ! " ه ّز بدر رأسه وهو يفكر بكالم مساعد مؤي ًدا إيّاه ثم قال: " حس ًنا ،ما رأيك أن نذهب معًا لنبحث عن ُه هناك؟ "
وافق مساعد على أن يرافق بدر إلى شاليهات منطقة الجليعة للبحث عن سعد ،وحينما وصال بحثا عنه ،ومرّا من سوق مركزي هناك فعر بدر صورة سعد للموظفين لعلّهم رآه !!
وبالفعل حينما تعرّ ف الموظف الذي يعمل محاسبًا هناك عليه ذكر لهما أنه قد رآه قبل ساعة هنا وخرج ،اطمئنّ بدر لسماعه ذلك ،ثم خرج وجلس في السيارة مع مساعد ينتظرانه حتى يأتي مرة أخرى إلى السوق ،ثم اتصل على أبيه الذي قام بدوره باالتصال على المخفر ليخبرهم أن ابنه سعد موجود في منطقة الجليعة لكي يقوموا بضبطه ومن ثم يتم تسليمه إلى ذويه.
الفصل الرابع بدر ومساعد يراقبان عن كثب في السيارة التي ركنوها في مكان قريب بين السيارات المزدحمة هناك في المواقف حتى ال ينتبه لوجودهما ،وبعد لحظات جاء أبو سعد واتصل على بدر: " أين أنت ؟ " " أنا خلف سيارة اللكزس األبي
"
ذهب إلى حيث الوصف ووجده داخل السيارة مع مساعد فنزل مساعد وطلب من أبا سعد أن يصعد في المقعد األمامي ،وركب هو في المقعد الخلفي ،قال أبو سعد :
" ستتكلّف الشرطة بباقي المهمة ،فهي قد نصبت نقطة تفتيش قبل مدخل السوق ،لنذهب بالقرب من النقطة حتى يتم القب عليه ويسلموه لي إن شاء هللا بعد التحقيق "
بعد ساعة من ذلك الوقت جاء سعد وصديقه فلمّا الحظا نقطة التفتيش اضطرب سعد وقال لصاحبه محمد:
" اهرب بسرعة قبل أن يكتشفوا أمري ،أنا اعلم أن أبي زوّ د الشرطة بصورتي ومن المؤكد أ ّنهم لو رأوني فسيقبضون علي " " ال تخف ..تمسّك ج ّي ًدا "
وبحركة سريعة خالف محمد السير فاشتبهت الشرطة به ،كانت المسافة بينهما مائة متر حينما الحظ سعد نقطة التفتيش ..لحقت الدوريتان بسيارته وكان محمد يجي ُد القيادة ويراوغ بين السيارات بثقة كبيرة بقدراته.
طلب الشرطي قوة إسناد تعمل على إغالق الطريق ،وبالفعل! في النهاية استسلما ووقع سعد في قبضة الشرطة وكذلك صديقه محمّد دون محاولة للهرب.
تم اقتيادهما إلى المخفر ولحقهم حمد وابنه بدر وكان مساعد بالخارج ينتظرهم ،بعد التحقيقات وقّع سعد على تعهّد وطلب الضابط من األب أن يوقع تعهّد بعدم التع ّر له بأذى بعدما ذكر له سعد أسباب هروبه فوافق ووقع عليه.
بعد ذلك ذهبو ا إلى المنزل ومحمد عاد إلى منزله بعد تنازل حمد عن رفع قضية ضده ،وفي ً توبيخا يخلو من لغة التهديد على ما حصل ،لكنّ سع ًدا لم ينطق بشيء. السياره وبّخ حمد ابنه سعد
لما وصلوا المنزل وجدوا خالة سعد ( نوف ) وابنتيها ( فاطمه ) التي تدرس في جامعة الكويت -تخصص لغة عربية و ( شروق ) التي ما زالت في الثانوية وبالتحديد ( الثاني عشر علمي ) وهي مخطوبة البن عمها منيف والصغير ( عبدهللا ) الذي كان مزعجً ا مشاكسًا كعادة الكثير من األطفال.
دخل األب في مجلس الرجال ،أمّا سعد فقد تنحنح قبل دخول صالة المنزل كي تدخل ُكل منْ شروق وفاطمه إلى غرفة ريم وتبقى الخاله وطفلها المشاكس في الصالة ليسلم عليها.
أسرع ابن خالته المشاكس وقفز على سعد يقبّله ومن ثم بدر وسلّما على خالتهما ،ثم حضرت أم سعد التي كانت في غرفتها تكتحل ورأت ابنها الغائب! فاندفعت إليه بقوّ ة شو ًقا وحُ ًّبا ،عانقته وهي تبكي وفي نفس الوقت تعاتبه على فعلته وهو فضل الصّمت على أنْ يوضح لها موقفه. سأل سعد أمه بعد أن جلسا:
" أين ج ّدي ؟ " تنهدت األم ثم قالت: " جدك في المستشفى " قال سعد ببرود: " أها ،ماذا به ؟ " شعرت األم بذلك البرود ،لكن لم ُتعر ذلك اهتمامًا فقالت: " إ ّنه في غيبوبة وال نعلم متى سيصحو " أحسّ سعد بارتياح شديد حيال سماعه لتلك الكلمات ولسان حاله يقول : " آه وأخيرً ا سأستنشق أوكسجين الحرّية "
كانت كلمات األم بشرى فاطمه بالنسبة إلى سعد والحظت ان وجهه قد ابتهج فشعرت باالستياء حيال ذلك.
قال لها بكلمات يجاملها فيها " :عافاه هللا "
ثم استأذن وذهب إلى غرفته ليغيّر مالبسه ،وبعد دقائق خرج من الغرفة فتصادف مع خروج ابنة خالته فاطمه وهي ذاهبة إلى المطبخ ،فراح ينظر لها نظرات إعجاب هادئة ..وبحركة سريعة منها ص ّدت بوجهها حيا ًء ودخلت سريعً ا. ظل سعد واق ًفا يف ّكر بها ويقول في نفسه:
أرها! أيعقل أنها فاطمه تلك الطفلة الشقيّة المهملة! " يا إلهي ما هذا الجمال! منذ زمن طويل لم َ بسرعة وكأنني أول مر ٍة أشعر بنبضه ،أيعقل أنني ماذا دهاني حينما رأيتها؟ بدأ قلبي ينب ّ بحق! لكن يجب أال أف ّكر بها أعجبت بها! ال ال ..ال أعتقد فأنا وهي تربينا مع بعضنا إنها جميلة أكثر فأنا أرف الحب ،ال يهم ..حس ًنا سأدخل موقع تويتر ألغرّد ً قليال قبل أن أنام "
دخل سعد إلى موقع تويتر وحينما ه ّم بالكتابة شعر بإحساس غريب له طعم لذيذ كالعسل وبارد كنسيم الشتاء فجرً ا ،إحساس يقوده إلى اإلعجاب بتلك الجميلة! لك ّنه حاول مجاه ًدا نفسه أن يُبعد ذلك االحساس ،ولسوء حظه باءت مجاهدته بالفشل ،وال جدوى من المدافعة فكلما حاول طرد تلك األفكار ،ارتسمت في مخيلته صورة فاطمه .فكتب تغريدة:
" أيها المتابعون إنني ألول مرة أشعر بنب قلب ي ،وكان ذلك النب سببه رؤية ابنة خالتي التي تربينا مع بعضنا منذ الصغر وبعدما كبرنا افترقنا ،وبالمصادفة رأيتها! فهل نبضاتي تعتبر مؤشرً ا لإلعجاب ؟ أم أنه شعور طبيعي كالخجل ً مثال ؟ "
كان قد أرسلها على تغريدتين بسبب أن الموقع حدد لكل تغريدة مائة وأربعون حر ًفا ،بعدما أرسلها تمنى أن يجيبه أحدهم " إن ذلك شي ٌء طبيعي " حتى يستبعد فكرة اإلعجاب بها ،ولكن من سوء ّ حظه أن الردود كانت عكس ما تم ّنى ،فكانت تغريدات متابعيه كلها تقول بأنه " إعجاب " فضاق صدره لذلك ،فهو رغم أنه أُعجب بها ّإال أنّ قضية التربية تحت سقف واحد أيّام الصِ َغر ً مستقبال. تجعله يستبعد فكرة أن تكون له زوجة اتصل سعد على صديقه رائد الذي يسكن في منطقة النهضة القريبة ج ًّدا من الفردوس فهو لديه خبرة في علم ال ّنفس ،فلما أجاب رائد على الهاتف قال سعد :
" رائد أريد أن أتحدث معك في موضوع أشغلني كثيرً ا "
" حس ًنا قُل ما لديك "
" ال ليس هنا ،فالموضوع يحتاج إلى جلسة طويلة ،ويكون أفضل لو تكون الجلسة على شاطئ البحر " ك اآلن ..انتظرني دقائق " " حس ًنا سآتي َ
بعد ربع ساعة من ال ّزمن وصل رائد إلى منزل سعد ،واتصل به كي يخرج إليه ،وقبل أن يخرج استأذن سعد من أبيه الخروج للبحر ،ثم خرج إلى رائد ،وفي الطريق كان سعد يف ّكر بفاطمه وبال شعور همس " :كم هي جميلة !! " نظر رائد إليه باستغراب " :من ؟ " انتبه سعد لنفسه فضحك بكبرياء : " ال تنشغل بي اآلن ألنني بسببها أتصلت بك " فهم رائد مقصده وقال:
شاطئ بالضبط تريدنا أن نذهب إليه ؟ " " حس ًنا ،لكن قُل لي أيّ ٍ " اممم شاطئ األبراج "
وصال وجلسا على الشاطئ ،بدأ سعد يحكي لرائد قصته مع فاطمه منذ الصغر حتى تلك اللحظة التي رآها فيها ولما انتهى صمت رائد وهو يف ّكر بعمق ثم قال:
" يا سعد بصراحه ما حصل لك هو أنّ قلبك بدأ يتعلّق بها حتى وإن رف نفسك ،فالقلوب حينما تتعلق بشخص فإن المشاعر ستتدفق إليه و" ......... قاطعه سعد معارضًا: " لكن يا رائد أنا أعتبرها أخ ًتا لي وال أريد أن أف ّكر أب ًدا بالزواج منها !! " " يا عزيزي يا سعد صدقني أنت وقعت في بدايات حبّـ" ...
ذلك عقلك ،وكرهتها
صرخ بغضب:
" ال تكمل ! أنا أعرف نفسي ج ّي ًدا ،إنني أبغ ذلك الشيء الساذج والذي تسمونه ( الحب ) ً هزيال ضعي ًفا أقضي وقتي بالبكاء فهذا ضعف وغباء وال أعترف به ،فلو كان ح ًّبا يا رائد لرأيتني والحزن "
سكت رائد ً قليال وأخذ يف ّكر بحال سعد ،فهو يُدرك عناده وكبريائه وفهمه الخاطئ والسّطحي لبع األمور ،السيما تلك التي تتعلق بالمشاعر ،فآثر السكوت في تلك اللحظة حالما يهدأ غضب سعد خصوصً ا أ ّنه للمرّة األولى يشعر بنب الحب في قلبه الحجري ،وكذلك يدرك أن الحب األول غال ًبا يكون حب بدايته اعجاب بالمظاهر ،ثم سيبحث -رائد -عن طريقة ما ليحل بها مشكلة سعد المُبتلى.
الفصل الخامس
استأذن رائد من سعد ليذهب إلى دورة المياه القريبة من الشاطئ ،وبعدما انتهى لفت انتباهه أحد الكراسي فجلس عليه ليف ّكر وحده بطريقة ما لحل مشكلة سعد ،قال في نفسه:
" اممم كيف أقنعه بأ ّنه قد أُعجب بجمالها وأن هذا اإلعجاب رُبما سيتطور إلى الحب إن استمر على التفكير بها؟ والمشكلة أن هذا النوع من الحب يجفُّ سريعًا وال يدوم ،فلو اقترح عليه خطبتها دون توضيح لذلك الشعور لكان أفضل! أتمنى ان يقبل بها ،سأحاول اقناعه بأن يتزوجها ألجل دينها وأخالقها "
قام رائد من ذلك الكرسي وذهب إلى سعد الذي كان مستلقيًا على ظهره يتأمل هدوء السماء، فجلس بجانبه وقال:
َ ذكرت لي فإني اعتقد أنها تصلح " ما رأيك يا سعد أن تتقدم إلى ابنة خالتك ؟ فإنني وحسبما زوجة لك فهي ذات دين وحياء " " لست مستع ًّدا للزواج ،كما أ ّنها تدرس في الجامعة " " حس ًنا اخطبها اآلن وبعدما تتخرج هي تكون أنت مستعد للزواج بإذن هللا " نظر سعد نظرات حادة إلى رائد وقال:
" لكن لماذا تريدني أنا بالذات أتزوجها؟ وأنا قلت لك بأنني ال أحبها لكنّ مشاعري تجاهها مشاعر أُخوية "
" انا قلت لك ذلك ألنني أرى أنك تصلح لها وهي تصلح لك ،فأنت شاب طموح متوقد لكل جديد وهي منضبطة متفائلة تشجع كل من تحبه ،فإن تزوجتها فستكون لك خير داعم ومحفز للنجاح " ف ّكر سعد بكالمه ثم تجهّم وقال: ً شريكة لي ،أرجوك يكفي ،فأنا ال أحتمل التفكير بذلك " " ال ..ال يمكنني تخيلها
" حس ًنا يا سعد ،ما رأيك أن نذهب إلى مطعم ميس الغانم لنتناول طعام العشاء ؟ " قال سعد ممازحً ا: " موافق لكن على حسابك الخاص " ضحك رائد وقال: " موافق " ً منشغال بنف ثم قال في نفسه وهو ينظر إلى سعد الذي كان
ال ّتراب عن مالبسه:
" ص ّدقني يا سعد ..سيأتي اليوم الذي تخبرني فيه بأنك قررت الزواج منها ،فإني أجُ سُّ نب ك" قلبك كلما تح ّدثت عنها ،ومالمح وجهك التي تدل على أنها ملكت َ
ذهبا وتناوال العشاء ثم عادا وركبا السيارة ،كان زحامًا كالعادة ،جاء لسعد اتصال على هاتفه ..رأى أنّ الم ّتصل هو والده فتعجّب ً قائال:
" أم ٌر غريب! ماذا يري ُد والدي رغم أنني أخبرته بذهابي معك للبحر؟ " " أجبه يا سعد ربما أراد شي ًئا منك " ضغط سعد على الزر األخضرً " : أهال أبي " " هل ستذهب معنا لزيارة جدك ؟ " تغير وجه سعد وقد بدت عليه مالمح االستياء: " أعتقد بأنني سأتأخر ً قليال لذلك ال تنتظروني " " هل ستلحقنا هناك ؟ " قال بال مباالة " :رُبما! " " حس ًنا سنذهب وإن كان لديك وقت فتعال " " حس ًنا " " إلى اللقاء "
" إلى اللقاء " أغلق سعد الهاتف ثم تنهّد وتتأفّف ،قال له رائد: " ما بك ؟ " " ال شيء " " رُبما استطعت معالجة موضوعك ،يبدو أنك مستاء من شي ٍء ما " رد بضجر " :قلت لك ال شيء ،أرجوك ال ُتكثر من إلحاحك !! " ً محاوال تهدئته: قال رائد " حس ًنا يا صديقي ،هوّ ن عليك ..هوّ ن عليك ،لم أ ُ ِرد أن أزعجك ! "
سكت اإلثنان ،وظل سعد عبوس الوجه الوجه ثم اسند مرفقه األيمن على باب السيارة وراح ينظر للسيّارات التي بجانبه ،وفكره يدور بأمور أخرى أشغلته ،لمح سيارة تقودها فتاة تشبه فاطمه فقال في نفسه: " يا إلهي أيعقل أن تكون هي؟ لكن فاطمه متنقبة ،كيف ذلك؟ "
ثم قال كلمات سريعة أفزعت رائد النه كان يف ّكر أيضً ا ":رائد أرجوك ألحق بتلك السيارة الع ّنابية !! " نظر رائد إلى السيارة " :أتقصد تلك الجاكوار ؟ " " نعم أرجوك بسرعة أقترب منها "
حين اقترب رائد ونظر من بداخل السيارة وجدها فتاة شا ّبة في غاية الجمال لكنه سري ًعا ً محاوال التعرّف عليها هل هي فاطمه أم ال !! فحاول رائد صد كفّ بصره ،وظل سعد يُح ّدق ال ّنظر وجه سعد عنها لكنه يرف ..
انتبهت الفتاة لذلك فخافت وتقدمت بسيارتها سريعًا أمّا رائد فقد تعمّد إبطاء سرعة السيارة ُ جبر على صفع خد سعد وقال بنبرة غضب: رغم إلحاح سعد باللحاق بها مرة أخرى ،لكن رائد أ ِ " هل جُ ننت يا سعد ؟ "
سعد وضع يده على خده وهو ينظر إلى رائد مشدوهًا وبعد لحظة من الصمت قال: " أتصفعني يا رائد ألجل أنني طلبتك طلبًا كان لحاج ٍة في نفسي؟ " كظم رائد غيظه وقال بهدوء يصارع ضجّة مدوية في قلبه:
" يا سعد كيف تطلب مني أن ألحق فتاة وأنا في حياتي لم أتجرأ لذلك ؟ لماذا تحرضني على الخطأ ؟ " " أقسم باهلل أنني لم أقصد أن ترتكب ذنبًا ولكنها تشبهها " ...... ثم سكت ،فقال رائد: " تقصد ابنة خالتك ؟ " أطرق رأسه بأسى " :أجل هي !! " " اها اعذرني اسأت الفهم يا عزيزي ولكن ليس من العقل أن نلحق بها هكذا ونثير الشبهات " سكت سعد ً قليال ثم قال :
" ت ًّبا لهذا القلب! ال أدري لماذا ينشغل بها هكذا ..ال أدري لماذا شعرت بلذعة في قلبي حينما رأيت تلك الفتاة التي تشبهها !! شعور غريب ألول مرة يعتريني! سُح ًقا !!! "
لم ي ُر َّد رائد عليه بل اكتفى فقط بترك المجال لسعد أن يقول مافي قلبه لعل ذلك يخفف من همه ولو بالقليل.
رجع سعد إلى المنزل وجلس على حاسوبه الشخصي يتنقل بين المواقع حتى وصل أهله إلى المنزل ،ذهب األب ليستطلع هل ابنه موجود أم ال ! ،فشعر سعد حين سمع إغالق الباب أنه البد من مجيء أبيه إليه ّ فمثل دور النائم فرآه أباه هكذا فاطفأ المصباح ومضى إلى غرفته ،وحينما ذهب أباه حاول سعد أن يجلس لكن تمثيله نائمًا صار حقيقة فنام حتى الصباح.
في الصباح جلس الجميع -ما عدا األب -على المائدة لتناول االفطار وسعد شارد الذهن ، استنكرت األم شروده قالت " :سعد ما بك شارد الذهن ؟ "
أمر ما " " ال شيء يا أمي ،فقط أفكر حيال ٍ ثم أمسك الخبز وه ّم باألكل وقال: " ال عليكِ ..ال تكترثي فهو موضوع ال يستحق الخوف يا أمّي " وابتسم ابتسامة مصطنعة وبدأ يأكل ،رغم كل ذلك لم ُتص ّدقه أمه. كان سعد يف ّكر ،قطع حبل أفكاره قول ريم :
" أمّي أسمعتي بما حصل لفاطمه في الجامعة ؟ " ً محاوال إخفاء مشاعره ":ماذا حصل لها ؟ " لفتت كلماتها انتباه سعد فقال تعجّب كل من كان موجو ًدا باهتمام سعد المفاجئ ،ثم أكملت ريم :
" ذهبت فاطمه إلى دكتور مادة العصر الجاهلي في الجامعة تطلب منه المساعدة بأن يعطيها درجة ترفع من معدلها لكنه -وبخسّة نفس ودناءة فكر -طلب منها أغلى ما تملك ،كعادة بع مرضى النفوس الذين ال يستحقون مسمى أكاديمي ،فقالت له كلمات معبر ًة عن رفضها ال ّ شديد جعلته يغضب لكنها لم تكترث لذلك وخرجت من مكتبه "
كان سعد حينما سمع تلك الكلمات غاضبًا ج ًّدا وقد بدا ذلك واضحً ا في مالمح وجهه وهو ً قاب ً غيظا ،قالت أمّه وهي تنظر بشفقة: ضا يديه بقوة ويزفر
" ماذا بك يا سعد ؟ " قال في شحوب " :ال شيء " ثم استأذن وقام من كرسيه قا ًئال بغضب:
" ريم يجب أن تسألي فاطمه عن اسم ذلك القذر ً حاال " قالت ريم بنبرة مضطربة " :لـ..لكن لـ ..لماذا ....؟ " زاد سعد من حدة نبرته فنظر إليْها وصاح ً قائال: " ال تكثري من األسئلة ،قلت لك اسئليها ثم ابلغيني ،أفهمتي ؟؟ " " حـ ...حـ ...حس ًنا "
" سأذهب اآلن ،واتصلي بي حالما تعرفين اسمه ،انتظرك ،ال تتأخري " بعدما خرج ،نظرت ريم إلى والدتها فقالت خائفة: " أمّي ماذا دهاه ؟! " اومأ األم بيده وقالت : األمر لي " " ال عليكِ ..أتركي َ
يوم صاحب خبرة في الجرائم -كي مضى سعد إلى بيت صديقه بندر -الذي َ كان ذات ٍ يطلب مساعدته في هذه العملية ،فلما جلسا في المجلس قال سعد بنبرات تفور بنار االنتقام: " بندر هل لك أن تساعدني في جريمة قتل ؟ " نظر بندر مشدوهًا : " سعد !!!! قتل !!!!!!! لماذا ؟!!!! " " نعم قتل " زاد ذهول بندر وأشار بسبّابته نحو سعد :
" سعد ....أنت ؟ أيُعقل ؟ " ً محاوال كظم غيظه : قال سعد " أتريد أن تساعدني أم ال ؟؟؟ " " سعد أنت شخص طيب ولم ترتكب جريمة من قبل ! لماذا ف ّكرت اآلن بذلك فجأة " وقف سعد غاضبًا :
" أوووه ..قل لي ..تساعدني أم ال ؟؟؟ "
قال بندر بهدوء : أردت ،واآلن أستأذنك ً َ أمر ما " حس ًنا حس ًنا ..لك ما قليال ،فأمّي تتصل بي ،يبدو أ ّنها تريدني في ٍ سأذهب إليها في غرفتها ..لن ّ أتأخر !! "
بعد أن ذهب بندر ،همهم سعد ً قائال وهو يتذكر موقف الدكتور " :سيكون عزاؤك غ ًدا أيّها الخسيس النذل " .
الفصل السادس
ً ٌ اتصاال من ريم لك ّنه شعر بأ ّنها تأخرت ،فأمسك هاتفه بغضب وقت طويل وسعد ينتظر م ّر واتصل بها ،فلما رأت ريم أنَّ الم ّتصل هو سعد خافت وأعطت الهاتف ألمّها وقالت بنبرة خائفة: " أرجوكِ يا أمّي أنا خائفة وال يمكنني أن أُجيب على سعد ،فهو يـريد أن يفعل ش ًّرا مع الدكتور " قالت أمّها بهدوء وبسطت كفّها : " أذكري هللا يا ريم وأعطيني الهاتف ألر ّد عليه ،وسيكون ك ّل شي ٍء على ما يرام إنْ شاء هللا "
شعرت ريم بالطمأنينة بكلمات أمّها ،فذكرت هللا وابتسمت ثم مدت الهاتف لها ،فأخذته األم وضغطت على الزر األخضر لتجيبه وقبل أن تتكلم صاح سعد غاضبًا : ت باردة األعصاب ؟ أجلبتي لي رقمه أم ال ؟ " " لماذا أن ِ ابتسمت األم وقالت بهدوء: " يا بني ماذا بك غاضبٌ هكذا ؟ " خف
سعد من حدة صوته وضبط نفسه ثم قال:
" أمّي أرجوكِ أريد أن أُنهي موضوع هذا الدكتور سري ًعا فأنا لم أحتمل هذا ال ّتصرف الدنيئ " " يا بُني يا عزيزي اهدأ وأذكر ربك ،فاألمور ال ُتح ّل بهذه الطريقة العصبية " " ولكن يا أمّي " ..... ً قائلة: قاطعته
" أدرك حقيقة مشاعرك التي تحمل الغيرة على العر بهذه الطريقة التي س ُتدخلنا في متاهات ضيقة مظلمة "
والشرف ولكن أرجوك ُكف عن التفكير
سكت سعد ً قليال وقب
يده اليمنى بقوة ،ثم أغم
عينيه وقال:
" حس ًنا يا أمّي ..لن أفعل شي ًئا خطأ ً وإ ّنما فقط سأتفاهم معه بأسلوب آخر " ضحكت األم بوقار ثم قالت:
" يا بُني أتظ ّنني غبيّة ؟ أرجوك يا عزيزي ال تف ّكر كثيرً ا في هذا الموضوع أل ّنه انتهى " أطرق سعد برأسه وقال بأسى : " لكِ ما تريدين يا أُمي " ً مشجعة : ابتسمت األ ّم وقالت
ت لتناول الغداء ؟ " " أحسنت يا بُني ..هل ستأ ِ ُ لست جائعًا ..سأبقى مع صديقي حتى الليل وبعدها سآتي " " " لكن عند العصر سنزور ج ّدك ،أال تأتي معنا ؟ " " رُبما سأغفو العصر حتى المغرب " ً معاتبة: ابتسمت أمّه والحزن يحرق قلبها على حاله ،ثم قالت
" يا لك من ولد عنيد وغريب األطوار ..حس ًنا كما يحلو لك ..خذ وقتك وانتبه لنفسك ..إلى اللقاء " " إلى اللقاء يا أمّي " أغلقت األ ّم الهاتف وظلت شاحبة الوجه شاردة ..فقالت ريم : " ماذا بك يا أمّي ؟ ماذا قال لك سعد ؟ " ظلّت األم شاحبة ثم قالت ببرود : " ال شيء " قالت ريم بإلحاح : " أمّي وجهك قد تغيّرت مالمحه إلى الحزن ،أقال لك شي ًئا يدعو إلى ذلك ؟ "
دمعت عيناها ومستحهما ثم قالت :
" ريم أرجوك دعيني لوحدي ..فإنني أحتاج ألنْ أختلي مع أفكاري ..أريد أن أعيد حساباتي مع نفسي " صمتت ريم ً قليال ثم قالت:
" أمّي هل لي بسؤال .؟ " " تفضلي "
" ألم تالحظي أنّ سعد صار يهت ّم بفاطمه؟ فمنذ متى ُتحرِّ ك مواقف فاطمه مشاعره وهو قبل ذلك كان إمّا أنه ال يهتم أو يعيب تربيتها وإهمالها من قبل والديها ؟ " نظرت األم إلى ابنتها وفكرت ً قليال ثم قالت:
" نعم ...هذا ما يشغلني اآلن " " ما رأيك أن نخطبها لسعد ؟ " ابتسمت األم:
" سعد إنسان مهمل وطائش ،سنظلم فاطمه إن خطبناها له " ً عاقال منتظمًا ،فكما يقولون ( زوجوه يعقل ) " " لكن يا أمّي إن تزوّ ج فإ ّنه سيُصبح ضحكت األ ّم بسخرية :
" هذه المقولة خدعت الكثير يا ريم ،فبع من يتزوج يزداد سوءًا ،وبعضهم يصبح بعد الزواج سي ًئا وهو قبل ذلك لم يعرف للسّوء طريق ،فالزواج يا بُنيّتي يُقاسُ بمدى اإليمان والرضا وصالح الزوجين وقبولهما لبعضهما البع ومعاونة بعضهما على التقوى والخير والمحبة وصرف ال ّنظر عن األخطاء إنْ اقتضت الحاجة ،وكذلك النصح والتوجيه والعتب أمّا الزواج بعينه فهو ال يؤدي كان قائمًا على أسس سليمة " إلى صالح الفرد بل هو وسيلة لذلك إنْ َ
ً مقتنعة بكالم والدتها وقالت: أومأت ريم برأسها
" نعم صحيح يا أمّي " ت أباكِ من العمل جائعًا " " حس ًنا يا ريم قومي إلى المطبخ وأكملي إعداد الغداء قبل أن يأ ِ " حس ًنا يا أمّي " ً قائلة : انصرفت ريم وعادت األ ّم تف ّكر بحال سعد فتمتمت
َ أصبحت هكذا ،وكذلك أباك الذي أهملك منذ " هداك هللا يا بُني وشفى ج ّدك وغفر له ..فبسببه صِ غرك ! " ثم نظرت لًلعلى واردفت بنبرة رجاء وابتهال :
" أرجوك يا إلهي اهدهم وأصلحهم واشفِ أبا حمد "
في تلك األثناء كان بندر قد عاد إلى سعد في مجلس الرّجال وسمع كل شيء دار بين سعد ووالدته فوجده يثور ويزمجر غاضبًا فسأله : كنت تتح ّد ُ " َ ث مع أمّك ،أليس كذلك ؟ " قال سعد مستغربًا :
َ عرفت ؟ " " كيف ُ سمعت ذلك من الباب الخلفي للمجلس " "
" امممم ...نعم كانت تحاول أن أر ِجع عن فكرتي لكن أقسم باهلل العظيم أ ّنني لن أتركه ..يجب أن يموت " قال بندر وهو يحاول أنْ يُه ّدئه :
" يا صديقي تمالك نفسك واهدأ "
" كيف اهدأ يا بندر وهذا النجس يطلب من ابنة خالتي عرضها!! أتعتقدني فاق ًدا للغيرة والشرف ؟ "
" حاشاك ولكن " ..
رفع سعد بيده راف ً ضا:
" أرجوك من غير لكن ،دعني أُكمل ما بدأت به فقط ،لم يتبقى سوى أن أعرف من هو ثم أقتله " سكت بندر وبعد دقيقة من التفكير في كالم سعد قال: " حس ًنا ..قُل لي هو في أيّ جامعة يحاضر ؟ " " جامعة الكويت " حاول بندر أن يتذ ّكر ً أحدا يدرس هناك في الجامعة لكن قاطعه سعد : " بماذا تف ّكر يا صديقي ؟ " " أحاول أن أتذ ّكر أح ًدا أعرفه يدرس بالجامعة " قال سعد ِب َعجب :
" لِ َم ؟ "
" كيْ أسأله عن أسماء محاضري تلك المادة ! " ضحك بسخرية وقال : " وكيف ستعرفه من بينهم ؟ فهناك محاضرين ُك ُثر لهذه الما ّدة ! " قال بندر وهو واثق بنفسه : " دع األمر لي " ابتسم سعد وقال:
" يا لك من مجرم خطير ..إ ّنني أثق بأفكارك الذكيّة " استأذن سعد بعد ذلك حينما شعر بارتياح شديد ،وعاد إلى منزله منتظرً ا إنهاء مهمته.
ذهب بندر يسأل الطلبة الذين يعرفهم في تخصص اللغة العربية عن أسماء الذين يحاضرون مادة العصر الجاهلي ،وسأل عمّن يُحرِّ الطالبات على الزنا مقابل النجاح ،وبعد تحرّيات كثيرة
ّ توصّل إليه وعلى الفور اتصل بسعد الذي كان جالسًا في غرفته يف ّكر ويخطط ،فلما رأى أنّ المتصل بندر ،استبشر وأجابه فورً ا: " هل عرفت اسمه ؟ " " نعم ..لكن تعال إلى بيتي اآلن حتى أخبرك به " " لكن لماذا ال تقول لي اآلن ؟ " قال بندر بصوت خافت : " ُ قلت تعال وفقط " ت ّنهد سعد وقال:
" حس ًنا ...إلى اللقاء " انطلق إلى منزل صديقه بندر وهناك قال سعد بحماس: " قل لي ماذا لديك ؟ لماذا طلبت م ّني أنْ آتي إليك ؟ " " اصبر واهدأ يا سعد ،أتيت بك كي أتفق معك على الخطة " " حس ًنا لكن أرجوك استعجل ! " " أنا سأراقب لك المكان وحينما أعطيك اإلشارة ادخل عليه ونفّذ جريمتك " قال سعد وهو يف ّكر بكالم بندر :
" شيء جميل ،ذلك سيجعلني أقوم بعملية القتل بكل ارتياح دون خوف " ثم أردف سعد بنبرة حماس أكبر:
" حس ًنا يا صديقي موافق موافق موافق ّ بالثالث ..آه نسيت ! ما هو اسمه ؟ " " صالح " " امم صالح !! اسم على غير مسمى "
أخرج بندر من صندوق كان بجانبه سالحً ا ووضعه في يد سعد: "هذا كاتم الصّوت ،ستقتله ولن يسمع أحد صوت الرّصاصة" شعر سعد برعدة تسري في جسده ،قال وهو ينظر للسّالح بخوف :
" أشعر بشي ٍء غريب يجتاح جسدي ! ألوّ ل مر ٍة أحمل سالحً ا ،إ ّنه شعور مخيف ح ًقّا ! لكن يجب أنْ أُكمل ما تبقى "
بعد ذلك اتفقا على تنفيذ الخطة لقتله بسالح كاتم الصّوت وذلك في موعد صالة ّ الظهر حيث يقل تواجد الطلبة في أروقة الجامعة ،وكذلك فإنّ الدكتور يهمل صالته في وقتها لذلك ستكون مهمة سعد سهلة التنفيذ.
ّ الخطة ،ذهبا إلى الجامعة وهناك طرق سعد الباب على الدكتور في اليوم التالي بدأوا بتنفيذ فأمره بالدخول فلما دخل سعد أغلق الباب بهدوء ثم أشهر سالحه في وجهه !! نظر الدكتور إلى سعد مصدومًا ثم نه من كرسيه ببطئ وهو ما زال يفكر في حقيقة ما يحصل ،حاول أن يعرف سبب ذلك وقبل أن ينطق بكلمة ،قال سعد بغضب: " وال كلمة أيّها القذر ،سأثأر بحق ابنة خالتي لذا استعد للموت "
استعد إلطالق ال ّنار ،ولكن قبل أنْ يضغط الزناد داهمت قوة من الشرطة المكتب وطلبت من سعد االستسالم ،صُعق سعد! كيف علمت الشرطة بما يحصل! وما إنْ شاهد صديقه بندر خلف رجال الشرطة واق ًفا ينظر إليْه مبتسمًا ح ّتى أدرك أ ّنه هو من كان وراء ذلك.
الفصل األخير
تم تقييد سعد وأخذه إلى المخفر ،واتصلوا على ذويه فأخبروهم بما حصل ،أُغشيّ على األم! أمّا األب فبدأ يندب حظه ،وأخته كانت تبكي ،أما بدر فاسترجع واستغفر ودعا ألخيه بالهداية والفرج ،أمّا الج ّدة فشعرت بالحزن الشديد وذهبت لتجلس في غرفتها وحيدة.
انطلق حم د إلى المخفر وهناك أخبروه بتفاصيل الجريمة ،ثم استأذن ليبحث عن محامين، وتم إدخال سعد إلى السجن.
وبعد ثالثة أيام من التحقيقات من ِق َبل المباحث أخذوه إلى النيابة العامة وأمروا بحبسه في السجن المركزي عشرين يومًا.
ومن ُث َّم أخذوه إلى المحكمة وكان ينظر بأسى إلى الشارع وكيف يستمتع ال ّناس بحياتهم وبكل حريّة ،كان يتمتم بكلمات تعبّر عن ال ّندم والحزن ،وتم ّنى لو أ ّنه أطاع والدته وكفى شرّه لكن هيهات.
هناك في المحكمة حضر أهل سعد وأصدقاؤه وبع أقربائه ،وعر القاضي عليه األدلة ضده لك ّنه لم يستطع أنْ ينكر ،بل حتى المحامي الموكل لم يستطع أيضًا كسب القضيّة بسبب األدلّة القويّة ضد سعد ،لكن لدى سعد فقط أنْ يخبر القاضي بأنّ الدكتور كان قد ح ّر ابنة خالته على ال ّزنا مقابل مساعدته لها فحاول الدكتور اإلنكار ،فطلب المحامي من القاضي تأجيل الجلسة إلى حين إحضار الدليل أو الش اهد على قول سعد فوافق القاضي الذي أنهى الجلسة حتى وقت آخر.
وبعد فترة من ال ّزمن تم عقد جلسة محاكمة أخرى جاء فيها بالشهود وهم بضع طالبات لدى الدكتور فشهدن ضده ،فحكم القاضي على الدكتور بالسجن لمدة ال تتجاوز ثالث سنوات.
وبما أنّ قضيّة الدكتور مخلّة بال ّ على الفسق فقد تم فصله من شرف واألمانة وتحري الجامعة من قبل اإلدارة الجامعية ،وتم الحكم على سعد بالسجن عشر سنوات بتهمة ال ّ شروع بالقتل. شعر أهل سعد ومن حضر ألجله باألسى بينما صديقه بندر ابتسم وقال في نفسه:
" كم أنت مغفّل يا سعد! أرجوك اعذرني ،فأنت يجب أنْ تنال عقابك ،لع ّل ذلك يكون سببًا في ً ً مسئوال عن تصرفاتك " رجال أنْ يجعل منك
عنبر آخر. وبعدها أخذوهما إلى السجن المركزي ووضعوا سعد في عنبر والدكتور في ٍ
هناك ظل سعد يتقلّب بين الحسرة واأللم على ما فرّط من طيش وغدر صديقه به ،وبعد شهر ٌ غارق في بحر اليأس إذ سمع صو ًتا هاد ًئا بجانبه ،وكان الذي كان -قبيل منتصف الليل - وبينما َ بجانبه مسن ًدا ظهره على الحائط يقول:
" ال تيأس ! فتقاسيم وجهك تد ّل على أ ّنك غارق في بحر اليأس ..بحره أسود اللون ال حياة فيه، ّ َ َ الحق فتأكد أنَّ هللا سبحانه معك وإنْ مازال في الوقت متسّع ،وإنْ كنت قد ك معك كنت تعتقد نفس َ َ ارتكبت جريمة ف ُتب إلى هللا واطلب منه أنْ يعفو عنك كي ترتاح من عذاب الضّمير "
نظر إليه سعد بذهول فهو ألوّ ل م ّرة في حياته يجد شخ ً صا ينصحه بهذه الطريقة فانشرح صدره لنصيحته قال:
شاب ّ " وما هي قضيتك أيّها ال ّ الط ّيب ؟ " نظر إلى سعد وابتسم وقال بتأمّل ورضا قلب:
حسن ّ ً ُ ُ حظه أنّ أبا المجني عليه جاء في الوقت المناسب وكدت أقت ُل نف ًسا ،لكنّ من غافال كنت " ِ وكان معه رجال ال ّ شرطة فت ّم الحكم عليّ عشرة سنوات ولم يتبقّى لي سوى القليل ،رُبما خمسُ ُ كنت أشع ُر بالحزن مع علمي بأنّ الخالق تبارك سنوات! لكن الحمدهلل على كل حال ،لما دخلت هنا ُ ُ تعرفت على فكنت أبتسم حينما أتذ ّك ُر ذلك ،ومع مرور الوقت وتعالى لم يق ّدر لي ذلك ّإال لمصلحة ، ّ ُ ُ ُ ورجعت فتبت عرفت هللا سبحانه أكثر فوعظني ونصحني ،فمن ُه، سجين تاب إلى هللا من ذنوبه إليهِ ،فكان لي هذا السّجن خير ًة عظيمة ح ًقّا "
ابتسم سعد لكالمه الذي كان مؤن ًسا له ،شعر بأنّ هنا شخ ً صا يشعر بمعاناته ،ثم نظر أمامه بشحوب واستغرق في التفكير ،ثم قال وهو يح ّدث نفسه:
" يا إلهي ما هذه الثقة العظيمة بالخالق ع ّز وج ّل والرضا بالقدر التي يمتلكهما هذا الشخص ّ الطيّب !! إ ّنني أجد نورً ا يتوه ُج كال ّ ُ كنت مثلك يا ...آه لم أسأل ُه عن مس يضيئ وجهه ،آه ياليتني ش ِ اسمه "
ثم نظر إليه وقال: " بالمناسبة ما هو إسمك ؟ " نظر إلى سعد مبتسمًا وقال: " اسمي عثمان ،وأنت؟ " " تشرفت بمعرفتك يا عثمان كثيرً ا ..اسمي سعد " " وأنا أكثر يا سعد " ساد الصمت ً قليال ثم قال عثمان:
ً نصيحة يا سعد ،عليك بقيام الليل واالستغفار والدعاء واجعلهم من أساسيات " سأُسدي إليْك حياتك ،فبدونهم ستكون الحياة صعبة ج ًّدا عليك ،فنحن البشر طاقاتنا المحدودة ربما في يوم ما تكون عائ ًقا عن التقدم بسبب الظروف ،لكن لو تسلّحنا بما ذكرت لك فإ ّنها بإذن المولى ستكسر كل الحواجز والعوائق وبال ّتالي لنْ تف ّكر أب ًدا في أنّ الحياة صعبة ومملة وإ ّنما ستجد المتعة والسعادة والقوة " ارتسمت على وجه سعد عالمات اإلعجاب بتلك الكلمات ،بل بتلك ال ّدرر المتًلألة بالفوائد " كال ٌم رائع يا عثمان ..أرجوك أكمل إن كان يوجد من الحديث بقيّة "
وأخبر سعد أنّ هناك شاب يريد أنْ يراه فاعتقده صديقه وقبل أنْ يُكمل حديثه جاء شرطيّ َ عادل أو محمّد ذهب سعد وكانت المفاجأة أنّ ذلك ال ّ شاب هو بندر! فنظر سعد إليه -من خلف القضبان الحديديّة -نظرات تحمل الغضب وقال: " ً أهال بالخائن ...ماذا تريد م ّني ؟ " ابتسم بندر ساخرً ا: " خائن؟ بل يجب أنْ تشكرني على هذا المعروف يا صديقي "
رفع سعد حاجبًا وأرخى حاجبًا وف ّكر بكلماته الغريبة ثم قال:
" أتسخر م ّني؟ حكم علي بالسجن بسببك ! وبكى والداي بسببك أيضًا وأُغشي على أمّي بسببك، وجدتي لم تنم الليل بسببك ! وتقول لي بأ ّنه معروف ؟ أرجوك ال وقت لديّ أضيعه مع تاف ٍه مثلك " فصاح بندر ً قائال بنبرة جا ّدة:
" ولماذا تنظر إلى األمور على ظاهرها ؟ أال تعتقد أنّ السجن سيخلّصك من تهورك ؟ إ ّنني ك در ًسا كي تتجنب الطيش " أردت أنْ أعلّم َ سكت سعد ً قليال ثم قال: " ولماذا لم تنصحني بأن أ ُكفّ عن تهوري ًإذا حينما ك ّنا في بيتك؟ " ابتسم بندر وقال:
َ َ أنجبتك فكيف بي أنا فأنت رفضت طلب من كنت يا سعد في وضع ال يقبل أب ًدا بالنصيحة! " لقد َ صاحب السّوابق ؟ " أخذ بندر نفسًا عمي ًقا ثم زفر وأردف : " أعتقد أنّ الزيارة ستنتهي خالل دقائق لذلك يا سعد قبل أنْ أخرج أريد أن أوضّح لك الحقيقة
وهي أنّ ذلك السّالح كان فار ًغا ّ لئال ترتكب جريمة فتدمّر سمعة أهلك وتضيّع كل شيء بسبب ً محشوا بالرّ صاص وقتلته ربما تم طيشك ،ال أريد الضرر لك ..صدقني ..أل ّنني لو أعطيتك سالحً ا الحكم عليك باإلعدام ،أو قتلك أبناء الدكتور أو أقرباؤه أو أصدقاؤه عندما تخر ُج -إنْ لم يتم ك ،وبإذن هللا س َتخ ُر ُج إعدامك -لذلك أرجوك تفهّم الموقف! سأوصي عليك صديقي الضّابط ليهت ّم ب َ شخصًا آخر ...واآلن استأذنك يا صديقي العزيز ...في أمان الرّحمن "
ّ النظر باتجاه بندر الذي مضى خارجً ا أنّ مافعله به صديقه كان أدرك سعد الذي كان يح ّد كدرس له على تهوّ ره وأنّ السّجن سيخلصه من قوى الش ّر التي تم ّكنت منه ثم رجع إلى الزنزانة واستلقى على فراشه واض ًعا قدمه اليمنى فوق اليسرى وكفّيه خلف رأسه وراح يسبح في تفكيره فيما فعل وبعد ذلك بدأت مرحلة محاسبة ال ّنفس والندم والتوبة.
وبعد مرور أق ّل من شهر ،زاره صديقه محمد وبعد السالم والكالم همس سعد له ً قائال : " محمّد أرجوك أس ِد لي خدمة ! " " تفضّل "
ُ لست متأ ّك ًدا لك ّنها ك بأ ّنه مخبر لدى الشرطة ! ك أن تتحرى عن بندر ..فأنا أش ُّ " أرجوك أريد من َ شكوك " " حس ًنا ..سأتحرّى األمر وبإذن هللا خالل ثالثة أيّام سآتيك بالخبر األكيد "
ً وفعال بعد أسبوع جاءه الخبر األكيد بأنّ بندر يعمل مخبرً ا لدى الشرطة فه ّز سعد رأسه مف ّكرً ا وقال : ُ توقعت ذلك ! شكرً ا يا صديقي العزيز " " هممم " ولو! حس ًنا استأذنك اآلن فلديّ أعما ٌل كثيرة " " حس ًنا وأبلغ سالمي إلى جميع األصدقاء " " إن شاءهللا سأوصل لهم سالمك ..إلى اللقاء " " إلى اللقاء "
بعد ثال ث سنوات من تلك الحادثة كان حمد وابنته ريم عند الجد في المستشفى جالسان ،فريم ترتل القرآن بصوت عذب عند رأس ج ّدها ،واألب حمد يدعو ألبيه -الج ّد -بأنْ يشفيه هللا سبحانه من هذا المر ،وبعد لحظات حرّك الج ّد يده اليمنى حركات بطيئة وبدأ يتمتم ً قائال: " مـ...ـشـ...ــعــ...ـل " من حمد وابنته ريم فصاحت ريم فرحً ا : استبشر ك ٌّل َ " ياااي ج ّدي! لقد استفاق يا أبي ..الحمدهلل "
ابتسم حمد ومسح جبين أبيه وأسرع للطبيب المختص وأتى به ،كان وجه الطبيب تتبين عليه مالمح الصدمة من هول ما سمع.
بدأ بفحصه فصعق بأنّ الج ّد بدأ يستر ّد وعيه من جديد بل سيستعيد صحته قريبًا فطرح ً سؤاال لطالما تم ّنى أن يعرف تفسيره: " كيف حصل ذلك ؟؟ " قال حمد واث ًقا وأشار بإصبعه نحو السّماء:
" إ ّنها قدرة الخالق ع ّز وجلّ ،فهو من وضع هذا المر في أبي وهو أيضًا من يمكنه رفع منه لذلك كان اعتمادنا عليه كبي ٌر ج ًّدا ،أحس ّنا الظن به وصبرنا وتفائلنا ثم كانت هذه المر النتيجة التي رأيتها بنفسك ،وكذلك الصدقة التي لها أثر عظيم في الشفاء مصدا ًقا لقوله صلى هللا عليه وسلم ( داووا مرضاكم بالصدقة ) " نزع الطبيب نظارته ومسح عرق جبينه وقال :
" أحيا ًنا من هول الصدمة قد ال نستوعب الحقائق لكننا يجب أنْ نص ّدقها لطالما هي واضحة جليّة ً أوال أمامنا باألدلّة ...فهذا هو ما حصل ،سبحانك يا هللا ،ليتنا نحن األطبّاء جميعً ا نخبر المري بأنْ يلجأ إلى خالقه ويعتمد عليه ويُحسنُ الظنّ به ،ثم نبذل نحن األسباب فقط ،وأنْ نبتعد عن المقولة الخاطئة التي تقول بأ ّنك يا أيّها المري ستموت خالل كذا وكذا وكأ ّننا نحن من يح ّدد وقت وفاته " شعر الطبيب بعد كلماته برعشة في جسده وأردف بصوت خاشع: " يا إلهي ما أعظمك ! "
بعد ذلك طلب منهم االستمرار في هذا العالج الفعّال مع استخدام ال ّدواء ،فاستمرّا على ال ّدعاء والقرآءة بضعة أي ٍّام ح ّتى استفاق ج ّي ًدا من غيبوبته ،فرح جميع من كان في زيارته فرحً ا شدي ًدا ونقلوه إلى غرفة المالحظة ثم إلى الجناح وتأكد األطبّاء من أ ّنه سليم فخرج من المستشفى وأخذه ابنه حمد إلى البيت فاستقبلوه بحرارة وسعادة وأخفوا عنه خبر سعد.
دخل الج ّد وسأل عن سعد فقالوا له بأ ّنه قد سافر ألجل عمل ما في الخارج فلم يصدقهم بسبب شكوكه في حزن أم سعد حينما طرح السؤال.
مرّت األيّام واألسابيع ولم يسمع صوت سعد ،وكلّما طلب منهم اال ّتصال به يب ّررون رفضهم بأعذار واهية ،ف ّ كذبهم وطلب منهم قول الحقيقة ،لك ّنهم حاولوا إقناعه بأ ّنه مسافر وأغلب وقته مشغول ولم يص ّدق أيضً ا.
في صباح اليوم ال ّتالي كان حمد وزوجته وريم وبدر والجدة يجلسون على المائدة ينتظرون الج ّد فقالت ريم: " أبي أريد أنْ أذهب معكم لزيارة سعد اليوم "
قالت تلك الكلمات في وقت كان الج ّد قد نزل من غرفته وقريبًا منهم ،فسمعها وقال وهو يح ّدق ال ّنظر إليهم مصدومًا:
" زيارة سعد ؟ ألم تقولوا لي بأ ّنه مسافر؟ لماذا كذبتم عليّ ؟ وأنت أيّها االبن الكبير ،أال تخجل من نفسك بكذبك على أبيك ؟ هل هو في المشفى أم في مكان آخر؟ قُل الحقيقة !! "
أطرق الجميع رؤوسهم ولم ينطقوا بكلمة ..تقدم الج ّد خطوات بطيئة مستعي ًنا بعصاه ح ّتى وصل عند المائدة وقال البنه حمد: " هيّا قُم اآلن وخذني إلى سعد ،أُريد أراه أينما كان ! " قال حمد بصوت خفي
:
" حاضر يا أبي "
قبل أنْ يقوم حمد نظر إلى ريم وكأ ّنه يتوعدها بالعقاب إنْ حصل للج ّد أيّ مكروه ،فخفضت رأسها سريعًا من الخوف.
انطلق حمد بالسّيارة إلى السّجن المركزي فه ّز الج ّد رأسه حينما دخلوا عبر بوابة السجن الخارجيّة وقال :
ُ توقعت ذلك " " أممم السّجن !!
دخال إلى السّجن وطلبا زيارة سعد ،وبعد اإلجرءات الم ّتبعة سمحا لهما بالدخول وانتظرا سعد في قاعة الزيارة حالما يأتي إليهما ،فلما أتى ورأى ج َّده تغيّرت مالمحه فاستبشر وابتسم ثم سقطت دمعة من عينه فرحً ا وصاح : ك معافى " " جــــ ّدي ..كم أنا سعي ٌد برؤيت َ
تبادال الحديث واألشواق ح ّتى اطمأنّ الج ّد عليه ،ولم يسأله عن قضيته من لهفة الحنين وإ ّنما اكتفى بمعرفة أخباره ،وقبل أنْ يستأذن الج ّد طلب سعد منه بأنْ يعفو عنه عما حصل وأ ّنه سيخرج سعد آخر.
انتهت ال ّزيارة وعادا إلى المنزل ،وهناك في المجلس طلب الج ّد من ابنه حمد أنْ يحكي له ما حصل فحكى له ك ّل شيء ..تفهّم الج ّد شعور سعد ثم تذ ّكر أنّ لديه ً ماال كثيرً ا في صندوق متوسط الحجم في دوالب مالبسه ،فقام وذهب إلى غرفته وفتح الصندوق فوجد مبلغ (خمسة آالف دينار)، فهمس لنفسه : " آمل أنْ يكون هذا المبلغ كافيًا الرضاء المجني عليه ليتنازل عن القضية ! "
وفي صباح اليوم ال ّتالي طلب الج ّد من ابنه حمد أنْ يأخذه بأيّة وسيلة لبيت الدكتور تع ّجب االبن من هذا األمر ،لكنّ الج ّد أمره أنْ يسرع ً حاال وبال تأخير.
اتصل حمد بصديق له يعرف دكتورً ا يحاضر في الجامعه ليجلب له عنوان منزل الدكتو عندما أعطاه شكره ثم أخذ أباه -الج ّد -إليه منزله.
ولما وصال طرق حمد الباب فخرج ابن الدكتور ،وطلب حمد منه أن ينادي أباه ،فاسستجاب االبن وطلب منهما االنتظار ريثما يخبره بشأن ذلك.
بعد دقيقة خرج االبن وطلب منهما الدخول إلى الطابق السفلي حيث مجلس الرّ جال ،فلما نزال ودخال المجلس وجدا الدكتور يقرأ القرآن فلما رآهما وضع المصحف في مكانه ثم وقف ور ّحب بهما ً قائال : " ً أهال بكما ..تفضّال بالجلوس "
م ّد الدكتور يده على الهاتف ليطلب من الخادم أن يجلب لهما كوبان من القهوة لكنّ الج ّد أومأ رافضًا ،وشكره على حسن الضّيافه ،ثم ع ّرفه عن نفسه وأخبره بأ ّنه ج ّد سعد وأ ّنه أتى ألجل التنازل مقابل مايريد من المال ،فم ّد الج ّد يده للدكتور ليعطيه المبلغ ،لكنّ الدكتور ابتسم ور ّد يده ثم قال :
" أتدري يا أبا حمد أنّ حفيدك سعد كان سببًا في تغيير حياتي لًلفضل ؟ لقد أعطاني درسًا لنْ لكنت اآلن تحت األر أ ُ ّ ُ أنساه! وكان تحذيرً ا بالنسبة لي ،ولو ُّ عذب ! لكن مت قبل ذلك الوقت بسبب حفيدك عدِلت عن أمور كثيرة في حياتي فإ ّنني أشكر هللا سبحانه ثم أشكره على ما فعله ، رغم أنّ في ظاهر ما حصل ش ّر لكنّ في باطن ذلك خيرٌ عظيم ،صحيح أنني فرحت عندما حكم القاضي عليه بالسّجن وحزنت في نفس الوقت بطردي من الجامعة وسجني لك ّنني بعد ذلك حينما ّ ُ فرطت ثم عقدت العزم على التوبة بدأت أف ّك ُر في حالي وما انتهت فترة الحكم ورجعت إلى منزلي والتغيير لًلفضل ،لذلك فله عليّ فضل كبير جزاه هللا كل خير " سكت ً قليال ثم أخذ نفسً ا عمي ًقا وأردف :
" لكن يا أيّها الرّجل المو ّقر ألجل أ ّنك أتيتني هنا في منزلي وطلبت م ّني ذلك فسأتنازل عنه ٌ كفيلة في تغييره لًلفضل " مقابل ال شيء ...أعتقد أنّ تلك السنوات التي قضاها خلف القضبان استبشر الج ّد وابنه حمد بذلك وشكرا الدكتور شكرً ا حارً ا ..
تنازل الدكتور وقام القاضي بإسقاط حق المجني عليه وبقي الحق العام الذي جعل مدة بقائه في السجن لمدة سنة. بعد ذلك انقضت تلك المدة وتم إخراج سعد وو ّدع صديقه الجديد ،فقال عثمان مبتسمًا:
أحسن الظنّ وصبر وتفاءل وعمل -قدر استطاعته -نال جزاءه ؟ " ألم أقُل لك يا سعد أنّ من َ سنلتقي خارج السّجن قريبًا بإذن هللا " قال سعد واالبتسامة تشرق في وجهه: " لن أنسى معروفك ،وسأنتظرك على أح ّر من الجمر ...في أمان هللا "
خرج سعد من السّجن وكان ينتظره جده وأباه ،فانطلق نحو الج ّد واحتضنه بشوق وبكى سعد طالبًا إ ًّياهُ الصفح والعفو ثم احتضن أباه وقبّله وانطلقوا إلى المنزل.
هناك كان دخول سعد للمنزل مفاجأة جميله ألمه وج ّدته وأخته واخاه بدرً ا ،فهم كانوا على علم بخروجه لكنهم لم يعلموا في أيّ ساعة سيخرج ،سعِدوا كثيرً ا واحتضنوه وقبّلوه وبكت األ ّم فرحً ا وكذلك الج ّدة.
بعد أيّام أمر الج ّد أنْ يخطبوا له فاطمه ابنة خالته ،فوافقوا وتمّت خطبتها أل ّنها شعرت بأ ّنه ً فعال تغيّر.
بعد سنة انقضت فترة حكم عثمان وخرج من السجن ،علم سعد بذلك فانطلق لعنوان منزله الذي أعطاه إيّاه عندما كانا في السّجن.
طرق الباب وخرج عثمان مبتسمًا مُرحِّ بًا به وتعانقا ،ثم طلب منه أنْ يحضر حفل زفافه بعد شهرين فوافق .
في يوم زواج سعد حضر لفيف من األهل واألصدقاء ..وكان من بين الحضور :بندر، ورائد ،وعادل ،ومُحمّد ،وهمس رائد في أذن سعد:
" حدسي صدق فيك ..فقد كنت أتوقع أ ّنك ستدعوني لزواجك من تلك الفتاة التي كنت ترفضها حينما كنا على شاطئ األبراج "
ضحك سعد وقال :
" هي أيّام طيش يا رائد ،واآلن استمتع بوقتك "
ٌ ٌ وفرحة بخروجه من فرحة بتوبة سعد .. | ..كانت المُناسبة ليست مجرّد فرحة ..بل أفراح .. السّجن ..وفرحة زواجه |..
( تمّت )
وختامًا: ] لك ّل عقل مبدع لحظات تألّق .. وك ّل عثرة ال تتذمّر بها فهي تعلّمك ألنْ ُتخطئ أقل .. وعندما تشعر باألسى اعتبر ذلك نعمة ألنّ هناك ما بعد الكارثة : " ورو ٌد تنبت من بين الرّما ِد " [ كين هيوجز