رواية ما زال هناك أمل

Page 1


‫تأليف‬ ‫مشعلْ‬

‫تصميم وضبط وتدقيق لغوي‬ ‫آسيةْبازرارة‬

‫شكر خاص‬ ‫مصطفىْالكندري‬ ‫ُ‬

‫آسيةْبازرارة‬

‫جمانةْالقحطاني‬ ‫صفاءْالعنزي‬ ‫روابيْالزهراني‬ ‫عبدالرمحنْ‬


‫المقدمة‬

‫ُ‬ ‫انتهيت من كتاب ِة هذه الرّواية التي تعتبر أوّ ل رواية أ ْنشرها وهي تتح ّدث عن‬ ‫بفضل هللا تعالى‬ ‫شاب في عمر ال ّزهور صار ضحي ًّة أل ٍ‬ ‫قاس ‪ ..‬ح ّتى أصبح بليد اإلحساس ‪،‬‬ ‫ب مُهمل ‪ ،‬وج ٍّد متسلّط ٍ‬ ‫جاف المشاعر‪ ،‬كثير المشاكل‪ ،‬تغمر قلبه الكراهية لكن وفي لحظة لم يتوقعها يقع في إعجاب ابنة‬ ‫خالته التي كانت سببًا بتورّطه في قضيّة أدخلته السّجن‪.‬‬

‫رواية ( ما زال هناك أمل ) تحمل في ط ّياتها الكثير من األمل‪ ،‬أُهديها ألولئك الذين فقدوا‬ ‫األمل ح ّتى سيطر عليهم اليأس فأصبحوا ضحايا في بئره المظلم فلع ّل هذه الرّواية تنتشلهم إلى‬ ‫البساتين الخضراء‪.‬‬

‫“ منفذ “‬ ‫]في وسط الظالم ابحث عن بصيص‬ ‫ن األمل [‬ ‫م ُ‬ ‫النّور ‪ ..‬فهناك يك ُ‬

‫لإلقتراحات والنقد والدعم ‪:‬‬ ‫‪Twitter: @ma8roo6‬‬ ‫‪Email: m.n.k.s@hotmail.com‬‬


‫الفصل األول‬

‫األسرة جالسون على مائدة الطعام‪ ،‬ينظر الج ّد إلى الوجوه التي اعتاد أن يراها كل يوم كي‬ ‫يتأكد من وجودهم جميعًا هنا ‪ ،‬لكنه الحظ أن سعد ليس موجو ًدا بينهم فنظر إلى أبا سعد ‪ -‬الذي‬ ‫يُدعى حمد ‪ -‬بغضب وقال‪ " :‬أين ذهب سعد؟ "‬ ‫حمد أطرق برأس ً‬ ‫قائًل ‪:‬‬ ‫" ال أدري‪ ،‬فمنذ الصباح ‪" ...‬‬ ‫فقاطعه الجد غاضبًا وهو يضرب بكف ّيه على المائدة بقوة ويتهيأ للوقوف ‪:‬‬ ‫" كيف ال تدري وهو ابنك؟ "‬ ‫ثم جلس على كرسيه وأردف‪:‬‬ ‫" أيّ إهمال هذا !!؟ "‬

‫لم ينطق حمد بأيّ كلمة فالتزم الصمت ألنه ال يملك إجابة على أسئلته تلك‪ ،‬فأمر الج ّد ابنه‬ ‫حمد أن يتصل على سعد ‪ ،‬فاتصل مرارً ا وتكرارً ا لكن ال مجيب! ألن سعد يعلم أنّ أباه يتصل‬ ‫بسبب ج ّده‪ ،‬وهو يرى أنه قد كبر وال يحتاج من أحد أن يخاف عليه كل هذا الخوف المبالغ به !!‬ ‫عند الظهيرة حصل كما حصل في الصباح ‪ ،‬تفقّد الجد األسرة فوجد أن سعد مازال غائبًا‬ ‫فغضب وقال لحمد‪:‬‬ ‫" إن لم تأتيني بسعد فسوف أُعاقبك يا مهمل "‬


‫قال تلك الكلمات وهو يشير بسبابته التي كانت ترتجف بتوتر ممزوج بالغضب خصوصًا أن‬ ‫سعد شاب في نهاية مراهقته وعني ٌد ج ًّدا وال يكترث بتعليمات الج ّد بعدما كان يخافه عندما كان‬ ‫صغيرً ا ‪ ،‬وهذا األمر الذي جعل الج ّد يفكر مرارً ا بطريقة يُخلّص فيها سعد من هذا العناد‪.‬‬

‫في تلك اللحظة كان سعد يلهو مع أصحابه عند بحر سلوى أو ( أنجفه ) كما هو شائع اسمه‬ ‫في الكويت‪ ،‬هناك كانوا يعيشون طفولتهم في األلعاب الموجودة بالقرب من الشاطئ‪ ،‬ويسبحون في‬ ‫البحر‪.‬‬

‫كان الطقس حينها داف ًئا قبل فصل الشتاء فاستغل الشباب كعادتهم كل سنة أن يذهبوا منذ‬ ‫الصباح حتى الظهيرة‪ ،‬ومن بعدها يعود الجميع إلى منازلهم ليستحموا ويغيروا من ردائهم ومن ثم‬ ‫يذهبوا إلى التس ُّكع في المجمعات‪.‬‬

‫رجع سعد إلى المنزل ودخل بهدوء ‪ ،‬فهو يعلم يقي ًنا أنّ ج ّده نائ ٌم في هذا الوقت بعد تناول‬ ‫وجبة الغداء‪ ،‬وصالة العصر فيظ ُّل نائمًا حتى قبيل صالة المغرب‪ ،‬وبينما سعد يستحم أح ّست‬ ‫شقيقته ريم بشخص في دورة المياه‪ ،‬فطرقت الباب ورد عليها‪:‬‬ ‫" من ؟ "‬ ‫" أأنت سعد ؟ "‬ ‫" نعم سعد‪ ،‬ماذا تريدين ؟ "‬ ‫" ال شيء ‪ ،‬لكنّ أبي خائفٌ عليك وذهب ليبحث عنك ! "‬ ‫توقفت يدا سعد التي كانت تفرك فروة الرأس وقال في نفسه مستغربًا‪:‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يبحث عني وأنا قد كبرت وصرت‬ ‫يبحث ع ّني ! إ ّنه ألم ٌر غريب!! ماذا دهاه؟ ومنذ متى أبي‬ ‫"‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الحق في ذلك لكن اآلن ليس من حقّه !!! همممم حس ًنا ال يهمني ذلك!!‬ ‫رجال !!! نعم في طفولتي له‬ ‫إ ّنها مشكلته أن يخاف علي ويبالغ بخوفه‪ ،‬يجب أن أنتهي سري ًعا وأذهب إلى أصدقائي "‬ ‫وبينما هو كذلك غارق في تفكيره وحديث نفسه قاطعته أخته ريم‪:‬‬ ‫" سعد لماذا سكت ؟ "‬ ‫" ها؟ ال شيء ياريم‪ ،‬فقد أخذني تفكيري إلى مكان آخر "‬


‫" آه حس ًنا "‬

‫ذهبت ريم إلى صالة المنزل وجلست تشاهد أحد البرامج على قناة ( عالم الحيوان ) فهي‬ ‫مهووسة بحب الحيوانات السيما القطط‪.‬‬

‫بعد لحظات خرج سعد من الحمام وذهب إلى غرفته المبعثرة المهملة‪ ،‬فقميصه ملقى األر‬ ‫ُلي بعد شهور من اإلهمال‪ ،‬وسريره تك ّدست فوقه المنشفة وبع المالبس التي تم تنظيفها‬ ‫وقد ب َ‬ ‫لكنه لم يضعها في دوالب مالبسه‪ ،‬ناهيك عن الكتب المدرسيّة الملقاة في ركن الغرفة‪ ،‬وأحذيته‬ ‫التي ليست على أرففها المركونة بجانبها وكأنّ تلك األرفف زينة !‪ ،‬وبعدما انتهى من ارتداء‬ ‫مالبسه ذهب ألخته ريم ووقف أمامها وهو يعر نفسه‪:‬‬ ‫" ما رأيكِ يا ريم؟ هل أبدو أني ًقا ؟ "‬ ‫" ياي ‪ٌ ..‬‬ ‫أنيق ج ًّدا يا أخي "‬ ‫" رغمًا عنكِ "‬

‫وضحك ممازحً ا إيّاها حينما رآها قد غضبت‪ ،‬ثم خرج من المنزل ‪ ..‬فصادف أباه الذي ركن‬ ‫السيارة ونزل منها‪.‬‬

‫نظ ر سعد إلى أبيه الغاضب‪ ،‬ووقف وقفة الالمبالي وهو يتأمل نظرات أبيه لينظر ماذا سيفعل‬ ‫به بعد هذا البحث والعناء منذ الظهيرة !!!‬


‫الفصل الثاني‬

‫نظر األب إلى ابنه وهو ينزل من سيارته نوع كوروال أبي‬ ‫توقف أمامه وقد تغيّر وجهه غضبًا ! سأله ‪:‬‬

‫اللون‪ ،‬وعندما وصل إليه‬

‫" أين كنت يا سعد منذ الصباح ؟ "‬ ‫أشاح سعد بوجهه عن أبيه وقال بنبرة استياء‪ " :‬مع أصدقائي "‬ ‫غضب األب وقال‪:‬‬ ‫" عندما يتحدث إليك الكبير‪ ،‬ال ٌتشحْ وجهك عنه !! وقل لي أين كنت بالضبط ؟ "‬ ‫نظر سعد إلى عينيّ والده وقد رفع حاجبًا وكأنّ كالم أبيه لم يعجبه ثم قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ويحق لي أن ‪" ...‬‬ ‫رجال‬ ‫" قلت لك مع أصدقائي! وال يهم أين كنت فقد أصبحت‬

‫ً‬ ‫صرخة أخرجت جيرانه الذين‬ ‫فقاطعه األب غاضبًا وهو يرفع سبابته بوجه سعد وصرخ‬ ‫بجانب منزله‪:‬‬

‫" إيّاك أن تقلها مرة أخرى ‪ ،‬فما زلت تحتاج إلى أنْ تتعلم الكثير! ومن حقي كأب أن أعرف كل‬ ‫ما يحصل في المنزل "‬

‫وفي لحظة صمت مًلت المكان‪ ،‬ينظر سعد إلى عيني والده وتارة ينظر إلى أصبعه السبابة‬ ‫وال يملك شي ًئا يقوله !! فهي المرة األولى التي يغضب فيها والده منه‪ ،‬ولم يملك الجيران المتجمعون‬ ‫حولهما ّإال محاولة تهدئة الوضع لكن األب طلب منهم االنصراف‪ ،‬ثم دخل كل من حمد وابنه سعد‬ ‫للمنزل ليكمال لهيب الحوار‪.‬‬ ‫نظر األب إلى مالبس سعد نظرات ازدراء من أعلى ألسفل ثم قال‪:‬‬ ‫" وما هذا اللباس الغريب؟ وإلى أين أنت ذاهب اآلن ؟ "‬ ‫ضحك سعد بسخرية ثم قال‪:‬‬ ‫" غريب ؟!! هذا لبس الموضة! وأنا ذاهب مع أصدقائي "‬


‫ع‬

‫االب شفته بغيظ وجحظت عيناه من الغضب وقال‪:‬‬

‫" ليذهب أصدقاؤك إلى الجحيم‪ ،‬فقد كرهتهم بسببك !! "‬ ‫رفع سعد يده بوجه أبيه وهو يصرخ‪:‬‬ ‫" ّإال أصدقائي ! ال أرضى ألحد أن يتكلم عنهم أو يمسّهم بسوء !! "‬

‫نظر األب نحو يد سعد مصدومًا‪ ،‬وفي تلك اللحظة استيقظ الج ّد بسبب صراخ سعد‪ ،‬ففتح‬ ‫نافذته وقد أط ّل عليهم من الدور األول وهو يفرك عينيه ثم ارتدى نظارته ثم ح ّدق ال ّنظر وقال‬ ‫غاضبًا‪:‬‬ ‫ت به إلى غرفة الجلوس فلي حسابٌ معه "‬ ‫" ال تجعله يخرج يا حمد‪ ،‬ائ ِ‬ ‫نظر حمد إلى الج ّد وهو يحتمي بيده اليمنى عينيه من ضوء الشمس وقال‪:‬‬ ‫" حس ًنا يا أبي سآتي به اآلن "‪.‬‬

‫حينما سمع سعد كلمات ج ّده تلك استغل فرصته للهروب بينما والده منشغل مع الج ّد بالكالم ‪،‬‬ ‫ففتح الباب وهرب ً‬ ‫بعيدا!‬

‫حاول أباه اللحاق به لكن ال جدوى ‪ ..‬فقد توارى عن األنظار بين األزقة والطرقات‪ ،‬فقال‬ ‫األب غاضبًا ‪:‬‬

‫" ت ًّبا لقد أفلت مني‪ ،‬يا إلهي ماذا سأقول ألبي؟ أقسم لو ضربني بعصاه فسوف أبحث عن سعد‬ ‫وألقنه درسًا مؤلمًا لن ينساه!"‬

‫رجع حمد إلى المنزل وهو يجرُّ خطاه خائبًا على هروب سعد فاستقبله الج ّد جالسًا على‬ ‫ً‬ ‫حاملة كوب الماء‪ ،‬وريم تقوم بتدليك قدميه كعادتها كل يوم قبل الغروب‪،‬‬ ‫كرسيه‪ ،‬والج ّدة بجانبه‬ ‫وزوجة حمد بالمطبخ تع ّد الشاي والقهوة العربية‪ ،‬وبدر الذي يصغر سعد ‪ -‬وهو عكس سعد تمامًا ‪-‬‬ ‫منشغل على جهاز الكمبيوتر‪ ،‬فرفع الج ّد عصاه نحو حمد وقال بنبرة قاسية‪:‬‬ ‫" أيّها الجبان‪ ،‬كيف هرب منك ذلك المراهق ؟ ألم تستطع اللحاق به وإمساكه ؟ "‬


‫قام الج ّد من كرسيه ومشى بخطوات بطيئة ودار حول حمد حتى وقف خلفه ثم قال‪:‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كنت أسرع أقراني !! وأنت !! هل خرجت من ظهري لتكون‬ ‫كنت في س ّنك‬ ‫" أتدري؟ عندما‬ ‫كأمّك ضعي ًفا ؟ "‬

‫قال جملته األخيرة وعيناه تتجه نحو زوجته ‪ -‬الج ّدة ‪ -‬أمّا حمد فلم ينطق حر ًفا‪ ،‬واكتفى‬ ‫بزفرة خفيفة ‪ ،‬وشحُ ب وجهه ألمًا فهو إن أجابه بالنفي فسوف يحكي له مغامراته أيّام شبابه وإن‬ ‫أجابه بالتأييد فسوف يكذبّه ولن يصدقه‪.‬‬ ‫صمت الجميع بعد ذلك وفي تلك اللحظة جاءت زوجة حمد وقالت للجد‪:‬‬ ‫" عمّي لقد انتهيت من إعداد الشاي والقهوة‪ ،‬وقد جهزتهما في غرفة الجلوس "‬ ‫" هممم حس ًنا سآتي اآلن "‬ ‫كان سعد في تلك األثناء جالسً ا في بيت صديقه عادل الذي لم يأتِه منذ أمد بعيد‪.‬‬

‫عادل ينظر إلى سعد متعجّ بًا وعالمات االستفهام قد أثقلت رأسه بسبب مجيئه‪ ،‬كلما حاول‬ ‫أن يسأله عن السبب تردد فهو لم ي ْ‬ ‫ُرد أن يحرجه بأسئلته الفضوليّة‪ ،‬لكن فضوله كان أقوى فكسر‬ ‫حاجز الصمت وقال بنبرة هادئة يشوبها الفضول‪:‬‬ ‫" اممم ممكن سؤال ؟ "‬ ‫قطع ذلك السؤال حبل أفكار سعد فقال‪:‬‬ ‫" تفضل "‬ ‫ت إليّ‬ ‫" بصراحة أنا متع ّجبٌ منْ مجيئك في هذا الوقت ‪ ،‬خصوصً ا أنك منذ مدة طويلة ج ًّدا لم تأ ِ‬ ‫بل وحتى بالمناسبات لم تتصل بي فكيف ‪" .....‬‬ ‫قاطعه سعد ً‬ ‫قائال بشكل متقطع‪:‬‬ ‫" هل ‪ ..‬يعني ‪ ..‬ذلك ‪ ..‬أنني ‪ ..‬سببت ‪ ..‬لك ‪ ..‬إزعاجً ا ‪ ..‬في مجيئي ‪ ..‬إليك ؟!؟ "‬ ‫قال عادل متر ّد ًدا‪:‬‬ ‫" الال ال ال يا صاحبي لـ لـ لم أقصد ذلك لكنه مـ مجرّد فضول !! "‬


‫ح ّدق سعد ّ‬ ‫النظر في وجه عادل وقال‪:‬‬ ‫ك"‬ ‫" فضول ؟ ال تنسى أنك رجل ‪ ،‬فاترك الفضول ع ْن َ‬ ‫" ماذا تعني ؟ "‬ ‫ُ‬ ‫عنيت ما عنيت‪ ،‬واللبيب باإلشارة يفهم ! "‬ ‫"‬

‫ً‬ ‫أصال لم يتوصل للمقصد‬ ‫ُعر لًلمر اهتمامًا ألنه‬ ‫ثم سكتا وبدأ عادل يفكر في مقصده لكنه لم ي ِ‬ ‫من كلماته‪ ،‬فك ّل ما يهمّه هو أنْ يعرف سبب مجيئه‪ ،‬لكن قاطع تفكيره سعد فقال‪:‬‬ ‫" حس ًنا يا ذا الفضول‪ ،‬سأشفي غليل فضولك ‪ ،‬أتيتك ألجل أن أطمئن وأسلّم عليك "‬

‫ذلك المبرر لم يقنع عادل أب ًدا ‪ ،‬فال يُعقل بشاب مثل سعد طائ ًشا أن يبادر بمثل تلك‬ ‫المبادرات!‬

‫بعد ذلك دخال في أحاديث أخرى ومن ثم احتسيا الشاي األخضر‪ ،‬ثم طلب سعد من عادل أن‬ ‫يذهب به إلى منطقة مشرف حيث يسكن صديقه محمد‪ ،‬فأوصله إلى هناك ودخل في منزله‪ ،‬وطلب‬ ‫ت أخاه أو أباه‪ ،‬فهناك يكون قد ابتعد عن منزله‬ ‫منه أن يذهب به إلى بحر الزور فورً ا قبل أن يأ ِ‬ ‫واحتمالية وجوده تكاد تكون معدومة من ِق َبل أهله‪.‬‬

‫ً‬ ‫باحثا وقد ذهب وق ّدم‬ ‫كان أهل سعد يشغلهم التفكير بأمره‪ ،‬فاألب ينتقل من مكان إلى مكان‬ ‫بال ًغا في المخفرالذين قاموا بدورهم مشكورين بالبحث عنه‪.‬‬

‫أمّا الجد فقد شعر بالتعب وهو يف ّكر بأمر سعد فتارة يغضب وتارة يبكي ألمًا فهو يحبّه ح ًّبا‬ ‫ج ًّما خصوصا ذكريات طفولته وهما يمرحان في حديقة المنزل ووسط البراري وعلى الشواطئ ‪..‬‬ ‫فكلما تذكر تلك األيام فإن نار الغضب ُتطف ُئها دموع الحنين‪.‬‬

‫وبينما هو كذلك غارق في التفكير شعر بالتعب وأغشي عليه‪ ،‬فتجمع حوله أهله باستثناء حمد‬ ‫الذي كان خارجً ا يبحث عن سعد‪ ،‬وبدر الذي كان يبحث أيضًا عند أصدقاء سعد المقرّبين‪ ،‬ولسوء‬ ‫حظ الج ّد أنّ بدر لم يرُد سريعًا على الهاتف حينما جاءه اتصال من المنزل فقال وهو يمسك هاتفه‪:‬‬ ‫" ماذا يريدون؟؟ كعادتهم يسألون عن سعد ‪ ،‬ال ُيهم! "‬


‫قذف بجهازه على المقعد الفارغ بجانبه‪ ،‬ومع تكرار االتصاالت ‪ -‬أكثر من عشر مرات ‪ -‬رد‬ ‫عليهم عندما أحس بخطر ما قد حصل‪ ،‬أمسك بالهاتف ويده ترتعد ‪:‬‬ ‫" نـ نــعم م ماذا تريدون؟ "‬ ‫جاء صوت ريم بنبرة خائفة مضطربة تبكي‪:‬‬ ‫" لقد أغمي على جدي وأبي بعي ٌد ع ّنا‪ ،‬أرجوك تعال بسرعة لتأخذه إلى المشفى "‬ ‫رد عليها بنبرة ال تقل خو ًفا منها وكان مصدومًا مما سمع‪:‬‬ ‫" يا إلهي ‪ ..‬سآتي ً‬ ‫حاال "‬ ‫أسرع بدر بسيارته وقد كانت منطقة مشرف بجانبه‪ ،‬فهو كان في طريقه لمنزل محمد‬ ‫لكن االتصال جاءه قبل أن يصل إليه‪.‬‬

‫تزامن وصوله مع وصول والده ‪ ،‬وبسرعة أدخلوا الجد في سيارة حمد ثم انطلق مسرعًا إلى‬ ‫المشفى‪ ،‬أما بدر فقد لحق بأبيه ومعه أهله‪ ،‬وفور وصولهم أدخل األطباء الجد إلى العناية الفائقة‪،‬‬ ‫وحمد وابنه بدر بالخارج وباقي أهله أيضًا موجودون ينتظرون ويبكون ؛ فهم اآلن وقعوا في‬ ‫مصيبتين ( مصيبة الج ّد ومصيبة هروب سعد ) !! وليس لهم اآلن سوى الصبر والرضا والدعاء‪.‬‬


‫الفصل الثالث‬

‫الجميع ينتظر خروج الطبيب المعالج وكان الوقت يم ّر عليهم بطي ًئا ج ًّدا فالثواني اصبحت‬ ‫بالنسبة إليهم لحظات طويلة عصيبة وبعد انتظار خرج الطبيب وقال‪:‬‬ ‫" إ ّنه في غيبوبة ‪" ...‬‬ ‫سكت ً‬ ‫قليال وأطرق رأسه مُرد ًفا بأسى‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مشلوال وإنْ لم يستفق فادعوا له بالرحمة "‬ ‫" ورُبما ستطول به الغيبوبة ! فإن استفاق منها صار‬

‫ثم أدار ظهره ومضى إلى مكتبه‪ ،‬بينما حزن الجميع لسماع ما حصل للجد‪ ،‬وصاروا‬ ‫يزورونه كل يوم لينظروا إليه والدعاء له فقط‪.‬‬

‫ريم كانت تأتي وبيدها المصحف لتقرأ عند رأسه القرآن كل يوم ‪ ،‬فهي تعلم يقي ًنا أنّ القرآن‬ ‫شفاء وقاه ٌر لك ِّل مر ٍ عضوي ونفسي وروحي‪ ،‬وبدر يتصدق ويدعو كل يوم واألب أصبح يُنفق‬ ‫بما يقدر على الفقراء والمحتاجين بنيّة شفاء والده‪ ،‬وكذلك أم سعد فهي تقوم بدورها بالصالة في‬ ‫آخر الليل والدعاء له بالشفاء‪ ،‬حتى باقي األهل واألقارب صار هذا ديدنهم‪ ،‬وصار لسان حالهم‬ ‫يقول ‪:‬‬ ‫" ما زال هناك أمل بالشفاء "‬

‫تر فيها‬ ‫سعد لم يرجع إلى المنزل وصاروالده يف ّكر به كثيرً ا‪ ،‬واألم تبكي كلما مرّت ساعة لم َ‬ ‫ابنها وبدر المسكين كل يوم يبحث عنه‪.‬‬

‫المشكلة تكمن في ذكاء سعد في عملية الهروب واالختباء ‪ ،‬فهو يختار أماكن ال تخطر في‬ ‫بال أهله أبدا وربما سبب ذلك أن أهله ال يعلمون شي ًئا عن تلك األماكن أو أ ّنها بعيدة ج ًّدا ولن‬ ‫يتوقعوا أن يكون هناك ً‬ ‫أبدا !‬

‫لكن بدر أيضًا كان يبحث في كل مكان سواء قريب منهم أم بعيد‪ ،‬وخطر بباله أن يذهب إلى‬ ‫صديقه مساعد المعروف بحكمته في ح ّل المشاكل والذي يسكن بالقرب من منطقتهم وبالتحديد في‬ ‫منطقة األندلس‪.‬‬


‫وصل إليه ونزل من سيارته ثم طرق الباب فخرج أبو مساعد ‪ ،‬فتقدم بدر نحوه وقبّل رأسه‬ ‫وسأله عن مساعد‪ ،‬فطلب من بدر أن يتفضل في مجلس الرجال حالما ينتهي مساعد من االستحمام‪.‬‬

‫دخل بدر المجلس وجلس أبو مساعد أمامه وتحدثا عن دراسة بدر وطموحه الذي يريده‪ ،‬بعد‬ ‫ذلك الحديث الملهم دخل مساعد الحكيم المجلس فقبّل رأس أبيه ثم سلّم على بدر وانطلق إلى حيث‬ ‫الشاي والقهوة العربية وجاء بهما ‪ ،‬وبعدما شربا القهوة وضع أمامه وأمام بدر كوبًا من الشاي‪.‬‬

‫اعتدل بدر من جلسته كي يبدأ بسرد تفاصيل مشكلة سعد‪ ،‬وحكى له كل ما حصل ‪ ،‬ومساعد‬ ‫ينصت بإحكام ويقظة دون شرود ودون أن ينشغل بشيء آخر‪ ،‬وفجأة انقطعت عنهم الكهرباء‬ ‫ت بشمعة‪ ،‬فذهب ثم أتى بها وهي‬ ‫بسبب‬ ‫عطل حصل في المنزل فاستأذن مساعد من بدر أنْ يأ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مشتعلة وقد بدأت تذوب من حرارة اللهب‪ ،‬وحرارة المشكلة العقيمة‪.‬‬ ‫جلس مساعد بجانب بدر ينصت من جديد حتى إذا انتهى بدر قال مساعد بوقار‪:‬‬ ‫" انتهيت يا صديقي ؟ "‬ ‫" نعم انتهيت "‬

‫" حس ًنا أنت ذكرت أن سعد شاب طائش ومتهور‪ ،‬وذكرت أنه طويل اللسان وحاد المزاج وحذر‬ ‫ج ًدا وذكي‪ ،‬وهو قد هرب منذ أيام لكنكم لم تجدوه‪ ،‬هل بحثتم عنه في مكان بعيد عن الفردوس ؟ "‬ ‫" نعم في كل مكان "‬

‫" صدقني يا بدر لم تبحثوا في كل مكان‪ ،‬فهو لم يخرج من الكويت بسبب أن أمن الحدود لديهم‬ ‫صورته وبياناته‪ ،‬ربما هناك ثمة مكان لم تبحث فيه "‬ ‫سكت وهو يفكر ثم أردف بهمس‪:‬‬

‫" بل رُبما أماكن يا صديقي ! "‬ ‫صمت بدر ً‬ ‫قليال ثم قال‪:‬‬ ‫" رُبما أنك على صواب لكن أين تتوقع أن نجده "‬ ‫تنحنح مساعد وقال‪:‬‬ ‫" صديقي بدر هل بحثت في شاليهات منطقة الجليعة ؟ "‬


‫" بصراحة ال‪ ،‬لم أفكر بها أب ًدا خصوصًا أن سعد ليس لديه أصدقاء بالقرب من تلك المنطقة‪ ،‬لكن‬ ‫قل لي لماذا الجليعة بالذات؟ ولم ت ُقل مثال شاليهات الدوحة ؟ "‬

‫" ألن شاليهات الدوحة قريبة من منزلكم‪ ،‬ولربما شاهده أحد قريب منكم أو جار لكم في مكان‬ ‫ما بالقرب من هناك ‪ ،‬أفهمت يا صديقي ؟ "‬ ‫" نعم فهمت‪ ،‬لكنه ال يملك شاليهًا بالجليعه أيضًا "‬ ‫ابتسم مساعد بثقة وقال‪:‬‬

‫" يا عزيزي رُبما استأجروا شاليهًا هناك‪ ،‬ال تدري ! "‬ ‫ه ّز بدر رأسه وهو يفكر بكالم مساعد مؤي ًدا إيّاه ثم قال‪:‬‬ ‫" حس ًنا ‪ ،‬ما رأيك أن نذهب معًا لنبحث عن ُه هناك؟ "‬

‫وافق مساعد على أن يرافق بدر إلى شاليهات منطقة الجليعة للبحث عن سعد‪ ،‬وحينما‬ ‫وصال بحثا عنه‪ ،‬ومرّا من سوق مركزي هناك فعر بدر صورة سعد للموظفين لعلّهم رآه !!‬

‫وبالفعل حينما تعرّ ف الموظف الذي يعمل محاسبًا هناك عليه ذكر لهما أنه قد رآه قبل ساعة‬ ‫هنا وخرج ‪ ،‬اطمئنّ بدر لسماعه ذلك‪ ،‬ثم خرج وجلس في السيارة مع مساعد ينتظرانه حتى يأتي‬ ‫مرة أخرى إلى السوق‪ ،‬ثم اتصل على أبيه الذي قام بدوره باالتصال على المخفر ليخبرهم أن ابنه‬ ‫سعد موجود في منطقة الجليعة لكي يقوموا بضبطه ومن ثم يتم تسليمه إلى ذويه‪.‬‬


‫الفصل الرابع‬ ‫بدر ومساعد يراقبان عن كثب في السيارة التي ركنوها في مكان قريب بين السيارات‬ ‫المزدحمة هناك في المواقف حتى ال ينتبه لوجودهما‪ ،‬وبعد لحظات جاء أبو سعد واتصل على بدر‪:‬‬ ‫" أين أنت ؟ "‬ ‫" أنا خلف سيارة اللكزس األبي‬

‫"‬

‫ذهب إلى حيث الوصف ووجده داخل السيارة مع مساعد فنزل مساعد وطلب من أبا سعد أن‬ ‫يصعد في المقعد األمامي‪ ،‬وركب هو في المقعد الخلفي‪ ،‬قال أبو سعد ‪:‬‬

‫" ستتكلّف الشرطة بباقي المهمة‪ ،‬فهي قد نصبت نقطة تفتيش قبل مدخل السوق‪ ،‬لنذهب بالقرب‬ ‫من النقطة حتى يتم القب عليه ويسلموه لي إن شاء هللا بعد التحقيق "‬

‫بعد ساعة من ذلك الوقت جاء سعد وصديقه فلمّا الحظا نقطة التفتيش اضطرب سعد وقال‬ ‫لصاحبه محمد‪:‬‬

‫" اهرب بسرعة قبل أن يكتشفوا أمري‪ ،‬أنا اعلم أن أبي زوّ د الشرطة بصورتي ومن المؤكد أ ّنهم‬ ‫لو رأوني فسيقبضون علي "‬ ‫" ال تخف ‪ ..‬تمسّك ج ّي ًدا "‬

‫وبحركة سريعة خالف محمد السير فاشتبهت الشرطة به‪ ،‬كانت المسافة بينهما مائة متر حينما‬ ‫الحظ سعد نقطة التفتيش‪ ..‬لحقت الدوريتان بسيارته وكان محمد يجي ُد القيادة ويراوغ بين السيارات‬ ‫بثقة كبيرة بقدراته‪.‬‬

‫طلب الشرطي قوة إسناد تعمل على إغالق الطريق‪ ،‬وبالفعل! في النهاية استسلما ووقع سعد‬ ‫في قبضة الشرطة وكذلك صديقه محمّد دون محاولة للهرب‪.‬‬

‫تم اقتيادهما إلى المخفر ولحقهم حمد وابنه بدر وكان مساعد بالخارج ينتظرهم‪ ،‬بعد التحقيقات‬ ‫وقّع سعد على تعهّد وطلب الضابط من األب أن يوقع تعهّد بعدم التع ّر له بأذى بعدما ذكر له‬ ‫سعد أسباب هروبه فوافق ووقع عليه‪.‬‬


‫بعد ذلك ذهبو ا إلى المنزل ومحمد عاد إلى منزله بعد تنازل حمد عن رفع قضية ضده‪ ،‬وفي‬ ‫ً‬ ‫توبيخا يخلو من لغة التهديد على ما حصل ‪ ،‬لكنّ سع ًدا لم ينطق بشيء‪.‬‬ ‫السياره وبّخ حمد ابنه سعد‬

‫لما وصلوا المنزل وجدوا خالة سعد ( نوف ) وابنتيها ( فاطمه ) التي تدرس في جامعة‬ ‫الكويت ‪ -‬تخصص لغة عربية و ( شروق ) التي ما زالت في الثانوية وبالتحديد ( الثاني عشر‬ ‫علمي ) وهي مخطوبة البن عمها منيف والصغير ( عبدهللا ) الذي كان مزعجً ا مشاكسًا كعادة‬ ‫الكثير من األطفال‪.‬‬

‫دخل األب في مجلس الرجال‪ ،‬أمّا سعد فقد تنحنح قبل دخول صالة المنزل كي تدخل ُكل منْ‬ ‫شروق وفاطمه إلى غرفة ريم وتبقى الخاله وطفلها المشاكس في الصالة ليسلم عليها‪.‬‬

‫أسرع ابن خالته المشاكس وقفز على سعد يقبّله ومن ثم بدر وسلّما على خالتهما‪ ،‬ثم حضرت‬ ‫أم سعد التي كانت في غرفتها تكتحل ورأت ابنها الغائب! فاندفعت إليه بقوّ ة شو ًقا وحُ ًّبا‪ ،‬عانقته‬ ‫وهي تبكي وفي نفس الوقت تعاتبه على فعلته وهو فضل الصّمت على أنْ يوضح لها موقفه‪.‬‬ ‫سأل سعد أمه بعد أن جلسا‪:‬‬

‫" أين ج ّدي ؟ "‬ ‫تنهدت األم ثم قالت‪:‬‬ ‫" جدك في المستشفى "‬ ‫قال سعد ببرود‪:‬‬ ‫" أها ‪ ،‬ماذا به ؟ "‬ ‫شعرت األم بذلك البرود‪ ،‬لكن لم ُتعر ذلك اهتمامًا فقالت‪:‬‬ ‫" إ ّنه في غيبوبة وال نعلم متى سيصحو "‬ ‫أحسّ سعد بارتياح شديد حيال سماعه لتلك الكلمات ولسان حاله يقول ‪:‬‬ ‫" آه وأخيرً ا سأستنشق أوكسجين الحرّية "‬

‫كانت كلمات األم بشرى فاطمه بالنسبة إلى سعد والحظت ان وجهه قد ابتهج فشعرت‬ ‫باالستياء حيال ذلك‪.‬‬


‫قال لها بكلمات يجاملها فيها‪ " :‬عافاه هللا "‬

‫ثم استأذن وذهب إلى غرفته ليغيّر مالبسه‪ ،‬وبعد دقائق خرج من الغرفة فتصادف مع خروج‬ ‫ابنة خالته فاطمه وهي ذاهبة إلى المطبخ‪ ،‬فراح ينظر لها نظرات إعجاب هادئة ‪ ..‬وبحركة سريعة‬ ‫منها ص ّدت بوجهها حيا ًء ودخلت سريعً ا‪.‬‬ ‫ظل سعد واق ًفا يف ّكر بها ويقول في نفسه‪:‬‬

‫أرها! أيعقل أنها فاطمه تلك الطفلة الشقيّة المهملة!‬ ‫" يا إلهي ما هذا الجمال! منذ زمن طويل لم َ‬ ‫بسرعة وكأنني أول مر ٍة أشعر بنبضه ‪ ،‬أيعقل أنني‬ ‫ماذا دهاني حينما رأيتها؟ بدأ قلبي ينب‬ ‫ّ‬ ‫بحق! لكن يجب أال أف ّكر بها‬ ‫أعجبت بها! ال ال ‪ ..‬ال أعتقد فأنا وهي تربينا مع بعضنا إنها جميلة‬ ‫أكثر فأنا أرف الحب ‪ ،‬ال يهم‪ ..‬حس ًنا سأدخل موقع تويتر ألغرّد ً‬ ‫قليال قبل أن أنام "‬

‫دخل سعد إلى موقع تويتر وحينما ه ّم بالكتابة شعر بإحساس غريب له طعم لذيذ كالعسل‬ ‫وبارد كنسيم الشتاء فجرً ا‪ ،‬إحساس يقوده إلى اإلعجاب بتلك الجميلة! لك ّنه حاول مجاه ًدا نفسه أن‬ ‫يُبعد ذلك االحساس‪ ،‬ولسوء حظه باءت مجاهدته بالفشل‪ ،‬وال جدوى من المدافعة فكلما حاول طرد‬ ‫تلك األفكار‪ ،‬ارتسمت في مخيلته صورة فاطمه‪ .‬فكتب تغريدة‪:‬‬

‫" أيها المتابعون إنني ألول مرة أشعر بنب قلب ي‪ ،‬وكان ذلك النب سببه رؤية ابنة خالتي التي‬ ‫تربينا مع بعضنا منذ الصغر وبعدما كبرنا افترقنا‪ ،‬وبالمصادفة رأيتها! فهل نبضاتي تعتبر مؤشرً ا‬ ‫لإلعجاب ؟ أم أنه شعور طبيعي كالخجل ً‬ ‫مثال ؟ "‬

‫كان قد أرسلها على تغريدتين بسبب أن الموقع حدد لكل تغريدة مائة وأربعون حر ًفا‪ ،‬بعدما‬ ‫أرسلها تمنى أن يجيبه أحدهم " إن ذلك شي ٌء طبيعي " حتى يستبعد فكرة اإلعجاب بها ‪ ،‬ولكن من‬ ‫سوء ّ‬ ‫حظه أن الردود كانت عكس ما تم ّنى‪ ،‬فكانت تغريدات متابعيه كلها تقول بأنه " إعجاب "‬ ‫فضاق صدره لذلك‪ ،‬فهو رغم أنه أُعجب بها ّإال أنّ قضية التربية تحت سقف واحد أيّام الصِ َغر‬ ‫ً‬ ‫مستقبال‪.‬‬ ‫تجعله يستبعد فكرة أن تكون له زوجة‬ ‫اتصل سعد على صديقه رائد الذي يسكن في منطقة النهضة القريبة ج ًّدا من الفردوس‬ ‫فهو لديه خبرة في علم ال ّنفس‪ ،‬فلما أجاب رائد على الهاتف قال سعد ‪:‬‬

‫" رائد أريد أن أتحدث معك في موضوع أشغلني كثيرً ا "‬


‫" حس ًنا قُل ما لديك "‬

‫" ال ليس هنا‪ ،‬فالموضوع يحتاج إلى جلسة طويلة‪ ،‬ويكون أفضل لو تكون الجلسة على شاطئ‬ ‫البحر "‬ ‫ك اآلن ‪ ..‬انتظرني دقائق "‬ ‫" حس ًنا سآتي َ‬

‫بعد ربع ساعة من ال ّزمن وصل رائد إلى منزل سعد‪ ،‬واتصل به كي يخرج إليه‪ ،‬وقبل أن‬ ‫يخرج استأذن سعد من أبيه الخروج للبحر‪ ،‬ثم خرج إلى رائد ‪ ،‬وفي الطريق كان سعد يف ّكر بفاطمه‬ ‫وبال شعور همس‪ " :‬كم هي جميلة !! "‬ ‫نظر رائد إليه باستغراب ‪ " :‬من ؟ "‬ ‫انتبه سعد لنفسه فضحك بكبرياء ‪:‬‬ ‫" ال تنشغل بي اآلن ألنني بسببها أتصلت بك "‬ ‫فهم رائد مقصده وقال‪:‬‬

‫شاطئ بالضبط تريدنا أن نذهب إليه ؟ "‬ ‫" حس ًنا‪ ،‬لكن قُل لي أيّ‬ ‫ٍ‬ ‫" اممم شاطئ األبراج "‬

‫وصال وجلسا على الشاطئ ‪ ،‬بدأ سعد يحكي لرائد قصته مع فاطمه منذ الصغر حتى تلك‬ ‫اللحظة التي رآها فيها ولما انتهى صمت رائد وهو يف ّكر بعمق ثم قال‪:‬‬

‫" يا سعد بصراحه ما حصل لك هو أنّ قلبك بدأ يتعلّق بها حتى وإن رف‬ ‫نفسك ‪ ،‬فالقلوب حينما تتعلق بشخص فإن المشاعر ستتدفق إليه و‪" .........‬‬ ‫قاطعه سعد معارضًا‪:‬‬ ‫" لكن يا رائد أنا أعتبرها أخ ًتا لي وال أريد أن أف ّكر أب ًدا بالزواج منها !! "‬ ‫" يا عزيزي يا سعد صدقني أنت وقعت في بدايات حبّـ‪" ...‬‬

‫ذلك عقلك ‪ ،‬وكرهتها‬


‫صرخ بغضب‪:‬‬

‫" ال تكمل ! أنا أعرف نفسي ج ّي ًدا ‪ ،‬إنني أبغ ذلك الشيء الساذج والذي تسمونه ( الحب )‬ ‫ً‬ ‫هزيال ضعي ًفا أقضي وقتي بالبكاء‬ ‫فهذا ضعف وغباء وال أعترف به‪ ،‬فلو كان ح ًّبا يا رائد لرأيتني‬ ‫والحزن "‬

‫سكت رائد ً‬ ‫قليال وأخذ يف ّكر بحال سعد ‪ ،‬فهو يُدرك عناده وكبريائه وفهمه الخاطئ والسّطحي‬ ‫لبع األمور‪ ،‬السيما تلك التي تتعلق بالمشاعر‪ ،‬فآثر السكوت في تلك اللحظة حالما يهدأ غضب‬ ‫سعد خصوصً ا أ ّنه للمرّة األولى يشعر بنب الحب في قلبه الحجري‪ ،‬وكذلك يدرك أن الحب األول‬ ‫غال ًبا يكون حب بدايته اعجاب بالمظاهر‪ ،‬ثم سيبحث ‪ -‬رائد ‪ -‬عن طريقة ما ليحل بها مشكلة سعد‬ ‫المُبتلى‪.‬‬


‫الفصل الخامس‬

‫استأذن رائد من سعد ليذهب إلى دورة المياه القريبة من الشاطئ‪ ،‬وبعدما انتهى لفت انتباهه‬ ‫أحد الكراسي فجلس عليه ليف ّكر وحده بطريقة ما لحل مشكلة سعد‪ ،‬قال في نفسه‪:‬‬

‫" اممم كيف أقنعه بأ ّنه قد أُعجب بجمالها وأن هذا اإلعجاب رُبما سيتطور إلى الحب إن استمر‬ ‫على التفكير بها؟ والمشكلة أن هذا النوع من الحب يجفُّ سريعًا وال يدوم ‪،‬فلو اقترح عليه خطبتها‬ ‫دون توضيح لذلك الشعور لكان أفضل! أتمنى ان يقبل بها‪ ،‬سأحاول اقناعه بأن يتزوجها ألجل دينها‬ ‫وأخالقها "‬

‫قام رائد من ذلك الكرسي وذهب إلى سعد الذي كان مستلقيًا على ظهره يتأمل هدوء السماء‪،‬‬ ‫فجلس بجانبه وقال‪:‬‬

‫َ‬ ‫ذكرت لي فإني اعتقد أنها تصلح‬ ‫" ما رأيك يا سعد أن تتقدم إلى ابنة خالتك ؟ فإنني وحسبما‬ ‫زوجة لك فهي ذات دين وحياء "‬ ‫" لست مستع ًّدا للزواج ‪ ،‬كما أ ّنها تدرس في الجامعة "‬ ‫" حس ًنا اخطبها اآلن وبعدما تتخرج هي تكون أنت مستعد للزواج بإذن هللا "‬ ‫نظر سعد نظرات حادة إلى رائد وقال‪:‬‬

‫" لكن لماذا تريدني أنا بالذات أتزوجها؟ وأنا قلت لك بأنني ال أحبها لكنّ مشاعري تجاهها‬ ‫مشاعر أُخوية "‬

‫" انا قلت لك ذلك ألنني أرى أنك تصلح لها وهي تصلح لك‪ ،‬فأنت شاب طموح متوقد لكل جديد‬ ‫وهي منضبطة متفائلة تشجع كل من تحبه ‪ ،‬فإن تزوجتها فستكون لك خير داعم ومحفز للنجاح "‬ ‫ف ّكر سعد بكالمه ثم تجهّم وقال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫شريكة لي ‪ ،‬أرجوك يكفي‪ ،‬فأنا ال أحتمل التفكير بذلك "‬ ‫" ال ‪ ..‬ال يمكنني تخيلها‬


‫" حس ًنا يا سعد‪ ،‬ما رأيك أن نذهب إلى مطعم ميس الغانم لنتناول طعام العشاء ؟ "‬ ‫قال سعد ممازحً ا‪:‬‬ ‫" موافق لكن على حسابك الخاص "‬ ‫ضحك رائد وقال‪:‬‬ ‫" موافق "‬ ‫ً‬ ‫منشغال بنف‬ ‫ثم قال في نفسه وهو ينظر إلى سعد الذي كان‬

‫ال ّتراب عن مالبسه‪:‬‬

‫" ص ّدقني يا سعد ‪ ..‬سيأتي اليوم الذي تخبرني فيه بأنك قررت الزواج منها‪ ،‬فإني أجُ سُّ نب‬ ‫ك"‬ ‫قلبك كلما تح ّدثت عنها ‪ ،‬ومالمح وجهك التي تدل على أنها ملكت َ‬

‫ذهبا وتناوال العشاء ثم عادا وركبا السيارة‪ ،‬كان زحامًا كالعادة ‪ ،‬جاء لسعد اتصال على هاتفه‬ ‫‪..‬رأى أنّ الم ّتصل هو والده فتعجّب ً‬ ‫قائال‪:‬‬

‫" أم ٌر غريب! ماذا يري ُد والدي رغم أنني أخبرته بذهابي معك للبحر؟ "‬ ‫" أجبه يا سعد ربما أراد شي ًئا منك "‬ ‫ضغط سعد على الزر األخضر‪ً " :‬‬ ‫أهال أبي "‬ ‫" هل ستذهب معنا لزيارة جدك ؟ "‬ ‫تغير وجه سعد وقد بدت عليه مالمح االستياء‪:‬‬ ‫" أعتقد بأنني سأتأخر ً‬ ‫قليال لذلك ال تنتظروني "‬ ‫" هل ستلحقنا هناك ؟ "‬ ‫قال بال مباالة‪ " :‬رُبما! "‬ ‫" حس ًنا سنذهب وإن كان لديك وقت فتعال "‬ ‫" حس ًنا "‬ ‫" إلى اللقاء "‬


‫" إلى اللقاء "‬ ‫أغلق سعد الهاتف ثم تنهّد وتتأفّف ‪ ،‬قال له رائد‪:‬‬ ‫" ما بك ؟ "‬ ‫" ال شيء "‬ ‫" رُبما استطعت معالجة موضوعك‪ ،‬يبدو أنك مستاء من شي ٍء ما "‬ ‫رد بضجر‪ " :‬قلت لك ال شيء‪ ،‬أرجوك ال ُتكثر من إلحاحك !! "‬ ‫ً‬ ‫محاوال تهدئته‪:‬‬ ‫قال رائد‬ ‫" حس ًنا يا صديقي‪ ،‬هوّ ن عليك ‪ ..‬هوّ ن عليك‪ ،‬لم أ ُ ِرد أن أزعجك ! "‬

‫سكت اإلثنان‪ ،‬وظل سعد عبوس الوجه الوجه ثم اسند مرفقه األيمن على باب السيارة وراح‬ ‫ينظر للسيّارات التي بجانبه‪ ،‬وفكره يدور بأمور أخرى أشغلته‪ ،‬لمح سيارة تقودها فتاة تشبه فاطمه‬ ‫فقال في نفسه‪:‬‬ ‫" يا إلهي أيعقل أن تكون هي؟ لكن فاطمه متنقبة ‪ ،‬كيف ذلك؟ "‬

‫ثم قال كلمات سريعة أفزعت رائد النه كان يف ّكر أيضً ا ‪ ":‬رائد أرجوك ألحق بتلك السيارة‬ ‫الع ّنابية !! "‬ ‫نظر رائد إلى السيارة ‪ " :‬أتقصد تلك الجاكوار ؟ "‬ ‫" نعم أرجوك بسرعة أقترب منها "‬

‫حين اقترب رائد ونظر من بداخل السيارة وجدها فتاة شا ّبة في غاية الجمال لكنه سري ًعا‬ ‫ً‬ ‫محاوال التعرّف عليها هل هي فاطمه أم ال !! فحاول رائد صد‬ ‫كفّ بصره‪ ،‬وظل سعد يُح ّدق ال ّنظر‬ ‫وجه سعد عنها لكنه يرف ‪..‬‬

‫انتبهت الفتاة لذلك فخافت وتقدمت بسيارتها سريعًا أمّا رائد فقد تعمّد إبطاء سرعة السيارة‬ ‫ُ‬ ‫جبر على صفع خد سعد وقال بنبرة غضب‪:‬‬ ‫رغم إلحاح سعد باللحاق بها مرة أخرى ‪ ،‬لكن رائد أ ِ‬ ‫" هل جُ ننت يا سعد ؟ "‬


‫سعد وضع يده على خده وهو ينظر إلى رائد مشدوهًا وبعد لحظة من الصمت قال‪:‬‬ ‫" أتصفعني يا رائد ألجل أنني طلبتك طلبًا كان لحاج ٍة في نفسي؟ "‬ ‫كظم رائد غيظه وقال بهدوء يصارع ضجّة مدوية في قلبه‪:‬‬

‫" يا سعد كيف تطلب مني أن ألحق فتاة وأنا في حياتي لم أتجرأ لذلك ؟ لماذا تحرضني على‬ ‫الخطأ ؟ "‬ ‫" أقسم باهلل أنني لم أقصد أن ترتكب ذنبًا ولكنها تشبهها ‪" ......‬‬ ‫ثم سكت‪ ،‬فقال رائد‪:‬‬ ‫" تقصد ابنة خالتك ؟ "‬ ‫أطرق رأسه بأسى ‪ " :‬أجل هي !! "‬ ‫" اها اعذرني اسأت الفهم يا عزيزي ولكن ليس من العقل أن نلحق بها هكذا ونثير الشبهات "‬ ‫سكت سعد ً‬ ‫قليال ثم قال ‪:‬‬

‫" ت ًّبا لهذا القلب! ال أدري لماذا ينشغل بها هكذا‪ ..‬ال أدري لماذا شعرت بلذعة في قلبي حينما‬ ‫رأيت تلك الفتاة التي تشبهها !! شعور غريب ألول مرة يعتريني! سُح ًقا !!! "‬

‫لم ي ُر َّد رائد عليه بل اكتفى فقط بترك المجال لسعد أن يقول مافي قلبه لعل ذلك يخفف من‬ ‫همه ولو بالقليل‪.‬‬

‫رجع سعد إلى المنزل وجلس على حاسوبه الشخصي يتنقل بين المواقع حتى وصل أهله إلى‬ ‫المنزل‪ ،‬ذهب األب ليستطلع هل ابنه موجود أم ال !‪ ،‬فشعر سعد حين سمع إغالق الباب أنه البد‬ ‫من مجيء أبيه إليه ّ‬ ‫فمثل دور النائم فرآه أباه هكذا فاطفأ المصباح ومضى إلى غرفته‪ ،‬وحينما ذهب‬ ‫أباه حاول سعد أن يجلس لكن تمثيله نائمًا صار حقيقة فنام حتى الصباح‪.‬‬

‫في الصباح جلس الجميع ‪ -‬ما عدا األب ‪ -‬على المائدة لتناول االفطار وسعد شارد الذهن ‪،‬‬ ‫استنكرت األم شروده‬ ‫قالت‪ " :‬سعد ما بك شارد الذهن ؟ "‬


‫أمر ما "‬ ‫" ال شيء يا أمي ‪ ،‬فقط أفكر حيال ٍ‬ ‫ثم أمسك الخبز وه ّم باألكل وقال‪:‬‬ ‫" ال عليكِ ‪ ..‬ال تكترثي فهو موضوع ال يستحق الخوف يا أمّي "‬ ‫وابتسم ابتسامة مصطنعة وبدأ يأكل‪ ،‬رغم كل ذلك لم ُتص ّدقه أمه‪.‬‬ ‫كان سعد يف ّكر ‪ ،‬قطع حبل أفكاره قول ريم ‪:‬‬

‫" أمّي أسمعتي بما حصل لفاطمه في الجامعة ؟ "‬ ‫ً‬ ‫محاوال إخفاء مشاعره‪ ":‬ماذا حصل لها ؟ "‬ ‫لفتت كلماتها انتباه سعد فقال‬ ‫تعجّب كل من كان موجو ًدا باهتمام سعد المفاجئ ‪ ،‬ثم أكملت ريم ‪:‬‬

‫" ذهبت فاطمه إلى دكتور مادة العصر الجاهلي في الجامعة تطلب منه المساعدة بأن يعطيها‬ ‫درجة ترفع من معدلها لكنه ‪ -‬وبخسّة نفس ودناءة فكر ‪ -‬طلب منها أغلى ما تملك ‪ ،‬كعادة بع‬ ‫مرضى النفوس الذين ال يستحقون مسمى أكاديمي‪ ،‬فقالت له كلمات معبر ًة عن رفضها ال ّ‬ ‫شديد‬ ‫جعلته يغضب لكنها لم تكترث لذلك وخرجت من مكتبه "‬

‫كان سعد حينما سمع تلك الكلمات غاضبًا ج ًّدا وقد بدا ذلك واضحً ا في مالمح وجهه وهو‬ ‫ً‬ ‫قاب ً‬ ‫غيظا‪ ،‬قالت أمّه وهي تنظر بشفقة‪:‬‬ ‫ضا يديه بقوة ويزفر‬

‫" ماذا بك يا سعد ؟ "‬ ‫قال في شحوب ‪ " :‬ال شيء "‬ ‫ثم استأذن وقام من كرسيه قا ًئال بغضب‪:‬‬

‫" ريم يجب أن تسألي فاطمه عن اسم ذلك القذر ً‬ ‫حاال "‬ ‫قالت ريم بنبرة مضطربة ‪ " :‬لـ‪..‬لكن لـ ‪ ..‬لماذا ‪....‬؟ "‬ ‫زاد سعد من حدة نبرته فنظر إليْها وصاح ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫" ال تكثري من األسئلة‪ ،‬قلت لك اسئليها ثم ابلغيني ‪ ،‬أفهمتي ؟؟ "‬ ‫" حـ ‪ ...‬حـ ‪ ...‬حس ًنا "‬


‫" سأذهب اآلن‪ ،‬واتصلي بي حالما تعرفين اسمه‪ ،‬انتظرك ‪ ،‬ال تتأخري "‬ ‫بعدما خرج‪ ،‬نظرت ريم إلى والدتها فقالت خائفة‪:‬‬ ‫" أمّي ماذا دهاه ؟! "‬ ‫اومأ األم بيده وقالت ‪:‬‬ ‫األمر لي "‬ ‫" ال عليكِ ‪ ..‬أتركي‬ ‫َ‬

‫يوم صاحب خبرة في الجرائم ‪ -‬كي‬ ‫مضى سعد إلى بيت صديقه بندر ‪ -‬الذي َ‬ ‫كان ذات ٍ‬ ‫يطلب مساعدته في هذه العملية‪ ،‬فلما جلسا في المجلس قال سعد بنبرات تفور بنار االنتقام‪:‬‬ ‫" بندر هل لك أن تساعدني في جريمة قتل ؟ "‬ ‫نظر بندر مشدوهًا ‪:‬‬ ‫" سعد !!!! قتل !!!!!!! لماذا ؟!!!! "‬ ‫" نعم قتل "‬ ‫زاد ذهول بندر وأشار بسبّابته نحو سعد ‪:‬‬

‫" سعد ‪ ....‬أنت ؟ أيُعقل ؟ "‬ ‫ً‬ ‫محاوال كظم غيظه ‪:‬‬ ‫قال سعد‬ ‫" أتريد أن تساعدني أم ال ؟؟؟ "‬ ‫" سعد أنت شخص طيب ولم ترتكب جريمة من قبل ! لماذا ف ّكرت اآلن بذلك فجأة "‬ ‫وقف سعد غاضبًا ‪:‬‬

‫" أوووه ‪ ..‬قل لي ‪ ..‬تساعدني أم ال ؟؟؟ "‬


‫قال بندر بهدوء ‪:‬‬ ‫أردت‪ ،‬واآلن أستأذنك ً‬ ‫َ‬ ‫أمر ما‬ ‫" حس ًنا حس ًنا ‪ ..‬لك ما‬ ‫قليال ‪ ،‬فأمّي تتصل بي‪ ،‬يبدو أ ّنها تريدني في ٍ‬ ‫سأذهب إليها في غرفتها ‪ ..‬لن ّ‬ ‫أتأخر !! "‬

‫بعد أن ذهب بندر‪ ،‬همهم سعد ً‬ ‫قائال وهو يتذكر موقف الدكتور‪ " :‬سيكون عزاؤك غ ًدا أيّها‬ ‫الخسيس النذل " ‪.‬‬


‫الفصل السادس‬

‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫اتصاال من ريم لك ّنه شعر بأ ّنها تأخرت ‪ ،‬فأمسك هاتفه بغضب‬ ‫وقت طويل وسعد ينتظر‬ ‫م ّر‬ ‫واتصل بها‪ ،‬فلما رأت ريم أنَّ الم ّتصل هو سعد خافت وأعطت الهاتف ألمّها وقالت بنبرة خائفة‪:‬‬ ‫" أرجوكِ يا أمّي أنا خائفة وال يمكنني أن أُجيب على سعد‪ ،‬فهو يـريد أن يفعل ش ًّرا مع الدكتور "‬ ‫قالت أمّها بهدوء وبسطت كفّها ‪:‬‬ ‫" أذكري هللا يا ريم وأعطيني الهاتف ألر ّد عليه‪ ،‬وسيكون ك ّل شي ٍء على ما يرام إنْ شاء هللا "‬

‫شعرت ريم بالطمأنينة بكلمات أمّها‪ ،‬فذكرت هللا وابتسمت ثم مدت الهاتف لها ‪ ،‬فأخذته األم‬ ‫وضغطت على الزر األخضر لتجيبه وقبل أن تتكلم صاح سعد غاضبًا ‪:‬‬ ‫ت باردة األعصاب ؟ أجلبتي لي رقمه أم ال ؟ "‬ ‫" لماذا أن ِ‬ ‫ابتسمت األم وقالت بهدوء‪:‬‬ ‫" يا بني ماذا بك غاضبٌ هكذا ؟ "‬ ‫خف‬

‫سعد من حدة صوته وضبط نفسه ثم قال‪:‬‬

‫" أمّي أرجوكِ أريد أن أُنهي موضوع هذا الدكتور سري ًعا فأنا لم أحتمل هذا ال ّتصرف الدنيئ "‬ ‫" يا بُني يا عزيزي اهدأ وأذكر ربك‪ ،‬فاألمور ال ُتح ّل بهذه الطريقة العصبية "‬ ‫" ولكن يا أمّي ‪" .....‬‬ ‫ً‬ ‫قائلة‪:‬‬ ‫قاطعته‬

‫" أدرك حقيقة مشاعرك التي تحمل الغيرة على العر‬ ‫بهذه الطريقة التي س ُتدخلنا في متاهات ضيقة مظلمة "‬

‫والشرف ولكن أرجوك ُكف عن التفكير‬


‫سكت سعد ً‬ ‫قليال وقب‬

‫يده اليمنى بقوة‪ ،‬ثم أغم‬

‫عينيه وقال‪:‬‬

‫" حس ًنا يا أمّي ‪ ..‬لن أفعل شي ًئا خطأ ً وإ ّنما فقط سأتفاهم معه بأسلوب آخر "‬ ‫ضحكت األم بوقار ثم قالت‪:‬‬

‫" يا بُني أتظ ّنني غبيّة ؟ أرجوك يا عزيزي ال تف ّكر كثيرً ا في هذا الموضوع أل ّنه انتهى "‬ ‫أطرق سعد برأسه وقال بأسى ‪:‬‬ ‫" لكِ ما تريدين يا أُمي "‬ ‫ً‬ ‫مشجعة ‪:‬‬ ‫ابتسمت األ ّم وقالت‬

‫ت لتناول الغداء ؟ "‬ ‫" أحسنت يا بُني ‪ ..‬هل ستأ ِ‬ ‫ُ‬ ‫لست جائعًا ‪ ..‬سأبقى مع صديقي حتى الليل وبعدها سآتي "‬ ‫"‬ ‫" لكن عند العصر سنزور ج ّدك‪ ،‬أال تأتي معنا ؟ "‬ ‫" رُبما سأغفو العصر حتى المغرب "‬ ‫ً‬ ‫معاتبة‪:‬‬ ‫ابتسمت أمّه والحزن يحرق قلبها على حاله ‪ ،‬ثم قالت‬

‫" يا لك من ولد عنيد وغريب األطوار ‪ ..‬حس ًنا كما يحلو لك ‪ ..‬خذ وقتك وانتبه لنفسك ‪ ..‬إلى‬ ‫اللقاء "‬ ‫" إلى اللقاء يا أمّي "‬ ‫أغلقت األ ّم الهاتف وظلت شاحبة الوجه شاردة ‪ ..‬فقالت ريم ‪:‬‬ ‫" ماذا بك يا أمّي ؟ ماذا قال لك سعد ؟ "‬ ‫ظلّت األم شاحبة ثم قالت ببرود ‪:‬‬ ‫" ال شيء "‬ ‫قالت ريم بإلحاح ‪:‬‬ ‫" أمّي وجهك قد تغيّرت مالمحه إلى الحزن‪ ،‬أقال لك شي ًئا يدعو إلى ذلك ؟ "‬


‫دمعت عيناها ومستحهما ثم قالت ‪:‬‬

‫" ريم أرجوك دعيني لوحدي ‪ ..‬فإنني أحتاج ألنْ أختلي مع أفكاري ‪ ..‬أريد أن أعيد حساباتي مع‬ ‫نفسي "‬ ‫صمتت ريم ً‬ ‫قليال ثم قالت‪:‬‬

‫" أمّي هل لي بسؤال ‪.‬؟ "‬ ‫" تفضلي "‬

‫" ألم تالحظي أنّ سعد صار يهت ّم بفاطمه؟ فمنذ متى ُتحرِّ ك مواقف فاطمه مشاعره وهو قبل ذلك‬ ‫كان إمّا أنه ال يهتم أو يعيب تربيتها وإهمالها من قبل والديها ؟ "‬ ‫نظرت األم إلى ابنتها وفكرت ً‬ ‫قليال ثم قالت‪:‬‬

‫" نعم ‪ ...‬هذا ما يشغلني اآلن "‬ ‫" ما رأيك أن نخطبها لسعد ؟ "‬ ‫ابتسمت األم‪:‬‬

‫" سعد إنسان مهمل وطائش‪ ،‬سنظلم فاطمه إن خطبناها له "‬ ‫ً‬ ‫عاقال منتظمًا‪ ،‬فكما يقولون ( زوجوه يعقل ) "‬ ‫" لكن يا أمّي إن تزوّ ج فإ ّنه سيُصبح‬ ‫ضحكت األ ّم بسخرية ‪:‬‬

‫" هذه المقولة خدعت الكثير يا ريم‪ ،‬فبع من يتزوج يزداد سوءًا ‪ ،‬وبعضهم يصبح بعد الزواج‬ ‫سي ًئا وهو قبل ذلك لم يعرف للسّوء طريق‪ ،‬فالزواج يا بُنيّتي يُقاسُ بمدى اإليمان والرضا وصالح‬ ‫الزوجين وقبولهما لبعضهما البع ومعاونة بعضهما على التقوى والخير والمحبة وصرف ال ّنظر‬ ‫عن األخطاء إنْ اقتضت الحاجة ‪ ،‬وكذلك النصح والتوجيه والعتب أمّا الزواج بعينه فهو ال يؤدي‬ ‫كان قائمًا على أسس سليمة "‬ ‫إلى صالح الفرد بل هو وسيلة لذلك إنْ َ‬


‫ً‬ ‫مقتنعة بكالم والدتها وقالت‪:‬‬ ‫أومأت ريم برأسها‬

‫" نعم صحيح يا أمّي "‬ ‫ت أباكِ من العمل جائعًا "‬ ‫" حس ًنا يا ريم قومي إلى المطبخ وأكملي إعداد الغداء قبل أن يأ ِ‬ ‫" حس ًنا يا أمّي "‬ ‫ً‬ ‫قائلة ‪:‬‬ ‫انصرفت ريم وعادت األ ّم تف ّكر بحال سعد فتمتمت‬

‫َ‬ ‫أصبحت هكذا‪ ،‬وكذلك أباك الذي أهملك منذ‬ ‫" هداك هللا يا بُني وشفى ج ّدك وغفر له ‪ ..‬فبسببه‬ ‫صِ غرك ! "‬ ‫ثم نظرت لًلعلى واردفت بنبرة رجاء وابتهال ‪:‬‬

‫" أرجوك يا إلهي اهدهم وأصلحهم واشفِ أبا حمد "‬

‫في تلك األثناء كان بندر قد عاد إلى سعد في مجلس الرّجال وسمع كل شيء دار بين سعد‬ ‫ووالدته فوجده يثور ويزمجر غاضبًا فسأله ‪:‬‬ ‫كنت تتح ّد ُ‬ ‫" َ‬ ‫ث مع أمّك ‪ ،‬أليس كذلك ؟ "‬ ‫قال سعد مستغربًا ‪:‬‬

‫َ‬ ‫عرفت ؟ "‬ ‫" كيف‬ ‫ُ‬ ‫سمعت ذلك من الباب الخلفي للمجلس "‬ ‫"‬

‫" امممم ‪ ...‬نعم كانت تحاول أن أر ِجع عن فكرتي لكن أقسم باهلل العظيم أ ّنني لن أتركه ‪ ..‬يجب أن‬ ‫يموت "‬ ‫قال بندر وهو يحاول أنْ يُه ّدئه ‪:‬‬

‫" يا صديقي تمالك نفسك واهدأ "‬

‫" كيف اهدأ يا بندر وهذا النجس يطلب من ابنة خالتي عرضها!! أتعتقدني فاق ًدا للغيرة والشرف ؟ "‬

‫" حاشاك ولكن ‪" ..‬‬


‫رفع سعد بيده راف ً‬ ‫ضا‪:‬‬

‫" أرجوك من غير لكن‪ ،‬دعني أُكمل ما بدأت به فقط ‪ ،‬لم يتبقى سوى أن أعرف من هو ثم أقتله "‬ ‫سكت بندر وبعد دقيقة من التفكير في كالم سعد قال‪:‬‬ ‫" حس ًنا ‪ ..‬قُل لي هو في أيّ جامعة يحاضر ؟ "‬ ‫" جامعة الكويت "‬ ‫حاول بندر أن يتذ ّكر ً‬ ‫أحدا يدرس هناك في الجامعة لكن قاطعه سعد ‪:‬‬ ‫" بماذا تف ّكر يا صديقي ؟ "‬ ‫" أحاول أن أتذ ّكر أح ًدا أعرفه يدرس بالجامعة "‬ ‫قال سعد ِب َعجب ‪:‬‬

‫" لِ َم ؟ "‬

‫" كيْ أسأله عن أسماء محاضري تلك المادة ! "‬ ‫ضحك بسخرية وقال ‪:‬‬ ‫" وكيف ستعرفه من بينهم ؟ فهناك محاضرين ُك ُثر لهذه الما ّدة ! "‬ ‫قال بندر وهو واثق بنفسه ‪:‬‬ ‫" دع األمر لي "‬ ‫ابتسم سعد وقال‪:‬‬

‫" يا لك من مجرم خطير ‪ ..‬إ ّنني أثق بأفكارك الذكيّة "‬ ‫استأذن سعد بعد ذلك حينما شعر بارتياح شديد‪ ،‬وعاد إلى منزله منتظرً ا إنهاء مهمته‪.‬‬

‫ذهب بندر يسأل الطلبة الذين يعرفهم في تخصص اللغة العربية عن أسماء الذين يحاضرون‬ ‫مادة العصر الجاهلي‪ ،‬وسأل عمّن يُحرِّ الطالبات على الزنا مقابل النجاح ‪ ،‬وبعد تحرّيات كثيرة‬


‫ّ‬ ‫توصّل إليه وعلى الفور اتصل بسعد الذي كان جالسًا في غرفته يف ّكر‬ ‫ويخطط‪ ،‬فلما رأى أنّ‬ ‫المتصل بندر ‪ ،‬استبشر وأجابه فورً ا‪:‬‬ ‫" هل عرفت اسمه ؟ "‬ ‫" نعم ‪ ..‬لكن تعال إلى بيتي اآلن حتى أخبرك به "‬ ‫" لكن لماذا ال تقول لي اآلن ؟ "‬ ‫قال بندر بصوت خافت ‪:‬‬ ‫" ُ‬ ‫قلت تعال وفقط "‬ ‫ت ّنهد سعد وقال‪:‬‬

‫" حس ًنا ‪ ...‬إلى اللقاء "‬ ‫انطلق إلى منزل صديقه بندر وهناك قال سعد بحماس‪:‬‬ ‫" قل لي ماذا لديك ؟ لماذا طلبت م ّني أنْ آتي إليك ؟ "‬ ‫" اصبر واهدأ يا سعد‪ ،‬أتيت بك كي أتفق معك على الخطة "‬ ‫" حس ًنا لكن أرجوك استعجل ! "‬ ‫" أنا سأراقب لك المكان وحينما أعطيك اإلشارة ادخل عليه ونفّذ جريمتك "‬ ‫قال سعد وهو يف ّكر بكالم بندر ‪:‬‬

‫" شيء جميل‪ ،‬ذلك سيجعلني أقوم بعملية القتل بكل ارتياح دون خوف "‬ ‫ثم أردف سعد بنبرة حماس أكبر‪:‬‬

‫" حس ًنا يا صديقي موافق موافق موافق ّ‬ ‫بالثالث ‪ ..‬آه نسيت ! ما هو اسمه ؟ "‬ ‫" صالح "‬ ‫" امم صالح !! اسم على غير مسمى "‬


‫أخرج بندر من صندوق كان بجانبه سالحً ا ووضعه في يد سعد‪:‬‬ ‫"هذا كاتم الصّوت‪ ،‬ستقتله ولن يسمع أحد صوت الرّصاصة"‬ ‫شعر سعد برعدة تسري في جسده ‪ ،‬قال وهو ينظر للسّالح بخوف ‪:‬‬

‫" أشعر بشي ٍء غريب يجتاح جسدي ! ألوّ ل مر ٍة أحمل سالحً ا‪ ،‬إ ّنه شعور مخيف ح ًقّا ! لكن يجب‬ ‫أنْ أُكمل ما تبقى "‬

‫بعد ذلك اتفقا على تنفيذ الخطة لقتله بسالح كاتم الصّوت وذلك في موعد صالة ّ‬ ‫الظهر حيث‬ ‫يقل تواجد الطلبة في أروقة الجامعة‪ ،‬وكذلك فإنّ الدكتور يهمل صالته في وقتها لذلك ستكون مهمة‬ ‫سعد سهلة التنفيذ‪.‬‬

‫ّ‬ ‫الخطة ‪،‬ذهبا إلى الجامعة وهناك طرق سعد الباب على الدكتور‬ ‫في اليوم التالي بدأوا بتنفيذ‬ ‫فأمره بالدخول فلما دخل سعد أغلق الباب بهدوء ثم أشهر سالحه في وجهه !! نظر الدكتور إلى‬ ‫سعد مصدومًا ثم نه من كرسيه ببطئ وهو ما زال يفكر في حقيقة ما يحصل‪ ،‬حاول أن يعرف‬ ‫سبب ذلك وقبل أن ينطق بكلمة‪ ،‬قال سعد بغضب‪:‬‬ ‫" وال كلمة أيّها القذر‪ ،‬سأثأر بحق ابنة خالتي لذا استعد للموت "‬

‫استعد إلطالق ال ّنار‪ ،‬ولكن قبل أنْ يضغط الزناد داهمت قوة من الشرطة المكتب وطلبت من‬ ‫سعد االستسالم‪ ،‬صُعق سعد! كيف علمت الشرطة بما يحصل!‬ ‫وما إنْ شاهد صديقه بندر خلف رجال الشرطة واق ًفا ينظر إليْه مبتسمًا ح ّتى أدرك‬ ‫أ ّنه هو من كان وراء ذلك‪.‬‬


‫الفصل األخير‬

‫تم تقييد سعد وأخذه إلى المخفر‪ ،‬واتصلوا على ذويه فأخبروهم بما حصل ‪ ،‬أُغشيّ على‬ ‫األم! أمّا األب فبدأ يندب حظه‪ ،‬وأخته كانت تبكي‪ ،‬أما بدر فاسترجع واستغفر ودعا ألخيه بالهداية‬ ‫والفرج‪ ،‬أمّا الج ّدة فشعرت بالحزن الشديد وذهبت لتجلس في غرفتها وحيدة‪.‬‬

‫انطلق حم د إلى المخفر وهناك أخبروه بتفاصيل الجريمة‪ ،‬ثم استأذن ليبحث عن محامين‪،‬‬ ‫وتم إدخال سعد إلى السجن‪.‬‬

‫وبعد ثالثة أيام من التحقيقات من ِق َبل المباحث أخذوه إلى النيابة العامة وأمروا بحبسه في‬ ‫السجن المركزي عشرين يومًا‪.‬‬

‫ومن ُث َّم أخذوه إلى المحكمة وكان ينظر بأسى إلى الشارع وكيف يستمتع ال ّناس بحياتهم‬ ‫وبكل حريّة‪ ،‬كان يتمتم بكلمات تعبّر عن ال ّندم والحزن‪ ،‬وتم ّنى لو أ ّنه أطاع والدته وكفى شرّه لكن‬ ‫هيهات‪.‬‬

‫هناك في المحكمة حضر أهل سعد وأصدقاؤه وبع أقربائه‪ ،‬وعر القاضي عليه األدلة‬ ‫ضده لك ّنه لم يستطع أنْ ينكر‪ ،‬بل حتى المحامي الموكل لم يستطع أيضًا كسب القضيّة بسبب األدلّة‬ ‫القويّة ضد سعد‪ ،‬لكن لدى سعد فقط أنْ يخبر القاضي بأنّ الدكتور كان قد ح ّر ابنة خالته على‬ ‫ال ّزنا مقابل مساعدته لها فحاول الدكتور اإلنكار‪ ،‬فطلب المحامي من القاضي تأجيل الجلسة إلى‬ ‫حين إحضار الدليل أو الش اهد على قول سعد فوافق القاضي الذي أنهى الجلسة حتى وقت آخر‪.‬‬

‫وبعد فترة من ال ّزمن تم عقد جلسة محاكمة أخرى جاء فيها بالشهود وهم بضع طالبات لدى‬ ‫الدكتور فشهدن ضده‪ ،‬فحكم القاضي على الدكتور بالسجن لمدة ال تتجاوز ثالث سنوات‪.‬‬

‫وبما أنّ قضيّة الدكتور مخلّة بال ّ‬ ‫على الفسق فقد تم فصله من‬ ‫شرف واألمانة وتحري‬ ‫الجامعة من قبل اإلدارة الجامعية‪ ،‬وتم الحكم على سعد بالسجن عشر سنوات بتهمة ال ّ‬ ‫شروع بالقتل‪.‬‬ ‫شعر أهل سعد ومن حضر ألجله باألسى بينما صديقه بندر ابتسم وقال في نفسه‪:‬‬

‫" كم أنت مغفّل يا سعد! أرجوك اعذرني‪ ،‬فأنت يجب أنْ تنال عقابك ‪ ،‬لع ّل ذلك يكون سببًا في‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مسئوال عن تصرفاتك "‬ ‫رجال‬ ‫أنْ يجعل منك‬


‫عنبر آخر‪.‬‬ ‫وبعدها أخذوهما إلى السجن المركزي ووضعوا سعد في عنبر والدكتور في‬ ‫ٍ‬

‫هناك ظل سعد يتقلّب بين الحسرة واأللم على ما فرّط من طيش وغدر صديقه به‪ ،‬وبعد شهر‬ ‫ٌ‬ ‫غارق في بحر اليأس إذ سمع صو ًتا هاد ًئا بجانبه‪ ،‬وكان الذي‬ ‫كان ‪ -‬قبيل منتصف الليل ‪-‬‬ ‫وبينما َ‬ ‫بجانبه مسن ًدا ظهره على الحائط يقول‪:‬‬

‫" ال تيأس ! فتقاسيم وجهك تد ّل على أ ّنك غارق في بحر اليأس ‪ ..‬بحره أسود اللون ال حياة فيه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الحق فتأكد أنَّ هللا سبحانه معك وإنْ‬ ‫مازال في الوقت متسّع‪ ،‬وإنْ‬ ‫كنت قد‬ ‫ك معك‬ ‫كنت تعتقد نفس َ‬ ‫َ‬ ‫ارتكبت جريمة ف ُتب إلى هللا واطلب منه أنْ يعفو عنك كي ترتاح من عذاب الضّمير "‬

‫نظر إليه سعد بذهول فهو ألوّ ل م ّرة في حياته يجد شخ ً‬ ‫صا ينصحه بهذه الطريقة فانشرح‬ ‫صدره لنصيحته قال‪:‬‬

‫شاب ّ‬ ‫" وما هي قضيتك أيّها ال ّ‬ ‫الط ّيب ؟ "‬ ‫نظر إلى سعد وابتسم وقال بتأمّل ورضا قلب‪:‬‬

‫حسن ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫حظه أنّ أبا المجني عليه جاء في الوقت المناسب‬ ‫وكدت أقت ُل نف ًسا ‪ ،‬لكنّ من‬ ‫غافال‬ ‫كنت‬ ‫"‬ ‫ِ‬ ‫وكان معه رجال ال ّ‬ ‫شرطة فت ّم الحكم عليّ عشرة سنوات ولم يتبقّى لي سوى القليل‪ ،‬رُبما خمسُ‬ ‫ُ‬ ‫كنت أشع ُر بالحزن مع علمي بأنّ الخالق تبارك‬ ‫سنوات! لكن الحمدهلل على كل حال‪ ،‬لما دخلت هنا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تعرفت على‬ ‫فكنت أبتسم حينما أتذ ّك ُر ذلك‪ ،‬ومع مرور الوقت‬ ‫وتعالى لم يق ّدر لي ذلك ّإال لمصلحة ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ورجعت‬ ‫فتبت‬ ‫عرفت هللا سبحانه أكثر‬ ‫فوعظني ونصحني‪ ،‬فمن ُه‪،‬‬ ‫سجين تاب إلى هللا من ذنوبه‬ ‫إليهِ‪ ،‬فكان لي هذا السّجن خير ًة عظيمة ح ًقّا "‬

‫ابتسم سعد لكالمه الذي كان مؤن ًسا له‪ ،‬شعر بأنّ هنا شخ ً‬ ‫صا يشعر بمعاناته‪ ،‬ثم نظر أمامه‬ ‫بشحوب واستغرق في التفكير‪ ،‬ثم قال وهو يح ّدث نفسه‪:‬‬

‫" يا إلهي ما هذه الثقة العظيمة بالخالق ع ّز وج ّل والرضا بالقدر التي يمتلكهما هذا الشخص‬ ‫ّ‬ ‫الطيّب !! إ ّنني أجد نورً ا يتوه ُج كال ّ‬ ‫ُ‬ ‫كنت مثلك يا ‪ ...‬آه لم أسأل ُه عن‬ ‫مس يضيئ وجهه‪ ،‬آه ياليتني‬ ‫ش ِ‬ ‫اسمه "‬


‫ثم نظر إليه وقال‪:‬‬ ‫" بالمناسبة ما هو إسمك ؟ "‬ ‫نظر إلى سعد مبتسمًا وقال‪:‬‬ ‫" اسمي عثمان ‪ ،‬وأنت؟ "‬ ‫" تشرفت بمعرفتك يا عثمان كثيرً ا ‪ ..‬اسمي سعد "‬ ‫" وأنا أكثر يا سعد "‬ ‫ساد الصمت ً‬ ‫قليال ثم قال عثمان‪:‬‬

‫ً‬ ‫نصيحة يا سعد‪ ،‬عليك بقيام الليل واالستغفار والدعاء واجعلهم من أساسيات‬ ‫" سأُسدي إليْك‬ ‫حياتك‪ ،‬فبدونهم ستكون الحياة صعبة ج ًّدا عليك ‪ ،‬فنحن البشر طاقاتنا المحدودة ربما في يوم ما‬ ‫تكون عائ ًقا عن التقدم بسبب الظروف‪ ،‬لكن لو تسلّحنا بما ذكرت لك فإ ّنها بإذن المولى ستكسر كل‬ ‫الحواجز والعوائق وبال ّتالي لنْ تف ّكر أب ًدا في أنّ الحياة صعبة ومملة وإ ّنما ستجد المتعة والسعادة‬ ‫والقوة "‬ ‫ارتسمت على وجه سعد عالمات اإلعجاب بتلك الكلمات ‪ ،‬بل بتلك ال ّدرر المتًلألة بالفوائد‬ ‫" كال ٌم رائع يا عثمان ‪ ..‬أرجوك أكمل إن كان يوجد من الحديث بقيّة "‬

‫وأخبر سعد أنّ هناك شاب يريد أنْ يراه فاعتقده صديقه‬ ‫وقبل أنْ يُكمل حديثه جاء شرطيّ‬ ‫َ‬ ‫عادل أو محمّد ذهب سعد وكانت المفاجأة أنّ ذلك ال ّ‬ ‫شاب هو بندر! فنظر سعد إليه ‪ -‬من خلف‬ ‫القضبان الحديديّة ‪ -‬نظرات تحمل الغضب وقال‪:‬‬ ‫" ً‬ ‫أهال بالخائن ‪ ...‬ماذا تريد م ّني ؟ "‬ ‫ابتسم بندر ساخرً ا‪:‬‬ ‫" خائن؟ بل يجب أنْ تشكرني على هذا المعروف يا صديقي "‬


‫رفع سعد حاجبًا وأرخى حاجبًا وف ّكر بكلماته الغريبة ثم قال‪:‬‬

‫" أتسخر م ّني؟ حكم علي بالسجن بسببك ! وبكى والداي بسببك أيضًا وأُغشي على أمّي بسببك‪،‬‬ ‫وجدتي لم تنم الليل بسببك ! وتقول لي بأ ّنه معروف ؟ أرجوك ال وقت لديّ أضيعه مع تاف ٍه مثلك "‬ ‫فصاح بندر ً‬ ‫قائال بنبرة جا ّدة‪:‬‬

‫" ولماذا تنظر إلى األمور على ظاهرها ؟ أال تعتقد أنّ السجن سيخلّصك من تهورك ؟ إ ّنني‬ ‫ك در ًسا كي تتجنب الطيش "‬ ‫أردت أنْ أعلّم َ‬ ‫سكت سعد ً‬ ‫قليال ثم قال‪:‬‬ ‫" ولماذا لم تنصحني بأن أ ُكفّ عن تهوري ًإذا حينما ك ّنا في بيتك؟ "‬ ‫ابتسم بندر وقال‪:‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫أنجبتك فكيف بي أنا‬ ‫فأنت رفضت طلب من‬ ‫كنت يا سعد في وضع ال يقبل أب ًدا بالنصيحة!‬ ‫" لقد‬ ‫َ‬ ‫صاحب السّوابق ؟ "‬ ‫أخذ بندر نفسًا عمي ًقا ثم زفر وأردف ‪:‬‬ ‫" أعتقد أنّ الزيارة ستنتهي خالل دقائق لذلك يا سعد قبل أنْ أخرج أريد أن أوضّح لك الحقيقة‬

‫وهي أنّ ذلك السّالح كان فار ًغا ّ‬ ‫لئال ترتكب جريمة فتدمّر سمعة أهلك وتضيّع كل شيء بسبب‬ ‫ً‬ ‫محشوا بالرّ صاص وقتلته ربما تم‬ ‫طيشك‪ ،‬ال أريد الضرر لك ‪..‬صدقني ‪ ..‬أل ّنني لو أعطيتك سالحً ا‬ ‫الحكم عليك باإلعدام ‪ ،‬أو قتلك أبناء الدكتور أو أقرباؤه أو أصدقاؤه عندما تخر ُج ‪ -‬إنْ لم يتم‬ ‫ك‪ ،‬وبإذن هللا س َتخ ُر ُج‬ ‫إعدامك ‪ -‬لذلك أرجوك تفهّم الموقف! سأوصي عليك صديقي الضّابط ليهت ّم ب َ‬ ‫شخصًا آخر ‪ ...‬واآلن استأذنك يا صديقي العزيز ‪ ...‬في أمان الرّحمن "‬

‫ّ‬ ‫النظر باتجاه بندر الذي مضى خارجً ا أنّ مافعله به صديقه كان‬ ‫أدرك سعد الذي كان يح ّد‬ ‫كدرس له على تهوّ ره وأنّ السّجن سيخلصه من قوى الش ّر التي تم ّكنت منه ثم رجع إلى الزنزانة‬ ‫واستلقى على فراشه واض ًعا قدمه اليمنى فوق اليسرى وكفّيه خلف رأسه وراح يسبح في تفكيره‬ ‫فيما فعل وبعد ذلك بدأت مرحلة محاسبة ال ّنفس والندم والتوبة‪.‬‬


‫وبعد مرور أق ّل من شهر‪ ،‬زاره صديقه محمد وبعد السالم والكالم همس سعد له ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫" محمّد أرجوك أس ِد لي خدمة ! "‬ ‫" تفضّل "‬

‫ُ‬ ‫لست متأ ّك ًدا لك ّنها‬ ‫ك بأ ّنه مخبر لدى الشرطة !‬ ‫ك أن تتحرى عن بندر ‪ ..‬فأنا أش ُّ‬ ‫" أرجوك أريد من َ‬ ‫شكوك "‬ ‫" حس ًنا ‪ ..‬سأتحرّى األمر وبإذن هللا خالل ثالثة أيّام سآتيك بالخبر األكيد "‬

‫ً‬ ‫وفعال بعد أسبوع جاءه الخبر األكيد بأنّ بندر يعمل مخبرً ا لدى الشرطة فه ّز سعد رأسه‬ ‫مف ّكرً ا وقال ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫توقعت ذلك ! شكرً ا يا صديقي العزيز "‬ ‫" هممم‬ ‫" ولو! حس ًنا استأذنك اآلن فلديّ أعما ٌل كثيرة "‬ ‫" حس ًنا وأبلغ سالمي إلى جميع األصدقاء "‬ ‫" إن شاءهللا سأوصل لهم سالمك ‪ ..‬إلى اللقاء "‬ ‫" إلى اللقاء "‬

‫بعد ثال ث سنوات من تلك الحادثة كان حمد وابنته ريم عند الجد في المستشفى جالسان‪ ،‬فريم‬ ‫ترتل القرآن بصوت عذب عند رأس ج ّدها‪ ،‬واألب حمد يدعو ألبيه ‪ -‬الج ّد ‪ -‬بأنْ يشفيه هللا سبحانه‬ ‫من هذا المر ‪ ،‬وبعد لحظات حرّك الج ّد يده اليمنى حركات بطيئة وبدأ يتمتم ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫" مـ‪...‬ـشـ‪...‬ــعــ‪...‬ـل "‬ ‫من حمد وابنته ريم فصاحت ريم فرحً ا ‪:‬‬ ‫استبشر ك ٌّل َ‬ ‫" ياااي ج ّدي! لقد استفاق يا أبي ‪ ..‬الحمدهلل "‬


‫ابتسم حمد ومسح جبين أبيه وأسرع للطبيب المختص وأتى به ‪ ،‬كان وجه الطبيب تتبين عليه‬ ‫مالمح الصدمة من هول ما سمع‪.‬‬

‫بدأ بفحصه فصعق بأنّ الج ّد بدأ يستر ّد وعيه من جديد بل سيستعيد صحته قريبًا فطرح‬ ‫ً‬ ‫سؤاال لطالما تم ّنى أن يعرف تفسيره‪:‬‬ ‫" كيف حصل ذلك ؟؟ "‬ ‫قال حمد واث ًقا وأشار بإصبعه نحو السّماء‪:‬‬

‫" إ ّنها قدرة الخالق ع ّز وجلّ‪ ،‬فهو من وضع هذا المر في أبي وهو أيضًا من يمكنه رفع‬ ‫منه لذلك كان اعتمادنا عليه كبي ٌر ج ًّدا‪ ،‬أحس ّنا الظن به وصبرنا وتفائلنا ثم كانت هذه‬ ‫المر‬ ‫النتيجة التي رأيتها بنفسك‪ ،‬وكذلك الصدقة التي لها أثر عظيم في الشفاء مصدا ًقا لقوله صلى هللا‬ ‫عليه وسلم ( داووا مرضاكم بالصدقة ) "‬ ‫نزع الطبيب نظارته ومسح عرق جبينه وقال ‪:‬‬

‫" أحيا ًنا من هول الصدمة قد ال نستوعب الحقائق لكننا يجب أنْ نص ّدقها لطالما هي واضحة جليّة‬ ‫ً‬ ‫أوال‬ ‫أمامنا باألدلّة ‪...‬فهذا هو ما حصل ‪ ،‬سبحانك يا هللا‪ ،‬ليتنا نحن األطبّاء جميعً ا نخبر المري‬ ‫بأنْ يلجأ إلى خالقه ويعتمد عليه ويُحسنُ الظنّ به‪ ،‬ثم نبذل نحن األسباب فقط‪ ،‬وأنْ نبتعد عن المقولة‬ ‫الخاطئة التي تقول بأ ّنك يا أيّها المري ستموت خالل كذا وكذا وكأ ّننا نحن من يح ّدد وقت وفاته "‬ ‫شعر الطبيب بعد كلماته برعشة في جسده وأردف بصوت خاشع‪:‬‬ ‫" يا إلهي ما أعظمك ! "‬

‫بعد ذلك طلب منهم االستمرار في هذا العالج الفعّال مع استخدام ال ّدواء‪ ،‬فاستمرّا على‬ ‫ال ّدعاء والقرآءة بضعة أي ٍّام ح ّتى استفاق ج ّي ًدا من غيبوبته ‪ ،‬فرح جميع من كان في زيارته فرحً ا‬ ‫شدي ًدا ونقلوه إلى غرفة المالحظة ثم إلى الجناح وتأكد األطبّاء من أ ّنه سليم فخرج من المستشفى‬ ‫وأخذه ابنه حمد إلى البيت فاستقبلوه بحرارة وسعادة وأخفوا عنه خبر سعد‪.‬‬

‫دخل الج ّد وسأل عن سعد فقالوا له بأ ّنه قد سافر ألجل عمل ما في الخارج فلم يصدقهم بسبب‬ ‫شكوكه في حزن أم سعد حينما طرح السؤال‪.‬‬


‫مرّت األيّام واألسابيع ولم يسمع صوت سعد‪ ،‬وكلّما طلب منهم اال ّتصال به يب ّررون رفضهم‬ ‫بأعذار واهية‪ ،‬ف ّ‬ ‫كذبهم وطلب منهم قول الحقيقة ‪ ،‬لك ّنهم حاولوا إقناعه بأ ّنه مسافر وأغلب وقته‬ ‫مشغول ولم يص ّدق أيضً ا‪.‬‬

‫في صباح اليوم ال ّتالي كان حمد وزوجته وريم وبدر والجدة يجلسون على المائدة ينتظرون‬ ‫الج ّد فقالت ريم‪:‬‬ ‫" أبي أريد أنْ أذهب معكم لزيارة سعد اليوم "‬

‫قالت تلك الكلمات في وقت كان الج ّد قد نزل من غرفته وقريبًا منهم‪ ،‬فسمعها وقال وهو‬ ‫يح ّدق ال ّنظر إليهم مصدومًا‪:‬‬

‫" زيارة سعد ؟ ألم تقولوا لي بأ ّنه مسافر؟ لماذا كذبتم عليّ ؟ وأنت أيّها االبن الكبير‪ ،‬أال تخجل‬ ‫من نفسك بكذبك على أبيك ؟ هل هو في المشفى أم في مكان آخر؟ قُل الحقيقة !! "‬

‫أطرق الجميع رؤوسهم ولم ينطقوا بكلمة ‪ ..‬تقدم الج ّد خطوات بطيئة مستعي ًنا بعصاه ح ّتى‬ ‫وصل عند المائدة وقال البنه حمد‪:‬‬ ‫" هيّا قُم اآلن وخذني إلى سعد‪ ،‬أُريد أراه أينما كان ! "‬ ‫قال حمد بصوت خفي‬

‫‪:‬‬

‫" حاضر يا أبي "‬

‫قبل أنْ يقوم حمد نظر إلى ريم وكأ ّنه يتوعدها بالعقاب إنْ حصل للج ّد أيّ مكروه ‪ ،‬فخفضت‬ ‫رأسها سريعًا من الخوف‪.‬‬

‫انطلق حمد بالسّيارة إلى السّجن المركزي فه ّز الج ّد رأسه حينما دخلوا عبر بوابة السجن‬ ‫الخارجيّة وقال ‪:‬‬

‫ُ‬ ‫توقعت ذلك "‬ ‫" أممم السّجن !!‬


‫دخال إلى السّجن وطلبا زيارة سعد‪ ،‬وبعد اإلجرءات الم ّتبعة سمحا لهما بالدخول وانتظرا‬ ‫سعد في قاعة الزيارة حالما يأتي إليهما‪ ،‬فلما أتى ورأى ج َّده تغيّرت مالمحه فاستبشر وابتسم ثم‬ ‫سقطت دمعة من عينه فرحً ا وصاح ‪:‬‬ ‫ك معافى "‬ ‫" جــــ ّدي ‪ ..‬كم أنا سعي ٌد برؤيت َ‬

‫تبادال الحديث واألشواق ح ّتى اطمأنّ الج ّد عليه‪ ،‬ولم يسأله عن قضيته من لهفة الحنين وإ ّنما‬ ‫اكتفى بمعرفة أخباره‪ ،‬وقبل أنْ يستأذن الج ّد طلب سعد منه بأنْ يعفو عنه عما حصل وأ ّنه سيخرج‬ ‫سعد آخر‪.‬‬

‫انتهت ال ّزيارة وعادا إلى المنزل‪ ،‬وهناك في المجلس طلب الج ّد من ابنه حمد أنْ يحكي له ما‬ ‫حصل فحكى له ك ّل شيء ‪ ..‬تفهّم الج ّد شعور سعد ثم تذ ّكر أنّ لديه ً‬ ‫ماال كثيرً ا في صندوق متوسط‬ ‫الحجم في دوالب مالبسه‪ ،‬فقام وذهب إلى غرفته وفتح الصندوق فوجد مبلغ (خمسة آالف دينار)‪،‬‬ ‫فهمس لنفسه ‪:‬‬ ‫" آمل أنْ يكون هذا المبلغ كافيًا الرضاء المجني عليه ليتنازل عن القضية ! "‬

‫وفي صباح اليوم ال ّتالي طلب الج ّد من ابنه حمد أنْ يأخذه بأيّة وسيلة لبيت الدكتور تع ّجب‬ ‫االبن من هذا األمر ‪ ،‬لكنّ الج ّد أمره أنْ يسرع ً‬ ‫حاال وبال تأخير‪.‬‬

‫اتصل حمد بصديق له يعرف دكتورً ا يحاضر في الجامعه ليجلب له عنوان منزل الدكتو‬ ‫عندما أعطاه شكره ثم أخذ أباه ‪ -‬الج ّد ‪ -‬إليه منزله‪.‬‬

‫ولما وصال طرق حمد الباب فخرج ابن الدكتور‪ ،‬وطلب حمد منه أن ينادي أباه‪ ،‬فاسستجاب‬ ‫االبن وطلب منهما االنتظار ريثما يخبره بشأن ذلك‪.‬‬

‫بعد دقيقة خرج االبن وطلب منهما الدخول إلى الطابق السفلي حيث مجلس الرّ جال‪ ،‬فلما نزال‬ ‫ودخال المجلس وجدا الدكتور يقرأ القرآن فلما رآهما وضع المصحف في مكانه ثم وقف ور ّحب‬ ‫بهما ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫" ً‬ ‫أهال بكما ‪ ..‬تفضّال بالجلوس "‬


‫م ّد الدكتور يده على الهاتف ليطلب من الخادم أن يجلب لهما كوبان من القهوة لكنّ الج ّد أومأ‬ ‫رافضًا‪ ،‬وشكره على حسن الضّيافه‪ ،‬ثم ع ّرفه عن نفسه وأخبره بأ ّنه ج ّد سعد وأ ّنه أتى ألجل‬ ‫التنازل مقابل مايريد من المال‪ ،‬فم ّد الج ّد يده للدكتور ليعطيه المبلغ ‪ ،‬لكنّ الدكتور ابتسم ور ّد يده ثم‬ ‫قال ‪:‬‬

‫" أتدري يا أبا حمد أنّ حفيدك سعد كان سببًا في تغيير حياتي لًلفضل ؟ لقد أعطاني درسًا لنْ‬ ‫لكنت اآلن تحت األر أ ُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫أنساه! وكان تحذيرً ا بالنسبة لي‪ ،‬ولو ُّ‬ ‫عذب ! لكن‬ ‫مت قبل ذلك الوقت‬ ‫بسبب حفيدك عدِلت عن أمور كثيرة في حياتي فإ ّنني أشكر هللا سبحانه ثم أشكره على ما فعله ‪،‬‬ ‫رغم أنّ في ظاهر ما حصل ش ّر لكنّ في باطن ذلك خيرٌ عظيم‪ ،‬صحيح أنني فرحت عندما حكم‬ ‫القاضي عليه بالسّجن وحزنت في نفس الوقت بطردي من الجامعة وسجني لك ّنني بعد ذلك حينما‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫فرطت ثم عقدت العزم على التوبة‬ ‫بدأت أف ّك ُر في حالي وما‬ ‫انتهت فترة الحكم ورجعت إلى منزلي‬ ‫والتغيير لًلفضل‪ ،‬لذلك فله عليّ فضل كبير جزاه هللا كل خير "‬ ‫سكت ً‬ ‫قليال ثم أخذ نفسً ا عمي ًقا وأردف ‪:‬‬

‫" لكن يا أيّها الرّجل المو ّقر ألجل أ ّنك أتيتني هنا في منزلي وطلبت م ّني ذلك فسأتنازل عنه‬ ‫ٌ‬ ‫كفيلة في تغييره لًلفضل "‬ ‫مقابل ال شيء ‪ ...‬أعتقد أنّ تلك السنوات التي قضاها خلف القضبان‬ ‫استبشر الج ّد وابنه حمد بذلك وشكرا الدكتور شكرً ا حارً ا ‪..‬‬

‫تنازل الدكتور وقام القاضي بإسقاط حق المجني عليه وبقي الحق العام الذي جعل مدة بقائه‬ ‫في السجن لمدة سنة‪.‬‬ ‫بعد ذلك انقضت تلك المدة وتم إخراج سعد وو ّدع صديقه الجديد‪ ،‬فقال عثمان مبتسمًا‪:‬‬

‫أحسن الظنّ وصبر وتفاءل وعمل ‪ -‬قدر استطاعته ‪ -‬نال جزاءه ؟‬ ‫" ألم أقُل لك يا سعد أنّ من‬ ‫َ‬ ‫سنلتقي خارج السّجن قريبًا بإذن هللا "‬ ‫قال سعد واالبتسامة تشرق في وجهه‪:‬‬ ‫" لن أنسى معروفك‪ ،‬وسأنتظرك على أح ّر من الجمر ‪ ...‬في أمان هللا "‬


‫خرج سعد من السّجن وكان ينتظره جده وأباه‪ ،‬فانطلق نحو الج ّد واحتضنه بشوق وبكى سعد‬ ‫طالبًا إ ًّياهُ الصفح والعفو ثم احتضن أباه وقبّله وانطلقوا إلى المنزل‪.‬‬

‫هناك كان دخول سعد للمنزل مفاجأة جميله ألمه وج ّدته وأخته واخاه بدرً ا ‪ ،‬فهم كانوا على‬ ‫علم بخروجه لكنهم لم يعلموا في أيّ ساعة سيخرج ‪ ،‬سعِدوا كثيرً ا واحتضنوه وقبّلوه وبكت األ ّم‬ ‫فرحً ا وكذلك الج ّدة‪.‬‬

‫بعد أيّام أمر الج ّد أنْ يخطبوا له فاطمه ابنة خالته ‪ ،‬فوافقوا وتمّت خطبتها أل ّنها شعرت بأ ّنه‬ ‫ً‬ ‫فعال تغيّر‪.‬‬

‫بعد سنة انقضت فترة حكم عثمان وخرج من السجن‪ ،‬علم سعد بذلك فانطلق لعنوان منزله‬ ‫الذي أعطاه إيّاه عندما كانا في السّجن‪.‬‬

‫طرق الباب وخرج عثمان مبتسمًا مُرحِّ بًا به وتعانقا‪ ،‬ثم طلب منه أنْ يحضر حفل زفافه بعد‬ ‫شهرين فوافق ‪.‬‬

‫في يوم زواج سعد حضر لفيف من األهل واألصدقاء ‪ ..‬وكان من بين الحضور‪ :‬بندر‪،‬‬ ‫ورائد‪ ،‬وعادل‪ ،‬ومُحمّد‪ ،‬وهمس رائد في أذن سعد‪:‬‬

‫" حدسي صدق فيك ‪ ..‬فقد كنت أتوقع أ ّنك ستدعوني لزواجك من تلك الفتاة التي كنت ترفضها‬ ‫حينما كنا على شاطئ األبراج "‬

‫ضحك سعد وقال ‪:‬‬

‫" هي أيّام طيش يا رائد‪ ،‬واآلن استمتع بوقتك "‬

‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وفرحة بخروجه من‬ ‫فرحة بتوبة سعد ‪..‬‬ ‫|‪ ..‬كانت المُناسبة ليست مجرّد فرحة ‪ ..‬بل أفراح ‪..‬‬ ‫السّجن ‪ ..‬وفرحة زواجه ‪|..‬‬

‫( تمّت )‬


‫وختامًا‪:‬‬ ‫] لك ّل عقل مبدع لحظات تألّق ‪..‬‬ ‫وك ّل عثرة ال تتذمّر بها فهي تعلّمك ألنْ ُتخطئ أقل ‪..‬‬ ‫وعندما تشعر باألسى اعتبر ذلك نعمة‬ ‫ألنّ هناك ما بعد الكارثة ‪:‬‬ ‫" ورو ٌد تنبت من بين الرّما ِد " [‬ ‫كين هيوجز‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.