رحلة العملية المشورية

Page 1

‫رحلة العملية امل�شورية‬

‫درا�سة متقدمة يف امل�شورة‬ ‫(امل�ستوى الثاين)‬

‫�إعداد‬ ‫�سوزي لطفي‬ ‫ماج�ستري امل�شورة النف�سية‬ ‫مديرة ق�سم امل�شورة مب�ؤ�س�سة احلياة‬

‫مراجعة وتقدمي‬ ‫م�شري �سمري‬ ‫مدير وم�ؤ�س�س خدمة امل�شورة‬ ‫والن�ضج امل�سيحي‬


‫هــــــــــام‬ ‫غري م�سموح با�ستخدام هذه املادة‪� ،‬أو تعليمها‪� ،‬أو طبعها مرة �أخرى دون‬ ‫الرجوع للكاتبة ومل�ؤ�س�سة احلياة للتعايف‪.‬‬


‫قائمة املحتويات‬ ‫تقدمي ‪5 .....................................................‬‬ ‫�شكر واجب ‪6 ................................................‬‬ ‫متهيد ‪7 ......................................................‬‬ ‫العالقة امل�شورية ‪11 .............................................‬‬ ‫كيف ميكنني عمل عالقة م�ساعدة؟‪14 ..............................‬‬ ‫بع�ض النظريات الأ�سا�سية فيما يتعلق بامل�ساعدة وبناء عالقة امل�ساعدة ‪19 ....‬‬ ‫ما الذي يحتاج �إليه ال�شخ�ص لي�صبح م�شرياً؟ ‪26 .......................‬‬ ‫التفكري النقدي ‪32 ..............................................‬‬ ‫ت�أ�سي�س العالقة العالجية ‪40 .......................................‬‬ ‫التعاطف �أو التقم�ص الوجداين �أو املواجدة ‪46 ........................‬‬ ‫التفريغ �أو التنفي�س ‪52 ............................................‬‬ ‫التمييز بني الأفكار وامل�شاعر ‪58 ....................................‬‬ ‫فهم العامل الداخلي للم�ست�شري ‪62 ...................................‬‬ ‫التف�سري ‪71 ....................................................‬‬ ‫حالة الآن�سة ميم ‪78 .............................................‬‬ ‫بع�ض املحاذير ‪85 ...............................................‬‬ ‫ملحق ‪ :1‬تدريبات عملية ‪89 ......................................‬‬ ‫ملحق ‪ :2‬ممار�سة احلب ‪93 ........................................‬‬ ‫ملحق ‪ :3‬مهارة التفكري الناقد ‪98 ...................................‬‬ ‫املراجع ‪107 ...................................................‬‬



‫تقدمي‬ ‫حني ا�ستمعت �إىل �سوزي لطفي لأول مرة‪ ،‬تقدم مادة بحثية‪ ،‬منذ �أكرث‬ ‫من ع�رش �سنوات‪� ،‬أدركت على الفور موهبتها كمعلمة تتمتع مبلكات البحث‬ ‫والنقد والتحليل‪ .‬ومن خالل �إ�رشايف عليها كم�شرية مبكتبنا يف �شربا‪ ،‬كانت‬ ‫يل الفر�صة املنتظمة خالل ال�سنوات الع�رش املا�ضية ملتابعة ومعا�رصة منو و�صقل‬ ‫هذه املوهبة لديها‪� .‬إنني �أكاد �أ�صدق على �أنها كمعلمة متلك قدرة‪ ،‬رمبا ال‬ ‫�أمتتع �أنا بها‪ ،‬ملخاطبة وتعليم القاعدة العري�ضة من هذا ال�شعب امل�رصي‪،‬‬ ‫وبالأخ�ص ال�شباب منهم‪ .‬ولذا ي�رسين �أن �أقدمها‪ ،‬بثقة لهذا امل�ضمار؛ "التوعية‬ ‫امل�شورية"‪� ،‬سعيداً ب�أن ت�ضع مل�ستها املتميزة‪ ،‬وبالأخ�ص كمعلمة "�أنثى" يف‬ ‫جمتمع �أبوي ذكوري يفتقر �إىل مثل هذا ال�صوت وهذه النربة الفريدة‪.‬‬ ‫�أما عن هذه املادة التي �أقدم لها الآن‪ ،‬ف�أقول �إنه قد ت�صدى لها البع�ض عن غري‬ ‫كفاءة ‪ -‬بعد �أن �أدخلها �أ�ستاذنا "د‪� .‬سامي فوزي" �إىل م�رص منذ �أكرث من خم�سة‬ ‫دافع �صحيح‪� ،‬إن جاز يل مثل هذا القول‪.‬‬ ‫ع�رش عام ًا‪ -‬بل ورمبا �أي�ض ًا عن غري ٍ‬ ‫ولكني الآن‪� ،‬أ�رس ب�أن �أرى �صوت ًا �أمين ًا‪ ،‬ي�سعى ولو بطريقة جتريبية و�إمنا �شاملة‬ ‫للت�صدي �إىل مثل هذه املادة امل�شورية املتخ�ص�صة‪ ،‬وي�سعى جدي ًا لإخ�ضاع نف�سه‬ ‫�صالح‪ .‬ولذا لن‬ ‫لها مع العمل على تطوير ما ميلكه منها بالفعل‪� ،‬ش�أن كل ٍ‬ ‫معلم ٍ‬ ‫�أنده�ش �أبداً �إن ر�أيت‪ ،‬بعد عقد �آخر من الزمان‪ ،‬هذه املادة تت�صدر املكتبة العربية‬ ‫مبا مل يقدمه الآخرون يف جمتمعنا العربي‪ ،‬يف هذا املجال‪.‬‬ ‫م�شري �سمري‬

‫م�ؤ�س�س ومدير‬ ‫"خدمة امل�شورة والن�ضج امل�سيحي"‬ ‫القاهرة‪� ،‬سبتمرب ‪2012‬‬ ‫‪5‬‬


‫�شكر واجب‬ ‫�أت�رشف ب�أن �أقدم لكم رحلة العالقة امل�شورية كمحاولة لتقدمي النموذج العلمي‬ ‫والعملي ملا يحتاج �إليه ال�شخ�ص الذي يقوم بامل�شورة ب�شكل حريف متخ�ص�ص‪.‬‬ ‫و�أدين بالف�ضل �إىل �أُ�ستاذي الدكتور �سامي فوزي الذي تعلمت على يديه ماهية‬ ‫العملية امل�شورية والعالج املعريف ال�سلوكي منذ ما يقرب من خم�سة ع�رش عام ًا‪،‬‬ ‫وا�ضع ًا �أمامنا هذا النموذج العلمي املتزن والبعيد عن �أي تكهنات �أو افرتا�ضات‬ ‫غري منطقية‪ ،‬م�ستنداً �إىل �أمهات الكتب وكبار امل�شوريني والعالجيني املعتدلني‬ ‫واملعرتف بف�ضلهم يف العامل �أجمع‪.‬‬ ‫كما �أدين بال�شكر �إىل �أ�ستاذي م�شري �سمري م�ؤ�س�س ومدير خدمة امل�شورة والن�ضج‬ ‫امل�سيحي‪ ،‬الذي علمني بكل �أمانة كيف ميكنني عملي ًا �أن �أقيم عملية م�شورية عالجية‬ ‫علي باجلهد والوقت والإ�رشاف العملي على �أغلب امل�شكالت‬ ‫ناجحة‪ ،‬ومل يبخل ّ‬ ‫التي �صادفتها يف غرفة امل�شورة‪ ،‬ملدة تزيد على ع�رش �سنوات‪.‬‬ ‫كما �أتقدم بال�شكر �إىل الدكتور �أو�سم و�صفي لإتاحة الفر�صة يل للعمل يف‬ ‫م�ؤ�س�سة احلياة كم�شرية متخ�ص�صة‪،‬فلوال هذه الفر�صة ما كنت متتعت بهذه اخلربة‬ ‫الفريدة للتطبيق العملي‪ ،‬فقد قابلت فيها العديد من امل�ست�شريين وامل�ست�شريات‬ ‫والذين �أدين لهم بالكثري‪ ،‬فقد كانوا املدر�سة الكربى التي ر�أيت وطبقت فيها كل‬ ‫ما تعلمته من �أ�ساتذتي‪.‬‬ ‫�أكاد �أقول �إنه لوال هذه امل�ساعدة الأمينة من �أ�ساتذتي ملا متكنت من فهم وممار�سة‬ ‫هذا العمل بهذه احلرفية‪ ،‬ويف تقدميي هذا �أمنح هذا املجهود �إىل كل �شخ�ص‬ ‫ي�سعى ب�أمانة للتعلم والكت�ساب مهارات امل�ساعدة لكي ُيعِني وي�ساعد الآخرين على‬ ‫التكيف مع �صعوبات احلياة‪.‬‬ ‫كما �أ�شكر ك ًال من العزيزتني �إميان �صالح ووفاء جميل على مراجعتهما الإمالئية‬ ‫لهذه املادة‪.‬‬

‫�سوزي لطفي‬ ‫�أيلول (�سبتمرب) ‪2012‬‬

‫‪6‬‬


‫متهيد‬ ‫مل �أكن �أتخيل �أنه �سي�أتي اليوم الذي �سيخرج هذا البحث �إىل النور‪ ،‬فلم‬ ‫يكن هديف الأول الكتابة بل التعلم مل�ساعدة الآخر‪ .‬فقد بد�أت رحلة البحث‬ ‫منذ ما يزيد على ع�رش �سنوات‪ ،‬يف املراجع وامل�صادر التي ميكن �أن �أجد فيها‬ ‫ما تعلمته على يد �أ�ساتذتي ب�شكل �شفوي وعملي‪.‬‬ ‫فقد مار�ست عمل عالقات عالجية ناجحة مع الكثريين من العمالء‪ ،‬ميكنها‬ ‫�أن ت�ساعدهم على تغريات عظيمة يف �شخ�صياتهم وحياتهم دون حتى �أن �أعرف‬ ‫ما هي الأ�سماء العلمية ملا يحدث يف غرفة امل�شورة‪.‬‬ ‫وعندما اكت�شفت �أنه ال ميكنني الو�صول �إال مل�ساعدة �أعداد حمدودة فقط‬ ‫و�أن االحتياج للم�ساعدة امل�شورية كبري وعظيم‪ ،‬بد�أت يف مرحلة �أن �أودع ما‬ ‫تعلمته لآخرين حتى ميكنهم امل�ساعدة والو�صول �إىل دوائر �أو�سع من امل�ساعدة‪.‬‬ ‫فما كان من بد �أن �أجمع ما �أعرف عنه وال �أجد له م�صدراً يف اللغة العربية‪،‬‬ ‫و�شيئ ًا ف�شيء جمعت هذه املعلومات من امل�صادر التي ميكنني �أن �أثق فيها‪،‬‬ ‫وا�ضعة يف ح�ساباتي �أنه بدون رحلة التعايف وامل�صاحلة مع النف�س وتعلم مهارات‬ ‫امل�ساعدة ب�شكل عملي لن ميكننا تقدمي م�ساعدة �أمينة للآخرين‪.‬‬ ‫العملية امل�شورية �أحد �أهم التقنيات التي بدونها ال ن�ستطيع ترجمة ما نتعلمه‬ ‫من علم النف�س �إىل واقع تطبيقي‪ ،‬ف�ستظل النظريات النف�سية واملدار�س املختلفة‬ ‫عبارة عن علم ميلأ الكتب دون تطبيقات عملية وملمو�سة مدعمة بدرا�سة‬ ‫احلاالت‪ ،‬حتى ن�ستطيع �أن نرى الأبعاد املختلفة لعالقة حية معا�شة مع �شخ�ص‬ ‫�آخر يطلب الن�ضج والتعايف‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫لذلك مل �أجد من الكتب العربية ما ميكنه تقدمي الكيفية التي بها �ست�سري العملية‬ ‫امل�شورية يف خطوات مرتبة وحمددة‪ .‬فقد جمعت من املراجع و�أمهات الكتب‬ ‫ما ميكن �أن يو�ضح جوانب هذه العالقة ب�شكل متكامل حلد ما‪ .‬كما جنمع‬ ‫قطع الباذل لتكوين �صورة بها العديد من التفا�صيل‪ .‬حتى �أن التطبيقات العملية‬ ‫التي وجدتها كانت على حاالت من ثقافات �أخرى وبالتايل اختالف الثقافة‬ ‫حتى مع االتفاق يف امل�شكالت واالعرا�ض حتما �سي�ؤدي �إىل اختالف التعامل‬ ‫معها‪ .‬لذا وجدت �أنه من اجليد اال�ستعانة ببع�ض من درا�سة احلاالت التي قابلتها‬ ‫يف غرفة امل�شورة‪ ،‬وقد ق َ​َط ْع ُت �شوط ًا ال ب�أ�س به يف العالج‪ ،‬وال يفوتني ذكر‬ ‫�أن كل تاريخ احلاالت املذكورة هي لأ�شخا�ص واقعيني يعي�شون بيننا وقد‬ ‫قمت ب�أخذ موافقاتهم على اال�ستعانة ببع�ض من �أو بكل ق�ص�صهم لتدري�س‬ ‫امل�شورة‪ ،‬فكان منهم بالرحب و�سعة ال�صدر واملوافقة ال�شفوية �أو املكتوبة يف‬ ‫بع�ض الأحيان حفاظ ًا على ال�رسية واحرتام ًا لها‪ ،‬ومت تغيري الأ�سماء وا�ستخدام‬ ‫بع�ض احلروف للإ�شارة اليهم حفاظ ًا على خ�صو�صيتهم‪.‬‬ ‫كما وجد الدار�سون �أن هناك اتفاق ًا عام ًا‪ ،‬وقد يبلغ حد الإجماع‪ ،‬على‬ ‫وجود العالقة العالجية و�أهميتها و�رضورتها بني املعالج واملري�ض‪ ،‬تلك التي‬ ‫تت�صف بالتوحد العقلي الوجداين واالحرتام والدفء والإخال�ص‪ ،‬كما ي�شري‬ ‫�س‪.‬هـ‪ .‬باتر�سون‪ .1‬ويت�ساءل كثريون على �أية حال �أو ينكرون كفاية هذه‬ ‫اخل�صائ�ص‪ ،‬وتنطوي م�شكلة الكفاية على الت�سا�ؤل عن ماذا؟ وهناك جدل‬ ‫حول العالقة املت�صفة بالتوحد العقلي االنفعايل والفهم واالحرتام والإخال�ص‬ ‫العالجي هي عالج خا�ص بغياب هذه الظروف وهي ت�ؤدي �إىل منو هذه‬ ‫اخل�صائ�ص من خالل عملية النمذجة‪ ،‬ف�ض ًال عن خربة املري�ض وم�شاركته‬ ‫يف العالقة‪ .‬يف حني يختلف �آخرون على كفاية العالقة العالجية ا�ستناداً �إىل‬ ‫‪1‬س‪.‬هـ‪ .‬باترسون‪ .‬نظريات اإلرشاد والعالج النفسي‪ ،‬ترجمة حامد عبد العزيز الفقي ‪558‬‬

‫‪8‬‬


‫امل�شكالت التي تعاين منها احلاالت التي تنطوي على ق�صور يف املعلومات‬ ‫واملعارف‪� ،‬أو ق�صور يف خمتلف �أنواع املهارات‪ .‬هذه ق�صورات ذات طبيعة‬ ‫حركية �أو معرفية‪ ،‬وبالت�أكيد مع حاالت لديها هذه الق�صورات �أو عدم الكفاية‬ ‫يعترب تقدمي العالقة العالجية غري ٍ‬ ‫كاف‪ .‬و�إن التعامل مع هذه الق�صورات �أو‬ ‫امل�شكالت قد يبدو �أنه تربية �أو �إعادة تربية �أكرث منه عالج ًا‪ .‬والعالج كعالقة‬ ‫يكفي ملدهم بالقدرة على �أن يفعلوا هذه الأ�شياء التي هم قادرون على القيام‬ ‫بها‪ ،‬ولكن قد تكون العالقة غري كافية مع الأ�شخا�ص الذين يظهرون ق�صوراً‬ ‫�أو نق�ص ًا‪.‬‬ ‫كما �أ�شارت الأبحاث �إىل �أنه لي�س كل حالة �ستتح�سن من خالل العالقة‬ ‫التي ت�شتمل على ال�رشوط اجلوهرية‪ ،‬فهناك احتمال عدم ظهور هذه ال�رشوط‬ ‫بالدرجة الكافية �أو بامل�ستوى املطلوب لتحقيق الفاعلية‪(.‬من جانب املعالج)‪،‬‬ ‫كما �أن احتمال عدم �إدراك احلالة ملا يظهره املعالج ويقدره املالحظون‬ ‫اخلارجيون من هذه اخل�صائ�ص‪ ،‬و�أنه ملن ال�صعب‪ ،‬و�أحيان ًا من امل�ستحيل‪� ،‬أن‬ ‫تخرتق بع�ض احلاالت من الذين يعانون البارانويا‪ ،2‬على �سبيل املثال‪ ،‬فبع�ض‬ ‫احلاالت ت�شعر بالتهديد ال�شديد �أو دفاعيون �إىل حد �أنهم ال ي�ستطيعون �إدراك‬ ‫�أن �أحداً يهتم بهم ب�إخال�ص‪.‬‬ ‫لذلك وجب التنويه ب�أن العالقة امل�شورية �ستكون مبثابة العالقة امل�ساعدة النا�ضجة‬ ‫التي �ست�ساعد امل�ست�شري على التغري‪� ،‬إذا ما توافرت واكتملت �رشوطها مع �أغلبية‬ ‫امل�ست�شريين‪ ،‬ومع ذلك �ست�صبح قا�رصة عند البع�ض �سواء املعالج �أو امل�ست�شري‪.‬‬ ‫‪ 2‬البارانويا‪ :‬اضطراب عقلي ينمو بشكل تدريجي حتى يصير مزمناً ويتميز بنظام معقد يبدو داخلياً‬ ‫منطقياً ويتضمن هذاءات االضطهاد والشك واالرتياب فيسيء المريض فهم أية مالحظة أو إشارة أو‬ ‫عمل يصدر عن اآلخرين ويفسره على أنه ازدراء به ويدفعه ذلك إلى البحث عن أسلوب لتعويض‬ ‫ذلك فيتخيل أنه عظيم وأنه عليم بكل شيء‪.‬‬

‫‪9‬‬


10


‫العـالقة امل�شـوريــة‬ ‫كارل روجرز‪« :‬قد وجدت �أنه كلما كان هناك �شخ�ص �آخر على ا�ستعداد �أن‬ ‫يخربين �شيئ ًا عن اجتاهاته الداخلية ف�إن هذا ي�ؤثر يف ب�شدة وله قيمة كبرية عندي»‪.‬‬ ‫تعريف العالقة امل�شورية‪:‬‬ ‫هي عالقة عالجية ُت�سهل عملية النمو يف ال�شخ�ص الآخر وهي تعتمد �إىل حد‬ ‫كبري على مقدار النمو الذي �أجنزته �أنا يف نف�سي كم�شري "امل�شورة هي �أنا"‪.‬‬ ‫كما �أنها عالقة تعتمد �إىل حد كبري ال على الأ�ساليب التي ي�ستعملها امل�شري‬ ‫بل على حقيقة من هو "�شخ�صية امل�شري"‪ ،‬ال على ما يفعله ولكن على الطريقة‬ ‫التي يفعل بها هذه الأمور‪ ،‬فرتتيب الأهمية يف هذه العالقة هي �شخ�صية امل�شري‬ ‫�أو ًال ثم تكنيك اجلل�سة والعالج‪.‬‬ ‫لقد طرح كارل روجرز يف جملة واحدة كل فر�ضيته املحورية‪� ،‬إذ قال‪:‬‬ ‫"�إذا كان بو�سعي تقدمي منط معني من العالقات ف�سيكت�شف الآخر يف داخله‬ ‫القدرة على ا�ستخدام هذه العالقة للنمو والتغيري والتطور ال�شخ�صي الذي‬ ‫�سيحدث حتم ًا"‪ ..‬وكان روجرز يعني بالنمو‪� :‬أنه هو التحرك يف اجتاه احرتام‬ ‫الذات واملرونة واحرتام النف�س وتقديرها واحرتام الآخرين‪.‬‬ ‫�س ‪ /‬هل �أمتلك املعرفة واملوارد والقوة النف�سية واملهارات الالزمة؟‬ ‫هل �أمتلك ما يلزم مل�ساعدة هذا ال�شخ�ص؟ لأكرث من خم�سة وع�رشين عام ًا‬ ‫كان روجز يحاول �أن يكون جديراً بهذا التحدى‪ ،‬ويقول‪ :‬يف �أول �أيامي‬ ‫كنت �أ�س�أل هذا ال�س�ؤال‪ :‬كيف ميكنني عالج �أو �شفاء �أو تغيري هذا ال�شخ�ص؟‬ ‫لكن مع الوقت حدثت �إعادة �صياغة لل�س�ؤال �إىل‪ :‬كيف ميكنني توفري عالقة قد‬ ‫‪11‬‬


‫ي�ستخدمها هذا ال�شخ�ص كي ينمو على امل�ستوى ال�شخ�صي؟ هذا هو التحدي‬ ‫الذي �أمامي ك�شخ�ص �أ�سعى مل�ساعدة الآخرين‪.‬‬ ‫يقول �ستور عن �شخ�صية املعالج النف�سي‪� :‬أعتقد �أن �سمات ال�شخ�صية التي‬ ‫تدفع بع�ض النا�س �إىل �أن يكونوا معاجلني نف�سيني لها جذورها العميقة‪ ،‬ال�صدفة‬ ‫لن حتدد �أن ي�صبح املرء فنان ًا �أو عامل ًا �أو فيل�سوف ًا �أو كاهن ًا‪ ،‬بل �سيحتاج الأمر �إىل‬ ‫امتالك مزيج معني من املواهب وال�سمات املزاجية‪ .‬و�أعتقد �أن ذلك ي�صدق �أي�ض ًا‬ ‫على املعالج النف�سي‪ .‬يجب على املعاجلني النف�سيني �أن يكونوا "ذوي اهتمام‬ ‫بالب�رش" من النواحي ال�شخ�صية �أكرث من اهتمامهم بالنواحي الال�شخ�صية‪� .‬إن‬ ‫من ينجذبون للفن تظهر لديهم قدرة هائلة على اال�ستبطان وي�ستجيبون بانفعالية‬ ‫�أكرب للآخرين‪ ،‬املعاجلون النف�سيون �سواء كانوا م�ؤهلني طبي ًا �أم ال‪ ،‬لي�سوا‬ ‫علماء يف املقام الأول‪ ،‬بل هم فنانون‪.‬‬ ‫ينجذب املعالج النف�سي �إىل العمل الذي ال يكون فيه التعبري عن االنفعاالت‬ ‫حمظوراً بل يحظى بالت�شجيع لذلك ف�إن املهارات التي ت�أتي يجب على املعالج‬ ‫النف�سي تنميتها‪ ،‬تعتمد على الفهم املتبادل‪ ،‬فكلما زاد علمه بنف�سه زادت قدرته‬ ‫على فهم مر�ضاه‪ ،‬وكلما زاد علمه مبر�ضاه زادت قدرته على فهم نف�سه‪ .‬وال‬ ‫يهتم املعالج النف�سي اجليد بالنا�س فح�سب و�إمنا ميتلك �أي�ض ًا القدرة واال�ستعداد‬ ‫للتعاطف مع مدى وا�سع من ال�شخ�صيات املختلفة‪.‬‬ ‫املعالج النف�سي عليه �أن يهتم ب�أ�شخا�ص ال يبدو عليهم للوهلة الأوىل �أن ي�شبهونه‬ ‫�أو ي�شاركونه اهتماماته‪� .‬إن االنفتاح على االنفعاالت يفر�ض على املعالج النف�سي‬ ‫نوع ًا من الت�سامح �أو الت�ساهل غري املعتاد بالن�سبة للتعبري االنفعايل عند الآخرين‪.‬‬ ‫فهم على النقي�ض يحتاجون �إىل �أن يكونوا قادرين على ت�سهيل التعبري عن ال�ضيق‬ ‫لدى مر�ضاهم دون �أن ي�صبحوا هم يف �ضيق يدفعهم �إىل الهرب‪.3‬‬ ‫‪ 3‬انطوني ستور‪ .‬فن العالج النفسي‪142 .‬‬

‫‪12‬‬


‫وبداية من هذا اجلزء �سوف نتعر�ض �إىل بع�ض التدريبات العملية التي �سوف‬ ‫ت�ساعدين ك�شخ�ص للح�صول على الهدوء وال�سكينة التي يحتاج �إليها ال�شخ�ص‬ ‫املهتم مب�ساعدة الآخرين نف�سي ًا‪ ،‬فبدون هذا الهدوء وال�سكينة �سوف �أنقل‬ ‫توتري وقلقي للم�ست�شري وينتقل توتر وقلق امل�ست�شري �إىل امل�ساعد‪.‬‬ ‫والتدريب الأول هو ال�صمت والعزلة (ملحق ‪ )1‬وكيفية جعلهما جزءاً من‬ ‫ال�سلوكيات اليومية التي ندرب عليها �أنف�سنا ك�أ�شخا�ص‪ ،‬فحتى لو مل نقم‬ ‫مب�ساعدة �آخرين �سوف ي�ساعدنا تدريب ال�صمت والعزلة على امتالك �أنف�سنا‬ ‫ك�أفراد‪ ،‬كما ي�ساعدنا على تنمية احل�س املرهف لدينا والتذوق والتفكري املت�أمل‬ ‫والتفكري النقدي الذي �سينمو بعيدا عن ال�ضو�ضاء والأ�ضواء وامل�شتتات التي‬ ‫نت�صارع معها خالل يومنا‪ .‬ففي ال�صمت والعزلة نحتفظ بنفو�سنا ووعينا الذاتي‬ ‫وب�صريتنا داخلنا حتى و�إن كنا و�سط زحام الب�رش‪.‬‬ ‫يوحنا ال�سلمي‪� :‬أول الهدوء �إبعاد ال�ضو�ضاء لأنها تعكر قعر النف�س‪� .‬أما‬ ‫كماله فعدم خ�شية ال�ضو�ضاء بل عدم الت�أثر بها �أو االلتفات �إليها‪ .‬ومن ي�سع‬ ‫يف �إثر الهدوء بانتظام يزداد لطف ًا كلما تقدم فيه ويمُ ِ�س بيت ًا للمحبة بجملته ال‬ ‫يتحرك �إىل التكلم �إال ب�صعوبة وال يتحرك �إىل الغ�ضب على الإجمال‪ .‬وعك�س‬ ‫ذلك بَني جلي‪.4‬‬

‫‪ 4‬يوحنا السلمي‪ .‬السلم إلى اهلل‪ .‬منشورات النور‪. 242 .‬‬

‫‪13‬‬


‫كيف ميكنني عمل عالقة م�ساعدة؟‬ ‫لكي نقوم ب�إقامة عالقة م�شورية �صحية علينا �أن نرجع �إىل �أ�صول وفنون‬ ‫هذه العالقة التي �سوف يكون لها العبء الأكرب يف منو ون�ضج امل�ست�شري‪ ،‬ولن‬ ‫جند �أروع من القدير كارل روجرز‪� ،‬صاحب نظرية الذات �أو التمركز حول‬ ‫العميل‪ ،‬لنتعرف على موا�صفات العالقة امل�شورية من خالل ع�رشة �أ�سئلة حتتاج‬ ‫�إىل ال�صدق مع النف�س لكي ما جنيب عنها‪ .‬عندئذ ن�ستطيع �أن منيز �إذا ما كنا‬ ‫�سن�ستطيع م�ساعدة الآخرين �أم �أننا نحتاج املزيد من اجلهد والعمل على ن�ضج‬ ‫�أنف�سنا‪ ،‬لنكون �أه ًال لهذه املهمة‪.‬‬

‫�أ�سئلة روجرز الع�شرة‪:‬‬ ‫علي؟‬ ‫‪ -1‬هل ميكنني �أن �أكون مكان ًا للثقة لدى الآخر و�أنه ميكن �أن يعتمد ّ‬ ‫وهذا يظهر يف الظروف اخلارجية مثل الوفاء باملواعيد‪ ،‬احرتام الأ�رسار‪،‬‬ ‫ولو ت�رصفت بات�ساق طوال املقابالت ف�إن �رشوط الثقة تتحقق‪� .‬أن �أكون �أه ًال‬ ‫للثقة ال يتطلب �أن �أكون مت�سق ًا ب�شكل �صلب لكن �أن �أكون حقيقي ًا �صادق ًا‬ ‫علي‪.‬‬ ‫يعتمد ّ‬

‫مبعنى �أنه احر�ص جيداً على االنتظام وااللتزام باملواعيد‪ ،‬ويف حالة الت�أخر‬ ‫�أو �سوء التنظيم لأي �سبب نقدم االعتذار ب�صدق‪ ،‬فر�صيد االلتزام الذي �أقدمه‬ ‫للم�ست�شري �سوف يجعله يتقبل هذا الت�أخري عن غري م�ض�ض‪ .‬كذلك االحتفاظ‬ ‫بالأ�رسار وبخ�صو�صية امل�ست�شري لأق�صى الدرجات حتى �أنه حني يذكر �أمامي‬ ‫�أحد الأ�سماء التي �أعرفها �أو �أعرف عنها الكثري فال اتطوع بالإف�صاح عن ما‬ ‫�أعرفه عنه‪ ...‬وهكذا‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫‪ -2‬هل بو�سعي �أن �أكون جد ُمعرب ًا ك�شخ�ص فيكون حايل هو ما �أو�صله‬ ‫للآخر؟ (ال�صدق)‬ ‫ممكن كلماتي تعطي ر�سالة‪ ،‬لكن ب�شكل �أعمق ار�سل ر�سالة خمتلفة حتتوي‬ ‫على ال�ضيق الذي �أح�سه‪ ،‬فامياءات اجل�سم �أ�صدق من كلمات الفم و�سي�صل‬ ‫ما �أ�شعر به للم�ست�شري مهما حاولت �إخفاءه‪ ،‬وهذا يربك الآخر ويجعله يفقد‬ ‫الثقة‪ .‬القاعدة الذهبية ملن يريد �أن يعمل بامل�ساعدة وبناء عالقات م�ساعدة هي‬ ‫�أن يحاول بقدر الإمكان �أن يكون �شفاف ًا بحق‪� .‬أي �أحتاج �أن �أتعلم �أن �أُظهر‬ ‫ما �أُبطن و�أتعلم �أن �أتخري الكلمات التي تعرب عن ما بداخلي بدقة وب�أ�سلوب ال‬ ‫يجرح امل�ست�شري‪.‬‬ ‫‪ -3‬هل بو�سعي �أن �أجعل العالقة امل�ساعدة مليئة باجتاهات االهتمام‬ ‫واالحرتام؟ (الإيجابية)‬ ‫هذا �أمر لي�س ب�سهل‪ ،‬نحن نخاف �أن نعرب عن هذا االهتمام وهذا االحرتام‬ ‫ب�رصاحة وحرية قد نقع يف �أحابيلهم لهذا ننزع لإيجاد م�سافة بيننا وبني الآخرين‬ ‫بردود �أو �سلوك قيادي �أو عالقة غري �شخ�صية‪ .‬فهل ميكنني �أن �أقدم االهتمام‬ ‫الأ�صيل والدفء للم�ست�شري دون �أن �أفقد مالمح العالقة امل�شورية وتتغري �سماتها‬ ‫�إىل عالقة �صداقة �أو غريه‪ ،‬وهل �أ�ستطيع �أن �أكون حاني ًا دون �أن �أخ�رس احلدود‬ ‫التي قمت بو�ضعها مع امل�ست�شري‪ .‬ومتي �أ�ستطيع كم�شري �أن �أدرك �أن امل�ست�شري‬ ‫يهدف �إىل �إف�ساد العالقة وا�ستقطابي مل�ستوى خمتلف منها دون �أن �أمار�س �شيئ ًا‬ ‫من الت�رصفات التي ت�شعره �أنه �أقل و�أنني �أنا كم�شري من �أقوم بعملية القيادة يف‬ ‫العالقة‪ ،‬بالرغم من �أنني �أقوم فع ًال بقيادة العالقة‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫‪ -4‬هل ي�سعني �أن �أكون �شخ�ص ًا حمرتم ًا احرتام �أحا�سي�سي وم�شاعري‬ ‫واحتياجاتي كما �أحرتم �أحا�سي�سه وم�شاعره؟ (القوة الداخلية)‬ ‫�أن �أكون قوي ًا ك�شخ�ص مبا يكفي لالبتعاد عن الآخر؟ هل ي�سعني �أن �أمتلك‬ ‫م�شاعري اخلا�صة و�إن تطلب الأمر �أن �أعرب عنها عند احلاجة بو�صفها �شيئ ًا �أمتلكه‬ ‫ويخ�صني ويبعد عن م�شاعر العميل؟ هل �أنا قوي مبا يكفي يف تفردي حتى �إنني‬ ‫ال �أحبط من �إحباطه �أو �أكتئب من �إكتئابه �أو �أرتعب من خوفه؟ ولن تبتلعني‬ ‫تبعيته �أو هيمنته؟ هل نف�سي اجلوانية �صلبة مبا يكفي لأُدرك �أن غ�ضبه لن يدمرين‬ ‫و�أن حبه لن ي�ستعبدين؟ هذه هي احلرية التي لو جنحت يف التدريب عليها يف‬ ‫عالقاتي عامة كم�شري ف�سوف �أجنح يف �أن �أعي�شها مع امل�ست�شري و�أعلمه �إياها‪.‬‬ ‫‪ -5‬هل �أنا واثق �آمن يف نف�سي لأدع له الفر�صة لالنف�صال؟ (الأمان)‬ ‫هل ي�سعني ال�سماح له �أن يكون ما هو عليه‪� :‬صادق‪ ،‬خمادع‪ ،‬طفلي‪،‬‬ ‫يائ�س �أو مفرط يف الثقة؟ هل ميكن �أن �أعطيه حرية �أن يكون؟ �أم ي�شعر �أن عليه‬ ‫علي؟‬ ‫�أن يت�رصف وفق ًا لن�صائحي و�إر�شاداتي ويظل معتمداً ّ‬ ‫لن �أن�سي يوم ًا قامت فيه �إحدى امل�ست�شريات بكتابة خطاب مكون من ثالث‬ ‫�صفحات من الورق الفلو�سكاب تنتقد فيه بع�ض الت�رصفات واملواقف التي‬ ‫حدثت �أثناء مقابالتنا امل�شورية منها ما هو واقعي ولديها فيه كل احلق‪ ،‬ومنها‬ ‫ما هو ناجت عن �سوء تف�سري للمواقف والتي كانت حتتاج مني كم�شري �أن �أ�رشح‬ ‫موقفي‪ ،‬وعليه قدمت االعتذار اجلاد عن ما بدر مني بدون ق�صد �أو بعدم �إدراك‬ ‫�أن هذه ال�سلوكيات �سوف جترحها‪ ،‬وبعدها قمت بتو�ضيح موقفي و�رشح ما‬ ‫كنت �أق�صده وقتها‪ .‬الر�سالة التي كنت �أدركها وقتها هي حقها يف �أن تعرب‬ ‫عن ما ت�شعر به وحت�سه جتاهي وجتاه العالقة امل�شورية‪ ،‬والذي بدونه لن يحدث‬ ‫الن�ضج املبني على مزيد من االنفتاح‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫‪ -6‬هل ي�سعني �أن �أطلق عنان نف�سي لأدخل يف عامل �أحا�سي�سه وم�شاعره‬ ‫ومعانيه ال�شخ�صية و�أراها كما يراها هو؟‬ ‫هل �أقدر �أن �أخطو داخل عامله اخلا�ص حتى �أفقد كل رغبة يف التقييم �أو‬ ‫احلكم عليه؟ هل ي�سعني الإح�سا�س به بدقة حتى ي�سعني �أن �أم�سك مبعاين جتربته‬ ‫اخلا�صة الدفينة التي ال تظهر �رصاحة؟ هل �أ�ستطيع �أن �أمد هذا الفهم بال حدود؟‬ ‫دون �أن �أ�شعر بالتهديد واخلوف من هذا الدخول؟‬ ‫‪ -7‬هل ميكنني �أن �أتقبل هذا الآخر بكل وجوهه التي يقدمها �إىل؟ (القبول)‬ ‫هل ميكنني �أن التقيه كما هو؟ ف�أقبل كل �أحا�سي�سه وم�شاعره؟ �أقبل الإيجابي‬ ‫وال�سلبي‪ ،‬مع الت�أكيد �أن قبويل هذا ال يعني موافقتي على ما هو �سلبي يف حياته‪.‬‬ ‫‪ -8‬هل �أ�سلك يف العالقة بطريقة ال ت�صل �أنها تهديد؟ (احل�سا�سية)‬ ‫فلو ا�ستطعنا حترير العميل بقدر الإمكان من التهديد اخلارجي فبو�سعه عندئذ‬ ‫�أن مير عرب الأحا�سي�س الداخلية ويتعامل معها ومع �رصاعاته التي يجد �أنها‬ ‫مهددة داخله‪ .‬عندئذ ميكنني �أن اتواجه مع �أفكاره اخلاطئة و�سلوكه ال�سلبي‪،‬‬ ‫دون �أن ي�شعر بالتهديد مني ودون �أن �أفقده‪.‬‬ ‫‪ -9‬هل ي�سعني �أن �أحرره من تهديد التقييم اخلارجي؟ (احلكم)‬ ‫كلنا معر�ضون يف حياتنا للمكاف�آت والعقاب "التقييم"‪ ،‬هذه الأحكام‬ ‫والتقييم جزء من حياتنا من املهد �إىل اللحد‪ ،‬هذا ال ي�ؤدي للنمو ال�شخ�صي‪.‬‬ ‫التقييم الإيجابي يهدد على املدى البعيد مثله مثل التقييم ال�سلبي؛ لأنه �إن �أخربت‬ ‫�شخ�ص ًا �أنه جيد فهذا يعني �أنه من حقك �أن تقول له �أنه ردىء‪ .‬كلما �أ�ستطعت‬ ‫�أن �أُبعد عن الآخر التقييم والأحكام �أتاح هذا للآخر الو�صول �إىل نقطة معرفة‬ ‫�أن مو�ضع التقييم ومركز امل�سئولية موجود بداخله وحده ولن يتغري هذا الواقع‬ ‫ب�أي قدر من التقييم اخلارجي‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫‪ -10‬هل ميكنني �أن �أرى هذا الفرد الآخر بو�صفه �شخ�ص ًا يخو�ض غمار‬ ‫عملية ال�صريورة؟‬ ‫(�أن ي�صري �إن�سان ًا) �أم �أنه �سيظل �أ�سرياً ملا�ضيه‪ .‬لو قبلت الآخر ك�شخ�ص‬ ‫بو�صفه �شيئ ًا ثابت ًا �أو مت ت�شخي�صه وت�صنيفه وت�شكيله على �أ�سا�س ما�ضيه ف�أنا هكذا‬ ‫وبهذا �أ�ؤدي دوري التخريبى‪.5‬‬ ‫خال�صة القول‪� :‬أف�ضل عالقة م�ساعدة هي نوع من العالقات التي يخلقها‬ ‫ال�شخ�ص النا�ضج نف�سي ًا �أو مبعنى �آخر تعتمد مدى منوي �أنا ذاتي وهذه فكرة‬ ‫لدي وظيفة مذهلة متتد العمر كله تفيدين‬ ‫مقلقة حق ًا‪ ،‬ف�أنا كم�شري �أو ُمدرب ّ‬ ‫يف تنمية نف�سي و�إمكانياتي‪.‬‬

‫‪ 5‬كارل روجرز‪ .‬أن تصير إنسانا ‪85-79‬‬

‫‪18‬‬


‫بع�ض النظريات الأ�سا�سية فيما يتعلق بامل�ساعدة‬ ‫وبناء عالقة امل�ساعدة‬ ‫‪ -1‬العالقة‪ :‬ما هي العالقة التي �أود �أن �أوفرها؟‪ - :‬كلما زاد �صدقي يف‬ ‫العالقة كانت مفيدة و�أن �أكون مدرك ًا لأحا�سي�سي بقدر الإمكان‪ ،‬و�أن �أكون‬ ‫�صادق ًا هذا هو املهم‪ ،‬وهذا يت�ضمن �إرادة �أن تكون �صادق ًا يف �أحا�سي�سك‬ ‫و�سلوكياتك املختلفة املتعددة‪ ،‬وتعرب عنها ب�صدق �شفاهية �أو بالفعل‪ ،‬هذا‬ ‫يجعل العالقة تتواجد يف الواقع احلقيقي‪ .‬عندما �أكون �صادق ًا متالم�س ًا مع‬ ‫م�شاعري و�أن �أعي�ش احلقيقة الواقعية ال�صادقة واملوجودة يف داخلي فهذا يجعل‬ ‫الآخر يبحث بنجاح عن الواقع يف داخله‪.‬‬ ‫‪ -2‬كلما ازداد قبويل وتقبلي لهذا الفرد �صار بو�سعي خلق عالقة ميكنه‬ ‫ا�ستخدامها‪ .‬ما معنى القبول هنا؟ �أعني بالقبول نظرة دافئة جتاهه ك�شخ�ص له‬ ‫قيمة ب�رصف النظر عن حالته �أو �سلوكة و�أحا�سي�سه‪ ،‬يعني هذا احرتام ًا وتقديراً‬ ‫ك�شخ�ص منف�صل وا�ستعداداً لتقبل امتالكه مل�شاعر و�أحا�سي�س خا�صة به بطريقته‬ ‫اخلا�صة وي�ؤدي قبول كل جانب مت�أرجح يف هذا ال�شخ�ص �إىل جعل العالقة‬ ‫بالن�سبة له عالقة دفء و�أمان وحب‪ ،‬ف�إن الأمان الناجم عن الإح�سا�س بالقيمة‬ ‫واحلب ي�ؤدي �إىل عالقة م�ساعدة جيدة‪.‬‬ ‫‪� -3‬إن الفهم والتعاطف الوجداين التقم�صي هو فهم الأحا�سي�س والأفكار‬ ‫التي تبدو مرعبة �أو �ضعيفة �أو عاطفية جداً �أو عندما �أراها كما تراها و�أقبلها‬ ‫و�أقبلك �سوف ت�شعر باحلرية يف ا�ستك�شاف كل املخابئ والكهوف املوجودة‬ ‫بداخلك "هذه احلرية هي �رشط مهم للعالقة"‪ .‬هذا الفهم التعاطفي الوجداين‬ ‫‪19‬‬


‫التقم�صي ي�ساعدين على ر�ؤية العامل اخلا�ص لعميلي بعينيه هو وبهذا �أ�صري رفيق ًا‬ ‫لعميلي و�أ�صاحبه يف بحثه املرعب عن ذاته‪.‬‬ ‫خال�صة القول‪ :‬لوكان بو�سعي خلق عالقة تتميز من جانبي بوجود �أ�صالة‬ ‫و�رصاحة و�شفافية حيث �أعرب عن �أحا�سي�سي احلقيقية كما هي‪ ،‬وتتميز بقبول‬ ‫دافئ وتثمني ال�شخ�ص الآخر بو�صفه فرداً متفرداً وتتميز بقدرة ح�سا�سة على ر�ؤية‬ ‫عامله كما يراه هو ف�إن الطرف الآخر يف العالقة‪� :‬سيمر بخربة وفهم جوانب‬ ‫نف�سه التي قام بكبتها‪� ،‬سيجد نف�سه فيما بعد �أكرث ت�شبه ًا بال�شخ�ص الذي يود‬ ‫�أن يكونه‪� ،‬ستزداد قدرته على التوجيه الذاتي‪� ،‬سي�صري �شخ�ص ًا منفرداً و�أكرث‬ ‫قدرة على قبول الآخرين‪� ،‬ستزداد قدرته على التكيف مع امل�شاكل احلياتية‪.‬‬ ‫خ�صائ�ص عالقة امل�ساعدة‪ :‬تعريف �آخر لعالقة امل�ساعدة‪ :‬هي العالقة التي‬ ‫يزمع فيها �أحد امل�شاركني �إحداث تغيري يف امل�شاركني الآخرين �أو فيهم جميع ًا‬ ‫وي�ؤدي هذا التغري �إىل تقدير �أكرث وتغري �أكرب وتوظيف �أعم للموارد الداخلية‬ ‫الكامنة يف الفرد‪ ،‬وت�شمل عالقة الأم والطفل‪ ،‬الأب والطفل‪ ،‬املري�ض‬ ‫والطبيب‪ ،‬الأ�ستاذ والتلميذ‪.6‬‬

‫خطوات العالقة امل�شورية‬ ‫ت�أ�سي�س العالقة امل�شورية يتم عن طريق �إتقان مهارات اال�ستماع والتعاطف‪،‬‬ ‫وفهم العامل الداخلي للم�ست�شري عن طريق التفريغ �أو التنفي�س والتنقيب‪( ،‬وي�شمل‬ ‫فهم ال�صورة الذاتية للم�ست�شري عن نف�سه‪ ،‬وكيف يرى نف�سه‪ ،‬ماذا عن قيمه‬ ‫‪ 6‬كارل روجرز‪ .‬نفس المرجع السابق ‪68‬‬

‫‪20‬‬


‫اخلا�صة ومبادئه التي يعتنقها‪ ،‬والأهداف التي ي�سعى لها يف حياته‪ ،‬احتياجاته‬ ‫وكيف يراها‪ ،‬و�إىل �أي مدى هذه االحتياجات �أ�سا�سية �أم ثانوية)‪ ،‬و�ضع‬ ‫ت�شخي�ص مبدئي ال يعلن عنه للم�ست�شري حتى مرحلة الت�أكد‪ ،‬ثم الو�صول �إىل‬ ‫ت�شخي�ص نهائي باالتفاق مع امل�ست�شري لبدء مرحلة العالج‪ ،‬ومتى ننهي العالج‪.‬‬ ‫ال�رشوط التي يجب توافرها يف املعالج‪:‬‬ ‫ي�صف روجرز ال�رشوط التي يحتاجها ال�شخ�ص لكي ي�صبح معاجل ًا يف ثالثة‬ ‫�رشوط هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬التوافق والأ�صالة ‪Genuiness – Congruence‬‬ ‫‪ -2‬التقدير الإيجابي غري امل�رشوط ‪Respector Positive Regard‬‬ ‫‪ -3‬الفهم التعاطفي‪Empathic Understanding7‬‬ ‫‪ -1‬التوافق والأ�صالة‪� :‬أي التطابق‪ ،‬البد �أن يكون املعالج مت�سق ًا وموحداً‬ ‫ومتوافق ًا ك�شخ�ص �أ�صيل‪� ،‬أي يكون نف�سه بال�ضبط ولي�س واجهة �أو دوراً‪ .‬لقد‬ ‫ا�ستخدمت م�صطلح توافق للإ�شارة لهذا التطابق بني اخلربة والإدراك حيث يكون‬ ‫املعالج على �إدراك تام دقيق بخرباته يف هذه اللحظة من العالقة‪ ،‬ما مل يوجد هذا‬ ‫التوافق الأ�صيل وبدرجة كبرية فمن غري املحتمل حدوث تعلم جمزٍ‪.‬‬ ‫"يحتاج امل�شري �إىل امل�شورة �أي�ض ًا ف�إن ذلك �سيعطيه فهم ًا عميق ًا لذاته ومن‬ ‫ثم �ست�ساعده يف القيام بامل�شورة للآخرين والتي متكن امل�شري من ال�صدق مع‬ ‫النف�س وحرية التعبري عن امل�شاعر فيكون �شفاف ًا‪ ."8‬مبعنى �أنه يظهر ما يبطن‪،‬‬ ‫و�إدراك امل�شري لنف�سه ووعيه بها ومبا لديه من م�شكالت يف طبيعة �شخ�صيته‬ ‫‪ 7‬كارل روجرز‪ .‬نفس المرجع السابق ‪323 ،322‬‬ ‫‪ 8‬رولو ماى‪ .‬فن المشورة ‪153 ،152‬‬

‫‪21‬‬


‫�سوف ت�ساعده على ر�ؤية الآخرين مبو�ضوعية لأن التحيزات والطرح من �أ�سو�أ‬ ‫العقبات يف �سبيل امل�شري‪ .‬ولإزالة هذه التحيزات البد من فهمها والتعامل معها‬ ‫للتخل�ص منها (�أبي – �أمي – زوجي – مدر�س ‪� ...‬إلخ) ولو مل يقم بهذا‬ ‫بالت�أكيد �سيعالج النا�س من خالل هذه املركبات‪.‬‬ ‫رولوماي "امل�شري ال يولد م�شري ًا" بل هي �صفات مكت�سبة ال نولد بها‪.9‬‬

‫عالقتي بنف�سي كم�شري‪:‬‬

‫ب�صفتنا م�شريين يجب �أن نتذكر �أن �أنف�سنا هي �أهم �أداة لنا يف امل�شورة‪ ،‬و�أن‬ ‫ما نعرفه وما منتلكه يف �أنف�سنا هو الذي يحدد ما �إذا كنا �سنفيد الآخرين �أم ال‪،‬‬ ‫وهو �أي�ض ًا يحدد ما �إذا كنا �سنقدر فعال �أن نقرتب من الآخرين بدون �أن نفقد‬ ‫�أنف�سنا يف هذه العملية‪ .‬فمن ال�رضوري �أن نحافظ على ا�ستقاللنا �أثناء االقرتاب‬ ‫حتى ننتجنب ذلك النوع من التعلق ال�شديد بالآخر‪ .‬غري �أن اال�ستقالل ال يعني‬ ‫الربود �أو التباعد‪ ،‬و�أمنا يتوقف على ما كنا نعرتف بفرديتنا وفردية ال�شخ�ص‬ ‫الآخر ونحرتم هذه الفردية‪.‬‬ ‫‪ -2‬التقدير الإيجابي غري امل�رشوط‪ :‬هو �أن مير املعالج بخربة اهتمام دافئ‬ ‫بالعميل‪ ،‬اهتمام ال ي�سعي �إىل االمتالك وال يطلب امتنان ًا �شخ�صي ًا وال �إ�شباع ًا‬ ‫ذاتي ًا‪� ،‬إنه مناخ يو�ضح �أنه مهتم ولي�س عبارة عن �أنه �أهتم بك لو فعلت كذا‬ ‫وكذا‪ ،‬هذا االجتاه ال�سلوكي «التقدير الإيجابي غري امل�رشوط» وهذا يت�ضمن‬ ‫الإح�سا�س بالقبول ب�أكرب قدر ممكن جتاه تعبريات العميل �سواء ال�سلبية الرديئة‬ ‫�أو اجليدة االيجابية النا�ضجة الواثقة‪ ،‬بقدر ما ي�ستطيع املعالج توفري هذا املناخ‬ ‫الأمن فمن املتوقع حدوث تعلم جم ٍز مفيد‪� .‬أي قبول امل�ست�شري كما هو مهما‬ ‫‪ 9‬رولو ماى‪ .‬نفس المرجع السابق ‪151‬‬

‫‪22‬‬


‫كان‪ ،‬و�إن قبويل له لي�س معناه موافقة مني على ما يفعله‪ ،‬هذا القبول يعك�س‬ ‫درجة من قبول الله لهذا ال�شخ�ص فيتم وقتها قبوله لنف�سه‪� ،‬أقبله كما هو باحرتام‬ ‫وتقدير‪.‬‬ ‫برامر و�شو�سرتومو ‪�" 1982‬إن اال�ستجابة بامل�شاركة للم�سرت�شد تعني‬ ‫التفكري معه ولي�س له �أو حوله"‪.‬‬ ‫"وقد الحظ كارخوف وبريين�سون �أن التقدير الإيجابي �أو احرتام الآخرين‬ ‫ين�ش�أ من احرتام الذات و�أن املر�شدين الذين ال يحرتمون خرباتهم و�أفكارهم‬ ‫وم�شاعرهم ال�شخ�صية �سيجدون �صعوبة يف احرتام �أفكار وم�شاعر الآخرين‪."10‬‬ ‫مقتطفات من ر�سالة لإحدى امل�ست�شريات بعد عام من اجلل�سات ت�صف‬ ‫فيها ما تو�صلت �إليه‪:‬‬ ‫على الرغم من اختاليف عنها يف املذهب (امل�شرية)‪ ،‬ف�أنا مل �أ�سمع منها طيلة‬ ‫جل�ساتي معها �أي كلمة واحدة �ضد مذهبي‪ ،‬بل على العك�س‪ ،‬كانت ترف�ض‬ ‫الإدالء ب�أي ر�أي �أو تعليق يتعلق ب�أمور طقو�سنا �أو ممار�ستنا‪ ،‬كانت تكتفي‬ ‫بقولها ّ‬ ‫يل‪ :‬ال ت�ضغطي على �أوالدك يف ممار�سة الأمور الدينية �أو يف العبادة‬ ‫ب�شكل عام‪ ،‬لئال ي�ؤدونها �أمامك على غري اقتناع‪ ،‬وعندما يكربون ويخرجون‬ ‫من حتت �سلطتك‪ ،‬ف�إنهم �سيبتعدون عن تلك املمار�سات الدينية التي مار�سوها‬ ‫مرغمني ‪ ...‬علمتني املعنى احلقيقي لتقبل الآخر املختلف عني‪ ،‬املختلف‬ ‫عني ديني ًا – مذهبي ًا ‪ -‬اجتماعي ًا‪ -‬نف�سي ًا‪ -‬ثقافي ًا‪ -‬علمي ًا حتى املختلف عني يف‬ ‫طريقة التفكري‪ ،‬يف طريقة امللب�س و�ضحكاته يف �إمياءاته "امل�ست�شرية ر‪.‬ر"‪.‬‬ ‫انطوين �ستور‪ :‬يجب على املعاجلني النف�سيني �أن يكونوا قادرين على وجه‬ ‫اخل�صو�ص على مد يد االعتبار والتقدير االيجابي �إىل من رف�ضهم العامل‪...‬‬ ‫‪ 10‬محروس الشناوي‪ .‬العملية االرشادية‪64 .‬‬

‫‪23‬‬


‫واملعاجلون الناجحون ميتلكون قدرة خا�صة على التوحد مع املهانني واملجروحني‬ ‫وهذه القدرة نادراً ما ميتلكها غالبية اجلن�س الب�رشي‪.‬‬ ‫ �إن ال�شكل النموذجي للمعالج النف�سي هو �شخ�ص وا�سع العطف والتعاطف‬‫مفتوح ال�صدر النفعاالته وانفعاالت الآخرين قادرا على التوحد مع نطاق وا�سع‬ ‫من الب�رش دافئ ودود دون �أن يكون عاطفي ًا‪ ،‬ال يفر�ض وال ي�ؤكد ذاته ولكنه‬ ‫قادر على الثبات يف موقفه بهدوء‪ ،‬قادر على �أن ي�ضع نف�سه يف خدمة مري�ضه‬ ‫ومدرك �أن مكاف�أته على القيام بذلك قد تكون طويلة الأجل وغري مبا�رشة‪.11‬‬ ‫‪ -3‬فهم تعاطفي‪ :‬وهو �أن يح�س املعالج بفهم تعاطفي دقيق وعميق لعامل‬ ‫العميل كما يراه الأخري من الداخل‪ ،‬نح�س وغ�ضب وخوف وا�ضطراب‬ ‫العميل كما لو كان �إح�سا�سنا اخلا�ص ولكن بدون �أن يطلق غ�ضبنا �أو خوفنا �أو‬ ‫ا�ضطرابنا‪ ،‬يفهم املعالج �أحا�سي�س املري�ض فهم ًا جيداً‪ ،‬وال ي�شك املعالج �إطالق ًا‬ ‫يف ما يعنيه املري�ض وتنطبق مالحظات املعالج متام ًا على احلالة املزاجية للمري�ض‬ ‫وحمتوى �ألفاظه وتو�صل نربة �صوت املعالج القدرة الكاملة على م�شاركة‬ ‫�أحا�سي�س املري�ض‪.‬‬ ‫‪ -4‬ال�رشط الأخري هو البد �أن ي�صل كل هذه ال�رشوط بدرجة ما بنجاح‬ ‫للعميل‪ ،‬وهذه ال�رشوط البد و�أن حتدث عملية تراخي �إداركات العميل ال�صلبة‬ ‫لذاته وللآخرين وينفتح على الواقع‪� ،‬إن العالج هو نوع من التعليم املجزي‬ ‫الذي يحدث عند توافر ال�رشوط ال�سابقة‪ ،‬عندما يدرك العميل �أنه يواجه‬ ‫م�شكلة خطرية ذات بال‪ ،‬عندما يكون املعالج �شخ�ص ًا متوافق ًا �أ�صي ًال يف عالقته‬ ‫‪ 11‬أنطوني ستور‪ .‬فن العالج النفسي ‪150‬‬

‫‪24‬‬


‫وقادراً على �أن يكون هو ال�شخ�ص الذي هو‪ ،‬عندما مينح املعالج تقديراً �إيجابي ًا‬ ‫غري م�رشوط للعميل‪ ،‬عندما مير املعالج بخربة فهم دقيق تعاطفي لعامل العميل‬ ‫الداخلي ويتوا�صل مع هذا ويو�صله للعميل‪ ،‬عندما مير العميل بدرجة ما بخربة‬ ‫توافق و�أ�صالة وقبول وتعاطف املعالج‪.‬‬ ‫�أ�ضاف كارخوف وزمال�ؤه بعداً رابع ًا �إىل الأبعاد التي تكلم عنها روجرز‬ ‫(التطابق والتفهم والتقدير الإيجابي) وهو متانة ودقة التعبري ‪Concreteness‬‬ ‫‪& Specifity of expression‬‬

‫عرف كارخوف وبريني�ستون هذا البعد ب�أنه ي�شتمل على التعبري الطليق‬ ‫وقد َّ‬ ‫واملبا�رش والكامل عن م�شاعر وخربات معينة ب�رصف النظر عن حمتواها االنفعايل‬ ‫(‪� 1977‬ص‪.12)13‬‬

‫‪ 12‬محروس الشناوي‪ .‬العملية المشورية‪65 .‬‬

‫‪25‬‬


‫ما الذي يحتاج �إليه ال�شخ�ص‬ ‫لكي ي�صبح م�شرياً؟‬ ‫�أن يكون العالج النف�سي الذاتي للم�شري جزءاً ال يتجز�أ منه‪ .‬وذلك لأن‬ ‫�شخ�صية امل�شري هي و�سيلته الوحيدة للو�صول للآخرين ف�إذا كان بها معطالت‬ ‫لن ي�ستطيع �أن ي�ساعد الآخرين على تخطي هذه املعطالت �أو غريها‪ ،‬وهذا‬ ‫العالج يعطيه مواجهة عميقة مع الذات‪.‬‬ ‫يحتاج امل�شري �إىل الإ�رشاف وهو الرجوع للأ�ستاذ‪ ،‬لأنه يطور مقدرته‬ ‫وي�ساعده على �إدراك نف�سه بطريقة �أف�ضل‪.13‬‬ ‫التوازن يف العالقة العالجية‪:‬‬ ‫بُعد �آخر من العالقة العالجية ي�صفه �أ�صحاب املدر�سة ال�سلوكية يقول فيها عبد‬ ‫ال�ستار �إبراهيم الآتي‪ :‬عدم الرتكيز على العالقة ال�شخ�صية اخل�صو�صية‪� ،‬أي‬ ‫بالتقارب ال�شخ�صي‪ ،‬حيث يكون التعامل بينهما مهني ًا بحت ًا دون وجود جمال‬ ‫للعواطف �أو امل�شاركة الوجدانية املبالغ فيها من قبل املر�شد‪� ،‬إذ يقول «�إلي�س»‬ ‫يجب على امل�سرت�شد �أن يعتمد على نف�سه يف العملية الإر�شادية منذ بدايتها‪،‬‬ ‫و�أن العالقة ال�شخ�صية بينه وبني مر�شده النف�سي �ستجعله معتمداً عليه‪ ،‬وغري‬ ‫م�ستقل بذته و�أنه �سيتعود على تلقي الدعم اخلارجي دون �أن يدعم نف�سه بنف�سه‪.‬‬ ‫لذلك فالعالقة ال�شخ�صية بينهما �ست�أتي بنتائج عك�سية يف العملية الإر�شادية‪.14‬‬ ‫فالتحدي هو كيفية القيام بعالقة عالجية دافئة مع امل�ست�شري ويف الوقت نف�سه ال‬ ‫تنقلب هذه العالقة �إىل عالقة غري مهنية �أو عالقة �صداقة والتي تف�سد العملية امل�شورية‪.‬‬ ‫‪ 13‬هوارد كالينبل‪ .‬النصح الرعوي‪224 .‬‬ ‫‪14‬عبد الستار إبراهيم‪ .‬العالج المعرفي السلوكي الحديث‬

‫‪26‬‬


‫يف و�صف عملية االندماج ‪ -‬كارل يوجن‬ ‫يحدثنا كارل جو�ستاف يوجن عن التغري الذي يحدث يف كال ال�شخ�صني‬ ‫مع ًا امل�شري وامل�ست�شري‪ ،‬فمن امل�ستنتج �أن امل�ست�شري هو الذي يتجه نحو التغري‬ ‫ولكن اجلديد الذي ي�ضيفه يوجن �أن التغري يحدث �أي�ض ًا للم�شري ت�أثراً مبا يحدث‬ ‫داخل العالقة العالجية‪ ،‬فتفاعل امل�شري مع امل�ست�شري والت�أثر بكل تفا�صيل معاناة‬ ‫امل�ست�شري يجعله يتحد به بدرجة متكن امل�ست�شري من التغري بدروه والتي بدونها‬ ‫لن ي�ستطيع امل�ست�شري التغيري‪ ،‬فيقول يوجن‪�" :‬إن تالقي �شخ�صيتني مثل تالم�س‬ ‫مادتني كيماويتني لو حدث �أي تفاعل يتغري كالهما‪ ،‬علينا �أن نتوقع �أن‬ ‫يكون للطبيب ت�أثريا على املري�ض يف كل عالج نف�سي فعال‪ ،‬لكن هذا الت�أثري‬ ‫ال ميكن حدوثه �إال لو ت�أثر الطبيب بدوره مبري�ضه‪."15‬‬ ‫وال �أ�ستطيع كم�شرية ق�ضيت �سنوات يف حجرة امل�شورة �أن ا�ستوعب‬ ‫كيف �أنني يف كل مرة �أذهب ملقابلة امل�ست�شريين �أحمل الكثري من �رصاعاتي‬ ‫ال�شخ�صية ومعاناتي النف�سية‪ ،‬وعندما �أق�ضي �أربع �أو خم�س �ساعات يف‬ ‫مقابالت امل�ست�شريين‪� ،‬أعود ب�إح�سا�س جديد فيه الكثري من الإجهاد والر�ضى‪،‬‬ ‫والكثري من الهدوء والت�أمل‪ ،‬درو�س ودرو�س مل �أكن �أتخيل �أن احلياة �سوف‬ ‫تك�شف يل عنها يوم ًا يف كل ق�صة و�رصاع‪ ،‬ويف كل تغري وحت ٍد يجتاز فيه‬ ‫امل�ست�شريون‪ ،‬يف ت�أثر و�إح�سا�س باملهارات اجلديدة التي �أر�صدها تنمو يف‬ ‫حجرة امل�شورة ويقودين نحوها امل�ست�شريين تذكرين بقول امل�شوري رولو ماي‬ ‫"�إن ال�شخ�ص الذي يت�أمل العمل الفني يتحول �إىل العمل ذاته‪� ،‬إنه يتعني فيه‬ ‫وبهذا يتخل�ص من ذاته‪ ،‬وهذا يف ر�أيه �رس القوة التطهريية للفن‪ ،‬امل�شورة‬ ‫لها خا�صية تطهريية ب�شكل �أعلى جتعل امل�شري يتحرر من م�شاكله‪ ،‬ويف نف�س‬ ‫الوقت ي�شعر بتعب غريب مثلما يتعب الفنان بعد �ساعتني من الر�سم ‪."16‬‬ ‫رولو ماى‪ .‬فن المشورة‪73 .‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪ 16‬رولو ماى‪ .‬نفس المرجع السابق‪73 .‬‬

‫‪27‬‬


‫ويكمل رولو ماي حول العالقة امل�شورية "يعمل امل�شري �أ�سا�س ًا عرب عملية‬ ‫التقم�ص الوجداين حيث ُي�ؤخذ امل�شري وامل�ست�شري من نف�سيهما �إىل كيان نف�سي‬ ‫م�شرتك وت�صري م�شاعر و�إرادة كل منهما جزء ًا من هذه الكينونة اجلديدة‪.‬‬ ‫ومن ثم يلقي امل�ست�شري مب�شاكله على عاتق هذا ال�شخ�ص اجلديد �أو الكيان‬ ‫اجلديد ومن ثم يحمل امل�شري ن�صفها اخلا�ص به"‪.‬‬ ‫فعملية الدمج التي حتدث بني امل�ست�شري وامل�شري تكون مبثابة الكوبري اخلر�ساين‬ ‫الذي تنتقل عليه الأفكار املُعدلة والبديلة وجتري عليه املهارات املختلفة التي‬ ‫تنتقل من امل�شري �إىل امل�ست�شري‪ ،‬ومن دون الت�أكد من تكوين هذه العالقة بهذه‬ ‫املتانة لن ن�ستطيع الأخذ بيد امل�ست�شري‪.‬‬

‫هام جداً‬

‫ي�صل الثبات النف�سي للم�شري وو�ضوحه و�شجاعته وقوة �إرادته �إىل‬ ‫امل�ست�شري ومن ثم يعينه هذا يف �رصاعه النف�سي داخل ال�شخ�صية‪ .‬ف�إذا‬ ‫مل �أكن كم�شري �أمتتع بالثبات االنفعايل والهدوء وال�سكينة و�إذا مل �أكن‬ ‫تعاملت مع �رصاعاتي النف�سية ومعاناتي اخلا�صة لن �أ�ستطيع �أن �أكون‬ ‫العن�رص الفعال يف هذه العالقة‪.‬‬ ‫خط�أ م�شوري "يجب �أن نفهم �أن التقم�ص الوجداين ال يعني تعيني جتارب‬ ‫املرء يف امل�ست�شري" وهو ما يحدث عندما يعلق امل�شري قائال‪:‬‬ ‫"�أيوه �أنا بر�ضه ح�صل يل كده" – "�أيوه ما �أنا جربت كده ‪"...‬‬ ‫يف امل�شورة احلقيقية ال وجود لذكريات امل�شري فهذا �إمنا هو تعبري عن التمركز‬ ‫حول الذات‪ ،‬والتقم�ص الوجداين حتديداً هو عك�س التمركز حول الذات‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫ففي حجرة امل�شورة ال مكان للم�شري حتت الأ�ضواء‪ ،‬فهي م�سلطة متام ًا على‬ ‫امل�ست�شري‪ ،‬فال يكون هناك حوار تباديل يروي فيه كل منا خرباته املماثلة �أو‬ ‫املت�شابهة‪ ،‬فنحن �شخ�صني خمتلفني يف البناء النف�سي والن�ش�أة وخربات احلياة‬ ‫وتفاعلنا مع اخلربات املختلفة حتى و�إن ت�شابهت‪ ،‬وبناء عليه حتى لو افرت�ضنا‬ ‫�أن طريقة التعامل مع م�شكلته تت�شابه معي فلي�ست بال�رضورة �أنه �سيفعلها بنف�س‬ ‫الطريقة والأداء وال نفرت�ض �أنه �سي�أخذ الوقت نف�سه يف تعلم املهارات املختلفة‬ ‫فتفرده هو العامل الأ�صيل يف التغري وهو الذي �سيجعله يفعلها بطريقته‪ ،‬لهذا‬ ‫ال ي�صح �أبداً �أن �أروي للم�ست�شريين ق�ص�ص جناحي يف تخطي ما زالوا يتعرثون‬ ‫هم فيه‪ .‬ال ت�أتي اخلربات ال�سابقة �إىل عملية امل�شورة هكذا‪ ،‬فالهدف هو فهم‬ ‫امل�ست�شري وفق ًا لنمطه املتفرد‪.‬‬ ‫ف�إذا �شارك امل�شري بخرباته ال�شخ�صية فهو ي�سقط ذاته على املوقف بطريقة قد‬ ‫تكون �شديدة ال�رضر‪ ،‬نعم �سوف تعني اخلربات امل�شري على فهم امل�ست�شري �إعانة‬ ‫ال حد لها‪ ،‬ولهذا فهذه اخلربات ال غنى عنها ولكن هذه املعونة �سوف تكون‬ ‫مبثابة �إ�سهام غري مبا�رش‪.‬‬

‫�سر الت�أثري‬

‫نحن ك�أ�شخا�ص نت�أثر مبن نتعامل معهم بال�سلب �أو بالإيجاب‪ ،‬وميكننا �أن‬ ‫ن�ستفيد من هذه اخلا�صية يف ت�أثر امل�ست�شريين بنا كم�شريين‪ ،‬مع العلم �أنه ي�ضع‬ ‫العبء الكبري على �أكتافنا حتى نحر�ص �أن نكون قدوة طوال الوقت‪ .‬والت�أثري‬ ‫هو �إحدى نتائج التقم�ص الوجداين‪ ،‬البد للم�شري �أن ي�ؤثر يف امل�ست�شري‪،‬‬ ‫والت�أثري لي�س مبجرد كلماته ال�سطحية التي يتفوه بها فح�سب بل كما يقول‬ ‫رولوماي‪" :‬ما تكونه يتحدث ب�صوت �أعلى مما تقوله" فلغة ج�سدي ونربة‬ ‫‪29‬‬


‫�صوتي ونظرات عيناي وطريقة حواري كلها تتحدث ب�صوت �أعلى كثرياً مما‬ ‫ندرك حتى �أننا نده�ش عندما جند امل�ست�شري يت�أثر ويتغري ويتعلم بع�ض ًا من مفرداتنا‬ ‫التي ن�ستخدمها وطريقة نظرة الوجه املهتم واختيار الكلمات املق�صودة بعناية‪،‬‬ ‫فامل�شري كاملغناطي�س يجذب النا�س �إليه يف �أ�سلوبه املتميز وتركيزه واالهتمام‬ ‫الذي يقدمه لعمالئه‪ ،‬فامل�شري تخرج منه طاقة �أكرث مما يتخيل‪ .‬يت�أثر امل�ست�شري‬ ‫بامل�شري من خالل‪-:‬‬ ‫‪ -1‬ت�أثري الأفكار‪ :‬ميت�ص النا�س الأفكار ويحولونها �إىل �أفكارهم اخلا�صة‪،‬‬ ‫فعندما يجد امل�ست�شري يف �أفكاري كم�شري مت�سع جديد وحرية ملعاناته ال يتورع‬ ‫�أبداً يف اعتناق هذه الأفكار‪.‬‬ ‫‪ – 2‬ت�أثري ال�شخ�صية الوقتي‪ :‬الإمياءات والنربات واحلاالت النف�سية �أثناء‬ ‫احلوار يف اجلل�سة‪.‬‬ ‫‪ – 3‬ت�أثري ال�شخ�صية العام‪ :‬وهو ال�شكل الأكرث دوام ًا من �أ�شكال الت�أثري‬ ‫فيه ي�أخذ ال�شخ�ص منط ودور �شخ�ص �آخر مثل الطالب واملدر�س واخلادم‬ ‫واملخدوم‪ ،‬والت�أثري ال �شعوري عادة‪ ،‬ال يدرك االثنان عملية الت�أثري‪.17‬‬ ‫امل�شري ميتلك املكانة عرب موقعه و�شخ�صيته ومن ثم ميكنه ممار�سة اجلزء الأكرب‬ ‫من الت�أثري يف عملية امل�شورة لكن لو تعب �أو قلت �شجاعته ل�سبب �أو لآخر قد‬ ‫تنقلب الطاولة عليه ويجد نف�سه يفرت�ض حالة امل�ست�شري ويتيح للآخر الفر�صة‬ ‫لتوجيه املقابلة ويف هذه احلالة ي�شري امل�ست�شري على امل�شري ومن الأف�ضل للم�شري‬ ‫�أن يرتك حماولة امل�شورة حتى تعود �إليه �شجاعته‪.‬‬ ‫يت�ضح لنا يف كل ما �سبق �أن العبء الأكرب يقع على كاهل امل�شري يف العملية‬ ‫امل�شورية‪ ،‬فهو مطالب ب�أن يعي�ش ويكون وي�سلك قبل �أن يتكلم ويعلم ويقود‪،‬‬ ‫‪ 17‬رولو ماي‪ .‬نفس المرجع السابق ‪84‬‬

‫‪30‬‬


‫فالأخالق النبيلة يجب �أن تكون جزءاً من �شخ�صية امل�شري الذاتية و�أدواته اخلا�صة‬ ‫التي ميتلكها‪ .‬كارل يوجن يقول يف هذا ال�صدد‪ :‬فيما يخ�ص املعالج كل املبادئ‬ ‫الهادية يف العالج تحُ َ مل الطبيب واجبات �أخالقية هامة ميكننا �أن جنمعها يف‬ ‫قاعدة واحدة هي‪":‬كن الرجل الذي به تريد �أن ت�ؤثر يف الآخرين‪."18‬‬ ‫�إدراكي ملن �أكون وقيمي و�أهدايف �سوف تكون هي الأ�سا�سية يف امل�شورة‪،‬‬ ‫اهتمامي بنف�سي ون�ضجي وثقافتي وتنمية قدراتي الذهنية والفكرية �سوف ت�سهم‬ ‫يف تغري امل�ست�شري‪ ،‬نتعلم كيف ن�سرتخي ذهني ًا وروحي ًا ونف�سي ًا "امل�شورة هي‬ ‫َم ْن �أنا"‪ ،‬نتعلم كيف نرتك �أنف�سنا لكي ندخل يف عامل الآخر دون خوف‪.‬‬ ‫نتعلم كيف نعي�ش يف �أمانة و�صدق مع نفو�سنا‪ ،‬فكل �إجناز �أجنزه يف حياتي‬ ‫كم�شري �سوف �أح�صد ثماره يف حياة امل�ست�شري الذي �س�أ�ساعده‪ ،‬فال نبخل‬ ‫على نفو�سنا يف التعلم واكت�ساب اخلربات والبحث واللهث وراء كل الو�سائل‬ ‫والكتب والأبحاث التي ت�ؤدي �إىل منونا ون�ضحنا الذي �سنح�صده لي�س يف‬ ‫نفو�سنا فقط بل يف نفو�س كل من �سنقابلهم‪.‬‬ ‫قراءة امللحق الثاين لتعلم بع�ض التدريبات العملية التي متكننا ك�أ�شخا�ص‬ ‫ن�سعى للتدريب على امل�شورة من �إتقان بع�ض املهارات التي ت�ساعدنا على الثبات‬ ‫النف�سي والتما�سك والقدرة على �إدارة حياتنا وانفعاالتنا وغريه‪.‬‬

‫‪ 18‬رولو ماي‪ .‬نفس المرجع السابق ‪89‬‬

‫‪31‬‬


‫التفكري النقدي‬ ‫�إن �إحدى �آفات جمتمعنا ال�رشقي هي امل�سلمات و�أخذ الأمور على علتها‪،‬‬ ‫والك�سل يف البحث والرتوي والدرا�سة التحليلية لكل ما يقابل حياتنا‪ ،‬فنحن‬ ‫مل نرتب على التفكري النقدي للأمور التي تعرت�ض طريقنا بل نقبلها دون فح�ص‬ ‫وت�صبح جزءاً من حياتنا‪ ،‬وما مل يعمل امل�شري جاهداً يف تبني فكر ناقد لن‬ ‫يتمكن من م�ساعدة الآخرين‪ ،‬وذلك لأنه �سيكون يف نف�س اخلندق وال�سجن‬ ‫الذي يحب�س فيه امل�ست�شري نف�سه‪ ،‬فتحرر فكر امل�شري �سوف ي�ساعد امل�ست�شري يف‬ ‫اخلروج من هذا ال�سجن الوهمي الذي ي�صنعه امل�ست�شري حول نف�سه‪.‬‬ ‫ف�إن كنا نرغب يف امل�ساعدة علينا �أن نتعلم ونكت�سب مهارة التفكري النقدي‪،‬‬ ‫وال نرتك �أي �أمر يعرت�ض حياتنا دون فح�ص ودرا�سة ثم �إعادة اختيار وتبني‬ ‫للأفكار بالأ�سلوب العلمي احلديث‪.‬‬ ‫كما ي�ؤكد �إيريك فروم �أنه ال ينبغي �أن يكون املحلل �ساذج ًا‪� ،‬أي �أنه يجب‬ ‫�أن يعرف العامل كما هو ويجب �أن يكون نقدي ًا جتاه ما يحدث‪ ،‬فكيف ميكن‬ ‫�أن يكون املرء نقدي ًا حيال نف�س ال�شخ�ص الآخر‪ ،‬حيال وعيه‪� ،‬إن مل يكن املرء‬ ‫يف الوقت نف�سه نقدي ًا حيال الوعي العام والقوى التي هي حقيقة يف العامل‪...‬‬ ‫على املرء �أن يكون نقدي ًا و�أن يرى ما هو وراء املظاهر‪ .‬و�أعتقد �أن املرء ال‬ ‫ي�ستطيع �أن يفهم �شخ�ص ًا �آخر ما مل يكن املرء نقدي ًا ويفهم القوى التي قولبت‬ ‫هذا ال�شخ�ص‪ ،‬وجعلت هذا ال�شخ�ص ما هو عليه‪ .‬والتوقف عند ق�صة الأ�رسة‬ ‫غري ٍ‬ ‫كاف كذلك للفهم الكامل للمري�ض‪ .‬ولن يدرك كذلك من هو متام ًا‬ ‫�إال �إذا كان مدرك ًا الو�ضع االجتماعي الكلي الذي يعي�ش فيه‪ ...‬والتفكري‬ ‫النقدي �صعب للغاية لأنه يتنازع مع م�صالح املرء‪ .‬وال �أحد يدعم ب�صورة‬ ‫‪32‬‬


‫خا�صة من �أجل التفكري وممار�سة النقد‪ ،‬ولي�س لأحد �أي فائدة من ذلك‪� ،‬إال‬ ‫�أنه قد يجنيها على املدى الطويل‪.‬‬ ‫ما ينبغى على النا�س تعلمه قبل كل �شيء هو ر�ؤية الفارق بني احلقيقي واملظهر‬ ‫اخلارجي‪ ،‬وفعلي ًا ف�إن هذا الفهم �شديد ال�ضعف اليوم‪ .‬ف�أكرث النا�س يح�سبون‬ ‫الكلمات واقع ًا‪.19‬‬ ‫قد يت�ساءل البع�ض ملاذا نحتاج �أن ندر�س عن التفكري النقدي و �أن نتعلم هذه‬ ‫املهارة‪ ،‬بل و�إن نتقنها مل�ساعدة الآخرين‪ ،‬ي�صف نبيل علي فى كتابه "العقل‬ ‫العربى" املالمح‪ 20‬واجلوانب ال�سلبية لتفكرينا كعرب فى النقاط التالية‪.‬‬ ‫اجلوانب ال�سلبية للتفكري العربى‬ ‫‪ .1‬فكر احادي الأبعاد يرى الأمور عادة من زاوية واحدة‪ ،‬وهو ما‬ ‫يتعار�ض مع مفهوم التفكري املتوازى‪.‬‬ ‫‪ .2‬فكر ي�سوده طابع رد الفعل‪ ،‬وهو ما يتنافى مع التفكري اال�ست�رشايف‪.‬‬ ‫فكر قانع ملول يكتفي ب�أول بديل ويزهد يف ا�ستعرا�ض باقي البدائل‪ ،‬وهو ما‬ ‫يتنافى مع التفكري التباديل‪.‬‬ ‫‪ .3‬فكر مييل �إىل اليقني وين�شد الإجماع والتعامل مع القاطع‪ ،‬وهو ما‬ ‫يتنافى مع التفكري الإحتمايل‪.‬‬ ‫‪ .4‬فكر وهنت �صالته مع العلوم ال�صورية من منطق وريا�ضات و نظريات‬ ‫الأ�شكال والنظم‪ ،‬وهو ما يتناق�ض مع التفكري التجريدي‪.‬‬ ‫‪ 19‬إيرك فروم‪ .‬فن اإلصغاء‪106 ،105 .‬‬ ‫‪ 20‬نبيل على ‪.‬العقل العربى و مجتمع المعرفة‪22 ،21 .‬‬

‫‪33‬‬


‫‪ .5‬فكر ما �أ�سهل �أن ينزلق فى متاهة التفا�صيل التي تلهبه عن ر�ؤية ال�صورة‬ ‫ال�شاملة‪ ،‬وهو ما يتنافى مع الفكر املنظومي‪.‬‬ ‫‪ .6‬فكر يعاين الرنج�سية القبلية وهو ما يجعله عاجزاً عن فهم الآخر‬ ‫املختلف‪ ،‬متمركز حول ذاته‪ ،‬وقد �ضمرت لديه مهارات ال�سجال واحلوار‬ ‫وهو ما يتنافى مع الفكر التوا�صلي‪.‬‬ ‫‪ .7‬فكر توفيقي‪ ،‬ينطلق من ذلك املبد�أ القائل ب�أن احلقيقة و�سط بني طرفني‬ ‫وهو ما يتنافى مع الفكر الرتكيبي القائم �أ�سا�س ًا على الدمج بني العنا�رص و تفعيل‬ ‫عالقات اجلدل بينها‪.‬‬ ‫لهذا وجب علينا التعامل مع هذه امل�شكالت التى يت�سم بها تفكرينا حتى ما‬ ‫منتلك القدرة على البحث التفكري والتحليل واال�ستنتاج و�إيجاد احللول وطرح‬ ‫البدائل والإحتماالت التى �ست�صادفنا فى العملية امل�شورية‪.‬‬ ‫مثال عملي من حوار مع م�ست�شرية‪:‬‬ ‫امل�ست�شرية‪� :‬أنا ب�ساعد كل �إخواتي املتزوجني كل ما يلج�أوا يل وبديهم �أولوية‬ ‫عن نف�سي يف الوقت واملجهود‪ .‬م�ش قادرة �أمنع نف�سي عن م�ساعدتهم‪ ،‬وهما‬ ‫علي م�سئوليات كترية‪ ،‬فيها �سابويل م�سئولية ماما املُ�سنة‪ .‬وملا‬ ‫كمان و�ضعوا ّ‬ ‫بلج�أ لهم ي�ساعدوين م�ش بالقيهم‪.‬‬ ‫الأ�سئلة التي �أحتاج �أن �أ�س�ألها لنف�سي مل�شري يتمتع بالتفكري النقدي‪:‬‬ ‫‪ .1‬ما هو جوهر وقيمة م�ساعدة الأخ؟‬ ‫‪ .2‬ما هو مفهوم املجتمع عن م�ساعدة الأخ؟‬ ‫‪.3‬ما هي حدود امل�ساعدة؟‬ ‫‪ .4‬هل الأخ مطالب برد امل�ساعدة يل؟ وماذا لو مل يرد؟ هل �س�أ�ستمر‬ ‫بامل�ساعدة �أم �أتوقف؟‬ ‫‪34‬‬


‫‪ .5‬ما هي القيمة والعائد النف�سي الذي حت�صل عليه امل�ست�شرية من م�ساعدة‬ ‫الأخوة والأم؟‬ ‫‪.6‬ما هي القيمة املجتمعية التي تق�ضي ب�رضورة رعاية البنت لأمها املُ�سنة‬ ‫دون �إخوتها؟‬ ‫‪.7‬هل م�ساعدة الأخوة �أو الأم ت�أتي قبل م�ساعدة النف�س؟‬ ‫قد يبدو �أن و�ضع ًا هكذا طبيعي جداً يف جمتمعنا‪ ،‬عم ًال باملقولة ال�شهرية‬ ‫"البنت �أوىل ب�أمها"‪ .‬الإخوة والأخوات يعي�شون يف حالة من اال�ستقرار‬ ‫الأ�رسي ويقع االختيار على �إحدى الأخوات لتعول الأم املُ�سنة مبفردها‪ ،‬وال‬ ‫ت�ستطيع �أن تعرت�ض و�إال �ستكون االبنة اجلاحدة ناكرة اجلميل‪ ،‬يف حني �أن‬ ‫باقي الإخوة م�شغولون بحياتهم وزوجاتهم و�أزواجهم‪ ،‬وال يعبئون ف�إن �أمهم‬ ‫تعولها الأخت امل�سكينة مبفردها‪.‬‬ ‫التفكري النقدي هو ال�سالح والدفاع الوحيدان اللذان ميلكهما املرء �ضد‬ ‫الأخطار يف احلياة‪� .‬إذا مل �أفكر نقدي ًا ف�أنا عر�ضة لكل الت�أثريات‪ ،‬ولكل‬ ‫املقرتحات‪ ،‬ولكل الأخطاء‪ ،‬ولكل الأكاذيب املنت�رشة التي �أتلقنها من اليوم‬ ‫ف�صاعداً‪ .‬وال ميكن �أن يكون املرء حراً‪ ،‬وال �أن يكون ذاته وال �أن يكون له‬ ‫مركز يف ذاته ما مل يكن قادراً على التفكري نقدي ًا ‪ ...‬ولي�س التفكري النقدي‬ ‫هواية و�إمنا هو ملكة‪ .‬ولي�س التفكري النقدي �شيئ ًا ت�ستخدمه بو�صفك فيل�سوف ًا‬ ‫ثم عندما تكون فيل�سوف ًا تفكر نقدي ًا‪ ،‬ولكنك عندما تكون يف البيت تتخلى‬ ‫عن تفكريك النقدي‪ ،‬تخلعه‪� .‬إن التفكري النقدي خ�صي�صة مقدرة‪ ،‬مقاربة‬ ‫للعامل ولكل �شيء‪ ،‬وهو على الإطالق لي�س نقدي ًا مبعنى العدوان وال�سلبية‬ ‫‪35‬‬


‫والعدمية بل على العك�س يقف التفكري النقدي يف خدمة احلياة‪ ،‬يف خدمة �إزالة‬ ‫عقبات احلياة التي ت�شلنا و�إزالتها فردي ًا واجتماعي ًا‪ .‬ويحتاج التفكري النقدي �إىل‬ ‫ال�شجاعة �إذا كان املرء يعي�ش يف عامل ُي َجر فيه‪ .‬ولكن على املرء �أال يغايل يف‬ ‫تقدير ال�شجاعة التي يتطلبها التفكري النقدي ‪.21‬‬ ‫مثال �آخر‪:‬‬ ‫م�ست�شرية تتمتع بالتفكري النقدي وتت�ساءل‪:‬‬ ‫ليه الزم �أبقي ب�شكل معني عل�شان �أتقبل من الأوالد ويعجبوا ّبي؟ ارف�ض �أن‬ ‫�أ�ضع امل�ساحيق و�ألب�س مالب�س معينة حتى �ألفت انتباههم‪ ،‬وال �أحب �أن �أتكلم‬ ‫بطريقة تبدو رقيقة ومبالغة حتى يروين‪ ،‬و�أت�أمل عندما �أرى ال�شباب ينجذبون‬ ‫�إىل تلك الفتاة التي تتمتع بهذه املوا�صفات‪.‬‬ ‫ماذا �س�أفعل كم�شري عندما �أ�سمع هذا النقد؟‬ ‫‪ .1‬هل �س�أدعو هذه امل�ست�شرية �إىل االهتمام مبظهرها وم�ساعدتها لتكون‬ ‫جذابة يف �أعني ال�شباب؟‬ ‫‪� .2‬أم �س�أ�ستوعب تفكريها الناقد ملا يدور حولها من مظاهر مزيفة حتى‬ ‫و�إن ظلت دون ارتباط؟‬ ‫‪ .3‬هل �أ�ستطيع �أن �أرى الأمرا�ض املجتمعية القائمة على املظاهر‬ ‫واالهتمامات التافهة؟‬ ‫‪ .4‬هل �س�أتفق معها و�أرف�ض الزيف و�أدعمها يف موقفها؟‬ ‫‪� .5‬أم �أنني مازلت جزءاً من هذا املجتمع و�أتبنى نف�س مفاهيمه املري�ضة؟‬ ‫يقدم باولبي �أ�سباب �ضعف املرء يف التفكري النقدي ويقول‪ :‬من �صفات‬ ‫الطفل املهمل واجلانح‪� :‬ضعف و�صعوبة يف االنتباه راجع �إىل عدم الثبات‬ ‫‪ 21‬إيريك فروم‪ .‬نفس المرجع السابق‪162 .‬‬

‫‪36‬‬


‫االنفعايل لل�شخ�ص‪� ،‬إدراك �ضئيل للغاية للحقائق املو�ضوعية‪ ،‬تخيالت طاغية‬ ‫ونق�ص تام يف القدرة على النقد‪ .‬عدم القدرة على التجريد الدقيق والتحليل‬ ‫املنطقي‪ ،‬وت�أخر ملحوظ يف منو اللغة‪.‬‬ ‫يكمل باولبى‪� :‬إن �شخ�صياتنا كلما منت قل خ�ضوعنا �شيئ ًا ف�شيئ ًا لرحمة‬ ‫الظروف املحيطة بنا مبا�رشة‪ ،‬والأ�ساليب التي ت�ؤثر بها علينا‪ ،‬وتزداد قدرتنا‬ ‫على اختيار وخلق ما يحيط بنا‪ ،‬وعلى ر�سم خطط م�ستقبلة‪ ،‬لفرتات طويلة‬ ‫من الزمن غالب ًا‪ ،‬ملا نريده من اال�شياء‪ ،‬ويعني ذلك �ضمن ما يعنيه �أن علينا‬ ‫�أن نتعلم التفكري ب�شكل جمرد‪ ،‬وتنمية خيالنا‪ .‬و�أن ندخل يف ح�سابنا �أ�شياء‬ ‫غري جمرد م�شاعرنا ورغباتنا احلالية‪ ،‬وعندما ي�صل الفرد �إىل هذه املرحلة فقط‬ ‫يكون قادراً على �أن يتحكم يف رغبته العاجلة من �أجل �إ�شباع حاجته الآجلة‬ ‫الأكرث �أهمية ‪.22‬‬ ‫يت�ألف التفكري النقدي من ثالث مراحل‪:‬‬ ‫‪ -1‬الوعي بوجود افرتا�ضات �أ�سا�سية‪.‬‬ ‫‪ -2‬الت�رصيح بهذه االفرتا�ضات و�إخراجها �إىل وا�ضحة النهار‪.‬‬ ‫‪ -3‬ت�سليط �أ�ضواء النقد على هذه االفرتا�ضات‪ :‬هل هي ذات معنى؟ هل تن�سجم‬ ‫مع الواقع كما نفهمه ونعي�شه؟ متى ت�صح هذه االفرتا�ضات ومتى تبطل؟‬ ‫يف غياب التفكري النقدي نكون رهائن للم�ؤثرات املحيطة‪ ،‬فال ي�سعنا �إال �أن‬ ‫نكرر تكراراً �أعمى‪ ،‬تلك اال�ستجابات التي تعلمناها من قبل‪ ،‬وال ي�سعنا �إال‬ ‫�أن نقبل‪ ،‬قبو ًال �أعمى‪ ،‬كل ما يقال لنا يف �أبواق الدعاية ال�سيا�سية والتجارية‪،‬‬ ‫ويف ال�صحافة والكتب وكل ر�أي ي�صدر عن ال�سلطة‪.‬‬ ‫‪ 22‬جون باولبى‪ .‬رعاية الطفل وتطور الحب‪57 ،49.‬‬

‫‪37‬‬


‫�إن التفكري النقدي والعلمي لي�س �شيئ ًا فطري ًا ن�أتيه بالطبيعة ونعرفه بال�سليقة‪،‬‬ ‫و�إمنا هو عمل حريف يتطلب حذق ًا ومهارة‪ .‬لي�س من ال�صحيح �أن لدينا قدرة‬ ‫طبيعية على التفكري الوا�ضح والنقدي بغري تعلم ممار�سته‪ .‬وال ينبغي �أن نتوقع‬ ‫من غري املُدرب �أن ُيفكر تفكرياً وا�ضح ًا �أكرث مما نتوقع من غري املُدرب �أن يجيد‬ ‫لعب التن�س �أو اجلولف �أو العزف على البيانو‪.‬‬ ‫مي�ضي التفكري النقدي �ضد هذه املقاومات ال�رش�سة‪ ،‬فيحتاج �إىل كفاءة‬ ‫نف�سية كبرية‪ ،‬غري مق�صورة على الذكاء الذهني املح�ض‪ .‬يحتاج �إىل �شيء‬ ‫من الذكاء االنفعايل‪� ،‬إىل الت�سامح والتعاطف واملواجدة‪� ،‬أي القدرة على �أن‬ ‫ي�ضع املرء نف�سه مو�ضع الآخر‪ ،‬ويرى الأمور من وجهة نظر الآخر‪ ،‬ويتخذ‬ ‫الإطار املرجعي للآخر‪ ،‬القدرة على اكت�شاف "ماذا ي�شبه �أن يكون" �أن يعتقد‬ ‫املرء تلك الأفكار التي ي�ضعها مو�ضع الت�سا�ؤل قبل �أن يهم بتقوي�ضها‪.‬‬ ‫فكر بنف�سك لنف�سك‪ .‬ذلك لأن التقدم يف التفكري النقدي ال يتم �إال كرحلة‬ ‫فردية َ‬ ‫وك ْد ٍح �شخ�صي‪� .‬صحيح �أن هناك ُ�س ُب ًال كثرية ميكن �أن جتعل من الفل�سفة‬ ‫جهداً م�شرتك ًا ومهمة جماعية‪� ،‬ش�أنها يف ذلك �ش�أن العلم‪� ،‬إال �أن على كل‬ ‫�شخ�ص يف النهاية �أن يفكر لنف�سه‪ ،‬و�أال َيكِ ل �إىل غريه �أن يفهم بالنيابة عنه‪.‬‬ ‫اكت�سب القدرة على االنف�صال عن ر�أيك و َم ْو َ�ض َعتِه‪ ،‬وو�ضعه على حمك‬ ‫التحليل والنقد‪ ،‬مثلما تفعل مع �آراء الغري‪.‬‬ ‫ال ت�صدق كل ما ت�سمع‪ ،‬ون�صف ما ترى وال تبخل بجهد من �أجل اخلروج‬ ‫من مركزية العرق‪ ،‬من كهف الآراء ال�شائعة يف ُعرف جماعتنا‪.‬‬ ‫ني خط�ؤه‪.‬‬ ‫كن على ا�ستعداد‪ ،‬من حيث املبد�أ‪ ،‬للتخلي عن ر�أيك �إذا ما َت َب َ‬ ‫ا�س�أل �س�ؤاال حقيقي ًا‪� ،‬س�ؤال من يبحث عن احلق ال جمرد تربير ملا يعتقده‬ ‫�سلف ًا ‪.23‬‬ ‫‪ 23‬عادل مصطفى‪ .‬المغالطات المنطقية‪22 ،12 .‬‬

‫‪38‬‬


‫ملعرفة املزيد عن التفكري النقدي راجع امللحق الثالث اخلا�ص به يف نهاية‬ ‫الكتاب بعنوان "مهارة التفكري الناقد"‪.‬‬ ‫املحاور الرئي�سية التي بدونها ال ميكن اخلو�ض يف عملية امل�شورة‬ ‫االهتمام بالن�ضج النف�سي للم�شري‪ ،‬التعليم‪ ،‬القراءة‪ ،‬املمار�سة والإ�رشاف‬ ‫والبد �أن يكونا مع ًا‬ ‫بعد �أن �أوجدنا االت�صال و�أ�س�سنا العالقة مع امل�ست�شري جند �أنف�سنا الآن يف‬ ‫املرحلة املركزية يف املقابلة امل�شورية وت�سمى مرحلة التفريغ �أو التنفي�س �أو‬ ‫الف�ضف�ضة‪.‬‬ ‫كل هذه املحاور مع ًا �سوف تنمي اجلانب النقدي والت�أثري يف الآخر وال�سعة‬ ‫النف�سية والفكرية التي �أحتاج �أن �أحتلى بهما لكي ما �أ�صبح م�شرياً متميزاً‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫ت�أ�سي�س العالقة العالجية‬ ‫كارل روجرز‪" :‬قد وجدت �أنه كلما كان هناك �شخ�ص �آخر على ا�ستعداد �أن‬ ‫يخربين �شيئ ًا عن اجتاهاته الداخلية ف�إن هذا ي�ؤثر يف ب�شدة وله قيمة كبرية عندي"‪.‬‬ ‫من خالل عالقاتي مع النا�س وجدت �أنه ال فائدة البته وعلى املدى الطويل‬ ‫�أن �أدعي �أنني ل�ست ما هو �أنا‪ .‬ال يفيدين �أن �أدعي �أنني هادئ ولطيف و�أنا‬ ‫غا�ضب ناقم‪ ،‬ال يفيد �أن �أدعي �أين حمب ولطيف بينما �أنا كاره وعدواين‪ ،‬ال‬ ‫يفيد �أن �أدعي �أنني �أعرف الإجابات عندما �أجهلها‪ ،‬ال يفيد �أن �أت�رصف كما لو‬ ‫كنت واثق ًا متام ًا و�أنا مرتعب وخائف‪ ،‬ال يفيد �أن ؟؟؟كما لو كنت �سليم ًا بينما‬ ‫�أنا مري�ض‪ .‬لن �أقدر �أن �أحافظ على عالقاتي ب�أ�شخا�ص ما و�أنا �أحاول �أن �أحافظ‬ ‫على �صورة �سطحية عني و�أ�شعر ب�شىء خمتلف بداخلي‪ ،‬يف الواقع يبدو يل �أن‬ ‫معظم الأخطاء التي ارتكبتها يف حياتي املهنية وعالقاتي ميكن تف�سريها يف �ضوء‬ ‫واقعة �إنني ت�رصفت ل�سبب دفاعي �أو لآخر بطريقة ما على ال�سطح"‪.‬‬ ‫تعلمت �أن قبول �شخ�ص �آخر هو �أمر جد مجُ زٍ‪� ،‬أن قبول �شخ�ص �آخر حق‬ ‫و�صدق وقبول �إح�سا�سه هو �أمر لي�س بهني‪ .‬بع�ض الأ�سئلة املهمة‪:‬‬ ‫هل �أقبل كون ال�شخ�ص ي�شعر بالعداوة جتاهي؟ هل ميكن �أن �أقبل غ�ضبه ك�شيء‬ ‫طبيعي من حقه؟ هل �أقبله عندما يرى احلياة والعامل بطريقة خمتلفة عني؟ هل‬ ‫ميكنني قبوله عندما يح�س ب�أحا�سي�س �إيجابية قوية نحوي ويعجب بي؟ ويحاول �أن‬ ‫يقولب نف�سه على مثايل؟ غالب ًا ما نرف�ض �أن ي�شعر ويفكر من حولنا بطريقة خمتلفة‬ ‫عنا ونقبل تفردهم‪� .‬إن حق كل فرد ال�ستغالل خربته بطريقته واكت�شاف معناه‬ ‫اخلا�ص فيها هو �أحد �أهم الإمكانيات الكربى املوجودة يف احلياة‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫�أو ًال‪ :‬مهارات اال�ستماع‬ ‫�إن املكتبات مليئة بالكتب عن تعليم مهارات الإ�صغاء للآخرين‪ ،‬وهي‬ ‫تقدم الكثري من التفا�صيل حتى عن املعاين الرمزية للغة اجل�سد‪ .‬كل هذا جيد‬ ‫و�رضوري للتطور املهني للم�شري‪ ،‬ولكننا نريد هنا �أن نتعلم كيف ن�صغي بطريقة‬ ‫جديدة وغري مبا�رشة لل�شخ�ص الذي نقدم له امل�شورة‪.‬‬ ‫روجرز‪� :‬أجد �أنني �أكرث فاعلية عندما جتدين م�صغي ًا يف قبول لذاتي وعلى‬ ‫ا�ستعداد �أن �أكون ذاتي‪ ،‬تعلمت �أن �أُ�صغي �إىل ذاتي و�إىل ما يدور بداخلي‬ ‫من �أحا�سي�س غ�ضب ورف�ض وملل و�إنح�صار يف الذات كل هذه الأحا�سي�س‬ ‫بو�سعي الإ�صغاء لها يف ذاتي ونتيجة هذا الإ�صغاء �إنني �رصت �أكرث تالم�س ًا مع‬ ‫نف�سي و�أدع نف�سي كي �أكون ما �أنا عليه و�أن �أقبل نف�سي ك�شخ�ص ناق�ص ال‬ ‫ميكنه �أن يعمل كل الأوقات بنف�س الكيفية‪ ،‬وهذا له فائدة كربى فنحن لن‬ ‫نتغري للأف�ضل �إال لو �أدركنا حقيقة ما نحن عليه وعندئذ يحدث التغري كما لو‬ ‫بدون �سبب‪ ،‬عندما �أكون ذاتي ف�إن عالقاتي ت�صري حقيقية وحيوية وذات معنى‬ ‫و�أقبل م�شاعر الآخر التي تتغري جتاهي‪.‬‬ ‫جريارد �إيجان ‪ -‬يوجد نوعان من اال�ستماع‪:‬‬ ‫اال�ستماع ال�سلبي‪ :‬وهو اال�ستماع للم�ست�شري بانتباه ولكن بدون تعليق مع‬ ‫التقاء العينني وحماولة اال�ستماع بالقلب لي�شعر الآخر ب�أنك ت�شعر به‪.‬‬ ‫اال�ستماع الإيجابي‪ :‬وهو �أنك تعيد ما قاله الآخر عليه ب�صورة �أخرى‬ ‫لتعطيه انطباعا �أنك تفهمه ولي�س فقط ت�شعر به‪ .‬وما نرد به على امل�ست�شري ي�سمى‬ ‫ا�ستجابات تعاطفية‪.24‬‬ ‫‪ 24‬جيرارد ايجان‪ .‬مهارات المشورة‪ .‬ترجمة اوسم وصفي ‪8‬‬

‫‪41‬‬


‫متى ن�ستخدم اال�ستماع ال�سلبي ومتى ن�ستخدم اال�ستماع الإيجابي؟ هذا‬ ‫يعتمد على نوعية امل�ست�شري وعلى املرحلة التي ن�ستمع فيها‪.‬‬ ‫ي�صف �إيجان اال�ستماع الن�شط‪ :25‬ب�أن احل�ضور اجليد يمُ َكن امل�شري من �أن‬ ‫ين�صت باهتمام ملا يقوله امل�ست�شري ب�شكل �شفهي (منطوق) ‪verbal behavior‬‬ ‫وغري �شفوي (غري منطوق) ‪ Nonverbal‬و�أن اال�ستماع الكامل يت�ضمن ثالثة‬ ‫�أ�شياء‪:‬‬ ‫‪ -1‬مالحظة وقراءة ال�سلوكيات غري املنطوقة‪ ،‬تعبريات الوجه‪ ،‬احلركات‪،‬‬ ‫نربة ال�صوت‪.‬‬ ‫ف�إن الوجه واجل�سم �أعلى و�سائل ات�صال بني الأفراد‪ ،‬حتى �أنه يف ال�صمت‬ ‫نخترب �أن اجلو مملوء بالر�سائل‪ ،‬ففي بع�ض الأحيان عالمات الوجه وحركات‬ ‫اجل�سم ونربة ال�صوت تنقل التوا�صل �أكرث من الكلمات‪.‬‬ ‫ الت�أكيد والإعادة للر�سالة‪ :‬عندما تو�صل تفهمك للم�ست�شري ور�أيت عيناه‬‫�أ�ضاءت (تعبريات الوجه) ومال بج�سمه للأمام (حركات اجل�سم) وال�صوت‬ ‫كان مليئ ًا باحلركة (نربة ال�صوت) وقال‪� :‬أنت �أ�صبت الهدف‪� ،‬إذن ي�ؤكد‬ ‫�سلوك امل�ست�شري للر�سائل غري املنطوقة التي يريد �أن ير�سلها لك‪.‬‬ ‫ الإنكار والت�شوي�ش للر�سالة‪ :‬ال�سلوك غري املنطوق ميكن �أن يلغي ما يقوله‬‫امل�ست�شري ب�شكل منطوق‪ .‬فلو امل�ست�شري قال �إنه غري مت�ضايق من الطريقة التي‬ ‫حتديته بها ولكن وجهه �أحمر‪� ،‬إذن ال�سلوك غري املنطوق يبدو و�أنه يلغي ما‬ ‫يقوله ب�شكل منطوق‪.‬‬ ‫‪Gerard Egan. The Skilled Helper. 79,80 25‬‬

‫‪42‬‬


‫ يقوي وي�ؤكد الر�سالة‪ :‬لو امل�شري يقرتح على امل�ست�شري �أمراً ما بخ�صو�ص‬‫زوجته (غري املوجودة) ويكون ردة فعله �أنني ال �أ�ستطيع �أن �أفعل ذلك وو�ضع‬ ‫ر�أ�سه بني يديه‪ ،‬هذا �سلوك ي�ؤكد الر�سالة املنطوقة ويقويها‪.‬‬ ‫ ي�سيطر وينظم على الر�سالة‪ :‬لو كنت مث ًال يف جمموعة عالجية‪ ،‬و�أحد‬‫احلا�رضين نظر و�أعطى �إمياءة �أنه �سيقوم بالتحدث ل�شخ�ص �آخر ممكن �أن يرتدد‬ ‫ويغري ر�أيه �إذا هذا ال�شخ�ص �أ�شاح بوجهه �أو ك�رش‪.‬‬ ‫‪ -2‬اال�ستماع والتفهم للر�سائل غري املنطوقة‪.‬‬ ‫‪ -3‬اال�ستماع ب�شكل متكامل (�أي ما يقوله امل�ست�شري يدخل يف �إطار ق�صته‬ ‫كلها �أي ال يكون مبعزل عن م�شكلة امل�ست�شري) ‪.‬‬ ‫�إن هدف اال�ستماع هو الفهم‪ ،‬وم�شاركة ما فهمته كم�شري للم�ست�شري‬ ‫ي�ساعده يف فهم نف�سه‪ .‬فاال�ستماع ي�ساعد امل�ست�شري يف فهم نف�سه ب�شكل �أف�ضل‬ ‫وي�ضعه يف مكانه ب�شكل �أف�ضل لي�سلك ب�شكل بناء‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬معوقات اال�ستماع – "املوانع الداخلية لال�ستماع"‬ ‫‪ -1‬التفكري املبكر يف احللول‪ ،‬التفهم �أهم من الت�رسع ب�إيجاد احللول‪،‬‬ ‫فامل�شكلة وال�رصاع الذي يعاين منه امل�ست�شري �إمنا ي�ساعداه على النمو والن�ضج‪،‬‬ ‫وعلى البحث عن اكت�ساب مهارات متكنه من التكيف مع احلياة ب�صورة �أف�ضل‪،‬‬ ‫فال نتعجل بالبحث عن حلول مبكراً‪.‬‬ ‫‪ -2‬الهموم اخلا�صة بامل�شري‪� ،‬إذا كانت همومي وم�شاكلي حتتل نف�سي ف�سوف‬ ‫�أكون مركزي الذات‪� ،‬سوف �أجد �صعوبة يف التعاطف مع الآخرين‪ .‬وعليه‬ ‫‪43‬‬


‫احتاج كم�شري �أن �أتعلم �أن �أغلق على همومي ال�شخ�صية وقت مقابلة امل�ست�شري‪،‬‬ ‫و�أتدرب �أن �أكون بكامل تركيزي وطاقتي معه‪.‬‬ ‫‪ -3‬الف�شل يف �أن �أكون متالم�سا مع نف�سي‪ ،‬لو �أن معرفتي بنف�سي حمدودة‬ ‫و�أحيان ًا غري �صحيحة‪ ،‬فلن ميكنني تفهم �رصاعات امل�ست�شري‪ ،‬بل ورمبا يختلط‬ ‫علي الأمر وال �أ�ستطيع �أن �أميز حدودي النف�سية من حدوده‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪-4‬عدم اختبار هذا النوع من العالقات يف املا�ضي مع �شخ�ص �آخر‪ .‬رمبا‬ ‫ميكنني كم�شري �أن �أقود عملية م�شورية ناجحة بدون �أن �أخو�ض يف عالقة‬ ‫م�شورة كم�ست�شري‪ ،‬ولكنني لن �أكون بامل�شري الناجح املرهف احل�س و�أنا مل‬ ‫�أتزوق طعم هذه العالقة‪.‬‬ ‫‪� -5‬أن �أكون �ضعيف اال�ستماع‪ ،‬عندي رغبة يف التكلم على �أن �أ�ستمع‪.‬‬ ‫ف�إن كنت من ه�ؤالء النا�س فامل�شورة لي�ست مكانك‪ ،‬فمن �أهم �صفات امل�شري‬ ‫هي الإ�صغاء التام وقلة الرغبة يف التكلم �أثناء اجلل�سات وخ�صو�ص ًا يف املرحلة‬ ‫الأوىل من تكوين العالقة امل�شورية‪.‬‬ ‫‪ -6‬االن�شغال الزائد بالتكنيك‪ .‬ال تبحث عن تكنيك وال تفكر به �أثناء‬ ‫جل�سة امل�شورة‪ ،‬بل اترك نف�سك تغو�ص يف �أعماق امل�ست�شري ويف خربته‪،‬‬ ‫و�سوف ي�أتي وقت التكنيك �أكرث �إبداع ًا بعد حدوث الفهم‪ ،‬فهم امل�ست�شري‬ ‫لنف�سه‪ ،‬وفهمك للم�ست�شري‪.‬‬ ‫تابع خواطر امل�ست�شرية ر‪.‬ر‪:‬‬ ‫"‪...‬علمتني من جل�ساتي معها‪ ،‬ودون �أن تقول‪� ،‬أن �أكون م�ستمعة بل‬ ‫من�صتة ممتازة‪ ،‬و�أن �أكون متحدثة قلي ًال‪ ،‬ولكن بلباقة (يعني الكالم يف اجلون‬ ‫يف ال�صميم) ‪."...‬‬ ‫‪44‬‬


‫املالحظة‪:‬‬ ‫ال�سلوكيات غري املنطوقة (غري اللفظية) تلعب دوراً كبرياً بالن�سبة للم�شري‬ ‫وامل�ست�شري على حد ال�سواء‪ .‬فكل منهما يالحظ الآخر بعينيه يف الوقت‬ ‫و�صله ال�سمع‪.‬‬ ‫الذي ي�صغي فيه ب�أذنيه وقد تو�صل املالحظة �سلوك ًا غري الذي َّ‬ ‫واملالحظة �ش�أنها �ش�أن املقابلة تعترب و�سيلة �شائعة يف احل�صول على املعلومات يف‬ ‫عملية الإر�شاد مبراحلها املختلفة‪.26‬‬ ‫واجب عملي للأ�سبوع‪:‬‬ ‫اخترب نف�سك يف املالحظة كم من الوقت ت�ستمع وكم من الوقت تتكلم‬ ‫وحاول تنمية هذه املهارة – قراءة كتيب العالقة ال�سليمة مع الذات‪ .‬م�شري‬ ‫�سمري‬

‫‪ 26‬محروس الشناوي‪ .‬العملية االرشادية‪267 .‬‬

‫‪45‬‬


‫التعاطف �أو التقم�ص الوجداين �أو املواجدة‬ ‫التعاطف �أو التقم�ص الوجداين ‪Empathy‬‬

‫رولو ماي‪ :‬التقم�ص الوجداين يعني حالة �أعمق من حاالت التعيني والتوحد‬ ‫‪ Identification‬بني ال�شخ�صيات حيث يح�س امل�شري بذوات الآخرين يف ذاته‬ ‫بقوة وك�أنه يفقد هويته وقتي ًا ويف هذه العملية العميقة والغام�ضة بع�ض ال�شيء‬ ‫املدعوة بالتقم�ص الوجداين يحدث الفهم والت�أثري وغريها من العالقات املهمة‬ ‫بني النا�س‪.‬‬ ‫خربة للم�شوري رولو ماي ت�صف التعاطف‬ ‫�أجل�س م�سرتيح ًا وتركت العنان لعيني كي ت�ستقر على وجهه وا�ستدمج يف‬ ‫حكايته حتى �رصت ال �أ�شعر باجلو املادي املحيط بنا يف احلجرة و�رصت فقط‬ ‫�أب�رص عيني ذلك الطفل املرتعبتني و�صوته املرتع�ش والدراما الإن�سانية املذهلة‬ ‫التي كان يق�صها على‪.‬‬ ‫حكى يل كيف �أن �أباه اعتاد �أن ي�رضبه �أثناء طفولته وكيف منا دون حب �أو‬ ‫تفهم �أبوي‪� ،‬أح�س�ست يف هذه اللحظة ب�أمل ال�رضبات التي يحكي عنها و�رصت‬ ‫كما لو كنت �أتلقى ال�رضبات التي يحكي يل عنها‪.27‬‬ ‫ي�صف �أدلر التعاطف �أو امل�شاركة للآخرين وجداني ًا‪� :‬إن التعاطف يحدث‬ ‫عندما يتبادل اثنان احلديث‪ ،‬وفن الدراما قائم على تعاطف اجلمهور مع �شخ�صية‬ ‫ما تتكلم عن نف�سها‪ ،‬وقد �صورها لنا الكاتب ب�شكل معرب مقنع‪ ،‬ونحن نرى‬ ‫التعاطف اللإرادي عندما ي�سقط كوب‪� ،‬أو عندما نحرك �أطرافنا ونحن ن�شاهد‬ ‫‪ 27‬رولو ماي‪ .‬فن المشورة‪70 .‬‬

‫‪46‬‬


‫مباراة كرة قدم‪� ،‬أو نكون مع �سائق يف �سيارة ون�ضغط على فرامل خيالية‬ ‫ب�أرجلنا‪ ،‬وهو �شعور قيا�سي وجده الكون الذي نعي�ش فيه‪ ،‬ويعطيني القدرة‬ ‫على �إح�سا�س بخربات الغري‪ ،‬و�أن منو الفرد يتعر�ض للتوقف �إذا حاول ا�ستبدال‬ ‫العالقة مع الب�رش بالعالقة مع اجلماد �أو احليوان‪.28‬‬ ‫يجب علينا �أن نفهم معنى التواجد يف عالقة مع �شخ�ص �آخر‪ .‬هذا ال يعني‬ ‫�أن ننتظر حتى يكف ال�شخ�ص الآخر عن الكالم لكي نتكلم نحن‪ ،‬كما �أنه ال‬ ‫يعني �أن نطلق العنان لأحالم اليقظة اخلا�صة بنا بينما يحكي لنا ال�شخ�ص الآخر ما‬ ‫نظن �أنه ق�صة م�ألوفة‪� .‬إن التواجد يف عالقة يتطلب على العالقة �أن نتخلى م�ؤقت ًا‬ ‫عن �أفكارنا واهتماماتنا حتى نتمكن من االلتفات متام ًا �إىل ال�شخ�ص الآخر‪.‬‬ ‫�أمثلة لال�ستجابات التعاطفية‬ ‫ياه ده �شعور م�ؤمل جداً‪.‬‬ ‫ده �صعب قوي‪.‬‬ ‫بيتهي�أيل �إنك عايز تقول �إنك ح�سا�س بالوحدة – بالقلق – باخلوف‪.‬‬ ‫ك�أنك عايز تقول �إنك م�ش القي حد يفهمك‪.‬‬ ‫�أنا مت�أملة للي ب�سمعه منك‪.‬‬ ‫�أحتاج كم�شري �أن ال �أكون متكرراً يف ا�ستجاباتي التعاطفية‪ ،‬وال �أرددها‬ ‫يف �أكل�شيهات حمفوظة جوفاء �سوف ي�صل للم�ست�شري �إن كنت حق ًا �أ�شعر‬ ‫و�أتعاطف مع ما يقوله ب�صدق �أم �أنني غري �صادق و�أمثل م�شاعر االهتمام‪.‬‬ ‫فامل�ست�شري يقوم ب�شكل غري واعي لعمل الكثري من االختبارات للم�شري حتى‬ ‫يت�أكد من �صدق هذه العالقة الفريدة‪.‬‬ ‫‪ 28‬ألفريد أدلر‪ .‬الطبيعة البشرية ‪71‬‬

‫‪47‬‬


‫�أمثلة للتجاوب اخلاطئ‪ -‬جريارد �إيجان‬ ‫مثال‪:‬‬ ‫امل�ست�شرية‪� :‬أنا م�ش قادرة �أ�ستحمل احلياة يف البيت ده‪.‬‬ ‫�أمثلة للتجاوب اخلاطئ‪:‬‬ ‫الإجابة عن امل�شاعر ب�س�ؤال‪ :‬يعني ايه م�ش قادرة ت�ستحملي؟‬ ‫�إعطاء ن�صيحة‪ :‬الزم حتاويل ت�ستحملي النا�س �أكرت من كده‪.‬‬ ‫االختالف‪ :‬ده بدل ما ت�شكر ربنا‪ ،‬فيه غريك ما عندو�ش �أ�رسة خال�ص‪.‬‬ ‫ال�رشح‪� :‬أ�صل والدتك بتمر بفرتة �صعبة من حياتها ومن الطبيعي �إنها تكون كده‪.‬‬ ‫التقليل من حجم امل�س�ألة‪ :‬يعني م�ش قوي كده �أنت مبالغة �شوية‪.‬‬ ‫تغري املو�ضوع‪ :‬طب �إيه �أخبارك يف ال�شغل؟‬ ‫الغ�ضب‪ :‬م�ش معقول دامي ًا ت�شتكي كده؟‬ ‫التعبري عن م�شاعري‪� :‬أنا عارفة �إنك تعبانة و�أنا كمان تعبانة حمد�ش مرتاح‪.‬‬ ‫حماولة حل امل�شكلة‪ :‬ما حتاولوا تقعدوا وحتلوا امل�شكلة‪.‬‬ ‫�إعطاء حما�رضة‪ :‬العالقات الزم يكون فيها احتمال وت�ضحية‪.‬‬ ‫وعظ‪ :‬ربنا بيعلمنا نتحمل بع�ض ونغفر ع�شان يغفر لنا‪.‬‬ ‫ا�ستجابة تعاطفية‪:‬‬ ‫امل�شرية‪ :‬يبدو �أن العالقات بينك وبني �أفراد �أ�رستك بقت متعبة‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫مترين عملي ‪:1‬‬ ‫ كان �أمبارح فرح واحدة �صحبتي ومقدرت�ش �أح�رض وكنت عايزة‬‫�أخدها من اجلواز ومن اجلرمية اللي هرتتكبها يف حق نف�سها‪ ،‬دي برتمي‬ ‫نف�سها يف التهلكة‪.‬‬ ‫�س ‪ /‬تق�صدي ايه بو�صفك للجواز على �أنه جرمية وتهلكة؟‬ ‫مترين عملي ‪:2‬‬ ‫بنت ‪� 25‬سنة �شكوتها املبدئية‪� ،‬أنا كل ما يتقدم يل حد ع�شان يخطبني‬ ‫بيح�صلي هلع وبنهار وم�ش بقدر �أوقف نف�سي عن البكاء واملوقف ده ح�صل ‪3‬‬ ‫مرات لغاية دلوقتي‪ ،‬وملا غ�صبت على نف�سي واتخطبت يف مرة منهم طلعت‬ ‫عيلة وف�شلت وانهرت ففكيت اخلطوبة‪.‬‬ ‫ا�ستجابة تعاطفية‪ :‬انهرت وفكيت اخلطوبة!‬ ‫�س ‪ /‬او�صفيلى بتح�سي ب�إيه بال�ضبط وبتنهاري �إزاي؟‬

‫�أنواع ا�ستجابات الإ�صغاء‬ ‫‪ -1‬اال�ستي�ضاح ‪ :clarification‬ويق�صد به �أن يطلب املر�شد من امل�سرت�شد‬ ‫�أن يو�ضح ب�شكل �أكرب عبارة غام�ضة �أو حمرية‪ .‬وعادة ف�إن طلب التو�ضيح‬ ‫يكون يف �شكل �س�ؤال يبد�أ عادة بعبارات مثل‪:‬‬ ‫ هل تقول �إن ‪ ،...‬هل حتاول �أن ت�صف يل ذلك ‪ ،...‬هل ميكن‬‫�أن تو�ضح ذلك ‪ ...‬وال تعتقد �إنك فهمت ما يقوله امل�ست�شري من الوهلة‬ ‫الأوىل‪ ،‬فاختالف املفاهيم والدالالت �سوف يجعلك ت�س�أل �أكرث لتت�أكد من‬ ‫�أنك فهمت ما يق�صده هو‪ ،‬ولي�س ما فهمته �أنت‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫‪� -2‬إعادة ال�صياغة ‪( :paraphrase‬ال�صيغة البديلة) ويق�صد بها �إعادة‬ ‫�صياغة الكلمات والأفكار الأ�سا�سية للم�سرت�شد �أي ترجمة الأفكار الأ�سا�سية‬ ‫فيها يف كلمة من عندك‪ ،‬وال يعني ترديد ال�صياغة ملا ذكره امل�سرت�شد‪ ،‬و�إمنا‬ ‫ينبغي �إعداد ال�صياغة اجلديدة يف كلمات تقود ملزيد من املناق�شة �أو مزيد من‬ ‫الفهم من جانب امل�سرت�شد‪ .‬و�أ�س�أل امل�ست�شري‪ ،‬هل هذا ما تعنيه؟ هل �أنا فهمت‬ ‫ما تق�صد �أن ت�رشحه ّ‬ ‫يل‪ ،‬و�إن كانت االجابة بالنفي اعطه الفر�صة حتى يو�ضح‬ ‫ما كان يرغب يف �رشحه مرة �أخرى‪.‬‬ ‫‪ -3‬انعكا�س امل�شاعر ‪� :Reflection feeling‬إن كانت �إعادة ال�صياغة‬ ‫تهتم باجلانب املعريف من ر�سالة امل�سرت�شد (�أي حمتوى الأفكار واملعتقدات‬ ‫للم�ست�شري)‪� ،‬أما عك�س امل�شاعر ف�إنها تركز على املحتوى الوجداين‪ .‬وي�شبه‬ ‫عك�س امل�شاعر عملية �إعادة ال�صياغة‪ ،‬ولكنها ت�ضيف �إليها نربة ال�صوت �أو‬ ‫حمتوى عاطفي ًا‪.‬‬ ‫‪ -4‬التلخي�ص ‪ :summarization‬وهو الربط بني جمموعة من العنا�رص‬ ‫يف ر�سائل امل�سرت�شد‪ ،‬ويعترب و�سيلة ت�ساعد املر�شد على �إيقاف ا�سرت�سال‬ ‫امل�سرت�شد فيما ي�شبه احلكايات‪ ،‬وي�ساعد على تهدئة اجلل�سة و�إعطاء فر�صة‬ ‫اللتقاط الأنفا�س‪ .‬وللتلخي�ص دوران‪� :‬أولهما يكون بعد كل ق�صة �أو موقف‬ ‫ليتم الت�أكيد على الفهم‪ .‬والدور الثاين يف نهاية اجلل�سة وذلك لنقوم بتلخي�ص‬ ‫ما قد مت مناق�شته خالل اجلل�سة كلها وا�ستخراج الواجب من احلوار ولالتفاق‬ ‫على �أجندة املرة التالية‪.‬‬ ‫مثال عملي‪:‬‬ ‫من �ساعة ما مات �أبويا و�أنا حا�س�س بربكة �شديدة يف كل حياتي‪،‬لأنه كان‬ ‫كل حاجة يف حياتنا‪ ،‬يتحمل امل�سئوليات وبياخد القرارات‪ ،‬ومن �ساعتها‬ ‫‪50‬‬


‫تغريت كل حياتنا وبقيت مهموم‪ ،‬ونومي قل‪ ،‬وج�سمي �ضعف‪ ،‬وخايف‬ ‫�إن حالتي تتدهور‪ ،‬وخايف �إن درا�ستي تتدهور‪.‬‬ ‫اال�ستي�ضاح‪ :‬هل تق�صد تقول �إن �أكرب ال�صعوبات اللي بتواجهها دلوقتي هو‬ ‫خوفك من حتمل امل�سئولية بعد وفاة والدك؟‬ ‫�إعادة ال�صياغة‪ :‬فهمت من كالمك �أنه من وفاة والدك بقيت انت اللي‬ ‫بتتحمل م�سئولية �أ�رستك وعليك �إنك تاخد القرارات املهمة‪.‬‬ ‫االنعكا�س‪ :‬انت حا�س�س �إنك م�شغول مبدى قدرتك على حتمل م�سئولية الأ�رسة‪.‬‬ ‫التلخي�ص‪ :‬دلوقتي بعد ما تويف والدك انت بتواجه �صعوبات وان�شغال حول‬ ‫ما ينتظرك من حتمل م�سئولية الأ�رسة ‪.29‬‬

‫‪ 29‬محمد محروس الشناوى‪ .‬العملية اإلرشادية‪91 .‬‬

‫‪51‬‬


‫التفريغ �أو التنفي�س‬ ‫فيها يف�ضف�ض امل�ست�شري مب�شكلته بالتف�صيل وي�صف موقفه وي�ضع كل �أوراقه‬ ‫على الطاولة بعدها تبد�أ عملية التف�سري‪ .‬ميكنني كم�شري بعد فرتة من الزمن فهم‬ ‫امل�شكلة التي يتحدث عنها امل�ست�شري رمبا بعد اجلل�سة الأوىل‪ ،‬ولكن الق�ضية‬ ‫هي �أن امل�ست�شري لن يفهم نف�سه �إال �إذا ا�ستعاد كل ما�ضيه و�أمله وكل املواقف‬ ‫واملالب�سات و�أ�سرتجع امل�شاعر املكبوتة يف كل ذلك‪.‬‬ ‫هنا يبد�أ امل�ست�شري يف فهم نف�سه وهذا من �أهم �أركان امل�شورة‪ ،‬لي�س من‬ ‫املهم �أن يفهم امل�شري امل�ست�شري بل الأهم �أن يفهم امل�ست�شري نف�سه‪ ،‬ال يجب على‬ ‫امل�شري �أن ي�شعر بالتهديد بعد �أن يروي امل�ست�شري ق�صته يف عجالة وي�س�أل "ايه‬ ‫ر�أيك �أعمل ايه؟"‪.‬‬ ‫�أحتاج �أفهم امل�ست�شري �إننا �سوف نحتاج �إىل مقابالت عديدة �أرغب يف اال�ستماع‬ ‫�إليك يف كل تفا�صيل هذه امل�شكلة وما�ضيها وكيف بد�أت و�أين و‪...‬‬ ‫عند دخول امل�ست�شري �إىل هذه املرحلة يبد�أ يف الإدراك �شيئ ًا ف�شيئ ًا وك�أنه يجمع‬ ‫قطع ًا من الباذل عن نف�سه وفهمه لذاته دون تدخل مني �سوى الأ�سئلة املفتاحية‬ ‫التي ت�ساعده على الو�صف الدقيق واال�سرت�سال يف احلديث‪ ،‬يف التفريغ يتم‬ ‫ربط الإحداث بامل�شاعر والأفكار و�صورة امل�ست�شري عن نف�سه و�سلوكه احلايل‪.‬‬ ‫�إيرك فروم‪ :‬اال�سرت�سال العاطفي �أحد ال�رشوط الأ�سا�سية للتحليل‪� ،‬أن‬ ‫يعي�ش املرء يف ذاته ما يتحدث املري�ض عنه‪ .‬و�إذا مل �أعان يف ذاتي ماذا يعني �أن‬ ‫يكون املرء ف�صامي ًا �أو مكتئب ًا �أو �سادي ًا �أو نرج�سي ًا‪ ،‬وهو �أنني �أ�ستطيع �أن �أعاين‬ ‫ذلك يف جرعات �أ�صغر من جرعات املر�ضى‪ ،‬ف�إنني ال �أعرف ما يتحدث‬ ‫‪52‬‬


‫املري�ض عنه �أبداً‪� .‬إنه ملتطلب �أ�سا�سي �أن ي�شعر املحلل مبا ي�شعر به املري�ض‪.‬‬ ‫وذلك هو ال�سبب الذي يف�رس ملاذا ال يوجد حتليل للمحللني �أف�ضل من حتليلهم‬ ‫النا�س الآخرين‪ ،‬لأنه يف عملية حتليل الآخرين يكاد ال يوجد �شيء يف املحلل‬ ‫ال يربز وال ُيلم�س �رشيطة �أن يكابد املحلل ما يكابده املري�ض‪.30‬‬ ‫يف التفريغ نخرج ما بداخل الالواعي �إىل الواعي‬ ‫عندما مير الطفل بتجارب م�ؤملة �أكرب من ا�ستيعابه يقوم الطفل ب�آلية كبت هذه‬ ‫اخلربة يف الالواعي وين�ساها متاما لأنها تفوق قدرته على حتملها‪ ،‬ن�سيان اخلربة ال‬ ‫يعني عدم وجودها‪ ،‬فهي موجودة يف الالواعي تفرز ال�سموم ال�سلبية يف اجلزء‬ ‫الواعي والذي يقر�أه ب�أنه مرفو�ض‪ ،‬غبي‪ ،‬عدمي القيمة‪ ،‬فا�شل‪ ...‬وهكذا‪،‬‬ ‫ويظل الإن�سان يعي�ش بهذه ال�سموم تقو�ض حياته وت�ستنزف من طاقته‪.‬‬ ‫من �أهم فوائد التفريغ خروج ما يف الالواعي هذا حليز الواعي في�ستطيع �أن‬ ‫يتخل�ص من هذه ال�سموم ‪.‬‬ ‫ولهذه الأ�سباب ال نقوم ب�إعطاء الن�صيحة يف امل�شورة‪:‬‬ ‫‪ -1‬لأن مرحلة التفريغ �سوف تتعطل �إذا �أخذ ن�صيحة‪ .‬و�سوف يفقد الدافع‬ ‫لال�ستمرار يف التعرف على نف�سه من خالل �إخراج ما يف الالواعي �إىل حيز‬ ‫الواعي‪.‬‬ ‫‪ -2‬لأن مهمة املعالج الأوىل هي �أن ي�ساعد امل�ست�شري على الو�صول �إىل قرار‬ ‫بنف�سه وذلك ب�أن ي�سهل له اكت�شاف �أفكاره وم�شاعره‪ .‬و�سوف يت�ضح الأمر‬ ‫للم�ست�شري كلما �أقدم على التفريغ واال�سرت�سال ملواقفه امل�ؤملة‪.‬‬ ‫‪ 30‬ايرك فروم‪ .‬فن األصغاء‪50 .‬‬

‫‪53‬‬


‫‪� -3‬إننا ن�ساعد منوهم يف طريق االعتماد على النف�س‪ ،‬مبجرد فهم امل�ست�شري‬ ‫مل�شاكله بو�ضوح �سيجعله قادر ًا على اتخاذ قراراته بنف�سه �ش�أنه �ش�أن �أي‬ ‫�شخ�ص‪ .‬فامل�شكلة يف القدرة والإمكانية ولي�ست املعرفة ‪.‬‬

‫التنقيب‬ ‫وهو البحث عن املعلومات و�إعطاء امل�ست�شري الفر�صة للتعبري عن م�شاعره‪،‬‬ ‫نبحث مع ًا عن �شيء من خالل الأ�سئلة‪ ،‬مع جتنب الأ�سئلة الكثرية بقدر‬ ‫الإمكان‪ ،‬وتبد�أ الأ�سئلة تقل يف اجلل�سات التالية وذلك لأنها تخرج امل�ست�شري‬ ‫من اجلو ال�شعوري الذي يعي�ش فيه‪.‬‬ ‫مهم جد ًا‪:‬‬ ‫يقول جيم�س �آالن‪" :‬ال نح�صل على الذهب والأملا�س �إال بالكثري من البحث‬ ‫والتنقيب‪ ،‬وميكن للإن�سان �أن يجد كل حقيقة متعلقة بكيانه‪� ،‬إن قام بالتنقيب‬ ‫بعمق يف منجم نف�سه‪ ،‬وميكنه �أن يثبت بدون خط�أ حقيقة كونه �صانع �شخ�صيته‪،‬‬ ‫و�صائغ حياته‪ ،‬وباين م�صريه‪� ،‬إن راقب �أفكاره وحتكم بها وغريها‪ ،‬متابع ًا �آثارها‬ ‫عليه‪ ،‬وعلى الآخرين‪ ،‬وعلى حياته وظروفه‪ ،‬رابط ًا بني ال�سبب والنتيجة عن‬ ‫طريق املمار�سة واال�ستق�صاء ب�صرب‪ ،‬وينتفع من كل خربة‪ ،‬حتى �أكرثها �صغراً‪،‬‬ ‫والأحداث اليومية كو�سيلة للح�صول على هذه املعرفة عن نف�سه‪ ،‬وهي الفهم‪،‬‬ ‫احلكمة‪ ،‬القوة يف هذا االجتاه‪� ،‬أكرث من �أي �إجتاه �آخر‪."31‬‬ ‫مالحظة امل�شاعر الرئي�سية ثم �أركز عليها‪ .‬ملا ح�صل ال�شيء الفالين كنت‬ ‫حا�س�س ب�إيه؟‬ ‫‪ 31‬جيمس آالن‪ .‬كما فكر االنسان هكذا يكون‪ .‬ترجمة إيهاب فاروق ‪17‬‬

‫‪54‬‬


‫الأولوية يف ال�س�ؤال عن امل�شاعر ولي�ست عن املعلومات م�ش مهم �أعرف كل‬ ‫التاريخ يف‬ ‫جل�سة واحدة �أو اتنني‪ .‬مراقبة حدة ال�شعور لأن كل �شعور لي�س كالآخر‪،‬‬ ‫فاملوقف الأقل �شحن ًا بامل�شاعر قد يكون �أقل قيمة يف املناق�شة من موقف �أكرث‬ ‫�إزعاج ًا للم�ست�شري‪.‬‬ ‫�أراقب كيف يعرب امل�ست�شري عن ال�شعور ده؟ حركات ج�سمه ووجهه‬ ‫وانفعاالته‪ ...‬بكا�ؤه غري حزنه غري عالمات التوتر التي يظهرها ‪ ...‬وهكذا‪.‬‬ ‫ال يهمني احلدث يف حد ذاته بل يهمني ال�شعور امل�صاحب للحدث والذي‬ ‫كبته امل�ست�شري وقت احلدث ‪.‬‬

‫التعرف على امل�شاعر‪:‬‬ ‫للم�شاعر �أهمية �أ�سا�سية للمعالج املعريف‪ ،‬وبعد كل �شيء يكون الهدف‬ ‫الأ�سا�سي للعالج هو حت�سن امل�شاعر والتخفيف من م�ستوى التوتر لدى املري�ضة‪.‬‬ ‫ولي�س للمعالج �أن يحلل كل املواقف التي ت�شعر بها املري�ضة باحلزن و�إمنا يهدف‬ ‫�إىل التخفيف من �ضغط امل�شاعر الناجم عن الت�أويل اخلاطئ ملوقف ما‪.‬‬ ‫مترين عملي‪:‬‬ ‫لو امل�ست�شرية قالت‪ :‬م�ش بقدر �أم�شي يف ال�شارع لوحدي �أبداً‪.‬‬ ‫امل�ست�شرية قالت ليه كده؟‬ ‫�أحتاج �أعرف �إح�سا�سها ايه م�ش بتح�س بكده ليه‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال هيكون‪ :‬او�صفيلي �إح�سا�سك و�أنت ما�شية يف ال�شارع؟‬ ‫امل�شري‪ :‬بتح�سي ب�أيه ملا بتم�شي يف ال�شارع؟‬ ‫‪55‬‬


‫امل�ست�شرية‪ :‬عندي �إح�سا�س باخلوف والتوتر‪ .‬مافي�ش حد بيحبني �أو يحميني‬ ‫‪� ...‬أنا لوحدي‪.‬‬ ‫املهم يف التنقيب هو اال�ستجابة للم�شاعر الرئي�سية �أكرث من اال�ستجابة‬ ‫للمحتوى نف�سه‪.‬‬ ‫يوجد عالقة وثيقة بني امل�شاعر ال�سلبية وامل�شاعر املكبوتة – هو ايه الفرق بينها؟‬ ‫امل�شاعر ال�سلبية تقودين للم�شاعر املكبوتة من �سنني وامل�سئولة عن �إفراز‬ ‫ال�سموم التي ي�شعر بها امل�ست�شري‪.‬‬ ‫بت�أكد �أين فهمت م�شاعرها كوي�س وبرجع �أكرر ال�شعور بتاعها قدامها تاين‬ ‫ع�شان �أت�أكد من �إين فاهمة �صح‪ .‬ال تعترب ما ت�سمعه من امل�ست�شرية هو ما تق�صده‬ ‫بال�ضبط لأن كل �شخ�ص ليه طريقة معينة يف التعبري وا�ستخدام املفردات‪ ،‬وال‬ ‫�أفرت�ض ردود �أفعال امل�ست�شري للمواقف املختلفة �ستكون م�شابهة لردود �أفعايل‬ ‫ال�شخ�صية يف مثل هذا املوقف‪.‬‬ ‫علي امل�شري �أن ي�س�أل نف�سه هل االنفعاالت التي يبديها امل�ست�شري منا�سبة‬ ‫للأحداث التي ي�رشحها �أم ال؟ ف�إن وجود فجوة هنا يجب �أن يدفع امل�شري �إىل‬ ‫اال�صغاء بدقة �إىل ما يحاول امل�ست�شري �أن ي�رشحه‪ .‬ال ينبغي للم�شري �أن ي�ستنتج‬ ‫�أ�شياء غري موجودة حقيقة يف �أقوال �أو �سلوكيات امل�ست�شري‪ ،‬ومع ذلك فال‬ ‫ميكن للم�شري �أن يتجاهل الإ�شارات التي تدل على اال�ضطرابات اجلوهرية‪.‬‬ ‫امل�شري‪ :‬بتح�سي بخوف وتوتر؟‬ ‫ال تعترب ما ت�سمعه من امل�ست�شرية هو ما تق�صده بال�ضبط لأن كل �شخ�ص ليه‬ ‫طريقة معينة يف التعبري وا�ستخدام املفردات (املر�شح النف�سي)‪.‬‬ ‫امل�شري‪ :‬او�صفي يل خوفك وتوترك؟‬ ‫وال �أفرت�ض ردود �أفعال امل�ست�شري للمواقف املختلفة �ستكون م�شابهة لردود‬ ‫�أفعايل ال�شخ�صية يف مثل هذا املوقف‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫وذلك لأن الكلمات مرنة على نحو مربك‪ ،‬فلغتنا غاية يف الرتكيب‪ .‬ولو‬ ‫كان لكل لفظ معنى واحد جممع عليه‪ ،‬لكان االت�صال الفعال جد حمتمل‪.‬‬ ‫غري �أن معظم الألفاظ حتوز �أكرث من معنى‪ .‬يقول نيل براون و�ستيوارت م‪.‬‬ ‫كيلي يف كتابهما طرح اال�سئلة املنا�سبة‪�" :‬أعترب املعاين املتعددة التي حتمل‬ ‫كلمات من قبيل احلرية‪ ،‬الفح�ش‪ ،‬ال�سعادة"‪ .‬قد تن�ش�أ عن تعددية املعاين‬ ‫م�شاكل خطرية فيما يتعلق بتحديد قيمة احلجة‪ .‬مثال ذلك‪ ،‬حني يجادل‬ ‫�شخ�ص ما بوجوب حظر جملة ما لأنها فاح�شة‪ ،‬لن ت�ستطيع تقومي حجته �إىل‬ ‫�أن تعرف ما يعنيه من كلمة "فاح�شة" يف هذه احلجة املوجزة ‪ ...‬غالب ًا ما‬ ‫ن�سيء فهم ما نقر�أ �أو ن�سمع لأننا نفرت�ض �أن معاين الألفاظ وا�ضحة‪ .32‬وعليه‬ ‫ال ي�صح �أن نفرت�ض ما يعنيه امل�ست�شري من خالل منظورنا ال�شخ�صي �أو خرباتنا‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬وهذا هو التفهم‪.‬‬ ‫مترين عملي‪:‬‬ ‫م�ست�شرية‪ :‬زميلي كان بيلمح يل �أنه بيحبني وبيفكر يرتبط بي وقايل بعد ما‬ ‫نخل�ص امل�رشوع الفالين كنت هتكلم معاكي يف املو�ضوع‪ ،‬وبعد ما خل�ص‬ ‫امل�رشوع بدء ين�سحب‪� ،‬أول مرة �أترف�ض‪ ،‬حا�سة �إن الدنيا مالها�ش الزمة تتعا�ش‬ ‫وم�ش القيه هدف حلياتي‪� ،‬أنا عاي�شه ليه؟ عايزة �أموت وفكرت يف االنتحار‬ ‫ب�س خفت �أعمل كده‪.‬‬ ‫�س ‪ /‬منني �أوجه �س�ؤايل؟ ه�س�أل عن ايه؟‬ ‫�أول مرة �أترف�ض ‪.....‬او�صفيلي ح�سيتي �إزاي بالرف�ض؟‬ ‫‪ 32‬م‪ .‬نيل براون‪ ،‬ستيوارت م‪ .‬كيلى‪ .‬طرح االسئلة المناسبة‪ .‬مرشد للتفكير الناقد‪ .‬ترجمة نجيب‬ ‫الحصادي‪ ،‬محمد أحمد السيد‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫التمييز بني الأفكار وامل�شاعر‬ ‫كثريون من املر�ضى ال يفهمون بو�ضوح الفرق بني ما يفكرون به وما ي�شعرون‬ ‫به‪ .‬وينبغي على املعالج �أن يكون متنبه ًا للمواقف التي تكون فيها املري�ضة غري‬ ‫قادرة على التفريق بني الأفكار وامل�شاعر يف النموذج موقف ـــ �أفكار تلقائية ـــ‬ ‫ردود �أفعال (م�شاعر – �سلوك – ا�ستجابات ف�سيولوجية)‪.‬‬ ‫�إن الربط بني الأفكار وامل�شاعر وال�سلوك ينبغي �أن يكون مفهوم ًا لدى‬ ‫املعالج‪ .‬وي�ساعد املعالج املري�ضة يف ت�سمية امل�شاعر بطريقة �صحيحة وتربط‬ ‫بني تفاعلها العاطفي يف مواقف معينة مع م�سمياتها‪ ،‬كما �أنه لي�س من املهم‬ ‫على املر�ضى �أن يتعرفوا على م�شاعرهم فقط بل على تقدير درجة هذه امل�شاعر‬ ‫واخلربات‪ .33‬و�سوف نغطي هذه اجلزئية يف درا�سة العالج املعريف‪.‬‬ ‫تكنيك ال�س�ؤال امل�شوري‪:‬‬ ‫�إن ال�س�ؤال من التكنيكات املهمة التي �سوف ي�ستخدمها امل�شري �أثناء العملية‬ ‫امل�شورية‪ ،‬و�سوف يختلف ال�س�ؤال باختالف املرحلة التي عليها امل�شورة‪ ،‬ففي‬ ‫مرحلة التفريغ والتنقيب �سيكون ال�س�ؤال الرئي�سي عن امل�شاعر وبينما �سيكون ال�س�ؤال‬ ‫يف مرحلة العالج �س�ؤال تفنيدي ليفند �أخطاء التفكري والأفكار غري املنطقية‪.‬‬ ‫مث ًال‪:‬‬ ‫�شعرت ب�إيه يف الوقت ده؟ �س�ؤال عن امل�شاعر امل�صاحبة‪.‬‬ ‫هل جمايل يعرب عن قيمتي؟ �س�ؤال تفنيدي‪.‬‬ ‫على امل�شري �أن يعد من واحد �إىل ع�رشة قبل �أن يطرح �أي �س�ؤال على الإطالق‪.‬‬ ‫هذا يهدف �إىل حتجيم االندفاع‪� ،‬أو الف�ضول �أو ا�ستخدام الأ�سئلة مللء الفراغ‬ ‫‪ 33‬جوديث بيك‪ .‬العالج المعرفي الحديث األسس واألبعاد ‪152‬‬

‫‪58‬‬


‫عندما ال يجد �شيئ ًا �آخر ليفعله‪� .‬إن توجيه الأ�سئلة قد يحرج ال�شخ�ص الذي ي�شعر‬ ‫�أ�ص ًال بالقلق‪ ،‬فيجعله ي�ستخدم دفاعاته �ضدنا مما ي�صعب علينا مهمة فهمه‪.‬‬ ‫�إن طريقة طرح الأ�سئلة واحل�سا�سية التي ُت�صاغ بها‪ ،‬وتوجيهها �إىل امل�سائل‬ ‫املهمة‪ ،‬ال يحمل فقط معنى االحرتام للآخر و�إمنا يجلب �أي�ض ًا املعلومات املهمة‬ ‫التي ت�ساعدنا يف و�ضع ت�صور لأدائه احلايل‪ ،‬يجب �أن تكون ا�ستفهاماتنا املطروحة‬ ‫برفق‪ ،‬متجهة �إىل تلك املناطق يف ق�صة امل�ست�شري التي تبدو ملتهبة بالأمل‪ .‬هناك‬ ‫مدلول لطريقة اقرتابنا من النقاط احل�سا�سة‪ ،‬ومهارتنا يف عمل ذلك برفق ولكن‬ ‫بو�ضوح ي�ساعد الآخر على تو�ضيح م�شكلته �سواء لنف�سه �أو لنا‪.‬‬ ‫مثال عملي‪:‬‬ ‫احكيلي موقف من املواقف اللي بتح�س فيها �إنك قليل �أو خايف �أو ‪...‬‬ ‫امتى �أول مرة �شعرت باالح�سا�س ده؟‬ ‫عملت ايه ملا �شعرت بالإح�سا�س ده؟‬ ‫�إزاي كنت بتتعامل مع فالن ملا ‪....‬؟‬ ‫عند �صياغة �أ�سئلتنا ال يوجد جمال لطرح �س�ؤال «ملاذا» ف�إننا بذلك نطلب‬ ‫تف�سرياً وهو ال�شىء الذي يعجز معظم طالبي امل�شورة عن تقدميه بطريقة منطقية‬ ‫�أو عقالنية‪� .‬إنهم يطلبون امل�ساعدة حتى يتمكنوا من الإجابة عن هذا ال�س�ؤال‬ ‫لأنف�سهم‪.‬‬ ‫من الأف�ضل �أن ن�صيغ �أ�سئلتنا بطريقة مفتوحة النهايات‪ ،‬مما يقلل من التهديد‬ ‫ويعطي للم�ست�شري م�ساحة كافية لي�صيغ �إجاباته بالطريقة التي تنا�سبه‪ .‬يجب �أن‬ ‫تكون �أ�سئلتنا �أقرب �إىل دعوة للبحث الذاتي ولي�ست ُمطالبة بتقدمي الأدلة‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫الأ�سئلة املفتوحة والأ�سئلة املقفولة‪:‬‬ ‫ت�صاغ معظم الأ�سئلة الفعالة يف �صيغة ذات نهاية مفتوحة بادئة ب�أدوات مثل‪:‬‬ ‫ماذا‪ ،‬كيف‪ ،‬متى‪� ،‬أين و َمن‪ .‬وال�س�ؤال املفتوح يحتاج �إىل �إجابة بالتف�صيل‬ ‫وال�رشح وي�ستلزم االنفتاح وال ميكن �أن جنيب عليه بنعم �أو ال‪.‬‬ ‫عندما نوجه �س�ؤا ًال للم�ست�شري توقف لتعطيه فر�صة كافية للإجابة‪ ،‬وتذكر �أنه‬ ‫ال تكون لديه �إجابة كاملة‪ ،‬وعندما يطلب من �شخ�ص �أن يعطي �إجابة ب�رسعة‬ ‫ي�شعر بالتهديد وهذا بدوره يهدد العالقة امل�شورية‪ .‬ويف الكثري من الأحيان‬ ‫ال ميكن للم�ست�شري �أن يتذكر كل الأحداث والأفكار وامل�شاعر التي �صاحبت‬ ‫موقفه‪ ،‬لذلك يتحتم علينا التمهل عليه حتى ي�ستجمع نف�سه‪ ،‬ويجيب عن‬ ‫ال�س�ؤال‪.‬‬ ‫وجه للم�ست�شري �س�ؤا ًال واحداً يف الوقت الواحد‪ ،‬وال توجه عدة �أ�سئلة دفعة‬ ‫واحدة‪ ،‬فذلك ي�ؤدي �إىل �إرباك امل�ست�شري وقد يجيب عن �س�ؤال واحد من‬ ‫هذه الأ�سئلة وقد يكون �أقلهم �أهمية‪ .‬جتنب الأ�سئلة التي ت�شتمل على اتهامات‬ ‫�أو هجوم‪ .‬وقد ي�شعر امل�ست�شري �أن الأ�سئلة هجومية من نربة �صوت امل�شري �أو‬ ‫ال�ستخدامه لأداة اال�ستفهام ملاذا‪ ،‬وقد ت�ؤدي الأ�سئلة الهجومية �إىل �أن ي�صبح‬ ‫امل�ست�شري دفاعي ًا‪� .‬سنحتاج �أن ن�س�أل امل�ست�شري ال�س�ؤال بنربة ت�أملية هادئة‪ ،‬لكي‬ ‫نهيئ له املناخ الذي ميكنه الإجابة فيه براحة قدر الإمكان‪.‬‬ ‫وعندما ي�سرت�سل امل�ست�شري يف �رسد الذكريات اخلا�صة مب�شكلته‪ ،‬ال تتعجل‬ ‫يف طرح �أي �س�ؤال وقتها‪ ،‬فهو يف حالة من التالم�س الداخلي العميق وي�صف‬ ‫ما ي�شعر به وقت �أزمته وال يحتاج �إىل �أن �أقاطعه ب�أي �س�ؤال‪.‬‬ ‫كما ميكن �أن يكون ال�س�ؤال توجيهي ًا لإدارة اجلل�سة عندما يحيد امل�ست�شري‬ ‫عن الهدف املخ�ص�ص لها‪ ،‬وخا�صة للأ�شخا�ص الذين يعانون من الت�شتت‪.‬‬ ‫‪60‬‬


‫مث ًال‪:‬‬ ‫احنا النهاردة انت �شاركتني باملو�ضوع الفالين‪ ،‬وانتقلنا للق�صة الفالنية‪،‬‬ ‫وال �أرى �أنه من املنا�سب �أن ندخل يف مو�ضوع جديد الآن‪� ،‬س�ؤايل هو كيف‬ ‫كنت ت�ستقبل هذا النوع من ك�رس احلدود يف حياتك؟ ‪ ...‬مث ًال‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫فهم العامل الداخلي للم�ست�شري‬ ‫لكي ما �أفهم العامل الداخلي للم�ست�شري �أحتاج �أن �أعرف الآتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬كيف يرى هذا ال�شخ�ص نف�سه (ما هي �صورته الذاتية عن نف�سه)؟‬ ‫ف�صورته عن نف�سه تتحكم كثرياً يف تعامله مع نف�سه ومع من حوله ومع احلياة‬ ‫واملفاهيم املختلفة‪ .‬لذلك كان من املهم درا�سة ال�صورة الذاتية للإن�سان وكيف‬ ‫تتكون وت�أثريها على نظرته لنف�سه وملن حوله‪.‬‬ ‫‪ -2‬ما هي احتياجاته النف�سية وكيف ي�سعى لتحقيقها؟ وهل هي احتياجات‬ ‫�أ�سا�سية ال ميكن العي�ش بدونها �أم هي احتياجات ثانوية ميكن التعاي�ش مع عدم‬ ‫ت�سديدها وما هي حجم هذه االحتياجات؟ فالتعامل مع �شخ�ص يحتاج �إىل‬ ‫قوته اليومي �أو �إىل النجاح يف عمله‪ ،‬غري التعامل مع �شخ�ص يرغب يف امتالك‬ ‫�سيارة �أو موبايل‪.‬‬ ‫‪ -3‬ما هي �أهدافه التي ي�سعي لتحقيقها‪ ،‬و�إىل �أي حد جنح يف حتقيقها‬ ‫والأهم الأهداف التي مل ي�ستطع حتقيقها وهل هي �أهداف واقعية �أم غري‬ ‫واقعية؟ وما هي قدرته على و�ضع �أهداف؟ وهل هي �أهداف خمططة �أم‬ ‫�أهداف ع�شوائية؟ ‪ ...‬وهكذا‪.‬‬ ‫‪ -4‬ما هي �إعاقته وما درجة �شدتها؟ فالإعاقة املحدودة �ست�ساعدنا يف‬ ‫املحاوالت للتح�سن والتغيري يف حني �أن الإعاقة التامة والكاملة رمبا تدفعنا‬ ‫للتعامل معها بالقبول‪.‬‬ ‫فالتعامل مع �شخ�ص لديه م�شكلة يف عالقاته غري التعامل مع �شخ�ص �آخر‬ ‫لي�س لديه القدرة على �إقامة عالقات من �أ�سا�سه‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫الأ�سئلة الأ�سا�سية التي على املعالج �أن يطرحها على نف�سه هي‪:‬‬ ‫كيف انتهي الأمر بهذه امل�ست�شرية �إىل هنا؟‬ ‫وما املعتقدات والأحداث احلياتية املهمة بالن�سبة �إليها (احلوادث‪ ،‬التجارب‪،‬‬ ‫التفاعالت)؟‬ ‫وكيف تكيفت املري�ضة مع منعطفات احلياة هذه؟ وما �أفكارها التلقائية وما‬ ‫هي املعتقدات التي انبثقت عنها؟‬ ‫ف�إنه من املهم �أن ي�ضع املعالج نف�سه دائم ًا يف مكان املري�ضة حتى حتدث‬ ‫املواجدة مع ما جتتازه املري�ضة‪ ،‬ولكي يتفهم �أحا�سي�سها جيداً ولكي يدرك‬ ‫العامل من خالل منظارها فحينما يعرف تاريخها التطوري و�إدراكها احل�سي‪،‬‬ ‫ف�إن �أفكارها وم�شاعرها و�سلوكها تكون مفهومه لديه‪.34‬‬ ‫بداية من الطفولة تتكون لدى النا�س معتقدات عن �أنف�سهم وعن الآخرين‬ ‫وعن العامل‪ ،‬و�إن �أكرث املعتقدات عمق ًا هي مفاهيم �أ�سا�سية ورا�سخة وعميقة‬ ‫بحيث �إنهم غالبا ال يعربون عنها يف كلمات حتى لأنف�سهم‪ ،‬و�إن هذه الأفكار‬ ‫ينظر �إليها من ال�شخ�ص كحقيقة مطلقة كما هي ال يناق�شها �أو يبحث يف �صحتها‬ ‫�أو منطقيتها‪.‬‬ ‫كما �أنهم يرون �أنف�سهم بنف�س الطريقة التي ر�آها بهم �آبا�ؤهم �سواء �صورة‬ ‫ذاتية �إيجابية �أم هي �صورة �سلبية عن نف�سه‪ ،‬وت�أتي مواقف احلياة املختلفة لت�ؤكد‬ ‫تلك املفاهيم عن �أنف�سهم‬ ‫وهذا املعتقد ممكن �أن يعمل فقط حينما يكون ال�شخ�ص يف حالة مزاجية‬ ‫كئيبة‪ ،‬وميكن �أن يكون ن�شط ًا طوال الوقت‪.‬‬ ‫‪ 34‬جوديث بيك‪ .‬العالج المعرفي الحديث االسس واالبعاد ‪42‬‬

‫‪63‬‬


‫وعندما ين�شط هذا املعتقد ف�إن امل�ست�شري يرى احلياة بعد�سات هذا املعتقد‪،‬‬ ‫حتى لو كان التف�سري من ناحية املنطق خاطئ متاما‪ ،‬كما �أنه مييل �إىل الرتكيز‬ ‫على املعلومات التي ت�ؤكد اعتقاده‪ ،‬متجاه ًال �أو �ساقط ًا من ح�ساباته كل‬ ‫املعلومات التي تثبت العك�س‪.‬‬ ‫�أن �أفهم العامل الداخلي للم�ست�شري يعني‪:‬‬ ‫�أن �أفهم معنى املعنى‪ :‬املعنى هو الذي يرثي احلياة ويحول احلدث ال ُغفل‬ ‫�إىل خربة‪ ،‬واملحللون يرون �أن الفكر الواعي ما هو �إال نتاج لقوى ال �شعورية‬ ‫دائبة يف �إخفاء املعنى احلقيقي للأحداث‪ .‬فاملعنى العام هو التعريف الر�سمي �أو‬ ‫املو�ضوعي للحدث جمرداً من �أي داللة �شخ�صية‪ .‬واملعاين اخلا�صة تتولد عندما‬ ‫يقع �شيء مي�س جانب ًا مهم ًا من احلياة‪ ،‬مثل القبول من جانب الرفاق �إال �أنها‬ ‫تبقى يف الأغلب �شخ�صية متكتمة‪ .‬وهذه املعاين ال�شخ�صية كثرياً ما تكون غري‬ ‫واقعية �إذا يتاح ل�صاحبها فر�صة التحقق من �صدقها‪ .‬و�أحيان ًا ما ن�صادف �شخ�ص ًا‬ ‫ي�ستجيب ملوقف ما ا�ستجابة غري مالئمة بل مفرطة �إىل حد املر�ض‪ ،‬وحني‬ ‫نواجهه يف ذلك جند �أنه قد �أ�ساء ت�أويل املوقف بناء على �شبكة من املعاين اخلاطئة‬ ‫التي �أحلقها به‪� .‬إن لنا �أن نعتربها �شاذة‪ ،‬ن�سمها باملر�ض تلك الت�أويالت التي‬ ‫تن�أى متام ًا عن الواقع بعد �أن نت�أكد �أنها لي�ست جمرد �أخطاء بريئة لزمت معطيات‬ ‫خاطئة تلك هي التحريفات املعرفية التي ت�شكل لب اال�ضطرابات االنفعالية‪.‬‬ ‫وهذه الدالالت واخلياالت هي التي ت�ؤلف ما ي�سمى بالواقع الداخلي‪ .‬هذه‬ ‫الدعوى القائلة ب�أن املعنى اخلا�ص للحدث هو الذي يحدد اال�ستجابة االنفعالية‬ ‫له ت�شكل جوهر النموذج املعريف لالنفعال وا�ضطراباته‪ ،‬يذخر هذا املعنى يف‬ ‫مفردة معرفية هي عادة فكرة �أو �صورة خيالية‪ ،‬ويف بع�ض الأحيان تت�ألف‬ ‫املفردة املعرفية من داللة �إ�ضافية �أو حكم قيمه من قبل (خميف) �أو (رائع)‪.‬‬ ‫‪64‬‬


‫مثال عملي ‪:1‬‬ ‫م�ست�شرية‪ :‬وقت خطوبتي عزمنا �صديق لنا ومل نعزم �صديقته َمن �سوف‬ ‫تكون خطيبته قريب ًا‪ ،‬وعند خطوبتهم مل يقوموا بعزومتنا ‪� -‬أنا وخطيبي –‬ ‫�شعرت بانزعاج �شديد وما كنت�ش قادرة �أوري و�شي حلد يف جمموعة �أ�صدقائنا؟‬ ‫امل�شرية‪� :‬أو�صفيلي ما كنتي�ش قادرة توري و�شك لأ�صدقائكم �إزاي‪ ،‬كنتي‬ ‫حا�سة ب�إيه؟‬ ‫امل�ست�شرية‪:‬كنتحا�سةبعار‪،‬وكنتمك�سوفةجداً‪،‬و�شكليبقيقلةو�سطهم‪.‬‬ ‫اال�ستنتاج‪ :‬عدم العزومة على اخلطوبة ي�ساوي قلة قيمة‪ ،‬والعك�س �صحيح‪.‬‬ ‫وهذا يف�رس املعني اخلا�ص برتجمة امل�ست�شرية لعدم عزومتها على خطوبة �أ�صدقائهم‪.‬‬ ‫مثال عملي ‪:2‬‬ ‫م�ست�شرية‪ :‬مل �أ�ستطع �أن �أراه يرتب املفار�ش على الأنرتية‪ ،‬فقد �شعرت بغ�ضب‬ ‫�شديد‪ ،‬و�رصخت فيه‪ ،‬اترك املفار�ش لن يحدث �شيء �إذا تركتهم غري مرتبني‪.‬‬ ‫امل�شرية‪� :‬صفي يل �شعورك بالغ�ضب عند ترتيبه للمفار�ش؟‬ ‫امل�ست�شرية‪ :‬ال �أ�ستطيع حتمل ر�ؤية �أغرا�ض مرتبة فهي تذكرين بالقهر الذي عانيت‬ ‫منه يف طفولتي‪ ،‬ميكن للأغرا�ض �أن تكون حرة ومبعرثة‪ ،‬لن منوت عندئذ‪.‬‬ ‫اال�ستنتاج‪ :‬ترتيب املفار�ش له معنى خا�ص للم�ست�شرية‪ ،‬فهو �إحدى الدالالت‬ ‫التي عربت عن قهرها يف الرتتيب يف النظام الذي عانت منه‪ .‬فلكل �شخ�ص‬ ‫معنى خا�ص به للأمل رمبا ال يكون هذا ال�شيء م�ؤمل ًا يف حد ذاته بل هو يعك�س‬ ‫‪65‬‬


‫معنى يف نف�سه‪ ،‬وال يعرفه �سواه‪ .‬حتى ي�ستطيع امل�شري وامل�ست�شري التعرف عليه‬ ‫من خالل عملية البحث والتنقيب‪ .‬ويطلق بيك ‪ Beck‬على هذه الظاهرة ا�سم‬ ‫املجال ال�شخ�صي للإن�سان ‪.the personal domain‬‬ ‫املجال ال�شخ�صي للم�ست�شري‪the personal domain :‬‬

‫يحكى �أن رجال ًعر�ض عليه �صديق له �صورة ل�شعار من �شعارات النبالة فلم‬ ‫يحفل بها �إىل �أن �أقنعه هذا ال�صديق ب�أن هذا ال�شعار هو �شعار النبالة اخلا�ص ب�أ�رسته‬ ‫هو‪ .‬فمنذ ذلك احلني مل يكف الرجل عن �إجالل تلك ال�صورة ومتجيدها‪.‬‬ ‫فكان يعر�ضها لغريه من النا�س ب�شغف وترقب‪ ،‬ويت�أذي كثرياً �إذا مل يبد عليهم‬ ‫اكرتاث وا�ضح‪ .‬لقد ا�ستجاب الرجل �إىل �صورة تزينيه على قطعة من الورق‬ ‫كما لو كانت امتداداً لذاته‪.‬‬ ‫يو�ضح هذا املثال �أن الإن�سان قد يل�صق معاين �شخ�صية بالأ�شياء التي يرى‬ ‫�أنها تت�صل به ب�شكل خا�ص‪� .‬أنها �أ�شياء تهمه وحترك م�شاعره هذه الأ�شياء �سواء‬ ‫كانت ملمو�سة �أو غري ملمو�سة ت�شكل املجال ال�شخ�صي للفرد‪ .‬ويف املركز‬ ‫من هذا املجال يقع مفهوم ال�شخ�ص عن ذاته‪ ،‬عن �صفاته اجل�سمية و�سماته‬ ‫ال�شخ�صية و�أهدافه وقيمه‪ .‬وحول مفهوم الذات ‪ self concept‬تتالحم‬ ‫الأ�شياء احلية واجلامدة‪ ،‬التي هي ذخره وعدته‪ ،‬وتت�ضمن هذه الأ�شياء على‬ ‫الوجه الأمثل عائلة الفرد و�أ�صدقائه وممتلكاته املادية‪� ،‬أما باقي املكونات يف هذا‬ ‫املجال ال�شخ�صي فتتفاوت يف درجة التجريد‪ .‬من مدر�سته وطائفته االجتماعية‬ ‫وقوميته �إىل القيم املجردة �أو املثل التي تت�صل باحلرية والعدالة والأخالق‪.35‬‬ ‫‪ 35‬آرون بيك‪ .‬العالج المعرفي واالضطرابات المعرفية‪48 .‬‬

‫‪66‬‬


‫ف�إنه من املهم �أن ي�ضع امل�شري نف�سه دائم ًا يف مكان امل�ست�شرية حتى حتدث‬ ‫املواجدة ‪ -‬التعاطف مع ما جتتازه امل�ست�شرية‪ ،‬ولكي يتفهم �أحا�سي�سها جيداً‬ ‫ولكي يدرك العامل من خالل منظارها فحينما يعرف تاريخها التطوري و�إدراكها‬ ‫احل�سي‪ ،‬ف�إن �أفكارها وم�شاعرها و�سلوكها تكون مفهومه لديه‪.‬‬ ‫مثال تطبيقي‪:‬‬ ‫زوجة يف بداية الثالثينات‪ ،‬زوجي بيب�ص لل�ستات وهي يف الطريق وبيحب‬ ‫يهزر معاهم يف ال�شغل ويف ال�شارع و�أنا ما�شية معاه‪ ،‬زي ما �أكون م�ش ماليه‬ ‫عينه‪ ،‬ودي حاجة بتحرق دمي وبتجرحني قوي ‪.‬‬ ‫لفهم العامل الداخلي لهذه امل�ست�شرية علينا ب�س�ؤال �أنف�سنا ال�س�ؤال التايل‪:‬‬ ‫�س‪ /‬ما هي االحتماالت التي ميكن �أن تف�رس هذه ال�شكوى؟‬ ‫رمبا يكون الزوج لعوب‪� ،‬أو ينظر �إىل ال�سيدات ب�شيء من التلقائية‪� ،‬أو ال‬ ‫يعنيه الفرق بني رجل وامر�أة يف التعامل فهو مرح بطبعه مع اجلميع‪ ،‬ورمبا ال‬ ‫ثتق الزوجة يف نف�سها‪ ،‬ويف جمالها‪ ،‬ويف قدرتها على �إ�شباع زوجها‪.‬‬ ‫كيف لنا �أن نعرف ال�سبب احلقيقي لهذه ال�شكوى وتف�سريه؟‪ ،‬لي�س‬ ‫�أمامنا �سوى تاريخ امل�ست�شرية‪ ،‬والرجوع لال�ستف�سار عن املعاين احلقيقية التي‬ ‫تخ�صها‪ ،‬واملفاهيم اخلا�صة بها‪ ،‬ونظرتها �إىل نف�سها‪ ،‬ودرجة ثقتها يف نف�سها‬ ‫ويف زوجها ونوعية العالقة بينهما ‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫هذه هي ال�شكوى الأ�سا�سية الظاهرة والتي تدركها امل�ست�شرية واملوجودة يف‬ ‫عقلها الواعي‪ .‬عند البحث واال�سرت�سال والتنقيب يف تاريخ امل�ست�شرية بد�أت‬ ‫تروي الآتي عن طفولتها‪:‬‬ ‫‪67‬‬


‫ماما قالت يل ملا �أتولدت قرايبها كانوا بيقولولها روحي خبيها‪ ،‬دي هتقعد‬ ‫يف �أرابيزك‪ ،‬ماما طول عمرها بتقويل الزم تتعلمي كوي�س عل�شان تعريف‬ ‫تتجوزي لأن حمد�ش هري�ضي بيكى‪ ،‬وكنت بنهار يف الدرا�سة عل�شان �أتفوق‬ ‫و�أجيب درجات كوي�سة لغاية ما اتخرجت من كلية �صيدلة وكل ما يتقدم يل‬ ‫حد كانوا يوافقوا على طول من غري تفكري‪ ،‬والعري�س بعد ما ييجي بيم�شي‬ ‫لوحده ما يرجع�ش تاين لغاية ما �أجتوزت فالن ده‪.‬‬ ‫�س ‪ /‬ماذا يقول العامل الداخلي لهذه امل�ست�شرية؟‬ ‫ال�شكوى الوا�ضحة يف العقل الواعي‪ :‬زوجي بيب�ص لل�ستات م�ش ماليه عينه‬ ‫غرية و�شك‪.‬‬ ‫العامل الداخلي للم�ست�شرية يف العقل الالواعي‪� :‬أنا م�ش حلوة وال جميلة‬ ‫قيمتي يف �شكلي اخلارجي ويف �إين �أجتوز ب�رسعة و�شهادتي هتعو�ض �شكلي‬ ‫�شك بالنف�س و�صغر نف�س‪.‬‬ ‫ال ن�ستطيع �أن ن�ستنتج فهم ًا عن العامل الداخلي للم�ست�شري فور اال�ستماع �إىل‬ ‫نكون الفهم علينا �أن نرى عامل‬ ‫�شكواه‪ ،‬فالأمر �أكرب كثرياً من ذلك‪ ،‬فلكي ِّ‬ ‫امل�ست�شري اخلا�ص منه عينيه هو‪ ،‬مع احلر�ص على �أن ننحي مفاهيمنا اخلا�صة‬ ‫جانب ًا‪ ،‬بدون هذه املهارة رمبا ال ن�ستطيع فهم العلم الداخلي للم�ست�شري‪.‬‬ ‫املواجهة ‪confrontation‬‬

‫هي ا�ستجابة لفظية‪ ،‬فيها ي�صف امل�شري الفروق وال�رصاعات والر�سائل‬ ‫املختلطة الوا�ضحة يف م�شاعر امل�ست�شري و�أفكاره وت�رصفاته‪ ،‬ويعتقد باتر�سون‬ ‫و�أيزينربج ‪� 1983‬أن املواجهة هي �أداة لرتكيز انتباه امل�ست�شري على جانب من‬ ‫�سلوكه‪ ،‬الذي �إذا تغري �سي�ؤدي �إىل �أداء �أكرث فاعلية‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫�إن املواجهة تكون م�ؤملة لكال الطرفني امل�شرتكني فيها‪ .‬وعملية املواجهة‬ ‫عملية واعية يقررها امل�شري‪ .‬وال يجوز �إجراء املواجهة دون الر�صيد الكايف‬ ‫من العالقة العالجية‪ ،‬والثقة الكافية يف املعالج وذلك حتى ي�ستطيع امل�ست�شري‬ ‫تقبلها‪ ،‬لأنه يف حال غري ذلك �سوف تك�رس العالقة العالجية ونخ�رس امل�ست�شري‪،‬‬ ‫ورمبا ال يعود مرة �أخرى للجل�سات‪.‬‬ ‫وال نلج�أ للمواجهة ب�إفراط يف عملية امل�شورة حتى ال يفقد امل�ست�شري تعاطفنا‬ ‫معه‪ ،‬ويف الوقت نف�سه لي�س من اجليد �أن نخجل من مواجهة امل�ست�شري وعدم‬ ‫التعامل مع مناوراته �أو هروبه من م�س�ؤوليته عن نف�سه يف ما يحدث له من‬ ‫�أحداث‪.‬‬ ‫عند االتفاق مع امل�ست�شري على فتح جزء معني من تاريخه‪ ،‬وي�أتي ويتحدث‬ ‫يف �أ�شياء لي�س لها �صله مبا مت االتفاق عليه املرة ال�سابقة‪ ،‬رمبا ميكننا �إعطاءه ع�رش‬ ‫دقائق ل�سماع ما �أتي به رمبا يكون يف لب املو�ضوع الذي �سنتحدث عنه‪ ،‬ورمبا‬ ‫يكون نوع ًا من املناورة والهروب لعدم قدرة امل�ست�شري على اخلو�ض يف املو�ضوع‬ ‫املق�صود‪ ،‬كما ميكن �أن يكون خوف ًا من الأمل املتوقع من احلوار يف هذا اجلزء‪.‬‬ ‫عند الت�أكد من موقف امل�ست�شري‪� ،‬إن احتاج �إىل ت�شجيع وتدعيم نقوم به‪ ،‬و�إن‬ ‫كان يناور وال يرغب يف فتح هذا امللف من اجليد مواجهته وتذكريه باالتفاق‬ ‫الذي مت عقده املرة ال�سابقة و�أهمية هذا اجلزء للعملية العالجية‪.‬‬ ‫مثال عملي‪:‬‬ ‫م�ست�شري يف حالة انتكا�سة بعد فرتة انقطاع عن اجلل�سات‪ ،‬يعود مرة �أخرى‬ ‫وال ميكنه �أن يروي الأحداث التي انتك�س فيها ويتعلل ب�أنه ال يتذكر احلوارات‬ ‫التي جعلته يفقد �أع�صابه‪ ،‬ويعود �إىل �سلوكياته القدمية‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫امل�شري‪� :‬أرى �أنك ت�شعر باحلرج من نف�سك لأنك انتك�ست‪ ،‬لذلك ال ميكنك‬ ‫رواية الأحداث التي رمبا تدينك‪ ،‬االنتكا�سة جزء من العالج‪ ،‬وحدوثها واقع‬ ‫البد من قبوله والتعامل معه‪ ،‬اكتب احلوارات التي متت وكيف �شعرت وقتها‬ ‫وما هي رودود �أفعالك جتاه ما حدث ‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫التـفـ�ســـــــــــــري ‪Interpretation‬‬ ‫التف�سري هو مرحلة جتميع كل الأوراق على الطاولة‪ ،‬وكتجميع قطع الباذل‬ ‫ل�صورة واحدة هكذا يكون التف�سري‪ ،‬وهو و�ضع امل�سببات واخلربات التي مر‬ ‫بها امل�ست�شري والتي و�صلت به �إىل هذه احلالة‪ ،‬وجعلته يعاين من هذه امل�شاعر‬ ‫امل�ؤملة ويقوم بهذه ال�سلوكيات التي ال ير�ضي عنها‪ .‬ويف التف�سري ال جمال‬ ‫للت�أليف �أو االفرتا�ض لأي من الأحداث �أو ال�رشح لها‪ ،‬بل هو مبني على �أ�س�س‬ ‫مت الت�أكد منها خالل العديد من اجلل�سات التي حتتوى على تاريخ امل�ست�شري‪.‬‬ ‫وعندما يتم التف�سري ب�شكل تدريجي يكون كتجمع قطرات املاء مع ًا والتي‬ ‫ي�شرتك فيها كل من امل�شري وامل�ست�شري‪ ،‬خطوة خطوة باتفاق كال الطرفني على‬ ‫ما تو�صال �إليه �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪ ،‬حتى ي�صال �إىل ال�صورة الكبرية‪ ،‬ويقدم لنا رولو‬ ‫ماي و�صف ًا للتف�سري كالآتي‪:‬‬ ‫التف�سري وظيفة امل�شري وامل�ست�شري مع ًا‪� ،‬أنه لي�س عملية تخمني يقوم بها امل�شري‬ ‫ملعرفة منط ال�شخ�صية ومن ثم تقدميه �إىل الآخر على طبق من ذهب‪ ،‬وهذا‬ ‫ينقلنا �إىل نقطة �أكرث حتديداً‪ ،‬فامل�شري يقرتح التف�سريات وال يطرحها وك�أنها‬ ‫�أحكام نهائية‪� .‬إنه ال يقول هذا هو التف�سري لكنه يقرتح "رمبا كان هذا هو‬ ‫التف�سري" �أو "هذا يرتبط مع ذاك"‪ ،‬ويف كل الأحوال عليه االنتظار لر�ؤية رد‬ ‫فعل امل�ست�شري على اقرتاحه ‪.36‬‬ ‫والتف�سري يبدو من معنى الكلمة �أنه املرحلة التي يتم فيها التف�سري واالجابة‬ ‫عن الت�سا�ؤالت الآتية‪ :‬ملاذا �أ�شعر مبا �أ�شعر به وملاذا �أتفاعل بهذه الطريقة مع هذه‬ ‫الأحداث؟‪ ،‬ففي التف�سري يتم بداية التوا�صل بني الأحداث املخزنة يف الالواعي‬ ‫‪ 36‬رولو ماى‪ .‬فن المشورة‪ .‬ترجمة أسامة القفاش‪132 .‬‬

‫‪71‬‬


‫وبني ردود الأفعال التي يقوم بها ال�شخ�ص يف الواعي ويعرف �أنطوين �ستور‬ ‫التف�سري يف كتاب "فن العالج النف�سي" ويقول‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬غالب ًا ما تكون مهمة املعالج هي �أن يجعل ما هو غري مفهوم مفهوم ًا‪.‬‬ ‫فمعظم املر�ضى الذين يق�صدون العالج النف�سي يعانون من �أعرا�ض ال يجدون‬ ‫لها تف�سرياً‪ ،‬ولهذا ف�إنها تبدو �أكرث خطورة مما هي عليه فع ًال‪ ،‬ولذلك ف�إنه‬ ‫قد يكون جمنون ًا �أو يف طريقه �إىل ذلك‪ .‬ف�إذا وجد �أن تلك الأعرا�ض م�ألوفة‬ ‫للمعالج ومل ترث لديه �أي انزعاج ف�إن ذلك يبعث على االطمئنان‪ ،‬وهكذا نرى‬ ‫�أن �إحدى وظائف الت�أويل هي جعل الغام�ض وا�ضح ًا‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬يهتم الت�أويل – التف�سري بتتبع ال�صالت بني الأحداث والأعرا�ض‬ ‫و�سمات ال�شخ�صية والتي ال تكون وا�ضحة لأول وهلة‪ .‬وتختلف املدار�س‬ ‫املتنوعة للعالج النف�سي يف الأهمية التي توليها خلربات الطفولة بو�صفها عوامل‬ ‫ت�شكل ال�شخ�صية وم�شاكلها بعد ذلك‪ ،‬ولكن الغالبية تتفق على �أن الطفل هو‬ ‫�أبو الرا�شد �سواء �شكلته �أ�سا�س ًا الوارثة �أو االجتاهات الوالدية‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬الوظيفة الثالثة للت�أويل هي تو�ضيح التناق�ض بني ما يقول املري�ض �إنه‬ ‫ي�شعر وبني ما يح�س به بالفعل من خالل و�صفه ل�سلوكه‪( .‬ي�صف نف�سه �أنه‬ ‫فا�شل يف حني العك�س) على �أنه لي�ست كل التف�سريات ذات طبيعة �سلبية‪،‬‬ ‫مبعنى �أنها تك�شف للمري�ض حقائق قا�سية عن نف�سه يحاول التهرب منها‪ ،‬فكثري‬ ‫من املر�ضى الذين يعالجَ ُ ون نف�سي ًا يقللون من قيمة �أنف�سهم يف حني �أنهم �ألطف‬ ‫�أو �أذكي مما يعتقدون‪.37‬‬ ‫ويرى حامد عبد ال�سالم زهران يف كتاب ال�صحة النف�سية والعالج النف�سي‬ ‫�أنه قد يكون التف�سري �صامت ًا‪� ،‬أي �أنه قد يحدث يف عقل املعالج وال ينقله �إىل‬ ‫‪ 37‬نطونى ستور‪ .‬فن العالج النفسى ‪35-33‬‬

‫‪72‬‬


‫املري�ض‪ ،‬وهذا التف�سري ال�صامت مهم يف فهم حاجات املري�ض و�أ�سا�سي يف‬ ‫خطة العالج‪ .‬ورمبا �أجل�أ لهذا التف�سري ال�صامت يف بع�ض الأحيان �أو يف املرحلة‬ ‫املبكرة للم�شورة حتى يت�سني الوقت املنا�سب وحلني اختيار الطريقة املنا�سبة‬ ‫لتو�صيلها للم�ست�شري‪.‬‬ ‫ويلج�أ املعالج �إىل التف�سري لأ�سباب عديدة منها‪� :‬إحداث تغيري يف �إدراك‬ ‫املري�ض للخربات‪ ،‬و�إحداث تغري يف معرفته وم�شاعره جتاه نف�سه‪ ،‬و�إحداث‬ ‫تغيري يف �سلوكه‪ ،‬وتنمية ب�صريته‪ ،‬وم�ساعدته يف حل م�شكالته‪ ،‬وك�شف‬ ‫ال�رصاعات وامل�ساعدة يف حلها‪ ،‬و�إبعاد القلق‪ ،‬وت�سهيل التداعي احلر‪ ،‬وزيادة‬ ‫اهتمام املري�ض بعملية العالج‪ ،‬و�شعور املعالج بعمل �شيء ملمو�س للمري�ض‪.‬‬ ‫ومن �أهم معايري التف�سري ال�صحيح �أنه يحدث �آثاراً �إيجابية يف �سلوك املري�ض‬ ‫منها‪ :‬تخفيف القلق وتقليل اللجوء �إىل حيل الدفاع النف�سي‪ ،‬وتناول امل�شكالت‬ ‫بو�ضوح �أكرث‪ ،‬وظهور معطيات و�أبعاد جديدة‪ .‬هذا ويالحظ �أن التف�سري‬ ‫اجلزئي قد ي�رض �أكرث مما ينفع‪ ،‬و�أن التف�سري اخلاطئ له �آثاره ال�ضارة‪ .‬فالتف�سري‬ ‫الذي يقوم على معلومات قليلة يكون �أقرب �إىل الفر�ض منه �إىل التف�سري‪.‬‬ ‫من املهم تقرير متى يبد�أ التف�سري‪� .‬إن هذا يتوقف على قدرة املري�ض على‬ ‫تقبل وحتمل التف�سري‪ .‬فيجب �أن ُيقدم التف�سري يف اللحظة ال�سيكولوجية املنا�سبة‬ ‫لتقبله‪ .‬وقد يخطئ املعالج وخا�صة �إذا �أراد الإ�رساع بعملية العالج‪ .‬ويديل‬ ‫بتف�سري مبكر يف غري �أوانه‪ ،‬وهذا قد ي�رض �أكرث مما ينفع‪ ،‬فقد ي�ؤدي باملري�ض‬ ‫�إىل حالة من الفزع والقلق واللجوء �إىل املقاومة �أو االن�رصاف عن العالج‪.‬‬ ‫ومن املهم �أي�ض ًا منا�سبة التف�سري‪ ،‬وذلك مبراعاة �رضورة �أن يتنا�سب عمق‬ ‫التف�سري مع م�ستوى ا�ستيعاب املري�ض‪ .‬كذلك يجب �أال يكرث املعالج من‬ ‫‪73‬‬


‫التف�سري مرة واحدة‪ ،‬بل يجب �أن يكون يف �شكل جرعات منا�سبة‪ .‬ويجب‬ ‫�أن يالحظ املعالج �أن اجتاهاته وحركاته لها �أهميتها يف هذه الناحية‪ ،‬فكل ما‬ ‫يعرب عنه املعالج يعترب تف�سرياً واحلركة تعترب تف�سرياً بالن�سبة للمري�ض‪.‬‬ ‫اال�ستب�صار‪Insight :‬‬

‫بعد �أن يحدث التنفي�س االنفعايل وتطفو االنفعاالت على ال�سطح وتظهر‬ ‫دوافع ال�سلوك‪ ،‬ي�ستطيع املري�ض فهمها وفهم نف�سه ومعرفة م�صادر ا�ضطرابه‬ ‫وم�شكالته ويتعرف على نواحي قوته ونواحي �ضعفه وعلى �إيجابياته و�سلبياته‪،‬‬ ‫وبهذا يزيد ا�ستب�صار املري�ض بخ�صو�ص �سلوكه املر�ضي وي�صبح �أكرث قدرة‬ ‫على التحكم يف هذا ال�سلوك‪ .‬وال �شك �أن فهم الذات يعترب �أمراً بالغ الأهمية‬ ‫بالن�سبة للعالج الناجح‪ .‬ويتبع منو الفهم وزيادة اال�ستب�صار تف�سريات من جانب‬ ‫املعالج متهد للمزيد من التقدم الإيجابي من جانب املري�ض‪.38‬‬

‫�أنواع التف�سري‬ ‫جولدن مان ‪ :1971‬هناك �أربعة �أ�ساليب للتف�سري‪ :‬و�صفي‪ ،‬تاريخي‬ ‫(تطوري)‪ ،‬توقعي (تنب�ؤي)‪ ،‬تقوميي‬ ‫‪ -1‬التف�سري الو�صفي ابحث عن الت�سا�ؤالت الآتية‪:‬‬ ‫ما نوع �شخ�صية هذا الفرد (انب�ساطي‪ ،‬انطوائي)؟‬ ‫وكيف ي�شعر بالن�سبة للقرب من الآخرين؟‬ ‫‪ -2‬التف�سري التاريخي (التطوري)‬ ‫كيف �أ�صبح الفرد على هذا النحو؟ هل م�شكالت القراءة لديه ناجتة عن‬ ‫عوائق انفعالية �أم عن نق�ص يف ميله؟ وهل رف�ضه لبع�ض الأن�شطة نابع من‬ ‫‪ 38‬حامد زهران‪ .‬الصحة النفسية والعالج النفسى‪194 – 193 .‬‬

‫‪74‬‬


‫�ضغوط والديه عليه لتجنب هذا املجال �أم نتيجة �إخفاقه يف حماوالته ال�سابقة‬ ‫مع هذه الأن�شطة؟‬ ‫وهذا التف�سري يرتك احلا�رض بحث ًا عن املا�ضي لي�رشح ويف�رس منو الفرد كما هو الآن‪.‬‬ ‫‪ -3‬التف�سري التوقعي‪:‬‬ ‫ماذا نتوقع عن جناحه يف اجلامعة؟ وما الذي ميكن �أن يحققه بالتحاقه يف‬ ‫�شعبة العلوم؟ وما هي درجة ر�ضاه �إذا التحق فيما بعد بعمل كتابي؟‬ ‫وهذا النوع من التف�سري يرتك احلا�رض ليبحث عن امل�ستقبل با�ستخدام بيانات‬ ‫عنه يف احلا�رض‪.‬‬ ‫‪ - 4‬التف�سري التقوميي‪:‬‬ ‫ما الكلية التي ميكن �أن يختارها؟ وما هي ال�شعبة التي ميكن �أن يلتحق بها؟‬ ‫هل ميكن �أن ي�صبح كهربائي ًا ماهراً؟ وهذا النوع من التف�سري ن�ضيف حكم ًا‬ ‫تقوميي ًا لتف�سريات �أخرى لن�صل �إىل اتخاذ القرار ‪.39‬‬ ‫بع�ض قواعد الأ�سا�سية للتف�سري‪:‬‬ ‫‪ -1‬كن دقيق ًا يف توقيت اال�ستخدام‪ ،‬حيث يحتاج التف�سري �إىل معلومات‬ ‫كافية‪ .‬ويف املعتاد ف�إن مثل هذه اال�ستجابة ت�ؤجل للجل�سات الأخرية وال‬ ‫ت�ستخدم يف اجلل�سات الأوىل‪.‬‬ ‫‪ -2‬ت�أكد من �أن تف�سريك قائم على �أ�سا�س من ر�سالة امل�سرت�شد ولي�س على‬ ‫�أ�سا�س من حتيزاتك �أو قيمك التي ت�سقطها عليه‪( .‬مث ًال ال ت�سحب خربتك مع‬ ‫�أوالدك على امل�ست�شري)‪.‬‬ ‫‪ 39‬محروس الشناوي‪ .‬العملية االرشادية ‪223‬‬

‫‪75‬‬


‫‪ -3‬انتبه �إىل �صياغة التف�سري ومن املف�ضل ا�ستخدام عبارات مثل‪ :‬رمبا‪� ،‬أو‬ ‫من املمكن‪� ،‬أو يبدو ّ‬ ‫يل‪� ،‬أو �إين �أت�ساءل ‪ ....‬فهذه �أ�ساليب تقريبية ولي�ست‬ ‫قاطعة حتى ال ن�ضيع املر�شد يف جانب ون�ستحث مقاومة امل�سرت�شد �أو دفاعاته‬ ‫نحو التف�سري‪.40‬‬ ‫الواجب املنزيل‬ ‫يعترب الواجب املنزيل جزءاً مكم ًال ولي�س اختياري ًا يف العالج املعريف‪ .‬ولي�ست‬ ‫يف العالج املعريف وح�سب بل رمبا نحتاج �أن نلج�أ �إىل الواجب من اجلل�سة الأوىل‪،‬‬ ‫فعندما ي�أتي امل�ست�شري ب�أوراقه املبعرثة رمبا نقرتح عليه �أن يقوم بعمل واجب ينظم فيه‬ ‫�أهدافه من املقابالت امل�شورية وي�ضعها يف نقاط حمددة‪ ،‬ورمبا ن�ساعده يف اختيار‬ ‫املو�ضوع الذي ي�شعر ب�أهميته بالن�سبة له‪ ،‬ورمبا نحتاج �إىل الواجب يف م�ساعدة‬ ‫امل�ست�شري يف و�صف م�شاعره جتاه موقف ما �أو �شخ�ص ما �أثناء مرحلة التنقيب‪،‬‬ ‫كما ميكننا ا�ستخدام الواجب يف جعل امل�ست�شري ي�صف �صورته عن نف�سه مع �رشح‬ ‫الإيجابيات وال�سلبيات من وجهة نظرة‪ ،‬كما �أن عقد املقارنات يف تطور العالج‬ ‫يحتاج امل�ست�شري �أن ي�سجلها يف دفرته لكي ما ن�ستخدمها يف اجلل�سات‪ ،‬وعند‬ ‫التقييم يف املراحل العالجية املختلفة رمبا نحتاج �إىل �أن نقرتح على امل�ست�شري يف‬ ‫عمل جدول يحتوي على النقاط التالية‪ :‬كنت ‪� ....‬أ�صبحت ‪� ....‬أرغب‬ ‫يف �أن ‪ ،....‬هكذا لي�صبح الواجب �إحدى املهارات التي يتعلمها امل�ست�شري‬ ‫للتعامل مع نف�سه ب�أفكاره وم�شاعره بعد انتهاء املقابالت امل�شورية‪.‬‬ ‫وي�صف ال�شناوي الواجب ب�أنه "ينتظر املعالج زيادة الفر�ص املتاحة للتغيري‬ ‫املعريف وال�سلوكي خالل �أ�سبوع املري�ضة‪ ،‬والواجب املنزيل يعطي املري�ضة‬ ‫فر�ص ًا �أكرث �أن تعلم نف�سها (مث ًال من خالل الكتابة‪ ،‬وكذلك جمع املعلومات‪،‬‬ ‫‪ 40‬محروس الشناوي‪ .‬نفس المرجع السابق‪110 .‬‬

‫‪76‬‬


‫ومن خالل ر�صد �أفكارها وم�شاعرها وت�رصفاتها) حتى ت�ستطيع تعديلها‪.‬‬ ‫و ُيعظم الواجب املنزيل ما تعلمته املري�ضة يف جل�سات العالج وي�ؤدي هذا �إىل‬ ‫زيادة �إح�سا�س املري�ضة بالكفاءة‪ ،‬وقد وجد الباحثون �أن املر�ضى الذين ي�ؤدون‬ ‫الواجب املنزيل يتقدمون �أ�رسع من املر�ضى الذين ال ميار�سونه‪."41‬‬ ‫وال توجد معادلة جاهزة لإعداد الواجب املنزيل‪ ،‬ولكن الواجب املنزيل‬ ‫ينبغي �أن ُيف�صل لكل مري�ض على حدة‪ ،‬و�أن يتم �إعداده بالتعاون بني املعالج‬ ‫واملري�ضة‪ ،‬و�أن ي�صمم طبق ًا ملحتويات اجلل�سة العالجية و�أهداف املري�ض واملعالج‬ ‫ور�ؤية املعالج للمري�ضة وللمرحلة العالجية‪ ،‬وعند اقرتاح الواجب املنزيل ي�ضع‬ ‫املعالج يف اعتباره ال�صفات الفردية للمري�ضة مثل قدرتها على القراءة والكتابة‬ ‫ودوافعها وا�ستعدادها لاللتزام بالواجب ودرجة �إحباطها ووظائفها الإدراكية‬ ‫واملعوقات العملية (مثل عامل الوقت) ‪ ..‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫فكما يوجد الواجب املنزيل الذي يعتمد على الكتابة‪ ،‬لتفريغ امل�شاعر‬ ‫والأفكار‪ ،‬يوجد الواجب العملي الذي يتبع العالج يف التدريب على تعديل‬ ‫ال�سلوك ومواجهة املخاوف والتدريب على �إقامة عالقات جديدة والتدريب‬ ‫على عمل حدود �صحية وعمل مواجهات لت�أكيد احلقوق وللدفاع عن النف�س‪.‬‬ ‫وي�أخذ املعالج عموم ًا دور القيادة يف اقرتاح الواجب املنزيل‪ ،‬وبالتدريج كما يف‬ ‫حالة �إعداد الأجندة يبد�أ املعالج �أن يطلب من املري�ضة �أن ت�صمم هي واجبها املنزيل‬ ‫(مث ًال احنا خل�صنا الكالم عن م�شكلتك مع زميلك يف الكلية ‪ ..‬تفتكري ايه اللي‬ ‫يكون منا�سب بالن�سبة للمو�ضوع ده �إنك تعمليه كواجب منزيل الأ�سبوع ده؟)‪.‬‬ ‫وهناك نوع �آخر �أهداف الواجب املنزيل وهو التن�شيط ال�سلوكي‪ ،‬وينبع‬ ‫من حمتويات اجلل�سة ويتكون من ممار�سة ن�شاطات جديدة �أو تطبيق �إجراءات‬ ‫عملية منبثقة من حلول امل�شاكل التي مت طرحها ‪.‬‬ ‫‪ 41‬جوديث بيك‪ .‬العالج المعرفي الحديث األسس واألبعاد‪375 .‬‬

‫‪77‬‬


‫حالة تطبيقية‬

‫حالة الآن�سة ميم‬

‫ميم �آن�سة عمرها ‪� 25‬سنة‪ ،‬خريجة كلية نظرية‪� .‬شكوتها املبدئية‪� :‬أنا كل‬ ‫ما يتقدم يل حد ع�شان يخطبني بيح�صلي هلع وبنهار وم�ش بقدر �أوقف نف�سي‬ ‫عن البكاء واملوقف ده ح�صلي ‪ 3‬مرات لغاية دلوقتي‪ ،‬وملا غ�صبت على نف�سي‬ ‫واتخطبت يف مرة منهم طلعت عيلة وف�شلت وانهرت ففكيت اخلطوبة‪.‬‬ ‫كان �إمبارح فرح واحدة �صحبتي ومقدرت�ش �أح�رض وكنت عايزة �آخدها من‬ ‫اجلواز ومن اجلرمية اللي هرتتكبها يف حق نف�سها‪ ،‬دي برتمي نف�سها يف التهلكة‪.‬‬ ‫�س‪ /‬تق�صدي ايه بو�صفك للجواز على �أنه جرمية وتهلكة؟ هذا كان �أحد‬ ‫الواجبات‪ ،‬وردت عليه يف �أربع �صفحات �أذكر منها‪:‬‬ ‫اجلواز �سجن �أبدي‪ ،‬ال فيه انف�صال �أو فرار‪ ،‬تتحمل م�سئولية قرارك اخلاطئ‬ ‫ع�شان انتي اللي اختارتي من الأول‪ ،‬اجلواز �رشبة طعمها وح�ش‪ ،‬ال يوجد‬ ‫تعاون بل املر�أة هي التي تقوم بكل �شيء‪ ،‬انف�صال عن الأهل وخدمة ملدى‬ ‫العمر‪ ،‬يوحي يل بالعبيد قبل احلرب الأهلية‪ ،‬فيه عدم تقدير ل�شخ�ص املر�أة‪،‬‬ ‫هي بتقوم بكل حاجة‪ :‬تربية الأطفال وعملها و�شغل البيت بل �أ�صغر متطلبات‬ ‫احلياة حتى �رشاء الأ�شياء‪ ،‬روتني ممل كل �شيء مثل اليوم اللي قبله‪ ،‬انعدام‬ ‫احلب وعدم وجود �أ�شياء م�شرتكة‪ ،‬عدم الأح�سا�س مب�شاعر املر�أة املتعبة بل‬ ‫ده واجب عليها‪ .‬م�ستحيل �أعطي حياتي ل�شخ�ص �أبداً‪� ،‬أريد �أن �أبقي مبفردي‬ ‫مهما كان بيحبني‪� .‬أريد �أن �أبقى يف الدرا�سة واملذاكرة فقط‪ ،‬ال �أعرف �أي‬ ‫عالقة‪� ،‬أنا متبلدة امل�شاعر ومرتددة جداً جداً‪� ،‬أبكي مثل الطفل الذي ال يرغب‬ ‫يف الذهاب للمدر�سة لأنه عامل غريب �آخر غري عامله اخلا�ص‪� .‬إح�سا�س ب�أن‬ ‫‪78‬‬


‫الرجل �سوف يبهدلني يف حياتي لذلك حياتي كدة حلوة �أوي‪ .‬ال �أرى فائدة‬ ‫من اجلواز بل �أ�شعر باخلطر و�إنه حكاية زي حكاية املوت �أو عملية انتحارية‪،‬‬ ‫عندما �أنظر �إىل �صور الأفراح �أقول كيف فعلوا كده؟ ك�أنه حاجة وح�شة �أو‬ ‫مكروهة‪ ،‬مع �إين �أجد �أن كل النا�س ما عدا �أنا ي�أخذون ذلك املو�ضوع بب�ساطة‬ ‫و�إنه �سنة احلياة‪ ،‬لكني �أنا بح�س �إين خمنوقة عند اتيان جمرد �سرية للجواز‬ ‫�إين “متكلب�شة” وخم�ضو�ضة وده بيبان على وجهي ك�أين واقعة يف ورطة �أو‬ ‫م�شكلة لي�س لها حل‪ ،‬مثلما كان يحدث يل �أيام االمتحانات‪ ،‬كان الكل‬ ‫بي�ضحك وبياخد املو�ضوع بب�ساطة و�أنا �أف�ضل ما�سكة الكتاب حلد اللجنة لأين‬ ‫خايفة حل�سن �أن�سي حاجة‪.‬‬ ‫�أنا الوحيدة يف زمايلي اللي ما عدت�ش ال�سنة �أو طلعت مبادة لكن الآن الو�ضع‬ ‫اتبدل‪� ،‬إين فا�شلة يف الأمور احلياتية يف �أمور االرتباط بل �أي�ض ًا يف العمل على‬ ‫عك�سهم متام ًا من ر�ؤيتي لنف�سي �إنني �أنفع �أكون فقط �آلة ت�سجيل املعلومات‬ ‫فقط �إن�سانة ال تت�رصف يف كل �أمورها بالبكاء والقيء وال�ضغط على �أع�صابها‬ ‫زي الأطفال‪ ،‬عندي عدم ا�ستقرار يف �أي �أمر من �أمور احلياة‪� -:‬إعداد اخلدمة‬ ‫– �شغل – كور�س �إجنليزي – �إزاي ه�ستقر يف اجلواز باقي عمري باملنظر ده؟؟‬ ‫ماما وبابا ما بيطقو�ش بع�ض‪ ،‬طول الوقت خناق وخالفات‪ ،‬بابا عمره ما‬ ‫ح�س مباما وال بتعبها معانا وملا بقوله �شوف هي رجعت من ال�شغل ما قعدت�ش‪،‬‬ ‫قايل عادي ده املفرو�ض‪.‬‬ ‫ويف يوم راحت عملت عملية ت�سليك �رشايني �إيديها عل�شان عندها �أمل‬ ‫�شديد جدا فيها وبعد ما رجعت غ�صب عليها حتط له ياكل‪ ،‬وملا قلت له دي‬ ‫تعبانة قايل ده واجب عليها وداميا بيو�صفها بالعبد البطال‪ ،‬يعني مهما ما قدمت‬ ‫من خدمات دة حقه عليها‪ .‬دي حتى الكني�سة بتقول كده يف �إكليل اجلواز‬ ‫‪79‬‬


‫"ال ت�ضيعي �شيء من حقوقه عليكي"‪" ،‬تقويل له يا �سيدي كما كانت تفعل‬ ‫�أمنا �سارة لأبونا �إبراهيم"‪.‬‬ ‫وبيبقي متخانق معاها ومبهدلها ومع ذلك ي�شاور لها بطرف �صباعه حت�صله‬ ‫على حجرته عل�شان ينام و�أنا بتقطع من العذاب وببقى عارفة �إنها بتموت غ�صب‬ ‫عنها جوه ومتقدر�ش تقول لأ‪.‬‬ ‫هي بتحب واحد تاين من ‪� 12‬سنة و�أنا و�أخويا عارفني كده وهو بييجي‬ ‫يزورنا يف الأيام اللي بابا بي�شتغل فيها بليل‪ ،‬هو راجل حمرتم وبيحب ماما‬ ‫وبيحرتمها وبيحبنا احنا كمان وبن�شعر بجو من الدفء وهو معانا يف البيت‪،‬‬ ‫حتى ملا ماما بتخرج تقابله بتاخدين معاها دامي ًا‪ ،‬يف الأول ماكنت�ش طايقاه يف‬ ‫بداية املو�ضوع وكنت يف �أويل �إعدادي وبعد كده �شوية �شوية قبلته خ�صو�صا‬ ‫ملا بقيت م�ش قادرة ا�ستحمل معاملة بابا ليها‪.‬‬ ‫وانت قادرة تقبلي �إن ماما تعرف واحد تاين غري بابا؟‬ ‫وملا ت�شويف ماما بتبقى دبالنة ملا بي�سافر وعندها اكتئاب ونف�سيتها متحطمة‬ ‫وملا بريجع وبيت�صل بيها عل�شان ي�شوفها بتدب فيها الروح وفج�أة بتتحول وبتبقى‬ ‫منطلقة وفيها قوة للحياة ماكانت�ش فيها عل�شان كدة م�ش مت�ضايقة �أنها بتعرفه‪.‬‬ ‫بتح�سي ب�إيه ملا بت�شوفيهم �سوا؟‬ ‫بح�س �أنها م�سكينة ولو كان بابا بيعاملها كوي�س ما كانت�ش تعرف عمو ده‪،‬‬ ‫�أيوه �أنا بقوله يا عمو عل�شان هو �شخ�ص حنني قوي ومنني ما ماما بتلج�أ له يف‬ ‫�أي م�ساعدة بتالقيه على طول ويف �أي م�شكلة هي بتكلمه وهو بيفكر وبيتحرك‬ ‫معاها وبيتمنى يخدمها ويخدمنا‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫كلميني �شوية عن خطيبك؟‬ ‫هو كان �شخ�ص كوي�س وبيعاملني كوي�س ب�س �أول ما يت�ضايق ويترنفز كنت‬ ‫يف ايه؟ وكنت م�ستغربة �أنه بيحب‬ ‫بخاف قوي و�أقول امال بعد كده هيعمل ّ‬ ‫يت�صل بي كتري وما كنت�ش بالقي حاجة �أقولها له يف التليفون وم�ش عارفة كان‬ ‫بيحبني ليه؟ مع �أن ماما قاليتلي �إين حلوة لكن �أنا م�ش �شايفة نف�سي كده‪.‬‬ ‫انت �شايفة ميم �إزاي؟‬ ‫و�أنا �صغرية م�ش نا�سية ملا كنت مع ماما عند الكوافري وكانت بتتكلم‬ ‫وبتقول �أنا م�ش بحب البنات دول زناننني وابني �شعره حلو ب�س البنت �شعرها‬ ‫خ�شن قوي‪ ،‬وكنت وقتها الب�سة ن�ضارة كعب كباية وحمد�ش كان بيحب‬ ‫ي�صاحبني‪ .‬وماكن�ش عندي �أ�صحاب خال�ص‪ ،‬وكنت بليدة قوي يف املدر�سة‬ ‫وماما كانت بتخلي كل �أوالد العيلة يذاكروا يل وابن �أختها اللي يف نف�س‬ ‫�سني ييجي يذاكريل عل�شان كنت خايبة وهو كان بييجي ب�شنطة �سام�سونيت‬ ‫ويعي�ش يف دور املدر�س وهو بيذاكريل‪ ،‬وهي كانت ف�ضحاين يف كل حتة‬ ‫وبتقول �إن ميم ما بتعرف�ش تعمل حاجة �أو تروح يف حتة لوحدها وكل النا�س‬ ‫خالتي و�أوالدهم داميا بيعاملوين على �إين خايبة وما بعرف�ش �أت�رصف �أو �أتكلم‬ ‫�أو �أعمل �أي حاجة يف الدنيا ع�شان هي دامي ًا كانت بت�شكيني طول الوقت‬ ‫لكل النا�س‪ .‬لغاية النهاردة كل ما �أحب �أعمل حاجة �أو �أروح م�شوار ماما‬ ‫بتقويل ده م�شوار �صعب عليكي م�ش هتعريف تروحي لوحدك‪ ،‬ال ال�شغل ده‬ ‫م�ش هتقدري ت�سدي فيه �إنت عمرك ما بتكملي حاجة للآخر يا ميم خديها‬ ‫من قا�رصها ومرتوحي�ش‪ ،‬حتى ملا بيبقى عندي انرت فيو لل�شغل بتقويل وفري‬ ‫جمهودك م�ش هيقبلوكي وبت�رص �أنها تروح معايا ومروح�ش لوحدي‪.‬‬ ‫‪81‬‬


‫�أنا ميكن �شكلي حلو حلد ما زي ما ماما قالت يل لكن �أنا فع ًال م�ش نافعة يف‬ ‫�أي حاجة‪.‬‬ ‫تلخي�ص اجلل�سة‪:‬‬ ‫يقوم املعالج بعمل نوعني من التلخي�ص‪ ،‬الأول هو يقدم للم�ست�شري يف نهاية‬ ‫اجلل�سة وذلك بعد جمع املعلومات التي ح�صل عليها من امل�ست�شري ب�صورة متفرقة‬ ‫وي�ضعها بجانب بع�ضها البع�ض‪ ،‬لكي نقول له �إنني ا�ستمعت �إليك و�أ�شعر مبا‬ ‫تقوله وت�أكيد لر�سالة �أن امل�ست�شري مفهوم وهذا ي�ساعده على مزيد من فهم نف�سه‬ ‫والتالم�س معها ولمَ البعرثة الداخلية التي ي�شعر بها يف ازدحام الأفكار وامل�شاعر‪،‬‬ ‫كما �أنه يوجد �سبب �آخر وهو لكي نبني على هذا التخلي�ص الواجب املنزيل الذي‬ ‫�سيقوم به امل�ست�شري‪ ،‬كما �أن تلخي�ص اجلل�سة ي�ساعد امل�ست�شري يف �صناعة القرار‬ ‫ال�صائب بعد حزم التفا�صيل املهمة باجلل�سة‪ .‬وال�سبب الأخري هو لتكوين الأجندة‬ ‫للجل�سة التالية بعد احل�صول على نقاط حمددة ملوا�صلة احلوار مع امل�ست�شري‪.‬‬ ‫�أما النوع الثاين من التلخي�ص فيتم بني احلني والآخر ملراجعة اخلطة العالجية‬ ‫التي مت االتفاق عليها م�سبق ًا بني املعالج وامل�ست�شري‪ ،‬ليكون وا�ضح ًا للطرفني �أين‬ ‫نحن الآن؟ وما هي اخلطوة القادمة من اخلطة‪.‬‬ ‫الت�شخي�ص ‪Diagnosis‬‬

‫بع�ض الن�صو�ص الكال�سيكية يف امل�شورة ُت�رص على �أن الت�شخي�ص الدقيق هو‬ ‫�أحد املطالب الأ�سا�سية لأي عمل ناجح مع الآخرين‪ ،‬و�أن جزءاً من الإجهاد‬ ‫الذي يعاين منه امل�شريون النا�شطون ينبع من �إدراكهم ب�أنهم ال يحققون‬ ‫املثاليات العالجية التي قر�أوها �أو �سمعوا عنها‪ .‬وهم يربرون عدم تركيزهم‬ ‫‪82‬‬


‫على الت�شخي�ص ب�أن عليهم �ضغوط ًا من �أجل تقدمي اخلدمة لعدد كبري من النا�س‪،‬‬ ‫و�إال فلن يجد ه�ؤالء من يعتني بهم‪� .‬إن ه�ؤالء امل�شريين يفعلون ما يف و�سعهم‪،‬‬ ‫ويعتربون �أن الت�شخي�ص املو�سع هو �أقرب �إىل الرفاهية منه �إىل ال�رضورة‪.‬‬ ‫كما �أن كثرياً من املدار�س العالجية التي تركز على ال�سلوك‪ ،‬ال تعترب �أن‬ ‫الت�شخي�ص �شيء �أ�سا�سي لتعليم النا�س كيفية التعامل ب�شكل بناء مع م�شاكلهم‬ ‫يف احلياة‪� .‬إن فكرة الت�شخي�ص يف جمملها‪ ،‬كما يقول البع�ض‪ ،‬هي موروث‬ ‫من النموذج الطبي يف عالج النا�س‪ ،‬وهي ال تهتم كثرياً يف �أ�ساليب امل�شورة‬ ‫التي تقوم على مبادئ التعلم و�إعادة التثقيف ال�شخ�صي‪.‬‬ ‫تعريف الت�شخي�ص‪:‬‬ ‫كلمة ت�شخي�ص م�شتقة من الأ�صل اليوناين الذي يعني "فهم املكونات كال‬ ‫على حدة" �أو "التميز بني الأ�شياء"‪ .‬ورمبا ميكن ترجمتها متييز �أو”تكوين‬ ‫ر�ؤية واعية”‪ .‬هذه العملية تت�ضمن ا�ستخدام كل قدراتنا لتكوين نوع معني‬ ‫من الت�صور الإن�ساين العميق‪ .‬وهذا خمتلف متام ًا عن الإدانة القا�سية للم�ست�شري‬ ‫وو�صمه مب�سميات نف�سية تالزمه مدى احلياة‪� .‬إن الت�شخي�ص هو عملية حية‬ ‫وتفاعلية‪ ،‬تكمن قوتها يف �إدراكنا للطرق التي ي�صارع بها النا�س مع م�شكالتهم‬ ‫يف احلياة‪ .‬فهي ال تعني �أن ن�ضع و�صمة على �شخ�ص من خالل ر�أي �إكلنيكي‬ ‫جامد وغري قابل للتغيري‪.42‬‬ ‫�س‪ /‬متي ال يفيد الت�شخي�ص؟‬ ‫ال يفيد الت�شخي�ص �إذا �أدى �إىل خلق م�سافة بني امل�شري وامل�ست�شري‪ .‬هذا قد‬ ‫يحدث عندما ي�صبح الت�شخي�ص �شكال من الن�شاط الفكري الذي يتم �أ�سا�س ًا‬ ‫‪ 42‬يوجين كيندي وسارة ك‪ .‬تشارلس‪ .‬لكي تصبح مشيراً‪ .‬ص ‪126‬‬

‫‪83‬‬


‫داخل حدود �شخ�صية امل�شري نف�سه‪ ،‬ت�سيطر عليه الرغبة يف حل الألغاز وك�شف‬ ‫الأ�رسار‪ .‬هذا بالطبع ال يدخل حتت بند الت�شخي�ص احلقيقي‪ ،‬و�أمنا هو تعبري‬ ‫عن احتياج امل�شري ملنع النا�س من االقرتاب منه �أكرث من الالزم‪� .‬إن التقييم‬ ‫الفكري لنقاط القوة وال�ضعف عند الآخرين هو خطة لبناء الثقة الزائفة لدى‬ ‫امل�شري من خالل تدعيم الوهم ب�أنه م�سيطر على الآخرين‪.‬‬

‫‪84‬‬


‫بع�ض املحـــاذير‬ ‫ملحوظةخا�صةملن�سقيجمموعاتامل�شاركة‪:‬يوجدفرقكبريبنيم�شاركةاخلربة‬ ‫اخلا�صة كمن�سق جمموعة وبني التفهم الذي يحتاج �إليه امل�شري يف عملية امل�شورة‪.‬‬ ‫االنتباه �إىل الطرح والطرح العك�سي‪� ،‬إذا كان امل�سرت�شد خمتلف ًا يف‬ ‫اجلن�س مع املر�شد حيث ي�شعر بحاجته املا�سة �إليه‪ ،‬و�إذا كان املر�شد يتعامل‬ ‫مع امل�سرت�شد بالدفء واملودة ب�أكرب مما يجب �أن تكون عليه العالقة املهنية‬ ‫كما حددها �إلي�س‪ ،‬هنا نحذر منه ونلفت النظر �إليه والعمل على احلد منه‪،‬‬ ‫لأن ميل امل�سرت�شد للمر�شد يتزايد بتكرار املقابالت مما يجعله يعتمد عليه‪ ،‬وقد‬ ‫يزداد الأمر �سوءاً �إذا بادل املر�شد امل�سرت�شد نف�س امل�شاعر والأحا�سي�س و�أنه هو‬ ‫�أي�ض ًا وقع يف غرامه‪ ،‬هذا ما ي�سمي بالطرح العك�سي ومن ثم تخرج العالقة‬ ‫الإر�شادية عن م�سارها ال�صحيح‪.‬‬ ‫الطرح‪:‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن �أحد الأهداف الرئي�سية للعالج النف�سي هو متكني املري�ض‬ ‫من االعتناء بنف�سه بكفاءة �أكرب‪ ،‬وبالتايل تفادي احلاجة �إىل بديل الأب ب�أن‬ ‫ميلك زمام �أمره بيده (�أي ب�أن ي�صبح املري�ض �أب ًا لنف�سه) ف�إن املوقف االنفعايل‬ ‫الذي ي�سود يف املراحل املبكرة من العالج عندما يواجه املعالج �شخ�ص ًا مكروب ًا‬ ‫تع�س ًا ي�شبه بالفعل عالقة الطفل بوالده‪ .‬هو �أكرث العنا�رص املنفردة �أهمية يف‬ ‫العالج‪ .‬وما ي�أمل املرء يف حدوثه هو �أن تتمكن املري�ضة (�أو املري�ض) تدريجي ًا‬ ‫وعرب فرتة طويلة من �إدراك �أن هناك �شخ�ص ًا واحداً على الأقل يف هذا العامل‬ ‫يهتم بها ويحاول �أن يفهمها كما هي‪ .‬وي�ؤدي هذا يف ظل الظروف املالئمة‬ ‫‪85‬‬


‫�إىل �أن تدرك املري�ضة �أن هناك �أي�ض ًا �أنا�س ًا غري املعالج يهتمون بها ويودونها‪.‬‬ ‫ومن الوا�ضح �أن االجتاهات نحو الوالدين وغريهما من الأ�شخا�ص املهمني يف‬ ‫املرحلة املبكرة لنمو الطفل �ستتحول �أو تنتقل �إىل الأ�شخا�ص الآخرين كلما‬ ‫كرب الطفل‪ .‬ف�إذا مل ي�ألف الطفل �إال احلب واملعاملة الطيبة يف البيت‪ ،‬ف�سيتوقع‬ ‫من الأغراب �أن يعاملوه بنف�س الطريقة‪ ،‬و�إذا ما حرم من احلب �أو من عومل‬ ‫بطريقة �سيئة‪ ،‬ف�سوف يتعامل مع املعارف اجلدد وهو يتوقع الرف�ض والنبذ‪ .‬و�إذا‬ ‫ما �سار العالج �سرياً ح�سن ًا‪ ،‬ف�إن املري�ض �سي�شعر ب�أن هناك على الأقل �شخ�ص ًا‬ ‫واحداً يف هذا العامل لي�س كذلك ومثلما يعمم الأطفال جتربتهم مع �آبائهم‬ ‫متوقعني �أن الآخرين �سيعاملونهم كما عاملهم �آبا�ؤهم‪ ،‬فنحن ن�أمل �أن املر�ضى‬ ‫الذين يعتربون املعالج �شخ�ص ًا متفهم ًا وم�صدر عون �سيعممون جتربتهم تلك‬ ‫فيعتربون النا�س الذين يقابلونهم �أ�شخا�ص ًا ودودين على �أقل احتمال‪ .‬وي�صبح‬ ‫العالج النف�سي بهذا ال�شكل ما ميكن �أن ن�سميه (ت�صحيح اخلربة االنفعالية) حيث‬ ‫تعدل الت�صورات ال�سلبية جتاه الآخرين تدريجي ًا‪.‬‬ ‫الطرح ي�شري �إىل امل�شاعر التي يبدو �أن ال�شخ�ص الذي ن�ساعده ي�شعر بها من‬ ‫نحونا يف هذه العالقة‪ .‬غري �أنها يف الواقع م�شاعر متعلقة ب�أ�شخا�ص لهم �أهمية يف‬ ‫املا�ضي يف حياة هذا ال�شخ�ص‪ .‬مثل الوالدين �أو من قاموا بدورهما‪ .‬هذه امل�شاعر‬ ‫تنقل لتطرح على امل�شري وقد تكون �إيجابية �أو �سلبية يف نغمتها‪ .‬يجب �أن يكون‬ ‫امل�شري على وعي ب�أن هذا قد يحدث‪ ،‬فال يف�رس هذه امل�شاعر على �أنها ما ي�شعر به‬ ‫ال�شخ�ص من نحوه‪ ،‬لأنه �إذا اجنرف امل�شري ب�سذاجة �إىل التجاوب مع هذه امل�شاعر‬ ‫وك�أنها موجهة �إليه مبا�رشة‪ ،‬فمن املمكن �أن حتدث بع�ض امل�ضاعفات‪.‬‬ ‫مثال‪ :‬امل�شري الأب الذي يتعامل مع مراهق يعاين من �رصاعات مع والده‪ ،‬ال‬ ‫ينبغي �أن ينده�ش �إذا وجه �إليه ال�صبي م�شاعر هي يف الأ�صل متجهة �إىل �أبيه الأ�صلي‪.‬‬ ‫‪86‬‬


‫"الطرح ال�سلبي"‪:‬‬ ‫فهو ي�شري �إىل امل�شاعر التي ن�شعر بها نحن كم�شريين (والتي �أي�ض ًا قد تكون‬ ‫�إيجابية �أو �سلبية) جتاه ال�شخ�ص الذي نقدم له امل�شورة‪ ،‬والتي تنبع من ما�ضينا‬ ‫ال�شخ�صي ومن احتياجاتنا ال�شخ�صية‪ ،‬هذه امل�شاعر قد ت�شمل ال�شعور باالجنذاب‬ ‫ال�شديد‪� ،‬أو عدم االجنذاب �إىل ال�شخ�ص الآخر‪ ،‬وهي م�شاعر خا�صة بنا‪،‬‬ ‫وتعرب عن �شيء يف �أنف�سنا يجب �أن ن�سعى لفهمه قبل موا�صلة امل�شورة‪.‬‬ ‫ويف احلاالت التي ال ميكن فيها �إزالة "الطرح ال�سلبي" ف�إن العالج �سيتوقف‪،‬‬ ‫لأن املري�ض �سيقطعه‪ .‬ولكن مبا �أن �إ�سقاطات الطرح ت�ستمد ن�ش�أتها من جتربة‬ ‫الطفولة املبكرة‪ ،‬ف�إنها متيل‪ ،‬كما �أدرك فرويد‪� ،‬إىل �أن تكون غري واقعية‬ ‫ومبالغ ًا فيها‪ .‬وكلما كان ا�ضطراب املري�ض �أ�شد عمق ًا وكان �أكرث حرمان ًا من‬ ‫العالقات االنفعالية مع الآخرين زاد االحتمال يف �أن يرقي املعالج �إىل الو�ضع‬ ‫الذي يكون فيه "ال�شخ�ص الوحيد الذي يفهم" ومن احلكمة يف مثل هذه‬ ‫املراحل املبكرة من الطرح احلاد �أال نتعجل بتقدمي تف�سريات تهدف �إىل الإ�رساع‬ ‫بعملية ر�ؤية املري�ض للمعالج مبنظار �أكرث واقعية ولي�س هذا على �أي حال �أمراً‬ ‫ممكن ًا على الدوام‪ .‬وعلى الرغم من �أن املعالج ال ميكن �أبداً �أن يحل حمل‬ ‫والدي املري�ض وال �أن يعو�ض متام ًا ما �سبق افتقاده �أو يعتقد �أنه فقد يف طفولة‬ ‫املري�ض املبكرة‪� ،‬إال �أن اعتبار املري�ض املعالج �أب ًا مثالي ًا له ت�أثري ٍ‬ ‫�شاف قد تبدده‬ ‫التف�سريات التي ت�أتي قبل �أوانها‪ .‬فال�شفاء من امل�صاعب النف�سية هو جزئي ًا �إن‬ ‫مل نقل كلي ًا عملية رمزية تلعب فيها الألفاظ وال�صور الدور الأكرب‪ .‬يبدو فيها‬ ‫املعالج كما لو كان �سل�سلة من الأ�شخا�ص م�ستمدة من ما�ضي املري�ض وكذلك‬ ‫�سل�سلة من االحتماالت للم�ستقبل‪.43‬‬ ‫‪ 43‬انطونى ستور‪ .‬فن العالج النفسى ‪64‬‬

‫‪87‬‬


‫مثال‪ :‬الرجل الذي يجد نف�سه منجذب ًا ب�شدة نحو فتاة م�ست�شرية‪ ،‬لكنه دفاع ًا‬ ‫عن نف�سه ال يعرتف بهذه امل�شاعر‪ ،‬و�أمنا يعرب عنها فقط ب�شكل غري مبا�رش‪ .‬فهو‬ ‫يتعامل مع هذه الفتاة بخ�شونة‪ ،‬وي�ؤنبها با�ستمرار‪ ،‬لي�س ب�سبب �شيء قالته �أو‬ ‫فعلته‪ ،‬و�أمنا رداً على م�شاعر الطرح العك�سي املوجود لديه‪.‬‬ ‫وعندما ميار�س العالج النف�سي طوال اليوم وكل يوم ين�ش�أ خطر حتول املعالج‬ ‫�إىل «ال �شخ�ص»‪ .‬ومن ال�رضوري بالن�سبة للمعالج �أن يجد له متنف�س ًا‪ ،‬مكان ًا‬ ‫يف احلياة يعي�ش فيه من �أجل نف�سه فقط حيث يكون التعبري عن الذات ال نفيها‬ ‫هو املطلوب‪ .‬كما يجب �أن �ألفت االنتباه �إىل �أن �أ�رس املعاجلني النف�سيني تعاين‬ ‫هي الأخرى وذلك ل�سببني‪ .‬الأول �أن كتمان �أ�رسار املهنة يعني �أن املعالج ال‬ ‫ي�ستطيع فع ًال �أن يناق�ش عمله مع �أ�رسته‪.‬‬ ‫ال�سبب الثاين يف �أن ممار�سة العالج قد ت�ؤدي �أو ت�رض احلياة الأ�رسية‪ ،‬هو‬ ‫�أنه ملا كان العالج النف�سي مهنة تتطلب ا�ستخدام العواطف واالنفعاالت‪،‬‬ ‫ف�إن املعالج النف�سي قد ال يتبقى له �إال قدر �ضئيل من الطاقة االنفعالية لزوجته‬ ‫وعائلته‪ .‬وهناك خطر �آخر يتمثل فيما ي�سميه يوجن العدوي الال�شعورية؛ فمهما‬ ‫كان املعالج متزن ًا ف�أغلب الظن �أنه �سي�صادف عدداً من املر�ضي تكون مادتهم‬ ‫مقلقة ومثرية لالهتمام يف الوقت نف�سه بحيث ت�ؤثر على توازنه‪ .‬ف�إذا وجد‬ ‫املعالج نف�سه مهدداً بهذه الطريقة فيجب عليه �أن يناق�ش الأمر مع زميل له‪ ،‬وقد‬ ‫يجد �أنه من الالزم �أن يخ�ضع ملزيد من التحليل النف�سي لنف�سه‪� ،‬أو يجد من‬ ‫الواجب عليه �أن يلزم حدوده‪ .‬وهناك خطر �آخر يتهدد املعالج‪ ،‬وهو االنعزال‬ ‫عن النا�س العاديني‪ .‬فبع�ض املحللني يجدون �أنف�سهم غري قادرين على التوا�صل‬ ‫مع �أي �إن�سان �سوى املر�ضى والزمالء من املعاجلني‪ .‬ومثل هذه احلياة تقلل من‬ ‫وجود املرء ككائن �إن�ساين‪.‬‬ ‫‪88‬‬


‫ملحق (‪)1‬‬ ‫تدريبات عملية‬ ‫العزلة وال�صمت‪:‬‬ ‫يوجد فرق كبري بني الوحدة والعزلة‪ ،‬فالوحدة �شيء م�ؤمل وخميف وخوفنا‬ ‫�أن نرتك وحدنا يدفعنا �إىل حيث ال�ضو�ضاء واجلموع‪ ،‬ولكن الوحدة �أو الرثثرة‬ ‫لي�ستا اخليارين الوحيدين �أمامنا‪ ،‬ففي و�سعنا �أن نتعهد عزلة و�صمت ًا داخليني‬ ‫يحررانا من الوحدة واخلوف‪ .‬ذلك �أن الوحدة فراغ داخلي‪� ،‬أما العزلة ف�شبع‬ ‫داخلي‪.‬‬ ‫تعريف العزلة‪ :‬العزلة حالة ذهنية وقلبية �أكرث من �أن تكون مكانية‪ .‬فثمة‬ ‫عزلة قلبية ميكن احلفاظ عليها كل حني ولي�س حل�ضور اجلموع �أو غيابها كثري‬ ‫من العالقة بهذه اليقظة الداخلية‪ ،‬ف�إذا كانت لنا عزلة داخلية فال نخ�شي البقاء‬ ‫وحدنا لأننا نعلم �أننا ل�سنا وحيدين‪ .‬وال نخ�شى �أي�ض ًا �أن نوجد مع الآخرين‬ ‫لأنهم لن ي�سيطرون علينا ففي خ�ضم ال�ضجيج والت�شوي�ش ن�ستقر يف �صمت‬ ‫داخلي عميق‪ .‬و�سواء مبفردنا كنا �أم بني النا�س نحمل معنى مقد�س ًا قلبي ًا قاب ًال‬ ‫للحمل والنقل‪.‬‬ ‫ال عزلة بال �صمت‪ ،‬ومع �أن ال�صمت �أحيان ًا ي�شتمل على غياب الكالم فهو‬ ‫دائم ًا ي�شتمل على فعل الإ�صغاء‪ ،‬علينا �أن ندرك الرتابط بني العزلة الداخلية‬ ‫وال�صمت الداخلي لكونهما ال ينف�صالن‪.‬‬ ‫يقول مثل قدمي‪« :‬جميع الذين يفتحون �أفواههم ُيطبِقون عيونهم»‪ .‬والغر�ض‬ ‫من ال�صمت والعزلة هو �أن نتمكن من �أن نرى ون�سمع‪ ،‬ويف هذا الإطار نتعلم‬ ‫متى نتكلم ومتى من�سك عن الكالم‪� .‬إمنا ال�شخ�ص الذي ينظر �إىل االن�ضباطات‬ ‫على �إنها قوانني �صارمة �سيحول ال�صمت دائما �إىل �أمر �سخيف‪.‬‬ ‫‪89‬‬


‫�إن ال�شخ�ص املن�ضبط هو �شخ�ص ي�ستطيع �أن يفعل ما ينبغي �أن يفعل حني‬ ‫ينبغي �أن يفعل‪ .‬كما �أنه حني نكون �صامتني حق ًا حينئذ فقط نتمكن من �أن‬ ‫نتكلم بالكلمة التي ينبغي �أن تقال حني ينبغي �أن تقال‪.‬‬ ‫من الأ�سباب التي من �أجلها ال نكاد نطيق البقاء �صامتني �أن ذلك يجعلنا‬ ‫عاجزين جداً‪ .‬فنحن معتادون كثرياً �أن نعتمد على الكالم كي ندير الآخرين‬ ‫ونتحكم فيهم‪ .‬و�إن بقينا �صامتني‪ ،‬فمن يتوىل زمام ال�سيطرة؟‪.44‬‬ ‫خطوات الدخول يف العزلة‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬نحتاج �أن ن�ستفيد من العزالت ال�صغرية التي يحفل بها يومنا‪ ،‬اللحظات‬ ‫ال�صباحية الباكرة يف ال�رسير‪ ،‬فكر يف عزلة فنجان القهوة يف ال�صباح‪ ،‬وهناك عزلة‬ ‫ازدحام ال�سيارات‪ ،‬فهي �أوقات لل�سكينة الداخلية لإعادة توجيه حياتنا كما ب�أبرة‬ ‫بو�صلة‪ ،‬وهي حلظات ت�ساعدنا على �أن نكون حا�رضين ح�ضوراً �أ�صي ًال حيث نحن‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ميكننا �أن جند �أو نوجد مكان اختالء خم�ص�ص ًا لل�صمت والعزلة‪،‬‬ ‫يوجد بع�ض العائالت لديها كر�سي خا�ص متى جل�س عليه �أحد �أفراد العائلة‬ ‫كان ل�سان حاله "�أرجو �أال تزعجوين‪� ،‬إذ �أريد �أن �أختلي بنف�سي"‪.‬‬ ‫فلن�ضبط �أنف�سنا بحيث تكون كلماتنا قليلة وحافلة باملعنى‪ .‬ولن�رص معروفني‬ ‫ب�أننا �أ�شخا�ص منلك ما نقوله حني نتكلم‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬حاول �أن تق�ضي يوم ًا بال كالم على الإطالق ال تفعل ذلك ك�أنه قانون‪،‬‬ ‫بل على �سبيل التجريب والحظ تكرار �شعورك بالعجز واعتمادك املفرط على‬ ‫‪ 44‬ريتشارد فوستر‪ .‬كتاب فرح االنضباط‪ .‬فصل العزلة والصمت (الناشر أوفير‪ .‬سنة ‪)2009‬‬ ‫ص ‪139 ،137‬‬

‫‪90‬‬


‫الكالم لأجل التوا�صل‪ ،‬حاول �أن تهتدي �إىل طرق للتفاهم مع الآخرين ال تعتمد‬ ‫على الكالم‪.‬‬ ‫�إن ح�صيلة العزلة هي ت�ضاعف الإح�سا�س والتعاطف مع الآخرين‪� .‬إذ ت�أتينا‬ ‫حرية جديدة لنكون بني النا�س ومعهم‪ .‬ويح�صل تنبه جديد �إىل احتياجاتهم‬ ‫وجتاوب جديد مع �أوجاعهم‪.‬‬ ‫توما�س مرتن‪� :‬إمنا يف العزلة العميقة وجدت اللطف الذي ميكنني به �أن �أحب‬ ‫�إخوتي حق ًا‪ .‬وكلما زادت عزلتي زادت حمبتي لهم‪� .‬إن العزلة وال�صمت‬ ‫يعلماين �أن �أحب �إخوتي بالنظر �إىل من هم ال بالنظر �إىل ما يقولون‪.‬‬ ‫�إيرك فروم‪� :‬إحدى عقبات تعلم فن الوجود هو االنخراط يف احلديث‬ ‫التافه‪ .‬ما هي التفاهة؟ �إنها تعني حرفي ًا "املكان العام"‪ ،‬وهي عادة ما ت�سري‬ ‫�إىل �ضحالة ورتابة ونق�ص القدرة �أو اخل�صائ�ص الأخالقية‪ .‬كما ميكن للفرد‬ ‫تعريف كلمة "تافه" ب�أنه موقف يهتم بظاهر الأمور فح�سب‪ ،‬ولي�س ب�أ�سبابها �أو‬ ‫مبا يت�ضمنه جوهرها‪ .‬مثال ميكن �إطالق �صفة "تافه" على موقف ال ميكنه التمييز‬ ‫بني ما هو جوهري وما هو غري جوهري‪.‬‬ ‫بوذا عرف الكالم التافه بقوله‪� :‬إذا انحدر الراهب �إىل الكالم‪ ،‬فيجب عليه‬ ‫التفكري مبا يلي‪" :‬لن �أتورط بهذا احلديث التافه‪� ،‬إنه مبتذل‪ ،‬دنيوي ولي�س‬ ‫مفيداً‪ ،‬كما �أن هذا لن يو�صلني �إىل احلياد الكامل واملو�ضوعية وال�سكون‬ ‫والطم�أنينة واملعرفة املبا�رشة والتنور والنريفانا‪ ،‬لن �أنخرط يف حديث عن‬ ‫الأ�شياء ال�سخيفة مثل الرثثرة عما يفعله امللوك والل�صو�ص والوزراء واجليو�ش‬ ‫واملجاعات واحلروب‪ ،‬حول الأكل وال�رشب وامللب�س‪ ،‬وحول التتويج‪،‬‬ ‫والعطور‪ ،‬والأقارب‪ ،‬وال�سيارات‪ ،‬والقرى‪ ،‬واملدن‪ ،‬والبلدات والبلدان‪،‬‬ ‫‪91‬‬


‫وحول الن�ساء واخلمر والرثثرة يف الطرقات‪ ،‬والكالم احل�سن عن الأجداد‪،‬‬ ‫وحول خمتلف التفاهات‪ ،‬واحلكايات عن �أ�صول العامل والبحر‪ ،‬واحلديث‬ ‫عن �أ�شياء حدثت بهذا ال�شكل �أو ذاك‪ ،‬والأحاديث املت�شابهة" وهكذا �سيتمكن‬ ‫الراهب من الو�صول �إىل الفهم الوا�ضح‪.45‬‬

‫‪ 45‬إيرك فروم‪ .‬فن الوجود‪ .‬ترجمة ايناس نبيل سليمان‪. 45 ،44 .‬‬

‫‪92‬‬


‫ملحق (‪)2‬‬ ‫ممار�سة احلب‬

‫‪46‬‬

‫�إن ممار�سة �أي فن لها متطلبات عامة معينة‪ ،‬ب�رصف النظر متام ًا عن ما كنا‬ ‫نتناول فن النجارة �أم الطب �أم فن احلب‪.‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬وقبل كل �شىء تتطلب ممار�سة الفن النظام‪ .‬لن �أفلح يف �أي �شيء �إذا‬ ‫مل �أفعله بطريقة منظمة‪� ،‬إن �أي �شىء ال �أفعله �إال مبزاج قد يكون هواية جميلة‬ ‫�أو م�سلية‪ ،‬لكنني لن �أ�صبح �سيداً يف ذلك الفن‪ .‬غري �أن امل�شكلة لي�ست م�شكلة‬ ‫نظام يف ممار�سة الفن اخلا�ص‪ ،‬بل النظام يف حياة الإن�سان كلها‪( .‬ويق�صد هنا‬ ‫التنظيم الذاتي) �إن احلياة بدون مثل هذا النظام ت�صبح مبعرثة يف حالة فو�ضي‬ ‫وتفتقد �إىل الرتكيز‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪:‬هذا الرتكيز هو �رشط �رضوري لل�سيطرة على الفن‪ ،‬فالرتكيز �أكرث‬ ‫من النظام الذاتي‪ ،‬نادراً يف ح�ضارتنا بل بالعك�س �إن ح�ضارتنا ت�ؤدي �إىل منط‬ ‫للحياة ال تركيز فيه‪� .‬إنك تفعل عدة �أ�شياء يف وقت واحد‪� ،‬أنت تقر�أ وتن�صت‬ ‫�إىل الراديو وتتكلم وت�أكل وت�رشب‪� .‬أنت امل�ستهلك ذو الفم املفتوح �شغوف‬ ‫وم�ستعد البتالع كل �شيء‪ .‬ال�صور‪ ،‬امل�رشوبات‪ ،‬املعرفة‪ ،‬هذا النق�ص يف‬ ‫الرتكيز وا�ضح متام ًا يف �صعوبة االنفراد ب�أنف�سنا‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬هناك عامل ثالث هو ال�صرب‪� .‬إن �أي �شخ�ص يحاول �أن ي�سيطر على فن‬ ‫من الفنون يعرف �أن ال�صرب �رضوري �إذا كان يريد حتقيق �شيء‪ .‬و�إذا ا�ستعجل‬ ‫الإن�سان للو�صول �إىل نتائج �رسيعة ف�إنه لن يتعلم �إطالق ًا هذا الفن‪ .‬ومع هذا‬ ‫فال�صرب عند الإن�سان احلديث �صعب ممار�سته �ش�أن النظام والرتكيز‪.‬‬ ‫‪ 46‬إيرك فروم ‪ .‬كتاب فن الحب ‪ .‬ص ‪ . 921‬الناشر دار الكلمة سنة ‪3002‬‬

‫‪93‬‬


‫رابعا‪ :‬هناك �رشط لتعلم �أي فن هو االهتمام الأق�صى لإحراز ال�سيادة يف هذا‬ ‫الفن‪� .‬إذا مل يكن الفن ذا �أهمية ق�صوى ف�إن ال�شخ�ص مو�ضع التعلم لن يتعلم‬ ‫�شيئ ًا و�سيظل هاوي ًا لكنه لن ي�صبح ا�ستاذاً‪ ،‬وهذا ال�رشط �رضوري لفن احلب‬ ‫�رضورته لأي فن �آخر‪ ،‬ورغم هذا يبدو كما لو كانت الن�سبة بني الأ�ساتذة‬ ‫والهواة متيل �أكرث ل�صالح الهواة يف فن احلب عما هو حال مع الفنون الأخرى‪.‬‬ ‫الإن�سان ال يبد�أ بتعلم الفن مبا�رشة ولكن ب�شكل غري مبا�رش كما هو الواقع –‬ ‫على الإن�سان �أن يتعلم عدداً كبرياً من الأ�شياء الأخرى – التي ال تبدو مرتبطة‬ ‫يف �أغلب الأحيان – قبل �أن ي�رشع يف الفن نف�سه‪ .‬فال�صبي حتت التمرين‬ ‫يف النجارة يبد�أ بتعلم كيف ي�سحج اخل�شب‪ ،‬وال�صبي حتت التمرين يف فن‬ ‫العزف على البيانو يبد�أ بالتدريب على ال�سلم املو�سيقى‪ ،‬وال�صبي حتت التمرين‬ ‫يف فن الرماية يبد�أ بتمرينات ال�شهيق والزفري‪ .‬و�إذا �أراد الإن�سان �أن ي�صبح‬ ‫�سيداً يف �أي فن يجب �أن يكر�س حياته كلها له‪� ،‬أو يتعلق به على الأقل‪.‬‬ ‫�إن �أي �شخ�ص ي�أمل يف �أن ي�صبح �أ�ستاذاً يف هذا الفن يجب �أن يبد�أ مبمار�سة‬ ‫النظام والرتكيز وال�صرب طوال كل حقبة‪ ،‬من كيف ميكن لإن�سان �أن ميار�س‬ ‫النظام؟‪ .‬اال�ستيقاظ مبكراً يف ال�صباح وعدم االنغما�س يف و�سائل الرتف غري‬ ‫ال�رضورية‪ ،‬والعمل ال�شاق �أنه �صارم وت�سلطي ممركز حول ف�ضائل االقت�صاد‬ ‫والتوفري وهو بعدة طرق معا ٍد للحياة (هذا ما لي�س نق�صده)‪ .‬تخ�صي�ص قدر معني‬ ‫من الوقت خالل النهار للأن�شطة مثل الت�أمل والقراءة واال�ستماع �إىل املو�سيقى‪،‬‬ ‫وعدم االنغمار على الأفالم البولي�سية وعدم الإفراط يف الأكل وال�رشب هي‬ ‫قواعد �أولية‪ ،‬وعلي �أي حال من اجلوهري �أال ميار�س النظام كقاعدة مفرو�ضة‬ ‫على الإن�سان من اخلارج‪ ،‬بل تكون تعبرياً عن �إرادة الإن�سان‪ ،‬و�أنه ي�شعر ب�أنها‬ ‫ممار�سة جميلة و�أن الإن�سان يعود نف�سه ببطء على نوع من ال�سلوك �سيفتقده‬ ‫الإن�سان �إذا ما توقف عن ممار�سته‪.‬‬ ‫‪94‬‬


‫و�أهم خطوة يف تعلم الرتكيز هي التعلم كيف يكون الإن�سان وحيداً مع‬ ‫نف�سه بدون �إطالع‪ ،‬بدون ا�ستماع للراديو‪ ،‬بدون تدخني‪ ،‬بدون �رشب‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أن القدرة على الرتكيز تعني القدرة على احلب‪ ،‬وهذه القدرة هي‬ ‫�رشط دقيق للقدرة على احلب‪� .‬إذا تعلقت ب�شخ�ص �آخر لأنني ال �أ�ستطيع‬ ‫�أن �أقف على قدمي‪ ،‬فقد يكون هذا ال�شخ�ص منقذاً حلياتي‪ ،‬لكن العالقة‬ ‫حينئذ ال تكون عالقة حب‪ .‬وعلي نحو متناق�ض ف�إن القدرة على الوحدة هي‬ ‫�رشط القدرة على احلب‪ .‬و�أي �إن�سان يحاول �أن يكون وحده مع نف�سه �سوف‬ ‫يكت�شف مقدار ال�صعوبة فيها‪� .‬إنه �سيبد�أ ي�شعر بعدم اال�ستقرار واال�ضطراب‬ ‫بل و�سي�شعر بقدر كبري من القلق‪ .‬و�سيميل �إىل عقلنة عدم رغبته يف ا�ستمرار‬ ‫هذه املمار�سة ب�أن يعتقد �أنها بال قيمة‪ ،‬و�سيالحظ �أي�ض ًا �أن جميع �أنواع التفكري‬ ‫تخطر على باله‪ ،‬و�أنها ت�ستويل عليه‪� .‬سيجد نف�سه يفكر يف خططه يف �آخر‬ ‫اليوم‪� ...‬إلخ‪ .‬و�سيكون من املفيد ممار�سة مترينات ب�سيطة قليلة جداً‪ ،‬على‬ ‫�سبيل املثال اجللو�س يف و�ضع �إ�سرتخائي و�إغما�ض العينني وحماولة ر�ؤية‬ ‫�شا�شة بي�ضاء �أمام ب�رصه‪ ،‬وحماولة حمو كل ال�صور والأفكار املتداخلة ثم‬ ‫حماولة متابعة التنف�س‪ ،‬ال التفكري فيه وال �إرغامه بل متابعته وبهذا ميكن ال�شعور‬ ‫به‪ ،‬وزيادة على ذلك حماولة متلك ال�شعور "بالأنا"‪،‬الأنا‪ :‬نف�سي‪،‬كمركز‬ ‫لقواي‪ ،‬كخالق لعاملي على الأقل ميكن للإن�سان �أن يفعل مثل هذا التمرين كل‬ ‫�صباح لع�رشين دقيقة و�إذا �أمكن ملدة �أطول وكل م�ساء قبل النوم‪.‬‬ ‫وتعلم الرتكيز يقت�ضي جتنب احلديث التافه – بقدر الإمكان – �أي احلديث‬ ‫الذي ال �أ�صالة له‪ ،‬وهذا يحدث عندما يتحدث ال�شخ�صان �أحاديث منطية‬ ‫وعلى �أ�سا�س الكلي�شيهات‪ ،‬وعندما ال يكون قلباهما فيما يقوالنه‪ .‬وبقدر ما‬ ‫هو مهم جتنب احلديث التافه‪ ،‬من املهم جتنب ال�صحبة ال�سيئة �أي النا�س الذين‬ ‫‪95‬‬


‫ماتت نفو�سهم بالرغم من �أن �أج�سامهم ال تزال حية‪ ،‬النا�س الذين تكون‬ ‫�أفكارهم و�أحاديثهم تافهة والذين ي�ؤكدون الآراء االكلي�شيهية بدل التفكري‪.‬‬ ‫الرتكيز يعني العي�ش متام ًا يف احلا�رض‪ ،‬هنا والآن‪ ،‬وعدم التفكري يف ال�شيء‬ ‫التايل الذي يجب �أن ُيفعل بينما �أنا �أفعل �شيئ ًا حق ًا الآن‪ ،‬الإن�سان ال ي�ستطيع‬ ‫الرتكيز دون �أن يكون ح�سا�س ًا لنف�سه‪ .‬مث ًال ي�سوق �سيارة هو ح�سا�س ًا لها لأي‬ ‫تغيري يف املحرك و‪�...‬إلخ ومع هذا ال يفكر يف كل هذه العوامل‪� ،‬إن عقله يف‬ ‫حالة تيقظ ا�سرتخائي م�ستعد لكل التغريات الفجائية يف املوقف الذي يفكر فيه‪.‬‬ ‫و�إذا نظرنا �إىل ح�سا�سية �إن�سان من �شخ�ص �آخر جند �أو�ضح مثال هو موقف‬ ‫الأم من ر�ضيعها‪� ،‬أنها ت�ستيقظ ل�رصاخ ر�ضيعها‪ ،‬حيث �إن �صوت ًا �آخر ال‬ ‫يوقظها‪ ،‬كل هذا يعني �أنها ح�سا�سة ملظاهر حياة طفلها‪ ،‬هي لي�ست قلقة �أو‬ ‫م�ضطربة بل هي يف حالة هدوء يقظ‪ ،‬وبالطريقة نف�سها ميكن للإن�سان �أن يكون‬ ‫ح�سا�س ًا لنف�سه ‪.47‬‬ ‫تدريب عملي على ال�سكينة يف يوم العمل‬ ‫يف العطلة ميكننا �أن من�شي ب�رسعة و�أن جنري ونقوم بكل هذا يف غاية االنفراج‬ ‫لأننا ل�سنا على عجلة من �أمرنا‪ .‬ملاذا؟ لأننا ال ن�سعي لبلوغ مكان حمدد‪ .‬فلنتعلم‬ ‫�إذاً كيف نعي�ش دائم ًا وك�أننا يف عطلة‪� .‬إن هذا ممكن ف�أنا دائم ًا يف عطلة‪� ،‬أي‬ ‫كل ما �أعمله �أقوم به كما لو كنت يف عطلة‪ ،‬فهناك طريقة يف ال�سري ب�رسعة‬ ‫ولكن بدون ع�صبية �أو ا�ستعجال‪ .‬فهناك فرق بني ال�رسعة واال�ستعجال‪.‬‬ ‫فاال�ستعجال هو �سبب التوتر واالكتئاب‪� .‬أما ال�رسعة فيمكننا القيام بها يف‬ ‫هدوء وارتخاء �أع�صاب وبدون توتر‪ ،‬لو ح�صلتم على هذا النمط الداخلي‬ ‫‪( 47‬الناشر دار الكلمة سنة ‪ )2003‬ص ‪ 129‬إيرك فروم‪ .‬كتاب فن الحب ‪.‬‬

‫‪96‬‬


‫املرتاح‪ ،‬منط العطلة‪� ،‬ستقومون بكل عمل وك�أنكم تلعبون‪ .‬في�صبح عملي‬ ‫لعبة‪ ،‬ومطبخي لعبة‪ ،‬وذهابي �إىل ال�سوق لعبة‪�...‬إلخ‪ .‬لأين يف عطلة‬ ‫دائمة‪ .‬ف�أتذوق ما �أقوم به‪ ،‬فيفرحني ويريحني‪ ،‬ويتم كل �شيء على ما يرام‪.‬‬ ‫تدرب �أن ت�أخذ ربع �ساعة عطلة وال تقوم ب�أي عمل حاولوا هذا يف ذروة‬ ‫توتركم وقلقكم وان�شغالكم �أن تقولوا "لأعط نف�سي خم�س دقائق عطلة"‬ ‫�ستقولون �إن هذا جنون كال �إنها احلكمة‪� .‬أم�ضوا الدقائق اخلم�س هذه وانتم‬ ‫تطلون من النافذة ‪ ...‬ا�ستن�شق الهواء ‪ ..‬ت�أمل الطبيعة وبعد خم�س دقائق‬ ‫�س�أجد �أن العامل جميل‪ ،‬و�أكون م�ستعداً ملتابعة عملي‪ ،‬و�سيتم على وجه �أف�ضل‬ ‫بكثري مما لو بد�أته مبا�رشة‪.‬‬ ‫وحني حت�صلون على هذا الهدوء وال�سكون‪ ،‬عليكم �أن تتعلموا كيف‬ ‫توقفون الزمن‪ ،‬حني ي�رسع ويلح وهذه هي الطريقة‪� :‬أنت يف عمل تظنه نافع ًا‪،‬‬ ‫ومقتنع ب�أنك �إن توقفت �ستتوقف الأر�ض �أي�ض ًا عن الدوران‪ .‬ف�إذا قررت يف‬ ‫حلظة ما �أن تتوقف‪� ،‬ستكت�شف �أموراً مثرية‪.‬‬ ‫�ستكت�شف �أو ًال �أن الأر�ض ال تتوقف عن الدوران و�أن العامل ي�ستطيع �أن‬ ‫يتنظر خم�س دقائق‪ ،‬ت�شغل فيها انتباهك ب�شيء �آخر‪ .‬ف�أول �شيء عليك فعله‬ ‫هو �أن تقول "�س�أتوقف عن املو�ضوع الفالين مهما ح�صل" لأنه لن يتوقف‬ ‫العمل �أبداً ولن تنتهوا من عملكم �أبداً و�إن مل ت�أخذوا هذا املوقف لن تتوقفوا‬ ‫البتة لآن العمل ال نهاية له‪ ،‬ولي�س �سبب لإيقافه‪ ،‬اللهم �إال بفعل �إرادي‪ .‬فما‬ ‫ينق�صنا هو الإرادة‪.48‬‬

‫‪ 48‬هنرى بوالد‪ .‬االنسان وسر الزمن‪118 ،117 .‬‬

‫‪97‬‬


‫ملحق (‪)3‬‬ ‫مهارة التفكري الناقد‬ ‫‪� .1‬إن نعمة العقل كغريها من النعم حتتاج �إىل �صونها ورعايتها‪ ،‬وذلك‬ ‫لأن العقل له ملكات وقدرات ال بد من تنميتها وتدريبها‪ ،‬كي ال تكون �أ�سرية‬ ‫اال�ستخدام املحدود لها‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل تعطيلها وجمودها‪.‬‬ ‫‪� .2‬إن التفكري من �أرقى العمليات العقلية‪ ،‬و�أكرثها تعقيداً‪ ،‬والإن�سان‬ ‫ي�ستخدمه يف جميع منا�شط حياته‪ ،‬ب�صورة طبيعية وتلقائية‪.‬‬ ‫‪� .3‬إن ممار�سة التفكري تختلف من �شخ�ص �إىل �آخر‪ ،‬بح�سب ن�شاطه‬ ‫العقلي‪ ،‬ومهاراته التي اكت�سبها �أو تعلمها‪.‬‬ ‫‪� .4‬إن للتفكري مهارات قابلة للتعلم‪ ،‬ك�أي مهارات �أخرى يتعلمها‬ ‫ليو�سع مداركه‪ ،‬وليكون �أكرث فاعلية يف مواجهة م�شكالته‪،‬‬ ‫الإن�سان‪ّ ،‬‬ ‫و�أقدر على الإبداع‪.‬‬ ‫�أو ًال‪� :‬أنواع مهارات التفكري‬ ‫يتم عاد ًة ت�صنيف مهارات التفكري �إىل ق�سمني‪:‬‬ ‫‪ .1‬مهارات التفكري الأ�سا�سية‪ :‬مثل التذكر‪ ،‬واملالحظة‪ ،‬والت�صنيف‪،‬‬ ‫واملقارنة‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ .2‬مهارات التفكري العليا‪ :‬مثل حل امل�شكالت‪ ،‬اتخاذ القرار‪ ،‬التفكري‬ ‫الإبداعي‪ ،‬التفكري الناقد‪.‬‬ ‫‪98‬‬


‫ونالحظ �أن مهارات التفكري الأ�سا�سية مثل حروف اللغة‪ ،‬ومهارات التفكري‬ ‫العليا مثل الكلمات‪ ،‬وبدون احلروف ال تنتج الكلمات‪.‬‬ ‫و�سوف نركز يف هذا الف�صل على مهارة التفكري الناقد‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬تعريفات التفكري الناقد‬ ‫‪.1‬التفكري الناقد يعني مبدئي ًا‪ :‬التمهل يف �إعطاء الأحكام حلني التحقق من‬ ‫الأمر‪ ،‬وهو ي�ستخدم للحكم على موثوقية‪� ،‬أو قيمة‪� ،‬أو دقة‪� ،‬أو م�صداقية‪،‬‬ ‫�أو منطقية فكرة �أو �أفكار معينة‪.‬‬ ‫‪.2‬التفكري الناقد‪ :‬عملية تفكريية مركبة عقالنية �أو منطقية‪ ،‬يتم فيها �إخ�ضاع‬ ‫(فكرة) �أو �أكرث للتحقق والتق�صي‪ ،‬وجمع و�إقامة الأدلة وال�شواهد مبو�ضوعية‬ ‫وجترد على مدى �صحتها‪ ،‬ومن ثم �إ�صدار حكم بقبولها من عدمه‪ ،‬اعتماداً‬ ‫على معايري �أو قيم معينة‪.‬‬ ‫(الفكرة)‪ :‬قد تكون ق�ضية‪� ،‬أو خرب‪� ،‬أو رواية‪� ،‬أو ادعاء‪� ،‬أو �إجراء‪� ،‬أو حدث‪.‬‬ ‫‪ .3‬التفكري الناقد‪ :‬ن�شاط عقلي مت�أ ّمل وهادف‪ ،‬يقوم على احلجج املنطقية‪،‬‬ ‫وغايته الو�صول �إىل �أحكام �صادقة‪ ،‬وفق معايري مقبولة‪ ،‬ويت�ألف من جمموعة‬ ‫مهارات ميكن ا�ستخدامها ب�صورة منفردة �أو جمتمعة‪ ،‬وت�صنف �ضمن ثالث‬ ‫فئات‪ ،‬التحليل والرتكيب والتقومي‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬مكونات التفكري الناقد‬ ‫يرتبط التفكري الناقد بالعديد من الأفعال‪ ،‬ومن �أبرزها‪ :‬التمهل‪ ،‬والتعقل‪،‬‬ ‫والتفتح العقلي‪ ،‬وطرح الت�سا�ؤالت‪ ،‬واال�ستي�ضاح‪ ،‬والتحقق‪ ،‬والرجوع �إىل‬ ‫‪99‬‬


‫امل�صادر‪ ،‬وتقومي امل�صادر‪ ،‬وجمع الأدلة وال�شواهد على �صحة �أمر ما‪ ،‬وتقومي‬ ‫الأدلة‪ ،‬وبناء املعايري للحكم‪ ،‬والتعليل‪ ،‬واال�ستنتاج‪ ،‬ومعرفة االفرتا�ضات‪،‬‬ ‫واال�ستنباط‪ ،‬وحتليل الأفكار‪ ،‬والبحث عن الأ�سباب‪ ،‬والأمانة العلمية‪،‬‬ ‫واتباع الدليل‪ ،‬والأخذ باالعتبار جميع االحتماالت‪ ،‬واال�ستناد �إىل التعقل‬ ‫�أكرث من االنفعال‪ ،‬والأخذ باالعتبار �أي�ض ًا وجهات نظر الآخرين وتف�سرياتهم‪،‬‬ ‫واالهتمام ب�إيجاد احلقيقة‪ ،‬والتقومي‪ ،‬و�إ�صدار الأحكام‪.‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬مثال على التفكري الناقد‬ ‫من �أبرز مهارات التفكري الناقد (الفرعية) مهارة التمييز بني احلقيقة والر�أي‪.‬‬ ‫ي�شري مفهوم (احلقيقة) �إىل معلومات تقريرية‪ ،‬بالإمكان مالحظاتها �أو‬ ‫اال�ستيثاق منها �أو الت�أكد من دقتها‪.‬‬ ‫�أما مفهوم (الر�أي) فهو تعبري عن تقييم يعتمد على احلكم ال�شخ�صي‪� ،‬أو‬ ‫االنطباع �أو االعتقاد‪ ،‬ويف الوقت نف�سه ميكن الوثوق به �أو عدم الوثوق به‪.‬‬ ‫�أمثلة على (احلقائق)‬ ‫‪ .1‬جمموع زوايا املثلث ي�ساوي ‪ 180‬درجة‪.‬‬ ‫‪ .2‬القاهرة عا�صمة جمهورية م�رص العربية‪.‬‬ ‫‪ .3‬تنق�سم الكلمة �إىل ا�سم وفعل وحرف‪.‬‬ ‫�أمثلة على (الآراء)‬ ‫‪ .1‬تخ�ص�ص الطب البيطري �أف�ضل من تخ�ص�ص الطب الب�رشي‪.‬‬ ‫‪� .2‬شعر �أحمد �شوقي �أجمل من �شعر حافظ �إبراهيم‪.‬‬ ‫‪ .3‬تعلم الريا�ضيات �أ�صعب من تعلم اللغة الإجنليزية‪.‬‬ ‫‪ .4‬مهنة الطب هي �أ�سمى املهن يف العامل‪.‬‬ ‫‪100‬‬


‫خام�س ًا‪ :‬خ�صائ�ص املفكر الناقد‬ ‫‪.1‬م�ستوعبوملمباملو�ضوعحملالتفكري‪،‬ولي�سمتطف ًاليتدخليفكل�شيء‪.‬‬ ‫‪ .2‬ال يجادل يف �أمر عندما ال يعرف �شيئ ًا عنه‪.‬‬ ‫‪ .3‬يعرف متى يحتاج �إىل معلومات �أكرث حول �شيء ما‪.‬‬ ‫‪ .4‬يعرف الفرق بني نتيجة "رمبا تكون �صحيحة"‪ ،‬ونتيجة "ال بد �أن تكون‬ ‫�صحيحة"‪.‬‬ ‫‪ .5‬يعرف ب�أن لدى النا�س انطباعات خمتلفة حول فكرة ما‪.‬‬ ‫‪ .6‬ي�ستطيع جتنب الأخطاء ال�شائعة يف ا�ستدالله للأمور‪.‬‬ ‫‪ .7‬يت�ساءل عن �أي �شيء يبدو غري معقول‪� ،‬أو غري مفهوم بالن�سبة �إليه‪.‬‬ ‫‪ .8‬ي�ستطيع ف�صل التفكري العاطفي عن التفكري املنطقي‪.‬‬ ‫‪ .9‬يبحث عن الأ�سباب والعلل والبدائل‪.‬‬ ‫‪ .10‬يتعامل مع املوقف املعقّد بطريقة منطقية‪.‬‬ ‫‪ .11‬ي�ستخدم م�صادر علمية موثوق بها وي�شري �إليها‪.‬‬ ‫‪ .12‬ي�أخذ جميع جوانب املوقف بنف�س القدر من الأهمية‪.‬‬ ‫‪ .13‬يبقى على �صلة بالنقطة الأ�سا�سية �أو جوهر املو�ضوع‪.‬‬ ‫‪ .14‬يتخذ موقف ًا‪� ،‬أو يتخلى عن موقف‪ ،‬عند توافر �أدلة و�أ�سباب كافية لذلك‪.‬‬

‫‪101‬‬


‫�ساد�س ًا‪ :‬الفوائد التي يكت�سبها الإن�سان من التفكري الناقد‬ ‫‪� .1‬إن تفكريك ب�شكل ناقد يجعلك �أكرث �صدق ًا مع نف�سك‪ ،‬ولن تخاف ب�أن‬ ‫تعرتف ب�أنك كنت على خط�أ‪ ،‬كما يجعلك تتعلم من �أخطائك‪ ،‬و�ستكون‬ ‫�أكرث ا�ستقاللية‪.‬‬ ‫‪ .2‬ي�ساعدك التفكري الناقد �أن تتخيل نف�سك يف مكان الآخرين‪ ،‬ومن ثم‬ ‫�إمكانية �أن تفهم وجهات نظرهم‪ ،‬و�أن تطور قدراتك على اال�ستماع �إليهم‬ ‫بعقلية منفتحة‪ ،‬حتى و�إن كانت وجهات نظرهم خمالفة لك‪.‬‬ ‫يح�سن قدراتك على ا�ستخدام عقلك بدل عواطفك‪،‬‬ ‫‪ .3‬التفكري الناقد ّ‬ ‫وت�ستطيع حتديد م�شاعرك‪ ،‬وربطها منطقي ًا مع �أفكارك‪ ،‬و�سي�ساعدك ذلك‬ ‫على تطوير م�ستويات �أف�ضل من التفكري‪.‬‬ ‫‪ .4‬ي�ساعدك التفكري الناقد على �صنع القرار احلكيم يف احلياة اليومية‪.‬‬ ‫يح�سن التفكري الناقد من قدرتك على البحث اجلاد يف كثري من الأمور‪.‬‬ ‫‪ّ .5‬‬ ‫‪ .6‬ممار�ستك للتفكري الناقد تنمي قدرتك على املناق�شة‪ ،‬واحلوار‪ ،‬والقدرة‬ ‫على التوا�صل‪ ،‬والتفاو�ض مع الآخرين‪.49‬‬ ‫مفهوم التفكري الناقد‬ ‫ورد الفعل «نقد» يف «ل�سان العرب» مبعنى َّميز الدراهم و�أخرج الزيف منها؛‬ ‫(ابن منظور‪� ،‬صفحة ‪ ،)425‬كما ورد تعبري «نقد ال�شعر ونقد النرث» يف «املعجم‬ ‫الو�سيط»؛ مبعنى‪� :‬أظهر ما فيهما من عيب �أو ح�سن؛ (‪� ،1985‬صفحة ‪.)982‬‬ ‫‪ 49‬فهد عبد الرحمن الشميمري ‪.‬كتاب التربية االعالمية‪ .‬الباب الثالث كيف نتعامل مع االعالم ‪.‬‬

‫‪102‬‬


‫كاتب عم ُله متيي ُز العمل الفني‪ ،‬جيده من رديئه‪ ،‬و�صحيحه من زيفه‪.‬‬ ‫والناقد الفني ٌ‬ ‫�أما التفكري الناقد فهو مفهوم َّ‬ ‫مركب‪ ،‬له ارتباطات بعد ٍد غري حمدود من‬ ‫ٌ‬ ‫متداخل مع‬ ‫ال�سلوكيات يف عد ٍد غري حمدود من املواقف والأو�ضاع‪ ،‬وهو‬ ‫مفاهيم �أخرى؛ كاملنطق‪ ،‬وحل امل�شكلة‪ ،‬والتعلم‪ ،‬ونظرية املعرفة‪ ،‬ويعبرِّ‬ ‫"جون ديوي" عن جوهر التفكري الناقد يف كتابه "كيف تفكر" بالقول‪�" :‬إنه‬ ‫التمهل يف �إعطاء الأحكام وتعليقها حلني التحقق من الأمر"‪,Dewey( 50‬‬ ‫‪.)1982‬‬ ‫املجرد عند بياجيه (‪,Meyer‬‬ ‫وهناك َمن يرى ب�أن التفكري الناقد يقابل التفكري َّ‬ ‫‪ ،)1991‬ويت�ألف من ثالثة مكونات‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫• �صياغة التعميمات بحذر‪.‬‬ ‫• النظر والتفكر يف االحتماالت والبدائل‪.‬‬ ‫• تعليق احلكم عن ال�شيء �أو املوقف حلني توافر معلومات و�أدلة كافية‪.‬‬ ‫ويف بع�ض املراجع يتم التعر�ض للتفكري الناقد يف معر�ض احلديث عن حل‬ ‫امل�شكالت (�أو التفكري املنطقي)‪.‬‬ ‫و�إذا رجعنا �إىل الكلمة الإجنليزية ‪ ،Critical‬جند �أنها م�شتقة من الأ�صل‬ ‫الالتيني ‪� Criti - cus‬أو اليوناين ‪ ،Kritikos‬والذي يعني بب�ساط ٍة القدر َة على‬ ‫التمييز �أو �إ�صدار الأحكام‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫املدلول اللغوي للكلمة اليونانية النظر َة التقليدية القدمية للتفكري‪،‬‬ ‫وقد يف�سرِّ هذا‬ ‫التي �أر�سى قواعدها وتب َّناها الفال�سف ُة الثالثة (�سقراط و�أفالطون و�أر�سطو)‪،‬‬ ‫‪ 50‬رابط الموضوع ‪: http://www.alukah.net/social/0/60740/#ixzz2vZhxKDka‬‬

‫‪103‬‬


‫وتتلخ�ص تلك النظرة يف �أن مهارات التحليل واحلكم واملجادلة كافية للو�صول‬ ‫َّ‬ ‫�إىل احلقيقة‪ ،‬كما قد يكون مفهوم التفكري الناقد يف الأدب الرتبوي املعا�رص مت�أثراً‬ ‫بهذه النظرة التقليدية للتفكري‪ ،‬ويعلق ديبونو ‪ )1994 (,De Bono‬على ذلك‬ ‫مهمة يف عملية التفكري �أو التفكري‬ ‫بالقول‪�" :‬إن مهارات التحليل واحلكم واملجادلة َّ‬ ‫حد ذاتها؛ الفتقارِها �إىل عنا�رص يف غاية الأهمية؛‬ ‫الناقد‪ ،‬ولكنها لي�ست كافية يف ِّ‬ ‫من مثل‪ :‬جوانب التفكري الإنتاجية والإبداعية والتوليدية والت�صميمية"‪ ،‬ولي�س‬ ‫مبجرد التو�صل �إىل احلقيقة عن‬ ‫ممكن ًا ُّ‬ ‫التقد ُم يف جماالت العلوم والتكنولوجيا َّ‬ ‫طريق نق ِد مدى �صحة الفر�ضية �أو املعلومة القائمة‪ ،‬وال بد من ا�ستكمال املهمة‬ ‫باالنتقال �إىل مرحلة �أخرى‪ ،‬رمبا تكون �أكرث �أهمية‪ ،‬بتوليد فر�ضيات جديدة‬ ‫و�أفكار �إبداعية ملعاجلة املوقف �أو حل امل�شكلة‪.‬‬ ‫ورمبا كان التفكري الناقد من �أكرب �أ�شكال التفكري َّ‬ ‫املركب ا�ستحواذاً على‬ ‫ِّ‬ ‫واملفكرين الرتبويني‪ ،‬الذين ُعرِفوا بكتاباتهم يف جمال التفكري‪،‬‬ ‫اهتمام الباحثني‬ ‫كما �أن تعبري "التفكري الناقد" من �أكرث التعبريات التي ُي�ساء ا�ستعمالها من ق َِبل‬ ‫الكثريين يف و�صف عمليات التفكري ومهاراته‪.‬‬ ‫ويف عامل الواقع‪ ،‬ي�ستخدم التعبري للداللة على ٍ‬ ‫معان جديدة‪ ،‬من �أهمها‪:‬‬ ‫الك�شف عن العيوب والأخطاء ‪ -‬ال�شك يف كل �شيء ‪ -‬التفكري التحليلي ‪-‬‬ ‫التفكري الت�أملي ‪ -‬حل امل�شكلة ‪ -‬كل مهارات التفكري العليا يف ت�صنيف بلوم‬ ‫ كل مهارات التفكري املهمة ‪ -‬التفكري الوا�ضح ‪ -‬التفكري اليقظ ‪ -‬التفكري‬‫امل�ستقل ‪ -‬والتعرف على �أوجه التحيز والتناق�ض وعدم االت�ساق‪.‬‬ ‫يفرق الباحث �إن�س (‪ )1962 ,Ennis‬بني التفكري الناقد‬ ‫ويف هذا ال�صدد ِّ‬ ‫وحل امل�شكلة‪ ،‬بالرتكيز على نقطتي البداية والنهاية يف ٍّ‬ ‫كل منهما‪ ،‬فالتفكري‬ ‫الناقد يبد�أ بوجود ا ِّدعاء �أو ا�ستنتاج �أو معلومة‪ ،‬وال�س�ؤال املركزي هو‪" :‬ما‬ ‫‪104‬‬


‫قيمة �أو مدى �صحة ال�شيء؟"‪ ،‬بينما حل امل�شكلة يبد�أ مب�شكلة ما‪ ،‬وال�س�ؤال‬ ‫املركزي هو‪" :‬كيف ميكن حلها؟"‪ ،‬ي�ضاف �إىل ذلك �أن التفكري الناقد لي�س‬ ‫يتكون‬ ‫�إ�سرتاتيجية كما هو الأمر بالن�سبة حلل امل�شكلة �أو اتخاذ القرار؛ لأنه ال َّ‬ ‫ٍ‬ ‫موقف ما‬ ‫من �سل�سلة من العمليات والأ�ساليب التي يمُ كِ ن ا�ستخدامها يف معاجلة‬ ‫ب�صورة متتابعة‪ ،‬ولكنه عبارة عن جمموعة من العمليات �أو املهارات اخلا�صة‬ ‫التي ميكن �أن ت�ستخدم ب�صورة منفردة �أو جمتمعة‪ ،‬دون التزام ب�أي ترتيب‬ ‫حدد باير (‪ )1985 ,Beyer‬ع�رش مهارات للتفكري الناقد نوردها‬ ‫معينَّ ‪ ،‬وقد َّ‬ ‫فيما يلي‪:‬‬ ‫• التمييز بني احلقائق التي ميكن �إثباتها �أو التحقق من �صحتها‪ ،‬وبني‬ ‫االدعاءات �أو املزاعم الذاتية �أو القيمية‪.‬‬ ‫• التمييز بني املعلومات واال ِّدعاءات والأ�سباب ذات العالقة باملو�ضوع‪،‬‬ ‫قحم على املو�ضوع وال ترتبط به‪.‬‬ ‫وتلك التي ُت َ‬ ‫• حتديد م�صداقية م�صدر املعلومات‪.‬‬ ‫التعرف على اال ِّدعاءات �أو الرباهني واحلجج الغام�ضة‪.‬‬ ‫• ُّ‬

‫التعرف على االفرتا�ضات غري الظاهرة �أو املت�ضمنة يف الن�ص‪.‬‬ ‫• ُّ‬ ‫• حتري التحيز �أو التحامل‪.‬‬

‫• التعرف على املغالطات املنطقية‪.‬‬ ‫• التعرف على �أوجه التناق�ض �أو عدم االت�ساق يف م�سار عملية اال�ستدالل‬ ‫املقدمات �أو الوقائع‪.‬‬ ‫من ِّ‬ ‫• حتديد درجة قوة الربهان �أو اال ِّدعاء‪.‬‬ ‫‪105‬‬


‫يتحري مواقع التحيز �أو التناق�ض يف ن�ص‬ ‫وقد ميار�س الفرد التفكري الناقد ب�أن َّ‬ ‫معني دون غريهما من مهارات التفكري الناقد الأخرى‪ ،‬وت�ضم كل مهارة من‬ ‫عدا تقييميًّا‪.‬‬ ‫عدا حتليليًّا وبُ ً‬ ‫مهارات التفكري الناقد التي �أوردها باير بُ ً‬ ‫• التفكري الناقد ي�ستلزم �إ�صدار حكم من جانب الفرد الذي ميار�سه‪.‬‬ ‫• التفكري الناقد يحتاج �إىل مهارة يف ا�ستخدام قواعد املنطق واال�ستدالل‬ ‫املنظمة للأمور‪.‬‬ ‫• التفكري الناقد ينطوي على جمموعة من مهارات التفكري التي ميكن‬ ‫تعلمها والتدرب عليها و�إجادتها‪.51‬‬

‫‪: http://www.alukah.net/social/0/60740/#ixzz2vZjAb5hj 51‬‬

‫‪106‬‬


‫املراجـــع‬ ‫باتر�سون‪� ،‬س‪.‬هـ‪ .‬نظريات الإر�شاد والعالج النف�سي‪ ،‬ترجمة حامد عبد‬ ‫العزيز الفقي‪ .‬دار القلم للن�رش والتوزيع ‪�.‬سنة ‪ 1990‬م‪.‬‬ ‫�ستور‪� ،‬أنطوين‪ .‬فن العالج النف�سي‪ ،‬ترجمة لطفي فهيم‪ ،‬دار الطليعة‬ ‫للن�رش بريوت‪� ،‬سنة ‪ 1992‬م‪.‬‬ ‫ال�سلمي‪ ،‬يوحنا‪ .‬ال�سلم �إىل الله‪ .‬من�شورات النور ‪.‬‬ ‫روجرز‪ ،‬كارل‪� .‬أن ت�صري �إن�سان ًا‪ ،‬ترجمة �أ�سامة القفا�ش‪ ،‬مكتبة دار‬ ‫الكلمة للن�رش والتوزيع‪� ،‬سنة ‪2009‬م‪.‬‬ ‫�إبراهيم‪ ،‬عبد ال�ستار‪ .‬العالج النف�سي ال�سلوكي املعريف احلديث‪ ،‬دار‬ ‫الفجر للن�رش والتوزيع‪� ،‬سنة ‪1993‬م‪.‬‬ ‫ماى‪ ،‬رولو‪ .‬فن امل�شورة‪ .‬ترجمة �أ�سامة القفا�ش‪ .‬دار ن�رش دار الكلمة‪.‬‬ ‫�سنة ‪ 2004‬م‪.‬‬ ‫ال�شناوى‪ ،‬حمرو�س‪ .‬العملية امل�شورية‪ ،‬دار غريب للطباعة والن�رش‬ ‫والتوزيع – القاهرة ‪ 1996‬م‪.‬‬ ‫كالينبل‪ ،‬هوارد‪ .‬الن�صح الرعوي‪ .‬ترجمة مني�س عبد النور‪ ،‬دار الطباعة‬ ‫القومية بالفجالة‪� ،‬سنة ‪ 1987‬م‪.‬‬ ‫فروم ‪� ،‬إيرك‪ .‬فن الأ�صغاء ‪.‬ترجمة حممود منقذ الها�شمي‪ .‬من من�شورات‬ ‫احتاد الكتاب العرب‪ .‬دم�شق‪2004 .‬م ‪.‬‬ ‫علي‪ ،‬نبيل‪ .‬العقل العربي وجمتمع املعرفة‪ .‬اجلزء الثاين‪ .‬النا�رش املجل�س‬ ‫الوطني للثقافة والفنون والآداب‪ .‬الكويت‪ .‬دي�سمرب ‪2009‬‬ ‫‪107‬‬


‫ايجان‪ ،‬جريارد‪ .‬مهارات امل�شورة‪ .‬ترجمة �أو�سم و�صفي‪ .‬النا�رش كني�سة‬ ‫الإجنيلية ق�رص الدوبارة ‪ 2006‬م‪.‬‬ ‫�أدلر‪� ،‬ألفرد‪ .‬فهم الطبيعة الب�رشية‪ ،‬ترجمة عادل ب�رشى‪ ،‬امل�رشوع القومي‬ ‫للرتجمة‪ .‬القاهرة‪� ،‬سنة ‪ 2005‬م ‪.‬‬ ‫ال�شناوى‪ ،‬حممد حمرو�س‪ .‬العملية الإر�شادية‪ .‬دار غريب للطباعة والن�رش‬ ‫والتوزيع‪ .‬القاهرة ‪ 1996‬م‪.‬‬ ‫�آالن‪ ،‬جيم�س‪ .‬كما فكر الإن�سان هكذا يكون‪ .‬ترجمة �إيهاب فاروق‪.‬‬ ‫�سل�سلة الكال�سيكيات د‪� .‬سامي فوزي‪ .‬القاهرة ‪ 2014‬م‪.‬‬ ‫براون‪،‬نيل‪ .‬كيلي ‪ ،‬م‪� .‬ستيوارت ‪ .‬طرح اال�سئلة املنا�سبة‪ .‬مر�شد‬ ‫للتفكري الناقد‪ .‬ترجمة جنيب احل�صادى‪ ،‬حممد �أحمد ال�سيد‪ .‬املركز القومي‬ ‫للرتجمة‪ 2009 .‬م‪.‬‬ ‫بيك‪ ،‬جوديث‪ .‬العالج املعريف الأ�س�س والأبعاد‪ ،‬ترجمة طلعت مطر‪،‬‬ ‫دار الن�رش املركز القومي للرتجمة �سنة ‪ 2007‬م‪.‬‬ ‫بيك‪� ،‬آرون‪ .‬العالج املعريف واال�ضطرابات الإنفعالية‪ ،‬ترجمة عادل‬ ‫م�صطفى‪ ،‬دار النه�ضة العربية �سنة ‪ 2000‬م‪.‬‬ ‫زهران‪ ،‬حامد عبد ال�سالم‪ .‬ال�صحة النف�سية والعالج النف�سى‪ .‬عامل‬ ‫الكتب‪ ،‬الطبعة الثالثة‪� ،‬سنة ‪ 1997‬م‪.‬‬ ‫يوجني‪ ،‬كيندي‪ .‬و ت�شارل�س ‪� ،‬سارة ك‪ .‬لكي ت�صبح م�شرياً ‪.‬ترجمة �إيفا‬ ‫وهيب‪ .‬النا�رش م�ؤ�س�سة احلياة‪ 2009 .‬م‬ ‫باولبى‪ ،‬جون‪ .‬رعاية الطفل وتطور احلب‪ .‬ترجمة ال�سيد حممد خريي‪.‬‬ ‫دار الن�رش دار املعارف مب�رص‪ 1960 .‬م‪.‬‬ ‫‪108‬‬


‫م�صطفى‪ ،‬عادل‪ .‬املغالطات املنطقية‪ .‬املجل�س الأعلى للثقافة‪ 2007 .‬م‪.‬‬ ‫فروم‪� ،‬إيرك‪ .‬فن الوجود‪ .‬ترجمة اينا�س نبيل �سليمان‪ .‬دار حواء للن�رش‬ ‫والتوزيع‪ .‬الالذقية‪� .‬سورية‪ .‬الطبعة الأوىل‪� .‬سنة ‪.2011‬‬ ‫فو�سرت‪ ،‬ريت�شارد‪ .‬كتاب فرح االن�ضباط‪ .‬ف�صل العزلة وال�صمت‪ .‬النا�رش‬ ‫�أوفري‪� .‬سنة ‪. 2009‬‬ ‫فروم‪� ،‬إيرك‪ .‬كتاب فن احلب‪ .‬النا�رش دار الكلمة �سنة ‪2003‬‬ ‫بوالد‪ ،‬هرني‪ .‬الإن�سان و�رس الزمن ‪.‬النا�رش دار امل�رشق‪� .‬سنة ‪. 1999‬‬

‫مراجع �أجنبية‪:‬‬ ‫‪Gerard Egan. The Skilled Helper. Brooks/cole. publishing.‬‬ ‫‪.Company. 1986 by wadsworth,Inc.,California 94002‬‬

‫مواقع �إلكرتونية‪:‬‬ ‫‪ixzz2vZhxKDka#/60740/http://www.alukah.net/social/0‬‬

‫‪109‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.