رحلة العملية امل�شورية
درا�سة متقدمة يف امل�شورة (امل�ستوى الثاين)
�إعداد �سوزي لطفي ماج�ستري امل�شورة النف�سية مديرة ق�سم امل�شورة مب�ؤ�س�سة احلياة
مراجعة وتقدمي م�شري �سمري مدير وم�ؤ�س�س خدمة امل�شورة والن�ضج امل�سيحي
هــــــــــام غري م�سموح با�ستخدام هذه املادة� ،أو تعليمها� ،أو طبعها مرة �أخرى دون الرجوع للكاتبة ومل�ؤ�س�سة احلياة للتعايف.
قائمة املحتويات تقدمي 5 ..................................................... �شكر واجب 6 ................................................ متهيد 7 ...................................................... العالقة امل�شورية 11 ............................................. كيف ميكنني عمل عالقة م�ساعدة؟14 .............................. بع�ض النظريات الأ�سا�سية فيما يتعلق بامل�ساعدة وبناء عالقة امل�ساعدة 19 .... ما الذي يحتاج �إليه ال�شخ�ص لي�صبح م�شرياً؟ 26 ....................... التفكري النقدي 32 .............................................. ت�أ�سي�س العالقة العالجية 40 ....................................... التعاطف �أو التقم�ص الوجداين �أو املواجدة 46 ........................ التفريغ �أو التنفي�س 52 ............................................ التمييز بني الأفكار وامل�شاعر 58 .................................... فهم العامل الداخلي للم�ست�شري 62 ................................... التف�سري 71 .................................................... حالة الآن�سة ميم 78 ............................................. بع�ض املحاذير 85 ............................................... ملحق :1تدريبات عملية 89 ...................................... ملحق :2ممار�سة احلب 93 ........................................ ملحق :3مهارة التفكري الناقد 98 ................................... املراجع 107 ...................................................
تقدمي حني ا�ستمعت �إىل �سوزي لطفي لأول مرة ،تقدم مادة بحثية ،منذ �أكرث من ع�رش �سنوات� ،أدركت على الفور موهبتها كمعلمة تتمتع مبلكات البحث والنقد والتحليل .ومن خالل �إ�رشايف عليها كم�شرية مبكتبنا يف �شربا ،كانت يل الفر�صة املنتظمة خالل ال�سنوات الع�رش املا�ضية ملتابعة ومعا�رصة منو و�صقل هذه املوهبة لديها� .إنني �أكاد �أ�صدق على �أنها كمعلمة متلك قدرة ،رمبا ال �أمتتع �أنا بها ،ملخاطبة وتعليم القاعدة العري�ضة من هذا ال�شعب امل�رصي، وبالأخ�ص ال�شباب منهم .ولذا ي�رسين �أن �أقدمها ،بثقة لهذا امل�ضمار؛ "التوعية امل�شورية"� ،سعيداً ب�أن ت�ضع مل�ستها املتميزة ،وبالأخ�ص كمعلمة "�أنثى" يف جمتمع �أبوي ذكوري يفتقر �إىل مثل هذا ال�صوت وهذه النربة الفريدة. �أما عن هذه املادة التي �أقدم لها الآن ،ف�أقول �إنه قد ت�صدى لها البع�ض عن غري كفاءة -بعد �أن �أدخلها �أ�ستاذنا "د� .سامي فوزي" �إىل م�رص منذ �أكرث من خم�سة دافع �صحيح� ،إن جاز يل مثل هذا القول. ع�رش عام ًا -بل ورمبا �أي�ض ًا عن غري ٍ ولكني الآن� ،أ�رس ب�أن �أرى �صوت ًا �أمين ًا ،ي�سعى ولو بطريقة جتريبية و�إمنا �شاملة للت�صدي �إىل مثل هذه املادة امل�شورية املتخ�ص�صة ،وي�سعى جدي ًا لإخ�ضاع نف�سه �صالح .ولذا لن لها مع العمل على تطوير ما ميلكه منها بالفعل� ،ش�أن كل ٍ معلم ٍ �أنده�ش �أبداً �إن ر�أيت ،بعد عقد �آخر من الزمان ،هذه املادة تت�صدر املكتبة العربية مبا مل يقدمه الآخرون يف جمتمعنا العربي ،يف هذا املجال. م�شري �سمري
م�ؤ�س�س ومدير "خدمة امل�شورة والن�ضج امل�سيحي" القاهرة� ،سبتمرب 2012 5
�شكر واجب �أت�رشف ب�أن �أقدم لكم رحلة العالقة امل�شورية كمحاولة لتقدمي النموذج العلمي والعملي ملا يحتاج �إليه ال�شخ�ص الذي يقوم بامل�شورة ب�شكل حريف متخ�ص�ص. و�أدين بالف�ضل �إىل �أُ�ستاذي الدكتور �سامي فوزي الذي تعلمت على يديه ماهية العملية امل�شورية والعالج املعريف ال�سلوكي منذ ما يقرب من خم�سة ع�رش عام ًا، وا�ضع ًا �أمامنا هذا النموذج العلمي املتزن والبعيد عن �أي تكهنات �أو افرتا�ضات غري منطقية ،م�ستنداً �إىل �أمهات الكتب وكبار امل�شوريني والعالجيني املعتدلني واملعرتف بف�ضلهم يف العامل �أجمع. كما �أدين بال�شكر �إىل �أ�ستاذي م�شري �سمري م�ؤ�س�س ومدير خدمة امل�شورة والن�ضج امل�سيحي ،الذي علمني بكل �أمانة كيف ميكنني عملي ًا �أن �أقيم عملية م�شورية عالجية علي باجلهد والوقت والإ�رشاف العملي على �أغلب امل�شكالت ناجحة ،ومل يبخل ّ التي �صادفتها يف غرفة امل�شورة ،ملدة تزيد على ع�رش �سنوات. كما �أتقدم بال�شكر �إىل الدكتور �أو�سم و�صفي لإتاحة الفر�صة يل للعمل يف م�ؤ�س�سة احلياة كم�شرية متخ�ص�صة،فلوال هذه الفر�صة ما كنت متتعت بهذه اخلربة الفريدة للتطبيق العملي ،فقد قابلت فيها العديد من امل�ست�شريين وامل�ست�شريات والذين �أدين لهم بالكثري ،فقد كانوا املدر�سة الكربى التي ر�أيت وطبقت فيها كل ما تعلمته من �أ�ساتذتي. �أكاد �أقول �إنه لوال هذه امل�ساعدة الأمينة من �أ�ساتذتي ملا متكنت من فهم وممار�سة هذا العمل بهذه احلرفية ،ويف تقدميي هذا �أمنح هذا املجهود �إىل كل �شخ�ص ي�سعى ب�أمانة للتعلم والكت�ساب مهارات امل�ساعدة لكي ُيعِني وي�ساعد الآخرين على التكيف مع �صعوبات احلياة. كما �أ�شكر ك ًال من العزيزتني �إميان �صالح ووفاء جميل على مراجعتهما الإمالئية لهذه املادة.
�سوزي لطفي �أيلول (�سبتمرب) 2012
6
متهيد مل �أكن �أتخيل �أنه �سي�أتي اليوم الذي �سيخرج هذا البحث �إىل النور ،فلم يكن هديف الأول الكتابة بل التعلم مل�ساعدة الآخر .فقد بد�أت رحلة البحث منذ ما يزيد على ع�رش �سنوات ،يف املراجع وامل�صادر التي ميكن �أن �أجد فيها ما تعلمته على يد �أ�ساتذتي ب�شكل �شفوي وعملي. فقد مار�ست عمل عالقات عالجية ناجحة مع الكثريين من العمالء ،ميكنها �أن ت�ساعدهم على تغريات عظيمة يف �شخ�صياتهم وحياتهم دون حتى �أن �أعرف ما هي الأ�سماء العلمية ملا يحدث يف غرفة امل�شورة. وعندما اكت�شفت �أنه ال ميكنني الو�صول �إال مل�ساعدة �أعداد حمدودة فقط و�أن االحتياج للم�ساعدة امل�شورية كبري وعظيم ،بد�أت يف مرحلة �أن �أودع ما تعلمته لآخرين حتى ميكنهم امل�ساعدة والو�صول �إىل دوائر �أو�سع من امل�ساعدة. فما كان من بد �أن �أجمع ما �أعرف عنه وال �أجد له م�صدراً يف اللغة العربية، و�شيئ ًا ف�شيء جمعت هذه املعلومات من امل�صادر التي ميكنني �أن �أثق فيها، وا�ضعة يف ح�ساباتي �أنه بدون رحلة التعايف وامل�صاحلة مع النف�س وتعلم مهارات امل�ساعدة ب�شكل عملي لن ميكننا تقدمي م�ساعدة �أمينة للآخرين. العملية امل�شورية �أحد �أهم التقنيات التي بدونها ال ن�ستطيع ترجمة ما نتعلمه من علم النف�س �إىل واقع تطبيقي ،ف�ستظل النظريات النف�سية واملدار�س املختلفة عبارة عن علم ميلأ الكتب دون تطبيقات عملية وملمو�سة مدعمة بدرا�سة احلاالت ،حتى ن�ستطيع �أن نرى الأبعاد املختلفة لعالقة حية معا�شة مع �شخ�ص �آخر يطلب الن�ضج والتعايف. 7
لذلك مل �أجد من الكتب العربية ما ميكنه تقدمي الكيفية التي بها �ست�سري العملية امل�شورية يف خطوات مرتبة وحمددة .فقد جمعت من املراجع و�أمهات الكتب ما ميكن �أن يو�ضح جوانب هذه العالقة ب�شكل متكامل حلد ما .كما جنمع قطع الباذل لتكوين �صورة بها العديد من التفا�صيل .حتى �أن التطبيقات العملية التي وجدتها كانت على حاالت من ثقافات �أخرى وبالتايل اختالف الثقافة حتى مع االتفاق يف امل�شكالت واالعرا�ض حتما �سي�ؤدي �إىل اختالف التعامل معها .لذا وجدت �أنه من اجليد اال�ستعانة ببع�ض من درا�سة احلاالت التي قابلتها يف غرفة امل�شورة ،وقد ق ََط ْع ُت �شوط ًا ال ب�أ�س به يف العالج ،وال يفوتني ذكر �أن كل تاريخ احلاالت املذكورة هي لأ�شخا�ص واقعيني يعي�شون بيننا وقد قمت ب�أخذ موافقاتهم على اال�ستعانة ببع�ض من �أو بكل ق�ص�صهم لتدري�س امل�شورة ،فكان منهم بالرحب و�سعة ال�صدر واملوافقة ال�شفوية �أو املكتوبة يف بع�ض الأحيان حفاظ ًا على ال�رسية واحرتام ًا لها ،ومت تغيري الأ�سماء وا�ستخدام بع�ض احلروف للإ�شارة اليهم حفاظ ًا على خ�صو�صيتهم. كما وجد الدار�سون �أن هناك اتفاق ًا عام ًا ،وقد يبلغ حد الإجماع ،على وجود العالقة العالجية و�أهميتها و�رضورتها بني املعالج واملري�ض ،تلك التي تت�صف بالتوحد العقلي الوجداين واالحرتام والدفء والإخال�ص ،كما ي�شري �س.هـ .باتر�سون .1ويت�ساءل كثريون على �أية حال �أو ينكرون كفاية هذه اخل�صائ�ص ،وتنطوي م�شكلة الكفاية على الت�سا�ؤل عن ماذا؟ وهناك جدل حول العالقة املت�صفة بالتوحد العقلي االنفعايل والفهم واالحرتام والإخال�ص العالجي هي عالج خا�ص بغياب هذه الظروف وهي ت�ؤدي �إىل منو هذه اخل�صائ�ص من خالل عملية النمذجة ،ف�ض ًال عن خربة املري�ض وم�شاركته يف العالقة .يف حني يختلف �آخرون على كفاية العالقة العالجية ا�ستناداً �إىل 1س.هـ .باترسون .نظريات اإلرشاد والعالج النفسي ،ترجمة حامد عبد العزيز الفقي 558
8
امل�شكالت التي تعاين منها احلاالت التي تنطوي على ق�صور يف املعلومات واملعارف� ،أو ق�صور يف خمتلف �أنواع املهارات .هذه ق�صورات ذات طبيعة حركية �أو معرفية ،وبالت�أكيد مع حاالت لديها هذه الق�صورات �أو عدم الكفاية يعترب تقدمي العالقة العالجية غري ٍ كاف .و�إن التعامل مع هذه الق�صورات �أو امل�شكالت قد يبدو �أنه تربية �أو �إعادة تربية �أكرث منه عالج ًا .والعالج كعالقة يكفي ملدهم بالقدرة على �أن يفعلوا هذه الأ�شياء التي هم قادرون على القيام بها ،ولكن قد تكون العالقة غري كافية مع الأ�شخا�ص الذين يظهرون ق�صوراً �أو نق�ص ًا. كما �أ�شارت الأبحاث �إىل �أنه لي�س كل حالة �ستتح�سن من خالل العالقة التي ت�شتمل على ال�رشوط اجلوهرية ،فهناك احتمال عدم ظهور هذه ال�رشوط بالدرجة الكافية �أو بامل�ستوى املطلوب لتحقيق الفاعلية(.من جانب املعالج)، كما �أن احتمال عدم �إدراك احلالة ملا يظهره املعالج ويقدره املالحظون اخلارجيون من هذه اخل�صائ�ص ،و�أنه ملن ال�صعب ،و�أحيان ًا من امل�ستحيل� ،أن تخرتق بع�ض احلاالت من الذين يعانون البارانويا ،2على �سبيل املثال ،فبع�ض احلاالت ت�شعر بالتهديد ال�شديد �أو دفاعيون �إىل حد �أنهم ال ي�ستطيعون �إدراك �أن �أحداً يهتم بهم ب�إخال�ص. لذلك وجب التنويه ب�أن العالقة امل�شورية �ستكون مبثابة العالقة امل�ساعدة النا�ضجة التي �ست�ساعد امل�ست�شري على التغري� ،إذا ما توافرت واكتملت �رشوطها مع �أغلبية امل�ست�شريين ،ومع ذلك �ست�صبح قا�رصة عند البع�ض �سواء املعالج �أو امل�ست�شري. 2البارانويا :اضطراب عقلي ينمو بشكل تدريجي حتى يصير مزمناً ويتميز بنظام معقد يبدو داخلياً منطقياً ويتضمن هذاءات االضطهاد والشك واالرتياب فيسيء المريض فهم أية مالحظة أو إشارة أو عمل يصدر عن اآلخرين ويفسره على أنه ازدراء به ويدفعه ذلك إلى البحث عن أسلوب لتعويض ذلك فيتخيل أنه عظيم وأنه عليم بكل شيء.
9
10
العـالقة امل�شـوريــة كارل روجرز« :قد وجدت �أنه كلما كان هناك �شخ�ص �آخر على ا�ستعداد �أن يخربين �شيئ ًا عن اجتاهاته الداخلية ف�إن هذا ي�ؤثر يف ب�شدة وله قيمة كبرية عندي». تعريف العالقة امل�شورية: هي عالقة عالجية ُت�سهل عملية النمو يف ال�شخ�ص الآخر وهي تعتمد �إىل حد كبري على مقدار النمو الذي �أجنزته �أنا يف نف�سي كم�شري "امل�شورة هي �أنا". كما �أنها عالقة تعتمد �إىل حد كبري ال على الأ�ساليب التي ي�ستعملها امل�شري بل على حقيقة من هو "�شخ�صية امل�شري" ،ال على ما يفعله ولكن على الطريقة التي يفعل بها هذه الأمور ،فرتتيب الأهمية يف هذه العالقة هي �شخ�صية امل�شري �أو ًال ثم تكنيك اجلل�سة والعالج. لقد طرح كارل روجرز يف جملة واحدة كل فر�ضيته املحورية� ،إذ قال: "�إذا كان بو�سعي تقدمي منط معني من العالقات ف�سيكت�شف الآخر يف داخله القدرة على ا�ستخدام هذه العالقة للنمو والتغيري والتطور ال�شخ�صي الذي �سيحدث حتم ًا" ..وكان روجرز يعني بالنمو� :أنه هو التحرك يف اجتاه احرتام الذات واملرونة واحرتام النف�س وتقديرها واحرتام الآخرين. �س /هل �أمتلك املعرفة واملوارد والقوة النف�سية واملهارات الالزمة؟ هل �أمتلك ما يلزم مل�ساعدة هذا ال�شخ�ص؟ لأكرث من خم�سة وع�رشين عام ًا كان روجز يحاول �أن يكون جديراً بهذا التحدى ،ويقول :يف �أول �أيامي كنت �أ�س�أل هذا ال�س�ؤال :كيف ميكنني عالج �أو �شفاء �أو تغيري هذا ال�شخ�ص؟ لكن مع الوقت حدثت �إعادة �صياغة لل�س�ؤال �إىل :كيف ميكنني توفري عالقة قد 11
ي�ستخدمها هذا ال�شخ�ص كي ينمو على امل�ستوى ال�شخ�صي؟ هذا هو التحدي الذي �أمامي ك�شخ�ص �أ�سعى مل�ساعدة الآخرين. يقول �ستور عن �شخ�صية املعالج النف�سي� :أعتقد �أن �سمات ال�شخ�صية التي تدفع بع�ض النا�س �إىل �أن يكونوا معاجلني نف�سيني لها جذورها العميقة ،ال�صدفة لن حتدد �أن ي�صبح املرء فنان ًا �أو عامل ًا �أو فيل�سوف ًا �أو كاهن ًا ،بل �سيحتاج الأمر �إىل امتالك مزيج معني من املواهب وال�سمات املزاجية .و�أعتقد �أن ذلك ي�صدق �أي�ض ًا على املعالج النف�سي .يجب على املعاجلني النف�سيني �أن يكونوا "ذوي اهتمام بالب�رش" من النواحي ال�شخ�صية �أكرث من اهتمامهم بالنواحي الال�شخ�صية� .إن من ينجذبون للفن تظهر لديهم قدرة هائلة على اال�ستبطان وي�ستجيبون بانفعالية �أكرب للآخرين ،املعاجلون النف�سيون �سواء كانوا م�ؤهلني طبي ًا �أم ال ،لي�سوا علماء يف املقام الأول ،بل هم فنانون. ينجذب املعالج النف�سي �إىل العمل الذي ال يكون فيه التعبري عن االنفعاالت حمظوراً بل يحظى بالت�شجيع لذلك ف�إن املهارات التي ت�أتي يجب على املعالج النف�سي تنميتها ،تعتمد على الفهم املتبادل ،فكلما زاد علمه بنف�سه زادت قدرته على فهم مر�ضاه ،وكلما زاد علمه مبر�ضاه زادت قدرته على فهم نف�سه .وال يهتم املعالج النف�سي اجليد بالنا�س فح�سب و�إمنا ميتلك �أي�ض ًا القدرة واال�ستعداد للتعاطف مع مدى وا�سع من ال�شخ�صيات املختلفة. املعالج النف�سي عليه �أن يهتم ب�أ�شخا�ص ال يبدو عليهم للوهلة الأوىل �أن ي�شبهونه �أو ي�شاركونه اهتماماته� .إن االنفتاح على االنفعاالت يفر�ض على املعالج النف�سي نوع ًا من الت�سامح �أو الت�ساهل غري املعتاد بالن�سبة للتعبري االنفعايل عند الآخرين. فهم على النقي�ض يحتاجون �إىل �أن يكونوا قادرين على ت�سهيل التعبري عن ال�ضيق لدى مر�ضاهم دون �أن ي�صبحوا هم يف �ضيق يدفعهم �إىل الهرب.3 3انطوني ستور .فن العالج النفسي142 .
12
وبداية من هذا اجلزء �سوف نتعر�ض �إىل بع�ض التدريبات العملية التي �سوف ت�ساعدين ك�شخ�ص للح�صول على الهدوء وال�سكينة التي يحتاج �إليها ال�شخ�ص املهتم مب�ساعدة الآخرين نف�سي ًا ،فبدون هذا الهدوء وال�سكينة �سوف �أنقل توتري وقلقي للم�ست�شري وينتقل توتر وقلق امل�ست�شري �إىل امل�ساعد. والتدريب الأول هو ال�صمت والعزلة (ملحق )1وكيفية جعلهما جزءاً من ال�سلوكيات اليومية التي ندرب عليها �أنف�سنا ك�أ�شخا�ص ،فحتى لو مل نقم مب�ساعدة �آخرين �سوف ي�ساعدنا تدريب ال�صمت والعزلة على امتالك �أنف�سنا ك�أفراد ،كما ي�ساعدنا على تنمية احل�س املرهف لدينا والتذوق والتفكري املت�أمل والتفكري النقدي الذي �سينمو بعيدا عن ال�ضو�ضاء والأ�ضواء وامل�شتتات التي نت�صارع معها خالل يومنا .ففي ال�صمت والعزلة نحتفظ بنفو�سنا ووعينا الذاتي وب�صريتنا داخلنا حتى و�إن كنا و�سط زحام الب�رش. يوحنا ال�سلمي� :أول الهدوء �إبعاد ال�ضو�ضاء لأنها تعكر قعر النف�س� .أما كماله فعدم خ�شية ال�ضو�ضاء بل عدم الت�أثر بها �أو االلتفات �إليها .ومن ي�سع يف �إثر الهدوء بانتظام يزداد لطف ًا كلما تقدم فيه ويمُ ِ�س بيت ًا للمحبة بجملته ال يتحرك �إىل التكلم �إال ب�صعوبة وال يتحرك �إىل الغ�ضب على الإجمال .وعك�س ذلك بَني جلي.4
4يوحنا السلمي .السلم إلى اهلل .منشورات النور. 242 .
13
كيف ميكنني عمل عالقة م�ساعدة؟ لكي نقوم ب�إقامة عالقة م�شورية �صحية علينا �أن نرجع �إىل �أ�صول وفنون هذه العالقة التي �سوف يكون لها العبء الأكرب يف منو ون�ضج امل�ست�شري ،ولن جند �أروع من القدير كارل روجرز� ،صاحب نظرية الذات �أو التمركز حول العميل ،لنتعرف على موا�صفات العالقة امل�شورية من خالل ع�رشة �أ�سئلة حتتاج �إىل ال�صدق مع النف�س لكي ما جنيب عنها .عندئذ ن�ستطيع �أن منيز �إذا ما كنا �سن�ستطيع م�ساعدة الآخرين �أم �أننا نحتاج املزيد من اجلهد والعمل على ن�ضج �أنف�سنا ،لنكون �أه ًال لهذه املهمة.
�أ�سئلة روجرز الع�شرة: علي؟ -1هل ميكنني �أن �أكون مكان ًا للثقة لدى الآخر و�أنه ميكن �أن يعتمد ّ وهذا يظهر يف الظروف اخلارجية مثل الوفاء باملواعيد ،احرتام الأ�رسار، ولو ت�رصفت بات�ساق طوال املقابالت ف�إن �رشوط الثقة تتحقق� .أن �أكون �أه ًال للثقة ال يتطلب �أن �أكون مت�سق ًا ب�شكل �صلب لكن �أن �أكون حقيقي ًا �صادق ًا علي. يعتمد ّ
مبعنى �أنه احر�ص جيداً على االنتظام وااللتزام باملواعيد ،ويف حالة الت�أخر �أو �سوء التنظيم لأي �سبب نقدم االعتذار ب�صدق ،فر�صيد االلتزام الذي �أقدمه للم�ست�شري �سوف يجعله يتقبل هذا الت�أخري عن غري م�ض�ض .كذلك االحتفاظ بالأ�رسار وبخ�صو�صية امل�ست�شري لأق�صى الدرجات حتى �أنه حني يذكر �أمامي �أحد الأ�سماء التي �أعرفها �أو �أعرف عنها الكثري فال اتطوع بالإف�صاح عن ما �أعرفه عنه ...وهكذا. 14
-2هل بو�سعي �أن �أكون جد ُمعرب ًا ك�شخ�ص فيكون حايل هو ما �أو�صله للآخر؟ (ال�صدق) ممكن كلماتي تعطي ر�سالة ،لكن ب�شكل �أعمق ار�سل ر�سالة خمتلفة حتتوي على ال�ضيق الذي �أح�سه ،فامياءات اجل�سم �أ�صدق من كلمات الفم و�سي�صل ما �أ�شعر به للم�ست�شري مهما حاولت �إخفاءه ،وهذا يربك الآخر ويجعله يفقد الثقة .القاعدة الذهبية ملن يريد �أن يعمل بامل�ساعدة وبناء عالقات م�ساعدة هي �أن يحاول بقدر الإمكان �أن يكون �شفاف ًا بحق� .أي �أحتاج �أن �أتعلم �أن �أُظهر ما �أُبطن و�أتعلم �أن �أتخري الكلمات التي تعرب عن ما بداخلي بدقة وب�أ�سلوب ال يجرح امل�ست�شري. -3هل بو�سعي �أن �أجعل العالقة امل�ساعدة مليئة باجتاهات االهتمام واالحرتام؟ (الإيجابية) هذا �أمر لي�س ب�سهل ،نحن نخاف �أن نعرب عن هذا االهتمام وهذا االحرتام ب�رصاحة وحرية قد نقع يف �أحابيلهم لهذا ننزع لإيجاد م�سافة بيننا وبني الآخرين بردود �أو �سلوك قيادي �أو عالقة غري �شخ�صية .فهل ميكنني �أن �أقدم االهتمام الأ�صيل والدفء للم�ست�شري دون �أن �أفقد مالمح العالقة امل�شورية وتتغري �سماتها �إىل عالقة �صداقة �أو غريه ،وهل �أ�ستطيع �أن �أكون حاني ًا دون �أن �أخ�رس احلدود التي قمت بو�ضعها مع امل�ست�شري .ومتي �أ�ستطيع كم�شري �أن �أدرك �أن امل�ست�شري يهدف �إىل �إف�ساد العالقة وا�ستقطابي مل�ستوى خمتلف منها دون �أن �أمار�س �شيئ ًا من الت�رصفات التي ت�شعره �أنه �أقل و�أنني �أنا كم�شري من �أقوم بعملية القيادة يف العالقة ،بالرغم من �أنني �أقوم فع ًال بقيادة العالقة. 15
-4هل ي�سعني �أن �أكون �شخ�ص ًا حمرتم ًا احرتام �أحا�سي�سي وم�شاعري واحتياجاتي كما �أحرتم �أحا�سي�سه وم�شاعره؟ (القوة الداخلية) �أن �أكون قوي ًا ك�شخ�ص مبا يكفي لالبتعاد عن الآخر؟ هل ي�سعني �أن �أمتلك م�شاعري اخلا�صة و�إن تطلب الأمر �أن �أعرب عنها عند احلاجة بو�صفها �شيئ ًا �أمتلكه ويخ�صني ويبعد عن م�شاعر العميل؟ هل �أنا قوي مبا يكفي يف تفردي حتى �إنني ال �أحبط من �إحباطه �أو �أكتئب من �إكتئابه �أو �أرتعب من خوفه؟ ولن تبتلعني تبعيته �أو هيمنته؟ هل نف�سي اجلوانية �صلبة مبا يكفي لأُدرك �أن غ�ضبه لن يدمرين و�أن حبه لن ي�ستعبدين؟ هذه هي احلرية التي لو جنحت يف التدريب عليها يف عالقاتي عامة كم�شري ف�سوف �أجنح يف �أن �أعي�شها مع امل�ست�شري و�أعلمه �إياها. -5هل �أنا واثق �آمن يف نف�سي لأدع له الفر�صة لالنف�صال؟ (الأمان) هل ي�سعني ال�سماح له �أن يكون ما هو عليه� :صادق ،خمادع ،طفلي، يائ�س �أو مفرط يف الثقة؟ هل ميكن �أن �أعطيه حرية �أن يكون؟ �أم ي�شعر �أن عليه علي؟ �أن يت�رصف وفق ًا لن�صائحي و�إر�شاداتي ويظل معتمداً ّ لن �أن�سي يوم ًا قامت فيه �إحدى امل�ست�شريات بكتابة خطاب مكون من ثالث �صفحات من الورق الفلو�سكاب تنتقد فيه بع�ض الت�رصفات واملواقف التي حدثت �أثناء مقابالتنا امل�شورية منها ما هو واقعي ولديها فيه كل احلق ،ومنها ما هو ناجت عن �سوء تف�سري للمواقف والتي كانت حتتاج مني كم�شري �أن �أ�رشح موقفي ،وعليه قدمت االعتذار اجلاد عن ما بدر مني بدون ق�صد �أو بعدم �إدراك �أن هذه ال�سلوكيات �سوف جترحها ،وبعدها قمت بتو�ضيح موقفي و�رشح ما كنت �أق�صده وقتها .الر�سالة التي كنت �أدركها وقتها هي حقها يف �أن تعرب عن ما ت�شعر به وحت�سه جتاهي وجتاه العالقة امل�شورية ،والذي بدونه لن يحدث الن�ضج املبني على مزيد من االنفتاح. 16
-6هل ي�سعني �أن �أطلق عنان نف�سي لأدخل يف عامل �أحا�سي�سه وم�شاعره ومعانيه ال�شخ�صية و�أراها كما يراها هو؟ هل �أقدر �أن �أخطو داخل عامله اخلا�ص حتى �أفقد كل رغبة يف التقييم �أو احلكم عليه؟ هل ي�سعني الإح�سا�س به بدقة حتى ي�سعني �أن �أم�سك مبعاين جتربته اخلا�صة الدفينة التي ال تظهر �رصاحة؟ هل �أ�ستطيع �أن �أمد هذا الفهم بال حدود؟ دون �أن �أ�شعر بالتهديد واخلوف من هذا الدخول؟ -7هل ميكنني �أن �أتقبل هذا الآخر بكل وجوهه التي يقدمها �إىل؟ (القبول) هل ميكنني �أن التقيه كما هو؟ ف�أقبل كل �أحا�سي�سه وم�شاعره؟ �أقبل الإيجابي وال�سلبي ،مع الت�أكيد �أن قبويل هذا ال يعني موافقتي على ما هو �سلبي يف حياته. -8هل �أ�سلك يف العالقة بطريقة ال ت�صل �أنها تهديد؟ (احل�سا�سية) فلو ا�ستطعنا حترير العميل بقدر الإمكان من التهديد اخلارجي فبو�سعه عندئذ �أن مير عرب الأحا�سي�س الداخلية ويتعامل معها ومع �رصاعاته التي يجد �أنها مهددة داخله .عندئذ ميكنني �أن اتواجه مع �أفكاره اخلاطئة و�سلوكه ال�سلبي، دون �أن ي�شعر بالتهديد مني ودون �أن �أفقده. -9هل ي�سعني �أن �أحرره من تهديد التقييم اخلارجي؟ (احلكم) كلنا معر�ضون يف حياتنا للمكاف�آت والعقاب "التقييم" ،هذه الأحكام والتقييم جزء من حياتنا من املهد �إىل اللحد ،هذا ال ي�ؤدي للنمو ال�شخ�صي. التقييم الإيجابي يهدد على املدى البعيد مثله مثل التقييم ال�سلبي؛ لأنه �إن �أخربت �شخ�ص ًا �أنه جيد فهذا يعني �أنه من حقك �أن تقول له �أنه ردىء .كلما �أ�ستطعت �أن �أُبعد عن الآخر التقييم والأحكام �أتاح هذا للآخر الو�صول �إىل نقطة معرفة �أن مو�ضع التقييم ومركز امل�سئولية موجود بداخله وحده ولن يتغري هذا الواقع ب�أي قدر من التقييم اخلارجي. 17
-10هل ميكنني �أن �أرى هذا الفرد الآخر بو�صفه �شخ�ص ًا يخو�ض غمار عملية ال�صريورة؟ (�أن ي�صري �إن�سان ًا) �أم �أنه �سيظل �أ�سرياً ملا�ضيه .لو قبلت الآخر ك�شخ�ص بو�صفه �شيئ ًا ثابت ًا �أو مت ت�شخي�صه وت�صنيفه وت�شكيله على �أ�سا�س ما�ضيه ف�أنا هكذا وبهذا �أ�ؤدي دوري التخريبى.5 خال�صة القول� :أف�ضل عالقة م�ساعدة هي نوع من العالقات التي يخلقها ال�شخ�ص النا�ضج نف�سي ًا �أو مبعنى �آخر تعتمد مدى منوي �أنا ذاتي وهذه فكرة لدي وظيفة مذهلة متتد العمر كله تفيدين مقلقة حق ًا ،ف�أنا كم�شري �أو ُمدرب ّ يف تنمية نف�سي و�إمكانياتي.
5كارل روجرز .أن تصير إنسانا 85-79
18
بع�ض النظريات الأ�سا�سية فيما يتعلق بامل�ساعدة وبناء عالقة امل�ساعدة -1العالقة :ما هي العالقة التي �أود �أن �أوفرها؟ - :كلما زاد �صدقي يف العالقة كانت مفيدة و�أن �أكون مدرك ًا لأحا�سي�سي بقدر الإمكان ،و�أن �أكون �صادق ًا هذا هو املهم ،وهذا يت�ضمن �إرادة �أن تكون �صادق ًا يف �أحا�سي�سك و�سلوكياتك املختلفة املتعددة ،وتعرب عنها ب�صدق �شفاهية �أو بالفعل ،هذا يجعل العالقة تتواجد يف الواقع احلقيقي .عندما �أكون �صادق ًا متالم�س ًا مع م�شاعري و�أن �أعي�ش احلقيقة الواقعية ال�صادقة واملوجودة يف داخلي فهذا يجعل الآخر يبحث بنجاح عن الواقع يف داخله. -2كلما ازداد قبويل وتقبلي لهذا الفرد �صار بو�سعي خلق عالقة ميكنه ا�ستخدامها .ما معنى القبول هنا؟ �أعني بالقبول نظرة دافئة جتاهه ك�شخ�ص له قيمة ب�رصف النظر عن حالته �أو �سلوكة و�أحا�سي�سه ،يعني هذا احرتام ًا وتقديراً ك�شخ�ص منف�صل وا�ستعداداً لتقبل امتالكه مل�شاعر و�أحا�سي�س خا�صة به بطريقته اخلا�صة وي�ؤدي قبول كل جانب مت�أرجح يف هذا ال�شخ�ص �إىل جعل العالقة بالن�سبة له عالقة دفء و�أمان وحب ،ف�إن الأمان الناجم عن الإح�سا�س بالقيمة واحلب ي�ؤدي �إىل عالقة م�ساعدة جيدة. � -3إن الفهم والتعاطف الوجداين التقم�صي هو فهم الأحا�سي�س والأفكار التي تبدو مرعبة �أو �ضعيفة �أو عاطفية جداً �أو عندما �أراها كما تراها و�أقبلها و�أقبلك �سوف ت�شعر باحلرية يف ا�ستك�شاف كل املخابئ والكهوف املوجودة بداخلك "هذه احلرية هي �رشط مهم للعالقة" .هذا الفهم التعاطفي الوجداين 19
التقم�صي ي�ساعدين على ر�ؤية العامل اخلا�ص لعميلي بعينيه هو وبهذا �أ�صري رفيق ًا لعميلي و�أ�صاحبه يف بحثه املرعب عن ذاته. خال�صة القول :لوكان بو�سعي خلق عالقة تتميز من جانبي بوجود �أ�صالة و�رصاحة و�شفافية حيث �أعرب عن �أحا�سي�سي احلقيقية كما هي ،وتتميز بقبول دافئ وتثمني ال�شخ�ص الآخر بو�صفه فرداً متفرداً وتتميز بقدرة ح�سا�سة على ر�ؤية عامله كما يراه هو ف�إن الطرف الآخر يف العالقة� :سيمر بخربة وفهم جوانب نف�سه التي قام بكبتها� ،سيجد نف�سه فيما بعد �أكرث ت�شبه ًا بال�شخ�ص الذي يود �أن يكونه� ،ستزداد قدرته على التوجيه الذاتي� ،سي�صري �شخ�ص ًا منفرداً و�أكرث قدرة على قبول الآخرين� ،ستزداد قدرته على التكيف مع امل�شاكل احلياتية. خ�صائ�ص عالقة امل�ساعدة :تعريف �آخر لعالقة امل�ساعدة :هي العالقة التي يزمع فيها �أحد امل�شاركني �إحداث تغيري يف امل�شاركني الآخرين �أو فيهم جميع ًا وي�ؤدي هذا التغري �إىل تقدير �أكرث وتغري �أكرب وتوظيف �أعم للموارد الداخلية الكامنة يف الفرد ،وت�شمل عالقة الأم والطفل ،الأب والطفل ،املري�ض والطبيب ،الأ�ستاذ والتلميذ.6
خطوات العالقة امل�شورية ت�أ�سي�س العالقة امل�شورية يتم عن طريق �إتقان مهارات اال�ستماع والتعاطف، وفهم العامل الداخلي للم�ست�شري عن طريق التفريغ �أو التنفي�س والتنقيب( ،وي�شمل فهم ال�صورة الذاتية للم�ست�شري عن نف�سه ،وكيف يرى نف�سه ،ماذا عن قيمه 6كارل روجرز .نفس المرجع السابق 68
20
اخلا�صة ومبادئه التي يعتنقها ،والأهداف التي ي�سعى لها يف حياته ،احتياجاته وكيف يراها ،و�إىل �أي مدى هذه االحتياجات �أ�سا�سية �أم ثانوية) ،و�ضع ت�شخي�ص مبدئي ال يعلن عنه للم�ست�شري حتى مرحلة الت�أكد ،ثم الو�صول �إىل ت�شخي�ص نهائي باالتفاق مع امل�ست�شري لبدء مرحلة العالج ،ومتى ننهي العالج. ال�رشوط التي يجب توافرها يف املعالج: ي�صف روجرز ال�رشوط التي يحتاجها ال�شخ�ص لكي ي�صبح معاجل ًا يف ثالثة �رشوط هي: -1التوافق والأ�صالة Genuiness – Congruence -2التقدير الإيجابي غري امل�رشوط Respector Positive Regard -3الفهم التعاطفيEmpathic Understanding7 -1التوافق والأ�صالة� :أي التطابق ،البد �أن يكون املعالج مت�سق ًا وموحداً ومتوافق ًا ك�شخ�ص �أ�صيل� ،أي يكون نف�سه بال�ضبط ولي�س واجهة �أو دوراً .لقد ا�ستخدمت م�صطلح توافق للإ�شارة لهذا التطابق بني اخلربة والإدراك حيث يكون املعالج على �إدراك تام دقيق بخرباته يف هذه اللحظة من العالقة ،ما مل يوجد هذا التوافق الأ�صيل وبدرجة كبرية فمن غري املحتمل حدوث تعلم جمزٍ. "يحتاج امل�شري �إىل امل�شورة �أي�ض ًا ف�إن ذلك �سيعطيه فهم ًا عميق ًا لذاته ومن ثم �ست�ساعده يف القيام بامل�شورة للآخرين والتي متكن امل�شري من ال�صدق مع النف�س وحرية التعبري عن امل�شاعر فيكون �شفاف ًا ."8مبعنى �أنه يظهر ما يبطن، و�إدراك امل�شري لنف�سه ووعيه بها ومبا لديه من م�شكالت يف طبيعة �شخ�صيته 7كارل روجرز .نفس المرجع السابق 323 ،322 8رولو ماى .فن المشورة 153 ،152
21
�سوف ت�ساعده على ر�ؤية الآخرين مبو�ضوعية لأن التحيزات والطرح من �أ�سو�أ العقبات يف �سبيل امل�شري .ولإزالة هذه التحيزات البد من فهمها والتعامل معها للتخل�ص منها (�أبي – �أمي – زوجي – مدر�س � ...إلخ) ولو مل يقم بهذا بالت�أكيد �سيعالج النا�س من خالل هذه املركبات. رولوماي "امل�شري ال يولد م�شري ًا" بل هي �صفات مكت�سبة ال نولد بها.9
عالقتي بنف�سي كم�شري:
ب�صفتنا م�شريين يجب �أن نتذكر �أن �أنف�سنا هي �أهم �أداة لنا يف امل�شورة ،و�أن ما نعرفه وما منتلكه يف �أنف�سنا هو الذي يحدد ما �إذا كنا �سنفيد الآخرين �أم ال، وهو �أي�ض ًا يحدد ما �إذا كنا �سنقدر فعال �أن نقرتب من الآخرين بدون �أن نفقد �أنف�سنا يف هذه العملية .فمن ال�رضوري �أن نحافظ على ا�ستقاللنا �أثناء االقرتاب حتى ننتجنب ذلك النوع من التعلق ال�شديد بالآخر .غري �أن اال�ستقالل ال يعني الربود �أو التباعد ،و�أمنا يتوقف على ما كنا نعرتف بفرديتنا وفردية ال�شخ�ص الآخر ونحرتم هذه الفردية. -2التقدير الإيجابي غري امل�رشوط :هو �أن مير املعالج بخربة اهتمام دافئ بالعميل ،اهتمام ال ي�سعي �إىل االمتالك وال يطلب امتنان ًا �شخ�صي ًا وال �إ�شباع ًا ذاتي ًا� ،إنه مناخ يو�ضح �أنه مهتم ولي�س عبارة عن �أنه �أهتم بك لو فعلت كذا وكذا ،هذا االجتاه ال�سلوكي «التقدير الإيجابي غري امل�رشوط» وهذا يت�ضمن الإح�سا�س بالقبول ب�أكرب قدر ممكن جتاه تعبريات العميل �سواء ال�سلبية الرديئة �أو اجليدة االيجابية النا�ضجة الواثقة ،بقدر ما ي�ستطيع املعالج توفري هذا املناخ الأمن فمن املتوقع حدوث تعلم جم ٍز مفيد� .أي قبول امل�ست�شري كما هو مهما 9رولو ماى .نفس المرجع السابق 151
22
كان ،و�إن قبويل له لي�س معناه موافقة مني على ما يفعله ،هذا القبول يعك�س درجة من قبول الله لهذا ال�شخ�ص فيتم وقتها قبوله لنف�سه� ،أقبله كما هو باحرتام وتقدير. برامر و�شو�سرتومو �" 1982إن اال�ستجابة بامل�شاركة للم�سرت�شد تعني التفكري معه ولي�س له �أو حوله". "وقد الحظ كارخوف وبريين�سون �أن التقدير الإيجابي �أو احرتام الآخرين ين�ش�أ من احرتام الذات و�أن املر�شدين الذين ال يحرتمون خرباتهم و�أفكارهم وم�شاعرهم ال�شخ�صية �سيجدون �صعوبة يف احرتام �أفكار وم�شاعر الآخرين."10 مقتطفات من ر�سالة لإحدى امل�ست�شريات بعد عام من اجلل�سات ت�صف فيها ما تو�صلت �إليه: على الرغم من اختاليف عنها يف املذهب (امل�شرية) ،ف�أنا مل �أ�سمع منها طيلة جل�ساتي معها �أي كلمة واحدة �ضد مذهبي ،بل على العك�س ،كانت ترف�ض الإدالء ب�أي ر�أي �أو تعليق يتعلق ب�أمور طقو�سنا �أو ممار�ستنا ،كانت تكتفي بقولها ّ يل :ال ت�ضغطي على �أوالدك يف ممار�سة الأمور الدينية �أو يف العبادة ب�شكل عام ،لئال ي�ؤدونها �أمامك على غري اقتناع ،وعندما يكربون ويخرجون من حتت �سلطتك ،ف�إنهم �سيبتعدون عن تلك املمار�سات الدينية التي مار�سوها مرغمني ...علمتني املعنى احلقيقي لتقبل الآخر املختلف عني ،املختلف عني ديني ًا – مذهبي ًا -اجتماعي ًا -نف�سي ًا -ثقافي ًا -علمي ًا حتى املختلف عني يف طريقة التفكري ،يف طريقة امللب�س و�ضحكاته يف �إمياءاته "امل�ست�شرية ر.ر". انطوين �ستور :يجب على املعاجلني النف�سيني �أن يكونوا قادرين على وجه اخل�صو�ص على مد يد االعتبار والتقدير االيجابي �إىل من رف�ضهم العامل... 10محروس الشناوي .العملية االرشادية64 .
23
واملعاجلون الناجحون ميتلكون قدرة خا�صة على التوحد مع املهانني واملجروحني وهذه القدرة نادراً ما ميتلكها غالبية اجلن�س الب�رشي. �إن ال�شكل النموذجي للمعالج النف�سي هو �شخ�ص وا�سع العطف والتعاطفمفتوح ال�صدر النفعاالته وانفعاالت الآخرين قادرا على التوحد مع نطاق وا�سع من الب�رش دافئ ودود دون �أن يكون عاطفي ًا ،ال يفر�ض وال ي�ؤكد ذاته ولكنه قادر على الثبات يف موقفه بهدوء ،قادر على �أن ي�ضع نف�سه يف خدمة مري�ضه ومدرك �أن مكاف�أته على القيام بذلك قد تكون طويلة الأجل وغري مبا�رشة.11 -3فهم تعاطفي :وهو �أن يح�س املعالج بفهم تعاطفي دقيق وعميق لعامل العميل كما يراه الأخري من الداخل ،نح�س وغ�ضب وخوف وا�ضطراب العميل كما لو كان �إح�سا�سنا اخلا�ص ولكن بدون �أن يطلق غ�ضبنا �أو خوفنا �أو ا�ضطرابنا ،يفهم املعالج �أحا�سي�س املري�ض فهم ًا جيداً ،وال ي�شك املعالج �إطالق ًا يف ما يعنيه املري�ض وتنطبق مالحظات املعالج متام ًا على احلالة املزاجية للمري�ض وحمتوى �ألفاظه وتو�صل نربة �صوت املعالج القدرة الكاملة على م�شاركة �أحا�سي�س املري�ض. -4ال�رشط الأخري هو البد �أن ي�صل كل هذه ال�رشوط بدرجة ما بنجاح للعميل ،وهذه ال�رشوط البد و�أن حتدث عملية تراخي �إداركات العميل ال�صلبة لذاته وللآخرين وينفتح على الواقع� ،إن العالج هو نوع من التعليم املجزي الذي يحدث عند توافر ال�رشوط ال�سابقة ،عندما يدرك العميل �أنه يواجه م�شكلة خطرية ذات بال ،عندما يكون املعالج �شخ�ص ًا متوافق ًا �أ�صي ًال يف عالقته 11أنطوني ستور .فن العالج النفسي 150
24
وقادراً على �أن يكون هو ال�شخ�ص الذي هو ،عندما مينح املعالج تقديراً �إيجابي ًا غري م�رشوط للعميل ،عندما مير املعالج بخربة فهم دقيق تعاطفي لعامل العميل الداخلي ويتوا�صل مع هذا ويو�صله للعميل ،عندما مير العميل بدرجة ما بخربة توافق و�أ�صالة وقبول وتعاطف املعالج. �أ�ضاف كارخوف وزمال�ؤه بعداً رابع ًا �إىل الأبعاد التي تكلم عنها روجرز (التطابق والتفهم والتقدير الإيجابي) وهو متانة ودقة التعبري Concreteness & Specifity of expression
عرف كارخوف وبريني�ستون هذا البعد ب�أنه ي�شتمل على التعبري الطليق وقد َّ واملبا�رش والكامل عن م�شاعر وخربات معينة ب�رصف النظر عن حمتواها االنفعايل (� 1977ص.12)13
12محروس الشناوي .العملية المشورية65 .
25
ما الذي يحتاج �إليه ال�شخ�ص لكي ي�صبح م�شرياً؟ �أن يكون العالج النف�سي الذاتي للم�شري جزءاً ال يتجز�أ منه .وذلك لأن �شخ�صية امل�شري هي و�سيلته الوحيدة للو�صول للآخرين ف�إذا كان بها معطالت لن ي�ستطيع �أن ي�ساعد الآخرين على تخطي هذه املعطالت �أو غريها ،وهذا العالج يعطيه مواجهة عميقة مع الذات. يحتاج امل�شري �إىل الإ�رشاف وهو الرجوع للأ�ستاذ ،لأنه يطور مقدرته وي�ساعده على �إدراك نف�سه بطريقة �أف�ضل.13 التوازن يف العالقة العالجية: بُعد �آخر من العالقة العالجية ي�صفه �أ�صحاب املدر�سة ال�سلوكية يقول فيها عبد ال�ستار �إبراهيم الآتي :عدم الرتكيز على العالقة ال�شخ�صية اخل�صو�صية� ،أي بالتقارب ال�شخ�صي ،حيث يكون التعامل بينهما مهني ًا بحت ًا دون وجود جمال للعواطف �أو امل�شاركة الوجدانية املبالغ فيها من قبل املر�شد� ،إذ يقول «�إلي�س» يجب على امل�سرت�شد �أن يعتمد على نف�سه يف العملية الإر�شادية منذ بدايتها، و�أن العالقة ال�شخ�صية بينه وبني مر�شده النف�سي �ستجعله معتمداً عليه ،وغري م�ستقل بذته و�أنه �سيتعود على تلقي الدعم اخلارجي دون �أن يدعم نف�سه بنف�سه. لذلك فالعالقة ال�شخ�صية بينهما �ست�أتي بنتائج عك�سية يف العملية الإر�شادية.14 فالتحدي هو كيفية القيام بعالقة عالجية دافئة مع امل�ست�شري ويف الوقت نف�سه ال تنقلب هذه العالقة �إىل عالقة غري مهنية �أو عالقة �صداقة والتي تف�سد العملية امل�شورية. 13هوارد كالينبل .النصح الرعوي224 . 14عبد الستار إبراهيم .العالج المعرفي السلوكي الحديث
26
يف و�صف عملية االندماج -كارل يوجن يحدثنا كارل جو�ستاف يوجن عن التغري الذي يحدث يف كال ال�شخ�صني مع ًا امل�شري وامل�ست�شري ،فمن امل�ستنتج �أن امل�ست�شري هو الذي يتجه نحو التغري ولكن اجلديد الذي ي�ضيفه يوجن �أن التغري يحدث �أي�ض ًا للم�شري ت�أثراً مبا يحدث داخل العالقة العالجية ،فتفاعل امل�شري مع امل�ست�شري والت�أثر بكل تفا�صيل معاناة امل�ست�شري يجعله يتحد به بدرجة متكن امل�ست�شري من التغري بدروه والتي بدونها لن ي�ستطيع امل�ست�شري التغيري ،فيقول يوجن�" :إن تالقي �شخ�صيتني مثل تالم�س مادتني كيماويتني لو حدث �أي تفاعل يتغري كالهما ،علينا �أن نتوقع �أن يكون للطبيب ت�أثريا على املري�ض يف كل عالج نف�سي فعال ،لكن هذا الت�أثري ال ميكن حدوثه �إال لو ت�أثر الطبيب بدوره مبري�ضه."15 وال �أ�ستطيع كم�شرية ق�ضيت �سنوات يف حجرة امل�شورة �أن ا�ستوعب كيف �أنني يف كل مرة �أذهب ملقابلة امل�ست�شريين �أحمل الكثري من �رصاعاتي ال�شخ�صية ومعاناتي النف�سية ،وعندما �أق�ضي �أربع �أو خم�س �ساعات يف مقابالت امل�ست�شريين� ،أعود ب�إح�سا�س جديد فيه الكثري من الإجهاد والر�ضى، والكثري من الهدوء والت�أمل ،درو�س ودرو�س مل �أكن �أتخيل �أن احلياة �سوف تك�شف يل عنها يوم ًا يف كل ق�صة و�رصاع ،ويف كل تغري وحت ٍد يجتاز فيه امل�ست�شريون ،يف ت�أثر و�إح�سا�س باملهارات اجلديدة التي �أر�صدها تنمو يف حجرة امل�شورة ويقودين نحوها امل�ست�شريين تذكرين بقول امل�شوري رولو ماي "�إن ال�شخ�ص الذي يت�أمل العمل الفني يتحول �إىل العمل ذاته� ،إنه يتعني فيه وبهذا يتخل�ص من ذاته ،وهذا يف ر�أيه �رس القوة التطهريية للفن ،امل�شورة لها خا�صية تطهريية ب�شكل �أعلى جتعل امل�شري يتحرر من م�شاكله ،ويف نف�س الوقت ي�شعر بتعب غريب مثلما يتعب الفنان بعد �ساعتني من الر�سم ."16 رولو ماى .فن المشورة73 . 15 16رولو ماى .نفس المرجع السابق73 .
27
ويكمل رولو ماي حول العالقة امل�شورية "يعمل امل�شري �أ�سا�س ًا عرب عملية التقم�ص الوجداين حيث ُي�ؤخذ امل�شري وامل�ست�شري من نف�سيهما �إىل كيان نف�سي م�شرتك وت�صري م�شاعر و�إرادة كل منهما جزء ًا من هذه الكينونة اجلديدة. ومن ثم يلقي امل�ست�شري مب�شاكله على عاتق هذا ال�شخ�ص اجلديد �أو الكيان اجلديد ومن ثم يحمل امل�شري ن�صفها اخلا�ص به". فعملية الدمج التي حتدث بني امل�ست�شري وامل�شري تكون مبثابة الكوبري اخلر�ساين الذي تنتقل عليه الأفكار املُعدلة والبديلة وجتري عليه املهارات املختلفة التي تنتقل من امل�شري �إىل امل�ست�شري ،ومن دون الت�أكد من تكوين هذه العالقة بهذه املتانة لن ن�ستطيع الأخذ بيد امل�ست�شري.
هام جداً
ي�صل الثبات النف�سي للم�شري وو�ضوحه و�شجاعته وقوة �إرادته �إىل امل�ست�شري ومن ثم يعينه هذا يف �رصاعه النف�سي داخل ال�شخ�صية .ف�إذا مل �أكن كم�شري �أمتتع بالثبات االنفعايل والهدوء وال�سكينة و�إذا مل �أكن تعاملت مع �رصاعاتي النف�سية ومعاناتي اخلا�صة لن �أ�ستطيع �أن �أكون العن�رص الفعال يف هذه العالقة. خط�أ م�شوري "يجب �أن نفهم �أن التقم�ص الوجداين ال يعني تعيني جتارب املرء يف امل�ست�شري" وهو ما يحدث عندما يعلق امل�شري قائال: "�أيوه �أنا بر�ضه ح�صل يل كده" – "�أيوه ما �أنا جربت كده "... يف امل�شورة احلقيقية ال وجود لذكريات امل�شري فهذا �إمنا هو تعبري عن التمركز حول الذات ،والتقم�ص الوجداين حتديداً هو عك�س التمركز حول الذات. 28
ففي حجرة امل�شورة ال مكان للم�شري حتت الأ�ضواء ،فهي م�سلطة متام ًا على امل�ست�شري ،فال يكون هناك حوار تباديل يروي فيه كل منا خرباته املماثلة �أو املت�شابهة ،فنحن �شخ�صني خمتلفني يف البناء النف�سي والن�ش�أة وخربات احلياة وتفاعلنا مع اخلربات املختلفة حتى و�إن ت�شابهت ،وبناء عليه حتى لو افرت�ضنا �أن طريقة التعامل مع م�شكلته تت�شابه معي فلي�ست بال�رضورة �أنه �سيفعلها بنف�س الطريقة والأداء وال نفرت�ض �أنه �سي�أخذ الوقت نف�سه يف تعلم املهارات املختلفة فتفرده هو العامل الأ�صيل يف التغري وهو الذي �سيجعله يفعلها بطريقته ،لهذا ال ي�صح �أبداً �أن �أروي للم�ست�شريين ق�ص�ص جناحي يف تخطي ما زالوا يتعرثون هم فيه .ال ت�أتي اخلربات ال�سابقة �إىل عملية امل�شورة هكذا ،فالهدف هو فهم امل�ست�شري وفق ًا لنمطه املتفرد. ف�إذا �شارك امل�شري بخرباته ال�شخ�صية فهو ي�سقط ذاته على املوقف بطريقة قد تكون �شديدة ال�رضر ،نعم �سوف تعني اخلربات امل�شري على فهم امل�ست�شري �إعانة ال حد لها ،ولهذا فهذه اخلربات ال غنى عنها ولكن هذه املعونة �سوف تكون مبثابة �إ�سهام غري مبا�رش.
�سر الت�أثري
نحن ك�أ�شخا�ص نت�أثر مبن نتعامل معهم بال�سلب �أو بالإيجاب ،وميكننا �أن ن�ستفيد من هذه اخلا�صية يف ت�أثر امل�ست�شريين بنا كم�شريين ،مع العلم �أنه ي�ضع العبء الكبري على �أكتافنا حتى نحر�ص �أن نكون قدوة طوال الوقت .والت�أثري هو �إحدى نتائج التقم�ص الوجداين ،البد للم�شري �أن ي�ؤثر يف امل�ست�شري، والت�أثري لي�س مبجرد كلماته ال�سطحية التي يتفوه بها فح�سب بل كما يقول رولوماي" :ما تكونه يتحدث ب�صوت �أعلى مما تقوله" فلغة ج�سدي ونربة 29
�صوتي ونظرات عيناي وطريقة حواري كلها تتحدث ب�صوت �أعلى كثرياً مما ندرك حتى �أننا نده�ش عندما جند امل�ست�شري يت�أثر ويتغري ويتعلم بع�ض ًا من مفرداتنا التي ن�ستخدمها وطريقة نظرة الوجه املهتم واختيار الكلمات املق�صودة بعناية، فامل�شري كاملغناطي�س يجذب النا�س �إليه يف �أ�سلوبه املتميز وتركيزه واالهتمام الذي يقدمه لعمالئه ،فامل�شري تخرج منه طاقة �أكرث مما يتخيل .يت�أثر امل�ست�شري بامل�شري من خالل-: -1ت�أثري الأفكار :ميت�ص النا�س الأفكار ويحولونها �إىل �أفكارهم اخلا�صة، فعندما يجد امل�ست�شري يف �أفكاري كم�شري مت�سع جديد وحرية ملعاناته ال يتورع �أبداً يف اعتناق هذه الأفكار. – 2ت�أثري ال�شخ�صية الوقتي :الإمياءات والنربات واحلاالت النف�سية �أثناء احلوار يف اجلل�سة. – 3ت�أثري ال�شخ�صية العام :وهو ال�شكل الأكرث دوام ًا من �أ�شكال الت�أثري فيه ي�أخذ ال�شخ�ص منط ودور �شخ�ص �آخر مثل الطالب واملدر�س واخلادم واملخدوم ،والت�أثري ال �شعوري عادة ،ال يدرك االثنان عملية الت�أثري.17 امل�شري ميتلك املكانة عرب موقعه و�شخ�صيته ومن ثم ميكنه ممار�سة اجلزء الأكرب من الت�أثري يف عملية امل�شورة لكن لو تعب �أو قلت �شجاعته ل�سبب �أو لآخر قد تنقلب الطاولة عليه ويجد نف�سه يفرت�ض حالة امل�ست�شري ويتيح للآخر الفر�صة لتوجيه املقابلة ويف هذه احلالة ي�شري امل�ست�شري على امل�شري ومن الأف�ضل للم�شري �أن يرتك حماولة امل�شورة حتى تعود �إليه �شجاعته. يت�ضح لنا يف كل ما �سبق �أن العبء الأكرب يقع على كاهل امل�شري يف العملية امل�شورية ،فهو مطالب ب�أن يعي�ش ويكون وي�سلك قبل �أن يتكلم ويعلم ويقود، 17رولو ماي .نفس المرجع السابق 84
30
فالأخالق النبيلة يجب �أن تكون جزءاً من �شخ�صية امل�شري الذاتية و�أدواته اخلا�صة التي ميتلكها .كارل يوجن يقول يف هذا ال�صدد :فيما يخ�ص املعالج كل املبادئ الهادية يف العالج تحُ َ مل الطبيب واجبات �أخالقية هامة ميكننا �أن جنمعها يف قاعدة واحدة هي":كن الرجل الذي به تريد �أن ت�ؤثر يف الآخرين."18 �إدراكي ملن �أكون وقيمي و�أهدايف �سوف تكون هي الأ�سا�سية يف امل�شورة، اهتمامي بنف�سي ون�ضجي وثقافتي وتنمية قدراتي الذهنية والفكرية �سوف ت�سهم يف تغري امل�ست�شري ،نتعلم كيف ن�سرتخي ذهني ًا وروحي ًا ونف�سي ًا "امل�شورة هي َم ْن �أنا" ،نتعلم كيف نرتك �أنف�سنا لكي ندخل يف عامل الآخر دون خوف. نتعلم كيف نعي�ش يف �أمانة و�صدق مع نفو�سنا ،فكل �إجناز �أجنزه يف حياتي كم�شري �سوف �أح�صد ثماره يف حياة امل�ست�شري الذي �س�أ�ساعده ،فال نبخل على نفو�سنا يف التعلم واكت�ساب اخلربات والبحث واللهث وراء كل الو�سائل والكتب والأبحاث التي ت�ؤدي �إىل منونا ون�ضحنا الذي �سنح�صده لي�س يف نفو�سنا فقط بل يف نفو�س كل من �سنقابلهم. قراءة امللحق الثاين لتعلم بع�ض التدريبات العملية التي متكننا ك�أ�شخا�ص ن�سعى للتدريب على امل�شورة من �إتقان بع�ض املهارات التي ت�ساعدنا على الثبات النف�سي والتما�سك والقدرة على �إدارة حياتنا وانفعاالتنا وغريه.
18رولو ماي .نفس المرجع السابق 89
31
التفكري النقدي �إن �إحدى �آفات جمتمعنا ال�رشقي هي امل�سلمات و�أخذ الأمور على علتها، والك�سل يف البحث والرتوي والدرا�سة التحليلية لكل ما يقابل حياتنا ،فنحن مل نرتب على التفكري النقدي للأمور التي تعرت�ض طريقنا بل نقبلها دون فح�ص وت�صبح جزءاً من حياتنا ،وما مل يعمل امل�شري جاهداً يف تبني فكر ناقد لن يتمكن من م�ساعدة الآخرين ،وذلك لأنه �سيكون يف نف�س اخلندق وال�سجن الذي يحب�س فيه امل�ست�شري نف�سه ،فتحرر فكر امل�شري �سوف ي�ساعد امل�ست�شري يف اخلروج من هذا ال�سجن الوهمي الذي ي�صنعه امل�ست�شري حول نف�سه. ف�إن كنا نرغب يف امل�ساعدة علينا �أن نتعلم ونكت�سب مهارة التفكري النقدي، وال نرتك �أي �أمر يعرت�ض حياتنا دون فح�ص ودرا�سة ثم �إعادة اختيار وتبني للأفكار بالأ�سلوب العلمي احلديث. كما ي�ؤكد �إيريك فروم �أنه ال ينبغي �أن يكون املحلل �ساذج ًا� ،أي �أنه يجب �أن يعرف العامل كما هو ويجب �أن يكون نقدي ًا جتاه ما يحدث ،فكيف ميكن �أن يكون املرء نقدي ًا حيال نف�س ال�شخ�ص الآخر ،حيال وعيه� ،إن مل يكن املرء يف الوقت نف�سه نقدي ًا حيال الوعي العام والقوى التي هي حقيقة يف العامل... على املرء �أن يكون نقدي ًا و�أن يرى ما هو وراء املظاهر .و�أعتقد �أن املرء ال ي�ستطيع �أن يفهم �شخ�ص ًا �آخر ما مل يكن املرء نقدي ًا ويفهم القوى التي قولبت هذا ال�شخ�ص ،وجعلت هذا ال�شخ�ص ما هو عليه .والتوقف عند ق�صة الأ�رسة غري ٍ كاف كذلك للفهم الكامل للمري�ض .ولن يدرك كذلك من هو متام ًا �إال �إذا كان مدرك ًا الو�ضع االجتماعي الكلي الذي يعي�ش فيه ...والتفكري النقدي �صعب للغاية لأنه يتنازع مع م�صالح املرء .وال �أحد يدعم ب�صورة 32
خا�صة من �أجل التفكري وممار�سة النقد ،ولي�س لأحد �أي فائدة من ذلك� ،إال �أنه قد يجنيها على املدى الطويل. ما ينبغى على النا�س تعلمه قبل كل �شيء هو ر�ؤية الفارق بني احلقيقي واملظهر اخلارجي ،وفعلي ًا ف�إن هذا الفهم �شديد ال�ضعف اليوم .ف�أكرث النا�س يح�سبون الكلمات واقع ًا.19 قد يت�ساءل البع�ض ملاذا نحتاج �أن ندر�س عن التفكري النقدي و �أن نتعلم هذه املهارة ،بل و�إن نتقنها مل�ساعدة الآخرين ،ي�صف نبيل علي فى كتابه "العقل العربى" املالمح 20واجلوانب ال�سلبية لتفكرينا كعرب فى النقاط التالية. اجلوانب ال�سلبية للتفكري العربى .1فكر احادي الأبعاد يرى الأمور عادة من زاوية واحدة ،وهو ما يتعار�ض مع مفهوم التفكري املتوازى. .2فكر ي�سوده طابع رد الفعل ،وهو ما يتنافى مع التفكري اال�ست�رشايف. فكر قانع ملول يكتفي ب�أول بديل ويزهد يف ا�ستعرا�ض باقي البدائل ،وهو ما يتنافى مع التفكري التباديل. .3فكر مييل �إىل اليقني وين�شد الإجماع والتعامل مع القاطع ،وهو ما يتنافى مع التفكري الإحتمايل. .4فكر وهنت �صالته مع العلوم ال�صورية من منطق وريا�ضات و نظريات الأ�شكال والنظم ،وهو ما يتناق�ض مع التفكري التجريدي. 19إيرك فروم .فن اإلصغاء106 ،105 . 20نبيل على .العقل العربى و مجتمع المعرفة22 ،21 .
33
.5فكر ما �أ�سهل �أن ينزلق فى متاهة التفا�صيل التي تلهبه عن ر�ؤية ال�صورة ال�شاملة ،وهو ما يتنافى مع الفكر املنظومي. .6فكر يعاين الرنج�سية القبلية وهو ما يجعله عاجزاً عن فهم الآخر املختلف ،متمركز حول ذاته ،وقد �ضمرت لديه مهارات ال�سجال واحلوار وهو ما يتنافى مع الفكر التوا�صلي. .7فكر توفيقي ،ينطلق من ذلك املبد�أ القائل ب�أن احلقيقة و�سط بني طرفني وهو ما يتنافى مع الفكر الرتكيبي القائم �أ�سا�س ًا على الدمج بني العنا�رص و تفعيل عالقات اجلدل بينها. لهذا وجب علينا التعامل مع هذه امل�شكالت التى يت�سم بها تفكرينا حتى ما منتلك القدرة على البحث التفكري والتحليل واال�ستنتاج و�إيجاد احللول وطرح البدائل والإحتماالت التى �ست�صادفنا فى العملية امل�شورية. مثال عملي من حوار مع م�ست�شرية: امل�ست�شرية� :أنا ب�ساعد كل �إخواتي املتزوجني كل ما يلج�أوا يل وبديهم �أولوية عن نف�سي يف الوقت واملجهود .م�ش قادرة �أمنع نف�سي عن م�ساعدتهم ،وهما علي م�سئوليات كترية ،فيها �سابويل م�سئولية ماما املُ�سنة .وملا كمان و�ضعوا ّ بلج�أ لهم ي�ساعدوين م�ش بالقيهم. الأ�سئلة التي �أحتاج �أن �أ�س�ألها لنف�سي مل�شري يتمتع بالتفكري النقدي: .1ما هو جوهر وقيمة م�ساعدة الأخ؟ .2ما هو مفهوم املجتمع عن م�ساعدة الأخ؟ .3ما هي حدود امل�ساعدة؟ .4هل الأخ مطالب برد امل�ساعدة يل؟ وماذا لو مل يرد؟ هل �س�أ�ستمر بامل�ساعدة �أم �أتوقف؟ 34
.5ما هي القيمة والعائد النف�سي الذي حت�صل عليه امل�ست�شرية من م�ساعدة الأخوة والأم؟ .6ما هي القيمة املجتمعية التي تق�ضي ب�رضورة رعاية البنت لأمها املُ�سنة دون �إخوتها؟ .7هل م�ساعدة الأخوة �أو الأم ت�أتي قبل م�ساعدة النف�س؟ قد يبدو �أن و�ضع ًا هكذا طبيعي جداً يف جمتمعنا ،عم ًال باملقولة ال�شهرية "البنت �أوىل ب�أمها" .الإخوة والأخوات يعي�شون يف حالة من اال�ستقرار الأ�رسي ويقع االختيار على �إحدى الأخوات لتعول الأم املُ�سنة مبفردها ،وال ت�ستطيع �أن تعرت�ض و�إال �ستكون االبنة اجلاحدة ناكرة اجلميل ،يف حني �أن باقي الإخوة م�شغولون بحياتهم وزوجاتهم و�أزواجهم ،وال يعبئون ف�إن �أمهم تعولها الأخت امل�سكينة مبفردها. التفكري النقدي هو ال�سالح والدفاع الوحيدان اللذان ميلكهما املرء �ضد الأخطار يف احلياة� .إذا مل �أفكر نقدي ًا ف�أنا عر�ضة لكل الت�أثريات ،ولكل املقرتحات ،ولكل الأخطاء ،ولكل الأكاذيب املنت�رشة التي �أتلقنها من اليوم ف�صاعداً .وال ميكن �أن يكون املرء حراً ،وال �أن يكون ذاته وال �أن يكون له مركز يف ذاته ما مل يكن قادراً على التفكري نقدي ًا ...ولي�س التفكري النقدي هواية و�إمنا هو ملكة .ولي�س التفكري النقدي �شيئ ًا ت�ستخدمه بو�صفك فيل�سوف ًا ثم عندما تكون فيل�سوف ًا تفكر نقدي ًا ،ولكنك عندما تكون يف البيت تتخلى عن تفكريك النقدي ،تخلعه� .إن التفكري النقدي خ�صي�صة مقدرة ،مقاربة للعامل ولكل �شيء ،وهو على الإطالق لي�س نقدي ًا مبعنى العدوان وال�سلبية 35
والعدمية بل على العك�س يقف التفكري النقدي يف خدمة احلياة ،يف خدمة �إزالة عقبات احلياة التي ت�شلنا و�إزالتها فردي ًا واجتماعي ًا .ويحتاج التفكري النقدي �إىل ال�شجاعة �إذا كان املرء يعي�ش يف عامل ُي َجر فيه .ولكن على املرء �أال يغايل يف تقدير ال�شجاعة التي يتطلبها التفكري النقدي .21 مثال �آخر: م�ست�شرية تتمتع بالتفكري النقدي وتت�ساءل: ليه الزم �أبقي ب�شكل معني عل�شان �أتقبل من الأوالد ويعجبوا ّبي؟ ارف�ض �أن �أ�ضع امل�ساحيق و�ألب�س مالب�س معينة حتى �ألفت انتباههم ،وال �أحب �أن �أتكلم بطريقة تبدو رقيقة ومبالغة حتى يروين ،و�أت�أمل عندما �أرى ال�شباب ينجذبون �إىل تلك الفتاة التي تتمتع بهذه املوا�صفات. ماذا �س�أفعل كم�شري عندما �أ�سمع هذا النقد؟ .1هل �س�أدعو هذه امل�ست�شرية �إىل االهتمام مبظهرها وم�ساعدتها لتكون جذابة يف �أعني ال�شباب؟ � .2أم �س�أ�ستوعب تفكريها الناقد ملا يدور حولها من مظاهر مزيفة حتى و�إن ظلت دون ارتباط؟ .3هل �أ�ستطيع �أن �أرى الأمرا�ض املجتمعية القائمة على املظاهر واالهتمامات التافهة؟ .4هل �س�أتفق معها و�أرف�ض الزيف و�أدعمها يف موقفها؟ � .5أم �أنني مازلت جزءاً من هذا املجتمع و�أتبنى نف�س مفاهيمه املري�ضة؟ يقدم باولبي �أ�سباب �ضعف املرء يف التفكري النقدي ويقول :من �صفات الطفل املهمل واجلانح� :ضعف و�صعوبة يف االنتباه راجع �إىل عدم الثبات 21إيريك فروم .نفس المرجع السابق162 .
36
االنفعايل لل�شخ�ص� ،إدراك �ضئيل للغاية للحقائق املو�ضوعية ،تخيالت طاغية ونق�ص تام يف القدرة على النقد .عدم القدرة على التجريد الدقيق والتحليل املنطقي ،وت�أخر ملحوظ يف منو اللغة. يكمل باولبى� :إن �شخ�صياتنا كلما منت قل خ�ضوعنا �شيئ ًا ف�شيئ ًا لرحمة الظروف املحيطة بنا مبا�رشة ،والأ�ساليب التي ت�ؤثر بها علينا ،وتزداد قدرتنا على اختيار وخلق ما يحيط بنا ،وعلى ر�سم خطط م�ستقبلة ،لفرتات طويلة من الزمن غالب ًا ،ملا نريده من اال�شياء ،ويعني ذلك �ضمن ما يعنيه �أن علينا �أن نتعلم التفكري ب�شكل جمرد ،وتنمية خيالنا .و�أن ندخل يف ح�سابنا �أ�شياء غري جمرد م�شاعرنا ورغباتنا احلالية ،وعندما ي�صل الفرد �إىل هذه املرحلة فقط يكون قادراً على �أن يتحكم يف رغبته العاجلة من �أجل �إ�شباع حاجته الآجلة الأكرث �أهمية .22 يت�ألف التفكري النقدي من ثالث مراحل: -1الوعي بوجود افرتا�ضات �أ�سا�سية. -2الت�رصيح بهذه االفرتا�ضات و�إخراجها �إىل وا�ضحة النهار. -3ت�سليط �أ�ضواء النقد على هذه االفرتا�ضات :هل هي ذات معنى؟ هل تن�سجم مع الواقع كما نفهمه ونعي�شه؟ متى ت�صح هذه االفرتا�ضات ومتى تبطل؟ يف غياب التفكري النقدي نكون رهائن للم�ؤثرات املحيطة ،فال ي�سعنا �إال �أن نكرر تكراراً �أعمى ،تلك اال�ستجابات التي تعلمناها من قبل ،وال ي�سعنا �إال �أن نقبل ،قبو ًال �أعمى ،كل ما يقال لنا يف �أبواق الدعاية ال�سيا�سية والتجارية، ويف ال�صحافة والكتب وكل ر�أي ي�صدر عن ال�سلطة. 22جون باولبى .رعاية الطفل وتطور الحب57 ،49.
37
�إن التفكري النقدي والعلمي لي�س �شيئ ًا فطري ًا ن�أتيه بالطبيعة ونعرفه بال�سليقة، و�إمنا هو عمل حريف يتطلب حذق ًا ومهارة .لي�س من ال�صحيح �أن لدينا قدرة طبيعية على التفكري الوا�ضح والنقدي بغري تعلم ممار�سته .وال ينبغي �أن نتوقع من غري املُدرب �أن ُيفكر تفكرياً وا�ضح ًا �أكرث مما نتوقع من غري املُدرب �أن يجيد لعب التن�س �أو اجلولف �أو العزف على البيانو. مي�ضي التفكري النقدي �ضد هذه املقاومات ال�رش�سة ،فيحتاج �إىل كفاءة نف�سية كبرية ،غري مق�صورة على الذكاء الذهني املح�ض .يحتاج �إىل �شيء من الذكاء االنفعايل� ،إىل الت�سامح والتعاطف واملواجدة� ،أي القدرة على �أن ي�ضع املرء نف�سه مو�ضع الآخر ،ويرى الأمور من وجهة نظر الآخر ،ويتخذ الإطار املرجعي للآخر ،القدرة على اكت�شاف "ماذا ي�شبه �أن يكون" �أن يعتقد املرء تلك الأفكار التي ي�ضعها مو�ضع الت�سا�ؤل قبل �أن يهم بتقوي�ضها. فكر بنف�سك لنف�سك .ذلك لأن التقدم يف التفكري النقدي ال يتم �إال كرحلة فردية َ وك ْد ٍح �شخ�صي� .صحيح �أن هناك ُ�س ُب ًال كثرية ميكن �أن جتعل من الفل�سفة جهداً م�شرتك ًا ومهمة جماعية� ،ش�أنها يف ذلك �ش�أن العلم� ،إال �أن على كل �شخ�ص يف النهاية �أن يفكر لنف�سه ،و�أال َيكِ ل �إىل غريه �أن يفهم بالنيابة عنه. اكت�سب القدرة على االنف�صال عن ر�أيك و َم ْو َ�ض َعتِه ،وو�ضعه على حمك التحليل والنقد ،مثلما تفعل مع �آراء الغري. ال ت�صدق كل ما ت�سمع ،ون�صف ما ترى وال تبخل بجهد من �أجل اخلروج من مركزية العرق ،من كهف الآراء ال�شائعة يف ُعرف جماعتنا. ني خط�ؤه. كن على ا�ستعداد ،من حيث املبد�أ ،للتخلي عن ر�أيك �إذا ما َت َب َ ا�س�أل �س�ؤاال حقيقي ًا� ،س�ؤال من يبحث عن احلق ال جمرد تربير ملا يعتقده �سلف ًا .23 23عادل مصطفى .المغالطات المنطقية22 ،12 .
38
ملعرفة املزيد عن التفكري النقدي راجع امللحق الثالث اخلا�ص به يف نهاية الكتاب بعنوان "مهارة التفكري الناقد". املحاور الرئي�سية التي بدونها ال ميكن اخلو�ض يف عملية امل�شورة االهتمام بالن�ضج النف�سي للم�شري ،التعليم ،القراءة ،املمار�سة والإ�رشاف والبد �أن يكونا مع ًا بعد �أن �أوجدنا االت�صال و�أ�س�سنا العالقة مع امل�ست�شري جند �أنف�سنا الآن يف املرحلة املركزية يف املقابلة امل�شورية وت�سمى مرحلة التفريغ �أو التنفي�س �أو الف�ضف�ضة. كل هذه املحاور مع ًا �سوف تنمي اجلانب النقدي والت�أثري يف الآخر وال�سعة النف�سية والفكرية التي �أحتاج �أن �أحتلى بهما لكي ما �أ�صبح م�شرياً متميزاً.
39
ت�أ�سي�س العالقة العالجية كارل روجرز" :قد وجدت �أنه كلما كان هناك �شخ�ص �آخر على ا�ستعداد �أن يخربين �شيئ ًا عن اجتاهاته الداخلية ف�إن هذا ي�ؤثر يف ب�شدة وله قيمة كبرية عندي". من خالل عالقاتي مع النا�س وجدت �أنه ال فائدة البته وعلى املدى الطويل �أن �أدعي �أنني ل�ست ما هو �أنا .ال يفيدين �أن �أدعي �أنني هادئ ولطيف و�أنا غا�ضب ناقم ،ال يفيد �أن �أدعي �أين حمب ولطيف بينما �أنا كاره وعدواين ،ال يفيد �أن �أدعي �أنني �أعرف الإجابات عندما �أجهلها ،ال يفيد �أن �أت�رصف كما لو كنت واثق ًا متام ًا و�أنا مرتعب وخائف ،ال يفيد �أن ؟؟؟كما لو كنت �سليم ًا بينما �أنا مري�ض .لن �أقدر �أن �أحافظ على عالقاتي ب�أ�شخا�ص ما و�أنا �أحاول �أن �أحافظ على �صورة �سطحية عني و�أ�شعر ب�شىء خمتلف بداخلي ،يف الواقع يبدو يل �أن معظم الأخطاء التي ارتكبتها يف حياتي املهنية وعالقاتي ميكن تف�سريها يف �ضوء واقعة �إنني ت�رصفت ل�سبب دفاعي �أو لآخر بطريقة ما على ال�سطح". تعلمت �أن قبول �شخ�ص �آخر هو �أمر جد مجُ زٍ� ،أن قبول �شخ�ص �آخر حق و�صدق وقبول �إح�سا�سه هو �أمر لي�س بهني .بع�ض الأ�سئلة املهمة: هل �أقبل كون ال�شخ�ص ي�شعر بالعداوة جتاهي؟ هل ميكن �أن �أقبل غ�ضبه ك�شيء طبيعي من حقه؟ هل �أقبله عندما يرى احلياة والعامل بطريقة خمتلفة عني؟ هل ميكنني قبوله عندما يح�س ب�أحا�سي�س �إيجابية قوية نحوي ويعجب بي؟ ويحاول �أن يقولب نف�سه على مثايل؟ غالب ًا ما نرف�ض �أن ي�شعر ويفكر من حولنا بطريقة خمتلفة عنا ونقبل تفردهم� .إن حق كل فرد ال�ستغالل خربته بطريقته واكت�شاف معناه اخلا�ص فيها هو �أحد �أهم الإمكانيات الكربى املوجودة يف احلياة. 40
�أو ًال :مهارات اال�ستماع �إن املكتبات مليئة بالكتب عن تعليم مهارات الإ�صغاء للآخرين ،وهي تقدم الكثري من التفا�صيل حتى عن املعاين الرمزية للغة اجل�سد .كل هذا جيد و�رضوري للتطور املهني للم�شري ،ولكننا نريد هنا �أن نتعلم كيف ن�صغي بطريقة جديدة وغري مبا�رشة لل�شخ�ص الذي نقدم له امل�شورة. روجرز� :أجد �أنني �أكرث فاعلية عندما جتدين م�صغي ًا يف قبول لذاتي وعلى ا�ستعداد �أن �أكون ذاتي ،تعلمت �أن �أُ�صغي �إىل ذاتي و�إىل ما يدور بداخلي من �أحا�سي�س غ�ضب ورف�ض وملل و�إنح�صار يف الذات كل هذه الأحا�سي�س بو�سعي الإ�صغاء لها يف ذاتي ونتيجة هذا الإ�صغاء �إنني �رصت �أكرث تالم�س ًا مع نف�سي و�أدع نف�سي كي �أكون ما �أنا عليه و�أن �أقبل نف�سي ك�شخ�ص ناق�ص ال ميكنه �أن يعمل كل الأوقات بنف�س الكيفية ،وهذا له فائدة كربى فنحن لن نتغري للأف�ضل �إال لو �أدركنا حقيقة ما نحن عليه وعندئذ يحدث التغري كما لو بدون �سبب ،عندما �أكون ذاتي ف�إن عالقاتي ت�صري حقيقية وحيوية وذات معنى و�أقبل م�شاعر الآخر التي تتغري جتاهي. جريارد �إيجان -يوجد نوعان من اال�ستماع: اال�ستماع ال�سلبي :وهو اال�ستماع للم�ست�شري بانتباه ولكن بدون تعليق مع التقاء العينني وحماولة اال�ستماع بالقلب لي�شعر الآخر ب�أنك ت�شعر به. اال�ستماع الإيجابي :وهو �أنك تعيد ما قاله الآخر عليه ب�صورة �أخرى لتعطيه انطباعا �أنك تفهمه ولي�س فقط ت�شعر به .وما نرد به على امل�ست�شري ي�سمى ا�ستجابات تعاطفية.24 24جيرارد ايجان .مهارات المشورة .ترجمة اوسم وصفي 8
41
متى ن�ستخدم اال�ستماع ال�سلبي ومتى ن�ستخدم اال�ستماع الإيجابي؟ هذا يعتمد على نوعية امل�ست�شري وعلى املرحلة التي ن�ستمع فيها. ي�صف �إيجان اال�ستماع الن�شط :25ب�أن احل�ضور اجليد يمُ َكن امل�شري من �أن ين�صت باهتمام ملا يقوله امل�ست�شري ب�شكل �شفهي (منطوق) verbal behavior وغري �شفوي (غري منطوق) Nonverbalو�أن اال�ستماع الكامل يت�ضمن ثالثة �أ�شياء: -1مالحظة وقراءة ال�سلوكيات غري املنطوقة ،تعبريات الوجه ،احلركات، نربة ال�صوت. ف�إن الوجه واجل�سم �أعلى و�سائل ات�صال بني الأفراد ،حتى �أنه يف ال�صمت نخترب �أن اجلو مملوء بالر�سائل ،ففي بع�ض الأحيان عالمات الوجه وحركات اجل�سم ونربة ال�صوت تنقل التوا�صل �أكرث من الكلمات. الت�أكيد والإعادة للر�سالة :عندما تو�صل تفهمك للم�ست�شري ور�أيت عيناه�أ�ضاءت (تعبريات الوجه) ومال بج�سمه للأمام (حركات اجل�سم) وال�صوت كان مليئ ًا باحلركة (نربة ال�صوت) وقال� :أنت �أ�صبت الهدف� ،إذن ي�ؤكد �سلوك امل�ست�شري للر�سائل غري املنطوقة التي يريد �أن ير�سلها لك. الإنكار والت�شوي�ش للر�سالة :ال�سلوك غري املنطوق ميكن �أن يلغي ما يقولهامل�ست�شري ب�شكل منطوق .فلو امل�ست�شري قال �إنه غري مت�ضايق من الطريقة التي حتديته بها ولكن وجهه �أحمر� ،إذن ال�سلوك غري املنطوق يبدو و�أنه يلغي ما يقوله ب�شكل منطوق. Gerard Egan. The Skilled Helper. 79,80 25
42
يقوي وي�ؤكد الر�سالة :لو امل�شري يقرتح على امل�ست�شري �أمراً ما بخ�صو�صزوجته (غري املوجودة) ويكون ردة فعله �أنني ال �أ�ستطيع �أن �أفعل ذلك وو�ضع ر�أ�سه بني يديه ،هذا �سلوك ي�ؤكد الر�سالة املنطوقة ويقويها. ي�سيطر وينظم على الر�سالة :لو كنت مث ًال يف جمموعة عالجية ،و�أحداحلا�رضين نظر و�أعطى �إمياءة �أنه �سيقوم بالتحدث ل�شخ�ص �آخر ممكن �أن يرتدد ويغري ر�أيه �إذا هذا ال�شخ�ص �أ�شاح بوجهه �أو ك�رش. -2اال�ستماع والتفهم للر�سائل غري املنطوقة. -3اال�ستماع ب�شكل متكامل (�أي ما يقوله امل�ست�شري يدخل يف �إطار ق�صته كلها �أي ال يكون مبعزل عن م�شكلة امل�ست�شري) . �إن هدف اال�ستماع هو الفهم ،وم�شاركة ما فهمته كم�شري للم�ست�شري ي�ساعده يف فهم نف�سه .فاال�ستماع ي�ساعد امل�ست�شري يف فهم نف�سه ب�شكل �أف�ضل وي�ضعه يف مكانه ب�شكل �أف�ضل لي�سلك ب�شكل بناء. ثاني ًا :معوقات اال�ستماع – "املوانع الداخلية لال�ستماع" -1التفكري املبكر يف احللول ،التفهم �أهم من الت�رسع ب�إيجاد احللول، فامل�شكلة وال�رصاع الذي يعاين منه امل�ست�شري �إمنا ي�ساعداه على النمو والن�ضج، وعلى البحث عن اكت�ساب مهارات متكنه من التكيف مع احلياة ب�صورة �أف�ضل، فال نتعجل بالبحث عن حلول مبكراً. -2الهموم اخلا�صة بامل�شري� ،إذا كانت همومي وم�شاكلي حتتل نف�سي ف�سوف �أكون مركزي الذات� ،سوف �أجد �صعوبة يف التعاطف مع الآخرين .وعليه 43
احتاج كم�شري �أن �أتعلم �أن �أغلق على همومي ال�شخ�صية وقت مقابلة امل�ست�شري، و�أتدرب �أن �أكون بكامل تركيزي وطاقتي معه. -3الف�شل يف �أن �أكون متالم�سا مع نف�سي ،لو �أن معرفتي بنف�سي حمدودة و�أحيان ًا غري �صحيحة ،فلن ميكنني تفهم �رصاعات امل�ست�شري ،بل ورمبا يختلط علي الأمر وال �أ�ستطيع �أن �أميز حدودي النف�سية من حدوده. ّ
-4عدم اختبار هذا النوع من العالقات يف املا�ضي مع �شخ�ص �آخر .رمبا ميكنني كم�شري �أن �أقود عملية م�شورية ناجحة بدون �أن �أخو�ض يف عالقة م�شورة كم�ست�شري ،ولكنني لن �أكون بامل�شري الناجح املرهف احل�س و�أنا مل �أتزوق طعم هذه العالقة. � -5أن �أكون �ضعيف اال�ستماع ،عندي رغبة يف التكلم على �أن �أ�ستمع. ف�إن كنت من ه�ؤالء النا�س فامل�شورة لي�ست مكانك ،فمن �أهم �صفات امل�شري هي الإ�صغاء التام وقلة الرغبة يف التكلم �أثناء اجلل�سات وخ�صو�ص ًا يف املرحلة الأوىل من تكوين العالقة امل�شورية. -6االن�شغال الزائد بالتكنيك .ال تبحث عن تكنيك وال تفكر به �أثناء جل�سة امل�شورة ،بل اترك نف�سك تغو�ص يف �أعماق امل�ست�شري ويف خربته، و�سوف ي�أتي وقت التكنيك �أكرث �إبداع ًا بعد حدوث الفهم ،فهم امل�ست�شري لنف�سه ،وفهمك للم�ست�شري. تابع خواطر امل�ست�شرية ر.ر: "...علمتني من جل�ساتي معها ،ودون �أن تقول� ،أن �أكون م�ستمعة بل من�صتة ممتازة ،و�أن �أكون متحدثة قلي ًال ،ولكن بلباقة (يعني الكالم يف اجلون يف ال�صميم) ."... 44
املالحظة: ال�سلوكيات غري املنطوقة (غري اللفظية) تلعب دوراً كبرياً بالن�سبة للم�شري وامل�ست�شري على حد ال�سواء .فكل منهما يالحظ الآخر بعينيه يف الوقت و�صله ال�سمع. الذي ي�صغي فيه ب�أذنيه وقد تو�صل املالحظة �سلوك ًا غري الذي َّ واملالحظة �ش�أنها �ش�أن املقابلة تعترب و�سيلة �شائعة يف احل�صول على املعلومات يف عملية الإر�شاد مبراحلها املختلفة.26 واجب عملي للأ�سبوع: اخترب نف�سك يف املالحظة كم من الوقت ت�ستمع وكم من الوقت تتكلم وحاول تنمية هذه املهارة – قراءة كتيب العالقة ال�سليمة مع الذات .م�شري �سمري
26محروس الشناوي .العملية االرشادية267 .
45
التعاطف �أو التقم�ص الوجداين �أو املواجدة التعاطف �أو التقم�ص الوجداين Empathy
رولو ماي :التقم�ص الوجداين يعني حالة �أعمق من حاالت التعيني والتوحد Identificationبني ال�شخ�صيات حيث يح�س امل�شري بذوات الآخرين يف ذاته بقوة وك�أنه يفقد هويته وقتي ًا ويف هذه العملية العميقة والغام�ضة بع�ض ال�شيء املدعوة بالتقم�ص الوجداين يحدث الفهم والت�أثري وغريها من العالقات املهمة بني النا�س. خربة للم�شوري رولو ماي ت�صف التعاطف �أجل�س م�سرتيح ًا وتركت العنان لعيني كي ت�ستقر على وجهه وا�ستدمج يف حكايته حتى �رصت ال �أ�شعر باجلو املادي املحيط بنا يف احلجرة و�رصت فقط �أب�رص عيني ذلك الطفل املرتعبتني و�صوته املرتع�ش والدراما الإن�سانية املذهلة التي كان يق�صها على. حكى يل كيف �أن �أباه اعتاد �أن ي�رضبه �أثناء طفولته وكيف منا دون حب �أو تفهم �أبوي� ،أح�س�ست يف هذه اللحظة ب�أمل ال�رضبات التي يحكي عنها و�رصت كما لو كنت �أتلقى ال�رضبات التي يحكي يل عنها.27 ي�صف �أدلر التعاطف �أو امل�شاركة للآخرين وجداني ًا� :إن التعاطف يحدث عندما يتبادل اثنان احلديث ،وفن الدراما قائم على تعاطف اجلمهور مع �شخ�صية ما تتكلم عن نف�سها ،وقد �صورها لنا الكاتب ب�شكل معرب مقنع ،ونحن نرى التعاطف اللإرادي عندما ي�سقط كوب� ،أو عندما نحرك �أطرافنا ونحن ن�شاهد 27رولو ماي .فن المشورة70 .
46
مباراة كرة قدم� ،أو نكون مع �سائق يف �سيارة ون�ضغط على فرامل خيالية ب�أرجلنا ،وهو �شعور قيا�سي وجده الكون الذي نعي�ش فيه ،ويعطيني القدرة على �إح�سا�س بخربات الغري ،و�أن منو الفرد يتعر�ض للتوقف �إذا حاول ا�ستبدال العالقة مع الب�رش بالعالقة مع اجلماد �أو احليوان.28 يجب علينا �أن نفهم معنى التواجد يف عالقة مع �شخ�ص �آخر .هذا ال يعني �أن ننتظر حتى يكف ال�شخ�ص الآخر عن الكالم لكي نتكلم نحن ،كما �أنه ال يعني �أن نطلق العنان لأحالم اليقظة اخلا�صة بنا بينما يحكي لنا ال�شخ�ص الآخر ما نظن �أنه ق�صة م�ألوفة� .إن التواجد يف عالقة يتطلب على العالقة �أن نتخلى م�ؤقت ًا عن �أفكارنا واهتماماتنا حتى نتمكن من االلتفات متام ًا �إىل ال�شخ�ص الآخر. �أمثلة لال�ستجابات التعاطفية ياه ده �شعور م�ؤمل جداً. ده �صعب قوي. بيتهي�أيل �إنك عايز تقول �إنك ح�سا�س بالوحدة – بالقلق – باخلوف. ك�أنك عايز تقول �إنك م�ش القي حد يفهمك. �أنا مت�أملة للي ب�سمعه منك. �أحتاج كم�شري �أن ال �أكون متكرراً يف ا�ستجاباتي التعاطفية ،وال �أرددها يف �أكل�شيهات حمفوظة جوفاء �سوف ي�صل للم�ست�شري �إن كنت حق ًا �أ�شعر و�أتعاطف مع ما يقوله ب�صدق �أم �أنني غري �صادق و�أمثل م�شاعر االهتمام. فامل�ست�شري يقوم ب�شكل غري واعي لعمل الكثري من االختبارات للم�شري حتى يت�أكد من �صدق هذه العالقة الفريدة. 28ألفريد أدلر .الطبيعة البشرية 71
47
�أمثلة للتجاوب اخلاطئ -جريارد �إيجان مثال: امل�ست�شرية� :أنا م�ش قادرة �أ�ستحمل احلياة يف البيت ده. �أمثلة للتجاوب اخلاطئ: الإجابة عن امل�شاعر ب�س�ؤال :يعني ايه م�ش قادرة ت�ستحملي؟ �إعطاء ن�صيحة :الزم حتاويل ت�ستحملي النا�س �أكرت من كده. االختالف :ده بدل ما ت�شكر ربنا ،فيه غريك ما عندو�ش �أ�رسة خال�ص. ال�رشح� :أ�صل والدتك بتمر بفرتة �صعبة من حياتها ومن الطبيعي �إنها تكون كده. التقليل من حجم امل�س�ألة :يعني م�ش قوي كده �أنت مبالغة �شوية. تغري املو�ضوع :طب �إيه �أخبارك يف ال�شغل؟ الغ�ضب :م�ش معقول دامي ًا ت�شتكي كده؟ التعبري عن م�شاعري� :أنا عارفة �إنك تعبانة و�أنا كمان تعبانة حمد�ش مرتاح. حماولة حل امل�شكلة :ما حتاولوا تقعدوا وحتلوا امل�شكلة. �إعطاء حما�رضة :العالقات الزم يكون فيها احتمال وت�ضحية. وعظ :ربنا بيعلمنا نتحمل بع�ض ونغفر ع�شان يغفر لنا. ا�ستجابة تعاطفية: امل�شرية :يبدو �أن العالقات بينك وبني �أفراد �أ�رستك بقت متعبة. 48
مترين عملي :1 كان �أمبارح فرح واحدة �صحبتي ومقدرت�ش �أح�رض وكنت عايزة�أخدها من اجلواز ومن اجلرمية اللي هرتتكبها يف حق نف�سها ،دي برتمي نف�سها يف التهلكة. �س /تق�صدي ايه بو�صفك للجواز على �أنه جرمية وتهلكة؟ مترين عملي :2 بنت � 25سنة �شكوتها املبدئية� ،أنا كل ما يتقدم يل حد ع�شان يخطبني بيح�صلي هلع وبنهار وم�ش بقدر �أوقف نف�سي عن البكاء واملوقف ده ح�صل 3 مرات لغاية دلوقتي ،وملا غ�صبت على نف�سي واتخطبت يف مرة منهم طلعت عيلة وف�شلت وانهرت ففكيت اخلطوبة. ا�ستجابة تعاطفية :انهرت وفكيت اخلطوبة! �س /او�صفيلى بتح�سي ب�إيه بال�ضبط وبتنهاري �إزاي؟
�أنواع ا�ستجابات الإ�صغاء -1اال�ستي�ضاح :clarificationويق�صد به �أن يطلب املر�شد من امل�سرت�شد �أن يو�ضح ب�شكل �أكرب عبارة غام�ضة �أو حمرية .وعادة ف�إن طلب التو�ضيح يكون يف �شكل �س�ؤال يبد�أ عادة بعبارات مثل: هل تقول �إن ،...هل حتاول �أن ت�صف يل ذلك ،...هل ميكن�أن تو�ضح ذلك ...وال تعتقد �إنك فهمت ما يقوله امل�ست�شري من الوهلة الأوىل ،فاختالف املفاهيم والدالالت �سوف يجعلك ت�س�أل �أكرث لتت�أكد من �أنك فهمت ما يق�صده هو ،ولي�س ما فهمته �أنت. 49
� -2إعادة ال�صياغة ( :paraphraseال�صيغة البديلة) ويق�صد بها �إعادة �صياغة الكلمات والأفكار الأ�سا�سية للم�سرت�شد �أي ترجمة الأفكار الأ�سا�سية فيها يف كلمة من عندك ،وال يعني ترديد ال�صياغة ملا ذكره امل�سرت�شد ،و�إمنا ينبغي �إعداد ال�صياغة اجلديدة يف كلمات تقود ملزيد من املناق�شة �أو مزيد من الفهم من جانب امل�سرت�شد .و�أ�س�أل امل�ست�شري ،هل هذا ما تعنيه؟ هل �أنا فهمت ما تق�صد �أن ت�رشحه ّ يل ،و�إن كانت االجابة بالنفي اعطه الفر�صة حتى يو�ضح ما كان يرغب يف �رشحه مرة �أخرى. -3انعكا�س امل�شاعر � :Reflection feelingإن كانت �إعادة ال�صياغة تهتم باجلانب املعريف من ر�سالة امل�سرت�شد (�أي حمتوى الأفكار واملعتقدات للم�ست�شري)� ،أما عك�س امل�شاعر ف�إنها تركز على املحتوى الوجداين .وي�شبه عك�س امل�شاعر عملية �إعادة ال�صياغة ،ولكنها ت�ضيف �إليها نربة ال�صوت �أو حمتوى عاطفي ًا. -4التلخي�ص :summarizationوهو الربط بني جمموعة من العنا�رص يف ر�سائل امل�سرت�شد ،ويعترب و�سيلة ت�ساعد املر�شد على �إيقاف ا�سرت�سال امل�سرت�شد فيما ي�شبه احلكايات ،وي�ساعد على تهدئة اجلل�سة و�إعطاء فر�صة اللتقاط الأنفا�س .وللتلخي�ص دوران� :أولهما يكون بعد كل ق�صة �أو موقف ليتم الت�أكيد على الفهم .والدور الثاين يف نهاية اجلل�سة وذلك لنقوم بتلخي�ص ما قد مت مناق�شته خالل اجلل�سة كلها وا�ستخراج الواجب من احلوار ولالتفاق على �أجندة املرة التالية. مثال عملي: من �ساعة ما مات �أبويا و�أنا حا�س�س بربكة �شديدة يف كل حياتي،لأنه كان كل حاجة يف حياتنا ،يتحمل امل�سئوليات وبياخد القرارات ،ومن �ساعتها 50
تغريت كل حياتنا وبقيت مهموم ،ونومي قل ،وج�سمي �ضعف ،وخايف �إن حالتي تتدهور ،وخايف �إن درا�ستي تتدهور. اال�ستي�ضاح :هل تق�صد تقول �إن �أكرب ال�صعوبات اللي بتواجهها دلوقتي هو خوفك من حتمل امل�سئولية بعد وفاة والدك؟ �إعادة ال�صياغة :فهمت من كالمك �أنه من وفاة والدك بقيت انت اللي بتتحمل م�سئولية �أ�رستك وعليك �إنك تاخد القرارات املهمة. االنعكا�س :انت حا�س�س �إنك م�شغول مبدى قدرتك على حتمل م�سئولية الأ�رسة. التلخي�ص :دلوقتي بعد ما تويف والدك انت بتواجه �صعوبات وان�شغال حول ما ينتظرك من حتمل م�سئولية الأ�رسة .29
29محمد محروس الشناوى .العملية اإلرشادية91 .
51
التفريغ �أو التنفي�س فيها يف�ضف�ض امل�ست�شري مب�شكلته بالتف�صيل وي�صف موقفه وي�ضع كل �أوراقه على الطاولة بعدها تبد�أ عملية التف�سري .ميكنني كم�شري بعد فرتة من الزمن فهم امل�شكلة التي يتحدث عنها امل�ست�شري رمبا بعد اجلل�سة الأوىل ،ولكن الق�ضية هي �أن امل�ست�شري لن يفهم نف�سه �إال �إذا ا�ستعاد كل ما�ضيه و�أمله وكل املواقف واملالب�سات و�أ�سرتجع امل�شاعر املكبوتة يف كل ذلك. هنا يبد�أ امل�ست�شري يف فهم نف�سه وهذا من �أهم �أركان امل�شورة ،لي�س من املهم �أن يفهم امل�شري امل�ست�شري بل الأهم �أن يفهم امل�ست�شري نف�سه ،ال يجب على امل�شري �أن ي�شعر بالتهديد بعد �أن يروي امل�ست�شري ق�صته يف عجالة وي�س�أل "ايه ر�أيك �أعمل ايه؟". �أحتاج �أفهم امل�ست�شري �إننا �سوف نحتاج �إىل مقابالت عديدة �أرغب يف اال�ستماع �إليك يف كل تفا�صيل هذه امل�شكلة وما�ضيها وكيف بد�أت و�أين و... عند دخول امل�ست�شري �إىل هذه املرحلة يبد�أ يف الإدراك �شيئ ًا ف�شيئ ًا وك�أنه يجمع قطع ًا من الباذل عن نف�سه وفهمه لذاته دون تدخل مني �سوى الأ�سئلة املفتاحية التي ت�ساعده على الو�صف الدقيق واال�سرت�سال يف احلديث ،يف التفريغ يتم ربط الإحداث بامل�شاعر والأفكار و�صورة امل�ست�شري عن نف�سه و�سلوكه احلايل. �إيرك فروم :اال�سرت�سال العاطفي �أحد ال�رشوط الأ�سا�سية للتحليل� ،أن يعي�ش املرء يف ذاته ما يتحدث املري�ض عنه .و�إذا مل �أعان يف ذاتي ماذا يعني �أن يكون املرء ف�صامي ًا �أو مكتئب ًا �أو �سادي ًا �أو نرج�سي ًا ،وهو �أنني �أ�ستطيع �أن �أعاين ذلك يف جرعات �أ�صغر من جرعات املر�ضى ،ف�إنني ال �أعرف ما يتحدث 52
املري�ض عنه �أبداً� .إنه ملتطلب �أ�سا�سي �أن ي�شعر املحلل مبا ي�شعر به املري�ض. وذلك هو ال�سبب الذي يف�رس ملاذا ال يوجد حتليل للمحللني �أف�ضل من حتليلهم النا�س الآخرين ،لأنه يف عملية حتليل الآخرين يكاد ال يوجد �شيء يف املحلل ال يربز وال ُيلم�س �رشيطة �أن يكابد املحلل ما يكابده املري�ض.30 يف التفريغ نخرج ما بداخل الالواعي �إىل الواعي عندما مير الطفل بتجارب م�ؤملة �أكرب من ا�ستيعابه يقوم الطفل ب�آلية كبت هذه اخلربة يف الالواعي وين�ساها متاما لأنها تفوق قدرته على حتملها ،ن�سيان اخلربة ال يعني عدم وجودها ،فهي موجودة يف الالواعي تفرز ال�سموم ال�سلبية يف اجلزء الواعي والذي يقر�أه ب�أنه مرفو�ض ،غبي ،عدمي القيمة ،فا�شل ...وهكذا، ويظل الإن�سان يعي�ش بهذه ال�سموم تقو�ض حياته وت�ستنزف من طاقته. من �أهم فوائد التفريغ خروج ما يف الالواعي هذا حليز الواعي في�ستطيع �أن يتخل�ص من هذه ال�سموم . ولهذه الأ�سباب ال نقوم ب�إعطاء الن�صيحة يف امل�شورة: -1لأن مرحلة التفريغ �سوف تتعطل �إذا �أخذ ن�صيحة .و�سوف يفقد الدافع لال�ستمرار يف التعرف على نف�سه من خالل �إخراج ما يف الالواعي �إىل حيز الواعي. -2لأن مهمة املعالج الأوىل هي �أن ي�ساعد امل�ست�شري على الو�صول �إىل قرار بنف�سه وذلك ب�أن ي�سهل له اكت�شاف �أفكاره وم�شاعره .و�سوف يت�ضح الأمر للم�ست�شري كلما �أقدم على التفريغ واال�سرت�سال ملواقفه امل�ؤملة. 30ايرك فروم .فن األصغاء50 .
53
� -3إننا ن�ساعد منوهم يف طريق االعتماد على النف�س ،مبجرد فهم امل�ست�شري مل�شاكله بو�ضوح �سيجعله قادر ًا على اتخاذ قراراته بنف�سه �ش�أنه �ش�أن �أي �شخ�ص .فامل�شكلة يف القدرة والإمكانية ولي�ست املعرفة .
التنقيب وهو البحث عن املعلومات و�إعطاء امل�ست�شري الفر�صة للتعبري عن م�شاعره، نبحث مع ًا عن �شيء من خالل الأ�سئلة ،مع جتنب الأ�سئلة الكثرية بقدر الإمكان ،وتبد�أ الأ�سئلة تقل يف اجلل�سات التالية وذلك لأنها تخرج امل�ست�شري من اجلو ال�شعوري الذي يعي�ش فيه. مهم جد ًا: يقول جيم�س �آالن" :ال نح�صل على الذهب والأملا�س �إال بالكثري من البحث والتنقيب ،وميكن للإن�سان �أن يجد كل حقيقة متعلقة بكيانه� ،إن قام بالتنقيب بعمق يف منجم نف�سه ،وميكنه �أن يثبت بدون خط�أ حقيقة كونه �صانع �شخ�صيته، و�صائغ حياته ،وباين م�صريه� ،إن راقب �أفكاره وحتكم بها وغريها ،متابع ًا �آثارها عليه ،وعلى الآخرين ،وعلى حياته وظروفه ،رابط ًا بني ال�سبب والنتيجة عن طريق املمار�سة واال�ستق�صاء ب�صرب ،وينتفع من كل خربة ،حتى �أكرثها �صغراً، والأحداث اليومية كو�سيلة للح�صول على هذه املعرفة عن نف�سه ،وهي الفهم، احلكمة ،القوة يف هذا االجتاه� ،أكرث من �أي �إجتاه �آخر."31 مالحظة امل�شاعر الرئي�سية ثم �أركز عليها .ملا ح�صل ال�شيء الفالين كنت حا�س�س ب�إيه؟ 31جيمس آالن .كما فكر االنسان هكذا يكون .ترجمة إيهاب فاروق 17
54
الأولوية يف ال�س�ؤال عن امل�شاعر ولي�ست عن املعلومات م�ش مهم �أعرف كل التاريخ يف جل�سة واحدة �أو اتنني .مراقبة حدة ال�شعور لأن كل �شعور لي�س كالآخر، فاملوقف الأقل �شحن ًا بامل�شاعر قد يكون �أقل قيمة يف املناق�شة من موقف �أكرث �إزعاج ًا للم�ست�شري. �أراقب كيف يعرب امل�ست�شري عن ال�شعور ده؟ حركات ج�سمه ووجهه وانفعاالته ...بكا�ؤه غري حزنه غري عالمات التوتر التي يظهرها ...وهكذا. ال يهمني احلدث يف حد ذاته بل يهمني ال�شعور امل�صاحب للحدث والذي كبته امل�ست�شري وقت احلدث .
التعرف على امل�شاعر: للم�شاعر �أهمية �أ�سا�سية للمعالج املعريف ،وبعد كل �شيء يكون الهدف الأ�سا�سي للعالج هو حت�سن امل�شاعر والتخفيف من م�ستوى التوتر لدى املري�ضة. ولي�س للمعالج �أن يحلل كل املواقف التي ت�شعر بها املري�ضة باحلزن و�إمنا يهدف �إىل التخفيف من �ضغط امل�شاعر الناجم عن الت�أويل اخلاطئ ملوقف ما. مترين عملي: لو امل�ست�شرية قالت :م�ش بقدر �أم�شي يف ال�شارع لوحدي �أبداً. امل�ست�شرية قالت ليه كده؟ �أحتاج �أعرف �إح�سا�سها ايه م�ش بتح�س بكده ليه. ال�س�ؤال هيكون :او�صفيلي �إح�سا�سك و�أنت ما�شية يف ال�شارع؟ امل�شري :بتح�سي ب�أيه ملا بتم�شي يف ال�شارع؟ 55
امل�ست�شرية :عندي �إح�سا�س باخلوف والتوتر .مافي�ش حد بيحبني �أو يحميني � ...أنا لوحدي. املهم يف التنقيب هو اال�ستجابة للم�شاعر الرئي�سية �أكرث من اال�ستجابة للمحتوى نف�سه. يوجد عالقة وثيقة بني امل�شاعر ال�سلبية وامل�شاعر املكبوتة – هو ايه الفرق بينها؟ امل�شاعر ال�سلبية تقودين للم�شاعر املكبوتة من �سنني وامل�سئولة عن �إفراز ال�سموم التي ي�شعر بها امل�ست�شري. بت�أكد �أين فهمت م�شاعرها كوي�س وبرجع �أكرر ال�شعور بتاعها قدامها تاين ع�شان �أت�أكد من �إين فاهمة �صح .ال تعترب ما ت�سمعه من امل�ست�شرية هو ما تق�صده بال�ضبط لأن كل �شخ�ص ليه طريقة معينة يف التعبري وا�ستخدام املفردات ،وال �أفرت�ض ردود �أفعال امل�ست�شري للمواقف املختلفة �ستكون م�شابهة لردود �أفعايل ال�شخ�صية يف مثل هذا املوقف. علي امل�شري �أن ي�س�أل نف�سه هل االنفعاالت التي يبديها امل�ست�شري منا�سبة للأحداث التي ي�رشحها �أم ال؟ ف�إن وجود فجوة هنا يجب �أن يدفع امل�شري �إىل اال�صغاء بدقة �إىل ما يحاول امل�ست�شري �أن ي�رشحه .ال ينبغي للم�شري �أن ي�ستنتج �أ�شياء غري موجودة حقيقة يف �أقوال �أو �سلوكيات امل�ست�شري ،ومع ذلك فال ميكن للم�شري �أن يتجاهل الإ�شارات التي تدل على اال�ضطرابات اجلوهرية. امل�شري :بتح�سي بخوف وتوتر؟ ال تعترب ما ت�سمعه من امل�ست�شرية هو ما تق�صده بال�ضبط لأن كل �شخ�ص ليه طريقة معينة يف التعبري وا�ستخدام املفردات (املر�شح النف�سي). امل�شري :او�صفي يل خوفك وتوترك؟ وال �أفرت�ض ردود �أفعال امل�ست�شري للمواقف املختلفة �ستكون م�شابهة لردود �أفعايل ال�شخ�صية يف مثل هذا املوقف. 56
وذلك لأن الكلمات مرنة على نحو مربك ،فلغتنا غاية يف الرتكيب .ولو كان لكل لفظ معنى واحد جممع عليه ،لكان االت�صال الفعال جد حمتمل. غري �أن معظم الألفاظ حتوز �أكرث من معنى .يقول نيل براون و�ستيوارت م. كيلي يف كتابهما طرح اال�سئلة املنا�سبة�" :أعترب املعاين املتعددة التي حتمل كلمات من قبيل احلرية ،الفح�ش ،ال�سعادة" .قد تن�ش�أ عن تعددية املعاين م�شاكل خطرية فيما يتعلق بتحديد قيمة احلجة .مثال ذلك ،حني يجادل �شخ�ص ما بوجوب حظر جملة ما لأنها فاح�شة ،لن ت�ستطيع تقومي حجته �إىل �أن تعرف ما يعنيه من كلمة "فاح�شة" يف هذه احلجة املوجزة ...غالب ًا ما ن�سيء فهم ما نقر�أ �أو ن�سمع لأننا نفرت�ض �أن معاين الألفاظ وا�ضحة .32وعليه ال ي�صح �أن نفرت�ض ما يعنيه امل�ست�شري من خالل منظورنا ال�شخ�صي �أو خرباتنا اخلا�صة ،وهذا هو التفهم. مترين عملي: م�ست�شرية :زميلي كان بيلمح يل �أنه بيحبني وبيفكر يرتبط بي وقايل بعد ما نخل�ص امل�رشوع الفالين كنت هتكلم معاكي يف املو�ضوع ،وبعد ما خل�ص امل�رشوع بدء ين�سحب� ،أول مرة �أترف�ض ،حا�سة �إن الدنيا مالها�ش الزمة تتعا�ش وم�ش القيه هدف حلياتي� ،أنا عاي�شه ليه؟ عايزة �أموت وفكرت يف االنتحار ب�س خفت �أعمل كده. �س /منني �أوجه �س�ؤايل؟ ه�س�أل عن ايه؟ �أول مرة �أترف�ض .....او�صفيلي ح�سيتي �إزاي بالرف�ض؟ 32م .نيل براون ،ستيوارت م .كيلى .طرح االسئلة المناسبة .مرشد للتفكير الناقد .ترجمة نجيب الحصادي ،محمد أحمد السيد.
57
التمييز بني الأفكار وامل�شاعر كثريون من املر�ضى ال يفهمون بو�ضوح الفرق بني ما يفكرون به وما ي�شعرون به .وينبغي على املعالج �أن يكون متنبه ًا للمواقف التي تكون فيها املري�ضة غري قادرة على التفريق بني الأفكار وامل�شاعر يف النموذج موقف ـــ �أفكار تلقائية ـــ ردود �أفعال (م�شاعر – �سلوك – ا�ستجابات ف�سيولوجية). �إن الربط بني الأفكار وامل�شاعر وال�سلوك ينبغي �أن يكون مفهوم ًا لدى املعالج .وي�ساعد املعالج املري�ضة يف ت�سمية امل�شاعر بطريقة �صحيحة وتربط بني تفاعلها العاطفي يف مواقف معينة مع م�سمياتها ،كما �أنه لي�س من املهم على املر�ضى �أن يتعرفوا على م�شاعرهم فقط بل على تقدير درجة هذه امل�شاعر واخلربات .33و�سوف نغطي هذه اجلزئية يف درا�سة العالج املعريف. تكنيك ال�س�ؤال امل�شوري: �إن ال�س�ؤال من التكنيكات املهمة التي �سوف ي�ستخدمها امل�شري �أثناء العملية امل�شورية ،و�سوف يختلف ال�س�ؤال باختالف املرحلة التي عليها امل�شورة ،ففي مرحلة التفريغ والتنقيب �سيكون ال�س�ؤال الرئي�سي عن امل�شاعر وبينما �سيكون ال�س�ؤال يف مرحلة العالج �س�ؤال تفنيدي ليفند �أخطاء التفكري والأفكار غري املنطقية. مث ًال: �شعرت ب�إيه يف الوقت ده؟ �س�ؤال عن امل�شاعر امل�صاحبة. هل جمايل يعرب عن قيمتي؟ �س�ؤال تفنيدي. على امل�شري �أن يعد من واحد �إىل ع�رشة قبل �أن يطرح �أي �س�ؤال على الإطالق. هذا يهدف �إىل حتجيم االندفاع� ،أو الف�ضول �أو ا�ستخدام الأ�سئلة مللء الفراغ 33جوديث بيك .العالج المعرفي الحديث األسس واألبعاد 152
58
عندما ال يجد �شيئ ًا �آخر ليفعله� .إن توجيه الأ�سئلة قد يحرج ال�شخ�ص الذي ي�شعر �أ�ص ًال بالقلق ،فيجعله ي�ستخدم دفاعاته �ضدنا مما ي�صعب علينا مهمة فهمه. �إن طريقة طرح الأ�سئلة واحل�سا�سية التي ُت�صاغ بها ،وتوجيهها �إىل امل�سائل املهمة ،ال يحمل فقط معنى االحرتام للآخر و�إمنا يجلب �أي�ض ًا املعلومات املهمة التي ت�ساعدنا يف و�ضع ت�صور لأدائه احلايل ،يجب �أن تكون ا�ستفهاماتنا املطروحة برفق ،متجهة �إىل تلك املناطق يف ق�صة امل�ست�شري التي تبدو ملتهبة بالأمل .هناك مدلول لطريقة اقرتابنا من النقاط احل�سا�سة ،ومهارتنا يف عمل ذلك برفق ولكن بو�ضوح ي�ساعد الآخر على تو�ضيح م�شكلته �سواء لنف�سه �أو لنا. مثال عملي: احكيلي موقف من املواقف اللي بتح�س فيها �إنك قليل �أو خايف �أو ... امتى �أول مرة �شعرت باالح�سا�س ده؟ عملت ايه ملا �شعرت بالإح�سا�س ده؟ �إزاي كنت بتتعامل مع فالن ملا ....؟ عند �صياغة �أ�سئلتنا ال يوجد جمال لطرح �س�ؤال «ملاذا» ف�إننا بذلك نطلب تف�سرياً وهو ال�شىء الذي يعجز معظم طالبي امل�شورة عن تقدميه بطريقة منطقية �أو عقالنية� .إنهم يطلبون امل�ساعدة حتى يتمكنوا من الإجابة عن هذا ال�س�ؤال لأنف�سهم. من الأف�ضل �أن ن�صيغ �أ�سئلتنا بطريقة مفتوحة النهايات ،مما يقلل من التهديد ويعطي للم�ست�شري م�ساحة كافية لي�صيغ �إجاباته بالطريقة التي تنا�سبه .يجب �أن تكون �أ�سئلتنا �أقرب �إىل دعوة للبحث الذاتي ولي�ست ُمطالبة بتقدمي الأدلة. 59
الأ�سئلة املفتوحة والأ�سئلة املقفولة: ت�صاغ معظم الأ�سئلة الفعالة يف �صيغة ذات نهاية مفتوحة بادئة ب�أدوات مثل: ماذا ،كيف ،متى� ،أين و َمن .وال�س�ؤال املفتوح يحتاج �إىل �إجابة بالتف�صيل وال�رشح وي�ستلزم االنفتاح وال ميكن �أن جنيب عليه بنعم �أو ال. عندما نوجه �س�ؤا ًال للم�ست�شري توقف لتعطيه فر�صة كافية للإجابة ،وتذكر �أنه ال تكون لديه �إجابة كاملة ،وعندما يطلب من �شخ�ص �أن يعطي �إجابة ب�رسعة ي�شعر بالتهديد وهذا بدوره يهدد العالقة امل�شورية .ويف الكثري من الأحيان ال ميكن للم�ست�شري �أن يتذكر كل الأحداث والأفكار وامل�شاعر التي �صاحبت موقفه ،لذلك يتحتم علينا التمهل عليه حتى ي�ستجمع نف�سه ،ويجيب عن ال�س�ؤال. وجه للم�ست�شري �س�ؤا ًال واحداً يف الوقت الواحد ،وال توجه عدة �أ�سئلة دفعة واحدة ،فذلك ي�ؤدي �إىل �إرباك امل�ست�شري وقد يجيب عن �س�ؤال واحد من هذه الأ�سئلة وقد يكون �أقلهم �أهمية .جتنب الأ�سئلة التي ت�شتمل على اتهامات �أو هجوم .وقد ي�شعر امل�ست�شري �أن الأ�سئلة هجومية من نربة �صوت امل�شري �أو ال�ستخدامه لأداة اال�ستفهام ملاذا ،وقد ت�ؤدي الأ�سئلة الهجومية �إىل �أن ي�صبح امل�ست�شري دفاعي ًا� .سنحتاج �أن ن�س�أل امل�ست�شري ال�س�ؤال بنربة ت�أملية هادئة ،لكي نهيئ له املناخ الذي ميكنه الإجابة فيه براحة قدر الإمكان. وعندما ي�سرت�سل امل�ست�شري يف �رسد الذكريات اخلا�صة مب�شكلته ،ال تتعجل يف طرح �أي �س�ؤال وقتها ،فهو يف حالة من التالم�س الداخلي العميق وي�صف ما ي�شعر به وقت �أزمته وال يحتاج �إىل �أن �أقاطعه ب�أي �س�ؤال. كما ميكن �أن يكون ال�س�ؤال توجيهي ًا لإدارة اجلل�سة عندما يحيد امل�ست�شري عن الهدف املخ�ص�ص لها ،وخا�صة للأ�شخا�ص الذين يعانون من الت�شتت. 60
مث ًال: احنا النهاردة انت �شاركتني باملو�ضوع الفالين ،وانتقلنا للق�صة الفالنية، وال �أرى �أنه من املنا�سب �أن ندخل يف مو�ضوع جديد الآن� ،س�ؤايل هو كيف كنت ت�ستقبل هذا النوع من ك�رس احلدود يف حياتك؟ ...مث ًال.
61
فهم العامل الداخلي للم�ست�شري لكي ما �أفهم العامل الداخلي للم�ست�شري �أحتاج �أن �أعرف الآتي: -1كيف يرى هذا ال�شخ�ص نف�سه (ما هي �صورته الذاتية عن نف�سه)؟ ف�صورته عن نف�سه تتحكم كثرياً يف تعامله مع نف�سه ومع من حوله ومع احلياة واملفاهيم املختلفة .لذلك كان من املهم درا�سة ال�صورة الذاتية للإن�سان وكيف تتكون وت�أثريها على نظرته لنف�سه وملن حوله. -2ما هي احتياجاته النف�سية وكيف ي�سعى لتحقيقها؟ وهل هي احتياجات �أ�سا�سية ال ميكن العي�ش بدونها �أم هي احتياجات ثانوية ميكن التعاي�ش مع عدم ت�سديدها وما هي حجم هذه االحتياجات؟ فالتعامل مع �شخ�ص يحتاج �إىل قوته اليومي �أو �إىل النجاح يف عمله ،غري التعامل مع �شخ�ص يرغب يف امتالك �سيارة �أو موبايل. -3ما هي �أهدافه التي ي�سعي لتحقيقها ،و�إىل �أي حد جنح يف حتقيقها والأهم الأهداف التي مل ي�ستطع حتقيقها وهل هي �أهداف واقعية �أم غري واقعية؟ وما هي قدرته على و�ضع �أهداف؟ وهل هي �أهداف خمططة �أم �أهداف ع�شوائية؟ ...وهكذا. -4ما هي �إعاقته وما درجة �شدتها؟ فالإعاقة املحدودة �ست�ساعدنا يف املحاوالت للتح�سن والتغيري يف حني �أن الإعاقة التامة والكاملة رمبا تدفعنا للتعامل معها بالقبول. فالتعامل مع �شخ�ص لديه م�شكلة يف عالقاته غري التعامل مع �شخ�ص �آخر لي�س لديه القدرة على �إقامة عالقات من �أ�سا�سه. 62
الأ�سئلة الأ�سا�سية التي على املعالج �أن يطرحها على نف�سه هي: كيف انتهي الأمر بهذه امل�ست�شرية �إىل هنا؟ وما املعتقدات والأحداث احلياتية املهمة بالن�سبة �إليها (احلوادث ،التجارب، التفاعالت)؟ وكيف تكيفت املري�ضة مع منعطفات احلياة هذه؟ وما �أفكارها التلقائية وما هي املعتقدات التي انبثقت عنها؟ ف�إنه من املهم �أن ي�ضع املعالج نف�سه دائم ًا يف مكان املري�ضة حتى حتدث املواجدة مع ما جتتازه املري�ضة ،ولكي يتفهم �أحا�سي�سها جيداً ولكي يدرك العامل من خالل منظارها فحينما يعرف تاريخها التطوري و�إدراكها احل�سي، ف�إن �أفكارها وم�شاعرها و�سلوكها تكون مفهومه لديه.34 بداية من الطفولة تتكون لدى النا�س معتقدات عن �أنف�سهم وعن الآخرين وعن العامل ،و�إن �أكرث املعتقدات عمق ًا هي مفاهيم �أ�سا�سية ورا�سخة وعميقة بحيث �إنهم غالبا ال يعربون عنها يف كلمات حتى لأنف�سهم ،و�إن هذه الأفكار ينظر �إليها من ال�شخ�ص كحقيقة مطلقة كما هي ال يناق�شها �أو يبحث يف �صحتها �أو منطقيتها. كما �أنهم يرون �أنف�سهم بنف�س الطريقة التي ر�آها بهم �آبا�ؤهم �سواء �صورة ذاتية �إيجابية �أم هي �صورة �سلبية عن نف�سه ،وت�أتي مواقف احلياة املختلفة لت�ؤكد تلك املفاهيم عن �أنف�سهم وهذا املعتقد ممكن �أن يعمل فقط حينما يكون ال�شخ�ص يف حالة مزاجية كئيبة ،وميكن �أن يكون ن�شط ًا طوال الوقت. 34جوديث بيك .العالج المعرفي الحديث االسس واالبعاد 42
63
وعندما ين�شط هذا املعتقد ف�إن امل�ست�شري يرى احلياة بعد�سات هذا املعتقد، حتى لو كان التف�سري من ناحية املنطق خاطئ متاما ،كما �أنه مييل �إىل الرتكيز على املعلومات التي ت�ؤكد اعتقاده ،متجاه ًال �أو �ساقط ًا من ح�ساباته كل املعلومات التي تثبت العك�س. �أن �أفهم العامل الداخلي للم�ست�شري يعني: �أن �أفهم معنى املعنى :املعنى هو الذي يرثي احلياة ويحول احلدث ال ُغفل �إىل خربة ،واملحللون يرون �أن الفكر الواعي ما هو �إال نتاج لقوى ال �شعورية دائبة يف �إخفاء املعنى احلقيقي للأحداث .فاملعنى العام هو التعريف الر�سمي �أو املو�ضوعي للحدث جمرداً من �أي داللة �شخ�صية .واملعاين اخلا�صة تتولد عندما يقع �شيء مي�س جانب ًا مهم ًا من احلياة ،مثل القبول من جانب الرفاق �إال �أنها تبقى يف الأغلب �شخ�صية متكتمة .وهذه املعاين ال�شخ�صية كثرياً ما تكون غري واقعية �إذا يتاح ل�صاحبها فر�صة التحقق من �صدقها .و�أحيان ًا ما ن�صادف �شخ�ص ًا ي�ستجيب ملوقف ما ا�ستجابة غري مالئمة بل مفرطة �إىل حد املر�ض ،وحني نواجهه يف ذلك جند �أنه قد �أ�ساء ت�أويل املوقف بناء على �شبكة من املعاين اخلاطئة التي �أحلقها به� .إن لنا �أن نعتربها �شاذة ،ن�سمها باملر�ض تلك الت�أويالت التي تن�أى متام ًا عن الواقع بعد �أن نت�أكد �أنها لي�ست جمرد �أخطاء بريئة لزمت معطيات خاطئة تلك هي التحريفات املعرفية التي ت�شكل لب اال�ضطرابات االنفعالية. وهذه الدالالت واخلياالت هي التي ت�ؤلف ما ي�سمى بالواقع الداخلي .هذه الدعوى القائلة ب�أن املعنى اخلا�ص للحدث هو الذي يحدد اال�ستجابة االنفعالية له ت�شكل جوهر النموذج املعريف لالنفعال وا�ضطراباته ،يذخر هذا املعنى يف مفردة معرفية هي عادة فكرة �أو �صورة خيالية ،ويف بع�ض الأحيان تت�ألف املفردة املعرفية من داللة �إ�ضافية �أو حكم قيمه من قبل (خميف) �أو (رائع). 64
مثال عملي :1 م�ست�شرية :وقت خطوبتي عزمنا �صديق لنا ومل نعزم �صديقته َمن �سوف تكون خطيبته قريب ًا ،وعند خطوبتهم مل يقوموا بعزومتنا � -أنا وخطيبي – �شعرت بانزعاج �شديد وما كنت�ش قادرة �أوري و�شي حلد يف جمموعة �أ�صدقائنا؟ امل�شرية� :أو�صفيلي ما كنتي�ش قادرة توري و�شك لأ�صدقائكم �إزاي ،كنتي حا�سة ب�إيه؟ امل�ست�شرية:كنتحا�سةبعار،وكنتمك�سوفةجداً،و�شكليبقيقلةو�سطهم. اال�ستنتاج :عدم العزومة على اخلطوبة ي�ساوي قلة قيمة ،والعك�س �صحيح. وهذا يف�رس املعني اخلا�ص برتجمة امل�ست�شرية لعدم عزومتها على خطوبة �أ�صدقائهم. مثال عملي :2 م�ست�شرية :مل �أ�ستطع �أن �أراه يرتب املفار�ش على الأنرتية ،فقد �شعرت بغ�ضب �شديد ،و�رصخت فيه ،اترك املفار�ش لن يحدث �شيء �إذا تركتهم غري مرتبني. امل�شرية� :صفي يل �شعورك بالغ�ضب عند ترتيبه للمفار�ش؟ امل�ست�شرية :ال �أ�ستطيع حتمل ر�ؤية �أغرا�ض مرتبة فهي تذكرين بالقهر الذي عانيت منه يف طفولتي ،ميكن للأغرا�ض �أن تكون حرة ومبعرثة ،لن منوت عندئذ. اال�ستنتاج :ترتيب املفار�ش له معنى خا�ص للم�ست�شرية ،فهو �إحدى الدالالت التي عربت عن قهرها يف الرتتيب يف النظام الذي عانت منه .فلكل �شخ�ص معنى خا�ص به للأمل رمبا ال يكون هذا ال�شيء م�ؤمل ًا يف حد ذاته بل هو يعك�س 65
معنى يف نف�سه ،وال يعرفه �سواه .حتى ي�ستطيع امل�شري وامل�ست�شري التعرف عليه من خالل عملية البحث والتنقيب .ويطلق بيك Beckعلى هذه الظاهرة ا�سم املجال ال�شخ�صي للإن�سان .the personal domain املجال ال�شخ�صي للم�ست�شريthe personal domain :
يحكى �أن رجال ًعر�ض عليه �صديق له �صورة ل�شعار من �شعارات النبالة فلم يحفل بها �إىل �أن �أقنعه هذا ال�صديق ب�أن هذا ال�شعار هو �شعار النبالة اخلا�ص ب�أ�رسته هو .فمنذ ذلك احلني مل يكف الرجل عن �إجالل تلك ال�صورة ومتجيدها. فكان يعر�ضها لغريه من النا�س ب�شغف وترقب ،ويت�أذي كثرياً �إذا مل يبد عليهم اكرتاث وا�ضح .لقد ا�ستجاب الرجل �إىل �صورة تزينيه على قطعة من الورق كما لو كانت امتداداً لذاته. يو�ضح هذا املثال �أن الإن�سان قد يل�صق معاين �شخ�صية بالأ�شياء التي يرى �أنها تت�صل به ب�شكل خا�ص� .أنها �أ�شياء تهمه وحترك م�شاعره هذه الأ�شياء �سواء كانت ملمو�سة �أو غري ملمو�سة ت�شكل املجال ال�شخ�صي للفرد .ويف املركز من هذا املجال يقع مفهوم ال�شخ�ص عن ذاته ،عن �صفاته اجل�سمية و�سماته ال�شخ�صية و�أهدافه وقيمه .وحول مفهوم الذات self conceptتتالحم الأ�شياء احلية واجلامدة ،التي هي ذخره وعدته ،وتت�ضمن هذه الأ�شياء على الوجه الأمثل عائلة الفرد و�أ�صدقائه وممتلكاته املادية� ،أما باقي املكونات يف هذا املجال ال�شخ�صي فتتفاوت يف درجة التجريد .من مدر�سته وطائفته االجتماعية وقوميته �إىل القيم املجردة �أو املثل التي تت�صل باحلرية والعدالة والأخالق.35 35آرون بيك .العالج المعرفي واالضطرابات المعرفية48 .
66
ف�إنه من املهم �أن ي�ضع امل�شري نف�سه دائم ًا يف مكان امل�ست�شرية حتى حتدث املواجدة -التعاطف مع ما جتتازه امل�ست�شرية ،ولكي يتفهم �أحا�سي�سها جيداً ولكي يدرك العامل من خالل منظارها فحينما يعرف تاريخها التطوري و�إدراكها احل�سي ،ف�إن �أفكارها وم�شاعرها و�سلوكها تكون مفهومه لديه. مثال تطبيقي: زوجة يف بداية الثالثينات ،زوجي بيب�ص لل�ستات وهي يف الطريق وبيحب يهزر معاهم يف ال�شغل ويف ال�شارع و�أنا ما�شية معاه ،زي ما �أكون م�ش ماليه عينه ،ودي حاجة بتحرق دمي وبتجرحني قوي . لفهم العامل الداخلي لهذه امل�ست�شرية علينا ب�س�ؤال �أنف�سنا ال�س�ؤال التايل: �س /ما هي االحتماالت التي ميكن �أن تف�رس هذه ال�شكوى؟ رمبا يكون الزوج لعوب� ،أو ينظر �إىل ال�سيدات ب�شيء من التلقائية� ،أو ال يعنيه الفرق بني رجل وامر�أة يف التعامل فهو مرح بطبعه مع اجلميع ،ورمبا ال ثتق الزوجة يف نف�سها ،ويف جمالها ،ويف قدرتها على �إ�شباع زوجها. كيف لنا �أن نعرف ال�سبب احلقيقي لهذه ال�شكوى وتف�سريه؟ ،لي�س �أمامنا �سوى تاريخ امل�ست�شرية ،والرجوع لال�ستف�سار عن املعاين احلقيقية التي تخ�صها ،واملفاهيم اخلا�صة بها ،ونظرتها �إىل نف�سها ،ودرجة ثقتها يف نف�سها ويف زوجها ونوعية العالقة بينهما � ...إلخ. هذه هي ال�شكوى الأ�سا�سية الظاهرة والتي تدركها امل�ست�شرية واملوجودة يف عقلها الواعي .عند البحث واال�سرت�سال والتنقيب يف تاريخ امل�ست�شرية بد�أت تروي الآتي عن طفولتها: 67
ماما قالت يل ملا �أتولدت قرايبها كانوا بيقولولها روحي خبيها ،دي هتقعد يف �أرابيزك ،ماما طول عمرها بتقويل الزم تتعلمي كوي�س عل�شان تعريف تتجوزي لأن حمد�ش هري�ضي بيكى ،وكنت بنهار يف الدرا�سة عل�شان �أتفوق و�أجيب درجات كوي�سة لغاية ما اتخرجت من كلية �صيدلة وكل ما يتقدم يل حد كانوا يوافقوا على طول من غري تفكري ،والعري�س بعد ما ييجي بيم�شي لوحده ما يرجع�ش تاين لغاية ما �أجتوزت فالن ده. �س /ماذا يقول العامل الداخلي لهذه امل�ست�شرية؟ ال�شكوى الوا�ضحة يف العقل الواعي :زوجي بيب�ص لل�ستات م�ش ماليه عينه غرية و�شك. العامل الداخلي للم�ست�شرية يف العقل الالواعي� :أنا م�ش حلوة وال جميلة قيمتي يف �شكلي اخلارجي ويف �إين �أجتوز ب�رسعة و�شهادتي هتعو�ض �شكلي �شك بالنف�س و�صغر نف�س. ال ن�ستطيع �أن ن�ستنتج فهم ًا عن العامل الداخلي للم�ست�شري فور اال�ستماع �إىل نكون الفهم علينا �أن نرى عامل �شكواه ،فالأمر �أكرب كثرياً من ذلك ،فلكي ِّ امل�ست�شري اخلا�ص منه عينيه هو ،مع احلر�ص على �أن ننحي مفاهيمنا اخلا�صة جانب ًا ،بدون هذه املهارة رمبا ال ن�ستطيع فهم العلم الداخلي للم�ست�شري. املواجهة confrontation
هي ا�ستجابة لفظية ،فيها ي�صف امل�شري الفروق وال�رصاعات والر�سائل املختلطة الوا�ضحة يف م�شاعر امل�ست�شري و�أفكاره وت�رصفاته ،ويعتقد باتر�سون و�أيزينربج � 1983أن املواجهة هي �أداة لرتكيز انتباه امل�ست�شري على جانب من �سلوكه ،الذي �إذا تغري �سي�ؤدي �إىل �أداء �أكرث فاعلية. 68
�إن املواجهة تكون م�ؤملة لكال الطرفني امل�شرتكني فيها .وعملية املواجهة عملية واعية يقررها امل�شري .وال يجوز �إجراء املواجهة دون الر�صيد الكايف من العالقة العالجية ،والثقة الكافية يف املعالج وذلك حتى ي�ستطيع امل�ست�شري تقبلها ،لأنه يف حال غري ذلك �سوف تك�رس العالقة العالجية ونخ�رس امل�ست�شري، ورمبا ال يعود مرة �أخرى للجل�سات. وال نلج�أ للمواجهة ب�إفراط يف عملية امل�شورة حتى ال يفقد امل�ست�شري تعاطفنا معه ،ويف الوقت نف�سه لي�س من اجليد �أن نخجل من مواجهة امل�ست�شري وعدم التعامل مع مناوراته �أو هروبه من م�س�ؤوليته عن نف�سه يف ما يحدث له من �أحداث. عند االتفاق مع امل�ست�شري على فتح جزء معني من تاريخه ،وي�أتي ويتحدث يف �أ�شياء لي�س لها �صله مبا مت االتفاق عليه املرة ال�سابقة ،رمبا ميكننا �إعطاءه ع�رش دقائق ل�سماع ما �أتي به رمبا يكون يف لب املو�ضوع الذي �سنتحدث عنه ،ورمبا يكون نوع ًا من املناورة والهروب لعدم قدرة امل�ست�شري على اخلو�ض يف املو�ضوع املق�صود ،كما ميكن �أن يكون خوف ًا من الأمل املتوقع من احلوار يف هذا اجلزء. عند الت�أكد من موقف امل�ست�شري� ،إن احتاج �إىل ت�شجيع وتدعيم نقوم به ،و�إن كان يناور وال يرغب يف فتح هذا امللف من اجليد مواجهته وتذكريه باالتفاق الذي مت عقده املرة ال�سابقة و�أهمية هذا اجلزء للعملية العالجية. مثال عملي: م�ست�شري يف حالة انتكا�سة بعد فرتة انقطاع عن اجلل�سات ،يعود مرة �أخرى وال ميكنه �أن يروي الأحداث التي انتك�س فيها ويتعلل ب�أنه ال يتذكر احلوارات التي جعلته يفقد �أع�صابه ،ويعود �إىل �سلوكياته القدمية. 69
امل�شري� :أرى �أنك ت�شعر باحلرج من نف�سك لأنك انتك�ست ،لذلك ال ميكنك رواية الأحداث التي رمبا تدينك ،االنتكا�سة جزء من العالج ،وحدوثها واقع البد من قبوله والتعامل معه ،اكتب احلوارات التي متت وكيف �شعرت وقتها وما هي رودود �أفعالك جتاه ما حدث .
70
التـفـ�ســـــــــــــري Interpretation التف�سري هو مرحلة جتميع كل الأوراق على الطاولة ،وكتجميع قطع الباذل ل�صورة واحدة هكذا يكون التف�سري ،وهو و�ضع امل�سببات واخلربات التي مر بها امل�ست�شري والتي و�صلت به �إىل هذه احلالة ،وجعلته يعاين من هذه امل�شاعر امل�ؤملة ويقوم بهذه ال�سلوكيات التي ال ير�ضي عنها .ويف التف�سري ال جمال للت�أليف �أو االفرتا�ض لأي من الأحداث �أو ال�رشح لها ،بل هو مبني على �أ�س�س مت الت�أكد منها خالل العديد من اجلل�سات التي حتتوى على تاريخ امل�ست�شري. وعندما يتم التف�سري ب�شكل تدريجي يكون كتجمع قطرات املاء مع ًا والتي ي�شرتك فيها كل من امل�شري وامل�ست�شري ،خطوة خطوة باتفاق كال الطرفني على ما تو�صال �إليه �شيئ ًا ف�شيئ ًا ،حتى ي�صال �إىل ال�صورة الكبرية ،ويقدم لنا رولو ماي و�صف ًا للتف�سري كالآتي: التف�سري وظيفة امل�شري وامل�ست�شري مع ًا� ،أنه لي�س عملية تخمني يقوم بها امل�شري ملعرفة منط ال�شخ�صية ومن ثم تقدميه �إىل الآخر على طبق من ذهب ،وهذا ينقلنا �إىل نقطة �أكرث حتديداً ،فامل�شري يقرتح التف�سريات وال يطرحها وك�أنها �أحكام نهائية� .إنه ال يقول هذا هو التف�سري لكنه يقرتح "رمبا كان هذا هو التف�سري" �أو "هذا يرتبط مع ذاك" ،ويف كل الأحوال عليه االنتظار لر�ؤية رد فعل امل�ست�شري على اقرتاحه .36 والتف�سري يبدو من معنى الكلمة �أنه املرحلة التي يتم فيها التف�سري واالجابة عن الت�سا�ؤالت الآتية :ملاذا �أ�شعر مبا �أ�شعر به وملاذا �أتفاعل بهذه الطريقة مع هذه الأحداث؟ ،ففي التف�سري يتم بداية التوا�صل بني الأحداث املخزنة يف الالواعي 36رولو ماى .فن المشورة .ترجمة أسامة القفاش132 .
71
وبني ردود الأفعال التي يقوم بها ال�شخ�ص يف الواعي ويعرف �أنطوين �ستور التف�سري يف كتاب "فن العالج النف�سي" ويقول: �أو ًال :غالب ًا ما تكون مهمة املعالج هي �أن يجعل ما هو غري مفهوم مفهوم ًا. فمعظم املر�ضى الذين يق�صدون العالج النف�سي يعانون من �أعرا�ض ال يجدون لها تف�سرياً ،ولهذا ف�إنها تبدو �أكرث خطورة مما هي عليه فع ًال ،ولذلك ف�إنه قد يكون جمنون ًا �أو يف طريقه �إىل ذلك .ف�إذا وجد �أن تلك الأعرا�ض م�ألوفة للمعالج ومل ترث لديه �أي انزعاج ف�إن ذلك يبعث على االطمئنان ،وهكذا نرى �أن �إحدى وظائف الت�أويل هي جعل الغام�ض وا�ضح ًا. ثاني ًا :يهتم الت�أويل – التف�سري بتتبع ال�صالت بني الأحداث والأعرا�ض و�سمات ال�شخ�صية والتي ال تكون وا�ضحة لأول وهلة .وتختلف املدار�س املتنوعة للعالج النف�سي يف الأهمية التي توليها خلربات الطفولة بو�صفها عوامل ت�شكل ال�شخ�صية وم�شاكلها بعد ذلك ،ولكن الغالبية تتفق على �أن الطفل هو �أبو الرا�شد �سواء �شكلته �أ�سا�س ًا الوارثة �أو االجتاهات الوالدية. ثالث ًا :الوظيفة الثالثة للت�أويل هي تو�ضيح التناق�ض بني ما يقول املري�ض �إنه ي�شعر وبني ما يح�س به بالفعل من خالل و�صفه ل�سلوكه( .ي�صف نف�سه �أنه فا�شل يف حني العك�س) على �أنه لي�ست كل التف�سريات ذات طبيعة �سلبية، مبعنى �أنها تك�شف للمري�ض حقائق قا�سية عن نف�سه يحاول التهرب منها ،فكثري من املر�ضى الذين يعالجَ ُ ون نف�سي ًا يقللون من قيمة �أنف�سهم يف حني �أنهم �ألطف �أو �أذكي مما يعتقدون.37 ويرى حامد عبد ال�سالم زهران يف كتاب ال�صحة النف�سية والعالج النف�سي �أنه قد يكون التف�سري �صامت ًا� ،أي �أنه قد يحدث يف عقل املعالج وال ينقله �إىل 37نطونى ستور .فن العالج النفسى 35-33
72
املري�ض ،وهذا التف�سري ال�صامت مهم يف فهم حاجات املري�ض و�أ�سا�سي يف خطة العالج .ورمبا �أجل�أ لهذا التف�سري ال�صامت يف بع�ض الأحيان �أو يف املرحلة املبكرة للم�شورة حتى يت�سني الوقت املنا�سب وحلني اختيار الطريقة املنا�سبة لتو�صيلها للم�ست�شري. ويلج�أ املعالج �إىل التف�سري لأ�سباب عديدة منها� :إحداث تغيري يف �إدراك املري�ض للخربات ،و�إحداث تغري يف معرفته وم�شاعره جتاه نف�سه ،و�إحداث تغيري يف �سلوكه ،وتنمية ب�صريته ،وم�ساعدته يف حل م�شكالته ،وك�شف ال�رصاعات وامل�ساعدة يف حلها ،و�إبعاد القلق ،وت�سهيل التداعي احلر ،وزيادة اهتمام املري�ض بعملية العالج ،و�شعور املعالج بعمل �شيء ملمو�س للمري�ض. ومن �أهم معايري التف�سري ال�صحيح �أنه يحدث �آثاراً �إيجابية يف �سلوك املري�ض منها :تخفيف القلق وتقليل اللجوء �إىل حيل الدفاع النف�سي ،وتناول امل�شكالت بو�ضوح �أكرث ،وظهور معطيات و�أبعاد جديدة .هذا ويالحظ �أن التف�سري اجلزئي قد ي�رض �أكرث مما ينفع ،و�أن التف�سري اخلاطئ له �آثاره ال�ضارة .فالتف�سري الذي يقوم على معلومات قليلة يكون �أقرب �إىل الفر�ض منه �إىل التف�سري. من املهم تقرير متى يبد�أ التف�سري� .إن هذا يتوقف على قدرة املري�ض على تقبل وحتمل التف�سري .فيجب �أن ُيقدم التف�سري يف اللحظة ال�سيكولوجية املنا�سبة لتقبله .وقد يخطئ املعالج وخا�صة �إذا �أراد الإ�رساع بعملية العالج .ويديل بتف�سري مبكر يف غري �أوانه ،وهذا قد ي�رض �أكرث مما ينفع ،فقد ي�ؤدي باملري�ض �إىل حالة من الفزع والقلق واللجوء �إىل املقاومة �أو االن�رصاف عن العالج. ومن املهم �أي�ض ًا منا�سبة التف�سري ،وذلك مبراعاة �رضورة �أن يتنا�سب عمق التف�سري مع م�ستوى ا�ستيعاب املري�ض .كذلك يجب �أال يكرث املعالج من 73
التف�سري مرة واحدة ،بل يجب �أن يكون يف �شكل جرعات منا�سبة .ويجب �أن يالحظ املعالج �أن اجتاهاته وحركاته لها �أهميتها يف هذه الناحية ،فكل ما يعرب عنه املعالج يعترب تف�سرياً واحلركة تعترب تف�سرياً بالن�سبة للمري�ض. اال�ستب�صارInsight :
بعد �أن يحدث التنفي�س االنفعايل وتطفو االنفعاالت على ال�سطح وتظهر دوافع ال�سلوك ،ي�ستطيع املري�ض فهمها وفهم نف�سه ومعرفة م�صادر ا�ضطرابه وم�شكالته ويتعرف على نواحي قوته ونواحي �ضعفه وعلى �إيجابياته و�سلبياته، وبهذا يزيد ا�ستب�صار املري�ض بخ�صو�ص �سلوكه املر�ضي وي�صبح �أكرث قدرة على التحكم يف هذا ال�سلوك .وال �شك �أن فهم الذات يعترب �أمراً بالغ الأهمية بالن�سبة للعالج الناجح .ويتبع منو الفهم وزيادة اال�ستب�صار تف�سريات من جانب املعالج متهد للمزيد من التقدم الإيجابي من جانب املري�ض.38
�أنواع التف�سري جولدن مان :1971هناك �أربعة �أ�ساليب للتف�سري :و�صفي ،تاريخي (تطوري) ،توقعي (تنب�ؤي) ،تقوميي -1التف�سري الو�صفي ابحث عن الت�سا�ؤالت الآتية: ما نوع �شخ�صية هذا الفرد (انب�ساطي ،انطوائي)؟ وكيف ي�شعر بالن�سبة للقرب من الآخرين؟ -2التف�سري التاريخي (التطوري) كيف �أ�صبح الفرد على هذا النحو؟ هل م�شكالت القراءة لديه ناجتة عن عوائق انفعالية �أم عن نق�ص يف ميله؟ وهل رف�ضه لبع�ض الأن�شطة نابع من 38حامد زهران .الصحة النفسية والعالج النفسى194 – 193 .
74
�ضغوط والديه عليه لتجنب هذا املجال �أم نتيجة �إخفاقه يف حماوالته ال�سابقة مع هذه الأن�شطة؟ وهذا التف�سري يرتك احلا�رض بحث ًا عن املا�ضي لي�رشح ويف�رس منو الفرد كما هو الآن. -3التف�سري التوقعي: ماذا نتوقع عن جناحه يف اجلامعة؟ وما الذي ميكن �أن يحققه بالتحاقه يف �شعبة العلوم؟ وما هي درجة ر�ضاه �إذا التحق فيما بعد بعمل كتابي؟ وهذا النوع من التف�سري يرتك احلا�رض ليبحث عن امل�ستقبل با�ستخدام بيانات عنه يف احلا�رض. - 4التف�سري التقوميي: ما الكلية التي ميكن �أن يختارها؟ وما هي ال�شعبة التي ميكن �أن يلتحق بها؟ هل ميكن �أن ي�صبح كهربائي ًا ماهراً؟ وهذا النوع من التف�سري ن�ضيف حكم ًا تقوميي ًا لتف�سريات �أخرى لن�صل �إىل اتخاذ القرار .39 بع�ض قواعد الأ�سا�سية للتف�سري: -1كن دقيق ًا يف توقيت اال�ستخدام ،حيث يحتاج التف�سري �إىل معلومات كافية .ويف املعتاد ف�إن مثل هذه اال�ستجابة ت�ؤجل للجل�سات الأخرية وال ت�ستخدم يف اجلل�سات الأوىل. -2ت�أكد من �أن تف�سريك قائم على �أ�سا�س من ر�سالة امل�سرت�شد ولي�س على �أ�سا�س من حتيزاتك �أو قيمك التي ت�سقطها عليه( .مث ًال ال ت�سحب خربتك مع �أوالدك على امل�ست�شري). 39محروس الشناوي .العملية االرشادية 223
75
-3انتبه �إىل �صياغة التف�سري ومن املف�ضل ا�ستخدام عبارات مثل :رمبا� ،أو من املمكن� ،أو يبدو ّ يل� ،أو �إين �أت�ساءل ....فهذه �أ�ساليب تقريبية ولي�ست قاطعة حتى ال ن�ضيع املر�شد يف جانب ون�ستحث مقاومة امل�سرت�شد �أو دفاعاته نحو التف�سري.40 الواجب املنزيل يعترب الواجب املنزيل جزءاً مكم ًال ولي�س اختياري ًا يف العالج املعريف .ولي�ست يف العالج املعريف وح�سب بل رمبا نحتاج �أن نلج�أ �إىل الواجب من اجلل�سة الأوىل، فعندما ي�أتي امل�ست�شري ب�أوراقه املبعرثة رمبا نقرتح عليه �أن يقوم بعمل واجب ينظم فيه �أهدافه من املقابالت امل�شورية وي�ضعها يف نقاط حمددة ،ورمبا ن�ساعده يف اختيار املو�ضوع الذي ي�شعر ب�أهميته بالن�سبة له ،ورمبا نحتاج �إىل الواجب يف م�ساعدة امل�ست�شري يف و�صف م�شاعره جتاه موقف ما �أو �شخ�ص ما �أثناء مرحلة التنقيب، كما ميكننا ا�ستخدام الواجب يف جعل امل�ست�شري ي�صف �صورته عن نف�سه مع �رشح الإيجابيات وال�سلبيات من وجهة نظرة ،كما �أن عقد املقارنات يف تطور العالج يحتاج امل�ست�شري �أن ي�سجلها يف دفرته لكي ما ن�ستخدمها يف اجلل�سات ،وعند التقييم يف املراحل العالجية املختلفة رمبا نحتاج �إىل �أن نقرتح على امل�ست�شري يف عمل جدول يحتوي على النقاط التالية :كنت � ....أ�صبحت � ....أرغب يف �أن ،....هكذا لي�صبح الواجب �إحدى املهارات التي يتعلمها امل�ست�شري للتعامل مع نف�سه ب�أفكاره وم�شاعره بعد انتهاء املقابالت امل�شورية. وي�صف ال�شناوي الواجب ب�أنه "ينتظر املعالج زيادة الفر�ص املتاحة للتغيري املعريف وال�سلوكي خالل �أ�سبوع املري�ضة ،والواجب املنزيل يعطي املري�ضة فر�ص ًا �أكرث �أن تعلم نف�سها (مث ًال من خالل الكتابة ،وكذلك جمع املعلومات، 40محروس الشناوي .نفس المرجع السابق110 .
76
ومن خالل ر�صد �أفكارها وم�شاعرها وت�رصفاتها) حتى ت�ستطيع تعديلها. و ُيعظم الواجب املنزيل ما تعلمته املري�ضة يف جل�سات العالج وي�ؤدي هذا �إىل زيادة �إح�سا�س املري�ضة بالكفاءة ،وقد وجد الباحثون �أن املر�ضى الذين ي�ؤدون الواجب املنزيل يتقدمون �أ�رسع من املر�ضى الذين ال ميار�سونه."41 وال توجد معادلة جاهزة لإعداد الواجب املنزيل ،ولكن الواجب املنزيل ينبغي �أن ُيف�صل لكل مري�ض على حدة ،و�أن يتم �إعداده بالتعاون بني املعالج واملري�ضة ،و�أن ي�صمم طبق ًا ملحتويات اجلل�سة العالجية و�أهداف املري�ض واملعالج ور�ؤية املعالج للمري�ضة وللمرحلة العالجية ،وعند اقرتاح الواجب املنزيل ي�ضع املعالج يف اعتباره ال�صفات الفردية للمري�ضة مثل قدرتها على القراءة والكتابة ودوافعها وا�ستعدادها لاللتزام بالواجب ودرجة �إحباطها ووظائفها الإدراكية واملعوقات العملية (مثل عامل الوقت) ..وغري ذلك. فكما يوجد الواجب املنزيل الذي يعتمد على الكتابة ،لتفريغ امل�شاعر والأفكار ،يوجد الواجب العملي الذي يتبع العالج يف التدريب على تعديل ال�سلوك ومواجهة املخاوف والتدريب على �إقامة عالقات جديدة والتدريب على عمل حدود �صحية وعمل مواجهات لت�أكيد احلقوق وللدفاع عن النف�س. وي�أخذ املعالج عموم ًا دور القيادة يف اقرتاح الواجب املنزيل ،وبالتدريج كما يف حالة �إعداد الأجندة يبد�أ املعالج �أن يطلب من املري�ضة �أن ت�صمم هي واجبها املنزيل (مث ًال احنا خل�صنا الكالم عن م�شكلتك مع زميلك يف الكلية ..تفتكري ايه اللي يكون منا�سب بالن�سبة للمو�ضوع ده �إنك تعمليه كواجب منزيل الأ�سبوع ده؟). وهناك نوع �آخر �أهداف الواجب املنزيل وهو التن�شيط ال�سلوكي ،وينبع من حمتويات اجلل�سة ويتكون من ممار�سة ن�شاطات جديدة �أو تطبيق �إجراءات عملية منبثقة من حلول امل�شاكل التي مت طرحها . 41جوديث بيك .العالج المعرفي الحديث األسس واألبعاد375 .
77
حالة تطبيقية
حالة الآن�سة ميم
ميم �آن�سة عمرها � 25سنة ،خريجة كلية نظرية� .شكوتها املبدئية� :أنا كل ما يتقدم يل حد ع�شان يخطبني بيح�صلي هلع وبنهار وم�ش بقدر �أوقف نف�سي عن البكاء واملوقف ده ح�صلي 3مرات لغاية دلوقتي ،وملا غ�صبت على نف�سي واتخطبت يف مرة منهم طلعت عيلة وف�شلت وانهرت ففكيت اخلطوبة. كان �إمبارح فرح واحدة �صحبتي ومقدرت�ش �أح�رض وكنت عايزة �آخدها من اجلواز ومن اجلرمية اللي هرتتكبها يف حق نف�سها ،دي برتمي نف�سها يف التهلكة. �س /تق�صدي ايه بو�صفك للجواز على �أنه جرمية وتهلكة؟ هذا كان �أحد الواجبات ،وردت عليه يف �أربع �صفحات �أذكر منها: اجلواز �سجن �أبدي ،ال فيه انف�صال �أو فرار ،تتحمل م�سئولية قرارك اخلاطئ ع�شان انتي اللي اختارتي من الأول ،اجلواز �رشبة طعمها وح�ش ،ال يوجد تعاون بل املر�أة هي التي تقوم بكل �شيء ،انف�صال عن الأهل وخدمة ملدى العمر ،يوحي يل بالعبيد قبل احلرب الأهلية ،فيه عدم تقدير ل�شخ�ص املر�أة، هي بتقوم بكل حاجة :تربية الأطفال وعملها و�شغل البيت بل �أ�صغر متطلبات احلياة حتى �رشاء الأ�شياء ،روتني ممل كل �شيء مثل اليوم اللي قبله ،انعدام احلب وعدم وجود �أ�شياء م�شرتكة ،عدم الأح�سا�س مب�شاعر املر�أة املتعبة بل ده واجب عليها .م�ستحيل �أعطي حياتي ل�شخ�ص �أبداً� ،أريد �أن �أبقي مبفردي مهما كان بيحبني� .أريد �أن �أبقى يف الدرا�سة واملذاكرة فقط ،ال �أعرف �أي عالقة� ،أنا متبلدة امل�شاعر ومرتددة جداً جداً� ،أبكي مثل الطفل الذي ال يرغب يف الذهاب للمدر�سة لأنه عامل غريب �آخر غري عامله اخلا�ص� .إح�سا�س ب�أن 78
الرجل �سوف يبهدلني يف حياتي لذلك حياتي كدة حلوة �أوي .ال �أرى فائدة من اجلواز بل �أ�شعر باخلطر و�إنه حكاية زي حكاية املوت �أو عملية انتحارية، عندما �أنظر �إىل �صور الأفراح �أقول كيف فعلوا كده؟ ك�أنه حاجة وح�شة �أو مكروهة ،مع �إين �أجد �أن كل النا�س ما عدا �أنا ي�أخذون ذلك املو�ضوع بب�ساطة و�إنه �سنة احلياة ،لكني �أنا بح�س �إين خمنوقة عند اتيان جمرد �سرية للجواز �إين “متكلب�شة” وخم�ضو�ضة وده بيبان على وجهي ك�أين واقعة يف ورطة �أو م�شكلة لي�س لها حل ،مثلما كان يحدث يل �أيام االمتحانات ،كان الكل بي�ضحك وبياخد املو�ضوع بب�ساطة و�أنا �أف�ضل ما�سكة الكتاب حلد اللجنة لأين خايفة حل�سن �أن�سي حاجة. �أنا الوحيدة يف زمايلي اللي ما عدت�ش ال�سنة �أو طلعت مبادة لكن الآن الو�ضع اتبدل� ،إين فا�شلة يف الأمور احلياتية يف �أمور االرتباط بل �أي�ض ًا يف العمل على عك�سهم متام ًا من ر�ؤيتي لنف�سي �إنني �أنفع �أكون فقط �آلة ت�سجيل املعلومات فقط �إن�سانة ال تت�رصف يف كل �أمورها بالبكاء والقيء وال�ضغط على �أع�صابها زي الأطفال ،عندي عدم ا�ستقرار يف �أي �أمر من �أمور احلياة� -:إعداد اخلدمة – �شغل – كور�س �إجنليزي – �إزاي ه�ستقر يف اجلواز باقي عمري باملنظر ده؟؟ ماما وبابا ما بيطقو�ش بع�ض ،طول الوقت خناق وخالفات ،بابا عمره ما ح�س مباما وال بتعبها معانا وملا بقوله �شوف هي رجعت من ال�شغل ما قعدت�ش، قايل عادي ده املفرو�ض. ويف يوم راحت عملت عملية ت�سليك �رشايني �إيديها عل�شان عندها �أمل �شديد جدا فيها وبعد ما رجعت غ�صب عليها حتط له ياكل ،وملا قلت له دي تعبانة قايل ده واجب عليها وداميا بيو�صفها بالعبد البطال ،يعني مهما ما قدمت من خدمات دة حقه عليها .دي حتى الكني�سة بتقول كده يف �إكليل اجلواز 79
"ال ت�ضيعي �شيء من حقوقه عليكي"" ،تقويل له يا �سيدي كما كانت تفعل �أمنا �سارة لأبونا �إبراهيم". وبيبقي متخانق معاها ومبهدلها ومع ذلك ي�شاور لها بطرف �صباعه حت�صله على حجرته عل�شان ينام و�أنا بتقطع من العذاب وببقى عارفة �إنها بتموت غ�صب عنها جوه ومتقدر�ش تقول لأ. هي بتحب واحد تاين من � 12سنة و�أنا و�أخويا عارفني كده وهو بييجي يزورنا يف الأيام اللي بابا بي�شتغل فيها بليل ،هو راجل حمرتم وبيحب ماما وبيحرتمها وبيحبنا احنا كمان وبن�شعر بجو من الدفء وهو معانا يف البيت، حتى ملا ماما بتخرج تقابله بتاخدين معاها دامي ًا ،يف الأول ماكنت�ش طايقاه يف بداية املو�ضوع وكنت يف �أويل �إعدادي وبعد كده �شوية �شوية قبلته خ�صو�صا ملا بقيت م�ش قادرة ا�ستحمل معاملة بابا ليها. وانت قادرة تقبلي �إن ماما تعرف واحد تاين غري بابا؟ وملا ت�شويف ماما بتبقى دبالنة ملا بي�سافر وعندها اكتئاب ونف�سيتها متحطمة وملا بريجع وبيت�صل بيها عل�شان ي�شوفها بتدب فيها الروح وفج�أة بتتحول وبتبقى منطلقة وفيها قوة للحياة ماكانت�ش فيها عل�شان كدة م�ش مت�ضايقة �أنها بتعرفه. بتح�سي ب�إيه ملا بت�شوفيهم �سوا؟ بح�س �أنها م�سكينة ولو كان بابا بيعاملها كوي�س ما كانت�ش تعرف عمو ده، �أيوه �أنا بقوله يا عمو عل�شان هو �شخ�ص حنني قوي ومنني ما ماما بتلج�أ له يف �أي م�ساعدة بتالقيه على طول ويف �أي م�شكلة هي بتكلمه وهو بيفكر وبيتحرك معاها وبيتمنى يخدمها ويخدمنا. 80
كلميني �شوية عن خطيبك؟ هو كان �شخ�ص كوي�س وبيعاملني كوي�س ب�س �أول ما يت�ضايق ويترنفز كنت يف ايه؟ وكنت م�ستغربة �أنه بيحب بخاف قوي و�أقول امال بعد كده هيعمل ّ يت�صل بي كتري وما كنت�ش بالقي حاجة �أقولها له يف التليفون وم�ش عارفة كان بيحبني ليه؟ مع �أن ماما قاليتلي �إين حلوة لكن �أنا م�ش �شايفة نف�سي كده. انت �شايفة ميم �إزاي؟ و�أنا �صغرية م�ش نا�سية ملا كنت مع ماما عند الكوافري وكانت بتتكلم وبتقول �أنا م�ش بحب البنات دول زناننني وابني �شعره حلو ب�س البنت �شعرها خ�شن قوي ،وكنت وقتها الب�سة ن�ضارة كعب كباية وحمد�ش كان بيحب ي�صاحبني .وماكن�ش عندي �أ�صحاب خال�ص ،وكنت بليدة قوي يف املدر�سة وماما كانت بتخلي كل �أوالد العيلة يذاكروا يل وابن �أختها اللي يف نف�س �سني ييجي يذاكريل عل�شان كنت خايبة وهو كان بييجي ب�شنطة �سام�سونيت ويعي�ش يف دور املدر�س وهو بيذاكريل ،وهي كانت ف�ضحاين يف كل حتة وبتقول �إن ميم ما بتعرف�ش تعمل حاجة �أو تروح يف حتة لوحدها وكل النا�س خالتي و�أوالدهم داميا بيعاملوين على �إين خايبة وما بعرف�ش �أت�رصف �أو �أتكلم �أو �أعمل �أي حاجة يف الدنيا ع�شان هي دامي ًا كانت بت�شكيني طول الوقت لكل النا�س .لغاية النهاردة كل ما �أحب �أعمل حاجة �أو �أروح م�شوار ماما بتقويل ده م�شوار �صعب عليكي م�ش هتعريف تروحي لوحدك ،ال ال�شغل ده م�ش هتقدري ت�سدي فيه �إنت عمرك ما بتكملي حاجة للآخر يا ميم خديها من قا�رصها ومرتوحي�ش ،حتى ملا بيبقى عندي انرت فيو لل�شغل بتقويل وفري جمهودك م�ش هيقبلوكي وبت�رص �أنها تروح معايا ومروح�ش لوحدي. 81
�أنا ميكن �شكلي حلو حلد ما زي ما ماما قالت يل لكن �أنا فع ًال م�ش نافعة يف �أي حاجة. تلخي�ص اجلل�سة: يقوم املعالج بعمل نوعني من التلخي�ص ،الأول هو يقدم للم�ست�شري يف نهاية اجلل�سة وذلك بعد جمع املعلومات التي ح�صل عليها من امل�ست�شري ب�صورة متفرقة وي�ضعها بجانب بع�ضها البع�ض ،لكي نقول له �إنني ا�ستمعت �إليك و�أ�شعر مبا تقوله وت�أكيد لر�سالة �أن امل�ست�شري مفهوم وهذا ي�ساعده على مزيد من فهم نف�سه والتالم�س معها ولمَ البعرثة الداخلية التي ي�شعر بها يف ازدحام الأفكار وامل�شاعر، كما �أنه يوجد �سبب �آخر وهو لكي نبني على هذا التخلي�ص الواجب املنزيل الذي �سيقوم به امل�ست�شري ،كما �أن تلخي�ص اجلل�سة ي�ساعد امل�ست�شري يف �صناعة القرار ال�صائب بعد حزم التفا�صيل املهمة باجلل�سة .وال�سبب الأخري هو لتكوين الأجندة للجل�سة التالية بعد احل�صول على نقاط حمددة ملوا�صلة احلوار مع امل�ست�شري. �أما النوع الثاين من التلخي�ص فيتم بني احلني والآخر ملراجعة اخلطة العالجية التي مت االتفاق عليها م�سبق ًا بني املعالج وامل�ست�شري ،ليكون وا�ضح ًا للطرفني �أين نحن الآن؟ وما هي اخلطوة القادمة من اخلطة. الت�شخي�ص Diagnosis
بع�ض الن�صو�ص الكال�سيكية يف امل�شورة ُت�رص على �أن الت�شخي�ص الدقيق هو �أحد املطالب الأ�سا�سية لأي عمل ناجح مع الآخرين ،و�أن جزءاً من الإجهاد الذي يعاين منه امل�شريون النا�شطون ينبع من �إدراكهم ب�أنهم ال يحققون املثاليات العالجية التي قر�أوها �أو �سمعوا عنها .وهم يربرون عدم تركيزهم 82
على الت�شخي�ص ب�أن عليهم �ضغوط ًا من �أجل تقدمي اخلدمة لعدد كبري من النا�س، و�إال فلن يجد ه�ؤالء من يعتني بهم� .إن ه�ؤالء امل�شريين يفعلون ما يف و�سعهم، ويعتربون �أن الت�شخي�ص املو�سع هو �أقرب �إىل الرفاهية منه �إىل ال�رضورة. كما �أن كثرياً من املدار�س العالجية التي تركز على ال�سلوك ،ال تعترب �أن الت�شخي�ص �شيء �أ�سا�سي لتعليم النا�س كيفية التعامل ب�شكل بناء مع م�شاكلهم يف احلياة� .إن فكرة الت�شخي�ص يف جمملها ،كما يقول البع�ض ،هي موروث من النموذج الطبي يف عالج النا�س ،وهي ال تهتم كثرياً يف �أ�ساليب امل�شورة التي تقوم على مبادئ التعلم و�إعادة التثقيف ال�شخ�صي. تعريف الت�شخي�ص: كلمة ت�شخي�ص م�شتقة من الأ�صل اليوناين الذي يعني "فهم املكونات كال على حدة" �أو "التميز بني الأ�شياء" .ورمبا ميكن ترجمتها متييز �أو”تكوين ر�ؤية واعية” .هذه العملية تت�ضمن ا�ستخدام كل قدراتنا لتكوين نوع معني من الت�صور الإن�ساين العميق .وهذا خمتلف متام ًا عن الإدانة القا�سية للم�ست�شري وو�صمه مب�سميات نف�سية تالزمه مدى احلياة� .إن الت�شخي�ص هو عملية حية وتفاعلية ،تكمن قوتها يف �إدراكنا للطرق التي ي�صارع بها النا�س مع م�شكالتهم يف احلياة .فهي ال تعني �أن ن�ضع و�صمة على �شخ�ص من خالل ر�أي �إكلنيكي جامد وغري قابل للتغيري.42 �س /متي ال يفيد الت�شخي�ص؟ ال يفيد الت�شخي�ص �إذا �أدى �إىل خلق م�سافة بني امل�شري وامل�ست�شري .هذا قد يحدث عندما ي�صبح الت�شخي�ص �شكال من الن�شاط الفكري الذي يتم �أ�سا�س ًا 42يوجين كيندي وسارة ك .تشارلس .لكي تصبح مشيراً .ص 126
83
داخل حدود �شخ�صية امل�شري نف�سه ،ت�سيطر عليه الرغبة يف حل الألغاز وك�شف الأ�رسار .هذا بالطبع ال يدخل حتت بند الت�شخي�ص احلقيقي ،و�أمنا هو تعبري عن احتياج امل�شري ملنع النا�س من االقرتاب منه �أكرث من الالزم� .إن التقييم الفكري لنقاط القوة وال�ضعف عند الآخرين هو خطة لبناء الثقة الزائفة لدى امل�شري من خالل تدعيم الوهم ب�أنه م�سيطر على الآخرين.
84
بع�ض املحـــاذير ملحوظةخا�صةملن�سقيجمموعاتامل�شاركة:يوجدفرقكبريبنيم�شاركةاخلربة اخلا�صة كمن�سق جمموعة وبني التفهم الذي يحتاج �إليه امل�شري يف عملية امل�شورة. االنتباه �إىل الطرح والطرح العك�سي� ،إذا كان امل�سرت�شد خمتلف ًا يف اجلن�س مع املر�شد حيث ي�شعر بحاجته املا�سة �إليه ،و�إذا كان املر�شد يتعامل مع امل�سرت�شد بالدفء واملودة ب�أكرب مما يجب �أن تكون عليه العالقة املهنية كما حددها �إلي�س ،هنا نحذر منه ونلفت النظر �إليه والعمل على احلد منه، لأن ميل امل�سرت�شد للمر�شد يتزايد بتكرار املقابالت مما يجعله يعتمد عليه ،وقد يزداد الأمر �سوءاً �إذا بادل املر�شد امل�سرت�شد نف�س امل�شاعر والأحا�سي�س و�أنه هو �أي�ض ًا وقع يف غرامه ،هذا ما ي�سمي بالطرح العك�سي ومن ثم تخرج العالقة الإر�شادية عن م�سارها ال�صحيح. الطرح: وعلى الرغم من �أن �أحد الأهداف الرئي�سية للعالج النف�سي هو متكني املري�ض من االعتناء بنف�سه بكفاءة �أكرب ،وبالتايل تفادي احلاجة �إىل بديل الأب ب�أن ميلك زمام �أمره بيده (�أي ب�أن ي�صبح املري�ض �أب ًا لنف�سه) ف�إن املوقف االنفعايل الذي ي�سود يف املراحل املبكرة من العالج عندما يواجه املعالج �شخ�ص ًا مكروب ًا تع�س ًا ي�شبه بالفعل عالقة الطفل بوالده .هو �أكرث العنا�رص املنفردة �أهمية يف العالج .وما ي�أمل املرء يف حدوثه هو �أن تتمكن املري�ضة (�أو املري�ض) تدريجي ًا وعرب فرتة طويلة من �إدراك �أن هناك �شخ�ص ًا واحداً على الأقل يف هذا العامل يهتم بها ويحاول �أن يفهمها كما هي .وي�ؤدي هذا يف ظل الظروف املالئمة 85
�إىل �أن تدرك املري�ضة �أن هناك �أي�ض ًا �أنا�س ًا غري املعالج يهتمون بها ويودونها. ومن الوا�ضح �أن االجتاهات نحو الوالدين وغريهما من الأ�شخا�ص املهمني يف املرحلة املبكرة لنمو الطفل �ستتحول �أو تنتقل �إىل الأ�شخا�ص الآخرين كلما كرب الطفل .ف�إذا مل ي�ألف الطفل �إال احلب واملعاملة الطيبة يف البيت ،ف�سيتوقع من الأغراب �أن يعاملوه بنف�س الطريقة ،و�إذا ما حرم من احلب �أو من عومل بطريقة �سيئة ،ف�سوف يتعامل مع املعارف اجلدد وهو يتوقع الرف�ض والنبذ .و�إذا ما �سار العالج �سرياً ح�سن ًا ،ف�إن املري�ض �سي�شعر ب�أن هناك على الأقل �شخ�ص ًا واحداً يف هذا العامل لي�س كذلك ومثلما يعمم الأطفال جتربتهم مع �آبائهم متوقعني �أن الآخرين �سيعاملونهم كما عاملهم �آبا�ؤهم ،فنحن ن�أمل �أن املر�ضى الذين يعتربون املعالج �شخ�ص ًا متفهم ًا وم�صدر عون �سيعممون جتربتهم تلك فيعتربون النا�س الذين يقابلونهم �أ�شخا�ص ًا ودودين على �أقل احتمال .وي�صبح العالج النف�سي بهذا ال�شكل ما ميكن �أن ن�سميه (ت�صحيح اخلربة االنفعالية) حيث تعدل الت�صورات ال�سلبية جتاه الآخرين تدريجي ًا. الطرح ي�شري �إىل امل�شاعر التي يبدو �أن ال�شخ�ص الذي ن�ساعده ي�شعر بها من نحونا يف هذه العالقة .غري �أنها يف الواقع م�شاعر متعلقة ب�أ�شخا�ص لهم �أهمية يف املا�ضي يف حياة هذا ال�شخ�ص .مثل الوالدين �أو من قاموا بدورهما .هذه امل�شاعر تنقل لتطرح على امل�شري وقد تكون �إيجابية �أو �سلبية يف نغمتها .يجب �أن يكون امل�شري على وعي ب�أن هذا قد يحدث ،فال يف�رس هذه امل�شاعر على �أنها ما ي�شعر به ال�شخ�ص من نحوه ،لأنه �إذا اجنرف امل�شري ب�سذاجة �إىل التجاوب مع هذه امل�شاعر وك�أنها موجهة �إليه مبا�رشة ،فمن املمكن �أن حتدث بع�ض امل�ضاعفات. مثال :امل�شري الأب الذي يتعامل مع مراهق يعاين من �رصاعات مع والده ،ال ينبغي �أن ينده�ش �إذا وجه �إليه ال�صبي م�شاعر هي يف الأ�صل متجهة �إىل �أبيه الأ�صلي. 86
"الطرح ال�سلبي": فهو ي�شري �إىل امل�شاعر التي ن�شعر بها نحن كم�شريين (والتي �أي�ض ًا قد تكون �إيجابية �أو �سلبية) جتاه ال�شخ�ص الذي نقدم له امل�شورة ،والتي تنبع من ما�ضينا ال�شخ�صي ومن احتياجاتنا ال�شخ�صية ،هذه امل�شاعر قد ت�شمل ال�شعور باالجنذاب ال�شديد� ،أو عدم االجنذاب �إىل ال�شخ�ص الآخر ،وهي م�شاعر خا�صة بنا، وتعرب عن �شيء يف �أنف�سنا يجب �أن ن�سعى لفهمه قبل موا�صلة امل�شورة. ويف احلاالت التي ال ميكن فيها �إزالة "الطرح ال�سلبي" ف�إن العالج �سيتوقف، لأن املري�ض �سيقطعه .ولكن مبا �أن �إ�سقاطات الطرح ت�ستمد ن�ش�أتها من جتربة الطفولة املبكرة ،ف�إنها متيل ،كما �أدرك فرويد� ،إىل �أن تكون غري واقعية ومبالغ ًا فيها .وكلما كان ا�ضطراب املري�ض �أ�شد عمق ًا وكان �أكرث حرمان ًا من العالقات االنفعالية مع الآخرين زاد االحتمال يف �أن يرقي املعالج �إىل الو�ضع الذي يكون فيه "ال�شخ�ص الوحيد الذي يفهم" ومن احلكمة يف مثل هذه املراحل املبكرة من الطرح احلاد �أال نتعجل بتقدمي تف�سريات تهدف �إىل الإ�رساع بعملية ر�ؤية املري�ض للمعالج مبنظار �أكرث واقعية ولي�س هذا على �أي حال �أمراً ممكن ًا على الدوام .وعلى الرغم من �أن املعالج ال ميكن �أبداً �أن يحل حمل والدي املري�ض وال �أن يعو�ض متام ًا ما �سبق افتقاده �أو يعتقد �أنه فقد يف طفولة املري�ض املبكرة� ،إال �أن اعتبار املري�ض املعالج �أب ًا مثالي ًا له ت�أثري ٍ �شاف قد تبدده التف�سريات التي ت�أتي قبل �أوانها .فال�شفاء من امل�صاعب النف�سية هو جزئي ًا �إن مل نقل كلي ًا عملية رمزية تلعب فيها الألفاظ وال�صور الدور الأكرب .يبدو فيها املعالج كما لو كان �سل�سلة من الأ�شخا�ص م�ستمدة من ما�ضي املري�ض وكذلك �سل�سلة من االحتماالت للم�ستقبل.43 43انطونى ستور .فن العالج النفسى 64
87
مثال :الرجل الذي يجد نف�سه منجذب ًا ب�شدة نحو فتاة م�ست�شرية ،لكنه دفاع ًا عن نف�سه ال يعرتف بهذه امل�شاعر ،و�أمنا يعرب عنها فقط ب�شكل غري مبا�رش .فهو يتعامل مع هذه الفتاة بخ�شونة ،وي�ؤنبها با�ستمرار ،لي�س ب�سبب �شيء قالته �أو فعلته ،و�أمنا رداً على م�شاعر الطرح العك�سي املوجود لديه. وعندما ميار�س العالج النف�سي طوال اليوم وكل يوم ين�ش�أ خطر حتول املعالج �إىل «ال �شخ�ص» .ومن ال�رضوري بالن�سبة للمعالج �أن يجد له متنف�س ًا ،مكان ًا يف احلياة يعي�ش فيه من �أجل نف�سه فقط حيث يكون التعبري عن الذات ال نفيها هو املطلوب .كما يجب �أن �ألفت االنتباه �إىل �أن �أ�رس املعاجلني النف�سيني تعاين هي الأخرى وذلك ل�سببني .الأول �أن كتمان �أ�رسار املهنة يعني �أن املعالج ال ي�ستطيع فع ًال �أن يناق�ش عمله مع �أ�رسته. ال�سبب الثاين يف �أن ممار�سة العالج قد ت�ؤدي �أو ت�رض احلياة الأ�رسية ،هو �أنه ملا كان العالج النف�سي مهنة تتطلب ا�ستخدام العواطف واالنفعاالت، ف�إن املعالج النف�سي قد ال يتبقى له �إال قدر �ضئيل من الطاقة االنفعالية لزوجته وعائلته .وهناك خطر �آخر يتمثل فيما ي�سميه يوجن العدوي الال�شعورية؛ فمهما كان املعالج متزن ًا ف�أغلب الظن �أنه �سي�صادف عدداً من املر�ضي تكون مادتهم مقلقة ومثرية لالهتمام يف الوقت نف�سه بحيث ت�ؤثر على توازنه .ف�إذا وجد املعالج نف�سه مهدداً بهذه الطريقة فيجب عليه �أن يناق�ش الأمر مع زميل له ،وقد يجد �أنه من الالزم �أن يخ�ضع ملزيد من التحليل النف�سي لنف�سه� ،أو يجد من الواجب عليه �أن يلزم حدوده .وهناك خطر �آخر يتهدد املعالج ،وهو االنعزال عن النا�س العاديني .فبع�ض املحللني يجدون �أنف�سهم غري قادرين على التوا�صل مع �أي �إن�سان �سوى املر�ضى والزمالء من املعاجلني .ومثل هذه احلياة تقلل من وجود املرء ككائن �إن�ساين. 88
ملحق ()1 تدريبات عملية العزلة وال�صمت: يوجد فرق كبري بني الوحدة والعزلة ،فالوحدة �شيء م�ؤمل وخميف وخوفنا �أن نرتك وحدنا يدفعنا �إىل حيث ال�ضو�ضاء واجلموع ،ولكن الوحدة �أو الرثثرة لي�ستا اخليارين الوحيدين �أمامنا ،ففي و�سعنا �أن نتعهد عزلة و�صمت ًا داخليني يحررانا من الوحدة واخلوف .ذلك �أن الوحدة فراغ داخلي� ،أما العزلة ف�شبع داخلي. تعريف العزلة :العزلة حالة ذهنية وقلبية �أكرث من �أن تكون مكانية .فثمة عزلة قلبية ميكن احلفاظ عليها كل حني ولي�س حل�ضور اجلموع �أو غيابها كثري من العالقة بهذه اليقظة الداخلية ،ف�إذا كانت لنا عزلة داخلية فال نخ�شي البقاء وحدنا لأننا نعلم �أننا ل�سنا وحيدين .وال نخ�شى �أي�ض ًا �أن نوجد مع الآخرين لأنهم لن ي�سيطرون علينا ففي خ�ضم ال�ضجيج والت�شوي�ش ن�ستقر يف �صمت داخلي عميق .و�سواء مبفردنا كنا �أم بني النا�س نحمل معنى مقد�س ًا قلبي ًا قاب ًال للحمل والنقل. ال عزلة بال �صمت ،ومع �أن ال�صمت �أحيان ًا ي�شتمل على غياب الكالم فهو دائم ًا ي�شتمل على فعل الإ�صغاء ،علينا �أن ندرك الرتابط بني العزلة الداخلية وال�صمت الداخلي لكونهما ال ينف�صالن. يقول مثل قدمي« :جميع الذين يفتحون �أفواههم ُيطبِقون عيونهم» .والغر�ض من ال�صمت والعزلة هو �أن نتمكن من �أن نرى ون�سمع ،ويف هذا الإطار نتعلم متى نتكلم ومتى من�سك عن الكالم� .إمنا ال�شخ�ص الذي ينظر �إىل االن�ضباطات على �إنها قوانني �صارمة �سيحول ال�صمت دائما �إىل �أمر �سخيف. 89
�إن ال�شخ�ص املن�ضبط هو �شخ�ص ي�ستطيع �أن يفعل ما ينبغي �أن يفعل حني ينبغي �أن يفعل .كما �أنه حني نكون �صامتني حق ًا حينئذ فقط نتمكن من �أن نتكلم بالكلمة التي ينبغي �أن تقال حني ينبغي �أن تقال. من الأ�سباب التي من �أجلها ال نكاد نطيق البقاء �صامتني �أن ذلك يجعلنا عاجزين جداً .فنحن معتادون كثرياً �أن نعتمد على الكالم كي ندير الآخرين ونتحكم فيهم .و�إن بقينا �صامتني ،فمن يتوىل زمام ال�سيطرة؟.44 خطوات الدخول يف العزلة: �أو ًال :نحتاج �أن ن�ستفيد من العزالت ال�صغرية التي يحفل بها يومنا ،اللحظات ال�صباحية الباكرة يف ال�رسير ،فكر يف عزلة فنجان القهوة يف ال�صباح ،وهناك عزلة ازدحام ال�سيارات ،فهي �أوقات لل�سكينة الداخلية لإعادة توجيه حياتنا كما ب�أبرة بو�صلة ،وهي حلظات ت�ساعدنا على �أن نكون حا�رضين ح�ضوراً �أ�صي ًال حيث نحن. ثاني ًا :ميكننا �أن جند �أو نوجد مكان اختالء خم�ص�ص ًا لل�صمت والعزلة، يوجد بع�ض العائالت لديها كر�سي خا�ص متى جل�س عليه �أحد �أفراد العائلة كان ل�سان حاله "�أرجو �أال تزعجوين� ،إذ �أريد �أن �أختلي بنف�سي". فلن�ضبط �أنف�سنا بحيث تكون كلماتنا قليلة وحافلة باملعنى .ولن�رص معروفني ب�أننا �أ�شخا�ص منلك ما نقوله حني نتكلم. ثالث ًا :حاول �أن تق�ضي يوم ًا بال كالم على الإطالق ال تفعل ذلك ك�أنه قانون، بل على �سبيل التجريب والحظ تكرار �شعورك بالعجز واعتمادك املفرط على 44ريتشارد فوستر .كتاب فرح االنضباط .فصل العزلة والصمت (الناشر أوفير .سنة )2009 ص 139 ،137
90
الكالم لأجل التوا�صل ،حاول �أن تهتدي �إىل طرق للتفاهم مع الآخرين ال تعتمد على الكالم. �إن ح�صيلة العزلة هي ت�ضاعف الإح�سا�س والتعاطف مع الآخرين� .إذ ت�أتينا حرية جديدة لنكون بني النا�س ومعهم .ويح�صل تنبه جديد �إىل احتياجاتهم وجتاوب جديد مع �أوجاعهم. توما�س مرتن� :إمنا يف العزلة العميقة وجدت اللطف الذي ميكنني به �أن �أحب �إخوتي حق ًا .وكلما زادت عزلتي زادت حمبتي لهم� .إن العزلة وال�صمت يعلماين �أن �أحب �إخوتي بالنظر �إىل من هم ال بالنظر �إىل ما يقولون. �إيرك فروم� :إحدى عقبات تعلم فن الوجود هو االنخراط يف احلديث التافه .ما هي التفاهة؟ �إنها تعني حرفي ًا "املكان العام" ،وهي عادة ما ت�سري �إىل �ضحالة ورتابة ونق�ص القدرة �أو اخل�صائ�ص الأخالقية .كما ميكن للفرد تعريف كلمة "تافه" ب�أنه موقف يهتم بظاهر الأمور فح�سب ،ولي�س ب�أ�سبابها �أو مبا يت�ضمنه جوهرها .مثال ميكن �إطالق �صفة "تافه" على موقف ال ميكنه التمييز بني ما هو جوهري وما هو غري جوهري. بوذا عرف الكالم التافه بقوله� :إذا انحدر الراهب �إىل الكالم ،فيجب عليه التفكري مبا يلي" :لن �أتورط بهذا احلديث التافه� ،إنه مبتذل ،دنيوي ولي�س مفيداً ،كما �أن هذا لن يو�صلني �إىل احلياد الكامل واملو�ضوعية وال�سكون والطم�أنينة واملعرفة املبا�رشة والتنور والنريفانا ،لن �أنخرط يف حديث عن الأ�شياء ال�سخيفة مثل الرثثرة عما يفعله امللوك والل�صو�ص والوزراء واجليو�ش واملجاعات واحلروب ،حول الأكل وال�رشب وامللب�س ،وحول التتويج، والعطور ،والأقارب ،وال�سيارات ،والقرى ،واملدن ،والبلدات والبلدان، 91
وحول الن�ساء واخلمر والرثثرة يف الطرقات ،والكالم احل�سن عن الأجداد، وحول خمتلف التفاهات ،واحلكايات عن �أ�صول العامل والبحر ،واحلديث عن �أ�شياء حدثت بهذا ال�شكل �أو ذاك ،والأحاديث املت�شابهة" وهكذا �سيتمكن الراهب من الو�صول �إىل الفهم الوا�ضح.45
45إيرك فروم .فن الوجود .ترجمة ايناس نبيل سليمان. 45 ،44 .
92
ملحق ()2 ممار�سة احلب
46
�إن ممار�سة �أي فن لها متطلبات عامة معينة ،ب�رصف النظر متام ًا عن ما كنا نتناول فن النجارة �أم الطب �أم فن احلب. �أو ًال :وقبل كل �شىء تتطلب ممار�سة الفن النظام .لن �أفلح يف �أي �شيء �إذا مل �أفعله بطريقة منظمة� ،إن �أي �شىء ال �أفعله �إال مبزاج قد يكون هواية جميلة �أو م�سلية ،لكنني لن �أ�صبح �سيداً يف ذلك الفن .غري �أن امل�شكلة لي�ست م�شكلة نظام يف ممار�سة الفن اخلا�ص ،بل النظام يف حياة الإن�سان كلها( .ويق�صد هنا التنظيم الذاتي) �إن احلياة بدون مثل هذا النظام ت�صبح مبعرثة يف حالة فو�ضي وتفتقد �إىل الرتكيز. ثاني ًا:هذا الرتكيز هو �رشط �رضوري لل�سيطرة على الفن ،فالرتكيز �أكرث من النظام الذاتي ،نادراً يف ح�ضارتنا بل بالعك�س �إن ح�ضارتنا ت�ؤدي �إىل منط للحياة ال تركيز فيه� .إنك تفعل عدة �أ�شياء يف وقت واحد� ،أنت تقر�أ وتن�صت �إىل الراديو وتتكلم وت�أكل وت�رشب� .أنت امل�ستهلك ذو الفم املفتوح �شغوف وم�ستعد البتالع كل �شيء .ال�صور ،امل�رشوبات ،املعرفة ،هذا النق�ص يف الرتكيز وا�ضح متام ًا يف �صعوبة االنفراد ب�أنف�سنا. ثالث ًا :هناك عامل ثالث هو ال�صرب� .إن �أي �شخ�ص يحاول �أن ي�سيطر على فن من الفنون يعرف �أن ال�صرب �رضوري �إذا كان يريد حتقيق �شيء .و�إذا ا�ستعجل الإن�سان للو�صول �إىل نتائج �رسيعة ف�إنه لن يتعلم �إطالق ًا هذا الفن .ومع هذا فال�صرب عند الإن�سان احلديث �صعب ممار�سته �ش�أن النظام والرتكيز. 46إيرك فروم .كتاب فن الحب .ص . 921الناشر دار الكلمة سنة 3002
93
رابعا :هناك �رشط لتعلم �أي فن هو االهتمام الأق�صى لإحراز ال�سيادة يف هذا الفن� .إذا مل يكن الفن ذا �أهمية ق�صوى ف�إن ال�شخ�ص مو�ضع التعلم لن يتعلم �شيئ ًا و�سيظل هاوي ًا لكنه لن ي�صبح ا�ستاذاً ،وهذا ال�رشط �رضوري لفن احلب �رضورته لأي فن �آخر ،ورغم هذا يبدو كما لو كانت الن�سبة بني الأ�ساتذة والهواة متيل �أكرث ل�صالح الهواة يف فن احلب عما هو حال مع الفنون الأخرى. الإن�سان ال يبد�أ بتعلم الفن مبا�رشة ولكن ب�شكل غري مبا�رش كما هو الواقع – على الإن�سان �أن يتعلم عدداً كبرياً من الأ�شياء الأخرى – التي ال تبدو مرتبطة يف �أغلب الأحيان – قبل �أن ي�رشع يف الفن نف�سه .فال�صبي حتت التمرين يف النجارة يبد�أ بتعلم كيف ي�سحج اخل�شب ،وال�صبي حتت التمرين يف فن العزف على البيانو يبد�أ بالتدريب على ال�سلم املو�سيقى ،وال�صبي حتت التمرين يف فن الرماية يبد�أ بتمرينات ال�شهيق والزفري .و�إذا �أراد الإن�سان �أن ي�صبح �سيداً يف �أي فن يجب �أن يكر�س حياته كلها له� ،أو يتعلق به على الأقل. �إن �أي �شخ�ص ي�أمل يف �أن ي�صبح �أ�ستاذاً يف هذا الفن يجب �أن يبد�أ مبمار�سة النظام والرتكيز وال�صرب طوال كل حقبة ،من كيف ميكن لإن�سان �أن ميار�س النظام؟ .اال�ستيقاظ مبكراً يف ال�صباح وعدم االنغما�س يف و�سائل الرتف غري ال�رضورية ،والعمل ال�شاق �أنه �صارم وت�سلطي ممركز حول ف�ضائل االقت�صاد والتوفري وهو بعدة طرق معا ٍد للحياة (هذا ما لي�س نق�صده) .تخ�صي�ص قدر معني من الوقت خالل النهار للأن�شطة مثل الت�أمل والقراءة واال�ستماع �إىل املو�سيقى، وعدم االنغمار على الأفالم البولي�سية وعدم الإفراط يف الأكل وال�رشب هي قواعد �أولية ،وعلي �أي حال من اجلوهري �أال ميار�س النظام كقاعدة مفرو�ضة على الإن�سان من اخلارج ،بل تكون تعبرياً عن �إرادة الإن�سان ،و�أنه ي�شعر ب�أنها ممار�سة جميلة و�أن الإن�سان يعود نف�سه ببطء على نوع من ال�سلوك �سيفتقده الإن�سان �إذا ما توقف عن ممار�سته. 94
و�أهم خطوة يف تعلم الرتكيز هي التعلم كيف يكون الإن�سان وحيداً مع نف�سه بدون �إطالع ،بدون ا�ستماع للراديو ،بدون تدخني ،بدون �رشب. واحلقيقة �أن القدرة على الرتكيز تعني القدرة على احلب ،وهذه القدرة هي �رشط دقيق للقدرة على احلب� .إذا تعلقت ب�شخ�ص �آخر لأنني ال �أ�ستطيع �أن �أقف على قدمي ،فقد يكون هذا ال�شخ�ص منقذاً حلياتي ،لكن العالقة حينئذ ال تكون عالقة حب .وعلي نحو متناق�ض ف�إن القدرة على الوحدة هي �رشط القدرة على احلب .و�أي �إن�سان يحاول �أن يكون وحده مع نف�سه �سوف يكت�شف مقدار ال�صعوبة فيها� .إنه �سيبد�أ ي�شعر بعدم اال�ستقرار واال�ضطراب بل و�سي�شعر بقدر كبري من القلق .و�سيميل �إىل عقلنة عدم رغبته يف ا�ستمرار هذه املمار�سة ب�أن يعتقد �أنها بال قيمة ،و�سيالحظ �أي�ض ًا �أن جميع �أنواع التفكري تخطر على باله ،و�أنها ت�ستويل عليه� .سيجد نف�سه يفكر يف خططه يف �آخر اليوم� ...إلخ .و�سيكون من املفيد ممار�سة مترينات ب�سيطة قليلة جداً ،على �سبيل املثال اجللو�س يف و�ضع �إ�سرتخائي و�إغما�ض العينني وحماولة ر�ؤية �شا�شة بي�ضاء �أمام ب�رصه ،وحماولة حمو كل ال�صور والأفكار املتداخلة ثم حماولة متابعة التنف�س ،ال التفكري فيه وال �إرغامه بل متابعته وبهذا ميكن ال�شعور به ،وزيادة على ذلك حماولة متلك ال�شعور "بالأنا"،الأنا :نف�سي،كمركز لقواي ،كخالق لعاملي على الأقل ميكن للإن�سان �أن يفعل مثل هذا التمرين كل �صباح لع�رشين دقيقة و�إذا �أمكن ملدة �أطول وكل م�ساء قبل النوم. وتعلم الرتكيز يقت�ضي جتنب احلديث التافه – بقدر الإمكان – �أي احلديث الذي ال �أ�صالة له ،وهذا يحدث عندما يتحدث ال�شخ�صان �أحاديث منطية وعلى �أ�سا�س الكلي�شيهات ،وعندما ال يكون قلباهما فيما يقوالنه .وبقدر ما هو مهم جتنب احلديث التافه ،من املهم جتنب ال�صحبة ال�سيئة �أي النا�س الذين 95
ماتت نفو�سهم بالرغم من �أن �أج�سامهم ال تزال حية ،النا�س الذين تكون �أفكارهم و�أحاديثهم تافهة والذين ي�ؤكدون الآراء االكلي�شيهية بدل التفكري. الرتكيز يعني العي�ش متام ًا يف احلا�رض ،هنا والآن ،وعدم التفكري يف ال�شيء التايل الذي يجب �أن ُيفعل بينما �أنا �أفعل �شيئ ًا حق ًا الآن ،الإن�سان ال ي�ستطيع الرتكيز دون �أن يكون ح�سا�س ًا لنف�سه .مث ًال ي�سوق �سيارة هو ح�سا�س ًا لها لأي تغيري يف املحرك و�...إلخ ومع هذا ال يفكر يف كل هذه العوامل� ،إن عقله يف حالة تيقظ ا�سرتخائي م�ستعد لكل التغريات الفجائية يف املوقف الذي يفكر فيه. و�إذا نظرنا �إىل ح�سا�سية �إن�سان من �شخ�ص �آخر جند �أو�ضح مثال هو موقف الأم من ر�ضيعها� ،أنها ت�ستيقظ ل�رصاخ ر�ضيعها ،حيث �إن �صوت ًا �آخر ال يوقظها ،كل هذا يعني �أنها ح�سا�سة ملظاهر حياة طفلها ،هي لي�ست قلقة �أو م�ضطربة بل هي يف حالة هدوء يقظ ،وبالطريقة نف�سها ميكن للإن�سان �أن يكون ح�سا�س ًا لنف�سه .47 تدريب عملي على ال�سكينة يف يوم العمل يف العطلة ميكننا �أن من�شي ب�رسعة و�أن جنري ونقوم بكل هذا يف غاية االنفراج لأننا ل�سنا على عجلة من �أمرنا .ملاذا؟ لأننا ال ن�سعي لبلوغ مكان حمدد .فلنتعلم �إذاً كيف نعي�ش دائم ًا وك�أننا يف عطلة� .إن هذا ممكن ف�أنا دائم ًا يف عطلة� ،أي كل ما �أعمله �أقوم به كما لو كنت يف عطلة ،فهناك طريقة يف ال�سري ب�رسعة ولكن بدون ع�صبية �أو ا�ستعجال .فهناك فرق بني ال�رسعة واال�ستعجال. فاال�ستعجال هو �سبب التوتر واالكتئاب� .أما ال�رسعة فيمكننا القيام بها يف هدوء وارتخاء �أع�صاب وبدون توتر ،لو ح�صلتم على هذا النمط الداخلي ( 47الناشر دار الكلمة سنة )2003ص 129إيرك فروم .كتاب فن الحب .
96
املرتاح ،منط العطلة� ،ستقومون بكل عمل وك�أنكم تلعبون .في�صبح عملي لعبة ،ومطبخي لعبة ،وذهابي �إىل ال�سوق لعبة�...إلخ .لأين يف عطلة دائمة .ف�أتذوق ما �أقوم به ،فيفرحني ويريحني ،ويتم كل �شيء على ما يرام. تدرب �أن ت�أخذ ربع �ساعة عطلة وال تقوم ب�أي عمل حاولوا هذا يف ذروة توتركم وقلقكم وان�شغالكم �أن تقولوا "لأعط نف�سي خم�س دقائق عطلة" �ستقولون �إن هذا جنون كال �إنها احلكمة� .أم�ضوا الدقائق اخلم�س هذه وانتم تطلون من النافذة ...ا�ستن�شق الهواء ..ت�أمل الطبيعة وبعد خم�س دقائق �س�أجد �أن العامل جميل ،و�أكون م�ستعداً ملتابعة عملي ،و�سيتم على وجه �أف�ضل بكثري مما لو بد�أته مبا�رشة. وحني حت�صلون على هذا الهدوء وال�سكون ،عليكم �أن تتعلموا كيف توقفون الزمن ،حني ي�رسع ويلح وهذه هي الطريقة� :أنت يف عمل تظنه نافع ًا، ومقتنع ب�أنك �إن توقفت �ستتوقف الأر�ض �أي�ض ًا عن الدوران .ف�إذا قررت يف حلظة ما �أن تتوقف� ،ستكت�شف �أموراً مثرية. �ستكت�شف �أو ًال �أن الأر�ض ال تتوقف عن الدوران و�أن العامل ي�ستطيع �أن يتنظر خم�س دقائق ،ت�شغل فيها انتباهك ب�شيء �آخر .ف�أول �شيء عليك فعله هو �أن تقول "�س�أتوقف عن املو�ضوع الفالين مهما ح�صل" لأنه لن يتوقف العمل �أبداً ولن تنتهوا من عملكم �أبداً و�إن مل ت�أخذوا هذا املوقف لن تتوقفوا البتة لآن العمل ال نهاية له ،ولي�س �سبب لإيقافه ،اللهم �إال بفعل �إرادي .فما ينق�صنا هو الإرادة.48
48هنرى بوالد .االنسان وسر الزمن118 ،117 .
97
ملحق ()3 مهارة التفكري الناقد � .1إن نعمة العقل كغريها من النعم حتتاج �إىل �صونها ورعايتها ،وذلك لأن العقل له ملكات وقدرات ال بد من تنميتها وتدريبها ،كي ال تكون �أ�سرية اال�ستخدام املحدود لها ،مما ي�ؤدي �إىل تعطيلها وجمودها. � .2إن التفكري من �أرقى العمليات العقلية ،و�أكرثها تعقيداً ،والإن�سان ي�ستخدمه يف جميع منا�شط حياته ،ب�صورة طبيعية وتلقائية. � .3إن ممار�سة التفكري تختلف من �شخ�ص �إىل �آخر ،بح�سب ن�شاطه العقلي ،ومهاراته التي اكت�سبها �أو تعلمها. � .4إن للتفكري مهارات قابلة للتعلم ،ك�أي مهارات �أخرى يتعلمها ليو�سع مداركه ،وليكون �أكرث فاعلية يف مواجهة م�شكالته، الإن�سانّ ، و�أقدر على الإبداع. �أو ًال� :أنواع مهارات التفكري يتم عاد ًة ت�صنيف مهارات التفكري �إىل ق�سمني: .1مهارات التفكري الأ�سا�سية :مثل التذكر ،واملالحظة ،والت�صنيف، واملقارنة ..الخ. .2مهارات التفكري العليا :مثل حل امل�شكالت ،اتخاذ القرار ،التفكري الإبداعي ،التفكري الناقد. 98
ونالحظ �أن مهارات التفكري الأ�سا�سية مثل حروف اللغة ،ومهارات التفكري العليا مثل الكلمات ،وبدون احلروف ال تنتج الكلمات. و�سوف نركز يف هذا الف�صل على مهارة التفكري الناقد. ثاني ًا :تعريفات التفكري الناقد .1التفكري الناقد يعني مبدئي ًا :التمهل يف �إعطاء الأحكام حلني التحقق من الأمر ،وهو ي�ستخدم للحكم على موثوقية� ،أو قيمة� ،أو دقة� ،أو م�صداقية، �أو منطقية فكرة �أو �أفكار معينة. .2التفكري الناقد :عملية تفكريية مركبة عقالنية �أو منطقية ،يتم فيها �إخ�ضاع (فكرة) �أو �أكرث للتحقق والتق�صي ،وجمع و�إقامة الأدلة وال�شواهد مبو�ضوعية وجترد على مدى �صحتها ،ومن ثم �إ�صدار حكم بقبولها من عدمه ،اعتماداً على معايري �أو قيم معينة. (الفكرة) :قد تكون ق�ضية� ،أو خرب� ،أو رواية� ،أو ادعاء� ،أو �إجراء� ،أو حدث. .3التفكري الناقد :ن�شاط عقلي مت�أ ّمل وهادف ،يقوم على احلجج املنطقية، وغايته الو�صول �إىل �أحكام �صادقة ،وفق معايري مقبولة ،ويت�ألف من جمموعة مهارات ميكن ا�ستخدامها ب�صورة منفردة �أو جمتمعة ،وت�صنف �ضمن ثالث فئات ،التحليل والرتكيب والتقومي. ثالث ًا :مكونات التفكري الناقد يرتبط التفكري الناقد بالعديد من الأفعال ،ومن �أبرزها :التمهل ،والتعقل، والتفتح العقلي ،وطرح الت�سا�ؤالت ،واال�ستي�ضاح ،والتحقق ،والرجوع �إىل 99
امل�صادر ،وتقومي امل�صادر ،وجمع الأدلة وال�شواهد على �صحة �أمر ما ،وتقومي الأدلة ،وبناء املعايري للحكم ،والتعليل ،واال�ستنتاج ،ومعرفة االفرتا�ضات، واال�ستنباط ،وحتليل الأفكار ،والبحث عن الأ�سباب ،والأمانة العلمية، واتباع الدليل ،والأخذ باالعتبار جميع االحتماالت ،واال�ستناد �إىل التعقل �أكرث من االنفعال ،والأخذ باالعتبار �أي�ض ًا وجهات نظر الآخرين وتف�سرياتهم، واالهتمام ب�إيجاد احلقيقة ،والتقومي ،و�إ�صدار الأحكام. رابع ًا :مثال على التفكري الناقد من �أبرز مهارات التفكري الناقد (الفرعية) مهارة التمييز بني احلقيقة والر�أي. ي�شري مفهوم (احلقيقة) �إىل معلومات تقريرية ،بالإمكان مالحظاتها �أو اال�ستيثاق منها �أو الت�أكد من دقتها. �أما مفهوم (الر�أي) فهو تعبري عن تقييم يعتمد على احلكم ال�شخ�صي� ،أو االنطباع �أو االعتقاد ،ويف الوقت نف�سه ميكن الوثوق به �أو عدم الوثوق به. �أمثلة على (احلقائق) .1جمموع زوايا املثلث ي�ساوي 180درجة. .2القاهرة عا�صمة جمهورية م�رص العربية. .3تنق�سم الكلمة �إىل ا�سم وفعل وحرف. �أمثلة على (الآراء) .1تخ�ص�ص الطب البيطري �أف�ضل من تخ�ص�ص الطب الب�رشي. � .2شعر �أحمد �شوقي �أجمل من �شعر حافظ �إبراهيم. .3تعلم الريا�ضيات �أ�صعب من تعلم اللغة الإجنليزية. .4مهنة الطب هي �أ�سمى املهن يف العامل. 100
خام�س ًا :خ�صائ�ص املفكر الناقد .1م�ستوعبوملمباملو�ضوعحملالتفكري،ولي�سمتطف ًاليتدخليفكل�شيء. .2ال يجادل يف �أمر عندما ال يعرف �شيئ ًا عنه. .3يعرف متى يحتاج �إىل معلومات �أكرث حول �شيء ما. .4يعرف الفرق بني نتيجة "رمبا تكون �صحيحة" ،ونتيجة "ال بد �أن تكون �صحيحة". .5يعرف ب�أن لدى النا�س انطباعات خمتلفة حول فكرة ما. .6ي�ستطيع جتنب الأخطاء ال�شائعة يف ا�ستدالله للأمور. .7يت�ساءل عن �أي �شيء يبدو غري معقول� ،أو غري مفهوم بالن�سبة �إليه. .8ي�ستطيع ف�صل التفكري العاطفي عن التفكري املنطقي. .9يبحث عن الأ�سباب والعلل والبدائل. .10يتعامل مع املوقف املعقّد بطريقة منطقية. .11ي�ستخدم م�صادر علمية موثوق بها وي�شري �إليها. .12ي�أخذ جميع جوانب املوقف بنف�س القدر من الأهمية. .13يبقى على �صلة بالنقطة الأ�سا�سية �أو جوهر املو�ضوع. .14يتخذ موقف ًا� ،أو يتخلى عن موقف ،عند توافر �أدلة و�أ�سباب كافية لذلك.
101
�ساد�س ًا :الفوائد التي يكت�سبها الإن�سان من التفكري الناقد � .1إن تفكريك ب�شكل ناقد يجعلك �أكرث �صدق ًا مع نف�سك ،ولن تخاف ب�أن تعرتف ب�أنك كنت على خط�أ ،كما يجعلك تتعلم من �أخطائك ،و�ستكون �أكرث ا�ستقاللية. .2ي�ساعدك التفكري الناقد �أن تتخيل نف�سك يف مكان الآخرين ،ومن ثم �إمكانية �أن تفهم وجهات نظرهم ،و�أن تطور قدراتك على اال�ستماع �إليهم بعقلية منفتحة ،حتى و�إن كانت وجهات نظرهم خمالفة لك. يح�سن قدراتك على ا�ستخدام عقلك بدل عواطفك، .3التفكري الناقد ّ وت�ستطيع حتديد م�شاعرك ،وربطها منطقي ًا مع �أفكارك ،و�سي�ساعدك ذلك على تطوير م�ستويات �أف�ضل من التفكري. .4ي�ساعدك التفكري الناقد على �صنع القرار احلكيم يف احلياة اليومية. يح�سن التفكري الناقد من قدرتك على البحث اجلاد يف كثري من الأمور. ّ .5 .6ممار�ستك للتفكري الناقد تنمي قدرتك على املناق�شة ،واحلوار ،والقدرة على التوا�صل ،والتفاو�ض مع الآخرين.49 مفهوم التفكري الناقد ورد الفعل «نقد» يف «ل�سان العرب» مبعنى َّميز الدراهم و�أخرج الزيف منها؛ (ابن منظور� ،صفحة ،)425كما ورد تعبري «نقد ال�شعر ونقد النرث» يف «املعجم الو�سيط»؛ مبعنى� :أظهر ما فيهما من عيب �أو ح�سن؛ (� ،1985صفحة .)982 49فهد عبد الرحمن الشميمري .كتاب التربية االعالمية .الباب الثالث كيف نتعامل مع االعالم .
102
كاتب عم ُله متيي ُز العمل الفني ،جيده من رديئه ،و�صحيحه من زيفه. والناقد الفني ٌ �أما التفكري الناقد فهو مفهوم َّ مركب ،له ارتباطات بعد ٍد غري حمدود من ٌ متداخل مع ال�سلوكيات يف عد ٍد غري حمدود من املواقف والأو�ضاع ،وهو مفاهيم �أخرى؛ كاملنطق ،وحل امل�شكلة ،والتعلم ،ونظرية املعرفة ،ويعبرِّ "جون ديوي" عن جوهر التفكري الناقد يف كتابه "كيف تفكر" بالقول�" :إنه التمهل يف �إعطاء الأحكام وتعليقها حلني التحقق من الأمر",Dewey( 50 .)1982 املجرد عند بياجيه (,Meyer وهناك َمن يرى ب�أن التفكري الناقد يقابل التفكري َّ ،)1991ويت�ألف من ثالثة مكونات ،هي: • �صياغة التعميمات بحذر. • النظر والتفكر يف االحتماالت والبدائل. • تعليق احلكم عن ال�شيء �أو املوقف حلني توافر معلومات و�أدلة كافية. ويف بع�ض املراجع يتم التعر�ض للتفكري الناقد يف معر�ض احلديث عن حل امل�شكالت (�أو التفكري املنطقي). و�إذا رجعنا �إىل الكلمة الإجنليزية ،Criticalجند �أنها م�شتقة من الأ�صل الالتيني � Criti - cusأو اليوناين ،Kritikosوالذي يعني بب�ساط ٍة القدر َة على التمييز �أو �إ�صدار الأحكام. ُ املدلول اللغوي للكلمة اليونانية النظر َة التقليدية القدمية للتفكري، وقد يف�سرِّ هذا التي �أر�سى قواعدها وتب َّناها الفال�سف ُة الثالثة (�سقراط و�أفالطون و�أر�سطو)، 50رابط الموضوع : http://www.alukah.net/social/0/60740/#ixzz2vZhxKDka
103
وتتلخ�ص تلك النظرة يف �أن مهارات التحليل واحلكم واملجادلة كافية للو�صول َّ �إىل احلقيقة ،كما قد يكون مفهوم التفكري الناقد يف الأدب الرتبوي املعا�رص مت�أثراً بهذه النظرة التقليدية للتفكري ،ويعلق ديبونو )1994 (,De Bonoعلى ذلك مهمة يف عملية التفكري �أو التفكري بالقول�" :إن مهارات التحليل واحلكم واملجادلة َّ حد ذاتها؛ الفتقارِها �إىل عنا�رص يف غاية الأهمية؛ الناقد ،ولكنها لي�ست كافية يف ِّ من مثل :جوانب التفكري الإنتاجية والإبداعية والتوليدية والت�صميمية" ،ولي�س مبجرد التو�صل �إىل احلقيقة عن ممكن ًا ُّ التقد ُم يف جماالت العلوم والتكنولوجيا َّ طريق نق ِد مدى �صحة الفر�ضية �أو املعلومة القائمة ،وال بد من ا�ستكمال املهمة باالنتقال �إىل مرحلة �أخرى ،رمبا تكون �أكرث �أهمية ،بتوليد فر�ضيات جديدة و�أفكار �إبداعية ملعاجلة املوقف �أو حل امل�شكلة. ورمبا كان التفكري الناقد من �أكرب �أ�شكال التفكري َّ املركب ا�ستحواذاً على ِّ واملفكرين الرتبويني ،الذين ُعرِفوا بكتاباتهم يف جمال التفكري، اهتمام الباحثني كما �أن تعبري "التفكري الناقد" من �أكرث التعبريات التي ُي�ساء ا�ستعمالها من ق َِبل الكثريين يف و�صف عمليات التفكري ومهاراته. ويف عامل الواقع ،ي�ستخدم التعبري للداللة على ٍ معان جديدة ،من �أهمها: الك�شف عن العيوب والأخطاء -ال�شك يف كل �شيء -التفكري التحليلي - التفكري الت�أملي -حل امل�شكلة -كل مهارات التفكري العليا يف ت�صنيف بلوم كل مهارات التفكري املهمة -التفكري الوا�ضح -التفكري اليقظ -التفكريامل�ستقل -والتعرف على �أوجه التحيز والتناق�ض وعدم االت�ساق. يفرق الباحث �إن�س ( )1962 ,Ennisبني التفكري الناقد ويف هذا ال�صدد ِّ وحل امل�شكلة ،بالرتكيز على نقطتي البداية والنهاية يف ٍّ كل منهما ،فالتفكري الناقد يبد�أ بوجود ا ِّدعاء �أو ا�ستنتاج �أو معلومة ،وال�س�ؤال املركزي هو" :ما 104
قيمة �أو مدى �صحة ال�شيء؟" ،بينما حل امل�شكلة يبد�أ مب�شكلة ما ،وال�س�ؤال املركزي هو" :كيف ميكن حلها؟" ،ي�ضاف �إىل ذلك �أن التفكري الناقد لي�س يتكون �إ�سرتاتيجية كما هو الأمر بالن�سبة حلل امل�شكلة �أو اتخاذ القرار؛ لأنه ال َّ ٍ موقف ما من �سل�سلة من العمليات والأ�ساليب التي يمُ كِ ن ا�ستخدامها يف معاجلة ب�صورة متتابعة ،ولكنه عبارة عن جمموعة من العمليات �أو املهارات اخلا�صة التي ميكن �أن ت�ستخدم ب�صورة منفردة �أو جمتمعة ،دون التزام ب�أي ترتيب حدد باير ( )1985 ,Beyerع�رش مهارات للتفكري الناقد نوردها معينَّ ،وقد َّ فيما يلي: • التمييز بني احلقائق التي ميكن �إثباتها �أو التحقق من �صحتها ،وبني االدعاءات �أو املزاعم الذاتية �أو القيمية. • التمييز بني املعلومات واال ِّدعاءات والأ�سباب ذات العالقة باملو�ضوع، قحم على املو�ضوع وال ترتبط به. وتلك التي ُت َ • حتديد م�صداقية م�صدر املعلومات. التعرف على اال ِّدعاءات �أو الرباهني واحلجج الغام�ضة. • ُّ
التعرف على االفرتا�ضات غري الظاهرة �أو املت�ضمنة يف الن�ص. • ُّ • حتري التحيز �أو التحامل.
• التعرف على املغالطات املنطقية. • التعرف على �أوجه التناق�ض �أو عدم االت�ساق يف م�سار عملية اال�ستدالل املقدمات �أو الوقائع. من ِّ • حتديد درجة قوة الربهان �أو اال ِّدعاء. 105
يتحري مواقع التحيز �أو التناق�ض يف ن�ص وقد ميار�س الفرد التفكري الناقد ب�أن َّ معني دون غريهما من مهارات التفكري الناقد الأخرى ،وت�ضم كل مهارة من عدا تقييميًّا. عدا حتليليًّا وبُ ً مهارات التفكري الناقد التي �أوردها باير بُ ً • التفكري الناقد ي�ستلزم �إ�صدار حكم من جانب الفرد الذي ميار�سه. • التفكري الناقد يحتاج �إىل مهارة يف ا�ستخدام قواعد املنطق واال�ستدالل املنظمة للأمور. • التفكري الناقد ينطوي على جمموعة من مهارات التفكري التي ميكن تعلمها والتدرب عليها و�إجادتها.51
: http://www.alukah.net/social/0/60740/#ixzz2vZjAb5hj 51
106
املراجـــع باتر�سون� ،س.هـ .نظريات الإر�شاد والعالج النف�سي ،ترجمة حامد عبد العزيز الفقي .دار القلم للن�رش والتوزيع �.سنة 1990م. �ستور� ،أنطوين .فن العالج النف�سي ،ترجمة لطفي فهيم ،دار الطليعة للن�رش بريوت� ،سنة 1992م. ال�سلمي ،يوحنا .ال�سلم �إىل الله .من�شورات النور . روجرز ،كارل� .أن ت�صري �إن�سان ًا ،ترجمة �أ�سامة القفا�ش ،مكتبة دار الكلمة للن�رش والتوزيع� ،سنة 2009م. �إبراهيم ،عبد ال�ستار .العالج النف�سي ال�سلوكي املعريف احلديث ،دار الفجر للن�رش والتوزيع� ،سنة 1993م. ماى ،رولو .فن امل�شورة .ترجمة �أ�سامة القفا�ش .دار ن�رش دار الكلمة. �سنة 2004م. ال�شناوى ،حمرو�س .العملية امل�شورية ،دار غريب للطباعة والن�رش والتوزيع – القاهرة 1996م. كالينبل ،هوارد .الن�صح الرعوي .ترجمة مني�س عبد النور ،دار الطباعة القومية بالفجالة� ،سنة 1987م. فروم � ،إيرك .فن الأ�صغاء .ترجمة حممود منقذ الها�شمي .من من�شورات احتاد الكتاب العرب .دم�شق2004 .م . علي ،نبيل .العقل العربي وجمتمع املعرفة .اجلزء الثاين .النا�رش املجل�س الوطني للثقافة والفنون والآداب .الكويت .دي�سمرب 2009 107
ايجان ،جريارد .مهارات امل�شورة .ترجمة �أو�سم و�صفي .النا�رش كني�سة الإجنيلية ق�رص الدوبارة 2006م. �أدلر� ،ألفرد .فهم الطبيعة الب�رشية ،ترجمة عادل ب�رشى ،امل�رشوع القومي للرتجمة .القاهرة� ،سنة 2005م . ال�شناوى ،حممد حمرو�س .العملية الإر�شادية .دار غريب للطباعة والن�رش والتوزيع .القاهرة 1996م. �آالن ،جيم�س .كما فكر الإن�سان هكذا يكون .ترجمة �إيهاب فاروق. �سل�سلة الكال�سيكيات د� .سامي فوزي .القاهرة 2014م. براون،نيل .كيلي ،م� .ستيوارت .طرح اال�سئلة املنا�سبة .مر�شد للتفكري الناقد .ترجمة جنيب احل�صادى ،حممد �أحمد ال�سيد .املركز القومي للرتجمة 2009 .م. بيك ،جوديث .العالج املعريف الأ�س�س والأبعاد ،ترجمة طلعت مطر، دار الن�رش املركز القومي للرتجمة �سنة 2007م. بيك� ،آرون .العالج املعريف واال�ضطرابات الإنفعالية ،ترجمة عادل م�صطفى ،دار النه�ضة العربية �سنة 2000م. زهران ،حامد عبد ال�سالم .ال�صحة النف�سية والعالج النف�سى .عامل الكتب ،الطبعة الثالثة� ،سنة 1997م. يوجني ،كيندي .و ت�شارل�س � ،سارة ك .لكي ت�صبح م�شرياً .ترجمة �إيفا وهيب .النا�رش م�ؤ�س�سة احلياة 2009 .م باولبى ،جون .رعاية الطفل وتطور احلب .ترجمة ال�سيد حممد خريي. دار الن�رش دار املعارف مب�رص 1960 .م. 108
م�صطفى ،عادل .املغالطات املنطقية .املجل�س الأعلى للثقافة 2007 .م. فروم� ،إيرك .فن الوجود .ترجمة اينا�س نبيل �سليمان .دار حواء للن�رش والتوزيع .الالذقية� .سورية .الطبعة الأوىل� .سنة .2011 فو�سرت ،ريت�شارد .كتاب فرح االن�ضباط .ف�صل العزلة وال�صمت .النا�رش �أوفري� .سنة . 2009 فروم� ،إيرك .كتاب فن احلب .النا�رش دار الكلمة �سنة 2003 بوالد ،هرني .الإن�سان و�رس الزمن .النا�رش دار امل�رشق� .سنة . 1999
مراجع �أجنبية: Gerard Egan. The Skilled Helper. Brooks/cole. publishing. .Company. 1986 by wadsworth,Inc.,California 94002
مواقع �إلكرتونية: ixzz2vZhxKDka#/60740/http://www.alukah.net/social/0
109