أوهام المقاومة

Page 1

‫‪cartier.com‬‬

‫روتوند دو كارتييه‬

‫مكرر الدقائق‪ ،‬التوربيون المحلقة ‪ 9402‬إم سي‬ ‫موثقة بدمغة جنيف‪ ،‬الكاليبر ‪ 9402‬إم سي دو كارتييه تجمع مابين اثنتين من أكثر تعقيدات الساعات الكبرى اعتباراً و‬ ‫ً‬ ‫هيبة‪ :‬مكرر الدقائق و التوربيون المحلقة‪ .‬بضغطة واحدة على الزر الجانبي يقوم مكرر الدقائق بتفعيل مطرقتين يمكن‬ ‫رؤيتهما من خالل ميناء الساعة فتعطيان الرنات التي تشير بالترتيب إلى الساعات و أرباع الساعات و الدقائق بالتطابق مع ما‬ ‫تؤشر إليه عقارب الساعة‪ .‬يتم تنظيم الرنات بواسطة دوالب موازنة يعمل بالقصور الذاتي و يمكن رؤيته في موقع الساعة‬ ‫السادسة و يكمل ألف دورة في الدقيقة‪ .‬مطور من خالل عدم وجود الجسر الذي يربطه إلى ميناء الساعة‪ ،‬يظهر التوربيون‬ ‫المحلق و كأنه يطفو في قلب الساعة مبدع ًا تأثيراً بصري ًا فريداً‪.‬‬ ‫علبة الساعة من التيتانيوم‪ ،‬تاج مصقول مرصع بحجر السافير بقطع كابوشون‪ ،‬حركة ميكانيكية بتعبئة يدوية شغل الدار‪،‬‬ ‫مكرر الدقائق و توربيون محلق كاليبر ‪ 9402‬إم سي‪ ،‬تصديق دمغة جنيف (‪ 45‬جوهرة‪ 447 ،‬جزءاً‪ ،‬تردد ‪ 21600‬ذبذبة في‬ ‫الساعة‪ ،‬خزان طاقة مزدوج‪ ،‬احتياطي الطاقة قرابة ‪ 50‬ساعة)‪ ،‬مكرر الدقائق مع دوالب موازنة‪ ،‬مطارق و أجراس قرصية‬ ‫مرئية على جانب الميناء‪ ،‬توربيون محلق بدوار على شكل الحرف ‪. C‬‬

‫بوتيك كارتييه في المملكة العربية السعودية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ساكس فيفث أفنيو‪ ،‬مركز المملكة‪،)01( 211 2450 :‬‬ ‫مجمع سنتريا‪ ،‬شارع العليا العام‪)01( 462 6959 :‬‬ ‫ّ‬ ‫جدة‪ ،‬شارع التحلية‪)02( 660 0720 :‬‬ ‫ّ‬ ‫مجمع الراشد مول‪)03( 881 4484 :‬‬ ‫‪،13‬‬ ‫الخبر‪ ،‬بوابة‬ ‫ّ‬



‫الكلمة الأخرية‬

‫ماذا يعني أن يحتفل أبناء اململكة العربية السعودية بيومهم الوطني‪ ،‬وماذا يعني هذا االحتفال‬ ‫ملن ينظر إلى هذه البالد وشعبها من مسافات قريبة أو بعيدة‪ .‬احتفلت اململكة بيومها الوطني‬ ‫(‪ )83‬وهذا يعني أن البالد عاشت سنوات طواال من السعادة والرخاء لم يعكر صفوها – ولله‬ ‫الحمد – ما يستوجب عدم االحتفال‪ .‬في هذه املناسبة‪ ،‬تكتسي البالد حلة خضراء واألعالم‬ ‫ترفرف في أرجائها تتوسطها عبارة (ال إله إال الله محمد رسول الله) في إطار فريد ومبهج ال‬ ‫مثيل له في أي دولة أو جهة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حري باململكة أن تحتفل ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫متجدد لم يعكر صفوه زعزعة أمن‬ ‫وحري بشعبها أن يفرح في عام‬

‫أو مخاطر يعاني منها اآلخرون‪ .‬من تسري في جوانبه نشوة الفرحة في اململكة باليوم الوطني‬ ‫ينظر بعني ثاقبة إلى دول الجوار وهي تعاني من ويالت الحروب والصراعات التي خلفت آالف‬ ‫القتلى وأضعافهم على األسرة في املستشفيات‪ .‬هناك من يعاني مآسي الخالفات السياسية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وهناك من يعاني من الخالفات املذهبية‪ ،‬وهناك من ينفذ أجندات فرضت عليه لتحقيق مطامع‬ ‫ومكاسب سياسية أو عسكرية‪.‬‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫عبد الرحمن عبدالعزيز الهزاع‬

‫اململكة في ظل قيادة رشيدة وتوجهات وسياسات حكيمة‪ ،‬منذ عهد املؤسس امللك عبد‬ ‫العزيز طيب الله ثراه وإلى اليوم في عهد خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز‪،‬‬ ‫تسترجع في كل يوم وطني ما تحقق خالل العام من إنجازات ومكاسب على كافة األصعدة‪.‬‬ ‫في السياسة يحترم الجميع مواقف اململكة ويقتدي بها في التعامل مع كل ما تشهده الساحة‬ ‫من خالفات وصراعات دولية أو مناطقية‪ .‬وفي االقتصاد ال تزال اململكة من الدول األولى في‬ ‫تحقيق أعلى معدالت النمو االقتصادي وارتفاع امليزانيات واالحتياطات املالية والبترولية‪.‬‬ ‫ثقافة الحوار مع اآلخر والتقارب بني اتباع االديان والثقافات تظل أيضا بصمة بارزة يستذكرها‬ ‫الجميع في إطار ما حققته اململكة من إنجازات عجز عنها اآلخرون‪ .‬وقد اشاد بهذه الخطوة‬ ‫الجميع بعد إن انطلقت بداياتها من جوار الكعبة املشرفة في مكة املكرمة قبل عدة سنوات‪.‬‬

‫ّ‬ ‫حري بنا أن نحتفل‬

‫الحرص على تحقيق مصالح االفراد وتلبية متطلباتهم في كل ما فيه‬ ‫السعادة هي من املرتكزات التي يؤمن بها ويعمل على تنفيذها كل مسؤول‬ ‫ومواطن منذ اليوم األول لتوحيد اململكة‪ ،‬وتبرز على الساحة في كل يوم‬ ‫وطني‪.‬‬

‫في دول أخرى في عاملنا اليوم وخارجه نرى مجازر الخالفات والحروب مستمرة‪ ،‬ونرى‬ ‫املواطن يقتل بني جلدته‪ .‬بل قد ترى أبناء العشيرة يقتل بعضهم البعض في سعي ممقوت‬ ‫لتحقيق أهداف ومكاسب غير مشروعة تصل في بعض حاالتها إلى الوحشية وعدم إيالء أي‬ ‫اهتمام لجنس البشر أو حاالتهم االجتماعية واألسرية‪.‬‬ ‫في يوم الوطن في اململكة لبس الجميع الثياب الخضر تجمعهم أهداف وتوجهات واحدة‪ ،‬وفي‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫يوم الذكرى أتحدت كل القلوب وانصهر الجميع في قالب ال يعرف العنصرية وال الطائفية‬ ‫ً‬ ‫وال املناطقية‪ .‬تدير املؤشر على قناة فترى رجاال يؤدون األلوان الفلكلورية السعودية بنسق‬ ‫وتناغم‪ ،‬وتدير املؤشر على قناة أخرى فترى العائالت مصطحبة اطفالها في املتنزهات‬ ‫واألسواق وكل طفل يحمل في يديه (علم بالدي)‪ .‬ولو أدرت املؤشر بطريق الخطأ على قناة‬ ‫غريبة لرأيت الجميع يحمل الرشاش أو يصوب قنابل (اآلر بي جي) إلى خصومه ممن قد‬ ‫يكونون من مواطني بلده‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حق ألهل اململكة العربية السعودية أن يرفعوا رؤوسهم شامخة في يومهم الوطني وهم‬ ‫يعيشون أيامًا وليالي زاخرة باالنجاز في كل القطاعات‪ ،‬وفي الوقت نفسه بعيده كل البعد عن‬ ‫ً‬ ‫ما ُيقلق أو يشغل البال بما سيكون عليه املستقبل‪ ،‬فالحمد لك يا رب أوال وآخرًا‪ ،‬وشكرًا لقائد‬ ‫املسيرة والعاملني معه‪ ...‬ودام عزك يا وطن‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬


‫فاطمة سالم بمالبس سوداء‬ ‫تتوسط زميالتها داخل مدرسة‬ ‫السنية سنة ‪1927‬‬

‫ريادة األوائل‬ ‫يمكن اعتبار أن فاطمة سالم أول َمن حظي بالتعليم العالي‪ ،‬وحصلت‬ ‫على الدكتوراه‪ ,‬إذ لم يسبقها في ذلك رجل وال امرأة الخليج العربي كما‬ ‫تؤكد املؤلفة‪ ،‬حيث تضيف‪« :‬لكون فاطمة سالم رائدة من رائدات القرن‬ ‫املاضي‪ ,‬كان من الطبيعي أن تستتبع هذه الريادة باالعتراف والتعبير‬ ‫بما تستحقه الشخصية‪ ,‬ملا لها من تميز وخصوصية‪ .‬ومن ثم تكريم‬ ‫فاطمة سالم أخذ أشكاال عدة ومستويات مختلفة»‪.‬‬ ‫ فعلى مستوى الدولة‪ ,‬كرمت أ‪.‬د‪ .‬فاطمة سالم بميدالية ذهبية تذكارية‪,‬‬‫من قبل الزعيم الراحل محمد أنور السادات‪ ,‬وذلك في سنة ‪1978‬م‪,‬‬ ‫خالل االحتفال الذي أقامته جمهورية مصر العربية‪ ,‬تكريما وعرفانا‬ ‫ّ‬ ‫للدور البناء‪ ،‬الذي قام به جيل األوائل من رواد ورائدات القرن العشرين‪.‬‬ ‫ وعلى املستوى الجامعي‪ ,‬كرمت فاطمة سالم في سنة ‪1978‬م‬‫بشهادة تقدير من قبل جامعة اإلسكندرية‪ ،‬تضمنت الشكر واالمتنان‬ ‫والعرفان بجهودها في مجال األبحاث العلمية‪ ,‬فضال عن أداء رسالتها‬ ‫في مجال التعليم وخدمة املجتمع طوال مدة خدمتها وبوصفها أستاذة‬ ‫للغة الالتينية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن املعمري لم تتزوج قط‪ ،‬فإنها لعبت دورا مؤثرا‬ ‫ومهما كأم ألوالد وبنات إخوتها‪ ،‬الذين سافر كثير منهم لإلقامة‬ ‫والدراسة بمصر‪ ،‬وهي التي أصرت أن ينادوها بماما فاطمة‪ .‬وأخذت‬ ‫على عاتقها اإلشراف على جوانب عدة من تعليمهم‪ ،‬فيتذكر ابن‬ ‫أختها الكبرى محمد علي بن محسن البرواني قائال‪« :‬لقد أجدت اللغة‬ ‫اإلنجليزية دون أن أدرك كيف تعلمتها أو كيف تطورت»‪.‬‬ ‫تعد هذه السيرة توثيقا لحياة املعمري ومسيرتها األكاديمية‪ ،‬كما جاءت‬

‫على لسان كثير من الشخصيات في األسرة امللكية الحاكمة (آل سعيد)‬ ‫وأفراد أسرتها وبعض األصدقاء والزمالء األكاديميني‪ .‬يدور الفصل‬ ‫األول من الكتاب حول حياة املعمري بأبعادها املختلفة؛ إذ يعرض‬ ‫مولدها ونشأتها ومراحل تعليمها‪ ،‬وتقدمها املهني وإنجازاتها‪ ،‬فضال‬ ‫عن مقر إقامتها‪ ،‬وأخيرا رحيلها عام ‪ .2002‬تم الحصول على هذه‬ ‫املعلومات من الوثائق واملستندات الرسمية وأوراقها الخاصة وتاريخ‬ ‫عائلتها‪ .‬ولكن هذا الفصل سوف يصيب من يرغب أن يحيط علما على‬ ‫نحو سريع بتفاصيل حياة املعمري على املستوى اإلنساني‪ ،‬بخيبة‬ ‫أمل‪ ،‬ألن هذا الفصل لم ينجح في تقديم تفاصيل حياتها في تسلسل‬ ‫زمني منضبط‪.‬‬ ‫ولكن الحقا يكتسب الكتاب كثيرا من الزخم‪ ،‬حيث يعرض الكتاب مشاهد‬ ‫ومقتطفات من حياتها على لسان هؤالء الذين كانوا على صلة وثيقة بها‪،‬‬ ‫وتتراكم تلك التفاصيل معا لتكشف لنا أبرز خصائص شخصية دكتورة‬ ‫فاطمة املعمري‪ .‬فندرك أنه على الرغم من شخصيتها القوية الصارمة‬ ‫فإنها كانت حنونة وواعية باحتياجات من حولها‪ .‬كما تكشف لنا أن‬ ‫املعمري كانت ترى أن للمساعي األكاديمية والثقافية أهمية كبري‪ ،‬هذا‬ ‫األمر الذي كانت تؤكد عليه مرارا وتكرارا ألقاربها الشباب الذين عاشوا‬ ‫تحت رعايتها‪.‬‬

‫أشاد بها طه‬ ‫حسني وتسبب‬ ‫في حصولها على‬ ‫الجنسية املصرية‬ ‫وتعيينها مدرسة‬ ‫في كلية اآلداب‬ ‫بجامعة فاروق‬

‫وبالطبع‪ ،‬وفرت لنا تلك الروايات الشخصية الفرصة لكي نتمكن‬ ‫من إلقاء نظرة شاملة على حياتها‪ ،‬كما ألقت بالضوء على السياق‬ ‫الزمني للحقبة التي عاشت بها حيث لم يكن هناك كثير من السيدات‬ ‫املصريات الالتي يحرزن تقدما أكاديميا‪ ،‬وهو ما يدفعنا إلى تقدير‬ ‫استثنائية املعمري‪ .‬ويحتوي الجزء األخير من الكتاب على استعراض‬ ‫ألبحاث املعمري‪ ،‬كما يحوي ملحقا به بعض الصور والوثائق الخاصة‬ ‫بها‪ .‬وأخيرا فإن تلك املرأة التي وضعت السعي وراء العلم فوق كل‬ ‫اعتبار‪ ،‬تستحق تحية خاصة <‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪65‬‬


‫كتب‬

‫يقدم هذا الكتاب قصة امرأة عمانية استثنائية وصلت إلى أعلى املراتب‪ ،‬لتصبح رمزا من رموز الثقافة في عصر‬ ‫آمن بريادة املرأة والفكر املستنير‪ ،‬الذي تلخص في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين‪ ،‬ففي الوقت الذي لم‬ ‫يكن للمرأة أن تغادر دارها‪ ،‬ذهبت الرائدة فاطمة بنت سالم املعمري في مطلع الخمسينات من القرن العشرين في‬ ‫ّ‬ ‫بعثة دراسية لنيل درجة الدكتوراه من إنجلترا‪ .‬كما كان لها إسهاماتها العلمية‪ ،‬فضال عن تقلدها أعلى املناصب‬ ‫األكاديمية‪ ،‬وتتويجها بأرفع أوسمة التكريم‪.‬‬

‫الباحثة العمانية فاطمة بنت سالم املعمري في دراسة تاريخية أكاديمية‬

‫الرواد األوائل‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫املحرر الثقافي‬ ‫اسم الكتاب‪:‬‬ ‫«الرائدة فاطمة بنت‬ ‫سالم بن سيف‬ ‫بن املعمري‬ ‫(‪:)2002 - 1911‬‬ ‫دراسة تاريخية‬ ‫وثائقية أكاديمية»‬ ‫املؤلف‪:‬‬ ‫د‪ .‬آسية البوعلي‬ ‫الناشر‪ :‬وزارة التراث‬ ‫والثقافة العمانية‬ ‫(‪)2013‬‬

‫مما ال شك فيه أن من اطلعوا على أعمال الدكتورة فاطمة بنت طه حسني وقصة الجنسية املصرية‬

‫سالم بن سيف بن املعمري‪ ،‬أو سمعوا عنها‪ ،‬سيكنون لها‬ ‫اإلعجاب؛ نظرا لكونها من الرواد األكاديميني‪ ،‬وهي عمانية‬ ‫تحمل الجنسية املصرية‪ .‬كما أنها تمثل بالنسبة ألفراد أسرتها‬ ‫املقربني امرأة عظيمة بذلت جهدا كبيرا إلغداقهم بالحب واملودة‪ ،‬كما‬ ‫عكفت تماما على تنشئتهم وتربيتهم مستعينة أحيانا بالتوبيخ‬ ‫العنيف والضرب‪ .‬فماما فاطمة‪ ،‬كما يتذكرها بحب الكثير من أفراد‬ ‫أسرتها‪ ،‬غرست الكثير من دروس الحياة املهمة في نفوسهم‪.‬‬ ‫صدرت سيرة املعمري املعنونة «الرائدة أ‪.‬د‪ .‬فاطمة بنت سالم بن سيف‬ ‫املعمري‪ :‬دراسة تاريخية وثائقية أكاديمية» باللغة العربية في عام‬ ‫‪ 2008‬عن وزارة التراث والثقافة العمانية‪ ،‬وكتبتها د‪ .‬آسية البوعلي‪،‬‬ ‫حفيدة ابن عمومة للسيدة فاطمة‪ .‬وتقول البوعلي إنها كتبت هذا‬ ‫الكتاب «لتسلط الضوء على دور امرأة عمانية تعتلي أعلى املراتب في‬ ‫املجتمع»‪.‬‬ ‫في مارس (آذار) من هذا العام‪ ،‬تم إحياء الكتاب من جديد عندما‬ ‫ترجمته زيانة البداعي لإلنجليزية‪ ،‬وراجعه دكتور دومينيك إيديس‬ ‫ونشرته وزارة التربية والتعليم العمانية‪ .‬في مقدمة الكتاب‪ ،‬تقول‬ ‫وزيرة التعليم العالي لسلطنة عمان‪« :‬إن ما ساهمت به دكتورة فاطمة‬ ‫من خالل كونها امرأة‪ ،‬وإحدى رائدات البحث العلمي‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫كونها نموذجا يحتذى به‪ ،‬له أهمية كبرى اليوم تماما كما كان في‬ ‫حينها»‪.‬‬ ‫ولدت فاطمة بنت سالم بن سيف بن املعمري في قبيلة آل معماري في‬ ‫زنجبار‪ ،‬شرق أفريقيا‪ ،‬عام ‪ ،1911‬في الوقت الذي كانت فيه العاصمة‬ ‫الرسمية لسلطنة عمان‪ ،‬لعائلة تقدر الثقافة واملساعي األكاديمية‪.‬‬ ‫وفي ‪ ،1917‬قررت العائلة االنتقال للقاهرة‪ ،‬عاصمة الثقافة والفكر في‬ ‫الوطن العربي حينئذ‪ ،‬ليتلقى األطفال تعليما أشمل من ذاك املوجود‬ ‫في املدارس القرآنية في عمان‪ .‬كانت فاطمة الطفلة الوحيدة التي لم‬ ‫ترسلها العائلة ملدارس خاصة ولكن لم يؤثر ذلك على مسيرتها‬ ‫وإنجازاتها األكاديمية أو يعرقلها؛ حيث استطاعت فاطمة تحقيق‬ ‫تقدم أكاديمي لم يكن شائعا بني الكثير من السيدات في عصرها‪،‬‬ ‫حتى تلقت منحة إلكمال شهادة الدكتوراه في بريطانيا عام ‪،1950‬‬ ‫في الوقت الذي كان فيه دور النساء األخريات يقتصر على االهتمام‬ ‫ببيوتهن‪ .‬جدير بالذكر أن الكاتب واملفكر الكبير طه حسني‪ ،‬الذي كان‬ ‫صديقا لوالدها‪ ،‬أشاد بمواهبها‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫وتروي الكاتبة قصة للسيدة فاطمة مع طه حسني وكيف أنها بسببه‬ ‫حصلت على الجنسية املصرية‪ ،‬تقول‪« :‬منذ أن تخرجت فاطمة سالم‬ ‫في مدرسة السنية عام ‪1929‬م بالقاهرة‪ ,‬كانت طالبة مقربة لعميد‬ ‫األدب العربي طه حسني الذي كان على صلة حميمة بأسرتها‪ .‬ومن ثم‬ ‫كان بالنسبة لفاطمة سالم أبا روحيا; فهو الذي وجهها نحو التخصص‬ ‫في مجال الدراسات األوروبية القديمة‪ ,‬في مرحلة الليسانس ومرحلة‬ ‫املاجستير وبمثالية مطلقة منحها حق البعثة الدراسية دون تفرقة‬ ‫بينها وبني الطالب والطالبات املصريني‪ ..‬ومن ثم فإن فاطمة سالم في‬ ‫سنة ‪1942‬م‪ ,‬حني منحت درجة املاجستير من كلية اآلداب‪ ,‬جامعة‬ ‫فؤاد األول‪ ,‬تقدمت بطلب إلى إدارة الجامعة فحواه أن تثبت في وظيفة‬ ‫مدرس بالكلية أسوة ببقية زميالتها املصريات‪ .‬وملا كان قانون‬ ‫التوظيف بالنسبة للجاليات األجنبية في مصر يقتضي العمل بعقود‬ ‫مؤقتة قابلة للتجديد‪ ,‬فإن إدارة الجامعة لم تعترض على توظيف‬ ‫فاطمة سالم‪ ،‬بيد أن اعتراضها انصب على شكل العقد وطبيعته‪ ,‬إذ‬ ‫إن العقد الثابت من حق املصريني‪ ,‬ملا يترتب عليه من حقوق مستقبلية‬ ‫تتعلق باملعاشات (مرحلة التقاعد)‪ ,‬فضال عن حقوق أخرى متعلقة‬ ‫بالبعثات الدراسية‪.‬‬ ‫ونتيجة الستياء فاطمة سالم من هذه التفرقة‪ .‬تقدمت بطلب إلى‬ ‫أستاذها طه حسني ‪ -‬الذي كان رئيسا لجامعة اإلسكندرية آنذاك ‪-‬‬ ‫شارحة فيه موقف الجامعة في رفض التثبيت الوظيفي‪ ،‬فضال عن‬ ‫البعثة الدراسية‪.‬‬ ‫فما كان من طه حسني إال االعتراض الشديد على موقف الجامعة‪ ,‬ومن‬ ‫ثم تقدم بطلب إلى مجلس الوزراء املصري يطلب فيه الجنسية املصرية‬ ‫لفاطمة سالم‪ ،‬مزكيا إياه بما يؤمن به من أن الكفاءات ال تجمح‪ ,‬وحق‬ ‫اإلنسان في العلم والثقافة ال يكبح بناء على شكل ونوع الجنسية‪.‬‬ ‫وبالفعل ُمنحت فاطمة سالم الجنسية املصرية بقرار من مجلس‬ ‫الوزراء املصري في ‪ 15‬ديسمبر (كانون األول) سنة ‪1942‬م‪ ,‬وفي ‪15‬‬ ‫يناير (كانون الثاني) سنة ‪1943‬م صدر أمر تثبيتها بوظيفة مدرس‬ ‫ُ‬ ‫بكلية اآلداب جامعة فؤاد األول‪ ,‬التي غير اسمها في تلك السنة إلى‬ ‫جامعة فاروق‪ ,‬األمر الذي ترتب عليه في بداية الخمسينات أن أرسلت‬ ‫فاطمة سالم إلى بريطانيا لنيل درجة الدكتوراه على نفقة الحكومة‬ ‫املصرية‪ ،‬على اعتبار أنها مواطنة مصرية»‪.‬‬


‫الذهبي‪ .‬وأكبر مثال عليه الجاحظ والتوحيدي ومسكويه وأبو سليمان‬ ‫املنطقي أستاذ التوحيدي وعشرات غيرهم‪ .‬فقد كانوا يجمعون من كل‬ ‫علم بطرف وهذا هو تعريف األديب حصرا‪ .‬وكانوا ينتقلون من تفسير‬ ‫آية قرآنية كريمة‪ ،‬إلى شرح بعض األبيات الشعرية‪ ،‬إلى التعليق على‬ ‫مقولة فلسفية ألفالطون وأرسطو إلخ‪ ..‬انظر كتاب اإلمتاع واملؤانسة‬ ‫للتوحيدي مثال‪ ..‬ولكن هذا التركيز على الطابع اإلنساني للرسالة اإللهية‬ ‫كان يضعف بالتوازي طابع التعالي لله وكالمه‪ .‬كان شيء ما يحصل على‬ ‫حساب شيء آخر بالضرورة‪ .‬ولكن هنا يكمن مجد الحضارة العربية‬ ‫اإلسالمية التي أشعت على العالم بأنوارها في بغداد والقاهرة وقرطبة‬ ‫قرونا كثيرة قبل أن تنطفئ‪.‬‬ ‫ومن الناحية السوسيولوجية‪ ،‬أي االجتماعية العددية‪ ،‬نالحظ أن فكر‬ ‫املعتزلة‪ ،‬تماما كفكر الفالسفة‪ ،‬كان يكرس ذلك التضاد املعروف بني‬ ‫الخاصة‪ /‬والعامة‪ ،‬أو النخبة‪ /‬والجماهير كما نقول في لغة هذا الزمان‪.‬‬ ‫فمن الواضح أن جماهير املسلمني لم تكن قادرة على فهم فكر املعتزلة‬ ‫أو الفالسفة‪ .‬وإنما كانت ميالة إلى فكر أهل الحديث والتقليد من أمثال‬ ‫اإلمام أحمد ابن حنبل الذي توفي عام ‪ 855‬والذي اضطهد أيام املأمون‬ ‫ألنه رفض مقولة خلق القرآن للمعتزلة‪ .‬وهذه الحادثة األليمة دشنت فترة‬ ‫طويلة من الصراع بني املوقف العقالني‪ /‬واملوقف التقليدي في تاريخ‬ ‫اإلسالم‪ .‬وقد انتهى األمر بانتصار تيار الحنابلة على املعتزلة واضطهاد‬ ‫هؤالء بدورهم في كل مكان وتعذيبهم وقتلهم وحرق كتبهم ومالحقتهم‬ ‫حتى انقرضوا نهائيا‪ .‬والسبب هو أن العامة كانت مع الحنابلة واألشاعرة‬ ‫ال معهم ألنها تفهم فكرهم بسهولة أكثر‪ .‬والعامة أكبر عددا من الخاصة‬ ‫بكثير‪ .‬وال تزال الحالة في العالم اإلسالمي والعربي على هذا النحو حتى‬ ‫اآلن‪ .‬فرجال الدين التقليديون ال يزالون املسيطرين على الساحة‪ .‬وال‬ ‫يوجد مثقف عربي واحد قادر على مواجهة الشيخ يوسف القرضاوي أو‬ ‫سواه على شاشات التلفزيون‪ .‬ال نصر حامد أبو زيد وال حسن حنفي‬ ‫وال محمد أركون وال من سواهم قادرون على مواجهة املشايخ التقليديني‬ ‫لسبب بسيط‪ :‬هو أن تيار العقل في اإلسالم كان قد ضمر ومات منذ زمن‬ ‫طويل‪ .‬وبالتالي فتيار التقليد والتراث املكرور القائم على النقل ال العقل‬ ‫هو املنتشر في صفوف العامة والجماهير العريضة التي ترتاد الجوامع‬ ‫باآلالف املؤلفة‪ .‬وذلك على عكس الدول األوروبية املتقدمة‪ ،‬حيث يسيطر‬ ‫التيار العقالني الليبرالي على التيار املسيحي األصولي بشكل كاسح‪.‬‬ ‫هنا نلمس ملس اليد إحدى السمات األساسية التي تفرق بني مجتمعاتهم‬ ‫ومجتمعاتنا‪ :‬أي مجتمعات الحداثة‪ /‬ومجتمعات ما قبل الحداثة‪.‬‬ ‫مهما يكن من أمر فإن الصراع بني الحنابلة‪ /‬واملعتزلة يعكس بجالء‬ ‫الفرق بني طريقتني مختلفتني لفهم القرآن الكريم وتمثله‪ :‬طريقة عقالنية‬ ‫تلجأ إلى املنطق وعلم التأويل‪ ،‬وطريقة حرفية ظاهرية ترفض أي‬ ‫تدخل شخصي أو عقالني في تأويل النص‪ .‬وهذه الطريقة الثانية هي‬ ‫التي انتصرت في القرن العشرين على يد حسن البنا وحركة اإلخوان‬ ‫املسلمني‪ .‬كما أن هذا الصراع القديم يعكس الفرق بني طبقتني اجتماعيتني‬ ‫متمايزتني‪ :‬أي طبقة الخاصة واملثقفني‪ /‬وطبقة العامة والناس العاديني‪.‬‬ ‫أخيرا ينبغي القول إن هناك عالقة بني املعتزلة والفالسفة وإن كان هؤالء‬ ‫اآلخرون قد ذهبوا في مجال العقل شوطا أبعد من املعتزلة‪ .‬ويمكن القول‬ ‫إن الفيلسوف العربي األول الكندي هو صلة الوصل بينهما‪ .‬ومعلوم‬ ‫أنه كان معاصرا للجاحظ وقد مات عام ‪ .870‬وقد تمايز عن الفالسفة‬ ‫بشيئني‪ :‬األول هو رفضه ملقولة أرسطوطاليس املتعلقة بقدم العالم والتي‬ ‫قبلها ابن سينا والفارابي وابن رشد وبقية الفالسفة‪ .‬وهي مخالفة للقرآن‬ ‫الكريم القائل إن الله خلق العالم من العدم‪ .‬والثانية هي قوله ببعث األجساد‬ ‫وليس فقط األرواح يوم القيامة‪ .‬وبالتالي فقد تطابق موقفه هنا مع موقف‬ ‫املؤمنني التقليديني كالغزالي مثال‪ .‬ولكنه اختلف عنهم من حيث تبنيه‬ ‫للمنهجية التأويلية للمعتزلة في فهم القرآن‪ .‬فهل كان معتزليا كامال يا‬ ‫ترى؟ بالطبع ال‪ .‬فالرجل كان يولي للفلسفة أهمية أكبر بكثير‪ .‬ولم يكن‬

‫يعتبرها مجرد أداة جدلية أو كالمية لخدمة الوحي القرآني والدفاع عنه‬ ‫ضد معارضيه من أتباع األديان األخرى كما تفعل املعتزلة‪ .‬وإنما كان‬ ‫يحترمها لذاتها ويعتبرها وسيلة أساسية للتوصل إلى الحقيقة تماما‬ ‫كالوحي الديني‪ .‬ففي رأيه أن الحقيقة التي يتوصل إليها النبي عن طريق‬ ‫«العلم اإللهي» وبلغة مبسطة مفهومة من قبل الجميع هي ذاتها التي‬ ‫يتوصل إليها الفيلسوف بلغة منطقية عقالنية ال تفهمها إال الخاصة‪.‬‬ ‫وهذا ما سيكون عليه موقف ابن رشد الحقا‪ .‬وبالتالي فال يوجد أي‬ ‫تناقض بني العقل والدين إذا ما فهمنا الدين بشكل صحيح ال بشكل‬ ‫تكفيري عنيف على طريقة حركات اإلسالم السياسي السائدة حاليا‪.‬‬ ‫وأخيرا لقد بلغت مؤلفات الكندي مائتني وواحدا وأربعني كتابا‪ ،‬ولكن‬ ‫الكثير منها فقد على الطريق ولم يصلنا‪ .‬ومن الواضح أن هذا املفكر‬ ‫الكبير كان يهدف إلى إرساء األسس الضرورية ملا سيصبح الحقا‪:‬‬ ‫الفلسفة العربية اإلسالمية العظيمة‪.‬‬

‫اإلسالم السياسي بني األمس واليوم‬ ‫هذا هو الدرس األساسي الذي خلفه لنا محمد أركون قبل رحيله بثالث‬ ‫سنوات بالضبط‪ :‬أي بتاريخ ‪.14.9.2010‬كان يريد أن يحفر عمقيا‬ ‫على املرض العربي اإلسالمي‪ ،‬أن يشخص أسبابه‪ ،‬أن يصف عالجه‪.‬‬ ‫ومعلوم أن التشخيص الصحيح هو نصف الطريق إلى العالج إن لم‬ ‫يكن أكثر‪ .‬ومعلوم أيضا أن أي خطأ في التشخيص قد يؤدي إلى قتل‬ ‫املريض بكل بساطة‪ .‬لذلك كان نيتشه يقول إن «املفكرين الكبار هم‬ ‫أطباء حضارات»‪ :‬بمعنى أنهم وحدهم القادرون على تشخيص العلة‬ ‫التي أصيبت بها األمة وتوصيف الدواء الناجع لها‪ .‬ولكن ما حصل في‬ ‫مصر أخيرا وما قد يحصل في تونس أيضا بل وحتى في تركيا وإيران‬ ‫وما سواها من بلدان اإلسالم السياسي يثبت لنا أن مقاومة االنغالق‬ ‫الديني املضاد لحركة التاريخ شيء ممكن تماما‪ .‬نقول ذلك وبخاصة‬ ‫أن اإلسالم هو دين العقل والتسامح والتفاعل الحضاري إذا ما فهمناه‬ ‫جيدا على طريقة كبار مفكري العصر الذهبي‪ .‬وبالتالي فيمكن للقوى‬ ‫املدنية الحداثية الصاعدة أن تخرج منتصرة من املعركة مع قوى اإلسالم‬ ‫السياسي والردة الثقافية‪.‬‬ ‫صحيح أن ثقل املاضي والعطالة التاريخية وهزيمة املعتزلة والفالسفة‬ ‫تقف وراء اإلخوان واملتطرفني عموما‪ .‬ألف سنة من االنحطاط تقف‬ ‫وراءهم وتعطيهم كل هذه القوة والتجييش في الشارع‪ .‬ولكن يقف وراء‬ ‫الحداثيني عقالنية اإلسالم وتنويره وسماحته‪ .‬يقف وراءهم الكندي‬ ‫والفارابي وابن سينا وابن رشد وابن مسرة وابن باجة والجاحظ واملعري‬ ‫وحتى طه حسني ومحمد أركون ذاته‪ .‬هذا باإلضافة إلى عشرات املبدعني‬ ‫اآلخرين‪ .‬والواقع أن تاريخنا كله ما هو إال قصة ذلك الصراع امللحمي‬ ‫بني هذين التيارين الكبيرين‪ :‬تيار العقل‪ /‬وتيار النقل‪ ،‬تيار اليسر‪ /‬وتيار‬ ‫العسر‪ ،‬تيار التواكل والتقاعس‪ /‬وتيار أعقلها وتوكل‪ ..‬وإذا كان تيار‬ ‫التقاعس والتواكل والجهل قد انتصر بعد الدخول في عصر االنحطاط‬ ‫وإغالق باب االجتهاد فإن ما حصل في مصر أخيرا دليل على أن تيار‬ ‫الفالسفة واملعتزلة والعقالنيني والنهضويني لم يمت أبدا‪ .‬وسوف تكون‬ ‫له الكلمة األخيرة! وبناء على هذا االنتصار سوف يدشن عهد النهضة‬ ‫العربية واإلسالم املستنير‪ .‬ونحن اآلن نقف على أبوابه‪ .‬هنا الرهان األكبر‬ ‫ملا يحصل حاليا في أرض العرب واإلسالم‪ .‬ولذلك أقول إن مستقبل‬ ‫اإلسالم السياسي خلفه ال أمامه‪ ،‬وسوف تتراجع مشروعيته وشعبيته‬ ‫أكثر فأكثر‪ .‬ولكن كان ينبغي أن يحكم ولو لفترة وجيزة لكي تنكشف‬ ‫محدوديته وأخطاره على تقدم األمة‪ .‬وال أستغرب أن يحصل في تونس ما‬ ‫حصل في مصر أو شيء شبيه به‪ .‬كان ينبغي أن نجرب هؤالء «اإلخوان»‬ ‫لكي نستطيع تجاوزهم‪ .‬لقد شفينا منهم بهم!<‬ ‫* كاتب سوري‪ ،‬نقل اعمال املفكر الجزائري الراحل محمد أركون الى العربية‬

‫‪,,‬‬

‫يرى أركون‬ ‫أنه ليس من‬ ‫قبيل الصدفة‬ ‫أن يكون فكر‬ ‫املعتزلة قد‬ ‫تزامن مع‬ ‫فترة صعود‬ ‫املجتمع‬ ‫العباسي‬ ‫وازدهاره‬ ‫املادي‬ ‫واالقتصادي‬ ‫والحضاري‬

‫‪,,‬‬

‫كتاب «نحو تاريخ مقارن لألديان التوحيدية»‬ ‫محمد اركون ـ ـ دار الساقي ‪2010‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪63‬‬


‫ثقافة‬

‫‪,,‬‬

‫لو أتيح‬ ‫لالهوتهم‬ ‫العقالني‬ ‫السببي‬ ‫املنطقي‬ ‫أن ينتصر‬ ‫ملا دخلنا‬ ‫في عصور‬ ‫االنحطاط‬ ‫الطويلة وملا‬ ‫سيطرت علينا‬ ‫كل تلك العقلية‬ ‫التواكلية‬

‫‪,,‬‬

‫ّ‬ ‫كتاب «محمد أركون املفكر والباحث واإلنسان»‬ ‫الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية‬ ‫للدكتور عبد اإلله بلقزيز‬

‫‪62‬‬

‫بعد التخلي عن قشوره وخرافاته وأصولياته وتطرفات بعض أتباعه‪.‬‬ ‫كانت الفلسفة بالنسبة لهم أداة للتوصل إلى الحقيقة وتحقيق السعادة‬ ‫على هذه األرض وإال فال معنى لها وال تستحق ساعة عناء واحدة‪.‬‬ ‫هناك نقطة أخرى هامة أيضا‪ :‬وهي أن كل فرقة إسالمية كانت تبحث في‬ ‫عقائد اإلغريق عن دعامات فلسفية للدفاع عن أطروحاتها ضد الفرق‬ ‫األخرى املنافسة لها داخل اإلطار العربي اإلسالمي العام‪ .‬فالبعض مثال‬ ‫كان يجد في النزعة الصوفية ‪ -‬الفكرية ألفلوطني ضالته‪ ،‬والبعض اآلخر‬ ‫كان يجدها في العلم السكندري‪ ،‬والبعض الثالث في ألوهيات بروكلوس‪،‬‬ ‫وغيرهم في الباطنيات الهلنستية واإليرانية‪ ،‬أو في علم التنجيم الصابئ‪،‬‬ ‫أو في مذهب اإلغالق والتعمية الهرمسية الباطنية‪ ،‬أو في الفيثاغورثية‬ ‫الجديدة‪ ،‬أو في أفكار الرواقيني‪ ،‬إلخ‪ ..‬باختصار كانت الساحة الثقافية‬ ‫العربية اإلسالمية تضج بكل هذه التيارات الفكرية املتناقضة‪ .‬وقد حاول‬ ‫الفارابي بعلمه الكبير أن يقدم خالصة توفيقية عن كل ذلك في كتابه‬ ‫املذكور آنفا‪« :‬الجمع بني رأيي الحكيمني أفالطون اإللهي وأرسطوطاليس»‪.‬‬ ‫وربما لهذا السبب لقب باملعلم الثاني بعد أرسطو ألنه كان الوحيد القادر‬ ‫على تلخيص كل معرفة عصره في تركيبة فكرية واحدة‪ .‬فعلمه كان‬ ‫واسعا متشعبا‪ .‬وقد قال أركون مرة أمامي بأن الفارابي كان أكثر‬ ‫الفالسفة عقالنية في اإلسالم بمن فيهم ابن رشد‪ .‬وقد شبهه بكانط من‬ ‫حيث عقلنة الدين إلى أقصى حد ممكن‪.‬‬

‫أكثر املذاهب عقالنية في اإلسالم املعتزلة‪:‬‬ ‫بعد أن وصلنا في الحديث إلى هذه النقطة آن األوان لكي نتحدث عن‬ ‫املذهب األكثر عقالنية في اإلسالم‪ :‬قصدت مذهب املعتزلة‪ .‬وقد ظهرت‬ ‫هذه الفرقة اإلسالمية في البصرة ألول مرة ثم انتقلت إلى بغداد‪ ،‬حيث‬ ‫شهدت ازدهارا كبيرا في عهد املأمون‪ ،‬بل وأصبحت املذهب الرسمي‬ ‫للدولة طيلة عهده وعهد من تاله حتى املتوكل الذي انقلب عليها بعد‬ ‫فترة قصيرة من حكمه‪ .‬ومعلوم أنها ابتعدت عن اإلسالم الرسمي‬ ‫الحاكم بشكل واضح قليال أو كثيرا ووقفت موقف الحياد من قصة علي‬ ‫فلم تصف معه وال ضده وإن كانت أقرب إلى املعارضة بسبب نزعتها‬ ‫االحتجاجية ضد ما هو قائم‪.‬‬ ‫ثم يضيف أركون قائال‪ :‬والواقع انه حتى عام ‪ 750‬لم تكن هناك فرقة‬ ‫محددة جيدا ومعروفة بهذا االسم‪ .‬وإنما كانت هناك مجموعة من‬ ‫املفكرين النشطني جدا كواصل بن عطاء الذي مات عام ‪ 750‬والذي كان‬ ‫تلميذا للحسن البصري‪ ،‬وكعمرو بن عبيد الذي مات عام ‪ ،762‬وكضرار‬ ‫بن عمر الذي مات بني عامي ‪ .800.820‬وهؤالء هم الذين بلوروا أسس‬ ‫تلك العقيدة التي ستعرف الحقا باسم املعتزلة‪ .‬وكانت هذه العقيدة ترتكز‬ ‫على خمسة مبادئ شهيرة هي التالية‪ :‬وحدانية الله‪ ،‬عدالة الله‪ ،‬املنزلة بني‬ ‫املنزلتني بالنسبة للفاسق أو مرتكب الكبيرة‪ ،‬الثواب والعقاب في الدار‬ ‫اآلخرة‪ ،‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬ ‫ماذا تعني هذه املبادئ بالنسبة للسياق الخاص بتلك الفترة؟ مبدأ وحدانية‬ ‫الله كان موجها ضد الثنويني أو املانويني نسبة إلى ماني الفارسي القائل‬ ‫بوجود إلهفي في هذا العالم‪ :‬إله النور وإله الظالم‪ .‬ومعلوم أن املانويني‬ ‫كانوا موجودين بكثرة إبان تلك الفترة في بغداد ولهم أتباع وأنصار‪ .‬وأما‬ ‫التركيز على عدالة الله فكان يهدف إلى لفت االنتباه إلى ظلم الحكام‪ .‬وهذا‬ ‫يعني أنه كانت للمعتزلة عالقة بالقدرية بل وحتى الخوارج وكل الحركات‬ ‫املعارضة للسلطة‪ .‬يضاف إلى ذلك أن هذا املبدأ كان موجها ضد الذين‬ ‫يقولون إن القضاء خيره وشره من الله تعالى‪ .‬فاملعتزلة كانت تقول‪:‬‬ ‫حاشا لله أن يصدر عنه الشر! فهو العدل والخير املحض وال يمكن أن‬ ‫يصدر عنه أي شر‪.‬‬ ‫ويرى محمد أركون أنه أثناء النصف األول من القرن التاسع امليالدي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫فإن الفكر اإلغريقي أتاح للمعتزلة في بغداد أن يقووا التيار العقالني‬ ‫الذي ظهر في البصرة ألول مرة‪ .‬وهكذا ساهم أبو الهذيل العالف الذي‬ ‫مات نحو عام ‪850‬م‪ ،‬وبشر بن املعتمر ‪825‬م‪ ،‬والنظام الذي كان مطلعا‬ ‫بشكل رائع على فلسفة أرسطو والذي مات عام ‪869‬م في بلورة العقيدة‬ ‫املعتزلية التي أصبحت العقيدة الرسمية للدولة في عهد املأمون عام ‪827‬م‪.‬‬ ‫ومعلوم أن هذا الخليفة الشهير هو الذي استدعى أبا الهذيل العالف إلى‬ ‫بغداد عام ‪820‬م‪ .‬ومعلوم أيضا أن مؤسس النثر العربي وأحد كبار‬ ‫كتابه على مر العصور‪ ،‬أي الجاحظ‪ ،‬كان معتزليا وتلميذا للنظام‪ .‬وهكذا‬ ‫أصبحت عقيدة املعتزلة هي آيديولوجيا النظام العباسي والطبقة القائدة‬ ‫للمجتمع بني عامي ‪ :813.847‬أي طيلة عهد املأمون واملعتصم والواثق‬ ‫وحتى املتوكل الذي انقلب عليها ورجع إلى عقيدة أهل الحديث والتقليد‬ ‫كما ذكرنا‪.‬‬ ‫في الواقع أن أهمية املعتزلة تعود إلى كونهم ركزوا على شيئني أساسيني‪:‬‬ ‫حرية االختيار للشخص البشري ومسؤوليته عن أعماله من جهة‪ ،‬ثم‬ ‫إعطاء مكانة كبرى للعقل البشري من جهة أخرى‪ .‬ففي حني أن أهل‬ ‫التقليد من حنابلة وأشاعرة وسواهم قالوا إن اإلنسان مسير ال مخير‬ ‫وإنه غير مسؤول عن أعماله ألن الله هو الذي ينفذها من خالله قالوا هم‬ ‫بالعكس تماما‪ .‬قالوا إن لإلنسان إرادة حرة وإال فال معنى للثواب والعقاب‪:‬‬ ‫إذ كيف يعاقب الله شخصا عن أعماله إن لم يكن حرا في اختيارها أو‬ ‫القيام بها؟ هذا حكم التعسف واالعتباط وحاشا لله أن يكون كذلك‪.‬‬

‫من العصر الذهبي إلى عصر االنحطاط‬ ‫ويرى أركون أنه لو أتيح لالهوتهم العقالني السببي املنطقي أن ينتصر ملا‬ ‫دخلنا في عصور االنحطاط الطويلة‪ ،‬وملا سيطرت علينا كل تلك العقلية‬ ‫التواكلية التي سببت تخلف املجتمعات اإلسالمية وجعلتها في مؤخرة‬ ‫الشعوب بعد أن كانت في مقدمتها أيام املأمون والعصر الذهبي كله‪.‬‬ ‫«كله مكتوب» كما يقول املثل العامي الشائع عندنا وبالتالي فال داعي ألن‬ ‫نتحرك ونجتهد ونعمل في هذه الحياة‪.‬‬ ‫وهكذا استسلمنا للمقدور وسيطرت علينا عقلية التبعية واالستكانة‬ ‫فكان أن نهضت الشعوب األخرى وبقينا نحن نكرر ونجتر ونتقاعس‪.‬‬ ‫والسبب في ذلك يعود إلى هزيمة مذهب املعتزلة وانتصار مذهب الحنابلة‬ ‫واألشاعرة عليه قبل ألف سنة على األقل‪ .‬وبالتالي فإذا عرف السبب بطل‬ ‫العجب‪ .‬وسبب انحطاط العالم العربي بل واإلسالمي كله يعود إلى تلك‬ ‫الفترة بالذات‪ .‬هذا ما تعلمنا إياه منهجية الحفر األركيولوجي في األعماق‬ ‫ملحمد أركون‪ .‬إنها تبحث عن األسباب العميقة للتخلف وال تكتفي‬ ‫باألسباب السطحية املباشرة‪.‬‬ ‫ويرى أركون أنه ليس من قبيل الصدفة أن يكون فكر املعتزلة قد تزامن مع‬ ‫فترة صعود املجتمع العباسي وازدهاره املادي واالقتصادي والحضاري‪.‬‬ ‫وهذا دليل على أن الفكر العقالني بحاجة إلى دعامة مادية تسنده لكي‬ ‫يقوى ويتفتح‪ .‬وعندما انهارت الدولة العباسية املركزية وكذلك الدولة‬ ‫البويهية املستنيرة وتحولت الخطوط التجارية عن منطقتنا ضعفت‬ ‫الطبقة البورجوازية التاجرة في بغداد وسواها من الحواضر اإلسالمية‪.‬‬ ‫ومعلوم أنها هي التي كانت تؤمن الثروة ورغد العيش‪.‬‬ ‫وبضعفها ضعف بالتالي الفكر العقالني في اإلسالم سواء أكان معتزليا‬ ‫أم فلسفيا‪ .‬وهذا أكبر دليل على مدى مشروطية الفكر للواقع ولكنها‬ ‫مشروطية جدلية ال ميكانيكية‪ .‬مهما يكن من أمر فان فكر املعتزلة وضع‬ ‫كالم الله‪ ،‬أي القرآن الكريم‪ ،‬بني يدي اإلنسان املثقف معطيا للعقل حرية‬ ‫الحركة واملبادرة ومحبذا انبثاق اإلنسان الحر واملسؤول في الساحة‬ ‫العربية اإلسالمية‪ .‬وهذه هي خصائص اإلنسان الجديد املدعو «باألديب»‬ ‫والذي ظهر آنذاك واحتل مكانة كبرى في الثقافة الكالسيكية إبان العصر‬


‫العباسيني‪ ،‬وخاصة في زمن هشام ابن عبد امللك (‪ .)724.743‬فسكرتيره‬ ‫اإليراني سالم أبو العالء كان أول من ترجم رسائل أرسطو املوجهة إلى‬ ‫تلميذه اإلسكندر املقدوني‪ .‬ولكن يبقى صحيحا القول إن الترجمات لم‬ ‫تنطلق فعال وبشكل منتظم ومكثف إال في عهد العباسيني‪ ،‬وخاصة في‬ ‫زمن املأمون الذي كان له الفضل األكبر في العملية‪ .‬ففي عهده أصبحت‬ ‫الترجمات من اإلغريقية إلى العربية أكثر عددا ودقة‪ .‬واألهم من ذلك هو‬ ‫أنها أصبحت في متناول األيدي بعد اختراع الورق عام ‪ .762‬والشيء‬ ‫الالفت لالنتباه هو أن كبار املترجمني كانوا في ذات الوقت مفكرين‬ ‫وفالسفة أيضا‪ .‬والواقع أن املرء ال يستطيع أن يترجم الفلسفة بشكل‬ ‫صحيح إال إذا كان هو نفسه فيلسوفا أو مغرما بالفلسفة على األقل‬ ‫ومتبحرا بها‪ .‬وهذه هي حالة كبار املترجمني العرب الذين وظفهم املأمون‬ ‫في «بيت الحكمة» وصرفت عليهم األموال وصنع بذلك مجد الفكر العربي‪.‬‬ ‫ويرى أركون أن مترجمي ذلك الزمان كانوا أكثر جدية من مترجمينا‬ ‫املعاصرين‪.‬‬

‫ما أحوجنا إلى مأمون جديد!‬ ‫فأين هو املأمون الجديد الذي سيخرجنا من الورطة التي وقعنا فيها حاليا‬ ‫ويأمر بنقل كل الفتوحات العلمية والفلسفية للحداثة األوروبية املعاصرة‬ ‫إلى لغتنا العربية فيدشن بذلك نهضة كبيرة ال تقل أهمية عن النهضة‬ ‫التي دشنها املأمون في أوائل القرن الثالث الهجري‪ /‬التاسع امليالدي؟‬ ‫قلنا إذن إن كبار املترجمني كانوا في ذات الوقت فالسفة‪ .‬ويرى أركون‬ ‫أن مترجمي ذلك الزمان كانوا أكثر جدية من املترجمني العرب املعاصرين‬ ‫وأكثر كفاءة‪ .‬فأين هو املترجم العربي الحالي الذي ينقل لنا أعمال كانط أو‬ ‫هيغل أو ماركس أو نيتشه أو فرويد أو هابرماس أو فوكو أو بول ريكور‬ ‫أو لوك فيري مثلما نقل أسالفنا العظام أعمال أفالطون وأرسطو؟ نذكر‬ ‫من بني هؤالء حنني ابن إسحاق املتوفى عام ‪ ،873‬وابنه إسحاق ابن حنني‬ ‫املتوفى عام ‪ ،910‬وقسطا بن لوقا ‪ ،912‬وثابت ابن قرة املتوفى نحو ‪900‬‬ ‫إلخ‪ ..‬والشيء املمتع هنا هو أن نالحظ أن ابن نعيمة الحمصي املعاصر‬ ‫للفيلسوف العربي األول الكندي كان قد ترجم «تاسوعات أفلوطني»‬ ‫ناسبا إياها إلى أرسطو خطأ كما ذكرنا آنفا‪ .‬وقد حذف منها كل الصيغ‬ ‫والعبارات ذات اإليحاءات الوثنية وقوى على العكس كل التعابير التي تركز‬

‫على تعالي الواحد وتنزيهه لكي يقترب بذلك من املفهوم اإلسالمي لله‬ ‫الواحد األحد الفرد الصمد‪ ..‬وهذا دليل على أن الترجمة ال تكون حيادية‬ ‫مائة في املائة وإنما هي مشروطة بمناخ عصرها‪ .‬فما ال تستطيع ساحة‬ ‫ثقافية ما تحمله تتحايل عليه عن طريق الترجمة بتصرف‪..‬‬ ‫هذا وقد صحح الكندي املتوفى عام ‪ 870‬التاسوعات الثالثة األخيرة‬ ‫املعروفة في العربية باسم ألوهيات أرسطوطاليس‪ .‬ومعلوم أن الكندي كان‬ ‫فيلسوفا باملعنى القديم والقروسطي للكلمة‪ :‬أي كان مطلعا على كتب‬ ‫الفيزيقا وامليتافيزيقا والرياضيات والحكمة إلخ‪ ..‬وفي بداية القرن العاشر‬ ‫امليالدي‪ /‬الرابع الهجري كانت معظم مؤلفات أرسطو ومؤلفات أفالطون‬ ‫الصحيحة أو املنتحلة قد ترجمت إلى العربية‪ .‬تضاف إليها شروحات‬ ‫اإلسكندر األفروديزي وبورفيروس وسواهما كثير‪ .‬وكذلك األمر كانت‬ ‫قد ترجمت املؤلفات العلمية والفلسفية لجالينيوس الذي قدم للفلسفة‬ ‫العربية إطار البحث الطبي الذي ال ينفصل عن الفلسفة االنتقائية‪.‬‬ ‫ويخلص أركون إلى القول بالحرف الواحد‪ :‬إن هذه الترجمات واألعمال‬ ‫األولى التي ألهمتها بالعربية مباشرة كانت تتمتع بخصيصتني‬ ‫أساسيتني‪ ،‬بل وحاسمتني بالنسبة ملستقبل الفكر الفلسفي في اإلسالم‪.‬‬ ‫األولى هي أن معظم املترجمني كانوا مسيحيني يشتغلون لصالح الخلفاء‬ ‫أو األمراء أو األغنياء املحسنني من املسلمني املستنيرين‪ .‬وهذا يعني أن‬ ‫دراسة اللغة اإلغريقية لذاتها وبذاتها لم تحصل أبدا داخل التراث التربوي‬ ‫العربي اإلسالمي‪ .‬نقول ذلك ونحن نعلم أن فالسفة كبارا في حجم‬ ‫الفارابي وابن سينا كانوا يشتغلون على النص املترجم ال على النص‬ ‫األصلي اإلغريقي‪ .‬والثانية هي أن حرص املفكرين العرب املسلمني آنذاك‬ ‫على اكتساب الحكمة والعيش طبقا لها كان يتغلب على االهتمام باملعرفة‬ ‫األكاديمية الدقيقة بهذه العقائد الفلسفية اإلغريقية‪ .‬كانوا يهتمون بهذه‬ ‫العقائد فقط من أجل استخدامها العملي أو النظري املفيد لهم والذي يلبي‬ ‫حاجات زمنهم ومجتمعهم‪ .‬باختصار فقد كانوا يستخدمون الفلسفة‬ ‫اإلغريقية لحل مشكالتهم هم ال لتشكيل معرفة دقيقة عنها وكيف حلت‬ ‫مشكالت اإلغريق أنفسهم‪ .‬وهذا أمر طبيعي في نهاية املطاف‪ .‬فنحن‬ ‫أيضا نبحث في الفكر األوروبي املعاصر عن مناهج وحلول تساعدنا‬ ‫على تشخيص ناجع ملشكالتنا وقضايانا العربية املعاصرة‪ .‬نحن‬ ‫نترجم كانط مثال ألنه يساعدنا على التنوير وفهم الدين بشكل عقالني‬

‫ندوة فكرية للباحث واملفكر الجزائري‬ ‫الراحل محمد أركون‬

‫‪,,‬‬

‫بداية القرن‬ ‫العاشر‬ ‫امليالدي الرابع‬ ‫الهجري كانت‬ ‫معظم مؤلفات‬ ‫أرسطو‬ ‫ومؤلفات‬ ‫أفالطون‬ ‫الصحيحة أو‬ ‫املنتحلة قد‬ ‫ترجمت إلى‬ ‫العربية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪61‬‬


‫ثقافة‬

‫يرى محمد أركون أن الفلسفة اإلغريقية كانت موجودة في املنطقة قبل ظهور اإلسالم ولكن ليس باللغة العربية‪.‬‬ ‫وبالتالي فعلى عكس ما نظن فإن الناس لم ينتظروا ظهور املأمون لكي يتعرفوا عليها‪ .‬ال ريب في انه لعب دورا حاسما‬ ‫في إدخال الفكر العقالني إلى الساحة الثقافية العربية اإلسالمية من خالل «بيت الحكمة» الشهير‪ .‬وهو يشبه مراكز‬ ‫البحوث والترجمات الحديثة‪ .‬ولكن تيارات الفكر اإلغريقي كانت قد اخترقت منطقة الشرق األوسط منذ حمالت‬ ‫اإلسكندر املقدوني وفتوحاته في القرن الرابع قبل امليالد‪.‬‬

‫في الذكرى الثالثة لرحيله‪ ..‬أركون والفكر العقالني في اإلسالم السياسي‬

‫االنغالق الديين‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫هاشم صالح *‬

‫‪,,‬‬

‫يرى محمد‬ ‫أركون أن‬ ‫الترجمات‬ ‫ابتدأت في‬ ‫عهد األمويني‬ ‫وليس‬ ‫العباسيني‬ ‫وخاصة في‬ ‫زمن هشام‬ ‫ابن عبد امللك‬

‫‪,,‬‬

‫‪60‬‬

‫كانت هناك مراكز حضرية كبرى تنشر هذا الفكر في املنطقة‬ ‫إما باللغة اإلغريقية مباشرة وإما باللغة السريانية بعد‬ ‫ترجمتها عن اإلغريقية‪ .‬وكان يشرف عليها املسيحيون قبل‬ ‫ظهور اإلسالم‪ .‬يكفي أن نذكر هنا أسماء مدن من نوع‪ :‬الرها‪ ،‬نصيبني‪،‬‬ ‫جنديسابور‪ ،‬إنطاكية‪ ،‬حران‪ ،‬إلخ‪ ..‬كلها كانت عواصم ثقافية مزدهرة‬ ‫تنشر التعاليم املسيحية في كل األوساط بما فيها الطبقات الشعبية‪.‬‬ ‫وقد ساهم ذلك في نشر الحد األدنى من املنظومة األخالقية والجمالية‬ ‫واملنطقية املشتركة التي تجبل العقليات وتؤطر السلوكيات والتصرفات‬ ‫وأنماط التصور واإلدراك أمال بالتوصل إلى «الحكمة الخالدة» كما كانوا‬ ‫يقولون آنذاك‪ .‬وأكبر مثال على مدى تأثر املفكرين األخالقيني املسلمني‬ ‫بهذا اإلرث املشترك الذي كان سائدا في املنطقة منذ قرون هو أخذهم‬ ‫بمقولة الحد الوسط أو الوسطية في كل األمور والتي كان أرسطو قد‬ ‫بلورها سابقا‪ .‬فنحن نجد هذه املقولة في القرآن الكريم والحديث النبوي‬ ‫الشريف وكتاب تهذيب األخالق ملسكويه إلخ‪.‬‬

‫أرسطو والفضيلة‬ ‫من املعلوم أن أرسطو كان يقول بما معناه‪ :‬الفضيلة هي حد وسط بني‬ ‫قطبني متطرفني‪ .‬فمثال الشجاعة هي حد وسط بني التهور والجنب‪،‬‬ ‫والكرم حد وسط بني اإلسراف والبخل إلخ‪ ..‬ومعلوم أن اإلسالم يقول‬ ‫بشيء مشابه ألنه دين الوسطية واالعتدال ال دين التطرف والعدوان‬ ‫كما يحاول أن يوهمنا التيار الظالمي الجاهل السائد حاليا‪ ،‬وهذا هو‬ ‫أحد األسباب األساسية لفشل اإلخوان املسلمني في مصر‪ .‬فقد ظلوا‬ ‫متشبثني بالفهم القروسطي املتطرف للدين‪ ،‬وهو فهم يتناقض مع رسالة‬ ‫اإلسالم الحنيف ونصوصه الصريحة‪ .‬جاء في الذكر الحكيم‪« :‬وكذلك‬ ‫جعلناكم أمة وسطا» (البقرة ‪ .)143‬وفي الحديث الشريف‪« :‬خير األمور‬ ‫أوساطها»‪.‬‬ ‫ماذا يعني كل هذا؟ إنه يعني أن دخول الفكر اإلغريقي إلى املنطقة عن‬ ‫طريق ترجمته إلى اللغة العربية لم يحصل في أرض قفر جاهلة به‪ ،‬وإنما‬ ‫جرى في أرضية ممهدة له ومجبولة به منذ زمن طويل ولكن بلغات أخرى‬ ‫ومن خالل عقائد أخرى ألن اإلسالم لم يكن قد ظهر بعد‪ .‬فالنظام الفكري‬ ‫اإلغريقي ‪ -‬السامي الذي تختلط فيه كل التيارات الفكرية كان معروفا في‬ ‫منطقة الشرق األوسط قبل ظهور اإلسالم بزمن طويل‪ .‬ونقصد بهذا‬ ‫النظام الفكري كل مكتسبات الفلسفة األفالطونية واألرسطوطاليسية‬ ‫واألفلوطينية والرواقية واألبيقورية والفيثاغورثية والباطنية الهرمسية‬ ‫(نسبة إلى الفيلسوف اليوناني هيرمس) والزرادشتية واملانوية والسامية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫العتيقة والوحي اليهودي – املسيحي‪ ،‬كل هذا كان موجودا في املنطقة‬ ‫قبل ظهور اإلسالم وينبغي أن نأخذه بعني االعتبار إذا ما أردنا أن نفهم‬ ‫اإلسالم بشكل تاريخي حقيقي‪ ،‬فاإلسالم متأثر بما قبله وبصمات ذلك‬ ‫واضحة على القرآن الكريم كل الوضوح‪ .‬فهو ال ينفك يتحدث عن موسى‬ ‫وعيسى وهارون ويوسف ومريم وزكريا وبقية أنبياء بني إسرائيل‪ .‬وكل‬ ‫هذه العقائد املذكورة آنفا أثرت على املفكرين العرب املسلمني بدرجات‬ ‫متفاوتة بالطبع‪ ،‬فبعض فالسفتنا تأثروا بهذا التيار أكثر من ذاك‪.‬‬

‫الصراع بني امليثوس واللوغوس‬ ‫وينبغي العلم بهذا الصدد أن الصراع بني أفالطون وأرسطو‪ ،‬أو بني‬ ‫امليثوس واللوغوس‪ ،‬أي بني النزعة املثالية الخيالية ألفالطون والنزعة‬ ‫الواقعية املادية املحسوسة ألرسطو‪ ،‬اخترق أيضا الفلسفة العربية‬ ‫اإلسالمية مثلما اخترق الفلسفة اليونانية الكالسيكية‪ .‬فمن الواضح أن‬ ‫ابن رشد أقرب إلى أرسطو وعقالنيته الصارمة‪ .‬ومن الواضح أيضا أن ابن‬ ‫سينا اقرب إلى أفالطون وشطحاته الخيالية الرائعة دون أن يعني ذلك عدم‬ ‫تأثره بأرسطو‪ .‬ومن الواضح أن الفارابي أقرب إلى االثنني معا ألنه حاول‬ ‫أن يوفق بينهما في كتابه الشهير‪« :‬الجمع بني رأيي الحكيمني‪ :‬أفالطون‬ ‫اإللهي وأرسطوطاليس»‪ .‬ولكنه فعل ذلك بعد أن اعتقد بصحة نسبة كتاب‬ ‫«أثولوجيا أرسطوطاليس» أو إلهيات أرسطوطاليس إلى أرسطوطاليس‬ ‫نفسه في حني أننا نعلم اآلن أنه ليس له على اإلطالق‪ .‬وإنما هو تاسوعات‬ ‫أفلوطني الذي كان من أتباع أفالطون ومؤسسا لألفالطونية الجديدة‪ .‬لهذا‬ ‫السبب توهم الفارابي بإمكانية تحقيق املصالحة بني أفالطون وأرسطو‪.‬‬ ‫وبالفعل لو كان هذا الكتاب ألرسطو لكانت املصالحة ممكنة بسهولة‪.‬‬ ‫وهنا نلمس ملس اليد مدى سوء التفاهم الذي قد يحصل أثناء ترجمة‬ ‫الفكر من لغة إلى أخرى‪ ،‬فكثيرا ما تحصل أخطاء أثناء عملية النقل‬ ‫العويصة هذه‪ .‬وهذا ما حصل لألوروبيني أيضا في العصور الوسطى‬ ‫عندما توهموا بأن الغزالي فيلسوف بالكامل ومن املدافعني عن الفلسفة‬ ‫ألنهم لم يترجموا إال كتابه «مقاصد الفالسفة» ونسوا كتابه اآلخر‪:‬‬ ‫«تهافت الفالسفة»‪ .‬واآلن من يستطيع القول إن ديكارت وكانط وهيغل‬ ‫وسارتر وليفي ستروس وسواهم معروفون فعال وبشكل دقيق في اللغة‬ ‫العربية؟ ال ريب في أن شيئا منهم معروف ولكن ليس كل شيء‪ .‬ولكني‬ ‫لست متأكدا أن كانط العربي هو نفسه كانط األملاني األصلي‪ ،‬أوان سارتر‬ ‫العربي هو نفسه سارتر الفرنسي‪ ..‬أقول ذلك مع كل احترامي لبعض‬ ‫املترجمني العرب‪.‬‬ ‫ويرى محمد أركون أن الترجمات ابتدأت في عهد األمويني وليس‬


‫ضغوط‪ ،‬دعهم حتى يعترفوا بحقوق الشعب اإليراني‪ .‬وحينها‪ ،‬فإنهم سوف يتلقون ردا‬ ‫متناسبا من إيران»‪.‬‬

‫خطاب مشهد السنوي‬ ‫وفي كل عام‪ ،‬يلقي خامنئي خطابه األكثر أهمية بمدينة مشهد اإليرانية في اليوم األول من‬ ‫فصل الربيع‪ ،‬بداية السنة االيرانية الجديدة‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فقد كان الخطاب الذي‬ ‫ً‬ ‫ألقاه في العام الحالي الفتا لألنظار‪ ،‬حيث من الواضح أن خامنئي قد خفف من حدة موقفه‬ ‫حيال املحادثات‪ .‬وللمرة األولى‪ ،‬حتى في الوقت الذي أعرب فيه عن تراجع تفاؤله حيال‬ ‫ً‬ ‫املفاوضات املباشرة مع الواليات املتحدة‪ ،‬صرح خامنئي قائال ‪« :‬ولكني ال أعترض عليها»‪.‬‬ ‫وأثناء إشارته إلى أنه على ما يبدو أن واشنطن ليس لديها أية رغبة في إكمال املفاوضات‬ ‫النووية والتوصل إلى حل لهذه املشكلة‪ ،‬ذكر خامنئي على الرغم من ذلك أن حل ذلك النزاع‬ ‫«قريب للغاية وبسيط أيضا»‪.‬‬ ‫وأشار إلى أن املطلب الوحيد إليران هو االعتراف بحقوقها في تخصيب اليورانيوم ألغراض‬ ‫سلمية‪ ،‬حيث ُيعد ذلك ً‬ ‫أمرا «بسيطا للغاية» من شأنه إزالة مخاوف األجانب‪« .‬فبإمكانهم‬ ‫تنفيذ اللوائح القانونية التي تضعها الوكالة النووية؛ منذ البداية‪ ،‬ونحن‪ ،‬من جانبنا‪ ،‬ليس‬ ‫لدينا أية اعتراضات على تنفيذ تلك اللوائح واإلشراف عليها»‪.‬‬ ‫وما هو جدير باملالحظة حول النهج الذي يسلكه القائد األعلى خالل تلك العقود الثالثة‬ ‫املاضية العاصفة هو ذلك التغيير الذي طرأ على طريقة خطاباته‪ .‬فقد ابتعد عن املفاهيم‬ ‫اآليديولوجية املطلقة الخاصة «بالغرب» و«الغطرسة العاملية» والواليات املتحدة األميركية‬ ‫باعتبارها طرفا آخر متجانسا تماما‪ ،‬واتجه نحو تقبل تصور أكثر دقة حول الغرب‬ ‫كحقيقة اجتماعية معقدة ‪ -‬وباعتباره مجتمعا ال يتسم فقط بأنه محرك أصيل للمنافسة‬ ‫في سوق ال ترحم‪ ،‬ومحرك لالستغالل الرأسمالي والتوسع في السياسة الخارجية‪ ،‬ولكن‬ ‫ً‬ ‫أيضا محرك للمنتجات الفنية الحيوية واألدب والعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬عالوة على اتسامه‬ ‫بتناول املخاطر واالبتكارات املؤسسية والتنوع الديني والروحي‪ .‬وقد اختفى ذلك الخطاب‬ ‫الذي يصور الواليات املتحدة األميركية باعتبارها عدوا مطلقا‪ ،‬بحيث يكون من السخف‬ ‫والسذاجة حتى التفكير في التفاوض معها‪ ،‬ليتجه الخطاب نحو تصوير الواليات املتحدة‬ ‫األميركية باعتبارها محاورا محتمال قد يكون من املمكن مناقشة شروط مقبولة للتفاوض‬ ‫معها حول قضايا مثل البرنامج النووي واألمن في العراق‪.‬‬ ‫ويبدو بالنسبة لخامنئي أن الواليات املتحدة األميركية قد تحولت من كونها قوة وحشية‬ ‫مطلقة إلى قوة ذات وجود إقليمي قوي تتبع نظاما سياسيا داخليا وتعاني من العواقب‬ ‫املؤملة الناتجة عن فشل عمليتني عسكريتني أخيرتني قد شنتها الواليات املتحدة األميركية‬ ‫في الشرق األوسط‪.‬‬

‫ماذا بعد ذلك؟‬ ‫وفي ظل تحكم خامنئي في السياسة اإليرانية وشكه العميق في نوايا الواليات املتحدة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬فإن تحسني العالقات بني إيران والواليات املتحدة‬ ‫األميركية تجاه‬ ‫الجمهورية ً‬ ‫ً‬ ‫سيكون ً‬ ‫صعبا‪ ،‬وخاصة في حالة ثبات سياسات الواليات املتحدة األميركية التي‬ ‫أمرا‬ ‫تتبعها منذ زمن بعيد‪ ،‬مثل التصعيد املستمر للعقوبات‪ ،‬دون تغيير‪ .‬ولكن تحسني‬ ‫العالقات ال ُيعد أمرا مستحيال‪ ،‬وذلك ألنه من املمكن بالفعل توافق أهم املصالح الخاصة‬ ‫بكل من طهران وواشنطن في ذات الوقت‪.‬‬ ‫ما يرغب خامنئي في معرفته هو أن واشنطن ليست عازمة على إعاقة الجمهورية اإلسالمية‬ ‫أو اإلطاحة بنظام الحكم‪ ،‬وما ترغب الواليات املتحدة األميركية في معرفته هو أن املشروع‬ ‫النووي اإليراني يهدف إلى تحقيق أغراض سلمية‪ ،‬وأن إيران لن تمنع حرية الوصول إلى‬ ‫موارد الطاقة ولن تغلق املمرات البحرية اإلقليمية‪ ،‬وأن إسرائيل بإمكانها أن تتمتع بالسالم‬ ‫واألمن داخل الحدود املعترف بها دوليا (التي ‪ -‬ال يزال يأمل البعض ‪ -‬سيتم تحديدها من‬ ‫خالل التوصل إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيني)‪.‬‬ ‫وتستطيع إيران طمأنة الحكومات الغربية بأن مشروعها النووي يهدف إلى تحقيق‬ ‫أغراض سلمية‪ ،‬وذلك من خالل اتباعها ملبدأ الشفافية والتصديق على البرنامج وتنفيذ‬

‫البروتوكوالت اإلضافية الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن تدابير منع االنتشار‬ ‫في مقابل ضمان حقها في تخصيب اليورانيوم لألغراض السلمية بموجب معاهدة عدم‬ ‫انتشار األسلحة النووية‪ .‬ومن جانبه‪ ،‬فبإمكان الغرب طمأنة إيران بأنها ليست عازمة على‬ ‫تغيير النظام من خالل اتخاذ تدابير عملية ملموسة في مقابل التزام إيران باألمن والسالم‬ ‫في الخليج الفارسي والشرق األوسط األكبر ‪ -‬كما سيتعني عليها أن تفعل ذلك من أجل‬ ‫إحراز تقدم كبير على صعيد امللف النووي‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فإن واشنطن ستقوم برفع العقوبات االقتصادية عن إيران‪ ،‬حيث إنه مهما كانت‬ ‫األهداف وراء تلك العقوبات‪ ،‬فإنها تلحق الضرر بالشعب اإليراني بوجه عام‪ ،‬وليس‬ ‫فقط باملسؤولني الحكوميني في املقام األول الذين يمثلون الهدف املزعوم من فرض تلك‬ ‫ً‬ ‫صحيحا في إيران ً‬ ‫العقوبات‪ُ .‬يعد ذلك ً‬ ‫تماما مثلما هو الحال في أية دولة أخرى‪،‬‬ ‫أمرا‬ ‫ُ‬ ‫ويعني ذلك أن القوى الخارجية‪ ،‬وخاصة الواليات املتحدة األميركية‪ ،‬تعد هي املسؤولة في‬ ‫الوقت الحالي عن تفشي البطالة وارتفاع معدالت التضخم والزيادة الكبيرة في مستوى‬ ‫الفقر‪ .‬وفي ظل هذه الظروف‪ ،‬سوف تنضم املزيد واملزيد من العائالت من الطبقة الوسطى‬ ‫إلى صفوف الفقراء‪ ،‬كما سوف يتزايد عدد األطفال الذين يقعون ضحية لسوء التغذية‬ ‫واملرض والعنف‪ .‬وسوف تصبح مشكالت الحياة اليومية بمثابة االهتمام الرئيس للعامة‪،‬‬ ‫كما سيتم تهميش قضايا الديمقراطية وحقوق اإلنسان‪ ،‬فيما سيتم تدمير النسيج‬ ‫االجتماعي اإليراني من الداخل ‪ -‬تماما مثلما حدث في العراق خالل التسعينات من القرن‬ ‫العشرين‪ .‬ال يعد ذلك أمرا ينبغي على الواليات املتحدة األميركية أن ترغب في رؤيته ألي‬ ‫سبب من األسباب‪.‬‬ ‫فمن جانبه‪ ،‬ينبغي على خامنئي أن يتقبل‬ ‫الحقيقة القائلة بأنه على املدى البعيد‪ ،‬ال‬ ‫يوجد سوى طريقة واحدة لجعل الجمهورية‬ ‫اإلسالمية قوية ودائمة حقا وهي إضفاء‬ ‫الشرعية على نظامه السياسي من خالل‬ ‫األصوات الحرة للشعب‪ .‬لقد كان لدى االتحاد‬ ‫السوفياتي أكبر جيش في العالم‪ ،‬حيث جمع‬ ‫اآلالف من األسلحة النووية‪ ،‬ولكنه انهار في‬ ‫النهاية‪ .‬وحتى إذا تخلت الحكومات الغربية‬ ‫عن أية نوايا لتغيير نظام الحكم‪ ،‬فلن يتم‬ ‫حل املشاكل الداخلية اليران على اإلطالق‬ ‫دون نظام يستند على الديمقراطية والحرية‬ ‫وحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫ال ينكر خامنئي التقدم الكبري‬ ‫الذي �شهده الغرب على مدار‬ ‫القرن املا�ضي واعرب عن‬ ‫�إعجابه ببع�ض اجلوانب التي‬ ‫تت�سم بها املجتمعات الغربية‬

‫وإذا كانت إدارة أوباما جادة في سعيها إلى التوصل إلى حل للمشكالت القائمة بني طهران‬ ‫وواشنطن‪ ،‬سيكون من الجيد وضع خارطة طريق تحدد القضايا العالقة في امللف النووي‬ ‫اإليراني على نحو واضح‪ ،‬وتحدد جدوال زمنيا للتحقيق في القضايا واحدة تلو األخرى‬ ‫وحلها وإغالقها‪ .‬وينبغي ربط التقدم الحادث خطوة بخطوة في الجانب النووي بذلك التقدم‬ ‫الحادث خطوة بخطوة في عملية رفع العقوبات عن إيران‪.‬‬ ‫كما يتعني على إدارة أوباما تبني نهج شامل للمنطقة وتضمني مناقشات البرنامج‬ ‫النووي اإليراني في إطار أوسع لألمن اإلقليمي‪ ،‬وإشراك حلفاء واشنطن في ذلك‬ ‫وتقليص رغبات الحلفاء اآلخرين الذين يرغبون في إفساد األمر‪ .‬ويعني ذلك التوصل‬ ‫إلى إجماع في اآلراء حول مجموعة من القواعد الخاصة بالسياسة اإلقليمية وضمان‬ ‫الحدود واتباع سياسة االمتناع عن تغيير أية أنظمة سياسية‪ ،‬والتوصل إلى نتائج‬ ‫حقيقية إلنهاء األزمة التي تشهدها عملية السالم بني إسرائيل وفلسطني‪ ،‬والعمل نحو‬ ‫خلو املنطقة من أية أسلحة دمار شامل‪ ،‬ودعم حقوق اإلنسان في جميع أنحاء الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬ومن الواضح أن ذلك أمر ليس بالهني‪ ،‬ولكن ال توجد أية وسيلة أخرى لتجنب‬ ‫االستمرار في الصراعات القائمة في املنطقة أو حتى تصعيدها‪ .‬ولم تسفر سياسات‬ ‫املواجهة على كافة األصعدة على مدار العقد املاضي عن الكثير‪ ،‬بل أسفرت عن حالة من‬ ‫الجمود والبؤس‪ .‬وأظهر انتخاب روحاني باعتباره الرئيس اإليراني الجديد رغبة الشعب‬ ‫اإليراني في وضع نهاية حاسمة لعصر أحمدي نجاد‪ ،‬وأنه قد أوجد فرصة لكل من إيران‬ ‫واملجتمع الدولي للمضي قدمًا نحو املزيد من العالقات البناءة‪ .‬فتلك الفرصة إما أن يتم‬ ‫استغاللها أو تجاهلها‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪59 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫وبعد مرور سبعة عشر ً‬ ‫عاما‪ ،‬تناول خامنئي املوضوع ذاته خالل اجتماعه مع طالب بوسط‬ ‫مدينة يزد خالل شهر ديسمبر (كانون األول) لعام ‪ ،2007‬ليذكر أن‪:‬‬ ‫«إحدى سياساتنا األساسية تتمثل في قطع العالقات مع الواليات املتحدة‪ .‬ولكننا لم نقل‬ ‫ً‬ ‫يوما إننا سوف نقطع هذه العالقات إلى األبد‪ .‬ال‪ ،‬ليس هناك أية أسباب لقطع العالقات مع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أية دولة إلى األبد‪( ..‬ولكن) العالقات مع الواليات املتحدة تمثل ضررا بالنسبة لنا‪ .‬أوال‪ ،‬إقامة‬ ‫عالقات مع الواليات املتحدة لن يقلل من الخطر الذي تمثله علينا‪ .‬فقد قامت الواليات املتحدة‬ ‫بغزو العراق في حني أنه كانت لديها عالقات دبلوماسية معها‪ً ..‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬وجود عالقات مع‬ ‫األميركيني يعد طريقة بالنسبة لهم لزيادة نفوذهم داخل طبقات معينة‪ ..‬داخل إيران‪ ..‬فهم‬ ‫بحاجة إلنشاء قاعدة ليست لديهم في الوقت الحالي‪ .‬ذلك هو ما يريدون الحصول عليه‪.‬‬ ‫فهم يرغبون في تمكني ضباط املخابرات لديهم من السفر إلى إيران دون أية قيود‪ ..‬فبعض‬ ‫األشخاص يفتخر بالضرر الناتج عن غياب العالقات (الدبلوماسية) بني البلدين‪ .‬ال‪ ،‬يا‬ ‫أمرا ً‬ ‫سادة! إن عدم وجود أية عالقات مع الواليات املتحدة ُيعد ً‬ ‫جيدا بالنسبة لنا‪ .‬فعندما‬ ‫يأتي ذلك اليوم الذي تصبح فيه العالقات مع الواليات املتحدة األميركية مفيدة بالنسبة لنا‪،‬‬ ‫سوف أكون أول شخص ينادي بضرورة إقامة عالقات معها»‪.‬‬

‫خالل حضوره أحد املؤتمرات األمنية بميونيخ‪ ،‬بأن الواليات املتحدة األميركية قد فرضت‬ ‫«أقسى العقوبات في التاريخ» على إيران‪ ،‬وذلك ضمن جهودها الرامية إلى منع إيران من‬ ‫امتالك أسلحة نووية‪ ،‬وأن قادة إيران يعاقبون شعبهم من خالل الحرمان االقتصادي‬ ‫والعزلة الدولية‪ .‬وأشار بايدن إلى أن الخيار الدبلوماسي ال يزال ً‬ ‫متاحا‪ ،‬ولكن لن تكون هناك‬ ‫محادثات مباشرة إال «عندما تكون القيادة اإليرانية‪ ،‬والقائد األعلى‪ ،‬جادين في األمر»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سريعا وعلى نحو مباشر‪ .‬ففي كلمته أمام قادة سالح الجو اإليراني‪ ،‬صرح‬ ‫ورد خامنئي‬ ‫خامنئي بأنه منذ انتخاب الرئيس األميركي باراك أوباما في عام ‪ ،2008‬كان قد أعلن‬ ‫أن القيادة اإليرانية سوف تنظر إلى سلوك الحكومة الجديدة بنظرة غير متحيزة‪ ،‬ومن‬ ‫ثم سوف تتخذ قرارها‪ .‬ولكن ماذا كانت نتائج الفترة األولى من والية أوباما؟ دعمت‬ ‫واشنطن «التمرد الداخلي» (الحركة الخضراء)؛ وفرضت عقوبات معوقة‪ ،‬على حد زعمه‪،‬‬ ‫حيث ذكرت وزيرة الخارجية األميركية هيالري كلينتون أن تلك العقوبات كانت تهدف‬ ‫إلى إشعال انتفاضة شعبية ضد الجمهورية اإلسالمية؛ بل وغضت الطرف عن عمليات‬ ‫االغتيال التي نفذتها إسرائيل ضد علماء إيرانيني متخصصني في مجال الطاقة النووية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بل ومن املحتمل أنها قد دعمتهم أيضا‪ ،‬فيما دعمت اإلرهابيني ذاتهم بسوريا الذين تمت‬ ‫ً‬ ‫اإلطاحة بهم بأفغانستان في عام ‪ .2001‬ومن ثم‪ ،‬تناول دعوة بايدن الجراء محادثات قائال‪:‬‬ ‫«من هؤالء الذين تريدون إعاقتهم (بتلك العقوبات)؟ هل أردتم أن تصيبوا الشعب اإليراني‬ ‫بحالة من الشلل؟ هل يوجد أية نية حسنة في ذلك؟ أنا لست دبلوماسيا‪ .‬إنني شخص‬ ‫ً‬ ‫ثوري وأتحدث بطريقة واضحة وصريحة‪ ..‬يقول الدبلوماسيون شيئا ما‪ ،‬ويعنون به شيئا‬ ‫آخر‪ .‬نحن نتحدث على نحو صادق وواضح‪ ..‬تكون املفاوضات ذات فائدة عندما يظهر‬ ‫الجانب اآلخر حسن نيته‪ .‬وعندما ال يظهر الجانب اآلخر أية نوايا حسنة‪ ،‬وعندما تقولون‬ ‫بأنفسكم أنكم ترغبون في الضغط والتفاوض‪ ،‬فإن هذين األمرين ال يتوافقان ً‬ ‫معا‪ .‬أنتم‬ ‫تريدون أن تشهروا البنادق في وجه الشعب اإليراني وتقولون‪( :‬إما التفاوض أو إطالق‬ ‫النار)‪ ..‬عليكم معرفة أن الشعب اإليراني لن يهابكم نتيجة ملثل تلك األفعال»‪.‬‬ ‫وزعم خامنئي أن الجمهورية اإلسالمية كانت على استعداد لخوض مفاوضات مباشرة‬ ‫مع واشنطن‪ ،‬ولكن كان هناك العديد من الشروط املسبقة الضرورية‪ .‬فهو يريد أن تتخلى‬ ‫الواليات املتحدة األميركية عما يراه خامنئي بأنها محاوالت تجريها الواليات املتحدة‬ ‫األميركية إلسقاط الجمهورية اإلسالمية‪ ،‬واالنضمام إلى املفاوضات في ظل تحليها بروح‬ ‫من االحترام واملساواة املتبادلني‪ ،‬باإلضافة إلى تخليها عن مجهوداتها الفورية للضغط‬ ‫على إيران‪ ،‬مثل التهديدات العسكرية والعقوبات االقتصادية‪ .‬وفيما يتعلق بتلك األمور‪ ،‬على‬ ‫عكس ما صرح به بايدن بميونيخ‪ ،‬فإن الكرة في الوقت الحالي تأتي في ملعب واشنطن‪،‬‬ ‫وليس طهران‪.‬‬

‫اية الله خامنئي يمني الراحل اية الله الخميني عام ‪1997‬‬

‫البرنامج النووي‬

‫وفي شهر أغسطس لعام ‪ ،2010‬خالل لقائه مع مسؤولني حكوميني رفيعي املستوى‬ ‫في ظل والية الرئيس محمود أحمدي نجاد‪ ،‬قدم خامنئي تفسيره لعبارة «حالتان من‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا‪ ،‬إحداهما كانت تتعلق بالقضايا العراقية»‪.‬‬ ‫املفاوضات مع الواليات املتحدة األميركية‬ ‫وكان ذلك حينما صرح أحمدي نجاد بأنه على استعداد إلجراء مفاوضات مع الواليات‬ ‫املتحدة‪ .‬ووصف خامنئي فهمه ألسلوب التفاوض مع الواليات املتحدة كما يلي‪:‬‬ ‫«عندما ال تكون لدى األميركيني حجج قوية‪ ،‬وعندما ال يكون بإمكانهم تقديم حجة مقبولة‬ ‫ومنطقية‪ ،‬فإنهم يلجأون إلى أسلوب الضغط‪ .‬وحيث إن أسلوب الضغط ذلك ليس له أي‬ ‫تأثير على الجمهورية اإلسالمية‪ ،‬فإنهم سوف يعلنون نهاية املفاوضات من جانب واحد!‬ ‫ً‬ ‫حسنا‪ ،‬ما هو نوع تلك املفاوضات؟ وتلك هي تجربتنا في كلتا الحالتني‪ .‬لذلك‪ ،‬عندما‬ ‫يقول األشخاص مثل السيد الرئيس (أحمدي نجاد) إننا على استعداد للتفاوض‪ ،‬فحينها‬ ‫سوف أقول نعم‪ ،‬نحن مستعدون للتفاوض‪ ،‬ولكن ليس مع الواليات املتحدة‪ .‬والسبب هو أن‬ ‫الواليات املتحدة ال تشارك في املفاوضات بصدق‪ ،‬مثل أي مفاوض عادي؛ بل إنها تشارك‬ ‫في املفاوضات باعتبارها قوة عظمى‪ ..‬دعهم يضعون التهديدات والعقوبات ً‬ ‫جانبا‪ ،‬ودعهم‬ ‫يستمرون في عدم إصرارهم على أن املفاوضات ينبغي أن تنتهي إلى نتيجة محددة‪( .‬ومن‬ ‫ثم‪ ،‬فحينها قد يكون هناك مفاوضات)»‪.‬‬ ‫وخالل شهر فبراير (شباط) لعام ‪ ،2013‬صرح جوزيف بايدن نائب الرئيس األميركي‪،‬‬

‫ويرفض خامنئي فكرة تمركز الخالفات بني إيران والواليات املتحدة األميركية حول‬ ‫البرنامج النووي‪ .‬وخالل حضوره الجتماع علني مع وفد من العلماء وأسر الشهداء من‬ ‫منطقة أذربيجان اإليرانية خالل شهر فبراير املاضي‪ ،‬ذكر خامنئي قائال‪« :‬إذا أردنا تصنيع‬ ‫أسلحة نووية‪ ،‬كيف ستمنعوننا من ذلك؟ إذا كانت إيران مصرة على امتالك أسلحة نووية‪،‬‬ ‫فلن تستطيع الواليات املتحدة منعها بأي شكل من األشكال‪ .‬نحن ال نرغب في تصنيع‬ ‫أسلحة نووية‪ .‬ليس ألن أميركا مستاءة حيال ذلك‪ ،‬ولكن األمر يتعلق بمعتقداتنا الخاصة‪.‬‬ ‫فنحن نعتقد أن األسلحة النووية تمثل جريمة ضد اإلنسانية ويجب أن ال يتم تصنيعها‪،‬‬ ‫كما يجب القضاء على تلك األسلحة النووية املوجودة بالفعل في العالم بأسره‪.‬‬ ‫ذلك هو اعتقادنا‪ .‬فهو ال يتعلق بالواليات املتحدة على اإلطالق‪ .‬إذا لم يكن لدينا هذا‬ ‫االعتقاد‪ ،‬وقررنا حينها تصنيع أسلحة نووية‪ ،‬فلم تكن لتتمكن أية قوة من منعنا‪ ،‬تماما‬ ‫مثلما أنها لم تكن قادرة على منع ذلك في بلدان أخرى ‪ -‬فهي لم تتمكن من منع تصنيع‬ ‫األسلحة النووية في الهند وباكستان وكوريا الشمالية»‪.‬‬ ‫وحسبما يراه خامنئي‪« ،‬فإن املحرك الرئيس لنجاح املفاوضات هو تغيير واشنطن من‬ ‫موقفها وشعورها بالتخويل‪ .‬ويتعني على األميركيني التأكيد على حسن نواياهم وإظهار‬ ‫أنهم ليسوا مهتمني باتباع أسلوب الضغط‪ .‬وإذا ثبت ذلك‪ ،‬فحينها سوف يرون أن األمة‬ ‫اإليرانية سوف ترد باملثل‪ .‬دعهم دون إثارة أية مشاكل‪ ،‬وعدم تدخلهم وعدم فرضهم أية‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪58 - 2013 /‬‬


‫ال ُيعد خامنئي أحد أنصار الديمقراطية الليبرالية‪ .‬فهو يفترض أن الشرعية املفترضة‬ ‫للديمقراطية الليبرالية القائمة على األغلبية يتم إفسادها من خالل الحقيقة القائلة بأن‬ ‫الحكومات في الغرب لم تتلق بالفعل سوى أصوات خاصة بجزء صغير من مجموع‬ ‫الناخبني املحتملني‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإنه يدعي أن الحكومات الديمقراطية الليبرالية‪ ،‬مثل‬ ‫ً‬ ‫الواليات املتحدة األميركية‪ ،‬قد انتهكت ً‬ ‫وتكرارا مبادئها عن طريق دعم الحكومات‬ ‫مرارا‬ ‫ً‬ ‫االستبدادية في بلدان أخرى‪ ،‬كما عملت أيضا على اإلطاحة بأنظمة ديمقراطية (مثلما حدث‬ ‫في انقالب عام ‪ 1953‬في إيران)‪ .‬فهو يرى أن الحكومات الديمقراطية الليبرالية مهتمة بحكم‬ ‫العالم بأسره‪ ،‬حيث تدفع العوملة باعتبارها طريقا نحو األمركة‪ ،‬وتغزو بلدانا أخرى وقتما‬ ‫تشاء (مثلما حدث بأفغانستان والعراق)‪.‬‬ ‫يعتقد خامنئي أن الجمهورية اإلسالمية تتميز بهيئتها الديمقراطية ذات األسس الدينية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ووفقا ملا صرح به في خطاب ألقاه في ذكرى وفاة الخميني في يونيو لعام ‪ ،2005‬فإن‬ ‫«أسس الديمقراطية الدينية تختلف عن تلك الديمقراطية الغربية‪ .‬فالديمقراطية الدينية‪ ،‬التي‬ ‫هي األساس التي قمنا بالتصويت من أجلها والتي تنشأ من الحقوق والواجبات املقدسة‬ ‫لإلنسان‪ ،‬ليست مجرد عقد‪ .‬فجميع البشر لديهم الحق في التصويت والحق في تقرير‬ ‫املصير‪ .‬ذلك هو ما يضفي معنى لالنتخابات في الجمهورية اإلسالمية‪( .‬ما لدينا هنا)‬ ‫هو أكثر تقدما وذو مغزى عميق مقارنة بما هو متاح اليوم بالنسبة للديمقراطية الليبرالية‬ ‫الغربية»‪.‬‬

‫العالم بأسره»‪ .‬فقد فقدت العقائد املاركسية والليبرالية والقومية جاذبيتها‪ ،‬ولكن اإلسالم‬ ‫ال يزال يتمتع بجاذبيته‪ .‬فالربيع العربي ‪ -‬أو «الصحوة اإلسالمية»‪ ،‬كما ُيطلق عليه ‪ُ -‬يعد‬ ‫بمثابة بداية النتفاضة في جميع أنحاء العالم ضد الواليات املتحدة األميركية والصهيونية‬ ‫العاملية‪ .‬وحسبما يرى خامنئي‪ ،‬ال تهم الحقيقة القائلة بأنه من غير املحتمل أن تؤدي‬ ‫الحسابات املادية الروتينية إلى هذه النتيجة‪ ،‬وذلك ألن العناية اإللهية سوف تتوالها‪ .‬فهو‬ ‫يرى أن بقاء الجمهورية اإلسالمية في مواجهة معارضة دولية استمرت ملدة تزيد على‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ثالثة عقود تعد دليال على ذلك الدعم السماوي ويعول على ذلك في استمرارها مستقبال‪.‬‬ ‫ويعتقد خامنئي أن التحول التاريخي الذي يتوقعه سوف يؤدي إلى انتصار القيم الروحية‬ ‫واإللهية في العالم‪ .‬وعلى عكس ما يذكره ماكس فيبر حول أن العلم الحديث قد حرر العالم‬ ‫من األوهام وعالم السلطة‪ ،‬فإن خامنئي ال يزال يعتمد على مفاهيم سرية وكائنات إلهية‬ ‫خالل تناوله للسياسة‪ .‬فهو ُيعيد نشر األوهام بالعالم‪.‬‬

‫الحديث عن املباحثات‬ ‫ً‬ ‫مرشدا أعلى‪ ،‬صرح‬ ‫في شهر أغسطس لعام ‪ ،1989‬أي بعد مرور شهرين على انتخابه‬ ‫خامنئي للواليات املتحدة بأنه لم يجر أي شخص في الجمهورية اإلسالمية أية مفاوضات‬

‫ومن الناحية العملية‪ ،‬يعتقد خامنئي أن الديمقراطية الليبرالية ال تمنح الحرية بل تنتج‬ ‫الهيمنة والعدوان واإلمبريالية‪ ،‬وذلك ما يجعلها ً‬ ‫أمرا غير مقبول‪ .‬وخالل اجتماعه مع أعضاء‬ ‫من ميليشيات الباسيج في شمال غربي إيران في أكتوبر (تشرين األول) لعام ‪،2011‬‬ ‫ً‬ ‫أشار خامنئي قائال‪« :‬نحن نؤمن بالديمقراطية‪ ،‬ونؤمن بالحرية أيضا‪ .‬ولكننا ال نقبل‬ ‫الديمقراطية الليبرالية‪ ..‬نحن ال نريد استخدام ذلك االسم للمعنى النقي والصافي والصالح‬ ‫والنظيف للديمقراطية التي نتبعها‪ .‬فنحن نشير إلى الديمقراطية باسم الديمقراطية‬ ‫اإلسالمية أو الجمهورية اإلسالمية»‪ .‬وعلى الرغم من كافة انتقاداته للديمقراطية الليبرالية‪،‬‬ ‫فإنه لم يمنع ترجمة أعمال مؤلفني ليبراليني مثل كارل بوبر وميلتون فريدمان ورونالد‬ ‫دوركني وأشعيا برلني وجون رولس وريتشارد رورتي ومارثا نوسباوم وروبرت بوتنام‬ ‫وأمارتيا سن وغيرهم كثير إلى اللغة الفارسية أو نشرها خالل فترة واليته‪.‬‬ ‫يعتقد خامنئي أن الحكومات الغربية والرأسمالية تعاني بصورة عامة من مشاكل هيكلية‬ ‫ً‬ ‫تراجعا ً‬ ‫حتميا‪ .‬وفي رسالة ألقاها لحجاج مكة في شهر يونيو‬ ‫غير قابلة لإلصالح‪ ،‬وتواجه‬ ‫من عام ‪ ،1992‬ذكر خامنئي أن النظام الرأسمالي الغربي يعاني من العديد من املشكالت‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من الثروة الطائلة التي يتمتع بها ذلك النظام‪ ،‬فإنه غير قادر على اإلطالق‬ ‫على إقامة العدالة االجتماعية‪ .‬فقد أظهرت أعمال الشغب األخيرة التي تقوم بها مجموعات‬ ‫من السود في أميركا أن النظام األميركي ال يعامل دول آسيا وأفريقيا وأميركا الالتينية‬ ‫ً‬ ‫على نحو غير عادل فحسب‪ ،‬بل إنه يعامل شعبه أيضا على النحو ذاته‪ ،‬ويرد على تلك‬ ‫االحتجاجات بأساليب عنيفة وقمعية ً‬ ‫تماما مثلما هو الحال في تلك البلدان األخرى‪ .‬ومن‬ ‫الصحيح أن املعسكر الشيوعي قد انهار واختفى‪ ،‬ولكن منافسه‪ ،‬املعسكر الرأسمالي‪ ..‬الذي‬ ‫يعاني على وجه التحديد من الغطرسة التي أثرت عليه بعد اختفاء منافسه القوي‪ ،‬سوف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يتالشى أيضا‪ ،‬عاجال أم آجال‪.‬‬

‫األزمة االقتصادية‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫دليال ً‬ ‫داعما لوجهة نظره‬ ‫وأشار خامنئي إلى أن األزمة املالية التي بدأت في عام ‪ 2008‬تعد‬ ‫املتشائمة حول توقعاته للغرب‪ .‬فقد رأى أن حركة االحتجاجات التي تدعو إلى احتالل وول‬ ‫ُ‬ ‫ستريت تعد بمثابة بداية ألزمة ضخمة في الرأسمالية‪ .‬وأضاف قائال إن هؤالء األشخاص‬ ‫الذين شاركوا في تلك التجمعات واملظاهرات البالغ عددهم عدة آالف في نيويورك قد وضعوا‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫مشيرا إلى تجمع كبير من األشخاص قد شهدته‬ ‫إعالنا كتب عليه «نحن النسبة ‪،»%99‬‬ ‫مدينة كرمانشاه في شهر أكتوبر لعام ‪ .2011‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن ‪ 99‬في املائة من الشعب‬ ‫األميركي ‪ -‬أي أغلبية الشعب األميركي ‪ -‬تحكمها النسبة املهيمنة البالغة ‪ 1‬في املائة فقط‪..‬‬ ‫واليوم‪ ،‬بلغ النظام الرأسمالي طريقا مسدودا بالكامل‪ .‬من املحتمل أن يستغرق األمر العديد‬ ‫من السنوات كي يتم التوصل إلى حل نهائي لتلك األزمة‪ .‬ولكن أزمة الغرب قد بدأت بالفعل‪.‬‬ ‫بالنسبة لخامنئي‪ ،‬فإن تاريخ العالم «يتجه نحو األفضل» وسوف يبدأ «عصر جديد في‬

‫خامنئي يزور رهينة امريكي عام ‪( 1980‬فورين افيرز)‬

‫ً‬ ‫في وقت مضى مع الواليات املتحدة األميركية مطلقا‪ ،‬ولن يتم ذلك‪ ..‬وما دامت السياسة‬ ‫األميركية تقوم على األكاذيب والخداع والنفاق وتدعم األنظمة الفاسدة مثل إسرائيل‪ ،‬وتديم‬ ‫حالة الظلم ضد الشعوب الضعيفة والفقيرة‪ ،‬وما دامت الجرائم والتجاوزات التي يرتكبها‬ ‫الحكام األميركيون‪ ،‬مثل إسقاط طائرة الركاب واحتجاز امللكية اإليرانية‪ ،‬ال تزال حاضرة‬ ‫في ذاكرة أمتنا‪ ،‬فليس هناك أية احتمالية لدينا لعقد مفاوضات مع الحكومة األميركية أو‬ ‫إقامة عالقات دبلوماسية معها‪ .‬فنحن نرفض ً‬ ‫تماما إقامة أية عالقات بيننا وبينهم‪.‬‬ ‫وفي العام التالي‪ ،‬خالل لقائه مع مجموعة من الطالب في ذكرى االستيالء على السفارة‪،‬‬ ‫أشار خامنئي إلى أن‪« :‬هؤالء الذين يعتقدون أنه يتوجب علينا إجراء مفاوضات مع‪..‬‬ ‫الواليات املتحدة األميركية إما أنهم بلهاء وإما جبناء‪ ..‬ماذا تعني تلك املفاوضات؟ هل سيتم‬ ‫حل كافة املشكالت في حالة الذهاب والجلوس مع القادة األميركيني للتحدث والتفاوض‬ ‫فقط؟ هذه ليست القضية‪ .‬إن إجراء املفاوضات مع الواليات املتحدة يعني إقامة تجارة‬ ‫معها‪ .‬والتجارة مع الواليات املتحدة األميركية تعني أنك تأخذ شيئا مقابل شيء آخر‪ .‬ما‬ ‫الذي سوف تقدمه للواليات املتحدة من الثورة اإلسالمية‪ ،‬وما الذي سوف تحصل عليه في‬ ‫املقابل؟ هل تعلم ما ترغب الواليات املتحدة في الحصول عليه؟ إن الواليات املتحدة ال تشعر‬ ‫بالضيق حيال األمة اإليرانية سوى ألنها أمة مسلمة‪ ،‬ثابتة في اتباعها لتعاليم اإلسالم‬ ‫النقي الذي جاء به النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)‪ .‬فهي ال ترغب في اتباعنا لإلسالم‪.‬‬ ‫وال ترغب في كوننا فخورين به‪ .‬هل أنت على استعداد لذلك؟»‪.‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪57 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫املتحدة األميركية وحلفاؤها وقارن بينها وبني الثورة الحقيقية‪ ،‬مثل تلك التي أدت إلى‬ ‫تأسيس الجمهورية اإلسالمية‪« :‬إن الثورة التي ال تستطيع الدفاع عن نفسها في عصر‬ ‫الفتنة‪ ،‬ضد مختلف املحاوالت االنقالبية السياسية أو العسكرية وغيرها من أعمال من هذا‬ ‫القبيل‪ ،‬ال حياة لها‪ .‬هذه الثورة على قيد الحياة‪ ،‬ألنها تدافع عن ذاتها وتسود وتنتصر‪ .‬هذا‬ ‫مؤكد‪ ،‬كما رأيتم ما حدث (في أعقاب االحتجاجات) في عام ‪.»2009‬‬

‫النووية‪ ،‬التي لم تمنع اإلطاحة العنيفة بمعمر القذافي عن طريق التدخل العسكري لحلف‬ ‫الناتو‪ .‬صرح خامنئي في خطابه السنوي بمناسبة العام اإليراني الجديد في مارس عام‬ ‫‪« :2011‬في ليبيا‪ ،‬على الرغم من أن القذافي أظهر اتجاها معاديا للغرب أثناء أعوامه األولى‬ ‫في الحكم‪ ،‬فإنه في األعوام األخيرة قدم خدمة جليلة للغرب‪ ..‬جمع هذا الرجل برنامجه‬ ‫النووي‪ ..‬وأعطاه للغربيني‪ .‬وقال (خذوه بعيدا)!‪( ..‬ولكن تمت اإلطاحة به)»‪.‬‬

‫الفكرة الرئيسة املتكررة التي يتناولها خامنئي هي وجود تهديدات خارجية مستمرة‬

‫للجمهورية اإلسالمية وقدرة النظام على التصدي لها‪ .‬يقول خامنئي إن الواليات املتحدة املقدسات‬

‫والكتلة الغربية يريدان اإلطاحة بالنظام في إيران وقاما بمحاوالت متنوعة لتحقيق ذلك‪،‬‬ ‫بما في ذلك الغزو العسكري العراقي عام ‪ ،1980‬واستغالل الخالفات العرقية‪ ،‬وفرض‬ ‫العقوبات االقتصادية‪ .‬وكما قال في خطاب جماهيري آخر ألقاه في أغسطس عام ‪:2010‬‬ ‫«إنهم يريدون أن يسقطوا الثورة‪ .‬هذه العقوبات االقتصادية هي إحدى الوسائل التي‬ ‫يستخدمونها‪ .‬يقولون إن (العقوبات) ال تستهدف الشعب اإليراني‪ ،‬لكنهم يكذبون! املقصود‬ ‫من العقوبات هو تعطيل أحوال الشعب اإليراني‪ .‬فرضت العقوبات إلنهاك الشعب اإليراني‬ ‫وجعله يقول (نحن تحت ضغط من العقوبات بسبب سياسات الجمهورية اإلسالمية)‪ .‬إنهم‬ ‫يريدون قطع العالقات بني الشعب والنظام الجمهوري اإلسالمي‪ .‬وهذا هو الهدف الحقيقي‬ ‫من العقوبات‪ .‬ويمارسون ضغوطا اقتصادية من خالل العقوبات»‪ .‬يدعي خامنئي مرارا‬ ‫وتكرارا أن املبررات املعلنة لسياسات الواليات املتحدة تهدف إلى إخفاء دوافع أكثر شرا‪.‬‬ ‫وقال في خطاب جماهيري آخر في أغسطس عام ‪« :2011‬على الرغم من أن حجة العقوبات‬ ‫هي قضية الطاقة النووية‪ ،‬فإنهم يكذبون‪ ..‬ربما تذكرون أن العقوبات األولى ضد هذا البلد‬ ‫صدرت في وقت لم تكن فيه القضية النووية‬ ‫موجودة على اإلطالق ‪ ..‬وبالتالي‪ ،‬هدف‬ ‫العدو هو إسقاط الجمهورية اإلسالمية»‪.‬‬

‫لن حتل امل�شاكل الداخلية‬ ‫اليران على الإطالق من دون‬ ‫نظام ي�ستند اىل الدميقراطية‬ ‫واحلرية وحقوق الإن�سان‬

‫يبني خامنئي هذه الحجج إلي حد ما بناء‬ ‫على يراه من محاولتني فاشلتني من إيران‬ ‫للوصول إلى تسوية مع الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫كانت املحاولة األولى خالل فترة رئاسة‬ ‫خاتمي‪ ،‬عندما علقت الحكومة تخصيب‬ ‫اليورانيوم ملدة عامني كإجراء لبناء الثقة‪.‬‬ ‫ويعتقد خامنئي أن الحكومات الغربية لم‬ ‫تكن مهتمة ببناء الثقة‪ ،‬لكن كانت مهتمة‬ ‫فقط بوقف دائم للتخصيب‪ .‬لم تحقق مدة التعليق التي استغرقت عامني إنجازات إليران‬ ‫– لم ترفع العقوبات‪ ،‬ولم يتم اإلفراج عن األصول اإليرانية املجمدة في الواليات املتحدة‪ ،‬وال‬ ‫أي مكافأة أخرى‪.‬‬

‫في خطاب ألقاه في يناير (كانون الثاني) عام ‪ ،2008‬قال خامنئي‪« :‬اليوم‪ ،‬لكل من يأتي‬ ‫إلينا ويقول‪( :‬سيدي‪ ،‬قوموا بوقف مؤقت)‪ ،‬نقول‪( :‬لقد كان لدينا بالفعل إيقاف مؤقت‪،‬‬ ‫ملدة سنتني!)‪ .‬كان لدينا وقف مؤقت ملدة عامني‪ .‬كيف استفدنا من هذا الوقف؟ وتصورنا‪،‬‬ ‫من جانبنا‪ ،‬أنه كان مؤقتا وأنه كان اختياريا‪ .‬وعندما تحدثنا عن استكمال العمل‪ ،‬بدأوا‬ ‫هذا الهوس اإلعالمي والصخب السياسي قائلني‪( :‬يا للمصيبة! إيران تريد إنهاء وقف‬ ‫التخصيب!)‪ .‬وأصبح الوقف قضية مقدسة ال تملك إيران حقا في املساس بها‪ ..‬وأخيرا‬ ‫يقولون هذا الوقف املؤقت ليس كافيا‪ ،‬يجب أن توقف املشروع الذري برمته‪ .‬كان هذا‬ ‫انتكاسة لنا‪ .‬قبلت (حكومة خاتمي) التراجع‪ .‬ولكن كان لهذا التراجع أثر إيجابي بالنسبة‬ ‫لنا‪ .‬تعلمنا الدرس من هذه التجربة‪ .‬وتعلم الرأي العام العاملي منها أيضا‪ ..‬قلت إنه إذا‬ ‫كانت عملية إضافة مطالب جديدة سوف تستمر فسوف أتدخل‪ .‬وقد فعلت؟ وقلت يجب‬ ‫أن نستمر في موضع هجومي (ونعود إلى عمليات التخصيب)»‪ .‬وذهب خامنئي إلى‬ ‫تذكير مستمعيه بأنه على الرغم من رغبة خاتمي في التسوية‪ ،‬وكالمه الطيب مع األميركان‬ ‫وتعاونه في إسقاط طالبان وفي مفاوضات بون التي جاءت بعد ذلك من أجل تنصيب‬ ‫حكومة موالية ألميركا في أفغانستان‪ ،‬فإن الرئيس األميركي جورج دبليو بوش ظل يضم‬ ‫إيران إلى «محور الشر» الذي تحدث عنه‪.‬‬

‫تجربة القذافي‬ ‫التجربة الثانية التي استشهد بها تتعلق بقرار ليبيا في عام ‪ 2003‬بالتخلي عن طموحاتها‬

‫إحدى القضايا األخرى املهمة بالنسبة لخامنئي هي األفعال التي يعتبرها تصل إلى إهانة‬ ‫اإلسالم‪ .‬بعد اإلعالن عن إمكانية حرق القرآن علي يد قس في والية فلوريدا عام ‪،2010‬‬ ‫تساءل خامنئي في أحد خطاباته الجماهيرية قائال‪« :‬من وما الذي يقف وراء كواليس هذه‬ ‫األفعال السيئة؟»‪ .‬في الوقت ذاته‪ ،‬يحاول خامنئي جاهدا أن يتجنب تصوير هذه املسألة‬ ‫على أنها صراع بني اإلسالم واملسيحية‪ .‬وقال في خطاب جماهيري في سبتمبر (أيلول)‬ ‫عام ‪« :2010‬إن الهدف من هذه التصرفات املثيرة للغضب (عمليات حرق القرآن) هو نقل‬ ‫املواجهة مع اإلسالم واملسلمني إلى التيار الرئيس في املجتمعات املسيحية وإضفاء طابع‬ ‫ديني متعصب عليها»‪ .‬وأضاف‪« :‬يجب أن ندرك جميعا» أن هذا «ليس له أي عالقة بالكنائس‬ ‫أو املسيحية‪ ،‬ويجب أال نلوم املسيحيني ورجال دينهم على األفعال الصبيانية التي قام بها‬ ‫عدد قليل من رجال الدين الحمقى واملرتزقة‪ .‬لن نرتكب نحن املسلمني مطلقا أعماال مماثلة‬ ‫فيما يتعلق بمقدسات األديان األخرى‪ .‬إن إشعال الصراع بني املسلمني واملسيحيني على‬ ‫املستوى العام هو ما يريده األعداء واملتآمرون من هذه العروض املجنونة‪ ،‬ويعلمنا القرآن‬ ‫أن نتخذ املوقف املعاكس»‪.‬‬

‫تراجع الغرب‬ ‫ال ينكر خامنئي التقدم الكبير الذي شهده الغرب على مدار القرن املاضي‪ .‬فكما صرح‬ ‫في أحد خطاباته في شهر يونيو عام ‪« ،2004‬بالواليات املتحدة األميركية‪ ،‬تستطيع أن‬ ‫تلحظ ذروة نهضة الحضارة املادية من ناحية العلم والثروة والسلطة العسكرية‪ ،‬والجهود‬ ‫السياسية والدبلوماسية‪ .‬فالواليات املتحدة األميركية تتمتع بثروة أسطورية وقوة عسكرية‬ ‫هائلة‪ ،‬عالوة على الحراك السياسي االستثنائي»‪ .‬يتقبل خامنئي العلم والتكنولوجيا اللذين‬ ‫يتمتع بهما الغرب‪ ،‬فيما أنه يرثي حقيقة أن األنظمة االستبدادية التي تعاني منها إيران‬ ‫ودول أخرى بالعالم النامي هي املسؤولة عن التخلف السائد في هذه البلدان‪ .‬ويصرح‬ ‫خامنئي عن إعجابه ببعض الجوانب التي تتسم بها املجتمعات الغربية‪ .‬ومن خالل لقائه‬ ‫مع الشباب والعاملني بالشؤون الثقافية في مدينة رشت التي تقع على ساحل بحر قزوين‬ ‫خالل عام ‪ ،2001‬على سبيل املثال‪ ،‬أشار خامنئي إلى أن «هناك صفة جيدة يتسم بها‬ ‫الشعب األوروبي وهي استعداده لتحمل املخاطر‪ .‬ذلك هو املصدر الرئيس لنجاحه‪ ..‬أما‬ ‫الشاق‪ ..‬إن أعظم املخترعني‬ ‫الصفة الثانية التي يتسم بها هؤالء فهي املثابرة ومواصلة العمل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الغربيني والعلماء املوهوبني هم هؤالء الذين ظلوا يعيشون حياة قاسية للعديد من السنوات‬ ‫في محاولة منهم الكتشاف شيء ما‪ .‬فعندما يقرأ املرء السير الذاتية الخاصة بهم‪ ،‬فإنه‬ ‫ُيدرك مدى قسوة الحياة التي عاشوها‪ ..‬تلك هي األجزاء الجيدة من الثقافة الغربية»‪.‬‬ ‫وخالل إحدى املناقشات التي أجراها خامنئي مع شباب إيراني في شهر فبراير (شباط)‬ ‫عام ‪ ،1999‬بمناسبة ذكرى الثورة‪ ،‬ذكر أن «الثقافة الغربية تمزج بني أمور جيدة وأخرى‬ ‫ً‬ ‫سيئة‪ .‬ال ُيمكن أن يقول أحد إن الثقافة الغربية هي ثقافة سيئة ً‬ ‫فتماما مثل أي‬ ‫تماما‪ .‬ال‪،‬‬ ‫ثقافة أخرى‪ ،‬من املؤكد أنها تتسم بمظاهر جيدة‪ ..‬فأية أمة حكيمة ومجموعة من العقالء‬ ‫سوف يأخذون ما هو جيد‪ ،‬ويضيفونه إلى ثقافتهم‪ ،‬وبذلك‪ ،‬فإنهم يعملون على إثراء‬ ‫ثقافتهم‪ ،‬فيما يرفضون ما هو سيئ»‪ .‬يعتقد خامنئي أن الحضارة اإلسالمية هي األعلى‪،‬‬ ‫على الرغم من ذلك‪ ،‬ألن الحضارة الغربية تتسم باملادية املفرطة‪ .‬وأضاف خامنئي خالل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا مع شباب كرس نفسه لقضية التنمية االقتصادية واالجتماعية قائال‬ ‫اجتماع عقده‬ ‫ُ‬ ‫إن «الغرب ال ينظر سوى إلى بعد واحد فقط‪ ،‬وسمة واحدة فقط‪ ،‬وهي الصفة املادية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا‪ ،‬حيث يشمل ذلك التقدم الثروة والعلم والشؤون‬ ‫فالنظرة الغربية تهتم بالتقدم أوال ً‬ ‫العسكرية والتكنولوجيا‪ ..‬ولكن وفقا للمنطق اإلسالمي‪ ،‬فإن التقدم له أبعاد أخرى‪ :‬التقدم‬ ‫في كل من العلم والعدالة والصالح العام واالقتصاد والهيبة واملكانة على املستوى الدولي‪،‬‬ ‫واالستقالل السياسي والصالة والتقرب من الله تعالى‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬يتسم التقدم بسمة‬ ‫روحية‪ ،‬وجانب قدسي»‪.‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪56 - 2013 /‬‬


‫وأميركا»‪ .‬وأضاف أن احتالل السفارة «كان خدمة عظيمة وجليلة لصالح ثورتنا»‪.‬‬

‫ممثل الخميني في مجلس الدفاع األعلى‬ ‫عني الخميني خامنئي عضوا في مجلس الثورة اإلسالمية‪ ،‬وقبل أن يصبح رئيسا‬ ‫للجمهورية في عام ‪ ،1981‬عمل نائبا لوزير الدفاع‪ ،‬والقائم بأعمال رئيس الحرس الثوري‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وممثل الخميني في مجلس الدفاع األعلى‪ .‬وضعه عمله في القضايا األمنية‬ ‫في مواجهة السياسة الواقعية الباردة التي انتهجتها واشنطن‪ .‬وفي أغسطس (آب) عام‬ ‫‪ ،1980‬شن صدام حسني هجوما عسكريا على إيران في محاولة لالستفادة من الفوضى‬ ‫املوجودة مع النظام الجديد‪ .‬كانت إيران تعاني آثار سقوط الشاه واستمرار أزمة الرهائن‪،‬‬ ‫ورفضت الواليات املتحدة انتقاد أفعال العراق‪ ،‬ثم قدمت له الحماية من العقاب في األمم‬ ‫املتحدة وبعد ذلك دعمت بالفعل الحرب العراقية ضد إيران‪ .‬وفي نهاية الثمانينات‪ ،‬كان‬ ‫الجيش األميركي يواجه إيران مباشرة من خالل مهاجمة منصات النفط اإليرانية في‬ ‫الخليج عام ‪ ،1987‬وإسقاط طائرة ركاب إيرانية في عام ‪.1988‬‬

‫رحلة خامنئي إلى الواليات املتحدة‬ ‫وفي عام ‪ ،1987‬ذهب خامنئي في رحلته الوحيدة إلى الواليات املتحدة حتى اآلن من أجل‬ ‫املشاركة بصفته رئيس دولة إيران في جلسة الجمعية العامة لألمم املتحدة‪ .‬وفي خطابه‪،‬‬ ‫تحدث عن العالقة بني إيران والواليات املتحدة‪:‬‬ ‫«إن تاريخ أمتنا يحتوي على فصل أسود ومرير ودموي‪ ،‬يمتزج بكراهية وازدراء تجاه‬ ‫النظام األميركي‪ ..‬الذي يتحمل اللوم بسبب دعمه الذي استمر ‪ 25‬عاما لدكتاتورية بهلوي‪،‬‬ ‫وجميع الجرائم التي ارتكبها ضد شعبنا‪ .‬إن سلب ثروة البالد بمساعدة الشاه‪ ،‬واملواجهة‬ ‫املكثفة مع الثورة خالل الشهور األخيرة من نظام الشاه‪ ،‬وتشجيعها له على سحق‬ ‫مظاهرات ماليني من األشخاص‪ ،‬وتخريبها للثورة عبر وسائل عديدة في األعوام األولى‬ ‫من انتصارها‪ ،‬واتصاالت السفارة األميركية في طهران املستفزة مع عناصر مناهضة‬ ‫للثورة خارج البالد‪ ،‬ومحاصرة النقود واملمتلكات اإليرانية ورفض نقل البضائع التي‬ ‫تلقوا مقابلها أو األرصدة التي أخذها الشاه من الثروة الوطنية وأودعها باسمه في البنوك‬ ‫األميركية‪ ،‬ومحاولة فرض حظر اقتصادي وتكوين جبهة غربية موحدة ضد بالدنا‪ ،‬والدعم‬ ‫العلني املؤثر للعراق في حربه ضدنا‪ ،‬وأخيرا غزو الخليج مثل قطاع الطرق بما يشكل‬ ‫تهديدا خطيرا لألمن والسالم في املنطقة‪ ..‬هذا كله مجرد بعض مما تتهم به بالدنا النظام‬ ‫في الواليات املتحدة األميركية»‪.‬‬ ‫وفي خطاب جماهيري في العام التالي‪ ،‬تحدث عما مر به أثناء إقامته في نيويورك قائال‪:‬‬ ‫«جاء مسؤول رفيع املستوى في دولة أوروبية ملقابلتي وقال لي (يجب أن تحل مشكلتك مع‬ ‫أميركا)! اعتقدوا أنني بمجيئي إلى نيويورك ووجودي في أميركا قد يستطيعون استغالل‬ ‫املوقف‪ .‬ولكني قلت‪( :‬مستحيل‪ .‬قضية األمم املتحدة شأن آخر‪ .‬مجيئي إلى األمم املتحدة‬ ‫للحديث مع شخصيات من العالم وهذا ليس له عالقة بأميركا‪ .‬قضية أميركا لها شأن‬ ‫آخر)»‪.‬‬

‫من الخميني إلى خامنئي‬ ‫منذ أن أصبح املرشد األعلى إليران في عام ‪ ،1989‬أصبحت آراء خامنئي حيال سياسة‬ ‫الواليات املتحدة األميركية أكثر حدة‪ .‬وفي الوقت الحالي‪ ،‬موقفه واضح وبسيط‪ :‬ترغب‬ ‫الحكومات الغربية‪ ،‬بقيادة واشنطن‪ ،‬في اإلطاحة بالجمهورية اإلسالمية وتدمير الثورة‬ ‫اإلسالمية‪ً ،‬‬ ‫تماما مثلما حدث مع االتحاد السوفياتي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وفي اجتماعه مع مسؤولني من الحكومة اإليرانية عام ‪ ،2000‬صرح خامنئي قائال‪« :‬لقد‬ ‫تم وضع خطة أميركية شاملة لتدمير النظام الجمهوري اإلسالمي‪ ،‬حيث جرت تهيئة كافة‬ ‫جوانبها‪ .‬تمت إعادة بناء تلك الخطة منذ انهيار االتحاد السوفياتي‪ ..‬وأعادوا وضع الخطة‪،‬‬ ‫في مخيالتهم‪ ،‬لتدمير السوفيات وفقا للظروف التي تشهدها إيران»‪ .‬وأشار خامنئي إلى‬ ‫أنه كانت هناك عوامل داخلية مسؤولة عن انهيار االتحاد السوفياتي‪ ،‬بما في ذلك الفقر‬ ‫والقمع والفساد والعرقية واالضطرابات القومية‪ .‬وذكر خامنئي أن األميركيني استفادوا‬

‫من تلك الظروف لدفع الدولة السوفياتية نحو االنهيار – من ناحية من خالل استغالل‬ ‫وسائل اإلعالم وتنظيمهم (لغزو ثقافي)‪ ،‬ومن ناحية أخرى قاموا باستخدام الضغوط‬ ‫السياسية واالقتصادية‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإن مثل تلك الجهود لن تجدي نفعا داخل‬ ‫إيران‪ ،‬حيث يرى خامنئي أن ذلك يرجع إلى أن الجمهورية اإلسالمية ليست مثل االتحاد‬ ‫السوفياتي – وليس أقلها أنه على عكس الشيوعية‪ ،‬ال يعد اإلسالم آيديولوجيا جرى تبنيها‬ ‫حديثا من قبل أي حزب حاكم عقب االنتصار في حرب أهلية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬تملك إيران‬ ‫تاريخا طويال في وجودها كدولة موحدة‪ .‬فلم تترابط عناصرها املكونة معا من خالل‬ ‫التوسع اإلمبريالي وحروب الغزو على مدار القرون األخيرة‪ ،‬كما كان الحال مع اإلمبراطورية‬ ‫ً‬ ‫الروسية التي ورثها النظام السوفياتي‪ .‬وأشار أيضا إلى أن الجمهورية اإلسالمية نتاج‬ ‫لثورة شعبية وتتمتع بالشرعية الدينية‪.‬‬ ‫يعتقد خامنئي أن هناك العديد من التدابير التي بإمكانها ضمان أن الجمهورية اإلسالمية‬ ‫لن تلق املصير ذاته الذي حل باالتحاد السوفياتي‪ .‬أوال‪ ،‬ينبغي تحديد املتمردين السياسيني‬ ‫املحتملني – النسخ اإليرانية املحلية من بوريس يلتسن – ومعرفتهم‪ .‬ثانيا‪ ،‬ينبغي اإلعالن‬ ‫بوضوح عن خطط إصالح منطقية‪ ،‬وبالتالي لن يكون من املمكن إساءة فهمها أو تحريفها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ووفقا لوصفه‪ ،‬فإن التدابير اإلصالحية ينبغي أن «يقودها مركز قوي وصارم‪ ،‬بحيث ال‬ ‫ً‬ ‫تخرج عن السيطرة»‪ .‬ثالثا‪ ،‬ال ينبغي السماح لوسائل اإلعالم بعرقلة عمل الحكومة‪ً .‬‬ ‫ورابعا‪،‬‬ ‫ينبغي منع أية تدخالت من قبل أي قوى خارجية‪ ،‬مثل الواليات املتحدة األميركية وإسرائيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يعتقد خامنئي أيضا أن الواليات املتحدة األميركية‪ ،‬والغرب بصورة عامة‪ ،‬وإسرائيل لديهم‬ ‫رغبة في استخدام االنتخابات الخاصة بالعديد من املراكز اإليرانية (مثل مجالس املدن‬ ‫والهيئة التشريعية والهيئة القضائية ومجلس الخبراء اإليراني) لخلق موقف من «السيادة‬ ‫املزدوجة» من خالل «حلفائها بالداخل»‪ .‬ووفقا ملا يراه خامنئي‪ ،‬فإن الهدف الكامن وراء‬ ‫ذلك هو خلق حالة انقسام بني املرشد األعلى واملسؤولني الحكوميني املنتخبني‪ .‬ومثلما فعل‬ ‫البريطانيون‪ ،‬الذين خضعوا لحاكم ذي‬ ‫سلطة مطلقة في املاضي‪ ،‬إنهم حولوا‬ ‫امللكية إلى مجرد منصب شرفي‪،‬‬ ‫وبالتالي فإن أعداء إيران‪ ،‬وفقا ملا يراه‬ ‫خامنئي‪ ،‬يرغبون في تحويل الحكم‬ ‫املطلق للفقيه أو «والية الفقيه» إلى حكم‬ ‫هش ال فائدة منه‪.‬‬

‫مفهوم السيادة املزدوجة‬

‫منذ �أن �أ�صبح املر�شد الأعلى‬ ‫لإيران‪� ،‬أ�صبحت �آراء خامنئي‬ ‫حيال �سيا�سة الواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية �أكرث حدة‬

‫استخدم سعيد حجاريان‪ ،‬كبير‬ ‫االستراتيجيني اإلصالحيني اإليرانيني‪،‬‬ ‫مفهوم السيادة املزدوجة كأداة تحليلية لوصف التغيير في موازين القوى في إيران عقب‬ ‫فوز محمد خاتمي في االنتخابات الرئاسية التي جرت في مايو عام ‪.1997‬‬ ‫وردا على ذلك‪ ،‬حاول املوالون لخامنئي اغتيال حجاريان في مارس ‪ .1999‬لكنه نجا من‬ ‫محاولة االغتيال‪ ،‬إال أنه أصيب بالشلل منذ ذلك الحني‪ .‬وذكر خامنئي مفهوم السيادة‬ ‫املزدوجة بوصفها فكرة هدامة في خطاب جماهيري ألقاه في عام ‪ ،2004‬نظرا ألن إدارة‬ ‫خاتمي ضعفت خالل السنة النهائية لها في السلطة‪« :‬سمعتم شعار (السيادة املزدوجة)!‬ ‫وقد كرر عدد من الناس غير العقالنيني هذه الكلمات داخل البالد‪ ..‬السيادة املزدوجة غير‬ ‫مرغوب فيها إنها مدمرة وسم قاتل! وهذا ما يريده (أعداء إيران)»‪.‬‬ ‫بعد االنتخابات الرئاسية اإليرانية التي أجريت في يونيو عام ‪ ،2009‬تدفق مئات اآلالف‬ ‫من الناس إلى شوارع طهران ونظموا مظاهرات سلمية ضد نتائج االنتخابات التي تم‬ ‫التالعب فيها‪ .‬ومع انتشار املظاهرات‪ ،‬شبه خامنئي‪ ،‬في خطبة صالة الجمعة‪ ،‬االحتجاجات‬ ‫«بالثورات امللونة»‪ ،‬وخصوصا تلك التي وقعت في جورجيا‪ ،‬والتي ادعى أن األميركان‬ ‫والبريطانيني هم من أطلقوها‪ .‬وأكد خامنئي أنه خالل األسابيع السابقة‪ ،‬أصبحت خطابات‬ ‫رجال الدولة األميركيني واألوروبيني أشد حدة‪ ،‬وبعد احتجاجات طهران‪ ،‬خلعوا «أقنعتهم»‪،‬‬ ‫وكشفوا عن «مالمحهم الحقيقية»‪.‬‬ ‫في خطاب شعبي ألقاه في شهر يونيو عام ‪ ،2011‬وصف خامنئي املظاهرات‪ ،‬التي عرفت‬ ‫باسم الحركة الخضراء‪ ،‬بأنها استمرار لسياسة تغيير النظام التي تنتهجها الواليات‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪55 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫ُ‬ ‫إنه نصح جمهورا من الكتاب والفنانني في عام ‪ 1996‬قائال‪« :‬اقرأوا روايات بعض الكتاب‬ ‫ذوي االتجاهات اليسارية‪ ،‬مثل هوارد فاست‪ .‬اقرأوا (عناقيد الغضب) الشهيرة التي ألفها‬ ‫جون ستاينبيك‪ ..‬وانظروا كيف تتحدث عن موقف اليسار وكيف تعامل معهم الرأسماليون‬ ‫في مركز الديمقراطية»‪ .‬كما أنه أيضا من محبي رواية «كوخ العم توم» التي نصح بقراءتها‬ ‫مديرين حكوميني رفيعي املستوى في مارس (آذار) عام ‪ ،2002‬نظرا ملا تلقيه من ضوء‬ ‫على تاريخ الواليات املتحدة قائال‪« :‬أليست هذه هي الحكومة التي ارتكبت مجزرة ضد‬ ‫السكان األصليني على أرض أميركا؟ أليست هي التي تخلصت من الهنود األميركيني؟‬ ‫أليس هذا هو النظام وعمالؤه الذين أسروا ماليني األفارقة من منازلهم واتخذوهم عبيدا‬ ‫وخطفوا أبناءهم وبناتهم الصغار ليتخذوهم رقيقا وألحقوا بهم أقسى معاناة على مدار‬ ‫سنوات طويلة؟ اليوم‪ ،‬أكثر األعمال الفنية تعبيرا عن هذه التراجيديا هي رواية (كوخ العم‬ ‫توم)‪ ..‬ما زال هذا الكتاب حيا بعد نحو ‪ 200‬عام»‪.‬‬

‫اإلسالمي الناشئ‬ ‫رغم تردد خامنئي على األوساط الثقافية العلمانية قبل الثورة‪ ،‬وكونه طالبا للثقافة الغربية‬ ‫بصورة عامة‪ ،‬فإنه كان أوال وقبل كل شيء عالم دين يكرس ذاته إلى تحقيق تغيير اجتماعي‬ ‫بما يتفق مع تعاليم الدين‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬كان سيد قطب‪ ،‬املفكر والناشط املصري‬ ‫واملنظر الرئيس لجماعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬هو من استولى على قلب خامنئي في شبابه‪.‬‬

‫إسالميني متطرفني مثل أسامة بن الدن وأيمن الظواهري‪ .‬وكانت هذه األفكار تلقى قبوال‬ ‫لدى طالب املعاهد الدينية اإليرانية‪ .‬وقرأها خامنئي وانجذب إلى شخصية قطب وإلى بعض‬ ‫أفكاره‪ ،‬بل وذهب إلى ترجمة بعض من كتب قطب إلى اللغة الفارسية بنفسه‪ .‬وكما كتب‬ ‫خامنئي في مقدمة ترجمته لكتاب سيد قطب «املستقبل لهذا الدين» في عام ‪« :1967‬حاول‬ ‫هذا الكاتب العظيم عبر فصول هذا الكتاب‪ ..‬تقديم روح الدين كما هي‪ ،‬ثم توضيح أنه منهج‬ ‫للحياة‪( ..‬وأكد) بعباراته البليغة ومنظوره العاملي الخاص أن حكم العالم في النهاية سوف‬ ‫يكون في يد مدرستنا وأن (املستقبل سيكون لإلسالم)»‪.‬‬ ‫أحيا قطب املفاهيم اإلسالمية التقليدية عن دار اإلسالم ودار الحرب ولكنه أضفى عليها‬ ‫معنى جديدا حيث كتب‪« :‬إن هناك دارا واحدة هي دار اإلسالم‪ ،‬تلك التي تقوم فيها الدولة‬ ‫املسلمة‪ ،‬فتهيمن عليها شريعة الله‪ ،‬وتقام فيها حدوده‪ ،‬ويتولى املسلمون فيها بعضهم‬ ‫بعضا‪ ،‬وما عداها فهي دار حرب‪ ،‬عالقة املسلم بها إما القتال‪ ،‬وإما املهادنة على عهد أمان»‪.‬‬ ‫قدم قطب إلى خامنئي أيضا منظورا تجاه الواليات املتحدة بصفتها مجتمع فجور‪ ،‬وهي‬ ‫األفكار التي التقطها قطب أثناء إقامته املؤقتة هناك في األربعينات‪ .‬وصل قطب إلى الشعور‬ ‫بأن األميركيني مستعدون لقبول اإلسالم‪ ،‬ولكن ليس على صورته الحقيقية التي ال تقبل‬ ‫الخضوع‪« :‬األميركان وحلفاؤهم مهتمون باإلسالم في هذه األيام‪ ،‬إنهم في حاجة إليه‬ ‫ليكافح لهم الشيوعية في الشرق األوسط‪ ..‬واإلسالم الذي يريده األميركان ليس هو اإلسالم‬ ‫الذي يقاوم االستعمار وليس هو اإلسالم الذي يقاوم الطغيان‪ ،‬ولكنه فقط اإلسالم الذي‬ ‫يقاوم الشيوعية! إنهم ال يريدون لإلسالم أن يحكم‪ ،‬وال يطيقون من اإلسالم أن يحكم‪،‬‬ ‫ألن اإلسالم حني يحكم سينشىء الشعوب نشأة أخرى‪ ،‬وسيعلم الشعوب أن إعداد القوة‬ ‫فريضة‪ ،‬وأن طرد املستعمر فريضة‪ ،‬وأن الشيوعية كاالستعمار وباء فكالهما عدو‪.‬‬ ‫وكالهما اعتداء»‪.‬‬

‫بعد الثورة‬ ‫في األيام األولى من الثورة اإليرانية‪ ،‬بعد أن أعلنت واشنطن أنها سوف تسمح للشاه املريض‬ ‫بدخول الواليات املتحدة لتلقي العالج‪ ،‬استولت مجموعة من الطالب اإليرانيني املتطرفني‬ ‫على السفارة األميركية في طهران واحتجزوا من فيها كرهائن‪ ،‬مما تسبب في خلق أزمة‬ ‫جديدة في العالقات األميركية اإليرانية‪ .‬لم يكن جميع أفراد النخبة الحاكمة الجديدة يعرفون‬ ‫بشأن الخطة أو يوافقون عليها‪ .‬ووفقا للرئيس اإليراني األسبق علي أكبر رفسنجاني‪ ،‬لم‬ ‫يؤيد هو أو خامنئي هذه الخطوة‪« :‬كان آية الله خامنئي وأنا في مكة عندما سمعنا أخبار‬ ‫االستيالء على السفارة األميركية عبر اإلذاعة ليال‪ ،‬عندما كنا في مكان إقامتنا نستعد‬ ‫للنوم‪ .‬أصبنا بالصدمة‪ ،‬ألننا لم نكن نتوقع مثل هذا الحدث‪.‬‬ ‫اية الله خامنئي يقبل يد اية الله الراحل الخميني‬

‫نشر قطب‪ ،‬الذي أعدمه نظام الرئيس املصري جمال عبد الناصر في عام ‪ ،1966‬فكرة الدولة‬ ‫اإلسالمية‪ .‬وكما كتب في «معركة اإلسالم والرأسمالية»‪:‬‬ ‫«إذا أريد لإلسالم أن يعمل‪ ،‬فال بد أن يحكم‪ ،‬فما جاء هذا الدين لينزوي في الصوامع‬ ‫واملعابد‪ ،‬أو يستكن في القلوب والضمائر‪ ،‬إنما جاء ليحكم الحياة ويصرفها‪ ،‬ويصوغ‬ ‫املجتمع وفق فكرته الكاملة عن الحياة‪ ..‬ومما سبق عرضه من مشكالت اجتماعية وقومية‬ ‫وطريقة عالج اإلسالم لها يتبني بما ال لبس فيه ضرورة الحكم لإلسالم‪ ..‬ال إسالم بال حكم‬ ‫وال مسلمني بال إسالم»‪.‬‬ ‫أعمدة الحكم اإلسالمي التي تحدث عنها قطب هي العدالة واملساواة وإعادة توزيع الثروة‪.‬‬ ‫كتب قطب في «العدالة االجتماعية في اإلسالم»‪« :‬إن اإلسالم الحقيقي هو حركة تحرر‬ ‫وجدان األفراد ثم املجتمعات اإلنسانية من الخوف من عبودية األقوياء»‪.‬‬

‫أفكار سيد قطب‬ ‫استمرت أفكار قطب لتصبح قالبا للحركة السلفية الحديثة‪ ،‬حتى تسيطر في النهاية على‬

‫ليست هذه سياستنا‪ .‬حتى في بداية انتصار الثورة‪ ،‬عندما كانت الجماعات السياسية‬ ‫تهتف بشعارات متطرفة ضد أميركا‪ ،‬ساعد املسؤولون األميركيون املوجودون في إيران‬ ‫على العودة إلى بالدهم ساملني‪ ،‬بل وحمل كثير منهم ممتلكاتهم معهم‪ .‬وبمجرد أن هاجمت‬ ‫مجموعة مسلحة السفارة األميركية واحتلتها‪ ،‬جاء ممثل عن الحكومة املؤقتة وأنهى‬ ‫املشكلة‪ .‬لذلك من الواضح أن املجلس الثوري والحكومة املؤقتة ال يميالن إلى اتخاذ مثل‬ ‫هذه اإلجراءات»‪.‬‬ ‫ولكن بعد أن خرج الخميني مؤيدا لالستيالء على السفارة‪ ،‬سار حكام آخرون في‬ ‫الجمهورية اإلسالمية على نهجه‪ .‬وكما قال خامنئي في أبريل (نيسان) عام ‪« :1999‬تقابلت‬ ‫أنا والسيد هاشمي وشخص آخر مع اإلمام (الخميني) بعد السفر من طهران إلى قم‬ ‫لنسأل‪( :‬ماذا سوف نفعل في النهاية مع هؤالء الجواسيس؟ هل يجب أن يبقوا أم يجب أال‬ ‫ندعهم يبقون هنا‪ ،‬السيما وأن هناك لغطا كبيرا في الحكومة املؤقتة حول ما يجب أن نفعله‬ ‫معهم؟)‪ .‬وعندما وصلنا إلى حضرة اإلمام‪ ،‬وشرح أصدقاؤنا املوقف‪ ،‬ونقلوا ما تقوله‬ ‫محطات اإلذاعة (األجنبية) وما تقوله أميركا وما يقوله مسؤولو الحكومة‪ ،‬فكر ثم أجاب‬ ‫في صيغة سؤال‪( :‬هل تخافون من أميركا؟) فقلنا‪( :‬ال)‪ ،‬فقال‪( :‬إذن اتركوهم يبقون)»‪.‬‬ ‫طوال فترته كمرشد أعلى‪ ،‬دائما ما يدافع خامنئي عن االستيالء على السفارة‪ .‬ويدفع بأنه‬ ‫أحيانا ما تحتفظ األنظمة الثورية بعالقاتها مع القوى االستعمارية السابقة وتعاني نتيجة‬ ‫لذلك‪ .‬وفي الحالة اإليرانية‪ ،‬ساعد االستيالء على السفارة على جعل ذلك مستحيال‪ ،‬وقد‬ ‫أشار في خطاب له عام ‪ 1993‬إلى ذلك قائال‪« :‬قطعت قضية وكر الجواسيس (وهو املصطلح‬ ‫الذي يستخدمه الثوار لإلشارة إلى السفارة األميركية) آخر خيط يمكن أن يصل بني الثورة‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪54 - 2013 /‬‬


‫تعمل كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في الحكومة‪ ،‬رسميا أو غير ذلك‪ ،‬تحت‬ ‫السيادة املطلقة للقائد األعلى‪ .‬وهكذا‪ ،‬يصبح خامنئي هو رئيس دولة إيران وقائدها األعلى‬ ‫ومنظرها الرئيس‪ .‬أفكاره هي ما تشكل السياسة اإليرانية لذلك تجدر دراستها بالتفصيل‪.‬‬ ‫ولد خامنئي في مدينة مشهد في شمال شرقي إيران عام ‪ .1939‬كان والده عالم دين‬ ‫متواضع الدخل‪ .‬سار خامنئي‪ ،‬وهو الثاني بني ثمانية أبناء‪ ،‬على نهج والده والتحق باملدرسة‬ ‫الدينية (كما أن له شقيقني من رجال الدين أيضا)‪ .‬درس خامنئي في قم من عام ‪ 1958‬إلى‬ ‫‪ ،1964‬وعندما كان هناك التحق بحركة املعارضة الدينية التي قادها آية الله الخميني في‬ ‫عام ‪ .1962‬أدى خامنئي دورا مهما في الثورة اإليرانية عام ‪ 1979‬وأصبح رئيسا إليران من‬ ‫عام ‪ 1981‬إلى ‪ ،1989‬ثم خلف الخميني في منصب املرشد األعلى‪.‬‬ ‫كان خامنئي على اتصال دائم بعالم املثقفني اإليرانيني‪ ،‬وقد تشكل اإلطار األساسي لفكره‬ ‫أثناء شبابه وبدايات سن الرشد‪ ،‬في الخمسينات والستينات من القرن املاضي‪ .‬كانت إيران‬ ‫في ذلك الوقت تحت الحكم امللكي وحليفة للواليات املتحدة‪ .‬ووفقا للمعارضة اإليرانية في‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬لم يكن الشاه سوى دمية أميركية‪ .‬وعلى عكس كثير من اإلسالميني اآلخرين‪،‬‬ ‫كان خامنئي على اتصال مع أهم مثقفي املعارضة العلمانيني واستوعب خطابهم في مرحلة‬ ‫ما قبل الثورة‪ .‬ولكنه كان أيضا طالبا في املعهد الديني الذي ينصب تركيزه األساسي على‬ ‫تعليم الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فتعرف على منظري اإلخوان املسلمني وتأثر بأعمال سيد قطب‪،‬‬ ‫التي ترجم خامنئي ذاته بعضا منها إلى الفارسية‪.‬‬ ‫عندما كان شابا‪ ،‬شهد خامنئي الخالف بني الغرب والعالم الثالث‪ ،‬وتصلبت هذه الرؤى أثناء‬ ‫تعامله مع الواليات املتحدة بعد الثورة اإليرانية‪ .‬وتوصل إلى أن واشنطن عازمة على اإلطاحة‬ ‫بالجمهورية اإلسالمية وأن جميع القضايا األخرى التي يثيرها املسؤولون األميركيون ال‬ ‫تتجاوز كونها ستارا دخانيا‪ .‬وحتى اليوم‪ ،‬يعتقد خامنئي أن الحكومة األميركية مصرة‬ ‫على تغيير النظام في إيران‪ ،‬سواء عن طريق إسقاطه من الداخل أو اندالع ثورة ديمقراطية‬ ‫أو ممارسة ضغوط اقتصادية أو شن غزو عسكري‪.‬‬ ‫دائما ما ينتقد خامنئي الديمقراطية الليبرالية ويعتقد أن الرأسمالية والغرب يتجهان‬ ‫إلى انهيار حتمي على املدى البعيد‪ .‬عالوة على ذلك يعتبر املرشد األعلى أن واشنطن‬ ‫بطبيعتها تعاني من اإلسالموفوبيا‪ ،‬ولكنه ليس معاديا للغرب أو ألميركا بالفطرة‪ .‬وال‬ ‫يعتقد أن الواليات املتحدة والغرب مسؤوالن عن جميع مشاكل العالم اإلسالمي‪ ،‬أو أنه يجب‬ ‫تدميرهما‪ ،‬أو أن القرآن والشريعة كافيان في حد ذاتهما ملعالجة احتياجات العالم املعاصر‪.‬‬ ‫بل يعتبر أن العلم والتقدم «حقيقة الحضارة الغربية»‪ ،‬ويريد أن يتعلم الشعب اإليراني هذه‬ ‫الحقيقة‪ .‬إنه ليس مجنونا أو غير عقالني أو متعصبا متهورا يبحث عن فرص للعدوان‪،‬‬ ‫ولكن آراءه املتأصلة وعناده يجعالن أي مباحثات مع الغرب صعبة وممتدة‪ ،‬وسيكون على‬ ‫أي تحسن جاد في العالقات بني إيران والواليات املتحدة أن يكون جزءا من اتفاق شامل‬ ‫رئيس يتضمن تنازالت من الجانبني‪.‬‬

‫ملحة عن املرشد األعلى شابا‬ ‫من أجل فهم رؤية خامنئي‪ ،‬من املفيد البدء باالطالع على تاريخ التدخل األميركي في إيران‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،1953‬ساعدت حكومة أيزنهاور على التخطيط لالنقالب ضد حكومة مصدق التي‬ ‫وصلت إلى الحكم عن طريق انتخابات ديمقراطية‪ ،‬وكانت واشنطن الداعمة الرئيسة لنظام‬ ‫محمد رضا شاه بهلوي االستبدادي‪ ،‬حتى اإلطاحة به في عام ‪ .1979‬ساعد ذلك على‬ ‫تشكيل خطاب جميع معارضي النظام؛ حيث اجتمعت معارضة شاه إيران مع معارضة‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬وكان الشاه يعتبر أحد جنود واشنطن‪.‬‬

‫الواليات املتحدة‪ ،‬نظرا ألن هذه األوساط كانت معارضة للواليات املتحدة بشدة بعد انقالب‬ ‫عام ‪ ،1953‬وبعد تأييد الواليات املتحدة للشاه وقمعه التالي للمعارضني‪ .‬وكما قال صديق‬ ‫خامنئي الشاعر مهدي إخوان ثالث‪ ،‬في أحد األبيات‪« :‬لن أنسى أننا كنا شعلة‪ ،‬وهم أطفأونا‬ ‫باملاء»‪ .‬تحدث خامنئي عن دور الواليات املتحدة في انقالب عام ‪ 1953‬عدة مرات‪ ،‬وتستمر‬ ‫الذكرى تتردد لديه حتى اآلن‪ .‬صرح خامنئي في العام املاضي في لقاء مع طالب الجامعات‬ ‫في طهران قائال‪« :‬من املثير لالهتمام أن ندرك أن أميركا أطاحت بحكومة مصدق حتى‬ ‫على الرغم من أنه لم يظهر عداء تجاهها‪ .‬لقد تصدى للبريطانيني ووثق في األميركان‪ .‬كان‬ ‫يرجو أن يساعده األميركان‪ ،‬وكانت له عالقات ودية معهم‪ ،‬وأعرب عن اهتمامه بهم‪ ،‬لعله‬ ‫أبدى لهم خضوعا‪( .‬ولكن) أطاح األميركيون بهذه الحكومة‪ .‬لم تكن الحكومة القائمة في‬ ‫طهران حينها معارضة ألميركا‪ ،‬ال‪ ،‬بل كانت صديقة لها‪ .‬ولكن مصالح الغطرسة (وهو‬ ‫املصطلح الذي يستخدمه خامنئي غالبا ليرمز إلى الواليات املتحدة) استلزمت تحالف‬ ‫األميركيني مع البريطانيني‪ .‬جمعوا األموال وجلبوها إلى هنا وقاموا بمهمتهم‪ .‬ثم عندما‬ ‫تحقق انقالبهم وأعادوا الشاه الذي كان قد هرب‪ ،‬تمكنوا من السيطرة على البالد»‪.‬‬ ‫يملك خامنئي عالقات وثيقة مع جالل األحمد وعلي شريعتي‪ ،‬أكثر املثقفني تأثيرا في‬ ‫مرحلة ما قبل الثورة‪ .‬وكانا من أهم املساهمني في نظرية «التسمم بالغرب»‪ .‬ولكن يبدو أن‬ ‫معارضة اإلمبريالية هي أكثر ما تأثر به خامنئي من الفكر العلماني‪.‬‬

‫الصراع ضد اإلمبريالية‬ ‫في أوساط املثقفني اإليرانيني املعارضني قبل الثورة‪ ،‬كانت الثقافة والحضارة الغربية‬ ‫تلقى استهجانا‪ ،‬بل واعتبرت سببا لألزمة واالنهيار‪ .‬وكان العالم الثالث هو البديل‬ ‫الصاعد‪ .‬وكما يقول الكاتب اإليراني‬ ‫املعاصر لخامنئي داريوش آشوري‪:‬‬ ‫«يتكون العالم الثالث من األمم الفقيرة‬ ‫واملستعمرة‪ ،‬والتي تتسم في الوقت‬ ‫ذاته بالثورية»‪ .‬كانت إيران مستقلة‬ ‫ظاهريا‪ ،‬ولكنهم اعتبروا أن االستعمار‬ ‫يتخذ شكال جديدا هناك‪ ،‬في ظل‬ ‫وجود نخبة سياسية محلية في الحكم‬ ‫تؤدي دور العميل لإلمبريالية وتعمل‬ ‫من أجل الحفاظ على مصالحها‪ .‬عالوة‬ ‫على ذلك‪ ،‬سرى اعتقاد بأن العالم‬ ‫الغربي‪ ،‬بقيادة الواليات املتحدة يضع‬ ‫أساسا له للتوسع السياسي واالقتصادي بتدمير الثقافات األصلية‪ .‬وفي ظل مثل هذه‬ ‫الظروف‪ ،‬كان من السهل أال يكون اإلسالم مجرد دين بل سالح ثقافي وآيديولوجي في‬ ‫الصراع ضد اإلمبريالية‪.‬‬

‫كان خامنئي على ات�صال‬ ‫مع �أهم مثقفي املعار�ضة‬ ‫العلمانيني وا�ستوعب خطابهم‬ ‫يف مرحلة ما قبل الثورة‬

‫في شبابه‪ ،‬كان خامنئي يحب الروايات‪ .‬قرأ لكتاب إيرانيني مثل محمد علي جمال زاده‬ ‫وصادق شوباك وصادق هدايت‪ ،‬ولكنه شعر بأنهم يتوارون أمام الكتاب الكالسيكيني‬ ‫الغربيني من فرنسا وروسيا وبريطانيا‪ .‬وأثنى خامنئي على ليو تولستوي وميخائيل‬ ‫شولوخوف وأمثال أونوريه دي بلزاك وميشال زيفاجو‪ ،‬ولكنه يعتبر فيكتور هوغو‬ ‫األفضل‪ .‬وفي تصريحات لبعض مسؤولي شبكة التلفزيون الحكومية اإليرانية عام ‪،2004‬‬ ‫قال خامنئي‪:‬‬ ‫«في رأيي‪ ،‬إن رواية (البؤساء) لفيكتور هوغو أفضل رواية كتبت في التاريخ‪ .‬طبعا لم أقرأ‬ ‫جميع الروايات املكتوبة في التاريخ‪ ،‬ولكني قرأت العديد من الروايات املتعلقة بأحداث قرون‬ ‫مختلفة‪ .‬وقرأت روايات قديمة للغاية‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬قرأت (الكوميديا اإللهية)‪ ،‬وقرأت‬ ‫(أمير أرسالن)‪ .‬وقرأت أيضا (ألف ليلة وليلة)‪( ..‬ولكن) (البؤساء) معجزة في عالم كتابة‬ ‫الرواية‪ ..‬وأقول مرارا اقرأوا (البؤساء)‪ ،‬إنه كتاب عن علم االجتماع والتاريخ والنقد وعلم‬ ‫الالهوت والحب واملشاعر»‪.‬‬

‫كان خامنئي يبلغ من العمر ‪ 40‬عاما عندما قامت الثورة؛ وقبل ذلك كان طالب علم ورجل‬ ‫دين‪ ،‬ولكنه متفاعل مع العالم الواسع باإلضافة إلى األوساط الدينية الضيقة‪ .‬وكما قال في‬ ‫اجتماع مع العلماء املسلمني ورجال الدين الشباب في مايو (أيار) عام ‪« :2012‬شاركت في‬ ‫األوساط الثقافية قبل الثورة وكانت لدي عالقات وثيقة مع الجماعات السياسية‪ .‬وكنت‬ ‫أعرفهم جميعا‪ ،‬وشاركت في مناقشات ومناظرات مع كثير منهم»‪ .‬كان رجال محبا‬ ‫للموسيقى والشعر والروايات باإلضافة إلى العلم الديني‪ .‬جدير بالذكر أنه ال يوجد مرجع‬ ‫ديني (آية الله) أو فقيه بارز يملك مثل هذا املاضي الشامل‪.‬‬

‫الروايات تمنحه بصيرة‬

‫أدت عالقات خامنئي الواسعة مع املثقفني العلمانيني في إيران إلى تطرف آرائه بشأن‬

‫شعر خامنئي بأن الروايات تمنحه بصيرة نافذة إلى الواقع العميق في حياة الغرب‪ ،‬حتى‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪53 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫رؤية املرشد األعلى للعالم‬

‫من هو علي خامنئي؟‬

‫املرشد األعلى آية الله علي خامنئي‬

‫بقلم‪ :‬أكرب جانجي*‬

‫في يونيو (حزيران)‪ ،‬انتخب حسن روحاني رئيسا لجمهورية إيران اإلسالمية‪ .‬خاض روحاني االنتخابات‬ ‫كمرشح إصالحي‪ ،‬وفسر كثيرون فوزه على أنه يبشر بإمكانية تحرير أو عقلنة السياسة الداخلية والخارجية‬ ‫اإليرانية‪ .‬ولكن الشخص السائد في السياسة اإليرانية ليس الرئيس بل املرشد األعلى آية الله علي خامنئي‪.‬‬ ‫يمنح الدستور اإليراني املرشد األعلى سلطة هائلة على جميع مؤسسات الدولة الرئيسة‪ ،‬ويجد خامنئي الذي‬ ‫تولى منصبه منذ عام ‪ 1989‬وسائل أخرى كثيرة لتوسعة نفوذه‪.‬‬ ‫* صحافي إيراني منشق تعرض للسجن في طهران من عام ‪ 2000‬حتى عام ‪ ،2006‬وفي الوقت الحالي تمنع كتاباته في إيران‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪52 - 2013 /‬‬


‫رؤية املرشد األعلى للعالم‬

‫من هو علي خامنئي؟‬ ‫بقلم‪ :‬أكرب جانجي‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪51 - 2013 /‬‬


‫البـحـوث العلـميـة عاليـة التأثيـر‬ ‫ ‬ ‫ٌ‬ ‫متـاحـة ا ن للمـجتـمع بأكمله‪.‬‬

‫ﺷـﻬـﺮﻳﺎ‬ ‫ﺑﺎﻃﻼﻋﻚ ﻋﻠﻰ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼـﺪﺭ‬ ‫ًّ‬ ‫ﺍﻧﻀـﻢ ﺇﻟﻰ ُﺭ ّﻭﺍﺩ ﺍﻟﻌﻠــﻮﻡ ﱢ‬ ‫ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴـــﺔ‪ ،‬ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻹﻟﻜﺘــﺮﻭﻧﻲ ﺍﻟﺨـﺎﺹ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺒـﻜﺔ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ‬ ‫ﻳﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺜﻪ ﺑﺼﻔﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ‪.‬‬ ‫ﺇﻥ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻠﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺍﻷﺧﺒــﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴــﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺍﻟﺠﻮﺩﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ‬ ‫ﻣﺘﺎﺣﺎ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ ﻛﻞ ﺃﺳﺒــﻮﻉ‪ ،‬ﻣﻊ ﻭﺟـﻮﺩ ﻧُ َﺴﺦ‬ ‫ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ”‪.“Nature‬ﺇﻥ ﻣﺤﺘـﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺳﻴـﻜﻮﻥ‬ ‫ً‬

‫ﺷﻬﺮﻳﺎ‬ ‫ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ‬ ‫ًّ‬

‫ﺍﻃﻠِ ْﻊ ﻋﻠﻰ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﻧﺘﺮﻧﺖ‪ ،‬ﻭﺍﻣﻸ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺎﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ‪:‬‬ ‫ﱠ‬

‫‪arabicedition.nature.com‬‬

‫ﺑﺎﳌﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻊ‪:‬‬


‫ولكننا ما زلنا نفضل البقاء مع بعضنا البعض‪.‬‬ ‫> هل أفهم أنكم تقيمون سويا‪ ،‬ولكم اتصاالت مع الجهات الرسمية اإليرانية؟‬

‫ نعم‪ ،‬اليوم (الخميس املاضي) خرجت وذهبت مرتني إلى وزارة الخارجية‬‫اإليرانية ورجعت قبل ساعة‪.‬‬ ‫> هل تذهبون إلى مقر السفارة؟‬

‫ السفارة مختومة بالشمع األحمر‪.‬‬‫> يعني أنكم في بيوتكم؟‬

‫نستقبل يوميا زوارا كثيرين من السلك الدبلوماسي العربي واإلسالمي‬ ‫واألجنبي‪ .‬يوميا يزورنا السفراء ملواساتنا‪ ،‬وشعورهم طيب تجاهنا‬ ‫ويخففون عنا املصيبة‪.‬‬ ‫> احتياجاتكم التموينية‪ ،‬كيف توفرونها؟‬

‫ متوفرة بما فيه الكفاية‪ .‬والحمد لله‪.‬‬‫> ألم تواجهوا مشكلة بخصوص توفيرها؟‬

‫ في البداية كانت هناك مشكلة استغرقت يومني‪.‬‬‫> هل هناك مواطنون سعوديون غيركم؟‬

‫ نحن حاليا في داري‪ ،‬وعندي األخ فايز األعمى وصالح الشمري ورضا‬‫النزهة ووحيد معبي‪ .‬ونحن نزور بعضنا البعض‪.‬‬

‫‪ -‬ال‪ .‬ال يوجد غيرنا‪ ،‬نحن أعضاء السفارة وامللحق العسكري‪.‬‬

‫> ما هي املشاكل التي تعانون منها؟‬

‫> متى تتوقعون العودة إلى اململكة؟‬

‫ نحن نسعى إلى حل املشاكل املوجودة‪ .‬وإن شاء الله تنتهي املشكلة في‬‫القريب‪ .‬وأهم شيء هو استرجاع السفارة‪.‬‬

‫‪ -‬نتوقع العودة في القريب بعد انتهاء األزمة‪.‬‬

‫> اليوم (الخميس املاضي) أنت كنت في الخارجية اإليرانية‪ .‬فهل أبلغوكم شيئا‬ ‫بخصوص السفارة ووضعها؟‬

‫ نحن في انتظار ردهم بهذا الخصوص‪.‬‬‫> هل أنتم على اتصال بالدبلوماسي املصاب؟‬

‫ نعم‪ ،‬أول أمس قمت بزيارته‪ ،‬وحالته الصحية حاليا في تحسن‪ .‬ولكن حالته‬‫النفسية سيئة‪.‬‬ ‫> كيف ترى إصابته؟‬

‫ هو مصاب بكسور في رجله والحوض‪ .‬وهناك جروح في رأسه‪ .‬واآلن حالته‬‫الصحية تعدت الخطر‪.‬‬ ‫> كان هناك دبلوماسي آخر مخطوف أين هو اآلن؟‬

‫ الذين خطفوا كانوا أربعة أشخاص أطلق سراح ثالثة منهم وبقي واحد في‬‫مستشفى الدكتور علي شريعتي‪ .‬وهناك مساع تبذل لنقله إلى اململكة‪.‬‬ ‫> هل طلبتم ذلك رسميا؟‬

‫ نعم‪ .‬نعم‪ .‬اليوم (الخميس املاضي) طلبنا ذلك رسميا‪ .‬وإن شاء الله‬‫ستحضر طائرة طبية لنقله تمهيدا الستكمال عالجه في اململكة‪.‬‬ ‫> هل حصلتم على وعد منهم بالسماح له بالسفر؟‬

‫ إن شاء الله اليوم نتسلم الجواب منهم‪.‬‬‫> هل هناك دبلوماسيون آخرون تم االعتداء عليهم أو على أفراد أسرهم؟‬

‫ أنا عندي األخ رضا نزهة الذي تعرض هو وابني إلى اعتداء بالضرب عندما‬‫كانا قادمني من املطار‪ .‬ولقد ضرب ابني آنذاك ضربا مبرحا‪ .‬ولكنه اآلن‬ ‫والحمد لله بصحة جيدة‪ ،‬واألخ رضا نزهة أصيب في عينه‪ ،‬وأجريت له عملية‬ ‫في القرنية‪ .‬واآلن هو بصحة جيدة‪ .‬وهو عندي اآلن‪ .‬وسيتحدث إليك‪.‬‬ ‫> كم عدد زوجات الدبلوماسيني املوجودين لديكم؟ وكم عدد األطفال؟‬

‫ عدد أسرتي ثمانية أشخاص‪ ،‬واألخ الشمري ‪ 7‬أشخاص‪ ،‬واألخ وحيد عنده‬‫زوجة وطفل‪ ،‬وسراج باعشن عائلته مكونة من خمسة أفراد‪ ،‬وعبد العزيز‬ ‫الصفيان امللحق العسكري عنده ثالثة أطفال‪ .‬أما الدبلوماسيون األربعة الذين‬ ‫خطفوا فإن عائالتهم لم تكن معهم‪.‬‬ ‫> كيف تقضون أوقاتكم اآلن؟‬

‫‪ -‬والله أوقاتنا نقضيها في البيت واإلخوان يزوروننا باستمرار‪ ،‬ونحن‬

‫> هل هناك أحد من أفراد عائالتكم عاد إلى اململكة؟‬

‫ ال‪ .‬ال‪ .‬أهم شيء عندنا اآلن هو نقل املصاب‪ ،‬ثم تسلم السفارة‪ ..‬وستعود‬‫العائالت إن شاء الله بعد ذلك‪ .‬وبعض العائالت عندها أوالد يستعدون ألداء‬ ‫امتحان الدور الثاني في االختبارات‪ .‬وهناك نحو أربعة أو خمسة من أوالدنا‬ ‫عليهم اختبارات تكميلية‪.‬‬

‫القنصل السعودي رضا النزهة تعرض‬ ‫للضرب وكاد يفقد بصره‬

‫مع القنصل‬ ‫ثم تحدثت «املجلة» إلى السيد رضا نزهة القنصل في السفارة‪:‬‬ ‫> كيف أحوالك وأحوال عائلتك؟‬

‫ أنا الحقيقة تعرضت للضرب لدى عودتي من دبي إلى مطار طهران‪ .‬فقد‬‫أخذت من املطار وضربت‪ ،‬وبعدها ذهبت إلى املستشفى للعالج وعادوا‬ ‫وأخذونا من املستشفى‪ ،‬ورمونا في السجن ملدة ليلة‪ .‬وبعد اتصاالت قام‬ ‫بها القائم باألعمال مع الخارجية اإليرانية تم إخراجنا من السجن‪ ،‬وبعدها‬ ‫تم اتصال القائم باألعمال بوزارة الخارجية اإليرانية‪ ،‬لكي يتم إدخالي‬ ‫املستشفى‪ .‬وتم ذلك فعال‪ ..‬وأجريت لي عملية جراحية في عيني ومكثت‬ ‫في املستشفى ‪ 3‬أيام وبعدها خرجت واآلن أشعر بتحسن‪ .‬ثم قالوا إن هناك‬ ‫خطورة شديدة على نظري في البداية ولكن الحمد لله نجحت والنظر في‬ ‫تحسن مضطرد‪.‬‬ ‫> من معك من أفراد عائلتك؟‬

‫السفارة السعودية في طهران يوم‬ ‫الهجوم عليها‬

‫ أنا معي زوجتي وطفلي وأقول ألهلي وأهل زوجتي إننا جميعا بخير‬‫والعملية نجحت ولله الحمد ونأمل أن نراهم في أقرب فرصة ممكنة واآلن‬ ‫أعطيك زميلي األخ فايز األعمى‪.‬‬ ‫> كيف أحوالك يا أخ طارق وأحوال عائلتك؟‬

‫ الحمد لله‪ ،‬اآلن أنا بخير بعد أن تعرضت لالحتجاز مع بقية الدبلوماسيني‪،‬‬‫وتعرضنا الستفزاز نفسي شديد‪ ،‬وكنت آنذاك عائدا من املطار بعد استقبال‬ ‫عائلتي أنا واألخ رضا‪ ،‬وفي وسط الطريق تم االعتداء علينا وتم استخدام‬ ‫بعض األدوات الحادة‪ .‬وأنا أشعر اآلن بصحة جيدة‪ ،‬بعد تعرضي لرضوض‬ ‫وآالم في املعدة‪ .‬وأنا موجود عند والدي لقضاء اإلجازة الدراسية‪ ،‬فأنا أدرس‬ ‫في جامعة امللك عبد العزيز‪.‬‬ ‫وليد الرومي قال لـ«املجلة»‪« :‬نحن اآلن بخير‪ .‬أنا كنت آتيا من دبي إلى طهران‬ ‫مع القنصل وتعرضت ملا تعرض له هو وأخي طارق من ضرب وكانت‬ ‫إصاباتهما أكثر من إصابتي‪ .‬وأنا أدرس في قسم اإلعالم في جامعة امللك‬ ‫عبد العزيز وأرجوك تنقل تحياتي وسالمي إلى األهل واإلخوان <‬

‫الدبلوماسي فايز محمد األعمى‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪49‬‬


‫أرشيف‬

‫في الوقت الذي يتمتع فيه الدبلوماسيون اإليرانيون في السفارة اإليرانية في الرياض باألمان واالطمئنان والحرية الكاملة في‬ ‫الحركة‪ ،‬كغيرهم من الدبلوماسيني اآلخرين ووفقا للقوانني الدولية‪ ،‬تعرض بعض الدبلوماسيني السعوديني وأفراد عائالتهم‬ ‫في طهران للضرب واملضايقات‪ .‬كما اقتحمت مجموعة من الغوغائيني مبنى السفارة السعودية في العاصمة اإليرانية‬ ‫وأحرقوا سيارات دبلوماسية كانت تقف أمامها‪ ،‬وعبثوا ببعض محتوياتها‪ ،‬وهاجموا أيضا سفارة الكويت هناك‪« .‬املجلة»‬ ‫اتصلت هاتفيا مع أعضاء السفارة السعودية في طهران وأجرت أحاديث مطولة مع القائم باألعمال السيد مروان الروي‬ ‫والقنصل السعودي السيد نزهة‪ ،‬وعدد من الدبلوماسيني السعوديني‪ .‬واستطاعت من خالل هذه األحاديث نقل صورة حية‬ ‫عما حدث بالتفصيل من أعمال عنف واعتداء على هؤالء الدبلوماسيني الذين كفلت لهم القوانني واألعراف الدولية واألخالق‬ ‫واملثل اإلسالمية الحماية الكاملة‪ ،‬وحسن الضيافة واملعاملة‪ .‬وفيما يلي وقائع اللقاءات‪.‬‬

‫في أحاديث بالهاتف مع «املجلة»‪:‬‬

‫الدبلوماسيون السعوديون يف طهران‪ :‬تعرضنا للضرب‬ ‫واإلهانات وأحدنا يرقد يف املستشفى فاقدا وعيه‬ ‫الرياض ـ «املجلة»‬

‫‪,,‬‬ ‫استخدمنا‬ ‫سيارات‬ ‫األجرة‬ ‫في التنقل‬ ‫وأقمنا في‬ ‫شقة واحدة‬ ‫في بداية‬ ‫األحداث‬

‫‪,,‬‬

‫‪48‬‬

‫طبقا ملعلومات حصلت عليها «املجلة» تعرضت السفارة السعودية‬ ‫إلى هجوم من قبل عدد كبير من اإليرانيني الذين كانوا يسيرون‬ ‫وسط مظاهرة منظمة توجهت إلى السفارة السعودية عند الساعة‬ ‫الثامنة والنصف‪ ،‬واقتحم املهاجمون مبنى هذه السفارة وحطموا فور‬ ‫دخولهم ‪ 3‬سيارات كانت تقف في الفناء‪ .‬وبعد ذلك بدأوا في اقتحام املكاتب‪،‬‬ ‫فدخلوا إلى غرفة التلكسات وعبثوا باألوراق التي كانت موجودة فيها‪ ،‬ثم‬ ‫حطموا األجهزة التي كانت فيها‪ .‬وبعد ذلك قاموا بإلقاء القبض على امللحقني‬ ‫السعوديني الذين كانوا موجودين في السفارة لحظة اقتحامها‪ .‬وهم عون‬ ‫القحطاني‪ ،‬وسعد القحطاني‪ ،‬ومطلق البيشني ومساعد الغامدي‪ .‬ولوحظ‬ ‫فيما بعد إصابة السيد ساعد الغامدي بكسور دون أن تتضح الطريقة التي‬ ‫أصيب بها‪ ،‬من خالل تعرضه للضرب أو خالفه‪ .‬وطبقا للمعلومات التي‬ ‫حصلت عليها «املجلة» فإن السيد مساعد ما زال يرقد في قسم العناية‬ ‫املركزة في مستشفى الدكتور علي شريعتي تحت حراسة‪ ،‬وحالته الصحية‬ ‫ال تسمح له بالحديث‪ .‬ويسعى الدبلوماسيون السعوديون من زمالئه للوقوف‬ ‫على حالته رغم استمرار السلطات اإليرانية في عدم السماح لهم بزيارته‬ ‫بصورة منتظمة‪ ،‬وال يسمح لهم غالبا بزيارته إال بعد جهود بالغة‪ ،‬وبعد‬ ‫اتصاالت متواصلة مع املسؤولني في وزارة الخارجية اإليرانية‪ ،‬وهي اتصاالت‬ ‫تتم بصورة يومية‪ .‬وقد حدث أن قام زمالؤه يوم األربعاء املاضي بالتوجه‬ ‫إلى املستشفى لزيارته‪ ،‬لكن لم يسمح لهم بزيارته نتيجة لحالته الصحية‬ ‫والنفسية‪ .‬وتبذل حاليا جهود مضنية من أجل السماح لطائرة طبية سعودية‬ ‫بالهبوط في مطار طهران لنقله‪.‬‬ ‫وطبقا للمعلومات التي حصلت عليها «املجلة» فإن عدد الدبلوماسيني‬ ‫السعوديني املوجودين في طهران حاليا يبلغ ‪ 12‬دبلوماسيا منهم ‪11‬‬ ‫يوجدون في السفارة‪ ،‬ودبلوماسي واحد في امللحقية العسكرية‪ .‬ويرافق‬ ‫الدبلوماسيني زوجاتهم وأطفالهم وبعض أقاربهم‪ .‬ويجري اآلن االتصال‬ ‫باملسؤولني في وزارة الخارجية اإليرانية من أجل تأمني سفر عائالت‬ ‫الدبلوماسيني وأطفالهم إلى السعودية وإعادة تسليم مبنى السفارة لكي‬ ‫يعاود الدبلوماسيون ممارسة عملهم‪ .‬وطبقا للمعلومات املتوفرة لـ«املجلة»‬ ‫حول وضع السفارة التي يحيط بها رجال «الحرس الثوري» فقد تم رفع العلم‬ ‫اإليراني عليها وتعليق شعارات معادية في فنائها‪ .‬واملبنى الذي تم ختمه‬ ‫بختم «الحرس الثوري»‪ .‬ويسعى رئيس البعثة السعودية في طهران األستاذ‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫مروان الرومي حاليا إلى تحقيق ‪ 3‬مطالب‪ :‬نقل السيد مساعد الغامدي إلى‬ ‫اململكة‪ ،‬على طائرة طبية سعودية‪ ،‬والسماح للعائالت بالعودة إلى اململكة‪،‬‬ ‫وتسليم السفارة‪ .‬وفي هذا اإلطار التقى الدبلوماسي السعودي ومساعدوه مع‬ ‫املسؤولني في وزارة الخارجية اإليرانية‪ ،‬مثل رئيس الدائرة السياسية األولى‬ ‫السيد الصادقي‪ ،‬والسيد األصفهاني رئيس البروتوكول في وزارة الخارجية‬ ‫وما زال املوقف اإليراني طبقا للمعلومات التي حصلت عليها «املجلة» حول‬ ‫تلك املطالب‪ ،‬ال يتعدى إعطاء الوعود واملطالبة باالنتظار وتقديم حجج واهية‪.‬‬ ‫وعاش الدبلوماسيون السعوديون حالة نفسية صعبة خالل الساعات‬ ‫الـ‪ 24‬األولى لألزمة‪ .‬وكان هناك احتماالت وقوع أخطار على حياتهم وحياة‬ ‫أفراد أسرهم‪ .‬وقد دفعهم ذلك الوضع إلى البقاء في منازلهم ملدة ‪ 48‬ساعة‪،‬‬ ‫واضطروا إلى استخدام سيارات أجرة وإيقاف سياراتهم الخاصة التي تحمل‬ ‫اللوحات الدبلوماسية‪ .‬لكنهم اليوم وبعد مرور أكثر من أسبوع على األزمة‪،‬‬ ‫يبدون في وضع أفضل‪ ،‬وعادوا إلى بيوتهم بعد أن تجمعوا خالل الساعات‬ ‫األولى لألزمة في بيت واحد‪ .‬ولكنهم ما زالوا حتى اآلن يفضلون البقاء معا‬ ‫من خالل تبادل الزيارات واالتصال الهاتفي املستمر‪ ،‬لالطمئنان على بعضهم‬ ‫بعضا‪ ،‬خاصة أنهم كانوا يشعرون في الساعات األولى لألزمة أنهم عرضة‬ ‫لالعتقال من قبل أفراد «الحرس الثوري» بعد أن تم اعتقال القنصل السعودي‬ ‫املصاب في عينه وأخذه عنوة من املستشفى وهو يتلقى العالج‪ ،‬وإيداعه‬ ‫السجن‪ ،‬لكن الجهود واالتصاالت التي قام بها رئيس البعثة نجحت في إطالق‬ ‫سراحه بعد اعتقاله ليلة واحدة‪.‬‬

‫اتصال هاتفي مع طهران‬ ‫وقد أجرت «املجلة» اتصاال هاتفيا مع الدبلوماسيني السعوديني املوجودين‬ ‫حاليا في طهران للوقوف على أحوالهم وإتاحة الفرصة لهم لتطمني ذويهم‬ ‫على أوضاعهم‪ .‬وكانت الحصيلة ما يلي‪ :‬تحدث معنا في البداية األستاذ‬ ‫مروان الرومي عن أحوال الدبلوماسيني وعائالتهم فقال‪« :‬أحوالنا جميعا‬ ‫بخير والحمد لله»‪.‬‬ ‫> هل ما زلتم تقيمون في شقة واحدة بعد احتجازكم؟‬

‫‪ -‬كان ذلك في بداية األحداث‪ .‬ونحن هنا ‪ 13‬دبلوماسيا مع عائالتنا وأوالدنا‪،‬‬


‫«مجاهدين خلق» ينفون‬

‫ ما حدث في مكة كان ضربا من الجنون‪ .‬وهو كان فعال‬‫حقدا ال يجوز أن يستولي على أي من املسلمني‪ ،‬خاصة في‬ ‫تلك الديار الطاهرة وفي تلك املناسبة‪ .‬لقد تأملت جدا ملا حدث‬ ‫وأستنكره بشدة‪.‬‬ ‫> من هو املسؤول في رأيك؟‬

‫ أرى أن الذين افتعلوا التظاهرة دسوا من قبل الخميني‪ ،‬وهم‬‫الذين يتحملون املسؤولية األولى‪ .‬ما عالقة اآلراء السياسية‬ ‫بحجاج بيت الله الحرام؟‬ ‫> كيف كنت تتوقع رد الفعل على تلك األحداث؟‬

‫ أعلم أن هدف املتظاهرين لم يكن التظاهر فقط‪ ،‬بل كانوا‬‫يهدفون إلى ضم عدد أكبر من الحجاج إليهم وعزل مكة‬ ‫واملدينة عن باقي األراضي السعودية‪ ،‬ووضعها تحت نوع‬ ‫من الوصاية‪ .‬وهذا ما أرفضه وأستنكره‪ .‬فمكة واملدينة جزء‬ ‫ال يتجزأ من التراب السعودي‪.‬‬ ‫> هل تتوقع تطورات جديدة أو عنيفة في الخليج في املرحلة‬ ‫املقبلة؟‬

‫ ال أتصور أن من مصلحة أي من األطراف تصعيد العنف‬‫في املنطقة‪ .‬ولكن ستبقى هنالك عمليات تصعيدية محدودة‬ ‫إلبقاء حالة الالحرب والالسلم مسيطرة‪ .‬فنظام الخميني‬ ‫يواجه مشاكل كثيرة‪ ،‬في الداخل والخارج‪ .‬وإذا ما أجري‬ ‫استفتاء عام في إيران اليوم لوجدنا أن ‪ 95‬في املائة من‬ ‫الشعب اإليراني ترفض الحرب‪ ،‬و‪ 5‬في املائة منه فقط – وهي‬ ‫الفئة الحاكمة – ترغب في استمرارها ألنها طريقها الوحيد‬ ‫للبقاء في السلطة‪.‬‬ ‫> والزعم القائل إن مليون متظاهر مشوا في مسيرة مؤيدة‬ ‫للخميني وللنظام اإليراني منذ أسابيع مثلما ادعت إذاعة‬ ‫طهران؟‬

‫ معظم األملان كانوا ضد هتلر‪ ،‬ولكنهم كانوا مضطرين‬‫التباع تعاليمه وأوامره‪ .‬لقد قلت سابقا ودعوت األمم املتحدة‬ ‫والدول العظمى والعالم إلى سؤال الشعب اإليراني عما يريد‪.‬‬ ‫اسألوهم في استفتاء تشرف عليه هيئة األمم املتحدة أو أي‬ ‫منظمة دولية وسترون أن الجواب سيكون السالم‪ .‬وليس‬ ‫صحيحا أن اإليرانيني يكرهون العرب‪ ،‬كما ليس صحيحا‬ ‫أن رغبتهم األولى واألخيرة هي القتل والتدمير‪ .‬نحن والعرب‬ ‫إخوة ونريد أن نحافظ على هذه األخوة‪ ،‬فال تحملونا وزر‬ ‫املتطرفني‪.‬‬

‫ترددت في األسبوع املاضي على لسان بعض املسؤولني‬ ‫اإليرانيني أقوال عن مشاركة بعض الحجاج في منظمة‬ ‫«مجاهدين خلق» في أحداث مكة‪ .‬وقد استغرب زادة ممثل‬ ‫املنظمة في لندن مثل هذه املعلومات واستنكرها وقال‬ ‫لـ«املجلة»‪« :‬إن املجاهدين أوال وأخيرا يرفضون العنف بأي‬ ‫شكل من أشكاله»‪ .‬واستطرد قائال‪« :‬كنا أول من حذر من‬ ‫خطط النظام اإليراني‪ ،‬وأول من حذر مما سيحدث بعد‬ ‫أن وصلتنا معلومات دقيقة من الداخل فيها تفاصيل عن‬ ‫تحركات النظام اإليراني‪ .‬هذه املعلومات عن مشاركتنا ال‬ ‫صحة لها وال تنسجم مع سياستنا ولم نرسل إلى مكة‬ ‫حاجا واحدا من املنظمة»‪.‬‬ ‫> هل هنالك بالفعل تعاون أو تبادل معلومات بينكما؟‬

‫ ال أعتقد أن هنالك عالقة بني الجهازين‪ .‬ونحن استنكرنا‬‫ونرفض ما حدث في مكة ّ‬ ‫ونحمل النظام اإليراني مسؤولية‬ ‫ما حدث‪.‬‬ ‫> كيف ترون األوضاع الداخلية في إيران اليوم؟‬

‫ ما قلناه للعالم ونردده باستمرار أن نظام الخميني مجابه‬‫بشكل يومي باملقاومة الشعبية الداخلية‪ .‬وبأزمة اقتصادية‬ ‫واجتماعية حادة‪ .‬لذلك فهو بحاجة إلى غطاء وال يملك حلوال‬ ‫لألزمات التي يعاني منها‪ .‬و«الحل – األزمة» الذي يملكه هو‬ ‫الحرب‪ .‬ونظام الخميني يعيش ويزدهر في الحرب واألزمات‬ ‫الخارجية‪ ،‬لذلك فإنه لن ينهي هذه الحرب‪ ،‬ألن نهايتها تعني‬ ‫سقوطه‪.‬‬ ‫> ولكن يبدو أن هنالك مساعي جادة إلنهاء الحرب على األقل‬ ‫من قبل القوى العظمى؟‬

‫ لو أرادت القوى العظمى في العالم التي تملك بيدها قرار‬‫الحرب والسلم أن تنهي فعال الحرب لفعلت‪ ،‬ولشلت نظام‬ ‫الخميني بفرضها حظرا على بيع السالح‪ ،‬وحظرا اقتصاديا‪،‬‬ ‫ولتوقفت عن شراء البترول اإليراني وهو عصب هذه الحرب‬ ‫وعصب استمرار النظام القائم في إيران‪.‬‬ ‫> ما هو موقفكم من وجود األساطيل الحربية األميركية وغيرها‬ ‫في الخليج؟ وكيف ترون ذلك؟‬

‫ القضية التي ال بد من حسمها هي حماية حرية املالحة‬‫في الخليج‪ .‬إن النفط الخليجي مهدد‪ ،‬بدءا من النفط الكويتي‬ ‫وصوال إلى دول أخرى‪ .‬ومخطط الخميني معروف‪ :‬التوسع‬ ‫عبر الحدود العراقية في ثالثة اتجاهات‪ ،‬وقد حصلنا على‬ ‫خريطة من «حراس الثورة» تبرز بوضوح األهداف الثالثة‬ ‫التي يسعى إليها النظام اإليراني‪ .‬فالخميني لم يعد يكتفي‬ ‫باملطالبة باحتالل النجف وكربالء إنما يريد التوسع نحو‬ ‫الكويت وسوريا ليصل حسب مزاعمه إلى تحرير القدس‪.‬‬ ‫نحن نرى أن أي تدخل أو أي حركة تظهر للعالم ضالل‬ ‫الخميني هي من مصلحتنا‪ .‬نحن حاربنا العراقيني من سنة‬ ‫‪ 1980‬إلى ‪ 1982‬ألنهم دخلوا أراضينا‪ .‬ولكن بعد انسحابهم‬ ‫لم يعد هنالك مبرر للحرب‪ ،‬ولم تعد الحرب تعتبر هدفا قوميا‬ ‫ووطنيا‪ ،‬بل أصبحت هدفا توسعيا نرفضه ويرفضه الشعب‬ ‫اإليراني‪ .‬لذلك نحن نسعى إلى السالم‪ ،‬فقد أصبحت عندنا‬

‫القدرة على ضرب النظام اإليراني من الداخل‪ .‬والحكومة‬ ‫املقبلة سنكونها بعد اإلطاحة بالخميني‪.‬‬ ‫> وكيف تفسر ما يتردد عن اشتراك مليون شخص في التظاهر‬ ‫مع نظام الخميني من بضعة أسابيع؟‬

‫ ما شوهد ونقل إلى العالم كان عن طريق اإلعالم اإليراني‬‫الرسمي‪ ،‬وهو إعالم مشوه‪ .‬ونحن لدينا معلومات دقيقة‬ ‫ومفصلة بأسماء الذين اشتركوا في هذه التظاهرة‪ ،‬ومعظمهم‬ ‫من «الباسدران» الذين ارتدوا ألبسة مدنية‪ ،‬أن املليون متظاهر‬ ‫الذين تحدثت عنهم طهران ال يتجاوز عددهم ‪ 12‬ألف‬ ‫متظاهر ونستطيع أن نثبت ذلك‪ .‬والخميني كان بحاجة إلى‬ ‫قضية يثيرها ليخفي فشله في «إيران – جيت» وفشله في‬ ‫حل األزمة الداخلية‪ .‬وهمه األول من أحداث مكة كان لفت‬ ‫األنظار‪ .‬وما حدث في مكة املكرمة ال يمثل إال الخميني وال‬ ‫يمثل الشعب اإليراني ونحن نرفضه رفضا باتا‪.‬‬ ‫> كيف ستصلون إلى السلطة؟ وبأي دعم دولي؟‬

‫ بعد ‪ 6‬سنوات من الحرب واملعارضة استطاع الخميني‬‫إبادة معظم خصومه واحدا تلو اآلخر‪ .‬واملنظمة الوحيدة التي‬ ‫استمرت فعالة في الداخل والخارج هي «مجاهدين خلق»‬ ‫البديل العسكري والسياسي الوحيد‪ .‬وهذه املنظمة لم يكن‬ ‫باستطاعتها االستمرار لوال مساندة الشعب اإليراني الذي‬ ‫به سنصل إلى قلب نظام الحكم في إيران‪.‬‬

‫ممثل أمريكا‬ ‫علي صفوي ممثل منظمة «مجاهدين خلق» في‬ ‫الواليات املتحدة األميركية يتفق في تحليله مع‬ ‫درويش زادة‪ .‬فعندما سألته «املجلة» عن فحوى كتاب‬ ‫أميركي صدر مؤخرا بعنوان «مستقبل إيران» يرى‬ ‫النظام القائم حاليا سيستمر بعد الخميني‪ ،‬أجاب‪:‬‬ ‫«إن الخبراء املسؤولني األميركيني ال يعرفون حقيقة‬ ‫ما يجري داخل إيران‪ .‬والرئيس السابق جيمي كارتر‬ ‫نفسه قال قبل عدة شهور من سقوط الشاه إن «إيران‬ ‫جزيرة االستقرار»‪.‬‬ ‫> حتى ابن الشاه أعلن في مؤتمر صحافي دخوله املعركة‬ ‫لإلطاحة بنظام الخميني وإقامة البديل؟‬

‫ ال يمكن إسقاط الخميني بكلمات حلوة‪ .‬لو‬‫أراد إسقاط الخميني فليذهب للقتال ضده داخل‬ ‫إيران كما تفعل قواتنا‪ .‬وعن الصراعات السياسية‬ ‫الداخلية في إيران قال صفوي‪« :‬إن منتظري يواجه‬ ‫عدة مشاكل‪ ،‬وأكثر من ألف من معاونيه معتقلون‪.‬‬ ‫كذلك فإن رفسنجاني رئيس مجلس الشورى احترق‬ ‫سياسيا بعد فضيحة «إيران – جيت» وثبوت دوره‬ ‫فيها وتعاونه لشراء أسلحة من إسرائيل‪ .‬أما رئيس‬ ‫الجمهورية علي خامنئي فقد ألغى الخميني منذ شهر‬ ‫ونصف الشهر «الحزب الجمهوري اإلسالمي» الذي‬ ‫كان القوة التي يعتمد عليها خامنئي وبالتالي سحب‬ ‫البساط من تحت رجليه»‪ .‬واستطرد‪« :‬إن كل هؤالء‬ ‫أطراف في صراع على السلطة في نطاق نظام نرى أن‬ ‫ال مستقبل له»<‬ ‫لندن – باريس – واشنطن – «املجلة»‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪47‬‬


‫أرشيف‬

‫بين صدر‬ ‫يملك الرئيس اإليراني السابق أبو الحسن بني صدر حسب‬ ‫قوله معلومات دقيقة عما حدث في مكة‪ ،‬وعن األهداف‬ ‫اإليرانية التي سعى إلى تحقيقها املتظاهرون‪ .‬وعن رأيه فيما‬ ‫حدث قال بني صدر في تصريح خاص بـ«املجلة» إن الخطة‬ ‫اإليرانية كانت جزءا من استراتيجية الحرب الدائرة في منطقة‬ ‫الخليج‪ ،‬وإن ما نفذ في مكة اندرج تحت اسم «خطة الشهيد»‬ ‫وإن املسؤول عن تنفيذها كان الغفاري وهو نائب في البرملان‬ ‫اإليراني‪ .‬والهدف من هذه الخطة – كما قال بني صدر – كان‬ ‫اآلتي‪ :‬التظاهر واالحتجاج مع األخذ في االعتبار املزعوم أن‬ ‫السلطات املعنية لن تقاوم هذه التظاهرة وستتسامح كما‬ ‫فعلت في السنني السابقة‪ ،‬وكما فعلت في التظاهرة التي‬ ‫حصلت في املدينة املنورة‪ ،‬وفي هذه الحالة ستخرج إيران من‬ ‫هذه التظاهرة «منتصرة» خاصة وأنها توهمت أنها ستثبت‬ ‫ملليوني حاج أنها «صاحبة الكلمة الحق» في مكة‪ .‬ويضيف‬ ‫أبو الحسن بني صدر محلال املوقف قائال‪« :‬لعل السعودية‬ ‫كانت على علم بما كان سيحدث ألن لها تجارب سابقة في‬ ‫السنني املاضية‪ ،‬وكانت خطتها املفاجئة لإليرانيني ما حدث‬ ‫من رد فعل حاسم بات معروفا لدى الجميع»‪ .‬كذلك توقع‬ ‫بني صدر تسديد ضربة أميركية خاطفة إلى إيران‪ ،‬في حال‬ ‫إصرارها على تصعيد املوقف في املنطقة‪.‬‬ ‫> وكيف تضرب أميركا نظاما ساندته بالسالح والعتاد؟‬

‫ الواليات املتحدة األميركية ال تساند النظام اإليراني‪،‬‬‫إنما تساند اتجاها في نظام الخميني‪ ،‬وهو االتجاه الذي‬ ‫يتزعمه رفسنجاني‪ ،‬املسؤول عن فضيحة «إيران – جيت»‬ ‫األميركية والبريطانية والفرنسية‪ .‬إن الخميني اليوم يواجه‬ ‫أزمات داخلية وخارجية كبيرة‪ ،‬وهو في حالة ضعف شديد‪.‬‬ ‫ويحاول الخروج من أزمته بافتعال أزمات خارجية تحول‬ ‫نظر الشعب اإليراني عما هو حاصل في الداخل‪ .‬والخميني‬ ‫اليوم أمام حلني‪ :‬العودة إلى «ربيع طهران» وهذا يعني العودة‬ ‫إلى الديمقراطية ونهاية النظام اإليراني الحالي‪ ،‬أو تسليم‬ ‫األمر إلى رفسنجاني‪ ،‬وهذا الحل ال يمكن أن يتم إال عبر‬ ‫أزمات‪ ،‬بسبب تكاثر الخصومات الداخلية وتفاقم األزمة‬ ‫االقتصادية واالجتماعية والدبلوماسية‪.‬‬ ‫> كيف تنظر إلى وجود األساطيل األجنبية في الخليج؟ وهل‬ ‫يمكن أن يأتي السالم بعد التصعيد؟‬

‫ أوال هذا الوجود املشار إليه ليس بريئا‪ .‬إنها الفصول‬‫األخيرة من مسلسل «إيران – جيت»‪ .‬إن األميركيني يحاولون‬ ‫اآلن إعادة كسب اللعبة‪ ،‬وخطتهم ترتكز على نقطتني هامتني‪:‬‬ ‫األولى التحكم بالتطورات السياسية الداخلية في إيران‪،‬‬ ‫والثانية أن يظهروا للعالم أنهم سيدافعون عن الدول الواقعة‬ ‫في إطار الحرب‪ .‬ولو كان األميركيون يريدون السالم في هذه‬ ‫املنطقة لحققوه‪.‬‬ ‫> يقول األميركيون إن رغبتهم في إحالل السالم حقيقية وإنهم‬ ‫ممتنعون عن تزويد إيران بالسالح؟‬

‫ هذا هراء‪ .‬فأميركا ما زالت تبيع السالح إلى إيران‪ ،‬وإلى‬‫اليوم ما زالت على اتصال برفسنجاني‪ ،‬وما زالت تبرم معه‬ ‫صفقات‪ .‬ولدي ما يثبت ذلك‪ .‬وما تصنعه أميركا في إيران‬ ‫ليس بيع سالح‪ .‬إنه سياسة‪ ،‬وهي ال تبيع سالحها إلى إيران‬ ‫إنما تبيعه لرفسنجاني‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫> كيف تنظر إلى األوضاع الداخلية في إيران؟‬

‫ إن األوضاع الداخلية متردية للغاية‪ .‬لقد خسرت إيران‬‫حروبا كثيرة‪ .‬فهي خسرت الحرب االقتصادية وزاد الفقر‬ ‫والتضخم بشكل كبير‪ .‬كذلك خسرت الحرب النفطية‪ ،‬وهو‬ ‫مصدر الرزق الوحيد‪ .‬كما خسرت الحرب االجتماعية‪.‬‬ ‫والنظام اليوم مصاب بضعف مطلق وغارق في الحرب‬ ‫الخارجية التي تتضخم يوما بعد يوم ويغذيها وال يستطيع‬ ‫أن يوقفها حتى ال ينتهي فعليا‪ .‬إنها رداء التمويه‪ .‬واملؤشر‬ ‫السائد حاليا‪ ،‬حتى داخل النظام‪ ،‬يدعو إلى العودة إلى حركة‬ ‫تصحيحية تعيد إلى طهران ربيعها‪ .‬لكن يبدو أن األمل‬ ‫ضئيل وأن الحل الوحيد املتبقي أمام الخميني هو تحويل‬ ‫النظام اإليراني الحالي إلى دكتاتورية يديرها رفسنجاني‪.‬‬ ‫> أي استبدال دكتاتورية بأخرى؟‬

‫ ال‪ .‬استبدال الفوضى في السلطة بدكتاتورية‪.‬‬‫> رغم آرائك املعلنة عن الخميني فإن بعض من يعرفك جيدا يرى‬ ‫أنك تحاول تحميل رفسنجاني مسؤولية كان من املفترض أن‬ ‫يتحملها الخميني كقائد حالي إليران‪ .‬ويبدو أنك ما زلت تنظر‬ ‫إليه كأب روحي رغم أخطائه‪ .‬فما هو ردك؟‬

‫ إن هذا الرجل يعيش في تناقض شديد‪ .‬فمن جهة‪ ،‬أدرك‬‫أنه انتهى وخسر‪ ،‬ومن جهة أخرى تراه مستمرا في الخطأ‪.‬‬ ‫> هل ترى سالما فيما الخميني في الحكم؟‬

‫ لو كان وجد في السالم سببا الستمراره في الحكم ألقدم‬‫عليه‪ .‬ولكن أي محور للسالم ال بد أن يبدأ بسقوط حكمه‪.‬‬

‫أحمد مدني‬ ‫يبدأ األدميرال أحمد مدني حديثه مجيبا عن سؤال حول‬ ‫مدى قوة البحرية اإليرانية في هذه املرحلة‪ ،‬وهو الخبير‬ ‫في شؤون هذا الجهاز‪ .‬يقول‪« :‬ال أرغب التفصيل في هذه‬ ‫النقطة الهامة والخاصة بالعمليات واألسرار العسكرية‪ .‬فأنا‬ ‫ضد الحرب ولكنني لست ضد بلدي وأهلي‪ .‬أما فيما يخص‬ ‫البحرية اإليرانية‪ ،‬فأتصور أنها ما زالت قوية وقادرة على‬ ‫خوض معارك‪ .‬ولكن هذه القوة نسبية‪ .‬فالبحرية اإليرانية‬ ‫خسرت الكثير‪ ،‬ولكن ما زال فيها رجال أكفاء وقادرون‬ ‫على العطاء‪ .‬إنها ليست بالقوة السابقة نفسها ونستطيع أن‬ ‫نعتبرها قوية نسبيا‪.‬‬ ‫> وهل تستطيع هذه البحرية الصمود في مواجهة‬ ‫األساطيل الغربية في الخليج واملحيط املجاور له؟‬

‫ ال أتصور ذلك إذا كانت املواجهة مبنية على أسس وقواعد‬‫عسكرية صحيحة‪ .‬ولكن من وجهة نظري‪ ،‬فإن هذه املواجهة‬ ‫يجب أن ال تتم‪ ،‬وإنني أرفض تماما فكرة وجود قوات‬ ‫وأساطيل غربية في منطقة الخليج‪ ،‬وأطالب بأن تكون صيانة‬ ‫وحفظ أمن الخليج في أيدي قوات هذه املنطقة وأهلها من‬ ‫عرب وإيرانيني‪.‬‬ ‫> ولكن هذا الخيار فرضه الخميني بسبب ضربه الناقالت‬ ‫ورفضه مشروع السالم؟‬

‫‪ -‬إن هذه الحرب لم تعد عراقية – إيرانية وتحولت إلى حرب‬

‫كتائب من عسكر «مجاهدين خلق» أثناء التدريبات‬ ‫على الحدود العراقية – اإليرانية‬

‫بال نهاية‪ .‬ورغم خبرتي العسكرية‪ ،‬فأنا أتأمل في تفاصيل‬ ‫هذه الحرب وأصاب بحالة من الذهول‪ .‬فكلما طالت مدتها‬ ‫تشعبت وصعب وضع حد لها‪ .‬وال أعتقد أن أحدا يعمل جديا‬ ‫لوقف هذه الحرب‪.‬‬ ‫> والدعوات الدولية لوقف هذه الحرب‪ ،‬ومساعي السالم‪ ،‬أين‬ ‫تضعها من كل ما يدور؟‬

‫ لو كانت القوى الكبرى جادة في إنهاء هذه الحرب ألنهتها‪.‬‬‫وأتحدث بالتحديد عن الواليات املتحدة األميركية والدول التي‬ ‫تغذي هذه الحرب بالسالح‪ .‬كيف يتكلمون عن السالم‪ ،‬وهم‬ ‫ما زالوا يبيعون السالح للجانبني؟ لقد دفع العراق وإيران‬ ‫خالل سنوات الحرب لهذه الدول التي تدعي أنها ترغب في‬ ‫إحالل السالم اآلن‪ ،‬نحو ‪ 200‬مليار دوالر ثمنا للسالح وما‬ ‫زاال يدفعان‪.‬‬ ‫> ولكن األميركيني أعلنوا أخيرا أنهم أوقفوا بيع السالح وأنهم‬ ‫بالفعل جادون في إرساء أسس للسالم في منطقة الخليج‪ .‬كما‬ ‫أعلنوا أن وجودهم هناك جزء من خطة تدفع عجلة السالم إلى‬ ‫األمام؟‬

‫ لدي شكوكي حول صحة هذا الكالم‪ ،‬وال أصدقه‪ .‬ما‬‫تفعله كل قوة أجنبية في الخليج اليوم‪ ،‬هو إذكاء هذه الحرب‬ ‫وزيادتها اشتعاال‪.‬‬ ‫> هل ترى نهاية لهذه الحرب؟‬

‫ أوال‪ ،‬يجب أن نهتم باالتفاق األميركي – السوفياتي‪ .‬ويجب‬‫أن نتساءل ما إذا اتفق السوفيات واألميركيون‪ ،‬فعلى ماذا تم‬ ‫االتفاق؟ إذا تم االتفاق الحقيقي وليس املعلن على إنهاء هذه‬ ‫الحرب‪ ،‬فهذا يعني أنها ستنتهي خالل أيام‪ ،‬وإال فالحرب‬ ‫مستمرة‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬ما يحدث اليوم في الخليج ما هو‬ ‫إال مباراة وعرض عضالت من قبل األميركان والسوفيات‬ ‫واألوروبيني والصينيني‪ .‬إنه صراع بني الشرق والغرب‪ .‬ومع‬ ‫األسف‪ ،‬فاألدوار مختلطة إلى درجة أنه بات من املستحيل‬ ‫أن نحدد من مع من ومن ضد من‪ .‬من مع من ومن يحارب‬ ‫بسالح من‪.‬‬ ‫> إذن‪ ،‬إنها بداية الحرب العاملية الثالثة؟‬

‫ إنها الحرب العاملية الثالثة غير املعلنة‪.‬‬‫> هل ترى عالقة بني ما يجري في الخليج اليوم وما حدث في‬ ‫مكة من شغب أثناء موسم الحج؟‬


‫أربعة سياسيني إيرانيني يتحدثون إلى «اجمللة»‪:‬‬

‫أبو الحسن بني صدر‪:‬‬

‫األدميرال أحمد مدني‪:‬‬

‫موقف السعودية احلاسم فاجأ‬ ‫اخلميين‪ ..‬وإيران تواجه خطر‬ ‫دكتاتورية رفسنجاني‬

‫أحداث مكة ضرب من‬ ‫اجلنون‪ ..‬و‪ 95‬يف املائة من‬ ‫اإليرانيني ضد إرادة حكامهم‬

‫نشطت املعارضة اإليرانية‪ ،‬في الداخل والخارج خالل األسابيع املاضية‪،‬‬ ‫في تحديد وجهة نظرها من التطورات الحاصلة في منطقة الخليج‪.‬‬ ‫كذلك نشطت في تحديد موقفها من األحداث األخيرة في مكة املكرمة‬ ‫التي ذهب ضحيتها ‪ 403‬من القتلى‪ ،‬منهم ‪ 275‬قتيال إيرانيا و‪ 85‬قتيال سعوديا‬ ‫و‪ 43‬قتيال من مختلف الجنسيات‪ ،‬إضافة إلى ‪ 649‬جريحا‪ ،‬بعد قيام مجموعة‬ ‫من الحجاج اإليرانيني بأعمال تظاهر وشغب في األماكن املقدسة وبتخطيط‬ ‫مسبق مع القيادة اإليرانية‪.‬‬ ‫كيف يبدو موقف املعارضة اإليرانية اليوم من النظام الحاكم في إيران؟ ما هو‬ ‫موقفها من أحداث مكة؟ هل ما حدث في مكة املكرمة حالة خاصة خطط لها‬ ‫نظام الخميني ونفذها أتباعه؟ هل شاركت املعارضة‪ ،‬أو من يمثلها‪ ،‬في هذه‬ ‫األحداث كما جاء على لسان بعض املسؤولني اإليرانيني من أن بعض الحجاج‬ ‫من «مجاهدين خلق» اشتركوا في أعمال الشغب والتظاهر في أيام الحج؟ كيف‬ ‫ترى املعارضة وضع إيران املشرذمة بني مشاكلها الداخلية والخارجية؟ وما هو‬ ‫رأي هذه املعارضة في الوجود األميركي – البريطاني – الفرنسي – الروسي في‬ ‫الخليج لحماية املالحة الدولية؟ وما هو موقف املعارضة اإليرانية من الرغبة في‬ ‫إنهاء الحرب وإعالن السالم؟‬ ‫إذا كانت أصوات املعارضة اإليرانية كثيرة (سياسية واجتماعية ودينية)‬

‫ومتعددة االنتشار (بعضها منفي في باريس ولندن وأملانيا وبغداد‪ ،‬وبعضها‬ ‫متداخل بالنظام اإليراني يوجه إليه ضربات حادة من الداخل) فقد اختارت‬ ‫«املجلة» ‪ 3‬أصوات يمكن من خاللها تكوين وجهة نظر شبه متكاملة عن رأي‬ ‫املعارضة اإليرانية في ما هو حاصل هذه األيام‪.‬‬ ‫فاألدميرال أحمد مدني قائد البحرية اإليرانية السابق‪ ،‬املنفي بني العواصم‬ ‫األوروبية واملعارض لنظام الخميني‪ ،‬يعتبر مصدر معلومات هامة‪ ،‬فيما يتعلق‬ ‫بحرب األساطيل البحرية في الخليج‪ .‬فهو شغل حتى فترة قصيرة قبل هربه‬ ‫من إيران منصب قائد البحرية اإليرانية وذلك عندما كانت تلك البحرية تعتبر‬ ‫من بني أهم وأقوى األساطيل في املنطقة‪ .‬وقد تحدث إلى «املجلة» مبديا رأيه‬ ‫بصراحة‪.‬‬ ‫أما أبو الحسن بني صدر الرئيس السابق إليران وأول رئيس جمهورية منتخب‬ ‫من قبل الشعب اإليراني‪ ،‬فهو أيضا يعتبر من أسس املعارضة اإليرانية في الخارج‬ ‫وإن كان صوته قد خف بعد اختالفه مع زعيم حركة «مجاهدين خلق» مسعود‬ ‫رجوي املقيم حاليا في بغداد‪ .‬أما الصوت الثالث فهو لدرويش زادة املتحدث باسم‬ ‫حركة «مجاهدين خلق» في لندن‪ ،‬وهي الحركة املعارضة اإليرانية الوحيدة التي‬ ‫تمارس معارضتها في الداخل والخارج‪ ،‬على مستوى شعبي وعسكري‪ ،‬وتطرح‬ ‫نفسها عبر مجلس وطني بديال عن نظام الخميني‪.‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪45‬‬


‫أرشيف‬

‫بعد عزل النظام اإليراني عربيا وإسالميا‪:‬‬

‫املعزول عامليا‬

‫إذا كانت أحداث الشغب والتخريب التي قامت بها مجموعة من الحجاج‬ ‫اإليرانيني في مدينة مكة املكرمة قبل ثالثة أسابيع‪ ،‬قد ساهمت في تعميق‬ ‫عزلة النظام اإليراني‪ ،‬عربيا وإسالميا‪ ،‬فإن التهديدات اإليرانية للمالحة‬ ‫الدولية في الخليج التي تمثلت في إقامة الصواريخ وزرع األلغام البحرية‪ ،‬عزلت‬ ‫الحكومة اإليرانية دوليا‪ ،‬خاصة أن الجانب اإليراني رفض تطبيق قرار مجلس األمن‬ ‫الدولي املطالب بوقف إطالق النار في حرب الخليج‪ ،‬وإفساح املجال أمام تسوية‬ ‫سلمية لهذه الحرب التي ال تهدد منطقة الشرق األوسط فقط‪ ،‬وإنما العالم بأسره‪.‬‬ ‫فمن املالحظ أن مياه الخليج العربي أصبحت من أكثر مناطق العالم ازدحاما‬ ‫باألساطيل وكاسحات األلغام‪ ،‬وبات هناك تصميم دولي على مواجهة االستفزازات‬ ‫‪44‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫مجموعة من األسلحة التي استخدمتها امليليشيات اإليرانية‬ ‫التي افتعلت أحداث مكة‬

‫اإليرانية وإيجاد حل سلمي لحرب الخليج‪ ،‬ومعاقبة الجانب الرافض للقرارات‬ ‫الدولية‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار اتصلت «املجلة» بالعديد من السياسيني اإليرانيني البارزين لرصد‬ ‫خلفيات التفكير اإليراني الحالي‪ ،‬واالتجاهات العاملية الرامية إلى عزل الحكومة‬ ‫اإليرانية الحالية‪ ،‬واألسباب الداخلية التي تدفع هذه الحكومة إلى فتح عدة جبهات‬ ‫مختلفة في آن واحد‪ ،‬وكان من بني املتحدثني إلى «املجلة» رئيس الجمهورية اإليراني‬ ‫األسبق الحسن بني صدر وقائد القوات البحرية اإليرانية السابق األدميرال أحمد‬ ‫مدني‪ ،‬وممثل منظمة «مجاهدين خلق» في لندن درويش زادة وممثل «مجاهدين»‬ ‫في أميركا علي صفوي <‬


‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪43‬‬


‫أرشيف‬

‫تحقيق مصور عن املحاولة اإليرانية الفاشلة‬

‫أمام بيت الله احلرام‪ :‬فتنة السادس‬ ‫من ذي احلجة اليت هزت العالم اإلسالمي‬ ‫الفتنة التي قادها بعض الحجاج اإليرانيني في اليوم السادس من ذي الحجة‬ ‫في الساحة الرئيسية‪ .‬قبالة بيت الله الحرام ما تزال ردود فعلها الغاضبة تعم‬ ‫أرجاء العالم اإلسالمي‪ ،‬وهي الفتنة التي لم يجرؤ على القيام بها أحد من‬ ‫املسلمني أو غيرهم في أي موسم حج منذ بزوغ اإلسالم وحتى يوم الجمعة قبل املاضي‪.‬‬

‫الطريق ملنع الحجاج من العبور‪.‬‬ ‫> وتبني الصور كيف قام اإليرانيون بتسلق األعمدة والجدران ورفع الصور واليافطات‬ ‫واألصنام التي تمثل الخميني‪ .‬وساروا بيافطات ضخمة تدعو لحمل السالح في الوقت‬ ‫الذي يحرم فيه اإلسالم حمل السالح في هذه البقعة الطاهرة‪.‬‬

‫أحداث ذلك اليوم كما رواها شهود العيان من آالف الحجاج وسجلتها عدسات التصوير‬ ‫أظهرت حقائق تؤكد ما أعلنته السعودية منذ وقوع الفتنة عن املجزرة التي قادها بعض‬ ‫اإليرانيني‪ .‬والصور تبني للقارئ الحقائق التالية‪:‬‬

‫> اإليرانيون أنفسهم‪ ،‬كما توضح ذلك األفالم التلفزيونية‪ ،‬كانوا يحملون السكاكني‬ ‫باإلضافة إلى الخناجر املدببة التي ثبتت فوق األعالم والهراوات التي حملوها معهم‪.‬‬

‫> آالف من اإليرانيني كانوا ينتمون ملا يسمى الحرس الثوري اإليراني تميزهم‬ ‫مالبسهم وربطاتهم الحمراء خالفا ملا ظهر به بقية حجاج بيت الله الحرام الذين وفدوا‬ ‫من أنحاء العالم‪.‬‬

‫> محاولتهم اقتحام بيت الله الحرام بالقوة ومعهم صورهم وخناجرهم‪ ،‬ثم تسلقهم‬ ‫املباني املحيطة ببيت الله الحرام ومحاولة إحراقه بعد إشعال النيران فيها وفي السيارات‬ ‫والدراجات املوجودة في الساحة العامة‪.‬‬

‫> آالف الصور الضخمة للزعماء اإليرانيني‪ ،‬ومئات اليافطات واللوحات التي حملوها‬ ‫للدعاية للحكم اإليراني في الوقت الذي احتشد في مكة املكرمة أكثر من مليوني حاج‬ ‫يحملون معهم فقط مالبس اإلحرام كما أمر بذلك اإلسالم‪.‬‬

‫> مبادرة اإليرانيني بالهجوم على كل من كان يقف في طريقهم من حجاج ورجال أمن‬ ‫وطعنهم بالسكاكني‪.‬‬

‫* قام اإليرانيون بالتظاهر رغم النداء السعودي بإخالص الحج لله تعالى ومنع التظاهرات‬ ‫السياسية في هذه املناسبة الدينية‪.‬‬ ‫> وقاموا أيضا بجلب النساء واألطفال ووضعهم في وسط آالف اإليرانيني املنظمني‬ ‫وجعلهم عرضة للدهس‪.‬‬ ‫> الصور تبني أيضا كيف قام أفراد الحرس اإليراني بشد حبال طويلة على طرفي‬

‫‪42‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫> كان من الواضح أنها كانت أكبر من مجرد مظاهرة سياسية دعائية من خالل حمل‬ ‫السالح واليافطات الضخمة وسد الطرقات واعتالء املباني وإحراقها‪ ،‬بل والتدرب على‬ ‫التشويش على كاميرات التصوير التلفزيونية من خالل استعمال املرايا املعاكسة التي‬ ‫أحضروها معهم ملنع العالم من مشاهدة ما كانوا يفعلونه أمام بيت الله‪.‬‬ ‫> يوم الجمعة‪ ،‬املوافق السادس من ذي الحجة‪ ،‬هو يوم سيظل مذكورا في التاريخ‬ ‫بسبب املحاولة الدنيئة من قبل رجال الحكم اإليراني باقتحام بيت الله وانتهاك دماء‬ ‫وحرمات املسلمني <‬


‫السلطات السعودية بسعة صدر وضبط نفس حرصا منها على‬ ‫راحة ضيوف الرحمن وفيما يلي رصد ألهم محاوالت إثارة الشغب‬ ‫اإليرانية في األعوام السابقة‪:‬‬

‫> يف ‪ 21‬ذي القعدة ‪ 1402‬هـ‬ ‫قال بيان صادر عن وزارة الداخلية السعودية إن مجموعة من‬ ‫الحجاج اإليرانيني تظاهروا أمام املسجد النبوي الشريف ورددوا‬ ‫هتافات بعد صالة عصر يوم ‪.1402/11/20‬‬ ‫وأضاف البيان أن املتظاهرين رفعوا صور الخميني‪ ،‬وتدخلت قوات‬ ‫األمن ومنعت املسيرة‪ .‬وفي األيام التالية جرت محاوالت أخرى‬ ‫للتظاهر باملدينة فرقتها القوات األمنية السعودية بالحسنى‪.‬‬

‫> يف ‪ 7‬شوال ‪ 1403‬هـ‬ ‫دحض األمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي مزاعم‬ ‫إيرانية حول عدم استجابة اململكة للطلبات اإليرانية املتعلقة باتخاذ‬ ‫إجراءات لضمان راحة الحجاج اإليرانيني وأن هذا املوقف معناه إلغاء‬ ‫سفر الحجاج اإليرانيني‪ ،‬وأكد أن اململكة تضع كل إمكانياتها من‬ ‫أجل راحة الحجاج‪.‬‬ ‫وقال البيان إن مسالك بعض الحجاج اإليرانيني قد بدأت تنحرف‬ ‫عن الغاية األساسية ألداء فريضة الحج إلى أهداف سياسية‬ ‫خاصة ودعائية غوغائية تتعارض مع التعاليم اإلسالمية بشأن‬ ‫فريضة الحج‪ ،‬فقد وجد مع بعض الحجاج اإليرانيني أسلحة‬ ‫يدوية وسكاكني مع كميات من املنشورات والبيانات الدعائية‬ ‫لإلمام الخميني وفيها مضامني التهجم الصريح على املسؤولني‬ ‫في اململكة‪ .‬وكذلك قيام بعض هؤالء بالتظاهر وإطالق الهتافات‬ ‫بكلمات تتنافى مع كلمات التوحيد مثل «الله أكبر – خميني إمام –‬ ‫الله أكبر»‪ ،‬ومحاولة دخول املسجد الحرام ببعض األسلحة النارية‬ ‫الصغيرة وقد ضبطت سلطات األمن هذه األسلحة عشرات املرات‪.‬‬

‫> ‪ 24‬ذو القعدة ‪ 1403‬هـ‬ ‫عثر مع ‪ 21‬إيرانيا على منشورات دعائية وصور وشعارات وتبني أن‬ ‫قدومهم لم يكن بغرض الحج وقال بيان لوزارة الداخلية إنه تم اعتقال‬ ‫هؤالء األشخاص وصودر ما في حوزتهم من منشورات وصور‬ ‫تمهيدا إلعادتهم إلى بالدهم‪.‬‬

‫> يف ‪ 3‬ذي احلجة ‪ 1406‬هـ‬ ‫تم إيقاف مجموعة من الحجاج اإليرانيني كانت تحمل منشورات‬ ‫وكتبا وصورا دعائية‪ ،‬كما قامت بأعمال تظاهر‪ ،‬وتم التحقيق مع‬ ‫هذه املجموعة ومصادرة ما تحمله من كتب وشعارات ومنشورات‬ ‫وصور‪.‬‬

‫السعودية‪ :‬جهود مستمرة‬ ‫لتسهيل مهمة ضيوف الرحمن‬ ‫حرصت القيادة السعودية طوال السنوات املاضية ومنذ عهد املغفور‬ ‫له امللك عبد العزيز على عمل كل ما من شأنه توفير الراحة واالطمئنان‬ ‫لضيوف الرحمن وتسهيل أدائهم ملناسكهم‪ ،‬وبما يؤدي في النهاية‬ ‫إلى استيعاب األعداد املتزايدة من الحجاج والزوار واملعتمرين‪ .‬ومن‬ ‫أجل تحقيق هذه األهداف السامية أقدمت الحكومة السعودية على‬

‫تنفيذ العديد من املشاريع اإلعمارية في مكة املكرمة واملدينة املنورة‬ ‫يمكن تلخيصها في النقاط اآلتية‪:‬‬

‫عشرات األطفال والعجائز داستهم‬ ‫أقدام املتظاهرين اإليرانيني‬

‫‪ -1‬في عام ‪ 1375‬هـ صدر مرسوم ملكي يقضي بالشروع في‬ ‫توسعة املسجد الحرام‪ ،‬وكان من األهداف الرئيسية لهذه التوسعة‬ ‫زيادة رقعة املسجد الحرام وتوسعة صحن املطاف حول الكعبة‬ ‫وتحسني املسعى ودمجه داخل مباني الحرم بجانب تحسني‬ ‫الخدمات الداخلية لتوفير املياه واإلضاءة والفرش وتسهيل طرق‬ ‫املواصالت حوله‪ ..‬وقد بدأ العمل في هذه التوسعة في السابع‬ ‫من شهر صفر ‪ 1375‬على أربع مراحل بدأت األولى في عام‬ ‫‪ 1375‬وانتهت املرحلة الرابعة في عام ‪ .1396‬وقد بلغت التكاليف‬ ‫اإلجمالية ملشروع توسعة املسجد الحرام مليار ريال سعودي‪.‬‬ ‫وبعد التوسعة التي شارك فيها أكثر من ‪ 55‬ألف فني وعامل‪،‬‬ ‫أصبحت مساحة الحرم املكي الشريف ‪ 141‬ألف متر مربع‪ ،‬وأصبح‬ ‫يتسع ملائتني وخمسني ألف مصل‪ ،‬كما أصبحت املساحة املسقوفة‬ ‫فيه ‪ 131‬ألفا و‪ 300‬متر مربع‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫وفي عهد خادم الحرمني الشريفني امللك فهد بن عبد العزيز شهد‬ ‫املسجد الحرام مجموعة من املشروعات واألعمال التي تهدف إلى‬ ‫توفير سبل الراحة والسكينة للحجاج واملعتمرين ففي ‪ 8‬رمضان‬ ‫من عام ‪ 1406‬بدأ استخدام التوسعة الجديدة التي أمر بها امللك‬ ‫فهد واملتمثلة في تسوية سطح الحرم املكي وتهيئته ألداء الصالة‬ ‫بهدف تخفيف االزدحام داخل الحرم واستيعاب قرابة مائة ألف‬ ‫مصل إلى جانب املائتني وخمسني ألف مصل الذين يستوعبهم‬ ‫الحرم أساسا‪ ،‬وقد أضاف ذلك املشروع ‪ 42‬ألف متر مربع إلى‬ ‫مساحة املسجد‪ ،‬وقد بلغت تكلفته ‪ 300‬مليون ريال سعودي‪،‬‬ ‫كما أنفقت الحكومة مبلغ ‪ 80‬مليون ريال لتوفير مياه زمزم‬ ‫املبردة للحجاج واملعتمرين‪.‬‬ ‫كما أقامت حكومة اململكة ستة جسور لتسهيل حركة السير‬ ‫داخل الحرم بلغت تكاليف إقامتها ‪ 11‬مليون ريال‪ ،‬كما ترصد‬ ‫الحكومة السعودية مبلغ ‪ 24‬مليون ريال سنويا ألعمال الصيانة‬ ‫والنظافة <‬

‫رغم املناسبة‬ ‫الدينية‬ ‫لم يحترم‬ ‫اإليرانيون‬ ‫املشاعر‬ ‫املقدسة‬ ‫من خالل‬ ‫املظاهرات‬ ‫السياسية‬ ‫واملميزة‬ ‫بالعنف‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪41‬‬


‫أرشيف‬

‫وقال بيان صادر عن مصدر سعودي مسؤول إن اململكة العربية‬ ‫السعودية رحبت بطلب الحكومة اإليرانية إرسال وفد رفيع املستوى‬ ‫لزيارة اململكة ولكن بوصول الوفد اتضحت رغبته في التحقيق األمر‬ ‫الذي له مساس بأمن اململكة وسيادتها‪ ،‬وذلك في الوقت الذي كان‬ ‫األمل أن يكون الغرض من هذه الزيارة االعتذار عما بدر من بعض‬ ‫الحجاج اإليرانيني أثناء مظاهرة يوم الجمعة املاضي‪ ،‬وما تعرضت له‬ ‫السفارة السعودية في طهران‪.‬‬ ‫وذكر املصدر أن املسؤولني أوضحوا ألعضاء الوفد اإليراني أن‬ ‫وجود رئيس بعثة الحج والسفارة اإليرانية كفيل بأن يمكنهم من‬ ‫االطالع على كل ما يرغبون في معرفته من أمور مرتبطة بما حدث‪،‬‬ ‫وقال املصدر السعودي إن الوفد اإليراني لم يقبل ما عرض عليه‬ ‫وانتهى األمر بعودة الوفد إلى بالده‪.‬‬

‫روايات شهود عيان‬ ‫ووصف شهود العيان بدايات تطور األحداث بقولهم إن حالة من‬ ‫الهدوء كانت تعم املدينة املقدسة صباح يوم الجمعة املاضي‪ ،‬وكانت‬ ‫أفواج ضيوف الرحمن تتجه نحو الكعبة املشرفة للطواف حولها‬ ‫بمالبس اإلحرام البيضاء أو للسعي بني الصفا واملروة‪.‬‬

‫املتظاهرون اإليرانيون قاموا بإحراق‬ ‫السيارات ومحاولة إحراق أحد املباني العامة‬

‫‪,,‬‬

‫محاولة‬ ‫إيرانية‬ ‫فاشلة‬ ‫القتحام‬ ‫الحرم‬ ‫الشريف‬

‫‪,,‬‬

‫الصاخبة نشرت الفوضى والذعر واالضطراب بني وفود الرحمن‪،‬‬ ‫وعرقلت الحركة املرورية بفعل إيصالها إلى املنافذ والطرقات‬ ‫وإحالتها دون تمكني الحجاج واملواطنني من االستمرار في قضاء‬ ‫مصالحهم وشؤونهم‪ .‬وكشف الفيلم املصور عن أن أيا من قوات‬ ‫األمن أو املواطنني لم تصدر منهم طلقة واحدة تجاه أي حاج إيراني‪.‬‬ ‫وامتدت عمليات الشغب اإليرانية من مكة املكرمة إلى السفارتني‬ ‫السعودية والكويتية في طهران حيث قامت عناصر شغب إيرانية‬ ‫باقتحام السفارتني وخطف دبلوماسيني سعوديني وإحراق وثائق‬ ‫وأثاث في السفارتني‪ .‬وقد شجب مصدر مسؤول في وزارة‬ ‫الخارجية السعودية ما تعرضت له السفارة السعودية في طهران‬ ‫من مداهمة وتخريب ووحشية من قبل عناصر إيرانية مخربة وما‬ ‫نتج عن هذا من اعتداء آثم ال مبرر له إطالقا على ممتلكات السفارة‬ ‫وأفرادها وما ترتب على ذلك من أضرار بالغة‪.‬‬ ‫واستنكر املصدر بشكل خاص موقف السلطات اإليرانية التي‬ ‫حصل الحادث أمام مرأى ومسمع منها دون محاولة من قبلها ملنع‬ ‫املخربني من تنفيذ اعتدائهم‪ .‬وأشار املصدر إلى أن «حكومة اململكة‬ ‫العربية السعودية تعتبر أن ما حدث مخالف لكل األعراف واملواثيق‬ ‫ويتنافى تماما مع الخلق اإلسالمي واألعراف الدبلوماسية وتطالب‬ ‫السلطات اإليرانية بالتدخل فورا إلعادة موظفي السفارة األربعة‬ ‫املعتدى عليهم بوحشية واملحتجزين منهم واملختطفني من قبل‬ ‫السلطات املختصة في طهران لكي يعودوا في الحال»‪.‬‬ ‫وكانت السفارة السعودية في طهران قد تعرضت يوم السبت‬ ‫املاضي إلى االقتحام ثالث مرات من قبل عناصر إيرانية‪ .‬واعترفت‬ ‫وكالة األنباء اإليرانية أن قوات األمن اإليرانية تركت املقتحمني‬ ‫يتجهون نحو السفارة‪ ،‬وأكدت الوكالة أن املقتحمني ألحقوا بالسفارة‬ ‫السعودية في طهران خسائر كبيرة وأضرموا النار في أثاثها وثالث‬ ‫من سياراتها‪.‬‬ ‫ورفضت الحكومة السعودية رفضا باتا استقبال وفد تحقيق‬ ‫إيراني في أحداث الشغب اإليرانية األخيرة في مكة املكرمة‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫وبعد لحظات انقلب الهدوء إلى فوضى تصيب كل من يحاول‬ ‫االقتراب من الحجاج اإليرانيني إلقناعهم بالعدول عن موقفهم‪.‬‬ ‫وكانت ردود فعل هؤالء الحجاج غاضبة تجاه كل من يحاول أن‬ ‫يقنعهم بالحسنى باالبتعاد عن الشغب والكف عن استغالل موسم‬ ‫الحج في أمور سياسية‪.‬‬ ‫وقال هؤالء الشهود إن املسيرة اإليرانية كانت تهدف إلى الدخول‬ ‫إلى الحرم الشريف واحتالله‪ ،‬ولكن املواطنني وقوات األمن والحجاج‬ ‫منعوها من ذلك بسبب حرصهم على الحفاظ على الحرم وإحباط‬ ‫أية محاولة لتخريب موسم الحج‪.‬‬ ‫وأشار أحد الحجاج اليمنيني إلى أن املسيرة اإليرانية لم تكن سلمية‬ ‫ألن املتظاهرين اإليرانيني تسلحوا بالسكاكني والعصي‪ ،‬وهاجموا‬ ‫رجال األمن واملواطنني والحجاج اآلمنني األمر الذي أدى إلى سقوط‬ ‫عشرات الضحايا من األبرياء‪.‬‬ ‫وأثارت أعمال الشغب والتخريب اإليرانية حالة من االستنكار‬ ‫والشجب في العواصم العربية واإلسالمية‪ ،‬وأكدت برقيات واتصاالت‬ ‫الزعماء العرب واملسلمني التي أجروها مع خادم الحرمني الشريفني‬ ‫على إدانتهم ملثل هذه األعمال التي ال تمت إلى الدين اإلسالمي‬ ‫بصلة‪ ،‬وال تعكس أخالق وقيم اإلسالم‪ ،‬كما بعث رؤساء بعثات‬ ‫الحجاج في مكة ببرقيات مماثلة إلى العاهل السعودي‪ .‬ويذكر أن‬ ‫القرآن الكريم نص صراحة على عدم جواز تسييس موسم الحج‬ ‫أو استغالله في أمور خارجة عن الدين وأداء املناسك ونصت اآلية‬ ‫الكريمة صراحة «فال رفث وال فسوق وال جدال في الحج» ولم يعرف‬ ‫تاريخ اإلسالم بمختلف مذاهبه أن خرجت فئة من املسلمني عما‬ ‫حدده القرآن الكريم والسنة الشريفة من آداب الحج‪.‬‬

‫عمليات شغب متواصلة منذ سبع سنوات‬ ‫وهذه ليست املرة األولى التي يحاول فيها الحجاج اإليرانيون‬ ‫استغالل موسم الحج لترويج دعايات وأهداف ذات أغراض سياسية‪،‬‬ ‫واإلقدام على أعمال تظاهر وشغب في األماكن املقدسة‪ .‬فقد شهدت‬ ‫السنوات السبع املاضية العديد من املحاوالت املماثلة وقد واجهتها‬


‫هذه األعمال اإلجرامية‪ .‬وما هي إال لحظات حتى اختلط رجال األمن‬ ‫واملواطنون باملتظاهرين الذين أخذوا في حرق السيارات والدراجات‬ ‫وتحطيم عربات األمن واملواطنني ومحاولة تحطيم بعض البنايات‬ ‫وإشعال النار فيها لوال تدخل رجال الدفاع املدني الذين حالوا دون‬ ‫ذلك‪ ،‬وتمكنت قوات األمن من تطويق الحادث وفض املتظاهرين وفتح‬ ‫الطرقات أمام حجاج بيت الله واملواطنني‪.‬‬

‫مختلفة نحو ‪ 649‬جريحا من بينهم ‪ 145‬من السعوديني رجال أمن‬ ‫ومواطنني‪ ،‬و‪ 201‬من حجاج بيت الله‪ ،‬و‪ 303‬من اإليرانيني‪.‬‬ ‫أما الخسائر املادية فكانت عبارة عن إحراق ثالث سيارات وثالث‬ ‫دراجات تابعة لرجال األمن‪ ،‬وتحطيم عشرات السيارات من سيارات‬ ‫األمن واملواطنني والحجاج‪.‬‬

‫وقد كذبت بيانات وزارة الداخلية السعودية االدعاءات اإليرانية دعوة مصرية وجتاوب إسالمي‬

‫بإطالق قوات األمن السعودية الرصاص على املتظاهرين‪ ،‬وأثبتت‬ ‫هذه البيانات بالوثائق والصور واألفالم أن أحدا من قوات األمن‬ ‫أو املواطنني لم يطلق طلقة واحدة على أي حاج إيراني‪ ،‬بل ثبت‬ ‫فعال أن عددا من رجال األمن واملواطنني قد أصيبوا بطعنات في‬ ‫أمعائهم وصدورهم بواسطة سكاكني كان يخبؤها اإليرانيون تحت‬ ‫مالبسهم‪ ،‬األمر الذي يوحي بأن هؤالء كانوا مستعدين مسبقا ملثل‬ ‫هذه األعمال‪ ،‬واالصطدام برجال األمن واملواطنني‪.‬‬ ‫والحظ املراقبون أن وزارة الداخلية السعودية بادرت فورا بإعالن‬

‫تجاوبت عدة دول عربية وإسالمية مع دعوة مصر لعقد اجتماع‬ ‫طارئ لقادة الدول اإلسالمية لبحث أعمال الشغب التي قامت بها‬ ‫عناصر إيرانية في مكة املكرمة‪.‬‬ ‫وكان التلفزيون املصري قد قطع إرساله يوم األحد املاضي وأذاع‬ ‫بيانا صادرا عن الرئيس حسني مبارك أدان فيه أعمال الشغب‬ ‫اإليرانية وطالب بعقد مؤتمر قمة ملنظمة املؤتمر اإلسالمي‪.‬‬

‫التفاصيل الكاملة عن األحداث‪ ،‬وأذاعت أرقام الخسائر البشرية توثيق تلفزيوني‬

‫سواء من الجانب اإليراني أو الجانب السعودي بفعل أعمال الشغب‬ ‫الغوغائية بموضوعية بتوجيه من خادم الحرمني الشريفني أثناء‬ ‫ترؤسه الجتماع مجلس الوزراء الذي تابع تفاصيل األحداث منذ‬ ‫بدايتها‪.‬‬ ‫وجاء في بيان وزارة الداخلية أن عدد الوفيات نتيجة هذه األحداث‬ ‫الغوغائية قد بلغ مع شديد األسف ‪ 402‬من األشخاص كانوا على‬ ‫النحو التالي‪ 85 :‬شخصا من رجال األمن واملواطنني السعوديني‬ ‫و‪ 42‬شخصا من بقية الحجاج اآلخرين الذين تصدوا للمسيرة‬ ‫من مختلف الجنسيات و‪ 275‬شخصا من الحجاج اإليرانيني‬ ‫املتظاهرين ومعظمهم من النساء‪ .‬بينما بلغ عدد املصابني بإصابات‬

‫وقد شاهد جميع الحجاج العرب واملسلمني‪ ،‬وكذلك اطلع املواطنون‬ ‫واملقيمون في اململكة العربية السعودية ودول الخليج على تفاصيل‬ ‫أحداث الشغب والغوغاء في مكة املكرمة التي وقعت يوم الجمعة‬ ‫املاضي عبر فيلم وثائقي عرضه تلفزيون اململكة العربية السعودية‬ ‫تناول املمارسات التخريبية التي ارتكبها بعض الحجاج اإليرانيني‬ ‫في مكة املكرمة‪ .‬وقد كشف الفيلم املصور بالصوت والصورة‬ ‫واستمر عرضه نحو ‪ 15‬دقيقة املشتركني في املسيرة الغوغائية من‬ ‫الحجاج اإليرانيني وهم يعتدون على الحجاج واملواطنني ورجال األمن‬ ‫ويشعلون النار في الدراجات النارية ثم يضعونها تحت السيارات‬ ‫لتشتعل هي األخرى‪ ،‬ويبني الفيلم كيف أن املسيرة اإليرانية‬

‫‪,,‬‬

‫السعودية‬ ‫ترفض‬ ‫استقبال‬ ‫لجنة‬ ‫تحقيق‬ ‫إيرانية‬ ‫وتطالب‬ ‫باالعتذار‬ ‫رسميا‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪39‬‬


‫أرشيف‬

‫أثار ما حدث في مكة املكرمة من جانب فئة من الحجاج اإليرانيني من أعمال تظاهر وعنف تسبب في وفاة عدد من‬ ‫األشخاص استياء واستنكار زعماء العالم اإلسالمي وشعوبه‪ ،‬كما أثار أيضا استنكار مئات اآلالف من الحجاج‬ ‫املسلمني الذين وفدوا من مختلف أنحاء العالم إلى األراضي املقدسة ألداء فريضة الحج‪ ،‬وقد عبر هؤالء الحجاج عن‬ ‫هذا االستنكار في برقيات بعث بها رؤساء بعثات الحجيج إلى خادم الحرمني الشريفني‪.‬‬

‫مكة املكرمة‪:‬‬

‫التفاصيل الكاملة ألعمال الشغب‬ ‫اإليراني يف األماكن املقدسة‬ ‫وتأتي حالة االستنكار هذه كرد فعل منطقي لألحداث تفاصيل األحداث‬

‫«املجلة»‬ ‫(العدد ‪)391‬‬ ‫‪1987/8/11-5‬‬

‫املؤسفة التي شهدتها العاصمة املقدسة مكة املكرمة يوم‬ ‫الجمعة املاضي عندما قام مجموعة من الحجاج اإليرانيني‬ ‫بالتظاهر واالصطدام برجال األمن واملواطنني السعوديني عندما‬ ‫حاول هؤالء التدخل سلميا لفض هذه املسيرة التي أغلقت منافذ‬ ‫وطرقات املدينة وعرقلت الحركة فيها وحالت دون أداء الحجاج‬ ‫املسلمني ملناسكهم والوصول إلى الحرم الشريف‪.‬‬

‫مكة املكرمة ‪:‬‬ ‫وهيب غراب‬

‫ويذكر أن من ثوابت السياسة السعودية منذ توحيد اململكة على‬ ‫يد املغفور له امللك عبد العزيز توفير كل وسائل الراحة لضيوف‬ ‫الرحمن‪ ،‬وإبعاد موسم الحج عن أية ممارسات سياسية يمكن‬ ‫أن تعكر صفو هذه املناسبة الدينية الجليلة‪ .‬ولذلك منعت وزارة‬ ‫الداخلية السعودية جميع املظاهرات واملسيرات التي يمكن أن يقوم‬ ‫بها الحجاج أو بعضهم‪ ،‬كما منعت أيضا استغالل موسم الحج‬ ‫لتوزيع الكتب أو املنشورات السياسية وغير السياسية‪ ،‬وشددت على‬ ‫ذلك‪ .‬وقد حاول بعض الحجاج اإليرانيني في األعوام األخيرة القيام‬ ‫بأعمال تظاهر في مكة املكرمة واملدينة املنورة‪ ،‬ولكن هذه املظاهرات‬ ‫كانت تنتهي بسالم بفعل حرص قوات األمن السعودية على تجنب‬ ‫أي تصادم مع هؤالء املتظاهرين‪ ،‬وتفريقهم بالحسنى‪ .‬وكان من‬ ‫الطبيعي أن تجدد وزارة الداخلية السعودية في بيانات أصدرتها قبل‬ ‫وبعد أعمال التظاهر األخيرة في مكة منعها التجمعات واملظاهرات‬ ‫واملسيرات‪ ،‬وخصت بذلك جميع الحجاج اإليرانيني وأكدت أنها لن‬ ‫تتسامح إطالقا مع من يتجاوزون حدود الله في حرمه اآلمن‪ ،‬وفي‬ ‫أشهره الحرم‪ .‬وقالت الوزارة في بيانها األخير الذي صدر يوم السبت‬ ‫املاضي في هذا الشأن أنها تطالب الجميع بأن يتفرغوا ألداء فريضة‬ ‫الحج وعبادة الله‪ ،‬ملتزمني باآلداب اإلسالمية والسلوك الذي أمرنا‬ ‫الله باتباعه حرصا على أرواحهم وسالمتهم ورغبة في تمكينهم‬ ‫من إتمام نسكهم على الوجه املطلوب‪ .‬وجاء هذا اإلجراء بعد يوم من‬ ‫قيام مجموعة من الحجاج اإليرانيني بمسيرات صاخبة‬ ‫بعد صالة العصر من يوم الجمعة السادس من ذي‬ ‫الحجة يوليو (تموز) األمر الذي أدى إلى عرقلة حركة‬ ‫املرور وتوقف السير فجأة وإقدام بعض اإليرانيني على‬ ‫إحراق عدد من السيارات وإصابة العديد بجروح‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫بدأت األحداث عصر يوم الجمعة املاضي عندما قامت تجمعات‬ ‫من الحجاج اإليرانيني بتشكيل مسيرة صاخبة أشاعت الفوضى‬ ‫واالضطراب بني حجاج بيت الله الذين أتوا من مختلف أنحاء العالم‬ ‫اإلسالمي وغير اإلسالمي ويقدر عددهم بنحو ‪ 2.1‬مليون حاج‪.‬‬ ‫وأوصدت املسيرة منافذ الطرقات وعرقلت مسالك املرور وحالت‬ ‫دون تمكن املواطنني والحجاج في مكة املكرمة من االنطالق إلى‬ ‫مصالحهم وشؤونهم كما أفسدت على الطائفني والقائمني عبادتهم‬ ‫في املسجد الحرام‪.‬‬ ‫وقد كان من الطبيعي أن يتدخل املواطنون الذين توقفت مصالحهم‬ ‫والحجاج الذين تعرقلت مقاصدهم في العبادة وأداء املناسك لوقف‬ ‫هذه األعمال بعد أن تعرقلت الحركة وضاقت الصدور‪ ،‬وجاء هذا‬ ‫التدخل عن طريق التفاهم السلمي مع مقدمة املسيرة‪ ،‬وألحوا عليهم‬ ‫في رجائهم بإفساح الطريق أمام النساء واألطفال املحتجزين في‬ ‫سياراتهم إال أن اإليرانيني أصروا على مواصلة املسيرة وسط‬ ‫هتافات‪ .‬وتوجه املتظاهرون إلى بيت الله الحرام وأخذوا يدفعون‬ ‫املواطنني بالقوة والعنف إذ حاولوا مع إخوانهم الحجاج اآلخرين‬ ‫الحيلولة دون استمرار املسيرة‪.‬‬ ‫قوات األمن السعودية التي كانت تراقب املوقف وتتحلى بضبط‬ ‫النفس وتقف على جانبي طريق املسيرة حاولت منع املواطنني وبقية‬ ‫الحجاج من االصطدام باإليرانيني املتظاهرين حرصا على سالمتهم‬ ‫ودرءا للشرور‪ ،‬فما كان من املتظاهرين إال أن هاجموا رجال األمن‬ ‫بالعصي واملدى والحجارة واعتدوا عليهم‪ ،‬وعندها صدرت األوامر‬ ‫لسلطات األمن املختصة بالتصدي للمسيرة فورا ورفضها وإعادة‬ ‫األمور إلى مجراها الطبيعي‪.‬‬ ‫على أثر ذلك وقعت حالة من االرتباك في صفوف املتظاهرين الذين‬ ‫تراجعوا في اندفاع فوضوي إلى الخلف حيث تساقط العشرات من‬ ‫النساء اللواتي كن وسط املسيرة تحت أقدام املتظاهرين‪ ،‬كما تساقط‬ ‫العشرات من الرجال الطاعنني في السن الذين زج بهم قسرا في‬


‫ملحق يومي وصفحات متخصصة‬ ‫في‬ ‫عقارات‬

‫صحتك‬

‫السبت‬

‫الجمعة‬

‫سفر وسياحة‬

‫ثقافة‬ ‫األحد‬

‫الثالثاء‬

‫إعالم‬

‫االثنني‬

‫حصاد‬

‫ملسـات‬

‫الخميس‬

‫األربعاء‬

‫املتخصصة‬ ‫صفحات‬ ‫أجندة األعمال السبت واألربعاء > علوم السبت‬ ‫سيارات األحد > فنون االثنني > التعليم االثنني > تقنية املعلومات الثالثاء‬ ‫كتب األربعاء > أنغام الخميس > سينما الجمعة‬ ‫سجاالت األحد (داخل صفحات الرأي)‬

‫‪ ..‬تجدد دائم‬


‫قصة الغالف‬

‫السلمية دون جدوى‪ .‬وأدى إرباك االحتالل واستنزافه في النهاية إلى نتائج لم‬ ‫تكن متوقعة‪ ،‬وأكدت االنتفاضة أن القرار الحاسم ليس بيد االحتالل‪ ،‬وليس‬ ‫بيد املنظرين‪ ،‬إنما بيد الجماهير التي لديها قيادة واعية تدرك أن املقاومة‬ ‫تستطيع االعتماد على جميع فئات الشعب بكل شرائحه‪ ،‬وأنها هي الشكل‬ ‫املثالي لتعبئة كل الطاقات وجعل الشعب فاعال وليس أسير الفعل ورد الفعل‪.‬‬ ‫ولعل أهم إنجاز حققته انتفاضة ‪ - 1987‬في رأيي ‪ -‬هو أنها غيرت الفكر‬ ‫املصاحب للصراع‪ ،‬وغيرت ذهنية املحتل ولو ظاهريا‪ .‬فاالحتالل اإلسرائيلي‬ ‫يختلف عن االحتالل املعتاد‪ ،‬فهو احتالل «إحاللي» يعمل على انتزاع الشعب‬ ‫من أرضه ليعيش هو مكانه‪ .‬هذه املنهجية في التفكير كان ال يمكن أن يبلغ‬ ‫بها األمر إلى القبول بعودة الفلسطينيني إلى ديارهم لوال االنتفاضة‪ ،‬ليس‬ ‫عودة كل الفلسطينيني بالطبع‪ ،‬لكن إسرائيل قبلت بمبدأ عودة املناضل‬ ‫الفلسطيني إلى فلسطني وإنشاء سلطة‪.‬‬

‫استقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس‬ ‫لدى استقباله الفائز في برنامج «اراب ايدول»‬ ‫محمد عساف بعد تعيينه سفيرًا لدولة‬ ‫فلسطني للنيات الحسنة‪ ،‬وذلك لتسليمه جواز‬ ‫سفر ديبلوماسيا (يوليو‪)2013‬‬

‫‪,,‬‬

‫بالتر يدعو‬ ‫محمد عساف‬ ‫للغناء في‬ ‫مونديال‬ ‫البرازيل‪ ..‬فهل‬ ‫يكون صوته‬ ‫أقوى في تأثيره‬ ‫من صوت‬ ‫الرصاص؟‬

‫‪,,‬‬

‫وتمكنت فصائل املقاومة الفلسطينية من حشد الجماهير ورسخت الفكر‬ ‫النضالي إلى جانب الفكر املؤسساتي‪ ،‬لكنها لم تكن قادرة على تسخير كل‬ ‫الجهود واملصادر الالزمة لتحرير فلسطني‪ .‬ورسخ عام ‪ ،1968‬وعلى مدى‬ ‫األعوام العشرين التالية‪ ،‬العمل الفدائي قاعدة أساسية للنضال‪ ،‬والتحقت‬ ‫الجماهير نساء وشبابا باملقاومة وعبرت عن استعدادها لبذل كل طاقاتها‬ ‫للعمل من أجل الوطن‪ .‬وتوازى هذا مع نمو الحركات الشعبية في الداخل‬ ‫الفلسطيني وتطورها‪.‬‬ ‫ولعل أهم معلم في تاريخ النضال الفلسطيني هو انتفاضة أطفال الحجار التي‬ ‫كان مهندسها الشهيد أبو جهاد‪ ،‬خليل الوزير‪.‬بدأت االنتفاضة بشكل تلقائي‬ ‫في عام ‪ ،1987‬وأربك منهجها السلمي املدني إسرائيل داخليا‪ ،‬وهز سلطتها‬ ‫وأحرجها عامليا‪ .‬انطلقت االحتجاجات العفوية الشعبية ضد القمع اليومي‬ ‫الذي كان يتعرض له الشعب الفلسطيني وضد ممارسات االحتالل املهينة‪.‬‬ ‫انطلقت من جباليا عقب دهس إسرائيلي مجموعة من العمال الفلسطينيني‬ ‫على حاجز إيريز‪ ،‬وانتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيمات فلسطني‪ ،‬واستمرت‬ ‫حتى عام ‪.1993‬‬

‫القيادة والجماهير‬

‫سب بالتر‬

‫‪36‬‬

‫أراضيها‪ .‬ورغم أن هذه القوة ظلت متواضعة بجناحها امليداني وتأثيرها‬ ‫العسكري‪ ،‬فإنها تمكنت من تحقيق إنجازات سياسية كبيرة‪ ،‬في مقدمتها‬ ‫دعوة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات إللقاء كلمة فلسطني‬ ‫أمام الجمعية العامة لألمم املتحدة في عام ‪ ،1974‬وحصلت القيادة الفلسطينية‬ ‫على اعتراف العالم بشرعيتها‪.‬‬

‫أظهرت انتفاضة ‪ 1987‬تناغما كبيرا بني القيادة والجماهير التي التزمت‬ ‫تماما ببيانات االنتفاضة وتعليماتها‪ ،‬وبرز الشعور باالنتماء سمة مسيطرة‬ ‫على أداء الشعب الفلسطيني‪ .‬قامت االنتفاضة على قاعدة اإلرادة الشعبية‪،‬‬ ‫فكان اإلضراب ينتهي عندما يريد الفلسطينيون ذلك‪ ،‬وليس عندما يريد‬ ‫االحتالل‪ ،‬وتقطع الطرق متى أرادت قيادة االنتفاضة‪ ،‬ال متى يقرر الجيش‬ ‫اإلسرائيلي ذلك‪ .‬كان العصيان املدني بكل أشكاله الركيزة األهم في الحركة‬ ‫الشعبية‪ ،‬وانضم إلى تلك الحركة فلسطينيو ‪ ،48‬وتطورت أشكال املواجهة‬ ‫الجماهيرية السلمية في العمق الفلسطيني‪ .‬ازداد القمع اإلسرائيلي قسوة‪،‬‬ ‫وازدادت االعتقاالت والعقوبات الجماعية‪ ،‬وتضاعف عدد نقاط التفتيش‪،‬‬ ‫وشددت القيود على الحركة‪ ،‬وحاول االحتالل بكل قوة قمع الحركات الشعبية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫اليوم تسعى إسرائيل إلى سياسة االحتواء‪ ،‬فقد اغتالت خالل سنوات الصراع‬ ‫معظم القيادات التي كانت تعد صمام أمان بالنسبة لحركتها أو فصيلها‪،‬‬ ‫لقدرتها على ضبط انفعاالت الجماهير‪ ،‬وعدم الوقوع في شراك املحتل الذي‬ ‫يعمل دوما على جرها إلى مواجهة عنيفة‪ .‬فاملحتل يسعى دائما ‪ -‬خاصة إذا‬ ‫كان ممن يرفعون لواء الديمقراطية والدفاع عن حقوق اإلنسان ‪ -‬إلى الهروب‬ ‫من املواجهة مع الجماهير املدنية‪ ،‬ألن هذا قد يعرضه لالنتقاد وربما التنديد‪،‬‬ ‫ويمكن إن طال أمده أن يؤدي إلى فرض عقوبات عليه‪ .‬والرهان ليس عادة على‬ ‫الحكومات‪ ،‬إنما على الشعوب‪ ،‬كما حدث في جنوب أفريقيا‪ ،‬ولم يعد باإلمكان‬ ‫ مع وجود وسائل التكنولوجيا الحديثة ‪ -‬إخفاء املجازر‪ ،‬كما حصل في دير‬‫ياسني‪ .‬من الصعب أن ترى محتال يرحل ببطاقة دعوة للرحيل‪ ،‬ومن الصعب‬ ‫أن تجد محتال يقر بحقوق الشعب املحتل خاصة إذا كان يحظى بتأييد أكبر‬ ‫قوة في العالم‪ ،‬األمر الذي قد يجعل الحل السلمي مستعصيا‪ .‬أشكال النضال‬ ‫إذن تقررها العوامل املحيطة به‪ :‬عوامل داخلية سياسية واجتماعية وثقافية‪،‬‬ ‫وكذلك عوامل خارجية‪.‬‬

‫الهروب من السالم‬ ‫الظروف التي نشأت فيها فكرة الكفاح املسلح في الخمسينات ثم تبلورت‬ ‫تماما في الستينات تأثرت بال شك بتجارب النضال السابقة‪ ،‬وفي مقدمتها‬ ‫الجزائر وفيتنام‪ ،‬وتزامن هذا مع هزيمة الجيوش العربية في حرب ‪،1967‬‬ ‫وتشكلت لذلك قناعة فحواها أن الطريق الوحيد لتحرير فلسطني هو العمل‬ ‫الفدائي‪ .‬ثم جاءت اتفاقية أوسلو‪ ،‬وتعديل امليثاق الوطني الفلسطيني في عام‬ ‫‪ ،1996‬فنقلت استراتيجية التحرير نقلة جذرية‪ ،‬إذ أكد امليثاق ‪ -‬بعد تعديله ‪-‬‬ ‫على مبدأ حل النزاع بالطرق السلمية‪ ،‬وتقرر إلغاء مواد امليثاق التي تتعارض‬ ‫مع التطور الجديد‪ .‬وخلق هذا ازدواجية فكرية ال تزال متمثلة في السبل التي‬ ‫يميل كل فصيل فلسطيني إلى انتهاجها‪.‬‬ ‫لكن املؤكد أن املقاومة الشعبية في ظل الظروف الحالية قد تكون هي األكثر‬ ‫إيالما لالحتالل‪ ،‬واألقل خسائر للفلسطينيني‪ .‬فالنضال السياسي والثقافي‬ ‫والفكري واالقتصادي والتنموي هو األسلوب الذي يجعل تلك املقاومة مقاومة‬ ‫شاملة‪ .‬صحيح أن صوت الرصاص هو الذي قال للعالم إن هناك وطنا اسمه‬ ‫فلسطيني‪ ،‬لكن صوت الجماهير الفلسطينية هو القادر على أن يقول للعالم‬ ‫من هم الفلسطينيون‪ ،‬وهذا ما تسعى إسرائيل إلى منعه‪ ،‬ألنها تريد أن تجرنا‬ ‫لرسم صورة الفلسطيني كما تريدها هي‪.‬‬ ‫لقد قرأت على صفحات أحد املواقع اإللكترونية عنوانا لفتني‪ ،‬يقول‪« :‬بالتر‬ ‫يدعو محمد عساف للغناء في مونديال البرازيل عام ‪ .»2014‬فهل يمكن‬ ‫أن يكون صوت محمد عساف ‪ -‬الفلسطيني ابن غزة ‪ -‬في املرحلة الراهنة‬ ‫سالحا أقوى في تأثيره في الساحة العاملية من صوت الرصاص؟<‬ ‫* كاتبة فلسطينية وإعالمية في هيئة االذاعة البريطانية (بي بي سي)‬


‫آخر يقضي بإنشاء دولة لليهود والعرب تنال استقاللها الكامل خالل عشر‬ ‫سنوات مقابل قيام قوات االنتداب بالحد من الهجرات اليهودية والحد من تملك‬ ‫الحركة الصهيونية لألراضي‪ .‬ورفض هذا املقترح أيضا‪ .‬إذ لم تدرك القيادة‬ ‫الفلسطينية آنذاك أهمية قبول حل الخطوة خطوة‪ ،‬كما لم تدرك في الوقت ذاته‬ ‫أهمية املتغيرات السياسية في العالم‪ .‬فمع بداية الحرب العاملية الثانية وتبعاتها‬ ‫تالشى زخم الثورة‪ ،‬واشتدت الهجرات اليهودية الصهيونية إلى فلسطني‪،‬‬ ‫وحظيت في أعقاب الكشف عن الهولوكوست بتأييد النخبة في العالم‪ ،‬وظهرت‬ ‫في فلسطني ميليشيات صهيونية مسلحة وضعت االنتداب أمام معضلة‬ ‫حرب مزدوجة مع الفلسطينيني وعصابات القادمني الجدد املسلحة‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 1947‬نشطت الحركات الشعبية املسلحة النظامية والعمل الفدائي‬ ‫رغم محدوديته‪ ،‬وأصبح ذلك سمة أساسية من عناصر العمل النضالي بني‬ ‫الفلسطينيني والعرب من جهة واملستعمر البريطاني واملهاجرين الصهاينة‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬ليبلغ ذروته في عام ‪.1948‬‬

‫استراتيجية النضال‬

‫في أواخر عام ‪ 1948‬صدر القرار ‪ 194‬بشأن حق الالجئني الفلسطينيني في‬ ‫العودة أو التعويض‪ .‬وبدأت القرارات تتوالى‪ ،‬وأضيفت إلى القضية الفلسطينية‬ ‫مفردات جديدة أصبح الفلسطينيون والعرب والعالم طرفا فيها‪.‬‬ ‫الدعم األميركي الواضح منذ عام ‪ 1946‬إلسرائيل اقتصاديا وسياسيا‪،‬‬ ‫واالعتراف بها منذ إعالن التقسيم‪ ،‬غير معادلة الصراع وفرض منهجا‬ ‫للمقاومة من الصعب تقييمه بميزان الخطأ والصواب في ظل حرب مصالح‬ ‫غير متكافئة‪ .‬فقد توصلت أميركا وفرنسا وبريطانيا‪ ،‬على سبيل املثال ال‬ ‫الحصر‪ ،‬إلى اتفاق في عام ‪ ،1950‬يقضي بتنظيم تدفق السالح إلى املنطقة‬ ‫العربية بشكل يضمن التوازن العسكري بني إسرائيل ودول الجوار‪ ،‬وترجم‬ ‫هذا إلى تفوق إسرائيل عسكريا‪ .‬وكانت املواقف تجاه طريقة التعامل مع‬ ‫القضية الفلسطينية عربيا مختلفة كثيرا‪ ،‬وطرحت تساؤالت عديدة‪ ،‬أهمها‬ ‫مدى واقعية الشعار الذي رفعته الحركة الوطنية الفلسطينية منذ عام ‪:1946‬‬ ‫«التحرير الكامل» و«الكفاح املسلح»‪ .‬هذا الواقع وضع قيودا قاسية على‬ ‫مسيرة النضال الفلسطيني‪ ،‬وقلص الخيارات أمامها‪ ،‬تلك الخيارات التي باتت‬ ‫مرتبطة بعوامل خارجية ال يملك الفلسطيني في معظم األحيان قرارا فيها‪.‬‬

‫منذ عام ‪ - 1948‬وعلى مدى عشرين عاما ‪ -‬احتلت القضية الفلسطينية منظمة التحرير الفلسطينية‬

‫البرامج السياسية خطابيا‪ ،‬وتحولت إلى مادة دسمة للمهرجانات واملسيرات‬ ‫الجماهيرية فقط‪ ،‬ورفعت الشعارات الرافضة للتوطني واألحالف العسكرية‪،‬‬ ‫لكنها لم تدخل أي تغيير مهم لحل القضية‪ ،‬وعلقت الشعوب أمال كبيرا على‬ ‫األمم املتحدة وتطبيق قراراتها‪.‬‬ ‫وال بد هنا من التذكير بما جاء في ميثاق األمم املتحدة في حق الشعوب في‬ ‫الدفاع عن نفسها‪ .‬وأيضا ال بد من التذكير بأنه في عام ‪ 1947‬مررت الجمعية‬ ‫العامة في األمم املتحدة قرارا كان رقمه ‪ ،181‬وكان يقضي بإنهاء االنتداب‬ ‫البريطاني على فلسطني وتقسيمها إلى دولتني مستقلتني عربية ويهودية‬ ‫وأن تكون القدس دولية‪ .‬بدأ الصراع حينها يصبح علنيا‪ ،‬وبدأ يأخذ أبعادا‬ ‫جديدة‪ :‬حروبا طويلة ومكلفة‪ .‬ولم تكتف إسرائيل باملساحة التي اعتمدتها‬ ‫األمم املتحدة فتعدتها إلى ‪ 78‬في املائة من األراضي الفلسطينية‪ ،‬وأجبر هذا‬ ‫الكيان الوليد ‪ -‬عن طريق املذابح والعنف واإلرهاب ‪ -‬آالف الفلسطينيني على‬ ‫الهجرة‪ ،‬فلم يبق من املليون مواطن فلسطيني في تلك املناطق التي أقرها‬ ‫املجتمع الدولي آنذاك إال ‪ 150‬ألفا فقط‪.‬‬

‫وربما وفر انطالق منظمة التحرير الفلسطينية في عام ‪ 1964‬للفلسطينيني‬ ‫نافذة للوطن وأداة أساسية للعملية السياسية‪ .‬ورسمت املقاومة الفلسطينية‬ ‫في ما بعد استراتيجية جديدة تعتمد على الحل السياسي والقبول‬ ‫بالتسويات‪ .‬لكن املهمة لم تكن بهذه السهولة‪ .‬فالقيادة الفلسطينية وجدت‬ ‫نفسها في مواجهة مع العالم الذي تعهد بحماية إسرائيل‪.‬‬

‫نشطاء سالم فلسطينيون‬ ‫واسرائيليون يرفعون االعالم‬ ‫والشعارات املناهضة لبناء‬ ‫مستوطنات على اراضي قرية «والج»‬ ‫الفلسطينية (يناير ‪)2011‬‬

‫‪,,‬‬

‫امليثاق‬ ‫الوطني‬ ‫الفلسطيني‬ ‫لم يكن قادرا‬ ‫على تقرير‬ ‫شكل النضال‬

‫‪,,‬‬

‫ياسر عرفات‬

‫وغير عام النكسة املشهد سياسيا ومعنويا‪ ،‬وجعل من الصعب على األنظمة‬ ‫العربية االبتعاد عن الفصائل الفلسطينية املسلحة التي برزت‪ ،‬وفي مقدمتها‬ ‫فتح‪ ،‬كقوة فعالة في وجه إسرائيل خاصة بعد االنتصار الكبير الذي حققته‬ ‫في عام ‪ 1968‬في معركة الكرامة‪ .‬إذ استعادت املقاومة الفلسطينية املعنويات‬ ‫بإعادة الكرامة إلى الجيوش العربية التي هزمت في حرب ‪ - 1967‬كما قيل‬ ‫حينها ‪ -‬وأخذت فتح زمام سلطة منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬وبرزت كقوة‬ ‫ضاربة وجامعة للشعب الفلسطيني‪ .‬وفتح لبنان واألردن وسوريا حدودها‬ ‫لفصائل املقاومة الفلسطينية املسلحة لالنطالق بعملياتها العسكرية من‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪35‬‬


‫قصة الغالف‬

‫من منا ال يذكر األناشيد التي نشأ على أنغامها الفلسطينيون «ثورة ثورة حتى النصر»‪« ،‬طالع لك يا عدوي طالع‬ ‫من كل بيت وحارة وشارع»‪« ،‬بالدي بالدي يا أرض الجدود فدائي‪ ..‬فدائي إلى أن أعود»؟ من عاش في حقبة‬ ‫الستينات والسبعينات وتابع مسيرة النضال الفلسطيني الطويلة يذكرها تماما‪ ،‬فهي تعكس شعار مرحلة مهمة‬ ‫في تاريخ النضال الفلسطيني‪ ،‬وتحوال كبيرا في مسيرة املقاومة التي انتقلت بكل زخم من مرحلة املظاهرات‬ ‫واملسيرات والتنديد واالستنكار إلى مرحلة الكفاح املسلح في مدن اللجوء وفي الداخل الفلسطيني‪ .‬وكان امليثاق‬ ‫الوطني الفلسطيني الصادر في عام ‪ 1968‬يؤكد على تلك الثوابت‪ ،‬فاملادة التاسعة تقول «إن الكفاح املسلح هو‬ ‫الطريق الوحيد لتحرير فلسطني»‪ .‬رسخ هذا استراتيجية املقاومة‪ ،‬كما شكل العمل الفدائي النواة األساسية في حرب‬ ‫التحرير الشعبية الفلسطينية‪ ،‬وهذا وفق املادة العاشرة من امليثاق نفسه‪.‬‬

‫تعرضت املقاومة الفلسطينية لعملية تفريغ من معناها النبيل‬

‫أصوات أقوى من الرصاص‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫ناهد نجار *‬

‫‪,,‬‬

‫تعددت أشكال‬ ‫املقاومة‬ ‫الفلسطينية‬ ‫واختصرها‬ ‫أبو جهاد في‬ ‫كلمات ثالث‪:‬‬ ‫تنظيم إنتاج‬ ‫مواجهة‬

‫‪,,‬‬

‫ابو جهاد‬

‫‪34‬‬

‫ما جاء في امليثاق الوطني وما تعلمناه في أدبيات املقاومة لم يكن‬ ‫قادرا ‪ -‬رغم التحمس الجماهيري له ‪ -‬على تقرير شكل النضال‪،‬‬ ‫ولم يكن باإلمكان أن يكون من الثوابت على مدى مسيرة النضال‪.‬‬ ‫فالدعوة إللغائه في عام ‪ 1996‬لم تمنع اندالع موجة كبيرة من املواجهات‬ ‫العنيفة‪ .‬كما أن الدعوة إلى اتباعه مبدأ استراتيجيا لتحرير كامل الوطن لم‬ ‫تمنع انتفاضة ‪ 1987‬من الخروج على قرارات امليثاق واتباع املنهج السلمي‬ ‫للمقاومة‪.‬‬ ‫الجماهير هي الوحيدة التي تستطيع أن تكتب الثوابت الخاصة بأشكال‬ ‫النضال‪ ،‬وكيف‪ ،‬ومتى‪ ..‬وهذا ما أثبتته مسيرة املقاومة الفلسطينية على مدى‬ ‫املائة عام املاضية‪ ،‬التي انتهج الفلسطينيون فيها أشكاال متنوعة من املواجهة‪:‬‬ ‫تارة ضد االستعمار‪ ،‬وتارة ضد االحتالل‪ .‬ولن يتسنى لنا في عجالة أن‬ ‫نستعرض تاريخ املقاومة بكل أشكالها‪ ،‬وتقييم ما ترتب عليها من نتائج‪.‬‬ ‫لذا سأتحدث عن تجربتي كمتابعة ومشاهدة ملراحل طويلة من النضال‪.‬‬ ‫وسأركز على تجارب كان لها تأثير عميق في تاريخ فلسطني النضالي‪ ،‬وال‬ ‫أعتقد أن هناك اثنني يختلفان على مدى أهميتها في مسيرة الصراع‪ .‬لكن ال‬ ‫بد أن أذكر أوال أنه مهما كانت تجاربنا‪ ،‬فلن تكون كتجربة من يعيش في ظل‬ ‫االحتالل‪ ،‬ومهما تعددت النظريات الخاصة بأشكال النضال فال يمكن أن‬ ‫تماثل تجربة األخرى‪ ،‬فلكل تجربة ثقافة خاصة لها عالقة بالشعب املحتل‬ ‫وبالسلطة التي تمارس االحتالل ومنهجها‪ ،‬هذا باإلضافة إلى الجو السياسي‬ ‫العاملي السائد‪ ،‬فاملتغيرات السياسية تفرض منهجها علينا شئنا أم أبينا‪.‬‬ ‫وما أرمي إليه هنا هو ما تعرضت له املقاومة الفلسطينية من عملية تفريغ‬ ‫ملعناها النبيل حتى إن البعض بدأ يناقش مشروعيتها‪ ،‬والبعض اآلخر مال‬ ‫إلى تشبيهها بالحركات اإلرهابية‪ .‬وهذا ما قصدته من وراء أهمية استقراء‬ ‫املتغيرات العاملية عند انتهاج أي أسلوب من أساليب النضال‪.‬‬ ‫تعددت أشكال املقاومة الفلسطينية‪ ،‬واختصرها الشهيد خليل الوزير أبو‬ ‫جهاد ‪ -‬مهندس انتفاضة ‪ ،1987‬ونائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية‬ ‫ في كلمات ثالث‪ :‬تنظيم‪ ،‬إنتاج‪ ،‬مواجهة‪ .‬وظهر هذا جليا في انتفاضة أطفال‬‫الحجارة‪ .‬والحديث عن تلك األمثلة يقودنا إلى بعض الوقفات التاريخية‪ .‬يعد‬ ‫عام ‪ - 1913‬أي قبل وعد بلفور بأربع سنوات ‪ -‬عالمة بارزة في تاريخ النضال‬ ‫الفلسطيني حني اشتدت آنذاك موجة الهجرات اليهودية إلى فلسطني‪ ،‬وارتفعت‬ ‫نسبة اليهود ‪ -‬وفق بعض الدراسات ‪ -‬من ثالثة في املائة إلى ثالث عشرة‬ ‫في املائة خالل عامني‪ ،‬وأخذت املقاومة حينها شكل مسيرات واحتجاجات‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫على السلطة الحاكمة‪ ،‬إلى أن جاء عام ‪ ،1917‬مع مستهل احتالل الجيش‬ ‫البريطاني لفلسطني‪ ،‬حني بدأت حكومة االنتداب في تنفيذ وعد بلفور الذي‬ ‫نشر في العام نفسه‪ ،‬وبدأت حينها مسيرة النضال الفلسطيني‪ ،‬وتشكل ما‬ ‫سمي باملقاومة الشعبية املدنية‪ ،‬فعقدت الندوات واملؤتمرات ورفعت الشكاوى‬ ‫إلى سلطة االنتداب ونظمت اإلضرابات بالتوازي مع بدء الحوار مع سلطة‬ ‫االستعمار‪ .‬لكن النتائج لم تتعد الوعود واملماطالت‪.‬‬ ‫في عام ‪ 1936‬تعايشت كل أشكال النضال املختلفة في حقبة واحدة‪ ،‬وبرز‬ ‫الكفاح املسلح أداة بارزة من أدوات املواجهة والرفض الفلسطيني‪ ،‬إلى جانب‬ ‫الحوار واملظاهرات السلمية‪ .‬ولعل الثورة الشعبية التي انطلقت في ذاك العام‬ ‫خير شاهد على تزاوج عناصر النضال الثالثة التي تحدث عنها أبو جهاد‪،‬‬ ‫وشكل هذا تحديا كبيرا لسلطة االنتداب البريطاني‪ .‬البداية كانت في أوائل‬ ‫الثالثينات عندما شكل الشيخ عز الدين القسام منظمة عسكرية في حيفا‬ ‫ملحاربة االنتداب والهجرة اليهودية إلى فلسطني‪ .‬وحاولت سلطة االنتداب‬ ‫البريطاني القضاء على القسام وفكره عن طريق قتله في عام ‪ 1935‬في‬ ‫جنني‪ .‬وجاء هذا بنتائج عكسية لم تعرف تفاصيلها إال عندما تحول القسام‬ ‫الشهيد إلى رمز للنضال‪ ،‬ولم يعرف مدى تأثيره حتى انطالق شعلة الثورة‬ ‫الكبرى في عام ‪.1936‬‬ ‫بدأت شعلة الثورة بإضراب عادي عام في كل املدن الفلسطينية دام ستة أشهر‪،‬‬ ‫وجاء إضراب العمال الفلسطينيني في الفترة ذاتها ضد العمالة اليهودية داعما‬ ‫للعصيان املدني الذي امتد بعد أيام إلى فلسطني بريفها ومدنها‪ .‬لم يكن في‬ ‫اإلمكان تحديد مدى تأثير العمل العسكري أو عمل املجاهدين في الثورة‬ ‫الكبرى التي امتدت حتى عام ‪ 1939‬وأنهكت اقتصاد البالد‪ ،‬وأنهكت جيش‬ ‫االنتداب‪ ،‬ورفعت من حدة املواجهة والعنف‪ .‬لكن من املؤكد ‪ -‬ووفقا للوثائق‬ ‫البريطانية ‪ -‬أن الجيش البريطاني حسم املعركة لصالحه‪ .‬وخسرت فلسطني‬ ‫‪ 5032‬من أهلها‪ ،‬وجرح آالف الفلسطينيني وقارب العدد ‪ 15‬ألف جريح‬ ‫فلسطيني‪ ،‬وأوقفت سلطة االنتداب البريطاني خمسني ألفا‪ ،‬حكم على ألفني‬ ‫منهم باملؤبد‪ ،‬وعلى ‪ 146‬باإلعدام شنقا‪ ،‬ودمر اإلنجليز خمسة آالف بيت‪.‬‬ ‫تستوقفني هنا بعض النتائج السياسية التي بدأت تلوح عقب ثورة ‪.1936‬‬ ‫فقد وافقت بريطانيا على تشكيل لجنة بيل التي اقترحت أن تكون فلسطني‬ ‫دولة عربية‪ ،‬على أن تندمج مع األردن تحت زعامة األمير عبد الله‪ ،‬وأن تبقى‬ ‫القدس تحت سلطة االنتداب‪ ،‬وهو مقترح رفضه الفلسطينيون‪ .‬تاله مقترح‬


‫لحماس في وقف إطالق الصواريخ‪ ،‬وهو ما اعتبر تغيرا جوهريا في سياسة‬ ‫مصر تجاه القطاع‪ ،‬وحماس تحديدا‪ ،‬ويعني اقترابا أكثر لفكرة مسؤولية‬ ‫مصر عن شؤون القطاع كبديل إلسرائيل في التزاماتها القانونية واإلنسانية‬ ‫كقوة احتالل‪ .‬ومع اتضاح الحقائق الحقا‪ ،‬تبني أن هذا الدور املصري الجديد‬ ‫يأت من فراغ‪ ،‬بل كان جزءا من التزامات إخوانية تجاه الواليات املتحدة‬ ‫لم ِ‬ ‫بالتوصل إلى حل تاريخي يتضمن تغييرا في حدود مصر وخريطة قطاع‬ ‫غزة‪ ،‬وبناء دويلة تحت اسم فلسطني‪ ،‬مع تخفيف القيود عن حكومة حماس‪.‬‬ ‫وفي اآلن نفسه فتح الرئيس مرسي املجال بال حدود أمام حماس إلنشاء‬ ‫املزيد من األنفاق السرية‪ ،‬على الرغم من تحفظات وتحذيرات واعتراضات‬ ‫األجهزة األمنية املسؤولة عن هذا النهج‪.‬‬

‫ال تفريط في األرض‬ ‫من املهم هنا التأكيد على أن املصريني لديهم حساسية فائقة تجاه أي أفكار‬ ‫تمس الحدود املصرية من أي جهة كانت‪ .‬ولذا ثمة شعور بالدهشة الشديدة‬ ‫والغضب الجارف لدى املصريني مما يقرأونه عن قبول الرئيس املعزول‬ ‫وجماعة اإلخوان التنازل عن جزء من أرض سيناء‪ ،‬التي رواها املصريون‬ ‫بالدماء الغزيرة من أجل تحريرها من دنس االحتالل اإلسرائيلي بعد ‪،1967‬‬ ‫مقابل أن يرضى األميركيون واإلسرائيليون عن حكم «اإلخوان»‪ ،‬ويمنحونه‬ ‫صك البقاء واالستمرار‪.‬‬ ‫وكذلك غضبهم الشديد من نتائج االنفالت األمني الذي تعاني منه سيناء منذ‬ ‫فترة طويلة‪ ،‬ولكنه ازداد عمقا وكثافة في فترة حكم «اإلخوان»؛ فعلى الرغم‬ ‫من قصرها الزمني‪ ،‬كان الثمن كبيرا‪ ،‬وتمثل في تحول سيناء‪ ،‬ال سيما‬ ‫منطقتي الوسط والشمال‪ ،‬إلى مناطق يرتع فيها التكفيريون واإلرهابيون‬ ‫والقاعديون والسلفيون املسلحون‪ ،‬وكلهم ضد الدولة املصرية ومؤسساتها‬ ‫ال سيما األمنية والدفاعية‪ ،‬وهو ما تشهد عليه عمليات االعتداء املتواصلة‬ ‫على الجنود املصريني وآلياتهم العسكرية ومعسكراتهم‪ ،‬إضافة إلى عصابات‬ ‫التهريب للسلع واملخدرات واألسلحة واألفراد سواء مع نظرائهم في القطاع أو‬ ‫مع املافيات اإلسرائيلية‪.‬‬ ‫وللتاريخ والحق فإن جزءا كبيرا من حالة االنفالت األمني في شمال سيناء‬ ‫تعود إلى قلة أعداد القوات املصرية فيما يعرف باملنطقة (ج) القريبة من‬ ‫الحدود مع إسرائيل‪ ،‬التي تحظر معاهدة السالم لعام ‪ 1979‬على القوات‬ ‫املصرية التواجد في هذه املنطقة إال في صورة حرس حدود بأعداد محدودة‬ ‫وتسليح شخصي‪ ،‬إضافة إلى قوات شرطة‪ ،‬وهو األمر الذي ساعد على غياب‬ ‫قبضة الدولة عن مناطق كبيرة في وسط وشمال سيناء‪ ،‬ومن ثم تحولت هذه‬ ‫املناطق إلى جنة ذهبية لكل مهرب وخارج على القانون‪ ،‬ولكل تكفيري ولكل‬ ‫إسالمي مسلح عنيف‪ .‬وكما هو معروف‪ ،‬فإن ثورة ‪ 25‬يناير ‪ 2011‬أدت إلى‬ ‫انكسار جهاز الشرطة املصري‪ ،‬ومن ثم أصبح الفراغ األمني مسألة شائعة‬ ‫في أماكن كثيرة‪ ،‬وكانت سيناء أبرزها وأكثر كثافة في هذا الفراغ األمني‪،‬‬ ‫الذي استمر حتى نهاية حكم الرئيس املعزول محمد مرسي‪.‬‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬أسهم الحكم اإلخواني في زيادة الطني بلة‪ ،‬نتيجة سعي‬ ‫جماعة اإلخوان إلى بناء تحالفات قوية مع الجماعات اإلسالمية بكل‬ ‫توجهاتها‪ ،‬وذلك على حساب مؤسسات الدولة املصرية ذاتها‪ .‬وكانت‬ ‫قرارات العفو التي اتخذها الرئيس مرسي لكل عناصر الجماعات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬بمن فيهم املتورطون املباشرون في عمليات إرهابية وقتل‬ ‫واستحالل دماء وأموال للمسلمني واألقباط في عقد التسعينات من‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬بمثابة الباب الذهبي لخروج مئات من اإلسالميني ذوي‬ ‫اآليديولوجيات العنيفة‪ ،‬الذين وجدوا في شمال سيناء املأوى املثالي للبقاء‬ ‫وإعادة التنظيم والتجمع واالتصال بنظرائهم داخل غزة وخارجها‪ ،‬وهنا‬ ‫لعبت األنفاق السرية مع القطاع الدور األكبر في تسهيل التواصل الدائم‬ ‫وبناء تحالفات بني هؤالء والجماعات ذات التوجه التكفيري والسلفي‬ ‫الجهادي في قطاع غزة‪ ،‬ونسج عالقات تكاملية في التدريب وتهريب‬

‫األسلحة والذخائر بني الجهاديني والتكفيريني املصريني وكتائب القسام‬ ‫التابعة لحماس‪.‬‬ ‫وأسهمت وحدة الفكر واالنتماء اآليديولوجي في تقوية هذه العالقات ذات‬ ‫الطبيعة العسكرية‪ ،‬التي تصور الرئيس مرسي في لحظة معينة أن هذه‬ ‫التحالفات العضوية املسلحة ستكون السند لحكمه في مواجهة مؤسسات‬ ‫الدولة املصرية‪ ،‬خاصة األمنية‪ .‬وهو ما عبر عنه صراحة في آخر خطابني له‪،‬‬ ‫نهاية يونيو املاضي‪ ،‬بأن البديل لحكمه هو العنف والفوضى وسفك الدماء‪،‬‬ ‫وكذلك تصريح القيادي اإلخواني محمد البلتاجي الشهير في منطقة رابعة‬ ‫العدوية حني كانت خاضعة لسيطرة ميليشيات الجماعة‪ ،‬يوم إعالن عزل‬ ‫مرسي بأن العنف في سيناء‪ ،‬الذي بدأ في اليوم ذاته بعد فترة سكون طالت‬ ‫طوال فترة حكم «اإلخوان»‪ ،‬لن يتوقف إال بعودة مرسي إلى كرسي الرئاسة‪.‬‬

‫تحوالت حماس مرة أخرى‬ ‫جاء عزل مرسي ونهاية حكم «اإلخوان» ملصر بمثابة كابوس ثقيل بالنسبة‬ ‫لحماس‪ ،‬فقد اختفى الحليف الكبير‪ ،‬وفشلت الخطط الخاصة بتغيير طبيعة‬ ‫القضية الفلسطينية‪ ،‬وأصبحت حماس وحيدة في مهب الريح‪ .‬وبحكم‬ ‫قسوة الصدمة تصورت حماس أنها عبر املواقف الدعائية الفجة ضد‬ ‫السلطة السياسية الجديدة في مصر‪ ،‬يمكنها أن تغير واقع الحال‪ .‬وفشلت‬ ‫حماس مرة أخرى في إدراك طبيعة التحول السياسي والشعبي في مصر‪،‬‬ ‫بما في ذلك عدم إدراك معنى ومغزى اإلجراءات األمنية والعسكرية التي‬ ‫تقررت بالفعل من أجل السيطرة الكاملة على الحدود مع غزة‪ ،‬وإغالق األنفاق‬ ‫تماما‪ ،‬التي تضمنت دخول آليات عسكرية وأعداد كبيرة من الجنود وطائرات‬ ‫هليكوبتر‪ ،‬وذلك بغض النظر عن القيود التي تتضمنها معاهدة السالم مع‬ ‫الجار الشمالي‪.‬‬ ‫كان رد فعل حماس غريبا ويعكس حالة غياب الرؤية‪ ،‬فمن تهديد للجيش‬ ‫املصري ودعاية سوداء ضده لم تفعلها إسرائيل نفسها‪ ،‬وتلويح بتحركات‬ ‫عسكرية ضد الحدود مع مصر‪ ،‬إلى إنكار التضحيات املصرية التاريخية‬ ‫للقضية الفلسطينية‪ ،‬ورفض للمصالحة مع السلطة الوطنية وأي جهود‬ ‫ُ‬ ‫تبذل من أجل استعادة املفاوضات‪ ،‬وأخيرا قررت حماس فتح قنوات‬ ‫اتصال مرة أخرى مع إيران وحزب الله‪ ،‬لعل ذلك يعيد األموال واألسلحة‬ ‫اإليرانية إلى سابق عهدها‪ .‬لكن الرد اإليراني األولي لم يحقق املطلوب‪،‬‬ ‫فالشرط األول أن تعتذر حماس عن تقاعسها في دعم نظام بشار األسد‪،‬‬ ‫وأن تعلن وقوفها أوال ضد ثورة الشعب السوري‪ .‬والعجيب هنا أن تحرك‬ ‫حماس يأتي في ظل دعاية تقول إنها ما زالت في معسكر املقاومة الذي لم‬ ‫يعد موجودا أصال <‬

‫عرفات يسلم رسالة إلى مبارك خالل‬ ‫مباحثات مشتركة مع مادلني أولبرايت‬ ‫في شرم الشيخ ‪ 5‬أكتوبر ‪ 2000‬بشأن‬ ‫كيفية وقف االشتباكات العنيفة بني‬ ‫القوات االسرائيلية والفلسطينيني‬

‫‪,,‬‬

‫كان العدد‬ ‫التقريبي‬ ‫لألنفاق في‬ ‫نهاية حكم‬ ‫مبارك حوالي‬ ‫‪ 500‬نفق‬ ‫ووصل في زمن‬ ‫حكم «اإلخوان»‬ ‫إلى أكثر من‬ ‫‪ 1200‬نفق‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪33‬‬


‫قصة الغالف‬

‫التي باتت مسلحة‪ ،‬وإلى أفق سياسي مسدود‪ .‬وجاء زمن رد الجميل ودفع‬ ‫الثمن‪ .‬واتخذت حماس قرارها بالتخلي عن دعم دمشق ورئيسها بشار‪،‬‬ ‫وتجاهلت العالقات االستراتيجية واملالية والتسليحية مع إيران وحزب الله‪،‬‬ ‫وقررت الدخول بقوة في محور جديد بدا مبشرا تقوده مصر ما بعد مبارك‪،‬‬ ‫وتدعم األمر نهائيا مع وصول اإلخوان إلى سدة الرئاسة املصرية‪ .‬بعبارة‬ ‫أخرى‪ ،‬فضلت حماس تحالفات جماعة اإلخوان الدولية التي نجحت في مصر‬ ‫وتقاتل في سوريا‪ ،‬وتنشط بقوة في عدد آخر من الدول العربية‪.‬‬ ‫في ظل هذه التغيرات اإلقليمية الجذرية‪ ،‬التي لم تتوقف بعد‪ ،‬لم تكن املقاومة‬ ‫في عرف حماس سوى البقاء في السلطة والحرص على التفاهم مع إسرائيل‬ ‫الخاص بمنع إطالق الصواريخ‪ .‬ومع وصول الرئيس اإلخواني مرسي إلى‬ ‫رئاسة مصر تدعمت ثقة حماس‪ ،‬وباتت ترى األمور بعيون أخرى؛ عيون‬ ‫الطرف املنتصر بال حدود‪.‬‬

‫الرئيس املعزول محمد مرسي‬ ‫في لقاء مع اسماعيل هنية وخالد مشعل‬ ‫بمكتبه ـ ـ سبتمبر ‪2012‬‬

‫‪,,‬‬

‫ينظر‬ ‫املصريون إلى‬ ‫حركة حماس‬ ‫باعتبارها‬ ‫شريكا في‬ ‫جريمة‬ ‫جنائية وأنها‬ ‫وراء بعض‬ ‫عمليات القتل‬ ‫التي حدثت‬ ‫بعد الثورة ‪25‬‬ ‫يناير‬

‫‪,,‬‬

‫‪32‬‬

‫وحزب الله الذي قدم الخبرات القتالية‪ .‬وفي فترة املد التركي األردوغاني نالت‬ ‫حماس في غزة الكثير من التأييد الدعائي وبعض املعونات‪.‬‬ ‫ظنت حماس ومؤيدوها اإلقليميون أن مجرد استمرار هذه الصيغة هو عني‬ ‫النجاح‪ ،‬على الرغم من أنها صيغة تضمنت فعليا وقفا كامال وصارما‬ ‫للصواريخ الفلسطينية تجاه األراضي اإلسرائيلية‪ ،‬ال سيما بعد وقف العدوان‬ ‫اإلسرائيلي على غزة واملعروف باسم «الرصاص املصبوب» نهاية يناير‬ ‫(كانون الثاني) ‪ ،2009‬بعد تدخالت مصرية كبيرة لدى إسرائيل‪ ،‬وضغوط‬ ‫سعودية على الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫ومن املتناقضات الكبرى أن حماس اعتبرت أن الوقف املتبادل لألعمال‬ ‫العسكرية مع إسرائيل‪ ،‬وتعهدها بالسيطرة على كل الفصائل الفلسطينية‬ ‫املسلحة العاملة في القطاع‪ ،‬وقيام الواليات املتحدة كجزء من التفاهم الكلي‬ ‫بما يلزم ملنع وصول األسلحة إلى القطاع خاصة من البحر‪ ،‬هو انتصار كبير‪،‬‬ ‫بل ودليل على حيوية النهج املقاوم الذي تتبعه! وتناست حماس ومؤيدوها‬ ‫أن عملية «الرصاص املصبوب» قد خلفت خسائر رهيبة‪ ،‬كتدمير أكثر من‬ ‫‪ 1500‬موقع ومئات الشهداء وآالف املصابني وتشريد ما يقرب من ‪ 40‬ألف‬ ‫أسرة فلسطينية‪.‬‬

‫املفارقة هنا أن حماس التي تعاملت مع هذه التغيرات باعتبارها انتصارا‬ ‫تاريخيا‪ ،‬واستندت إلى وحدة املرجعية الفكرية مع النظام املصري اإلخواني‬ ‫الجديد‪ ،‬كانت تفقد في كل يوم تعاطف الشعب املصري‪ ،‬والسبب الرئيس‬ ‫تمثل فيما يعرف بدور حماس في الهجوم على عدد من السجون املصرية‬ ‫يومي ‪ 28‬و‪ 29‬يناير ‪ ،2011‬وما ترتب على هذا الهجوم من خروج قيادات‬ ‫جماعة اإلخوان التي كانت في تلك السجون آنذاك‪ ،‬وعدة آالف من املسجونني‪،‬‬ ‫بعضهم شديد الخطورة‪ ،‬ومقتل عدد من ضباط الشرطة والجنود‪ .‬وهو الدور‬ ‫الذي ثبت في تحقيقات واحدة من املحاكمات الجنائية الشهيرة‪ ،‬التي استمرت‬ ‫قرابة العام‪ ،‬وهي محكمة جنايات مستأنف اإلسماعيلية‪ ،‬والتي طالبت الهيئة‬ ‫الخاصة بها قبل ما يقرب من شهرين من نهاية حكم الرئيس املعزول مرسي‪،‬‬ ‫من النائب العام تحريك دعوى جنائية بحق من ثبت أنهم اتصلوا ونسقوا‬ ‫من جماعة اإلخوان املسلمني مع حركة حماس القتحام عدد من السجون‬ ‫املصرية لتهريب عناصر مصرية وعربية من تلك السجون‪ .‬وهو القرار الذي‬ ‫فسره كثيرون بأنه يتيح محاكمة الرئيس مرسي نفسه بتهمة الخيانة فضال‬ ‫عن الهروب من السجن‪ .‬وبالفعل هناك محاكمة لعدد من قيادات الجماعة‬ ‫لالتصال بالخارج واإلضرار بأمن الوطن‪ .‬وبينما ينظر املصريون إلى حركة‬ ‫حماس باعتبارها شريكا في جريمة جنائية‪ ،‬وأنها وراء بعض عمليات القتل‬ ‫التي حدثت بعد الثورة ‪ 25‬يناير‪ ،‬ظلت حماس تنفي دعائيا دون تقديم الدليل‪،‬‬ ‫وهو نفي لم يغير شيئا من القناعات الشعبية التي أخذت في الذيوع‪ ،‬وشكلت‬ ‫أحد أسباب خروج املاليني في ‪ 30‬يونيو تطالب بعزل مرسي وإنهاء حكم‬ ‫«اإلخوان»‪.‬‬

‫األكثر من ذلك‪ ،‬فإن التفاهمات الخاصة بوقف إطالق النار وانسحاب القوات العدوان اإلسرائيلي وتفاهم نوفمبر ‪2012‬‬

‫اإلسرائيلية من القطاع‪ ،‬لم تتضمن أي تغييرات في طريقة عمل املعابر التي‬ ‫تربط بني القطاع وإسرائيل‪ ،‬وكذلك معبر رفح الذي أصرت مصر اإلخوانية‬ ‫على استمرار الترتيبات التي كان معموال بها إبان وجود السلطة الفلسطينية‬ ‫قبل صيف ‪ 2007‬في القطاع‪ ،‬كأساس لعمل املعبر لعبور األفراد وعدم‬ ‫السماح لتحويله إلى معبر للسلع‪ ،‬كما أرادت حكومة حماس‪ .‬لقد جسدت‬ ‫هذه التفاهمات والخسائر املادية والبشرية فشال جسيما لنهج حكومة‬ ‫وحركة حماس‪ ،‬ومع ذلك لم تحدث أي مراجعات‪ ،‬بل تم التركيز على أن مجرد‬ ‫استمرار حماس كحكومة في غزة‪ ،‬هو دليل االنتصار الناصع‪.‬‬

‫الربيع العربي وتداعياته‬ ‫حني جاء الربيع العربي وما حمله من تغييرات جذرية خاصة في مصر‪ ،‬بدا‬ ‫األمر مبشرا وحامال لخير كثير‪ ،‬فقد تم التخلص من نظام مبارك‪ ،‬وافتقدت‬ ‫السلطة الفلسطينية الداعم األكبر لها‪ ،‬وصعد نجم اإلخوان املسلمني مصحوبا‬ ‫بحركة شعبية إسالمية ومدنية أرادت أن تغير كل شيء‪ ،‬باعتباره من تراث‬ ‫حكم الرئيس املعزول‪ .‬بدا األمر في أيامه األولى وكأنه يصب في مصلحة‬ ‫حماس جملة وتفصيال‪ ،‬إلى أن مر الربيع العربي على سوريا‪ ،‬أخذ يتحول‬ ‫تدريجيا إلى دماء غزيرة للسوريني ومعارك حربية بني النظام واملعارضة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫أدت ثقة حماس في تحالفاتها االستراتيجية الجديدة إلى التخفف من‬ ‫تفاهمات فبراير (شباط) ‪ ،2009‬خاصة منع إطالق الصواريخ على أراضي‬ ‫إسرائيل‪ ،‬ومن هنا تكررت حوادث إطالق الصواريخ من القطاع‪ ،‬على الرغم‬ ‫من أنها لم تكن تحقق أي نتائج ذات معنى‪ .‬وفي اآلن نفسه‪ ،‬سعت إسرائيل‬ ‫إلى اختبار رد الفعل املصري في ظل الرئيس الجديد‪ ،‬واستعادة الردع تجاه‬ ‫حماس‪ ،‬إضافة إلى أجواء االنتخابات اإلسرائيلية ورغبة نتنياهو في تحقيق‬ ‫انتصار عسكري يساعده في العودة مرة أخرى لرئاسة الحكومة‪ ،‬وهو ما‬ ‫شكل بيئة داعمة لشن عدوان جديد على غزة‪ ،‬األمر الذي حدث بالفعل في‬ ‫مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) ‪ ،2012‬وهو ما اعتبر اختبارا لجماعة اإلخوان‬ ‫ورئيسها مرسي وتحالفها مع حماس‪.‬‬ ‫حرص الرئيس مرسي آنذاك على التعامل مع العدوان اإلسرائيلي باعتباره‬ ‫مسؤوال عن القطاع‪ ،‬وقام بسحب السفير املصري‪ ،‬واتصل مرارا بالرئيس‬ ‫أوباما‪ ،‬وبعد ما يقرب من أسبوع من العدوان اإلسرائيلي تبلورت مالمح‬ ‫تفاهم انتهى إلى النتائج السابقة ذاتها‪ ،‬أي الوقف املتبادل إلطالق النار‬ ‫والصواريخ‪ ،‬دون أي تغيير في قضية املعابر‪ ،‬مع خسائر بشرية ومادية في‬ ‫القطاع‪ .‬لكن األمر املهم هنا هو أن مصر في ظل «اإلخوان» أصبحت الضامن‬


‫حماس ومصر اإلخوانية‪..‬‬ ‫عالقة استراتيجية جديدة‬ ‫وهكذا في أول ثالثة أشهر في حكم الرئيس مرسي تبلورت أولى مالمح‬ ‫العالقة االستراتيجية الجديدة بني مصر في ظل «اإلخوان» وحركة حماس‪،‬‬ ‫ووراءها الجماعات اإلسالمية املسلحة والتكفيرية واإلرهابية العابرة للحدود‪.‬‬ ‫إذ تترك مصر اإلخوانية لحركة حماس الحبل على الغارب فيما يتعلق بإنشاء‬ ‫املزيد من األنفاق‪ ،‬وأن تقوم أجنحة الحركة املسلحة‪ ،‬خاصة كتائب القسام‪،‬‬ ‫بنقل خبرات التدريب العسكري للجماعات اإلسالمية املصرية وغير املصرية‬ ‫التي تجمعت في سيناء‪ ،‬وفي السياق ذاته اختفت تماما أي جهود مصرية‬ ‫لتحقيق مصالحة فلسطينية بني حكومة حماس في غزة والسلطة الوطنية‬ ‫الفلسطينية في رام الله‪ ،‬كما اختفى أيضا االهتمام املصري بملف املفاوضات‬ ‫الفلسطينية ‪ -‬اإلسرائيلية‪ ،‬وتقلصت إلى حد كبير االتصاالت املصرية‬ ‫الرسمية مع السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫في ظل هذه التطورات أعيد طرح األسئلة ذاتها التي طرحت من قبل‪ ،‬حول‬ ‫طبيعة حركة حماس كحركة مقاومة‪ ،‬بينما هي تمارس سلطة حكومية على‬ ‫جزء معتبر من الشعب الفلسطيني يعيش على جزء مهم من أرض فلسطينية‬ ‫تاريخية‪ ،‬خاصة منذ االقتتال مع حركة فتح وإنهاء وجودها في القطاع‬ ‫صيف ‪ 2007‬بما جعل القطاع خاضعا تماما لسطوة حماس وحكومتها‬ ‫التي لم ُيعترف بها أبدا‪ .‬كانت هذه األسئلة قد طرحت بقوة بعد فوز حماس‬ ‫في االنتخابات التشريعية عام ‪ ،2006‬وفق إجراءات وآليات اتفاق أوسلو‬ ‫‪ 1993‬الخاص بالحكم االنتقالي واملرفوض تماما من الحركة‪ ،‬وقوامها هل‬ ‫يمكن الجمع بن السلطة الحكومية وما تعنيه من التزامات تجاه الشعب للبقاء‬ ‫والتطور‪ ،‬ومقاومة مسلحة تعمل سرا في غالب األحوال ذات هدف أصيل‬ ‫يتمثل في مواجهة االحتالل وتحرير األرض‪ ،‬ومن ثم بناء الدولة الفلسطينية‬ ‫املستقلة ذات السيادة واملترابطة جغرافيا؟!‬

‫تناقضات السلطة واملقاومة‬ ‫وعلى الرغم من التناقض الجوهري بني التزامات الحكومة والسلطة التي‬ ‫تتطلب االنفتاح على العالم وتأمني االحتياجات املعيشية للمواطنني وتطوير‬ ‫حياتهم‪ ،‬والتزامات املقاومة التي تتطلب االنخراط في أعمال عسكرية وشبه‬

‫عسكرية وبناء ظهير مجتمعي يحمي تلك األعمال ويتحمل التضحيات‬ ‫ويمدها بالقدرات املادية والبشرية‪ ،‬فقد رأت حماس في نفسها القدرة على‬ ‫الجمع بني هذين االلتزامني‪ ،‬على األقل من خالل التمسك بقدراتها العسكرية‬ ‫ُ‬ ‫التي يمكن أن تستخدم بني الحني واآلخر في توجيه ضربات صاروخية‬ ‫ضد إسرائيل‪ ،‬التي عادة ما ترد بعمليات عسكرية كبيرة خلفت دمارا‬ ‫وشهداء كثيرين‪ ،‬وكذلك االنخراط في أعمال الدعاية ضد السلطة الوطنية‬ ‫ورئيسها ورفض منهج املفاوضات‪ ،‬مع تحمل نتائج ذلك دوليا‪ ،‬وفي اآلن‬ ‫ذاته النظر إلى فصل القطاع تماما عن الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية‪،‬‬ ‫والسيطرة عليه بقوة بمثابة خطوة نحو تحرير فلسطني‪ ،‬مع تجاهل‬ ‫التداعيات الخطيرة لهذا املنهج على القضية الفلسطينية‪ ،‬كقضية قومية‬ ‫تجمع بني تحرير األرض والشعب‪ ،‬وهو ما أتاح إلسرائيل فرصة ذهبية‬ ‫للتنصل من كل التزاماتها؛ سواء وفق اتفاق أوسلو أو التفاهمات األخرى‬ ‫التي تلته‪ ،‬واستمرت كل حكوماتها في محاصرة القطاع وبناء املستوطنات‬ ‫في الضفة وبناء جدار عازل التهم مساحات واسعة من الضفة وقسمها‬ ‫إلى كانتونات صغيرة غير مترابطة‪ ،‬مع الضرب عرض الحائط بكل الجهود‬ ‫الدولية للدخول في عملية تفاوض جادة تنهي الصراع‪ ،‬مستندة في ذلك‬ ‫إلى التشرذم الفلسطيني وعدم وجود قيادة تستطيع اتخاذ قرارات كبرى‬ ‫يؤيدها غالبية الفلسطينيني‪.‬‬

‫نتائج كارثية‬ ‫لم تهتم حماس سواء قيادتها السياسية كحركة‪ ،‬التي كانت موجودة في‬ ‫دمشق‪ ،‬وحكومة األمر الواقع في غزة‪ ،‬كثيرا بالنتائج الكارثية للتشرذم‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬وتعاملت مع جهود مصر سنوات مبارك األخيرة للمصالحة‬ ‫مع فتح باعتبارها جهودا لتضييع الوقت والحصول من ورائها على اعتراف‬ ‫دولي بأنها سلطة حكومية متكاملة األركان‪ ،‬وبعض تسهيالت من مصر‬ ‫ملرور األفراد والبضائع والتغاضي عن أنفاق التهريب‪.‬‬

‫شرطي فلسطيني في رفح (جنوب قطاع‬ ‫غزة) يتحدث الى جندي مصري على‬ ‫الحدود مع مصر‪ ،‬في ‪ 5‬يوليو ‪ ،2013‬بعد‬ ‫مقتل مجند مصري في وقت مبكر من‬ ‫نفس اليوم من جانب متشددين اسالميني‬ ‫في سيناء املضطربة‬

‫‪,,‬‬

‫جاء عزل‬ ‫مرسي ونهاية‬ ‫حكم «اإلخوان»‬ ‫ملصر بمثابة‬ ‫كابوس ثقيل‬ ‫بالنسبة‬ ‫لحماس فقد‬ ‫اختفى الحليف‬ ‫الكبير‬

‫وعلى الرغم من وضوح أن نهج الجمع بني املتناقضات ال يؤدي إلى نتائج كبرى‬ ‫على األرض‪ ،‬بل على العكس يحمل في طياته عناصر الفشل الجسيم‪ ،‬فقد‬ ‫ساعد حماس على االستمرار في هذا النهج ارتباطها العضوي مع دول وقوى‬ ‫إقليمية شكلت ما اعتبرته جبهة املمانعة واملقاومة‪ ،‬أي ممانعة السياسات‬ ‫األميركية ومقاومة القوة اإلسرائيلية‪ ،‬وهي سوريا التي استقرت فيها قيادة‬ ‫حماس السياسية لفترة طويلة‪ ،‬وإيران التي قدمت األموال واألسلحة بغزارة‪،‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪,,‬‬

‫‪31‬‬


‫قصة الغالف‬

‫لم تكن العالقة بني مصر وحماس ودية إال نادرا‪ ،‬ما قبل مبارك وما بعده‪ ،‬االستثناء فقط كان في عام الرئيس‬ ‫املعزول مرسي‪ ،‬ما بني يوم التنصيب ‪ 30‬يونيو (حزيران) ‪ 2012‬إلى يوم العزل في ‪ 3‬يوليو (تموز) ‪ .2013‬إذ‬ ‫يحلو للمراقبني املصريني القول إنه العام الذهبي لحماس‪ ،‬فأنفاق التهريب‪ ،‬تعمل بكفاءة نادرة في تهريب كل‬ ‫السلع املدعومة‪ ،‬إلى داخل غزة‪ .‬ومن األنفاق يأتي إلى مصر جهاديني تكفيريني وأسلحة مختلفة األشكال واألنواع‬ ‫وخبرات في تصنيع املتفجرات عن ُبعد وسيارات الدفع الرباعي املحملة باألسلحة‪ ،‬وغيرها مما يدخل في باب‬ ‫تهديدات األمن القومي ألي دولة‪.‬‬

‫تناقضات الجمع بني املقاومة والسلطة وتحوالت الربيع العربي‬

‫مصر تقاوم حماس‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫حسن أبو طالب‬

‫‪,,‬‬

‫أول ثالثة‬ ‫أشهر في‬ ‫حكم الرئيس‬ ‫مرسي‬ ‫تبلورت أولى‬ ‫مالمح العالقة‬ ‫االستراتيجية‬ ‫الجديدة بني‬ ‫مصر وحركة‬ ‫حماس‬

‫‪,,‬‬

‫‪30‬‬

‫بينما كانت حكومة حماس املسيطرة على غزة تتهم بتحصيل‬ ‫األموال تحت صفة جمارك على املهربات من مصر‪ ،‬وأموال أخرى‬ ‫مقابل التصريح بحفر النفق وعمله وخدمته‪ ،‬مما كان يدر عليها‬ ‫ما يقرب من ‪ 400‬مليون دوالر سنويا‪ ،‬كانت مصر تحصل على التهديدات‬ ‫واإلرهاب والترويع‪ ،‬بل والتدخل الشائن في الشأن الداخلي‪.‬‬ ‫بالقطع لدى حماس تفسير ودافع لبقاء بل وزيادة هذه األنفاق بخيرها‬ ‫وشرها‪ ،‬فهي النافذة الكبرى املتاحة ملواجهة الحصار اإلسرائيلي‪ ،‬املتمثل في‬ ‫إغالق املعابر الستة التي تربط القطاع مع اسرائيل‪ ،‬واملفترض وفق القانون‬ ‫الدولي أنها دولة االحتالل املسؤولة عن توفير أسباب الحياة للقطاع املحتل‪.‬‬ ‫وكما هو معروف‪ ،‬فإن األمور‪ ،‬خاصة ما يتعلق بإسرائيل‪ ،‬ال تسير أبدا وفق‬ ‫القانون الدولي‪ ،‬بل وفق األهواء الدولية‪ ،‬واملتغيرات واملعادالت على األرض‪.‬‬ ‫وساعد على ذلك رغبة تل أبيب‪ ،‬ووراءها واشنطن‪ ،‬في التخلص النهائي من‬ ‫عبء االحتالل‪ ،‬من خالل إلقاء عبء توفير االحتياجات املعيشية على مصر‪،‬‬ ‫في مرحلة أولى‪ .‬ثم في مرحلة ثانية طرح تصور يقضي باقتطاع جزء من‬ ‫األراضي املصرية في شمال سيناء املالصقة للحدود الجنوبية لقطاع غزة‪،‬‬ ‫ومبادلته بجزء أقل من أراض تخضع إلسرائيل في صحراء النقب ُليضم إلى‬ ‫األراضي املصرية‪ ،‬على أن يتحول القطاع بعد إلحاق األراضي املصرية به إلى‬ ‫دويلة فلسطني‪ ،‬وينتهي بذلك الصراع التاريخي!‬ ‫االستعماري‬ ‫وهنا تتعدد التقارير والدراسات التي تشير إلى أن هذا الطرح ُ‬ ‫رفضه الرئيس األسبق مبارك بشدة وأغلق أي حديث حوله‪ ،‬لكنه قبل بشكل‬ ‫سري من قبل الرئيس اإلخواني محمد مرسي وجماعته‪ ،‬وبدعم أميركي‬ ‫كبير‪ ،‬وملا كانت حماس جزءا من جماعة اإلخوان الكبرى‪ ،‬فاملرجح أنها‬ ‫وجدت في هذا التصور حال مثاليا‪ ،‬أو لنقل مناسبا‪ ،‬للتحول إلى دويلة‬ ‫مستقلة تعيش في رعاية مصر اإلخوانية‪.‬‬

‫األنفاق‪ ..‬معضلة أمنية وهدية إخوانية‬ ‫وفي الطريق إلى تحقيق هكذا تصور مريض‪ ،‬يقضي تماما على كل األبعاد‬ ‫الوطنية والقومية واإلسالمية للقضية الفلسطينية‪ ،‬لم يكن هناك بالنسبة‬ ‫لحماس ما هو أفضل من االبتعاد عن االرتباط بإسرائيل‪ ،‬وفي اآلن نفسه‬ ‫وضع مصر أمام األمر الواقع‪ ،‬واملتمثل في توظيف األنفاق غير القانونية‬ ‫في بناء شبكة مصالح مع جزء من أهل شمال سيناء‪ ،‬وااللتفاف على‬ ‫حصار إسرائيل االقتصادي للقطاع‪ ،‬ومن ثم تحميل مصر مسؤولية توفير‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫أساسيات الحياة للفلسطينيني في غزة (ولو بطريق غير مباشر)‪ ،‬وجعل‬ ‫قرار هدم األنفاق قرارا‪ ،‬حتى لو أرادت الحكومة املصرية ذلك كليا أو جزئيا‪،‬‬ ‫غير قابل للتنفيذ عمليا‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى أن الترابط اآليديولوجي اإلخواني كان له تأثيره‪ ،‬فمصر‬ ‫في عهد الرئيس املعزول مرسي أنهت كل تحفظاتها على استمرار تلك‬ ‫األنفاق‪ ،‬وتغاضت عن كل التهديدات املحتملة التي قد تجلبها تلك األنفاق‬ ‫لألمن القومي املصري‪ .‬وبينما كان العدد التقريبي لألنفاق في نهاية‬ ‫حكم الرئيس األسبق مبارك ما بني ‪ 500‬إلى ‪ 400‬نفق‪ ،‬فقد وصل العدد‬ ‫التقريبي في زمن حكم «اإلخوان» إلى أكثر من ‪ 1200‬نفق‪ ،‬بعضها كان‬ ‫مجهزا بالحوائط املسلحة وتسمح بمرور سيارات النقل متوسطة الحجم‬ ‫وسيارات نقل املنتجات النفطية املصرية املدعومة‪ .‬واملعروف أن القوات‬ ‫املسلحة املصرية بعد أن قامت جماعة تكفيرية إرهابية بقتل ‪ 16‬من الجنود‬ ‫املصريني أثناء اإلفطار في رمضان قبل املاضي‪ ،‬املوافق ‪ 3‬أغسطس (آب)‬ ‫‪ ،2012‬تبني لها أن الفاعلني يستغلون األنفاق مع القطاع في جلب األسلحة‬ ‫وفي الهروب بعيدا عن األجهزة األمنية املصرية‪ ،‬وتبني أيضا أن هناك‬ ‫تعاونا وثيقا بني الجماعات اإلرهابية العاملة في سيناء وجماعات مشابهة‬ ‫لها تحت حماية ورعاية حركة حماس في القطاع‪ ،‬وهو التعاون الذي أدى‬ ‫إلى قتل الجنود املصريني في هجوم خاطف‪ ،‬دون مراعاة ألي قيمة دينية‬ ‫أو وطنية أو قومية‪.‬‬ ‫وكان قرار القوات املسلحة آنذاك هو القيام بهدم األنفاق أو بعضها للتدليل‬ ‫على قدرة الدولة املصرية على السيطرة على حدودها‪ ،‬لكن الرئيس مرسي‬ ‫آنذاك طلب من القوات املسلحة أن توقف تلك العملية تماما‪ ،‬بما في ذلك عدم‬ ‫مواجهة الجماعات اإلرهابية أصال‪ ،‬ووقف البحث عن قتلة الجنود املصريني‪،‬‬ ‫بل فضل أن يتم التواصل مع هذه الجماعات من خالل مبعوث رئاسي ينتمي‬ ‫للجماعة اإلسالمية التي كانت مسؤولة عن عنف عقد التسعينات للتواصل‬ ‫مع قيادات هذه الجماعات املسلحة لتهدئة الوضع األمني في سيناء‪ ،‬باعتبار‬ ‫أن الحكم القائم في مصر هو إسالمي يتوافق مع املرجعيات الحاكمة لتلك‬ ‫الجماعات‪ .‬وهو ما ساعد بالفعل على بناء تفاهمات سياسية كبيرة بني‬ ‫جماعة اإلخوان وهذه الجماعات‪ ،‬تطورت الحقا إلى نوع من التحالف في‬ ‫مواجهة الدولة املصرية ومؤسساتها خاصة األمنية‪ .‬وكان من نتائج هذا‬ ‫التحالف البغيض أن هدأت األعمال اإلرهابية حتى تتوفر لحكومة الرئيس‬ ‫مرسي فرصة استكمال الهيمنة على املؤسسات املصرية‪ ،‬وفي املقابل‬ ‫تمتعت هذه الجماعات بحرية حركة كبيرة سواء في سيناء أو في التواصل‬ ‫والتعاون مع الجماعات النظيرة لها في قطاع غزة‪.‬‬


Distinguish yourself

King’s is ranked in the top 30 universities worldwide* and based in the heart of London. With nine Schools and six Medical Research Council centres, King’s offers world-class teaching and research. Our extensive range of subjects includes humanities, law, medicine, psychiatry, dentistry, nursing, mathematics; natural, biomedical, social and management sciences. For further information, please contact Ghazi Lashab at ghazi.lashab@kcl.ac.uk *QS World University Rankings, 2011

www.kcl.ac.uk


‫قصة الغالف‬

‫وهتاف شعبي هائل‪ ،‬ارتباك كثير منهم‪ ،‬إذ إنه أسقط فرضيتهم بأن معظم‬ ‫العرب إذا نالوا حرية انتخاب من يمثلهم‪ ،‬سوف يرغبون في النهاية في حكم‬ ‫اإلسالميني وتحديدا جماعة اإلخوان املسلمني‪.‬‬

‫مستقبل العالقات األميركية مع حماس‬ ‫وحزب الله و«املقاومة»‬ ‫انتهى وهم «محور املقاومة» في املستقبل املنظور‪ ،‬ليحل محله مشهد‬ ‫سياسي مختلف للغاية في الشرق األوسط‪ ،‬لم يعد من املمكن فيه لجماعة‬ ‫مثل حماس أن تكون فرعا في جماعة اإلخوان املسلمني وفي الوقت ذاته‬ ‫جزءا من التحالف مع إيران‪ .‬أحد أهم تأثيرات ذلك هو مزيد من االختالف‬ ‫في السياسة األميركية تجاه حماس وحزب الله‪ .‬كما أشرنا‪ ،‬سيظل حزب‬ ‫الله في نظر الواليات املتحدة‪ ،‬سواء في لبنان أو سوريا أو في الصراع مع‬ ‫إسرائيل‪ ،‬امتدادا إليران‪ .‬وسوف يعتمد مستقبل العالقات بني أميركا وحزب‬ ‫الله على نتيجة التعامل األميركي اإليراني في قضية السالح النووي وقضايا‬ ‫أخرى مهمة‪.‬‬ ‫املرشد العام علي خامنئي يعانق القيادي‬ ‫في حركة حماس اسماعيل هنية‬

‫‪,,‬‬

‫تدرك الحكومة‬ ‫األميركية أنه ال‬ ‫يمكن أن يكون‬ ‫للفلسطينيني‬ ‫«طرفان‬ ‫شرعيان»‬ ‫يمثالنهم‬ ‫دبلوماسيا‬

‫‪,,‬‬

‫الحرج أنها تعتمد على إسرائيل في جميع اإلمدادات واالحتياجات األساسية‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى االعتماد على رام الله في سداد رواتب معظم املوظفني العموميني‪.‬‬ ‫من غير املرجح أن تتحسن العالقات األميركية مع كل من حماس وحزب الله‪،‬‬ ‫رغم اختالفهما‪ ،‬طاملا استمرت الجماعتان على «قائمة اإلرهاب»‪ .‬وكما أشرنا‬ ‫فيما سبق‪ ،‬يتم استيعاب العالقات مع حزب الله في سياق التوازن اللبناني‬ ‫العارض بني عناصر غير مستقرة‪ ،‬والذي تدعمه الواليات املتحدة عموما‪.‬‬ ‫وفي هذا الصدد‪ ،‬تتحمل أميركا حزب الله ولكنها تبقيه على مسافة بعيدة‪.‬‬ ‫أما حماس‪ ،‬فأمامها مسار واضح للشرعية‪ ،‬ولكنها ال تستطيع أن تسلكه‪.‬‬

‫أدى صعود أحزاب جماعة اإلخوان املسلمني في املجتمعات العربية بعد هل تحل «جهاد» محل «حماس»؟‬

‫سقوط األنظمة الدكتاتورية – وبخاصة في مصر وتونس وبدرجة ما في‬ ‫ليبيا – عن تحول غير متوقع في أسلوب واضعي السياسات في واشنطن‬ ‫تجاه اإلسالميني الذين ال يتسمون بالعنف‪.‬‬ ‫بداية من زعيم حركة النهضة التونسي راشد الغنوشي‪ ،‬جرى الترحيب‬ ‫بمجموعة كبيرة من اإلسالميني من شمال أفريقيا في أبرز مراكز األبحاث‬ ‫واملعاهد األميركية‪ .‬كما عاملوهم باحترام وجنبوهم األسئلة الصعبة‬ ‫واستقبلوهم – ليس كأشخاص غير مرغوب فيهم كما كانوا منذ عدة أعوام‬ ‫– بل كضيوف مكرمني‪ .‬يبدو أن كثير من «الخبراء» األميركيني اعتقدوا‬ ‫أن اإلسالميني‪ ،‬وبخاصة اإلخوان املسلمون‪ ،‬يعبرون عن تمثيل «حقيقي»‬ ‫للرأي العام الذي تؤمن به األغلبية السنية العربية والوجه الجديد «الشرعي»‬ ‫للسياسة العربية في عصر ما بعد األنظمة الدكتاتورية‪.‬‬ ‫بالطبع لم تكن حماس من ضمن هذه املجموعة‪ ،‬نظرا التجاهاتها العنيفة‬ ‫وإدراجها على «قائمة اإلرهاب»‪ .‬وكانت الرؤية الصحيحة لحزب الله أنه‬ ‫يعمل في مساحة تتقارب أكثر مع إيران‪ .‬ولكن أكدت بعض األصوات املهمة‬ ‫التي تمثل أقلية متنامية‪ ،‬وبعضها مؤثر‪ ،‬على شرعية حماس والحاجة إلى‬ ‫إشراكها في أي صورة لعملية السالم بني إسرائيل والفلسطينيني‪.‬‬

‫سقوط اإلخوان‬

‫جورج‬ ‫بوش‬

‫‪28‬‬

‫ومن املرجح أيضا أن يعتمد مستقبل العالقات بني حماس وأميركا إلى حد‬ ‫كبير على ماهية األطراف التي سوف تكون رعاتها األساسيني إلى جانب‬ ‫سلوك حماس ذاتها‪ .‬ال يمكن أن تصبح الحكومة املصرية الحالية أكثر عداء‬ ‫تجاه حماس مما هي عليه اآلن‪ .‬كذلك يبدو من غير املمكن إقامة تقارب واسع‬ ‫بني حماس وإيران‪ .‬ويمكن أن يلطف الرعاة املحتملون مثل قطر أو تركيا‬ ‫أو األردن من عدوانية سلوك حماس‪ ،‬ولكن من املستبعد أن يقنعوا الحركة‬ ‫بقبول شروط اللجنة الرباعية‪ .‬لذلك من املرجح أن تظل الحركة على «قائمة‬ ‫اإلرهاب» وسوف تتعامل الواليات املتحدة مباشرة مع الفلسطينيني من خالل‬ ‫منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية‪.‬‬

‫يدرك معظم املحللني األميركيني‪ ،‬وبالتأكيد الحكومة األميركية‪ ،‬أنه ال يمكن‬ ‫أن يكون للفلسطينيني «طرفان شرعيان» يمثالنهم دبلوماسيا‪ .‬ولكن أصبح‬ ‫بعض واضعي السياسات األميركيني مفتونني بأحزاب جماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني باعتبارها «شرعية» و«حقيقية» إلى درجة دفاعهم عن قضية‬ ‫حماس‪ .‬أصاب سقوط حكومة مرسي في مصر بعد أقل من عام أمام تأييد‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫إن املوقف األميركي في األساس يقضي بأن «املقاومة» العنيفة ضد إسرائيل‬ ‫أو أهداف أو مصالح أميركية في املنطقة غير مقبول وأن هذا لن يتغير‪ .‬إذا‬ ‫تغيرت الحقائق االستراتيجية في املنطقة بما يكفي‪ ،‬ربما يصبح من املمكن‬ ‫تصور احتمالية إعادة بعث «محور املقاومة»‪ ،‬حتى إذا حلت حركة الجهاد‬ ‫اإلسالمي محل حماس‪ ،‬أو ربما تسعى فصائل متطرفة عنيفة داخل جماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني بعد تخلصها من وهم الديمقراطية والسياسة إلى نوع من‬ ‫التحالف مع إيران وعمالئها‪ .‬ولكن في الفترة الحالية‪ ،‬يبدو هذا احتماال بعيدا‬ ‫على أفضل األحوال‪.‬‬ ‫ولكن ال ترفض الواليات املتحدة بصراحة «مقاومة» االحتالل اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫وتعتبر االحتجاجات غير العنيفة مشروعة‪ ،‬كما أنها تكتسب زخما‪ .‬وال‬ ‫تعارض واشنطن حركات املقاطعة‪ ،‬السيما تلك التي تستهدف االحتالل أو‬ ‫املستوطنات – مثل إرشادات االحتالل الجديدة في االتحاد األوروبي‪ ،‬ولكن‬ ‫ليست مقاطعة إسرائيل ذاتها‪.‬‬

‫الخالصة‬ ‫في إيجاز‪ ،‬طاملا اعتبرت «املقاومة» مرادفا لـ«اإلرهاب»‪ ،‬سنظل أمام املواقف‬ ‫األميركية التي يحددها عالم ما بعد ‪ 11‬سبتمبر (أيلول)‪ .‬وهكذا تصبح هذه‬ ‫املقاومة مرفوضة دون تفكير‪ .‬ولكن في ثقافة السياسة العربية ما زالت هناك‬ ‫مساحة خالية يملؤها «محور املقاومة» على نحو زائف‪ :‬ليس سعيا إلى‬ ‫الهيمنة اإليرانية أو اإلرهاب‪ ،‬بل حملة نشيطة ملكافحة االحتالل اإلسرائيلي‬ ‫لألراضي املحتلة منذ عام ‪ .1967‬وتظهر هنا فرصة حقيقية ملن يستطيع‬ ‫االستفادة من حشد التأييد الشعبي الذي يتجنب اإلرهاب ولكنه يواجه‬ ‫االحتالل بمقاومة فعلية قوية غير عنيفة وسلمية حقا <‬


‫أجبر الصراع السوري حماس على االختيار ما بني االمتيازات التي تحصل‬ ‫عليها من تحالفها مع إيران وحزب الله وسوريا بوجه خاص (حيث أقامت‬ ‫مقر مكتبها السياسي واستثمرت فيها معظم أموالها) وبني هويتها‬ ‫األساسية كتنظيم إسالمي سني‪ .‬وفي ظل وجود جماعة اإلخوان املسلمني‬ ‫في سوريا كالعب أساسي في الثورة ضد بشار األسد‪ ،‬لم يكن في استطاعة‬ ‫حماس أن تظل محايدة‪ .‬وفي النهاية لم يكن أمامها خيار سوى إعادة التأكيد‬ ‫على انتمائها إلى اإلخوان املسلمني‪ ،‬مما يعني مغادرة سوريا كلية‪ ،‬والبدء في‬ ‫كفاح مستمر للعثور على رعاة جدد ومقر آخر‪.‬‬

‫العالقات األميركية مع حماس وحزب الله‬ ‫احتفظت الواليات املتحدة بعالقات مع حماس وحزب الله تتسم بالعدائية في‬ ‫األساس ولكنها مختلفة بعض الشيء‪ .‬في الواقع‪ ،‬تتسم االختالفات بالتعقيد‬ ‫إلى درجة أنه إذا ذكر أي شخص حماس وحزب الله ‪ -‬وهو أمر شائع للغاية في‬ ‫أميركا – في جملة واحدة وكأنهما كيان واحد أو يشبهان بعضهما البعض‪،‬‬ ‫فإنه يعكس عدم معرفته بتفاصيل هذه السياسات‪ .‬ولكن السمة املحددة‬ ‫للعالقات مع كلتا الجماعتني واحدة‪ :‬كلتاهما مدرجتان ضمن قائمة املنظمات‬ ‫اإلرهابية األجنبية منذ أن أصدرت وزارة الخارجية األميركية أول قائمة لهذه‬ ‫املنظمات في عام ‪ ،1998‬وفقا لقانون صدر عام ‪ 1996‬يجرم تقديم أي «دعم‬ ‫مادي» إلى مثل هذه املنظمات‪ ،‬متضمنا أي مساعدات غير قاتلة أو مشروعة‪.‬‬

‫لبنان دولة «صديقة» بصورة مؤقتة‬ ‫رغم ذلك ال تتشابه السياسات األميركية تجاه حماس وحزب الله‪ .‬يشارك‬ ‫حزب الله في تشكيل جميع الحكومات اللبنانية منذ تطبيق قانون عام ‪.1998‬‬ ‫وطوال هذه الفترة كانت السياسة األميركية بسيطة‪ :‬تعتبر الواليات املتحدة‬ ‫لبنان دولة «صديقة» (بصورة مؤقتة) وتقدم املساعدات إلى الحكومة على‬ ‫الرغم من وجود وزراء من حزب الله بني أعضائها‪ .‬ولكن ال يتقابل املسؤولون‬ ‫األميركيون أو يتعاملون مع وزراء حزب الله أو نوابهم في البرملان سواء‬ ‫رسميا أو غير ذلك‪.‬‬ ‫اختلف األمر بعض الشيء عندما شهدت السلطة الفلسطينية فترة قصيرة‬ ‫من التعايش بعد فوز محمود عباس باالنتخابات الرئاسية في عام ‪،2005‬‬ ‫في حني حققت حماس أغلبية برملانية في عام ‪ .2006‬أدت هذه الفترة من‬ ‫التعايش بني الرئيس الذي ينتمي إلى حركة فتح وبرملان أغلبيته من أعضاء‬

‫حماس فيما بني عامي ‪ 2006‬و‪ 2007‬إلى سلسلة من العقوبات املدمرة التي‬ ‫نفذتها الواليات املتحدة واللجنة الرباعية حول الشرق األوسط باإلضافة‬ ‫إلى إسرائيل‪ .‬جرى رفع هذه العقوبات عن السلطة الفلسطينية في رام الله‬ ‫بعد االنفصال الذي وقع بني غزة والضفة الغربية في صيف عام ‪ ،2007‬مع‬ ‫استمرار تضييق العقوبات على حماس‪.‬‬ ‫لم تضع الواليات املتحدة إطارا خاصا لحزب الله يمكن أن يعتبر من خالله‬ ‫طرفا ذا شرعية‪ .‬من املفترض أنه أداة لطهران‪ ،‬وأن العالقات معه تعتمد في‬ ‫األساس على العالقات األميركية اإليرانية‪ .‬وفي املوقف اللبناني‪ ،‬يمكن تحمل‬ ‫حزب الله ولكن يتم تجاهله‪ .‬وفي حالة الصراع املباشر بني إسرائيل وحزب‬ ‫الله‪ ،‬تقف أميركا ثابتة إلى جانب إسرائيل‪ ،‬ولكن في إطار من التصرفات‬ ‫املقبولة ولفترة زمنية محدودة‪.‬‬ ‫على جانب آخر‪ ،‬وضعت حماس داخل إطار واضح للغاية بواسطة الواليات‬ ‫املتحدة واللجنة الرباعية الكتساب «الشرعية»‪ :‬نبذ العنف وقبول اعتراف‬ ‫منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل أو على األقل تبني حل الدولتني‪ ،‬وقبول‬ ‫االلتزامات املنصوص عليها في اتفاقيات منظمة التحرير الفلسطينية مع‬ ‫إسرائيل‪ .‬وهذه بالضرورة أيضا الشروط التي وضعتها منظمة التحرير أمام‬ ‫حماس ليصبح من املمكن اعتبارها عضوا إضافيا في املنظمة‪.‬‬ ‫ولكن ال تستطيع حماس املوافقة على هذه الشروط دون أن تفقد االختالف‬ ‫الرئيس بينها وبني فتح‪ :‬أنها تتخذ موقفا أكثر حدة تجاه إسرائيل‪ .‬بخالف‬ ‫ذلك سوف يصبح للحركتني هدف واحد لتحرير وطنهم – حل الدولتني مع‬ ‫إسرائيل – وسوف تصبح ميزة حماس الرئيسة هي اتجاهها اإلسالمي‬ ‫املحافظ‪ .‬وهذا غير مرجح أن يصبح مسار األغلبية بني الفلسطينيني‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬تزايد حركة الجهاد اإلسالمي على حماس في حقها‬ ‫السياسي والديني‪ ،‬وهي الجماعة التي تحتفظ بعالقات قوية مع إيران‪.‬‬

‫كتائب القسام الجناح العسكري‬ ‫لحركة حماس‬

‫‪,,‬‬

‫يتألف «محور‬ ‫املقاومة» من‬ ‫قوى غير سنية‬ ‫مثل النظام‬ ‫السوري وحزب‬ ‫الله‪ ،‬مع حماس‬ ‫أحد فروع‬ ‫اإلخوان‬

‫‪,,‬‬

‫الجناح العسكري‬ ‫حاولت عناصر داخل حماس‪ ،‬من بينها السياسي محمود الزهار وقائد‬ ‫الجناح العسكري مروان عيسى‪ ،‬الحفاظ على العالقات مع إيران‪ .‬وقد حققوا‬ ‫نجاحا إلى حد ما على الصعيد العسكري‪ .‬وبعد اإلطاحة بالرئيس املصري‬ ‫السابق محمد مرسي‪ ،‬يحاولون اآلن استعادة العالقات السياسية‪ .‬بعد رحيل‬ ‫مرسي‪ ،‬تجد حماس ذاتها أكثر عزلة من أي فترة مضت‪ ،‬ومما يبعث على‬

‫محمود‬ ‫الزهار‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪27‬‬


‫قصة الغالف‬

‫أنتجت األعوام العشرة التالية لهجمات ‪ 11‬سبتمبر (أيلول) ‪ 2001‬اإلرهابية ضد الواليات املتحدة خرافتني أصبحتا‬ ‫تحددان الثقافة السياسية األميركية والعربية‪ :‬وهما «محور الشر» و«محور املقاومة»‪ ،‬هذان الوهمان اللذان تخلى‬ ‫عنهما واضعوهما بعد ذلك‪ ،‬أو ثبت عدم وجود معنى لهما مع تطور األحداث‪ .‬ولكن تستمر األفكار املؤدية لهما في‬ ‫االنعكاس على العالقات بني الواليات املتحدة والعالم العربي‪ ،‬في صورة الرفض لبعض املفاهيم األساسية واستعادة‬ ‫مفاهيم أخرى‪ .‬انتهى هذان املحوران‪ ،‬على األقل في الوقت الحالي‪ ،‬بيد أن مظاهر التوتر التي جسداها ما زالت قائمة‪،‬‬ ‫ال سيما فيما يتعلق بالعالقات األميركية مع الجماعات غير الدول‪ ،‬وعلى رأسها حماس وحزب الله‪.‬‬

‫تحالف تقوده إيران‪ ،‬يتألف من قوى شيعية وسنية‬

‫نهاية محور املقاومة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫حسني إيبيش‬

‫‪,,‬‬

‫أجبر الصراع‬ ‫السوري‬ ‫حماس على‬ ‫االختيار ما‬ ‫بني االمتيازات‬ ‫التي تحصل‬ ‫عليها من‬ ‫تحالفها مع‬ ‫إيران وحزب‬ ‫الله وسوريا‬ ‫وبني هويتها‬ ‫األساسية‬ ‫كتنظيم‬ ‫إسالمي سني‬

‫‪,,‬‬

‫‪26‬‬

‫في خطاب حالة االتحاد في ‪ 29‬يناير (كانون الثاني) عام ‪،2002‬‬ ‫وصف الرئيس األميركي جورج دبليو بوش إيران والعراق وكوريا‬ ‫الشمالية بـ«محور الشر»‪ ،‬الذي اتهمه بدعم اإلرهاب الدولي والسعي‬ ‫إلى نشر أسلحة دمار شامل‪ .‬استدعت العبارة داللتني رئيستني في الثقافة‬ ‫السياسية األميركية‪ .‬األولى‪ ،‬أعادت إلى األذهان «دول املحور» في الحرب‬ ‫العاملية الثانية‪ :‬أملانيا النازية‪ ،‬واليابان اإلمبريالية‪ ،‬وإيطاليا الفاشية‪ .‬أما‬ ‫الداللة الثانية‪ ،‬فهي ترديد وصف الرئيس رونالد ريغان لالتحاد السوفياتي‬ ‫بـ«إمبراطورية الشر»‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬أثبت مفهوم «محور املقاومة» املضاد أنه أكثر قدرة على‬ ‫االستمرار في الثقافة السياسية في الشرق األوسط‪ .‬ويبدو أن العبارة صيغت‬ ‫في عام ‪ 2002‬أيضًا‪ ،‬في رد مباشر على خطاب بوش‪ ،‬على صفحات‬ ‫الصحيفة الليبية الزحف األخضر‪ .‬بعد ذلك استخدمت هذه العبارة على نطاق‬ ‫واسع في الخطاب اإليراني فيما يخص مقاومة االحتالل األميركي للعراق في‬ ‫السنوات التالية‪ .‬اكتسبت العبارة مزيدا من الجاذبية بعد الهجوم اإلسرائيلي‬ ‫على لبنان في يوليو (تموز) ‪ ،2006‬األمر الذي أذاع شعبية حزب الله وزعيمه‬ ‫السيد حسن نصر الله في جميع أنحاء العالم العربي‪.‬‬

‫شكك كثيرون‪ ،‬تقريبا منذ لحظة البداية‪ ،‬في مدى ترابط هذه التركيبة‪.‬‬ ‫خاضت إيران والعراق مؤخرا حربا استمرت عشر سنوات قتل فيها مليون‬ ‫شخص على األقل‪ ،‬وكانت العالقات بينهما أسوأ ما يمكن‪ .‬ولم تتقارب أي‬ ‫من الدولتني مع كوريا الشمالية على نحو خاص‪ .‬وبدت فكرة أن هذه الثالثية‬ ‫تشكل أي نوع من «املحور» ‪ -‬وهي كلمة تشير بقوة إلي وجود تحالف – الذي‬ ‫يعمل كتهديد عاملي غير واقعية‪ ،‬إن لم تكن سخيفة‪ .‬تأثر هذا املفهوم كثيرا‬ ‫عندما استخدم مبدئيا كإطار لتبرير غزو واحتالل العراق عام ‪ ،2003‬حيث‬ ‫تكرر ذكره كرد فعل على هجمات ‪ ،9 /11‬على الرغم من أن حكومة صدام‬ ‫حسني لم تكن على صلة بتنظيم القاعدة بأي حال‪.‬‬

‫ولكن نظرا لتركيز خطاب التحالف الذي تقوده إيران (وبالتالي الشيعة) على‬ ‫استغالل عبارة «محور املقاومة»‪ ،‬ثبطت حماسة كثيرين من العرب السنة‪.‬‬ ‫ولكن ما رسخ الفكرة في جانب كبير من الثقافة السياسية العربية لفترة‬ ‫قصيرة هو الهجوم اإلسرائيلي على غزة عام ‪ .2009-2008‬وضع هذا االعتداء‬ ‫حركة حماس في مقدمة «محور املقاومة»‪ ،‬وبذلك تقوض املفهوم الذي كان‬ ‫بالضرورة وسيلة السياسة الخارجية اإليرانية واملصالح الطائفية الشيعية‪.‬‬

‫«محور الشر» في مقابل«محور املقاومة»‬ ‫لم يكن هناك معنى على اإلطالق لـ«محور الشر» من الناحية السياسية أو‬ ‫االستراتيجية‪ .‬ولكنه عكس بدقة الحالة العاطفية للشعب األميركي‪ :‬لقد‬ ‫واجهتهم قوة الشر التي اعتقدوا أنها ال تستطيع أن تكون ببساطة غير الدول‪.‬‬ ‫لم تخضع فكرة أن أقرب جهاز تابع لدولة ربما يكون متورطا في هذه الهجمات‬ ‫هو عناصر داخل وكالة استخبارات الحليفة القديمة باكستان لدراسة جادة‬ ‫إال بعد فترة الحقة‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬بعد مقتل أسامة بن الدن في مدينة أبوت‬ ‫آباد العسكرية الباكستانية‪ ،‬التي تحيط بها نخبة الجيش واالستخبارات‬ ‫الباكستانية‪ ،‬ما زال الحديث عن هذا االحتمال يتردد في همسات خافتة في‬ ‫واشنطن العاصمة‪.‬‬ ‫وهكذا كانت فترة صالحية مفهوم «محور الشر» قصيرة للغاية في السياسة‬ ‫األميركية‪ .‬نادرا ما كانت كلمة «محور الشر» تذكر دون أن تسبب حرجا‪،‬‬ ‫ألنها كانت عبارة فظة كما لم يكن لها معنى استراتيجي‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬ ‫تعتبر العملية األساسية التي أدت إليها هذه العبارة ‪ -‬الفشل العراقي – كارثة‬ ‫على مستوى العالم‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫في الواقع‪ ،‬تعززت قوة مفهوم «محور املقاومة» الذي يمكن أن يجمع بني‬ ‫تحالف تقوده إيران‪ ،‬والذي يتألف أساسا من قوى غير سنية مثل النظام‬ ‫السوري وحزب الله‪ ،‬مع حركة حماس أحد فروع اإلخوان املسلمني‪ ،‬أثناء‬ ‫الهجوم اإلسرائيلي على غزة‪ .‬جرى التغلب على جزء كبير من الخالف‬ ‫الطائفي الذي كان موجودا في العقود السابقة لفترة وجيزة ألن أعدادا كبيرة‬ ‫من العرب السنة تبنت فكرة أنه يمكن من الناحية السياسية لحماس أن تكون‬ ‫عضوا في التحالف الذي تقوده إيران وأن تكون تنظيما أساسيا في جماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني‪ ،‬ولعل هناك ميزة في خطاب طهران بأنها تقود «محور‬ ‫املقاومة» ضد إسرائيل‪ ،‬حيث ساهم في تهدئة قطاع كبير من الرأي العام‬ ‫العربي السني حيال صعود قوة فارسية وشيعية في املنطقة‪ ،‬وال سيما تحت‬ ‫عنوان أنها تقود الصراع ضد إسرائيل‪.‬‬

‫كيف انتهت الخرافة‬ ‫كان كل ذلك وهما‪ ،‬وكانت إيران تستغل حماس وحزب الله‪ ،‬وتدعي أنها‬ ‫زعيمة املقاومة‪ ،‬بل وتنكر الهولوكوست للمزايدة على الجميع لتصبح بطلة‬ ‫الفلسطينيني‪ .‬وحتى بعد عدة أشهر من نهاية الحرب على غزة‪ ،‬كان من‬ ‫املمكن متابعة انهيار الوهم عندما بدأ العرب يتذكرون أن مصالحهم ومصالح‬ ‫إيران ليست متشابهة‪ .‬ولكن ساهمت اضطرابات الربيع العربي وال سيما‬ ‫اندالع الحرب في سوريا في فضح ال معقولية «محور املقاومة» أمام قطاع‬ ‫أكبر من الرأي العام العربي‪.‬‬


‫دول املنطقة‪ .‬باإلضافة إلى الجهاز العسكري الذي أنشأه على مدار أعوام‬ ‫والترسانة التي خزنها والرجال املدربني‪ ،‬كان لحزب الله برنامج تنموي‬ ‫اجتماعي واسع‪ ،‬يدير على األقل أربعة مستشفيات واثنتي عشرة عيادة‬ ‫واثنتي عشرة مدرسة ومركزين زراعيني يقدمان للفالحني املساعدة الفنية‬ ‫والتدريب‪ .‬وكان للحزب أيضا قسم بيئي وبرنامج مساعدة اجتماعي واسع‪.‬‬ ‫وكانت خدمات الرعاية الطبية أقل تكلفة من معظم خدمات الرعاية التي تقدم‬ ‫في املستشفيات الخاصة في لبنان وكانت هذا الرعاية تقدم باملجان ألعضاء‬ ‫حزب الله‪.‬‬

‫راية الجهاد بني حماس وحزب الله‬ ‫أنشأ حزب الله شبكة اتصاالت خاصة به‪ ،‬ألغراض املقاومة كما تزعم القيادة‪،‬‬ ‫وكذا محكمة عدل وأعضاء نيابة وسجون‪ .‬شجع نجاح حزب الله النسبي‬ ‫ضد إسرائيل في جنوب لبنان جماعات أخرى على محاكاة تجربته وتقليد‬ ‫طريقة عمله‪ .‬كانت حماس من بني هذه الجماعات‪ ،‬مع االحتفاظ بامليثاق الذي‬ ‫يميزها كجماعة إخوان مسلمني في فلسطني ويعلن أن أعضاءها مسلمني‬ ‫يخشون الله ويرفعون راية الجهاد في وجه الظاملني‪ .‬يدعو امليثاق إلنشاء دولة‬ ‫إسالمية نهائية في فلسطني‪ ،‬محل إسرائيل واألراضي الفلسطينية‪ ،‬وإبادة‬ ‫إسرائيل‪.‬‬ ‫أنشأت حماس بمساعدة إيران املعطاءة أيضا جناح الرخاء االجتماعي الخاص‬ ‫بها‪ ،‬الذي يقوم بتوفير الخدمات االجتماعية للفلسطينيني‪ .‬وتقدم الجمعيات‬ ‫الخيرية التابعة لحماس الدعم املادي ألسر أولئك الذين قتلوا أو سجنوا أثناء‬ ‫قيامهم بأعمال مسلحة ضد إسرائيل‪ .‬ولدت حركة حماس في عام ‪،1987‬‬ ‫وهو العام الذي قام فيه مجموعة من األطفال الفلسطينيني الغاضبني بإلقاء‬ ‫الحجارة وزجاجات املولوتوف على الجيش اإلسرائيلي وهو ما عرف باسم‬ ‫االنتفاضة األولى حيث احتشد السكان الفلسطينيون وتفجرت انتفاضة‬ ‫مدنية‪ .‬وتمت الدعوة إلى العصيان املدني‪ ،‬من خالل إضراب عام ومقاطعة‬ ‫مؤسسات اإلدارة املدنية اإلسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية‪ ،‬ورفض‬ ‫دفع الضرائب‪.‬‬ ‫لم يكن لهذه االنتفاضة‪ ،‬التي عرفت باسم االنتفاضة األولى‪ ،‬أي قيادة فعلية‪،‬‬ ‫بينما راح قادة منظمة التحرير الفلسطينية الذين انتهى الحال بمعظمهم‬ ‫موزعني في جميع أنحاء العالم العربي‪ .‬ضمت االنتفاضة مجالس شعبية‬ ‫مع شخصيات مثل حنان عشراوي وفيصل الحسيني وحيدر عبد الشافي‪،‬‬ ‫والذين التزموا باالمتناع عن استخدام العنف املميت‪.‬‬ ‫لم تتلق هذه االنتفاضة أي تمويل من الخارج‪ ،‬ولم يكن لها انتماء ديني‪،‬‬ ‫وطالبت بانسحاب إسرائيل الكامل من األراضي التي احتلتها في عام ‪،1967‬‬ ‫ورفع حظر التجول ونقاط التفتيش‪ ،‬وإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة‬ ‫الغربية و قطاع غزة‪ .‬تعاطف العالم أو معظمه مع تصميم هؤالء األطفال‬ ‫الصغار الذين كانوا يتعرضون للسحق على يد الجيش اإلسرائيلي‪ ،‬واضطر‬ ‫إلى التفاعل معهم‪ .‬أجبرت هذه املحاولة‪ ،‬التي أدت فيما بعد إلى إقامة السلطة‬ ‫الوطنية الفلسطينية‪ ،‬إسرائيل على االعتراف بوجود أرض فلسطينية‬ ‫مستقلة وبحقوق الفلسطينيني‪.‬‬

‫وتعثرت املفاوضات حول الوضع النهائي إلقامة الدولة الفلسطينية‪،‬‬ ‫وأصبح قطاع غزة وسكانه تحت الحصار‪ ،‬وتم فرض سلسلة من العقوبات‬ ‫االقتصادية على املنطقة‪ ،‬بما في ذلك قطع إمدادات الكهرباء والوقود وغلق‬ ‫املناطق الصناعية املشتركة وغلق املعابر التي تربط بني إسرائيل وقطاع غزة‪،‬‬ ‫وهذه األشياء مهمة جدا للحياة اليومية لسكان غزة‪.‬‬ ‫إن التشابه بني هذين االتجاهني‪ ،‬حزب الله وحماس اللذين يواجهان مأزقا‬ ‫كبيرا في بلدانهم األصلية‪ ،‬مثير لالنتباه إلى حد ما‪ ،‬كما أنه يظهر قيود‬ ‫األصولية اإلسالمية‪ ،‬ويثبت على األرجح فشلها‪ ،‬ابتداء من إيران إلى مصر‬ ‫إلى تونس إلى لبنان إلى غزة‪ .‬بعد انسحاب الجيش اإلسرائيلي عام ‪،2006‬‬ ‫فقد حزب الله مبرر وجوده كحركة مقاومة في أذهان كثير من الشعب العربي‬ ‫واللبناني‪ .‬وسمعت أصوات كثيرة معارضة‪ ،‬وإلسكات هذه األصوات‪ ،‬بدأ‬ ‫حزب الله يرتكب أخطاء وراء أخطاء‪.‬‬ ‫اليوم ُيتهم حزب الله باغتيال رئيس الوزراء األسبق رفيق الحريري‪ ،‬وأدانت‬ ‫املحكمة اللبنانية الخاصة أربعة عناصر من حزب الله‪ .‬جلب الحزب حربا‬ ‫مدمرة على لبنان في عام ‪ ،2006‬بعد اغتيال وخطف اثنني من الجنود‬ ‫اإلسرائيليني من داخل أراضي إسرائيل‪ .‬وقام الحزب أيضا بغزو بيروت‬ ‫واشتبك مع السكان السنة في عرض عسكري‪ ،‬األمر الذي أدى إلى مقتل ‪12‬‬ ‫من األبرياء على األقل‪ .‬باإلضافة إلى ما ذكر آنفا‪ ،‬تورط أعضاء بارزون في‬ ‫الحزب في قضايا فساد وغسيل أموال‪ .‬وألقي القبض على كثير من املقربني‬ ‫من دوائر حزب الله بتهمة التجسس لصالح إسرائيل‪.‬‬ ‫واليوم يتورط الحزب في الحرب في سوريا مع بشار األسد املتهم بارتكاب‬ ‫جرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬بزعم أنه يحمي األماكن الشيعية املقدسة‪ ،‬وبعد‬ ‫ذلك يوجه ضربات استباقية للمتطرفني السنة‪ ،‬وأخيرا وليس آخرا يحارب‬ ‫الصهيونية والواليات املتحدة اإلمبريالية‪.‬‬ ‫يصنف الحزب ضمن القائمة األميركية التي تضمن املنظمات اإلرهابية‪ .‬وقد‬ ‫وضع االتحاد األوروبي ما وصفه بالجناح العسكري لحزب الله على الئحة‬ ‫القائمة السوداء ملنظمات إرهابية كذلك‪ .‬ويحاكم ثالثة من أعضاء الحزب‬ ‫املشتبه بهم في نيجيريا بتهمة اإلرهاب‪ .‬كما يتخذ مجلس التعاون الخليجي‪،‬‬ ‫الذي أدان تدخل حزب الله العسكري في سوريا‪ ،‬سلسلة من إجراءات ضد‬ ‫تصاريح إقامة املوالني للحزب وكذلك معامالتهم التجارية واملالية‪.‬‬

‫لكن في نهاية املطاف عادت هذه الحركة‪ ،‬على الرغم من دورها البسيط في‬ ‫وضع حجر األساس للسلطة الفلسطينية‪ ،‬وذلك ألسباب عديدة‪ ،‬أولها عودة‬ ‫زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات إلى الضفة الغربية متحمال‬ ‫مسؤولية مصير الشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫ما يحدث اآلن هو قدرة هذا التحالف السوري اإليراني‪ ،‬الذي جاء لتغيير‬ ‫الشرق األوسط منذ ثالثني عاما حتى اآلن‪ ،‬على إحباط طموحات أطراف‬ ‫إقليمية ودولية أصبحت قيد اختبار أخير‪.‬‬

‫لكن ساعد ضعف السلطة الفلسطينية على تمهيد الطريق لصعود حماس‪،‬‬ ‫التي ستتولى السيطرة على منطقة غزة‪ ،‬وجلب الدمار والكارثة إلى حي فقير‬ ‫بالفعل‪ ،‬من خالل شن معارك ال داعي لها ضد خصم يفوقها كثيرا في عام‬ ‫‪ .2008‬منذ ذلك الحني لم يتحقق أي شيء فيما يخص القضية الفلسطينية‪،‬‬

‫وأصبحت القدرة على التماسك لفترة أطول مجاال للعبة املساعي الدبلوماسية‬ ‫بني الرئيس الروسي فالديمير بوتني والرئيس األميركي باراك أوباما‪ ،‬بينما‬ ‫يلقي حزب الله الالعب الرئيس في هذه املباراة بكل ثقله في جولة ربما تكون‬ ‫خاسرة في النهاية <‬

‫ملصق لرئيس الوزراء الراحل رفيق‬ ‫الحريري ووزير املالية السابق باسل‬ ‫فليحان في ساحة الشهداء في بيروت‬ ‫في ذكرى اغتيال الحريري في ‪14‬‬ ‫فبراير (‪)2005‬‬

‫‪,,‬‬

‫أعلن حزب‬ ‫الله في‬ ‫أول وثيقة‬ ‫سياسية له‬ ‫أنه سيكون‬ ‫تحت أوامر‬ ‫الفقيه‬ ‫الحكيمة‬ ‫والعادلة آية‬ ‫الله الخميني‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪25‬‬


‫قصة الغالف‬

‫في عام ‪ ،1982‬شن رئيس الوزراء اإلسرائيلي مناحيم بيغن عملية عسكرية ضخمة ضد لبنان من أجل طرد منظمة‬ ‫التحرير الفلسطينية وإلحاق هزيمة استراتيجية بالجيش السوري‪ .‬جددت هذه العملية اهتمام املجتمع الدولي ببلد‬ ‫دمرته الحرب األهلية املستمرة‪ ،‬ألنهم رأوا أن الغزو اإلسرائيلي فرصة لتحقيق االستقرار في لبنان‪ .‬وبناء علي ذلك‪،‬‬ ‫أرسلت الواليات املتحدة األميركية وحلفاؤها قوة لحفظ السالم في عام ‪ ،1983‬وتم انتخاب رئيس للبالد موال للغرب‪.‬‬

‫حزب الله‪ ..‬ليس حركة مقاومة‬

‫معارك خاسرة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫إيلي فواز‬

‫‪,,‬‬

‫أجبر حزب‬ ‫الله مجلس‬ ‫وزراء لبنان‬ ‫عام ‪2008‬‬ ‫على أن يوافق‬ ‫باإلجماع‬ ‫على وجود‬ ‫الحزب‬ ‫كمنظمة‬ ‫مسلحة‬

‫‪,,‬‬

‫‪24‬‬

‫وضع التحالف اإليراني السوري‪ ،‬الذي جاء بعد الثورة اإلسالمية‬ ‫في عام ‪ ،1979‬تحت ضغوط شديدة نتيجة للتطورات املفاجئة‪.‬ولم‬ ‫يكن مسار األحداث في صالحهم‪ .‬واعتقدوا أنهم مضطرون إلى‬ ‫تغييره‪ .‬وبالنسبة لسوريا‪ ،‬كان من الضروري تجنب الغزو اإلسرائيلي وشن‬ ‫حرب استنزاف ضد إسرائيل ليوقعوا بها خسائر قدر املستطاع على أمل أن‬ ‫الرأي العام اإلسرائيلي سيضغط على الحكومة لسحب جيشها من املستنقع‬ ‫اللبناني‪ ،‬ونتيجة لذلك استعادت السيطرة على أجزاء من لبنان‪.‬‬ ‫أما إيران فكان من الضروري أن تجتذب الطائفة الشيعية إلى مدارها وأن‬ ‫تصدر الثورة اإلسالمية‪ .‬وكان من الضروري لكال البلدين الحد من النفوذ‬ ‫األميركي في املنطقة‪ .‬أرسلت إيران ‪ 2000‬جندي من الحرس الثوري الذين‬ ‫تمركزوا في بعلبك منذ بدايات الثمانينات‪ ،‬وكثفوا جهودهم في عمليات‬ ‫تشييع وتلقني الشيعة اللبنانيني‪ .‬وأقاموا عالقات وثيقة مع الجماعات الشيعية‬ ‫املتطرفة في املنطقة‪ ،‬وأسسوا محطة إذاعية‪ ،‬وأتوا برجال دين ليعرضوا على‬ ‫السكان املحليني مبادئهم الدينية واآليديولوجية‪.‬‬

‫أول وثيقة سياسية‬ ‫في ظل هذه الظروف خرج حزب الله إلى النور‪ .‬أثبت الحزب وجوده في‬ ‫البداية من خالل سلسلة من العمليات االنتحارية التي جرى فيها تفجير‬ ‫السفارة األميركية‪ ،‬وأسفر هذا التفجير عن مقتل ‪ 63‬شخصا على األقل‪.‬‬ ‫مرة أخرى وجه الحزب ضربات في الساعات األولى من صباح ‪ 23‬أكتوبر‬ ‫(تشرين األول) من عام ‪ ،1984‬عندما قاد انتحاري شاحنة كانت ممتلئة‬ ‫باملتفجرات في مجمع مشاة البحرية األميركية مما تسبب في وفاة ‪ 241‬من‬ ‫مشاة البحرية وبعد بضع دقائق وبطريقة مماثلة تم توجيه ضربه أخرى‬ ‫في مقر القوات البحرية الفرنسية التابعة لقوات حفظ السالم في بيروت مما‬ ‫أسفر عن مقتل نحو ‪ 57‬من قوات املظالت الفرنسيني‪ .‬لم يزعم حزب الله‬ ‫أبدا أنه حركة مقاومة باملعنى الكالسيكي‪ ،‬ولم يؤد دوره باعتباره ضمن‬ ‫هذه الحركات‪ ،‬فلم يقتصر دوره على تحرير األرض اللبنانية املحتلة‪ .‬وأعلن‬ ‫الحزب في أول وثيقة سياسية له صدرت في عام ‪ 1985‬أنه سيكون تحت‬ ‫أوامر الفقيه الحكيمة والعادلة‪ ،‬آية الله الخميني‪ ،‬في حني أنه يضع أمامه هدف‬ ‫تحرير لبنان من االحتالل اإلسرائيلي‪ ،‬تمهيدا للقضاء على دولة إسرائيل‬ ‫نهائيا من الوجود وتحرير القدس من أيدي املحتلني‪.‬‬ ‫بعد ذلك لم يقصر حزب الله أنشطته على األراضي اللبنانية‪ ،‬فلم تكن‬ ‫الجغرافيا شرطا الستراتيجية الحركة‪ ،‬بل كانت حدوده هي طموحاته‬ ‫اإلقليمية وطموحات رعاته في إيران‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬اعترفت قيادته أنها‬ ‫أرسلت مقاتلني إلى البوسنة دعما للمسلمني في حربهم ضد الصرب‪.‬‬ ‫وأنشأت كذلك الخاليا النائمة في مصر واإلمارات العربية املتحدة وأذربيجان‪،‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫وخلقت أزمة دبلوماسية بني الجمهورية اللبنانية مع تلك البلدان‪ .‬في لبنان‪،‬‬ ‫أصبح الحزب متفردا بالقتال ضد إسرائيل‪ .‬بمعنى أنه أخلى الجبهة الجنوبية‬ ‫من جميع الوحدات املقاتلة التي تختلف فكريا معه‪ ،‬مثل الحزب الشيوعي أو‬ ‫الحزب السوري القومي االجتماعي أو حتى حركة أمل الشيعية الشقيقة التي‬ ‫أصبحت لها مداخل محدودة إلى الجبهة إن لم تكن ممنوعة على اإلطالق‪.‬‬ ‫سيكتشف الرأي العام اللبناني والعربي فيما بعد أن أنشطة حزب الله تتنوع‬ ‫ما بني تجارة األسلحة وغسيل األموال في جميع أنحاء األميركتني وأفريقيا‪،‬‬ ‫وهو أمر غير شائع لحركة تحرير‪ ،‬وبالتأكيد غير مألوف لحركة تصف‬ ‫نفسها أنها تقية دينيا‪ .‬ساعد حدثان رئيسان الرأي العام اللبناني والعربي‬ ‫على اكتشاف الطبيعة الحقيقية لحزب الله‪ .‬أول حدث كان انسحاب الجيش‬ ‫اإلسرائيلي من جنوب لبنان في مايو (أيار) عام ‪ .2000‬أما الحدث الثاني‪ ،‬بعد‬ ‫مرور ‪ 11‬سنة‪ ،‬فهو ما حدث في سوريا مع بداية ثورتها‪.‬‬ ‫كان من املفترض أن ينتهي الحدث األول منطقيا بحل ميليشيا حزب الله‪ ،‬ألنه‬ ‫قد أنجز مهمته‪ .‬لكن هذا لم يحدث‪ .‬زعم الحزب أوال أن جزءا من لبنان في‬ ‫مزارع شبعا وتالل كفرشوب ال يزال تحت االحتالل‪ .‬وفي يونيو (حزيران)‬ ‫عام ‪ 2008‬عندما شهدت األمم املتحدة أن إسرائيل انسحبت من كل األراضي‬ ‫اللبنانية‪ ،‬زعم حزب الله ضرورة الدفاع عن لبنان ضد دولة إسرائيل العدوانية‬ ‫الدائمة‪ ،‬بغض النظر عما إذا كانت األراضي اللبنانية محتلة أم ال‪ .‬وأجبر‬ ‫حزب الله مجلس وزراء لبنان الجديد‪ ،‬في عام ‪ ،2008‬أن يوافق باإلجماع على‬ ‫مشروع بيان السياسة العامة الذي يؤمن وجود حزب الله كمنظمة مسلحة‬ ‫ويضمن حقها في تحرير أو استرجاع األراضي املحتلة‪.‬‬ ‫أما املشاركة النشطة من جانب حزب الله في املعارك في سوريا مع قوات‬ ‫بشار األسد‪ ،‬الدكتاتور الذي استخدام أسلحة كيماوية ضد شعبه‪ ،‬كانت‬ ‫الحدث الثاني الذي وضع حدا للوهم بأن الحزب كان حركة تحرير لبنانية‪ ،‬بدال‬ ‫من كونها أداة في يد راعيها في إيران التي تملي عليه مهامه ونطاق أنشطته‪.‬‬ ‫لم يكن لهذا التحالف أي مبرر في معنى املصلحة الوطنية اللبنانية‪.‬‬ ‫أشار عبد الرحمن الراشد في مقال في صحيفة «الشرق األوسط» إلى أن‬ ‫السكان العرب لم يعرفوا طوال هذا الوقت أن حزب الله بحكم األمر الواقع‬ ‫وحدة إيرانية وأنه كان سببا في الدعاية املضللة التي كانت تستخدم في‬ ‫تزييف وتحريف الحقائق‪ .‬تعززت مكانة حزب الله في لبنان والعالم العربي‬ ‫بعد انسحاب الجيش اإلسرائيلي في عام ‪ 2008‬من جنوب لبنان‪ .‬وأصبح‬ ‫في مكانة منزهة تقريبا جعلت أي نقد ضد «املقاومة» يعد جريمة‪ .‬واستغل‬ ‫الحزب هذه الفرصة لتقوية نفوذه على مؤسسات الدولة اللبنانية‪.‬‬ ‫مع مرور الوقت‪ ،‬بدأ العرب واللبنانيون اكتشاف الطبيعة الحقيقة لحزب الله‬ ‫التي كانت إلى حد بعيد أقوى من الدولة اللبنانية نفسها بل وأكبر قوة من‬


‫في الخطاب ذاته‪ ،‬تحدث نصر الله عن «خطرين كبيرين» يواجهان لبنان‪.‬‬ ‫األول هو «إسرائيل ونواياها وجشعها ومخططاتها»‪ .‬وأضاف نصر الله‬ ‫أن الثاني يتعلق بـ«التغييرات التي تحدث في سوريا»‪ .‬بالنسبة إلسرائيل‪،‬‬ ‫حذر نصر الله من أنها تشكل تهديدا يوميا للبنان‪ .‬وأما سوريا‪ ،‬فالنظام‬ ‫هناك يواجه «محورا تقوده الواليات املتحدة التي من املؤكد أنها صانعة‬ ‫القرار»‪ .‬كما أن البريطانيني والفرنسيني واإليطاليني واألملان والعرب واألتراك‬ ‫مشتركون أيضا‪ ،‬ولكنهم «جميعا يعملون لصالح األميركان»‪ .‬ولكن من‬ ‫هي القوة الحقيقية الكامنة خلف «التغييرات التي تحدث في سوريا»؟ «نحن‬ ‫نعرف أيضا أن هذا املحور يحظى بدعم ضمني من إسرائيل نظرا ألن‬ ‫املشروع األميركي في املنطقة إسرائيلي بامتياز»‪ .‬وأكد نصر الله أن حزب‬ ‫الله ال يقاتل في سوريا في صراع طائفي‪ ،‬بل يكافح املشروع التكفيري‬ ‫السني املتطرف الذي يتصل بـ«القاعدة» و«تموله وتدعمه أميركا» لتحقيق‬ ‫املصلحة األميركية بتدمير املنطقة‪ .‬بمعنى أن الحرب في سوريا لم تعد‬ ‫ثورة شعبية ضد نظام سياسي‪ ،‬ولكن ساحة تسعى من خاللها أميركا‬ ‫إلى فرض مشروعها السياسي الخاص على املنطقة‪ .‬واختتم نصر الله‬ ‫حديثه قائال‪« :‬حسنا‪ ،‬نعلم جميعا أن املشروع األميركي في املنطقة مشروع‬ ‫إسرائيلي بال شك‪ .‬وبذلك في قتالنا في سوريا اليوم نعتبر أنفسنا ندافع‬ ‫عن لبنان وفلسطني وسوريا»‪.‬‬ ‫ولكن يوجد قليل من خارج مؤيدي حزب الله من املقتنعني بهذا املنطق‬ ‫امللتوي بأن الثورة السورية مخطط أميركي إسرائيلي‪ .‬فقط عندما استهدفت‬ ‫الغارات الجوية اإلسرائيلية مخازن األسلحة – سواء تلك املنقولة من نظام‬ ‫بشار األسد إلى سوريا أو أسلحة استراتيجية مثل الصواريخ الروسية‬ ‫املضادة للسفن – استطاع نظام األسد وحزب الله اإلشارة عن ثقة إلى‬ ‫إسرائيل‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬في يوليو (تموز)‪ ،‬استهدفت غارة إسرائيلية‬ ‫مخزن أسلحة بالقرب من الالذقية وكان يحتوي على صواريخ مضادة‬ ‫للسفن‪ .‬وفي مايو (أيار)‪ ،‬استهدف مقاتلون إسرائيليون شحنة صواريخ‬ ‫«فاتح – ‪ »110‬أرض‪ -‬أرض‪ ،‬مع أسلحة أخرى‪ ،‬والتي كانت إسرائيل تخشى‬ ‫أنها تكون منقولة إلى حزب الله‪ .‬وفي يناير (كانون الثاني)‪ ،‬استهدفت‬ ‫إسرائيل قافلة تنقل صواريخ أرض جو «‪ »17-SA‬الروسية‪ ،‬والتي اعتقدت‬ ‫إسرائيل أنها منقولة إلى حزب الله‪ .‬ولكن حتى عندما وقعت هذه الغارات‪،‬‬ ‫أوضح مسؤولون إسرائيليون علنا أن إسرائيل ال ترغب في أن تكون طرفا‬ ‫في الصراع في سوريا‪ .‬وأكد رئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامني نتنياهو في‬ ‫يونيو (حزيران) أن «إسرائيل لن تتورط في الحرب األهلية في سوريا‪ ،‬طاملا‬ ‫لم توجه ضدنا النيران»‪.‬‬

‫حزب الله يحتاج إلى رجل قش إسرائيلي‬ ‫من سوء حظ حزب الله أن تصريحات نتنياهو لم تكن مجرد دعاية‪ .‬ينتهج‬ ‫اإلسرائيليون منذ فترة بعيدة سياسة محاولة منع وصول األسلحة إلى‬ ‫الجماعات اإلرهابية مثل حزب الله ‪ -‬منذ عملية االستيالء على سفينة‬ ‫كارين إيه في البحر في عام ‪ ،2002‬إلى إرسال طائرات حربية لتدمير‬ ‫مصنع أسلحة إيراني تردد أنه موجود في السودان في أكتوبر (تشرين‬ ‫األول) عام ‪ 2012‬وغيرها الكثير – ولم تتدخل إسرائيل في الحرب السورية‬ ‫بأي طريقة بخالف هذه الهجمات القليلة التي تستهدف مخابئ األسلحة‪.‬‬ ‫لهذا السبب‪ ،‬على عكس الحكمة السائدة‪ ،‬ربما يحاول حزب الله جر إسرائيل‬ ‫إلى الحرب‪.‬‬ ‫الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يصف بها تدخله في سوريا بأنه جزء من‬ ‫حملة «مقاومته» ضد إسرائيل‪ ،‬هو أن تصبح إسرائيل طرفا في الصراع إلى‬ ‫جانب الثوار‪ .‬ومن املؤكد أن حزب الله ال يريد أن تكون إسرائيل طرفا فعاال‬ ‫أو كامال في الصراع‪ ،‬وذلك ليس لسبب آخر بخالف حقيقة أنه ال يرغب‬ ‫في دعوة القوة الجوية اإلسرائيلية إلى الحرب‪ .‬بدال من ذلك‪ ،‬ربما يحاول‬ ‫حزب الله جر إسرائيل إلى عمليات متبادلة متفرقة يمكن احتواؤها عبر‬ ‫الحدود اللبنانية أو السورية (الجوالن)‪ .‬في مطلع أغسطس‪ ،‬وقع مثل هذا‬

‫الحادث عندما أصيب أربعة جنود إسرائيليني في انفجارين أثناء مرورهم‬ ‫في دورية على الحدود مع لبنان‪ .‬ووفقا لصحيفة «األخبار» اللبنانية اليومية‬ ‫التي تعتبر ناطقة بلسان حزب الله‪ ،‬كان هذان التفجيران جزءا من «كمني»‬ ‫منظم‪ ،‬يوضح إمكانيات «جهاز االستخبارات» التابع لحزب الله‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫في أعقاب الهجوم الكيماوي الذي وقع في ‪ 21‬أغسطس في دمشق‪ ،‬بدا‬ ‫أن الواليات املتحدة (في البداية) مستعدة لشن هجوم عقابي على سوريا‬ ‫بسبب انتهاك الخط األحمر الذي وضعه الرئيس أوباما على استخدام‬ ‫األسلحة الكيماوية في العام املاضي‪ .‬وعلى الفور‪ ،‬حذر الشيخ عفيف‬ ‫النابلسي املؤيد لحزب الله من أن «أي اعتداء أميركي على سوريا سوف‬ ‫يجد ردا قاسيا ضد املصالح األميركية في املنطقة وضد إسرائيل‬ ‫مباشرة»‪ .‬وأوضح مصدر رفيع املستوى مقرب من حزب الله لصحيفة‬ ‫«ديلي ستار» أنه إذا «كان الهجوم الغربي محددا بأهداف معينة في سوريا‪،‬‬ ‫فلن يتدخل حزب الله»‪ ،‬ولكن «في حالة شن هجوم نوعي يستهدف تغيير‬ ‫ميزان القوى في سوريا‪ ،‬سوف يقاتل حزب الله على جبهات متعددة»‪،‬‬ ‫منها «الحرب ضد إسرائيل»‪ .‬وأشار املصدر إلى إمكانية إطالق حزب الله‬ ‫صواريخ على إسرائيل‪ .‬ربما تقدم الضربات األميركية فرصة كان حزب‬ ‫الله يسعى إليها من أجل ضرب إسرائيل‪ ،‬ولكن ليس إلى درجة الحصول‬ ‫على رد ساحق في املقابل‪ .‬ربما ما زال حزب الله يسعى إلى بدائل كتبرير‬ ‫لشن عدد محدود من الصواريخ ضد إسرائيل‪ ،‬ربما ردا على هجوم‬ ‫إسرائيلي مضاد بعد غارة عبر الحدود‪ .‬دعا حزب الله بالفعل الجماعات‬ ‫الفلسطينية إلى تنظيم وشن هجمات ضد إسرائيل من مرتفعات الجوالن‪،‬‬ ‫وعرض نصر الله مساعدة أي جماعة تقوم بذلك‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫إذا لم يجد حزب الله رجل قش إسرائيليا يبرر به االحتفاظ بسالحه‬ ‫بصفته كيان «مقاومة مشروعة»‪ ،‬لن يتبق للحزب الكثير لتبرير وجوده‬ ‫كميليشيا مستقلة خارج سيطرة الحكومة اللبنانية‪ .‬ولكن األسوأ من‬ ‫ذلك هو أنه طاملا استمر حزب الله في القتال إلى جانب إيران ونظام‬ ‫األسد ضد الثوار السنة‪ ،‬فسوف يزداد اعتبار الحرب صراعا طائفيا‬ ‫معوقا للمصالح األمنية والسياسية للبنان‪ .‬يستمر حزب الله في شحذ‬ ‫إمكانياته العسكرية بطول الحدود مع إسرائيل‪ ،‬ووفقا لرئيس القيادة‬ ‫الشمالية في إسرائيل ميجور جنرال يائير جوالن‪ ،‬مقارنة بسبعة أعوام‬ ‫ماضية في املرة األخيرة التي حارب فيها حزب الله إسرائيل‪« :‬يحظى‬ ‫حزب الله بتسليح وتدريب أفضل وحرص أكبر»‪ .‬ربما يشعر حزب‬ ‫الله في مرحلة ما بالحاجة إلى تجديد أوراق اعتماده كحركة مقاومة‪.‬‬ ‫وعندما يفعل ذلك سوف تصبح إسرائيل في مرمى نيران حزب الله‬ ‫اللبناني مرة أخرى <‬

‫عناصر من حزب الله‬

‫حذر الشيخ‬ ‫عفيف النابلسي‬ ‫املؤيد لحزب الله‬ ‫من أن أي اعتداء‬ ‫أميركي على‬ ‫سوريا سوف‬ ‫يجد ردا قاسيا‬ ‫ضد املصالح‬ ‫األميركية‬

‫عفيف‬ ‫النابلسي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪23‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ال تعرف «املقاومة» بالنسبة لحزب الله أي حدود‪ .‬أوضح حزب الله منذ بداياته عن طموحه‪ :‬لم يضع الحزب في‬ ‫منتصف رايته خارطة لبنان‪ ،‬بل صورة الكرة األرضية إلى جانب قبضة تمسك ببندقية «إيه كيه ‪.»47‬‬

‫أنشطة «حزب الله» املشبوهة كشفت عن ميليشيا طائفية‬

‫الوجه اآلخر‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫ماثيو ليفيت‬

‫‪,,‬‬

‫طاملا استمر‬ ‫حزب الله في‬ ‫القتال إلى جانب‬ ‫إيران ونظام‬ ‫األسد ضد الثوار‬ ‫السنة فسوف‬ ‫يزداد اعتبار‬ ‫الحرب صراعا‬ ‫طائفيا معوقا‬ ‫ملصالح لبنان‬

‫‪,,‬‬

‫حسن‬ ‫نصر‬ ‫الله‬

‫‪22‬‬

‫في يوليو (تموز) عام ‪ ،2012‬وصلت «املقاومة» إلى بلغاريا في‬ ‫صورة تفجير حافلة قتلت خمسة إسرائيليني‪ ،‬وسائق الحافلة‪،‬‬ ‫وأصابت آخرين‪ .‬لم يكن هذا هو الهجوم الوحيد الناجح في الفترة‬ ‫األخيرة‪ .‬على مدار عقود‪ ،‬أجرى حزب الله عمليات في الخارج‪ ،‬اتسع نطاقها‬ ‫من هجمات بيروت املشينة إلى الكويت وإلى أوروبا ثم إلى أميركا الالتينية‬ ‫وجنوب شرقي آسيا‪ .‬في مايو (أيار)‪ ،‬أصدرت وزارة الخارجية األميركية‬ ‫تقريرها السنوي عن اإلرهاب مشيرة إلى «عودة ملحوظة» لرعاية دولة‬ ‫إيران لإلرهاب على مدار األشهر الثمانية عشر املاضية من خالل الحرس‬ ‫الثوري الجمهوري وصالتها مع حزب الله‪ .‬يشير التقرير على وجه التحديد‬ ‫إلى أن «أنشطة إيران وحزب الله اإلرهابية وصلت إلى مستوى ملحوظ‬ ‫منذ التسعينات‪ ،‬مع التخطيط لهجمات في جنوب شرقي آسيا وأوروبا‬ ‫وأفريقيا»‪.‬‬ ‫يملك حزب الله هويات متعددة‪ .‬فهو ملتزم في آن واحد بأحكام رجال الدين‬ ‫اإليرانيني والدولة اللبنانية واملجتمع الشيعي في لبنان وتابعيه من الشيعة‬ ‫في الخارج‪ .‬أحيانا ما تجذب هذه الهويات الحزب في اتجاهات مختلفة‪،‬‬ ‫مما يتسبب في قيامه بتصرفات متناقضة‪ .‬نذكر على سبيل املثال سبب‬ ‫اتخاذه قرارا بالوقوف مع إيران إلى جانب نظام بشار األسد في سوريا‬ ‫على الرغم من تعرضه لكثير من الضغوط في لبنان‪ ،‬وإدانة أربعة أعضاء‬ ‫من حزب الله بسبب اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري‪ .‬وفجأة‬ ‫أصبحت «املقاومة» تقاتل السوريني بدال من اإلسرائيليني؛ ال تقاتل اليهود‬ ‫بل الرفاق املسلمني‪.‬‬ ‫إن أنشطة الحزب املزعزعة لالستقرار في سوريا منذ اندالع الثورة في‬ ‫عام ‪ 2011‬هي التي «مزقت قناع الفضيلة الذي تخفي وراءه حزب الله»‪،‬‬ ‫على حد وصف صحافي لبناني‪ ،‬مما جعل الحزب يواجه تحديا وجوديا‪.‬‬ ‫وضع حزب الله ذاته‪ ،‬من خالل وقوفه إلى جانب نظام األسد ومؤيديه‬ ‫العلويني وإيران باإلضافة إلى رفع السالح ضد الثوار من السنة‪ ،‬في وسط‬ ‫صراع طائفي ليس له عالقة بسبب وجوده املزعوم‪ :‬أي «مقاومة» االحتالل‬ ‫اإلسرائيلي‪ .‬وكما قال كاتب لبناني شيعي ساخر بعد يوم من خطاب‬ ‫نصر الله الذي ألقاه في يوم القدس‪« :‬إما أن املقاتلني لم يجدوا فلسطني على‬ ‫الخريطة واعتقدوا أنها في سوريا‪ ،‬وإما أنه قيل لهم إن الطريق إلى القدس‬ ‫يمر عبر القصير وحمص»‪ ،‬وهي مناطق في سوريا قاتل فيها حزب الله إلى‬ ‫جانب قوات األسد ضد الثوار السنة‪.‬‬

‫عميل إيراني‬ ‫إن مضامني ذلك واضحة‪ :‬لم يعد حزب الله اللبناني «مقاومة إسالمية»‬ ‫خالصة لقتال إسرائيل‪ ،‬ولكن ميليشيا طائفية وعميل إيراني ينفذ أوامر‬ ‫األسد وخامنئي على حساب مسلمني آخرين‪ .‬وهكذا ليس مفاجئا أن تأتي‬ ‫ضربات ضده من دوائر متطرفة أيضا‪ .‬في يونيو (حزيران)‪ ،‬أصدرت‬ ‫كتائب عبد الله عزام‪ ،‬التابعة لتنظيم القاعدة في لبنان بيانا تتحدى فيه‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫نصر الله ومقاتليه في حزب الله «بتصويب طلقة واحدة على فلسطني‬ ‫املحتلة‪ ،‬وأن يعلنوا مسؤوليتهم» عن ذلك‪ .‬وأضاف البيان أنهم قد يطلقون‬ ‫النار على إسرائيل من لبنان أو سوريا‪ ،‬بعد أن رأوا حزب الله يطلق آالف‬ ‫القذائف والطلقات النارية على السنة غير املسلحني ونسائهم وعجائزهم‬ ‫وأطفالهم‪ ،‬وهدموا منازلهم على رؤوسهم»‪.‬‬ ‫من املمكن أن يتوقع حزب الله استهزاء الجماعات السنية املتطرفة‪ ،‬ولكنه‬ ‫أيضا يواجه تحديات لم يكن يترقبها مطلقا منذ عدة أعوام‪ .‬على سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬قبل أن يلقي نصر الله خطابه في أغسطس (آب)‪ ،‬دعا الرئيس‬ ‫اللبناني ميشال سليمان ألول مرة على اإلطالق الدولة إلى تقويض قدرة‬ ‫حزب الله على العمل كميليشيا مستقلة خارج سيطرة الحكومة‪ .‬عندما‬ ‫أرسل حزب الله مقاتليه إلى سوريا‪ ،‬اعتقد كثير من اللبنانيني أن حزب‬ ‫الله وضع مصالحه كجماعة قبل مصالح لبنان كدولة‪ ،‬وهو ما يقف ضد‬ ‫محاوالت حزب الله الطويلة لتصوير ذاته كجماعة لبنانية أوال وقبل كل‬ ‫شيء‪ .‬واآلن بعد أن وصف حزب الله ذاته بطليعة القوات التي تقف مع‬ ‫املظلومني في مواجهة الظلم‪ ،‬ويحاول دائما التقليل من أهمية هويته الطائفية‬ ‫وتأييده إليران‪ ،‬يجد الحزب أن هذه التأكيدات تتعرض للهجوم بسبب رفضه‬ ‫لاللتزام باملوقف الرسمي للحكومة اللبنانية بعدم التدخل في سوريا‪ .‬على‬ ‫النقيض من ذلك‪ ،‬يقوض دعم الحزب االستباقي للنظام العلوي الوحشي‬ ‫ضد املعارضة السنية السورية السائدة صورة الحزب التي كونها عبر فترة‬ ‫طويلة كحركة «مقاومة» لبنانية‪.‬‬ ‫يغامر حزب الله بدعمه لنظام األسد‪ ،‬حتى بعد أن بدأت القنابل تسقط على‬ ‫الضاحية الجنوبية‪ ،‬التي سيطر عليها حزب الله في بيروت‪ .‬كان نصر‬ ‫الله واضحا للغاية عندما قال‪« :‬إذا كنتم تعاقبون حزب الله على دوره في‬ ‫سوريا‪ ،‬أقول لكم‪ ،‬إذا أردنا الرد على تفجير الضاحية‪ ،‬سوف نضاعف‬ ‫أعداد املقاتلني في سوريا – إذا كانوا ألفا سنضاعفهم إلى ألفني‪ ،‬وإذا كانوا‬ ‫خمسة آالف سنجعلهم عشرة آالف»‪ .‬وبالفعل‪ ،‬يقف حزب الله ونصر الله‬ ‫شخصيا إلى جانب األسد حتى النهاية‪ .‬وأضاف نصر الله‪« :‬إذا استدعى‬ ‫األمر يوما ما أن يذهب حزب الله وأنا معه إلى سوريا فسوف نفعل»‪.‬‬

‫أين ذهبت املقاومة؟‬ ‫في مرحلة ما‪ ،‬حاول نصر الله التغطية على حقيقة أن الشيعة اللبنانيني‬ ‫والسنة اللبنانيني أصبحوا يتصارعون اآلن علنا في سوريا ويهددون بجلب‬ ‫النزاع الطائفي عبر الحدود إلى لبنان‪ ،‬بأن أشار إلى أن شيعة وسنة لبنان‬ ‫اتفقوا على أال يتفقوا بشأن سوريا‪ .‬وقال في خطاب له في مايو (أيار)‬ ‫املاضي‪« :‬نختلف بشأن سوريا؛ إذا كنا نقاتل في سوريا؛ دعونا نقاتل‬ ‫هناك‪ .‬هل تريدون أن أكون أكثر صراحة؟ لنحيد لبنان عن القتال‪ ..‬ملاذا‬ ‫يجب أن نتقاتل في لبنان؟»‪ .‬ولكن لم يلق هذا الحديث قبوال لدى رفاق نصر‬ ‫الله من اللبنانيني‪ ،‬الذين أرادوا إنهاء التدخل اللبناني في الحرب في سوريا‪،‬‬ ‫ال يوجد من يقبل أن يقتل مواطنون لبنانيون بعضهم البعض عبر الحدود‪.‬‬


‫وحده‪ ،‬أو «حزب الله البحرين»‪ ،‬مرتبطا بأحداث العنف التي تلفح البحرين مرة‬ ‫في كل عقد من الزمان‪ .‬ولكن «حزب الله البحرين» ليس هو الحزب اليتيم الذي‬ ‫يعلن عنه خليجيا‪ ،‬إذ أعلنت دول خليجية أخرى (كالكويت) وجود «حزب الله‬ ‫الكويت» وغيرها من الدول التي إن لم تشر صراحة‪ ،‬فإنها تشير إليه‪.‬‬ ‫وفي حني أن حزب الله يلوذ بالصمت حينا‪ ،‬ويبادر إلى النفي حينا إزاء ما‬ ‫تعلنه املنامة‪ ،‬إال أن عالقته الوطيدة بطهران تجعله في دائرة ضوء األحداث‬ ‫التي تقع في البحرين‪ ،‬إذ تتهم املنامة الحزب بأنه يدخل بحرينيني إلى‬ ‫معسكرات تدريب على حمل السالح وصنع املتفجرات والتخابر وغيرها من‬ ‫األنشطة الرامية إلى نشر الفوضى املؤدية إلى زعزعة النظام واالنقالب عليه‪.‬‬ ‫وتشير وزيرة شؤون اإلعالم في أكثر من تصريح إلى أن إيران تسخر ما‬ ‫مجموعه ‪ 19‬قناة تلفزيونية للهجوم على البحرين بشكل مكثف وترويج‬ ‫الشائعات واألكاذيب‪ ،‬على حد وصفها‪ .‬وإيران من جهتها ال توفر سبيال‬ ‫إلذكاء نيران املشكالت العالقة‪ .‬فمع أن مساحة البحرين ال تزيد على ‪ 0.04‬في‬ ‫املائة من مساحة إيران‪ ،‬وشعب البحرين ال يعادل سوى ‪ 1.64‬في املائة من‬ ‫سكان إيران‪ ،‬إال أنه يتكرر في كل حني أن أحد الرسميني يقول بأن البحرين‬ ‫أرخبيل تابع لها‪ ،‬فتشتعل الساحة السياسية بني الطرفني‪.‬‬

‫متوازيان ال يلتقيان‬ ‫وفر عدد كبير من شيعة البحرين املتحمسني سياسيا وعقائديا املناخ‬ ‫املناسب لربط أنفسهم وحراكهم بحزب الله على صيغة «تهمة ال تنفى‪،‬‬ ‫وشرف ال يدعى»‪ .‬إذ ومنذ تسعينات القرن املاضي وحتى مطالع العقد‬ ‫الثاني من القرن الحالي‪ ،‬كانت أعالم حزب الله التي ال تخطئ‪ ،‬بلونها األصفر‬ ‫الفاقع‪ ،‬وخط االسم باللون األخضر الزيتي‪ ،‬بيد تمتد من «ألف» لفظ الجاللة‬ ‫حامال كالشينكوف‪ ،‬تلوح فوق رؤوس املتظاهرين‪ ،‬سواء كانت املسيرات‬ ‫لتأييد فلسطني‪ ،‬أو ملطالبات سياسية محلية‪ .‬مع ترداد شعارات تشق عنان‬ ‫السماء «هل من ناصر فدائي؟ لبيك خامنئي»‪ ،‬وأخرى تقول «لبيك يا نصر‬ ‫الله»‪ .‬كما أن شعار الحزب يلصق أحيانا على الزجاج الخلفي للسيارات‪،‬‬ ‫وتعلق صور أمني عام الحزب السيد حسن نصر الله في مرايا السيارات وفي‬ ‫عالقات املفاتيح وغيرها‪ ،‬دليال على اإلعجاب الشديد بالحزب وأمينه العام‬ ‫كرمز‪ ،‬ومن ورائهما الدولة الراعية واملمولة (إيران)‪ .‬ومع ذلك فإن بعضا من‬ ‫الشيعة يشيرون إلى أن العالم العربي كان في الخمسينات والستينات من‬ ‫القرن العشرين يرفع صورا لقادة عرب أمثال جمال عبد الناصر‪ ،‬رمزا للحرية‬ ‫والكرامة‪ ،‬فهل هناك من بأس أن ترفع اليوم أعالم وصور رموز مقاومة العدو‬ ‫الصهيوني؟‬ ‫االستنكار واإلنكار ذاته يتكرر في املقاالت التي تحاول نفي وجود «حزب‬ ‫الله البحرين» من أساسه‪ ،‬على اعتبار أنه «فزاعة» ليس أكثر حتى يتم تبرير‬ ‫االعتقاالت التي تطال الناشطني السياسيني‪ ،‬فقد كتب الصحافي عادل‬ ‫مرزوق في صحيفة «الوسط» البحرينية ‪ 10‬مارس (آذار) ‪ 2008‬قائال‪« :‬لم‬ ‫يحدث أن تم استهالك تهمة في أي مجتمع من املجتمعات حول العالم كما‬ ‫استهلكت تهمة االنتماء لحزب الله في البحرين‪ ،‬وبحسب ما تقتضيه طبيعة‬ ‫هذا املسرح السياسي الذي ابتلينا به‪ .‬فإن أي حدث أمني جديد ال بد أن يعيد‬ ‫ألذهان البعض هذه التهمة – حزب الله البحرين – لتكون ردة الفعل األولى‬ ‫الجاهزة واملعلبة مع إشارة واضحة ألطراف خفية تريد أن تمنع أي تالق‬ ‫وطني‪ ،‬فتسعى إلى إذكاء هذا امللف»‪.‬‬ ‫وهو بذلك يتساوق – وإن بعد سنوات وبعد أحداث ‪ – 2011‬مع ما أصدره‬ ‫الحزب من لبنان من بيان نفى فيه أي عالقة له بخلية عسكرية أعلنت البحرين‬ ‫عن اكتشافها‪ ،‬وأشار البيان إلى هذا الخبر «محاولة فاشلة من نظام البحرين‬ ‫للتعمية على حقيقة الثورة الشعبية في البحرين»‪ .‬وكانت البحرين قد قدمت‬ ‫في ذلك الحني احتجاجا رسميا للحكومة اللبنانية إلعالن حزب الله عرضه‬ ‫املساعدة على املحتجني‪ .‬وألقت القبض في ‪ 23‬مارس ‪ 2011‬على خمسة من‬ ‫العمال اللبنانيني املقيمني بالبحرين لالشتباه ﻓﻲ صلتهم مع حزب الله بلبنان‪،‬‬

‫وعلقت كل من شركة «طيران الخليج» وشركة «طيران البحرين» رحالتهما‬ ‫إلى بيروت‪.‬‬ ‫لم يقتصر األمر على تهمة عرض املساعدة وحسب‪ ،‬فبعد االنتهاء رسميا‬ ‫من االحتجاجات في عمق العاصمة املنامة والتي استمرت شهرا (‪ 14‬فبراير‬ ‫– ‪ 16‬مارس ‪ ،)2011‬وبعد انقضاء فترة «السالمة الوطنية» في يوليو (تموز)‬ ‫من العام نفسه‪ ،‬شهدت البحرين جملة من الحوادث املتفرقة‪ ،‬فأعلنت خالل‬ ‫‪ 2012‬عن تفجير قنابل أودت بحياة بعض العمال اآلسيويني‪ ،‬وقالت وكالة‬ ‫أنباء البحرين في بيان لها إن أساليب «اإلرهابيني» تثبت أنهم دربوا «خارج‬ ‫البحرين وأن بصمات حزب الله واضحة تماما»‪ .‬ونقلت عن الوزيرة سميرة‬ ‫رجب أن «التفجيرات نفذتها جماعات إرهابية دربت خارج البالد وتتخذ من‬ ‫دول أخرى من بينها لبنان مقرا»‪ .‬ولكن قبل هذه التفجيرات في يونيو من‬ ‫عام ‪ 2012‬بنحو ثمانية أشهر‪ ،‬يقف البروفسور محمود شريف بسيوني‬ ‫أمام ملك البحرين ويلقي امللخص التنفيذي لتقرير لجنته ليقول فيه نصا‬ ‫في الفقرة (‪« :)1584‬ﻻ يقيم الدليل الذي قدمته حكومة البحرين ﻟﻠﺠﻨﺔ حول‬ ‫تدخل جمهورية إيران اإلسالمية ﻓﻲ الشؤون الداخلية ململكة البحرين أي‬ ‫ربط مدرك أو ملحوظ بني أحداث حدثت بعينها بالبحرين خالل شهري‬ ‫فبراير ومارس ‪ 2011‬وجمهورية إيران اإلسالمية»‪ ،‬وهو التصريح الذي جعل‬ ‫املعارضة السياسية الشيعية تتنفس الصعداء؛ فإن عاهل البحرين في الرد‬ ‫على التقرير‪ ،‬قال من ضمن ما قاله إن هناك أدلة على التدخل‪ ،‬وال يسمح‬ ‫الوضع بالكشف عنها في حينه‪.‬‬ ‫لم تعلن السلطات البحرينية بعد ما إذا انتهت من حصر مصالح حزب الله أم‬ ‫ال‪ ،‬وال ما الذي توصلت إليه من هذا الحصر حتى اآلن‪ ،‬إال أن حقيقة وجود‬ ‫عالقة بني «حزب الله» وأحداث البحرين سواء التي حدثت أخيرا أو ما قبل ذلك‪،‬‬ ‫فضال عن وجود «حزب الله البحرين»‪ ،‬هي من القضايا البالغة اإلشكالية‪،‬‬ ‫إذ يؤكد جناح في الدولة تأكيدا ال يخامره الشك بوجود هذا الحزب وتلقيه‬ ‫التدريب والتوجيه من الحزب األم‪ ،‬بينما ينفي الجناح اآلخر ما وسعه النفي‬ ‫أن يكون هناك ما يسمى بـ«حزب الله البحرين»‪ .‬وبني النفي واإلثبات‪ ،‬هناك‬ ‫الكثير مما ينتظر أن تكشف األيام عنه <‬

‫سيدة بحرينية تحمل ملصقا لصور‬ ‫قادة روحيني للشيعة ومن بينهم حسن‬ ‫نصر الله خالل مسيرة في املنامة‬

‫‪,,‬‬

‫تسببت‬ ‫تصرفات‬ ‫عدد كبير من‬ ‫شيعة البحرين‬ ‫املتحمسني‬ ‫سياسيا‬ ‫وعقائديا في‬ ‫تأكيد ارتباطهم‬ ‫بحزب الله‬

‫‪,,‬‬

‫* كاتب صحافي بحريني‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪21‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫عندما بدأت معلمة رياض األطفال األميركية إيرين كيلبرايد حزم حقائبها في الثلث األول من شهر أغسطس (آب)‬ ‫املاضي استعدادا لتنفيذ أمر اإلبعاد من البحرين بدعوى نشاطها املشبوه عبر مواقع التواصل االجتماعي تعاطفا‬ ‫مع حزب الله‪ ،‬كانت البحرين إذ ذاك في شغل شاغل لحصر جميع مصالح حزب الله االقتصادية تنفيذا لقرارات‬ ‫املجلس الوزاري الخليجي لوزراء الخارجية الذي عقد في مدينة جدة في الثاني من شهر يونيو (حزيران) ‪.2013‬‬

‫قصة متجذرة شائكة‪ ..‬وحكاية لها بصمات‬

‫حزب الله البحرين‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫غسان الشهابي‬

‫‪,,‬‬

‫عالقة مملكة‬ ‫البحرين‬ ‫بإيران مرت‬ ‫بحاالت من‬ ‫املد والجزر‪..‬‬ ‫لكن عالقتها‬ ‫وموقفها من‬ ‫حزب الله لم‬ ‫يشهد يوما‬ ‫أي نوع من‬ ‫التقارب‬

‫‪,,‬‬

‫لم تكن كيلبرايد آخر حلقات سلسلة األخبار الرابطة بني حزب‬ ‫الله والبحرين‪ ،‬إذ أعقبها بعدة أسابيع قليلة‪ ،‬وبالتحديد في ‪12‬‬ ‫من سبتمبر (أيلول) ‪ ،2013‬بث نبأ عبر وكالة أنباء البحرين (بنا)‬ ‫خبرا يشير إلى اكتشاف مجموعة من طرود الكتب لدور النشر املشاركة في‬ ‫معرض األيام الثقافي للكتاب «حيث تم العثور على مجموعة كبيرة من الكتب‬ ‫التابعة لدور نشر تنتمي ملا يسمى بحزب الله‪ ،‬مما تبث الطائفية والكراهية‬ ‫والراديكالية العقائدية املتطرفة‪ ،‬والتي تمثل تهديدا مباشرا ألمن واستقرار‬ ‫مملكة البحرين»‪ .‬وأكدت هيئة شؤون اإلعالم أن محاولة إدخال هذه الكتب‬ ‫تعد «تحديا سافرا ومشينا ضد إرادة وسيادة مملكة البحرين ملا تحمله بني‬ ‫طياتها من سموم طائفية وفكرية تستهدف وحدة املجتمع البحريني»‪ .‬هاتان‬ ‫الواقعتان هما األحدث في سلسلة عالقة مضطربة ومتوترة بني السلطات‬ ‫البحرينية وحزب الله اللبناني اخترقت نحو ثالثة عقود من الحراك الذي يطفو‬ ‫فيه اسم حزب الله كلما مرت على البحرين حوادث مختلفة‪ ،‬واضطرابات‬ ‫أمنية‪ ،‬وخصوصا إذا ما صاحب هذه االضطرابات حوادث عنف تظهر فيها‬ ‫ما تشير إليه السلطات املحلية بأنها «تحمل بصمات» هذا الحزب‪.‬‬

‫املرور بالجذور‬ ‫لقد أسس انتصار الثورة اإلسالمية اإليرانية فبراير (شباط) ‪1979‬م النطالق‬ ‫الكثير من الدعوات على ضفاف الخليج أو ما أطلق عليه الحقا الهالل الشيعي‬ ‫ملحاولة الحصول على ما يراه شيعة املنطقة حقوقا لهم‪ ،‬خصوصا مع‬ ‫رؤيتهم لواحد من أعتى النظم التسلطية وأقواها في املنطقة‪ ،‬وأكثرها ارتباطا‬ ‫بالواليات املتحدة‪ ،‬يتداعى تحت صيحات اإليرانيني بقيادة دينية‪ .‬أتى هذا مع‬ ‫التراجع الكبير للقوى الوطنية والقومية واليسارية في املنطقة ألسباب ذاتية‬ ‫في هذه التنظيمات‪ ،‬وموضوعية‪ ،‬ونتيجة أيضا لتغير الكثير من التحالفات‬ ‫الدولية التي قلصت وحددت حجم املعونات واإلمدادات واملساعدات التي كان‬ ‫يغدقها املعسكر الشرقي على هذه التنظيمات‪ ،‬في الوقت الذي تنامت فيه‬ ‫القوى الدينية بشكل عام‪ ،‬واإلسالمية في املنطقة بأسرها‪.‬‬ ‫لم تمر سوى أعوام قليلة على الثورة‪ ،‬حتى أعلنت البحرين عام ‪1982‬م عن‬ ‫محاولة جادة لالنقالب على نظام الحكم‪ ،‬ومنذ ذلك الحني وعلى مدى العقود‬ ‫الثالثة التالية‪ ،‬فإن االضطرابات التي يقودها شيعة مسيسون في البحرين‬ ‫لم تنقطع‪ ،‬وكذلك أنباء اكتشاف محاوالت انقالب لم تتوقف حتى وصلت إلى‬ ‫العشرات كما أعلنت عنها السلطات البحرينية‪ ،‬واألنظار تتجه دائما إلى املثلث‬ ‫نفسه‪ :‬إيران شرقا‪ ،‬حزب الله شماال‪ ،‬الناشطون السياسيون الشيعة داخال‪.‬‬ ‫الشيعة البحرينيون ‪ -‬من جهتهم‪ ،‬وهم مكون رئيس وأساسي في البحرين‬ ‫بخالف كثافتهم العددية في الدول الخليجية األخرى – يقولون بأنهم هم من‬ ‫ثبتوا نظام الحكم آلل خليفة‪ ،‬إذ إنهم صوتوا لعروبة البحرين واستقاللها‬

‫‪20‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫عندما طالبت إيران بضم البحرين إليها عام ‪ 1971‬حينما نالت البحرين‬ ‫استقاللها من بريطانيا‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإنهم من رجح كفة التصويت وثقل‬ ‫املوازين لتقتنع األمم املتحدة برغبة أهالي البحرين باالستقالل ورضاهم‬ ‫بأسرة آل خليفة حكاما لهم‪ ،‬وبالتالي فهم يرفضون ما تتناوله بعض الجهات‬ ‫سرا وعالنية بتبعيتهم إليران‪ ،‬وبالتالي لحزب الله‪ ،‬القوة الضاربة للسياسة‬ ‫اإليرانية الخارجية‪ ،‬كما رفضوا في أبريل (نيسان) عام ‪ 2006‬تصريحات‬ ‫أطلقها الرئيس املصري األسبق محمد حسني مبارك حني شكك في والء‬ ‫الشيعة في الخليج ألوطانهم‪.‬‬

‫عالقات تتوتر‬ ‫وإذا كانت العالقات البحرينية ‪ -‬اإليرانية الرسمية تمر بحاالت من املد والجزر‪،‬‬ ‫واالعتدال واملشاددة‪ ،‬بحسب تقلب الحكومات اإليرانية وتغيرها‪ ،‬وبحسب‬ ‫اعتدالها وراديكاليتها من وجهة النظر املحلية والدولية معا؛ فإن العالقة‬ ‫مع حزب الله بالعكس من ذلك لم تشهد يوما أي نوع من التقارب‪ ،‬لكثير‬ ‫من العوامل‪ ،‬أهمها انتفاء وجود قواسم مشتركة أو مصالح متقاطعة بني‬ ‫الطرفني‪ .‬كما لم تكن البحرين لتخرج عن اإلجماع الخليجي في هذا الشأن‬ ‫الذي ظل ينظر بالكثير من التوجس والقلق إلى حزب الله بوصفه عصيا‬ ‫على الدخول في أي تسوية سياسية يكف فيها عن تأليب األوضاع الداخلية‬ ‫في الدول الخليجية‪ ،‬بحسب ما تعلن عنه بني الفينة واألخرى‪ .‬إضافة إلى‬ ‫أن البحرين – ومنذ ‪ ،2001‬تعتبر الحليف االستراتيجي للواليات املتحدة‬ ‫من خارج حلف الناتو‪ ،‬ولم تكن هذه الوضعية لتأتي إال بعد جالء وجهات‬ ‫نظر الطرفني إزاء الكثير من القضايا‪ ،‬ومن بينها عالقاتها االستراتيجية مع‬ ‫محيطها بما في ذلك حزب الله‪.‬‬ ‫هذه العالقة ما بني الدولة والحزب برزت بشكل واضح جدا‪ ،‬وصارخ إبان‬ ‫ما سمي بـ«أحداث التسعينات» التي مرت بالبحرين‪ .‬ومن املفارقات أن هذه‬ ‫األحداث كانت بذرتها عريضة سلمية شكلها ناشطون سياسيون من‬ ‫القوميني واليساريني وشيوخ الدين من السنة والشيعة‪ ،‬تطالب األمير الراحل‬ ‫الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بعودة العمل بدستور البحرين وإحياء‬ ‫املجلس الوطني املنتخب الذي بدأ أعماله في ‪ 1973‬وتم حله في صيف ‪1975‬؛‬ ‫إال أنها انتهت شيعية خالصة من خالل املصادمات التي حدثت‪.‬‬ ‫بعد سنة ونصف السنة من الكر والفر بني قوات األمن واملحتجني‪ ،‬أعلنت‬ ‫السلطات البحرينية في ‪ 3‬يونيو ‪1996‬م عن كشف مؤامرة انقالب من‬ ‫مجموعة مدعومة من إيران تدعى «حزب الله البحرين»‪ .‬وعلى إثر ذلك‪ ،‬سحبت‬ ‫البحرين سفيرها في إيران وخفضت تمثيلها إلى مستوى القائم باألعمال‪،‬‬ ‫ونشرت الصحف املخطط وصورا ألعضاء قالت بأنهم القياديون واملنفذون‬ ‫ملا يرمي إلى تغيير نظام الحكم بالقوة‪ .‬ومنذ ذلك الحني‪ ،‬ظل اسم حزب الله‬


‫في إدلب وحماه وتخضع اسميا لسلطة الجيش السوري الحر والقيادة‬ ‫العسكرية العليا‪ .‬ولكن يشير الجدل األخير الذي يدور داخل جماعة اإلخوان‬ ‫السورية إلى أن دروع الثورة قد توضع قريبا بصورة مباشرة ورسمية تحت‬ ‫سلطة قيادة الجماعة‪ .‬ويتم حاليا دراسة اقتراح باختيار أكثر هذه املجموعات‬ ‫كفاءة ووالء ومنحها تمويال إضافيا وتدريبها على الدعوة‪ ،‬وتسميتها‬ ‫باإلخوان املسلمني‪ .‬تثير هذه القضية خالفا كبيرا في جماعة تعرف جيدا أن‬ ‫أحد التحديات الرئيسة التي تواجهها هو إعادة بناء صورتها التي شوهها‬ ‫تورطها في الصراع املسلح في مطلع الثمانينات والذي أشعل املواجهات مع‬ ‫حزب البعث وانتهى إلى سلسلة من املجازر التي ارتكبها النظام مثلما حدث‬ ‫في حماه في فبراير عام ‪.1982‬‬ ‫ويعارض البعض هذه الخطوة خوفا من أنها سوف تبعد بعض السوريني‬ ‫وتساهم في مزيد من االنقسام في صفوف املعارضة‪ .‬علق أحد أعضاء‬ ‫جماعة اإلخوان السورية قائال‪« :‬تعني وجود صلة مباشرة بني الدروع‬ ‫واإلخوان ظهور (ذراع عسكرية) في الجماعة‪ ،‬وهو ما قد يعد غير مقبول‬ ‫عموما بالنسبة لكثيرين داخل وخارج سوريا»‪ .‬وأضاف‪« :‬يمكن أن ُينظر إليها‬ ‫كمحاولة منا للسيطرة على أجزاء من البالد»‪ .‬ولكن يؤكد آخرون أن التعامل‬ ‫مع تدهور الوضع األمني ميدانيا‪ ،‬ال سيما في املناطق الخاضعة لسيطرة‬ ‫الثوار أهم بكثير من أي انشغال بالصورة أو الدعاية‪ .‬احتل محور املباحثات‬ ‫التي أجريت مؤخرا بشأن إضفاء طابع رسمي على جماعات الثوار املقاتلة‬ ‫املوالية لإلخوان الشعور بالقلق بشأن تصاعد أنشطة املتطرفني اإلسالميني‬ ‫في املناطق الخاضعة لسيطرة الثوار‪ .‬وعن هذا صرح إخواني سوري قائال‪:‬‬ ‫«الهدف الثاني لجبهة النصرة بعد إسقاط النظام هو التخلص من األشخاص‬ ‫املنتمني إلى جماعتنا وبصورة عامة إلى مدرستنا الفكرية»‪ .‬وأضاف وهو‬ ‫يخفي ابتسامة‪« :‬إنهم يعتقدون أننا لسنا إسالميني بما يكفي!»‪.‬‬ ‫تجري االستعدادات ملواجهة كبرى مع الجهاديني السلفيني من جبهة النصرة‬ ‫والدولة اإلسالمية في العراق والشام‪ .‬يوضح أحد قيادات الجماعة قائال‪:‬‬ ‫«استراتيجيتنا في التعامل معهم لها جانبان‪ .‬على الجانب األول‪ ،‬نشجع‬ ‫الحوار من أجل حل القضايا ولكن فيما عدا حالة أحرار الشام‪ ،‬لم يحقق هذا‬ ‫نجاحا حتى اآلن‪ .‬من جانب آخر‪ ،‬نريد أن نبدأ في اإلعداد للدفاع عن أنفسنا»‪.‬‬ ‫ولكن لم تقع املواجهة امللحة حتى اآلن لسببني‪ .‬السبب األول برغماتي‪ .‬يبدو‬ ‫أن العديد من اإلخوان السوريني يعتقدون أن االنشقاقات داخل جبهة النصرة‬ ‫تشير إلى أن الجبهة ليست متماسكة كما كانت تبدو في البداية‪ .‬وغالبا ما‬ ‫يتحدثون عن أشخاص يعرفونهم لم يكونوا جهاديني ولكنهم تركوا كتائب‬ ‫الجيش السوري الحر بسبب عمليات النهب والفساد‪ ،‬وانضموا إلى جبهة‬ ‫النصرة بدال منها‪ ،‬ولكنهم اآلن محبطون بسبب تطرف الجماعة‪ .‬هؤالء‬ ‫أشخاص ربما ينجذبون في النهاية إلى جماعات أكثر وسطية يدعمها‬ ‫اإلخوان‪ .‬السبب الثاني ولعله األكثر أهمية هو أن جماعة اإلخوان ال ترغب في‬ ‫البدء في قتال متطرفني يتميزون باإلعداد الجيد في مرحلة مبكرة للغاية‪.‬‬ ‫وصرح أحد أعضاء اإلخوان‪« :‬لسنا في حالة تسمح لنا بقتالهم واالنتصار‬ ‫عليهم في الوقت الحالي»‪ .‬وحذر إخواني سوري آخر‪« :‬ال تدخل ذاتك في‬ ‫القتال اآلن»‪ .‬ولكن قد يعني حادث اغتيال أحد قادة الجيش السوري الحر‬ ‫مؤخرا على يد متطرفني في الالذقية أن الكتائب التابعة لإلخوان سوف تواجه‬ ‫الجهاديني قبل الفترة التي تعتزمها‪.‬‬ ‫وتراهن جماعة اإلخوان وتابعوها على أجندة إعالمية طموحة‪ .‬في مطلع‬ ‫فبراير (شباط)‪ ،‬أطلقت الجماعة صحيفة نصف شهرية باسم «العهد»‪ .‬كما‬ ‫ستشهد األيام املقبلة إطالق محطة إذاعية باسم «مسار إف إم»‪ ،‬وأخيرا‪،‬‬ ‫تخطط الجماعة إلى اإلعالن عن تشكيل حزب سياسي جديد يسمى «الحزب‬ ‫الوطني للعدالة والدستور» واختصاره «وعد»‪ .‬يهدف هذا الحزب إلى الترويج‬ ‫لرسالة اإلخوان التي يصفونها بالوسطية ولعودتهم إلى املشهد السياسي‬ ‫السوري‪ .‬سوف يتكون الحزب من نسب متساوية من اإلخوان املسلمني‬ ‫واإلسالميني املستقلني والشخصيات الوطنية‪ .‬ينضم إلى هؤالء ريمون‬ ‫معجون ونبيل قسيس وهما مسيحيان سوريان يشاركان في عضوية قيادة‬ ‫الحزب املكونة من ‪ 11‬شخصا برئاسة محمد وليد‪ ،‬وهو إخواني سوري‬ ‫يعتبره كثيرون إسالميا معتدال‪.‬‬

‫زعيم اإلخوان املسلمني القادم‬ ‫يحمل اختيار محمد وليد رئيسا للحزب الوطني للعدالة والدستور رسالة‬ ‫تبعث بها قيادة الجماعة إلى قواتها‪ .‬فهو شخص جدير باالحترام يحظى‬ ‫باإلجماع‪ ،‬جاء من الالذقية ولم يكن مشاركا في الخالفات التي وقعت بني‬ ‫فصيلي اإلخوان في حماه وحلب والتي يشتهر بها تاريخ الجماعة الحديث‪.‬‬ ‫ويشير ذلك أيضا إلى أن القيادة تضع األولوية للبقاء متحدين في مواجهة‬ ‫األزمة السورية‪ .‬ستكون تلك مهمة صعبة على وليد‪ ،‬حيث تستمر التوترات‬ ‫الداخلية منذ عقود داخل جماعة اإلخوان السورية‪ .‬نتجت هذه التوترات‬ ‫في األساس عن خالف آيديولوجي حول استخدام القوة والذي ظهر في‬ ‫مطلع الثمانينات من القرن املاضي‪ ،‬وانتشر عبر األقاليم وأصبح اليوم‬ ‫عشائريا محضا‪ .‬بعد مجزرة حماه عام ‪ ،1982‬لجأ معظم أعضاء الجماعة‬ ‫املتبقني في املدينة إلى الهرب إلى العراق‪ ،‬حيث تعهدوا بالثأر للفظائع التي‬ ‫ارتكبها النظام‪ .‬من جانبهم استطاع أعضاء اإلخوان من حلب الهروب إلى‬ ‫مناطق أخرى مثل األردن وبأعداد أقل إلى تركيا‪ ،‬حيث دعوا إلى التفاوض‬ ‫مع النظام من أجل السماح لهم بعودة آالف اإلخوان السوريني آمنني إلى‬ ‫سوريا‪ .‬ووصلت التوترات بني الفصيلني إلى ذروتها عندما حدث تنازع‬ ‫حول نتيجة االنتخابات الداخلية التي أجريت في عام ‪ 1985‬الختيار مراقب‬ ‫عام جديد للجماعة‪ .‬ومع تفاقم االنقسام بسبب التباعد الجغرافي بني‬ ‫املجموعتني وقع االنفصال‪ .‬وعلى الرغم من املصالحة التي تمت بينهما‪،‬‬ ‫فإن الخالفات ما زالت موجودة حتى الوقت الحالي‪.‬‬ ‫صرح أحد شباب اإلخوان السوريني متذمرا‪« :‬أدت الخصومة الطويلة بني‬ ‫حماه وحلب إلى اقتصار منصب القيادة بينهما فقط»‪ .‬انضمت كتل أخرى‬ ‫داخل الجماعة في األقاليم إلى هذا الصراع الداخلي باالنحياز ألحد الطرفني‪.‬‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬أحيانا ما يقال إن معظم اإلخوان املسلمني السوريني في‬ ‫إدلب ودرعا ودير الزور والالذقية ينحازون إلى فصيل حماه‪ .‬وكان ذلك‬ ‫التحالف قويا لدرجة منعت فصيل حلب‪ ،‬الذي طاملا احتل منصب املراقب‪،‬‬ ‫من االحتفاظ بالقيادة بعد أن خسر مرشحه عادل فارس في االنتخابات‬ ‫الداخلية التي أجريت عام ‪.2010‬‬ ‫حينها جرى انتخاب رياض الشقفة من حماه ليصبح املراقب العام الجديد‬ ‫لجماعة اإلخوان السورية‪ .‬وفي إشارة على االحتجاج‪ ،‬قدم القيادي السابق‬ ‫علي البيانوني والقيادي السابق زهير سالم‪ ،‬وكالهما من فصيل حلب‪،‬‬ ‫استقالتيهما لفترة مؤقتة‪ .‬ولكن أجبر اندالع أحداث الربيع العربي في‬ ‫سوريا جميع األعضاء على االتحاد من جديد ملعالجة األمور معا‪ .‬وأعيدت‬ ‫هيكلة القيادة في مارس (آذار) عام ‪ 2012‬حتى ُيسمح للقيادة مجتمعة‬ ‫باتخاذ أهم القرارات باإلجماع‪ .‬رغم أن االنتخابات الداخلية لجماعة اإلخوان‬ ‫قد تجرى بعد عام من اآلن‪ ،‬فإن التكهنات بنتائجها بدأت بالفعل‪ .‬وربما‬ ‫تقرر النتيجة مدة بقاء الجماعة ميدانيا في سوريا<‬

‫اخواني من انصار الرئيس املعزول محمد‬ ‫مرسي بعد سماعه بيان الفريق السيسي‬ ‫وقراره بعزل مرسي من منصبه وسقوط‬ ‫حكم االخوان في مصر ‪ 3 -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪,,‬‬

‫تخطط‬ ‫الجماعة إلى‬ ‫اإلعالن عن‬ ‫تشكيل حزب‬ ‫سياسي‬ ‫جديد يسمى‬ ‫«الحزب‬ ‫الوطني‬ ‫للعدالة‬ ‫والدستور»‬

‫‪,,‬‬

‫* باحث ومؤلف كتاب «رماد حماه‪ :‬اإلخوان املسلمون في سوريا»‬ ‫(هيرسنت ‪ )2013 -‬وزميل زائرا في معهد كارنيغي للشرق األوسط‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪19‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫مع عودتها إلى سوريا التي مزقتها الحرب األهلية بعد ثالثني عاما من املنفى‪ ،‬تواجه جماعة اإلخوان املسلمني‬ ‫تحديات على جبهات متعددة تقف أمام محاولة إعادة تكوين ذاتها‪ .‬ولكن تساعدها جمعياتها الخيرية ومؤسساتها‬ ‫املدنية وأجنحتها العسكرية على إثبات وجودها‪.‬‬

‫اإلخوان املسلمون يبدأون من جديد في سوريا‬

‫صراع البقاء‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫رافاييل لوفيفر *‬

‫‪,,‬‬

‫قادة جدد‬ ‫وسياسات‬ ‫وتحالفات‬ ‫جديدة‬ ‫للجماعة‬ ‫التي أعادت‬ ‫وحدتها‬ ‫مؤخرا‬

‫‪,,‬‬

‫املراقب العام لجماعة اإلخوان املسلمني‬ ‫في سوريا‪ ،‬محمد رياض الشقفة‬

‫‪18‬‬

‫في حني تتصدر أخبار جماعة اإلخوان املسلمني في مصر عناوين‬ ‫الصحف العاملية ويصارع حزب النهضة التونسي من أجل البقاء‬ ‫في السلطة‪ ،‬ال ُيعرف سوى القليل عن وضع اإلخوان املسلمني في‬ ‫سوريا‪ .‬في األسابيع املاضية انتشرت أخبار كثيرة عن تقلص نفوذ الجماعة‬ ‫على االئتالف الوطني السوري‪ .‬ولكن في املقابل ال يتطرق الحديث إلى النفوذ‬ ‫الفعلي لإلخوان داخل سوريا واستراتيجية الجماعة في الثورة‪ .‬كيف تخطط‬ ‫الجماعة تحديدا للتعامل مع االتجاهات األخيرة للصراع‪ ،‬مثل صعود موجة‬ ‫من التطرف اإلسالمي في صفوف املعارضة؟ تكشف سلسلة من اللقاءات‬ ‫التي أجريت مع أعضاء بارزين في جماعة اإلخوان السوريني وأعضاء آخرين‬ ‫في املعارضة في إسطنبول وبيروت عن تكيف الجماعة مع الوضع السوري‬ ‫الذي يتزايد فيه االنقسام في ظل مراكز قوى متنافسة‪ .‬ولكن حتى إذا بدا أن‬ ‫الجماعة تحقق بعض املكاسب على األرض من خالل املساعدات اإلنسانية‬ ‫والنشاط السياسي واملعارضة املسلحة‪ ،‬إال أنها ما زالت تواجه تحديات هائلة‬ ‫في الداخل والخارج‪.‬‬

‫اإلخوان املسلمون يعودون إلى بلدهم‬ ‫يشير أحد أعضاء قيادة جماعة اإلخوان في سوريا في صراحة قائال‪:‬‬ ‫«سيكون علينا التعامل مع مشكلتني رئيستني في الشهور واألعوام املقبلة‪.‬‬ ‫األولى هي االستمرار في إعادة بناء هيكلنا‪ ،‬واألهم من ذلك تحسني صورتنا‬ ‫التي شوهتها ثالثون عاما من الغياب»‪ .‬في سوريا تصل عقوبة االنتماء إلى‬ ‫جماعة اإلخوان املسلمني إلى اإلعدام منذ تمرير قانون يقضي بذلك في يوليو‬ ‫(تموز) عام ‪ .1980‬في فبراير (شباط) ‪ ،1982‬أدت مجزرة واسعة ارتكبها‬ ‫النظام في حماه إلى هرب معظم أعضاء الجماعة املتبقني إلى الدول املجاورة‪،‬‬ ‫حيث يتراوح عددهم اليوم ما بني ‪ 7000‬إلى ‪ 10000‬شخص‪ .‬يقول قيادي‬ ‫في الجماعة‪« :‬سوف تكون املشكلة الثانية هي معالجة تحدياتنا الداخلية»‪.‬‬ ‫في الحقيقة أثارت األعوام الثالثون التي قضاها أعضاء الجماعة في املنفى‬ ‫توترات داخل الجماعة على مستوى األقاليم واألجيال املختلفة‪ .‬من املقرر‬ ‫إجراء انتخابات الختيار مراقب عام جديد في العام املقبل‪ ،‬وقد يكون في ذلك‬ ‫نقطة تحول في مستقبل الجماعة‪.‬‬ ‫كان هذا التوتر املشتعل هو السبب في موافقة قيادة الجماعة‪ ،‬في مرحلة‬ ‫مبكرة من اندالع الثورات‪ ،‬على سياسة «الالمركزية»‪ :‬حيث ينبغي على كل‬ ‫جماعة فرعية تشكل نواة الجماعة في املحافظات أن تقرر ما هي أفضل‬ ‫استراتيجية للعودة إلى سوريا وإعادة تكوين قاعدة محلية واملساهمة‬ ‫في الجهود الثورية‪ .‬يوضح أحد شباب اإلخوان السوريني وهو مقرب‬ ‫من قيادة الجماعة‪« :‬بدأت كل جماعة فرعية في العمل بمفردها فيما‬ ‫يتعلق بالتمويل وبدرجة ما أيضا في التنظيم»‪ .‬كان لهذه الالمركزية في‬ ‫البداية تأثير إيجابي‪ ،‬حيث اجتذبت التمويل من العديد من رجال األعمال‬ ‫السوريني املقيمني في الخليج الذين ينحازون إلى املجموعات الفرعية في‬ ‫املحافظات مثل تلك املوجودة في حلب أو حماه‪ ،‬أكثر من انحيازهم لقيادة‬ ‫الجماعة ككل‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫ولكن نظرا لقلة أعداد األعضاء في بعض املدن ‪ -‬من بينها الرقة والالذقية‬ ‫ودرعا ودير الزور ‪ -‬وبالتالي قلة األموال‪ ،‬تركزت جهود اإلعمار واإلغاثة‬ ‫في بعض املدن بصورة أكبر من غيرها‪ .‬لذلك يشكو أحد اإلخوان من شرق‬ ‫سوريا قائال‪« :‬إنه أمر مؤلم لبعض منا‪ ،‬إذ يعني ذلك في النهاية أن القدر‬ ‫األكبر من أموال الجماعة املخصصة للمشروعات الخيرية تتركز حاليا في‬ ‫حلب وإدلب على حساب بقية أنحاء البالد»‪ .‬في هاتني املدينتني‪ ،‬افتتحت‬ ‫الجماعة مكاتب لجمعية عطاء لإلغاثة‪ ،‬والتي تمثل ذراعها الخيرية‪ .‬وألول مرة‬ ‫منذ ‪ 30‬عاما‪ ،‬بدأت الجماعة في املشاركة في النشاط السياسي في امليدان‬ ‫باملشاركة في مجالس املحليات واملدن التي تدير الشؤون اليومية في املناطق‬ ‫«املحررة» في إدلب وحلب‪ .‬ولكن ما تتزايد مالحظته هو وجودها العسكري‪.‬‬ ‫أيدت جماعة اإلخوان السورية رسميا الجيش السوري الحر والصراع املسلح‬ ‫إلسقاط بشار األسد في مرحلة متأخرة إلى حد ما‪ ،‬في مارس (آذار) ‪.2012‬‬ ‫ولكن تشير األدلة إلى أن على األقل البعض من داخل الجماعة بدأوا في التقرب‬ ‫إلى جماعات مسلحة في نهاية عام ‪ 2011‬عندما أصبح رد فعل النظام على‬ ‫الثورة أكثر عنفا‪ .‬بعض من هذه الشخصيات البارزة في الجماعة دعموا‬ ‫أنشطة اإلخواني السابق هيثم رحمة الذي بدأ في تقديم التمويل واملساعدات‬ ‫املادية للثوار املقاتلني في مسقط رأسه في حمص‪ ،‬التي كانت تحت حصار‬ ‫عسكري مكثف في صيف عام ‪ .2011‬تم تأسيس كيانه العام تحت اسم‬ ‫الهيئة العامة لحماية املدنيني السوريني بمساعدة نظير الحكيم وهو ناشط‬ ‫بارز يرتبط بعالقات وثيقة مع اإلخوان في حلب‪.‬‬ ‫عندما اتسع نطاق الصراع العسكري على مدار عام ‪ ،2012‬وافق أعضاء‬ ‫القيادة ككل في ذلك الوقت على إرسال بعض التمويل إلى مجموعات مختارة‬ ‫بعناية من الثوار تشترك مع جماعة اإلخوان في الفكر اإلسالمي املعتدل مثل‬ ‫كتيبة عمر الفاروق في حمص ولواء التوحيد في حلب‪ .‬واعترف أحد أعضاء‬ ‫جماعة اإلخوان السورية املقرب من القيادة قائال‪« :‬قبلت هاتان الفرقتان‬ ‫أموالنا ودعمنا في البداية»‪ .‬ولكن عندما بدأ متبرعون أثرياء في دعم الثوار‬ ‫في سوريا بنشاط أكبر تنوعت مصادر التمويل وأصبحت هاتان املجموعتان‬ ‫تحظيان بإدارة ذاتية‪ .‬وأضاف عضو الجماعة‪« :‬حتى على الرغم من أنهما‬ ‫تتخذان القرارات اآلن باستقاللية عنا‪ ،‬فإننا على عالقات جيدة مع كل منهما»‪.‬‬ ‫مع مرور الوقت وانتشار عمليات النهب واالنتقام واختراق النظام للصفوف‬ ‫بصورة أكبر في بعض كتائب الجيش السوري الحر‪ ،‬بدأت الشائعات‬ ‫تنتشر بشعور جماعة اإلخوان باإلحباط نتيجة الوضع الراهن ولجوئها‬ ‫إلى تشكيل ميليشيات خاصة بها‪ .‬جاء هذا بعد بيان غامض صدر في هذا‬ ‫املوضوع في صيف عام ‪ 2012‬عن ملهم الدروبي‪ ،‬العضو البارز في جامعة‬ ‫اإلخوان من حمص قبل أن يوبخه قياداته الذين نفوا على الفور تشكيل أي‬ ‫جماعات ثورية مسلحة خاصة باإلخوان‪ .‬وأخيرا في يناير (كانون الثاني)‬ ‫عام ‪ ،2013‬أدلى رياض الشقفة املراقب العام للجماعة حوارا اعترف فيه‬ ‫بأن «بعض الكتائب ذات التوجه اإلسالمي تكونت ثم تواصلت معنا من‬ ‫أجل التنسيق»‪ .‬ودعيت هذه الجماعات «ذات الفكر الوسطي» والتي «تثق‬ ‫في اإلخوان» لحضور مؤتمر في إسطنبول‪ ،‬حيث تجمعت تحت اسم دروع‬ ‫الثورة‪ .‬تضم دروع الثورة اآلن عشرات الجماعات التي يقع مقرها في الغالب‬


‫‪www.majalla.com‬‬

‫العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫عبد �لرحمن �لهز�ع‪ :‬حرّي باململكة �أن حتتفل‪ ،‬وحرّي ب�شعبها �أن يفرح‬ ‫ر�فاييل لوفيفر‪� :‬شر�ع �لبقاء‪�..‬لإخو�ن �مل�شلمون يبد�أون من جديد يف �شوريا‬ ‫غ�شان �ل�شهابي‪ :‬ق�شة متجذرة �شائكة‪ ..‬وحكاية لها ب�شمات «حزب �هلل �لبحرين»‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪10‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪issue 1588 October 2013‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫سوريا واللعب على وتر التوترات الطائفية بني السنة والشيعة في‬ ‫الشرق األوسط‪.‬‬ ‫وامللفات الثالثة السابقة من القضايا التي جعلت تحرك املؤسسة‬ ‫العسكرية لدعم الشعب في «خلع» الجماعة أمرا تمليه املصالح املباشرة‬ ‫وليس فقط الغضبة الشعبية من فشل مرسي في إدارة شؤون البالد‬ ‫وتفاقم حدة االستقطاب الداخلي ونزوع الرجل إلى بناء نظام حكم‬ ‫استبدادي بمرجعية دينية وبتأييد من رؤوس الجماعات املتطرفة التي‬ ‫خرجت من السجون أو عادت من أفغانستان واملنافي األخرى لتزيد من‬ ‫حالة التوتر في البالد وانقسامه ما بني علمانيني وإسالميني‪.‬‬

‫السالم بني القاهرة وتل أبيب‬

‫بيغن وكارتر والسادات في حفل توقيع‬ ‫اتفاقية كامب ديفد ‪17‬سبتمبر ‪1978‬‬

‫‪,,‬‬

‫املؤسسة‬ ‫العسكرية‬ ‫التي تمسك‬ ‫بزمام األمور‬ ‫هي الضامن‬ ‫الحقيقي على‬ ‫مدى العقود‬ ‫الثالثة املاضية‬ ‫التفاقية‬ ‫كامب ديفيد‬

‫‪,,‬‬

‫‪16‬‬

‫إسرائيل وضمان االستقرار في شبه جزيرة سيناء وحماية املرور‬ ‫في قناة السويس واستمرار التسهيالت الخاصة باستخدام املجال‬ ‫الجوي املصري من جانب الواليات املتحدة‪ ،‬بمعنى أن الجوانب املتصلة‬ ‫باملصالح األميركية املباشرة هي فعليا في قبضة قيادة الجيش ولم‬ ‫يصبها االضطراب أو الضرر من سقوط نظام اإلخوان‪.‬‬ ‫في الجانب السياسي‪ ،‬يبدو التشدد األميركي إزاء ما حدث في مصر‬ ‫متماشيا مع فكرة عدم االنقالب على حكومة أو رئيس منتخب‪ ،‬إال‬ ‫أن القراءة األميركية لألحداث جاءت مبتورة وقاصرة على استيعاب‬ ‫إرهاصات التمرد الشعبي على حكم «اإلخوان»‪ ،‬وهو التمرد الذي‬ ‫ فيما يبدو ‪ -‬فشلت األجهزة األميركية ومؤسسة الدبلوماسية في‬‫اإلملام بتفاصيله في ثاني فشل للتوقعات أو التقديرات األميركية في بلد‬ ‫محوري باملنطقة خالل أقل من ثالث سنوات‪.‬‬ ‫وقد أشار باحث كبير في الشؤون املصرية ‪ -‬يعمل في إحدى الجامعات‬ ‫األميركية املرموقة ‪ -‬إلى كاتب السطور بأن مسؤوال رفيعا في وزارة‬ ‫الدفاع األميركية توقع في جلسة مغلقة حضرها الباحث ‪ -‬بعد أيام من‬ ‫انتخاب مرسي ‪ -‬سقوطا سريعا لتنظيم اإلخوان وعدم قدرة الرئيس‬ ‫محمد مرسي على استكمال فترة حكمه‪ ،‬وهو تقدير قد تطابق مع‬ ‫ما يتردد اليوم في الشارع املصري من أن قيادات املجلس العسكري‬ ‫السابق ‪ -‬تحت إمرة حسني طنطاوي ‪ -‬كانت على قناعة بأنها «قامت‬ ‫بتسليم جماعة اإلخوان إلى الشعب املصري‪ ،‬وليس تسليم الشعب إلى‬ ‫الجماعة»‪.‬‬ ‫قد تثير النزعة االستقاللية للفريق السيسي حالة من عدم االرتياح‬ ‫في األوساط األميركية‪ ،‬إال أن الواقع يشير إلى أن قيادات الجيش‬ ‫املصري لم تأت من املجهول‪ ،‬فعدد منهم تلقى دراسات عليا في‬ ‫كليات الحرب األميركية وعالقاتهم بنظرائهم األميركيني ليست‬ ‫جديدة‪ ،‬والعالقات بني املؤسسة العسكرية املصرية والبنتاغون‬ ‫«دافئة» في حقيقة األمر نتيجة استقرار الثوابت التي تحكم العالقة‬ ‫االستراتيجية بني البلدين وعدم نزوع املؤسسة املصرية إلى‬ ‫«املغامرات» الخارجية التي يمكن أن تسبب ارتباكا داخليا وإقليميا‪،‬‬ ‫وهو ما حدث خالل فترة حكم مرسي ‪ -‬ولم يفطن األميركيون إلى‬ ‫خطورته لتماهيه مع املصالح األميركية ‪ -‬ومن األمثلة الدالة عليها‪:‬‬ ‫التلويح باللجوء إلى القوة في ملف مياه النيل والدعوة إلى الجهاد في‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫ورغم تجميد الواليات املتحدة تسليم أربع طائرات «إف ‪ »16 -‬وإلغاء‬ ‫التدريبات العسكرية املشتركة «النجم الساطع» املقررة في أكتوبر‬ ‫(تشرين األول) الحالي‪ ،‬على خلفية أحداث فض االعتصامات في‬ ‫ميداني رابعة العدوية والنهضة‪ ،‬فإن املراقبني في واشنطن يرون أن‬ ‫حدود التحرك األميركي لن يتجاوز سقفا بعينه خشية ازدياد رقعة‬ ‫الشقاق مع الحكام الجدد في القاهرة وعلى رأسهم القيادات العسكرية‬ ‫التي تمسك بزمام األمن وتقود عملية عسكرية في شبه جزيرة سيناء‬ ‫لتخليصها من قرابة ‪ 15‬ألفا من املتشددين اإلسالميني الذين يشكلون‬ ‫تهديدا ألمن إسرائيل مثلما يمثلون خطورة على األمن القومي املصري‪.‬‬ ‫واملعروف أن واشنطن قد امتنعت عن توصيف ما حدث في مصر بأنه‬ ‫«انقالب عسكري» حتى ال تضطر إلى فرض عقوبات يحددها القانون‬ ‫األميركي في تلك الحاالت‪.‬‬ ‫كما لم يتحرك الرئيس األميركي لفرض عقوبات رغم صدور توصية‬ ‫أخيرة من كبار مستشاريه في مجلس األمن القومي بشأن تجميد‬ ‫املساعدات حتى استعادة الحكم الديمقراطي وظهور حكومة منتخبة‪.‬‬ ‫وقد استشعرت أطراف مؤيدة إلسرائيل في واشنطن أخيرا بخطورة‬ ‫مساعي لوبي املصالح املناصر لجماعة اإلخوان املسلمني الرامية إلى‬ ‫التشدد مع القاهرة‪ ،‬فقامت لجنة الشؤون العامة األميركية ‪ -‬اإلسرائيلية‬ ‫(إيباك)‪ ،‬وهي أقوى جماعات الضغط املوالية إلسرائيل‪ ،‬باتصاالت للحد‬ ‫من أي تحرك يستهدف العالقات الثنائية مع مصر‪ ،‬سواء في الكونغرس‬ ‫أو خارجه‪ ،‬لتحجيم أي مضاعفات سلبية يمكن أن تلحق أضرارا‬ ‫باتفاقيات السالم بني القاهرة وتل أبيب وتهدد بانجراف السياسة‬ ‫املصرية تجاه موسكو أو بكني بعد النشاط الدبلوماسي لروسيا والصني‬ ‫على رقعة الشرق األوسط بعد أن اختبرت القيادة الروسية صالبة باراك‬ ‫أوباما في األزمة األخيرة بشأن األسلحة الكيماوية السورية وفشله‬ ‫في توجيه ضربة جوية أميركية منفردة أو بمساعدة دول أوروبية بما‬ ‫يسهم اليوم في إطالة أمد الصراع في سوريا وعدم قدرة أي طرف على‬ ‫حسم األمر لصالحه في املستقبل املنظور‪.‬‬ ‫إجماال‪ ،‬تسير العالقة الثالثية بني القاهرة وواشنطن وتل أبيب على‬ ‫حبل مشدود في ظل التقلبات السياسية املتتابعة في مصر‪ ،‬إال أن‬ ‫مقومات استمرار العالقات على وضعها القديم ‪ -‬دون تغيير حقيقي‬ ‫ مع حرص القوى السياسية األبرز على الساحة املصرية على عدم‬‫االقتراب من «كامب ديفيد» بحكم الوضع األمني واالقتصادي املضرب‪،‬‬ ‫وبروز املؤسسة العسكرية باعتبارها املؤسسة األقوى في البالد اليوم‪،‬‬ ‫يرجح بقاء العالقات االستراتيجية بني مصر والواليات املتحدة دون‬ ‫تعديالت أو اختالالت حتى تتضح معالم حكم مستقر‪ ..‬وقد يظهر‬ ‫برملان بتشكيلة غير معتادة يصيب واشنطن بقلق أو يمثل صداعا‬ ‫مثلما حدث في تجارب دولية تميل إلى انتخاب تيارات وطنية تنزع‬ ‫إلى االستقالل‪ ..‬وفي كل األحوال‪ ،‬تبقى عالقات مصر وإسرائيل في‬ ‫«منطقة أمان» حتى إشعار آخر!<‬


‫ورغم إنكار قيادات «اإلخوان» لوجود اتصاالت مباشرة مع إسرائيل‪ ،‬إال‬ ‫أن الشواهد في واشنطن تشير إلى احتمال عقد لقاءات غير معلنة بني‬ ‫الطرفني في أروقة بعض مراكز األبحاث الكبرى لتجنب إحراج التنظيم‬ ‫اإلسالمي داخليا‪ .‬قامت التفاهمات بني الواليات املتحدة و«اإلخوان» على‬ ‫أساس املصلحة املتبادلة‪ ،‬فقد عرضت الجماعة على الواليات املتحدة‬ ‫احتواء التنظيمات اإلسالمية املتشددة على امتداد العاملني العربي‬ ‫واإلسالمي ‪ -‬من حدود أفغانستان وحتى بالد املغرب العربي ‪ -‬اعتمادا‬ ‫على األرضية املشتركة ومصداقية التنظيم التي تمكنها من مجابهة‬ ‫تلك التنظيمات بشكل أفضل من النظم التقليدية التي تحكم املنطقة‪ ،‬في‬ ‫املقابل‪ ،‬قدمت واشنطن تطمينات لـ«اإلخوان» بإطالق أيادي التنظيم لبناء‬ ‫مكانة إقليمية تضمن استقرار األوضاع في مصر بما يعود بالفائدة‬ ‫على أمن إسرائيل والهدوء على الحدود الشرقية للبالد والتوصل إلى‬ ‫وقف دائم إلطالق النار بني إسرائيل وحركة حماس‪ ،‬والهدف األخير‬ ‫تحقق بالفعل بعد شهور قليلة من تولي مرسي الرئاسة بعد حرب‬ ‫محدودة بني الطرفني تدخل بعدها الرئيس الجديد ضامنا لالتفاق‪.‬‬ ‫ومن مظاهر بناء املكانة اإلقليمية أن ترعى واشنطن التقريب بني‬ ‫«اإلخوان» وبعض النظم العربية الحاكمة التي كانت تنظر بقلق شديد‬ ‫لصعود تيار «اإلخوان» إلى السلطة وهي املهمة التي فشلت فيها‬ ‫الواليات املتحدة تماما‪ .‬في الجانب العسكري‪ ،‬وبحكم طبيعة املؤسسة‬ ‫العسكرية املصرية احتفظ الجيش املصري بحدود استقالله عن القيادة‬ ‫الجديدة ولم يؤثر في تكوينه وعقيدته وجود رئيس ينتمي لـ«اإلخوان»‬ ‫في قصر الرئاسة‪ ،‬رغم اإلطاحة بطنطاوي ورئيس أركانه عنان بطريقة‬ ‫لم ُترق لقيادات املؤسسة العسكرية‪ ،‬وبالتالي لم تتأثر االتصاالت أو‬ ‫العقود مع الواليات املتحدة في الفترة القصيرة من حكم مرسي في ظل‬ ‫حضور قوي للمؤسسة العسكرية األميركية (البنتاغون) في صناعة‬ ‫القرار السياسي حيال مصر‪.‬‬ ‫وقد صد البنتاغون ‪ -‬مدعوما بجماعات مصالح كثيرة ‪ -‬عن حكم‬ ‫«اإلخوان» الكثير من االنتقادات في الكونغرس‪ ،‬ليس عن رغبة في‬ ‫دعم الوافد الجديد إلى السلطة‪ ،‬ولكن عن رغبة في الحفاظ على معادلة‬

‫بقاء كامب ديفيد التي أكدت قيادات الجماعة والرئيس القادم من بني‬ ‫صفوفها احترامها لها من اليوم األول في الحكم‪ .‬ولم تتمكن الجماعة‬ ‫طوال عام كامل من اختراق قيادة الجيش‪ ،‬وهو ما عزز من التصور‬ ‫السابق أن الواليات املتحدة باتت تتعامل مع دولة برأسني ‪ -‬عندما يأتي‬ ‫األمر للعالقات السياسية والعسكرية ‪ -‬وهما محمد مرسي وقيادات‬ ‫«اإلخوان» في قصر الرئاسة والفريق عبد الفتاح السيسي واملجلس‬ ‫األعلى للقوات املسلحة في مقر وزارة الدفاع‪.‬‬ ‫وبمرور الوقت‪ ،‬بات محمد مرسي عبئا على املصالح الحيوية واألمن‬ ‫القومي املصري في ظل تدهور للمكانة والعالقات الخارجية والدخول في‬ ‫أزمات حادة ‪ -‬ليس من بينها توترات مع الخصم القديم‪ ،‬إسرائيل ‪ -‬ولم تفلح‬ ‫واشنطن في إعادة تقويم سلوك الجماعة مثلما سعت اإلدارة األميركية‬ ‫في البداية‪ ،‬حيث لعبت جملة أخطاء فادحة على الصعيد الداخلي في‬ ‫التعجيل بثورة شعبية جديدة ضد جماعة اإلخوان في حني كان مرسي‬ ‫وأنصاره يرون في التأييد األميركي في مواجهة املؤسسة العسكرية‬ ‫طوق النجاة األول واألخير إيمانا منهم بأن واشنطن لن تضحي بحليف‬ ‫جديد يمتلك القوة التصويتية في الشارع املصري ويوفر غطاء مالئما‬ ‫لحصار الشبكات املتطرفة مثل «القاعدة» وفروعها الكثيرة في العاملني‬ ‫العربي واإلسالمي ويمنح إسرائيل ما تريده من ضمان أمنها والتوقف‬ ‫عن استهداف الجماعات الفلسطينية املسلحة للداخل اإلسرائيلي‪ ،‬وليس‬ ‫هناك من برهان قوي على حسن نية الجماعة من صمود اتفاق وقف‬ ‫إطالق النار بني إسرائيل وحماس قرابة العشرة شهور قبل اإلطاحة‬ ‫بمرسي و«اإلخوان» من السلطة في ‪ 30‬يونيو املاضي‪.‬‬

‫تسليم الجماعة للشعب‬ ‫ورغم الصدمة العنيفة التي أصابت اإلدارة األميركية من السقوط‬ ‫السريع لتنظيم اإلخوان فإن واشنطن اليوم ال يمكنها االدعاء أن‬ ‫مصالحها الحيوية في مصر في خطر‪ ،‬حيث إن املؤسسة العسكرية‬ ‫التي تمسك بزمام األمور هي الضامن الحقيقي على مدى العقود الثالثة‬ ‫املاضية لكامب ديفيد والدعائم املؤسسة لها وهي الحفاظ على أمن‬

‫قائد عسكري مصري يرتدي الزي الفرعوني‬ ‫ويصافح نظيره األميركي خالل مناورات «النجم‬ ‫الساطع» (اكتوبر ‪ )2011‬ضمن سلسلة التدريبات‬ ‫التي بدأت بعد وقت قصير من توقيع معاهدة‬ ‫كامب ديفيد عام ‪ .1979‬واوقفتها الواليات‬ ‫املتحدة اخيرا بشكل مؤقت بعد عزل مرسي‬

‫‪,,‬‬

‫تسير العالقة‬ ‫الثالثية‬ ‫بني القاهرة‬ ‫وواشنطن وتل‬ ‫أبيب على حبل‬ ‫مشدود في‬ ‫ظل التقلبات‬ ‫السياسية‬ ‫املتتابعة في‬ ‫مصر‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪15‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫تقفز معاهدة «كامب ديفيد» إلى قلب مشهد العالقات املصرية ‪ -‬األميركية كلما وقعت أزمة بني القاهرة وواشنطن أو‬ ‫بني القاهرة وتل أبيب في األعوام الثالثني املاضية‪ ،‬إال أن مشهد الثورة املصرية في يناير (كانون الثاني) عام ‪2011‬‬ ‫غير كثيرا في التعاطي املعتاد مع قصة العالقات الثالثية األبعاد (مصر‪ ،‬أميركا‪ ،‬إسرائيل)‪ ،‬حيث دبت مخاوف‬ ‫فورية وسرت أقاويل وشائعات وتواردت أنباء بعضها يحمل قدرا من الصدق والبعض اآلخر يصعب استيعابه‬ ‫وبينهما عالقة بني العواصم الثالث تنتظر أن ترسو سفينة التقلبات في مصر إلى املرفأ األخير بعد عامني ونصف‬ ‫العام من اإلبحار وسط األمواج الهادرة في قلب الثورة!‬

‫تأثير تراجع العالقات املصرية األميركية على مكتسبات كامب ديفيد‬

‫الورقة البيضاء‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عزت إبراهيم‬

‫‪,,‬‬

‫املساعدات‬ ‫األميركية لم‬ ‫تعد تمثل‬ ‫أهمية بالغة‬ ‫للمؤسسة‬ ‫العسكرية‬ ‫اليوم نتيجة‬ ‫ثبات حجمها‬ ‫ألكثر من‬ ‫ثالثني عاما‬

‫‪,,‬‬

‫‪14‬‬

‫في الرابع والعشرين من شهر يناير ‪ ،2011‬كان رئيس أركان‬ ‫الجيش املصري الفريق سامي عنان يجري محادثات دورية‬ ‫مع املسؤولني بوزارة الدفاع األميركية (البنتاغون) فيما‬ ‫عرف بزيارة «الورقة البيضاء» برفقة وفد رفيع املستوي‪ ،‬مؤلف من‬ ‫‪ 25‬مسؤوال‪ ،‬اعتاد زيارة واشنطن مرتني في العام لبحث أوجه التعاون‬ ‫العسكري بني الدولتني وتحديد أوجه إنفاق املساعدات العسكرية التي‬ ‫تحصل عليها القاهرة وقدرها ‪ 1.3‬مليار دوالر سنويا‪ .‬لم يكن يخطر‬ ‫ببال الفريق «عنان» أن قلب القاهرة سوف ينفجر بمظاهرات مناوئة‬ ‫لنظام الرئيس حسني مبارك بعد ساعات‪ ،‬ولم يدر بخلد املسؤولني‬ ‫األميركيني أن الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم التالي‪ ،‬بتوقيت القاهرة‪،‬‬ ‫ستكون فاصلة في تاريخ املصريني وبداية طريق طويل من القالقل في‬ ‫العالقات بني البلدين‪.‬‬ ‫بعد أيام من مراقبة املوقف‪ ،‬عاد الفريق عنان إلى القاهرة يوم السبت‬ ‫التاسع والعشرين من يناير بعد اختصار الزيارة التي كان مقررا أن‬ ‫تطول حتى األربعاء التالي‪ ،‬محمال برسائل أميركية إلى الرئيس السابق‬ ‫ لم يكشف عن مضمونها حتى اليوم‪ ..‬الزيارة كانت تعبر عن عمق‬‫العالقة االستراتيجية والعودة من واشنطن ارتبطت في ذهنية املصريني‬ ‫بدور واشنطن في لعبة التغيير السياسي في البالد!‬ ‫في عام ‪ ،2009‬نشر مجلس العالقات الخارجية األميركي في نيويورك‬ ‫دراسة تقول إنه لو وصل حكام جدد إلى السلطة في مصر فإن «واشنطن‬ ‫لن يكون في مقدورها االعتماد على القاهرة في تبني مبادرات يمكن أن‬ ‫تفتقر إلى الدعم الشعبي»‪ ،‬وهو بحسب قول الباحث األميركي جيسون‬ ‫براونللي ‪ -‬جامعة تكساس ‪ -‬ما كان الرؤساء األميركيون من جيمي‬ ‫كارتر إلى باراك أوباما يتوقعونه من القيادة املصرية على مدى أكثر من‬ ‫ثالثني عاما‪ ،‬وتحديدا مسألة الحفاظ على أمن إسرائيل ونفوذ الواليات‬ ‫املتحدة في املنطقة العربية‪ ،‬في حني يعرقل الحاكم ‪ -‬الحليف ‪ -‬تقدم‬ ‫الديمقراطية في البالد‪ ..‬بالتجربة يمكن القول‪ ،‬إن استنتاجات الباحث‬ ‫األميركي تصيب الحقيقة في مجمل ما جرى في العامني املاضيني‪ ،‬إال‬ ‫أن حكم جماعة اإلخوان قد رسخ أيضا فكرة أن الرضا األميركي ليس‬ ‫بالضرورة عامال مساعدا على بقاء األنظمة‪ ،‬بل يمكن أن يكون قرينة‬ ‫ضد بقائها حتى لو كان التيار املنتمي إليه الرئيس الفائز يملك الشارع‬ ‫االنتخابي‪ .‬كما أن تجربة «اإلخوان» قد وضعت فرص انحياز أي حاكم‬ ‫جديد لشروط الشراكة مع واشنطن في وضع حرج لم يسبق أن مرت‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫الواليات املتحدة به في عالقتها بالقاهرة بعد أن احترقت كثير من أوراق‬ ‫اللعبة األميركية في الشرق األوسط بيد قيادات التنظيم ورئيس ناله‬ ‫نصيب كبير من الفشل السياسي‪.‬‬ ‫باستثناء قضية تمويل املنظمات غير الحكومية واللغط بشأن نتيجة‬ ‫انتخابات الرئاسة املصرية في يونيو (حزيران) من العام املاضي‪ ،‬كانت‬ ‫العالقات بني املجلس العسكري بقيادة املشير محمد حسني طنطاوي‬ ‫والبيت األبيض جيدة بالنظر إلى االنقالب الحاد في السياسة املصرية‬ ‫باختفاء مبارك خلف القضبان‪ ،‬حيث كان الخالف متوقعا‪ ،‬سواء من‬ ‫جانب القاهرة أو واشنطن‪ ،‬من واقع إدراك الطرفني أن املصريني يريدون‬ ‫ترسيم حدود جديدة بني النظام القديم والجديد بعد ثورة يناير ومن‬ ‫واقع أن السياسات اإلقليمية ستتحول ‪ -‬بالتأكيد ‪ -‬ضد كل من إسرائيل‬ ‫والواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وقد شهدت أروقة املؤسسات السياسية في واشنطن‪ ،‬في الفترة التي‬ ‫أعقبت سقوط مبارك‪ ،‬منح أولوية لصيانة اتفاقية السالم بني مصر‬ ‫وإسرائيل كدعامة رئيسة للعالقات الثنائية‪ ،‬خاصة في ظل مناخ عدائي‬ ‫متصاعد للروابط بني النظام األسبق (مبارك) واإلدارات األميركية‬ ‫املتعاقبة في أعقاب الثورة‪ ،‬حيث حمل البعض «كامب ديفيد» املسؤولية‬ ‫عن تراجع أولوية القضية الفلسطينية واملصالح العربية واإلسالمية من‬ ‫أجل تحقيق مكاسب مادية (املساعدات األميركية)‪ ،‬والتي كانت تمثل‬ ‫قيمة كبيرة في الثمانينات‪ ،‬ولكنها لم تعد تمثل أهمية بالغة اليوم نتيجة‬ ‫ثبات حجم املساعدات على حالها ملدة أكثر من ثالثني عاما في حني‬ ‫زادت األعباء على االقتصاد املحلي والقوات املسلحة املصرية‪.‬‬

‫اإلخوان وأميركا‪ ..‬عالقة شراكة‬ ‫قبل الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة املصرية بني محمد مرسي‬ ‫والفريق أحمد شفيق‪ ،‬فهمت جماعة اإلخوان املسلمني رسائل الواليات‬ ‫املتحدة بشكل جيد‪ ،‬فراحت وفود الجماعة ومبعوثوها تكثف من‬ ‫اتصاالتها لتوصيل التطمينات التي تنشدها واشنطن قبل أن يصل رئيس‬ ‫من التيار اإلسالمي إلى الحكم في مصر‪ ،‬وبالفعل أدركت إدارة أوباما أن‬ ‫جماعة اإلخوان حريصة على إقامة عالقة شراكة مع الواليات املتحدة تقوم‬ ‫على تبادل املنافع بني التنظيم األكبر في العالم اإلسالمي والدولة العظمى‬ ‫صاحبة النفوذ الواسع في الشرق األوسط والضامن األول ألمن إسرائيل‪.‬‬


‫وموسكو لن توافق على قرار أممي تحت الفصل السابع بشأن سوريا‪.‬‬ ‫فروسيا تتذكر جيدا ما جرى مع العراق وليبيا في مجلس األمن الدولي‪،‬‬ ‫وما ترتب على ذلك من عدم أخذ مصالحها بعني االعتبار‪ ،‬بل وتهميش‬ ‫دورها آنذاك‪ .‬فموافقة روسيا على الفصل السابع في األزمة السورية‬ ‫سيعني إخراجها من «لعبة األمم» الجارية حاليا حول سوريا‪ ،‬وسيعني‬ ‫أيضا «هزيمتها» في معركتها الجيوسياسية وسعيها نحو التعددية‬ ‫القطبية التي تنادي بها ليل نهار‪ .‬وعلى الرغم من الترحيب «األولي»‬ ‫من قبل الواليات املتحدة وبريطانيا وفرنسا‪ ،‬على وجه الخصوص‪،‬‬ ‫باملبادرة الروسية‪ ،‬فإن هذه الدول ال تزال تشكك بشأن التزام النظام‬ ‫السوري بها في الفترة املقبلة‪ .‬ومن غير املستبعد أن يماطل النظام‬ ‫السوري نفسه في تنفيذ هذه «املبادرة» عبر شراء الوقت لتفادي‬ ‫الضربة العسكرية األميركية املحتملة‪ ،‬وعبر املطالبة بمناقشات مطولة‬ ‫حول طريقة تنفيذها‪ ،‬على الرغم من أن املعلومات املتوفرة لدينا تشير‬ ‫إلى ممارسة موسكو ضغوطا كبيرة على بشار األسد لقبول وضع‬ ‫ترسانته الكيماوية تحت الرقابة الدولية‪ ،‬ومن ثم تدميرها‪ .‬ومن املحتمل‬ ‫تماما أن يبدأ النظام السوري مستقبال في طرح شروط معينة في ما‬ ‫يتعلق بتدمير تلك الترسانة‪ ،‬وهو ما سترفضه واشنطن وحلفاؤها‬ ‫في غالب الظن‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬فإن املخزون السوري من األسلحة‬ ‫الكيماوية يبلغ قرابة ألف طن موزعة على الجغرافيا السورية في أكثر‬ ‫من أربعني منشأة‪ ،‬مما يستلزم وقتا طويال لنزعها‪.‬‬

‫بوابة الدخول الثانية‬

‫مسايرة موسكو ربحا للوقت‪ ،‬ولكن بدمج شروط جديدة مثل ربط‬ ‫عدم االمتثال السوري بقرارات ملزمة من مجلس األمن تحت الفصل‬ ‫السابع والتلويح بأن الحشد البحري األميركي هو من أجبر النظام‬ ‫السوري على االنصياع‪ ،‬وأن ذات الحشد سيبقى مستمرا حتى‬ ‫التحقق من نيات النظام السوري‪ .‬بمعنى آخر يريد أوباما أن يقول‬ ‫إن سياسته الصارمة حيال األزمة السورية هي سبب نزع السالح‬ ‫الكيماوي‪ ،‬وليس املبادرة الروسية‪ .‬وكأن أوباما ال يسلم لبوتني‬ ‫وروسيا بتحسن الصورة واملكانة عبر املبادرة‪ ،‬التي ال يرى فيها‬ ‫كونها سلما للنزول عن الشجرة‪.‬‬

‫مخاطر وتهديدات‬ ‫بعد إعالن املبادرة أعلن وزير الخارجية الروسي أنه سيبقى على‬ ‫اتصال دائم مع وزير الخارجية األميركي‪ ،‬وأن بالده تعمل مع الجانب‬ ‫السوري على إعداد خطة محددة لتنفيذ املبادرة‪ ،‬وأن العمل على إنجاز‬ ‫هذه الخطة سيجري بالتعاون مع األمم املتحدة وأعضاء مجلس األمن‬ ‫ومنظمة حظر األسلحة الكيماوية‪ ،‬وكان واضحا أنه يسعى لحشد‬ ‫تأييد دولي لالقتراح‪.‬‬ ‫غير أنه من املحتمل أن تكون املبادرة الروسية مجرد خطوة أولية نحو‬ ‫منع الضربة العسكرية األميركية للنظام السوري‪ .‬األمر الذي طالب به‬ ‫بوتني مؤخرا في تصريحات صحافية‪ ،‬قال فيها «تخلي سوريا عن‬ ‫سالحها الكيماوي يكتسب مغزى فعليا فقط عندما نسمع بتخلي‬ ‫أميركا عن استخدام القوة»‪ .‬وهذا‪ ،‬يعني أن الكرملني يضع شرطا‬ ‫إلنجاح «املبادرة»‪ ،‬يكمن في ضرورة عدم استخدام القوة لحل األزمة‬ ‫السورية‪ .‬ولذلك سارع وزير الخارجية الروسي‪ ،‬سيرغي الفروف‪ ،‬إلى‬ ‫رفض املقترح الفرنسي املتعلق بتقنني املبادرة الروسية عن طريق‬ ‫استصدار قرار ملزم من مجلس األمن الدولي تحت الفصل السابع‪،‬‬ ‫الذي يجيز استخدام القوة العسكرية‪.‬‬

‫من املرجح أن يشكل موقف ودور روسيا في األزمة السورية «بوابة‬ ‫الدخول الثانية» وتعاظم نفوذها في منطقة الشرق األوسط‪ ،‬بل والعالم‪،‬‬ ‫على نحو ما شكل موقف ودور االتحاد السوفياتي السابق من أزمة‬ ‫السويس عام ‪« 1957‬بوابة الدخول األولى» إلى املنطقة ولتنامي دوره‬ ‫في دول العالم الثالث والعالم قاطبة‪ .‬فإذا كان الدخول األول قد دشن‬ ‫بداية تصفية االستعمار البريطاني والفرنسي في آسيا وأفريقيا‬ ‫وتدشني البداية الحقيقية للحرب الباردة بني االتحاد السوفياتي السابق‬ ‫والواليات املتحدة‪ ،‬فإن الدخول الثاني لروسيا إلى املنطقة يعني نهاية‬ ‫عهد الغطرسة األميركية وبداية تشكيل عالم متعدد األقطاب ينهي‬ ‫األحادية القطبية األميركية‪ ،‬فالعالم يشهد اليوم هبوطا متدرجا لدور‬ ‫اإلمبراطورية األميركية‪ ،‬مقابل تصاعد ملحوظ لدور روسيا والصني‪.‬‬ ‫إن روسيا‪ّ ،‬‬ ‫بغض النظر عن نظام الحكم فيها‪ ،‬ال يمكنها أن تكون‬ ‫ً‬ ‫منعزلة أو محصورة فقط في حدودها‪ .‬هكذا كانت روسيا القيصرية‬ ‫ّ‬ ‫وروسيا الشيوعية‪ ،‬وهكذا هي اآلن روسيا «البوتينية»‪ .‬وهناك مصلحة‬ ‫لكل دول العالم في تصحيح الخلل في ميزان العالقات الدولية‪ ،‬والعودة‬ ‫إلى مرجعية دولية متوازنة في التعامل مع األزمات القائمة اآلن‪ ،‬ووقف‬ ‫التفرد األميركي الذي حصل في ظل اإلدارة األميركية السابقة والحروب‬ ‫التي خاضتها بال مرجعية «مجلس األمن الدولي»‪.‬‬ ‫وإذا أحسن الروس والصينيون توظيف هذه املرحلة‪ ،‬فإن ذلك قد‬ ‫ينعكس إيجابا على كل األزمات الدولية‪ ،‬وفي مقدمتها اآلن أزمات‬ ‫منطقة «الشرق األوسط»‪ ،‬التي تشمل ملفات مترابطة بتداعياتها‬ ‫وأطرافها؛ من امللف اإليراني إلى األحداث في سوريا وإلى الصراع‬ ‫العربي‪ /‬اإلسرائيلي‪ .‬لكن سيكون من الحماقة تكرار األخطاء العربية‬ ‫قرن من الزمن‪ ،‬باملراهنة دائما على‬ ‫التي حصلت على مدى أكثر من ٍ‬ ‫التناقضات الدولية والتعويل على طرف خارجي (إقليمي أو دولي) في‬ ‫تحقيق املصالح العربية‪ ،‬بأبعادها الوطنية والقومية‪ .‬فاملصالح الوطنية‬ ‫العربية‪ ،‬تتطلب أوال االعتماد على الذات العربية وتحسني واقع‬ ‫والقومية‬ ‫ُ‬ ‫الحال العربي‪ ،‬قطريا وقوميا <‬

‫‪,,‬‬

‫استعمال‬ ‫أوباما للقوة‬ ‫العسكرية ضد‬ ‫سوريا سيظهر‬ ‫موسكو مجددا‬ ‫في مظهر‬ ‫الحليف الذي ال‬ ‫يستطيع منع‬ ‫العدوان على‬ ‫حلفائه‬ ‫(مصر ‪1967‬‬ ‫العراق ‪2003‬‬ ‫ليبيا ‪2011‬‬ ‫وسوريا ‪)2013‬‬

‫‪,,‬‬

‫معمر‬ ‫القذافي‬

‫* صحافي ومحلل سياسي مصري متخصص في الشؤون الروسية‪ ،‬وباحث‬ ‫بمركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪13‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫العسكرية مع واشنطن بسبب سوريا‪ ،‬وفي الوقت نفسه منع إسقاط‬ ‫النظام السوري بكل الوسائل غير العسكرية‪ .‬لذلك تتوسل املبادرة‬ ‫الروسية الراهنة األزمة السورية لبناء املدخل املناسب ملوسكو كي‬ ‫تعود إلى التوازنات الدولية من موقع الند للواليات املتحدة األميركية‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫ّ‬ ‫بغض النظر عن‬ ‫نظام الحكم في‬ ‫روسيا إال أنها‬ ‫ال يمكنها أن‬ ‫ً‬ ‫تكون منعزلة‬ ‫أو محصورة‬ ‫فقط في‬ ‫حدودها هكذا‬ ‫كانت روسيا‬ ‫القيصرية‬ ‫وروسيا‬ ‫الشيوعية‬ ‫وهكذا هي‬ ‫اآلن روسيا‬ ‫ّ‬ ‫«البوتينية»‬

‫‪,,‬‬

‫بشار‬ ‫األسد‬

‫ويتضاعف الربح التفاوضي الروسي مع دخول الطرف األميركي في‬ ‫تفاصيل املبادرة الروسية‪ ،‬التي تحولت إلى التأثير في الكونغرس‬ ‫والرأي العام األميركي‪ ،‬مما يعزز صورة بوتني الصاعدة في العالم‪.‬‬ ‫وزاد بوتني على املبادرة الحاذقة بمقالة محكمة نشرها في جريدة‬ ‫«نيويورك تايمز»‪ ،‬خاطب فيها األميركيني من موقع الند وذكرهم‬ ‫باملصالح املشتركة التي تجمعهم مع بالده‪ ،‬بطريقة املعلمني الكبار‪.‬‬ ‫وإذ يستغل بوتني ضعف أوباما وتردده‪ ،‬وانقسام الكونغرس حول‬ ‫الضربة‪ ،‬فإنه يهيئ بمبادرته ألوباما فرصة التراجع عن تهديداته‬ ‫مثلما يضمن إلسرائيل تحييد الرادع السوري الكيماوي لسالحها‬ ‫النووي‪ ،‬واملقابل ترقية وضع روسيا على الساحة الدولية‪ .‬وتهيئ‬ ‫املبادرة لروسيا‪ ،‬فوق كل ذلك‪ ،‬الوقت الالزم إلظهار موقعها الجديد‬ ‫حيال واشنطن‪ ،‬ألن التفاصيل التقنية والقانونية لنزع السالح‬ ‫الكيماوي السوري تستعصي على الحل في جولتني أو ثالث أو حتى‬ ‫عشر جوالت‪ ،‬مما يعني تكريس الصورة الروسية الجديدة على مدار‬ ‫األشهر املقبلة‪.‬‬ ‫لقد بنت موسكو موقفها من الوضع في سوريا منذ البداية على تردد‬ ‫الواليات املتحدة األميركية‪ ،‬وعلى قدرتها مع الصني على وقف أي‬ ‫قرار أممي ضد نظام بشار األسد‪ .‬ولكن اآلن‪ ،‬يبدو أن الوضع قد تغير‬ ‫نوعا ما وشرعت الواليات املتحدة وحلفاؤها في دق طبول الحرب‪،‬‬ ‫ومن ثم ُوضعت السياسة الخارجية التي ينفذها الفروف ويديرها‬ ‫الكرملني في وضع ال تحسد عليه‪ .‬وهذا الوضع «غير املريح» حاليا‬ ‫للسياسة الخارجية الروسية يرتبط أيضا مع الداخل الروسي‪ ،‬الذي تم‬ ‫حشده بقوة وراء «السقف املرتفع» للموقف الروسي منذ بداية الثورة‬ ‫السورية‪ .‬وقد تجلى هذا السقف املرتفع عبر وسائل اإلعالم الروسية‬ ‫بصورة أثرت بشكل كبير على الرأي العام الروسي في اتجاه اعتبار‬ ‫أن الدفاع عن النظام السوري هو دفاع عن روسيا نفسها ومواجهة‬ ‫شبه محتملة مع الغرب‪.‬‬ ‫ولذلك من املحتمل أن الكرملني والخارجية الروسية قد يواجهان‬ ‫صعوبة ما في تفسير األمر للمواطن الروسي بعد أن ذهب املوقف‬ ‫الرسمي بعيدا إلى درجة كبيرة‪ .‬لذا فإن أي ضربة عسكرية أميركية‬ ‫محدودة أو غير محدودة للنظام السوري ستؤثر على صورة بوتني‬ ‫كزعيم قومي روسي يدافع عن مصالح روسيا الوطنية‪ ،‬تلك الصورة‬ ‫الذهنية التي ُرسمت على مدار السنوات السابقة في مخيلة الكثير من‬ ‫املواطنني الروس‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ ،‬أي ضربة عسكرية أميركية‪ ،‬مهما كان حجمها‪،‬‬ ‫سيفهمها كثير من الروس على أنها ضربة لبوتني وروسيا‪ ،‬ترمي‬ ‫إلى تحديد األوزان النسبية للدول والتحالفات على الساحة الدولية‪،‬‬ ‫لقد ُوضعت السياسة الخارجية الروسية من قبل في العراق‪ ،‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬في هذا املوقف الذي ال تحسد عليه‪ .‬واضطرت موسكو‬ ‫لالنتقال في عام ‪ 2003‬من تصريحات مثل «روسيا لن تساوم على‬ ‫العراق» و«غزو العراق كان خطأ سياسيا كبيرا» إلى القبول بالتعامل‬ ‫مع األمر الواقع لتحقيق بعض املكاسب‪.‬‬

‫الهروب إلى االمام‬ ‫شكل استعمال السالح الكيماوي في النزاع السوري إحراجا بالغا‬ ‫للرئيس األميركي باراك أوباما وإدارته‪ ،‬ألنه سبق أن حدد «خطه‬ ‫‪12‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫وزير الخارجية األميركية جون كيري‬ ‫مع نظيره الروسي سيرغي الفروف‬ ‫في مؤتمر صحافي مشترك سبتمبر‬ ‫‪ 2013‬بشأن الوضع السوري‬

‫األحمر» باستعمال السالح الكيماوي في النزاع على األرض السورية‪.‬‬ ‫لم يشكل قتل ما يزيد على مائة ألف مواطن سوري باألسلحة‬ ‫التقليدية إحراجا ألوباما‪ ،‬املهتم بتعزيز صدقيته في العالم ال‬ ‫بانتصار املعارضة في سوريا‪.‬‬ ‫ال تريد واشنطن انتصار النظام السوري وتحالفاته اإلقليمية بأية‬ ‫حال‪ ،‬مثلما ال تريد انتصار املعارضة العسكرية التي تهيمن عليها‬ ‫الجماعات التكفيرية‪ ،‬لذلك فقد سهلت واشنطن وصول األسلحة‬ ‫للمعارضة‪ ،‬كلما حقق النظام تقدما‪ ،‬وبالعكس منعت األسلحة عن‬ ‫املعارضة كلما حققت إنجازات على األرض‪ .‬هكذا استمر نزيف الدم‬ ‫السوري من دون رابح أو مهزوم طيلة سنتني ونصف السنة‪.‬‬ ‫وبسبب اعتبارات واشنطن املؤسسة على «ال غالب وال مغلوب»؛‬ ‫فقد عمد أوباما إلى الهروب إلى األمام من ضربة ال يريد توجيهها‬ ‫أصال‪ ،‬وال يضمن تبعاتها على توازنات القوى السورية‪ .‬هنا قام‬ ‫أوباما بتحويل األزمة السورية إلى الكونغرس ليبت فيها خصوصا‬ ‫َ‬ ‫بعد انسحاب إنجلترا من الضربة‪ ،‬فإن َرف َض الكونغرس‪ ،‬فقد حفظ‬ ‫أوباما بعض ماء الوجه‪ ،‬وإن وافق الكونغرس سيضمن أوباما عدم‬ ‫تعرضه لالنتقاد داخليا‪ .‬في هذه الحسابات دوت املبادرة الروسية‬ ‫كصاعقة تستغل الحسابات األميركية ومأزق أوباما في سوريا‪،‬‬ ‫والثمن‪ :‬السالح الكيماوي السوري‪.‬‬ ‫تتمثل مشكلة أوباما في أنه ال يستطيع رفض املبادرة اآلن‪ ،‬مع‬ ‫علمه بأبعادها املفيدة إلسرائيل استراتيجيا‪ ،‬ألنه غير راغب بدفع‬ ‫الثمن املطلوب روسيا‪ .‬وتتفاقم مشكلة أوباما بسبب أن التاريخ‬ ‫العسكري لم يخترع بعد‪ ،‬على الرغم من كل التكنولوجيا املتقدمة‪،‬‬ ‫وسيلة لضرب مخازن األسلحة الكيماوية دون كوارث إنسانية‬ ‫كبرى‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬توفر املبادرة الروسية ألوباما‪ ،‬ما ال تستطيع‬ ‫اآللة العسكرية األميركية وغير األميركية تحقيقه‪ ،‬أي نزع الترسانة‬ ‫الكيماوية دون خسائر بشرية‪ .‬في هذه الوضعية‪ ،‬قرر أوباما‬


‫العامة لهذه الخطة‪ -‬املبادرة‪ -‬االقتراح تنقسم إلى مراحل أربع‪ :‬انضمام‬ ‫سوريا ملعاهدة حظر انتشار األسلحة الكيماوية‪ .‬الكشف عن‬ ‫مقار إنتاج األسلحة وتخريبها‪ .‬فحص ترسانة األسلحة الكيماوية‬ ‫وتدميرها‪ .‬وفي ‪ 14‬سبتمبر الحالي‪ ،‬طالبت كل من روسيا والواليات‬ ‫املتحدة دمشق بتقديم قائمة بأسلحتها الكيماوية في خالل أسبوع‪.‬‬ ‫وال شك أن «املبادرة» الروسية بوضع الترسانة الكيماوية السورية‬ ‫تحت الرقابة الدولية قد خلطت أوراق اإلدارة األميركية‪ ،‬حيث أدت‬ ‫بالرئيس األميركي إلى تأجيل «مؤقت» لضربته العسكرية ودعوة‬ ‫الكونغرس إلى إرجاء التصويت على تلك الضربة‪ ،‬إلفساح الطريق‬ ‫من جديد أمام الحلول السياسية لألزمة السورية‪ .‬ومن املعروف أن‬ ‫املقترحات الروسية أثارت جدال واسعا‪ ،‬ألنها جاءت مباشرة في‬ ‫أعقاب تصريحات وزير الخارجية األميركي‪ ،‬جون كيري‪ ،‬في لندن‪،‬‬ ‫والتي أشار فيها إلى «ضرورة تسليم األسد لترسانته الكيماوية‬ ‫ليتجنب الضربة العسكرية»‪.‬‬ ‫وبناء على ذلك اعتقد البعض أن «زلة لسان» كيري هذه‪ ،‬تلقفها‬ ‫الروس ليعلنوا املبادرة‪ .‬غير أن األمر‪ ،‬ال يتعلق بـ«زلة اللسان» هذه‪،‬‬ ‫وإنما يتعلق بمشاورات ملدة عشرين دقيقة حول الترسانة الكيماوية‬ ‫السورية بني الرئيسني الروسي فالديمير بوتني واألميركي باراك‬ ‫أوباما‪ ،‬خلف الكواليس‪ ،‬على هامش قمة مجموعة العشرين في‬ ‫بطرسبورغ في السادس من سبتمبر املنصرم‪.‬‬ ‫وقد أكد الرئيس الروسي هذا في تصريح له مساء العاشر من نفس‬ ‫الشهر‪ ،‬عندما قال‪« :‬في لقاءاتنا على هامش اجتماعات قمة مجموعة‬ ‫العشرين ناقشت مسألة وضع األسلحة الكيماوية السورية تحت‬ ‫الرقابة الدولية مع الرئيس األميركي بالفعل‪ ..‬واتفقنا على تفعيل‬ ‫هذا العمل‪ ،‬وأن نكلف وزيري الخارجية األميركي ونظيره الروسي‬ ‫باالتصال فيما بينهما لتحريك حل هذه املسألة»‪ .‬وهذا يعني‪،‬‬ ‫ببساطة‪ ،‬أن أوباما كان على علم مسبق بالفكرة العامة للمبادرة‬ ‫الروسية املتعلقة بترسانة سوريا من األسلحة الكيماوية‪ ،‬والتي‬ ‫تتضمن أيضا تدمير هذه الترسانة مستقبال‪ ،‬واألكثر من ذلك‪ ،‬أن‬ ‫روسيا تباحثت بشأن هذه املبادرة‪ ،‬قبل اإلعالن عنها‪ ،‬مع إيران‪ ،‬وهذا‬ ‫يتضح من الترحيب اإليراني «الكبير» بها‪.‬‬ ‫وألن الرئيس الروسي تباحث‪ ،‬فعال‪ ،‬مع نظيره األميركي بهذا الشأن‪،‬‬ ‫طلبت الخارجية الروسية من وزير الخارجية السوري‪ ،‬وليد املعلم‪،‬‬ ‫زيارة موسكو للرد رسميا على هذه املقترحات‪ .‬وهذا ما حدث‬ ‫بالفعل‪ ،‬حيث أعلن املعلم من العاصمة الروسية «ترحيب» دمشق‬ ‫باملبادرة الروسية‪ ،‬واستعداد بالده لتدمير ترسانتها الكيماوية‬ ‫واالنضمام إلى منظمة حظر السالح الكيماوي‪ ،‬وتوقيع االتفاقية‬ ‫الدولية املتعلقة بها‪ ،‬انطالقا «من حرص بالدنا على أرواح مواطنيها‬ ‫وأمن بالدنا ولثقتنا بحرص القيادة الروسية على منع العدوان على‬ ‫بلدنا»‪ ،‬وكان من الطبيعي‪ ،‬بعد املوافقة السورية‪ ،‬أن يرحب الحلفاء‬ ‫واألصدقاء‪ ،‬فأعلنت الخارجية اإليرانية ترحيبها باالقتراح الروسي‬ ‫وكذلك الصني‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة‪ ،‬فإن املبادرة الروسية لنزع السالح الكيماوي السوري‬ ‫تعتبر محاولة لحفظ «ماء وجه» جميع األطراف الدولية واإلقليمية‬ ‫املنخرطة في األزمة السورية‪ ،‬وفي مقدمتهم الرئيس األميركي بارك‬ ‫أوباما‪ ،‬الذي يلعب الكرملني‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬على تردده الشديد في القيام‬ ‫بعمل عسكري ضد النظام السوري‪ .‬ويبدو أيضا أن موسكو راهنت‬ ‫في طرح مبادرتها على أن حصول أوباما على دعم الكونغرس للقيام‬ ‫بالضربة العسكرية ليس سهال‪ ،‬وهو ما اعترف به جون كيري أثناء‬ ‫مؤتمره الصحافي مع نظيره البريطاني وليم هيغ في لندن في التاسع‬

‫من سبتمبر الحالي‪ .‬فهذه املبادرة أعادت األزمة السورية «جزئيا» إلى‬ ‫طريق الحلول السياسية والدبلوماسية‪.‬‬ ‫ومع تهليل أطراف كثيرة «بانتصارها» املتحقق من منع أوباما من‬ ‫توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا‪ ،‬فإن تقليب النظر في دوافع‬ ‫ومضمون املبادرة الروسية وكذلك في ردة الفعل األميركية يقول إننا‬ ‫إزاء مباراة دبلوماسية ‪ -‬إعالمية بني موسكو وواشنطن محورها‬ ‫سوريا‪ ،‬وهي مباراة غير محسومة النتيجة حتى اآلن‪ ،‬وبالتالي لسنا‬ ‫بحال أمام «حل» ناجز لألزمة السورية‪ .‬قد يكون النظام السوري‬ ‫قد ربح ‪ -‬نظريا ‪ -‬بعض الوقت (حتى منتصف العام املقبل الذي‬ ‫يتزامن مع انتهاء والية بشار األسد)‪ ،‬ولكن ال يمكن اعتباره رابحا‬ ‫بأية حال‪ ،‬ويعود السبب في ذلك إلى أن املبادرة الروسية حولته إلى‬ ‫أصل تفاوضي محض‪ ،‬مؤقت األهمية واملفعول الزمني‪ ،‬بحيث ينتهي‬ ‫األصل مع انتهاء الغرض التفاوضي منه‪.‬‬

‫الحسابات الروسية تجاه الشرق االوسط‬ ‫لقد كان واضحا من املبادرة وما تالها من ردود أفعال أن كافة أطراف‬ ‫األزمة أصبحت مأزومة وتريد أن تخرج من املوقف الحالي دون‬ ‫خسائر كبيرة‪ ،‬فال شك أن روسيا استشعرت الجدية في التحرك‬ ‫األميركي نحو ضرب سوريا‪ ،‬والنظام السوري حليف لروسيا بأحد‬ ‫املعاني باعتبار أنه يكاد يكون املنفذ االستراتيجي الوحيد لروسيا‬ ‫في الوطن العربي والشرق األوسط وسيكون هذا النظام معرضا‬ ‫للسقوط على نحو مباشر أو غير مباشر من جراء الضربة‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى الضرر الذي ال شك أنه سيصيب املكانة الروسية بسبب العجز‬ ‫عن حماية حليفها‪ ،‬وال يبقى لها سوى تزويده بالسالح إذا صمد‬ ‫للضربة وما بعدها‪ ،‬بسبب التداعيات السلبية لذلك على صورتها في‬ ‫املنطقة والعالم‪ .‬كما أن استعمال أوباما للقوة العسكرية ضد سوريا‬ ‫سيضع روسيا في موقف صعب في ما يخص صورتها في املنطقة‪،‬‬ ‫إذ ستظهر موسكو مجددا في مظهر الحليف الذي ال يستطيع منع‬ ‫العدوان على حلفائه (مصر ‪ ،1967‬العراق ‪ ،2003‬ليبيا ‪ 2011‬وسوريا‬ ‫‪ .)2013‬إذن تقع مصالح روسيا بني حدين‪ :‬عدم الرغبة باملواجهة‬

‫الرئيس السوفيتي مخائيل‬ ‫غورباتشوف و الرئيس األميركي‬ ‫رونالد ريغان ‪ -‬يونيو ‪1988‬‬

‫‪,,‬‬

‫سلوك موسكو‬ ‫نحو دمشق‬ ‫يأتي اتساقا مع‬ ‫تاريخ البلدين‬ ‫إذ أنقذت سوريا‬ ‫ومدت لها يد‬ ‫العون وطوق‬ ‫النجاة في‬ ‫أعوام‪1956 :‬‬ ‫‪1973 1967‬‬ ‫‪ 1982‬و‪1983‬‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪11‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫الروسي ديمتري ميدفيديف في ‪ 2010‬جرى الحديث فيها عن‬ ‫الشراكة االستراتيجية بني البلدين‪.‬‬ ‫وكانت سوريا دولة مستوردة لألسلحة الروسية لفترة طويلة‪ ،‬وما‬ ‫حصل بعد مجيء بشار األسد وبوتني إلى السلطة في عام ‪2000‬‬ ‫هو ازدياد تجارة األسلحة بني البلدين بصورة مكثفة‪ .‬ووفقا لـ«معهد‬ ‫ستوكهولم الدولي ألبحاث السالم»‪ ،‬شكلت روسيا ‪ 78‬في املائة من‬ ‫مشتريات سوريا من األسلحة بني عامي ‪ 2007‬و‪ .2012‬كما وصلت‬ ‫مبيعات األسلحة الروسية إلى سوريا بني عامي ‪ 2007‬و‪ 2010‬إلى‬ ‫‪ 7.4‬مليار دوالر‪ .‬ووفقا لصحيفة «موسكو تايمز»‪ ،‬فإنه فضال عن‬ ‫األسلحة‪ ،‬استثمرت الشركات الروسية ما مجموعه ‪ 20‬مليار دوالر‬ ‫في سوريا منذ عام ‪ ،2009‬علما بأن حجم التبادل التجاري بني‬ ‫الدولتني عام ‪ 2008‬تجاوز ملياري دوالر‪.‬‬

‫حافظ األسد وليونيد برجنيف‬ ‫بعد التوقيع على معاهدة‬ ‫الصداقة ‪ 8‬أكتوبر عام ‪1980‬‬

‫‪,,‬‬

‫وقع ليونيد‬ ‫برجنيف‬ ‫معاهدة‬ ‫صداقة‬ ‫وتعاون‬ ‫بني االتحاد‬ ‫السوفياتي‬ ‫وكل من سوريا‬ ‫وإيران مدتها‬ ‫‪ 20‬عامًا‬

‫‪,,‬‬

‫‪10‬‬

‫وفي مرحلة الحقة طرحت سوريا والعراق ‪ -‬وكان يحكمهما حزب‬ ‫البعث العربي االشتراكي ‪ -‬كبديل عن خروج االتحاد السوفياتي من‬ ‫مصر‪ ،‬فتدفق السالح إلى هذين البلدين‪ ،‬وقدمت القيادة السوفياتية‬ ‫دعما سياسيا لسوريا في املحافل الدولية‪ ،‬كما منحت الدعم السياسي‬ ‫والعسكري في مواجهتها إلسرائيل تحديا للدعم الكبير الذي كانت‬ ‫تتلقاه األخيرة من الواليات املتحدة وبعض الدول الغربية‪.‬‬

‫حافظ األسد و ليونيد برجنيڤ‬ ‫وفي عام ‪ 1963‬أقيم مركز الدعم املادي التقني لألسطول البحري‬ ‫السوفياتي سابقا والروسي حاليا في ميناء طرطوس السوري كأحد‬ ‫أشكال العالقات االستراتيجية بني البلدين‪.‬‬ ‫وقد تعززت العالقات بني البلدين بعد وصول الرئيس السوري‬ ‫الراحل حافظ األسد إلى الحكم عام ‪ ،1970‬حيث لجأ الكرملني بعد‬ ‫طرد الخبراء السوفيات (‪ 16‬ألف خبير) من مصر عام ‪ ،1972‬إلى‬ ‫بلد آخر في الشرق األوسط هو سوريا التي يحكمها حزب البعث‬ ‫العربي االشتراكي‪ ،‬فتدفق السالح إليها إضافة إلى الدعم السياسي‬ ‫في املحافل الدولية‪.‬‬ ‫ووقع حافظ األسد وليونيد برجنيف في ‪ 8‬أكتوبر(تشرين االول) عام‬ ‫‪ 1980‬معاهدة صداقة وتعاون بني البلدين مدتها ‪ 20‬عامًا‪ ،‬واتفاقية‬ ‫مشابهة مع إيران بعد الثورة التي قادها آية الله الخميني عام ‪.1979‬‬

‫وتمثل سوريا موطئ القدم األكثر أهمية في املنطقة بالنسبة لروسيا‪،‬‬ ‫كما أنها تعتبر ذات أهمية رئيسة في حسابات بوتني‪ .‬فموقع سوريا‬ ‫الجيوبوليتيكي يجعلها ذات أهمية كبرى من أن ُيسمح بخسارتها‪،‬‬ ‫وساد اعتقاد مفاده أن «الحرب ضد اإلرهاب»‪ ،‬سواء على األراضي‬ ‫السورية أو في منطقة القوقاز‪ ،‬وإن طال أمدها‪ ،‬تعتبر مفروضة على‬ ‫روسيا وسوريا في آن‪ ،‬ومن الطبيعي‪ ،‬في ظل التخوف من عودة‬ ‫املقاتلني من سوريا إلى القوقاز‪ ،‬أن تعتبر روسيا الجبهة السورية‬ ‫خطها الدفاعي األول‪ .‬فسوريا اليوم تستقطب آالفا منهم‪ ،‬يسعون إلى‬ ‫«االستشهاد»‪ .‬وقد أكد هذا املعني وزير الخارجية األميركي األسبق‬ ‫هنري كيسنجر‪ ،‬في ‪ 17‬سبتمبر (أيلول) الحالي‪ ،‬عندما قال في‬ ‫مقابلة مع قناة «سي إن إن» األميركية ردا على سؤال حول حقيقة‬ ‫موقف موسكو وما يريده الرئيس الروسي‪ ،‬إن «بوتني يعتبر أن‬ ‫اإلسالم املتشدد هو التهديد األمني األكبر لبالده»‪ ،‬مضيفا‪« :‬بحسب‬ ‫مراقبتي فإن مصدر القلق األكبر في سوريا بالنسبة إلى بوتني هو‬ ‫إمكانية تسبب هذا النزاع في زيادة التشدد في املنطقة وليس حماية‬ ‫شخص بعينه» في إشارة إلى بشار األسد‪.‬‬ ‫وعلى العموم فإن املصلحة الروسية في األزمة السورية تتعلق هذه‬ ‫املرة بمسألة بالغة األهمية‪ ،‬فمن ناحية أولى‪ ،‬هناك حاجة لروسيا‪،‬‬ ‫في ظل والية ثالثة لبوتني‪ ،‬إلى استعادة مكانة الئقة كدولة عظمى في‬ ‫النظام الدولي‪ ،‬ويبدو أن الرئيس فالديمير بوتني بحاجة إلثارة النعرات‬ ‫القومية لدى الشعب الروسي وفي الوقت نفسه إبهار الروس بعودة‬ ‫الدول الكبرى للوقوف على أبواب موسكو متوسلة حال ألزمة دولية‪.‬‬ ‫ومن ناحية ثانية يبدو بوتني حريصا على عدم تكرار ما يعتبره‬ ‫«خديعة» أو «خيانة» لبالده عندما استخدمت دول غربية قرارا إلقامة‬ ‫منطقة حظر جوي (قرار مجلس األمن رقم ‪ )1973‬للتدخل عسكريا‬ ‫من أجل إسقاط نظام القذافي واستبعاد موسكو مما يعتبره «غنائم»‬ ‫تقاسمتها تلك الدول‪ .‬ومن ناحية ثالثة يبدو أن الروس يلتزمون أو‬ ‫باألحرى مدعومون بموقف توافقت عليه مجموعة الدول الناهضة‬ ‫املعروفة باسم «بريكس»‪ ،‬هذا املوقف يقضي بضرورة إثبات حق‬ ‫املجموعة في املشاركة في قيادة النظام الدولي واستعادة نوع من‬ ‫التوازن إلى العالقات الدولية‪.‬‬

‫وقد نشطت هذه العالقات بني موسكو ودمشق بصورة أكبر عام املبادرة الروسية‪ ..‬املضمون واملالبسات‬

‫‪ 2005‬وفي عهد الرئيس الحالي بشار األسد عندما لجأ السوريون‬ ‫إلى الحليف الروسي لشطب ديون دمشق التي تجاوزت ‪ 13‬مليار‬ ‫دوالر في عام ‪ ،1992‬حيث وقع البلدان اتفاقية شطبت موسكو‬ ‫بموجبها ‪ 75‬في املائة من ديون سوريا‪.‬‬ ‫وقد زار بشار األسد روسيا منذ توليه الحكم صيف عام ‪،2000‬‬ ‫ثالث مرات (‪ )2008-2006-2005‬مقابل زيارة واحدة قام بها الرئيس‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫في التاسع من سبتمبر املنصرم‪ ،‬وفي ذروة استعداد الرئيس‬ ‫األميركي لتوجيه ضربة عسكرية عقابا للنظام السوري الستخدامه‬ ‫األسلحة الكيماوية ضد املدنيني في مدينة «الغوطة» الشرقية في ريف‬ ‫دمشق في ‪ 21‬أغسطس (آب) املاضي‪ ،‬تقدمت روسيا بمبادرة تسوية‬ ‫سياسية لألزمة قبل ساعات من بدء مناقشة الكونغرس األميركي‬ ‫التفويض الذي طلبه أوباما لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا‪ ،‬والخطوط‬


‫غربا بسبب توسع حلف األطلسي نحو دول الجوار القريب في أوروبا‬ ‫الشرقية‪ ،‬التي كانت تشكل مع االتحاد السوفياتي السابق كتلة حلف‬ ‫وارسو‪.‬‬

‫السياسة «البوتينية»‬

‫خطة استراتيجية لتعزيز قدراتها البحرية الضاربة في املياه الدولية‪،‬‬ ‫مع توسيع قطعاتها األساسية بكلفة تزيد على ‪ 70‬مليار دوالر‪،‬‬ ‫وخالل تدشني فئة الغواصات الروسية الجديدة األولى‪ ،‬التي جرت في‬ ‫‪ 10‬يناير (كانون الثاني) ‪ ،2013‬قال بوتني‪« :‬أود أن أؤكد مجددا أن‬ ‫تطوير قوة بحرية قوية فعالة هو واحد من أولويات روسيا الرئيسة»‪.‬‬

‫وفي الفترة الثانية من رئاسة فالديمير بوتني‪ ،‬وخصوصا خالل ملاذا تدعم روسيا سوريا؟!‬

‫مؤتمر األمن في ميونيخ عام ‪ ،2007‬كشف الرئيس الروسي أن روسيا‬ ‫غير راضية عن سياسة الواليات املتحدة األميركية إزاء أهداف روسيا‬ ‫ّ‬ ‫على الصعيد العاملي‪ ،‬حيث أكد آنذاك رفضه للقطبية الدولية الواحدة‬ ‫ولالنفراد األميركي بتقرير مصير العالم‪ّ ،‬‬ ‫مما اعتبر حينها نقطة‬ ‫ّ‬ ‫تحول في سياسة موسكو ما بعد سقوط االتحاد السوفياتي‪ ،‬الذي‬ ‫عده بوتني أكبر «كارثة جيو ‪ -‬استراتيجية» خالل القرن العشرين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ومنذ ذلك التاريخ‪ ،‬تنظر روسيا إلى السياسة األميركية على أنها‬ ‫مصدر خطر مباشر على املصالح الروسية‪ .‬لكن السياسة الروسية‬ ‫ً‬ ‫«البوتينية» ّلم تكن بالضرورة عودة إلى أجواء الحرب الباردة وإلى‬ ‫سباق التسلح بني موسكو وواشنطن‪ ،‬بل من خالل السير بخطى‬ ‫ثابتة‪ ،‬ولو بطيئة‪ ،‬الستعادة بعض مواقع النفوذ التي فقدتها موسكو‬ ‫عقب سقوط االتحاد السوفياتي‪.‬‬ ‫اآلن تعود موسكو غير الشيوعية إلى منطقة «الشرق األوسط» وهي‬ ‫دولة كبرى قادرة على املنح واملنع معا‪ .‬وبعد نحو شهر من رئاسته‬ ‫الثالثة‪ ،‬كتب بوتني في صحيفة «الشعب» الصينية عشية زيارته لبكني‬ ‫في يونيو ‪ ،2012‬مقاال بتوقيعه جاء فيه أنه «دون مراعاة مصالح‬ ‫روسيا والصني ومشاركتهما املكثفة لن تسوى قضية في العالم وال‬ ‫شيء سيتغير»‪ .‬هذا املقال حمل أكثر من إشارة‪ ،‬ألنه يصدر ملناسبة‬ ‫زيارة الصني‪ ،‬التي فضل فالديمير بوتني القيام بها على االستجابة‬ ‫لدعوة من أوباما للمشاركة في قمة الثمانية في كامب ديفيد‪ .‬وقد‬ ‫سيطرت أجواء الحرب الباردة مع الغرب مجددا على تحركات القيادة‬ ‫العسكرية الروسية‪ ،‬إذ أعلنت موسكو في يوليو (تموز) ‪ ،2012‬عن‬

‫يدعو املوقف الروسي حيال األزمة في سوريا إلى التساؤل عن‬ ‫األسباب والحيثيات التي جعلت قادة روسيا االتحادية يتعاملون‬ ‫معها وكأنها القضية األهم واألكثر حساسية بالنسبة إليهم في‬ ‫منطقة الشرق األوسط‪ ،‬ويؤثرون سلبا على مسار تطور األحداث‪،‬‬ ‫حيث أعلنوا منذ اليوم األول الندالع االنتفاضة السورية‪ ،‬في منتصف‬ ‫مارس ‪ ،2011‬وقوفهم القوي إلى جانب النظام السوري بكل‬ ‫إمكاناتهم الدبلوماسية والسياسية واللوجستية‪ ،‬وتبني وجهة نظره‬ ‫وطريقة تعامله مع األوضاع الدامية واملتفاقمة‪ .‬ولم يعط الروس الجانب‬ ‫اإلنساني واألخالقي أي اهتمام يذكر‪ ،‬على الرغم من سقوط أكثر من‬ ‫‪ 100‬ألف من الضحايا‪.‬‬ ‫وفي الواقع يجد الدعم املتنامي للنظام السوري من قبل روسيا مبرراته‬ ‫في العالقات التاريخية التي جمعت البلدين‪ ،‬وفي مستوى التعاون‬ ‫االقتصادي والعسكري الذي بلغته الدولتان‪ ،‬وتقف املصالح الروسية‬ ‫في سوريا حائال أمام أي محاولة الستمالة موسكو لتغيير موقفها‬ ‫من أزمة سوريا‪ .‬وبالعودة إلى بدايات هذه العالقة يتبني أن االتحاد‬ ‫السوفياتي كان من أوائل الدول التي أعلنت اعترافها بسوريا وأقامت‬ ‫عالقات دبلوماسية معها عقب استقاللها ‪ ،1946‬وأصرت موسكو ‪-‬‬ ‫رغم مقاومة بريطانيا وغيرها من الدول الغربية ‪ -‬على إدراج سوريا‬ ‫في قائمة الدول املؤسسة لهيئة األمم املتحدة‪ .‬وأيد االتحاد السوفياتي‬ ‫بصفته عضوا دائما في مجلس األمن الدولي عام ‪ ،1946‬مطلب‬ ‫سوريا بسحب القوات البريطانية والفرنسية من أراضيها‪.‬‬

‫الرئيس باراك أوباما‬ ‫ونظيره الروسي فالديمير بوتني‬

‫‪,,‬‬

‫العالم يشهد‬ ‫اليوم هبوطا‬ ‫متدرجا لدور‬ ‫اإلمبراطورية‬ ‫األميركية‬ ‫مقابل تصاعد‬ ‫ملحوظ‬ ‫لدور روسيا‬ ‫والصني‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪9‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫يبدو ان روسيا التي ترفض بشدة استخدام الواليات املتحدة القوة العسكرية ضد حليفتها سوريا تحاول استعادة‬ ‫تاريخها كقوة عظمى في منطقة الشرق االوسط بعد أكثر من ‪22‬عاما من سقوط االتحاد السوفياتي‪ ،‬الذي عده‬ ‫الرئيس الروسي فالدمير بوتني أكبر «كارثة جيو ‪ -‬استراتيجية» خالل القرن العشرين‪.‬وكشف بوتني أن روسيا غير‬ ‫ّ‬ ‫راضية عن سياسة واشنطن إزاء أهداف موسكو على الصعيد العاملي‪،‬وأكد رفضه للقطبية الدولية الواحدة ولالنفراد‬ ‫األميركي بتقرير مصير العالم‪.‬‬

‫هل تسترجع روسيا تاريخها السوفياتي في الشرق األوسط؟‬

‫حلفاء روسيا‪ ..‬وإرث بريجنيف‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫أحمد دياب *‬

‫‪,,‬‬

‫يبدو أن بوتني‬ ‫بحاجة إلثارة‬ ‫النعرات‬ ‫القومية‬ ‫لدى الشعب‬ ‫الروسي‬ ‫وإبهار الروس‬ ‫بعودة الدول‬ ‫الكبرى‬ ‫للوقوف على‬ ‫أبواب موسكو‬ ‫متوسلة حال‬ ‫ألزمة دولية‬

‫‪,,‬‬

‫‪8‬‬

‫كثيرا ما تعمد أدبيات الخطاب السياسي والدبلوماسي إلى‬ ‫اللجوء‪ ،‬بصورة مجازية‪ ،‬إلى تشبيه الحيوانات وطباعها‬ ‫لوصف العديد من الدول واإلمبراطوريات في سياساتها‬ ‫وتحركاتها أو منافساتها وصراعاتها‪ ،‬على األقل خالل القرنني‬ ‫األخيرين‪ ،‬فهذا الحوت اإلنجليزي وذاك التمساح األملاني‪ ،‬وهذا التنني‬ ‫(الحيوان الخرافي) الصيني‪ ،‬وتلك النمور اآلسيوية‪.‬‬ ‫وذاك النسر (أو الفهد) األميركي وذاك الدب الروسي‪ .‬لكن املالحظ أن‬ ‫نصيب «الدب الروسي» من هذه التوصيفات االستعارية قد حظي‬ ‫بشهرة واسعة عبر التاريخ‪ ،‬ليس ألنه يحتل بمساحته الجغرافية‬ ‫الهائلة في أقصى الشمال القارص حيث موطن ومعاش الدببة القطبية‪،‬‬ ‫أو ألنه يشكل بضخامته وضراوته معا مركز الهيمنة أو السيطرة في‬ ‫منطقة نفوذه التي ال يقبل فيها نقاشا أو منافسة‪ ،‬بل ألن هذا الوصف‬ ‫يأتي في أحايني كثيرة على سبيل القدح والذم أو التقريع والتوبيخ‬ ‫في وصف التحركات السياسية والعسكرية الروسية‪ ،‬ونزع صفة‬ ‫العقالنية والتحضر عنها‪ ،‬وتصويرها على أنها سياسات حمقاء‬ ‫وبوهيمية تحكمها الغريزة والشهوة وليس العقل أو الحكمة‪.‬‬ ‫ويبدو أن قصة الحيوانات وطباعها لم تغادر مسرح السياسة الدولية‪،‬‬ ‫وعندما أعطت غير ذلك من االنطباع فقد كان لوهلة قصيرة‪ ،‬فبعد‬ ‫سبات ونوم عميق دام ما يقرب من ربع قرن‪ ،‬آفاق الدب الروسي‬ ‫وكشر عن أنيابه وصار يملك زمام األمور الكامل في واحدة من أبرز‬ ‫األزمات الدولية الراهنة‪ ،‬األزمة السورية‪ ،‬فمن يريد الوصول إلى دمشق‬ ‫لغرض يتعلق باألزمة الراهنة يتعني عليه املرور بموسكو‪ ،‬إذ صارت‬ ‫روسيا رقما صعبا في املعادلة السورية‪ ،‬ال يمكن استبعاده أو تجاهله‪،‬‬ ‫وعقبة ال يمكن تخطيها بالقوة أو القفز فوقها‪ ،‬ونجحت مؤخرا عبر‬ ‫املبادرة التي طرحتها لتفكيك ووضع الترسانة الكيماوية السورية‬ ‫تحت الرقابة الدولية من إنقاذ رقبة األسد من ضربة عسكرية أميركية‬ ‫موجعة‪ ،‬قد تطيح به من السلطة‪ ،‬أو تضعفه في مواجهة املعارضة‬ ‫املسلحة‪ ،‬وعلى الرغم من أن روسيا تقيم عالقاتها اآلن على مبدأ‬ ‫املصالح والبرغماتية‪ ،‬وليس على املبادئ واآليديولوجيا‪ ،‬فإن سلوكها‬ ‫نحو دمشق يأتي اتساقا مع تاريخ البلدين‪ ،‬إذ أنقذت موسكو دمشق‬ ‫ومدت لها يد العون وطوق النجاة في أعوام‪،1973 ،1967 ،1956 :‬‬ ‫‪ ،1982‬و‪ .1983‬لكن هذه املبادرة خلطت أوراق اإلدارة األميركية‪ ،‬وإن‬ ‫كانت قد حفظت ماء وجهها‪ ،‬خاصة في ظل الصعوبات السياسية‬ ‫والعسكرية التي تكتنف مسألة ضرب سوريا‪ .‬وفي الواقع تعكس‬ ‫املبادرة الروسية براعة الكرملني في محاولته الدفاع عن مصالح‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫روسيا الجيو ‪ -‬سياسية واالقتصادية في منطقة الشرق األوسط‪.‬‬ ‫ولكن هذه املبادرة ليست نهاية املطاف بالنسبة إلى األزمة السورية‬ ‫التي ستتواصل في الفترة املقبلة‪ ،‬حتى يتم التوصل إلى حل سياسي‬ ‫يتضمن تنازالت متبادلة من جميع األطراف الدولية واإلقليمية‪.‬‬

‫صحوة الدب الروسي‬ ‫في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وتفكك االتحاد السوفياتي السابق‬ ‫في ديسمبر (كانون األول) ‪ ،1991‬بدأت السياسة الخارجية الروسية‪،‬‬ ‫وعلى مدى عامني تقريبا‪ ،‬توافقا واستجابة مع املواقف الغربية‬ ‫وبدأت روسيا في االنسحاب من بعض املواقع التي كان وجودها‬ ‫فيها يمثل نوعا من التحدي املوجه للغرب‪ ،‬بل إن روسيا يلتسني‬ ‫رغم كل روابطها مع الصرب صوتت ملصلحة العقوبات االقتصادية‬ ‫ضد يوغوسالفيا السابقة بسبب أزمة البوسنة ولكن مع نهاية عام‬ ‫‪ ،1993‬بدأت السياسة الخارجية الروسية تتعرض لنقد عنيف من‬ ‫جانب تيارات عدة داخل روسيا نفسها‪ ،‬اتهمتها بالخضوع للغرب‪،‬‬ ‫والتضحية باملصالح الروسية وخيانة ارتباطات روسيا مع أصدقائها‬ ‫وبفقدانها لهيبتها ومكانتها الدولية على هذا النحو‪ ،‬كان صعبا على‬ ‫روسيا االستمرار في سياسة التعاون مع الغرب‪ ،‬ولم يمض وقت‬ ‫طويل حتى تخلت روسيا عن تلك السياسة واختارت العودة إلى‬ ‫معظم املراكز التي تخلت عنها‪ ،‬سياسة قائمة على تدرج في األولويات‬ ‫أسوة بالدول العصرية األخرى وليس إخضاعا لهيمنة مظلة املواجهة‬ ‫اآليديولوجية كما كان سائدا خالل فترة الحرب الباردة ولتضع على‬ ‫قمتها محاولة إحالل التعددية القطبية محل هيمنة «القطب األوحد»‬ ‫األميركي‪.‬‬ ‫وقد تبلور هذا االتجاه بصورة واضحة بعد تولي بوتني للرئاسة‬ ‫باإلنابة بعد استقالة يلتسني في ‪ 31‬ديسمبر ‪ ،1999‬ثم رسميا بعد‬ ‫انتخابه في مارس (آذار) ‪ 2000‬ونجاحه في فرض السيطرة الروسية‬ ‫على الشيشان وإعادة االعتبار لهيبة الدولة الروسية‪.‬‬ ‫وفى أواخر يونيو (حزيران) ‪ ،2000‬أفصحت روسيا عن املبادئ‬ ‫الرئيسة لسياستها الخارجية‪ ،‬جاء في مقدمتها إعطاء األولوية‬ ‫لتطوير دور روسيا في عالم متعدد األقطاب ال يخضع لهيمنة قوة‬ ‫عظمى واحدة‪ ،‬باإلضافة إلى البعد اآلسيوي فيما يتعلق بمصالح‬ ‫روسيا في منطقة أوراسيا من خالل تقوية الروابط مع الصني والهند‬ ‫والعاملني العربي واإلسالمي‪ ،‬بعد أن سدت األبواب في وجه روسيا‬


‫الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد‬ ‫د‪.‬ماثيو ليفيت‪ :‬مدير برنامج "ستاين" ملكافحة‬ ‫اإلرهاب واالستخبارات بمعهد واشنطن لسياسة‬ ‫الشرق األدنى‪ .‬شغل منصب نائب مساعد وزير‬ ‫االستخبارات والتحليل في وزارة الخزانة األميركية‬ ‫من عام ‪ 2005‬إلى ‪ ، 2007‬ومستشار مكافحة اإلرهاب‬ ‫بوزارة الخارجية في الفترة ‪.2009-2008‬‬

‫عبد الرحمن عبدالعزيز الهزاع‪ :‬رئيس هيئة اإلذاعة‬ ‫والتلفزيون في السعودية‪،‬سبق أن عمل مديرًا عامًا‬ ‫ً‬ ‫للقناة السعودية األولى‪ ،‬فوكيال مساعدًا لوزارة‬ ‫الثقافة واإلعالم لشؤون التلفزيون‪ ،‬واإلعالم الداخلي‪،‬‬ ‫ومتحدثًا رسميًا باسمها‪.‬‬

‫د‪ .‬حسني إيبش‪ :‬كاتب في صحف اميركية‬ ‫وبريطانية‪ ،‬وزميل بارز في فريق العمل األميركي من‬ ‫أجل فلسطني‪ .‬املدير التنفيذي ملؤسسة "سالم" للقيادة‬ ‫العربية األميركية ‪ .2009-2004‬ومدير االتصاالت‬ ‫في لجنة مكافحة التمييز األمريكية العربية‪ ،‬ونائب‬ ‫رئيس االئتالف الوطني لحماية الحرية السياسية‪.‬‬

‫د‪ .‬حسن أبو طالب‪ :‬استاذ العلوم السياسية بجامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬كاتب ومحلل سياسي‪ ،‬مديرعام معهد‬ ‫األهرام اإلقليمي للصحافة‪ .‬باحث اكاديمي واملستشار‬ ‫العلمي بمركز الدراسات السياسية واالستراتيجية‬ ‫باالهرام‪.‬‬

‫د‪ .‬إيلي فواز‪ :‬كاتب ومحلل سياسي وباحث اكاديمي‬ ‫‪،‬مستشار في وسائل اإلعالم واالتصاالت اللبنانية‪.‬‬ ‫يكتب عمودا أسبوعيا في "لبنان اآلن" و"ديللي‬ ‫ستار"‪.‬شارك في تأليف كتاب "لبنان‪ :‬التحرير‬ ‫والصراعات واألزمات في الشرق األوسط (تحت‬ ‫املجهر)"‪.‬‬

‫عزت إيراهيم‪ :‬كاتب ومحلل سياسي متخصص في‬ ‫الشؤون األميركية ‪ ،‬مدير مكتب مؤسسة «األهرام»‬ ‫في واشنطن ونيويورك من ‪ .2013 – 2010‬زميل زائر‬ ‫بالكونغرس األميركي وباحث بمؤسسة «بروكينجز»‬ ‫لألبحاث‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫‪7‬‬


‫المحتوى‬

‫هل تسترجع روسيا تاريخها‬ ‫السوفياتي في الشرق األوسط؟‬

‫حلفاء روسيا‪..‬‬ ‫وإرث بريجنيف‬

‫اإلخوان املسلمون‬ ‫يبدأون من جديد‬ ‫في سوريا‬

‫صراع البقاء‬

‫تأثير تراجع العالقات املصرية األميركية‬ ‫على مكتسبات كامب ديفيد‬

‫الورقة البيضاء‬

‫قصة متجذرة شائكة‪..‬‬ ‫وحكاية لها بصمات‬

‫«حزب الله البحرين»‬

‫تحالف تقوده إيران‬ ‫يتألف من قوى‬ ‫شيعية وسنية‬

‫نهاية محور‬ ‫املقاومة‬

‫رؤية املرشد األعلى للعالم‬

‫من هو علي خامنئي؟‬ ‫‪6‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬



‫االفتتاحية‬

‫رساله المحرر‬ ‫أنتجت األعوام العشرة األخيرة التالية لهجمات ‪ 11‬سبتمبر (أيلول) اإلرهابية ضد الواليات املتحدة األميركية‬ ‫خرافتني أصبحتا تحددان الثقافة السياسة األميركية والعربية وهما «محور الشر»‪ ،‬و«محور املقاومة»‪ ،‬هذان‬ ‫الوهمان تخلى عنهما واضعوهما بعد ذلك أو ثبت عدم وجود معنى لهما مع تطور األحداث‪ ،‬هكذا يؤكد‬ ‫الدكتور حسني إيبش‪ ،‬املدير التنفيذي في مؤسسة «سالم» للقيادة العربية األميركية ضمن موضوع الغالف‬ ‫الذي تطرحه «املجلة» للنقاش والتحليل حول «أوهام املقاومة في الشرق األوسط» وتداعياتها على املنطقة‪.‬‬ ‫في مقال آخر يتحدث الكاتب والخبير األميركي في شؤون اإلرهاب ماثيو ليفيت‪ ،‬عن مقاومة «حزب الله»‬ ‫باعتبارها قد تحولت ملشروع طموح يهدف إلى التوسع والتمدد‪ ،‬ينعكس ذلك من شعار علمه‪ ،‬حيث صورة‬ ‫الكرة األرضية إلى جانب قبضة تمسك ببندقية‪.‬‬ ‫ويؤكد ليفيت بأن حزب الله يستخدم إسرائيل شماعة ليبرر االحتفاظ بسالحه‪ ،‬ومتى ما ضعفت القناعة‬ ‫لدى الجمهور بهذه الحقيقة فإن حزب الله يسعى لتجديد أوراق اعتماده كحركة مقاومة من خالل البحث عن‬ ‫رجل قش إسرائيلي يضربه‪.‬‬ ‫وفي سياق آخر‪ ،‬يتناول الكاتب املصري حسن أبو طالب عالقة مصر بحماس‪ ،‬مؤكدا أنها لم تكن ودية قبل‬ ‫مبارك وأثناء حكمه إال نادرا‪ ،‬لكنها تحسنت كثيرا في عهد الرئيس املعزول‪ ،‬حيث عد العام الذهبي بالنسبة‬ ‫لحماس في عالقتها مع مصر‪ ،‬إذ نشطت األنفاق في تهريب السلع املدعومة‪ ،‬إلى داخل غزة‪ ،‬وتسلل إلى مصر‬ ‫مجموعات كبيرة من املتطرفني والتكفيريني‪.‬‬ ‫وفي موضوع آخر‪ ،‬يتحدث رافاييل لوفيقر عن فرص اإلخوان املسلمني للعودة ومللمة أوضاعهم من خالل‬ ‫بوابة سوريا‪ ،‬حيث تسعى الجماعة إلى تحسني فرصها ونفوذها من خالل إجراءات متعددة تعيد ترميم‬ ‫بيتها الداخلي بعد ‪ 30‬سنة من املالحقة واإلبعاد خارج سوريا‪.‬‬ ‫وفي موضوع مطول طرحته مجلة «فورن أفيرز» في غالف عددها األخير ‪ -‬تنشره «املجلة» بالتزامن ‪ -‬تناول‬ ‫بالتفصيل رؤية املرشد األعلى للعالم‪ ،‬مجيبة على هذا السؤال «من هو علي خامنئي؟»‪ ،‬يكتبه الصحافي‬ ‫اإليراني أكبر جانجي‪ ،‬متتبعا سيرة املرشد منذ طفولته وشبابه وعالقته بالسيد الخميني‪ ،‬ودوره الفاعل في‬ ‫السياسية اإليرانية الراهنة‪.‬‬ ‫وفي سياق آخر‪ ،‬وبمناسبة مرور ثالث سنوات على رحيله‪ ،‬يتحدث الكاتب السوري هاشم صالح عن جهود‬ ‫املفكر العربي محمد أركون‪ ،‬وموقفه من اإلسالم السياسي‪ ،‬رابطا ذلك بتطورات الربيع العربي‪ ،‬ووصول‬ ‫الجماعات اإلسالمية للحكم‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها كثير على موقعنا ‪ majalla.com‬ونرحب دائما بآرائك‬ ‫وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا‪.‬‬

‫المحرر‬

‫‪4‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬


ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM Acting CEO of NASHR Co.

Omar A. Alshaikh ‫ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ‬

ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

^¤ 7yG* Ò* ^d<

‫اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of ‫ﺳﻜﺮﺗﲑ‬ NASHR Co. Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

¥E¢ 6^G* £ }H

ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting‫سكرتري‬ CEO of-NASHR ‫ م�صطفى الد�سوقي‬.‫ د‬:‫التحرير‬ ‫الر�شيد‬Co. ‫ عبد اهلل‬:‫مسؤول مكتب اخلليج‬

ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ΃ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ΍ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ΍ ΪϳήΒϟ΍ ϰϠϋ ΔϠγ΍ήϤϟ΍ ϰΟήϳ ˯΍έ΁ ϭ΃ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar A. Alshaikh

‫للمشاركة‬ ȝƾżȚǍƄŵȚ

‫كلمة‬ 800 ‫ جميع المقاالت يجب أال تزيد على‬:‫ ملحوظة‬editorial@majalla.com ‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني‬ ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ΍ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ΍ ΔόΒτϟ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ

‫اشتراكات‬ ϡΎψϧ ϱ΃ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ΃ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ΃ ϭ΃ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝ΍ϮΣϷ΍ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ΍ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ΍ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla :‫ لالشتراك في االلكترونية‬subscriptions@majalla.com :‫ يرجى االتصال بـ‬،‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‬ ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ΍ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϣ ϖΒδϣ ΢ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ΍ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ΃ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ΃ ΎϫήϳϮμΗ ϭ΃ Δϴϟ΁ ϭ΃ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ΃ ϭ΃ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ΃ ϲϋΎΟήΘγ΍ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ΍ ϙ΍ήΘηϻ΍ Ε΍έΎδϔΘγ΍

‫ وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام‬.‫ التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة‬2009 ‫حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة‬ ‫ لتلقي‬.ً‫ وتصدر المجلة شهريا‬.)‫استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة‬ www.majalla.com ‫ يرجى زيارة‬،‫استفسارات االشتراك الرقمي‬

LVVXH

$XJXVW

Ώ΁ βτδϏ΃ ΩΪόϟ΍

++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1588 - October 2013 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn,

London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310

ϰμμΨΘϟ΍ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ νΎϳήϟ΍ ΎϬϟ κΧήϣ 2013 ‫ تشرين األول‬-‫ أكتوبر‬1588 ‫العدد‬

$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ΍

ZZZ PDMDOOD FRP HQJ

‫ تقاطع التخصصى‬- ‫ طريق مكة‬- ‫ حي المؤتمرات‬- ‫الرياض‬

‫مرخص لها‬

A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 :‫ لندن‬- 4419933 ‫ هاتف‬:‫الرياض‬

www.majalla.com/eng KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ϝϭΪϟ΍ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϞΧ΍Ω Ϧϣ

hq@alkhaleejiah.com :‫ بريد إلكتروني‬،www.alkhaleejiah.com :‫موقع إلكتروني‬ +966 1 441 1444 : ‫ ومن مختلف الدول‬، +44 207 404 6950:‫ لندن‬، +331 537 764 00:‫ باريس‬،+9714 3 914440 :‫ دبي‬،920 000 417 : ‫من داخل المملكة‬

ϲϧϼϋϹ΍ ϞϴϛϮϟ΍ ‫الوكيل اإلعالني‬

ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ

ΕΎϛ΍ήΘηϹ΍ Ϟϴϛϭ

800-2440076 :‫ هاتف مجاني‬،www.arabmediaco.com :‫ موقع إلكتروني‬، info@arabmediaco.com :‫بريد إلكتروني‬

‫وكيل اإلشتراكات‬

ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ΍ ΔϴΑήόϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 1 2121774 :‫ فاكس‬+966 1 4419933 :‫ هاتف‬،11585 ‫ الرياض‬- 62116 ‫ب‬.‫ ص‬- ‫المؤتمرات‬ ‫وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي‬

www.saudidistribution.com :‫موقع إلكتروني‬

ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι

‫�شركات ن�شر‬ ‫شركات نشر‬

ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ

‫وكيل التوزيع‬

ΔϋΎΒτϟ΍ ΰϛήϣ

ΔϋϮϤΠϤϟ΍ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com

Saudi Specialized Publishing ‫املتخصص‬ ‫السعودية للنشر‬ ‫ الشركة‬Company www.sspc.com.sa

áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG

www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\

‫حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة‬

»‫لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم‬

ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ΍ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ΍ ϕϮϘΣ

©ϡϼϋϹ΍ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 ‫ يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني‬،‫المعلومات‬ ‫للحصول على المزيد من‬

»‫حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة‬


AN AMERICAN EDUCATION A BRITISH SETTING A GLOBAL FUTUR E A Since the 1970’s Richmond has been educating leading Middle Eastern families. Richmond’s unique style of personalised higher education ensures that students leave us with a dually accredited degree, that is recognised in the UK, the USA and worldwide.

+44 20 8133 2877 • enroll@richmond.ac.uk Visit www.richmond.ac.uk/al-majalla today to download our catalog and viewbook.


‫العدد ‪ 1588‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2013‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫عبد الرحمن الهزاع‪ :‬ح ّري باململكة �أن حتتفل‪ ،‬وح ّري ب�شعبها �أن يفرح‬ ‫رافاييل لوفيفر‪� :‬صراع البقاء‪..‬الإخوان امل�سلمون يبد�أون من جديد يف �سوريا‬ ‫غ�سان ال�شهابي‪ :‬ق�صة متجذرة �شائكة‪ ..‬وحكاية لها ب�صمات «حزب اهلل البحرين»‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪10‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪Issue 1588 October 2013‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.