مساواة مشروطة

Page 1


‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬


‫الكلمة الأخرية‬

‫عندما دعا امللك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين إلى حوار وطني بني مختلف مكونات املجتمع‬ ‫السياسي البحريني منذ عدة أشهر‪ ،‬فتح بذلك بابا واسعا للتوافق الوطني حول أفضل السبل الجامعة لرسم مالمح‬ ‫املستقبل لتطوير التجربة الديمقراطية الوليدة التي كان قد أرسى أسسها منذ بداية العقد املاضي والتي سبق بها‬ ‫موجة التغيير التي هبت على املنطقة العربية‪ ..‬ولذلك فإن هذا الحوار السياسي الذي تشارك فيه جميع األطراف ‪ -‬رغم‬ ‫تعثره بسبب تعليق الجمعيات املعارضة مشاركتها فيه قبل عدة أسابيع ‪ -‬يظل السبيل الوحيدة أمام البحرينيني‪،‬‬ ‫للوصول إلى ما يمكن أن نسميه «الوسط السعيد» الجامع لإلرادة املشتركة لبناء وتعزيز نموذجهم الديمقراطي‬ ‫املالئم ألوضاعهم‪ ،‬بعيدا عن اإلسقاطات أو استجالب النماذج الجاهزة‪.‬‬ ‫ولقد أثبت التاريخ أن البحرينيني قادرون على التوافق كلما اجتمعوا على كلمة سواء‪ ،‬انطالقا من ثوابتهم الجامعة‬ ‫التي أمنت خالل القرنني املاضيني من عمر الدولة البحرينية الحديثة استقرارهم وعيشهم املشترك‪ ،‬في ظل الدولة‬ ‫الخليفية املؤسسة والضامنة لوحدة املجتمع ونمائه‪ ،‬فلم يكن هنالك بديل عن الحوار في أي مرحلة من مراحل‬ ‫التطور السياسي للدولة‪ ،‬ألنه جدلية الحياة‪ ،‬وهو اللغة اليومية التي يتكلمها أهل البحرين تلقائيا‪ ،‬يتحاورون كل‬ ‫لحظة مع أنفسهم ومع اآلخرين‪ ،‬مع كل من تتقاطع بينهم وبينه خطوط الحياة‪ ،‬وقد تتطور بينهم املصالح أو‬ ‫التناقضات‪ ،‬فما بالك إذا كان الحوار مع من يجمعنا بهم الوطن والتاريخ واملصير املشترك‪.‬‬

‫بقلم‪ :‬د‪ .‬ماجد بن‬ ‫علي النعيمي *‬

‫لقد بذلت القيادة في البحرين كل جهد ممكن إلنجاح الحوار الوطني‪ ،‬وأسهمت بشكل مباشر في اختصار املسافة‬ ‫نحو فتح الطريق إليه‪ ،‬وتعزيز الثقة بني مكونات املجتمع السياسي‪ ،‬وإفساح املجال أمام أبناء الوطن للمساهمة‬ ‫في مسيرة التنمية‪ ،‬وانتقلت بذلك مسؤولية إنجاح الحوار إلى القوى السياسية‪ .‬وعلى الرغم من استمرار تعليق‬ ‫املعارضة ملشاركتها في هذا الحوار الوطني حتى اللحظة‪ ،‬فإن بقية األطراف املشاركة فيها ظلت مصرة على اإلبقاء‬ ‫على بابه مشرعا واستمرت في اللقاءات التشاورية لحني عودة اإلخوة في الجمعيات املعارضة إلى الطاولة‪ ،‬وذلك‬ ‫إيمانا منها أن الحوار منهج إنساني ومنهج قرآني ومنهج إصالحي وطريقنا األسلم للوصول إلى رؤية مشتركة‬ ‫وتوافق يراعي املصلحة الوطنية ويؤمن عيشنا املشترك‪ .‬ولكن يبقى السؤال‪ :‬كيف نوظف هذا الحوار وكيف نحميه‬ ‫ونضمن استمراره من أجل الوصول إلى اللحظة املنشودة؟ وكيف نتمكن من إدارته حتى يكون مثمرا وإيجابيا؟‬ ‫إن ضمان العودة إلى طاولة الحوار مسؤولية من اختاروا تعليق املشاركة فيه دون مبرر‪ ،‬ونتمنى أن يكونوا قادرين‬ ‫على مراجعة أنفسهم والتراجع عن هذه الخطوة الخاطئة‪ ،‬فمن بني الشروط البديهية للحياة الديمقراطية‪ ،‬اعتبار‬ ‫الحوار الدائم األداة الوحيدة واألساسية للتفاهم داخل املجتمع‪ ،‬واعتبار‬ ‫كل حوار في العمل السياسي العاقل مفتوحا بالضرورة على الحلول‬ ‫التوافقية‪ ،‬فال يمكن ألي أمر أن يكون مقبوال أو قابال لالستمرار إال إذا‬ ‫حصل حوله توافق‪ ،‬مثل ذلك الذي حصل في فبراير (شباط) من عام‬ ‫‪2001‬م عندما أجمع شعب البحرين على ميثاق العمل الوطني بنسبة‬ ‫تصويت بلغت ‪ 98.4‬في املائة‪ ،‬ولذلك كان وما يزال الوثيقة الجامعة‬ ‫واملرجعية الشاملة التي ال غنى عنها في أي حوار‪ ،‬وفي أية مراجعة لخياراتنا السياسية ولنموذجنا االجتماعي ‪-‬‬ ‫السياسي في الحاضر وفي املستقبل‪.‬‬

‫الحوار الوطني وإن طال السفر‬

‫إن الحوار السياسي يقتضي وجود سياسيني يمتلكون من الوعي والخبرة ما يجعلهم مدركني للعواقب ولشروط‬ ‫العمل السياسي وحدوده وثوابته‪ ،‬ومؤمنني بضرورة الوصول إلى الحلول التوافقية بالحوار فقط‪ ،‬مراعني في كل‬ ‫ذلك املصلحة الوطنية قبل مصالح جمعياتهم السياسية‪ ..‬ولذلك فإن أغلبية األطراف السياسية تجمع اليوم على‬ ‫حتمية االستمرار في «الحوار الوطني» ألنه ال بديل عنه للوصول إلى توافقات جامعة‪ ،‬وألنه من الواضح أن املرحلة‬ ‫املقبلة من هذا الحوار ‪ -‬حال استعادته ‪ -‬سوف تنتقل إلى ما هو جوهري‪ ،‬أي إلى ما يتعلق باإلصالح السياسي‪:‬‬ ‫مفهومه‪ ،‬أولوياته‪ ،‬حدوده‪ ،‬مضمونه‪ ،‬بما يساعد على تجاوز مرحلة الدوران حول قضايا شكلية وهامشية ال تفيد‬ ‫الحوار وال الوطن وال املواطنني‪.‬‬ ‫إن املشكلة اليوم ليست في الحوار نفسه وال في شكل الطاولة وال في عدد املتحاورين ومستوياتهم ومراكزهم‪،‬‬ ‫وإنما في مدى اإلدراك والقناعة بأن التوافق الوطني هو املخرج الوحيد من أي اختالف سياسي في الرؤية‪ ،‬وأن‬ ‫الحوار الالمشروط هو اآللية الوحيدة لحفظ الوحدة الوطنية واستقرار الوطن ونمائه وتطوره في الحاضر وفي‬ ‫املستقبل‪ .‬ولذلك نقول لإلخوة في املعارضة‪ :‬دعونا نعد إلى التحاور وسوف تتضح الصورة‪ ،‬وليضع كل طرف‬ ‫أسئلته ومطالباته على الطاولة‪ ،‬ولتبادل اآلراء واألفكار ولننب معا ما به تستقيم حياتنا السياسية‪ ،‬وما يعزز عيشنا‬ ‫املشترك‪ ،‬خصوصا أن ما يجمعنا من مشتركات كثير وكبير‪ ،‬وسوف يمهد هذا التوافق إلى الحل‪ ،‬طاملا أن السلطة‬ ‫مصغية إلى مواطنيها‪ ،‬ومهتمة بمستقبلهم‪ ،‬وحريصة على أن تؤمن لهم أفضل الفرص لتحقيق فرحة الحياة‪.‬‬ ‫* وزير التربية والتعليم في مملكة البحرين‪ ،‬وعضو الفريق الحكومي في حوار التوافق الوطني‬

‫‪66‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬


‫وعرض الـ‪ DNA‬املتخصص للبيع عبر الشبكات اإللكترونية‪ ،‬سياحة‬ ‫فضائية إلى القمر واملريخ‪ ،‬ومعالجة املادة ببراعة لصناعة منتجات ذكية‪،‬‬ ‫ممارسة التجارة عبر اإلنترنت لنحو نصف العالم‪ ،‬محركات للنقل تعمل‬ ‫بالهيدروجني‪ ،‬وتنزيل ذاكرات وعقاقير من الشبكات‪ ،‬وأجهزة روبوت‬ ‫منزلية‪ .‬ويتوقع أنه في عام ‪ 2040‬سيكون العالم حرا‪ ،‬ويقضي على الفقر‬ ‫ويتاح التعليم مجانا عبر الشبكات اإللكترونية‪ ،‬ويزيد التفاهم العاملي‬ ‫ويقل التوتر والنزاع وتزيد معدالت العمر والثروة وتكون االتصاالت‬ ‫واإلنترنت متاحة لجميع الشعوب‪.‬‬ ‫وسوف يعتمد ثلثا الناتج املحلي للواليات املتحدة على صناعات االبتكار‪،‬‬ ‫وتقود تكنولوجيا املعلومات أكثر من ثلثي إنتاجية العمل‪ ،‬ويرتبط ثالثة‬ ‫مليارات باإلنترنت‪ ،‬وتولد صناعة النانو اقتصادا بقيمة تريليون دوالر‬ ‫وتشغل مليون عامل‪ ،‬وتزدهر املجتمعات الديمقراطية وتكون اإلنتاجية‬ ‫االقتصادية قوية وتتغلغل التكنولوجيا املتطورة‪ ،‬أجهزة الحاسوب‬ ‫واالتصاالت السلكية والالسلكية واإلنترنت‪ ،‬وسوف يقود االبتكار‬ ‫اقتصاد عاملي جديد يرسخ الحريات والرخاء ويتيح التعليم وتحسني‬ ‫الصحة لجميع الناس‪ ،‬وسوف يركز االستثمار على االعتماد على النفس‬ ‫والتقدم االجتماعي‪.‬‬ ‫تركز صناعات اقتصاد االبتكار على‬ ‫‪ - 1‬الصحة والدواء‪ ،‬زيادة معدالت العمر وتحسن الدواء والجراحة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الطاقة‪ ،‬تطوير وقود متجدد ونظيف ووفير وسعره في متناول الناس‪.‬‬ ‫‪ - 3‬التصنيع‪ :‬تطوير آليات جديدة لزيادة اإلنتاج وسرعة الوصول وتقليل‬ ‫التكاليف‪.‬‬ ‫‪ - 4‬اتصاالت‪ :‬إنشاء طرق جديدة لربط املعلومات والناس والتبادل اآلمن‬ ‫في األعمال املالية واالتصال‪.‬‬ ‫‪ - 5‬النقل‪ :‬زيادة قدرة األفراد على االنتقال والتحرك والشحن‪.‬‬ ‫‪ - 6‬األمن‪ :‬أجهزة جديدة للحماية والحفاظ على الحياة‪.‬‬ ‫‪ - 7‬الترفيه‪ :‬نظم توصيل جديدة ملشاركة األفكار والثقافة واللهو أكثر‬ ‫تطورا‪.‬‬ ‫‪ - 8‬التعليم والتعلم‪ :‬مصادر معرفة مباشرة ونقالة وقابلة للتحويل وطبقا‬ ‫للطلب بمقياس مكافئ ملكتبة الكونغرس‪.‬‬ ‫‪ - 9‬هندسة املعرفة‪ :‬خدمات معلومات تستطيع أن تتخذ شكل ألعاب‬ ‫وتمويال وبرمجيات وبرامج ونظما لتوفير قيمة للمستهلكني ومجال‬ ‫األعمال من أجل خدمة عمالء وترفيه وتسويق وتخطيط وإدارة أفضل‪.‬‬ ‫‪ - 10‬مواد ذكية‪ ،‬مواد تستخدم في تصنيعها تكنولوجيا النانو‬ ‫والتكنولوجيا الحيوية والعصبية بحيث تكون أكثر ذكاء وأمنا ونظافة‬ ‫وأرخص لتكون جزءا من كل منتج حسب الطلب ألي صناعة‪.‬‬ ‫وقد أصبح من نافلة القول‪ ،‬أن الكومبيوتر واإلنترنت غيرا العالم بموارده‬ ‫وعالقاته وثقافاته‪ ،‬وما زاال يتطوران في اتجاهات جديدة إضافة إلى‬ ‫ما تحقق بالفعل‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬إنترنت السلكي ومنتشر ويمكن الوصول‬ ‫إليه في أي وقت وفي أي مكان‪ ،‬وعرض املنتجعات على الشبكة‪ ،‬ودمج‬ ‫الهاتف والتلفزيون واإلنترنت معا‪ ،‬وسيطور اإلنترنت نوعا من اإلدراك‬ ‫الذاتي لنفسه‪ ،‬وتوفير الوصول في الزمن الحقيقي لـ‪ 80‬في املائة من كل‬ ‫املعلومات مجانا‪ ،‬وسيكون كل البريد اإللكتروني متعدد الوسائط سمعية‬ ‫وبصرية‪ ،‬وإقامة مؤتمرات عبر الفيديو متاحة بشكل واسع‪ ،‬وسيربط‬ ‫التجار والبنوك واملستهلكني معا‪ ،‬وسيكون اإلنترنت سوقا للتجارة‬ ‫نابضة بالحياة ألكثر من ثالثة مليارات شخص‪.‬‬ ‫تركز تكنولوجيا النانو اليوم وفي املستقبل على نظم طاقة شمسية‬ ‫وهيدروجينية‪ ،‬ومواد ذكية تجمع نفسها ذاتيا‪ ،‬ومحاكاة الطبيعة‬

‫وتقليدها‪ ،‬والتخلص من النفايات والتلوث بطرق فاعلة وغير مكلفة‬ ‫وتحويلها إلى مواد مفيدة‪ ،‬واملسح األمني والدفاع والحروب‪ ،‬وتشخيص‬ ‫طبي متقدم‪ ،‬وزيادة القدرات‪.‬‬ ‫ويمكن أن تحقق التكنولوجيا العصبية تقدما في عالج الخاليا‬ ‫الجذعية لتجديد الذاكرة‪ ،‬وتنشيط قدرات الدماغ‪ ،‬وعالج السرطان‪،‬‬ ‫وإعادة برمجة الجينات املسببة للمرض‪ ،‬ومعالجة األمراض العقلية‬ ‫واالكتئاب‪ .‬ومن االبتكارات املوعودة التي ستشكل املستقبل‪ :‬املحاكاة‬ ‫الحيوية‪ ،‬والفوتونيات؛ استخدام الضوء في خلق منتجات جديدة‪،‬‬ ‫واستخدام املعلومات الجنينية لصنع أدوية وأغذية وأجهزة أكثر أمنا‪،.‬‬ ‫واستخدام املعلومات البيولوجية الكتشاف األخطار‪ ،‬وأجهزة تعتمد على‬ ‫التكنولوجيات العصبية لتحسني وظائف املخ وإصالحها ويقترح املؤلف‬ ‫ألجل بناء مستقبل واعد وتحقيق الرخاء تحسني نوعية البرامج العلمية‬ ‫املتقدمة في املدارس العليا والكليات‪ ،‬وإنشاء حافز جديد لتشجيع الشباب‬ ‫ليكونوا علماء‪ ،‬وتعليم كل فرد االبتكار والقدرة على إقامة مشروعات‪،‬‬ ‫ودعم حرية التجارة والصحافة‪ ،‬وتبني سيادة القانون بالنسبة لحماية‬ ‫امللكية الفكرية‪ ،‬وتوفير اإلنترنت لجميع الناس‪.‬‬ ‫كما ستكون املواهب محركا رئيسا للحروب‪ ،‬وسيكون لتقدم السن في‬ ‫أوروبا وأميركا تأثيرات خطيرة على املجتمع واالقتصاد‪ ،‬وتشكل النساء‬ ‫نسبة غالبة من العمل والقيادات‪ ،‬وسيكون التحدي الرئيس للمؤسسات‬ ‫هو البحث عن املواهب‪ ،‬ما يتطلب إصالح النظام التعليمي‪ ،‬وستنمو القوى‬ ‫العاملة ببطء بسبب االنخفاض في معدالت الخصوبة‪ ،‬وستكون أزمة‬ ‫القوى العاملة في نقص العمال املهرة‪ .‬ثمة إجماع على تقييم األنظمة‬ ‫التعليمية في العالم بأنها غير مواكبة للتغيير في العمل والتكنولوجيا‬ ‫وليست ابتكارية‪ ،‬وقد يدفع ذلك املؤسسات إلى البحث عن املواهب في‬ ‫كل مكان‪ ،‬ويرى املؤلف أن القادة السياسيني لم يتحلوا بالشجاعة الكافية‬ ‫لتطوير التعليم واملناهج ألجل املزيد من االبتكار وتنمية املهارات‪.‬‬ ‫ويقدر املؤلف بأن الوظائف املهمة والقيادية ستكون‪ :‬مخططون لسوق‬ ‫الفضاء‪ ،‬ومتخصصون في تغير املناخ وتوقعاته‪ ،‬ومطورون للوقود‬ ‫الشمسي‪ ،‬ومطورون لأللعاب التي تستخدم تكنولوجيا الليزر‪ ،‬وشعراء‬ ‫ينشئون الخيال ويلهمون الناس‪ ،‬ومتخصصون في معالجة معرفة‬ ‫العميل‪ ،‬وتقنيون في مكافحة اإلرهاب‪ ،‬ومديرو تسويق املنتجات العصبية‪،‬‬ ‫ومديرو تسويق الهيدروجني‪ ،‬ومقاولو الطاقة املتجددة‪ ،‬ومعززو األداء‬ ‫الصحي‪ .‬يتوقع مع تطور الطب وتحسن الصحة العامة أن تتزايد معدالت‬ ‫األعمار لدرجة أن يكون مألوفا أن يتجاوز البشر املائة عام‪ ،‬وسوف تتيح‬ ‫التكنولوجيا الحيوية تعزيز الصحة وكذلك استخدام الخاليا الجذعية‪،‬‬ ‫والنظم الغذائية املطورة‪ ،‬واألدوية الذكية لتحسني الذكاء والقدرات‪ ،‬ويتوقع‬ ‫أن يسلك الطب اتجاهات تطورية‪ ،‬تنبؤية تخبر الناس بحالتهم املرضية‬ ‫في املستقبل وتتوقع األمراض‪ ،‬ووقائي يتفادى املرض‪ ،‬واستعادة الصحة‬ ‫وتجديد العظام والخاليا وتحسني األداء واستبدال األعضاء وزيادة‬ ‫وتحسني وتعزيز الوظائف العقلية والجسدية <‬

‫جيمس كانتون مؤلف الكتاب‬

‫‪,,‬‬

‫يتوقع مع‬ ‫تطور الطب‬ ‫وتحسن‬ ‫الصحة العامة‬ ‫أن تتزايد‬ ‫معدالت‬ ‫األعمار لدرجة‬ ‫أن يكون‬ ‫مألوفا أن‬ ‫يتجاوز البشر‬ ‫املائة عام‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪65‬‬


‫كتاب‬

‫يعمل مؤلف هذا الكتاب جيمس كانتون في مجال الدراسات املستقبلية في مجال التكنولوجيا‪ ،‬وكان أحد تالميذ‬ ‫ألفن توفلر‪ ،‬أحد الرواد في علم املستقبليات القائم على مالحظة الفعل االجتماعي واالقتصادي للتقنيات الجديدة‬ ‫واملعلوماتية‪ ،‬وصاحب الكتب املشهورة جدا في هذا املجال‪ ،‬مثل «صدمة املستقبل» و«املوجة الثالثة»‪.‬‬

‫أهم االتجاهات التي ستعيد تشكيل العالم في العشرين عاما املقبلة‬

‫املستقبل األقصى‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫املحرر الثقافي‬ ‫اسم الكتاب ‪:‬‬ ‫«املستقبل األقصى‬ ‫‪»The Extreme Future‬‬ ‫أهم االتجاهات التي‬ ‫ستعيد تشكيل العالم‬ ‫في العشرين عاما‬ ‫القادمة‬ ‫تأليف‪ :‬جيمس كانتون‬ ‫ترجمة‪ :‬لبنى عبد‬ ‫الرحيم الريدي‬ ‫الناشر‪« :‬دار العني‬ ‫للنشر» (القاهرة)‬ ‫ومركز البابطني‬ ‫للترجمة (الكويت)‬ ‫الطبعة األولى‪2012 ،‬‬

‫يقدم الكتاب املشهد القادم واملتشكل بالفعل في الحياة‬ ‫العامة واملوارد والعالقات بسبب صعود اقتصاد االبتكار‬ ‫والتكنولوجيا املصاحبة‪ ،‬بدءا بالحوسبة واملعلوماتية والتشبيك‬ ‫الذي جعل املعلومات والبيانات املحوسبة قابلة للتداوسل واالنتشار‬ ‫والتبادل والتسويق عبر الشبكات اإللكترونية‪ ،‬والتصغير في األجهزة‬ ‫واآلالت وصوال إلى النانو تكنولوجي والتي غيرت جذريا في املهن‬ ‫واألعمال والطب والتجارة‪ ،‬والتكنولوجيا الحيوية والعصبية والتي غيرت‬ ‫في إنتاج الغذاء والطب‪ ،‬وتوجت هذه التقنية واملعرفة بـ«األنسنة» بمعنى‬ ‫قابليتها للتداول واالستخدام بسهولة وبساطة من غير خبرات معقدة‬ ‫ودون حاجة إلى تدريب متخصص ومؤسسي‪ ،‬بل يمكن لكل إنسان‬ ‫(تقريبا) إتقانها والتعلم ذاتيا على استخدامها وتطبيقها‪.‬‬ ‫ويحاول الكتاب أن يعرض اآلفاق الواعدة لالبتكار ويقدر املستقبل‬ ‫املمكن وتحدياته وفرصه ووعوده وما يحمله من مجاالت للتقدم والرخاء‬ ‫والصحة وفي الوقت نقسه ما يتضمنه من تهديدات جديدة لألفراد‬ ‫والدول املجتمعات‪.‬‬

‫االستعداد للمستقبل‬ ‫يحدد كانتون أهم ‪ 10‬اتجاهات للمستقبل األقصى بأنها وقود املستقبل‪،‬‬ ‫واقتصاد االبتكار والتكنولوجيا الحيوية‪ ،‬وتكنولوجيا املعلومات‪،‬‬ ‫وتكنولوجيا النانو‪ ،‬والتكنولوجيا العصبية‪ ،‬وتحوالت العمل والقوى‬ ‫العاملة‪ ،‬وطب إطالة العمر‪ ،‬ومالحظة التغيير الحالي واملتوقع في حياتنا‬ ‫الثقافة واالقتصادية‪ ،‬واملخاطر والتأمينات الجديدة واإلرهاب والسيطرة‬ ‫على العقل‪ ،‬ومستقبل العوملة والخوف من تصادم الثقافات‪ ،‬والتغير‬ ‫املناخي‪ ،‬ومستقبل الفرد‪ ،‬ومستقبل أميركا والصني‪.‬‬ ‫ويقترح عوامل خمسة تحدد املستقبل األقصى‪ ،‬وهي السرعة‪ ،‬والتعقيد‪،‬‬ ‫والخطر‪ ،‬والتغيير‪ ،‬واملفاجأة‪ ،‬ويحاول أن يتعامل مع هدف حدده للكتاب؛‬ ‫شرح وتفسير املستقبل األقصى‪ ،‬واملساعدة في االستعداد للمستقبل‬ ‫والتكيف وصياغة الفرصة وتفادي املخاطر‪.‬‬

‫علم الوراثة لتوقع املرض وتفاديه‪ ،‬وتراجع منافسة التالميذ في الواليات‬ ‫املتحدة في العلوم والرياضيات‪ ،‬واستخدام الشبكة العاملية ألجل اإلرهاب‪،‬‬ ‫وزيادة فرص العمل في الواليات املتحدة وأوروبا واليابان‪.‬‬ ‫تعتمد صياغة خريطة املستقبل على التوقع‪ ،‬والتطوير واالبتكار‬ ‫والتكيف‪ ،‬ويقع مجالها في املجتمع والتكنولوجيا والسوق والتنافس‬ ‫والعمالء‪ ،‬ومن مؤشرات على املستقبل‪ 80 :‬في املائة من املستهلكني‬ ‫الذين اشتروا سيارات يستخدمون طاقة متجددة‪ 60 ،‬في املائة من القوى‬ ‫العاملة ستكون من الروبوت‪ 90 ،‬في املائة من املنازل ستكون مزودة‬ ‫بالروبوت‪ 25 ،‬في املائة من األميركان سوف يتجاوز عمرهم املائة عام‪،‬‬ ‫‪ 75‬في املائة من األميركان يستخدمون عقاقير لتعزيز الكفاءة‪ ،‬ستكون‬ ‫جراحة التجميل في املرتبة الثانية بعد الغذاء في إنفاق األسرة‪.‬‬ ‫وتمثل الطاقة أهم محددات املستقبل‪ ،‬ومن أهم اتجاهاتها‪:‬‬ ‫‪ - 1‬نقص الوقود بالنسبة إلى الطلب عليه‬ ‫‪ - 2‬الطاقة هي املحرك الرئيس للخدمات الحيوية‪ ،‬الصحة والغذاء والنقل‬ ‫والتجارة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬صعود الطاقة املتجددة؛ الشمسية والرياح والهيدروجني‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ضرورة زيادة االستثمار في الطاقة الجديدة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الصراع على الطاقة‪.‬‬ ‫‪ - 6‬نشوء تجارة وصناعات قائمة على الطاقة الجديدة‪.‬‬ ‫يقول املؤلف‪ ،‬إن «الطاقة هي قضية أمن قومي‪ ،‬وقد انتهى عصر البترول‬ ‫الرخيص‪ ،‬وفي الوقت نفسه فإن الطاقة البديلة ليست مستعدة بعد رغم‬ ‫أنها واعدة‪ ،‬ويتزايد الطلب العاملي على الطاقة ويزيد استهالك دول ناهضة‬ ‫مثل الصني والهند‪ ،‬وتنتج الدنمرك حاليا ‪ 20‬في املائة من طاقتها من‬ ‫الرياح ويتوقع أن تكون النسبة ‪ 50‬في املائة بحلول عام ‪ 2025‬ويتوقع‬ ‫أن تغطي بريطانيا ‪ 15‬في املائة من احتياجاتها من الطاقة اعتمادا على‬ ‫الرياح‪.‬‬

‫وعلى سبيل املثال هناك أسئلة وتحديات واضحة تحتاج إلى تفكير اقتصاد االبتكار‬

‫واستعداد مستقبلي‪ ،‬إلى أين ستمضي الصني بنفسها والعالم؟‬ ‫وما معنى استمرارها في النمو االقتصادي مع نظام سياسي غير‬ ‫ديمقراطي؟ ما مصير سوق العمل في الواليات املتحدة في ظل الحاجة‬ ‫إلى قوى عاملة من الخارج؟ ماذا يعني بالنسبة ألفريقيا والعالم إذا لم‬ ‫يعالج اإليدز؟ إلى أين يمضي النمو واإلنتاج العاملي إذا لم تنشأ مصادر‬ ‫جديدة للطاقة؟ ما مستقبل املجتمعات إذا لم تحل مشكلة التغير املناخي؟‬ ‫ومن التوقعات املستقبلية التي يعرضها املؤلف‪ ،‬لجوء أغلب الناس إلى‬

‫‪64‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫اقتصاد االبتكار يقوم على املعرفة‪ ،‬وهو مزيج من املوارد والحرية والعدالة‬ ‫والتكنولوجيا والتجارة‪ ،‬وأدواته هي تكنولوجيا املعلومات والشبكات‬ ‫والتكنولوجيا الحيوية والنانو‪ ،‬ويقتضي ذلك بالضرورة إعادة تخطيط‬ ‫التعليم ألجل إعداد األمم واملنظمات واألفراد‪ ،‬وسوف يؤدي إلى خفض‬ ‫الفقر في العالم‪ ،‬واإلصالح ومزيد من العوملة واالنفتاح العاملي‪ .‬ومن‬ ‫االبتكارات املتوقعة (‪ :)2025‬الرفع عن بعد لألشياء حول كوكب األرض‪،‬‬


‫وعن أسباب التزيد في رواية الشعر‪« :‬فلما راجعت العرب رواية الشعر وذكر‬ ‫أيامها ومآثرها استقل بعض العشائر شعر شعرائهم وما ذهب من ذكر‬ ‫وقائعهم وأشعارهم‪ ،‬وأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع واألشعار‪ ،‬فقالوا‬ ‫على ألسن شعرائهم‪ ،‬ثم كانت الرواة فزادوا في األشعار»‪.‬‬

‫الرواة القدامى‪ :‬شبهة النحل من النص إلى األصل‬ ‫وكما نقل ابن سالم في مقدمة طبقاته‪ ،‬فإن كثيرا من العرب مات في الحرب‬ ‫والغزوات ولم يكن ما نقل إال القليل من وجوده الفعلي‪ .‬وكذلك إشارة‬ ‫املرجع نفسه إلى أن القبائل العربية عندما كانت تجد شعر شعرائها قليال‬ ‫فتأخذ في التزيد على ألسنتهم للمباهاة والتساوي‪ .‬وإشارته إلى تزيد‬ ‫الرواة أنفسهم ألسباب شتى‪ .‬حتى إن راوية وناقدا بحجم األصمعي كان‬ ‫ينكر وجود قيس بن امللوح في الواقع‪ ،‬ويعتبره اسما بال مسمى (املوشح‬ ‫للمرزباني‪ ،‬الصفحة ‪ ،243‬ويضيف نقال عن ابن الكلبي‪« :‬حدثت أن حديث‬ ‫املجنون وشعره وضعه فتى من بني أمية كان يهوى ابنة عم له»)‪ .‬وكذلك‬ ‫ُ‬ ‫عن أحد أهم الرواة األول للشعر‪ ،‬وهو محمد بن إسحاق‪ ،‬فلقد اعت ِبر أن‬ ‫األشعار كانت توضع له ُويسأل أن يدخلها في كتابه فيفعل‪ ،‬وأنه صار‬ ‫فضيحة عند الرواة لذلك (الفهرست البن النديم‪ ،‬ص ‪ ،148‬الطبعة األولى‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية)‪ّ .‬أما حماد الراوية (أبو القاسم حماد بن سابور‬ ‫وأخذ عنه الكثير‪ ،‬فقد قيل‬ ‫بن حبيب ‪95‬هـ ‪155 -‬هـ)‪ .‬وهو من أوائل الرواة ِ‬ ‫عنه الشيء نفسه من نحل الشعر إلى غير صاحبه‪ ،‬بل تأليفه ووضعه على‬ ‫لسان الغير (ياقوت الحموي‪ ،‬معجم األدباء‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬ص‪ 249‬و‪،)250‬‬ ‫وينقل عن األصمعي قاصدا ّ‬ ‫حماد الراوية‪« :‬فإنه كان متهما بأنه يقول‬ ‫َ‬ ‫شعراء العرب»‪.‬‬ ‫الشعر وينحله‬ ‫ِّ‬ ‫وينقل عن املفضل الضبي‪« :‬قد ُسلط على الشعر من حماد الراوية ما‬ ‫أفسده فال يصلح أبدا»‪ ،‬فقيل للمفضل‪ :‬أيخطئ في رواية أم يلحن؟ فقال‬ ‫الضبي‪ :‬ليته كان كذلك‪ ،‬فإن أهل العلم يردون من أخطأ إلى الصواب‪ ،‬ولكنه‬ ‫رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم‪ ،‬فال يزال‬ ‫ّ‬ ‫رجل ويدخله في شعره ويحمل ذلك عنه في‬ ‫يقول الشعر يشبه به مذهب ٍ‬ ‫اآلفاق فتختلط أشعار القدماء‪ ،‬وال يتميز الصحيح منها إال عند عالم ناقد‪،‬‬ ‫وأين ذلك؟‪.‬‬

‫أصول الرواة‪ ..‬سؤال مفتوح‬ ‫النقطة املهمة األخرى‪ ،‬هي أن هؤالء النقاد ابتعدوا عن املرحلة التي كان فيها‬ ‫الراوي مرتبطا بنسبه وأصوله‪ّ ،‬‬ ‫فسهل عليهم التعامل معه كمرجع مجرد‬ ‫دون التأثر بـ«الطعن» الذي كان يقع فيه الرواة األوائل‪ ،‬ألنهم لم ينحدروا‬ ‫من أصول عربية‪ ،‬بوجه عام‪ .‬فيونس بن حبيب (توفي ‪183‬هـ) وهو مولى‬ ‫ضبة (وفيات األعيان وأنباء أبناء هذا الزمان‪ ،‬ابن خلكان‪ ،‬الجزء ‪ 5‬ص‪)591‬‬ ‫أو الليثي بالوالء (معجم األدباء‪ ،‬ياقوت الحموي‪ ،‬الجزء ‪ 5‬ص‪ .)651‬أو أنه‬ ‫أعجمي األصل (الفهرست‪ ،‬ابن النديم)‪ .‬ومحمد بن إسحاق (‪ 90‬هـ‪150 ،‬هـ)‬ ‫مولى (وفيات األعيان‪ ،‬الجزء ‪ 4‬ص‪ ،)103‬أو مولى قيس (تاريخ بغداد‪،‬‬ ‫الجزء األول‪ ،‬ص‪ ،230‬دار الكتب العلمية بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ّ .)1997‬‬ ‫حماد‬ ‫الراوية مولى من سبي الديلم (معجم األدباء لياقوت‪ ،‬الجزء ‪ 3‬ص‪ )246‬أو‬ ‫مولى بني بكر (وفيات األعيان‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ )176‬وكذلك كيال نطيل‪ ،‬الشيباني‪،‬‬ ‫ومحمد بن زياد‪ ،‬ومحمد بن حبيب‪ ،‬ومعمر بن املثنى‪ ،‬وخلف األحمر‪،‬‬ ‫وحماد بن سلمة‪ ،‬وعيسى بن عمر الثقفي‪ .‬كل هؤالء الرواة كانوا من غير‬ ‫العرب‪ ،‬ولو أنهم أقاموا بني ظهرانيهم وتعلموا عاداتهم وأتقنوا لغتهم‪ ،‬بدليل‬ ‫روايتهم للشعر ودرايتهم الكبيرة به‪ .‬هذا باإلضافة إلى أنهم من املسلمني‪.‬‬ ‫لكن في ظل الصراع األموي العباسي جرى فرز الوالءات على الشكل التالي؛‬ ‫األمويون كانوا أقرب إلى العرب‪ ،‬والعباسيون أقرب إلى املوالي‪ .‬وفي تغير‬ ‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬وانتقالها من األمويني إلى العباسيني صار للموالي اليد‬ ‫الطائلة في املجتمع البغدادي‪ ،‬ويذكر النقاد واملؤرخون كيف أن املوالي كانوا‬

‫مثل طه حسني في كتابه‬ ‫«في الشعر الجاهلي» حلقة مهمة‬ ‫في الكشف عن شبهة النحل‬

‫ُيعاملون من دونية ويسردون األمثلة على ذلك كعدم السير معهم في‬ ‫صف واحد وال يقدمونهم في املواكب (اتجاهات الشعر العربي في القرن‬ ‫الثاني الهجري‪ ،‬د‪ .‬محمد مصطفى هدارة‪ ،‬بيروت ‪ .)1988‬لينتقل األمر إلى‬ ‫املوالي أنفسهم‪ ،‬بعد انتصار العباسيني فصاروا هم من يعمل على التمييز‬ ‫والفوقية (املصدر السابق‪ ،‬وإشارات مهمة عن دور ابن املقفع في «تنمية‬ ‫شعور املوالي والفرس بامتيازهم عن العرب»)‪.‬‬ ‫الذي يراد في هذا الشأن أن نقلة الشعر كانوا بمكان الشك والريبة وشيء‬ ‫من عدم املساواة بينهم وبني العرب‪ ،‬وهذه الريبة‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬تسللت إلى‬ ‫املنقوالت الشفوية الشعرية التي حملوها‪ ،‬فانصب جهد النقاد‪ ،‬في املرحلة‬ ‫األولى‪ ،‬على تمييز الشعر الحقيقي من الشعر املنحول‪ ،‬من خالل آلية‬ ‫املوازنة‪ ،‬ومن خالل املعرفة بالقبيلة التي ينتمي لها الشاعر وأخبارها‬ ‫األكيدة‪ .‬هذا أسس ملجموعة من املضامني أو األغراض التي ّ‬ ‫تميز الشعر‬ ‫العربي املنقول عن غيره‪ ،‬وكان من األغراض ما عرف من املديح والهجاء‬ ‫والغزل والبكاء على األطالل‪ .‬هي ذي املقاييس العامة ربطا مع املعرفة‬ ‫العرب في التعبير كما رأينا وصف األصمعي لبيت جميل‪« :‬هل‬ ‫بطبيعة َ‬ ‫ّ‬ ‫الرجل ُ‬ ‫الح ُّب؟» بأنه «مخنث» على اعتبار أن العرب ترفض أن يترقق‬ ‫يقتل‬ ‫الشاعر في نجواه إلى هذا الحد‪ .‬أي أن الربط بني طبيعة العرب والشعر‬ ‫املنقول عنها‪ ،‬عبر مضامني معينة‪ ،‬هو األمر األساس في رواية الشعر‬ ‫العربي‪ .‬غلبة املعنى الشعري واملضامني الشعرية‪ ،‬كانت الطريق األسرع‬ ‫للولوج إلى البيت القديم الذي أصبح أثرا بعد عني‪ ،‬وهو أرض الحنني وأرض‬ ‫املنشأ التي منها كان االنطالق والرحيل‪ .‬ولم يكن تركيز النقاد العرب‬ ‫على دوره إال لإلفادة من تظهيره للسياق التاريخي للمنقوالت الشعرية‬ ‫الشفوية‪ ،‬هذا على الرغم من أن كثيرا من الرواة املتزيدين والناحلني كانوا‬ ‫على علم بتلك األيام وخصوصياتها‪ ،‬مما ّ‬ ‫سهل عليهم النحل على شاعر‬ ‫شعرا ليس له‪ .‬إال أنه في النهاية كان الحد الفاصل ما بني عالم قديم‪،‬‬ ‫يبتعد من أمام الرحالة الجدد الذين استوطنوا بالدا فتحوها وتزوجوا‬ ‫منها وأقاموا فيها إلى النهاية‪ ،‬وعالم جديد يتشكل على وقع توصيف‬ ‫عدائي لشخصيتهم التاريخية‪ .‬فأخذت الثقافة الفارسية كل مأخذ منهم‬ ‫استعالء وتصغيرا ونحال‪ ،‬ولم يكن الرد األولي‪ ،‬إال بالعودة إلى أيام العرب‬ ‫وأحوالها‪ ،‬أوال للدفاع عن الشخصية التاريخية‪ ،‬وثانيا للتوصل املبدئي‬ ‫إلى معيار كاشف للنحل الشعري <‬ ‫* كاتب وناقد سوري‬

‫‪,,‬‬

‫املعنى الشعري‬ ‫الطريق األقصر‬ ‫لكشف النحل‬ ‫والدفاع عن‬ ‫الذات بعد‬ ‫عمليات السلب‬ ‫املعنوي الذي‬ ‫تعرضت له‬ ‫الهوية العربية‬

‫‪,,‬‬

‫«طبقات فحول الشعراء»‬ ‫ابن سالم الجمحى‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪63‬‬


‫ثقافة‬

‫إن استفحال فكرة «املعنى الشعري» أو املضامني‪ ،‬عامة‪ ،‬ال يرتبط‪ ،‬وحسب‪ ،‬في نظرية الشعر العربي‪ ،‬باألدوات‬ ‫النقدية أو الوعي النقدي‪ ،‬بقدر ارتباطه بمؤثر خارجي فعل فعله في تكوينه وحرفه من حيث إنه رؤية شعرية‬ ‫أو وعي فني‪ ،‬إلى حدث تاريخي وسياسي‪ ،‬انتقل من مرحلة التعبير األدبي عن الذات والعالم‪ ،‬إلى مرحلة الدفاع‬ ‫االستباقي عن الذات‪ ،‬في مرحلة كان العربي فيها يعاني أزمة «قيمة» حضارية تأسست بفعل استعالء الثقافة‬ ‫الفارسية على الثقافة العربية بكل ما تحمله من مضامني وصور وأشكال وقيم‪ ،‬كما سيرد الحقا‪.‬‬

‫رواة الشعر العربي‪ :‬استعالء الفرس على العرب‪ ..‬وشبهة النحل‬

‫قلق اهلوية‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫عهد فاضل *‬

‫‪,,‬‬

‫في ظل الصراع‬ ‫األموي‬ ‫العباسي جرى‬ ‫فرز الوالءات ‪..‬‬ ‫األمويون كانوا‬ ‫أقرب إلى العرب‬ ‫والعباسيون‬ ‫أقرب إلى املوالي‬

‫‪,,‬‬

‫ُ‬ ‫لم يكن «املعنى الشعري» أو املضمون الشعري‪ ،‬مجرد وعي الفرس يتباهون على العرب في ديارهم‬

‫نقدي أو مسميات عقلية لفعل إبداعي ما‪ ،‬بل كان اتجاها‬ ‫إجباريا يوفر للرواة موازنة معينة تعينهم على كشف منحول‬ ‫الشعر من حقيقته‪ .‬خصوصا بعدما سيتبني أن الرواة الناحلني امتلكوا‬ ‫مقدرة على النحل والتأليف بسبب التنقل والسماع والحفظ‪ ،‬وهو أمر‬ ‫سيلحظه عدد من النقاد العرب ويشير إليه بعضهم مباشرة أو مداورة‪.‬‬ ‫لقد كان املعنى الشعري ضرورة نقدية في املقام األول‪ ،‬ليس لتفضيل‬ ‫املعنى على الصوغ‪ ،‬بل ألنه سيكون الطريق األقصر لكشف النحل‪ ،‬كون‬ ‫املعنى الشعري صورة من صور «أيام العرب وأحوالها» تلك التي ستكون‬ ‫آخر محاولة لكشف املنحول‪ ،‬وكذلك طريقة للدفاع عن الذات بعد عمليات‬ ‫السلب املعنوي الذي تعرضت له الهوية العربية شعرا أو رواية أو مسميات‪.‬‬

‫الهوية العربية واالستعالء الشعوبي‬

‫ّ‬ ‫مكنت الجماعة الجمحي يقطع الشك باليقني‬ ‫اشتمل العصر العباسي على مجموعة من العناصر‬

‫العربية من اتخاذ وضعية مختلفة عما كانت عليه في البدء‪ .‬فلقد‬ ‫وصل أمر التمايز بني العرب وغيرهم درجة من التوتر والصراع بعدما‬ ‫جرى إعالن التمايز منهجا في الحكم والتقييم‪ ،‬الشيء الذي وصف‬ ‫به ابن خلدون بالشعوبية‪ ،‬إذ كان يعتبر العرب يمثلون حياة بدائية‬ ‫ساذجة وال يعلمون من أمر املدنية شيئا‪ ،‬حتى إنه قال إن العرب‬ ‫استخدموا الكافور ملحا في العجني‪ ،‬ال‪ ،‬بل يزيد وضاعف من نظرته‬ ‫العنصرية ضدهم إذ يقول في تاريخه الشهير‪ :‬وذلك أنهم بطبيعة‬ ‫التوحش الذي فيهم أهل انتهاب وعبث‪ ،‬ينتهبون ما قدروا عليه من‬ ‫غير مغالبة وال ركوب خطر‪ .‬ثم يضيف في موقف عدائي مبيت ال‬ ‫يحتاج نظرا‪ :‬إذا ما تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب‪ ،‬والسبب في‬ ‫ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش فصار فيهم خلقا‬ ‫وجبلة‪.‬‬

‫بغض النظر عما ذهب إليه ابن خلدون‪ ،‬فإنه من املؤكد أن أمر الجماعة‬ ‫العربية اختلف بعد حصول الفتوحات واإلقامة في املدن‪ ،‬فتعرضت‬ ‫الجماعة لتغيرات جوهرية بعد الحلول في أراض أخرى والتزاوج من‬ ‫نسائها واالختالط بأهلها‪ .‬لكن حركة االمتزاج كانت هي الغالبة‪ ،‬فارتدى‬ ‫العرب ثياب الفرس وصاروا يحتفلون بأعيادهم‪.‬‬

‫«اتجاهات الشعر العربي»‬ ‫محمد مصطفى هداره‬

‫‪62‬‬

‫َّ‬ ‫ووصل تأثر العرب بالفرس مكانا جعل من املتأثر بهم يتباهون معلنني‬ ‫استعالء يقل نظيره في ظروف كتلك‪ ،‬وتطور األمر لدى عامة الفرس إلى‬ ‫املباهاة حتى بأبسط تفاصيل الحياة اليومية الواقعية‪ ،‬على ما يذكره أبو‬ ‫الصولي في أدب الكتاب‪« :‬ما احتجنا إليكم في عمل وال في تسمية‪.‬‬ ‫بكر‬ ‫َُْ‬ ‫ولقد ملكتم فما استغنيتم عنا في أعمالكم وال لغتكم‪ ،‬حتى إن طبيخكم‬ ‫وأشربتكم ودواوينكم وما فيها على ما َّ‬ ‫سمينا»‪ .‬التأثر لم يكن وقفا على‬ ‫حياة الفرس بل كانت الثقافتان السريانية واليونانية تمتلكان حصة كبيرة‬ ‫من التأثير في الثقافة العربية‪ ،‬وعرف أن حنني بن إسحاق كان يمشي في‬ ‫بغداد منشدا أشعار هوميروس‪ ،‬كما نقل الدكتور نجيب محمد البهبيتي‬ ‫في كتابه «تاريخ الشعر العربي» الصادر عن دار الكتب املصرية عام ‪،1950‬‬ ‫واعتمد عليه مصطفى هداره مرجعا لتوثيق تلك املرحلة‪.‬‬

‫ويعزو البعض من الباحثني سرعة تأثر العرب بغيرهم إلى «درجة‬ ‫تحضرهم املحدودة» (اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري‪ ،‬د‪.‬‬ ‫محمد مصطفى هداره‪ ،‬دار العلوم العربية‪ ،‬بيروت‪.)1988 ،‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫كانت بدايات الحكم النقدي على الشعر تنحصر في أوليات بسيطة‪،‬‬ ‫كحكم اللياقة واإلسناد واإلقواء والفحولة والتشبيه‪ .‬وسواها من معايير‬ ‫أولية تختلف لكنها تتفق على باقي املسائل‪ .‬لكن مع الجمحي يصبح‬ ‫لقارئ الشعر ومريده الحكم عليه‪ ،‬فهو «الناقد» املتبصر بمقارنة‬ ‫األشعار‪ ،‬واكتشاف النحل في الشعر‪ ،‬والحق يقال إن كتاب الجمحي‬ ‫«طبقات فحول الشعراء» فاتحة باتجاه تأسيس وعي نقدي جديد يقوم‬ ‫على اكتشاف املحتوى التاريخي للغة شعرية بعينها‪ ،‬وهو ما دفع‬ ‫بالجمحي ليكون السباق إلى كشف مسألة التدوين في الشعر العربي‬ ‫ودور الرواة في النحل‪ ،‬إذ يقول‪« :‬ولم يكن ألوائل العرب منُ الشعر إال‬ ‫ٌ‬ ‫أبيات يقولها الرجل في حادثة‪ .‬وإنما ِّ‬ ‫قصدت القصائد وط ِّول الشعر‬ ‫على عهد عبد املطلب وهاشم بن عبد مناف»‪ ،‬ويسمي الرواة املتزيدين‪:‬‬ ‫«داود بن متمم وحماد الراوية‪ ،‬الذي كان ينحل الشعر غيره ويزيد في‬ ‫األشعار‪ ..‬وحسان بن ثابت وضعوا عليه أشعارا ال تليق به‪ ..‬وعدي‬ ‫بن ثابت يسكن الحيرة ومراكز الريف فالن لسانه وسهل منطقه فعليه‬ ‫شيء كثير»‪ .‬وعلى قريش حمل‪ ،‬فهي «تزيد في أشعارها»‪ .‬وعن سبب‬ ‫ضياع حقيقة الشعر العربي‪« :‬جاء اإلسالم فتشاغلت عنه (أي الشعر)‬ ‫العرب‪ ،‬وتشاغلوا بالجهاد وغزوا فارس والروم ولهيت عن الشعر‬ ‫وروايته‪ ،‬فلما كثر اإلسالم وجاءت الفتوح واطمأنت العرب باألمصار‬ ‫راجعوا رواية الشعر فلم يئلوا إلى ديوان مدون وال كتاب مكتوب‪ ،‬فألفوا‬ ‫ذلك‪ ،‬وقد هلك من العرب من هلك باملوت والقتل‪ ،‬فحفظوا أقل ذلك‪ ،‬وذهب‬ ‫عنهم منه أكثره»‪.‬‬


‫ملحق يومي وصفحات متخصصة‬ ‫في‬ ‫عقارات‬

‫صحتك‬

‫السبت‬

‫الجمعة‬

‫سفر وسياحة‬

‫ثقافة‬ ‫األحد‬

‫الثالثاء‬

‫إعالم‬

‫االثنني‬

‫حصاد‬

‫ملسـات‬

‫الخميس‬

‫األربعاء‬

‫املتخصصة‬ ‫صفحات‬ ‫أجندة األعمال السبت واألربعاء > علوم السبت‬ ‫سيارات األحد > فنون االثنني > التعليم االثنني > تقنية املعلومات الثالثاء‬ ‫كتب األربعاء > أنغام الخميس > سينما الجمعة‬ ‫سجاالت األحد (داخل صفحات الرأي)‬

‫‪ ..‬تجدد دائم‬


‫صحافة عالمية‬

‫املستقبل ال يزال غير قابل للتوقع‪ ،‬ويرجح أن السالم لن يرسى في سوريا‬ ‫قبل أن يسمح النظام اإلثنوقراطي الذي يحكمه األسد بإقامة بنية سياسية‬ ‫تشارك من خاللها األغلبية السنية في الحكم‪ ،‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬قد ينتهي‬ ‫األمر باألكراد إلى إنشاء دولتهم املستقلة في املستقبل‪.‬‬ ‫أما السودان‪ ،‬فشأنه شأن سوريا والعراق؛ حيث أدت الحرب القومية التي‬ ‫امتدت لعقود طويلة في النهاية إلى انفصال جنوب السودان‪ ،‬حيث يشكل‬ ‫غير املسلمني من أصل أفريقي األغلبية‪ ،‬في عام ‪ 2011‬عن شمال السودان‪،‬‬ ‫الذي يسوده سياسيا العرب املسلمون منذ إنشاء دولة السودان‪.‬‬ ‫يدور التوتر بني الدولتني على ترسيم دقيق للحدود بينهما‪ .‬في شكله الحالي‪،‬‬ ‫يترك االنقسام عشرات اآلالف من األفارقة غير املسلمني مهمشني سياسيا‬ ‫في شمال السودان‪.‬‬ ‫وفي جنوب كردفان ومنطقة النيل األزرق‪ ،‬الواقعتني شمال خط التقسيم‪،‬‬ ‫استمر املقاتلون السابقون من أجل جنوب مستقل في مهاجمة القوات‬ ‫الشمالية بدعم ضمني من الحكومة السودانية الجنوبية الجديدة والجيش‬ ‫الشعبي‪ .‬وقد أدت االشتباكات بني جيشي الدولتني إلى إثارة مخاوف العديد‬ ‫من املحللني بشأن وقوع مزيد من العنف في املستقبل‪.‬‬ ‫في الجنوب‪ ،‬أحدث مبدأ عدم املساواة السياسية العرقية صراعا داخليا‬ ‫أيضا‪ .‬بعد االستقالل بفترة وجيزة‪ ،‬تعاظمت شكاوى جديدة حول هيمنة‬ ‫مقاتلي الدينكا السابقني‪ ،‬الذين‬ ‫أسسوا وسيطروا على حركة‬ ‫االستقالل‪ ،‬على البيروقراطية‬ ‫والجيش اللذين تأسسا مؤخرا‪.‬‬ ‫اندلعت الصراعات املسلحة بني‬ ‫قوات الحكومة وفصائل متمردة‬ ‫عديدة تدعي تمثيلها لناخبي النوير‬ ‫أو املورلي‪.‬‬

‫كانت الإمرباطوريات تر�سم‬ ‫يف الغالب حدودا ف�ضفا�ضة‬ ‫وتع�سفية مع عدم‬ ‫االلتفات �إىل العرقيات‬

‫ماذا يحمل املستقبل لدولتي‬ ‫السودان؟ وبالنظر إلى أن السيطرة‬ ‫على موارد النفط الهامة في خطر‪ ،‬فمن غير املحتمل أن تجري تسوية‬ ‫صراعاتهما من خالل إعادة ترسيم بسيط لحدود النزاع بينهما‪.‬‬ ‫ومن غير الوارد أيضا أن الحكومة الحالية في الخرطوم ستفتح صفوفها‬ ‫ملقاتلي االستقالل السابقني وأتباعهم العرقيني‪ .‬سيكون الصراع طويل‬ ‫األمد‪ ،‬أقل حدة وأكثر احتماال‪ ،‬على األقل طاملا ظل النظام اإلثنوقراطي في‬ ‫الخرطوم على قيد الحياة‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للصراع الداخلي في جنوب السودان‪ ،‬بالنظر إلى ضعف القدرات‬ ‫املؤسسية للدولة‪ ،‬فسيكون من الصعب متابعة مشروع بناء الدولة بنجاح‬ ‫من خالل دمج العديد من الدوائر االنتخابية العرقية في البالد وعدم تسييس‬ ‫االنتماءات القبلية والعرقية‪ .‬ويمكن أن يتوقع املرء استمرار الصراع على‬ ‫السلطة في تحالفات غير مستقرة وحدوث اقتتال في بعض األحيان‪.‬‬ ‫ينطبق هذا النمط أيضا على كوسوفو‪ .‬حيث أصبحت دولة ذات سيادة بعد‬ ‫عقود من الحراك القومي ضد الحكم األجنبي الذي مارسته الدولة الصربية‪.‬‬ ‫تدخل حلف شمال األطلنطي‪،‬‬ ‫أدت حرب االستقالل في أواخر التسعينات إلى ُ‬ ‫يليه عقد من إدارة األمم املتحدة‪ .‬وفي عام ‪ ،2008‬أعلنت كوسوفو دولة ذات‬ ‫سيادة‪.‬‬ ‫وال تزال التوترات قائمة بني األغلبية األلبانية في الدولة الفتية‪ ،‬التي عزز‬ ‫قوتها االستقالل‪ ،‬واألقلية الصربية‪ .‬حالت حماية «الناتو» دون تطهير‬ ‫املعاقل الصربية في اإلقليم املستقل منذ فترة طويلة‪ .‬وإذا لم تكن صربيا‬

‫تحت تهديد مزيد من قصف «الناتو»‪ ،‬فعلى األرجح أنها تخلت عن التدخل‬ ‫العسكري حماية إلخوانها العرقيني عبر الحدود‪ ،‬ومما كان سيشعل حربا‬ ‫بني الدولتني‪.‬‬ ‫كان من املمكن أن يساعد التدخل املبكر نسبيا في حينه على منع تصاعد‬ ‫النزاعات ونشوب حرب شاملة في البوسنة‪ .‬توضح قصة البوسنة أيضا أنه‬ ‫ليس حال مستداما أن تجبر النخب ذات األجندات القومية املتضاربة على‬ ‫تقاسم السلطة في دولة ال يريدونها‪.‬‬ ‫ال يخلو هذا النمط التاريخي من االستثناءات‪ .‬كما أنه ال يفسر كل الحروب‬ ‫في العالم‪ .‬ظهرت بعض الدول القومية غير املتجانسة عرقيا‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫الجبل األسود‪ ،‬دون عنف وظلت تنعم بالسالم‪ .‬نشبت بعض الصراعات‬ ‫املعقدة في بعض الدول القومية القائمة منذ فترة بعيدة مثل كولومبيا مع‬ ‫عدم تعلق ذلك بنزعات قومية أو عرقية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هناك أمثلة كثيرة يمكن‬ ‫االستشهاد بها ال تتبع هذا النمط‪ :‬انظر إلى صراع األكراد في تركيا‪ ،‬وعملية‬ ‫السالم الهشة في أيرلندا الشمالية‪ ،‬والوضع في دارفور‪ ،‬والعنف الطائفي‬ ‫املتصاعد في العراق‪ ،‬وسلسلة الصراعات القوقازية التي ظهرت منذ تفكك‬ ‫اإلمبراطورية السوفياتية‪ ،‬أو املقاومة للحكم الصيني في التبت‪.‬‬ ‫في حاالت أكثر تعقيدا أدى اإلقصاء السياسي العرقي إلى ظهور حركة‬ ‫عصابات ذات أجندة غير عرقية‪ ،‬مثل املقاتلني املاركسيني في غواتيماال‪ ،‬أو‬ ‫املاويني في بيرو‪ ،‬ونيبال‪ ،‬ومناطق من الهند‪ .‬وهكذا من املعقول التنبؤ بأن‬ ‫الدول املعاصرة التي تهمش أجزاء كبيرة من سكانها سياسيا قد تنجر إلى‬ ‫عنف مسلح ممتد‪.‬‬ ‫وهنا تتعرض عدد من البلدان للخطر‪ ،‬منها رواندا‪ ،‬حيث تحكم مجموعة‬ ‫صغيرة من التوتسي العائدين من قواعد أوغندا املجاورة أغلبية الهوتو‬ ‫بقبضة من حديد؛ واألردن‪ ،‬الذي قد يصبح غير قادر يوما ما على تحويل‬ ‫الطموحات السياسية ملجموعة كبيرة ضعيفة سياسيا من املواطنني‬ ‫الفلسطينيني إلى إسرائيل املجاورة؛ وبيرو وغواتيماال‪ ،‬اللتني تستمران‪،‬‬ ‫على العكس من بوليفيا‪ ،‬في تهميش سكانها األصليني الذين يمثلون نسبة‬ ‫كبيرة؛ وغينيا‪ ،‬حيث احتج الحزب‪ ،‬الذي يفضله البويول الذين يشكلون نحو‬ ‫‪ 40‬في املائة من السكان والذي جرى إقصاؤه ملدة طويلة من السلطة‪ ،‬على‬ ‫تزوير االنتخابات التي أجريت مؤخرا في فبراير (شباط)‪.‬‬ ‫تستدعي هذه األنماط الثابتة من العنف حلوال سياسية بسيطة وسليمة من‬ ‫الناحية النظرية‪ ،‬ولكنها تواجه تحديا كبيرا لكي تدخل حيز التنفيذ‪ .‬يمثل‬ ‫بناء هياكل سلطة أكثر شمولية ‪ -‬وليس بالضرورة من خالل الديمقراطية‬ ‫االنتخابية ‪ -‬االستراتيجية األكثر قابلية للحياة في الدول الجديدة ملنع نشوب‬ ‫الصراعات املسلحة‪ .‬وكثيرا ما تذكر مقدونيا بوصفها نموذجا ناجحا‬ ‫يوضح كيف تؤدي الهندسة املؤسسية‪ ،‬تحت ضغوط دولية مكثفة‪ ،‬إلى‬ ‫ترتيب املشاركة في السلطة املستقر نسبيا‪.‬‬ ‫يمكن للمرء توسيع قائمة االستراتيجيات الناجحة بااللتفات إلى تنزانيا؛‬ ‫حيث أسس زعيم وطني بنية تحتية من السلطة ممتدة النطاق‪ ،‬مما سد‬ ‫الفجوة بني االنقسامات العرقية‪ .‬تقدم بوتسوانا وبوركينافاسو أيضا أمثلة‬ ‫ملشاركة عرقية ناجحة‪ .‬في الحالة األخيرة‪ ،‬يرجع الفضل إلى شبكة قوية من‬ ‫النقابات العمالية أصبحت منصة لتحقيق التكامل السياسي العرقي‪.‬‬ ‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬تظهر تجربة الواليات املتحدة مؤخرا في أفغانستان مدى‬ ‫صعوبة تعزيز التكامل السياسي من خالل االحتالل‪ .‬يقوض الدخالء الذين‬ ‫يقدمون السلع العامة ‪ -‬املدارس واملستشفيات وما شابه ذلك ‪ -‬شرعية‬ ‫الحكومة املحلية‪ ،‬بدال من تعزيزها‪ .‬ليس من الصعب فقط بناء األمة من‬ ‫الخارج‪ ،‬ولكن أيضا من املستحيل من الناحية الهيكلية‪ .‬يبدأ الطريق إلى‬ ‫السالم ‪ -‬نحو دولة شاملة ال تنتهك مبدأ حق كل شعب في أن تحكمه حكومة‬ ‫منه‪ -‬من الداخل‬

‫فورن أفيرز‪ /‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪60 - 2013 /‬‬


‫خاضت ما يقرب من ثلث البلدان في الوقت الحاضر حروبا عنيفة من‬ ‫أجل االستقالل والتي وحدت سكانا متنوعني من املناطق االستعمارية أو‬ ‫اإلمبريالية ضد أسيادهم‪ ،‬ولو بشكل مؤقت فقط‪.‬‬ ‫ولكن تحملت العديد من الدول القومية الناشئة صورة أسوأ من العنف حتى‬ ‫بعد ّأن حصلت على استقاللها؛ ألن مبدأ حق كل شعب أن تحكمه حكومة‬ ‫منه ولد مزيدا من الصراع بني املنتصرين أنفسهم‪.‬‬ ‫قامت الحكومات اإلمبريالية في أحيان كثيرة بتجنيد أفراد األقليات املحدودة‬ ‫في الجيش االستعماري والنظام البيروقراطي‪( .‬يعد التفضيل البلجيكي‬ ‫ألقلية التوتسي في رواندا على أغلبية الهوتو في تعيينهم في اإلدارة‬ ‫االستعمارية في البالد مثاال كالسيكيا‪ ).‬في املستعمرات السابقة األخرى‪،‬‬ ‫سيطرت النخب واملجموعات املتعلمة على البيروقراطية الوليدة في دولة ما‬ ‫بعد اإلمبريالية واألجهزة األمنية‪ ،‬وفي الحقيقة كانت هناك مجموعات أخرى‬ ‫استاءت من مبدأ حق كل شعب في أن تحكمه حكومة منه‪ .‬األهم من ذلك‪،‬‬ ‫تفتقر العديد من الحكومات الجديدة إلى القوة السياسية واملوارد للوصول‬ ‫إلى جميع السكان والتغلب على أوجه عدم املساواة التي حدثت في الحقبة‬ ‫االستعمارية‪ .‬زاد ذلك من صعوبة بناء األمة وجعل املحاباة العرقية أكثر‬ ‫ترجيحا‪ .‬وبذلك ظلت قطاعات واسعة من السكان مهمشة سياسيا‪.‬‬ ‫أيا كانت أصول ذلك‪ ،‬اعتبرت عدم املساواة العرقية السياسية فضيحة‬ ‫بمجرد أن جرى قبول القومية كمبدأ إرشادي للشرعية‪ .‬سهل ذلك على‬ ‫زعماء املعارضة حشد األتباع وتنظيم عمليات تمرد مسلحة ضد األنظمة‬ ‫اإلقصائية‪ .‬وتشير البيانات في كل بلد في العالم منذ عام ‪ 1945‬إلى وجود‬ ‫ارتباط وثيق بني عدم املساواة ونشوب النزاعات‪ :‬أدى تجاوز عدد السكان‬ ‫املهمشني سياسيا نسبة ‪ 30‬في املائة إلى ارتفاع احتماالت نشوب الحرب‬ ‫األهلية بنسبة ‪ 25‬في املائة‪.‬‬ ‫وتعرض اليوم ما يقرب من ‪ 40‬في املائة من البلدان املستقلة لتمرد عرقي‬ ‫سياسي واحد على األقل منذ انتهاء الحرب العاملية الثانية‪ .‬جدير باملالحظة‬ ‫أن هذه البلدان ليست أكثر تنوعا عرقيا من تلك التي تعيش في سالم‪ .‬ولذلك‬ ‫فإنه ليس التنوع في حد ذاته بل عدم املساواة السياسية هو الذي يشعل‬ ‫الصراعات‪.‬‬ ‫تؤدي عوامل أخرى بالطبع دورا كذلك‪ ،‬ومنها القدرة القمعية للدولة‪ :‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬من الصعب جدا تنظيم جماعات مسلحة في شمال الصني‪،‬‬ ‫لكن األمر في الصومال أسهل‪ .‬تزيد احتمالية اندالع حروب أهلية أيضا‬ ‫في البلدان األكثر فقرا؛ حيث تحمل العالقات مع الحكومة أهمية اقتصادية‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬ليس لكل املجموعات العرقية املهمشة سياسيا قيادة واعية قادرة‬ ‫على تشكيل حركة سياسية أو تنظيم تمرد‪.‬‬ ‫كما قد تكون الدول القومية الجديدة أكثر عرضة لالنجرار إلى الحرب مع‬ ‫بعضها البعض أكثر من اإلمبراطوريات أو الدول التي تحكمها أسر حاكمة‪.‬‬ ‫كانت اإلمبراطوريات ترسم في الغالب حدودا فضفاضة وتعسفية مع عدم‬ ‫االلتفات إلى العرقيات‪ .‬في املقابل‪ ،‬تهتم الدول القومية أكثر بالحدود ألنها‬ ‫قد تقسم مجموعة وطنية واحدة عبر دول عديدة‪ .‬وهذا يسبب مخاطر؛‬ ‫ألن أولئك الذين انتهى بهم املطاف على الجانب الخطأ من الحدود يعاملون‬ ‫كمواطنني من الدرجة الثانية في الدول املجاورة التي تهيمن عليها الجماعات‬ ‫العرقية األخرى‪.‬‬ ‫ويمكن انتهاك مبدأ حق كل شعب أن تحكمه حكومة منه‪ .‬غالبا ما يحدث‬ ‫نزاع بني الدول القومية املتجاورة على األراضي التي تتداخل فيها الجماعات‬ ‫العرقية أو على الحدود التي تفصل بني مجموعة عرقية واحدة‪.‬‬ ‫في بداية التسعينات‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬قاومت األقلية الصربية االندماج في‬

‫دولة كرواتيا الجديدة‪ .‬وتدخلت حكومة صربيا‪ ،‬متوقعة أن إخوانهم العرقيني‬ ‫في كرواتيا قد يواجهون معاملة سيئة (وسعيا لتحقيق مشروع وحدتها‬ ‫القومية)‪ ،‬نيابة عنهم‪ .‬واندلعت الحرب بني الكروات والصرب‪ ،‬انتهت بطرد‬ ‫الصرب الكرواتيني خارج الحدود‪.‬‬ ‫في نهاية املطاف‪ ،‬يصل النزاع الداخلي حول من «يملك» الدولة الجديدة إلى‬ ‫نهايته‪ .‬ويبلغ متوسط مدة النزاع ‪ 60‬عاما‪ .‬وغالبا ما ينتهي الصراع بعنف‪،‬‬ ‫عن طريق عمليات الطرد‪ ،‬أو تبادل السكان‪ ،‬أو االستيعاب القسرى الذي‬ ‫يؤدي إلى مجتمع أكثر تجانسا‪.‬‬ ‫في حاالت أخرى‪ ،‬نجحت الحكومات املركزية القوية ومنظمات املجتمع املدني‬ ‫القائمة في جعل االنتماء العرقي غير متصل بتشكيل تحالفات سياسية‬ ‫(كما في سويسرا) أو الحث على االندماج في املجتمع األوسع (كما هو الحال‬ ‫في فرنسا وبوتسوانا)‪ .‬وفي حاالت أخرى‪ ،‬تساعد عملية ترتيب تقاسم‬ ‫السلطة بني ممثلي الجماعات العرقية املسيسة على تجنب حرب أهلية في‬ ‫املستقبل (كما في كندا)‪.‬‬

‫تقرير األقلية‬ ‫باختصار‪ ،‬أصبح انتشار مبدأ حق كل شعب في أن تحكمه حكومة منه‪،‬‬ ‫وتشكيل الدول القومية‪ ،‬يمثالن قوة‬ ‫دافعة إلى الحروب األهلية والحروب‬ ‫بني الدول‪ ،‬وهي حقيقة من املؤسف‬ ‫أنها تغيب عن كثير من الجدل العام‬ ‫حول الصراعات العنيفة الحالية‪.‬‬ ‫في سوريا‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬يقدم‬ ‫التاريخ السوري الذي يعج بالصراع‬ ‫نموذجا قريب الشبه بهذا النمط‪.‬‬

‫قامت احلكومات الإمربيالية‬ ‫يف �أحيان كثرية بتجنيد �أفراد‬ ‫الأقليات املحدودة‬ ‫يف اجلي�ش اال�ستعماري‬

‫لم تحقق االنتفاضة العربية ضد‬ ‫الحكم العثماني خالل الحرب‬ ‫العاملية األولى استقالل البالد‪ ،‬ولكن أدت إلى جولة أخرى من الهيمنة‬ ‫االستعمارية من قبل فرنسا‪.‬‬ ‫بعد سلسلة من الثورات الفاشلة املناهضة لالستعمار خالل منتصف‬ ‫العشرينات‪ ،‬حصلت سوريا أخيرا على االستقالل عن فرنسا في نهاية‬ ‫الحرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫تتعلق الكثير من االضطرابات السياسية في فترة ما بعد االستعمار‬ ‫بتوزيع السلطة السياسية فيما بني النخب العرقية‪ .‬بعد عدد من االنقالبات‬ ‫العسكرية‪ ،‬وضعت عشيرة األسد والطائفة العلوية الصغيرة اليد على ملكية‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫وهكذا أصبحت سوريا مثاال كالسيكيا للحكم العرقي؛ حيث تهيمن أقلية‬ ‫عرقية على كل مفاصل الدولة‪ .‬ونتيجة للخروج على مبدأ حق كل شعب في‬ ‫أن تحكمه حكومة منه‪ ،‬تفتقر الحكومة تماما إلى التأييد الشعبي والشرعية‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫وقدم النظام تعويضات من خالل تبني الخطاب القومي العربي والسياسات‬ ‫املعادية إلسرائيل‪ ،‬واستيعاب النخبة االقتصادية السنية‪ ،‬وبناء األجهزة‬ ‫األمنية الضخمة التي اخترقت نسيج املجتمع كله‪ ،‬وعمليات قمع وحشية ألي‬ ‫شكل من أشكال االحتجاج أو التمرد‪ ،‬مثل االنتفاضة السنية في عام ‪.1982‬‬ ‫وفي الوقت الحالي‪ ،‬تتصاعد حدة الحرب األهلية في سوريا بني الفرق الدينية‬ ‫والطائفية‪ ،‬كما حدث للعراق املجاور بعد الغزو األميركي‪ .‬على الرغم من أن‬

‫فورن أفيرز‪ /‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪59 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫كيف صنعت الدولة القومية النزاعات الحديثة؟‬

‫دول احلرب‬

‫الرئيس السوداني عمر البشير‬

‫أندرياس فيمر*‬

‫في تفسير النزاعات التي نشبت مؤخرا في بلدان مثل سوريا أو السودان‪ ،‬أشار عدد من املراقبني إلى األسباب‬ ‫املباشرة واملحددة في العصر الحالي‪ :‬حيث أتاح فراغ القوة الناتج عن نهاية الحرب الباردة فرصا للمتمردين‪،‬‬ ‫وساهم في ظهور دورهم مللء هذا الفراغ؛ وأغرقت عوملة التجارة الحديثة العالم النامي بسالح زهيد الثمن؛‬ ‫وولد ارتفاع الطلب على السلع االستهالكية العاملية نزاعات جديدة حول النفط واملعادن‪ ،‬وانتشرت الجماعات‬ ‫الجهادية التي استخدمت شبكة املقاتلني املدربني في أفغانستان وباكستان‪.‬‬ ‫* أستاذ علم االجتماع في جامعة برينستون‪ ،‬وكاتب صدر أحدث مؤلفاته تحت عنوان «موجات من الحرب‪ :‬القومية وتكوين الدولة واإلقصاء العرقي في العالم الحديث»‬

‫فورن أفيرز‪ /‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪58 - 2013 /‬‬


‫عودة الدولة اإلسالمية في الشام والعراق إلى اسمها القديم وإلى دورها األكثر محدودية‪،‬‬ ‫مؤكدا أن «جبهة النصرة» سوف تظل الفرع الرئيس لـ«القاعدة» في سوريا وهو «فرع مستقل»‬ ‫تابع «للقيادة العامة»‪.‬وربما كان املوقف سيمثل إحراجا للظواهري إذا ما انتهى النزاع عند‬ ‫هذا الحد؛ حيث كان الرجل سيبدو غير مطلع على ما يدور في األروقة‪ ،‬فاألفضل أن يبدو‬ ‫على األقل وكأنه نزع فتيل النزاع املحتدم‪ .‬ولكن البغدادي كانت لديه خطط أخرى؛ ففي رسالة‬ ‫علنية إلى الظواهري بعد تلقي رسالة األخير‪ ،‬أعلن البغدادي رفض رسالة الظواهري على‬ ‫خلفية دينية ومنهجية‪ ،‬قائال إنه «يختار أمر الله على أمر املخالف له»‪ .‬جدير بالذكر أنه طوال‬ ‫تاريخ تنظيم القاعدة الذي يمتد ألكثر من ‪ 25‬عاما‪ ،‬لم يختلف أي تنظيم تابع لها عالنية مع‬ ‫قائد التنظيم بمثل تلك الجرأة‪.‬‬ ‫على أية حال‪ ،‬فإن سوء إدارة الظواهري للتنظيم ال يمثل بالضرورة ميزة للواليات املتحدة‬ ‫وحلفائها‪ ،‬كما أن الخالف بني جبهة النصرة و«داعش» ال يقتصر على النزاع حول السلطة‬ ‫البيروقراطية‪ ،‬بل إنه يمتد إلى االستراتيجية ومستقبل الجهاد العاملي لـ«القاعدة»؛ فقد حاول‬ ‫تنظيم جبهة النصرة والذي يرغب في الحفاظ على دعم الشعب السوري إقامة عالقات طيبة‬ ‫مع الجماعات املعارضة األخرى في البالد‪ .‬وعلى النقيض‪ ،‬هاجمت «داعش» الجماعات‬ ‫األخرى بما فيها جبهة النصرة وطبقت الشريعة اإلسالمية بعنف في املدن التي استحوذت‬ ‫عليها مثيرة عداء الشعب السوري‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يشبه هذا النزاع جداال مشابها كان قد ثار داخل تنظيم القاعدة خالل حرب‬ ‫العراق‪ .‬ففي عام ‪ ،2005‬انتقد الظواهري‪ ،‬الذي كان الرجل الثاني في التنظيم في ذلك الوقت‪،‬‬ ‫أبا مصعب الزرقاوي‪ ،‬قائد تنظيم القاعدة في العراق ألنه كان يستعدي الجماهير السنية من‬ ‫خالل الحملة الوحشية التي شنها تنظيمه وتضمنت عمليات تفجيرية وقتال‪ ،‬محتجا بأن‬ ‫تنظيم القاعدة يجب أن يحجم ذلك املنحى العنيف ويتعاون مع جماعات التمرد السنية األخرى‬ ‫على طرد األميركيني‪ .‬وكانت جبهة النصرة تتخذ مقاربة مشابهة للمقاربة التي نصح بها‬ ‫الظواهري في قتالها ضد النظام السوري‪ .‬وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬تتبع «داعش» استراتيجية‬ ‫الزرقاوي الكارثية‪ .‬وكنت قد توقعت في وقت سابق أن يتسبب تنظيم القاعدة في العراق‬ ‫بتنفير السنة في سوريا إذا ما فشل في اإلفادة من أخطائه في العراق‪ ،‬ولكني لم أتوقع أبدا أن‬ ‫ينقسم التنظيم ألن نصفه (جبهة النصرة) تعلم من أخطائه‪ ،‬فيما فشلت «داعش» في التعلم‬ ‫من تلك األخطاء‪.‬‬ ‫وعلى صعيد آخر‪ ،‬اندلع نزاع مشابه في فرع «القاعدة» في شمال أفريقيا وهو «تنظيم القاعدة‬ ‫في بلدان املغرب العربي» وإن لم يكن نزاعا واضحا للعيان‪ .‬فكما هو الحال في سوريا‪،‬‬ ‫كانت معظم النزاعات تتمحور حول من يحق له تولي زمام جبهات الجهاد الجديدة‪ .‬ففي عام‬ ‫‪ ،2011‬دعا الظواهري املسلمني إلى السفر إلى ليبيا واالنضمام إلى تحالف املتمردين الذين‬ ‫يقاتلون نظام القذافي‪ .‬ولكن قيادات الفصائل املختلفة لتنظيم القاعدة في دول املغرب لم‬ ‫يتفقوا حول كيفية االستجابة لدعوة زعيمهم‪ .‬فقد قرر مختار بلمختار‪ ،‬قائد أحد الفصائل‬ ‫إرسال مقاتلني إلى ليبيا في تحد مباشر ألمير تنظيم القاعدة في دول املغرب الذي كان قد‬ ‫كلف شخصا آخر بتلك املهمة‪ .‬وفي مذكرة بتاريخ أكتوبر (تشرين األول) ‪ ،2012‬انتقدت‬ ‫قيادات تنظيم القاعدة بدول املغرب العربي بلمختار ملحاولته التصرف بمفرده بحجة أنهم‬ ‫وحدهم املخولون للرد على القرار باملشاركة في الجهاد في ليبيا‪ .‬وكان نص الرسالة كالتالي‪:‬‬ ‫«لقد كانت قيادة التنظيم هي أول من يدفع لالستفادة من األحداث في ليبيا‪ .‬وهي لم تدفع‬ ‫وتحث فقط‪ ،‬ولكنها ذهبت أبعد من ذلك واتخذت القرارات وأصدرت التوجيهات لتشكيل الفرق‬ ‫التي تم إرسالها إلى قلب األراضي الليبية»‪ .‬فعلى غرار املدير التنفيذي بإحدى الشركات الذي‬ ‫يشعر بأنه من األفضل أن يتواصل مباشرة مع رئيسه التنفيذي بدال من احتمال العقول‬ ‫الصغيرة للمديرين املتوسطني‪ ،‬قرر بلمختار أن يتعهد بالوالء املباشر للظواهري‪ .‬وكان ذلك‬ ‫أكثر مما يمكن أن يحتمله تنظيم القاعدة في املغرب العربي‪ .‬فقد قال أحد كبار القيادات‬ ‫لبلمختار‪« :‬هل تعتبر ذلك والء؛ أن تتمرد ضد األمراء وتهدد بتمزيق التنظيم دون مبرر‬ ‫شرعي مقبول؟» فعبس بلمختار وسار في طريقه‪.‬‬ ‫كان يجب أن يعدم الظواهري إلخفاقه في توقع الخالفات التنظيمية التي يمكن أن تنشأ عن‬ ‫دعوته للجهاد في البلدان العربية التي تمر بتحوالت عنيفة‪ ،‬حيث كان يجب أن يكون أكثر‬ ‫دراية من العوام بأن دمج تنظيم القاعدة مع تنظيم الشباب الصومالي سيئ اإلدارة ستكون‬ ‫له عواقبه الوخيمة‪ .‬فعندما أعلن عن الدمج في بداية ‪ 2012‬كان األمر نظريا يبدو جيدا؛ ألن‬ ‫تنظيم الشباب كان يهيمن على معظم الصومال‪ ،‬كما تميز التنظيم بقدرته على جذب املقاتلني‬ ‫الغربيني الذين يمكن إرسالهم في مهام في أوروبا‪ .‬ولكن كان يجب على الظواهري أن ينتبه‬

‫إلى تحذيرات سلفه‪ ،‬بن الدن‪ .‬ففي عام ‪ ،2010‬أوضح بن الدن أنه يعتقد أن إعالن االندماج‬ ‫مع تنظيم الشباب خطأ؛ ألنه يعاني من سوء اإلدارة كما أنه يسرف في تطبيق الشريعة في‬ ‫األراضي التي يهيمن عليها وهو ما جعله يخسر السكان الصوماليني املحليني‪ .‬فلم يكن بن‬ ‫الدن يرغب في أن يحمل عبء أخطاء األفرع التابعة له‪ .‬وقد حث الظواهري رئيسه دون جدوى‬ ‫على إعادة النظر في القضية‪ .‬وغض الطرف عن النصيحة التي تلقاها بن الدن من القادة‬ ‫اآلخرين الذين أرادوا تقليص حجم تنظيم القاعدة إذا ما خرج الوضع عن السيطرة‪ .‬فقد أصر‬ ‫الظواهري على طريقه؛ فبعد تسعة أشهر من مقتل بن الدن‪ ،‬أعلن تنظيم القاعدة قبول العهد‬ ‫بالوالء من أحمد عبدي جودان زعيم حركة الشباب‪.‬‬ ‫وبعد ذلك مباشرة‪ ،‬فقدت حركة الشباب سيطرتها على معظم أنحاء الصومال‪ .‬ووفقا لتقرير‬ ‫إعالمي كتبه جهادي أميركي كان يقاتل تحت مظلة حركة الشباب‪ ،‬استغل جودان الدمج‬ ‫مع «القاعدة» إلسكات االنتقادات املوجهة ضده بني صفوف الجماعة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن االنتماء‬ ‫لـ«القاعدة» بدال من أن يسفر عن توحيد العناصر الجهادية في الصومال انتهى بتقسيمها‪.‬‬ ‫واحتدم االقتتال حتى أن أحد األشخاص الذين كانوا محل ثقة لجودان كتب رسالة للظواهري‬ ‫يطالبه فيها بأن يفعل شيئا قبل أن يفسد جودان التنظيم برمته‪ .‬فإما أن يكون الظواهري قد‬ ‫أصم أذنيه عن ذلك النداء وإما أنه كان غير قادر على أن يفعل شيئا حياله‪.‬‬ ‫كما يالحظ العالم السياسي جيكوب شابيرو في كتابه الجديد «معضلة اإلرهابي»‪،‬‬ ‫تعاني كافة الجماعات اإلرهابية من االقتتال الداخلي لسبب رئيس وهو أنه لكي تحقق تلك‬ ‫الجماعات أهدافها وتتجنب االعتقال أو القتل‪ ،‬يجب على قيادات التنظيمات السرية التي‬ ‫تعتمد العنف أن تمنح قيادتها امليدانية قدرا من االستقالل‪ .‬وعندما تصبح تلك القيادات‬ ‫امليدانية أكثر استقالال من الالزم‬ ‫تحاول القيادات العليا كبح جماحها‬ ‫عبر العديد من اإلجراءات البيروقراطية‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن الظواهري يحاول‬ ‫كبح جماح الجماعات التابعة له‪ .‬ولكن‬ ‫املدهش هو أن الظواهري شخصيا هو‬ ‫املسؤول عن قدر كبير من املشكلة من‬ ‫خالل محاوالته توسيع نفوذ «القاعدة»‪.‬‬ ‫فقد ظل التنظيم الوحيد الذي لم يحاول‬ ‫الظواهري ضمه تحت لوائه وهو‬ ‫تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة‬ ‫والذي يتمركز في اليمن دون اقتتال‪ .‬وهناك مزاعم بأن الظواهري قام مؤخرا بتعيني قائد‬ ‫التنظيم الجديد ناصر الوحيشي كقائد عام للتنظيم‪ ،‬ومن ثم فإنه سيصبح خليفته‪ .‬ومن‬ ‫الواضح أن الظواهري ليس أمامه خيار آخر سوى االختيار من داخل تنظيم القاعدة في‬ ‫شبه الجزيرة نظرا للخالفات التي تسود بقية التنظيم‪ .‬وما زال بإمكان الظواهري تقليص‬ ‫حجم التنظيم‪ ،‬فبإمكانه قطع الصلة بتنظيم الشباب وكذلك بتنظيم القاعدة في العراق‪،‬‬ ‫حيث إن التمرد الواضح من قبل تنظيم القاعدة في العراق سوف يؤدي في النهاية لنفس‬ ‫النتيجة‪ .‬ولكن تنظيم القاعدة كان يفضل تاريخيا تحذير الجماعات التي تبدي تمردا‬ ‫وتوبيخها بدال من قطع الصلة معها‪ .‬فخالل حرب العراق‪ ،‬أضر الظواهري إلى حد بعيد‬ ‫بسمعة تنظيم القاعدة على املستوى العاملي من خالل سوء إدارته للتنظيم‪ ،‬ومع ذلك فضل‬ ‫التنظيم توبيخه ولم يلجأ إلى التخلي عنه؛ حيث تعتقد قيادة «القاعدة» أنه من األفضل‬ ‫أن يكون لديها أتباع يسيئون التصرف على أال يكون لديها أتباع على اإلطالق‪ .‬وكما‬ ‫يتضح من مثال تنظيم الشباب‪ ،‬تعلم بن الدن على األقل أن ينكر عالنية صالت «القاعدة»‬ ‫بالتنظيمات املتمردة عندما يستطيع ذلك رغم اعتراضات الظواهري على ذلك األسلوب‪.‬‬

‫�سوء �إدارة امين الظواهري‬ ‫لتنظيم القاعدة ال ميثل‬ ‫بال�ضرورة ميزة للواليات‬ ‫املتحدة وحلفائها‬

‫وربما تساعد قدرة الظواهري على ضم املزيد من الفصائل تحت لواء التنظيم وعدم‬ ‫استعداده للتخلي عنها عندما يخطئ خصومه على إلقاء اللوم على التنظيم بأسره في‬ ‫املذابح التي ترتكب باسمه‪ .‬ومع الوقت‪ ،‬ربما يؤدي تراكم املشاهد الدموية إلى تثبيط عزم‬ ‫من يريدون االنضمام للتنظيم ويرعب أعضاءه‪ .‬ولكن على املدى القريب‪ ،‬ربما ال تفيد‬ ‫كثيرا الواليات املتحدة وحلفاؤها من سوء إدارة الظواهري‪ .‬فمن املمكن أن تتصارع‬ ‫الفصائل املتعددة لتنظيم القاعدة الذي كان من قبل يمثل وحدة واحدة حول من الذي يقوم‬ ‫بالقدر األكبر من الهجوم على الغرب‪ .‬ولكن بغض النظر عن ذلك‪ ،‬فإن عدم قدرة الظواهري‬ ‫على إدارة تنظيم القاعدة املتنامي يقدم نبذة عن االقتتال الذي يمكن أن يدور داخل التنظيم‬ ‫عندما يموت الظواهري‬

‫فورن أفيرز‪ /‬نوفمبر‪ -‬تشرين الثاني ‪57 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫الظواهري يحاول كبح جماح الجماعات التابعة له‬

‫تنظيم القاعدة يرتد على نفسه‬

‫عنصر من الجماعات األصولية املتصلة بالقاعدة في حلب سوريا (أكتوبر‪)2013 -‬‬

‫بقلم‪ :‬ويليام ماككانتس‬

‫على غرار كافة املنظمات الكبرى‪ ،‬حظي تنظيم القاعدة بحصته العادلة من االقتتال البيروقراطي‪ ،‬ولكن هذا النزاع‬ ‫الداخلي وصل إلى ذروته منذ أن أصبح أيمن الظواهري زعيما للتنظيم قبل عامني‪ ،‬حيث يشهد اثنان من التنظيمات‬ ‫التابعة لتنظيم القاعدة وهما «الشباب» و«القاعدة في بالد املغرب اإلسالمي» نزاعات تصل في بعض األحيان إلى حد‬ ‫العنف على الزعامة في شمال وغرب أفريقيا‪ .‬كما تحدى تنظيم القاعدة في العراق على نحو علني إرادة الظواهري‬ ‫في سوريا‪ .‬ويرجع جانب كبير من ذلك االقتتال إلى الظواهري ذاته حيث إنه كان نتاجا لقراراته بتوسيع نشاطات‬ ‫«القاعدة» وضم املزيد من الجماعات تحت لوائها‪.‬‬ ‫* مدير مشروع عالقات الواليات املتحدة مع العالم اإلسالمي في معهد (بروكنغز) وزميل في مركز (سابان) لسياسة الشرق األوسط‪ ،‬وهو أيضا عضو هيئة تدريس مساعد في جامعة (جونز هوبكنز)‬

‫املفارقة أن أحد األسباب الكبرى التي تجعل املنظمات التابعة لتنظيم القاعدة ال تخضع تماما‬ ‫للتنظيم األم‪ ،‬الفرص الكثيرة التي أصبحت متاحة أمامها‪ .‬فقد خلقت االضطرابات في العالم‬ ‫العربي فراغا أمنيا سعى الظواهري الستغالله من خالل دعوة التنظيمات املحلية التابعة له‬ ‫لتأسيس فروع للتنظيم‪ ،‬وسرعان ما اختلفت تلك التنظيمات الفرعية معه حول من يجب أن‬ ‫يتولى زمام األمور‪ .‬ويمكن االستعانة بسوريا كنموذج؛ ففي ‪ 9‬أبريل (نيسان) أعلن أبو بكر‬ ‫البغدادي‪ ،‬امللقب بالكرار وهو أمير دولة العراق اإلسالمية (التنظيم الذي يمثل واجهة تنظيم‬ ‫القاعدة في العراق) تغيير اسم التنظيم إلى «الدولة اإلسالمية في الشام والعراق (داعش)»‬

‫مما يشير إلى رغبته أن يلعب دورا أكبر في الحرب األهلية بسوريا‪ .‬كما زعم األمير أيضا‬ ‫أن تنظيم القاعدة في العراق كان يقاتل في سوريا من خالل «جبهة النصرة» مؤكدا تبعية‬ ‫األخيرة له‪ .‬ولكن أبو محمد الجوالني‪ ،‬زعيم تنظيم جبهة النصرة‪ ،‬رفض االعتراف ببغداد‬ ‫كقيادته العليا وتعهد بالوالء للظواهري‪ .‬وكرد فعل على ذلك النزاع‪ ،‬أرسل الظواهري رسالة‬ ‫خاصة يدين فيها كال الرجلني قائال‪ :‬إن البغدادي قد أخطأ ألنه لم يستشر الجوالني بينما‬ ‫أخطأ الجوالني ألنه رفض االنضمام إلى «الدولة اإلسالمية في الشام والعراق» معلنا والءه‬ ‫املباشر للظواهري دون استئذان القيادة املركزية لـ«القاعدة»‪ .‬كما قضى الظواهري بضرورة‬

‫فورن أفيرز‪ /‬نوفمبر‪ -‬تشرين الثاني ‪56 - 2013 /‬‬


‫أي أمل ينعقد على أن الحرس الثوري سوف يلعب دورا إلفساد التقارب األميركي ‪ -‬اإليراني‬ ‫سوف يخيب‪ ،‬نظرا ألن هذه القوة نفسها منقسمة بشدة على نفسها بني من يقفون بحزم‬ ‫ضد إقامة عالقات وثيقة مع الواليات املتحدة ومن يرغبون في دعم هذه الصفقة‪.‬‬ ‫وهذا ال يعني أن الحرس الثوري ال يمثل خطرا على التقارب‪ ،‬حيث إن الفصائل املتشددة به‬ ‫سوف تعمل للحيلولة دونه‪ ،‬خاصة أن هذه الفصائل هي األكثر قدرة على الظهور وإعالء‬ ‫صوتها‪ .‬ففي ‪ 30‬سبتمبر (أيلول) املاضي وبعد عدة أيام من املكاملة التاريخية بني روحاني‬ ‫والرئيس األميركي باراك أوباما‪ ،‬وصف قائد الحرس الثوري‪ ،‬محمد علي جعفري الخطوة‬ ‫بأنها «خطأ تكتيكي»‪ ،‬مضيفا أن قواته سوف تراقب القضية في املستقبل حتى تستطيع‬ ‫إصدار «التحذيرات الضرورية»‪ .‬وبعدها بأسبوعني‪ ،‬في ‪ 13‬أكتوبر (تشرين األول) أعلن‬ ‫جعفرى‪« :‬لقد اكتشف الشعب حقيقة ما ينتويه اإلصالحيون ولن ينخدعوا بتبريراتهم‬ ‫التي تصب في مصلحة العدو»‪ .‬وفي اليوم ذاته‪ ،‬أكد يحيى رحيم صفوى‪ ،‬أحد الجنراالت‬ ‫بالحرس الثوري‪ ،‬اإلطار اآليديولوجي املعروف للجمهورية اإلسالمية املناهض إلقامة‬ ‫عالقات مع واشنطن من خالل تصريحه بأن الواليات املتحدة أثبتت مرارا وتكرارا أنها ال‬ ‫يمكن الوثوق بها‪.‬‬

‫معاد‬ ‫شعار‬ ‫ٍ‬ ‫وفى الوقت ذاته تقريبا‪ ،‬كان عدد من كبار القادة بالحرس الثوري يرسلون برسالة مختلفة‬ ‫تماما من خالل مراجعة التاريخ اإليراني الحديث‪ .‬ففي بداية أكتوبر نشر الرئيس السابق‬ ‫علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي عمل كقائد أعلى للحرس الثوري خالل الحرب اإليرانية‬ ‫– العراقية مقاال يروي فيه أن آية الله روح الله الخميني‪ ،‬مؤسس الجمهورية اإلسالمية‬ ‫أوضح مرارا وتكرارا في بداية الثمانينات أنه يريد أن تتوقف الحكومة اإليرانية عن الشعار‬ ‫املعادي بال داع للواليات املتحدة (املوت ألميركا)‪ .‬كما أشار رفسنجاني إلى أن الخميني‬ ‫قال في أبريل (نيسان) ‪« :1980‬إذا ما سمحت أمتنا النبيلة‪ ،‬فإننا يجب أن نؤسس عالقة‬ ‫عادية مع الواليات املتحدة على غرار عالقتنا بكافة الدول األخرى»‪ .‬وفي ‪ 21‬أكتوبر أجرى‬ ‫أحد األعضاء املؤسسني للحرس الثوري‪ ،‬محسن رفيق دوست حوارا يتعلق بتقييم يعالج‬ ‫تقييم رفسنجاني آلراء الخميني قال فيه إن الخميني كان يحاول إقناعه بالعدول عن إقامة‬ ‫مقر الحرس الثوري في مقر السفارة األميركية بطهران‪ ،‬قائال‪« :‬ملاذا ترغبون في الذهاب‬ ‫إلى هناك؟ هل من املفترض أن يستمر نزاعنا مع الواليات املتحدة ألف عام؟ ال تذهبوا إلى‬ ‫هناك»‪.‬‬

‫القائد السابق بالحرس الثوري في حديث له أن الحرب في املنطقة لم تسفر سوى عن‬ ‫«تزايد قتل الشعب املسلم خاصة الشيعة»‪ .‬ويحرص القادة باستمرار على وضع الخطوات‬ ‫التكتيكية العسكرية واألهداف السياسية بحرص لتجنب املواجهة املباشرة‪ .‬فبعد تصريح‬ ‫رئيس الوزراء اإلسرائيلي‪ ،‬بنيامني نتنياهو بأن إيران تبني «صواريخ باليستية عابرة‬ ‫للقارات» قادرة على ضرب واشنطن‪ ،‬سرعان ما نفى الحرس الثوري قائال «إن أقصى مدى‬ ‫لصواريخنا يصل إلى ألفي كيلومتر فقط» مشيرين إلى أنهم ال يعتزمون بناء صواريخ‬ ‫بمدى أطول‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يوجد عدد من كبار رجال الحرس الثوري الذين يدافعون بوضوح عن فكرة‬ ‫التقارب مع الواليات املتحدة‪ ،‬وعادة ما يأتي دفاعهم على هيئة دعوى للتعاون مع واشنطن‬ ‫خاصة فيما يتعلق باملصالح املشتركة مع طهران في املنطقة‪ .‬ففي خطاب في ‪ 16‬أكتوبر‪،‬‬ ‫كان امليجور حسن فيروز أبادي‪ ،‬رئيس أركان القوات املسلحة أكثر وضوحا في التعبير‬ ‫عن ذلك حينما دعا الواليات املتحدة لإلفادة من «الفرصة التاريخية» للتعاون مع الجمهورية‬ ‫اإلسالمية في مكافحة الجماعات املتطرفة مثل تنظيم القاعدة وفي تحقيق االستقرار في‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬مضيفا‪« :‬يحاول خصوم أوباما املحليون عرقلة هذه املفاوضات ألنهم ال‬ ‫يرغبون في أن يفوز أوباما بتلك البطاقة الرابحة‪ ،‬وعلى أوباما مقاومتهم»‪.‬‬ ‫والحقيقة‪ ،‬فإن تأييد الحرس الثوري برمته لن يصنع فارقا إذا كان املرشد األعلى‪ ،‬علي‬ ‫خامنئي‪ ،‬يعارض ذلك التقارب‪ .‬ولكن‬ ‫حتى اآلن يبدو أنه قدم دعما هادئا‬ ‫للبرغماتية‪ ،‬فقد احتفى األدميرال علي‬ ‫شمخاني‪ ،‬أحد قادة الحرس‪ ،‬والذي عينه‬ ‫خامنئي كأمني عام ملجلس األمن القومي‬ ‫اإليراني‪ ،‬بمقاربة روحاني وأوباما‪.‬‬ ‫وأثنى في ‪ 14‬أكتوبر على كليهما نظرا‬ ‫«اللتزامهما املسار الدبلوماسي لحل‬ ‫الخالفات» بني البلدين‪ ،‬ووضع «أساسا‬ ‫إيجابيا إلدارة تلك االختالفات»‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن هناك عددا من أعضاء‬ ‫الحرس الثوري الذين يعارضون بقوة أية كلمات طيبة تجاه الرئيس األميركي‪ ،‬فإن احتفاء‬ ‫خامنئي الخفي ال يمكن االستهانة به‪.‬‬

‫ملاذا �أ�صبحت ر�ؤية اخلميني‬ ‫ب�ش�أن الواليات املتحدة‬ ‫جماال للنزاع بني �أنا�س مثل‬ ‫دو�ست ورف�سنجاين‬

‫ويبدو هذا التأكيد على برغماتية الخميني التى كان يجري إغفالها متوافقا تماما مع انقسام في صفوف الحرس الثوري‬

‫الصورة التي يرغب العديد من رجال الحرس الثوري في إظهارها‪ .‬فعلى الرغم من أن‬ ‫الحرس الثوري أسس كمنظمة آيديولوجية‪ ،‬فإنه أصبح أكثر برغماتية كلما حصلوا‬ ‫على املزيد من السلطة داخل املؤسسة اإليرانية‪ .‬فلم يعد الحرس الثوري مجرد مؤسسة‬ ‫عسكرية‪ ،‬بل أصبح واحدا من أهم األطراف االقتصادية بالبالد التي تهيمن على ما يقدر‬ ‫بنحو ‪ %10‬من االقتصاد سواء مباشرة أو من خالل شركات تابعة له‪ ،‬وغالبا ما تتغلب تلك‬ ‫املصالح االقتصادية على االعتبارات األخرى‪ .‬وعلى الرغم من أن الحرس الثوري يستطيع‬ ‫الحصول على حصة كبرى من السوق املحلية في ظل العقوبات االقتصادية التي تفرضها‬ ‫الواليات املتحدة على النظام اإليراني‪ ،‬فإن القطاع الخاص يعاني من قصور في التمويل‪،‬‬ ‫ويعي العديد من رجال الحرس الثوري أنهم يستطيعون أن يحققوا املزيد من املكاسب إذا‬ ‫ما عززت إيران عالقتها ببقية أنحاء العالم‪.‬‬ ‫وبالطبع فإن الشركات التابعة للحرس الثوري سوف تحصل على نصيب األسد من أية‬ ‫استثمارات أجنبية جديدة‪ ،‬ولكن ذلك يتطلب التوصل إلى قدر من التفاهم مع الواليات‬ ‫املتحدة بشأن برنامجها النووي‪.‬‬

‫االستراتيجية العسكرية‬ ‫كما كان الحرس الثوري دائما ما يصدر إشارات على برغماتيته عندما يتعلق األمر‬ ‫باالستراتيجية العسكرية؛ فهم يدركون أنه إذا ما انهارت املفاوضات بني طهران وواشنطن‪،‬‬ ‫يمكن أن تبدأ الواليات املتحدة التفكير جديا في خيار التدخل العسكري‪ .‬وليس هناك بني‬ ‫رجال الحرس الثوري سوى قلة محدودة ترغب في ذلك الخيار‪ ،‬فبخالف املؤسسة الدينية‬ ‫التي تدعو ملقاومة الغرب‪ ،‬يتمتع رجال الحرس الثوري بالقدرة على الحساب الدقيق للتكلفة‬ ‫املادية واالستراتيجية للتصعيد‪ .‬وفي ‪ 3‬يونيو (حزيران)‪ ،‬أكد الجنرال حسني عالئي‪،‬‬

‫وبالطبع‪ ،‬فإن أشهر أعضاء الحرس الثوري الذين يؤيدون أو يعارضون ذلك التوجه هم‬ ‫ضباط يقفون على قمة النظام الهيكلى للمؤسسة أو على مقربة منه‪ ،‬ولكن من املفيد أيضا‬ ‫أن نفهم وجهة نظر «القاعدة» في الحرس الثوري لفكرة إقامة عالقات طيبة مع الواليات‬ ‫املتحدة‪ .‬وفي ذلك اإلطار هناك مساحة لقدر أعلى من التفاؤل؛ حيث ينحدر أفراد الحرس‬ ‫الثوري الشباب الذين يحتلون مناصب متوسطة أو دنيا داخل املنظمة من الطبقات الدنيا من‬ ‫املجتمع التي كانت األكثر تضررا من العقوبات االقتصادية املفروضة على النظام‪ ،‬كما أنهم‬ ‫ليس لديهم حنني تجاه الثورة اإلسالمية أو لتجربة الحرب اإليرانية العراقية األليمة‪ .‬فإذا كان‬ ‫هناك قدر من مشاركة األجيال األقدم نفس اإلطار اآليديولوجي فإنه قدر محدود للغاية‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬تشير االستطالعات غير الرسمية في هذا الصدد إلى أنه عندما حصل أعضاء‬ ‫الحرس الثوري على التصويت الحر في االنتخابات الرئاسية‪ ،‬صوت معظمهم لصالح‬ ‫املعتدلني بل وحتى اإلصالحيني‪( .‬ففي االنتخابات الرئاسية التي أجريت في ‪ ،1997‬صوت‬ ‫نحو ‪ %70‬من الحرس الثوري لصالح املرشح اإلصالحي محمد خاتمي)‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من أن هذه القاعدة يمكن التالعب بها أو إجبارها من قبل رؤسائها على الدعوة لسقوط‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬فإنهم‪ ،‬على غرار كبار قادتهم‪ ،‬يتطلعون لعصر جديد يتضمن اضطرابات‬ ‫أقل وقدرا أكبر من االحترام املتبادل‪.‬‬ ‫وطاملا ظل هناك انقسام في صفوف الحرس الثوري‪ ،‬سيظل العامل الحاسم هو والء‬ ‫الجماعة الذي أقسمت عليه لكبار رجال الدين بالبالد‪ .‬وهو ما يوضح ملاذا أصبحت‬ ‫رؤية الخميني بشأن الواليات املتحدة مجاال للنزاع بني أناس مثل دوست ورفسنجاني‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من أن املتشددين قاوموا فكرة التقارب عندما دافع عنها اإلصالحيون‪ ،‬فال‬ ‫يجب أن نندهش إذا ما قبلوا تلك السياسة عندما يصبح هناك دليل على دعم الخميني‬ ‫وخامنئي لها‬

‫فورن أفيرز‪ /‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪55 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫هل يفسد الحرس الثوري اإليراني أجواء التهدئة مع أميركا؟‬

‫ثوار برغماتيون‬

‫جانب من تدريبات الحرس الثوري االيراني ـ ـ طهران (مارس ـ ـ ‪)2013‬‬

‫بقلم‪ :‬أكرب كنجي *‬

‫يمكننا أن نفترض أن أية صفقة بني إيران والواليات املتحدة األميركية لتجميد البرنامج النووي اإليراني سوف يقابلها‬ ‫الحرس الثوري اإليراني بهتاف «املوت ألميركا»! وعلى الرغم من أن حسن روحاني الذي انتخب كرئيس للبالد في‬ ‫بداية العام الحالي جاء باألساس لتنفيذ مثل تلك الصفقة‪ ،‬فإنه يجب أن يضع في اعتباره حقيقة أن أكبر قوة عسكرية‬ ‫في إيران تمثل معقال تاريخيا للمتشددين السياسيني الذين ال يولون اهتماما لبناء عالقات أقوى مع الواليات املتحدة‬ ‫األميركية‪.‬‬ ‫* صحافي إيراني معارض‪ ،‬تعرض للسجن في طهران في الفترة من ‪ 2000‬إلى ‪ 2006‬ويمنع نشر كتاباته حاليا في إيران‪ .‬ترجم املقال عن الفارسية عبر املترجم إيفان سيغل‬

‫فورن أفيرز‪ /‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪54 - 2013 /‬‬


‫هل يفسد الحرس الثوري اإليراني أجواء التهدئة مع أميركا؟‬

‫ثوار برغماتيون‬ ‫بقلم‪ :‬أكرب كنجي‬

‫الظواهري يحاول كبح جماح الجماعات التابعة له‬

‫تنظيم القاعدة يرتد على نفسه‬ ‫بقلم‪ :‬ويليام ماككانتس‬

‫كيف صنعت الدولة القومية النزاعات الحديثة‬

‫دول احلرب‬ ‫بقلم‪ :‬أندرياس فيمر‬

‫فورن أفيرز‪ /‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪53 - 2013 /‬‬


twitter

facebook google+

The Arab world has a rich history of scientific breakthroughs. Ensure you’re part of the scientific and medical community gaining access to the latest research in the region. From the latest news, in-depth features, expert commentaries and research highlights to regional jobs, event listings and alerts direct to your inbox – Nature Middle East is your free comprehensive portal keeping you at the centre of science in the Arabic speaking Middle East.

nature.com/nmiddleeast Sponsored by

Get the free mobile app at

Download the free app for your / gettag.mobi phone athttp:/ http://gettag.mobi


‫«املجلة» مع العاملني السعوديني في املحيط األطلسي‬

‫أصابتنا انفلونزا شديدة ونحن اآلن بخري!‬ ‫اتصلت "املجلة" بالفريق العلمي الذي أبدى سعادته باتصال "املجلة" الهاتفي‬ ‫من جدة عبر خطوط القمر الصناعي بواسطة مدار املحيط االطلسي خاصة‬ ‫وان أقارب العاملني السعوديني افادوا "املجلة" انهم فشلوا في االتصال بهم منذ‬ ‫أربعة أيام بسبب تعطل جهاز استقبال املكاملات‪.‬‬ ‫وبدأ الحديث مع الدكتور ابراهيم عالم الذي اكد ان حالتهم الصحية جيدة‪.‬‬ ‫> اين موقعكم اآلن؟‬ ‫ في منطقة تبعد ثالث مراحل عن منطقة حدود القطب‪ .‬كل عشرة ايام نصل الى‬‫محطة‪ ،‬وقد وصلنا الى محطة كنج جورج قبل بضعة ايام‪.‬‬ ‫> كم ستمكثون في هذا املوقع؟‬ ‫ كان املخطط ان نستمر هنا ملدة ثالثة ايام ولكن مضى علينا اكثر من سبعة ايام‪.‬‬‫> ما هو برنامج عمل اليوم الخميس؟‬ ‫ خالل االيام املاضية قمنا في جولة للمحطة السوفييتية والتشيلية وسوف نقوم‬‫بزيارة للمحطة االرجنتينية‪.‬‬ ‫> ما هو الوضع العام؟‬ ‫ ظهرت انفلونزا حادة بني افراد طاقم السفينة اصابت معظمهم‪ .‬ولكن الحمد لله اآلن‬‫في طريقها للزوال‪.‬‬ ‫> ومتى تبدأ السفينة في التحرك من هذا املوقع؟‬

‫> وهل هناك معلومات أولية عن ابحاثكم؟‬ ‫ عملية االتصال اآلن صعبة للغاية وفي الوقت الذي نتحدث فيه معكم هاتفيا هناك احد‬‫الزمالء يعمل على جهاز التوجيه وعملية اعطاء معلومات باسهاب عن طريق الهاتف‬ ‫سوف تكون صعبة‪.‬‬

‫ نتوجه غدا او بعده الى املحطة التالية‪ .‬نجمع في كل محطة عينات وبعض املعلومات‬‫والبيانات ونسير نحن‪ ،‬بينما الفريق اآلخر يكمل عملية التزلج حتى نلتقي في الناحية‬ ‫الشرقية من القطب ونأخذ املجموعة التي تزلجت ونكمل الدائرة على القطب ونصل الى‬ ‫مدينة بيرث في استراليا في نهاية شهر مارس (آذار)‪.‬‬

‫ االجهزة االلكترونية معرضة للعطل وهو جهاز آلي ويتم تعديل االتجاه اآلن بطريقة‬‫يدوية والعملية جدا صعبة‪.‬‬

‫> وكيف تواجهون البرد اآلن؟‬

‫> ما هي اهم األشياء التي تحمالنها معكما من السعودية؟‬

‫ في شبه هذه الجزيرة الجو مقبول ويشبه الجو البارد في مدينة الطائف بالسعودية‪.‬‬‫ولكن مرت علينا منذ يومني عاصفة شديدة‪.‬‬

‫‪ -‬القرآن الكريم وأشرطة مسجل عليها آياته‪.‬‬

‫> أكثر شيء تشتاقون اليه اآلن في السعودية؟‬ ‫ االجتماع باألهل‪.‬‬‫> وكيف تقضون يومكم؟‬

‫> ما هو سبب تعطل جهاز التوجيه؟‬

‫> ما هي أهم املخاطر التي واجهتكم خالل الفترة املاضية وتعتبر بمثابة‬ ‫الكارثة؟‬ ‫ ال يوجد اية مخاطر شديدة ولكن أحيانا يكون الجو سيئا جدا‪ .‬قبل يومني وصلت‬‫سرعة العاصفة الى ‪ 52‬عقدة في الساعة ولم يستطع القبطان ملدة ‪ 12‬ساعة الخروج‬ ‫من املنطقة التي نتواجد فيها‪ .‬ونحن نقيم على ظهر السفينة وعندما نصل الي شاطئ‬ ‫نزوره‪.‬‬

‫ اذا كان الجو سيئا للغاية ال نستطيع العمل الن الرياح شديدة وتصل الى ‪ 40‬عقدة‬‫في الساعة‪.‬‬

‫> هل تشجع اآلخرين على خوض هذه التجربة؟‬

‫‪ -‬عادية‪..‬جميع االنواع املعروفة‪.‬‬

‫ ليس التجربة هذه في حد ذاتها ولكن أشجع العلماء على استمرارية البحث والتحري‬‫في الكون الذي نعيش فيه‪.‬‬

‫> ونوعية الطعام الذي تتناولونه؟‬ ‫> كم ساعة نوم؟‬

‫> ومتى تعودون الى السعودية؟‬

‫‪ 6 -‬ساعات كاملعتاد‪.‬‬

‫ في نهاية شهر مارس (آذار) ان شاء الله <‬‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪51‬‬


‫أرشيف‬

‫‪,,‬‬

‫طلبت جامعة‬ ‫امللك عبد‬ ‫العزيز من‬ ‫الفريق العلمي‬ ‫السعودي‬ ‫تزويدها‬ ‫بعينات من‬ ‫الصخور‬ ‫لدراسة‬ ‫انسجتها‬ ‫وتقدير‬ ‫اعمارها‬

‫‪,,‬‬

‫الفريق العلمي وهي أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصني‬ ‫اليابان والسعودية"‪.‬‬ ‫ويحاول الفريق العلمي اثبات صحة بعض النظريات العلمية السائدة‬ ‫خاصة موضوع ثقب االزون‪ ،‬الن منطقة القطب الجنوبي هي األقرب الى‬ ‫الشمس‪ .‬ويحمل الدكتور مصطفى معمر أجهزة مزودة بالكمبيوتر‬ ‫ألخذ قياسات من محطات متتابعة‪ .‬كما ان الرحلة ال تضم فريقا آخر‬ ‫يقوم بأعمال مشابهة لتلك التي يجريها الفريق السعودي‪.‬‬ ‫والفريق العلمي يدرس موضوع "التوازن الحراري" وهو مهم جدا‪،‬‬ ‫خاصة وان القارة الجنوبية تختزن حوالي ‪ %90‬من املاء الصالح‬ ‫للشرب‪ .‬وبمعرفة املزيد عن "التوازن الحراري" يمكن التوصل الى اذابة‬ ‫الثلوج والتحكم في الفيضانات والتحكم في كمية املياه التي تخرج‬ ‫من هذا املستودع الهائل‪ .‬ويدرس الفريق العلمي بعض االمالح املغذية‬ ‫املوجودة في هذه املنطقة وهذه دراسة يقوم بها الدكتور ابراهيم عالم‪.‬‬ ‫وهناك دراسة اخرى عن تكوين املياه العميقة والخصائص الكيميائية‬ ‫والفيزيائية للمياه العميقة في املحيطات الرئيسية‪ .‬ويجري الفريق‬ ‫تجربة حول التآكل والصدأ في بعض املعادن وهو مكلف بتصوير‬ ‫مظاهر الحياة في القطب الجنوبي‪.‬‬

‫لقاء يف تشيلي‬ ‫وتعرفت "املجلة" على واقع الحياة االجتماعية العضاء الفريق العلمي‬ ‫السعودي في اململكة‪ .‬فالدكتور مصطفى معمر كانت ظروفه العائلية‬ ‫مهيأة لقرار الرحلة البعيدة‪ ،‬فهو لم ينجب بعد وزوجته طبيبة في أحد‬ ‫مستشفيات جدة‪ .‬وتتواجد حاليا في تشيلي حيث التقت بزوجها‬ ‫عند توقفه فيها بني الرحلة التزلجية والرحلة البحرية‪.‬‬ ‫فالرحلة التي يقوم بها البحاثة عبارة عن جزءين انتهى الجزء األول‬ ‫منها ويتمثل في قطع الفريق لبعض املسافة بالتزلج على زحافات‬ ‫تجرها الكالب‪ ،‬وبعد هذا الجزء وصل الفريق الى مركز القارة وتم‬ ‫االحتفال بذلك برفع العلم السعودي‪.‬‬ ‫والجزء الثاني هو الرحلة البحرية التي بدأت والتي سيتم خاللها‬

‫‪50‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫الدوران حول القارة بسفينة االبحاث يو‪.‬اي‪.‬بي ‪.‬‬ ‫والدكتور ابراهيم عبد الحميد عالم أب لثالثة أبناء ولدان وبنت أكبرهم‬ ‫عمره ‪ 12‬عاما والثاني تسع سنوات والطفلة ست سنوات‪.‬‬ ‫وهو االبن العاشر بني ‪ 12‬ولدا وبنتا ومن مواليد العام ‪ .1950‬وكان‬ ‫خبر سفره مفاجأة كما يروي شقيقه املهندس فؤاد عبد الحميد عالم‬ ‫الذي يملك مكتبا هندسيا خاصا بمدينة جدة‪.‬‬ ‫ويوضح بقوله‪":‬عندما تحدث معنا عن الرحلة لم نعرف الى اين ألنها‬ ‫كانت غير معلنة وعندما صدرت املوافقة باختياره سلمنا باالمر‬ ‫الواقع‪ ،‬وان كنت شخصيا قد شجعته وكذلك زوجته التي كانت تعمل‬ ‫مدرسة ولكنها تفرغت لتربية ابنائها وهي حاصلة على بكالوريوس‬ ‫اللغة االنجليزية‪.‬‬ ‫والدكتور ابراهيم حريص على االتصال بزوجته وابنائه يوميا اال انه‬ ‫لم يتصل بهم منذ أربعة ايام نظرا لتعذر ذلك‪ .‬وهو هادئ الطباع‬ ‫ومثابر على العمل وال يبدأ بحث اال وينهيه حتى اذا كان ذلك على‬ ‫حساب راحته وهو غير متسرع في اتخاذ القرارات الهامة في حياته‪.‬‬

‫قرار شخصي‬ ‫من ناحية اخرى اوضح الدكتور عبد العزيز رادين عميد كلية علوم‬ ‫االرض بجامعة امللك عبد العزيز ان الكلية طلبت من الفريق العلمي‬ ‫السعودي تزويدها بعينات من الصخور بحجم كف اليد‪ ،‬وبالقدر‬ ‫املستطاع حمله لدراسة انسجتها وتقدير اعمارها باعتبارها جزءا‬ ‫من القارة الكبيرة اندوانا خاصة وان هذه املنطقة هي أكبر جزء من‬ ‫القارة األم‪.‬‬ ‫وعبر احد أقرباء الدكتور ابراهيم عبد الحميد عالم عن اعتزازه بمشاركة‬ ‫الدكتور ابراهيم في هذه الرحلة‪ .‬وقال ‪":‬انه من الطبيعي ان يواجه قرار‬ ‫السفر بعض الخوف الن الرحلة غير عادية ومليئة باملخاطر‪.‬‬ ‫وألنه عالم وباحث فان الجميع احترموا قراره الشخصي في خوض‬ ‫هذه التجربة" <‬


‫‪,,‬‬

‫القارة وافقت على ان تكف عن مطالبتها طاملا بقيت املعاهدة سارية‬ ‫املفعول‪ .‬وقد انضمت الى هذه املعاهدة فيما بعد ‪ 13‬دولة اخرى‪ ،‬كما‬ ‫ألحقت بها عدة اتفاقيات تختص بمواضيع متفرقة‪.‬‬ ‫وربما تناقش الدول االعضاء موضوع السياحة لدى اجتماعها املزمع‬ ‫عقده في وقت الحق من هذا العام‪ ،‬ولكن أغلب الظن انها سوف‬ ‫تنشغل بالجدل املتزايد حول مستقبل استخراج النفط واملعادن‪ .‬وهذه‬ ‫املسألة اثارت القلق ألول مرة في اعقاب أزمة النفط عام ‪ 1973‬حني‬ ‫بدا واضحا ان نقص الطاقة قد يؤدي يوما ما الى محاولة التنقيب‬ ‫عن النفط حتى في بيئة املنطقة القطبية القاسية‪ .‬وأخيرا قررت الدول‬ ‫االعضاء في املعاهدة انه من االفضل وضع قواعد معينة قبل ان يحدث‬ ‫ذلك‪ .‬وكانت النتيجة عقد ميثاق ويلينجتون الذي وافقت عليه عشرون‬ ‫من الدول االعضاء وتم التوقيع عليه في العاصمة النيوزيلندية في‬ ‫يونيو (حزيران) ‪ .1988‬وخالصة هذا امليثاق انه يحظر القيام باية‬ ‫عمليات للتنقيب عن املعادن ان استخراجها اال بموافقة جميع اطراف‬ ‫املعاهدة‪ .‬ولكن املعنيني بحماية البيئة ينزعجون من اي اتفاق يجيز‬ ‫حتى امكانية حفر آبار النفط‪ .‬وقد وصف عالم التاريخ الطبيعي‬ ‫جاك كوستو ميثاق ويلينجتون بقوله‪":‬انه ال يعدو كونه عملية سرقة‬ ‫باالكراه تجري على نطاق عاملي"!‬

‫بعض اجتماعاتها في باكستان طرحت فكرة املشاركة االسالمية‪،‬‬ ‫باقامة محطة في القطب الجنوبي‪ ،‬خاصة وانها منطقة ال توجد فيها‬ ‫هيمنة سياسية‪ ،‬وتزيد مساحتها عن تسعة ماليني كيلومتر مربع‬ ‫وفيها ثروات من املواد الخام‪.‬‬ ‫وجاءت الخطوات التنفيذية الشتراك الفريق العلمي السعودي عن‬ ‫طريق ترشيح جامعة امللك فهد للبترول واملعادن احد أبرز اساتذة‬ ‫قسم الكيمياء وهو الدكتور ابراهيم عبد الحميد عالم الذي يعمل‬ ‫رئيسا لقسم املوارد املائية‪.‬‬ ‫واختارت جامعة امللك عبد العزيز الدكتور مصطفى عمر معمر عضو‬ ‫هيئة التدريس في قسم الكيمياء البحرية والذي ال زالت بحوثه امليدانية‬ ‫مستمرة باشراف زمالئه‪ ،‬وهو في طريقه للحصول على درجة أستاذ‬ ‫مشارك‪.‬‬ ‫وتقوم لجنة متابعة من جامعة امللك عبد العزيز بجدة‪ ،‬مكونة من‬ ‫رؤساء األقسام في كلية علوم البحار برئاسة عميد الكلية بالتنسيق‬ ‫املباشر واليومي مع الدكتور مصطفى معمر وامداده باملعلومات‬ ‫العلمية التي يحتاجها لتركيب بعض االجهزة االتوماتيكية التي‬ ‫زودته بها الجامعة ومده باملعلومات فيما لو احتاج الى معرفة بعض‬ ‫املعلومات الفيزيائية عن القطب نفسه‪ ،‬ويتم تزويده بها بواسطة جهاز‬ ‫الفاكسميلي‪.‬‬

‫يبدو ان اململكة العربية السعودية تسير بخطى ثابتة نحو االستكشاف‬ ‫العلمي وهذا ما يتضح كانطباع عام على املستوى الداخلي في‬ ‫السعودية خاصة مع دوران الفريق العلمي السعودي حول القطب‬ ‫الجنوبي‪.‬‬

‫دراسة التوازن احلراري‬

‫وتعمل لجنتان من جامعة امللك فهد للبترول واملعادن بالظهران‬ ‫على متابعة أبحاث رحلة "ديسكفري" التي شارك فيها العاملان‬ ‫السعوديان الدكتور ابراهيم عالم والدكتور مصطفى عمر معمر‬ ‫وينظر السعوديون الى هذه الرحلة بأهمية خاصة النها جاءت بناء‬ ‫على مبادرة من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران تقديرا لدور اململكة‬ ‫العربية السعودية السياسي واالقتصادي والحضاري الريادي في‬ ‫العالم العربي واالسالمي‪ .‬وكانت منظمة املؤتمر االسالمي التي عقدت‬

‫والتقت "املجلة" الدكتور عبد الكريم خفاجي عميد كلية علوم البحار‬ ‫بجامعة امللك عبد العزيز في محاولة ملعرفة أهمية البحوث التي يقوم‬ ‫بها الفريق العلمي السعودي وقال الدكتور خفاجي‪" :‬تكتسب الرحلة‬ ‫أهمية من خالل وجود دول عريقة مشاركة في البحث العلمي‪ ،‬وسوف‬ ‫ينعكس ذلك على السعودية‪ ،‬فتكون املرجع العربي واالسالمي الوحيد‬ ‫في البحوث التي ستجري‪ .‬وسوف تتضح أهمية التعاون الدولي في‬ ‫مجال االستكشاف والبحث العلمي‪ ،‬خاصة وان سبع دول تكون‬

‫القطب‬ ‫الجنوبي‬ ‫يختزن‬ ‫‪ %90‬من‬ ‫مياه الشرب‬ ‫والفريق‬ ‫السعودي‬ ‫يدرس‬ ‫كيفية‬ ‫استغالله‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪49‬‬


‫أرشيف‬

‫‪,,‬‬

‫لجنة‬ ‫متابعة‬ ‫تمده‬ ‫باملعلومات‬ ‫يوميا‬ ‫أبحاث‬ ‫الفريق‬ ‫السعودي‬ ‫فريدة‬ ‫ومميزة‬

‫‪,,‬‬

‫ولئال يزداد االمر سوءا تعمل بلدان العالم اآلن على وضع اتفاقية دولية‬ ‫بقصد تقليص انتاج مركبات كلوروفلوريد الكربون بالتدريج حتى‬ ‫يتوقف نهائيا بحلول سنة ‪.2000‬‬

‫األحياء البحرية‬ ‫وكانت وفرة االحياء البحرية اول ما اجتذب أعدادا كبيرة من الناس‬ ‫الى القارة الجنوبية‪ .‬فلما طاف جيمس كوك حول الدائرة القطبية‬ ‫الول مرة بني عامي ‪ 1772‬و‪ 1775‬شاهد قطعانا من عجول البحر‬ ‫على الجزر املحيطة بها‪ .‬وخالل القرن التالي أصبحت القارة جنة‬ ‫للصيادين‪ ،‬حتى ان بعض أنواع عجول البحر كانت شبه منقرضة في‬ ‫مستهل القرن الحالي‪.‬‬ ‫والى جانب املستغلني جاء املستكشفون ملجرد االستزادة من املعرفة‬ ‫العلمية وتحقيق االمجاد النفسهم وألوطانهم‪ .‬ففي عام ‪ 1841‬كان‬ ‫الرائد البريطاني جيمس كالرك روس اول انسان ينفذ من بحار‬ ‫الجليد الى أراضي القارة‪ .‬اما الهدف النهائي ألولئك املغامرين – وهو‬ ‫الوصول الى القطب الجنوبي – فانه لم يتحقق اال بعدها بسبعني‬ ‫عاما أثناء السباق املثير الذي انتهى نهاية مفجعة بني املستكشف‬ ‫البريطاني سكوت ومنافسه النرويجي روالد آمندسن‪ .‬فقد وصل‬ ‫الفريق النرويجي ظافرا الى القطب الجنوبي يوم ‪ 14‬ديسمبر (كانون‬ ‫الثاني) ‪ ،1911‬بينما تأخر وصول سكوت ومرافقيه شهرا كامال‪.‬‬ ‫وكان وقع الصدمة هائال عليه اذ وجد العلم النرويجي يرفرف عند‬ ‫القطب في استقباله‪ .‬ثم حدثت املأساة في طريق العودة حني حاصرت‬ ‫سكوت واثنني من رفاقه عاصفة ثلجية عنيفة‪ ،‬ولم ينج منهم احد‪.‬‬ ‫وبعد ظهور الطائرات قلت خطورة السفر الى القارة القطبية الجنوبية‪.‬‬ ‫ففي سنة ‪ 1929‬أصبح ريتشارد بيرد االمريكي اول شخص يطير‬ ‫الى منطقة القطب الجنوبي في رحلة استغرقت ‪ 16‬ساعة ذهابا وايابا‪.‬‬ ‫وخالل الثالثينات حاول الطيارون األملان احتالل جزء من القارة باسم‬ ‫الرايخ الثالث‪ ،‬وذلك بااللقاء مئات األوتاد املستعملة لتعيني حدود‬ ‫تحمل شعار الصليب املعقوف‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫واثر انتهاء الحرب العاملية الثانية لم تتمسك الحكومة االملانية بتلك‬ ‫املطالب االقليمية النازية‪ .‬ولكن سبع دول اخرى سبق لها القيام‬ ‫باستكشافات في املنطقة القطبية – وهي االرجنتني وتشيلي وفرنسا‬ ‫ونيوزيلندا وبريطانيا والنرويج واستراليا – زعمت ان اجزاء من القارة‬ ‫تخصها دون غيرها‪ .‬وتشابكت مطالب بعض الدول حتى ان تشيلي‬ ‫وبريطانيا واالرجنتني اعلنت ملكيتها لشبه الجزيرة القطبية‪ .‬وفي‬ ‫حني ان الواليات املتحدة لم تتقدم بأي مطلب اقليمي فيما يخصها‪ ،‬اال‬ ‫انها رفضت االعتراف بدعاوى الدول األخرى كذلك‪.‬‬

‫صراع اقليمي‬ ‫وهذه الخالفات كان من السهل ان تؤدي الى اندالع صراع اقليمي‬ ‫واسع النطاق على أراضي القارة القطبية لوال التعاون العلمي بني‬ ‫مختلف األطراف‪ .‬وقد اتخذ ذلك التعاون شكل اتفاق على اعالن‬ ‫سنة جيوفيزيائية دولية‪ ،‬استمرت في الواقع طيلة ‪ 18‬شهرا‪ ،‬بغية‬ ‫االستفادة من أوج ظهور البقع الشمسية التي كان العلماء قد تنبأوا‬ ‫بحدوثها خالل عامي ‪1957‬و‪ .1958‬وتلك الدراسة الشاملة ملعرفة‬ ‫التفاعالت بني الشمس واألرض شاركت فيها ‪ 76‬دولة‪ ،‬كما استمرت‬ ‫الكثير من الدراسات على الطبيعة في القارة القطبية نفسها‪ ،‬حيث‬ ‫اقامت كل من االرجنتني واستراليا وبلجيكا وتشيلي وفرنسا‬ ‫وبريطانيا واليابان ونيوزيلندا والنرويج وجنوب افريقيا والواليات‬ ‫املتحدة واالتحاد السوفييتي محطات للبحث العلمي هناك‪.‬‬ ‫وفي سياق أعمال السنة الجيوفيزيائية الدولية كان الجانب املتعلق‬ ‫باملنطقة القطبية الجنوبية ناجحا للغاية‪ ،‬مما حدا بالرئيس ايزنهاور‬ ‫وبعد انتهاء املشروع الى دعوة بقية الدول التي انشأت محطات في‬ ‫املنطقة الى االنضمام للواليات املتحدة في اطار اتفاقية تحكم كافة‬ ‫االنشطة التي تجري على اراضي القارة املتجمدة وما حولها‪ .‬وكانت‬ ‫النتيجة عقد معاهدة القارة القطبية الجنوبية‪ ،‬التي تم التصديق عليها‬ ‫سنة ‪ ،1961‬وهي تقضي بحظر النشاط العسكري والتفجيرات‬ ‫النووية والقاء النفايات املشعة وتلزم التعاون الدولي وحرية البحث‬ ‫العلمي‪ .‬وعالوة على ذلك فان االطراف التي كانت تطالب باجزاء من‬


‫‪,,‬‬

‫العواصف‬ ‫والرياح‬ ‫تعيق سيرنا‬ ‫والبرد‬ ‫يذكرنا‬ ‫بالطائف‬

‫‪,,‬‬

‫يسمح فيه اال بأعمال البحث العلمي وقدر محدود من السياحة‪.‬‬ ‫ولم تنل هذه الدعوة كثيرا من التأييد حتى الربيع املاضي عندما أعلنت‬ ‫كل من فرنسا واستراليا فجأة عن مساندتهما لفكرة املنتزه العاملي‬ ‫ورفضتا التوقيع على معاهدة ويلينجتون‪ .‬وفي واشنطن تزعم عضو‬ ‫مجلس الشيوخ األمريكي آلبرت جور حملة لدفع الواليات املتحدة الى‬ ‫سحب تأييدها لالتفاقية املقترحة‪ .‬والى ان يتم حسم الجدل الدائر‬ ‫حول هذا املوضوع لن تكون ثمة اية استراتيجية متفق عليها لحماية‬ ‫القارة القطبية الجنوبية من مخاطر التعدين‪.‬‬ ‫وفي نفس الوقت فان بعض االضرار التي حدثت بالفعل لن يسهل‬ ‫تالفيها‪ ،‬وربما تكون لها آثار بعيدة املدى‪ .‬فطوال سنوات عديدة ظلت‬ ‫البلدان الصناعية تنفث مركبات كلوروفلوريد الكربون في الغالف‬

‫الجوي وهي ال تدري انهذه الكيمكاويات تتلف طبقة االوزون التي تقي‬ ‫األرض من اضرار االشعة فوق البنفسجية‪.‬‬ ‫وبسبب تقلبات التيارات الهوائية نضب االوزون في أجواء منطقة‬ ‫القطب الجنوبي أكثر من اي مكان آخر‪ .‬واكتشاف "ثقب االوزون"‬ ‫فوق القارة القطبية الجنوبية في سنة ‪ 1983‬هو الذي نبه العلماء الول‬ ‫مرة الى اخطار تلك املركبات الكيماوية بالذات‪.‬‬ ‫ومنذ ذلك الحني طفق الباحثون يراقبون ثغرة االوزون ويفتشون عن‬ ‫ظواهر مماثلة في أجواء املناطق املأهولة‪ .‬ويتنبأ العلماء بان نقص‬ ‫تركيز االوزون وما يترتب عليه من زيادة االشعاعات فوق البنفسجية‪،‬‬ ‫سوف يؤدي الى االضرار بالنباتات والحيوانات‪ ،‬كما يسبب االصابة‬ ‫بأمراض سرطان الجلد وماء الزرقاء في العني عند االنسان‪.‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪47‬‬


‫أرشيف‬

‫كانت ذات يوم نقية ناصعة البياض بعيدة املنال وهي اآلن مهددة بانتشار التلوث في مياهها الباردة والسياحة‬ ‫والصناعة على سطحها يريدون ان يستأصلوا جوفها‪ ،‬هم وبعض الدول املهتمة بالسيطرة على آخر بقعة "بكر"‬ ‫على األرض في القارة التي يملكها العالم بأسره‪ ،‬القارة القطبية الجنوبية‪ .‬الى هناك‪ ،‬ومنذ أغسطس (آب) ‪ ،1989‬اتجه‬ ‫فريق من العلماء من كافة أقطار الدنيا شرقها وغربها‪ ،‬شمالها وجنوبها في رحلة يقطعون خاللها القارة مشيا‬ ‫على األقدام وهي رحلة استكشافية دولية يرئسها االميركي ويل ستيجر‪ .‬بينهما عاملان سعوديان هما‪ :‬الدكتور‬ ‫ابراهيم عالم والدكتور مصطفى عمر اللذان أصبحا أول سعوديني ومسلمني تطأ اقدامهما أرض القطب الجنوبي‪.‬‬ ‫"املجلة" تنشر صورا خاصة عن رحلتهما يوم رفعا العلم السعودي في القارة النائية‪.‬‬

‫‪ 120‬يوما في صقيع القطب الجنوبي‬

‫عاملان سعوديان يخوضان مغامرة فريدة‬ ‫«املجلة»‬ ‫العدد (‪)530‬‬ ‫‪1990/1/30‬‬ ‫جدة‪:‬‬ ‫عمر ادريس‬

‫من على قمة تل تصنعه الرياح الباردة‪ ،‬يبدو منظر‬ ‫السهوب املنبسة على مد النظر رائعا وموحشا في هذه‬ ‫البقعة غير املؤاتية للحياة اطالقا‪ .‬فحتى في عز الصيف‬ ‫ال يرى الزائر سوى قفار ثلجية قارسة البرد‪ .‬على الجانب الغربي‬ ‫خليج مالح املياه سطحه متجمد تماما‪ ،‬وتلوح عبر الخليج أنهار‬ ‫جليدية براقة وقمم صخرية شامخة‪ .‬وفي الجنوب والشرق يرتفع‬ ‫جرف أبيض من الثلج يبهر األبصار‪ ،‬ويحتك بقاع البحر العميق‬ ‫الغور‪ .‬وفي الشمال جبل بركاني يكسوه الجليد‪ ،‬يقذف حممه‬ ‫السامة على نحو متواصل‪.‬‬ ‫هذا قاع العالم حيث تصل سرعة الرياح الى ‪ 320‬كيلومترا في الساعة‬ ‫وتهبط درجات الحرارة الى أقل من ‪ 85‬درجة مئوية تحت الصفر‪ .‬هذه‬ ‫هي الدائرة القطبية الجنوبية‪ ،‬القارة البيضاء‪ ،‬أقسى وأوحش منطقة‬ ‫على وجه األرض‪.‬‬ ‫ولكن املنظر من فوق التل املطل على مضيق ماكمورد في الجانب‬ ‫الشرقي من القارة هو مشهد خادع‪ .‬ولو دققت النظر فيه ترى ان هذه‬ ‫األراضي والبحار التي تبدو ألول وهلة جرداء بالكامل سوف تفاجئك‬ ‫بوفرة مذهلة من أشكال الحياة‪.‬‬ ‫فهذا املضيق مثل كل املياه الساحلية املحيطة بالقارة من كل جانب‪،‬‬ ‫يزخر باألحياء املائية واألسماك‪ ،‬فيما تتخلل سطحه الثلجي السميك‬ ‫ثقوب عديدة تتنفس منها عجول البحر‪ .‬ومنطقة كيب رويدز‬ ‫املجاورة تستوطنها آالف من طيور البطريق التي تحضن بيضها‬ ‫في هذا العش جنوبي العالم‪ .‬كما ان األراضي الجليدية نفسها حافلة‬ ‫بالطحالب والبكتيريا‪.‬‬

‫خزانات نفطية‬ ‫وثمة نوع آخر من الحياة أيضا‪ ،‬ففي جميع أنحاء القارة‬ ‫القطبية الجنوبية تتناثر على الساحل أكواخ الصفيح‬ ‫وخزانات النفط وأكداس القمامة وهي كلها عالمات‬ ‫واضحة على وجود االنسان‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫فهناك ما ال يقل عن ‪ 16‬دولة أنشأت قواعد دائمة في القارة الوحيدة‬ ‫التي تخص العالم كله‪ .‬وهذه القواعد اقيمت في الغالب كمراكز الجراء‬ ‫الدراسات والبحوث العلمية‪ ،‬لكنها صارت تجتذب أفواجا من السواح‬ ‫يأتون للتحديق في القمم الثلجية وطيور البطريق‪ .‬ويخشى املهتمون‬ ‫بحماية البيئة ان شركات التعدين وحفر آبار النفط قد تشكل املوجة‬ ‫التالية من موجات هذا الغزو البشري للقارة القطبية العذراء‪ ،‬والذي بدأ‬ ‫بالفعل يخلق حالة من القذارة املروعة في القارة النائية التي كانت حتى‬ ‫وقت قريب انظف بقعة في العالم‪ .‬فعبر السنوات لوث الغزاة البحر‬ ‫بالنفط وصبوا أقذار املجاري في محاذاة السواحل وأحرقوا النفايات‬ ‫في العراء وتركوا أكداسا هائلة من اآلالت املهجورة تصدأ ببطء في‬ ‫هذه األصقاع الجليدية‪.‬‬ ‫والبحث عن أفضل السبل لحماية القارة القطبية الجنوبية أصبح‬ ‫مثار جدل حاد في أنحاء متفرقة من العالم تمتد من واشنطن الى‬ ‫نيوزيلندا‪ .‬ورغم األضرار التي لحقت بها حتى اآلن‪ ،‬ال زالت القارة‬ ‫تحتفظ ببساطتها القديمة الى حد كبير‪ ،‬وهي القارة الوحيدة املتبقية‬ ‫على حالتها الطبيعية في عالم اليوم‪ ،‬والتي يستطيع العلماء من‬ ‫خاللها دراسة بيئات فريدة من نوعها وتقلبات مناخية تؤثر على‬ ‫األنماط الجوية في العالم بأسره واالبحاث الجارية في القارة املتجمدة‬ ‫ال يمكن القيام بها في أي مكان آخر‪.‬‬

‫معاهدة ويلينجتون‬ ‫ويتركز محور الخالف في الوقت الحاضر على معاهدة ويلينجتون‬ ‫(عاصمة نيوزيلندا) وهي اتفاقية دولية تستهدف وضع أحكام‬ ‫لتنظيم أعمال التنقيب واستخراج النفط واملعاجن في القارة القطبية‬ ‫الجنوبية مستقبال‪.‬‬ ‫ويقول أنصار هذه املعاهدة التي صيغت بعد عناء طويل وعبر‬ ‫مفاوضات استغرقت ست سنوات‪ ،‬أنها تحتوي على ضمانات‬ ‫متشددة لحماية البيئة الطبيعية‪ ،‬غير ان كثيرين من دعاة وقاية البيئة‬ ‫يعتبرون املعاهدة مجرد خطوة أولى نحو االستغالل الخطر للموارد‬ ‫املعدنية الكامنة بالقارة‪ .‬وهم ينادون بتحويلها الى "منتزه عاملي" ال‬


‫وفي ظل تزايد عمليات خطف املتمردين للصحافيني وعاملي اإلغاثة‬ ‫خالل األشهر األخيرة‪ ،‬يرفض كافة السكان املحليني فكرة القيادة‬ ‫والتعمق داخل البالد‪ .‬وعقب طرح مناقشات دامت طويال‪ ،‬اخترنا البقاء‬ ‫في عتمة وإرسال أحد األشخاص السوريني من أهل الثقة بالنيابة عنا‬ ‫للذهاب داخل البالد‪ .‬قام ذلك الشخص بحمل االستبيان الذي وضعناه‬ ‫وكاميرا وأجرى بدوره اللقاءات»‪.‬‬ ‫تقول موسى "جرت االجتماعات مع الجهاديني األوروبيني على نحو‬ ‫منفصل‪ ،‬خالل يومني منفصلني في مكانني مختلفني‪ .‬وجرت اللقاءات‬ ‫باللغة اإلنجليزية‪ ،‬حيث إن املجاهدين ليسوا ذوي طالقة في اللغة‬ ‫العربية"‪.‬‬ ‫وبعد عناء التقت جنان موسى أبو طالل‪ ،‬محارب أشقر الشعر‪ ،‬أزرق‬ ‫العينني يرتدي قناعا للوجه‪ ،‬ال يمثل سوى املحارب الديني الذي يحافظ‬ ‫على سالمة مسؤولي األمن الغربيني في املساء‪ .‬ويروي أنه قد أتى‬ ‫إلى سوريا «ملساعدة املجاهدين ضد بشار األسد»‪ ،‬ولكنه رفض ذكر‬ ‫طريقة قدومه من أوروبا‪ .‬على الرغم من ذلك‪ ،‬فقد استأنف حديثه‬ ‫قائال‪« :‬سوف أزور عائلتي (في أوروبا) مرة أخرى ومن ثم سأعود‬ ‫إلى سوريا»‪.‬‬ ‫ويذكر أبو سلمان‪ ،‬املجاهد األوروبي الذي كان مرتديا شاال عربيا‬ ‫تقليديا كي يخفي هويته‪ ،‬قائال‪« :‬إنني على يقني بأن األميركيني‬ ‫سوف يبدأون في استخدام طائرات التجسس دون طيار‪ .‬وبمجرد‬ ‫أن نقضي على نظام بشار األسد‪ ،‬فإنهم سوف يرسلون أسلحتهم‪.‬‬ ‫ولكننا سوف نحاربهم بالتأكيد‪ .‬فقد ذكر الرسول الكريم‪ ،‬صلى الله‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬قائال‪( :‬سوف يقاتلكم الكفار كما قاتلوني)‪ ،‬ولكن إن‬ ‫شاء الله سوف نفوز بهذه الحرب‪ ..‬حتى إذا هاجمنا األميركيون‪،‬‬ ‫فإننا لن ننهزم»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك أصبحت الرحلة الى سوريا أكثر صعوبة‬ ‫بالنسبة لألجانب ‪-‬حسب مراسل"فورين بولسي" هارالد دورنبوس‪-‬‬

‫كما أصبحت الطرق مقطوعة‪ ،‬حيث ال يكون بإمكانك الدخول إلى‬ ‫الشام حاليا دون حصولك على جواز سفر سوري‪ ،‬كما أن هناك‬ ‫العديد من نقاط التفتيش‪ .‬وكثيرا ما يذكر الجهاديون قناعتهم بأن‬ ‫ُ‬ ‫الواليات املتحدة األميركية سوف تجري عملياتها في سوريا عاجال‬ ‫أم آجال‪ ،‬ليس بهدف إسقاط نظام بشار األسد‪ ،‬ولكن لتستهدف هؤالء‬ ‫املجاهدين حتى املوت‪ .‬فهم يعتقدون أن الواليات املتحدة األميركية‬ ‫سوف تقوم باستخدام طائرات دون طيار من أجل استهداف‬ ‫املجاهدين السوريني‪.‬‬

‫الخوف من العودة‬ ‫لذا أصبحت ظاهرة تدفق الجهاديني األوروبيني إلى سوريا تجذب‬ ‫اهتمام الهيئات األمنية الغربية على نحو متزايد‪ ،‬حيث إنها تخشى ما‬ ‫سيفعله هؤالء عندما يعودون إلى ديارهم‪ .‬وحسبما ذكر مسؤولون‬ ‫باالستخبارات األميركية واألوروبية لصحيفة «نيويورك تايمز»‪ ،‬فإن‬ ‫عدد الغربيني الذين يحاربون في الوقت الحالي بسوريا يزيد على عدد‬ ‫هؤالء الذين يحاربون في العراق أو أفغانستان أو الصومال أو اليمن‪.‬‬ ‫يتمثل الدافع الرئيس لذلك في الدين حيث إن الغالبية العظمى هي من‬ ‫هؤالء البيض الذين اعتنقوا اإلسالم أو أنهم مهاجرون ُمنحوا الجنسية‬ ‫ولديهم خلفية مسلمة‪.‬‬ ‫يقول هارالد دورنبوس «إن التطرف الديني الذي يتسم به الجهاديون‬ ‫والخبرة العسكرية بسوريا‪ُ ،‬‬ ‫ويسر السفر حول أوروبا والواليات‬ ‫املتحدة األميركية قد يؤدي إلى إيجاد خليط قاتل بالفعل»‪.‬‬ ‫وذكر ماثيو أولسن‪ ،‬مدير املركز القومي األميركي ملكافحة‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬مؤخرا في أحد املؤتمرات أن سوريا قد أصبحت «ساحة‬ ‫املعركة الجهادية السائدة في العالم»‪ ،‬وأثار املخاوف من أن مثل‬ ‫هؤالء الجهاديني قد يعودون «كجزء من حركة جهادية عاملية‬ ‫حقيقية إلى أوروبا الغربية ومن املحتمل أيضا إلى الواليات املتحدة‬ ‫األميركية» <‬

‫‪,,‬‬

‫التطرف الديني‬ ‫الذي يتسم به‬ ‫الجهاديون‬ ‫والخبرة‬ ‫العسكرية‬ ‫بسوريا‬ ‫ُ‬ ‫ويسر السفر‬ ‫حول أوروبا‬ ‫والواليات‬ ‫املتحدة قد‬ ‫يؤدي إلى‬ ‫إيجاد خليط‬ ‫قاتل‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪45‬‬


‫تقرير‬

‫ظاهرة تدفق الجهاديني األوروبيني واألميركيني إلى سوريا والصومال وانضمامهم للجماعات األصولية واملتطرفة‬ ‫تجذب اهتمام الهيئات األمنية الغربية على نحو متزايد‪ ،‬حيث إنها تخشى ما سيفعله هؤالء عندما يعودون إلى‬ ‫أوطانهم وما قد يشكلونه من خطر على املجتمع‪.‬‬

‫ظاهرة انضمام عناصر أميركية وأوروبية مليليشيات أصولية‪ ..‬تهدد الغرب‬

‫اجلهاديون األوروبيون‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫مصطفى الدسوقي‬

‫‪,,‬‬

‫أعلنت الواليات‬ ‫املتحدة الشهر‬ ‫املاضي مقتل‬ ‫الجهادي‬ ‫األميركي‬ ‫عمر املعروف‬ ‫بـ«منصور‬ ‫األميركي»‬ ‫الذي يقاتل في‬ ‫الصومال منذ‬ ‫عام ‪2006‬‬

‫‪,,‬‬

‫بات وجود الجهاديني األجانب للقتال في سوريا أمرا مثيرا‬ ‫للجدل بني املؤيدين للثورة السورية‪ ،‬وعلى نحو منتظم‪،‬‬ ‫يقوم اإلسالميون األجانب بجلد أنصار النظام السوري أو‬ ‫تصفيتهم في «الرقة»‪ ،‬بينما في «حلب»‪ ،‬يقوم الجهاديون بتصفية‬ ‫شباب سوري يعتقدون أنهم أصبحوا ملحدين‪ .‬وجدير بالذكر أن‬ ‫عمليات خطف السوريني والصحافيني األجانب وعاملي اإلغاثة آخذة‬ ‫في الزيادة‪ .‬وشهدت الرقة أغسطس (آب) املاضي اختفاء األب باولو‬ ‫ً‬ ‫مؤيدا للثورة‬ ‫دالوليو الذي عاش في سوريا ملدة ثالثة عقود وكان‬ ‫السورية‪.‬‬ ‫وتناولت صحيفة «الغارديان» البريطانية امللف السوري وبالتحديد‬ ‫ملف «املجاهدين األوروبيني» الذين خرجوا من بالدهم ملقاتلة نظام‬ ‫الرئيس بشار األسد‪ ،‬واملخاوف املترتبة على عودتهم لديارهم‪ .‬وألقت‬ ‫الصحيفة الضوء بالتحديد على املخاوف األملانية من عودة مواطنني‬ ‫املان‪ ،‬ذهبوا للقتال في سوريا إلى جانب امليليشيات اإلسالمية‪،‬‬ ‫والدعوة إلى وضع سياسات جديدة ملنع هؤالء من العودة إلى البالد‪.‬‬ ‫ووفقا ملجلة «دير شبيغل» األملانية يظن املسؤولون األمنيون األملان أن‬ ‫عددا من األملان يتعاونون مع إسالميني متطرفني ناشطني على جبهات‬ ‫القتال في سوريا‪ّ .‬‬ ‫لكن أكثر ما يثير قلقهم هو التدريبات والروابط‬ ‫التي كسبوها في الخارج‪ ،‬واحتمال أن يتابعوا الجهاد بعد عودتهم إلى‬ ‫ديارهم‪ .‬وأضافت املجلة أن ‪ 40‬مواطنا أملانيا يقاتلون في سوريا منذ‬ ‫يوليو (تموز) ‪ 2012‬من أصل ‪ 700‬مقاتل من مختلف الدول األوروبية‪،‬‬ ‫وفقا لتقديرات الحكومة األملانية‪ .‬وقيل إن بعض املقاتلني االملان‬ ‫اصطحبوا زوجاتهم إلى هناك وهم يعيشون اآلن في جبهات القتال‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لكن دراسة بريطانية نشرت حديثا ترى أن هذا الرقم ارتفع منذ ذلك‬ ‫الحني ليتراوح بني ‪ 2000‬و‪ 5500‬شخص‪ ،‬وقد أعلن خبراء في شؤون‬ ‫َمكافحة اإلرهاب في االتحاد األوروبي أن ‪ 500‬شخص منهم على األقل‬ ‫ق ِدموا من دول االتحاد األوروبي‪.‬‬

‫الواليات املتحدة‬ ‫وأعلنت الواليات املتحدة الشهر املاضي مقتل جهادي أميركي يقاتل‬ ‫في الصومال منذ عام ‪ ،2006‬كانت واشنطن رصدت مكافأة مالية ملن‬ ‫يقدم معلومات تقود إلى القبض عليه أو تصفيته‪.‬‬ ‫وقتل عمر املعروف بـ«منصور األميركي» في مواجهات مع إسالميي‬ ‫حركة الشباب الصومالية‪ ،‬رفاق سالحه في السابق قبل اندالع خالفات‬ ‫معهم‪ ،‬وفق ما أعلنت مصادر عدة في الصومال‪ .‬وكان عمر األميركي‬ ‫املتحدر من والية أالباما (جنوب) على قائمة «املكافآت من أجل العدالة»‬ ‫‪44‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫التي تصدرها الخارجية األميركية منذ عام ‪ 1984‬والتي أدرج اسمه‬ ‫عليها منذ مارس (آذار) املاضي‪.‬‬ ‫وهذا األميركي البالغ ‪ 29‬عاما ‪ -‬الذي سبق أن أعلنت وفاته مرارا ثم‬ ‫جرى تكذيبها ‪ -‬من أشهر املقاتلني اإلسالميني األجانب في الصومال‪،‬‬ ‫وكانت الخارجية األميركية رصدت مكافأة قدرها خمسة ماليني‬ ‫دوالر ملن يقدم معلومات تقود إلى القبض عليه أو تصفيته‪ .‬وعرف‬ ‫عمر بترويجه ألفكار حركة الشباب الصومالية من خالل أدائه مقاطع‬ ‫من موسيقى الراب ونشره تسجيالت مصورة ونشاطه على وسائل‬ ‫التواصل االجتماعي‪ .‬إال أنه اختلف نهاية عام ‪ 2012‬مع القائد األعلى‬ ‫لحركة الشباب أحمد عبدي غودان‪ ،‬وأثار مصيره تساؤالت عدة‪ .‬وكان‬ ‫حسابه على موقع «تويتر» الذي يتسم إجماال بالنشاط‪ ،‬خال من أي‬ ‫تدوينة بني مايو (أيار) وسبتمبر (أيلول) املاضيني قبل اإلعالن عن‬ ‫مقتله‪.‬‬

‫دولة إسالمية في سوريا‬ ‫وفي تحقيق موسع نشر في مجلة «فورين بوليسي» أخيرا تحت‬ ‫عنوان «مجاهدون بعيون زرقاء في سوريا»‪ ،‬كتب هارالد دورنبوس‬ ‫أنه التقى ببعض السوريني الذين ألقوا اللوم على الجهاديني األوروبيني‬ ‫بسوريا على أنهم يفسدون نقاء الثورة التي شنها الشعب السوري‬ ‫ضد نظام بشار األسد‪ ،‬باعتبار أن هؤالء الثوار ليسوا سوى متمردين‬ ‫مدعومني من الغرب‪ ،‬وتخشاهم الهيئات األمنية الغربية كونهم يمثلون‬ ‫تهديدا إرهابيا محتمال‪.‬‬ ‫وفي لقاء أجرته اإلعالمية اللبنانية جنان موسى مع بعض الجهاديني‬ ‫األوروبيني في سوريا‪ ،‬تقول موسى إنهم وضعوا عدة شروط مسبقة‬ ‫للموافقة على إجراء اللقاء‪ ،‬من بينها‪ :‬عدم نشر أسمائهم الحقيقية‬ ‫وبلدان املنشأ‪ ،‬حيث إنهم استعاضوا عن أسمائهم بذكر عبارة «أوروبا‬ ‫سوف تقوم بكذا»‪ً .‬كما أنهم ارتدوا أقنعة خالل اللقاء‪ ،‬كي ال يجري‬ ‫التعرف عليهم‪ .‬ووفقا ملا ذكره أحدهم‪« :‬أنا ال أزال أرغب في العودة إلى‬ ‫أسرتي في أوروبا»‪ .‬كان من املمنوع أيضا منعا باتا ذكر اسم البلدة‬ ‫التي جرى فيها اللقاء‪ .‬وصرح أحدهم قائال‪« :‬بإمكانك ذكر أي مكان‬ ‫في شمال الشام»‪ُ ،‬مشيرا إلى سوريا الكبرى أو بالد الشام‪.‬‬ ‫وتضيف موسى‪« :‬أما عن وصولي مع بعض الزمالء إلى موقع اللقاء‪،‬‬ ‫فقد شكل ذلك مشكلة أخرى‪ .‬وفي عالمة على مدى خطورة الوضع‬ ‫الذي أصبح داخل سوريا‪ ،‬فإن املجاهدين التابعني لـ(القاعدة) يقيمون‬ ‫نقطة تفتيش تبعد بمسافة تزيد على ميل واحد عن معسكر عتمة‬ ‫لالجئني على الحدود السورية مع تركيا‪ .‬وكان هناك العديد من نقاط‬ ‫التفتيش األخرى على طول الطريق إلى حيث يعيش الجهاديون‪.‬‬


‫كان مرسي يخاطب اإلخوان دون غيرهم ويحكمهم في املسائل‬ ‫وخلق أعداء في أغلب مؤسسات الدولة‪ .‬وفعال في تونس كلهم‬ ‫مرسي‪ ،‬إذ لم نجد في مؤسستي رئاسة الحكومة ورئاسة‬ ‫الجمهورية «إال اإلخوان»‪ .‬إنهم األفضل واألكفأ واألعلم‪ .‬طبعا حني‬ ‫نبدأ الترتيب من األسفل‪.‬‬ ‫ومثلما أخضع مرسي املوظفني في كل مؤسسات الدولة بالقوة‬ ‫وبالعنف وولى عليهم بعض «اإلخوان» من عديمي الكفاءة‬ ‫وسن قوانني إلقصاء املنافسني وهدد اإلعالميني وغيرهم وأمر‬ ‫اإلخوان برفع قضايا ضدهم‪ ،‬كذلك فعل اإلخوان في تونس حتى‬ ‫إن مصريا صديقا كنت أخبره عن تونس قاطعني وأخذ يكمل‬ ‫لي قصة النهضة في تونس وكأنه يعيش معنا وهو في األصل‬ ‫يتحدث عن مصر‪ ..‬فسبحان الله الذي أسرى بهم إلينا‪ ..‬وسبحان‬ ‫الذي ال يحمد على مكروه سواه‪.‬‬ ‫استطاع مرسي من خالل حكومته أن يعيد إنتاج ميليشيا ضالة‬ ‫وجعلها بلطجيته وعلى نحوه فعل اإلخوان في تونس‪ .‬والدليل أن‬ ‫أغلب السياسيني الشرفاء تؤمن لهم وزارة الداخلية الحماية‪.‬‬ ‫خالف مرسي وعده بالتوافق السياسي مع العلمانيني والعلمانيني‬ ‫املتطرفني «على حد عبارته الغريبة» ومع القوى السياسية الوطنية‪.‬‬ ‫ومن وعد وخالف فهو من املنافقني في الفقه‪.‬‬ ‫استطاعت حكومة مرسي أن تدمر الشعب املصري بسوء إدارتها‪:‬‬ ‫توقف الكهرباء‪ ،‬انعدم الغاز‪ ،‬تفاقم البطالة‪ ،‬التضخم‪ ،‬فتعطل اإلنتاج‬

‫وغاب االستثمار‪ .‬ولوال اإلعانات الخارجية لسقطت مصر‪ .‬وعن‬ ‫تونس ّ‬ ‫حدث وال حرج‪ ،‬فالتونسي اليوم يموت بالشهيق والزفير‪.‬‬ ‫ملا بدأ التمرد اختار مرسي واإلخوان املواجهة والحرب األهلية‬ ‫وقنصوا خيرة الطلبة في جامعة القاهرة فضيع فرصة التوافق‬ ‫وكذب متعمدا على الناس‪ ،‬فهو من رفض املبادرة‪ .‬وكذلك اختاروا‬ ‫في تونس الهروب إلى األمام وأفتوا بالقتل‪ ،‬وما زالوا يتعنتون‪.‬‬ ‫ببساطة مثلما لم يفهم مرسي حقيقة علمانية املصريني‬ ‫واملجتمع‪ ،‬وهي خاصة جدا مركبة من إسالم ومسيحية وقبطية‬ ‫ومدنية وتواصل ورغبة في الحياة‪ ،‬لم تفهم حركة النهضة‬ ‫الشعب التونسي أنه مدني خالص‪ .‬ولذلك مثلما فشل ها هم‬ ‫يفشلون‪ ...‬لسبب بسيط‪ ،‬أنهم ليسوا أصحاب قضية‪ .‬فإن ظنوا‬ ‫أن قضيتهم الدين فقد ضلوا ألن الدين للجميع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إن املشروع اإلسالموي السياسوي ق ِبر وانتهى في مصر وتونس‬ ‫ولن يكون له أي شأن في ليبيا أو حتى في سوريا‪ .‬حتى الدول‬ ‫التي خلقتهم وهي تحركهم أصبحت في شك منهم‪ .‬اإلسالمويون‬ ‫ال مشروع لهم ‪ ،‬وإن كانوا يعتقدون أن اإلسالم مشروعهم‬ ‫فاإلسالم مشروع الناس أجمعني‪ .‬لقد جربوا ولم يصحوا‪ ،‬وعليهم‬ ‫أن يتحولوا إلى حزب مدني وأن يكفروا عن سوءاتهم بأن يرتكبوا‬ ‫أحسن الفضائل‪ ،‬أي أن يتركوا الحكم للعارفني به وأن يعيدوا‬ ‫تكوين أنفسهم ويدخلوا فقط من الباب املدني‪.‬‬ ‫«وإن الله يهدي من يشاء»‪ .‬وأخيرا‪ ،‬إننا باقون على عهدك يا‬ ‫تونس مهما كانت مصائبنا <‬

‫راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة‬ ‫االسالمية وسط أنصاره‬

‫‪,,‬‬

‫إن ما حدث‬ ‫في مصر لو‬ ‫قلبناه من‬ ‫شتى الوجوه‬ ‫لوجدناه قد‬ ‫حدث في‬ ‫تونس بل ما‬ ‫أشبه هذا بذاك‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪43‬‬


‫قضايا‬

‫يجمع التونسيون اليوم على أن وجه تونس غريب عنهم‪ ،‬فالحزن في كل الوجوه‪ ،‬والبسمة اختفت‪ .‬صمت‬ ‫أحيانا ووجوم‪ .‬وحيرة وتساؤالت كثيرة‪ .‬خوف ورعب من طيور الظالم أعداء الحياة في عيون كل الناس‪.‬‬ ‫كثيرون ينتظرون «سيسي» تونس لعله ينقذهم من «الضباع السياسية الجائعة»‪ .‬إنه إحباط عام‪ .‬هذه هي‬ ‫تونس اليوم‪.‬‬

‫تونس‪ ..‬ما هي رابطات حماية الثورة ومن يرعاها؟‬

‫الثورة تؤول إلى نكبة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫تهامي العبدولي‬

‫‪,,‬‬

‫مثلما لم‬ ‫يفهم مرسي‬ ‫حقيقة‬ ‫علمانية‬ ‫املصريني‬ ‫واملجتمع لم‬ ‫تفهم حركة‬ ‫النهضة‬ ‫الشعب‬ ‫التونسي‬ ‫على أنه‬ ‫مدني خالص‬

‫‪,,‬‬

‫‪42‬‬

‫في األيام األخيرة تعطل الحوار الوطني‪ ،‬واملشكل كالعادة‬ ‫من رئيس الحكومة‪ ،‬أهو جلول عياد وزير املالية األسبق‬ ‫أم وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي أم مصطفى كمال‬ ‫النابلي االقتصادي املاهر؟ بعد استبعاد أحمد املستيري املناضل‬ ‫الذي رضي لنفسه أن يكون لعبة بني أيدي الترويكا‪ ..‬أما املجلس‬ ‫التأسيسي فهو نكبة تونس الحقيقية‪ ،‬نكص ليدخل تعديالت على‬ ‫الدستور الصغير من أجل استمرارية اإلسالميني وتونس عندهم‬ ‫فريسة أو طريدة‪ .‬أو هي شهيدة الجهل املستشري بني الكثيرين‪.‬‬ ‫في املجمل حال تونس سيئة كيفما قلبناها‪ ،‬ورغم ذلك ثمة بوادر‬ ‫اتفاق قريب فعسى أن ينجح‪ .‬ما خفي وما يجب أن نكشفه أن‬ ‫الترويكا «بامليس» ملكة الجمال‪ ،‬أي النهضة والوصيفان حزب‬ ‫التكتل وحزب املؤتمر سيربحون الوقت إلى حني عيد الثورة أو‬ ‫«ما أصبح نكبة»‪ ،‬ليسلموا الحكم لحكومة انتخابات بعد أن يكملوا‬ ‫تغلغلهم في أجهزة الدولة ومصادرتها كليا‪ .‬ثمة سيناريوهان‬ ‫متوقعان إما عصيان مدني يسقط الجميع وهو قد ينتج فوضى‬ ‫عارمة‪ ،‬وإما انقالب أمني ولعله في حال تونس أفضل‪.‬‬ ‫رغم أن بيانا قد صدر أخيرا من بعض املثقفني الجالسني على‬ ‫الربوة يحذر من تدهور األوضاع ويعتبر أن االنقالب يمثل خطرا‬ ‫على املدنية‪ ،‬والحق أن الشعب التونسي أصبح يفضل ذلك كي‬ ‫يتخلص من املؤسسات الثالث الحاكمة‪ .‬سامح الله من كان السبب‬ ‫في فكرة املجلس التأسيسي الذي يدعي أنه سيد نفسه وينسى‬ ‫أن السيد هو الشعب‪.‬‬ ‫أما السبب الرئيس لتعطل الدولة وانحدار تونس نحو الحضيض‬ ‫السياسي واالقتصادي فنجمله في واحد‪« :‬إنه حكم القصر‬ ‫سياسيا» من اإلسالمويني من أتباع اإلخوان املسلمني بعد سنتني‬ ‫من التخبط السياسي‪ ،‬وذلك ما يؤكد وجوب نهاية حكمهم في أجل‬ ‫قريب‪ ،‬وهم إذا لم يخرجوا بالتوافق السياسي فإني أجزم أن القادم‬ ‫سيئ جدا وسيأتي عليهم قبل غيرهم‪.‬‬ ‫«اإلخوان» على رأس الحكومة في تونس انتهوا بالفعل منذ أحداث‬ ‫السفارة األميركية ثم دقوا مسمار نعشهم األخير باغتيال الشهيد‬ ‫شكري بلعيد‪ ،‬ثم الشهيد محمد البراهمي‪،‬واستشهاد جنودنا‬ ‫ورجال األمن‪ ،‬فحني يكون طرف منهم ضالعا في العنف لم تعد‬ ‫حكومتهم حكومة‪ ،‬بل مجرد حزب يدير ميليشيا‪ .‬إنها بقصد أو‬ ‫عن غير قصد أصبحت راعية لإلرهاب‪ ،‬فمن هم السلفية الجهادية‬ ‫ومن يتعامل معهم ومن يحميهم؟ ومن هي رابطات حماية الثورة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫ومن يرعاها؟ إن الدولة تساس بمنطق الدولة ال بمنطق امليليشيا‬ ‫التي تنقلب تدريجيا على الدولة‪ ،‬في وقت نرى فيه أن جماعة منها‬ ‫تعرف ذلك وتسكت عنه ثم تبرره‪ .‬إنها بالنسبة إلينا حكومة عديمة‬ ‫الجدوى ومنتهية الصالحية‪ .‬نحن اليوم غارقون في املديونية‬ ‫و‪ %50‬منا يصنفون فقراء‪ ،‬إذ تنتهي رواتبهم في اليوم الثاني‬ ‫عشر من الشهر‪ ،‬ونحن ال نسيطر على حدودنا واألطراف الدولية‬ ‫تضحك من مواقفنا وتتجنب التعامل معنا‪ .‬حطموا أحالمنا‬ ‫وحطموا طموحنا واآلن بالدليل نتأكد أن الفكر اإلخواني ال يبني‬ ‫الدول‪ ،‬بل يحطمها‪« ،‬فهم كلما دخلوا قرية أفسدوها»‪.‬‬ ‫أما مؤسسة رئاسة الجمهورية فهي أسيرة «برغبة منها»‪،‬‬ ‫وأصبحت تابعة لحزب اإلخوان ومشتق من مشتقاته‪ ،‬وقد أحبطت‬ ‫كل التونسيني‪ ،‬وليت أن القائم عليها يطالع من جديد ماذا كان‬ ‫يكتب حني كان مناضال وماذا كان يقول ضد بن علي‪ .‬ونحن‬ ‫اليوم نتأكد أن صراعهم جميعا مع الديكتاتورية لم يكن من أجل‬ ‫الشعب‪ ،‬بل من أجل السلطة‪ .‬تصوروا رئاسة تونس تتحدث عنا‬ ‫وتصنفنا كعلمانيني متطرفني ألننا نرفض مشروع «النكسة»‪،‬‬ ‫تصوروها تحاكم اإلعالميني‪ ،‬تصوروها يقذفها شعبها‪.‬‬ ‫إن ما حدث في مصر لو قلبناه من شتى الوجوه لوجدناه قد‬ ‫حدث في تونس‪ ،‬بل ما أشبه هذا بذاك‪ ،‬وهكذا هم خريجو مدرسة‬ ‫اإلخوان‪.‬‬ ‫ففي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام املاضي حاصر اإلخوان‬ ‫مدة ثالثني يوما املحكمة الدستورية العليا وعطلوا العدالة‬ ‫وخصوصا القضايا املتعلقة بدستورية مجلس شورى اإلخوان‬ ‫واملجلس الدستوري‪.‬‬ ‫وكذلك فعلوا في تونس‪« ،‬صادروا» وزارة العدل وسخروا قضاة‬ ‫لخدمتهم وجعلوا بعضا من النيابة العمومية تحت إمرتهم‪ .‬غيروا‬ ‫وزيرا منهم بواحد محايد فاتضح أنه محايد للحق وللشعب‬ ‫التونسي‪ ،‬أي «أجير عندهم» أو وزير بالوكالة‪.‬يوم منح مرسي‬ ‫نفسه حصانة إصدار املراسيم دون أي تبعات قضائية‪ ،‬فأقال‬ ‫املدعي العام وعني آخر مواليا له‪ ،‬مخترقا مرة أخرى صالحياته‬ ‫الدستورية‪ .‬وعندها أصبح مرسي فعال «الحاكم بأمره» املشرع‬ ‫والقاضي في اآلن نفسه‪ .‬وكذلك هم أصحابنا في تونس أقالوا من‬ ‫أقالوا‪ ،‬يحكمون وينهون ويسمون في املناصب العليا «إخوتهم‬ ‫جاهلني أو مغفلني»‪.‬‬


‫السياسي الذي أصبح طرفا فاعال في اللعبة السياسية داخل كل دول‬ ‫شمال أفريقيا سواء تلك التي شملتها إصالحات داخلية عميقة مثل‬ ‫املغرب أو التي أصبحت مسرحا لتغييرات راديكالية على أعلى هرم‬ ‫السلطة مثل تونس وليبيا ومصر‪.‬‬ ‫> وبصرف النظر عن املشكالت األمنية والسياسية املعقدة التي‬ ‫تعيشها تلك الدول ‪ -‬وخصوصا ليبيا ‪ -‬بسبب «انهيار مؤسسات‬ ‫الدولة املركزية»‪ ،‬فإن التقارب بني التيارين اإلسالمي والعلماني في‬ ‫الدول الخمس زائد مصر يمكن أن يوفر ضمانات جديدة إلنجاز‬ ‫املشروع املغاربي وضمان بناء سوق كبيرة مفتوحة تمتد من سيناء‬ ‫إلى طنجة ونواكشوط‪.‬‬ ‫ولعل من أبرز املؤشرات اإليجابية التي قد تدعم الخروج من دوامة‬ ‫«اإلفالت» من تنفيذ املقررات الوحدوية الصادرة عن االجتماعات‬ ‫والقمم املغاربية دخول دول جنوب املتوسط في مسار شراكة وتبادل‬ ‫حر مع فضاءات اقتصادية ومالية عاملية عمالقة‪ ،‬من أبرزها االتحاد‬ ‫األوروبي الشريك الرئيس لدول االتحاد املغاربي زائد مصر‪.‬‬ ‫ومهما كانت الخسائر التي لحقت باقتصادات دول جنوب املتوسط‬ ‫بسبب انهيار عدد هائل من شركاتها الصغرى التي تضررت من‬ ‫منافسة نظيرتها األوروبية والعاملية‪ ،‬فإن من مميزات اتفاقات الشراكة‬ ‫األورومتوسطية واألوروبية املغاربية أنها أقحمت كل بلد مغاربي في‬ ‫نفس الفضاء االقتصادي مع جيرانه بصفة آلية بعد إبرام اتفاقيات‬ ‫مع بروكسيل‪.‬‬ ‫وإذا سلمنا بأن واشنطن ومنافسيها اآلسيويني ‪ -‬اليابان والصني‬ ‫والهند ‪ -‬يشجعون الدول املغاربية على االندماج ‪ -‬فإن مسار التوحد‬ ‫يمكن أن يتقدم بضوء أخضر دولي أكثر وضوحا‪.‬‬

‫تسوية الخالف حول الصحراء‬ ‫ّ‬ ‫لكن كثيرين وبينهم السفير صالح الدين الجمالي ‪ -‬وزير الدولة‬ ‫التونسي األسبق للشؤون املغاربية ‪ -‬يعتبرون أن كل «مؤشرات‬ ‫االنفراج االقتصادية والسياسية واألمنية ستبقى محدودة األثر إذا‬ ‫لم يتوصل صناع القرار في الرباط والجزائر وفي جبهة البوليساريو‬ ‫إلى توافق سياسي وسطي ينهي عقودا من االقتتال ومن حروب‬ ‫االستنزاف ومن (االنفجارات) غير املرغوب فيها بسبب تباين‬ ‫وجهات النظر في طريقة حسم الخالفات الحدودية والسياسية‬ ‫الجزائرية والتناقضات في ما يتعلق بطريقة تسوية النزاع الصحراوي‬ ‫الذي طال أكثر من الالزم»‪.‬‬ ‫ويعتقد بعض الخبراء أن «حسم امللف الصحراوي يحتاج إلى تدخل‬ ‫دولي أكثر حزما ونجاعة»‪ ،‬وإلى أن تتخلى الواليات املتحدة والعواصم‬ ‫األقوى في االتحاد األوروبي عن «مواقفها الناعمة» من تمسك بعض‬ ‫الساسة في الرباط والجزائر وتندوف (عاصمة البوليساريو) والعيون‬ ‫(عاصمة الصحراويني الذين انضموا إلى املغرب) بمواقف لم يعد لها‬ ‫ما يبررها «منذ انهيار جدار برلني وتفكك املعسكر الشرقي‪ ،‬على حد‬ ‫تقدير املؤرخ التونسي الدكتور عبد اللطيف الحناشي‪.‬‬

‫الورقة الدولية‬ ‫وبعد أن تعثرت زيارة وزير الخارجية األميركي كيري إلى املنطقة‬ ‫بسبب التوتر الجديد في عالقات الرباط والجزائر و«أزمة السفارات»‪،‬‬ ‫فإن إقرار مبدأ تنظيم الزيارة الرسمية للعاهل املغربي إلى واشنطن‬ ‫رغم إلغاء زيارة كيري‪ ،‬دليل آخر على كون واشنطن ال تزال تتحكم‬

‫في جانب كبير من قوانني اللعبة الدبلوماسية والسياسية في بلدان‬ ‫شمال أفريقيا‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق تبدو واشنطن وشركاؤها الغربيون أكثر قدرة من‬ ‫ذي قبل على «الخروج من الحياد السلبي في النزاعات الجزائرية‬ ‫املغربية»‪ ،‬وعلى تقديم «مقترحات ملموسة» توقف إهدار املليارات‬ ‫في نفقات التسلح ودبلوماسية الحرب وفي حماية «حدود هشة»‪،‬‬ ‫خصوصا بعد أن تصاعد تأثير عصابات اإلرهاب وتبييض‬ ‫األموال‪ ،‬وتنوعت عمليات الجماعات املسلحة وتوسعت لتشمل كل‬ ‫دول «الساحل والصحراء والشمال األفريقي» من سيناء إلى املحيط‬ ‫األطلسي‪.‬‬ ‫وقد تسبب «الربيع العربي» في نزوح نحو ثلث الشعب الليبي إلى‬ ‫كل من تونس ومصر والجزائر واملغرب‪ ،‬وبينهم آالف من أعضاء‬ ‫امليليشيات السابقة املوالية للقذافي أو ملعارضيه‪ ،‬بما يوشك أن‬ ‫يفجر «قنابل موقوتة كثيرة» في كل الدول املغاربية‪ ،‬وخصوصا‬ ‫في الجزائر املجاورة ملالي‪ ،‬والتي تؤكد التقارير أن «املهربني»‬ ‫و«اإلرهابيني» في جنوبها يقومون سنويا بتهريب أكثر من عشر‬ ‫إنتاج الجزائر من املحروقات في اتجاه مالي وبلدان «الساحل‬ ‫والصحراء» األفريقية‪ ،‬حيث السلطات املركزية ضعيفة جدا‪،‬‬ ‫وبعضها مورط بدوره مع عصابات التهريب واإلرهاب و«االتجار‬ ‫غير املشروع في املال والسالح واملخدرات والبشر»‪.‬‬ ‫فهل يحسن قادة املنطقة الجدد االستفادة من املعطيات الدولية‬ ‫الجديدة لتجسيم أحالم الوحدة التي تغنى بها شهداء الحركة‬ ‫الوطنية ورواد الدولة الحديثة بعد االستقالل‪ ،‬أم تنتصر عليهم‬ ‫القوى االنفصالية وعصابات العنف والجريمة املنظمة وجماعات‬ ‫اإلرهاب الجديدة‪ ،‬التي تسبب القصف الفرنسي األطلسي‬ ‫ملواقعها في «مالي» في هجرتها نحو «الشمال»‪ ،‬وخصوصا‬ ‫نحو الجزائر وتونس وليبيا املجزأة واملقسمة منذ انهيار‬ ‫السلطات املركزية في ليبيا؟ <‬ ‫* كاتب وإعالمي تونسي‬

‫الرئيس التونسي محمد املنصف‬ ‫املرزوقي يستقبل الرئيس املوريتاني‬ ‫السيد محمد ولد عبد العزيز‬ ‫بالقاعة الشرفية بمطار تونس‬ ‫قرطاج (‪18‬نوفمبر ‪)2013‬‬

‫‪,,‬‬

‫التقارب بني‬ ‫التيارين‬ ‫اإلسالمي‬ ‫والعلماني في‬ ‫دول املغرب‬ ‫العربي ومصر‬ ‫قد يضمن بناء‬ ‫سوق كبيرة‬ ‫مفتوحة تمتد‬ ‫من سيناء‬ ‫إلى طنجة‬ ‫ونواكشوط‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪41‬‬


‫قضايا‬

‫> حرمان املنطقة املغاربية من لعب دور الفاعل االستراتيجي اإلقليمي‬ ‫والدولي بما يتماشى مع موقعها الجغرافي املميز بالقرب من أوروبا‬ ‫وعلى ضفاف البحر األبيض املتوسط وكبوابة ألفريقيا وللعالم‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫> حرمان ماليني املهاجرين املغاربة في أوروبا وخارجها من لعب‬ ‫دور اقتصادي وسياسي يفيدهم في بلدانهم الجديدة ويمكنهم من‬ ‫املساهمة في توظيف مليارات من مداخيلهم في أوروبا وأميركا‬ ‫وآسيا (خصوصا في دول الخليج) في تنمية مواطنهم‪.‬‬

‫الوساطة السعودية‬ ‫يذكر أن التنسيق املغاربي في مستوى الخبراء والوزراء وقادة الدول‬ ‫تواصل بشكل ماراثوني طوال الستني عاما املاضية‪ ،‬ال سيما منذ قمة‬ ‫«زيرالدة» بالجزائر في جون ‪ 1988‬التي جمعت ألول مرة قادة الدول‬ ‫املغاربية الخمس بحضور العاهل السعودي السابق امللك فهد‪.‬‬ ‫وأمكن إنجاز تلك الخطوة بعد وساطة سعودية مماثلة قام بها األمير‬ ‫فهد‪ ،‬وهو ولي للعهد‪ ،‬في املغرب على هامش قمة عربية‪ ،‬إذ جمع ألول‬ ‫مرة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والعاهل املغربي الحسن‬ ‫الثاني‪ ،‬في خطوة ساهمت في إذابة جليد عقد حرب الصحراء‪.‬‬ ‫رئيس الوزراء الليبي‬ ‫علي زيدان‬

‫‪,,‬‬

‫عجز ساسة‬ ‫الجزائر واملغرب‬ ‫عن التخلص‬ ‫من مضاعفات‬ ‫«حروب‬ ‫االستنزاف‬ ‫الحدودية»‬ ‫املوروثة عن‬ ‫عقود االحتالل‬ ‫وعلى رأسها‬ ‫نزاع «الصحراء‬ ‫الغربية»‬

‫‪,,‬‬

‫‪40‬‬

‫وتكشف تقارير رسمية ومستقلة كثيرة ‪ -‬مثلما يورد األستاذ‬ ‫عيسى البكوش ‪ -‬ارتفاع قيمة الخسائر االقتصادية واالجتماعية‬ ‫بسبب عدم مضي القادة في تنفيذ التزاماتهم بشأن بناء االتحاد‬ ‫املغاربي اقتصاديا‪.‬‬

‫ومن أهم تلك الخسائر‪:‬‬ ‫> حرمان مئات اآلالف من شباب الدول املغاربية العاطلني عن العمل‬ ‫من فرص توفير موارد رزق بالجملة لها عالقة مباشرة وغير مباشرة‬ ‫بتجسيم قرارات تحرير تنقل رؤوس األموال والسلع واملسافرين في‬ ‫كل االتجاهات في الدول الخمس‪.‬‬ ‫> حرمان رجال األعمال في الدول املغاربية من فرص بناء سوق‬ ‫موحدة بها نحو ‪ 100‬مليون مستهلك عوض األسواق الصغيرة‬ ‫الحالية‪ .‬وقد انعكس ذلك سلبا على كل فرص اإلنتاج واالستثمار‬ ‫والتشغيل‪ ،‬كما حال دون «تحسني السيولة املالية وترفيع قيمة‬ ‫االدخار وعلى تجسيم نيات االستثمار الوطني واملغاربي والعربي‬ ‫والدولي»‪ ،‬على حد تعبير الخبير العربي الدكتور عبد الله تركماني‪.‬‬ ‫> حرمان اقتصادات الدول الخمس من فرض التكامل الثنائي‬ ‫والجامعي‪ :‬جنوب ‪ -‬جنوب عبر تقاسم األدوار واألولويات‬ ‫واالختصاصات مثال عبر تخصص موريتانيا في صيد األسماك‬ ‫والزراعات الحيوانية وصناعات الحديد‪ ،‬واملغرب وتونس في إنتاج‬ ‫الفوسفات والباكورات الزراعية والزيوت والصناعات الغذائية‬ ‫وصناعات اإللكترونيك ومكونات السيارات‪ ،‬مقابل تخصص الجزائر‬ ‫وليبيا في الزراعات الكبرى وإنتاج املحروقات (بسعر تفضيلي للدول‬ ‫املغاربية) والصناعات النفطية والبتروكيماوية‪.‬‬ ‫> حرمان املنطقة املغاربية من شركاء ومستثمرين عرب وأجانب‬ ‫من الحجم الكبير‪ ،‬ألن الدول األوروبية وأميركا واليابان والصني‬ ‫والهند وبقية الدول الصناعية الغنية تشترط توحيد املنطقة املغاربية‬ ‫وتحسني البنية األساسية فيها «حتى تغامر باستثمارات عمالقة‬ ‫فيها»‪ ،‬على حد تعبير الدكتور الصادق بلعيد‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫وقد مهدت تلك الخطوة التاريخية لقمة تأسيس االتحاد املغاربي في‬ ‫فبراير ‪ 1989‬في مراكش ثم قمته األولى في تونس في يناير (كانون‬ ‫الثاني) ‪ 1990‬التي وضعت األسس القانونية واإلدارية والترتيبية‬ ‫واالقتصادية لتجسيم املضمون السياسي التفاقية التأسيس في‬ ‫مراكش‪.‬‬ ‫إذن فاألسس القانونية والسياسية رسمت منذ نحو ربع قرن في‬ ‫مراكش وتونس ووقع تفعيلها في القمم املغاربية الدورية التي عقدت‬ ‫ما بني ‪ 1990‬و‪ 1994‬في الجزائر وفي رأس األنوف بليبيا ثم في الدار‬ ‫البيضاء ونواكشوط‪.‬‬ ‫ووقع تركيز اآللية الدائمة لالتحاد في الرباط مع اتفاق على أن يكون‬ ‫األمني العام تونسيا ومساعدوه من بقية الدول الخمس‪ ،‬ويتولى هذه‬ ‫الخطة منذ نحو ثمانية أعوام الحبيب بن يحيى وزير خارجية تونس‬ ‫األسبق خلفا للحبيب بولعراس وملحمد عمامو‪ ،‬وكالهما وزير سابق‬ ‫للخارجية في تونس‪.‬‬ ‫كما وقع تفعيل الشراكة االقتصادية قطاعيا وثنائيا وثالثيا بصيغ‬ ‫كثيرة‪ ،‬ال سيما من خالل االتفاقيات والخطوات العملية التي قطعتها‬ ‫تونس مع كل بلد مغاربي بصفة ثنائية وبصفة أخص مع جارتيها‬ ‫ليبيا والجزائر‪.‬‬ ‫وأوشكت املنطقة املغاربية أن تسبق االتحاد األوروبي في تجسيم‬ ‫قرارات طموحة جدا من بينها التحرير الجمركي الشامل وتحرير‬ ‫تنقل السلع ورؤوس األموال واملسافرين دون شروط‪.‬‬

‫تحديات وفرص‬ ‫لكن رغم كل هذه التحديات والنقائص تبدو أمام املنطقة املغاربية‬ ‫فرص كثيرة لتدارك أمرها واالنطالق بنسق أسرع في تجسيم‬ ‫املقررات الخاصة ببناء املشروع املغاربي قطاعيا وثنائيا وإقليميا‪.‬‬ ‫> أولى أبرز الفرص الجديدة بعد «الربيع العربي» تصالح غالبية النخب‬ ‫العلمانية وصناع القرار البارزين في الدول الخمس مع تيار اإلسالم‬


‫الدكتور عبد الجليل التميمي مدير «مؤسسة التميمي للدراسات» الذي‬ ‫نظم مؤتمرا دوليا عن «الخسائر االقتصادية واالجتماعية» بسبب‬ ‫تعثر إنجاز االتحاد املغاربي تحت عنوان‪« :‬كلفة الالمغرب»‪ ،‬وقد أكدت‬ ‫الورقة الختامية لهذا املؤتمر الدولي أن «الكلفة ثقيلة جدا‪ :‬حرمان دول‬ ‫املنطقة من أكثر من نقطتني في نسب النمو ومئات اآلالف من فرص‬ ‫التشغيل الجديدة»‪.‬‬ ‫ال بد من التسليم أوال أن الساسة في البلدان املغاربية كانوا سباقني‬ ‫منذ ‪ 1958‬في إعالن اإلرادة السياسية للوحدة خالل لقاء الزعامات‬ ‫التاريخية ألحزاب التحرير في مؤتمر طنجة الشهير‪.‬‬ ‫في هذا السياق أيضا اعتبر الدكتور توفيق البشروش أن «التجارة‬ ‫الخارجية والعالقات املغاربية تتأثر سلبا بعجز السياسيني عن‬ ‫بناء االتحاد املغاربي»‪ ،‬بينما أكد املناضل الوطني مصطفى الفياللي‬ ‫الوزير أوائل عهد بورقيبة ثم املسؤول عن آلية التنسيق بني الدول‬ ‫املغاربية في تونس أن «قادة حكومات االستقالل وبناء الدولة الحديثة‬ ‫لم ينجحوا في بناء توافق مغاربي يمكنهم من تكريس القرارات‬ ‫اإلدارية والحكومية والتوصيات الطموحة الخاصة بتفعيل الشراكة‬ ‫االقتصادية»‪.‬‬

‫الدوران في حلقة مفرغة‬ ‫ويعتبر كثير من الخبراء والسياسيني أن «الدوران في حلقة مفرغة»‬ ‫بدأ من تجميد الرباط عضويتها في االتحاد املغاربي في نوفمبر‬ ‫‪ 1994‬وإعالنها غلق حدودها مع الجزائر املضطربة أمنيا‪ ،‬مما أعاد‬ ‫املشروع املغاربي إلى «املربع األول» على حد تعبير الجامعية الليبية‬ ‫الدكتورة فايزة يونس الباشا‪.‬‬

‫ويربط املؤرخان عبد اللطيف الحناشي وخالد عبيد بني تعثر تحقيق‬ ‫االتحاد االقتصادي والسياسي واألمني و«مربع حروب االستنزاف‬ ‫بني الشقيقتني الجزائر واملغرب بسبب الخالفات الحدودية املوروثة‬ ‫عن التقسيم االستعماري للمنطقة عشية استقالل تونس واملغرب‬ ‫ومربع النزاع حول الصحراء الغربية وتناقضات املواقف من‬ ‫جبهة البوليساريو التي تعمل منذ أواسط السبعينات في القرن‬ ‫املاضي إلى االنفصال عن املغرب وإلى تأسيس (جمهورية عربية‬ ‫صحراوية) تتخذ قيادتها منذ عقود العاصمة الجزائرية مقرا دائما‬ ‫لها»‪.‬‬ ‫وقد لفت الجامعي والناشط الحقوقي التونسي جلول عزونة االنتباه‬ ‫بالخصوص إلى ما وصفه بتسبب «معضلة الصحراء الغربية» في‬ ‫عرقلة مسار تفعيل آالف من «قرارات القمم واالجتماعات رفيعة‬ ‫املستوى حول الشراكة بني دول اتحاد املغاربي ثنائيا وإقليميا»‪.‬‬ ‫واتضح أن على رأس تلك العوامل «الخالفات الحدودية» بني‬ ‫الجزائر والرباط‪ ،‬الدولتني األكبر في املنطقة املغاربية واألهم من‬ ‫حيث حجم الجالية في املهجر عموما وفي فرنسا وبلدان جنوب‬ ‫أوروبا خصوصا‪« ،‬وال تقتصر تلك الخالفات الحدودية على ملف‬ ‫الصحراء والبوليساريو‪ ،‬بل تشمل كذلك خالفات حول ترسيم‬ ‫الحدود شماال‪ ،‬ألن السلطات االستعمارية توسعت عام ‪1956‬‬ ‫غربا وشرقا عند رسم حدودي اململكة املغربية وتونس قبل‬ ‫إعالن استقاللهما‪ ،‬ألن قيادتها كانت تصف الجزائر بـ«الفرنسية»‬ ‫وتعتبرها جزءا من التراب الفرنسي‪ ،‬ولم تكن تنوي االنسحاب‬ ‫منها‪.‬‬ ‫وقد تسبب ذلك الخالف الحدودي في اندالع أول «مواجهة مسلحة»‬ ‫مغربية جزائرية فور إعالن استقالل الجزائر في ‪.1962‬‬

‫الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة‬ ‫لدى استقباله العاهل املغربي امللك‬ ‫محمد السادس في زيارة تاريخية‬ ‫للجزائر في أول لقاء من نوعه بني قائدي‬ ‫البلدين منذ تأسيس اتحاد املغرب‬ ‫العربي عام ‪( 1988‬مارس ـ ـ ‪)2005‬‬

‫‪,,‬‬

‫الوساطة‬ ‫السعودية‬ ‫مهدت لقمة‬ ‫تأسيس‬ ‫االتحاد‬ ‫املغاربي في‬ ‫فبراير ‪1989‬‬ ‫في مراكش‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪39‬‬


‫قضايا‬

‫بعد ‪ 55‬عاما عن مؤتمر طنجة الذي جمع قادة األحزاب الوطنية في كل من تونس والجزائر واملغرب وتعهد‬ ‫بإنجاز «الوحدة املغاربية في أقرب وقت»‪ ،‬تتنوع التوترات األمنية والسياسية بني دول شمال أفريقيا إلى حد‬ ‫إلغاء سحب السفراء وإلغاء زيارة وزير الخارجية األميركي جون كيري إلى املنطقة‪ .‬وبعد نحو ربع قرن من‬ ‫قمة مراكش «التأسيسية لالتحاد املغاربي»‪ ،‬في فبراير (شباط) ‪ 1989‬بمشاركة قادة الدول املغاربية الخمس‪،‬‬ ‫يبدو تحقيق شعار «الحلم الوحدوي املغاربي» الذي رفعه املصلحون واملناضلون الوطنيون خالل القرن‬ ‫املاضي بعيدا جدا عن التحقيق‪.‬‬

‫االتحاد املغاربي بعد الربيع العربي‪ :‬قنابل موقوتة وحروب استنزاف جديدة‬

‫فرص مهدرة‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫كمال بن يونس *‬

‫‪,,‬‬

‫تسبب‬ ‫«الربيع‬ ‫العربي» في‬ ‫نزوح نحو‬ ‫ثلث الشعب‬ ‫الليبي إلى‬ ‫كل من تونس‬ ‫ومصر‬ ‫والجزائر‬ ‫واملغرب‬

‫‪,,‬‬

‫‪38‬‬

‫برزت «قنابل موقوتة» وصراعات «استراتيجية» جديدة‪،‬‬ ‫كثير منها مرتبط بعجز ساسة «الدولتني األكبر» ‪ -‬الجزائر‬ ‫واملغرب ‪ -‬عن التخلص من مضاعفات «حروب االستنزاف‬ ‫الحدودية» املوروثة عن عقود االحتالل‪ ،‬وعلى رأسها الصراع العنيف‬ ‫منذ ‪ 1975‬حول مستقبل «الصحراء الغربية» ومصير «جبهة‬ ‫البوليساريو»‪ .‬وبعد اآلمال التي علقت على مساهمة «الربيع العربي»‬ ‫في التقريب بني العواصم املغاربية‪ ،‬زاد الوضع تعقيدا وتعمقت الهوة‬ ‫وتباينت األجندات‪ ،‬رغم «الشعارات الجميلة» التي تردد هنا وهناك‪.‬‬

‫فإلى أين تسير املنطقة املغاربية؟‬ ‫وهل سيغير ساستها أولوياتهم بعد تأكدهم من حجم الخسائر املالية‬ ‫والتنموية الهائلة التي تتسبب فيها سياساتهم «العدائية» بعضهم‬ ‫لبعض‪ ،‬ومن «الكلفة االقتصادية واالجتماعية واألمنية» الباهظة جدا‬ ‫لعدم إنجاز آالف القرارات والتوصيات «الوحدوية» الصادرة خالل‬ ‫العقود املاضية عن القادة والوزراء والخبراء في الدول الخمس؟‬ ‫ينبغي اإلقرار أوال بكون حصيلة مسيرة مؤسسات العمل املشترك‬ ‫في املنطقة املغاربية لم تكن دوما سلبية‪ ،‬فقد أسفرت مئات ‪ -‬وربما‬ ‫آالف ‪ -‬من اجتماعات الخبراء واملديرين والوزراء والقادة ‪ -‬خالل الـ‪55‬‬ ‫عاما املاضية ‪ -‬عن تطوير العالقات البينية مغاربيا‪ ،‬وخصوصا بني‬ ‫كل من تونس وليبيا وتونس والجزائر واملغرب والجزائر‪.‬‬

‫التجاري العربي واملغاربي األول للجزائر حسب إحصائيات املبادالت‬ ‫الرسمية في البلدين‪.‬‬ ‫في نفس الوقت تؤكد تقارير أمنية واقتصادية متفرقة أن ماليني‬ ‫السكان في الجزائر واملغرب يعيشون في املحافظات الحدودية‬ ‫للبلدين من «التجارة املوازية» ومن «التهريب» وما يسمى بـ«االقتصاد‬ ‫املوازي» أو «السوق السوداء»‪.‬‬ ‫وتتكرر نفس الظاهرة بحجم أكبر في املحافظات الحدودية التونسية‬ ‫الجزائرية والتونسية الليبية‪ ،‬حيث أصبحت «التجارة املوازية»‬ ‫و«صناعة التهريب» من بني «آليات التشغيل والتنمية» املسموح بها‬ ‫رسميا من قبل سلطات البلدان الثالثة‪ ،‬إلى درجة أصبحت فيها‬ ‫تقديرات جامعية وإعالمية وشبه رسمية تونسية وليبية وجزائرية‬ ‫تتحدث عن كون قيمة املبادالت الرسمية بني تونس وكل من جارتيها‬ ‫ليبيا والجزائر تفوق بـ‪ 5‬أضعاف األرقام الرسمية التي تحوم حول‬ ‫مليار دوالر بالنسبة لكل بلد‪.‬‬ ‫وتقدر مصادر تونسية شبه رسمية عدد العاملني في قطاع «التهريب»‬ ‫مع ليبيا والجزائر بأكثر من نصف مليون مواطن‪ ،‬أي أن ما ال يقل عن‬ ‫عشر السكان في تونس يعتمد مورد رزقهم على املبادالت التجارية‬ ‫البينية» غير القانونية»‪ ،‬وعلى املواد «اآلسيوية» املهربة من جمارك‬ ‫الدول املغاربية‪.‬‬ ‫وفي قطاعات السياحة والعالج الخاص والخدمات تقدر املصادر‬ ‫الرسمية أن تونس وحدها تستقبل سنويا منذ عقود ما بني ‪ 2‬و‪4‬‬ ‫ماليني سائح مغاربي غالبيتهم من ليبيا والجزائر‪ ،‬يؤكد الجميع أنهم‬ ‫يجلبون معهم إلى تونس وإلى االقتصاد املوازي مليارات من الدوالرات‪،‬‬ ‫ويساهمون في إحداث عشرات آالف مواطن الرزق اإلضافية‪ ،‬وتتكرر‬ ‫نفس الظاهرة بني املغرب والجزائر‪ ،‬إذ تؤكد إحصائيات مؤسسات‬ ‫الطيران والسياحة واألعمال تنقل عشرات آالف املسافرين والسياح‬ ‫الجزائريني واملغاربة في االتجاهني جوا رغم غلق الحدود البرية‪.‬‬

‫ومن خالل املتابعة الدقيقة لتطورات الشراكة الثنائية والجماعية بني‬ ‫الدول املغاربية الخمس يتضح أن اإلخفاقات السياسية الوحدوية‬ ‫لم تمنع تطوير املشاريع املشتركة بالجملة في مختلف القطاعات‪،‬‬ ‫واالستفادة من اإلعفاءات الجمركية والتسهيالت واالمتيازات التي‬ ‫منحتها االتفاقيات واللجان العليا املشتركة ومؤسسات العمل الثنائية‬ ‫واملغاربية‪ ،‬والتي ال تزال ترعاها األمانة العامة التحاد املغرب العربي‬ ‫بالرباط والهيئات التي تشرف عليها‪ ،‬وبينها مؤسسات مالية وإدارية‬ ‫عليا وجهوية يدعمها عدد هائل من الخبراء والفنيني وصناع القرار‬ ‫الحكومي والخاص‪.‬‬

‫تحديات‬

‫وعلى الرغم من غلق الحدود الجزائرية املغربية منذ نوفمبر (تشرين‬ ‫الثاني) ‪ 1994‬واألزمات األمنية والسياسية‪ ،‬فإن املغرب هي الشريك‬

‫لكن املؤشرات اإليجابية الكثيرة ال ينبغي أن تحجب حقائق مؤملة أكدها‬ ‫مرارا غالبية الجامعيني والساسة من البلدان الخمسة‪ ،‬على رأسهم‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬


‫وبدال من أن يسعوا وراء االستقالل على غرار املسيحيني‬ ‫اللبنانيني‪ ،‬قامت األقليات املسلمة غير السنية في سوريا بالعكس‬ ‫تماما‪ :‬فقد احتفت بالشعارات العلمانية االشتراكية للوحدة العربية‬ ‫وتبنتها باعتبارها شعاراتها‪ .‬وأصبح حزب البعث جاذبا لشباب‬ ‫العلويني والدروز واإلسماعيلية الفقراء والطموحني الذين كانوا‬ ‫منجذبني للشعارات العلمانية والديمقراطية للحزب‪.‬‬ ‫ومن خالل تبنيهم للوحدة العربية‪ ،‬طرحت األقليات بعنف منطق‬ ‫املزايدة؛ فقد أظهروا للمسلمني السنة أنهم أكثر وطنية باستعدادهم‬ ‫نسيان والءاتهم الطائفية التي تعود لقرون ماضية والتي شجعها‬ ‫النظام امللي الذي أنشأته الدولة العثمانية لصالح الدولة العربية‪.‬‬ ‫وبذلك‪ ،‬طرحت هذه األقليات الدينية تحديا أمام األغلبية السنية‬ ‫يتعلق بقدرتهم على مواكبة هذه الرؤية املثالية للوطنية السورية‪.‬‬

‫حزب البعث‬ ‫وفي الواقع‪ ،‬ما كان ذلك سوى خدعة‪ .‬ففي البداية‪ ،‬تبنى حزب‬ ‫البعث قضايا العدالة االجتماية مثل اإلصالح الزراعي الذي أفاد‬ ‫فقراء السنة باإلضافة إلى الفالحني العلويني الفقراء‪ .‬ولكن‬ ‫األقليات لم تكن راضية بالبقاء كفالحني‪ .‬فقد كانت األقليات‬ ‫الدينية في سوريا إلى حد كبير متأثرة بالصدمة العثمانية‬ ‫ولم يكن هناك ما يمكن أن يهدئ مخاوفها املتعلقة باحتمالية‬ ‫العودة إلى وضعية الدرجة الثانية سوى االستحواذ الكامل على‬ ‫السلطة‪.‬‬ ‫وكانت هناك مؤسسة واحدة مفتوحة أمامهم أال وهي الجيش‪،‬‬ ‫واستطاعوا تحقيق ذلك الهدف عبر حملة تجنيد جماعية‬

‫نشطة وسياسة فورية لإلحالل محل السنة في سالح الضباط‬ ‫في أعقاب االنقالب الذي قام به حزب البعث في عام ‪ ،1963‬وهو‬ ‫ما منح األقليات الدينية أول ملمح من مالمح السلطة السياسية‬ ‫التي يمكن أن يتمتعوا بها تحت لواء الوحدة العربية‪.‬‬ ‫وسوف تتمكن تلك األقلية الحقا من الحصول على السلطة‬ ‫املطلقة من خالل حافظ األسد‪ ،‬الطيار املاكر بالقوات الجوية وابن‬ ‫أحد العلويني البارزين‪ .‬وقد عكست الدولة التي أسسها التوترات‬ ‫الجمعية لألقليات؛ فقد كانت علمانية اشتراكية ومهتمة بالوحدة‬ ‫القومية‪ .‬وكانت الدولة تعتزم وتستعد للرد على املفهوم العثماني‬ ‫حول حكم املجتمع والذي يرتكز على املرجعية الدينية والطبقية‬ ‫والتعددية‪.‬‬

‫إحياء املفاهيم العثمانية‬ ‫وهنا يكمن جوهر مشكلة حزب جماعة اإلخوان «وعد»؛ حيث‬ ‫تعتمد فلسفته على إحياء املفاهيم العثمانية حول الدولة والتي‬ ‫تعتمد على الهيمنة األصيلة للسنة (اإلخوان أنفسهم) وتقديم‬ ‫حصص شبه ملية ملمثلي األقليات (املسيحيني‪ ،‬والعلويني‬ ‫واألكراد)‪.‬‬ ‫وكانت األقليات السورية قد تمكنت من النجاة من ذلك النظام منذ‬ ‫زمن بعيد ومن املستبعد أن تقبل طواعية العودة إليه مرة أخرى‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن محاولة هذا الحزب الجديد أن يلقى قبوال في‬ ‫سوريا التي تمزقها الحرب واالنقسامات الدينية تعد مهمة شاقة‪.‬‬ ‫وبالنسبة ملحاولته عقد تحالف اجتماعي بني املجتمعات املتحاربة‬ ‫في سوريا‪ ،‬فإنه من املقدر له أن يفشل<‬

‫املراقب العام لجماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني في سوريا املهندس‬ ‫محمد رياض شقفة‬

‫‪,,‬‬

‫يكمن جوهر‬ ‫مشكلة حزب‬ ‫جماعة‬ ‫اإلخوان «وعد»‬ ‫حيث تعتمد‬ ‫فلسفته على‬ ‫إحياء املفاهيم‬ ‫العثمانية حول‬ ‫الدولة‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪37‬‬


‫قضايا‬

‫في بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي‪ ،‬أعلنت جماعة اإلخوان املسلمني في سوريا عن تشكيل حزب‬ ‫سياسي تحت اسم (الحزب الوطني للعدالة والدستور) املعروف اختصارا باسم «وعد»‪ .‬ووفقا ملؤسسيه‪،‬‬ ‫سوف يترأس الحزب محمد وليد‪ ،‬العضو بجماعة اإلخوان‪ ،‬فيما سيكون نائبه‪ ،‬نبيل قسيس‪ ،‬وهو مسيحي‪،‬‬ ‫كما سيتضمن الحزب بعض العلويني واألكراد‪ .‬وسترتكز مهمة الحزب على «دعم املضطهدين‪ ،‬والوقوف إلى‬ ‫جانب الفقراء وتحقيق العدالة واستعادة حقوق الشعب السوري بغض النظر عن العرق»‪.‬‬

‫مستقبل األقليات في سوريا ‪ ..‬و«وعد» اإلخوان الجديد‬

‫اسرتاتيجيات البقاء‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫مالك العبدة‬

‫‪,,‬‬

‫اختار‬ ‫العلويون‬ ‫والدروز‬ ‫أن يصبحوا‬ ‫جزءا من‬ ‫جمهورية‬ ‫سوريا املوحدة‬ ‫ليس عن قناعة‬ ‫بقدر ما كان‬ ‫استجابة‬ ‫ملنطق‬ ‫الضرورات‬

‫‪,,‬‬

‫‪36‬‬

‫يتضمن هذا اإلعالن عن تأسيس الحزب العديد من‬ ‫األخطاء‪ .‬أولها أن أقرانهم املصريني كانوا قد جربوا‬ ‫تلك الخطة من قبل من خالل حزب الحرية والعدالة الذي‬ ‫تضمن عددا معقوال من األقباط والنساء غير املحجبات‪ ،‬ولكنه لم‬ ‫يفلح‪ .‬وثانيها يتعلق بالتوقيت؛ حيث إنه يأتي في مرحلة تستعر‬ ‫فيها الحرب األهلية وتغيب فيها الحياة السياسية كما نعرفها‪،‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فهناك عالمات استفهام حول اختيار ذلك التوقيت‪ .‬ولكن‬ ‫األرجح أن يكون ذلك القرار قد جاء كنتاج للتفاعالت السياسية‬ ‫داخل جماعة اإلخوان املسلمني ذاتها أي كمحاولة من أحد الفصائل‬ ‫داخل الجماعة لحلحلة األوضاع وليس أكثر من ذلك‪.‬‬

‫أخطاء الجماعة‬ ‫ولكن ذلك القرار ينضوي على خطأ أكبر يتعلق باعتقاد جماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني أنها إذا تمكنت من إظهار استعدادها للمشاركة‬ ‫في إطار سياسي مع األقليات الدينية وااللتزام بلغة السياسة‬ ‫العلمانية‪ ،‬فإن ذلك سوف يكون كافيا على نحو ما لتهدئة مخاوف‬ ‫األقليات الناجمة عن القراءة األصولية لتاريخ سوريا الحديث‬ ‫ومشاكلها العلمانية االستثنائية‪.‬‬ ‫ولكي نفهم العقل الجمعي للمسيحيني والعلويني والدروز‬ ‫واإلسماعيلية‪ ،‬علينا أال نستهني بالصدمة الناجمة عن تجربة‬ ‫الدولة العثمانية‪ .‬فقد كان التاريخ الحديث للشرق يمتاز بالعهد‬ ‫الذي قطعته األقليات على نفسها بأال تخضع أبدا لحكم املسلمني‬ ‫السنة‪ ،‬وهو العهد الذي تمكنوا من تحقيقه بنجاح حتى اآلن‪.‬‬ ‫فقد أدت استراتيجيات البقاء التي توصلوا إليها إلى نشأة الدول‬ ‫الحديثة في سوريا ولبنان كما نعرفهما اآلن‪ ،‬ومن خالل تعريف‬ ‫استراتيجيات البقاء تلك وتحليلها‪ ،‬يمكننا تقدير مدى حمق‬ ‫جماعة اإلخوان املسلمني في االستثمار في حزب «وعد»‪.‬‬ ‫فبعد انسحاب األتراك العثمانيني من املشرق في ‪ ،1918‬واجهت‬ ‫األقليات املسلمة من غير السنة معضلة حادة‪ :‬كيف يمكنها البقاء‬ ‫واالزدهار داخل املجتمعات التي يهيمن عليها املسلمون السنة‬ ‫تماما‪ .‬وقد تمكن موارنة جبل لبنان من التوصل إلى استراتيجية‬ ‫بقاء‪ ،‬وإن لم تكن مبتكرة تماما‪ ،‬وهي االنفصال الكامل‪ .‬ولكنهم‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫نجحوا بالفعل في عقد تحالف ناجح مع فرنسا لكي ال يصبحوا‬ ‫جزءا من سوريا ذات األغلبية السنية ولكي يتمكنوا من إنشاء‬ ‫دولة يستطيعون أن يتمتعوا فيها باحتكار السلطة السياسية‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬نشأت دولة لبنان العظمى التي أصبحت الحقا الجمهورية‬ ‫اللبنانية‪.‬‬

‫الطائفية في سوريا‬ ‫وعلى الرغم من أن الدولة في وقت نشأتها‪ ،‬كانت لديها أغلبية‬ ‫محدودة من املوارنة املسيحيني‪ ،‬كان توزيع السلطة والثروة يميل‬ ‫بعنف إلى صالحهم‪ .‬وعلى الرغم من دستورها الذي يبدو علمانيا‪،‬‬ ‫فإنها كانت دولة قائمة على الدين وكانت فصائلها املختلفة‬ ‫تتصارع بني بعضها البعض على الثروة والسلطة داخل إطار‬ ‫الديمقراطية الليبرالية (وإن كانت ديمقراطية معيبة)‪.‬‬ ‫ولكن القصة كانت مختلفة بالنسبة لألقليات من غير املسلمني‬ ‫السنة في سوريا؛ فقد استجاب العلويون والدروز في البداية‬ ‫لخطط فرنسا إلنشاء دول صغيرة ولكن العداء لبرجوازيي دمشق‬ ‫وحلب أفسد خطط االستقالل تلك‪ .‬فقد حرم التمييز بعيد املدى‬ ‫واإلهمال الذي مارسه العثمانيون ضد العلويني والدروز هذه‬ ‫األقليات من فرصة تشكيل دول خاصة بهم‪ ،‬فيما ساعد ما يشبه‬ ‫االستقالل في ظل الحكم العثماني والدعم الفرنسي طويل املدى‬ ‫املسيحيني املوارنة من تحقيق هدفهم‪ .‬فعلى الصعيدين السياسي‬ ‫واالقتصادي‪ ،‬كانت الفصائل غير السنية في سوريا أضعف من‬ ‫أن تشق طريقها بمفردها‪.‬‬

‫العلويون والدروز‬ ‫فقد اختار العلويون والدروز أن يصبحا جزءا من جمهورية‬ ‫سوريا املوحدة ليس عن قناعة بقدر ما كان استجابة ملنطق‬ ‫الضرورات‪ .‬وكان عليهم مواجهة تحديات البقاء واالزدهار‬ ‫في دولة ذات أغلبية سنية فيما ال تمنحهم الديمقراطية سوى‬ ‫حصة لألقلية في السلطة السياسية أقل من أن تضمن لهم عدم‬ ‫تكرار التجربة العثمانية مرة أخرى‪.‬‬


‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬

‫العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫اشرتك اآلن‬ ‫واحصل على‬ ‫نسختك الورقية‬

‫شهرية سياسية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫ماجد النعيمي‪ :‬البحرين ‪ ..‬احلوار الوطني واإن طال ال�سفر‬ ‫تهامي العبدويل‪ :‬الثورة التون�سية قد توؤول اإىل نكبة‬ ‫باتريك كالو�سون‪ :‬طهران تعد ملك�سب ا�سرتاتيجي يف املنطقة‬

‫‪2014‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪12‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪Issue 1590 - December 2013‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


‫قضايا‬

‫‪,,‬‬

‫الجماعة تدفع‬ ‫ثمن عزوف قاتل‬ ‫عن االستعانة‬ ‫ب ـ "منتجي‬ ‫األفكار" وربما‬ ‫لو كان لديها‬ ‫ٌ‬ ‫كاف‬ ‫رصيد ٍ‬ ‫منهم لكانت‬ ‫انطلقت من‬ ‫فهم أكثر عمقًا‬ ‫ووضوحًا‬ ‫ودقة ملفاهيم‬ ‫مثل‪ :‬الدولة‬ ‫واألمن القومي‬ ‫والعالقات‬ ‫املدنية‬ ‫العسكرية‬

‫‪,,‬‬

‫اإلسالميني والعلمانيني‪ ،‬ونفوذ املؤسسة العسكرية‪ ،‬واالحتقان‬ ‫الطائفي اإلسالمي املسيحي‪ ،‬وأهمية كبيرة ملوقع مصر اإلقليمي‬ ‫تجعل مستقبلها يعني أطرافًا كثيرة إقليمية ودولية‪ ،‬وبعضها‬ ‫بالتالي يسعى لـ "ضبط إيقاع التحول" صراحة أو ضمنًا في‬ ‫عملية البناء السياسي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقد أخطأ اإلخوان خطأ أساءوا فيه من حيث أرادوا أن يحسنوا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فهم‪ ،‬مثال‪ ،‬خاضوا االنتخابات البرملانية األولى عبر "تحالف‬ ‫انتخابي" مع قوى تختلف معهم في املرجعية ولم يحاولوا ترقيته‬ ‫إلى "تحالف سياسي" يرسي مشتركات أبعد مدى من الحسابات‬ ‫النفعية املباشرة‪ ،‬وهي مشتركات أثبتت التجربة منذ صدور‬ ‫اإلعالن الدستوري في نوفمبر ‪ 2012‬حتى يونيو ‪ 2013‬أنها كان‬ ‫يمكن أن توفر أساسًا صلبًا لتوافق سياسي مدني كان يمكن‬ ‫أن تكون أول مكتسباته بناء توازن مختلف في العالقات املدنية‬ ‫العسكرية‪.‬‬ ‫وفي الدائرة األوسع تعامل اإلخوان مع املجتمع بخليط من‬ ‫الوصاية واالستهانة والثقة املفرطة ليضيعوا فرصة تاريخية‬ ‫تمثلت في القبول الواسع من القوى السياسية وعامة الناس لفكرة‬ ‫مشروعية وجود اإلسالميني على ساحة السياسة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وإذا بالجماعة‪ ،‬بدال من البناء على هذه البداية الجديدة‪ ،‬وهي‬ ‫بحد ذاتها مكسب تاريخي‪ ،‬تبني تحالفات مع قوى إسالمية‬ ‫أكثر تشددًا كانت هي نفسها حريصة على النأي بنفسها عنها‬ ‫لعقود‪ ،‬وهي بذلك وفرت لخصومها الشواهد التي تم استخدامها‬ ‫لتكريس مقوالت مغلوطة‪ ،‬لكنها راجت بقوة‪ ،‬عن الجماعة التي‬ ‫حصدت أصوات املاليني من املصريني في عدة استحقاقات ليعيد‬ ‫كثير من املصريني بناء صورة للجماعة مالمحها أسوأ من‬ ‫صورة الجماعات األكثر تشددًا!‬ ‫وفي معركة مثل معركة الدستور أرسل اإلخوان رسائل إلى‬ ‫شريحة واسعة من الطبقة الوسطى مفادها أن نمط حياتهم‬ ‫مهدد‪ ،‬ما ساهم في حشد أعداء جدد لم يكن معظمهم فاعلني‬ ‫سياسيًا‪ .‬وشكلت املواد املتصلة بهوية الدولة ودور املجتمع في‬ ‫ُ‬ ‫الحفاظ على األخالق مؤشرًا على منطق تفكير حتى لو خف ِّـ ــفت‬ ‫صياغاتها الحقًا‪.‬‬ ‫وقد يكون صحيحًا أن من تحرك من القوى االجتماعية ملعارضة‬ ‫اإلخوان تأثر بتحريض إعالمي استثنائي‪ ،‬لكن هذا التحريض‬ ‫أمكن استخدامه – ضمن عوامل أخرى – لدفع املاليني للتظاهر‬ ‫في ‪ 30‬يونيو‪ .‬وبالتالي فإن الجماعة تسببت بخياراتها في‬ ‫إثارة مخاوف أطراف عديدة‪ ،‬ويمكن دون مبالغة أن نستنتج‬ ‫من مالمح خطاب بعض قياداتها وبعض حلفائها أنها ساهمت‬ ‫في بناء التحالف املعادي لها‪ ،‬وعندما أصبحت هناك حاجة‬ ‫ماسة المتصاص الغضب وإعادة بناء القاعدة الداعمة للجماعة‬ ‫تغلب "الخوف" على "األمل" وانتصرت "الغريزة" على "الفطرة"‪،‬‬ ‫وأصبحوا في لحظة فاصلة يرون العالم من ثقب مفهوم‪" :‬نحن‬ ‫إما في السلطة أو في السجن"!‬

‫ألم أقل لكم؟!‬ ‫محمد‬ ‫بديع‬

‫‪34‬‬

‫عبارة تتردد كثيرًا في خطاب كل األطراف لتحقيق أهداف‬ ‫متناقضة تمامًا‪ .‬املتشددين من التيارات املتحالفة ضد اإلخوان‬ ‫يرددونها لتبرير دعوتهم لحظر األحزاب الدينية دستوريًا‬ ‫والتوقف عن تصنيف اإلسالميني إلى معتدلني ومتشددين‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫وفلول نظام مبارك يرددونها لتبرير صحة موقف مبارك ونظامه‬ ‫الرافض للديموقراطية خوفًا من وصول اإلخوان إلى الحكم‪،‬‬ ‫والنخبة األمنية ترددها لتأكيد أن الدور السياسي لألجهزة‬ ‫األمنية هو الخيار الوحيد لحماية "األمن القومي"‪ ،‬واملنشقون عن‬ ‫اإلخوان يرددونها لتأكيد صحة ما طالبوا به من ضرورة فصل‬ ‫"الدعوي" عن "السياسي"‪ .....‬إلخ‪.‬‬ ‫وهذه األخيرة‪ ،‬في تقديري هي األجدر بالوقوف عندها كونها‬ ‫"واسطة العقد" في منظومة الخيارات التي أدت متساندة إلى‬ ‫النهاية التي آلت إليها تجربة اإلخوان القصيرة في الحكم‪،‬‬ ‫فالجماعة التي تعرضت إلى عملية "شيطنة" طالت كل ما يتصل‬ ‫بها‪ ،‬تعاني إشكالية عميقة لها طبيعة فكرية‪ .‬وهذه اإلشكالية‬ ‫ليست من قبيل الترف الفكري النظري بل تترتب عليها في‬ ‫املمارسة العملية نتائج تبلغ الغاية في األهمية‪.‬‬ ‫وهي لألسف عولجت بفهم خاطيء ملقولة "شمول اإلسالم"‪،‬‬ ‫فهذا الشمول ال يعني أن يضطلع الدعاة بكل الوظائف الدينية‬ ‫والسياسية‪ ،‬وال أن تكون لديهم اإلجابات الصحيحة عن األسئلة‬ ‫املطروحة كافة‪ ،‬وهذا الخلط أدى إلى التعامل مع أفكار بعينها‬ ‫ً‬ ‫بوصفها إجابة عن أسئلة هي ال تجيب عنها‪ ،‬فضال عن أنها أدت‬ ‫إلى وضع أشخاص في غير موضعهم‪.‬‬ ‫وقضية الدعوي والسياسي تعود جذورها إلى تصور املؤسس‬ ‫حسن البنا إلى الجماعة بوصفها كيانًا تنظيميًا يضطلع بأدوار‬ ‫ً‬ ‫تجعله – تقريبًا – بديال عن الدولة املجتمع‪ ،‬وهي حسب تعريف‬ ‫البنا‪" :‬جماعة روحية؛ وعقيدة سلفية‪ ،‬وحقيقة صوفية‪ ،‬وشركة‬ ‫تجارية‪ ،‬وهيئة سياسية‪ ،‬وفرقة رياضية ‪ "...‬إلخ معددًا ‪12‬‬ ‫ً‬ ‫وصفا للجماعة‪ .‬وهذا الخليط ال شك في أنه جعل الجماعة تبدو‬ ‫ألعضائها – وللمتربصني من خصومها – دولة داخل الدولة‪،‬‬ ‫ومع التجربة العملية القصيرة خالل حكم محمد مرسي ترسخت‬ ‫لدى شرائح واسعة من الدوائر املحيطة بالجماعة أن لدى هذه‬ ‫الجماعة‪ /‬الدولة روابط وثيقة مع كيان تنظيمي متعدد الجنسيات‬ ‫هو "التنظيم الدولي" فأصبح ممكنًا تصويرها كجماعة "مارقة"‬ ‫وطنيًا‪ ،‬وكرست املمارسة فكرة أنها تفتقر إلى "نقطة توازن" بني‬ ‫الوطني والديني‪.‬‬ ‫وبعد عزل الرئيس كان هناك دور للتنظيم الدولي لإلخوان عزز‬ ‫هذا اإلحساس لدى خصوم الجماعة‪ ،‬وأيضًا لدى كتلة ساكنة‬ ‫أقرب إلى الحياد لديها تصور بسيط للوطنية‪ ،‬ونجح اإلعالم في‬ ‫دفعهم إلى الشعور بأن التعاطف اإلنساني مع الجماعة بسبب‬ ‫"رابعة" ممكن‪ ،‬أما التعاطف السياسي فدونه عقبات!‬ ‫وعلى قاعدة‪" :‬ألم أقل لكم؟" فلعل الرئيس املعزول يرددها اآلن‪،‬‬ ‫ولعله يحاول أن ينقلها من خلف أسوار السجن إلى كثيرين ال‬ ‫خصومة بينهم وبني اإلخوان لكنهم اعترضوا بشدة على اإلعالن‬ ‫الدستوري املثير للجدل في نوفمبر ‪ ،2012‬ولعله يشعر اآلن بأن‬ ‫ما يسميه كثيرون "الدولة العميقة" كان من الضروري مواجهته‬ ‫على هذا النحو الشامل‪ ،‬وبخاصة بعد أكد الرئيس املعزول‬ ‫مرات أن هذه "الدولة العميقة" تقوم بشيء منظم يستهدف‬ ‫النظام الديموقراطي الوليد‪ .‬وما يزال املستقبل مفتوحًا على‬ ‫سيناريوهات كثيرة ستتأثر على وجه القطع بمستقبل التجربة‬ ‫في تونس ومآالت التغيير في سوريا ‪ ،‬وستبقى الجماعة – حتى‬ ‫إشعار آخر – بني نور الدعو نار السياسة <‬ ‫* مؤلف وباحث مصري‪،‬كاتب مقال رأي في عدد من الصحف العربية‪ .‬صدر له أكثر من ‪ 30‬مؤلفًا‬ ‫في القاهرة وبيروت ودبي ومسقط‪ ،‬شارك في موسوعة "الحركات اإلسالمية في الوطن العربي"‬


‫وهذا التصور للدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة في ما هو "ديني"‬ ‫خطأ ال مبالغة في وصفه بـ "االستراتيجي"‪ ،‬ومن هنا جاءت‬ ‫معركتهم القصيرة التي انتهت إلى إرسال رسالة مزعجة إلى‬ ‫املحكومني والخصوم مفادها أن املشروع اإلخواني هو – إذا‬ ‫استعرنا تعبيرًا للمفكر التونسي املعروفي أبو يعرب املرزوقي‬ ‫– مشروع لـ "التحديث االستبدادي"! وقد يزيد األمر وضوحًا أن‬ ‫أشير إلى عبارة قالها املفكر املصري املعروف املستشار طارق‬ ‫البشري في حوار نشرته في كتابي عن مشروعه الفكري‪ ،‬إذ‬ ‫قال إن أهم استفاد به كمفكر ومؤرخ من تقاليد القضاء هو‬ ‫ضرورة االتساق والخلو من التناقض‪ ،‬أما اإلخوان فلم ينتبهوا‬ ‫إلى خطورة أن يأخذوا معهم إلى السلطة كل أعباء العقود الثمانية‬ ‫من عمر التنظيم‪ ،‬وأعباء العقود الستة من الحكم العسكري‪ ،‬بكل‬ ‫تناقضاتها‪ .‬وفي مقدمة هذه األعباء صراع ثقافي إسالمي‪/‬‬ ‫علماني له ذكرياته املريرة عند الطرفني‪ ،‬وصورة نمطية مشوهة‬ ‫لإلسالميني عززها إعالم مبارك‪ ،‬وهم في األولى بالغوا في‬ ‫تصوير خالفهم مع خصومهم بوصفه صراعًا بني املشروع‬ ‫اإلسالمي وخصومه (واألكثر تطرفًا من حلفائهم صوروه‬ ‫صراعًا بني اإلسالم وخصومه)‪ ،‬وفي الثانية لم يبذلوا الحد‬ ‫الكافي من الجهد لبناء صورة جديدة للجماعة‪ ،‬فالصورة النمطية‬ ‫سرعان ما تم استحضارها واإليغال في املزيد من تشويهها بعد‬ ‫‪ 30‬يونيو ‪.2013‬‬ ‫ومما حمله معهم اإلخوان من حقبة ما قبل ‪ 25‬يناير خالفات‬ ‫إخوانية سلفية أصبحت بعد قليل وقود معركة كانت مسارًا‬ ‫فرعيًا في املشهد السياسي لكنها كانت ذات تأثير نوعي كبير‪،‬‬ ‫وقد كان حضور حزب النور‪ ،‬الذراع السياسي للدعوة السلفية‪،‬‬ ‫في مشهد عزل الرئيس من منصبه تلخيصًا لهذا الصراع‬ ‫اإلخواني السلفي‪.‬‬ ‫وال شك في أن التصورات املتسرعة السطحية التي تبناها التنظيم‬ ‫في إدارة التوازنات مع الخارج أسهمت – جزئيًا – في تعميق‬

‫أزمته في الداخل‪ ،‬فالعالقات املتأرجحة مع إيران ترتب عليها‬ ‫داخليًا خالف سلفي إخواني كبير‪ ،‬وترتب عليها خارجيًا حالة‬ ‫من االضطراب في مركب عالقات يتسم بالحساسية الشديدة‪:‬‬ ‫(القاهرة – الرياض – طهران – دمشق ‪ -‬أنقرة)‪.‬‬ ‫وفي إطار الضبابية املشار إليها في هذه األمثلة شكلت طريقة‬ ‫اإلخوان في التعامل مع الخارج عبئًا كبيرًا على نظام سياسي‬ ‫كان يتلمس خطواته األولى محاطًا بألغام تحتاج إلى حنكة‬ ‫استثنائية‪ ،‬لكن مال حدث فعليًا كان تطبيقًا حرفيًا لنوع من‬ ‫"الريفية السياسية" التي ال تقيم وزنًا كافيًا لحقيقة أن إدارة‬ ‫شئون دولة مثل مصر أكثر تعقيدًا بكثير من إدارة أمور جماعة‪.‬‬ ‫وقد تشابكت خيوط ملفات عديدة مع العالقة بني "الجماعة‬ ‫األم" والتنظيم الدولي‪ ،‬لتقرع أجراس اإلنذار في أماكن عديدة في‬ ‫الداخل والخارج‪.‬‬ ‫وربما لو أدرك التنظيم العمق الحقيقي لثقافة البيروقراطية‬ ‫املصرية‪ ،‬املدنية والعسكرية‪ ،‬والتأثيرات الهائلة التي يمكن أن‬ ‫تترتب على إرسال رسالة إلى العالم بأن الحزب الحاكم في مصر‬ ‫هو في الوقت نفسه جزء من بنية تنظيمية تمتد خيوطها خارج‬ ‫البالد‪ ،‬ربما تغيرت املسارات!‬

‫األحزاب والشارع وقواعد الجماعة‬ ‫عالقة اإلخوان بما يمكن أن نسميه "الدوائر الحاضنة" كانت هي‬ ‫األخرى شابها قصور‪ ،‬فالجماعة بدأت تجربتها بخطأ أعتقد أنه‬ ‫كبير (وصحيح أيضًا أن خصومهم ضخموه بشدة) وهو تأويل‬ ‫حدود التفويض الذي حصلوا عليه بناء على نتائج الصناديق‪،‬‬ ‫فالديموقراطيات في مرحلة التأسيس تختلف ديناميكياتها‬ ‫عن نظيرتها التي تجاوزت مرحلة التأسيس إلى أن تصبح‬ ‫ديموقراطيات مستقرة‪ ،‬وتصبح نتائج هذا االختالف أكبر‬ ‫حجمًا وأعمق أثرًا إذا اقترنت بعوامل مثل‪ :‬الصراع التاريخي بني‬

‫مؤيد ملرسي يقف وراء األسالك‬ ‫الشائكة ضمن حشد كبير يقف خارج‬ ‫أكاديمية الشرطة حيث يجري محاكمة‬ ‫الرئيس املخلوع (‪ 4‬نوفمبر ‪)2013‬‬

‫‪,,‬‬

‫ذهب اإلخوان‬ ‫إلى السلطة‬ ‫وأيديهم مقيدة‬ ‫بما يمكن أن‬ ‫نسميه "الشرط‬ ‫املانع" وهو‬ ‫ثمرة متوقعة‬ ‫الختيارات‬ ‫دعوية وثقافية‬ ‫واجتماعية‬ ‫وثقافية‬ ‫وسياسية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪33‬‬


‫قضايا‬

‫ال أحسب أن منصفًا يجادل في أن تحوالت الربيع العربي كانت تحمل مفاجآت لم يكن في حسبان أحد ً‬ ‫مهما بلغت حنكته‪ ،‬أن يتوقعها‪ ،‬وهذه التحوالت داهمت مكونات واقع سياسي واجتماعي وثقافي كان مثقال‬ ‫بأعباء عقود من االستبداد والفساد أسهمت بقوة في تقليص قدرة الجميع على إدارة التحوالت بشكل كفء‪.‬‬

‫كيف يمكن فهم مستقبل اإلخوان املسلمني واإلسالم السياسي في ‪2014‬؟‬

‫البنية التحتية للجماعة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫بقلم‪ :‬ممدوح الشيخ *‬

‫‪,,‬‬

‫تعامل اإلخوان‬ ‫مع املجتمع‬ ‫بخليط من‬ ‫الوصاية‬ ‫واالستهانة‬ ‫والثقة املفرطة‬ ‫ليضيعوا فرصة‬ ‫تاريخية تمثلت‬ ‫في القبول‬ ‫الواسع من‬ ‫القوى السياسية‬ ‫وعامة الناس‬ ‫لفكرة مشروعية‬ ‫وجود‬ ‫اإلسالميني على‬ ‫ساحة السياسة‬

‫‪,,‬‬

‫‪32‬‬

‫اإلقرار بهذه الحقيقة ال يتعارض – في تقديري – مع‬ ‫حقيقة أن الفشل الذي حدث على يد من أعطاهم الربيع‬ ‫العربي فرصة أن يحققوا طموحهم السياسي كان أكبر‬ ‫بكثير من املعيقات‪ ،‬وأن من انتدب نفسه لحمل املسئولية يظل‬ ‫ً‬ ‫مسئوال بالقدر األكبر عن الثمار حتى لو كانت العيوب التي شابت‬ ‫أداءه شائعة في مجتمع السياسة كله‪ ،‬فال معنى ألن نحاسب‬ ‫أي تيار سياسي لم يصل إلى السلطة – قوميني أو لبيراليني أو‬ ‫يساريني – لعلمنا بأن منطقه في التفكير هو نفسه منطق من‬ ‫سعى للسلطة وأمسك بزمامها‪ ،‬فاإلخوان يدفعون – في املقام‬ ‫األول – ثمن لهفة على السلطة لم تكن أبدًا مبررة ال أخالقيًا وال‬ ‫منطقيًا وال ‪ ...‬وها هم يدفعون وحدهم فاتورة عدة عقود ألنهم‬ ‫اختاروا أن يتصدوا منفردين إلطفاء الحريق‪.‬‬

‫والحبل بألف!‬ ‫جاءت ثورة ‪ 25‬يناير في مصر واملعطيات جميعًا تشير بقوة‬ ‫إلى ضعف شامل في مجتمع السياسة غير الرسمي "النخبة"‬ ‫في لحظة فراغ سلطة‪ ،‬لكن هذه السلطة كانت وجها واحدًا للعملة‪،‬‬ ‫إذا كانت هناك "البنية التحتية" للنظام السياسي من جماعات‬ ‫املصالح والقوى املجتمعية والفئات املختلفة الراغبة في اإلبقاء إما‬ ‫على مصالح أو عالقات قوة سائدة تمس امتيازاتها‪ ،‬وهذه القوى‬ ‫كان تقدير اإلخوان لقوتها أقل بكثير مما ينبغي‪.‬‬

‫منهم لكانت انطلقت من فهم أكثر عمقًا ووضوحًا ودقة ملفاهيم‬ ‫مثل‪ :‬الدولة‪ ،‬األمن القومي‪ ،‬العالقات املدنية العسكرية‪ ،‬التوازن‬ ‫اإلقليمي‪ ،‬والعالقات الدولية‪....‬إلخ‪.‬‬ ‫وفي املقايل كان هناك انحياز شبه تام إلى خيار التوسع في‬ ‫تجنيد قاعدة واسعة من الكوادر املستعدة ألن تكون جنودًا في‬ ‫معركة قاعدتها "السمع والطاعة" تأسيسًا على قاعدة أكثر‬ ‫أهمية هي الثقة املطلقة في القيادة‪ ،‬وهنا حدث خلط بني الثقة في‬ ‫اإلخالص (وهو أمر ال يعلمه إال الله) والثقة في كفاءة هذه القيادة‪.‬‬ ‫وقبل الثورة كانت قوى سياسية تسأل اإلخوان عن برامجهم‬ ‫فيردون بأن هذا منطق تعجيزي ألن لغياب تداول السلطة‪ .‬وبعد‬ ‫قليل أصبحوا أمام السلطة فأسرعوا إلى حيازتها مدفوعني‬ ‫بالخوف من دورة قمع تاريخية جديدة‪ ،‬والطمع في تحقيق آخر‬ ‫مراحل الحلم اإلخواني في مسقط رأس الجماعة‪ ،‬لكن الصفقة‬ ‫كانت أقرب إلى القصة الشهيرة في التراث العربي عن أعرابي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان يعرض جمال للبيع قائال‪" :‬الجمل بدينار ‪ ....‬والحبل بألف"!‬ ‫لقد ذهب اإلخوان إلى السلطة وأيديهم مقيدة بما يمكن أن نسميه‬ ‫"الشرط املانع"‪ ،‬وهو ثمرة متوقعة الختيارات دعوية وثقافية‬ ‫واجتماعية وثقافية وسياسية ربت الجماعة طوادرها عليها‬ ‫لعقود‪ ،‬وهي عندما أصبحت في السلطة‪ ،‬لم تستطع التصرف‬ ‫إال وقفًا ل ـ "سقف التوقع" الذي يترتب بالضرورة على هذه‬ ‫االختيارات!‬

‫وهذا التقدير املصاب بآفتي االستهانة والتبسيط كانت تشاركهم‬

‫فيه قوى سياسية أخرى لكنهم تحملوا وحدهم نتيجة االرتكان بني املنطق واملقاصد‬

‫عندما حكموا البالد استنادًا إلى هذا التقدير‪ ،‬وخالل سنوات‬ ‫حكم مبارك األخيرة كانت حوارات تنتهي بعبارات متشابهة‬ ‫مثل‪" :‬مشكلة مصر في مبارك وبعده يمكن حل مشاكل مصر‬ ‫في عام واحد"!!‬ ‫وهذا التصور "اآللي" التبسيطي لفكرة النهوض نتاج ثقافة عامة‬ ‫ال يمكن تحميل اإلخوان مسئولية وجودها‪ ،‬لكنه في الوقت نفسه‬ ‫أكثر ظهورًا في خطاب الجماعة وممارساتها السياسية‪ ،‬ربما‬ ‫بسبب خلط قديم في ثقافتها بني عاملي‪ :‬الغيب والشهادة‪ ،‬وقناعة‬ ‫كانت تتعاظم بشكل ملحوظ بأن الجماعة "أعزها الله بعز الدعوة"‬ ‫وكأنه "اختيار إلهي"‪ ،‬بينما هو في الحقيقة "اختبار إلهي"‪ ،‬والفرق‬ ‫بني التعبير إمالئيًا حرف واحد‪ ،‬لكن املسافة بني معنى كل منهما‬ ‫كاملسافة بني املشرقني‪ .‬وإلى جانب التقدير املستهني بمشكالت‬ ‫مصر املشار إليه سلفًا‪ ،‬كانت الجماعة تدفع ثمن عزوف قاتل عن‬ ‫ٌ‬ ‫كاف‬ ‫االستعانة ب ـ "منتجي األفكار"‪ ،‬وربما لو كان لديها رصيد ٍ‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫من القضايا الحاكمة أيضًا ملسار التجربة اإلخوانية في مصر‬ ‫ومصيرها ما لخصه الدكتور يوسف كرم مؤرخ الفلسفة‬ ‫اليونانية املصرية الشهير عندما قال في عبارة حاول أن يلخص‬ ‫بها أحد أهم الدروس التي استخلصها من عمله إذ قال‪" :‬إن منطق‬ ‫املذهب أقوى من مقاصد صاحب املذهب"‪ ،‬فاألفكار يحكمها‬ ‫"منطق داخلي" ليس بإمكان أصحابها دائمًا إجباره على أن ينتج‬ ‫نتائج بعينها‪ ،‬وبالتالي فإن اإلسالميني – وضمن ذلك اإلخوان –‬ ‫تصوروا أنهم قادرون بناء على مقاصدهم (وقد تكون مقاصد‬ ‫ً‬ ‫طيبة فعال) على الوصول إلى ما كانوا يريدون من نتائج‪ .‬والتجربة‬ ‫شابها جموح شديد باتجاه الرغبة في السيطرة على الدولة بأمل‬ ‫استخدامها في "نصرة الدين"‪ ،‬وبالتحديد من خالل جعل الناس‬ ‫أكثر تدينًا‪ ،‬ومن األمثلة األكثر شهرة على ذلك تصريح للرئيس‬ ‫املعزول برر فيه قرارًا لم ينفذ بتبكير مواعيد غلق املحال التجارية‬ ‫بأن هدفه أن ينام الناس مبكرًا فينهضوا لصالة الفجر‪.‬‬


‫الدين‪ ،‬واجتذبت هذه املبادرة عددا كبيرا من السياسيني والنواب السابقني‬ ‫ممن كانوا في قيادة األحزاب السياسية العلمانية التركية إضافة إلى عدد‬ ‫كبير من قادة ونشطاء حزب الرفاه‪ ،‬ونجح هذا الحزب في كسب ثقة‬ ‫أغلبية األتراك‪ ،‬ونجح أيضا في قيادة تركيا نحو التقدم االقتصادي‪ ،‬ولكن‬ ‫احتاجت تركيا إلى ‪ 30‬سنة من الجدل والصراع حتى طورت صيغة جديدة‬ ‫معقولة للعمل السياسي تنظم العالقة بني الدين والسياسة على أسس‬ ‫مالئمة لطبيعة الحياة السياسية والتنافس على السلطة وتالئم أيضا‬ ‫التدين السائد في تركيا‪.‬‬ ‫إن تجربة حزب العدالة والتنمية تعبر عن االنتقال من فكرة الدولة‬ ‫اإلسالمية التي اخترعها املخيال اإلخواني إلى دولة املسلمني التي‬ ‫يجتهد املسلمون في بنائها وتصميمها على أساس من تمثلهم للعصر‬ ‫ومعطياته‪ ،‬كما كان شأنهم طوال التاريخ‪ ،‬فينجحون في ذلك أو يفشلون‬ ‫ويتقدمون أو يتراجعون‪ ،‬ولكنهم سواء في نجاحهم أو فشلهم؛ لم يكونوا‬ ‫يعتبرون ذلك من الدين أو مناقضا له‪ ،‬كانوا يحترمون دينهم ويلتزمون‬ ‫به ويسعون للمواءمة في التطبيق والفهم‪ ،‬وقد يخطئون في ذلك أو‬ ‫يصيبون‪ ،‬ويبتعدون عن اإلسالم أو يقتربون‪ ،‬وهذا أمر طبيعي ويأتي‬ ‫محصلة للتدافع اإلنساني في اآلراء واالجتهاد واالختالف‪ ،‬وظلوا على‬ ‫الدوام مسلمني‪ ،‬لم يكن اإلسالم موضوعا للصراع بينهم أو االختالف‪،‬‬ ‫حتى عندما يختلفون ويقاتل بعضهم بعضا‪ ،‬فقد كانوا يتصارعون كما‬ ‫تتصارع الدول في التاريخ والجغرافيا‪ ،‬ولم يقحموا الدين إال قليال في‬ ‫صراعهم‪ ،‬وكان هذا القليل مصدرا للشرور والكوارث يزيد من فداحة‬ ‫الخسائر وصعوبة الصراع!‬

‫زوج يحمل جنسية أخرى‪ ،‬وحق املرأة بالطالق (الخلع)‪ ،‬وحق املرأة بالسفر‬ ‫واإلقامة وحدها دون إذن من أحد‪ ،‬والعالقة بني الرجل واملرأة‪ ،‬وحق غير‬ ‫املسلمني في التعليم الديني في مؤسسات الدولة التعليمية‪ ،‬وحق املمارسة‬ ‫الدينية لجميع األديان واملذاهب‪ ..‬صحيح أن الجدل حولها كان قائما من‬ ‫قبل‪ ،‬ولكنها صعدت إعالميا وسياسيا كتحديات جديدة أمام الجماعات‬ ‫اإلسالمية ومؤشر على عالقتها مع الغرب وفرص وإمكانيات تقبلها‪.‬‬

‫ملاذا غاب النموذج التركي؟‬ ‫ربما يجب أن يكون السؤال‪ :‬هل يمكن تطوير نموذج مشابه للنموذج التركي‬ ‫في الحياة السياسية العربية ينظم العالقة بني الدين والدولة‪ ،‬ويحظى بقبول‬ ‫جميع املواطنني على اختالف تياراتهم السياسية والفكرية وانتماءاتهم‬ ‫الدينية والثقافية؟‬ ‫كان حزب العدالة والتنمية التركي محصلة مخاضات وتحوالت كثيرة‬ ‫ومتوالية في بنية وطبيعة الحركة اإلسالمية التركية بعد سلسلة من‬ ‫تدخالت الجيش التركي وقوانني كثيرة وحاسمة لتنظيم العمل السياسي‬ ‫وفلسفته ومبادئه‪ ،‬فبعد صعود حزب السالمة التركي بقيادة نجم الدين‬ ‫أربكان في أوائل السبعينات باعتباره القوة السياسية الثالثة في تركيا‪،‬‬ ‫وتوليه (أربكان) منصب نائب رئيس الوزراء وقع انقالب كنعان ايفرين‬ ‫عام ‪ ،1980‬وأعادت الحركة اإلسالمية التركية تشكيل نفسها في حزب‬ ‫الرفاه على أسس ومبادئ جديدة تمنع توظيف الدين واستخدامه في‬ ‫العمل السياسي‪ ،‬واستطاع حزب الرفاه أن يحقق أغلبية نسبية ويشكل‬ ‫حكومة ائتالفية برئاسة نجم الدين أربكان في منتصف التسعينات‪،‬‬ ‫ثم أجبر أربكان بفعل ضغوط قوية مارسها الجيش بالتحالف مع قوى‬ ‫سياسية علمانية‪ ..‬ثم تقدمت مجموعة جديدة من قيادات الصف الثاني‬ ‫في حزب الرفاه بمبادرة سياسية جديدة قائمة على مشاركة واسعة‬ ‫للمواطنني األتراك‪ ،‬يمكن وصفها بمشاركة املتدينني والعلمانيني معا‬ ‫في عقد وتصور جديد للعمل السياسي يحافظ على العلمانية ويحترم‬

‫واليوم يمكن مالحظة نماذج عدة للدول اإلسالمية والنماذج اإلسالمية‬ ‫في الحكم والسياسة‪ ،‬وهي نماذج متعددة تشجع على القول إن النموذج‬ ‫اإلسالمي في الحكم ليس واحدا‪ ،‬وإن الفهم الصحيح للحكم والدولة في‬ ‫اإلسالم يجب أن يفهم على أنها دولة مسلمني وليست دولة إسالمية‪.‬‬ ‫إن الكثير من املثقفني والباحثني ال يدركون أن النظام اإلسالمي تفاعل‬ ‫إيجابي وسليم بني الفكر والعقيدة والثقافة والدعوة والتحرك بها وسط‬ ‫الواقع والبيئة واملتغيرات واملحددات الكثيرة واملمتدة واملتجددة‪ .‬ولذلك‬ ‫فإن النظام االجتماعي اإلسالمي ينمو ويتجدد ويضمر ويتراجع ويبدع‬ ‫ويتخلف‪ ،‬حسب واقع وحال البيئة املحيطة به من ناس ومجتمعات‬ ‫وحضارة وفاعلية اجتماعية‪ .‬وفي مالحظة وتحليل التجربة املصرية‬ ‫وتطوراتها‪ ،‬فإن ضرورات قصوى تتشكل أكثر من أي فترة مضت ألجل‬ ‫عقد اجتماعي جديد ينظم الحياة السياسية والعامة ويتجاوز الروابط‬ ‫املستقلة عن الدول واملجتمعات الحديثة‪ ،‬والقائمة وببساطة على املعرفة‬ ‫واملشاركة والعوملة والتأثير املتبادل بني الدولة واملجتمعات واألسواق‪.‬‬ ‫يجب أن نتذكر جميعا ونعيد تذكير أنفسنا بأن الربيع العربي قام ألجل‬ ‫التنمية االقتصادية وتحسني الحياة وتطوير الخدمات العامة واألساسية‪،‬‬ ‫خاصة التعليم والصحة والرعاية االجتماعية‪ ،‬والخدمات واملرافق‬ ‫واستصالح املوارد وتعظيمها‪ ،‬ولم تغضب الجماهير ألجل أن يأتي رئيس‬ ‫محل آخر أو ليأتي حزب محل حزب آخر‪ ،‬وكأن الشباب والطبقات الوسطى‬ ‫ُ‬ ‫والفقيرة ال دور وال أهمية لها سوى أن تضحي وتتظاهر وتقتل في‬ ‫الشوارع والساحات‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫لم يقدم‬ ‫اإلخوان‬ ‫املسلمون‬ ‫رؤية سياسية‬ ‫واقتصادية‬ ‫تعبر عن‬ ‫مصالح‬ ‫وتطلعات‬ ‫طبقات‬ ‫املجتمع‬ ‫وتتجمع‬ ‫حوله وتتحرك‬ ‫ألجل تحقيقه‬

‫‪,,‬‬

‫لم يكن ثمة مناص من التقدم خطوة أخرى إلى األمام‪ ،‬هي التعايش‬ ‫والعمل املشترك ودمج جميع املواطنني على اختالف طبقاتهم وانتماءاتهم‬ ‫وأفكارهم وهوياتهم في مشروع اقتصادي واجتماعي جديد‪ ،‬ولم يكن‬ ‫«اإلخوان» موفقني في تقديرهم بأن املصريني يمكن إعادة تشكيلهم في‬ ‫طوابير مؤيدة كما «اإلخوان املسلمون» أنفسهم في تشكيالتهم التنظيمية‬ ‫واملؤيدة لهم‪ ،‬فاملجتمعات ليس جماعة‪ ،‬والشعب ليس تنظيما‪ .‬وفي كلمة‪،‬‬ ‫فإن مقياس النجاح في الحكم والسياسة هو «الرضا والثقة»؛ أن يشعر‬ ‫املواطنون بالرضا تجاه نظامهم السياسي واالقتصادي ويثقوا به<‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪31‬‬


‫قضايا‬

‫سياسية سلمية واسعة وشاملة أدت إلى تغيير سياسي كبير‪ ،‬والنموذج‬ ‫الليبي والسوري‪ ،‬القائم على صراع عسكري بني نظام الحكم واملعارضة‪،‬‬ ‫والنموذج اليمني‪ ،‬القائم على صراع‪ /‬توازن سياسي سلمي أو شبه سلمي‪،‬‬ ‫والنموذج املغربي‪ ،‬والقائم على تسويات وحوارات وضغوط سلمية‪.‬‬ ‫ويمكن مالحظة شبكة واسعة من األسباب والعوامل والتحوالت التي تجري‬ ‫في العالم والدول العربية منذ أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات‪ ،‬كما‬ ‫حدث في أجزاء واسعة من العالم‪ ،‬مثل االتحاد السوفياتي السابق وأوروبا‬ ‫الشرقية والبلقان وأميركا الالتينية وشرق آسيا وجنوب أفريقيا‪ ..‬وقد‬ ‫جرت بالفعل في دول عربية عدة تحوالت سياسية واجتماعية وثقافية‬ ‫كبرى ومؤثرة‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫حسبت‬ ‫جماعات‬ ‫اإلسالم‬ ‫السياسي‬

‫نفسها املمثل‬ ‫الشرعي‬ ‫للدين‪..‬‬ ‫وأرادت‬ ‫أن تدمج‬ ‫مصالحها‬ ‫ومواقفها مع‬ ‫الدين لتكون‬ ‫هي الدين!!‬

‫‪,,‬‬

‫‪30‬‬

‫ولم تكن مفاجأة صعود الحركات اإلسالمية السياسية إلى سدة التأثير‬ ‫واملشاركة والحكم‪ ،‬فقد بدأت هذه الحركات منذ أوائل الثمانينات تشكل‬ ‫حالة سياسية جديدة تعبر عن نفسها في تحديات لألنظمة السياسية‬ ‫أو مشاركة سياسية واسعة‪ ،‬هناك الثورة اإلسالمية في إيران (‪)1979‬‬ ‫واملشاركة اإلسالمية املؤثرة في تركيا منذ أوائل السبعينات‪ ،‬التي توجت‬ ‫بحصولهم على األغلبية البرملانية عام ‪ ،2002‬والثورة اإلسالمية في‬ ‫أفغانستان (‪ ،)1979‬وفي مصر اكتسحت الجماعات اإلسالمية الجامعات‬ ‫في السبعينات‪ ،‬وقتل السادات على يد الجماعات اإلسالمية (‪ ،)1981‬وبدأ‬ ‫اإلخوان املسلمون مشاركة فاعلة في مجلس النواب في الثمانينات‪ ،‬ووافق‬ ‫نواب «اإلخوان» على التجديد للرئيس مبارك عام ‪ ،1987‬والثورة اإلسالمية‬ ‫في سوريا (‪ ،)1979‬واملشاركة اإلسالمية السياسية الواسعة في السودان‬ ‫منذ منتصف السبعينات‪ ،‬ثم توجت باستيالء اإلسالميني على السلطة‬ ‫بانقالب عسكري عام ‪ ،1989‬وكذلك الحال في املغرب والجزائر واألردن‬ ‫والعراق واليمن ومعظم الدول العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫وجاء الربيع العربي من خالل منظومة واسعة من العوملة الشاملة‪،‬‬ ‫االتصاالتية واالقتصادية والسياسية والثقافية‪ ،‬والتداعيات والتحوالت‬ ‫املتشكلة حول املعلوماتية واالتصاالت واقتصاد املعرفة‪ ،‬واإلحاطة املتاحة‬ ‫والشاملة باملعلومات واملعرفة واألحداث والتطورات التي أصبحت تمتلكها‬ ‫املجتمعات بمختلف شرائحها االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬والتي منحتها‬ ‫فرصة واسعة لالطالع واملعرفة‪ ،‬والفرص واآلفاق املتاحة للعمل والتأثير‬ ‫من خالل شبكات اإلنترنت والتواصل االجتماعي‪ ،‬والتحوالت االقتصادية‬ ‫واالجتماعية املصاحبة للخصخصة والتغيير في عالقات الدولة‬ ‫واملجتمع والدور االقتصادي واالجتماعي والرعائي للدولة‪ ،‬واألزمة املالية‬ ‫واالقتصادية العاملية التي أدت إلى مراجعة برامج الخصخصة والليبرالية‬ ‫االقتصادية وأعادت االعتبار للدور االقتصادي واالجتماعي للدولة في ظل‬ ‫الرأسمالية االقتصادية ومشاركة الدولة واملجتمعات والشركات‪.‬‬ ‫يمكن وصف الربيع العربي بمقولة «الطبقة الوسطى مضافا إليها شبكة‬ ‫اإلنترنت»‪ ،‬ففي مالحظتها وإدراكها الواضح للفرق بني واقعها وما تتطلع‬ ‫إليه تبحث الطبقة الوسطى عن أدوات فاعلة وسلمية للتغيير‪ ،‬وقد أتاحت‬ ‫الشبكية القائمة على اإلنترنت وشبكات التواصل فرصة جديدة لتنظيم‬ ‫اجتماعي شبكي عمالق يسعى للعمل والتشكل نحو أهدافه وتطلعاته‪،‬‬ ‫وفي التعولم التقني واالقتصادي والثقافي الذي يشكل العالم اليوم تشكل‬ ‫لدى املجتمعات وعي وإدراك بما تحب أن تكون عليه‪ ،‬مستمد من اطالعها‬ ‫الواسع على ما يجري في العالم من أحداث وتطورات‪ ،‬هذه القدرة الواسعة‬ ‫على االطالع واملشاركة التي أتاحتها الشبكة عرفت املجتمعات بما ينقصها‬ ‫وما يمكن أن تفعله وما يجب أن تكون عليه‪ .‬لقد عبر الربيع العربي عن‬ ‫لحظة والدة مجتمعات جديدة وموارد وأعمال ونخب وقيم وأفكار وفرص‬ ‫جديدة‪ ،‬منقطعة عن املاضي‪ ،‬وتحمل قدرا هائال من التحوالت الكبرى‬ ‫والجذرية‪ ،‬وتبدو الدول واملجتمعات اليوم بصدد تشكالت اقتصادية‬ ‫وسياسية واجتماعية وثقافية جديدة ومختلفة‪ ،‬وظهور نخب وقيادات‬ ‫ومجموعات جديدة ومختلفة أيضا‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫شباب من جماعة‬ ‫االخوان في مقر‬ ‫مكتب االرشاد‬ ‫في املقطم بعد‬ ‫تحطيم قلة‬ ‫معارضة لواجهة‬ ‫املقر في اول‬ ‫حادث اعتداء على‬ ‫مكتب االرشاد‬ ‫بعد انتخاب‬ ‫محمد مرسي‬ ‫سبتمبر ‪2012‬‬

‫خطاب إسالمي سياسي منفصل‬ ‫ملاذا لم تطور جماعات اإلسالم السياسي خطابا جديدا يتفق مع التحوالت‬ ‫الكبرى‪ ،‬ويالئم مرحلة جديدة في طبيعتها ومحتواها‪ ،‬وفي دور الجماعات‬ ‫اإلسالمية نفسها‪ ،‬التي انتقلت من الدعوة والتأثير إلى املشاركة والحكم؟‬ ‫الواقع أنه انتقال صعب ومكلف لم تقدر الجماعات اإلسالمية آالمه‬ ‫وصعوباته!‬ ‫لم يقدم اإلخوان املسلمون رؤية سياسية واقتصادية تعبر عن مصالح‬ ‫وتطلعات طبقات املجتمع ومصالحه‪ ،‬وتتجمع حوله وتتحرك ألجل تحقيقه‪،‬‬ ‫ومن املحير أن اإلخوان املسلمني على الرغم من صالحيتهم ألن يفعلوا‬ ‫ذلك لم يعبروا عن الطبقة الوسطى‪ ،‬فلم ينعكس حضورهم وتأثيرهم في‬ ‫املهندسني واألطباء واملعلمني والصيادلة واملحامني‪ ،‬في برنامج إصالحي‬ ‫مجتمعي تتجمع حوله الطبقات الوسطى‪ ،‬ولكنهم ظلوا على الدوام يجتذبون‬ ‫املؤيدين في االنتخابات النيابية على أساس رؤية سياسية مستمدة من‬ ‫مواجهة التسوية السياسية والدعوة إلى اآلمال والتطلعات الكبرى لألمة‬ ‫العربية واإلسالمية!!‬ ‫ولم يقدم «اإلخوان» خطابا نظريا وفكريا جديدا يعبر عن التحوالت ويجيب‬ ‫ّ‬ ‫وامللحة‪ ،‬ويفسر أيضا سلوك اإلخوان السياسي‬ ‫عن األسئلة الجديدة‬ ‫الجديد وإدارتهم لألزمات والقضايا واملواقف التي كانوا يعارضون‬ ‫بعضها أو يدعون إلى بعضها اآلخر‪ ،‬ويمكن عرض قائمة طويلة جدا من‬ ‫هذه القضايا والحاالت‪ ،‬ومنها على سبيل املثال مما يمكن استحضاره‬ ‫في عصف ذهني سريع‪ :‬الحريات الفردية والشخصية واالجتماعية‪،‬‬ ‫واملسائل االقتصادية والبنوك والتأمني والقروض‪ ،‬والعالقات واملعاهدات‬ ‫الدولية ليس فقط مع إسرائيل ولكن مع جميع دول العالم‪ ،‬وفي قضايا‬ ‫ومجاالت كثيرة كانوا يعارضون بعضها‪ ،‬مثل شؤون األسرة وحقوق‬ ‫اإلنسان واملرأة‪ ،‬وقضايا أخرى يجري حولها جدل وأسئلة‪ ،‬مثل التبني‪،‬‬ ‫وتعدد الزوجات‪ ،‬وضرب الزوجات‪ ،‬ومنح الجنسية ألبناء املرأة املتزوجة من‬


‫والحركات اإلسالمية فيها محدودا ومن خالل إشراف الحكومة وعلمها‪،‬‬ ‫ويغلب على رواد هذه املساجد عدم وجود عالقة تربطهم بالجماعات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬في حني يتذكر النشطاء والعاملون في الحركات اإلسالمية في‬ ‫السبعينات والثمانينات عندما كان يغلب على رواد املساجد من الطالب‬ ‫والشباب االرتباط بالجماعات اإلسالمية‪ ،‬خاصة اإلخوان املسلمني‪ ،‬ثم‬ ‫السلفيني وجماعة التبليغ‪ ،‬التي كانت تنظم حضورهم وأنشطتهم في‬ ‫املساجد‪ ،‬ولكن ذلك تحول اليوم إلى عمل عفوي مجتمعي‪ ،‬وقد تضاعف‬ ‫رواد املساجد أضعافا كثيرة‪ ،‬وتضاعفت املساجد في أعدادها كما أسلفت‪.‬‬ ‫وتستقطب الجمعيات واملؤسسات اإلسالمية والثقافية عشرات اآلالف‬ ‫من املشاركني واملتطوعني‪ ،‬للمشاركة في حفظ القرآن ودروس الثقافة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وهي جمعيات وإن كانت تقوم على بعضها قيادات منتمية إلى‬ ‫جماعات إسالمية‪ ،‬ولكن املشاركة فيها ال عالقة له بالعضوية واالنتساب‬ ‫إلى هذه الجماعات‪ ،‬ونشأت أيضا مؤسسات اقتصادية وإعالمية وتعليمية‬ ‫كثيرة قائمة على أساس التدين وااللتزام بتعاليم اإلسالم‪ ،‬وال عالقة‬ ‫لها في الوقت نفسه بالحركة اإلسالمية‪ ،‬مثل البنوك وشركات التأمني‬ ‫(اإلسالمية)‪ ،‬واملدارس والجامعات واإلذاعات ومحطات التلفزيون‪ ،‬ومواقع‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬وشركات تنظيم رحالت الحج والعمرة‪ ،‬ومحالت بيع الكتب‬ ‫واألشرطة وأقراص الـ«سي دي» اإلسالمية‪ ،‬واأللبسة اإلسالمية (الحجاب)‬ ‫والجمعيات الخيرية والتنموية والثقافية اإلسالمية وفرق اإلنشاد الديني‪.‬‬

‫وحضاري يعكس حال املجتمعات والطبقات ومصالحها وتطورها‬ ‫التعليمي والثقافي‪ ،‬األمر الذي سيؤدي إلى ادوار اجتماعية وسياسية للدين‬ ‫متعددة ومختلفة من مجتمع إلى آخر ومن طبقة إلى أخرى‪ ،‬ويمكن اليوم‬ ‫مالحظة كيف يشكل الدين عامال أساسيا في حراك الطبقات الوسطى‬ ‫ومحاوالتها للدفاع عن نفسها ومكتسباتها‪ ،‬وفي املقابل فإن التدين‬ ‫الجماعاتي يؤدي إلى تحديد مسبق ملواقف وحاالت فكرية واجتماعية‬ ‫وسياسية تسعى الجماعات إلى دفع الجماعات والحكومات نحوها‪ ،‬بما‬ ‫يعني ذلك في بعض األحيان والحاالت من وعي ونضج وعقالنية واعتدال‪،‬‬ ‫وفي أحيان أخرى تطرف وجمود وسلطة اجتماعية قهرية على حريات‬ ‫الناس وضمائرهم‪ ،‬ولكن بقاء «التدين» ضمن حراك املجتمعات والطبقات‬ ‫سيكون عودة إلى األصل؛ أن يكون الدين أداة بيد املجتمع وليس بيد السلطة‬ ‫والجماعات السياسية‪ ،‬فذلك أولى على الرغم من الخسائر واملشكالت‬ ‫املتوقعة في املدى القريب من كونه أداة وموردا بيد الجماعات أو الحكومات‪،‬‬ ‫فاملجتمعات تبقى هي األكثر ضبطا وانضباطا في إيقاع االستجابة‬ ‫املكافئة للتحوالت االجتماعية والثقافية‪.‬‬ ‫لقد حسبت جماعات اإلسالم السياسي نفسها املمثل الشرعي للدين‪،‬‬ ‫وأرادت أن تدمج مصالحها ومواقفها مع الدين‪ ،‬لتكون هي الدين‪ ،‬ولكنها‬ ‫لم تالحظ أن معظم الجماهير انتخبتها وأيدتها ليس ألسباب دينية‪،‬‬ ‫ولكن ألنها تأملت وفيها قيادة سياسية جديدة بديلة قادرة على بناء‬ ‫اإلجماع الوطني وحل األزمات االجتماعية واالقتصادية والحفاظ على‬ ‫استعادة حرياتها وكرامتها‪ ،‬وعلى عكس ما تأملت املجتمعات فقد شغلت‬ ‫الجماعات بالتمكني لنفسها واالنتقام من خصومها ومنافسيها‪ ،‬ولم‬ ‫تبادر إلى القضايا األساسية املحركة واملنشئة للربيع‪.‬‬

‫كانت جماعات اإلسالم السياسي تعتمد في استقطاب األنصار واملؤيدين‬ ‫على التدين‪ ،‬ولكنها لم تعد املمثل الوحيد للدين والتدين‪ ،‬فالوعي الديني‬ ‫يتشكل اليوم ضمن منظومة من املساجد واملؤسسات والفضائيات‬ ‫واملجتمعات ووسائل اإلعالم واملؤسسات املختلفة التي ال عالقة لها‬ ‫بالحركة اإلسالمية‪ ،‬وال يكاد يالحظ اليوم أثر يذكر لإلخوان املسلمني في‬ ‫ميادين الدعوة والفكر والتأليف والنشر والبحث العلمي‪.‬‬

‫الربيع العربي والبيئة الجديدة‬

‫تحول الظاهرة اإلسالمية من «الجماعاتية املنظمة» إلى «املجتمعية»‬ ‫سوف يؤدي بالتأكيد إلى تحول التدين (واإلسالمية) إلى منتج اجتماعي‬

‫يمكن هنا مالحظة نماذج متعددة من التغيير السياسي في الربيع‬ ‫العربي‪ ،‬النموذج التونسي واملصري‪ ،‬القائم على مظاهرات واعتصامات‬

‫اردوغان لدى استقباله مرسي‬ ‫في أنقرة سبتمبر ‪2012‬‬

‫‪,,‬‬

‫هناك ضرورة‬ ‫ّ‬ ‫ملحة في العالم‬ ‫العربي‪ ..‬وهي‬ ‫إنشاء عقد‬ ‫اجتماعي جديد‬ ‫يتجاوز الروابط‬ ‫املستقلة‬ ‫عن الدول‬ ‫واملجتمعات‬ ‫الحديثة‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪29‬‬


‫قضايا‬

‫أظهر الربيع العربي تحديات وأسئلة جديدة أمام الحركات اإلسالمية التي تحولت إلى أحزاب حاكمة أو‬ ‫مشاركة في الحالة السياسية‪ ،‬مثل قدرتها على إدارة إجماع وطني ينشئ رواية إصالحية وتنموية جديدة‬ ‫تتفق مع أهداف ومبررات الربيع العربي‪ ،‬ومدى التزامها بالحريات والديمقراطية‪ ،‬خاصة الحريات الفردية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وقدرتها على اإلصالح االقتصادي‪ ،‬ومواجهة األزمات االقتصادية والتنموية التي كانت من أهم‬ ‫أسباب الثورات العربية‪.‬‬

‫‪« 2013 - 2010‬اإلسالم السياسي» صعد وهوى بفعل الربيع العربي‬

‫سقوط الشهب‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫إبراهيم غرايبة‬

‫‪,,‬‬

‫تجربة حزب‬ ‫العدالة‬ ‫والتنمية‬ ‫تعبر عن‬ ‫االنتقال من‬ ‫فكرة الدولة‬ ‫اإلسالمية‬ ‫التي اخترعها‬ ‫الخيال‬ ‫اإلخواني إلى‬ ‫دولة املسلمني‬

‫‪,,‬‬

‫‪28‬‬

‫بدا الربيع العربي ربيع «اإلسالم السياسي» بامتياز‪ ،‬على الرغم‬ ‫من أنه في فكرته األصلية وروايته املنشئة ال عالقة له بجماعات‬ ‫اإلسالم السياسي‪ ،‬كان خروجا جماهيريا شامال ألجل الكرامة‬ ‫والحياة األفضل‪ ،‬احتجاجا على التهميش والفساد والتمييز بني املجتمعات‬ ‫والطبقات والفجوة بني فئات املجتمع واالنحياز في توزيع الفرص واملوارد‪..‬‬ ‫بدأ عفويا‪ ،‬وتحول إلى تجمع شعبي شامل يستحضر كل تراكمات الفشل‬ ‫واالستبداد‪ ،‬وتحول سريعا إلى ربيع الجماعات اإلسالمية السياسية؛ إذ‬ ‫صعدت في دول الربيع العربي صعودا غير مسبوق‪ ،‬وإن كان متوقعا‪،‬‬ ‫فقد حصلت على الغالبية الكبرى من نتائج االنتخابات في مصر وتونس‬ ‫واملغرب‪ ،‬وتبدو ذات حضور قوي في ليبيا‪ ،‬وهي أيضا فاعل أساسي‬ ‫وقوي في املعارضة السورية‪ ،‬وكان لها حضور قوي ومؤثر قبل الربيع في‬ ‫دول عربية أخرى‪ ،‬مثل السودان والعراق واألردن واليمن والكويت‪.‬‬ ‫ثم في سرعة غير متوقعة تهاوت تجربة اإلسالم السياسي (أغلبها) في‬ ‫الحكم‪ ،‬وبدت الجماعات اإلسالمية السياسية مثل شهاب ملع في سماء‬ ‫الوطن العربي واحترق بسرعة‪ ،‬ولعل «الشهاب» أقرب وصف لحالة هذه‬ ‫الجماعات التي ملعت‪ ،‬ولكنه ملعان االحتراق واالختفاء‪ ،‬والظهور الذي‬ ‫جاء بسبب ضياع املدار أو انجذاب الكويكب إلى مدار آخر عمالق أحرقه‬ ‫وابتلعه‪ ،‬فالجماعات ظهرت فجأة في فضاء الحكم‪ ،‬ولكنه الظهور املتأتي‬ ‫من االستدراج‪ ،‬وربما الفشل!‬ ‫جاء املشهد املتشكل بعد الربيع انتقاليا فوضويا غير مستقر‪ ،‬ودخلت‬ ‫بالد الربيع والجماعات اإلسالمية السياسية في تحديات جديدة‪ ،‬ربما‬ ‫لم يحسب حسابها ولم تكن متوقعة‪ ..‬كانت املسألة تبدو تنحي رؤساء‬ ‫حكموا طويال لتجري انتخابات حرة تنشئ نظاما سياسيا جديدا‪ ،‬ولكنها‬ ‫لم تكن بهذه البساطة‪ ،‬فقد صعدت الجماعات اإلسالمية من غير خبرة‬ ‫كافية إلى سدة الحكم والتأثير‪ ،‬ووجدت املجتمعات والدول نفسها في‬ ‫ظل الجماعات اإلسالمية في مواجهة تحديات صعبة وقاسية‪ ،‬ومضت‬ ‫الجماعات بدولها ومجتمعاتها إلى املغامرة واملجهول!‬ ‫والسؤال ببساطة‪ :‬ملاذا صعدت جماعات اإلسالم السياسي في الربيع‬ ‫العربي؟ وملاذا تهاوت؟‬ ‫كان التقدير املنطقي للحالة املتشكلة بفعل الربيع العربي أنها ستنشئ‬ ‫مشهدا جديدا يتراجع فيه حضور الحركات اإلسالمية السياسية ألنه‬ ‫وببساطة يعبر عن حالة قائمة على املطالب االقتصادية واملعيشية واملساواة‬ ‫والعدالة االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬وهي آفاق ومجاالت للعمل والتطلعات‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫لم تشغل بها الجماعات اإلسالمية‪ ،‬ولم تكن تراها أولوية تستحق العمل‬ ‫والنضال‪ ،‬وصياغة نفسها‪ ،‬وتقترب من نموذج العدالة والتنمية في تركيا‪،‬‬ ‫فتعدل جوهريا في خطابها وبرامجها وأفكارها ومواقفها‪ ،‬لتكون أكثر‬ ‫قدرة على مواجهة التحديات واألسئلة املنشئة للربيع العربي‪ ،‬ولكنه كان‬ ‫تقديرا خاطئا أيضا‪ .‬ملاذا لم تعد جماعات اإلخوان املسلمني واإلسالمي‬ ‫السياسي عامة تشكيل نفسها على نحو يالئم املرحلة الجديدة؟ ملاذا لم‬ ‫ُ‬ ‫تحذ حذو حزب العدالة التركي؟‬

‫أسئلة الربيع وإجابات اإلسالم السياسي‬ ‫لقد أظهر الربيع العربي تحديات وأسئلة جديدة أمام الحركات اإلسالمية‬ ‫التي تحولت إلى أحزاب حاكمة أو مشاركة في الحالة السياسية‪ ،‬مثل‬ ‫قدرتها على إدارة إجماع وطني ينشئ رواية إصالحية وتنموية جديدة‬ ‫تتفق مع أهداف ومبررات الربيع العربي‪ ،‬ومدى التزامها بالحريات‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬وبخاصة الحريات الفردية واالجتماعية‪ ،‬وقدرتها على‬ ‫اإلصالح االقتصادي ومواجهة األزمات االقتصادية والتنموية التي كانت‬ ‫من أهم أسباب الثورات العربية‪.‬‬ ‫وظهر بوضوح أن الحالة اإلسالمية والدينية أوسع بكثير من التيارات‬ ‫اإلسالمية السياسية‪ ،‬فهناك جماعات إسالمية غير سياسية منتشرة‬ ‫ومؤثرة‪ ،‬وهناك الحالة اإلسالمية املجتمعية املستقلة عن التيارات‬ ‫والجماعات املنظمة‪ ،‬وهناك أيضا الحالة اإلسالمية الرسمية التابعة‬ ‫ملؤسسات الدولة‪ ،‬مثل األوقاف والجامعات واملدارس واملحاكم الشرعية‬ ‫ودوائر اإلفتاء والتعليم الديني الرسمي‪.‬‬ ‫وقد أظهرت األحداث والتحوالت األخيرة في الوطن العربي صعود‬ ‫املجتمعات باعتبارها قوة مؤثرة ومستقلة عن الجماعات واألحزاب والنخب‬ ‫السياسية واالجتماعية‪ ،‬وربما تنطبق الظاهرة نفسها أيضا على الحالة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ويمكن اليوم مالحظة مجموعة من الظواهر والحاالت اإلسالمية‬ ‫املتشكلة بعيدا عن تأثير الجماعات والحركات اإلسالمية التقليدية‪ ،‬فقد‬ ‫تزايد عدد املساجد في األردن على سبيل املثال‪ ،‬وهي حالة يمكن تعميمها‬ ‫كما يشير التقرير السنوي لدائرة اإلحصاءات العامة األردنية من نحو ألف‬ ‫مسجد عام ‪ 1991‬إلى نحو ستة آالف مسجد عام ‪ 2009‬كما يشير التقرير‬ ‫السنوي لعام ‪.2009‬‬ ‫وبالنظر إلى رواد املساجد ونشاطها الرسمي والتطوعي؛ فإنها تعمل تحت‬ ‫رعاية وإشراف وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬ويبدو دور الجماعات‬


‫كاميال عقيلة ولي عهد بريطانيا ودوقة كورنوول تجتمع ببعض النساء‬ ‫السعوديات الالتي يتعلمن مهارات فن صياغة املجوهرات في أكاديمية‬ ‫النساء «باب رزق جميل للفنون والحرف» ‪ -‬جدة ‪ - 17‬مارس‪2013 /‬‬

‫وقوانني األحوال الشخصية والتي لم يحالفها الحظ أن ترى النور حتى‬ ‫اآلن‪.‬‬ ‫على أن الحراك النسوي لم يكن ً‬ ‫ً‬ ‫محصورا في دائرة التأثير‬ ‫دوما‬ ‫املقروء واملسموع‪ ،‬ففي العام ‪ 1990‬تحركت مجموعة من النساء‬ ‫تطالب بحق املرأة السعودية في قيادة السيارة لتضع للمرة األولى‬ ‫ً‬ ‫ربما عمال غير مسبوق في أوساط النساء يتخطى قيودهن املباشرة‪.‬‬ ‫في كتاب "السادس من نوفمبر"‪ ،‬يعرض الكتاب لدوافع القوة الذاتية‬ ‫خلف مبادرتهن الجريئة والتي تتمحور ً‬ ‫غالبا حول الشعور بالغنب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تلخصت "في رؤية مجندة أمريكية تستطيع القيادة بدون أن يوقفها‬ ‫ّ‬ ‫أحد‪ ،‬في سؤال ّ‬ ‫تخيلي من طالبات ملعلمة "كانت العيون املحدقة‬ ‫تسألني ملاذا؟‪ ...‬كان املوضوع بالنسبة لي أكبر من أن يكون مسألة‬ ‫قيادة‪ ،‬إنه هذا الكم الهائل من البشر الذي يجب أن يعيش إنسانيته‬ ‫الحقيقية‪ ،‬وأن يمارس حقوقه‪ ,‬وأن ّ‬ ‫يعبر عن نفسه‪ ،‬وأن يقول أنا‬ ‫موجود هنا‪ ..‬فاسمعوني‪ ،‬إننا نحتاج أن تمدوا أيديكم لنا‪ ،‬كانت هذه‬ ‫القضية الحقيقة"‪.‬‬ ‫وشبيها بهذا الدافع كانت املبادرات الالحقة‪ ،‬مدفوعة بذات الدوافع‬ ‫من رفض التبعية والسعي للعدالة‪ ،‬كما حدث ذلك في الحراك النظري‬ ‫والفعلي في حملة "بلدي" ملشاركة النساء في االنتخابات البلدية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫املنسقة‬‫مدفوعا بهاجس مشابه‪ ،‬تحكي فوزية الهاني‬ ‫حيث كان‬ ‫ّ‬ ‫العامة للحملة‪ -‬عن رغبتها في تغيير الصورة النمطية العامة للمرأة‬ ‫كتابعة وغير قادرة عبر وضعها في منصب املسؤولية ّ‬ ‫العامة‪ ،‬وعلى‬

‫ً‬ ‫جزئيا بوصولهن‬ ‫أن املشاركة السياسية للنساء في اململكة تحققت‬ ‫ملناصب في مجلس الشورى وبعض املواقع في أعلى أجهزة الدولة إال‬ ‫أنها مازالت خطوات أولى تستحق العمل واملزيد‪.‬‬

‫االستقالل االقتصادي للنساء خطوة ملحة‬ ‫ًّ‬ ‫تاريخيا كانت املشاركة الفاعلة للنساء بكل ما تعنيه من قوة‬ ‫التأثير‪ ،‬وتعديل السياسات‪ ،‬وتغيير نمطية أدوار النساء خطوة تابعة‬ ‫لتمكينهن التعليمي أو االقتصادي‪ ،‬وهذا يضع النساء أمام ٍّ‬ ‫تحد‬ ‫حقيقي في الوصول لتمكني اقتصادي يتخطى الحواجز األسرية‬ ‫املفروضة عليهن بسبب نظام الوالية واشتراطه للحصول على‬ ‫التأهيل أو التنقل أو العمل‪...‬‬ ‫يصعب في هذا املقام حصر كل أشكال الحراك وتجلياته لكنه يبقى‬ ‫ً‬ ‫ساعيا كبقية الحراك النسوي‬ ‫في محوره ‪-‬وبالرغم من خصوصيته‪-‬‬ ‫مساو للرجل في‬ ‫ككائن‬ ‫املرأة‬ ‫في كل مكان في العالم إلعادة تعريف‬ ‫ٍ‬ ‫االستحقاقات والفرص‪ ،‬ولتوضيح أن أدوار النساء األسرية ليست ً‬ ‫مبررا‬ ‫لحرمانهن من املشاركة بكل أشكالها ومن حريتهن ّ‬ ‫التامة في االختيار‬ ‫وتقرير املصير‪ ،‬ولوضع عالقة املرأة مع الدولة في إطارها الصحيح‬ ‫كعالقة مواطنة تسعى للتغيير اإليجابي‪ ،‬وليس كعالقة أبوية أو رعوية‬ ‫تفرض شروطها وقيودها في مقابل السماح بالحقوق <‬ ‫* كاتبة سعودية‬

‫‪,,‬‬

‫يهدف الحراك‬ ‫النسوي في‬ ‫السعودية إلى‬ ‫خلق حالة‬ ‫مواطنة كاملة‬ ‫للمرأة تجعلها‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫إيجابيا‬ ‫عضوا‬ ‫ً‬ ‫فاعال في‬ ‫املجتمع يحقق‬ ‫ذاته ووجوده‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪27‬‬


‫قصة الغالف‬

‫مساو للرجل في‬ ‫كبقية الحراك النسوي في كل مكان في العالم الذي يهدف إلعادة تعريف املرأة ككائن‬ ‫ٍ‬ ‫االستحقاقات والفرص‪ ،‬وأن أدوار النساء األسرية ليست ً‬ ‫مبررا لحرمانهن من املشاركة بكل أشكالها‪ ،‬ومن‬ ‫حريتهن ّ‬ ‫التامة في االختيار وتقرير املصير‪ ،‬ولوضع املرأة داخل الدولة واملجتمع في إطارها الصحيح كعالقة‬ ‫مواطنة تسعى للتغيير اإليجابي‪.‬‬

‫املراة السعودية‪ ..‬السعي نحو األهلية الكاملة‬

‫استحقاق املساواة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫هالة الدوسري *‬

‫‪,,‬‬

‫كانت الكتابة‬ ‫النسائية‬ ‫نافذة أولى‬ ‫للمرأة في‬ ‫السعودية‬ ‫لرفع صوتها‬ ‫وبيان‬ ‫احتياجاتها‬ ‫وحقوقها من‬ ‫بني الخطاب‬ ‫الذكوري‬ ‫السائد‬

‫‪,,‬‬

‫يأتي السؤال الباحث عن موقع املرأة في املجتمع السعودي‬ ‫كدافع أساسي خلف مبادرات الحراك على اختالفها‪ ،‬ويثير‬ ‫ّ‬ ‫تفرد بعض مبادرات الحراك النسوي في إطار "حق قيادة‬ ‫السيارة" مثال العديد من األسئلة حول أولويات الحراك النسوي‬ ‫السعودي‪ ،‬وأسئلته املختلفة‪ ،‬وفي مواجهة املوانع املعيقة للمشاركة‬ ‫ً‬ ‫املدنية ّ وقيود التعبير‪ ،‬يظهر لنا حراك النساء في السعودية مشتتا‬ ‫ومتقط ًعا وأدنى ً‬ ‫كثيرا من أحالم النساء وطموحاتهن‪.‬‬ ‫تقف خلف دوافع الحراك النسوي وخطابه السائد عالقة مضطربة‬ ‫تشكلت من خالل تحوالت املجتمع الحديثة التي جلبت مفاهيم جديدة‬ ‫متعلقة بالنساء‪ ،‬إلى جانب محورية أدوارهن في املجتمع التقليدي‬ ‫ّ‬ ‫التحول‬ ‫حول الزواج واألمومة‪ .‬االنتقال لنمط املدن الحديثة حمل معه‬ ‫لسياسات الفصل بني الجنسني في الفضاءات العامة‪ ،‬حيث تكمن‬ ‫ًّ‬ ‫حصريا على الرجال‪،‬‬ ‫القوة وتصنع القرارات وتتشكل ثقافة املجتمع‬ ‫اختفت أدوار املرأة املتعددة في حياة البداوة والرعي بكل ما تتطلبه من‬ ‫مهارات البقاء وتقرير املصير‪ ،‬وأصبحت النساء يعشن في فضاءات‬ ‫موازية مفصولة عن فضاءات الرجال في األسرة واملجال العام‪ ،‬و‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ومعنويا للوصول للخدمات‬ ‫اقتصاديا‬ ‫تعزز اعتمادهن على الرجال‬ ‫والفرص‪.‬‬

‫تعليم البنات لم يتأخر ً‬ ‫كثيرا عن تعليم األوالد إال ببضع سنوات‪ ،‬لكن‬ ‫ً‬ ‫االستثمار فيه لم يكن فاعال في تطوير قدرات النساء ومنحهن كامل‬ ‫القدرة على املشاركة في كل مجاالت الحياة‪ ،‬حيث كان ّ‬ ‫موج ًها منذ‬ ‫البداية لتعزيز "النموذج الديني" للمرأة السعودية‪ ،‬وتكريس الصورة‬ ‫النمطية عن املرأة التي تقصر مهاراتها على مجاالت الرعاية –التعليم‬ ‫و الصحة‪ -‬واألسرة‪ ،‬وغاب النموذج املدني الحديث للمرأة املتعددة‬ ‫األدوار والقادرة على املشاركة في كل املجاالت‪ ،‬كما انعكس ذلك‬ ‫الغياب في انخفاض ملحوظ للمشاركة االقتصادية للنساء بحيث‬ ‫ّ‬ ‫لم تصل إلى أكثر من ‪- %17‬في أدنى املعدالت العاملية‪ ،‬وتركزت في‬ ‫غالبها في قطاعات التعليم والصحة‪.‬‬

‫حصر الفضاء العام‬

‫الصحافة كمنبر للتعبير‬

‫ً‬ ‫حاضرا بقوة في كل التحوالت املدنية داخل‬ ‫التيار الديني كان‬ ‫املجتمع‪ ،‬فعزز مفهوم حصر الفضاء العام بالرجال‪ ،‬وبالتالي أصبح‬ ‫ً‬ ‫الفصل بني الجنسني ّ‬ ‫مؤس ًسا ومقننا في كل األماكن العامة‪ ،‬كما‬ ‫ساهم الرفاه االقتصادي في تهميش النساء وتعزيز األبوية‪ ،‬من‬ ‫خالل تقليل استثمار طاقات النساء في االقتصاد‪ ،‬وتشجيع وفرة‬ ‫إنجاب األطفال –و بالتالي تقييد النساء في فضاء الرعاية و األسرة‪.-‬‬ ‫استثناء النساء من املشاركة العامة وحصرهن في فضاءات األسرة‬ ‫ّأدى مع الوقت إلى انخفاض مشاركتهن لهمومهن‪ ،‬وعدم تطويرهن‬ ‫إلى أي حراك جماعي لحل مشكالتهن‪ ...‬فترسخت صورة املرأة وفق‬ ‫مفاهيم فكرية محددة‪ ،‬صاغتها رؤية دينية قبلية للمرأة ترى دور‬ ‫ًّ‬ ‫املرأة كزوجة وأم ً‬ ‫حصريا‪ ،‬وترى مشاركتها في مجاالت الحياة‬ ‫دورا‬ ‫بأسرها كأمر خاضع ومشروط لتقدير رجل "ولي أمر" أو مشاركة‬ ‫غير ضرورية ومستحدثة‪.‬‬

‫النسوي‪ ،‬والذي‬ ‫غياب‬ ‫النساء عن الفضاء العام لم يوقف بوادر الحراك ّ‬ ‫ً‬ ‫مبكرا مع ظهور مخرجات التعليم في الشكل املتوقع منه‪ ،‬حيث‬ ‫ظهر‬ ‫الرأي والتعبير‪ ،‬فكانت الكتابة نافذة أولى للنساء في السعودية لدمج‬ ‫أصواتهن وأسئلتهن واحتياجاتهن في الخطاب الذكوري السائد‪،‬‬ ‫وكانت األقالم النسائية األولى بعيدة عن أسئلة الحقوق واملطالب‪،‬‬ ‫واألسرة‬ ‫شديدة االرتباط بالفضاءات املخصصة لألنوثة مثل األزياء ً‬ ‫والطبخ واألدب‪ ،‬إال أن تطور الكتابة النسائية األدبية أظهر نمطا من‬ ‫الخصوصية في الكتابات السعودية عكست أدبياته األبوية‪ ،‬لم تبتعد‬ ‫ً‬ ‫هذه القوة الناعمة في الكتابة والتعبير ً‬ ‫تأثيرا‬ ‫كثيرا عن القيود األقرب‬ ‫في حياة النساء‪ :‬حيث العالقات الحميمة واألسرة‪ ،‬لكن تطور مواقع‬ ‫النساء وخبراتهن على األخص في التعليم والعمل والتنقل منح ً‬ ‫زخما‬ ‫لتفاعلهن‪ ،‬تنافست األقالم النسائية على املنابر املحلية والدولية‬ ‫وحصدت الجوائز‪ ،‬وظهر الفكر النسوي ّ‬ ‫معب ًرا عن مطالبه بقوة –‬ ‫بالرغم من محدودية منافذه وفرصه‪ -‬في الكتابة املطبوعة واإلعالم‬ ‫املرئي‪ّ ،‬‬ ‫وتم تداول أسئلة املرأة في كل مجاالتها على صفحات الجرائد‬ ‫وقنوات اإلعالم‪ ،‬وظهرت مبادرات متعددة ملعالجة تأثيرات تبعية املرأة‬ ‫في األسرة‪ ،‬ومحدودية قدرتها على اتخاذ القرار‪ ،‬كمبادرات الطالق‬

‫وعلى الرغم من ّأن النظام األساسي للحكم لم ّ‬ ‫يفرق في مبادئ الحكم‬ ‫ً‬ ‫بناء على الجنس كما في املادة الثامنة والتي تضع العدل واملساواة‬ ‫ً‬ ‫والشورى قيما أساسية في مبادئ الحكم‪ ،‬إال أن ممارسات بعض‬

‫‪26‬‬

‫ّ‬ ‫الجهات الحكومية قد تبنت الفصل الكامل بني الجنسني؛ فاقتصرت‬ ‫في تقديم وتطوير خدماتها على احتياجات املواطن "الرجل" في حني‬ ‫ّقدمتها للمرأة بصفة مشروطة أو محدودة‪ ،‬يرفد ذلك آراء ومواقف‬ ‫تسعى بشكل خاص إلى وضع املرأة وإبقائها في مسارات ّ‬ ‫محددة‬ ‫ال يمكن الخروج عنها إال وفق رؤية دينية تحمل في أحكامها‬ ‫مبالغات غير معتادة – كاملنع من قيادة السيارة وفرض زي صارم‪-‬‬ ‫معتمدة في ذلك على مبررات كثيرة على رأسها خصوصية املجتمع‪،‬‬ ‫وخصوصية املكان‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬


‫إلى السلطة‪ ،‬بتقييد أهداف أنصار املساواة أو تأجيل الحديث عنها ألنها‬ ‫لم تكن تعتبر مهمة بنفس قدر أهمية التنمية القومية للبنية السياسية‪،‬‬ ‫االقتصادية والعسكرية‪ .‬فحركات أنصار املساواة في تلك الفترة فشلت‬ ‫في التقدم والنمو ألنها بدت متحررة جدا ومقترنة بالثقافة الغربية إلى حد‬ ‫كبير‪ .‬وفي مكانها وأثناء النهضة العامة للحركة اإلسالمية قامت الحركة‬ ‫النسائية اإلسالمية في كافة أنحاء العالم العربي تتحدى ما يفترض عن‬ ‫حركة املساواة بأنها علمانية ومتحررة بالتركيز بداية على القراءة التقدمية‬ ‫للنصوص اإلسالمية واملراجعة التاريخية من أجل إيجاد الحجة الالزمة‬ ‫والنماذج النسائية إليجاد تقاليد إسالمية تنادي باملساواة والتي تعزز‬ ‫حقوق املرأة‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فبدال من وضع اإلسالم في تعارض مع العصرية‬ ‫وحقوق اإلنسان الخاصة باملرأة كما يحاول البعض أن يفعل‪ ،‬فقد استخدم‬ ‫أنصار املساواة املسلمون وسوف يظلون يستخدمون مبادئ وتعاليم‬ ‫اإلسالم لتدعيم أهدافهم ومناشدة املرأة العربية املعاصرة بشكل واضح‬ ‫املعاني ال يتعارض مع التقاليد املحافظة‪.‬‬

‫بحقوق املرأة ووضعها ودورها في املجتمع يأخذ كال الحزبني املحافظ‬ ‫واملتحرر مواقف متعاكسة من دون مراعاة لألرضية املشتركة بينهم‪.‬‬ ‫وكلما استمر االنقسام ما بني االثنني وازدادت حدة الصراع بينهما من‬ ‫أجل القوه والسيطرة‪ ،‬ازدادت مواقفهما تجاه املرأة حدة وتطرفا‪ .‬وفي كلتا‬ ‫الحالتني‪ ،‬تخسر النساء حقهن في اختيار وتقرير مصيرهن ألنهن حرمن‬ ‫من أي صالحيات حقيقية ومن املشاركة في عمليه صنع القرار‪ .‬وفي أغلب‬ ‫الوقت فإن الرجال ‪ -‬سواء كانوا محافظني أو ليبراليني ‪ -‬هم الذين يتكلمون‬ ‫نيابة عنهن‪ .‬فالنساء املسلمات الناشطات في قضايا املرأة والحركات‬ ‫النسائية يحاولن املوازنة بني الجانبني من دون أن يفقدن هويتهن‪ .‬وهذا‬ ‫ينطبق في السعودية كذلك‪ ،‬حتى وإن كانت مجهودات املرأة ال تأخذ أي‬ ‫شكل من أشكال املؤسسات أو الحركات الرسمية‪ .‬فال املجتمع وال البيئة‬ ‫الثقافية وال النظام يسمح للمرأة حتى بمجرد التفكير في أن تكون هناك‬ ‫حركة نسوية حتى اليوم‪ .‬وما نشاهده من بعض مظاهر املعارضة ملنع‬ ‫قيادة املرأة للسيارة مثال والحمالت اإلعالمية املصاحبة خاصة في اإلعالم‬ ‫الجديد فهو تعبير للرأي ومطالبة علنية بتلك الحقوق وليس تنظيما لحركة‬ ‫نسوية فعلية‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن النساء السعوديات لم يمررن بأي مرحله من مراحل‬ ‫الحركات النسائية في الدول اإلسالمية األخرى كمصر أو إيران أو الكويت‬ ‫‪ ،‬فقد تأثرن بالحركة اإلسالمية األصولية في السعودية وبالتغيرات‬ ‫االقتصادية واالجتماعية في املجتمع‪ .‬والحركة اإلسالمية قد مرت بفترات‬ ‫من التقدم والتراجع ومعها يتقدم دور املرأة أو يتراجع‪ .‬وهذا صحيح‬ ‫بالنسبة لكل الدول اإلسالمية بما فيها السعودية‪ .‬وقد أعطى اإلسالم‬ ‫منذ أكثر من ‪ 1400‬عام حقوقا للمرأة اكتسبتها املرأة الغربية فقط منذ‬ ‫‪ 100‬عام أو أقل‪ .‬وهذه الحقوق تتضمن حق املرأة في أن ترث‪ ،‬أن تطلق‬ ‫زوجها‪ ،‬أن تحتفظ بملكية خاصة أن تدير أعمالها وأن تتبوأ مناصب‬ ‫رسمية وقيادية وحقوق أخرى كثيرة‪ .‬وبينما أدمجت كل الدول اإلسالمية‬ ‫مالمح كثيرة للثقافة املعاصرة الغربية‪ ،‬فقد استمرت في مقاومة مالمح‬ ‫ومفاهيم أخرى‪ ،‬خصوصا تلك املتعلقة بالنساء‪ .‬لقد ازدادت الفجوة بني‬ ‫«املجتمع اإلسالمي» و«العصرية الغربية» عمقا‪ .‬فهؤالء الذين اعتنقوا‬ ‫اآليديولوجيات الغربية «كاملساواة» و«الديمقراطية» اعتبروا «متأثرين‬ ‫بالغرب» و«متحررين» والذين اتبعوا تعاليم اإلسالم اعتبروا متزمتني‬ ‫ومحافظني‪ .‬وقد ال تكون أهدافهم مختلفة عن بعضهم البعض‪ ،‬حيث‬ ‫إن الكثير من املفكرين املسلمني أوضحوا أن اإلسالم يؤيد الديمقراطية‬ ‫واملساواة والحرية‪ .‬ولكن بسبب فهم املحافظني املشوه لقوانني الغرب‬ ‫وسوء فهم املتحررين الليبراليني للتعاليم اإلسالمية فكل منهما يعالج‬ ‫هذه األهداف بشكل مختلف وغالبا بمهاجمة اآلخر‪ .‬وعندما يتعلق األمر‬

‫وباإلضافة إلى الحركة اإلسالمية‪ ،‬فهناك عامل آخر ساهم بشده في حديث‬ ‫أنصار املساواة في املجتمع السعودي والتغير في وضع املرأة السعودية‪،‬‬ ‫وهو الثروة الكبيرة التي أدرها البترول‪ ،‬والتي غيرت البيئة االقتصادية‬ ‫واالجتماعية للمجتمع السعودي‪ .‬فقد أصبح أكثر مدنية‪ ،‬عصريا وعامليا‪.‬‬ ‫وهذا جعله أكثر انفتاحا للتأثيرات الخارجية وجعلته على اتصال بالثقافات‬ ‫األخرى‪ .‬ومع التغير في البنية األساسية للمجتمع السعودي‪ ،‬فقد حدثت‬ ‫أيضا تغيرات في وضع ودور املرأة‪.‬‬

‫الصراع من أجل الهوية‬

‫فإدخال املرأة في التعليم الرسمي حتى املرحلة الجامعية وما بعد واالبتعاث‬ ‫للخارج والتقدم العلمي وفتح أبواب العمل لها كان له تأثير على ثقتهن‬ ‫الفكرية‪ ،‬ووعيهن االجتماعي وقوتهن االقتصادية‪ .‬فاملرأة السعودية‬ ‫ال تستعمل مصطلح النسوية أو املساواة اإلسالمية‪ ،‬ولكن مع التعليم‬ ‫واالستقالل االقتصادي املكتسبني حديثا‪ ،‬فقد أصبحن قادرات على‬ ‫التحاور بالحجة من أجل حقوقهن التي أقرها لهن اإلسالم‪ .‬إن الظروف‬ ‫السياسية واالقتصادية املتغيرة في املجتمع السعودي يمكن أن تتجه‬ ‫إلى فتح مزيد من فرص العمل والتمثيل األفضل للمرأة‪ ،‬ولكن من دون‬ ‫قبول اجتماعي وثقافي ودعم لهذه التغيرات‪ ،‬سوف يستمر تهميش املرأة‬ ‫والتمييز ضدها‪ .‬ومن الحتمي أنه طاملا أن املرأة تستمر في كسب قوة‬ ‫اقتصادية فهي بطبيعة الحال ستبحث عن التمثيل السياسي والحق‬ ‫القانوني لحماية مصالحها <‬

‫امرأة سعودية تحمل الهاتف الجوال‬ ‫وتمشى أمام مقهى في العاصمة‬ ‫السعودية (الرياض) يونيو ‪2013 -‬‬

‫‪,,‬‬

‫خاضت املرأة‬ ‫السعودية‬ ‫تجربة‬ ‫االنتخابات‬ ‫في الغرف‬ ‫التجارية‬ ‫وحققت نجاحا‬ ‫ملموسا‬ ‫وهي تتطلع‬ ‫لخوض تجربة‬ ‫االنتخابات‬ ‫البلدية ألول‬ ‫مرة‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪25‬‬


‫قصة الغالف‬

‫الظروف السياسية واالقتصادية املتغيرة في املجتمع السعودي يمكن أن تتجه إلى فتح مزيد من فرص العمل‬ ‫والتمثيل األفضل للمرأة‪ ،‬ولكن من دون قبول اجتماعي وثقافي ودعم لهذه التغيرات‪ ،‬سوف يستمر تهميش‬ ‫املرأة والتمييز ضدها‪.‬‬

‫الحركة النسوية في السعودية‪ ..‬سؤال الهوية والسلطة والحقوق‬

‫طوق التقاليد‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫بقلم‪ :‬مها عقيل‬

‫‪,,‬‬

‫إدخال املرأة‬ ‫في التعليم‬ ‫الرسمي‬ ‫حتى املرحلة‬ ‫الجامعية وما‬ ‫بعد واالبتعاث‬ ‫للخارج‬ ‫والتقدم العلمي‬ ‫وفتح أبواب‬ ‫العمل لها كان‬ ‫له تأثير على‬ ‫ثقتهن الفكرية‬

‫‪,,‬‬

‫‪24‬‬

‫لم تشهد اململكة العربية السعودية حركة نسوية صريحة‬ ‫وواضحة باملعنى املعروف للنسوية كما شهدته بعض الدول‬ ‫العربية واإلسالمية األخرى في العقود املاضية‪ .‬وقد يعتبر البعض‬ ‫خروج عدد من النساء في السنوات األخيرة يقدن سياراتهن احتجاجا على‬ ‫منعهن من القيادة نوعا من أو بداية لحركة نسوية في السعودية‪ .‬ربما‪،‬‬ ‫ولكن تواجه النساء املطالبات بحقوقهن إشكاليات كبرى في إطار الحركة‬ ‫النسوية وخاصة أن هذه الحركة مرتبطة بالغرب‪ ،‬ولذلك تنتهج النساء‪ ،‬ليس‬ ‫فقط في السعودية‪ ،‬ما يسمى الحركة النسوية اإلسالمية كبديل‪ .‬وتمثل‬ ‫النسوية‪ ،‬أو املساواة بني الجنسني‪ ،‬مشكلة للنساء ألنها مرفوضة من قبل‬ ‫املجتمع السعودي‪ ،‬خصوصا وفقا للتعريف الغربي للمساواة بني الجنسني‪.‬‬ ‫حتى السعوديون الذين يعتبرون أنفسهم ليبراليني أو حداثيني أو علمانيني‬ ‫قد يترددون في وصف أنفسهم بالنسويني ملا ينطوي عليه هذا الوصف من‬ ‫مفاهيم مسبقة‪ .‬تعرف النسوية بـ«املساواة بني الجنسني» على أنها الدراسة‬ ‫النظرية الضطهاد املرأة والطرق االستراتيجية والسياسية التي تعمل بها‬ ‫إلنهاء هذا االضطهاد‪ .‬ويمكن الضطهاد املرأة أن يأخذ أشكاال مختلفة‬ ‫ومنها على سبيل املثال حرمانها من حق التنقل بحرية وفرض الوصاية‬ ‫الذكورية عليها ونقص تكافؤ الفرص في الحياة الوظيفية والتمثيل‪ ،‬وهي‬ ‫كلها أمور تعاني منها املرأة في السعودية وتطالب وتعمل إلنهائها‪.‬‬

‫سؤال االضطهاد‬ ‫واملتأصل في قضية االضطهاد هي مسألة السلطة‪ .‬والسؤال بالنسبة ملؤيدي‬

‫البطاقة بسبب الصورة التي يعتبرونها تعديا على خصوصياتهم‬ ‫ومعارضا لعاداتهم ومعتقداتهم الدينية‪ .‬وهذه هي الثقافة السائدة في‬ ‫املجتمع السعودي‪ ،‬حجب املرأة تماما وفصلها عن املجتمع بادعاء أنه حماية‬ ‫لها وتمسكا بالعادات والتقاليد وتطبيقا للشريعة اإلسالمية حسب فهمهم‪،‬‬ ‫وهو نفس املبدأ والحجة التي يتخذها الكثيرون في ممانعتهم لقيادة املرأة‬ ‫للسيارة وعملها في املحال التجارية وسفرها بمفردها الخ‪.‬‬

‫من يمثل املرأة؟‬ ‫يقودنا الحديث عن السلطة والصالحيات إلى قضية التمثيل‪ ،‬وهي نقطة‬ ‫أساسية في الجدال والنزاع من أجل املساواة املعاصرة‪ .‬مؤيدو املساواة‬ ‫يسألون السؤال األساسي وهو من الذي يمثل املرأة‪ ،‬كيف يمثلها وإلى‬ ‫أي مدى؟ وكان قرار تعيني ثالثني عضوة في مجلس الشورى نقلة نوعية‬ ‫وقفزة عالية في دمج املرأة في أماكن صنع القرار ومشاركتها في قضايا‬ ‫املجتمع‪ .‬ولكنها تظل خطوة واحدة بحاجة إلى دعمها باستراتيجية كاملة‬ ‫وخطة مؤسساتية لتفعيل دور املرأة في دائرة السلطة في جميع اإلدارات‬ ‫العامة واملؤسسات الخاصة أن ال يقتصر دورها على الشكليات‪ .‬وقد أثبتت‬ ‫النساء أنهن قادرات على تحمل املسؤولية وأداء مهامهن على أكمل وجه مثل‬ ‫الرجل وربما أفضل‪ .‬وقد سبق أن خاضت املرأة السعودية تجربة االنتخابات‬ ‫في الغرف التجارية وحققت نجاحا ملموسا وهي تتطلع لخوض تجربة‬ ‫االنتخابات البلدية ألول مرة بعد عام كمرشحة وناخبة وتستعد لذلك‪.‬‬

‫املساواة ليس عمن هو في مركز السلطة؟ الرجل أم املرأة؟ بل باألحرى ما تبعات مصطلح «النسوية»!‬ ‫هي عالقات السلطة والهيكلة بينهما؟ بمعنى‪ ،‬عالقة السلطة والبنية بني‬ ‫الجنسني‪ ،‬واالضطهاد هو نتاج نقص الصالحية‪ ،‬والذي تؤكده الكثير من‬ ‫النساء الناشطات في الحقوق أن مشكلة املرأة السعودية األساسية هي‬ ‫افتقادها للصالحية وحق تقرير املصير ومعاملتها كفرد كامل األهلية‬ ‫وليس بحاجة إلى والية الرجل في كل أمور حياتها‪ .‬فحتى تقلد املرأة لبعض‬ ‫املناصب اإلدارية العليا لم يشكل تطورا حقيقيا للمرأة ألنها لم تعط كامل‬ ‫الصالحيات كالرجل بل ظلت تابعة له‪.‬‬

‫فهم ثقافة النساء‬ ‫فهم الثقافة التي تعيش فيها النساء هام بالنسبة لدراسات املساواة بني‬ ‫الرجل واملرأة ألن الثقافة هي التي تشكل وتفصل املعاني االجتماعية والقيم‬ ‫فيما بني الناس في تعامالتهم اليومية‪ .‬وهي مكان تشكيل عمليات التمثيل‬ ‫والترميز‪ .‬ففي عام ‪ 2001‬سمحت السلطات بإصدار بطاقة شخصية‬ ‫تحتوي على صورة للنساء السعوديات بعد سنوات من مطالبة املرأة بذلك‬ ‫حماية لحقوق املرأة القانونية ومن االستغالل واالحتيال‪ .‬وفي بداية تطبيق‬ ‫القرار كان بشكل اختياري وكان التقدم بطلب استخراج البطاقة يتم بموافقة‬ ‫ولي أمرها‪ .‬ومع ذلك كان هناك رفض شديد من الرجال والنساء الستخراج‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫وعلى الرغم من تبني املرأة السعودية لكثير من مبادئ النسوية مثل املساواة‬ ‫في األجور والعمل والتمثيل والصالحيات فإنه مع ذلك ال تصف تلك النساء‬ ‫التي تطالب بهذه الحقوق أنفسهن بأنهن نسويات بسبب الصورة السلبية‬ ‫في املجتمع السعودي للحركة النسوية وأنصارها في الغرب واقترانها‬ ‫بالسحاق والتحرر الجنسي واألطفال غير الشرعيني‪ .‬وهو ما نالحظه كلما‬ ‫رفعت النساء أصواتهن مطالبات بحقوقهن أتهمن بالتأثر بالغرب والعمل‬ ‫مع جهات غربية ومعارضة تسعى لزرع الفتنة والفوضى وتغيير املجتمع‬ ‫السعودي املسلم املحافظ‪ ،‬بينما هن في واقع األمر فقط يستعن بخبرات‬ ‫وتجارب النساء في الدول األخرى ليأخذن منها ما يناسبهن ويناسب‬ ‫املجتمع السعودي ونظامه‪ .‬وتجد النساء أنفسهن بني املطرقة والسندان‪،‬‬ ‫بني ضغط املطالبة بحقوقهن املشروعة واملكفولة في اإلسالم واتهامهن‬ ‫بالعمالة والتغريب‪ .‬فعبء املحافظة على التقاليد والقيم اإلسالمية يقع على‬ ‫عاتق املرأة ألنها مركز األسرة‪ ،‬ولكنها مهمة الرجل أن يتأكد أنها مطيعة‬ ‫وملتزمة وأنها غير متأثرة بأي مؤثرات خارجية‪ .‬في الدول التي كانت تحت‬ ‫االستعمار األجنبي‪ ،‬لم تكن املرأة العربية مقهورة من قبل بعض جوانب‬ ‫تقاليدها املحلية فحسب ولكن أيضا من قبل القوى األجنبية املحتلة‪ .‬أما‬ ‫بعد االستقالل‪ ،‬فقد قامت بعض إن لم يكن كل األنظمة السياسية التي أتت‬


‫أن تتوزع الجهود في مسارات متعددة ليس مختلفا فيه‪ ،‬بل مما‬ ‫يزيد من قوة الحركة النسوية ويدعم موقفها أال ينحصر العمل‬ ‫على مجال دون غيره‪ ،‬حقوق اإلنسان للمرأة ليست نضاال حصريا‬ ‫على مستوى واحد‪ ،‬فالصراع على املستوى السياسي ال يقل عنه‬ ‫الصراع على املستويني الديني أو االجتماعي‪ ،‬واعتبار تشريع‬ ‫القانون الذي يحفظ الحقوق كهدف أساسي ورئيس في القضية‬ ‫هو مجال السياسي فقط‪ ،‬اعتبار جاهل بالحقيقة التاريخية‬ ‫للتغير االجتماعي وحركات النضال النسوي‪ ،‬فالنضال لنيل املرأة‬ ‫حقوقها اإلنسانية لم يكن معركة ضد الرجل السياسي الحاكم ولن‬ ‫يكون‪ ،‬هو كان ‪ -‬وال يزال ‪ -‬معركة مع كل نظام ذكوري اجتماعي‬ ‫وسياسي واقتصادي وديني‪ ،‬وفي ثقافة املجتمع الخليجي تحديدا‪،‬‬ ‫تشكل األبوية الذكورية نظاما حاكما على كل املستويات‪ ،‬وبينما‬ ‫تنبهت الناشطات الخليجيات إلى خطورة استجداء إحدى هذه‬ ‫األبويات في مواجهة األخرى‪.‬‬

‫استغالل ذكوري‬ ‫يحدث اليوم ما يمكن أن يشكل ردا معاكسا أشد خطورة‪ ،‬وهو‬ ‫التجاء البعض إلى خطاب حقوقي ذكوري يستغل القضية النسوية‬ ‫كورقة ضغط‪ ،‬وال يكمن املشكل في كون هذا الخطاب الحقوقي‬ ‫خطابا معارضا سياسيا في جوهره‪ ،‬إنما يكمن املشكل في‬ ‫ذكورية هؤالء الناشطني الحقوقيني والرؤية التي يتبنونها‪ ،‬فهي‬ ‫رؤية سياسية براغماتية‪ ،‬تهمش القضية النسوية تماما وتجوز‬ ‫استغاللها كورقة ضغط فقط‪ ،‬إنها رؤية تحول الحق اإلنساني‬ ‫للمرأة إلى وسيلة صراع على السلطة السياسية دون أي اعتبار لقيمة‬ ‫هذه الحقوق أو إلنسانية املرأة‪.‬‬ ‫الحركة النسوية جزء أساسي في الحركة الديمقراطية وال يصح‬ ‫الفصل ثقافيا بينها‪ ،‬لكن الواقع الخليجي شهد تمييعا مقصودا‬ ‫للقضية النسوية في حركة النشاطني الحقوقيني الذكوريني وتجاهال‬ ‫قصديا على مدى طويل‪ ،‬تماما كما يشهد اليوم تحركا مفاجئا‬ ‫الستغالل جهود املرأة في نيل حقوقها اإلنسانية واستخدام‬ ‫نشاطها كورقة ضغط على صراع سياسي باسم الديمقراطية‪،‬‬ ‫يشكل هذا التحرك ابتزازا نفسيا للكثير من الناشطات بأن قضايا‬ ‫املرأة هي قضية سياسية بالدرجة األولى‪ ،‬وأن أي انسحاب عن‬ ‫املجال السياسي دليل على أن النشاطات ما زلن يقبعن في درجة‬ ‫الحريم التي ال عالقة لها بالفضاء العام وال مجاالته‪ ،‬وأسوأ ما‬ ‫يمكن أن يحدث هو خضوع بعض املهتمات بالقضية لهذا االبتزاز‬ ‫بشكل كامل‪ ،‬ذلك ألن تقديس السلطة السياسية وكل ما يتصل بها‬ ‫مباشرة هو حالة ثقافية تاريخية ال تمت إلى فكرة الدولة املدنية‪،‬‬ ‫والخطاب الحقوقي الذكوري الذي يريد للقضية النسوية أن تنطوي‬ ‫تحت ذراعه وتحمل ضميره العصبي‪ ،‬ال يفهم ‪ -‬أو ال يريد أن يفهم –‬ ‫معنى ثقافة الشعوب وكيفية تغييرها‪ ،‬ال يريد الخوض في مجاالت‬ ‫فكرية اجتماعية ونفسية توسع من دائرة العمل والنشاط الحقوقي‪،‬‬ ‫ذلك ألن ثقافة الحقوق ليست هي هم النشاطني الذكورين بقدر ما‬ ‫السلطة السياسية التي تضمن السيطرة والتحكم‪ ،‬ومن هنا ينبذ‬ ‫هؤالء الناشطون أي صوت أو أي حركة ال توجه نضالها مباشرة‬ ‫للسلطة‪ ،‬بينما الحركة النسوية سعت على مجاالت كثيرة بما فيها‬ ‫سعيها القوي والحاسم لتعديل أوضاع املرأة وسن قوانني عدالة‪،‬‬ ‫لقد سبقت الحركة الجميع في وعيها بكيفية تغيير الثقافة وتمكني‬ ‫النساء من خالل اجتهادها في مجاالت مختلفة وكسر ضيق األفق‬ ‫الذكوري في الصراع على السلطة‪.‬‬ ‫إن أي تصعيد للقضية النسوية في مواجهة السلطة السياسية‬ ‫مباشرة هو استغالل ذكوري ال يعنى وال يهتم لحق املرأة‬

‫رجل وامرآته يدخالن‬ ‫مركز للتسوق في‬ ‫العاصمة الرياض‬ ‫أكتوبر ‪2013‬‬

‫اإلنسان‪ ،‬ذلك ألن الناشطات الحقوقيات يدركن مطالبهن جيدا‬ ‫ويعرفن أن خدمة القضية ستدفعهن للمرور بأسرع الطرق دون‬ ‫الخضوع البتزازات اآلخرين‪ ،‬هن يدركن أن حشد القوة يتطلب‬ ‫مصافحة رؤوس بمزاجات مختلفة‪ ،‬فالحق مطلب إنساني‬ ‫ال يصح استغالله في صراعات ال تخصه‪ ،‬وإن جاز تسييسه‬ ‫فيجب أن يكون ضمن قوانني اللعبة السياسية الديمقراطية داخل‬ ‫الدولة املدنية‪ ،‬ال ضمن لوثة الصراع على السلطة في ثقافات قبلية‬ ‫أبوية ذكورية‪.‬‬ ‫إن قضية حقوق اإلنسان للمرأة في الخليج تحمل الكثير من الجهود‬ ‫النسوية الصادقة والواعية التي استطاعت‪ ،‬من خالل العمل بشكل‬ ‫فردي وجماعي‪ ،‬فرض قضيتها على األجندة السياسية الداخلية‬ ‫مثلما نجحت في إيصال صوتها للعالم الخارجي‪ ،‬والناشطات‬ ‫الحقوقيات يدركن قيمة عمل املؤسسات املدنية األجنبية ويدركن‬ ‫أن تاريخ النضال النسوي يردف بعضه بعضا عبر العالم‪ ،‬مما‬ ‫يعني أن تبادل خطط العمل حق مشروع لن يفلح معه كل التشويه‬ ‫املقصود‪ ،‬فالنشاطات الحقوقيات يحملن ضميرهن اإلنساني‬ ‫والوطني في القضية ويعرفن أن املرأة لها من الحقوق التعليمية‬ ‫والصحية واملهنية والسياسية ما يستحق النضال والجهاد في‬ ‫سبيل استقاللها الشخصي كمواطنة كاملة األهلية<‬ ‫* كاتبة وناقدة اجتماعية سعودية‬

‫‪,,‬‬

‫تاريخ النضال‬ ‫النسوي يردف‬ ‫بعضه بعضا‬ ‫عبر العالم مما‬ ‫يعني أن تبادل‬ ‫خطط العمل حق‬ ‫مشروع لن يفلح‬ ‫معه التشويه‬ ‫املقصود‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪23‬‬


‫قصة الغالف‬

‫النضال لنيل املرأة حقوقها اإلنسانية لم يكن معركة ضد الرجل السياسي الحاكم ولن يكون‪ ،‬هو كان ‪ -‬وال‬ ‫يزال ‪ -‬معركة مع كل نظام ذكوري اجتماعي وسياسي واقتصادي وديني‪ ،‬وفي ثقافة مجتمعاتنا تشكل‬ ‫األبوية الذكورية نظاما حاكما على كل املستويات‪.‬‬

‫الحركة النسوية في الخليج‪ ..‬بني حق املرأة واستغالل املعارضة‬

‫معركة ثقافة‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫ملياء السويلم *‬

‫‪,,‬‬

‫أي تصعيد‬ ‫للقضية‬ ‫النسوية‬ ‫في مواجهة‬ ‫السلطة‬ ‫السياسية‬ ‫مباشرة‬ ‫استغالل‬ ‫ذكوري ال‬ ‫يعنى وال يهتم‬ ‫لحق املرأة‬ ‫اإلنسان‬

‫‪,,‬‬

‫‪22‬‬

‫«حقوق اإلنسان للمرأة بديال عن حقوق املرأة»‪ ،‬اليوم هذه‬ ‫االلتفاتة املهمة للمصطلح من قبل الحركة النسوية في‬ ‫الوطن العربي وجدت تفاعال مباشرا من قبل الناشطات‬ ‫الحقوقيات في املنطقة الخليجية‪ ،‬ومع أن التعديل يبدو لفظيا بالنسبة‬ ‫لغير املهتمني بالقضية‪ ،‬إال أن وعي الناشطات بأهمية اللغة وضرورة‬ ‫انسجام الخطاب املحلي مع الخطاب العاملي دفعهن لالستدراك‪ ،‬فهل‬ ‫فعال يحتاج العمل النسوي في الخليج إلى هذه الدرجة من التأهب في‬ ‫تفادي أي لبس أو خطأ مهما بدا للبعض صغيرا أو هامشيا‪ ،‬خشية‬ ‫أن يزيد في عرقلة النشاط الحقوقي وإعاقة مساعيه‪.‬‬ ‫التاريخ االجتماعي لإلنسان الخليجي شهد نظاما أبويا ذكوريا‬ ‫صارما‪ ،‬ورغم أن اإلمبراطوريات التاريخية الدينية التوحيدية‬ ‫والوثنية التي قامت في املنطقة تفاوتت في أشكال وأنواع التمييز‬ ‫ضد املرأة‪ ،‬فإن العوامل التي تحافظ على هذا اإلرث الثقافي‬ ‫العنصري اليوم متشابهة في الواقع الخليجي‪ ،‬فالخطاب الديني‬ ‫ال يزال متصدرا بتعدد موجاته‪ ،‬والعمارة الذكورية تحافظ على‬ ‫جوهرها في غالبية املدن باختالف جغرافيتها‪ ،‬والعصبية القبلية‬ ‫تحكم النظام االجتماعي بأغطية مختلفة‪ ،‬والتعليم ال يساهم في أي‬ ‫تغيير جذري في الثقافة االجتماعية‪ ،‬وأكثر العوامل فاعلية وتشابها‬ ‫هنا هو تماهي الشعوب الخليجية مع تراثها الثقافي بشكل كامل‪،‬‬ ‫ما يحافظ على كل املفاهيم السلبية التي تكفر االستقالل والفردانية‬ ‫باسم الجماعة‪ ،‬بما فيها التصورات املسيئة عن استقالل املرأة كباب‬ ‫لالنحالل األخالقي والقيمي‪.‬‬

‫البداية‪ ..‬اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان‬ ‫وفي الحديث عن النشاط في حقوق اإلنسان للمرأة الخليجية‪ ،‬تبدو‬ ‫نقطة االنطالق تاريخيا متزامنة مع اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان‬ ‫ومواثيقه الدولية التي تكبر في عمرها بعض الدول الخليجية‪،‬‬ ‫أما الجهود التي سبقت ذلك فقد كانت حديثا ثقافيا تنويريا‬ ‫ومحاوالت نسوية فردية لم تخرج كثيرا عن الصالونات األدبية‪،‬‬ ‫فظلت استحقاقات املرأة إلى وقت قريب رهينة السلطة السياسية‬ ‫التي انحصرت مبادراتها على تعليم الفتيات ومن ثم التعيني الوزاري‬ ‫الشكلي للنساء‪ ،‬وألن قضايا حقوق اإلنسان للمرأة يجب أال تظل‬ ‫عالقة باملنصة السياسية وحيدة‪ ،‬فستفيد هنا القراءة في العوامل‬ ‫األساسية األخرى‪ .‬فمنذ تأسيس الدولة الحديثة تقريبا والواقع‬ ‫الخليجي في غالبه يعيش اقتصاديا بحالة أفضل من بقية املنطقة‬ ‫العربية‪ ،‬إال أن هذه األفضلية كانت ‪ -‬وال تزال ‪ -‬تنصب في اتجاه‬ ‫سلبي بالنسبة لنيل املرأة حقوقها اإلنسانية‪ ،‬فحتمية التغيير‬ ‫االجتماعي التي يفرضها اقتصاد البلد على الثقافة االجتماعية‪،‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫ال تشكل في الواقع الخليجي هذا العامل من التغيير الحتمي‪ ،‬بل‬ ‫ربما وفرت في بعض الدول الخليجية بدائل اقتصادية استهالكية‬ ‫مكلفة كوسيلة لتبرير حرمان املرأة من أبسط حقوقها‪ ،‬فضال‬ ‫عن ما جرى تاريخيا من تشكيل عمارة املدن وفق عقيدة ذكورية‬ ‫تحجب املرأة وتغيبها عن الفضاء العام‪ .‬تتفق الدول الخليجية في‬ ‫دساتيرها على أن اإلسالم هو دين الدولة‪ ،‬والنضال النسوي منذ‬ ‫أقدم عصوره شهد صراعه األقسى مع السلطات الدينية‪ ،‬وبما أن‬ ‫الدين هو املكون الثقافي األهم فإن كل أشكال التمييز ضد املرأة‬ ‫تجد مسوغها الشرعي حاضرا على مختلف املستويات‪ ،‬ليبقى أهم‬ ‫عامل نفسي يعيق تحرر املرأة وتمكينها من حقوقها‪ ،‬هو االستثمار‬ ‫الذكوري للغيبيات التي تمأل النصوص والتشريعات التي تخص‬ ‫النساء‪ ،‬يتضح ذلك في الجمود الفكري بما يخص فقهيات املرأة‬ ‫مقابل االجتهاد العصري الذي أنعش بعض الفقهيات األخرى‪.‬‬

‫سؤال الديمقراطية‪ ..‬من أين نبدأ؟‬ ‫أنظمة الحكم الديمقراطي في الدول املدنية انطلقت عن ثورة جذرية‬ ‫على كل أشكال التمييز العنصري في ثقافتها‪ ،‬أعادت تراتبية‬ ‫كل العالقات االجتماعية والسياسية وساوت بني األفراد دون أي‬ ‫تمييز على أساس اللون أو العرق أو النوع الجنسي‪ ،‬فكانت دمقرطة‬ ‫الدولة جزءا من دمقرطة املجتمع كلية‪ ،‬في البيت وفي األسرة وفي‬ ‫عالقة املرأة والرجل‪ .‬وهذا الدوران على التوقيت الثوري اليوم حول‬ ‫خارطة الطريق الديمقراطية وتحويلها ملتاهة سؤال من أين نبدأ؟ ‪-‬‬ ‫عائق إضافي في سبيل تغيير النظام الفكري للمجتمع‪ ،‬والحركة‬ ‫النسوية بوصفها حركة ديمقراطية ال تحتاج لتصدير هذا السؤال‬ ‫املتاهة في خطابها املعرفي‪ ،‬فالواقع الخليجي مثل أي مجتمع‬ ‫إنساني آخر‪ ،‬ستبدأ دمقرطته بشكل متساو على كل املستويات‪،‬‬ ‫على مستوى العالقة بني الرجل واملرأة تماما كما على مستوى‬ ‫تداول السلطة‪.‬‬ ‫الثقافة الخليجية تحمل من االلتباس االجتماعي الديني السياسي‬ ‫الكثير‪ ،‬مما يعيق أكبر جهود الحركة النسوية‪ ،‬ويسهل التشويش‬ ‫عليها والتشويه الذي يلحقها‪ ،‬وبينما سعت الناشطات الحقوقيات‬ ‫عبر التاريخ النضالي في مسارات مختلفة اقتصاديا وصحيا‬ ‫واجتماعيا وسياسيا بما زاد من ساحة النشاط وحقق وعيا‬ ‫اجتماعيا جيدا وفرض قانونا أكثر عدال للمرأة اإلنسان‪ ،‬إال أن‬ ‫الراهن يشهد من الجهود املتفرقة واملنقطعة بعضها عن بعض‬ ‫ما صعد القضية إلى منصات أبعد ما تكون عن خدمة النشاط‪،‬‬ ‫فضال عما يجري من اختراق لهذه الجهود من قبل حركات ال تؤمن‬ ‫بالقضية أو تهمشها في أحسن األحوال‪.‬‬


‫تتمتع بتشجيع القيادة السياسية‪ ،‬حيث نالت الحق في املشاركة‬ ‫في أول تجربة انتخابية ورشحت نفسها لعضوية املجلس البلدي‬ ‫املركزي‪ .‬ويأتي حصول املرأة على حقها في االنتخاب والترشيح‬ ‫ليختصر سنوات من معاناة طويلة للسعي إلقناع الرجل صاحب‬ ‫السلطة السياسية بأحقية املرأة وكفاءتها في إدارة املناصب القيادية‬ ‫واملشاركة في الحياة السياسية‪.‬‬ ‫لقد واجهت النساء اللواتي رشحن أنفسهن الكثير من املعارضة‬ ‫من قبل املجتمع املحافظ‪ .‬إذ تعتبر هذه الخطوة قفزة كبيرة لم‬ ‫يستطع املجتمع القطري استيعابها‪ ،‬وخاصة في ظل تقاليد مفرطة‬ ‫في محافظتها ترفض أو تضع قيودا على مسائل تخطتها الكثير‬ ‫من املجتمعات العربية املسلمة‪ .‬لذا فإن إحداث تغييرات اجتماعية‬ ‫لصالح املرأة يتطلب الكثير من الجهد من قبل الفئة الواعية من النساء‬ ‫والرجال على حد سواء‪ .‬كما يتطلب أيضا اختراقا للذات التقليدية‬ ‫للمرأة وملنظومة قيم املجتمع وبعض موروثاته االجتماعية‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى إطالق القوى اإلبداعية للمجتمع والسماح له بإنشاء‬ ‫منظماته األهلية‪ ،‬وإتاحة هامش واسع من حرية الرأي والسماح‬ ‫بالتعددية السياسية‪ .‬فالعمل الفوقي املفروض من قبل القيادة‬ ‫السياسية على القواعد الشعبية ال يمكن أن يكتب له النجاح إذا لم‬ ‫يدعمه مجتمع مدني قوي وفاعل‪ ..‬مجتمع يتمتع بحرية وديمقراطية‬ ‫حقيقيتني‪.‬‬

‫اإلمارات العربية املتحدة‬ ‫أما في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬فقد ُب ِدئ في إنشاء الجمعيات‬ ‫النسائية مباشرة بعد االستقالل وقيام االتحاد‪ ،‬الذي ضم سبع‬ ‫إمارات صغيرة‪ ،‬أكبرها وأغناها إمارة أبوظبي‪ .‬جاءت الجمعيات‬ ‫جزءا من استكمال مظاهر ومتطلبات الدولة الحديثة ولسد حاجة‬ ‫هذه الدولة الناشئة في إيصال بعض الخدمات الرعائية للمرأة‪ ،‬مثل‬ ‫التدريب الحرفي والتعليم والتوعية األسرية وغير ذلك‪ .‬لقد حظيت‬ ‫الجمعيات النسائية في دولة اإلمارات بالدعم الكامل من الحكومة‪،‬‬ ‫حتى أصبحت وكأنها مؤسسات حكومية أكثر منها جمعيات أهلية‪،‬‬ ‫وترأستها في الغالب زوجات الحاكم في اإلمارة أو قريباته‪ .‬تعتبر‬ ‫جمعية نهضة املرأة الظبيانية (فبراير ‪ )1973‬أول جمعية نسائية في‬ ‫دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ .‬تلتها خمس جمعيات نسائية «كلها‬ ‫تحذو حذو جمعية النهضة النسائية وتسترشد بخطواتها من أجل‬ ‫تحقيق هدفهن املشترك‪ ،‬لرفع شأن املرأة ومكانتها والنهوض بها»‪.‬‬ ‫في شهر مارس ‪ ،1975‬جرى إشهار االتحاد النسائي املكون‬ ‫من الجمعيات الست برئاسة الشيخة فاطمة حرم رئيس الدولة‬ ‫آنذاك‪ .‬يهدف االتحاد إلى النهوض باملرأة العربية في البالد روحيا‬ ‫واجتماعيا وثقافيا‪ ،‬ومد النشاط النسوي ليشمل جميع إمارات‬ ‫الدولة‪ ،‬ودعم النهضة الوطنية الشاملة التي تعم البالد‪ ،‬ومتابعة إقامة‬ ‫عالقات وطيدة مع الجمعيات واالتحادات النسائية األخرى في الخليج‬ ‫واملنطقة العربية‪ ،‬وأخيرا متابعة نشاط الهيئات النسائية الدولية‬ ‫والتعاون معها‪ .‬ويغلب على نشاط االتحاد وجمعياته األعضاء‬ ‫الطابع الرعائي في أنشطتها مثل التوعية الصحية‪ ،‬رعاية الطفولة‬ ‫واألمومة‪ ،‬التوعية الدينية‪ ،‬طبق الخير واألنشطة الخيرية وتدريب‬ ‫املرأة على بعض املهن والحرف اليدوية‪.‬‬

‫سلطنة عمان‬ ‫تختلف مسيرة املرأة في سلطنة عمان في الفترة التي سبقت‬

‫وصول السلطان قابوس إلى الحكم عن مسيرة املرأة في الخليج‪.‬‬ ‫فقد شاركت املرأة العمانية في الكفاح املسلح بقيادة جبهة تحرير‬ ‫ظفار‪ ،‬ثم الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي‪.‬‬

‫لعب التعليم دورا بارزا في ظهور‬ ‫الحركة النسائية حيث تمثلت بداياته‬ ‫في ازدياد وعي املرأة بذاتها‬

‫كما أدرجت األخيرة في برنامجها قضية املرأة‪ .‬إال أن الفقر واألمية‬ ‫وظروف الحياة السياسية لم تمكنها من تحقيق هذا البرنامج‪ .‬وقد‬ ‫ركزت الجبهة الشعبية على تعليم النساء ومحو أميتهن‪ .‬يرجع‬ ‫الفضل في ذلك إلى املناضلة البحرينية ليلى عبد الله فخرو التي‬ ‫عملت في صفوف الجبهة الشعبية وأدارت مدارس لتعليم الفتيات‬ ‫في إقليم ظفار جنوبي عمان‪ .‬وال يزال الكثيرون في السلطنة‬ ‫يذكرون لها ذلك‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫بعد تولي السلطان قابوس للحكم والقضاء على الجبهة الشعبية‬ ‫تسارع التطور في السلطنة وأنشئت مدارس للبنات‪ .‬وقد اعتمدت‬ ‫السلطنة في تحديث نظامها السياسي والتعليمي على وجه‬ ‫الخصوص على املواطنني العمانيني املتعلمني الذين عادوا إلى‬ ‫بالدهم من املهجر‪ ،‬وتولوا املناصب القيادية فيها‪ .‬وكان فيهم عدد‬ ‫من النساء ممن تلقني تعليما عاليا في القاهرة وبيروت والكويت‬ ‫والبحرين وزنجبار‪.‬‬ ‫بقيام الدولة الحديثة في السلطنة ظهرت الحاجة لخلق مؤسسة‬ ‫قادرة على التواصل مع النساء في املناطق النائية واألقاليم‪ .‬لذا‬ ‫أنشئت ‪ 25‬جمعية نسائية تحت مسمى جمعية املرأة العمانية‬ ‫غطت أغلب أقاليم السلطنة‪ .‬كان أولها في ‪ 23‬سبتمبر ‪1970‬‬ ‫في العاصمة مسقط (أشهرت رسميا عام ‪ )1972‬وآخرها في‬ ‫والية خصب عام ‪( 1994‬أشهرت رسميا عام ‪ .)1999‬وال تختلف‬ ‫جمعيات املرأة في سلطنة عمان عن مثيالتها في اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬حيث تتركز أهدافها وأنشطتها على رعاية املرأة والطفل‬ ‫من خالل الدورات التثقيفية والتعليمية ومحو األمية وإنشاء‬ ‫رياض األطفال والتدريب الحرفي واملهني للمرأة‪ .‬كذلك تركز على‬ ‫ضرورة احترام التقاليد املحلية‪.‬‬ ‫من هذا املنطلق لم نجد أي تحرك لهذه الجمعيات للتصدي ملمارسة‬ ‫ختان البنات الشائع في السلطنة‪ ،‬ولم يكن للجمعيات أي موقف‬ ‫مطلبي لصالح املرأة‪ .‬وهي تعمل بتنسيق تام مع مديرية شؤون‬ ‫املرأة والطفل في وزارة العمل والشؤون االجتماعية <‬

‫حظيت‬ ‫الجمعيات‬ ‫النسائية في‬ ‫دولة اإلمارات‬ ‫بالدعم الكامل‬ ‫من الحكومة‬ ‫حتى أصبحت‬ ‫وكأنها‬ ‫مؤسسات‬ ‫حكومية أكثر‬ ‫منها جمعيات‬ ‫أهلية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪21‬‬


‫قصة الغالف‬

‫وهبال ال ينتهي (‪ )....‬السطر األول في التفكير الجديد خروج‬ ‫الجمعيات النسائية الكويتية عن خط العمل الخيري»‪.‬‬ ‫بعد هذا التصريح بأربع سنوات‪ ،‬وفي ‪ 15‬ديسمبر (كانون األول)‬ ‫‪ ،1971‬عقد أول مؤتمر عام للمرأة في منطقة الخليج‪ .‬وطرح مطالب‬ ‫نسوية حقيقية ونوقشت فيه عدة مواضيع تمس الحقوق السياسية‬ ‫واالجتماعية للمرأة‪ .‬كما رفعت سبعة مطالب ملجلس األمة الكويتي‬ ‫تناولت حق املرأة في املشاركة السياسية الكاملة وحقها في‬ ‫املشاركة في الشأن العام‪ ،‬إلى جانب بعض املطالب املتعلقة باألحوال‬ ‫الشخصية‪ .‬عند قراءة هذه املطالب يتضح وضع املرأة الكويتية‬ ‫املتدني في تلك الفترة والتطور الذي حققته في السنوات الالحقة‪،‬‬ ‫حيث حققت املرأة الكويتية تقدما ملموسا على مستوى مشاركتها‬ ‫في الشأن العام‪ ،‬وأصبح بينها املحاميات وصاحبات األعمال كما‬ ‫تحقق لها قانون لألحوال الشخصية‪ .‬وفي فبراير ‪ُ 1977‬رفعت‬ ‫عريضة لولي العهد موقعة من ‪ 395‬امرأة تتضمن مطالب‪ ،‬من أهمها‬ ‫حصول املرأة الكويتية على حقها السياسي‪ .‬إال أن مجلس األمة‬ ‫رفض هذا الحق للمرأة وذلك في جلسته في ‪ 19‬يناير ‪ ،1982‬أي‬ ‫بعد ما يقارب التسع سنوات من رفع املطالب التي خرج بها املؤتمر‬ ‫النسائي السابق ذكره‪.‬‬ ‫مؤسسة «تومسون رويترز»‪ :‬الكويت‬ ‫الثالثة عربيا كأفضل دولة بالنسبة لحقوق‬ ‫املرأة بعد جزر القمر وسلطنة عمان‪ ..‬وفي‬ ‫الصورة معصومة املبارك أول وزيرة في‬ ‫تاريخ الكويت وعدد من نائبات مجلس األمة‬

‫‪,,‬‬

‫أنشئت في‬ ‫سلطنة عمان ‪25‬‬ ‫جمعية نسائية‬ ‫تحت مسمى‬ ‫«جمعية املرأة‬ ‫العمانية» غطت‬ ‫أغلب أقاليم‬ ‫السلطنة‪ ،‬كان‬ ‫أولها في ‪23‬‬ ‫سبتمبر ‪1970‬‬ ‫في العاصمة‬ ‫مسقط‬

‫‪,,‬‬

‫‪20‬‬

‫أي خالفات قد تنشأ بينها‪ ،‬وتمثيل املرأة داخل الكويت وخارجه‪.‬‬ ‫يتمتع االتحاد بدعم الحكومة‪ ،‬إال أن عدم انضمام الجمعية الثقافية‬ ‫لعضويته وإهماله من ناحية أخرى للعمل النسوي املطلبي يشكالن‬ ‫نقطة ضعف تجعل االتحاد جمعية أخرى ال تختلف في أنشطتها‬ ‫وتوجهاتها عن الجمعيات األعضاء فيه‪.‬‬

‫الحقوق السياسية للمرأة في الكويت‬ ‫استندت املرأة الكويتية في مطالبتها بحقوقها السياسية‪ ،‬وخاصة‬ ‫حقها في املشاركة في مجلس األمة انتخابا وترشيحا‪ ،‬على املادة‬ ‫‪ 29‬من الدستور التي تنص على أن‪« :‬الناس سواسية في الكرامة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات‪ ،‬ال‬ ‫تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو األصل أو اللغة أو الدين»‪.‬‬ ‫إال أن قانون االنتخاب حصر الحق في املشاركة بمجلس األمة على‬ ‫املواطنني الذكور‪ ،‬وبالتالي حرم املرأة (حسب رأي نورية السداني)‬ ‫من ثالثة حقوق أساسية‪ ،‬هي الحق في الترشيح واالنتخاب وفي‬ ‫تولي منصب وزيرة‪.‬‬ ‫كان تأثير تجربة املرأة املصرية منذ بداية نضالها بقيادة هدى‬ ‫شعراوي واضحا على التجربة الكويتية‪ .‬تذكر نورية السداني في‬ ‫كتابها «املسيرة التاريخية للحقوق السياسية للمرأة الكويتية»‪:‬‬ ‫«وهنا في الكويت كأن التاريخ العربي يعيد نفسه من جديد بعد‬ ‫ثمانية عقود من زمن مضى من هذا القرن‪ ،‬ها هي ذات الوسائل التي‬ ‫اتبعت في ذاك التاريخ تتبع في هذا التاريخ في الكويت (‪ )...‬املهم أننا‬ ‫في تلك اللحظات التاريخية التي عاشها املجتمع الكويتي ً‬ ‫بدءا من عام‬ ‫‪ 1973‬وصوال لعام ‪ 1982‬هي ذاتها التي عاشها املجتمع املصري‬ ‫في بداية هذا القرن‪ ،‬بذات وسائلها من الصحافة إلى البرملان (‪)...‬‬ ‫حتى بالنسبة للضغوط النسائية‪ ،‬نجدها ذاتها‪ ،‬فعلى هذا املستوى‬ ‫أيضا بدأت مسيرة املرأة املصرية ضمن إطار جمعياتها النسائية‬ ‫في عام ‪.»1924‬‬ ‫كما تشير الكاتبة إلى تأثير األحداث التي مرت بها املرأة العربية إثر‬ ‫نكسة يونيو (حزيران) ‪ 1967‬على إعادة النظر في عمل الجمعيات‬ ‫في الكويت‪« :‬صدمة عام ‪ 1967‬جعلتني أغير تفكيري وأسلوب‬ ‫حياتي‪ ،‬فطريق العمل ليس أسواقا خيرية ومعارض وتصفيقا‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫وبعد األزمة الكويتية في التسعينات‪ ،‬وفي ظل غياب مجلس األمة‪،‬‬ ‫أصدر أمير الكويت مرسوما أميريا يمنح املرأة حقها السياسي‪،‬‬ ‫وذلك تقديرا لجهودها في الدفاع عن الكويت في فترة االحتالل‪.‬‬ ‫إال أن مجلس األمة الذي أعيد انتخابه بعد ذلك أفتى بعدم قانونية‬ ‫املرسوم‪ ،‬ورفض بأغلبية بسيطة حقوق املرأة السياسية‪ .‬والغريب أن‬ ‫شخصيات معروفة بليبراليتها صوتت ضد حق املرأة في املشاركة‬ ‫السياسية‪ .‬وقد حاولت الناشطات في مجال العمل النسائي تنظيم‬ ‫أنفسهن والعمل كقوة ضغط من خالل محاوالت قلة من النخبة‬ ‫النسائية تسجيل أنفسهن في سجل االنتخابات‪ ،‬واللجوء إلى‬ ‫املحكمة الدستورية النتزاع حقهن السياسي‪ ،‬إال أن هذه األخيرة‬ ‫خذلتهن عندما أفتت بعدم دستورية منح املرأة لحقها السياسي‪.‬‬ ‫وقد تكلل نضال املرأة الكويتية بالنجاح‪ُ ،‬‬ ‫وم ِنحت النساء الحق في‬ ‫املشاركة في البرملان الكويتي‪ ،‬وبالفعل استطاعت خمس نساء‬ ‫من الفوز في انتخابات مجلس األمة لدورة واحدة فقط‪ ،‬إال أن قوة‬ ‫التيارات الدينية املعارضة تقف دائما في طريق وصول الكويتيات‬ ‫إلى قبة البرملان‪ .‬من هنا يمكننا أن نستنتج أن نضال املرأة الكويتية‬ ‫في هذا املجال هو طريق طويل يحتاج منها للصبر والعمل الدؤوب‬ ‫وتكثيف الجهود لتوعية القاعدة العريضة من النساء‪ .‬كذلك محاولة‬ ‫كسب تأييد التيارات اإلسالمية املعتدلة‪ ،‬والتنسيق والتعاون بهذا‬ ‫الخصوص مع جميع مؤسسات املجتمع املدني ومنظماته‪.‬‬

‫قطر‬ ‫تغيب الجمعيات النسائية األهلية في دولة قطر‪ ،‬حيث يتركز العمل‬ ‫النسوي في املجلس األعلى لشؤون األسرة الذي ترأسه زوجة األمير‪.‬‬ ‫أنشئ املجلس بناء على القرار األميري رقم ‪ 35‬لسنة ‪ 1998‬وجاء لسد‬ ‫فراغ مؤسسي في قطاع التنمية األسرية وتعزيز آليات التنسيق بني‬ ‫الوزارات واملؤسسات املختلفة املعنية بقضايا التنمية االجتماعية‪.‬‬ ‫يضم املجلس نخبة من الخبرات النسائية القطرية‪ ،‬وباألخص من‬ ‫عضوات الهيئة التدريسية في جامعة قطر‪ .‬وفي ‪ 5‬مارس (آذار)‬ ‫‪ 2000‬جرى إنشاء لجنة شؤون املرأة بهدف االهتمام بحقوق املرأة‬ ‫وواجباتها‪ ،‬والتأكيد على دور املرأة في التنمية املستدامة وضمان‬ ‫حقها في املشاركة باألدوار القيادية ومواقع صنع القرار‪ ،‬وتعزيز‬ ‫دور الجمعيات األهلية وتمكينها من تنفيذ البرامج املتعلقة باملرأة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من حداثة العمل النسائي في قطر‪ ،‬فإن املرأة القطرية‬


‫سمح لجمعية النهضة العربية النسائية‪ ،‬التي غيرت اسمها ليصبح‬ ‫جمعية النهضة األسرية بالعمل‪.‬‬ ‫ركزت الجمعية الثقافية في أهدافها على الجوانب الحقوقية‪ ،‬مثل‬ ‫املطالبة بحقوق املرأة الدستورية‪ ،‬وتعزيز وعيها بحقوقها الشرعية‪،‬‬ ‫والعمل من أجل تعديل األوضاع والقوانني الوضعية واألعراف‬ ‫االجتماعية التي تمس حقوق املرأة‪ .‬ولم تهمل الهدف الخيري‪ ،‬لكنها لم‬ ‫تعطه أهمية أساسية‪ .‬في حني جاءت أهداف جمعية النهضة األسرية‬ ‫أكثر عمومية‪ ،‬وتركزت على مساعدة الفتاة الكويتية بنشر الوعي‬ ‫الثقافي والعلمي واملطالبة بحقوقها ومعالجة األمراض االجتماعية‬ ‫والتوعية بأهمية األسرة وكذلك االطالع على نهضة املرأة في البالد‬ ‫العربية‪ .‬ولم يرد ذكر العمل الخيري ضمن أهدافها‪ .‬يرجع السبب في‬ ‫عدم إعطاء العمل الخيري أهمية‪ ،‬على العكس من الجمعيات النسائية‬ ‫في البحرين‪ ،‬إلى الوفرة االقتصادية وارتفاع مستوى املعيشة في‬ ‫الكويت مقارنة بالبحرين‪ ،‬وتكفل الدولة برعاية الفئات املحتاجة‪.‬‬

‫الصعوبات التي واجهته‪ ،‬والتي تمثلت في معارضة القوى املحافظة‬ ‫لتعليم الفتاة‪ .‬وقد ظهرت في أواخر ‪ 1948‬بعض األقالم النسائية‬ ‫التي تدعو املرأة إلى املشاركة بوعي في الحياة العامة‪ .‬كما كتبت‬ ‫بعض الشخصيات الرجالية مؤيدة لحق املرأة في الحرية‪ .‬وفي عام‬ ‫‪ ،1953‬اجتمعت مجموعة من الشابات مناديات بالسفور‪ ،‬وأطلق‬ ‫على هذا االجتماع «ندوة الحجاب»‪ .‬أثار خبر االجتماع العديد من‬ ‫ردات الفعل املؤيدة واملعارضة‪ .‬إال أن هذه الحركة لم تخرج عن نطاق‬ ‫االجتماع والكتابة في الصحف‪ ،‬لكنه دفع املرأة للتفكير في إنشاء‬ ‫جمعياتها على خطى الجمعيات العربية‪.‬‬ ‫جاء إنشاء الجمعيات النسائية في الكويت متأخرا عن البحرين بعدة‬ ‫سنوات‪ .‬ويمكن إرجاع ذلك إلى عدم وجود حركة سياسية قوية‪،‬‬ ‫وإلى الرفاه االقتصادي الذي عاشته الكويت‪ .‬كذلك لقوة التقاليد‬ ‫والعادات التي جعلت املرأة تتردد في القيام بهذه الخطوة‪ ،‬أو بخلع‬ ‫الحجاب الذي نظرت إليه الفتيات العائدات من الدراسة في الخارج‬ ‫كقيد وكرمز لتخلف املجتمع‪ .‬وهذا ما عبرت عنه إحدى الكتابات‬ ‫النسوية في الخمسينات من القرن املاضي‪ ،‬حيث تقول‪« :‬في بلد‬ ‫كهذا ال يزال أهله متمسكني بالتقاليد القديمة‪ ،‬وال يزال الجيل املتقدم‬ ‫في السن يعد كل حركة تقوم بها املرأة في سبيل التحرر من قيود‬ ‫التقاليد (‪ ،)...‬فإن هذا العائق له من األثر الجبار ما يحتم علينا‬ ‫التريث والتبصر في خلع الحجاب مرة واحدة»‪.‬‬ ‫في بداية الستينات من القرن العشرين حاولت بعض الفتيات‬ ‫ناد نسائي باسم «نادي‬ ‫العائدات من الدراسة في الخارج تشكيل ٍ‬ ‫املرأة الكويتية»‪ .‬وتذكر السيدة لولوة القطامي‪ ،‬وهي إحدى قياديات‬ ‫العمل النسائي‪ ،‬أن دافعهن إلنشاء النادي هو «تنظيم الجهود من‬ ‫خالل كيان اجتماعي قانوني يحقق طموحاتهن في تغيير اجتماعي‬ ‫وثقافي يحتضن القيم واملثل الكويتية‪ ،‬ويصب في صالح األغلبية‬ ‫من نساء الوطن‪ ،‬ويساعد على تمكينهن من القيام بدورهن املطلوب‬ ‫كمواطنات وأمهات وزوجات»‪ .‬إال أن السلطات الحكومية رفضت‬ ‫السماح لهن بالعمل مراعاة للتقاليد السائدة آنذاك‪ ،‬التي كانت ترفض‬ ‫فكرة النادي للبنات‪ .‬لذا أعادت املجموعة طلبها بإنشاء جمعية‬ ‫نسائية تحت اسم «الجمعية الثقافية االجتماعية النسائية» التي‬ ‫أشهرت رسميا بتاريخ ‪ 10‬فبراير (شباط) عام ‪ .1963‬وقبل ذلك‬ ‫بأيام قليلة‪ ،‬وتحديدا في ‪ 17‬يناير (كانون الثاني) من العام نفسه‪،‬‬

‫تشابهت أنشطة الجمعيتني وغلب عليها الطابع الرعائي التوعوي‪،‬‬ ‫كإنشاء دور حضانة لألطفال‪ ،‬والقيام بحمالت نظافة وتوعية‬ ‫صحية في املناطق النائية من الكويت‪ ،‬وفتح صفوف ملحو األمية‬ ‫والقيام بمحاضرات وندوات لتوعية األسرة واملجتمع‪ .‬كما تركز‬ ‫عملهما الخيري خارج حدود الكويت‪ ،‬حيث تمثل بإنشاء قرى حنان‬ ‫لرعاية األيتام في السودان‪ ،‬ودعم املجهود الحربي لتحرير فلسطني‪.‬‬ ‫حرصت الجمعيتان على االرتباط بالعمل النسائي العربي‪ ،‬حيث‬ ‫مثلت جمعية النهضة األسرية الكويت في االتحاد النسائي العربي‪،‬‬ ‫كما ساهمت أيضا في إنشاء لجنة العمل النسائي في الخليج‬ ‫والجزيرة بهدف ربط وتنسيق العمل النسائي في هذه املنطقة‪ .‬إال أن‬ ‫عمل هذه اللجنة تركز على عقد املؤتمرات‪ ،‬إلى أن توقف نهائيا بعد‬ ‫األزمة العراقية ‪ -‬الكويتية‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،1974‬حاولت الجمعيتان إنشاء اتحاد نسائي لتأطير العمل‬ ‫النسائي الكويتي والدفع باملطلب النسوي الحقوقي خطوات لألمام‪.‬‬ ‫لكن عمر االتحاد القصير لم يمكنهما من تحقيق هذا الهدف‪ .‬فجرى‬ ‫حل االتحاد بقرار من وزارة العمل والشؤون االجتماعية عام ‪،1977‬‬ ‫إثر انسحاب الجمعية الثقافية منه‪ .‬وفي الفترة املمتدة من عام ‪1981‬‬ ‫إلى ‪ ،1990‬وهي الفترة التي شهدت قيام الجمعيات اإلسالمية‪،‬‬ ‫أنشئت في الكويت جمعيتان إسالميتان‪ ،‬هما جمعية «بيادر‬ ‫السالم» وجمعية «الرعاية اإلسالمية»‪ .‬كما أنشأت الجمعية الكويتية‬ ‫التطوعية النسائية لخدمة املجتمع‪ ،‬إثر الغزو العراقي للكويت‪ .‬ويغيب‬ ‫العمل في املجال املطلبي النسوي الحقوقي عن عمل هذه الجمعيات‪.‬‬ ‫وقد يكون في توجه جمعيتي بيادر السالم والرعاية االجتماعية‬ ‫املحافظ ما يدفعهما ملعارضة مطلب مثل حقوق املرأة السياسية‬ ‫ومشاركتها في الحياة البرملانية‪ .‬تركز هاتان الجمعيتان على‬ ‫التوعية اإلسالمية وتحفيظ القرآن والعمل الخيري وتدريب الفتيات‬ ‫على بعض املهارات الفنية وإنشاء رياض األطفال‪ .‬وتنشط الجمعية‬ ‫الكويتية للعمل التطوعي في توعية املرأة بأهمية العمل التطوعي‬ ‫وترسيخ االنتماء والوالء للوطن واالهتمام بالطفولة واألمومة والعمل‬ ‫الخيري‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫في بداية‬ ‫الستينات‬ ‫من القرن‬ ‫العشرين‬ ‫حاولت بعض‬ ‫الفتيات‬ ‫العائدات من‬ ‫الدراسة في‬ ‫الخارج تشكيل‬ ‫ناد نسائي‬ ‫ٍ‬ ‫باسم «نادي‬ ‫املرأة الكويتية»‬

‫‪,,‬‬

‫عام ‪ ،1994‬جرى تسجيل االتحاد الكويتي للجمعيات النسائية‪،‬‬ ‫برئاسة الشيخة زوجة ولي العهد آنذاك‪ .‬وقد ضم في عضويته‬ ‫الجمعيات الثالث السابق ذكرها إلى جانب نادي الفتاة‪ ،‬في حني‬ ‫امتنعت جمعية النهضة النسائية عن االنضمام إليه معتبرة أنه‬ ‫مناورة من السلطة لسحب البساط من تحت أرجلها وتقييد حركتها‪.‬‬ ‫ولم يكن االتحاد بفعل توجهات الجمعيات األعضاء فيه فاعال على‬ ‫الساحة النسائية‪ .‬فاقتصر عمله على التنسيق بني الجمعيات الثالث‬ ‫(انسحب نادي الفتاة لعدم انطباق شروط العضوية عليه)‪ ،‬وحل‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪19‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ينتمني إلى الطبقة التجارية العليا ومن زوجات العاملني في السلك‬ ‫الدبلوماسي أو املديرين وأصحاب األعمال األجانب‪.‬‬

‫حقوق املرأة السياسية في البحرين‬

‫‪,,‬‬

‫قادت الحركة‬ ‫النسائية‬ ‫في الخليج‬ ‫شخصيات‬ ‫ينتمني للطبقات‬ ‫الغنية التي‬ ‫ّ‬ ‫مكنتها ظروفها‬ ‫في تلك الفترة‬ ‫من التعليم‬ ‫واالحتكاك‬ ‫بالعالم‬ ‫الخارجي‬

‫‪,,‬‬

‫‪18‬‬

‫حرمت املرأة البحرينية من حقها في املشاركة في أول تجربة برملانية‬ ‫بعد االستقالل‪ .‬وقد لعبت جمعية «أوال» النسائية دورا بارزا في‬ ‫املطالبة بحق املرأة السياسي في االنتخاب والترشيح‪ .‬وشاركتها في‬ ‫ذلك جمعية الرفاع الثقافية الخيرية وجمعية نهضة فتاة البحرين‪.‬‬ ‫وقد قامت هذه الجمعيات بحملة توعية بني النساء لتثبيت حقهن‬ ‫السياسي‪ ،‬كما أقامت مع عناصر من التيارات السياسية التقدمية‬ ‫كثيرا من الندوات واللقاءات في النوادي من أجل شرح وجهة نظرهن‪.‬‬ ‫وتبنت كذلك عريضة أرسلت إلى رئيس املجلس الوطني آنذاك وإلى‬ ‫أمير البالد‪ ،‬ووقعتها كثير من األندية إلى جانب الجمعيات الثالث؛‬ ‫«أوال» و«النهضة» و«الرفاع»‪ .‬في هذه الفترة‪ ،‬وبالتحديد سنة ‪،1973‬‬ ‫تصدت جمعيات «أوال» و«النهضة» و«الرفاع» ألطروحات نواب الكتلة‬ ‫الدينية في املجلس الوطني ملنع االختالط في األماكن العامة والعمل‬ ‫ومنع املدرسات من تدريس األطفال الذكور في املدارس االبتدائية‬ ‫ورياض األطفال‪ ،‬وكذلك منع املمرضات والطبيبات من معالجة‬ ‫املرضى الذكور‪ .‬واعتبرت الجمعيات هذا املشروع «محاولة مشبوهة‬ ‫تستهدف النيل من الحريات الشخصية للمواطنني‪ ،‬متخذين من‬ ‫املرأة وسيلة للمتاجرة بالشعارات واملزايدات»‪ .‬ومما يؤسف له أن‬ ‫يتح الفرصة للجمعيات النسائية‬ ‫العمر القصير للمجلس الوطني لم ِ‬ ‫إلنضاج تجربتها‪ .‬وبحل املجلس الوطني وسيادة قانون أمن الدولة‬ ‫تراجع العمل النسائي وتضاءل معه األمل في خلق حركة نسائية‬ ‫فاعلة‪ .‬وال بد هنا من اإلشارة إلى بعض املآخذ التي شابت العمل‬ ‫النسائي في تلك الفترة‪ ،‬التي يمكن إيجازها في التالي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬عدم قدرة الجمعيات على التواصل بشكل صحيح مع القاعدة‬ ‫النسائية في مدن وقرى البحرين‪.‬‬ ‫‪ - 2‬تأخر التحرك‪ ،‬إذ جاء قبل أيام معدودة من صدور قانون‬ ‫االنتخابات الذي حرم املرأة من حقها السياسي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬عدم التوجه لبعض الشخصيات النسائية التي لعبت دورا بارزا‬ ‫في العمل النسائي أو الشخصيات ذات النفوذ في البالد‪.‬‬ ‫‪ - 4‬عدم استمرار التحرك في فترة قيام املجلس الوطني بوتيرة العمل‬ ‫نفسها خالل فترة انعقاد املجلس التأسيسي‪ ،‬الذي وضع مسودة‬ ‫الدستور‪.‬‬

‫الحركة النسائية في البحرين منذ التسعينات‬ ‫األحداث التي سادت في البحرين‬ ‫تفاعلت النخبة املثقفة من النساء مع‬ ‫ُ‬ ‫في الفترة املمتدة من ‪ 1999‬إلى ‪ ،1994‬وقمن بتوقيع عريضة ألمير‬ ‫البالد آنذاك‪ ،‬الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة‪ ،‬يناشدنه فيها‬ ‫بتحقيق املطالب الشعبية ومنها الديمقراطية والبرملان‪ .‬واجهت‬ ‫الحكومة هذا التحرك البسيط بشدة‪ ،‬وهددت املوقعات على العريضة‬ ‫بفصلهن من العمل إذا لم يعتذرن ويسحنب تواقيعهن‪ .‬وبالفعل‬ ‫ُ‬ ‫صلت سيدتان‪ ،‬هما حصة الخميري واملرحومة عزيزة البسام‪ ،‬كما‬ ‫ف ِ‬ ‫جرى تجميد الدكتورة منيرة فخرو‪ ،‬األستاذة في جامعة البحرين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عن العمل‪ ،‬ولم ت َعد إلى عملها إال بعد اإلصالحات السياسية في‬ ‫البحرين عام ‪ .2001‬كما انضمت النساء للحركة الشيعية املعارضة‬ ‫في فترة التسعينات واعتقل بعضهن وتعرضن للتعذيب داخل‬ ‫املعتقل واستشهدت إحداهن‪ .‬كما عانت الكثيرات منهن مرارة‬ ‫اإلبعاد عن الوطن‪ .‬إال أن طابع الحركة الديني واقتصاره على طائفة‬ ‫معينة لم يخلق حركة نسائية مطلبية واضحة املعالم‪ .‬بل العكس هو‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫شهدت الحركة النسائية في الكويت‬ ‫مطالبات واسعة قبل إقرار الحقوق‬ ‫السياسية للمرأة الكويتية عام ‪2005‬‬

‫َ‬ ‫الصحيح‪ ،‬إذ جرى التركيز على وضع املرأة الدوني‪ ،‬ولم ُينظر لها‬ ‫كشريك في النضال الوطني بل كتابع للرجل‪.‬‬ ‫وعلى أثر اإلصالحات السياسية التي حدثت في البالد أواخر عام‬ ‫‪ ،2000‬والتي تمثلت في عودة املبعدين وإطالق سراح املعتقلني‬ ‫السياسيني وإتاحة هامش من الحريات العامة‪ ،‬جرى التوسع في‬ ‫إنشاء جمعيات املجتمع املدني السياسية واالجتماعية والدينية‪.‬‬ ‫وظهرت الجمعيات السياسية على اختالف تالوينها‪ ،‬ودخلت املرأة‬ ‫في هذه الجمعيات‪ .‬إال أنها إلى اآلن تخرج عن الخط الذي رسمه‬ ‫لها شيوخ الدين‪ ،‬فتخلت عن مطالبها الحقوقية الخاصة بالنساء‪،‬‬ ‫ودخلت في دوامة الحالل والحرام وعارضت على سبيل املثال ال‬ ‫الحصر اتفاقية «السيداو»‪ .‬هذا إلى جانب التخبط الذي تعيشه‬ ‫الجمعيات السياسية نتيجة لتسارع األحداث‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬ظهرت على الساحة جمعيات نسائية متعددة‬ ‫يشكل أغلبها امتدادا للجمعيات السياسية‪ .‬ولم تخرج هذه‬ ‫الجمعيات عن النمط السائد للعمل النسوي من زيارة للمسنني‬ ‫وإقامة الندوات املقتصرة على النخب النسائية‪ .‬إال أن الجمعيات‬ ‫النسائية ذات التوجه الديني‪ ،‬أو اللجان امللحقة بالجمعيات الدينية‪،‬‬ ‫تتمتع نتيجة لتوجهاتها الدينية بقاعدة جماهيرية واسعة‪ .‬لكنها‬ ‫ما زالت أسيرة سيطرة الجمعية األم‪ ،‬حيث لم تستطع الخروج من‬ ‫عباءتها‪ ،‬وباألخص فيما يتعلق بمبدأ املساواة بني الجنسني‪ ،‬وقانون‬ ‫األحوال الشخصية املوحد للطائفتني السنية والشيعية‪ ،‬واالختالط‬ ‫وغير ذلك‪ .‬وباملقابل استطاعت الجمعيات املدافعة عن حقوق املرأة‬ ‫توحيد عملها في إطار تنظيمي موحد‪ ،‬فأنشأت االتحاد النسائي‬ ‫البحريني‪ .‬وقد تركز عمل االتحاد على التوعية بحقوق املرأة في‬ ‫إطار اتفاقية «السيداو» وتمثيل الجمعيات في الخارج والعمل على‬ ‫قانون األحوال الشخصية والعنف ضد املرأة وغيرها من امللفات التي‬ ‫تتطلب العمل املشترك بني الجمعيات‪.‬‬

‫الحركة النسائية في الكويت‬ ‫يمكن إرجاع البوادر األولى للحركة النسائية الكويتية إلى األربعينات‬ ‫من القرن املاضي‪ ،‬حيث بدأ تعليم البنات ينتشر‪ ،‬على الرغم من‬


‫أن تأثيرها كان آنيا‪ ،‬ونتيجة لزخم الحركة السياسية آنذاك والتأييد‬ ‫والحماس الذي أبدته املرأة تجاهها‪ ،‬إذ غابت األختان خلفان عن‬ ‫ساحة العمل‪ ،‬كما ضربت الحركة بقسوة‪ ،‬واعتقل قادتها‪.‬‬ ‫وعلى غرار ما حدث في البالد العربية كمصر وبالد الشام‪ ،‬قادت‬ ‫الحركة النسائية شخصيات ينتمني للطبقات الغنية‪ ،‬التي مكنتها‬ ‫ظروفها في تلك الفترة من التعليم واالحتكاك بالعالم الخارجي‪ ،‬فقد‬ ‫تكونت جمعية نهضة فتاة البحرين في غالبيتها من بنات العائالت‬ ‫التجارية اللواتي نلن قسطا من التعليم‪ .‬إذ حصلت رئيسة الجمعية‬ ‫السيدة عائشة يتيم على شهادة من بريطانيا‪ ،‬كما درست عضوتان‬ ‫أخريان التمريض في العراق‪ .‬هذا فضال عن العضوات اللواتي درسن‬ ‫في البحرين على يد مدرسات عربيات‪ ،‬وتأثرن بهن إلى درجة‬ ‫كبيرة‪ .‬وفي عام ‪ 1960‬نشأت جمعية رعاية الطفل واألمومة التي‬ ‫تنتمي عضواتها في مرحلة التأسيس إلى األسرة الحاكمة ونساء‬ ‫الطبقة التجارية الغنية وكبار موظفي الدولة‪.‬‬ ‫ركزت الجمعيتان على العمل الخيري‪ ،‬كما افتتحت جمعية نهضة‬ ‫فتاة البحرين فصوال ملحو األمية بني النساء ألول مرة في تاريخ‬ ‫البحرين‪ .‬ثم تطورت الخدمات الرعائية للجمعيتني بافتتاحهما‬ ‫رياضا لألطفال‪ .‬وقامت جمعية رعاية الطفل واألمومة بافتتاح مركز‬ ‫لرعاية األطفال املعوقني ومركز ثقافي لألطفال‪ .‬وفي الثمانينات‬ ‫انضمت لجمعية نهضة فتاة البحرين فتيات ممن أنهني دراستهن‬ ‫خارج البحرين‪ ،‬وباألخص في الكويت والقاهرة وبيروت وكان لهن‬ ‫نشاط واضح في املنظمات الطالبية‪ ،‬وانضمت بعضهن إلى املنظمات‬ ‫السياسية العاملة في الخليج في ذلك الوقت‪ ،‬وكان النضمامهن أثر‬ ‫كبير في تغيير خط الجمعية الخبري واتجاهها للتركيز على الجانب‬ ‫الحقوقي واملطلبي للمرأة‪.‬‬ ‫وقد تأثرت أيضا بالحركات القومية في العالم العربي‪ ،‬وانضم بعض‬ ‫النساء لهذه التنظيمات خاصة إبان وجودهن في الخارج للدراسة‪.‬‬ ‫كما حاولت التنظيمات السرية العاملة في البحرين‪ ،‬واملرتبطة بطبيعة‬ ‫الحال بالتنظيمات العربية أو الشيوعية واملاركسية‪ ،‬تنظيم النساء في‬

‫ُ‬ ‫صفوفها‪ .‬إال أنها لم ت ِعر اهتماما ُيذكر بقضية املرأة‪ .‬وقد شاركت‬ ‫النساء وعلى نطاق واسع في االنتفاضة الشعبية عام ‪ ،1965‬وكانت‬ ‫ملشاركتهن هذه فرصة لهن للخروج خارج أسوار املنزل واملدرسة‬ ‫واالنضمام للتنظيمات الوطنية‪ .‬وقد لعبت املدرسات البحرينيات‪،‬‬ ‫الحديثات التخرج في الجامعات بالقاهرة وبيروت ودمشق‪ ،‬دورا‬ ‫بارزا في هذا املجال‪ .‬وكان لهن دور في تثقيف الطالبات وتوجيههن‬ ‫للعمل السياسي‪ .‬مما كان له أثر واضح في تعميق وعي الطالبات‬ ‫النقدي والتقدمي‪ .‬ولكن على أثر ضرب الحركة توقف دورهن‪ ،‬ولم‬ ‫يؤثرن في الحركة النسائية بعد ذلك وأحجمن عن املشاركة الفاعلة‬ ‫في الجمعيات النسائية‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ ،1970‬أنشئت جمعية «أوال» النسائية على أثر نكسة‬ ‫يونيو (حزيران)‪ ،‬وتنحدر عضوات هذه الجمعية من الطبقة الوسطى‬ ‫وغالبيتهن مدرسات أو موظفات‪ .‬ونشطت في هذه الجمعية فتيات‬ ‫ممن تلقني دراستهن في الخارج والتصقن بالحركات الطالبية‬ ‫والسياسية السائدة في ذلك الوقت‪ ،‬كما شارك بعضهن في‬ ‫التنظيمات السياسية الوطنية كالجبهة الشعبية‪ ،‬لتحرير الخليج‬ ‫والجزيرة العربية التي قادت العمل املسلح انطالقا من إقليم ظفار‬ ‫بسلطنة عمان‪ .‬كذلك جبهة التحرير الوطني‪ ،‬وهي الجناح البحريني‬ ‫للحزب الشيوعي‪ ،‬باإلضافة لحزب البعث العربي االشتراكي‪ .‬وكان‬ ‫للخلفية السياسية لقيادة الجمعية عند إنشائها أعظم األثر في‬ ‫توجهات الجمعية‪ ،‬التي رفضت العمل الخيري والرعائي وركزت على‬ ‫العمل املطلبي الحقوقي النسوي‪.‬‬ ‫في السنة نفسها‪ ،‬أي عام ‪ ،1970‬جرى إنشاء جمعية الرفاع الثقافية‬ ‫الخيرية وعضواتها من املوظفات وخاصة املدرسات‪ .‬كانت في‬ ‫بدايتها قريبة إلى حد ما من توجهات جمعية «أوال»‪ ،‬وخاصة في‬ ‫املطالبة بحقوق املرأة في قانون األحوال الشخصية وحقوق املرأة‬ ‫السياسية‪ .‬إال أنها ركزت بعد ذلك على العمل الخيري الرعائي‪،‬‬ ‫خاصة بعد حل املجلس الوطني وإصدار قانون أمن الدولة‪ ،‬حيث‬ ‫أضحى أي تحرك من أجل حقوق املرأة ُيفسر على أنه عمل سياسي‪.‬‬ ‫كما أنشئت جمعية النساء الدولية عام ‪ 1974‬التي تتألف من نساء‬

‫‪,,‬‬

‫ُ‬ ‫افتتحت‬ ‫أول مدرسة‬ ‫حكومية‬ ‫للبنات في‬ ‫البحرين‬ ‫عام ‪1928‬‬ ‫في حني لم‬ ‫ُ‬ ‫تفتح مدرسة‬ ‫للبنات في دول‬ ‫الخليج األخرى‬ ‫إال في بداية‬ ‫السبعينات من‬ ‫القرن املاضي‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪17‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ظهرت الحركة النسائية في الخليج متأخرة كثيرا عن مثيالتها في مصر وبالد الشام‪ .‬ويمكن إرجاع السبب‬ ‫في ذلك إلى قوة التقاليد االجتماعية التي حرمت على املرأة الظهور واملشاركة في الحياة العامة‪ ،‬وتأخر تعليم‬ ‫البنات مقارنة بتعليم الذكور‪ .‬إذ لم تتوسع الدول الخليجية في تعليم الفتاة إال بعد ظهور النفط الذي ساعدها‬ ‫على إرساء دعائم الدولة الحديثة‪ ،‬حيث افتتحت أول مدرسة حكومية للبنات في البحرين عام ‪ .1928‬وقد‬ ‫تأخر إنشاء مدارس البنات أو التوسع فيها في سلطنة عمان وبعض إمارات ساحل عمان (اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة حاليا) إلى بداية السبعينات من القرن املاضي‪.‬‬

‫تاريخ الحركة النسائية في الخليج‪ ..‬التعليم والوعي والتأسيس‬

‫البدايات األولى‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫سبيكة محمد النجار‬

‫‪,,‬‬

‫على الرغم من‬ ‫حداثة العمل‬ ‫النسائي في‬ ‫قطر فإن املرأة‬ ‫القطرية تتمتع‬ ‫بتشجيع‬ ‫القيادة‬ ‫السياسية‪..‬‬ ‫حيث نالت‬ ‫الحق في‬ ‫املشاركة في‬ ‫أول تجربة‬ ‫انتخابية‬

‫‪,,‬‬

‫‪16‬‬

‫تأثرت البدايات األولى للحركة النسائية في الخليج‪،‬‬ ‫وباألخص في البحرين والكويت‪ ،‬بالحركة الثقافية السائدة‬ ‫في مصر وبالد الشام‪ .‬كذلك بكتابات املفكرين الذين‬ ‫تناولوا قضايا املرأة كرفاعة الطهطاوي وقاسم أمني وغيرهما‪،‬‬ ‫وبرائدات الحركة النسائية العربيات مثل هدى شعراوي‪ .‬وظهرت في‬ ‫األربعينات من القرن املاضي بعض األقالم الرجالية والنسائية التي‬ ‫تدعو املرأة للمساهمة في النهضة والتحرر من قيود التقاليد البالية‪.‬‬ ‫سنحاول في هذا املقال دراسة تاريخ الحركة النسائية في منطقة‬ ‫دول مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬وباألخص في البحرين‪ ،‬والكويت‪،‬‬ ‫واإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬وقطر‪ ،‬وعمان‪.‬‬

‫الحركة النسائية في البحرين‬ ‫لعب التعليم دورا بارزا في ظهور الحركة النسائية‪ ،‬حيث تمثلت‬ ‫بداياته في ازدياد وعي املرأة بذاتها ومحاولتها الخروج على الوضع‬ ‫الذي فرضته عليها التقاليد واألعراف‪ .‬كما لعبت الصحافة دورا‬ ‫كبيرا في طرح القضايا الجديدة على الساحة الخليجية‪ ،‬كضرورة‬ ‫انتشار التعليم بني النساء والدعوة إلى فتح مجاالت العمل املختلفة‬ ‫أمام املرأة‪.‬‬ ‫من ناحية ثانية‪ ،‬لعبت الجاليات العربية التي تولى أفرادها مسؤولية‬ ‫التعليم في مدارس البنات‪ ،‬دورا مهما وأساسيا في بلورة وعي‬ ‫النساء وتشجيعهن على إنشاء جمعياتهن‪ .‬فقد قامت املدرسات‬ ‫الوافدات العامالت في مدرسة الهداية الخليفية للبنات (حاليا مدرسة‬ ‫خديجة الكبرى) بإنشاء جمعية مساعدة اليتيم‪ ،‬وانضمت لهذا‬ ‫التجمع الصغير بعض بنات العائالت الغنية‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،1953‬تأسس «نادي البحرين للسيدات» برئاسة الليدي‬ ‫بلجريف‪ ،‬زوجة املستشار البريطاني‪ ،‬التي اختارت نخبة من سيدات‬ ‫الطبقات العليا اللواتي نلن قسطا من التعليم‪ ،‬مثل السيدة الفاضلة‬ ‫عائشة يتيم (سكرتيرة)‪ ،‬والسيدة سلوى العمران (عضوا إداريا)‪.‬‬ ‫كان النادي يهدف إلى القيام باألعمال الخيرية ومساعدة الفقراء‬ ‫واملحتاجني وتعليم النساء بعض املهارات كالطبخ والخياطة‪ .‬وقد‬ ‫تعرض النادي لهجوم على صفحات الجرائد وعلى منابر املساجد‬ ‫باعتباره عمال منكرا وخروجا على التقاليد واألعراف‪ .‬بهذا الشأن‬ ‫أصدرت جماعة‪ ،‬أطلقت على نفسها جماعة «الدعوة إلى اإلسالم»‪،‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫بيانا نقتطف منه العبارات التالية‪« :‬قاطعوا هذا املنكر وأعلنوا الحرب‬ ‫النكر والنكير على القائمني والقائمات بأمره‪ .‬واقتلوه في مهده قبل‬ ‫أن يرى النور‪ ،‬وإال فالويل منه ثم الويل لنا جميعا»‪.‬‬ ‫في املقابل‪ ،‬لم يكن قادة الحركة الوطنية راضني عن نادي السيدات‪،‬‬ ‫ليس ألن العرف السائد في تلك املرحلة يعتبر األندية حصرا على‬ ‫الذكور‪ ،‬لكن السبب األهم هو أن النادي كان بقيادة زوجة املستشار‬ ‫البريطاني الذي يعد رمزا لالستعمار البريطاني في البحرين‪ .‬لذا‬ ‫دعا عبد الرحمن الباكر‪ ،‬أحد أبرز زعماء حركة ‪ 56 - 45‬إلى إنشاء‬ ‫جمعية نسائية على غرار الجمعيات النسائية في مصر وبالد الشام‬ ‫بدال من النادي‪ .‬ونظرا الرتباط الكثير من التجار بالهيئة‪ ،‬فقد اضطر‬ ‫أولياء األمور ملنع بناتهن من املشاركة في النادي‪ .‬ووجدت القائمات‬ ‫عليه أن أفضل مخرج لهن من هذا املأزق هو إنشاء جمعية نسائية‬ ‫خيرية‪ ،‬هي جمعية «نهضة فتاة البحرين» التي بدأ العمل بها عام‬ ‫‪ .1955‬وبذلك نشأت أول منظمة نسائية في منطقة الخليج‪.‬‬ ‫وقد اهتمت الصحافة بمسألة حقوق املرأة‪ ،‬وأتاحت لألقالم العربية‬ ‫والبحرينية الفرصة للكتابة فيها‪ .‬فقد كتبت األديبة اللبنانية روز‬ ‫غريب في مجلة «صوت البحرين» وكان لها دور في طرح الكثير من‬ ‫اآلراء االجتماعية املتقدمة‪ .‬كما برزت بعض األقالم النسائية مثل‬ ‫موزة الزايد وبدرية خلفان وشهال خلفان‪ .‬وتركزت مقاالتهن على‬ ‫انتقاد وضع املرأة وسيطرة العقلية الذكورية على املجتمع والدعوة‬ ‫إلى تحرر املرأة‪ .‬ولكن على الرغم من ذلك كانت قوة التقاليد واألعراف‬ ‫ُ‬ ‫أقوى من هذه الدعوات التي لم تستثمر بشكل صحيح‪ ،‬بحيث يمكن‬ ‫تأطير النساء ضمن حركة نسائية مطلبية‪.‬‬ ‫على املستوى السياسي‪ ،‬شهدت تلك الفترة تشكيل هيئة االتحاد‬ ‫الوطني التي قادت العمل الوطني في الفترة ما بني عامي ‪- 1945‬‬ ‫‪ .1965‬يعتبر املؤرخون الهيئة أول تنظيم سياسي في منطقة‬ ‫الخليج‪ .‬ويؤرخ الباحثون بدايات الحركة النسائية مع ظهور هيئة‬ ‫االتحاد الوطني‪ ،‬ويشيرون بشكل خاص للدور الذي لعبته األختان‬ ‫شهال وبدرية خلفان‪ ،‬في حث النساء على املشاركة في املظاهرات‬ ‫املناوئة لالستعمار البريطاني‪ ،‬والخطاب الذي ألقته بدرية خلفان‬ ‫في جمع ضم آالف املتظاهرين‪ ،‬وطالبت فيه بإعطاء املرأة حقوقها‬ ‫وبخلع الحجاب‪ .‬كانت هذه الدعوة مثار إعجاب لدى بعض الشباب‬ ‫املتعلم الذين بدأوا يحثون زوجاتهم على اإلقتداء بهذه السيدة‪ ،‬إال‬


‫عدد األعضاء في الحزب الشيوعي الصيني اليوم بنحو ‪ 80‬مليون عضو‪.‬‬ ‫ولقد ساهم التوسع في ضم األعضاء إلى الحزب الشيوعي الصيني في‬ ‫خلق نوع من التعددية الفكرية داخل الحزب والتي أثمرت في تبني الحزب‬ ‫لسياسات وبرامج سياسية واقتصادية فاعلة خصوصا في مجال‬ ‫مكافحة الفساد‪ .‬كما أن أحد أبرز مالمح التغيير في الحزب الشيوعي‬ ‫الصيني هو تبنيه ملفهوم القيادة الجماعية والتي تضمن عدم ظهور‬ ‫ديكتاتوريات فردية‪.‬‬ ‫األزمة التي واجهتها الحكومة الفيدرالية األميركية في األشهر املاضية‬ ‫والتي أدت إلى إقفال جزئي ألنشطة الحكومة ملدة أسبوعني دفعت‬ ‫وزير الخارجية األميركي جون كيري إلى التحذير من أنها قد تؤثر‬ ‫على السياسة الخارجية لبالده‪ .‬ولكن ربما كان التوصيف األكثر دقة‬ ‫الذي لم يقله كيري هو أن هذه األزمة تؤثر سلبا على صورة بالده في‬ ‫الخارج وعلى صورة النظام الديمقراطي الذي تسعى الواليات املتحدة‬ ‫ُ‬ ‫بشكل أوضح فإن األزمة تظهر بأن النظام‬ ‫إلى تسويقه حول العالم‪ .‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫أحيان كثيرة قد ال يكون النظام األكثر فاعلية التخاذ‬ ‫الديمقراطي في‬ ‫ٍ‬ ‫القرار وهذا ما يسعى الكثير من املسؤولني الصينيني إلى تأكيده والرهان‬ ‫عليه‪ .‬وقد يجادل بعض املحللني األميركيني بأن األزمة هي في الحقيقة‬ ‫تعكس جوهر النظام الديمقراطي الذي يتطلب وجود أداة لتحقيق الضبط‬ ‫والتوازن من قبل الجهاز التشريعي والرقابي في الدولة‪ .‬لكن هذه األداة في‬ ‫الواقع تفقد قيمتها عندما تصبح أداة سياسية تحد من فاعلية الحكومة‬ ‫وستفقد أي معنى لها بالنسبة لأللوف من الفقراء األميركيني الذين تسبب‬ ‫اإلغالق الجزئي للحكومة في حرمانهم من خدمات بنوك الطعام‪ .‬كما أنها‬ ‫تصبح أداة مثيرة للسخرية عندما تسمح بممارسة املماطلة السياسية‬ ‫(‪ )Filibuster‬في البرملانات ولساعات قد تتجاوز العشرين ساعة في‬ ‫جلسة واحدة لتعطيل مشروع قرار كما فعل النائب الجمهوري األميركي‬ ‫تيد كروز مؤخرا‪ .‬وفي استطالع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في شهر‬ ‫يونيو (حزيران) من هذا العام احتل الكونغرس املركز األخير من بني‬ ‫مجموعة من املؤسسات األميركية من حيث ثقة الناس بها‪ .‬إذ عبر ‪%10‬‬ ‫فقط عن ثقتهم بالكونغرس من بني العينة التي خضعت لالستطالع وهي‬ ‫النسبة األقل التي تحصل عليها أي مؤسسة سياسية في أميركا في‬ ‫تاريخ استطالعات غالوب‪ .‬ومن زاوية رؤية صينية ورغم انتهاكات حقوق‬ ‫اإلنسان في الصني‪ ،‬فإن كل املؤسسات واألدوات الديمقراطية في أميركا‬ ‫لم تمنع وصول سياسيني للحكم تسببوا في قتل اآلالف من األبرياء في‬ ‫العراق وفي انتهاك حقوق اإلنسان في سجون غوانتانامو‪.‬‬

‫حنني إلى الدولة القوية‬ ‫في روسيا‪ ،‬عندما اندلعت الحركة االحتجاجية في أواخر عام ‪ 2011‬سعى‬ ‫اإلعالم الغربي مدفوعا بشيء من التفكير الرغائبي إلى تصوير هذه‬ ‫االحتجاجات على أنها «ربيع روسي» كما فعل وقتها الكاتب األميركي‬ ‫توماس فريدمان‪ .‬ولكن العاصفة‪ ،‬إن جاز لنا أن نسميها عاصفة‪ ،‬مضت‬ ‫وانتصر الرئيس بوتني‪ .‬وبغض النظر عن التقارير الغربية التي تتحدث‬ ‫عن األساليب القمعية التي يتبعها بوتني وعن املعارضة التي تتطلع إلى‬ ‫بناء ديمقراطية ليبرالية في روسيا‪ ،‬فإن األرقام تتحدث عن واقع مختلف‬ ‫وعن تصاعد الحنني إلى الحقبة السوفياتية وليس إلى نموذج الديمقراطية‬ ‫الليبرالية‪ .‬ففي انتخابات برملان ‪ 2011‬صوت ‪ 20‬مليون شخص لصالح‬ ‫الحزبني الشيوعي والديمقراطي (يميني قومي) وهما حزبان معارضان‬ ‫لبوتني‪ .‬وبالتالي حتى ولو افترضنا جدال بأن االنتخابات قد تم تزويرها‬ ‫لصالح حزب «روسيا املتحدة» الحاكم فإن البديل لن يكون ديمقراطيا‬ ‫غربيا بل قد يكون أكثر تشددا من حزب بوتني‪ .‬وفي استطالع للرأي‬ ‫أجراه مركز ليفادا البحثي في موسكو العام املاضي أشارت ‪ %22‬فقط‬ ‫من العينة إلى أنها تنظر بشكل سلبي إلى الزعيم الروسي الدموي جوزيف‬ ‫ستالني‪ .‬هذه األرقام ال تعني بالضرورة الحنني إلى السياسات القمعية‬ ‫لالتحاد السوفياتي بقدر ما هو حنني إلى الدولة القوية التي انهارت في‬

‫الرئيس الروسي فالديمير بوتني و الرئيس الصيني‬ ‫شي جني بينغ خالل لقائهما في الكرملني‬ ‫في موسكو في ‪ 22‬مارس ‪2013‬‬

‫التسعينات وارتبط انهيارها في تلك الفترة بسياسة الرئيس الراحل‬ ‫بوريس يلتسني الذي سعى إلى تطبيق الديمقراطية الليبرالية وتفكيك‬ ‫املركزية فكانت النتيجة أن تسبب في ضعف سلطة الحكومة وارتفاع‬ ‫معدالت الفساد والتضخم‪ .‬وقد سعى بوتني منذ توليه الرئاسة وبعد ذلك‬ ‫رئاسة الوزراء إلى إعادة املركزية وترسيخ مفهوم الدولة القوية مستندا‬ ‫إلى فكرة أن العقلية الروسية تفضل مصلحة الجماعة بينما تفضل‬ ‫العقلية األميركية والغربية عموما مصلحة الفرد كما ذكر في مقابلة مع‬ ‫قناة «روسيا اليوم»‪ .‬ولقد ظهرت قدرات هذا النظام دوليا عندما تمكنت‬ ‫الدبلوماسية الروسية من إحباط الضربة العسكرية األميركية للنظام‬ ‫السوري ثم عادت فنجحت في تمرير مبادرة لنزع السالح الكيماوي من‬ ‫نظام األسد‪.‬‬

‫عودة التاريخ ونهاية األحالم‬ ‫في عام ‪ 1984‬وفي مقالة له بمجلة «العلوم السياسية» الربع سنوية‬ ‫توقع املفكر األميركي صامويل هنتنغتون بأن انتشار الديمقراطية‬ ‫الليبرالية قد وصل إلى مداه األقصى وذلك بسبب وجود دول‬ ‫ومناطق غير قابلة للتحول ديمقراطيا إما بسبب فقرها املزمن أو‬ ‫بسبب وجود عوائق ثقافية واجتماعية‪ .‬لكن الثورات الديمقراطية في‬ ‫جنوب شرقي آسيا وفي أوروبا الشرقية خالل النصف الثاني من‬ ‫الثمانينات أثبتت خطأ تصور هنتنغتون الذي أصدر عقب سقوط‬ ‫الشيوعية في أوروبا كتابه الشهير «املوجة الثالثة» ثم قام بعد ذلك‬ ‫تلميذه فرانسيس فوكوياما بإصدار نظريته الشهيرة «نهاية التاريخ»‬ ‫معلنا أن قيم الديمقراطية الليبرالية تمثل أفضل النظم السياسية‬ ‫التي يمكن أن تصل إليها البشرية‪ .‬إال أن تجارب نقل الديمقراطية‬ ‫الليبرالية ملناطق جديدة في العالم خالل السنوات العشر األخيرة‬ ‫مضت بشكل سيئ ومأساوي في بعض األحيان‪ .‬ففي أفغانستان‬ ‫والعراق فشلت تجربة فرض الديمقراطية بالقوة وانتهت إلى دولة‬ ‫فاشلة في أفغانستان ودولة تواجه دوامة ال تنتهي من اإلرهاب‬ ‫والطائفية والتفكك السياسي في العراق‪ .‬وفي دول الربيع العربي تبدو‬ ‫صورة املستقبل شديدة القتامة وال تخرج من سيناريوهات التفكك‬ ‫والدولة غير الفاعلة‪ .‬يقابل هذا صورة ساطعة لصعود اقتصادي‬ ‫واستقرار سياسي لدول أوتوقراطية كالصني وإلى حد ما روسيا‪.‬‬ ‫لقد تخلصت الصني وروسيا من أعباء نشر اآليديولوجية الشيوعية‬ ‫البغيضة وبالتالي أصبحت صورة البلدين أكثر قبوال حول العالم‪ .‬وإذا‬ ‫ما نجحت الدولتان في تسويق نظاميهما السياسيني بسلعتي النجاح‬ ‫االقتصادي واالستقرار السياسي وإضافة مسحة أكثر إنسانية‬ ‫لسياساتهما الداخلية غير الديمقراطية فإنهما سيحظيان بقبول أكثر‬ ‫حول العالم ويفرضان صراع أفكار وقيما جديدة في القرن الحادي‬ ‫والعشرين كما تنبأ بذلك املؤرخ األميركي روبرت كاغان في كتابه‬ ‫«عودة التاريخ ونهاية األحالم» <‬

‫‪,,‬‬

‫أزمة النظام‬ ‫الديمقراطي‬ ‫تبدو واضحة‬ ‫حني تواجه‬ ‫الديمقراطيات‬ ‫الليبرالية متاعب‬ ‫اقتصادية‬ ‫واجتماعية‬ ‫بسبب العملية‬ ‫الديمقراطية‬ ‫نفسها‬

‫‪,,‬‬

‫غالف كتاب «نهاية التاريخ»‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪15‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫فوكوياما في نظريته «نهاية التاريخ» يؤكد أن قيم الديمقراطية الليبرالية تمثل أفضل النظم السياسية التي‬ ‫يمكن أن تصل إليها البشرية‪ .‬لكن تجارب نقل الديمقراطية الليبرالية ملناطق جديدة في العالم خالل السنوات‬ ‫العشر األخيرة مضت بشكل سيئ ومأساوي في بعض األحيان‪ .‬ففي أفغانستان والعراق فشلت تجربة‬ ‫فرض الديمقراطية بالقوة وانتهت إلى دولة فاشلة في أفغانستان ودولة تواجه دوامة ال تنتهي من اإلرهاب‬ ‫والطائفية والتفكك السياسي في العراق‪.‬‬

‫الصني وروسيا تدحضان نظرية «نهاية التاريخ»‬

‫استقرار وصعود‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عاصم صالح *‬

‫‪,,‬‬

‫الصني شكلت‬ ‫تحديا لنظريات‬ ‫التحول‬ ‫الديمقراطي‬ ‫فلم يؤد تحرير‬ ‫االقتصاد‬ ‫إلى انفتاح‬ ‫سياسي وتحول‬ ‫ديمقراطي‬

‫‪,,‬‬

‫فرانسيس‬ ‫فوكوياما‬

‫يضطر الكثير من املسافرين األجانب إلى الصني إلى تنبيه‬ ‫أصدقائهم على الشبكات االجتماعية كـ«تويتر» و«فيس بوك»‬ ‫بأنهم مضطرون إلى الغياب قسريا عن املشاركة والرد في هذه‬ ‫الشبكات خالل فترة سفرهم وذلك ألن الصني تحظر هذين املوقعني‪.‬‬ ‫وألن الحاجة هي أم االختراع فقد تمكنت شركات التقنية والبرمجيات‬ ‫الصينية من توفير بديل منافس لـ«تويتر» ممثال في شبكة «سينا ويبو»‬ ‫التي يبلغ عدد املشاركني فيها نحو ‪ 500‬مليون أي تقريبا نفس عدد‬ ‫املشاركني في «تويتر»‪ .‬الشركة املطورة لشبكة ويبو اقتبست الكثير‬ ‫من الخصائص املوجودة في «تويتر» كخاصية الـ‪ 140‬حرفا واستخدام‬ ‫الهاشتاق ولكنها في نفس الوقت طورت خصائص تسمح بفرض رقابة‬ ‫صارمة على املحادثات في الشبكة تتماشى مع سياسة الحكومة الصينية‬ ‫في الرقابة على اإلنترنت‪ .‬شبكة ويبو هي نسخة مصغرة من الصورة‬ ‫السياسية للصني‪ .‬نظام أوتوقراطي يرفض الديمقراطية عالنية ويضع‬ ‫قيودا صارمة على الحرية السياسية لكنه استطاع تطويع الرأسمالية‬ ‫بشكل سمح له تحقيق نمو اقتصادي وصناعي وتكنولوجي مذهل‪.‬‬ ‫تشكل الصني اليوم رأس الحربة لقائمة األنظمة السياسية الناجحة‬ ‫اقتصاديا واملستقرة سياسيا ولكنها في نفس الوقت غير ديمقراطية‪.‬‬ ‫هذه القائمة تشمل دوال كبرى كالصني وروسيا ودوال أصغر كسنغافورة‬ ‫واإلمارات‪ .‬الصني وإلى جوارها روسيا تراهنان على أن نظامي الحزب‬ ‫الواحد في الصني والدولة األبوية في روسيا يضمنان أداء حكوميا أكثر‬ ‫فاعلية باإلضافة إلى ضمان االستقرار املجتمعي وهو رهان قد يجد‬ ‫أصداء واسعة في مناطق العالم التي شهدت عمليات التغيير السياسي‬ ‫فيها نحو الديمقراطية اضطرابات كبيرة تهدد وحدتها السياسية‬ ‫ّ‬ ‫وسالمتها االجتماعية‪.‬في عام ‪ 1950‬مثلت اقتصادات الصني والبرازيل‬ ‫والهند ما مجموعه ‪ %10‬فقط من حجم االقتصاد العاملي‪ .‬لكن في عام‬ ‫‪ 2050‬وبحسب توقعات تقرير التنمية البشرية لعام ‪ 2013‬والصادر من‬ ‫األمم املتحدة فإن اقتصادات هذه الدول الثالث ستشكل ‪ %40‬من حجم‬ ‫اقتصاد العالم‪.‬‬

‫نسخة معدلة من الرأسمالية‬ ‫هذه األرقام والتحوالت في موازين القوى االقتصادية العاملية دفعت األمم‬ ‫املتحدة الختيار عبارة «صعود الجنوب» كعنوان فرعي لتقرير التنمية‬ ‫البشرية لهذا العام تعبيرا عن الصعود غير املسبوق من ناحية الحجم‬ ‫والسرعة لدول العالم من خارج منظومة الدول الغربية‪.‬الفكرة الغربية كانت‬ ‫‪14‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫على الدوام هي أن الديمقراطية الليبرالية ومعها الرأسمالية التي ترافقت مع‬ ‫الثورة الصناعية قادتا إلى انتصار الغرب النهائي بنهاية القرن العشرين‪.‬‬ ‫لكن الصني وروسيا تمضيان في طريقهما لدحض هذه الفكرة بتبنيهما‬ ‫لنسخة معدلة من الرأسمالية ولفظهما للديمقراطية الليبرالية‪..‬فكرة‬ ‫صعود قوى اقتصادية جديدة من خارج نصف الكرة األرضية الغربي‬ ‫ليست بالشيء الجديد فقد تم طرحها مرارا منذ نهاية العقد األخير‬ ‫من القرن املاضي‪ .‬لكن هذه الفكرة تكتسب زخما جديدا عندما يقترن‬ ‫الصعود االقتصادي بصعود ألنظمة سياسية فاعلة بديلة للديمقراطيات‬ ‫الليبرالية وعندما تواجه هذه الديمقراطيات الليبرالية متاعب اقتصادية‬ ‫واجتماعية بسبب العملية الديمقراطية نفسها‪ .‬فالعواقب الوخيمة لألزمة‬ ‫االقتصادية العاملية في عام ‪ 2009‬والتي عانت منها معظم االقتصادات‬ ‫الغربية وتجاوزتها الصني أظهرت فاعلية النظام االقتصادي والسياسي‬ ‫في الصني والذي يميل إلى التخطيط املركزي وتتبع فيه الحكومة سياسة‬ ‫محافظة في تنظيم السوق‪.‬‬

‫التحدي الصيني‬ ‫الصني تحديدا شكلت تحديا لنظريات التحول الديمقراطي منذ‬ ‫السبعينات امليالدية‪ .‬فعلى عكس ما توقعه الغرب‪ ،‬لم يؤد تحرير‬ ‫االقتصاد الصيني والتحول باتجاه اقتصاد السوق إلى انفتاح سياسي‬ ‫وتحول ديمقراطي‪ .‬ويرجع البعض السبب في ذلك إلى القيم االجتماعية‬ ‫في الصني التي تقدم مصلحة الجماعة والعائلة على الفرد على العكس من‬ ‫املجتمعات الغربية‪ .‬لكن هناك سبب آخر أكثر إقناعا أال وهو مرونة وقدرة‬ ‫النظام في الصني ممثال في الحزب الشيوعي على التكيف مع التحوالت‬ ‫السياسية واالقتصادية‪ .‬فبعد أن استطاع النظام وبوحشية تجاوز املوجة‬ ‫االحتجاجية الغاضبة في عام ‪ 1989‬وبالتالي تفادي مصير األنظمة‬ ‫الشيوعية حول العالم التي سقطت بنهاية ذلك العام‪ ،‬لجأ الحزب إلى‬ ‫احتواء وجذب الطبقة املتوسطة الصينية من رجال األعمال والعصاميني‬ ‫والتكنوقراط وهي الطبقة التي دائما ما يعول عليها في عملية التحول‬ ‫نحو الديمقراطية‪ .‬ولقد كان عام ‪ 2001‬فارقا في تاريخ الحزب الشيوعي‬ ‫الصيني عندما أعلن رئيس الحزب وقتها «جيانغ زيمني» عن فتح أبواب‬ ‫الحزب النضمام رجال األعمال محطما بذلك الصورة النمطية التي تربط‬ ‫األحزاب الشيوعية بالعمال والفالحني فقط ومدشنا تحالفا بني النظام‬ ‫السياسي والقطاع الخاص في الصني وبالتالي شراكة في قطف ثمار‬ ‫النجاح االقتصادي‪ .‬إذ يشير الباحث األميركي تشارلز كوبشان الباحث‬ ‫في مجلس العالقات الخارجية األميركي في كتابه «عالم ليس ألحد» بأن‬ ‫نحو ثلث رواد األعمال في الصني هم أعضاء في الحزب الشيوعي‪ .‬ويقدر‬


Distinguish yourself

King’s is ranked in the top 30 universities worldwide* and based in the heart of London. With nine Schools and six Medical Research Council centres, King’s offers world-class teaching and research. Our extensive range of subjects includes humanities, law, medicine, psychiatry, dentistry, nursing, mathematics; natural, biomedical, social and management sciences. For further information, please contact Ghazi Lashab at ghazi.lashab@kcl.ac.uk *QS World University Rankings, 2011

www.kcl.ac.uk


‫شؤون سياسية‬

‫املشكلة املركزية هي االقتصاد‪ ،‬ال يمكن أن يستقر االقتصاد في‬ ‫ظل وجود العقوبات‪ ،‬وستستمر هذه العقوبات حتى يكون هناك‬ ‫اتفاق نووي‪ .‬حظي روحاني بقبول العديد من اإلصالحيني بهذه‬ ‫الصيغة‪ .‬يعلمون أن روحاني رجل النظام‪ ،‬ولكنهم قرروا اختيار‬ ‫تحسني االقتصاد أوال‪ ،‬مع تأجيل الديمقراطية لوقت الحق‪.‬‬ ‫ستساعد الصفقة النووية روحاني كثيرا على تنفيذ وعده‬ ‫األساسي‪ ،‬وهو تحسني االقتصاد‪ .‬سيقع تأثير على االقتصاد‬ ‫على الرغم من أن الغرب فقط سوف يخففون العقوبات ببطء‪.‬‬ ‫وسيحدث تأثير االتفاق النووي على االقتصاد إلى حد كبير من‬ ‫خالل تأثيره على التوقعات‪.‬‬ ‫مع تقليل املخاوف من اندالع حرب وتزايد اآلمال بأن العقوبات‬ ‫سوف تخفف في نهاية املطاف‪ ،‬سينفق اإليرانيون املزيد‪ .‬وبالفعل‬ ‫تغير املزاج االقتصادي في إيران بشكل ملحوظ منذ وصول‬ ‫روحاني إلى السلطة‪ .‬يرجع ذلك إلى مزيج من اآلمال بتخفيف‬ ‫العقوبات باإلضافة إلى الثقة الكبيرة في الفريق األكثر كفاءة الذي‬ ‫عينه روحاني محل فريق أحمدي نجاد الذي كان أداؤه سيئا‪.‬‬

‫ما يعنيه ذلك للخليج‬

‫الرئيس اإليراني حسن روحاني‬

‫‪,,‬‬

‫شعرت دول‬ ‫الخليج‬ ‫بمخاوف من‬ ‫أن الواليات‬ ‫املتحدة قد‬ ‫تضحي‬ ‫بمصالحها‬ ‫من أجل‬ ‫الحصول‬ ‫على اتفاق‬ ‫نووي‬

‫‪,,‬‬

‫‪12‬‬

‫تقدير من خالل التجسس اإللكتروني إن لم تتخذا مزيدا من‬ ‫اإلجراءات الفعالة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وقد تستمر العقوبات األميركية أحادية الجانب‪ .‬فرضت العقوبات‬ ‫األميركية الشاملة على التجارة واالستثمار في إيران في منتصف‬ ‫التسعينات بسبب دعم إيران لإلرهاب‪ ،‬وذلك قبل وقت طويل من‬ ‫املعرفة بأنشطة إيران النووية‪ .‬ما يمكن أن يتغير مع عقد صفقة‬ ‫نووية هو قوة الضغط الذي تمارسه الواليات املتحدة على دول‬ ‫أخرى لفرض قيود صارمة على املعامالت االقتصادية مع إيران‪.‬‬

‫كيف يؤثر االتفاق النووي‬ ‫على الجمهورية اإلسالمية؟‬

‫في حني أن روحاني قد يفعل الكثير من أجل تحسني االقتصاد‬ ‫وتطبيع عالقات مع الواليات املتحدة‪ ،‬فإنه ليس من الواضح ما‬ ‫سيبذله في سبيل تحسني العالقات مع دول الخليج‪ .‬كثيرا ما‬ ‫يتحدث معلمه الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني‬ ‫ويكتب عن نجاحاته في أوائل التسعينات في تطبيع العالقات مع‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ،‬التي كانت متوترة جدا بعد املواجهات التي‬ ‫حدثت خالل موسم الحج والتي أدت إلى مقتل مئات من الحجاج‬ ‫اإليرانيني‪ .‬يشير ذلك إلى أن روحاني ربما يتلقى نصائح بتحسني‬ ‫عالقات مع عرب الخليج كوسيلة سهلة للحد من التوترات التي‬ ‫تقلق اإليرانيني العاديني‪ .‬على جانب آخر‪ ،‬ينصب اهتمام روحاني‬ ‫الرئيس على تحقيق توافق داخلي‪ .‬وهذا يعني عدم املواجهة مع‬ ‫الحرس الثوري بشأن القضايا التي تهمهم كثيرا‪ ،‬مثل دعم نظام‬ ‫األسد الذي يالقي كراهية شديدة في دول الخليج‪ .‬لذا قد يقرر‬ ‫روحاني أن تحسني العالقات مع دول الخليج ستكون محفوفة‬ ‫باملخاطر على املستوى الداخلي‪.‬‬

‫ربما يكون أهم دافع وراء إقامة البرنامج النووي اإليراني هو تأمني‬ ‫مستقبل النظام الثوري من خالل إظهار قوته للتصدي للهجوم‬ ‫أمام جميع األعداء‪ .‬ولكن البرنامج النووي لم يفعل شيئا يذكر‬ ‫ملواجهة التهديد األكبر الذي يواجه النظام والذي يتمثل في فقدانه‬ ‫للشرعية‪ ،‬وال سيما منذ انتخابات عام ‪ 2009‬املتنازع عليها‪.‬‬ ‫كشف االقتتال الداخلي املستمر بني النخبة‪ ،‬واالستياء الشعبي‬ ‫خاصة حيال الوضع االقتصادي‪ ،‬عن ضعف النظام‪ .‬على الرغم‬ ‫من تركيزه الشديد على املبادئ الثورية‪ ،‬أثبت خامنئي أنه يشعر‬ ‫بقلق بالغ إزاء االنقسامات الداخلية‪ .‬في الشهور األخيرة‪ ،‬أكد‬ ‫خامنئي على توافق النخبة والتأييد الشعبي‪ ،‬كما اتضح من خالل‬ ‫موافقته الضمنية على انتخاب حسن روحاني رئيسا في يونيو‬ ‫(حزيران)‪.‬‬

‫تشعر دول الخليج بمخاوف من أن الواليات املتحدة قد تضحي‬ ‫بمصالحها من أجل الحصول على اتفاق نووي شامل ‪ .‬حتى لو لم‬ ‫يصرح بشيء علني بني الواليات املتحدة وإيران بشأن دول الخليج‪،‬‬ ‫قد تعتقد إيران أن االتفاق النووي يعطيها مطلق الحرية في اتباع‬ ‫أجندة تهدف إلى الهيمنة‪ .‬إن مخاوف دول الخليج منطقية وتحتاج‬ ‫إلى معالجة‪ .‬ومهمة إدارة أوباما هي توضيح أن الواليات املتحدة‬ ‫في الواقع لن تغير سياستها املستمرة من مدة بعيدة بالوقوف إلى‬ ‫جانب دول الخليج‪ .‬ويجب أن يضم ذلك تعزيز العالقات العسكرية‪.‬‬ ‫ويعتبر اإلعالن األخير عن صفقة بيع أسلحة متقدمة يبلغ ثمنها‬ ‫‪ 10‬مليارات دوالر إلى اململكة العربية السعودية ودولة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة خطوة جيدة نحو تعزيز ثقة هذه الدول في قدرتها‬ ‫على وقف أي عدوان إيراني‪.‬‬

‫وأظهرت الحملة االنتخابية الرئاسية قلة حجم التأييد ‪ -‬بني النخبة‬ ‫أو الجمهور العريض ‪ -‬للموقف السابق الذي يدعو إلى املواجهة في‬ ‫القضية النووية‪ .‬تعرض املرشح الوحيد الذي دافع عن هذا املوقف‬ ‫(املفاوض النووي السابق سعيد جليلي) للهجوم بسبب هذه‬ ‫القضية من جميع املرشحني اآلخرين‪ ،‬ولحقت به هزيمة ساحقة في‬ ‫االنتخابات‪ .‬فاز روحاني ألنه اتخذ موقفا بسيطا نال قبول الكثير‪:‬‬

‫وال يقل أهمية بالنسبة للواليات املتحدة أن تعزز مشاوراتها مع‬ ‫حكومات دول الخليج؛ بأن تستمع إلى مخاوفها ووضع سياسات‬ ‫تعالج هذه املخاوف معا‪ .‬يقطع التواضع البسيط شوطا طويال‪.‬‬ ‫وليس مناسبا لواشنطن أن تفترض أنها تعرف ما هو األفضل‬ ‫ألمن الخليج؛ بل يجب على الواليات املتحدة أن تنتبه ملخاوف‬ ‫شركائها الخليجيني <‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬


‫العاملية»‪ ،‬مما يعني أوال وقبل كل شيء النفوذ األميركي في منطقة‬ ‫الخليج والشرق األوسط الكبير‪.‬‬

‫نحو مزيد من العالقات‬ ‫الطبيعية األميركية ‪ -‬اإليرانية‬ ‫ما يمكن تحقيقه ليس إعادة ترتيب التحالفات االستراتيجية في‬ ‫منطقة الخليج‪ ،‬ولكن بدال من ذلك يمكن إيجاد حل للمأزق النووي‪.‬‬ ‫الواليات املتحدة وشركاؤها في مجموعة الدول ‪ 1+5‬مستعدون‬ ‫لقبول الهدف الذي أعلنته إيران منذ فترة طويلة‪ ،‬وهو تحديدا إقامة‬ ‫برنامج نووي سلمي متقدم‪.‬‬ ‫ليس من السهل الوصول إلى مثل هذه الصفقة‪ .‬يثير سجل إيران‬ ‫املمتد منذ عشرين عاما من الخداع والتستر تشكك شركائنا‬ ‫في املفاوضات‪ ،‬لذلك سيصرون على الرصد والتحقق الصارم‪.‬‬ ‫وتتضاعف مخاوف مجموعة ‪ 1+5‬بسبب عدم تقديم إيران أي‬ ‫تفسير مقنع الستثماراتها الضخمة في أنشطة مصممة جيدا من‬ ‫أجل السالح النووي وتتناسب قليال مع أي أغراض أخرى‪ .‬باإلضافة‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬أنفقت طهران املليارات على تطوير صواريخ بعيدة املدى‬ ‫غير دقيقة بدرجة كبيرة لتحمل رؤوسا حربية تقليدية‪.‬‬ ‫كما أن برنامج تخصيب اليورانيوم خرج كثيرا عن نطاق‬ ‫احتياجاتها السلمية املحدودة‪ ،‬وخاصة في ظل اعتماد مفاعل‬ ‫بوشهر النووي على الوقود الروسي بدال من اليورانيوم اإليراني‬ ‫املخصب‪ .‬ورغم املخاوف الواضحة من أن النوايا املعلنة مجرد‬ ‫حيلة‪ ،‬ورغم قرارات مجلس األمن الدولي املتعددة التي تأمر إيران‬ ‫بوقف برامج الصواريخ والتخصيب‪ ،‬فإن الدول ‪ 1+5‬في الواقع على‬

‫استعداد لقبول هذه البرامج وتفعيل االتفاق املرحلي إذا وافقت‬ ‫إيران على القيود واملراقبة الصارمة‪.‬‬ ‫في نموذج ملا يمكن أن يحدث مع إيران نجد املوقف األميركي تجاه‬ ‫األسلحة الكيماوية السورية ونظام األسد‪ .‬أوضح هذا املوقف أن‬ ‫أوباما يهتم كثيرا بأسلحة الدمار الشامل‪ ،‬في حني عدم اهتمامه‬ ‫بتغيير النظام‪ ،‬حتى عندما يكون النظام متهما بمقتل عشرات‬ ‫اآلالف من املدنيني األبرياء‪ .‬وهذا تحديدا يناقض ما يدعيه خامنئي‬ ‫مرارا في خطبه العامة‪ ،‬حيث يزعم أن هدف الواليات املتحدة هو‬ ‫تغيير النظام وأن القضية النووية ليست سوى ذريعة‪ .‬يعرب‬ ‫خامنئي عن مخاوفه الخاصة‪ ،‬بدال من أن ينتبه إلى ما تفعله‬ ‫اإلدارات األميركية‪.‬‬ ‫وحتى إدارة بوش املكونة من الصقور كانت مستعدة للتغاضي عن‬ ‫تسليح إيران للمسلحني الذين قتلوا الجنود األميركيني في العراق؛‬ ‫حيث كانت األولوية الرئيسة بالنسبة لها هي التوصل إلى اتفاق‬ ‫نووي مع طهران‪ .‬يمكن للمرء أن يتفق أو يختلف مع هذا النهج‬ ‫األميركي ‪ -‬وقد كتبت كثيرا عن تفضيلي إعطاء مزيد من التركيز‬ ‫على مخاوف الشعب اإليراني ‪ -‬ولكن ينبغي للمرء أن يدرك أن‬ ‫أولوية واشنطن هي في الواقع الوصول إلى اتفاق نووي‪.‬‬ ‫قد يكون االتفاق النووي بداية لتطبيع عالقات أميركية إيرانية‪ .‬وال‬ ‫تعني العالقات الطبيعية أن العالقات جيدة‪ :‬إنها مجرد اتصاالت‬ ‫منتظمة‪ ،‬بما في ذلك عقد اتفاقات عرضية بشأن قضايا ذات‬ ‫اهتمام مشترك‪ .‬سيكون شكل عالقات إيران مع مجلس التعاون‬ ‫الخليجي النموذج املحتمل أن تصبح عليه العالقات األميركية‬ ‫اإليرانية‪ :‬وجود سفارات‪ ،‬وتنظيم رحالت طيران ذهابا وإيابا‪،‬‬ ‫ولكن هذه العالقات سيشوبها ارتياب متبادل‪ .‬بالفعل يمكن أن‬ ‫تستمر إيران والواليات املتحدة في حربهما الخفية‪ ،‬على أقل‬

‫االعالم األميركي منقسم حول‬ ‫تقييم سياسة باراك اوباما حيال‬ ‫ايران وبرنامجها النووي‬ ‫(خاص «املجلة»)‬

‫‪,,‬‬

‫الشعب األكثر‬ ‫انجذابا‬ ‫للقيم‬ ‫األميركية‬ ‫في املنطقة‬ ‫هو الشعب‬ ‫اإليراني‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪11‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫رغم التوصل إلى اتفاق نووي مرحلي بني إيران ودول ‪( 1+5‬الواليات املتحدة‪ ،‬روسيا‪ ،‬الصني‪ ،‬فرنسا‪،‬‬ ‫بريطانيا‪ ،‬باإلضافة إلى أملانيا)‪ .‬يمتلك القادة الثوريون اإليرانيون تاريخا طويال من الفرص الضائعة بسبب‬ ‫إصرارهم على الحصول على الكثير ‪ -‬بما في ذلك إعادة تفسير االتفاقيات التي تميل لصالحهم والتي‬ ‫وقعت بالفعل ‪ -‬وربما يفعلون ذلك مرة أخرى‪ .‬ما قد تحصل عليه طهران لن يصل إلى إعادة تنظيم كبير‬ ‫في سياسة املنطقة ولكن تحسينات بسيطة في وضعها‪ :‬إقامة عالقات طبيعية مع الواليات املتحدة ووجود‬ ‫اقتصاد أفضل‪ .‬ويقل احتمال تحسن العالقات اإليرانية مع دول الخليج العربي‪ ،‬بل في الحقيقة‪ ،‬قد تزداد‬ ‫التوترات‪.‬‬

‫ال تحالف بني إيران وأميركا ‪ ..‬طهران تعد ملكسب استراتيجي في املنطقة‬

‫تطبيع نووي!‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫باتريك كالوسون‬

‫‪,,‬‬

‫أهم دافع‬ ‫وراء إقامة‬ ‫البرنامج‬ ‫النووي‬ ‫اإليراني‬ ‫هو تأمني‬ ‫مستقبل‬ ‫النظام‬ ‫الثوري‬

‫‪,,‬‬

‫‪10‬‬

‫يساور كثير من الدول املجاورة إليران ‪ -‬خاصة إسرائيل‬ ‫ودول الخليج العربي ‪ -‬قلق بالغ من أنه في مقابل التوصل‬ ‫إلى اتفاق نووي‪ ،‬سيوافق الغرب على أن تكون إيران‬ ‫قوية‪ .‬وهذا‪ ،‬على األقل‪ ،‬سيلقي بثقله على املنطقة‪ .‬وليس مفاجئا‬ ‫أن طهران بالفعل تتباهي في الداخل من أن اتفاق جنيف يبني أن‬ ‫الواليات املتحدة قبلت أن تكون الجمهورية اإلسالمية قوة كبرى في‬ ‫املنطقة‪ ،‬مدعية أن واشنطن ليس لديها اعتراض على تدخل طهران‬ ‫في شؤون جيرانها مثل مشاركة اآلالف من اإليرانيني في القتال‬ ‫في سوريا‪ .‬فهل هي حقيقة أن الغرب ‪ -‬وباألخص الواليات املتحدة‬ ‫ يدرسون القيام بتحول استراتيجي يمكن أن يجمع بني طهران‬‫وواشنطن في تحالف؟‬

‫ليس تحالفا إيرانيا ‪ -‬أميركيا‬

‫يحاول منظرو الجمهورية اإلسالمية كبح مد العوملة‪ ،‬لكن إمكانية‬ ‫نجاحهم في ذلك تشبه ما حققه امللك الفارسي أحشورش عندما‬ ‫قرر معاقبة مياه مضيق هيليسبونت ألنها تجرأت على إيقاف‬ ‫جيشه مع هبوب عاصفة‪.‬‬ ‫منذ عصر قدماء الفرس‪ ،‬كان اإليرانيون على ثقة بأهمية إيران‪.‬‬ ‫أدى ذلك إلى انتظار طهران منذ فترة طويلة أن يستوعب األجانب‬ ‫املطالب اإليرانية‪ ،‬وقد ساد هذا السلوك ليس فقط في املفاوضات‬ ‫الدبلوماسية ولكن أيضا في التعامالت التجارية‪ .‬ومرة بعد أخرى‬ ‫أضاعت إيران فرص التعاون الذي يحقق فائدة متبادلة مع األجانب‬ ‫من خالل اإلصرار على شروط غير واقعية‪ .‬وينطبق ذلك أيضا‬ ‫على استثمارات النفط والغاز وكذلك على العالقات مع دول الخليج‬ ‫العربي‪.‬‬

‫على مدار سنوات عديدة‪ ،‬كانت هناك آمال لدى اإليرانيني ومخاوف‬ ‫لدى عرب الخليج من أن الواليات املتحدة قد تقرر أن تتحالف مع‬ ‫إيران على حساب دول مجلس التعاون الخليجي‪ .‬على أي حال‪،‬‬ ‫يمكن القول إن إيران تعد املكسب االستراتيجي في املنطقة‪ :‬فهي‬ ‫حتى اآلن الدولة األكثر تعدادا للسكان‪ ،‬ولديها قاعدة صناعية‬ ‫كبيرة وموقع محوري‪ ،‬باإلضافة إلى وفرة مواردها الطبيعية‪ .‬يملك‬ ‫اإليرانيون قناعة بأهمية بلدهم‪ ،‬مما يجعلهم على يقني بأن الواليات‬ ‫املتحدة يوما ما ستعود إلى رشدها وتتحالف مع من يعتبرونها‬ ‫القوة العظمى الطبيعية في املنطقة‪.‬‬

‫وكان النهج اإليراني غير البارع تجاه أوروبا الفتا بشكل خاص‪.‬‬ ‫على الرغم من أن الشركات األوروبية كانت تتسابق منذ عشرين‬ ‫عاما مع بعضها البعض من أجل االستثمار في إيران‪ ،‬وكانت‬ ‫الحكومات األوروبية على استعداد للتغاضي عن اإلرهاب الذي‬ ‫ترعاه إيران على أراضيها رغبة في التعاون مع إيران‪ ،‬فإنه في‬ ‫الوقت الحالي تشكك الشركات األوروبية في إمكانية االستثمار في‬ ‫إيران حتى إذا رفعت العقوبات االقتصادية‪ ،‬وأصبح السياسيون‬ ‫األوروبيون على أقل تقدير يرتابون مثل األميركيني في نوايا‬ ‫طهران النووية‪.‬‬

‫كما أن هناك مفارقة في أن الشعب األكثر انجذابا للقيم األميركية‬ ‫في املنطقة هو الشعب اإليراني‪ ،‬على الرغم من الجهود التي يبذلها‬ ‫املتشددون في الجمهورية اإلسالمية‪ .‬وطاملا حذر املرشد األعلى‬ ‫آية الله علي خامنئي من املخاطر التي تشكلها ثقافة الغرب‪ ،‬وذلك‬ ‫لسبب وجيه هو أن اإليرانيني اعتنقوا العادات الثقافية الغربية التي‬ ‫حذر منها خامنئي‪ .‬على الرغم من التزامهن االسمي بالقيود‬ ‫املفروضة على ارتداء غطاء الرأس‪ ،‬تضع اإليرانيات مستحضرات‬ ‫تجميل أكثر مما تضعه األميركيات‪ ،‬وأحيانا كثيرة تكون املالبس‬ ‫في شوارع طهران مغرية إلى درجة أنها قد تمنع داخل مكاتبنا‬ ‫في واشنطن‪ .‬كما انقلبت األخالقيات الجنسية رأسا على عقب‪.‬‬

‫ال يمكن التغلب على سنوات العداء بسهولة‪ .‬في حني من املؤكد‬ ‫أن واشنطن تفضل تحسني العالقات مع طهران‪ ،‬إال أنها ستكون‬ ‫حماقة أن تتوقع إيران إعادة تقييم استراتيجية كبيرة من جانب‬ ‫الواليات املتحدة‪ .‬الفجوة عميقة جدا‪ .‬والواليات املتحدة ملتزمة‬ ‫بشدة بعالقاتها مع إسرائيل‪ ،‬في حني تنفق إيران الثورية مليارات‬ ‫الدوالرات كل عام في تسليح خصوم إسرائيل‪ .‬ورغم وجود‬ ‫الخالفات‪ ،‬أثبتت العالقات بني الواليات املتحدة ومجلس التعاون‬ ‫الخليجي أنها باقية ومستمرة ألن كل طرف يحقق كثيرا من‬ ‫املكاسب من خالل العالقات القائمة الوثيقة‪ .‬من جانبها‪ ،‬تغلف‬ ‫هوية الثورة اإليرانية ذاتها في معارضة ما تسميه «الغطرسة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬


‫إيران وينزع فتيل الصراع الطائفي السني والشيعي الذي يهدد‬ ‫املنطقة‪ ..‬ما سيحدث قريبا هو إطار عمل يوفق بني االحتياجات‬ ‫األمنية لإليرانيني والسعوديني واإلسرائيليني والروس واألميركيني»‪.‬‬ ‫إذا كانت هذه هي رؤية البيت األبيض‪ ،‬ستكون العقبة أمام تنفيذه‬ ‫هي تضارب املصالح بني الحلفاء اإلقليميني الذين يعارضون إضفاء‬ ‫شرعية على اتجاه إيران التوسعي وتدخلها في الشؤون السياسية‬ ‫واألمنية العربية‪ .‬ربما ال يعتقد أوباما أن الصراع اإلقليمي محصلته‬ ‫صفر‪ ،‬ولكن ال يعني ذلك أن اإليرانيني يشاركونه رأيه‪ .‬ومرة أخرى‪،‬‬ ‫يمكن رؤية الدليل على ذلك في السياسة التي تنتهجها إيران تجاه‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫يفسر ذلك تنامي الخالف بني واشنطن وحلفائها التقليديني‪ ،‬الذي‬ ‫كان على كيري أيضا أن يعترف به عندما أكد وجود اختالف مع‬ ‫السعودية بشأن «التكتيكات»‪ .‬جدير باالهتمام أن اإلدارة األميركية‬ ‫استخدمت العبارة ذاتها لوصف خالفها مع إسرائيل بشأن أسلوبها‬ ‫مع إيران‪ .‬تأكد ذلك في األسابيع األخيرة عندما أعرب اإلسرائيليون‬ ‫عن معارضتهم العلنية لشروط كانت أميركا على استعداد للموافقة‬ ‫عليها في املباحثات حول برنامج إيران النووي في جنيف‪.‬‬

‫سوء إدارة أوباما للتحالف‬ ‫ولكن الخالف بني الحليفتني أكبر من أن يكون تكتيكيا‪ .‬يتعلق‬ ‫صميم األزمة بأن البيت األبيض‪ ،‬كما حدث مع السعودية‪ ،‬في دفعه‬ ‫لقبول إيران‪ ،‬يقلب تفاهمات مستمرة منذ عقود دون التشاور كما‬ ‫ينبغي مع الحلفاء التقليديني أو أخذ مخاوفهم على محمل الجد‪.‬‬ ‫األكثر من ذلك أنه يضغط علنا على حلفائه ويتجاوزهم لضمان عدم‬ ‫وجود ما يعرقل طريق عقد صفقة مع طهران‪ ،‬وهو اتفاق بدأ بالفعل‬ ‫في هدم العالقات مع الشركاء التقليديني‪ .‬تتفهم السعودية وإسرائيل‬ ‫أن تخريب هذه العالقات يكمن في صميم االستراتيجية اإليرانية‪.‬‬ ‫ولكن فيما يبدو يشير أسلوب البيت األبيض إلى أن حلفاءه ليس‬ ‫لديهم خيار آخر سوى الوقوف في الصف وقبول االتفاق الجديد‪ .‬في‬ ‫الواقع‪ ،‬يبدو موقف واشنطن‪ ،‬كما أوضحه إغناتيوس‪ ،‬هو أن إعادة‬

‫أوباما لبناء إطار العمل اإلقليمي واتفاقه مع إيران أفضل لهوالء‬ ‫الحلفاء‪ ،‬ولكنهم ال يعلمون ذلك‪.‬‬ ‫من الطبيعي أن يكون لسوء إدارة أوباما للتحالف تبعات‪ .‬كما يقول‬ ‫الخبير في شؤون اإلقليم لي سميث‪« :‬الحلفاء ليسوا مجرد منتجات‬ ‫للسلطة؛ ولكنهم أيضا يحملون توقيعها‪ ..‬إذا عاملتهم كما تعامل‬ ‫أعداءك‪ ،‬فربما يتخذون خيارات مختلفة»‪.‬‬ ‫وفي مثال على ذلك‪ ،‬نرى سعي مصر إلى عقد صفقة عسكرية مع‬ ‫موسكو مؤخرا‪ .‬استنتج كثير من املحللني أن هذا يشير إلى رغبة‬ ‫القاهرة في استبدال املساعدات الروسية باملساعدات األميركية‪ .‬ومن‬ ‫املؤكد أن في ذلك مبالغة‪ .‬فال تملك أي من روسيا أو مصر القدرة‬ ‫على تحقيق مثل هذا التحول من الواليات املتحدة إلى منصة روسية‪.‬‬ ‫وفي حني ال تتطلع مصر إلى االنتقال إلى املدار الروسي‪ ،‬فإنها بعثت‬ ‫برسالة إلى البيت األبيض مفادها‪ :‬في تناقض صارخ مع واشنطن‪،‬‬ ‫أظهر الروس في سوريا أنهم يقفون إلى جانب أصدقائهم في السراء‬ ‫والضراء‪.‬‬ ‫ولكن بعيدا عن الرسائل السياسية‪ ،‬يحمل مذهب أوباما تأثيرا فعليا‬ ‫ومباشرا على موقف أميركا‪ .‬إذا افترضت رؤية الرئيس األميركي‬ ‫إدراج إيران وروسيا كطرفني معنيني في اإلطار األمني الجديد‪ ،‬مع‬ ‫معرفة أن الواليات املتحدة ترغب في الحد من ظهورها اإلقليمي‪ ،‬إن‬ ‫لم يكن الخروج كلية من الشرق األوسط‪ ،‬فسوف تحاول األطراف‬ ‫اإلقليمية حماية ذاتها وتبحث عن ترتيبات بديلة‪ .‬ونرى بالفعل بلدانا‬ ‫مثل السعودية وإسرائيل تبحث عن خيارات أخرى‪ .‬ومن املرجح‬ ‫أن يتسع نطاق ذلك‪ .‬وبالطبع لن يحل أحد محل الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫ولكنهم سيتوسعون‪ .‬لن تتخلى األطراف اإلقليمية عن العالقات مع‬ ‫واشنطن‪ ،‬ولكنها سوف تؤكد على استقالل خياراتها بصورة أكبر‪.‬‬ ‫بطريقة أخرى‪ ،‬سوف تتغير القواعد القديمة‪.‬‬ ‫ومع اقتراب عام ‪ 2013‬من نهايته‪ ،‬على األرجح أن يكون عام التغيير‬ ‫التاريخي في العالقات األميركية مع الشرق األوسط‪ .‬وفي ظل ُمضي‬ ‫البيت األبيض عازما في محاولته إلعادة تنظيم ووضع إطار أمني‬ ‫جديد في املنطقة‪ ،‬يجد كل من الواليات املتحدة وحلفائها التقليديني‬ ‫أنفسهم في وضع مجهول <‬

‫لقطة من اجتماع «مجموعة أصدقاء‬ ‫سوريا» الذي عقد في لندن وحضره وزير‬ ‫الخارجية السعودي سعود الفيصل ووزير‬ ‫الخارجية البريطاني ويليام هيغ ونظيره‬ ‫االميركي جون كيري (النكستر هاوس ‪-‬‬ ‫‪ 22‬أكتوبر ‪)2013‬‬

‫‪,,‬‬

‫اتخذت‬ ‫الرياض‬ ‫خطوة غير‬ ‫معتادة‬ ‫لفتت كثيرا‬ ‫من األنظار‬ ‫برفض مقعد‬ ‫غير دائم في‬ ‫مجلس األمن‬ ‫في األمم‬ ‫املتحدة‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪9‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫في مطلع نوفمبر الشهر املاضي‪ ،‬بدأ جون كيري وزير الخارجية األميركي جولة سريعة في الشرق األوسط‪،‬‬ ‫توقف خاللها في مصر والسعودية وإسرائيل‪ .‬جاءت زيارة كيري في وقت تعاني فيه عالقات واشنطن مع‬ ‫هؤالء الشركاء التقليديني الثالثة – الذين يمثلون أعمدة نظام التحالف األميركي في الشرق األوسط – من‬ ‫تدهور كبير‪ .‬فقد الحلفاء الثقة في اإلدارة األميركية ورؤيتها بالنسبة للمنطقة‪ .‬كما وجد شركاء أميركا‬ ‫القدامى أسبابا قوية للشعور بالقلق‪ ،‬حيث بدا أن إدارة أوباما غافلة عن مصالحهم‪ ،‬بل وأيضا من خالل‬ ‫سعيها إلى عقد اتفاق مع إيران‪ ،‬بدا أنها عازمة على قلب البنية األمنية في املنطقة والتي حافظت عليها على‬ ‫مدار عقود‪.‬‬

‫قراءة في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية عام ‪2013‬‬

‫مواقف رائدة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫طوني بدران‬

‫‪,,‬‬

‫في حني كانت‬ ‫إدارة أوباما‬ ‫مصممة‬ ‫على وقف‬ ‫مساعداتها‬ ‫ملصر تحركت‬ ‫السعودية‬ ‫وحلفاؤها في‬ ‫الخليج لدعم‬ ‫القاهرة‬

‫‪,,‬‬

‫كانت االنتقادات العلنية ضد السياسة الخارجية التي‬ ‫تنتهجها إدارة أوباما غير مسبوقة‪ .‬في الشهر السابق على‬ ‫زيارة كيري‪ ،‬كانت السعودية على وجه التحديد تعرب علنا‬ ‫عن استيائها من واشنطن‪ .‬وبعيدا عن التعليقات الحادة التي صدرت‬ ‫عن األمير تركي الفيصل التي هاجم فيها أداء اإلدارة األميركية‪،‬‬ ‫اتخذت الرياض خطوة غير معتادة لفتت كثيرا من األنظار برفض‬ ‫مقعد غير دائم في مجلس األمن في األمم املتحدة‪ .‬لم تكن رسالة‬ ‫السعوديني خفية‪ .‬وفقا لتصريحات أحد املسؤولني السعوديني‪ ،‬لم‬ ‫تكن الرسالة موجهة إلى األمم املتحدة ولكن إلى الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫كذلك كانت وزارة الخارجية السعودية واضحة في ذكر السبب‬ ‫الذي دفع إلى اتخاذ هذا القرار‪ :‬غضبا من فشل التعامل مع األزمة‬ ‫السورية‪.‬‬

‫سياسة واشنطن تجاه مصر‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬انزعج السعوديون من سياسة واشنطن تجاه‬ ‫مصر‪ .‬في حني كانت إدارة أوباما مصممة على وقف مساعدات‬ ‫معينة‪ ،‬تحركت السعودية وحلفاؤها في الخليج إلى دعم القاهرة‬ ‫ماليا‪ .‬وعلى هذه الخلفية‪ ،‬جاءت زيارة كيري إلى مصر والتصريحات‬ ‫البرغماتية التي أدلى بها هناك فيما يبدو محاولة للتصالح مع‬ ‫السعوديني‪.‬‬ ‫ولكن حتى مع محاولة إزالة فكرة وجود خالف مع السعودية‪ ،‬اعترف‬ ‫كيري في القاهرة بأن الدولتني مختلفتان بشأن سوريا‪ .‬وصرح‬ ‫كيري قائال‪« :‬هناك بعض الدول في املنطقة أرادت أن تفعل الواليات‬ ‫املتحدة شيئا ما يتعلق بسوريا‪ ،‬ولكننا فعلنا شيئا آخر»‪ .‬ولكنه‬ ‫حاول الحد من الخالف بوصفه اختالفا حول «التكتيكات» وليس‬ ‫حول «الهدف األساسي للسياسة»‪.‬‬ ‫وبعد ذلك في مؤتمر صحافي في الرياض‪ ،‬سعى كيري مرة أخرى‬ ‫إلى طمأنة مضيفيه‪ ،‬مؤكدا على العالقات الدائمة بني الواليات املتحدة‬ ‫واململكة‪.‬أكد كيري قائال‪« :‬إن هذه العالقة العميقة التي مضى عليها‬ ‫حتى اآلن أكثر من ‪ 70‬عاما ستستمر في املستقبل»‪.‬‬ ‫تكمن املشكلة في أن وراء كل هذه الجماليات الدبلوماسية‪ ،‬كانت‬

‫‪8‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫رسالة كيري في الواقع مجرد تأكيد على خطاب الرئيس أوباما في‬ ‫الجمعية العامة لألمم املتحدة في سبتمبر (أيلول) ‪ .2013‬في هذا‬ ‫الخطاب‪ ،‬أوضح الرئيس األميركي رؤيته للدور األميركي و«مصالحه‬ ‫الرئيسة» في الشرق األوسط‪ .‬إحدى هذه املصالح الرئيسة‪ ،‬التي‬ ‫كررها كيري في مصر والسعودية‪ ،‬هي التزام الواليات املتحدة‬ ‫بحماية حلفائها في الخليج ضد أي هجوم خارجي‪.‬‬ ‫ربما ظن كيري أن موقفه يجب أن يبعث على تهدئة أي مخاوف قد‬ ‫يشعر بها حلفاؤه اإلقليميون بشأن اتجاه السياسة األميركية‪ ،‬إال‬ ‫أن مذهب أوباما الجديد أكد في الواقع شكوك الحلفاء‪ .‬إذا توقفت‬ ‫الضمانات األمنية األميركية عند مواجهة هجوم خارجي تقليدي‪،‬‬ ‫ستكون قيمتها محدودة‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬قليلون في منطقة‬ ‫الخليج يخشون من غزو إيراني تقليدي‪ .‬تعتمد طهران على أرصدة‬ ‫أخرى في توسعة نفوذها وفي تخريب أمن الدول العربية‪ .‬أحد‬ ‫األمثلة على ذلك التدخل اإليراني في سوريا باستخدام حزب الله‬ ‫وامليليشيات العراقية‪ ،‬ناهيك عن دورها في اليمن‪.‬‬

‫إعادة تشكيل البنية األمنية األميركية‬ ‫ال يتفق ذلك مع معيار «املصالح الرئيسة» للرئيس أوباما‪ ،‬كما‬ ‫يتضح مرة أخرى من موقف اإلدارة من سوريا‪ ،‬ولكن يتنافى أيضا‬ ‫منطق رؤية أوباما مع منطق توازن القوى‪ .‬أعلن الرئيس األميركي‬ ‫أن مساعي سوريا لن يكون «مجموعها صفر»‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪،‬‬ ‫رحب أوباما بـ«جميع البلدان» ذات التأثير في سوريا بصفتها أطرافا‬ ‫معنية في عملية البحث عن حل سياسي يحافظ على مصالحها‪.‬‬ ‫بمعنى آخر‪ ،‬تسعى رؤية أوباما إلى االعتراف بمصالح إيران‬ ‫وتوفيقها في املنطقة‪.‬‬ ‫وهكذا ربما يسعى أوباما إلى إعادة تشكيل البنية األمنية األميركية‬ ‫القائمة في املنطقة‪ .‬أشار إلى ذلك ديفيد إغناتيوس‪ ،‬الصحافي الذي‬ ‫يجتمع بانتظام مع الرئيس أوباما‪ ،‬وأحيانا ما يكون الصوت الناقل‬ ‫ألفكار أوباما‪ .‬بعد أيام من خطاب أوباما في الجمعية العامة‪ ،‬قدم‬ ‫إغناتيوس ما يرجح أن يكون التفسير الرسمي للمذهب الجديد‬ ‫للرئيس األميركي حيث كتب‪« :‬سوف تكون الواليات املتحدة أقوى‪،‬‬ ‫إذا استطاعت إقامة إطار عمل جديد لألمن في الشرق األوسط يضم‬


‫الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد‬ ‫تهامي العبدولي‪ :‬وزير الدولة التونسية للشؤون‬ ‫األوروبية السابق‪ ،‬ورئيس الحركة الوطنية‬ ‫التونسية‪ .‬أكاديمي واستاذ في جامعة سوسة‬ ‫وجامعة «روما ‪ »3‬االيطالية ورئيس املعهد الدولي‬ ‫للحوار العربي ـ ـ االوروبي بني الحضارات‪.‬‬ ‫باتريك كالوسون‪ :‬مدير األبحاث في معهد‬ ‫واشنطن لسياسة الشرق األدنى ‪ ،‬كتب أكثر من‬ ‫‪ 150‬مقاال حول الشرق األوسط واالقتصاد الدولي‪،‬‬ ‫وألف وحرر ثمانية عشر كتابا ودراسة عن إيران‪.‬‬ ‫وقبل انضمامه ملعهد واشنطن‪ ،‬عمل أستاذا باحثا‬ ‫في معهد الدراسات القومية االستراتيجية وكبير‬ ‫الخبراء االقتصاديني في صندوق النقد الدولي‬ ‫والبنك الدولي‪.‬‬ ‫سبيكة النجار‪ :‬حاصلة على الدكتوراه في علم‬ ‫اإلجتماع من جامعة باريس‪ ،‬باحثة بحرينية‬ ‫مستقلة وناشطة في مجال حقوق املرأة‪ ،‬عضو‬ ‫مؤسس في جمعية «أوال النسائية» و»الجمعية‬ ‫البحرينية لحقوق اإلنسان» وتولت رئاستهما عدة‬ ‫سنوات‪.‬‬ ‫مها عقيل‪ :‬كاتبة وإعالمية سعودية‪ ،‬وباحثة في‬ ‫قضايا املرأة‪ ،‬رئيسة تحرير مجلة منظمة التعاون‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ومؤلفة كتاب «املرأة السعودية في‬ ‫األعالم»‪.‬‬ ‫طوني بدران‪ :‬كاتب وباحث أميركي من أصل‬ ‫لبناني ‪ ،‬متخصص في شؤون الشرق األوسط‬ ‫مقيم في نيويورك‪ ،‬نشر مقاالت رأي في صحف‬ ‫كبرى منها «نيويورك تايمز» و«وول ستريت‬ ‫جورنال» و«واشنطن بوست» وكاتب عمود اسبوعي‬ ‫في «لبنان اليوم»‪ .‬زميل في مؤسسة الدفاع عن‬ ‫الديمقراطيات ( ‪ ) FDD‬في واشنطن ‪.‬‬ ‫مالك العبدة‪ :‬باحث وصحافي وناشط إعالمي‬ ‫سوري معارض من مدينة برمنغهام البريطاني‬ ‫سبق أن عمل محررا عاما في تلفزيون (بردى) قبل‬ ‫أن يتولى رئاسة تحرير (القناة) التي مقرها لندن ـ ـ‬ ‫يكتب في قضايا الشرق األوسط وينشر مقاالته في‬ ‫عدد من الصحف واملجالت العربية واألجنبية‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫‪7‬‬


‫المحتوى‬

‫قراءة في السياسة الخارجية للمملكة‬ ‫العربية السعودية عام ‪2013‬‬

‫مواقف رائدة‬ ‫الحركة النسوية في‬ ‫الخليج‪ ..‬بني حق‬ ‫املرأة واستغالل‬ ‫املعارضة!‬

‫معركة ثقافة‬ ‫ال تحالف بني إيران واميركا ‪..‬‬ ‫طهران تعد ملكسب استراتيجي‬ ‫في املنطقة‬

‫تطبيع نووي!‬

‫ظاهرة انضمام عناصر أميركية‬ ‫واوروبية مليليشيات اصولية‪..‬‬ ‫تهدد الغرب‬

‫اجلهاديون األوروبيون‬

‫االتحاد املغاربي‬ ‫بعد الربيع العربي‪:‬‬ ‫قنابل موقوتة‬ ‫وحروب استنزاف‬ ‫جديدة‬

‫فرص مهدرة‬

‫هل يفسد الحرس الثوري اإليراني‬ ‫أجواء التهدئة مع أميركا؟‬

‫ثوار برغماتيون‬

‫‪6‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬


‫‪www.majalla.com‬‬

‫مجلة العــرب الدولية‬


‫االفتتاحية‬

‫رساله المحرر‬ ‫يشكل تاريخ الحركة النسوية في الخليج العربي حالة مهمة تستحق الدراسة والتأمل؛ نظرا لتطورها‪ ،‬وارتباطها الشديد‬ ‫بتحوالت املجتمعات الخليجية املحافظة في ظل ظروف العوملة وشروط العصر الراهن‪.‬‬ ‫مجلة «املجلة» في ملف خاص بهذه القضية تتتبع تاريخ الحراك النسائي في الخليج‪ ،‬ونشأته وبداياته األولى‪ ،‬ونتائجه‬ ‫ووقائعه في عالم اليوم‪ .‬الكاتبة البحرينية الدكتورة سبيكة النجار التي كانت رئيسة لواحدة من أشهر الجمعيات‬ ‫النسائية البحرينية وهي جمعية «أوال النسائية» تكتب رصدا لتاريخ الحراك من أجل حقوق املرأة في دول الخليج‪ ،‬بدءا‬ ‫من البحرين والكويت‪ ،‬وانتهاء بقطر واإلمارات العربية وسلطنة عمان‪ ،‬حيث اتجهت أغلب الدول الخليجية إلى إرساء‬ ‫دعائم أولى لوجود املرأة ومشاركتها في الواقع االجتماعي والسياسي‪ ،‬وإن لم يكن ذلك مكتمال أو وفق املأمول‪.‬‬ ‫في ذات امللف تقرر الكاتبة السعودية ملياء السويلم في مقالة بعنوان «معركة ثقافة» أن «النضال لنيل املرأة حقوقها‬ ‫اإلنسانية لم يكن معركة ضد الرجل السياسي الحاكم ولن يكون‪ ،‬هو كان معركة مع كل نظام ذكوري اجتماعي‬ ‫وسياسي واقتصادي وديني»‪.‬‬ ‫أما الكاتبة السعودية مها عقيل فأكدت في مقال بعنوان «طوق التقاليد» أن السعودية «لم تشهد حركة نسوية صريحة‬ ‫وواضحة باملعنى املعروف للنسوية كما شهدته بعض الدول العربية واإلسالمية األخرى في العقود املاضية»‪ .‬وتضيف‪:‬‬ ‫«الظروف السياسية واالقتصادية املتغيرة في املجتمع السعودي يمكن أن تتجه إلى فتح مزيد من فرص العمل والتمثيل‬ ‫األفضل للمرأة‪ ،‬ولكن من دون قبول اجتماعي وثقافي ودعم لهذه التغيرات سوف يستمر تهميش املرأة والتمييز‬ ‫ضدها»‪.‬‬ ‫وفي ملف آخر تطرحه «املجلة» بمناسبة نهاية عام ‪ ،2013‬حيث يشهد الشرق األوسط قضايا وملفات ساخنة ال تزال‬ ‫عالقة لم تحسم بعد‪ ،‬على رأسها «امللف النووي بني أميركا وإيران»‪ ،‬حيث يرى الكاتب األميركي باتريك كالوسون أن أي‬ ‫اتفاق نووي أميركي إيراني سيلقي بثقله على املنطقة ويزيد من تباهي النظام اإليراني الذي لم يؤسس البرنامج النووي‬ ‫إال من أجل حماية نظامه الثوري‪.‬‬ ‫وفي موضوع آخر‪ ،‬يتحدث الوزير التونسي األسبق للشؤون األوروبية الدكتور تهامي العبدولي أن الثورة التونسية‬ ‫سوف تؤول إلى نكبة‪ ،‬مؤكدا أن «حزب النهضة لم يفهم أبدا أن الشعب التونسي هو شعب مدني خالص»‪.‬‬ ‫وفي ذات السياق يتتبع الباحث األردني إبراهيم غرايبة مسيرة اإلسالم السياسي منذ بدء الربيع العربي ما بني‬ ‫‪ 2010‬وحتى ‪ ،2013‬مؤكدا أن الجماعات اإلسالمية كالشهب «سطع نجمها سريعا ثم هوت»‪ ،‬نتيجة لضعف الخبرة‬ ‫السياسية‪ ،‬واألخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الحركات اإلسالمية فأفشلت مشروعها‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذلك تنشر «املجلة» مقاالت مترجمة من مجلة «فورن أفيرز» تتناول املستجدات القائمة في الساحة اإليرانية‬ ‫واألفريقية‪ ،‬إضافة إلى تقرير خاص عن كتاب حديث يستعرض أهم االتجاهات التي ستحكم العالم في العشرين سنة‬ ‫املقبلة‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا ‪ majalla.com‬ونرحب دائما بآرائك وندعوك‬ ‫للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا‪.‬‬

‫المحرر‬ ‫‪4‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬


ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM Acting CEO of NASHR Co.

Omar A. Alshaikh ‫ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ‬

ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

^¤ 7yG* Ò* ^d<

‫اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of ‫ﺳﻜﺮﺗﲑ‬ NASHR Co. Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

¥E¢ 6^G* £ }H

ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting‫سكرتري‬ CEO of-NASHR ‫ م�صطفى الد�سوقي‬.‫ د‬:‫التحرير‬ ‫الر�شيد‬Co. ‫ عبد اهلل‬:‫مسؤول مكتب اخلليج‬

ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ΃ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ΍ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ΍ ΪϳήΒϟ΍ ϰϠϋ ΔϠγ΍ήϤϟ΍ ϰΟήϳ ˯΍έ΁ ϭ΃ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar A. Alshaikh

‫للمشاركة‬ ȝƾżȚǍƄŵȚ

‫كلمة‬ 800 ‫ جميع المقاالت يجب أال تزيد على‬:‫ ملحوظة‬editorial@majalla.com ‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني‬ ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ΍ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ΍ ΔόΒτϟ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ

‫اشتراكات‬ ϡΎψϧ ϱ΃ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ΃ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ΃ ϭ΃ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝ΍ϮΣϷ΍ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ΍ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ΍ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla :‫ لالشتراك في االلكترونية‬subscriptions@majalla.com :‫ يرجى االتصال بـ‬،‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‬ ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ΍ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϣ ϖΒδϣ ΢ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ΍ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ΃ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ΃ ΎϫήϳϮμΗ ϭ΃ Δϴϟ΁ ϭ΃ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ΃ ϭ΃ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ΃ ϲϋΎΟήΘγ΍ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ΍ ϙ΍ήΘηϻ΍ Ε΍έΎδϔΘγ΍

‫ وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام‬.‫ التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة‬2009 ‫حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة‬ ‫ لتلقي‬.ً‫ وتصدر المجلة شهريا‬.)‫استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة‬ www.majalla.com ‫ يرجى زيارة‬،‫استفسارات االشتراك الرقمي‬

LVVXH

$XJXVW

Ώ΁ βτδϏ΃ ΩΪόϟ΍

++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1590 -December 2013 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn,

London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310

ϰμμΨΘϟ΍ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ νΎϳήϟ΍ ΎϬϟ κΧήϣ 2013 ‫ كانون األول‬-‫ ديسمبر‬1590 ‫العدد‬

$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ΍

ZZZ PDMDOOD FRP HQJ

‫ تقاطع التخصصى‬- ‫ طريق مكة‬- ‫ حي المؤتمرات‬- ‫الرياض‬

‫مرخص لها‬

A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 :‫ لندن‬- 4419933 ‫ هاتف‬:‫الرياض‬

www.majalla.com/eng KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ϝϭΪϟ΍ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϞΧ΍Ω Ϧϣ

hq@alkhaleejiah.com :‫ بريد إلكتروني‬،www.alkhaleejiah.com :‫موقع إلكتروني‬ +966 1 441 1444 : ‫ ومن مختلف الدول‬، +44 207 404 6950:‫ لندن‬، +331 537 764 00:‫ باريس‬،+9714 3 914440 :‫ دبي‬،920 000 417 : ‫من داخل المملكة‬

ϲϧϼϋϹ΍ ϞϴϛϮϟ΍ ‫الوكيل اإلعالني‬

ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ

ΕΎϛ΍ήΘηϹ΍ Ϟϴϛϭ

800-2440076 :‫ هاتف مجاني‬،www.arabmediaco.com :‫ موقع إلكتروني‬، info@arabmediaco.com :‫بريد إلكتروني‬

‫وكيل اإلشتراكات‬

ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ΍ ΔϴΑήόϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 1 2121774 :‫ فاكس‬+966 1 4419933 :‫ هاتف‬،11585 ‫ الرياض‬- 62116 ‫ب‬.‫ ص‬- ‫المؤتمرات‬ ‫وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي‬

www.saudidistribution.com :‫موقع إلكتروني‬

ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι

‫�شركات ن�شر‬ ‫شركات نشر‬

ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ

‫وكيل التوزيع‬

ΔϋΎΒτϟ΍ ΰϛήϣ

ΔϋϮϤΠϤϟ΍ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com

Saudi Specialized Publishing ‫املتخصص‬ ‫السعودية للنشر‬ ‫ الشركة‬Company www.sspc.com.sa

áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG

www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\

‫حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة‬

»‫لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم‬

ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ΍ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ΍ ϕϮϘΣ

©ϡϼϋϹ΍ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 ‫ يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني‬،‫المعلومات‬ ‫للحصول على المزيد من‬

»‫حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة‬



‫العدد ‪ 1590‬ديسمبر‪ -‬كانون األول ‪2013‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫ماجد النعيمي‪ :‬البحرين ‪ ..‬احلوار الوطني و�إن طال ال�سفر‬ ‫تهامي العبدويل‪ :‬الثورة التون�سية قد ت�ؤول �إىل نكبة‬ ‫باتريك كالو�سون‪ :‬طهران تعد ملك�سب ا�سرتاتيجي يف املنطقة‬

‫‪2014‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪12‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪Issue 1590 - December 2013‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.