واشنطن ـ بكين... صراع على رمال متحركة

Page 1


‫«نسر الصعيد» ال يحسب لي‪ ..‬بطله‬ ‫محمد رمضان‪ ،‬وشاركت فيه بعد شهر‬ ‫من التصوير‬ ‫ أتمنى أن أؤدي شخصية املرأة السيناوية ونحن مقصرون في حقها‪،‬‬‫فهذه املرأة العظيمة أعطت من حياتها وعمرها ألبنائها وقدمت الشهداء‪،‬‬ ‫فليس كل أهل سيناء يبيعون بلدهم لإلرهاب‪ ،‬فهناك منهم «جدعان»‬ ‫ولديهم وطنية‪ .‬وهناك نماذج يجب أن نضعها في الحسبان‪ ،‬وأيضا‬ ‫أريد من الفن أن يقترب من عمل الرجل السيناوي الذي ال يقبل بالخيانة‬ ‫فهؤالء رجال عظماء ولم يأخذوا حقهم في الدراما‪ .‬كذلك أتمنى تجسيد‬ ‫قصة حياه العاملة املصرية «سميرة موسى»‪ ،‬فتحية لكل عالم لم يأخذ‬ ‫حقه وتم اغتياله‪ ،‬وتم وعدي بتقديمها‪ ،‬وأمنيتي تقديمها ألنها قصة‬ ‫كفاح لها أحاسيس عظيمة ويوجد لها الكثير من الجوانب اإلنسانية‬ ‫والخفايا التي لم تظهر بعد ولكن عمال كهذا يحتاج لكاتب بحجم الكاتب‬ ‫الراحل محفوظ عبد الرحمن‪ ،‬مرة أخرى‪.‬‬ ‫> ه ��ل ت��واف �ق�ي�ن ع �ل��ى ت �ق��دي��م ع �م��ل ف �ن��ي خ ��اص ب��اإلن �ت��رن��ت فقط‬ ‫«الديجيتال»؟‬ ‫ منذ متابعة مواقع اإلنترنت كنت أتوقع أنه سيأتي يوم وسيتم فيه تخصيص‬‫أعمال للديجيتال‪ ،‬وكنت من أوائل من قالوا ذلك‪ ،‬بدليل أنه اآلن أصبحت هناك‬ ‫إعالنات على األعمال التي تعرض على اإلنترنت دون توقف‪ ،‬لذلك أتحمس‬ ‫لدخول تجربة من هذه النوعية ليس لدي مشكلة بشرط أن يكون عمال مميزا‪،‬‬ ‫لدي مشروع أعكف على قراءته لو تم إنتاجه بشكل صحيح سوف يحقق‬ ‫نجاحا م��دوي��ا‪ ،‬وه��ي فكرة الب��ن زوج��ي وزوج�ت��ه املنتج محمد ف��وزي‪ ،‬فقد‬ ‫عرضت علي الفكرة وأعجبتني لكنها تحتاج إلى وقت للتنفيذ‪ ،‬وجرأة من‬ ‫اإلنتاج‪ ،‬وتحتاج إلى ميزانية كبيرة‪ ،‬ففكرته مختلفة‪ ،‬لكنني ال أريد التحدث‬ ‫عنها اآلن قبل تنفيذها‪ ،‬لو تم تنفيذها فسوف تضيف لرصيدي الفني‪.‬‬ ‫جمهور اإلنترنت كبير ومختلف وصعب إرض��اؤه‪ ،‬لكن جمهور الشاشة‬ ‫ً‬ ‫موجودا‪.‬‬ ‫الصغيرة سيظل‬

‫الفنانة وفاء عامر‬

‫إخراجها منه بالقوة ثم تقوم بتنظيف الحارة وتصر على الوجود والعيش‬ ‫فيها‪ .‬وشخصيتي في العمل تحمل رسالة فتؤكد من خالل الحارة التي ترمز‬ ‫إلى مصر خالل أحداث العمل؛ إننا ال ننظفها لكي نهجرها ونتركها‪ ،‬ولكن‬ ‫ننظفها لكي نعيش فيها‪ .‬وتكفيني هذه الجملة ألن أقوم بها‪ .‬وجسدت ذلك‬ ‫من قبل في فيلم «كف القمر»‪ ..‬نفس املعنى مع اختالف الرسالة فكان دوري‬ ‫ً‬ ‫رمزا للوطن العربي املفكك‪ .‬دائما أسعى لعدم تكرار أدواري خاصة أن املخرج‬ ‫ً‬ ‫خالد يوسف يحرص على األعمال الهادفة‪ ،‬فأفالمه جميعها تحمل مضمونا‬ ‫ورسالة مهمة للمجتمع‪ ،‬و«كارما» عوده قوية له بعد سنوات من الغياب‪.‬‬

‫> هل أنت راضية عن مسيرتك الفنية حتى اآلن؟‬ ‫ بالتأكيد‪ ..‬هناك أعمال فنية شاركت فيها في بداياتي لم أكن راضية عنها‪،‬‬‫وقمت بتجسيد شخصيات مضطرة بسبب االحتياجات املادية‪ ،‬ولم يكن‬ ‫لدي رفاهية االختيار‪ .‬كان تفكيري في ذلك الوقت محدودا وليس لدي خبرة‪،‬‬ ‫أما اآلن فأصبح لدي شروط في العمل الذي أقوم به‪ ،‬رغم ذلك ال أريد محو‬ ‫أي عمل لي فتعلمت من كل تجربة‪ ،‬وكل تجربة بالتأكيد أضافت لي حتى لو‬ ‫كانت غير مرضية لي اآلن‪ ،‬وأي عمل فني شاركت فيه ساهم في وجودي على‬ ‫الساحة الفنية بقوة‪ ،‬فمن املمكن أن يكون هناك أخطاء في حياة اإلنسان ولكن‬ ‫في النهاية غير محظوظ من ال يتعلم من أخطائه‪ ..‬هذا ما تعلمته من الحياة‪.‬‬

‫> ملاذا رفضت املشاركة في فيلم «قرمط بيتقرمط»؟‬ ‫> ماذا عن عملك الدرامي «السر»؟‬ ‫ لم أرفض بل اعتذرت‪ً ،‬‬‫نظرا الرتباطي بتصوير مسلسل «هجرة الصعايدة»‬ ‫ انتهيت من تصويره منذ عده أشهر‪ ،‬والعمل في مرحلة التسويق ألكثر‬‫ال��ذي توقف فيما بعد‪ ،‬لكن كنت أتمنى أن أش��ارك الفنان أحمد آدم العمل‪،‬‬ ‫من قناة فضائية‪ ،‬وأجسد في هذا العمل نموذج للمرأة املصرية املطحونة‬ ‫العتزازي بصداقته وكنت أتشرف بالعمل معه‪.‬‬ ‫التي تعمل وتكد بحثا عن لقمه العيش‪ ،‬ويشارك في العمل الكثير من النجوم‬ ‫منهم الفنان حسني فهمي ومايا نصري وريم البارودي ومن تأليف حسان‬ ‫> ماذا عن مشاريعك الفنية القادمة؟‬ ‫موسى وإخراج محمد حمدي وأتوقع أن يحقق نجاحا كبيرا بمجرد عرضه‪.‬‬ ‫ هناك م�ش��روع سينمائي م��ع امل�خ��رج املتميز «خ��ال��د ي��وس��ف» وسيكون‬‫في حجم فيلم «ك��ف القمر» ال��ذي ع��رض منذ سنوات‪ ،‬ولكنه مختلف في‬ ‫زلت تحلمني بتجسيدها؟‬ ‫> ماذا عن الشخصيات التي ما ِ‬ ‫املضمون‪.‬‬

‫‪67‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫هناك أعمال فنية شاركت فيها في‬ ‫بداياتي لم أكن راضية عنها‪ ،‬وقمت‬ ‫بتجسيد شخصيات مضطرة بسبب‬ ‫االحتياجات املادية‬

‫وتأكدت أنها لن تستطيع أن تؤدي الدور واستأذنت منها ألداء الدور وهذا ما‬ ‫تعلمته من كبار النجوم‪.‬‬

‫> ما رأيك في أن املوسم الدرامي هذا العام اتسم بقلة عدد املسلسالت‬ ‫مقارنة باألعوام السابقة؟‬ ‫ قله ع��دد األع�م��ال ل��م تكن املشكلة ه��ذا ال�ع��ام‪ ،‬ف�ه��ذا ف��ي ص��ال��ح الجمهور‪،‬‬‫فاملشاهد ف��ي األع ��وام السابقة ل��م يستطع متابعة ك��م املسلسالت الكبير‬ ‫الذي يعرض كل عام ولم يتمكن من الحكم عليه بشكل دقيق‪ ،‬وهذا املوسم‬ ‫كان مضبوطا إلى حد كبير من حيث الكم في املسلسالت‪ ،‬وعلى املستوى‬ ‫الشخصي لو تتوفر لي املشاركة في أعمال فنية بعيده عن شهر رمضان‪،‬‬ ‫لكان أفضل بكثير‪ ،‬وال أتمنى العمل في رمضان رغم أنه خسارة للمنتج‪ ،‬لكن‬ ‫نحتاج إلى جهات إنتاجية تحافظ على املستوى اإلعالني لكي ال يخسر املنتج‪،‬‬ ‫ولكن يسأل عن ه��ذه األزم��ة منتج العمل‪ ،‬لكنني أع��ذره��ا‪ ،‬فقد رأت نفسها‬ ‫مواز للموسم الرمضاني‪ ،‬لكي يعمل الفنان وهو مبسوط‪،‬‬ ‫مشهورة‪ ،‬شاركت في مسلسل بدور بطولة‪ ،‬فعندما كنت في بداياتي الفنية ويتم عمل موسم ٍ‬ ‫ويتم عمل الدعاية الالزمة لألعمال وأتمنى العمل خارج املارثون الرمضاني‬ ‫كنت أعتقد أنني من املمكن بعام عمل واحد أن أكون في حجم سيده الشاشة وقد حققت النجاح في مسلسالت كانت تذاع في غير شهر رمضان‪.‬‬ ‫«فاتن حمامة»‪ ،‬بعد ذلك فهمت أن املشوار طويل لذلك أعذر «درة» ومن املمكن‬ ‫أنها لم تكن تقصد خلق مشكلة‪ .‬أنا أسامح في ذلك‪ ،‬وراضية‪ ،‬وقلبي أبيض‪ > ،‬هل تقبلني مشاركة فنانني في أعمال فنية دون شروط مسبقة؟‬ ‫وفيما بعد قالت لي إنها لم تقصد ما حدث واملوضوع انتهى بالنسبة لي‪ ،‬لم ‪ -‬بالتأكيد‪ ..‬لكن هؤالء الفنانني رحلوا عن دنيانا‪ .‬ومن هؤالء الراحل محمود‬ ‫يكن لي دور في كتابة األسماء‪ ،‬فهذا من اختصاص املنتج واملخرج‪ ،‬بحكم عبد العزيز‪ ،‬أما الجيل الحالي فأنا أجربه في البداية‪ ،‬ثم أحكم عليه بعد ذلك‪.‬‬ ‫معرفة األصول‪ .‬عندما يوضع اسمي في أي عمل‪ ،‬بجانب أستاذ‪ ،‬وأقدم مني‪،‬‬ ‫فأنا أكبر به‪ ،‬ويسعدني ذلك‪.‬‬ ‫> ملاذا لم تشاركي في عمل فني حتى اآلن من بطولتك؟‬ ‫ ال يهمني أن يكون لدي عمل فني من بطولتي‪ ،‬لكن يهمني أن أكون موجودة‬‫> ه��ل اخ�ت�ي��ارات��ك ف��ي ال��درام��ا ال�ت�ل�ف��زي��ون�ي��ة ستتغير ب�ع��د نجاح من أجل حبي للفن وأن يكون املمثل الذي أمامي مثلي وأن يكون املخرج مؤمنًا‬ ‫مسلسل «نسر الصعيد»؟‬ ‫بموهبتي وأن يكون وجودي من خالل نص جيد‪ ،‬فخسارة الوقت الذي أضيعه‬ ‫بعد‬ ‫فيه‬ ‫وشاركت‬ ‫رمضان‪،‬‬ ‫محمد‬ ‫بطله‬ ‫�ي‪.‬‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ «نسر الصعيد» ال يحسب‬‫خارج البيت في عمل ال يرضيني حتى مع حب الناس لي وألدواري‪ ،‬وبطبعي‬ ‫لدي‬ ‫كان‬ ‫ولكن‬ ‫البداية‪،‬‬ ‫منذ‬ ‫معهم‬ ‫أكون‬ ‫أن‬ ‫أتمنى‬ ‫شهر من التصوير‪ ،‬وكنت‬ ‫طماعة في شغلي‪ ،‬وأحب أن أعمل شيئا مختلفا وممتازا‪.‬‬ ‫مسلسل آخر للمؤلف ناصر عبد الرحمن الذي تعاونت معه من قبل في «جبل‬ ‫الحالل»‪ ،‬إال أنه توقف لظروف إنتاجية‪ ،‬وكان لدي ظروف خاصة فاعتذرت > م��اذا عن مشاركتك في فيلم «ك��ارم��ا» ال��ذي يعرض حاليا بدور‬ ‫بعد قراءة عدد من الحلقات ثم أسند لبطلة أخرى وهي الفنانة سلوى خطاب‪ ،‬العرض السينمائي املصرية؟‬ ‫ولكنها أصيبت في قدميها‪ ،‬ثم اتصل بي الفنان محمد رمضان وطالبني ‪ -‬أظهر كضيفه شرف‪ ،‬وأقوم بدور امرأة شعبية ترفض بيع بيتها ويحاولون‬ ‫باملوافقة على العمل مرة أخرى فوافقت بعد أن اتصلت بزميلتي سلوى خطاب‬

‫‪66‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫من كواليس مسلسل‬ ‫«نسر الصعيد»‬


‫الفنانة وفاء عامر‬

‫النجاح والتفوق يجتهد ويحصل عليه‪ .‬محمد رمضان فنان مجتهد في‬ ‫شغله ولذلك وصل للنجومية والفنان محمود عبد العزيز نجم كبير وتاريخ‬ ‫والعمل معه كان متعة‪.‬‬ ‫> ماذا عن اللهجة الصعيدية؟‬ ‫ لم أقابل عقبات في اللهجة رغ��م اختالف طريقة محافظه قنا التي تدور‬‫فيها أحداث املسلسل في الكالم عن باقي املحافظات‪ ،‬وساعدنا في إتقانها‬ ‫االستعانة بمصحح لغوي من محافظة قنا بصعيد مصر‪.‬‬

‫في بداياتي الفنية كنت أعتقد أنني‬ ‫من املمكن بعد عام واحد أن أكون في‬ ‫حجم سيده الشاشة «فاتن حمامة»‪.‬‬

‫> م��اذا ع��ن املشهد ال��ذي ت��م حذفه م��ن «نسر الصعيد» وتعرضت‬ ‫بسببه النتقادات وهجوم حاد من الجمهور؟‬ ‫ املشهد كتب من قبل مؤلف العمل محمد عبد املعطي‪ ،‬ولم نر فيه أي جرأة‬‫وقت التصوير‪ ،‬وقبلت تجسيده كنوع من املصداقية‪ ،‬لكن بعد غضب الجمهور‬ ‫تم حذفه احتراما لهم وانتهى األمر‪ ،‬وفوجئت بعد ذلك بعرضه على اليوتيوب‬ ‫وربنا يسامح من قام بإخراجه وعرضه مره أخرى‪ ،‬وال أعلم حتى اآلن ملاذا تم‬ ‫عرضه‪ ،‬وتفاجأت به لعلمي بأن املخرج حذفه وحزنت كثيرا من هذا الفعل‪ > .‬ماذا عن مشكلة التتر (عرض أسماء أبطال العمل) والشجار الذي‬ ‫حدث بسببه في مسلسل «نسر الصعيد» مع الفنانة التونسية درة؟‬ ‫قبلت تجسيد املشهد من البداية؟‬ ‫> ملاذا‬ ‫ املشكلة هي اعتراضها على كتابه اسمي قبل اسمها على «تتر العمل»‪،‬‬‫ِ‬ ‫ بصراحة‪ ..‬تم تصويره في نهاية اليوم‪ .‬لم يأخذ أي وقت في التصوير‪ ،‬كما‬‫لم أشاهده في املونتاج‪ .‬لم أتخيل أنه سوف يخرج بهذا الشكل ولم أكن أفهمه‪،‬‬ ‫ولذلك أعتذر للجمهور الذي شاهده وكان يجب مراعاة حرمه شهر رمضان‬ ‫الذي عرض فيه‪ ،‬وكنت أرى أنه ما كان يجب أن يعرض على أي وسيله من‬ ‫وسائل اإلعالم ألن املخرج قام بحذفه‪.‬‬

‫‪65‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫تحدثت في حوار مع‬

‫عن مشاريعها الفنية املقبلة‬

‫وفاء عامر‪ :‬أحب األدوار «الصعيدية»‬ ‫وساعدني في إتقان اللهجة مصحح «صعيدي»‬

‫السينمائي هذا الصيف‪.‬‬ ‫القاهرة‪ :‬سها الشرقاوي‬ ‫في حوارها مع «املجلة» عبرت عامر عن سعادتها بردود األفعال اإليجابية‬ ‫شاركت الفنانة املصرية وفاء عامر في املوسم الدرامي األخير بمسلسل «نسر ح��ول العملني ال��درام��ي والسينمائي‪ ،‬م��ؤك��دة أنها محظوظة ه��ذا ال�ع��ام‪ ،‬كما‬ ‫الصعيد» أم��ام الفنان محمد رمضان‪ ،‬حيث جسدت شخصية الصعيدية تحدثت عن أحدث مشاريعها الفنية خالل الفترة املقبلة‪ ...‬وإلى أهم ما جاء‬ ‫«صالحة»‪ ،‬كما شاركت أيضا في فيلم «كارما» الذي عرض ضمن السباق في الحوار‪...‬‬ ‫> ماذا عن ردود األفعال حول عملك الدرامي األخير «نسر الصعيد»؟‬ ‫ الحمد لله‪ ...‬ردود األفعال كانت أغلبها إيجابية خاصة من املجتمع الصعيدي‬‫ال ��ذي ت��اب��ع ال�ع�م��ل ك��ام�لا‪ ،‬ك�م��ا وص�ل�ت�ن��ي إش� ��ادات ع�ب��ر ش�ب�ك��ات ال�ت��واص��ل‬ ‫االجتماعي وتم الثناء على أدائي لدور الصعيدية‪ ،‬بل وطالبوني باملشاركة‬ ‫في أعمال صعيدية مرة أخرى‪ ،‬وأعتبر هذا العمل من أهم أعمالي التي جذبتني‬ ‫قصتها‪ ،‬ألنها قريبة من البيت املصري وشعرت بأنها ستجذب املشاهدين‬ ‫وسيرتبطون بشخصيات العمل وخاصة شخصية صالحة التي جسدتها‬ ‫وهي السيدة الطيبة التي تظهر قسوتها أحيانا للحفاظ على بيتها وأسرتها‪،‬‬ ‫وه��ي شخصية ل��م أجسدها م��ن قبل رغ��م أنني قمت بعدة أع�م��ال باللهجة‬ ‫الصعيدية‪ ،‬وما يهمني تأثير ال��دور في العمل والرسالة التي أقدمها‪ ،‬فتلك‬ ‫املعايير هي أساس اختيار ألدواري‪.‬‬ ‫> لكنك قدمت شخصية األم الصعيدية من قبل‪ ،‬فما الفرق بينهما؟‬ ‫ قدمت الشخصية الصعيدية بأشكال مختلفة‪ ،‬سواء كانت السيدة الفقيرة‬‫أو من مستوى اجتماعي مرتفع‪ ،‬فالفنان القوي يمتلك الكثير من األقنعة وما‬ ‫زلت في مرحلة التعليم وال أستطيع أن أقول إنني ممثلة قوية‪ ،‬ال أريد التحدث‬ ‫عن االختالف بني األدوار بقدر ما أري��د الحديث عن حبي ل��دور الصعيدية‬ ‫وأمنيتي بتجسيد الكثير من الشخصيات الصعيدية املختلفة‪ ،‬فهما يتميزان‬ ‫بـ«الجدعنة» التي تتمثل في الكثير من املواقف منها أنها تذهب بابنها للجيش‬ ‫بيديها وتستقبل أي خبر بمنتهي القوة‪ ،‬فكل شخصية أقوم بأدائها أعيش‬ ‫معها بشكل حقيقي وترهقني وتتعبني في الوصول إلى الشكل النهائي لها‪،‬‬ ‫فكل شخصية «يطلع لها عفريت» وإحساس يظهر معي في الشخصية‪ ،‬فقد‬ ‫قدمت دور الصعيدية في «أبو هيبة» ولكنها شخصية مختلفة حيث كانت‬ ‫أشيك ومعها زوجها وتغار عليه‪ ،‬ومع نجم كبير هو الراحل محمود عبد‬ ‫العزيز‪ .‬ولن أنسى هذه التجربة بسبب إنسانياتها العالية‪.‬‬ ‫> ما الفرق بني الوقوف أمام الراحل محمود عبد العزيز والفنان‬ ‫محمد رمضان؟‬ ‫ بالتأكيد جيالن مختلفان تمامًا ليس من ناحية األحسن واألس��وأ‪ ،‬لكن‬‫كل جيل له نكهته الخاصة وال يوجد فروق كبيرة بني الجيلني فالذي يريد‬

‫‪64‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬



‫بو‬

‫ر‬

‫تر‬

‫يه‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مطربة كبيرة فنًاوسنا ‪ ...‬سورية األم ومصرية األب وامليالد والجنسية‬

‫نجاة الصغيرة بلغت الثمانني‬

‫‪ - 1‬نجاتان نجمتان‬ ‫ نجاة محمد كمال حسني البابا‪ ،‬هي صاحبة الصوت املميز بني طوفان األصوات الغنائية العربية‪،‬‬‫وهي املطربة الكبيرة التي سيعرفها كل العالم العربي باسم «نجاة الصغيرة»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ ّأما نعتها «الصغيرة» الذي ظهر مثل لقب السمها‪ ،‬فكان بسبب وجود مطربة مصرية سابقة لها‬‫على امليدان الغنائي‪ ،‬وأكبر منها عمرًا‪.‬‬ ‫نْ ّ‬ ‫مغن نْ‬ ‫يتي‪ :‬نجاة القديمة‪ ،‬ونجاة القادمة‪.‬‬ ‫ هكذا جاء نعتها بالصغيرة من باب التمييز بني نجاتي‬‫‪ - 2‬نجاة وسعاد أختان‬ ‫ بيت وال��د نجاة كان معروفًا باسم «بيت الفنانني»؛ فابنه‪ ،‬عز الدين حسني ملحن موسيقي‪ ،‬وقد‬‫ّدرس شقيقته «نجاة» املوسيقى والغناء‪ .‬وابنه اآلخر سامي حسني يعزف على آلة التشيلو‪ ،‬وهو كذلك‬ ‫مصمم مجوهرات وخطاط‪.‬‬ ‫ أما أختها من جهة األب‪ ،‬فاسمها سعاد حسني‪ ،‬التي ستصير نجمة فنية في الغناء والتمثيل خاصة‪.‬‬‫ هكذا اشتركت «نجاة الصغيرة» مع «سعاد حسني» في ّ‬‫األخوة من جهة األب‪ُ ،‬فهما أختان ولكن‪:‬‬ ‫نْ‬ ‫شقيقتي‪.‬‬ ‫غير‬ ‫‪ - 3‬نجاة بني ْ‬ ‫قطرين‬ ‫ّ‬ ‫ ونجاة الصغيرة‪ ،‬سورية األم‪ ،‬ومصرية األب وامليالد والجنسية‪ ،‬ولدت في القاهرة بتاريخ ‪ 11‬أغسطس‬‫(آب) ‪ .1938‬وقد صارت مغنية وممثلة مصرية سورية‪ْ ،‬‬ ‫وغدت معروفة وعابرة لألقطار في العالم العربي‪.‬‬ ‫ نجاة والزواج‪.‬‬‫ تزوجت «نجاة» مرتني‪ ،‬كان زواجها األول مبكرا في عام ‪ 1955‬من كمال منسى‪ ،‬ثم انفصلت عنه عام‬‫‪ .1960‬ولها منه ابنها الوحيد (وليد)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ ثم تزوجت عام ‪ 1967‬من املخرج حسام الدين مصطفى‪ ،‬ولم يعمر هذا الزواج طويال‪..‬‬‫ وقررت نجاة بعد نْ‬‫زوجي أن يكون الفن زوجها األبدي فقط‪.‬‬ ‫ نجاة بني مرحلتي‬‫ سنوات نشاط نجاة الفني راوح بني الغناء والتمثيل السينمائي على امتداد ستة عقود بني السنوات‬‫‪..2002 – 1942‬‬ ‫ ثم انقطعت ‪ -‬طويال ‪ -‬لتعاود ظهورا مفاجئا سنة ‪ .2017‬بأغنية‪ ...‬من تلحني «طالل»‪ ،‬وقد اقتربت‬‫من سن الثمانني‪ ،‬وخاطرها يردد مقولة نزارية‪« :‬ما أحلى الرجوع إلى الغناء»‪.‬‬ ‫‪ - 5‬استغناء نجاة عن األلقاب‬ ‫ بعد مثابرة متواصلة وممارسة طويلة في مناخات الغناء والسينما‪..‬‬‫ وبعد خمول ذكر «نجاة السابقة» تخلت «نجاة الالحقة» عن لقب «الصغيرة» بعد تقدمها في السن‬‫والنجومية‪..‬‬ ‫ وبعد انعدام ظهور «نجاة» أخرى منافسة في مجال الغناء‪.‬‬‫ صار الجميع يقول‪« :‬املطربة نجاة»‪ ،‬والكل ال يقصد غير نجاة «الصغيرة» سابقًا‪.‬‬‫ ‪ - 6‬أيظن‪ :‬أغنية ثالثية الجوائز‬‫ اندمجت نجاة في الوسط الفني الغنائي‪ ،‬وبدأ صوتها الخصوصي يلفت أنظار الشعراء وامللحنني‪،‬‬‫وكان املوسيقار محمد عبد الوهاب من بني هؤالء الذين الذين يرصدون النجوم في سماء األصوات‪،‬‬

‫‪62‬‬

‫وكان الشاعر السوري نزار قباني (‪ )1998 - 1923‬معجبًا‪ ،‬مثل ماليني العرب بصوت نجاة الصغيرة‪.‬‬ ‫كان الشاعر نزار قباني يشتغل دبلوماسيًا في سفارة بالده (سوريا) في الصني الشعبية‪ ،‬وصار‬ ‫يترصد من (بكني) صوت نجاة الصغيرة‪ ،‬وبات نزار يحلم باالنتشار الشعري عبر األغنية‪ ،‬ويطمح‬ ‫بوصول قصيدته إلى أوسع جمهور‪ ،‬فقرر إرسال قصيدة على لسان امرأة وتمنى لنجاة أن تغنيها‬ ‫بصوتها‪.‬‬ ‫ فهل كان نزار مسكونًا بالحنني إلى الشام‪ ،‬وأراد لقصيدته أن تحمل شيئًا من روح نجاة من خالل‬‫ّأمها السورية؟‬ ‫ هكذا أرسل نزار من بعيد (بكني) رسالة مضمونة الوصول إلى عنوان نجاة الصغيرة في القاهرة‪،‬‬‫وفي الرسالة قصيدة ّ‬ ‫(أيظن أني لعبة بيديه) وهو يرغب في سماعها مغناة بصوت نجاة‪.‬‬ ‫ توجهت «نجاة» بالقصيدة (األمانة) إلى أكثر من ملحن فلم يظهروا حماسة في تلحينها‪ ،‬فنشرت‬‫نجاة القصيدة على أعمدة الصحافة‪ .‬حني قرأ محمد عبد الوهاب القصيدة منشورة‪ّ ،‬‬ ‫تحمس لتلحينها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فوجه دعوة إلى نجاة لسماع القصيدة في ثوبها اللحني‪.‬‬ ‫ وتقدمت «نجاة» باألغنية‪« :‬أيظن؟» للمشاركة في مسابقة مهرجان األغنية العربية الذي نظمته دار‬‫«األنوار» اللبنانية في «كازينو لبنان» عام ‪.1960‬‬ ‫ وكانت النتيجة تتويجة ثالثية (تأليفًا وتلحينًا ً‬‫وأداء) حيث فازت بالجائزة األولى‪.‬‬ ‫ عامئذ كان عمر نجاة الصغيرة ‪ 22‬ربيعًا‪.‬‬‫«أيظن؟» فاتحة الطريق‬ ‫ أغنية حظ نجاة‪ ،‬بني الثالثي‪ :‬نزار وعبد الوهاب ونجاة‪ ،‬سوف تؤسس لبداية عالقة في أغان أخرى‪،‬‬‫مثل «متى ستعرف كم أهواك يا رجال»‪ ،‬و«أسالك الرحيال»‪.‬‬ ‫ ولم يكن نزار هو الشاعر الوحيد الذي سبب انتشار نجاة‪ ،‬فقد كان عبد الرحمن األبنودي واحدًا‬‫من الكبار الذين بنوا مجد نجاة‪.‬‬ ‫نجاة والسينما‬ ‫ شأن نجاة مع السينما‪ ،‬كان شأن كثير من املطربني الذين تحولوا إلى التمثيل وأداء أغنياتهم بما‬‫يالئم موضوع الشريط‪ ،‬فلها مشاركات غنائية وسينمائية في أكثر من شريط دون أن ترسم بصمة‬ ‫خاصة من حيث كونها ممثلة‪ ،‬فكانت مطربة في جل أفالمها‪.‬‬ ‫ نجاة الكبيرة‬‫ ظلت «نجاة» الصغيرة محافظة على حضورها املوسيقي العربي منذ خمسينات القرن العشرين‪.‬‬‫ اعتزلت الغناء عام ‪ .2002‬ثم «ما أحلى الرجوع إليه» عادت للغناء أول عام ‪ 2017‬بأغنية من تلحني‬‫«طالل»‪ .‬ولكن دون صدى يذكر‪..‬‬ ‫ فقد «فات املعاد»‪.‬‬‫ نجاة الصغيرة لم تعد صغيرة‪ ،‬إال في ذاك��رة النصف الثاني من القرن العشرين في تاريخ الغناء‬‫العربي‪ ،‬ولكنها ظلت صوتا كبيرا مميزا ومعروفا بني آالف األصوات‪..‬‬ ‫‪ -‬التي ولدت بعد نجاة‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫ّ‬ ‫قلم‪ :‬منصف املزغني‬

‫ريشة‪ :‬علي املندالوي‬



‫مجلة العرب الدولية‬ ‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫‪Issue 1711 Friday 31 August 2018‬‬

‫‪2‬‬ ‫نجاة الصغيرة‬ ‫بلغت الثمانني‬


‫جزائريات يتفقدن أقاربهن‬ ‫من خارج نافذة مستشفى‬ ‫في مدينة بوفاريك‬ ‫الجزائرية‪ ،‬حيث تواجه‬ ‫البالد تفشي وباء الكوليرا ‪-‬‬ ‫‪ 28‬أغسطس ‪( 2018‬غيتي)‬

‫بيد من حديد لكل متعمد تلويث غذاء الساكنة بالسموم التي ال تظهر‬ ‫آث��اره��ا السلبية على الصحة إال بعد ع�ش��رات السنني ويستعصي‬ ‫حينها حتى العالج»‪.‬‬ ‫ويتساءل قائال‪« :‬إلى متى التغاضي عن هذه األعمال اإلجرامية في حق‬ ‫الصحة العمومية رغم أن القانون صارم في هذه الحالة ويقر غرامات‬ ‫مالية كبيرة تصل إلى أربعة آالف دوالر مع الحبس من سنة إلى ‪5‬‬ ‫سنوات‪ ،‬ومضاعفة العقوبة في حال العودة»‪ .‬واعتبر أن «التقاعس في‬ ‫تطبيق القوانني وردع األعمال املنافية لكل األعراف من شأنه أن يؤدي‬ ‫إلى كوارث شتى أخطر حتى من الكوليرا»‪.‬‬ ‫اإلع�لان عن ظهور داء الكوليرا بالجزائر دفع دول الجوار إلى دعوة‬ ‫مواطنيها املقيمني بالجزائر إلى أخذ احتياطاتهم الالزمة‪ ،‬وفي السياق‬ ‫أص��درت س�ف��ارة جمهورية مصر العربية بالجزائر‪ ،‬مجموعة من‬ ‫التوصيات لجاليتها في الجزائر‪ ،‬وذلك على ضوء اإلرشادات الصادرة‬ ‫عن وزارة الصحة الجزائرية للوقاية من الكوليرا‪ ،‬حسب ما جاء في‬ ‫منشور للسفارة على صفحتها الرسمية في «فيسبوك»‪.‬‬ ‫وح�س��ب ذات امل�ن�ش��ور‪ ،‬فقد أوص��ت ال ��وزارة أف ��راد الجالية املصرية‬ ‫بضرورة االلتزام بتدابير الوقاية من داء الكوليرا من خالل شرب املاء‬ ‫املعقم والنظيف عن طريق غليه‪ ،‬وتعقيم الخضر والفاكهة النيئة عبر‬ ‫غسلها باملاء املضاف إليه الخل‪ ،‬إضافة إلى تجنب تناول األطعمة‬ ‫سريعة التلف التي مر عليها وقت في الجو الحار‪.‬‬ ‫كما أوصت السفارة أفراد جاليتها ممن تظهر عليهم أعراض الكوليرا‬ ‫(اإلصابة باإلسهال والقيء الشديدين‪ ،‬اإلصابة بالجفاف مع الشعور‬

‫‪59‬‬

‫اإلعالن عن ظهور داء الكوليرا بالجزائر‬ ‫دفع دول الجوار إلى دعوة مواطنيها املقيمني‬ ‫بالجزائر إلى أخذ احتياطاتهم الالزمة‬ ‫ّ‬ ‫التوجه إلى أقرب‬ ‫بالعطش وحدوث هبوط في الدورة الدموية) بضرورة‬ ‫مستشفى حتى يتم اتخاذ ال�لازم‪ ،‬والتواصل مع السفارة على رقم‬ ‫وضع تحت تصرف الجالية‪.‬‬ ‫وف��ي لبيبا رفعت إدارة الرصد والتقصي باملركز الوطني ملكافحة‬ ‫األم ��راض ف��ي وزارة الصحة الليبية م��ن درج��ة التأهب واالس�ت�ع��داد‬ ‫ً‬ ‫خصوصا‬ ‫«ملواجهة احتمال وصول وباء الكوليرا من الجزائر إلى ليبيا‪،‬‬ ‫عند املناطق الحدودية»‪ ،‬وفقا لبيان صادر عن املؤسسة نشر على‬ ‫الصفحة الرسمية لوزارة الصحة في حكومة الوحدة الوطنية الليبية‪.‬‬ ‫وباملقابل ف�ن��دت ال�س�ف��ارة الفرنسية بالجزائر إخ�ض��اع املسافرين‬ ‫الجزائريني إلجراءات خاصة وقاية من نقل داء الكوليرا‪ ،‬وأشارت إلى‬ ‫أن املصالح الرقابية على مستوى املطارات الفرنسية لم تقم بأي نوع‬ ‫من هذه التدابير‪.‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫مياه كثير من الينابيع الجزائرية ملوثة‬

‫مثل اليمن والنيجر أيضا شهدت انتشارا لهذا الداء»‪.‬‬ ‫اإلعالمي الجزائري أنيس رحماني علق مغردا عبر صفحته الرسمية‬ ‫في «تويتر» بقوله «مجرد الحديث عن الكوليرا سنة ‪ 2018‬هو إهانة‬ ‫للجزائر ككل شعبا وحكومة! من يعتمد سقي الخضراوات والفواكه‬ ‫باملياه القذرة هذا مجرم سفاك وآثم يجب ضربه بيد من حديد! على‬ ‫أصحاب الشأن التحرك لوقف هذه الجريمة التي لم تعشها الجزائر‬ ‫حتى وق��ت اإلره ��اب! النظافة وال�ن��زاه��ة قضية مجتمع ككل والغش‬ ‫سواء! غياب الثقة بني الحكومة والشعب من خالل إقبال الناس على‬ ‫شرب املياه»‪.‬‬ ‫الكاتب نجيب بلحيمر علق مغردا هو اآلخر بقوله‪« :‬من عالمات الدولة‬ ‫الفاشلة انهيار نظام الخدمات الصحية‪ ،‬ويحدث ه��ذا ع��ادة بسبب‬ ‫حروب تستغرق وقتا طويال»‪ ،‬ويتابع‪« :‬عندما أسمع بروفسور رئيس‬ ‫مصلحة في أكبر مستشفى في البالد يتحدث عن املنظومة الصحية‬ ‫وكأنها مهددة باالنهيار أشعر بالرعب»‪.‬‬ ‫وج��اء تعليق بلحيمر على ض��وء االن �ت �ق��ادات ال�لاذع��ة ال�ت��ي وجهها‬ ‫البروفسور عبد الوهاب بن قونية رئيس مصلحة األوبئة بمستشفى‬ ‫مصطفى باشا بالعاصمة الجزائر‪ ،‬وهو أكبر مستشفى بالبالد حينما‬ ‫رد على أسئلة الصحافيني بشأن تعهد وزي��ر الصحة حسبالوي‬ ‫بالقضاء على ال��داء في ظ��رف ثالثة أي��ام بقوله‪ :‬إن «تصريح الوزير‬

‫فتح ظهور داء الكوليرا النقاش‬ ‫واسعًا عن مشكالت أخرى تهدد صحة‬ ‫الجزائريني أبرزها استعمال املياه‬ ‫القذرة في سقي احملاصيل الزراعية‬

‫غير مسؤول»‪ ،‬مؤكدا أن الطريقة التي تم التعامل بها مع هذه املشكلة‬ ‫الصحية تؤكد «غياب سياسية صحية واضحة في البالد»‪.‬‬ ‫الطبقة السياسية هي األخرى انتقدت بشدة الحكومة محملة إياها‬ ‫مسؤولية انتشار الداء‪ ،‬وفي بيان لها تحصلت «املجلة» على نسخة‬ ‫منه‪ّ ،‬‬ ‫حملت حركة مواطنة (تكتل سياسي يضم أحزابًا وشخصيات‬ ‫سياسية معارضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لوالية رئاسية‬ ‫خامسة) املسؤولية لوزارة الصحة التي فشلت حسب البيان في «وضع‬ ‫سياسة صحية تمكنها من استباق األحداث وإيجاد الحلول العملية‬ ‫واآلية ملواجهة مثل هذه اآلفات»‪.‬‬ ‫وشدد البيان على تحميل املسؤولية لعدة قطاعات أخرى كالداخلية‬ ‫والجماعات املحلية واملوارد املائية والفالحية والبيئة والتجارة إضافة‬ ‫إلى اإلعالم‪.‬‬ ‫واعتبرت حركة «مواطنة» أن «رد فعل الحكومة جاء متأخرًا جدًا ومن‬ ‫دون مبرر‪ ،‬وأن الوباء هو الجزء الظاهر من األزمة التي تمر بها البالد‬ ‫وما خفي أعظم»‪ .‬وقالت ذات الحركة‪ ،‬إن «انتشار الوباء يعد نتيجة‬ ‫حتمية لسوء تسيير الشأن العام ويضاف لألمراض األخرى بسبب‬ ‫سوء استعمال املواد التي تشكل خطرًا على الصحة العمومية بصفة‬ ‫مباشرة أو غير مباشرة»‪.‬‬ ‫وباملقابل فتح ظهور داء الكوليرا النقاش واسعا عن مشكالت أخرى‬ ‫ت�ه��دد صحة ال�ج��زائ��ري�ين أب��رزه��ا استعمال امل�ي��اه ال �ق��ذرة ف��ي سقي‬ ‫املحاصيل الزراعية‪ ،‬وهي املشكلة البيئية التي تهدد آالف الجزائريني‬ ‫في صحتهم‪.‬‬ ‫وعبر صفحته الرسمية في شبكة التواصل االجتماعي تساءل الخبير‬ ‫الفالحي الدكتور عيسى منصور قائال‪« :‬سقي املحاصيل الزراعية‬ ‫باملياه القذرة‪ ...‬هل هو سبب ظهور الكوليرا ؟؟!»‪.‬‬ ‫وأك ��د ال��دك�ت��ور أن «ظ �ه��ور م��رض ال�ك��ول�ي��را ف��ي ال�ج��زائ��ر أم��ر محير‬ ‫للغاية»‪ .‬وبينما سرد أسبابا عدة يمكن أن تكون سببا للكوليرا‪ ،‬إال‬ ‫أنه شدد على أن «سقي املنتجات الفالحية باملياه القذرة ظاهرة ال‬ ‫يمكن إنكارها‪ ،‬وأن اإلعالم يطالعنا كل سنة عن عمليات سقي بمياه‬ ‫الصرف الصحي في عدة مناطق من الوطن‪ ،‬إنها ظاهرة خطيرة ومن‬ ‫شأنها أن تلحق أضرارا بليغة بصحة املواطنني وعلى البيئة أيضا»‪.‬‬ ‫وفي تقدير منصور‪ ،‬فإن التعامل مع هذه الظاهرة يكون «بالضرب‬

‫‪58‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫طبيب يقف خارج مستشفى‬ ‫في مدينة بوفاريك‬ ‫الجزائرية‪ ،‬حيث تواجه‬ ‫البالد تفشي وباء الكوليرا ‪-‬‬ ‫‪ 28‬أغسطس ‪( 2018‬غيتي)‬

‫وفيما أكدت املؤسسة الجزائرية للمياه أن «مياه الحنفيات التي تثير‬ ‫مخاوف بعض املواطنني بشأن إمكانية تلوثه بضمات الكوليرا صالحة‬ ‫للشرب وال تمثل أي خطر على الصحة»‪ ،‬ف��إن الفوبيا التي لحقت‬ ‫بالجزائريني منعتهم م��ن ال�ش��رب م��ن مياه الحنفيات‪ ،‬ودف�ع��ت بهم‬ ‫إلى اقتناء املياه املعبأة في قوارير‪ ،‬ما خلق ندرة كبيرة وارتفاعا في‬ ‫أسعارها‪.‬‬ ‫وتؤكد املؤسسة الجزائرية للمياه أن «مياه الحنفيات سواء كانت على‬ ‫مستوى اآلبار أو محطات تحلية املياه‪ ،‬أو محطات معالجتها تخضع‬ ‫يوميا لكافة التحاليل وعمليات املراقبة التي يفرضها القانون وفقا‬ ‫ملعايير منظمة الصحة العاملية»‪ ،‬وتمتلك الجزائر ‪ 90‬محطة معالجة‬ ‫على مستوى البالد تتوفر كل واحدة منها على مخبر عملياتي يشرف‬ ‫على مراحل عملية املعالجة‪.‬‬ ‫ومن خالل بياناتها أوصت وزارة الصحة مواطنيها بضرورة اتباع‬ ‫االحتياطات الضرورية للحد من انتشار املرض واملتمثلة في «الغسل‬ ‫الجيد لليدين باملاء النظيف والصابون عدة مرات في اليوم ال سيما‬ ‫قبل ملس املواد الغذائية وقبل األكل وبعد الخروج من املراحيض‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى غسل الخضراوات والفواكه قبل استهالكها وغلي املياه وإضافة‬ ‫ماء جافيل لها في حالة تخزينها»‪.‬‬ ‫ودعت الوزارة مواطنيها «بعدم التزود باملياه على مستوى النقاط غير‬ ‫املراقبة على غرار املنابع واآلبار والتوجه إلى املؤسسة االستشفائية‬ ‫األقرب في حال حدوث إسهال أو تقيؤ وشرب الكثير من املاء وأمالح‬ ‫إعادة التمييه ومراقبة األطفال واألشخاص املسنني»‪.‬‬

‫‪57‬‬

‫مرض الكوليرا أحد أشهر األمراض‬ ‫املرتبطة بالفقر وغياب شروط النظافة‪،‬‬ ‫وهو عبارة عن «عدوى معوية حادة تنشأ‬ ‫بسبب تناول طعام أو ماء ملوث»‬ ‫وف ��ي ن ��دوة ص�ح��اف�ي��ة ع�ق��ده��ا وزي ��ر ال�ص�ح��ة ع�ق��ب زي� ��ارة م�ي��دان�ي��ة‬ ‫ملستشفى بوفاريك أكد مختار حسبالوي أن «مصالحه قامت بتحليل‬ ‫‪ 38‬منبع للمياه في كل من البويرة‪ ،‬والبليدة‪ ،‬وتيبازة»‪ .‬وكشف أن «‪60‬‬ ‫في املائة من املنابع تحتوي على بكتيريا مسببة لإلسهال‪ ،‬الذي ال‬ ‫تصل خطورته لداء الكوليرا‪ ،‬وهذا جراء ارتفاع درجة الحرارة والتلوث‬ ‫املوجود بها»‪.‬‬ ‫اإلع�ل�ان ع��ن ال��داء أث��ار عاصفة م��ن ال�ج��دل واالن�ت�ق��ادات ف��ي ال�ش��ارع‬ ‫الجزائري وعبر شبكات التواصل االجتماعي‪ ،‬ووصف نشطاء ظهور‬ ‫هذا الداء في الجزائر بأنه «فضيحة بكل املقاييس»‪ ،‬وانتقدوا بشدة‬ ‫مدير معهد باستور زوبير حراث الذي صرح في ندوة صحافية أن‬ ‫«إع�لان الجزائر عن ال��داء كان جرأة سياسية‪ ،‬مؤكدا أن دوال أخرى‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫ظهورها استنفر الحكومة وأرعب الجزائريني‬

‫الكوليرا في الجزائر بعد عقود من اختفائها‬

‫ً‬ ‫تقريبا فاشيات للكوليرا أو تهديدات‬ ‫�ام‬ ‫الجزائر ‪ :‬ياسني بودهان‬ ‫املالئمة‪ ،‬وي��واج��ه كل بلد ن� ٍ‬ ‫بوباء الكوليرا»‪.‬‬ ‫وتشير تقديرات الباحثني في منظمة الصحة العاملية إلى وقوع عدد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سنويا‪،‬‬ ‫تقريبا بني ‪ 1.3‬و‪ 4.0‬مليون حالة إصابة بالكوليرا‬ ‫في إعالن غير منتظر وصادم للجزائريني‪ ،‬أعلنت السلطات الصحية يتراوح‬ ‫بالجزائر إصابة ‪ 56‬شخصا بداء الكوليرا‪ ،‬وتسجيل حالتي وفاة‪ ،‬وإل��ى تسبب الكوليرا في وفيات يتراوح عددها بني ‪ 21 000‬و‪000‬‬ ‫مع االشتباه في إصابة نحو ‪ 161‬شخصا تم حجرهم على مستوى ‪ 143‬وفاة بأنحاء العالم أجمع‪.‬‬ ‫مستشفيات البالد‪.‬‬ ‫وبالعودة إلى تاريخ املرض بالجزائر‪ ،‬فإن السجالت الصحية تؤكد أنه‬ ‫وخالل ندوة صحافية عقدها الخميس ‪ 24‬أغسطس (آب) املاضي‪،‬‬ ‫أكد كل من مدير الوقاية بوزارة الصحة وإصالح املستشفيات الدكتور‬ ‫جمال فورار‪ ،‬ورئيس معهد باستور (معهد حكومي متخصص في‬ ‫مجاالت الوقاية والحماية الصحية ومراقبة األمراض املعدية والطفيلية)‬ ‫البروفسور زوبير حراث‪ ،‬وجود حاالت مؤكدة بالكوليرا ملرضى من‬ ‫أربع واليات (محافظات) هي (الجزائر العاصمة‪ ،‬والبليدة‪ ،‬وتيبازة‪،‬‬ ‫والبويرة)‪ ،‬وكان هؤالء املرضى تم حجرهم بمستشفى بوفاريك قبل‬ ‫عيد األض�ح��ى امل�ب��ارك بعد إصابتهم بفيروس غير م�ع��روف‪ ،‬وهو‬ ‫الفيروس الذي تأكد بعد تحاليل معهد باستور على أنه داء الكوليرا‬ ‫القاتل‪.‬‬ ‫وحسب آخر أرقام وزارة الصحة‪ ،‬فإنه وإلى غاية تاريخ ‪ 26‬أغسطس‬ ‫‪ ،2018‬تم تسجيل ‪ 56‬حالة إصابة بوباء كوليرا مؤكدة من ضمن‬ ‫‪ 161‬حالة أدخلت املستشفى منذ ‪ 7‬أغسطس‪ ،‬معبرة عن أسفها لوفاة‬ ‫حالتني بالبليدة‪.‬‬ ‫وبخصوص عدد املرضى املقيمني باملستشفيات‪ ،‬أكدت ال��وزارة أن‬ ‫عددهم في تراجع ملحوظ؛ حيث تم استقبال ‪ 33‬حالة بتاريخ ‪23‬‬ ‫أغسطس إلى أربع حاالت بتاريخ ‪ 26‬أغسطس‪.‬‬ ‫ويعد م��رض الكوليرا أح��د أشهر األم��راض املرتبطة بالفقر وغياب‬ ‫شروط النظافة‪ّ ،‬‬ ‫وتعرفها منظمة الصحة العاملية بأنها «عدوى معوية‬ ‫حادة تنشأ بسبب تناول طعام أو ماء ملوث ببكتيريا الضمة الكوليرية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معويا يؤدي إلى إسهال‬ ‫ولها فترة حضانة قصيرة‪ ،‬وتنتج ذيفانا‬ ‫ً‬ ‫مائي غزير غير مؤلم‪ ،‬يمكن أن يفضي سريعا إلى جفاف شديد وإلى‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الوفاة إن لم يعط العالج ً‬ ‫فورا‪ ،‬كما يحدث القيء بني كثير من املرضى»‪ .‬منذ عام ‪ .1996‬لم تسجل أي حالة إصابة بمرض الكوليرا الفتاك في‬ ‫ومعظم املصابني بالضمة الكوليرية ال يمرضون‪ ،‬رغم وجود البكتيريا الجزائر‪ ،‬بينما يعود تاريخ آخر وباء ضرب البالد إلى عام ‪ ،1986‬لذلك‬ ‫في البراز ملدة ‪ً 14 - 7‬‬ ‫يوما‪ .‬وعندما يحدث املرض بالفعل يكون ما بني اإلعالن عن عودة الداء وظهوره مجددا أثار موجة من الخوف والرعب‬ ‫‪ 80‬و‪ 90‬في املائة من النوائب معتدل الحدة أو متوسط الحدة‪ ،‬ويصعب بني الجزائريني رغم تطمينات ال��وزارة بأن األمر لم يتطور إلى وباء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التمييز‬ ‫سريريا بينه وبني األنواع األخرى من اإلسهال الحاد‪ .‬وتحدث وأن الحاالت املسجلة هي حاالت معزولة‪ ،‬وفي نطاق ضيق ومحدد‪،‬‬ ‫جفاف‬ ‫بعالمات‬ ‫نمطية‬ ‫كوليرا‬ ‫املرضى‪،‬‬ ‫من‬ ‫املائة‬ ‫في‬ ‫‪20‬‬ ‫من‬ ‫أقل‬ ‫لدى‬ ‫وأن الوضع متحكم فيه بشكل جيد‪.‬‬ ‫شديدة‪.‬‬ ‫أو‬ ‫معتدلة‬ ‫وفور التأكد من اإلصابات‪ ،‬باشرت وزارة الصحة تحقيقات موسعة‬ ‫ً‬ ‫«تهديدا ً‬ ‫وتظل الكوليرا برأي منظمة الصحة العاملية‬ ‫عامليا‪ ،‬وهي من ملعرفة بؤرة الداء‪ ،‬وتوصلت إلى تحديده في منبع مياه بمنطقة (أحمر‬ ‫لم‬ ‫�رض‬ ‫�‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫�ان‬ ‫�‬ ‫ك‬ ‫ولئن‬ ‫االجتماعية‪،‬‬ ‫بني امل��ؤش��رات األساسية للتنمية‬ ‫العني) بوالية تيبازة‪ ،‬وحسب التحقيق فإن «التحاليل البكتيريولوجية‬ ‫ً‬ ‫املعايير‬ ‫من‬ ‫�ى‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫األد‬ ‫الحد‬ ‫لديها‬ ‫التي‬ ‫تهديدا في البلدان‬ ‫يعد يشكل‬ ‫مل��راق�ب��ة م�ي��اه منبع أح�م��ر ال�ع�ين س�ي��دي لكبير ب��والي��ة ت�ي�ب��ازة سمح‬ ‫يمكن‬ ‫ال‬ ‫التي‬ ‫البلدان‬ ‫على‬ ‫املطروحة‬ ‫التحديات‬ ‫من‬ ‫يظل‬ ‫فهو‬ ‫الصحية‪،‬‬ ‫باكتشاف ضمات كوليرا‪ ،‬ومن ثمة فقد تم منع استهالك مياه هذا‬ ‫الصحية‬ ‫�ق‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫�را‬ ‫�‬ ‫مل‬ ‫وا‬ ‫النقية‬ ‫�رب‬ ‫�‬ ‫ش‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫مياه‬ ‫على‬ ‫الحصول‬ ‫ضمان‬ ‫فيها‬ ‫املنبع الذي تم غلقه وردمه فيما بعد»‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫مدير معهد باستور‬ ‫الجزائري البروفسور‬ ‫زبير حراث‬


‫مجلة العرب الدولية‬

‫‪www.majalla.com‬‬


‫االنتصارات الوهمية لجبهة املمانعة‬

‫بقلم‪ :‬إيلي فواز‬

‫من الناحية امليدانية‬ ‫هناك عقبات كبرى أمام‬ ‫النظام السوري قبل‬ ‫اإلعالن عن «االنتصار»‬ ‫في «الحرب التي خاضها‬ ‫الكون» ضده‪ ،‬على حسب‬ ‫تعبير قادة «املمانعة»‬

‫تطالعنا صحف املمانعة اللبنانية يوميًا ع��ن م�ق��االت تتغنى بانتصار‬ ‫محورها في سوريا‪ .‬أخبار عن وفود غربية تنتظر مقابلة اململوك‪ ،‬من أجل‬ ‫تقديم أوراق اعتمادها لديه‪ ،‬ودخول ما تصفه الصحف بجنة إعادة اإلعمار‬ ‫املنتظرة‪ .‬ليس هناك سوى عروض مغرية على مكتب الرئيس األسد‪ .‬كل‬ ‫الدم‪ ،‬كل الجرائم‪ ،‬كل الدمار‪ ،‬كل الحرب في كتابات املمانعني كأنها ذكريات‬ ‫ماض غابر‪ .‬ال يحدثونك سوى عن املستقبل‪.‬‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫أما خطب قادتها‪ ،‬فهي أشبه بإلياذة هوميروس‪ ،‬أقل شاعرية طبعًا‪.‬‬ ‫ولكن كل ما يصدر عن إعالم املمانعة فيه شيء من التضليل‪ .‬أشبه بأمنيات‬ ‫قد ال تتحقق في القريب العاجل؛ فالتعقيدات امليدانية والسياسية وحتى‬ ‫فقدان ‪ -‬حتى الساعة ‪ -‬التفاهمات اإلقليمية وال��دول�ي��ة‪ ،‬ال تسمح بإعالن‬ ‫«النصر»‪ ،‬فلماذا كل هذا االستعجال؟‬ ‫هناك شعور بأن هذه الجبهة املمانعة أنهكت ميدانيًا وماديًا‪ ،‬وهي متعجلة‬ ‫تثبيت االستقرار في سوريا من أجل خفض تكاليف الحرب الباهظة والتي‬ ‫لم يعد بمقدور أي من الدول املشاركة في الحرب املساندة لنظام الرئيس‬ ‫األسد‪ ،‬ال سيما روسيا وإي��ران‪ ،‬تحمل تكاليفها‪ ،‬خاصة مع إعادة فرض‬ ‫عقوبات أميركية على كال البلدين‪.‬‬ ‫من الناحية امليدانية هناك عقبات كبرى أمام النظام السوري قبل اإلعالن‬ ‫عن «االنتصار» في «الحرب التي خاضها الكون» ضده‪ ،‬على حسب تعبير‬ ‫ق��ادة املمانعة‪ .‬هناك طبعًا عقبة إدل��ب التي ما زال��ت خ��ارج سيطرة النظام‬ ‫والذي منع من استعمال السالح الكيماوي في هذه املواجهة التي قد تطول‬ ‫أكثر من املنتظر خاصة مع تداول أخبار عن فشل النظام في حشد األعداد‬ ‫املطلوبة لتلك املعركة‪.‬‬ ‫فاملعلومات ً اآلتية من سوريا تقول‪« :‬إن روسيا طلبت من الفصائل التي‬ ‫َّ‬ ‫وقعت اتفاقا معها في درع��ا تجهيز ‪ 500‬مقاتل من أج��ل إرسالهم إلى‬ ‫محافظة إدلب‪ ،‬ولم تحصل استجابة»‪ .‬كما يحكى أن الجيش السوري وضع‬ ‫قائمة بأسماء ‪ 172‬أل��ف مجند مطلوبني للخدمة‪ .‬ه��ذا كله يشي ب��أن ثمة‬ ‫نقصًا في األعداد تحاول قوات النظام تعويضها بكل الطرق املمكنة‪ .‬وهي‬ ‫ال يمكنها أن تعول كثيرا على امليليشيات اإليرانية‪ ،‬فهي في نهاية املطاف‬ ‫تتوزع على أكثر من جبهة في الداخل السوري‪.‬‬ ‫هذا كله‪ ،‬ناهيك بالضائقة املالية التي تحد من قدرات جبهة املمانعة على‬ ‫تغطية مصاريف ال�ح��رب الباهظة‪ .‬املضحك أن تلك الجبهة باتت تنتظر‬ ‫االنتخابات النصفية األميركية وتتوقع فقدان الحزب الجمهوري سيطرته‬ ‫على ال�ك��ون�غ��رس‪ ،‬وبالتالي ال�ب��دء ب��إج��راءات ع��زل ال��رئ�ي��س ت��رم��ب وتغيير‬ ‫السياسة الخارجية للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫ماذا إن ربح الحزب الجمهوري؟ طبعًا ال يملك املمانعون أي جواب‪.‬‬ ‫الحرب السورية مكلفة ج�دًا على جبهة املمانعة‪ .‬وه��ي أمعنت بطبيعتها‬ ‫القتالية في تحويل «املقاومة» إلى شيء يشبه جيشًا نظاميًا‪ ،‬وشتان بني‬ ‫التشكيلتني‪ ،‬إن كان من الناحية اللوجستية أو حتى التنظيمية‪ .‬وهي بحاجة‬ ‫إل��ى م��وارد دول��ة م��ن أج��ل االس�ت�م��رار‪ .‬فما الحل ل��دى إي��ران ف��ي ظ��ل إع��ادة‬ ‫العقوبات التي ستزداد مع الوقت من أجل دعم ميليشياتها في املنطقة؟‬ ‫قد يكون قرار دخول الحرب السورية من قبل إيران و«حزب الله» قد حقق‬ ‫جزئيًا هدفه‪ ،‬أي إبقاء نظام األسد قائمًا وطريق طهران بيروت مفتوحًا‪،‬‬ ‫ولكن قد يكون ثمن ذلك أكبر بكثير مما يتصور البعض من املمانعني‪.‬‬ ‫األجدر على تلك الجبهة أن تقتل الدب قبل أن تبيع جلده‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬



‫فنانون من الزمن الجميل قاموا باعالنات تجارية ملنتجات مصرية من بينهم كوكب الشرق أم كلثوم وسندريال الشاشة العربية‬ ‫سعاد حسني والراقصة تحية كاريوكا‬

‫من روعه‪ .‬ثم يدور بينهما حوار حول أحد املوظفني في الوكالة ممن تزوجوا‬ ‫ً‬ ‫حديثا‪ ،‬ولكنه خان شريكته‪ ،‬وتسرب له مقطعًا فاضحًا على موقع «يوتيوب»‪،‬‬ ‫لكنه حصل على املساعدة الالزمة إلخفاء جريمته عبر الطلب من «يوتيوب»‬ ‫حذف املقطع بشكل نهائي‪.‬‬ ‫يذهب هشام وزوج�ت��ه عائشة (دي�ن��ا الشربيني) م��ع ه��ادي��ة وزوجها‬ ‫عادل (محمد ممدوح) في رحلة جماعية إلى الساحل الشمالي (أحد‬ ‫أب��رز املناطق السياحية في مصر)‪ .‬ويتنبه هشام فجأة إلى االقتراب‬ ‫من نقطة تفتيش للشرطة وأن عليه إخفاء قطعة حشيشة الكيف التي‬ ‫بحوزته‪ ،‬فتأخذها هادية وتخفيها في موضع حرج! ويدور حديث حاد‬ ‫ً‬ ‫قليال حول تعاطي حشيشة الكيف‪ ،‬تخرج منه أن هشام وهادية يعتبران‬ ‫ً‬ ‫طبيعيا للغاية‪.‬‬ ‫األمر‬ ‫وفي مشهد آخ��ر‪ ،‬تظهر هادية مع زوجها على ف��راش النوم‪ ،‬وهي تضحك‬ ‫أثناء قراءة نكتة‪ ،‬وعندما تشارك زوجها عادل الضحك‪ ،‬فيكتشف أن النكتة‬ ‫«قبيحة» ذات مضمون جنسي‪ ،‬وأن من أرسلها هو زميلها في الوكالة‪ ،‬مما‬ ‫يثير ً‬ ‫جوا من االستياء بينهما!‬ ‫إذا جمعنا قصة موظف اإلعالنات الخائن لزوجته مع التهاون الكبير في قبول‬ ‫تعاطي املخدرات الخفيفة وقبول تراسل النكات ذات الطابع الجنسي‪ ،‬تتكون‬ ‫صورة يكتنفها الكثير من السلبية حول أخالقيات العاملني في حقل اإلعالن‬ ‫التجاري‪ .‬فهي تظهرهم بصورة أشخاص لديهم فائض كبير من التراخي‬ ‫األخالقي وسهولة تجاوز األعراف والحدود‪.‬‬

‫هل تعكس األفالم الواقع؟‬ ‫ال يختلف اثنان على أن اإلع�لان التجاري هو ذراع التسويق الرئيسية ألي‬

‫اإلعالن التجاري هو ذراع التسويق‬ ‫الرئيسية ألي منتج‪ ،‬ووكاالت اإلعالن هي‬ ‫املصدر الرئيسي للمواد الترويجية‪ ،‬سواء‬ ‫كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة‪.‬‬

‫منتج‪ ،‬بغرض زيادة البيع وتعريف‬ ‫املستهلك وزي��ادة ال��والء‪ ،‬إلى غير‬ ‫ذل��ك م��ن األه ��داف امل�ش��روع��ة‪ .‬أما‬ ‫وك� ��االت اإلع �ل��ان‪ ،‬ف�ه��ي امل�ص��در‬ ‫ال��رئ �ي �س��ي ل �ل �م��واد ال �ت��روي �ج �ي��ة‪،‬‬ ‫س��واء كانت مرئية أو مسموعة‬ ‫أو م �ق��روءة‪ ،‬إل��ى ج��ان��ب تصميم‬ ‫األغ�ل�ف��ة وب�ن��اء ال�ه��وي��ة التجارية‬ ‫وهيكلتها وغير ذلك من األعمال‪.‬‬ ‫م � ��ا ت �ع �ك �س��ه األف � �ل� ��ام ال �ث�ل�اث��ة‬ ‫ح��ول شخصيات العاملني في‬ ‫ه ��ذا ال �ح �ق��ل ل �ي��س ب��ال �ض��رورة‬ ‫أن ي �ك��ون م�خ�ت� ً�ص��ا ب �ه��م دون‬ ‫غيرهم‪ ،‬لكنها تصورهم على‬ ‫أن �ه��م ج�م�ي�ع��ًا ك ��ذل ��ك‪ .‬فجميع‬ ‫ال � �ق � �ط� ��اع� ��ات ت � �ح � �ت� ��وي ع �ل��ى‬ ‫أشخاص فاسدين أو مدمنني‬ ‫أو كاذبني‪ ،‬سواء في السياسة‬ ‫أو ال �ت �ع �ل �ي��م أو ال �ص �ن��اع��ة أو‬ ‫غيرها من القطاعات‪.‬‬ ‫أم � � � ��ا ب� ��ال � �ن � �س � �ب� ��ة ل� �ت� �ع ��اط ��ي‬ ‫امل�خ��درات الخفيفة والثقيلة‪،‬‬ ‫فهو أمر شائع في كثير من‬ ‫الصناعات اإلبداعية‪ ،‬لكن ليس الجميع على هذا النحو‪ .‬وحتى بالنسبة‬ ‫الستخدام اإلغواء في كسب الصفقات‪ ،‬فهي ليست مختصة بالقطاع اإلعالني‬ ‫دون غيره‪ .‬فتاريخ رجال السياسة حول العالم حافل بالخوض في عالقات‬ ‫نسائية متشعبة مع استخدام عنصر اإلغراء لتحصيل املكاسب السياسية‪.‬‬ ‫العالم العربي مغرم بـ«التنميط»‪ ،‬فال بد من خلع صفات محددة على أي فئة‬ ‫مهنية أو عرقية أو جنسية أو دينية‪ ،‬مثل العاملني في قطاع الطيران والطب‬ ‫والتمريض والترفيه والتمثيل والغناء واإلعالن واإلعالم‪ ،‬إلى جانب األقليات‬ ‫الدينية واملذهبية وغيرها‪.‬‬ ‫وال ن��زال بانتظار ي��وم تخرج علينا فيه السينما املصرية ب��أف�لام تنصف‬ ‫العاملني في حقل اإلعالن وتظهرهم كأشخاص عاديني لهم ما لهم وعليهم‬ ‫ما عليهم؛ دون مبالغة أو تصنيف‪ ،‬فليس كل البيض فاسد أو صالح في‬ ‫سلة اإلعالن التجاري!‬

‫‪52‬‬

‫العدد ‪ 1709‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 17‬‬


‫فضغط العمل ومتطلبات العمالء وم��واع�ي��د إن�ت��اج وبث‬ ‫اإلعالنات هي بالضبط ما يحصل على أرض الواقع‪.‬‬ ‫وك�ل�م��ا ك ��ان يستشعر أي ��وب أن م��ا ي�ق��دم��ه م��ن إع�لان��ات‬ ‫على الشاشات واللوحات اإلعالنية يحمل ًكما ً‬ ‫كبيرا من‬ ‫التضليل‪ ،‬فيسهل له مديره يونس الحصول على املخدرات‬ ‫ً‬ ‫بنوعيها‪ ،‬الخفيف كحشيشة ال�ك�ي��ف‪ ،‬وص ��وال إل��ى النوع‬ ‫الثقيل املتمثل في «ال�ب��ودرة» كالكوكايني أو الهيروين من‬ ‫أجل أن ينسى ويموت ضميره ويواصل مهمته‪ ،‬وكأن صانع‬ ‫اإلعالنات مشغول في مهمة تضليل املستهلكني والضحك‬ ‫على ذقونهم طوال اليوم ويحتاج إلى غياب العقل ليبتكر املزيد‬ ‫من الكذب ويتجنب تأنيب الضمير‪.‬‬ ‫تقع ال��واق�ع��ة عندما تتوفى وال ��دة ف�ن��ان اإلع�لان��ات أي��وب بعد‬ ‫استهالكها أحد املنتجات التي يروجها‪ ،‬حيث إنه هو نفسه لم‬ ‫يعلم أن الزيت الذي يسوقه يتسبب في ارتفاع الكولسترول في‬ ‫الدم‪ ،‬مما يؤدي إلى فناء والدته‪ .‬تدفعه الصدمة إلى االستقالة‪،‬‬ ‫لكن يونس يطلب منه تسديد ثمن «البودرة»‪ ،‬ألنه مدمن وتكاليف‬ ‫اإلدم��ان عالية‪ ،‬أجبرته على سحب رواتبه ً‬ ‫مقدما‪ ،‬فينتقم منه‬ ‫بتصوير مقاطع إعالنية مضادة للمنتجات التي يسوقها‪ .‬وتقع‬ ‫الكارثة عندما يعرض تلك املقاطع على شاشة التلفزيون الرسمي‬ ‫بعد إشغال املسؤول عن العرض‪ ،‬فتظهر حقيقة السمن والزيوت‬ ‫على أنها تجعل املستهلك يموت بـ«سعادة» لدى تناولها!‬ ‫يصور الفيلم عالم اإلع�لان التجاري على أنه «جريمة منظمة» متكاملة‬ ‫األركان‪ ،‬يختلط فيها اإلغراء الجنسي باإلدمان والترويج للمخدرات في أوساط‬ ‫العاملني‪ ،‬إلى جانب غسل األدمغة بمنهجية منظمة عبر محاصرة املستهلكني‬ ‫ببضائع رديئة وإجبارهم على شرائها عبر اللعب على وتر العقل الواعي‬ ‫بالصور املثيرة وتحفيز الالوعي عبر الترويج للفوائد الوهمية والسعادة‬ ‫الزائفة والراحة الالمتناهية التي يمنحها املنتج للمستهلكني‪ ،‬وكذلك تقليد‬

‫‪51‬‬

‫في العصر الحديث‪ ،‬أصبح اإلعالن‬ ‫التجاري صناعة قائمة بذاتها‪ ،‬ال يعلم‬ ‫الكثيرون عن خفاياها واألشخاص الذين‬ ‫يقفون خلفها‪ ،‬فهي أشبه باألندية املغلقة‪.‬‬ ‫حياة املشاهير أو األثرياء في أسلوب حياتهم‪.‬‬

‫فائض من التراخي األخالقي‬ ‫الفيلم األخ�ي��ر ال��ذي ن�ع��رض ل��ه هنا ه��و «ك��دب��ة ك��ل ي ��وم»‪ ،‬وه��و م��ن األع�م��ال‬ ‫السينمائية الحديثة ذات الطابع الكوميدي اللطيف‪ .‬ال يشرح الفيلم حياة‬ ‫صانعي اإلعالنات‪ .‬فقط املشهد األول من الفيلم يأخذ من إحدى الوكاالت‬ ‫اإلعالنية بداية لقصته‪ .‬يمتاز الفيلم ببطولة جماعية ملختلف أجيال املمثلني‬ ‫املصريني‪ ،‬أما املوضوع الرئيسي فهو الفتور العاطفي بني األزواج وفقدان‬ ‫االنجذاب النفسي والجنسي في قالب كوميدي‪ ،‬تدور أكثر من ‪ 90‬في املائة‬ ‫من أحداثه في منتجع سياحي بحري‪ .‬لكن تركيزنا هنا هو على هشام (عمرو‬ ‫يوسف) وهادية (درة التونسية) اللذين يعمالن في حقل اإلعالن‪.‬‬ ‫يفتتح الفيلم مشهده األول بمحاولة الخروج بمفهوم جديد عن أحد مشروبات‬ ‫الطاقة‪ ،‬ويظهر نزق هشام من تكرار األفكار والجفاف اإلبداعي‪ ،‬وهو أمر ال‬ ‫يمكن إنكاره‪ ،‬فيما تحاول صديقته املقربة ً‬ ‫جدا واملوظفة معه هادية‪ ،‬التهدئة‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫مدمنون وفاسقون‪ ..‬بفائض من التراخي األخالقي‬

‫كيف قدمت السينما املصرية العاملني‬ ‫في حقل اإلعالن التجاري؟‬ ‫جدة‪ :‬معتصم الفلو‬

‫أما مايسة‪ ،‬فهي شخصية مهنية‪ ،‬وتحاول كسب عقود اإلعالنات عبر تقديم‬ ‫األفكار اإلبداعية الحقيقية‪ ،‬إال أنها تفشل في مساعيها؛ ً‬ ‫نظرا التباعها قواعد‬ ‫املنافسة الشريفة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يظهر مالك وكالة اإلعالنات التي تعمل فيها مايسة‬ ‫أقرب إلى تحبيذ استخدام اإلغراء‪ .‬كما تظهر مايسة بقدر هائل من السذاجة‬ ‫إل��ى درج��ة أن ص�لاح ف��ؤاد نجح ف��ي خ��داع�ه��ا وإغ��راق�ه��ا ف��ي شباكه عندما‬ ‫انتحل شخصية الدكتور أيوب (محمود الزهيري)‪ ،‬املطلوب منه تقديم اختراع‬ ‫الفنكوش‪ ،‬بل إنها تظهر بعض الرخاوة «ضمن حدود» في سبيل كسب قلب‬ ‫الدكتور أيوب املزيف‪ .‬كما أنها هي نفسها صارت في سباق مع صالح فؤاد‬ ‫للحصول على «الفنكوش» الوهمي‪ ،‬وهي تعرف ذلك ً‬ ‫جيدا‪.‬‬ ‫إن تعرضها للخداع بسهولة وسعيها إلى «الفنكوش» يحمل ‪ 3‬رسائل‪ ،‬أولها‬ ‫أنها ال تعرف العاملني في القطاع بشكل جيد‪ ،‬وهو نقيصة كبيرة‪ ،‬والثانية‬ ‫أن من ال يستخدم األساليب امللتوية في عالم اإلعالن‪ ،‬لن يحالفه النجاح‪ ،‬أما‬ ‫الثالثة فهي أنه حتى األشخاص األخالقيون في هذه الصناعة ال يردعهم شيء‬ ‫إذا كان لديهم ثأر مع أحد‪.‬‬ ‫يكتفي «واحدة بواحدة» بإظهار قادة صناعة اإلعالن التجاري‪ ،‬ويستعرض‬ ‫أخالقياتهم وطريقة تفكيرهم وأساليبهم في العمل‪ ،‬لكنه ال يتعرض آلليات‬ ‫العمل اليومية ف��ي وك ��االت اإلع�ل�ان‪ ،‬فهو ال يظهر م�ح��رري اإلع�لان��ات وال‬ ‫املخرجني الفنيني وال أقسام خدمة العمالء املخولة بالتواصل مع العمالء‬ ‫وبيع األفكار كما يفعل الفيلم الثاني‪.‬‬

‫فعلت بناسك متعبد»‪...‬‬ ‫«قل للمليحة في الخمار األسود‪ ..‬ماذا ِ‬ ‫قد تكون هذه القصيدة‪ ،‬التي تغنى بها كبار املطربني‪ ،‬أولى محاوالت اإلعالن‬ ‫التجاري ل��دى ال�ع��رب! وتقول القصة التي أورده��ا املؤلف العربي اب��ن حجة‬ ‫الحموي في كتابه «ثمرات األوراق» إن ً‬ ‫تاجرا شكا إلى الشاعر األموي الزاهد‬ ‫مسكني الدارمي أنه باع كل الخمر (جمع خمار) التي لديه؛ عدا السود منها‪،‬‬ ‫فأنشد الدارمي صاحب الشهرة الذائعة قصيدة «قل للمليحة»‪ ،‬فتسابقت‬ ‫ً‬ ‫النساء على شراء الخمار األسود‪ ،‬ظنا منهن أن الدارمي ترك الزهد وعشق‬ ‫ذات الخمار األسود!‬ ‫أما في العصر الحديث‪ ،‬فقد أصبح اإلعالن التجاري صناعة قائمة بذاتها‪.‬‬ ‫صحيح أن العرب لم يسهموا بتطويرها حتى بعد ق��رون من التغني بـ«قل‬ ‫للمليحة» لتصل إلى املستوى الذي هي عليه اآلن‪ ،‬إال أنها صناعة ناهضة‬ ‫وضرورية ال يعلم الكثيرون عن خفاياها واألشخاص الذين يقفون خلفها‪،‬‬ ‫فهي أشبه باألندية املغلقة‪ ،‬التي يصعب الدخول إليها إال عن طريق عراب‬ ‫أو صديق!‬ ‫ولحسن ال�ح��ظ أو لسوئه‪ ،‬اخ�ت��ارت السينما املصرية اإلع�ل�ان ال�ت�ج��اري أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اقتباسا‬ ‫موضوعا لعدد محدود من أفالمها‪ ،‬س��واء ك��ان ذل��ك‬ ‫العاملني فيه‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تأليفا ً‬ ‫خالصا‪ ،‬جميعها صور هذا القطاع بجرعات كبيرة من السلبية‪،‬‬ ‫أو‬ ‫وخلق صورة نمطية بالغة السوء‪ .‬وقد اخترنا هنا ‪ 3‬أفالم أنتجت في حقب‬ ‫زمنية مختلفة‪ ،‬وهي «واحدة بواحدة» (عام ‪ )1984‬و«خالي من الكولسترول» إدمان وتضليل وكذب ال محدود‬ ‫(‪ )2005‬و«كدبة كل يوم» (‪ .)2016‬فكيف قدمت تلك األف�لام قطاع اإلعالن‬ ‫ً‬ ‫التجاري والعاملني فيه؟‬ ‫في سبيل إقناع املستهلكني‪ ،‬وبخاصة الطبقات املتوسطة واألقل حظا‪ ،‬التي‬ ‫تشكل معظم فئات الجمهور املستهدف‪ ،‬ال يتورع مدير وكالة اإلعالن يونس‬ ‫(حسن حسني) في فيلم «خالي من الكولسترول» عن استخدام وسائله‬ ‫«الفنكوش»… سقوط أخالقي وإغراء‬ ‫الرخيصة وابتكار الحيل والخوض في حبائل الكذب ليرضي عمالءه من‬ ‫يتناول فيلم «واحدة بواحدة» الشهير بـ«الفنكوش»‪ ،‬وهو مقتبس عن الفيلم الشركات املنتجة للمواد الغذائية واالستهالكية‪ .‬فيقوم بتوظيف أيوب (أشرف‬ ‫األميركي «‪ ،»Lover Come Back‬قصة تنافس بني وكالتي إعالنات هما عبد الباقي) الفنان املوهوب الذي تربى على يد والدته جميلة (إلهام شاهني)‬ ‫«أوسكار» التي يديرها صالح فؤاد (عادل إمام) و«حسن وحسني وحسنني» ذات االحتياجات الذهنية الخاصة‪ ،‬التي جعلتها كاألطفال‪ ،‬وهو األمر الذي‬ ‫ً‬ ‫التي تديرها مايسة (ميرفت أمني)‪.‬‬ ‫مصدرا لإللهام وتوليد أفكار شيقة وجديدة‬ ‫استغله يونس في جعل جميلة‬ ‫يجسد صالح فؤاد جميع ما في هذا العالم من الفسوق واالنحالل ويستخدم للمضمون اإلعالني الذي يقدمه أيوب ملنتجات األطفال‪.‬‬ ‫أساليب اإلغ��راء الجنسي الرخيص لكسب املزيد من العمالء‪ .‬فهو يستغل يكثر يونس من عبارات «الزم نبيع‪ ..‬هي دي كل الحكاية»‪ ،‬وحتى لو كان املنتج‬ ‫ً‬ ‫خدمات الراقصة زيزي روكا (زيزي مصطفى) لكسب عقد إعالنات دسم سيئا‪ ،‬فإن ذلك فرصة لكي «يصرف العميل املزيد من املال لتسويق منتجه‬ ‫من مرسي (علي الشريف) صاحب مصنع الورنيش‪ .‬وتتوالى أحداث الفيلم الرديء»‪ ،‬فينقلب «العيب ميزة» ويطلب املستهلك املزيد منه‪.‬‬ ‫عندما يتورط في إعالن وهمي ملنتج وهمي اسمه «الفنكوش» ملنع زيزي روكا تدور أحداث «خالي من الكولسترول» في وكالة إعالنات حقيقية‪ ،‬تتضمن‬ ‫من الشهادة ضده ألنه تالعب بها ولم يف بوعده لها بجعلها نجمة إعالنات‪ .‬كوادر العمل من كتاب ومخرجني فنيني وخدمة عمالء‪ ،‬يؤدون العمل بدقة‪،‬‬

‫‪50‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫مشهد من فيلم واحدة‬ ‫بواحدة للفنان عادل‬ ‫إمام والنجمة ميرفت‬ ‫أمني وفي اإلطار األفيش‬ ‫التجاري للفيلم‬


‫نونا (على طاولة العمليات) ‪ 33 ،‬عاما‪ ،‬خالل جراحة تجميل األنف في عيادة للجراحة التجميلية في طهران‪ ،‬إيران في ‪ 09‬أكتوبر ‪( 2017‬غيتي)‬

‫كهمزة وصل بني الطبقة الوسطى والثرية في املدن اإليرانية والعالم‪.‬‬ ‫وأصبح شكل األنف مع الضمادات عليها يعتبر إحدى املؤشرات الهامة‬ ‫على املكانة االقتصادية لألفراد‪.‬‬ ‫وهكذا ارتفع مستوى الوعي املجتمعي بالعالم واملجتمعات املتطورة‬ ‫وارتفع معه الشعور باالستياء من الوضع الراهن في إي��ران وال��ذي‬ ‫تمثل في احتجاجات ترفع مطالب سياسية واقتصادية‪ .‬في نفس‬ ‫الوقت ظهرت رغبة في جزء ال يستهان به من الشعب بتغيير مظهرهم‬ ‫ال�خ��ارج��ي أو ش��راء أث��اث ج��دي��د أو ارت ��داء م�لاب��س ج��دي��دة أو القيام‬ ‫بعمليات التجميل‪ .‬وب��دأت هذه املوجة تتشكل بعد الحرب اإليرانية‬ ‫العراقية أي في التسعينات‪ .‬هذه الظروف تشير إلى عدم قدرة األفراد‬ ‫على تغيير األوضاع السياسية واالجتماعية رغم رغبتهم في التغيير‪.‬‬ ‫وبالنهاية يستنتج أن عمليات التجميل وسيلة لنسيان الشعور باليأس كثيرة يتم إرسالها لنا يوميا حيث تجري نقاشات حادة في قسم‬ ‫والفشل في التغيير وتشير إلى مشكلة سياسية متفشية في إيران‪ .‬التعليقات بني املؤيدين واملنتقدين للفكرة‪ .‬نهدف إلى توفير األرضية‬ ‫املالئمة للنقاش والحوار وليس تقبيح إجراء العمليات التجميلية أو‬ ‫حملة الدفاع عن جيل األنوف املهددة باالنقراض‬ ‫ترسيم الحدود بني من أجرى عمليات التجميل ومن لم يجر العمليات‬ ‫التجميلية‪.‬‬ ‫(صورة ألنفي بشكله الطبيعي)‬ ‫وتضيف مريم‪« :‬أعتقد أنه يجب على األف��راد أن تكون لهم القدرة‬ ‫ظهرت حملة تحمل عنوان «صورة ألنفي بشكله الطبيعي» في ‪ .2015‬على اتخاذ القرار بحرية وبوعي‪ .‬على سبيل املثال هناك من يجري‬ ‫وي�ق��ول منظمو صفحة الحملة على «فيسبوك» إنهم وبالنظر إلى عمليات التجميل بسبب تعرضه الن�ت�ق��ادات أو ضغوط م��ن أهله‬ ‫انتشار عمليات تجميل األنف في إيران طلبوا من زوار الصفحة من وأص��دق��ائ��ه‪ .‬نحن ننتقد ه��ذه الضغوطات التي تجعل الفرد يقدم‬ ‫النساء اللواتي لم يقمن بإجراء عملية تجميل األنف بإرسال صورة على إجراء عمليات التجميل‪ .‬بلغ عدد النساء اللواتي نشرن صورة‬ ‫أنفهن الطبيعي ‪ 300‬ام��رأة ولكن هناك مئات من النساء اللواتي‬ ‫ألنفهن بشكله الطبيعي ليتم نشره على الصفحة‪.‬‬ ‫تقول مريم إحدى مصممات الصفحة ملوقع «إيران واير»‪« :‬ما نشهده أعربن عن دعمهن لنا»‪.‬‬ ‫اليوم في البالد هو أن الجميع يريدون التمايز عن البقية ولكن في نفس وقالت‪« :‬نعتبر أنه ال يجب على أحد أن يفرض إرادته على اآلخر»‪.‬‬ ‫الوقت لم يصبحوا مختلفني شكليا بل أصبحوا «متشابهني من حيث وبني النظرتني املتناقضتني حول إج��راء عمليات التجميل فإن هذه‬ ‫املظهر الخارجي»‪ .‬وال عجب إذا قدمت وسائل اإلع�لام طهران على الظاهرة في طور النمو والتزايد في املجتمع اإليراني ويبدو أن األسباب‬ ‫أنها عاصمة «الجراحة التجميلية لألنف»‪ .‬فلماذا هناك رغبة شديدة التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة ليست متعلقة بمعايير جمالية فقط‬ ‫إلجراء عمليات التجميل وتغيير املظهر الخارجي في إيران‪ .‬هل كل بل هناك أسباب سياسية ورغبة من األف��راد في التغيير عن طريق‬ ‫الجراحات التجميلية ناتجة عن رغبة حقيقية للفرد بعيدا عن ضغوط تغيير مظهرهم الخارجي‪ .‬كما يبدو أن هذه الظاهرة ستتسع يوما‬ ‫البيئة؟ فقررنا أن نطرح هذه التساؤالت للنقاش مع زوار الصفحة بعد ي��وم ما لم تتم معالجة األسباب التي أدت إل��ى ظهورها في بلد‬ ‫يعرف بأنه يحكمه نظام إسالمي ولكن هناك جزء ال يستهان به من‬ ‫ونشجعهم على املشاركة في النقاش وتبادل اآلراء‪.‬‬ ‫وح��ول نسبة االس�ت�ق�ب��ال ل�ه��ذه ال�ف�ك��رة ت�ق��ول م��ري��م إن اإلق �ب��ال على الشعب لديه رغبة جارفة في التحرر من املعايير والقيود املفروضة‬ ‫الصفحة وع��دد املعجبني بالفكرة ك��ان غير م�ت��وق��ع‪ .‬فهناك صور عليه منذ أربعة عقود‪.‬‬

‫هناك جزء ال يستهان به من الشعب‬ ‫لديه رغبة جارفة في التحرر من‬ ‫املعايير والقيود املفروضة عليه منذ‬ ‫أربعة عقود‬

‫‪49‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫يبدو أن األسباب التي أدت إلى انتشار‬ ‫عمليات التجميل ليست متعلقة‬ ‫بمعايير جمالية فقط‬ ‫مع املعايير الغربية‪ ،‬وك��ان املطلوب أن يخضع الجميع لهذه النظرة‬ ‫الحكومية في ظل النظامني‪.‬‬ ‫وبالتزامن مع السياسة الجديدة‪ ،‬هناك إعادة تكوين ملفهوم الجمال‬ ‫وانتشرت مفاهيم جديدة مثل «العفة» و«الحجاب اإلسالمي»‪.‬‬

‫سير تحول املجتمع وإنتاج مفاهيم جديدة حول الجمال‬ ‫وتابع الكاتب بأن املفاهيم الجمالية الجديدة التي أنتجها النظام الجديد‬ ‫لقيت ترحيبا ع��ام��ا خ�لال العقدين األول�ي�ن م��ن ال �ث��ورة اإلس�لام�ي��ة‪.‬‬ ‫وبالتزامن مع وصول هاشمي رفسنجاني إلى سدة الرئاسة (‪- 1989‬‬ ‫‪ )1997‬بدأت الطبقة الوسطى الجديدة التي ظهرت آنذاك بإنتاج مفاهيم‬ ‫جمالية جديدة تتناقض بشكل كامل مع السياسات الرسمية‪ .‬وشهدت‬ ‫فترة رئاسة رفسنجاني انفتاحا على العالم اقتصاديا وسياسيا‬ ‫حيث أصبح الشعب اإليراني يبحث عن أساليب جديدة للحياة من‬ ‫خالل تأثره بالغرب ومجالت املوضة الغربية واألفالم السينمائية غير‬ ‫اإليرانية وفيديوهات وكليبات للمطربني اإليرانيني املقيمني في خارج‬ ‫البالد والتي باتت تدخل إيران منذ تلك الفترة‪ .‬لقد أدى هذا االنفتاح‬ ‫ودخول السلع األجنبية إلى البالد إلى تغيير القيم الفردية‪ .‬في الواقع‪،‬‬ ‫بدأ الشعب يفكر بأنه يمكن أن نعيش بأسلوب آخر غير ما يتم فرضه‬

‫جراح تجميل يزيل الضمادة من أنف املريضة بعد عملية في عيادتة في طهران (غيتي)‪.‬‬

‫علينا‪ .‬وأصبح األنف يحظى بأهمية خاصة للمرأة املحجبة باعتباره‬ ‫العضو الذي يمكن إظهاره أمام العلن ومن هنا بدأ التعبير عن الرغبة‬ ‫في التغيير من خالل تغيير شكل األنف‪ .‬وبدأ الخطاب املنافس اآلخر‬ ‫ينافس الخطاب الرسمي بشأن الجمال ويرسم للمرأة معايير جمالية‬ ‫مختلفة تماما عن وجهة النظر الرسمية‪ .‬وب��دأت امل��رأة أو باألحرى‬ ‫شريحة الفتة للنظر من النساء يعتمدن املعايير الجمالية التي تعتمدها‬ ‫املمثالث في الغرب وأصبح الخطاب األصولي املتشدد حول الجمال يتم‬ ‫التعامل معه في املجتمع باستهزاء ويقدم على أنه خطاب ثوري بنبرة‬ ‫ساخرة‪ .‬ويلفت الكاتب إلى أن هذه املعايير الجمالية أصبحت تعمل‬

‫‪.‬امرأة شابة‬ ‫بعد جراحة‬ ‫تجميل األنف في‬ ‫كرمانشاه‪ ،‬إيران‪،‬‬ ‫(غيتي)‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫امرأة إيرانية تنظر إلى‬ ‫املرآة وهي تنتظر الخضوع‬ ‫للفحص في عيادة‬ ‫للجراحة التجميلية في‬ ‫طهران‪ ،‬إيران (غيتي)‪.‬‬

‫األف� ��راد إل��ى إج ��راء ع�م�ل�ي��ات ال�ت�ج�م�ي��ل‪ .‬ق��د ت�ك��ون ف�ئ��ة م �ح��دودة من‬ ‫ال��ذي��ن ي ��زورون ع�ي��ادات التجميل (ت �ت��راوح النسبة ب�ين ‪ 10‬و‪ 15‬في‬ ‫املائة) مصابني باضطراب التشوه الجسمي (‪Body Dysmorphic‬‬ ‫‪ )Disorder‬وهو اضطراب وسواسي يشعر معه الشخص املصاب‬ ‫به بقلق مفرط بسبب عيب في شكله أو معالم جسمه‪ .‬وال يعرف‬ ‫سبب اإلصابة بهذا املرض ولكن يعتقد أن األفراد الذين يعانون من‬ ‫نقص الثقة بالنفس والذين تعرضوا لإلهانة والتحقير واالستهزاء أو‬ ‫االستغالل في طفولتهم أو فترة مراهقتهم قد يكونون أكثر عرضة‬ ‫لإلصابة بهذا املرض‪.‬‬

‫عمليات التجميل والرغبة في تغيير الوضع املوجود‬ ‫نشر موقع «بي بي سي الفارسية» تقريرا بقلم أمني بزركي يتناول‬ ‫أهمية األسباب االجتماعية والسياسية في انتشار عمليات التجميل‬ ‫في إيران‪.‬‬ ‫يعتبر الكاتب أن «اليد» (قبضة اليد) أصبحت بعد الثورة اإلسالمية‬ ‫رمزا والعضو األهم في املجتمع‪ ،‬منها األي��ادي والقبضات املرفوعة‬ ‫التي تردد شعارات مناهضة ألميركا‪ .‬وتحول األنف إلى أبرز أعضاء‬ ‫الجسم في املجتمع منذ العقد الثاني من الثورة حيث باتت تمأل صور‬ ‫مقارنة األنوف قبل إجراء عمليات التجميل وبعدها الجرائد ووسائل‬ ‫اإلع�ل�ام ال�ن��اط�ق��ة ب��ال�ف��ارس�ي��ة ف��ي خ ��ارج ال �ب�لاد وت�ح��ول��ت ال�ج��راح��ات‬ ‫التجميلية إل��ى مهنة مربحة آلالف م��ن األط �ب��اء‪ .‬ول�ك��ن األش�خ��اص‬ ‫الذين قاموا بعمليات التجميل كانوا يرجعون سبب قيامهم بإجراء‬ ‫عمليات التجميل إلى عيوب أو مشاكل صحية مثل البوليبات األنفية‬ ‫وم��ا شابه ذل��ك وكأنهم ك��ان��وا يشعرون بعدم االرت�ي��اح م��ن التعامل‬

‫‪47‬‬

‫شهريار لقماني‪ :‬عدد عمليات تجميل‬ ‫األنف في إيران بلغت ‪ 150‬ألف عملية‬ ‫سنويًا وإيران ضمن الدول العشر‬ ‫األولى في إجراء عمليات التجميل‬ ‫املجتمعي معهم حيث كانت عمليات التجميل تقدم في وسائل اإلعالم‬ ‫الرسمية والدراسات الرسمية وغير الرسمية على أنها ظاهرة مهينة‬ ‫وأن األفراد الذين يقومون بمثل هذه العمليات يعانون من ضعف الثقة‬ ‫وال يشعرون بالسعادة والرضا من مظهرهم الخارجي‪.‬‬ ‫ويلفت الكاتب إل��ى أن الجسم عنصر اجتماعي يتأثر بالسياسات‬ ‫االجتماعية والثقافية واالجتماعية والتعليمية للحكومات ويعيد بناء‬ ‫نفسه‪ .‬وفي هذا اإلطار يمكن اإلشارة إلى سياستني مختلفتني حول‬ ‫أداء الجسم في القطاع العام قبل الثورة وبعد الثورة‪ ،‬حيث يساعد‬ ‫ال�ت�ع��رف عليهما ف��ي فهم األس �ب��اب ال�ت��ي أدت إل��ى ان�ت�ش��ار عمليات‬ ‫التجميل‪.‬‬ ‫اعتمد ن�ظ��ام الجمهورية اإلس�لام�ي��ة بعد ال�ث��ورة سياسة اجتماعية‬ ‫وطنية مختلفة كليا عن السياسة املتبعة في فترة الشاه بشأن جسم‬ ‫امل��رأة‪ .‬وق��دم جسد امل��رأة في العهد السابق خالل الدعايات والبرامج‬ ‫التلفزيونية واألفالم السينمائية واملطربات واملشاهير بشكل يتطابق‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫ً‬ ‫يراه البعض دليال على اضطراب نفسي‪ ...‬وآخرون‪ :‬رغبة في التغيير‬

‫انتشار عمليات التجميل في إيران‬ ‫لندن‪ :‬حنان عزيزي‬ ‫عندما تمشي في شوارع طهران‪ ،‬تجد وجوها كثيرة عليها مالمح‬ ‫عمليات التجميل‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬أصبح مشهد الشابات والشبان‬ ‫الذين يضعون بدقة ضمادات على أنوفهم اعتياديا‪ .‬تنتشر عيادات‬ ‫التجميل بكثرة في أنحاء املحافظات اإليرانية وخاصة طهران وهي‬ ‫متخصصة ف��ي إج��راء عمليات التجميل بكافة أشكالها وأنواعها‬ ‫على غرار تجميل األنف والشفاة والحواجب والنفخ والشد والحقن‬ ‫بالجل أو بالدهون الطبيعية‪ .‬وكانت النقابة الدولية لجراحي التجميل‬ ‫قد نشرت في عام ‪ 2013‬تقريرا يصنف إيران في املرتبة األولى في‬ ‫الشرق األوسط وفي املرتبة العاشرة عامليا في عدد عمليات التجميل‪،‬‬ ‫غير أن آخر اإلحصائيات الصادرة بهذا الشأن تشير إلى أن إيران‬ ‫أحرزت تقدما وباتت في املرتبة الثامنة عامليا‪.‬‬ ‫حصة إيران من إجراء عمليات التجميل واحد في املائة على املستوى‬ ‫العاملي في الوقت الذي يبلغ عدد سكان البالد نحو واحد في املائة من‬ ‫إجمالي سكان العالم‪ .‬وتفيد اإلحصائيات بأن عدد عمليات تجميل‬ ‫األنف في إيران أكثر منها في الواليات املتحدة بسبعة أضعاف‪.‬‬

‫ماذا تقول اإلحصائيات الرسمية في إيران؟‬ ‫نقلت وكالة «إيرنا» لألنباء عن رئيس رابطة جراحي تجميل األنف‬ ‫«رينوبالستي» الدكتور شهريار لقماني قوله في مؤتمر للرابطة في‬ ‫نوفمبر (تشرين الثاني) ‪« 2016‬تفيد اإلحصائيات التي نمتلكها بأن‬ ‫عدد عمليات تجميل األنف في إيران بلغت ‪ 150‬ألف عملية سنويا مما‬ ‫يشير إلى أن إيران أصبحت من ضمن الدول العشر األكثر انتشارا‬ ‫في إجراء عمليات التجميل عامليا وهي تحتل املرتبة الثالثة حاليا»‪.‬‬ ‫وقالت النقابة الدولية لجراحي التجميل في تقريرها إن عدد عمليات‬ ‫التجميل بلغ نحو ‪ 175‬ألف عملية في البالد ولكن على أي حال فإن‬ ‫الواقع يشير إلى أن أرقام وعدد عمليات التجميل في إيران أكبر بكثير‬ ‫من اإلحصائيات الصادرة‪.‬‬ ‫وحول سبب عدم وجود إحصائيات رسمية بشأن عمليات التجميل‪،‬‬ ‫ق��ال السيد عبد الحسن إمامي رئيس رابطة جراحي التجميل في‬ ‫إيران لوكالة «آنا» لألنباء (وكالة األنباء الرسمية للجامعة الحرة في‬ ‫إي��ران) في ‪« :2015‬يعود السبب في ذلك إلى عدم قيام أي مؤسسة‬ ‫رسمية بجمع البيانات واإلحصائيات الدقيقة من املؤسسات وعيادات‬ ‫التجميل والسبب اآلخر هو أن األطباء ال يرغبون في تقديم إحصائيات‬ ‫عن عدد الذين يزورونهم ويجرون هذه العمليات ألسباب اقتصادية‬ ‫واجتماعية وطبية‪ .‬ولكن ما يبدو واضحا أن هناك تزايدا في إجراء‬ ‫عمليات التجميل في البالد»‪.‬‬

‫وأضاف‪« :‬على وزارة الصحة تولي املسؤولية والقيام بأخذ اإلحصائيات‬ ‫من العيادات واملراكز املتخصصة بإجراء عمليات التجميل ألنه وفي‬ ‫بعض األحيان األطباء الذين يقومون بعمليات التجميل ليس لديهم‬ ‫رخصة ملمارسة الجراحة وأحيانا هناك أطباء في الطب العام وأطباء‬ ‫غير مؤهلني يجرون هذه العمليات»‪.‬‬ ‫وتابع‪« :‬عمليات تجميل األنف األكثر إقباال وغالبية عمليات تجميل‬ ‫األنف تجرى في طهران»‪.‬‬

‫هل باتت عمليات التجميل هوسًا يجتاح‬ ‫املجتمع اإليراني؟‬ ‫لقد أجريت دراسات كثيرة بشأن األسباب التي أدت إلى هذا االنتشار‬ ‫الواسع أو باألحرى الهوس في إجراء عمليات التجميل في املجتمع‬ ‫اإليراني‪.‬‬ ‫تقول الدراسة املشتركة التي أجراها مهدي اعتماد فر (أستاذ مساعد‬ ‫في علم االجتماع في جامعة طهران) ومليحه أماني (كبير الخبراء‬ ‫في الدراسات النسوية من جامعة تربية مدرس في طهران) إن هناك‬ ‫أسبابا فردية ومجتمعية أسفرت عن انتشار ظاهرة عمليات التجميل‬ ‫في املجتمع‪ .‬وشملت الدراسة ‪ 30‬امرأة تتراوح أعمارهن بني ‪ 20‬و‪34‬‬ ‫عاما قمن بإجراء عمليات تجميل في طهران‪ .‬وتنوعت أسباب اللجوء‬ ‫إلى عمليات التجميل من امرأة إلى أخرى بدءًا من كسب الثقة بالنفس‪،‬‬ ‫وع��دم الشعور بالرضا م��ن املظهر ال�خ��ارج��ي‪ ،‬وال��رغ�ب��ة ف��ي الظهور‬ ‫بمظهر أكثر جماال‪ ،‬والتفوق‪ ،‬والحساسية أكثر من اللزوم بسبب‬ ‫املظهر الخارجي‪ ،‬والتغيير‪ ،‬والتنوع‪ ،‬وانتقادات األسرة‪ ،‬والتنافس بني‬ ‫األقرباء واألصدقاء‪ ،‬وكسب تأييد الزوج‪ ،‬واملقارنة مع نساء أخريات‬ ‫من قبل الزوج‪ ،‬والدعم والتشجيع من الزميالت في الجامعة‪ ،‬ولفت نظر‬ ‫الشباب‪ ،‬والحصول على فرص اجتماعية مميزة كالزواج والوظيفة‪،‬‬ ‫واملوضة‪ ،‬واملقبولية في املجتمع‪ ،‬واإلعالنات في املحطات الفضائية‪.‬‬ ‫وتشير أفسانه قاسمي الباحثة في جامعة الزهراء في طهران في‬ ‫الدراسة التي أجرتها حول املوضوع مؤخرا إلى أهمية العوامل الفردية‬ ‫في لجوء عدد كبير من النساء اإليرانيات إلى إجراء عمليات التجميل‪،‬‬ ‫مشيرة إلى أن نتائج التحقيق أظهرت أن عدم الثقة بالنفس والسعي في‬ ‫بناء هوية خاصة يحالن محل الهوية التي تعرضت لالنتهاك والتمييز‬ ‫واالنتقاد في املجتمع الذكوري وتقديم نفسها بالشكل الذي تراه مثاليا‬ ‫أمام املجتمع واألسرة وأيضا ثقافة املجتمع والفرد والعائلة واإلعالنات‬ ‫تساهم بشكل كبير في انتشار عمليات التجميل في املجتمع اإليراني‪.‬‬ ‫وتذهب بعض الدراسات بشأن عمليات التجميل إلى أنه وإلى جانب‬ ‫العوامل الفردية واالجتماعية قد يكون هناك سبب آخر يدفع بعض‬

‫‪46‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫لقد كان االعتقاد في أوروبا أن ً اإلنسان‬ ‫ْ‬ ‫األس َود ال يرقى إلى كونه إنسانا بل‬ ‫هو في أقصى حدوده «ساللة حيوانية‬ ‫متقدمة»‪ ...‬وكانت ُ املبادئ الخاصة‬ ‫بحقوق اإلنسان ال ت ّ‬ ‫طبق على َالزنوج‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ألن جمجمتهم ال تسع ما كانت تسعه‬ ‫جماجم ِالب ْيض‬ ‫أندريه بروتون‬

‫امل��ذل��ول ومشابهة ع�ب��ده ال�ق��دي��م‪ ،‬ل��ذل��ك ك��ان ل� ً‬ ‫�زام��ا إب�ق��اءه بعناية‬ ‫على ِح��دة واالب�ت�ع��اد عنه م��ا أم�ك��ن‪ ،‬وم��ن ث��م نبعت آيديولوجية‬ ‫الفصل» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪ )122‬لذلك كانت النظرة‬ ‫ُّ ْ‬ ‫والب ْيض أو‬ ‫التصحيحية لذلك هي إما االختالط الكلي بني السود ِ‬ ‫العرق والديمقراطية‪ ،‬دون وجود‬ ‫االفتراق التام كحل للعالقات بني ِ‬ ‫نظرة عنصرية عميقة كالتي ينظر بها توكفيل ترى استحالة‬ ‫الخيار األول‪ .‬فاملستعمرة التي كان فيها الزنوج كانت «نتيجة‬ ‫َ‬ ‫غزوة عسكرية مستمرة ومدعمة بإدارة مدنية وبوليسية» َبنت‬ ‫ً‬ ‫للمستعمر حيال‬ ‫عنفا بأبعاد ثالثة‪« :‬عنف في السلوك اليومي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫املستعمر وعنف وشتيمة حيال‬ ‫املستعمر‪ ،‬وعنف حيال ماضي‬ ‫ً‬ ‫املستقبل‪ ،‬ألن النظام الكولونيالي يعتبر نفسه أب��دي��ًا ل��زوم��ا»‬ ‫(مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪)150‬‬ ‫لقد بقيت النظرة إلى «الزنجي» مجرد لون‪ ،‬هذا اللون هو الظالم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وعليه فهو َ«م� ْ�ن يعيش الليل وفي الليل‪ ،‬ويجعل من حياته ليال‪،‬‬ ‫تكون فيه لحمه‪ ،‬تلك هي ّ‬ ‫فالليل هو غالفه األول‪ ،‬القماش الذي ّ‬ ‫عدته‬

‫وكسوته»‪ .‬كما أن اسم الزنجي ارتبط «بعالقة خضوع‪ .‬في الواقع ال‬ ‫يوجد زنجي إال في عالقة بـسيد‪ ،‬إذ السيد يمتلك زنجيه‪ ،‬والزنجي‬ ‫ً‬ ‫ملك لسيده‪ ،‬يتلقى كل زنجي شكله من سيده الذي يعطيه شكال‬ ‫عبر تدمير شكله السابق» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬الصفحات ‪- 208‬‬ ‫ّ‬ ‫عصية ألن تحل محلها عتبة «الصعود‬ ‫‪ )209‬هذه النظرة كانت‬ ‫ْ‬ ‫إل��ى اإلنسانية»‪ .‬ف��أح��وال ال� ُّ�س��ود وصلت إل��ى مرحلة ال يمكن أن‬ ‫يستوعبها ضمير ّ‬ ‫لشدة َ‬ ‫الح ْيف الواقع عليهم‪ .‬لذلك وصل الحال‬ ‫ّ‬ ‫األس َود كـ فانون ألن ينقدوا ليس ذلك َ‬ ‫العرق ْ‬ ‫الح ْيف فقط‬ ‫بمنظري ِ‬ ‫بل القبول به من ِق َبل الخاضعني له‪ .‬وعندما انهار نظام األبرتايد‬ ‫في جنوب أفريقيا كان التقييم هو أن ذلك لم يتحقق إال برفض‬ ‫ُّ‬ ‫الس ْود لواقعهم قبل أي شيء‪.‬‬ ‫إن مشوارا طويال من العناء قد يظن للكثيرين أنه انتهى أو تمت تسويته‬ ‫لكن تفاصيله العنصرية ما زالت حاضرة لدى الكثيرين وال تظهر إال‬ ‫حني ُت َ‬ ‫محص األفعال واملشاعر‬

‫املراجع‬ ‫> أب��و العباس أح�م��د القلقشندي‪1913( .‬م)‪ .‬صبح‬ ‫األعشى (املجلد ‪ .)2‬القاهرة‪ :‬املطبعة األميرية‪.‬‬ ‫أب��و القاسم الزمخشري‪( .‬ب�لا ت��اري��خ)‪ .‬ربيع األب��رار‬ ‫ون �ص��وص األخ �ب ��ار (امل �ج �ل��د ‪ .)4‬ب �ي ��روت‪ :‬مؤسسة‬ ‫األعلمي للمطبوعات‪.‬‬ ‫أشيل مبيمبي‪2018( .‬م)‪ .‬نقد العقل الزنجي‪( .‬طواهري‬ ‫ميلود‪ ،‬املترجمون) وهران‪ :‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫األب ل ��وي ��س ش �ي �خ��و ال� �ي� �س ��وع ��ي‪1989( .‬م)‪.‬‬ ‫النصرانية وآدابها بني عرب الجاهلية‪ .‬بيروت‪:‬‬ ‫دار املشرق‪.‬‬ ‫جواد علي‪1993( .‬م)‪ .‬املفصل في تاريخ العرب قبل‬ ‫اإلسالم (املجلد ‪ .)4‬بغداد‪ :‬جامعة بغداد‪.‬‬ ‫ج��ودة حسنني ج ��ودة‪1986( .‬م)‪ .‬ق��واع��د الجغرافيا‬ ‫العامة الطبيعية والبشرية‪ .‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‬ ‫للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬

‫د‪ .‬علي أبو ملحم‪2002( .‬م)‪ .‬رسائل الجاحظ (املجلد‬ ‫‪ .)1‬بيروت‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪.‬‬ ‫زكريا بن محمد القزويني‪( .‬د ت)‪ .‬آثار البالد وأخبار‬ ‫العباد‪ .‬بيروت‪ :‬دار صادر‪.‬‬ ‫عبد الرحمن ابن خلدون‪2001( .‬م)‪ .‬مقدمة ابن خلدون‬ ‫(املجلد ‪ .)1‬بيروت‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫محمد إبراهيم نقد‪1995( .‬م)‪ .‬عالقات الرق في املجتمع‬ ‫السوداني‪ ..‬النشأة ‪ -‬السمات ‪ -‬االضمحالل‪ .‬الخرطوم‪:‬‬ ‫الشركة العاملية للطباعة والنشر‪.‬‬ ‫محمد ال�ص��در‪2002( .‬م)‪ .‬ال�ي��وم امل��وع��ود ب�ين املفكر‬ ‫امل� ��ادي وال��دي �ن��ي (امل �ج �ل��د ‪ .)4‬ب �ي��روت‪ :‬دار ال�ت�ع��ارف‬ ‫للمطبوعات‪.‬‬ ‫محمد عبد الله محمد‪ 27( .‬أبريل (نيسان)‪2014 ،‬م)‪.‬‬ ‫العبيد والعبودية‪ٌ ..‬‬ ‫شيء من الذاكرة البائسة‪ .‬صحيفة‬ ‫الوسط البحرينية(‪ .)4251‬تم االس�ت��رداد من ‪http:-‬‬

‫‪45‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫‪html.880188--www.alwasatnews.com-news‬‬ ‫محمد عبد ال�ل��ه محمد‪ 1( .‬أك�ت��وب��ر‪2014 ،‬م)‪ .‬ث��ورة‬ ‫ال�ع�ب�ي��د‪ .‬ص�ح�ي�ف��ة ال��وس��ط ال�ب�ح��ري�ن�ي��ة (‪ .)4408‬تم‬ ‫االس �ت��رداد م��ن ‪http:--www.alwasatnews.com-‬‬ ‫‪html.925413-news‬‬ ‫م�ح�م��د ع�ب��د ال �ل��ه م�ح�م��د‪ 1( .‬ف �ب��راي��ر‪2016 ،‬م)‪ .‬في‬ ‫م �ص��ر أس � � َ�ود وف ��ي غ��ان��ا أب �ي ��ض‪ .‬ص�ح�ي�ف��ة ال��وس��ط‬ ‫البحرينية (‪ .)4895‬تم االسترداد من ‪http:--www.‬‬ ‫‪html.1074687-alwasatnews.com-news‬‬ ‫محمد عبد الله محمد‪ 5( .‬فبراير‪2017 ،‬م)‪ .‬تبييض‬ ‫ال �ن �ص��ر‪ .‬ص�ح�ي�ف��ة ال��وس��ط ال�ب�ح��ري�ن�ي��ة (‪ .)5266‬تم‬ ‫االس �ت��رداد م��ن ‪http:--www.alwasatnews.com-‬‬ ‫‪html.1207706-news‬‬ ‫معجم ال�ب�ل��دان‪( .‬د ت)‪ .‬ي��اق��وت ب��ن عبد الله الحموي‬ ‫الرومي البغدادي (املجلد ‪ .)4‬بيروت‪ :‬دار صادر‪.‬‬


‫ً‬ ‫استمرت مأساة الرق وتحديدا في ِالعرق‬ ‫الزنجي بشكل يندى له الجبني‪ .‬ففي بحر‬ ‫ُ قرن واحد فقط (‪)1680 –1580‬‬ ‫الرقيق َإلى‬ ‫ش ِحن مليون ونصف املليون من ُ‬ ‫األميركتني! وخالل ثالثة قرون‪ ،‬است ِنزف‬ ‫من أفريقيا ‪ 40‬مليون إنسان من الرقيق‪،‬‬ ‫‪ 90‬في املائة منهم شباب‬ ‫مرداس‪ ،‬وسيلك بن السلكة‪ ،‬وعمير بن الحباب‪ ،‬والحجاف بن حكيم‪ ،‬السرياليات ارتبطت في جزء منها بالشعوب امللونة» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪،‬‬ ‫وعامر بن فهيرة‪ ،‬والفداف‪ ،‬ومريح األشرم‪ ،‬واملغلول‪ ،‬وأفلح» (ملحم‪ ،‬صفحة ‪.)67‬‬ ‫وال يخلو رأي مبيمبي من نظرة سيميولوجية في عالقة «الزنجي»‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬الصفحات ‪)52 - 51‬‬ ‫ب�ط��رق «ال�ت�ه��ري��ج» ف��ي م��ؤس�س��ة ال�ح�ك��م‪ ،‬وك�ي��ف أن ال�ح�ك��ام األف��ارق��ة‬ ‫«يتزينون بتمائم وريش الطيور‪ ،‬يرتدون زي الرهبان املقنعني ويشربون‬ ‫انقالب النظرة‬ ‫أشهر الخمور في أواني كؤوس ذهبية» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪.)77‬‬ ‫وح�ين نعود إل��ى كتاب «نقد العقل الزنجي» ن��رى أن النظرة الغربية‬ ‫السلبية تجاه ال��زن��وج حصل لها «ان�ق�لاب رادي�ك��ال��ي ف��ي ب��داي��ة القرن اللون والظالم‬ ‫العشرين‪ ،‬بعدما تناولته الحركات الطالئعية» باإلضافة إلى «أزمة الوعي‬ ‫َ‬ ‫التي غرق الغرب فيها في بداية القرن» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪َ )66‬ه َيمنت على الخطاب الزنجي ثالثة أحداث هي «العبودية واالحتالل‬ ‫وكانت «إعادة تقييم مساهمة أفريقيا في مشروع إنسانية مستقبلية والتمييز العنصري» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪ )115‬لذلك هو‬ ‫على خلفية تجديد النقد الجمالي والسياسي املناهض لالستعمار‪ .‬ينقل عن توكفيل(‪ )8‬قوله بأن «ذكرى العبودية تسيء إلى شرف‬ ‫والعرق ُيخلد ذكرى العبودية» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة‬ ‫العرق‪ِ ،‬‬ ‫كان هذا النقد صنيع الحركة السريالية وأقطاب النزعة البدائية بشكل ِ‬ ‫خاص حيث ً‬ ‫العرق‬ ‫مع‬ ‫االختالط‬ ‫األبيض‬ ‫السيد‬ ‫يخشى‬ ‫كان‬ ‫«ما‬ ‫فأكثر‬ ‫‪)121‬‬ ‫ِ‬ ‫بدءا من سنوات ‪1920‬م يصرح أندري بروطون(‪ )7‬بأن‬

‫فرانز فانون‬

‫اهلوامش‬ ‫> (‪ )1‬أردشير بن بابك‪ :‬هو مؤسس الدولة الساسانية‪،‬‬ ‫وعاش في القرن الثالث امليالدي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬فيلسوف سويسري ع��اش بني َ‬ ‫عام ْي ‪1807‬م و‬ ‫‪1873‬م‪ُ .‬يعد من أبرز مؤرخي التاريخ الطبيعي‪ُ .‬ع ِرف‬ ‫عنه ميوله العنصرية تجاه األجناس امللونة‪ ،‬وبرزت تلك‬ ‫النظرة أكثر حني زار الواليات املتحدة األميركية التي‬ ‫كان الزنوج يعيشون فيها حياة قاسية بفعل التمييز‬ ‫العنصري من ِق َبل ِالب ْيض‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ع ��ال ��م ف��رن �س��ي ف ��ي م �ج ��ال ال� �ت ��اري ��خ ال�ط�ب�ي�ع��ي‬ ‫والرياضيات‪ .‬ولد في العام ‪1707‬م وتوفي في العام‬ ‫‪1788‬م أي قبل اندالع الثورة الفرنسية بعام واحد‪.‬‬ ‫(‪ )4‬ناشط وكاتب أميركي‪ .‬قاده لونه ْ‬ ‫األس َود للدخول‬ ‫في معترك الدفاع عن حقوق ُّالس ْود في الواليات املتحدة‬ ‫األميركية‪ .‬توفي في العام ‪1987‬م عن عمر ‪ً 63‬‬ ‫عاما‪.‬‬ ‫(‪ )5‬فيلسوف زنجي فرانكفوني مارتنيكي ُو ِل� َ�د في‬

‫ال�ع��ام ‪1925‬م وتخصص ف��ي العلوم النفسية‪ُ .‬ع� ِ�رف‬ ‫ع�ن��ه أم�م�ي�ت��ه ودف��اع��ه ع��ن ق�ض��اي��ا ال��زن��وج وال�ت�م�ي�ي��ز‬ ‫ً‬ ‫خصوصا إبان االستعمار الفرنسي‬ ‫وحرية الشعوب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫منضما لجبهة التحرير الوطني هناك‪ .‬مات‬ ‫للجزائر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شابا بعد إصابته بسرطان الدم عام ‪1961‬م عن عمر‬ ‫ً‬ ‫ناهز ‪ 36‬عاما‪.‬‬ ‫(‪ )6‬بالنسبة للفظة «زنجي» فهي معروفة ومتداولة‬ ‫في املصادر العربية واإلسالمية منذ زمن بعيد يسبق‬ ‫القرن السادس عشر بكثير‪ ،‬ولها شروحات في العربية‬ ‫ِّ ْ‬ ‫الزنج‬ ‫لسان العرب حني أشار ابن منظور إلى أن‬ ‫كما في‬ ‫ْ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫والز ْنج‪ :‬ج ٌيل من ُّ‬ ‫الزنوج‪ ،‬واحدهم ِزن ِج ٌّي‬ ‫ودان وهم‬ ‫الس‬ ‫َْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫وزن� ِ�ج� ّ�ي‪ .‬وبالتالي فإن املؤلف هنا ربما حدد التداول‬ ‫في املنطقة األوروبية‪ .‬ويجانبه الصواب حني يقرر أن‬ ‫ّ‬ ‫إال حني ُن ِّ‬ ‫خرج ذلك بأن نفترض أن‬ ‫أصل الكلمة أيبيري‬ ‫املسلمني نقلوا ذلك املصطلح إلى شبه الجزيرة األيبيرية‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫وتمت ترجمته هناك حني حكموا األندلس (الكاتب)‪.‬‬ ‫(‪ُ )7‬ي َعد أندريه بروتون من أشهر الروائيني والشعراء‬ ‫الفرنسيني ال��ذي��ن ارت�ب��ط اسمهم بالحركة السريالية‬ ‫والتي يعود تأسيسها الفعلي له كما يرى العديد من‬ ‫املؤرخني‪ .‬كان لـ بروتون ميول ماركسية يبدو أنه مال‬ ‫إليها بعد ت��أث��ره بأفكار الفيلسوف األمل��ان��ي لودفيغ‬ ‫فويرباخ في املادية اإلنسانية‪ .‬وعلى الرغم من كل ذلك‬ ‫درس بروتون علوم النفس وألف أشهر كتبه املسمى‬ ‫ً‬ ‫نصوصا أدبية عميقة‪.‬‬ ‫«الحقول املغناطيسية»‪ ،‬وصاغ‬ ‫ُو ِل َد في العام ‪1896‬م وتوفي في العاصمة باريس عام‬ ‫‪1966‬م‪.‬‬ ‫(‪ )8‬ألكسيس دو توكفيل أح��د الفالسفة الفرنسيني‬ ‫ال��ذي��ن اه�ت�م��وا بالبعد ال�ت��اري�خ��ي للسياسة وبالنظم‬ ‫األخالقية في سياقها االجتماعي‪ُ .‬و ِل َد في العام ‪1805‬م‬ ‫وتوفي في العام ‪1859‬م‪.‬‬


‫لويس أجاسيز‬

‫ساهم «أدعياء العلم» في تأسيس‬ ‫ثقافة الكراهية ضد ُّ‬ ‫الس ْود‪ .‬وخرج‬ ‫لويس أجاسيز عالم الطبيعة‬ ‫واألحياء في جامعة هارفاد خالل‬ ‫القرن التاسع عشر بنظرية «األنواع‬ ‫الثمانية» في الجنس البشري‬

‫جورج لويس بوفون‬

‫االستعالء األشمل‬ ‫والحقيقة أن ه��ذه النظرة االستعالئية والتهكمية ليست ً‬ ‫حكرا على‬ ‫املرويات األوروبية بل هي متأصلة قبلهم بمئات السنني عند املجتمعات‬ ‫ُ‬ ‫العربية واإلسالمية في نظرتها للزنوج‪ .‬وقد ك ِت َبت فيها الكثير من‬ ‫ً‬ ‫القصص واملآثر‪ .‬فمما أورده الزمخشري في ربيع األب��رار أن مروانا‬ ‫أه� ِ�دي له غالم أس��ود‪ ،‬فأمر عبد الحميد أن يكتب فيه ويذمه ويوجز‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شرا من َّالس َواد‪ً ،‬‬ ‫لونا ً‬ ‫وعددا أقل من الواحد ألهديته‪،‬‬ ‫فكتب‪ :‬لو وجدت‬ ‫ّ‬ ‫والسالم‪ .‬ثم يشير إلى زواج أعشى سليم من دنانير (بنت كعبويه)‬ ‫الزنجية حني رآها ً‬ ‫يوما تخضب يدها وتكتحل فقال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫تخضب كفا قطعت من زندها ** فتخضب الحناء من مسودها‬ ‫وك��أن �ه��ا وال �ك �ح��ل ف��ي م ��روده ��ا ** ت�ك�ح��ل ع�ي�ن�ي�ه��ا ب�ب�ع��ض ج�ل��ده��ا‬ ‫(الزمخشري‪ ،‬صفحة ‪)412‬‬ ‫وقد وصف ياقوت الزنوج بأوصاف يمكن للمرء أن يتأمل فيها‪ ،‬إذ قال‬ ‫ّ‬ ‫وهو يصف أرض العراق وأهله‪« :‬لم يتجاوز أرحام نسائهم في النضج‬ ‫إلى اإلح��راق كالزنج والنوبة والحبشة الذين حلك لونهم وننت ريحهم‬ ‫وتفلفل شعرهم وفسدت آراؤهم وعقولهم» (البلدان‪ ،‬د ت‪ ،‬صفحة ‪)95‬‬ ‫‪43‬‬

‫وحني وصف القزويني بالد ّ‬ ‫الزنج قال عن أهلها إنهم «شرار الناس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ولهذا يقال لهم سباع اإلنس‪ .‬قال جالينوس‪ :‬الزنج خصصوا بأمور‬ ‫ع�ش��رة‪ :‬س��واد ال�ل��ون وفلفلة الشعر وف�ط��س األن��ف ّ وغ�ل��ظ الشفة‬ ‫وتشقق اليد والكعب‪ ،‬وننت الرائحة وكثرة الطرب وقلة العقل وأكل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بعضهم بعضا‪ ،‬فإنهم في حروبهم يأكلون لحم العدو‪ ،‬ومن ظفر‬ ‫ّ‬ ‫بعدو له أكله‪ .‬وأكثرهم عراة ال لباس لهم» (القزويني‪ ،‬د ت‪ ،‬صفحة‬ ‫‪ )22‬وال ُيشار إلى مدحهم في شيء إال ً‬ ‫ملاما ربما من منصفني‬ ‫أو متعاطفني معهم كما ج��اء ف��ي ال��رس��ائ��ل السياسية للجاحظ‬ ‫حني قال إن «من خصالهم (أي ُّ‬ ‫الس ْود) دماثة الخلق وطيب النفس‬ ‫وحسن الظن والنأي عن األذى‪ ،‬وإجادة الطبخ‪ ،‬واألمانة في األعمال‬ ‫املصرفية‪ .‬وقد اعترض قوم على سخائهم فقالوا‪ :‬إنه نتيجة ضعف‬ ‫عقولهم‪ّ .‬‬ ‫فرد ُّ‬ ‫الس ْودان قائلني لو كان األمر كذلك لكان الصبيان‬ ‫ً‬ ‫والنساء أكرم من الرجال ألنهم أضعف منهم عقوال‪ .‬والعكس هو‬ ‫الصحيح‪ .‬ويرى الزنج أنهم كانوا أكفاء العرب في الجاهلية» (ملحم‪،‬‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬صفحة ‪)52‬‬ ‫بل إن الكثير من املصادر التي كانت تشير إلى أعراق فحول التاريخ‬ ‫في الحكمة والفلسفة أو القوة نراها تتجاهل ذل��ك حني يتم الحديث‬ ‫ّ‬ ‫«زنجية» لقمان الحكيم‪ ،‬أو‬ ‫عن مناقب رجل زنجي ْأس� َ�ود‪ .‬فال يقال‪:‬‬ ‫سعيد ب��ن جبير امل�ح��دث‪ ،‬أو امل�ق��داد ال��ذي ع��اش ف��ي عصر ال��رس��ول‪،‬‬ ‫ووح�ش��ي ال��ذي قتل مسيلمة ال�ك��ذاب‪ ،‬أو التطرق إل��ى مكحول الفقيه‬ ‫املتوفي سنة ‪112‬ه �ـ‪ .‬أو الحيقطان الشاعر والخطيب ال��ذي ع��اش في‬ ‫العصر األموي‪ ،‬أو جليبيب الفارس‪ ،‬أو عكيم الحبشي الشاعر‪ ،‬أو ممن‬ ‫اشتهروا بالفروسية من ال��زن��وج أمثال خفاف بن ندبة‪ ،‬وعباس بن‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫األرقاء قادوا العصيان والتمرد‬ ‫الغاضب األهوج املدمر‪ ،‬ولم ينظموا‬ ‫تؤسس سلطة‬ ‫ويقودوا وينجزوا ثورة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سياسية ً‬ ‫اجتماعيا جديدا على‬ ‫ونظاما‬ ‫أنقاض القديم‬ ‫شخصا من االنتلجنسيا ّ‬ ‫ً‬ ‫الس ْوداء وهو رالف إيليسون يرفض‬ ‫جعل‬ ‫«االعتراف بأدني انتساب أفريقي» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪)47‬‬ ‫وك��أن دع��وة ألكسندر كرومل ح��ول «مبدأ وج��ود طائفة قرابية بني‬ ‫أفريقيا وجميع أطفالها الذين يعيشون في البلدان البعيدة» (مبيمبي‪،‬‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬صفحة ‪ )47‬أو «إعادة بناء األشكال املكسورة على حيثياتها‬ ‫الخاصة» دعوة في التيه‪.‬‬ ‫ويخلص الكاتب إلى أن العقل الزنجي هو «مجموعة أصوات ومنطوقات‬ ‫وخطابات ومعارف وشروح وغباوات» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪)48‬‬ ‫مألتها بالصور والقصص والخرافة البدائية مصادر يونانية وعربية‬ ‫ومصرية وصينية‪ ،‬ثم أكملها في العصر الحديث «رواي��ات الرحالة‬ ‫واملستكشفني والعسكر واملغامرين والتجار واملبشرين» (مبيمبي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬صفحة ‪ )50‬والنظرة الكولونيالية له جعلته خزانا «يستقي‬ ‫منه حساب الهيمنة العرقية تسويغاته» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة‬ ‫‪ )50‬تشغله الحقيقة منذ أمد‪ .‬لكن هذا العقل يبدأ بالتساؤل في لحظة‬ ‫ثانية عن «األنا» و«هل أنا حقيقة من يقال عنه أنه أنا؟» لذلك فإن كتابة‬ ‫ً‬ ‫اعتمادا على شظايا تجند في وصف‬ ‫«تاريخ الزنوج ليست ممكنة إال‬ ‫تجربة متشظية ف��ي ح��د ذات�ه��ا‪ ،‬تجربة شعب ترسم ف��ي شكل خط‬ ‫ّ‬ ‫متقطع‪ ،‬شعب يصارع من أجل تحديد ذاته ليس كمركب من عناصر‬ ‫متباينة‪ ،‬ولكن كطائفة ما زالت بقع دمها ترى على سطح الحداثة كله»‬ ‫(مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪ )52‬فحديث مبيمبي عن العقل الزنجي‬ ‫غير مفصول عن ِالعرق‪ ،‬فاإلنسان «الذي ُعينّ في ِعرق ليس بإنسان‬ ‫راكن‪ ،‬إنما سجني صورة ّ‬ ‫ظلية ومفصول عن جوهره من أسباب بؤس‬ ‫وجوده حسب فرانز فانون(‪ )5‬هو أنه يعيش هذا الفصل كأنما هو كائنه‬ ‫الحقيقي» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪.)57‬‬ ‫أفريقيا والزنوج‬ ‫ً‬ ‫ُيناقش مبيمبي عالقة «أفريقيا» بلفظة «الزنجي» قائال إن بينهما عالقة‬ ‫«توالد متبادل» على الرغم من أنه ليس كل األفارقة بـزنوج‪ .‬ومما ُي َّ‬ ‫فسر‬ ‫هذا القول الذي ذهب إليه مبيمبي هنا ما أورده ابن خلدون في تاريخه‬ ‫األقاليم كانت أربعة منحرفة «وأهلها كذلك في خلقهم وخلقهم‬ ‫وهو أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والسابع للبرد والبياض ويسمى سكان‬ ‫فاألول والثاني للحر‬ ‫والسواد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫الجنوب من اإلقليمني األول والثاني باسم الحبشة والزنج والسودان‬ ‫أس�م��اء مترادفة على األم��م ّ‬ ‫املتغيرة ب��ال� ّ�س��واد وإن ك��ان اس��م الحبشة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مختصا منهم بمن تجاه مكة واليمن‪ ،‬وال��زن��ج بمن تجاه بحر الهند‬ ‫وليست هذه األسماء لهم من أجل انتسابهم إلى آدمي أسود ال حام وال‬ ‫غيره‪ ،‬وقد نجد من ُّالس ْودان أهل الجنوب من يسكن ّالربع املعتدل أو‬

‫ّ‬ ‫فتبيض ّألوان أعقابهم على التدريج مع‬ ‫ّالسابع املنحرف إلى البياض‬ ‫األيام وبالعكس فيمن يسكن من أهل الشمال أو ّالرابع بالجنوب فتسودّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ألوان أعقابهم وفي ذلك دليل على أن اللون تابع ملزاج الهواء» (خلدون‪،‬‬ ‫‪2001‬م‪ ،‬صفحة ‪.)106‬‬ ‫ّ‬ ‫وربما يعود تفسير ذلك إلى درجات اللون التي خصها البيولوجيون‬ ‫واملؤرخون منذ ال ِقدم بتفسيرات عدة‪ .‬فمما جاء في وصف َّالس َواد أنه‬ ‫ً‬ ‫شديدا «ال بياض فيه‪ ،‬قيل‪ :‬أسود طبق؛ فإن كان لون سواده‬ ‫إذا كان‬ ‫ً‬ ‫ناقصا قيل‪ :‬أسود أخلس؛ فإن كان سواده يضرب إلى الخضرة قيل‪:‬‬ ‫أس��ود رم� ّ‬ ‫�ادي؛ فإن كان في س��واده مائية قيل‪ :‬أس��ود ب� ّ�راق‪ ،‬فإن كان‬ ‫ً‬ ‫ساقاه أيضا أسودين قيل‪ :‬أسود حالك‪ ،‬وأسود زنجي» (القلقشندي‪،‬‬ ‫‪1913‬م‪ ،‬صفحة ‪)88‬‬ ‫وبالعودة إلى كتاب «نقد العقل الزنجي»‪ ،‬فإن لفظ «أفريقيا» يحيل إلى‬ ‫واقع فيزيقي وجغرافي‪ .‬هو يشير إلى هذا اللفظ‪ ،‬هو أصل أيبيري لم‬ ‫يظهر في نص مكتوب باللغة الفرنسية إال بداية القرن السادس عشر‪،‬‬ ‫ولم يدخل في االستعمال إال في القرن الثامن عشر حني بلغت تجارة‬ ‫الرقيق أوجها(‪ .)6‬هذا االسم «قد أدى إلى ثالث وظائف جوهرية في‬ ‫الحداثة – وظائف تخصيص واستبطان وانقالب» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪،‬‬ ‫صفحة ‪ )74‬وي��ذك��ر الكاتب ً‬ ‫نصا ع��ن ف��ان��ون يصف فيه النظرة إلى‬ ‫الزنوج من ِقبل اآلخر يقول فيه‪« :‬إن الزنجي دابة‪ ،‬والزنجي سيئ وقبيح‪،‬‬ ‫والزنجي بشع‪ ،‬انظر إنه زنجي‪ ،‬الجو بارد والزنجي يرتعش من لسعات‬ ‫البرد‪ ،‬والطفل الصغير يرتعش ألنه خائف من الزنجي والزنجي يرتعد‬ ‫من ش��دة البرد بينما الطفل الصغير الجميل يرتعد ألن��ه يعتقد بأن‬ ‫الزنجي يرتعد من الكلب‪ .‬يلقي الطفل الصغير بنفسه في حضن أمه‬ ‫ً‬ ‫صارخا‪ :‬أمي أمي سيأكلني الزنجي»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كان فانون من أكثر الكتاب الذين أبدعوا في وصف مأساة الزنوج‪.‬‬ ‫كان يقول‪« :‬ليس اللون هو أساس الهوية‪ ،‬لكن الضمير‪ .‬والضمير‬ ‫املضطهد واملظلوم واملحبط ال يعرف اللون»‪ .‬ثم قال‪« :‬ليس البياض‬ ‫بياض اللون‪ ،‬لكنه بياض الضمير‪ .‬الحل هو أن يتحرر األسود من‬ ‫س��واده‪ ،‬ويتحرر األبيض من بياضه»‪ .‬وح�ين ُيوجد «ضمير نقي‬ ‫وشريف وش�ف��اف» ستكون «األل��وان مجرد أل��وان»‪ .‬لكن ه��ذا األمر‬ ‫عند العنصريني شيء صعب ً‬ ‫جدا‪ ،‬ليس رفضه على املستوى العملي‬ ‫فقط بل حتى ً‬ ‫نظريا‪ .‬فجامعة ليون الفرنسية لم تقبل أطروحة فانون‬ ‫في الدكتوراه عندما عنونها بـ«عدم غربة الرجل األس��ود» (محمد‪،‬‬ ‫تبييض النصر‪2017 ،‬م)‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫ألكسيس دو توكفيل‬


‫كحال الطبقات األخ��رى من الالتينيني‪ .‬فقد كان لهم دور متميز في‬ ‫تأسيس اإلمبراطوريتني األيبيرو ‪ -‬إسبانية فكانوا فيها «رجال طواقم‬ ‫أو مستكشفني أو ضباطا ومعمرين‪ ،‬وم�لاك��ا ع�ق��اري�ين» (مبيمبي‪،‬‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬صفحة ‪ )31‬وف��ي مراحل أخ��رى «ج�ن��ودا أو زعماء حركات‬ ‫سياسية» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪ً .)31‬وكانت تجربة هاييتي واحدة‬ ‫من أهم التجارب التي نال فيها ُّالس ْود حقوقا أصيلة منذ العام ‪1804‬م‬ ‫عندما استقلت‪ ،‬إذ كان دستورها «األكثر راديكالية في العالم الجديد‪.‬‬ ‫منع هذا الدستور مكانة النبالء وأقام حرية العبادة‪ ،‬كما قضى على‬ ‫َ‬ ‫مصطلحي امللكية والعبودية‪ّ ،‬‬ ‫وأقر في املقابل مصادرة األراضي التي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫رين الفرنسيني» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪ )32‬لكن‬ ‫كانت ملكُّا للمعم َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫هذا ّ التشكل لم يكن قدرا آمن به ْالجميع في تلك الفيافي املترامية والدول‬ ‫الهشة‪ ،‬فبعد تعاظم الدولة ال ِقطرية وتزايد نفوذ الكريول األبيض‪ ،‬أو‬ ‫أبناء املهاجرين املولودين هناك ظهرت من جديد قضايا التمايز وانعدام‬ ‫َ‬ ‫التجانس‪ :‬أبيض‪ْ -‬أس َود‪ .‬وقد أفضت الثورة األميركية ضد اإلنجليز إلى‬ ‫«تدعيم منقطع النظير للمنظومة العبودية»‪( .‬مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة‬ ‫‪ )33‬وباتت األهلية القانونية ال يخضع لها الزنوج‪ ،‬وبالتالي ال محاكم‬ ‫وال هوية وال صفة شخصية‪.‬‬ ‫ومن املهم اإلشارة هنا إلى أن األوروبيني‪ ،‬وعندما كانوا يشحنون الزنوج‬ ‫من أفريقيا إلى األميركتني للعمل كعبيد‪ ،‬كانوا ال ُي ِّميزون بني الزنجي‬ ‫َ‬ ‫الوثني والزنجي املسلم‪ ،‬حيث تجمعهم َس ْحنة وجوههم ُّالس ْوداء‪ ،‬لكنهم‬ ‫(أي األوروبيني) بدأوا يتنبهون إلى هذا الفرز‪ ،‬بعد أن وجدوا أن جزءاً‬ ‫من العبيد الذين ُي َ‬ ‫حملون إلى األميركتني غير مطواعني‪ ،‬وهم في ثورة‬ ‫نَّ‬ ‫دائمة ضد أسيادهم‪ .‬وعندما درسوا األمر تبي لهم أن الزنوج املسلمني‬ ‫هم فقط َم ْن َّ‬ ‫يتمرد على العبودية‪ ،‬وال يرضى بها على نفسه وأهله‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬بدأوا يتحاشون استقدام الزنوج املسلمني (محمد‪ ،‬ثورة العبيد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خصوصا من املوانئ األفريقية الغربية بالقرب من السنغال‪.‬‬ ‫‪2014‬م)‬

‫ً‬ ‫كان العبيد ملكا ُيباع ُويشترى ْبيع‬ ‫األموال املنقولة‪ ،‬ويتصرف صاحب العبد‬ ‫به تصرفه بملكه الخاص ‪...‬ولم ّ‬ ‫يخول‬ ‫القانون العبد حق إبداء رأيه في مستقبله‪،‬‬ ‫ألنه بضاعة مملوكة‪ ،‬كاملاشية‬ ‫َ‬ ‫– لويس ب��وف��ون(‪ .)3‬كان الزنجي ُينظر له في تلك الفترة من الفكر‬ ‫الغربي على أن��ه «ن�م��وذج ّأول��ي لصورة قبل بشرية‪ ،‬غير ق��ادر على‬ ‫التخلص م��ن حيوانيته‪ ،‬وإع ��ادة إن�ت��اج ذات��ه واالرت �ق��اء إل��ى مستوى‬ ‫ربها‪ .‬منغلق في إحساساته‪ ،‬يكاد ال يقدر على كسر أغالل الضرورة‬ ‫البيولوجية‪ .‬وهو السبب الذي من أجله لم يتوصل أبدًا إلى بناء صورة‬ ‫بشرية حقيقية لنفسه وصنع عامله‪ .‬وهو بذلك يبتعد عن معيارية‬ ‫النوع البشري» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪ )35‬لذلك فإن الحياة التي‬ ‫ُمن َحت لم تكن تتسم باالستقرار ً‬ ‫أبدا‪ ،‬فهو إما ّ‬ ‫صياد لبني جنسه من‬ ‫ِ‬ ‫الهاربني أو جالد أو عبد ذو مهارات أو ّقواد أو خادم أو رئيس مطبخ‬ ‫سيدة أو مقاتل‪ .‬كان ِالب ْيض‬ ‫على باخرة أو عامل في الحقول أو مرافق ً‬ ‫يحشون أسوأ األخالق العدوانية للعبيد انطالقا من «الرابط االجتماعي‬ ‫ً‬ ‫وتحديدا في املزارع التي كانت تعيش «باستمرار تحت‬ ‫االستغاللي»‬

‫وطء نظام الخوف» املزدوج على أثير «تقسيمات طبقية عميقة» بعد‬ ‫أن «صار باإلمكان بيع وشراء الزنوج وذريتهم مدى الحياة» (مبيمبي‪،‬‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬صفحة ‪ .)37‬وفي لحظة ما ضاعت أي وحدة أوتوماتيكية بني‬ ‫َ َ‬ ‫وص َدق بذلك قول جامس بالدوين(‪ )4‬من «أن الزنجي‬ ‫الزنوج أنفسهم‬ ‫تصنيف بوفون‬ ‫ليس بمعطى مبدئي» فأين راب��ط زن��وج ال��والي��ات املتحدة األميركية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حقيقيا للهوية‬ ‫ضياعا‬ ‫يتحدث مبيمبي عن أول تصنيف لألعراق تم إنجازه على يد جورج ومثلهم في الكاريبي أو أفريقيا؟! كان ذلك‬ ‫‪41‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫الطبقات االجتماعية قد ُق ِّس ْمت وتمّ‬ ‫ََْ​َ‬ ‫منزلتها منذ زمن بعيد‪ ،‬ما بني أناس‬ ‫أحرار وآخرين ُس ّموا بالعبيد تقوم‬ ‫بالخدمة وبسائر األعمال التي يأنف‬ ‫اإلنسان الحر من ممارستها‬ ‫بدءا من ّ‬ ‫بخيط التاريخ ً‬ ‫«تحول إسبانيا والبرتغال من مستعمرات‬ ‫مسك ِ‬ ‫ُي ِ‬ ‫ّ‬ ‫محيطة للعالم العربي إلى محرك للتوسع األوروبي ما وراء األطلسي‬ ‫بتدفق األفارقة على الجزيرة األيبيرية (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪.)28‬‬ ‫وه��و يستعرض مساهمتهم (أي ال��زن��وج) ف��ي إع ��ادة ب�ن��اء اإلم ��ارات‬ ‫األيبيرية غداة الطاعون الكبير‪ .‬وعندما بدأت جحافل الغزو األوروبي‬ ‫تسير نحو العالم الجديد كان «األفارقة األيبيريون والعبيد األفارقة‬ ‫ضمن طواقم البحرية وامل��راك��ز التجارية وامل��زارع وامل��راك��ز الحضرية‬ ‫لإلمبراطورية‪ ،‬حيث ش��ارك��وا ف��ي مختلف الحمالت العسكرية (ك�ـ)‬ ‫بورتوريكو وكوبا وفلوريدا‪ ،‬وكانوا ضمن كتائب هرنان كورتيس‬ ‫التي غزت املكسيك في العام ‪1519‬م» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪.)29‬‬ ‫ه��ذا «العطاء الزنجي» استمر حتى ال�ح��رب العاملية الثانية ح�ين لجأ‬ ‫األوروب�ي��ون إلى أبناء املستعمرات في أفريقيا لتجنيدهم للقتال إلى‬ ‫جانبهم‪ .‬وقد َثب َت أؤلئك في املعارك ضد ُالجيوش النازية‪ .‬وباملناسبة‬ ‫فإن هذه «الرافعة الزنجية» في البلدان التي ق ّدر لها أن تكون فيها ً‬ ‫قسرا‬ ‫أو ً‬ ‫طوعا ليس باألمر الجديد في سيرة هذا ِالعرق املظلوم والذي عاش‬ ‫َّ‬ ‫مهد ًدا في وجوده‪ ،‬ويمكن ألي باحث أن يقرأ دور الزنوج في مختلف‬ ‫َ‬ ‫العصور منذ ال ِقدم في املناطق العربية الجنوبية قبل ‪ 1448‬سنة ّإبان‬ ‫أرياط وأبرهة األشرم وابنه يكسوم (اليسوعي‪1989 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪)60‬‬

‫وفي غيرها من األمصار والحقب التي سجلها التاريخ املكتوب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تشكل الوعي‬ ‫َّ‬ ‫هذا الحضور «الزنجي» في أوروبا والعالم الجديد شكل مع مرور الزمن‬ ‫سميه مبيمبي «حركات األفارقة األح��رار‪ ،‬أؤلئك ّ‬ ‫ما ُي ّ‬ ‫املعمرين الجدد‬ ‫الذين كانوا باألمس زنوجا فقراء» (مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪.)30‬‬ ‫ً‬ ‫مؤسسا للحداثة»‬ ‫وكان «خروج الظرف الزنجي خارج حدود الدولة إذن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طيفا محدداً‬ ‫(مبيمبي‪2018 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪ .)31‬هذا الظرف لم يكن ّ‬ ‫ليخص‬ ‫ً‬ ‫من الرقيق‪ ،‬بل كان شامال لعبيد النخاسة واألشغال الشاقة واملعيشة‬ ‫ّ‬ ‫واملسخر وعبيد التخشيبة أو حتى ذاك املولود ألبوين ْ‬ ‫عب َد ْين‪.‬‬ ‫واملعتق‬ ‫وقد كانت الثورات التي قامت ضد األوروبيني في املستعمرات األميركية‬ ‫ُّ‬ ‫تشكل الوعي الزنجي ّ‬ ‫ونموه كطبقة نابهة حاله‬ ‫واحدة من أهم صور‬ ‫‪40‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫أشيل مبيمبي‬

‫من أفريقيا ‪ 40‬مليون إنسان من الرقيق‪ 90 ،‬في املائة منهم شباب‬ ‫(محمد‪ ،‬العبيد والعبودية‪ٌ ..‬‬ ‫شيء من الذاكرة البائسة‪2014 ،‬م)‪.‬‬ ‫عصر األنوار والعبودية‬ ‫وقد يعتقد البعض أن ذلك الشعور والسلوك قد كان إفرازا لعصر قد‬ ‫ً‬ ‫صحيحا‪ .‬فقد تلقى (عصر‬ ‫انفرط عقده وذاب‪ ،‬إال أن هذا التصور ليس‬ ‫األنوار) ذات األمر بشيء لم يكن ً‬ ‫بعيدا عن ذلك املتخيل التاريخي‪ .‬لقد‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ساهم «أدعياء العلم في تأسيس ثقافة الكراهية هذه ضد السود‪ .‬وليس‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عنا أحد علماء الطبيعة واألحياء في جامعة‬ ‫ه��ارف��اد خ�لال ال�ق��رن التاسع عشر وه��و لويس‬ ‫َ‬ ‫أجاسيز(‪ )2‬الذي خ َر َج بنظرية «األنواع الثمانية»‬ ‫في الجنس البشري والتي تختلف عن بعضها‬ ‫تماما‪ .‬وكان ذلك ً‬ ‫ً‬ ‫تأكيدا لثقافة ِّالرق الكريهة التي‬ ‫كان الرجل األبيض بطلها‪ ،‬وبالتالي كانت آراؤه‬ ‫ّ‬ ‫تثبت الفوقية االجتماعية ضدهم في أوروب��ا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫لقد كان االعتقاد عندهم أن اإلنسان األسود ال‬ ‫ً‬ ‫يرقى إلى كونه إنسانا بل هو في أقصى حدوده‬ ‫«س�ل�ال��ة ح�ي��وان�ي��ة م�ت �ق��دم��ة»‪ .‬وك��ان��ت امل �ب��ادئ‬ ‫الخاصة بحقوق اإلنسان ال ُت ّ‬ ‫طبق على هؤالء‬ ‫َ‬ ‫كونهم ليسوا ً‬ ‫بشرا‪ ،‬ألن جمجمتهم ال ت َس َع ما‬ ‫َ‬ ‫كانت ت َسعه الجماجم األخ��رى التي يمتلكها‬ ‫الرجال ِالب ْيض كما كان يقول أجاسيز (محمد‪،‬‬ ‫ف��ي مصر أس� َ�ود وف��ي غانا أب�ي��ض‪2016 ،‬م)‬ ‫ُ‬ ‫لذلك بقيت اللحظات التي ت ّميز الزنجي هي‬ ‫ّ‬ ‫«لحظة السلب املنظم الذي حول بفضل تجارة‬ ‫الرق األطلسية ما بني القرنني الخامس عشر‬ ‫ً‬ ‫وال �ت��اس��ع ع�ش��ر رج� ��اال ون �س� ً�اء م��ن أص� َ�ول‬ ‫أفريقية إل��ى بشر – أش �ي��اء‪ ،‬بشر – ِس��ل��ع‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َوب��ش��ر – نقد‪ ،‬فأصبحوا منذ تلك اللحظة‬ ‫‪39‬‬

‫املفكر الكاميروني آشيل مبيمبي في كتابه‪« :‬نقد‬ ‫العقل الزنجي» يتناول ستة عناوين رئيسية‬ ‫حول العقل الزنجي يستهل بها «ال ِع ً ْرق» ويختمها‬ ‫بـ «الذات» متناوال قضايا عميقة جدا‪ .‬وهو ُيم ِسك‬ ‫بدء ا من ّ‬ ‫بخيط التاريخ ً‬ ‫«تحول إسبانيا والبرتغال‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫من مستعمرات محيطة للعالم العربي إلى محرك‬ ‫للتوسع األوروبي ما وراء األطلسي بتدفق‬ ‫األفارقة على الجزيرة األيبيرية‬ ‫بعد حبسهم في زنزانة املظاهر‪ ،‬ملكية آلخرين ذوي استعدادات عدوانية‬ ‫حيالهم‪ ،‬ولم يعد لهم اسم وال لغة خاصة بهم‪ ،‬وعليه صارت حياتهم‬ ‫وعملهم هو عمل وحياة اآلخرين الذين أجبروهم على العيش معهم‬ ‫لكن منعوهم من إقامة عالقات تشارك بشرية» كما يقول البروفسور‬ ‫واملفكر الكاميروني آشيل مبيمبي في كتابه‪« :‬نقد العقل الزنجي» الذي‬ ‫نحن بصدد ّ‬ ‫التعرض له هنا‪.‬‬ ‫نقد العقل الزنجي‬ ‫مبيمبي يتناول في كتابه ستة عناوين رئيسية حول العقل الزنجي‬ ‫يستهل بها «الع ْرق» ويختمها بـ«الذات» متناوال قضايا عميقة ً‬ ‫جدا‪ .‬وهو‬ ‫ِ‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫ٌ‬ ‫ِمحنة السود التاريخية‪ ...‬تهشيم الثنائيات الحادة ونقد للموروث واملآل‬

‫الزنوج‪ ...‬البطون الرخوة‬

‫املنامة‪ :‬محمد العلي‬

‫الثورات الفاشلة‬

‫تكاد تكون اإلشارة إلى العالقة التي َج َم َعت أردشير َّاألول(‪ )1‬وملك‬ ‫الزنوج شرق الصومال واحدة من نوادر األثر التي دلت على قيام‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ممالك للزنوج ات َسمت بالن ِّد ّية مع الدول الكبرى في غابر التاريخ‪،‬‬ ‫أو على األقل إقامة تحالفات معها‪ ،‬ما خال دولة أكسوم والتي لم‬ ‫يتعاظم أمرها إال بعد اعتناق امللك عيزانا النصرانية‪ .‬فالتاريخ‬ ‫بطون رخ��وة وتحت والي��ة ُ ِالب ْيض‬ ‫املنظور ال يذكر الزنوج إال في‬ ‫ٍ‬ ‫الطبقات االجتماعية قد ق ِّس ْ‬ ‫وغير امللونني‪ .‬فالذي ُي َّ‬ ‫مت‬ ‫سجل هو أن‬ ‫ّ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وتم َمن َزلتها منذ زمن بعيد‪ ،‬ما بني أناس أح��رار وآخرين سموا‬ ‫بالعبيد تقوم بالخدمة وبسائر األعمال التي يأنف اإلنسان الحر‬ ‫من ممارستها‪ .‬وقد يكون معظم أفرادها من الزنوج املستوردين‬ ‫من أفريقيا‪ .‬وأما الباقون فمن الرقيق األبيض املستورد من أسواق‬ ‫ً‬ ‫العراق ومن أسواق بالد الشام‪ .‬وقد كان العبيد ملكا ُيباع ُويشترى‬ ‫ْبيع األم��وال املنقولة‪ ،‬ويتصرف صاحب العبد به تصرفه بملكه‬ ‫الخاص (في الوقت ال��ذي) لم ّ‬ ‫يخول القانون العبد حق إب��داء رأيه‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫في مستقبله في أي حال من األحوال‪ ،‬ألنه ملك وبضاعة مملوكة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إنسانا ًّ‬ ‫حيا له ما لكل إنسان من روح وإدراك‬ ‫كاملاشية‪ ،‬وإن كان‬ ‫وشعور (علي‪1993 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪.)555‬‬ ‫لذلك ل��م يكن مستغربا أن ن��رى ف��ي إح��دى الوثائق م��ا يجمع الرقيق‬ ‫باملواشي من إبل وأبقار وحمير وأغنام بالقول‪ :‬جملة الرقيق ‪ً 343‬‬ ‫رأسا‪.‬‬ ‫تفاصيل مفرداته‪ 157 :‬ذكور‪ ،‬و‪ 186‬إناث‪ ،‬و‪ 86‬غنيمة ذكور وإناث‪،‬‬ ‫و‪ 26‬هامل ذكور وإناث» (نقد‪1995 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪ .)252‬كانت تلك هي‬ ‫الطريقة التي ّتم التعامل بها مع الرقيق األفريقي منذ زمن بعيد ولغاية‬ ‫القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬لم تقبل طبقة العبيد بأحوالها على ّ‬ ‫مر الزمن‪ ،‬بل ساهمت في إحداث‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫تغيرات اجتماعية عميقة إلى الحد الذي ُيرجع فيه قيام الثورة الزراعية‬ ‫التي حدثت في إيطاليا نحو سنة ‪ 200‬ق‪.‬م (باإلضافة إلى تناقص كمية‬ ‫األمطار‪ ،‬مما ترتب عليه نقص في محصول القمح وهجرة كثير من‬ ‫الريفيني إلى املدن) إلى األحداث التاريخية الكبرى (ومنها) ثورة العبيد‬ ‫ً‬ ‫(جودة‪1986 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪ )354‬إال أن التاريخ يشير أيضا إلى أن ثورات‬ ‫ً‬ ‫يخبرنا سيغال وبرر ذلك كوفالسون قائال‪:‬‬ ‫العبيد كلها‬ ‫فاشلة‪ ،‬كما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألنهم كانوا مشتتني غير منظمني‪ ،‬وألنهم لم تكن لديهم أهداف سياسية‬ ‫واضحة‪ ،‬وأكبر التمردات ً‬ ‫جميعا هو تمرد سبارتاكوس من سنة ‪73-71‬‬ ‫ً‬ ‫قبل امليالد‪ ،‬وهو رغم أهميته متقدم جدا على وجود اإلقطاع‪ ،‬فال يصلح‬ ‫ً‬ ‫أن يكون سببا له‪ ،‬مضافا إلى فشله‪ .‬إذن‪ ،‬فثورات العبيد ال تصلح أن‬ ‫تكون ممثلة لهذه الطفرة املتوقعة (ال�ص��در‪2002 ،‬م‪ ،‬صفحة ‪.)211‬‬ ‫ُ‬ ‫جمع «على اختالف منطلقاتها الفلسفية‬ ‫فنظريات علم االجتماع ت ِ‬ ‫على أن الرق واالسترقاق كعالقات اجتماعية – اقتصادية‪ ،‬لم يتحول‬ ‫إلى آلة رافعة لالنتقال بمجتمعات الرق إلى درجة أعلى‪ ،‬نحو عالقات‬ ‫اجتماعية جديدة في مسار املجتمع اإلنساني‪ .‬هذه حقيقة تاريخية‬ ‫متفق عليها‪ .‬فاألرقاء قادوا العصيان والتمرد الغاضب األهوج املدمر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ونظاما‬ ‫ولم ينظموا ويقودوا وينجزوا ثورة تؤسس سلطة سياسية‬ ‫اجتماعيا ً‬ ‫ً‬ ‫جديدا على أنقاض القديم‪ .‬ولم‬ ‫يرتق الرقيق للوعي بذاته كطبقة‪ ،‬كقوة‬ ‫ِ‬ ‫اجتماعية ذات مظالم ومصالح ُم َ‬ ‫فصح‬ ‫ع �ن �ه��ا ف ��ي ن �س��ق م �ح �س��وس‪ ،‬م��رت�ب�ط��ة‬ ‫بحركة ول��و بطيئة بتنظيم ول��و هالمي‬ ‫يتجه نحو ه��دف‪ ،‬واستنباط الوسائل‬ ‫ينف الرقيق ذاته ليعيد‬ ‫املالئمة لبلوغه‪ .‬لم ِ‬ ‫تشكيلها في كيان جديد‪ ،‬يعيد وفق رؤاه‬ ‫صياغة املجتمع‪ .‬وحتى عندما توفرت له‬ ‫مقومات التنظيم والحركة كما في ثورة‬ ‫الزنج أو ظاهرة املماليك املتفردة في مصر‬ ‫أعّ ��اد إن �ت��اج ع�لاق��ات ال ��رق واالس �ت��رق��اق‪:‬‬ ‫بشر قادة الزنج أتباعهم باسترقاق املالك‬ ‫وتسري الحرائر» (نقد‪1995 ،‬م‪ ،‬صفحة‬ ‫‪.)14‬‬ ‫لذلك استمرت م��أس��اة ال��رق وت�ح��دي� ً�دا في‬ ‫ال� ِ�ع��رق ال��زن�ج��ي ب�ش�ك��ل ي �ن��دى ل��ه ال�ج�ب�ين‪.‬‬ ‫ففي بحر قرن واحد فقط (‪)1680 –1580‬‬ ‫ُ‬ ‫ش ِحن مليون ونصف املليون من الرقيق إلى‬ ‫ُ َ‬ ‫نزف‬ ‫األميركتني! وخالل ثالثة قرون‪ ،‬است ِ‬

‫الحضور َّ«الزنجي» في أوروبا والعالم‬ ‫الجديد شكل مع مرور الزمن «حركات‬ ‫األفارقة األحرار»‪ ،‬أؤلئك ا ّ‬ ‫ملعمرون الجدد‬ ‫الذين كانوا باألمس زنوجا فقراء‪...‬‬ ‫وكان خروج الظرف الزنجي خارج حدود‬ ‫الدولة إذن‪ً ،‬‬ ‫مؤسسا للحداثة‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬



‫رجل يمأل زجاجة‬ ‫مياه من محطة تعبئة‬ ‫في سان فرنسيسكو‪،‬‬ ‫كاليفورنيا (غيتي)‬

‫والحد من اآلثار البيئية (مثل االنبعاثات امللوثة للهواء الناجمة من‬ ‫غ��از امليثان في مكبات النفايات)‪ ،‬واملساعدة في خلق وظائف‬ ‫صديقة للبيئة‪ .‬ونتج عن هذه الجهود املنظمة‪ ،‬أن تمكنت سان‬ ‫فرنسيسكو من إع��ادة تدوير ‪ 78‬في املائة من النفايات‪ ،‬وجمع‬ ‫أطنان من فضالت الطعام يوميا‪ ،‬إضافة إلى التقليل بشكل كبير‬ ‫م��ن مهمالت األك�ي��اس البالستيكية مدفوعة بالعزم السياسي‬ ‫وتمرير التشريعات الداعمة‪.‬‬

‫فوائد املجتمعات صفرية النفايات‬ ‫يشمل نهج النفايات الصفرية‪ :‬تجنب توليد النفايات ‪ -‬وتقليل كمية‬ ‫النفايات التي ال يمكن تجنبها‪ ،‬وإعادة االستخدام والتدوير‪ .‬ومن‬ ‫فوائد سياسة «املدن صفرية النفايات» مثال‪ :‬استعادة األغذية غير‬ ‫الصالحة لألكل وتحويلها إلى سماد‪ ،‬واالستفادة من مخلفات‬ ‫امل��واد العضوية كمصدر للطاقة املتجددة‪ .‬أيضا من فوائد هذا‬ ‫التوجه تنمية االقتصاد الدائري املعتمد على نظام اقتصادي تظل‬ ‫فيه املواد قيد التداول‪ ،‬واالبتعاد عن االقتصاد التقليدي املنتهي‬ ‫برمي املنتج املستهلك‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬العمل على تطوير ثقافة‬ ‫عدم وجود النفايات وتغيير أساليب حياة الناس وممارساتهم‬ ‫الحياتية بحيث تكون معتمدة على املمارسات البيئية املستدامة‪.‬‬ ‫والنظر إلى أن النفايات هي موارد ذات قيمة وصالحة لالستخدام‬ ‫وإعادة التدوير‪ .‬واملساهمة في الحد من البصمة البيئية وخفض‬ ‫انبعاثات غ��ازات االحتباس الحراري وتلوث الهواء‪ .‬والعمل على‬ ‫تشجيع تصميم امل ��واد االستهالكية ب��اش�ت��راط��ات بيئية تدعم‬ ‫سياسات إعادة التدوير‪.‬‬

‫تحدي العيش في املدن الحديثة‪ ...‬الهدف ‪11‬‬ ‫من أهداف التنمية املستدامة لألمم املتحدة‬ ‫ف��ي ال�ح�ق�ي�ق��ة ه �ن��اك ض� ��رورة إلع� ��ادة ال�ت�ف�ك�ي��ر ف��ي ع�لاق�ت�ن��ا مع‬ ‫األشياء التي نستخدمها على نحو مستدام‪ .‬ويهتم الهدف ‪11‬‬ ‫في أجندة األهداف املستدامة الـ‪ 17‬لألمم املتحدة‪ ،‬بضرورة تحقيق‬ ‫ه��دف خفض البصمة أو «التأثير» السلبي لكل ف��رد من سكان‬

‫امل��دن ويشمل ذل��ك املحافظة على ج��ودة ال�ه��واء وإدارة النفايات‬ ‫ال �ب �ل��دي��ة‪ .‬ي�ش�ك��ل ال �ت��وس��ع ال �ح �ض��ري ف��رص��ة ل�ل�ت��وط�ين ال�ب�ش��ري‬ ‫والنمو االق�ت�ص��ادي‪ ،‬وف��ي الوقت نفسه تشكل تحديا لعدد من‬ ‫األسباب‪ .‬منها أن املدن حول العالم مسؤولة عن ‪ 70‬في املائة من‬ ‫استهالك الطاقة العاملي‪ ،‬وأيضا ‪ 70‬في املائة من انبعاثات غاز‬ ‫ثاني أكسيد الكربون املسبب ملشكلة االحترار العاملي‪ ،‬وتساهم‬ ‫أنماط االستهالك غير املستدامة في تدهور صحة البيئة‪ .‬ولذلك‬ ‫فإن املدن واملستوطنات البشرية‪ ،‬ستلعب دورا هاما في تحقيق‬ ‫أهداف أجندة األمم املتحدة للتنمية املستدامة‪ .‬ويعتبر االستهالك‬ ‫واإلنتاج املسؤوالن أحد أه��داف األم��م املتحدة للتنمية املستدامة‬ ‫على مدى السنوات الخمس عشرة القادمة‪ .‬إن الحد من امل��وارد‬ ‫وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها ضروري لتمكني العيش في‬ ‫البيئة الصحية واآلمنة‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫حاوية القمامة التي تعمل‬ ‫بالطاقة الشمسية لضغط‬ ‫النفايات واملواد القابلة‬ ‫إلعادة التدوير لتسهيل‬ ‫عملية الجمع‪ ،‬في سان‬ ‫فرنسيسكو‪ ،‬كاليفورنيا‬ ‫(غيتي)‬


‫امرأة تتظاهر بركوب األمواج في صورة‬ ‫داخل موجة بارتفاع ‪ً 14‬‬ ‫قدما مصنوعة‬ ‫من الزجاجات البالستيكية‪ ،‬ويهدف‬ ‫هذا التركيب إلى زيادة الوعي للحد‬ ‫من النفايات البالستيكية التي تلوث‬ ‫املحيطات واملجاري املائية في سان‬ ‫فرنسيسكو‪ ،‬كاليفورنيا (غيتي)‬

‫لتحقيق هدف ما مثل هدف (تحقيق النفايات الصفرية)‪ .‬وفي‬ ‫مدينة سان فرنسيسكو‪ ،‬كانت الرؤية بضرورة استهداف جذور‬ ‫املشكلة (النفايات)‪ ،‬والتي تشمل بداية كال من تغليف وتصنيع‬ ‫البضائع وطريقة التخلص من النفايات وإعادة استخدام املواد‪.‬‬ ‫ب��ل وك�ي��ف يتم تصنيع املنتجات وك�ي��ف يتم تسويقها بنفس‬ ‫القدر من األهمية لتطوير ثقافة تتمحور حول الحد من النفايات‪،‬‬ ‫حيث تتبنى مدينة س��ان فرنسيسكو سياسة «منع النفايات‬ ‫قبل حدوثها»؛ فمثال عملت على‪ :‬حظر أكياس البالستيك ذات‬

‫الحد من املوارد وإعادة استخدامها‬ ‫وإعادة تدويرها ضروري لتمكني العيش‬ ‫في البيئة الصحية واآلمنة‬ ‫االستخدام الواحد‪ ،‬خصوصا في متاجر البيع بالتجزئة‪ ،‬وإعادة‬ ‫تدوير مخلفات البناء‪ ،‬وسن التشريعات البيئية الداعمة‪ ،‬وال ننسى‬ ‫ضرورة تشجيع املستهلكني على تحمل مسؤولية ما يشترونه‬ ‫واملساهمة في تقليل النفايات‪ .‬واالستمرار في تطوير الطرق التي‬ ‫يتم عن طريقها إدارة النفايات‪.‬‬

‫ما برنامج النفايات الصفرية؟‬ ‫عمال يستخدمون مضخة الطاقة‬ ‫املائية والصرف الصحي لترشيح‬ ‫زيت الطهي من شاحنة إلى خزان‬ ‫في سان فرنسيسكو‪ ،‬كاليفورنيا‬ ‫(غيتي)‬

‫س��اه �م��ت م��دي �ن��ة س ��ان ف��رن�س�ي�س�ك��و ف��ي ال �ت �ع��ري��ف ب��ال�ن�ف��اي��ات‬ ‫الصفرية‪ ...‬فبدال من إرسال النفايات إلى مكبات النفايات‪ ،‬يتم‬ ‫تصميم املنتجات واستخدامها بحيث يمكن إعادة تدويرها مرة‬ ‫أخ��رى‪ .‬واعتماد التسلسل القائم على منع النفايات‪ ،‬والتقليل‬ ‫منها‪ ،‬وإعادة التدوير‪ .‬ومن خالل تبني هذا التوجه‪ ،‬تهدف سان‬ ‫فرنسيسكو في أن تحقق ثالثة أهداف وهي‪ :‬الحفاظ على املوارد‪،‬‬

‫‪35‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫كيف تمكنت «سان فرنسيسكو» من تحقيق هدف «صفر نفايات»؟‬

‫مدينة بال نفايات‬

‫سان فرنسيسكو‪ :‬إيمان امان‬ ‫في وقت تبحث فيه كثير من دول العالم إليجاد حلول ملشاكل‬ ‫النفايات في مدنها‪ ،‬تبرز مدينة «س��ان فرنسيسكو» في والية‬ ‫كاليفورنيا األميركية‪ ،‬كمثال لقصة نجاح مدينة في إدارة نفاياتها‬ ‫وإعادة تدويرها‪ .‬وتبرز أسئلة مهمة مفادها‪ :‬كيف نجحت هذه‬ ‫املدينة في أن تكون رائدة في تقليل نفاياتها البلدية وأيضا في‬ ‫إعادة تدوير ما يقارب ‪ 80‬في املائة من نفاياتها؟‬ ‫وفي الحقيقة إن سعي مدينة «سان فرنسيسكو» نحو تحقيق‬ ‫التحول إلى مجتمع صفري النفايات بحلول ‪2020‬م هو هدف طموح‬ ‫فعال! وتحقيق هذا الهدف أمر ليس سهال‪ ،‬بل يتطلب تحقيقه‬ ‫العمل على امل��واءم��ة ب�ين جميع القطاعات الصناعية والتجارية‬ ‫وجميع شرائح املستهلكني النهائيني في املجتمع‪ .‬ويترتب على‬ ‫ذلك إحداث سلسلة من التغييرات في املواقف وااللتزامات سواء‬ ‫من األف��راد أو الشركات لتغيير السلوك وال�ع��ادات االستهالكية‬ ‫غير املستدامة‪.‬‬ ‫تتبع مدينة سان فرنسيسكو والية كاليفورنيا املعروفة بقوانينها‬ ‫الصارمة لحماية البيئة‪ ،‬ويعود التزام والي��ة كاليفورنيا بكل ما‬ ‫يتعلق ب��إدارة النفايات إل��ى ع��ام ‪1989‬م‪ ،‬عندما أص��درت قانونًا‬ ‫يتعلق باإلدارة املتكاملة للنفايات في مدن الوالية إلى أقصى حد‪،‬‬ ‫من حيث تقليلها وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها‪ .‬وبالفعل‬ ‫حددت الوالية هدفا للتخلص من ‪ 50‬في املائة من كمية النفايات‬ ‫في مدافن النفايات‪ .‬وقد كانت سان فرنسيسكو رائدة ليس فقط‬ ‫في تحقيق هدف تقليل النفايات‪ ،‬بل وأكثر من ذلك؛ فقد سنت‬ ‫تشريعات محلية تخدم هدف التخلص النهائي من النفايات بحلول‬ ‫ع��ام ‪2020‬م‪ .‬وبالتأكيد سيشكك الكثير في إمكانية بلوغ هذا‬ ‫الهدف‪ ،‬واإلجابة نعم؛ فقد تمكنت سان فرنسيسكو من تحويل‬ ‫‪ 80‬في املائة من النفايات البلدية في املدينة! وقد نجحت مدينة‬ ‫سان فرنسيسكو‪ ،‬في تحويل ‪ 80‬في املائة من نفاياتها من مرادم‬

‫النفايات إلى حبيبات شبيهة بالقهوة تستخدم كسماد في املزارع‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة إن قصة سان فرنسيسكو تحكي تضافر الجهة‬ ‫التشريعية والشراكات مع املنتجني لتطوير نظام مسؤول‪ ..‬وترتكز‬ ‫سياستهم على ثالثة أهداف‪ :‬الحد من النفايات‪ ،‬وإعادة التدوير‬ ‫والتسميد‪ ،‬وإدارة املوارد بكفاءة‪.‬‬

‫تحول ثقافي يعزز الوعي نحو املمارسات‬ ‫البيئية املستدامة‪...‬‬

‫االستهالك واإلنتاج املسؤوالن أحد أهداف‬ ‫األمم املتحدة للتنمية املستدامة على مدى‬ ‫السنوات الخمس عشرة القادمة‪.‬‬

‫بداية‪ ،‬ال بد أن نتفق أن كل مدينة تتميز بطبيعتها وبظروفها‬ ‫الخاصة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يمكن تحقيق تغييرات سلوكية واسعة‬ ‫النطاق‪ ،‬خصوصا فيما يتعلق بالتغييرات السلوكية التي تؤثر‬ ‫على سالمة البيئة‪ ،‬إال من خالل القيادة واالستراتيجية املمنهجة‬ ‫واإلبداع‪ .‬وحقيقة ال يختلف الكثير منا على أهمية الدور الفاعل‬ ‫واملؤثر للقوانني والتنظيمات‪ ،‬إال أن للتعليم والوعي دور بالغ‬ ‫األهمية في تسريع تطبيق القوانني واملساهمة التفاعلية للوصول‬

‫‪34‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫عمال يقومون بفرز املواد‬ ‫القابلة إلعادة التدوير‬ ‫أثناء مرورهم عبر آلة فرز‬ ‫حديثة من نوعها في ‪16‬‬ ‫نوفمبر ‪ 2016‬في سان‬ ‫فرنسيسكو‪ ،‬كاليفورنيا‬ ‫(غيتي)‬


‫متظاهرون من حركة «حراك»‬ ‫خالل مظاهرة ضد الفساد‬ ‫والقمع والبطالة في بلدة‬ ‫إمزورن شمال املغرب في‬ ‫صباح يوم ‪ 11‬يونيو (حزيران)‬ ‫‪( 2017‬أ‪.‬ف‪.‬ب ‪ -‬غيتي)‬

‫وأش��ار تقرير صندوق النقد الدولي‪ ،‬إلى أن انتشار الفساد في‬ ‫الوظائف الحكومية يؤدي إلى ضعف قدرة الدولة على تحصيل‬ ‫الضرائب‪ ،‬ما يؤدي إلى انخفاض اإلي��رادات‪ .‬ويؤدي الفساد إلى‬ ‫انتشار ثقافة التهرب الضريبي‪ ،‬ويجعل الجمهور أقل رغبة في‬ ‫األمتثال للقوانني الخاصة بالضرائب التي ينظر لها على أنها غير‬ ‫عادلة‪ .‬ويعوق الفساد صياغة وتنفيذ سياسات نقدية سليمة‪،‬‬ ‫وي��ؤدي إلى تآكل ق��درة ال��دول على تحصيل اإلي��رادات‪ ،‬ويقوض‬ ‫استقاللية ومصداقية البنك املركزي في إدارة السياسة النقدية‪،‬‬ ‫ونتيجة لذلك ترتفع معدالت التضخم في البلدان ذات املستويات‬ ‫األعلى في الفساد‪.‬‬ ‫ويترتب على الفساد نتائج اجتماعية سيئة‪ ،‬حيث يقل اإلنفاق‬ ‫على التعليم والصحة ف��ي األنظمة ال�ف��اس��دة‪ ..‬وه��ذا ي��ؤدي‬ ‫بدوره إلى ارتفاع معدالت وفيات األطفال ومعدالت عالية في‬ ‫التسرب من امل��دارس وانخفاض مستويات التعليم‪ ،‬وكلها‬ ‫تؤثر على طبقة الفقراء التي تعتمد بشكل أكبر على الخدمات‬ ‫الحكومية‪ ،‬كما ي��ؤدي الفساد إل��ى تفاقم ع��دم امل�س��اواة في‬ ‫الدخل‪ ،‬والفقر‪.‬‬ ‫وأوضح الصندوق أن تعريف الفساد ال يعني بالضرورة تحقيق‬ ‫مكاسب مالية (رشوة) للموظف الحكومي‪ ،‬موضحا أن التدخل‬ ‫السياسي أو استغالل املناصب العامة يعد فسادا كذلك‪ .‬وقال‬ ‫الصندوق إن املشرعني الذين لهم مصالح خاصة قد يعرقلون‬ ‫س��ن ق��وان�ين للمصلحة ال�ع��ام��ة‪ ،‬وه��و م��ا يمثل الشكل التقليدي‬ ‫لالستيالء على الدولة‪ .‬وقال خبراء الصندوق‪« :‬لوحظ في بعض‬ ‫البلدان أن الفساد أصبح منتشرا بحيث لم يعد من السهل تحديده‬ ‫بسبب الشبكات القوية من العالقات بني رجال األعمال والحكومة‪،‬‬ ‫وانتشار نمط من السلوك أصبح هو القاعدة»‪.‬‬

‫‪33‬‬

‫‪ 4‬خطوات أساسية ملكافحة الفساد‪ :‬تعزيز‬ ‫الشفافية‪ ...‬وتعزيز سيادة القانون‪...‬‬ ‫وتنظيم وتبسيط اختصاصات املوظفني‬ ‫العموميني‪ ...‬وأن تلعب القيادة السياسية‬ ‫دورًا حاسمًا في مكافحة الفساد‬ ‫أربع خطوات‬ ‫وحدد تقرير صندوق النقد أربع خطوات أساسية ملكافحة الفساد‪،‬‬ ‫الخطوة األولى تعزيز الشفافية واعتماد معايير دولية في الشفافية‬ ‫الضريبية واملالية‪ .‬والخطوة الثانية تعزيز سيادة القانون واملالحقة‬ ‫القانونية الفعالة‪ ،‬وتعيني مؤسسات متخصصة ملواجهة الفساد‬ ‫مع إطار فعال ملكافحة غسل األموال للحد من عائدات الفساد‪.‬‬ ‫والخطوة الثالثة تنظيم وتبسيط اختصاصات املوظفني العموميني‬ ‫ووضع إطار مؤسسي ملنع االحتكار في االقتصاديات النائية‪ .‬أما‬ ‫الخطوة الرابعة‪ ،‬فهي أن تلعب القيادة السياسية دورا حاسما في‬ ‫مكافحة الفساد وضمان اتخاذ إج��راءات مناسبة عند الحاجة‪،‬‬ ‫ووضع حوافز مناسبة للسلوك الجيد وضمان أجور وإجراءات‬ ‫فعالة‪.‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫وقد تعاونت وكاالت تطبيق القانون في تلك الدول مع وزارة العدل‬ ‫األميركية وهيئة األوراق املالية األميركية إلنتزاع مئات املاليني‬ ‫من ال��دوالرات من الشركات التي استهانت بالحظر الدولي‪ .‬وفي‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬فإن دفع الرشاوى داخ��ل البالد ينتهك قوانني‬ ‫أخ ��رى‪ .‬ي�ق��ول ق��ادة ال�ش��رك��ات األميركية ال�ك�ب��رى إن رف��ض دفع‬ ‫رش��اوى أو إكراميات لتسهيل اإلج� ّ�راءات أمر جيد ألعمالهم في‬ ‫الخارج‪ ،‬وهو ال يعوق املبيعات أو يقلص األرباح‪.‬‬ ‫فمحاربة الفساد حجر الزاوية في سياسة األمن القومي األميركي‪،‬‬ ‫ليس فقط لألسباب األخالقية الواضحة‪ ،‬ولكن ألن البلدان املليئة‬ ‫بالفساد تعاني بشكل ثابت ومستمر من مجموعة من املشاكل‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫وفرض مسؤولو تطبيق القانون في الواليات املتحدة غرامات بما‬ ‫يقرب من ‪ 11‬مليار دوالر بموجب قانون مكافحة الرشوة‪ .‬وينطبق‬ ‫ُالقانون على جميع الشركات األميركية وعلى الشركات األجنبية‬ ‫املدرجة في البورصات األميركية‪.‬‬ ‫فقد دفعت مجموعة سيمنز األملانية ‪ 1.6‬مليار دوالر للسلطات‬ ‫األم �ي��رك �ي��ة واألمل��ان �ي��ة ف��ي ال �ع��ام ‪ 2008‬ب�س�ب��ب ق�ي��ام�ه��ا ب��رش��وة‬

‫تستخدم بعض الحكومات شتى الوسائل إلخماد‬ ‫صوت الساعني ملكافحة الفساد‪ ،‬من حمالت‬ ‫تشهير ومضايقات إلى الدعاوى القضائية‬

‫مسؤولني في خمس قارات‪ .‬وفي العام املاضى‪ ،‬توصلت شركة‬ ‫االتصاالت الالسلكية السويدية تيليا إلى تسوية بقيمة ‪ 965‬مليون‬ ‫دوالر مع السلطات األميركية والهولندية بسبب مخطط واسع‬ ‫للرشاوى في أوزبكستان‪.‬‬ ‫وكل شركة أميركية كبرى لديها مدونة لقواعد السلوك واألخالق‬ ‫تمنع الرشوة وتطلب من املوردين والوسطاء‪.‬‬

‫شبكات قوية بني رجال األعمال والحكومة‬ ‫ح��ذر صندوق النقد ال��دول��ي من ارت�ف��اع مخاطر وتكلفة الفساد‬ ‫االقتصادية واالجتماعية على االقتصاد العاملي‪ ،‬مشيرا إلى أن‬ ‫ظاهرة الفساد تتفاقم في كل من االقتصاديات النامية واملتقدمة‪.‬‬ ‫وأك��د شون هاغن‪ ،‬مدير اإلدارة القانونية بصندوق النقد‬ ‫ال��دول��ي‪ ،‬أن ال�ف�س��اد جريمة قانونية ال ب��د م��ن مواجهتها‬ ‫بمؤسسات قانونية قوية‪ ،‬مشيرا إلى أن الظواهر االقتصادية‬ ‫تتفاعل مع الديناميكيات السياسية واالجتماعية‪ .‬وقال إن‬ ‫«أحد أسباب اندالع ثورات الربيع العربي في منطقة الشرق‬ ‫األوس ��ط ه��و الفساد وال �ث��ورة على األوض ��اع االجتماعية‬ ‫واالقتصادية»‪.‬‬ ‫وي��ؤك��د خ�ب��راء ال�ص�ن��دوق أن الفساد ي��ؤث��ر على م�ع��دالت النمو‬ ‫املحتمل وال�ش��ام��ل‪ ،‬وي��ؤث��ر سلبا على االس�ت�ق��رار امل��ال��ي الكلي‬ ‫واالستثمار العام والخاص وتراكم رأس املال البشري‪ ،‬كما يؤثر‬ ‫سلبا على اإلنتاجية‪ ،‬بما ي��ؤدي إل��ى انخفاض م�ع��دالت النمو‬ ‫وانخفاض نصيب الفرد من الناتج املحلي اإلجمالي‪ ،‬كما يولد‬ ‫الفساد حالة من انعدام الثقة في الحكومة ويضعف من قدرة‬ ‫الدولة على أداء وظيفتها األساسية‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫تظهر هذه الصورة التي‬ ‫تم التقاطها في ‪ 17‬يوليو‬ ‫(تموز) ‪ 2018‬تاجر عملة‬ ‫باكستانيًا يحسب أوراقًا‬ ‫نقدية بالدوالر األميركي‬ ‫في متجر لبيع العمالت في‬ ‫كراتشي (أ‪.‬ف‪.‬ب ‪ -‬غيتي)‬


‫تكاليف الفساد‬ ‫وأش� ��ارت كريستني الغ� ��ارد‪ ،‬م��دي��ر ص �ن��دوق ال�ن�ق��د ال��دول��ي‪ ،‬إل��ى‬ ‫أن للفساد عميق الجذور عواقب وخيمة على االقتصاد‪ ،‬حيث‬ ‫ي �ق� ّ�وض ق� ��درة ال �ب �ل��دان ع�ل��ى ت�ح�ق�ي��ق ن�م��و اق �ت �ص��ادي اح�ت��وائ��ي‬ ‫ومستدام‪ .‬مشيرة إلى دراسة صندوق النقد الدولي التي تكشف‬ ‫ع��ن أن ارت�ف��اع مستوى الفساد يرتبط بانخفاض ملحوظ في‬ ‫النمو واالستثمارات‪ ،‬واالستثمار األجنبي املباشر‪ ،‬واإلي��رادات‬ ‫الضريبية‪.‬‬ ‫وأض ��اف ��ت أن ال �ف �س��اد ي�ض�ع��ف ق� ��درة ال �ح �ك��وم��ة ع�ل��ى تحصيل‬ ‫الضرائب‪ ،‬ويشوه اإلنفاق بإبعاده عن االستثمارات ذات القيمة‬ ‫في مجاالت مثل الصحة والتعليم والطاقة املتجددة وتوجيهه نحو‬ ‫املشروعات التي تهدر املوارد التي تحقق مكاسب قصيرة األجل‪.‬‬ ‫والفساد بمثابة ضريبة على االستثمار أو أسوأ من ذلك‪ ،‬نظرا‬ ‫لعدم اليقني بشأن ما ُيطلب من رشاوى في املستقبل‪.‬‬ ‫وأك��دت ض��رورة توسيع نطاق مكافحة الفساد ليشمل كل هذه‬ ‫امل �ج��االت‪ .‬ف��أوج��ه الضعف ف��ي الحوكمة م�ض��رة ف��ي ح��د ذات�ه��ا‪،‬‬

‫‪31‬‬

‫ً‬ ‫ل�ك�ن�ه��ا ت�ف�ت��ح ال �ب��اب أي��ض��ا الس �ت �ش��راء ال �ف �س��اد‪ .‬وح �ت��ى تصبح‬ ‫استراتيجيات مكافحة الفساد فعالة بالفعل‪ ،‬يتعني أن تتجاوز‬ ‫السجون‪ ،‬إذ إنها تتطلب إصالحات‬ ‫مجرد إلقاء الفاسدين في‬ ‫ً‬ ‫تنظيمية ومؤسسية أوسع نطاقا‪ .‬فاملؤسسات القوية والشفافة‬ ‫وامل�س��ؤول��ة ه��ي‪ ،‬ف��ي نهاية امل �ط��اف‪« :‬ال �ع�لاج» األك�ث��ر استمرارية‬ ‫للفساد‪ .‬وأض��اف��ت «الغ ��ارد»‪« :‬لكي نكافح الفساد بحق‪ ،‬علينا‬ ‫التصدي لتيسير ممارسات الفساد في القطاع الخاص»‪.‬‬

‫التجربة األمیركية‬ ‫ّ‬ ‫منذ أربعني ً‬ ‫عاما‪ ،‬سنت الواليات املتحدة قانونا يمنع الشركات من‬ ‫دفع رشاوى للفوز بالعطاءات واألعمال التجارية في دول أخرى‪.‬‬ ‫ولفترة طويلة كانت هي البلد الوحيد الذي يفرض مثل هذا الحظر‪.‬‬ ‫وح��ذت الكثير من دول العالم حذوها‪ .‬واعتمدت منظمة التنمية‬ ‫والتعاون االقتصادي اتفاقيتها الخاصة بمكافحة الرشوة في‬ ‫العام ‪ ،1997‬كما اعتمدت األمم املتحدة في العام ‪ 2003‬معاهدتها‬ ‫الخاصة والتي وقعتها حتى اآلن ‪ 181‬دولة‪.‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫رفعت حملة مكافحة الفساد التي أعلنها امللك‬ ‫سلمان بن عبد العزيز‪ ،‬وأشرف على تنفيذها‬ ‫ولي العهد األمير محمد بن سلمان‪ ،‬أسهم اململكة‬ ‫العربية السعودية في محاربة الفساد‪ .‬وتقدمت‬ ‫السعودية ‪ 5‬مراكز في الترتيب الدولي‬ ‫ارتفاع درجة ونصف الدرجة كل عام»‪.‬‬ ‫وكشفت أن مصر اتخذت كثيرا من اإلجراءات ملكافحة الفساد‪،‬‬ ‫وطبقت غالبية التدابير الوقائية م��ن ال�ف�س��اد ال�ت��ي حددتها‬ ‫اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد‪ ،‬سواء في مجال اإلصالح‬ ‫اإلداري أو الشفافية‪ ،‬أو رفع كفاءة املؤسسات اإلدارية للدولة‪،‬‬ ‫أو اإلفصاح والكشف عن قضايا الفساد‪ ،‬الفتة إلى أن هيئة‬ ‫الرقابة اإلدارية لديها موقع إلكتروني تنشر من خالله قضايا‬ ‫الفساد التي تباشرها‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لهيئة النيابة‬ ‫اإلدارية‪ ،‬إضافة إلى إصدار قانون االستثمار ليحمي الفئة التي‬ ‫تشتكي من الرشاوى‪ ،‬وبث حمالت توعية للمواطنني لتجنب‬ ‫الفساد والرشاوى‪.‬‬ ‫وقالت موسى‪« :‬ال ينقصنا في الوقت الحالي سوى إصدار قانون‬ ‫حرية تداول املعلومات»‪.‬‬

‫السعودية تتقدم خمسة مراكز‬ ‫ورفعت حملة مكافحة الفساد التي أعلنها امللك سلمان بن عبد‬ ‫العزيز‪ ،‬وأشرف على تنفيذها ولي العهد األمير محمد بن سلمان‪،‬‬ ‫أسهم اململكة العربية السعودية باملحافل الدولية في مجال محاربة‬ ‫الفساد‪ .‬وتقدمت السعودية ‪ 5‬مراكز في الترتيب الدولي‪ ،‬إلى املركز‬ ‫‪ 57‬عام ‪ .2017‬بعدما كانت في املركز ‪ 62‬عام ‪ ،2016‬كما تقدمت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا إلى املركز الثالث على صعيد الدول العربية‬ ‫مركزا‬ ‫اململكة‬ ‫مقارنة بالتقرير السابق‪.‬‬ ‫وأك��د التقرير جدية السلطات السعودية ف��ي اإلص�لاح��ات التي‬ ‫باشرتها‪ ،‬وذل��ك م��ن خ�لال تشكيل لجنة عليا ملكافحة الفساد‬ ‫برئاسة ولي العهد األمير محمد بن سلمان‪.‬‬ ‫وكانت اململكة قد أق��رت االستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة‬ ‫ومكافحة الفساد ع��ام ‪ ،2007‬وأن�ش��أت الهيئة الوطنية ملكافحة‬ ‫الفساد عام ‪ .2011‬كما تم تحديث وإص��دار الكثير من األنظمة‬ ‫في مجال تعزيز مبدأ الشفافية وحماية النزاهة‪.‬‬ ‫وقد أطلقت اململكة العربية السعودية رؤيتها ‪ ،2030‬التي أكدت أن‬ ‫الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد من أهم املرتكزات لتحقيق‬ ‫األهداف في الحد من تأثير الفساد املالي واإلداري على مسيرة‬ ‫ال�ت�ن�م�ي��ة‪ ،‬وذل ��ك م��ن خ�ل�ال ب �ن��اء وت�ف�ع�ي��ل م�ن�ظ��وم��ة م��ن ال�ق��وان�ين‬ ‫واإلجراءات املرتبطة بمكافحة الفساد وسد منافذه‪ ،‬واألخذ بتطبيق‬ ‫مبادئ الحوكمة والشفافية لتحقيق معدالت عالية من النزاهة في‬ ‫جميع القطاعات‪ ،‬وبناء شراكة حقيقية مع كافة أطياف املجتمع‪،‬‬ ‫ومساهمة فاعلة لتطوير األنظمة والقوانني الهادفة ملكافحة الفساد‬

‫املالي واإلداري بجميع صوره‪ ،‬واالستفادة من أفضل املمارسات‬ ‫والتجارب في هذا املجال‪.‬‬

‫اإلمارات األولى عربيًا وإقليميًا‬ ‫وقد واصلت اإلمارات العربية املتحدة تصدرها دول منطقة الشرق‬ ‫األوسط وشمال أفريقيا بوصفها أكثر دول املنطقة في الشفافية‬ ‫ومكافحة الفساد‪ ،‬وأظهر مؤشر مدركات الفساد للعام ‪،2017‬‬ ‫ً‬ ‫والذي احتلت فيه اإلمارات املركز األول ً‬ ‫وإقليميا ًبـ‪ 71‬نقطة‪،‬‬ ‫عربيا‬ ‫أن مجموع النقاط املرتفعة التي سجلتها الدولة يبلغ وفقا للتقرير‬ ‫نحو ضعف متوسط النقاط التي سجلتها منطقة الشرق األوسط‬ ‫وشمال أفريقيا‪ .‬وتقدمت اإلم��ارات ثالثة مراكز مقارنة بالعام‬ ‫امل��اض��ي لتأتي ف��ي امل��رك��ز ال �ـ‪ 21‬ضمن أفضل دول العالم بعدما‬ ‫منحها املؤشر ‪ 71‬نقطة من مجموع ‪ 100‬في مكافحة الفساد‪.‬‬ ‫وأرجع التقرير املركز املتقدم الذي حققته اإلمارات لإلدارة الرشيدة‬ ‫والكفء للمال العام‪ ،‬إضافة لإلجراءات املتطورة التي تتبناها الدولة‬ ‫إلدارة املشتريات واملستويات املمتازة للخدمات والبنيات التحتية‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫كريستني الغارد املدير‬ ‫العام لصندوق النقد‬ ‫الدولي (‪( )IMF‬غيتي)‬

‫في تقييم ‪ 2017‬على ‪ 42‬في املائة مقابل ‪ 41‬في املائة في تقييم‬ ‫‪ .2016‬محتلة بذلك املركز ‪ 76‬على مستوى العالم‪.‬‬ ‫واعتبر الخبير التونسي‪ ،‬مختار بن حفصة‪ ،‬عضو التنسيقية‬ ‫األفريقية لشبكة إلغاء الديون غير الشرعية ذلك «أمرا يدعو إلى‬ ‫التفاؤل رغم أنه غير معبر بدقة عن الحقيقة»‪ ،‬موضحا أن تونس‬ ‫سبقت كثيرا من الدول العربية في اتخاذ إجراءات جادة ملحاربة‬ ‫الفساد‪ ،‬أبرزها قانون حرية تداول املعلومات‪ ،‬فضال عن تفعيل‬ ‫دور هيئة مكافحة الفساد‪ ،‬وتبني استراتيجية وطنية ملحاربة‬ ‫الفساد‪ .‬وأنشئت محكمة خاصة للفصل ف��ي قضايا الفساد‪،‬‬ ‫ولكن ورغم ذلك ما زال أمام املجتمع التونسي الكثير لنبذ الفساد الواقع»‪ ،‬مشيرة إلى أن التقرير لم يوضح أسباب انخفاض مؤشر‬ ‫مصر م��ن ‪ 37‬ف��ي امل��ائ��ة ع��ام ‪ 2014‬إل��ى ‪ 32‬ف��ي امل��ائ��ة ه��ذا العام‪،‬‬ ‫ومحاربته‪.‬‬ ‫واكتفى فقط باالعتماد على تقرير مؤسسة «ف��ري��دوم ه��اوس»‬ ‫ال�خ��اص بحرية الصحافة وتكوين الجمعيات األه�ل�ي��ة‪ ،‬رغ��م أنه‬ ‫تراجع املؤشر‬ ‫معروف بانحيازه ضد مصر‪.‬‬ ‫وعلى عكس ت��ون��س؛ ت��راج��ع ترتيب مصر ف��ي مؤشر مدركات وأضافت أن تصنيف مصر منذ ‪ 2011‬وحتى اآلن يدور في فلك‬ ‫الفساد لعام ‪ 2017‬درجتني‪ ،‬حيث سجلت ‪ 32‬نقطة‪ ،‬مقابل ‪ 34‬الـ‪ 30‬في املائة‪ ،‬ووفقا الستراتيجية ‪ 2030‬التي تستهدف مصر من‬ ‫في تقرير العام السابق‪ ،‬واحتلت املركز ‪ 117‬بني الـ‪ 180‬دولة التي خاللها أن تكون من أقوى ‪ 30‬دولة في العالم اقتصاديا بحلول عام‬ ‫شملها التقرير‪ .‬وهو ما اعتبرته الخبيرة املصرية في الحوكمة ‪ ،2030‬تتضمن تجاوز الـ‪ 50‬في املائة في مؤشر منظمة الشفافية‬ ‫ومكافحة الفساد‪ ،‬غادة موسي «غير معبر عن الحقيقة على أرض الدولية‪ ،‬الفتة إلى أنه «يفصلنا عن تحقيق هدفنا ‪ 12‬سنة‪ ،‬بواقع‬

‫كريستني الغارد‪ :‬التكلفة السنوية‬ ‫للرشوة تعادل ‪ % 2‬تقريبًا من إجمالي‬ ‫الناتج احمللي العاملي‬

‫‪29‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫كريستني الغارد‪ :‬ارتفاع الفساد يرتبط بانخفاض النمو واالستثمارات واإليرادات الضريبية‬

‫الرشوة في العالم تلتهم تريليوني دوالر سنويًا‬

‫القاهرة‪ :‬حسني البطراوي‬

‫لجهود تلك الدول في محاربة الفساد‪ .‬وجاءت نيوزيلندا في املركز‬ ‫األول والدنمارك في ً املركز الثاني‪ ،‬بينما حلت فنلندا والنرويج‬ ‫وس��وي�س��را م�ش��ارك��ة ف��ي امل��رك��ز ال�ث��ال��ث‪ ،‬وبالتالي أصبح ترتيب‬ ‫سنغافورة في املركز السادس مشاركة مع السويد‪ ،‬وجاءت كل‬ ‫من كندا ولوكسمبورغ في املركز الثامن‪ ،‬فيما جاء في ذيل التقرير‬ ‫الصومال وجنوب ال�س��ودان وس��وري��ا وأفغانستان واليمن‪ ،‬في‬ ‫املراكز الخمسة األخيرة‪ ،‬ما يعني أن هذه الدول تعد األكثر فسادا‬ ‫في العالم‪.‬‬ ‫وكشفت املنظمة في تقريرها‪ ،‬أن تحليل نتائج تلك الدول كشف عن‬ ‫وجود عالقة طردية‪ ،‬بني مستويات الفساد وحماية حرية الصحافة‬ ‫ونشاط املجتمع املدني‪ ،‬وتوصلت إلى أن معظم البلدان التي تتدنى‬ ‫فيها مستويات حماية الصحافة واملنظمات غير الحكومية تتصدر‬ ‫أعلى معدالت الفساد‪ .‬فحرية الصحافة تعني سهولة الكشف عن‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة للجمعيات األهلية‪ ،‬فكلما سمحت‬ ‫الدولة بوجود منظمات مجتمع مدني تراقب وتحلل السياسات‪،‬‬ ‫زادت إمكانيات الكشف عن الفساد بكافة صوره‪.‬‬

‫بينما تعد «مكافحة الفساد» م��ن ال�ع�ب��ارات األك�ث��ر ت��ردي��دا على‬ ‫لسان املسؤولني في جميع دول العالم‪ ،‬كشفت منظمة الشفافية‬ ‫ال��دول�ي��ة‪ ،‬أن جهود أكثر م��ن ثلثي ال��دول ف��ي محاربة الفساد ما‬ ‫زالت «متعثرة»‪.‬‬ ‫وت �ت��راوح التكلفة السنوية ل�ل��رش��وة‪ ،‬وه��ي شكل واح��د فقط من‬ ‫أشكال الفساد‪ ،‬ما بني ‪ 1.5‬تريليون وتريليوني دوالر أميركي‪ ،‬بما‬ ‫يعادل ‪ 2‬في املائة تقريبا من إجمالي الناتج املحلي العاملي‪ ،‬بحسب‬ ‫كريستني الغارد‪ ،‬مدير صندوق النقد الدولي‪ ،‬وهذه التكاليف هي‬ ‫«قمة جبل الجليد» فقط‪ ،‬أما اآلثار طويلة األجل فهي أعمق بكثير‪.‬‬ ‫وأكدت دراسات البنك الدولي أن خسائر الفساد تشكل ‪ 2‬في املائة‬ ‫من الناتج القومي العاملي‪ ،‬وتعادل نحو ‪ 10‬مرات قيمة املساعدات‬ ‫املقدمة للدول النامية‪ .‬وأك��د البنك الدولي أن الفساد عائق كبير‬ ‫في وج��ه تحقيق ه��دف إنهاء الفقر املدقع في ع��ام ‪ .2030‬ورفع‬ ‫نسبة املشاركة االقتصادية بنسبة ‪ 40‬في املائة من السكان في‬ ‫الدول النامية‪.‬‬ ‫ف�ي�م��ا أش ��ار امل�ن�س��ق ال �خ��اص ل�لأم��م امل �ت �ح��دة ف��ي ل �ب �ن��ان‪ ،‬فيليب‬ ‫الزاريني‪ ،‬إلى وجود رابط بني الفساد وتراجع النمو االقتصادي‪،‬‬ ‫إذ إن كلفة القيام باألعمال ترتفع في ال��دول التي تشهد فسادا‬ ‫بنسبة ‪ 10‬في املائة عن الكلفة في الدول التي تشهد فسادا أقل‪.‬‬ ‫وح��ددت امل��دي��رة التنفيذية ملنظمة الشفافية ال��دول�ي��ة‪ ،‬باتريشيا‬ ‫موريرا‪ ،‬اإلجراءات التي رصدها التقرير في الدول ذات التصنيف‬ ‫املنخفض في مؤشرات مكافحة الفساد‪ ،‬قائلة‪« :‬تستخدم بعض‬ ‫الحكومات شتى الوسائل إلخماد صوت الساعني ملكافحة الفساد‪،‬‬ ‫من حمالت تشهير ومضايقات إلى دعاوى قضائية‪ ،‬وإمعان في‬ ‫البيروقراطية‪ ،‬وإجراءات إدارية معقدة»‪.‬‬ ‫وحددت موريرا أيضا‪ ،‬اإلجراءات الواجب على تلك الدول اتباعها‪،‬‬ ‫لتحسني تصنيفها‪ ،‬قائلة‪« :‬ندعو هذه الحكومات التي تتستر وراء‬ ‫فرض قوانني تقيد الحريات أن تتراجع عنها على الفور وأن تفسح‬ ‫املجال ملشاركة املكونات املدنية»‪.‬‬

‫قال الخبير املغربي في الحوكمة واملحاسبة ومكافحة الفساد‪،‬‬ ‫الدكتور محمد ب��راو‪ ،‬إن املتخصصني عادة ما يعرفون الفساد‬ ‫بـ«الثقب األسود»‪ .‬وعن تصنيف املغرب‪ ،‬قال براو إن تقرير املنظمة‬ ‫يؤكد أن امل�غ��رب م��ا زال��ت تصنف ضمن ال��دول التي تعاني من‬ ‫«الرشوة»‪ ،‬ورغم وجود جمود «مزمن» في مؤشر إدراك الرشوة‬ ‫والفساد خالل السنوات األخيرة‪ ،‬فإن الحكومة املغربية نفسها‬ ‫تعترف بـ«استفحال الرشوة»‪.‬‬ ‫وح��دد الخبير املغربي‪ 3 ،‬ق��رارات للحد من انتشار الفساد في‬ ‫امل�غ��رب‪ ،‬أول�ه��ا‪ :‬تفعيل االستراتيجية الوطنية ملكافحة الفساد‪،‬‬ ‫وسرعة إصدار قانون الحق في الحصول على املعلومات‪ ،‬الذي‬ ‫أقره البرملان مؤخرا‪ ،‬وثالثا‪ :‬تفعيل الهيئة الوطنية ملكافحة الفساد‪،‬‬ ‫التي صدر قانونها منذ عدة أشهر‪.‬‬

‫ترتيب الدول‬

‫تفاؤل حذر‬

‫استفحال الرشوة‬

‫وفيما أص��درت منظمة الشفافية الدولية‪ ،‬تقريرها السنوي عن وفي تونس‪ ،‬كشف تقرير الشفافية الدولية األخير عن تحسن‬ ‫نسب انتشار الفساد في ‪ 180‬دولة حول العالم‪ ،‬متضمنا تقييما طفيف في مؤشر مكافحة الفساد في تونس‪ ،‬حيث حصلت تونس‬

‫‪28‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬



‫بالدنا وذل��ك باملقارنة مع ال��دول األخ��رى؟ هل منعت الدول‬ ‫األخرى الفساد من خالل اللجوء إلى اإلعدامات أيضا؟»‪.‬‬ ‫وف ��ي ال��وق��ت ال ��ذي ي�س�ع��ى ف�ي��ه رئ �ي��س ال�س�ل�ط��ة القضائية‬ ‫جاهدا إلى تنفيذ أوامر املرشد والتي تتماشى مع سياسات‬ ‫املتشددين والتأكيد على تنفيذ عقوبة اإلعدام الحتواء الفساد‬ ‫االقتصادي املتفشي في البالد فإنه وأشقاءه متورطون حتى‬ ‫آذانهم في قضايا الفساد‪.‬‬ ‫ول��م ينس ال ��رأي ال�ع��ام اإلي��ران��ي بعد ال��رس��ال��ة ال�ت��ي نشرها‬ ‫محافظ البنك املركزي محسن نور بخش في ‪ 15‬أغسطس‬ ‫(آب) ‪ 1998‬وكشف فيها عن امتالك رئيس السلطة القضائية‬ ‫‪ 63‬حسابا بنكيا بقيمة ألف مليار تومان‪ ،‬وقيام السلطة‬ ‫القضائية بالنقل غير القانوني لألموال من الحسابات العامة‬ ‫والتالعب بها‪.‬‬ ‫ونشرت منظمة الشفافية الدولية تقريرا في يناير (كانون‬ ‫الثاني) ‪ 2017‬حول مؤشر الفساد‪ ،‬حيث احتلت إيران املرتبة‬ ‫الـ‪ 130‬من ضمن ‪ 178‬دولة‪.‬‬ ‫وتشير اإلح�ص��اءات الرسمية إل��ى ارتفاع نسبة الفساد‬ ‫املالي بني األجهزة الحكومية‪ .‬وأعلن رئيس لجنة مكافحة‬ ‫الفساد االقتصادي في مجلس الشورى اإلسالمي أمير‬ ‫خجسته عن اعتقال‪ 31« :‬مسؤوال حكوميا متورطني في‬ ‫قضايا فساد مالي»‪ .‬وأضاف أنه قدم قائمة بأسماء ‪31‬‬ ‫متهما بالفساد املالي واملصرفي إل��ى رؤس��اء السلطات‬ ‫الثالث‪.‬‬ ‫ون�ش��ر ال�ن��ائ��ب اإلص�لاح��ي محمود ص��ادق��ي ف��ي ديسمبر‬ ‫(كانون األول) ‪ 2017‬قائمة تضم أسماء ‪ 20‬شخصا لديهم‬ ‫أكبر قدر من الديون على مصرف سرمايه اإليراني‪.‬‬ ‫وأع�ل��ن ع��زت ال�ل��ه يوسفيان عضو إدارة مكافحة الفساد‬ ‫االقتصادي في إيران أن «‪ 600‬شخص يهيمنون على ربع‬ ‫السيولة في البالد بما يعادل نحو ‪ 100‬مليار تومان»‪.‬‬ ‫وفي الوقت ال��ذي أصبح فيه كل مسؤولي النظام يتباهون‬

‫بمكافحة «ال�ف�س��اد االق �ت �ص��ادي» ف��إن إي ��ران على القائمة‬ ‫ال� �س ��وداء ل�لاس �ت �ث �م��ارات‪ ،‬ك�م��ا أن م �ش��روع إص�ل�اح ق��ان��ون‬ ‫مكافحة غسل األم��وال تم رفضه من قبل مجلس صيانة‬ ‫ال��دس �ت��ور‪ ،‬وب��ال�ت��ال��ي ال ت��وج��د آف ��اق م�ش��رق��ة ب �ش��أن ج��ذب‬ ‫االستثمارات األجنبية‪.‬‬ ‫ويعتبر هذا املشروع من ضمن املشاريع األربعة التي قدمتها‬ ‫الحكومة ل�ل�ح��ؤول دون وض��ع إي ��ران ف��ي القائمة ال�س��وداء‬ ‫ملجموعة العمل املالي (‪ )FATF‬بعد التوقيع على االتفاق‬ ‫ال�ن��ووي‪ .‬ومجموعة العمل امل��ال��ي ه��ي هيئة حكومية دولية‬ ‫تتولى مهمة مراقبة غسل األموال وتمويل اإلرهاب‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫رئیس السلطة القضائية‬ ‫ومرشد الثورة‬

‫هذا وكتب موقع «مشرق نيوز» املحسوب على املتشددين‬ ‫أن «مرشد الثورة باعتباره ولي الفقيه يحق له أن يستخدم‬ ‫صالحياته الفقهية والحكومية ويمنح صالحيات خاصة‬ ‫للمسؤولني بناء على مصالح املجتمع اإلسالمي»‪.‬‬ ‫وأشار أحمد توكلي النائب السابق وعضو مجلس تشخيص‬ ‫مصلحة النظام إل��ى ‪ 108‬أشخاص لم يدفعوا مستحقات‬ ‫البنوك والتي تبلغ ‪ 110‬آالف مليار ت��وم��ان‪ ،‬قائال‪« :‬إذا تم‬ ‫إعدام عدد من املفسدين االقتصاديني لتنبه الباقون ولعرفوا‬ ‫أي عقوبة تنتظرهم»‪.‬‬ ‫وخالفا ملعسكر املتشددين‪ ،‬فإن هناك عددا من الشخصيات‬ ‫البارزة في النظام وجهوا انتقادات إلى الطلب الذي تقدم بها‬ ‫صادق الريجاني إلى مرشد الجمهورية اإلسالمية بشأن‬ ‫ضرورة اتخاذ «إجراءات صارمة» في التعامل مع «املفسدين‬ ‫االقتصاديني»‪ .‬وكان الرئيس اإليراني حسن روحاني على‬ ‫رأس الفريق امل�ع��ارض لالريجاني‪ .‬واج��ه حسن روحاني‬ ‫نفسه منذ فترة متاعب جمة بعد اتهامات لشقيقه حسني‬ ‫فريدون بالتورط في فساد مالي واعتقال مهدي جهانغيري‬ ‫– شقيق إسحاق جهانغيري النائب األول للرئيس ‪ -‬بتهمة‬ ‫قضايا فساد اقتصادي‪.‬‬ ‫وق� ��ال ال��رئ �ي��س اإلي� ��ران� ��ي‪ ،‬وع �ل��ى أث ��ر ت �ص��ري �ح��ات امل��رش��د‬ ‫اإليراني حول لزوم اتخاذ إجراءات صارمة بشأن املفسدين‬ ‫االقتصاديني‪« :‬ال يمكن معالجة املعضلة االقتصادية من‬ ‫خالل االعتقاالت»‪.‬‬ ‫ومن جهته‪ ،‬صرح النائب الثاني لرئيس البرملان علي مطهري‬ ‫بشأن طلب رئيس السلطة القضائية من مرشد الجمهورية‬

‫‪25‬‬

‫نشرت منظمة الشفافية الدولية‬ ‫تقريرا في يناير ‪ 2017‬حول مؤشر‬ ‫الفساد‪ ،‬احتلت فيه إيران املرتبة ‪130‬‬ ‫ضمن ‪ 178‬دولة‪.‬‬ ‫اإلسالمية‪« :‬يجب أن تتم كل اإلج��راءات وفقا للقوانني وال‬ ‫يجب أن نلجأ إلى األحكام العرفية تحت أي ظروف كانت»‪.‬‬ ‫وقال النائب اإلصالحي محمود صادقي في تغريدة له‪« :‬إن‬ ‫مكافحة الفساد تتم من خ�لال اتخاذ تدابير وقائية على‬ ‫رأسها الشفافية‪ .‬ال ينبغي أن نتجاهل قوانني املحاكمات‬ ‫وأن نحرم املتهم من حق الحصول على املحامي من أجل‬ ‫معاقبة املفسدين االقتصاديني‪ .‬حولوا مسؤولية القضاء‬ ‫إلى قضاة مستقلني ومتخصصني ونزيهني وعددهم ليس‬ ‫قليال في العدلية»‪.‬‬ ‫وغرد أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران والذي تم‬ ‫تسريحه مؤخرا من الجامعة الحرة على حسابه في «تويتر»‪:‬‬ ‫«كنت أتمنى على املراجع العظام مكارم شيرازي ون��وري‬ ‫همداني أن يطرحوا على أنفسهم سؤاال بسيطا‪ ،‬وهو‪ :‬ملاذا‬ ‫تفشت ظاهرة الفساد بكافة أنواعه إل��ى ه��ذا املستوى في‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫في ضوء االنسحاب األميركي من االتفاق النووي ووصول األزمة االقتصادية‬ ‫واالحتجاجات الشعبية إلى ذروتها‬

‫محاكم خاصة بانتظار املدانني‬ ‫بالفساد املالي في إيران‬ ‫واشنطن‪« :‬املجلة»‬ ‫أصبح إطالق النظام حملة ملعاقبة «املفسدين االقتصاديني»‬ ‫(املدانني بالفساد االقتصادي) من القضايا الساخنة واملثيرة‬ ‫للجدل في هذه األيام في إيران‪ ،‬وذلك في ضوء االنسحاب‬ ‫األميركي من االتفاق النووي ووص��ول األزم��ة االقتصادية‬ ‫واالحتجاجات الشعبية إلى ذروتها في الفترة األخيرة‪.‬‬ ‫واف� ��ق م��رش��د ال� �ث ��ورة آي ��ة ال �ل��ه خ��ام�ن�ئ��ي ع �ل��ى ط �ل��ب رئ�ي��س‬ ‫السلطة القضائية بشأن تشكيل محاكم خاصة للتعامل مع‬ ‫«املفسدين االقتصاديني»‪ .‬وتعتبر األحكام الصادرة عن هذه‬ ‫املحاكم «نهائية وواجبة التنفيذ» باستثناء أحكام اإلعدام‬ ‫التي يمكن طلب االستئناف بشأنها‪.‬‬

‫في الوقت الذي أصبح فيه كل مسؤولي‬ ‫النظام يتباهون بمكافحة «الفساد‬ ‫االقتصادي» فإن إيران على القائمة‬ ‫السوداء لالستثمارات‬

‫ويرى كثير من املراقبني أن القرار الصادر عن املرشد يفتقر‬ ‫إلى سند قانوني ألن قانون العقوبات في إيران ينص على أن‬ ‫املدانني في املحاكم يتمتعون بحق إقامة محاكم عادلة وطلب‬ ‫االستئناف لألحكام االبتدائية‪ .‬وهذا يتناقض مع املرسوم‬ ‫الصادر عن آية الله خامنئي‪ ،‬حيث ستجري محاكمة املتهمني‬ ‫من دون االلتزام بسير الدعاوى وال يحق لهم الحصول على‬ ‫محاكمة عادلة وال طلب االستئناف وال اختيار املحامي‪.‬‬ ‫وأش��ار البند العاشر للرسالة التي وجهها رئيس السلطة‬ ‫القضائية آملي الريجاني إلى مرشد الجمهورية اإلسالمية‬ ‫إلى أن «األحكام الصادرة عن هذه املحاكم نهائية وواجبة‬ ‫التنفيذ باستثناء أحكام اإلعدام التي يمكن طلب االستئناف‬ ‫بشأنها في املحكمة العليا‪ ،‬وذلك خالل ‪ 10‬أيام بعد إصدار‬ ‫الحكم األولي على حد أقصى»‪.‬‬ ‫وينص قرار مرشد الجمهورية اإلسالمية على أن املتهمني‬ ‫بـ «الفساد االقتصادي» سيمثلون أمام محكمة جديدة تابعة‬ ‫ملحاكم الثورة‪ .‬تذكرنا هذه املحاكم بكيفية إنشاء محاكم‬ ‫الثورة في بدايات الثورة وقيامها بإعدامات خارجة عن نطاق‬ ‫القانون بحق آالف السجناء السياسيني في صيف ‪.1988‬‬ ‫ه��ذا ول�ق��ي ه��ذا ال �ق��رار ترحيبا م��ن قبل مسؤولي السلطة‬ ‫ال�ق�ض��ائ�ي��ة وال �ب��رمل��ان �ي�ين وال �س �ي��اس �ي�ين ووس ��ائ ��ل اإلع�ل�ام‬ ‫املتشددة التابعة للسلطة الحاكمة‪ ،‬حيث أكد جميعهم على‬ ‫ض��رورة «التعامل ال �ص��ارم» م��ع املفسدين االقتصاديني‪.‬‬ ‫وك �ت �ب��ت ص�ح�ي�ف��ة «ك �ي �ه��ان» ال �ت��ي ي �ش��رف ع�ل�ي�ه��ا حسني‬ ‫شريعتمداري وهو ممثل مرشد الثورة‪ ،‬أن «إعدام املفسدين‬ ‫االقتصاديني» هو الحل الوحيد لألزمة‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫مبعوث اللجنة الرباعية‬ ‫للشرق األوسط السابق‬ ‫ورئيس الوزراء‬ ‫البريطاني األسبق‬ ‫توني بلير يتحدث أمام‬ ‫شخصيات عاملية خالل‬ ‫تجمع دولي بمدينة‬ ‫القدس (غيتي)‬

‫الديناميات اإلقليمية املتغيرة لتقديم حل الدولتني‪ .‬ويمكن أن‬ ‫يبني االقتصاد والتجارة تكتالت‪ ،‬أو يكونا ركيزة للمساعدة‬ ‫على تنفيذ العملية‪.‬‬ ‫بيد أن كل املذكور آنفا ال يعني أن االقتصاد يمكن أن يحل‬ ‫محل السياسة؛ فمن دون حدوث تقدم سياسي‪ ،‬يصبح أي‬ ‫ً‬ ‫تقدم اقتصادي ً‬ ‫دائما ُعرضة لخطورة التراجع‪ .‬أحيانا ما‬ ‫يتم التشكيك ف��ي قضية ح��ل الدولتني ال�ي��وم‪ .‬ولكنها تظل‬ ‫االح�ت�م��ال ال��واق�ع��ي ال��وح�ي��د لتحقيق س�ل�ام دائ ��م‪ .‬وت��وض��ح‬ ‫مبادرة السالم العربية االلتزام اإلقليمي بالسالم‪ .‬وعلى الرغم‬

‫‪23‬‬

‫من الجمود الراهن‪ ،‬تعلم القيادات اإلسرائيلية والفلسطينية‬ ‫على وجه التقريب ما يبدو عليه حل الوضع النهائي وكيف‬ ‫ً‬ ‫إنتاجا‪ .‬وفي ظل تردي‬ ‫يمكن تحقيقه في إطار سياسي أكثر‬ ‫ال��وض��ع ف��ي غ��زة ب��وج��ه خ��اص‪ ،‬يجب ب��ذل ك��ل جهد ممكن‬ ‫لوضع عملية السالم في مسارها الصحيح مرة أخرى‪ .‬وإن‬ ‫لم يحدث‪ ،‬فلن تتحقق الفرص املذكورة هنا‪.‬‬ ‫* رئيس الوزراء البريطاني األسبق ورئيس مجلس إدارة‬ ‫معهد توني بلير‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫تقرير لـ توني بلير يكشف عما يحمله املستقبل ملنطقة الشرق األوسط‬

‫السالم ينعش االقتصاد‬ ‫والتبادل التجاري‬ ‫خاص ‪« -‬املجلة»*‬

‫ألف عامل في ‪ .2016‬من أجل دعم دولة مستقبلية مستقلة‬ ‫وقابلة لالستمرار اقتصاديا‪ ،‬يجب أن ُيسمح لالقتصاد‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن إسرائيل‪.‬‬ ‫الفلسطيني بالنمو والتطور‬ ‫وأضاف التقرير «من دون الوصول إلى اتفاق الوضع النهائي‬ ‫م��ع الفلسطينيني‪ ،‬س��وف يظل مجموع التكاليف املتعلقة‬ ‫ً‬ ‫نسبيا يقترب من ‪15‬‬ ‫عال‬ ‫باألمن في إسرائيل على مستوى ٍ‬ ‫في املائة من الناتج املحلي اإلجمالي‪ .‬قد ُيخفض حل النزاع‬ ‫الفلسطيني ه��ذه التكاليف بنسبة قد تصل إل��ى النصف‪.‬‬ ‫كما أن التكلفة االقتصادية التي يتحملها الفلسطينيون‬ ‫بسبب استمرار الصراع مع إسرائيل هائلة‪ ،‬ونحن اآلن في‬ ‫نهاية ثالثة عقود ضائعة من النمو االقتصادي منذ اندالع‬ ‫االنتفاضة األولى»‪.‬‬ ‫وأشار التقرير أن التجارة في منطقة الشرق األوسط تشهد‬ ‫ً‬ ‫نموا‪ ،‬ولكن من أجل الوصول الفعلي إلى الفرص الكبرى التي‬ ‫تقدمها هذه األسواق‪ ،‬سوف تحتاج إلى نهج إقليمي لعملية‬ ‫السالم؛ نهج يضع القضية الفلسطينية على طريق الحل‪.‬‬ ‫ووفقا للتقرير توجد إمكانية هائلة إذا أمكن رف��ع القيود‬ ‫السياسية على الصادرات إلى األسواق العربية ‪ ،‬حيث تمر‬ ‫ه��ذه املنطقة بمرحلة انتقالية كبرى‪ ،‬يجب أن يكون فيها‬ ‫الهدف النهائي هو اقتصادات مفتوحة خاضعة للقواعد‪،‬‬ ‫وتسامح ديني‪ .‬وفي هذا اإلطار اإلقليمي الواسع‪ ،‬يجب أن‬ ‫تسمح اإلمكانيات ونقاط القوة االقتصادية التي تملكها‬ ‫ً‬ ‫كثيرا ف��ي التعاون‬ ‫إس��رائ��ي��ل لها ب���أداء دور م��ح��وري أكبر‬ ‫االقتصادي اإلقليمي‪ .‬وإذا أمكن إزالة الحواجز السياسية‪،‬‬ ‫س���وف ي��ك��ون إس��ه��ام إس��رائ��ي��ل ف��ي ال��ش��رق األوس����ط بالغ‬ ‫ً‬ ‫األهمية‪ ،‬مما يقدم حلوال قابلة لالستمرار لبعض من أهم‬ ‫التحديات التي تواجه املنطقة‪ ،‬ومنها ما يتعلق بمجاالت املياه‬ ‫الصناعية املستدامة‪.‬‬ ‫والطاقة والتنمية‬ ‫ول��ك��ن م��ن أج��ل ُامل��ض��ي ُق ً‬ ‫��دم��ا لتحقيق ذل���ك‪ ،‬يجب معالجة‬ ‫القضية الفلسطينية‪ .‬م��ا ن��ح��ت��اج إل��ي��ه ه��و االس��ت��ف��ادة من‬

‫يعرض تقرير لرئيس وزراء بريطانيا األسبق توني بلير‬ ‫ن��ظ��رة ع��ام��ة للتنمية ال��ت��ج��اري��ة طويلة األج���ل ب�ين إسرائيل‬ ‫والعرب الذين تقيم معهم بالفعل اتفاق سالم‪ ،‬وهم‪ :‬السلطة‬ ‫الفلسطينية واألردن ومصر‪.‬‬ ‫ي��ق��ول ال��ت��ق��ري��ر « ف���ي ح�ي�ن ت��ت��س��م ال���ت���ج���ارة ب�ي�ن إس��رائ��ي��ل‬ ‫واألس�����واق ال��ش��رق أوس��ط��ي��ة بضخامة ال��ح��ج��م‪ ،‬ف���إن هناك‬ ‫إمكانيات كبيرة لم تتم االستفادة منها في مجال التعاون‬ ‫التجاري واالقتصادي بني إسرائيل والعرب»‪ .‬ويلقي التقرير‬ ‫الضوء على كيفية مساعدة اتفاقيات السالم على التنمية‬ ‫االق��ت��ص��ادي��ة‪ ،‬ل��ي��س م��ن خ�ل�ال ف��ت��ح ط���رق ت��ج��اري��ة ج��دي��دة‬ ‫فحسب‪ ،‬ب��ل ن��ظ ً��را ألن أط��راف��ه��ا حققوا أرب ً‬ ‫��اح��ا كبيرة من‬ ‫ُ‬ ‫االتفاقيات‪ ،‬حيث إن األموال التي كانت ستنفق على الدفاع‬ ‫يمكن استثمارها في مجاالت أخ��رى‪ .‬وسمحت اتفاقيات‬ ‫السالم مع إسرائيل لكل من األردن ومصر بالحصول على‬ ‫ق��در كبير من املساعدات الدولية‪ ،‬باإلضافة إل��ى ترتيبات‬ ‫تجارية ذات أفضلية مع ال��والي��ات املتحدة‪ .‬ويلقي التقرير‬ ‫نظرة على ما يمكن أن يعنيه التعاون لهذه املنطقة في كل من‬ ‫التكنولوجيا والثقافة والتجارة‪ ،‬باإلضافة إلى فرص أخرى‬ ‫للتنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫في حني تقيم إسرائيل والسلطة الفلسطينية صالت تجارية‪،‬‬ ‫ي��ل��ق��ي ال��ت��ق��ري��ر م���زي ً���دا م��ن ال��ض��وء ع��ل��ى االع��ت��م��اد امل��ت��زاي��د‬ ‫لالقتصاد الفلسطيني على إسرائيل في األع��وام األخيرة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مصدرا لنحو ‪ 60‬في املائة من‬ ‫إسرائيل‬ ‫في عام ‪ .2016‬كانت‬ ‫ُ‬ ‫الفلسطينية الواردة املسجلة‪ .‬وإذا وضعنا في االعتبار‬ ‫السلع‬ ‫ُ‬ ‫التجارة غير املسجلة‪ ،‬ترتفع نسبة إسرائيل إلى ثلثي السلع‬ ‫الواردة وأكثر من ‪ 90‬في املائة من السلع الصادرة‪ .‬عالوة على‬ ‫ذلك‪ ،‬ارتفع عدد العمال الفلسطينيني العاملني في إسرائيل‬ ‫بنسبة كبيرة‪ :‬من ‪ 40‬أل��ف عامل في ع��ام ‪ 2002‬إل��ى ‪130‬‬

‫‪22‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫اإليراني في أي أزمة هو محاولة تأجيجها ألبعد حد ممكن سعيا لتحقيق‬ ‫مكاسب على حساب كافة األط ��راف‪ ،‬وه��ي سياسة تتعارض كليًا مع‬ ‫السياسة الروسية الهادفة إل��ى إح�لال ال�س�لام واألم��ن واالس�ت�ق��رار في‬ ‫أفغانستان لوقف شبح اإلره��اب ال��ذي يطال حدودها الجنوبية وحدود‬ ‫جوارها اإلقليمي‪ ،‬بل مما يزيد األمر سوءا أن وجود اإليرانيني على األرض‬ ‫يعني ‪ -‬بالضرورة ‪ -‬تنافسًا عسكريا مع واشنطن‪ ،‬مع ما يحمله ذلك من‬ ‫احتماالت تصادم يعرقل أي جهود روسية للتسوية السلمية‪.‬‬

‫املبادرة الروسية لن تكون املبادرة‬ ‫األخيرة‪ ،‬وإنما من املتوقع أن تتزاحم‬ ‫على الساحة األفغانية مبادرات عدة‬ ‫إقليمية ودولية‬ ‫ن�ه��اي��ة ال �ق��ول إن��ه إذا ك��ان م��ا س�ب��ق ط��رح��ه م��ن اش �ت��راط��ات إلن�ج��اح‬ ‫املبادرة الروسية يمثل األرضية الرئيسية لعودة االستقرار إلى الدولة‬ ‫األفغانية‪ ،‬فإنه من املهم األخذ في الحسبان أن املبادرة الروسية لن‬ ‫تكون امل �ب��ادرة األخ�ي��رة ف��ي ه��ذا ال�ص��دد‪ ،‬وإن�م��ا م��ن املتوقع ف��ي ظل‬ ‫غياب تلك االشتراطات أن تتزاحم على الساحة األفغانية مبادرات‬ ‫ع��دة إقليمية ودول �ي��ة‪ ،‬وال�ت��ي تعكس م��دى إدراك الجميع ب��أن الحل‬ ‫العسكري لن يجدي في حلحلة األزمة‪ ،‬وأن املفاوضات السلمية بني‬ ‫الفرقاء األفغان هي السبيل األوحد نحو إعادة بناء تلك الدولة ذات‬ ‫املوقع الجيوستراتيجي‪ ،‬شريطة أن ُيصاحب تلك املفاوضات أمران‬ ‫مهمان‪ :‬األول‪ ،‬العمل على دعم واندماج أفغانستان في منظومة من‬ ‫العالقات التجارية واالقتصادية وروابط البنية التحتية مع دول املنطقة‪.‬‬ ‫الثاني‪ ،‬ضرورة التوافق الدولي واسع النطاق حول القضايا األساسية‬ ‫للسلم واألمن في أفغانستان‪ ،‬ودعم الجهود املبذولة من قبل قيادة‬ ‫األفغان أنفسهم والقوى املختلفة لديهم من أجل املصالحة الوطنية‪.‬‬ ‫ومن دون هذين الشرطني تظل األزمة األفغانية تدور في حلقة مفرغة‬ ‫من الصراعات الالنهائية والتي يدفع ثمنها الشعب األفغاني في املقام‬ ‫األول‪ ،‬ثم األمن واالستقرار في املنطقة وربما العالم بأسره‪ ،‬إذ تظل‬ ‫أفغانستان مفرخة لإلرهاب واإلرهابيني‪ ،‬ومصدرًا لتجارة األفيون‬ ‫واملخدرات‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫ُ‬ ‫إذ كما سبقت اإلشارة ثمة مبادرات كثيرة طرحت سواء على مستوى‬ ‫ال��دول أو املنظمات اإلقليمية املعنية وكان مصيرها الفشل‪ ،‬وال��ذي يجد‬ ‫بعضا من تفسيره في قيام كل طرف بتقديم مبادرة تراعي مصالحه‬ ‫ومصالح حلفائه على حساب مصالح األطراف األخرى التي تلعب دورا‬ ‫مهما في إفشال هذه املبادرة‪ .‬ولذا‪ ،‬فكان من الواجب على موسكو قبل‬ ‫طرح مبادراتها بشكل علني أن تجري مباحثاتها ومفاوضاتها السرية‬ ‫مع الفاعلني الرئيسيني في القضية األفغانية‪.‬‬ ‫‪ -3‬التأكيد على الدور التنموي ألي مبادرات للسالم واألمن‪ ،‬إذ إنه في ظل‬ ‫غياب ملف التنمية الحقيقية للدولة األفغانية‪ ،‬يظل الشعب األفغاني أسير‬ ‫انتماءاته دون الوطنية (القبلية واملذهبية) بعيدا عن ال��والء للوطن‪ ،‬وهو‬ ‫ما يعني ضرورة أن تتبنى روسيا مبادرة تنموية رئيسية في النهوض‬ ‫باألوضاع االقتصادية واالجتماعية والبشرية للشعب األفغاني بداية‪ ،‬ثم‬ ‫تأتي املبادرة السياسية‪ ،‬إذ إنه من املهم أن تدرك موسكو أن ذكرى الغزو‬ ‫السوفياتي ال ت��زال حية في ذه��ن كل أفغاني‪ ،‬وم��ن املستبعد تغييرها‬ ‫في ظل عودة دورها دون تغيير حقيقي في حياة هؤالء املواطنني الذين‬ ‫ينظرون إلى الدور الخارجي على أنه دور يرتبط بمصالحه على حساب‬ ‫مصالح الدولة والشعب األفغاني‪ ،‬وهو ما يمثل عائقا أمام نجاح روسيا‬ ‫في تنفيذ مبادرتها‪ .‬وفي هذا الخصوص‪ُ ،‬يقترح ما يأتي‪:‬‬ ‫• التنسيق مع الصني من خالل تعزيز دور بنك التنمية اآلسيوى الذي‬ ‫تسيطر عليه الصني للعب دور تنموي في أفغانستان‪ ،‬خاصة أن املؤشرات‬ ‫كافة تؤكد على وجود صيني من خالل قوات برية على الحدود األفغانية‪.‬‬

‫يجب التنسيق مع الصني من خالل تعزيز دور‬ ‫بنك التنمية اآلسيوي الذي تسيطر عليه الصني‬ ‫للعب دور تنموي في أفغانستان‪ ،‬خاصة أن‬ ‫املؤشرات كافة تؤكد على وجود قوات برية صينية‬ ‫على الحدود األفغانية‬

‫• أن تتبنى روس�ي��ا ب��ال�ت�ع��اون م��ع دول آس�ي��ا ال��وس�ط��ى م �ب��ادرة تنموية‬ ‫مشتركة لتنمية أفغانستان‪.‬‬ ‫‪ -4‬إذا ك��ان م��ن الصعوبة بمكان امل�ش��ارك��ة األميركية ف��ي أي م�ب��ادرات‬ ‫تطرحها موسكو لحل األزمة األفغانية ويدلل على ذلك رفضها املشاركة‬ ‫في أي جولة من الجوالت التي عقدتها موسكو بشأن أفغانستان‪ .‬فإنه من‬ ‫الصعوبة بمكان أيضا أن تحقق أي مبادرة روسية نجاحا ُيذكر في ظل‬ ‫وجود عسكري أميركي على األرض األفغانية‪ ،‬حيث يوجد في أفغانستان‬ ‫أكثر من (‪ )8‬آالف جندي أميركي‪ ،‬وقد قررت إدارة الرئيس ترمب زيادة‬ ‫عدد القوات‪ ،‬بعد أن كان يطالب بخفضها أثناء حملة ترشحه للرئاسة‬ ‫األميركية‪ ،‬إذ من املنتظر أن يزيد العدد إلى أكثر من (‪ )11‬ألف جندي‬ ‫ُ‬ ‫أميركي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يستوجب على روسيا إذا أرادت أن تسهم في حل هذه‬ ‫األزمة أن تأخذ في الحسبان هذا الوجود األميركي من خالل البحث عن‬ ‫مقاربة ثنائية تجمعهما بشأن أفغانستان‪ ،‬على أن يتم خاللها التوافق‬ ‫على األسس الرئيسية ألي حل منتظر‪ ،‬خاصة وأنهما يملكان ذات الهدف‬ ‫في محاربة اإلرهاب ومنع استغالل األراضي األفغانية كمنطلق لعملياته‬ ‫ضد مصالح الطرفني‪ ،‬إال أنهما يختلفان في كيفية تحقيق مصالحهما‬ ‫في تلك املنطقة‪ .‬وغني عن القول إن املطالبة بأخذ الوجود األميركي في‬ ‫ُ‬ ‫الحسبان في أي مبادرة تطرح لحل األزمة تنطلق من قراءة دقيقة لواقع‬ ‫األزم��ة التي يقع أح��د طرفيها ُويقصد به الحكومة األفغانية في نطاق‬ ‫السيطرة األميركية الكاملة‪ ،‬بما يعني أنه من الصعوبة بمكان على حكومة‬ ‫كابل الدخول في أي مفاوضات أو مباحثات مع طالبان برعاية روسية‬ ‫ُ‬ ‫دون تنسيق وإذن مسبق من اإلدارة األميركية‪ ،‬يؤكد على ذلك ما نشر‬ ‫عن وزارة الخارجية األفغانية في إشارتها إلى أنه‪« :‬يجب تنفيذ عملية‬ ‫السالم تحت قيادة جمهورية أفغانستان اإلسالمية‪ ،‬ونحن لن نشارك‬ ‫في محادثات موسكو»‪ .‬وكان هذا املوقف هو السبب وراء تأجيل عقد‬ ‫هذه القمة كما سبقت اإلشارة‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقديم م�ب��ادرات الحل بمشاركة أط��راف عربية ب��دال من التعاون مع‬ ‫طهران في امللف األفغاني‪ ،‬إذ إن التعاون السابق بني بعض القوى األفغانية‬ ‫وبعض الدول العربية مثل اململكة العربية السعودية واإلمارات ومصر‪،‬‬ ‫يمنح فرصة كبيرة لبناء الثقة في أي مبادرات تطرحها موسكو‪ ،‬وذلك‬ ‫نظرا للعالقات الحميدة التي تجمع األط��راف األفغانية مع ه��ذه البلدان‬ ‫بما ُيسهل التوصل إلى تفاهمات تمثل أسسا إلنجاح مبادرات السالم‬ ‫املطروحة‪ .‬في حني أن الوجود اإليراني لن يسمح بحلول سلمية للصراع‬ ‫بني األطراف األفغانية كما ترغب موسكو‪ .‬فمن املعلوم أن طبيعة التدخل‬

‫‪20‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫أفغاني يلعب على‬ ‫أرجوحة أثناء غروب‬ ‫الشمس في والية ه َر ْ‬ ‫ات‬ ‫ِ‬ ‫إحدی املحافظات الـ ‪34‬‬ ‫بأفغانستان تقع غربی‬ ‫البالد قرب الحدود‬ ‫اإليرانية‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬يبرز التساؤل‪ :‬هل تعد املبادرة الروسية بديلة للمبادرة األوزبكية أم‬ ‫مكملة لها؟ وهل ستنجح أم سيكون مصيرها كمصير املبادرة األوزبكية؟‬ ‫وتأتي اإلج��اب��ة في محورين‪ :‬األول‪ ،‬أن امل�ب��ادرة الروسية لم تكن بديلة عن‬ ‫املبادرة األوزبكية وإن سعت إلى تحقيق ذات األهداف التي تضمنتها املبادرة‬ ‫األوزبكية‪ ،‬إال أنه من الواضح أن موسكو لديها مسار مختلف تسعى من خالله‬ ‫إلى تحقيق حزمة من األهداف التي تتفق ومصالحها‪ ،‬من أبرزها زيادة نفوذها‬ ‫وتحسني صورتها في البلد الذي سبق وأن احتلته عام ‪ 1979‬ولم تنجح في‬ ‫االحتفاظ به‪ ،‬إذ سرعان ما خرجت منه تحت ضغط املقاومة الشرسة التي‬ ‫القتها موسكو من القوى األفغانية املدعومة آنذاك من أطراف دولية وإقليمية‬ ‫رأت في التمدد السوفياتي في أفغانستان تمددا لآليديولوجيا الشيوعية التي‬ ‫تهدد مصالح تلك األطراف في هذه املنطقة تحديدا‪ .‬الثاني‪ ،‬من غير املتوقع‬ ‫أن تؤتي املبادرة الروسية ثمارها في ظل بيئة أفغانية معقدة ومتشابكة من‬ ‫ناحية‪ ،‬وفي ظل غموض مالمح الخطوات الروسية في أفغانستان من ناحية‬ ‫أخ��رى‪ ،‬إذ م��ن غير املعلوم م��ا ه��ي نوعية عملية ال�س�لام التي يريد ال��روس‬ ‫تنفيذها في هذا البلد؟ ومن هم األطراف املعاونون لنجاح هذه العملية؟ وما‬ ‫هو موقف األطراف األخرى املنغمسة في الصراع األفغاني من تلك العملية؟‬

‫خامسًا‪ :‬املبادرة الروسية‪ ...‬واشتراطات النجاح‬ ‫في ضوء تلك القراءة غير اإليجابية للجهود الروسية لنجاح مبادرتها‬ ‫في حل األزمة األفغانية‪ ،‬يصبح التساؤل املطروح؛ ما هو املطلوب تحديدًا‬ ‫في سبيل إنجاح تلك الجهود؟ هل يكفي فقط مجرد الجلوس على طاولة‬ ‫املفاوضات بني الفرقاء األفغان كخطوة رئيسية نحو حلحلة األزمة؟ هل‬ ‫تكفي مشاركة أطراف عدة وصل عددهم ‪ -‬طبقا ملا نشر من أخبار ‪ -‬إلى‬ ‫‪ 12‬طرفا وجهت لهم دعوة للمشاركة؟‬ ‫ه��ذه التساؤالت تحاول أن تضع االشتراطات الواجب توافرها إلنجاح‬ ‫املبادرة الروسية رغم أنها لم تكن األولى من نوعها‪ ،‬وإنما سبقتها جوالت‬ ‫ث�لاث م��ن امل�ف��اوض��ات ب�ين األط ��راف األفغانية وبمشاركة أط��راف دولية‬ ‫وإقليمية لم تكن الواليات املتحدة األميركية طرفا في أي منها كما سبقت‬ ‫اإلشارة‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬تطرح هذه الورقة مجموعة من االشتراطات الواجب‬

‫‪19‬‬

‫تسعى موسكو المتالك ورقة ضغط جديدة‬ ‫في صراعها مع الواليات املتحدة في سوريا‪ ،‬إذ‬ ‫إن مجريات األمور والتنافس املوجود في سوريا‬ ‫يدفعان الروس إلى الدخول في أفغانستان‬ ‫توافرها إلنجاح املبادرة الروسية حتى في وضع أسس الحل التي يمكن‬ ‫أن تمثل األرضية املشتركة لبناء الثقة بني األطراف األفغانية من جانب‪،‬‬ ‫والفواعل الدولية واإلقليمية املنغمسة في الصراع من جانب آخر‪ .‬تتمثل‬ ‫أبرز هذه االشتراطات فيما يأتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬االس�ت�ف��ادة م��ن الخبرات السابقة س��واء م��ن خ�لال ال��وج��ود الروسي‬ ‫املباشر في أفغانستان في أواخر سبعينات القرن املنصرم‪ُ ،‬أو من خالل‬ ‫الوجود األميركي اليوم‪ ،‬أو من خالل املبادرات الكثيرة التي طرحت لحل‬ ‫األزمة‪ ،‬وذلك في وضع مقاربة غير تقليدية في التعامل مع مختلف أبعاد‬ ‫األزمة األفعانية بعيدا عن اللقاءات التقليدية واملباحثات املارسونية التي‬ ‫ال تقدم جديدا‪ .‬مع ثبات روسيا على موقفها وال��ذي تؤكد عليه م��رارا‬ ‫بأنها ل��ن ت�ج��ري أي م�ح��ادث��ات س��ري��ة م��ع ط��ال�ب��ان كما أش ��ارت إل��ى ذلك‬ ‫املتحدثة باسم الخارجية الروسية زاخاروفا‪ :‬بقولها‪« :‬إن روسيا تفضل‬ ‫التوصل إلى سالم عن طريق التفاوض في أفغانستان وهو ما ال يمكن‬ ‫أن يحدث بغير إقامة عالقات مع كل األطراف بما فيها حركة طالبان»‪ ،‬وأن‬ ‫تواصلها مع حركة طالبان يأتي في اإلطار الذي حدده السفير الروسي‬ ‫ف��ي أفغانستان إلكسندر مانتيتسكي‪ ،‬بقوله‪« :‬إن ات�ص��االت حكومته‬ ‫مع الحركة تهدف إلى ضمان سالمة املواطنني ال��روس والتشجيع على‬ ‫املشاركة في ُمحادثات السالم»‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنسيق املحكم مع األط��راف اإلقليمية الفاعلة في األزم��ة األفغانية‪،‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫في خضم الصراع على إعادة ترتيب النظام‬ ‫الدولي‪ ،‬برزت مناطق كثيرة في العالم محل‬ ‫صراع بني األقطاب الدولية‪ ،‬وفي القلب من‬ ‫تلك املناطق برزت أفغانستان‬ ‫إرهابيتني في تلك املنطقة مرتبطتان بالتنظيمني اإلرهابيني (القاعدة وداعش)‪،‬‬ ‫وهما‪ :‬إم��ارة القوقاز «املرتبطة بالنصرة والتابعة للقاعدة»‪ ،‬ووالي��ة القوقاز‬ ‫اإلسالمية «املرتبطة بداعش»‪ .‬وقد أعلنت االستخبارات الروسية مؤخرا أن‬ ‫‪ 2400‬شخص من القوقاز قد التحقوا بصفوف داعش فيما هناك تقديرات‬ ‫أخ��رى تتحدث عن انضمام ‪ 5‬آالف إلى ‪ 7‬آالف شخص من روسيا وآسيا‬ ‫الوسطى إلى الجماعات اإلرهابية‪ .‬ول��ذا‪ ،‬تسعى روسيا إلى إقناع الحكومة‬ ‫األفغانية بالسماح لها بتوسيع دائرتها األمنية حتى مناطق شاسعة من شمال‬ ‫أفغانستان‪ ،‬وكذلك إيجاد نوع من التعاون العسكري بني موسكو وكابل ملنع‬ ‫انتشار اإلرهاب وتعرض أمن املنطقة لخطر اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪ -3‬التخوف م��ن أي ن�ج��اح ل�ل��والي��ات املتحدة ف��ي عقد مصالحة م��ع طالبان‬ ‫في ظل الغياب الروسي‪ ،‬حيث يعني ذلك فقدان موسكو لواحدة من مناطق‬ ‫الصراع والنفوذ مع الغرب‪ ،‬بما يؤثر سلبا على الطموح الروسي نحو استعادة‬ ‫مكانتها الدولية‪ .‬صحيح أن موسكو تدرك أنه من الصعوبة بمكان أن تصبح‬ ‫الراعي الخارجي الرئيسي لهذه الدولة وأن تحل محل الواليات املتحدة‪ ،‬إال أنه‬ ‫من الصحيح أن وجودًا أكبر لها في أفغانستان يسمح ملوسكو بالتأثير على‬ ‫أي تطور في الدول التي كانت تشكل سابقًا جزءا من املنظومة السوفياتية‪.‬‬ ‫‪ -4‬سعي موسكو الم�ت�لاك ورق��ة ضغط ج��دي��دة ف��ي صراعها م��ع ال��والي��ات‬ ‫املتحدة في سوريا‪ ،‬إذ إن مجريات األمور والتنافس املوجود في سوريا يدفع‬ ‫الروس ومن أجل الضغط على أميركا في سوريا إلى الدخول في أفغانستان‪.‬‬ ‫ثالثًا‪ :‬طالبان والروس‪ ...‬تغيير التحالفات‬ ‫في خطوة قد يراها البعض غير منطقية وغير مقبولة متمثلة في التقارب‬ ‫ال��روس��ي م��ع ح��رك��ة طالبان ال�ت��ي ل��م تعترف بها رسميا‪ ،‬ش�ه��دت العالقات‬ ‫الروسية مع جماعة طالبان تقاربا ملحوظا‪ ،‬هو ما عبر عنه أحد قادة جماعة‬ ‫طالبان السابقني‪ ،‬سيد محمد أكبر آغا‪ ،‬في مقابلة مع جريدة «موسكو تايمز»‬ ‫في ‪ 13‬فبراير (ش�ب��اط) ‪ ...2017‬وذل��ك بقوله‪« :‬نحن مستعدون ملصافحة‬ ‫روسيا من أجل تخليص أنفسنا من ويالت أميركا‪ ،‬وقد أثبت التاريخ أننا‬ ‫أقرب إلى روسيا وجمهوريات االتحاد السوفياتي السابق‪ ،‬منا إلى الغرب»‪.‬‬ ‫ويرجع هذا التغيير في موقف الطرفني إلى رؤيتهما بشأن كيفية تحقيق‬ ‫كل طرف ملصالحه‪ ،‬إذ ترى موسكو أن طالبان أقل تهديدًا ملصالحها على‬ ‫املدى الطويل‪ ،‬مقارنة بالفوضى التي تمتلئ بها شوارع أفعانستان في ظل‬ ‫حكومة موالية للواليات املتحدة األميركية‪ ،‬ساعده في ذلك الطبيعة السياسية‬ ‫لجماعة طالبان‪ ،‬حيث غالبيتها من البشتون‪ ،‬وقد أثبتت مرونة ملحوظة خالل‬ ‫العقدين املاضيني‪ ،‬على خالف الجماعات املتطرفة العابرة للحدود مثل داعش‪،‬‬ ‫والقاعدة‪ ،‬وهو ما يعني من وجهة نظر موسكو أنه حان الوقت الستيعاب‬ ‫طالبان ف��ي إط��ار سياسي أفغاني ج��دي��د‪ ،‬سعيا لحماية ح��دوده��ا وح��دود‬ ‫حلفائها في آسيا الوسطى من مخاطر تسرب اإلرهابيني من ناحية‪ ،‬ومواجهة‬ ‫الوجود األميركي من ناحية أخرى‪ ،‬ذلك الوجود الذي فشل في تحقيق أهدافه‬ ‫من خالل وجوده في املنطقة بسبب موقف طالبان الرافض لهذا الوجود‪ ،‬وهذا‬ ‫ما أشار إليه السفير الروسي األسبق في أفغانستان كابولوف‪ ،‬بقوله‪« :‬إن مبلغ‬ ‫تريليون دوالر الذي أنفقته أميركا خالل السنوات الـ‪ 15‬املاضية‪ ،‬راح سدى»‪.‬‬ ‫على الجانب اآلخر‪ ،‬رأت طالبان في روسيا الداعم األكبر للتخلص من الوجود‬

‫األميركي الذي أنهى حلمها في حكم أفغانستان‪ ،‬وهو ما عبر عنه بعض قادة‬ ‫طالبان بقولهم‪« :‬لنا عدو مشترك‪ .‬كنا نحتاج الدعم للتخلص من الواليات‬ ‫املتحدة وحلفائها في أفغانستان وكانت روسيا تريد خ��روج كل القوات‬ ‫األجنبية من أفغانستان بأسرع ما يمكن‪ ...‬وأن الجماعة تجري اتصاالت‬ ‫مهمة مع موسكو منذ ‪ 2007‬على األقل وإن الدور الروسي لم يتجاوز الدعم‬ ‫املعنوي والسياسي»‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬املبادرة الروسية واملبادرة األوزبكية األخيرة‬ ‫بديل أم مكمل؟‬ ‫قبل نحو ستة أشهر‪ ،‬طرح رئيس أوزبكستان‪ ،‬شوكت ميرضيائيف‪ ،‬مبادرته‬ ‫لعقد املؤتمر الدولي رفيع املستوى بشأن أفغانستان في ‪ 27 - 26‬مارس‬ ‫‪ 2018‬في طشقند‪ ،‬والذي جاء تنفيذا للعرض املشترك املقدم من وفد أوزبكي‬ ‫أفغاني خالل اجتماع مجلس األمن الدولي الذي ُعقد في ‪ 19‬يناير (كانون‬ ‫الثاني) ‪ 2018‬في نيويورك‪.‬‬ ‫وقد هدف هذا املؤتمر ال��ذي لم ُيعقد إلى إص��دار – كما أعلن حينذاك – ما‬ ‫يعرف بـ«إعالن طشقند» والذي يتضمن عدة محاور‪ ،‬أبرزها‪:‬‬ ‫أن تسير عملية السالم تحت إشراف القوات األفغانية بنفسها‪،‬‬ ‫ ‬‫وذل��ك وفقا ألحكام ق��رارات ومقررات الجمعية العامة ومجلس األم��ن لألمم‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫ دمج املعارضة املسلحة في الحياة السياسية بأفغانستان واالعتراف بها‬‫باعتبارها قوة سياسية شرعية في حالة نجاح عملية السالم‪.‬‬ ‫ رفض جميع أشكال ومظاهر اإلره��اب دون أي تمييز‪ ،‬ومقاومة تهديدات‬‫اإلرهاب العابر للقوميات واالتجار باملخدرات والجريمة املنظمة التي تشكل‬ ‫التحديات املشتركة لالستقرار والتنمية املستدامة‪ ،‬سواء بالنسبة ألفغانستان‬ ‫أو للمنطقة والعالم بشكل عام‪.‬‬ ‫رغم أهمية هذه املبادرة وجدوى بنودها التي كان من املتوقع التوصل إليها‪،‬‬ ‫إال أنها لم تر النور‪ ،‬حيث تعثرت الجهود في عقد ه��ذا املؤتمر الدولي بما‬ ‫جعلها حبرا على ورق‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫ثانيًا‪ :‬أفغانستان محط اهتمام روسي كبير‪ ...‬الدوافع‬ ‫واألسباب‬ ‫ليست مبالغة القول إن أفغانستان تحتل مكانة متميزة في السياسة الخارجية‬ ‫الروسية والتي تستهدف منذ تولي فالديمير بوتني مقاليد الحكم في أوائل‬ ‫األلفية الثالثة وإعادة انتخابه للمرة الرابعة في أوائل هذا العام (‪ ،)2018‬إعادة‬ ‫بناء الدولة الروسية داخليا وخارجيا بهدف استعادة مكانتها الدولية حينما‬ ‫كانت قطبا منافسا للقطب األميركي في فترة الحرب الباردة‪ ،‬وفقدت هذه‬ ‫املكانة جراء تفكك املنظومة االشتراكية في تسعينات القرن املنصرم‪ ،‬لينجح‬ ‫الرئيس بوتني في استعادة جزء من تلك املكانة وليصبح فاعال رئيسيا في‬ ‫تحديد مالمح النظام الدولي الجديد الذي ُيبنى بعيدا عن القطبية األحادية‬ ‫التي انفردت بها الواليات املتحدة طوال العقدين املاضيني‪ ،‬إذ رأت موسكو أن‬ ‫عودة النظام الدولي إلى حالة التعددية القطبية تعيد توازن القوى واملصالح‬ ‫بني أطرافه الفاعلني‪.‬‬ ‫وفي خضم هذا الصراع على إعادة ترتيب أوضاع النظام الدولي نحو تعددية‬ ‫قطبية‪ ،‬ب��رزت مناطق كثيرة ف��ي ال�ع��ال��م محل ص��راع ب�ين األق �ط��اب الدولية‬ ‫املتصارعة على قمة النظام الدولي‪ ،‬ومثلت منطقة آسيا الوسطى وجنوب‬ ‫القوقاز وجوارهما اإلقليمي محور االهتمام األميركي الروسي الصيني‪ ،‬وفي‬ ‫القلب من تلك املناطق برزت أفغانستان بموقعها الجيوستراتيجي كمحور‬ ‫رئيسي في أي ترتيبات تتعلق بأمن املنطقة واستقرارها‪.‬‬ ‫وفي ضوء ذلك‪ ،‬برزت الدوافع الروسية للوجود في أفغانستان‪ ،‬والتي يمكن‬ ‫أن نجملها فيما يأتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ان�ت�ه��اج م��وس�ك��و س�ي��اس��ة خ��ارج�ي��ة ج��دي��دة تنطلق م��ن ع��دة م �ح��ددات‪،‬‬

‫‪17‬‬

‫مع بدء األلفية الثالثة‪ ،‬عادت أفغانستان‬ ‫مرة أخرى لساحة الصراع الدولي برغبة‬ ‫الواليات املتحدة في تأكيد هيمنتها على‬ ‫قمة النظام الدولي بعد ‪ 11‬سبتمبر‬ ‫أبرزها؛ الدخول في مناطق صراعية كثيرة والتقدم بمقترحات ورؤى لحل‬ ‫تلك الصراعات وخاصة في املناطق التقليدية للوجود األميركي‪ ،‬سعيا من‬ ‫جانبها ملنافسة الوجود األميركي منعا النفراده بوضع الحلول التي تؤثر في‬ ‫مجاالت األمن القومي الروسي‪ ،‬بل تسعى موسكو ألن تطرح نفسها كوسيط‬ ‫أساسي في أي صراعات تدور في محيطها اإلقليمي وتحديدا في منطقتي‬ ‫آسيا الوسطى وجنوب آسيا‪.‬‬ ‫مواجهة اإلره��اب ف��ي تلك املنطقة‪ ،‬إذ إن��ه ف��ي ض��وء املعلومات‬ ‫‪ -2‬‬ ‫االستخبارية عن وجود تنظيمات إرهابية في منطقة القوقاز بما يهدد األمن‬ ‫القومي الروسي‪ ،‬وهو ما أشار إليه زامير كابولوف‪ ،‬السفير الروسي األسبق‬ ‫لدى أفغانستان واملبعوث الخاص للرئيس بوتني‪ ،‬وذلك بقوله‪« :‬إن ما يثير‬ ‫قلقنا هو أن داعش يهدد أفغانستان وكل دول آسيا الوسطى‪ ،‬وباكستان‪،‬‬ ‫والصني‪ ،‬والهند وحتى روسيا»‪ .‬ويذكر في هذا الخصوص أن ثمة جماعتني‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫مبادرات كثيرة‪ ...‬والنتائج واحدة‬

‫روسيا واألزمة األفغانية‬ ‫موسكو‪ :‬أحمد طاهر*‬ ‫عادت أفغانستان من جديد لتمثل واحدة من قمم الصراعات الجيوسياسية‬ ‫في العالم‪ ،‬فالتاريخ بأحداثه املختلفة وبفتراته املتباينة يكشف عن وقوع‬ ‫أفغانستان في قلب الكثير من الصراعات والحروب بني مختلف اإلمبراطوريات‬ ‫العاملية‪ ،‬ولعل ما حدث مع قدوم املغول والتتار إلى حاضنة األمة اإلسالمية‬ ‫من البوابة األفغانية يؤكد أهمية أفغانستان في منظومة الصراع الدولي‪ ،‬تلك‬ ‫األهمية التي برزت حينما كانت أفغانستان مسرحًا ملؤامرات وتدخالت دولية‬ ‫وتبارت كل من بريطانيا وروسيا في فرض سيطرتها عليها خالل «اللعبة‬ ‫الكبرى» في القرن التاسع عشر‪ ،‬ثم تأكدت هذه األهمية كذلك خالل فترة‬ ‫الحرب الباردة ووقوعها في حلبة الصراع األميركي السوفياتي الذي انتهى‬ ‫بالغزو السوفياتي ألفغانستان عام ‪ 1979‬ثم فشله بسبب الدور األميركي‬ ‫املمول للتنظيمات اإلرهابية التي رفعت شعار «محاربة الشيوعية»‪.‬‬ ‫ومع بدء األلفية الثالثة‪ ،‬عادت أفغانستان مرة أخرى لساحة الصراع الدولي‬ ‫برغبة الواليات املتحدة في تأكيد هيمنتها على قمة النظام الدولي ما بعد‬ ‫أح��داث ‪ 11‬سبتمبر (أيلول) ‪ .2001‬إذ أعقب تلك األح��داث احتالل الواليات‬ ‫املتحدة األميركية ألفغانستان بهدف التأكيد للجميع على أن القطب األوحد‬ ‫ال يزال قادرا على مواجهة الخطر العاملي الجديد املتمثل في اإلرهاب الدولي‬ ‫املسؤول عن تلك األحداث‪ ،‬فكانت أفغانستان بداية النهاية لتربع هذا القطب‬ ‫على قمة النظام الدولي‪ ،‬إذ بدأت الواليات املتحدة في الهبوط من على سفح هذه‬ ‫القمة مع دخولها املستنقع العراقي عام ‪ .2003‬ليبدأ النظام الدولي في التغير‬ ‫نحو تعددية قطبية لم تنته مالمحها إلى اليوم‪ ،‬وذلك مع عودة الدب الروسي‬ ‫إلى الساحة العاملية مستعيدا جزءا من قوته والتي تجلت في األزمة السورية‪،‬‬ ‫وقد صاحب تلك العودة صعود التنني الصيني وسعيه إلى التمدد في مختلف‬ ‫مناطق العالم رافضا بدوره القطبية األحادية للنظام الدولي‪.‬‬ ‫في خضم كل تلك األحداث عادت أفغانستان لتشغل االهتمام الدولي واإلقليمي‬ ‫وهو ما تجلى في تعددية امل�ب��ادرات املطروحة من ناحية‪ ،‬وتنوع التدخالت‬ ‫املستمرة من جانب األطراف املعنية في الشؤون األفغانية من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫وكانت املبادرة الروسية واحدة من تلك املبادرات املطروحة في هذا الخصوص‪،‬‬ ‫إذ دعت موسكو إلى عقد جولة جديدة من املفاوضات بشأن األزمة األفغانية‬ ‫ب�ع�ق��د م��ؤت�م��ر دول ��ي ف��ي ال ��راب ��ع م��ن س�ب�ت�م�ب��ر ‪ .2018‬لتستكمل سلسلة‬ ‫االجتماعات واللقاءات التي عقدتها موسكو في سبيل حل تلك األزمة وكان‬ ‫آخرها في ‪ 17‬مارس (آذار) ‪ 2017‬بالعاصمة الروسية موسكو‪ ،‬حيث شارك‬ ‫كثير من األطراف اإلقليمية والدولية املعنية باستثناء واشنطن‪.‬‬ ‫إال أنها عادت وأعلنت تأجيل هذه القمة إلى موعد آخر‪ ،‬كما جاء فى بيان وزارة‬ ‫الخارجية الروسية عقب مكاملة هاتفية جرت بني وزير الخارجية الروسى‬ ‫سيرغي الف��روف‪ ،‬والرئيس األفغاني أش��رف غني‪ ،‬ج��اء فيه‪« :‬إن الجانبني‬ ‫بحثا املسائل امللحة للتعاون الثنائي في مجال التسوية األفغانية‪ ،‬بما في‬ ‫ذلك الجلسة الجديدة ملشاورات موسكو حول أفغانستان برئاسة البلدين‪...‬‬ ‫وإن رئيس أفغانستان أيد جلسة مشاورات موسكو من حيث املبدأ‪ ،‬وطلب‬ ‫تأجيل عقدها نظرًا لضرورة وضع موقف موحد للجانب األفغاني حول هذه‬

‫املسألة‪ ،‬آخذًا بعني االعتبار التغييرات في قيادة أجهزة القوة األفغانية‪ ...‬واتفق‬ ‫الجانبان على تحديد موعد جديد لعقد االجتماع»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫في ضوء هذه الدعوة التى ُوجهت إلى ‪ 12‬طرفا‪ ،‬من بينهم الواليات املتحدة‬ ‫التى رفضت املشاركة كما هو موقفها فيما سبق‪ ،‬وتأجيلها لحني موافقة‬ ‫الحكومة األفغانية على املشاركة فيها‪ ،‬بعدما وافقت حركة طالبان‪ ،‬تثار كثير‬ ‫من التساؤالت حول املوقف الروسى تجاه ما يحدث في أفغانستان‪ :‬ما دوافع‬ ‫وأسباب هذا االهتمام الروسى بأفغانستان؟ وإلى أي مدى يرتبط هذا االهتمام‬ ‫بالتحوالت الدولية واإلقليمية الراهنة؟ وما فرص نجاح املبادرة الروسية فى‬ ‫املستقبل؟ وما التداعيات املترتبة على إخفاقها واستمرار األزمة األفغانية؟‬ ‫وفي محاولة اإلجابة على كل هذه التساؤالت‪ ،‬يستعرض التقرير املحاور‬ ‫اآلتية‪:‬‬

‫ً‬ ‫أوال‪ :‬أفغانستان وتعددية املسارات‪ ...‬هل تجدي نفعا؟‬ ‫في ض��وء تلك األهمية التي تشغلها أفغانستان في خريطة العالم‪ ،‬نظرا‬ ‫أهميتها في دعم أمن واستقرار املنطقة‪،‬‬ ‫ملوقعها الجيوستراتيجي وكذلك‬ ‫ُ‬ ‫تعددت املبادرات وتنوعت املسارات التي طرحت في سبيل وضع نهاية لألزمة‬ ‫األفغانية التي تتشعب يوما بعد يوم بفضل تعددية الالعبني اإلقليميني‬ ‫والدوليني في الشأن األفغاني‪ ،‬وهو ما ترتبت عليه تعددية املسارات املقترحة‪،‬‬ ‫فنجد لدينا أكثر من منتدى دولي وإقليمي لحل تلك القضية‪ ،‬من بينها؛‬ ‫«عملية كابل»‪ ،‬و«معادلة موسكو»‪ ،‬ومنتدى «قلب آسيا ‪ -‬عملية إسطنبول»‪،‬‬ ‫ومجموعة االتصال الدولية املعنية بأفغانستان‪ ،‬ومجموعة االتصال «منظمة‬ ‫شنغهاي للتعاون ‪ -‬أفغانستان»‪ ،‬ومؤتمر التعاون االقتصادي اإلقليمي‬ ‫ألفغانستان‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬يبرز التساؤل ما الجدوى من وراء كل تلك املنتديات التي لم تنجح‬ ‫حتى اليوم في إيجاد مخرج للدولة األفغانية من أزمتها املتفاقمة؟ هل تعكس‬ ‫هذه املنتديات رؤى متباينة لألطراف الدولية واإلقليمية التي تسعى لحل األزمة‬ ‫وفقا ملا يحقق مصالحها الذاتية على حساب الشعب األفغاني؟ وهل مصالح‬ ‫تلك األطراف متعارضة إلى الحد الذي تجد فيه صعوبة في تنسيق جهودها‬ ‫وإعادة ترتيب األوضاع؟ وهل دور القوى الدولية واإلقليمية في األزمة األفغانية‬ ‫على قدم املساواة بما يمنع من سيطرة طرف على مقدرات األوضاع ويفرض‬ ‫شروطه ورؤيته على األطراف املتصارعة لوقف نزيف األزمة وتداعياتها؟‬ ‫كل تلك التساؤالت وغيرها تعكس مدى عمق األزمة التي تواجهها أفغانستان‬ ‫في املستقبل القريب والبعيد لتظل ترضخ في وحل من الصراعات والنزاعات‬ ‫التي لن تنتهي إال بقراءة واعية من الشعب األفغاني للتحديات التي تواجهه‬ ‫وفي مقدمتها تقسيمه إلى فئات ومجموعات تتالعب بها القوى السياسية‬ ‫في الداخل والتي يعد بعضها وكيال أو ممثال لطرف دول��ي أو إقليمي‪ ،‬إذ‬ ‫أصبحت أفغانستان ساحة النقسامات متنوعة‪ ،‬تارة على أسس دينية وأخرى‬ ‫مذهبية‪ ،‬وثالثة عرقية‪ ،‬ورابعة سياسية‪ ،‬ليدخل الشعب األفغاني في بوتقة‬ ‫من االختالفات التي أدت إلى النتيجة التي يعيشها اليوم‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫الرئيس الروسي فالديمير‬ ‫بوتني‪ ،‬والرئيس األميركي‬ ‫دونالد ترمب‪ ،‬ورئيس‬ ‫فيتنام تران داي كوانغ‪،‬‬ ‫والرئيس الصيني شي جني‬ ‫بينغ‪ ،‬في اليوم الختامي‬ ‫للقمة الخامسة والعشرين‬ ‫ألبيك‪ ،‬نوفمبر ‪.2017‬‬ ‫(غيتي)‬

‫يونيو املاضي‪ .‬هذا فيما قام البنك ذاته بتمويل أكثر من ‪ 600‬مشروع في‬ ‫إطار مبادرة الحزام والطريق نهاية يونيو ‪ .2018‬وكان الرئيس الصيني‬ ‫كشف عن م�ب��ادرة ال�ح��زام والطريق في ع��ام ‪ .2013‬بهدف بناء طريق‬ ‫عصري يربط الصني ب��را وبحرا بجنوب شرقي آسيا‪ ،‬ووس��ط آسيا‪،‬‬ ‫والشرق األوسط‪ ،‬وأوروبا‪ ،‬وأفريقيا‪.‬‬ ‫ووس��ع بنك الصني نطاق أعماله ف��ي ال�ب�ل��دان ال��واق�ع��ة على ط��ول الحزام‬ ‫والطريق‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬أنشأ البنك فروعا في ‪ 56‬دولة ومنطقة عبر العالم‪.‬‬ ‫إل��ى جانب ذل��ك‪ ،‬أق��ام البنك خمس حلقات نقاشية للتعاون ال��دول��ي في‬ ‫مجال بناء الحزام والطريق في ‪ 18‬دولة‪ ،‬وشارك فيها نحو ‪ 170‬من كبار‬ ‫مسؤولي الحكومات والشركات‪ .‬وفي نفس سياق السياسات التجارية‬

‫رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ‪ ،‬يتطلع إلى رئيس املفوضية األوروبية جان كلود يونكر‪ ،‬أثناء حضوره اجتماع املائدة‬ ‫املستديرة لألعمال بني الصني واالتحاد األوروبي‪ ،‬في قاعة الشعب الكبرى في بكني ‪ 16‬يوليو ‪( .2018‬غيتي)‬

‫‪15‬‬

‫البيت األبيض‪ :‬الواليات املتحدة ستواصل‬ ‫معارضة عمل الصني على زعزعة استقرار‬ ‫العالقات بني ضفتي مضيق تايوان والتدخل‬ ‫السياسي في النصف الغربي للكرة األرضية‬ ‫الصينية‪ ،‬تستضيف العاصمة بكني قمة منتدى ال�ت�ع��اون الصيني ‪-‬‬ ‫األف��ري�ق��ي ف��ي ‪ 3‬و‪ 4‬سبتمبر (أي �ل��ول) ال �ج��اري‪ ،‬تحت ع�ن��وان «ال�ت�ع��اون‬ ‫املربح للجانبني‪ ...‬التكاتف لبناء مجتمع أقرب ملستقبل مشترك للصني‬ ‫وأفريقيا» بحضور قادة وزعماء ‪ 51‬دولة أفريقية والصني‪.‬‬ ‫على جانب آخر‪ ،‬أعلنت بروكسل عن إنشاء صندوق استثماري مع الصني‬ ‫ُيخصص للشركات املتوسطة بقيمة تقترب من مليار وربع املليار يورو‬ ‫(نحو ‪ 1.4‬مليار دوالر)‪ ،‬ويأتي التحرك املشترك بني الجانبني بعد فترات‬ ‫من الخالفات واالنتقادات املتبادلة بسبب السياسات التجارية‪ .‬هذا في‬ ‫وقت تجري فيه مباحثات مع لندن من أجل التوصل إلى اتفاق للتجارة‬ ‫الحرة «من الدرجة األولى»‪ ،‬بعد مغادرة بريطانيا لالتحاد األوروبي‪.‬‬ ‫ال يعني ذلك‪ ،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬أن التدهور الحاصل في العالقات‬ ‫التجارية بني واشنطن وبكني يمكن تعويض الخسائر املترتبة عليه‬ ‫بسهولة‪ ،‬ذلك أن امتدادات أثره سيطال أسواق املال العاملية‪ ،‬كما أنها‬ ‫ق��د تفضي إل��ى م�ش�ك�لات اق�ت�ص��ادي��ة عميقة ت�ع��وق خ�ط��ط البلدين‬ ‫االقتصادية‪ ،‬سيما في ظل تعقد وتشابك املصالح املشتركة‪ .‬وبقدر‬ ‫ما يطرح ذلك من إشكاليات وتحديات بشأن الروابط التجارية‪ ،‬فإن‬ ‫طبيعة التقديرات املتبادلة بشأن التهديدات التي يمثلها كل طرف لآلخر‬ ‫على املستويات العسكرية‪ ،‬بعد تقرير الكونغرس األخير‪ ،‬توحي بأن‬ ‫واشنطن وبكني يخوضان صراعات مركبة على رمال متحركة‪.‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫«البنتاغون»‪ :‬بكني تسعى لتطوير قدرات‬ ‫نووية على رؤوس قاذفات القنابل لضرب أهداف‬ ‫أميركية بعيدة املدى‪ ،‬سيما بعد توسيع بكني‬ ‫لعملياتها نحو احمليط اهلادي‪.‬‬ ‫بني الجانبني‪ ،‬بما ينذر بفرض رسوم جمركية على جميع السلع املتداولة‬ ‫تقريبا بني أكبر اقتصادين في العالم‪ .‬وقد اتهم ترمب الصني بالتالعب‬ ‫في عملتها (اليوان) لتعويض االضطرار لسداد الرسوم الجمركية التي‬ ‫فرضتها واشنطن‪ ،‬بينما قال إن البنك املركزي األميركي يجب أن يتبع‬ ‫سياسة نقدية أكثر تيسيرا‪ .‬وتنفي بكني مزاعم أميركية بالنقل القسري‬ ‫للتكنولوجيا األميركية‪ ،‬وتشدد على أنها ملتزمة بقواعد منظمة التجارة‬ ‫العاملية‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار يقول املحلل املالي‪ ،‬فرانك أستورينو‪ ،‬إذا استمرت واشنطن‬ ‫ً‬ ‫وبكني في هذا الطريق‪ ،‬سيكون من املحتمل أن تكون النتيجة «انفصاال‬ ‫اقتصاديًا» بني أكبر قوتني اقتصاديتني في العالم‪ .‬هناك ً‬ ‫دوما فرصة‬ ‫أمام دونالد ترمب وشي جينبينغ للتوصل إلى اتفاق‪ .‬مع ذلك إذا استمرا‬ ‫في تهديداتهما‪ ،‬وهو ما يفعالنه حتى هذه اللحظة‪ ،‬فسوف تخضع كل‬ ‫املنتجات التي يتم املتاجرة بها بني الدولتني ً‬ ‫عمليا إلى تعريفات جزائية‬ ‫تبادلية‪ .‬على الجانب اآلخر‪ ،‬توشك واشنطن على االنتهاء من وضع قيود‬ ‫أكثر صرامة على االستثمار األجنبي‪ ،‬ومن الواضح أنها تستهدف بذلك‬ ‫منع الشركات الصينية من االستحواذ على شركات أميركية‪ ،‬هذا في ظل‬ ‫الحواجز املوجودة في الصني بالفعل أمام الشركات األجنبية‪.‬‬ ‫وتشير تقديرات غربية إلى أن السياسات األميركية تستهدف تقويض‬ ‫ً‬ ‫مركزا ً‬ ‫عامليا ألحدث املنتجات املتطورة‪ .‬ومع‬ ‫آمال الصني في أن تصبح‬ ‫ً‬ ‫ذلك ُيتوقع أن تكون التكلفة مرتفعة بالنسبة للواليات املتحدة أيضا‪ ،‬حيث‬

‫يتوقع هومي كاراس من معهد «بروكينغز»‪ ،‬أن تمثل الصني ‪ 22‬في املائة‬ ‫من اإلنفاق االستهالكي العاملي للطبقة الوسطى بحلول عام ‪ ،2030‬مقارنة‬ ‫بـ‪ 7‬في املائة من جانب الواليات املتحدة‪ .‬ويضيف‪ ،‬ربما تتم خسارة أولئك‬ ‫املتسوقني الصينيني الجدد لصالح عالمات تجارية أوروبية‪ ،‬أو يابانية‪،‬‬ ‫أو محلية إذا واجهت الشركات األميركية حواجز وعراقيل أكثر صرامة‬ ‫تتعلق بقيامها بأعمال تجارية في الصني مقارنة بوضعها الحالي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وربما تخسر الواليات املتحدة االستثمار أيضا‪ ،‬حيث تتوسع الشركات‬ ‫الصينية الكبرى ً‬ ‫عامليا‪ ،‬وس��وف تتحول إلى شركات مستثمرة أكبر‬ ‫وأقوى في الخارج‪ ،‬مثلما فعلت الشركات اليابانية في الثمانينات‪ .‬ومن‬ ‫املرجح أن ينقل رجال األعمال الصينيون‪ ،‬الذين يتعرضون لبيئة عدائية‬ ‫في الواليات املتحدة‪ ،‬رأسمالهم إلى مكان آخر‪ .‬وقد تراجعت االستثمارات‬ ‫الصينية في ال��والي��ات املتحدة بمقدار النصف في ع��ام ‪ 2017‬مقارنة‬ ‫بالعام الذي يسبقه بحسب «املعهد األميركي للمشروعات الرائدة»‪ .‬ويرى‬ ‫ديريك سيزورس‪ ،‬الباحث في املعهد‪ ،‬أن السبب في ذلك هو خفض اإلنفاق‬ ‫على بعض ال��واردات الصينية في بعض الواليات األميركية‪ ،‬والفحص‬ ‫الدقيق للصفقات الصينية من جانب الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫الصني‪ ...‬تحركات لتنويع الروابط وتوثيق العالقات تعمل الصني‪ ،‬في‬ ‫مواجهة ذل��ك‪ ،‬على تشكيل م��ح��اور بديلة‪ ،‬بعضها يرتبط بمجموعة‬ ‫«ال���ب���ري���ك���س»‪ ،‬وب��ع��ض��ه��ا اآلخ������ر ي��ت��ع��ل��ق ب���م���س���ار م��ن��ظ��م��ة «ش��ن��غ��ه��اي‬ ‫للتعاون»‪ ،‬التي تضم إلى جانب روسيا والصني‪ ،‬كال من كازاخستان‪،‬‬ ‫وطاجيكستان‪ ،‬وقرغيزستان‪ ،‬وأوزبكستان‪ .‬وتعمل بكني على توثيق‬ ‫عالقاتها العسكرية مع شبكة واسعة من القوى الدولية واإلقليمية‪ ،‬ويأتي‬ ‫في مقدمة ذلك العمل مع موسكو‪ .‬فقد قالت وزارة الدفاع الروسية مؤخرا‬ ‫إن الصني نشرت سربا من طائراتها القتالية في القاعدة الجوية في‬ ‫منطقة تشيليابينسك وسط روسيا‪ .‬وأنزلت الصني طائراتها في القاعدة‬ ‫للمشاركة في مناورات «مهمة السالم – ‪ ،»2018‬التي تشارك فيها قوات‬ ‫من دول أعضاء بمنظمة شنغهاي للتعاون‪ .‬وسيشارك في املناورات أكثر‬ ‫من ‪ 300‬جندي وضابط وأكثر من ‪ 500‬وحدة من املعدات العسكرية‪.‬‬ ‫وعلى الصعيد االق��ت��ص��ادي‪ ،‬قامت بكني بتوثيق عالقاتها م��ع شبكة‬ ‫ممتدة من الدول‪ .‬فقد قدم بنك الصني قروضا بقيمة ‪ 115.9‬مليار دوالر‬ ‫ملشروعات في الدول الواقعة على طول طريق «الحزام والطريق» نهاية‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫عمال صينيون يقومون‬ ‫بتفريغ حقائب من املواد‬ ‫الكيماوية نهاية أغسطس‬ ‫املاضي‪ ،‬في ميناء تشانغ‬ ‫جياغانغ بمقاطعة‬ ‫جيانغسو شرق الصني؛‬ ‫حيث تراجع الفائض‬ ‫التجاري الصيني مع‬ ‫الواليات املتحدة فى يوليو‬ ‫وأغسطس املاضيني‪ ،‬عندما‬ ‫فرض الرئيس دونالد ترمب‬ ‫تعريفات صارمة على سلع‬ ‫صينية قيمتها مليارات‬ ‫الدوالرات فى مواجهة بني‬ ‫أكبر اقتصادين فى العالم‪.‬‬ ‫(غيتي)‬


‫صبيان يلعبان السيف أمام‬ ‫نسخة مصغرة من مبنى‬ ‫الكابيتول األميركي في‬ ‫حديقة بكني العاملية‪ ،‬في‬ ‫ضاحية بكني الجنوبية‬ ‫الغربية في ‪ 23‬نوفمبر‬ ‫‪ ...2012‬حديقة بكني‬ ‫العاملية‪ ،‬مع مجموعة من‬ ‫النسخ املتماثلة املصغرة‬ ‫للعمارة الشهيرة من جميع‬ ‫أنحاء العالم‪ ،‬تحاول إعطاء‬ ‫الزوار فرصة لرؤية العالم‬ ‫دون الحاجة إلى مغادرة‬ ‫بكني‪( .‬غيتي)‬

‫مليون كيلومتر مربع‪ ،‬أي أقل من نصف حجم بحر الصني الجنوبي‪.‬‬ ‫وهذه املنطقة تمثل موضع تنافس محموم‪ ،‬بني اليابان وكوريا الجنوبية‬ ‫أوال‪ ،‬واليابان والصني وت��اي��وان ً‬ ‫ثانيا‪ .‬وهنا‪ ،‬يحذر بريندان تايلور من‬ ‫ارتفاع منسوب خطر املواجهة العسكرية‪ ،‬بالنظر إلى نمط العالقة املعقدة‬ ‫بني الصني واليابان‪ ،‬فالبلدان يملكان صراعا تاريخيا‪ ،‬وشعورا قوميا‬ ‫ّ‬ ‫مضخما‪ ،‬وبالتالي أي صدام عسكري غير مقصود أو سوء تقدير قد‬ ‫يؤدي إلى مواجهة شاملة‪ .‬ويرى تايلور أن انخراط اليابان في التنافس‬ ‫على النفوذ في بحر الصني الجنوبي يعود إلى خوفها من كون السيطرة‬ ‫الصينية املطلقة هناك س�ت��ؤدي إل��ى سيناريو مماثل ف��ي بحر الصني‬ ‫الشرقي‪.‬‬ ‫الحروب التجارية األميركية – الصينية الحروب التجارية بني واشنطن‬ ‫وبكني تمثل الوجه اآلخر للصراع بني الجانبني‪ ،‬فقد فرضت إدارة الرئيس‬ ‫دون��ال��د ترمب رس��وم��ا جمركية م�ش��ددة ج��دي��دة على منتجات صينية‬

‫تستضيف بكني قمة منتدى التعاون الصيني‬ ‫ األفريقي في ‪ 3‬و‪ 4‬سبتمبر الجاري‪ ،‬تحت‬‫عنوان «التعاون املربح للجانبني‪ ...‬التكاتف‬ ‫لبناء مجتمع أقرب ملستقبل مشترك للصني‬ ‫وأفريقيا» بحضور قادة وزعماء ‪ 51‬دولة‬ ‫أفريقية والصني‪.‬‬ ‫مستوردة بقيمة ‪ 16‬مليار دوالر ردت عليها بكني بإجراء مماثل‪ ،‬في‬ ‫وقت يخوض البلدان مفاوضات بهدف وقف الحرب التجارية بينهما‪ .‬ومع‬ ‫هذه الرزمة الجديدة من الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن ترتفع‬ ‫إلى ‪ 50‬مليار دوالر القيمة اإلجمالية للمنتجات الصينية املستوردة إلى‬ ‫الواليات املتحدة الخاضعة لرسوم بنسبة ‪ 25‬في املائة‪ .‬وتشمل الرسوم‬ ‫نحو ألف صنف من البضائع‪ .‬وتسجل الواليات املتحدة عجزا تجاريا‬ ‫سنويا بقيمة ‪ 335‬مليار دوالر تجاه الصني‪ .‬لكن االقتصاد األميركي ال‬ ‫يزال أكبر من االقتصاد الصيني بمقدار ‪ 7‬تريليونات دوالر‪ ،‬وهو فرق‬ ‫يعادل الناتج املحلي لكل من البرازيل وفرنسا والهند مجتمعة‪.‬‬ ‫وثمة توجه أميركي لبحث اقتراحات بفرض رسوم على بضائع صينية‬ ‫أخرى بقيمة ‪ 200‬مليار دوالر‪ ،‬وهو ما سيبدأ في التأثير سلبا على نحو‬ ‫مباشر على املنتجات االستهالكية‪ .‬وتأتي الرسوم التي يفرضها ترمب‬ ‫في إطار مساعي إدارته للضغط على الصني كي تجري تغييرات كبيرة في‬ ‫سياساتها االقتصادية لحماية حقوق امللكية الفكرية‪ ،‬وإنهاء مساعيها‬ ‫لدعم القطاعات الصناعية‪ ،‬وفتح أسواقها أمام املنافسة األجنبية‪.‬‬ ‫وصرح ترمب بأنه ال يتوقع إحراز تقدم كبير في محادثات تجارية مع‬ ‫الصني‪ .‬وقال ترمب إنه ليس لديه «إطار زمني» إلنهاء الخالف التجاري‬

‫اثنان من كبار ضباط جيش‬ ‫التحرير الشعبي الصيني‪،‬‬ ‫يلتقطان صورًا بعد جلسة‬ ‫للمجلس الوطني لنواب الشعب‬ ‫الصيني املنعقدة في قاعة الشعب‬ ‫الكبرى (غيتي)‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫وزارة الدفاع الصينية في بيان‪ :‬تقرير‬ ‫البنتاغون بشأن القدرات العسكرية الصينية قد‬ ‫«أساء تفسير نيات الصني االستراتيجية»‬ ‫الصيني يهدف إلى حماية سيادة البالد وأمنها ومصالحها التنموية‬ ‫باإلضافة إلى السالم العاملي»‪ .‬الالفت أن التقرير صدر بعد أيام قليلة‬ ‫من نشر كتاب بعنوان «بؤر التوتر األربع‪ :‬هكذا تذهب آسيا إلى الحرب»‪،‬‬ ‫للباحث واألكاديمي األسترالي‪ ،‬بريندان تايلور‪ ،‬من معهد «كورال بل»‬ ‫في كانبيرا التابع للجامعة الوطنية األسترالية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويحذر هذا الخبير البارز في شؤون منطقة آسيا – املحيط الهادي‪ ،‬من‬ ‫أن آسيا معرضة لخطر االنزالق إلى أزمة إقليمية إنما ذات آثار عاملية‪.‬‬ ‫وتعي الصني في ذلك تبعات التحوالت السريعة التي تشهدها منطقة‬ ‫الشرق األقصى‪ ،‬وأولها شمال شرقي آسيا‪ ،‬سيما في ظل توجه الصني‬ ‫بثبات لتجاوز الواليات املتحدة كالقوة االقتصادية األولى في العالم‪ .‬هذا‬ ‫بالتزامن مع التطورات التي تشهدها قدراتها العسكرية‪ .‬هذا في وقت‬ ‫ً‬ ‫صراعا ً‬ ‫مريرا‬ ‫تتجه فيه اليابان نحو تعزيز قدراتها العسكرية‪ ،‬مدركة أن‬ ‫سيدور للسيطرة على املحيط الهادي العامر بالثروات‪.‬‬ ‫ويعتقد‪ ،‬ب��ري�ن��دان ت��اي�ل��ور‪ ،‬أن خطر ان��دالع ح��رب كبرى ف��ي آسيا ُيعد‬ ‫أكبر بكثير مما يخاله كثيرون‪ .‬ويقول‪« :‬كل ما يتطلبه األمر هو صدام‬ ‫َ‬ ‫عرضي بني قوتني ما‪ ،‬في املكان الخطأ أو في الوقت الخطأ‪ ،‬مما سيؤدي‬ ‫إلى تصعيد خطير‪ .‬كانت آسيا محظوظة حتى اآلن أن ذلك لم يحصل»‪.‬‬ ‫ويحدد تايلور بؤر التوتر‪ ،‬حيث يرتبط أولها ببحر الصني الجنوبي‪ ،‬حيث‬ ‫يفيد مؤشر القوة الذي يصدره «معهد لوي» األسترالي بأن الصني تتجه‬ ‫إلى تجاوز الواليات املتحدة باعتبارها أقوى دولة في منطقة آسيا واملحيط‬ ‫ً‬ ‫خصوصا في بحر الصني‬ ‫ال�ه��ادي بحلول العام ‪ .2030‬ويتجلى ذل��ك‬ ‫الجنوبي‪ ،‬وهو بحر متفرع من املحيط الهادي تحده ‪ 10‬بلدان متنافسة‪،‬‬

‫هي الصني‪ ،‬تايوان‪ ،‬الفلبني‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬بروناي‪ ،‬إندونيسيا‪ ،‬سنغافورة‪،‬‬ ‫تايالند‪ ،‬كمبوديا‪ ،‬فيتنام‪ .‬وعلى مدى السنوات الخمس املاضية‪ ،‬ازداد‬ ‫حجم استصالح األراضي البحرية في الصني عبر عمليات الطمر‪ ،‬في‬ ‫م��وازاة تعزيز الوجود العسكري في املنطقة الحساسة بما تضم من‬ ‫ممرات بحرية حيوية‪.‬‬ ‫وتتبنى الصني موقفا «صلبا»‪ ،‬في هذا اإلطار‪ ،‬حيث أعلنت أن نحو ‪90‬‬ ‫في املائة من املساحة البحرية «منطقة مصالح اقتصادية» خاصة بها‪،‬‬ ‫وهو ما أغضب فيتنام التي تعتمد‪ ،‬بدورها‪ ،‬لغة سياسية متشددة حيال‬ ‫جارها الشمالي (الصني)‪ .‬ويعتبر عدد كبير من الخبراء بحر الصني‬ ‫الجنوبي أبرز املسارح املحتملة لحرب عاملية‪.‬‬ ‫يرتبط م�ج��ال ال�ص��راع ال�ث��ان��ي‪ ،‬حسب ب��ري�ن��دان ت��اي�ل��ور‪ ،‬ببحر الصني‬ ‫الشرقي‪ ،‬والذي يمثل بدوره فرعًا من املحيط الهادي‪ ،‬ويقع في منطقة‬ ‫متنازع عليها بني الصني واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان‪ُ ،‬ويعتقد على‬ ‫نطاق واسع أنها تختزن موارد طبيعية ضخمة‪ .‬مساحة هذا البحر ‪1.25‬‬

‫شاب يستخدم سماعة‬ ‫الواقع االفتراضي (‪)VR‬‬ ‫خالل معرض املنتجات‬ ‫العلمية الشعبية‬ ‫الخامس في مركز‬ ‫شنغهاي للمعارض في‬ ‫‪ 27‬أغسطس ‪ 2018‬في‬ ‫شنغهاي‪ -‬الصني‪ .‬أقيم‬ ‫معرض املنتجات العلمية‬ ‫الشعبية الخامس في‬ ‫الفترة من ‪ 24‬إلى ‪27‬‬ ‫أغسطس في شنغهاي‪.‬‬ ‫(غيتي)‬

‫تمسك مضيفة صينية بمظلة لحماية ضابط أمن من مياه األمطار‪ ،‬خارج قاعة الشعب الكبرى في بكني‪ ،‬حيث تم‬ ‫انتخاب الرئيس الصيني شي جني بينغ لوالية ثانية خالل الجلسة العامة الخامسة للدورة األولى للمجلس الوطني‬ ‫لنواب الشعب الثالث عشر في ‪ 17‬مارس عام ‪( 2018‬غيتي)‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫بعد أن قام ترمب‬ ‫بتخفيض الرسوم‬ ‫الجمركية على ‪ 34‬مليار‬ ‫دوالر من البضائع‬ ‫الصينية‪ ،‬وبعد أن ردت‬ ‫الصني بتعريفات على ‪34‬‬ ‫مليار دوالر من املنتجات‬ ‫األميركية‪ ،‬يخشى‬ ‫االقتصاديون من أن‬ ‫الصني والواليات املتحدة‬ ‫األميركية سيدخالن في‬ ‫حرب تجارية كاملة‪ .‬رسم‬ ‫توضيحي تم تصويره‬ ‫في تولوز‪ -‬فرنسا في ‪7‬‬ ‫يوليو ‪( .2018‬غيتي)‬

‫والتدخل السياسي ف��ي النصف الغربي للكرة األرض�ي��ة»‪ .‬وأض��اف أن‬ ‫«ال�ق��رار ال يؤثر على السلفادور وحدها بل على صحة اقتصاد وأمن‬ ‫املنطقة بأكملها»‪ ،‬مؤكدا أن الواليات املتحدة ستعيد النظر في عالقاتها‬ ‫م��ع ال�س�ل�ف��ادور نتيجة ل��ذل��ك‪ .‬وت��اب��ع ال�ب�ي��ان‪« :‬تستيقظ ال�ح�ك��وم��ات في‬ ‫جميع أنحاء العالم على حقيقة أن املغريات االقتصادية التي تقدمها‬ ‫الصني تسهل الهيمنة االقتصادية وليس الشراكة»‪ .‬ه��ذا فيما تعهدت‬ ‫ت��اي��وان م��ن ج ��راء ذل��ك ب��ال�ت�ص��دي «ل�س�ل��وك ال �ص�ين»‪ ،‬ب�ع��د أن أصبحت‬ ‫السلفادور ثالث دولة تبتعد عن تايوان لصالح توثيق العالقات مع بكني‪.‬‬ ‫يتداخل م��ع امللفني السابقني‪ ،‬رزم��ة العقوبات ال�ج��دي��دة التي فرضتها‬ ‫ال��والي��ات املتحدة على روسيا التي ترتبط بدورها مع الصني بمصالح‬ ‫ت�ج��اري��ة وعسكرية‪ .‬ودخ�ل��ت العقوبات حيز التنفيذ‪ ،‬لتتوج واشنطن‬ ‫«سياسة العقوبات» املوجهة ضد موسكو ب��إج��راءات انتقلت تدريجيا‬ ‫من تدابير «رمزية وسياسية» طالت في البداية شخصيات ومؤسسات‬ ‫مقربة من الكرملني‪ ،‬لتتخذ مسارات موجعة لالقتصاد الروسي وللنظام‬ ‫املصرفي الذي اهتز بقوة أخيرا على وقع اإلعالن عن الخطوات العقابية‬ ‫األخيرة‪.‬‬ ‫العقوبات األميركية التي تعددت الجهات التي صاغتها لتشمل وزارة‬ ‫ال �خ ��زان ��ة‪ ،‬وال �ك��ون �غ��رس‪ ،‬واألج� �ه ��زة االس �ت �خ �ب��ارات �ي��ة‪ ،‬وم �ج �ل��س األم ��ن‬ ‫القومي‪ ،‬وأخيرا الخارجية األميركية‪ ،‬لم تترك ملفا خالفيا إال وقيدته‬ ‫باستراتيجية الضغوط م��ن ال��وض��ع ف��ي أوك��ران�ي��ا‪ ،‬إل��ى ض��م ال�ق��رم‪ ،‬إلى‬ ‫الئحة «ماغنيتسكي» املتعلقة بانتهاكات حقوق اإلنسان في روسيا‪،‬‬

‫‪11‬‬

‫كشف تقرير «البنتاغون» لـ«الكونغرس»‬ ‫عن عدم ارتياح واشنطن من القوة‬ ‫العسكرية واالقتصادية والدبلوماسية‬ ‫املتنامية للصني‪.‬‬ ‫إلى «الهجمات السيبرانية»‪ ،‬إلى سوريا وإي��ران‪ ،‬وص��وال إلى العقوبات‬ ‫ال�ت��ي ف��رض��ت أخ�ي��را على خلفية ات�ه��ام ش��رك��ات روس�ي��ة ب��ال�ت�ع��اون مع‬ ‫كوريا الشمالية‪ .‬وخلف كل هذا تقف االتهامات بالتدخل الروسي في‬ ‫مسار االنتخابات األميركية ع��ام ‪ .2016‬التي شكلت أس��اس��ا إلع�لان‬ ‫رزمة تدابير وصفت بأنها األكثر إيالما بالنسبة لالقتصاد الروسي‪.‬‬ ‫صراع املصالح االسراتيجية‪ ...‬رؤية بكني أوضحت وزارة الدفاع الصينية‬ ‫في بيان أن تقرير البنتاغون األخير بشأن القدرات العسكرية الصينية قد‬ ‫«أساء تفسير نيات الصني االستراتيجية»‪ .‬وأضافت أن «الجيش الصيني‬ ‫يبدي اعتراضه التام على هذا التقرير وينفي أي تدريبات هدفها ضرب‬ ‫ال��والي��ات املتحدة وحلفائها»‪ .‬وأش��ارت ال ��وزارة إل��ى أن «تعزيز الجيش‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫وزارة الدفاع األميركية تضع «مواجهة‬ ‫بكني» إلى جانب موسكو‪ ،‬في قلب‬ ‫االستراتيجية الجديدة للدفاع الوطني‬ ‫الصينية لـ«خطة طوارئ» في مضيق تايوان‪ ،‬وذلك في ظل دعوات الصني‬ ‫التي ال تنقطع من أجل إعادة التوحيد السلمي مع تايوان‪ ،‬دون استبعاد‬ ‫إمكانية استخدام القوة العسكرية‪ .‬ويقول التقرير األميركي إن��ه من‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫املرجح أيضا أن جيش التحرير الصيني يتحضر لخطة طوارئ لتوحيد‬ ‫ً‬ ‫تايوان مع الصني من خالل القوة العسكرية‪ ،‬مضيفا‪« :‬إذا ما تدخلت‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬فإن الصني ستحاول تأخير التدخل ّ‬ ‫الفعال والسعي‬ ‫إلى تحقيق النصر في حرب مكثفة للغاية ومحدودة وقصيرة األمد»‪.‬‬ ‫ما يقلق الصني في ذلك ال يتعلق وحسب بأن االستراتيجية الدفاعية‬ ‫الوطنية إلدارة الرئيس دون��ال��د ت��رم��ب‪ ،‬تسمي الصني وروس��ي��ا كأكبر‬ ‫تهديدين ألميركا‪ ،‬وتشير إلى نفوذهما املتزايد وسعيهما ألسلحة جديدة‬ ‫كالصواريخ املتطورة وقذائف التوربيدو‪ ،‬وإنما يتعلق بأن واشنطن بدأت‬ ‫تتخذ إجراءات استباقية تثير القلق أيضا لدى بكني‪ .‬فقد احتفل الجيش‬

‫مضيفات ملمثلي أعضاء‬ ‫املؤتمر الوطني لنواب‬ ‫الشعب الصيني‪ ،‬أثناء عرض‬ ‫في ميدان تيانانمني‪ ،‬خالل‬ ‫جلسات البرملان السنوي‬ ‫الصيني داخل قاعة الشعب‬ ‫الكبرى في بكني (غيتي)‬

‫األميرال البحري املتقاعد والكاتب األميركي جيمس ستافريديس‬

‫األميركي مؤخرا باالنطالق الرسمي لقيادة جديدة مهمتها التحضير‬ ‫ملواجهة أنواع جديدة من األسلحة التي تنشرها روسيا والصني‪ ،‬أطلق‬ ‫عليها «قيادة املستقبل»‪ .‬ومقر هذه القيادة في أوسنت بوالية تكساس‪.‬‬ ‫هذا في وقت احتفلت فيه البحرية األميركية بإعادة بناء أسطول من فترة‬ ‫الحرب الباردة تم تفكيكه في ‪ .2011‬وذلك بعد أن كانت قد أعلنت في‬ ‫ً‬ ‫مايو ‪ ،2018‬أنها ستعيد بناء األسطول الثاني الذي لعب ً‬ ‫رئيسيا‬ ‫دورا‬ ‫خالل سنوات الحرب الباردة بقيامه بعمليات في شمال األطلسي‪ ،‬ودعمه‬ ‫القوات البحرية األميركية في البحر األبيض املتوسط‪ .‬واألسطول الذي‬ ‫أنشئ ً‬ ‫أساسا في ‪ ،1950‬تم تفكيكه ألسباب تتعلق بخفض الكلفة خالل‬ ‫فترة تراجع فيها التوتر مع موسكو‪.‬‬ ‫ً‬ ‫األسطول األميركي لعب أيضا ً‬ ‫رئيسيا خالل أزمة الصواريخ الكوبية‬ ‫دورا‬ ‫ً‬ ‫عام ‪ ،1962‬عندما فرضت سفنه حصارا ملنع السفن السوفياتية من‬ ‫ال��وص��ول إل��ى ال��ج��زي��رة‪ .‬وق���ال ق��ائ��د العمليات البحرية األدم��ي��رال جون‬ ‫ريتشاردسون‪ ،‬إن «هذا يمثل رد الواليات املتحدة والبحرية األميركية‬ ‫على بيئة أمنية ديناميكية»‪ .‬وأضاف أن «األسطول الثاني سيكون رأس‬ ‫حربتنا‪ ...‬لألطلسي‪ ،‬للحفاظ على التفوق البحري ألميركا الذي من شأنه‬ ‫أن يؤدي إلى الحفاظ على أمننا ونفوذنا وازدهارنا في أنحاء العالم»‪.‬‬ ‫ب����ي����ون����غ ي�����ان�����غ – ت����اي����ب����ي����ه – م������وس������ك������و‪ ...‬م����ل����ف����ات أخ���������رى ل���ل���ت���وت���ر‬ ‫ال��ت��ح��دي��ات ال���ت���ي ت��ج��اب��ه��ه��ا ال���ع�ل�اق���ات األم��ي��رك��ي��ة – ال��ص��ي��ن��ي��ة ت��رت��ب��ط‬ ‫بملفات متداخلة أخ��رى‪ ،‬يتعلق بعضها بمسار السياسات األميركية‬ ‫املتحولة حيال كوريا الشمالية‪ ،‬ونمط ما يجابه واشنطن من عقبات‬ ‫ف��ي سبيل دف���ع ب��ي��ون��غ ي��ان��غ للتخلي ع��ن ال��س�لاح ال���ن���ووي‪ .‬سيما بعد‬ ‫أن ط��ال��ب ال��رئ��ي��س األم��ي��رك��ي‪ ،‬دون���ال���د ت��رم��ب‪ ،‬وزي����ر ال��خ��ارج��ي��ة‪ ،‬مايك‬ ‫ب��وم��ب��ي��و‪ ،‬ب��ع��دم ال��ت��وج��ه إل���ى ك��وري��ا ال��ش��م��ال��ي��ة ف��ي ه���ذه امل��رح��ل��ة؛ قائال‬ ‫تقدما ً‬ ‫عبر «ت��وي��ت��ر»‪« :‬إن��ن��ي أش��ع��ر بأننا ال ن��ح��رز ً‬ ‫كافيا على صعيد‬ ‫ن���زع ال��س�لاح ال���ن���ووي ف��ي ش��ب��ه ال��ج��زي��رة ال���ك���وري���ة»‪ ،‬م��ض��ي��ف��ا‪« :‬بسبب‬ ‫ً‬ ‫تشددا حيال الصني في موضوع التجارة‪ ،‬أعتقد أنهم‬ ‫موقفنا األكثر‬ ‫لم يعودوا يساعدون كما في السابق في عملية نزع السالح النووي»‪.‬‬ ‫وقد دفع ذلك الصني إلى التنديد بتصريحات الرئيس األميركي‪ ،‬وأعلن‬ ‫«التصريحات‬ ‫املتحدث باسم الخارجية الصينية لو كانغ في بيان‪ ،‬أن‬ ‫ً‬ ‫قلقا ً‬ ‫كبيرا‪،‬‬ ‫األميركية مخالفة للواقع وغير مسؤولة‪ .‬وأنها أثارت لدينا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رسميا إلى الواليات املتحدة»‪.‬‬ ‫احتجاجا‬ ‫ورفعنا‬ ‫على جانب آخر‪ ،‬ال تنفصل ملفات التوتر بني الجانبني عن سياسات‬ ‫واشنطن التي تدعم سياسات تايبيه (عاصمة تايوان)‪ .‬وقد اتهمت الواليات‬ ‫املتحدة مؤخرا الصني بزعزعة العالقات بني جانبي مضيق تايوان بعد قرار‬ ‫السلفادور بقطع العالقات مع تايبيه‪ ،‬وإقامة عالقات دبلوماسية مع بكني‪.‬‬ ‫وأفاد البيت األبيض في بيان بأن «الواليات املتحدة ستواصل معارضة‬ ‫عمل الصني على زعزعة استقرار العالقات بني ضفتي مضيق تايوان‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫الرئيس الصيني شي‬ ‫جني بينغ‪ ،‬ونظيره‬ ‫األميركي دونالد ترمب‪،‬‬ ‫خالل اجتماع خارج قاعة‬ ‫الشعب الكبرى عقد العام‬ ‫املاضي في بكني‪( .‬غيتي)‬

‫األميركي‪ ،‬بما في ذلك هجمات ضد املرافق‪ ،‬وكانت املدبر لهجوم ضخم‬ ‫ضد شركة «أرامكو» السعودية عام ‪ ،2012‬ما أجبر أكبر شركة نفط‬ ‫بالعالم على غلق شبكة الكومبيوتر الداخلية لديها‪.‬‬ ‫ت� �ص ��اع ��د ال� �ت ��وت ��ر ف� ��ي ب� �ح ��ر ال � �ص �ي�ن وت� �ن ��ام ��ي ال � � �ق� � ��درات ال �ص �ي �ن �ي��ة‬ ‫ال �ص��راع األم�ي��رك��ي – الصيني ف��ي بحر ال�ص�ين الجنوبي أح��د أسباب‬ ‫محفزات تأهب الجانبني‪ ،‬وبقاء حالة التوتر قائمة‪ ،‬سيما في ظل الرفض‬ ‫األميركي لعمليات البناء التي قامت بها الصني في أرخبيل «سبراتلي»‬ ‫ببحر الصني‪ ،‬هذا فيما أب��دت الصني‪ ،‬استياءها تكرارا بسبب تحليق‬ ‫طائرات تجسس أميركية فوق مناطق قريبة من تمركزاتها العسكرية‪،‬‬ ‫وت�ب��ادل الطرفان االتهامات بالتسبب بزعزعة االستقرار في املنطقة‪.‬‬ ‫وكانت ست ق��اذف��ات صينية من ط��راز «إت��ش ‪ 6 -‬ك��اي» قد حلقت في‬ ‫مياكو جنوب شرقي الجزر‬ ‫أغسطس (آب) من عام ‪ .2017‬فوق ً‬ ‫مضيق ّ‬ ‫اليابانية‪ ،‬ثم وللمرة األول��ى اتجهت شرقا لتحلق شرق أوكيناوا حيث‬ ‫يتمركز ‪ 47‬ألف جندي أميركي‪.‬‬ ‫وقد أنزل سالح الجو الصيني هذا العام قاذفات على جزر وشعاب في‬ ‫بحر الصني الجنوبي في إطار تدريبات في املنطقة املتنازع عليها‪.‬‬ ‫وذكر تقرير البنتاغون أنه في الوقت الذي يواصل فيه الجيش الصيني‬ ‫توسيع نطاق عملياته‪ ،‬لم يتضح ما هي الرسالة التي تسعى بكني إلى‬ ‫إيصالها بتنفيذ هذه الطلعات «غير إظهار تحسن قدراتها القتالية»‪ .‬وقال‬ ‫التقرير إن جيش التحرير الصيني قد يظهر «قدراته على ضرب قوات‬ ‫أميركية وقوات حليفة لها وقواعد عسكرية في غرب املحيط الهادي»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أهمية زيارة وزير الدفاع األميركي جيم ماتيس‪ ،‬في يونيو‬

‫‪9‬‬

‫الواليات املتحدة تدعم قدراتها المتالك قوة‬ ‫فضائية تسيطر على «الفضاء السايبري»‬ ‫(حزيران) املاضي إلى بكني‪ ،‬بحسبانها جاءت في إطار جهود تهدئة حدة‬ ‫ُ‬ ‫التوتر بني الجانبني‪ ،‬ولكونها تعد األولى على هذا املستوى منذ ‪.2014‬‬ ‫بيد أنها بدت محدودة األثر‪ ،‬وذلك بالنظر إلى عدد من العناصر أولها أن‬ ‫تقارير البنتاغون السنوية تكشف أن قلق واشنطن من سياسات بكني‬ ‫تتصاعد‪ ،‬على نحو دراماتيكي‪ ،‬وربما أوضح ذلك تقرير وزارة الدفاع‬ ‫األميركية الصادر في عام ‪ ،2017‬حيث تنبأ بأن الصني ستعمل على‬ ‫توسيع حضورها العسكري العاملي عبر بناء قواعد عسكرية في بلدان‬ ‫أخرى من ضمنها باكستان‪ .‬وربط التقرير بني تعزيز القدرات العسكرية‬ ‫الصينية ومبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقتها بكني‪ً ،‬‬ ‫سعيا إلى تعزيز‬ ‫العالقات مع دول أخرى من خالل اإلقراض ومشاريع البنية التحتية‪.‬‬ ‫وثانيها أن الصني أقدمت بالفعل على إقامة أول قاعدة عسكرية لها خارج‬ ‫الحدود‪ ،‬في جيبوتي في يوليو (تموز) ‪ ،2017‬وتبعتها بعد عدة أشهر‬ ‫ً‬ ‫باالستحواذ على ميناء هامبانتوتا في سريالنكا‪ ،‬وهو ما أثار جدال‬ ‫ً‬ ‫كبيرا في واشنطن ودول أخرى‪ .‬وثالثها‪ ،‬يتعلق باالستعدادات العسكرية‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫تهديات عسكرية وتدابير اقتصادية طارئة تنذر بتفاقم العالقات بني الواليات املتحدة والصني‬

‫واشنطن ـ بكني‪ ...‬صراع فضائي وتجاري‬ ‫أنقرة‪ :‬محمد عبد القادر خليل *‬

‫باتت شاسعة تشملها تحركات قاذفات القنابل الصينية في مناطق‬ ‫مائية حساسة‪ ،‬وإنما يتعلق ذلك أيضا بزيادة التوتر بني الجانبني بشأن‬ ‫التجارة‪ ،‬بما يزيد من تعقد مشهد العالقات املشتركة‪ ،‬في ظل التقديرات‬ ‫األميركية للجهود الصينية املتواصلة لتعزيز قدراتها العسكرية عبر‬ ‫ميزانية تجاوزت ‪ 190‬مليار دوالر في عام ‪ .2017‬هذا في وقت أشار فيه‬ ‫تقرير البنتاغون إلى أن ميزانية الدفاع الرسمية في الصني ستتجاوز ‪240‬‬ ‫مليار دوالر بحلول ‪ .2028‬وأضاف أن برنامج الفضاء الصيني يحرز‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا ً‬ ‫سريعا‪ ،‬تدشينا لصراع في مناطق مغايرة‪ ،‬ربما يؤججها‬ ‫تقدما‬ ‫إعالن إدارة الرئيس‪ ،‬دونالد ترمب‪ ،‬خطة لتأسيس «قوة فضاء» كفرع‬ ‫سادس من الجيش األميركي بحلول ‪.2020‬‬ ‫وتعمل الصني في برنامج يمتد لعقود على بناء وتحديث قواتها املسلحة‬ ‫ً‬ ‫التي كانت متخلفة في املاضي‪ ،‬وقد حدد القادة العسكريون للصني هدفا‬ ‫يتمثل في امتالك جيش على مستوى عاملي بحلول عام ‪ .2050‬وأمر‬ ‫الرئيس الصيني شي جينبينغ في عام ‪ 2017‬الجيش بتعزيز جهوده من‬ ‫ً‬ ‫جاهزا «للقتال‬ ‫أجل تحقيق ذلك‪ ،‬وقال إن بالده بحاجة إلى جيش يكون‬ ‫والفوز» في الحروب املقبلة‪ .‬كان ذلك أحد أسباب دعوة األميرال البحري‬ ‫املتقاعد والكاتب األمريكي جيمس ستافريديس‪ ،‬الرئيس ترمب إلى دعم‬ ‫قدرات أميركا المتالك قوة فضائية تسيطر على «الفضاء السايبري»‪،‬‬ ‫مشيرا إلى أن ثمة الكثير من التهديدات والتحديات التي تجابهها واشنطن‬ ‫في الوقت الراهن‪ ،‬فاملالحظ أن «العالم الرقمي» مسلح بدرجة بالغة‪ ،‬ومن‬ ‫املرجح أن يكون حجم أي «قوة سايبرية» ضئيال للغاية‪ ،‬مقارنة بالهياكل‬ ‫البيروقراطية للجيش أو األسطول أو القوات الجوية‪ ،‬عالوة على أن القوات‬ ‫املسلحة الفردية ال تملك الحوافز املناسبة لالهتمام بهذه املسؤولية‪ ،‬فهي‬ ‫منهمكة للغاية في مهام التدريب والتجهيز والتنظيم املتعلقة بقواتها‬ ‫املرتبطة باالضطالع باملهام القتالية التقليدية على األرض وفي البحر‬ ‫وفي الجو‪.‬‬ ‫وأض ��اف س�ت��اف��ري��دي��س‪ ،‬أن ال�ص�ين وروس �ي��ا تملكان ق ��درات سايبرية‬ ‫هجومية ضخمة‪ ،‬وق��د ش��اه��دن��ا جميعا كيف استغلت روس�ي��ا هذه‬ ‫األدوات في مهاجمة جورجيا عام ‪ ،2008‬األمر الذي سيجري تسجيله‬ ‫في كتب التاريخ العسكري باعتباره أول حالة لدولة تشن هجوما كبيرا‬ ‫مكافئا عبر «الفضاء السايبري»‪ ،‬وكذلك هاجمت أوكرانيا وأصابت‬ ‫جزءا من الشبكة الكهربية بها بالشلل‪ .‬وأشار إلى أن هناك دوال أخرى‪،‬‬ ‫خاصة إيران وكوريا الشمالية‪ ،‬تمتلك قدرات هجومية سيبرية كبيرة‪.‬‬ ‫فكوريا الشمالية شنت هجمات قرصنة ضد شركة «سوني بيكتشرز»‬ ‫عام ‪ .2014‬وهي شركة أميركية أنتجت فيلما سخر من الرئيس‪ ،‬كيم‬ ‫جونغ أون‪ .‬وباملثل‪ ،‬فإن إيران شنت غارات عدة ضد الفضاء السايبري‬

‫تعقيدات وتشابكات مركبة تصبغ ال�ع�لاق��ات األميركية – الصينية‪.‬‬ ‫بني الجانبني «ح��روب تجارية»‪ ،‬وتدابير اقتصادية طارئة تنذر بتفاقم‬ ‫عالقات وروابط سياسية بدت هشة في مواجهة أوجه الصراع املتعددة‬ ‫وامل�ع�ق��دة‪ .‬عكس ذل��ك رب�م��ا إق ��دام وزارة ال��دف��اع األم�ي��رك�ي��ة على وضع‬ ‫«مواجهة بكني»‪ ،‬إل��ى جانب موسكو‪ ،‬في قلب االستراتيجية الجديدة‬ ‫للدفاع الوطني‪ .‬الخطوة األميركية لم تأت في سياق منفصل عن إقدام‬ ‫واش�ن�ط��ن ف��ي م��اي��و (أي ��ار) ‪ 2018‬على سحب دع��وة َّ‬ ‫وجهتها للصني‬ ‫للمشاركة ف��ي تدريبات بحرية ت�ش��ارك فيها ع��دة دول‪ .‬ه��ذا ف��ي وقت‬ ‫كشف فيه تقرير «ال�ب�ن�ت��اغ��ون» ال�س�ن��وي امل �ق� َّ�دم إل��ى الكونغرس تحت‬ ‫ع�ن��وان «ال �ت �ط��ورات العسكرية واألم�ن�ي��ة لجمهورية ال�ص�ين الشعبية»‪،‬‬ ‫عدم ارتياح واشنطن من القوة العسكرية واالقتصادية والدبلوماسية‬ ‫املتنامية للصني‪ ،‬كما أب��دى القلق م��ن تنامي ال�ق��وة الجوية الصينية‪،‬‬ ‫مشيرا إلى أن القاذفات الصينية تطور ق��درات لضرب أه��داف أميركية‬ ‫بعيدة امل��دى‪ ،‬سيما بعد توسيع بكني لعملياتها نحو املحيط الهادي‪.‬‬ ‫تتأسس أهمية التقرير على أن تحركات الكونغرس من املقرر أن تستند‬ ‫إليه في تحديد خطى مواجهة الصني‪ ،‬سيما أنه أشار إلى سعى بكني‬ ‫لتطوير ق��درات نووية على رؤوس قاذفات القنابل‪ ،‬وأن القوات الجوية‬ ‫الصينية أعيد تكليفها بمهام نووية‪ .‬مضيفا أن نشر وتكامل قاذفات‬ ‫القنابل النووية سوف يوفران أنظمة تسليم نووية ثالثية املهام‪ ،‬بحيث‬ ‫مشيرا إلى أن الصني تعمل ً‬ ‫ً‬ ‫حاليا‬ ‫يمكن نشرها عبر البر والبحر والجو‪،‬‬ ‫على تطوير قاذفة استراتيجية سرية طويلة املدى‪ ،‬يمكنها حمل رؤوس‬ ‫نووية‪ ،‬ومن املرجح أن يتم تشغيلها خالل السنوات العشر املقبلة‪ ،‬وذلك‬ ‫باإلضافة إلى القاذفات التي تم تشغيلها بالفعل خالل الفترة املاضية‪.‬‬ ‫دوافع ومحركات الترقب األميركي ملسار التحركات الصينية‪ ،‬ال يرتبط‪،‬‬ ‫وحسب‪ ،‬بنمط عمليات جيش التحرير الشعبي الصيني في مناطق‬

‫الصيني يأمر الجيش بتعزيز‬ ‫الرئيس‬ ‫ً‬ ‫ليكون جاهزا «للقتال والفوز» في‬ ‫الحروب املقبلة‬ ‫‪8‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫‪7‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫جدارية ريو دي جانريو‬ ‫جندي يقف حراسة أمام جدارية في ريو دي جانيرو‬ ‫في ‪ 20‬أغسطس‪( 2018 ،‬أ‪.‬ف‪.‬ب ‪ /‬غيتي)‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫‪5‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫احتفاالت األلعاب اآلسيوية يف جاكرتا‬ ‫تظهر هذه الصورة التي تم التقاطها في ‪ 18‬أغسطس (آب) ‪ 2018‬مشاركني‬ ‫في مسابقة بانجات بينانغ‪ ،‬وهي مسابقة تسلق الجبال‪ ،‬كجزء من‬ ‫ّ‬ ‫احتفاالت األلعاب اآلسيوية في عام ‪ 2018‬في جاكرتا‪ - .‬تمثل لعبة بانجات‬ ‫بينانغ‪ ،‬وهي لعبة تقليدية يضع فيها الناس جوائز في قمة األعمدة‬ ‫الدهنية‪ ،‬أيام االستعمار الهولندي (غيتي)‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬


‫رئيس التحرير‬ ‫غسان شربل‬

Ghassan Charbel

Editor-in-Chief ‫التحرير‬ ‫سكرتري‬ Acting CEO of NASHR Co.

ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

Omar A. Alshaikh ‫الدسوقي‬ ‫مصطفى‬ ‫ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ‬ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē ^¤ 7yG* Ò* ^d< ‫للمشاركة‬ +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى املراسلة على البريد اإللكتروني‬ ‫اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬ CEO of ‫ﺳﻜﺮﺗﲑ‬ NASHReditorial@majalla.com Co. ‫ كلمة‬800 ‫على‬ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē ‫أال تزيد‬Acting ‫املقاالت يجب‬ ‫جميع‬ :‫ملحوظة‬

¥E¢ 6^G* £ }H

Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

‫اشتراكات‬

ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting CEO of NASHR Co.:‫ يرجى االتصال بـ‬،‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‬ www.issuu.com/majalla :‫لالشتراك في االلكترونية‬ subscriptions@majalla.com

ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ΃ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ΍ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ΍ ΪϳήΒϟ΍ ϰϠϋ ΔϠγ΍ήϤϟ΍ ϰΟήϳ ˯΍έ΁ ϭ΃ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar A. Alshaikh

‫ وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة املجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام‬.‫ شركة محدودة‬ȝƾżȚǍƄŵȚ )‫ التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (اململكة املتحدة‬2009 ‫حقوق النشر محفوظة ملجلة املجلة‬ ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ΍ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ΍ ΔόΒτϟ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ ‫ لتلقي‬.‫ وتصدر املجلة أسبوعية‬.)‫استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة‬ ϡΎψϧ ϱ΃ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ΃ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ΃ ϭ΃ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝ΍ϮΣϷ΍ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ΍ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ΍ ϕϮϘΣ www.majalla.com ‫ يرجى زيارة‬،‫استفسارات االشتراك الرقمي‬ ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ΍ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϣ ϖΒδϣ ΢ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ΍ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ΃ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ΃ ΎϫήϳϮμΗ ϭ΃ Δϴϟ΁ ϭ΃ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ΃ ϭ΃ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ΃ ϲϋΎΟήΘγ΍ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ΍ ϙ΍ήΘηϻ΍ Ε΍έΎδϔΘγ΍

LVVXH $XJXVW

Ώ΁ βτδϏ΃ ΩΪόϟ΍

A Weekly Political News Magazine ++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG ϰμμΨΘϟ΍ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ νΎϳήϟ΍ ΎϬϟ κΧήϣ $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ www.majalla.com/eng ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ΍ $ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH /RQGRQ :& 9 $3 7HO )D[ HH Saudi ZZZ PDMDOOD FRP HQJ Research and Marketing (UK) Ltd

10th Floor Building 7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ Tel : +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310 ϝϭΪϟ΍ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϞΧ΍Ω Ϧϣ

‫وكيل التوزيع‬

ϲϧϼϋϹ΍ ϞϴϛϮϟ΍

ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ

ΕΎϛ΍ήΘηϹ΍ Ϟϴϛϭ ‫الوكيل اإلعالني‬

‫وكيل اإلشتراكات‬

ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ΍ ΔϴΑήόϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ - ‫وكيل التوزيع في اململكة العربية السعودية حي املؤتمرات‬ ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ +966 11 4419933 :‫ هاتف‬،11585 ‫ الرياض‬- 62116 ‫ب‬.‫ص‬ - ‫ طريق مكة‬- ‫ حي املؤتمرات‬- ‫مرخص لها الرياض‬ info@arabmediaco.com :‫بريد إلكتروني‬ + 966 11 2121774 :‫فاكس‬ ‫تقاطع التخصصى‬ www.arabmediaco.com :‫موقع إلكتروني‬ www.saudidistribution.com ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι :‫موقع إلكتروني‬ +44 207 831 8181 :‫ لندن‬- 4419933 ‫ هاتف‬:‫الرياض‬ 2440076-800 :‫هاتف مجاني‬

‫�شركات ن�شر‬

،www.alkhaleejiah.com ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ :‫موقع إلكتروني‬ hq@alkhaleejiah.com :‫بريد إلكتروني‬ + 9714 3 914440 :‫ دبي‬،920 000 417 : ‫من داخل اململكة‬ +44 207 404 6950 :‫ لندن‬+00764 537 331 :‫باريس‬ ΔϋΎΒτϟ΍ ΰϛήϣ +966 11 441 1444 : ‫ومن مختلف الدول‬

‫شركات نشر‬ ΔϋϮϤΠϤϟ΍ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com

áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG

www.sspc.com.sa Saudi Specialized Publishing Company

www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\

‫الشركة السعودية للنشر املتخصص‬

ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ΍ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ΍ ϕϮϘΣ

©ϡϼϋϹ΍ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ

ϲϧΎΠϤϟ΍ ϒΗΎϬϟ΍ ϰϠϋ ϝΎμΗϹ΍ ϰΟήϳ ˬΕΎϣϮϠόϤϟ΍ Ϧϣ ΪϳΰϤϟ΍ ϰϠϋ ϝϮμΤϠϟ www.majalla.com/eng

©ΔϠΠϤϟ΍ª ΔμΧήϣ ΔϴΑήόϟ΍ ΔϐϠϟΎΑ ΕΎϋϮΒτϤϟ΍ ϩάϬϟ ήθϨϟ΍ ϕϮϘΣ 8002440014 ‫ يرجى اإلتصال على الهاتف املجاني‬،‫للحصول على املزيد من املعلومات‬

»‫حقوق التوزيع لهذه املطبوعات محفوظة لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم‬ »‫حقوق النشر لهذه املطبوعات باللغة العربية مرخصة «املجلة‬

2018/ 08 / 31 )‫ آب ( أغسطس‬1711 ‫العدد‬

3

Richmond_adve


‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫‪Issue 1711 Friday 31 August 2018‬‬

‫الكوليرا في الجزائر بعد‬ ‫عقود من اختفائها‬ ‫‪56 32‬‬

‫الزنوج‪ ...‬البطون الرخوة‬

‫انتشار عمليات التجميل في إيران‬

‫‪38‬‬

‫‪32‬‬ ‫‪2‬‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫‪46‬‬


‫الرشوة في العالم‬ ‫تلتهم تريليوني‬ ‫دوالر سنويًا‬

‫بلير ‪ :‬السالم‬ ‫ينعش االقتصاد‬ ‫والتبادل التجاري‬

‫محاكم خاصة‬ ‫بانتظار املدانني‬ ‫بالفساد املالي في إيران‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫‪Issue 1711 Friday 31 August 2018‬‬

‫‪2‬‬ ‫نجاة الصغيرة‬ ‫بلغت الثمانني‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫تأسست في لندن عام ‪ 1980‬شهرية سياسية‬

‫العدد ‪ 1711‬آب ( أغسطس) ‪2018/ 08 / 31‬‬

‫‪Issue 1710 Friday 24 August 2018‬‬

‫واشنطن ـ بكني‪ ...‬صراع على رمال متحركة‬ ‫‪www.majalla.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.