هل كان مؤلف الاستشراق

Page 1

‫‪cartier.com‬‬

‫روتوند دو كارتييه‬

‫مكرر الدقائق‪ ،‬التوربيون المحلقة ‪ 9402‬إم سي‬ ‫موثقة بدمغة جنيف‪ ،‬الكاليبر ‪ 9402‬إم سي دو كارتييه تجمع مابين اثنتين من أكثر تعقيدات الساعات الكبرى اعتباراً و‬ ‫ً‬ ‫هيبة‪ :‬مكرر الدقائق و التوربيون المحلقة‪ .‬بضغطة واحدة على الزر الجانبي يقوم مكرر الدقائق بتفعيل مطرقتين يمكن‬ ‫رؤيتهما من خالل ميناء الساعة فتعطيان الرنات التي تشير بالترتيب إلى الساعات و أرباع الساعات و الدقائق بالتطابق مع ما‬ ‫تؤشر إليه عقارب الساعة‪ .‬يتم تنظيم الرنات بواسطة دوالب موازنة يعمل بالقصور الذاتي و يمكن رؤيته في موقع الساعة‬ ‫السادسة و يكمل ألف دورة في الدقيقة‪ .‬مطور من خالل عدم وجود الجسر الذي يربطه إلى ميناء الساعة‪ ،‬يظهر التوربيون‬ ‫المحلق و كأنه يطفو في قلب الساعة مبدع ًا تأثيراً بصري ًا فريداً‪.‬‬ ‫علبة الساعة من التيتانيوم‪ ،‬تاج مصقول مرصع بحجر السافير بقطع كابوشون‪ ،‬حركة ميكانيكية بتعبئة يدوية شغل الدار‪،‬‬ ‫مكرر الدقائق و توربيون محلق كاليبر ‪ 9402‬إم سي‪ ،‬تصديق دمغة جنيف (‪ 45‬جوهرة‪ 447 ،‬جزءاً‪ ،‬تردد ‪ 21600‬ذبذبة في‬ ‫الساعة‪ ،‬خزان طاقة مزدوج‪ ،‬احتياطي الطاقة قرابة ‪ 50‬ساعة)‪ ،‬مكرر الدقائق مع دوالب موازنة‪ ،‬مطارق و أجراس قرصية‬ ‫مرئية على جانب الميناء‪ ،‬توربيون محلق بدوار على شكل الحرف ‪. C‬‬

‫بوتيك كارتييه في المملكة العربية السعودية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ساكس فيفث أفنيو‪ ،‬مركز المملكة‪،)01( 211 2450 :‬‬ ‫مجمع سنتريا‪ ،‬شارع العليا العام‪)01( 462 6959 :‬‬ ‫ّ‬ ‫جدة‪ ،‬شارع التحلية‪)02( 660 0720 :‬‬ ‫ّ‬ ‫مجمع الراشد مول‪)03( 881 4484 :‬‬ ‫‪،13‬‬ ‫الخبر‪ ،‬بوابة‬ ‫ّ‬



‫الكلمة الأخرية‬ ‫خطابات الرؤساء هي عنصر رئيس بصفة عامة‪ ،‬في عالقة الرؤساء والزعماء بشعوبهم وبالرأي العام‪ ،‬ومعظم‬ ‫الرؤساء أيضاً يختارون مناسبة إلقاء الخطابات ليبعثوا برسالة إلى شعوبهم وإلى الرأي العام الدولي‪ ،‬فإذا‬ ‫نظرنا إلى الرؤساء األربعة الذين حكموا مصر من الرئيس جمال عبد الناصر مرورا بالرئيس أنور السادات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وصوال إلى الرئيس محمد مرسي‪ ،‬نجد أن هناك فارقا بينهم في األسلوب والتعبير‬ ‫ثم الرئيس حسني مبارك‪،‬‬ ‫والنتائج‪.‬‬ ‫الرئيس جمال عبد الناصر كانت هناك مرحلتان مختلفتان في حياته‪ ،‬المرحلة األولى من ‪ 52‬إلى ‪ ،56‬كان يغلب‬ ‫عليه فيها‪ ،‬طابع األستاذ والمعلم في كلية أركان حرب باألسلوب الهادئ والشارح للمضمون‪ .‬المرحلة الثانية‬ ‫أثناء حرب ‪ 56‬وقوات العدوان تهاجم الوطن بطائراتها‪ ،‬خلقت األحداث منه إنساناً آخر‪ ،‬وأيضاً خطابه أصبح‬ ‫أقرب إلى خطاب القائد والزعيم‪ ،‬وأذكر بالذات خطابه في جامع األزهر يوم العدوان الثالثي في ‪.56‬‬ ‫وكان من المهم للرئيس جمال عبد الناصر في خطاباته للجماهير أن تحتوي على كل المعلومات التي تدعم‬ ‫خطابه‪ ،‬وكانت هذه المهمة يقوم بها رجل ثقته األول األخ والصديق السيد سامي شرف وزير شؤون رئاسة‬ ‫الجمهورية السابق‪ ،‬وسكرتير الرئيس لشؤون المعلومات‪ .‬ومن المعروف أن الكاتب األول لخطابات الرئيس‬ ‫عبد الناصر‪ ،‬كان الكاتب والصحافي محمد حسنين هيكل‪.‬‬ ‫أما الرئيس السادات‪ ،‬فكان أسلوبه في الخطاب السياسي مختلفاً‪ ،‬وكان قدر أدبياته في مفردات خطابه كثيرة‪،‬‬ ‫كما أن معرفته بلغة القرآن منذ دراسته األولى أغنت خطاباته‪ ،‬أما الخطاب الذي كان وسيظل تاريخيا‪ ،‬فهو‬ ‫خطابه أمام الكنيست في ‪ 20‬نوفمبر عام ‪ ،1977‬وهو يتكلم عن رؤيته المستقبلية للسالم‪ ،‬وكيف أنه ركز طوال‬ ‫الخطاب عن السالم للطرفين‪.‬‬

‫بقلم‪ :‬علي ال�سمان‬

‫أما عن كتابة خطاباته‪ ،‬فأعتقد أن الكاتب المبدع أنيس منصور كان قريباً منه جداً‪ ،‬ويعاونه في خطاباته‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫وزميال له في المعتقل‬ ‫أيضاً للصحافي والكاتب الكبير موسى صبري‪ ،‬الذي كان قريباً من الرئيس السادات‪،‬‬ ‫في الماضي‪ ،‬مكان أيضاً في المساعدة على إعداد الخطابات‪ ،‬أما المعلومات التي تغذي الخطاب عند الحاجة‪،‬‬ ‫فقد كانت مهمة سكرتير الرئيس للمعلومات الدكتور أشرف مروان‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬ومجموعة العمل المتميزة التي‬ ‫كانت بجانبه‪.‬‬

‫من يكتب خطاب الرئيس؟‬

‫أما خطابات الرئيس حسني مبارك‪ ،‬فلم يكن لها نبرة زعامية مثل الرئيس عبد‬ ‫الناصر‪ ،‬وال مستوى فكري متميز كالسادات‪ ،‬ولكن كان معظمها يركز على‬ ‫مشروعات التنمية والبنية األساسية‪ ،‬التي اهتم بها في السنوات األولى من‬ ‫حكمه‪ .‬وكان ذراعه اليمنى في كتابة الخطابات‪ ،‬السفير أسامة الباز‪ ،‬أعطاه‬ ‫اهلل الصحة وطول العمر‪ ،‬وكان بجانبه لمدة محدودة‪ ،‬سكرتيراً للمعلومات‪،‬‬ ‫شخصية متميزة تمثلت في السفير الدكتور مصطفى الفقي‪ ،‬وبمناسبة العالقة بينه وبين السفير أسامة الباز‪ ،‬أذكر‬ ‫ونحن في طريقنا إلى باريس‪ ،‬وهو نائب للرئيس قال لنا الرئيس مبارك سويا‪ ،‬أنتم تعلمون أنه بعد وصولي إلى‬ ‫باريس يجب أن أقول كلمة أمام مجموعة برلمانية‪ ،‬فأرجو أن يعد كل منكم مشروعا يقدمه لي‪ ،‬والحظت أنه‬ ‫بينما كان الرئيس يعطي خلفية ما يريد في هذا الخطاب‪ ،‬كان الباز يكتب بخط يده على ورقة أمامه‪ ،‬وفوجئت‬ ‫أنه بعد أن انتهى مبارك من الكالم‪ ،‬أن السفير أسامة الباز قد انتهى هو أيضاً في نفس الوقت‪ ،‬من كتابة مشروع‬ ‫الخطاب‪ ،‬فقد كان سريعاً جدا في أدائه‪ ،‬في حين قلت لنائب رئيس الجمهورية‪ ،‬إنني بطبعي بطيء جداً‪ ،‬وأعتقد‬ ‫أنني سأستغرق الوقت الباقي قبل وصولنا إلى باريس في كتابة مشروع الخطاب‪ ،‬ثم أعطى مبارك بعد ذلك‬ ‫مشروعي للدكتور الباز ليقيمه‪ ،‬وفوجئت بالدكتور الباز يقول لمبارك‪ ،‬اعتقد أن مشروع الدكتور علي أفضل‬ ‫من مشروعي‪ ،‬وكان ذلك في رأيي تعبير عن الذكاء اإلنساني والعملي من الدكتور أسامة‪ ،‬ألنه أراد أن يقول‬ ‫للرئيس في تقييم العمل‪ ،‬إنه مهني وموضوعي‪ ،‬وال مانع لديه في تقييمه لعمل اآلخر الخاص بالرئيس أن يكون‬ ‫موضوعيا‪ ،‬حتى ولو قال إن اآلخر أفضل منه‪ .‬وما زلت إلى اليوم أعتقد أن مشروع الدكتور أسامة في تقييمي‬ ‫أفضل مني!!‬

‫أما عن الرئيس مرسي‪ ،‬فإن حملة النقد الشديدة لخطاباته التي قد يكون جزء منها ظالماً‪ ،‬إال أن هذا النقد‬ ‫بل والسخرية‪ ،‬تأتي في رأيي‪ ،‬وبكل صراحة‪ ،‬من المستوى المتدني للمستشارين الذين حوله‪ ،‬والذين‬ ‫يتغيرون معظم الوقت‪ ،‬كما أنه لم يختر كاتبا بمعنى الكلمة‪ ،‬ألن كتابة الخطابات هي مهنة يتميز بها الكتاب‬ ‫أمس الحاجة لالهتمام بهذا الموضوع‪ ،‬كما أن استعمال الجرعة‬ ‫والصحافيون‪ ،‬وأعتقد أن الرئيس مرسي في ّ‬ ‫الدينية في الخطابات‪ ،‬يجب مراعاته بحذر‪ ،‬فاإلشارة مرة واحدة بآية أو بحديث يدعم الخطاب‪ ،‬مطلوبة جدا‬ ‫في مجتمعنا‪ ،‬أما إذا زادت الجرعة‪ ،‬فإنها تعطي تقييما ال يخدم رئيس الدولة‪ ،‬كما أن نبرات الصوت في‬ ‫الخطاب السياسي‪ ،‬يجب أن تدرس‪ ،‬كما لو كان الرئيس أي رئيس‪ ،‬يعد نفسه إلى حد ما لدور مسرحي يجذب‬ ‫المستمع والرأي العام‪ ،‬وبصفة عامة رجل الدولة والسياسي‪ ،‬وهو على منصة الخطاب هو في الواقع‪ ،‬وإلى‬ ‫حد ما‪ ،‬يقوم بدور ممثل‪ ،‬لكي تصل كلماته إلى عقول وقلوب من يستمعون إليه‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬


‫الشخص العاجز بسبب إصابته‪ ،‬على اإلسرائيليني عموما ويتعاطف‬ ‫مع منظمة فلسطينية تلجأ للعمل العسكري ضد االحتالل‪.‬‬ ‫في املقابل وعلى الرغم من أن أحمد يصبح العائل الوحيد ألسرته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يصر‬ ‫فإن عبقريته في الرياضات والعلوم تجعل معلمه الفلسطيني‬ ‫على أن يكمل دراسته ليال‪ ،‬وأن يمتحن نهاية العام‪ ،‬بل ويدفعه إلى‬ ‫التقدم ملسابقة تقيمها الجامعة العبرية في الرياضيات‪ ،‬حيث يفوز‬ ‫في التصفيات األخيرة على عشرة طلبة متنافسني‪ ،‬ويحصل على‬ ‫منحة كاملة في الجامعة‪ .‬لكن تسامح بعض األكاديميني تواجهه‬ ‫عنصرية ورفض من قبل بعض الطلبة أو األساتذة‪ .‬غير أن نظرية‬ ‫والده في التسامح وعدم اللجوء إلى العنف تؤتي ثمارها‪ّ ،‬‬ ‫فيقربه من‬ ‫بعد كره‪ ،‬استاذه شارون الهارب من محرقة أملانيا النازية‪ ،‬ويعمالن‬ ‫معا على أبحاث علمية في الفيزياء والرياضيات‪ .‬اسلوب حياة تغضب‬ ‫شقيقه عباس الذي يراه يعايش بصورة طبيعية الذين سرقوا أرضهم‬ ‫وأذلوهم‪.‬‬ ‫ومن مرحلة الجامعة التي لم يكن يتخيل أحمد أنه سيعبرها بسبب‬ ‫عمله إلعالة أمه وإخوته‪ ،‬تبدأ مرحلة جديدة من حياة أحمد‪ .‬التعامل‬ ‫مع اآلخر املحسوب على العدو‪ ،‬والتعامل معه بصفة الزميل والصديق‬ ‫ثم الحبيب‪ .‬فهو في انتقاله إلى أميركا يلتقي بنورا الناشطة الحقوقية‬ ‫التي تعرف عن فلسطني وقضيتها وزارت إسرائيل عدة مرات ضمن‬ ‫حملتها مع مجموعة من أميركيني يهود‪.‬‬ ‫نورا مختلفة تماما عنه فهي ابنة وحيدة ألبوين ثريني ناشطني في‬ ‫مجال حقوق اإلنسان أيضا‪ .‬وهي مهتمة بالثقافة وتعرف األدب‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬وتدعوه مرة إلى أمسية احتفالية بمحمود درويش‪ .‬معه‪،‬‬ ‫يكتشف قيمة الكلمة بعد أن كانت قيمة األعداد هي األهم عنده‪ .‬يتهرب‬ ‫من حبها بسبب ثرائها ويهوديتها‪ ،‬إال أنها تقنعه بزوال كل الحواجز‬ ‫بينهما‪ .‬وعلى الرغم من ممانعة والدته وشقيقه عباس للزواج منها‪،‬‬ ‫غير أنه بمباركة والده الذي أنهى بعد أربع عشرة سنة فترة سجنه‬ ‫وعاد إلى أسرته‪ ،‬يتزوجها‪ ،‬ويزوران قريته لتقام لهما حفلة زواج‬ ‫على الطريقة الفلسطينية‪ ،‬ولكن الزوجة تقتل في رفح عندما كانت‬ ‫تشارك مع ناشطني أميركيني آخرين بينهم يهود في تحدي القوات‬ ‫اإلسرائيلية‪ ،‬التي تدمر بيوت الناشطني الفلسطينيني‪ .‬ويبدو في‬ ‫حادثة مقتلها ربط واضح مع واقعة مقتل الناشطة راشيل كوري قبل‬ ‫سنوات‪.‬‬

‫تعتمده منهجا‪ ،‬وال يكفي أن يؤمن به البعض‪ .‬تنتهي الرواية التي‬ ‫تغطي ستني عاما كما بدأت‪ ،‬في عالم من القهر والال عدالة‪ ،‬أجادت‬ ‫فيه الكاتبة ميشيل كوهني كوارسانتي جمع تفاصيل حياة البؤس‬ ‫واملعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني على ّ‬ ‫مر العقود‪ ،‬فهي تبدأ‬ ‫ّ‬ ‫وتمر على حروب مهمة مثل حرب حزيران‪ ،‬ومذابح‬ ‫من بعد النكبة‬ ‫صبرا وشاتيال‪ ،‬وتنتهي بعد حرب غزة عام ‪.2009‬‬ ‫وهي مهمة شاقة لكاتبة قادمة من ثقافة معادية ومن مرويات ذاكرة‬ ‫مناقضة تماما ملا تكتب عنه‪ .‬لكنها نجحت في أن تقدم رؤية أكثر‬ ‫من طرف‪ ،‬ومن وجهة نظرها بالطبع كناشطة سالم ترى أن اسرائيل‬ ‫يمكن أن يمثلها العربي واإلسرائيلي معا‪ ،‬أي أن يكونا أبناء دولة‬ ‫واحدة‪ ،‬كالهما يكون قويا بالثاني‪ .‬وهذا ما تشير إليه نهاية الرواية‬ ‫أو نهاية العالقة بني أحمد وأستاذه شارون‪ ،‬حيث يحصل االثنان‬ ‫على جائزة نوبل في الفيزياء مناصفة‪ ،‬نتيجة لتجارب مستمرة‬ ‫لسنوات‪ .‬تقول ميشيل في حوراها مع "املجلة"‪" :‬يجب أن نحتفي‬ ‫باالختالف ونركز على املشتركات بيننا‪ ،‬بدل أن ندمر كل ذلك من‬ ‫دون هدف إيجابي"‪ .‬الرواية استقبلت بترحيب في الوسط اإلسرائيلي‬ ‫أو اليهودي‪ ،‬املهيأ لهذه األفكار التي تدفع باتجاه إحالل السالم محل‬ ‫الحرب مع الفلسطينيني على أسس عادلة‪ .‬وتتمنى الكاتبة أن تصل‬ ‫روايتها إلى املتحمسني للصهيونية‪ ،‬ألنهم الداعمون إلسرائيل‬ ‫وسياساتها‪ ،‬وهي تعتقد أنها وصلت لبعضهم‪ ،‬ألنها سعت ألن تظهر‬ ‫القيم اإلنسانية‪ ،‬ولم تدخل في جدل الحقائق التاريخية‪.‬‬ ‫"لقد أظهرت ما فعلته الصهيونية بحق الفلسطينيني ال أكثر"‪.‬‬ ‫هل تتوقع ميشيل أن تغير من مسلك إسرائيل حيال الفلسطينيني؟‬ ‫"الرواية تركز على حالة الظلم والالعدل املمارس على الفلسطينيني‪،‬‬ ‫على أمل تغيير سياسات الواليات املتحدة"‪ :‬تقول ميشيل كوهني‬ ‫كوارسانتي‪ ،‬التي تقيم في نيويورك مع زوجها وابنتيها‪ ،‬وتكمل‪" :‬ألني‬ ‫اعتقد أن ال تغييرا كبيرا سنشهده في املنطقة إن لم تغير الواليات‬ ‫املتحدة سياساتها حيال الصراع اإلسرائيلي الفلسطيني"<‬

‫‪,,‬‬

‫تقودنا الرواية‬ ‫إلى نتيجة‬ ‫مفادها أن‬ ‫السالم يحتاج‬ ‫إلى أطراف‬ ‫متعددة تعتمده‬ ‫منهجا‪ ،‬وال‬ ‫يكفي أن يؤمن‬ ‫به البعض‬

‫‪,,‬‬

‫هل قاد التسامح أحمد إلى النجاح؟‬ ‫لقد وصل هو وأستاذه اليهودي اإلسرائيلي إلى جامعة هارفارد‬ ‫املرموقة‪ ،‬حيث الفرص أكبر إلجراء مزيد من األبحاث وحيث سيحقق‬ ‫ّ‬ ‫سيغير ال حياته هو فقط‪ ،‬بل وحياة مجمل عائلته‪ ،‬التي‬ ‫نجاحا‬ ‫ستنعم من تحسن مستواه املادي وتميزه العلمي‪.‬‬

‫الكاتبة‬ ‫ميشيل كوهني‬

‫في املقابل هل قادت رؤية عباس في عدم التسامح الى استعادة أي‬ ‫حق من حقوق شعبه؟ عباس يتشتت في الثورة الفلسطينية حتى‬ ‫ينتقل من فصيل يساري متشدد إلى فصيل إسالمي متشدد في‬ ‫غزة‪ ،‬واملقصود طبعا حماس‪ .‬يتزوج وينجب أبناء بينهم واحد‪،‬‬ ‫خالد‪ ،‬يشبه عمه في عبقريته في الرياضيات والعلوم يحلم في أن‬ ‫يكمل دراسته في جامعة مرموقة وأن يخرج من حصار غزة وانغالق‬ ‫أفق الحياة فيها‪ .‬لكن إسرائيل تمنع عنه فرصة السماح بالخروج‬ ‫الستكمال دراسته كما تفعل مع آالف الطلبة‪ .‬تكون النتيجة أن خالد‬ ‫يتحول إلى إنسان يائس فيقود عملية انتحارية ضد اإلسرائيليني‪.‬‬ ‫اليأس يدفع الفلسطينيني إلى القتل‪ ،‬والعنف هنا ليس مجانيا‪.‬‬ ‫تقودنا الرواية إلى نتيجة مفادها أن السالم يحتاج إلى أطراف متعددة‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪65‬‬


‫كتب‬

‫بعد ستة عقود على مأساة الشعب الفلسطيني‪ ،‬بدأت بعض األصوات اإلسرائيلية ترى اآلخر‬ ‫الفلسطيني كإنسان يستحق الحياة الكريمة‪ ،‬بل بدأ يعترف بأن الغزو الصيهوني ألراضي‬ ‫فلسطني‪ ،‬تسبب في آالم كبيرة لبشر حرموا من هذه الحياة الكريمة‪ .‬من هؤالء نتذكر ميكو بيلد‬ ‫في كتابه‪ :‬ابن الجنرال‪ ،‬وهو الناشط الذي تحولت عائلته من متعصبة للصهيونية‪ ،‬إلى داعية سالم‬ ‫مع الفلسطينيني‪ .‬لكن شخصيات يهودية من خارج إسرائيل أيضا‪ ،‬بدأت تسائل الدولة التي‬ ‫قامت على نفي الفلسطيني من أرضه لتحل مكانه‪ ،‬حول ممارساتها العنصرية حياله‪ .‬وباتت هذه‬ ‫األصوات مجتمعة‪ ،‬جزءا من حراك يدعو إلى السالم والعدالة‪.‬‬

‫تاريخ الفلسطيني املظلوم بعيون كاتبة يهودية أميركية‬

‫شجرة اللوز‬ ‫مراجعة‪:‬‬ ‫غالية قباني‬ ‫املؤلف‪:‬‬ ‫ميشيل كوهني‬ ‫العام‪2012 :‬‬ ‫(بريطانيا)‬ ‫عدد‬ ‫الصفحات‪352 :‬‬

‫من هذه األصوات الروائية األميركية ميشيل كوهني كوارسانتي‬ ‫املختصة بشؤون الشرق األوسط‪ ،‬والتي استلهمت مضمون روايتها‬ ‫من تجربة معاشة لسبع سنوات قضتها في إسرائيل‪ ،‬عندما أرسلها‬ ‫والدها مع صديقه رجل الدين اليهودي‪ ،‬لتدرس مع ابنته في اسرائيل‬ ‫ أرض امليعاد ‪ -‬لتكون مثال البنت اليهودية امللتزمة‪ ،‬لكنها بدل أن‬‫تستنسخ الخطاب املعتاد عن العربي " املخرب"‪ ،‬قرأت الواقع بعني‬ ‫ناقدة‪ ،‬وترجمته متأخرا عشرين سنة‪ ،‬عندما قبضت على أداتها‬ ‫الكتابية‪.‬‬ ‫"هناك‪ ،‬في إسرائيل درست الثانوية والجامعة‪ ،‬لكني اكتشفت الكذبة‬ ‫التي كانت تمرر لنا"‪ ..‬تقول الكاتبة في حوار مع "املجلة" تم عبر‬ ‫املراسلة‪ .‬مضيفة "في ذلك القوت أفزعتني الوقائع الجديدة التي اطلعت‬ ‫عليها عن قرب‪ ،‬ولم أدر كيف يجب أن تكون ردة فعلي! أردت أن أكون‬ ‫ناشطة حقوقية‪ ،‬لكن هذه الصفة لم تكن متاحة كثيرا في إسرائيل‬ ‫قبل عشرين سنة"‪.‬‬ ‫بعد سنوات عندما قرأت ميشيل رواية "الطيارة الورقية" لألفغاني‬ ‫خالد حسيني‪ ،‬الحظت كيف يمكن أن تؤثر الكتابة على عدد واسع‬ ‫من البشر من خالل الوصول الى قلوبهم‪" ..‬لذا قررت أن أكتب رواية"‪..‬‬ ‫في الحقيقة تكتب ميشيل رواية للمرة األولى بعد أن التحقت بدورة‬ ‫في الكتابة االبداعية في الواليات املتحدة‪ ،‬واستعادت تلك التجربة‬ ‫مستوحية من تجربة شاب فلسطيني التقته في جامعة هارفارد‪،‬‬ ‫شاب فقير عانى كثيرا‪ ،‬إال أنه وصل إلى أعلى الدرجات األكاديمية‪.‬‬ ‫أما بقية التفاصيل فتركتها لخيالها ولتجربتها التي عاشتها هناك‪.‬‬ ‫تتابع الرواية حياة "أحمد" ابن الثانية عشرة وهو أكبر أبناء عائلة‬ ‫فلسطينية تعيش تحت االحتالل منذ العام ‪ ،1948‬سنة مولده وسنة‬ ‫النكبة معا‪ .‬تفقد العائلة االبنة أمل منذ السنوات األولى لالحتالل‪،‬‬ ‫عندما ذهبت لتالحق فراشات في البستان الخلفي للبيت حيث‬ ‫وضع االسرائيليون أسالكا ومتفجرات شكلت حدود األرض التي‬ ‫سيسيطرون عليها‪ ،‬ملنع سكان البيت من تجاوزها‪.‬‬ ‫كانت هذه الحكاية بداية جميلة للرواية رغم مأساويتها‪ ،‬فالبنت تتحول‬ ‫الى أشالء يتم جمعها من البستان بتعاون من أفراد العائلة املفجوعني‬ ‫ليتم دفنها في األرض املتبقية لألسرة‪ ،‬لكن حتى القبر لم تهنأ فيه‬ ‫الضحية وال عائلتها‪ ،‬لينضم إلى األراضي التي قررت إسرائيل أن‬

‫‪64‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫تبني عليها بيوتا لليهود املهاجرين‪ ،‬طاردة العائلة باتجاه التالل‬ ‫املحيطة‪ .‬تستقر عائلة أبو أحمد في بيت تتوسطه شجرة لوز‪ .‬وفي‬ ‫رمزية معبرة لهذه الشجرة التي منحت الرواية اسمها‪ ،‬تصير ملجأ‬ ‫ألحمد ابن الثانية عشرة وشقيقه عباس‪ ،‬يتلصصان من فوقها على‬ ‫األحياء الجديدة التي بنيت ملن احتلوا أراضيهم‪ .‬حدائق وبيوت حديثة‬ ‫ومساحات للعب األطفال‪ ،‬وبشر يرمون بأجسادهم في املسابح التي‬ ‫تتوسط املساكن في مياه ُح ّولت من آبار القرى العربية املحرومة من‬ ‫املياه‪ .‬إنه عالم من املباهج املحرومة على الفلسطينيني يتبدى للطفلني‬ ‫بفضل منظار ورقي بعدستي نظارة صنعه أحمد صاحب العقل الفذ‬ ‫في الرياضيات والفيزياء‪.‬‬ ‫تمتلئ هذه الرواية باملآسي التي حدثت لإلنسان الفلسطيني‪ ،‬والتي‬ ‫ربما نسيها القارئ العربي في ظل مآس أخرى تحدث في املنطقة‬ ‫اآلن‪ .‬يهدم بيت العائلة الثاني ويعتقل رب البيت‪ ،‬ويحكم عليه بالسجن‬ ‫أربع عشرة سنة‪ ،‬ألن األمن شك في تعاونه مع املقاتلني الذين يسميهم‬ ‫"مخربني"‪.‬‬ ‫تعيش العائلة في خيمة إذ ال يسمح لها بإعادة بناء البيت‪ ،‬وهي‬ ‫العقوبة الجماعية التي تمارسها قوات االحتالل‪ ،‬ردا على أي موقف‬ ‫معاد من قبل الفلسطيني‪ .‬حتى عندما تحاول العائلة بعد عدة‬ ‫سنوات بناء غرفة لتالفي ظروف البرد واملطر والحر‪ ،‬يرسل االحتالل‬ ‫من يدمر البناء بجرافة لتعود العائلة إلى العراء‪ .‬مأساة انسانية‬ ‫تستعيدها الرواية بتفاصيل كثيرة‪ ،‬اذ يعمل الطفالن أحمد وشقيقه‬ ‫عباس في البناء مكان أبيهما‪ ،‬يحمالن األحجار التي ستبنى بيوتا‬ ‫لليهود املستوطنني‪ ،‬وهناك يواجهان كراهية عمال يهود مهاجرين‬ ‫حيال العرب‪ ،‬رغم أنهم يحصلون على أجرة أعلى واميتازات مثل بيت‬ ‫وطبابة‪ .‬وتركز الرواية تحديدا على كراهية خاصة من قبل اليهود‬ ‫العرب‪ ،‬من املغرب والعراق واليمن‪ ،‬مثل العامل العراقي الذي يتسبب‬ ‫في وقوع عباس من أعلى البناء عندما يدفعه غضبا وإصابة جسمه‬ ‫برضوض كثيرة تحوله إلى شبه عاجز جسديا‪ .‬بينما يجد الطفالن‬ ‫تعاطفا من عامل يهودي بولوني يحمله إلى املستشفى ويتوسط له‬ ‫ولوالدته‪ ،‬من أجل أوقات زيارة أطول!‬ ‫تتطور شخصيتا األخوين على نحو مختلف تماما‪ ،‬فبينما يؤمن‬ ‫أحمد مثل أبيه املعتقل في سجن االحتالل بتهمة اإلرهاب‪ ،‬وبأن‬ ‫الغضب والحقد لن يقود إلى شيء‪ ،‬يحقد عباس الذي بات أقرب إلى‬


‫فيلم سعودي يعرض بشكل تجاري عبر الصاالت السينمائية قبل أن‬ ‫تعود روتانا عام ‪ 2008‬مرة أخرى لتقديم فيلم آخر‪ ،‬وبنفس الطريقة‬ ‫من خالل املمثل الكوميدي فايز املالكي في شخصيته الشهيرة‬ ‫(مناحي) املتصفة بالعفوية والبساطة والذكاء الفطري‪ ،‬حينما يترك‬ ‫الصحراء ليذهب إلى املدينة؛ فيواجه صعوبة التأقلم فيها‪ ،‬من قصة‬ ‫مازن طه‪ ،‬وإخراج‪ :‬أيمن مكرم‪ ،‬ويحتفظ هذا الفيلم بشهرة كونه أول‬ ‫ًّ‬ ‫تجاريا داخل السعودية بشكل رسمي قبل‬ ‫فيلم سعودي يعرض‬ ‫أن يكثر الجدل الذي أدى إلى إيقاف عرضه بعد أن عرض في جدة‬ ‫والطائف ثم الرياض‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويتزامن في نفس العام أيضا تقديم املمثل راشد الشمراني فيلمه‬ ‫الطويل (صباح الليل)‪ ،‬والذي شارك به في مهرجان الخليج السينمائي‬ ‫في دورته األولى‪ ،‬وحظي بشهادة تقدير عن دوره في هذا الفيلم‬ ‫الذي أخرجه السوري مأمون البني‪ ،‬لكنه من قصة وسيناريو راشد‬ ‫الشمراني الذي حاول في هذا الفيلم أن يمارس ً‬ ‫نوعا من اإلسقاطات‬ ‫السياسية واالجتماعية عبر شخصيته الشهيرة (سائق الشاحنة أبو‬ ‫هالل) حينما يجد طريقة للعودة بالزمن إلى الوراء ليحاول ببساطته‬ ‫وظرافته املعهودة التدخل في تغيير مجرى ثالثة من حوادث التاريخ‬ ‫العربي الشهيرة‪.‬‬ ‫وباإلضافة ملا سبق ذكره مثل أفالم (وجدة) لهيفاء املنصور‪،‬‬ ‫و(صدى) لسمير عارف‪ ،‬و(انتقام) لوليد مطري الفائز بالجائزة‬ ‫الثانية في مهرجان الخليج ‪ .2009‬فإن قائمة املشاركات السعودية‬ ‫لألفالم الروائية الطويلة في مهرجان الخليج السينمائي ومهرجان‬ ‫أبوظبي وغيرها تضم أيضا فيلم (املؤسسة) لفهمي فرحات‪ ،‬وأفالم‬ ‫الرعب املتناسخة من بعضها مثل (القرية املنسية) عام ‪ 2008‬لعبد‬ ‫الله أبو طالب حول مجموعة شباب سعوديني وسياح أجانب في‬ ‫زيارة لقرية معزولة يتبني أن األرواح تسكنها‪ ،‬و(الشر الخفي) ملحمد‬ ‫هالل حول فلة مسكونة باألرواح واألحداث املرعبة‪ ،‬وكان الفيلم قد‬ ‫شارك في مهرجان الخليج ‪ .2010‬و(وادي األرواح) والذي عرض‬ ‫ً‬ ‫تجاريا لجراح الدوسري حول معلم ُي نَّ‬ ‫ًّ‬ ‫عي في منطقة نائية‪،‬‬ ‫أيضا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فيواجه في طريقه أحداثا وأرواحا مرعبة أيضا‪ .‬وهو ثاني تجربة‬ ‫ً‬ ‫لجراح‪ ،‬والذي كان قد سبقها بتجربة فيلم روائي طويل أيضا من‬ ‫نوع الغموض واإلثارة والخيال العلمي بعنوان (استنشاق الهاوية)‬ ‫عام ‪.2006‬‬ ‫بقي أن نشير إلى أن هذه املرحلة املتعلقة باملهرجانات السينمائية‬ ‫انعكست ولفترة مؤقتة بشكل إيجابي تجاه الداخل السعودي‪،‬‬ ‫حيث أقيمت عام ‪ 2008‬أول مسابقة أفالم سعودية تولى رعايتها‬ ‫النادي األدبي‪ ،‬وجمعية الثقافة والفنون باملنطقة الشرقية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وشارك فيها ‪ً 33‬‬ ‫سعوديا داخل املسابقة بفروعها الروائية‬ ‫فيلما‬ ‫والوثائقية واألنميشن‪ ،‬باإلضافة لعدد من األفالم السعودية‬ ‫نجاحا ً‬ ‫ً‬ ‫جيدا‬ ‫والخليجية خارج املسابقة‪ ،‬وحقق املهرجان وقتها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مختتما حفل توزيع الجوائز بحضور‬ ‫والفتا على مستوى التنظيم‬ ‫وزير الثقافة واإلعالم حينها الدكتور إياد مدني الذي أبدى سعادته‬ ‫باملهرجان‪ ،‬ووعد بمستقبل أفضل للسينما والشباب السينمائي‬ ‫في السعودية‪ ،‬لكن الجدير ذكره أن املسابقة لم ِّ‬ ‫تقدم سوى‬ ‫دورتها األولى فقط قبل خمس سنوات! وفي الجهة املقابلة وعلى‬ ‫ضفاف املنطقة الغربية كان هناك املهرجان األسبق‪ ،‬والذي بدأ‬ ‫عام ‪ 2006‬كمهرجان عروض بمسمى مهرجان جدة للعروض‬ ‫املرئية تحت رعاية شركة رواد ميديا قبل أن يتحول في دورته‬ ‫الثالثة عام ‪ 2008‬ملسمى مهرجان حقيقي‪ ،‬وبرعاية شركة روتانا‬ ‫بمسمى "مهرجان جدة لألفالم"‪ ،‬حيث تقترب أجواؤه بتنظيمه‬ ‫وفعالياته من مسمى املهرجانات السينمائية الحقيقية مبشرة‬ ‫بميالد مهرجان سينمائي سعودي منافس قبل أن تتحطم أحالم‬

‫الشباب السينمائي في السعودية بإلغاء املهرجان صبيحة افتتاح‬ ‫الدورة الرابعة عام ‪ 2009‬فيما كان املشاركون والضيوف قد حطوا‬ ‫رحالهم في فندق االستضافة!‬ ‫َّ‬ ‫وحيث إن شركة روتانا ظلت دائمة بهذا القرب من السينما فإنها‬ ‫بدأت عام ‪ 2012‬بالدورة األولى "ملهرجان الفيلم السعودي" فيما‬ ‫تستعد اآلن للدورة الثانية‪ ،‬حيث يتقدم املشاركون بأفالمهم التي يتم‬ ‫عرضها فقط عبر شاشة روتانا ًّ‬ ‫يوميا طيلة أيام املهرجان أمام لجنة‬ ‫تحكيم تعطي رأيها بشكل مباشر‪ ،‬فيما يتم إعالن الفائزين في وقت‬ ‫ً‬ ‫مهرجانا بشكل صوري ً‬ ‫نوعا ما‪ ،‬حينما يفتقد‬ ‫الحق وهذا ما يجعله‬ ‫التجمع الحقيقي للمهرجانات السينمائية‪ ،‬حيث ملتقى السينمائيني‬ ‫وسط فعاليات متعددة‪ ،‬وتبادل للخبرات ونقد التجارب‪ .‬لكننا ال‬ ‫يمكن بأي حال سوى اإلشادة بخطوة شركة روتانا التي تعاملت‬ ‫ً‬ ‫سعوديا تجاه السينما وشبابها‪.‬‬ ‫وفق الواقع املفروض حتى اآلن‬

‫مرحلة اإلعالم الجديد‪:‬‬ ‫وهي ليست مرحلة الحقة بقدر ما جاءت متداخلة مع مرحلة‬ ‫املهرجانات السينمائية في السنتني األخيرتني كنتيجة طبيعية‬ ‫النتشار مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬فرضتها ظروف التسارع في‬ ‫التقدم التقني‪ ،‬ومستوى التواصل الكبير عبر مواقع اإلنترنت‪ ،‬وهي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ما يمكن أن نسميها أيضا بمرحلة أفالم "اليوتيوب والفيمو" أيضا‪،‬‬ ‫لكن املواقع األخرى ‪-‬مثل تويتر والفيسبوك‪ -‬تبدو املواقع األفضل‬ ‫للدعاية والنشر‪ ،‬حيث يبدو الهدف األساسي عبر استهداف‬ ‫الجمهور السعودي للمشاهدة‪ ،‬والذي ال يتمكن ً‬ ‫غالبا من مشاهدة‬ ‫األفالم السعودية املعروضة ً‬ ‫دائما خارج السعودية‪ ،‬باإلضافة‬ ‫لكون أفالم هذه املرحلة تعنى بشكل كبير بتلك القضايا اإلنسانية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬والسعي وراء إيصال صوتها ألكبر شريحة ممكنة‬ ‫ً‬ ‫وهو ما يتحقق ً‬ ‫دائما حينما ننظر مثال لتجربة املخرج بدر الحمود‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الذي حقق عبر فيلمه اليوتيوبي (مونوبولي) حول مشكلة السكن‬ ‫في السعودية أكثر من مليون مشاهدة خالل أسبوع واحد فقط‪،‬‬ ‫وهو ما يشكل أضعاف مشاهدة جميع األفالم السعودية منذ بدأت‪.‬‬ ‫ومما يجدر ذكره أن املخرج الحمود أبرز وأنجح مخرجي هذه‬ ‫الفترة كرر نجاحه وإن كان بشكل أقل عبر فيلمي (كروة) حول‬ ‫البطالة‪ ،‬و(عمار)‪ ،‬الذي يلقي الضوء على حالة من اإلعجاز وتحقيق‬ ‫املستحيل بطلها الشاب املقعد ً‬ ‫تماما عمار بوقس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وباإلضافة لكون هذه املرحلة أيضا وسيلة للكسب التجاري بطريقة‬ ‫ً‬ ‫ما فإنها أيضا ستظل ‪-‬ولفترة طويلة‪ -‬الخيار األولي لعدد من‬ ‫املخرجني الراغبني بإيصال أصواتهم حول قضاياهم التي يؤمنون‬ ‫بها‪ ،‬أو طرح رؤيتهم السينمائية عبر أفالمهم وتلقي آراء املشاهدين‬ ‫حولها بشكل مباشر‪ ،‬والحصول على قدر كبير من املشاهدين‬ ‫وسط انعدام إقامة املهرجانات السينمائية في السعودية‪ ،‬وصعوبة‬ ‫ً‬ ‫املشاركة أحيانا في املهرجانات الدولية‪ ،‬والتخلي التام من قبل‬ ‫الوزارات املعنية واألجهزة الحكومية عن دورها في دعم الصناعة‬ ‫السينمائية في السعودية‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫مواقع التواصل‬ ‫االجتماعي‬ ‫ازدهرت‬ ‫بالترويج لألفالم‬ ‫السينمائية‬ ‫املنتجة في‬ ‫السعودية‬ ‫وساهمت في‬ ‫دفع عجالتها‬ ‫نحو األمام‬ ‫وتفعيل نموذج‬ ‫خاص من األفالم‬ ‫املعدة خصيصًا‬ ‫ملوقع اليوتيوب‬

‫‪,,‬‬

‫في النهاية‪ ،‬ففي محاولة لحصر عدد األفالم السعودية خالل‬ ‫األربعني سنة املاضية سنجد أنها ال تتجاوز ثالثمائة فيلم‪ ،‬وهو ما‬ ‫ً‬ ‫يعتبر ً‬ ‫قليال للغاية وفق كل املعايير‪ ،‬لكن األمر يتحسن ً‬ ‫كثيرا‬ ‫عددا‬ ‫حينما نعلم أن جميع هذه األفالم سوى استثناءات نادرة تركزت‬ ‫في السنوات العشر األخيرة‪ ،‬وهي ما يعني ظاهرة جديدة‪ ،‬ويقظة‬ ‫فنية مختلفة سيتوقف نجاحها واستمرارها بحسب الشباب‬ ‫ً‬ ‫السينمائيني أنفسهم أوال‪ ،‬ثم بحسب االهتمام والرعاية الحكومية‬ ‫ً‬ ‫ثانيا <‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪63‬‬


‫ثقافة‬

‫‪,,‬‬

‫أول فيلم‬ ‫سعودي كان‬ ‫بعنوان (اغتيال‬ ‫مدينة) لعبد‬ ‫الله املحيسن‬ ‫والذي يجعل منه‬ ‫ذلك أول مخرج‬ ‫سعودي حيث‬ ‫َّ‬ ‫قدم هذا الفيلم‬ ‫الوثائقي ذو‬ ‫الخمس عشرة‬ ‫دقيقة قصة عن‬ ‫الحرب األهلية‬ ‫اللبنانية‬

‫‪,,‬‬

‫عبدالله املحيسن‬

‫‪62‬‬

‫عبدالعزيز النجيم‪ :‬متواجد دائم في املهرجانات‪ ،‬وأبرز أفالمه‬ ‫(تمرد)‪ ،‬و(احتباس)‪ ،‬وفيما أهمها (وينك) الفائز في مهرجان تربيكا‬ ‫السينمائي بالدوحة بجائزة أفضل فيلم قصير‪.‬‬ ‫فيصل العتيبي‪ :‬واملهتم بتقديم أفالم وثائقية على وجه الخصوص‪،‬‬ ‫حيث شارك في عدة مهرجانات عاملية متنوعة بمجموعة أفالمها‬ ‫أهمها‪( :‬الزواج الكبير)‪ ،‬وفيلم (الحصن) الفائز بالجائزة الثانية‬ ‫كأفضل فيلم وثائقي في مهرجان الخليج السينمائي في دورته‬ ‫الثانية‪.‬‬ ‫محمد التميمي‪ :‬كمخرج أفالم (أنميشن) حيث فاز مرتني متتاليتني‬ ‫عام ‪ 2009‬و‪ 2010‬بجائزة لجنة التحكيم الخاصة فئة الطلبة ضمن‬ ‫املسابقة الرسمية ملهرجان الخليج السينمائي عن فيلمي (بي جي‬ ‫‪ ،)13‬و(الجنطة)‪.‬‬ ‫وليد مطري‪ :‬الفائز بالجائزة الثانية في مسابقة األفالم الروائية‬ ‫الطويلة في مهرجان الخليج ‪ 2009‬عن فيلم (انتقام)‪ ،‬والذي يحكي‬ ‫قصة "أربعة إخوة يعانون من قسوة ظروف الحياة بعد فراق والديهم‪.‬‬ ‫يتورط أحدهم مع أكبر عصابات املخدرات بعد أن وجد في سيارته‬ ‫حقيبة رئيس العصابة‪ .‬هناك تتغير حياة هؤالء وتنحدر نحو‬ ‫الصغير أخاه الكبير‪ ،‬فتبدأ رحلة االنتقام"‪ .‬كما‬ ‫الهاوية‪ ،‬فيما يقتل‬ ‫ً‬ ‫شارك بفيلم قصير الحقا بعنوان (ألم طفلة)‪.‬‬ ‫عوض الهمزاني‪ :‬الفائز في مسابقة أفالم اإلمارات لألفالم القصيرة‬ ‫في مهرجان أبو ظبي عن فيلمه الوثائقي (فتون) بالجائزة الثانية‪.‬‬ ‫فهمي فرحات‪ :‬حقق الجائزة الثالثة عن فيلمه الوثائقي (ليلة عمر)‪،‬‬ ‫وفهمي متواجد بشكل متواصل عبر مهرجان الخليج‪ ،‬حيث قدم عدة‬ ‫أفالم مثل (شعر لولو املجعد) و(قصة أحمد وبابا نويل)‪ ،‬باإلضافة‬ ‫لألفالم الوثائقية (السعوديون في أمريكا) و(رجل وثالث عجالت)‪،‬‬ ‫و( ليلة عمر)‪ ،‬وفيلم طويل هو (املؤسسة) حول مؤسسة هندسية‬ ‫ً‬ ‫يقرر صاحبها دمج قسمي الرجال والنساء ً‬ ‫وضعا‬ ‫معا مما يخلق‬ ‫ً‬ ‫طريفا "في إسقاط اجتماعي حول قضية االختالط املثيرة للجدل‬ ‫ً‬ ‫سعوديا"‪.‬‬ ‫فيلم‬ ‫انجي مكي‪ :‬الفائز باملركز الثالث ألفالم الطلبة عن ً‬ ‫(بدري!) في مهرجان الخليج ‪ 2009‬كما شارك الحقا‬ ‫بفيلم (رقصة متجمدة)‪ .‬كما يتواجد عدد من املخرجني‬ ‫حضورا ً‬ ‫ً‬ ‫مهما في املهرجانات املتنوعة‬ ‫الذين سجلوا‬ ‫ًّ‬ ‫جماهيريا حتى دون تحقيق جوائز مثل‬ ‫وإعجابا‬ ‫املخرج عبد املحسن الضبعان‪ ،‬والذي قدم أربعة أفالم‬ ‫أهمها‪( :‬الوقائع غير املكتملة لحكاية شعبية) ‪،2010‬‬ ‫وفيلم (ثالثة رجال وامرأة) ‪ 2009‬ضمن أفالم مجموعة‬ ‫تالشي السينمائية‪ ،‬كما قدم بشكل مستقل فيلمي‬ ‫(الباص) و(املفتاح)‪ .‬وعبد الله أحمد الذي قدم خمسة‬ ‫أفالم هي‪( :‬الهامس للقمر)‪ ،‬و(املغزى)‪ ،‬و(املوعد)‪،‬‬ ‫و(كورة حبيبتي)‪ ،‬و(نص دجاجة)‪،‬كما شارك‬ ‫ً‬ ‫ممثال في عدة أفالم أهمها فيلم (عايش)‪ ،‬وعبد‬ ‫املحسن املطيري أحد أكثر السعوديني مشاركة‬ ‫بعدة أفالم تجاوزت السبعة من خالل مجموعة‬ ‫تالشي السينمائية‪ ،‬أو بشكل مستقل‪ .‬ونواف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مخرجا‬ ‫املهنا الذي قدم أيضا مجموعة أفالم‬ ‫ً‬ ‫وممثال بشكل مستقل مثل (مجرد يوم) الحائز‬ ‫على شهادة تقدير مسابقة أفالم اإلمارات ‪2006‬‬ ‫أو ضمن مجموعة تالشي مثل (آخر يوم)‪ ،‬و(ال‬ ‫يوجد سوى دجاج مقلي في الثالجة)‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫وهناك غيرها من األسماء التي مازالت تواصل حضورها املتكرر في‬ ‫عالم املهرجانات السينمائية‪ ،‬مثل علي األمير‪ ،‬وطالل عايل‪ ،‬وحمزة‬ ‫طرزان‪ ،‬ومحمد سندي‪ ،‬وجاسم العقيلي‪ ،‬ومنصور البدران‪ ،‬وتوفيق‬ ‫الزايدي‪ ،‬وطارق الدخيل الله‪ ،‬ومحمد الباشا‪ ،‬وعبد الرحمن عايل‪،‬‬ ‫وريم البيات‪ ،‬وهناء العمير‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬حيث يمكن باإلجمال حصر‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫سينمائيا من الشباب السعودي الطموح‪،‬‬ ‫مخرجا‬ ‫أكثر من خمسني‬ ‫ٍّ‬ ‫والذي مازال يتلمس خطوات النجاح بشغف وتحد عبر املشاركة‬ ‫املتكررة في هذه املهرجانات السينمائية‪.‬‬ ‫كما أنه يمكننا مالحظة أحد أهم مالمح هذه املرحلة‪ ،‬وهي تكون‬ ‫املجموعات السينمائية‪ ،‬حيث يعمد بعض األصدقاء املهتمني‬ ‫ًّ‬ ‫سينمائيا لتكوين مجموعة يتعاون فيها الكل باختالف مواهبهم‬ ‫وتجاربهم إلنتاج األفالم القصيرة مثل مجموعة (القطيف فريندز)‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مبكرا‪ ،‬وهدفت في بادئ األمر إلى التوجه نحو التسويق‬ ‫والتي بدأت‬ ‫الشعبي قبل أن تتجه بشكل أكثر احترافية الى املشاركة في‬ ‫املهرجانات‪ .‬حدث أن من بني عدة أفالم قدمتها نجحت عبر فيلم‬ ‫(بقايا طعام) ‪ 2007‬للمخرج موسى ال ثنيان بالحصول على‬ ‫جائزة أفضل فيلم في مسابقة أفالم من اإلمارات الدورة السابعة‬ ‫‪ ،2008‬وجائزة النخلة الذهبية ألفضل فيلم روائي في مسابقة‬ ‫أفالم السعودية الدورة األولى ‪ ،2008‬وجائزة أفضل فيلم روائي في‬ ‫مهرجان جدة السينمائي الدورة الثالثة‪.‬‬ ‫ثم في عام ‪ 2009‬تنطلق مجموعة تالشي السينمائية بتقديم سبعة‬ ‫أفالم في مهرجان الخليج ‪ 2009‬حظيت بإعجاب جيد وإثارة الفتة‬ ‫للجدل عبر موضوعات أفالمها وطريقة تنفيذها دفع بلجنة التحكيم‬ ‫ملنحها شهادة تقدير‪ ،‬كما قدمت في السنة التي تليها خمسة أفالم‬ ‫نجاحا ً‬ ‫ً‬ ‫جيدا في مجمل مشاركاتها بفوز فيلمي‬ ‫أخرى محققة‬ ‫َّ‬ ‫(شروق‪ /‬غروب)‪ ،‬و(عودة) كما تقدم‪.‬‬ ‫وفي حني تراجعت املشاركة السعودية خالل آخر سنتني على‬ ‫ً‬ ‫مستوى الكم‪ ،‬وبحسب مستوى النجاح أيضا‪ ،‬إال أنها عادت هذه‬ ‫السنة ‪ 2013‬من خالل نجاح كبير بفوز الفيلم الطويل (وجدة)‪،‬‬ ‫واألفالم القصيرة (حرمة)‪ ،‬و(سكراب)‪ ،‬و(مجرد صورة) في‬ ‫مهرجان الخليج السينمائي في دورته السادسة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إنتاجا ليس بالكثير على مستوى األفالم‬ ‫كما أن هذه املرحلة شهدت‬ ‫الروائية الطويلة‪ ،‬يأتي في مقدمتها الفيلم األهم حتى اآلن‪ ،‬واألفضل‬ ‫بجوائزه املتعددة فيلم (وجدة) لهيفاء املنصور‪ ،‬وقبله في عام ‪2006‬‬ ‫كان هناك فيلم املخرج عبد الله املحيسن (ظالل الصمت) كأول فيلم‬ ‫سعودي روائي طويل شارك من خالله في مهرجان أبوظبي‪ ،‬وفاز‬ ‫في مهرجان القدس السينمائي‪ .‬ترشح الفيلم للمسابقة النهائية‬ ‫ملهرجان روما ‪ ،2007‬ونافس معه ‪ً 15‬‬ ‫فيلما من بلدان مختلفة‪.‬‬ ‫وهو يناقش أزمة الفرد العربي الواقع تحت وطأة الحاضر‪ ،‬ورعب‬ ‫املستقبل‪ ،‬واملحمل بتراكمات املاضي من خالل قصة يمتزج فيها‬ ‫الواقع بالخيال‪ ،‬حيث يعمد أحد األنظمة املتسلطة باستبدال طرقه‬ ‫القديمة في السيطرة إلى طريقة جديدة من خالل إنشاء معهد منعزل‬ ‫ً‬ ‫مركزا للعالج بالتنويم‪ ،‬والتأهيل‬ ‫في قلب الصحراء يبدو في ظاهره‬ ‫بالتنويم‪ ،‬والتأهيل بتنمية القدرة على التحكم في النفس‪ ،‬وتزاول فيه‪،‬‬ ‫في الحقيقة‪ ،‬التخدير وغسيل املخ لتدمير الكفاءات الخارجة عليه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وجاء هذا الفيلم بالتزامن أيضا مع فيلم آخر في سباق نحو تحقيق‬ ‫أول فيلم سعودي روائي طويل وهو فيلم (كيف الحال) الذي أنتجته‬ ‫ًّ‬ ‫سعوديا بدرجة كافية‪ ،‬حيث‬ ‫شركة (روتانا) لكنه ‪-‬كما يبدو‪ -‬ليس‬ ‫أخرجه الكندي "ايزدور مسلم"‪ ،‬وكتبه املصري بالل فضل‪ ،‬فيما‬ ‫أدى البطولة السعودي هشام عبد الرحمن‪ ،‬بمشاركة ممثلني من‬ ‫السعودية والخليج والدول العربية‪ ،‬لكن الفيلم يسجل نفسه كأول‬


‫نفسه عام ‪ 2006‬ليشارك في املرحلة الثانية‪ ،‬ويسجل نفسه كأول‬ ‫ً‬ ‫فيلم روائي طويل أيضا عبر فيلم (ظالل الصمت)‪.‬‬

‫مرحلة املهرجانات السينمائية‪:‬‬ ‫وهي املرحلة األهم والتي مازالت تواصل مسيرتها‪ ،‬حيث جاءت‬ ‫هذه املرحلة كاستجابة طبيعية لالهتمام السينمائي الكبير الذي‬ ‫انتشر بني عدد من الشباب السعودي مطلع األلفية الجديدة‪ ،‬وتمثل‬ ‫في كثرة املنتديات واملواقع السينمائية‪ ،‬ومن ثم انتشار الصفحات‬ ‫واملالحق السينمائية واملقاالت التي تتحدث بشغف واهتمام بالغ‬ ‫عبر الصحف السعودية‪ ،‬لتشكل ظاهرة فنية عمادها الشباب‬ ‫ًّ‬ ‫سينمائيا مشاهدة ومتابعة قبل أن يملك الجرأة‬ ‫املتحمس واملتيم‬ ‫ليتقدم خطوة أكثر فعالية منتصف األلفية من خالل املشاركة‬ ‫باملهرجانات السينمائية العربية من حوله في أبوظبي ودبي‬ ‫وبيروت ووهران وغيرها‪ ،‬ليضع نفسه في مجاراة مع التجارب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومكتسبا‬ ‫مستفيدا منها‬ ‫الفيلمية العربية والخليجية األخرى‪،‬‬ ‫في نفس الوقت الخبرة والتجربة املشجعة للمواصلة حتى‬ ‫يومنا هذا‪ ،‬حيث حقق سعوديون العديد من اإلنجازات املشرفة‬ ‫في هذه املهرجانات‪ ،‬والحصول على عدد من الجوائز املهمة‪،‬‬ ‫ويمكننا اإلشارة هنا ألبرز األسماء واملجموعات السينمائية‬ ‫ً‬ ‫مثل املخرجة "هيفاء املنصور"‪ ،‬والتي يمكن اعتبارها أيضا أول‬ ‫مخرجة سعودية‪ ،‬ومن أبرز أفالمها‪( :‬من ؟) حول هوية املرأة‬ ‫وكينونتها من خالل استلهام قصة قاتل متخفي بلباس امرأة‬ ‫وحجابها و(الرحيل املر) دراما شاعرية حول الفقد والذكريات‪،‬‬ ‫و(أنا واآلخر) حول االختالف والوحدة الوطنية من خالل قصة‬ ‫ثالثة شباب مختلفي التوجهات‪ ،‬تتعطل سيارتهم في منطقة َّ‬ ‫برية‬ ‫معزولة‪ ،‬وقد عرض الفيلم على قناة الشاشة في الشوتايم وقتها‪،‬‬ ‫لكن أبرز إنجازاتها جاء مع فيلم (نساء بال ظل)‪ ،‬والفائز بجائزة‬ ‫أفضل فيلم وثائقي في مسابقة أفالم اإلمارات‪ ،‬و(الخنجر الذهبي)‬ ‫في مهرجان مسقط السينمائي‪.‬‬ ‫وهو رؤية ذاتية يناقش الفلم العديد من قضايا املرأة السعودية‬ ‫املهمة‪ ،‬واملوقف الصعب الذي تجد نفسها فيه ما بني عادات وتقاليد‬ ‫اجتماعية‪ ،‬وبني رؤى دينية تقليدية– إلى أن تعود مرة أخرى عام‬ ‫‪ 2012‬لتحقيق اإلنجاز األكبر واألهم من خالل فيلمها الروائي الطويل‬ ‫(وجدة) الفائز بجائزة املهر العربي في مهرجان دبي السينمائي‪،‬‬ ‫وجائزة أفضل فيلم طويل في مهرجان الخليج السينمائي في‬ ‫دورته األخيرة ‪ ،2013‬واملشارك في مهرجان فينيسيا‪ ،‬واملتوج‬ ‫بثالث جوائز تقديرية هي‪ :‬جائزة سينما فناير‪ ،‬وجائزة االتحاد‬ ‫الدولي لفن السينما‪ ،‬وجائزة (انترفيلم)‪ ،‬ويجري منح هذه الجوائز‬ ‫لتكريم املتفوقني من املتخصصني في صناعة السينما‪ ،‬كما يمكن‬ ‫اعتباره أول فيلم سعودي طويل يصور داخل السعودية بهوية‬ ‫وممثلني سعوديني ً‬ ‫تماما‪ ،‬يلقى كل هذا االحتفاء واالهتمام العاملي‪،‬‬

‫وينال إعجاب العديد من النقاد ومتابعي السينما العاملية‪ ،‬وهو دراما‬ ‫اجتماعية بمزيج كوميدي حول أحالم طفلة في امتالك دراجة هوائية‬ ‫وقيادتها في الشارع وسط إسقاطات اجتماعية متعددة تقدمها‬ ‫املخرجة هيفاء‪ .‬ومن األسماء التي يهم ذكرها في هذه املرحلة‬ ‫من حيث تعدد مشاركاتها‪ ،‬باإلضافة لتحقيقها إنجازات جيدة‪،‬‬ ‫ونجاحات مشهودة باعتالئها منصات تتويج الجوائز‪:‬‬ ‫عبدالله ال عياف‪ :‬الفائز بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة أفالم‬ ‫قصير في‬ ‫اإلمارات عن فيلم (إطار) ‪ ،2006‬وجائزة أفضل فلم َّ‬ ‫مهرجان الخليج السينمائي عن فيلم (عايش) ‪ ،2010‬كما حقق فيلمه‬ ‫(مطر) الجائزة الثانية كأفضل روائي‪ ،‬وفيلمه الوثائقي (السينما‪500‬‬ ‫كم) الجائزة األولى في مسابقة أفالم السعودية في الدمام ‪.2008‬‬ ‫ّ‬ ‫بدر الحمود‪ :‬أبرز املشاركني مع كل عام‪ ،‬وحقق الجائزة الثالثة ألفضل‬ ‫فيلم قصير في فئة الطلبة عن فيلم (أبيض وأبيض) عام ‪ ،2007‬كما‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا مع آخر أفالمه (سكراب) الجائزة الثالثة ألفضل فيلم‬ ‫حقق‬ ‫قصير في املسابقة الرسمية ملهرجان الخليج السينمائي عام ‪.2013‬‬ ‫عهد كامل‪ :‬أخرجت فيلم (القندرجي) عام ‪ ،2009‬والذي فاز بالجائزة‬ ‫األولى في مهرجان بيروت السينمائي الدولي ‪ .2010‬فاز الفيلم‬ ‫بالجائزة الثانية في مهرجان الخليج السينمائي ألفضل فلم قصير‬ ‫‪ ،2010‬كما فاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان‬ ‫وهران الجزائري ‪ ،2010‬كما حقق فيلمها األخير (حرمة) الجائرة‬ ‫الثانية ألفضل فيلم قصير في املسابقة الرسمية ملهرجان الخليج‬ ‫السينمائي عام ‪.2013‬‬ ‫محمد الظاهري‪ :‬ضمن مجموعة تالشي السينمائية الفائز عن فيلم‬ ‫(شروق‪ /‬غروب) بالجائزة الثالثة ألفضل فيلم قصير في مهرجان‬ ‫الخليج ‪ 2009‬وفضية مهرجان بيروت الدولي‪ ،‬وجائزة الفيبريسكي‬ ‫االتحاد الدولي للنقاد‪.‬‬ ‫حسام الحلوة‪ :‬ضمن مجموعة تالشي قدم فيلمني هما‪( :‬مابي !)‪،‬‬ ‫و(عودة) الفائز بأفضل سيناريو في مهرجان الخليج ‪.2010‬‬ ‫سمير عارف‪ :‬الذي شارك في املهرجانات السينمائية بعدة أفالم‬ ‫قصيرة مثل‪( :‬طريقة صعبة)‪( ،‬نسيج العنكبوت)‪ ،‬و(عيون بال روح)‪،‬‬ ‫و(مجرد كلمة)‪ ،‬و(انتظار)‪ ،‬كما شارك في مهرجان الخليج في دورته‬ ‫السادسة ‪ 2013‬بأول فيلم روائي طويل هو (صدى)‪ ،‬والذي يحكي‬ ‫ً‬ ‫سليما معافى ألبوين يعانيان من الصم والبكم‪ ،‬ما‬ ‫قصة طفل "و ِلد‬ ‫وضعه في مواجهة مشاكل اجتماعية ونفسية مع املجتمع الخارجي‬ ‫الفضولي‪ ،‬وخاصة زمالءه في املدرسة‪ .‬ورغم سعادة الوالدين بهذا‬ ‫االبن إال أن األب يقرر االمتناع عن إنجاب آخر‪ ،‬ما يوقع األسرة في‬ ‫صراع نفسي كبير"‪.‬‬

‫وجدة افضل االفالم السعودية الطويلة‬ ‫واشهرها وأكثرها أصالة‬

‫‪,,‬‬

‫املخرجة‬ ‫السعودية‬ ‫«هيفاء املنصور»‬ ‫يمكن اعتبارها‬ ‫أول مخرجة‬ ‫سعودية‬ ‫اشتهرت مؤخرًا‬ ‫بفيلم (وجدة)‬ ‫الذي يناقش‬ ‫واقع املرأة‬ ‫السعودية‬ ‫وفاز بجوائز‬ ‫سينمائية مهمة‬ ‫خليجيًا ودوليًا‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪61‬‬


‫ثقافة‬

‫ربما تكون أبعد إشارة نجدها للسينما في السعودية هي ما ذكره الناقد واملؤرخ السينمائي‬ ‫الشهير الفرنسي جورج سادول في كتابه املهم (تاريخ السينما في العالم)‪ ،‬والذي يعده الكثير‬ ‫الكتاب األساسي للسينمائيني‪.‬‬

‫قصة الفيلم السعودي خالل أربعني سنة‬

‫السينما املرحتلة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫فهد األسطا‬

‫‪,,‬‬

‫عدد األفالم‬ ‫املنتجة في‬ ‫السعودية خالل‬ ‫األربعني سنة‬ ‫املاضية يصل‬ ‫لقرابة ثالثمائة‬ ‫فيلم تركز إنتاج‬ ‫معظمها في‬ ‫السنوات العشر‬ ‫األخيرة مما‬ ‫يعكس االهتمام‬ ‫املتسارع‬ ‫بالسينما في‬ ‫السعودية‬

‫‪,,‬‬

‫‪60‬‬

‫الكتاب وبسبب حجم التقصي واملعلومات والجهد الذي بذله جورج‬ ‫سادول املتوفى سنة ‪ 1967‬حينما استمر ‪ -‬وملدة ثماني عشرة سنة‪-‬‬ ‫يقوم بتعديله واإلضافة إليه في كل طبعة حتى أكمله عام ‪ 1958‬تحت‬ ‫ً‬ ‫مسمى (تاريخ السينما في العالم) متحدثا باسترسال عن أكثر من‬ ‫خمسني دولة ذات إنتاج سينمائي بعد عناء كبير‪ ،‬وسنوات من السفر‬ ‫والتنقل والتردد على املكتبات السينمائية‪ ،‬وحضور أكثر من مائة‬ ‫مهرجان سينمائي حول العالم‪ .‬واالنتقال للعيش في دول متعددة؛‬ ‫ليكون أقرب إلى إدراك إنتاجها السينمائي‪ ،‬حيث زار الهند والصني‬ ‫واليابان واملكسيك وكوبا والبرازيل واألرجنتني واالتحاد السوفيتي‬ ‫وتشيكوسلوفاكيا ‪ -‬في وقته ‪ -‬ورومانيا وهنغاريا ويوغسالفيا‬ ‫وتونس والجزائر ومصر وسوريا ولبنان‪ ،‬وكان ‪ -‬على حد قوله في‬ ‫زياراته هذه ‪ -‬يمتنع عن زيارة املتاحف واألماكن السياحية‪ ،‬ويحبس‬ ‫نفسه في قاعات العرض ليشاهد ما يقارب املائة فلم من األفالم‬ ‫الطويلة في كل بلد‪ ،‬حتى خرج الكتاب في طبعته الفرنسية فيما‬ ‫يقرب الخمسمائة وأربعني صفحة‪ ،‬منها السينما العربية التي كتبها‬ ‫استجابة ملا عهدت إليه اليونسكو بكتابة مقتطفات مكرسة عن‬ ‫السينما العربية‪ ،‬وتاريخها وحالها الحاضر وتطوراتها‪ .‬وهو مع ذلك‬ ‫يقول عن كتابه هذا‪" :‬إنها لصفحات قليلة تعجز عن احتواء سبعني‬ ‫عاما من التاريخ في سبعني ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خصوصا إذا ما أريد للكتاب أن يظل‬ ‫بلدا‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مقروءا‪ ،‬وأن ال يأتي شبيها بدليل للهاتف يعدد أسماء السينمائيني‬ ‫وعناوين األفالم"‪ .‬ومع ذلك فقد واصل اإلضافة حتى ما قبل وفاته‬ ‫بسنة‪ ،‬حيث ذكر في الطبعة ‪ 1967‬عدة صفحات عن سينما الجزيرة‬ ‫العربية ‪-‬ومنها السعودية‪ -‬حينما قال‪" :‬كانت اململكة السعودية عام‬ ‫ًّ‬ ‫رسميا‬ ‫‪ 1965‬الدولة الوحيدة في العالم العربي التي يجهل سكانها‬ ‫َّ‬ ‫كل شيء عن السينما"‪.‬‬ ‫وهو يعزو هذا األمر للموقف الديني املتشدد وقتها تجاه السينما‪،‬‬ ‫بالرغم من وجودها داخل املجمعات السكنية للموظفني الغربيني مثل‬ ‫موظفي شركة (أرامكو)‪ ،‬والتي تعرض أحدث األفالم وقتها‪ .‬لكنه في‬ ‫نفس الوقت –وهو يذكر هذا عام ‪ 1966‬في طبعة الكتاب األخيرة–‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫ً‬ ‫"وبناء على ما فعله امللك فيصل في افتتاح التلفزيون حينها‪ ،‬فإن‬ ‫ً‬ ‫هناك أيضا اتفاقات جارية مع شركات أمريكية لبناء شبكة من دور‬ ‫ً‬ ‫السينما يرتادها السكان العرب" كما أشار أيضا لشراء امللك فيصل‬ ‫نفسه ‪-‬حني إقامته في لندن‪ -‬نسختني من فيلم (لورنس العرب)‬ ‫التحفة السينمائية الشهيرة لديفيد لني‪ ،‬والحائزة على أوسكار أفضل‬ ‫فيلم عام ‪ ."1962‬وما حدث فيما بعد هو أن الصاالت السينمائية‬ ‫افتتحت خالل السبعينات امليالدية عبر األندية الرياضية على وجه‬ ‫التحديد للرجال فقط‪ ،‬ولكن بشكل عشوائي تفتقد فيه التنظيم‬ ‫والتهيئة الالزمة للمشاهدة والتسويق املناسب‪ ،‬واالختيار الجاد‪ ،‬إال‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫ً‬ ‫أنها لم تدم طويال‪ ،‬حيث تم إغالقها ‪-‬وبشكل نهائي‪ -‬مع أشياء كثيرة‬ ‫تراجع عنها املجتمع السعودي وقتها‪ ،‬وانسحبت الحكومة السعودية‬ ‫من دعمها لعدد كبير من مناشط االنفتاح كردة فعل آنية تجاه أحداث‬ ‫الحرم الشهيرة عام ‪ ،1400‬واقتحام جهيمان وجماعته لبيت الله‬ ‫بدعوى دينية تبناها –يشير املؤلف روبيرت ليسي في كتابه (اململكة‬ ‫من الداخل) لشيء كبير من هذا األمر –‪.‬‬ ‫لكننا في عام ‪ 1977‬سنشهد ما يمكن أن يشير إلى أول فيلم‬ ‫سعودي بعنوان (اغتيال مدينة) لعبد الله املحيسن‪ ،‬والذي يجعل منه‬ ‫أول مخرج سعودي‪ ،‬حيث َّ‬ ‫قدم هذا الفيلم الوثائقي الذي ال يتجاوز‬ ‫خمس عشرة دقيقة‪ ،‬والذي عرض في مهرجان القاهرة وقتها‪ ،‬وهو‬ ‫يتحدث عن الحرب األهلية اللبنانية‪ ،‬ومدى الضرر الذي ألحقته هذه‬ ‫الحرب بمدينة بيروت الجميلة‪ ،‬وحاز حينها على جائزة (نفرتيتي)‬ ‫ألفضل فيلم قصير‪ ،‬كما كان الفيلم قد عرض في مهرجان القاهرة‬ ‫السينمائي عام ‪ 1977‬تم عرض الفيلم خارج املسابقة ضمن عروض‬ ‫أفالم الشخصية املكرمة في مسابقة أفالم السعودية ‪ 2008‬ومهرجان‬ ‫جدة الثالث لألفالم عام ‪ 2008‬وهذا ما يجعلنا نرسم مالمح املرحلة‬ ‫األولى من تاريخ الفيلم السعودي‪ ،‬والتي يمكن تسميتها‪:‬‬

‫مرحلة املخرج الوحيد‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وحيدا بعدد ليس بالكبير من‬ ‫حيث يتواجد فيها عبد الله املحيسن‬ ‫التجارب واألفالم‪ ،‬والتي نجح في إيصالها خارج اململكة من خالل‬ ‫العروض واملشاركات في مهرجانات عربية متنوعة بدأها مع فيلم‬ ‫(اغتيال مدينة) كفيلم سينمائي – على أنه يمكن اإلشارة إلى أن‬ ‫ًّ‬ ‫املحيسن سبق وأخرج ً‬ ‫تسجيليا عام ‪ 1975‬بعنوان (تطوير‬ ‫فيلما‬ ‫مدينة الرياض)‪ ،‬وشارك به في مهرجان األفالم التسجيلية في‬ ‫القاهرة ‪ -1976‬ثم بعد سنوات توقف‪ ،‬يعود املحيسن من جديد عبر‬ ‫فيلم (اإلسالم جسر املستقبل) عام ‪ ،1982‬والذي يصور فيه املراحل‬ ‫التاريخية للقضايا العربية واإلسالمية بداية من هجمات التتار‬ ‫ً‬ ‫مرورا باالستعمار اإلنجليزي والفرنسي‪ ،‬وتسلل اليهود‬ ‫واملغول‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إلى املنطقة العربية‪ ،‬وانتهاء ببروز القوتني العظيمتني في العالم‪ ،‬حيث‬ ‫ِّ‬ ‫يجسد الفيلم املعاناة العربية واإلسالمية بشكل مؤثر‪ ،‬وقد شارك‬ ‫املخرج بالفيلم في مهرجان القاهرة السادس‪ ،‬ونال الجائزة الذهبية‪،‬‬ ‫كما عرض الفيلم خارج املسابقة ضمن عروض أفالم الشخصية‬ ‫املكرمة في مسابقة أفالم السعودية ‪.2008‬‬ ‫ً‬ ‫وانتهاء بفيلم (الصدمة) عام ‪ 1991‬وهو وثائقي يقدم فيه رؤيته‬ ‫الخاص عما حدث في عام ‪ 1990‬من أحداث غزو الكويت‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تحريرها وحرب الخليج واألثر الذي أحدثته هذه األزمة على املنطقة‪،‬‬ ‫وهو آخر أفالم املحيسن في هذه املرحلة‪ ،‬قبل أن يعود املحيسن‬


‫‪www.majalla.com‬‬

‫العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫علي ال�سمان‪ :‬من عبد النا�سر اىل مر�سي‪..‬من يكتب خطاب الرئي�س؟‬ ‫عبد اهلل بن اإبراهيم القويز‪ :‬االآثار االقت�سادية لـ « الربيع العربي» على دول اخلليج‬ ‫�سونر كاجابتاي و جيم�س جيفري‪ :‬االإرث الغربي واآفاق اأ�سلمة تركيا‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪05‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪issue 1583 - May 2013‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫فالديمير بوتني وبشار األسد مع حرميهما خالل زيارة الرئيس السوري الى روسيا‬

‫املتحدة ذلك الدور في الحفاظ على االستقرار‪ :‬فكما يرى بوتني‪ ،‬عندما‬ ‫انسحبت الواليات املتحدة من العراق‪ ،‬تركت وراءها رجال شيعيا قويا‪،‬‬ ‫نوري املالكي‪ ،‬لكي يقمع السنة‪ ،‬كما أن انسحاب الواليات املتخدة من‬ ‫أفغانستان لم يخلف سوى حالة من الغموض وراءها‪.‬‬

‫�سوف ي�ستمر الرئي�س الرو�سي يف‬ ‫معار�ضة التدخل والإ�صرار على‬ ‫املفاو�ضات مع الأ�سد كجزء من �أي‬ ‫حل م�ستقبلي حتى يظهر �شخ�ص‬ ‫قوي ميكنه ا�ستعادة قدر من‬ ‫النظام داخل تلك الفو�ضى التي‬ ‫تعم �سوريا‬

‫وباختصار‪ ،‬يشك بوتني في‬ ‫أن تتمكن الواليات املتحدة‬ ‫واملجتمع الدولي من تحقيق‬ ‫االستقرار في سوريا ومن‬ ‫ثم فإنه ما زال يقف إلى جانب‬ ‫النظام املترنح باعتباره الوسيلة‬ ‫الوحيدة لتفادي انهيار الدولة‬ ‫بمجملها‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن بوتني يتطلع‬ ‫إلى سوريا بينما يرى الشيشان‪،‬‬ ‫فإن املوقفني مختلفان تماما‪.‬‬ ‫فسوريا بمجملها تعاني من‬ ‫حرب أهلية‪ ،‬وليس لدى األسد‬ ‫نفس املوارد التي كانت لدى‬ ‫بوتني وهو يتعامل مع الشيشان‪.‬‬

‫فهو ال يستطيع القضاء على الشخصيات املحركة لألحداث ومؤيدي‬ ‫املعارضة بالخارج كما فعل بوتني في الشيشان بما في ذلك اغتيال‬ ‫رئيس الشيشان بالوكالة‪ ،‬سليم خان بندرباييف‪ ،‬في قطر عام ‪2004‬‬ ‫لوقف حملته للحصول على التمويل وتوفير الدعم للبالد‪.‬‬

‫ونظرا لفشله في قمع أو احتواء املعارضة‪ ،‬دفع األسد بسوريا إلى‬ ‫حافة الهاوية‪.‬‬ ‫كما أن سوريا تعج باألسلحة التقليدية باإلضافة إلى ترسانة من‬ ‫أسلحة الدمار الشامل التي تمثل خطرا كبيرا على الدول املجاورة –‬ ‫لبنان‪ ،‬األردن‪ ،‬تركيا‪ ،‬العراق‪ ،‬إسرائيل‪ ،‬وإيران — والتي وجدت نفسها‬ ‫متورطة في النزاع‪ .‬وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬وعلى الرغم من تدفق املال‬ ‫والرجال إلى الشيشان وتدفق الالجئني واإلرهابيني إلى باقي أنحاء‬ ‫روسيا (في بعض األحيان‪ ،‬أذربيجان‪ ،‬وجورجيا‪ ،‬وتركيا)‪ ،‬لم يكن‬ ‫هناك تهديد مشابه في حرب الشيشان‪ ،‬ولم تكن هناك قوى خارجية‬ ‫متورطة‬ ‫أن للشيشان جيرانا سيئني‪ ،‬فجيران سوريا أسوأ‪ ،‬ومن ثم فال‬ ‫يمكن احتواء النزاع السوري مثلما حدث في الشيشان‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫تلك الفروق بني الحالتني‪ ،‬وحجم املأساة اإلنسانية لن يقنعا بوتني‬ ‫بتغيير وجهة نظره تجاه سوريا؛ فسوف يستمر الرئيس الروسي‬ ‫في معارضة التدخل واإلصرار على املفاوضات مع األسد كجزء من‬ ‫أي حل مستقبلي‪ ،‬حتى يظهر شخص قوي يمكنه استعادة قدر من‬ ‫النظام داخل تلك الفوضى التي تعم سوريا‪ .‬وإذا‪ ،‬بحدوث معجزة‪ ،‬لم‬ ‫تتحول سوريا إلى كارثة إقليمية شاملة‪ ،‬سوف يحيي بوتني نفسه‬ ‫ويقول إن الفضل يرجع له ألنه منع أي تدخل‪.‬‬ ‫ولكن إذا ما تحقق السيناريو األكثر احتماال‪ ،‬فسوف يلقي بوتني‬ ‫باللوم على واشنطن‪ ،‬محمال إياها مسؤولية تدمير سوريا وتمكني‬ ‫املتطرفني السنة من خالل االحتفاء بالديمقراطية والثورات العربية‪.‬‬ ‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬فإن عناد بوتني سوف يحول أسوأ كوابيسه –‬ ‫تفتيت دولة ذات أهمية جيوسياسية ‪ -‬إلى حقيقة‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أيار‪ -‬مايو ‪58 - 2013 /‬‬


‫وليس ذلك بمستغرب إذ إن العقبة الرئيسية أمام أي تغير في‬ ‫الحسابات الروسية هي الرئيس فالديمير بوتني نفسه وكراهيته‬ ‫الشديدة والدائمة إلجراء تغيير عنيف للنظام‪.‬‬ ‫ملاذا يقدم بوتني هذا الدعم املستمر لألسد؟ ظاهريا‪ ،‬تحقق موسكو‬ ‫أرباحا من تصدير األسلحة إلى سوريا‪ ،‬كما أنها تعتمد على عالقتها‬ ‫الطيبة بالنظام في تأمني الوصول ملنشآتها البحرية في ميناء طرطوس‬ ‫على البحر املتوسط‪ .‬ولكن تلك املصالح هامشية ورمزية؛ حيث يرجع‬ ‫دعم بوتني لنظام األسد إلى خوفه من انهيار الدولة – وهو الخوف الذي‬ ‫واجهه على نحو مباشر أثناء انفصال الشمال القوقازي بروسيا؛‬ ‫جمهورية الشيشان؛ وقمعه بوحشية عبر حرب أهلية دموية وعملية‬ ‫ملكافحة التمرد استمرت في الفترة ما بني ‪ 1999‬و ‪.2009‬‬ ‫(في روسيا‪ ،‬الجمهوريات هي وحدات فيدرالية شبه مستقلة تشكل‬ ‫املناطق التاريخية للجماعات الروسية غير العرقية بالبالد)‪.‬‬ ‫وفي سلسلة من الحوارات التي أجريت معه في عام ‪ ،2000‬صرح‬ ‫بوتني أن “جوهر‪ ..‬الوضع في شمال القوقاز والشيشان‪ ..‬هو استمرار‬ ‫انهيار االتحاد السوفييتي‪ ..‬وإذا لم نفعل شيئا سريعا لوقف ذلك‪،‬‬ ‫سوف ينتهي وجود دولة روسيا في شكلها الحالي‪ ..‬وكنت مقتنعا‬ ‫أننا إذا لم نتمكن من وقف املتطرفني على الفور (في الشيشان)‪ ،‬فإننا‬ ‫سرعان ما سنواجه يوغسالفيا جديدة في كافة أراضي االتحاد‬ ‫الروسي – يوغسالفية روسيا‪.‬‬ ‫ونحن نعرف كيف كان بوتني يشعر تجاه انتهاء االتحاد السوفياتي؛‬ ‫ففي عام ‪ 2005‬أطلق عليه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن‬ ‫العشرين”‪ ،‬وهو التعليق الذي يكشف إحساسه باألسى النهيار الدولة‬ ‫السوفياتية أكثر من انتهاء الشيوعية‪.‬‬ ‫بالنسبة لبوتني‪ ،‬تستدعي سوريا تجربة الشيشان‪ .‬فقد وضع كال‬ ‫النزاعني الدولة في مواجهة قوات معارضة يائسة وتفتقر إلى القيادة‬ ‫والتي ضمت إليها في النهاية جماعات إسالمية سنية متطرفة‪.‬‬ ‫ووفقا لرأي بوتني – وهو الرأي الذي يؤكده كثيرا في لقاءاته مع نظرائه‬ ‫األميركيني واألوربيني — سوريا هي املعركة األخيرة في صراع عاملي‬ ‫وممتد لعدة عقود بني الدول العلمانية واإلسالمية السنية بدأت أوال‬ ‫في أفغانستان مع طالبان ثم انتقلت إلى الشيشان ومزقت عددا من‬ ‫الدول العربية إربا‪.‬‬ ‫ومنذ توليه للسلطة (في البداية كرئيس للوزراء في ‪ 1999‬ثم كرئيس‬ ‫في عام ‪ )2000‬ليجد نفسه في خضم حرب الشيشان‪ ،‬أعرب بوتني‬ ‫عن مخاوفه من التطرف اإلسالمي السني ومن املخاطر التي تمثلها‬ ‫الجماعات “الجهادية” بالنسبة لروسيا في ظل وجود أعداد سكانية‬ ‫كبيرة من السنة في البالد والذين يتركزون في شمال القوقاز‪ ،‬في‬ ‫منطقة “الفولجا” وفي املدن الكبرى مثل موسكو‪.‬‬ ‫وكانت الرغبة في السيطرة على التطرف هي أحد األسباب الرئيسية‬ ‫التي دفعت بوتني ألن يساعد الواليات املتحدة في مواجهة طالبان في‬ ‫أفغانستان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)‪ ،‬كما أنه‬ ‫السبب في حفاظ روسيا على عالقات وثيقة مع شيعة إيران التي‬ ‫تراها كمعادل لقوة السنة‪.‬‬ ‫وفي حالة الشيشان‪ ،‬أوضح بوتني أن استرداد الجمهورية من أيدي‬ ‫“قوات املعارضة املتطرفة” يستحق كافة التضحيات‪ .‬وفي خطاب له‬ ‫في سبتمبر (أيلول) ‪ ،1999‬وعد بوتني بمالحقة متمردي وإرهابيي‬ ‫الشيشان حتى “خارج الوطن”‪.‬‬

‫وبالفعل قام بوتني بذلك‪ ،‬فقد قتل بعض زعماء املعارضة بهجمات‬ ‫صاروخية في مكامنهم‪ ،‬حتى تحولت عاصمة الشيشان‪ ،‬غروزني‪،‬‬ ‫إلى ركام؛ وقتل عشرات اآلالف من املدنيني باإلضافة إلى املقاتلني‬ ‫الجهاديني الذين جاءوا إلى الشيشان بتشجيع من الجماعات املتطرفة‬ ‫في العالم العربي بما في ذلك سوريا‪.‬‬ ‫وقد تعرضت موسكو وغيرها من املدن الروسية األخرى لهجمات‬ ‫إرهابية مدمرة‪ .‬ثم أصبح ما فعله بوتني بالشيشان عبرة ملا يمكن أن‬ ‫يحدث للمتمردين واإلرهابيني – وبالطبع لكافة الجماعات األخرى من‬ ‫الناس — إذا ما هددوا الدولة الروسية‪.‬‬ ‫فإما سيتم القضاء عليهم أو أنهم سيركعون – وهو املصير الذي‬ ‫يتمناه الرئيس بوتني للمتمردين السوريني‪ .‬وبعد عقدين من الصراع‬ ‫على االنفصال‪ ،‬تمكن بوتني من احتواء انتفاضة الشيشان‪ ،‬حيث‬ ‫يترأس حاليا الجمهورية رمضان قديروف‪ ،‬املتمرد السابق الذي حول‬ ‫والءه إلى موسكو‪.‬‬ ‫وقد منح بوتني لقديروف وأعوانه العفو وكلفهم بمالحقة املسلحني‬ ‫والخصوم السياسيني‪ .‬وقد أعاد قديروف بناء غروزني (بتمويل‬ ‫وفير من موسكو) وأنشأ‬ ‫نسخته الخاصة من الجمهورية‬ ‫الشيشانية اإلسالمية التي‬ ‫تدينها منظمات حقوق اإلنسان‬ ‫لقمعها الوحشي للمعارضة‪.‬‬ ‫وخالل العامني املاضيني‪ ،‬كان‬ ‫بوتني يتمنى أن يتمكن األسد‬ ‫من تحقيق ما نجح فيه بوتني‬ ‫في الشيشان ويهزم املعارضة‪.‬‬

‫نظرا لتاريخ حافظ الأ�سد‪� ،‬أبي ب�شار‬ ‫الدموي يف قمع االنتفا�ضات توقع‬ ‫بوتني �أال يواجه النظام م�شكلة يف‬ ‫احلفاظ على متا�سك الدولة‪ .‬ولكن يبدو‬ ‫�أن الأ�سد �أخفق وبوتني لي�س هو الرجل‬ ‫الذي يراهن على احل�صان اخلا�سر‬

‫ونظرا لتاريخ حافظ األسد‪،‬‬ ‫أبي بشار‪ ،‬الدموي في قمع‬ ‫االنتفاضات‪ ،‬توقع بوتني أال‬ ‫يواجه النظام مشكلة في الحفاظ‬ ‫على تماسك الدولة‪ .‬ولكن يبدو‬ ‫أن األسد أخفق‪ ،‬وبوتني ليس هو الرجل الذي يراهن على الحصان‬ ‫الخاسر‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يدرك بوتني وبقية القيادة الروسية أن تأييدهم القوي‬ ‫لألسد قد أضر بموقف روسيا في العالم العربي‪ ،‬ولكنهم ليس لديهم‬ ‫بديل للخروج من املأزق؛ فما زال بوتني غير مستعد للسماح بتدخل‬ ‫يمكن أن يؤدي إلى تفكيك الدولة السورية ويخاطر بخلق موقف‬ ‫مشابه ألفغانستان في التسعينيات‪ ،‬عندما كانت الجماعات املتحاربة‬ ‫من املتطرفني تحارب بعضها البعض وتوفر أرضا خصبة للجهاد‬ ‫العاملي‪.‬‬ ‫ووفقا لبوتني‪ ،‬أسهمت حالة الفوضى التي سادت ليبيا بعد سقوط‬ ‫القذافي والتي أصبحت مصدرا للسالح واملقاتلني والالجئني لجيرانها‬ ‫في إلقاء املزيد من الضوء على مخاطر التدخل الدولي‪.‬‬ ‫ولكن قبل التخلي عن األسد‪ ،‬على بوتني أن يجيب على بعض األسئلة‬ ‫امللحة‪ :‬من سيكون مسؤوال عن تداعيات سقوط النظام؟ من الذي‬ ‫سيتحكم في املتطرفني السنة؟ من الذي سيبقي املتطرفني بعيدا‬ ‫عن شمال القوقاز واملناطق الروسية األخرى ذات األغلبية من السنة‬ ‫املسلمني؟ وأخيرا‪ ،‬من الذي سيحافظ على أمن األسلحة الكيماوية‬ ‫في سوريا؟ مما ال شك فيه أن بوتني ال يثق في أن تلعب الواليات‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أيار‪ -‬مايو ‪57 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫السبب الحقيقي وراء دعم بوتني لألسد‬

‫خلط بني سوريا والشيشان‬

‫بوتني يستقبل األسد في الكرملني قبل اندالع الثورة في سوريا‬

‫بقلم‪ :‬فيونا هيل *‬

‫ليس هناك سوى عدد محدود من القضايا التي يمكنها تفسير حدود “تغير” عالقة إدارة أوباما بروسيا بخالف‬ ‫األزمة في سوريا‪ .‬فلمدة تزيد على العام‪ ،‬كانت الواليات املتحدة تحاول العمل مع روسيا لكي تجد حال إلنهاء العنف‬ ‫ولكنها كانت تخفق؛ حيث تعارض موسكو بشدة التدخل الدولي لخلع الرئيس السوري بشار األسد من السلطة‬ ‫بحجة أن النزاع يجب حله عبر املفاوضات وأن األسد يجب أن يكون جزءا من أي اتفاق انتقالي يؤدي إلى تشكيل‬ ‫حكومة جديدة‪ .‬وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الروسي‪ ،‬سيرغي الفروف‪ ،‬تواصل مؤخرا مع قيادات املعارضة‬ ‫السورية‪ ،‬فلم تصدر عن تلك املحادثات أية إرهاصات بأن الكرملني يعيد التفكير جديا في مواقفه تجاه سوريا‪.‬‬ ‫* زميلة الباحثني ببرنامج السياسة الخارجية؛ “ستيفن وباربرا فريدمان» بمعهد بروكينغز وشاركت مع كليفورد غادي في تأليف كتاب “السيد بوتني‪ :‬العمل في الكرملني»‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أيار‪ -‬مايو ‪56 - 2013 /‬‬


‫ولكي يلتف نتنياهو حول ذلك الشرط األخير والشائك‪ ،‬أكد أن إسرائيل‬ ‫خففت مؤخرا من القيود على دخول البضائع املدنية إلى غزة ووافق‬ ‫على العمل مع تركيا على تحسني األوضاع اإلنسانية هناك‪ .‬وما‬ ‫زال العمل جاريا على التفاصيل ولكن يبدو أن البلدين في طريقهما‬ ‫الستئناف التعاون في عدد من املناطق‪.‬‬

‫تركيا وإسرائيل بالرضا على التواصل والتعاون بينهما‪ .‬ومن املجاالت‬ ‫األخرى التي تحتاج تركيا مساعدة إسرائيل بها هي الطاقة؛ إذ إن‬ ‫عجز موازنة تركيا الحالي الذي بلغ ‪ 48.8‬مليار دوالر في ‪ 2012‬هو‬ ‫في مجمله نتاج اعتماد البالد على استيراد البترول والغاز الطبيعي؛‬ ‫فتركيا ليست لديها موارد طبيعية‪.‬‬

‫وكان واضحا منذ فترة أن إسرائيل على استعداد لالعتذار لتركيا‪،‬‬ ‫ولكن لم يكن من الواضح إذا ما كانت تركيا سوف تقبل هذا االعتذار‬ ‫أم ال؛ فبعد انتهاء موسم االنتخابات في إسرائيل‪ ،‬لم يعد على نتنياهو‬ ‫القلق بشأن االنتقادات القومية التي يمكن أن يتعرض لها جراء إصالح‬ ‫العالقات مع تركيا‪ ،‬كما أن االستبعاد املؤقت لوزير الخارجية أفيغدور‬ ‫ليبرمان من مجلس الوزراء أزال كبرى العقبات أمام املصالحة من‬ ‫الجانب اإلسرائيلي‪.‬‬

‫باإلضافة إلى أن تركيا تدفع مبالغ طائلة لشراء الغاز الطبيعي الروسي‬ ‫واإليراني عبر عقود مجحفة‪ .‬وفي بداية الشهر الحالي‪ ،‬تحدثت مع عدد‬ ‫من الناس في تركيا ‪ -‬وزراء حكوميون‪ ،‬وسياسيون في املعارضة‪،‬‬ ‫ورجال أعمال‪ ،‬وزعماء التحادات عمالية ‪ -‬تحدث جميعهم حول تزايد‬ ‫احتياجات تركيا من الطاقة وأعربوا عن أسفهم العتماد البالد املتزايد‬ ‫على الغاز الطبيعي الروسي واإليراني‪.‬‬

‫ولكن السياسة في تركيا لها أبعاد مختلفة؛ حيث أضرت القضية‬ ‫الفلسطينية إلى حد كبير بشعبية إسرائيل هناك‪ ،‬كما أن النزاع مع‬ ‫إسرائيل كانت له أهمية سياسية بالنسبة ألردوغان الذي كان قادرا‬ ‫على شن هجوم على إسرائيل في أي وقت يشاء لكي يحول االنتباه عن‬ ‫القضايا املحلية الشائكة‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬كانت مفاوضات الحكومة‬ ‫مع عبد الله أوجالن‪ ،‬زعيم حزب العمال الكردستاني االنفصالي تتصدر‬ ‫عناوين األخبار املحلية التركية حتى نعت أردوغان الصهيونية بأنها‬ ‫جريمة ضد اإلنسانية جاذبا األضواء عن تلك املفاوضات‪.‬‬ ‫وأخذا في االعتبار تلك املزايا السياسية املحلية‪ ،‬لم يكن لدى أنقرة‬ ‫العديد من األسباب التي تدفعها للمصالحة مع إسرائيل من قبل‪ ،‬ولكن‬ ‫أخبار األسبوع الحالي تشير إلى أن تركيا أدركت أخيرا أنها سوف‬ ‫تخسر أكثر مما تكسب من تجميد عالقتها بإسرائيل‪ ،‬إذ يمكن‬ ‫لتركيا االستعانة بمساعدة إسرائيل في األزمة األكثر إلحاحا على‬ ‫صعيد السياسة الخارجية وهي الحرب األهلية السورية باإلضافة إلى‬ ‫مخاوفها االقتصادية املتعلقة بأمن الطاقة‪.‬‬ ‫بالنسبة ألنقرة‪ ،‬تمثل األزمة السورية صداعا مستمرا؛ حيث تتكبد‬ ‫تركيا خسائر تجارية باإلضافة إلى أنها اضطرت للجوء للناتو‬ ‫للحصول على صواريخ باتريوت ملواجهة أية تهديدات حدودية‪ ،‬كما‬ ‫كان عليها استضافة ما يقرب من نصف مليون الجئ سوري‪ .‬وقد‬ ‫القت مطالبة أنقرة لألسد بالتنحي كذلك مطالبها بتدخل الناتو من‬ ‫خالل فرض منطقة حظر طيران وتوفير أسلحة ثقيلة للمتمردين‬ ‫السوريني أذنا صماء‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن ذلك كله سيئ بالنسبة لزعماء تركيا‪ ،‬غير دخول‬ ‫األسلحة الكيماوية السورية مؤخرا في معادلة الحسابات التركية تماما؛‬ ‫فاآلن أكثر من أي وقت سابق‪ ،‬أصبحت تركيا تحتاج إلى استخبارات‬ ‫أفضل وإلى حلفاء إلنهاء الحرب األهلية أو على األقل منعها من التفاقم‪،‬‬ ‫حيث ال تستطيع تركيا أن تتحمل استخدام األسلحة الكيماوية على‬ ‫مقربة من حدودها مع سوريا وكلما طال أمد القتال‪ ،‬كلما زادت فرص‬ ‫استخدام األسلحة الكيماوية‪.‬‬ ‫وببساطة‪ ،‬لدى إسرائيل استخبارات أفضل فيما يتعلق بالتطورات‬ ‫اإلقليمية مما لدى تركيا‪ ،‬وتستطيع تركيا أن تفيد من تلك املساعدات‬ ‫في مراقبة مخازن سالح األسد وتحركات القوات على كال الجانبني‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى أنه في الوقت الذي أبدت فيه الواليات املتحدة وبلدان حلف‬ ‫األطلسي ترددا في دعم املتمردين السوريني بأي طريقة نافعة‪ ،‬كان‬ ‫لدى إسرائيل دافع مهم لتعزيز هيمنة الجماعات السنية املعتدلة في‬ ‫مواجهة العناصر الجهادية الراديكالية من املعارضة‪.‬‬ ‫وكلما ازدادت األوضاع في سوريا اشتعاال‪ ،‬سوف تشعر كل من‬

‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬اكتشفت إسرائيل للتو حقلني جديدين للغاز‬ ‫الطبيعي «تمار ولڤياثان» على سواحلها في شرق البحر املتوسط‪.‬‬ ‫ونظرا ألن تركيا ليس لديها أمل في تهدئة العالقات مع قبرص‪،‬‬ ‫خصمها األبدي‪ ،‬والتي كانت ثاني املستفيدين الرئيسيني من ازدهار‬ ‫الغاز في البحر املتوسط‪ ،‬فمن‬ ‫املرجح أن تتجه إلسرائيل‬ ‫كمورد للغاز الطبيعي‪ .‬وفي‬ ‫ظل تباطؤ النمو االقتصادي‬ ‫التركي‪ ،‬فإن إمكانات إسرائيل‬ ‫كشريك تجعل املصالحة أكثر‬ ‫جاذبية اآلن أكثر من أي وقت‬ ‫آخر في السنوات املاضية‪.‬‬ ‫وهناك عوامل أخرى جعلت هذا‬ ‫األسبوع هو الوقت املثالي ألن‬ ‫تقبل تركيا اعتذار إسرائيل‬ ‫فمبدئيا‪ ،‬سمح القيام بذلك خالل‬ ‫رحلة الرئيس باراك أوباما إلى‬ ‫املنطقة ألردوغان أن يقدم نصرا‬ ‫سياسيا للرئيس‪.‬‬

‫ال�سيا�سة يف تركيا لها �أبعاد خمتلفة‬ ‫حيث �أ�ضرت الق�ضية الفل�سطينية �إىل‬ ‫حد كبري ب�شعبية �إ�سرائيل هناك‪ ،‬كما‬ ‫�أن النزاع مع �إ�سرائيل كانت له �أهمية‬ ‫�سيا�سية بالن�سبة لأردوغان الذي كان‬ ‫قادرا على �شن هجوم على �إ�سرائيل يف‬ ‫�أي وقت ي�شاء لكي يحول االنتباه عن‬ ‫الق�ضايا املحلية ال�شائكة‬

‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬يستطيع‬ ‫أردوغان االدعاء بأنه جعل‬ ‫إسرائيل تركع حيث كان‬ ‫القوميون األتراك يستعدون النتقاده بشأن التفاوض مع أوجالن‬ ‫واتخاذه توجها لينا مع أكراد تركيا‪ ،‬فما زالت قطاعات واسعة من‬ ‫الشعب التركي ال تعترف بوجود مشكلة كردية وتنظر ألي مساع من‬ ‫قبل الحكومة لتخفيف التوتر باعتبارها خنوعا لإلرهاب‪.‬‬ ‫وفي أعقاب خطاب أوجالن يوم الخميس‪ ،‬والذي يمثل انفصاال أصيال‬ ‫عن املاضي بتحويل قتال «حزب العمال الكردستاني» ضد تركيا‬ ‫إلى نزاع سياسي بدال من كونه نزاعا مسلحا‪ ،‬أصبح لدى أردوغان‬ ‫اآلن الفضاء السياسي الستئناف العالقات مع إسرائيل والقدرة على‬ ‫تطوير املقاربة مع إسرائيل باعتبارها نصرا قوميا خضعت فيه‬ ‫إسرائيل للمطالب التركية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن النزاع مع إسرائيل كانت له مزاياه بالنسبة ألردوغان‪،‬‬ ‫أصبح الوقت اآلن مالئما للمصالحة معها في ظل التحديات العديدة التي‬ ‫تواجهها تركيا‪ ،‬وفي ظل ضغط أوباما على كال الجانبني للمصالحة‪.‬‬ ‫وألول مرة منذ أبحرت سفينة مافي مرمرة‪ ،‬أصبحت املكاسب على‬ ‫صعيد االقتصاد والسياسة الخارجية التي سوف تحققها تركيا‬ ‫بإصالح األمور مع إسرائيل تفوق بكثير املزايا السياسية الداخلية‬ ‫التي تحققها من النأي عنها‪ .‬ففي بعض األحيان‪ ،‬يكون صديق يمكن‬ ‫االعتماد عليه أفضل من خصم محل ثقة‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أيار‪ -‬مايو ‪55 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫ما أسباب عودة العالقات اإلسرائيلية التركية؟‬

‫تعاون قادم‬

‫بنيامني نتنياهو‬

‫رجب طيب أردوغان‬

‫بقلم‪ :‬مايكل جيه كوبولو *‬

‫بعد نحو ثالثة أعوام من التناحر السياسي العنيف بني البلدين في أعقاب الغارة اإلسرائيلية على سفينة‬ ‫«مافي مرمرة» – سفينة تحمل نشطاء دوليني كانوا يحاولون كسر الحصار اإلسرائيلي على غزة ‪ -‬وافقت‬ ‫كل من تركيا وإسرائيل أمس على استئناف العالقات الدبلوماسية‪ .‬وفي مكاملة هاتفية مع رئيس الوزراء‬ ‫التركي‪ ،‬رجب طيب أردوغان‪ ،‬اعتذر رئيس الوزراء اإلسرائيلي‪ ،‬بنيامني نتنياهو‪ ،‬عن وفاة تسعة مواطنني‬ ‫أتراك على يد القوات اإلسرائيلية ووافق على دفع التعويضات‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬وافق أردوغان على تطبيع‬ ‫العالقات بني الدولتني ووقف محاكمات الضباط اإلسرائيليني املتورطني في تلك الغارة على السفينة‪ .‬وكانت‬ ‫تركيا تشترط إلى جانب تقديم اعتذار ودفع التعويضات‪ ،‬أن ترفع إسرائيل الحصار أيضا‪.‬‬ ‫* مدير البرامج بمعهد إسرائيل ويعد حاليا دراسة دكتوراه حول الحكومة في جامعة جورج تاون‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أيار‪ -‬مايو ‪54 - 2013 /‬‬


‫وقد كشفت التجربة في ليبيا عن التعهدات والقيود املتعلقني بمبدأ «املسؤولية عن‬ ‫الحماية»‪ .‬ففي مارس (آذار) ‪ ،2011‬وبعد شهرين من االقتتال بني الحكومة وقوات‬ ‫املتمردين‪ ،‬أصدر رجل ليبيا القوي‪ ،‬معمر القذافي‪ ،‬تهديدا صريحا ملواطني بنغازي‪،‬‬ ‫طالبا منهم وقف التمرد‪ .‬وعندما بدأت القوات الليبية تتحرك صوب املدينة‪ ،‬لجأ‬ ‫مجلس األمن إلى مبدأ «املسؤولية عن الحماية» وأصدر القرار ‪ 1973‬الذي يخول‬ ‫لحلف شمال األطلسي استخدام القوة لحماية مواطني بنغازي‪ .‬وقد امتنعت كل من‬ ‫الصني وروسيا عن التصويت ضد القرار مما سمح للحملة العسكرية بقيادة حلف‬ ‫شمال األطلسي بالتقدم‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الضربات الجوية لحلف شمال األطلسي استطاعت أن تعرقل تقدم‬ ‫جيش القذافي وساعدت على منع حدوث إصابات واسعة النطاق في بنغازي‪ ،‬كان‬ ‫القذافي ما زال يهيمن على السلطة في طرابلس‪ ،‬ومن ثم كانت القوات الدولية تواجه‬ ‫معضلة أصيلة لها عالقة بالتدخل الدولي والحماية املدنية‪ :‬كيف يمكن التدخل على‬ ‫نحو يمنع الحكومة من قتل املواطنني ويوفر في الوقت نفسه الظروف السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية الضرورية التي تمكن املجتمع الدولي من وقف التدخل دون‬ ‫استئناف العنف‪ .‬بعد انقضاء املراحل األولى من الحملة العسكرية‪ ،‬توصلت الواليات‬ ‫املتحدة وحلف شمال األطلسي إلى أن االستقرار بعيد املدى في ليبيا يقتضي تنحي‬ ‫القذافي‪.‬‬ ‫وقال الرئيس األميركي باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيالري كلينتون إن عنف القذافي‬ ‫يمثل تهديدا مستمرا لجميع املواطنني في ليبيا‪ ،‬فيما أعرب آخرون في مجلس األمن عن‬ ‫اعتراضهم على استخدام مبدأ «املسؤولية عن الحماية» لتبرير تغيير النظام في ليبيا‪.‬‬ ‫وكان أنصار التدخل اإلنساني دائما ما يثيرون الجدال حول مدى مسؤولية املجتمع‬ ‫الدولي عن حماية املدنيني‪ .‬فقد كانت املسودات األولية من مبدأ «املسؤولية عن الحماية»‬ ‫والذي كان في البداية اقتراحا من «اللجنة الدولية املعنية بالتدخل وسيادة الدولة» في‬ ‫ديسمبر ‪ ،2001‬تقدم مقاربة طموحا لوقف األعمال الوحشية ضد الجماعات‪ ،‬من‬ ‫خالل إلزام الدول بالتدخل في حاالت املذابح الجماعية والتطهير العرقي واملساهمة في‬ ‫إعادة اإلعمار بعد انتهاء النزاعات‪ .‬في الفترة ما بني ‪ ،2001‬و‪ 2005‬تمت مراجعة تلك‬ ‫املسودة إلى حد كبير‪ .‬وفي نسختها النهائية التي عرضت في وثيقة نتائج مؤتمر القمة‬ ‫العاملي لعام ‪ ،2005‬تم حذف كافة اإلشارات إلى إعادة اإلعمار والعبارات الصريحة‬ ‫املتعلقة بااللتزام بالتدخل‪ .‬وتفيد العبارات التي تم االتفاق عليها بأن املجتمع الدولي‬ ‫«على استعداد التخاذ إجراء جماعي‪ ..‬وفقا لكل حالة على حدة» — وهي عبارة مخففة‬ ‫أطلق عليها العالم السياسي توماس ويس «النسخة املخففة من املسؤولية عن الحماية»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من هذه التغيرات‪،‬‬ ‫أعرب عدد من الدول بما في ذلك الصني وروسيا عن قلقهم حيال ذلك املبدأ حيث‬ ‫كانوا يخشون أن يستغل الغرب ذلك املبدأ حتى في نسخته التي تمت مراجعتها‬ ‫لكي يحصل على دعم لتدخالته الليبرالية‪ .‬وقد حاول األمني العام لألمم املتحدة‪،‬‬ ‫بان كي مون تهدئة تلك املخاوف وإيضاح أن املسؤولية الرئيسة لحماية املدنيني‬ ‫تقع على عاتق الدولة التي يعيشون بها وأن دور املجتمع الدولي يجب أن يقتصر‬ ‫على مساعدة الحكومات على تطوير تلك املهارة‪ .‬وال يجب اللجوء إلى التدخل‬ ‫العسكري إال عندما يتم استهالك كافة الخيارات األخرى وعندما يكون هناك‬ ‫خطر مباشر يتعلق بارتكاب أعمال وحشية ضد الجماهير‪ ،‬وشريطة الحصول‬ ‫على موافقة مجلس األمن وعندما يكون هناك احتماالت كبيرة للنجاح واحتماالت‬ ‫محدودة ألن يزداد الوضع سوءا‪ .‬وقد أحجمت روسيا والصني عن تطبيق مبدأ‬ ‫«املسؤولية عن الحماية» في سوريا – ليس ألنهم يؤيدون نظام بشار األسد ولكن‬ ‫ألنهم قلقون من رغبة واشنطن في استخدام حجة التدخل اإلنساني لشن حملة‬ ‫أوسع لتغيير النظام على مستوى العالم‪ .‬وقد زاد إصرار الواليات املتحدة على‬ ‫تنحي األسد من حدة موقف موسكو وبكني ضد اتخاذ أي إجراء في سوريا‪.‬‬ ‫ولكن حتى إذا ما وافقت روسيا والصني‪ ،‬فإن الوضع في سوريا مختلف عن الوضع‬ ‫في ليبيا في شيئني مهمني‪ .‬أوال‪ :‬التدخل العسكري في سوريا ليس مبشرا بالنجاح‬ ‫مثلما كان الوضع في ليبيا‪ .‬فوفقا للمعهد الدولي للدراسات االستراتيجية‪ ،‬كان‬ ‫التدخل العسكري في سوريا في عام ‪ 2009‬أكبر أربع مرات من التدخل في ليبيا بما‬ ‫يقدر بنحو ‪ 300‬ألف من القوات و‪ 300‬ألف آخرين من قوات االحتياطي‪ .‬كما أن سوريا‬ ‫لديها نحو ‪ 60‬ألفا من القوات الجوية وأكثر من ‪ 4500‬من املواقع املضادة للطائرات‬

‫في جميع أنحاء البالد – العديد منها يقع في مناطق ذات كثافة سكانية‪ ،‬فيما كان‬ ‫لدى القوات الجوية الليبية عدد أقل من القوات وما يقدر بنحو ‪ 300‬بطارية مضادة‬ ‫للطائرات‪ .‬باإلضافة إلى أن املعارضة السورية كانت تناضل باستمرار لتوحيد‬ ‫صفوفها وللهيمنة على األراضي‪ .‬أما في ليبيا‪ ،‬فعندما وافقت األمم املتحدة على‬ ‫التدخل‪ ،‬كانت قوات املعارضة املوحدة تسيطر على مساحة واسعة متصلة من البالد‬ ‫وكان من الواضح أن الدعم الجوي سوف يمكن املتمردين من الحفاظ على مواقعهم‪.‬‬ ‫وثانيا‪ :‬لم يكن لدى القذافي سوى قدر محدود من الدعم اإلقليمي أو العاملي‪ ،‬كما أن‬ ‫كافة املنظمات الدولية واإلقليمية كانت تؤيد التدخل‪ ،‬بينما ما زال املجتمع الدولي‬ ‫منقسما حيال التدخل في سوريا؛ حيث إن نظام األسد لديه حليف قريب في إيران‬ ‫ويمكنه االعتماد على روسيا في عرقلة الضغوط الدولية لتغيير النظام‪ .‬باإلضافة إلى‬ ‫أن وجود املقاتلني اإلسالميني املسلحني بني صفوف املعارضة السورية يثير القلق‬ ‫أخذا في االعتبار قوة تنظيم القاعدة في دولة العراق املجاورة‪ .‬ولكن إذا ما تغيرت‬ ‫األوضاع‪ ،‬فربما يجد املجتمع الدولي وسيلة ما لتدخل محدود – ربما ينشر نظاما‬ ‫من مضادات الطائرات إلنشاء منطقة حظر طيران على شمالي سوريا‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ما زالت هناك تعقيدات وتحديات متعلقة بالتدخل‪ .‬فحتى إذا ما كان هناك‬ ‫تزايد درامي في التعاون الدولي للسيطرة على العنف املسلح ضد املدنيني وتخفيف‬ ‫حدته‪ ،‬ما زالت سيادة الدولة والحقائق‬ ‫الجيوسياسية تعرقل تلك املساعي‪.‬‬ ‫وللتغلب على تلك التحديات‪ ،‬تحتاج‬ ‫الواليات املتحدة واملجتمع الدولي لفصل‬ ‫تغيير النظام عن مبدأ «املسؤولية عن‬ ‫الحماية»‪ .‬فسوف يفقد املبدأ شرعيته‬ ‫إذا ما تم النظر له فقط باعتباره أداة‬ ‫للمغامرات اإلمبريالية الجديدة‪ .‬وملنع‬ ‫سوء استخدام ذلك املبدأ‪ ،‬قدمت البرازيل‬ ‫في عام ‪ 2011‬مفهوم «املسؤولية أثناء‬ ‫الحماية» (‪ ،)RWP‬والذي ينادي بزيادة‬ ‫مراقبة مجلس األمن ومراجعة أفعال‬ ‫مبدأ «املسؤولية عن الحماية»‪.‬‬

‫نظام الأ�سد لديه حليف قريب يف �إيران‬ ‫وميكنه االعتماد على رو�سيا يف عرقلة‬ ‫ال�ضغوط الدولية لتغيري النظام‪ .‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل �أن وجود املقاتلني الإ�سالميني‬ ‫امل�سلحني بني �صفوف املعار�ضة‬ ‫ال�سورية يثري القلق �أخذا يف االعتبار قوة‬ ‫تنظيم القاعدة يف دولة العراق املجاورة‬

‫وقد قوبل اقتراح البرازيل في البداية‬ ‫باستجابة فاترة من قبل الواليات املتحدة وفرنسا واململكة املتحدة الذين‬ ‫تخوفوا من أن يبطيء ذلك التدخل الدولي ضد األعمال الوحشية التي ترتكب‬ ‫ضد املدنيني‪ .‬ولكن املبدأ بدأ يكتسب تأييدا اآلن؛ فقد رحب بان كي مون به‬ ‫في تقرير يوليو (تموز) ‪ .2012‬ولتخفيف املخاوف املتعلقة بسوء استخدام‬ ‫«مبدأ املسؤولية عن الحماية»‪ ،‬ربما يساعد مبدأ «املسؤولية أثناء الحماية»‬ ‫املجتمع الدولي على إقامة التوازن الصحيح بني الحفاظ على تأييد مجلس‬ ‫األمن واالستجابة الفعالة لألعمال الوحشية ضد الجموع في الوقت املناسب‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى أن املجتمع الدولي سوف يحسن صنعا بتعزيز العناصر غير‬ ‫العسكرية من املسؤولية عن الحماية‪ .‬فعلى سبيل‪ ‬املثال‪ ،‬يجب أن تعزز البلدان‬ ‫من بنى املراقبة مثل «مكتب املستشار الخاص املعني بمنع اإلبادة الجماعية»‬ ‫والذي ينسق مراقبة االنتهاكات الخطيرة لحقوق اإلنسان في مناطق النزاع‬ ‫ويصدر تقارير تحذيرية مبكرة ملجلس األمن‪ ،‬وعندما يكون أفق التدخل‬ ‫العسكري مثيرا للجدل‪ ،‬كما هو الحال في سوريا‪ ،‬يجب أن يصدر املجتمع الدولي‬ ‫مبادرات إنسانية ودبلوماسية ما دام هناك دليل على احتمالية وقوع عمليات‬ ‫قتل جماعية للمدنيني‪ .‬ففي سوريا‪ ،‬كان يشير الجدال املطول حول التدخل إلى‬ ‫أن األدوات غير العسكرية مثل املساعدات اإلنسانية واملساعي الدبلوماسية املنسقة‬ ‫لم يتم توظيفها على النحو املالئم لتخفيف معاناة املدنيني‪ .‬ما زال املجتمع الدولي‬ ‫يستكشف كيف يمكنه منع وإدارة العنف ضد املدنيني‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن تاريخ مبدأ «املسؤولية عن الحماية» تاريخ متفاوت‪ ،‬فإن ذلك ال‬ ‫يعني أنه أخفق‪ .‬فبالنظر له مع االستراتيجيات األخرى ملنع النزاع وإدارته‪ ،‬ال يزال‬ ‫املسؤولية عن الحماية ومبدأه الرئيسي – أن املدنيني لهم الحق في الحماية‪ -‬ضروريا‬ ‫الستمرار االتجاه صوب مجتمع أكثر سلمية‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أيار‪ -‬مايو ‪53 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫إلنقاذ املبدأ‪ ..‬يجب التخلي عن فكرة تغيير النظام‬

‫مسؤولية احلماية‬

‫قادة املعارضة السورية يفتتحون أول سفارة لهم في العاصمة القطرية الدوحة‬

‫بقلم‪ :‬جون ويسرتن وجوشوا إس غولدشتاين *‬

‫في مقالنا األخير بمجلة الشؤون الخارجية («التدخل اإلنساني يدخل سن الرشد»‪ ،‬نوفمبر‪ /‬تشرين الثاني‬ ‫ ديسمبر‪ /‬كانون األول)‪ ،‬أشرنا إلى أن النزاعات املسلحة أصبحت بشكل عام أقصر وأقل حدة وأكثر محلية‬‫مما كانت عليه في املاضي‪.‬‬ ‫* أستاذ عالقات دولية بكلية ماونت هوليوك وفايف كوليدج‪ .‬جوشوا غولدشتاين‪ :‬أستاذ متفرغ للعالقات الدولية بالجامعة األميركية ومؤلف كتاب «االنتصار في الحرب على الحرب‪ :‬تراجع النزاع املسلح في العالم»‪.‬‬

‫فوفقا ملا وثقه «برنامج جامعة أوبساال للبيانات الخاصة بالنزاعات»‪ ،‬فإن عدد‬ ‫الوفيات الناجمة عن املعارك على مستوى العالم كان أقل في كل عام من األعوام‬ ‫العشرة املاضية مما كان عليه في أي عام سابق منذ الخمسينيات‪( .‬لم تصدر بعد‬ ‫البيانات املتعلقة بعام ‪ 2012‬ولكن من املتوقع أن تحافظ على نفس النمط)‪.‬‬ ‫ويرجع ذلك التطور في جانب منه إلى تطور القواعد املتعلقة بالعنف بما في ذلك املبدأ‬ ‫الذي أقرته األمم املتحدة والذي يطلق عليه «املسؤولية عن الحماية» (‪ )R2p‬والذي‬ ‫يقضي بأن املجتمع الدولي مستعد التخاذ إجراءات لحماية املدنيني – بالقوة‪ ،‬إذا ما‬ ‫كان ذلك ضروريا ‪ -‬إذا ما أخفقت الحكومات في عمل ذلك‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬طور املجتمع الدولي أدوات أفضل إلدارة النزاعات ومنعها‪ .‬كما‬ ‫أصبحت اتفاقيات السالم أكثر فعالية وأقل تعرضا لالنتهاك‪ .‬كما أصبح أداء‬ ‫مؤسسات العدالة االنتقالية‪ ،‬بما في ذلك املحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬واملحاكم الخاصة‬ ‫بشأن يوغسالفيا ورواندا وسيراليون وعدد كبير من املحاكم املحلية الخاصة أفضل‬ ‫من حيث االهتمام بحقوق اإلنسان أكثر من أي وقت سابق‪ .‬وأخيرا‪ ،‬وكما اتضح‬ ‫في ليبيا في عام ‪ ،2011‬منع التدخل العسكري في بعض األوقات سقوط املزيد من‬ ‫املدنيني‪ .‬ولكن لكل قاعدة استثناءات‪ ،‬واالستثناء من هذه القاعدة هو الحرب املدنية‬ ‫الدموية والطائفية في سوريا والتي ال توجد أي إشارة على خفوت حدتها‪ .‬فخالل‬ ‫مدة النزاع التي بلغت عامني‪ ،‬قتل ما يقدر بنحو ‪ 70‬ألف شخص ونزح ما يزيد على‬

‫ثالثة ماليني شخص من منازلهم‪ .‬ويتمتع كل طرف من األطراف املتنازعة بدعم قوى‬ ‫خارجية‪ ،‬فيما فشل مجلس األمن التابع لألمم املتحدة في إصدار قرارات ناجعة‬ ‫تضع األساس إلنهاء النزاع‪ .‬ومن العديد من النواحي‪ ،‬يستدعي عجز املجتمع الدولي‬ ‫عن وقف العنف املتصاعد في سوريا إلى األذهان العجز والتردد حيال التدخل في‬ ‫البوسنة في التسعينيات‪ .‬ففي حالة البوسنة‪ ،‬قتل ما يقارب الـ ‪ 100‬ألف نسمة قبل أن‬ ‫يتمكن التدخل الدولي الفعال من املساعدة على إنهاء النزاع في عام ‪.1995‬‬ ‫وأخذا في االعتبار الخالف الدولي حول سوريا‪ ،‬يقول بعض املراقبني إنه لم يتغير شيء‬ ‫منذ ذلك الوقت وإن «املسؤولية عن الحماية» هو مبدأ عديم الجدوى ال ينفذ إال عندما‬ ‫تتالقي مصالح القوى العظمى‪ ،‬حيث ال يوجد ما يبرر رد الفعل تجاه تزايد عدد الضحايا‬ ‫في سوريا‪ ،‬ولكن مثل تلك االنتقادات أساءت فهم طبيعة مبدأ «املسؤولية عن الحماية»‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من طموح هذا املبدأ‪ ،‬فإنه عملي ومحدود النطاق؛ فهو يدعو للتدخل‬ ‫العسكري باعتباره الحل األخير عندما تتوحد أهداف املجتمع الدولي وعندما يكون‬ ‫أمام القوة فرصة كبيرة لتحسني الوضع‪ .‬وعلى الرغم من أن مبدأ «املسؤولية عن‬ ‫الحماية» أخفق في منع عمليات القتل الجماعية في سوريا ووقف كافة األعمال‬ ‫الوحشية ضد املدنيني في العالم‪ ،‬وعلى الرغم من محدوديته‪ ،‬اكتسب مبدأ حق‬ ‫املدنيني في الحماية تأييدا واسع النطاق‪ .‬ومن املستبعد أن يختفي ذلك املكسب‪ ،‬بل‬ ‫األرجح أن يصبح مبدأ «املسؤولية عن الحماية» أداة فعالة في الحاالت املستقبلية‪،‬‬ ‫خاصة في الحاالت التي ال يستهدف فيها املجتمع الدولي تغيير النظام‪.‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أيار‪ -‬مايو ‪52 - 2013 /‬‬


‫إلنقاذ املبدأ‪ ..‬يجب التخلي عن فكرة تغيير النظام‬

‫مسؤولية احلماية‬

‫بقلم‪ :‬جون ويسرتن وجوشوا إس غولدشتاين‬

‫ما أسباب عودة العالقات اإلسرائيلية التركية؟‬

‫تعاون قادم‬

‫بقلم‪ :‬مايكل جيه كوبولو‬

‫السبب الحقيقي وراء دعم بوتني لألسد‬

‫خلط بني سوريا والشيشان‬ ‫بقلم‪ :‬فيونا هيل‬ ‫فورن أفيرز‪ /‬أيار‪ -‬مايو ‪51 - 2013 /‬‬


‫البـحـوث العلـميـة عاليـة التأثيـر‬ ‫ ‬ ‫ٌ‬ ‫متـاحـة ا ن للمـجتـمع بأكمله‪.‬‬

‫ﺷـﻬـﺮﻳﺎ‬ ‫ﺑﺎﻃﻼﻋﻚ ﻋﻠﻰ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼـﺪﺭ‬ ‫ًّ‬ ‫ﺍﻧﻀـﻢ ﺇﻟﻰ ُﺭ ّﻭﺍﺩ ﺍﻟﻌﻠــﻮﻡ ﱢ‬ ‫ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴـــﺔ‪ ،‬ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻹﻟﻜﺘــﺮﻭﻧﻲ ﺍﻟﺨـﺎﺹ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺒـﻜﺔ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ‬ ‫ﻳﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺜﻪ ﺑﺼﻔﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ‪.‬‬ ‫ﺇﻥ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻠﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺍﻷﺧﺒــﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴــﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺍﻟﺠﻮﺩﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ‬ ‫ﻣﺘﺎﺣﺎ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ ﻛﻞ ﺃﺳﺒــﻮﻉ‪ ،‬ﻣﻊ ﻭﺟـﻮﺩ ﻧُ َﺴﺦ‬ ‫ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ”‪.“Nature‬ﺇﻥ ﻣﺤﺘـﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺳﻴـﻜﻮﻥ‬ ‫ً‬ ‫ﺷﻬﺮﻳﺎ‬ ‫ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ‬ ‫ًّ‬

‫ﺍﻃﻠِ ْﻊ ﻋﻠﻰ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﻧﺘﺮﻧﺖ‪ ،‬ﻭﺍﻣﻸ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺎﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ‪:‬‬ ‫ﱠ‬

‫‪arabicedition.nature.com‬‬

‫ﺑﺎﳌﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻊ‪:‬‬


‫يقول فرج ان نظام السادات مهد لالنحراف السياسي بضرب‬ ‫الثقافة الوطنية واستبدال األفكار األساسية للثقافة املصرية التي‬ ‫قامت عليها النهضة الثقافية في الستينات‪ .‬فبعدما كانت تلك‬ ‫األفكار تدعو الى احترام العمل واحترام العلم والتعليم وتمجد‬ ‫فكرة القومية وتواجه التحدي الثقافي للغرب بفكرة االصالة اذا‬ ‫باملوقف ينقلب واذا بنا نرى ترويجا في وسائل االعالم النتصار‬ ‫"الفهلوة" واملضاربة وتروج أخبار ّ‬ ‫الحمال الذي أصبح مليونيرا‬ ‫(رشاد عثمان) في عصر االنفتاح‪ .‬واذا بنا نسمع بمسرحيات‬ ‫بهذا املعنى وتخدم هذه األفكار البديلة وتحمل عناوين مضحكة‬ ‫مثل "احنا اللي خرمنا التعريفة" و"اوعا يا بسة"‪.‬‬ ‫ويضيف فرج ‪":‬لقد أصيبت الثقافة بالضحالة ألن السياسة‬ ‫املصرية قادت السفينة من البحار العالية الى املياه الضحلة‬ ‫لتتجنب مخاطر العواصف وملحاولة الفرار من تحديات العصر‪.‬‬ ‫فماذا كانت النتيجة؟ حاصرتهم الصخور وأوشكت السفينة‬ ‫على الهالك وشارفت الدولة يوم ‪ 6‬أكتوبر على االنهيار الكامل"‪.‬‬ ‫ويتابع‪":‬لقد ظنوا ان أفضل وسيلة للتخلص من تحديات العصر‬ ‫هي الهروب بدال من التصدي بالفكر والشجاعة‪ .‬وكان الهروب‬ ‫بداية التنازل وكان أيضا بداية العد التنازلي"‪.‬‬

‫كيف مات عبد الصبور؟‬ ‫ويبدي فرج ارتياحه الى "ان السياسة التي اتبعتها حكومة‬ ‫السادات لم يكن لها سند حقيقي بني املثقفني فانهارت هذه‬ ‫الصروح ألنه لم يحل أحد محل املثقفني املتنحني"‪ .‬ويقول انه لم‬ ‫يكن هو وحده الذي هاجر بل معظم املثقفني وحتى الذين بقوا‬ ‫منهم في مصر كانوا مهاجرين في بالدهم‪ .‬ويسمي فرج نعمان‬ ‫عاشور ويسمي أيضا الشاعر املصري الراحل صالح عبد‬ ‫الصبور‪ .‬ويقول ‪":‬عبد الصبور مات ميتة درامية‪ .‬موقعه الفكري‬ ‫كان في تناقض حاد مع موقعه الوظيفي‪ .‬حادث موته حادث‬ ‫تاريخي ويدل على أنه كان فنانا ذا ضمير يقظ ووعي مستقيم"‪.‬‬ ‫ويروي ان عبد الصبور أصيب بنوبة قلبية بينما كان يتجادل مع‬ ‫أصدقائه ويدافع عن نفسه في قضية اعتقال أصدقاء له تظاهروا‬ ‫ضد اشتراك اسرائيل في معرض الكتاب في القاهرة‪.‬‬ ‫يقول فرج انه يرى مؤشرات الى توجه جديد في املجالني السياسي‬ ‫والثقافي في عهد مبارك‪ ،‬وان أبرزها في هذا التوجه الرغبة في‬

‫أن تعود مصر الى دورها في العالم‪ .‬ويضيف "ان اعوجاجا في‬ ‫التاريخ املصري الحديث املستمر من أيام محمد علي والى آخر‬ ‫عهد عبد الناصر حدث في عهد السادات‪ .‬واملؤشرات تدل على‬ ‫محاولة نظام الرئيس مبارك تدارك هذا الوضع الشاذ واعادة‬ ‫مصر الى دورها الطببيعي"‪ .‬ويقول "نتمنى ان يلتئم الشمل"‪.‬‬ ‫ويصف فرج شعوره عند سماعه نبأ مقتل السادات بأنه "شعور‬ ‫مختلط كان يشوبه الجزع ألن هذا حادث غير مسبوق‪ .‬فمع ان‬ ‫مصر عرفت االغتياالت السياسية اال ان هذا هو الحادث األول‬ ‫من نوعه الختيار رئيس الدولة فوق منصة العرض العسكري‪.‬‬ ‫انه حادث تراجيدي ال يمكن تصوره اال على املسرح أو في‬ ‫السينما"‪ .‬ويصمت فرج فنقول له انه ذكر عنصرا واحدا من‬ ‫عناصر الشعور املختلط وهو الجزع‪ ،‬فما هي العناصر األخرى‬ ‫فيجيب "مش عايز أقولك" ويضحك‪.‬‬ ‫ويرى فرج "ضرورة االستفادة من الحادث لتعميق الديموقراطية‬ ‫حتى يكون هناك سبيل ملعارضة الرئيس ويكون هناك شكل‬ ‫النتقال السلطة اذا تعرض رأسها لحادث مماثل"‪.‬‬ ‫ويبدي فرج جزعه أيضا من ظهور التطرف الديني ويتمنى ان‬ ‫يكون ذلك رد فعل طارئا على التغريب‪ ،‬وانه يمكن تدارك الضرر‬ ‫الناشئ عن ذلك‪ .‬هل يعود فرج؟ يقول انه يفكر بذلك كل يوم‬ ‫وسيعود‪ .‬بل يقول انه لم يخرج من مصر ألنه كان دائما فيها‬ ‫"بفكري وعواطفي وانفعالي"‪ .‬وليس فرج وحده من سيعود‪،‬‬ ‫بل معه أيضا كتاب وأدباء ومفكرون مصريون كثيرون‪ .‬منهم‬ ‫لطفي الخولي (راجع حديثه لـ"املجلة" في مكان آخر)‪.‬‬ ‫وفي هذا االطار يقول رئيس تجمع الوطنيني املصريني في بيروت‬ ‫فهمي حسني في تصريح لـ"املجلة"‪":‬كلنا أصبحنا على يقني تام‬ ‫بأن موقعنا حاليا يجب أن يكون في مصر‪ ،‬ولكن على أن ال يعني‬ ‫ذلك أن نذهب لنضع أنفسنا في السجون وتحت سياط القوانني‬ ‫واملحاكم االستثنائية"‪.‬‬

‫آخر صورة للسادات قبل العرض العسكري الذي تم‬ ‫فيه اغتياله‪ ،‬ويبدو بني مبارك والفريق أبو غزالة‬ ‫وكبار الضباط‬

‫‪,,‬‬

‫الفريد فرج‪:‬‬ ‫لقد أصيبت‬ ‫الثقافة‬ ‫بالضحالة‬ ‫ألن السياسة‬ ‫املصرية قادت‬ ‫السفينة من‬ ‫البحار العالية‬ ‫الى املياه‬ ‫الضحلة‬

‫‪,,‬‬

‫ويضيف "انني أعتقد أن مصلحة شعبنا تقتضي وجود‬ ‫معارض في الخارج‪ ،‬هذا مع أنني أدرك تماما أن معركة ازالة آثار‬ ‫السادات تحتاج لجهود‪ .‬وأود أن أؤكد أننا لسنا معارضني ملجرد‬ ‫املعارضة‪ ،‬بمعنى أننا مع أي خطوة يخطوها النظام باتجاه ازالة‬ ‫آثار السادات"<‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪49‬‬


‫أرشيف‬

‫الظل وان لم تخل نشاطاته من فاعلية‪ .‬وقد انتظر فريد الرئيس‬ ‫مبارك حتى يأتي الى لندن في طريق عودته من أول زيارة له الى‬ ‫واشنطن ليسمع ما يقوله قبل ان يبدي رأيا‪.‬‬ ‫ولكن لم يصدر عن مبارك ما يغير رأي فريد ويخرجه عن صمته‬ ‫املؤقت‪ .‬وكانت زيارة مبارك مناسبة مهمة للمعارضة املصرية‬ ‫في الخارج استغلتها لتقول للرئيس املصري الجديد رأيها في‬ ‫حكمه حتى اآلن‪ .‬وسجلت املعارضة املصرية في لندن موقفها‪،‬‬ ‫في ما سجلته‪ ،‬في رسالة مفتوحة وجهت الى الرئيس املصري‬ ‫أثناء زيارته للعاصمة البريطانية عن طريق السفارة املصرية في‬ ‫لندن‪ ،‬تضمنت لهجة يسهل وصفها بااليجابية‪ .‬فقد جاء فيها‬ ‫"أن القاسم املشترك بيننا (بني املعارضة ومبارك) في الروحية‬ ‫هو الوعي األكيد بما أصاب مصر من انحدار بسبب التورط‬ ‫في اتفاقيات كامب دايفيد"‪ .‬وتضيف ‪":‬ندرك أنك ورثت مشاكل‬ ‫عديدة ناتجة عن تبعية مصر اقتصاديا وعسكريا لواشنطن"‪.‬‬

‫خالد محيي الدين‬

‫‪,,‬‬

‫إن السالم‬ ‫والديمقراطية‬ ‫والتطور‬ ‫في مصر‬ ‫مصالح وطنية‬ ‫تتعارض مع‬ ‫الحكم املستمر‬ ‫للرئيس‬ ‫السادات‬

‫‪,,‬‬

‫‪48‬‬

‫وتتحدث الرسالة بايجابية عن مواقف مبارك من القضية‬ ‫الفلسطينية اال أنها توجه اليه سؤالني احدهما يستوضح متى‬ ‫سيوقف العمل "بالتشريعات التعسفية القابضة على الحريات"‬ ‫واآلخر يستوضح "ما اذا كان قرار مصر بعدم االنحياز يعني‬ ‫التنصل من مفهوم التحالف مع الواليات املتحدة واسرائيل"‪.‬‬ ‫ويلفت في رسالة املعارضة املصرية في لندن الى مبارك تفردها‬ ‫في اقتراح حل ألزمة الشرق األوسط بتبني الدعوة الى عقد‬ ‫مؤتمر خاص بالسالم في املنطقة تشارك فيه منظمة التحرير‬ ‫الفلسطينية ودول املنطقة العربية‪ ،‬اضافة الى الواليات املتحدة‬ ‫واالتحاد السوفياتي‪.‬‬ ‫وقد وجهت الرسالة باسم "تجمع الوطنيني املصريني في الخارج"‬ ‫(تحت التكوين) وحملت توقيع الدكتورة مخلوف‪ .‬ومخلوف‬ ‫العضو في حزب العمال البريطاني هي سكرتيرة "اللجنة من‬ ‫أجل السالم والديموقراطية والتطور في مصر" وهي لجنة‬ ‫يرعاها ستة نواب بريطانيني من حزب العمال املعارض هم‬ ‫زعيم جناح اليسار في الحزب انطوني ودجوود بن والن أدامس‬ ‫ورايموند أليس وستيوارت هوالند وسانلي نيونس وارنست‬ ‫روبرتس‪ .‬وقد تأسست اللجنة في ختام مؤتمر عقد في ‪ 20‬و‪21‬‬ ‫آيار (مايو) ‪.1980‬‬ ‫وتصدر عن اللجنة نشرة باالنكليزية غير منتظمة تدعى "ذي‬ ‫ايجبشن رانر" (الرسول املصري) صدر منها ثالثة اعداد حتى‬ ‫اآلن‪ .‬وهي تشير الى أن من بني أهداف اللجنة التوعية باخطار‬ ‫الوجود االميركي في مصر على السالم وايضاح حقيقة حكم‬ ‫الفرد الالديموقراطي في مصر‪ .‬وتقول احدى املطبوعات الصادرة‬ ‫عن اللجنة من اعداد الدكتورة مخلوف "ان السالم والديموقراطية‬ ‫والتطور في مصر مصالح وطنية تتعارض مع الحكم املستمر‬ ‫للرئيس السادات"‪ .‬وترئس مخلوف تحرير النشرة غير املنتظمة‬ ‫وهي تعطي الدليل على التبدل في املوقف من الرئيس مبارك في‬ ‫مقال نشرته في عدد صدر عقب اغتيال السادات وحمل عنوانا‬ ‫رئيسيا هو "السادات مات! عاشت مصر"‪ .‬وتقول مخلوف‬ ‫في املقال "ان سياسات شخص واحد ستنقض سريعا ولكن‬ ‫ليس على يد مبارك ألنه مقرب جدا من الحاكم الراحل"‪ .‬وذكرت‬ ‫مخلوف ان مبارك مرحلة مؤقتة‪ .‬هذا املوقف لم يعد موقف‬ ‫مخلوف‪ ،‬الدكتورة في علم النفس االكلينيكي‪ ،‬في الرسالة التي‬ ‫وجهتها الى مبارك أثناء زيارته لندن‪ .‬وهو لم يعد – ولم يكن‬ ‫ربما – موقف حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي الذي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫انتسبت اليه مخلوف في العام ‪ ،1976‬ثم اختيرت لتكون رابطة‬ ‫الوصل في لجنة التنسيق بني حزبي "التجمع" املصري والعمال‬ ‫البريطاني والتي تشكلت بعد زيارة خالد محي الدين للندن في‬ ‫كانون األول (ديسمبر) ‪ 1980‬بدعوة من حزب العمال‪.‬‬ ‫ولم يعد هذا‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬موقف مجموعة املصريني في لندن‬ ‫التي تتحدث مخلوف باسمهم‪ .‬وهم‪ ،‬كما تصفهم‪ ،‬أطباء وطلبة‬ ‫وأعضاء بعثات (يعملون في الخفاء)‪ .‬اال أنها تعترف بأنهم‬ ‫يشكلون مجموعة غير منظمة ونواة لـ"تجمع الوطنيني املصريني‬ ‫في الخارج – تحت التكوين"‪ .‬وتقول مخلوف انها معجبة بتجربة‬ ‫املعارضة املصرية في باريس حيث أنصار حزب "التجمع‬ ‫الوطني" (أعضاء الحزب في الخارج يسمون أنفسهم "أنصارا"‬ ‫و"أصدقاء" ألن القانون املصري يحرم تشكيل فروع لألحزاب‬ ‫املصرية خارج مصر) يشكلون نواة لـ"تجمع الوطنيني املصريني‬ ‫في الخارج – باريس"‪ ،‬وهذا "التجمع" يشكل أساسا ملؤتمر‬ ‫أوسع يضم كافة املصريني العاملني في فرنسا في اطار روابط‬ ‫العمال واألطباء واملحامني وغيرهم‪.‬‬

‫انتصار "الفهلوة"‬ ‫وال يندرج اسم ألفريد فرج على الئحة املرشحني لتكوين نواة‬ ‫"التجمع"‪ ،‬وال على أي الئحة لتكوين تنظيم سياسي آخر‪ .‬فهو‬ ‫غير ملتزم حزبيا وال يمارس نشاطا سياسيا مباشرا‪ .‬و"كل‬ ‫التيارات تعتبرني فنانا" كما يقول "وهم جميعا أصدقاء"‪ .‬ولكنه‬ ‫رغم ايمانه بالعمل الحزبي يعتقد أن عمله في التأليف املسرحي‬ ‫واألدبي متمم ورديف لذلك العمل وهو مكتف بذلك‪.‬‬ ‫يقول فرج ان قطيعته مع السادات كانت منذ العام ‪ 17‬حني ضرب‬ ‫الرئيس السابق ما أسماه "مراكز القوى"‪ .‬منذ ذلك الوقت دأبت‬ ‫أجهزة السلطة على تنحية املثقفني والصحافيني والتضييق‬ ‫عليهم حتى كان يوم التاسع من كانون الثاني (يناير) من العام‬ ‫‪ 1973‬حني وضعت قوائم باسماء ‪ 65‬شخصا من املمنوعني‬ ‫من الكتابة في الصحافة واملسرح والسينما واالذاعة والتلفزيون‪.‬‬ ‫وكان الفريد فرج في عداد القائمة الشهيرة التي ضمت أيضا‬ ‫توفيق الحكيم ويوسف ادريس ونجيب محفوظ‪.‬‬ ‫ويروي فرج حادثة طريفة جرت له عندما صدرت القوائم‪ .‬فقد‬ ‫كانت تعرض له مسرحية في ذلك الوقت بعنوان "جواز على ورقة‬ ‫طالق"‪ .‬وكان اسمه مدرجا على االعالنات الخاصة باملسرحية‬ ‫ككاتب للمسرحية‪ .‬وما ان صدرت القوائم حتى ارسلت السلطات‬ ‫عماال قاموا بمحو اسمه عن تلك االعالنات واستمر عرض‬ ‫املسرحية بدون ذكر اسم املؤلف‪.‬‬ ‫وقد نوقشت املسرحية في التلفزيون بعد ذلك التاريخ ولكن‬ ‫بدا ان تنبيها ورد الى املشتركني بأال يوردوا على ألسنتهم‬ ‫اسم ألفريد فرج فامتثلوا جميعا‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬منع ألفريد فرج من‬ ‫استئجار مسرح لفرقته "فرقة مسرح الفن العربي"‪ .‬فقد كان أي‬ ‫اتفاق يعقده مع أي دار للمسرح في القاهرة او االسكندرية يلغى‬ ‫بعد ساعات‪ .‬فلم يكن أمامه اال الخروج مع فرقته في جولة في‬ ‫املغرب العربي في ذلك العام ‪.1973‬‬ ‫وقد عاود زيارة مصر بعدها في العام ‪ 1976‬وكانت تلك آخر‬ ‫زيارة له ملصر واستمرت شهرين‪ .‬وقد أمضى فرج املرحلة‬ ‫األولى من غيابه عن مصر في الجزائر حيث أمضى خمسة‬ ‫أعوام عمل خاللها مستشارا لالدارة الثقافية في وزارة التعليم‬ ‫العالي‪ .‬بعد ذلك انتقل الى لندن حيث ال يزال‪.‬‬


‫لصحيفة "بابيس" االسبانية استبعد فيه أن يغير الرئيس مبارك‬ ‫سياسات سلفه‪ .‬وأعرب عن اعتقاده بأن "شهر العسل" بني‬ ‫مبارك واملعارضة املصرية في الداخل لن يدوم اال لبضعة أشهر‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫وقال "أعتقد أنه اذا انسحبت اسرائيل من سيناء في ‪ 25‬نيسان‬ ‫(ابريل) املقبل كما هو متفق عليه فان الرئيس مبارك سيتبع‬ ‫سياسة السادات ويلتزم بكامب دايفيد اذ لن يكون أمامه بديل‬ ‫آخر"‪.‬‬ ‫والواضح من كالم الشاذلي انه قال كلمة أخيرة في حكم مبارك‬ ‫وهو ما لم يفعله شريكاه السابقان حتى اآلن‪ .‬فألول مرة منذ‬ ‫القطيعة بني املعارضة املصرية في الخارج والنظام املصري‬ ‫تتحدث املعارضة في بيان لـ"لجنة الدفاع عن الحريات – تجمع‬ ‫الوطنيني املصريني في الخارج" عن "خطوة ايجابية" للحكم في‬ ‫مصر هي اطالق سراح بعض املعتقلني‪ .‬أما الحزب الشيوعي‬ ‫املصري فهو يتبع أسلوبا جديدا في التعامل مع الرئيس مبارك‪..‬‬ ‫في عدد ملجلة "االنتصار" الناطقة رسميا باسم الحزب‪ ،‬صدر‬ ‫في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) املاضي مقال بعنوان‬ ‫"كلمة هادئة الى الرئيس حسني مبارك" تضمنت انتقادا‪ ،‬بلهجة‬ ‫العاتب‪ ،‬لبعض ممارسات الحكم التي ال تزال مستمرة في مصر‬ ‫ودعوة للرئيس مبارك ليعي "درس التجربة املاضية"‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من التفاوت في مواقف التنظيمات املصرية املعارضة‬ ‫في الخارج من مرحلة الحكم الجديدة في مصر‪ ،‬فان هذه‬ ‫التنظيمات جميعها تعترف ملبارك باصالحاته الداخلية وتوافق‬ ‫على مبدأ التريث بالنسبة الى سياسته الخارجية الى ما بعد‬ ‫موعد االنسحاب االسرائيلي النهائي من سيناء‪.‬‬ ‫وفي هذا املجال يالحظ ان الصحف والنشرات الداخلية التي‬ ‫تصدرها هذه التنظيمات قد غيرت من صيغة تعاطيها مع الوضع‬ ‫املصري الجديد قياسا الى ما كانت تنشره في العهد السابق‪.‬‬ ‫ويالحظ ان حمالت االنتقادات العنيفة واستعمال عبارات مثل‬ ‫"االطاحة بالنظام" قد اختفت كليا على وجه الخصوص من‬ ‫مطبوعات حزب العمال املصري والحزب الشيوعي املصري‬ ‫و"تجمع الوطنيني املصريني في الخارج"‪.‬‬ ‫وقد حذت املعارضة املصرية في لندن حذو زميالتها في باريس‬ ‫وبيروت فأفسحت في منشوراتها حيزا لالشارة الى الخطوات‬ ‫االيجابية التي اتخذها مبارك وخلت بياناتها من العبارات‬ ‫القاسية في التحدث عما تعتبره ممارسات سلبية للحكم‬ ‫املصري الجديد‪.‬‬

‫قصة اخلالف بني الشيوعيني والشاذلي‬ ‫وكشف مسؤول بارز في املعارضة املصرية في الخارج لـ"املجلة"‬ ‫القصة الحقيقية لخالف الحزب الشيوعي املصري مع الشاذلي‬ ‫ولالنشقاق الذي حدث في الجبهة الوطنية املصرية‪ .‬قال املسؤول‬ ‫ان هناك عدة اسباب رئيسية لخالف الشيوعية مع الشاذلي‬ ‫أبرزها‪:‬‬ ‫< أجرى الشاذلي اتصاالت سرية مع عدد من الدول العربية مما‬ ‫أثار حفيظة الشيوعيني ألنه لم يطلعهم عليها وعلموا بها من‬ ‫جهات أخرى‪.‬‬ ‫< يعتبر الشاذلي نفسه البديل الوحيد للرئيس مبارك ويتصرف‬

‫على أساس أنه رئيس جمهورية مصر املقبل‪ .‬ويعتبر الشاذلي‬ ‫أيضا ان القوى املعارضة األخرى في الخارج ليس لها أي وجود‬ ‫ملموس داخل مصر‪.‬‬ ‫< يعتبر الشيوعيون ان الشاذلي ال يمثل أحدا داخل مصر وكل‬ ‫قوته هي عبارة عن اتصاالت فردية وصداقات شخصية مع‬ ‫بعض ضباط الجيش ال أكثر‪ .‬ويقول الشيوعيون ان قوة الشاذلي‬ ‫في ليبيا – املركز الرئيسي للجبهة الوطنية التي يرئسها – هي‬ ‫أقل بكثير مما يتصور الناس‪ ،‬اذ ان عدد قواته ال يتجاوز املئة‬ ‫ومعظمهم من الجنود االحتياط املصريني العاملني في ليبيا‪.‬‬

‫تعليمات موسكو‬ ‫اضافة الى ذلك كله علمت "املجلة" من مصادر مصرية وثيقة‬ ‫االطالع ان االتحاد السوفياتي طلب رسميا من الحزب الشيوعي‬ ‫املصري في الشهر املاضي اتخاذ موقف ايجابي تجاه مبارك‬ ‫ووقف اية حمالت عليه والسعي الى تحسني العالقات مع النظام‬ ‫الجديد‪ .‬ويتطابق ذلك مع وجود اتصاالت بني موسكو والقاهرة‬ ‫لتحسني العالقات بني البلدين‪.‬‬ ‫وفي االطار نفسه علمت "املجلة" ان العقيد معمر القذافي اجتمع‬ ‫سرا بميشيل كامل قبل نحو اسبوعني في خطوة هدفها اعادة‬ ‫تكوين الجبهة الوطنية بزعامة الشاذلي‪ .‬لكن يبدو ان هذه املحاولة‬ ‫فشلت‪.‬‬

‫املعارضة اللندنية‬ ‫وقد شهدت لندن في اآلونة األخيرة نشاطا كبيرا للمعارضة‬ ‫املصرية‪ .‬وقد زارها عدد من شخصيات املعارضة في الداخل‪.‬‬ ‫وتردد ان بعض املحامني الذين يدافعون عن املتهمني بقتل‬ ‫السادات زاروا لندن واتصلوا بالشخصيات املصرية املعارضة‬ ‫فيها وقاموا بتجميع وثائق معلومات وشهادات بهدف االفادة‬ ‫منها في املرافعات‪.‬‬ ‫وكشفت مصادر املعارضة في لندن لـ"املجلة" عن ان بني املحامني‬ ‫الذين برزوا في دفاعهم عن خالد االسالمبولي ورفاقه في قضية‬ ‫اغتيال السادات من هم محسوبني على التيار الوطني في مصر‬ ‫املعارض لنهج السادات من موقع سياسي ايديولوجي‪.‬‬ ‫ومن أبرز الشخصيات املصرية املعارضة في لندن عبد املجيد‬ ‫فريد الذي يوصف بأنه يمثل "التيار الناصري االشتراكي" وهو‬ ‫يرئس مركزا لألبحاث والدراسات العربية في العاصمة البريطانية‪،‬‬ ‫الذي رعى ندوات دراسية كان من ضيوفها ملك األردن‪ ،‬امللك‬ ‫حسني‪ ،‬ورئيس الجمعية العامة لألمم املتحدة‪ ،‬العراقي عصمت‬ ‫كتانة‪ .‬كما من أبرز الشخصيات املصرية املعارضة في لندن‬ ‫الدكتورة فوزية مخلوف التي تقيم في بريطانيا منذ عشرين‬ ‫عاما وهي متزوجة من بريطاني هو هيو نوريس يعاونها في‬ ‫النشاط االعالمي منذ انخراطها فيه في أواسط الستينات‪.‬‬

‫سعد الدين الشاذلي‬

‫‪,,‬‬

‫كيف أصبح‬ ‫الشاذلي‬ ‫معزوال؟ وما‬ ‫هي تعليمات‬ ‫موسكو‬ ‫السرية الى‬ ‫الشيوعيني؟‬

‫‪,,‬‬

‫وفي لندن أيضا كاتب مسرحي مصري معروف هو ألفريد‬ ‫فرج الذي يعتبر رائدا في "الثقافة الجماهيرية" في مصر ان نقل‬ ‫املسرح الى األرياف وكان مبرزا في املسرح السياسي الهادف‪،‬‬ ‫ويفضل عبد املجيد فريد التريث في التحدث عن مرحلة ما بعد‬ ‫السادات وموقفه منها‪ .‬فهو يقول انه لم ير حتى اآلن ما يعلق‬ ‫عليه وأنه ال يزال ينتظر‪ .‬وليس واضحا تماما ما يريده عبد‬ ‫املجيد فريد‪ ،‬فهو يتبع أسلوبا خاصا في املعارضة فيقف في‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪47‬‬


‫أرشيف‬

‫على استقاللية حزبنا وتمسكنا بتوجهاتنا االساسية كلما دعم‬ ‫ذلك من حركة الجبهة وكلما ساعد على اقتراب القوى األخرى‬ ‫من حزبنا ومن برامجه"‪.‬‬

‫املعارضة يف الداخل لم تكن راضية‬ ‫ويلحظ املقال ان مصر شهدت تطورا هو "اغتيال السادات وقيام‬ ‫مؤسسة رئاسية جديدة"‪ .‬ويقول ان تشكيل "الجبهة الوطنية‬ ‫الديموقراطية" املذكورة "قادر على افراز القيادات الحقيقية‬ ‫للشعب الكفيلة بالوقوف مع حزبنا (الشيوعي) صفا واحدا‬ ‫قويا"‪.‬‬

‫نحو مصالحة وطنية في مصر؟‬

‫‪,,‬‬

‫سعد الدين‬ ‫الشاذلي‪:‬‬ ‫"شهر العسل"‬ ‫بني مبارك‬ ‫واملعارضة‬ ‫املصرية في‬ ‫الداخل لن يدوم‬ ‫اال لبضعة‬ ‫أشهر فقط‬

‫‪,,‬‬

‫الوضع الداخلي في مصر ومراعاة للتطورات املتالحقة التي‬ ‫أعقبت مصرع السادات"‪ .‬اال ان الحزب و"التجمع" أبلغا عددا‬ ‫من الدول العربية ومن بينها سورية وليبيا والجزائر واألحزاب‬ ‫الوطنية العربية ومنظمات املقاومة الفلسطينية‪ ،‬بالتطور الجديد‪.‬‬ ‫وبقي األمر سرا ملا يزيد عن الشهرين‪ .‬ففي منتصف كانون‬ ‫الثاني (يناير) من هذا العام وزع في بيروت بيان يحمل توقيع‬ ‫"الجبهة الوطنية املصرية – األمانة العامة" يعلن تجميد عضوية‬ ‫الحزب الشيوعي املصري و"تجمع الوطنيني املصريني في‬ ‫الخارج" في هذه الجبهة ‪.‬‬ ‫وفي الوقت نفسه كانت مجلة "اليسار العربي" التي تصدر في‬ ‫باريس ويرئس تحريرها ميشيل كامل عضو األمانة الدائمة في‬ ‫الجبهة الوطنية املصرية‪ ،‬تنشر في عددها الصادر في كانون‬ ‫الثاني (يناير) املاضي خبرا مقتضبا في احدى صفحاتها‬ ‫الداخلية بعنوان "توضيح موقف" ورد فيه ‪":‬جاءنا من الحزب‬ ‫الشيوعي املصري وتجمع الوطنيني املصريني في الخارج ما‬ ‫يفيد انقطاع عالقتهما بتنظيم "الجبهة الوطنية املصرية – في‬ ‫الخارج" نتيجة انفراد بعض األطراف بفرض تغييرات على‬ ‫الالئحة تعتبر انتهاكا لقواعد التعامل التي سبق االتفاق عليها‪،‬‬ ‫فضال عن خالفات في املمارسات السياسية تخرج على االطار‬ ‫التنظيمي والسياسي الذي جرى اقراره باالجماع في الوثائق‬ ‫األساسية لتأسيس الجبهة"‪.‬‬ ‫وفي العدد نفسه من مجلة "اليسار العربي" الناطقة بشكل‬ ‫رئيسي باسم الحزب الشيوعي املصري انطلقت دعوة الى اقامة‬ ‫"الجبهة الوطنية الديموقراطية" وصفت العمل الجبهوي بأنه‬ ‫"عمل مرن بطبيعته"‪ .‬وقالت انه "ليس من الضروري ان يتفق‬ ‫معي اآلخرون في كل مواقفي وتوجهاتي بل من املمكن اقامة‬ ‫تحالفات ولو على نقطة واحدة تكون محل اتفاق مع االحترام‬ ‫املتبادل لباقي القضايا محل االختالف"‪.‬‬ ‫ويضيف املقال غير املوقع الذي تضمن الدعوة "ان العمل‬ ‫الجبهوي ال يقوى بتقديم تنازالت بل على العكس فكلما حافظنا‬

‫‪46‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫وتقول مصادر املعارضة املصرية في الخارج ان الشاذلي زار‬ ‫دمشق مؤخرا واجرى محاوالت لترميم الصدع في الجبهة التي‬ ‫ال يزال أمينها العام‪ .‬اال ان الواضح ان هذه املحاوالت لم تؤد‬ ‫الى نتيجة ايجابية‪ .‬فبعد ذلك بأيام كان رفعت السعيد األمني‬ ‫العام املساعد لحزب "التجمع الوطني التقدمي الوحدوي" الذي‬ ‫يترأسه خالد محي الدين يزور بيروت ويعقد مؤتمرا صحافيا‬ ‫في مقر وكالة االنباء الفلسطينية "وفا" ويشن هجوما كبيرا‬ ‫ولكن بمفردات غير قاسية ضد الشاذلي ويقول ان الشاذلي‬ ‫يتكلم ويده في املاء ال في النار ويتهمه بأنه ينطق بلسان غير‬ ‫لسان املصريني وانه خارج صورة االحداث ولذلك فان مواقفه في‬ ‫معظمها "مجانية"‪.‬‬ ‫ويضيف السعيد انه "اذا استطاع اي انسان ان يثبت لي أن هناك‬ ‫تنظيما واحدا مصريا من أصل عشرات التنظيمات ومنها ‪73‬‬ ‫منظمة دينية معارضة اضافة الى أحزاب اليسار يعمل تحت‬ ‫قيادة الشاذلي فانني سأعلن التزام حزينا بهذه الجبهة"‪ .‬وتقول‬ ‫مصادر املعارضة املصرية في بيروت "ان مجريات العمل في‬ ‫اطار الجبهة الوطنية املصرية أثبتت بعد اقامتها مباشرة انها‬ ‫تحولت الى عقبة في طريق العمل الوطني املصري في الخارج‬ ‫وأنها اصبحت مجرد اطار البراز الزعامة الفردية والتعاطي مع‬ ‫األوضاع العربية بطريقة ال تنسجم مع تقاليد العمل الوطني‬ ‫املصري"‪.‬‬ ‫وتضيف هذه املصادر ان املعارضة الوطنية املصرية في الداخل‬ ‫بقيادة عضو مجلس قيادة الثورة السابق خالد محيي الدين لم‬ ‫تكن راضية عن هذه الجبهة منذ بداية تأسيسها‪ ،‬وأنها كانت‬ ‫تصر على أن الجبهة الحقيقية التي تستطيع مواجهة السادات‬ ‫يجب ان تقام في الداخل ومن القوى السياسية الفاعلة‪.‬‬ ‫وتقول هذه املصادر أيضا "ان عددا كبيرا من الشخصيات‬ ‫الوطنية املصرية في الخارج أبدت اعتراضها على األسلوب الذي‬ ‫أقيمت به هذه الجبهة‪ ،‬وانها اتخذت موقفا داخليا معارضا‬ ‫لها ولكنها لم تجهر برأيها على الصعيد االعالمي تحت الحاح‬ ‫التحوطات التي منعت املعارضة الداخلية في مصر من اعالن‬ ‫رأيها بهذه الجبهة‪ ،‬وهي الحرص على وحدة العمل الوطني‬ ‫املصري والخوف من ان يستغل الحكم ثغرة في جدار املعارضة‬ ‫ويهدمها جميعا"‪.‬‬ ‫ولم يكن الخالف حول املسائل التنظيمية السبب الوحيد في‬ ‫فرط عقد "الجبهة الوطنية املصرية"‪ .‬فالثابت حتى اآلن ان لكل‬ ‫من الشاذلي وشريكيه في الجبهة مواقف مختلفة من الحكم‬ ‫املصري الجديد وأسلوب العمل وأشكاله‪.‬‬ ‫ففي أواسط كانون الثاني (يناير) املاضي أدلى الشاذلي بحديث‬


‫الدائمة الفريق سعد الدين الشاذلي الذي كان رئيسا لالركان في‬ ‫الجيش املصري أثناء حرب تشرين األول (أكتوبر) ‪ 1973‬قبل‬ ‫أن يعني سفيرا ملصر في بريطانيا في املرحلة األولى من رحلة‬ ‫االبتعاد عن حكم السادات‪ .‬والى جانب الشاذلي ضمت األمانة‬ ‫الدائمة الدكتورة حكمت أبو زيد وهي وزيرة مصرية سابقة‬ ‫للشؤون االجتماعية في الستينات وتوصف بأنها تمثل "اليسار‬ ‫الناصري"‪ ،‬وميشيل كامل وهو احد قادة الحزب الشيوعي‬ ‫املصري‪ ،‬وحسن فتح الباب الذي يمثل "تجمع الوطنيني املصريني‬ ‫في الخارج" و"أبو محمد" ويمثل "التيار االسالمي"‪.‬‬ ‫وقد نشرت "الجبهة الوطنية املصرية" حال تأسيسها برنامجا‬ ‫لها دعا الى العمل اللغاء اتفاقيتي كامب دايفيد وملحقاتهما‬ ‫ومعاهدة الصلح التي انبثقت عنهما والغاء خطوات التطبيع في‬ ‫العالقات بني مصر واسرائيل واعادة مصر الى موقعها الطليعي‬ ‫في العمل العربي وفي حركة التحرر الوطني العاملية وحركة عدم‬ ‫االنحياز‪ ،‬والغاء سياسة االنفتاح االقتصادي ووقف اضطهاد‬ ‫القوى السياسية في الداخل والخارج والغاء كل القوانني املقيدة‬ ‫للحريات‪ .‬واتهم برنامج الجبهة الرئيس السابق أنور السادات‬ ‫بأنه "خان الوطن والعروبة"‪.‬‬

‫تذبذب الشاذلي‬ ‫والشاذلي‪ ،‬الذي عني أمينا عاما لهذه الجبهة‪ ،‬شخصية مثيرة‬ ‫للجدل‪ .‬وقد برز اسمه في صحف العالم مجددا عقب مقتل‬ ‫السادات في ‪ 6‬تشرين األول (أكتوبر) من العام املاضي‪ .‬اذ أعلن‪،‬‬ ‫فيمن سارعوا العالن مسؤولياتهم عن عملية اغتيال الرئيس‬ ‫املصري‪ ،‬انه يشرف على عملية االنتفاضة العسكرية التي قيل‬ ‫ان عملية اغتيال السادات جاءت في اطارها‪.‬‬ ‫وقد جاء اعالنه ذلك في مؤتمر صحافي عقده في ليبيا‪ .‬وفي‬ ‫غضون أسبوع واحد من مقتل السادات كان الشاذلي قد أدلى‬ ‫بعشرات األحاديث الصحافية وعقد العديد من املؤتمرات‬

‫الصحافية وكلها توحي بأنه الحاكم املصري املقبل‪.‬‬ ‫وقوى هذا االفتراض ان الشاذلي‪ ،‬الذي انتقل من الجزائر حيث‬ ‫يقيم الى ليبيا لالقتراب من ساحة املعركة‪ ،‬ظهر على شاشة‬ ‫التلفزيون هناك وراح يصدر األوامر الى قطاعات عسكرية‬ ‫مصرية وهمية للتحرك واالنقضاض على الحكم وتسلم مقاليد‬ ‫األمور في البالد‪.‬‬ ‫ولم يكد يمضي شهر واحد على اغتيال السادات وتولي نائبه‬ ‫حسني مبارك الحكم خلفا له‪ ،‬حتى كانت "الجبهة الوطنية‬ ‫املصرية" تشهد أقسى اختبار لوحدتها وتنشق من الداخل‪.‬‬ ‫احد القياديني املصريني املعارضني كشف لـ"املجلة" عن أن الحزب‬ ‫الشيوعي و"تجمع املصريني في الخارج" بعد أن رأيا ما كان من‬ ‫سلوك الشاذلي عقب اغتيال السادات وبعد ما رأياه من "تذبذب"‬ ‫مواقف الشاذلي من الرئيس املصري الجديد ومراوحتها بني‬ ‫منحه نوعا من التأييد في البداية ثم اعالن معارضته له باعتباره‬ ‫"امتداد لنظام السادات" شكال وفدا حمل الى الشاذلي في الجزائر‬ ‫رسالة تدعو الى عقد اجتماع طارئ للجبهة وتحديد جدول أعمال‬ ‫يتضمن تقييم العالقات التنظيمية داخل الجبهة والوضع في‬ ‫مرحلة ما بعد السادات‪.‬‬ ‫وقد عقد االجتماع في تشرين الثاني (نوفمبر‪ 9‬في الجزائر‪.‬‬ ‫وبعد جلسات استمرت عدة أيام وشهدت نقاشا مستفيضا‬ ‫حول نمط العالقات التنظيمية داخل الجبهة وحول تصرفات‬ ‫أمينها العام‪ ،‬اتخذ الحزب الشيوعي و"تجمع املصريني في‬ ‫الخارج" قرارا باالنسحاب من الجبهة‪.‬‬

‫الرئيس مبارك‪ :‬ارث السادات وعبء بيغن‬

‫‪,,‬‬

‫مبارك يؤيد‬ ‫عقد مؤتمر‬ ‫مصالحة‬ ‫لقادة‬ ‫املعارضة‬ ‫تمهيدا‬ ‫للعودة إلى‬ ‫مصر‬

‫‪,,‬‬

‫ولم يشأ الحزب و"التجمع" ان يطرحا انسحابهما من الجبهة‬ ‫للتداول االعالمي‪ .‬وقد امتنعا عن اذاعة النبأ‪ ،‬في نشراتهما‬ ‫ودورياتهما‪ ،‬وعلى قوى املعارضة املصرية والصحف العربية‬ ‫وذلك على حد تعبير القيادي املصري املعارض "حرصا على‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪45‬‬


‫أرشيف‬

‫لم تكن «الجبهة الوطنية» التي أسسها محمد البرادعي في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام املاضي‪،‬‬ ‫وضمت عمرو موسى و الناصري حمدين صباحي والوفدي السيد البدوي وقوى سياسية مثلت‬ ‫تيارات ليبرالية وشيوعية وعلمانية‪ ،‬جديدة على الساحة السياسية املصرية‪ ،‬فبعد خمسة أشهر فقط‬ ‫من تولي الرئيس املصري السابق حسني مبارك الحكم فتحت "املجلة" ملف املعارضة املصرية في‬ ‫الخارج‪ ،‬وكشفت عن حقيقة ما جرى في صفوفها من انشقاقات وخالفات‪،‬كما كشفت عن مواقفها‬ ‫املتباينة من النظام الجديد بعد اغتيال الرئيس الراحل انور السادات‪ ،‬وذلك من خالل اتصاالت ولقاءات‬ ‫اجريت مع قادتها ورموزها‪ ،‬في لندن وباريس وبيروت ‪ ،‬واقتحمت «املجلة» العالم السري لـ «الجبهة‬ ‫الوطنية املصرية» التي تشكلت في صيف العام ‪ 1980‬في دمشق وضمت شيوعيني وناصريني الى‬ ‫جانب التيار االسالمي وتولى امانتها الدائمة الفريق اركان حرب الراحل سعد الدين الشاذلي‪.‬‬

‫هل يعقد مؤتمر املصالحة؟‬

‫«اجمللة» تدخل عالم املعارضة املصرية يف اخلارج‬ ‫وتكشف أسراره وقصص اخلالفات واالنشقاقات‬ ‫تحقيق بقلم‪:‬‬ ‫محمد معتوق‬ ‫شارك فيه من بيروت‬ ‫صالح عواد‬ ‫ومن باريس‬ ‫جمال الراوي‬ ‫نشر التحقيق‬ ‫في العدد رقم (‪)109‬‬ ‫آذار (مارس) ‪1982‬‬

‫هل هناك معارضة مصرية في الخارج ام هناك معارضون فقط؟‬

‫تعرف من عنوانها أو أن ما تم حتى اآلن يكفي كبداية‪.‬‬

‫وهل ال يزال هؤالء املعارضون يقفون ضد النظام املصري بعد‬ ‫اغتيال الرئيس السادات ومجيء الرئيس حسني مبارك الى‬ ‫الحكم‪ ،‬أم أنهم بدلوا موقفهم ويستعدون للمصالحة مع العهد‬ ‫الجديد والعودة الى مصر؟ ما قصة املعارضني املصريني في‬ ‫الخارج؟ ما هي أسرار االنشقاقات والخالفات التي حدثت في‬ ‫صفوفهم بعد مجيء مبارك الى الحكم؟ وهل ستتم املصالحة‬ ‫بني مبارك وهؤالء املعارضني؟ كيف ومتى؟‬

‫املعلومات التي توفرت لدى "املجلة" من مصادر مطلعة تفيد أن‬ ‫هناك اتصاالت سرية مع املعارضة املصرية في الخارج يقوم‬ ‫بها‪ ،‬بتأييد من الحكومة املصرية‪ ،‬معارض سابق يعمل في‬ ‫حقل الصحافة‪ ،‬لعقد مؤتمر مصالحة يعود بعده قادة املعارضة‬ ‫املصرية الى القاهرة‪ .‬وتقول املصادر أن الرئيس مبارك نفسه‬ ‫على علم بهذه االتصاالت وأنه أبلغ الصحافي املعروف أنه يفضل‬ ‫أن ينعقد مؤتمر املصالحة املذكور في القاهرة نفسها‪ ،‬بينما‬ ‫يصر بعض املعارضني في الخارج على أن يعقد هذا املؤتمر في‬ ‫احدى العواصم العربية أو االوروبية‪.‬‬

‫"املجلة" تفتح في هذا التحقيق ملف املعارضة املصرية في‬ ‫الخارج وتكشف‪ ،‬من خالل اتصاالت ولقاءات في لندن وباريس‬ ‫وبيروت وبعض العواصم العربية االخرى‪ ،‬حقيقة ما جرى في‬ ‫صفوف هؤالء املعارضني‪ ،‬وحقيقة انشقاقاتهم ومواقفهم من‬ ‫النظام الجديد في مصر‪ ،‬وتدخل الى عاملهم السري‪ ،‬وهذه هي‬ ‫القصة‪.‬‬ ‫ماذا يحدث للمعارضة املصرية في الخارج اذا دعا الرئيس‬ ‫حسني مبارك غدا أبناء مصر في املنفى الى العودة للمساهمة‬ ‫في اعادة بناء الوطن؟‬ ‫ليس هذا افتراضا خياليا‪ .‬فالرئيس املصري الجديد يتبع نهجا‬ ‫جديدا ازاء القوى السياسية املعارضة‪ .‬واالحزاب والتنظيمات‬ ‫املصرية في الخارج تتبنى منذ مدة مواقف أكثر‬ ‫اتزانا ومرونة تجاه حكمه‪ .‬واذا كان بعضها اليزال‬ ‫"يتريث" حتى يتضح نهائيا توجه الحكم الجديد‬ ‫خالل شهرين‪ ،‬فان البعض اآلخر قد حزم امره‪ ،‬من‬ ‫حيث املبدأ وهو يتهيأ للعودة على اساس ان الرسالة‬

‫‪44‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫ووفقا ملعلومات "املجلة" فان االتجاه االقوى هو لعقد املؤتمر في‬ ‫باريس باعتبار أنها تضم عددا غير قليل من رموز املعارضة‬ ‫وباعتبار أن عقد مثل هذا املؤتمر في بعض العواصم العربية‬ ‫قد يعرضه للتأثر باالنقسامات العربية الراهنة وقد يحول دون‬ ‫حضوره من قبل أشخاص محسوبني على الحكم املصري‬ ‫الجديد‪.‬‬ ‫وقد كانت االنقاسامات العربية سببا في بقاء املعارضة املصرية‬ ‫فترة من الزمن مضعضعة ومنقسمة على نفسها حتى كان‬ ‫توقيع معاهدة كامب دايفيد وخروج موقف عربي اجماعي منها‬ ‫فسهل ذلك تشكيل جبهة معارضة موحدة بقيت تحت تهديد‬ ‫تلك االنقسامات حتى فرطت هذه عقدها مرة أخرى‪.‬‬ ‫وقد تشكلت هذه الجبهة في صيف العام ‪ 1980‬في دمشق‬ ‫وعرفت باسم "الجبهة الوطنية املصرية" وهي تضم الشيوعيني‬ ‫الى جانب التيار االسالمي والناصريني‪ .‬وقد ضمت امانتها‬


‫جديدة في مجاالت تشجيع وحماية االستثمار ومنطقة التجارة‬ ‫الحرة‪ ...‬الخ‪ .‬كما أنشأت صناديق وطنية لتمويل مشاريع‬ ‫وبرامج التنمية في بقية الدول العربية‪.‬‬ ‫لكن في الوقت الذي تساهم دول املجلس في املساعدة على‬ ‫ً‬ ‫التحديات االقتصادية في الدول التي واجهت حراكا‬ ‫مواجهة‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫سياسيا نشطا‪ ،‬ال أعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك ترتيبات‬ ‫خاصة مشتركة تقتصر على هذه الدول ودول املجلس؛ ألن‬ ‫ً‬ ‫سلبا على مجمل مسيرة التعاون االقتصادي‬ ‫ذلك سيؤثر‬ ‫العربي‪ .‬الطريق األسلم ‪ -‬في رأيي‪ -‬هو االستفادة من الزخم‬ ‫السياسي الذي تمر به املنطقة لدفع العمل االقتصادي العربي‬ ‫ً‬ ‫قدما عن طريق تطوير املؤسسات التي ستزداد رؤوس أموالها‬ ‫ً‬ ‫وفقا لقرارات قمة الرياض وتجديد قياداتها‪ ،‬وتسريع الوصول‬ ‫ً‬ ‫كثيرا‪ ،‬واالنتقال‬ ‫إلى منطقة التجارة الحرة العربية التي تأخرت‬ ‫ًّ‬ ‫تدريجيا إلى االتحاد الجمركي‪ ،‬واستكمال ربط الطرق‬ ‫وخطوط القطارات‪ ،‬والخطوط البحرية‪ ،‬والشبكات الكهربائية‪،‬‬ ‫واالتصاالت‪ ،‬وخطوط نقل الوقود‪.‬‬

‫االستنتاجات والتوصيات‬ ‫‪ – 1‬يجب أن يشجع الحراك السياسي الحالي في املنطقة دول‬ ‫املجلس على االستمرار في برامجها لإلصالح السياسي‪ .‬فقد‬ ‫استطاعت سلطنة عمان ‪-‬على سبيل املثال‪ -‬أن تثبيت عدم‬ ‫حتمية مقولة «صمويل هننجستون» الذي أسماها «معضلة‬ ‫امللك»‪ ،‬واملتمثلة في أن أي إصالح سيمهد الطريق للمطالبة‬ ‫بمزيد من التغيير مما سيؤدي في النهاية إلى مصير مجهول‬ ‫للملك املصلح‪ ،‬فقد ساد االستقرار والوئام عندما نفذت‬ ‫السلطنة إصالحات سياسية حقيقية‪ .‬كما يجب أن ال يثني‬ ‫هذا الحراك دول املجلس عن املراجعة املستمرة لسياساتها‬ ‫االقتصادية بهدف تحسينها وجعلها أكثر مالءمة للمواطنني‪،‬‬ ‫مع تحقيق أفضل األداء‪.‬‬ ‫فقد أثبتت الدراسات أن أكثر من يستفيد من األسعار املشوهة‬ ‫الحالية للطاقة والخدمات األخرى املعانة هم ذوو الدخول العالية‪.‬‬ ‫لذا ينبغي مراجعة سياسات الدعم الحالية بما في ذلك أسعار‬ ‫املحروقات والكهرباء والخدمات املدعومة األخرى‪ ،‬مع توجيه أي‬ ‫فائض ينتج عن هذه املراجعة إلى الفئات املحتاجة من املواطنني‬ ‫مباشرة‪ .‬كما ينبغي أن ال يثني هذا الحراك دول املجلس عن‬ ‫املضي ً‬ ‫قدما في عمليات التخصيص املخطط لها‪.‬‬ ‫‪ – 2‬رغم االحتياجات اآلنية امللحة في دول الحراك السياسي فإن‬ ‫القطاع الخاص املحلي والدولي يبدو أنه غير مستعد للدخول في‬ ‫استثمارات جديدة في هذه الدول حتى ينجلي املوقف وتحدد‬ ‫األولويات بإجماع القوى السياسية‪ ،‬وتتضح السياسات التي‬ ‫تضعها حكومات منتخبة‪.‬‬ ‫لذا فإن قيادة االقتصاد في هذه الدول ستعتمد على حكوماتها‬ ‫االنتقالية الحالية‪ .‬وهذه الحكومات ستحتاج بدورها إلى‬ ‫مصادر تمويل إقليمية ودولية تقدر ما بني ‪ 50‬إلى ‪ 100‬بليون‬ ‫ً‬ ‫سنويا‪.‬‬ ‫دوالر‬ ‫لذلك فإن دول املجلس سوف تتعرض لضغوط كبيرة ومن‬ ‫مختلف الجهات لتغطية جزء من هذه االحتياجات دون وضوح‬ ‫في الرؤية حول مدى قدرة اقتصادات هذه الدول على التحسن‪،‬‬ ‫ومن ثم عدم تحديد فتره زمنية الستمرار هذه االلتزامات‪.‬‬

‫لذا أقترح أن يتم صرف غالبية املساعدات التي ستلتزم بها‬ ‫دول املجلس تجاه الدول العربية عن طريق مؤسسات التمويل‬ ‫العربية والدولية‪ ،‬بما في ذلك أية محاوالت لتحريك القطاع‬ ‫الخاص بمساعدة الشركات العربية املشتركة‪ ،‬بعد أن َّ‬ ‫أقرت‬ ‫القمة االقتصادية العربية الثالثة في الرياض زيادة رؤوس أموال‬ ‫هذه املؤسسات بنسبة ‪ 50‬في املائة‪.‬‬ ‫وال بد أن يسبق ذلك إعادة النظر في طرق إدارة مؤسسات‬ ‫التمويل‪ ،‬وكذلك الشركات املشتركة ووضع خطط عملية‬ ‫النطالقها من جديد‪.‬‬ ‫‪ – 3‬أثبتت التجارب السابقة أن الدول املنتجة للطاقة التي شهدت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اضطرابات أمنية وسياسية قد أخذت وقتا طويال للوصول‬ ‫إلى مستويات من اإلنتاج تقارب املستويات التي سبقت تلك‬ ‫االضطرابات كما في حالتي إيران والعراق‪ .‬لذا فإن التزام دول‬ ‫املجلس تجاه االقتصاد العاملي يقتضي توفير ما تحتاجه‬ ‫السوق من البترول والغاز‪.‬‬ ‫وهذا يتطلب االستمرار باالحتفاظ بطاقة إنتاجية فائضة في‬ ‫كل األحوال مما يشكل أعباء مالية جديدة على دول املجلس‬ ‫لالستمرار بزيادة طاقاتها اإلنتاجية‪ ،‬وزيادة تكاليف صيانة‬ ‫الحقول ومنشآت النقل وخطوط اإلنتاج والتخزين واملنصات‬ ‫واملواني ومعامل التكرير‪ .‬هذا في الوقت الذي ال توجد أية‬ ‫جهة تضمن وصول مستويات الطلب على البترول والغاز‬ ‫إلى حدود تمكن الدول املنتجة من استرداد استثماراتها في‬ ‫هذه التجهيزات‪ً ،‬‬ ‫نظرا للنمو املتوقع إلنتاج البترول والغاز من‬ ‫مصادر جديدة‪.‬‬ ‫لذا فإن دول املجلس مدعوة ألخذ ذلك بعني االعتبار عند تقدير‬ ‫احتياجاتها من السيولة في كل الحاالت‪ ،‬بما في ذلك السنوات‬ ‫التي قد تتعرض فيها السوق البترولية لتباطؤ في الطلب‪ ،‬ومن‬ ‫ثم انخفاض األسعار <‬

‫دول الخليج‪ ..‬استثمار في العقارات‬

‫‪,,‬‬

‫دول مجلس‬ ‫التعاون هي‬ ‫التي تقود العمل‬ ‫االقتصادي‬ ‫العربي منذ‬ ‫الحرب العراقية‬ ‫اإليرانية‪ .‬وقد‬ ‫تعزز هذا الدور‬ ‫بعد الحراك‬ ‫السياسي األخير‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪43‬‬


‫اقتصاد‬

‫انخفض معدل النمو االقتصادي من ‪ 4.2‬في املائة في عام‬ ‫‪ 2010‬إلى ‪ 2.2‬في املائة في عام ‪ 2011‬بفعل الحراك السياسي‪،‬‬ ‫وعلى مستوى الدول التي شهدت ثورات واضطرابات كان‬ ‫معدل االنخفاض في عام ‪ 2011‬من متوسط العشر سنوات‬ ‫( ‪ )2010 -2000‬في مصر ‪ 3.1-‬في املائة وفي تونس ‪ 4-‬في‬ ‫املائة وفي اليمن ‪ -10.7‬في املائة على سبيل املثال ‪ .‬كما انخفض‬ ‫االستثمار األجنبي املباشر في عام ‪ 2011‬بنسبة ‪ 100‬في املائة‬ ‫في مصر‪ 24 ،‬في املائة في تونس‪ 43 ،‬في املائة في سوريا‪.‬‬ ‫وانخفضت السياحة في نفس العام بنسبة ‪ 33‬في املائة في‬ ‫مصر‪ 31 ،‬في املائة في تونس‪ 28 ،‬في املائة في اليمن ‪ .‬كما‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫سياسيا‬ ‫انخفض سعر صرف عمالت الدول التي شهدت حراكا‬ ‫ً‬ ‫نشطا بنسب عالية‪ .‬في ظل تلك االنخفاضات ال شك أن العائد‬ ‫ً‬ ‫عموما بما فيها االستثمارات األجنبية في‬ ‫على االستثمارات‬ ‫هذه الدول قد تعرضت هي األخرى لالنخفاض‪ ،‬وبالتالي فإن‬ ‫املتوقع أن قيمة هذه االستثمارات الخليجية قد انخفضت‪ .‬كما‬ ‫تعرضت بعض االستثمارات الخليجية في هذه الدول ملالحقات‬ ‫قضائية‪ ،‬إال أن الحكومات الجديدة تداركت املوضوع بمحاوالت‬ ‫جادة الحتواء الضرر‪.‬‬

‫دول مجلسل التعاون الخليجي صامدة وتسجل‬ ‫معدالت النمو فيها تحسنا سنة بعد سنة‬

‫‪,,‬‬

‫أوضاع السيولة‬ ‫في دول مجلس‬ ‫التعاون والتعقيدات‬ ‫الجديدة أمام‬ ‫االستثمارات‬ ‫األجنبية في أوروبا‬ ‫تشكل فرصة سانحة‬ ‫أمام دول الحراك‬ ‫السياسي العربية‬ ‫ينبغي استغاللها‬

‫‪,,‬‬

‫نتيجة التخصص‪ .‬هذا في الوقت الذي تحتاج الدول إلى مزيد‬ ‫من االستثمار بما في ذلك االستثمار املوجه لزيادة الطاقة‬ ‫اإلنتاجية من البترول والغاز وتطوير وصيانة الحقول املنتجة‪.‬‬ ‫‪ -2‬الخسائر التي تتكبدها االستثمارات الخليجية العامة‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫سياسيا إضافة إلى‬ ‫والخاصة داخل الدول التي شهدت حراكا‬ ‫ما طال األسواق املالية بدول املجلس واالستثمارات العربية‬ ‫البينية من اهتزازات أقله في األمد القصير‪ .‬في نفس الوقت‬ ‫يتوقع أن يتجه بعض املستثمرين من دول الحراك السياسي‬ ‫وغيرهم من الدول األخرى إلى االستثمار بدول مجلس التعاون‬ ‫ً‬ ‫عوضا عن وجهاتها األصلية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ال شك أن هذا الحراك السياسي وما خلقه من عدم‬ ‫استقرار في املنطقة أدى إلى ارتفاع األسعار البترولية‪ ،‬وزاد‬ ‫بالتالي املداخيل النقدية لدول املجلس‪ .‬إال أن ذلك حدث في‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫اقتصاديا بفعل أزمة الديون‬ ‫انحسارا‬ ‫وقت يشهد فيه العالم‬ ‫السيادية‪ ،‬واهتزاز النظام البنكي مما فاقم األزمة االقتصادية‬ ‫العاملية‪ .‬من جهة أخرى فإن املصاريف اإلضافية التي التزمت‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫وخارجيا نتيجة لهذا الحراك ستجعلها‬ ‫داخليا‬ ‫بها دول املجلس‬ ‫أقل مرونة في التعامل مع األسعار املستهدفة للبترول بسبب‬ ‫هذه األزمات مما سيؤثر ً‬ ‫سلبا على النمو االقتصادي العاملي‪،‬‬ ‫ومن ثم على الطلب املستقبلي للبترول‪ ،‬ويقلل بالتالي املداخيل‬ ‫املستقبلية لدول الخليج‪ .‬كما أن ذلك سيجعل في نفس الوقت‬ ‫الوقود الصخري أكثر جاذبية وقدرة على املنافسة كما نشاهد‬ ‫ً‬ ‫خصوصا في مجال الغاز‪.‬‬ ‫هذه األيام‬

‫التعاون االقتصادي بني دول الخليج‬ ‫ودول «الربيع العربي»‬ ‫ً‬ ‫أوال دعونا نستعرض باألرقام الواقع االقتصادي لدول الربيع‬ ‫العربي قبل وبعد أحداث االحتجاجات واالنتفاضات‪ ،‬فقد‬

‫‪42‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫لكن في الوقت الذي تشهد فيه املنطقة فورة الحراك السياسي‬ ‫ً‬ ‫خصوصا أوروبا والواليات املتحدة بأزمة مالية أدت‬ ‫يمر العالم‬ ‫إلى انخفاض معدالت النمو االقتصادي‪ ،‬وزيادة نسب البطالة‬ ‫في تلك الدول مما أثر ً‬ ‫سلبا على أوضاع بنوكها‪ ،‬وعلى ربحية‬ ‫املشاريع االستثمارية فيها‪ .‬في هذه األجواء اعتقد عدد من‬ ‫املستثمرين الخليجيني أن الحراك السياسي في هذه الدول‬ ‫ِّ‬ ‫يمكن أن يشكل فرصة استثمارية يجب استغاللها‪ ،‬إال أن‬ ‫استمرار تردي األوضاع السياسية واألمنية َّ‬ ‫خيب أمل هؤالء‬ ‫املستثمرين‪.‬‬ ‫من جهة ثالثة‪ ،‬ملعالجة الوضع االقتصادي املتردي في أوروبا‬ ‫عمدت الدول األوروبية إلى مصادرة بعض ودائع البنوك في‬ ‫قبرص‪ ،‬وفرض ضرائب جديدة في الدول األوروبية التي لجأت‬ ‫إلى برنامج الدعم األوروبي‪ ،‬مما قلل جاذبية السوق األوروبية‬ ‫أمام االستثمارات األجنبية‪ ،‬ومنها الخليجية‪.‬‬ ‫إن ذلك يشكل فرصة مناسبة لدول الحراك السياسي العربية‬ ‫لجذب االستثمارات من دول الخليج‪ ،‬وذلك عن طريق ضبط‬ ‫الوضع األمني‪ ،‬وسن القوانني‪ ،‬وإنشاء املؤسسات التي تشجع‬ ‫وتحمي هذه االستثمارات‪ .‬فأوضاع السيولة في دول مجلس‬ ‫التعاون والتعقيدات الجديدة أمام االستثمارات األجنبية في‬ ‫ً‬ ‫خصوصا في أوروبا‪ ،‬تشكل فرصة‬ ‫دول االستثمار التقليدية‪،‬‬ ‫سانحة أمام دول الحراك السياسي العربية ينبغي استغاللها‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫عمليا دول مجلس التعاون هي التي تقود العمل االقتصادي‬ ‫العربي منذ الحرب العراقية اإليرانية‪ .‬وقد تعزز هذا الدور بعد‬ ‫الحراك السياسي األخير؛ ً‬ ‫نظرا ملا تواجهه دول الحراك السياسي‬ ‫من تحديات اقتصادية وحاجتها إلى الدعم املادي من مختلف‬ ‫املصادر بما في ذلك دول املجلس‪ .‬يكفي أن نستعرض قرارات‬ ‫القمة االقتصادية العربية األخيرة في الرياض‪ ،‬لندرك ما أقصد‪.‬‬ ‫لكن القيادة مسؤولية أكثر من شيء آخر‪ ،‬وأعتقد أن دول‬ ‫املجلس تدرك ذلك‪ .‬فهي التي مولت واحتضنت وشجعت‬ ‫مؤسسات العمل االقتصادي العربي من شركات وصناديق‬ ‫ومؤسسات تمويل واستثمار‪ ،‬ثم تسنمت قياداتها‪ .‬وهي التي‬ ‫بادرت بمراجعة االتفاقيات االقتصادية‪ ،‬واقتراح اتفاقيات‬


‫الدول الشقيقة‪ ،‬مما يدل على أن الحراك السياسي في املنطقة‬ ‫لم يكن له تأثير سلبي يذكر على املالية العامة فيما عدا مملكة‬ ‫البحرين التي عانت من عجز في امليزانية خالل الخمس سنوات‬ ‫األخيرة وصلت النسبة العليا إلى (‪ -7‬في املائة) (‪،)2010‬‬ ‫والدنيا (‪ -2.4‬في املائة) (‪.)2011‬‬ ‫ومرة أخرى كان البترول هو العامل الحاسم في التأثير على‬ ‫املالية العامة‪ ،‬وليس الحراك السياسي في املنطقة‪ .‬وذلك دون‬ ‫أن ننسى أن املصاريف األخيرة التي التزمت بها دول املجلس‬ ‫خالل السنتني األخيرتني لن يظهر تأثيرها الكامل إال في‬ ‫سنوات الحقة‪.‬‬ ‫‪ – 4‬رصيد الحساب الجاري‪ :‬بلغ متوسط رصيد الحساب‬ ‫الجاري كنسبة من الناتج املحلي اإلجمالي لجميع دول املجلس‬ ‫خالل الفترة (‪ 5.4 )2006-2000‬في املائة‪ .‬ثم قفز قفزات‬ ‫كبيره خالل السنتني التاليتني (‪ .)2008-2007‬إال أنه انخفض‬ ‫ً‬ ‫انخفاضا ًّ‬ ‫حادا في عام ‪ 2009‬بفعل األزمة االقتصادية واملالية‬ ‫الدولية وتأثيرها السلبي على السوق البترولية‪ .‬ثم استأنف‬ ‫الصعود الصحي خالل األربع سنوات التالية (‪)2013-2010‬‬ ‫بفعل التحسن الذي طرأ على السوق البترولية‪ ،‬مما يعني أن‬ ‫الحراك السياسي في املنطقة لم يكن له تأثير يذكر على ميزان‬ ‫املدفوعات لجميع دول املجلس دون استثناء‪.‬‬ ‫مما ذكر أعاله يمكن االستنتاج أن الحراك السياسي في املنطقة‬ ‫لم يكن له تأثير سلبي يذكر على اقتصاديات دول املجلس‪ ،‬وأن‬ ‫ً‬ ‫تأثيرا هو التغيرات في السوق البترولية‪ .‬وهذا‬ ‫العامل األكثر‬ ‫يدل على ضعف االرتباط بني اقتصادات دول املجلس‪ ،‬والدول‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫سياسيا‪ .‬إال أن ذلك ال ينطبق على‬ ‫العربية التي شهدت حراكا‬ ‫العالقات االقتصادية لهذه الدول بدول املجلس‪ .‬فقد أظهرت‬ ‫أرقام صندوق النقد الدولي أن ارتفاع الناتج املحلي اإلجمالي‬ ‫لدول املجلس بنسبة ‪ 1‬في املائة سيؤدي إلى ارتفاع الناتج املحلي‬ ‫اإلجمالي لعدد من الدول العربية املجاورة بنسبة ‪ 0.55‬في املائة‪،‬‬ ‫ولبقية الدول العربية بنسبة ‪ 0.2‬في املائة‪ .‬ويتم ذلك عن طريق‬

‫التجارة‪ ،‬والتحويالت واالستثمارات‪ ،‬والتأثيرات السعرية‪.‬‬ ‫وهذا يعني أن األوضاع االقتصادية لبقية الدول العربية تتأثر‬ ‫إلى حد كبير بأية تطورات اقتصادية بدول املجلس وليس‬ ‫العكس‪ .‬وإذا أردنا توسيع دائرة التحليل فإن هذا االستنتاج‬ ‫التعاون االقتصادي العربي ‪-‬الذي بدأ قبل أكثر‬ ‫يدل على أن أمام‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من ستني ً‬ ‫عاما‪ -‬طريقا طويال للوصول إلى التكامل واالعتماد‬ ‫املتبادل‪.‬‬

‫التأثيرات املباشرة على دول الخليج‬ ‫يمكن النظر إلى التأثيرات املباشرة من ثالث زوايا‪:‬‬

‫‪ -1‬املصروفات املباشرة التي أملت على دول املجلس االلتزام بها‬ ‫كنتيجة للحراك السياسي في املنطقة‪ ،‬ولتقليل احتمال انتقاله‬ ‫إلى دول املجلس‪ ،‬ومثال ذلك زيادة مرتبات املوظفني‪ ،‬وتقديم‬ ‫امتيازات أخرى للمواطنني كتعويضات بدل بطالة‪ ،‬وتوفير املزيد‬ ‫من املساكن والفصول الدراسية والجامعات واملستشفيات‪...‬‬ ‫إلخ‪ .‬يضاف إلى ذلك املبالغ التي التزمت بها دول املجلس لبعض‬ ‫أعضائه‪ ،‬ولعدد من الدول العربية الشقيقة‪ ،‬إما مباشرة أو تلبية‬ ‫لجهود دولية‪.‬‬ ‫إضافة إلى هذه االلتزامات املالية سواء كانت ضمن امليزانية أو‬ ‫خارجها فإن هناك تبعات اقتصادية سلبية أخرى مباشرة على‬ ‫دول املجلس نتيجة لهذا الحراك السياسي منها‪:‬‬ ‫أ‪ -‬ستؤجل الحكومات إعادة النظر في األسعار املحلية للطاقة‬ ‫من بترول وغاز وكهرباء‪ ،‬وأسعار الخدمات األخرى املعانة مثل‬ ‫املياه‪ ،‬وأسعار تذاكر السفر مما سيزيد معدالت استهالكها‬ ‫واستمرار التشوهات السعرية الحالية‪.‬‬

‫دبي‪ ..‬اقتصاد ينمو رغم األزمة العاملية‬

‫‪,,‬‬

‫األوضاع‬ ‫االقتصادية‬ ‫لبقية الدول‬ ‫العربية تتأثر‬ ‫إلى حد كبير‬ ‫بأية تطورات‬ ‫اقتصادية بدول‬ ‫مجلس الخليج‬ ‫وليس العكس‬

‫‪,,‬‬

‫ب ‪ -‬تأجيل أي توجه نحو التخصيص مما سيؤخر أي‬ ‫جهود لتحسني اإلدارة وكفاءة األداء لبعض الخدمات واملرافق‬ ‫االقتصادية‪ ،‬ويحرم خزينة الدولة من أية مداخيل إضافية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪41‬‬


‫اقتصاد‬

‫اجتاح الدول العربية حراك سياسي منذ أكثر من سنتني‪ ،‬أدى إلى تغيير أنظمة أربع من الدول‬ ‫ً‬ ‫العربية‪ ،‬والزال هذا الحراك نشطا في دولة أو دولتني أخريني‪ .‬سأحاول في هذا التحليل إلقاء‬ ‫بعض الضوء على اآلثار االقتصادية لهذا الحراك على دول مجلس التعاون‪ ،‬مع التركيز على‬ ‫األجلني القصير واملتوسط‪ ،‬حيث إن لهذا الحراك السياسي ً‬ ‫آثارا اقتصادية في األجل الطويل قد‬ ‫تكون أكبر من تلك التي سأشير إليها‪.‬‬

‫اآلثار االقتصادية لـ «الربيع العربي» على دول مجلس التعاون الخليجي‬

‫اقتصاديات األزمة‬ ‫بقلم‪ :‬د‪ .‬عبد الله بن‬ ‫إبراهيم القويز‬

‫‪,,‬‬

‫الحراك‬ ‫السياسي في‬ ‫املنطقة لم يكن‬ ‫له تأثير سلبي‬ ‫يذكر على‬ ‫اقتصاديات‬ ‫دول املجلس‬ ‫وأن العامل‬ ‫ً‬ ‫تأثيرا‬ ‫األكثر‬ ‫هو التغيرات‬ ‫في السوق‬ ‫البترولية‬

‫‪,,‬‬

‫بداية ‪-‬ودون دخول في التفاصيل‪ -‬ال بد من اإلشارة إلى أن‬ ‫ً‬ ‫معدل النمو االقتصادي في الدول العربية التي شهدت حراكا‬ ‫ًّ‬ ‫سالبا في عام ‪ ،2012‬ويتوقع أن يستمر سالباً‬ ‫ً‬ ‫سياسيا كان‬ ‫ً‬ ‫هذا العام (‪ . )2013‬كما أن هذه الدول شهدت انخفاضا في‬ ‫ً‬ ‫تدهورا في حساباتها الجارية‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫الصادرات‪ ،‬ومن ثم‬ ‫االنخفاض في االستثمارات الوطنية واألجنبية وارتفاع في‬ ‫األسعار ‪.‬‬ ‫أما دول مجلس التعاون فقد استطاعت أن تتجنب االنعطافات‬ ‫الحادة في املطالب السياسية بسبب مرونة أنظمتها‪ ،‬وملستها‬ ‫الناعمة‪ ،‬وانفتاحها على هذه املطالبات‪ ،‬بل واستباقها لها‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‪ ،‬واملحاوالت الجادة لتلبية االحتياجات املادية والخدمية‬ ‫للمواطنني‪.‬‬ ‫وقد ساهم توفر املوارد املالية في تمكني هذه الدول من تلبية‬ ‫تلك االحتياجات‪ ،‬إضافة إلى عدم النجاح السريع للدول التي‬ ‫شهدت الحراك السياسي العنيف في تحقيق األمن واملطالب‬ ‫االقتصادية واملادية والوظيفية امللحة ملواطنيها‪ .‬لذا نسمع في‬ ‫مجلس التعاون أقل األصوات التي تتحدى شرعية أنظمتها‬ ‫السياسية (ما عدا حاالت معزولة)‪.‬‬ ‫سأحاول في هذا البحث تسليط الضوء على أية تأثيرات لهذا‬ ‫الحراك السياسي في املنطقة على املؤشرات االقتصادية‪ ،‬مع‬ ‫اإلشارة إلى التأثيرات االقتصادية واملالية املباشرة‪ ،‬والتطرق‬ ‫لواقع التعاون االقتصادي والتجاري بني دول الخليج‪ ،‬ودول‬ ‫الربيع العربي‪ ،‬ثم أختتم بعدد من االستنتاجات والتوصيات‪.‬‬

‫املؤشرات االقتصادية‬ ‫‪ – 1‬النمو االقتصادي‪ :‬سجل الناتج املحلي اإلجمالي الحقيقي‬ ‫خالل ‪ 7‬سنوات (‪ً )2006-2000‬‬ ‫نموا كان متوسطه ‪ 5.7‬في‬ ‫ً‬ ‫تقريبا خالل الفترة (‪)2010-2007‬‬ ‫املائة واستمر بنفس املعدل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫( فيما عدا ‪ 2009‬التي سجلت نموا سالبا نسبته ‪ -0.2‬في املائة‬ ‫بسبب األزمة االقتصادية واملالية الدولية)‪.‬‬ ‫وتشير األرقام إلى أن معدل النمو هذا شهد قفزة كبيرة في‬ ‫عام ‪( 2011‬وهي السنة األولى للحراك السياسي)‪ ،‬ثم عاد إلى‬

‫‪40‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫نفس املتوسط السابق في عام ‪ .2012‬ويتوقع أن يكون أقل من‬ ‫ذلك في عام ‪ 2013‬بفعل توقعات انخفاض الطلب على البترول‪،‬‬ ‫ومن ثم أسعاره‪ .‬وهذا يقود إلى االستنتاج أن السوق البترولية‬ ‫هي العامل الحاسم في التأثير على معدالت النمو االقتصادي‪،‬‬ ‫وليس الحراك السياسي الذي شهدته وتشهده املنطقة (على‬ ‫األقل في األمدين القصير واملتوسط)‪ .‬وهذا االستنتاج ينطبق‬ ‫على جميع دول املجلس عدا البحرين الذي انخفض معدل النمو‬ ‫ً‬ ‫تقريبا (خالل سنوات الحراك‬ ‫االقتصادي فيها إلى النصف‬ ‫السياسي‪.)2013-2011‬‬ ‫‪ – 2‬التضخم‪ :‬يقدر صندوق النقد الدولي متوسط ارتفاع‬ ‫أسعار املستهلك خالل الفترة (‪ )2006-2000‬في حدود ‪1.6‬‬ ‫في املائة‪ ،‬ثم قفز في السنتني التاليتني قفزات كبيرة بفعل‬ ‫ارتفاع أسعار املواد األولية‪ ،‬بما في ذلك املحاصيل الزراعية‪.‬‬ ‫إال أنه انخفض إلى معدالت مقبولة ليصل إلى متوسط ‪ 3.1‬في‬ ‫املائة خالل السنتني التاليتني (‪ )2010-2009‬ليستمر على‬ ‫نفس املعدل خالل الثالث سنوات املصاحبة للحراك السياسي‪.‬‬ ‫ويتوقع الصندوق أن يستمر هذا املعدل املقبول لسنوات قادمة‬ ‫رغم زيادة االحتياطيات النقدية لهذه الدول‪ ،‬وزيادة املصروفات‬ ‫الحكومية‪ ،‬واالرتفاع في عرض النقود وفي القروض البنكية‪.‬‬ ‫وعليه يمكن االستنتاج أن تأثير الحراك السياسي على معدالت‬ ‫ً‬ ‫محدودا‪ .‬وقد كانت‬ ‫التضخم في دول مجلس التعاون كان‬ ‫مملكة البحرين رائدة بني دول املجلس في كبح جماح التضخم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خصوصا في السنوات املصاحبة للحراك السياسي‪.‬‬ ‫‪ – 3‬املالية العامة‪ :‬بلغ متوسط الفائض في امليزانية من الناتج‬ ‫املحلي اإلجمالي خالل الفترة (‪ )2006-2000‬ما نسبته ‪7.4‬‬ ‫ً‬ ‫تقريبا في السنتني‬ ‫في املائة ثم قفز إلى ضعف هذه النسبة‬ ‫ً‬ ‫سالبا في السنة الثالثة‬ ‫التاليتني (‪ .)2008-2007‬إال أنه أصبح‬ ‫(‪ )2009‬بفعل األزمة االقتصادية واملالية الدولية وانعكاساتها‬ ‫على السوق البترولية‪.‬‬ ‫كما انخفض هذا الفائض في السنة الرابعة (‪ )2010‬إلى ما‬ ‫نسبته (‪ 2.5‬في املائة) إال أنه قفز إلى قرابة ‪ 6‬في املائة في‬ ‫سنوات الحراك السياسي (‪ )2013-2011‬رغم املصروفات‬ ‫الكبيرة التي التزمت بها دول املجلس تجاه شعوبها‪ ،‬وتجاه‬


‫الوطني الفلسطيني طوال الفترة املمتدة ما بني ‪ 1977‬إلى ‪1991‬‬ ‫ومن أوائل املؤيدين لحل الدولتني‪.‬‬ ‫وقد صوت سنة ‪ 1988‬في الجزائر لصالح إقامة دولة فلسطني‬ ‫ضمن املجلس الوطني الفلسطيني‪ .‬لكنه استقال منه في سنة‬ ‫ً‬ ‫احتجاجا على توقيع اتفاقية أوسلو‪.‬‬ ‫‪1991‬‬ ‫كما التقطت في الثالث من يوليو سنة ‪ 2000‬صورة إلدوارد‬ ‫ً‬ ‫حجرا عبر الحدود اللبنانية‬ ‫سعيد مع ابنه وهو يرمي‬ ‫اإلسرائيلية باتجاه إسرائيل‪ ،‬وما لبث َّ أن بدأ النقد يوجه له‬ ‫بصفته "متعاطف مع اإلرهاب"‪ .‬وقد علق على هذا األمر بأن‬ ‫وصفه بـ "رمزية الفرح" النتهاء االحتالل اإلسرائيلي للبنان‪.‬‬ ‫وفي كتابه (االستشراق) الذي كتبه في الفترة مابني ‪-1975‬‬ ‫‪ 1976‬وصدر في النسخة العربية بترجمة كمال أبو ديب بعنوان‬ ‫(االستشراق‪ ..‬املعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء) وصف إدوارد سعيد‬ ‫االستشراق بعدم الدقة‪ ،‬والتشكل على أسس الفكر الغربي تجاه‬ ‫الشرق‪ .‬يلخص سعيد بأن الدارسني األوروبيني قاموا بوصف‬ ‫الشرقيني بأنهم "غير عقالنيني‪ ،‬وضعفاء ومخنثني‪ ،‬على‬ ‫عكس الشخصية األوروبية العقالنية والقوية والرجولية"‪.‬‬ ‫ويعزي هذا التباين إلى الحاجة إلى خلق اختالف بني الشرق‬ ‫والغرب‪ .‬عندما نشر إدوارد سعيد كتابه كانت ما تزال حرب‬ ‫أكتوبر قائمة‪ ،‬ليشير سعيد أن هذا الخلل في النظرة إلى الشرق‬ ‫ً‬ ‫مستمرا في وسائل اإلعالم الحديثة‪.‬‬ ‫مازال‬ ‫تاريخ إدوارد سعيد املشبع بالثورية واملواجهة للفكر الغربي‪،‬‬ ‫دفع بالكاتب السعودي الدكتور عبد الله الغذامي أن يصفه‬ ‫بـ (ضمير املثقف العربي)‪ ،‬حني كتب عنه بصحيفة (الحياة)‬ ‫ً‬ ‫قائال‪" :‬إنه رجل بحجم َّأمة‪ ،‬حمل على كفه ضمير املثقف‬ ‫العاملي‪ ،‬وتحدى أعتى الظروف والعقبات‪ ،‬وأطل برأسه العمالق‬ ‫في عمق دار الرأسمالية والسلطوية والنفوذ املتعالي‪ ..‬إدوارد‬

‫سعيد هو خالصة رمزية لكل إنسان ذي ضمير حي‪ ،‬لكل‬ ‫مضطهد‪ ،‬ولكل عقل حر‪ ،‬هو حافز لنا لكي نتعلم في املقاومة‪،‬‬ ‫واملعارضة واملواجهة"‪.‬‬ ‫أما الكاتب اإلسالمي الدكتور محمد حامد األحمري فكتب‬ ‫ً‬ ‫مسلما‬ ‫في مقال له نشر في مجلة (العصر) بعنوان‪( :‬لو كان‬ ‫ً‬ ‫لترحمنا عليه)‪ ،‬يؤبن إدوارد سعيد قائال "موقفه من قضايا‬ ‫املسلمني موقف منصف ً‬ ‫غالبا‪ ,‬وتغيض مواقفه التيار األصولي‬ ‫في الثقافة العربية املعاصرة؛ ألنه كان شديد القسوة على من‬ ‫يسميه باملثقف الخائن‪ ,‬وسوطه املرفوع الذي يجلد به ظهورهم‪,‬‬ ‫ً‬ ‫لم يكن يملك ما يخاف عليه‪ ,‬ولم يزده مرضه إال تخففا‬ ‫وشجاعة‪ ,‬هو من القلة التي تستطيع أن تكشف حدود الحرية‬ ‫الفكرية في أمريكا‪ ,‬وما أصعب أن ترى حدود الحرية‪ .‬خسر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومهتما‬ ‫فصيحا‪ ,‬عن قضاياهم‪,‬‬ ‫مدافعا‬ ‫املسلمون والعرب‬ ‫ً‬ ‫واحدا ولكنه كان جهازاً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بارزا بقضية فلسطني‪ .‬لقد كان رجال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إعالميا ثقافيا مؤثرا"‪.‬‬ ‫ال غرابة إذن بعد كل هذا أن يكون موقع إدوارد سعيد في الثقافة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متلبسا بحالة وجدانية عاطفية يتداخل فيها‬ ‫العربية مختلفا‬ ‫املعرفي والثقافي‪ ،‬مع السياسي والنضالي والقومي‪ ،‬يجعل من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وملبسا‪ ،‬لكن‬ ‫معقدا‬ ‫تفكيك املوقف وتجريده من شخصية كهذه‬ ‫ً‬ ‫متجردا من مواقفه وانتماءاته‬ ‫السؤال‪ :‬هل لو كان إدوارد سعيد‬ ‫السياسية العربية ‪ -‬غير مهتم أو مكترث بالشأن اإلسالمي‪،‬‬ ‫والقضية الفلسطينية ‪ -‬سيحظى بذات املكانة التي يحظى بها‬ ‫اليوم؟ هل ساهمت تجربته النضالية‪ ،‬ومواجهته للثقافة الغربية‬ ‫ً‬ ‫مزيدا من الوهج والزخم؟‬ ‫في إعطاء مشاريعه ومؤلفاته‬ ‫أسئلة كثيرة تستحق أن تطرح من جديد أمام تراث شخصية‬ ‫ذات تقاطعات كثيرة لم يفصل بينها بوضوح‪ ،‬في التعاطي‬ ‫والتحليل والنقاش‪ ،‬يطغى جانب على جانب‪ ،‬وتضلل العاطفة‬ ‫على العقل‪ ،‬ويعلو صوت الوجدان واملشاعر <‬

‫ادوارد سعيد مع الشاعر الفلسطيني‬ ‫الراحل محمود درويش‬

‫‪,,‬‬

‫كان إدوارد ً‬ ‫سعيد مناضال‬ ‫من أجل القضية‬ ‫الفلسطينية وقف‬ ‫بشدة ضد اتفاقية‬ ‫أوسلو وصف‬ ‫املستشرقني‬ ‫بأنهم يشكلون‬ ‫انحيازًا ماكرًا ضد‬ ‫الشعوب العربية‬ ‫واإلسالمية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪39‬‬


‫قصة الغالف‬

‫في مقال له بعنوان "إدوارد سعيد تراجيديا االستشراق" يتساءل األديب والسياسي السوري‬ ‫ً‬ ‫رياض نعسان آغا قائال‪ :‬ما الذي أثار العرب في تجربة إدوارد سعيد فمنحوه مكانة خاصة في‬ ‫وجدانهم؟ وفي عقولهم؟ هل هو كتابه الشهير عن (االستشراق)‪ ،‬الذي نقل ما كان يريد أن يقوله‬ ‫العرب عن الباحثني الغربيني‪ ،‬لكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى ذلك املنبر الذي اعتاله؟ أم هو‬ ‫موقفه املتعاطف املتضامن مع اإلسالم كما يبرز ذلك في كتابه الشهير (تغطية اإلسالم)؟ أم هو‬ ‫نضاله من أجل القضية الفلسطينية‪ ،‬وموقفه الرافض التفاقيات السالم في أوسلو‪ ،‬كما عبر عنه‬ ‫في كتابه (نهاية عملية السالم‪ ،‬أوسلو وما بعدها)؟"‪.‬‬

‫هل كان إدوارد سعيد قصة عاطفية عند العرب؟‬

‫الفيلسوف املناضل‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عبد الله الرشيد‬

‫‪,,‬‬

‫موقع إدوارد‬ ‫سعيد في‬ ‫العربية‬ ‫الثقافة‬ ‫ً‬ ‫جاء مختلفا‬ ‫ً‬ ‫متلبسا بحالة‬ ‫وجدانية عاطفية‬ ‫يتداخل فيها‬ ‫املعرفي والثقافي‬ ‫مع السياسي‬ ‫والنضالي‬ ‫والقومي‬

‫‪,,‬‬

‫‪38‬‬

‫هناك إشارة خفية من خالل هذه األسئلة التي يطرحها األستاذ‬ ‫نعسان أن املكانة الكبيرة التي احتلها سعيد بني املثقفني العرب‬ ‫في أصلها تنبع من أبعاد عاطفية تالمس الوجدان العربي‪،‬‬ ‫وتشبع أنفته الذاتية في مرحلة كان الصراع العربي والغربي‬ ‫ً‬ ‫على أشده‪ ،‬مغلفا بروح القضية الفلسطينية‪ ،‬واملجد العربي‬ ‫الضائع‪.‬‬ ‫فذلك الفتى الفلسطيني الذي ُو ِلد بالقدس في نوفمبر ‪،1935‬‬ ‫مفعما باملكان َّ‬ ‫ً‬ ‫املقدس الذي ولد فيه‪،‬‬ ‫وعاش (خارج املكان) بقي‬ ‫وهو القدس التي غادرها إدوارد عام ‪ ،1947‬وبقيت في أعماقه‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫أمريكيا بامتياز‪،‬‬ ‫وسكنت في وجدانه‪ ،‬على الرغم من أنه صار‬ ‫وشغل منصب أستاذ في جامعة كولومبيا‪ ،‬وهي واحدة من‬ ‫أشهر أربع جامعات في العالم كله‪ ،‬وفيها أربعة آالف أستاذ‬ ‫جامعي‪ ،‬خمسة منهم يحملون لقب أستاذ األساتذة‪ ،‬وواحد‬ ‫منهم إدوارد سعيد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يؤكد نعسان قائال‪" :‬أحسب أن هذا النجاح وحده كفيل بأن‬ ‫يثير إعجاب العرب وزهوهم‪ ،‬وهم الباحثون في تاريخهم عن‬ ‫البطولة التي تنمي إحساسهم الجمعي بقدرة عرقهم على‬ ‫االرتقاء وسط عالم يهمشهم"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غريبا أن نجد هذا التأبني العربي الكبير لرحيل‬ ‫ولذلك ليس‬ ‫إدوارد سعيد الذي عانى ً‬ ‫كثيرا من مرض السرطان (اللوكيميا)‪،‬‬ ‫وتوفي بنيويورك في ‪ 25‬سبتمبر ‪ ،2003‬حيث كتب عنه املفكر‬ ‫ً‬ ‫اإلسالمي عبد الوهاب املسيري مقاال بعد وفاته بعنوان (صوت‬ ‫فائق الروعة)‪ ،‬قال فيه‪" :‬لقد كان سعيد مؤسسة إعالمية‬ ‫بمفرده‪ ،‬خسر العالم العربي‪ ،‬واإلسالمي‪ ،‬وكل دعاة التحرر‬ ‫ً ًّ‬ ‫وخطابا ًّ‬ ‫ً‬ ‫ثوريا"‪.‬‬ ‫الكثير برحيله‪ ،‬لقد كان يملك عقال فذا‪،‬‬ ‫وهنا مقولة املسيري تؤكد أن التعاطي مع إدوارد سعيد في‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ثقافيا‬ ‫معرفيا‬ ‫عاطفيا باملقام األول‪ ،‬لم يكن‬ ‫املكون العربي كان‬ ‫ًّ‬ ‫أكاديميا‪ ،‬بقدر ما كان األمر قصة مشبعة بصور النضال‬ ‫َّ‬ ‫واملواجهة والثورية شكلها إدوارد سعيد‪ ،‬ولذلك تبدو كل‬ ‫الدراسات والنقاشات من أجل تعميق هذه الصورة‪ ،‬وإضفاء‬ ‫املزيد من اللمسات العاطفية عليها‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫ادوارد سعيد في طفولته في صورة مع شقيقته‬

‫ليس ذلك بمستغرب؛ فقد وصف الصحفي البريطاني "روبرت‬ ‫فيسك" إدوارد سعيد بأنه "أكثر صوت فعال في الدفاع عن‬ ‫القضية الفلسطينية"‪ .‬في املقابل أطلقت عليه عصبة الدفاع‬ ‫عن اليهود لقب (نازي)‪ .‬حيث كان إدوارد طوال حياته يحمل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عضوا مستقال في املجلس‬ ‫هم إقامة الدولة الفلسطينية‪ ،‬وكان‬


‫لم يكن فكرا اعتياديا‪ .‬فاملنظور التاريخي الذي تناوله إدوارد سعيد‪،‬‬ ‫وحديثه عن تاريخ الهجرات إلى فلسطني التي لم تشهد هجرات كبيرة‪،‬‬ ‫إال عندما هاجر اليهود إليها‪ ،‬كل هذا مدعم بالحقائق والوثائق‪ .‬وفسر‬ ‫سعيد املسألة بكل بساطة وسالسة‪ ،‬حتى إنه يمكنني أن أقول إن هذا‬ ‫الكتاب يساوي في قيمته كتاب االستشراق‪ ،‬فهو وثيقة مهمة للباحثني‬ ‫وللسياسيني على حد سواء‪ ،‬فهو ينظر إلى القضية الفلسطينية من‬ ‫منظور فلسطيني‪ ،‬يعيد إلى الفلسطيني عامليا مالمحه‪ ،‬ففلسطني لم‬ ‫تكن بلدا بال سكان‪ ،‬وفي رأي إدوارد سعيد فإن الخطيئة الكبرى التي‬ ‫ارتكبتها إسرائيل هي النهج الصهيوني الذي يرفض العيش إلى جانب‬ ‫الشعب الفلسطيني‪ .‬سعيت مرارا إلى محاضراته دون جدوى‪ ،‬فقد‬ ‫كانت املدرجات في كل مرة أقل بكثير من عدد الحضور‪ ،‬إلى أن سنحت‬ ‫الفرصة وحضرت‪ .‬كانت املحاضرة عن دور املثقف ومعركة املفكر الذي‬ ‫عليه أن يعارض منطق القوة واالتجاه الواحد‪ ،‬ويطرح فكره‪ ،‬بعيدا عن‬ ‫سيطرة السلطة والقوة‪.‬‬ ‫أذهلني العمق في طرحه وإيمانه بأن مجتمعا واعيا سيخدم اإلنسانية‬ ‫ال محالة‪ ،‬وبالتالي سيخدم فلسطني‪ .‬أدركت أن صاحب القضية كالناقد‬ ‫األدبي تماما‪ ،‬يجب أن يكون على مسافة واحدة من الثقافات والعقائد‪،‬‬ ‫كما كان يقول إدوارد سعيد‪.‬‬

‫البحث عن فلسطني‬ ‫بعد املحاضرة سعيت إليه ألسأله عن فلسطني‪ ،‬فقد كان اتفاق أوسلو‬ ‫هو املسيطر على الساحة السياسية آنذاك‪ ،‬وكان أمامي عشرات‬ ‫الصحافيني يريدون لقاء معه‪ .‬وعندما نظر إلي سألته‪ :‬في أمل؟ قال‪ :‬أنا‬ ‫لدي محاضرات كثيرة ال أستطيع أن أجري أي لقاء‪ .‬قلت‪ :‬ال أسأل عن‬

‫لقاء‪ ،‬أنا أسأل عن فلسطني‪ .‬عندها توقف وأخذني إلى زاوية من زوايا‬ ‫القاعة‪ ،‬وقال لي متسائال‪ :‬في أمل؟! في أمل‪ ،‬ولكن الطريق ال يزال طويال‪.‬‬ ‫وتحدثنا عن أوسلو‪ ،‬وجاهر برفضه لالتفاق‪ ،‬واستيائه الشديد من آليات‬ ‫التفاوض‪ ،‬وعدم التحضير الجيد لها‪ .‬شعرت باملرارة في نبرات صوته‪،‬‬ ‫لكنها مرارة معجونة باإلصرار‪ ،‬فقد كان مصرا على أن يخوض حربه‬ ‫الفكرية‪ .‬عندها أدركت أن هذا الرجل املفكر الجميل الذي كما قال محمود‬ ‫درويش‪« :‬يصرخ دائما ليؤكد أنه ال يزال حيا»‪.‬‬ ‫أدركت أن ليس لديه أوهام‪ ،‬عينه ناقدة عن وعي وعلم ومعرفة‪ ،‬بطريقة‬ ‫تفكير اآلخر‪ .‬لكنه ال يستكني‪ .‬مضت السنني والتقيته ثانية في‬ ‫لندن‪ ،‬وكانت معركته مع املرض قد بدأت‪ .‬استمعت إليه وعن رحلته‬ ‫إلى بيروت‪ ،‬وعن الحجر الذي رماه ابنه عبر الحدود‪ ،‬على ما كان‬ ‫حاجزا إسرائيليا‪ ،‬وما أثاره هذا الحجر من انتقادات من جماعات‬ ‫الضغط األميركية‪ ،‬لكن سعيد كان متألقا رغم األلم‪ ،‬فقد كان قد أنهى‬ ‫فيلما وثائقيا لتلفزيون الـ«بي بي سي» تحت عنوان «في البحث عن‬ ‫فلسطني»‪ ،‬وتحدث عنه في آخر اللقاء‪ .‬شعرت بفخر أنه إدوارد وديع‬ ‫سعيد‪ ،‬ينتمي إلينا‪ ،‬وننتمي إليه‪ ،‬ولعل ما يحز في نفسي أن سعيد لم‬ ‫يتمكن من الكتابة بالعربية‪ ،‬حتى يكون في متناول الجميع‪ ،‬فمعظم ما‬ ‫ترجم ال ينقل الروح كاملة‪.‬‬ ‫تختلف معه أو تتفق معه‪ ،‬تحبه أو تكرهه‪ ،‬ال يهم‪ ،‬املهم أن لديه فكرا‬ ‫نخسر كثيرا لو لم نطلع عليه‪ ،‬ألنه ال يتحدث عن مكان وال عن زمان‪،‬‬ ‫فهو حقا خارج إطار الزمان واملكان‪ ،‬وما قاله محمود درويش نابع من‬ ‫حقيقة‪ ،‬فقد قال‪« :‬ال أستطيع أن أودع إدوارد سعيد لفرط ما هو حي»‪.‬‬ ‫ويكفي أن نعرف أن عشرات الكتب قد ألفت عنه بعد رحيله الجسدي‪،‬‬ ‫ولعلها أكثر مما كتب عنه خالل حياته<‬

‫‪,,‬‬

‫استطاع إدوارد‬ ‫سعيد أن يصقل‬ ‫شخصيتي‬ ‫اإلنسانية بكل‬ ‫أبعادها الفكرية‬ ‫والثقافية‬ ‫والسياسية‬ ‫والعلمية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪37‬‬


‫قصة الغالف‬

‫من الصعب أن يؤثر أي كاتب في الطبقة املثقفة بسهولة‪ ،‬فمسؤولية اإلقناع تحتاج إلى جهد‬ ‫توثيقي عملي يضمن قبول الكاتب في كل مرة يطرح فيها أفكاره ورؤيته‪ .‬فاالقتناع في مرحلة‬ ‫النضوج بمفكر تنويري يحتاج فعال إلى فكر وطريقة طرح غير اعتيادية‪ .‬ومن هنا أستطيع أن‬ ‫أقول إن إدوارد سعيد كان من بني هؤالء الذين أثروا حياتي الفكرية بآرائهم‪ ،‬إذ أثرت أفكاره‪ ،‬ومن‬ ‫دون عناء‪ ،‬في رؤيتي لدور املثقف‪ ،‬واملقاوم‪ ،‬واإلنسان‪ .‬تبنيت جزءا من أفكاره‪ ،‬واحترمت الجزء‬ ‫الذي ال يناسب توجهاتي الشخصية ومبادئي‪.‬‬

‫أول من أشار إلى أن االستشراق هو مرحلة ما بعد االستعمار‬

‫هكذا عرفت إدوارد سعيد‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫ناهد النجار‬

‫‪,,‬‬

‫عند إدوارد‬ ‫سعيد ال يوجد‬ ‫مكان اسمه الشرق‬ ‫على املتحدث‬ ‫أن يحدده هل‬ ‫الخطاب غربي‬ ‫أم شرقي أم بني‬ ‫االثنني؟ هل هو‬ ‫من الداخل أم‬ ‫من الخارج؟ هل‬ ‫هناك شرق أوسط‬ ‫شرقي حقيقي؟‬

‫‪,,‬‬

‫رسخت في ذهني بعض الكلمات التي كان يرددها‪ ،‬وباتت جزءا من‬ ‫حياتي‪ .‬أتذكر من بني ما أتذكر إنسانيا أن سعيد كان يقول في النوم‪:‬‬ ‫إنه يعادل املوت ألنه يقلص الوعي‪ .‬وعلينا اختزال الخصوم‪ ،‬فمطلبي هو‬ ‫احترام خبرات البشر ونشر املعرفة بأمانة‪.‬‬ ‫في فلسطني قال‪ :‬أدافع عن بلد خطفته األساطير‪ .‬وفي الثقافة‪ :‬الثقافة‬ ‫وطن ومقاومة‪ .‬فقد كان سعيد يقول‪ :‬أحب الترحال ال بني مسافتني فقط‪،‬‬ ‫بل بني شيئني‪ ،‬وأحب أن أغزو األماكن‪ ،‬وهنا يعني جغرافية الفكر‪ ،‬وليس‬ ‫املكان‪ ،‬تماما كما غزا املوسيقى‪ ،‬وعالم السياسة واملقاومة‪.‬‬ ‫قد ال يكون املفكر الفلسطيني إدوارد سعيد هو الوحيد الذي كان له‬ ‫دور في صقل شخصيتي الفلسطينية‪ ،‬وربما صقل شخصيات املاليني‬ ‫الذين قرؤوا له وآمنوا بفكره‪ ،‬لكنه ربما يكون الوحيد الذي استطاع أن‬ ‫يصقل شخصيتي اإلنسانية بكل أبعادها الفكرية والثقافية والسياسية‬ ‫والعلمية‪ .‬واستطاع أن يعطي لفلسطني الوطن بعدا عامليا‪ ،‬ويمنحني‬ ‫الحجة الراسخة واآللية الالزمة ألي نقاش أو حوار أو تفاوض يخص‬ ‫تسوية الصراع الفلسطيني اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫أستحضر هنا ما قاله الشاعر واألديب الفلسطيني محمود درويش في‬ ‫مرثية سعيد‪ :‬إذا كان ماضيك تجربة‪ ،‬فاجعل الغد معنى ورؤيا‪ .‬فهذا ما‬ ‫آمن به االثنان معا‪.‬‬ ‫رؤيتي للوطن في سن الطفولة األولى كانت مرتبكة‪ ،‬فلطاملا كنت أرى‬ ‫فلسطني في مخيمات اللجوء‪ ،‬في لهو األطفال العبثي‪ ،‬في صرخاتهم‪،‬‬ ‫وفي ضحكاتهم‪ ،‬كنت أرى فلسطني في الكوفية الفلسطينية على رؤوس‬ ‫الرجال‪ ،‬وفي فستان املرأة الفلسطينية املطرز‪ ،‬هذه تطريزة القدس‪ ،‬وتلك‬ ‫تطريزة رام الله‪ ،‬أو نابلس‪ ،‬أو جنني‪ ،‬وفي لهجاتهم املتنوعة‪ .‬كان املخيم‬ ‫بالنسبة لي عمرا جديدا‪ ،‬يرسم خريطة وطن‪ ،‬ودون أن أالحظ‪ ،‬أتقنت‬ ‫لهجة أهل القرى على اختالفها‪ .‬إنه شعور غريب مختلف عن شعور‬ ‫ساكني تلك املخيمات‪ ،‬ال يحمل األلم الذي يحملونه‪ .‬يحمل كل معاني‬ ‫الحرية‪ ،‬فأنا حيث كنت في عاصمة من عواصم اللجوء واالغتراب‪ ،‬كان‬ ‫كل شيء بحساب‪ :‬كلماتي‪ ،‬وهندامي‪ ،‬وشكلي‪ ،‬وتحصيلي العلمي‪.‬‬ ‫وكبرت وكبر معي الحلم الفلسطيني كما جسدته رؤيتي‪ .‬لم يكن حلما‬ ‫واقعيا في رأيي‪ ،‬بل كان حلما من صنع خيالي‪.‬‬ ‫هنا كنت أحتاج إلى مرجعية ال تغرقني في عالم الوهم‪ ،‬ومهما حلمت‬

‫‪36‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫قدمي على األرض‪ .‬والدي ووالدتي حمال أمال بالعودة لم يتضاءل‬ ‫تبقي‬ ‫يوما‪ .‬كان الحلم جميال لكنه لم يكن واقعيا‪ .‬كان والدي في معظم األحيان‬ ‫ال يفرغ مالبسه من الحقيبة‪ ،‬فشعوره بالعودة كان قويا إلى هذا الحد‪.‬‬ ‫وبدأت مشواري مع الحياة‪ ،‬أحمل كابوس االنتظار‪ ،‬فحلم أسرتي تحول‬ ‫لدي إلى كابوس‪ ،‬فأنا أدرك أن تحقيق الحلم مسؤوليتي‪ .‬وسائلي كانت‬ ‫محدودة‪ ،‬املعرفة كانت أولها‪ ،‬فسعيت إليها وسعت إلي‪.‬‬

‫ما بعد االستعمار‬ ‫كنت قد بدأت في االستقرار في لندن‪ ،‬وكنت في بدايات معرفتي بكاتب‬ ‫اسمه إدوارد سعيد‪ .‬أول ما قرأت له كتاب االستشراق‪ .‬لم أفهمه للوهلة‬ ‫األولى‪ ،‬لكنه أثار في نفسي الكثير من التعجب‪ ،‬فهو أول من أشار إلى أن‬ ‫االستشراق هو مرحلة ما بعد االستعمار‪ ،‬وهو ال ينم إال عن فكر غربي‬ ‫متعال‪ ،‬وهنا تتطابق رؤيتي مع رؤية كاتب كتاب (قاموس سعيد) آر رادا‬ ‫ٍ‬ ‫كريشنان (‪ )2012‬الذي يقول‪« :‬عند سعيد ال يوجد مكان اسمه الشرق‪،‬‬ ‫على املتحدث أن يحدده‪ ،‬هل الخطاب غربي أم شرقي أم بني االثنني؟ هل‬ ‫هو من الداخل أم من الخارج؟ هل هناك شرق أوسط‪ ،‬شرقي حقيقي؟‬ ‫ومن هو أفضل من تحدث باسم الشرق الحقيقي؟ ومن دعاهم؟ أم دعوا‬ ‫أنفسهم؟!»‪ ..‬تساؤالت تلح علينا أن نتعامل مع كتابه وفكره من حيث‬ ‫املعرفة والقوة وتأثيرها‪ ،‬فقد ملس في كتابه ما كنت قد بدأت أشعر به‪،‬‬ ‫فالغرب يعتقد أنه مختلف‪ ،‬فهم ‪ -‬أي الغربيون ‪ -‬ليسوا كاآلخرين‪ ،‬فما‬ ‫نسجه الغرب عن الشرق هو من مخلفات االستعمار‪ .‬وفعال هذا ما كنت‬ ‫أملسه‪ ،‬فالذي يريد أن يمتدحني منهم كان يقول لي أنت ال تبدين عربية‪،‬‬ ‫فأنت تتصرفني كغربية‪ .‬كنت أستغرب وأجيب‪ :‬ال‪ ،‬أنا عربية‪ ،‬وهذا‬ ‫تصرف عربي‪ .‬وأثار هذا الحيرة في نفسي‪ ،‬وكنت أسأل‪ :‬أين الخلل؟‬ ‫إدوارد سعيد استطاع أن يشرح في كتابه االستشراق كل ما كان يخطر‬ ‫على بالي من تساؤالت‪ ،‬في ما يخص العالقة مع الغرب إذا صح هذا‬ ‫التعبير‪ ،‬والسبب الذي أدى إلى الهوة بني الحضارتني‪.‬‬ ‫شجعني الكتاب األول على قراءة املزيد إلدوارد سعيد‪ ،‬فقرأت كتاب‬ ‫املسألة الفلسطينية‪ .‬هذا الكتاب استوقفني طويال‪ ،‬وكدت أدرسه بدال‬ ‫من أن أقرأه‪.‬‬ ‫وبدأت معرفتي بإدوارد سعيد تدخل مرحلة اإلدمان‪ ،‬فكان أي شيء‬ ‫أجده في طريقي له يجب أن يدرس‪ ،‬فالفكر الذي يتناوله في طرحه‬


‫«اإلمبريالية والثقافة» و«تغطية اإلسالم»‪ .‬غير أن الكتاب الذي‬ ‫طبقت شهرته اآلفاق في أوروبا وأميركا والعالم العربي هو كتاب‬ ‫«االستشراق» الذي نشره إدوارد سعيد في سنة ‪ ،1979‬وأثار‬ ‫عاصفة ثقافية لم يهدأ غبائرها حتى اآلن‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬بعد قرابة ثلث قرن على صدور هذا الكتاب صار من‬ ‫املجدي أن نتساءل‪ :‬هل صار لدى الغرب فهم أفضل لقضايا‬ ‫العالم العربي بعد صدور كتاب «االستشراق»؟ إن وقائع األحوال‬ ‫السياسية وال سيما بعد عملية نيويورك في ‪2001 / 9 / 11‬‬ ‫تشير إلى عكس ذلك تماما‪ ،‬ولعل «االستشراق» أسهم في تغذية‬ ‫األفكار املعادية للغرب الشائعة في أوساط الجماعات األصولية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وربما كانت هذه النتيجة إحدى العذابات الفكرية‬ ‫إلدوارد سعيد قبل رحيله الفاجع‪ .‬أما كتابة املدهش «خارج‬ ‫املكان» فربما كان أحد أجمل كتب االعتراف في األدب العربي‬ ‫املعاصر (صدر عن دار اآلداب في بيروت في سنة ‪- 2002‬‬ ‫ترجمة فواز طرابلسي)‪.‬‬ ‫وفي هذه السيرة حطم إدوارد سعيد طفولته الجاثمة على‬ ‫صدره‪ ،‬وأزاح عنه سنينا من الجروح والندوب التي حلت‬ ‫بهذا الفتى املتألم جراء االنقسام املدوي للذات الفردية بني‬ ‫سطوة الذكورة التي كان والده يمثلها‪ ،‬وتحنان األنوثة التي‬ ‫تجسدت في والدته‪ .‬وفي هذا الكتاب جرأة نادرة على الذات‪،‬‬ ‫خصوصا عندما أسهب في الكالم عن الجنس واملوت‬ ‫وملهى بديعة مصابني والراقصة تحية كاريوكا التي كتب‬ ‫عنها مقالة هاذية عن الرقص والجسد والنورانية والسمو‪.‬‬ ‫كانت حياته خرابا إلى حد كبير‪ ،‬لكن إدوارد سعيد تمكن‬ ‫بإبداعاته الباهرة من أن يردم هذا الخراب‪ .‬وكانت أيامه فوضى‬ ‫كاملة‪ ،‬كما يقول في سيرته «خارج املكان»‪ ،‬لكنه كان دائما‬ ‫يبحث عن مكان يعود إليه‪.‬‬ ‫لهذا لم يجمع التحف الفنية والقطع التذكارية‪ ،‬حتى إنه حني تمكن‬

‫من العودة إلى القدس في سنة ‪ ،1992‬لم يشعر بأن هذه املدينة‬ ‫هي مدينته األصلية‪.‬‬ ‫جاء إدوارد سعيد إلى هذه الدنيا على يدي قابلة يهودية‪ ،‬وكان‬ ‫في آخر أيامه يتلقى جرعات العالج الكيماوي لسرطان الدم في‬ ‫مستشفى ‪ ،Long Island‬وهو مستشفى يهودي‪.‬‬ ‫ومن أقرب أصدقائه عازف الكمان اليهودي يهودا مينوحني‪،‬‬ ‫وكذلك اليهودي دانيال بارنباوم قائد فرقة شيكاغو السيمفونية‪،‬‬ ‫وكان يحتقر منكري اإلبادة النازية لليهود‪ .‬ومع ذلك فقد أقدم‬ ‫أحد أعضاء «رابطة الدفاع اليهودية» على اقتحام مكتبه في‬ ‫جامعة كولومبيا وإحراقه في سنة ‪.1991‬‬ ‫كان إدوارد سعيد شجاعا في آرائه‪ ،‬وغير هياب في اإلفصاح‬ ‫عما يعتقد‪ .‬ففلسطني‪ ،‬بوصفها هوية وطنية‪ ،‬لم تكن تعنى له‬ ‫الكثير على املستوى الفكري والعاطفي‪ ،‬لكنها كانت تعني له‬ ‫الكثير على املستوى العقلي واإلنساني بوصفها قضية ذات‬ ‫ثالثة أبعاد‪ :‬بعد حضاري بما هي صراع بني التاريخ اليهودي‬ ‫والوجود الفلسطيني؛ وبعد تحرري بما هي جزء من حركة‬ ‫النضال العاملي ضد اإلمبريالية تسعى إلى الحرية ال إلى مجرد‬ ‫دولة صغيرة؛ وبعد سياسي‪ ،‬أي أن هدف القضية الفلسطينية‪،‬‬ ‫في نهاية املطاف‪ ،‬هو الوصول إلى الديمقراطية والعلمانية‬ ‫والتفاعل اإلنساني‪.‬‬ ‫في أواخر أيامه‪ ،‬توهجت في داخله حكمة مرة‪ ،‬أوردها في كتابه‬ ‫«خارج املكان»‪ ،‬وفيها يفصح‪ ،‬بكالم فصيح ما بعده بيان أو‬ ‫إفصاح‪ ،‬عن أنه ما عاد باحثا عن مكان أبدا‪ ،‬بل عن نعاس‬ ‫أو رقاد‪ .‬وهكذا رقد النافر خارج مكانه‪ .‬وهكذا طوت مدينة‬ ‫نيويورك في سنة ‪ 2003‬مثقفا فلسطينيا رفيعا‪ ،‬وناقدا عربيا‬ ‫كبيرا‪ ،‬وكاتبا إنسانيا المعا <‬

‫التحق إدوارد سعيد في صباه بكلية‬ ‫فيكتوريا بمدينة االسكندرية – مصر‬

‫‪,,‬‬

‫خالل ثمانية‬ ‫وستني عامًا‬ ‫عاشها إدوارد‬ ‫سعيد على‬ ‫هذه األرض لم‬ ‫يبرأ قط من‬ ‫شعوره بالنفي‬ ‫واالقتالع‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪35‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ربما كان إدوارد سعيد أحد أبرز األسماء العربية التي ملعت في صحافة الغرب األميركي‬ ‫وفي جامعاته‪ ،‬إلى جانب هشام شرابي ووليد الخالدي ورشيد الخالدي ونصير عاروري‬ ‫وإبراهيم أبو لغد وسميح فرسون وغيرهم‪ .‬وهذه املكانة الثقافية الرفيعة التي وصل‬ ‫إليها إدوارد سعيد كانت محصلة «عراك» دائم مع الحياة وأسرارها الوجودية‪ ،‬ومع املوت‬ ‫وأسئلته املضنية‪ ،‬كأن ثمة نيرانا مجوسية متأججة في أعماق هذا الفتى املقدسي الذي لم‬ ‫يعرف يوما طعم الطمأنينة‬

‫كان مثقفا فلسطينيا رفيعا‪ ،‬وناقدا عربيا كبيرا‪ ،‬وكاتبا إنسانيا المعا‬

‫إدوارد سعيد‪ ..‬املنفى واالنشطار واهلوية املضطربة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫صقر أبو فخر‬

‫‪,,‬‬

‫كتب إدوارد‬ ‫سعيد في‬ ‫ّ‬ ‫السياسة‬ ‫والنقد األدبي‬ ‫واملوسيقى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ولعل كتابه عن‬ ‫كونراد هو األهم‬ ‫ّ‬ ‫في النقد األدبي‬

‫‪,,‬‬

‫عاش إدوارد سعيد أيامه كلها خارج مكانه مثل الجواد الجامح‪.‬‬ ‫أمضى حياته يفتش عن مكان يهجع إليه فلم يجد إال قبرا‬ ‫مؤقتا في نيويورك‪ .‬وانهمك في البحث عما يعيد الوحدة إلى‬ ‫ذاته املنشطرة‪ ،‬فما أفلح‪ .‬لقد ظلت هذه الروح الهائمة على سفر ال‬ ‫يهدأ‪ ،‬إلى أن هدأ وجيف قلبه في منفاه النيويوركي‪ ،‬وأراح جسده‬ ‫من مواجهة عبث املوت‪ .‬وخالل ثمانية وستني عاما عاشها‬ ‫إدوارد سعيد على هذه األرض لم يبرأ قط من شعوره بالنفي‬ ‫واالقتالع‪.‬‬ ‫واملنفى لديه عزلة تعاش خارج الجماعة بإحساس بالغ الحدة‬ ‫بالحرمان والوحدة‪ .‬وبهذا املعنى فإن املنفى كان لديه عنصر‬ ‫إخصاب للثقافة بنيرانه الهادية‪ ،‬وميدانا إلعادة التوازن إلى الذات‬ ‫املنشطرة‪ ،‬وإلى الهوية املنقسمة‪ .‬ومنذ البداية كان إدوارد سعيد‬ ‫يمتلك إحساسا مقلقا بهويته املضطربة؛ فهو فلسطيني من‬ ‫القدس‪ ،‬لكنه يحمل الجنسية األميركية‪ ،‬ويعيش في القاهرة‪،‬‬ ‫ويطوقه اسم إنجليزي‪ .‬إنه أميركي يدرس في مدرسة إنجليزية‬ ‫في القاهرة التي يعيش فيها عرب‪.‬‬ ‫والدته هيلدا فلسطينية من الناصرة (أصل عائلتها من صفد)‬ ‫وأمها (أي جدته) لبنانية‪ .‬أما والده وديع إبراهيم سعيد فهو‬ ‫مقدسي أصبح أميركيا بعدما عاش في الواليات املتحدة‬ ‫األميركية سحابة من الزمن‪ ،‬وخدم في الجيش األميركي في‬ ‫أثناء الحرب العاملية األولى‪ .‬وهذا الوالد املقدسي غير اسمه إلى‬ ‫«وليم» بدال من وديع‪ ،‬فصار اسمه «وليم سعيد»‪.‬‬ ‫وهذا األمر أسقم ابنه إدوارد سعيد فيما بعد حني تطور لديه عطب‬ ‫كبير في كيانه جراء اسمه اإلنجليزي الذي أورثه خجال دائما‪.‬‬ ‫إن انشطار الذات‪ ،‬وتمزق الهوية جعال إدوارد سعيد غير قادر‪،‬‬ ‫إلى حد كبير‪ ،‬على االرتباط باملكان‪ ،‬وساعيا‪ ،‬في الوقت نفسه‪،‬‬ ‫إلى التفتيش عن املكان بديال عن املنفى والغربة‪ .‬ولهذا لم يكن‬ ‫من املصادفة أن يكون أول كتاب نشره إدوارد سعيد في سنة‬ ‫‪ 1966‬عن جوزيف كونراد؛ فهو مثيله في املؤثرات األولى التي‬ ‫أسهمت في تكوين وعيه وفي تحديد مصيره الالحق‪.‬‬ ‫فكالهما منفي في املكان واللغة‪ :‬عاش كونراد البولوني في‬ ‫فرنسا‪ ،‬وكتب باإلنجليزية‪ ،‬وهي لغته الثالثة‪ .‬وعاش إدوارد‬ ‫سعيد الفلسطيني في القاهرة بصفته مواطنا أميركيا‪ ،‬ثم انتقل‬

‫‪34‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫إلى أميركا ليعيش فيها بصفته عربيا‪ ،‬ويكتب باإلنجليزية‪.‬‬ ‫ولد إدوارد سعيد في حي الطالبية بالقدس الغربية في ‪11 / 1‬‬ ‫‪ ،1935 /‬وهاجرت عائلته إلى مصر في أثناء النكبة الفلسطينية‬ ‫في سنة ‪ .1948‬وفي القاهرة عاش طفولة قلقة ومضطربة‬ ‫جدا جراء جبروت والده املاسوني وعواطفه املكتومة‪ ،‬في‬ ‫مقابل حنان والدته‪ ،‬فكان االبن شاردا باستمرار‪ ،‬وقليل‬ ‫الجدية‪ ،‬وواهن العزيمة‪ ،‬وكثيرا ما شعر بأنه عديم الفائدة‬ ‫وفي غير مكانه «راجع سيرته املوسومة بـ (خارج املكان)»‪.‬‬ ‫التحق بكلية فيكتوريا الراقية‪ ،‬لكنه ما لبث أن طرد منها‬ ‫ملشاكساته الدائمة‪ ،‬فأرسله والده على الفور إلى أميركا ملتابعة‬ ‫دروسه الثانوية‪ .‬وهناك اكتشف أنه مرصود للعيش وحيدا أعزل‬ ‫بال سند‪.‬‬ ‫وفي جامعة برنستون درس األدب والفلسفة واملوسيقى‪ ،‬ثم‬ ‫انتقل إلى جامعة هارفرد التي تخرج فيها حامال الدكتوراه في‬ ‫األدب املقارن‪ ،‬وأصبح في تلك األثناء عازف بيانو من الدرجة‬ ‫األولى‪ ،‬فعمل ناقدا موسيقيا في مجلة ‪ ،NaTion‬وتمكن‪،‬‬ ‫بإصرار عجيب‪ ،‬من إتقان خمس لغات إلى جانب العربية هي‪:‬‬ ‫اإلنجليزية والفرنسية واإلسبانية واألملانية واإليطالية‪.‬‬ ‫وفضال عن ذلك كله‪ ،‬انهمك في جهد ثقافي وسياسي في سبيل‬ ‫فلسطني وحرية شعبها‪ ،‬فاختير عضوا في املجلس الوطني‬ ‫الفلسطيني في سنة ‪ ،1977‬وكان إلى جانب محمود درويش‬ ‫وآخرين أحد الذين صاغوا إعالن االستقالل الذي صدر في‬ ‫الجزائر في ‪ ،1988 / 11 / 15‬وكان‪ ،‬قبل ذلك‪ ،‬قد ترجم مع رندة‬ ‫الخالدي إلى اإلنجليزية خطبة ياسر عرفات التي ألقاها أمام‬ ‫الجمعية العامة لألمم املتحدة في سنة ‪.1974‬‬ ‫لكن‪ ،‬بعد توقيع اتفاق أوسلو في ‪ 1993 / 9 / 13‬اختلف مع ياسر‬ ‫عرفات واستقال من املجلس الوطني الفلسطيني‪ ،‬وراح يكتب‬ ‫بغزارة مقاالت تدعو إلى «الدولة الواحدة» في فلسطني التاريخية‪،‬‬ ‫وتخلى عن فكرة «حل الدولتني»‪.‬‬ ‫كتب إدوارد سعيد كثيرا من الدراسات واملقاالت في السياسة‬ ‫والنقد األدبي واملوسيقى‪ ،‬ولعل كتابه عن كونراد هو األهم في‬ ‫النقد األدبي‪ ،‬وكذلك كان كتابه املوسوم بعنوان «صور املثقف»‬ ‫هو أحد املساهمات الجادة في نقد املثقف‪ ،‬عالوة على كتابيه‬


‫نجحت نظرية «ما بعد االستعمار» في طرح مجموعة من اإلشكاليات‬ ‫الجوهرية التي تواجه عالقة الشرق بالغرب‪ ،‬أو عالقة املستعمر‬ ‫بالشعوب املستعمرة‪ ،‬إال أنها‪ ،‬في لبها‪ ،‬كانت قراءة «شرقية» للفكر‬ ‫الغربي في تعامله مع الشرق‪ ،‬من خالل مقاربة نقدية بأبعادها‬ ‫الثقافية والسياسية والتاريخية‪.‬‬ ‫إدوارد سعيد أصبح‪ ،‬إلى جانب مفكرين مثل ديريدا وفرانز فانون‬ ‫وميشال فوكو وأنطونيو غرامشي‪ ،‬أهم منظر لنظرية «ما بعد‬ ‫االستعمار»‪ ،‬فأفاض في تحليل الخطاب االستشراقي الغربي في‬ ‫كتابه املعروف «االستشراق» (‪ ،)1978‬مؤكدا أنه خطاب مقصدي‬ ‫يروج لتوجهات استعمارية إزاء الشعوب غير الغربية‪ .‬وعليه ربط‬ ‫خطابه االستشراقي بنزعة التباين واالختالف بني الشرق والغرب‪،‬‬ ‫فاستند في تعامله مع الخطاب االستشراقي إلى رؤية ثقافية‬ ‫سياسية ثالثية األبعاد‪:‬‬ ‫‪ - 1‬التمييز بني املعرفة الخالصة واملعرفة السياسية‬ ‫‪ - 2‬االهتمام باملسألة املنهجية في التعامل مع األفكار واملؤلفني‬ ‫واملراحل التاريخية‬ ‫‪ - 3‬البعد الشخصي الذي يتمثل في الجمع بني املوضوعية والذاتية‬ ‫القائمة على الوعي النقدي‬ ‫على خلفية هذه األبعاد الثقافية الثالثة يؤخذ على إدوارد سعيد‬ ‫تحويله االستشراق بأكمله إلى هاجس سياسي قومي للشعوب‬ ‫التي خضعت لالستعمار‪ ،‬وتجريده من أي قيمة ثقافية خالصة‪.‬‬ ‫وقد أدى تشكيكه املطلق بتقليد أكاديمي دام قرونا واتهامه بأنه ما‬ ‫كان «إال تبريرا للطموحات االستعمارية اإلمبريالية لدول أوروبا‬ ‫والواليات املتحدة» إلى تجاهله ذكر كثير من منجزات االستشراق‬

‫الثقافية والعلمية الخالصة‪ ،‬وتغاضيه عن جنسية العديد من‬ ‫املستشرقني وخلفيتهم‪ ،‬ومنهم على سبيل املثال املستشرقون‬ ‫األملان واملجريون الذين قدموا دراسات قيمة ولم تكن لدولتيهما‬ ‫دور استعماري في املشرق العربي‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬يالحظ على إدوارد سعيد أن حملته املنهجية‬ ‫على «الرسالة» االستعمارية لالستشراق البريطاني والفرنسي‬ ‫واألميركي تجنبت أيضا اإلشارة إلى االستشراق اإلسباني‪ ،‬على‬ ‫الرغم من طابعه االستعماري في املغرب العربي‪.‬‬ ‫ومن جهة ثانية‪ ،‬أدى إدراج إدوارد سعيد لكل املستشرقني في‬ ‫الخانة النمطية التي وضعها للمستشرق األوروبي في كتاب‬ ‫«االستشراق»‪ ،‬إلى تحويل كلمة «مستشرق» في العالم العربي إلى‬ ‫مفكر يلتزم موقفا معاديا للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعوب‬ ‫العربية في تقرير مصيرها‪.‬‬ ‫نظرة إدوارد سعيد النمطية والشمولية لالستشراق تجنت على‬ ‫مجموعة كبرى من املستشرقني املنصفني للعرب واإلسالم‪ ،‬أمثال‬ ‫توماس أرنولد والفرنسي رينيه (الذي اعتنق اإلسالم‪ ،‬وتسمى‬ ‫بناصر الدين) وإدوارد وليم لني (الذي أتقن اللغة العربية) وجاك‬ ‫بيرك وماكسيم رودنسون‪.‬‬ ‫لم يكن إدوارد سعيد «دوغماتيكيا» باملطلق‪ ،‬فقد ناقش نظريته‬ ‫في االستشراق مع كثير من املتخصصني في التاريخ‪ ،‬واستمع‬ ‫إلى انتقادات كثيرين منهم ألطروحته‪.‬‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬هناك شبه إجماع بني األكاديميني‪ ،‬املؤيدين واملعارضني‬ ‫لنظريته‪ ،‬على الدور الرائد الذي لعبه كتاب «االستشراق» في‬ ‫إرساء أسس نظرية «ما بعد االستعمار» <‬

‫‪,,‬‬

‫االلتزام الثابت‬ ‫بمبدأ العدالة دفع‬ ‫إدوارد سعيد إلى‬ ‫رفض اتفاقية‬ ‫أوسلو لقناعته‬ ‫بأنها تفرط في‬ ‫حق عودة الالجئني‬ ‫الفلسطينيني‬ ‫إلى أراضي الـ‪48‬‬ ‫وتتجاهل حقهم‬ ‫الشرعي في تقرير‬ ‫مصيرهم (كتاب‬ ‫«أوسلو‪ ..‬سالم بال‬ ‫أرض ‪)»1995‬‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪33‬‬


‫قصة الغالف‬

‫يصعب‪ ،‬بعد عقد كامل على وفاة إدوارد سعيد‪ ،‬الحديث عمن كان‪ ،‬بحد ذاته‪ ،‬ثورة في عالم‬ ‫القضية الفلسطينية‪ ،‬دون الفصل بني صورة املناضل القومي املؤمن بقضية عدالة‪ ،‬وحق‬ ‫وصورة املفكر األكاديمي امللتزم برؤية معينة ملسيرة التاريخ واملجتمع‪ .‬بني هذه الصورة وتلك‬ ‫فارق ال يجوز تجاهله‪ ،‬وإن كان ال ّ‬ ‫يمس التجانس السياسي في فكر إدوارد سعيد الفلسطيني‬ ‫وإدوارد سعيد األكاديمي‪.‬‬

‫أنجح «لوبي» عرفته القضية في الواليات املتحدة حتى اآلن‬

‫إدوارد سعيد‪ ..‬بني الفلسطيين واألكادميي‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫وليد أبي مرشد‬

‫‪,,‬‬

‫أدى إدراج إدوارد‬ ‫سعيد لكل‬ ‫املستشرقني في‬ ‫الخانة النمطية التي‬ ‫وضعها للمستشرق‬ ‫األوروبي في كتاب‬ ‫«االستشراق »‬ ‫إلى تحويل كلمة‬ ‫«مستشرق» في‬ ‫العالم العربي إلى‬ ‫مفكر يلتزم موقفا‬ ‫معاديا للقضية‬ ‫الفلسطينية‬ ‫ولحقوق الشعوب‬ ‫العربية في تقرير‬ ‫مصيرها‬

‫‪,,‬‬

‫‪32‬‬

‫على مدى ‪ 4‬عقود من نشاط أدبي وسياسي حافل باإلنجازات‪،‬‬ ‫صال إدوارد سعيد وجال في رحاب العلم واملعرفة وخرج بما يحق‬ ‫له اعتقاده‪ ..‬وللكثيرين انتقاده‪ .‬مع ذلك ظل‪ ،‬في سجالت القضية‬ ‫الفلسطينية وضميرها‪ ،‬ذلك املناضل القومي الذي شكل‪ ،‬بمفرده‪،‬‬ ‫أنجح «لوبي» عرفته القضية في الواليات املتحدة حتى اآلن‪ .‬وقد‬ ‫ال يكون من املبالغة في شيء املالحظة بأن إدوارد سعيد‪ ،‬بحكم‬ ‫منطقه السياسي وأناقته الفكرية‪ّ ،‬‬ ‫غير نظرة شريحة واسعة من‬ ‫الغرب إلى النزاع الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي تغييرا جذريا‪.‬‬ ‫على هذا الصعيد‪ ،‬وبصرف النظر عما إذا كانت القدس مسقط رأسه‬ ‫أو القاهرة‪ ،‬كما «يعيب» عليه اإلعالم الصهيوني‪ ،‬تصرف إدوارد‬ ‫سعيد بما تفرضه املسؤولية االجتماعية والسياسية على رجل‬ ‫الفكر امللتزم بقضايا بيئته القومية‪ ،‬فكان من تلك النخبة الثقافية‬ ‫القائدة في عالم الفكر‪ :‬كتبه ّ‬ ‫تدرس في ‪ 868‬مادة في جامعات‬ ‫وكليات الواليات املتحدة‪ ،‬فيما اعتبرته صحيفة الـ«غارديان»‬ ‫البريطانية (عام ‪« )2001‬أحد أكثر املفكرين تأثيرا في زماننا»‪.‬‬ ‫رغم التزام إدوارد سعيد القومي بقضيته الفلسطينية‪ ،‬تظل أبرز‬ ‫إنجازاته حيالها إعطاءها بعدا إنسانيا كانت تفتقده في الذهنية‬ ‫الغربية املتأثرة‪ ،‬بعد الحرب العاملية الثانية‪ ،‬بجرائم «الهولوكوست»‬ ‫(الغربية في نهاية املطاف) إلى حد التغاضي عن أي ظلم آخر قد‬ ‫يلحقه الغرب بحق شعب بأكمله «تكفيرا» لذنب ال ناقة للفلسطينيني‬ ‫فيه وال جمل‪ .‬وال جدال في أن إدوارد سعيد نجح في خطابه‬ ‫اإلنساني واملنطقي عن القضية الفلسطينية في اختراق جدار األسر‬ ‫الصهيوني لذهنية الغرب السياسية‪ ،‬وبالتالي إبراز تجاوز الحركة‬ ‫الصهيونية لكل مفاهيم العدالة اإلنسانية في تعاملها مع الشعب‬ ‫الفلسطيني‪ ..‬بتواطؤ غربي مباشر أو غير مباشر‪.‬‬ ‫بمفهوم إدوارد سعيد‪ ،‬سواء كانت الفلول البشرية التي تدفقت على‬ ‫فلسطني بعد وعد بلفور يهودية أم مسيحية أم بوذية‪ ..‬يبقى األسلوب‬ ‫االستيطاني ‪ -‬االستعماري الذي مارسته الحركة الصهيونية في‬ ‫احتاللها أراضي الفلسطينيني وتهجيرهم قسرا منها‪ ،‬وصمة عار‬ ‫على جبني «الحضارة الغربية» في القرن العشرين‪.‬‬ ‫على خلفية هذا الواقع كان الدعم األميركي الدائم إلسرائيل موضع‬ ‫نقد متواصل من إدوارد سعيد األستاذ األكاديمي األميركي اإلقامة‬ ‫والنشاط‪ .‬وال يبدو مستبعدا أن يكون الدعم األميركي املطلق‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫إلسرائيل أفقده الثقة باملؤسسة السياسية األميركية‪ ،‬خصوصا‬ ‫بعد الغزو األميركي للعراق عام ‪ ،2003‬مما دفعه إلى اتهام واشنطن‬ ‫بأنها «تريد تغيير الشرق األوسط برمته والعالم العربي»‪ ،‬وربما‬ ‫«تقسيم بعض الدول»‪ ،‬وهي تهمة ال تزال أصداؤها تتردد اليوم‪.‬‬ ‫رغم معارضته السافرة للسياسة األميركية في الشرق األوسط‬ ‫(وقد كشفت مصادر أميركية بعد وفاته أنه كان مراقبا بشكل‬ ‫دائم من قبل جهاز االستخبارات املركزية)‪ ،‬وعلى الرغم من اعتباره‬ ‫أن النظرة التي يروجها الزعماء الصهاينة (مثل تيودور هرتزل‬ ‫ومناحيم بيغن وحاييم وايزمن) عن الفلسطينيني ترتبط بالصورة‬ ‫االستعمارية الغربية للمنطقة‪ ،‬بقي دفاع إدوارد سعيد عن القضية‬ ‫الفلسطينية يلتزم‪ ،‬بالدرجة األولى‪ ،‬بإطار أخالقي للدعوة‪ ،‬ويطالب‬ ‫املجتمع الدولي بتصحيح الخلل الفاضح في مفهوم العدالة املسفوح‬ ‫على أرض فلسطني‪.‬‬ ‫تأثير منطق إدوارد سعيد السياسي على الذهنية األكاديمية‬ ‫األميركية يمكن تلمسه من ردود الفعل االنفعالية للوبي الصهيوني‬ ‫في واشنطن‪ ،‬الذي اتهمه بالعنصرية فيما أطلقت عليه «عصبة‬ ‫الدفاع عن اليهود» لقب «نازي»‪ ،‬إضافة إلى تهديدات بالقتل تلقاها‬ ‫في الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وهذا االلتزام الثابت بمبدأ العدالة دفع إدوارد سعيد إلى رفض اتفاقية‬ ‫أوسلو‪ ،‬لقناعته بأنها تفرط في حق عودة الالجئني الفلسطينيني‬ ‫إلى أراضي الـ‪ ،48‬وتتجاهل حقهم الشرعي في تقرير مصيرهم‬ ‫(كتاب «أوسلو‪ ..‬سالم بال أرض» ‪.)1995‬‬ ‫أما إدوارد سعيد األكاديمي‪ ،‬مع التسليم بحريته في تبني معتقداته‬ ‫الفكرية‪ ،‬فهو شخصية مثيرة للجدل‪ ،‬على الرغم من النجاحات‬ ‫امللموسة التي حققها على أصعدة التدريس والتأليف وحتى األداء‬ ‫املوسيقي‪ .‬على الرغم من أن إدوارد سعيد كان ابن بيئته الفلسطينية‬ ‫(وربما بسببها) تأثر بالحقبة التاريخية التي عاشها بعد الحرب‬ ‫العاملية الثانية‪ ،‬التي اتسمت بتقلص نفوذ االستعمار الغربي املباشر‬ ‫في العالم الثالث عامة والعالم العربي خاصة‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬لم يكن مستغربا أن يركز خطابه األكاديمي على ثنائية‬ ‫الشرق والغرب في إطار صراع عسكري وحضاري وثقافي وعلمي‬ ‫اعتبره حتميا‪ ،‬وأن يتحول بالتالي إلى أحد أبرز رواد نظرية «ما بعد‬ ‫االستعمار»‪.‬‬


‫فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة»‪ ،‬مستشهدا بقرارات املجلس‬ ‫الوطني الفلسطيني ما بني عامي ‪ 1974‬و‪.1977‬‬ ‫كان هذا صحيحا‪ ،‬ولكن هذه القرارات ال تحمل بني طياتها‪ ،‬كما يزعم‬ ‫سعيد‪« ،‬أي اعتراف ضمني بإسرائيل»‪ .‬لقد تصوروا أن هذه القرارات‪،‬‬ ‫ما هي إال خطة يستطيع الفلسطينيون من خاللها تشكيل حكومة في‬ ‫الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬حال مكنتهم الدبلوماسية الدولية من هذه‬ ‫الفرصة‪ ،‬ولن تكون خطوة نحو السالم في ظل النية املعلنة الستخدام‬ ‫هذه األرض كقاعدة للقتال ولـ»تحرير» ما تبقى من فلسطني‪ ،‬بما في‬ ‫ذلك إسرائيل نفسها‪ .‬وأفاد قرار املجلس الوطني الفلسطيني لسنة‬ ‫‪ 1974‬بأن «منظمة التحرير الفلسطينية تناهض أي خطة إلنشاء دولة‬ ‫فلسطينية‪ ،‬يكون ثمنها االعتراف [بإسرائيل] وتحقيق املصالحة‬ ‫والتوصل إلى الحدود اآلمنة‪ ،‬والتخلي عن الحقوق الوطنية لشعبنا‪،‬‬ ‫وحقه في العودة‪ ،‬وتقرير مصيره على ترابه الوطني»‪.‬‬

‫إعادة تعريف‬ ‫وفي عام ‪ ،1988‬بعد عقد من ظهور كتاب سعيد‪ ،‬نبذت منظمة‬ ‫التحرير الفلسطينية اإلرهاب‪ ،‬وعرضت استعدادها لقبول وجود دولة‬ ‫إسرائيل‪ ،‬مع العلم أن هذا العرض كان مشكوكا فيه رغم وضوحه‪.‬‬ ‫ولم يتم التصريح بهذين التنازلني املحوريني‪ ،‬إال خالل اتفاقية أوسلو‬ ‫عام ‪ .1993‬وعندما أقدم عرفات على هذه خطوة‪ ،‬التي ال غنى عنها‬ ‫للمضي نحو السالم‪ ،‬كان من املتوقع أن يشيد سعيد بالرئيس عرفات‪،‬‬ ‫إال أنه رأي أن هذه الخطوة جاءت مبكرة‪ .‬لقد أدان سعيد بطله وأعرب‬ ‫عن أسفه لـ”بيع عرفات شعبه للعبودية”‪ .‬ووصف اتفاقية أوسلو‪،‬‬ ‫التي بموجبها اعترفت كل من إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية‬ ‫ببعضهما بعضا وتعهدتا بالتوصل إلى حل الدولتني‪ ،‬بأنها “صك‬ ‫لالستسالم الفلسطيني”‪ .‬وكان سعيد‬ ‫ينظر إلى عرفات بوصفه‬ ‫“رجال عبقريا”‪ ،‬قائال إن‬ ‫“شعبه‪ ..‬يحبه”‪.‬‬ ‫وتكلـ ــم بحمـ ـ ـ ـ ــاس‬ ‫قائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال‪“ :‬إن‬ ‫عرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات واإلرادة‬ ‫الفلسطينية‪..‬‬ ‫شيئان منسجمان‬ ‫على نحو ما”‪ .‬ومع‬ ‫توقيع االتفاقية مع‬ ‫إسرائي ـ ــل‪ ،‬أصب ـ ــح‬ ‫عرفات‪،‬‬

‫في نظر سعيـ ـ ـ ـ ـ ــد‪ ،‬بمثاب ـ ـ ـ ـ ــة “دكتاتور مختال”‪ .‬وأصبـ ـ ـ ــح عرف ـ ـ ـ ـ ــات‬ ‫وفريقـ ـ ـ ـ ــه حفنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة من”الخاسرين الذين فقدوا بريقهم”‪ ،‬و”ينبغي أن‬ ‫يتنحوا عن مناصبهم”‪.‬‬ ‫تبنى سعيد بنفسه موقفا جديدا تجاه الصراع االسرائيلي‬ ‫الفلسطينيي‪ ،‬فلم يعد يؤمن بخيار حل الدولتني‪ ،‬كما كان الحال حني‬‫كانت الفكرة نظرية‪ ،‬في ظل عدم استعداد املنظمة الفلسطينية‪ ،‬التي‬ ‫كان عضوا فيها‪ ،‬للمعاناة من وجود إسرائيل بأي شكل من األشكال‪.‬‬ ‫وعوضا عن ذلك بدأ يسعى إلى “وضع وسائل تمكن الشعبني من‬ ‫العيش معا في وطن واحد مع التمتع باملساواة”‪.‬‬ ‫لم يكن هذا الحل اقتراحا يؤخذ على محمل الجد؛ ففي إسرائيل‪ ،‬تعيش‬ ‫أعداد كبيرة من العرب بحرية من دون التمتع بمساواة كاملة‪ ،‬وهذه‬ ‫حقيقة كان يعترض عليها سعيد في كثير من األحيان‪ .‬أما في الدول‬ ‫العربية‪ ،‬فكان يعيش العديد من اليهود قبل أن يتم تهجيرهم كلهم‬ ‫تقريبا‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬يمكن القول إن التركيبة الجديدة لسعيد لم تكن‬ ‫أكثر من طريقة خيالية ملعارضة الفرصة الحقيقية الوحيدة للوصول‬ ‫إلى السالم‪ .‬تم تقديم هذا املوقف املرير الناهي بعبارات مختارة ليبدو‬ ‫مثاليا‪ .‬ولعل هذه املثالية سمة من سمات أعمال سعيد األدبية الرائعة‬ ‫والحركة التي كان عضوا بارزا فيها‪ .‬التيار اليساري هو موقف يتبناه‬ ‫أولئك الذين يتطلعون لجعل العالم مكانا أفضل‪ ،‬وفقا لوجهة نظرهم‬ ‫الخاصة‪ ،‬من خالل العمل السياسي‪ .‬وظل التيار ملدة قرن تقريبا يهتم‬ ‫بفكرة املاركسية‪ ،‬التي ترى أن طبقة البروليتاريا هي التي ستحرر‬ ‫املجتمع‪ .‬ومع نهاية القرن العشرين‪ ،‬حل املهاتما غاندي‪ ،‬ومارتن لوثر‬ ‫كينغ‪ ،‬ونيلسون مانديال محل جو هيل‪ ،‬واألم بلور‪ ،‬وهنري واالس‪،‬‬ ‫كرموز تستحق التبجيل والتوقير‪.‬‬ ‫أثار امللونون واملناضلون املناهضون لظلم االستعمار حفيظة املثاليني‬ ‫أكثر من قادة االضرابات واملناضلني املطالبني بأجر يومي عادل‪.‬‬ ‫ووصلت الصهيونية إلى عمق التيار اليساري القديم يوما ما‪ ،‬من خالل‬ ‫تقديم نفسها على أنها حركة عمالية‪ .‬ولكن في نهاية القرن العشرين‪،‬‬ ‫بفضل تأثير إدوارد سعيد‪ ،‬تم إعادة تعريف الصهيونية كحركة‪،‬‬ ‫يتنافس فيها البيض وامللونون على األراضي‪ .‬ويعني هذا التحول‪ ،‬أن‬ ‫اليسار ال ينحاز بقوة إلى إسرائيل <‬ ‫* جوشوا مورافتشيك‪ ،‬زميل في كلية الدراسات الدولية املتقدمة بجامعة جونز‬ ‫هوبكنز وكاتب منتظم في مجلة “وورلد أفيرز جورنال”‪ .‬نشرت هذا املقالة في‬ ‫املجلة املذكورة في عددها الصادر بتاريخ مارس (آذار)‪ /‬إبريل (نيسان) ‪،2013‬‬ ‫ويمكن قراءتها باللغة اإلنجليزية على الرابط التالي‪:‬‬ ‫‪worldaffairsjournal.org‬‬

‫‪,,‬‬

‫تبنى سعيد‬ ‫بنفسه موقفا‬ ‫جديدا تجاه‬ ‫الصراع‬ ‫االسرائيلي ‪-‬‬ ‫الفلسطينيي‪ ،‬فلم‬ ‫يعد يؤمن بخيار‬ ‫حل الدولتني‬ ‫كما كان الحال‬ ‫حني كانت الفكرة‬ ‫نظرية في ظل عدم‬ ‫استعداد املنظمة‬ ‫الفلسطينية التي‬ ‫كان عضوا فيها‬ ‫للمعاناة من‬ ‫وجود إسرائيل‬ ‫بأي شكل من‬ ‫األشكال‬

‫‪,,‬‬

‫عازفة‬ ‫من «معهد ادوارد‬ ‫سعيد الوطني‬ ‫للموسيقى»‪ ،‬حيث‬ ‫تم أطالق اسمه على‬ ‫املعهد في سبتمبر‬ ‫(ايلول) عام ‪ 2004‬تقديرًا‬ ‫لدوره الثقافي والفكري واإلنساني‬ ‫‪ ،‬فأغنى اسمه املعهد حيثما حمله‬ ‫كلما ارتحل بموسيقاه‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪31‬‬


‫قصة الغالف‬

‫أن تستشف في ّ‬ ‫حدته نحو برنارد لويس‪ ،‬الذي أدرك أن إيروين «لم‬ ‫يتعرض لهجوم من قبل سعيد‪ ،‬بكونه عاملا سيئا (وهو ما لم يكنه)‪،‬‬ ‫لكن لتأييده للصهيونية (وهو ما كان عليه)»‪ .‬جاء ذلك ضمنيا أيضا‬ ‫في هوية أولئك الذين استثناهم سعيد من تعميمه بشأن الغربيني‪.‬‬ ‫وفي الصفحات الختامية من كتاب االستشراق‪ ،‬أشاد بعدد قليل‬ ‫من األصوات الرافضة لالحتالل‪ ،‬التي يمكن أن تسمع في الغرب‪،‬‬ ‫وعرض في الحاشية نموذجني أميركيني فقط‪ ،‬هما نعوم تشومسكي‪،‬‬ ‫و»ميريب» (مشروع معلومات وأبحاث الشرق األوسط)‪.‬‬ ‫لم يكن تشومسكي خبيرا في شؤون الشرق األوسط أو شخصا يكتب‬ ‫عادة حول الشرق األوسط‪ ،‬لكنه صنع لنفسه مكانة كصوت يهودي‬ ‫بارز معارض إلسرائيل‪ .‬أما ميريب فهي مجموعة يسارية جديدة‪،‬‬ ‫تشجع حرب العصابات الفلسطينية والثورات العربية األخرى‪ ،‬فكانت‬ ‫صاحبة عقلية متفردة في إخالصه لقضيته‪ ،‬وهو امتداحه ملذبحة‬ ‫الرياضيني اإلسرائيليني في أوملبياد ‪ ،1972‬للتسبب في تعزيز القيم‬ ‫بني الفلسطينيني‪ ،‬ووقف التحرك باتجاه تسوية بني إسرائيل واألنظمة‬ ‫العربية»‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫كان سعيد شغوفا‬ ‫بإثارة عبارات‬ ‫«الصدق إلى‬ ‫السلطة كان ذلك‬ ‫دافعا للتباهي‬ ‫بالنسبة لشخص‬ ‫اختار العيش في‬ ‫أميركا أو لهذا‬ ‫الغرض للعيش في‬ ‫أي مكان وشجب‬ ‫الغرب وإسرائيل‪.‬‬ ‫لكن على الرغم من‬ ‫خلق شخصيته‬ ‫الجريئة كان حذرا‬ ‫في التعامل من‬ ‫بلده األصلي‬

‫‪,,‬‬

‫‪30‬‬

‫وكانت غير ودية تماما تجاه األصوات املعارضة‪ ،‬إلى أن أخذ برنارد‬ ‫لويس وفؤاد عجمي في عام ‪ ،2007‬زمام املبادرة بتشكيل مؤسسة‬ ‫متخصصة بديلة‪ ،‬هي رابطة دراسة الشرق األوسط وأفريقيا‪.‬‬

‫شخصية جريئة‬ ‫كان سعيد شغوفا بإثارة عبارات «الصدق إلى السلطة»‪ ،‬كان ذلك دافعا‬ ‫للتباهي بالنسبة لشخص اختار العيش في أميركا‪ ،‬أو لهذا الغرض‬ ‫للعيش في أي مكان‪ ،‬وشجب الغرب وإسرائيل‪ .‬لكن على الرغم من خلق‬ ‫شخصيته الجريئة‪ ،‬كان سعيد حذرا في التعامل من بلده األصلي‪.‬‬ ‫ويتذكر حبيب مالك‪ ،‬املؤرخ في الجامعة األميركية اللبنانية وابن عم‬ ‫سعيد‪ ،‬سماعه وهو يلقي كلمة في الجامعة األميركية في بيروت‪،‬‬ ‫فيقول‪« :‬انتقد في أحد املناسبات صدام حسني والطغاة العرب‪ ،‬لكنه‬ ‫توقف عن ذكر حافظ األسد ألسباب معروفة‪ ،‬وهي أن املخابرات‬ ‫السورية في بيروت ستعتقله عقب املحاضرة مباشرة‪.‬‬ ‫حياة سعيد ربما كانت في معظمها مسألة أكاديمية‪ ،‬لو أنه لم ينجح‬ ‫في إعادة تعريف العرب واملسلمني كـ»معادل أخالقي للسود»‪ ،‬ووصف‬ ‫إسرائيل بالدولة العنصرية‪ .‬وبعد أربع سنوات من إعالن الجمعية‬ ‫العامة لألمم املتحدة الصهيونية‪ ،‬شكال من أشكال العنصرية‪ ،‬عمد‬ ‫سعيد إلى تكرار الفكرة بصورة واسعة‪ .‬وقال ساخرا «إن إسرائيل لم‬ ‫تعط العرب نفس حق اليهود في الهجرة‪ ،‬ألنهم أقل تطورا»‪.‬‬ ‫بعد عقود من نشر كتاب االستشراق قال سعيد إن إسرائيل كانت‬ ‫هدف الكتاب غير املعلن على الدوام وقال‪« :‬ال أعتقد أنني ما كنت ألكتب‬ ‫هذا الكتاب‪ ،‬لو لم أكن مرتبطا سياسيا بالصراع‪ .‬فالصراع العربي‬ ‫والهوية الفلسطينية‪ ،‬تشكالن أهمية كبيرة بالنسبة لهذا الكتاب‪.‬‬ ‫االستشراق ال يهدف ألن يكون رواية ضمنية لبناء تاريخي‪ ،‬لكنه جزء‬ ‫من التحرر من هذه القوالب وهذه الهيمنة ألهلي‪ ،‬سواء أكانوا عربا أم‬ ‫مسلمني أم فلسطينيني»‪.‬‬ ‫لم يعترف سعيد بهذه األجندة في صفحات كتاب االستشراق أو‬ ‫في وقت نشره‪ ،‬على الرغم من هذه األيديولوجية الضمنية يمكن‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫وعلى الرغم من أن هجوم سعيد على الدولة اليهودية كان ضمنيا في‬ ‫أوله‪ ،‬إال أنه كان ذا تأثير مدمر‪ ،‬حيث هيمن موقفه من قضايا العرب‬ ‫وإسرائيل على دراسات الشرق األوسط‪ .‬ونال مؤرخ الشرق األوسط‬ ‫في جامعة كاليفورنيا بلوس إنجيليس نيكي كيدي‪ ،‬الذي أبدى تعاطفا‬ ‫كبيرا تجاه الثورة اإليرانية‪ ،‬ثناء سعيد‪ ،‬في كتابه «تغطية اإلسالم»‪،‬‬ ‫وقال‪ :‬كان هناك توجه في مجال دراسات الشرق األوسط لتبني كلمة‬ ‫«االستشراق»‪ ،‬كتدنيس معمم يشير بشكل أساسي إلى أشخاص‬ ‫اتخذوا موقفا خاطئا بشأن النزاع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬أو إلى األشخاص‬ ‫الذين حكم عليهم أيضا بأنهم «محافظون» من دون النظر فيما إذا‬ ‫كانت كتاباتهم تتسم بالحرفية أم ال‪.‬‬ ‫حقق نجاح كتاب االستشراق الشهرة لسعيد‪ ،‬وتوجه بعد ذلك إلى‬ ‫تكريس قدر كبير من باقي حياته إلى الدفاع بشكل صريح عن العرب‬ ‫واملسلمني والفلسطينيني‪ ،‬بداية بكتاب «قضية فلسطني» عام ‪،1979‬‬ ‫حيث كان في ذلك الوقت عضوا في اللجنة العليا ملنظمة التحرير‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬املجلس الوطني الفلسطيني‪ .‬كان الكتاب حربا كالمية‬ ‫واسعة النطاق‪ ،‬كان اليهود هم املعتدين‪ ،‬والفلسطينيون هم الضحايا‬ ‫ـ وحتى في قضية اإلرهاب‪ ،‬أكد سعيد أنه‪« :‬ال يوجد شيء في تاريخ‬ ‫فلسطني‪ ،‬يقارن على اإلطالق بسجل اإلرهاب الصهيوني»‪.‬‬ ‫ادعى سعيد أنه «خائف» من األعمال اإلرهابية التي «اضطر الرجال‬ ‫والنساء الفلسطينيون إلى القيام بها‪ ،‬لكن كل اللوم يقع في النهاية على‬ ‫إسرائيل التي أنتجت وصنعت اإلرهابيني»‪.‬‬ ‫وكتب سعيد‪ ،‬ما وصفته «نيويورك تايمز»‪ ،‬بأنه «خبث مذهل»‪ ،‬أن‬ ‫«منظمة التحرير الفلسطينية تخلت منذ بداية السبعينات عن أعمال‬ ‫العنف وأدانت اإلرهاب»‪ ،‬هذه الكلمات ظهرت بعد عام واحد من هجوم‬ ‫املنظمة الدامي ضد املدنيني اإلسرائيليني‪ ،‬في مارس (آذار) ‪1978‬‬ ‫«مذبحة الطريق الساحلي»‪ ،‬التي قتل فيها ثمانية وثالثني شخصا‬ ‫بينهم ‪ 13‬طفال‪ ،‬أطلق عليهم الرصاص عشوائيا وعشرات الجرحى‬ ‫ـ وليس من قبل فصيل منشق‪ ،‬بل على يد الفصيل الرئيس ملنظمة‬ ‫التحرير الفلسطينية‪ ،‬فتح‪ .‬وكان سعيد ذاته عضوا في املجلس الوطني‬ ‫الفلسطيني الذي يدير منظمة التحرير عندما وقع الحادث‪.‬‬ ‫عمل سعيد بجد لتأكيد رواية أن عرفات حاول على مدار سنوات صنع‬ ‫السالم‪ ،‬لكن محاوالته قوبلت بالرفض‪ .‬ويقول‪« :‬أعربت منظمة التحرير‬ ‫الفلسطينية في أكثر من مناسبة‪ ،‬عن استعدادها لقبول قيام دولة‬


‫وفي هذا السياق‪ ،‬يشير الكاتب البريطاني‪ ،‬روبرت إروين‪ ،‬الذي يعرض‬ ‫كتابه «املعرفة الخطرة» تاريخ االستشراق بشكل مفصل وأيضا دحضا‬ ‫لسعيد‪ ،‬إلى أنه‪ ،‬تاريخيا‪« ،‬كانت هناك نزعة مميزة للمستشرقني متمثلة‬ ‫في كونهم مناهضني لالستعمار؛ إذ إن حماسهم للثقافة العربية‬ ‫أو الفارسية أو التركية‪ ،‬عادة ما اقترن بكراهية لرؤية هؤالء األفراد‬ ‫يهزمون ويخضعون لسيطرة اإليطاليني أو الروس أو البريطانيني أو‬ ‫الفرنسيني» (على غرار فاريسكو‪ ،‬يوضح إروين أنه ليس معارضا‬ ‫ملوقف سعيد السياسي‪ ،‬ولكنه مستاء من تزييفه مكانته العلمية)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويعد هذا مجرد مثال بسيط ملشكلة منهجية كبرى تبطل عمل سعيد‬ ‫كلية‪ ،‬وباألساس‪ ،‬أسلوبه االنتقائي باألدلة‪ .‬لقد أوضح سعيد أن إدانته لم‬ ‫تكن موجهة إلى هذا الفرد أو ذاك‪ ،‬ولكن إلى املستشرقني في حد ذاتهم‪،‬‬ ‫وهي الفئة‪ ،‬التي‪ ،‬كما قد رأينا‪ ،‬قد ضمن فيها كل أبناء الغرب الذين‬ ‫ذكروا أي شيء عن الغرب‪ .‬ومن ثم‪ ،‬كتب‪« :‬كل املعلومات األكاديمية عن‬ ‫الهند ومصر مخضبة ومتأثرة أو منتهكة من قبل الحقيقة السياسية‬ ‫الكبرى املمثلة في اإلمبراطورية»‪ .‬كذلك‪ ،‬ال يمكن لكتاب واحد أو فكرة‬ ‫واحدة أو فعل بعينه متعلق بالشرق‪ ،‬أن يحقق هدفه من دون أن يضع‬ ‫في الحسبان قيود الفكر‪ ،‬والفعل التي يفرضها االستشراق؟‬ ‫ملاذا آثر سعيد أن يرسم بتلك الفرشاة العريضة؟ ألنه أدرك أنه إذا‬ ‫ما اكتفى بالتأكيد على أن بعض أبناء الغرب كتبوا بشكل ازدرائي‬ ‫أو متعجرف أو مضلل عن الشرق فيما لم يفعل آخرون ذلك‪ ،‬لفقدت‬ ‫حجته قدرا كبيرا من اإلثارة‪ .‬ربما تطلب األمر توضيحا عن األرقام‬ ‫وثيقة الصلة أو تأثير املجموعتني‪ ،‬عن االختالفات داخل املجموعتني‪،‬‬ ‫عن االتجاهات املشتركة بني أبناء الشرق تجاه الغرب‪.‬‬ ‫في املقام األول‪ ،‬كانت لتجذب الرد الحاسم‪ :‬إذن ما املشكلة؟ هل كان‬ ‫تفضيل بعض األفراد مجتمعاتهم عن اآلخرين‪ ،‬معلومة جديرة‬ ‫باالهتمام؟‬ ‫وقد تمثلت الوسيلة الوحيدة التي استطاع سعيد من خاللها جعل إدانته‬ ‫املعممة تبدو منطقية في انتقاء األمثلة التي تتالءم مع هذا‪ ،‬وإغفال بقية‬ ‫األمثلة‪ .‬وعندما تم الطعن في إسقاطاته‪ ،‬رد سعيد بغطرسة بأنه لم يكن‬ ‫ملزما‪ ،‬بأية صورة‪ ،‬تضمني «كل مستشرق حي»‪ .‬لكن بالطبع تمثلت‬ ‫القضية الحقيقية في ما إذا كان املستشرقون الذين قام بتضمينهم‪،‬‬ ‫قدموا نموذجا تمثيليا‪ ،‬وما إذا كان قدمهم بأسلوب أمني أم ال‪.‬‬ ‫بيد أن أوجه اإلخفاق املنهجية هذه‪ ،‬فقدت في األغلب في خضم اإلبهار‬ ‫الذي جعل الكتاب يثير بقوة ما وجده سعيد وسيلة جديدة إلدانة الغرب‬ ‫على أبشع خطاياه‪ :‬التفرقة العنصرية وإذعان اآلخرين‪ .‬وبقدر هائل‬ ‫من الحداثة‪ ،‬وسع سعيد نطاق االتهام عبر آالف السنني‪ ،‬وهو تصوير‬ ‫قوبل باعتراض من صادق العزم‪ ،‬الفيلسوف السوري ذي النزعة‬ ‫املاركسية‪ ،‬وأحد «أكثر املعارضني املحبوبني في الدولة»‪.‬‬

‫الجامعات وورش العمل‪ ،‬حتى يتمكن البيض من اكتشاف عنصريتهم‬ ‫الداخلية ومواجهتها‪ .‬لكن ذلك «الشر األبيض» الكامن لم يظهر بهذا‬ ‫العمق الكبير والتشدد الواضح‪ ،‬سوى في كتاب سعيد‪ .‬كان األميركيون‬ ‫املنتمون إلى اليسار فقط‪ ،‬هم من اشتروا الكتاب‪.‬‬ ‫في هذا اإلطار كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» في رثائها إلدوارد‬ ‫سعيد‪« :‬وضع كتاب االستشراق‪ ،‬الدكتور سعيد كشخصية صاحبة‬ ‫تأثير كبير في الجامعات األميركية واألوروبية‪ ،‬وبطل بالنسبة‬ ‫للكثيرين‪ ،‬وخاصة طلبة الجامعات وخريجيها من الشباب في حركات‬ ‫اليسار‪ ،‬ولدى األفراد الذين أصبح الكتاب بالنسبة لهم عقيدة فكرية‬ ‫ووثيقة مؤسسة ملا وصف بكونه دراسات ما بعد االستعمار»‪ .‬فيما‬ ‫قالت صحيفة «الغارديان» في رثائها الخاص‪« :‬ظهر كتاب االستشراق‬ ‫في وقت مناسب ليمكن األكاديميني املتنقلني إلى الغرب (الكثير منهم‬ ‫كانوا من دول غير غربية‪ ،‬ولدوا لعائالت استفادوا من االحتالل)‪ ،‬من‬ ‫النفع من حالة «التصحيح السياسي» الذي أسهم في ظهوره‪ ،‬من خالل‬ ‫ربط أنفسهم بروايات القمع وخلق مسيرات عمل ناجحة‪ ،‬بدافع نقل‬ ‫وتفسير ونقاش تمثيل اآلخر «غير الغربي»‪.‬‬ ‫وأضافت «يرجع الفضل لالستشراق‪ ،‬في املساعدة على تغيير اتجاه‬ ‫العديد من فروع املعرفة»‪ ،‬وهو الرأي الذي عبر عنه املؤيدون واملنتقدون‬ ‫على حد سواء‪ ،‬فقد قال ستيوارت سكار‪ ،‬وهو أستاذ فخري في تاريخ‬ ‫الشرق األوسط في كلية بروكلني إن «املثير لإلعجاب‪ ،‬أن «املجتمع‬ ‫األكاديمي تحول‪ ،‬وأحدث ثورة في مجال النقد األدبي بفضل تراثه»‪.‬‬

‫كتب العزم‪« :‬لقد تتبع سعيد أصول االستشراق بالعودة إلى هوميروس‬ ‫وإسخيليوس ويوربيدس ودانتي‪ ،‬وبعبارة أخرى لم يكن االستشراق‬ ‫ظاهرة حديثة بشكل كامل‪ ،‬بل نتاج طبيعي في مجمله للعقلية‬ ‫األوروبية القديمة‪ ،‬الراغبة بشكل كبير في تشويه اآلخرين والثقافات‪،‬‬ ‫لصالح تأكيد الذات والهيمنة الغربية»‪.‬‬

‫من دون التخلي عن زعمه تجسيد «نموذج براق» لشخص أجنبي‪ ،‬كما‬ ‫يوضح ناقد مصدوم عمل على سلسلة من محاضرات ألقاها سعيد‬ ‫في لندن‪ ،‬سيطر سعيد وتالميذه على األوساط األكاديمية‪ ،‬كما يتضح‬ ‫ذلك من العدد الهائل للمحاضرات التي خصصت لكتبه‪.‬‬

‫ربما يكون صادق العزم قد اعتقد بخطأ ذلك‪ ،‬لكنه كان أمرا مثيرا‬ ‫للنشوة‪ ،‬فإذا كنا نتحدث عن عقلية استمرت قبل املسيحية وبعدها‪،‬‬ ‫فنحن ال نتحدث بشكل كبير عن الثقافة األوروبية التي ّ‬ ‫تعرف‬ ‫باملسيحية إلى حد كبير‪ ،‬أكثر من العرق األوروبي‪ ،‬فإن االستشراق‬ ‫سيتوافق ومزاج فترة أرادت إثبات أن كل العرق األبيض متعصب‬ ‫بالفطرة‪ ،‬وهو ما دفع مجموعات املواجهة إلى عقد االجتماعات في‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬ذكر فاريسكو أن «جيال من الطالب في مختلف‬ ‫التخصصات‪ ،‬لم يتمكن من مواجهة االتهام االنفعالي‪ ،‬الذي أطلقه‬ ‫سعيد‪ ،‬حتى إن الباحثني الذين درسوا الشرق األوسط واإلسالم‪ ،‬ال‬ ‫يزالون يقومون بذلك مؤسسيا‪ ،‬من خالل االختيار التفسيري الذي‬ ‫يفصل بني غرب أعلى‪ ،‬وشرق أدنى»‪ .‬أصبحت «العقيدة السيعيدية»‬ ‫الجديدة مهيمنة بشكل كبير في جمعية دراسات الشرق األوسط‪،‬‬

‫صورة نادرة تجمع باراك أوباما على مقعد‬ ‫بجانب إدوارد سعيد في حفل عشاء الجالية‬ ‫العربية األمريكية في شيكاغو في عام ‪1998‬‬ ‫بمناسبة الذكرى السنوية الخمسني للنكبة‬ ‫الفلسطينية‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫كانت هناك نزعة‬ ‫مميزة للمستشرقني‬ ‫متمثلة في‬ ‫كونهم مناهضني‬ ‫لالستعمار إذ إن‬ ‫حماسهم للثقافة‬ ‫العربية أو الفارسية‬ ‫أو التركية عادة‬ ‫ما اقترن بكراهية‬ ‫لرؤية هؤالء‬ ‫األفراد يهزمون‬ ‫ويخضعون‬ ‫لسيطرة اإليطاليني‬ ‫أو الروس أو‬ ‫البريطانيني أو‬ ‫الفرنسيني‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪29‬‬


‫قصة الغالف‬

‫وظف املصطلح على نحو أوسع نطاقا في اإلشارة إلى «نمط غربي‬ ‫للهيمنة على الشرق‪ ،‬وإعادة هيكلته والسيطرة عليه»‪.‬‬ ‫وقال إن االستشراق جسد «معتقدات توجد‪ ..‬في أنقى صورها في‬ ‫دراسات العرب واإلسالم»‪ .‬وعرف املعتقدات األربعة «الرئيسة» كما يلي‪:‬‬ ‫أحدها هو االختالف التام واملنهجي بني الغرب‪ ،‬املنطقي املتقدم اإلنساني‬ ‫األسمى منزلة‪ ،‬والشرق‪ ،‬الضال املتخلف األدنى منزلة‪ .‬ويتمثل معتقد‬ ‫ثان في أن املفاهيم املجردة عن الشرق‪ ..‬دائما ما تكون مفضلة الستقاء‬ ‫أدلة مباشرة من الحقائق الشرقية الحديثة‪ .‬أما املعتقد الثالث‪ ،‬فهو أن‬ ‫الشرق خالد سرمدي ومتحد وغير قادر على تعريف نفسه‪ .‬ويأتي‬ ‫املعتقد الرابع وهو أن الشرق في قلب شيء إما أن يهاب‪ ..‬أو يخضع‬ ‫للسيطرة‪.‬‬ ‫كانت املراجعات األولية للكتاب‪ ،‬من قبل متخصصني في األغلب‪،‬‬ ‫مختلطة‪ ،‬بيد أنها ظهرت في وقت بدأت فيه «التعددية الثقافية» تصبح‬ ‫املعتقد الجديد للنخب املثقفة‪ ،‬فاتخذ الكتاب طابعا مميزا خاصا به‪،‬‬ ‫وبدأ يترجم إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة‪ ،‬ويصبح أحد أكثر النصوص‬ ‫تأثيرا وتخصصا في النصف األخير من القرن العشرين‪.‬‬ ‫بيل كليتنتون بني عرفات ورابني بعد التوقيع‬ ‫على اتفاقية أوسلو ‪13‬سبتمبر(أيلول) ‪1993‬‬

‫‪,,‬‬

‫ربما يكون سعيد‬ ‫قد سرد بصدق‬ ‫شديد حياته في‬ ‫سيرته الذاتية‬ ‫حيث تظهر في‬ ‫النهاية الحقائق‬ ‫الفعلية وثيقة‬ ‫الصلة بتعليمه‬ ‫وإقامته‪ .‬ولكن‬ ‫منتقديه يستمرون‬ ‫في التساؤل هل‬ ‫سرده قصته‬ ‫بصدق في النهاية‬ ‫يمحو عشرين عاما‬ ‫من اختالق أكاذيب‬ ‫بشأنها؟‬

‫‪,,‬‬

‫‪28‬‬

‫يتجنب بشكل دائم اجتياز أو االقتراب بدرجة كبيرة من الخط الفاصل‪،‬‬ ‫الذي يشير ملا إذا كان يجب أن تندرج مفرداته تحت مسمى األكذوبة‪ ،‬أم‬ ‫أنها مجرد خداع يرتقي لدرجة اختالف من دون تمييز‪.‬‬ ‫كتب سعيد ردا على وينر‪“ :‬لم أطلب مطلقا أن أصبح الجئا‪ ،‬لكن أسرتي‬ ‫املمتدة‪ ..‬فعلت”‪ .‬ولكن ما الذي كان من املفترض أن يستشفه القارئ‬ ‫من كتابه‪“ ،‬القلم والسيف”‪ ،‬حيث تحدث عن ذكريات‪ ..‬االثنتي عشرة‬ ‫أو الثالثة عشرة األولى من حياته قبل أن يغادر فلسطني؟” أو من مقاله‬ ‫في مجلة «لندن ريفيو أوف بوكس»‪ ،‬حيث كتب‪“ :‬ولدت في القدس‬ ‫وأمضيت معظم سنوات تكويني هناك‪ ،‬وبعد عام ‪ ،1948‬أصبح أفراد‬ ‫أسرتي كلهم الجئني في مصر؟”‪.‬‬ ‫ربما يكون سعيد‪ ،‬قد سرد “بصدق شديد” حياته في سيرته الذاتية‪،‬‬ ‫حيث تظهر في النهاية الحقائق الفعلية وثيقة الصلة بتعليمه وإقامته‪.‬‬ ‫ولكن منتقديه يستمرون في التساؤل‪ ،‬هل سرده قصته بصدق في‬ ‫النهاية‪ ،‬يمحو عشرين عاما من اختالق أكاذيب بشأنها؟ ولكن في‬ ‫النهاية‪ ،‬قلل سعيد من شأن املوضوع‪ .‬ففي آخر مقابلة له مع صحيفة‬ ‫«نيويورك تايمز» قال‪“ :‬ال أعتقد أن األمر على هذه الدرجة من األهمية‬ ‫على أية حال‪ ..‬إنني لم أعرض حالتي مطلقا كقضية يجب التعامل‬ ‫معها‪ .‬لقد عرضت حالة أسرتي”‪.‬‬

‫أبرز النقاد أخطاء عدة في كتاب «االستشراق»‪ ،‬بدءا من األخطاء‬ ‫املضحكة التي تشير إلى أن فهم سعيد لتاريخ الشرق األوسط كان‬ ‫مزعزعا‪ .‬فقد زعم سعيد أن «بريطانيا وفرنسا هيمنتا على شرقي‬ ‫البحر املتوسط من نهاية القرن السابع عشر تقريبا»‪ ،‬أما على مدى‬ ‫مائة سنة أخرى‪ ،‬فقد كان العثمانيون هم من حكموا املنطقة‪ .‬لقد كتب‬ ‫أن الفتح اإلسالمي لتركيا سبق الفتح اإلسالمي لشمال أفريقيا‪ ،‬ولكن‬ ‫الحقيقة هي أنه وقع بعده بنحو أربعمائة سنة‪ .‬كذلك‪ ،‬أشار إلى «حكام‬ ‫مستعمرات» بريطانيني في باكستان‪ ،‬على الرغم من أن باكستان قد‬ ‫تشكلت في أعقاب انتهاء االستعمار‪.‬‬

‫اعتبارات أخالقية‬ ‫األمر أكثر خطورة أيضا هو عدم مراعاته االعتبارات األخالقية‬ ‫في استخدام املصادر‪ .‬فقد أشار دانيال مارتني فاريسكو عالم‬ ‫األنثروبولوجيا في كتابه «قراءة االستشراق» أن «أحد أساليب سعيد‬ ‫البالغية في الوصول إلى نهاية جدلية يتمثل جزئيا في‪ ..‬اقتباس‬ ‫عبارة مع إغفاله بشكل حكيم‪ ،‬الكلمات التي قد تبرهن وفي بعض‬ ‫األحيان تدحض ما يحتمل أن تشير إليه العبارة مستقلة بذاتها»‪ .‬وقدم‬ ‫مثاال ألسلوب سعيد االزدواجي في االستشهاد بمقولتني من كتابات‬ ‫سنية حمادي‪ ،‬وهي كاتبة أميركية من أصل عربي‪ ،‬كتبت انتقادات‬ ‫للعرب‪ .‬وقد وضعها االقتباسان في صورة سيئة‪ ،‬ولكنهما‪ ،‬على حد‬ ‫قول فاريسكو‪ ،‬كانا مأخوذين من فقرات تلخص فيها حمادي رؤية‬ ‫شخص آخر‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬كان األمر املهم هو الضوء الذي سلط على أساليب سعيد‬ ‫املضللة‪ ،‬نظرا ألنه قد اتضح أنه أساس العمل البحثي‪ .‬كانت الخدعة‬ ‫الثقافية واضحة على وجه الخصوص في أهم كتبه «االستشراق»‪.‬‬ ‫وتتمثل فكرته الرئيسة في أن الغزو االستبدادي الغربي آلسيا وشمال‬ ‫أفريقيا‪ ،‬كان متضافرا مع دراسة وتجسيد املجتمعات البدائية‪ ،‬والذي‬ ‫تضمن بالتبعية تشويها لها‪ .‬يشرح سعيد‪« :‬التعرف على أصول‬ ‫الشرقيني‪ ،‬هو ما يجعل التعامل معهم أيسر وأكثر مربحية؛ املعرفة‬ ‫تمنح القوة‪ ،‬وتتطلب زيادة القوة زيادة املعرفة‪ ،‬وهكذا في جدل أكثر‬ ‫مربحية حول املعلومات والسيطرة»‪ .‬‬

‫وفي السياق نفسه أيضا‪ ،‬أشار جون رودنبيك‪ ،‬أستاذ األدب املقارن‬ ‫بالجامعة األميركية في القاهرة‪ ،‬إلى «التفسير الخاطئ واالستشهاد‬ ‫املغلوط بكلمات لينة» من قبل ما سماه «مستشرق القرن التاسع عشر‬ ‫إدوارد سعيد»‪ .‬ويبرز استخدام سعيد «املضلل» لالستشهادات‪ ،‬إلى‬ ‫املشكلة التي يواجهها مع عمله في عالم مصغر‪ .‬وعلى نطاق واسع‪،‬‬ ‫عرض موضوعه بشكل مغلوط في األساس‪.‬‬

‫كان النموذج األصلي لهؤالء الذين أمدوا بهذه املعلومات هو «املستشرق»‪،‬‬ ‫وهو اصطالح رسمي يشير إلى هؤالء الباحثني‪ ،‬معظمهم أوروبيون‪،‬‬ ‫ومتخصصون في اللغات والثقافة والتاريخ وعلم اجتماع مجتمعات‬ ‫الشرق األوسط وشبه القارة الهندية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد شرح سعيد أنه‬

‫وفي إطار طعنه ألول «معتقد» مزعوم متعلق باالستشراق‪ ،‬والذي‬ ‫ينسب كل الفضائل للغرب والرذائل للشرق‪ ،‬يقول فاريسكو إن سعيد‬ ‫يصف «نموذجا كان ليرفض باملثل من قبل السواد األعظم من هؤالء‪،‬‬ ‫الذين جمعهم سعيد معا بوصفهم مستشرقني»‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬


‫هذه املهمة‪ ،‬بسبب أصوله ونفوذه وعضويته في املجلس الوطني‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬وهو الكيان االسمي الحاكم ملنظمة التحرير الفلسطينية‪.‬‬ ‫أكد سعيد لقرائه أن منظمة التحرير الفلسطينية تفادت اإلرهاب وأدانته‬ ‫منذ بداية التفجيرات وعمليات اختطاف الطائرات في السبعينات‪ ،‬وقدم‬ ‫قائد املنظمة ياسر عرفات على أنه “ضحية لسوء الفهم‪ ،‬وشخصية‬ ‫سياسية تم تشويه سمعتها”‪ ،‬وأعرب عن إيمانه بدولة فلسطينية‬ ‫تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل ال مكانها‪ ،‬وذلك باسم الدولة‬ ‫الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة‪.‬‬ ‫كان هذا كفيال بدفع‪ ،‬كريستوفر ليمان هوبت‪ ،‬الناقد في صحيفة‬ ‫“نيويورك تايمز”‪ ،‬إلى كتابة‪“ :‬إن األستاذ سعيد يعبر عن القضية‬ ‫بمنطقية وفصاحة‪ ،‬تجعالن املرء ينسى لوهلة‪ ،‬الكثير من الحجج‬ ‫املضادة التي يتبناها اإلسرائيليون”‪.‬‬ ‫كان لكل من كتابي ‪( Orientalism‬االستشراق) و‪The question‬‬ ‫‪( of Palestine‬املسألة الفلسطينية) آثارا عديدة‪ ،‬وأعقبهما تفسيرات‬ ‫كثيرة‪ ،‬مما جعلهما عمودا ملسار سعيد املهني كصوت للفلسطينيني‬ ‫في مواجهة اإلسرائيليني‪ ،‬بل كصوت للعرب واملسلمني والشرقيني‬ ‫اآلخرين في مواجهة الغرب ككل‪.‬‬ ‫لقد دمج سعيد العنصرية األميركية باالستعمار األوروبي‪ ،‬في مزيج‬ ‫واحد من ظلم الرجل األبيض للبشر من ذوي البشرة الداكنة‪ .‬ولم يكن‬ ‫سعيد املفكر الوحيد الذي صنع هذا املزيج‪ ،‬لكن تمثل إسهامه الفريد‬ ‫في التعبير عن “الشرقيني” كنموذج لذوي البشرة الداكنة‪ ،‬واملسلمني‬ ‫نموذجا للشرقيني‪ ،‬والعرب نموذجا للمسلمني األصليني‪ ،‬وأخيرا‬ ‫الفلسطينيني نموذجا للعرب في شكلهم األسمى‪ .‬وفجأة بشكل‬ ‫سحري تحولت إسرائيل إلى تجسيد لتعالي الرجل األبيض‪ ،‬وشعوره‬ ‫بالسمو على باقي البشر‪.‬‬

‫أحد عشر مفكرا‬

‫تعبيره عن تجربة املنفى‪ ،‬جعلت الكثير من قرائه في الغرب يرونه‬ ‫تجسيدا للمأساة الفلسطينية»‪ .‬وقد كتب بالفعل فيلما وثائقيا لعب‬ ‫فيه دور الراوي من إنتاج «بي بي سي» عام ‪ 1998‬حمل اسم ‪In Search‬‬ ‫‪( of Palestine‬في البحث عن فلسطني) قدم فيه قصة حياته كعنصر‬ ‫صغير من عناصر النكبة التي ما زالت مستمرة‪.‬‬ ‫مع ذلك نشرت مجلة “كومينتري” في سبتمبر (أيلول) عام ‪ ،1999‬مقاال‬ ‫استقصائيا كتبه يوستوس رايد فاينر‪ ،‬وقدم فيه الدليل على تزييف‬ ‫سعيد قصة حياته إلى حد كبير‪ ،‬فقد أوضحت مجموعة معتبرة من‬ ‫الوثائق أنه قبل انتقاله إلى الواليات املتحدة لاللتحاق باملدرسة اإلعدادية‬ ‫عام ‪ ،1951‬عاش حياته في القاهرة ال فلسطني‪.‬‬ ‫بعد ذلك ببضعة أشهر‪ ،‬نشر سعيد سيرته الذاتية التي أكد فيها هذه‬ ‫التهمة بدون االعتراف بمزاعمه السابقة التي جاءت في معرض حديثه‬ ‫عن خلفيته ونشأته أو محاولة تفسيرها‪ .‬ردا على هذا الكشف‪ ،‬شن‬ ‫سعيد وعدد من مؤيديه هجوما شرسا على فاينر‪ .‬وسخر سعيد‬ ‫من فاينر بقوله‪“ :‬ألن فاينر غير معروف إلى حد كبير‪ ،‬يحاول ّأن‬ ‫يصنع اسما من خالل تشويه سمعة شخص أكثر شهرة منه”‪ .‬ووقع‬ ‫أحد عشر مفكرا مقربا من سعيد‪ ،‬يقدمون أنفسهم ضمن “املجموعة‬ ‫العربية اليهودية للسالم”‪ ،‬خطابا للصحيفة شبهوا فيه مقال فاينر‬ ‫بمحاولة إنكار املحرقة‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫بعد عام من‬ ‫ارتفاع مكانته‬ ‫بفضل كتاب‬ ‫“االستشراق”‬ ‫نشر سعيد كتاب‬ ‫‪The Question of‬‬ ‫‪( Palestine‬القضية‬ ‫الفلسطينية)‬

‫‪,,‬‬

‫وتمحور الجزء األكبر من النقاش بني فاينر وسعيد حول املنزل‬ ‫الذي ولد فيه إدوارد‪ ،‬وهو املنزل الذي يفهم مشاهدو الفيلم الوثائقي‬ ‫املذكور آنفا‪ ،‬أنه املنزل الذي نشأ فيه‪ .‬ودلل فاينر من سجالت الضرائب‬ ‫واألراضي على أن املنزل لم يكن يوما ملكا لوالد سعيد‪ ،‬بل لعمته‪.‬‬ ‫وكتب سعيد في تكذيبه على نحو غير مقبول‪“ :‬منزل العائلة كان‬ ‫ملكا للعائلة بحسب تقاليد العرب”‪ ،‬مما يعني أنه في نظر العائلة‪ ،‬كان‬ ‫ملكا لكل أفراد العائلة‪ ،‬حتى إذا أظهرت السجالت أنه ملك لعمة إدوارد‬ ‫وأبنائها فقط‪.‬‬

‫وكان هناك خطوة واحدة أخيرة في هذه السلسلة‪ ،‬وهي إدوارد سعيد القلم والسيف‬ ‫كرمز للفلسطيني‪ .‬منذ أن ظهر سعيد على الساحة‪ ،‬قدم نفسه كرجل‬ ‫«في املنفى» ولد ونشأ في القدس‪ ،‬إلى أن طرده اليهود وهو في الثانية‬ ‫عشرة‪ .‬وكما أوضح كاتب متعاطف في صحيفة «الـغارديان»‪« :‬إن‬

‫كان أسلوب عمل سعيد الساخر يهدف إلى االمتناع‪ ،‬حيثما أمكن‪ ،‬عن‬ ‫التفوه بكذبة محضة‪ ،‬مع تعمده ترك انطباع زائف‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنه لم‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪27‬‬


‫قصة الغالف‬

‫منذ وفاة إدوارد سعيد األستاذ في جامعة كولومبيا قسم اللغة اإلنجليزية التي مرت عليها‬ ‫عشر سنوات حتى اآلن‪ ،‬ال يوجد أي مؤشر على تراجع تأثيره االستثنائي‪ ،‬وفقا لبحث‬ ‫أجراه «محرك بحث في املناهج» عام ‪ ،2005‬وتبني منه أن كتب سعيد مقررة في ‪868‬‬ ‫منهجا دراسيا في الجامعات والكليات األميركية‪.‬‬

‫عشر سنوات على رحيل إدوارد سعيد‬

‫هل كان مؤلف االستشراق منحا زا سياسيا ؟‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫جوشوا مورافتشك *‬

‫‪,,‬‬

‫إن الكتاب الذي‬ ‫جعل من إدوارد‬ ‫سعيد رجال‬ ‫شهيرا هو كتاب‬ ‫‪Orientalism‬‬ ‫(االستشراق) الذي‬ ‫ألفه عام ‪1978‬‬ ‫عندما كان في‬ ‫الثالثة واألربعني‬ ‫من العمر‬

‫‪,,‬‬

‫هذه املناهج تباينت بني النقد األدبي والسياسة وعلم األجناس البشرية‬ ‫ودراسات الشرق األوسط‪ ،‬وهو مجال يعود فضل تطوره إلى سعيد‬ ‫وأعماله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أكثر من أربعني كتابا ألفت عنه وعن أعماله‪ ،‬وهناك منها ما تتناوله‬ ‫بالنقد وهي قليلة‪ ،‬ولكن ثمة الكثير منها مما هو متزلف ومتملق مثل‬ ‫كتاب « ‪( “ ,The Cambridge Introduction to Edward Said‬تقديم‬ ‫كامبريدج إلدوارد سعيد) الذي نشر بعد مرور سبع سنوات على وفاته‬ ‫بسرطان الدم عام ‪ .2003‬كما أن هناك الكثير من الدراسات والتحليالت‬ ‫التي تناولتها الصحف عنه وعن مؤلفاته‪ ،‬فقد وصفه مقال نقدي عام‬ ‫‪ 2001‬في صحيفة «الـغارديان» بأنه «أكثر مفكري عصرنا تأثيرا»‪.‬‬ ‫وتقدم جامعة جورج تاون وكاليفورنيا فضال عن جامعات أخرى‬ ‫برامج دراسية عنه‪ .‬بيد أن الكتاب الذي جعل من إدوارد سعيد رجال‬ ‫شهيرا هو كتاب ‪( Orientalism‬االستشراق)‪ ،‬الذي ألفه عام ‪،1978‬‬ ‫عندما كان في الثالثة واألربعني من العمر‪.‬‬ ‫كان هدف سعيد هو كشف اآلفة التي توجد في قلب الحضارة الغربية‪،‬‬ ‫وهي عجزها عن تقديم نفسها وهويتها إال على خلفية “اآلخر”‬ ‫املتخيل‪ .‬وكان هذا “اآلخر” هو الشرقي‪ ،‬الشخص الذي ينبغي أن‬ ‫يخشاه الغرب أو يسيطر عليه‪.‬‬ ‫وفي هذا الصدد قال سعيد‪“ :‬كان كل أوروبي عنصريا وإمبرياليا‬ ‫ومتعصبا لعرقه‪ ،‬في كل ما يمكن أن يقوله عن الشرق”‪ .‬وأوضح في‬ ‫مواضع أخرى من النص أن ما يصدق على األوروبيني يصدق على‬ ‫األميركيني أيضا‪ .‬ويذكرنا هذا بإحدى قضايا الراديكالية في الستينات‬ ‫التي كانت ضمن الحركات املناهضة لجيم كرو والحرب األميركية في‬ ‫فيتنام‪ ،‬وبالتحديد أن الجنس القوقازي هو الوباء الذي أصاب اإلنسانية‪.‬‬ ‫وبدال من الحديث عن هذا االتهام من فوق املنابر الخطابية‪ ،‬كما فعل‬ ‫آخرون‪ّ ،‬‬ ‫عبر سعيد عن ذلك بنبرات تدفع القراء إلى اإلطالع‪ .‬وكانت‬ ‫أسماء املنظرين املعاصرين العويصة وأسماء األكاديميني القدماء‬ ‫املبهمة‪ ،‬تظهر في الصفحات الزاخرة بكلمات تدفع القراء إلى اللجوء‬ ‫إلى املعاجم‪.‬‬ ‫ال تكترث لعدم وجود هذه الكلمات في املعاجم‪ ،‬أو أنها مستخدمة‬ ‫بشكل خاطئ‪ ،‬كذلك ال تهتم ملا تبدو عليه بعض االقتباسات من فخامة‬ ‫وإدعاء‪ ،‬مثل سقوط اسم ليفي شتراوس وغرامشي ومايكل فوكولت‬

‫‪26‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫بدوي مكتوم كما أوضح املؤرخ جون هارولد بالمب في نقده للكتاب‬ ‫لصحيفة “نيويورك تايمز”‪.‬‬ ‫ال تكترث ألي من هذا‪ ،‬فالشيء املهم الذي أثار السرور والتحمس هو‬ ‫قوله “الشخص امللون”‪ ،‬في محاولة قوية إلدانة الرجل األبيض وهزيمته‬ ‫في لعبة التأنق الفكري الخاص به‪ ،‬إذا جاز لنا قول ذلك‪.‬‬ ‫في الواقع لم يكن سعيد رمزا مناسبا لتعساء األرض‪ ،‬فوالده‪ ،‬الذي كان‬ ‫يطلق على نفسه اسم ويليام‪ ،‬هاجر من القدس‪ ،‬املكان الذي كان يكرهه‬ ‫بحسب قول إدوارد‪ ،‬إلى أميركا عام ‪ ،1911‬وقاتل خالل الحرب العاملية‬ ‫األولى وأصبح مواطنا أميركيا‪.‬‬ ‫وتحت ضغط أسرته استسلم بعد تردد‪ ،‬وعاد إلى الشرق األوسط في‬ ‫العشرينات واستقر في القاهرة‪ ،‬وكون ثروة من مجال األعمال‪ ،‬وتزوج‬ ‫من سيدة مصرية‪.‬‬ ‫وقيل إلدوارد‪ ،‬وهو االبن األكبر بعد موت املولود البكر في سن‬ ‫الرضاعة‪ ،‬إنه سمي على اسم أمير ويلز‪ .‬ونشأ هو وشقيقاته األربع في‬ ‫كنيسة بروتستانتية في وضع ميسور نسبيا‪ ،‬فقد كانوا يحضرون‬ ‫األوبرا‪ ،‬وكانوا أيضا أعضاء في عدة نواد‪ ،‬وتلقوا دروسا في البيانو‪.‬‬ ‫كذلك تلقوا التعليم في مدارس بريطانية وأميركية ابتدائية وثانوية في‬ ‫القاهرة‪ ،‬إلى أن التحق إدوارد بمدرسة راقية في نيو إنغالند‪ ،‬وهو في‬ ‫الرابعة عشرة من العمر‪.‬‬

‫وجه مختلف‬ ‫بعد تخرجه في جامعة هارفارد‪ ،‬بدأ يدرس النقد األدبي وفاز‬ ‫بكرسي في جامعة كولومبيا عندما بلغ األربعني‪ ،‬ثم أصبح أستاذا‬ ‫جامعيا‪ ،‬وهي أعلى مرتبة أكاديمية في جامعة كولومبيا‪ .‬بعد عام من‬ ‫ارتفاع مكانته بفضل كتاب “االستشراق” نشر سعيد كتاب ‪The‬‬ ‫‪( Question of Palestine‬القضية الفلسطينية)‪ .‬وقبل خمسة عشر‬ ‫عاما‪ ،‬كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد تأسست في محاولة لرسم‬ ‫هوية فلسطينية فريدة‪ ،‬واتخذ إعالن هذه الهوية للعالم شكل أعمال‬ ‫عنف مروعة‪ ،‬هدفها باألساس جذب االنتباه إلى الظلم الواقع على‬ ‫الفلسطينيني‪.‬‬ ‫اآلن منح أستاذ اإلنجليزية واألدب املقارن بجامعة كولومبيا القضية‬ ‫الفلسطينية وجها مختلفا‪ .‬لقد أضفى بعضا من األصالة على‬


‫ّ‬ ‫وهنا يبدو حسام تمام متفائال في فرضية تالشي الت ِ‬ ‫نظيم ّالدولي‪ ،‬املفكرون ينشقون‪..‬‬

‫فالتنسيق الذي كشفته سنوات الحقة لكتابه‪ ،‬أكدت أن مستوى‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫نظيم‪ ،‬والتشابك‪ ،‬ال زال يربط اإلخوان بحلقات‬ ‫دقيقا من الت ِ‬ ‫ّ‬ ‫الجسم الذي كان يتتبعه تمام‪ ،‬وربما‬ ‫تنظيمية محكمة‪ ،‬ربما انتهى‬ ‫تابع‪ّ ،‬‬ ‫يكون انتقل إلى فضاء تنظيمي ِأدق من أن ُي َ‬ ‫ألن نتيجة التأثير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُامل َش َ‬ ‫ّ‬ ‫العاملية‪ ،‬والتداخالت‪ ،‬وغيرها‪ ،‬ال‬ ‫اهدة ُم َتمثلة في الفعاليات‬ ‫تزال شاخصة للعيان‪.‬‬

‫إخوان الخليج‪ ..‬عباءة التنظيم‬ ‫حني تضيق باملنتفخني‬ ‫الكاتب والباحث السعودي فهد الشقيران رأى أن االنشقاقات‬ ‫ّ‬ ‫تصدعات ناقمة من جهة‪،‬‬ ‫في الخليج لم تكن جذرية بل كانت‬ ‫أو انصياعا ّلظرف سياسي معني‪ ،‬ويضرب مثال بالنقمة التي‬ ‫اإلسالمي الكويتي عبد الله النفيسي الذي رأى‬ ‫مارسها املنظر ً‬ ‫أنه‪« :‬لم يمتلك رؤية متماسكة أو موحدة في معظم أفكاره‪ ،‬من‬ ‫آرائه في السياسة الكويتية‪ ،‬إلى تقلب موقفه من إيران وقفزه من‬ ‫رأيه بتسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي في السبعينات إلى‬ ‫رأي حاد تجاه إيران يكرره كل أسبوع مرة أو مرتني في وسائل‬ ‫ّ‬ ‫(حلف املصالح‬ ‫اإلعالم من دون كلل أو ملل وبيده كتابه املفضل ّ‬ ‫املشتركة) من تأليف تريتا بارزي‪ .‬وحني يسأل عن نقاده ال يريد‬ ‫أن يعرفهم‪ ،‬وإذا سألته عن الناقد السعودي علي العميم تحديدا‬ ‫يبدي لك جهله بهذا االسم تماما‪.‬‬ ‫العميم كتب‪( :‬سيرة غير تبجيلية) في عبد الله النفيسي ونشرت‬ ‫حلقات في مجلة (املجلة) ومن ثم طبعها ضمن كتاب‪،‬‬ ‫على‬ ‫ٍ‬ ‫بكتاب مستقل‪ .‬النفيسي‬ ‫وبآخر املطاف طبع نقد العميم للنفيسي‬ ‫ٍ‬ ‫رجل يهرب من تاريخه‪ ،‬فهو ابن لحظته‪ ،‬حني تستمع إليه وكأنه‬ ‫لم يكن ابن االنقالبات الجذرية الغريبة‪ ،‬منذ انضمامه مع حركة‬ ‫هيامه بإيران وصوال إلى تهييجه ضد (املد‬ ‫جهيمان العتيبي وإلى‬ ‫ّ‬ ‫الصفوي)‪ .‬النفيسي الذي ألف كتابه (اإلخوان املسلمون‪ ..‬التجربة‬ ‫والخطأ) سنة ‪ 1989‬لم يكن ينتقد الجماعة أو املنهج وإنما يتناول‬ ‫التجربة والخطأ‪ ،‬يناقش األخطاء على املنهج‪ ،‬ويسائل التجربة‬ ‫على املأمول‪ّ ،‬‬ ‫يعبر عن خيبته هو من اإلخوان املسلمني غير أنه‬ ‫لم يغادرهم»‪.‬‬ ‫ويضيف الشقيران‪« :‬النفيسي درجة ًزئبقية من اإلسالميني‪،‬‬ ‫لنظر جديد في العمل‬ ‫للبعض أنها مؤسسة‬ ‫وآراؤه التي يبدو‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫لعظمة الذات التي يشعر بها‪ ،‬فهو رجل‬ ‫تلبية‬ ‫إال‬ ‫اإلسالمي ليست‬ ‫ّ‬ ‫متوقد ال يتبع إال نفسه‪ ،‬يتقلب تبعا لسياسته هو تجاه األنظمة‪،‬‬ ‫من تبجيل قطر إلى العودة لحضن السعودية كما في لقائه‬ ‫ّ‬ ‫األخير على قناة (‪ )mbc1‬والذي ركز فيه على ضرورة (نسيان‬ ‫املشكالت مع أنظمة الخليج) والبدء في صد العدوان القادم من‬ ‫إيران‪ ،‬إيران ذاتها التي كان النفيسي هائما بها وبظواهرها منذ‬ ‫أن غاص بأطروحته التي اختبرها في العراق بضيافة السيد‬ ‫محسن الحكيم الذي أتاح له رؤية ما شاء من الوثائق ليكتب‬ ‫في ‪ 1972‬أطروحته (دور الشيعة في تطور العراق السياسي‬ ‫الحديث)»‪.‬‬ ‫وختم الشقيران‪« :‬النفيسي ليس منشقا وإنما ّ‬ ‫ميز نفسه ألن‬ ‫عباءة أي جماعة ال يمكنها أن تمأل انتفاخه الذاتي والذي يتضح‬ ‫في لقاءاته اإلعالمية حيث يتحدث عن (تهاويل) بعضها صحيح‬ ‫وبعضها مبالغة‪ ،‬وعلى رأسها النظرية التي تبهر املذيعني الذين‬ ‫ً‬ ‫يلتقون به عادة وأعني بها (أم القرى) ملحمد جواد الريجاني»‪.‬‬

‫اإلسالميون التقدميون تجربة نادرة في تاريخ الحركات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وهي «فريدة» في حركة التجديد اإلسالمي في القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬من حيث اإلضافة الفكرية‪ ،‬ويقول حسام تمام عنها‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تنظيميا‪ ،‬بيد أنها تمثل النموذج الوحيد‬ ‫إنها كانت فاشلة ومتعثرة‬ ‫في الحركات اإلسالموية الذي حاول التجديد خارج األصول‬ ‫والقواعد الثابتة للفكر والفقه اإلسالمي‪ .‬ونسب إليها تيار اليسار‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمي وقال إنه ظهر في بعض البلدان العربية كامتداد لتجربة‬ ‫اإلسالميني التقدميني بتونس‪ .‬رواد هذه الحركات يخرجون عن‬ ‫الطوق اإلخواني‪ ،‬التنظيمي‪ ،‬فهم يحاولون إثبات جدوى ممارسة‬ ‫الحرية في إطار مالئم‪ ،‬وخروج يكون مصحوبا ال بالوفاء للفكرة‬ ‫القديمة اإلخوانية املنسوبة سواء لحسن البنا أو سيد قطب‪ ،‬إنما‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما يفتقد‬ ‫يستصحب بالتطوير والتفكير في تقييدها‪،‬‬ ‫املفكرون الذين يبدأون مثل هذه املشاريع إلى العالقات العامة‬ ‫املالئمة‪ ،‬فيتحولون إلى شخصيات أقرب ما تكون إلى املستقلني‪،‬‬ ‫ولكنهم بماكينة إخوانية كاملة الدسم‪.‬‬

‫الخالصات‪..‬‬ ‫يصح لنا أن نقول في مجمل الحديث‪ ،‬ونحن نلملم األطراف‪،‬‬ ‫لنضع الختام‪ّ ،‬إن حركات اإلسالم السياسي تنشق ً‬ ‫ذاتيا‪ ،‬وإن‬ ‫عقلها الجمعي يستخدم االنشقاق أحيانا كغطاء أو تكتيك‬ ‫للهروب من مرحلة إلى مرحلة‪ ،‬واالنشقاقات التكتيكية‪ ،‬ثارت في‬ ‫حاالت كثيرة‪ ،‬مثل الترابي البشير‪ ،‬الجبالي الغنوشي‪ ،‬أبو الفتوح‬ ‫والجماعة‪ ،‬الهلباوي والجماعة‪ ،‬وحتى في إخوان الخليج انشقاق‬ ‫النفيسي‪ ،‬وجاسم سلطان‪ ،‬ووضعية السويدان‪ ،‬كلها انشقاقات‬ ‫قد تكون مدبرة‪ ،‬هدفت لتحقيق التالي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ تكوين مواعني استيعاب‪ ،‬وخداع الجمهور‪ ،‬وفك احتقان الشارع‪،‬‬ ‫بأن يتزعم الطرف املنشق الجماهير الحانقة‪ ،‬ويخفف االحتقان‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تشتيت القوى األمنية‪ ،‬وتذويب خيوط املتابعة‪ ،‬وهي من أساليب‬ ‫العمل التنظيمي اإلخواني‪ ،‬إخفاء مراكز القرار الحقيقية‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫يرى الكاتب‬ ‫والباحث‬ ‫السعودي فهد‬ ‫الشقيران أن‬ ‫االنشقاقات في‬ ‫الخليج لم تكن‬ ‫جذرية بل كانت‬ ‫ّ‬ ‫تصدعات ناقمة‬ ‫من جهة أو‬ ‫انصياعا لظرف‬ ‫سياسي معني‬

‫‪,,‬‬

‫‪ 3‬ـ خلق رمزية فضفاضة‪ ،‬ملبادئ البنا‪ ،‬بأن ينتسب لها كل‬ ‫املختلفني‪ ،‬فالهلباوي يقول إن اإلخوان ظلموا مبادئ البنا‪ ،‬وكذلك‬ ‫يقول بديع‪ ،‬وهي دعاية مجانية للبنا‪.‬‬

‫في سبيل الختام‬ ‫يقول املحبوب عبد السالم في كتابه «دائرة الضوء وخطوط الظالم»‪:‬‬ ‫«األجيال التي كابدت من الناس لم تكن تدري ملاذا كابدت‪ ،‬والشهداء‬ ‫ماتوا لغير ما هدف واضح‪ ،‬وبعضنا ال زال يجاهد ألنه يعتقد أن‬ ‫القضية ال تزال قائمة‪ ،‬ما يحدث هو مسرحية من تأليف شيطان‬ ‫هازئ ساخر وما يحدث هو عني الحقيقة وصميم الجبلة البشرية‬ ‫عندما يستغرقها عنفوان السلطان وسكرته سنوات وسنوات‬ ‫بغير علم قادر وجهاد ظاهر‪ ..‬شعرة معاوية تنقطع ويتحول‬ ‫االبتالء إلى لعنة‪ ،‬وذات الذين نشأوا تحت أعيننا سنوات ُبعثوا‬ ‫العتقالنا‪ .‬لحظتها هي لحظة الحيرة العظمى التي تنتاب الناس‬ ‫الكبار من املفكرين واملبدعني فيكون الشيء ونقيضه حاضرا في‬ ‫ذات الوقت في مخالفة مأساوية لبدائيه املنطق‪( ..‬فجهلي كالجهلي‬ ‫وعلمي كالعلمي) أبو نواس‪( .‬عما نسيت وكدت ال أنسى وشك في‬ ‫اليقني) بدر شاكر السياب‪( .‬ملاذا جئت إلى أرضي تنهب وتخرب‪..‬‬ ‫الدخيل هو الذي قال ذلك لصاحب األرض وصاحب األرض طأطأ‬ ‫رأسه ولم يقل شيئا) الطيب صالح» <‬

‫فهد‬ ‫الشقيران‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪25‬‬


‫تحقيق‬

‫‪,,‬‬

‫ّ‬ ‫إن حركات‬ ‫اإلسالم‬ ‫السياسي‬ ‫تنشق ً‬ ‫ذاتيا وإن‬ ‫عقلها الجمعي‬ ‫يستخدم‬ ‫االنشقاق أحيانا‬ ‫كغطاء أو‬ ‫تكتيك للهروب‬ ‫من مرحلة إلى‬ ‫مرحلة‬

‫‪,,‬‬

‫ّ‬ ‫يصر على تأريخ خالفه مع الجماعة‪ ،‬قال للزميلة‬ ‫الخرباوي‪،‬‬ ‫«الشرق األوسط» (‪ 26‬مارس‪ /‬آذار ‪ )2013‬إن جماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني ال تحترم القانون على اإلطالق ومن حق أي إنسان أن‬ ‫يشك في جماعة ال تريد أن تفصح عن ميزانيتها ومن ثم هي‬ ‫التي تضع نفسها موضع الشك»‪ .‬ويواصل‪« :‬الجماعة انحرفت عن‬ ‫طريقها الصحيح وكتبت هذا في كتابي األول عن اإلخوان والذي‬ ‫كان قبل الثورة بعام تقريبا وكان الخالف حول سياسات وأفكار‬ ‫وقد رصدت طبيعة هذا الخالف في كتابي (قلب اإلخوان)»‪.‬‬ ‫يتوافق الخرباوي مع املليجي في نقده للجماعة‪ ،‬ويقول‪ّ :‬‬ ‫«إن‬ ‫الجماعة ليس فيها كفاءات‪ ،‬ولكن فيها فقط تنوع في التخصصات‬ ‫من دون أن توجد أي كفاءة في أي تخصص من تلك التخصصات‪،‬‬ ‫فهي جماعة فاشية ال تبدع‪ ،‬وبالتالي تأكل نفسها من الداخل‬ ‫فهي تقوم على السمع والطاعة وال تصلح أن تكون مؤسسة تدير‬ ‫دولة وهي بطبيعتها ستضمحل وتنتهي وتجربة الدكتور مرسي‬ ‫كرئيس ملصر ستكون الختام لـ«اإلخوان» والدكتور مرسي يضع‬ ‫تتر النهاية على جماعة اإلخوان املسلمني»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الخرباوي يمثل حالة من الغضب‪ ،‬والحنق‪ ،‬وعلى الرغم من التجربة‬ ‫ّ‬ ‫التنظيمية املتواضعة فإنه استطاع أن يكشف الكثير من األسرار‬ ‫والخبايا‪ ،‬ولم يعد يبشر بأي إصالح داخلي‪ ،‬بخالف ما يبدو من‬ ‫املليجي‪.‬‬

‫الهلباوي وأبو الفتوح‪ ..‬توسيع املواعني‬ ‫الدكتور كمال الهلباوي القيادي اإلخواني واملتحدث السابق باسم‬ ‫الجماعة في الخارج‪ ،‬أحد ضحايا الحرب بني التنظيم الدولي‬ ‫والجماعة األم‪ ،‬كما كان ّ‬ ‫يتم تصويرها‪ ،‬وصل إلى قناعة بأن‬ ‫الجماعة تضر ذاتها بما تمارسه من رعونة‪ ،‬فانشق عنها في‬ ‫انشقاق ال يمكن وصفه إال بأنه توسيع ملواعني الفكرة‪ ،‬ومحاولة‬ ‫تخليص لها من شوائب الجماعة‪ ،‬يقول‪« :‬إن اإلخوان استعدوا‬ ‫الناس عليهم وخاضوا السياسة وتعجلوا الثمار رغم أن البنا حذر‬ ‫من هذا كثيرا في رسائله وال شك أن تلك الخطوة أضرت الدعوة‬ ‫والدليل على ذلك أن املرشد وقيادات اإلخوان اآلن ال يستطيعون‬ ‫الخروج في الشارع ومواجهة املصريني بسبب سوء موقفهم‬ ‫وأخطائهم الكثيرة كما أن سمتهم التردد في املواقف وهو ما رأيناه‬ ‫واضحا في أداء الرئيس مرسي ألنه متردد مثلهم كما أن من‬ ‫أكبر أخطاء اإلخوان أنهم تركوا امليدان من أجل البرملان وهو خطأ‬ ‫استراتيجي بل إنهم اتهموا الثوار في شارع محمد محمود بأنهم‬ ‫بلطجية وهذا غير مقبول»‪.‬‬

‫الكتاتني‪ ..‬كشف أسرار‬

‫إدريس لكريني‬

‫‪24‬‬

‫مسؤول ملف طالب الثانوي بالجماعة‪ ،‬ونجل شقيق الدكتور‬ ‫سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة‪ ،‬انشق عن الجماعة‬ ‫بعد أحداث االتحادية‪ ،‬انبرى يكشف ما سماه «املراحل التنظيمية‬ ‫السبع لفكر الجماعة» في السيطرة على العالم‪ ،‬وقال إن «املنافسة‬ ‫على الرئاسة جاءت في إطار خطة التمكني‪ ،‬والدفع بمرسي تحديدا‬ ‫ألنه مطيع وبيسمع الكالم‪ ،‬وملتزم بخط (الجماعة) وال يحيد‬ ‫عنه أبدا‪ ،‬وكان هو االختيار األفضل لـ(الجماعة)‪ ،‬والدكتور عبد‬ ‫املنعم أبو الفتوح كان حال مطروحا قبل أن ينشق عن (الجماعة)‪،‬‬ ‫لكنه كان معروفا بأنه مجادل‪( ،‬وكان ممكن يمشي على سطر‬ ‫ويسيب سطر من كالم املرشد لهذا لم يقع عليه االختيار»‪ .‬وقال‪:‬‬ ‫«مكتب اإلرشاد هو الذي يحكم‪ ،‬ومرسي هو مسؤول (الجماعة)‬ ‫في الرئاسة‪ ،‬فـ(الجماعة) لديها ملفات كبيرة جدا‪ ،‬وملف الرئاسة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫مجرد ملف صغير‪ ،‬وحزب الحرية والعدالة مجرد ملف صغير‪،‬‬ ‫وغيرها من كل ما يسيطر عليه اإلخوان اليوم‪ ،‬فهناك ملفات كبرى‬ ‫مثل امللف الدعوي‪ ،‬وامللف التربوي‪ ،‬وامللف اإلعالمي وغيرها‪ ،‬وكل‬ ‫ملف له نظام وأسلوب في إدارته»‪.‬‬ ‫ولكنه هو اآلخر منشق بأشواق قديمة‪ ،‬فيقول‪« :‬لو كان حسن‬ ‫البنا على قيد الحياة العتصم في امليدان مع الثوار»‪ .‬وقال‪« :‬حازم‬ ‫إخواني قديم‪ ،‬ووالده الشيخ صالح كان أحد قياداتها‪ ،‬لكن ما‬ ‫يفعله حازم ْ‬ ‫مرضي عنه ألنه ضمن تكتيك سياسي بارع يستخدم‬ ‫أهداف معينة دون أن يظهر اإلخوان في‬ ‫أبو إسماعيل لتحقيق‬ ‫ّ‬ ‫الصورة»‪ .‬وهو قريب ملا نظر له املليجي‪ ،‬من استخدام اإلخوان‬ ‫لآلخرين‪.‬‬

‫ّ‬ ‫نظيم الدولي لإلخوان‪..‬‬ ‫الت ِ‬

‫بني مشهور والهضيبي‪ّ ..‬‬ ‫وتمام!‬

‫ّ‬ ‫ً‬ ‫حاضرا في كل تفاصيل االنشقاقات‪ ،‬هو أحد‬ ‫التنظيم الدولي ظل‬ ‫األسلحة‪ ،‬وأحد الدفوعات‪ ،‬وعلى األقل هو عامل رئيس‪ ،‬فالسمة‬ ‫العامة للحركات اإلسالمية‪ ،‬أنها على إغراقها في املحليات‪ ،‬إال‬ ‫ّ‬ ‫أنها تستند بشكل واضح على البعد الدولي والعالقة مع الحركات‬ ‫اإلسالمية الدولية والشخصيات املهمة‪ ،‬فتتسابق الحركات املنشقة‬ ‫عن بعضها‪ ،‬في كسب رضا القرضاوي مثال وزيارة إسطنبول‬ ‫وحضور فعاليات الجماعة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫أنموذجا لالنشقاق ّ‬ ‫ً‬ ‫املنسق‪،‬‬ ‫التنظيم الدولي‪ ،‬في إحدى مراحله‪ ،‬كان‬ ‫ً‬ ‫واملرتب‪ ،‬الذي يحقق أهدافا‪ ،‬فالتنظيم كان في مرحلة تأسيسه‬ ‫(مرحلة مشهور) يمثل االستفادة من خبرة اإلخوان الدولية‪،‬‬ ‫وهروبا من األوضاع الداخلية‪ ،‬وحاول البعض تصوير انتهائه على‬ ‫أنه انقضاء ملسببات وجوده‪ .‬تقول رواية حسام تمام‪ ،‬أنه وعقب‬ ‫خروج مصطفى مشهور من السجن مع بقية قيادات الجماعة‬ ‫ّ‬ ‫نظيمات اإلخوانية املنتشرة‬ ‫عام ‪ 1973‬قام بجمع خيوط كل الت ِ‬ ‫في العالم‪ ،‬وفي األول من سبتمبر َ(أيلول) ‪ ،1981‬وقبل أيام من‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الرئيس الراحل‬ ‫قرارات ‪ 5‬سبتمبر الشهيرة التي اعتقل بموجبها‬ ‫ُّ‬ ‫أنور َّ‬ ‫السادات السياسيني والنشطاء (بلغ عددهم ‪ ،)1530‬كان‬ ‫مصطفي مشهور يستقل أول طائرة متجهة إلى الكويت لينجو‬ ‫بنفسه من حمالت االعتقال‪ ،‬وأعلن في ‪ 29‬يوليو (تموز) سنة‬ ‫ّ‬ ‫التنظيم ّ‬ ‫الدولي لإلخوان املسلمني وأعلن الئحته‬ ‫‪ 1982‬تأسيس‬ ‫ُ َ ِ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرسمية التي ع ِرفت بالنظام العام لإلخوان املسلمني‪ ،‬وتوسع‬ ‫في ضم تنظيمات إسالمية أخرى مثل الجماعة اإلسالمية في‬ ‫باكستان والحزب اإلسالمي (باس) في ماليزيا وحزب الرفاه‬ ‫واستمر ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ينمي ِنظامه حتى‬ ‫بقيادة نجم الدين أربكان في تركيا‪،‬‬ ‫أصبح أقوى من الجماعة األم في مصر‪ ،‬وكان هذا في صالحه‬ ‫ّ‬ ‫الشخصي‪ ،‬عاد مشهور إلى مصر بعد أيام من وفاة املرشد‬ ‫ّ‬ ‫الدولي‬ ‫الثالث للجماعة «عمر التلمساني» كان قد أتم بناء الت ِ‬ ‫نظيم ّ‬ ‫لإلخوان كامال وأحكم عليه قبضته الحديدية‪ ،‬بعد أن تولى‬ ‫مشهور اإلرشاد‪ ،‬لم يعد للتنظيم ّ‬ ‫الدولي مبرر واضح للبقاء‪،‬‬ ‫ولم يرد األخير ومعه الهضيبي‪ ،‬خلق مصدر للقرار خارج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نظيم بدأ بالذوبان‪ .‬يواصل تمام فيقول‬ ‫نظّيم‪ ،‬وهنا ّ يرى أن الت ِ‬ ‫الت ِ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫نظيم تأثر بتغيرات دولية أهمها املوقف السلبي من حرب‬ ‫إن الت‬ ‫ِ َّ‬ ‫الثانية‪ ،‬وعلى املستوى ّ‬ ‫الداخلي‪ ،‬كان إعالن محمد املأمون‬ ‫الخليج‬ ‫الهضيبي مرشدا للجماعة يوم ‪ 28‬نوفمبر (تشرين الثاني)‬ ‫ّ‬ ‫التنظيم ُّ‬ ‫ً‬ ‫الدولي‪ ،‬الذي صار عبئا على الجماعة‬ ‫خصما على‬ ‫‪،2002‬‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ياسية واألمنية‪ ،‬وأضراره فاقت نفعه‪ ،‬فضعف‬ ‫من الناحية الس ِ‬ ‫ّ‬ ‫نظيم بحسب حسام تمام‪.‬‬ ‫الت ِ‬


‫يشير أبو أحمد إلى حالة االحتقان التي تشهدها الحركة اإلسالمية‬ ‫الحكومية اآلن‪ ،‬ويمثل طرفها املتمرد الدكتور غازي صالح الدين‬ ‫العتباني‪ ،‬ويمكن اإلشارة إلى أن اإلسالميني اتهموا خالل األشهر‬ ‫ً‬ ‫انقالبا بزعامة صالح عبد الله قوش والقائد‬ ‫السابقة بأنهم دبروا‬ ‫ود إبراهيم‪ ،‬وبعد تفجر أزمة العتباني بأيام قام البشير بالعفو‬ ‫عن اإلسالميني املتهمني في املحاولة‪ ،‬ما حدا بالسياسيني في‬ ‫الخرطوم أن يضموها لالنشقاقات داخل الحركة اإلسالمية التي‬ ‫تهدف بشكل أو بآخر لشغل الرأي العام‪.‬‬ ‫يواصل أبو أحمد ليقول‪« :‬بالنسبة ملصر أعتقد أن اإلسالميني في‬ ‫ً‬ ‫قريبا‬ ‫حالة اضطراب شديد ألنهم لم يتوقعوا ما حدث لهم لذلك‬ ‫سيأتي عليهم نهار تتخلخل العالقة بني الرئيس مرسي واملرشد‬ ‫واملؤسسات التنظيمية ألن حكم مصر أبعد عن تصوراتهم‬ ‫املسبقة»‪ .‬ومضى يقول‪« :‬نعم مرسي يمكن أن يتخلى عن املرشد‬ ‫بكل سهولة ألن املرشد ليست له سلطة الدولة تماما كما حدث في‬ ‫عالقة البشير مع الترابي‪ ،‬وسيقنع مرسي اإلخوان املسلمني بعدم‬ ‫التقييد بقرارات املرشد من أجل البقاء في الحكم»‪.‬‬ ‫يواصل أبو أحمد وهو محكوم بالتجربة السودانية‪« :‬مرسي‬ ‫وضح من خالل الرسائل التي أرسلها لحكومة الكيان اإلسرائيلي‬ ‫أنه خرج عن املرشد ألن الرسالة ولغتها تقول إنه اجتهد فيها‬ ‫لوحده وال يمكن أن تكون هذه لغة املرشد الذي عرف في تاريخ‬ ‫اإلخوان املسلمني بالتقيد بنهج البنا»‪ ،‬حاولنا تذكير األستاذ خالد‬ ‫أن اإلخوان كانوا مشتركني في النظام السابق عبر البرملان‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫«نعم كانوا في البرملان لكن لم يكونوا في الجهاز التنفيذي للدولة‬ ‫وهذا هو مربط الفرس‪ ،‬إدارة دولة مثل مصر ال يمكن أن يستوعبها‬ ‫خيال وفكر اإلخوان املسلمني ألبعادها السياسية واالستراتيجية‬ ‫التي تتطلب وجود تحالفات مع املجتمع الدولي بقيادة الواليات‬ ‫املتحدة األميركية‪ ،‬أو خيار الوقوف في الجانب اآلخر مع الحلف‬ ‫اإليراني‪ ،‬وفي كل الحاالت املسألة صعبة للغاية بالنسبة لإلخوان‬ ‫املسلمني وهذا ما يتسبب حقيقة في الخالفات الكبيرة والعميقة‬ ‫ً‬ ‫شارحا املفارقة بني‬ ‫بني املفكرين والسياسيني» يواصل أبو أحمد‬ ‫الفكر التنظيري والفكر الذي يخضع لتحليالت املجتمع الدولي‬ ‫ليقول «بالطبع النظام الحاكم في السودان لم يستوعب هذه املسألة‬ ‫فأصبح يطلب ود املجتمع الدولي وتارة يقف في الصف اآلخر مما‬ ‫عقد األزمات التي تعيشها البالد»‪.‬‬

‫اليمن‪ ..‬ال نشر للغسيل في العلن‬ ‫يقول الباحث والكاتب اليمني نبيل البكيري‪« :‬أعتقد في الحالة‬ ‫اليمنية األمر مختلف قليال‪ ،‬صحيح هناك تباين بني تيارين‬ ‫مقاصدي سياسي وديني متشدد ولكن رغم البون الشاسع بني‬ ‫تفكير الطرفني فإن الحاصل هناك انسجام عجيب على مدى أزيد‬ ‫من أربعة عقود في مسيرة هذه الحركة بني جناحيها الليبرالي‬ ‫والراديكالي» ويواصل ليقول‪« :‬على مدى العشرين سنة املاضية‬ ‫حصلت حالة فردية من الخروج عن الحركة‪ ،‬ولكن املفاجأة هي‬ ‫عودة جل تلك الشخصيات التي كانت قد تموضعت ضمن نظام‬ ‫علي عبد الله صالح‪ ،‬وانشقت عنه وعادت إلى السير ضمن الخط‬ ‫العام لسياسة الحركة اإلسالمية‪.‬‬

‫املغرب‪ ..‬الدعوي والتنظيمي‪ ..‬وفراغ السلطة‬

‫تأسيس أي حزب يقوم على أساس ديني أو عرقي»‪ .‬ويواصل‬ ‫في التأصيل لتاريخ الحركة في املغرب وهو تاريخ حديث ما زال‬ ‫يحتفظ بالبكارة اإلسالمية‪ ،‬رغم تجربته‪.‬‬ ‫يقول لكريني‪« :‬تاريخ حركة الشبيبة اإلسالمية باعتبارها‬ ‫الحركة األم التي تفرعت عنها مختلف التيارات اإلسالمية املغربية‬ ‫املعاصرة وشهدت منذ نهاية السبعينات من القرن املاضي‬ ‫انشقاقات وانسحابات بفعل الظروف املرتبطة بالصراع مع السلطة‬ ‫ومع بعض التيارات اليسارية في أعقاب اغتيال الزعيم اليساري‬ ‫املغربي عمر بنجلون سنة ‪ ..1975‬بما خلق نوعا من االرتباك في‬ ‫صفوفها‪ ..‬وهكذا قام زعيم جماعة الشبيبة اإلسالمية عبد الكريم‬ ‫مطيع ببلورة بناء تنظيمي جديد يقوم على ما سمي بتنظيم‬ ‫الخطوط أو املجموعات بوضع أمير على رأس كل مجموعة تنسق‬ ‫مع الشيخ بشكل مباشر»‪.‬‬ ‫يضيف لكريني‪« :‬في هذه املرحلة سيتم تأسيس جمعية الجماعة‬ ‫اإلسالمية املغربية سنة ‪ 1981‬بمبادرة من عبد اإلله بنكيران‪ ،‬ثم‬ ‫جماعة العدل واإلحسان سنة ‪ 1980‬وظهور حزب العدالة والتنمية‬ ‫سنة ‪.»1997‬‬ ‫الحركات اإلسالمية التي لم تلج بعد العمل السياسي واملشاركة‬ ‫السياسية ألسباب موضوعية أو ذاتية ما زالت تخلط في أدائها‬ ‫بني عملها كحركة دعوية وحركة سياسية ويبدو أن وفاة مرشد‬ ‫جماعة العدل واإلحسان مؤخرا قد خلف نقاشا بصدد تطوير‬ ‫األداء والهياكل‪ ،‬أما حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة‬ ‫حاليا فهو يقدم نفسه كأي حزب سياسي آخر وذلك انسجاما مع‬ ‫مقتضيات الدستور كما أنه يستند إلى حركة دعوية هي التوحيد‬ ‫واإلصالح مع الحرص على نوع من التمايز الوظيفي في أدائهما‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار تبقى الساحة املغربية هادئة نسبيا‪ ،‬وليست لديها‬ ‫مساحة واسعة للمناورة‪ ،‬كالحالة التركية أو السودانية‪.‬‬

‫تونس‪ ..‬اختالفات تتراكم ستنفجر‬ ‫الدكتور أعلية العالني‪ ،‬املتخصص في دراسة الحركات اإلسالمية‬ ‫التونسية‪ ،‬سألناه عن الحالة التونسية خاصة بعد موقف رئيس‬ ‫الحكومة السابق الجبالي‪ ،‬فقال‪« :‬هي ليست انشقاقات باملعنى‬ ‫التنظيمي ولكنها اختالفات حادة من املرجح أن تنتهي بانشقاق‬ ‫بعد االنتخابات خاصة إذا سجلت النهضة نسبة ضعيفة في‬ ‫االنتخابات ُ‬ ‫ويتوقع أن تخسر النهضة نحو نصف األصوات‬ ‫التي حصلت عليها في االنتخابات السابقة إذ أعطتها عمليات‬ ‫سبر اآلراء األخيرة نسبة بني ‪ 20‬و‪ 25‬في املائة»‪ ،‬فاستفهمناه‬ ‫إن كان لها أثر فكري؟ فقال‪« :‬أعتقد أن لها أثرا فكريا‪ ،‬فأكثر‬ ‫املحللني يتوقعون أن ال يطول عمر اإلسالم السياسي في بلدان‬ ‫الربيع العربي عن بضع سنوات قليلة‪ ،‬حتى في الدول الحليفة لهم‬ ‫فأنا حللت ضيفا على األتراك الحكوميني وأحسست أنهم بدأوا‬ ‫يغيرون موقفهم تدريجيا من اإلخوان وينتقدونهم بشكل أكبر‬ ‫مما كان في السابق‪‬‬.‬‬

‫‪,,‬‬

‫االنشقاقات‬ ‫تحدث لوجود‬ ‫صراع بني‬ ‫الدعويني‬ ‫والتنظيم‬ ‫الخاص السري‬ ‫حول سياسة‬ ‫تعامل الجماعة‬ ‫مع املجتمع‬ ‫والحكومات‬ ‫بني التنظيم‬ ‫الخاص السري‬ ‫حول سياسة‬ ‫تعامل الجماعة‬ ‫مع املجتمع‬ ‫والحكومات‬

‫‪,,‬‬

‫على الرغم من حديث العالني‪ ،‬فإننا نرى أن املناورة في الحالة‬ ‫ً‬ ‫تقريبا‬ ‫التونسية تبدو أكبر‪ ،‬ويمكن تطبيقها‪ ،‬وهو ما حدث‬ ‫بانشقاق ابن الحركة اإلسالمية التونسية الهاشمي الحامدي‪.‬‬

‫يقول إدريس لكريني‪« :‬الحركة اإلسالمية باملغرب لها سياقاتها الخرباوي‪ ..‬الجماعة انحرفت وهو آيس منها‬ ‫التاريخية والسياسية املختلفة تماما عن تيارات املشرق‪ ،‬والسياق‬ ‫السياسي املرتبط بالصالحيات الدستورية الدينية للملك وبمنع‬

‫محمد‬ ‫بديع‬

‫القيادي اإلخواني السابق ومؤلف كتاب «سر املعبد» ثروت‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪23‬‬


‫تحقيق‬

‫املؤتمر‬ ‫املسلمني إلى جبهة امليثاق‪ ،‬إلى الجبهة اإلسالمية إلى‬ ‫ّ‬ ‫الشعبي العاملي‪ ،‬إلى املؤتمر الوطني‪ ،‬إلى املؤتمر الشعبي‪ ،‬وكلها‬ ‫حركات انبنت على انشقاقات كبرى‪ ،‬قتلت الضعيف وأعادت‬ ‫استيالد نفسها‪ ،‬بذكاء‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫مصر الجماعة‬ ‫األم شهدت‬ ‫انشقاقات‬ ‫قديمة منذ عهد‬ ‫املؤسس األول‬ ‫حسن البنا‪،‬‬ ‫بمنشورات‬ ‫موثقة تمركزت‬ ‫كلها حول‬ ‫سرية الجماعة‬ ‫والسخط من‬ ‫الديكتاتورية‬ ‫وآلية اتخاذ‬ ‫القرار‬

‫‪,,‬‬

‫ثروت‬ ‫الخرباوي‬

‫‪22‬‬

‫في يونيو (حزيران) ‪ 1989‬أعلن املذياع نبأ انقالب العقيد الشاب‬ ‫عمر حسن أحمد البشير‪ ،‬على النظام الديمقراطي‪ ،‬باسم يشبه‬ ‫ً‬ ‫الضباط األحرار‪ ،‬معلنا انطالقة جبهة اإلنقاذ الوطني‪ ،‬قام النظام‬ ‫الجديد‪ ،‬بإيقاف كل القيادات السياسية‪ ،‬ومن ضمنها الزعيم‬ ‫اإلسالمي الكبير الدكتور حسن الترابي‪ ،‬ولم يستطع يومها أحد‬ ‫ّ‬ ‫يتخيل أن يكون الترابي السجني صاحب أي دخل في االنقالب‪،‬‬ ‫أن‬ ‫حتى أولئك الذين يعرفون امليول اإلسالمية للضباط‪ ،‬لم يتخيلوا‬ ‫أن يسجن اإلسالميون شيخهم‪ ،‬أو يسجن شيخهم نفسه‪ ،‬ولكن‬ ‫ً‬ ‫تمويها‬ ‫الترابي الذي فعلها‪ ،‬قال لهم بعد أعوام‪ ،‬إن ما قام به كان‬ ‫ّ‬ ‫للحفاظ على السلطة في مهدها‪ ،‬وقال إنه قال للرئيس عشية‬ ‫ً‬ ‫االنقالب‪« :‬اذهب إلى القصر ً‬ ‫حبيسا»‪.‬‬ ‫رئيسا وسأهب للسجن‬ ‫لذلك حينما جاءت املفاصلة وانشق اإلسالميون في السودان في‬ ‫نهاية األلفية‪ ،‬قال الصادق املهدي رئيس الوزراء األسبق امللدوغ من‬ ‫الجحر القديم‪« :‬أخشى أن يخرج علينا الترابي بعد عشرية أخرى‬ ‫ليقول قلت له اذهب إلى القصر زعيما للمعارضة وسأذهب إلى‬ ‫ً‬ ‫حبيسا»‪.‬‬ ‫املنشية‬ ‫حملنا هذا الحديث بكليته‪ ،‬وذهبنا إلى «الترابي الصغير» أو إلى‬ ‫التلميذ النجيب‪ ،‬املحبوب عبد السالم‪ّ ،‬‬ ‫املقرب للترابي والقيادي‬ ‫بحزبه‪ ،‬واملسؤول الفكري األول في الحركة اإلسالمية السودانية‪،‬‬ ‫وبدأنا معه من الحرف األول قائلني‪ :‬كيف افترق اإلسالميون في‬ ‫السودان‪ ،‬وملاذا؟ هل هو رد فعل طبيعي‪ ،‬الصطدام مثالية الفكرة‬ ‫بوعورة التطبيق؟ فأجاب‪« :‬االنشقاق كان نتيجة ملسار طويل‬ ‫جنحت فيه الحركة اإلسالمية نحو العملي على حساب الروحي‬ ‫والفكري فسادها عناصر األجهزة الخاصة للمعلومات واألمن‬ ‫كما كان مناخها أكثر مالءمة للسياسيني التقليديني من املفكرين‬ ‫رغم أن قائد الحركة في األساس مفكر‪ ،‬أما األسباب املباشرة‬ ‫فهي الديكتاتورية التي استمرأت الحكم وكرهت الحرية والشورى‬ ‫الواسعة ولو أحسنت الحركة السودانية قراءة الواقع لترددت في‬ ‫عمل االنقالب ولو كان ضرورة إلنقاذ الوطن فكان ينبغي املسارعة‬ ‫إلى بسط الحريات قبل أن يتمكن العسكر ويكرهوا العودة إلى‬ ‫ثكناتهم»‪ .‬وهنا يبدو املحبوب ً‬ ‫ذكيا وهو يغرق في تفصيل جلباب‬ ‫الخالف ليتسع للفكرة‪ ،‬وهو كالذي يكفكف دمعه غير عابئ بأن‬ ‫تخسر الحركة وتكسب الفكرة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حديث قديم للترابي‪ ،‬يتمنى فيه أن تصبح‬ ‫سألته «املجلة» عن‬ ‫ٍ‬ ‫املعارضة على قيادة الصف اإلسالمي والحكومة إسالمية‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫«الترابي كان يقصد أن يبسط إخوته السابقون الحرية وكان يميل‬ ‫إلى وحدة الصف اإلسالمي بمعنى دمج األحزاب اإلسالمية في‬ ‫حزب واحد وكتب بذلك للميرغني والصادق ولكن كانت أزمة الثقة‬ ‫قد تطاولت وتركم عليها إرث طويل أو في سيناريو آخر أن يكون‬ ‫جزء من الحركة يحكم بالشورى والعدل وحزب آخر منها يعارض‬ ‫بقوة ولكن بمسؤولية ورشد»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حاكما‬ ‫ال يغيب على القارئ‪ ،‬أن كثيرين يرون البشير إسالميا‬ ‫ً‬ ‫زعيما للمعارضة‪ ،‬وهنا يجب أن نفرق بني التكتيك الذي‬ ‫والترابي‬ ‫تمليه الخطوط التنظيمية‪ ،‬وبني التكتيك الذي تسوقه صيرورة‬ ‫العقل الجمعي‪ ،‬كردة الفعل الالإرادية‪ ،‬فليس من الضروري أن‬ ‫ُيدق إعالن واضح أن هناك اتفاقا تفصيليا‪ ،‬بني أفراد اإلسالميني‬ ‫على أن املفاصلة مفتعلة‪ ،‬ولكن ال يستبعد أحد القادة السياسيني‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫سيناريو يفترض فيه أن يكون زعيم اإلسالميني ‪ -‬تركها تحدث ‪-‬‬ ‫إنقاذا لفكرته‪ ،‬كما صنعها ً‬ ‫يوما إنقاذا لدولته‪.‬‬ ‫رجعنا باملحبوب وإليه‪ ،‬لينقل لنا رؤيته «الجميلة» لالنفصال‪،‬‬ ‫وفيها تجسيد لفوائد االنفصال عند اإلسالميني‪ ،‬وتجسد محاولة‬ ‫جادة للحفاظ على البريق على الرغم مما انسكب‪ ،‬يقول املحبوب‬ ‫«في بداية املفاصلة كانت هنالك دعوة قوية للحرية لم يشهد تاريخ‬ ‫الحركة لها مثيال وانتبه كثير من أعضائها ألول مرة أن لها رؤية‬ ‫وبرنامجا وليس فقط التمكني والقوة فبدأوا يقرأون وسجل كثير‬ ‫منهم في الجامعات ولكن األمر يحتاج لتغيير أكثر جذريه وهو‬ ‫ما يعجز عنه من سماهم الترابي بجيل التأسيس بحكم سنن الله‬ ‫الطبيعية واالجتماعية فعادت عناصر الخاص من جديد لتتمدد‬ ‫خاصة أنهم كما يقول فيبر أدمنوا العمل التنظيمي وال يعرفون‬ ‫كيف ينشدون عمال آخر يفيدهم ويكفي الحركة سلبياتهم في‬ ‫تقديري الشخصي أن هذه الدورة من التجديد الحركي اإلسالمي‬ ‫انتهت وهنالك أمل في جيل جديد اهتمامه األساسي باألفكار لكنه‬ ‫محاصر في بيئة عامة متردية وبيئة خاصة خانقة»‪ .‬فسألناه هل‬ ‫تقصد السودان فحسب فقال‪« :‬أقصد أن هذه الدورة من التجديد‬ ‫اإلسالمي انتهت ليس في السودان فقط ولكن في مصر وتونس‬ ‫واملغرب والجزائر ودائما ما أقول لنفسي أفال تبصرون»‪.‬‬ ‫عند البصيرة‪ ،‬سألناه‪ ،‬إن كانت تجربة البشير والترابي فشلت‪ ،‬فهل‬ ‫لتجربة بديع ومرسي أن تنجح‪ ،‬وصرحنا بالسؤال هل قلتموها‬ ‫إلخوان مصر؟ أال ترى أنهم سيقعون في ذات املكان؟‬ فقال «نعم‬ ‫قلنا لهم لكن هذا حديث آخر يطول‪ .‬خالصة الرأي لهم جميعا ما‬ ‫انتهت إليه تجربتنا هنا وما أعلنه املؤتمر الشعبي أنه حتى إذا‬ ‫قدر الله لنا يوما وفزنا بأغلب مقاعد البرملان فالوزارة يتوالها‬ ‫السوداني األصلح لها بمعنى أفضل من يكون وزير مالية يتولى‬ ‫ولو كان شيوعيا أو حزب أمة أو مستقال‪ .‬ومنذ فوز حماس قلنا‬ ‫لهم اكتفوا بالدور التشريعي والرقابي ودعوا الوزارة للمستقلني‬ ‫إذا رأيتم أن فتح قد أفسدت الحياة السياسية وال تريدون خيبة أمل‬ ‫الناخبني ألن الوضع مع إسرائيل معقد كذلك كان رأي اإلخوان في‬ ‫مصر في األول أن ال مرشح للرئاسة والوزارة مشاركة ال مغالبة‬ ‫ولكن الرأسمالية التحكمية في الجماعة ارتدت عن القرار‪.‬‬ ‫قلنا لهم ملاذا تريدون أن تحكموا املصريني وأنتم ال تستطيعون‬ ‫حتى مجاراة املؤسسة اإلعالمية التي رسخت قبل تأسيس‬ ‫جماعتكم في العشرينات وفي تونس هذه حركة ظاهرها تقدمي‬ ‫وباطنها تقليدي انظر كيف تنازل شيخها عن كل املناصب العامة‬ ‫ولكن الجماعة أرادت أن تجامله فوضعت صهره وزير خارجية‬ ‫مما يعني أنها فكرت بذات العقلية العربية كلما مات جنبالط جاء‬ ‫جنبالط»‪ .‬وأضاف‪« :‬صديقنا رفيق عبد السالم مؤهل ألشياء‬ ‫كثيرة جدا ليس من بينها وزارة الخارجية بمعنى كيف تقود عربة‬ ‫في مدينة مثل لندن والقاهرة وأنت ال تملك رخصة قيادة»‪.‬‬

‫منشق سوداني‪ :‬تاريخ وأدلة وتداعيات‬ ‫خالد أبو أحمد‪ ،‬أحد الكوادر اإلسالمية السودانية‪ ،‬التي انشقت عن‬ ‫ّ‬ ‫وتحولت إلى النقيض‪ ،‬وظلت تفيض بالندم واألسى‪ ،‬سألناه‬ ‫الجماعة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فلم يذهب بعيدا عما قاله املليجي‪ ،‬فبدأ بالقول‪« :‬نعم هناك خالفات‬ ‫حقيقية ولها تاريخ وأدلة وتداعيات» فقلنا له ماذا عن التقارب األخير‬ ‫فقال «الحديث مؤخرا عن تقارب بني النظام واملؤتمر الشعبي هو من‬ ‫باب التعويض عن األذى الذي لحق بالذين تم إبعادهم عن الحكم‪ ،‬لكن‬ ‫االنشقاقات حقيقية خاصة إذا تحدثنا عن حالة د‪ .‬غازي صالح‬ ‫الدين وغيره ومن قبله الكثير من القيادات الالمعة»‪.‬‬


‫التلمسانيون‪ ..‬يكرهون التنظيم‪..‬‬ ‫ويفترشون األشواق‬ ‫الفئة التلمسانية‪ ،‬هي أكثر الفئات حنينا للتجربة اإلسالمية‬ ‫ً‬ ‫وخروجا على اإلطار التنظيمي الصارم لإلخوان‪ ،‬أشار حسام تمام‬ ‫ّ‬ ‫(ت‪ - )2011‬الذي يمتدحه املليجي ‪ -‬في كتابه تحوالت الحركات‬ ‫ً‬ ‫موضحا أن االنشقاقات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،2010 ،‬لذلك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سببها أن الخيارات اإلسالمية أضحت أكثر اتساعا‪.‬‬ ‫سألنا املليجي‪ ،‬محاولني بصورة غير مباشرة التأصيل ملصطلح‬ ‫«التلمسانيني» الذي نرى ضرورة نحته لفهم أوسع لإلسالميني‬ ‫وانشقاقاتهم‪ ،‬وقلنا له «من هو األقرب للخروج من الجماعة بعد‬ ‫أبو الفتوح؟ هل يمكن أن نقول التلمسانيني في باب الخروج من‬ ‫جماعة النظام الخاص؟ فقال «هناك املئات مثل عبد املنعم أبو‬ ‫الفتوح ومثلي ولكنهم عاجزون عن اتخاذ قرار املصارحة مع‬ ‫املجتمع بخيبة أملهم في التنظيم فيبقون في صمت إلى يوم ال‬ ‫يعلمه إال الله‪ ..‬والتلمسانيون اليوم قلة قليلة ألن التنظيم يخرب‬ ‫ً‬ ‫ورسميا من عام ‪ 1996‬بصورة‬ ‫أفكار الجماعة منذ عام ‪1986‬‬ ‫واضحة الجيل الجديد من اإلخوان (‪ 40‬سنة فأقل ال يعرف حقيقة‬ ‫التاريخ ولم يعد قادرا على التفريق بني الفكر السري التكفيري‬ ‫وبني الفكر الدعوي اإلصالحي‪ ..‬الكل يعيش في متاهة العمل‬ ‫اليومي وال فكرة ناضجة لدى أحد من العاملني حول األسئلة‬ ‫الكبرى‪ ..‬من نحن وماذا نريد؟ هذا سؤال لو طرح على مائة فرد‬ ‫اليوم ستجد مائة إجابة»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لم تكن أجوبة املليجي املترددة‪ ،‬خائفة‪ ،‬ولكنها كانت تقف محاولة‬ ‫الحفاظ على وقارها‪ ،‬والتأشير على مواطن الخلل‪ ،‬فاملليجي‪ ،‬الذي‬ ‫خرج بعد مفاصلة شهيرة‪ ،‬أشهر سيفه ُ على املهندس خيرت‬ ‫ً‬ ‫جهدا في تصنيف‬ ‫الشاطر‪ ،‬وواجهه بالحقائق الدامغة‪ ،‬ولم يأل‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الجماعة وفضح ما يراه مشينا‪ ،‬ويرى في ذلك جهادا‪ ،‬ولكنه‬ ‫يؤطر كل سعيه هذا بمفاهيم إسالموية‪ ،‬ليتحول في لحظة ما‪،‬‬

‫إلى إسالمي غاضب من إسالميني ال أكثر‪ ،‬يحدوه شوق كبير‬ ‫لعمر التلمساني‪ ،‬ويهرب من مصطفى مشهور‪ ،‬أي صراع بني‬ ‫مرشدين‪.‬‬ ‫حاولت «املجلة» أن تقف بصراحة أكبر‪ ،‬فسألته عن أسباب‬ ‫االنشقاقات؟ وأوضحت السؤال عن سبب انشقاقه‪ ،‬وعما إذا كان‬ ‫يكشف األسرار؟ فقال‪« :‬االنشقاقات تحدث لوجود صراع بني‬ ‫الدعويني والتنظيم الخاص السري حول سياسة تعامل الجماعة مع‬ ‫املجتمع والحكومات»‪ .‬هنا قرأنا املواقف السياسية‪ ،‬وسألناه‪ ،‬عن‬ ‫االنشقاقات التكتيكية‪ ،‬فقال بغضب شخصي واضح‪« :‬ال توجد أي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مفجرا‬ ‫انشقاقات تكتيكية» ولم يشأ التفصيل‪ ،‬ولكنه عاد ليقول‬ ‫الحديث «ولكن يوجد إخوان مكلفون بالسرية التامة وموجودون‬ ‫في أحزاب أخرى ومؤسسات كعملية تجسس واختراق»‪ ،‬ورجع‬ ‫إلى املحور األساسي ليضفي على جوابه اإلنصاف الالزم ويكسوه‬ ‫بالخبرة في التخاطب الدبلوماسي «والفكر التنظيمي للجماعة‬ ‫في مصر ال يرقى ملستوى التكتيك ولم يمارس ذلك أبدا»‪ ،‬فعدنا‬ ‫بالسؤال‪ :‬هل يمكن أن يوجه املرشد أحد أتباعه باالنشقاق عن‬ ‫الجماعة لتفريغ شحنة خالف ما أو للفت األنظار‪ ،‬فقطع بالجواب‬ ‫الساخر‪« :‬لم ولن يحدث ألن املرشد اليوم ال يفكر» وأضاف‪« :‬أصال‬ ‫التفكير ممنوع‪ ..‬ملاذا ينشق هل لتضليل العالم؟ العالم بأجهزته‬ ‫يعرف كل أسرار التنظيم السري‪ ،‬ألن السرية على أفراد الجماعة‬ ‫أكثر من أجهزة الدولة ومن الثابت وجود صفقات بني التنظيم‬ ‫السري واألجهزة املحلية والعاملية ال يدريها أفراد الجماعة»‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫راشد الغنوشي وحمادي الجبالي‬

‫لو أحسنت‬ ‫الحركة‬ ‫السودانية‬ ‫قراءة الواقع‬ ‫لترددت في عمل‬ ‫االنقالب‬

‫‪,,‬‬

‫ً‬ ‫رئيسا‬ ‫اذهب إلى القصر‬ ‫وسأذهب إلى السجن حبيسا‬ ‫ال ينبغي ملن أراد دراسة االنشقاقات أن ُيخطئ انشقاق الترابي‬ ‫البشير‪ ّ ،‬أو مفاصلة الرابع من رمضان‪ ،‬أو كل تاريخ الترابي‬ ‫الذي تولدت عنه تنظيمات إسالمية بأسماء مختلفة‪ ،‬من اإلخوان‬

‫حسن الترابي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪21‬‬


‫تحقيق‬

‫ِّ‬ ‫أي من هؤالء يمثل منهج اإلخوان‪ ،‬وأي جناح يستحق الشرعية‪ ،‬وملاذا اختلفوا في األصل‪ ،‬هل‬ ‫ّ‬ ‫هي صيرورة التاريخ‪ ،‬أم إنها منهجية منتقاة لتشتيت االنتباه‪ ،‬هل هي من باب «ال تدخلوا من‬ ‫باب واحدة»؟ بني التكتيك والواقع‪ ،‬والحقيقة والوهم‪ ،‬تحاول «املجلة»‪ ،‬تجلية الصورة‪ ،‬ودراسة‬ ‫االنشقاقات‪ ،‬بني اإلسالميني‪.‬‬

‫االنشقاقات في صفوف التيارات اإلسالمية ‪ ..‬الحقيقة والوهم‬

‫الرؤوس املدببة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عمر البشير الترابي‬

‫‪,,‬‬

‫مرسي وضح من‬ ‫خالل الرسائل‬ ‫التي أرسلها‬ ‫لحكومة الكيان‬ ‫اإلسرائيلي أنه‬ ‫خرج عن املرشد‬

‫‪,,‬‬

‫في ّ‬ ‫الساحة اإلسالموية‪ ،‬تزداد االنشقاقات التي تتوالد عنها‬ ‫األحزاب اإلسالمية‪ ،‬فتبرز في تاريخ اإلسالميني انشقاقات‬ ‫ّ‬ ‫شكلت ّ‬ ‫النواة ألحزاب منفصلة برؤى (تبدو) مختلفة‪ ،‬وترتبط‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫هذه االنشقاقات باختالفات فكرية أحيانا‪ ،‬وتنظيمية في ّ أحيان‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية‪ ،‬وتتفق كلها في‬ ‫أخرى‪ ،‬وفي مرات تظهر فيها النزعة‬ ‫تأثيرها على تشكيل الحالة اإلسالمية‪ ،‬وسبل فهمها‪ ،‬ويعوزها‬ ‫الباحث واملحلل ومن يريد فهم اإلسالم السياسي‪ ،‬وظاهرته‪.‬‬ ‫ففي لبنان انشقاقات (فتحي ًيكن)‪ ،‬والسودان انشقاق الدكتور‬ ‫الترابي‪ ،‬والذي انشق عنه الحقا حزب املؤتمر الوطني‪ ،‬وعشرة‬ ‫ّ‬ ‫موازية‪ ،‬وفي تونس عبد الفتاح مورو‪ ،‬والجورشي‪،‬‬ ‫أحزاب‬ ‫والفاضل البلدي‪ ،‬وفي مصر أحزاب الوسط‪ ،‬والقرضاوي‪ ،‬وأبو‬ ‫الفتوح‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وكذا في العراق آخرون‪.‬‬ ‫بتلطيف للفكرة‬ ‫نجم عن هذه االنشقاقات كيانات‪ ،‬ربما تختلف‬ ‫ٍ‬ ‫أو تكثيفها‪ ،‬فهل هو اختالف في الدرجة أم في النوع؟ كما‬ ‫يبرز املنشقون بشكل شخصي‪ ،‬مثل د‪ .‬املليجي‪ ،‬والخرباوي‪،‬‬ ‫والهلباوي‪ ،‬وآخرون يمضون في تشكيل ذواتهم وشخصياتهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الداخلية بني شباب الجماعة‪ ،‬وشيوخها‪ ،‬بني التجار‬ ‫الصراعات‬ ‫ّ‬ ‫واملكتب التربوي‪ ،‬بني الساسة والدعاة‪ ،‬بني التنظيم السري‬ ‫والتنظيم التربوي‪ ،‬قد تكون مغرية‪ ،‬للباحث عن تفاصيل العمل‬ ‫اليومي‪ ،‬ولكنها ليست بفائدة فهم عمل العقل الجمعي لهذه‬ ‫الحركات؟ هذه الجماعات التي تنشق‪ ،‬والشخوص املفارقون‬ ‫لها‪ ،‬كيف يتحدثون‪ ،‬بترمومتر الغضب‪ ،‬أم بلهفة اإلصالح‪ ،‬هل‬ ‫ً‬ ‫انشقوا ليكملوا طريقهم ممثلني للفكرة‪ ،‬أم انشقوا ليبدأوا حديثا‬ ‫آخر‪.‬‬

‫املليجي‪ ..‬ليست انشقاقات‪..‬‬ ‫بل استعادة لجماعة مختطفة‬

‫عبد املنعم‬ ‫ابو الفتوح‬

‫‪20‬‬

‫مصر الجماعة األم‪ ،‬شهدت انشقاقات قديمة‪ ،‬منذ عهد املؤسس‬ ‫األول حسن البنا‪ ،‬بمنشورات موثقة‪ ،‬تمركزت كلها حول سرية‬ ‫الجماعة والسخط من الديكتاتورية وآلية اتخاذ القرار والنزاع‬ ‫بني الدعوي والسياسي‪ ،‬في خضم هذه االنشقاقات خرج أمثال‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا إسالم الكتاتني‪،‬‬ ‫عبد الستار املليجي وثروت الخرباوي‬ ‫في «املجلة» التقينا باملليجي وسألناه‪ ،‬عن االنشقاقات التي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫ً‬ ‫شخصيا عنها‪ ،‬وبعد أن نفث دخان‬ ‫في الجماعة‪ ،‬وانشقاقه‬ ‫الذكريات بكل ما فيه‪ ،‬وصل ملنطق وسط بني الدبلوماسية‬ ‫والصراحة‪ ،‬تهزم الثانية األولى في ساعات الغضب‪ ،‬فقال «كلمة‬ ‫االنشقاق ليست دقيقة تاريخيا وال واقعيا‪ ،‬لكن الواقع هو ظهور‬ ‫تيار التنظيم الخاص من األربعينات ومحاولته أن يرث جماعة‬ ‫البنا مدعيا أنه املمثل الشرعي الوحيد لجماعة اإلخوان‪ ،‬هنا‬ ‫ردت عليه الجماعة الدعوية الظاهرة بقرارات فصل ملن تزعموا‬ ‫هذا الفكر وأصدرها املرشد الثاني حسن الهضيبي وشكل‬ ‫تنظيما مسلحا آخر ليطاردهم ويقضي على فكرتهم وعهد‬ ‫به إلى يوسف طلعت‪ .‬ومن يومها ومحاولة التنظيم السري ال‬ ‫تتوقف لالستيالء على الجماعة ولو بالخديعة والكذب والتقية‪،‬‬ ‫لم ينجحوا في الوصول لرأس الهرم اإلخواني إال في عام ‪1996‬‬ ‫ببيعة (كاذبة) و(مضللة) أطلق عليها بيعة املقابر وهي مظاهرة‬ ‫مجهولة األعضاء تمت في املقابر بعد دفن آخر مرشد دعوي‬ ‫(محمد حامد أبو النصر) وبموجب هذه املظاهرة تولى مصطفى‬ ‫مشهور منصب املرشد‪ ،‬بعد ذلك قام بسحب كل املناصب‬ ‫القيادية من الدعويني وسلمها إلى أنصاره من السريني ولكنه‬ ‫لم يصدر قرارات فصل ولم يحدث انشقاق باملعنى الصحيح‪.‬‬ ‫ولكن معظم املخالفني للفكر السري وجدوا أنفسهم بال عمل في‬ ‫الجماعة‪ ..‬بعضهم أعلن واعترض مثلي وبعضهم سكت وبقي‬ ‫مغلوبا على أمره»‪.‬‬ ‫كالم املليجي ال يخطئه الحنني والشوق إلى الجماعة املثالية‪،‬‬ ‫واألمل يحدوه بأن يؤسس جماعة أخرى‪ ،‬وحديثه ال ينسف‬ ‫أصل الفكرة إال ً‬ ‫نادرا‪ ،‬ولكنه يضع العيب على التطبيق‪ ،‬مثل‬ ‫املليجي كثيرون‪ ،‬ورصدنا أن أكثرهم من «التلمسانيني» أي‬ ‫ّ‬ ‫الذين جندهم عمر التلمساني للجماعة‪ ،‬وقصة ذلك كما يرويها‬ ‫املليجي‪ ،‬أن الجماعات اإلسالمية «غير اإلخوانية» سيطرت على‬ ‫الجامعات املصرية في فترة السبعينات إبان غياب اإلخوان في‬ ‫سجون ناصر والسادات‪ ،‬وبعد املصالحة مع السادات‪ ،‬عادت‬ ‫الجماعة ووجدت أنها خسرت «وحدة التمثيل» التي كانت‬ ‫تتمتع بها‪ ،‬فدخلت في حوارات شتى‪ ،‬أرادت عبرها أن تصل‬ ‫ألرضية وسط مع التيارات‪ ،‬واستطاع عمر التلمساني‪ ،‬أن ّ‬ ‫يقدم‬ ‫ً‬ ‫وجها مشرقا لإلخوان مأله بالسعي الدعوي‪ ،‬فانضوى تحت‬ ‫لوائه كثيرون‪ ،‬لم يكن لهم اتصال بيعة باإلخوان‪ ،‬ولكن نجح‬ ‫التلمساني في استقطابهم‪ ،‬هؤالء لم يتربوا تربية إخوانية‪ ،‬بل‬ ‫تربية إسالمية‪ ،‬واستفاد منهم اإلخوان‪.‬‬


‫‪,,‬‬

‫مبنى االذاعة‬ ‫والتلفزيون ‪-‬‬ ‫ماسبيرو‬

‫توظيفها في الدعاية االنتخابية ملرشحي التيار اإلسالمي في البرملان‪ ،‬ثم‬ ‫الدعاية للرئيس‪ .‬واستخدمت لغة خطاب صادمة وخارجة عن اآلداب العامة‪،‬‬ ‫ومواثيق الشرف اإلعالمي‪ ،‬وكانت املفارقة أن السب والشتائم انطلقت من‬ ‫أفواه رجال دين ومقدمي برامج مشهورة‪ ،‬في تناقض صارخ مع الصورة‬ ‫الذهنية املفترض توافرها في رجال الدين‪ ،‬أو اللغة التي يجب أن تستعملها‬ ‫قنوات إسالمية‪ .‬والغريب أن قاموس الشتائم نفسه‪ ،‬عالوة على التحريض‬ ‫على القتل‪ ،‬ينصب حاليا على كل املعارضني للرئيس مرسي وجماعته‪ ،‬لذلك‬ ‫كل هذه التجاوزات غير األخالقية وغير القانونية تمارس يوميا وال ترى‬ ‫الجماعة الحاكمة سوى تجاوزات الفضائيات العامة‪.‬‬

‫أدرك اإلخوان املسلمون‪ ،‬بعد أقل من شهرين من تولي محمد مرسي‬ ‫منصب الرئيس‪ ،‬أن اإلعالم يمثل عقبة رئيسة أمام سياسة «التمكني» التي‬ ‫تتبناها الجماعة للسيطرة على مفاصل مؤسسات الدولة وجذب جمهور‬ ‫جديد لها‪ .‬فقد تحول اإلعالم إلى أكبر حزب معارض لإلخوان املسلمني منذ‬ ‫يونيو (حزيران) ‪ .2012‬تعرض الصحافيون بمختلف توجهاتهم ‪ -‬من غير‬ ‫اإلسالميني ‪ -‬للكثير من املضايقات‪ ،‬وشهدت الساحة اإلعالمية وقوع قتلى‬ ‫ومصابني في أثناء حاالت الصدام بني «اإلخوان» ومعارضيهم‪ .‬بالتوازي‪،‬‬ ‫قامت مجموعات من التيار السلفي بحصار مدينة اإلنتاج اإلعالمي التي‬ ‫تضم أغلب استوديوهات البث الخاصة بالفضائيات املصرية الخاصة‪.‬‬

‫بداية املعركة‬

‫وهو الحصار الذي تضمن تهديدا مباشرا لإلعالميني‪ ،‬باستهدافهم جسديا‪،‬‬ ‫إلى جانب منعهم من تأدية مهمتهم والوصول إلى محل عملهم‪ .‬والقى‬ ‫هذا الحصار استحسانا‪ ،‬أو على األقل غض طرف من النظام الحاكم وآلته‬ ‫اإلعالمية التابعة‪ .‬وبالطبع‪ ،‬استمرت عمليات املالحقة القانونية واستدعاء‬ ‫الصحافيني واإلعالميني باستمرار للنيابة‪ ،‬للتحقيق في كل شيء وأي شيء‪،‬‬ ‫املهم هو اإلحساس بحالة الوقوف في وضع املتهم‪ ،‬وهذا في حد ذاته ممارسة‬ ‫للتخويف واإلرهاب‪ .‬وحسب تقارير سابقة ملنظمات حقوقية ومراكز‬ ‫دراسات‪ ،‬من بينها معهد العربية للدراسات ‪ -‬في يناير (كانون الثاني)‬ ‫املاضي ‪ -‬فإن جهات التحقيق الحقت إعالميني في ‪ 24‬قضية وبالغا بتهمة‬ ‫إهانة الرئيس خالل الـ‪ 200‬يوم األولى من حكم محمد مرسي‪ ،‬مقابل ‪14‬‬ ‫قضية أحيلت إلى املحاكم املصرية بنفس التهمة خالل ‪ 115‬عاما؛ أي منذ‬ ‫نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهاية فترة حكم الرئيس السابق حسني‬ ‫مبارك‪ .‬ولعل عدد البالغات والقضايا ارتفع خالل الشهرين املاضيني إلى‬ ‫نحو ‪ 30‬بالغا‪ .‬املشكلة هنا‪ ،‬هي أن النظام الحاكم ال يدرك أن أكبر األخطاء‬ ‫التي يمكن أن يقع فيها النظام ‪ -‬أي نظام ‪ -‬هو معاداة اإلعالم‪ ،‬فاملعركة‬ ‫خاسرة في كل األحوال حتى لو حققت نجاحا جزئيا‪ ،‬املشكلة األكبر التي‬ ‫يجب أن يواجهها الحكام الجدد ملصر أن سياستهم الفاشلة هي املشكلة‬ ‫الرئيسة‪ ،‬وأن سيطرة ما فوق الوطني من أهداف وإعالء مصلحة الجماعة على‬ ‫مصلحة الوطن وحالة اإلقصاء واالستحواذ التي يمارسها الحكم‪ ،‬كل هذا هو‬ ‫املشكالت الحقيقية التي يجب عليه مواجهتها‪ ،‬وغير ذلك هو حرث في الهواء‬ ‫وتأجيل لصدام سيدفع الجميع ثمنه بال استثناء <‬

‫الجديد الذي تشهده الساحة اإلعالمية املصرية هذه الفترة‪ ،‬تلك املعركة‬ ‫التي قررت الجماعة الحاكمة وأدواتها التنفيذية في أجهزة الرئاسة والدولة‬ ‫أن تشنها مع اإلعالم في األشهر األخيرة‪ ،‬وتستخدم في ذلك تكتيكا بات‬ ‫مكشوفا بإعالن مؤسسات الدولة الرسمية أنها ليست في خصومة مع‬ ‫اإلعالم‪ ،‬وآخره إعالن الرئيس تنازله عن كافة البالغات املقدمة باسمه‪ ،‬وفي‬ ‫ذات الوقت فتح الباب واسعا أمام أتباع الجماعة لتقديم البالغات واملالحقات‬ ‫القانونية واستخدام الحصار والعنف ضد اإلعالميني واملؤسسات اإلعالمية‬ ‫املختلفة‪ ،‬وعند هذا الحد يعلن املسؤولون في الدولة أنهم غير مسؤولني‬ ‫عن هذه اإلجراءات‪ ،‬ويتخذونها مناسبة لتذكير اإلعالميني بمراجعة أدائهم‬ ‫حتى ال يتعرضوا لغضب الرأي العام الذي يترجم في مثل هذه املالحقات‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬ظل استهداف الصحافيني ومقدمي البرامج التلفزيونية عبر التهديدات‬ ‫الرئاسية والبالغات القانونية وحصار مدينة اإلنتاج اإلعالمي‪ .‬وكان استدعاء‬ ‫اإلعالمي التلفزيوني الساخر باسم يوسف أمام النيابة بمثابة محاولة للتلويح‬ ‫بـ«رأس الذئب الطائر»‪ ،‬حيث يعد باسم يوسف اإلعالمي األكثر مشاهدة اليوم‬ ‫في مصر عبر برنامجه الساخر «البرنامج» الذي تضمن خالل حلقاته تهكما‬ ‫ساخرا على تصرفات وتصريحات الرئيس املصري‪ .‬كان مثول باسم يوسف‬ ‫أمام النيابة‪ ،‬بعد إصدار النائب العام أمر ضبط وإحضار لإلعالمي الساخر‪،‬‬ ‫تنفيذا لتكتيكات اإلخوان املسلمني التي أشرت إليها ملواجهة انتقادات اإلعالم‬ ‫املصري ألداء مؤسسة الرئاسة والجماعة‪.‬‬

‫الجديد الذي‬ ‫تشهده الساحة‬ ‫اإلعالمية‬ ‫املصرية هذه‬ ‫الفترة‪ ،‬تلك‬ ‫املعركة التي‬ ‫قررت الجماعة‬ ‫الحاكمة‬ ‫وأدواتها‬ ‫التنفيذية في‬ ‫أجهزة الرئاسة‬ ‫والدولة أن‬ ‫تشنها مع اإلعالم‬ ‫في األشهر‬ ‫األخيرة‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪19‬‬


‫تقرير‬

‫‪,,‬‬

‫التلفزيون‬ ‫الخاص ازدهر‬ ‫بشدة في‬ ‫املرحلة التالية‬ ‫لسقوط النظام‬ ‫لكن هذا ال ينفي‬ ‫أن انطالقته‬ ‫القوية كانت‬ ‫عام ‪ 2005‬عندما‬ ‫شهدت الساحة‬ ‫اإلعالمية‬ ‫املصرية في ذلك‬ ‫الوقت انفتاحا‬ ‫ملحوظا‬

‫‪,,‬‬

‫‪18‬‬

‫كانت تدين له بالوالء‪ ،‬فمرت بمرحلة البحث عن سيد كما اعتادت لعقود‪ ،‬رغم‬ ‫املحاوالت املتعددة خالل هذه العقود للحفاظ على حد أدنى من املهنية‪ ،‬إال أن‬ ‫ضغوط السلطة من جانب ومنافع االرتباط بها من جانب آخر جعلتا حالة‬ ‫االرتكان إلى وجود «سيد» هو الحل اآلمن والسهل‪ ،‬بعد سقوط النظام أخذت‬ ‫تتخبط‪ ،‬لكن بوصلتها‪ ،‬عادت مرة أخرى للتوجه‪ ،‬إلى املجلس العسكري‪ ،‬الذي‬ ‫أصبحت تدين له بالوالء وتدافع عنه‪ ،‬وبعد االنتخابات البرملانية ثم الرئاسية‪،‬‬ ‫ثم الهجوم اإلخواني املباغت على قياداتها وتغييرهم ‪ -‬جعلها تدين بالوالء‬ ‫لجماعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬وأصبح قيادات الجماعة التي كانت تصفها هذه‬ ‫الصحف بـ«املحظورة»‪ ،‬قبل الثورة‪ ،‬هم نجومها‪ ،‬وكتاب مقاالتها‪ ،‬وأبرز‬ ‫من تجرى معهم الحوارات‪ ،‬بل إن صحيفة «األهرام»‪ ،‬نشرت أول مقال في‬ ‫تاريخها‪ ،‬الذي يمتد ألكثر من ‪ 130‬عاما‪ ،‬للمرشد العام للجماعة الدكتور‬ ‫محمد بديع‪ ،‬مع إشارة في الصفحة األولى‪.‬‬ ‫امللحوظة البديهية أن األكثر ظهورا بني الصحف الصادرة حديثا‪ ،‬الصحف‬ ‫املحسوبة على التيارات الدينية بمختلف توجهاتها‪ ،‬كانت أوالها صحيفة‬ ‫«الحرية والعدالة» الناطقة باسم حزب الجماعة الحاكمة الذي يحمل نفس‬ ‫االسم‪ ،‬وصحيفة «النور» املعبرة عن حزب النور السلفي‪.‬‬ ‫املكون اآلخر في الخريطة اإلعالمية املصرية هو التلفزيون‪ ،‬الذي بات أحد‬ ‫العناصر الرئيسة‪ ،‬ليس في الساحة اإلعالمية‪ ،‬بل في اللعبة السياسية‪،‬‬ ‫وتحول اإلعالميون العاملون فيه إلى العبني بدرجات متفاوتة في ساحة‬ ‫الفعل السياسي‪ ،‬وأيضا انقسم اإلعالم التلفزيوني إلى قسمني أساسني‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫تلفزيون الدولة‪ ،‬والتلفزيون الخاص‪ .‬وقبل أن أبدأ الحديث عن تلفزيون الدولة‬ ‫الذي عملت فيه لسنوات عندما أتيت من خارجه مكلفا العمل مسؤوال عن‬ ‫األخبار والشق السياسي فيه‪ ،‬أود أن أشير إلى أنني وقت عملت فيه شعرت‬ ‫بأنني أنتمي إلى هذا املكان مثلي مثل أكثر أبناء هذا املبنى انتماء رغم أنني‬ ‫كنت ضيفا عليه‪ ،‬وسمحت لي الظروف بأن أرى داخله على حقيقته‪ ،‬ولذلك‬ ‫يمكنني أن أقرر أن االتهامات التي توجه إلى هذا املكان صحيحة وخطأ في‬ ‫ذات الوقت‪ ،‬فقد كان ‪ -‬وما زال ‪ -‬هذا الجهاز تابعا للحكومة وليس للدولة‪،‬‬ ‫تتحكم فيه سياسات الحكومة حتى لو تشدق وزيرها بالحرية غير املسبوقة‪،‬‬ ‫ويمكني القول أيضا إن أي محاولة لتطوير وتحرير هذا الجهاز سوف‬ ‫تصطدم بصخرة اإلرادة السياسية‪ ،‬فقد حاولت من قبل واكتشفت أن الواقع‬ ‫أكبر من النوايا الطيبة‪ ،‬وأن اإلرادة السياسية هي الفاصلة في تحرر أجهزة‬ ‫اإلعالم اململوكة للدولة من عدمه‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن هذا الجهاز يعاني أمراضا عضاال‬ ‫على مر السنيني‪ ،‬ليس أكبرها هذا العدد الهائل العامل فيه الذي يتجاوز ثالثة‬ ‫وأربعني ألف عامل‪ ،‬في حني أن االحتياج الفعلي يمكن أال يتجاوز الـ‪ %10‬من‬ ‫هذا العدد‪.‬‬ ‫رغم انتشار الفضائيات الكثيرة‪ ،‬التي يمكن القول باطمئنان إنها سحبت‬ ‫البساط من تحت قدمي التلفزيون الرسمي‪ ،‬فإنه ما زال يحظى بنسبة‬ ‫مشاهدة في األقاليم الفقيرة‪ ،‬كما أنه ظل رمزا لألنظمة في كل وقت‪ .‬وهذا‬ ‫ما تدركه الجماعة الحاكمة‪ ،‬فقررت إحكام السيطرة عليه‪ .‬العداء الشعبي‬ ‫للتلفزيون املصري بعد سقوط النظام‪ ،‬وهو األمر الذي نجحت فيه الجماعة‬ ‫وبعض الجماعات السياسية األخرى‪ ،‬ترتب عليه خروج عدد من الكوادر‬ ‫التي كانت تعمل به من قبل‪ ،‬للعمل في القنوات األخرى لعدة أسباب؛ أبرزها‬ ‫أن االرتباط بالتلفزيون أصبح مربوطا بالفساد والسلطة‪ ،‬فضال عن أن‬ ‫التلفزيون املصري لم ينجح‪ ،‬رغم تغيير قياداته‪ ،‬في تغيير توجهه‪ ،‬حيث إن‬ ‫القائمني الجدد عليه‪ ،‬بخلفياتهم السياسية والتنظيمية تجعل والءهم فقط ملن‬ ‫يحكم‪ .‬وألن أحد العيوب الكبيرة داخل هذا الجهاز هو خلق اإلحساس على‬ ‫مدار عشرات السنني بأن العاملني فيه هم موظفون‪ ،‬وبالتالي يسود السلوك‬ ‫الوظيفي الحكومي الذي يبحث فيه املوظف عن تأمني دخله وإرضاء أولي‬ ‫األمر‪ .‬وركزت القيادة الجديدة إلعالم الدولة على مسألة الحجاب‪ ،‬باعتبار‬ ‫أن إنجازهم األهم ظهور املحجبات على الشاشة‪ ،‬وانتشرت اللحية بني قطاع‬ ‫كبير من العاملني‪ .‬خروج الكوادر الجيدة‪ ،‬ترتب عليه‪ ،‬املجيء بكوادر جديدة‪،‬‬ ‫غير مدربة‪ ،‬وغير مهنية‪ ،‬وذلك في محاولة لتغيير واجهة الشاشة‪ ،‬كما ترتب‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫عليه أيضا عودة عدد من املذيعني القدامى‪ ،‬بعضهم تم استبعاده ألنه كان‬ ‫دون املستوى‪ ،‬لكنه وجد في الفراغ اإلداري فرصة للعودة‪.‬‬ ‫الشهادة هنا تقتضي القول إن هذا الجهاز يحتوي على عدد من شباب‬ ‫اإلعالميني املتميزين بحق في مجاالت الصحافة التلفزيونية واألخبار‬ ‫واإلعداد واإلخراج والهندسة‪ ،‬لكنهم ال يعيشون املجال الذي يسمح لهم‬ ‫بالعمل الصحيح‪ ،‬ويؤكد هذا أن كل القنوات التلفزيونية الخاصة التي تعمل‬ ‫في الساحة اليوم والتي سحبت البساط من تحت التلفزيون املصري قامت‬ ‫على أكتاف العاملني في التلفزيون املصري في املجاالت املختلفة‪.‬‬

‫توك شو الثورة‬ ‫التلفزيون الخاص ازدهر بشدة في املرحلة التالية لسقوط النظام‪ ،‬لكن هذا ال‬ ‫ينفي أن انطالقته القوية كانت عام ‪ ،2005‬عندما شهدت الساحة اإلعالمية‬ ‫املصرية في ذلك الوقت انفتاحا ملحوظا‪ ،‬تطور خالل السنوات التالية‪ ،‬ورغم‬ ‫بعض املمارسات اإلدارية ملحاولة تحجيمه فإن تطور هذه القنوات استمر؛‬ ‫لوجود تيار داخل السلطة في هذه املرحلة كان مع دعم وجود هذا الشكل من‬ ‫اإلعالم‪ ،‬إال أن مرة أخرى اإلحساس بأن هذه القنوات انضمت إلى املتظاهرين‬ ‫بشكل أكثر وضوحا من البداية أكسبها رصيدا لدى املشاهدين‪ ،‬وكان‬ ‫النتشار برامج الحوارات الليلية أثره الكبير في توجيه الرأي العام‪.‬‬ ‫برامج التوك شو‪ ،‬لم تخطف بعضا من جمهور الصحف فقط‪ ،‬ولم تدخل‬ ‫في منافسة معها فقط‪ ،‬بل خطفت رؤساء تحريرها‪ ،‬فعدد كبير من مقدمي‬ ‫هذه البرامج‪ ،‬يعمل في األساس صحافيا‪ ،‬وأصبحت الصحف‪ ،‬وصحافيوها‪،‬‬ ‫تعمل في خدمة‪ ،‬رئيس التحرير وبرنامجه‪.‬‬ ‫الطريف الذي يمكن رصده هنا‪ ،‬أن عددا من ضيوف هذه البرامج تحولوا إلى‬ ‫مقدمي برامج توك شو مسائية‪ ،‬وأصبح طبيعيا أن تجد الضيف اليوم مذيعا‬ ‫غدا‪ ،‬لكن املشهد األكثر دهشة‪ ،‬هو ظهور الضيف في أكثر من برنامج يومي‪،‬‬ ‫حيث يرى بعضهم أن هذا األمر بالنسبة له يمثل «موردا ماليا»‪ ،‬ليس أكثر‪.‬‬ ‫تشارك برامج التوك شو في صناعة الرأي العام املصري بكل تأكيد‪ ،‬وبسبب‬ ‫نجاحها في اجتذاب نسبة كبيرة من اإلعالنات‪ ،‬أصبحت بعض الفضائيات‪،‬‬ ‫تقدم أكثر من برنامج توك شو على نفس القناة‪ ،‬وقد يصل عدد برامج التوك‬ ‫الشو‪ ،‬في قناتني تابعتني ملؤسسة واحدة إلى أربعة برامج‪ ،‬رغم أن تقييم‬ ‫الكثير من خبراء اإلعالم أن هذه البرامج ما هي إال مجرد صراع ديوك‪،‬‬ ‫ومعارك‪ ،‬لكن ال نتيجة واحدة تذكر‪ ،‬إال أن هذه البرامج تحولت في الفترة‬ ‫األخيرة إلى املدافعني في الخط األول عن مدنية الدولة ومحاوالت االستحواذ‬ ‫واإلقصاء الذي تقوم به الجماعة الحاكمة في إطار محاوالت أخونة الدولة‪.‬‬ ‫في مقابل هذه القنوات‪ ،‬انطلقت القنوات الدينية تصدح في الفضاء‪ ،‬وباتت هي‬ ‫املدافع األول‪ ،‬وبعنف غير مسبوق‪ ،‬عما يسمونه مشروع الدولة اإلسالمية‪.‬‬ ‫وصل عدد القنوات الدينية في العالم العربي‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬إلى أكثر من ‪150‬‬ ‫قناة‪ .‬هذا العدد يثير أسئلة كثيرة عن مصادر تمويل وإدارة هذه القنوات‪،‬‬ ‫واملضامني التي تقدمها‪ ،‬واألهم جمهورها‪ ،‬وإلى أي مدى يتأثر هذا الجمهور‬ ‫بخطابات الكراهية والتحريض ضد اآلخر‪ ،‬التي تنتجها وتروجها أغلبية‬ ‫القنوات الدينية‪ .‬أغلب القنوات اإلسالمية ال تعتمد على الصورة وتقدم برامج‬ ‫وعظية‪ ،‬وتستبعد املرأة وال تسمح بظهورها كمقدمة برامج أو كضيفة‪،‬‬ ‫وتمتلئ هذه القنوات بالفتاوى املنحرفة أو املتطرفة فقهيا التي تحض على‬ ‫كراهية اآلخر وعدم تهنئته في األعياد أو قتل املعارضني للرئيس مرسي‪.‬‬ ‫مأساة تلك القنوات‪ ،‬أنها ليست قنوات إعالمية مهنية‪ ،‬بل منابر دعائية‬ ‫تحريضية‪ ،‬وبالتالي ال تصمد أمام أي تقييم إعالمي يعتمد معايير األداء‬ ‫اإلعالمي االحترافي ومواثيق الشرف‪ .‬لقد تحولت القنوات اإلسالمية املصرية‬ ‫من الدين للسياسة‪ ،‬وباتت تعتمد الخلط املتعمد بني الدعوي والسياسي‪ ،‬وتم‬


‫صحيح‪ ،‬كما قال وزير اإلعالم اإلخواني وأكده رئيسه بعد ذلك‪ ،‬أن الساحة‬ ‫املصرية شهدت خالل العامني املاضيني ميالد تسع وخمسني صحيفة‬ ‫جديدة‪ ،‬لكن هذا يدفع للسؤال‪ :‬ماذا عن املناخ العام الذي تعيشه هذه الصحافة‪،‬‬ ‫جديدها وقديمها؟ ألن هذا هو املعيار الصحيح للحكم على األمور‪.‬‬ ‫حسب األعداد املقيدة في نقابة الصحافيني املصريني‪ ،‬فإن عدد الصحافيني‬ ‫املشتغلني‪ ،‬املقيدة أسماؤهم بالنقابة‪ ،‬يقترب من ‪ 6400‬صحافي‪ ،‬في حني‬ ‫أن التقديرات تقول إن عدد الصحافيني العاملني بالفعل في املؤسسات‬ ‫الصحافية املختلفة يصل إلى نحو خمسة عشر ألف صحافي‪ .‬هذه الحقيقة‬ ‫تطرح تساؤالت عن املناخ املهني املتاح من حيث وجود حماية منظمة‬ ‫للصحافيني ألداء عملهم‪ ،‬كما يثير تساؤال مهما حول مستوى املهنية في‬ ‫ظل غياب مفهوم التدريب املستمر في معظم املؤسسات الصحافية‪ ،‬كذلك‬ ‫محدودية دور النقابة في هذا املجال في ظل األزمة املالية التي تواجهها وفي‬ ‫ظل حالة االستقطاب السياسي الحاد واملواجهات واملضايقات التي يتعرض‬ ‫لها الصحافيون بما يقلص من دور النقابة املفترض في االرتقاء بمستوى‬ ‫املهنة‪.‬‬ ‫تظل الصحافة املسماة بالقومية كبرى املؤسسات من حيث الضخامة وعدد‬ ‫الصحافيني العاملني فيها وعدد املطبوعات‪ ،‬فحسب آخر إحصاء متوافر‬ ‫فإن عدد املطبوعات الصادرة من هذه املؤسسات يصل إلى ست وخمسني‬ ‫صحيفة ومجلة‪ ،‬في طليعتها مؤسسة «األهرام» التي تصدر وحدها ثماني‬ ‫عشرة مطبوعة‪ .‬لكن هذا ال يعني أن هذه الصحف ما زالت تملك حضورا‬ ‫وتأثيرا يقارن بالوضع في ما سبق‪ ،‬فقد حمل التطور السياسي الواقع في‬ ‫مصر األمر بدرجة كبيرة إلى حسم مسألة التوزيع واالنتشار للصحف‬ ‫الخاصة مجتمعة في مواجهة الصحف القومية‪ ،‬وهذا كان نتيجة ما اعتبره‬ ‫املراقبون انتصار الصحافة الخاصة‪ ،‬التي بدأت منذ بدايات القرن الحالي‬ ‫بكسب تعاطف القراء‪ ،‬خاصة أثناء أيام االنتفاضة التي اندلعت ضد النظام‬ ‫السابق‪ ،‬وكانت هذه الصحف الخاصة في موقف أقرب إلى موقف املتظاهرين‪،‬‬ ‫في حني التزمت الصحافة القومية موقف النظام دون إغفال جزئي ملا يحدث‬ ‫في الشارع‪ ،‬وعندما سقط النظام كان سلوكا طبيعيا من القراء عقاب هذه‬ ‫الصحف واالندفاع نحو الصحف املستقلة‪ ،‬وساعد على ذلك أيضا املوقف‬

‫املتخبط للصحافة القومية في تلك الفترة‪ ،‬التي انتقلت من موقف إلى نقيضه‬ ‫بني ليلة وضحاها بمنطق مات امللك عاش امللك‪ .‬إال أن هذه الصحافة الخاصة‬ ‫لم تحافظ كثيرا على مكاسبها في الفترة التالية‪ ،‬نتيجة ما ملسه القراء من‬ ‫حالة تلون وتبدل للكثير من كتاب هذه الصحف وأساليب تغطيتها‪ ،‬وهو‬ ‫األمر الذي انكشف واضحا بعد سيطرة «اإلخوان» على الحكم‪ .‬يضاف إلى‬ ‫ذلك حالة اإلجهاد الشديدة التي أصيب بها املواطن املصري والتي سوف تكون‬ ‫عامال مشتركا في التأثير على مختلف وسائل اإلعالم‪.‬‬ ‫املالحظة الجديرة بالتوقف هنا‪ ،‬هي ذلك األسلوب الذي بدأ مبكرا من قبل‬ ‫جماعة اإلخوان في السيطرة على مقاليد البلد‪ ،‬وبدا هذا في مسألة السيطرة‬ ‫على املؤسسات الصحافية القومية‪ ،‬فقد كانت النية مبيتة لتغيير رؤساء‬ ‫تحرير ورؤساء مجالس إدارة هذه الصحف بشخصيات موالية أو متعاطفة‪،‬‬ ‫أو بحد أدنى غير معادية للجماعة وهو اإلجراء الذي كان يواجه بمعارضة‬ ‫شديدة من الصحافيني والسياسيني بمختلف اتجاهاتهم‪ ،‬ولم تستطع‬ ‫الجماعة مواجهة هذا الضغط في حينه إلى أن وقع حادث قتل الجنود‬ ‫املصريني على الحدود الذي راح ضحيته ستة عشر شهيدا‪ ،‬لم تعلن الدولة‬ ‫نتائج التحقيقات حول من قتلهم حتى اآلن‪ ،‬استغل القائمون على إدارة امللف‬ ‫الصحافي في الدولة حالة االنشغال الشديدة للجميع في هذه الجريمة لتمرير‬ ‫مخطط السيطرة على املؤسسات القومية‪ ،‬فتم تغيير نحو خمس وسبعني‬ ‫قيادة صحافية‪ ،‬استغالال لهذه الحالة من االنشغال‪ ،‬ومرت العملية رغم أنف‬ ‫الجميع‪.‬‬

‫حالة ارتباك‬ ‫شهدت املرحلة التالية لسقوط النظام السابق رفع سقف حرية الصحافة‬ ‫إلى حد اإلطاحة به في بعض األحيان‪ ،‬حتى الصحف القومية‪« ،‬األخبار»‬ ‫و«األهرام» و«الجمهورية»‪ ،‬واملعروفة بوالئها التام للحكومة‪ ،‬رغم غرقها في‬ ‫الدفاع عن نظام مبارك إبان أيام الثورة الثمانية عشر‪ ،‬إال أنها بمجرد إعالن‬ ‫خطاب التنحي‪ ،‬كانت أول من يهتف ضده‪ .‬كما سبق أن ذكرت‪ ،‬فإن حالة‬ ‫االرتباك التي أصابت الدولة املصرية‪ ،‬لحقت بالصحف القومية‪ ،‬التي فقدت من‬

‫باسم يوسف‪ ..‬وجه جديد جاءت به الثورة‬ ‫وتحول مصدرا الزعاج الحكام الجدد‬

‫‪,,‬‬

‫كانت النية‬ ‫مبيتة لتغيير‬ ‫رؤساء تحرير‬ ‫ورؤساء مجالس‬ ‫إدارة الصحف‬ ‫بشخصيات‬ ‫موالية أو‬ ‫متعاطفة‬ ‫أو بحد أدنى‬ ‫غير معادية‬ ‫للجماعة‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪17‬‬


‫تقرير‬

‫كلما اتصل بي أحد الزمالء ليشكو من سوء األوضاع التي يعيشها مهنيا أو حياتيا في مجال‬ ‫عمله اإلعالمي‪ ،‬أبادر بإجابة‪ ،‬باتت روتينية من كثرة استخدامها‪ ،‬بأن ما يواجهه اإلعالم املصري‬ ‫في هذه املرحلة على مستوى املهنية واألجواء املحيطة وأوضاع العاملني فيه ما هو إال انعكاس‬ ‫لتلك الحالة املتردية التي تمر بها مصر بعد تعرضها لتسونامي ما سمي خطأ الربيع‪ ،‬الذي كانت‬ ‫نتيجته النهائية ‪ -‬حتى اآلن ‪ -‬اإلطاحة بالقوى املدنية الحقيقية وسيطرة فصيل واحد يعتقد أنه‬ ‫«الفصيل املختار»‪.‬‬

‫اإلعالم املصري من التحول إلى الصدام املفروض عليه‬

‫معركة خاسرة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عبد اللطيف املناوي‬

‫‪,,‬‬

‫عندما بدأ‬ ‫املصريون‬ ‫يومهم األول‬ ‫من دون وجود‬ ‫نظام مبارك‬ ‫للمرة األولى‬ ‫منذ ثالثني سنة‬ ‫سادت حالة‬ ‫من االرتباك كل‬ ‫وسائل اإلعالم‬ ‫وبدأ معظم‬ ‫اإلعالميني‬ ‫البحث عن موقع‬ ‫أو دور جديد بعد‬ ‫سقوط النظام‬

‫‪,,‬‬

‫هذا الوضع أفرز حالة عامة من التخبط‪ ،‬واالنجرار إلى ما يشبه مقدمات‬ ‫الحرب األهلية بني أبناء الوطن‪ ،‬ومع تراجع ‪ -‬أو انهيار ‪ -‬الوضع االقتصادي‪،‬‬ ‫فإن الخوف من املستقبل دفع إلى الواجهة بالحلول الفردية‪ ،‬وأثر في الوقت‬ ‫ذاته قي بنية املؤسسات اقتصاديا‪ ،‬سواء خاصة أو عامة‪.‬‬ ‫ألن اإلعالم بكل أشكاله ليس ّ‬ ‫منبت الصلة عن الواقع‪ ،‬بل على العكس هو االبن‬ ‫الشرعي للواقع والتعبير عنه بإيجابياته وسوءاته‪ ،‬فإن وضع اإلعالم املصري‬ ‫اليوم هو انعكاس لتلك الحالة التي تعيشها البلد؛ من صراع نخشى أن‬ ‫يكون مدمرا لقواعد الدولة‪ ،‬وحالة من اإلقصاء ومحاولة االستحواذ‪ ،‬وأزمات‬ ‫اقتصادية طاحنة ومتطورة‪ .‬هذا الواقع يعكس نفسه بقوة في اإلعالم بمصر‬ ‫اليوم‪ ،‬وذلك تعبيرا عن تلك الحالة املتفاعلة في الواقع‪.‬‬

‫دور جديد‬

‫في السطور القادمة‪ ،‬سوف أحاول قراءة خريطة اإلعالم املصري في هذه‬ ‫املرحلة‪ ،‬عامان ما بعد اإلطاحة بالنظام السابق‪ ،‬ثم مرحلة فوضى انتقالية‪،‬‬ ‫تالها استكمال عملية سيطرة ممنهجة‪ ،‬أو بالصدفة‪ ،‬على الدولة وأركانها أو‬ ‫ما يتبقى منها‪ .‬وفي البداية‪ ،‬أشير إلى أن رؤية النظام الحاكم في مصر اآلن‬ ‫لإلعالم في ظل وجوده ال تختلف عن رؤية أي نظام سلطوي آخر في مرحلة‬ ‫تاريخية سابقة أو حالية‪ ،‬فاإلعالم املصري اليوم «يمر بأزهى عصوره» كما‬ ‫ذكر وزير اإلعالم املصري أحد كوادر جماعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬ويضيف‬ ‫قائال‪« :‬ثورة ‪ 25‬يناير املجيدة أحدثت تحوال ديمقراطيا كبيرا لم تشهده مصر‬ ‫من قبل»‪ ،‬و«نعيش اآلن ربيع اإلعالم املصري‪ ،‬فمصر تعيش أزهى عصور‬ ‫حرية اإلعالم والصحافة والكلمة»‪ ،‬ودلل على ذلك إحصائيا وهو في زيارة‬ ‫لدولة قطر بقوله‪« :‬يكفى أن نقول إن الساحة اإلعالمية شهدت ميالد ‪59‬‬ ‫صحيفة مصرية جديدة في هذه الفترة‪ ،‬إضافة إلى عشرات القنوات الخاصة‪،‬‬ ‫سواء كانت مصرية أو استثمارات عربية أو أجنبية داخل مصر»‪ ،‬ولكنه أشار‬ ‫بعد ذلك بأيام مشككا في أن وسائل اإلعالم املعارضة يقف وراءها مال‬ ‫سياسي داخلي وخارجي بهدف إسقاط النظام‪ ،‬ومن بني ما قاله «اإلعالم‬ ‫الخاص أنفق في العام املاضي ‪ 6‬مليارات جنيه‪ ،‬يقابلها مليار ونصف املليار‬ ‫من الدخل فقط‪ ،‬إذن هناك فجوة ومال سياسي يدخل اإلعالم الخاص‪ ،‬وهناك‬ ‫بعض اإلعالميني يعتمون على إنجازات الحكومة الحالية»‪.‬‬

‫عندما بدأ املصريون يومهم األول من دون وجود نظام مبارك للمرة األولى‬ ‫منذ ثالثني سنة‪ ،‬كان أكثر األطراف حيرة اإلعالم‪ ،‬سادت حالة من االرتباك‬ ‫كل وسائل اإلعالم‪ ،‬وبدأ معظم اإلعالميني البحث عن موقع أو دور جديد بعد‬ ‫سقوط النظام‪ ،‬وكانت الصعوبة األساسية هي عدم وجود مالمح واضحة‪،‬‬ ‫لكن الثابت الوحيد كان غياب نظام مبارك الذي أصبح سابقا‪ ،‬وهكذا بدأت‬ ‫عملية التحول التي انتابت عددا ال بأس به من الزمالء‪ ،‬ووقف البعض داخل‬ ‫ساحات مؤسساته الصحافية‪ ،‬خاصة القومية منها‪ ،‬ليعلن «التطهر» من‬ ‫عالقته بالعهد السابق‪ ،‬وتسابق البعض اآلخر في التحول‪ ،‬إلى درجة أصابت‬ ‫الجمهور بالنفور‪ ،‬خاصة في مراحل تالية بعدما بدأ دخان الحدث ينقشع‬ ‫وتبدو املواقف على حقيقتها‪ .‬كان هذا املوقف هو إحدى أهم مشكالت اإلعالم‬ ‫في املرحلة التالية‪ .‬فقد فقد قطاع ال بأس به مصداقيته نتيجة هذا التحول ‪ -‬أو‬ ‫التحوالت ‪ -‬خاصة بعد انكشاف حقيقة الجماعة التي انفردت بحكم مصر‬ ‫وتولى أحد أعضائها منصب الرئيس‪ ،‬وما كان ذلك ليحدث لوال مواقف عدد‬ ‫من السياسيني املحسوبني على التيار املدني‪ ،‬وضمنهم عدد من اإلعالميني‪،‬‬ ‫الذين أعربوا عن أسفهم للشعب املصري بعد ذلك وعن خطأهم في دعم‬ ‫«اإلخوان» ومرشحهم‪ ،‬مبررين ذلك بأن الخيارات كانت محدودة‪ .‬هذا التطور‬ ‫دفع بهؤالء ألن يكونوا من املنتقدين بشدة لـ«اإلخوان» خالل الفترة املاضية‬ ‫كشكل من أشكال التكفير عما يعتقدونه خطأ وقعوا فيه‪.‬‬

‫ولم يختلف عنه رئيسه في هذا املوقف عندما قال محمد مرسي في حديثه‬ ‫لـ«الجزيرة» القطرية مؤخرا‪ ،‬عندما أكد أنه ال توجد مرحلة في التاريخ املصري‬ ‫أو حتى في أي مكان بالعالم شهدت مثل ما تشهده مصر حاليا من حرية في‬ ‫اإلعالم والتعبير عن الرأي‪.‬‬

‫حالة ما بعد سقوط النظام السابق أفرزت مناخا إعالميا مختلفا في بعض‬ ‫جوانبه عما سبق‪ ،‬لكنه تشابه إلى حد كبير في بعض النواحي مع الوضع‬ ‫السابق‪ ،‬بل إنه عمق أخطاء كانت محل شكوى دائمة‪ ،‬واستعراض سريع ألهم‬ ‫مالمح الخريطة اإلعالمية املصرية مع مقارنة بوضعها السابق سوف يساهم‬ ‫في فهم مالمح الواقع وتعقيداته‪ ،‬وقد يسهم هذا في محاولة طرح تصورات‬ ‫للخروج من مأزق الوضع الراهن‪.‬‬

‫وفي املقابل‪ ،‬فإن هناك تقييما آخر يتناقض مع تلك الصورة الوردية ألوضاع‬

‫‪16‬‬

‫اإلعالم في مصر‪ ،‬عبر عنها كثيرون يصعب حصرهم‪ ،‬وقد عبر عن هذه‬ ‫الرؤية الزميل الكاتب الصحافي جمال فهمي بأنه «عندما يرى رئيس الدولة‬ ‫أن النقد املوجه له إهانة لشخصه‪ ،‬فنحن إذن أمام هجمة أشرس على اإلعالم‬ ‫تهدف إلى خنق الحريات وتكميم األفواه‪ ،‬وأن نوايا جماعة اإلخوان املسلمني‬ ‫تجاه اإلعالم ظهرت منذ اللحظة األولى لوصول حزبها إلى البرملان ومن بعده‬ ‫سدة الحكم‪ ،‬عندما وصف مرشد الجماعة‪ ،‬محمد بديع‪ ،‬الصحافيني بسحرة‬ ‫فرعون‪ ،‬وتجلت النية الحقا في معايير اختيار رؤساء تحرير الصحف‬ ‫القومية التي مارسها مجلس الشورى‪ ،‬كخطوة تمهيدية لوضع اإلعالم ضمن‬ ‫خطة الجماعة لـ(أخونة الدولة)»‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬


‫على استعداد للمساهمة في أي مشروع يجمع اإلخوة الفلسطينيني‪،‬‬ ‫وأيضا التحضير إلجراء محادثات مباشرة بني حماس وحركة فتح في‬ ‫تركيا بهدف تشكيل حكومة وحدة فلسطينية في قطاع غزة والضفة‬ ‫الغربية‪ ،‬فهذا يسهل االعتراف بفلسطني في األمم املتحدة‪ .‬وبهذا جعلت‬ ‫أنقرة نفسها محاميا دوليا مهما للطرفني‪ ،‬أي إن حماس وفتح تتمتعان‬ ‫بمساندة بلد مسلم وعضو في نفس الوقت في حلف شمال األطلسي‪.‬‬ ‫هذا االلتزام الظاهر لتركيا في فلسطني يكمل استراتيجيتها السياسية‬ ‫الجديدة للمنطقة والتي أظهرتها منذ «الربيعات العربية} ما منحها‬ ‫ديناميكية قوية لتحقيق سعيها كي تتبوأ مركزا قياديا في الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬وبشكل أنيق جدا جعل أردوغان نفسه متحدثا للمعارضني‬ ‫للحكومات السابقة في مصر وليبيا وحاليا في سوريا‪ ،‬باألخص في‬ ‫ظل ظروف تواجه فيها البلدان املؤثرة تقليديا في املنطقة مشكالت‬ ‫صعبة‪ .‬فالحكومة املصرية ما زالت تعاني من تداعيات التغييرات في‬ ‫النظام‪ ،‬وفي سوريا يحاول النظام هناك البقاء على قيد الحياة قدر‬ ‫اإلمكان‪ ،‬وإيران التي اعتبرت املسيطرة على املنطقة فإنها وبسبب‬ ‫مواقفها من {الربيعات العربية} فقدت مصداقيتها لدى الكثيرين‪ ،‬فهي‬ ‫ال تشكل صديقا ألي من األطراف التي ساهمت في هذه التغييرات‬ ‫السياسية‪.‬‬

‫سياسة أردوغان الخارجية‬ ‫هذا الفراغ الذي حدث تستغله تركيا بشكل ذكي وسياسة أردوغان‬ ‫الخارجية حيال التعامل معه غير مختلف عليها داخل تركيا‪ ،‬عدا عن‬ ‫أصوات قليلة للمعارضة وبعض وسائل اإلعالم التركية التي تصف ما‬ ‫يقوم به أن عسكريا أو سياسيا بالجنون الكبير‪ ،‬ويحذر هؤالء من «النيو‬ ‫عثمانية} أي العثمانية الجديدة من أجل السيطرة على الشرق األوسط‪،‬‬ ‫خاصة بوجود قوى سياسية تؤمن باألفكار {األردوغانية}‪ .‬فأردوغان‬ ‫أظهر ارتياحا لفوز اإلخوان املسلمني في مصر وحزب النهضة في‬ ‫تونس‪ ،‬ويتوقع أن يتم تقارب بني القوتني بمباركته‪ .‬ويستند أردوغان‬ ‫في تحركاته هذه على مبدأ أن {حكومته اإلسالمية هي املنبع الروحي‬ ‫للشرق األوسط}‪ ،‬وهذا مكنه من خطف حركة حماس من يد سوريا‬ ‫التي كانت تمولها‪ ،‬وقد يجد خالد مشعل رئيس املكتب السياسي مالذا‬ ‫له في أنقرة عضو حلف الناتو‪ .‬وبهذا يريد أردوغان أيضا وكما يبدو‬ ‫إفهام الرافضني لعضوية بالده في االتحاد األوروبي (فرنسا وأملانيا)‬ ‫أنه قوة ال يستهان بها في الشرق األوسط‪ ،‬هذا من جهة ومن جهة‬ ‫أخرى يريد منافسة إسرائيل لدى واشنطن على أهمية دور بالده في‬ ‫املنطقة مستفيدا من تاريخها هناك‪ .‬وما يلفت النظر تذكيره الدائم‬ ‫بالتزام تركيا التاريخي بفلسطني كما التزم السالطني العثمانيون بها‬ ‫وكذلك الجمهورية التركية‪ .‬لكن من يقرأ تاريخ تركيا في منطقة الشرق‬ ‫األوسط سوف يتساءل أي التزام كان هذا‪ ،‬ففترة حكم اإلمبراطورية‬ ‫العثمانية كما الدولة التركية للشرق األوسط توصف حتى يومنا هذا‬ ‫ودام‪ ،‬فهل قرأه أردوغان؟ على ما يبدو أنه ال يريد أن‬ ‫بفصل أسود ٍ‬ ‫يتذكر مثال الثورة العربية الكبيرة التي قام بها الشريف الحسني وكان‬ ‫يومها حاكم مكة ضد الدولة العثمانية في يونيو (حزيران) عام ‪1916‬‬ ‫لكن بدعم بريطاني‪ ،‬واعتبر املثقفون العرب العثمانيني أعداء أزليني‪،‬‬ ‫خاصة في فترة جمال باشا {السفاح} الذي علق املشانق للذين طالبوا‬ ‫باستقالل بالدهم {لبنان وسوريا} ويوم الشهداء‪ .‬إن كتب التاريخ‬ ‫لشاهد على ذلك وعلى املجاعات والخوف من السلطة التركية التي تلجأ‬ ‫إلى السيف‪ .‬إنها ملحة بسيطة عن تاريخ العثمانيني في املنطقة فأي‬ ‫التزام يتحدث عنه أردوغان؟‬

‫وساطة أوباما بني تركيا وإسرائيل‬ ‫بالطبع هناك عناصر تراهن عليها تركيا في تحقيق"حلمها الكبير‬ ‫ونشر نفوذها"‪ ،‬إال أن أساسيات هذه الحلم غير متوفرة على أرض‬

‫الواقع فيما يتعلق بسياستها الخارجية في املنطقة وكما يبدو فهي‬ ‫تبالغ كثيرا بقدراتها وال تريد االعتراف بذلك‪ .‬فحتى واشنطن التي‬ ‫تبارك تدخل أنقرة في املنطقة سياسيا وعسكريا‪ ،‬ليست مستعدة‬ ‫للمخاطرة وركوب سفينة «عثمانية}‪ ،‬فعندها يجب أن تغيير قواعد هي‬ ‫عماد سياستها في الشرق األوسط وهذا ما لن تقوم به‪ .‬فالجغرافية‬ ‫السياسية للمنطقة ترسمها حتى اآلن اإلدارة األميركية مع حليفها‬ ‫األزلي إسرائيل ال غير‪.‬‬ ‫ومن أجل إرضاء تركيا فقد تمنحها املزيد من األراضي في سوريا‬ ‫مع حرصها على إبقاء القضية الكردية مشتعلة ألنها العصا التي‬ ‫يمكنها أن تعيد أنقرة إلى صوابها في حال تمردت‪ .‬إذ ال ننسى أن‬ ‫مجموعات كردية تركية تتعاون مع إسرائيل عسكريا ولوجيستيا‪،‬‬ ‫وال تريد واشنطن أيضا مواجهة مشكالت أخرى مع أقليات لها‬ ‫تاريخها في املنطقة كاألقلية املسيحية والشيعة واألكراد األتراك‪ .‬أما‬ ‫عن سبب إصرار واشنطن على أن تكون العالقات طيبة بني تركيا‬ ‫وإسرائيل‪ ،‬وقيام الرئيس أوباما بمصالحة الطرفني نتيجة الخصام‬ ‫بينهما بسبب سفينة السالم فيقول البعض إن الرئيس األميركي‬ ‫يعرف تماما أن التغيرات السياسية الحاصلة في العالم العربي لن‬ ‫تمكن إسرائيل من االستفادة منها ألنها ما زالت بعني العرب دولة‬ ‫تحتل فلسطني‪ .‬كما أن الواليات املتحدة تشعر اليوم أكثر من أي وقت‬ ‫مضى بأنها مهددة بالتهميش دوليا لوجود قوى عظمى مثل الصني‬ ‫تدخل إلى املنطقة مرحبا بها عن طريق املشاريع اإلنمائية والسلع‬ ‫الرخيصة وليس عن طريق الحرب‪ ،‬وواشنطن ال تستطيع توفير‬ ‫هذه العناصر املهمة ألنها حددت لونها منذ دخول املنطقة قبل أكثر‬ ‫من خمسني عاما‪ ،‬وهذا يفسر تحريكها لتركيا املسلمة في البلدان‬ ‫العربية اإلسالمية لكنها تبقي صمام األمان في يدها لكبح جماح‬ ‫التطلعات النيو عثمانية‪.‬‬ ‫كما أن هناك بلدانا أوروبية منها أملانيا تدرك جيدا مخاطر"حلم تركيا‬ ‫الكبير" على مصالحها في املنطقة لذا يجب عرقلته‪ ،‬فهي كما بلدان‬ ‫أخرى أوروبية تدرك تماما أن تركيا لم تعد دولة نامية وليست دولة‬ ‫تتوسل املساعدات‪ ،‬وهذا ما مكنها بال ريب منذ انتهاء الحرب الباردة‬ ‫من أن تكون واثقة من نفسها لوضع استراتيجية قومية لسياستها‬ ‫االقتصادية واألمنية والخارجية على أساس تطلعاتها املستقبلية‪،‬‬ ‫لكن ذلك ال يعني في املنظور القريب إعطاء تركيا ظهرها ألوروبا‪ ،‬مع‬ ‫ذلك تسعى أوروبا هذه إلى حصر مخاطر هذه التطلعات ألن لها اليوم‬ ‫مصلحة كبيرة جدا في استقرار الدول العربية التي تعيش تحوالت‬ ‫سياسية‪ ،‬في نفس الوقت ال تريد أن تترك األمور تسير على أساس‬ ‫التطلعات النيو عثمانية<‬

‫فتور في العالقات التركية ‪-‬االسرائيلية‬

‫‪,,‬‬

‫االلتزام الظاهر‬ ‫لتركيا في‬ ‫فلسطني يكمل‬ ‫استراتيجيتها‬ ‫السياسية‬ ‫الجديدة‬ ‫للمنطقة والتي‬ ‫أظهرتها منذ‬ ‫«الربيع العربي»‬ ‫ما منحها‬ ‫ديناميكية قوية‬ ‫لتحقيق سعيها‬ ‫كي تتبوأ مركزا‬ ‫قياديا في‬ ‫الشرق األوسط‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪15‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫هاجمت سفينة السالم في مرمرة وقتلت عددا من املناصرين للسالم‬ ‫حاولوا إيصال املساعدات اإلنسانية لغزة‪ .‬فرغم قول أكثر وسائل‬ ‫اإلعالم إن رئيس الحكومة أردوغان كان املحرك الخفي للسفينة أكد‬ ‫كثير من املراقبني األتراك أنه أراد بهذه العملية االستفادة فقط بالحصول‬ ‫على دعم الفلسطينيني في غزة له حيث يسيطر تنظيم إسالمي‪ .‬أي إنه‬ ‫كانت هناك {غاية في نفس يعقوب}‪ .‬فالسفينة تركت في شهر مايو‬ ‫(أيار) عام ‪ 2010‬املياه التركية من دون مباركة الحزب الحاكم التركي‪،‬‬ ‫وعندما قتل الكوماندو اإلسرائيلي النشطاء على متنها استفادت أنقرة‬ ‫من الواقعة فلعبت دور املعترض أشد االعتراض‪ ،‬هذا االعتراض كان‬ ‫حسب وصف بعض املعارضني األتراك {مسرحية}‪ ،‬بينما نظر إليه‬ ‫آخرون على أنه نزاع بني الولدين املدللني (إسرائيل وتركيا) لواشنطن‪.‬‬

‫دعم شعبي تركي للقضية الفلسطينية‬

‫‪,,‬‬

‫تركيا قد‬ ‫أصبحت رقما‬ ‫صعبا في الكثير‬ ‫من املعادالت‬ ‫السياسية في‬ ‫املنطقة لذا ال‬ ‫يمكن إهمالها‬ ‫لكن يجب مراقبة‬ ‫مطامعها فهي‬ ‫تسعى إلى‬ ‫الحصول على‬ ‫عمق وامتداد‬ ‫سياسي‬ ‫وجغرافي‬

‫‪,,‬‬

‫فترة احتالل اإلمبراطورية العثمانية كما الدولة التركية لـ{الشرق‬ ‫األوسط} سوداء ودامية‪.‬‬

‫تغلغل إيران‬ ‫بالطبع لن يكون من السهل على تركيا سلوك سياسة جديدة على‬ ‫حساب عالقتها بالغرب‪ ،‬لذا تسلك كما املعتاد سياسة ملتوية عند‬ ‫الحاجة للتقرب من بلدان آسيا الوسطى عبر ما يسمى بمؤتمر األمن‬ ‫والتعاون األوروبي وهي عضو فيه أيضا‪ .‬فهي التي كانت وراء التحاق‬ ‫الكثير من هذه البلدان به بعد إصرارها على ضرورة ذلك لخدمة خطة‬ ‫األمن الدولي‪ .‬والواليات املتحدة لها اهتمام كبير بأن يكون لتركيا الشريك‬ ‫في محافل غربية كثيرة نفوذ في منطقة التغييرات الجيوسياسية في‬ ‫آسيا الوسطى‪ ،‬فهذا يعيق تغلغل إيران التي تستخدم نفس السالح‪ ،‬أي‬ ‫الدين واللغة الفارسية ويتحدثها سكان طاجاكستان مع أن أغلبيتهم‬ ‫من السنة‪ .‬يضاف إلى ذلك أن واشنطن بالتحديد تخشي أن تتحول‬ ‫املنطقة إلى منطقة نفوذ سياسي وإسالمي وثقافي واقتصادي إيراني‪.‬‬ ‫وكان وزير الخارجية األميركي األسبق جيمس بيكر قد حذر عندما قام‬

‫مطلع التسعينات بجولة في جمهوريات آسيا الوسطى‪ ،‬من نوايا إيران تركيا والقضية الفلسطينية‬

‫التوسعية وطالب يومها بالعمل على تحفيز دور تركيا البلد العلماني‪،‬‬ ‫فهي من وجهة نظره منفتحة واقتصادها وسياستها يجعالنها قادرة‬ ‫على لعب دور القيادة في هذا البلدان اإلسالمية‪ ،‬لذا ال تتطرق واشنطن‬ ‫إلى أحالم تركيا في الوقت الحاضر‪ .‬واليوم وبعد أن أصبح لتركيا‬ ‫مكانة اقتصادية وثقافية عن طريق اللغة والدين وتتغلغل سياسيا في‬ ‫بعض بلدان آسيا الوسطى إضافة إلى اقتصادها الواعد‪ ،‬أثبتت للغرب‬ ‫على أنها قوة ال يستهان بها أيضا في منطقة الشرق األوسط املتخبط‪،‬‬ ‫خاصة في ظل التغيرات السياسية القائمة واملعالم الجغرافية السياسية‬ ‫التي لم تتوضح بعد وحدودها الجغرافية القابلة للتغيير‪ .‬في ظل هذا‬ ‫الوضع املعقد واملفيد لتركيا تريد أنقرة القيام بنفس الدور الذي لعبته‬ ‫في دول آسيا الوسطى‪ ،‬لكن ليس عن طريق اللغة‪ ،‬فليس هناك شعوب‬ ‫في الشرق األوسط لغتها التركية‪ ،‬بل عن طريق مد يد العون لإلخوان‬ ‫الذين {يرزحون} تحت جبروت األنظمة الديكتاتورية مثل النظام في‬ ‫سوريا‪ .‬فهل هذه هي الخلفية الحقيقية لتوجهاتها السياسية القائمة‬ ‫وموقفها الواضح من الحرب األهلية في سوريا؟‬

‫حادث مرمرة‬ ‫إذا ما عدنا إلى الوراء قليال نجد أن تركيا قاطعت إسرائيل ألن األخيرة‬

‫‪14‬‬

‫هذا املوقف دفع بصحيفة «دي فيلت» األملانية املوالية إلسرائيل إلى‬ ‫القول إن أردوغان يلعب لعبة خطيرة في الشرق األوسط بدعم املعارضة‬ ‫السورية مباشرة وعلنا حتى بالسالح من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬ ‫العزف على وتر قطاع غزة‪ .‬فهو يريد أن يظهر للفلسطينيني هناك‬ ‫بأنه الحليف الوحيد لهم وهو مستعد للدخول كوسيط للمصالحة‬ ‫بني الحكم الذاتي الفلسطيني وحركة حماس اإلسالمية‪ ،‬فهو أيضا‬ ‫مسلم‪ .‬وألن القضية الفلسطينية تريد داعما لها بعد أن أصبحت شبه‬ ‫غائبة عن املسرح السياسي الدولي النشغال العالم بالوضع السوري‬ ‫ومشكالت «الربيعات العربية}‪ ،‬فهو يريد االستفادة من هذه الثغرة‬ ‫وكسب تأييد في العالم العربي الذي يشهد تغييرات سياسية غير‬ ‫واضحة املعالم‪ ،‬وذلك تمهيدا لتغلغله السياسي‪ ،‬وهذا يفسر موقفه‬ ‫من الحرب في سوريا‪ .‬وال يخفي الكثير من اإلعالميني حتى األتراك‬ ‫املقيمون في أملانيا أن أحد أهم أهداف تركيا اليوم االزدهار االقتصادي‬ ‫فهذا يكسبها وزنا اقتصاديا وسياسيا في املنطقة‪ ،‬ما يفسر أيضا‬ ‫موقفها حيال الوضع في سوريا‪ .‬فهناك منابع للنفط واملاء (مياه‬ ‫دجلة والفرات املختلف عليها) وهي بحاجة إليهما من أجل مواصلة‬ ‫نمو اقتصادها‪ .‬وكما هو معروف تصدر سوريا إلى أملانيا لوحدها‬ ‫نفطا بما قيمته مليار يورو سنويا عدا البلدان األخرى ومنها روسيا‪،‬‬ ‫ومنابع هذا النفط في الحسكة شمال سوريا التي أصبحت نقطة خالف‬ ‫أيضا بني سكانها األكراد والقوات السورية املعارضة املدعومة بالسالح‬ ‫التركي‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫ولقد أدركت أملانيا كما بلدان أوروبية أخرى أن لتركيا مطامع ومصالح‬ ‫أيضا‪ ،‬فرغم انتقاد برلني الدائم لسياسة أنقرة حيال األكراد‪ ،‬أرسلت‬ ‫قواعد صواريخ باتريوت وأكثر من ‪ 300‬جندي إلى الحدود السورية‬ ‫التركية ألنها ال تريد هي أيضا أن «تخرج من املولد بال حمص» كما‬ ‫كان حالها في العراق ألنها لم تشارك عسكريا هناك‪ .‬مع ذلك فإن‬ ‫الحكومة األملانية تبرر ذلك بأنه تلبية ملطالب قيادة حلف األطلسي‬ ‫(الواليات املتحدة) الداعية إلى مساندة أي عضو عند الضرورة‪ .‬أما‬ ‫فرنسا التي تشكو من أزمات اقتصادية كبيرة وذهبت إلى {مالي‬ ‫لحلها} فتشد اليوم أزر أردوغان‪ ،‬وهي التي ظلت ولسنوات طويلة‬ ‫تضع العصي بني الدواليب فيما يتعلق بعضوية تركيا في االتحاد‬ ‫األوروبي بحجة قضية مجازر األتراك ضد األرمن‪ .‬فالرئيس الفرنسي‬ ‫األسبق نيكوال ساركوزي وضع هذا امللف الشائك في الدرج وبارك‬ ‫ذلك الرئيس الحالي فرنسوا هوالند ومجلس النواب بحجة عدم وجود‬ ‫براهني دامغة بأن تركيا قد اقترفت هذه الجرائم الفظيعة‪ .‬لكن في الواقع‬ ‫وألن تركيا قد أصبحت رقما صعبا في الكثير من املعادالت السياسية‬ ‫في املنطقة‪ ،‬لذا ال يمكن إهمالها لكن يجب مراقبة مطامعها‪ ،‬فهي‬ ‫تسعى إلى الحصول على عمق وامتداد سياسي وجغرافي‪ .‬يضاف‬ ‫إلى هذا املشهد محاولة الحكومة التركية الدخول كوسيط للمصالحة‬ ‫بني حركة حماس والسلطة الفلسطينية‪ ،‬وقال وزير خارجيتها نحن‬


‫استخداما من قبل القوات الجوية األميركية ولعبت دورا في الحرب‬ ‫األميركية ضد العراق‪.‬‬

‫الحلم التركي‬ ‫والحلم التركي الكبير عودة تركيا إلى منطقة الشرق األوسط لم يكن حلم‬ ‫رئيس تركي واحد‪ ،‬بل راود فكر أتاتورك وحسني رءوف بيه ورؤساء‬ ‫حكومات من عصمت باشا مرورا بمحمد رجب بكر وتورغوت أوزال‬ ‫(رئيس الوزراء ‪ )1993 - 1989‬واعتبر أكثر الرؤساء حماية للمصالح‬ ‫القومية التركية كما سامي سليمان دمريل الذي تولى الحكم مباشرة‬ ‫بعده وكان عضوا قديما في أحد لوجات املاسونية في أنقرة‪ .‬ما يعني‬ ‫أنه ومهما كان لون الحزب الحاكم دينيا أم دنيويا‪ ،‬فإن الهدف واحد‬ ‫هو السعي لتحقيق الحلم عبر عدة طرق مختلفة منها التغلغل الديني‬ ‫أو االقتصادي أو الثقافي في بلدان الشرق األوسط أي بالقوة الناعمة‪.‬‬ ‫ومن الجدير ذكره أن رئيس الحكومة دمريل (عام ‪ )1993‬وخالل أول‬ ‫زيارة له إلى واشنطن أعلن عن رغبة بالده أن تلعب دورا جديدا في‬ ‫بلدان االتحاد السوفياتي السابق اإلسالمية‪.‬‬ ‫فبعد تنفيذ الرئيس الروسي ميخائيل غورباتشوف سياسته‬ ‫اإلصالحية وانهيار االتحاد السوفياتي كان ال بد ألنقرة من سرعة‬ ‫التحرك والتوجه إلى حليفها األقرب الواليات املتحدة‪ .‬فهي رأت أنه‬ ‫وبعد انتهاء الصراع بني الشرق والغرب وكدولة جنوب شرقية داعمة‬ ‫فإن أهمية دورها قد تقل شيئا فشيئا كشريك أطلسي لوجود بلدان‬ ‫أوروبية شرقية يمكنها لعب هذا الدور‪ ،‬لذا كان يجب عليها التفاني‬ ‫لإلبقاء على وزنها باتخاذ خطوات مهمة‪.‬‬ ‫وهذا بان في مواقف رئيس الحكومة التركي مسعود يلمظ عندما احتل‬ ‫صدام حسني الكويت فدعم بشكل قاطع املساعي األميركية لفرض‬ ‫األمم املتحدة عقوبات اقتصادية على العراق‪ ،‬ما ساهم في تسهيل‬ ‫عملية تغلغل تركيا في الجمهوريات اإلسالمية آلسيا الوسطى‪.‬‬ ‫فسيطرة روسيا طوال ‪ 70‬عاما تقريبا على هذه الجمهوريات رفعت‬ ‫من أهمية تركيا املسلمة هناك‪ ،‬يضاف إلى ذلك أن الواليات املتحدة‬ ‫ليس لديها شريك مهم تعتمد عليه وتثق به يقع ما بني أوروبا والشرق‪،‬‬ ‫وتركيا هي الرقم واحد‪.‬‬

‫بلدان آسيا الوسطى‬ ‫وسبق ذلك أواخر الثمانينات بروز فكرة تأسيس شراكة بني تركيا‬ ‫وإيران وباكستان ودول إسالمية كانت تابعة لالتحاد السوفياتي مثل‬ ‫أذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان وتوسيعها بالسماح بانضمام‬ ‫كل من طاجيكستان وكازاخستان وقيرغيستان إليها‪ ،‬ما يعني‬ ‫شراكة تضم أكثر من ‪ 300‬مليون مسلم وكانت تركيا تسعى إلى‬ ‫تكوين اتحاد اقتصادي لوحدها لينافس االتحاد األوروبي الذي أبعدت‬ ‫عنه‪ ،‬لكن يجب أن يكون بقيادتها ما يعني إبعاد إيران وباكستان‪ ،‬وهذا‬ ‫أفشل مساعيها رغم أنها تواصل السعي لتحقيق هذا االتحاد‪ ،‬كما أنه‬ ‫صعب املنال على األقل على املدى املتوسط‪ ،‬ليس ألسباب سياسية أو‬ ‫عقائدية‪ ،‬بل لعدم توفر املقومات الالزمة له‪.‬‬ ‫فهذه البلدان تعتبر من بلدان العالم الثالث التي تملك ثروات طبيعية كما‬ ‫هي الحال في كازاخستان بينما الثغرة الكبرى املفقودة هي التقنية‬ ‫املتطورة‪ .‬عدا عن ذلك فإن كل بلدان الشراكة هذه ما زالت فقيرة‪ ،‬عدا‬ ‫تركيا الناهضة اقتصاديا‪.‬‬ ‫هذا الوضع سمح لتركيا بالدخول من الباب الواسع إلى بلدان آسيا‬ ‫الوسطى والقوقاز باستغاللها أيضا ألخوة اللغة التركية والتي يجب‬

‫حمايتها حسب اعتبارها‪ ،‬لكن في حقيقة األمر أنها الرغبة في بناء‬ ‫حلف مع هذه البلدان املتحدثة باللغة التركية ما سيساعد على مد‬ ‫نفوذها االقتصادي والثقافي والسياسي هناك‪.‬‬ ‫بالطبع على املرء أن ينظر بنفس منظار تركيا إلى تطورات السنوات‬ ‫األخيرة في بلدان آسيا الوسطى بعد انهيار االتحاد السوفياتي‪،‬‬ ‫ودخلت في حقبة جديدة تماما في تاريخها الحديث‪.‬‬ ‫فحتى نهاية ثمانينات القرن املاضي كانت تفهم تركيا نفسها وبناء‬ ‫على أفكار كمال أتاتورك أنها غربية أو في طريقها إلى الغرب‪ ،‬وهذا‬ ‫سيسمح لها مستقبال بلعب دور الوسيط بني البلدان العربية واإلسالمية‬ ‫(أيضا بلدان آسيا الوسطى) من جهة وأوروبا من جهة أخرى ما يفسر‬ ‫الوجود الكبير منذ سنوات ملثقفني ورجال أعمال وسياسيني أتراك في‬ ‫العاصمة باكو بشكل دائم أو في طشقند وأملآتي واشكاباد‪.‬‬ ‫أيضا املشاريع التي تنفذها عشرات الشركات التركية من منشآت‬ ‫بترولية وحتى منتجعات سياحية‪ .‬يقابل ذلك زيارات ال تنقطع‬ ‫ملسؤولني كبار من هذه البلدان لتركيا‪ ،‬ما يعني أن هذا التحرك لن يكون‬ ‫من دون نتائج أو تأثير‪ .‬ولقد انفتحت تركيا شرقا وتريد تعميق هذا‬ ‫االنفتاح على كل املستويات االقتصادية والثقافية ما يسهل بالتالي‬ ‫االنفتاح السياسي أيضا‪ ،‬إال أن ذلك ال يمكن أن ينطبق على الشرق‬ ‫األوسط رغم حديث أردوغان وغيره عن التزامات ثقافية وحضارية‬ ‫ودينية‪.‬‬ ‫فمن يقرأ تاريخ تركيا في املنطقة سوف يتساءل عن هذه االلتزامات‬ ‫التي تتبجح بها تركيا لتبرير سياستها‪ .‬فكل كتب التاريخ اعتبرت‬

‫‪,,‬‬

‫تفكك االتحاد‬ ‫السوفياتي سمح‬ ‫لتركيا بالدخول‬ ‫من الباب الواسع‬ ‫إلى بلدان آسيا‬ ‫الوسطى والقوقاز‬ ‫باستغاللها أيضا‬ ‫ألخوة اللغة التركية‬ ‫ما سيساعد على مد‬ ‫نفوذها االقتصادي‬ ‫والثقافي‬ ‫والسياسي‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪13‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫هل ما زال العثمانيون أو األتراك حاليا يعتقدون أن امتدادهم السياسي والجغرافي هو ما‬ ‫احتلوه سابقا ولفترة طويلة جدا من بلدان منطقة الشرق األوسط‪ ،‬وبالتحديد الواقعة على البحر‬ ‫األبيض املتوسط‪ ،‬وعليه فإن هذا الجزء هو من أراضي اإلمبراطورية العثمانية كما األراضي التي‬ ‫اقتطعوها في املاضي مثل لواء اإلسكندرون السوري عام ‪ 1939‬ومدينة إنطاكية؟ إن التطورات‬ ‫الحاصلة على الساحة السياسية والدور الذي تلعبه أنقرة يدفعان إلى القول إن هذا االعتقاد‬ ‫السابق هو استراتيجية تركيا املستقبلية التي تريد تنفيذها‪ ،‬لكن ليس كما في القرون املاضي‬ ‫بل عبر الهيمنة السياسية غير املباشرة أو باألحرى القوة الناعمة‪.‬‬

‫تركيا‪ ..‬القوة الناعمة في الشرق األوسط‬

‫العثمانيون اجلدد‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫اعتدال سالمة‬

‫عندما انهارت اإلمبراطورية العثمانية في عام ‪ 1922‬بعد أن بلغت ذروة‬ ‫مجدها وقوتها في القرنني السادس عشر والسابع عشر وامتدت‬ ‫سلطتها إلى آسيا الصغرى وشمال أفريقيا وأجزاء كثيرة من جنوب‬ ‫شرقي أوروبا‪ ،‬لم يكن من السهل عليها أن تقبل بطيب خاطر خروجها‬ ‫كقوة عظمى لقرون طويلة مهزومة‪ .‬فاإلمبراطورية العثمانية كانت‬ ‫قوة عسكرية وسياسية على زمن السلطان سليمان األول القانوني‪،‬‬ ‫وتحولت عاصمتها القسطنطينية إلى مركز يصل العاملني األوروبي‬ ‫املسيحي والشرقي اإلسالمي‪.‬‬

‫على الرغم من‬ ‫أفكاره املتحررة‬ ‫فقد كان هدف‬ ‫كمال أتاتورك من‬ ‫اعتماد األبجدية‬ ‫الالتينية في‬ ‫الكتابة التركية‬ ‫هو التقرب من‬ ‫الغرب أكثر فأكثر‬ ‫من أجل تحقيق‬ ‫حلم استرجاع‬ ‫هيبة تركيا‬ ‫القديمة ونفوذها‬

‫هذا الحقبات الذهبية وآخرها كانت حقبة السلطان سليمان ما زالت‬ ‫محور كتب التاريخ في تركيا التي تتغنى بهذه االنتصارات وكأنها‬ ‫حية في العقول والقلوب وكأن األتراك يتحضرون للعب دورهم السابق‬ ‫ألن ذلك تحصيل حاصل‪ ،‬لكن هذه املرة ليس بالسيف بل بممارسة‬ ‫سياسة الوساطة أو التدخل غير املباشر عبر مساندة طرف على آخر‬ ‫أو التذكير باإلخوة مرة وبالدين الواحد مرة أخرى ويظهر ذلك عبر‬ ‫حضور تركيا الواضح في األحداث التي تشهدها املنطقة العربية‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫‪,,‬‬

‫‪12‬‬

‫الدولة العثمانية‬ ‫وإذا ألقينا نظرة على التاريخ نجد أن الدولة العثمانية تحاول دائما‬ ‫املواربة للدخول إلى منطقة ما من الباب الخلفي إذا لم تتمكن من الدخول‬ ‫من الباب الرئيسي‪ ،‬فهي وقفت في الحرب العاملية األولى إلى جانب‬ ‫أملانيا والنمسا وبلغاريا التي وصفت يومها بدول املحور‪ ،‬ولم يكن ذلك‬ ‫بمحض إرادتها بل ألنها لم تتمكن من التقرب من بريطانيا وفرنسا‬ ‫ويجمعها مع هاتني الدولتني صفة االستعمار والسيطرة والتوسع‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من مشكالتها املالية واالقتصادية‪ ،‬أصرت على دخول‬ ‫الحرب فقط من أجل إثبات وجودها على الساحة السياسية‪ ،‬فسمحت‬ ‫لسفن حربية أملانية بعبور مضيق الدردنيل باتجاه البحر األسود‪،‬‬ ‫ولكي تظهر قوة ال يستهان بها أغلقت املضايق البحرية بوجه املالحة‬ ‫التجارية‪ .‬ولم تكتف بذلك بل هاجم أسطولها املوانئ الروسية في البحر‬ ‫األسود‪ ،‬لكنها لم تدخل في الحسبان حينها أنها سوف تدخل في حرب‬ ‫تكون الخاسرة فيها هذه املرة أيضا حيث منيت بهزيمة نكراء‪.‬‬ ‫في هذه األثناء برز قائد عسكري اسمه الجنرال مصطفى كمال أتاتورك‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫تحول إلى بطل قومي فيما بعد لتسجيله انتصارات كثيرة وحول أنقرة‬ ‫إلى عاصمة للدولة التركية الحديثة وأصبح بذلك أول رئيس جمهورية‬ ‫عسكري في عام ‪ 1923‬وحول تركيا إلى دولة علمانية واضطر لتوقيع‬ ‫معاهدة لوزان مع الحلفاء التي تدعو إلى التخلي عن األراضي العثمانية‬ ‫غير التركية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أفكاره املتحررة فإن مؤرخني أتراكا يقولون إن كمال‬ ‫أتاتورك كان هدفه من اعتماد األبجدية الالتينية في الكتابة التركية هو‬ ‫التقرب من الغرب أكثر فأكثر للحصول على دعم واالستفادة منه من‬ ‫أجل تحقيق الحلم املفقودة وهو استرجاع هيبة تركيا القديمة ونفوذها‪،‬‬ ‫أي عودة تركيا الكبرى هذه املرة وليس اإلمبراطورية العثمانية‪ .‬ونمو‬ ‫التيارات اإلسالمية في هذه الحقبة لم يمنع أتاتورك من توثيق العلمنة في‬ ‫مؤسساته‪ ،‬لكن عبر الجيش الذي كانت له السلطة في األمور السياسية‬ ‫كما العسكرية‪ .‬ومع أن هذه املؤسسة كانت تصطدم بني الفينة واألخرى‬ ‫مع املؤسسة املدنية فإن األسس التي تجمعهما كانت وما زالت تحقيق‬ ‫الحلم الكبير‪ ،‬وال يغيب في جلسات العسكر الخاصة الحديث حتى‬ ‫اليوم عن الدور الطبيعي للشعوب التركية في آسيا الوسطى والقوقاز‪،‬‬ ‫فهذا امتداد لتركيا الكبرى‪.‬‬ ‫ولقد ساهم الوضع السياسي بعد الحرب العاملية الثانية ووجود حلف‬ ‫وارسو والستار الحديد‪ ،‬وأيضا موقعها الجغرافي‪ ،‬فهي تقع على البحر‬ ‫األسود ما يجعلها جارة لروسيا وألوكرانيا ورومانيا‪ ،‬في تسهيل‬ ‫التحاق تركيا بحلف شمال األطلسي الذي تأسس عام ‪ ،1949‬فتركيا‬ ‫انتسبت إليه عام ‪ 1952‬أي بعد ثالثة أعوام فقط‪ ،‬وكان يومها فؤاد‬ ‫كوبرولو املقرب من واشنطن وزير الخارجية‪ .‬ومع أن الكثير من البلدان‬ ‫املؤسسة للحلف كانت ضد انضمام تركيا لكن الضغط األميركي كان‬ ‫أكبر‪ ،‬فاملصلحة األميركية كانت واضحة‪ ،‬فهي تريد حلفاء وشركاء‬ ‫تعتمد عليهم في وقت الحاجة مثل إسرائيل وتركيا يتميزون بموقع‬ ‫جغرافي يفيد املصالح األميركية‪.‬‬ ‫لكن في املقابل يمكن لتركيا االستفادة من هذه العالقة األميركية‬ ‫لتثبيت وجودها السياسي‪ ،‬لذا نرى أن كل الحكومات السابقة والحكومة‬ ‫الحالية التركية ال تأتي أبدا على ذكر وجود ‪ 90‬رأسا نوويا أميركيا‬ ‫في قاعدة انسرليك الجوية غير البعيدة من أنقرة‪ ،‬فهي القاعدة األكثر‬


‫ملحق يومي وصفحات متخصصة‬ ‫في‬ ‫عقارات‬

‫صحتك‬

‫السبت‬

‫الجمعة‬

‫سفر وسياحة‬

‫ثقافة‬ ‫األحد‬

‫الثالثاء‬

‫إعالم‬

‫االثنني‬

‫حصاد‬

‫ملسـات‬

‫الخميس‬

‫األربعاء‬

‫املتخصصة‬ ‫صفحات‬ ‫أجندة األعمال السبت واألربعاء > علوم السبت‬ ‫سيارات األحد > فنون االثنني > التعليم االثنني > تقنية املعلومات الثالثاء‬ ‫كتب األربعاء > أنغام الخميس > سينما الجمعة‬ ‫سجاالت األحد (داخل صفحات الرأي)‬

‫‪ ..‬تجدد دائم‬


‫شؤون سياسية‬

‫الرئيس التركي عبد الله غول يجتمع مع‬ ‫املرشد العام لالخوان محمد بديع ونخب‬ ‫من قوى املعارضة املصرية والدكتور محمد‬ ‫مرسي – قبل انتخابه رئيسا للجمهورية‪ -‬في‬ ‫يوم ‪ 3‬مارس ‪ ،2011‬كجزء الزيارة التي دعا‬ ‫خاللها غول لفترة انتقالية شفافة في البالد‬

‫‪,,‬‬

‫في ظل وجود‬ ‫الجهاديني الذين‬ ‫يدركون مواطن‬ ‫الضعف في‬ ‫املؤسسة األمنية‬ ‫التركية‪ ،‬تتعرض‬ ‫أنقرة ملخاطر‬ ‫القاعدة‬

‫‪,,‬‬

‫‪10‬‬

‫وال يوجد ما يضمن أن هؤالء الجهاديني لن يستهدفوا تركيا‬ ‫يوما ما‪ .‬فقد شن تنظيم القاعدة هجوما في تركيا في ‪،2005‬‬ ‫وكشفت الشرطة التركية مؤخرا عن مؤامرة حاكها تنظيم‬ ‫القاعدة الغتيال عدد من الشخصيات العامة التركية الشهيرة‪.‬‬

‫في شمالي سوريا خاصة أن الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة‬ ‫قد حققت في الفترة املاضية مكاسب هائلة‪ .‬ونظرا ألن الحدود‬ ‫التركية السورية أصبحت منتهكة منذ ‪ ،2011‬فربما تقع تركيا‬ ‫فريسة لتنظيم القاعدة في سوريا بعد سقوط نظام األسد‪.‬‬

‫وفي ظل وجود عدد كبير من الجهاديني الذين يسافرون عبر‬

‫البالد ويدركون مواطن الضعف في املؤسسة األمنية التركية‪ ،‬تركيا بني االنتماء لإلسالم والنفوذ الغربي‬ ‫تتعرض أنقرة ملخاطر حقيقية‪ :‬فيمكن لتنظيم القاعدة أن يعض‬ ‫تلك اليد التي سمحت له بالدخول إلى سوريا‪.‬‬

‫وعندما سأل معدا هذا املقال املسؤولني األتراك حول إذا ما‬ ‫كانوا قلقني بشأن نفوذ الجهاديني إلى جوارهم في سوريا‪،‬‬ ‫أجاب أحدهم قائال‪« :‬يعرف املسؤولون األمنيون بتركيا هؤالء‬ ‫الجهاديني جيدا وبالتالي سوف يتعاملون معهم بعد سقوط‬ ‫نظام األسد»‪.‬‬ ‫ولكن ذلك ربما يمثل مشكلة عسيرة بالنسبة لتركيا‪ .‬فنظرا‬ ‫ألن تركيا لم تعان من قبل من وجود جهاديني أتراك‪ ،‬فربما‬ ‫ال يكون لدى املسؤولني األتراك الخبرة الكافية للتعامل مع تلك‬ ‫الجماعات الجهادية‪.‬‬ ‫وبمعنى آخر‪ ،‬ففيما تعتقد أنقرة أنها تستغل هؤالء الجهاديني‪،‬‬ ‫فربما يكون الجهاديون هم من يستغلون تركيا‪ .‬وعندما يسقط‬ ‫نظام األسد‪ ،‬ربما تجد تركيا نفسها أمام أزمة وجود جهاديني‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫إن األمم عرضة للتغيير‪ ،‬وفي بعض األحيان يكون ذلك التغيير‬ ‫سريعا ودراميا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن أي استنتاجات نهائية بشأن‬ ‫مصير تركيا تعد استنتاجات بال أساس‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فمن‬ ‫املرجح أن يمثل املزيج الفريد في تركيا بني االنتماء للعالم‬ ‫اإلسالمي والنفوذ الغربي بوصلة للمستقبل بغض النظر عن‬ ‫بعض التغيرات في اتجاه أو في آخر‪.‬‬ ‫حيث إن ذلك املزيج منغرس في كل من الفرد واملؤسسات كما‬ ‫أنه أسفر عن نتائج استثنائية‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإذا ما أدارت‬ ‫تركيا ظهرها لواحدة من تلك العناصر الرئيسة لشخصيتها‬ ‫القومية‪ ،‬فإنها سوف تفتح الباب أمام النزاعات الداخلية وتفقد‬ ‫جاذبيتها بالنسبة للعالم الصناعي وبالنسبة لجيرانها من دول‬ ‫الشرق األوسط‪.‬‬ ‫وسوف تواجه صعوبات في الحفاظ على النمو السياسي‬ ‫االجتماعي االستثنائي والصعود االقتصادي والنجاح‬ ‫الدبلوماس <‬


‫زوجة الرئيس عبد الله غول‪ ،‬والعضو السابق بحزب العدالة‬ ‫والتنمية‪ ،‬بحضور جماهيري واسع وتقدم مبادرات سياسية‬ ‫خاصة بها‪.‬‬ ‫وربما األهم من ذلك أن احتفاء تركيا باالقتصاد الليبرالي هو‬ ‫ما دفع حزب العدالة والتنمية أساسا إلى السلطة‪ .‬باإلضافة‬ ‫إلى أن جانبا كبيرا من نفوذ تركيا في العالم اإلسالمي يرجع‬ ‫إلى نجاحها االقتصادي والسياسي في العالم الغربي‪ ،‬والوجه‬ ‫املختلف للمسلمني‪ ،‬على نحو ما‪ ،‬الذي تقدمه القوى الناعمة‬ ‫لتركيا‪ .‬وقد تم تأصيل تلك الخصائص عبر وسائط مثل‬ ‫املسلسالت التركية التي تصور تركيا باعتبارها مجتمعا‬ ‫عصريا تم تمكني املرأة به‪.‬‬ ‫ويمثل التغريب الهيكلي لتركيا – اتصاالتها املؤسسية بالغرب‬ ‫وتبنيها لألساليب الغربية ‪ -‬أيضا فارقا أساسيا مقارنة‬ ‫باملجتمعات ذات األغلبية املسلمة في املنطقة‪ .‬فمن الصعب أن‬ ‫نتخيل أن تحتفي الدول ذات األغلبية املسلمة األخرى بحضور‬ ‫حلف شمال األطلسي بينما في تركيا‪ ،‬حتى اإلسالميون‬ ‫املتشددون لديهم أسباب تجعلهم يؤيدون االنضمام لحلف‬ ‫شمال األطلسي ألنه هو ما يحمي تركيا من الشيوعية «امللحدة»‪.‬‬

‫إرث كمال أتاتورك‬ ‫وأخيرا وليس آخرا‪ ،‬سوف يمنع إرث العلمانية املنصوص عليها‬ ‫في الدستور‪ ،‬إرث كمال أتاتورك‪ ،‬وهي الخاصية التي ال يشارك‬ ‫تركيا فيها سوى تونس فقط من بني كافة الدول العربية‪ ،‬أسلمة‬ ‫تركيا‪ .‬وذلك ألن تركيا قد أصبحت علمانية تماما حتى إن‬ ‫الزعماء «العلمانيني» يفكرون بطريقة علمانية بغض النظر عن‬ ‫مدى تدينهم‪.‬‬

‫فخالل العام املاضي‪ ،‬وعندما وصل رئيس الوزراء التركي‬ ‫أردوغان إلى بوابة مطار القاهرة (التي أنشأتها الشركات‬ ‫التركية)‪ ،‬احتفت به ماليني من الجماهير املبتهجة التي حشدتها‬ ‫جماعة اإلخوان املسلمني‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فسرعان ما أزعج أردوغان مضيفيه املتدينني عندما‬ ‫تحدث حول أهمية الحكومة العلمانية التي توفر حرية الدين‬ ‫مستخدما الكلمة التركية «‪ – »laiklik‬التي تنحدر من كلمة‬ ‫فرنسية بمعنى العلمانية‪ .‬ولكن ذلك املصطلح ترجم إلى العربية‬ ‫بمعنى يشبه «الالدينية»‪ .‬وعلى الرغم من أن رسالة أردوغان‬ ‫فقدت جانبا من معناها عبر الترجمة‪ ،‬توضح تلك الواقعة‬ ‫االختالف العميق في العقلية رغم أن أردوغان يعد ناشطا‬ ‫إسالميا في تركيا‪.‬‬ ‫وكل ذلك يشير إلى أن أسلمة تركيا سوف يقف دونها تاريخ‬ ‫البالد الذي يعتبر مفهوم الشريعة بغيضا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فهناك‬ ‫تهديد يلوح في أفق تركيا‪ :‬النزاع في سوريا‪.‬‬

‫مواجهة نظام األسد‬ ‫منذ خريف ‪ ،2011‬وعندما بدأت أنقرة مواجهة نظام األسد‬ ‫وتأييد املتمردين‪ ،‬استخدمت العديد من الوسائل إلضعاف‬ ‫األسد‪ ،‬بما في ذلك السماح للمقاتلني األجانب (من ضمنهم‬ ‫الجهاديون) بالدخول إلى سوريا في إطار مساعيها إلضعاف‬ ‫األسد‪ .‬وهو ما يمثل خطرا محدقا بالبالد؛ حيث إن الجهاديني‬ ‫الذين يمرون عبر تركيا سوف يخلفون حتما آثارا وراءهم‪،‬‬ ‫فربما يؤسسون عالقات شخصية وشبكات لتعزيز مهاراتهم‬ ‫اللوجستية (مثل فتح حسابات بنكية بأسماء وهمية لتمويل‬ ‫عملياتهم املستقبلية أو الحصول على أجهزة اتصاالت آمنة)‬ ‫باإلضافة إلى الدعوة ملبادئهم وتجنيد أفراد جدد‪.‬‬

‫كلمة الردوغان وخلفه لوحة جدارية له‬ ‫ومصطفى اتاتورك ‪ -‬مارس ‪2011‬‬

‫‪,,‬‬

‫في املفهوم‬ ‫التركي ال‬ ‫تتمحور‬ ‫األسلمة حول‬ ‫مفهوم الشريعة‬ ‫ولكنها تتمحور‬ ‫حول اإلسالم‬ ‫األخالقي‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪9‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫أصبح حزب العدالة والتنمية مؤخرا الحزب الذي قضى أطول مدة في تاريخ الجمهورية التركية‪،‬‬ ‫إذ إن تركيا تحولت إلى ديمقراطية متعددة األحزاب حقا عام ‪ 1950‬وكانت تجري انتخابات‬ ‫حرة ونزيهة منذ ذلك الوقت‪ .‬وإذا ما استثنينا السنوات األربع التي أمضتها تركيا تحت الهيمنة‬ ‫العسكرية في أعقاب االنقالب‪ ،‬فإن ذلك يعني أن حزب العدالة والتنمية قد أدار تركيا بفعالية ملدة‬ ‫تصل إلى نحو ربع التاريخ الديمقراطي للبالد‪.‬‬

‫اإلرث الغربي عقبة أمام حزب "العدالة والتنمية" والنخب اإلسالمية في تطبيق الشريعة‬

‫آفاق أسلمة تركيا‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫سونر كاجابتاي‬ ‫وجيمس جيفري‬

‫‪,,‬‬

‫يحتج الخصوم‬ ‫العلمانيون لحزب‬ ‫العدالة والتنمية‬ ‫بالسياسات‬ ‫الثقافية للحزب‬ ‫بدءا من رفض‬ ‫تناول املشروبات‬ ‫الكحولية إلى‬ ‫ترويج التعليم‬ ‫الديني في‬ ‫املدارس‪ ،‬كحجة‬ ‫على أن تركيا في‬ ‫طريقها لألسلمة‬

‫‪,,‬‬

‫‪8‬‬

‫منذ وصوله إلى السلطة عام ‪ ،2002‬لم يتمكن حزب العدالة‬ ‫والتنمية فقط من أن يقضي أطول فترة في الحكومة‪ ،‬ولكنه‬ ‫عزز شعبيته‪ ،‬وفاز بثالثة انتخابات متتالية وفي كل مرة كان‬ ‫يحظى بتأييد أوسع‪.‬‬

‫(الذي أصبحت كلمة الشريعة كلمة سيئة في عهده)‪ ،‬أصبحت‬ ‫اإلشارة إلى هذا النوع من الحكومات اإلسالمية محملة بدالالت‬ ‫مثل «الرجعية‪ ،‬والتعصب»‪ .‬واليوم‪« ،‬تربط املحكمة الدستورية‬ ‫التركية بني الشريعة ونمط الحياة الديني »‪.‬‬

‫وفي أحدث االنتخابات التي أجريت في عام ‪ ،2011‬حصل الحزب‬ ‫على نحو ‪ 50‬في املائة من األصوات‪ .‬وقد منحت تلك النجاحات‬ ‫الحزب ما يشبه الهيمنة الكاملة على الفضاء السياسي التركي‬ ‫من خالل التعيينات في املحاكم العليا‪ ،‬والجيش‪ ،‬والجهاز‬ ‫البيروقراطي‪ ،‬باإلضافة إلى نفوذه املتزايد على وسائل اإلعالم‪،‬‬ ‫واملنظمات غير الحكومية ومجتمع املال واألعمال‪.‬‬

‫ويعد ذلك اختالفا رئيسا بني تركيا وجيرانها من دول الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬مثل مصر والتي تقر فيها كافة األحزاب‪ ،‬حتى‬ ‫األحزاب العلمانية‪ ،‬بالشريعة كمبدأ دستوري‪ ،‬وهو ما يعد أمرا‬ ‫غير مفهوم في تركيا‪ .‬فعلى النقيض‪ ،‬تحمل كلمة الشريعة في‬ ‫تركيا «داللة سلبية للغاية»‪.‬‬

‫ونظرا ألن جذور حزب العدالة والتنمية تعود للمعارضة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬هناك سؤال كثيرا ما يتردد حول ما إذا كان حزب‬ ‫العدالة والتنمية يمكن أن يستخدم سلطته ألسلمة البالد‪،‬‬ ‫وتحويلها إلى دولة تطبق الشريعة‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬يحتج الخصوم العلمانيون لحزب العدالة‬ ‫والتنمية بالسياسات الثقافية للحزب بدءا من رفض تناول‬ ‫املشروبات الكحولية إلى ترويج التعليم الديني في املدارس‪،‬‬ ‫كحجة على أن تركيا في طريقها لألسلمة‪ ..‬مؤخرا‪ ،‬أمرت‬ ‫الحكومة بتدريس مادة التربية الدينية كمادة اختيارية لكافة‬ ‫الطالب بداية من الصف الخامس‪ ،‬كما أصبحت تالحق الحفالت‬ ‫التي تقام بالحرم الجامعي والتي تقدم بها الكحوليات‪.‬‬

‫ففي املفهوم التركي‪ ،‬ال تتمحور األسلمة حول مفهوم الشريعة‬ ‫ولكنها تتمحور حول اإلسالم األخالقي‪ :‬اإلسالم باعتباره من‬ ‫مميزات الهوية‪ .‬فنظرا لتغريب تركيا‪ ،‬والذي ترجع جذوره إلى‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬ال يشارك األتراك في الجهاد أو يسعون‬ ‫للراديكالية‪.‬‬ ‫ومن ثم فليس مفاجئا أنه في الوقت الذي يؤيد فيه نحو ‪82‬‬ ‫في املائة من الباكستانيني واملصريني تطبيق عقوبات مشددة‬ ‫يرجعونها إلى تفسيرات للشريعة‪ ،‬يؤيد نحو ‪ 16‬في املائة فقط‬ ‫من األتراك تطبيق تلك اإلجراءات‪ ،‬وذلك وفقا الستطالع رأي‬ ‫أجراه مركز بيو لألبحاث‪ .‬واألهم من ذلك‪ ،‬لم تتغير تلك النسبة‬ ‫منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام ‪.2002‬‬

‫فهل ستصبح تركيا دولة تطبق الشريعة؟ اإلجابة هي أن ذلك التغريب املؤسسي‬

‫مستبعد‪ ،‬فبغض النظر عن دوافع حزب العدالة والتنمية‪ ،‬فإن‬ ‫خصائص تركيا التاريخية والسياسية تجعلها بيئة غير‬ ‫خصبة لتطبيق الشريعة أو لإلسالم الراديكالي‪.‬‬

‫الجدال اإلسالمي في تركيا‬ ‫مبدئيا‪ ،‬كان مفهوم الشريعة نفسه مجرما في تركيا‪ ،‬وهو ما‬ ‫أفقد مفهوم الشريعة نفسه الشرعية‪ ،‬حتى بني العديد من أكثر‬ ‫املسلمني تقوى‪ .‬وعن ذلك يتحدث العالم السياسي والخبير في‬ ‫اإلسالم التركي‪ ،‬هاكان يافوز في مقاله املعنون «األخالقيات‬ ‫وليس الشريعة اإلسالمية‪ :‬الجدال اإلسالمي في تركيا»‪ .‬نظرا‬ ‫إلى حركة التغريب التي أنتجت «األتراك الشباب» وأتاتورك‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫والعقبة الثانية أمام تطبيق الشريعة هي التغريب املؤسسي‬ ‫القائم منذ زمن‪ ،‬وهو ما يمثل خاصية فريدة في تركيا مقارنة‬ ‫بجيرانها من الدول اإلسالمية في الشرق األوسط‪ .‬فمبدئيا‪،‬‬ ‫مرت تركيا بعملية تغريب شاملة حتى إن حزب العدالة والتنمية‬ ‫و«النخب اإلسالمية» الصاعدة ال يمكنها الفكاك من ذلك النمط‬ ‫التغريبي‪ .‬فبداية من دور املرأة في املجتمع‪ ،‬وصوال إلى انضمام‬ ‫البالد إلى حلف شمال األطلسي‪ ،‬يعد إرث تركيا الغربي حقيقة‬ ‫غير قابلة للنقاش‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬وبغض النظر عن كيف‬ ‫يمكن أن تصبح تركيا مؤسلمة‪ ،‬من املستحيل استبعاد املرأة‬ ‫من الحياة العامة؛ حيث إن مشاركة املرأة في الحياة العامة‬ ‫تعد جزءا أصيال من تركيا العلمانية وخاصية مميزة لتركيا‬ ‫الجديدة‪ .‬فمثال تتمتع سيدة تركيا األولى‪ ،‬خير النساء غول‪،‬‬


‫الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد‬ ‫د‪ .‬علي السمان‪ :‬رئيس االتحاد الدولي‬ ‫لحوار الثقافات واألديان وتعليم السالم‬ ‫(أديك)‪،‬واملستشار اإلعالمي االسبق لرئاسة‬ ‫الجمهورية وعمل في باريس مديرا لوكالة‬ ‫«أ‪.‬ش‪.‬أ»ومديرًا لإلذاعة والتلفزيون املصري في‬ ‫أوروبا‪ .‬وفي القاهرة شغل منصب املستشار‬ ‫اإلعالمي للرئيس أنور السادات‪ ،‬ومدير مكتب‬ ‫رئيس الوزراء ملشاريع البنية التحتية ‪،‬وفي أواخر‬ ‫التسعينات عمل نائبًا لرئيس اللجنة الدائمة‬ ‫لألزهرالشريف لحوار األديان السماوية‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الله بن إبراهيم القويز‪ :‬كاتب اقتصادي‪،‬‬ ‫وعضو الجمعية االقتصادية السعودية‪ ،‬عمل‬ ‫أمينًا عامًا مساعدًا ملجلس التعاون الخليجي‬ ‫للشؤون االقتصادية‪ ،‬سفير خادم الحرمني‬ ‫الشريفني األسبق لدى مملكة البحرين‪.‬‬

‫السفير جيمس جيفري‪ :‬زميل زائر بمعهد‬ ‫واشنطن‪ .‬يركز على االستراتيجيات األميركية‬ ‫في مواجهة مساعي إيران لتعزيز نفوذها في‬ ‫الشرق األوسط‪ .‬كبير مستشاري وزيرة الخارجية‬ ‫كوندوليزا رايس للشؤون العراقية وسبق له شغل‬ ‫منصب رئيس البعثة الدبلوماسية األميركية في‬ ‫العراق‪.‬‬

‫سونر كاجابتاي‪ :‬كبير الباحثني بمعهد واشنطن‬ ‫لسياسات الشرق األدنى‪ ،‬ومؤلف «بزوغ تركيا‪:‬‬ ‫القوة اإلسالمية الكبرى في القرن الحادي‬ ‫والعشرين» و«اإلسالم والعلمانية والقومية في‬ ‫تركيا الحديثة‪ :‬من هو التركي؟»‪.‬‬

‫عبد اللطيف املناوي‪ :‬كاتب وإعالمي مصري‬ ‫مقيم حاليا في لندن سبق له أن عمل مديرا ملكتب‬ ‫“املجلة” في القاهرة كما رأس قطاع األخبار‬ ‫باتحاد اإلذاعة والتلفزيون املصري‪ .‬له اسهامات‬ ‫عدة في عدد من الصحف واملجالت املصرية‬ ‫والعربية‪ .‬من أعماله األخيرة كتاب «األيام األخيرة‬ ‫لنظام مبارك‪ 18 ..‬يومًا‪ ..‬أسرار القصر الجمهورى‬ ‫وكواليس ماسبيرو»‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪7‬‬


‫المحتوى‬

‫اإلرث الغربي عقبة أمام حزب "العدالة‬ ‫والتنمية" والنخب اإلسالمية‬ ‫في تطبيق الشريعة‬

‫آفاق أسلمة تركيا‬

‫االنشقاقات‬ ‫في صفوف التيارات‬ ‫اإلسالمية ‪ ..‬الحقيقة‬ ‫والوهم‬

‫الرؤوس املدببة‬

‫اإلعالم املصري من التحول‬ ‫إلى الصدام املفروض عليه‬

‫معركة خاسرة‬

‫عشر سنوات على‬ ‫رحيل إدوارد سعيد‬

‫اآلثار االقتصادية لـ «الربيع العربي»‬ ‫على دول مجلس التعاون الخليجي‬

‫اقتصاديات األزمة‬

‫إلنقاذ املبدأ‪ ..‬يجب التخلي عن فكرة‬ ‫تغيير النظام‬

‫مسؤولية احلماية‬ ‫‪6‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫هل كان مؤلف‬ ‫االستشراق‬ ‫منحا زا سياسيا ؟‬


‫‪www.majalla.com‬‬

‫‪Al Majalla‬‬

‫مجلة العــــــرب الدولية‬

‫ﻣـﺠـﻠـــﺔ ﺍﻟـﻌــــــــﺮﺏ ﺍﻟـﺪﻭﻟـﻴــــﺔ‬


‫االفتتاحية‬

‫رساله المحرر‬ ‫ً‬ ‫عشر سنوات بعد رحيله‪ ،‬مازال إدوارد سعيد‪ ،‬اإلنسان واألكاديمي يثير جدال بني الباحثني في "اإلستشراق"‬ ‫ّ‬ ‫واملختصني في مفهومه واتجاهاته‪ .‬إدوارد سعيد األميركي ذو األصول الفلسطينية لم يكن مجرد مثقف‬ ‫وصاحب رأي‪ ،‬كان عند البعض "منحازًا" سياسيًا ما أثر في تقييمه العلمي ونظرته لألمور بينما كان‬ ‫البعض اآلخر يراه صاحب قضية انتصرت فيها "حماسة" املناضل على "حكمة" األكاديمي‪.‬‬ ‫"املجلة" تعرض وجهات نظر عدد من الذين تأثروا بسعيد إن سلبًا أو إيجابًا‪ ،‬أحبوا فيه نضاله ودفاعه عن‬ ‫قضيته أو كرهوا منه تحامله وانحيازه باسم نفس القضية التي التصقت باسمه حتى وفاته‪.‬‬ ‫جوشوا مورافتشك‪ ،‬على الرغم من حكمه السلبي على سعيد ومسيرته كأميركي أوال وكمستشرق ثانيًا‬ ‫فإنه يرى أنه ال يوجد أي مؤشر على تراجع تأثيره "االستثنائي"‪ ،‬وأن األستاذ السابق للغة اإلنجليزية‬ ‫بجامعة كولومبيا ما زال حتى بعد عقد كامل على رحيله أحد أكثر مفكري هذا العصر تأثيرا‪.‬‬ ‫أما الكاتب الفلسطيني صقر أبو فخر فيرى أن سعيد هو أبرز األسماء العربية التي ملعت في صحافة الغرب‬ ‫األميركي وفي جامعاته‪ .‬وفي مقال ّ‬ ‫مميز تحت عنوان "املنفى واالنشطار والهوية املضطربة" يختصر أبو‬ ‫فخر حياة إدوارد سعيد في جملة واحدة‪" :‬كانت حياته خرابًا إلى حد كبير‪ ،‬لكن إدوارد سعيد تمكن‬ ‫بإبداعاته الباهرة من أن يردم هذا الخراب"‪.‬‬ ‫وفي موضوع آخر‪ ،‬يبحث سونر كاجابتاي وجيمس جيفري في "آفاق أسلمة تركيا" بعد أن استطاع حزب‬ ‫العدالة والتنمية‪ ،‬ذو املرجعية اإلسالمية‪ ،‬إدارة البالد بفعالية ملدة تصل إلى نحو ربع التاريخ الديمقراطي‬ ‫الذي تعيشه تركيا بعد أن حكم العسكر‪ .‬فمنذ وصوله إلى السلطة عام ‪ ،2002‬لم يتمكن حزب العدالة‬ ‫والتنمية فقط من أن يقضي أطول فترة في الحكومة‪ ،‬بل عزز شعبيته‪ ،‬وفاز بثالثة انتخابات متتالية وفي‬ ‫كل مرة كان يحظى بتأييد أوسع‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ ،2011‬حصل الحزب على نحو ‪ 50‬في املائة من اصوات الناخبني‪ .‬ومنحت تلك النجاحات الحزب‬ ‫ما يشبه الهيمنة الكاملة على الفضاء السياسي التركي من خالل التعيينات في املحاكم العليا‪ ،‬والجيش‪،‬‬ ‫والجهاز البيروقراطي‪ ،‬باإلضافة إلى نفوذه املتزايد على وسائل اإلعالم‪ ،‬واملنظمات غير الحكومية ومجتمع‬ ‫املال واألعمال‪.‬‬ ‫ونظرا ألن جذور الحزب إسالمية‪ ،‬هناك سؤال كثيرًا ما يتردد حول ما إذا كان "العدالة والتنمية" بقيادة‬ ‫رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يمكن أن يستخدم سلطته ألسلمة البالد‪ ،‬وتحويلها إلى دولة تطبق‬ ‫الشريعة‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املواضيع وغيرها الكثير على موقعنا ‪ majalla.com‬ونرحب دائما‬ ‫بآرائك وندعوك للتعليق على املواضيع أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا‪.‬‬

‫المحرر‬

‫‪4‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬


‫مسؤول مكتب اخلليج‬

‫عبد اهلل الر�شيد‬ ‫سكرتري التحرير‬

‫م�صطفى الد�سوقي‬

‫للمشاركة‬

‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني ‪ editorial@majalla.com‬ملحوظة‪ :‬جميع المقاالت يجب أال تزيد على ‪ 800‬كلمة‬

‫اشتراكات‬

‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‪ ،‬يرجى االتصال بـ‪ subscriptions@majalla.com :‬لالشتراك في االلكترونية‪www.issuu.com/majalla :‬‬ ‫حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة ‪ 2009‬التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة‪ .‬وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام‬ ‫استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة)‪ .‬وتصدر المجلة شهرياً‪ .‬لتلقي‬ ‫استفسارات االشتراك الرقمي‪ ،‬يرجى زيارة ‪www.majalla.com‬‬

‫‪issue 1583 - May 2013‬‬

‫العدد ‪ 1583‬أيار ‪ -‬مايو ‪2013‬‬ ‫الرياض ‪ -‬حي المؤتمرات ‪ -‬طريق مكة ‪ -‬تقاطع التخصصى‬

‫مرخص لها‬

‫الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 4419933‬لندن‪A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 :‬‬

‫‪www.majalla.com/eng‬‬

‫‪HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd‬‬ ‫‪Arab Press House, 184 High Holborn,‬‬ ‫‪London WC1V 7AP‬‬ ‫‪Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310‬‬

‫الوكيل اإلعالني‬

‫موقع إلكتروني‪ ،www.alkhaleejiah.com :‬بريد إلكتروني‪hq@alkhaleejiah.com :‬‬

‫وكيل اإلشتراكات‬

‫بريد إلكتروني‪ ، info@arabmediaco.com :‬موقع إلكتروني‪ ،www.arabmediaco.com :‬هاتف مجاني‪ 800-2440076 :‬‬

‫وكيل التوزيع‬ ‫مركز الطباعة‬

‫من داخل المملكة ‪ ،920 000 417 :‬دبي‪ ،+9714 3 914440 :‬باريس‪ ، +331 537 764 00:‬لندن‪ ، +44 207 404 6950:‬ومن مختلف الدول ‪+966 1 441 1444 :‬‬

‫وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي المؤتمرات ‪ -‬ص‪.‬ب ‪ - 62116‬الرياض ‪ ،11585‬هاتف‪ +966 1 4419933 :‬فاكس‪،+966 1 2121774 :‬‬ ‫موقع إلكتروني‪www.saudidistribution.com :‬‬ ‫ص‪.‬ب‪ - 121 .‬الرياض ‪ ،11383‬هاتف ‪ ،+9661.2657000‬فاكس ‪ ،+9661.2658000‬موقع إلكتروني‪www.halaprintco.com :‬‬

‫شركات المجموعة‬ ‫‪Saudi Specialized Publishing Company‬‬

‫حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة‬

‫لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم»‬

‫حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة»‬

‫للحصول على المزيد من المعلومات‪ ،‬يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني ‪8002440014‬‬


AN AMERICAN EDUCATION A BRITISH SETTING A GLOBAL FUTUR E A Since the 1970’s Richmond has been educating leading Middle Eastern families. Richmond’s unique style of personalised higher education ensures that students leave us with a dually accredited degree, that is recognised in the UK, the USA and worldwide.

+44 20 8133 2877 • enroll@richmond.ac.uk Visit www.richmond.ac.uk/al-majalla today to download our catalog and viewbook.


‫العدد ‪ 1583‬أيار‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫علي ال�سمان‪ :‬من عبد النا�صر اىل مر�سي‪..‬من يكتب خطاب الرئي�س؟‬ ‫عبد اهلل بن �إبراهيم القويز‪ :‬الآثار االقت�صادية لـ « الربيع العربي» على دول اخلليج‬ ‫�سونر كاجابتاي و جيم�س جيفري‪ :‬الإرث الغربي و�آفاق �أ�سلمة تركيا‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪05‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪issue 1583 - May 2013‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.