cartier.com
روتوند دو كارتييه
مكرر الدقائق ،التوربيون المحلقة 9402إم سي موثقة بدمغة جنيف ،الكاليبر 9402إم سي دو كارتييه تجمع مابين اثنتين من أكثر تعقيدات الساعات الكبرى اعتباراً و ً هيبة :مكرر الدقائق و التوربيون المحلقة .بضغطة واحدة على الزر الجانبي يقوم مكرر الدقائق بتفعيل مطرقتين يمكن رؤيتهما من خالل ميناء الساعة فتعطيان الرنات التي تشير بالترتيب إلى الساعات و أرباع الساعات و الدقائق بالتطابق مع ما تؤشر إليه عقارب الساعة .يتم تنظيم الرنات بواسطة دوالب موازنة يعمل بالقصور الذاتي و يمكن رؤيته في موقع الساعة السادسة و يكمل ألف دورة في الدقيقة .مطور من خالل عدم وجود الجسر الذي يربطه إلى ميناء الساعة ،يظهر التوربيون المحلق و كأنه يطفو في قلب الساعة مبدع ًا تأثيراً بصري ًا فريداً. علبة الساعة من التيتانيوم ،تاج مصقول مرصع بحجر السافير بقطع كابوشون ،حركة ميكانيكية بتعبئة يدوية شغل الدار، مكرر الدقائق و توربيون محلق كاليبر 9402إم سي ،تصديق دمغة جنيف ( 45جوهرة 447 ،جزءاً ،تردد 21600ذبذبة في الساعة ،خزان طاقة مزدوج ،احتياطي الطاقة قرابة 50ساعة) ،مكرر الدقائق مع دوالب موازنة ،مطارق و أجراس قرصية مرئية على جانب الميناء ،توربيون محلق بدوار على شكل الحرف . C
بوتيك كارتييه في المملكة العربية السعودية ،الرياض ،ساكس فيفث أفنيو ،مركز المملكة،)01( 211 2450 : مجمع سنتريا ،شارع العليا العام)01( 462 6959 : ّ جدة ،شارع التحلية)02( 660 0720 : ّ مجمع الراشد مول)03( 881 4484 : ،13 الخبر ،بوابة ّ
الكلمة الأخرية خطابات الرؤساء هي عنصر رئيس بصفة عامة ،في عالقة الرؤساء والزعماء بشعوبهم وبالرأي العام ،ومعظم الرؤساء أيضاً يختارون مناسبة إلقاء الخطابات ليبعثوا برسالة إلى شعوبهم وإلى الرأي العام الدولي ،فإذا نظرنا إلى الرؤساء األربعة الذين حكموا مصر من الرئيس جمال عبد الناصر مرورا بالرئيس أنور السادات، ً وصوال إلى الرئيس محمد مرسي ،نجد أن هناك فارقا بينهم في األسلوب والتعبير ثم الرئيس حسني مبارك، والنتائج. الرئيس جمال عبد الناصر كانت هناك مرحلتان مختلفتان في حياته ،المرحلة األولى من 52إلى ،56كان يغلب عليه فيها ،طابع األستاذ والمعلم في كلية أركان حرب باألسلوب الهادئ والشارح للمضمون .المرحلة الثانية أثناء حرب 56وقوات العدوان تهاجم الوطن بطائراتها ،خلقت األحداث منه إنساناً آخر ،وأيضاً خطابه أصبح أقرب إلى خطاب القائد والزعيم ،وأذكر بالذات خطابه في جامع األزهر يوم العدوان الثالثي في .56 وكان من المهم للرئيس جمال عبد الناصر في خطاباته للجماهير أن تحتوي على كل المعلومات التي تدعم خطابه ،وكانت هذه المهمة يقوم بها رجل ثقته األول األخ والصديق السيد سامي شرف وزير شؤون رئاسة الجمهورية السابق ،وسكرتير الرئيس لشؤون المعلومات .ومن المعروف أن الكاتب األول لخطابات الرئيس عبد الناصر ،كان الكاتب والصحافي محمد حسنين هيكل. أما الرئيس السادات ،فكان أسلوبه في الخطاب السياسي مختلفاً ،وكان قدر أدبياته في مفردات خطابه كثيرة، كما أن معرفته بلغة القرآن منذ دراسته األولى أغنت خطاباته ،أما الخطاب الذي كان وسيظل تاريخيا ،فهو خطابه أمام الكنيست في 20نوفمبر عام ،1977وهو يتكلم عن رؤيته المستقبلية للسالم ،وكيف أنه ركز طوال الخطاب عن السالم للطرفين.
بقلم :علي ال�سمان
أما عن كتابة خطاباته ،فأعتقد أن الكاتب المبدع أنيس منصور كان قريباً منه جداً ،ويعاونه في خطاباته ،وكان ً وزميال له في المعتقل أيضاً للصحافي والكاتب الكبير موسى صبري ،الذي كان قريباً من الرئيس السادات، في الماضي ،مكان أيضاً في المساعدة على إعداد الخطابات ،أما المعلومات التي تغذي الخطاب عند الحاجة، فقد كانت مهمة سكرتير الرئيس للمعلومات الدكتور أشرف مروان ،رحمه اهلل ،ومجموعة العمل المتميزة التي كانت بجانبه.
من يكتب خطاب الرئيس؟
أما خطابات الرئيس حسني مبارك ،فلم يكن لها نبرة زعامية مثل الرئيس عبد الناصر ،وال مستوى فكري متميز كالسادات ،ولكن كان معظمها يركز على مشروعات التنمية والبنية األساسية ،التي اهتم بها في السنوات األولى من حكمه .وكان ذراعه اليمنى في كتابة الخطابات ،السفير أسامة الباز ،أعطاه اهلل الصحة وطول العمر ،وكان بجانبه لمدة محدودة ،سكرتيراً للمعلومات، شخصية متميزة تمثلت في السفير الدكتور مصطفى الفقي ،وبمناسبة العالقة بينه وبين السفير أسامة الباز ،أذكر ونحن في طريقنا إلى باريس ،وهو نائب للرئيس قال لنا الرئيس مبارك سويا ،أنتم تعلمون أنه بعد وصولي إلى باريس يجب أن أقول كلمة أمام مجموعة برلمانية ،فأرجو أن يعد كل منكم مشروعا يقدمه لي ،والحظت أنه بينما كان الرئيس يعطي خلفية ما يريد في هذا الخطاب ،كان الباز يكتب بخط يده على ورقة أمامه ،وفوجئت أنه بعد أن انتهى مبارك من الكالم ،أن السفير أسامة الباز قد انتهى هو أيضاً في نفس الوقت ،من كتابة مشروع الخطاب ،فقد كان سريعاً جدا في أدائه ،في حين قلت لنائب رئيس الجمهورية ،إنني بطبعي بطيء جداً ،وأعتقد أنني سأستغرق الوقت الباقي قبل وصولنا إلى باريس في كتابة مشروع الخطاب ،ثم أعطى مبارك بعد ذلك مشروعي للدكتور الباز ليقيمه ،وفوجئت بالدكتور الباز يقول لمبارك ،اعتقد أن مشروع الدكتور علي أفضل من مشروعي ،وكان ذلك في رأيي تعبير عن الذكاء اإلنساني والعملي من الدكتور أسامة ،ألنه أراد أن يقول للرئيس في تقييم العمل ،إنه مهني وموضوعي ،وال مانع لديه في تقييمه لعمل اآلخر الخاص بالرئيس أن يكون موضوعيا ،حتى ولو قال إن اآلخر أفضل منه .وما زلت إلى اليوم أعتقد أن مشروع الدكتور أسامة في تقييمي أفضل مني!!
أما عن الرئيس مرسي ،فإن حملة النقد الشديدة لخطاباته التي قد يكون جزء منها ظالماً ،إال أن هذا النقد بل والسخرية ،تأتي في رأيي ،وبكل صراحة ،من المستوى المتدني للمستشارين الذين حوله ،والذين يتغيرون معظم الوقت ،كما أنه لم يختر كاتبا بمعنى الكلمة ،ألن كتابة الخطابات هي مهنة يتميز بها الكتاب أمس الحاجة لالهتمام بهذا الموضوع ،كما أن استعمال الجرعة والصحافيون ،وأعتقد أن الرئيس مرسي في ّ الدينية في الخطابات ،يجب مراعاته بحذر ،فاإلشارة مرة واحدة بآية أو بحديث يدعم الخطاب ،مطلوبة جدا في مجتمعنا ،أما إذا زادت الجرعة ،فإنها تعطي تقييما ال يخدم رئيس الدولة ،كما أن نبرات الصوت في الخطاب السياسي ،يجب أن تدرس ،كما لو كان الرئيس أي رئيس ،يعد نفسه إلى حد ما لدور مسرحي يجذب المستمع والرأي العام ،وبصفة عامة رجل الدولة والسياسي ،وهو على منصة الخطاب هو في الواقع ،وإلى حد ما ،يقوم بدور ممثل ،لكي تصل كلماته إلى عقول وقلوب من يستمعون إليه.
66
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
الشخص العاجز بسبب إصابته ،على اإلسرائيليني عموما ويتعاطف مع منظمة فلسطينية تلجأ للعمل العسكري ضد االحتالل. في املقابل وعلى الرغم من أن أحمد يصبح العائل الوحيد ألسرته، ّ يصر فإن عبقريته في الرياضات والعلوم تجعل معلمه الفلسطيني على أن يكمل دراسته ليال ،وأن يمتحن نهاية العام ،بل ويدفعه إلى التقدم ملسابقة تقيمها الجامعة العبرية في الرياضيات ،حيث يفوز في التصفيات األخيرة على عشرة طلبة متنافسني ،ويحصل على منحة كاملة في الجامعة .لكن تسامح بعض األكاديميني تواجهه عنصرية ورفض من قبل بعض الطلبة أو األساتذة .غير أن نظرية والده في التسامح وعدم اللجوء إلى العنف تؤتي ثمارهاّ ، فيقربه من بعد كره ،استاذه شارون الهارب من محرقة أملانيا النازية ،ويعمالن معا على أبحاث علمية في الفيزياء والرياضيات .اسلوب حياة تغضب شقيقه عباس الذي يراه يعايش بصورة طبيعية الذين سرقوا أرضهم وأذلوهم. ومن مرحلة الجامعة التي لم يكن يتخيل أحمد أنه سيعبرها بسبب عمله إلعالة أمه وإخوته ،تبدأ مرحلة جديدة من حياة أحمد .التعامل مع اآلخر املحسوب على العدو ،والتعامل معه بصفة الزميل والصديق ثم الحبيب .فهو في انتقاله إلى أميركا يلتقي بنورا الناشطة الحقوقية التي تعرف عن فلسطني وقضيتها وزارت إسرائيل عدة مرات ضمن حملتها مع مجموعة من أميركيني يهود. نورا مختلفة تماما عنه فهي ابنة وحيدة ألبوين ثريني ناشطني في مجال حقوق اإلنسان أيضا .وهي مهتمة بالثقافة وتعرف األدب الفلسطيني ،وتدعوه مرة إلى أمسية احتفالية بمحمود درويش .معه، يكتشف قيمة الكلمة بعد أن كانت قيمة األعداد هي األهم عنده .يتهرب من حبها بسبب ثرائها ويهوديتها ،إال أنها تقنعه بزوال كل الحواجز بينهما .وعلى الرغم من ممانعة والدته وشقيقه عباس للزواج منها، غير أنه بمباركة والده الذي أنهى بعد أربع عشرة سنة فترة سجنه وعاد إلى أسرته ،يتزوجها ،ويزوران قريته لتقام لهما حفلة زواج على الطريقة الفلسطينية ،ولكن الزوجة تقتل في رفح عندما كانت تشارك مع ناشطني أميركيني آخرين بينهم يهود في تحدي القوات اإلسرائيلية ،التي تدمر بيوت الناشطني الفلسطينيني .ويبدو في حادثة مقتلها ربط واضح مع واقعة مقتل الناشطة راشيل كوري قبل سنوات.
تعتمده منهجا ،وال يكفي أن يؤمن به البعض .تنتهي الرواية التي تغطي ستني عاما كما بدأت ،في عالم من القهر والال عدالة ،أجادت فيه الكاتبة ميشيل كوهني كوارسانتي جمع تفاصيل حياة البؤس واملعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني على ّ مر العقود ،فهي تبدأ ّ وتمر على حروب مهمة مثل حرب حزيران ،ومذابح من بعد النكبة صبرا وشاتيال ،وتنتهي بعد حرب غزة عام .2009 وهي مهمة شاقة لكاتبة قادمة من ثقافة معادية ومن مرويات ذاكرة مناقضة تماما ملا تكتب عنه .لكنها نجحت في أن تقدم رؤية أكثر من طرف ،ومن وجهة نظرها بالطبع كناشطة سالم ترى أن اسرائيل يمكن أن يمثلها العربي واإلسرائيلي معا ،أي أن يكونا أبناء دولة واحدة ،كالهما يكون قويا بالثاني .وهذا ما تشير إليه نهاية الرواية أو نهاية العالقة بني أحمد وأستاذه شارون ،حيث يحصل االثنان على جائزة نوبل في الفيزياء مناصفة ،نتيجة لتجارب مستمرة لسنوات .تقول ميشيل في حوراها مع "املجلة"" :يجب أن نحتفي باالختالف ونركز على املشتركات بيننا ،بدل أن ندمر كل ذلك من دون هدف إيجابي" .الرواية استقبلت بترحيب في الوسط اإلسرائيلي أو اليهودي ،املهيأ لهذه األفكار التي تدفع باتجاه إحالل السالم محل الحرب مع الفلسطينيني على أسس عادلة .وتتمنى الكاتبة أن تصل روايتها إلى املتحمسني للصهيونية ،ألنهم الداعمون إلسرائيل وسياساتها ،وهي تعتقد أنها وصلت لبعضهم ،ألنها سعت ألن تظهر القيم اإلنسانية ،ولم تدخل في جدل الحقائق التاريخية. "لقد أظهرت ما فعلته الصهيونية بحق الفلسطينيني ال أكثر". هل تتوقع ميشيل أن تغير من مسلك إسرائيل حيال الفلسطينيني؟ "الرواية تركز على حالة الظلم والالعدل املمارس على الفلسطينيني، على أمل تغيير سياسات الواليات املتحدة" :تقول ميشيل كوهني كوارسانتي ،التي تقيم في نيويورك مع زوجها وابنتيها ،وتكمل" :ألني اعتقد أن ال تغييرا كبيرا سنشهده في املنطقة إن لم تغير الواليات املتحدة سياساتها حيال الصراع اإلسرائيلي الفلسطيني"<
,,
تقودنا الرواية إلى نتيجة مفادها أن السالم يحتاج إلى أطراف متعددة تعتمده منهجا ،وال يكفي أن يؤمن به البعض
,,
هل قاد التسامح أحمد إلى النجاح؟ لقد وصل هو وأستاذه اليهودي اإلسرائيلي إلى جامعة هارفارد املرموقة ،حيث الفرص أكبر إلجراء مزيد من األبحاث وحيث سيحقق ّ سيغير ال حياته هو فقط ،بل وحياة مجمل عائلته ،التي نجاحا ستنعم من تحسن مستواه املادي وتميزه العلمي.
الكاتبة ميشيل كوهني
في املقابل هل قادت رؤية عباس في عدم التسامح الى استعادة أي حق من حقوق شعبه؟ عباس يتشتت في الثورة الفلسطينية حتى ينتقل من فصيل يساري متشدد إلى فصيل إسالمي متشدد في غزة ،واملقصود طبعا حماس .يتزوج وينجب أبناء بينهم واحد، خالد ،يشبه عمه في عبقريته في الرياضيات والعلوم يحلم في أن يكمل دراسته في جامعة مرموقة وأن يخرج من حصار غزة وانغالق أفق الحياة فيها .لكن إسرائيل تمنع عنه فرصة السماح بالخروج الستكمال دراسته كما تفعل مع آالف الطلبة .تكون النتيجة أن خالد يتحول إلى إنسان يائس فيقود عملية انتحارية ضد اإلسرائيليني. اليأس يدفع الفلسطينيني إلى القتل ،والعنف هنا ليس مجانيا. تقودنا الرواية إلى نتيجة مفادها أن السالم يحتاج إلى أطراف متعددة المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
65
كتب
بعد ستة عقود على مأساة الشعب الفلسطيني ،بدأت بعض األصوات اإلسرائيلية ترى اآلخر الفلسطيني كإنسان يستحق الحياة الكريمة ،بل بدأ يعترف بأن الغزو الصيهوني ألراضي فلسطني ،تسبب في آالم كبيرة لبشر حرموا من هذه الحياة الكريمة .من هؤالء نتذكر ميكو بيلد في كتابه :ابن الجنرال ،وهو الناشط الذي تحولت عائلته من متعصبة للصهيونية ،إلى داعية سالم مع الفلسطينيني .لكن شخصيات يهودية من خارج إسرائيل أيضا ،بدأت تسائل الدولة التي قامت على نفي الفلسطيني من أرضه لتحل مكانه ،حول ممارساتها العنصرية حياله .وباتت هذه األصوات مجتمعة ،جزءا من حراك يدعو إلى السالم والعدالة.
تاريخ الفلسطيني املظلوم بعيون كاتبة يهودية أميركية
شجرة اللوز مراجعة: غالية قباني املؤلف: ميشيل كوهني العام2012 : (بريطانيا) عدد الصفحات352 :
من هذه األصوات الروائية األميركية ميشيل كوهني كوارسانتي املختصة بشؤون الشرق األوسط ،والتي استلهمت مضمون روايتها من تجربة معاشة لسبع سنوات قضتها في إسرائيل ،عندما أرسلها والدها مع صديقه رجل الدين اليهودي ،لتدرس مع ابنته في اسرائيل أرض امليعاد -لتكون مثال البنت اليهودية امللتزمة ،لكنها بدل أنتستنسخ الخطاب املعتاد عن العربي " املخرب" ،قرأت الواقع بعني ناقدة ،وترجمته متأخرا عشرين سنة ،عندما قبضت على أداتها الكتابية. "هناك ،في إسرائيل درست الثانوية والجامعة ،لكني اكتشفت الكذبة التي كانت تمرر لنا" ..تقول الكاتبة في حوار مع "املجلة" تم عبر املراسلة .مضيفة "في ذلك القوت أفزعتني الوقائع الجديدة التي اطلعت عليها عن قرب ،ولم أدر كيف يجب أن تكون ردة فعلي! أردت أن أكون ناشطة حقوقية ،لكن هذه الصفة لم تكن متاحة كثيرا في إسرائيل قبل عشرين سنة". بعد سنوات عندما قرأت ميشيل رواية "الطيارة الورقية" لألفغاني خالد حسيني ،الحظت كيف يمكن أن تؤثر الكتابة على عدد واسع من البشر من خالل الوصول الى قلوبهم" ..لذا قررت أن أكتب رواية".. في الحقيقة تكتب ميشيل رواية للمرة األولى بعد أن التحقت بدورة في الكتابة االبداعية في الواليات املتحدة ،واستعادت تلك التجربة مستوحية من تجربة شاب فلسطيني التقته في جامعة هارفارد، شاب فقير عانى كثيرا ،إال أنه وصل إلى أعلى الدرجات األكاديمية. أما بقية التفاصيل فتركتها لخيالها ولتجربتها التي عاشتها هناك. تتابع الرواية حياة "أحمد" ابن الثانية عشرة وهو أكبر أبناء عائلة فلسطينية تعيش تحت االحتالل منذ العام ،1948سنة مولده وسنة النكبة معا .تفقد العائلة االبنة أمل منذ السنوات األولى لالحتالل، عندما ذهبت لتالحق فراشات في البستان الخلفي للبيت حيث وضع االسرائيليون أسالكا ومتفجرات شكلت حدود األرض التي سيسيطرون عليها ،ملنع سكان البيت من تجاوزها. كانت هذه الحكاية بداية جميلة للرواية رغم مأساويتها ،فالبنت تتحول الى أشالء يتم جمعها من البستان بتعاون من أفراد العائلة املفجوعني ليتم دفنها في األرض املتبقية لألسرة ،لكن حتى القبر لم تهنأ فيه الضحية وال عائلتها ،لينضم إلى األراضي التي قررت إسرائيل أن
64
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
تبني عليها بيوتا لليهود املهاجرين ،طاردة العائلة باتجاه التالل املحيطة .تستقر عائلة أبو أحمد في بيت تتوسطه شجرة لوز .وفي رمزية معبرة لهذه الشجرة التي منحت الرواية اسمها ،تصير ملجأ ألحمد ابن الثانية عشرة وشقيقه عباس ،يتلصصان من فوقها على األحياء الجديدة التي بنيت ملن احتلوا أراضيهم .حدائق وبيوت حديثة ومساحات للعب األطفال ،وبشر يرمون بأجسادهم في املسابح التي تتوسط املساكن في مياه ُح ّولت من آبار القرى العربية املحرومة من املياه .إنه عالم من املباهج املحرومة على الفلسطينيني يتبدى للطفلني بفضل منظار ورقي بعدستي نظارة صنعه أحمد صاحب العقل الفذ في الرياضيات والفيزياء. تمتلئ هذه الرواية باملآسي التي حدثت لإلنسان الفلسطيني ،والتي ربما نسيها القارئ العربي في ظل مآس أخرى تحدث في املنطقة اآلن .يهدم بيت العائلة الثاني ويعتقل رب البيت ،ويحكم عليه بالسجن أربع عشرة سنة ،ألن األمن شك في تعاونه مع املقاتلني الذين يسميهم "مخربني". تعيش العائلة في خيمة إذ ال يسمح لها بإعادة بناء البيت ،وهي العقوبة الجماعية التي تمارسها قوات االحتالل ،ردا على أي موقف معاد من قبل الفلسطيني .حتى عندما تحاول العائلة بعد عدة سنوات بناء غرفة لتالفي ظروف البرد واملطر والحر ،يرسل االحتالل من يدمر البناء بجرافة لتعود العائلة إلى العراء .مأساة انسانية تستعيدها الرواية بتفاصيل كثيرة ،اذ يعمل الطفالن أحمد وشقيقه عباس في البناء مكان أبيهما ،يحمالن األحجار التي ستبنى بيوتا لليهود املستوطنني ،وهناك يواجهان كراهية عمال يهود مهاجرين حيال العرب ،رغم أنهم يحصلون على أجرة أعلى واميتازات مثل بيت وطبابة .وتركز الرواية تحديدا على كراهية خاصة من قبل اليهود العرب ،من املغرب والعراق واليمن ،مثل العامل العراقي الذي يتسبب في وقوع عباس من أعلى البناء عندما يدفعه غضبا وإصابة جسمه برضوض كثيرة تحوله إلى شبه عاجز جسديا .بينما يجد الطفالن تعاطفا من عامل يهودي بولوني يحمله إلى املستشفى ويتوسط له ولوالدته ،من أجل أوقات زيارة أطول! تتطور شخصيتا األخوين على نحو مختلف تماما ،فبينما يؤمن أحمد مثل أبيه املعتقل في سجن االحتالل بتهمة اإلرهاب ،وبأن الغضب والحقد لن يقود إلى شيء ،يحقد عباس الذي بات أقرب إلى
فيلم سعودي يعرض بشكل تجاري عبر الصاالت السينمائية قبل أن تعود روتانا عام 2008مرة أخرى لتقديم فيلم آخر ،وبنفس الطريقة من خالل املمثل الكوميدي فايز املالكي في شخصيته الشهيرة (مناحي) املتصفة بالعفوية والبساطة والذكاء الفطري ،حينما يترك الصحراء ليذهب إلى املدينة؛ فيواجه صعوبة التأقلم فيها ،من قصة مازن طه ،وإخراج :أيمن مكرم ،ويحتفظ هذا الفيلم بشهرة كونه أول ًّ تجاريا داخل السعودية بشكل رسمي قبل فيلم سعودي يعرض أن يكثر الجدل الذي أدى إلى إيقاف عرضه بعد أن عرض في جدة والطائف ثم الرياض. ً ويتزامن في نفس العام أيضا تقديم املمثل راشد الشمراني فيلمه الطويل (صباح الليل) ،والذي شارك به في مهرجان الخليج السينمائي في دورته األولى ،وحظي بشهادة تقدير عن دوره في هذا الفيلم الذي أخرجه السوري مأمون البني ،لكنه من قصة وسيناريو راشد الشمراني الذي حاول في هذا الفيلم أن يمارس ً نوعا من اإلسقاطات السياسية واالجتماعية عبر شخصيته الشهيرة (سائق الشاحنة أبو هالل) حينما يجد طريقة للعودة بالزمن إلى الوراء ليحاول ببساطته وظرافته املعهودة التدخل في تغيير مجرى ثالثة من حوادث التاريخ العربي الشهيرة. وباإلضافة ملا سبق ذكره مثل أفالم (وجدة) لهيفاء املنصور، و(صدى) لسمير عارف ،و(انتقام) لوليد مطري الفائز بالجائزة الثانية في مهرجان الخليج .2009فإن قائمة املشاركات السعودية لألفالم الروائية الطويلة في مهرجان الخليج السينمائي ومهرجان أبوظبي وغيرها تضم أيضا فيلم (املؤسسة) لفهمي فرحات ،وأفالم الرعب املتناسخة من بعضها مثل (القرية املنسية) عام 2008لعبد الله أبو طالب حول مجموعة شباب سعوديني وسياح أجانب في زيارة لقرية معزولة يتبني أن األرواح تسكنها ،و(الشر الخفي) ملحمد هالل حول فلة مسكونة باألرواح واألحداث املرعبة ،وكان الفيلم قد شارك في مهرجان الخليج .2010و(وادي األرواح) والذي عرض ً تجاريا لجراح الدوسري حول معلم ُي نَّ ًّ عي في منطقة نائية، أيضا ً ً ً فيواجه في طريقه أحداثا وأرواحا مرعبة أيضا .وهو ثاني تجربة ً لجراح ،والذي كان قد سبقها بتجربة فيلم روائي طويل أيضا من نوع الغموض واإلثارة والخيال العلمي بعنوان (استنشاق الهاوية) عام .2006 بقي أن نشير إلى أن هذه املرحلة املتعلقة باملهرجانات السينمائية انعكست ولفترة مؤقتة بشكل إيجابي تجاه الداخل السعودي، حيث أقيمت عام 2008أول مسابقة أفالم سعودية تولى رعايتها النادي األدبي ،وجمعية الثقافة والفنون باملنطقة الشرقية، ً وشارك فيها ً 33 سعوديا داخل املسابقة بفروعها الروائية فيلما والوثائقية واألنميشن ،باإلضافة لعدد من األفالم السعودية نجاحا ً ً جيدا والخليجية خارج املسابقة ،وحقق املهرجان وقتها ً ً مختتما حفل توزيع الجوائز بحضور والفتا على مستوى التنظيم وزير الثقافة واإلعالم حينها الدكتور إياد مدني الذي أبدى سعادته باملهرجان ،ووعد بمستقبل أفضل للسينما والشباب السينمائي في السعودية ،لكن الجدير ذكره أن املسابقة لم ِّ تقدم سوى دورتها األولى فقط قبل خمس سنوات! وفي الجهة املقابلة وعلى ضفاف املنطقة الغربية كان هناك املهرجان األسبق ،والذي بدأ عام 2006كمهرجان عروض بمسمى مهرجان جدة للعروض املرئية تحت رعاية شركة رواد ميديا قبل أن يتحول في دورته الثالثة عام 2008ملسمى مهرجان حقيقي ،وبرعاية شركة روتانا بمسمى "مهرجان جدة لألفالم" ،حيث تقترب أجواؤه بتنظيمه وفعالياته من مسمى املهرجانات السينمائية الحقيقية مبشرة بميالد مهرجان سينمائي سعودي منافس قبل أن تتحطم أحالم
الشباب السينمائي في السعودية بإلغاء املهرجان صبيحة افتتاح الدورة الرابعة عام 2009فيما كان املشاركون والضيوف قد حطوا رحالهم في فندق االستضافة! َّ وحيث إن شركة روتانا ظلت دائمة بهذا القرب من السينما فإنها بدأت عام 2012بالدورة األولى "ملهرجان الفيلم السعودي" فيما تستعد اآلن للدورة الثانية ،حيث يتقدم املشاركون بأفالمهم التي يتم عرضها فقط عبر شاشة روتانا ًّ يوميا طيلة أيام املهرجان أمام لجنة تحكيم تعطي رأيها بشكل مباشر ،فيما يتم إعالن الفائزين في وقت ً مهرجانا بشكل صوري ً نوعا ما ،حينما يفتقد الحق وهذا ما يجعله التجمع الحقيقي للمهرجانات السينمائية ،حيث ملتقى السينمائيني وسط فعاليات متعددة ،وتبادل للخبرات ونقد التجارب .لكننا ال يمكن بأي حال سوى اإلشادة بخطوة شركة روتانا التي تعاملت ً سعوديا تجاه السينما وشبابها. وفق الواقع املفروض حتى اآلن
مرحلة اإلعالم الجديد: وهي ليست مرحلة الحقة بقدر ما جاءت متداخلة مع مرحلة املهرجانات السينمائية في السنتني األخيرتني كنتيجة طبيعية النتشار مواقع التواصل االجتماعي ،فرضتها ظروف التسارع في التقدم التقني ،ومستوى التواصل الكبير عبر مواقع اإلنترنت ،وهي ً ً ما يمكن أن نسميها أيضا بمرحلة أفالم "اليوتيوب والفيمو" أيضا، لكن املواقع األخرى -مثل تويتر والفيسبوك -تبدو املواقع األفضل للدعاية والنشر ،حيث يبدو الهدف األساسي عبر استهداف الجمهور السعودي للمشاهدة ،والذي ال يتمكن ً غالبا من مشاهدة األفالم السعودية املعروضة ً دائما خارج السعودية ،باإلضافة لكون أفالم هذه املرحلة تعنى بشكل كبير بتلك القضايا اإلنسانية واالجتماعية ،والسعي وراء إيصال صوتها ألكبر شريحة ممكنة ً وهو ما يتحقق ً دائما حينما ننظر مثال لتجربة املخرج بدر الحمود، َّ الذي حقق عبر فيلمه اليوتيوبي (مونوبولي) حول مشكلة السكن في السعودية أكثر من مليون مشاهدة خالل أسبوع واحد فقط، وهو ما يشكل أضعاف مشاهدة جميع األفالم السعودية منذ بدأت. ومما يجدر ذكره أن املخرج الحمود أبرز وأنجح مخرجي هذه الفترة كرر نجاحه وإن كان بشكل أقل عبر فيلمي (كروة) حول البطالة ،و(عمار) ،الذي يلقي الضوء على حالة من اإلعجاز وتحقيق املستحيل بطلها الشاب املقعد ً تماما عمار بوقس. ً وباإلضافة لكون هذه املرحلة أيضا وسيلة للكسب التجاري بطريقة ً ما فإنها أيضا ستظل -ولفترة طويلة -الخيار األولي لعدد من املخرجني الراغبني بإيصال أصواتهم حول قضاياهم التي يؤمنون بها ،أو طرح رؤيتهم السينمائية عبر أفالمهم وتلقي آراء املشاهدين حولها بشكل مباشر ،والحصول على قدر كبير من املشاهدين وسط انعدام إقامة املهرجانات السينمائية في السعودية ،وصعوبة ً املشاركة أحيانا في املهرجانات الدولية ،والتخلي التام من قبل الوزارات املعنية واألجهزة الحكومية عن دورها في دعم الصناعة السينمائية في السعودية.
,,
مواقع التواصل االجتماعي ازدهرت بالترويج لألفالم السينمائية املنتجة في السعودية وساهمت في دفع عجالتها نحو األمام وتفعيل نموذج خاص من األفالم املعدة خصيصًا ملوقع اليوتيوب
,,
في النهاية ،ففي محاولة لحصر عدد األفالم السعودية خالل األربعني سنة املاضية سنجد أنها ال تتجاوز ثالثمائة فيلم ،وهو ما ً يعتبر ً قليال للغاية وفق كل املعايير ،لكن األمر يتحسن ً كثيرا عددا حينما نعلم أن جميع هذه األفالم سوى استثناءات نادرة تركزت في السنوات العشر األخيرة ،وهي ما يعني ظاهرة جديدة ،ويقظة فنية مختلفة سيتوقف نجاحها واستمرارها بحسب الشباب ً السينمائيني أنفسهم أوال ،ثم بحسب االهتمام والرعاية الحكومية ً ثانيا < المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
63
ثقافة
,,
أول فيلم سعودي كان بعنوان (اغتيال مدينة) لعبد الله املحيسن والذي يجعل منه ذلك أول مخرج سعودي حيث َّ قدم هذا الفيلم الوثائقي ذو الخمس عشرة دقيقة قصة عن الحرب األهلية اللبنانية
,,
عبدالله املحيسن
62
عبدالعزيز النجيم :متواجد دائم في املهرجانات ،وأبرز أفالمه (تمرد) ،و(احتباس) ،وفيما أهمها (وينك) الفائز في مهرجان تربيكا السينمائي بالدوحة بجائزة أفضل فيلم قصير. فيصل العتيبي :واملهتم بتقديم أفالم وثائقية على وجه الخصوص، حيث شارك في عدة مهرجانات عاملية متنوعة بمجموعة أفالمها أهمها( :الزواج الكبير) ،وفيلم (الحصن) الفائز بالجائزة الثانية كأفضل فيلم وثائقي في مهرجان الخليج السينمائي في دورته الثانية. محمد التميمي :كمخرج أفالم (أنميشن) حيث فاز مرتني متتاليتني عام 2009و 2010بجائزة لجنة التحكيم الخاصة فئة الطلبة ضمن املسابقة الرسمية ملهرجان الخليج السينمائي عن فيلمي (بي جي ،)13و(الجنطة). وليد مطري :الفائز بالجائزة الثانية في مسابقة األفالم الروائية الطويلة في مهرجان الخليج 2009عن فيلم (انتقام) ،والذي يحكي قصة "أربعة إخوة يعانون من قسوة ظروف الحياة بعد فراق والديهم. يتورط أحدهم مع أكبر عصابات املخدرات بعد أن وجد في سيارته حقيبة رئيس العصابة .هناك تتغير حياة هؤالء وتنحدر نحو الصغير أخاه الكبير ،فتبدأ رحلة االنتقام" .كما الهاوية ،فيما يقتل ً شارك بفيلم قصير الحقا بعنوان (ألم طفلة). عوض الهمزاني :الفائز في مسابقة أفالم اإلمارات لألفالم القصيرة في مهرجان أبو ظبي عن فيلمه الوثائقي (فتون) بالجائزة الثانية. فهمي فرحات :حقق الجائزة الثالثة عن فيلمه الوثائقي (ليلة عمر)، وفهمي متواجد بشكل متواصل عبر مهرجان الخليج ،حيث قدم عدة أفالم مثل (شعر لولو املجعد) و(قصة أحمد وبابا نويل) ،باإلضافة لألفالم الوثائقية (السعوديون في أمريكا) و(رجل وثالث عجالت)، و( ليلة عمر) ،وفيلم طويل هو (املؤسسة) حول مؤسسة هندسية ً يقرر صاحبها دمج قسمي الرجال والنساء ً وضعا معا مما يخلق ً طريفا "في إسقاط اجتماعي حول قضية االختالط املثيرة للجدل ً سعوديا". فيلم انجي مكي :الفائز باملركز الثالث ألفالم الطلبة عن ً (بدري!) في مهرجان الخليج 2009كما شارك الحقا بفيلم (رقصة متجمدة) .كما يتواجد عدد من املخرجني حضورا ً ً مهما في املهرجانات املتنوعة الذين سجلوا ًّ جماهيريا حتى دون تحقيق جوائز مثل وإعجابا املخرج عبد املحسن الضبعان ،والذي قدم أربعة أفالم أهمها( :الوقائع غير املكتملة لحكاية شعبية) ،2010 وفيلم (ثالثة رجال وامرأة) 2009ضمن أفالم مجموعة تالشي السينمائية ،كما قدم بشكل مستقل فيلمي (الباص) و(املفتاح) .وعبد الله أحمد الذي قدم خمسة أفالم هي( :الهامس للقمر) ،و(املغزى) ،و(املوعد)، و(كورة حبيبتي) ،و(نص دجاجة)،كما شارك ً ممثال في عدة أفالم أهمها فيلم (عايش) ،وعبد املحسن املطيري أحد أكثر السعوديني مشاركة بعدة أفالم تجاوزت السبعة من خالل مجموعة تالشي السينمائية ،أو بشكل مستقل .ونواف ً ً مخرجا املهنا الذي قدم أيضا مجموعة أفالم ً وممثال بشكل مستقل مثل (مجرد يوم) الحائز على شهادة تقدير مسابقة أفالم اإلمارات 2006 أو ضمن مجموعة تالشي مثل (آخر يوم) ،و(ال يوجد سوى دجاج مقلي في الثالجة).
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
وهناك غيرها من األسماء التي مازالت تواصل حضورها املتكرر في عالم املهرجانات السينمائية ،مثل علي األمير ،وطالل عايل ،وحمزة طرزان ،ومحمد سندي ،وجاسم العقيلي ،ومنصور البدران ،وتوفيق الزايدي ،وطارق الدخيل الله ،ومحمد الباشا ،وعبد الرحمن عايل، وريم البيات ،وهناء العمير ،وغيرهم ،حيث يمكن باإلجمال حصر ًّ ً سينمائيا من الشباب السعودي الطموح، مخرجا أكثر من خمسني ٍّ والذي مازال يتلمس خطوات النجاح بشغف وتحد عبر املشاركة املتكررة في هذه املهرجانات السينمائية. كما أنه يمكننا مالحظة أحد أهم مالمح هذه املرحلة ،وهي تكون املجموعات السينمائية ،حيث يعمد بعض األصدقاء املهتمني ًّ سينمائيا لتكوين مجموعة يتعاون فيها الكل باختالف مواهبهم وتجاربهم إلنتاج األفالم القصيرة مثل مجموعة (القطيف فريندز)، ً مبكرا ،وهدفت في بادئ األمر إلى التوجه نحو التسويق والتي بدأت الشعبي قبل أن تتجه بشكل أكثر احترافية الى املشاركة في املهرجانات .حدث أن من بني عدة أفالم قدمتها نجحت عبر فيلم (بقايا طعام) 2007للمخرج موسى ال ثنيان بالحصول على جائزة أفضل فيلم في مسابقة أفالم من اإلمارات الدورة السابعة ،2008وجائزة النخلة الذهبية ألفضل فيلم روائي في مسابقة أفالم السعودية الدورة األولى ،2008وجائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان جدة السينمائي الدورة الثالثة. ثم في عام 2009تنطلق مجموعة تالشي السينمائية بتقديم سبعة أفالم في مهرجان الخليج 2009حظيت بإعجاب جيد وإثارة الفتة للجدل عبر موضوعات أفالمها وطريقة تنفيذها دفع بلجنة التحكيم ملنحها شهادة تقدير ،كما قدمت في السنة التي تليها خمسة أفالم نجاحا ً ً جيدا في مجمل مشاركاتها بفوز فيلمي أخرى محققة َّ (شروق /غروب) ،و(عودة) كما تقدم. وفي حني تراجعت املشاركة السعودية خالل آخر سنتني على ً مستوى الكم ،وبحسب مستوى النجاح أيضا ،إال أنها عادت هذه السنة 2013من خالل نجاح كبير بفوز الفيلم الطويل (وجدة)، واألفالم القصيرة (حرمة) ،و(سكراب) ،و(مجرد صورة) في مهرجان الخليج السينمائي في دورته السادسة. ً إنتاجا ليس بالكثير على مستوى األفالم كما أن هذه املرحلة شهدت الروائية الطويلة ،يأتي في مقدمتها الفيلم األهم حتى اآلن ،واألفضل بجوائزه املتعددة فيلم (وجدة) لهيفاء املنصور ،وقبله في عام 2006 كان هناك فيلم املخرج عبد الله املحيسن (ظالل الصمت) كأول فيلم سعودي روائي طويل شارك من خالله في مهرجان أبوظبي ،وفاز في مهرجان القدس السينمائي .ترشح الفيلم للمسابقة النهائية ملهرجان روما ،2007ونافس معه ً 15 فيلما من بلدان مختلفة. وهو يناقش أزمة الفرد العربي الواقع تحت وطأة الحاضر ،ورعب املستقبل ،واملحمل بتراكمات املاضي من خالل قصة يمتزج فيها الواقع بالخيال ،حيث يعمد أحد األنظمة املتسلطة باستبدال طرقه القديمة في السيطرة إلى طريقة جديدة من خالل إنشاء معهد منعزل ً مركزا للعالج بالتنويم ،والتأهيل في قلب الصحراء يبدو في ظاهره بالتنويم ،والتأهيل بتنمية القدرة على التحكم في النفس ،وتزاول فيه، في الحقيقة ،التخدير وغسيل املخ لتدمير الكفاءات الخارجة عليه. ً وجاء هذا الفيلم بالتزامن أيضا مع فيلم آخر في سباق نحو تحقيق أول فيلم سعودي روائي طويل وهو فيلم (كيف الحال) الذي أنتجته ًّ سعوديا بدرجة كافية ،حيث شركة (روتانا) لكنه -كما يبدو -ليس أخرجه الكندي "ايزدور مسلم" ،وكتبه املصري بالل فضل ،فيما أدى البطولة السعودي هشام عبد الرحمن ،بمشاركة ممثلني من السعودية والخليج والدول العربية ،لكن الفيلم يسجل نفسه كأول
نفسه عام 2006ليشارك في املرحلة الثانية ،ويسجل نفسه كأول ً فيلم روائي طويل أيضا عبر فيلم (ظالل الصمت).
مرحلة املهرجانات السينمائية: وهي املرحلة األهم والتي مازالت تواصل مسيرتها ،حيث جاءت هذه املرحلة كاستجابة طبيعية لالهتمام السينمائي الكبير الذي انتشر بني عدد من الشباب السعودي مطلع األلفية الجديدة ،وتمثل في كثرة املنتديات واملواقع السينمائية ،ومن ثم انتشار الصفحات واملالحق السينمائية واملقاالت التي تتحدث بشغف واهتمام بالغ عبر الصحف السعودية ،لتشكل ظاهرة فنية عمادها الشباب ًّ سينمائيا مشاهدة ومتابعة قبل أن يملك الجرأة املتحمس واملتيم ليتقدم خطوة أكثر فعالية منتصف األلفية من خالل املشاركة باملهرجانات السينمائية العربية من حوله في أبوظبي ودبي وبيروت ووهران وغيرها ،ليضع نفسه في مجاراة مع التجارب ً ً ومكتسبا مستفيدا منها الفيلمية العربية والخليجية األخرى، في نفس الوقت الخبرة والتجربة املشجعة للمواصلة حتى يومنا هذا ،حيث حقق سعوديون العديد من اإلنجازات املشرفة في هذه املهرجانات ،والحصول على عدد من الجوائز املهمة، ويمكننا اإلشارة هنا ألبرز األسماء واملجموعات السينمائية ً مثل املخرجة "هيفاء املنصور" ،والتي يمكن اعتبارها أيضا أول مخرجة سعودية ،ومن أبرز أفالمها( :من ؟) حول هوية املرأة وكينونتها من خالل استلهام قصة قاتل متخفي بلباس امرأة وحجابها و(الرحيل املر) دراما شاعرية حول الفقد والذكريات، و(أنا واآلخر) حول االختالف والوحدة الوطنية من خالل قصة ثالثة شباب مختلفي التوجهات ،تتعطل سيارتهم في منطقة َّ برية معزولة ،وقد عرض الفيلم على قناة الشاشة في الشوتايم وقتها، لكن أبرز إنجازاتها جاء مع فيلم (نساء بال ظل) ،والفائز بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مسابقة أفالم اإلمارات ،و(الخنجر الذهبي) في مهرجان مسقط السينمائي. وهو رؤية ذاتية يناقش الفلم العديد من قضايا املرأة السعودية املهمة ،واملوقف الصعب الذي تجد نفسها فيه ما بني عادات وتقاليد اجتماعية ،وبني رؤى دينية تقليدية– إلى أن تعود مرة أخرى عام 2012لتحقيق اإلنجاز األكبر واألهم من خالل فيلمها الروائي الطويل (وجدة) الفائز بجائزة املهر العربي في مهرجان دبي السينمائي، وجائزة أفضل فيلم طويل في مهرجان الخليج السينمائي في دورته األخيرة ،2013واملشارك في مهرجان فينيسيا ،واملتوج بثالث جوائز تقديرية هي :جائزة سينما فناير ،وجائزة االتحاد الدولي لفن السينما ،وجائزة (انترفيلم) ،ويجري منح هذه الجوائز لتكريم املتفوقني من املتخصصني في صناعة السينما ،كما يمكن اعتباره أول فيلم سعودي طويل يصور داخل السعودية بهوية وممثلني سعوديني ً تماما ،يلقى كل هذا االحتفاء واالهتمام العاملي،
وينال إعجاب العديد من النقاد ومتابعي السينما العاملية ،وهو دراما اجتماعية بمزيج كوميدي حول أحالم طفلة في امتالك دراجة هوائية وقيادتها في الشارع وسط إسقاطات اجتماعية متعددة تقدمها املخرجة هيفاء .ومن األسماء التي يهم ذكرها في هذه املرحلة من حيث تعدد مشاركاتها ،باإلضافة لتحقيقها إنجازات جيدة، ونجاحات مشهودة باعتالئها منصات تتويج الجوائز: عبدالله ال عياف :الفائز بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة أفالم قصير في اإلمارات عن فيلم (إطار) ،2006وجائزة أفضل فلم َّ مهرجان الخليج السينمائي عن فيلم (عايش) ،2010كما حقق فيلمه (مطر) الجائزة الثانية كأفضل روائي ،وفيلمه الوثائقي (السينما500 كم) الجائزة األولى في مسابقة أفالم السعودية في الدمام .2008 ّ بدر الحمود :أبرز املشاركني مع كل عام ،وحقق الجائزة الثالثة ألفضل فيلم قصير في فئة الطلبة عن فيلم (أبيض وأبيض) عام ،2007كما ً مؤخرا مع آخر أفالمه (سكراب) الجائزة الثالثة ألفضل فيلم حقق قصير في املسابقة الرسمية ملهرجان الخليج السينمائي عام .2013 عهد كامل :أخرجت فيلم (القندرجي) عام ،2009والذي فاز بالجائزة األولى في مهرجان بيروت السينمائي الدولي .2010فاز الفيلم بالجائزة الثانية في مهرجان الخليج السينمائي ألفضل فلم قصير ،2010كما فاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان وهران الجزائري ،2010كما حقق فيلمها األخير (حرمة) الجائرة الثانية ألفضل فيلم قصير في املسابقة الرسمية ملهرجان الخليج السينمائي عام .2013 محمد الظاهري :ضمن مجموعة تالشي السينمائية الفائز عن فيلم (شروق /غروب) بالجائزة الثالثة ألفضل فيلم قصير في مهرجان الخليج 2009وفضية مهرجان بيروت الدولي ،وجائزة الفيبريسكي االتحاد الدولي للنقاد. حسام الحلوة :ضمن مجموعة تالشي قدم فيلمني هما( :مابي !)، و(عودة) الفائز بأفضل سيناريو في مهرجان الخليج .2010 سمير عارف :الذي شارك في املهرجانات السينمائية بعدة أفالم قصيرة مثل( :طريقة صعبة)( ،نسيج العنكبوت) ،و(عيون بال روح)، و(مجرد كلمة) ،و(انتظار) ،كما شارك في مهرجان الخليج في دورته السادسة 2013بأول فيلم روائي طويل هو (صدى) ،والذي يحكي ً سليما معافى ألبوين يعانيان من الصم والبكم ،ما قصة طفل "و ِلد وضعه في مواجهة مشاكل اجتماعية ونفسية مع املجتمع الخارجي الفضولي ،وخاصة زمالءه في املدرسة .ورغم سعادة الوالدين بهذا االبن إال أن األب يقرر االمتناع عن إنجاب آخر ،ما يوقع األسرة في صراع نفسي كبير".
وجدة افضل االفالم السعودية الطويلة واشهرها وأكثرها أصالة
,,
املخرجة السعودية «هيفاء املنصور» يمكن اعتبارها أول مخرجة سعودية اشتهرت مؤخرًا بفيلم (وجدة) الذي يناقش واقع املرأة السعودية وفاز بجوائز سينمائية مهمة خليجيًا ودوليًا
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
61
ثقافة
ربما تكون أبعد إشارة نجدها للسينما في السعودية هي ما ذكره الناقد واملؤرخ السينمائي الشهير الفرنسي جورج سادول في كتابه املهم (تاريخ السينما في العالم) ،والذي يعده الكثير الكتاب األساسي للسينمائيني.
قصة الفيلم السعودي خالل أربعني سنة
السينما املرحتلة بقلم: فهد األسطا
,,
عدد األفالم املنتجة في السعودية خالل األربعني سنة املاضية يصل لقرابة ثالثمائة فيلم تركز إنتاج معظمها في السنوات العشر األخيرة مما يعكس االهتمام املتسارع بالسينما في السعودية
,,
60
الكتاب وبسبب حجم التقصي واملعلومات والجهد الذي بذله جورج سادول املتوفى سنة 1967حينما استمر -وملدة ثماني عشرة سنة- يقوم بتعديله واإلضافة إليه في كل طبعة حتى أكمله عام 1958تحت ً مسمى (تاريخ السينما في العالم) متحدثا باسترسال عن أكثر من خمسني دولة ذات إنتاج سينمائي بعد عناء كبير ،وسنوات من السفر والتنقل والتردد على املكتبات السينمائية ،وحضور أكثر من مائة مهرجان سينمائي حول العالم .واالنتقال للعيش في دول متعددة؛ ليكون أقرب إلى إدراك إنتاجها السينمائي ،حيث زار الهند والصني واليابان واملكسيك وكوبا والبرازيل واألرجنتني واالتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا -في وقته -ورومانيا وهنغاريا ويوغسالفيا وتونس والجزائر ومصر وسوريا ولبنان ،وكان -على حد قوله في زياراته هذه -يمتنع عن زيارة املتاحف واألماكن السياحية ،ويحبس نفسه في قاعات العرض ليشاهد ما يقارب املائة فلم من األفالم الطويلة في كل بلد ،حتى خرج الكتاب في طبعته الفرنسية فيما يقرب الخمسمائة وأربعني صفحة ،منها السينما العربية التي كتبها استجابة ملا عهدت إليه اليونسكو بكتابة مقتطفات مكرسة عن السينما العربية ،وتاريخها وحالها الحاضر وتطوراتها .وهو مع ذلك يقول عن كتابه هذا" :إنها لصفحات قليلة تعجز عن احتواء سبعني عاما من التاريخ في سبعني ً ً ً خصوصا إذا ما أريد للكتاب أن يظل بلدا، ِّ ً ً مقروءا ،وأن ال يأتي شبيها بدليل للهاتف يعدد أسماء السينمائيني وعناوين األفالم" .ومع ذلك فقد واصل اإلضافة حتى ما قبل وفاته بسنة ،حيث ذكر في الطبعة 1967عدة صفحات عن سينما الجزيرة العربية -ومنها السعودية -حينما قال" :كانت اململكة السعودية عام ًّ رسميا 1965الدولة الوحيدة في العالم العربي التي يجهل سكانها َّ كل شيء عن السينما". وهو يعزو هذا األمر للموقف الديني املتشدد وقتها تجاه السينما، بالرغم من وجودها داخل املجمعات السكنية للموظفني الغربيني مثل موظفي شركة (أرامكو) ،والتي تعرض أحدث األفالم وقتها .لكنه في نفس الوقت –وهو يذكر هذا عام 1966في طبعة الكتاب األخيرة– يقول: ً "وبناء على ما فعله امللك فيصل في افتتاح التلفزيون حينها ،فإن ً هناك أيضا اتفاقات جارية مع شركات أمريكية لبناء شبكة من دور ً السينما يرتادها السكان العرب" كما أشار أيضا لشراء امللك فيصل نفسه -حني إقامته في لندن -نسختني من فيلم (لورنس العرب) التحفة السينمائية الشهيرة لديفيد لني ،والحائزة على أوسكار أفضل فيلم عام ."1962وما حدث فيما بعد هو أن الصاالت السينمائية افتتحت خالل السبعينات امليالدية عبر األندية الرياضية على وجه التحديد للرجال فقط ،ولكن بشكل عشوائي تفتقد فيه التنظيم والتهيئة الالزمة للمشاهدة والتسويق املناسب ،واالختيار الجاد ،إال
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
ً أنها لم تدم طويال ،حيث تم إغالقها -وبشكل نهائي -مع أشياء كثيرة تراجع عنها املجتمع السعودي وقتها ،وانسحبت الحكومة السعودية من دعمها لعدد كبير من مناشط االنفتاح كردة فعل آنية تجاه أحداث الحرم الشهيرة عام ،1400واقتحام جهيمان وجماعته لبيت الله بدعوى دينية تبناها –يشير املؤلف روبيرت ليسي في كتابه (اململكة من الداخل) لشيء كبير من هذا األمر –. لكننا في عام 1977سنشهد ما يمكن أن يشير إلى أول فيلم سعودي بعنوان (اغتيال مدينة) لعبد الله املحيسن ،والذي يجعل منه أول مخرج سعودي ،حيث َّ قدم هذا الفيلم الوثائقي الذي ال يتجاوز خمس عشرة دقيقة ،والذي عرض في مهرجان القاهرة وقتها ،وهو يتحدث عن الحرب األهلية اللبنانية ،ومدى الضرر الذي ألحقته هذه الحرب بمدينة بيروت الجميلة ،وحاز حينها على جائزة (نفرتيتي) ألفضل فيلم قصير ،كما كان الفيلم قد عرض في مهرجان القاهرة السينمائي عام 1977تم عرض الفيلم خارج املسابقة ضمن عروض أفالم الشخصية املكرمة في مسابقة أفالم السعودية 2008ومهرجان جدة الثالث لألفالم عام 2008وهذا ما يجعلنا نرسم مالمح املرحلة األولى من تاريخ الفيلم السعودي ،والتي يمكن تسميتها:
مرحلة املخرج الوحيد: ً وحيدا بعدد ليس بالكبير من حيث يتواجد فيها عبد الله املحيسن التجارب واألفالم ،والتي نجح في إيصالها خارج اململكة من خالل العروض واملشاركات في مهرجانات عربية متنوعة بدأها مع فيلم (اغتيال مدينة) كفيلم سينمائي – على أنه يمكن اإلشارة إلى أن ًّ املحيسن سبق وأخرج ً تسجيليا عام 1975بعنوان (تطوير فيلما مدينة الرياض) ،وشارك به في مهرجان األفالم التسجيلية في القاهرة -1976ثم بعد سنوات توقف ،يعود املحيسن من جديد عبر فيلم (اإلسالم جسر املستقبل) عام ،1982والذي يصور فيه املراحل التاريخية للقضايا العربية واإلسالمية بداية من هجمات التتار ً مرورا باالستعمار اإلنجليزي والفرنسي ،وتسلل اليهود واملغول، ً إلى املنطقة العربية ،وانتهاء ببروز القوتني العظيمتني في العالم ،حيث ِّ يجسد الفيلم املعاناة العربية واإلسالمية بشكل مؤثر ،وقد شارك املخرج بالفيلم في مهرجان القاهرة السادس ،ونال الجائزة الذهبية، كما عرض الفيلم خارج املسابقة ضمن عروض أفالم الشخصية املكرمة في مسابقة أفالم السعودية .2008 ً وانتهاء بفيلم (الصدمة) عام 1991وهو وثائقي يقدم فيه رؤيته الخاص عما حدث في عام 1990من أحداث غزو الكويت ،ومن ثم تحريرها وحرب الخليج واألثر الذي أحدثته هذه األزمة على املنطقة، وهو آخر أفالم املحيسن في هذه املرحلة ،قبل أن يعود املحيسن
www.majalla.com
العدد 1583أيار -مايو 2013
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
علي ال�سمان :من عبد النا�سر اىل مر�سي..من يكتب خطاب الرئي�س؟ عبد اهلل بن اإبراهيم القويز :االآثار االقت�سادية لـ « الربيع العربي» على دول اخلليج �سونر كاجابتاي و جيم�س جيفري :االإرث الغربي واآفاق اأ�سلمة تركيا
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 05
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
issue 1583 - May 2013
www.majalla.com
صحافة عالمية
فالديمير بوتني وبشار األسد مع حرميهما خالل زيارة الرئيس السوري الى روسيا
املتحدة ذلك الدور في الحفاظ على االستقرار :فكما يرى بوتني ،عندما انسحبت الواليات املتحدة من العراق ،تركت وراءها رجال شيعيا قويا، نوري املالكي ،لكي يقمع السنة ،كما أن انسحاب الواليات املتخدة من أفغانستان لم يخلف سوى حالة من الغموض وراءها.
�سوف ي�ستمر الرئي�س الرو�سي يف معار�ضة التدخل والإ�صرار على املفاو�ضات مع الأ�سد كجزء من �أي حل م�ستقبلي حتى يظهر �شخ�ص قوي ميكنه ا�ستعادة قدر من النظام داخل تلك الفو�ضى التي تعم �سوريا
وباختصار ،يشك بوتني في أن تتمكن الواليات املتحدة واملجتمع الدولي من تحقيق االستقرار في سوريا ومن ثم فإنه ما زال يقف إلى جانب النظام املترنح باعتباره الوسيلة الوحيدة لتفادي انهيار الدولة بمجملها. وعلى الرغم من أن بوتني يتطلع إلى سوريا بينما يرى الشيشان، فإن املوقفني مختلفان تماما. فسوريا بمجملها تعاني من حرب أهلية ،وليس لدى األسد نفس املوارد التي كانت لدى بوتني وهو يتعامل مع الشيشان.
فهو ال يستطيع القضاء على الشخصيات املحركة لألحداث ومؤيدي املعارضة بالخارج كما فعل بوتني في الشيشان بما في ذلك اغتيال رئيس الشيشان بالوكالة ،سليم خان بندرباييف ،في قطر عام 2004 لوقف حملته للحصول على التمويل وتوفير الدعم للبالد.
ونظرا لفشله في قمع أو احتواء املعارضة ،دفع األسد بسوريا إلى حافة الهاوية. كما أن سوريا تعج باألسلحة التقليدية باإلضافة إلى ترسانة من أسلحة الدمار الشامل التي تمثل خطرا كبيرا على الدول املجاورة – لبنان ،األردن ،تركيا ،العراق ،إسرائيل ،وإيران — والتي وجدت نفسها متورطة في النزاع .وعلى النقيض من ذلك ،وعلى الرغم من تدفق املال والرجال إلى الشيشان وتدفق الالجئني واإلرهابيني إلى باقي أنحاء روسيا (في بعض األحيان ،أذربيجان ،وجورجيا ،وتركيا) ،لم يكن هناك تهديد مشابه في حرب الشيشان ،ولم تكن هناك قوى خارجية متورطة أن للشيشان جيرانا سيئني ،فجيران سوريا أسوأ ،ومن ثم فال يمكن احتواء النزاع السوري مثلما حدث في الشيشان .ومع ذلك ،فإن تلك الفروق بني الحالتني ،وحجم املأساة اإلنسانية لن يقنعا بوتني بتغيير وجهة نظره تجاه سوريا؛ فسوف يستمر الرئيس الروسي في معارضة التدخل واإلصرار على املفاوضات مع األسد كجزء من أي حل مستقبلي ،حتى يظهر شخص قوي يمكنه استعادة قدر من النظام داخل تلك الفوضى التي تعم سوريا .وإذا ،بحدوث معجزة ،لم تتحول سوريا إلى كارثة إقليمية شاملة ،سوف يحيي بوتني نفسه ويقول إن الفضل يرجع له ألنه منع أي تدخل. ولكن إذا ما تحقق السيناريو األكثر احتماال ،فسوف يلقي بوتني باللوم على واشنطن ،محمال إياها مسؤولية تدمير سوريا وتمكني املتطرفني السنة من خالل االحتفاء بالديمقراطية والثورات العربية. وفي الوقت نفسه ،فإن عناد بوتني سوف يحول أسوأ كوابيسه – تفتيت دولة ذات أهمية جيوسياسية -إلى حقيقة
فورن أفيرز /أيار -مايو 58 - 2013 /
وليس ذلك بمستغرب إذ إن العقبة الرئيسية أمام أي تغير في الحسابات الروسية هي الرئيس فالديمير بوتني نفسه وكراهيته الشديدة والدائمة إلجراء تغيير عنيف للنظام. ملاذا يقدم بوتني هذا الدعم املستمر لألسد؟ ظاهريا ،تحقق موسكو أرباحا من تصدير األسلحة إلى سوريا ،كما أنها تعتمد على عالقتها الطيبة بالنظام في تأمني الوصول ملنشآتها البحرية في ميناء طرطوس على البحر املتوسط .ولكن تلك املصالح هامشية ورمزية؛ حيث يرجع دعم بوتني لنظام األسد إلى خوفه من انهيار الدولة – وهو الخوف الذي واجهه على نحو مباشر أثناء انفصال الشمال القوقازي بروسيا؛ جمهورية الشيشان؛ وقمعه بوحشية عبر حرب أهلية دموية وعملية ملكافحة التمرد استمرت في الفترة ما بني 1999و .2009 (في روسيا ،الجمهوريات هي وحدات فيدرالية شبه مستقلة تشكل املناطق التاريخية للجماعات الروسية غير العرقية بالبالد). وفي سلسلة من الحوارات التي أجريت معه في عام ،2000صرح بوتني أن “جوهر ..الوضع في شمال القوقاز والشيشان ..هو استمرار انهيار االتحاد السوفييتي ..وإذا لم نفعل شيئا سريعا لوقف ذلك، سوف ينتهي وجود دولة روسيا في شكلها الحالي ..وكنت مقتنعا أننا إذا لم نتمكن من وقف املتطرفني على الفور (في الشيشان) ،فإننا سرعان ما سنواجه يوغسالفيا جديدة في كافة أراضي االتحاد الروسي – يوغسالفية روسيا. ونحن نعرف كيف كان بوتني يشعر تجاه انتهاء االتحاد السوفياتي؛ ففي عام 2005أطلق عليه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين” ،وهو التعليق الذي يكشف إحساسه باألسى النهيار الدولة السوفياتية أكثر من انتهاء الشيوعية. بالنسبة لبوتني ،تستدعي سوريا تجربة الشيشان .فقد وضع كال النزاعني الدولة في مواجهة قوات معارضة يائسة وتفتقر إلى القيادة والتي ضمت إليها في النهاية جماعات إسالمية سنية متطرفة. ووفقا لرأي بوتني – وهو الرأي الذي يؤكده كثيرا في لقاءاته مع نظرائه األميركيني واألوربيني — سوريا هي املعركة األخيرة في صراع عاملي وممتد لعدة عقود بني الدول العلمانية واإلسالمية السنية بدأت أوال في أفغانستان مع طالبان ثم انتقلت إلى الشيشان ومزقت عددا من الدول العربية إربا. ومنذ توليه للسلطة (في البداية كرئيس للوزراء في 1999ثم كرئيس في عام )2000ليجد نفسه في خضم حرب الشيشان ،أعرب بوتني عن مخاوفه من التطرف اإلسالمي السني ومن املخاطر التي تمثلها الجماعات “الجهادية” بالنسبة لروسيا في ظل وجود أعداد سكانية كبيرة من السنة في البالد والذين يتركزون في شمال القوقاز ،في منطقة “الفولجا” وفي املدن الكبرى مثل موسكو. وكانت الرغبة في السيطرة على التطرف هي أحد األسباب الرئيسية التي دفعت بوتني ألن يساعد الواليات املتحدة في مواجهة طالبان في أفغانستان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) ،كما أنه السبب في حفاظ روسيا على عالقات وثيقة مع شيعة إيران التي تراها كمعادل لقوة السنة. وفي حالة الشيشان ،أوضح بوتني أن استرداد الجمهورية من أيدي “قوات املعارضة املتطرفة” يستحق كافة التضحيات .وفي خطاب له في سبتمبر (أيلول) ،1999وعد بوتني بمالحقة متمردي وإرهابيي الشيشان حتى “خارج الوطن”.
وبالفعل قام بوتني بذلك ،فقد قتل بعض زعماء املعارضة بهجمات صاروخية في مكامنهم ،حتى تحولت عاصمة الشيشان ،غروزني، إلى ركام؛ وقتل عشرات اآلالف من املدنيني باإلضافة إلى املقاتلني الجهاديني الذين جاءوا إلى الشيشان بتشجيع من الجماعات املتطرفة في العالم العربي بما في ذلك سوريا. وقد تعرضت موسكو وغيرها من املدن الروسية األخرى لهجمات إرهابية مدمرة .ثم أصبح ما فعله بوتني بالشيشان عبرة ملا يمكن أن يحدث للمتمردين واإلرهابيني – وبالطبع لكافة الجماعات األخرى من الناس — إذا ما هددوا الدولة الروسية. فإما سيتم القضاء عليهم أو أنهم سيركعون – وهو املصير الذي يتمناه الرئيس بوتني للمتمردين السوريني .وبعد عقدين من الصراع على االنفصال ،تمكن بوتني من احتواء انتفاضة الشيشان ،حيث يترأس حاليا الجمهورية رمضان قديروف ،املتمرد السابق الذي حول والءه إلى موسكو. وقد منح بوتني لقديروف وأعوانه العفو وكلفهم بمالحقة املسلحني والخصوم السياسيني .وقد أعاد قديروف بناء غروزني (بتمويل وفير من موسكو) وأنشأ نسخته الخاصة من الجمهورية الشيشانية اإلسالمية التي تدينها منظمات حقوق اإلنسان لقمعها الوحشي للمعارضة. وخالل العامني املاضيني ،كان بوتني يتمنى أن يتمكن األسد من تحقيق ما نجح فيه بوتني في الشيشان ويهزم املعارضة.
نظرا لتاريخ حافظ الأ�سد� ،أبي ب�شار الدموي يف قمع االنتفا�ضات توقع بوتني �أال يواجه النظام م�شكلة يف احلفاظ على متا�سك الدولة .ولكن يبدو �أن الأ�سد �أخفق وبوتني لي�س هو الرجل الذي يراهن على احل�صان اخلا�سر
ونظرا لتاريخ حافظ األسد، أبي بشار ،الدموي في قمع االنتفاضات ،توقع بوتني أال يواجه النظام مشكلة في الحفاظ على تماسك الدولة .ولكن يبدو أن األسد أخفق ،وبوتني ليس هو الرجل الذي يراهن على الحصان الخاسر. ومن جهة أخرى ،يدرك بوتني وبقية القيادة الروسية أن تأييدهم القوي لألسد قد أضر بموقف روسيا في العالم العربي ،ولكنهم ليس لديهم بديل للخروج من املأزق؛ فما زال بوتني غير مستعد للسماح بتدخل يمكن أن يؤدي إلى تفكيك الدولة السورية ويخاطر بخلق موقف مشابه ألفغانستان في التسعينيات ،عندما كانت الجماعات املتحاربة من املتطرفني تحارب بعضها البعض وتوفر أرضا خصبة للجهاد العاملي. ووفقا لبوتني ،أسهمت حالة الفوضى التي سادت ليبيا بعد سقوط القذافي والتي أصبحت مصدرا للسالح واملقاتلني والالجئني لجيرانها في إلقاء املزيد من الضوء على مخاطر التدخل الدولي. ولكن قبل التخلي عن األسد ،على بوتني أن يجيب على بعض األسئلة امللحة :من سيكون مسؤوال عن تداعيات سقوط النظام؟ من الذي سيتحكم في املتطرفني السنة؟ من الذي سيبقي املتطرفني بعيدا عن شمال القوقاز واملناطق الروسية األخرى ذات األغلبية من السنة املسلمني؟ وأخيرا ،من الذي سيحافظ على أمن األسلحة الكيماوية في سوريا؟ مما ال شك فيه أن بوتني ال يثق في أن تلعب الواليات
فورن أفيرز /أيار -مايو 57 - 2013 /
صحافة عالمية
السبب الحقيقي وراء دعم بوتني لألسد
خلط بني سوريا والشيشان
بوتني يستقبل األسد في الكرملني قبل اندالع الثورة في سوريا
بقلم :فيونا هيل *
ليس هناك سوى عدد محدود من القضايا التي يمكنها تفسير حدود “تغير” عالقة إدارة أوباما بروسيا بخالف األزمة في سوريا .فلمدة تزيد على العام ،كانت الواليات املتحدة تحاول العمل مع روسيا لكي تجد حال إلنهاء العنف ولكنها كانت تخفق؛ حيث تعارض موسكو بشدة التدخل الدولي لخلع الرئيس السوري بشار األسد من السلطة بحجة أن النزاع يجب حله عبر املفاوضات وأن األسد يجب أن يكون جزءا من أي اتفاق انتقالي يؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة .وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الروسي ،سيرغي الفروف ،تواصل مؤخرا مع قيادات املعارضة السورية ،فلم تصدر عن تلك املحادثات أية إرهاصات بأن الكرملني يعيد التفكير جديا في مواقفه تجاه سوريا. * زميلة الباحثني ببرنامج السياسة الخارجية؛ “ستيفن وباربرا فريدمان» بمعهد بروكينغز وشاركت مع كليفورد غادي في تأليف كتاب “السيد بوتني :العمل في الكرملني»
فورن أفيرز /أيار -مايو 56 - 2013 /
ولكي يلتف نتنياهو حول ذلك الشرط األخير والشائك ،أكد أن إسرائيل خففت مؤخرا من القيود على دخول البضائع املدنية إلى غزة ووافق على العمل مع تركيا على تحسني األوضاع اإلنسانية هناك .وما زال العمل جاريا على التفاصيل ولكن يبدو أن البلدين في طريقهما الستئناف التعاون في عدد من املناطق.
تركيا وإسرائيل بالرضا على التواصل والتعاون بينهما .ومن املجاالت األخرى التي تحتاج تركيا مساعدة إسرائيل بها هي الطاقة؛ إذ إن عجز موازنة تركيا الحالي الذي بلغ 48.8مليار دوالر في 2012هو في مجمله نتاج اعتماد البالد على استيراد البترول والغاز الطبيعي؛ فتركيا ليست لديها موارد طبيعية.
وكان واضحا منذ فترة أن إسرائيل على استعداد لالعتذار لتركيا، ولكن لم يكن من الواضح إذا ما كانت تركيا سوف تقبل هذا االعتذار أم ال؛ فبعد انتهاء موسم االنتخابات في إسرائيل ،لم يعد على نتنياهو القلق بشأن االنتقادات القومية التي يمكن أن يتعرض لها جراء إصالح العالقات مع تركيا ،كما أن االستبعاد املؤقت لوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان من مجلس الوزراء أزال كبرى العقبات أمام املصالحة من الجانب اإلسرائيلي.
باإلضافة إلى أن تركيا تدفع مبالغ طائلة لشراء الغاز الطبيعي الروسي واإليراني عبر عقود مجحفة .وفي بداية الشهر الحالي ،تحدثت مع عدد من الناس في تركيا -وزراء حكوميون ،وسياسيون في املعارضة، ورجال أعمال ،وزعماء التحادات عمالية -تحدث جميعهم حول تزايد احتياجات تركيا من الطاقة وأعربوا عن أسفهم العتماد البالد املتزايد على الغاز الطبيعي الروسي واإليراني.
ولكن السياسة في تركيا لها أبعاد مختلفة؛ حيث أضرت القضية الفلسطينية إلى حد كبير بشعبية إسرائيل هناك ،كما أن النزاع مع إسرائيل كانت له أهمية سياسية بالنسبة ألردوغان الذي كان قادرا على شن هجوم على إسرائيل في أي وقت يشاء لكي يحول االنتباه عن القضايا املحلية الشائكة .فعلى سبيل املثال ،كانت مفاوضات الحكومة مع عبد الله أوجالن ،زعيم حزب العمال الكردستاني االنفصالي تتصدر عناوين األخبار املحلية التركية حتى نعت أردوغان الصهيونية بأنها جريمة ضد اإلنسانية جاذبا األضواء عن تلك املفاوضات. وأخذا في االعتبار تلك املزايا السياسية املحلية ،لم يكن لدى أنقرة العديد من األسباب التي تدفعها للمصالحة مع إسرائيل من قبل ،ولكن أخبار األسبوع الحالي تشير إلى أن تركيا أدركت أخيرا أنها سوف تخسر أكثر مما تكسب من تجميد عالقتها بإسرائيل ،إذ يمكن لتركيا االستعانة بمساعدة إسرائيل في األزمة األكثر إلحاحا على صعيد السياسة الخارجية وهي الحرب األهلية السورية باإلضافة إلى مخاوفها االقتصادية املتعلقة بأمن الطاقة. بالنسبة ألنقرة ،تمثل األزمة السورية صداعا مستمرا؛ حيث تتكبد تركيا خسائر تجارية باإلضافة إلى أنها اضطرت للجوء للناتو للحصول على صواريخ باتريوت ملواجهة أية تهديدات حدودية ،كما كان عليها استضافة ما يقرب من نصف مليون الجئ سوري .وقد القت مطالبة أنقرة لألسد بالتنحي كذلك مطالبها بتدخل الناتو من خالل فرض منطقة حظر طيران وتوفير أسلحة ثقيلة للمتمردين السوريني أذنا صماء. وعلى الرغم من أن ذلك كله سيئ بالنسبة لزعماء تركيا ،غير دخول األسلحة الكيماوية السورية مؤخرا في معادلة الحسابات التركية تماما؛ فاآلن أكثر من أي وقت سابق ،أصبحت تركيا تحتاج إلى استخبارات أفضل وإلى حلفاء إلنهاء الحرب األهلية أو على األقل منعها من التفاقم، حيث ال تستطيع تركيا أن تتحمل استخدام األسلحة الكيماوية على مقربة من حدودها مع سوريا وكلما طال أمد القتال ،كلما زادت فرص استخدام األسلحة الكيماوية. وببساطة ،لدى إسرائيل استخبارات أفضل فيما يتعلق بالتطورات اإلقليمية مما لدى تركيا ،وتستطيع تركيا أن تفيد من تلك املساعدات في مراقبة مخازن سالح األسد وتحركات القوات على كال الجانبني. باإلضافة إلى أنه في الوقت الذي أبدت فيه الواليات املتحدة وبلدان حلف األطلسي ترددا في دعم املتمردين السوريني بأي طريقة نافعة ،كان لدى إسرائيل دافع مهم لتعزيز هيمنة الجماعات السنية املعتدلة في مواجهة العناصر الجهادية الراديكالية من املعارضة. وكلما ازدادت األوضاع في سوريا اشتعاال ،سوف تشعر كل من
وفي الوقت نفسه ،اكتشفت إسرائيل للتو حقلني جديدين للغاز الطبيعي «تمار ولڤياثان» على سواحلها في شرق البحر املتوسط. ونظرا ألن تركيا ليس لديها أمل في تهدئة العالقات مع قبرص، خصمها األبدي ،والتي كانت ثاني املستفيدين الرئيسيني من ازدهار الغاز في البحر املتوسط ،فمن املرجح أن تتجه إلسرائيل كمورد للغاز الطبيعي .وفي ظل تباطؤ النمو االقتصادي التركي ،فإن إمكانات إسرائيل كشريك تجعل املصالحة أكثر جاذبية اآلن أكثر من أي وقت آخر في السنوات املاضية. وهناك عوامل أخرى جعلت هذا األسبوع هو الوقت املثالي ألن تقبل تركيا اعتذار إسرائيل فمبدئيا ،سمح القيام بذلك خالل رحلة الرئيس باراك أوباما إلى املنطقة ألردوغان أن يقدم نصرا سياسيا للرئيس.
ال�سيا�سة يف تركيا لها �أبعاد خمتلفة حيث �أ�ضرت الق�ضية الفل�سطينية �إىل حد كبري ب�شعبية �إ�سرائيل هناك ،كما �أن النزاع مع �إ�سرائيل كانت له �أهمية �سيا�سية بالن�سبة لأردوغان الذي كان قادرا على �شن هجوم على �إ�سرائيل يف �أي وقت ي�شاء لكي يحول االنتباه عن الق�ضايا املحلية ال�شائكة
وفي الوقت نفسه ،يستطيع أردوغان االدعاء بأنه جعل إسرائيل تركع حيث كان القوميون األتراك يستعدون النتقاده بشأن التفاوض مع أوجالن واتخاذه توجها لينا مع أكراد تركيا ،فما زالت قطاعات واسعة من الشعب التركي ال تعترف بوجود مشكلة كردية وتنظر ألي مساع من قبل الحكومة لتخفيف التوتر باعتبارها خنوعا لإلرهاب. وفي أعقاب خطاب أوجالن يوم الخميس ،والذي يمثل انفصاال أصيال عن املاضي بتحويل قتال «حزب العمال الكردستاني» ضد تركيا إلى نزاع سياسي بدال من كونه نزاعا مسلحا ،أصبح لدى أردوغان اآلن الفضاء السياسي الستئناف العالقات مع إسرائيل والقدرة على تطوير املقاربة مع إسرائيل باعتبارها نصرا قوميا خضعت فيه إسرائيل للمطالب التركية. وعلى الرغم من أن النزاع مع إسرائيل كانت له مزاياه بالنسبة ألردوغان، أصبح الوقت اآلن مالئما للمصالحة معها في ظل التحديات العديدة التي تواجهها تركيا ،وفي ظل ضغط أوباما على كال الجانبني للمصالحة. وألول مرة منذ أبحرت سفينة مافي مرمرة ،أصبحت املكاسب على صعيد االقتصاد والسياسة الخارجية التي سوف تحققها تركيا بإصالح األمور مع إسرائيل تفوق بكثير املزايا السياسية الداخلية التي تحققها من النأي عنها .ففي بعض األحيان ،يكون صديق يمكن االعتماد عليه أفضل من خصم محل ثقة
فورن أفيرز /أيار -مايو 55 - 2013 /
صحافة عالمية
ما أسباب عودة العالقات اإلسرائيلية التركية؟
تعاون قادم
بنيامني نتنياهو
رجب طيب أردوغان
بقلم :مايكل جيه كوبولو *
بعد نحو ثالثة أعوام من التناحر السياسي العنيف بني البلدين في أعقاب الغارة اإلسرائيلية على سفينة «مافي مرمرة» – سفينة تحمل نشطاء دوليني كانوا يحاولون كسر الحصار اإلسرائيلي على غزة -وافقت كل من تركيا وإسرائيل أمس على استئناف العالقات الدبلوماسية .وفي مكاملة هاتفية مع رئيس الوزراء التركي ،رجب طيب أردوغان ،اعتذر رئيس الوزراء اإلسرائيلي ،بنيامني نتنياهو ،عن وفاة تسعة مواطنني أتراك على يد القوات اإلسرائيلية ووافق على دفع التعويضات .وفي املقابل ،وافق أردوغان على تطبيع العالقات بني الدولتني ووقف محاكمات الضباط اإلسرائيليني املتورطني في تلك الغارة على السفينة .وكانت تركيا تشترط إلى جانب تقديم اعتذار ودفع التعويضات ،أن ترفع إسرائيل الحصار أيضا. * مدير البرامج بمعهد إسرائيل ويعد حاليا دراسة دكتوراه حول الحكومة في جامعة جورج تاون
فورن أفيرز /أيار -مايو 54 - 2013 /
وقد كشفت التجربة في ليبيا عن التعهدات والقيود املتعلقني بمبدأ «املسؤولية عن الحماية» .ففي مارس (آذار) ،2011وبعد شهرين من االقتتال بني الحكومة وقوات املتمردين ،أصدر رجل ليبيا القوي ،معمر القذافي ،تهديدا صريحا ملواطني بنغازي، طالبا منهم وقف التمرد .وعندما بدأت القوات الليبية تتحرك صوب املدينة ،لجأ مجلس األمن إلى مبدأ «املسؤولية عن الحماية» وأصدر القرار 1973الذي يخول لحلف شمال األطلسي استخدام القوة لحماية مواطني بنغازي .وقد امتنعت كل من الصني وروسيا عن التصويت ضد القرار مما سمح للحملة العسكرية بقيادة حلف شمال األطلسي بالتقدم. وعلى الرغم من أن الضربات الجوية لحلف شمال األطلسي استطاعت أن تعرقل تقدم جيش القذافي وساعدت على منع حدوث إصابات واسعة النطاق في بنغازي ،كان القذافي ما زال يهيمن على السلطة في طرابلس ،ومن ثم كانت القوات الدولية تواجه معضلة أصيلة لها عالقة بالتدخل الدولي والحماية املدنية :كيف يمكن التدخل على نحو يمنع الحكومة من قتل املواطنني ويوفر في الوقت نفسه الظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية الضرورية التي تمكن املجتمع الدولي من وقف التدخل دون استئناف العنف .بعد انقضاء املراحل األولى من الحملة العسكرية ،توصلت الواليات املتحدة وحلف شمال األطلسي إلى أن االستقرار بعيد املدى في ليبيا يقتضي تنحي القذافي. وقال الرئيس األميركي باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيالري كلينتون إن عنف القذافي يمثل تهديدا مستمرا لجميع املواطنني في ليبيا ،فيما أعرب آخرون في مجلس األمن عن اعتراضهم على استخدام مبدأ «املسؤولية عن الحماية» لتبرير تغيير النظام في ليبيا. وكان أنصار التدخل اإلنساني دائما ما يثيرون الجدال حول مدى مسؤولية املجتمع الدولي عن حماية املدنيني .فقد كانت املسودات األولية من مبدأ «املسؤولية عن الحماية» والذي كان في البداية اقتراحا من «اللجنة الدولية املعنية بالتدخل وسيادة الدولة» في ديسمبر ،2001تقدم مقاربة طموحا لوقف األعمال الوحشية ضد الجماعات ،من خالل إلزام الدول بالتدخل في حاالت املذابح الجماعية والتطهير العرقي واملساهمة في إعادة اإلعمار بعد انتهاء النزاعات .في الفترة ما بني ،2001و 2005تمت مراجعة تلك املسودة إلى حد كبير .وفي نسختها النهائية التي عرضت في وثيقة نتائج مؤتمر القمة العاملي لعام ،2005تم حذف كافة اإلشارات إلى إعادة اإلعمار والعبارات الصريحة املتعلقة بااللتزام بالتدخل .وتفيد العبارات التي تم االتفاق عليها بأن املجتمع الدولي «على استعداد التخاذ إجراء جماعي ..وفقا لكل حالة على حدة» — وهي عبارة مخففة أطلق عليها العالم السياسي توماس ويس «النسخة املخففة من املسؤولية عن الحماية». وعلى الرغم من هذه التغيرات، أعرب عدد من الدول بما في ذلك الصني وروسيا عن قلقهم حيال ذلك املبدأ حيث كانوا يخشون أن يستغل الغرب ذلك املبدأ حتى في نسخته التي تمت مراجعتها لكي يحصل على دعم لتدخالته الليبرالية .وقد حاول األمني العام لألمم املتحدة، بان كي مون تهدئة تلك املخاوف وإيضاح أن املسؤولية الرئيسة لحماية املدنيني تقع على عاتق الدولة التي يعيشون بها وأن دور املجتمع الدولي يجب أن يقتصر على مساعدة الحكومات على تطوير تلك املهارة .وال يجب اللجوء إلى التدخل العسكري إال عندما يتم استهالك كافة الخيارات األخرى وعندما يكون هناك خطر مباشر يتعلق بارتكاب أعمال وحشية ضد الجماهير ،وشريطة الحصول على موافقة مجلس األمن وعندما يكون هناك احتماالت كبيرة للنجاح واحتماالت محدودة ألن يزداد الوضع سوءا .وقد أحجمت روسيا والصني عن تطبيق مبدأ «املسؤولية عن الحماية» في سوريا – ليس ألنهم يؤيدون نظام بشار األسد ولكن ألنهم قلقون من رغبة واشنطن في استخدام حجة التدخل اإلنساني لشن حملة أوسع لتغيير النظام على مستوى العالم .وقد زاد إصرار الواليات املتحدة على تنحي األسد من حدة موقف موسكو وبكني ضد اتخاذ أي إجراء في سوريا. ولكن حتى إذا ما وافقت روسيا والصني ،فإن الوضع في سوريا مختلف عن الوضع في ليبيا في شيئني مهمني .أوال :التدخل العسكري في سوريا ليس مبشرا بالنجاح مثلما كان الوضع في ليبيا .فوفقا للمعهد الدولي للدراسات االستراتيجية ،كان التدخل العسكري في سوريا في عام 2009أكبر أربع مرات من التدخل في ليبيا بما يقدر بنحو 300ألف من القوات و 300ألف آخرين من قوات االحتياطي .كما أن سوريا لديها نحو 60ألفا من القوات الجوية وأكثر من 4500من املواقع املضادة للطائرات
في جميع أنحاء البالد – العديد منها يقع في مناطق ذات كثافة سكانية ،فيما كان لدى القوات الجوية الليبية عدد أقل من القوات وما يقدر بنحو 300بطارية مضادة للطائرات .باإلضافة إلى أن املعارضة السورية كانت تناضل باستمرار لتوحيد صفوفها وللهيمنة على األراضي .أما في ليبيا ،فعندما وافقت األمم املتحدة على التدخل ،كانت قوات املعارضة املوحدة تسيطر على مساحة واسعة متصلة من البالد وكان من الواضح أن الدعم الجوي سوف يمكن املتمردين من الحفاظ على مواقعهم. وثانيا :لم يكن لدى القذافي سوى قدر محدود من الدعم اإلقليمي أو العاملي ،كما أن كافة املنظمات الدولية واإلقليمية كانت تؤيد التدخل ،بينما ما زال املجتمع الدولي منقسما حيال التدخل في سوريا؛ حيث إن نظام األسد لديه حليف قريب في إيران ويمكنه االعتماد على روسيا في عرقلة الضغوط الدولية لتغيير النظام .باإلضافة إلى أن وجود املقاتلني اإلسالميني املسلحني بني صفوف املعارضة السورية يثير القلق أخذا في االعتبار قوة تنظيم القاعدة في دولة العراق املجاورة .ولكن إذا ما تغيرت األوضاع ،فربما يجد املجتمع الدولي وسيلة ما لتدخل محدود – ربما ينشر نظاما من مضادات الطائرات إلنشاء منطقة حظر طيران على شمالي سوريا. ومع ذلك ،ما زالت هناك تعقيدات وتحديات متعلقة بالتدخل .فحتى إذا ما كان هناك تزايد درامي في التعاون الدولي للسيطرة على العنف املسلح ضد املدنيني وتخفيف حدته ،ما زالت سيادة الدولة والحقائق الجيوسياسية تعرقل تلك املساعي. وللتغلب على تلك التحديات ،تحتاج الواليات املتحدة واملجتمع الدولي لفصل تغيير النظام عن مبدأ «املسؤولية عن الحماية» .فسوف يفقد املبدأ شرعيته إذا ما تم النظر له فقط باعتباره أداة للمغامرات اإلمبريالية الجديدة .وملنع سوء استخدام ذلك املبدأ ،قدمت البرازيل في عام 2011مفهوم «املسؤولية أثناء الحماية» ( ،)RWPوالذي ينادي بزيادة مراقبة مجلس األمن ومراجعة أفعال مبدأ «املسؤولية عن الحماية».
نظام الأ�سد لديه حليف قريب يف �إيران وميكنه االعتماد على رو�سيا يف عرقلة ال�ضغوط الدولية لتغيري النظام .بالإ�ضافة �إىل �أن وجود املقاتلني الإ�سالميني امل�سلحني بني �صفوف املعار�ضة ال�سورية يثري القلق �أخذا يف االعتبار قوة تنظيم القاعدة يف دولة العراق املجاورة
وقد قوبل اقتراح البرازيل في البداية باستجابة فاترة من قبل الواليات املتحدة وفرنسا واململكة املتحدة الذين تخوفوا من أن يبطيء ذلك التدخل الدولي ضد األعمال الوحشية التي ترتكب ضد املدنيني .ولكن املبدأ بدأ يكتسب تأييدا اآلن؛ فقد رحب بان كي مون به في تقرير يوليو (تموز) .2012ولتخفيف املخاوف املتعلقة بسوء استخدام «مبدأ املسؤولية عن الحماية» ،ربما يساعد مبدأ «املسؤولية أثناء الحماية» املجتمع الدولي على إقامة التوازن الصحيح بني الحفاظ على تأييد مجلس األمن واالستجابة الفعالة لألعمال الوحشية ضد الجموع في الوقت املناسب. باإلضافة إلى أن املجتمع الدولي سوف يحسن صنعا بتعزيز العناصر غير العسكرية من املسؤولية عن الحماية .فعلى سبيل املثال ،يجب أن تعزز البلدان من بنى املراقبة مثل «مكتب املستشار الخاص املعني بمنع اإلبادة الجماعية» والذي ينسق مراقبة االنتهاكات الخطيرة لحقوق اإلنسان في مناطق النزاع ويصدر تقارير تحذيرية مبكرة ملجلس األمن ،وعندما يكون أفق التدخل العسكري مثيرا للجدل ،كما هو الحال في سوريا ،يجب أن يصدر املجتمع الدولي مبادرات إنسانية ودبلوماسية ما دام هناك دليل على احتمالية وقوع عمليات قتل جماعية للمدنيني .ففي سوريا ،كان يشير الجدال املطول حول التدخل إلى أن األدوات غير العسكرية مثل املساعدات اإلنسانية واملساعي الدبلوماسية املنسقة لم يتم توظيفها على النحو املالئم لتخفيف معاناة املدنيني .ما زال املجتمع الدولي يستكشف كيف يمكنه منع وإدارة العنف ضد املدنيني. وعلى الرغم من أن تاريخ مبدأ «املسؤولية عن الحماية» تاريخ متفاوت ،فإن ذلك ال يعني أنه أخفق .فبالنظر له مع االستراتيجيات األخرى ملنع النزاع وإدارته ،ال يزال املسؤولية عن الحماية ومبدأه الرئيسي – أن املدنيني لهم الحق في الحماية -ضروريا الستمرار االتجاه صوب مجتمع أكثر سلمية
فورن أفيرز /أيار -مايو 53 - 2013 /
صحافة عالمية
إلنقاذ املبدأ ..يجب التخلي عن فكرة تغيير النظام
مسؤولية احلماية
قادة املعارضة السورية يفتتحون أول سفارة لهم في العاصمة القطرية الدوحة
بقلم :جون ويسرتن وجوشوا إس غولدشتاين *
في مقالنا األخير بمجلة الشؤون الخارجية («التدخل اإلنساني يدخل سن الرشد» ،نوفمبر /تشرين الثاني ديسمبر /كانون األول) ،أشرنا إلى أن النزاعات املسلحة أصبحت بشكل عام أقصر وأقل حدة وأكثر محليةمما كانت عليه في املاضي. * أستاذ عالقات دولية بكلية ماونت هوليوك وفايف كوليدج .جوشوا غولدشتاين :أستاذ متفرغ للعالقات الدولية بالجامعة األميركية ومؤلف كتاب «االنتصار في الحرب على الحرب :تراجع النزاع املسلح في العالم».
فوفقا ملا وثقه «برنامج جامعة أوبساال للبيانات الخاصة بالنزاعات» ،فإن عدد الوفيات الناجمة عن املعارك على مستوى العالم كان أقل في كل عام من األعوام العشرة املاضية مما كان عليه في أي عام سابق منذ الخمسينيات( .لم تصدر بعد البيانات املتعلقة بعام 2012ولكن من املتوقع أن تحافظ على نفس النمط). ويرجع ذلك التطور في جانب منه إلى تطور القواعد املتعلقة بالعنف بما في ذلك املبدأ الذي أقرته األمم املتحدة والذي يطلق عليه «املسؤولية عن الحماية» ( )R2pوالذي يقضي بأن املجتمع الدولي مستعد التخاذ إجراءات لحماية املدنيني – بالقوة ،إذا ما كان ذلك ضروريا -إذا ما أخفقت الحكومات في عمل ذلك. ومن جهة أخرى ،طور املجتمع الدولي أدوات أفضل إلدارة النزاعات ومنعها .كما أصبحت اتفاقيات السالم أكثر فعالية وأقل تعرضا لالنتهاك .كما أصبح أداء مؤسسات العدالة االنتقالية ،بما في ذلك املحكمة الجنائية الدولية ،واملحاكم الخاصة بشأن يوغسالفيا ورواندا وسيراليون وعدد كبير من املحاكم املحلية الخاصة أفضل من حيث االهتمام بحقوق اإلنسان أكثر من أي وقت سابق .وأخيرا ،وكما اتضح في ليبيا في عام ،2011منع التدخل العسكري في بعض األوقات سقوط املزيد من املدنيني .ولكن لكل قاعدة استثناءات ،واالستثناء من هذه القاعدة هو الحرب املدنية الدموية والطائفية في سوريا والتي ال توجد أي إشارة على خفوت حدتها .فخالل مدة النزاع التي بلغت عامني ،قتل ما يقدر بنحو 70ألف شخص ونزح ما يزيد على
ثالثة ماليني شخص من منازلهم .ويتمتع كل طرف من األطراف املتنازعة بدعم قوى خارجية ،فيما فشل مجلس األمن التابع لألمم املتحدة في إصدار قرارات ناجعة تضع األساس إلنهاء النزاع .ومن العديد من النواحي ،يستدعي عجز املجتمع الدولي عن وقف العنف املتصاعد في سوريا إلى األذهان العجز والتردد حيال التدخل في البوسنة في التسعينيات .ففي حالة البوسنة ،قتل ما يقارب الـ 100ألف نسمة قبل أن يتمكن التدخل الدولي الفعال من املساعدة على إنهاء النزاع في عام .1995 وأخذا في االعتبار الخالف الدولي حول سوريا ،يقول بعض املراقبني إنه لم يتغير شيء منذ ذلك الوقت وإن «املسؤولية عن الحماية» هو مبدأ عديم الجدوى ال ينفذ إال عندما تتالقي مصالح القوى العظمى ،حيث ال يوجد ما يبرر رد الفعل تجاه تزايد عدد الضحايا في سوريا ،ولكن مثل تلك االنتقادات أساءت فهم طبيعة مبدأ «املسؤولية عن الحماية». فعلى الرغم من طموح هذا املبدأ ،فإنه عملي ومحدود النطاق؛ فهو يدعو للتدخل العسكري باعتباره الحل األخير عندما تتوحد أهداف املجتمع الدولي وعندما يكون أمام القوة فرصة كبيرة لتحسني الوضع .وعلى الرغم من أن مبدأ «املسؤولية عن الحماية» أخفق في منع عمليات القتل الجماعية في سوريا ووقف كافة األعمال الوحشية ضد املدنيني في العالم ،وعلى الرغم من محدوديته ،اكتسب مبدأ حق املدنيني في الحماية تأييدا واسع النطاق .ومن املستبعد أن يختفي ذلك املكسب ،بل األرجح أن يصبح مبدأ «املسؤولية عن الحماية» أداة فعالة في الحاالت املستقبلية، خاصة في الحاالت التي ال يستهدف فيها املجتمع الدولي تغيير النظام.
فورن أفيرز /أيار -مايو 52 - 2013 /
إلنقاذ املبدأ ..يجب التخلي عن فكرة تغيير النظام
مسؤولية احلماية
بقلم :جون ويسرتن وجوشوا إس غولدشتاين
ما أسباب عودة العالقات اإلسرائيلية التركية؟
تعاون قادم
بقلم :مايكل جيه كوبولو
السبب الحقيقي وراء دعم بوتني لألسد
خلط بني سوريا والشيشان بقلم :فيونا هيل فورن أفيرز /أيار -مايو 51 - 2013 /
البـحـوث العلـميـة عاليـة التأثيـر ٌ متـاحـة ا ن للمـجتـمع بأكمله.
ﺷـﻬـﺮﻳﺎ ﺑﺎﻃﻼﻋﻚ ﻋﻠﻰ Natureﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ،ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼـﺪﺭ ًّ ﺍﻧﻀـﻢ ﺇﻟﻰ ُﺭ ّﻭﺍﺩ ﺍﻟﻌﻠــﻮﻡ ﱢ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴـــﺔ ،ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻹﻟﻜﺘــﺮﻭﻧﻲ ﺍﻟﺨـﺎﺹ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺒـﻜﺔ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ ،ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺜﻪ ﺑﺼﻔﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ. ﺇﻥ Natureﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻠﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺍﻷﺧﺒــﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴــﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺍﻟﺠﻮﺩﺓ ،ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ ﻣﺘﺎﺣﺎ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ ﻛﻞ ﺃﺳﺒــﻮﻉ ،ﻣﻊ ﻭﺟـﻮﺩ ﻧُ َﺴﺦ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ”.“Natureﺇﻥ ﻣﺤﺘـﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺳﻴـﻜﻮﻥ ً ﺷﻬﺮﻳﺎ ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ًّ
ﺍﻃﻠِ ْﻊ ﻋﻠﻰ Natureﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﻧﺘﺮﻧﺖ ،ﻭﺍﻣﻸ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺎﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ: ﱠ
arabicedition.nature.com
ﺑﺎﳌﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻊ:
يقول فرج ان نظام السادات مهد لالنحراف السياسي بضرب الثقافة الوطنية واستبدال األفكار األساسية للثقافة املصرية التي قامت عليها النهضة الثقافية في الستينات .فبعدما كانت تلك األفكار تدعو الى احترام العمل واحترام العلم والتعليم وتمجد فكرة القومية وتواجه التحدي الثقافي للغرب بفكرة االصالة اذا باملوقف ينقلب واذا بنا نرى ترويجا في وسائل االعالم النتصار "الفهلوة" واملضاربة وتروج أخبار ّ الحمال الذي أصبح مليونيرا (رشاد عثمان) في عصر االنفتاح .واذا بنا نسمع بمسرحيات بهذا املعنى وتخدم هذه األفكار البديلة وتحمل عناوين مضحكة مثل "احنا اللي خرمنا التعريفة" و"اوعا يا بسة". ويضيف فرج ":لقد أصيبت الثقافة بالضحالة ألن السياسة املصرية قادت السفينة من البحار العالية الى املياه الضحلة لتتجنب مخاطر العواصف وملحاولة الفرار من تحديات العصر. فماذا كانت النتيجة؟ حاصرتهم الصخور وأوشكت السفينة على الهالك وشارفت الدولة يوم 6أكتوبر على االنهيار الكامل". ويتابع":لقد ظنوا ان أفضل وسيلة للتخلص من تحديات العصر هي الهروب بدال من التصدي بالفكر والشجاعة .وكان الهروب بداية التنازل وكان أيضا بداية العد التنازلي".
كيف مات عبد الصبور؟ ويبدي فرج ارتياحه الى "ان السياسة التي اتبعتها حكومة السادات لم يكن لها سند حقيقي بني املثقفني فانهارت هذه الصروح ألنه لم يحل أحد محل املثقفني املتنحني" .ويقول انه لم يكن هو وحده الذي هاجر بل معظم املثقفني وحتى الذين بقوا منهم في مصر كانوا مهاجرين في بالدهم .ويسمي فرج نعمان عاشور ويسمي أيضا الشاعر املصري الراحل صالح عبد الصبور .ويقول ":عبد الصبور مات ميتة درامية .موقعه الفكري كان في تناقض حاد مع موقعه الوظيفي .حادث موته حادث تاريخي ويدل على أنه كان فنانا ذا ضمير يقظ ووعي مستقيم". ويروي ان عبد الصبور أصيب بنوبة قلبية بينما كان يتجادل مع أصدقائه ويدافع عن نفسه في قضية اعتقال أصدقاء له تظاهروا ضد اشتراك اسرائيل في معرض الكتاب في القاهرة. يقول فرج انه يرى مؤشرات الى توجه جديد في املجالني السياسي والثقافي في عهد مبارك ،وان أبرزها في هذا التوجه الرغبة في
أن تعود مصر الى دورها في العالم .ويضيف "ان اعوجاجا في التاريخ املصري الحديث املستمر من أيام محمد علي والى آخر عهد عبد الناصر حدث في عهد السادات .واملؤشرات تدل على محاولة نظام الرئيس مبارك تدارك هذا الوضع الشاذ واعادة مصر الى دورها الطببيعي" .ويقول "نتمنى ان يلتئم الشمل". ويصف فرج شعوره عند سماعه نبأ مقتل السادات بأنه "شعور مختلط كان يشوبه الجزع ألن هذا حادث غير مسبوق .فمع ان مصر عرفت االغتياالت السياسية اال ان هذا هو الحادث األول من نوعه الختيار رئيس الدولة فوق منصة العرض العسكري. انه حادث تراجيدي ال يمكن تصوره اال على املسرح أو في السينما" .ويصمت فرج فنقول له انه ذكر عنصرا واحدا من عناصر الشعور املختلط وهو الجزع ،فما هي العناصر األخرى فيجيب "مش عايز أقولك" ويضحك. ويرى فرج "ضرورة االستفادة من الحادث لتعميق الديموقراطية حتى يكون هناك سبيل ملعارضة الرئيس ويكون هناك شكل النتقال السلطة اذا تعرض رأسها لحادث مماثل". ويبدي فرج جزعه أيضا من ظهور التطرف الديني ويتمنى ان يكون ذلك رد فعل طارئا على التغريب ،وانه يمكن تدارك الضرر الناشئ عن ذلك .هل يعود فرج؟ يقول انه يفكر بذلك كل يوم وسيعود .بل يقول انه لم يخرج من مصر ألنه كان دائما فيها "بفكري وعواطفي وانفعالي" .وليس فرج وحده من سيعود، بل معه أيضا كتاب وأدباء ومفكرون مصريون كثيرون .منهم لطفي الخولي (راجع حديثه لـ"املجلة" في مكان آخر). وفي هذا االطار يقول رئيس تجمع الوطنيني املصريني في بيروت فهمي حسني في تصريح لـ"املجلة"":كلنا أصبحنا على يقني تام بأن موقعنا حاليا يجب أن يكون في مصر ،ولكن على أن ال يعني ذلك أن نذهب لنضع أنفسنا في السجون وتحت سياط القوانني واملحاكم االستثنائية".
آخر صورة للسادات قبل العرض العسكري الذي تم فيه اغتياله ،ويبدو بني مبارك والفريق أبو غزالة وكبار الضباط
,,
الفريد فرج: لقد أصيبت الثقافة بالضحالة ألن السياسة املصرية قادت السفينة من البحار العالية الى املياه الضحلة
,,
ويضيف "انني أعتقد أن مصلحة شعبنا تقتضي وجود معارض في الخارج ،هذا مع أنني أدرك تماما أن معركة ازالة آثار السادات تحتاج لجهود .وأود أن أؤكد أننا لسنا معارضني ملجرد املعارضة ،بمعنى أننا مع أي خطوة يخطوها النظام باتجاه ازالة آثار السادات"< المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
49
أرشيف
الظل وان لم تخل نشاطاته من فاعلية .وقد انتظر فريد الرئيس مبارك حتى يأتي الى لندن في طريق عودته من أول زيارة له الى واشنطن ليسمع ما يقوله قبل ان يبدي رأيا. ولكن لم يصدر عن مبارك ما يغير رأي فريد ويخرجه عن صمته املؤقت .وكانت زيارة مبارك مناسبة مهمة للمعارضة املصرية في الخارج استغلتها لتقول للرئيس املصري الجديد رأيها في حكمه حتى اآلن .وسجلت املعارضة املصرية في لندن موقفها، في ما سجلته ،في رسالة مفتوحة وجهت الى الرئيس املصري أثناء زيارته للعاصمة البريطانية عن طريق السفارة املصرية في لندن ،تضمنت لهجة يسهل وصفها بااليجابية .فقد جاء فيها "أن القاسم املشترك بيننا (بني املعارضة ومبارك) في الروحية هو الوعي األكيد بما أصاب مصر من انحدار بسبب التورط في اتفاقيات كامب دايفيد" .وتضيف ":ندرك أنك ورثت مشاكل عديدة ناتجة عن تبعية مصر اقتصاديا وعسكريا لواشنطن".
خالد محيي الدين
,,
إن السالم والديمقراطية والتطور في مصر مصالح وطنية تتعارض مع الحكم املستمر للرئيس السادات
,,
48
وتتحدث الرسالة بايجابية عن مواقف مبارك من القضية الفلسطينية اال أنها توجه اليه سؤالني احدهما يستوضح متى سيوقف العمل "بالتشريعات التعسفية القابضة على الحريات" واآلخر يستوضح "ما اذا كان قرار مصر بعدم االنحياز يعني التنصل من مفهوم التحالف مع الواليات املتحدة واسرائيل". ويلفت في رسالة املعارضة املصرية في لندن الى مبارك تفردها في اقتراح حل ألزمة الشرق األوسط بتبني الدعوة الى عقد مؤتمر خاص بالسالم في املنطقة تشارك فيه منظمة التحرير الفلسطينية ودول املنطقة العربية ،اضافة الى الواليات املتحدة واالتحاد السوفياتي. وقد وجهت الرسالة باسم "تجمع الوطنيني املصريني في الخارج" (تحت التكوين) وحملت توقيع الدكتورة مخلوف .ومخلوف العضو في حزب العمال البريطاني هي سكرتيرة "اللجنة من أجل السالم والديموقراطية والتطور في مصر" وهي لجنة يرعاها ستة نواب بريطانيني من حزب العمال املعارض هم زعيم جناح اليسار في الحزب انطوني ودجوود بن والن أدامس ورايموند أليس وستيوارت هوالند وسانلي نيونس وارنست روبرتس .وقد تأسست اللجنة في ختام مؤتمر عقد في 20و21 آيار (مايو) .1980 وتصدر عن اللجنة نشرة باالنكليزية غير منتظمة تدعى "ذي ايجبشن رانر" (الرسول املصري) صدر منها ثالثة اعداد حتى اآلن .وهي تشير الى أن من بني أهداف اللجنة التوعية باخطار الوجود االميركي في مصر على السالم وايضاح حقيقة حكم الفرد الالديموقراطي في مصر .وتقول احدى املطبوعات الصادرة عن اللجنة من اعداد الدكتورة مخلوف "ان السالم والديموقراطية والتطور في مصر مصالح وطنية تتعارض مع الحكم املستمر للرئيس السادات" .وترئس مخلوف تحرير النشرة غير املنتظمة وهي تعطي الدليل على التبدل في املوقف من الرئيس مبارك في مقال نشرته في عدد صدر عقب اغتيال السادات وحمل عنوانا رئيسيا هو "السادات مات! عاشت مصر" .وتقول مخلوف في املقال "ان سياسات شخص واحد ستنقض سريعا ولكن ليس على يد مبارك ألنه مقرب جدا من الحاكم الراحل" .وذكرت مخلوف ان مبارك مرحلة مؤقتة .هذا املوقف لم يعد موقف مخلوف ،الدكتورة في علم النفس االكلينيكي ،في الرسالة التي وجهتها الى مبارك أثناء زيارته لندن .وهو لم يعد – ولم يكن ربما – موقف حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي الذي
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
انتسبت اليه مخلوف في العام ،1976ثم اختيرت لتكون رابطة الوصل في لجنة التنسيق بني حزبي "التجمع" املصري والعمال البريطاني والتي تشكلت بعد زيارة خالد محي الدين للندن في كانون األول (ديسمبر) 1980بدعوة من حزب العمال. ولم يعد هذا ،بالضرورة ،موقف مجموعة املصريني في لندن التي تتحدث مخلوف باسمهم .وهم ،كما تصفهم ،أطباء وطلبة وأعضاء بعثات (يعملون في الخفاء) .اال أنها تعترف بأنهم يشكلون مجموعة غير منظمة ونواة لـ"تجمع الوطنيني املصريني في الخارج – تحت التكوين" .وتقول مخلوف انها معجبة بتجربة املعارضة املصرية في باريس حيث أنصار حزب "التجمع الوطني" (أعضاء الحزب في الخارج يسمون أنفسهم "أنصارا" و"أصدقاء" ألن القانون املصري يحرم تشكيل فروع لألحزاب املصرية خارج مصر) يشكلون نواة لـ"تجمع الوطنيني املصريني في الخارج – باريس" ،وهذا "التجمع" يشكل أساسا ملؤتمر أوسع يضم كافة املصريني العاملني في فرنسا في اطار روابط العمال واألطباء واملحامني وغيرهم.
انتصار "الفهلوة" وال يندرج اسم ألفريد فرج على الئحة املرشحني لتكوين نواة "التجمع" ،وال على أي الئحة لتكوين تنظيم سياسي آخر .فهو غير ملتزم حزبيا وال يمارس نشاطا سياسيا مباشرا .و"كل التيارات تعتبرني فنانا" كما يقول "وهم جميعا أصدقاء" .ولكنه رغم ايمانه بالعمل الحزبي يعتقد أن عمله في التأليف املسرحي واألدبي متمم ورديف لذلك العمل وهو مكتف بذلك. يقول فرج ان قطيعته مع السادات كانت منذ العام 17حني ضرب الرئيس السابق ما أسماه "مراكز القوى" .منذ ذلك الوقت دأبت أجهزة السلطة على تنحية املثقفني والصحافيني والتضييق عليهم حتى كان يوم التاسع من كانون الثاني (يناير) من العام 1973حني وضعت قوائم باسماء 65شخصا من املمنوعني من الكتابة في الصحافة واملسرح والسينما واالذاعة والتلفزيون. وكان الفريد فرج في عداد القائمة الشهيرة التي ضمت أيضا توفيق الحكيم ويوسف ادريس ونجيب محفوظ. ويروي فرج حادثة طريفة جرت له عندما صدرت القوائم .فقد كانت تعرض له مسرحية في ذلك الوقت بعنوان "جواز على ورقة طالق" .وكان اسمه مدرجا على االعالنات الخاصة باملسرحية ككاتب للمسرحية .وما ان صدرت القوائم حتى ارسلت السلطات عماال قاموا بمحو اسمه عن تلك االعالنات واستمر عرض املسرحية بدون ذكر اسم املؤلف. وقد نوقشت املسرحية في التلفزيون بعد ذلك التاريخ ولكن بدا ان تنبيها ورد الى املشتركني بأال يوردوا على ألسنتهم اسم ألفريد فرج فامتثلوا جميعا .بعد ذلك ،منع ألفريد فرج من استئجار مسرح لفرقته "فرقة مسرح الفن العربي" .فقد كان أي اتفاق يعقده مع أي دار للمسرح في القاهرة او االسكندرية يلغى بعد ساعات .فلم يكن أمامه اال الخروج مع فرقته في جولة في املغرب العربي في ذلك العام .1973 وقد عاود زيارة مصر بعدها في العام 1976وكانت تلك آخر زيارة له ملصر واستمرت شهرين .وقد أمضى فرج املرحلة األولى من غيابه عن مصر في الجزائر حيث أمضى خمسة أعوام عمل خاللها مستشارا لالدارة الثقافية في وزارة التعليم العالي .بعد ذلك انتقل الى لندن حيث ال يزال.
لصحيفة "بابيس" االسبانية استبعد فيه أن يغير الرئيس مبارك سياسات سلفه .وأعرب عن اعتقاده بأن "شهر العسل" بني مبارك واملعارضة املصرية في الداخل لن يدوم اال لبضعة أشهر فقط. وقال "أعتقد أنه اذا انسحبت اسرائيل من سيناء في 25نيسان (ابريل) املقبل كما هو متفق عليه فان الرئيس مبارك سيتبع سياسة السادات ويلتزم بكامب دايفيد اذ لن يكون أمامه بديل آخر". والواضح من كالم الشاذلي انه قال كلمة أخيرة في حكم مبارك وهو ما لم يفعله شريكاه السابقان حتى اآلن .فألول مرة منذ القطيعة بني املعارضة املصرية في الخارج والنظام املصري تتحدث املعارضة في بيان لـ"لجنة الدفاع عن الحريات – تجمع الوطنيني املصريني في الخارج" عن "خطوة ايجابية" للحكم في مصر هي اطالق سراح بعض املعتقلني .أما الحزب الشيوعي املصري فهو يتبع أسلوبا جديدا في التعامل مع الرئيس مبارك.. في عدد ملجلة "االنتصار" الناطقة رسميا باسم الحزب ،صدر في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) املاضي مقال بعنوان "كلمة هادئة الى الرئيس حسني مبارك" تضمنت انتقادا ،بلهجة العاتب ،لبعض ممارسات الحكم التي ال تزال مستمرة في مصر ودعوة للرئيس مبارك ليعي "درس التجربة املاضية". وعلى الرغم من التفاوت في مواقف التنظيمات املصرية املعارضة في الخارج من مرحلة الحكم الجديدة في مصر ،فان هذه التنظيمات جميعها تعترف ملبارك باصالحاته الداخلية وتوافق على مبدأ التريث بالنسبة الى سياسته الخارجية الى ما بعد موعد االنسحاب االسرائيلي النهائي من سيناء. وفي هذا املجال يالحظ ان الصحف والنشرات الداخلية التي تصدرها هذه التنظيمات قد غيرت من صيغة تعاطيها مع الوضع املصري الجديد قياسا الى ما كانت تنشره في العهد السابق. ويالحظ ان حمالت االنتقادات العنيفة واستعمال عبارات مثل "االطاحة بالنظام" قد اختفت كليا على وجه الخصوص من مطبوعات حزب العمال املصري والحزب الشيوعي املصري و"تجمع الوطنيني املصريني في الخارج". وقد حذت املعارضة املصرية في لندن حذو زميالتها في باريس وبيروت فأفسحت في منشوراتها حيزا لالشارة الى الخطوات االيجابية التي اتخذها مبارك وخلت بياناتها من العبارات القاسية في التحدث عما تعتبره ممارسات سلبية للحكم املصري الجديد.
قصة اخلالف بني الشيوعيني والشاذلي وكشف مسؤول بارز في املعارضة املصرية في الخارج لـ"املجلة" القصة الحقيقية لخالف الحزب الشيوعي املصري مع الشاذلي ولالنشقاق الذي حدث في الجبهة الوطنية املصرية .قال املسؤول ان هناك عدة اسباب رئيسية لخالف الشيوعية مع الشاذلي أبرزها: < أجرى الشاذلي اتصاالت سرية مع عدد من الدول العربية مما أثار حفيظة الشيوعيني ألنه لم يطلعهم عليها وعلموا بها من جهات أخرى. < يعتبر الشاذلي نفسه البديل الوحيد للرئيس مبارك ويتصرف
على أساس أنه رئيس جمهورية مصر املقبل .ويعتبر الشاذلي أيضا ان القوى املعارضة األخرى في الخارج ليس لها أي وجود ملموس داخل مصر. < يعتبر الشيوعيون ان الشاذلي ال يمثل أحدا داخل مصر وكل قوته هي عبارة عن اتصاالت فردية وصداقات شخصية مع بعض ضباط الجيش ال أكثر .ويقول الشيوعيون ان قوة الشاذلي في ليبيا – املركز الرئيسي للجبهة الوطنية التي يرئسها – هي أقل بكثير مما يتصور الناس ،اذ ان عدد قواته ال يتجاوز املئة ومعظمهم من الجنود االحتياط املصريني العاملني في ليبيا.
تعليمات موسكو اضافة الى ذلك كله علمت "املجلة" من مصادر مصرية وثيقة االطالع ان االتحاد السوفياتي طلب رسميا من الحزب الشيوعي املصري في الشهر املاضي اتخاذ موقف ايجابي تجاه مبارك ووقف اية حمالت عليه والسعي الى تحسني العالقات مع النظام الجديد .ويتطابق ذلك مع وجود اتصاالت بني موسكو والقاهرة لتحسني العالقات بني البلدين. وفي االطار نفسه علمت "املجلة" ان العقيد معمر القذافي اجتمع سرا بميشيل كامل قبل نحو اسبوعني في خطوة هدفها اعادة تكوين الجبهة الوطنية بزعامة الشاذلي .لكن يبدو ان هذه املحاولة فشلت.
املعارضة اللندنية وقد شهدت لندن في اآلونة األخيرة نشاطا كبيرا للمعارضة املصرية .وقد زارها عدد من شخصيات املعارضة في الداخل. وتردد ان بعض املحامني الذين يدافعون عن املتهمني بقتل السادات زاروا لندن واتصلوا بالشخصيات املصرية املعارضة فيها وقاموا بتجميع وثائق معلومات وشهادات بهدف االفادة منها في املرافعات. وكشفت مصادر املعارضة في لندن لـ"املجلة" عن ان بني املحامني الذين برزوا في دفاعهم عن خالد االسالمبولي ورفاقه في قضية اغتيال السادات من هم محسوبني على التيار الوطني في مصر املعارض لنهج السادات من موقع سياسي ايديولوجي. ومن أبرز الشخصيات املصرية املعارضة في لندن عبد املجيد فريد الذي يوصف بأنه يمثل "التيار الناصري االشتراكي" وهو يرئس مركزا لألبحاث والدراسات العربية في العاصمة البريطانية، الذي رعى ندوات دراسية كان من ضيوفها ملك األردن ،امللك حسني ،ورئيس الجمعية العامة لألمم املتحدة ،العراقي عصمت كتانة .كما من أبرز الشخصيات املصرية املعارضة في لندن الدكتورة فوزية مخلوف التي تقيم في بريطانيا منذ عشرين عاما وهي متزوجة من بريطاني هو هيو نوريس يعاونها في النشاط االعالمي منذ انخراطها فيه في أواسط الستينات.
سعد الدين الشاذلي
,,
كيف أصبح الشاذلي معزوال؟ وما هي تعليمات موسكو السرية الى الشيوعيني؟
,,
وفي لندن أيضا كاتب مسرحي مصري معروف هو ألفريد فرج الذي يعتبر رائدا في "الثقافة الجماهيرية" في مصر ان نقل املسرح الى األرياف وكان مبرزا في املسرح السياسي الهادف، ويفضل عبد املجيد فريد التريث في التحدث عن مرحلة ما بعد السادات وموقفه منها .فهو يقول انه لم ير حتى اآلن ما يعلق عليه وأنه ال يزال ينتظر .وليس واضحا تماما ما يريده عبد املجيد فريد ،فهو يتبع أسلوبا خاصا في املعارضة فيقف في المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
47
أرشيف
على استقاللية حزبنا وتمسكنا بتوجهاتنا االساسية كلما دعم ذلك من حركة الجبهة وكلما ساعد على اقتراب القوى األخرى من حزبنا ومن برامجه".
املعارضة يف الداخل لم تكن راضية ويلحظ املقال ان مصر شهدت تطورا هو "اغتيال السادات وقيام مؤسسة رئاسية جديدة" .ويقول ان تشكيل "الجبهة الوطنية الديموقراطية" املذكورة "قادر على افراز القيادات الحقيقية للشعب الكفيلة بالوقوف مع حزبنا (الشيوعي) صفا واحدا قويا".
نحو مصالحة وطنية في مصر؟
,,
سعد الدين الشاذلي: "شهر العسل" بني مبارك واملعارضة املصرية في الداخل لن يدوم اال لبضعة أشهر فقط
,,
الوضع الداخلي في مصر ومراعاة للتطورات املتالحقة التي أعقبت مصرع السادات" .اال ان الحزب و"التجمع" أبلغا عددا من الدول العربية ومن بينها سورية وليبيا والجزائر واألحزاب الوطنية العربية ومنظمات املقاومة الفلسطينية ،بالتطور الجديد. وبقي األمر سرا ملا يزيد عن الشهرين .ففي منتصف كانون الثاني (يناير) من هذا العام وزع في بيروت بيان يحمل توقيع "الجبهة الوطنية املصرية – األمانة العامة" يعلن تجميد عضوية الحزب الشيوعي املصري و"تجمع الوطنيني املصريني في الخارج" في هذه الجبهة . وفي الوقت نفسه كانت مجلة "اليسار العربي" التي تصدر في باريس ويرئس تحريرها ميشيل كامل عضو األمانة الدائمة في الجبهة الوطنية املصرية ،تنشر في عددها الصادر في كانون الثاني (يناير) املاضي خبرا مقتضبا في احدى صفحاتها الداخلية بعنوان "توضيح موقف" ورد فيه ":جاءنا من الحزب الشيوعي املصري وتجمع الوطنيني املصريني في الخارج ما يفيد انقطاع عالقتهما بتنظيم "الجبهة الوطنية املصرية – في الخارج" نتيجة انفراد بعض األطراف بفرض تغييرات على الالئحة تعتبر انتهاكا لقواعد التعامل التي سبق االتفاق عليها، فضال عن خالفات في املمارسات السياسية تخرج على االطار التنظيمي والسياسي الذي جرى اقراره باالجماع في الوثائق األساسية لتأسيس الجبهة". وفي العدد نفسه من مجلة "اليسار العربي" الناطقة بشكل رئيسي باسم الحزب الشيوعي املصري انطلقت دعوة الى اقامة "الجبهة الوطنية الديموقراطية" وصفت العمل الجبهوي بأنه "عمل مرن بطبيعته" .وقالت انه "ليس من الضروري ان يتفق معي اآلخرون في كل مواقفي وتوجهاتي بل من املمكن اقامة تحالفات ولو على نقطة واحدة تكون محل اتفاق مع االحترام املتبادل لباقي القضايا محل االختالف". ويضيف املقال غير املوقع الذي تضمن الدعوة "ان العمل الجبهوي ال يقوى بتقديم تنازالت بل على العكس فكلما حافظنا
46
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
وتقول مصادر املعارضة املصرية في الخارج ان الشاذلي زار دمشق مؤخرا واجرى محاوالت لترميم الصدع في الجبهة التي ال يزال أمينها العام .اال ان الواضح ان هذه املحاوالت لم تؤد الى نتيجة ايجابية .فبعد ذلك بأيام كان رفعت السعيد األمني العام املساعد لحزب "التجمع الوطني التقدمي الوحدوي" الذي يترأسه خالد محي الدين يزور بيروت ويعقد مؤتمرا صحافيا في مقر وكالة االنباء الفلسطينية "وفا" ويشن هجوما كبيرا ولكن بمفردات غير قاسية ضد الشاذلي ويقول ان الشاذلي يتكلم ويده في املاء ال في النار ويتهمه بأنه ينطق بلسان غير لسان املصريني وانه خارج صورة االحداث ولذلك فان مواقفه في معظمها "مجانية". ويضيف السعيد انه "اذا استطاع اي انسان ان يثبت لي أن هناك تنظيما واحدا مصريا من أصل عشرات التنظيمات ومنها 73 منظمة دينية معارضة اضافة الى أحزاب اليسار يعمل تحت قيادة الشاذلي فانني سأعلن التزام حزينا بهذه الجبهة" .وتقول مصادر املعارضة املصرية في بيروت "ان مجريات العمل في اطار الجبهة الوطنية املصرية أثبتت بعد اقامتها مباشرة انها تحولت الى عقبة في طريق العمل الوطني املصري في الخارج وأنها اصبحت مجرد اطار البراز الزعامة الفردية والتعاطي مع األوضاع العربية بطريقة ال تنسجم مع تقاليد العمل الوطني املصري". وتضيف هذه املصادر ان املعارضة الوطنية املصرية في الداخل بقيادة عضو مجلس قيادة الثورة السابق خالد محيي الدين لم تكن راضية عن هذه الجبهة منذ بداية تأسيسها ،وأنها كانت تصر على أن الجبهة الحقيقية التي تستطيع مواجهة السادات يجب ان تقام في الداخل ومن القوى السياسية الفاعلة. وتقول هذه املصادر أيضا "ان عددا كبيرا من الشخصيات الوطنية املصرية في الخارج أبدت اعتراضها على األسلوب الذي أقيمت به هذه الجبهة ،وانها اتخذت موقفا داخليا معارضا لها ولكنها لم تجهر برأيها على الصعيد االعالمي تحت الحاح التحوطات التي منعت املعارضة الداخلية في مصر من اعالن رأيها بهذه الجبهة ،وهي الحرص على وحدة العمل الوطني املصري والخوف من ان يستغل الحكم ثغرة في جدار املعارضة ويهدمها جميعا". ولم يكن الخالف حول املسائل التنظيمية السبب الوحيد في فرط عقد "الجبهة الوطنية املصرية" .فالثابت حتى اآلن ان لكل من الشاذلي وشريكيه في الجبهة مواقف مختلفة من الحكم املصري الجديد وأسلوب العمل وأشكاله. ففي أواسط كانون الثاني (يناير) املاضي أدلى الشاذلي بحديث
الدائمة الفريق سعد الدين الشاذلي الذي كان رئيسا لالركان في الجيش املصري أثناء حرب تشرين األول (أكتوبر) 1973قبل أن يعني سفيرا ملصر في بريطانيا في املرحلة األولى من رحلة االبتعاد عن حكم السادات .والى جانب الشاذلي ضمت األمانة الدائمة الدكتورة حكمت أبو زيد وهي وزيرة مصرية سابقة للشؤون االجتماعية في الستينات وتوصف بأنها تمثل "اليسار الناصري" ،وميشيل كامل وهو احد قادة الحزب الشيوعي املصري ،وحسن فتح الباب الذي يمثل "تجمع الوطنيني املصريني في الخارج" و"أبو محمد" ويمثل "التيار االسالمي". وقد نشرت "الجبهة الوطنية املصرية" حال تأسيسها برنامجا لها دعا الى العمل اللغاء اتفاقيتي كامب دايفيد وملحقاتهما ومعاهدة الصلح التي انبثقت عنهما والغاء خطوات التطبيع في العالقات بني مصر واسرائيل واعادة مصر الى موقعها الطليعي في العمل العربي وفي حركة التحرر الوطني العاملية وحركة عدم االنحياز ،والغاء سياسة االنفتاح االقتصادي ووقف اضطهاد القوى السياسية في الداخل والخارج والغاء كل القوانني املقيدة للحريات .واتهم برنامج الجبهة الرئيس السابق أنور السادات بأنه "خان الوطن والعروبة".
تذبذب الشاذلي والشاذلي ،الذي عني أمينا عاما لهذه الجبهة ،شخصية مثيرة للجدل .وقد برز اسمه في صحف العالم مجددا عقب مقتل السادات في 6تشرين األول (أكتوبر) من العام املاضي .اذ أعلن، فيمن سارعوا العالن مسؤولياتهم عن عملية اغتيال الرئيس املصري ،انه يشرف على عملية االنتفاضة العسكرية التي قيل ان عملية اغتيال السادات جاءت في اطارها. وقد جاء اعالنه ذلك في مؤتمر صحافي عقده في ليبيا .وفي غضون أسبوع واحد من مقتل السادات كان الشاذلي قد أدلى بعشرات األحاديث الصحافية وعقد العديد من املؤتمرات
الصحافية وكلها توحي بأنه الحاكم املصري املقبل. وقوى هذا االفتراض ان الشاذلي ،الذي انتقل من الجزائر حيث يقيم الى ليبيا لالقتراب من ساحة املعركة ،ظهر على شاشة التلفزيون هناك وراح يصدر األوامر الى قطاعات عسكرية مصرية وهمية للتحرك واالنقضاض على الحكم وتسلم مقاليد األمور في البالد. ولم يكد يمضي شهر واحد على اغتيال السادات وتولي نائبه حسني مبارك الحكم خلفا له ،حتى كانت "الجبهة الوطنية املصرية" تشهد أقسى اختبار لوحدتها وتنشق من الداخل. احد القياديني املصريني املعارضني كشف لـ"املجلة" عن أن الحزب الشيوعي و"تجمع املصريني في الخارج" بعد أن رأيا ما كان من سلوك الشاذلي عقب اغتيال السادات وبعد ما رأياه من "تذبذب" مواقف الشاذلي من الرئيس املصري الجديد ومراوحتها بني منحه نوعا من التأييد في البداية ثم اعالن معارضته له باعتباره "امتداد لنظام السادات" شكال وفدا حمل الى الشاذلي في الجزائر رسالة تدعو الى عقد اجتماع طارئ للجبهة وتحديد جدول أعمال يتضمن تقييم العالقات التنظيمية داخل الجبهة والوضع في مرحلة ما بعد السادات. وقد عقد االجتماع في تشرين الثاني (نوفمبر 9في الجزائر. وبعد جلسات استمرت عدة أيام وشهدت نقاشا مستفيضا حول نمط العالقات التنظيمية داخل الجبهة وحول تصرفات أمينها العام ،اتخذ الحزب الشيوعي و"تجمع املصريني في الخارج" قرارا باالنسحاب من الجبهة.
الرئيس مبارك :ارث السادات وعبء بيغن
,,
مبارك يؤيد عقد مؤتمر مصالحة لقادة املعارضة تمهيدا للعودة إلى مصر
,,
ولم يشأ الحزب و"التجمع" ان يطرحا انسحابهما من الجبهة للتداول االعالمي .وقد امتنعا عن اذاعة النبأ ،في نشراتهما ودورياتهما ،وعلى قوى املعارضة املصرية والصحف العربية وذلك على حد تعبير القيادي املصري املعارض "حرصا على
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
45
أرشيف
لم تكن «الجبهة الوطنية» التي أسسها محمد البرادعي في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام املاضي، وضمت عمرو موسى و الناصري حمدين صباحي والوفدي السيد البدوي وقوى سياسية مثلت تيارات ليبرالية وشيوعية وعلمانية ،جديدة على الساحة السياسية املصرية ،فبعد خمسة أشهر فقط من تولي الرئيس املصري السابق حسني مبارك الحكم فتحت "املجلة" ملف املعارضة املصرية في الخارج ،وكشفت عن حقيقة ما جرى في صفوفها من انشقاقات وخالفات،كما كشفت عن مواقفها املتباينة من النظام الجديد بعد اغتيال الرئيس الراحل انور السادات ،وذلك من خالل اتصاالت ولقاءات اجريت مع قادتها ورموزها ،في لندن وباريس وبيروت ،واقتحمت «املجلة» العالم السري لـ «الجبهة الوطنية املصرية» التي تشكلت في صيف العام 1980في دمشق وضمت شيوعيني وناصريني الى جانب التيار االسالمي وتولى امانتها الدائمة الفريق اركان حرب الراحل سعد الدين الشاذلي.
هل يعقد مؤتمر املصالحة؟
«اجمللة» تدخل عالم املعارضة املصرية يف اخلارج وتكشف أسراره وقصص اخلالفات واالنشقاقات تحقيق بقلم: محمد معتوق شارك فيه من بيروت صالح عواد ومن باريس جمال الراوي نشر التحقيق في العدد رقم ()109 آذار (مارس) 1982
هل هناك معارضة مصرية في الخارج ام هناك معارضون فقط؟
تعرف من عنوانها أو أن ما تم حتى اآلن يكفي كبداية.
وهل ال يزال هؤالء املعارضون يقفون ضد النظام املصري بعد اغتيال الرئيس السادات ومجيء الرئيس حسني مبارك الى الحكم ،أم أنهم بدلوا موقفهم ويستعدون للمصالحة مع العهد الجديد والعودة الى مصر؟ ما قصة املعارضني املصريني في الخارج؟ ما هي أسرار االنشقاقات والخالفات التي حدثت في صفوفهم بعد مجيء مبارك الى الحكم؟ وهل ستتم املصالحة بني مبارك وهؤالء املعارضني؟ كيف ومتى؟
املعلومات التي توفرت لدى "املجلة" من مصادر مطلعة تفيد أن هناك اتصاالت سرية مع املعارضة املصرية في الخارج يقوم بها ،بتأييد من الحكومة املصرية ،معارض سابق يعمل في حقل الصحافة ،لعقد مؤتمر مصالحة يعود بعده قادة املعارضة املصرية الى القاهرة .وتقول املصادر أن الرئيس مبارك نفسه على علم بهذه االتصاالت وأنه أبلغ الصحافي املعروف أنه يفضل أن ينعقد مؤتمر املصالحة املذكور في القاهرة نفسها ،بينما يصر بعض املعارضني في الخارج على أن يعقد هذا املؤتمر في احدى العواصم العربية أو االوروبية.
"املجلة" تفتح في هذا التحقيق ملف املعارضة املصرية في الخارج وتكشف ،من خالل اتصاالت ولقاءات في لندن وباريس وبيروت وبعض العواصم العربية االخرى ،حقيقة ما جرى في صفوف هؤالء املعارضني ،وحقيقة انشقاقاتهم ومواقفهم من النظام الجديد في مصر ،وتدخل الى عاملهم السري ،وهذه هي القصة. ماذا يحدث للمعارضة املصرية في الخارج اذا دعا الرئيس حسني مبارك غدا أبناء مصر في املنفى الى العودة للمساهمة في اعادة بناء الوطن؟ ليس هذا افتراضا خياليا .فالرئيس املصري الجديد يتبع نهجا جديدا ازاء القوى السياسية املعارضة .واالحزاب والتنظيمات املصرية في الخارج تتبنى منذ مدة مواقف أكثر اتزانا ومرونة تجاه حكمه .واذا كان بعضها اليزال "يتريث" حتى يتضح نهائيا توجه الحكم الجديد خالل شهرين ،فان البعض اآلخر قد حزم امره ،من حيث املبدأ وهو يتهيأ للعودة على اساس ان الرسالة
44
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
ووفقا ملعلومات "املجلة" فان االتجاه االقوى هو لعقد املؤتمر في باريس باعتبار أنها تضم عددا غير قليل من رموز املعارضة وباعتبار أن عقد مثل هذا املؤتمر في بعض العواصم العربية قد يعرضه للتأثر باالنقسامات العربية الراهنة وقد يحول دون حضوره من قبل أشخاص محسوبني على الحكم املصري الجديد. وقد كانت االنقاسامات العربية سببا في بقاء املعارضة املصرية فترة من الزمن مضعضعة ومنقسمة على نفسها حتى كان توقيع معاهدة كامب دايفيد وخروج موقف عربي اجماعي منها فسهل ذلك تشكيل جبهة معارضة موحدة بقيت تحت تهديد تلك االنقسامات حتى فرطت هذه عقدها مرة أخرى. وقد تشكلت هذه الجبهة في صيف العام 1980في دمشق وعرفت باسم "الجبهة الوطنية املصرية" وهي تضم الشيوعيني الى جانب التيار االسالمي والناصريني .وقد ضمت امانتها
جديدة في مجاالت تشجيع وحماية االستثمار ومنطقة التجارة الحرة ...الخ .كما أنشأت صناديق وطنية لتمويل مشاريع وبرامج التنمية في بقية الدول العربية. لكن في الوقت الذي تساهم دول املجلس في املساعدة على ً التحديات االقتصادية في الدول التي واجهت حراكا مواجهة ً ًّ سياسيا نشطا ،ال أعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك ترتيبات خاصة مشتركة تقتصر على هذه الدول ودول املجلس؛ ألن ً سلبا على مجمل مسيرة التعاون االقتصادي ذلك سيؤثر العربي .الطريق األسلم -في رأيي -هو االستفادة من الزخم السياسي الذي تمر به املنطقة لدفع العمل االقتصادي العربي ً قدما عن طريق تطوير املؤسسات التي ستزداد رؤوس أموالها ً وفقا لقرارات قمة الرياض وتجديد قياداتها ،وتسريع الوصول ً كثيرا ،واالنتقال إلى منطقة التجارة الحرة العربية التي تأخرت ًّ تدريجيا إلى االتحاد الجمركي ،واستكمال ربط الطرق وخطوط القطارات ،والخطوط البحرية ،والشبكات الكهربائية، واالتصاالت ،وخطوط نقل الوقود.
االستنتاجات والتوصيات – 1يجب أن يشجع الحراك السياسي الحالي في املنطقة دول املجلس على االستمرار في برامجها لإلصالح السياسي .فقد استطاعت سلطنة عمان -على سبيل املثال -أن تثبيت عدم حتمية مقولة «صمويل هننجستون» الذي أسماها «معضلة امللك» ،واملتمثلة في أن أي إصالح سيمهد الطريق للمطالبة بمزيد من التغيير مما سيؤدي في النهاية إلى مصير مجهول للملك املصلح ،فقد ساد االستقرار والوئام عندما نفذت السلطنة إصالحات سياسية حقيقية .كما يجب أن ال يثني هذا الحراك دول املجلس عن املراجعة املستمرة لسياساتها االقتصادية بهدف تحسينها وجعلها أكثر مالءمة للمواطنني، مع تحقيق أفضل األداء. فقد أثبتت الدراسات أن أكثر من يستفيد من األسعار املشوهة الحالية للطاقة والخدمات األخرى املعانة هم ذوو الدخول العالية. لذا ينبغي مراجعة سياسات الدعم الحالية بما في ذلك أسعار املحروقات والكهرباء والخدمات املدعومة األخرى ،مع توجيه أي فائض ينتج عن هذه املراجعة إلى الفئات املحتاجة من املواطنني مباشرة .كما ينبغي أن ال يثني هذا الحراك دول املجلس عن املضي ً قدما في عمليات التخصيص املخطط لها. – 2رغم االحتياجات اآلنية امللحة في دول الحراك السياسي فإن القطاع الخاص املحلي والدولي يبدو أنه غير مستعد للدخول في استثمارات جديدة في هذه الدول حتى ينجلي املوقف وتحدد األولويات بإجماع القوى السياسية ،وتتضح السياسات التي تضعها حكومات منتخبة. لذا فإن قيادة االقتصاد في هذه الدول ستعتمد على حكوماتها االنتقالية الحالية .وهذه الحكومات ستحتاج بدورها إلى مصادر تمويل إقليمية ودولية تقدر ما بني 50إلى 100بليون ً سنويا. دوالر لذلك فإن دول املجلس سوف تتعرض لضغوط كبيرة ومن مختلف الجهات لتغطية جزء من هذه االحتياجات دون وضوح في الرؤية حول مدى قدرة اقتصادات هذه الدول على التحسن، ومن ثم عدم تحديد فتره زمنية الستمرار هذه االلتزامات.
لذا أقترح أن يتم صرف غالبية املساعدات التي ستلتزم بها دول املجلس تجاه الدول العربية عن طريق مؤسسات التمويل العربية والدولية ،بما في ذلك أية محاوالت لتحريك القطاع الخاص بمساعدة الشركات العربية املشتركة ،بعد أن َّ أقرت القمة االقتصادية العربية الثالثة في الرياض زيادة رؤوس أموال هذه املؤسسات بنسبة 50في املائة. وال بد أن يسبق ذلك إعادة النظر في طرق إدارة مؤسسات التمويل ،وكذلك الشركات املشتركة ووضع خطط عملية النطالقها من جديد. – 3أثبتت التجارب السابقة أن الدول املنتجة للطاقة التي شهدت ً ً اضطرابات أمنية وسياسية قد أخذت وقتا طويال للوصول إلى مستويات من اإلنتاج تقارب املستويات التي سبقت تلك االضطرابات كما في حالتي إيران والعراق .لذا فإن التزام دول املجلس تجاه االقتصاد العاملي يقتضي توفير ما تحتاجه السوق من البترول والغاز. وهذا يتطلب االستمرار باالحتفاظ بطاقة إنتاجية فائضة في كل األحوال مما يشكل أعباء مالية جديدة على دول املجلس لالستمرار بزيادة طاقاتها اإلنتاجية ،وزيادة تكاليف صيانة الحقول ومنشآت النقل وخطوط اإلنتاج والتخزين واملنصات واملواني ومعامل التكرير .هذا في الوقت الذي ال توجد أية جهة تضمن وصول مستويات الطلب على البترول والغاز إلى حدود تمكن الدول املنتجة من استرداد استثماراتها في هذه التجهيزاتً ، نظرا للنمو املتوقع إلنتاج البترول والغاز من مصادر جديدة. لذا فإن دول املجلس مدعوة ألخذ ذلك بعني االعتبار عند تقدير احتياجاتها من السيولة في كل الحاالت ،بما في ذلك السنوات التي قد تتعرض فيها السوق البترولية لتباطؤ في الطلب ،ومن ثم انخفاض األسعار <
دول الخليج ..استثمار في العقارات
,,
دول مجلس التعاون هي التي تقود العمل االقتصادي العربي منذ الحرب العراقية اإليرانية .وقد تعزز هذا الدور بعد الحراك السياسي األخير
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
43
اقتصاد
انخفض معدل النمو االقتصادي من 4.2في املائة في عام 2010إلى 2.2في املائة في عام 2011بفعل الحراك السياسي، وعلى مستوى الدول التي شهدت ثورات واضطرابات كان معدل االنخفاض في عام 2011من متوسط العشر سنوات ( )2010 -2000في مصر 3.1-في املائة وفي تونس 4-في املائة وفي اليمن -10.7في املائة على سبيل املثال .كما انخفض االستثمار األجنبي املباشر في عام 2011بنسبة 100في املائة في مصر 24 ،في املائة في تونس 43 ،في املائة في سوريا. وانخفضت السياحة في نفس العام بنسبة 33في املائة في مصر 31 ،في املائة في تونس 28 ،في املائة في اليمن .كما ً ًّ سياسيا انخفض سعر صرف عمالت الدول التي شهدت حراكا ً نشطا بنسب عالية .في ظل تلك االنخفاضات ال شك أن العائد ً عموما بما فيها االستثمارات األجنبية في على االستثمارات هذه الدول قد تعرضت هي األخرى لالنخفاض ،وبالتالي فإن املتوقع أن قيمة هذه االستثمارات الخليجية قد انخفضت .كما تعرضت بعض االستثمارات الخليجية في هذه الدول ملالحقات قضائية ،إال أن الحكومات الجديدة تداركت املوضوع بمحاوالت جادة الحتواء الضرر.
دول مجلسل التعاون الخليجي صامدة وتسجل معدالت النمو فيها تحسنا سنة بعد سنة
,,
أوضاع السيولة في دول مجلس التعاون والتعقيدات الجديدة أمام االستثمارات األجنبية في أوروبا تشكل فرصة سانحة أمام دول الحراك السياسي العربية ينبغي استغاللها
,,
نتيجة التخصص .هذا في الوقت الذي تحتاج الدول إلى مزيد من االستثمار بما في ذلك االستثمار املوجه لزيادة الطاقة اإلنتاجية من البترول والغاز وتطوير وصيانة الحقول املنتجة. -2الخسائر التي تتكبدها االستثمارات الخليجية العامة ً ًّ سياسيا إضافة إلى والخاصة داخل الدول التي شهدت حراكا ما طال األسواق املالية بدول املجلس واالستثمارات العربية البينية من اهتزازات أقله في األمد القصير .في نفس الوقت يتوقع أن يتجه بعض املستثمرين من دول الحراك السياسي وغيرهم من الدول األخرى إلى االستثمار بدول مجلس التعاون ً عوضا عن وجهاتها األصلية. - 3ال شك أن هذا الحراك السياسي وما خلقه من عدم استقرار في املنطقة أدى إلى ارتفاع األسعار البترولية ،وزاد بالتالي املداخيل النقدية لدول املجلس .إال أن ذلك حدث في ًّ ً اقتصاديا بفعل أزمة الديون انحسارا وقت يشهد فيه العالم السيادية ،واهتزاز النظام البنكي مما فاقم األزمة االقتصادية العاملية .من جهة أخرى فإن املصاريف اإلضافية التي التزمت ًّ ًّ وخارجيا نتيجة لهذا الحراك ستجعلها داخليا بها دول املجلس أقل مرونة في التعامل مع األسعار املستهدفة للبترول بسبب هذه األزمات مما سيؤثر ً سلبا على النمو االقتصادي العاملي، ومن ثم على الطلب املستقبلي للبترول ،ويقلل بالتالي املداخيل املستقبلية لدول الخليج .كما أن ذلك سيجعل في نفس الوقت الوقود الصخري أكثر جاذبية وقدرة على املنافسة كما نشاهد ً خصوصا في مجال الغاز. هذه األيام
التعاون االقتصادي بني دول الخليج ودول «الربيع العربي» ً أوال دعونا نستعرض باألرقام الواقع االقتصادي لدول الربيع العربي قبل وبعد أحداث االحتجاجات واالنتفاضات ،فقد
42
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
لكن في الوقت الذي تشهد فيه املنطقة فورة الحراك السياسي ً خصوصا أوروبا والواليات املتحدة بأزمة مالية أدت يمر العالم إلى انخفاض معدالت النمو االقتصادي ،وزيادة نسب البطالة في تلك الدول مما أثر ً سلبا على أوضاع بنوكها ،وعلى ربحية املشاريع االستثمارية فيها .في هذه األجواء اعتقد عدد من املستثمرين الخليجيني أن الحراك السياسي في هذه الدول ِّ يمكن أن يشكل فرصة استثمارية يجب استغاللها ،إال أن استمرار تردي األوضاع السياسية واألمنية َّ خيب أمل هؤالء املستثمرين. من جهة ثالثة ،ملعالجة الوضع االقتصادي املتردي في أوروبا عمدت الدول األوروبية إلى مصادرة بعض ودائع البنوك في قبرص ،وفرض ضرائب جديدة في الدول األوروبية التي لجأت إلى برنامج الدعم األوروبي ،مما قلل جاذبية السوق األوروبية أمام االستثمارات األجنبية ،ومنها الخليجية. إن ذلك يشكل فرصة مناسبة لدول الحراك السياسي العربية لجذب االستثمارات من دول الخليج ،وذلك عن طريق ضبط الوضع األمني ،وسن القوانني ،وإنشاء املؤسسات التي تشجع وتحمي هذه االستثمارات .فأوضاع السيولة في دول مجلس التعاون والتعقيدات الجديدة أمام االستثمارات األجنبية في ً خصوصا في أوروبا ،تشكل فرصة دول االستثمار التقليدية، سانحة أمام دول الحراك السياسي العربية ينبغي استغاللها. ًّ عمليا دول مجلس التعاون هي التي تقود العمل االقتصادي العربي منذ الحرب العراقية اإليرانية .وقد تعزز هذا الدور بعد الحراك السياسي األخير؛ ً نظرا ملا تواجهه دول الحراك السياسي من تحديات اقتصادية وحاجتها إلى الدعم املادي من مختلف املصادر بما في ذلك دول املجلس .يكفي أن نستعرض قرارات القمة االقتصادية العربية األخيرة في الرياض ،لندرك ما أقصد. لكن القيادة مسؤولية أكثر من شيء آخر ،وأعتقد أن دول املجلس تدرك ذلك .فهي التي مولت واحتضنت وشجعت مؤسسات العمل االقتصادي العربي من شركات وصناديق ومؤسسات تمويل واستثمار ،ثم تسنمت قياداتها .وهي التي بادرت بمراجعة االتفاقيات االقتصادية ،واقتراح اتفاقيات
الدول الشقيقة ،مما يدل على أن الحراك السياسي في املنطقة لم يكن له تأثير سلبي يذكر على املالية العامة فيما عدا مملكة البحرين التي عانت من عجز في امليزانية خالل الخمس سنوات األخيرة وصلت النسبة العليا إلى ( -7في املائة) (،)2010 والدنيا ( -2.4في املائة) (.)2011 ومرة أخرى كان البترول هو العامل الحاسم في التأثير على املالية العامة ،وليس الحراك السياسي في املنطقة .وذلك دون أن ننسى أن املصاريف األخيرة التي التزمت بها دول املجلس خالل السنتني األخيرتني لن يظهر تأثيرها الكامل إال في سنوات الحقة. – 4رصيد الحساب الجاري :بلغ متوسط رصيد الحساب الجاري كنسبة من الناتج املحلي اإلجمالي لجميع دول املجلس خالل الفترة ( 5.4 )2006-2000في املائة .ثم قفز قفزات كبيره خالل السنتني التاليتني ( .)2008-2007إال أنه انخفض ً انخفاضا ًّ حادا في عام 2009بفعل األزمة االقتصادية واملالية الدولية وتأثيرها السلبي على السوق البترولية .ثم استأنف الصعود الصحي خالل األربع سنوات التالية ()2013-2010 بفعل التحسن الذي طرأ على السوق البترولية ،مما يعني أن الحراك السياسي في املنطقة لم يكن له تأثير يذكر على ميزان املدفوعات لجميع دول املجلس دون استثناء. مما ذكر أعاله يمكن االستنتاج أن الحراك السياسي في املنطقة لم يكن له تأثير سلبي يذكر على اقتصاديات دول املجلس ،وأن ً تأثيرا هو التغيرات في السوق البترولية .وهذا العامل األكثر يدل على ضعف االرتباط بني اقتصادات دول املجلس ،والدول ً ًّ سياسيا .إال أن ذلك ال ينطبق على العربية التي شهدت حراكا العالقات االقتصادية لهذه الدول بدول املجلس .فقد أظهرت أرقام صندوق النقد الدولي أن ارتفاع الناتج املحلي اإلجمالي لدول املجلس بنسبة 1في املائة سيؤدي إلى ارتفاع الناتج املحلي اإلجمالي لعدد من الدول العربية املجاورة بنسبة 0.55في املائة، ولبقية الدول العربية بنسبة 0.2في املائة .ويتم ذلك عن طريق
التجارة ،والتحويالت واالستثمارات ،والتأثيرات السعرية. وهذا يعني أن األوضاع االقتصادية لبقية الدول العربية تتأثر إلى حد كبير بأية تطورات اقتصادية بدول املجلس وليس العكس .وإذا أردنا توسيع دائرة التحليل فإن هذا االستنتاج التعاون االقتصادي العربي -الذي بدأ قبل أكثر يدل على أن أمام ً ً من ستني ً عاما -طريقا طويال للوصول إلى التكامل واالعتماد املتبادل.
التأثيرات املباشرة على دول الخليج يمكن النظر إلى التأثيرات املباشرة من ثالث زوايا:
-1املصروفات املباشرة التي أملت على دول املجلس االلتزام بها كنتيجة للحراك السياسي في املنطقة ،ولتقليل احتمال انتقاله إلى دول املجلس ،ومثال ذلك زيادة مرتبات املوظفني ،وتقديم امتيازات أخرى للمواطنني كتعويضات بدل بطالة ،وتوفير املزيد من املساكن والفصول الدراسية والجامعات واملستشفيات... إلخ .يضاف إلى ذلك املبالغ التي التزمت بها دول املجلس لبعض أعضائه ،ولعدد من الدول العربية الشقيقة ،إما مباشرة أو تلبية لجهود دولية. إضافة إلى هذه االلتزامات املالية سواء كانت ضمن امليزانية أو خارجها فإن هناك تبعات اقتصادية سلبية أخرى مباشرة على دول املجلس نتيجة لهذا الحراك السياسي منها: أ -ستؤجل الحكومات إعادة النظر في األسعار املحلية للطاقة من بترول وغاز وكهرباء ،وأسعار الخدمات األخرى املعانة مثل املياه ،وأسعار تذاكر السفر مما سيزيد معدالت استهالكها واستمرار التشوهات السعرية الحالية.
دبي ..اقتصاد ينمو رغم األزمة العاملية
,,
األوضاع االقتصادية لبقية الدول العربية تتأثر إلى حد كبير بأية تطورات اقتصادية بدول مجلس الخليج وليس العكس
,,
ب -تأجيل أي توجه نحو التخصيص مما سيؤخر أي جهود لتحسني اإلدارة وكفاءة األداء لبعض الخدمات واملرافق االقتصادية ،ويحرم خزينة الدولة من أية مداخيل إضافية
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
41
اقتصاد
اجتاح الدول العربية حراك سياسي منذ أكثر من سنتني ،أدى إلى تغيير أنظمة أربع من الدول ً العربية ،والزال هذا الحراك نشطا في دولة أو دولتني أخريني .سأحاول في هذا التحليل إلقاء بعض الضوء على اآلثار االقتصادية لهذا الحراك على دول مجلس التعاون ،مع التركيز على األجلني القصير واملتوسط ،حيث إن لهذا الحراك السياسي ً آثارا اقتصادية في األجل الطويل قد تكون أكبر من تلك التي سأشير إليها.
اآلثار االقتصادية لـ «الربيع العربي» على دول مجلس التعاون الخليجي
اقتصاديات األزمة بقلم :د .عبد الله بن إبراهيم القويز
,,
الحراك السياسي في املنطقة لم يكن له تأثير سلبي يذكر على اقتصاديات دول املجلس وأن العامل ً تأثيرا األكثر هو التغيرات في السوق البترولية
,,
بداية -ودون دخول في التفاصيل -ال بد من اإلشارة إلى أن ً معدل النمو االقتصادي في الدول العربية التي شهدت حراكا ًّ سالبا في عام ،2012ويتوقع أن يستمر سالباً ً سياسيا كان ً هذا العام ( . )2013كما أن هذه الدول شهدت انخفاضا في ً تدهورا في حساباتها الجارية ،إضافة إلى الصادرات ،ومن ثم االنخفاض في االستثمارات الوطنية واألجنبية وارتفاع في األسعار . أما دول مجلس التعاون فقد استطاعت أن تتجنب االنعطافات الحادة في املطالب السياسية بسبب مرونة أنظمتها ،وملستها الناعمة ،وانفتاحها على هذه املطالبات ،بل واستباقها لها ً أحيانا ،واملحاوالت الجادة لتلبية االحتياجات املادية والخدمية للمواطنني. وقد ساهم توفر املوارد املالية في تمكني هذه الدول من تلبية تلك االحتياجات ،إضافة إلى عدم النجاح السريع للدول التي شهدت الحراك السياسي العنيف في تحقيق األمن واملطالب االقتصادية واملادية والوظيفية امللحة ملواطنيها .لذا نسمع في مجلس التعاون أقل األصوات التي تتحدى شرعية أنظمتها السياسية (ما عدا حاالت معزولة). سأحاول في هذا البحث تسليط الضوء على أية تأثيرات لهذا الحراك السياسي في املنطقة على املؤشرات االقتصادية ،مع اإلشارة إلى التأثيرات االقتصادية واملالية املباشرة ،والتطرق لواقع التعاون االقتصادي والتجاري بني دول الخليج ،ودول الربيع العربي ،ثم أختتم بعدد من االستنتاجات والتوصيات.
املؤشرات االقتصادية – 1النمو االقتصادي :سجل الناتج املحلي اإلجمالي الحقيقي خالل 7سنوات (ً )2006-2000 نموا كان متوسطه 5.7في ً تقريبا خالل الفترة ()2010-2007 املائة واستمر بنفس املعدل ً ً ( فيما عدا 2009التي سجلت نموا سالبا نسبته -0.2في املائة بسبب األزمة االقتصادية واملالية الدولية). وتشير األرقام إلى أن معدل النمو هذا شهد قفزة كبيرة في عام ( 2011وهي السنة األولى للحراك السياسي) ،ثم عاد إلى
40
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
نفس املتوسط السابق في عام .2012ويتوقع أن يكون أقل من ذلك في عام 2013بفعل توقعات انخفاض الطلب على البترول، ومن ثم أسعاره .وهذا يقود إلى االستنتاج أن السوق البترولية هي العامل الحاسم في التأثير على معدالت النمو االقتصادي، وليس الحراك السياسي الذي شهدته وتشهده املنطقة (على األقل في األمدين القصير واملتوسط) .وهذا االستنتاج ينطبق على جميع دول املجلس عدا البحرين الذي انخفض معدل النمو ً تقريبا (خالل سنوات الحراك االقتصادي فيها إلى النصف السياسي.)2013-2011 – 2التضخم :يقدر صندوق النقد الدولي متوسط ارتفاع أسعار املستهلك خالل الفترة ( )2006-2000في حدود 1.6 في املائة ،ثم قفز في السنتني التاليتني قفزات كبيرة بفعل ارتفاع أسعار املواد األولية ،بما في ذلك املحاصيل الزراعية. إال أنه انخفض إلى معدالت مقبولة ليصل إلى متوسط 3.1في املائة خالل السنتني التاليتني ( )2010-2009ليستمر على نفس املعدل خالل الثالث سنوات املصاحبة للحراك السياسي. ويتوقع الصندوق أن يستمر هذا املعدل املقبول لسنوات قادمة رغم زيادة االحتياطيات النقدية لهذه الدول ،وزيادة املصروفات الحكومية ،واالرتفاع في عرض النقود وفي القروض البنكية. وعليه يمكن االستنتاج أن تأثير الحراك السياسي على معدالت ً محدودا .وقد كانت التضخم في دول مجلس التعاون كان مملكة البحرين رائدة بني دول املجلس في كبح جماح التضخم، ً خصوصا في السنوات املصاحبة للحراك السياسي. – 3املالية العامة :بلغ متوسط الفائض في امليزانية من الناتج املحلي اإلجمالي خالل الفترة ( )2006-2000ما نسبته 7.4 ً تقريبا في السنتني في املائة ثم قفز إلى ضعف هذه النسبة ً سالبا في السنة الثالثة التاليتني ( .)2008-2007إال أنه أصبح ( )2009بفعل األزمة االقتصادية واملالية الدولية وانعكاساتها على السوق البترولية. كما انخفض هذا الفائض في السنة الرابعة ( )2010إلى ما نسبته ( 2.5في املائة) إال أنه قفز إلى قرابة 6في املائة في سنوات الحراك السياسي ( )2013-2011رغم املصروفات الكبيرة التي التزمت بها دول املجلس تجاه شعوبها ،وتجاه
الوطني الفلسطيني طوال الفترة املمتدة ما بني 1977إلى 1991 ومن أوائل املؤيدين لحل الدولتني. وقد صوت سنة 1988في الجزائر لصالح إقامة دولة فلسطني ضمن املجلس الوطني الفلسطيني .لكنه استقال منه في سنة ً احتجاجا على توقيع اتفاقية أوسلو. 1991 كما التقطت في الثالث من يوليو سنة 2000صورة إلدوارد ً حجرا عبر الحدود اللبنانية سعيد مع ابنه وهو يرمي اإلسرائيلية باتجاه إسرائيل ،وما لبث َّ أن بدأ النقد يوجه له بصفته "متعاطف مع اإلرهاب" .وقد علق على هذا األمر بأن وصفه بـ "رمزية الفرح" النتهاء االحتالل اإلسرائيلي للبنان. وفي كتابه (االستشراق) الذي كتبه في الفترة مابني -1975 1976وصدر في النسخة العربية بترجمة كمال أبو ديب بعنوان (االستشراق ..املعرفة ،السلطة ،اإلنشاء) وصف إدوارد سعيد االستشراق بعدم الدقة ،والتشكل على أسس الفكر الغربي تجاه الشرق .يلخص سعيد بأن الدارسني األوروبيني قاموا بوصف الشرقيني بأنهم "غير عقالنيني ،وضعفاء ومخنثني ،على عكس الشخصية األوروبية العقالنية والقوية والرجولية". ويعزي هذا التباين إلى الحاجة إلى خلق اختالف بني الشرق والغرب .عندما نشر إدوارد سعيد كتابه كانت ما تزال حرب أكتوبر قائمة ،ليشير سعيد أن هذا الخلل في النظرة إلى الشرق ً مستمرا في وسائل اإلعالم الحديثة. مازال تاريخ إدوارد سعيد املشبع بالثورية واملواجهة للفكر الغربي، دفع بالكاتب السعودي الدكتور عبد الله الغذامي أن يصفه بـ (ضمير املثقف العربي) ،حني كتب عنه بصحيفة (الحياة) ً قائال" :إنه رجل بحجم َّأمة ،حمل على كفه ضمير املثقف العاملي ،وتحدى أعتى الظروف والعقبات ،وأطل برأسه العمالق في عمق دار الرأسمالية والسلطوية والنفوذ املتعالي ..إدوارد
سعيد هو خالصة رمزية لكل إنسان ذي ضمير حي ،لكل مضطهد ،ولكل عقل حر ،هو حافز لنا لكي نتعلم في املقاومة، واملعارضة واملواجهة". أما الكاتب اإلسالمي الدكتور محمد حامد األحمري فكتب ً مسلما في مقال له نشر في مجلة (العصر) بعنوان( :لو كان ً لترحمنا عليه) ،يؤبن إدوارد سعيد قائال "موقفه من قضايا املسلمني موقف منصف ً غالبا ,وتغيض مواقفه التيار األصولي في الثقافة العربية املعاصرة؛ ألنه كان شديد القسوة على من يسميه باملثقف الخائن ,وسوطه املرفوع الذي يجلد به ظهورهم, ً لم يكن يملك ما يخاف عليه ,ولم يزده مرضه إال تخففا وشجاعة ,هو من القلة التي تستطيع أن تكشف حدود الحرية الفكرية في أمريكا ,وما أصعب أن ترى حدود الحرية .خسر ً ً ً ومهتما فصيحا ,عن قضاياهم, مدافعا املسلمون والعرب ً واحدا ولكنه كان جهازاً ً ً بارزا بقضية فلسطني .لقد كان رجال ً ً ً إعالميا ثقافيا مؤثرا". ال غرابة إذن بعد كل هذا أن يكون موقع إدوارد سعيد في الثقافة ً ً متلبسا بحالة وجدانية عاطفية يتداخل فيها العربية مختلفا املعرفي والثقافي ،مع السياسي والنضالي والقومي ،يجعل من ً ً وملبسا ،لكن معقدا تفكيك املوقف وتجريده من شخصية كهذه ً متجردا من مواقفه وانتماءاته السؤال :هل لو كان إدوارد سعيد السياسية العربية -غير مهتم أو مكترث بالشأن اإلسالمي، والقضية الفلسطينية -سيحظى بذات املكانة التي يحظى بها اليوم؟ هل ساهمت تجربته النضالية ،ومواجهته للثقافة الغربية ً مزيدا من الوهج والزخم؟ في إعطاء مشاريعه ومؤلفاته أسئلة كثيرة تستحق أن تطرح من جديد أمام تراث شخصية ذات تقاطعات كثيرة لم يفصل بينها بوضوح ،في التعاطي والتحليل والنقاش ،يطغى جانب على جانب ،وتضلل العاطفة على العقل ،ويعلو صوت الوجدان واملشاعر <
ادوارد سعيد مع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش
,,
كان إدوارد ً سعيد مناضال من أجل القضية الفلسطينية وقف بشدة ضد اتفاقية أوسلو وصف املستشرقني بأنهم يشكلون انحيازًا ماكرًا ضد الشعوب العربية واإلسالمية
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
39
قصة الغالف
في مقال له بعنوان "إدوارد سعيد تراجيديا االستشراق" يتساءل األديب والسياسي السوري ً رياض نعسان آغا قائال :ما الذي أثار العرب في تجربة إدوارد سعيد فمنحوه مكانة خاصة في وجدانهم؟ وفي عقولهم؟ هل هو كتابه الشهير عن (االستشراق) ،الذي نقل ما كان يريد أن يقوله العرب عن الباحثني الغربيني ،لكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى ذلك املنبر الذي اعتاله؟ أم هو موقفه املتعاطف املتضامن مع اإلسالم كما يبرز ذلك في كتابه الشهير (تغطية اإلسالم)؟ أم هو نضاله من أجل القضية الفلسطينية ،وموقفه الرافض التفاقيات السالم في أوسلو ،كما عبر عنه في كتابه (نهاية عملية السالم ،أوسلو وما بعدها)؟".
هل كان إدوارد سعيد قصة عاطفية عند العرب؟
الفيلسوف املناضل بقلم: عبد الله الرشيد
,,
موقع إدوارد سعيد في العربية الثقافة ً جاء مختلفا ً متلبسا بحالة وجدانية عاطفية يتداخل فيها املعرفي والثقافي مع السياسي والنضالي والقومي
,,
38
هناك إشارة خفية من خالل هذه األسئلة التي يطرحها األستاذ نعسان أن املكانة الكبيرة التي احتلها سعيد بني املثقفني العرب في أصلها تنبع من أبعاد عاطفية تالمس الوجدان العربي، وتشبع أنفته الذاتية في مرحلة كان الصراع العربي والغربي ً على أشده ،مغلفا بروح القضية الفلسطينية ،واملجد العربي الضائع. فذلك الفتى الفلسطيني الذي ُو ِلد بالقدس في نوفمبر ،1935 مفعما باملكان َّ ً املقدس الذي ولد فيه، وعاش (خارج املكان) بقي وهو القدس التي غادرها إدوارد عام ،1947وبقيت في أعماقه، ًّ أمريكيا بامتياز، وسكنت في وجدانه ،على الرغم من أنه صار وشغل منصب أستاذ في جامعة كولومبيا ،وهي واحدة من أشهر أربع جامعات في العالم كله ،وفيها أربعة آالف أستاذ جامعي ،خمسة منهم يحملون لقب أستاذ األساتذة ،وواحد منهم إدوارد سعيد. ً يؤكد نعسان قائال" :أحسب أن هذا النجاح وحده كفيل بأن يثير إعجاب العرب وزهوهم ،وهم الباحثون في تاريخهم عن البطولة التي تنمي إحساسهم الجمعي بقدرة عرقهم على االرتقاء وسط عالم يهمشهم". ً غريبا أن نجد هذا التأبني العربي الكبير لرحيل ولذلك ليس إدوارد سعيد الذي عانى ً كثيرا من مرض السرطان (اللوكيميا)، وتوفي بنيويورك في 25سبتمبر ،2003حيث كتب عنه املفكر ً اإلسالمي عبد الوهاب املسيري مقاال بعد وفاته بعنوان (صوت فائق الروعة) ،قال فيه" :لقد كان سعيد مؤسسة إعالمية بمفرده ،خسر العالم العربي ،واإلسالمي ،وكل دعاة التحرر ً ًّ وخطابا ًّ ً ثوريا". الكثير برحيله ،لقد كان يملك عقال فذا، وهنا مقولة املسيري تؤكد أن التعاطي مع إدوارد سعيد في ًّ ًّ ًّ ثقافيا معرفيا عاطفيا باملقام األول ،لم يكن املكون العربي كان ًّ أكاديميا ،بقدر ما كان األمر قصة مشبعة بصور النضال َّ واملواجهة والثورية شكلها إدوارد سعيد ،ولذلك تبدو كل الدراسات والنقاشات من أجل تعميق هذه الصورة ،وإضفاء املزيد من اللمسات العاطفية عليها.
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
ادوارد سعيد في طفولته في صورة مع شقيقته
ليس ذلك بمستغرب؛ فقد وصف الصحفي البريطاني "روبرت فيسك" إدوارد سعيد بأنه "أكثر صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية" .في املقابل أطلقت عليه عصبة الدفاع عن اليهود لقب (نازي) .حيث كان إدوارد طوال حياته يحمل ً ً عضوا مستقال في املجلس هم إقامة الدولة الفلسطينية ،وكان
لم يكن فكرا اعتياديا .فاملنظور التاريخي الذي تناوله إدوارد سعيد، وحديثه عن تاريخ الهجرات إلى فلسطني التي لم تشهد هجرات كبيرة، إال عندما هاجر اليهود إليها ،كل هذا مدعم بالحقائق والوثائق .وفسر سعيد املسألة بكل بساطة وسالسة ،حتى إنه يمكنني أن أقول إن هذا الكتاب يساوي في قيمته كتاب االستشراق ،فهو وثيقة مهمة للباحثني وللسياسيني على حد سواء ،فهو ينظر إلى القضية الفلسطينية من منظور فلسطيني ،يعيد إلى الفلسطيني عامليا مالمحه ،ففلسطني لم تكن بلدا بال سكان ،وفي رأي إدوارد سعيد فإن الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها إسرائيل هي النهج الصهيوني الذي يرفض العيش إلى جانب الشعب الفلسطيني .سعيت مرارا إلى محاضراته دون جدوى ،فقد كانت املدرجات في كل مرة أقل بكثير من عدد الحضور ،إلى أن سنحت الفرصة وحضرت .كانت املحاضرة عن دور املثقف ومعركة املفكر الذي عليه أن يعارض منطق القوة واالتجاه الواحد ،ويطرح فكره ،بعيدا عن سيطرة السلطة والقوة. أذهلني العمق في طرحه وإيمانه بأن مجتمعا واعيا سيخدم اإلنسانية ال محالة ،وبالتالي سيخدم فلسطني .أدركت أن صاحب القضية كالناقد األدبي تماما ،يجب أن يكون على مسافة واحدة من الثقافات والعقائد، كما كان يقول إدوارد سعيد.
البحث عن فلسطني بعد املحاضرة سعيت إليه ألسأله عن فلسطني ،فقد كان اتفاق أوسلو هو املسيطر على الساحة السياسية آنذاك ،وكان أمامي عشرات الصحافيني يريدون لقاء معه .وعندما نظر إلي سألته :في أمل؟ قال :أنا لدي محاضرات كثيرة ال أستطيع أن أجري أي لقاء .قلت :ال أسأل عن
لقاء ،أنا أسأل عن فلسطني .عندها توقف وأخذني إلى زاوية من زوايا القاعة ،وقال لي متسائال :في أمل؟! في أمل ،ولكن الطريق ال يزال طويال. وتحدثنا عن أوسلو ،وجاهر برفضه لالتفاق ،واستيائه الشديد من آليات التفاوض ،وعدم التحضير الجيد لها .شعرت باملرارة في نبرات صوته، لكنها مرارة معجونة باإلصرار ،فقد كان مصرا على أن يخوض حربه الفكرية .عندها أدركت أن هذا الرجل املفكر الجميل الذي كما قال محمود درويش« :يصرخ دائما ليؤكد أنه ال يزال حيا». أدركت أن ليس لديه أوهام ،عينه ناقدة عن وعي وعلم ومعرفة ،بطريقة تفكير اآلخر .لكنه ال يستكني .مضت السنني والتقيته ثانية في لندن ،وكانت معركته مع املرض قد بدأت .استمعت إليه وعن رحلته إلى بيروت ،وعن الحجر الذي رماه ابنه عبر الحدود ،على ما كان حاجزا إسرائيليا ،وما أثاره هذا الحجر من انتقادات من جماعات الضغط األميركية ،لكن سعيد كان متألقا رغم األلم ،فقد كان قد أنهى فيلما وثائقيا لتلفزيون الـ«بي بي سي» تحت عنوان «في البحث عن فلسطني» ،وتحدث عنه في آخر اللقاء .شعرت بفخر أنه إدوارد وديع سعيد ،ينتمي إلينا ،وننتمي إليه ،ولعل ما يحز في نفسي أن سعيد لم يتمكن من الكتابة بالعربية ،حتى يكون في متناول الجميع ،فمعظم ما ترجم ال ينقل الروح كاملة. تختلف معه أو تتفق معه ،تحبه أو تكرهه ،ال يهم ،املهم أن لديه فكرا نخسر كثيرا لو لم نطلع عليه ،ألنه ال يتحدث عن مكان وال عن زمان، فهو حقا خارج إطار الزمان واملكان ،وما قاله محمود درويش نابع من حقيقة ،فقد قال« :ال أستطيع أن أودع إدوارد سعيد لفرط ما هو حي». ويكفي أن نعرف أن عشرات الكتب قد ألفت عنه بعد رحيله الجسدي، ولعلها أكثر مما كتب عنه خالل حياته<
,,
استطاع إدوارد سعيد أن يصقل شخصيتي اإلنسانية بكل أبعادها الفكرية والثقافية والسياسية والعلمية
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
37
قصة الغالف
من الصعب أن يؤثر أي كاتب في الطبقة املثقفة بسهولة ،فمسؤولية اإلقناع تحتاج إلى جهد توثيقي عملي يضمن قبول الكاتب في كل مرة يطرح فيها أفكاره ورؤيته .فاالقتناع في مرحلة النضوج بمفكر تنويري يحتاج فعال إلى فكر وطريقة طرح غير اعتيادية .ومن هنا أستطيع أن أقول إن إدوارد سعيد كان من بني هؤالء الذين أثروا حياتي الفكرية بآرائهم ،إذ أثرت أفكاره ،ومن دون عناء ،في رؤيتي لدور املثقف ،واملقاوم ،واإلنسان .تبنيت جزءا من أفكاره ،واحترمت الجزء الذي ال يناسب توجهاتي الشخصية ومبادئي.
أول من أشار إلى أن االستشراق هو مرحلة ما بعد االستعمار
هكذا عرفت إدوارد سعيد بقلم: ناهد النجار
,,
عند إدوارد سعيد ال يوجد مكان اسمه الشرق على املتحدث أن يحدده هل الخطاب غربي أم شرقي أم بني االثنني؟ هل هو من الداخل أم من الخارج؟ هل هناك شرق أوسط شرقي حقيقي؟
,,
رسخت في ذهني بعض الكلمات التي كان يرددها ،وباتت جزءا من حياتي .أتذكر من بني ما أتذكر إنسانيا أن سعيد كان يقول في النوم: إنه يعادل املوت ألنه يقلص الوعي .وعلينا اختزال الخصوم ،فمطلبي هو احترام خبرات البشر ونشر املعرفة بأمانة. في فلسطني قال :أدافع عن بلد خطفته األساطير .وفي الثقافة :الثقافة وطن ومقاومة .فقد كان سعيد يقول :أحب الترحال ال بني مسافتني فقط، بل بني شيئني ،وأحب أن أغزو األماكن ،وهنا يعني جغرافية الفكر ،وليس املكان ،تماما كما غزا املوسيقى ،وعالم السياسة واملقاومة. قد ال يكون املفكر الفلسطيني إدوارد سعيد هو الوحيد الذي كان له دور في صقل شخصيتي الفلسطينية ،وربما صقل شخصيات املاليني الذين قرؤوا له وآمنوا بفكره ،لكنه ربما يكون الوحيد الذي استطاع أن يصقل شخصيتي اإلنسانية بكل أبعادها الفكرية والثقافية والسياسية والعلمية .واستطاع أن يعطي لفلسطني الوطن بعدا عامليا ،ويمنحني الحجة الراسخة واآللية الالزمة ألي نقاش أو حوار أو تفاوض يخص تسوية الصراع الفلسطيني اإلسرائيلي. أستحضر هنا ما قاله الشاعر واألديب الفلسطيني محمود درويش في مرثية سعيد :إذا كان ماضيك تجربة ،فاجعل الغد معنى ورؤيا .فهذا ما آمن به االثنان معا. رؤيتي للوطن في سن الطفولة األولى كانت مرتبكة ،فلطاملا كنت أرى فلسطني في مخيمات اللجوء ،في لهو األطفال العبثي ،في صرخاتهم، وفي ضحكاتهم ،كنت أرى فلسطني في الكوفية الفلسطينية على رؤوس الرجال ،وفي فستان املرأة الفلسطينية املطرز ،هذه تطريزة القدس ،وتلك تطريزة رام الله ،أو نابلس ،أو جنني ،وفي لهجاتهم املتنوعة .كان املخيم بالنسبة لي عمرا جديدا ،يرسم خريطة وطن ،ودون أن أالحظ ،أتقنت لهجة أهل القرى على اختالفها .إنه شعور غريب مختلف عن شعور ساكني تلك املخيمات ،ال يحمل األلم الذي يحملونه .يحمل كل معاني الحرية ،فأنا حيث كنت في عاصمة من عواصم اللجوء واالغتراب ،كان كل شيء بحساب :كلماتي ،وهندامي ،وشكلي ،وتحصيلي العلمي. وكبرت وكبر معي الحلم الفلسطيني كما جسدته رؤيتي .لم يكن حلما واقعيا في رأيي ،بل كان حلما من صنع خيالي. هنا كنت أحتاج إلى مرجعية ال تغرقني في عالم الوهم ،ومهما حلمت
36
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
ُ ّ قدمي على األرض .والدي ووالدتي حمال أمال بالعودة لم يتضاءل تبقي يوما .كان الحلم جميال لكنه لم يكن واقعيا .كان والدي في معظم األحيان ال يفرغ مالبسه من الحقيبة ،فشعوره بالعودة كان قويا إلى هذا الحد. وبدأت مشواري مع الحياة ،أحمل كابوس االنتظار ،فحلم أسرتي تحول لدي إلى كابوس ،فأنا أدرك أن تحقيق الحلم مسؤوليتي .وسائلي كانت محدودة ،املعرفة كانت أولها ،فسعيت إليها وسعت إلي.
ما بعد االستعمار كنت قد بدأت في االستقرار في لندن ،وكنت في بدايات معرفتي بكاتب اسمه إدوارد سعيد .أول ما قرأت له كتاب االستشراق .لم أفهمه للوهلة األولى ،لكنه أثار في نفسي الكثير من التعجب ،فهو أول من أشار إلى أن االستشراق هو مرحلة ما بعد االستعمار ،وهو ال ينم إال عن فكر غربي متعال ،وهنا تتطابق رؤيتي مع رؤية كاتب كتاب (قاموس سعيد) آر رادا ٍ كريشنان ( )2012الذي يقول« :عند سعيد ال يوجد مكان اسمه الشرق، على املتحدث أن يحدده ،هل الخطاب غربي أم شرقي أم بني االثنني؟ هل هو من الداخل أم من الخارج؟ هل هناك شرق أوسط ،شرقي حقيقي؟ ومن هو أفضل من تحدث باسم الشرق الحقيقي؟ ومن دعاهم؟ أم دعوا أنفسهم؟!» ..تساؤالت تلح علينا أن نتعامل مع كتابه وفكره من حيث املعرفة والقوة وتأثيرها ،فقد ملس في كتابه ما كنت قد بدأت أشعر به، فالغرب يعتقد أنه مختلف ،فهم -أي الغربيون -ليسوا كاآلخرين ،فما نسجه الغرب عن الشرق هو من مخلفات االستعمار .وفعال هذا ما كنت أملسه ،فالذي يريد أن يمتدحني منهم كان يقول لي أنت ال تبدين عربية، فأنت تتصرفني كغربية .كنت أستغرب وأجيب :ال ،أنا عربية ،وهذا تصرف عربي .وأثار هذا الحيرة في نفسي ،وكنت أسأل :أين الخلل؟ إدوارد سعيد استطاع أن يشرح في كتابه االستشراق كل ما كان يخطر على بالي من تساؤالت ،في ما يخص العالقة مع الغرب إذا صح هذا التعبير ،والسبب الذي أدى إلى الهوة بني الحضارتني. شجعني الكتاب األول على قراءة املزيد إلدوارد سعيد ،فقرأت كتاب املسألة الفلسطينية .هذا الكتاب استوقفني طويال ،وكدت أدرسه بدال من أن أقرأه. وبدأت معرفتي بإدوارد سعيد تدخل مرحلة اإلدمان ،فكان أي شيء أجده في طريقي له يجب أن يدرس ،فالفكر الذي يتناوله في طرحه
«اإلمبريالية والثقافة» و«تغطية اإلسالم» .غير أن الكتاب الذي طبقت شهرته اآلفاق في أوروبا وأميركا والعالم العربي هو كتاب «االستشراق» الذي نشره إدوارد سعيد في سنة ،1979وأثار عاصفة ثقافية لم يهدأ غبائرها حتى اآلن. واليوم ،بعد قرابة ثلث قرن على صدور هذا الكتاب صار من املجدي أن نتساءل :هل صار لدى الغرب فهم أفضل لقضايا العالم العربي بعد صدور كتاب «االستشراق»؟ إن وقائع األحوال السياسية وال سيما بعد عملية نيويورك في 2001 / 9 / 11 تشير إلى عكس ذلك تماما ،ولعل «االستشراق» أسهم في تغذية األفكار املعادية للغرب الشائعة في أوساط الجماعات األصولية اإلسالمية ،وربما كانت هذه النتيجة إحدى العذابات الفكرية إلدوارد سعيد قبل رحيله الفاجع .أما كتابة املدهش «خارج املكان» فربما كان أحد أجمل كتب االعتراف في األدب العربي املعاصر (صدر عن دار اآلداب في بيروت في سنة - 2002 ترجمة فواز طرابلسي). وفي هذه السيرة حطم إدوارد سعيد طفولته الجاثمة على صدره ،وأزاح عنه سنينا من الجروح والندوب التي حلت بهذا الفتى املتألم جراء االنقسام املدوي للذات الفردية بني سطوة الذكورة التي كان والده يمثلها ،وتحنان األنوثة التي تجسدت في والدته .وفي هذا الكتاب جرأة نادرة على الذات، خصوصا عندما أسهب في الكالم عن الجنس واملوت وملهى بديعة مصابني والراقصة تحية كاريوكا التي كتب عنها مقالة هاذية عن الرقص والجسد والنورانية والسمو. كانت حياته خرابا إلى حد كبير ،لكن إدوارد سعيد تمكن بإبداعاته الباهرة من أن يردم هذا الخراب .وكانت أيامه فوضى كاملة ،كما يقول في سيرته «خارج املكان» ،لكنه كان دائما يبحث عن مكان يعود إليه. لهذا لم يجمع التحف الفنية والقطع التذكارية ،حتى إنه حني تمكن
من العودة إلى القدس في سنة ،1992لم يشعر بأن هذه املدينة هي مدينته األصلية. جاء إدوارد سعيد إلى هذه الدنيا على يدي قابلة يهودية ،وكان في آخر أيامه يتلقى جرعات العالج الكيماوي لسرطان الدم في مستشفى ،Long Islandوهو مستشفى يهودي. ومن أقرب أصدقائه عازف الكمان اليهودي يهودا مينوحني، وكذلك اليهودي دانيال بارنباوم قائد فرقة شيكاغو السيمفونية، وكان يحتقر منكري اإلبادة النازية لليهود .ومع ذلك فقد أقدم أحد أعضاء «رابطة الدفاع اليهودية» على اقتحام مكتبه في جامعة كولومبيا وإحراقه في سنة .1991 كان إدوارد سعيد شجاعا في آرائه ،وغير هياب في اإلفصاح عما يعتقد .ففلسطني ،بوصفها هوية وطنية ،لم تكن تعنى له الكثير على املستوى الفكري والعاطفي ،لكنها كانت تعني له الكثير على املستوى العقلي واإلنساني بوصفها قضية ذات ثالثة أبعاد :بعد حضاري بما هي صراع بني التاريخ اليهودي والوجود الفلسطيني؛ وبعد تحرري بما هي جزء من حركة النضال العاملي ضد اإلمبريالية تسعى إلى الحرية ال إلى مجرد دولة صغيرة؛ وبعد سياسي ،أي أن هدف القضية الفلسطينية، في نهاية املطاف ،هو الوصول إلى الديمقراطية والعلمانية والتفاعل اإلنساني. في أواخر أيامه ،توهجت في داخله حكمة مرة ،أوردها في كتابه «خارج املكان» ،وفيها يفصح ،بكالم فصيح ما بعده بيان أو إفصاح ،عن أنه ما عاد باحثا عن مكان أبدا ،بل عن نعاس أو رقاد .وهكذا رقد النافر خارج مكانه .وهكذا طوت مدينة نيويورك في سنة 2003مثقفا فلسطينيا رفيعا ،وناقدا عربيا كبيرا ،وكاتبا إنسانيا المعا <
التحق إدوارد سعيد في صباه بكلية فيكتوريا بمدينة االسكندرية – مصر
,,
خالل ثمانية وستني عامًا عاشها إدوارد سعيد على هذه األرض لم يبرأ قط من شعوره بالنفي واالقتالع
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
35
قصة الغالف
ربما كان إدوارد سعيد أحد أبرز األسماء العربية التي ملعت في صحافة الغرب األميركي وفي جامعاته ،إلى جانب هشام شرابي ووليد الخالدي ورشيد الخالدي ونصير عاروري وإبراهيم أبو لغد وسميح فرسون وغيرهم .وهذه املكانة الثقافية الرفيعة التي وصل إليها إدوارد سعيد كانت محصلة «عراك» دائم مع الحياة وأسرارها الوجودية ،ومع املوت وأسئلته املضنية ،كأن ثمة نيرانا مجوسية متأججة في أعماق هذا الفتى املقدسي الذي لم يعرف يوما طعم الطمأنينة
كان مثقفا فلسطينيا رفيعا ،وناقدا عربيا كبيرا ،وكاتبا إنسانيا المعا
إدوارد سعيد ..املنفى واالنشطار واهلوية املضطربة بقلم: صقر أبو فخر
,,
كتب إدوارد سعيد في ّ السياسة والنقد األدبي واملوسيقى، ّ ولعل كتابه عن كونراد هو األهم ّ في النقد األدبي
,,
عاش إدوارد سعيد أيامه كلها خارج مكانه مثل الجواد الجامح. أمضى حياته يفتش عن مكان يهجع إليه فلم يجد إال قبرا مؤقتا في نيويورك .وانهمك في البحث عما يعيد الوحدة إلى ذاته املنشطرة ،فما أفلح .لقد ظلت هذه الروح الهائمة على سفر ال يهدأ ،إلى أن هدأ وجيف قلبه في منفاه النيويوركي ،وأراح جسده من مواجهة عبث املوت .وخالل ثمانية وستني عاما عاشها إدوارد سعيد على هذه األرض لم يبرأ قط من شعوره بالنفي واالقتالع. واملنفى لديه عزلة تعاش خارج الجماعة بإحساس بالغ الحدة بالحرمان والوحدة .وبهذا املعنى فإن املنفى كان لديه عنصر إخصاب للثقافة بنيرانه الهادية ،وميدانا إلعادة التوازن إلى الذات املنشطرة ،وإلى الهوية املنقسمة .ومنذ البداية كان إدوارد سعيد يمتلك إحساسا مقلقا بهويته املضطربة؛ فهو فلسطيني من القدس ،لكنه يحمل الجنسية األميركية ،ويعيش في القاهرة، ويطوقه اسم إنجليزي .إنه أميركي يدرس في مدرسة إنجليزية في القاهرة التي يعيش فيها عرب. والدته هيلدا فلسطينية من الناصرة (أصل عائلتها من صفد) وأمها (أي جدته) لبنانية .أما والده وديع إبراهيم سعيد فهو مقدسي أصبح أميركيا بعدما عاش في الواليات املتحدة األميركية سحابة من الزمن ،وخدم في الجيش األميركي في أثناء الحرب العاملية األولى .وهذا الوالد املقدسي غير اسمه إلى «وليم» بدال من وديع ،فصار اسمه «وليم سعيد». وهذا األمر أسقم ابنه إدوارد سعيد فيما بعد حني تطور لديه عطب كبير في كيانه جراء اسمه اإلنجليزي الذي أورثه خجال دائما. إن انشطار الذات ،وتمزق الهوية جعال إدوارد سعيد غير قادر، إلى حد كبير ،على االرتباط باملكان ،وساعيا ،في الوقت نفسه، إلى التفتيش عن املكان بديال عن املنفى والغربة .ولهذا لم يكن من املصادفة أن يكون أول كتاب نشره إدوارد سعيد في سنة 1966عن جوزيف كونراد؛ فهو مثيله في املؤثرات األولى التي أسهمت في تكوين وعيه وفي تحديد مصيره الالحق. فكالهما منفي في املكان واللغة :عاش كونراد البولوني في فرنسا ،وكتب باإلنجليزية ،وهي لغته الثالثة .وعاش إدوارد سعيد الفلسطيني في القاهرة بصفته مواطنا أميركيا ،ثم انتقل
34
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
إلى أميركا ليعيش فيها بصفته عربيا ،ويكتب باإلنجليزية. ولد إدوارد سعيد في حي الطالبية بالقدس الغربية في 11 / 1 ،1935 /وهاجرت عائلته إلى مصر في أثناء النكبة الفلسطينية في سنة .1948وفي القاهرة عاش طفولة قلقة ومضطربة جدا جراء جبروت والده املاسوني وعواطفه املكتومة ،في مقابل حنان والدته ،فكان االبن شاردا باستمرار ،وقليل الجدية ،وواهن العزيمة ،وكثيرا ما شعر بأنه عديم الفائدة وفي غير مكانه «راجع سيرته املوسومة بـ (خارج املكان)». التحق بكلية فيكتوريا الراقية ،لكنه ما لبث أن طرد منها ملشاكساته الدائمة ،فأرسله والده على الفور إلى أميركا ملتابعة دروسه الثانوية .وهناك اكتشف أنه مرصود للعيش وحيدا أعزل بال سند. وفي جامعة برنستون درس األدب والفلسفة واملوسيقى ،ثم انتقل إلى جامعة هارفرد التي تخرج فيها حامال الدكتوراه في األدب املقارن ،وأصبح في تلك األثناء عازف بيانو من الدرجة األولى ،فعمل ناقدا موسيقيا في مجلة ،NaTionوتمكن، بإصرار عجيب ،من إتقان خمس لغات إلى جانب العربية هي: اإلنجليزية والفرنسية واإلسبانية واألملانية واإليطالية. وفضال عن ذلك كله ،انهمك في جهد ثقافي وسياسي في سبيل فلسطني وحرية شعبها ،فاختير عضوا في املجلس الوطني الفلسطيني في سنة ،1977وكان إلى جانب محمود درويش وآخرين أحد الذين صاغوا إعالن االستقالل الذي صدر في الجزائر في ،1988 / 11 / 15وكان ،قبل ذلك ،قد ترجم مع رندة الخالدي إلى اإلنجليزية خطبة ياسر عرفات التي ألقاها أمام الجمعية العامة لألمم املتحدة في سنة .1974 لكن ،بعد توقيع اتفاق أوسلو في 1993 / 9 / 13اختلف مع ياسر عرفات واستقال من املجلس الوطني الفلسطيني ،وراح يكتب بغزارة مقاالت تدعو إلى «الدولة الواحدة» في فلسطني التاريخية، وتخلى عن فكرة «حل الدولتني». كتب إدوارد سعيد كثيرا من الدراسات واملقاالت في السياسة والنقد األدبي واملوسيقى ،ولعل كتابه عن كونراد هو األهم في النقد األدبي ،وكذلك كان كتابه املوسوم بعنوان «صور املثقف» هو أحد املساهمات الجادة في نقد املثقف ،عالوة على كتابيه
نجحت نظرية «ما بعد االستعمار» في طرح مجموعة من اإلشكاليات الجوهرية التي تواجه عالقة الشرق بالغرب ،أو عالقة املستعمر بالشعوب املستعمرة ،إال أنها ،في لبها ،كانت قراءة «شرقية» للفكر الغربي في تعامله مع الشرق ،من خالل مقاربة نقدية بأبعادها الثقافية والسياسية والتاريخية. إدوارد سعيد أصبح ،إلى جانب مفكرين مثل ديريدا وفرانز فانون وميشال فوكو وأنطونيو غرامشي ،أهم منظر لنظرية «ما بعد االستعمار» ،فأفاض في تحليل الخطاب االستشراقي الغربي في كتابه املعروف «االستشراق» ( ،)1978مؤكدا أنه خطاب مقصدي يروج لتوجهات استعمارية إزاء الشعوب غير الغربية .وعليه ربط خطابه االستشراقي بنزعة التباين واالختالف بني الشرق والغرب، فاستند في تعامله مع الخطاب االستشراقي إلى رؤية ثقافية سياسية ثالثية األبعاد: - 1التمييز بني املعرفة الخالصة واملعرفة السياسية - 2االهتمام باملسألة املنهجية في التعامل مع األفكار واملؤلفني واملراحل التاريخية - 3البعد الشخصي الذي يتمثل في الجمع بني املوضوعية والذاتية القائمة على الوعي النقدي على خلفية هذه األبعاد الثقافية الثالثة يؤخذ على إدوارد سعيد تحويله االستشراق بأكمله إلى هاجس سياسي قومي للشعوب التي خضعت لالستعمار ،وتجريده من أي قيمة ثقافية خالصة. وقد أدى تشكيكه املطلق بتقليد أكاديمي دام قرونا واتهامه بأنه ما كان «إال تبريرا للطموحات االستعمارية اإلمبريالية لدول أوروبا والواليات املتحدة» إلى تجاهله ذكر كثير من منجزات االستشراق
الثقافية والعلمية الخالصة ،وتغاضيه عن جنسية العديد من املستشرقني وخلفيتهم ،ومنهم على سبيل املثال املستشرقون األملان واملجريون الذين قدموا دراسات قيمة ولم تكن لدولتيهما دور استعماري في املشرق العربي. وفي هذا السياق ،يالحظ على إدوارد سعيد أن حملته املنهجية على «الرسالة» االستعمارية لالستشراق البريطاني والفرنسي واألميركي تجنبت أيضا اإلشارة إلى االستشراق اإلسباني ،على الرغم من طابعه االستعماري في املغرب العربي. ومن جهة ثانية ،أدى إدراج إدوارد سعيد لكل املستشرقني في الخانة النمطية التي وضعها للمستشرق األوروبي في كتاب «االستشراق» ،إلى تحويل كلمة «مستشرق» في العالم العربي إلى مفكر يلتزم موقفا معاديا للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعوب العربية في تقرير مصيرها. نظرة إدوارد سعيد النمطية والشمولية لالستشراق تجنت على مجموعة كبرى من املستشرقني املنصفني للعرب واإلسالم ،أمثال توماس أرنولد والفرنسي رينيه (الذي اعتنق اإلسالم ،وتسمى بناصر الدين) وإدوارد وليم لني (الذي أتقن اللغة العربية) وجاك بيرك وماكسيم رودنسون. لم يكن إدوارد سعيد «دوغماتيكيا» باملطلق ،فقد ناقش نظريته في االستشراق مع كثير من املتخصصني في التاريخ ،واستمع إلى انتقادات كثيرين منهم ألطروحته. رغم ذلك ،هناك شبه إجماع بني األكاديميني ،املؤيدين واملعارضني لنظريته ،على الدور الرائد الذي لعبه كتاب «االستشراق» في إرساء أسس نظرية «ما بعد االستعمار» <
,,
االلتزام الثابت بمبدأ العدالة دفع إدوارد سعيد إلى رفض اتفاقية أوسلو لقناعته بأنها تفرط في حق عودة الالجئني الفلسطينيني إلى أراضي الـ48 وتتجاهل حقهم الشرعي في تقرير مصيرهم (كتاب «أوسلو ..سالم بال أرض )»1995
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
33
قصة الغالف
يصعب ،بعد عقد كامل على وفاة إدوارد سعيد ،الحديث عمن كان ،بحد ذاته ،ثورة في عالم القضية الفلسطينية ،دون الفصل بني صورة املناضل القومي املؤمن بقضية عدالة ،وحق وصورة املفكر األكاديمي امللتزم برؤية معينة ملسيرة التاريخ واملجتمع .بني هذه الصورة وتلك فارق ال يجوز تجاهله ،وإن كان ال ّ يمس التجانس السياسي في فكر إدوارد سعيد الفلسطيني وإدوارد سعيد األكاديمي.
أنجح «لوبي» عرفته القضية في الواليات املتحدة حتى اآلن
إدوارد سعيد ..بني الفلسطيين واألكادميي بقلم: وليد أبي مرشد
,,
أدى إدراج إدوارد سعيد لكل املستشرقني في الخانة النمطية التي وضعها للمستشرق األوروبي في كتاب «االستشراق » إلى تحويل كلمة «مستشرق» في العالم العربي إلى مفكر يلتزم موقفا معاديا للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعوب العربية في تقرير مصيرها
,,
32
على مدى 4عقود من نشاط أدبي وسياسي حافل باإلنجازات، صال إدوارد سعيد وجال في رحاب العلم واملعرفة وخرج بما يحق له اعتقاده ..وللكثيرين انتقاده .مع ذلك ظل ،في سجالت القضية الفلسطينية وضميرها ،ذلك املناضل القومي الذي شكل ،بمفرده، أنجح «لوبي» عرفته القضية في الواليات املتحدة حتى اآلن .وقد ال يكون من املبالغة في شيء املالحظة بأن إدوارد سعيد ،بحكم منطقه السياسي وأناقته الفكريةّ ، غير نظرة شريحة واسعة من الغرب إلى النزاع الفلسطيني -اإلسرائيلي تغييرا جذريا. على هذا الصعيد ،وبصرف النظر عما إذا كانت القدس مسقط رأسه أو القاهرة ،كما «يعيب» عليه اإلعالم الصهيوني ،تصرف إدوارد سعيد بما تفرضه املسؤولية االجتماعية والسياسية على رجل الفكر امللتزم بقضايا بيئته القومية ،فكان من تلك النخبة الثقافية القائدة في عالم الفكر :كتبه ّ تدرس في 868مادة في جامعات وكليات الواليات املتحدة ،فيما اعتبرته صحيفة الـ«غارديان» البريطانية (عام « )2001أحد أكثر املفكرين تأثيرا في زماننا». رغم التزام إدوارد سعيد القومي بقضيته الفلسطينية ،تظل أبرز إنجازاته حيالها إعطاءها بعدا إنسانيا كانت تفتقده في الذهنية الغربية املتأثرة ،بعد الحرب العاملية الثانية ،بجرائم «الهولوكوست» (الغربية في نهاية املطاف) إلى حد التغاضي عن أي ظلم آخر قد يلحقه الغرب بحق شعب بأكمله «تكفيرا» لذنب ال ناقة للفلسطينيني فيه وال جمل .وال جدال في أن إدوارد سعيد نجح في خطابه اإلنساني واملنطقي عن القضية الفلسطينية في اختراق جدار األسر الصهيوني لذهنية الغرب السياسية ،وبالتالي إبراز تجاوز الحركة الصهيونية لكل مفاهيم العدالة اإلنسانية في تعاملها مع الشعب الفلسطيني ..بتواطؤ غربي مباشر أو غير مباشر. بمفهوم إدوارد سعيد ،سواء كانت الفلول البشرية التي تدفقت على فلسطني بعد وعد بلفور يهودية أم مسيحية أم بوذية ..يبقى األسلوب االستيطاني -االستعماري الذي مارسته الحركة الصهيونية في احتاللها أراضي الفلسطينيني وتهجيرهم قسرا منها ،وصمة عار على جبني «الحضارة الغربية» في القرن العشرين. على خلفية هذا الواقع كان الدعم األميركي الدائم إلسرائيل موضع نقد متواصل من إدوارد سعيد األستاذ األكاديمي األميركي اإلقامة والنشاط .وال يبدو مستبعدا أن يكون الدعم األميركي املطلق
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
إلسرائيل أفقده الثقة باملؤسسة السياسية األميركية ،خصوصا بعد الغزو األميركي للعراق عام ،2003مما دفعه إلى اتهام واشنطن بأنها «تريد تغيير الشرق األوسط برمته والعالم العربي» ،وربما «تقسيم بعض الدول» ،وهي تهمة ال تزال أصداؤها تتردد اليوم. رغم معارضته السافرة للسياسة األميركية في الشرق األوسط (وقد كشفت مصادر أميركية بعد وفاته أنه كان مراقبا بشكل دائم من قبل جهاز االستخبارات املركزية) ،وعلى الرغم من اعتباره أن النظرة التي يروجها الزعماء الصهاينة (مثل تيودور هرتزل ومناحيم بيغن وحاييم وايزمن) عن الفلسطينيني ترتبط بالصورة االستعمارية الغربية للمنطقة ،بقي دفاع إدوارد سعيد عن القضية الفلسطينية يلتزم ،بالدرجة األولى ،بإطار أخالقي للدعوة ،ويطالب املجتمع الدولي بتصحيح الخلل الفاضح في مفهوم العدالة املسفوح على أرض فلسطني. تأثير منطق إدوارد سعيد السياسي على الذهنية األكاديمية األميركية يمكن تلمسه من ردود الفعل االنفعالية للوبي الصهيوني في واشنطن ،الذي اتهمه بالعنصرية فيما أطلقت عليه «عصبة الدفاع عن اليهود» لقب «نازي» ،إضافة إلى تهديدات بالقتل تلقاها في الواليات املتحدة. وهذا االلتزام الثابت بمبدأ العدالة دفع إدوارد سعيد إلى رفض اتفاقية أوسلو ،لقناعته بأنها تفرط في حق عودة الالجئني الفلسطينيني إلى أراضي الـ ،48وتتجاهل حقهم الشرعي في تقرير مصيرهم (كتاب «أوسلو ..سالم بال أرض» .)1995 أما إدوارد سعيد األكاديمي ،مع التسليم بحريته في تبني معتقداته الفكرية ،فهو شخصية مثيرة للجدل ،على الرغم من النجاحات امللموسة التي حققها على أصعدة التدريس والتأليف وحتى األداء املوسيقي .على الرغم من أن إدوارد سعيد كان ابن بيئته الفلسطينية (وربما بسببها) تأثر بالحقبة التاريخية التي عاشها بعد الحرب العاملية الثانية ،التي اتسمت بتقلص نفوذ االستعمار الغربي املباشر في العالم الثالث عامة والعالم العربي خاصة. لذلك ،لم يكن مستغربا أن يركز خطابه األكاديمي على ثنائية الشرق والغرب في إطار صراع عسكري وحضاري وثقافي وعلمي اعتبره حتميا ،وأن يتحول بالتالي إلى أحد أبرز رواد نظرية «ما بعد االستعمار».
فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة» ،مستشهدا بقرارات املجلس الوطني الفلسطيني ما بني عامي 1974و.1977 كان هذا صحيحا ،ولكن هذه القرارات ال تحمل بني طياتها ،كما يزعم سعيد« ،أي اعتراف ضمني بإسرائيل» .لقد تصوروا أن هذه القرارات، ما هي إال خطة يستطيع الفلسطينيون من خاللها تشكيل حكومة في الضفة الغربية وقطاع غزة ،حال مكنتهم الدبلوماسية الدولية من هذه الفرصة ،ولن تكون خطوة نحو السالم في ظل النية املعلنة الستخدام هذه األرض كقاعدة للقتال ولـ»تحرير» ما تبقى من فلسطني ،بما في ذلك إسرائيل نفسها .وأفاد قرار املجلس الوطني الفلسطيني لسنة 1974بأن «منظمة التحرير الفلسطينية تناهض أي خطة إلنشاء دولة فلسطينية ،يكون ثمنها االعتراف [بإسرائيل] وتحقيق املصالحة والتوصل إلى الحدود اآلمنة ،والتخلي عن الحقوق الوطنية لشعبنا، وحقه في العودة ،وتقرير مصيره على ترابه الوطني».
إعادة تعريف وفي عام ،1988بعد عقد من ظهور كتاب سعيد ،نبذت منظمة التحرير الفلسطينية اإلرهاب ،وعرضت استعدادها لقبول وجود دولة إسرائيل ،مع العلم أن هذا العرض كان مشكوكا فيه رغم وضوحه. ولم يتم التصريح بهذين التنازلني املحوريني ،إال خالل اتفاقية أوسلو عام .1993وعندما أقدم عرفات على هذه خطوة ،التي ال غنى عنها للمضي نحو السالم ،كان من املتوقع أن يشيد سعيد بالرئيس عرفات، إال أنه رأي أن هذه الخطوة جاءت مبكرة .لقد أدان سعيد بطله وأعرب عن أسفه لـ”بيع عرفات شعبه للعبودية” .ووصف اتفاقية أوسلو، التي بموجبها اعترفت كل من إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ببعضهما بعضا وتعهدتا بالتوصل إلى حل الدولتني ،بأنها “صك لالستسالم الفلسطيني” .وكان سعيد ينظر إلى عرفات بوصفه “رجال عبقريا” ،قائال إن “شعبه ..يحبه”. وتكلـ ــم بحمـ ـ ـ ـ ــاس قائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال“ :إن عرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات واإلرادة الفلسطينية.. شيئان منسجمان على نحو ما” .ومع توقيع االتفاقية مع إسرائي ـ ــل ،أصب ـ ــح عرفات،
في نظر سعيـ ـ ـ ـ ـ ــد ،بمثاب ـ ـ ـ ـ ــة “دكتاتور مختال” .وأصبـ ـ ـ ــح عرف ـ ـ ـ ـ ــات وفريقـ ـ ـ ـ ــه حفنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة من”الخاسرين الذين فقدوا بريقهم” ،و”ينبغي أن يتنحوا عن مناصبهم”. تبنى سعيد بنفسه موقفا جديدا تجاه الصراع االسرائيلي الفلسطينيي ،فلم يعد يؤمن بخيار حل الدولتني ،كما كان الحال حنيكانت الفكرة نظرية ،في ظل عدم استعداد املنظمة الفلسطينية ،التي كان عضوا فيها ،للمعاناة من وجود إسرائيل بأي شكل من األشكال. وعوضا عن ذلك بدأ يسعى إلى “وضع وسائل تمكن الشعبني من العيش معا في وطن واحد مع التمتع باملساواة”. لم يكن هذا الحل اقتراحا يؤخذ على محمل الجد؛ ففي إسرائيل ،تعيش أعداد كبيرة من العرب بحرية من دون التمتع بمساواة كاملة ،وهذه حقيقة كان يعترض عليها سعيد في كثير من األحيان .أما في الدول العربية ،فكان يعيش العديد من اليهود قبل أن يتم تهجيرهم كلهم تقريبا .وبعبارة أخرى ،يمكن القول إن التركيبة الجديدة لسعيد لم تكن أكثر من طريقة خيالية ملعارضة الفرصة الحقيقية الوحيدة للوصول إلى السالم .تم تقديم هذا املوقف املرير الناهي بعبارات مختارة ليبدو مثاليا .ولعل هذه املثالية سمة من سمات أعمال سعيد األدبية الرائعة والحركة التي كان عضوا بارزا فيها .التيار اليساري هو موقف يتبناه أولئك الذين يتطلعون لجعل العالم مكانا أفضل ،وفقا لوجهة نظرهم الخاصة ،من خالل العمل السياسي .وظل التيار ملدة قرن تقريبا يهتم بفكرة املاركسية ،التي ترى أن طبقة البروليتاريا هي التي ستحرر املجتمع .ومع نهاية القرن العشرين ،حل املهاتما غاندي ،ومارتن لوثر كينغ ،ونيلسون مانديال محل جو هيل ،واألم بلور ،وهنري واالس، كرموز تستحق التبجيل والتوقير. أثار امللونون واملناضلون املناهضون لظلم االستعمار حفيظة املثاليني أكثر من قادة االضرابات واملناضلني املطالبني بأجر يومي عادل. ووصلت الصهيونية إلى عمق التيار اليساري القديم يوما ما ،من خالل تقديم نفسها على أنها حركة عمالية .ولكن في نهاية القرن العشرين، بفضل تأثير إدوارد سعيد ،تم إعادة تعريف الصهيونية كحركة، يتنافس فيها البيض وامللونون على األراضي .ويعني هذا التحول ،أن اليسار ال ينحاز بقوة إلى إسرائيل < * جوشوا مورافتشيك ،زميل في كلية الدراسات الدولية املتقدمة بجامعة جونز هوبكنز وكاتب منتظم في مجلة “وورلد أفيرز جورنال” .نشرت هذا املقالة في املجلة املذكورة في عددها الصادر بتاريخ مارس (آذار) /إبريل (نيسان) ،2013 ويمكن قراءتها باللغة اإلنجليزية على الرابط التالي: worldaffairsjournal.org
,,
تبنى سعيد بنفسه موقفا جديدا تجاه الصراع االسرائيلي - الفلسطينيي ،فلم يعد يؤمن بخيار حل الدولتني كما كان الحال حني كانت الفكرة نظرية في ظل عدم استعداد املنظمة الفلسطينية التي كان عضوا فيها للمعاناة من وجود إسرائيل بأي شكل من األشكال
,,
عازفة من «معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى» ،حيث تم أطالق اسمه على املعهد في سبتمبر (ايلول) عام 2004تقديرًا لدوره الثقافي والفكري واإلنساني ،فأغنى اسمه املعهد حيثما حمله كلما ارتحل بموسيقاه.
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
31
قصة الغالف
أن تستشف في ّ حدته نحو برنارد لويس ،الذي أدرك أن إيروين «لم يتعرض لهجوم من قبل سعيد ،بكونه عاملا سيئا (وهو ما لم يكنه)، لكن لتأييده للصهيونية (وهو ما كان عليه)» .جاء ذلك ضمنيا أيضا في هوية أولئك الذين استثناهم سعيد من تعميمه بشأن الغربيني. وفي الصفحات الختامية من كتاب االستشراق ،أشاد بعدد قليل من األصوات الرافضة لالحتالل ،التي يمكن أن تسمع في الغرب، وعرض في الحاشية نموذجني أميركيني فقط ،هما نعوم تشومسكي، و»ميريب» (مشروع معلومات وأبحاث الشرق األوسط). لم يكن تشومسكي خبيرا في شؤون الشرق األوسط أو شخصا يكتب عادة حول الشرق األوسط ،لكنه صنع لنفسه مكانة كصوت يهودي بارز معارض إلسرائيل .أما ميريب فهي مجموعة يسارية جديدة، تشجع حرب العصابات الفلسطينية والثورات العربية األخرى ،فكانت صاحبة عقلية متفردة في إخالصه لقضيته ،وهو امتداحه ملذبحة الرياضيني اإلسرائيليني في أوملبياد ،1972للتسبب في تعزيز القيم بني الفلسطينيني ،ووقف التحرك باتجاه تسوية بني إسرائيل واألنظمة العربية».
,,
كان سعيد شغوفا بإثارة عبارات «الصدق إلى السلطة كان ذلك دافعا للتباهي بالنسبة لشخص اختار العيش في أميركا أو لهذا الغرض للعيش في أي مكان وشجب الغرب وإسرائيل. لكن على الرغم من خلق شخصيته الجريئة كان حذرا في التعامل من بلده األصلي
,,
30
وكانت غير ودية تماما تجاه األصوات املعارضة ،إلى أن أخذ برنارد لويس وفؤاد عجمي في عام ،2007زمام املبادرة بتشكيل مؤسسة متخصصة بديلة ،هي رابطة دراسة الشرق األوسط وأفريقيا.
شخصية جريئة كان سعيد شغوفا بإثارة عبارات «الصدق إلى السلطة» ،كان ذلك دافعا للتباهي بالنسبة لشخص اختار العيش في أميركا ،أو لهذا الغرض للعيش في أي مكان ،وشجب الغرب وإسرائيل .لكن على الرغم من خلق شخصيته الجريئة ،كان سعيد حذرا في التعامل من بلده األصلي. ويتذكر حبيب مالك ،املؤرخ في الجامعة األميركية اللبنانية وابن عم سعيد ،سماعه وهو يلقي كلمة في الجامعة األميركية في بيروت، فيقول« :انتقد في أحد املناسبات صدام حسني والطغاة العرب ،لكنه توقف عن ذكر حافظ األسد ألسباب معروفة ،وهي أن املخابرات السورية في بيروت ستعتقله عقب املحاضرة مباشرة. حياة سعيد ربما كانت في معظمها مسألة أكاديمية ،لو أنه لم ينجح في إعادة تعريف العرب واملسلمني كـ»معادل أخالقي للسود» ،ووصف إسرائيل بالدولة العنصرية .وبعد أربع سنوات من إعالن الجمعية العامة لألمم املتحدة الصهيونية ،شكال من أشكال العنصرية ،عمد سعيد إلى تكرار الفكرة بصورة واسعة .وقال ساخرا «إن إسرائيل لم تعط العرب نفس حق اليهود في الهجرة ،ألنهم أقل تطورا». بعد عقود من نشر كتاب االستشراق قال سعيد إن إسرائيل كانت هدف الكتاب غير املعلن على الدوام وقال« :ال أعتقد أنني ما كنت ألكتب هذا الكتاب ،لو لم أكن مرتبطا سياسيا بالصراع .فالصراع العربي والهوية الفلسطينية ،تشكالن أهمية كبيرة بالنسبة لهذا الكتاب. االستشراق ال يهدف ألن يكون رواية ضمنية لبناء تاريخي ،لكنه جزء من التحرر من هذه القوالب وهذه الهيمنة ألهلي ،سواء أكانوا عربا أم مسلمني أم فلسطينيني». لم يعترف سعيد بهذه األجندة في صفحات كتاب االستشراق أو في وقت نشره ،على الرغم من هذه األيديولوجية الضمنية يمكن
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
وعلى الرغم من أن هجوم سعيد على الدولة اليهودية كان ضمنيا في أوله ،إال أنه كان ذا تأثير مدمر ،حيث هيمن موقفه من قضايا العرب وإسرائيل على دراسات الشرق األوسط .ونال مؤرخ الشرق األوسط في جامعة كاليفورنيا بلوس إنجيليس نيكي كيدي ،الذي أبدى تعاطفا كبيرا تجاه الثورة اإليرانية ،ثناء سعيد ،في كتابه «تغطية اإلسالم»، وقال :كان هناك توجه في مجال دراسات الشرق األوسط لتبني كلمة «االستشراق» ،كتدنيس معمم يشير بشكل أساسي إلى أشخاص اتخذوا موقفا خاطئا بشأن النزاع العربي اإلسرائيلي ،أو إلى األشخاص الذين حكم عليهم أيضا بأنهم «محافظون» من دون النظر فيما إذا كانت كتاباتهم تتسم بالحرفية أم ال. حقق نجاح كتاب االستشراق الشهرة لسعيد ،وتوجه بعد ذلك إلى تكريس قدر كبير من باقي حياته إلى الدفاع بشكل صريح عن العرب واملسلمني والفلسطينيني ،بداية بكتاب «قضية فلسطني» عام ،1979 حيث كان في ذلك الوقت عضوا في اللجنة العليا ملنظمة التحرير الفلسطينية ،املجلس الوطني الفلسطيني .كان الكتاب حربا كالمية واسعة النطاق ،كان اليهود هم املعتدين ،والفلسطينيون هم الضحايا ـ وحتى في قضية اإلرهاب ،أكد سعيد أنه« :ال يوجد شيء في تاريخ فلسطني ،يقارن على اإلطالق بسجل اإلرهاب الصهيوني». ادعى سعيد أنه «خائف» من األعمال اإلرهابية التي «اضطر الرجال والنساء الفلسطينيون إلى القيام بها ،لكن كل اللوم يقع في النهاية على إسرائيل التي أنتجت وصنعت اإلرهابيني». وكتب سعيد ،ما وصفته «نيويورك تايمز» ،بأنه «خبث مذهل» ،أن «منظمة التحرير الفلسطينية تخلت منذ بداية السبعينات عن أعمال العنف وأدانت اإلرهاب» ،هذه الكلمات ظهرت بعد عام واحد من هجوم املنظمة الدامي ضد املدنيني اإلسرائيليني ،في مارس (آذار) 1978 «مذبحة الطريق الساحلي» ،التي قتل فيها ثمانية وثالثني شخصا بينهم 13طفال ،أطلق عليهم الرصاص عشوائيا وعشرات الجرحى ـ وليس من قبل فصيل منشق ،بل على يد الفصيل الرئيس ملنظمة التحرير الفلسطينية ،فتح .وكان سعيد ذاته عضوا في املجلس الوطني الفلسطيني الذي يدير منظمة التحرير عندما وقع الحادث. عمل سعيد بجد لتأكيد رواية أن عرفات حاول على مدار سنوات صنع السالم ،لكن محاوالته قوبلت بالرفض .ويقول« :أعربت منظمة التحرير الفلسطينية في أكثر من مناسبة ،عن استعدادها لقبول قيام دولة
وفي هذا السياق ،يشير الكاتب البريطاني ،روبرت إروين ،الذي يعرض كتابه «املعرفة الخطرة» تاريخ االستشراق بشكل مفصل وأيضا دحضا لسعيد ،إلى أنه ،تاريخيا« ،كانت هناك نزعة مميزة للمستشرقني متمثلة في كونهم مناهضني لالستعمار؛ إذ إن حماسهم للثقافة العربية أو الفارسية أو التركية ،عادة ما اقترن بكراهية لرؤية هؤالء األفراد يهزمون ويخضعون لسيطرة اإليطاليني أو الروس أو البريطانيني أو الفرنسيني» (على غرار فاريسكو ،يوضح إروين أنه ليس معارضا ملوقف سعيد السياسي ،ولكنه مستاء من تزييفه مكانته العلمية). ّ ويعد هذا مجرد مثال بسيط ملشكلة منهجية كبرى تبطل عمل سعيد كلية ،وباألساس ،أسلوبه االنتقائي باألدلة .لقد أوضح سعيد أن إدانته لم تكن موجهة إلى هذا الفرد أو ذاك ،ولكن إلى املستشرقني في حد ذاتهم، وهي الفئة ،التي ،كما قد رأينا ،قد ضمن فيها كل أبناء الغرب الذين ذكروا أي شيء عن الغرب .ومن ثم ،كتب« :كل املعلومات األكاديمية عن الهند ومصر مخضبة ومتأثرة أو منتهكة من قبل الحقيقة السياسية الكبرى املمثلة في اإلمبراطورية» .كذلك ،ال يمكن لكتاب واحد أو فكرة واحدة أو فعل بعينه متعلق بالشرق ،أن يحقق هدفه من دون أن يضع في الحسبان قيود الفكر ،والفعل التي يفرضها االستشراق؟ ملاذا آثر سعيد أن يرسم بتلك الفرشاة العريضة؟ ألنه أدرك أنه إذا ما اكتفى بالتأكيد على أن بعض أبناء الغرب كتبوا بشكل ازدرائي أو متعجرف أو مضلل عن الشرق فيما لم يفعل آخرون ذلك ،لفقدت حجته قدرا كبيرا من اإلثارة .ربما تطلب األمر توضيحا عن األرقام وثيقة الصلة أو تأثير املجموعتني ،عن االختالفات داخل املجموعتني، عن االتجاهات املشتركة بني أبناء الشرق تجاه الغرب. في املقام األول ،كانت لتجذب الرد الحاسم :إذن ما املشكلة؟ هل كان تفضيل بعض األفراد مجتمعاتهم عن اآلخرين ،معلومة جديرة باالهتمام؟ وقد تمثلت الوسيلة الوحيدة التي استطاع سعيد من خاللها جعل إدانته املعممة تبدو منطقية في انتقاء األمثلة التي تتالءم مع هذا ،وإغفال بقية األمثلة .وعندما تم الطعن في إسقاطاته ،رد سعيد بغطرسة بأنه لم يكن ملزما ،بأية صورة ،تضمني «كل مستشرق حي» .لكن بالطبع تمثلت القضية الحقيقية في ما إذا كان املستشرقون الذين قام بتضمينهم، قدموا نموذجا تمثيليا ،وما إذا كان قدمهم بأسلوب أمني أم ال. بيد أن أوجه اإلخفاق املنهجية هذه ،فقدت في األغلب في خضم اإلبهار الذي جعل الكتاب يثير بقوة ما وجده سعيد وسيلة جديدة إلدانة الغرب على أبشع خطاياه :التفرقة العنصرية وإذعان اآلخرين .وبقدر هائل من الحداثة ،وسع سعيد نطاق االتهام عبر آالف السنني ،وهو تصوير قوبل باعتراض من صادق العزم ،الفيلسوف السوري ذي النزعة املاركسية ،وأحد «أكثر املعارضني املحبوبني في الدولة».
الجامعات وورش العمل ،حتى يتمكن البيض من اكتشاف عنصريتهم الداخلية ومواجهتها .لكن ذلك «الشر األبيض» الكامن لم يظهر بهذا العمق الكبير والتشدد الواضح ،سوى في كتاب سعيد .كان األميركيون املنتمون إلى اليسار فقط ،هم من اشتروا الكتاب. في هذا اإلطار كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» في رثائها إلدوارد سعيد« :وضع كتاب االستشراق ،الدكتور سعيد كشخصية صاحبة تأثير كبير في الجامعات األميركية واألوروبية ،وبطل بالنسبة للكثيرين ،وخاصة طلبة الجامعات وخريجيها من الشباب في حركات اليسار ،ولدى األفراد الذين أصبح الكتاب بالنسبة لهم عقيدة فكرية ووثيقة مؤسسة ملا وصف بكونه دراسات ما بعد االستعمار» .فيما قالت صحيفة «الغارديان» في رثائها الخاص« :ظهر كتاب االستشراق في وقت مناسب ليمكن األكاديميني املتنقلني إلى الغرب (الكثير منهم كانوا من دول غير غربية ،ولدوا لعائالت استفادوا من االحتالل) ،من النفع من حالة «التصحيح السياسي» الذي أسهم في ظهوره ،من خالل ربط أنفسهم بروايات القمع وخلق مسيرات عمل ناجحة ،بدافع نقل وتفسير ونقاش تمثيل اآلخر «غير الغربي». وأضافت «يرجع الفضل لالستشراق ،في املساعدة على تغيير اتجاه العديد من فروع املعرفة» ،وهو الرأي الذي عبر عنه املؤيدون واملنتقدون على حد سواء ،فقد قال ستيوارت سكار ،وهو أستاذ فخري في تاريخ الشرق األوسط في كلية بروكلني إن «املثير لإلعجاب ،أن «املجتمع األكاديمي تحول ،وأحدث ثورة في مجال النقد األدبي بفضل تراثه».
كتب العزم« :لقد تتبع سعيد أصول االستشراق بالعودة إلى هوميروس وإسخيليوس ويوربيدس ودانتي ،وبعبارة أخرى لم يكن االستشراق ظاهرة حديثة بشكل كامل ،بل نتاج طبيعي في مجمله للعقلية األوروبية القديمة ،الراغبة بشكل كبير في تشويه اآلخرين والثقافات، لصالح تأكيد الذات والهيمنة الغربية».
من دون التخلي عن زعمه تجسيد «نموذج براق» لشخص أجنبي ،كما يوضح ناقد مصدوم عمل على سلسلة من محاضرات ألقاها سعيد في لندن ،سيطر سعيد وتالميذه على األوساط األكاديمية ،كما يتضح ذلك من العدد الهائل للمحاضرات التي خصصت لكتبه.
ربما يكون صادق العزم قد اعتقد بخطأ ذلك ،لكنه كان أمرا مثيرا للنشوة ،فإذا كنا نتحدث عن عقلية استمرت قبل املسيحية وبعدها، فنحن ال نتحدث بشكل كبير عن الثقافة األوروبية التي ّ تعرف باملسيحية إلى حد كبير ،أكثر من العرق األوروبي ،فإن االستشراق سيتوافق ومزاج فترة أرادت إثبات أن كل العرق األبيض متعصب بالفطرة ،وهو ما دفع مجموعات املواجهة إلى عقد االجتماعات في
وفي هذا الصدد ،ذكر فاريسكو أن «جيال من الطالب في مختلف التخصصات ،لم يتمكن من مواجهة االتهام االنفعالي ،الذي أطلقه سعيد ،حتى إن الباحثني الذين درسوا الشرق األوسط واإلسالم ،ال يزالون يقومون بذلك مؤسسيا ،من خالل االختيار التفسيري الذي يفصل بني غرب أعلى ،وشرق أدنى» .أصبحت «العقيدة السيعيدية» الجديدة مهيمنة بشكل كبير في جمعية دراسات الشرق األوسط،
صورة نادرة تجمع باراك أوباما على مقعد بجانب إدوارد سعيد في حفل عشاء الجالية العربية األمريكية في شيكاغو في عام 1998 بمناسبة الذكرى السنوية الخمسني للنكبة الفلسطينية.
,,
كانت هناك نزعة مميزة للمستشرقني متمثلة في كونهم مناهضني لالستعمار إذ إن حماسهم للثقافة العربية أو الفارسية أو التركية عادة ما اقترن بكراهية لرؤية هؤالء األفراد يهزمون ويخضعون لسيطرة اإليطاليني أو الروس أو البريطانيني أو الفرنسيني
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
29
قصة الغالف
وظف املصطلح على نحو أوسع نطاقا في اإلشارة إلى «نمط غربي للهيمنة على الشرق ،وإعادة هيكلته والسيطرة عليه». وقال إن االستشراق جسد «معتقدات توجد ..في أنقى صورها في دراسات العرب واإلسالم» .وعرف املعتقدات األربعة «الرئيسة» كما يلي: أحدها هو االختالف التام واملنهجي بني الغرب ،املنطقي املتقدم اإلنساني األسمى منزلة ،والشرق ،الضال املتخلف األدنى منزلة .ويتمثل معتقد ثان في أن املفاهيم املجردة عن الشرق ..دائما ما تكون مفضلة الستقاء أدلة مباشرة من الحقائق الشرقية الحديثة .أما املعتقد الثالث ،فهو أن الشرق خالد سرمدي ومتحد وغير قادر على تعريف نفسه .ويأتي املعتقد الرابع وهو أن الشرق في قلب شيء إما أن يهاب ..أو يخضع للسيطرة. كانت املراجعات األولية للكتاب ،من قبل متخصصني في األغلب، مختلطة ،بيد أنها ظهرت في وقت بدأت فيه «التعددية الثقافية» تصبح املعتقد الجديد للنخب املثقفة ،فاتخذ الكتاب طابعا مميزا خاصا به، وبدأ يترجم إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة ،ويصبح أحد أكثر النصوص تأثيرا وتخصصا في النصف األخير من القرن العشرين. بيل كليتنتون بني عرفات ورابني بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو 13سبتمبر(أيلول) 1993
,,
ربما يكون سعيد قد سرد بصدق شديد حياته في سيرته الذاتية حيث تظهر في النهاية الحقائق الفعلية وثيقة الصلة بتعليمه وإقامته .ولكن منتقديه يستمرون في التساؤل هل سرده قصته بصدق في النهاية يمحو عشرين عاما من اختالق أكاذيب بشأنها؟
,,
28
يتجنب بشكل دائم اجتياز أو االقتراب بدرجة كبيرة من الخط الفاصل، الذي يشير ملا إذا كان يجب أن تندرج مفرداته تحت مسمى األكذوبة ،أم أنها مجرد خداع يرتقي لدرجة اختالف من دون تمييز. كتب سعيد ردا على وينر“ :لم أطلب مطلقا أن أصبح الجئا ،لكن أسرتي املمتدة ..فعلت” .ولكن ما الذي كان من املفترض أن يستشفه القارئ من كتابه“ ،القلم والسيف” ،حيث تحدث عن ذكريات ..االثنتي عشرة أو الثالثة عشرة األولى من حياته قبل أن يغادر فلسطني؟” أو من مقاله في مجلة «لندن ريفيو أوف بوكس» ،حيث كتب“ :ولدت في القدس وأمضيت معظم سنوات تكويني هناك ،وبعد عام ،1948أصبح أفراد أسرتي كلهم الجئني في مصر؟”. ربما يكون سعيد ،قد سرد “بصدق شديد” حياته في سيرته الذاتية، حيث تظهر في النهاية الحقائق الفعلية وثيقة الصلة بتعليمه وإقامته. ولكن منتقديه يستمرون في التساؤل ،هل سرده قصته بصدق في النهاية ،يمحو عشرين عاما من اختالق أكاذيب بشأنها؟ ولكن في النهاية ،قلل سعيد من شأن املوضوع .ففي آخر مقابلة له مع صحيفة «نيويورك تايمز» قال“ :ال أعتقد أن األمر على هذه الدرجة من األهمية على أية حال ..إنني لم أعرض حالتي مطلقا كقضية يجب التعامل معها .لقد عرضت حالة أسرتي”.
أبرز النقاد أخطاء عدة في كتاب «االستشراق» ،بدءا من األخطاء املضحكة التي تشير إلى أن فهم سعيد لتاريخ الشرق األوسط كان مزعزعا .فقد زعم سعيد أن «بريطانيا وفرنسا هيمنتا على شرقي البحر املتوسط من نهاية القرن السابع عشر تقريبا» ،أما على مدى مائة سنة أخرى ،فقد كان العثمانيون هم من حكموا املنطقة .لقد كتب أن الفتح اإلسالمي لتركيا سبق الفتح اإلسالمي لشمال أفريقيا ،ولكن الحقيقة هي أنه وقع بعده بنحو أربعمائة سنة .كذلك ،أشار إلى «حكام مستعمرات» بريطانيني في باكستان ،على الرغم من أن باكستان قد تشكلت في أعقاب انتهاء االستعمار.
اعتبارات أخالقية األمر أكثر خطورة أيضا هو عدم مراعاته االعتبارات األخالقية في استخدام املصادر .فقد أشار دانيال مارتني فاريسكو عالم األنثروبولوجيا في كتابه «قراءة االستشراق» أن «أحد أساليب سعيد البالغية في الوصول إلى نهاية جدلية يتمثل جزئيا في ..اقتباس عبارة مع إغفاله بشكل حكيم ،الكلمات التي قد تبرهن وفي بعض األحيان تدحض ما يحتمل أن تشير إليه العبارة مستقلة بذاتها» .وقدم مثاال ألسلوب سعيد االزدواجي في االستشهاد بمقولتني من كتابات سنية حمادي ،وهي كاتبة أميركية من أصل عربي ،كتبت انتقادات للعرب .وقد وضعها االقتباسان في صورة سيئة ،ولكنهما ،على حد قول فاريسكو ،كانا مأخوذين من فقرات تلخص فيها حمادي رؤية شخص آخر.
ومع ذلك ،كان األمر املهم هو الضوء الذي سلط على أساليب سعيد املضللة ،نظرا ألنه قد اتضح أنه أساس العمل البحثي .كانت الخدعة الثقافية واضحة على وجه الخصوص في أهم كتبه «االستشراق». وتتمثل فكرته الرئيسة في أن الغزو االستبدادي الغربي آلسيا وشمال أفريقيا ،كان متضافرا مع دراسة وتجسيد املجتمعات البدائية ،والذي تضمن بالتبعية تشويها لها .يشرح سعيد« :التعرف على أصول الشرقيني ،هو ما يجعل التعامل معهم أيسر وأكثر مربحية؛ املعرفة تمنح القوة ،وتتطلب زيادة القوة زيادة املعرفة ،وهكذا في جدل أكثر مربحية حول املعلومات والسيطرة» .
وفي السياق نفسه أيضا ،أشار جون رودنبيك ،أستاذ األدب املقارن بالجامعة األميركية في القاهرة ،إلى «التفسير الخاطئ واالستشهاد املغلوط بكلمات لينة» من قبل ما سماه «مستشرق القرن التاسع عشر إدوارد سعيد» .ويبرز استخدام سعيد «املضلل» لالستشهادات ،إلى املشكلة التي يواجهها مع عمله في عالم مصغر .وعلى نطاق واسع، عرض موضوعه بشكل مغلوط في األساس.
كان النموذج األصلي لهؤالء الذين أمدوا بهذه املعلومات هو «املستشرق»، وهو اصطالح رسمي يشير إلى هؤالء الباحثني ،معظمهم أوروبيون، ومتخصصون في اللغات والثقافة والتاريخ وعلم اجتماع مجتمعات الشرق األوسط وشبه القارة الهندية .ومع ذلك ،فقد شرح سعيد أنه
وفي إطار طعنه ألول «معتقد» مزعوم متعلق باالستشراق ،والذي ينسب كل الفضائل للغرب والرذائل للشرق ،يقول فاريسكو إن سعيد يصف «نموذجا كان ليرفض باملثل من قبل السواد األعظم من هؤالء، الذين جمعهم سعيد معا بوصفهم مستشرقني».
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
هذه املهمة ،بسبب أصوله ونفوذه وعضويته في املجلس الوطني الفلسطيني ،وهو الكيان االسمي الحاكم ملنظمة التحرير الفلسطينية. أكد سعيد لقرائه أن منظمة التحرير الفلسطينية تفادت اإلرهاب وأدانته منذ بداية التفجيرات وعمليات اختطاف الطائرات في السبعينات ،وقدم قائد املنظمة ياسر عرفات على أنه “ضحية لسوء الفهم ،وشخصية سياسية تم تشويه سمعتها” ،وأعرب عن إيمانه بدولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل ال مكانها ،وذلك باسم الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة. كان هذا كفيال بدفع ،كريستوفر ليمان هوبت ،الناقد في صحيفة “نيويورك تايمز” ،إلى كتابة“ :إن األستاذ سعيد يعبر عن القضية بمنطقية وفصاحة ،تجعالن املرء ينسى لوهلة ،الكثير من الحجج املضادة التي يتبناها اإلسرائيليون”. كان لكل من كتابي ( Orientalismاالستشراق) وThe question ( of Palestineاملسألة الفلسطينية) آثارا عديدة ،وأعقبهما تفسيرات كثيرة ،مما جعلهما عمودا ملسار سعيد املهني كصوت للفلسطينيني في مواجهة اإلسرائيليني ،بل كصوت للعرب واملسلمني والشرقيني اآلخرين في مواجهة الغرب ككل. لقد دمج سعيد العنصرية األميركية باالستعمار األوروبي ،في مزيج واحد من ظلم الرجل األبيض للبشر من ذوي البشرة الداكنة .ولم يكن سعيد املفكر الوحيد الذي صنع هذا املزيج ،لكن تمثل إسهامه الفريد في التعبير عن “الشرقيني” كنموذج لذوي البشرة الداكنة ،واملسلمني نموذجا للشرقيني ،والعرب نموذجا للمسلمني األصليني ،وأخيرا الفلسطينيني نموذجا للعرب في شكلهم األسمى .وفجأة بشكل سحري تحولت إسرائيل إلى تجسيد لتعالي الرجل األبيض ،وشعوره بالسمو على باقي البشر.
أحد عشر مفكرا
تعبيره عن تجربة املنفى ،جعلت الكثير من قرائه في الغرب يرونه تجسيدا للمأساة الفلسطينية» .وقد كتب بالفعل فيلما وثائقيا لعب فيه دور الراوي من إنتاج «بي بي سي» عام 1998حمل اسم In Search ( of Palestineفي البحث عن فلسطني) قدم فيه قصة حياته كعنصر صغير من عناصر النكبة التي ما زالت مستمرة. مع ذلك نشرت مجلة “كومينتري” في سبتمبر (أيلول) عام ،1999مقاال استقصائيا كتبه يوستوس رايد فاينر ،وقدم فيه الدليل على تزييف سعيد قصة حياته إلى حد كبير ،فقد أوضحت مجموعة معتبرة من الوثائق أنه قبل انتقاله إلى الواليات املتحدة لاللتحاق باملدرسة اإلعدادية عام ،1951عاش حياته في القاهرة ال فلسطني. بعد ذلك ببضعة أشهر ،نشر سعيد سيرته الذاتية التي أكد فيها هذه التهمة بدون االعتراف بمزاعمه السابقة التي جاءت في معرض حديثه عن خلفيته ونشأته أو محاولة تفسيرها .ردا على هذا الكشف ،شن سعيد وعدد من مؤيديه هجوما شرسا على فاينر .وسخر سعيد من فاينر بقوله“ :ألن فاينر غير معروف إلى حد كبير ،يحاول ّأن يصنع اسما من خالل تشويه سمعة شخص أكثر شهرة منه” .ووقع أحد عشر مفكرا مقربا من سعيد ،يقدمون أنفسهم ضمن “املجموعة العربية اليهودية للسالم” ،خطابا للصحيفة شبهوا فيه مقال فاينر بمحاولة إنكار املحرقة.
,,
بعد عام من ارتفاع مكانته بفضل كتاب “االستشراق” نشر سعيد كتاب The Question of ( Palestineالقضية الفلسطينية)
,,
وتمحور الجزء األكبر من النقاش بني فاينر وسعيد حول املنزل الذي ولد فيه إدوارد ،وهو املنزل الذي يفهم مشاهدو الفيلم الوثائقي املذكور آنفا ،أنه املنزل الذي نشأ فيه .ودلل فاينر من سجالت الضرائب واألراضي على أن املنزل لم يكن يوما ملكا لوالد سعيد ،بل لعمته. وكتب سعيد في تكذيبه على نحو غير مقبول“ :منزل العائلة كان ملكا للعائلة بحسب تقاليد العرب” ،مما يعني أنه في نظر العائلة ،كان ملكا لكل أفراد العائلة ،حتى إذا أظهرت السجالت أنه ملك لعمة إدوارد وأبنائها فقط.
وكان هناك خطوة واحدة أخيرة في هذه السلسلة ،وهي إدوارد سعيد القلم والسيف كرمز للفلسطيني .منذ أن ظهر سعيد على الساحة ،قدم نفسه كرجل «في املنفى» ولد ونشأ في القدس ،إلى أن طرده اليهود وهو في الثانية عشرة .وكما أوضح كاتب متعاطف في صحيفة «الـغارديان»« :إن
كان أسلوب عمل سعيد الساخر يهدف إلى االمتناع ،حيثما أمكن ،عن التفوه بكذبة محضة ،مع تعمده ترك انطباع زائف .ومع ذلك ،فإنه لم المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
27
قصة الغالف
منذ وفاة إدوارد سعيد األستاذ في جامعة كولومبيا قسم اللغة اإلنجليزية التي مرت عليها عشر سنوات حتى اآلن ،ال يوجد أي مؤشر على تراجع تأثيره االستثنائي ،وفقا لبحث أجراه «محرك بحث في املناهج» عام ،2005وتبني منه أن كتب سعيد مقررة في 868 منهجا دراسيا في الجامعات والكليات األميركية.
عشر سنوات على رحيل إدوارد سعيد
هل كان مؤلف االستشراق منحا زا سياسيا ؟ بقلم: جوشوا مورافتشك *
,,
إن الكتاب الذي جعل من إدوارد سعيد رجال شهيرا هو كتاب Orientalism (االستشراق) الذي ألفه عام 1978 عندما كان في الثالثة واألربعني من العمر
,,
هذه املناهج تباينت بني النقد األدبي والسياسة وعلم األجناس البشرية ودراسات الشرق األوسط ،وهو مجال يعود فضل تطوره إلى سعيد وأعماله. ّ أكثر من أربعني كتابا ألفت عنه وعن أعماله ،وهناك منها ما تتناوله بالنقد وهي قليلة ،ولكن ثمة الكثير منها مما هو متزلف ومتملق مثل كتاب « ( “ ,The Cambridge Introduction to Edward Saidتقديم كامبريدج إلدوارد سعيد) الذي نشر بعد مرور سبع سنوات على وفاته بسرطان الدم عام .2003كما أن هناك الكثير من الدراسات والتحليالت التي تناولتها الصحف عنه وعن مؤلفاته ،فقد وصفه مقال نقدي عام 2001في صحيفة «الـغارديان» بأنه «أكثر مفكري عصرنا تأثيرا». وتقدم جامعة جورج تاون وكاليفورنيا فضال عن جامعات أخرى برامج دراسية عنه .بيد أن الكتاب الذي جعل من إدوارد سعيد رجال شهيرا هو كتاب ( Orientalismاالستشراق) ،الذي ألفه عام ،1978 عندما كان في الثالثة واألربعني من العمر. كان هدف سعيد هو كشف اآلفة التي توجد في قلب الحضارة الغربية، وهي عجزها عن تقديم نفسها وهويتها إال على خلفية “اآلخر” املتخيل .وكان هذا “اآلخر” هو الشرقي ،الشخص الذي ينبغي أن يخشاه الغرب أو يسيطر عليه. وفي هذا الصدد قال سعيد“ :كان كل أوروبي عنصريا وإمبرياليا ومتعصبا لعرقه ،في كل ما يمكن أن يقوله عن الشرق” .وأوضح في مواضع أخرى من النص أن ما يصدق على األوروبيني يصدق على األميركيني أيضا .ويذكرنا هذا بإحدى قضايا الراديكالية في الستينات التي كانت ضمن الحركات املناهضة لجيم كرو والحرب األميركية في فيتنام ،وبالتحديد أن الجنس القوقازي هو الوباء الذي أصاب اإلنسانية. وبدال من الحديث عن هذا االتهام من فوق املنابر الخطابية ،كما فعل آخرونّ ، عبر سعيد عن ذلك بنبرات تدفع القراء إلى اإلطالع .وكانت أسماء املنظرين املعاصرين العويصة وأسماء األكاديميني القدماء املبهمة ،تظهر في الصفحات الزاخرة بكلمات تدفع القراء إلى اللجوء إلى املعاجم. ال تكترث لعدم وجود هذه الكلمات في املعاجم ،أو أنها مستخدمة بشكل خاطئ ،كذلك ال تهتم ملا تبدو عليه بعض االقتباسات من فخامة وإدعاء ،مثل سقوط اسم ليفي شتراوس وغرامشي ومايكل فوكولت
26
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
بدوي مكتوم كما أوضح املؤرخ جون هارولد بالمب في نقده للكتاب لصحيفة “نيويورك تايمز”. ال تكترث ألي من هذا ،فالشيء املهم الذي أثار السرور والتحمس هو قوله “الشخص امللون” ،في محاولة قوية إلدانة الرجل األبيض وهزيمته في لعبة التأنق الفكري الخاص به ،إذا جاز لنا قول ذلك. في الواقع لم يكن سعيد رمزا مناسبا لتعساء األرض ،فوالده ،الذي كان يطلق على نفسه اسم ويليام ،هاجر من القدس ،املكان الذي كان يكرهه بحسب قول إدوارد ،إلى أميركا عام ،1911وقاتل خالل الحرب العاملية األولى وأصبح مواطنا أميركيا. وتحت ضغط أسرته استسلم بعد تردد ،وعاد إلى الشرق األوسط في العشرينات واستقر في القاهرة ،وكون ثروة من مجال األعمال ،وتزوج من سيدة مصرية. وقيل إلدوارد ،وهو االبن األكبر بعد موت املولود البكر في سن الرضاعة ،إنه سمي على اسم أمير ويلز .ونشأ هو وشقيقاته األربع في كنيسة بروتستانتية في وضع ميسور نسبيا ،فقد كانوا يحضرون األوبرا ،وكانوا أيضا أعضاء في عدة نواد ،وتلقوا دروسا في البيانو. كذلك تلقوا التعليم في مدارس بريطانية وأميركية ابتدائية وثانوية في القاهرة ،إلى أن التحق إدوارد بمدرسة راقية في نيو إنغالند ،وهو في الرابعة عشرة من العمر.
وجه مختلف بعد تخرجه في جامعة هارفارد ،بدأ يدرس النقد األدبي وفاز بكرسي في جامعة كولومبيا عندما بلغ األربعني ،ثم أصبح أستاذا جامعيا ،وهي أعلى مرتبة أكاديمية في جامعة كولومبيا .بعد عام من ارتفاع مكانته بفضل كتاب “االستشراق” نشر سعيد كتاب The ( Question of Palestineالقضية الفلسطينية) .وقبل خمسة عشر عاما ،كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد تأسست في محاولة لرسم هوية فلسطينية فريدة ،واتخذ إعالن هذه الهوية للعالم شكل أعمال عنف مروعة ،هدفها باألساس جذب االنتباه إلى الظلم الواقع على الفلسطينيني. اآلن منح أستاذ اإلنجليزية واألدب املقارن بجامعة كولومبيا القضية الفلسطينية وجها مختلفا .لقد أضفى بعضا من األصالة على
ّ وهنا يبدو حسام تمام متفائال في فرضية تالشي الت ِ نظيم ّالدولي ،املفكرون ينشقون..
فالتنسيق الذي كشفته سنوات الحقة لكتابه ،أكدت أن مستوى ً ّ نظيم ،والتشابك ،ال زال يربط اإلخوان بحلقات دقيقا من الت ِ ّ الجسم الذي كان يتتبعه تمام ،وربما تنظيمية محكمة ،ربما انتهى تابعّ ، يكون انتقل إلى فضاء تنظيمي ِأدق من أن ُي َ ألن نتيجة التأثير ّ ّ ُامل َش َ ّ العاملية ،والتداخالت ،وغيرها ،ال اهدة ُم َتمثلة في الفعاليات تزال شاخصة للعيان.
إخوان الخليج ..عباءة التنظيم حني تضيق باملنتفخني الكاتب والباحث السعودي فهد الشقيران رأى أن االنشقاقات ّ تصدعات ناقمة من جهة، في الخليج لم تكن جذرية بل كانت أو انصياعا ّلظرف سياسي معني ،ويضرب مثال بالنقمة التي اإلسالمي الكويتي عبد الله النفيسي الذي رأى مارسها املنظر ً أنه« :لم يمتلك رؤية متماسكة أو موحدة في معظم أفكاره ،من آرائه في السياسة الكويتية ،إلى تقلب موقفه من إيران وقفزه من رأيه بتسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي في السبعينات إلى رأي حاد تجاه إيران يكرره كل أسبوع مرة أو مرتني في وسائل ّ (حلف املصالح اإلعالم من دون كلل أو ملل وبيده كتابه املفضل ّ املشتركة) من تأليف تريتا بارزي .وحني يسأل عن نقاده ال يريد أن يعرفهم ،وإذا سألته عن الناقد السعودي علي العميم تحديدا يبدي لك جهله بهذا االسم تماما. العميم كتب( :سيرة غير تبجيلية) في عبد الله النفيسي ونشرت حلقات في مجلة (املجلة) ومن ثم طبعها ضمن كتاب، على ٍ بكتاب مستقل .النفيسي وبآخر املطاف طبع نقد العميم للنفيسي ٍ رجل يهرب من تاريخه ،فهو ابن لحظته ،حني تستمع إليه وكأنه لم يكن ابن االنقالبات الجذرية الغريبة ،منذ انضمامه مع حركة هيامه بإيران وصوال إلى تهييجه ضد (املد جهيمان العتيبي وإلى ّ الصفوي) .النفيسي الذي ألف كتابه (اإلخوان املسلمون ..التجربة والخطأ) سنة 1989لم يكن ينتقد الجماعة أو املنهج وإنما يتناول التجربة والخطأ ،يناقش األخطاء على املنهج ،ويسائل التجربة على املأمولّ ، يعبر عن خيبته هو من اإلخوان املسلمني غير أنه لم يغادرهم». ويضيف الشقيران« :النفيسي درجة ًزئبقية من اإلسالميني، لنظر جديد في العمل للبعض أنها مؤسسة وآراؤه التي يبدو ٍ ً لعظمة الذات التي يشعر بها ،فهو رجل تلبية إال اإلسالمي ليست ّ متوقد ال يتبع إال نفسه ،يتقلب تبعا لسياسته هو تجاه األنظمة، من تبجيل قطر إلى العودة لحضن السعودية كما في لقائه ّ األخير على قناة ( )mbc1والذي ركز فيه على ضرورة (نسيان املشكالت مع أنظمة الخليج) والبدء في صد العدوان القادم من إيران ،إيران ذاتها التي كان النفيسي هائما بها وبظواهرها منذ أن غاص بأطروحته التي اختبرها في العراق بضيافة السيد محسن الحكيم الذي أتاح له رؤية ما شاء من الوثائق ليكتب في 1972أطروحته (دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث)». وختم الشقيران« :النفيسي ليس منشقا وإنما ّ ميز نفسه ألن عباءة أي جماعة ال يمكنها أن تمأل انتفاخه الذاتي والذي يتضح في لقاءاته اإلعالمية حيث يتحدث عن (تهاويل) بعضها صحيح وبعضها مبالغة ،وعلى رأسها النظرية التي تبهر املذيعني الذين ً يلتقون به عادة وأعني بها (أم القرى) ملحمد جواد الريجاني».
اإلسالميون التقدميون تجربة نادرة في تاريخ الحركات اإلسالمية ،وهي «فريدة» في حركة التجديد اإلسالمي في القرن العشرين ،من حيث اإلضافة الفكرية ،ويقول حسام تمام عنها ّ ً تنظيميا ،بيد أنها تمثل النموذج الوحيد إنها كانت فاشلة ومتعثرة في الحركات اإلسالموية الذي حاول التجديد خارج األصول والقواعد الثابتة للفكر والفقه اإلسالمي .ونسب إليها تيار اليسار ّ اإلسالمي وقال إنه ظهر في بعض البلدان العربية كامتداد لتجربة اإلسالميني التقدميني بتونس .رواد هذه الحركات يخرجون عن الطوق اإلخواني ،التنظيمي ،فهم يحاولون إثبات جدوى ممارسة الحرية في إطار مالئم ،وخروج يكون مصحوبا ال بالوفاء للفكرة القديمة اإلخوانية املنسوبة سواء لحسن البنا أو سيد قطب ،إنما ً وغالبا ما يفتقد يستصحب بالتطوير والتفكير في تقييدها، املفكرون الذين يبدأون مثل هذه املشاريع إلى العالقات العامة املالئمة ،فيتحولون إلى شخصيات أقرب ما تكون إلى املستقلني، ولكنهم بماكينة إخوانية كاملة الدسم.
الخالصات.. يصح لنا أن نقول في مجمل الحديث ،ونحن نلملم األطراف، لنضع الختامّ ،إن حركات اإلسالم السياسي تنشق ً ذاتيا ،وإن عقلها الجمعي يستخدم االنشقاق أحيانا كغطاء أو تكتيك للهروب من مرحلة إلى مرحلة ،واالنشقاقات التكتيكية ،ثارت في حاالت كثيرة ،مثل الترابي البشير ،الجبالي الغنوشي ،أبو الفتوح والجماعة ،الهلباوي والجماعة ،وحتى في إخوان الخليج انشقاق النفيسي ،وجاسم سلطان ،ووضعية السويدان ،كلها انشقاقات قد تكون مدبرة ،هدفت لتحقيق التالي: 1ـ تكوين مواعني استيعاب ،وخداع الجمهور ،وفك احتقان الشارع، بأن يتزعم الطرف املنشق الجماهير الحانقة ،ويخفف االحتقان. 2ـ تشتيت القوى األمنية ،وتذويب خيوط املتابعة ،وهي من أساليب العمل التنظيمي اإلخواني ،إخفاء مراكز القرار الحقيقية.
,,
يرى الكاتب والباحث السعودي فهد الشقيران أن االنشقاقات في الخليج لم تكن جذرية بل كانت ّ تصدعات ناقمة من جهة أو انصياعا لظرف سياسي معني
,,
3ـ خلق رمزية فضفاضة ،ملبادئ البنا ،بأن ينتسب لها كل املختلفني ،فالهلباوي يقول إن اإلخوان ظلموا مبادئ البنا ،وكذلك يقول بديع ،وهي دعاية مجانية للبنا.
في سبيل الختام يقول املحبوب عبد السالم في كتابه «دائرة الضوء وخطوط الظالم»: «األجيال التي كابدت من الناس لم تكن تدري ملاذا كابدت ،والشهداء ماتوا لغير ما هدف واضح ،وبعضنا ال زال يجاهد ألنه يعتقد أن القضية ال تزال قائمة ،ما يحدث هو مسرحية من تأليف شيطان هازئ ساخر وما يحدث هو عني الحقيقة وصميم الجبلة البشرية عندما يستغرقها عنفوان السلطان وسكرته سنوات وسنوات بغير علم قادر وجهاد ظاهر ..شعرة معاوية تنقطع ويتحول االبتالء إلى لعنة ،وذات الذين نشأوا تحت أعيننا سنوات ُبعثوا العتقالنا .لحظتها هي لحظة الحيرة العظمى التي تنتاب الناس الكبار من املفكرين واملبدعني فيكون الشيء ونقيضه حاضرا في ذات الوقت في مخالفة مأساوية لبدائيه املنطق( ..فجهلي كالجهلي وعلمي كالعلمي) أبو نواس( .عما نسيت وكدت ال أنسى وشك في اليقني) بدر شاكر السياب( .ملاذا جئت إلى أرضي تنهب وتخرب.. الدخيل هو الذي قال ذلك لصاحب األرض وصاحب األرض طأطأ رأسه ولم يقل شيئا) الطيب صالح» <
فهد الشقيران
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
25
تحقيق
,,
ّ إن حركات اإلسالم السياسي تنشق ً ذاتيا وإن عقلها الجمعي يستخدم االنشقاق أحيانا كغطاء أو تكتيك للهروب من مرحلة إلى مرحلة
,,
ّ يصر على تأريخ خالفه مع الجماعة ،قال للزميلة الخرباوي، «الشرق األوسط» ( 26مارس /آذار )2013إن جماعة اإلخوان املسلمني ال تحترم القانون على اإلطالق ومن حق أي إنسان أن يشك في جماعة ال تريد أن تفصح عن ميزانيتها ومن ثم هي التي تضع نفسها موضع الشك» .ويواصل« :الجماعة انحرفت عن طريقها الصحيح وكتبت هذا في كتابي األول عن اإلخوان والذي كان قبل الثورة بعام تقريبا وكان الخالف حول سياسات وأفكار وقد رصدت طبيعة هذا الخالف في كتابي (قلب اإلخوان)». يتوافق الخرباوي مع املليجي في نقده للجماعة ،ويقولّ : «إن الجماعة ليس فيها كفاءات ،ولكن فيها فقط تنوع في التخصصات من دون أن توجد أي كفاءة في أي تخصص من تلك التخصصات، فهي جماعة فاشية ال تبدع ،وبالتالي تأكل نفسها من الداخل فهي تقوم على السمع والطاعة وال تصلح أن تكون مؤسسة تدير دولة وهي بطبيعتها ستضمحل وتنتهي وتجربة الدكتور مرسي كرئيس ملصر ستكون الختام لـ«اإلخوان» والدكتور مرسي يضع تتر النهاية على جماعة اإلخوان املسلمني». ً ّ الخرباوي يمثل حالة من الغضب ،والحنق ،وعلى الرغم من التجربة ّ التنظيمية املتواضعة فإنه استطاع أن يكشف الكثير من األسرار والخبايا ،ولم يعد يبشر بأي إصالح داخلي ،بخالف ما يبدو من املليجي.
الهلباوي وأبو الفتوح ..توسيع املواعني الدكتور كمال الهلباوي القيادي اإلخواني واملتحدث السابق باسم الجماعة في الخارج ،أحد ضحايا الحرب بني التنظيم الدولي والجماعة األم ،كما كان ّ يتم تصويرها ،وصل إلى قناعة بأن الجماعة تضر ذاتها بما تمارسه من رعونة ،فانشق عنها في انشقاق ال يمكن وصفه إال بأنه توسيع ملواعني الفكرة ،ومحاولة تخليص لها من شوائب الجماعة ،يقول« :إن اإلخوان استعدوا الناس عليهم وخاضوا السياسة وتعجلوا الثمار رغم أن البنا حذر من هذا كثيرا في رسائله وال شك أن تلك الخطوة أضرت الدعوة والدليل على ذلك أن املرشد وقيادات اإلخوان اآلن ال يستطيعون الخروج في الشارع ومواجهة املصريني بسبب سوء موقفهم وأخطائهم الكثيرة كما أن سمتهم التردد في املواقف وهو ما رأيناه واضحا في أداء الرئيس مرسي ألنه متردد مثلهم كما أن من أكبر أخطاء اإلخوان أنهم تركوا امليدان من أجل البرملان وهو خطأ استراتيجي بل إنهم اتهموا الثوار في شارع محمد محمود بأنهم بلطجية وهذا غير مقبول».
الكتاتني ..كشف أسرار
إدريس لكريني
24
مسؤول ملف طالب الثانوي بالجماعة ،ونجل شقيق الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة ،انشق عن الجماعة بعد أحداث االتحادية ،انبرى يكشف ما سماه «املراحل التنظيمية السبع لفكر الجماعة» في السيطرة على العالم ،وقال إن «املنافسة على الرئاسة جاءت في إطار خطة التمكني ،والدفع بمرسي تحديدا ألنه مطيع وبيسمع الكالم ،وملتزم بخط (الجماعة) وال يحيد عنه أبدا ،وكان هو االختيار األفضل لـ(الجماعة) ،والدكتور عبد املنعم أبو الفتوح كان حال مطروحا قبل أن ينشق عن (الجماعة)، لكنه كان معروفا بأنه مجادل( ،وكان ممكن يمشي على سطر ويسيب سطر من كالم املرشد لهذا لم يقع عليه االختيار» .وقال: «مكتب اإلرشاد هو الذي يحكم ،ومرسي هو مسؤول (الجماعة) في الرئاسة ،فـ(الجماعة) لديها ملفات كبيرة جدا ،وملف الرئاسة
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
مجرد ملف صغير ،وحزب الحرية والعدالة مجرد ملف صغير، وغيرها من كل ما يسيطر عليه اإلخوان اليوم ،فهناك ملفات كبرى مثل امللف الدعوي ،وامللف التربوي ،وامللف اإلعالمي وغيرها ،وكل ملف له نظام وأسلوب في إدارته». ولكنه هو اآلخر منشق بأشواق قديمة ،فيقول« :لو كان حسن البنا على قيد الحياة العتصم في امليدان مع الثوار» .وقال« :حازم إخواني قديم ،ووالده الشيخ صالح كان أحد قياداتها ،لكن ما يفعله حازم ْ مرضي عنه ألنه ضمن تكتيك سياسي بارع يستخدم أهداف معينة دون أن يظهر اإلخوان في أبو إسماعيل لتحقيق ّ الصورة» .وهو قريب ملا نظر له املليجي ،من استخدام اإلخوان لآلخرين.
ّ نظيم الدولي لإلخوان.. الت ِ
بني مشهور والهضيبيّ .. وتمام!
ّ ً حاضرا في كل تفاصيل االنشقاقات ،هو أحد التنظيم الدولي ظل األسلحة ،وأحد الدفوعات ،وعلى األقل هو عامل رئيس ،فالسمة العامة للحركات اإلسالمية ،أنها على إغراقها في املحليات ،إال ّ أنها تستند بشكل واضح على البعد الدولي والعالقة مع الحركات اإلسالمية الدولية والشخصيات املهمة ،فتتسابق الحركات املنشقة عن بعضها ،في كسب رضا القرضاوي مثال وزيارة إسطنبول وحضور فعاليات الجماعة ،وغيرها. أنموذجا لالنشقاق ّ ً املنسق، التنظيم الدولي ،في إحدى مراحله ،كان ً واملرتب ،الذي يحقق أهدافا ،فالتنظيم كان في مرحلة تأسيسه (مرحلة مشهور) يمثل االستفادة من خبرة اإلخوان الدولية، وهروبا من األوضاع الداخلية ،وحاول البعض تصوير انتهائه على أنه انقضاء ملسببات وجوده .تقول رواية حسام تمام ،أنه وعقب خروج مصطفى مشهور من السجن مع بقية قيادات الجماعة ّ نظيمات اإلخوانية املنتشرة عام 1973قام بجمع خيوط كل الت ِ في العالم ،وفي األول من سبتمبر َ(أيلول) ،1981وقبل أيام من ّ َ ُ الرئيس الراحل قرارات 5سبتمبر الشهيرة التي اعتقل بموجبها ُّ أنور َّ السادات السياسيني والنشطاء (بلغ عددهم ،)1530كان مصطفي مشهور يستقل أول طائرة متجهة إلى الكويت لينجو بنفسه من حمالت االعتقال ،وأعلن في 29يوليو (تموز) سنة ّ التنظيم ّ الدولي لإلخوان املسلمني وأعلن الئحته 1982تأسيس ُ َ ِ ِّ ّ ّ الرسمية التي ع ِرفت بالنظام العام لإلخوان املسلمني ،وتوسع في ضم تنظيمات إسالمية أخرى مثل الجماعة اإلسالمية في باكستان والحزب اإلسالمي (باس) في ماليزيا وحزب الرفاه واستمر ِّ ّ ينمي ِنظامه حتى بقيادة نجم الدين أربكان في تركيا، أصبح أقوى من الجماعة األم في مصر ،وكان هذا في صالحه ّ الشخصي ،عاد مشهور إلى مصر بعد أيام من وفاة املرشد ّ الدولي الثالث للجماعة «عمر التلمساني» كان قد أتم بناء الت ِ نظيم ّ لإلخوان كامال وأحكم عليه قبضته الحديدية ،بعد أن تولى مشهور اإلرشاد ،لم يعد للتنظيم ّ الدولي مبرر واضح للبقاء، ولم يرد األخير ومعه الهضيبي ،خلق مصدر للقرار خارج ّ ّ نظيم بدأ بالذوبان .يواصل تمام فيقول نظّيم ،وهنا ّ يرى أن الت ِ الت ِ ّ َّ نظيم تأثر بتغيرات دولية أهمها املوقف السلبي من حرب إن الت ِ َّ الثانية ،وعلى املستوى ّ الداخلي ،كان إعالن محمد املأمون الخليج الهضيبي مرشدا للجماعة يوم 28نوفمبر (تشرين الثاني) ّ التنظيم ُّ ً الدولي ،الذي صار عبئا على الجماعة خصما على ،2002 ِ ِّ ياسية واألمنية ،وأضراره فاقت نفعه ،فضعف من الناحية الس ِ ّ نظيم بحسب حسام تمام. الت ِ
يشير أبو أحمد إلى حالة االحتقان التي تشهدها الحركة اإلسالمية الحكومية اآلن ،ويمثل طرفها املتمرد الدكتور غازي صالح الدين العتباني ،ويمكن اإلشارة إلى أن اإلسالميني اتهموا خالل األشهر ً انقالبا بزعامة صالح عبد الله قوش والقائد السابقة بأنهم دبروا ود إبراهيم ،وبعد تفجر أزمة العتباني بأيام قام البشير بالعفو عن اإلسالميني املتهمني في املحاولة ،ما حدا بالسياسيني في الخرطوم أن يضموها لالنشقاقات داخل الحركة اإلسالمية التي تهدف بشكل أو بآخر لشغل الرأي العام. يواصل أبو أحمد ليقول« :بالنسبة ملصر أعتقد أن اإلسالميني في ً قريبا حالة اضطراب شديد ألنهم لم يتوقعوا ما حدث لهم لذلك سيأتي عليهم نهار تتخلخل العالقة بني الرئيس مرسي واملرشد واملؤسسات التنظيمية ألن حكم مصر أبعد عن تصوراتهم املسبقة» .ومضى يقول« :نعم مرسي يمكن أن يتخلى عن املرشد بكل سهولة ألن املرشد ليست له سلطة الدولة تماما كما حدث في عالقة البشير مع الترابي ،وسيقنع مرسي اإلخوان املسلمني بعدم التقييد بقرارات املرشد من أجل البقاء في الحكم». يواصل أبو أحمد وهو محكوم بالتجربة السودانية« :مرسي وضح من خالل الرسائل التي أرسلها لحكومة الكيان اإلسرائيلي أنه خرج عن املرشد ألن الرسالة ولغتها تقول إنه اجتهد فيها لوحده وال يمكن أن تكون هذه لغة املرشد الذي عرف في تاريخ اإلخوان املسلمني بالتقيد بنهج البنا» ،حاولنا تذكير األستاذ خالد أن اإلخوان كانوا مشتركني في النظام السابق عبر البرملان ،فقال: «نعم كانوا في البرملان لكن لم يكونوا في الجهاز التنفيذي للدولة وهذا هو مربط الفرس ،إدارة دولة مثل مصر ال يمكن أن يستوعبها خيال وفكر اإلخوان املسلمني ألبعادها السياسية واالستراتيجية التي تتطلب وجود تحالفات مع املجتمع الدولي بقيادة الواليات املتحدة األميركية ،أو خيار الوقوف في الجانب اآلخر مع الحلف اإليراني ،وفي كل الحاالت املسألة صعبة للغاية بالنسبة لإلخوان املسلمني وهذا ما يتسبب حقيقة في الخالفات الكبيرة والعميقة ً شارحا املفارقة بني بني املفكرين والسياسيني» يواصل أبو أحمد الفكر التنظيري والفكر الذي يخضع لتحليالت املجتمع الدولي ليقول «بالطبع النظام الحاكم في السودان لم يستوعب هذه املسألة فأصبح يطلب ود املجتمع الدولي وتارة يقف في الصف اآلخر مما عقد األزمات التي تعيشها البالد».
اليمن ..ال نشر للغسيل في العلن يقول الباحث والكاتب اليمني نبيل البكيري« :أعتقد في الحالة اليمنية األمر مختلف قليال ،صحيح هناك تباين بني تيارين مقاصدي سياسي وديني متشدد ولكن رغم البون الشاسع بني تفكير الطرفني فإن الحاصل هناك انسجام عجيب على مدى أزيد من أربعة عقود في مسيرة هذه الحركة بني جناحيها الليبرالي والراديكالي» ويواصل ليقول« :على مدى العشرين سنة املاضية حصلت حالة فردية من الخروج عن الحركة ،ولكن املفاجأة هي عودة جل تلك الشخصيات التي كانت قد تموضعت ضمن نظام علي عبد الله صالح ،وانشقت عنه وعادت إلى السير ضمن الخط العام لسياسة الحركة اإلسالمية.
املغرب ..الدعوي والتنظيمي ..وفراغ السلطة
تأسيس أي حزب يقوم على أساس ديني أو عرقي» .ويواصل في التأصيل لتاريخ الحركة في املغرب وهو تاريخ حديث ما زال يحتفظ بالبكارة اإلسالمية ،رغم تجربته. يقول لكريني« :تاريخ حركة الشبيبة اإلسالمية باعتبارها الحركة األم التي تفرعت عنها مختلف التيارات اإلسالمية املغربية املعاصرة وشهدت منذ نهاية السبعينات من القرن املاضي انشقاقات وانسحابات بفعل الظروف املرتبطة بالصراع مع السلطة ومع بعض التيارات اليسارية في أعقاب اغتيال الزعيم اليساري املغربي عمر بنجلون سنة ..1975بما خلق نوعا من االرتباك في صفوفها ..وهكذا قام زعيم جماعة الشبيبة اإلسالمية عبد الكريم مطيع ببلورة بناء تنظيمي جديد يقوم على ما سمي بتنظيم الخطوط أو املجموعات بوضع أمير على رأس كل مجموعة تنسق مع الشيخ بشكل مباشر». يضيف لكريني« :في هذه املرحلة سيتم تأسيس جمعية الجماعة اإلسالمية املغربية سنة 1981بمبادرة من عبد اإلله بنكيران ،ثم جماعة العدل واإلحسان سنة 1980وظهور حزب العدالة والتنمية سنة .»1997 الحركات اإلسالمية التي لم تلج بعد العمل السياسي واملشاركة السياسية ألسباب موضوعية أو ذاتية ما زالت تخلط في أدائها بني عملها كحركة دعوية وحركة سياسية ويبدو أن وفاة مرشد جماعة العدل واإلحسان مؤخرا قد خلف نقاشا بصدد تطوير األداء والهياكل ،أما حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة حاليا فهو يقدم نفسه كأي حزب سياسي آخر وذلك انسجاما مع مقتضيات الدستور كما أنه يستند إلى حركة دعوية هي التوحيد واإلصالح مع الحرص على نوع من التمايز الوظيفي في أدائهما. وفي هذا اإلطار تبقى الساحة املغربية هادئة نسبيا ،وليست لديها مساحة واسعة للمناورة ،كالحالة التركية أو السودانية.
تونس ..اختالفات تتراكم ستنفجر الدكتور أعلية العالني ،املتخصص في دراسة الحركات اإلسالمية التونسية ،سألناه عن الحالة التونسية خاصة بعد موقف رئيس الحكومة السابق الجبالي ،فقال« :هي ليست انشقاقات باملعنى التنظيمي ولكنها اختالفات حادة من املرجح أن تنتهي بانشقاق بعد االنتخابات خاصة إذا سجلت النهضة نسبة ضعيفة في االنتخابات ُ ويتوقع أن تخسر النهضة نحو نصف األصوات التي حصلت عليها في االنتخابات السابقة إذ أعطتها عمليات سبر اآلراء األخيرة نسبة بني 20و 25في املائة» ،فاستفهمناه إن كان لها أثر فكري؟ فقال« :أعتقد أن لها أثرا فكريا ،فأكثر املحللني يتوقعون أن ال يطول عمر اإلسالم السياسي في بلدان الربيع العربي عن بضع سنوات قليلة ،حتى في الدول الحليفة لهم فأنا حللت ضيفا على األتراك الحكوميني وأحسست أنهم بدأوا يغيرون موقفهم تدريجيا من اإلخوان وينتقدونهم بشكل أكبر مما كان في السابق.
,,
االنشقاقات تحدث لوجود صراع بني الدعويني والتنظيم الخاص السري حول سياسة تعامل الجماعة مع املجتمع والحكومات بني التنظيم الخاص السري حول سياسة تعامل الجماعة مع املجتمع والحكومات
,,
على الرغم من حديث العالني ،فإننا نرى أن املناورة في الحالة ً تقريبا التونسية تبدو أكبر ،ويمكن تطبيقها ،وهو ما حدث بانشقاق ابن الحركة اإلسالمية التونسية الهاشمي الحامدي.
يقول إدريس لكريني« :الحركة اإلسالمية باملغرب لها سياقاتها الخرباوي ..الجماعة انحرفت وهو آيس منها التاريخية والسياسية املختلفة تماما عن تيارات املشرق ،والسياق السياسي املرتبط بالصالحيات الدستورية الدينية للملك وبمنع
محمد بديع
القيادي اإلخواني السابق ومؤلف كتاب «سر املعبد» ثروت المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
23
تحقيق
املؤتمر املسلمني إلى جبهة امليثاق ،إلى الجبهة اإلسالمية إلى ّ الشعبي العاملي ،إلى املؤتمر الوطني ،إلى املؤتمر الشعبي ،وكلها حركات انبنت على انشقاقات كبرى ،قتلت الضعيف وأعادت استيالد نفسها ،بذكاء.
,,
مصر الجماعة األم شهدت انشقاقات قديمة منذ عهد املؤسس األول حسن البنا، بمنشورات موثقة تمركزت كلها حول سرية الجماعة والسخط من الديكتاتورية وآلية اتخاذ القرار
,,
ثروت الخرباوي
22
في يونيو (حزيران) 1989أعلن املذياع نبأ انقالب العقيد الشاب عمر حسن أحمد البشير ،على النظام الديمقراطي ،باسم يشبه ً الضباط األحرار ،معلنا انطالقة جبهة اإلنقاذ الوطني ،قام النظام الجديد ،بإيقاف كل القيادات السياسية ،ومن ضمنها الزعيم اإلسالمي الكبير الدكتور حسن الترابي ،ولم يستطع يومها أحد ّ يتخيل أن يكون الترابي السجني صاحب أي دخل في االنقالب، أن حتى أولئك الذين يعرفون امليول اإلسالمية للضباط ،لم يتخيلوا أن يسجن اإلسالميون شيخهم ،أو يسجن شيخهم نفسه ،ولكن ً تمويها الترابي الذي فعلها ،قال لهم بعد أعوام ،إن ما قام به كان ّ للحفاظ على السلطة في مهدها ،وقال إنه قال للرئيس عشية ً االنقالب« :اذهب إلى القصر ً حبيسا». رئيسا وسأهب للسجن لذلك حينما جاءت املفاصلة وانشق اإلسالميون في السودان في نهاية األلفية ،قال الصادق املهدي رئيس الوزراء األسبق امللدوغ من الجحر القديم« :أخشى أن يخرج علينا الترابي بعد عشرية أخرى ليقول قلت له اذهب إلى القصر زعيما للمعارضة وسأذهب إلى ً حبيسا». املنشية حملنا هذا الحديث بكليته ،وذهبنا إلى «الترابي الصغير» أو إلى التلميذ النجيب ،املحبوب عبد السالمّ ، املقرب للترابي والقيادي بحزبه ،واملسؤول الفكري األول في الحركة اإلسالمية السودانية، وبدأنا معه من الحرف األول قائلني :كيف افترق اإلسالميون في السودان ،وملاذا؟ هل هو رد فعل طبيعي ،الصطدام مثالية الفكرة بوعورة التطبيق؟ فأجاب« :االنشقاق كان نتيجة ملسار طويل جنحت فيه الحركة اإلسالمية نحو العملي على حساب الروحي والفكري فسادها عناصر األجهزة الخاصة للمعلومات واألمن كما كان مناخها أكثر مالءمة للسياسيني التقليديني من املفكرين رغم أن قائد الحركة في األساس مفكر ،أما األسباب املباشرة فهي الديكتاتورية التي استمرأت الحكم وكرهت الحرية والشورى الواسعة ولو أحسنت الحركة السودانية قراءة الواقع لترددت في عمل االنقالب ولو كان ضرورة إلنقاذ الوطن فكان ينبغي املسارعة إلى بسط الحريات قبل أن يتمكن العسكر ويكرهوا العودة إلى ثكناتهم» .وهنا يبدو املحبوب ً ذكيا وهو يغرق في تفصيل جلباب الخالف ليتسع للفكرة ،وهو كالذي يكفكف دمعه غير عابئ بأن تخسر الحركة وتكسب الفكرة. ّ حديث قديم للترابي ،يتمنى فيه أن تصبح سألته «املجلة» عن ٍ املعارضة على قيادة الصف اإلسالمي والحكومة إسالمية ،فقال: «الترابي كان يقصد أن يبسط إخوته السابقون الحرية وكان يميل إلى وحدة الصف اإلسالمي بمعنى دمج األحزاب اإلسالمية في حزب واحد وكتب بذلك للميرغني والصادق ولكن كانت أزمة الثقة قد تطاولت وتركم عليها إرث طويل أو في سيناريو آخر أن يكون جزء من الحركة يحكم بالشورى والعدل وحزب آخر منها يعارض بقوة ولكن بمسؤولية ورشد». ً حاكما ال يغيب على القارئ ،أن كثيرين يرون البشير إسالميا ً زعيما للمعارضة ،وهنا يجب أن نفرق بني التكتيك الذي والترابي تمليه الخطوط التنظيمية ،وبني التكتيك الذي تسوقه صيرورة العقل الجمعي ،كردة الفعل الالإرادية ،فليس من الضروري أن ُيدق إعالن واضح أن هناك اتفاقا تفصيليا ،بني أفراد اإلسالميني على أن املفاصلة مفتعلة ،ولكن ال يستبعد أحد القادة السياسيني
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
سيناريو يفترض فيه أن يكون زعيم اإلسالميني -تركها تحدث - إنقاذا لفكرته ،كما صنعها ً يوما إنقاذا لدولته. رجعنا باملحبوب وإليه ،لينقل لنا رؤيته «الجميلة» لالنفصال، وفيها تجسيد لفوائد االنفصال عند اإلسالميني ،وتجسد محاولة جادة للحفاظ على البريق على الرغم مما انسكب ،يقول املحبوب «في بداية املفاصلة كانت هنالك دعوة قوية للحرية لم يشهد تاريخ الحركة لها مثيال وانتبه كثير من أعضائها ألول مرة أن لها رؤية وبرنامجا وليس فقط التمكني والقوة فبدأوا يقرأون وسجل كثير منهم في الجامعات ولكن األمر يحتاج لتغيير أكثر جذريه وهو ما يعجز عنه من سماهم الترابي بجيل التأسيس بحكم سنن الله الطبيعية واالجتماعية فعادت عناصر الخاص من جديد لتتمدد خاصة أنهم كما يقول فيبر أدمنوا العمل التنظيمي وال يعرفون كيف ينشدون عمال آخر يفيدهم ويكفي الحركة سلبياتهم في تقديري الشخصي أن هذه الدورة من التجديد الحركي اإلسالمي انتهت وهنالك أمل في جيل جديد اهتمامه األساسي باألفكار لكنه محاصر في بيئة عامة متردية وبيئة خاصة خانقة» .فسألناه هل تقصد السودان فحسب فقال« :أقصد أن هذه الدورة من التجديد اإلسالمي انتهت ليس في السودان فقط ولكن في مصر وتونس واملغرب والجزائر ودائما ما أقول لنفسي أفال تبصرون». عند البصيرة ،سألناه ،إن كانت تجربة البشير والترابي فشلت ،فهل لتجربة بديع ومرسي أن تنجح ،وصرحنا بالسؤال هل قلتموها إلخوان مصر؟ أال ترى أنهم سيقعون في ذات املكان؟ فقال «نعم قلنا لهم لكن هذا حديث آخر يطول .خالصة الرأي لهم جميعا ما انتهت إليه تجربتنا هنا وما أعلنه املؤتمر الشعبي أنه حتى إذا قدر الله لنا يوما وفزنا بأغلب مقاعد البرملان فالوزارة يتوالها السوداني األصلح لها بمعنى أفضل من يكون وزير مالية يتولى ولو كان شيوعيا أو حزب أمة أو مستقال .ومنذ فوز حماس قلنا لهم اكتفوا بالدور التشريعي والرقابي ودعوا الوزارة للمستقلني إذا رأيتم أن فتح قد أفسدت الحياة السياسية وال تريدون خيبة أمل الناخبني ألن الوضع مع إسرائيل معقد كذلك كان رأي اإلخوان في مصر في األول أن ال مرشح للرئاسة والوزارة مشاركة ال مغالبة ولكن الرأسمالية التحكمية في الجماعة ارتدت عن القرار. قلنا لهم ملاذا تريدون أن تحكموا املصريني وأنتم ال تستطيعون حتى مجاراة املؤسسة اإلعالمية التي رسخت قبل تأسيس جماعتكم في العشرينات وفي تونس هذه حركة ظاهرها تقدمي وباطنها تقليدي انظر كيف تنازل شيخها عن كل املناصب العامة ولكن الجماعة أرادت أن تجامله فوضعت صهره وزير خارجية مما يعني أنها فكرت بذات العقلية العربية كلما مات جنبالط جاء جنبالط» .وأضاف« :صديقنا رفيق عبد السالم مؤهل ألشياء كثيرة جدا ليس من بينها وزارة الخارجية بمعنى كيف تقود عربة في مدينة مثل لندن والقاهرة وأنت ال تملك رخصة قيادة».
منشق سوداني :تاريخ وأدلة وتداعيات خالد أبو أحمد ،أحد الكوادر اإلسالمية السودانية ،التي انشقت عن ّ وتحولت إلى النقيض ،وظلت تفيض بالندم واألسى ،سألناه الجماعة، ً فلم يذهب بعيدا عما قاله املليجي ،فبدأ بالقول« :نعم هناك خالفات حقيقية ولها تاريخ وأدلة وتداعيات» فقلنا له ماذا عن التقارب األخير فقال «الحديث مؤخرا عن تقارب بني النظام واملؤتمر الشعبي هو من باب التعويض عن األذى الذي لحق بالذين تم إبعادهم عن الحكم ،لكن االنشقاقات حقيقية خاصة إذا تحدثنا عن حالة د .غازي صالح الدين وغيره ومن قبله الكثير من القيادات الالمعة».
التلمسانيون ..يكرهون التنظيم.. ويفترشون األشواق الفئة التلمسانية ،هي أكثر الفئات حنينا للتجربة اإلسالمية ً وخروجا على اإلطار التنظيمي الصارم لإلخوان ،أشار حسام تمام ّ (ت - )2011الذي يمتدحه املليجي -في كتابه تحوالت الحركات ً موضحا أن االنشقاقات اإلسالمية ،مكتبة مدبولي ،2010 ،لذلك، ً سببها أن الخيارات اإلسالمية أضحت أكثر اتساعا. سألنا املليجي ،محاولني بصورة غير مباشرة التأصيل ملصطلح «التلمسانيني» الذي نرى ضرورة نحته لفهم أوسع لإلسالميني وانشقاقاتهم ،وقلنا له «من هو األقرب للخروج من الجماعة بعد أبو الفتوح؟ هل يمكن أن نقول التلمسانيني في باب الخروج من جماعة النظام الخاص؟ فقال «هناك املئات مثل عبد املنعم أبو الفتوح ومثلي ولكنهم عاجزون عن اتخاذ قرار املصارحة مع املجتمع بخيبة أملهم في التنظيم فيبقون في صمت إلى يوم ال يعلمه إال الله ..والتلمسانيون اليوم قلة قليلة ألن التنظيم يخرب ً ورسميا من عام 1996بصورة أفكار الجماعة منذ عام 1986 واضحة الجيل الجديد من اإلخوان ( 40سنة فأقل ال يعرف حقيقة التاريخ ولم يعد قادرا على التفريق بني الفكر السري التكفيري وبني الفكر الدعوي اإلصالحي ..الكل يعيش في متاهة العمل اليومي وال فكرة ناضجة لدى أحد من العاملني حول األسئلة الكبرى ..من نحن وماذا نريد؟ هذا سؤال لو طرح على مائة فرد اليوم ستجد مائة إجابة». ً لم تكن أجوبة املليجي املترددة ،خائفة ،ولكنها كانت تقف محاولة الحفاظ على وقارها ،والتأشير على مواطن الخلل ،فاملليجي ،الذي خرج بعد مفاصلة شهيرة ،أشهر سيفه ُ على املهندس خيرت ً جهدا في تصنيف الشاطر ،وواجهه بالحقائق الدامغة ،ولم يأل ّ ً الجماعة وفضح ما يراه مشينا ،ويرى في ذلك جهادا ،ولكنه يؤطر كل سعيه هذا بمفاهيم إسالموية ،ليتحول في لحظة ما،
إلى إسالمي غاضب من إسالميني ال أكثر ،يحدوه شوق كبير لعمر التلمساني ،ويهرب من مصطفى مشهور ،أي صراع بني مرشدين. حاولت «املجلة» أن تقف بصراحة أكبر ،فسألته عن أسباب االنشقاقات؟ وأوضحت السؤال عن سبب انشقاقه ،وعما إذا كان يكشف األسرار؟ فقال« :االنشقاقات تحدث لوجود صراع بني الدعويني والتنظيم الخاص السري حول سياسة تعامل الجماعة مع املجتمع والحكومات» .هنا قرأنا املواقف السياسية ،وسألناه ،عن االنشقاقات التكتيكية ،فقال بغضب شخصي واضح« :ال توجد أي ّ ً مفجرا انشقاقات تكتيكية» ولم يشأ التفصيل ،ولكنه عاد ليقول الحديث «ولكن يوجد إخوان مكلفون بالسرية التامة وموجودون في أحزاب أخرى ومؤسسات كعملية تجسس واختراق» ،ورجع إلى املحور األساسي ليضفي على جوابه اإلنصاف الالزم ويكسوه بالخبرة في التخاطب الدبلوماسي «والفكر التنظيمي للجماعة في مصر ال يرقى ملستوى التكتيك ولم يمارس ذلك أبدا» ،فعدنا بالسؤال :هل يمكن أن يوجه املرشد أحد أتباعه باالنشقاق عن الجماعة لتفريغ شحنة خالف ما أو للفت األنظار ،فقطع بالجواب الساخر« :لم ولن يحدث ألن املرشد اليوم ال يفكر» وأضاف« :أصال التفكير ممنوع ..ملاذا ينشق هل لتضليل العالم؟ العالم بأجهزته يعرف كل أسرار التنظيم السري ،ألن السرية على أفراد الجماعة أكثر من أجهزة الدولة ومن الثابت وجود صفقات بني التنظيم السري واألجهزة املحلية والعاملية ال يدريها أفراد الجماعة».
,,
راشد الغنوشي وحمادي الجبالي
لو أحسنت الحركة السودانية قراءة الواقع لترددت في عمل االنقالب
,,
ً رئيسا اذهب إلى القصر وسأذهب إلى السجن حبيسا ال ينبغي ملن أراد دراسة االنشقاقات أن ُيخطئ انشقاق الترابي البشير ّ ،أو مفاصلة الرابع من رمضان ،أو كل تاريخ الترابي الذي تولدت عنه تنظيمات إسالمية بأسماء مختلفة ،من اإلخوان
حسن الترابي
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
21
تحقيق
ِّ أي من هؤالء يمثل منهج اإلخوان ،وأي جناح يستحق الشرعية ،وملاذا اختلفوا في األصل ،هل ّ هي صيرورة التاريخ ،أم إنها منهجية منتقاة لتشتيت االنتباه ،هل هي من باب «ال تدخلوا من باب واحدة»؟ بني التكتيك والواقع ،والحقيقة والوهم ،تحاول «املجلة» ،تجلية الصورة ،ودراسة االنشقاقات ،بني اإلسالميني.
االنشقاقات في صفوف التيارات اإلسالمية ..الحقيقة والوهم
الرؤوس املدببة بقلم: عمر البشير الترابي
,,
مرسي وضح من خالل الرسائل التي أرسلها لحكومة الكيان اإلسرائيلي أنه خرج عن املرشد
,,
في ّ الساحة اإلسالموية ،تزداد االنشقاقات التي تتوالد عنها األحزاب اإلسالمية ،فتبرز في تاريخ اإلسالميني انشقاقات ّ شكلت ّ النواة ألحزاب منفصلة برؤى (تبدو) مختلفة ،وترتبط ً ّ هذه االنشقاقات باختالفات فكرية أحيانا ،وتنظيمية في ّ أحيان ّ الشخصية ،وتتفق كلها في أخرى ،وفي مرات تظهر فيها النزعة تأثيرها على تشكيل الحالة اإلسالمية ،وسبل فهمها ،ويعوزها الباحث واملحلل ومن يريد فهم اإلسالم السياسي ،وظاهرته. ففي لبنان انشقاقات (فتحي ًيكن) ،والسودان انشقاق الدكتور الترابي ،والذي انشق عنه الحقا حزب املؤتمر الوطني ،وعشرة ّ موازية ،وفي تونس عبد الفتاح مورو ،والجورشي، أحزاب والفاضل البلدي ،وفي مصر أحزاب الوسط ،والقرضاوي ،وأبو الفتوح ،وغيرهم ،وكذا في العراق آخرون. بتلطيف للفكرة نجم عن هذه االنشقاقات كيانات ،ربما تختلف ٍ أو تكثيفها ،فهل هو اختالف في الدرجة أم في النوع؟ كما يبرز املنشقون بشكل شخصي ،مثل د .املليجي ،والخرباوي، والهلباوي ،وآخرون يمضون في تشكيل ذواتهم وشخصياتهم. ّ ّ الداخلية بني شباب الجماعة ،وشيوخها ،بني التجار الصراعات ّ واملكتب التربوي ،بني الساسة والدعاة ،بني التنظيم السري والتنظيم التربوي ،قد تكون مغرية ،للباحث عن تفاصيل العمل اليومي ،ولكنها ليست بفائدة فهم عمل العقل الجمعي لهذه الحركات؟ هذه الجماعات التي تنشق ،والشخوص املفارقون لها ،كيف يتحدثون ،بترمومتر الغضب ،أم بلهفة اإلصالح ،هل ً انشقوا ليكملوا طريقهم ممثلني للفكرة ،أم انشقوا ليبدأوا حديثا آخر.
املليجي ..ليست انشقاقات.. بل استعادة لجماعة مختطفة
عبد املنعم ابو الفتوح
20
مصر الجماعة األم ،شهدت انشقاقات قديمة ،منذ عهد املؤسس األول حسن البنا ،بمنشورات موثقة ،تمركزت كلها حول سرية الجماعة والسخط من الديكتاتورية وآلية اتخاذ القرار والنزاع بني الدعوي والسياسي ،في خضم هذه االنشقاقات خرج أمثال ً وأخيرا إسالم الكتاتني، عبد الستار املليجي وثروت الخرباوي في «املجلة» التقينا باملليجي وسألناه ،عن االنشقاقات التي
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
ً شخصيا عنها ،وبعد أن نفث دخان في الجماعة ،وانشقاقه الذكريات بكل ما فيه ،وصل ملنطق وسط بني الدبلوماسية والصراحة ،تهزم الثانية األولى في ساعات الغضب ،فقال «كلمة االنشقاق ليست دقيقة تاريخيا وال واقعيا ،لكن الواقع هو ظهور تيار التنظيم الخاص من األربعينات ومحاولته أن يرث جماعة البنا مدعيا أنه املمثل الشرعي الوحيد لجماعة اإلخوان ،هنا ردت عليه الجماعة الدعوية الظاهرة بقرارات فصل ملن تزعموا هذا الفكر وأصدرها املرشد الثاني حسن الهضيبي وشكل تنظيما مسلحا آخر ليطاردهم ويقضي على فكرتهم وعهد به إلى يوسف طلعت .ومن يومها ومحاولة التنظيم السري ال تتوقف لالستيالء على الجماعة ولو بالخديعة والكذب والتقية، لم ينجحوا في الوصول لرأس الهرم اإلخواني إال في عام 1996 ببيعة (كاذبة) و(مضللة) أطلق عليها بيعة املقابر وهي مظاهرة مجهولة األعضاء تمت في املقابر بعد دفن آخر مرشد دعوي (محمد حامد أبو النصر) وبموجب هذه املظاهرة تولى مصطفى مشهور منصب املرشد ،بعد ذلك قام بسحب كل املناصب القيادية من الدعويني وسلمها إلى أنصاره من السريني ولكنه لم يصدر قرارات فصل ولم يحدث انشقاق باملعنى الصحيح. ولكن معظم املخالفني للفكر السري وجدوا أنفسهم بال عمل في الجماعة ..بعضهم أعلن واعترض مثلي وبعضهم سكت وبقي مغلوبا على أمره». كالم املليجي ال يخطئه الحنني والشوق إلى الجماعة املثالية، واألمل يحدوه بأن يؤسس جماعة أخرى ،وحديثه ال ينسف أصل الفكرة إال ً نادرا ،ولكنه يضع العيب على التطبيق ،مثل املليجي كثيرون ،ورصدنا أن أكثرهم من «التلمسانيني» أي ّ الذين جندهم عمر التلمساني للجماعة ،وقصة ذلك كما يرويها املليجي ،أن الجماعات اإلسالمية «غير اإلخوانية» سيطرت على الجامعات املصرية في فترة السبعينات إبان غياب اإلخوان في سجون ناصر والسادات ،وبعد املصالحة مع السادات ،عادت الجماعة ووجدت أنها خسرت «وحدة التمثيل» التي كانت تتمتع بها ،فدخلت في حوارات شتى ،أرادت عبرها أن تصل ألرضية وسط مع التيارات ،واستطاع عمر التلمساني ،أن ّ يقدم ً وجها مشرقا لإلخوان مأله بالسعي الدعوي ،فانضوى تحت لوائه كثيرون ،لم يكن لهم اتصال بيعة باإلخوان ،ولكن نجح التلمساني في استقطابهم ،هؤالء لم يتربوا تربية إخوانية ،بل تربية إسالمية ،واستفاد منهم اإلخوان.
,,
مبنى االذاعة والتلفزيون - ماسبيرو
توظيفها في الدعاية االنتخابية ملرشحي التيار اإلسالمي في البرملان ،ثم الدعاية للرئيس .واستخدمت لغة خطاب صادمة وخارجة عن اآلداب العامة، ومواثيق الشرف اإلعالمي ،وكانت املفارقة أن السب والشتائم انطلقت من أفواه رجال دين ومقدمي برامج مشهورة ،في تناقض صارخ مع الصورة الذهنية املفترض توافرها في رجال الدين ،أو اللغة التي يجب أن تستعملها قنوات إسالمية .والغريب أن قاموس الشتائم نفسه ،عالوة على التحريض على القتل ،ينصب حاليا على كل املعارضني للرئيس مرسي وجماعته ،لذلك كل هذه التجاوزات غير األخالقية وغير القانونية تمارس يوميا وال ترى الجماعة الحاكمة سوى تجاوزات الفضائيات العامة.
أدرك اإلخوان املسلمون ،بعد أقل من شهرين من تولي محمد مرسي منصب الرئيس ،أن اإلعالم يمثل عقبة رئيسة أمام سياسة «التمكني» التي تتبناها الجماعة للسيطرة على مفاصل مؤسسات الدولة وجذب جمهور جديد لها .فقد تحول اإلعالم إلى أكبر حزب معارض لإلخوان املسلمني منذ يونيو (حزيران) .2012تعرض الصحافيون بمختلف توجهاتهم -من غير اإلسالميني -للكثير من املضايقات ،وشهدت الساحة اإلعالمية وقوع قتلى ومصابني في أثناء حاالت الصدام بني «اإلخوان» ومعارضيهم .بالتوازي، قامت مجموعات من التيار السلفي بحصار مدينة اإلنتاج اإلعالمي التي تضم أغلب استوديوهات البث الخاصة بالفضائيات املصرية الخاصة.
بداية املعركة
وهو الحصار الذي تضمن تهديدا مباشرا لإلعالميني ،باستهدافهم جسديا، إلى جانب منعهم من تأدية مهمتهم والوصول إلى محل عملهم .والقى هذا الحصار استحسانا ،أو على األقل غض طرف من النظام الحاكم وآلته اإلعالمية التابعة .وبالطبع ،استمرت عمليات املالحقة القانونية واستدعاء الصحافيني واإلعالميني باستمرار للنيابة ،للتحقيق في كل شيء وأي شيء، املهم هو اإلحساس بحالة الوقوف في وضع املتهم ،وهذا في حد ذاته ممارسة للتخويف واإلرهاب .وحسب تقارير سابقة ملنظمات حقوقية ومراكز دراسات ،من بينها معهد العربية للدراسات -في يناير (كانون الثاني) املاضي -فإن جهات التحقيق الحقت إعالميني في 24قضية وبالغا بتهمة إهانة الرئيس خالل الـ 200يوم األولى من حكم محمد مرسي ،مقابل 14 قضية أحيلت إلى املحاكم املصرية بنفس التهمة خالل 115عاما؛ أي منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهاية فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك .ولعل عدد البالغات والقضايا ارتفع خالل الشهرين املاضيني إلى نحو 30بالغا .املشكلة هنا ،هي أن النظام الحاكم ال يدرك أن أكبر األخطاء التي يمكن أن يقع فيها النظام -أي نظام -هو معاداة اإلعالم ،فاملعركة خاسرة في كل األحوال حتى لو حققت نجاحا جزئيا ،املشكلة األكبر التي يجب أن يواجهها الحكام الجدد ملصر أن سياستهم الفاشلة هي املشكلة الرئيسة ،وأن سيطرة ما فوق الوطني من أهداف وإعالء مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن وحالة اإلقصاء واالستحواذ التي يمارسها الحكم ،كل هذا هو املشكالت الحقيقية التي يجب عليه مواجهتها ،وغير ذلك هو حرث في الهواء وتأجيل لصدام سيدفع الجميع ثمنه بال استثناء <
الجديد الذي تشهده الساحة اإلعالمية املصرية هذه الفترة ،تلك املعركة التي قررت الجماعة الحاكمة وأدواتها التنفيذية في أجهزة الرئاسة والدولة أن تشنها مع اإلعالم في األشهر األخيرة ،وتستخدم في ذلك تكتيكا بات مكشوفا بإعالن مؤسسات الدولة الرسمية أنها ليست في خصومة مع اإلعالم ،وآخره إعالن الرئيس تنازله عن كافة البالغات املقدمة باسمه ،وفي ذات الوقت فتح الباب واسعا أمام أتباع الجماعة لتقديم البالغات واملالحقات القانونية واستخدام الحصار والعنف ضد اإلعالميني واملؤسسات اإلعالمية املختلفة ،وعند هذا الحد يعلن املسؤولون في الدولة أنهم غير مسؤولني عن هذه اإلجراءات ،ويتخذونها مناسبة لتذكير اإلعالميني بمراجعة أدائهم حتى ال يتعرضوا لغضب الرأي العام الذي يترجم في مثل هذه املالحقات. لذلك ،ظل استهداف الصحافيني ومقدمي البرامج التلفزيونية عبر التهديدات الرئاسية والبالغات القانونية وحصار مدينة اإلنتاج اإلعالمي .وكان استدعاء اإلعالمي التلفزيوني الساخر باسم يوسف أمام النيابة بمثابة محاولة للتلويح بـ«رأس الذئب الطائر» ،حيث يعد باسم يوسف اإلعالمي األكثر مشاهدة اليوم في مصر عبر برنامجه الساخر «البرنامج» الذي تضمن خالل حلقاته تهكما ساخرا على تصرفات وتصريحات الرئيس املصري .كان مثول باسم يوسف أمام النيابة ،بعد إصدار النائب العام أمر ضبط وإحضار لإلعالمي الساخر، تنفيذا لتكتيكات اإلخوان املسلمني التي أشرت إليها ملواجهة انتقادات اإلعالم املصري ألداء مؤسسة الرئاسة والجماعة.
الجديد الذي تشهده الساحة اإلعالمية املصرية هذه الفترة ،تلك املعركة التي قررت الجماعة الحاكمة وأدواتها التنفيذية في أجهزة الرئاسة والدولة أن تشنها مع اإلعالم في األشهر األخيرة
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
19
تقرير
,,
التلفزيون الخاص ازدهر بشدة في املرحلة التالية لسقوط النظام لكن هذا ال ينفي أن انطالقته القوية كانت عام 2005عندما شهدت الساحة اإلعالمية املصرية في ذلك الوقت انفتاحا ملحوظا
,,
18
كانت تدين له بالوالء ،فمرت بمرحلة البحث عن سيد كما اعتادت لعقود ،رغم املحاوالت املتعددة خالل هذه العقود للحفاظ على حد أدنى من املهنية ،إال أن ضغوط السلطة من جانب ومنافع االرتباط بها من جانب آخر جعلتا حالة االرتكان إلى وجود «سيد» هو الحل اآلمن والسهل ،بعد سقوط النظام أخذت تتخبط ،لكن بوصلتها ،عادت مرة أخرى للتوجه ،إلى املجلس العسكري ،الذي أصبحت تدين له بالوالء وتدافع عنه ،وبعد االنتخابات البرملانية ثم الرئاسية، ثم الهجوم اإلخواني املباغت على قياداتها وتغييرهم -جعلها تدين بالوالء لجماعة اإلخوان املسلمني ،وأصبح قيادات الجماعة التي كانت تصفها هذه الصحف بـ«املحظورة» ،قبل الثورة ،هم نجومها ،وكتاب مقاالتها ،وأبرز من تجرى معهم الحوارات ،بل إن صحيفة «األهرام» ،نشرت أول مقال في تاريخها ،الذي يمتد ألكثر من 130عاما ،للمرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع ،مع إشارة في الصفحة األولى. امللحوظة البديهية أن األكثر ظهورا بني الصحف الصادرة حديثا ،الصحف املحسوبة على التيارات الدينية بمختلف توجهاتها ،كانت أوالها صحيفة «الحرية والعدالة» الناطقة باسم حزب الجماعة الحاكمة الذي يحمل نفس االسم ،وصحيفة «النور» املعبرة عن حزب النور السلفي. املكون اآلخر في الخريطة اإلعالمية املصرية هو التلفزيون ،الذي بات أحد العناصر الرئيسة ،ليس في الساحة اإلعالمية ،بل في اللعبة السياسية، وتحول اإلعالميون العاملون فيه إلى العبني بدرجات متفاوتة في ساحة الفعل السياسي ،وأيضا انقسم اإلعالم التلفزيوني إلى قسمني أساسني ،هما: تلفزيون الدولة ،والتلفزيون الخاص .وقبل أن أبدأ الحديث عن تلفزيون الدولة الذي عملت فيه لسنوات عندما أتيت من خارجه مكلفا العمل مسؤوال عن األخبار والشق السياسي فيه ،أود أن أشير إلى أنني وقت عملت فيه شعرت بأنني أنتمي إلى هذا املكان مثلي مثل أكثر أبناء هذا املبنى انتماء رغم أنني كنت ضيفا عليه ،وسمحت لي الظروف بأن أرى داخله على حقيقته ،ولذلك يمكنني أن أقرر أن االتهامات التي توجه إلى هذا املكان صحيحة وخطأ في ذات الوقت ،فقد كان -وما زال -هذا الجهاز تابعا للحكومة وليس للدولة، تتحكم فيه سياسات الحكومة حتى لو تشدق وزيرها بالحرية غير املسبوقة، ويمكني القول أيضا إن أي محاولة لتطوير وتحرير هذا الجهاز سوف تصطدم بصخرة اإلرادة السياسية ،فقد حاولت من قبل واكتشفت أن الواقع أكبر من النوايا الطيبة ،وأن اإلرادة السياسية هي الفاصلة في تحرر أجهزة اإلعالم اململوكة للدولة من عدمه .كذلك ،فإن هذا الجهاز يعاني أمراضا عضاال على مر السنيني ،ليس أكبرها هذا العدد الهائل العامل فيه الذي يتجاوز ثالثة وأربعني ألف عامل ،في حني أن االحتياج الفعلي يمكن أال يتجاوز الـ %10من هذا العدد. رغم انتشار الفضائيات الكثيرة ،التي يمكن القول باطمئنان إنها سحبت البساط من تحت قدمي التلفزيون الرسمي ،فإنه ما زال يحظى بنسبة مشاهدة في األقاليم الفقيرة ،كما أنه ظل رمزا لألنظمة في كل وقت .وهذا ما تدركه الجماعة الحاكمة ،فقررت إحكام السيطرة عليه .العداء الشعبي للتلفزيون املصري بعد سقوط النظام ،وهو األمر الذي نجحت فيه الجماعة وبعض الجماعات السياسية األخرى ،ترتب عليه خروج عدد من الكوادر التي كانت تعمل به من قبل ،للعمل في القنوات األخرى لعدة أسباب؛ أبرزها أن االرتباط بالتلفزيون أصبح مربوطا بالفساد والسلطة ،فضال عن أن التلفزيون املصري لم ينجح ،رغم تغيير قياداته ،في تغيير توجهه ،حيث إن القائمني الجدد عليه ،بخلفياتهم السياسية والتنظيمية تجعل والءهم فقط ملن يحكم .وألن أحد العيوب الكبيرة داخل هذا الجهاز هو خلق اإلحساس على مدار عشرات السنني بأن العاملني فيه هم موظفون ،وبالتالي يسود السلوك الوظيفي الحكومي الذي يبحث فيه املوظف عن تأمني دخله وإرضاء أولي األمر .وركزت القيادة الجديدة إلعالم الدولة على مسألة الحجاب ،باعتبار أن إنجازهم األهم ظهور املحجبات على الشاشة ،وانتشرت اللحية بني قطاع كبير من العاملني .خروج الكوادر الجيدة ،ترتب عليه ،املجيء بكوادر جديدة، غير مدربة ،وغير مهنية ،وذلك في محاولة لتغيير واجهة الشاشة ،كما ترتب
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
عليه أيضا عودة عدد من املذيعني القدامى ،بعضهم تم استبعاده ألنه كان دون املستوى ،لكنه وجد في الفراغ اإلداري فرصة للعودة. الشهادة هنا تقتضي القول إن هذا الجهاز يحتوي على عدد من شباب اإلعالميني املتميزين بحق في مجاالت الصحافة التلفزيونية واألخبار واإلعداد واإلخراج والهندسة ،لكنهم ال يعيشون املجال الذي يسمح لهم بالعمل الصحيح ،ويؤكد هذا أن كل القنوات التلفزيونية الخاصة التي تعمل في الساحة اليوم والتي سحبت البساط من تحت التلفزيون املصري قامت على أكتاف العاملني في التلفزيون املصري في املجاالت املختلفة.
توك شو الثورة التلفزيون الخاص ازدهر بشدة في املرحلة التالية لسقوط النظام ،لكن هذا ال ينفي أن انطالقته القوية كانت عام ،2005عندما شهدت الساحة اإلعالمية املصرية في ذلك الوقت انفتاحا ملحوظا ،تطور خالل السنوات التالية ،ورغم بعض املمارسات اإلدارية ملحاولة تحجيمه فإن تطور هذه القنوات استمر؛ لوجود تيار داخل السلطة في هذه املرحلة كان مع دعم وجود هذا الشكل من اإلعالم ،إال أن مرة أخرى اإلحساس بأن هذه القنوات انضمت إلى املتظاهرين بشكل أكثر وضوحا من البداية أكسبها رصيدا لدى املشاهدين ،وكان النتشار برامج الحوارات الليلية أثره الكبير في توجيه الرأي العام. برامج التوك شو ،لم تخطف بعضا من جمهور الصحف فقط ،ولم تدخل في منافسة معها فقط ،بل خطفت رؤساء تحريرها ،فعدد كبير من مقدمي هذه البرامج ،يعمل في األساس صحافيا ،وأصبحت الصحف ،وصحافيوها، تعمل في خدمة ،رئيس التحرير وبرنامجه. الطريف الذي يمكن رصده هنا ،أن عددا من ضيوف هذه البرامج تحولوا إلى مقدمي برامج توك شو مسائية ،وأصبح طبيعيا أن تجد الضيف اليوم مذيعا غدا ،لكن املشهد األكثر دهشة ،هو ظهور الضيف في أكثر من برنامج يومي، حيث يرى بعضهم أن هذا األمر بالنسبة له يمثل «موردا ماليا» ،ليس أكثر. تشارك برامج التوك شو في صناعة الرأي العام املصري بكل تأكيد ،وبسبب نجاحها في اجتذاب نسبة كبيرة من اإلعالنات ،أصبحت بعض الفضائيات، تقدم أكثر من برنامج توك شو على نفس القناة ،وقد يصل عدد برامج التوك الشو ،في قناتني تابعتني ملؤسسة واحدة إلى أربعة برامج ،رغم أن تقييم الكثير من خبراء اإلعالم أن هذه البرامج ما هي إال مجرد صراع ديوك، ومعارك ،لكن ال نتيجة واحدة تذكر ،إال أن هذه البرامج تحولت في الفترة األخيرة إلى املدافعني في الخط األول عن مدنية الدولة ومحاوالت االستحواذ واإلقصاء الذي تقوم به الجماعة الحاكمة في إطار محاوالت أخونة الدولة. في مقابل هذه القنوات ،انطلقت القنوات الدينية تصدح في الفضاء ،وباتت هي املدافع األول ،وبعنف غير مسبوق ،عما يسمونه مشروع الدولة اإلسالمية. وصل عدد القنوات الدينية في العالم العربي ،بشكل عام ،إلى أكثر من 150 قناة .هذا العدد يثير أسئلة كثيرة عن مصادر تمويل وإدارة هذه القنوات، واملضامني التي تقدمها ،واألهم جمهورها ،وإلى أي مدى يتأثر هذا الجمهور بخطابات الكراهية والتحريض ضد اآلخر ،التي تنتجها وتروجها أغلبية القنوات الدينية .أغلب القنوات اإلسالمية ال تعتمد على الصورة وتقدم برامج وعظية ،وتستبعد املرأة وال تسمح بظهورها كمقدمة برامج أو كضيفة، وتمتلئ هذه القنوات بالفتاوى املنحرفة أو املتطرفة فقهيا التي تحض على كراهية اآلخر وعدم تهنئته في األعياد أو قتل املعارضني للرئيس مرسي. مأساة تلك القنوات ،أنها ليست قنوات إعالمية مهنية ،بل منابر دعائية تحريضية ،وبالتالي ال تصمد أمام أي تقييم إعالمي يعتمد معايير األداء اإلعالمي االحترافي ومواثيق الشرف .لقد تحولت القنوات اإلسالمية املصرية من الدين للسياسة ،وباتت تعتمد الخلط املتعمد بني الدعوي والسياسي ،وتم
صحيح ،كما قال وزير اإلعالم اإلخواني وأكده رئيسه بعد ذلك ،أن الساحة املصرية شهدت خالل العامني املاضيني ميالد تسع وخمسني صحيفة جديدة ،لكن هذا يدفع للسؤال :ماذا عن املناخ العام الذي تعيشه هذه الصحافة، جديدها وقديمها؟ ألن هذا هو املعيار الصحيح للحكم على األمور. حسب األعداد املقيدة في نقابة الصحافيني املصريني ،فإن عدد الصحافيني املشتغلني ،املقيدة أسماؤهم بالنقابة ،يقترب من 6400صحافي ،في حني أن التقديرات تقول إن عدد الصحافيني العاملني بالفعل في املؤسسات الصحافية املختلفة يصل إلى نحو خمسة عشر ألف صحافي .هذه الحقيقة تطرح تساؤالت عن املناخ املهني املتاح من حيث وجود حماية منظمة للصحافيني ألداء عملهم ،كما يثير تساؤال مهما حول مستوى املهنية في ظل غياب مفهوم التدريب املستمر في معظم املؤسسات الصحافية ،كذلك محدودية دور النقابة في هذا املجال في ظل األزمة املالية التي تواجهها وفي ظل حالة االستقطاب السياسي الحاد واملواجهات واملضايقات التي يتعرض لها الصحافيون بما يقلص من دور النقابة املفترض في االرتقاء بمستوى املهنة. تظل الصحافة املسماة بالقومية كبرى املؤسسات من حيث الضخامة وعدد الصحافيني العاملني فيها وعدد املطبوعات ،فحسب آخر إحصاء متوافر فإن عدد املطبوعات الصادرة من هذه املؤسسات يصل إلى ست وخمسني صحيفة ومجلة ،في طليعتها مؤسسة «األهرام» التي تصدر وحدها ثماني عشرة مطبوعة .لكن هذا ال يعني أن هذه الصحف ما زالت تملك حضورا وتأثيرا يقارن بالوضع في ما سبق ،فقد حمل التطور السياسي الواقع في مصر األمر بدرجة كبيرة إلى حسم مسألة التوزيع واالنتشار للصحف الخاصة مجتمعة في مواجهة الصحف القومية ،وهذا كان نتيجة ما اعتبره املراقبون انتصار الصحافة الخاصة ،التي بدأت منذ بدايات القرن الحالي بكسب تعاطف القراء ،خاصة أثناء أيام االنتفاضة التي اندلعت ضد النظام السابق ،وكانت هذه الصحف الخاصة في موقف أقرب إلى موقف املتظاهرين، في حني التزمت الصحافة القومية موقف النظام دون إغفال جزئي ملا يحدث في الشارع ،وعندما سقط النظام كان سلوكا طبيعيا من القراء عقاب هذه الصحف واالندفاع نحو الصحف املستقلة ،وساعد على ذلك أيضا املوقف
املتخبط للصحافة القومية في تلك الفترة ،التي انتقلت من موقف إلى نقيضه بني ليلة وضحاها بمنطق مات امللك عاش امللك .إال أن هذه الصحافة الخاصة لم تحافظ كثيرا على مكاسبها في الفترة التالية ،نتيجة ما ملسه القراء من حالة تلون وتبدل للكثير من كتاب هذه الصحف وأساليب تغطيتها ،وهو األمر الذي انكشف واضحا بعد سيطرة «اإلخوان» على الحكم .يضاف إلى ذلك حالة اإلجهاد الشديدة التي أصيب بها املواطن املصري والتي سوف تكون عامال مشتركا في التأثير على مختلف وسائل اإلعالم. املالحظة الجديرة بالتوقف هنا ،هي ذلك األسلوب الذي بدأ مبكرا من قبل جماعة اإلخوان في السيطرة على مقاليد البلد ،وبدا هذا في مسألة السيطرة على املؤسسات الصحافية القومية ،فقد كانت النية مبيتة لتغيير رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارة هذه الصحف بشخصيات موالية أو متعاطفة، أو بحد أدنى غير معادية للجماعة وهو اإلجراء الذي كان يواجه بمعارضة شديدة من الصحافيني والسياسيني بمختلف اتجاهاتهم ،ولم تستطع الجماعة مواجهة هذا الضغط في حينه إلى أن وقع حادث قتل الجنود املصريني على الحدود الذي راح ضحيته ستة عشر شهيدا ،لم تعلن الدولة نتائج التحقيقات حول من قتلهم حتى اآلن ،استغل القائمون على إدارة امللف الصحافي في الدولة حالة االنشغال الشديدة للجميع في هذه الجريمة لتمرير مخطط السيطرة على املؤسسات القومية ،فتم تغيير نحو خمس وسبعني قيادة صحافية ،استغالال لهذه الحالة من االنشغال ،ومرت العملية رغم أنف الجميع.
حالة ارتباك شهدت املرحلة التالية لسقوط النظام السابق رفع سقف حرية الصحافة إلى حد اإلطاحة به في بعض األحيان ،حتى الصحف القومية« ،األخبار» و«األهرام» و«الجمهورية» ،واملعروفة بوالئها التام للحكومة ،رغم غرقها في الدفاع عن نظام مبارك إبان أيام الثورة الثمانية عشر ،إال أنها بمجرد إعالن خطاب التنحي ،كانت أول من يهتف ضده .كما سبق أن ذكرت ،فإن حالة االرتباك التي أصابت الدولة املصرية ،لحقت بالصحف القومية ،التي فقدت من
باسم يوسف ..وجه جديد جاءت به الثورة وتحول مصدرا الزعاج الحكام الجدد
,,
كانت النية مبيتة لتغيير رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارة الصحف بشخصيات موالية أو متعاطفة أو بحد أدنى غير معادية للجماعة
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
17
تقرير
كلما اتصل بي أحد الزمالء ليشكو من سوء األوضاع التي يعيشها مهنيا أو حياتيا في مجال عمله اإلعالمي ،أبادر بإجابة ،باتت روتينية من كثرة استخدامها ،بأن ما يواجهه اإلعالم املصري في هذه املرحلة على مستوى املهنية واألجواء املحيطة وأوضاع العاملني فيه ما هو إال انعكاس لتلك الحالة املتردية التي تمر بها مصر بعد تعرضها لتسونامي ما سمي خطأ الربيع ،الذي كانت نتيجته النهائية -حتى اآلن -اإلطاحة بالقوى املدنية الحقيقية وسيطرة فصيل واحد يعتقد أنه «الفصيل املختار».
اإلعالم املصري من التحول إلى الصدام املفروض عليه
معركة خاسرة بقلم: عبد اللطيف املناوي
,,
عندما بدأ املصريون يومهم األول من دون وجود نظام مبارك للمرة األولى منذ ثالثني سنة سادت حالة من االرتباك كل وسائل اإلعالم وبدأ معظم اإلعالميني البحث عن موقع أو دور جديد بعد سقوط النظام
,,
هذا الوضع أفرز حالة عامة من التخبط ،واالنجرار إلى ما يشبه مقدمات الحرب األهلية بني أبناء الوطن ،ومع تراجع -أو انهيار -الوضع االقتصادي، فإن الخوف من املستقبل دفع إلى الواجهة بالحلول الفردية ،وأثر في الوقت ذاته قي بنية املؤسسات اقتصاديا ،سواء خاصة أو عامة. ألن اإلعالم بكل أشكاله ليس ّ منبت الصلة عن الواقع ،بل على العكس هو االبن الشرعي للواقع والتعبير عنه بإيجابياته وسوءاته ،فإن وضع اإلعالم املصري اليوم هو انعكاس لتلك الحالة التي تعيشها البلد؛ من صراع نخشى أن يكون مدمرا لقواعد الدولة ،وحالة من اإلقصاء ومحاولة االستحواذ ،وأزمات اقتصادية طاحنة ومتطورة .هذا الواقع يعكس نفسه بقوة في اإلعالم بمصر اليوم ،وذلك تعبيرا عن تلك الحالة املتفاعلة في الواقع.
دور جديد
في السطور القادمة ،سوف أحاول قراءة خريطة اإلعالم املصري في هذه املرحلة ،عامان ما بعد اإلطاحة بالنظام السابق ،ثم مرحلة فوضى انتقالية، تالها استكمال عملية سيطرة ممنهجة ،أو بالصدفة ،على الدولة وأركانها أو ما يتبقى منها .وفي البداية ،أشير إلى أن رؤية النظام الحاكم في مصر اآلن لإلعالم في ظل وجوده ال تختلف عن رؤية أي نظام سلطوي آخر في مرحلة تاريخية سابقة أو حالية ،فاإلعالم املصري اليوم «يمر بأزهى عصوره» كما ذكر وزير اإلعالم املصري أحد كوادر جماعة اإلخوان املسلمني ،ويضيف قائال« :ثورة 25يناير املجيدة أحدثت تحوال ديمقراطيا كبيرا لم تشهده مصر من قبل» ،و«نعيش اآلن ربيع اإلعالم املصري ،فمصر تعيش أزهى عصور حرية اإلعالم والصحافة والكلمة» ،ودلل على ذلك إحصائيا وهو في زيارة لدولة قطر بقوله« :يكفى أن نقول إن الساحة اإلعالمية شهدت ميالد 59 صحيفة مصرية جديدة في هذه الفترة ،إضافة إلى عشرات القنوات الخاصة، سواء كانت مصرية أو استثمارات عربية أو أجنبية داخل مصر» ،ولكنه أشار بعد ذلك بأيام مشككا في أن وسائل اإلعالم املعارضة يقف وراءها مال سياسي داخلي وخارجي بهدف إسقاط النظام ،ومن بني ما قاله «اإلعالم الخاص أنفق في العام املاضي 6مليارات جنيه ،يقابلها مليار ونصف املليار من الدخل فقط ،إذن هناك فجوة ومال سياسي يدخل اإلعالم الخاص ،وهناك بعض اإلعالميني يعتمون على إنجازات الحكومة الحالية».
عندما بدأ املصريون يومهم األول من دون وجود نظام مبارك للمرة األولى منذ ثالثني سنة ،كان أكثر األطراف حيرة اإلعالم ،سادت حالة من االرتباك كل وسائل اإلعالم ،وبدأ معظم اإلعالميني البحث عن موقع أو دور جديد بعد سقوط النظام ،وكانت الصعوبة األساسية هي عدم وجود مالمح واضحة، لكن الثابت الوحيد كان غياب نظام مبارك الذي أصبح سابقا ،وهكذا بدأت عملية التحول التي انتابت عددا ال بأس به من الزمالء ،ووقف البعض داخل ساحات مؤسساته الصحافية ،خاصة القومية منها ،ليعلن «التطهر» من عالقته بالعهد السابق ،وتسابق البعض اآلخر في التحول ،إلى درجة أصابت الجمهور بالنفور ،خاصة في مراحل تالية بعدما بدأ دخان الحدث ينقشع وتبدو املواقف على حقيقتها .كان هذا املوقف هو إحدى أهم مشكالت اإلعالم في املرحلة التالية .فقد فقد قطاع ال بأس به مصداقيته نتيجة هذا التحول -أو التحوالت -خاصة بعد انكشاف حقيقة الجماعة التي انفردت بحكم مصر وتولى أحد أعضائها منصب الرئيس ،وما كان ذلك ليحدث لوال مواقف عدد من السياسيني املحسوبني على التيار املدني ،وضمنهم عدد من اإلعالميني، الذين أعربوا عن أسفهم للشعب املصري بعد ذلك وعن خطأهم في دعم «اإلخوان» ومرشحهم ،مبررين ذلك بأن الخيارات كانت محدودة .هذا التطور دفع بهؤالء ألن يكونوا من املنتقدين بشدة لـ«اإلخوان» خالل الفترة املاضية كشكل من أشكال التكفير عما يعتقدونه خطأ وقعوا فيه.
ولم يختلف عنه رئيسه في هذا املوقف عندما قال محمد مرسي في حديثه لـ«الجزيرة» القطرية مؤخرا ،عندما أكد أنه ال توجد مرحلة في التاريخ املصري أو حتى في أي مكان بالعالم شهدت مثل ما تشهده مصر حاليا من حرية في اإلعالم والتعبير عن الرأي.
حالة ما بعد سقوط النظام السابق أفرزت مناخا إعالميا مختلفا في بعض جوانبه عما سبق ،لكنه تشابه إلى حد كبير في بعض النواحي مع الوضع السابق ،بل إنه عمق أخطاء كانت محل شكوى دائمة ،واستعراض سريع ألهم مالمح الخريطة اإلعالمية املصرية مع مقارنة بوضعها السابق سوف يساهم في فهم مالمح الواقع وتعقيداته ،وقد يسهم هذا في محاولة طرح تصورات للخروج من مأزق الوضع الراهن.
وفي املقابل ،فإن هناك تقييما آخر يتناقض مع تلك الصورة الوردية ألوضاع
16
اإلعالم في مصر ،عبر عنها كثيرون يصعب حصرهم ،وقد عبر عن هذه الرؤية الزميل الكاتب الصحافي جمال فهمي بأنه «عندما يرى رئيس الدولة أن النقد املوجه له إهانة لشخصه ،فنحن إذن أمام هجمة أشرس على اإلعالم تهدف إلى خنق الحريات وتكميم األفواه ،وأن نوايا جماعة اإلخوان املسلمني تجاه اإلعالم ظهرت منذ اللحظة األولى لوصول حزبها إلى البرملان ومن بعده سدة الحكم ،عندما وصف مرشد الجماعة ،محمد بديع ،الصحافيني بسحرة فرعون ،وتجلت النية الحقا في معايير اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية التي مارسها مجلس الشورى ،كخطوة تمهيدية لوضع اإلعالم ضمن خطة الجماعة لـ(أخونة الدولة)».
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
على استعداد للمساهمة في أي مشروع يجمع اإلخوة الفلسطينيني، وأيضا التحضير إلجراء محادثات مباشرة بني حماس وحركة فتح في تركيا بهدف تشكيل حكومة وحدة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية ،فهذا يسهل االعتراف بفلسطني في األمم املتحدة .وبهذا جعلت أنقرة نفسها محاميا دوليا مهما للطرفني ،أي إن حماس وفتح تتمتعان بمساندة بلد مسلم وعضو في نفس الوقت في حلف شمال األطلسي. هذا االلتزام الظاهر لتركيا في فلسطني يكمل استراتيجيتها السياسية الجديدة للمنطقة والتي أظهرتها منذ «الربيعات العربية} ما منحها ديناميكية قوية لتحقيق سعيها كي تتبوأ مركزا قياديا في الشرق األوسط ،وبشكل أنيق جدا جعل أردوغان نفسه متحدثا للمعارضني للحكومات السابقة في مصر وليبيا وحاليا في سوريا ،باألخص في ظل ظروف تواجه فيها البلدان املؤثرة تقليديا في املنطقة مشكالت صعبة .فالحكومة املصرية ما زالت تعاني من تداعيات التغييرات في النظام ،وفي سوريا يحاول النظام هناك البقاء على قيد الحياة قدر اإلمكان ،وإيران التي اعتبرت املسيطرة على املنطقة فإنها وبسبب مواقفها من {الربيعات العربية} فقدت مصداقيتها لدى الكثيرين ،فهي ال تشكل صديقا ألي من األطراف التي ساهمت في هذه التغييرات السياسية.
سياسة أردوغان الخارجية هذا الفراغ الذي حدث تستغله تركيا بشكل ذكي وسياسة أردوغان الخارجية حيال التعامل معه غير مختلف عليها داخل تركيا ،عدا عن أصوات قليلة للمعارضة وبعض وسائل اإلعالم التركية التي تصف ما يقوم به أن عسكريا أو سياسيا بالجنون الكبير ،ويحذر هؤالء من «النيو عثمانية} أي العثمانية الجديدة من أجل السيطرة على الشرق األوسط، خاصة بوجود قوى سياسية تؤمن باألفكار {األردوغانية} .فأردوغان أظهر ارتياحا لفوز اإلخوان املسلمني في مصر وحزب النهضة في تونس ،ويتوقع أن يتم تقارب بني القوتني بمباركته .ويستند أردوغان في تحركاته هذه على مبدأ أن {حكومته اإلسالمية هي املنبع الروحي للشرق األوسط} ،وهذا مكنه من خطف حركة حماس من يد سوريا التي كانت تمولها ،وقد يجد خالد مشعل رئيس املكتب السياسي مالذا له في أنقرة عضو حلف الناتو .وبهذا يريد أردوغان أيضا وكما يبدو إفهام الرافضني لعضوية بالده في االتحاد األوروبي (فرنسا وأملانيا) أنه قوة ال يستهان بها في الشرق األوسط ،هذا من جهة ومن جهة أخرى يريد منافسة إسرائيل لدى واشنطن على أهمية دور بالده في املنطقة مستفيدا من تاريخها هناك .وما يلفت النظر تذكيره الدائم بالتزام تركيا التاريخي بفلسطني كما التزم السالطني العثمانيون بها وكذلك الجمهورية التركية .لكن من يقرأ تاريخ تركيا في منطقة الشرق األوسط سوف يتساءل أي التزام كان هذا ،ففترة حكم اإلمبراطورية العثمانية كما الدولة التركية للشرق األوسط توصف حتى يومنا هذا ودام ،فهل قرأه أردوغان؟ على ما يبدو أنه ال يريد أن بفصل أسود ٍ يتذكر مثال الثورة العربية الكبيرة التي قام بها الشريف الحسني وكان يومها حاكم مكة ضد الدولة العثمانية في يونيو (حزيران) عام 1916 لكن بدعم بريطاني ،واعتبر املثقفون العرب العثمانيني أعداء أزليني، خاصة في فترة جمال باشا {السفاح} الذي علق املشانق للذين طالبوا باستقالل بالدهم {لبنان وسوريا} ويوم الشهداء .إن كتب التاريخ لشاهد على ذلك وعلى املجاعات والخوف من السلطة التركية التي تلجأ إلى السيف .إنها ملحة بسيطة عن تاريخ العثمانيني في املنطقة فأي التزام يتحدث عنه أردوغان؟
وساطة أوباما بني تركيا وإسرائيل بالطبع هناك عناصر تراهن عليها تركيا في تحقيق"حلمها الكبير ونشر نفوذها" ،إال أن أساسيات هذه الحلم غير متوفرة على أرض
الواقع فيما يتعلق بسياستها الخارجية في املنطقة وكما يبدو فهي تبالغ كثيرا بقدراتها وال تريد االعتراف بذلك .فحتى واشنطن التي تبارك تدخل أنقرة في املنطقة سياسيا وعسكريا ،ليست مستعدة للمخاطرة وركوب سفينة «عثمانية} ،فعندها يجب أن تغيير قواعد هي عماد سياستها في الشرق األوسط وهذا ما لن تقوم به .فالجغرافية السياسية للمنطقة ترسمها حتى اآلن اإلدارة األميركية مع حليفها األزلي إسرائيل ال غير. ومن أجل إرضاء تركيا فقد تمنحها املزيد من األراضي في سوريا مع حرصها على إبقاء القضية الكردية مشتعلة ألنها العصا التي يمكنها أن تعيد أنقرة إلى صوابها في حال تمردت .إذ ال ننسى أن مجموعات كردية تركية تتعاون مع إسرائيل عسكريا ولوجيستيا، وال تريد واشنطن أيضا مواجهة مشكالت أخرى مع أقليات لها تاريخها في املنطقة كاألقلية املسيحية والشيعة واألكراد األتراك .أما عن سبب إصرار واشنطن على أن تكون العالقات طيبة بني تركيا وإسرائيل ،وقيام الرئيس أوباما بمصالحة الطرفني نتيجة الخصام بينهما بسبب سفينة السالم فيقول البعض إن الرئيس األميركي يعرف تماما أن التغيرات السياسية الحاصلة في العالم العربي لن تمكن إسرائيل من االستفادة منها ألنها ما زالت بعني العرب دولة تحتل فلسطني .كما أن الواليات املتحدة تشعر اليوم أكثر من أي وقت مضى بأنها مهددة بالتهميش دوليا لوجود قوى عظمى مثل الصني تدخل إلى املنطقة مرحبا بها عن طريق املشاريع اإلنمائية والسلع الرخيصة وليس عن طريق الحرب ،وواشنطن ال تستطيع توفير هذه العناصر املهمة ألنها حددت لونها منذ دخول املنطقة قبل أكثر من خمسني عاما ،وهذا يفسر تحريكها لتركيا املسلمة في البلدان العربية اإلسالمية لكنها تبقي صمام األمان في يدها لكبح جماح التطلعات النيو عثمانية. كما أن هناك بلدانا أوروبية منها أملانيا تدرك جيدا مخاطر"حلم تركيا الكبير" على مصالحها في املنطقة لذا يجب عرقلته ،فهي كما بلدان أخرى أوروبية تدرك تماما أن تركيا لم تعد دولة نامية وليست دولة تتوسل املساعدات ،وهذا ما مكنها بال ريب منذ انتهاء الحرب الباردة من أن تكون واثقة من نفسها لوضع استراتيجية قومية لسياستها االقتصادية واألمنية والخارجية على أساس تطلعاتها املستقبلية، لكن ذلك ال يعني في املنظور القريب إعطاء تركيا ظهرها ألوروبا ،مع ذلك تسعى أوروبا هذه إلى حصر مخاطر هذه التطلعات ألن لها اليوم مصلحة كبيرة جدا في استقرار الدول العربية التي تعيش تحوالت سياسية ،في نفس الوقت ال تريد أن تترك األمور تسير على أساس التطلعات النيو عثمانية<
فتور في العالقات التركية -االسرائيلية
,,
االلتزام الظاهر لتركيا في فلسطني يكمل استراتيجيتها السياسية الجديدة للمنطقة والتي أظهرتها منذ «الربيع العربي» ما منحها ديناميكية قوية لتحقيق سعيها كي تتبوأ مركزا قياديا في الشرق األوسط
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
15
شؤون سياسية
هاجمت سفينة السالم في مرمرة وقتلت عددا من املناصرين للسالم حاولوا إيصال املساعدات اإلنسانية لغزة .فرغم قول أكثر وسائل اإلعالم إن رئيس الحكومة أردوغان كان املحرك الخفي للسفينة أكد كثير من املراقبني األتراك أنه أراد بهذه العملية االستفادة فقط بالحصول على دعم الفلسطينيني في غزة له حيث يسيطر تنظيم إسالمي .أي إنه كانت هناك {غاية في نفس يعقوب} .فالسفينة تركت في شهر مايو (أيار) عام 2010املياه التركية من دون مباركة الحزب الحاكم التركي، وعندما قتل الكوماندو اإلسرائيلي النشطاء على متنها استفادت أنقرة من الواقعة فلعبت دور املعترض أشد االعتراض ،هذا االعتراض كان حسب وصف بعض املعارضني األتراك {مسرحية} ،بينما نظر إليه آخرون على أنه نزاع بني الولدين املدللني (إسرائيل وتركيا) لواشنطن.
دعم شعبي تركي للقضية الفلسطينية
,,
تركيا قد أصبحت رقما صعبا في الكثير من املعادالت السياسية في املنطقة لذا ال يمكن إهمالها لكن يجب مراقبة مطامعها فهي تسعى إلى الحصول على عمق وامتداد سياسي وجغرافي
,,
فترة احتالل اإلمبراطورية العثمانية كما الدولة التركية لـ{الشرق األوسط} سوداء ودامية.
تغلغل إيران بالطبع لن يكون من السهل على تركيا سلوك سياسة جديدة على حساب عالقتها بالغرب ،لذا تسلك كما املعتاد سياسة ملتوية عند الحاجة للتقرب من بلدان آسيا الوسطى عبر ما يسمى بمؤتمر األمن والتعاون األوروبي وهي عضو فيه أيضا .فهي التي كانت وراء التحاق الكثير من هذه البلدان به بعد إصرارها على ضرورة ذلك لخدمة خطة األمن الدولي .والواليات املتحدة لها اهتمام كبير بأن يكون لتركيا الشريك في محافل غربية كثيرة نفوذ في منطقة التغييرات الجيوسياسية في آسيا الوسطى ،فهذا يعيق تغلغل إيران التي تستخدم نفس السالح ،أي الدين واللغة الفارسية ويتحدثها سكان طاجاكستان مع أن أغلبيتهم من السنة .يضاف إلى ذلك أن واشنطن بالتحديد تخشي أن تتحول املنطقة إلى منطقة نفوذ سياسي وإسالمي وثقافي واقتصادي إيراني. وكان وزير الخارجية األميركي األسبق جيمس بيكر قد حذر عندما قام
مطلع التسعينات بجولة في جمهوريات آسيا الوسطى ،من نوايا إيران تركيا والقضية الفلسطينية
التوسعية وطالب يومها بالعمل على تحفيز دور تركيا البلد العلماني، فهي من وجهة نظره منفتحة واقتصادها وسياستها يجعالنها قادرة على لعب دور القيادة في هذا البلدان اإلسالمية ،لذا ال تتطرق واشنطن إلى أحالم تركيا في الوقت الحاضر .واليوم وبعد أن أصبح لتركيا مكانة اقتصادية وثقافية عن طريق اللغة والدين وتتغلغل سياسيا في بعض بلدان آسيا الوسطى إضافة إلى اقتصادها الواعد ،أثبتت للغرب على أنها قوة ال يستهان بها أيضا في منطقة الشرق األوسط املتخبط، خاصة في ظل التغيرات السياسية القائمة واملعالم الجغرافية السياسية التي لم تتوضح بعد وحدودها الجغرافية القابلة للتغيير .في ظل هذا الوضع املعقد واملفيد لتركيا تريد أنقرة القيام بنفس الدور الذي لعبته في دول آسيا الوسطى ،لكن ليس عن طريق اللغة ،فليس هناك شعوب في الشرق األوسط لغتها التركية ،بل عن طريق مد يد العون لإلخوان الذين {يرزحون} تحت جبروت األنظمة الديكتاتورية مثل النظام في سوريا .فهل هذه هي الخلفية الحقيقية لتوجهاتها السياسية القائمة وموقفها الواضح من الحرب األهلية في سوريا؟
حادث مرمرة إذا ما عدنا إلى الوراء قليال نجد أن تركيا قاطعت إسرائيل ألن األخيرة
14
هذا املوقف دفع بصحيفة «دي فيلت» األملانية املوالية إلسرائيل إلى القول إن أردوغان يلعب لعبة خطيرة في الشرق األوسط بدعم املعارضة السورية مباشرة وعلنا حتى بالسالح من جهة ،ومن جهة أخرى العزف على وتر قطاع غزة .فهو يريد أن يظهر للفلسطينيني هناك بأنه الحليف الوحيد لهم وهو مستعد للدخول كوسيط للمصالحة بني الحكم الذاتي الفلسطيني وحركة حماس اإلسالمية ،فهو أيضا مسلم .وألن القضية الفلسطينية تريد داعما لها بعد أن أصبحت شبه غائبة عن املسرح السياسي الدولي النشغال العالم بالوضع السوري ومشكالت «الربيعات العربية} ،فهو يريد االستفادة من هذه الثغرة وكسب تأييد في العالم العربي الذي يشهد تغييرات سياسية غير واضحة املعالم ،وذلك تمهيدا لتغلغله السياسي ،وهذا يفسر موقفه من الحرب في سوريا .وال يخفي الكثير من اإلعالميني حتى األتراك املقيمون في أملانيا أن أحد أهم أهداف تركيا اليوم االزدهار االقتصادي فهذا يكسبها وزنا اقتصاديا وسياسيا في املنطقة ،ما يفسر أيضا موقفها حيال الوضع في سوريا .فهناك منابع للنفط واملاء (مياه دجلة والفرات املختلف عليها) وهي بحاجة إليهما من أجل مواصلة نمو اقتصادها .وكما هو معروف تصدر سوريا إلى أملانيا لوحدها نفطا بما قيمته مليار يورو سنويا عدا البلدان األخرى ومنها روسيا، ومنابع هذا النفط في الحسكة شمال سوريا التي أصبحت نقطة خالف أيضا بني سكانها األكراد والقوات السورية املعارضة املدعومة بالسالح التركي.
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
ولقد أدركت أملانيا كما بلدان أوروبية أخرى أن لتركيا مطامع ومصالح أيضا ،فرغم انتقاد برلني الدائم لسياسة أنقرة حيال األكراد ،أرسلت قواعد صواريخ باتريوت وأكثر من 300جندي إلى الحدود السورية التركية ألنها ال تريد هي أيضا أن «تخرج من املولد بال حمص» كما كان حالها في العراق ألنها لم تشارك عسكريا هناك .مع ذلك فإن الحكومة األملانية تبرر ذلك بأنه تلبية ملطالب قيادة حلف األطلسي (الواليات املتحدة) الداعية إلى مساندة أي عضو عند الضرورة .أما فرنسا التي تشكو من أزمات اقتصادية كبيرة وذهبت إلى {مالي لحلها} فتشد اليوم أزر أردوغان ،وهي التي ظلت ولسنوات طويلة تضع العصي بني الدواليب فيما يتعلق بعضوية تركيا في االتحاد األوروبي بحجة قضية مجازر األتراك ضد األرمن .فالرئيس الفرنسي األسبق نيكوال ساركوزي وضع هذا امللف الشائك في الدرج وبارك ذلك الرئيس الحالي فرنسوا هوالند ومجلس النواب بحجة عدم وجود براهني دامغة بأن تركيا قد اقترفت هذه الجرائم الفظيعة .لكن في الواقع وألن تركيا قد أصبحت رقما صعبا في الكثير من املعادالت السياسية في املنطقة ،لذا ال يمكن إهمالها لكن يجب مراقبة مطامعها ،فهي تسعى إلى الحصول على عمق وامتداد سياسي وجغرافي .يضاف إلى هذا املشهد محاولة الحكومة التركية الدخول كوسيط للمصالحة بني حركة حماس والسلطة الفلسطينية ،وقال وزير خارجيتها نحن
استخداما من قبل القوات الجوية األميركية ولعبت دورا في الحرب األميركية ضد العراق.
الحلم التركي والحلم التركي الكبير عودة تركيا إلى منطقة الشرق األوسط لم يكن حلم رئيس تركي واحد ،بل راود فكر أتاتورك وحسني رءوف بيه ورؤساء حكومات من عصمت باشا مرورا بمحمد رجب بكر وتورغوت أوزال (رئيس الوزراء )1993 - 1989واعتبر أكثر الرؤساء حماية للمصالح القومية التركية كما سامي سليمان دمريل الذي تولى الحكم مباشرة بعده وكان عضوا قديما في أحد لوجات املاسونية في أنقرة .ما يعني أنه ومهما كان لون الحزب الحاكم دينيا أم دنيويا ،فإن الهدف واحد هو السعي لتحقيق الحلم عبر عدة طرق مختلفة منها التغلغل الديني أو االقتصادي أو الثقافي في بلدان الشرق األوسط أي بالقوة الناعمة. ومن الجدير ذكره أن رئيس الحكومة دمريل (عام )1993وخالل أول زيارة له إلى واشنطن أعلن عن رغبة بالده أن تلعب دورا جديدا في بلدان االتحاد السوفياتي السابق اإلسالمية. فبعد تنفيذ الرئيس الروسي ميخائيل غورباتشوف سياسته اإلصالحية وانهيار االتحاد السوفياتي كان ال بد ألنقرة من سرعة التحرك والتوجه إلى حليفها األقرب الواليات املتحدة .فهي رأت أنه وبعد انتهاء الصراع بني الشرق والغرب وكدولة جنوب شرقية داعمة فإن أهمية دورها قد تقل شيئا فشيئا كشريك أطلسي لوجود بلدان أوروبية شرقية يمكنها لعب هذا الدور ،لذا كان يجب عليها التفاني لإلبقاء على وزنها باتخاذ خطوات مهمة. وهذا بان في مواقف رئيس الحكومة التركي مسعود يلمظ عندما احتل صدام حسني الكويت فدعم بشكل قاطع املساعي األميركية لفرض األمم املتحدة عقوبات اقتصادية على العراق ،ما ساهم في تسهيل عملية تغلغل تركيا في الجمهوريات اإلسالمية آلسيا الوسطى. فسيطرة روسيا طوال 70عاما تقريبا على هذه الجمهوريات رفعت من أهمية تركيا املسلمة هناك ،يضاف إلى ذلك أن الواليات املتحدة ليس لديها شريك مهم تعتمد عليه وتثق به يقع ما بني أوروبا والشرق، وتركيا هي الرقم واحد.
بلدان آسيا الوسطى وسبق ذلك أواخر الثمانينات بروز فكرة تأسيس شراكة بني تركيا وإيران وباكستان ودول إسالمية كانت تابعة لالتحاد السوفياتي مثل أذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان وتوسيعها بالسماح بانضمام كل من طاجيكستان وكازاخستان وقيرغيستان إليها ،ما يعني شراكة تضم أكثر من 300مليون مسلم وكانت تركيا تسعى إلى تكوين اتحاد اقتصادي لوحدها لينافس االتحاد األوروبي الذي أبعدت عنه ،لكن يجب أن يكون بقيادتها ما يعني إبعاد إيران وباكستان ،وهذا أفشل مساعيها رغم أنها تواصل السعي لتحقيق هذا االتحاد ،كما أنه صعب املنال على األقل على املدى املتوسط ،ليس ألسباب سياسية أو عقائدية ،بل لعدم توفر املقومات الالزمة له. فهذه البلدان تعتبر من بلدان العالم الثالث التي تملك ثروات طبيعية كما هي الحال في كازاخستان بينما الثغرة الكبرى املفقودة هي التقنية املتطورة .عدا عن ذلك فإن كل بلدان الشراكة هذه ما زالت فقيرة ،عدا تركيا الناهضة اقتصاديا. هذا الوضع سمح لتركيا بالدخول من الباب الواسع إلى بلدان آسيا الوسطى والقوقاز باستغاللها أيضا ألخوة اللغة التركية والتي يجب
حمايتها حسب اعتبارها ،لكن في حقيقة األمر أنها الرغبة في بناء حلف مع هذه البلدان املتحدثة باللغة التركية ما سيساعد على مد نفوذها االقتصادي والثقافي والسياسي هناك. بالطبع على املرء أن ينظر بنفس منظار تركيا إلى تطورات السنوات األخيرة في بلدان آسيا الوسطى بعد انهيار االتحاد السوفياتي، ودخلت في حقبة جديدة تماما في تاريخها الحديث. فحتى نهاية ثمانينات القرن املاضي كانت تفهم تركيا نفسها وبناء على أفكار كمال أتاتورك أنها غربية أو في طريقها إلى الغرب ،وهذا سيسمح لها مستقبال بلعب دور الوسيط بني البلدان العربية واإلسالمية (أيضا بلدان آسيا الوسطى) من جهة وأوروبا من جهة أخرى ما يفسر الوجود الكبير منذ سنوات ملثقفني ورجال أعمال وسياسيني أتراك في العاصمة باكو بشكل دائم أو في طشقند وأملآتي واشكاباد. أيضا املشاريع التي تنفذها عشرات الشركات التركية من منشآت بترولية وحتى منتجعات سياحية .يقابل ذلك زيارات ال تنقطع ملسؤولني كبار من هذه البلدان لتركيا ،ما يعني أن هذا التحرك لن يكون من دون نتائج أو تأثير .ولقد انفتحت تركيا شرقا وتريد تعميق هذا االنفتاح على كل املستويات االقتصادية والثقافية ما يسهل بالتالي االنفتاح السياسي أيضا ،إال أن ذلك ال يمكن أن ينطبق على الشرق األوسط رغم حديث أردوغان وغيره عن التزامات ثقافية وحضارية ودينية. فمن يقرأ تاريخ تركيا في املنطقة سوف يتساءل عن هذه االلتزامات التي تتبجح بها تركيا لتبرير سياستها .فكل كتب التاريخ اعتبرت
,,
تفكك االتحاد السوفياتي سمح لتركيا بالدخول من الباب الواسع إلى بلدان آسيا الوسطى والقوقاز باستغاللها أيضا ألخوة اللغة التركية ما سيساعد على مد نفوذها االقتصادي والثقافي والسياسي
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
13
شؤون سياسية
هل ما زال العثمانيون أو األتراك حاليا يعتقدون أن امتدادهم السياسي والجغرافي هو ما احتلوه سابقا ولفترة طويلة جدا من بلدان منطقة الشرق األوسط ،وبالتحديد الواقعة على البحر األبيض املتوسط ،وعليه فإن هذا الجزء هو من أراضي اإلمبراطورية العثمانية كما األراضي التي اقتطعوها في املاضي مثل لواء اإلسكندرون السوري عام 1939ومدينة إنطاكية؟ إن التطورات الحاصلة على الساحة السياسية والدور الذي تلعبه أنقرة يدفعان إلى القول إن هذا االعتقاد السابق هو استراتيجية تركيا املستقبلية التي تريد تنفيذها ،لكن ليس كما في القرون املاضي بل عبر الهيمنة السياسية غير املباشرة أو باألحرى القوة الناعمة.
تركيا ..القوة الناعمة في الشرق األوسط
العثمانيون اجلدد بقلم: اعتدال سالمة
عندما انهارت اإلمبراطورية العثمانية في عام 1922بعد أن بلغت ذروة مجدها وقوتها في القرنني السادس عشر والسابع عشر وامتدت سلطتها إلى آسيا الصغرى وشمال أفريقيا وأجزاء كثيرة من جنوب شرقي أوروبا ،لم يكن من السهل عليها أن تقبل بطيب خاطر خروجها كقوة عظمى لقرون طويلة مهزومة .فاإلمبراطورية العثمانية كانت قوة عسكرية وسياسية على زمن السلطان سليمان األول القانوني، وتحولت عاصمتها القسطنطينية إلى مركز يصل العاملني األوروبي املسيحي والشرقي اإلسالمي.
على الرغم من أفكاره املتحررة فقد كان هدف كمال أتاتورك من اعتماد األبجدية الالتينية في الكتابة التركية هو التقرب من الغرب أكثر فأكثر من أجل تحقيق حلم استرجاع هيبة تركيا القديمة ونفوذها
هذا الحقبات الذهبية وآخرها كانت حقبة السلطان سليمان ما زالت محور كتب التاريخ في تركيا التي تتغنى بهذه االنتصارات وكأنها حية في العقول والقلوب وكأن األتراك يتحضرون للعب دورهم السابق ألن ذلك تحصيل حاصل ،لكن هذه املرة ليس بالسيف بل بممارسة سياسة الوساطة أو التدخل غير املباشر عبر مساندة طرف على آخر أو التذكير باإلخوة مرة وبالدين الواحد مرة أخرى ويظهر ذلك عبر حضور تركيا الواضح في األحداث التي تشهدها املنطقة العربية.
,,
,,
12
الدولة العثمانية وإذا ألقينا نظرة على التاريخ نجد أن الدولة العثمانية تحاول دائما املواربة للدخول إلى منطقة ما من الباب الخلفي إذا لم تتمكن من الدخول من الباب الرئيسي ،فهي وقفت في الحرب العاملية األولى إلى جانب أملانيا والنمسا وبلغاريا التي وصفت يومها بدول املحور ،ولم يكن ذلك بمحض إرادتها بل ألنها لم تتمكن من التقرب من بريطانيا وفرنسا ويجمعها مع هاتني الدولتني صفة االستعمار والسيطرة والتوسع. وعلى الرغم من مشكالتها املالية واالقتصادية ،أصرت على دخول الحرب فقط من أجل إثبات وجودها على الساحة السياسية ،فسمحت لسفن حربية أملانية بعبور مضيق الدردنيل باتجاه البحر األسود، ولكي تظهر قوة ال يستهان بها أغلقت املضايق البحرية بوجه املالحة التجارية .ولم تكتف بذلك بل هاجم أسطولها املوانئ الروسية في البحر األسود ،لكنها لم تدخل في الحسبان حينها أنها سوف تدخل في حرب تكون الخاسرة فيها هذه املرة أيضا حيث منيت بهزيمة نكراء. في هذه األثناء برز قائد عسكري اسمه الجنرال مصطفى كمال أتاتورك
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
تحول إلى بطل قومي فيما بعد لتسجيله انتصارات كثيرة وحول أنقرة إلى عاصمة للدولة التركية الحديثة وأصبح بذلك أول رئيس جمهورية عسكري في عام 1923وحول تركيا إلى دولة علمانية واضطر لتوقيع معاهدة لوزان مع الحلفاء التي تدعو إلى التخلي عن األراضي العثمانية غير التركية. وعلى الرغم من أفكاره املتحررة فإن مؤرخني أتراكا يقولون إن كمال أتاتورك كان هدفه من اعتماد األبجدية الالتينية في الكتابة التركية هو التقرب من الغرب أكثر فأكثر للحصول على دعم واالستفادة منه من أجل تحقيق الحلم املفقودة وهو استرجاع هيبة تركيا القديمة ونفوذها، أي عودة تركيا الكبرى هذه املرة وليس اإلمبراطورية العثمانية .ونمو التيارات اإلسالمية في هذه الحقبة لم يمنع أتاتورك من توثيق العلمنة في مؤسساته ،لكن عبر الجيش الذي كانت له السلطة في األمور السياسية كما العسكرية .ومع أن هذه املؤسسة كانت تصطدم بني الفينة واألخرى مع املؤسسة املدنية فإن األسس التي تجمعهما كانت وما زالت تحقيق الحلم الكبير ،وال يغيب في جلسات العسكر الخاصة الحديث حتى اليوم عن الدور الطبيعي للشعوب التركية في آسيا الوسطى والقوقاز، فهذا امتداد لتركيا الكبرى. ولقد ساهم الوضع السياسي بعد الحرب العاملية الثانية ووجود حلف وارسو والستار الحديد ،وأيضا موقعها الجغرافي ،فهي تقع على البحر األسود ما يجعلها جارة لروسيا وألوكرانيا ورومانيا ،في تسهيل التحاق تركيا بحلف شمال األطلسي الذي تأسس عام ،1949فتركيا انتسبت إليه عام 1952أي بعد ثالثة أعوام فقط ،وكان يومها فؤاد كوبرولو املقرب من واشنطن وزير الخارجية .ومع أن الكثير من البلدان املؤسسة للحلف كانت ضد انضمام تركيا لكن الضغط األميركي كان أكبر ،فاملصلحة األميركية كانت واضحة ،فهي تريد حلفاء وشركاء تعتمد عليهم في وقت الحاجة مثل إسرائيل وتركيا يتميزون بموقع جغرافي يفيد املصالح األميركية. لكن في املقابل يمكن لتركيا االستفادة من هذه العالقة األميركية لتثبيت وجودها السياسي ،لذا نرى أن كل الحكومات السابقة والحكومة الحالية التركية ال تأتي أبدا على ذكر وجود 90رأسا نوويا أميركيا في قاعدة انسرليك الجوية غير البعيدة من أنقرة ،فهي القاعدة األكثر
ملحق يومي وصفحات متخصصة في عقارات
صحتك
السبت
الجمعة
سفر وسياحة
ثقافة األحد
الثالثاء
إعالم
االثنني
حصاد
ملسـات
الخميس
األربعاء
املتخصصة صفحات أجندة األعمال السبت واألربعاء > علوم السبت سيارات األحد > فنون االثنني > التعليم االثنني > تقنية املعلومات الثالثاء كتب األربعاء > أنغام الخميس > سينما الجمعة سجاالت األحد (داخل صفحات الرأي)
..تجدد دائم
شؤون سياسية
الرئيس التركي عبد الله غول يجتمع مع املرشد العام لالخوان محمد بديع ونخب من قوى املعارضة املصرية والدكتور محمد مرسي – قبل انتخابه رئيسا للجمهورية -في يوم 3مارس ،2011كجزء الزيارة التي دعا خاللها غول لفترة انتقالية شفافة في البالد
,,
في ظل وجود الجهاديني الذين يدركون مواطن الضعف في املؤسسة األمنية التركية ،تتعرض أنقرة ملخاطر القاعدة
,,
10
وال يوجد ما يضمن أن هؤالء الجهاديني لن يستهدفوا تركيا يوما ما .فقد شن تنظيم القاعدة هجوما في تركيا في ،2005 وكشفت الشرطة التركية مؤخرا عن مؤامرة حاكها تنظيم القاعدة الغتيال عدد من الشخصيات العامة التركية الشهيرة.
في شمالي سوريا خاصة أن الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة قد حققت في الفترة املاضية مكاسب هائلة .ونظرا ألن الحدود التركية السورية أصبحت منتهكة منذ ،2011فربما تقع تركيا فريسة لتنظيم القاعدة في سوريا بعد سقوط نظام األسد.
وفي ظل وجود عدد كبير من الجهاديني الذين يسافرون عبر
البالد ويدركون مواطن الضعف في املؤسسة األمنية التركية ،تركيا بني االنتماء لإلسالم والنفوذ الغربي تتعرض أنقرة ملخاطر حقيقية :فيمكن لتنظيم القاعدة أن يعض تلك اليد التي سمحت له بالدخول إلى سوريا.
وعندما سأل معدا هذا املقال املسؤولني األتراك حول إذا ما كانوا قلقني بشأن نفوذ الجهاديني إلى جوارهم في سوريا، أجاب أحدهم قائال« :يعرف املسؤولون األمنيون بتركيا هؤالء الجهاديني جيدا وبالتالي سوف يتعاملون معهم بعد سقوط نظام األسد». ولكن ذلك ربما يمثل مشكلة عسيرة بالنسبة لتركيا .فنظرا ألن تركيا لم تعان من قبل من وجود جهاديني أتراك ،فربما ال يكون لدى املسؤولني األتراك الخبرة الكافية للتعامل مع تلك الجماعات الجهادية. وبمعنى آخر ،ففيما تعتقد أنقرة أنها تستغل هؤالء الجهاديني، فربما يكون الجهاديون هم من يستغلون تركيا .وعندما يسقط نظام األسد ،ربما تجد تركيا نفسها أمام أزمة وجود جهاديني
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
إن األمم عرضة للتغيير ،وفي بعض األحيان يكون ذلك التغيير سريعا ودراميا .وبالتالي ،فإن أي استنتاجات نهائية بشأن مصير تركيا تعد استنتاجات بال أساس .ومع ذلك ،فمن املرجح أن يمثل املزيج الفريد في تركيا بني االنتماء للعالم اإلسالمي والنفوذ الغربي بوصلة للمستقبل بغض النظر عن بعض التغيرات في اتجاه أو في آخر. حيث إن ذلك املزيج منغرس في كل من الفرد واملؤسسات كما أنه أسفر عن نتائج استثنائية .ومن جهة أخرى ،فإذا ما أدارت تركيا ظهرها لواحدة من تلك العناصر الرئيسة لشخصيتها القومية ،فإنها سوف تفتح الباب أمام النزاعات الداخلية وتفقد جاذبيتها بالنسبة للعالم الصناعي وبالنسبة لجيرانها من دول الشرق األوسط. وسوف تواجه صعوبات في الحفاظ على النمو السياسي االجتماعي االستثنائي والصعود االقتصادي والنجاح الدبلوماس <
زوجة الرئيس عبد الله غول ،والعضو السابق بحزب العدالة والتنمية ،بحضور جماهيري واسع وتقدم مبادرات سياسية خاصة بها. وربما األهم من ذلك أن احتفاء تركيا باالقتصاد الليبرالي هو ما دفع حزب العدالة والتنمية أساسا إلى السلطة .باإلضافة إلى أن جانبا كبيرا من نفوذ تركيا في العالم اإلسالمي يرجع إلى نجاحها االقتصادي والسياسي في العالم الغربي ،والوجه املختلف للمسلمني ،على نحو ما ،الذي تقدمه القوى الناعمة لتركيا .وقد تم تأصيل تلك الخصائص عبر وسائط مثل املسلسالت التركية التي تصور تركيا باعتبارها مجتمعا عصريا تم تمكني املرأة به. ويمثل التغريب الهيكلي لتركيا – اتصاالتها املؤسسية بالغرب وتبنيها لألساليب الغربية -أيضا فارقا أساسيا مقارنة باملجتمعات ذات األغلبية املسلمة في املنطقة .فمن الصعب أن نتخيل أن تحتفي الدول ذات األغلبية املسلمة األخرى بحضور حلف شمال األطلسي بينما في تركيا ،حتى اإلسالميون املتشددون لديهم أسباب تجعلهم يؤيدون االنضمام لحلف شمال األطلسي ألنه هو ما يحمي تركيا من الشيوعية «امللحدة».
إرث كمال أتاتورك وأخيرا وليس آخرا ،سوف يمنع إرث العلمانية املنصوص عليها في الدستور ،إرث كمال أتاتورك ،وهي الخاصية التي ال يشارك تركيا فيها سوى تونس فقط من بني كافة الدول العربية ،أسلمة تركيا .وذلك ألن تركيا قد أصبحت علمانية تماما حتى إن الزعماء «العلمانيني» يفكرون بطريقة علمانية بغض النظر عن مدى تدينهم.
فخالل العام املاضي ،وعندما وصل رئيس الوزراء التركي أردوغان إلى بوابة مطار القاهرة (التي أنشأتها الشركات التركية) ،احتفت به ماليني من الجماهير املبتهجة التي حشدتها جماعة اإلخوان املسلمني. ومع ذلك ،فسرعان ما أزعج أردوغان مضيفيه املتدينني عندما تحدث حول أهمية الحكومة العلمانية التي توفر حرية الدين مستخدما الكلمة التركية « – »laiklikالتي تنحدر من كلمة فرنسية بمعنى العلمانية .ولكن ذلك املصطلح ترجم إلى العربية بمعنى يشبه «الالدينية» .وعلى الرغم من أن رسالة أردوغان فقدت جانبا من معناها عبر الترجمة ،توضح تلك الواقعة االختالف العميق في العقلية رغم أن أردوغان يعد ناشطا إسالميا في تركيا. وكل ذلك يشير إلى أن أسلمة تركيا سوف يقف دونها تاريخ البالد الذي يعتبر مفهوم الشريعة بغيضا .ومع ذلك ،فهناك تهديد يلوح في أفق تركيا :النزاع في سوريا.
مواجهة نظام األسد منذ خريف ،2011وعندما بدأت أنقرة مواجهة نظام األسد وتأييد املتمردين ،استخدمت العديد من الوسائل إلضعاف األسد ،بما في ذلك السماح للمقاتلني األجانب (من ضمنهم الجهاديون) بالدخول إلى سوريا في إطار مساعيها إلضعاف األسد .وهو ما يمثل خطرا محدقا بالبالد؛ حيث إن الجهاديني الذين يمرون عبر تركيا سوف يخلفون حتما آثارا وراءهم، فربما يؤسسون عالقات شخصية وشبكات لتعزيز مهاراتهم اللوجستية (مثل فتح حسابات بنكية بأسماء وهمية لتمويل عملياتهم املستقبلية أو الحصول على أجهزة اتصاالت آمنة) باإلضافة إلى الدعوة ملبادئهم وتجنيد أفراد جدد.
كلمة الردوغان وخلفه لوحة جدارية له ومصطفى اتاتورك -مارس 2011
,,
في املفهوم التركي ال تتمحور األسلمة حول مفهوم الشريعة ولكنها تتمحور حول اإلسالم األخالقي
,,
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
9
شؤون سياسية
أصبح حزب العدالة والتنمية مؤخرا الحزب الذي قضى أطول مدة في تاريخ الجمهورية التركية، إذ إن تركيا تحولت إلى ديمقراطية متعددة األحزاب حقا عام 1950وكانت تجري انتخابات حرة ونزيهة منذ ذلك الوقت .وإذا ما استثنينا السنوات األربع التي أمضتها تركيا تحت الهيمنة العسكرية في أعقاب االنقالب ،فإن ذلك يعني أن حزب العدالة والتنمية قد أدار تركيا بفعالية ملدة تصل إلى نحو ربع التاريخ الديمقراطي للبالد.
اإلرث الغربي عقبة أمام حزب "العدالة والتنمية" والنخب اإلسالمية في تطبيق الشريعة
آفاق أسلمة تركيا بقلم: سونر كاجابتاي وجيمس جيفري
,,
يحتج الخصوم العلمانيون لحزب العدالة والتنمية بالسياسات الثقافية للحزب بدءا من رفض تناول املشروبات الكحولية إلى ترويج التعليم الديني في املدارس ،كحجة على أن تركيا في طريقها لألسلمة
,,
8
منذ وصوله إلى السلطة عام ،2002لم يتمكن حزب العدالة والتنمية فقط من أن يقضي أطول فترة في الحكومة ،ولكنه عزز شعبيته ،وفاز بثالثة انتخابات متتالية وفي كل مرة كان يحظى بتأييد أوسع.
(الذي أصبحت كلمة الشريعة كلمة سيئة في عهده) ،أصبحت اإلشارة إلى هذا النوع من الحكومات اإلسالمية محملة بدالالت مثل «الرجعية ،والتعصب» .واليوم« ،تربط املحكمة الدستورية التركية بني الشريعة ونمط الحياة الديني ».
وفي أحدث االنتخابات التي أجريت في عام ،2011حصل الحزب على نحو 50في املائة من األصوات .وقد منحت تلك النجاحات الحزب ما يشبه الهيمنة الكاملة على الفضاء السياسي التركي من خالل التعيينات في املحاكم العليا ،والجيش ،والجهاز البيروقراطي ،باإلضافة إلى نفوذه املتزايد على وسائل اإلعالم، واملنظمات غير الحكومية ومجتمع املال واألعمال.
ويعد ذلك اختالفا رئيسا بني تركيا وجيرانها من دول الشرق األوسط ،مثل مصر والتي تقر فيها كافة األحزاب ،حتى األحزاب العلمانية ،بالشريعة كمبدأ دستوري ،وهو ما يعد أمرا غير مفهوم في تركيا .فعلى النقيض ،تحمل كلمة الشريعة في تركيا «داللة سلبية للغاية».
ونظرا ألن جذور حزب العدالة والتنمية تعود للمعارضة اإلسالمية ،هناك سؤال كثيرا ما يتردد حول ما إذا كان حزب العدالة والتنمية يمكن أن يستخدم سلطته ألسلمة البالد، وتحويلها إلى دولة تطبق الشريعة. وفي هذا السياق ،يحتج الخصوم العلمانيون لحزب العدالة والتنمية بالسياسات الثقافية للحزب بدءا من رفض تناول املشروبات الكحولية إلى ترويج التعليم الديني في املدارس، كحجة على أن تركيا في طريقها لألسلمة ..مؤخرا ،أمرت الحكومة بتدريس مادة التربية الدينية كمادة اختيارية لكافة الطالب بداية من الصف الخامس ،كما أصبحت تالحق الحفالت التي تقام بالحرم الجامعي والتي تقدم بها الكحوليات.
ففي املفهوم التركي ،ال تتمحور األسلمة حول مفهوم الشريعة ولكنها تتمحور حول اإلسالم األخالقي :اإلسالم باعتباره من مميزات الهوية .فنظرا لتغريب تركيا ،والذي ترجع جذوره إلى اإلمبراطورية العثمانية ،ال يشارك األتراك في الجهاد أو يسعون للراديكالية. ومن ثم فليس مفاجئا أنه في الوقت الذي يؤيد فيه نحو 82 في املائة من الباكستانيني واملصريني تطبيق عقوبات مشددة يرجعونها إلى تفسيرات للشريعة ،يؤيد نحو 16في املائة فقط من األتراك تطبيق تلك اإلجراءات ،وذلك وفقا الستطالع رأي أجراه مركز بيو لألبحاث .واألهم من ذلك ،لم تتغير تلك النسبة منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام .2002
فهل ستصبح تركيا دولة تطبق الشريعة؟ اإلجابة هي أن ذلك التغريب املؤسسي
مستبعد ،فبغض النظر عن دوافع حزب العدالة والتنمية ،فإن خصائص تركيا التاريخية والسياسية تجعلها بيئة غير خصبة لتطبيق الشريعة أو لإلسالم الراديكالي.
الجدال اإلسالمي في تركيا مبدئيا ،كان مفهوم الشريعة نفسه مجرما في تركيا ،وهو ما أفقد مفهوم الشريعة نفسه الشرعية ،حتى بني العديد من أكثر املسلمني تقوى .وعن ذلك يتحدث العالم السياسي والخبير في اإلسالم التركي ،هاكان يافوز في مقاله املعنون «األخالقيات وليس الشريعة اإلسالمية :الجدال اإلسالمي في تركيا» .نظرا إلى حركة التغريب التي أنتجت «األتراك الشباب» وأتاتورك
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
والعقبة الثانية أمام تطبيق الشريعة هي التغريب املؤسسي القائم منذ زمن ،وهو ما يمثل خاصية فريدة في تركيا مقارنة بجيرانها من الدول اإلسالمية في الشرق األوسط .فمبدئيا، مرت تركيا بعملية تغريب شاملة حتى إن حزب العدالة والتنمية و«النخب اإلسالمية» الصاعدة ال يمكنها الفكاك من ذلك النمط التغريبي .فبداية من دور املرأة في املجتمع ،وصوال إلى انضمام البالد إلى حلف شمال األطلسي ،يعد إرث تركيا الغربي حقيقة غير قابلة للنقاش .فعلى سبيل املثال ،وبغض النظر عن كيف يمكن أن تصبح تركيا مؤسلمة ،من املستحيل استبعاد املرأة من الحياة العامة؛ حيث إن مشاركة املرأة في الحياة العامة تعد جزءا أصيال من تركيا العلمانية وخاصية مميزة لتركيا الجديدة .فمثال تتمتع سيدة تركيا األولى ،خير النساء غول،
الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد د .علي السمان :رئيس االتحاد الدولي لحوار الثقافات واألديان وتعليم السالم (أديك)،واملستشار اإلعالمي االسبق لرئاسة الجمهورية وعمل في باريس مديرا لوكالة «أ.ش.أ»ومديرًا لإلذاعة والتلفزيون املصري في أوروبا .وفي القاهرة شغل منصب املستشار اإلعالمي للرئيس أنور السادات ،ومدير مكتب رئيس الوزراء ملشاريع البنية التحتية ،وفي أواخر التسعينات عمل نائبًا لرئيس اللجنة الدائمة لألزهرالشريف لحوار األديان السماوية.
د .عبد الله بن إبراهيم القويز :كاتب اقتصادي، وعضو الجمعية االقتصادية السعودية ،عمل أمينًا عامًا مساعدًا ملجلس التعاون الخليجي للشؤون االقتصادية ،سفير خادم الحرمني الشريفني األسبق لدى مملكة البحرين.
السفير جيمس جيفري :زميل زائر بمعهد واشنطن .يركز على االستراتيجيات األميركية في مواجهة مساعي إيران لتعزيز نفوذها في الشرق األوسط .كبير مستشاري وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس للشؤون العراقية وسبق له شغل منصب رئيس البعثة الدبلوماسية األميركية في العراق.
سونر كاجابتاي :كبير الباحثني بمعهد واشنطن لسياسات الشرق األدنى ،ومؤلف «بزوغ تركيا: القوة اإلسالمية الكبرى في القرن الحادي والعشرين» و«اإلسالم والعلمانية والقومية في تركيا الحديثة :من هو التركي؟».
عبد اللطيف املناوي :كاتب وإعالمي مصري مقيم حاليا في لندن سبق له أن عمل مديرا ملكتب “املجلة” في القاهرة كما رأس قطاع األخبار باتحاد اإلذاعة والتلفزيون املصري .له اسهامات عدة في عدد من الصحف واملجالت املصرية والعربية .من أعماله األخيرة كتاب «األيام األخيرة لنظام مبارك 18 ..يومًا ..أسرار القصر الجمهورى وكواليس ماسبيرو».
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
7
المحتوى
اإلرث الغربي عقبة أمام حزب "العدالة والتنمية" والنخب اإلسالمية في تطبيق الشريعة
آفاق أسلمة تركيا
االنشقاقات في صفوف التيارات اإلسالمية ..الحقيقة والوهم
الرؤوس املدببة
اإلعالم املصري من التحول إلى الصدام املفروض عليه
معركة خاسرة
عشر سنوات على رحيل إدوارد سعيد
اآلثار االقتصادية لـ «الربيع العربي» على دول مجلس التعاون الخليجي
اقتصاديات األزمة
إلنقاذ املبدأ ..يجب التخلي عن فكرة تغيير النظام
مسؤولية احلماية 6
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
هل كان مؤلف االستشراق منحا زا سياسيا ؟
www.majalla.com
Al Majalla
مجلة العــــــرب الدولية
ﻣـﺠـﻠـــﺔ ﺍﻟـﻌــــــــﺮﺏ ﺍﻟـﺪﻭﻟـﻴــــﺔ
االفتتاحية
رساله المحرر ً عشر سنوات بعد رحيله ،مازال إدوارد سعيد ،اإلنسان واألكاديمي يثير جدال بني الباحثني في "اإلستشراق" ّ واملختصني في مفهومه واتجاهاته .إدوارد سعيد األميركي ذو األصول الفلسطينية لم يكن مجرد مثقف وصاحب رأي ،كان عند البعض "منحازًا" سياسيًا ما أثر في تقييمه العلمي ونظرته لألمور بينما كان البعض اآلخر يراه صاحب قضية انتصرت فيها "حماسة" املناضل على "حكمة" األكاديمي. "املجلة" تعرض وجهات نظر عدد من الذين تأثروا بسعيد إن سلبًا أو إيجابًا ،أحبوا فيه نضاله ودفاعه عن قضيته أو كرهوا منه تحامله وانحيازه باسم نفس القضية التي التصقت باسمه حتى وفاته. جوشوا مورافتشك ،على الرغم من حكمه السلبي على سعيد ومسيرته كأميركي أوال وكمستشرق ثانيًا فإنه يرى أنه ال يوجد أي مؤشر على تراجع تأثيره "االستثنائي" ،وأن األستاذ السابق للغة اإلنجليزية بجامعة كولومبيا ما زال حتى بعد عقد كامل على رحيله أحد أكثر مفكري هذا العصر تأثيرا. أما الكاتب الفلسطيني صقر أبو فخر فيرى أن سعيد هو أبرز األسماء العربية التي ملعت في صحافة الغرب األميركي وفي جامعاته .وفي مقال ّ مميز تحت عنوان "املنفى واالنشطار والهوية املضطربة" يختصر أبو فخر حياة إدوارد سعيد في جملة واحدة" :كانت حياته خرابًا إلى حد كبير ،لكن إدوارد سعيد تمكن بإبداعاته الباهرة من أن يردم هذا الخراب". وفي موضوع آخر ،يبحث سونر كاجابتاي وجيمس جيفري في "آفاق أسلمة تركيا" بعد أن استطاع حزب العدالة والتنمية ،ذو املرجعية اإلسالمية ،إدارة البالد بفعالية ملدة تصل إلى نحو ربع التاريخ الديمقراطي الذي تعيشه تركيا بعد أن حكم العسكر .فمنذ وصوله إلى السلطة عام ،2002لم يتمكن حزب العدالة والتنمية فقط من أن يقضي أطول فترة في الحكومة ،بل عزز شعبيته ،وفاز بثالثة انتخابات متتالية وفي كل مرة كان يحظى بتأييد أوسع. وفي عام ،2011حصل الحزب على نحو 50في املائة من اصوات الناخبني .ومنحت تلك النجاحات الحزب ما يشبه الهيمنة الكاملة على الفضاء السياسي التركي من خالل التعيينات في املحاكم العليا ،والجيش، والجهاز البيروقراطي ،باإلضافة إلى نفوذه املتزايد على وسائل اإلعالم ،واملنظمات غير الحكومية ومجتمع املال واألعمال. ونظرا ألن جذور الحزب إسالمية ،هناك سؤال كثيرًا ما يتردد حول ما إذا كان "العدالة والتنمية" بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يمكن أن يستخدم سلطته ألسلمة البالد ،وتحويلها إلى دولة تطبق الشريعة. ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املواضيع وغيرها الكثير على موقعنا majalla.comونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على املواضيع أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا.
المحرر
4
المجلة /العدد 1583أيار -مايو 2013
مسؤول مكتب اخلليج
عبد اهلل الر�شيد سكرتري التحرير
م�صطفى الد�سوقي
للمشاركة
إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني editorial@majalla.comملحوظة :جميع المقاالت يجب أال تزيد على 800كلمة
اشتراكات
لالشتراك في الطبعة الرقمية ،يرجى االتصال بـ subscriptions@majalla.com :لالشتراك في االلكترونيةwww.issuu.com/majalla : حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة 2009التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة .وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة) .وتصدر المجلة شهرياً .لتلقي استفسارات االشتراك الرقمي ،يرجى زيارة www.majalla.com
issue 1583 - May 2013
العدد 1583أيار -مايو 2013 الرياض -حي المؤتمرات -طريق مكة -تقاطع التخصصى
مرخص لها
الرياض :هاتف - 4419933لندنA Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 :
www.majalla.com/eng
HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd Arab Press House, 184 High Holborn, London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310
الوكيل اإلعالني
موقع إلكتروني ،www.alkhaleejiah.com :بريد إلكترونيhq@alkhaleejiah.com :
وكيل اإلشتراكات
بريد إلكتروني ، info@arabmediaco.com :موقع إلكتروني ،www.arabmediaco.com :هاتف مجاني 800-2440076 :
وكيل التوزيع مركز الطباعة
من داخل المملكة ،920 000 417 :دبي ،+9714 3 914440 :باريس ، +331 537 764 00:لندن ، +44 207 404 6950:ومن مختلف الدول +966 1 441 1444 :
وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي المؤتمرات -ص.ب - 62116الرياض ،11585هاتف +966 1 4419933 :فاكس،+966 1 2121774 : موقع إلكترونيwww.saudidistribution.com : ص.ب - 121 .الرياض ،11383هاتف ،+9661.2657000فاكس ،+9661.2658000موقع إلكترونيwww.halaprintco.com :
شركات المجموعة Saudi Specialized Publishing Company
حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة
لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم»
حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة»
للحصول على المزيد من المعلومات ،يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني 8002440014
AN AMERICAN EDUCATION A BRITISH SETTING A GLOBAL FUTUR E A Since the 1970’s Richmond has been educating leading Middle Eastern families. Richmond’s unique style of personalised higher education ensures that students leave us with a dually accredited degree, that is recognised in the UK, the USA and worldwide.
+44 20 8133 2877 • enroll@richmond.ac.uk Visit www.richmond.ac.uk/al-majalla today to download our catalog and viewbook.
العدد 1583أيار -مايو 2013
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
علي ال�سمان :من عبد النا�صر اىل مر�سي..من يكتب خطاب الرئي�س؟ عبد اهلل بن �إبراهيم القويز :الآثار االقت�صادية لـ « الربيع العربي» على دول اخلليج �سونر كاجابتاي و جيم�س جيفري :الإرث الغربي و�آفاق �أ�سلمة تركيا
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 05
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
issue 1583 - May 2013
www.majalla.com