الأميركيون راحلون

Page 1

‫‪cartier.com‬‬

‫روتوند دو كارتييه‬

‫مكرر الدقائق‪ ،‬التوربيون المحلقة ‪ 9402‬إم سي‬ ‫موثقة بدمغة جنيف‪ ،‬الكاليبر ‪ 9402‬إم سي دو كارتييه تجمع مابين اثنتين من أكثر تعقيدات الساعات الكبرى اعتباراً و‬ ‫ً‬ ‫هيبة‪ :‬مكرر الدقائق و التوربيون المحلقة‪ .‬بضغطة واحدة على الزر الجانبي يقوم مكرر الدقائق بتفعيل مطرقتين يمكن‬ ‫رؤيتهما من خالل ميناء الساعة فتعطيان الرنات التي تشير بالترتيب إلى الساعات و أرباع الساعات و الدقائق بالتطابق مع ما‬ ‫تؤشر إليه عقارب الساعة‪ .‬يتم تنظيم الرنات بواسطة دوالب موازنة يعمل بالقصور الذاتي و يمكن رؤيته في موقع الساعة‬ ‫السادسة و يكمل ألف دورة في الدقيقة‪ .‬مطور من خالل عدم وجود الجسر الذي يربطه إلى ميناء الساعة‪ ،‬يظهر التوربيون‬ ‫المحلق و كأنه يطفو في قلب الساعة مبدع ًا تأثيراً بصري ًا فريداً‪.‬‬ ‫علبة الساعة من التيتانيوم‪ ،‬تاج مصقول مرصع بحجر السافير بقطع كابوشون‪ ،‬حركة ميكانيكية بتعبئة يدوية شغل الدار‪،‬‬ ‫مكرر الدقائق و توربيون محلق كاليبر ‪ 9402‬إم سي‪ ،‬تصديق دمغة جنيف (‪ 45‬جوهرة‪ 447 ،‬جزءاً‪ ،‬تردد ‪ 21600‬ذبذبة في‬ ‫الساعة‪ ،‬خزان طاقة مزدوج‪ ،‬احتياطي الطاقة قرابة ‪ 50‬ساعة)‪ ،‬مكرر الدقائق مع دوالب موازنة‪ ،‬مطارق و أجراس قرصية‬ ‫مرئية على جانب الميناء‪ ،‬توربيون محلق بدوار على شكل الحرف ‪. C‬‬

‫بوتيك كارتييه في المملكة العربية السعودية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ساكس فيفث أفنيو‪ ،‬مركز المملكة‪،)01( 211 2450 :‬‬ ‫مجمع سنتريا‪ ،‬شارع العليا العام‪)01( 462 6959 :‬‬ ‫ّ‬ ‫جدة‪ ،‬شارع التحلية‪)02( 660 0720 :‬‬ ‫ّ‬ ‫مجمع الراشد مول‪)03( 881 4484 :‬‬ ‫‪،13‬‬ ‫الخبر‪ ،‬بوابة‬ ‫ّ‬



‫الكلمة الأخرية‬

‫بقلم‪ :‬بكر عوي�ضه‬

‫بدأ صدور مجلة “املجلة” في فبراير (شباط) ‪ 1980‬بمثابة ثاني “خبطة صحافية” لكل من هشام ومحمد علي حافظ‪،‬‬ ‫الناشرين السعوديني اللذين اقتحما املشهد اإلعالمي العربي في لندن‪ ،‬بقوة الفتة عندما أصدرا جريدة “الشرق األوسط”‬ ‫في الرابع من يوليو (تموز) ‪.1978‬‬ ‫اقتحام لندن ليس هو الهدف في ّ‬ ‫حد ذاته‪ ،‬لكن أهميته مستمدة من أهميتها كعاصمة قرار دولي مؤثر سياسيا‪ ،‬اقتصاديًا‪،‬‬ ‫وإعالميا‪ .‬من هنا ذكاء اتخاذها منطلق الشركة السعودية لألبحاث والنشر إلى هدف أساسي أشمل‪ ،‬وهو سوق الصحافة‬ ‫العربية عموما‪ ،‬بمعنى التنافس حتى مع الصحافة املحلية‪ ،‬ثم خصوصًا صحافة “البان آراب” بما تعنيه لجهة الحضور‬ ‫السياسي‪ ،‬وبالتالي التأثير في تشكيل الرأي العام العربي‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬إضافة الى ما كانت تتوفر عليه من إمكانات‬ ‫تحقيق عوائد ربحية توزيعًا وإعالنًا‪ ،‬من جهة ثانية‪.‬‬ ‫خالل مرحلة التحضير‪ ،‬قبل الصدور‪ ،‬كانت “املجلة” الحاضر شبه الدائم في مجالس عشائر “فليت ستريت” العربية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ومهني‪ ،‬للحديث الدائر في مطابخ املطبوعات العربية التي تصدر من لندن‪ً ،‬حول وعن “الض ّرة” اآلتية على‬ ‫كامتداد طبيعي ِ‬ ‫الطريق‪ ،‬واحتماالت ما ستحدثه من “ضرر” توزيعي‪/‬إعالني على األعتق منها عمرًا وتجربة‪.‬‬ ‫في السياق أعاله‪ ،‬يمكن القول إنه بني األسبوعيات العربية الصادرة من لندن وباريس‪ ،‬كان على “املجلة” الوليدة أن تواجه‬ ‫ً‬ ‫خمس مجالت تحمل إرث سنوات طويلة من الجهد الصحافي‪ ،‬فضال عن الكد في السوق التوزيعي‪/‬اإلعالني‪ .‬وبتراتبية‬ ‫يتفق عليها مراقبون كثيرون من معاصري املرحلة والفاعلني املؤثرين خاللها‪ ،‬كانت تلك العناوين هي‪“ :‬الحوادث” (سليم‬ ‫اللوزي)‪“ ،‬الوطن العربي” (وليد أبو ظهر)‪“ ،‬املستقبل” (نبيل خوري)‪“ ،‬الدستور” (علي بلوط)‪“ ،‬الصياد” (بسام فريحة)‪.‬‬ ‫بعيدًا عن صحافة املهجر‪ ،‬كان على “املجلة” أن تخوض أيضا معركة تنافس توزيعي‪/‬إعالني مع عناوين اسبوعية بارزة‬ ‫على مستوى محلي في غير بلد عربي‪ .‬ليس بوسعي هنا الحصر‪ ،‬إنما أهم مثالني يحضران من دون أي تردد هما مجلة‬ ‫“اليمامة” السعودية‪ ،‬و “األسبوع العربي” اللبنانية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫في لندن‪ ،‬استقبل الحديث عن خبطة قرب صدور “املجلة” بخلطة أحاديث مزجت بني تساؤل وتفاؤل‪ .‬كان البعض يسأل‬ ‫عما ستضيفه “املجلة” من جديد على الصعيد الصحافي‪ ،‬ومن ثم ما ضرورتها‪.‬‬ ‫الرد املتفائل كان يرى أن طاقم تحرير يرأسه إسم معروف‪ ،‬عبد الكريم أبو النصر‪ُ ،‬ع ِجنت تجربته ونضجت في قلعة بحجم‬ ‫“النهار” وقامتها‪ ،‬يعاضده عقل محمود كحيل‪ ،‬املبدع على مسرح الكاريكاتير العربي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وذو الذوق املشهود له في رواق الديكور الصحافي‪ ،‬ال ّبد سيخرج للجمهور ُبمنتج ينتزع‬

‫صدور «اجمللة» في مجالس‬ ‫عشائر «فليت ستريت» العربية‬

‫التصفيق‪ ،‬أكثر مما يستنفر من صفير‪.‬‬ ‫املتسائلني ورؤى املتفائلني‪ ،‬تجاوزت الجانب املهني‪/‬التجاري‪ ،‬لتلتقي عند‬ ‫بيد أن شكوك ً‬ ‫البعد األبعد رؤية‪ ،‬األكثر أهمية‪ :‬الرسالة السياسية‪.‬‬ ‫لقد بدا صدور “املجلة” أكثر من مجرد “خبطة” ّ‬ ‫يفجرها ناشران سعوديان ويريدان‬ ‫لها نصيبها من كعكة السوق اإلعالني الضخم في بلدهما‪ ،‬الذي شاءت األقدار أنه بلد‬ ‫بحجم اململكة العربية السعودية وبأهمية تأثيرها في املحيطني اإلقليمي والدولي‪.‬‬ ‫بدا األمر في بعده األبعد أن السعودية اتخذت قرار ترسيخ دورها في مطابخ تشكيل الرأي العام العربي‪ ،‬عبر الحضور‬ ‫كافيًا أن تكون هناك منابر صديقة للسياسات السعودية في مواجهة منابر‬ ‫املباشر في ساحة “البان آراب ميديا”‪ .‬لم يعد ّ‬ ‫مناكفة‪ ،‬أو معادية‪ .‬أصبحت الحاجة واضحة الى تملك مفاتح القرار املباشر في تلك الساحة‪ ،‬خصوصا بعدما باتت تتضح‪،‬‬ ‫أكثر فأكثر‪ ،‬مالمح وأدوار ما بعد ّ‬ ‫تثبت الحالة الخمينية في إيران واحتماالت امتداداتها في الجوار‪.‬‬ ‫إلى جانب أنهما من بيت تربيا بني جدرانه على تعلم مهنة صناعة الصحف‪ ،‬فتنفسا رائحة ورق الجرائد‪ ،‬وغاصت األصابع‬ ‫منهما في أواني حبر املطابع‪ ،‬امتلك هشام ومحمد علي حافظ ايضا الحس السياسي‪ ،‬ولم يكن األمر بحاجة الى عبقرية‬ ‫حدس تقول بإمكانية نجاح مشروع صحافي خاص ينطلق قويًا من لندن‪ ،‬ويتجه نحو سوق يحتاجه سياسيا‪ ،‬فضال‬ ‫عن ضمان الحصة اإلعالنية فيه‪ ،‬بل كان األمر واضحا بشفافية الكريستال‪ ،‬الفرصة كانت تنادي‪ ،‬هشام ومحمد علي‬ ‫حافظ أجاباها‪.‬‬ ‫من ‪ ،1980‬عام الصدور‪ ،‬إلى ‪ ،1987‬سنة تأسيس األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز املجموعة السعودية لألبحاث‬ ‫والتسويق‪ ،‬مرت سبع سنوات مثمرة ملجمل املطبوعات الرئيسية للمجموعة‪ .‬كانت سنني إثبات تفاؤل من قال إن املشروع‬ ‫سينجح حتى لوُ لم يربح تجاريا‪ ،‬يكفي انه رأسمال سعودي‪ .‬لكن تلك مقولة كانت تحمل شيئا من التحامل‪ ،‬أو قل إنها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الغيرة‪ .‬فالواقع امل َ‬ ‫مارس أثبت أن النجاح استند أوال إلى مأسسة العمل‪ .‬نعم‪ ،‬ميزة االنتماء للسعودية‪ ،‬وطنًا‪ ،‬كانت عامال‬ ‫مهمًا‪ ،‬بال شك‪ ،‬لكن من دون اعتماد أسس العمل التجاري‪ ،‬كان يمكن ان يتحول املشروع ذاته عبئا على الدولة السعودية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فشل صار إليه أكثر من مشروع إعالمي ت َم ّول من دول مثل العراق‪ ،‬ليبيا‪ ،‬والجزائر‪.‬‬ ‫أو يتنتهي الى َ‬ ‫من نبع مفهوم املأسسة رضعت “املجلة” وليدة في املهد‪ ،‬ومعه انطلقت بنجاح صحافي‪ ،‬توزيعي‪ ،‬وإعالني‪ ،‬الفتة االنتباه‬ ‫طوال الربع األخير من القرن العشرين‪ .‬بالطبع‪ ،‬كما كل حالة مخلوقة‪ ،‬بما في ذلك البشر‪ ،‬الخط البياني الالفت صعودًا‪،‬‬ ‫وامللحوظ هبوطًا‪ ،‬كان دائما موجودًا‪ .‬سنة ‪ 2009‬أعلن عن توقف طبعة “املجلة” الورقية‪ .‬كنت ممن أصابهم حزن لهذا‬ ‫القرار‪ ،‬على رغم متابعتي ملآل الصحافة الورقية في العالم كله‪ ،‬ها هي “نيوزويك” تودع الورق مع وداع العام املنصرم‪.‬‬ ‫ورغم إعجابي بما تحقق خالل السنوات الثالث املاضية‪ ،‬عبر تطوير موقع “املجلة” في الفضاء االلكتروني‪ ،‬أفرحتني‬ ‫العودة الورقية بإصدار شهري اعتبارًا من ابريل املاضي‪ .‬تلك عودة رأيتها من آيات قصة نجاح‪ ،‬بدأت قبل ثالثة وثالثني‬ ‫عاما ألن موجبات نجاحها كانت قائمة‪ ،‬وما تزال‪ ،‬فما الحائل دون استمرارها‪ .‬ال شيء‪ ،‬ال شيء إطالقا‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬


‫وتم خالل الفحص‪ ،‬الحصول على عينات من مختلف‬ ‫أجهزة ناصر ثم عادوا بها إلى أميركا‪ ،‬من دون أي‬ ‫إفصاح عن حقيقة نتائج التحاليل!‬

‫تقديم خدمات معلوماتية مهمة وموثقة لدعم جدار الثقة‪،‬‬ ‫ولتكون «عربون صداقة « بين الطرفين‪.‬‬

‫صك دولي بمبلغ ‪ 30‬مليون دوالر لدى الفرع الرئيسي‬ ‫لبنك كريديت ليونيه الفرنسي بباريس عرضته إسرائيل‬ ‫على جمال عبد الناصر في منتصف الخمسينات‪ ،‬في‬ ‫أوج أزمته المالية لتمويل السد العالي‪ ،‬وتمت مضاعفته‬ ‫إلى ‪ 300‬مليون دوالر‪ ،‬مقابل اإلفراج عن أعضاء شبكة‬ ‫جواسيس «الفون» الشهيرة‪ ،‬يكشف عنه المؤلف في‬ ‫جزء آخر من الكتاب‪ ،‬وقد رفض جمال عبد الناصر‬ ‫الشيك‪ ،‬وفضل االستدانة على شراء السد العالي بحفنة‬ ‫جواسيس إسرائيليين‪ ،‬على حد وصف المؤلف طبقا لما‬ ‫ورد فى الوثائق‪.‬‬

‫مؤامرة االنقالب‬

‫عربون صداقة السادات ونيكسون!‬ ‫«الرادارالروسي أعمى تحت ‪ 500‬متر» جملة من‬ ‫‪ 6‬كلمات نقلتها مشفرة‪ ،‬فنانة مصرية شهيرة كانت‬ ‫جاسوسة إلسرائيل‪ ،‬بعد أن التقطتها من مكالمة‬ ‫بين المشير عبد الحكيم عامر وصالح نصر رئيس‬ ‫مخابرات ناصر‪ ،‬أثناء وجودها فى بيت صالح نصر‪،‬‬ ‫كانت السبب في تمكين إسرائيل من إلحاق نكسة‬ ‫‪ 5‬يونيو المنكرة بالعرب‪ ،‬وهو ما كشفته الوثائق‬ ‫السرية للرئيس السادات‪ ،‬ووجه بسببها الشكر للرئيس‬ ‫نيكسون على تعريفه بتلك التفاصيل! واقع األمرأنه‬ ‫منذ تولي الرئيس ريتشارد نيكسون رئاسة أميركا عام‬ ‫‪ ،1969‬راهن على شخصية السادات‪ ،‬وأكد إلدارته‬ ‫أنه سينجح في كسب ثقته بالصراحة والمكاشفة‪ ،‬وبدأ‬ ‫بإرسال مستشاره لألمن القومي هنري كيسنجر‪-‬‬ ‫وقتها ‪ -‬ومعه ملف يحمل عنوان «سرى للغاية»عن‬ ‫أسرار نكسة يونيو ‪ ،1967‬وهو الملف الذي يكشف‬ ‫المؤلف أسرارا مهمة فيه من خالل الوثائق المرفقة‬ ‫بالكتاب منها تلك المعلومة التي نقلتها الفنانة الشهيرة‬ ‫الجاسوسة إلسرائيل‪ ،‬والتي مازال اإلفصاح عن‬ ‫اسمها محظورا في سجل المخابرات األميركية حتى‬ ‫هذه اللحظة!‬ ‫ويتوقف المؤلف عند وثائق تلك الحادثة‪ ،‬كاشفا تفاصيل‬ ‫خطيرة خاصة بالخدعة التي تعرض لها جمال عبد‬ ‫الناصر على يد الروس‪ ،‬عندما سلموه رادارا زعموا‬ ‫قدراته الخاصة الكبيرة‪ ،‬والذي اعتمد عليه الجيش‬ ‫المصري‪ ،‬وقرر ناصر بموجبه إخالء سيناء من‬ ‫المراقبين الدوليين‪ ،‬وغلق قناة السويس ومضيق تيران‪،‬‬ ‫وتحريك القوات والقطع الحربية المصرية‪ ،‬بينما لم يكن‬ ‫الرادار الروسي يستطيع العمل تحت مستوى ‪ 500‬متر‪،‬‬ ‫ومن ثم كان أعمى‪ ،‬وهو ما استغلته إسرائيل عسكريا في‬ ‫تحقيق نصر عام ‪.1967‬‬ ‫وتكشف سطور «أسرار السادات» أن تلك المعلومات‬ ‫لم تكن األولى في ملف االتصال األميركي مع السادات‪،‬‬ ‫حيث سبقتها اتصاالت أخرى حاول فيها الرئيس نيكسون‬

‫كانت البداية حينما أرسل الرئيس األميركي نيكسون‬ ‫في أول مايو (أيار) عام ‪ ،1971‬ملفا روسيا ترجمته‬ ‫المخابرات األميركية‪ ،‬ويحتوي تفاصيل المؤامرة‬ ‫الروسية التي كانت تدار في الخفاء لالنقالب على‬ ‫السادات‪ ،‬وهو الملف الذي كان بمثابة هدية أميركية‬ ‫للسادات‪ ،‬والذي اكتشف من قراءته له ما يؤكد أن روسيا‬ ‫هى التي زرعت ما يعرف باسم اإلسالم السياسي في‬ ‫منطقة الشرق األوسط‪ ،‬ليكون سالحا في يدها لمن يعادي‬ ‫موسكو‪ ،‬ويقف في طريق مصالحها‪.‬‬ ‫وتكشف وثائق «أسرارالسادات» الدور األميركي المهم‬ ‫في تبصيره بالمؤامرة الروسية لالنقالب عليه‪ ،‬من أجل‬ ‫ضمان بقاء من تراهم روسيا أكثر والء لها من رجال‬ ‫عبد الناصر‪ ،‬وهو ما كانت نتيجته ثورة مايو ‪،1971‬‬ ‫التي قضى فيها السادات على ما سمي «مراكز القوى»‪.‬‬ ‫معلومة أخرى خطيرة كشفها نيكسون للسادات‪ ،‬مقابل‬ ‫تعهده له بسلك خيار السالم‪ ،‬كان مفادها أن المخابرات‬ ‫الروسية‪ ،‬تشرف على مشروع روسي منذ الخمسينات‬ ‫لتدريب وتنشئة أجيال جديدة من الحلفاء‪ ،‬ممن تلقوا‬ ‫تعليمهم في روسيا‪ ،‬وظهر من بين تلك األسماء‪ ،‬الضابط‬ ‫محمد حسني مبارك‪ ،‬الذي تولى رئاسة مصر فيما بعد‪.‬‬ ‫وتكشف الوثائق السرية عن أن الطالب مبارك‪ ،‬كان على‬ ‫علم من البداية بهدف المشروع الروسي السري للغاية‪،‬‬ ‫وأنهم وعدوه يوما بأنهم سيساندونه بقوة وسيدفعونه حتى‬ ‫يصل لدائرة الحكم‪ ،‬األمرالذي يضع عالمة استفهام‬ ‫حول مدى ارتباط ظهور مبارك رئيسا لمصر باغتيال‬ ‫السادات‪ ،‬خاصة أن الرئيس السادات اكتشف فيما بعد‬ ‫بالصدفة‪ ،‬عدم وصول تقرير»كيدرون» السري له‪،‬‬ ‫والخاص بوجود تهديدات عربية للتخلص منه‪ ،‬على‬ ‫الرغم من حصول نائبه حسني مبارك على نسخة منه‬ ‫من دون أن يبلغه!‬ ‫تكشف األوراق السرية بالكتاب‪ ،‬أن الروس كان لديهم‬ ‫أكثر من مبرر لالنتقام من السادات‪ ،‬منها موقفه في طرد‬ ‫الخبراء الروس‪ .‬ولم ينس الروس ما فعله بهم السادات‪،‬‬ ‫فجن جنونهم عندما قرر إلغاء معاهدة الصداقة المصرية‬ ‫الروسية في مارس (آذار) عام ‪ ،1976‬وإمعانا في‬ ‫دفعهم لمزيد من الجنون‪ ،‬قرر السادات أيضا التوقف‬ ‫عن دفع الديون العسكرية المصرية للخزانة الروسية في‬ ‫تحد كبير لهم‪ ،‬وهنا تكشف أوراق المخابرات السرية‬ ‫في الكتاب عن أن الرئيس السوفياتي بريجينيف سجل‬ ‫مالحظة قال فيها «العميل امتنع عن الدفع‪ ،‬وأوقف‬ ‫ملياري ونصف المليار دوالر سنويا للخزانة الروسية‪،‬‬ ‫ويجب ردعه»! وهو ما يعد مؤشرا يلمح إليه الكتاب في‬

‫التآمرعلى السادات‪.‬‬

‫معاهدة السالم‬ ‫تعد معاهدة السالم بين مصر وإسرائيل‪ ،‬المحطة األبرز‬ ‫في مسيرة العالقات المصرية األميركية‪ ،‬ولكنها ما كانت‬ ‫تحدث لوال حرب أكتوبر‪ ،‬تلك الحرب التي مازالت‬ ‫أوراق السادات المخابراتية تحفل بالعديد من أسرارها‪،‬‬ ‫ومنها حكاية تلك الفيلال التي استأجرها الرئيس السادات‬ ‫في أكتوبرعام ‪ 1973‬في أطراف باريس‪ ،‬بحجة اإلقامة‬ ‫فيها للعالج من مرض عضال‪ ،‬وترجع تفاصيلها حسب‬ ‫الوثائق المخابراتية إلى سبتمبر (أيلول) عام ‪،1973‬‬ ‫عندما عمد الرئيس السادات‪ ،‬إلى تسريب خبر كاذب‬ ‫عن مرضه‪ ،‬لدبلوماسي جزائري يعمل جاسوسا لحساب‬ ‫الموساد‪ ،‬وكان يتنقل بحرية بين الجزائر وباريس بحكم‬ ‫عمله‪ ،‬وتم خداع هذا الدبلوماسي بخطة مصرية محكمة‬ ‫بالتظاهر بأن السادات سيسافر سرا لباريس في بداية‬ ‫أكتوبر (تشرين األول) عام ‪ 1973‬لزيارة طبيب فرنسي‬ ‫شهير‪ .‬وبالفعل تم شراء الفيلال في أطراف باريس‪،‬‬ ‫إمعانا في التمويه‪ ،‬كما عمد السادات إلى االختفاء تماما‬ ‫عن اإلعالم عقب زيارة الجزائر‪ ،‬لإليحاء بأنه سافر فعال‬ ‫لباريس‪ ،‬مما ساهم في الخداع اإلستراتيجي إلسرائيل‪،‬‬ ‫وطمأنتها بعدم وجود احتمال للحرب خالل تلك الفترة‪.‬‬ ‫وتكشف سطور كتاب «أسرار السادات»عن مفاجأة‬ ‫كبيرة‪ ،‬مفادها أنه تم توقيع اتفاقية سالم سرية بين مصر‬ ‫وإسرائيل في أول سبتمبر ‪ ،1975‬وتم تعديلها في ‪22‬‬ ‫سبتمبرمن نفس العام‪ ،‬وهو ما يعني أن اتفاقيات السالم‬ ‫بين مصر واسرائيل عددها أربع وليس اثنتين كما هو‬ ‫معروف‪ ،‬وذلك بعد كشف حافظة المستندات السرية‬ ‫للغاية الخاصة بالرئيس السادات‪ ،‬والمحفوظة لدى مكتب‬ ‫الرئيس األميركي جيرالد فورد‪ ،‬مكاتبات ورسائل تحمل‬ ‫عنوان «سرى للغاية» بين السادات والبيت األبيض‪،‬‬ ‫تؤكد هذا األمر‪.‬‬ ‫إال أن األوراق السرية للسادات لم تكشف أي شيء يمكن‬ ‫أن يدينه بأية تهمة‪ ،‬وقد شهدت له األجهزة المخابراتية‬ ‫األميركية بأنه أجبر واشنطن طيلة الوقت على احترام‬ ‫سيادة قراراته التاريخية‪ ،‬وأنه باغتياله‪ ،‬فقد المصريون‬ ‫زعيما أسطوريا أحب مصر أكثر مما سجله التاريخ‪.‬‬ ‫وال شك أن الكتاب‪ ،‬بما يتضمنه من وثائق مهمة‪ ،‬يعد‬ ‫إضافة مهمة لما نشرعن عالقة السادات بالواليات‬ ‫المتحدة األمريكية‪ ،‬ويثير مزيدا من الجدل حول‬ ‫شخصية هذا الزعيم السياسي الراحل‪ ،‬إال أن أهم ما‬ ‫يؤكده الكتاب‪ ،‬هو أن السادات راح ضحية الحسابات‬ ‫المخابراتية الدولية‪ ،‬بما كشفه من محاوالت االنتقام‬ ‫والتصفية‪ ،‬التي كانت تطارده من عدة أجهزة‪ ،‬حتى‬ ‫كانت النهاية على أيدى الجماعات المتطرفة‪ ،‬ليلقى‬ ‫ربه وهو مرتد البدلة العسكرية‪ ،‬التي كان يفخر بها‬ ‫وفي يوم احتفاله بنصر أكتوبر <‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪65‬‬


‫كتب‬

‫«أسرار السادات»‪ ..‬من واقع ملفات «سي أي إيه»‬

‫سرى للغاية!‬ ‫تأليف‪ :‬توحيد مجدي‬ ‫تاريخ النشر‪14/11/2012 :‬‬ ‫الناشر‪ :‬دار أخبار اليوم ‪ -‬مصر‬ ‫عدد الصفحات‪ 350 :‬صفحة‬ ‫«حراسة الكنز االستراتيجي» هي االسم الكودي للعملية‬ ‫المخابراتية األميركية التي تمت في عهد الرئيس‬ ‫األميركي جيمي كارتر‪ ،‬والتي كانت تهدف لحماية‬ ‫الرئيس المصري الراحل أنور السادات في أواخر‬ ‫السبعينات‪ ،‬وحرصت فيها المخابرات األميركية على‬ ‫أن تتم في سرية تامة‪ ،‬من دون علم السادات واألجهزة‬ ‫األمنية المصرية‪.‬‬

‫األميركية وجهاز المباحث الفيدرالية ووزارة الدفاع‬ ‫والخارجية والبيت األبيض‪ ،‬وأكاديمية الحرب العسكرية‬ ‫األميركية‪ ،‬وذلك في كتابه «أسرار السادات» الصادر‬ ‫مؤخرا عن دار أخبار اليوم المصرية في ‪ 350‬صفحة‬ ‫من القطع المتوسط‪ ،‬متضمنة صورا ضوئية من تلك‬ ‫الوثائق السرية‪ ،‬ونفذت أولى طبعات الكتاب خالل ‪48‬‬ ‫ساعة من الصدور‪.‬‬

‫وتكشف الوثائق المخابراتية السرية عن أن الواليات رؤساء متورطون!‬

‫المتحدة األميركية كانت تنفق وقتها ‪ 15‬مليون‬ ‫دوالرسنويا‪ ،‬لتحليل معلومات حماية الرئيس السادات‪،‬‬ ‫وهي تفوق ميزانية حماية الرئيس اإلسرائيلي نفسه‪.‬‬ ‫على الرغم مما يشاع عن المخابرات األميركية من قدرة‬ ‫على معرفة وفهم كل شيء في عالمنا‪ ،‬إال أنه لم يكن‬ ‫يسيرا على «سي آى إيه» كشف خبايا شخصية السادات‪.‬‬ ‫فحينما تولى رئاسة مصر كلفت اإلدارة األميركية‬ ‫مخابراتها بتحليل شخصية السادات‪ ،‬ومعرفة سماته‬ ‫الشخصية بدقة‪ ،‬حتى يتسنى لهم اختيار الطريقة المثلى‬ ‫للتعامل معه‪ ،‬استغرق األمر عامين من الجهد المرهق‬ ‫لجهاز المخابرات األميركية للوصول إلى هدفه‪ ،‬لدرجة‬ ‫أنهم اضطر لتطوير طريقة جديدة في العمل المخابراتي‬ ‫لعرض المعلومات‪ ،‬ظلت تدرس تحت اسم «السادات»‪.‬‬ ‫وال شك أن العالقة بين الرئيس السادات والواليات‬ ‫المتحدة األميركية تظل لغزا كبيرا ينطوي على أسرار‬ ‫كثيرة ومحورية‪ ،‬ترتبط بالعديد من القضايا المهمة‬ ‫والحساسة التي مازال بعضها في طي الكتمان يقبع‬ ‫في ملفات تحمل عالمة «سري للغاية»‪ .‬إال أن الكاتب‬ ‫توحيد مجدي نجح في كشف بعض تلك األسرار من‬ ‫خالل قراءته وتحليله لخمسة آالف وثيقة أميركية تحمل‬ ‫«سري للغاية» من واقع أرشيفات وكالة المخابرات‬ ‫‪64‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫عالقة الرئيس جمال عبد الناصر بعمر التلمساني‬ ‫مرشد اإلخوان الثالث في تاريخ الجماعة‪ ،‬وتفاصيل‬ ‫المفاوضات السرية بينه وبين الموساد اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫وحكاية الفنانة المصرية الجاسوسة التي تسببت في نكسة‬ ‫‪ 5‬يونيو بكشفها معلومة عسكرية خطيرة إلسرائيل‪.‬‬ ‫وسبب قيام المخابرات األميركية بالكشف على جثة‬ ‫جمال عبد الناصر‪ ،‬وخطة شبكة الجواسيس الروسية‬ ‫لقلب نظام الحكم في مصر‪ ،‬وواقعة إشهارمسدس صدام‬ ‫حسين في مواجهة الرئيس حسني مبارك‪ ،‬وحقيقة إطالع‬ ‫أميركا لمبارك على تفاصيل خطة اغتيال السادات قبل‬ ‫تنفيذها وإخفائه معلومات عن األجهزة المصرية‪،‬‬ ‫وتفاصيل تورط الرئيس السوري الراحل حافظ األسد‬ ‫في اغتيال األديب المصري الشهير يوسف السباعي‪،‬‬ ‫وتهديد معمر القذافي الراحل للسادات بضرب السد‬ ‫العالي والقاهرة بثالثة رؤوس نووية من ليبيا‪ ،‬ورشوة‬ ‫الرئيس السوداني الراحل جعفر نميري لتهريب يهود‬ ‫الفالشا إلسرائيل‪ ،‬وكواليس ضرب إسرائيل للمفاعلين‬ ‫النوويين العراقيين بمساعدة إيرانية!‪ ..‬تلك كلها بعض‬ ‫من األسرار التي يكشف المؤلف تفاصيلها الدقيقة في‬ ‫كتابه من واقع الوثائق المخابراتية األميركية التي‬

‫استطاع الحصول عليها وتحليل ما فيها‪.‬‬

‫تصفية عبد الناصر!‬ ‫على الرغم من أن الكتاب يحمل اسم «أسرار السادات»‬ ‫إال أنه ال يقتصر على تلك األسرار ذات الصلة المباشرة‬ ‫به‪ ،‬وإنما يتطرق إلى األسرارالسياسية للفترات التي‬ ‫عاصرها السادات أو كانت معاصرة لبداية حكمه‪ .‬ومن‬ ‫بين الوثائق األميركية السرية التي يتضمنها الكتاب‪،‬‬ ‫وثائق خاصة بـ»خطة إسقاط الدولة المصرية» ما بين‬ ‫‪ 1966‬و‪ ،1972‬وهي الفترة التي ذاع فيها الحديث‬ ‫عن مشروع طاقة نووية بمصر‪ ،‬من خالل اإلعالن‬ ‫عن تعاون مصري سوفياتي مع ألمانيا الشرقية آنذاك‪،‬‬ ‫ووقتها قامت الدنيا ولم تقعد في أميركا‪ ،‬حيث جرى‬ ‫هناك اجتماع على أعلى مستوى ضم ‪ -‬وفقا للوثائق‬ ‫التي كشفها الكتاب ‪ -‬أقسام البحوث والمعلومات في‬ ‫وكالة المخابرات األميركية ومخابرات وزارة الدفاع‬ ‫وجهاز األمن القومي األميركي‪ ،‬ومساعد مدير وكالة‬ ‫الطاقة الذرية‪ ،‬ودارت مناقشات ساخنة انتهت إلى‬ ‫قرارات خطيرة تتعلق بخطة مواجهة المشروع النووي‬ ‫المصري تبدأ بمجموعة من السياسات المعرقلة لناصر‬ ‫ومشروعه‪ ،‬منها تمويل معارضيه باليمن‪ ،‬والضغط‬ ‫على الدول الغربية الموالية لناصر لتعطيل وصول‬ ‫معوناتها لمصر‪ .‬وتم تحديد موعد أقصاه عام ‪1969‬‬ ‫إلثناء ناصر عن المشروع النووي‪ ،‬واتفق على أنه‬ ‫في حالة استمراره‪ ،‬فإن الحل الوحيد آنذاك سيكون هو‬ ‫تصفية جمال عبد الناصر‪ ،‬الذي جاءت وفاته بشكل‬ ‫مفاجئ في سبتمبر‪ 1970‬في ظروف غامضة‪ ،‬دفعت‬ ‫رجال المخابرات األميركية لالنتقال للقاهرة سريعا‬ ‫لفحص جثمانه قبيل الدفن‪ ،‬بعد إقناع السادات للسيدة‬ ‫تحية زوجة عبد الناصر بالكشف على جثمان الرئيس‪.‬‬


‫المأساوي الذي خلفه النظام االستبدادي السابق في ألمانيا‪.‬‬ ‫ظهرت ألمانيا الحديثة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر‬ ‫موحدة بقرار أعلى تحت رعاية أقوى والياتها بروسيا المحافظة‬ ‫العسكرية‪ .‬كانت الحكومة تحت سلطة مستشار يخضع لملكية‬ ‫وراثية يحكمها قيصر بدال من الشعب‪ ،‬وكان هناك غرفتان‬ ‫تشريعيتان إحداهما عليا يسودها محافظون من بروسيا وأخرى‬ ‫دنيا تشكلها انتخابات عامة‪.‬‬ ‫لم يكن المستشار في حاجة إلى تأييد شعبي لكي يظل في‬ ‫السلطة‪ ،‬ولكن كان المطلوب منه تمرير تشريعات رئيسية‪.‬‬ ‫قدم هذا النظام االستبدادي الناعم أو المختلط حوافز قوية‬ ‫للحكام الستغالل السياسة من أجل كسب ما يرغبون فيه مع‬ ‫اإلبقاء على معارضيهم فاقدين للتوازن وفي موقع الدفاع‪.‬‬ ‫أتقن أوتو فون بسمارك ‪ -‬الذي عمل مستشارا لمدة تقارب‬ ‫العقدين ‪ -‬هذه الموازنة من خالل جمع تحالف محافظ معارض‬ ‫للديمقراطية مكون من الطبقة األرستقراطية من اليونكرز‬ ‫المالكين لألراضي ورواد الصناعات الثقيلة‪ ،‬وتقسيم وقمع‬ ‫وتشويه صورة معارضيه من الكاثوليك واالشتراكيين وتعميق‬ ‫الخالفات في جميع أنحاء البالد‪.‬‬ ‫كما كان لسياسة «أعداء الدولة» التي اتبعها بسمارك تأثير‬ ‫ضار على القومية األلمانية‪ ،‬حيث ساعدت على تعزيز فكرة‬ ‫مواجهة ألمانيا للمخاطر من الداخل باإلضافة إلى الخارج‪.‬‬ ‫وكانت النتيجة أن ألمانيا اتحدت سياسيا ولكن ازداد انقسامها‬ ‫اجتماعيا‪ ،‬مع شعور مشوه باالنتماء‪ ،‬وشعور بالشك في الداخل‬ ‫باإلضافة إلى األعداء الخارجيين‪ ،‬وارتفاع مستويات اإلحباط‬ ‫والتطرف (حيث أثبتت الحكومة غير الديمقراطية عجزها أو‬ ‫عدم رغبتها في االستجابة لالحتياجات والمطالب الشعبية)‪.‬‬ ‫وهكذا عندما حدث التحول الكامل إلى الديمقراطية في النهاية‬ ‫في أعقاب هزيمة ألمانيا عام ‪ ،1918‬تحمل النظام الجديد العديد‬ ‫من الموروثات المعطلة من سابقه‪ ،‬من بينها لوم مزيف متعمد‬ ‫بسبب خسارة الحرب وجميع التبعات السياسية واالقتصادية‬ ‫والنفسية التي نشأت عنها‪.‬‬ ‫في ألمانيا‪ ،‬كما في فرنسا وإيطاليا‪ ،‬على الرغم من فشل التجربة‬ ‫الديمقراطية األولى الذريع‪ ،‬فإن لها آثارا إيجابية كبرى في‬ ‫المستقبل‪ .‬عندما سنحت فرصة أخرى بتحقيق الديمقراطية مع‬ ‫جيل الحق‪ ،‬كان هناك الكثير الذي يمكن االعتماد عليه‪ ،‬وتمت‬ ‫استعادة كل شيء من أحزاب سياسية إلى حكومات وطنية‬ ‫ومحلية إلى منظمات مجتمع مدني من الرماد‪.‬‬ ‫ساعدت تجربة فايمر النخب السياسية الحقا على ضمان عدم‬ ‫تكرار أخطاء الماضي‪ ،‬مع االستفادة من دروسها في كتابة‬ ‫الدساتير وبناء دولة الرخاء والعالقات بين صاحب العمل‬ ‫والموظف والسلوك السياسي عامة‪ .‬أثبتت فترة ما بين الحربين‬ ‫وما بعدها أنها ليست منعطفا بل مرحلة مهمة في صراع أوروبا‬ ‫طويل األجل من أجل بناء أنظمة ديمقراطية ليبرالية مستقرة‪.‬‬ ‫سوف يتحسن الوضع‬ ‫ماذا تعني مثل هذه النماذج للربيع العربي؟ تعني أن المشاكل‬ ‫الواضحة في مصر والدول األخرى التي تمر بمراحل انتقالية‬ ‫اليوم طبيعية للغاية ومتوقعة‪ ،‬وأنها في األساس أخطاء األنظمة‬ ‫المستبدة القديمة وليست األطراف الديمقراطية الجديدة‪ ،‬وأنه‬ ‫من المؤكد أن نهاية االستبداد وتجربة الحكم الديمقراطي‬ ‫ستعتبر خطوات كبرى نحو األمام في تاريخ التطور السياسي‬ ‫لهذه الدول‪ ،‬حتى وإن ساءت األوضاع قبل أن تتحسن في‬ ‫النهاية‪.‬‬

‫تعرضت معظم الدول التي أصبحت ديمقراطيات ليبرالية‬ ‫مستقرة اليوم لفترات عصيبة للغاية حتى تحقق ذلك‪ .‬وحتى‬ ‫النماذج التي أحيانا ما يضرب بها المثل في التحول الديمقراطي‬ ‫المبكر أو السهل مثل إنجلترا والواليات المتحدة واجهت مشاكل‬ ‫أكثر كثيرا مما يذكر‪ ،‬مع خوضها حروبا أهلية شاملة‪.‬‬ ‫وكما لم تعن هذه المشاكل أن الديمقراطية خطأ أو مستحيلة في‬ ‫أميركا الشمالية أو غرب أوروبا‪ ،‬كذلك ال تعني المشاكل التي‬ ‫تتعرض لها الديمقراطيات العربية الناشئة خطأ الديمقراطية أو‬ ‫استحالة تحقيقها في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫في الماضي والحاضر‪ ،‬معظم المشاكل التي تواجهها األنظمة‬ ‫الديمقراطية الجديدة موروثة‪ .‬وليس بالضرورة أن تتسبب‬ ‫الديمقراطية أو تفاقم من الصراع المجتمعي واإلحباط‪ ،‬ولكنها‬ ‫تسمح للشك والمرارة المتراكمين في ظل األنظمة المستبدة‬ ‫بالخروج إلى السطح‪ ،‬مما يؤدي أحيانا إلى نتائج مؤسفة‪.‬‬ ‫ولكن الحنين إلى عودة استقرار النظام المستبد هو الرد الخاطئ‬ ‫على مثل هذه المشاكل‪ ،‬حيث إن اآلفات المتأصلة في االستبداد‬ ‫هي التي تسببت في وجود المشاكل الكامنة من األصل‪.‬‬ ‫يخبرنا التاريخ أن المجتمعات ال تستطيع التغلب على مشاكلها‬ ‫إال إذا واجهتها مباشرة‪.‬‬ ‫وال تعد اإلطاحة بنظام‬ ‫طويال‬ ‫دام‬ ‫مستبد‬ ‫نهاية عملية التحول‬ ‫الديمقراطي‪ ،‬بل هي‬ ‫البداية‪ .‬وحتى التجارب‬ ‫الفاشلة‬ ‫الديمقراطية‬ ‫تعتبر مراحل إيجابية‬ ‫حرجة في مسار التطور‬ ‫السياسي الذي تخوضه‬ ‫الدول‪ ،‬وهي العصور‬ ‫التي تبدأ فيها البالد‬ ‫في اقتالع الموروثات‬ ‫االجتماعية والثقافية واالقتصادية المعادية للديمقراطية في‬ ‫الماضي‪ .‬يفسر كثير من المراقبين المشاكل واالنتكاسات‬ ‫كإشارات على عدم احتمالية تحقيق نتيجة ديمقراطية مستقرة‬ ‫في النهاية‪.‬‬ ‫ولكن هذه األحداث العنيفة والمأساوية مثل الثورة الفرنسية‬ ‫وسقوط الديمقراطية اإليطالية واأللمانية في فترة ما بين‬ ‫الحربين العالميتين والحرب األهلية األميركية‪ ،‬ليست دليال‬ ‫على أن الدول محل الحديث لن تستطيع إقامة ديمقراطيات‬ ‫ليبرالية والحفاظ عليها‪ ،‬بل هي أجزاء مهمة من العملية التي‬ ‫يمكن من خاللها لهذه الدول تحقيق مثل هذه النتيجة‪.‬‬ ‫يمكن الجزم بأن التشاؤم واسع االنتشار بشأن مصير الربيع‬ ‫العربي في غير محله‪ .‬بالطبع يضم الشرق األوسط مزيجا‬ ‫فريدا من الخصائص الثقافية والتاريخية واالقتصادية‪ .‬ولكن‬ ‫كذلك تتسم جميع المناطق‪ ،‬وال يوجد سبب قوي لكي نتوقع أن‬ ‫يصبح العالم العربي استثناء دائما لقواعد التطور السياسي‪.‬‬ ‫شهد عام ‪ 2011‬فجر عصر جديد واعد للمنطقة‪ ،‬وسوف ينظر‬ ‫إليه في المستقبل كنقطة تحول تاريخية فاصلة‪ ،‬حتى على‬ ‫الرغم من االضطرابات‪ .‬سوف يصبح منتقدو الديمقراطية‬ ‫المحافظون على خطأ هذه المرة‪ ،‬تماما كما كانوا في حالة‬ ‫فرنسا وإيطاليا وألمانيا وكل دولة أخرى افترضوا أنها أفضل‬ ‫حاال في ظل الطغيان‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير‪ -‬شباط ‪63 - 2013/‬‬

‫تعر�ضت معظم الدول التي �أ�صبحت‬ ‫دميقراطيات ليربالية م�ستقرة اليوم‬ ‫لفرتات ع�صيبة للغاية‪ .‬وحتى النماذج‬ ‫التي �أحيانا ما ي�ضرب بها املثل يف‬ ‫التحول الدميقراطي املبكر �أو ال�سهل‬ ‫واجهت م�شاكل �أكرث كثريا مما يذكر‬


‫صحافة عالمية‬

‫األول) عام ‪ ،1922‬حقق معارضو الديمقراطية ما تمنوه‬ ‫عندما أنهى الملك اإليطالي‪ ،‬بمطالبة من المحافظين‪ ،‬التجربة‬ ‫الديمقراطية وسلم البالد إلى الزعيم النشط في اليمين المتطرف‬ ‫بينيتو موسوليني‪.‬‬ ‫القى التحول إلى الفاشية ترحيب الكثيرين داخل إيطاليا‬ ‫وخارجها ممن اعتقدوا أن النظام الديكتاتوري قدم فرصة‬ ‫أفضل لتوفير االستقرار والتنمية التي تحتاج إليها البالد بشدة‪.‬‬ ‫ساعدت األعوام األولى في حكم موسوليني على تعزيز شهرته‬ ‫وشعبيته‪ .‬ولكن كان هذا الثناء في غير موضعه‪ .‬كان النظام‬ ‫الديمقراطي قصير األجل أكثر جاذبية من الفترة الفاشية التي‬ ‫جاءت بعده‪ ،‬عالوة على أن مشاكله تسبب بها في الغالب ما‬ ‫سبقه من نظام غير ديمقراطي‪ ،‬الذي عمد إلى تقسيم واستغالل‬ ‫الشعب اإليطالي ورفض السماح بالتعبير المعتاد عن المطالب‬ ‫الشعبية‪.‬‬ ‫قبل ذلك بعدة عقود‪ ،‬كانت شبه الجزيرة اإليطالية تضم عددا‬ ‫كبيرا من األقاليم المنفصلة ذات التواريخ السياسية واالجتماعية‬ ‫واالقتصادية والثقافية المختلفة‪ .‬وكان سوء شبكات المواصالت‬ ‫وعدم وجود لغة مشتركة يعني أن معظم سكان المنطقة ال‬ ‫يعرفون وال يأبهون‬ ‫كثيرا لبعضهم البعض‪.‬‬ ‫وعندما حدثت الوحدة‪،‬‬ ‫في الستينيات من‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬لم‬ ‫يكن ذلك ثمرة انتفاضة‬ ‫شعبية جماهيرية‪ ،‬بل‬ ‫قرارات فوقية قام بها‬ ‫قادة بييمونتي‪ ،‬أقوى‬ ‫إقليم في شبه الجزيرة‪.‬‬ ‫فرض حكام بييمونتي‬ ‫ما كان بالضرورة‬ ‫نظاما سياسيا أجنبيا‬ ‫(خاصا بهم) على بقية المناطق‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬واجهت الدولة‬ ‫اإليطالية الجديدة مقاومة فورية من المجتمعات التي شعرت‬ ‫باستعمار واستغالل بييمونتي ومن الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬التي‬ ‫رفضت فكرة وجود سلطة علمانية عليا تحكم حياة اإليطاليين‪.‬‬ ‫في ظل افتقاد القدرة وربما الرغبة في الحصول على تأييد‬ ‫الجماهير‪ ،‬حكمت النخبة السياسية اإليطالية البالد عن طريق‬ ‫نظام أصبح يعرف باسم «تراسفورميزمو»‪ ،‬والذي تضمن‬ ‫إدماج الجماعات المفضلة في النظام السياسي عن طريق نظام‬ ‫الغنائم‪ .‬وكان أفضل من طبق هذه الطريقة هو جيوفاني جوليتي‬ ‫الذي تولى منصب رئيس وزراء إيطاليا عدة مرات ما بين‬ ‫عامي ‪ 1892‬و‪ ،1921‬والذي استخدم منح أو منع محاباة الدولة‬ ‫وصفقات ما خلف الكواليس في مكافأة أو معاقبة دوائر انتخابية‬ ‫رئيسية‪ .‬بمعنى أن الفساد المؤسسي كان كامنا في صميم الدولة‬ ‫اإليطالية منذ مرحلة مبكرة‪ ،‬مما كان له تبعات جسيمة بالنسبة‬ ‫لنمو البالد السياسي في مراحل تالية‪.‬‬ ‫من الواضح أن المؤسسات الرسمية في السياسة اإليطالية في‬ ‫نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين – من انتخابات‬ ‫وبرلمان – لم تكن صاحبة السلطة السياسية الحقيقية في البالد‪،‬‬ ‫لذلك فقدت العديد من مجموعات المجتمع اإليطالي االهتمام بها‬ ‫وبدأت تشكل تنظيمات خارجها بل وحتى ضدها‪ .‬باإلضافة إلى‬ ‫ذلك‪ ،‬أسفر اإلقصاء التعسفي لمجموعات معينة من السلطة عن‬

‫بدال من الفخر املنت�شر ب�أن‬ ‫الدميقراطية و�صلت �أخريا �إىل‬ ‫املنطقة‪ ،‬ي�سمع املرء الآن نربات‬ ‫الت�شا�ؤم ب�ش�أن العديد من العقبات‬ ‫الواقعة يف الطريق‪ ،‬واخلوف مما‬ ‫�سيحدث بعد ذلك‬

‫حالة من االستياء واإلحباط‪ .‬ونظرا ألن النظام السياسي لم يكن‬ ‫مستجيبا للمخاوف والمطالب الشعبية‪ ،‬لم تكن االنقسامات داخل‬ ‫المجتمع اإليطالي تحظى بمعالجة مستمرة أو فعالة‪.‬‬ ‫يعني كل ذلك أنه عندما حدث التحول الكامل إلى الديمقراطية‬ ‫في النهاية‪ ،‬بدأ النظام الجديد في مواجهة عدد كبير من‬ ‫المشاكل‪ .‬بطريقة أخرى‪ ،‬ال ترجع الفوضى والصراعات‬ ‫وأعمال العنف التي عانت منها إيطاليا في األعوام التي سبقت‬ ‫وصول موسوليني إلى السلطة إلى الديمقراطية (كما ادعى‬ ‫النقاد) بل إلى فترة سابقة لها‪ .‬كانت المرحلة الفاشية الفاصلة‬ ‫في البالد خطوة إلى الخلف بدال من أن تتقدم بها إلى األمام‪،‬‬ ‫وعندما تمت استعادة الديمقراطية اإليطالية بعد الحرب العالمية‬ ‫الثانية‪ ،‬استطاعت االستفادة من تجربتها والبدء من حيث توقفت‬ ‫التجربة الديمقراطية‪.‬‬ ‫ألمانيا النموذجية‬ ‫انتقلت ألمانيا إلى الديمقراطية في الموجة الديمقراطية التي‬ ‫اجتاحت أوروبا بعد الحرب العالمية األولى‪ ،‬كانت جمهورية‬ ‫فايمر الشابة أيضا مثقلة منذ والدتها بالصراع االجتماعي‬ ‫وعدم االستقرار السياسي والتطرف‪ .‬وفي غضون أشهر من‬ ‫تأسيس الجمهورية‪ ،‬أعلن الشيوعيون المحليون قيام جمهورية‬ ‫سوفياتية في بافاريا‪ ،‬التي سريعا ما أسقطتها ميليشيات‬ ‫يمينية تسمى «فريكوربس» غير الخاضعة لسيطرة الحكومة‬ ‫المركزية‪ .‬استمرت بعدها هذه الميليشيات في أعمال الشغب‬ ‫وعمليات االغتيال ومظاهرات عنيفة وأخيرا دعم محاولة‬ ‫انقالب في عام ‪ ،1920‬تبعت ذلك انتفاضات يمينية أخرى من‬ ‫بينها محاولة انقالب بير هول الشهيرة التي قام بها هتلر عام‬ ‫‪ ،1923‬وكذلك كانت هناك حاالت تمرد من اليسار‪ .‬فوق كل‬ ‫ذلك‪ ،‬تسبب عجز الحكومة عن سداد الديون في عام ‪1923‬‬ ‫في استيالء البلجيكيين والفرنسيين على الرور‪ ،‬مما تسبب في‬ ‫التضخم الكبير الذي أدى إلى تدمير الطبقات الوسطى األلمانية‬ ‫ونزع الشرعية عن الحكومة ومؤسسات سياسية عامة أخرى‪.‬‬ ‫تحقق قدر من االستقرار في أواخر العشرينيات من القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬ولكن لم تجد الجمهورية وقتا اللتقاط األنفاس قبل‬ ‫أن يحل بها الكساد الكبير‪ .‬وعندما أصيبت القوى السياسية‬ ‫الرئيسية بالتخبط في مواجهة كارثة اقتصادية وسياسية‬ ‫وشيكة‪ ،‬استطاع المتطرفون التقدم‪ ،‬وفي خريف عام ‪،1932‬‬ ‫أصبح الحزب النازي أكبر حزب في البالد‪ ،‬بعد أن خاض‬ ‫االنتخابات ببرنامج يجمع بين الهجوم على الديمقراطية‬ ‫ووعود بمعالجة مشاكل الرأسمالية ومداواة االنقسامات‬ ‫االجتماعية في البالد‪ .‬في يناير (كانون الثاني) عام ‪،1933‬‬ ‫عرض على هتلر منصب المستشارية‪ ،‬حينها كتبت نهاية‬ ‫تجربة ألمانيا الديمقراطية‪.‬‬ ‫في تكرار للمخاوف والتحليالت التي قدمها بيرك وآخرون‪،‬‬ ‫ادعت حشود من النقاد المحافظين أن فايمر وغيرها من‬ ‫التجارب الديمقراطية في فترة ما بين الحربين أظهرت أن‬ ‫الديمقراطية والمشاركة السياسية الجماهيرية عامة تعتبر‬ ‫كوارث على وشك الوقوع‪ .‬وادعوا أن األنظمة السياسية‬ ‫المستبدة التي يحكمها قائد قوي تستطيع أن تضمن النظام‬ ‫واالنضباط وتجنب الصراع االجتماعي وعدم االستقرار‬ ‫السياسي واإلباحية األخالقية‪ .‬ولكن مرة أخرى‪ ،‬كان هؤالء‬ ‫النقاد مخطئين‪ .‬لم يكن مصير فايمر متعلقا بأي مشاكل متأصلة‬ ‫في الديمقراطية أو ما سماه الكاتب اإلسباني خوسيه أورتيغا‬ ‫واي غاست «الرجل الجماهيري» بقدر ما يتعلق باإلرث‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير‪ -‬شباط ‪62 - 2013/‬‬


‫أفضل‪ .‬تتطلب الديمقراطية الليبرالية المستقرة أكثر من مجرد‬ ‫تحول في األنماط السياسية‪ ،‬فهي تتضمن أيضا التخلص من‬ ‫موروثات النظام السابق االجتماعية والثقافية واالقتصادية‬ ‫المعادية للديمقراطية‪ .‬يستغرق مثل هذا العمل فترة كبيرة للغاية‬ ‫وجهدا هائال‪ ،‬عبر محاوالت متعددة‪ .‬على الجانب التاريخي‪،‬‬ ‫كانت معظم المراحل االنتقالية األولية بدايات لعملية التحول‬ ‫الديمقراطي‪ ،‬وليست نهايتها‪ ،‬وهو ما يوضحه التاريخ المعذب‬ ‫لألنظمة الديمقراطية الناضجة في الوقت الحاضر‪.‬‬ ‫الدروس الفرنسية‬ ‫نأخذ على سبيل المثال فرنسا‪ .‬كما القت أحداث الربيع العربي‬ ‫والموجات األخرى الحديثة من عمليات التحول الديمقراطي‬ ‫العالمي ابتهاجا من المراقبين حول العالم‪ ،‬كذلك كان رد الفعل‬ ‫على سقوط الديكتاتورية الوراثية في فرنسا عام ‪ .1789‬في‬ ‫قصيدة «المقدمة»‪ ،‬ذكر الشاعر ويليام ووردزوورث الفترة‬ ‫التي شعرت فيها أوروبا «بالبهجة‪ ،‬وكانت فرنسا تقف على‬ ‫قمة العصور الذهبية‪ ،‬وبدت الطبيعة البشرية وكأنها ولدت من‬ ‫جديد»‪ .‬وعلى الرغم من التفاؤل الذي سرى في البداية‪ ،‬سريعا‬ ‫ما دخلت المرحلة االنتقالية إلى مسار ملتو‪ .‬في عام ‪،1791‬‬ ‫مع إعالن الملكية الدستورية‪ ،‬أقدمت فرنسا على أول محاولة‬ ‫لوضع نظام سياسي جديد‪ ،‬ولكن تم رفض هذا النظام السياسي‬ ‫المعتدل من قبل كل من الرجعيين والراديكاليين‪ .‬وسريعا‬ ‫ما أصبح للفريق الثاني اليد العليا‪ .‬وفي عام ‪ ،1793‬أعدموا‬ ‫الملك وأعلنوا قيام الجمهورية مع حق االقتراع العام وااللتزام‬ ‫بنطاق واسع من الحقوق المدنية والسياسية‪ .‬بعد ذلك انزلقت‬ ‫أول ديمقراطية حديثة في أوروبا سريعا إلى ما يسمى حكم‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬حيث أعدم ما بين ‪ 20.000‬إلى ‪ 40.000‬شخص‬ ‫بسبب ممارستهم أنشطة «مناهضة للثورة»‪.‬‬ ‫كان المُنظر السياسي البريطاني إدموند بيرك الوحيد بين‬ ‫أشهر النقاد المحافظين الذي قال إن هذه الخبرات توضح‬ ‫مخاطر التغيير السياسي الراديكالي والحاجة إلى وجود نخبة‬ ‫ومؤسسات تكبح جماح مشاعر الجماهير‪ .‬ولكن كان بيرك‬ ‫والنقاد اآلخرون مخطئين‪ .‬لم يكن الصراع والفوضى والعنف‬ ‫الذي تبع الثورة الفرنسية نتيجة حتمية للديمقراطية في حد ذاتها‬ ‫أو بسبب عدم نضوج الجماهير الفرنسية‪ ،‬بل نتاج الطريقة التي‬ ‫كان يحكم بها النظام الديكتاتوري السابق‪.‬‬ ‫كان النظام السابق في فرنسا يعتمد على تحالف بين الملك‬ ‫وشريحة ضيقة من المجتمع معظمها من النبالء‪ .‬ومن أجل‬ ‫الحفاظ على تأييد الطبقة األرستقراطية كان الملوك الفرنسيون‬ ‫يجزلون لهم العطايا المالية واالمتيازات ومن بينها المنح‬ ‫والمحاباة ومعاملة قانونية خاصة والفرص التجارية المربحة‬ ‫واإلعفاء من الضرائب‪ .‬سمح هذا آلل بوربون بتحقيق االستقرار‬ ‫في البالد وتبني دولة حديثة مركزية‪ .‬ولكنه خلق أيضا إدراكا‬ ‫شعبيا واسع االنتشار بأن النبالء الفرنسيين طفيليون يستنزفون‬ ‫موارد الدولة في حين يستغلون الفالحين‪.‬‬ ‫في إيجاز‪ ،‬اعتمد النظام الفرنسي القديم على قاعدة اجتماعية‬ ‫شديدة الضيق‪ ،‬مع بقاء الملك والنبالء في تحالف سيئ أدى‬ ‫إلى استياء وصراع بين الطبقات األدنى والقطاعات المميزة‬ ‫في المجتمع‪ .‬كما أشار الباحث هيلتون روت‪ ،‬أسفر ذلك عن‬ ‫«مجتمع منقسم إلى مجموعات مغلقة تنظر إلى ذاتها»‪ ،‬وأفراد‬ ‫هذه المجموعات‪ ،‬الذين يصفهم أليكسيس دي توكفيل نقال عن‬ ‫أحد وزراء لويس السادس عشر يملكون «روابط قليلة للغاية‬ ‫بين بعضهم البعض إلى درجة أن كل فرد يفكر فقط في مصالحه‬

‫وال يوجد أي أثر لوجود أدنى شعور بالمصلحة العامة»‪.‬‬ ‫بحلول النصف الثاني من القرن الثامن عشر‪ ،‬وإلى حد كبير‬ ‫بسبب الحروب المكلفة والكارثية‪ ،‬كانت الدولة الفرنسية تعاني‬ ‫من تعثر مالي خطير‪ .‬وفي ظل عدم الرغبة في رفع الضرائب‬ ‫على األثرياء المفضلين‪ ،‬لجأ النظام إلى مزيد من االقتراض‪،‬‬ ‫وفي الثمانينيات من القرن الثامن عشر‪ ،‬أصبح من غير الممكن‬ ‫تحمل عبء هذه الديون‪ .‬وعندما أجبر الملك في النهاية على‬ ‫استدعاء البرلمان في عام ‪ 1789‬في محاولة لمعالجة مشاكل‬ ‫البالد‪ ،‬طفحت الصراعات التي طالما دارت تحت السطح داخل‬ ‫وبين المجموعات االجتماعية االقتصادية المختلفة‪ ،‬وأصبحت‬ ‫فرنسا على أول الطريق المؤدي إلى الثورة واالضطراب‬ ‫التالي لها‪.‬‬ ‫إذا كانت التجربة الديمقراطية الفرنسية األولى قد فشلت‪،‬‬ ‫فإنها حققت إسهاما كبيرا في التشكيل النهائي لنظام ديمقراطي‬ ‫ليبرالي مستقر‪ .‬على الجانب االقتصادي‪ ،‬وضعت الثورة محل‬ ‫نظام المحاباة الذي اعتمد على طبقية شبه إقطاعية نظام سوق‬ ‫يعتمد على الملكية الخاصة والمساواة أمام القانون‪ .‬أما على‬ ‫الجانب االجتماعي‪ ،‬فقد استبدلت الثورة بالمجتمع الذي يقوم‬ ‫على أساس مجموعات‬ ‫وراثية مختلفة وظيفيا‬ ‫وفالحين‬ ‫(نبالء‬ ‫وغيرهم) شعبا يتكون‬ ‫من مواطنين متساوين‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بالجانب‬ ‫السياسي‪ ،‬غيرت الثورة‬ ‫المواقف الشعبية إلى‬ ‫مواطنة وحقوق وحكم‬ ‫شرعي‪ .‬وسارعت كثيرا‬ ‫بتحديث الدولة وتغيير‬ ‫الترتيبات‬ ‫فوضى‬ ‫المحلية واإلقطاعيات إلى نظام بيروقراطي ونظام ضرائب‬ ‫وطنيين‪ .‬باختصار‪ ،‬تحولت الثورة وما جاء في أعقابها إلى‬ ‫الخطوات األولى الحرجة في صراع دام لمدة قرن ونصف‬ ‫القرن من أجل التخلص من النظام البائد وإقامة دولة أفضل‬ ‫وأكثر ديمقراطية محله‪.‬‬ ‫العملية اإليطالية‬ ‫في الوقت ذاته‪ ،‬تحولت إيطاليا إلى الديمقراطية قبل الحرب‬ ‫العالمية األولى مباشرة‪ .‬كان النظام الجديد يعاني من صراع‬ ‫اجتماعي وعدم استقرار سياسي منذ البداية‪ ،‬وتفاقمت المشاكل‬ ‫في أعقاب الحرب العصيبة‪ .‬في عامي ‪ ،1920 - 1919‬غادر‬ ‫‪ 1.3‬مليون عامل حضري وصناعي أعمالهم وأعلنوا توليهم‬ ‫مسؤولية المصانع بدال من المالك والمديرين‪ .‬ولكن ربما‬ ‫كان الوضع في المناطق الريفية أكثر فوضى‪ ،‬حيث استولى‬ ‫الفالحون والعمال الزراعيون على األراضي غير المأهولة أو‬ ‫غير المستغلة وكان رد مالك األراضي هو االستعانة بميليشيات‬ ‫خاصة للسيطرة على الطبقات الدنيا المتمردة‪ .‬كان أكبر حزبين‬ ‫سياسيين في البالد ‪ -‬يمثالن الكاثوليك واالشتراكيين بالترتيب ‪-‬‬ ‫غير قادرين على العمل معا أو االلتزام الواضح بالديمقراطية‪،‬‬ ‫مما جعل من المستحيل تشكيل حكومات فاعلة مستقرة‪ .‬سريعا‬ ‫ما أصيب كثير من اإليطاليين بالسأم من الصراع المستمر‬ ‫وعدم االستقرار السياسي وألقوا باللوم على الديمقراطية ذاتها‬ ‫في المشاكل التي تعاني منها البالد‪ .‬وفي أكتوبر (تشرين‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير‪ -‬شباط ‪61 - 2013/‬‬

‫غالبا ما تخرج الدميقراطية‬ ‫الليربالية فقط يف نهاية طريق‬ ‫طويل وعنيف من ال�صراعات‪ ،‬به‬ ‫العديد من املنحنيات والتحوالت‬ ‫والبدايات اخلاطئة واملنعطفات‬


‫صحافة عالمية‬

‫في يونيو (حزيران) الماضي‪ ،‬عندما حل المجلس العسكري‬ ‫المصري البرلمان وحاول إعادة الساعة إلى الوراء بتفريغ‬ ‫صالحيات الرئيس المدني‪ ،‬كتب كبير محرري الشؤون‬ ‫السياسية في «وول ستريت جورنال»‪« :‬لنأمل أن يفلح ذلك»‪.‬‬ ‫(ولكنه لم يفلح)‪ .‬ولكن جعلت محاولة الرئيس المصري محمد‬ ‫مرسي إحكام قبضته على السلطة في نوفمبر (تشرين الثاني)‬ ‫الماضي هذا الحنين إلى الماضي منتشرا‪.‬‬ ‫هذا التشكك متوقع بقدر ما هو مضلَل‪ .‬تبعت جميع موجات‬ ‫التحول الديمقراطي على مدار القرن الماضي – بعد الحرب‬ ‫العالمية األولى والحرب العالمية الثانية وأثناء ما يسمى بالموجة‬ ‫الثالثة في العقود األخيرة – تيارا قويا تحت السطح صاحبه‬ ‫تشكك منتشر في جدوى الحكم الديمقراطي بل ومدى قبوله‬ ‫في المناطق المعنية‪ .‬وبمجرد أن توقف التقدم السياسي‪ ،‬بدأ‬ ‫رد فعل محافظ في الظهور حينما أخذ المعارضون في النواح‬ ‫بسبب االضطرابات التي صاحبت العصر الجديد‪ ،‬ونظروا إلى‬ ‫الوراء في حزن على االستقرار واألمن المفترض في النظام‬ ‫االستبدادي السابق‪ .‬ربما يأمل المرء في أن تملك الشعوب اآلن‬ ‫معرفة أفضل – أي أنها تفهم أن هكذا يبدو بالفعل التطور‬ ‫السياسي وهكذا كان‬ ‫دائما‪ ،‬في الغرب كما‬ ‫في الشرق األوسط‪،‬‬ ‫وأن الطريق الوحيد‬ ‫أمامها هو الخوض فيه‬ ‫بدال من التراجع إلى‬ ‫الوراء‪.‬‬ ‫أول خطأ يرتكبه النقاد‬ ‫هو التعامل مع األنظمة‬ ‫الديمقراطية الجديدة‬ ‫صفحات‬ ‫وكأنها‬ ‫بيضاء‪ ،‬متجاهلين حجم‬ ‫ما ورثه مصيرها وحركتها بغير اختيار منها‪ .‬وهم يعتبرون‬ ‫االضطرابات وأعمال العنف والفساد أدلة على الخلل الوظيفي‬ ‫الموروث الذي تعاني منه الديمقراطية ذاتها‪ ،‬أو عدم نضج أو‬ ‫عقالنية شعب معين‪ ،‬وليست إشارات على أمراض األنظمة‬ ‫الديكتاتورية السابقة‪ .‬نظرا لما تفتقده األنظمة المستبدة من‬ ‫شرعية شعبية‪ ،‬أحيانا ما تستغل وتعمق الشقاق المجتمعي‬ ‫من أجل تقسيم المعارضين المحتملين وتحقيق دعم لها بين‬ ‫المجموعات المفضلة‪ .‬لذلك حينما يتحقق التحول الديمقراطي‪،‬‬ ‫غالبا ما تنفجر مشاعر الشك والعداء المكبوتة‪ .‬تمارس األنظمة‬ ‫المستبدة الحكم باألمر بدال من اإلجماع‪ ،‬لذلك تلجأ هذه األنظمة‬ ‫إلى قمع المعارضة ومنع إقامة مؤسسات سياسية أو اجتماعية‬ ‫تسمح بالتعبير الطبيعي والسلمي وتنظيم المطالب الشعبية‪.‬‬ ‫وهكذا غالبا ما يعبر المواطنون في األنظمة الديمقراطية الجديدة‬ ‫عن مظالمهم بوسائل غير منظمة ومضطربة‪ ،‬ومن خالل عدد‬ ‫مذهل من األحزاب‪ ،‬وخطاب وسلوكيات متطرفة‪ ،‬ومظاهرات‬ ‫تخرج إلى الشوارع بل وأحيانا تصل إلى االشتباكات‪.‬‬ ‫ظهر كل هذا الحراك في أعقاب الربيع العربي‪ .‬في مصر‬ ‫على سبيل المثال‪ ،‬رفض نظاما أنور السادات وحسني مبارك‬ ‫السماح بإقامة أحزاب سياسية حقيقية أو العديد من مؤسسات‬ ‫المجتمع المدني المستقلة‪ ،‬وهو ما يساعد على تفسير سبب‬ ‫وجود اإلسالم السياسي كقوة سياسية سائدة هناك اآلن‪ .‬كانت‬ ‫المنظمات الدينية من بين المنتديات الوحيدة التي يستطيع‬

‫من امل�ؤكد �أن نهاية اال�ستبداد‬ ‫وجتربة احلكم الدميقراطي �ستعترب‬ ‫خطوات كربى نحو الأمام يف تاريخ‬ ‫التطور ال�سيا�سي‪ ،‬حتى و�إن �ساءت‬ ‫الأو�ضاع قبل �أن تتح�سن يف النهاية‬

‫المواطنون التعبير عن أنفسهم من خاللها أو المشاركة عبرها‬ ‫بفاعلية في حياة مجتمعاتهم‪ ،‬وكذلك عندما سقط مبارك وبدأت‬ ‫المرحلة االنتقالية‪ ،‬كان اإلسالميون وحدهم من يملكون البنية‬ ‫التحتية التي أتاحت لهم حشد المؤيدين بكفاءة‪ .‬وكان تأخر‬ ‫المؤسسات المدنية والسياسية األخرى بدوره يعني أنه بمجرد‬ ‫إسقاط الديكتاتورية‪ ،‬سيصبح هناك عدد قليل من المؤسسات‬ ‫القادرة على توصيل المطالب الشعبية‪ ،‬ناهيك عن االستجابة‬ ‫إليها‪ ،‬وهو ما يوضح االفتقاد الحالي إلى وجود أحزاب سياسية‬ ‫غير إسالمية وميل المصريين إلى الخروج إلى الشوارع‬ ‫للتعبير عن مطالبهم واستيائهم‪ .‬تعكس الخطوة التي اتخذها‬ ‫مرسي في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من أجل التخلص من‬ ‫المراجعة القضائية لقراراته تشككا إسالميا واسعا في المحاكم‬ ‫المصرية‪ ،‬الذي يرجع إلى حد ما إلى غياب سيادة قانون يمكن‬ ‫االعتماد عليها أثناء عهد مبارك‪ ،‬فيما يشبه ما يعكسه عجز‬ ‫القوى المعارضة لمبارك عن العمل معا اليوم من تاريخ منقسم‬ ‫ومسمم في ظل عهد الطغيان السابق‪ .‬وكما صرح وزير العدل‬ ‫المصري أحمد مكي عن الجدل المثار حول التحصين القضائي‪:‬‬ ‫«ألوم المصريين جميعا‪ ،‬ألنهم ال يعرفون كيف يتحدثون مع‬ ‫بعضهم البعض»‪ ،‬وذلك تحديدا كان هدف مبارك‪.‬‬ ‫يمكن سرد قصص مشابهة عن األنظمة الديكتاتورية في الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬في العراق‪ ،‬أوقع صدام حسين عمدا بين مختلف‬ ‫قطاعات شعبه لتصبح في مواجهة مباشرة بين بعضها البعض‬ ‫كوسيلة لربط مجموعات معينة بالنظام وإضعاف أي معارضة‬ ‫ممكنة‪ .‬إضافة إلى القمع الكامل الذي يمارسه النظام ضد نشاط‬ ‫منظمات المجتمع المدني أو المجموعات السياسية الطبيعية‪،‬‬ ‫كان ذلك يعني أن خطوات قليلة فصلت بين العراق والوقوع في‬ ‫فوضى عنيفة بمجرد إسقاط نظام صدام‪ .‬وقد تسببت الواليات‬ ‫المتحدة في تسهيل هذه العملية بعجزها عن المساعدة في إقامة‬ ‫نظام جديد فعال بديال عن النظام السابق‪ .‬وفي ليبيا‪ ،‬كان معمر‬ ‫القذافي يحكم البالد بواسطة نظام ديكتاتوري شخصي غريب‬ ‫خلف البالد تقريبا كأنها بال دولة عقب اإلطاحة به‪ ،‬مما جعل‬ ‫الحكومة الجديدة في طرابلس تصارع من أجل إقامة نظام شامل‬ ‫النطاق‪ .‬وفي سوريا‪ ،‬فضل نظام عائلة األسد الديكتاتوري‬ ‫األقلية العلوية في البالد على حساب المجموعات األخرى في‬ ‫المجتمع‪ ،‬مما هيأ الساحة لوقوع صراع أهلي في الوقت الذي‬ ‫يتفكك فيه نظام األسد‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى إلقاء اللوم على األنظمة الديمقراطية الجديدة‬ ‫بسبب خطايا األنظمة المستبدة السابقة‪ ،‬كان من الغريب أن‬ ‫يضع النقاد معايير مرتفعة للنجاح تفتقد إلى أي منظور تاريخي‪.‬‬ ‫يفسر هؤالء حاالت العنف والفساد واالرتباك وعدم الكفاءة‬ ‫في ما بعد المرحلة االنتقالية كإشارات على أن دوال معينة‬ ‫(أو حتى مناطق أو ديانات كاملة) ليست مستعدة للديمقراطية‪،‬‬ ‫وكأن التحوالت الديمقراطية الطبيعية تؤدي مباشرة وبسالسة‬ ‫إلى نتائج ليبرالية مستقرة‪ ،‬وأنه ال بد من وجود خطأ يتعلق‬ ‫بالدول التي تتعثر في الطريق‪ .‬في الواقع‪ ،‬غالبا ما تخرج‬ ‫الديمقراطية الليبرالية فقط في نهاية طريق طويل وعنيف من‬ ‫الصراعات‪ ،‬به العديد من المنحنيات والتحوالت والبدايات‬ ‫الخاطئة والمنعطفات‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬ال تعد هذه المشاكل آفات بل سمات‪ ..‬ليست‬ ‫إشارات على وجود مشاكل في الديمقراطية ولكنها دليل على‬ ‫عملية صعبة فوضوية من التطور السياسي تتطهر خاللها‬ ‫الشعوب من بقايا نظام ديكتاتوري وتقيم أنظمة ديمقراطية‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير‪ -‬شباط ‪60 - 2013/‬‬


‫في التطور السياسي ال توجد مكاسب من دون مشقة‬

‫حنني إلى املاضي‬

‫زعيم الحزب الفاشي اإليطالي بينيتو موسيليني مع ميليشياته من «القمصان السود» في روما العام ‪1922‬‬

‫بقلم‪ :‬شيري بيرمان*‬

‫بعد عامني من بداية ما �أ�صبح يعرف با�سم الربيع العربي‪ ،‬مل يعد احلدث جديدا‪ .‬تكافح الأنظمة‬ ‫الدميقراطية الوليدة يف �شمال �أفريقيا من �أجل التقدم �أو حتى احلفاظ على ال�سيطرة‪ ،‬وتبقي �إجراءات‬ ‫القمع احلكومي يف بع�ض الدول احلركات الليربالية بعيدة‪ ،‬وتهوي �سوريا �إىل هوة عميقة من احلرب‬ ‫الأهلية التي تهدد ب�إ�شعال منطقة ال�شرق الأو�سط‪ .‬بدال من الفخر املنت�شر ب�أن الدميقراطية و�صلت‬ ‫�أخريا �إىل املنطقة‪ ،‬ي�سمع املرء الآن نربات الت�شا�ؤم ب�ش�أن العديد من العقبات الواقعة يف الطريق‪،‬‬ ‫واخلوف مما �سيحدث بعد ذلك‪ ،‬بل وحنني �صريح �إىل عودة النظام امل�ستبد القدمي‪.‬‬ ‫شيري بيرمان‪ :‬أستاذة العلوم السياسية في كلية برنارد جامعة كولومبيا‪.‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير‪ -‬شباط ‪59 - 2013/‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫بدأ بعض المحتجين األردنيين يشكون من الفساد وارتفاع‬ ‫األسعار والفقر المستشري وارتفاع معدالت البطالة‪ .‬استجابة‬ ‫لذلك‪ ،‬تم تعيين رئيس وزراء جديد وتشكيل لجنتين لدراسة‬ ‫إصالحات انتخابية وتعديالت دستورية ممكنة‪ .‬وفي سبتمبر‬ ‫(أيلول)‪ ،‬تمت الموافقة على تعديالت تمنح القضاء مزيدا من‬ ‫االستقاللية‪ ،‬وتقيم محكمة دستورية ولجنة مستقلة لإلشراف‬ ‫على االنتخابات البلدية والنيابية المقبلة‪ .‬كانت هناك مظاهرات‬ ‫بين حين وآخر‪ ،‬كما هو الحال في أواخر عام ‪ ،2012‬عندما‬ ‫اشتكى المتظاهرون من ارتفاع أسعار الغاز‪ .‬لكن حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬نجحت تنازالت الحكومة المحدودة في تجنب زعزعة‬ ‫االستقرار‪ .‬أسرع وانتظر‬ ‫ال ينبغي أن تبني واشنطن سياستها تجاه الشرق األوسط الكبير‬ ‫على افتراض أن المنطقة تخطو نحو الديمقراطية بسرعة أو‬ ‫على نحو مستدام‪ .‬بل ينبغي على الواليات المتحدة ودول غربية‬ ‫أخرى أن تشجع اإلصالحات الليبرالية‪ ،‬وتدعم المجتمع المدني‪،‬‬ ‫وتقدم المساعدة الفنية في تحسين دساتير البلدان وأنظمتها‬ ‫المالية‪ .‬وال يجب أن يجعل األمل المنتظر من االنتفاضات‬ ‫العربية الواليات المتحدة تتغاضي عن أولوياتها االستراتيجية‬ ‫الرئيسية في المنطقة‪ .‬شئنا أم أبينا‪ ،‬تضم الواليات المتحدة‬ ‫بين حلفائها عددا من الدول العربية االستبدادية‪ ،‬وهم شركاء‬ ‫أساسيون في حماية مصالحها‪ .‬يجب أن يكون األمل القياسي‬ ‫الذي قد تبعثه الديمقراطية الليبرالية في المستقبل متوازنا مع‬ ‫الحاجة إلى العمل مع‬ ‫الحكومات والمجتمعات‬ ‫كما هي موجودة اليوم‪.‬‬ ‫ويظل أحد األهداف‬ ‫المركزية هو تحقيق‬ ‫توازن في القوى أمام‬ ‫إيران‪ ،‬ليس فقط لمنعها‬ ‫من الحصول على‬ ‫أسلحة نووية ولكن‬ ‫أيضا لمراقبة طموحاتها اإلقليمية على المدى البعيد‪ .‬تنظر‬ ‫إيران إلى الواليات المتحدة باعتبارها عدوها اآليديولوجي‬ ‫والجيوسياسي الرئيسي‪ ،‬وأنها تسعى جاهدة لتصبح القوة‬ ‫البارزة في الشرق األوسط وتروج آليديولوجياتها الثورية‪.‬‬ ‫تقدم طهران الدعم لعدد من أعداء الواليات المتحدة والمنظمات‬ ‫التي تتحدي مصالح الواليات المتحدة‪ ،‬بما في ذلك الجماعات‬ ‫الشيعية في العراق‪ ،‬وحزب اهلل في لبنان‪ ،‬والجماعات اإلرهابية‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬ونظام بشار األسد في سوريا‪ ،‬وحكومة فنزويال‬ ‫بقيادة هوغو شافيز‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن كثيرا من الدول التي سوف تعتمد عليها‬ ‫الواليات المتحدة للتصدي إليران‪ ،‬ليست ديمقراطية‪ ،‬فإن‬ ‫التعاون معها مهم للغاية بالنسبة لواشنطن‪.‬‬ ‫أحد األهداف األخرى المهمة هو التدفق الحر لموارد الطاقة‬ ‫بأسعار معقولة‪ .‬تستورد الواليات المتحدة نحو ‪ 23‬في المائة‬ ‫من احتياجاتها من النفط الخام والمنتجات ذات الصلة من العالم‬ ‫العربي‪ ،‬وخاصة من السعودية (‪ 1.2‬مليون برميل يوميا في‬ ‫أغسطس‪ /‬آب عام ‪ ،)2012‬والعراق (‪ 550‬ألف برميل)‪،‬‬ ‫والجزائر (‪ 303‬آالف برميل)‪ ،‬والكويت (‪ 301‬ألف برميل)‪.‬‬ ‫وتتسم العديد من هذه الدول بأنها ليست ديمقراطية؛ وليس ذلك‬ ‫من قبيل المصادفة‪ ،‬بالنظر لثرواتها النفطية الهائلة‪ .‬هذا يعني‬ ‫أنه على مدى المستقبل المتوقع‪ ،‬يتعين على الواليات المتحدة‬

‫يف �أعقاب الثورات‪ ،‬ال تزال‬ ‫العديد من الأنظمة املحلية‬ ‫�ضعيفة وغري قادرة على �إر�ساء‬ ‫القانون والنظام‬

‫مواصلة العمل مع الدول االستبدادية للحفاظ على أمن طاقتها‪.‬‬ ‫وأخيرا تحتاج الواليات المتحدة إلى العمل مع دول غير‬ ‫ديمقراطية في مكافحة اإلرهاب‪ .‬على الرغم من إضعاف تنظيم‬ ‫القاعدة على طول الحدود األفغانية الباكستانية‪ ،‬فإنها تحاول‬ ‫تعويض ذلك بتوسيع نفوذها في أماكن أخرى وإقامة عالقات‬ ‫مع جماعات سنية محلية‪ .‬في اليمن‪ ،‬مثال‪ ،‬تستغل الجماعة‬ ‫المحلية التابعة لتنظيم القاعدة ضعف الحكومة‪ ،‬وأقامت معقال‬ ‫لها في عدة محافظات بطول خليج عدن‪ .‬بعد رحيل القوات‬ ‫األميركية‪ ،‬زادت «القاعدة» في العراق من عملياتها لتشن ما‬ ‫يصل إلى ‪ 30‬هجوما شهريا في عام ‪ ،2012‬بارتفاع نسبته‬ ‫‪ 50٪‬عن العامين السابقين‪ ،‬وكانت هذه الهجمات أحد األسباب‬ ‫الرئيسية إلثارة القلق في األردن‪ .‬كما يتسلل مسلحون من‬ ‫العراق عبر الحدود إلى داخل سوريا‪ ،‬حيث قاموا بتفجير‬ ‫عشرات السيارات ونفذوا هجمات انتحارية ضد نظام األسد‪.‬‬ ‫ينشر تنظيم القاعدة في المغرب اإلسالمي مقاتلين في مالي‬ ‫وتونس ودول أخرى أمال في االستفادة من الفراغ السياسي في‬ ‫شمال أفريقيا‪ .‬وتحتفظ جماعة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة‬ ‫بمراكز لها في جنوب الصومال‪ .‬كما يعزز تنظيم القاعدة‬ ‫عالقاته مع جماعات أخرى في المنطقة منها بوكو حرام في‬ ‫نيجيريا وأنصار الشريعة في ليبيا والشبكة الجهادية في مصر‬ ‫بقيادة محمد جمال أبو أحمد‪.‬‬ ‫الحقيقة المرة هي أن بعض الحكومات الديمقراطية في العالم‬ ‫العربي قد تكون أكثر عداء للواليات المتحدة من سابقاتها‬ ‫المستبدة‪ ،‬ألنها ستكون أكثر استجابة لشعوبها التي تكن معظمها‬ ‫الكراهية للواليات المتحدة‪ .‬ووفقا الستطالع رأي أجراه مركز‬ ‫بيو لألبحاث في ‪ ،2012‬تدهورت صورة الواليات المتحدة‬ ‫في العديد من دول العالم اإلسالمي بحدة على مدار عدة أعوام‬ ‫ماضية‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬قبل قيام االنتفاضات العربية‪،‬‬ ‫أعرب ‪ 27‬في المائة من المصريين و‪ 25‬في المائة من‬ ‫األردنيين عن مواقف إيجابية تجاه الواليات المتحدة‪ .‬وفي عام‬ ‫‪ ،2012‬انخفضت هذه النسب إلى ‪ 19‬في المائة و‪ 12‬في المائة‬ ‫بالترتيب‪ .‬وتقدم المظاهرات المعارضة للواليات المتحدة التي‬ ‫خرجت في سبتمبر (أيلول) عام ‪ 2012‬في المنطقة‪ ،‬ممتدة من‬ ‫مصر وليبيا إلى جميع أنحاء الشرق األوسط إشارة أخرى على‬ ‫أن مشاعر الكراهية تجاه الواليات المتحدة والغرب ما زالت‬ ‫موجودة في العالم العربي‪.‬‬ ‫تمثل انتفاضات العامين الماضيين تحديا كبيرا أمام الحكم‬ ‫االستبدادي في العالم العربي‪ .‬ولكن يبدو أن األوضاع الهيكلية‬ ‫تمنع حدوث تحرير سياسي أوسع نطاقا في المنطقة‪ ،‬ويمكن‬ ‫أن تعرقل الحرب والفساد والركود االقتصادي حدوث مزيد‬ ‫من التقدم‪ .‬وفي حين تستطيع الواليات المتحدة اتخاذ بعض‬ ‫الخطوات لدعم التحول الديمقراطي على المدى البعيد‪ ،‬فإنها ال‬ ‫تستطيع أن تجبر الدول على التغيير‪.‬‬ ‫ربما يسقط المستبدون في الشرق األوسط في النهاية‪ ،‬وسوف‬ ‫يلقى انتشار الديمقراطية الليبرالية ترحيبا من معظم األميركيين‬ ‫حتى وإن كانت تحمل مخاطر محددة‪ .‬ولكن حتى تحدث مثل‬ ‫هذه التغييرات نتيجة لجهود من العرب أنفسهم‪ ،‬يجب أن تركز‬ ‫السياسة األميركية تجاه الشرق األوسط على ما يمكن تحقيقه‪.‬‬ ‫وكما كان وزير الدفاع األميركي األسبق دونالد رامسفيلد‬ ‫يقول‪« :‬يجب على واشنطن أن تضع سياستها الخارجية مع‬ ‫العالم العربي كما تجده‪ ،‬وليس العالم العربي الذي ترغب فيه‬ ‫أو تأمل في وجوده بعد فترة الحقة»‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير‪ -‬شباط ‪58 - 2013/‬‬


‫من البالد‪ .‬وكما أظهر مقتل السفير األميركي وثالثة أميركيين‬ ‫آخرين في بنغازي في سبتمبر (أيلول)‪ ،‬فإن الحكومة تبذل‬ ‫جهودا مضنية إلعادة األمن وسيادة القانون‪ .‬فالبيروقراطية‬ ‫ضعيفة؛ وتسيطر الميليشيات المسلحة جيدا على معظم المناطق‬ ‫الريفية‪ ،‬وتهاجم الجماعات السلفية أضرحة الصوفية في جميع‬ ‫أنحاء البالد بنبش القبور وتدمير المساجد والمكتبات‪ .‬تستمر‬ ‫انتهاكات حقوق اإلنسان‪ ،‬إذ ال يزال آالف المسجونين الذين‬ ‫اعتقلوا أثناء النضال من أجل اإلطاحة بالقذافي في معتقالت‬ ‫غير قانونية‪ ،‬حيث يواجهون سوء المعاملة والتعذيب‪ ،‬وحتى‬ ‫القتل خارج النطاق القانوني‪ .‬ويعاني عشرات اآلالف من‬ ‫المشردين‪ ،‬الذين أجبر كثير منهم على الخروج من منازلهم في‬ ‫مخيمات الالجئين في جميع أنحاء البالد‪.‬‬ ‫يعيش اليمن أيضا حالة من الفوضى‪ .‬بعد شن عدة حمالت‬ ‫دموية على حركات االحتجاج في البالد طوال عام ‪،2011‬‬ ‫وافق الرئيس اليمني علي عبد اهلل صالح في النهاية في نوفمبر‬ ‫(تشرين الثاني) من ذلك العام على نقل السلطة إلى نائبه عبد‬ ‫ربه منصور هادي‪ .‬ولكن في االنتخابات الرئاسية التالية‪ ،‬كان‬ ‫هادي المرشح الوحيد في صناديق االقتراع‪ .‬وحاليا تتصارع‬ ‫حكومته الضعيفة ضد تمرد شيعي في الشمال وحركة انفصالية‬ ‫وتنظيم القاعدة في الجنوب‪ ،‬والميليشيات القوية والقبائل التي‬ ‫تتحكم في مساحات كبيرة من األراضي‪ .‬كل هذه العالمات‬ ‫تشير إلى أن العنف سيستمر وسيظل االقتصاد في حالة ركود‪.‬‬ ‫أجرت مصر مؤخرا أول انتخابات رئاسية تنافسية في تاريخها‪،‬‬ ‫ولكن ال تجد الدولة طريقا سهال لتحقيق االستقرار والرخاء‪.‬‬ ‫انتزع الرئيس محمد مرسي ‪ -‬عضو جماعة اإلخوان المسلمين‬ ‫ سلطة سياسية وعسكرية جوهرية من المجلس األعلى للقوات‬‫المسلحة‪ .‬وكما فعل مبارك من قبله‪ ،‬حاول أن يحتفظ لنفسه‬ ‫بسلطات هائلة؛ إذ يتولى مرسي حاليا قدرا كبيرا من السلطة‬ ‫التنفيذية والتشريعية والقضائية‪ ،‬ويحاول إسكات وسائل‬ ‫اإلعالم‪ .‬بيد أن الجنراالت استمروا في ممارسة النفوذ من‬ ‫خالل مجلس الدفاع الوطني‪ .‬ويتحدى الليبراليون العلمانيون‬ ‫جمع مرسي للسلطات في المحاكم‪ .‬ال يأتي أقوى التحديات‬ ‫السياسية التي تواجه اإلخوان من الليبراليين بل من حزب‬ ‫النور السلفي‪ ،‬الذي يدعم التطبيق الصارم للشريعة‪ .‬سوف‬ ‫يستمر عدم االستقرار السياسي وفترة عصيبة من العالقات‬ ‫المدنية ‪ -‬العسكرية في اإللقاء بثقله على االقتصاد‪ ،‬الذي أصيب‬ ‫بالشلل بسبب نقص االستثمارات األجنبية‪ ،‬واالضطرابات في‬ ‫الصناعة‪ ،‬وانخفاض معدالت السياحة‪.‬‬ ‫تبرز تونس باعتبارها إحدى قصص النجاح القليلة للثورات‬ ‫التي حدثت في المنطقة‪ .‬تطورت تونس من دولة استبدادية‬ ‫إلى ديمقراطية منتخبة حيث دعم زعماؤها الجدد االعتدال‪،‬‬ ‫والحريات المدنية‪ ،‬وسيادة القانون‪ .‬وأصبحت الصحافة نابضة‬ ‫بالحياة‪ ،‬وازدهر المجتمع المدني‪ ،‬وأظهرت القيادة التزامها‬ ‫بالتصدي للفساد‪ .‬على الرغم من مواجهة تونس لبعض من‬ ‫المشاكل ذاتها التي واجهها جيرانها‪ ،‬مثل ضعف الدولة وتحدي‬ ‫السلفيين المتطرفين‪ ،‬إال أن البالد تسير في االتجاه الصحيح‪،‬‬ ‫على األقل حتى اآلن‪ .‬ومن المؤسف أن مستقبل عدد قليل من‬ ‫الدول األخرى في المنطقة يبدو واعدا‪.‬‬

‫تحقيق الديمقراطية‬ ‫احتار العلماء طويال في العراقيل التي تحول دون تحقيق‬

‫الديمقراطية في الشرق األوسط‪ ،‬ال سيما إذا نظرنا إلى النمو‬ ‫السريع للحرية في مناطق أخرى في العالم‪ .‬تقول نظرية‬ ‫الحداثة الكالسيكية إن الديمقراطية سوف تُدرك عندما يصل‬ ‫مجتمع ما إلى مستوى معين من التنمية االقتصادية‪ .‬ولكن حتى‬ ‫في البلدان العربية األكثر ثراء‪ ،‬لم تتحقق الديمقراطية حتى‬ ‫اآلن‪ .‬وهناك افتراض آخر سائد لكنه زائف هو أن القضاء‬ ‫على الديكتاتورية يؤدي بالضرورة إلى الحرية‪ .‬ولكن كما‬ ‫أشار هنتنغتون وآخرون‪ ،‬عندما تسقط األنظمة االستبدادية‬ ‫فإنها تفسح في بعض األحيان طريقا ألنظمة استبدادية أخرى‬ ‫بدال من الليبرالية‪ .‬ورغم التطورات التي حدثت في العامين‬ ‫الماضيين‪ ،‬سوف تستمر بعض العوامل الهيكلية في منع انتشار‬ ‫الديمقراطية في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫تستمد بعض الحكومات في المنطقة‪ ،‬معظم عائداتها من‬ ‫صادرات الطاقة والمساعدات األجنبية‪ .‬ويساعد االعتماد‬ ‫بشكل كبير على مثل هذه المصادر األنظمة على تجنب فرض‬ ‫ضرائب كبيرة على سكانها‪ ،‬مما يزيل مصدرا أساسيا للمطالب‬ ‫الشعبية في المشاركة السياسية‪ .‬كان المستعمرون األميركيون‬ ‫يؤكدون على أنه «ال ضرائب دون تمثيل»‪ .‬في هذه الحالة‬ ‫يمكن أن نفكر في عكس‬ ‫هذا المبدأ‪ :‬ال تمثيل دون‬ ‫ضرائب‪.‬‬ ‫البيئة‬ ‫تساعد‬ ‫لن‬ ‫الخارجية تحديدا على‬ ‫الحث على مزيد من‬ ‫التغيير السياسي‪ .‬ففي‬ ‫الثمانينيات‪،‬‬ ‫أواخر‬ ‫قرر رئيس الوزراء‬ ‫ميخائيل‬ ‫السوفياتي‬ ‫الذي‬ ‫غورباتشوف‪،‬‬ ‫كان يواجه مشاكل‬ ‫اقتصادية كبيرة في البالد‪ ،‬الحد من الدعم السوفياتي لألنظمة‬ ‫الشيوعية في أوروبا الشرقية ‪ -‬وهي الخطوة التي أذنت بموت‬ ‫األنظمة االستبدادية هناك‪ .‬وتحولت الواليات السوفياتية‬ ‫السابقة على الفور إلى غرب أوروبا والواليات المتحدة‪ ،‬التي‬ ‫دعمت حركاتها تحريرها السياسي ورحبت بانضمامها إلى‬ ‫مؤسسات ديمقراطية مثل االتحاد األوروبي ومنظمة حلف‬ ‫شمال األطلسي‪ .‬ولكن اليوم‪ ،‬يحاول النظام السعودي ‪ -‬أغنى‬ ‫وأقوى قوة استبدادية في المنطقة ‪ -‬محاربة اإلصالحات وأظهر‬ ‫أنه أكثر استعدادا لإلنفاق في سبيل تحقيق هذه الغاية‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن العديد من الحكام العرب المستبدين يواجهون اآلن‬ ‫اضطرابات غير مسبوقة في الداخل‪ ،‬فإنهم ما زالوا يمتلكون‬ ‫الموارد المالية الوافرة التي تحافظ على بقاء أنظمتهم لفترة‬ ‫طويلة‪.‬‬ ‫وأخيرا اكتسبت بعض الحكومات في المنطقة مهارات في‬ ‫مسايرة التغيير الديمقراطي‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬ال تتمتع دول‬ ‫مثل األردن والمغرب وسلطنة عمان بعائدات نفط كبيرة للفرد‪،‬‬ ‫ولكن مع ذلك نجحت األنظمة التقليدية في االحتفاظ بالسلطة‬ ‫مع التنازل عن بعض السلطات للبرلمانات المنتخبة‪ .‬في دول‬ ‫يحتفظ حكامها بعالقة خاصة مع الشعب‪ ،‬من المرجح أن يقبل‬ ‫المتظاهرون تغييرا تشريعيا دون المطالبة برحيل النظام‬ ‫بأكمله‪.‬‬ ‫في يناير (كانون الثاني) عام ‪ ،2011‬على سبيل المثال‪،‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير‪ -‬شباط ‪57 - 2013/‬‬

‫ين�شر تنظيم القاعدة يف‬ ‫املغرب الإ�سالمي مقاتلني‬ ‫يف مايل وتون�س ودول �أخرى‬ ‫�أمال يف اال�ستفادة من الفراغ‬ ‫ال�سيا�سي يف �شمال �أفريقيا‬


‫صحافة عالمية‬

‫وحتى ال يزايد عليه أحد‪ ،‬أعلن برنامج الحزب الجمهوري‬ ‫لعام ‪ 2012‬أن «الطبيعة التاريخية لألحداث التي وقعت في‬ ‫العامين الماضيين – الربيع العربي – أطلقت العنان لحركات‬ ‫ديمقراطية أطاحت باألنظمة الديكتاتورية التي كانت تهدد‬ ‫األمن العالمي على مدار عقود»‪.‬‬ ‫رأى البعض أن هذه التغييرات تبشر بنهاية طال انتظارها‬ ‫لحصانة الشرق األوسط أمام موجات سابقة من االنتقال العالمي‬ ‫إلى الديمقراطية‪ ،‬بينما أعلن آخرون أن «القاعدة» والمتطرفين‬ ‫خسروا أخيرا معركتهم الفكرية‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬كانت النتائج األولية لالضطرابات ملهمة‪ ،‬فقد‬ ‫أطاحت االنتفاضات الواسعة برئيس تونس زين العابدين بن‬ ‫علي‪ ،‬ورئيس مصر حسني مبارك‪ ،‬وكذا رئيس ليبيا معمر‬ ‫القذافي‪ .‬ومنذ اإلطاحة بهؤالء الحكام المستبدين‪ ،‬أجرت الدول‬ ‫الثالث انتخابات اعتبرها المراقبون الدوليون تنافسية ونزيهة‪،‬‬ ‫واآلن أصبح في إمكان الماليين في جميع أنحاء المنطقة التعبير‬ ‫بحرية عن آرائهم السياسية‪.‬‬ ‫غير أن احتماالت تحقيق مزيد من الديمقراطية شهدت‬ ‫تراجعا‪ .‬لم تقفز معظم البلدان في العالم العربي إلى المسارات‬ ‫السياسية‪ ،‬وهؤالء الذين‬ ‫بدأوا في التحرر‬ ‫يناضلون اآلن من أجل‬ ‫الحفاظ على النظام‪،‬‬ ‫والتمسك بمكاسبهم‪،‬‬ ‫ومواصلة التقدم‪ .‬يعاني‬ ‫النمو االقتصادي في‬ ‫المنطقة من الركود ‪-‬‬ ‫مما يبعث على القلق‬ ‫بشكل خاص‪ ،‬حيث‬ ‫إنه وفقا الستطالعات‬ ‫مركز بيو لألبحاث عام‬ ‫‪ ،2012‬فإن األغلبية في عدة دول في المنطقة (بما في ذلك‬ ‫األردن وتونس) تشكل اقتصادا أقوى من حكومات ديمقراطية‪.‬‬ ‫وحتى بعد كل هذه التغييرات‪ ،‬ال تزال المنطقة التي تضم‬ ‫الشرق األوسط وشمال أفريقيا األقل تحررا في العالم‪ ،‬حيث‬ ‫قدرت «فريدوم هاوس» أن ‪ 72‬في المائة من البلدان و‪85‬‬ ‫في المائة من الشعوب هناك ال يزالون يفتقرون إلى الحقوق‬ ‫السياسية والحريات المدنية األساسية‪.‬‬ ‫في أعقاب الثورات‪ ،‬ال تزال العديد من األنظمة المحلية ضعيفة‬ ‫وغير قادرة على إرساء القانون والنظام‪ .‬تنجرف سوريا إلى‬ ‫حرب أهلية دموية على أسس طائفية‪ .‬وما زال العراق واليمن‪،‬‬ ‫غير المستقرين من قبل األحداث‪ ،‬يعانيان من االنقسامات‬ ‫العميقة وأحداث العنف‪ .‬كما فشلت الحكومة المركزية الضعيفة‬ ‫في ليبيا في نزع سالح الميليشيات والفرق العسكرية التي‬ ‫تتحكم في العديد من المناطق الريفية داخل البالد‪ .‬وحتى في‬ ‫مصر‪ ،‬النموذج األبرز لإلصالح السياسي في المنطقة‪ ،‬تحاول‬ ‫الحكومة التي شكلها اإلخوان المسلمون بسط سيطرتها وإسكات‬ ‫وسائل اإلعالم باستخدام أساليب تذكر بعهد مبارك‪ .‬وفي الوقت‬ ‫ذاته‪ ،‬أظهرت أعمال الشغب التي انتشرت في جميع أنحاء‬ ‫المنطقة في سبتمبر (أيلول)‪ ،‬المشاعر المعادية ألميركا التي ال‬ ‫توجد مؤشرات على تراجعها‪ .‬كما يستمر وجود اإلرهاب مما‬ ‫يمثل مشكلة كبيرة‪ ،‬في ظل محاولة تنظيم القاعدة والجماعات‬ ‫التابعة لها لملء الفراغ في ليبيا وسوريا وغيرها من الدول‬

‫يجب على وا�شنطن �أن ت�ضع‬ ‫�سيا�ستها اخلارجية مع العامل‬ ‫العربي كما جتده‪ ،‬ولي�س العامل‬ ‫العربي الذي ترغب فيه �أو ت�أمل‬ ‫يف وجوده بعد فرتة الحقة‬

‫غير المستقرة‪.‬‬ ‫قد يزول االستبداد في الشرق األوسط في نهاية المطاف‪ .‬ولكن‬ ‫ليس هناك سبب قوي يدفعنا إلى التفكير في اقتراب مثل هذا‬ ‫اليوم‪ ،‬وال يوجد سبب أيضا لكي نعتقد أن الواليات المتحدة‬ ‫يمكن أن تزيد بشكل كبير من فرص حدوث ذلك‪ .‬سوف تفشل‬ ‫أي جهود تبذلها واشنطن إلحالل الديمقراطية في المنطقة‬ ‫إذا لم تكن الظروف االجتماعية واالقتصادية غير مالئمة‬ ‫وإذا عارضت المصالح الخاصة في هذه الدول اإلصالحات‬ ‫السياسية‪ .‬في الواقع وعلى مدار التاريخ‪ ،‬لم يكن للقوى‬ ‫الخارجية مثل الواليات المتحدة تأثير قوي في أحسن األحوال‬ ‫على التحول الديمقراطي في دولة ما‪ .‬حتى تنجح موجة أخرى‬ ‫من االنتفاضات المحلية في تغيير المنطقة‪ ،‬ال ينبغي أن تمثل‬ ‫سياسات الواليات المتحدة عائقا من خالل التركيز الضيق على‬ ‫نشر الديمقراطية‪ ،‬حيث تحتاج الواليات المتحدة وحلفاؤها إلى‬ ‫حماية مصالحهما االستراتيجية الحيوية في المنطقة؛ أي تحقيق‬ ‫التوازن ضد الدول المارقة مثل إيران‪ ،‬وضمان الوصول إلى‬ ‫موارد الطاقة‪ ،‬ومواجهة المتطرفين الذين يمارسون العنف‪.‬‬ ‫يتطلب تحقيق هذه األهداف العمل مع بعض الحكومات‬ ‫االستبدادية وقبول العالم العربي على ما هو عليه اليوم‪.‬‬

‫تفادي الموجة‬ ‫في فترتي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين‪ ،‬أدى‬ ‫ما أطلق عليه المفكر األميركي صمويل هانتنغتون «الموجة‬ ‫الثالثة» من التحول الديمقراطي العالمي إلى تغييرات سياسية‬ ‫مدهشة في أميركا الالتينية‪ ،‬وأجزاء من آسيا‪ ،‬وجنوب‬ ‫الصحراء الكبرى في أفريقيا‪ ،‬وأخيرا أوروبا الشرقية‪ .‬كانت‬ ‫مسيرة الحرية في جميع األرجاء تقريبا‪ ،‬فيما عدا الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬كانت حصانة األنظمة العربية للديمقراطية واسعة‬ ‫وقوية على ما يبدو لدرجة أنها أدت إلى ظهور أبحاث جديدة ال‬ ‫تسعى إلى تفسير التغيير الديمقراطي بل الصمود االستبدادي‪.‬‬ ‫ودفع البعض بأن الربيع العربي قد غير كل هذا وأن أفضل‬ ‫ما نستوعبه بشأنه هو أنه بداية إقليمية متأخرة من الموجة‬ ‫الثالثة أو حتى نذير موجة رابعة‪ .‬ولكن تخطئ هذه اآلراء‬ ‫قراءة األحداث وتبعث على تفاؤل غير مناسب‪.‬‬ ‫في الجزائر‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬باءت حركة االحتجاجات‬ ‫التي بدأت في ديسمبر (كانون األول) ‪ 2010‬بهدف اإلطاحة‬ ‫بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإقامة نظام ديمقراطي بالفشل‪،‬‬ ‫إذ شنت الحكومة حمالت على المعارضين وحاولت استرضاء‬ ‫آخرين بإجراء إصالحات رمزية‪ .‬ورغم أن نسبة كبيرة من‬ ‫السكان اعتبرت االنتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو‬ ‫(أيار) عام ‪ 2012‬تمثيلية وأعلنت الحكومة العسكرية الراسخة‬ ‫انتصارا مؤكدا‪ ،‬فإن عددا قليال من الجزائريين خرجوا إلى‬ ‫الشوارع احتجاجا عليها‪.‬‬ ‫تواجه الدول العربية التي تمكنت من اإلطاحة بأنظمتها القديمة‬ ‫شكوكا كبيرة‪ .‬في ليبيا على سبيل المثال‪ ،‬مثلت انتخابات يوليو‬ ‫(تموز) لعام ‪ 2012‬في الواقع إنجازا رائعا بالنسبة لدولة ما‬ ‫زالت تترنح من عقود من حكم الديكتاتورية‪ ،‬وخصوصا في‬ ‫ظل عدم تحقق المخاوف من العنف أو التزوير أو فوز إسالمي‬ ‫كاسح‪ .‬ولكن تلوح في األفق غيوم العاصفة المقبلة‪ .‬وكما هو‬ ‫الحال في العراق‪ ،‬من المحتمل أن تعوق كتابة دستور في ليبيا‬ ‫االنقسامات حول مسألة السلطة الفيدرالية بين أجزاء مختلفة‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير‪ -‬شباط ‪56 - 2013/‬‬


‫تعامل مع املنطقة التي تجدها وال تتعامل مع املنطقة التي تريدها‬

‫سراب الربيع العربي‬

‫رسم في أحد شوارع القاهرة ينتقد اعتداء الشرطة العسكرية على إحدى الفتيات من المتظاهرين على حكم المجلس العسكري السابق‬

‫بقلم‪ :‬سيث جي جونز*‬

‫يف الوقت الذي خرجت فيه املظاهرات ال�شعبية يف العامل العربي عام ‪ ، 2011‬كان كثري من �صناع‬ ‫ال�سيا�سات واملحللني الأمريكيني ي�أملون يف �أن تب�شر احلركات بع�صر جديد يف املنطقة‪.‬‬ ‫يف �شهر مايو (�أيار)‪ ،‬و�صف الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما االنتفا�ضات على �أنها «فر�صة تاريخية» للواليات‬ ‫املتحدة «للتعامل مع العامل كما ينبغي»‪ .‬وكررت وزيرة اخلارجية هيالري كلينتون هذه التعليقات‬ ‫معربة عن ثقتها يف �أن ت�سمح هذه التحوالت لوا�شنطن ب�إر�ساء مزيد من «التقدم واال�ستقرار وال�سالم‬ ‫والدميقراطية» يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫* سيث جي جونز‪ :‬مساعد مدير المركز الدولي لسياسات األمن والدفاع في مؤسسة راند وأستاذ مساعد في كلية الدراسات الدولية المتقدمة‬ ‫في جامعة جونز هوبكنز‪ .‬وهو مؤلف الكتاب الذي صدر حديثا‪« :‬الصيد في الظالل‪ :‬مطاردة القاعدة منذ ‪.»9/11‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير‪ -‬شباط ‪55 - 2013/‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫تعامل مع املنطقة التي تجدها‬ ‫وال تتعامل مع املنطقة التي تريدها‬

‫سراب الربيع العربي‬ ‫بقلم‪ :‬سيث جي جونز‬

‫في التطور السياسي ال توجد مكاسب من دون مشقة‬

‫حنني إلى املاضي‬

‫بقلم‪ :‬شيري بيرمان‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير‪ -‬شباط ‪54 - 2013/‬‬


‫ودستور دولة اإلمارات‪ ،‬ولم ولن يتدخلوا في‬ ‫أي شؤون سياسية‪ ،‬ألى دولة‪ ،‬خاصة اإلمارات‪.‬‬ ‫ورغم تأكيدات الشاطر بعدم التدخل في شؤون‬ ‫اآلخرين‪ ،‬إال أن السلطات األمنية اإلماراتية مطلع‬ ‫عام ‪ 2013‬ألقت القبض على خلية تضم أكثر‬ ‫من عشرة أشخاص من كوادر اإلخوان المسلمين‬ ‫المصريين ينشطون على أرض اإلمارات‪ ،‬من‬ ‫أجل جمع أموال طائلة وتحويلها إلى التنظيم األم‬ ‫في مصر‪.‬‬ ‫ونقلت صحيفة «الخليج» اإلماراتية عن مصدر‬ ‫مطلع وجود عالقات وثيقة بين خلية اإلخوان‬ ‫المسلمين المصرية وقيادات التنظيم السري‬ ‫اإلماراتي‪ ،‬حيث قدمت جماعة اإلخوان المسلمين‬ ‫المصرية في اإلمارات العديد من الدورات‬ ‫والمحاضرات ألعضاء التنظيم السري حول‬ ‫االنتخابات وطرق تغيير أنظمة الحكم في الدول‬ ‫العربية‪.‬‬

‫اإلمارات‪ :‬تحالف خليجي ضد اإلخوان‬

‫عد ت�أ�سي�س جمعيات‬ ‫الإ�صالح يف الإمارات‪،‬‬ ‫ن�شطت كوادر الإخوان‬ ‫امل�سلمني عرب قطاع‬ ‫التعليم‪ ،‬من خالل‬ ‫امل�ساهمة يف �صياغة‬ ‫مناهج التعليم‪،‬‬ ‫وال�سيطرة على الن�شاط‬ ‫الطالبي‬ ‫عزيزة على قلبي (الرياض) رياض الجود والكرم‬ ‫وحسن الضيافة»‪.‬‬

‫لم تكتف اإلمارات العربية بموقفها المباشر «دعوة اإلصالح» واإلمارات‪..‬‬ ‫الحاد والصريح ضد جماعة اإلخوان المسلمين‬ ‫في الداخل والخارج‪ ،‬لكنها دعت‪ ،‬وعلى لسان الوطن والوالء‬

‫وزير خارجيتها الشيخ عبد اهلل بن زايد‪ ،‬الدول‬ ‫الخليجية إلى تكوين اتحاد خليجي ضد جماعة‬ ‫اإلخوان المسلمين «لمنعهم من التآمر ضد تقويض‬ ‫حكومات الخليج»‪.‬‬ ‫ويمكن تلمس بوادر هذا التعاون الخليجي ضد‬ ‫اإلخوان المسلمين‪ ،‬من خالل إعالن اإلمارات‬ ‫القبض على خلية «إرهابية» بالتنسيق مع المملكة‬ ‫العربية السعودية في ‪ 26‬ديسمبر ‪ ،2012‬حيث‬ ‫ذكرت صحيفة «الشرق األوسط» عن مصدر‬ ‫مطلع أن السلطات السعودية‪ ،‬تمكنت من إلقاء‬ ‫القبض على أحد أفراد الخلية اإلماراتيين على‬ ‫وسلم الحقا إلى السلطات اإلماراتية‪،‬‬ ‫أراضيها ُ‬ ‫مؤكدة أن هذا العضو «ينتمي لتنظيم (دعوة‬ ‫اإلصالح)»‪.‬‬ ‫وفي تعليقه على ما أعلنته دولة اإلمارات العربية‬ ‫المتحدة‪ ،‬أكد المتحدث األمني لوزارة الداخلية‬ ‫السعودية اللواء منصور التركي أن «التعاون‬ ‫والتنسيق األمني‪ ،‬قائمان ومستمران بين الجهات‬ ‫األمنية المختصة في كل ما من شأنه تحقيق‬ ‫مصلحة البلدين الشقيقين ومواطنيهما»‪.‬‬ ‫وفي ذات اليوم الذي أعلنت فيه اإلمارات القبض‬ ‫على الخلية اإلرهابية بالتنسيق مع السعودية‪ ،‬كتب‬ ‫ضاحي خلفان عبر حسابه الشخصي في تويتر‬ ‫«عدت بحمد اهلل إلى دبي بعد زيارتي لمدينة‬

‫من خالل الوقائع والمعطيات السابقة‪ ،‬يمكن‬ ‫القول باختصار إن اإلمارات العربية المتحدة‬ ‫ترفض «دعوة اإلصالح» وتحظر أنشطتها‬ ‫وجمعياتها ألنها «تنظيم سري ذو أجندة سياسية‬ ‫مرتبط بوالءات خارجية‪ ،‬استغل الربيع العربي‬ ‫للتحرك من أجل الوصول إلى السلطة» (بحسب‬ ‫مات ؤكده السلطات)‪ .‬لكن «دعوة اإلصالح» من‬ ‫جانبها تعرف نفسها كما في كتابها الصادر عن‬ ‫جمعية اإلصالح والتوجيه االجتماعي «دعوة‬ ‫اإلصالح في اإلمارات‪..‬رؤية ومبادئ» بأنها‬ ‫«دعوة إسالمية وطنية إصالحية شاملة واضحة‬ ‫الهدف والغاية صريحة المبادئ والمناهج‬ ‫علنية المنشط»‪ .‬وتؤكد «الدعوة» أن الصحوة‬ ‫اإلسالمية التي عمت العالم العربي واإلسالمي‬ ‫كان لها الدور في نشأة «الدعوة اإلصالحية‬ ‫في المجتمع اإلماراتي»‪ ،‬وألجل ذلك «ظهرت‬ ‫رموز إماراتية دعت إلى اإلصالح هدفها‬ ‫نشر الخير وبث روح التعاون والعطاء وزرع‬ ‫األخالق الفاضلة بين أبناء الوطن‪ ،‬وكانت‬ ‫أول ثمرة لهذه الدعوة إنشاء (جمعية اإلصالح‬ ‫والتوجيه االجتماعي) بدبي مع فروعها في‬ ‫اإلمارات األخرى»‪.‬‬ ‫راشد العريمي ـ رئيس تحرير صحيفة االتحاد‬ ‫اإلماراتية ـ يعلق على مطالب (دعوة اإلصالح)‬ ‫قائال‪« :‬لقد أصبحت المعارضة نوعاً‬ ‫ومشروعها ً‬ ‫من الترف السياسي‪ ،‬من خالل استيراد تجربة‬

‫خارجية‪ ،‬ومظلومية دول أخرى وتنزيلها على‬ ‫واقع دولة اإلمارات‪ ،‬ولذلك لم تجد هذه الدعوة‬ ‫ذلك الشعبية والتأثير‪ ،‬بل هم يسعون إلى زرعها‬ ‫بالقوة»‪ .‬ويضيف العريمي في حديث لمجلة‬ ‫المجلة‪« :‬إن شعار اإلصالح الذي يرفعه اإلخوان‬ ‫يحمل موقفاً منحازاً‪ ،‬وهو أن الواقع القائم واقع‬ ‫فاسد ويجب تغييره‪ ،‬إضافة إلى أن رفعهم لشعار‬ ‫اإلصالح والمطالبة به ال بد أن يكون منطلقاً من‬ ‫تخويل الناس وتأييدهم‪ ،‬أما مصادرة رأي العامة‬ ‫والتحدث باسمهم وتغيير الواقع بناء على مصالح‬ ‫فئة خاصة أو جماعة معينة‪ ،‬فهذا مانرفضه»‪.‬‬ ‫ويضع العريمي شرطين الزمين لقبول دعوات‬ ‫اإلصالح والترحيب بها‪« :‬اإلصالح مطلب وال‬ ‫شك‪ ،‬والكل ينشده‪ ،‬ولكن بشرطين أساسيين‪:‬‬ ‫يجب أن يكون تحت مظلة الوطن محققاً لمصلحته‬ ‫ووحدته‪ ،‬وبدون أي أجندة أو والءات خارجية‪،‬‬ ‫حينها كلنا نرحب باإلصالح»‪ .‬ويؤكد العريمي‬ ‫أن التجربة اإلماراتية منذ وحدتها «شهدت ربيعاً‬ ‫حقيقياً تمثل في التنمية المستدامة‪ ،‬والنهضة المدنية‬ ‫العمرانية‪ ،‬وتحقيق الرفاه للمواطن‪ ،‬مما جعلها‬ ‫أرضاً لألحالم‪ ،‬وموطناً للطاقات المبدعة واألفكار‬ ‫الخالقة»‪.‬‬ ‫وفي الجانب السياسي يشير العريمي إلى برنامج‬ ‫«التمكين والمشاركة» الذي أُعلن عنه عام ‪،2005‬‬ ‫وأكد عليه الشيخ خليفة آل نهيان ـ رئيس الدولة ـ‬ ‫ويهدف إلى توسيع مشاركة المواطن اإلماراتي‬ ‫في العملية السياسية‪ ،‬وتم ذلك عبر انتخاب نصف‬ ‫أعضاء المجلس الوطني‪ .‬فـ «القيادة اإلماراتية‬ ‫تعي جيداً أن الديمقراطية هي اجراءات متدرجة‪،‬‬ ‫واإلمارات حققت مكاسب تاريخية كبرى ال بد من‬ ‫الحفاظ عليها عبر االنتقال المتدرج الناضج في‬ ‫المشاركة الديمقراطية»‪.‬‬ ‫أما الكاتب اإلماراتي الدكتور سالم حميد ـ رئيس‬ ‫مركز المزماة للدراسات والبحوث ـ الذي أصدر‬ ‫كتاباً بعنوان «جذور التآمر ضد اإلمارات»‬ ‫فأوضح في حديثه لمجلة «المجلة» أن دوافع‬ ‫الهجوم المركز من قبل جماعة اإلخوان المسلمين‬ ‫على دولة اإلمارات‪،‬يهدف إلى إفشال النموذج‬ ‫اإلماراتي الناجح فهم «يحاولون إقعاد دول الخليج‬ ‫يجر‬ ‫عن مالحقة النهضة‪ ،‬حتى ال تكون نموذجا ّ‬ ‫عليهم مقارنات شعوبهم»‬ ‫ومن جانبه يؤكد األستاذ محمد الحمادي ـ رئيس‬ ‫تحرير مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» العربية‬ ‫ـ أن «المواطن اإلماراتي مرتبط بشكل قوي‬ ‫بأرضه وقيادته‪ ،‬ومتمسك بثوابته الوطنية والقومية‬ ‫والدينية‪ ،‬وال يقبل أن تأتي مجموعات لتستغله‬ ‫وتستغل األوضاع في المنطقة‪ ،‬لتحاول أخذ بلده‬ ‫إلى المجهول»<‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪53‬‬


‫تحقيق‬

‫واإلمارات‪ ،‬وقطر‪ .‬ووصفه الباحث السعودي عبد‬ ‫اهلل بن بجاد العتيبي في مقال له بأنه المنظر األكبر‬ ‫إلخوان اإلمارات والخليج‪.‬‬ ‫في أوائل الثمانينات قدم إلى اإلمارات واستقر فيها‪،‬‬ ‫وفي عام ‪ ،1994‬أصدرت الحكومة اإلماراتية‬ ‫قراراً بإبعاد عدد من رموز اإلخوان العرب‪ ،‬كان‬ ‫من أبرزهم الراشد‪ ،‬وهي السنة نفسها التي صدر‬ ‫فيها قرار حل مجلس جمعية اإلصالح‪.‬‬ ‫يصف موقع «دعوة اإلصالح» الراشد بأنه‬ ‫«الداعية المربي واسع االطالع‪ ،‬صاحب النظرة‬ ‫الثاقبة الدقيقة إذا بحث وكتب»‪ .‬وعن نشاطه في‬ ‫الخليج‪ ،‬قال الموقع في تعريف به نشره في شهر‬ ‫مايو (أيار) ‪« : 2011‬في مطلع سنة ‪ ،1972‬عمل‬ ‫الشيخ محرراً في مجلة المجتمع التي تصدرها‬ ‫جمعية اإلصالح بالكويت فكتب فيها سلسلة مقاالت‬ ‫إحياء فقه الدعوة‪ .‬ثم انتقل إلى اإلمارات وعقد‬ ‫دورات كثيرة فيها ودروساً واستفاد منه دعاتها‬ ‫وشبابها»‪.‬‬

‫القرضاوي‪ :‬حكام اإلمارات‬ ‫ليسوا آلهة‪ ..‬خلفان‪ :‬سنعتقلك‬ ‫أثار موقف اإلمارات المتصاعد ضد جماعة‬

‫مصر تصريح قائد شرطة دبي‪ ،‬فصرح الدكتور‬ ‫محمود غزالن ـ عضو مكتب اإلرشاد والمتحدث‬ ‫الرسمي لجماعة اإلخوان المسلمين ـ لوسائل‬ ‫إعالم مصرية ً‬ ‫قائال إن ما ذكره قائد شرطة دبي‬ ‫بشأن اعتقال الداعية المصري يوسف القرضاوي‬ ‫«عار» ويعتبر جريمة كبرى في حق المسلمين‬ ‫وعلمائهم‪.‬‬ ‫واعتبر غزالن هذا الكالم «حربا نفسية وكالما‬ ‫غوغائيا ولن تجرؤ اإلمارات على اعتقال‬ ‫الشيخ القرضاوي»‪ ،‬مهدداً بـ»تحريك العالم‬ ‫االسالمي بأسره وليس جماعة اإلخوان فحسب‬ ‫ضد اإلمارات»‪ ،‬مؤكدا اعتزازه بأن يكون الشيخ‬ ‫القرضاوي «أحد أبناء الجماعة»‪.‬‬ ‫لكن األمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد‬ ‫اللطيف الزياني رد على تهديدات غزالن في‬ ‫مؤتمر صحافي قائال «ما يمس اإلمارات يمس‬ ‫دول مجلس التعاون الخليجي جميعا»‪ ،‬واصفاً‬ ‫تصريحات غزالن بأنها «غوغائية مستهجنة‬ ‫وغير مسؤولة‪ ،‬وال تنبئ عن نوايا طيبة‪ ،‬وال تخدم‬ ‫الجهود التي تبذلها دول المجلس ومصر لتعزيز‬ ‫عالقاتهما‪ ،‬التي ترسخت على قواعد متينة عبر‬ ‫السنين»‪.‬‬

‫اإلخوان المسلمين‪ ،‬خصوصاً بعد سحب الجنسية عبداهلل بن زايد‪« :‬إنهم ال يحترمون‬ ‫من بعض النشطاء المنتمين لـ»دعوة اإلصالح» السيادة الوطنية»‬

‫ردود فعل واسعة‪ ،‬أشهرها كان تصريح الشيخ‬ ‫يوسف القرضاوي ـ يوصف بأنه المرشد الروحي‬ ‫لجماعة اإلخوان المسلمين ـ حين انتقد قرار سحب‬ ‫الجنسية من بعض اإلماراتيين على قناة الجزيرة‬ ‫ببرنامج الشريعة والحياة في مارس ‪ ،2012‬وقال‬ ‫«إن حكام اإلمارات ليسوا آلهة‪ ،‬بل هم من البشر‬ ‫وكل ما عندهم فلوس‪ ،‬أنا أنصحهم أن يتقوا اهلل‬ ‫في أهل بلدهم وما يفعلونه بهم‪ ،‬فالحاكم أجير عند‬ ‫األمة‪ ،‬وال يجوز أن يعاملوا الناس كالعبيد»‪.‬‬ ‫رد عليه فوراً الفريق ضاحي خلفان ‪ -‬القائد العام‬ ‫لشرطة دبي ـ «هذه سفاهة‪ ..‬ما بقى يشتم إال‬ ‫فينا‪ ..‬شتم العالم كله‪ ،‬القرضاوي ارتكب حماقات‬ ‫شنيعة»‪( .‬كما ورد في حسابه الشخصي بتويتر)‪.‬‬ ‫وأعلن خلفان بأنه سيطالب اإلنتربول بإصدار‬ ‫مذكرة اعتقال بحق الشيخ يوسف القرضاوي بعد‬ ‫هذه التصريحات‪ ،‬مؤكداً أن القرضاوي ممنوع من‬ ‫دخول اإلمارات منذ سنوات‪.‬‬

‫غزالن‪ :‬سنحرك العالم اإلسالمي ضدكم‬ ‫بدورها استنكرت جماعة اإلخوان المسلمين في‬ ‫‪52‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫أما رد القيادة اإلماراتية‪ ،‬فجاء صريحاً ومباشرا‬

‫مع ت�أ�سي�س جملة‬ ‫«الإ�صالح» عام ‪،1978‬‬ ‫بد�أت جمعية الإ�صالح‬ ‫بالعمل على �ضرب‬ ‫خ�صومها الفكريني من‬ ‫التيارات الأخرى‪ ،‬ودخلت‬ ‫اجلماعة يف �صراع‬ ‫منذ بداية ت�أ�سي�س‬ ‫اجلمعية مع القوميني‬ ‫والي�ساريني‬

‫على تهديدات وتدخالت الرموز اإلخوانية في‬ ‫مصر وغيرها ضد نهج اإلمارات‪ ،‬حيث شن‬ ‫الشيخ عبد اهلل بن زايد ـ وزير الخارجية اإلماراتي‬ ‫ـ في مؤتمر صحافي في ‪ 8‬أكتوبر ‪ ،2012‬هجوماً‬ ‫على جماعة اإلخوان المسلمين‪ ،‬واصفاً إياهم بأنهم‬ ‫ال يحترمون السيادة الوطنية للدول‪ ،‬وأضاف‪:‬‬ ‫«لهذا السبب ليس غريبا أن يقوم التنظيم العالمي‬ ‫لإلخوان المسلمين بالتواصل والعمل على اختراق‬ ‫هيبة الدول وسيادتها وقوانينها»‪.‬‬ ‫أثارت تصريحات وزير الخارجية اإلماراتي‬ ‫أزمة مشتعلة داخل مكتب إرشاد جماعة إخوان‬ ‫المسلمين بمصر‪ ،‬فاجتمع خيرت الشاطر ـ نائب‬ ‫المرشد العام للجماعة ـ بأعضاء مكتب اإلرشاد‬ ‫في ساعة متأخرة من ذات اليوم‪ ،‬لمناقشة الموقف‬ ‫الرسمي للجماعة من تصريحات الشيخ عبداهلل بن‬ ‫زايد (وفقاً لمصدر إخواني مطلع صرح لصحيفة‬ ‫المصري اليوم)‪.‬‬ ‫وقال المصدر للصحيفة إن «الشاطر قرر التوجه‬ ‫لإلمارات بعد يومين من تصريحات الشيخ عبد اهلل‬ ‫ً‬ ‫حامال ً‬ ‫خاصا بأسماء قيادات إخوان‬ ‫بن زايد‬ ‫ملفا ً‬ ‫مصر‪ ،‬وأماكن إقامتهم في دول العالم والخليج‪،‬‬ ‫خاصة اإلمارات‪ ،‬إلثبات براءة الجماعة من التهم‬ ‫األخيرة في قضية قلب نظام الحكم باإلمارات»‪.‬‬ ‫لكن صحيفة «المصريون» ذكرت عن مصادر‬ ‫إخوانية مطلعة أن وزير الخارجية الشيخ عبد اهلل‬ ‫بن زايد رفض مقابلة الشاطر رغم جهود الوساطة‬ ‫التي بذلها مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع‬ ‫إلنجاح اللقاء‪.‬‬ ‫وذكرت الصحيفة أن الشاطر حاول التوسط لدى‬ ‫السلطات اإلماراتية‪ ،‬من أجل اإلفراج عن المعتقلين‬ ‫من الشبكة التنظيمية من اإلخوان اإلماراتيين (‪60‬‬ ‫عضواً) لكن «اإلمارات رفضت وساطة الشاطر‪،‬‬ ‫معللة أن القضية برمتها أصبحت في عهدة القضاء‬ ‫اإلماراتي»‪.‬‬ ‫وألجل ذلك قطع الشاطر زيارته التي كان مقرراً‬ ‫أن تستغرق خمسة أيام‪ ،‬وعاد إلى القاهرة‪ ،‬بعد‬ ‫اتصال هاتفي مع الدكتور محمد بديع ‪ -‬المرشد‬ ‫العام ‪ -‬طالبه بالرجوع إلى القاهرة‪ ،‬لمشاركة‬ ‫قيادات الجماعة في متابعة األحداث الميدانية‪،‬‬ ‫وحضور اجتماع مجلس اإلرشاد الدوري‪.‬‬ ‫(وفقاً لمصدر إخواني تحدث لصحيفة المصري‬ ‫اليوم) وأضاف المصدر‪ :‬الشاطر لم يلتق وزير‬ ‫الخارجية اإلماراتي‪ ،‬وفشل في تحديد موعد‬ ‫للقاء‪ ،‬ولكنه أرسل رسالة إلى الشيخ عبد اهلل بن‬ ‫زايد عبر مسؤول إماراتي كبير‪ ،‬تضمنت التأكيد‬ ‫على أن جماعة اإلخوان في مصر ملتزمة بقوانين‬


‫منذ عام ‪ 1988‬لتدريب المنتمين‪ ،‬على أن يتواصل‬ ‫القياديون فيه مع الضباط لضمّهم إلى التنظيم بعد‬ ‫تقاعدهم»‪.‬‬ ‫وقالت المصادر إن الموقوفين‪ ،‬طبقاً العترافاتهم‬ ‫ً‬ ‫هيكال تقليدياً يشبه الهيكل‬ ‫أسسوا‬ ‫أثناء التحقيق‪ّ ،‬‬ ‫التنظيمي لجماعة اإلخوان المسلمين في الدول‬ ‫العربية‪ ،‬فهناك منسق عام‪ ،‬ومكتب تنفيذي‪،‬‬ ‫ومجلس شورى‪ ،‬فيما تدير القواعد لجان فرعية‬ ‫على مستوى كل إمارة في الدولة‪ ،‬وكل ذلك في‬ ‫إطار ثالثة أهداف رئيسة‪ ،‬أولها تهيئة المجتمع‬ ‫للتنظيم‪ ،‬بعد التغلغل فيه‪ ،‬ثم االستيالء على السلطة‪،‬‬ ‫وإقامة حكومة دينية‪ ،‬وقبل ذلك استقطاب ‪ 2‬في‬ ‫المائة من المواطنين لعضوية التنظيم‪ ،‬على أن‬ ‫يكون لهم في الحكومة نحو خمس حقائب وزارية‪،‬‬ ‫واستثمارات تتعدى مليار درهم في الدولة‪( .‬وفقاً‬ ‫لما أوردته صحيفة اإلمارات اليوم)‪.‬‬

‫«دعوة اإلصالح» ترفض التهم وتقول‪:‬‬ ‫هذه مسرحية‬ ‫الجماعة وعبر موقعها الرسمي على اإلنترنت‪،‬‬ ‫رفضت التهم التي أصدرتها النيابة العامة‪ ،‬قائلة‬ ‫َّ‬ ‫بأن التهم الموجهة لدعوة اإلصالح بتشكيل جناح‬ ‫َ‬ ‫أموال ِمن الخارج لدعم هذا‬ ‫عسكري‪ ،‬وتلقي‬ ‫ٍ‬ ‫النشاط‪« ،‬يعكس مدى التخبط الذي يعيشه جهاز‬ ‫األمن‪ ،‬وحجم االفتراءات والكذب الذي ال يتورع‬ ‫عن إلصاقها باآلخرين»‪.‬‬ ‫وبحسب بيان صادر عن «دعوة اإلصالح» في‬ ‫‪ 4‬اكتوبر (تشرين األول) ‪ ،2012‬عبرت الجماعة‬ ‫ُ‬ ‫(جهاز األمن) هذه‬ ‫عن موقفها قائلة‪« :‬لقد َّلفق‬ ‫التهمة عندما أيقن بهشاشة موقفه؛ فالعمل السلمي‬ ‫هو عمل مشروع حسب كل الشرائع والمواثيق‬ ‫الدولية‪ ،‬ومن المعيب محليا وعالميا تجريم‬ ‫ومالحقة الناشطين في العمل العام السلمي‪ ،‬ولذلك‬ ‫اخترع هذا الجهاز تهمة تكوين جناح عسكري‬ ‫ال وجود له‪ ،‬لتبرير هذه االعتقاالت؛ علما بأن‬ ‫وسائل وأعمال العنف بكل أشكالها‪ ،‬ومنها ال َعمل‬ ‫المسلح‪ ،‬تتعارض كلياًّ مع مبادئ (دعوة اإلصالح)‬ ‫وأهدافها»‪.‬‬ ‫وفي بيان آخر صدر في ‪ 25‬أكتوبر ‪2012‬‬ ‫أكدت (دعوة اإلصالح) مجدداً «أن ما يمارسه‬ ‫جهاز األمن من مسرحية لن تنطلي على شعب‬ ‫اإلمارات»‪ ،‬وطالبت فيه الجهات الحكومية‬ ‫باإلفراج الفوري عن المعتقلين‪ ،‬رافضة المحاكمات‬ ‫القادمة ووصفتها بأنها «صورية وشكلية معدة سلفاً‬ ‫الستكمال المسرحية»‪ .‬وفي ذات البيان سردت‬ ‫الجماعة مطالبها قائلة‪« :‬إننا نؤكد هنا على مطالبنا‬ ‫السلمية المتمثلة بـ‪:‬‬

‫‪1‬ـ مجلس وطني منتخب بإرادة شعبية حرة‪،‬‬ ‫وبكامل الصالحيات التشريعية والرقابية‪.‬‬ ‫‪2‬ـ قضاء مستقل استقالال تاما‪ ،‬وعدم خضوع‬ ‫أعضائه للتدخالت والمراقبة األمنية‪.‬‬ ‫خال من التدخالت األمنية»‪.‬‬ ‫‪3‬ـ مجتمع مدني ٍ‬

‫محمد أحمد الراشد يبايع‬ ‫رئيس «دعوة اإلصالح»‬ ‫وفي هذه األجواء المتوترة المشحونة ما بين‬ ‫كوادر اإلخوان واإلمارات‪ ،‬أعلن محمد أحمد‬ ‫الراشد ـ أحد رموز إخوان العراق‪ ،‬وتربطه عالقة‬ ‫وثيقة بإخوان اإلمارات ـ أنه يبايع رئيس (دعوة‬ ‫اإلصالح) الشيخ سلطان بن كايد على السمع‬ ‫والطاعة باعتباره األمير القادم‪ ،‬وذلك احتجاجاً‬ ‫وغضباً من اإلجراءات األمنية التي قامت بها‬ ‫السلطات مؤخراً ضد أعضاء الجماعة‪.‬‬ ‫فعلى صفحته بـ»فيسبوك» كتب الراشد في أبريل‬ ‫ً‬ ‫مقاال بعنوان «اقتحم يا سلطان‪..‬‬ ‫(نيسان) ‪2012‬‬ ‫أنت لها» دعا فيه الجميع إلى مبايعة ابن كايد‬ ‫استثماراً ألشواق الحرية ورياح التغيير‪ ..‬قائال‪:‬‬ ‫«بايعوا معي أيها األخيار في كل أنحاء األرض‪.‬‬ ‫ولتكن مظاهرة في البيعة عبر الفيسبوك والمواقع‪،‬‬ ‫الحـر األبي األصيل‪ ،‬مهندس الزحف‬ ‫بايعوا ُ‬ ‫التغييري الخليجي‪ ،‬وقولوا نحن معك ومع أعوانك‬ ‫من قادة االصالح‪ .‬ولترتفع راية قرآننا‪ .‬أريد‬ ‫أن أكون البادئ‪ :‬بـايعتك يا سلطان على السمع‬ ‫والطاعة في المنشط والمكره‪ ،‬بايعتك يا سلطان أن‬ ‫ُـرني‬ ‫أقول الحق وأنطق باإلصالح‪ ،‬أنت األمير‪ .‬م ْ‬ ‫ألفعل»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الراشد عراقي الجنسية‪ ،‬إال أنه‬ ‫قال محتجاً موجهاً حديثه للسلطات اإلماراتية‪« :‬ما‬ ‫يحدث في اإلمارات هو إرهاب دولة بكل معاني‬ ‫الكلمات‪ ..‬ماذا تريد أيها الحاكم منا؟ اضطررتمونا‬ ‫الى عمل سري فأنكرتم علينا‪ ..‬وخرجنا الى‬ ‫العالنية فتضاعف إنكاركم!؟»‪ .‬وهي إشارة ُفهم‬ ‫منها أنها اعتراف ضمني بوجود األعمال السرية‬ ‫التنظيمية في منهج اإلخوان‪.‬‬ ‫ولكن مع ذلك يرى البعض أن محمد أحمد الراشد‬ ‫(واسمه الصريح عبد المنعم العزي) لم يعد له‬ ‫ثقل يذكر‪ ،‬أو وجود حقيقي داخل جماعة اإلخوان‬ ‫المسلمين‪ ،‬سوى االتكاء على إرثه الفكري المتجسد‬ ‫في مؤلفاته الحركية المرجعية لكوادر اإلخوان‬ ‫(العوائق‪ ،‬الرقائق‪ ،‬المسار‪ ،‬رسائل العين) إال‬ ‫أنه يمكن اعتباره صوتا حادا وصريحا داخل‬ ‫المنظومة اإلخوانية في الخليج بشكل عام‪ ،‬فهو‬ ‫قد تنقل وعاش فترات من حياته ما بين الكويت‬

‫خلية الإخوان‪..‬‬ ‫ت�سل�سل زمني‬ ‫* في ‪ 15‬يوليو(تموز) ‪ ،2012‬أعلنت السلطات‬ ‫اإلماراتية أنها فككت مجموعة تنتمي لجمعية‬ ‫اإلصالح اإلسالمية المحظورة في اإلمارات‪،‬‬ ‫وقالت إنها كانت تعد مخططات ضد األمن‬ ‫وتناهض دستور الدولة الخليجية‪.‬‬ ‫* في نهاية يوليو ‪ ،2012‬اتهم قائد شرطة دبي‬ ‫الفريق ضاحي خلفان جماعة اإلخوان المسلمين‬ ‫بالسعي إلى اإلطاحة بأنظمة خليجية‪ ،‬مؤكدا أن‬ ‫قوات الشرطة ألقت القبض على ناشطين بتهمة‬ ‫التآمر على أمن الدولة أعلنوا والءهم لإلخوان‬ ‫المسلمين‪.‬‬ ‫* في ‪ 12‬سبتمبر (أيلول) ‪ 2012‬شنت قوات‬ ‫الشرطة في دبي حملة اعتقاالت تستهدف عناصر‬ ‫تنتمي لجمعية اإلصالح اإلسالمية المحظورة‪،‬‬ ‫بلغ عددهم ‪ 60‬شخصا‪ ،‬أنشأوا جناحا عسكريا‬ ‫منذ عام ‪ 1988‬لتدريب المنتمين إليها‪.‬‬ ‫* تم الكشف مطلع العام الجاري عن اعتقال ‪11‬‬ ‫مصرياً في اإلمارات متهمين بقيادة خلية لإلخوان‬ ‫المسلمين تعمل لحساب الجماعة في القاهرة‪ .‬وقد‬ ‫رفضت اإلمارات طلباً رسمياً مصرياً لإلفراج‬ ‫عنهم‪.‬‬ ‫* في ‪ 9‬يناير (كانون الثاني) ‪ 2013‬كشفت‬ ‫اإلمارات عن القبض على تنظيم نسائي متهم‬ ‫بالمشاركة في تنظيم سري هدفه االستيالء على‬ ‫الحكم واإلضرار بالسلم االجتماعي في الدولة‪.‬‬ ‫* قال قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان في‬ ‫حوار خاص مع صحيفة «الشرق األوسط» في‬ ‫‪ 9‬يناير ‪ 2013‬إن في كل إمارة هناك مسؤول‬ ‫وهيكل تنظيمي لجماعة اإلخوان المسلمين‪،‬‬ ‫وكذلك مسؤول إعالمي ومسؤول لألسر‬ ‫وتخطيط متكامل استمر على مدى ‪ 40‬عاماً‪،‬‬ ‫من خالل الجمعيات الخيرية ومراكز األحياء‬ ‫والفتيات‪.‬‬ ‫* أكدت صحيفة «الخليج» أن استجواب عناصر‬ ‫من جمعية «اإلصالح» اإلسالمية المرتبطة‬ ‫باالخوان المسلمين‪ ،‬سمح برسم معالم «التنظيم‬ ‫السري» وأن هنالك أمواال واستثمارات ومحفظة‬ ‫خاصة به‪ ،‬وأن التنظيم يتواصل مع التنظيم‬ ‫الدولي وجهات خارجية‪ ،‬وأن له هيكال تنظيميا‬ ‫يشتمل على مكاتب وفروع وتراتبية ممنهجة في‬ ‫مختلف اإلمارات‪.‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪51‬‬


‫تحقيق‬

‫إصرار الجماعة على إلزام أعضائها بأخذ البيعة‪.‬‬ ‫حيث اعتبرت الحكومة أن من يعطي بيعته‬ ‫لشخص ما‪ ،‬هو في الحقيقة يمنحه والءه التام‪ ،‬فإذا‬ ‫قام مواطن إماراتي بإعطاء بيعته لقائد حركي‪ ،‬فهو‬ ‫يحمل والء مزدوجاً‪ ،‬يجعل من انتمائه الحركي‬ ‫مساوياً لوالئه ألرضه ووطنه وشيوخ بلده في‬ ‫أحسن األحوال‪.‬‬ ‫ومفهوم «بيعة المرشد» المؤصل في أدبيات‬ ‫اإلخوان المسلمين يبايع فيه العضو المرشد‪ ،‬أو‬ ‫القيادة العليا بهذا النص‪« :‬أبايعك بعهد اهلل وميثاقه‬ ‫على أن أكون جندياً مخلصاً في جماعة اإلخوان‬ ‫المسلمين‪ ،‬وعلى أن أسمع وأطيع في العسر واليسر‬ ‫والمنشط والمكره إال في معصية اهلل‪ ،‬وعلى أثرة‬ ‫علي‪ ،‬وعلى أال أنازع األمر أهله‪ ،‬وعلى أن أبذل‬ ‫ّ‬ ‫جهدي ومالي ودمي في سبيل اهلل ما استطعت إلى‬ ‫ً‬ ‫سبيال‪ .‬واهلل على ما أقول وكيل»‪.‬‬ ‫ذلك‬ ‫موضوع «البيعة» واالرتباط بتنظيم خارجي أزعج‬ ‫الحكومة االتحادية‪ ،‬وحاولت الحكومة في البداية‬ ‫معالجة موضوع أعضاء اإلخوان عبر احتوائهم‬ ‫ً‬ ‫أوال والتحاور معهم واقناعهم بالعدول عن هذا‬ ‫المنهج‪ ،‬ففي سلسلة من اللقاءات التي أجراها الشيخ‬ ‫محمد بن زايد ‪ -‬ولي العهد ‪ -‬مع بعض الشخصيات‬ ‫المحسوبة على اإلخوان في ‪ ،2003‬عرضت‬ ‫السلطات اإلماراتية ثالثة خيارات على كوادر‬ ‫الجماعة من موظفي التعليم‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬إعادة تأهيلهم وإبقاؤهم في وظائفهم التعليمية‪،‬‬ ‫بعد إعالن تخليهم عن الجماعة‪ ،‬والتبرؤ من‬ ‫«بيعة المرشد»‪ ،‬والمساهمة في بناء فكر إسالمي‬ ‫إصالحي معتدل ومتسامح‪ ،‬وبعيد عن األحزاب‬ ‫والتنظيمات‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬التخلي عن الجماعة تنظيميا‪ ،‬واحتفاظ كل‬ ‫شخص بأفكاره الخاصة‪ ،‬بشرط أال يقوم بترويجها‬ ‫أو الدعوة إليها‪ ،‬وهنا يتم إبقاؤه داخل مؤسسات‬ ‫التعليم‪ ،‬ولكن بعيدا عن التدريس والتواصل مع‬ ‫الطالب‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬توفير فرص وظيفية خارج المؤسسة‬

‫التعليمية لكل من اختار البقاء على انتمائه الحزبي‬ ‫رافضا عرض الحكومة‪ .‬كما تقوم الحكومة أيضا‬ ‫بإحالة من قاربت فترته على االنتهاء إلى التقاعد‪.‬‬ ‫بحسب ما يروي ذلك منصور النقيدان‪.‬‬ ‫وهذا األمر يؤكده الدكتور علي بن راشد النعيمي ـ‬ ‫مدير جامعة اإلمارات ـ في حديثه لبرنامج «حديث‬ ‫الخليج» مع سليمان الهتالن‪ ،‬حيث قال بأن الدولة‬ ‫قد دخلت في حوار طويل منذ سنين مع اإلخوان‬ ‫اإلماراتيين من أجل اقناعهم بإيقاف نشاطهم‬ ‫التنظيمي في الداخل‪ ،‬وقطع العالقات مع تنظيم‬ ‫اإلخوان في الخارج‪ ،‬ووعدتهم مقابل ذلك بالدعم‬ ‫الالزم‪ ،‬وتوفير سبل العيش الكريم‪ ،‬وفتح مجاالت‬ ‫ومنافذ العمل أمامهم وتبنيهم‪ ،‬موضحاً‪« :‬لكن‬ ‫تعنت اإلخوان‪ ،‬واستمرارهم في عملهم‪ ،‬ترافق‬ ‫معه تحرك مركز من أطراف خارجية الستهداف‬ ‫اإلمارات‪ ،‬والظروف التي تمر بها المنطقة لم‬ ‫يضع أمام الدولة خياراً‪ ،‬إال أن تتخذ موقفاً حاسماً‬ ‫تجاه اإلخوان من أجل حماية السلم االجتماعي‬ ‫واألمن الوطني»‪.‬‬

‫سحب الجنسيات‪ ..‬وجناح عسكري‬ ‫تصاعدت وتيرة الصدام بين السلطات الرسمية‬ ‫وكوادر الجماعة‪ ،‬حين صرح مصدر مسؤول في‬ ‫اإلدارة العامة لشؤون الجنسية واإلقامة والمنافذ‬ ‫باإلمارات‪ ،‬أكد فيه أن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان‬ ‫رئيس الدولة أصدر بتاريخ ‪ 4‬ديسمبر‪ ،2011‬أمراً‬ ‫يقضي بسحب الجنسية عن عدد أعضاء من جماعة‬ ‫اإلخوان المسلمين في اإلمارات‪ ،‬وهم ـ وفق ما‬ ‫نشرته صحيفة اإلمارات اليوم ـ‪ :‬حسين الجابري‪،‬‬ ‫حسن الجابري‪ ،‬إبراهيم المرزوقي‪ ،‬شاهين‬ ‫الحوسني‪ ،‬علي الحمادي‪ ،‬محمد عبد الرزاق محمد‬ ‫الصديق العبيدلي (ويضاف إليهم بحسب بيانات‬ ‫دعوة اإلصالح‪ ،‬أحمد غيث السويدي)‪.‬‬ ‫ونقلت الصحيفة عن المصدر المسؤول أن سبب‬ ‫سحب الجنسيات يعود لقيامهم بأعمال تعد خطرا‬ ‫على أمن الدولة وسالمتها‪ ،‬وأن المذكورين كانوا‬ ‫في األصل يحملون جنسيات دول أخرى‪ ،‬وأن‬

‫د‪�.‬سامل حميد‪ :‬الإخوان يحاولون �إقعاد‬ ‫دول اخلليج عن مالحقة النه�ضة حتى‬ ‫ال تكون منوذجا يج ّر عليهم مقارنات‬ ‫�شعوبهم‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫د‪.‬سالم حميد‬

‫السلطات المختصة منحت لهم جنسية الدولة‬ ‫بالتجنس‪ .‬وأضاف المصدر أنهم عملوا خالل‬ ‫السنوات الماضية على القيام بأعمال تهدد األمن‬ ‫الوطني لدولة اإلمارات العربية المتحدة من خالل‬ ‫ارتباطهم بمنظمات وشخصيات إقليمية ودولية‬ ‫مشبوهة‪ ،‬كما ارتبط بعضهم بمنظمات وجمعيات‬ ‫مشبوهة‪ ،‬مدرجة في قوائم األمم المتحدة المتعلقة‬ ‫بمكافحة تمويل اإلرهاب‪.‬‬ ‫غير أن النشطاء رودا على التهم وقالوا إنهم‬ ‫يعاقبون على المطالبة باإلصالح السياسي‪،‬‬ ‫وأضافوا في بيان لهم نشره موقع (دعوة اإلصالح)‬ ‫في ‪ 20‬ديسمبر‪« :2011‬اتخذ تجاهنا إجراء جائر‬ ‫غير قانوني‪ ،‬مخالف لحقوق اإلنسان األصلية‪،‬‬ ‫ودستور الدولة‪ ،‬والقوانين الصادرة فيها‪ ..‬والجامع‬ ‫بيننا أننا دعاة لإلصالح ننتمي لجمعية اإلصالح‬ ‫االجتماعي»‪ ،‬موضحين‪« :‬شارك بعضنا في‬ ‫التوقيع على عريضة (‪ 3‬مارس ‪ )2011‬رفعت‬ ‫لرئيس الدولة‪ ،‬تطالب بإصالحات في السلطة‬ ‫التشريعية في الدولة‪ ،‬وذلك بأن تتم انتخابات‬ ‫صحيحة للمجلس الوطني‪ ،‬وأن يؤدي دوره‬ ‫بصالحيات كاملة»‪.‬‬ ‫بعد صدور هذا البيان بيومين‪ ..‬أصدر النشطاء‬ ‫بياناً إلحاقياً غاضباً وبلغة تصعيدية عبر موقع‬ ‫(دعوة اإلصالح) أيضاً قالوا فيه بأن التهم‬ ‫الموجهة إليهم كاذبة‪ ،‬عارية عن الصحة‪ ،‬ووصفوا‬ ‫فيه أجهزة األمن بـ»الفاسدة»‪ ،‬ووكالء النيابة‬ ‫بـ»المأجورين»‪ ،‬مؤكدين أن الشعوب قد «ملت من‬ ‫الدول الديكتاتورية المستبدة‪ ،‬وألقت بأجهزة األمن‬ ‫في مزبلة التاريخ»‪.‬‬ ‫لكن اإلمارات استمرت في خطواتها الصارمة‬ ‫في مواجهة كوادر اإلخوان اإلماراتيين‪ ،‬فقامت‬ ‫السلطات األمنية باعتقال وإيقاف العشرات منهم‬ ‫(قرابة الـ‪ 60‬عضواً)‪ ،‬ونشرت صحيفة (اإلمارات‬ ‫اليوم) في ‪ 22‬سبتمبر ‪ 2012‬خبراً يكشف‬ ‫االتهامات الموجهة لكوادر الجماعة الموقوفين‪،‬‬ ‫وتأسيس جناح‬ ‫وتمثلت في االنتماء لتنظيم ّ‬ ‫سري‪ّ ،‬‬ ‫عسكري‪ ،‬هدفه االستيالء على السلطة‪ ،‬وإقامة‬ ‫حكومة دينية في اإلمارات‪ ،‬بوسائل غير مشروعة‪.‬‬ ‫وبحسب الصحيفة‪ ،‬فإن المصادر الرسمية شددت‬ ‫على أن قضية أولئك الموقوفين جنائية بحتة‪ ،‬وال‬ ‫صلة لها بكونهم دعا ًة دينيين‪ ،‬وال أشخاصاً يدافعون‬ ‫عن قضايا سياسية أو يطالبون بإصالحات‪ ،‬في‬ ‫ظل «اعترافاتهم الموثقة بإنشاء إطار تنظيمي‬ ‫سري تابع للتنظيم العالمي لـ(اإلخوان المسلمين)‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أمواال ويدير استثمارات‪ ،‬ويجمع تبرعات‬ ‫يمتلك‬ ‫لصالحه»‪ ،‬وأضافت أن الموقوفين «أقروا أيضاً‬ ‫بأنهم وجدوا في أحداث (الربيع العربي) فرصة‬ ‫مالئمة لنشاطهم‪ ،‬وأن لديهم جناحاً عسكرياً تأسس‬


‫الحركات التنصيرية في دولة اإلمارات والعالم‬ ‫العربي والتصدي لها‪ ،‬ولكن هذا القسم لم يستمر‬ ‫لـ»أسباب غامضة» كما يقول المترجم‪.‬‬ ‫يقول عنه العقيل‪« :‬الشيخ المحمود من النماذج‬ ‫الفريدة‪ ،‬له الكثير من الجهود المباركة في ترسيخ‬ ‫أقدام الدعاة وشد أزرهم والوقوف إلى جانبهم أمام‬ ‫ممارسات الطغاة المستبدين‪ ،‬وكان يشيد باإلخوان‬ ‫المسلمين ويكبر صمودهم أمام البالء»‪.‬‬ ‫كانت تربطه عالقة وثيقة بإخوان الكويت‪ ،‬حيث‬ ‫التقى به المؤلف في مقر الجماعة هناك‪« :‬لقد‬ ‫سعدت به في زيارته للكويت أوائل السبعينات‪،‬‬ ‫حيث شرفنا بجمعية اإلصالح االجتماعي‪ ،‬والتقى‬ ‫اإلخوة يوسف جاسم الحجي‪ ،‬وعبداهلل علي‬ ‫المطوع‪ ،‬وعمر عبد الرزاق الدايل وغيرهم من‬ ‫رجال الجمعية وشبابها»‪.‬‬ ‫ويتحدث العقيل عن عالقة الشيخ المحمود بالداعية‬ ‫الكويتي عبد العزيز العلي المطوع ـ مؤسس أول‬ ‫بناء تنظيمي إلخوان الكويت ‪ -‬حيث «كانا يتباريان‬ ‫ويتنافسان على تقديم الدعم للدعاة‪ ،‬بل أسهم وإياه‬ ‫في شراء الكثير من الكنائس ببريطانيا وتحويلها‬ ‫إلى مساجد يؤمها المسلمون في صلواتهم‪،‬‬ ‫ويمارسون من خاللها أنشطتهم اإلسالمية»‪.‬‬ ‫وفي تأسيس مبكر لخطاب ومطالب (دعوة‬ ‫اإلصالح) في اإلمارات‪ ،‬يذكر العقيل أن الشيخ‬ ‫المحمود كان يوجه رسائل دعوية إلى حكام‬ ‫اإلمارات جميعاً حول األمر بالمعروف والنهي‬ ‫عن المنكر‪ ،‬ومحاربة الفساد الذي استشرى‬ ‫بانتشار الخمور ودور اللهو والفساد في الفنادق‬ ‫وغيرها‪ ،‬وفيها «يحذرهم من غضب اهلل وسوء‬ ‫العاقبة‪ ،‬إذا لم يتداركوا األمر‪ ،‬كما حصل للمسلمين‬ ‫ببغداد على أيدي التتار‪ ،‬وما حصل للمسلمين‬ ‫باألندلس؛ وبخاصة أن المبشرين النصارى ودعاة‬ ‫الماسونية والقاديانية بدأوا التركيز على دولة‬ ‫اإلمارات والتغلغل في كثير من مرافق الدولة»‪.‬‬ ‫وال تزال هذه النقاط التي أثارها مبكراً الشيخ‬ ‫المحمود من أبرز القضايا التي تؤكد عليها اليوم‬ ‫(دعوة اإلصالح) في بياناتها وخطابها‪.‬‬

‫شرارة المواجهة‪ ..‬الحوار ً‬ ‫أوال‬ ‫بعد تأسيس جمعيات اإلصالح في اإلمارات‪،‬‬ ‫نشطت كوادر اإلخوان المسلمين عبر قطاع‬ ‫التعليم‪ ،‬من خالل المساهمة في صياغة مناهج‬ ‫التعليم‪ ،‬والسيطرة على النشاط الطالبي‪ ،‬يؤكد‬ ‫ذلك األستاذ سالم النعيمي الذي قال بأن الجماعة‬ ‫بفكرها لم يكن مرحباً بها بين أوساط الشعب‬ ‫بعموم‪ ،‬حيث المواطن اإلماراتي متدين بفطرته‪،‬‬

‫را�شد العرميي‪ :‬الإ�صالح امل�شروع‬ ‫واملرحب به له �شرطان‪� :‬أن يكون وفق‬ ‫مظلة الوطن حمققاً مل�صلحته ووحدته‪،‬‬ ‫وبدون �أي �أجندة �أو والءات خارجية‪.‬‬ ‫ولم تكن الدعوات إلى تقنين اإلسالم وجعله في‬ ‫قوالب تنظيمية مفصلة عبر البيعة‪ ،‬والتقسيم‬ ‫األسري‪ ،‬واالقتداء بقيادات خارجية جذابة أو تجد‬ ‫لها صدى بين عموم الناس‪ ،‬ولذلك سعى اإلخوان‬ ‫في اإلمارات إلى استقطاب الطالب منذ الصغر‬ ‫من خالل زرع أدبياتهم عبر المناشط الدراسية‬ ‫والتعليمية‪.‬‬ ‫ويؤكد الباحث منصور النقيدان أن جمعية‬ ‫اإلصالح والتوجيه االجتماعي عملت منذ تأسيسها‬ ‫على استقطاب الطالب والناشئة واستهداف‬ ‫مؤسسات التعليم‪ ،‬واستحوذ أتباعها على األنشطة‬ ‫الطالبية الكشفية والمراكز الصيفية‪ ،‬ومع بداية‬ ‫عقد الثمانينات سيطرت الجماعة على قطاع‬ ‫التعليم العام وإدارة المناهج والتأليف في وزارة‬ ‫التربية والتعليم‪ ،‬وفي عام ‪ 1988‬أصبح اإلخوان‬ ‫المسلمون‪ ،‬هم الصوت األوحد واألقوى في‬ ‫مؤسسات الدولة التعليمية وفي جامعة اإلمارات‪.‬‬ ‫ومع تأسيس مجلة «اإلصالح» عام ‪ ،1978‬بدأت‬ ‫جمعية اإلصالح بالعمل على ضرب خصومها‬ ‫الفكريين من التيارات األخرى‪ ،‬ودخلت الجماعة‬ ‫في صراع منذ بداية تأسيس الجمعية مع القوميين‬ ‫واليساريين‪ ،‬وبعد صدور مجلة اإلصالح نهاية‬ ‫السبعينات‪ ،‬هاجمت المجلة وكتّابها خصومها‬ ‫التقليديين من القوميين واليساريين‪ ،‬وكتبت أكثر‬ ‫من مرة عن تغلغل الشيوعيين في مفاصل الدولة‬ ‫وتأثيرهم في الثقافة والتعليم‪ .‬وقامت بالتشكيك‬ ‫في إسالم بعض مسؤولي الحكومة‪ ،‬ونشرت‬ ‫المجلة فتاوى حول جواز تولي بعض المسؤولين‬ ‫للمناصب الحكومية‪.‬‬ ‫وفي اتحاد الطلبة كانت الصدامات ال تتوقف بينهم‬ ‫وبين من وصفوهم بذوي التوجه اليساري‪ ،‬كما‬ ‫عملت المجلة على إظهار صورة نقية للجماعة‬ ‫وأتباعها‪ ،‬بالحفاظ على قيم المجتمع والتحذير‬ ‫من الغزو الثقافي‪ ،‬الذي يتمثل في نظرهم في‬ ‫إصالحات الحكومة في مجال التعليم والمناهج‪،‬‬ ‫وفي وسائل اإلعالم وبرامج التلفزيون المحلي‪،‬‬ ‫وفقا لما يقوله النقيدان‪.‬‬

‫راشد العريمي‬

‫وبحسب مصدر مطلع كشف لـ «لمجلة» أن‬ ‫الشرارة التي نبهت السلطات اإلمارتية على تغلغل‬ ‫اإلخوان اإلماراتيين في قطاع التعليم‪ ،‬هي حين‬ ‫أراد أحد موظفي الحكومة االتحادية إكمال دراساته‬ ‫العليا في الخارج ـ كان ذلك في بداية التسعينات ـ‬ ‫فلما قدم طلبه للجنة االبتعاث‪ ،‬قوبل بالرفض على‬ ‫الرغم من أن تقديره الجامعي كان (جيد جداً)‪،‬‬ ‫األمر الذي أثار تساؤالت عدة‪ ،‬هل يعني هذا أن‬ ‫جميع الطلبة المبتعثين يحملون تقدير (ممتاز) فال‬ ‫مكان لمن تقديره أقل ذلك!! أم أن هناك أمراً آخر؟!‬ ‫أثارت هذه الحالة تحريات السلطات التي كشفت‬ ‫بعد ذلك سيطرة كوادر الجماعة على التعليم‪ ،‬ومن‬ ‫ضمنه االبتعاث‪ ،‬فال يستحق الموافقة لالبتعاث إال‬ ‫من كان يدين بأفكار اإلخوان‪ ،‬أو منتمياً للجماعة‪،‬‬ ‫وهو األمر الذي أثار غضب السلطات‪ ،‬ودفعها‬ ‫التخاذ خطوات لمواجهة جمعية اإلصالح وتقليص‬ ‫نفوذها ـ وفقاً لما يقوله المصدر ‪.-‬‬ ‫وفي ذات السياق يشير الباحث منصور النقيدان‬ ‫إلى أن تحقيقات ألجهزة األمن المصري كشفت‬ ‫عن أن أفراداً متورطين في عمليات إرهابية من‬ ‫جماعة الجهاد المصرية‪ ،‬قد تلقوا تبرعات مالية‬ ‫عبر لجنة اإلغاثة واألنشطة الخارجية لجمعية‬ ‫اإلصالح اإلماراتية‪ .‬ونتيجة ذلك جمدت السلطات‬ ‫جميع األنشطة الخارجية لجمعية اإلصالح في عام‬ ‫‪ ،1994‬أتبعتها بقرار حل مجلس إدارتها‪ ،‬وإسناد‬ ‫اإلشراف على فروع المؤسسة إلى وزارة الشؤون‬ ‫االجتماعية‪ .‬وأنهى القرار فصول قصة استمرت‬ ‫لما يقارب واحداً وعشرين عاماً من إنشاء اإلخوان‬ ‫المسلمين اإلماراتيين لـ»جمعية اإلصالح والتوجيه‬ ‫االجتماعي» بدبي وفروعها‪.‬‬ ‫يقول النقيدان إنه منذ عام ‪ 2003‬بدأت عملية نقل‬ ‫واسعة داخل وزارة التربية والتعليم‪ ،‬ألكثر من‬ ‫مائة وسبعين من اإلخوان المسلمين وتحويلهم‬ ‫إلى دوائر حكومية أخرى‪ ،‬كان منهم ‪ 83‬موظفاً‪،‬‬ ‫انشغلت وسائل إعالم محلية وغيرها بالحديث‬ ‫عنهم‪.‬‬ ‫ومما زاد من مخاوف الحكومة اإلماراتية‪ ،‬هو‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪49‬‬


‫تحقيق‬

‫بكثير‪ ،‬فحاجة التنظيم الدولي لإلخوان للمال يت ّم‬ ‫تلبيته من خالل ذلك‪ ،‬فمندوبو السعودية وقطر‬ ‫واإلمارات والبحرين والكويت يت ّم دائماً توظيفهم‬ ‫في عملية جباية األموال للتنظيم الدولي لإلخوان»‪.‬‬ ‫وفي هذا العام نفسه ‪ ..1973‬يؤكد األستاذ سالم‬ ‫النعيمي ـ كاتب وباحث إماراتي ـ في حديث لمجلة‬ ‫«المجلة» أن البدايات األولى لوجود اإلخوان‬ ‫المسلمين في اإلمارات تعود إلى هذا التاريخ حين‬ ‫هاجر إلى اإلمارات عدد من المدرسين واألساتذة‬ ‫المصريين (اإلخوان) الباحثين عن العمل في دولة‬ ‫اإلمارات‪ ،‬ويؤكد النعيمي أنه «في تلك الفترة‬ ‫لم تكن مشاريعهم ورؤاهم واضحة أو معروفة‪،‬‬ ‫ولم يكن المواطن اإلماراتي يعي من هم جماعة‬ ‫اإلخوان المسلمين»‪.‬‬ ‫أما الباحث السعودي منصور النقيدان فيتلمس‬ ‫البداية األولى لوجود اإلخوان المسلمين في‬ ‫اإلمارات في دراسة له بعنوان «اإلخوان المسلمون‬ ‫في اإلمارات‪ ..‬التمدد واالنحسار» نشرها مركز‬ ‫المسبار‪ ،‬مستشهداً بحديث للدكتور محمد الركن‬ ‫أستاذ القانون الدولي السابق‪ ،‬ـ وهو من القيادات‬ ‫البارزة بين اإلخوان اإلماراتيين ـ الذي قال بأن‬ ‫عودة بعض الطلبة اإلماراتيين في أواخر الستينات‬ ‫من دراستهم في مصر والكويت‪ ،‬كان بداية‬ ‫لتشكل تيار لإلخوان في اإلمارات‪« ،‬يحدوهم أمل‬ ‫إنشاء جماعة تمارس أنشطتها وتنشئ مؤسساتها‬ ‫ومحاضنها التربوية في البالد‪ ،‬لتستقطب الشباب‬ ‫إلى أفكار الجماعة‪ ،‬وتهيئهم ليكونوا كوادر مؤثرة‬ ‫في المجتمع اإلماراتي الوليد»‪ ،‬ويضيف النقيدان‬ ‫«نجحت الجماعة في جهودها‪ ،‬واستطاعت عبر‬ ‫كسب تعاطف ودعم نخبة من رجال األعمال‬ ‫والوجهاء وعلماء الدين‪ ،‬أن تنشئ إحدى أقدم‬ ‫الجمعيات األهلية في اإلمارات‪ ،‬وهي (جمعية‬ ‫اإلصالح والتوجيه االجتماعي) ـ االمتداد التنظيمي‬ ‫لجماعة اإلخوان المسلمين ـ وتلقت الجمعية الوليدة‬ ‫رعاية أبوية ومساهمة رمزية من إخوان الكويت‪،‬‬ ‫حيث ساهمت جمعية اإلصالح الكويتية بتأثيث‬ ‫مقرها‪ ،‬واستمر هذا الترابط العضوي بين فرعي‬ ‫اإلمارات والكويت‪ ،‬عبر اللقاءات والزيارات‬

‫وإقامة المخيمات الصيفية في الكويت‪ ،‬وتنظيم‬ ‫الرحالت»‪.‬‬ ‫وبتفصيل أكثر يوضح النقيدان أنه في عام ‪1974‬‬ ‫تقدمت مجموعة من رجال األعمال والوجهاء‬ ‫والمشايخ والدعاة ‪ -‬ومنهم اإلخوان القدامى‬ ‫مثل سلطان بن كايد القاسمي‪ ،‬ومحمد بن عبد اهلل‬ ‫العجالن‪ ،‬وعبد الرحمن البكر وحمد حسن رقيط‬ ‫آل علي‪ ،‬وحسن الدقي‪ ،‬وسعيد عبد اهلل حارب‬ ‫المهيري ‪ -‬تقدمت هذه المجموعة بطلب إلى الشيخ‬ ‫راشد بن سعيد آل مكتوم نائب رئيس الدولة حاكم‬ ‫دبي بإشهار الجمعية‪ ،‬مضيفا «تولى الشيخ محمد‬ ‫بن خليفة آل مكتوم منصب أول رئيس لمجلس‬ ‫إدارة الجمعية‪ .‬وتبرع الشيخ راشد بن سعيد آل‬ ‫مكتوم بإنشاء المقر الرئيسي بدبي‪ ،‬تاله إنشاء‬ ‫فرعين للجمعية في إمارتي رأس الخيمة والفجيرة‪،‬‬ ‫وقد تبرع الشيخ راشد آل مكتوم أيضاً بتكاليف‬ ‫إنشائهما‪ ،‬ويقال إن رئيس الدولة الراحل الشيخ‬ ‫زايد بن سلطان آل نهيان تبرع بأرض إلنشاء‬ ‫فرع للجمعية في أبوظبي نهاية السبعينات‪ ،‬ولكن‬ ‫قرار إنشاء الفرع ُجمّد الحقاً‪ .‬أما إمارة الشارقة فقد‬ ‫أغلقت الباب في وجه اإلخوان‪ ،‬ولم تسمح بافتتاح‬ ‫فرع للجمعية‪ ،‬ربما يعود ذلك إلى غلبة المزاج‬ ‫القومي والعروبي على مفاصل الثقافة في اإلمارة‬ ‫المحافظة في السبعينات‪ ،‬متأثرة بأجواء الخصومة‬ ‫التاريخية بين الناصريين واإلخوان في تلك الفترة‬ ‫التي استمرت حتى نهاية الثمانينات‪ .‬وفي عجمان‬ ‫لم تؤسس جمعية اإلصالح فرعاً لها‪ ،‬واكتفى‬ ‫اإلخوان بتبعية لجنة اإلرشاد والتوجيه االجتماعي‬ ‫لهم»‪.‬‬ ‫وإن كان النقيدان في دراسته يشير إلى دور إخوان‬ ‫الكويت في تأسيس نشاط جماعة اإلخوان في‬ ‫اإلمارات‪ ،‬إال أن الكاتب اإلماراتي عبد الغفار‬ ‫حسين ـ رئيس جمعية حقوق اإلنسان اإلماراتية‬ ‫ـ يختلف معه ويرجع الدور إلى إخوان قطر‪،‬‬ ‫حيث أوضح في مقال له نُشر في صحيفة الخليج‬ ‫اإلماراتية أن نشاط اإلخوان في اإلمارات قد‬ ‫انطلق من مقر البعثة التعليمية القطرية في دبي‬ ‫التي جاءت كمساعدات من قطر لإلمارات في‬

‫د‪.‬علي النعيمي‪ :‬الإمارات دخلت يف حوار‬ ‫طويل مع الإخوان لكن تعنتهم مل يرتك‬ ‫للدولة �أي خيار �إال �أن تتخذ موقفاً حا�سماً‬ ‫من �أجل حماية ال�سلم االجتماعي والأمن‬ ‫الوطني‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫د‪.‬علي النعيمي‬

‫عام ‪ 1962‬وكان للشيخ عبد البديع صقر ـ أحد‬ ‫رموز اإلخوان المسلمين المصريين ـ ضلع في‬ ‫تأسيس هذا المكتب واختيار المدرسين والقائمين‬ ‫على شؤونه‪ ،‬وكان الشيخ عبد البديع يتردد بانتظام‬ ‫على اإلمارات‪ ،‬وأسس فيها مدرسة تابعة له اسمها‬ ‫مدرسة اإليمان في منطقة الراشدية بدبي‪.‬‬ ‫ويضيف حسين «كان الشيخ عبد البديع والشيخ‬ ‫يوسف القرضاوي يقيمان في قطر‪ ،‬ويترددان‬ ‫باستمرار على اإلمارات‪ ،‬وكانت المكتبة‬ ‫العامة التي أسستها البلدية عام ‪ 1963‬مركزاً‬ ‫للمحاضرات‪ ،‬ومن أنشط المحاضرين في قاعة‬ ‫هذه المكتبة التي كانت تستقطب جمهوراً غفيراً‪،‬‬ ‫كان الشيخ عبد البديع وعدنان سعد الدين ـ أحد‬ ‫رموز إخوان سوريا ـ والشيخ يوسف القرضاوي‪.‬‬ ‫وعند قيام دولة اإلمارات عام ‪ 1971‬ظهر بشكل‬ ‫ملحوظ أن هناك فئة قليلة تشبعت بدعوة جماعة‬ ‫اإلخوان من أبناء اإلمارات‪ ،‬وال سيما أولئك الطلبة‬ ‫الذين أتيحت لهم فرصة الدراسة في قطر‪ ،‬أو الذين‬ ‫بعثوا للخارج للدراسة ضمن البعثة القطرية‪،‬‬ ‫وأصبح هؤالء من بين الطبقة (المتعلمة) التي‬ ‫استعانت بهم الدولة في بناء هياكلها اإلدارية من‬ ‫وزارات وغيرها‪ ،‬وأهم المؤسسات التي ُقدر لها‬ ‫بعض الوقت أن تخضع للتوجيهات األيديولوجية‬ ‫في اإلمارات هي مؤسسات التعليم»‪.‬‬

‫إخوان اإلمارات في سير الرعيل األول‬ ‫في كتابه «من أعالم الدعوة والحركة اإلسالمية‬ ‫المعاصرة» الذي يترجم ألغلب رموز الرعيل‬ ‫األول للحركة اإلسالمية‪ ،‬في مقدمتهم مرشدو‬ ‫جماعة اإلخوان المسلمين ورجاالتهم في العالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬يورد المستشار عبد اهلل العقيل سيرة‬ ‫ألحد أقدم وجوه اإلخوان ورموزهم في الخليج‬ ‫العربي‪ ،‬وهو الشيخ والعالم اإلماراتي عبد اهلل بن‬ ‫علي المحمود‪ ،‬الذي كان له حضور بارز وفاعل‬ ‫في الدعوة اإلسالمية‪ ،‬وتنظيم األوقاف والمساجد‬ ‫في إمارة الشارقة منذ وقت مبكر جداً‪.‬‬ ‫الشيخ المحمود (ولد في عام ‪ 1902-‬وتوفي‬ ‫عام ‪ )1982‬كان أول مدير للشؤون اإلسالمية‬ ‫واألوقاف بالشارقة‪ ،‬وكان نائبه في اإلدارة حينها‬ ‫الدكتور والشيخ األزهري عبد الودود شلبي وهو‬ ‫واحد من رموز اإلخوان في مصر‪ ،‬تعرض للسجن‬ ‫مع عدد من أعضاء الجماعة بعد حلها عام ‪.1948‬‬ ‫وقد بدأت إدارة الشؤون اإلسالمية بالشارقة التي‬ ‫يرأسها الشيخ المحمود بإقامة المواسم الثقافية‬ ‫التي يدعى لها كبار المفكرين والدعاة في العالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬كما أصدرت اإلدارة سلسلة كتب تحت‬ ‫عنوان «قضايا إسالمية»‪ ،‬كما أنشأت قسماً لرصد‬


‫مصلى بر دبي الكبير‬

‫إماراتيون ـ ينتمي غالبيتهم لفكر اإلخوان المسلمين‬ ‫ـ بالتزامن مع أحداث «الربيع العربي» إلى رئيس‬ ‫الدولة الشيخ خليفة آل نهيان بعريضة (تعرف‬ ‫بعريضة الثالث من مارس‪/‬آذار‪ )2011 -‬يطالبونه‬ ‫فيها بإجراء انتخابات حرة وديمقراطية ألعضاء‬ ‫المجلس الوطني االتحادي‪ ،‬وبتعديل دستوري يكفل‬ ‫له الصالحيات التشريعية والرقابية الكاملة‪.‬‬

‫‪ ،‬وقال فيه خلفان‪« :‬اسمحوا لي أن أنأى بعيداً عن‬ ‫الدبلوماسية‪ ،‬أنا رجل أمن‪ ..‬اإلخوان المسلمون هم‬ ‫أحد مهددات األمن في الخليج‪ ،‬وال يقلون خطراً‬ ‫عن إيران»‪.‬‬ ‫بعدها أعلنت اإلمارات عن توقيف ‪ 60‬عضواً من‬ ‫أعضاء تنظيم اإلخوان المسلمين في اإلمارات‪،‬‬ ‫ووجهت لهم النيابة العامة في سبتمبر (أيلول)‬ ‫ّ‬ ‫سري‬ ‫‪ 2012‬تهماً تتعلق بـ»إنشاء وإدارة تنظيم ّ‬ ‫يمس األمن ومبادئ قيام الدولة‪ ،‬واالرتباط بجهات‬ ‫ّ‬ ‫خارجية ّ‬ ‫والتعرض‬ ‫وتلقي تعليمات وأموال منها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫للقيادة السياسية «‪.‬‬

‫نتيجة لهذه التحركات‪ ..‬جاء موقف السلطات‬ ‫اإلماراتية حازماً ومباشراً‪ ،‬فتم سحب الجنسية من‬ ‫عدد من «اإلماراتيين المجنسين» المنتمين لجماعة‬ ‫اإلخوان في ديسمبر(كانون األول) ‪،2011‬‬ ‫واتهمتهم السلطات بالتورط في «أعمال تهدد األمن‬ ‫الوطني‪ ،‬واالرتباط بمنظمات وشخصيات مدرجة‬ ‫في قوائم اإلرهاب»‪.‬‬

‫البدايات األولى‪ ..‬رحلة السبعينيات‬

‫ظهر بعد ذلك الخطاب الصريح من الفريق ضاحي‬ ‫خلفان ـ القائد العام لشرطة دبي ـ في مؤتمر «األمن‬ ‫الوطني واألمن اإلقليمي لمجلس التعاون لدول‬ ‫الخليج العربية‪ ..‬رؤية من الداخل»‪ ،‬والذي نظمه‬ ‫مركز البحرين للدراسات االستراتيجية والدولية‬ ‫والطاقة في ‪ 18 17-‬يناير(كانون الثاني) ‪2012‬‬

‫إذا أردنا العودة للبدايات األولى لوجود اإلخوان‬ ‫المسلمين في اإلمارات‪ ،‬فإن اآلراء والتحليالت‬ ‫تختلف في تحديد بداية فعلية لنشاط اإلخوان‪،‬‬ ‫ومصادر تغذيتهم األساسية‪ ،‬فيشير الباحث‬ ‫السعودي عبد هلل بن بجاد العتيبي في دراسة له‬ ‫بعنوان «اإلخوان المسلمون واإلمارات» ‪ -‬صادرة‬

‫عن مركز المسبار للدراسات والبحوث‪ -‬إلى أن‬ ‫بدايات تأسيس تنظيم جماعة اإلخوان المسلمين في‬ ‫اإلمارات‪ ،‬يرجع إلى نهاية الستينات أو منتصف‬ ‫ً‬ ‫مدلال على ذلك بقول «اإلخواني‬ ‫السبعينات‪،‬‬ ‫السابق» علي عشماوي وهو يخاطب سيد قطب ـ‬ ‫ومن المرجح أن هذا الحديث جرى في عام ‪1965‬‬ ‫ـ ‪« :‬واإلخوان في إمارات الخليج اختاروا األخ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مسؤوال»‪ ،‬ويضيف عنه «هو‬ ‫(عز الدين إبراهيم)‬ ‫أحد اإلخوان الذين هربوا من مصر عام ‪1954‬‬ ‫إلى ليبيا‪ ..‬ثم اتجه بعد ذلك إلى الخليج‪ ،‬حيث عاش‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مسؤوال»‪.‬‬ ‫طويلة هناك وانتخبه اإلخوان‬ ‫مد ًة‬ ‫ويتحدث الدكتور عبد اهلل النفيسي في دراسته‬ ‫«اإلخوان المسلمون التجربة والخطأ»‪ ،‬عن‬ ‫حج الهضيبي عام ‪ 1973‬فيقول‪« :‬وفيه عقد‬ ‫ّ‬ ‫موسٍع لإلخوان‪ ..‬ونظراً ألن معظم‬ ‫ّل‬ ‫أو‬ ‫اجتماع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلخوان في الخارج قد هاجروا إلى منطقة الخليج‬ ‫والجزيرة العربية‪ ،‬فقد ّ‬ ‫تركز عمل لجنة العضوية‬ ‫ّ‬ ‫فتشكلت لجنة الكويت‪ ،‬ولجنة‬ ‫في تلك المناطق‪:‬‬ ‫قطر‪ ،‬ولجنة اإلمارات»‪ .‬ويشير النفيسي إلى وظيفة‬ ‫إخوان الخليج في نظر التنظيم الدولي‪ً ،‬‬ ‫قائال ّ‬ ‫‪»:‬إن‬ ‫بثقل يفوق أهميتها‬ ‫أقطار الخليج والجزيرة ممثلة ٍ‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪47‬‬


‫تحقيق‬

‫ّ‬ ‫تنظيم سري‬

‫خلية اإلخوان املسلمني في اإلمارات‪ ..‬القصة كاملة‬

‫بقلم‪ :‬عبداهلل الرشيد‬

‫«يجب �أال ن�سميهم ب�ألقابهم التي ي�سمون �أنف�سهم بها كـ(الإخوان امل�سلمني)‪� .‬إنهم يختارون‬ ‫�ألقاباً كما يريدون‪ ،‬ولكنهم يت�صرفون كت�صرف الف�سقة الكفرة»‪ .‬هكذا كان موقف ال�شيخ زايد بن‬ ‫�سلطان �آل نهيان ـ �أول رئي�س لدولة الإمارات العربية املتحدة وحاكم �إمارة �أبو ظبي ـ من جماعة‬ ‫الإخوان امل�سلمني منذ وقت مبكر‪� ..‬إنها ق�صة قدمية �إذن‪ ..‬لكنها اليوم حتتل م�ساحة جدل‬ ‫وا�سعة يف امل�شهد اخلليجي والعربي‪ ،‬ال تتوقف �أخبارها و�أنبا�ؤها عن التدفق كل حلظة‪ ..‬ق�صة‬ ‫مت�سارعة م�شتعلة �ساخنة‪ ،‬انتقلت من دوائر النخب وال�سا�سة واملثقفني لت�صبح حديث ال�شارع‪،‬‬ ‫ومثار �أ�سئلة العامة‪ ،‬ق�صة تخالفت وتخا�صمت فيها الآراء واالجتاهات‪ ،‬والدول �أي�ضاً‪.‬‬ ‫«اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬وجماعة اإلخوان‬ ‫المسلمين»‪ ..‬صراحة غير مسبوقة‪ ،‬وقصة مشبعة‬ ‫بالتفاصيل‪ ..‬تلك التفاصيل التي قد ينسي آخرها‬ ‫أولها‪ ،‬وتنفرد بعض أجزائها بالصورة‪ ..‬في خضم‬ ‫تطورات صاخبة‪ ،‬وأحداث متالحقة‪ ..‬يتوقف‬ ‫القارئ أحياناً ويتساءل‪ ..‬ما الذي يحدث؟ ولماذا‬ ‫يحدث؟‪ ..‬ما الحكاية؟ وما هي القصة؟‪ ..‬كيف‬ ‫بدأت‪ ،‬ولماذا بدأت؟‬

‫التي ُف ّرغت من محتواها؟ أال ترون تزايد عدد‬ ‫المالهي الليلة والبارات؟ أال ترون شواطئنا كيف‬ ‫تحولت ألشباه العراه؟ أال يستحق هذا اإلفساد‬ ‫المنظم إصالحاً منظماً منا وتكاتفاً لمواجهته؟ بلى‬ ‫بل هو واجب علينا‪ ..‬فدعوة اإلصالح ماضية في‬ ‫طريقها بثبات رغم الهجمة األمنية واالعتقاالت‪،‬‬ ‫مشاريعها اإلصالحية مستمرة‪ ،‬ومطالبها السلمية‬ ‫مستمرة»‪ .‬ويضيف النعيمي في ذات المقال‬ ‫موضحاً منهج وفكر «دعوة اإلصالح» ‪ -‬التي‬ ‫تُوصف بأنها الممثل لجماعة اإلخوان المسلمين في‬ ‫اإلمارات‪« :-‬أبناء دعوة اإلصالح هم من حملة‬ ‫الشهادات الجامعية العليا‪ ..‬درس بعضهم في مصر‬ ‫فتأثر بفكر اإلمام حسن البنا‪ ،‬والبعض اآلخر تأثر‬ ‫بكتب الشيخ أبو األعلى المودودي»‪.‬‬

‫في شهر مايو (أيار) ‪ 2012‬كتب الناشط والمدون‬ ‫ً‬ ‫مقاال في مدونته‬ ‫اإلماراتي الشاب خليفة النعيمي‬ ‫الشخصية بعنوان «خمس أسئلة متكررة حول‬ ‫ً‬ ‫قائال‪ :‬هل لدعوة‬ ‫دعوة اإلصالح»‪ ،‬تساءل فيه‬ ‫اإلصالح تنظيم؟ وأجاب عن سؤاله‪« :‬دعوة‬ ‫اإلصالح ال بد لها أن تكون منظمة‪ ،‬ألنها تواجه‬ ‫فساداً منظماً ومتنوعاً‪ ،‬أال ترون المناهج التعليمية‬

‫في جانب آخر‪ ..‬كتب المدون اإلماراتي الشاب‬ ‫محمد المرزوقي في مدونته الشخصية‪ ،‬وكأنه‬ ‫ً‬ ‫مقاال في أغسطس‬ ‫يرد على أفكار النعيمي‬ ‫(آب) ‪ً 2012‬‬ ‫قائال‪« :‬لنتكلم بصراحة‪ ،‬الكل يعلم‬ ‫بأن التنظيمات مهما كانت بريئة وذات أسماء‬ ‫ودالالت خيرة فهي ممنوعة وبحكم القانون إن‬ ‫لم تكن تحت إشراف رسمي‪ ،‬فما الغرابة إذن إن‬

‫وهذا ما نحاول أن نتلمس اإلجابة عنه هنا‪ ..‬لماذا‬ ‫انتفضت اإلمارات ضد جماعة اإلخوان المسلمين؟‪.‬‬

‫في البدء‪ ..‬إضاءة شاملة‬

‫‪46‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫تم اعتقال بعض منسوبيها؟ أنا أعرف بأن الدولة‬ ‫وكبار مسؤوليها قد نبهوا قادة هذه الجمعية (جمعية‬ ‫اإلصالح والتوجيه االجتماعي) بأن ما يقومون‬ ‫به هو مخالف ألنظمة الدولة‪ ،‬وهذه الحقيقة قيلت‬ ‫على لسان منتسبي الجمعية أنفسهم‪ ،‬ولكنهم أصروا‬ ‫على االستمرار بعملهم في تحد غريب للدولة‪،‬‬ ‫وكأنهم كانوا يعتقدون بأن الدولة ستوفر لهم‬ ‫بالمقابل معاملة خاصة ومميزة‪ ،‬ونسوا بأن عصا‬ ‫القانون ثقيلة‪ ،‬وبأن التحذير الذي قد وصلهم مرارا‬ ‫وتكرارا وعبر كافة الطرق‪ ،‬كان جادا‪ ،‬وخصوصا‬ ‫وأنه قد وصلهم من أعلى الجهات الرسمية وأكثرها‬ ‫نفوذا»‪.‬‬ ‫توجز هاتان المدونتان‪ ،‬الكثير مما يمكن أن يقال‬ ‫حول قصة اإلخوان المسلمين في اإلمارات‪،‬‬ ‫الرأي من طرفيه‪ ،‬خصوصاً إذا علمنا أن مواقع‬ ‫التواصل االجتماعي (تويتر‪ /‬فيسبوك) والمدونات‬ ‫والمنتديات كانت أحد أهم حقول هذه القصة‬ ‫وأبطالها‪.‬‬ ‫لكن واحدة من المنعطفات الرئيسة في هذه‬ ‫الحكاية‪ ،‬هي حين تقدم ناشطون وأكاديميون‬


‫البـحـوث العلـميـة عاليـة التأثيـر‬ ‫ ‬ ‫ٌ‬ ‫متـاحـة ا ن للمـجتـمع بأكمله‪.‬‬

‫ﺷـﻬـﺮﻳﺎ‬ ‫ﺑﺎﻃﻼﻋﻚ ﻋﻠﻰ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼـﺪﺭ‬ ‫ًّ‬ ‫ﺍﻧﻀـﻢ ﺇﻟﻰ ُﺭ ّﻭﺍﺩ ﺍﻟﻌﻠــﻮﻡ ﱢ‬ ‫ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴـــﺔ‪ ،‬ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻹﻟﻜﺘــﺮﻭﻧﻲ ﺍﻟﺨـﺎﺹ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺒـﻜﺔ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ‬ ‫ﻳﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺜﻪ ﺑﺼﻔﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ‪.‬‬ ‫ﺇﻥ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻠﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺍﻷﺧﺒــﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴــﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺍﻟﺠﻮﺩﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ‬ ‫ﻣﺘﺎﺣﺎ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ ﻛﻞ ﺃﺳﺒــﻮﻉ‪ ،‬ﻣﻊ ﻭﺟـﻮﺩ ﻧُ َﺴﺦ‬ ‫ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ”‪.“Nature‬ﺇﻥ ﻣﺤﺘـﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺳﻴـﻜﻮﻥ‬ ‫ً‬ ‫ﺷﻬﺮﻳﺎ‬ ‫ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ‬ ‫ًّ‬

‫ﺍﻃﻠِ ْﻊ ﻋﻠﻰ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﻧﺘﺮﻧﺖ‪ ،‬ﻭﺍﻣﻸ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺎﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ‪:‬‬ ‫ﱠ‬

‫‪arabicedition.nature.com‬‬

‫ﺑﺎﳌﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻊ‪:‬‬


‫قصة الغالف‬

‫التاريخ يعيد نفسه‬

‫الرئيس السابق ريتشارد نيكسون مع عدوتها‬ ‫الصين الشيوعية مطلع السبعينات‪.‬‬

‫األسباب العشرة التي سقناها حتى اآلن‪ ،‬تشير إلى‬ ‫أن أميركا تمر في مرحلة ضمور عسكري حول‬ ‫العالم‪ .‬ولكن هل يجوز اعتبار هذه مرحلة تكتيكية‪،‬‬ ‫أو هل هي تشير إلى ضمور قوة االمبراطورية‬ ‫األميركية بشكل دائم‪ ،‬وتاليا تراجع دورها العالمي‬ ‫إلى غير رجعة‪.‬‬

‫كذلك نشر البروفسور في جامعة كولومبيا روبرت‬ ‫جيرفيز مقاال في مجلة «فورين افيرز» بعنوان‬ ‫«التوصل الى نعم مع ايران»‪ ،‬وتبنى المقال‬ ‫االعالميان جورج ستيفانوبوليس على شبكة «اي‬ ‫بي سي»‪ ،‬وفريد زكريا على شبكة «سي ان ان»‪.‬‬

‫من المبكر الحكم على ديمومة التراجع األميركي‪،‬‬ ‫فالمواجهة بين أميركا والصين مازالت في‬ ‫بداياتها‪ ،‬وال ضمانات أن الصين ستستمر في‬ ‫صعودها االقتصادي‪ ،‬إذ يرجح خبراء كثيرون‬ ‫ان تصطدم بما يسمى «فخ المدخول المتوسط»‬ ‫حيث تتحسن مستوى المعيشة فيها الى درجة ال‬ ‫تعود اليد العاملة فيها هي األرخض عالميا‪ ،‬فيما ال‬ ‫تنجح في تحويل نفسها الى دولة صناعية بالكامل‬ ‫يمكنها منافسة الدول الصناعية الغربية مثل أميركا‬ ‫وألمانيا واليابان‪ .‬كذلك يضرب الخبراء صعود‬ ‫اليابان‪ ،‬ثم توقفها‪ ،‬مثاال على أن الصعود الصيني‬ ‫قد ال يتجاوز الواليات المتحدة‪ ،‬وبذلك تبقى أميركا‬ ‫األولى اقتصاديا في العالم‪ ،‬وتاليا األولى عسكريا‬ ‫وسياسيا‪.‬‬

‫ومن نافل القول ان الحديث عن «احتواء» ايران‬ ‫ومباشرة الحوار غير المشروط معها‪ ،‬لم يكنا‬ ‫ممكنين لو كانت واشنطن ماتزال تعكس صورة‬ ‫القوة العسكرية القادرة على بث الذعر‪ ،‬على األقل‪،‬‬ ‫لدى خصومها‪ ،‬حتى لو لم تكن تنوي استخدام هذه‬ ‫القوة العسكرية فعليا لثنيهم عن القيام بسياسات ال‬ ‫تتوافق مع المصالح االميركية‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫عودة الحزبين إلى العزلة‬

‫يحلو لكثيرين التفكير أن ضمور الدور العسكري‬ ‫األميركي حول العالم هو بسبب انتخاب باراك‬ ‫اوباما من الحزب الديمقراطي رئيسا‪ ،‬وهو ما دفع‬ ‫كثيرين‪ ،‬حتى من غير مؤيدي الحزب الجمهوري‪،‬‬ ‫تأييد مرشحي هذا الحزب‪ ،‬جون ماكين في عام‬ ‫‪ 2008‬وميت رومني العام الماضي‪ ،‬الى الرئاسة‪.‬‬ ‫اال ان الواقع يشي بأن تراجع الدور العسكري‬ ‫األميركي حول العالم لم يكن ليختلف بغض النظر‬ ‫عن هوية والتوجهات السياسية لسيد البيت األبيض‪،‬‬ ‫فعلى عكس االعتقاد السائد‪ ،‬لم يبدأ التراجع‬ ‫العسكري األميركي في عهد اوباما‪ ،‬بل في زمن‬ ‫سلفه بوش‪.‬‬ ‫في هذا السياق‪ ،‬ال بد من التذكير ان ادارة بوش هي‬ ‫التي وقعت «معاهدة وضع القوات» مع العراقيين‪،‬‬ ‫والتي سمحت للجيش االميركي البقاء لعام واحد‬ ‫بعدما انهى مجلس األمن تفويض احتالل اميركا‬ ‫للعراق في عام ‪ .2010‬كما ان سياسة االنفتاح‬ ‫على اعداء اميركا السابقين‪ ،‬مثل نظامي سوريا‬ ‫وايران‪ ،‬لم تبدأ مع اوباما بل بدأت تحت اشراف‬ ‫وزيرة خارجية بوش‪ ،‬كوندوليزا رايس‪ ،‬التي دعت‬ ‫السوريين الى مؤتمر السالم في انابوليس في ربيع‬ ‫عام ‪ ،2007‬والتي ارسلت وكيلها وليام بيرنز‬ ‫للمشاركة في مفاوضات ما يعرف بـ»مجموعة دول‬ ‫خمس زائد واحد» مع االيرانيين‪.‬‬ ‫اوباما بدوره استكمل االنسحاب االميركي من‬ ‫العراق حسب جدول بوش‪ ،‬واستأنف سياسة االنفتاح‬ ‫على بشار االسد في سوريا‪ ،‬وسياسة الحوار مع‬ ‫ايران وفرض العقوبات عليها في الوقت نفسه في‬ ‫مجلس االمن‪ .‬وفي االطار نفسه‪ ،‬كان ال بد ألوباما‬ ‫‪44‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1578‬ديسمبر‪ -‬كانون االول ‪2012‬‬

‫من انهاء الحرب في افغانستان‪ ،‬واألرجح انه حتى‬ ‫لو وصل الجمهوري ماكين الى الرئاسة‪ ،‬لكن فعل‬ ‫األمر نفسه‪ ،‬وهو ما ينطبق ايضا على رومني لو‬ ‫قيض له الحاق الهزيمة باوباما والحلول مكانه‪.‬‬ ‫إذن االنكفاء العسكري األميركي حول العالم‪،‬‬ ‫والعزلة األميركية المرافقة له‪ ،‬ال ترتبط بوجهة‬ ‫نظر رئيس واحد او حزب واحد او عقيدة‪ .‬وباستثناء‬ ‫بعض «المحافظين الجدد» ممن مايزالون يؤيدون‬ ‫العمل العسكري بكل أشكاله‪ ،‬يبرز إجماعا أميركيا‬ ‫حول ضرورة االنكفاء وكبح الدور االميركي‬ ‫العالمي‪.‬‬ ‫وكان أول الملتقطين للشعور األميركي العام‪ ،‬العابر‬ ‫للعقائد‪ ،‬الخبير البريطاني في الشؤون االستراتيجية‬ ‫لورنس فريدمان‪ ،‬الذي نشر مقالة في «ناشونال‬ ‫انترست» حملت عنوان «خرابة على تلة»‪ ،‬وهو‬ ‫عنوان يتهكم على إطالق الرئيس الراحل رونالد‬ ‫ريغان على بالده لقب «المدينة المشعة على تلة»‪.‬‬ ‫ومما قاله فريدمان ان «عاملين يميزان اميركا‬ ‫عن القوى العظمى التي برزت في الماضي‪( :‬أوال‬ ‫أن) القوة األميركة تعتمد على التحالفات بدال من‬ ‫المستعمرات‪ ،‬و(ثانيا أنها) ترتبط بعقيدة سياسية‬ ‫مرنة تمكنها من العودة اليها حتى بعدما تكون قد‬ ‫تخطت حدود قوتها»‪.‬‬

‫لكن بغض النظر عن نتائج المنافسة بين أميركا‬ ‫والصين وانعكاسها على ميزان القوى العالمي‪،‬‬ ‫يمكن الجزم بأن الدور العسكري األميركي في‬ ‫العقود القليلة المقبلة سيكون أصغر بكثير مما‬ ‫كان عليه في العقود األربعة الماضية‪ ،‬على‬ ‫األقل استدالال بما فعلته أميركا على اثر حروبها‬ ‫الكبرى الماضية‪ ،‬الحربين الكونيتين وحربي كوريا‬ ‫وفيتنام والحرب الباردة‪ ،‬إذ عمدت إلى تخفيض‬ ‫مجهودها الحربي إلى أدناه في المراحل التي تلت‬ ‫الحروب‪ ،‬وعمدت الى التفرغ إلى وضعها الداخلي‪،‬‬ ‫وخصوصا االقتصادي‪.‬‬ ‫واستدالال بالماضي أيضا‪ ،‬يمكن القول إن اليوم‪،‬‬ ‫وبعد نهاية «الحرب على اإلرهاب» ومغامرتي‬ ‫العراق وأفغانستان‪ ،‬تتصرف واشنطن بالطريقة‬ ‫نفسها كما فعلت في الماضي‪ :‬تقوم بتقليص إنفاقها‬ ‫العسكري‪ ،‬وتسريح المشاة‪ ،‬وتخفيض عدد بوارجها‬ ‫وسفنها الحربية‪ ،‬وتأجيل برامج تطوير األسلحة‬ ‫على غرار تجميدها برنامج صناعة طائرات اف‬ ‫‪ 35‬المكلف‪ ،‬وتتفرغ لشؤونها األخرى االقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫هل يعني ذلك أن أميركا ستنشغل بشؤونها عن‬ ‫شؤون العالم إلى األبد؟ ال إجابة حاسمة عن ذلك‪،‬‬ ‫لكن اإلجابة الوحيدة المتوافرة اليوم هي أن أميركا‬ ‫ستبتعد عسكريا عن مناطق العالم حتى اشعار آخر‪،‬‬ ‫وهي ان كانت تخطط في يناير ‪ 1980‬إرسال قواتها‬ ‫الى الخليج‪ ،‬فهي اليوم تنوي سحبهم من الشرق‬ ‫األوسط <‬


‫حرب العراق في عام ‪ ،2003‬ارسلت طهران كتابا‬ ‫الى واشنطن عبر دبلوماسيين سويسريين يمثلون‬ ‫المصالح األميركية في إيران‪ ،‬واقترحت فيه انهاء‬ ‫برنامجها النووي وفتح صفحة جديدة بين البلدين‪.‬‬

‫في افغانستان‪ ،‬اال أن «المحافظين الجدد» الذين‬ ‫كانوا يشغلون مناصب متعددة ورفيعة في اإلدارة‬ ‫األولى للرئيس بوش االبن‪ ،‬مزجوا حملة التأديب‬ ‫بفكرة «نشر الديمقراطية» و»بناء األمم»‪ .‬وعزز‬ ‫من موقع «المحافظين الجدد» واقع ان النخبة‬ ‫األميركية عموما بدأت تطرح على نفسها اسئلة من‬ ‫قبيل «لماذا يكرهوننا»‪ ،‬وتحاول اإلجابة عن هذه‬ ‫األسئلة بالخوض في السياسات االجتماعية والثقافية‬ ‫واالقتصادية والسياسية للشعوب األخرى‪.‬‬

‫ويقول بارسي إن األميركيين‪ ،‬وخصوصا نائب‬ ‫الرئيس تشيني‪ ،‬شعروا بثقة زائدة في النفس على‬ ‫اثر سقوط نظام صدام حسين‪ ،‬فرفضوا تلقف‬ ‫العرض اإليراني‪.‬‬

‫هكذا ذهبت اميركا الى افغانستان‪ ،‬ال لمطاردة‬ ‫تنظيمي «القاعدة والطالبان» فحسب‪ ،‬بل لبناء‬ ‫حكومة ديمقراطية في افغانستان‪ .‬وفي وقت الحق‪،‬‬ ‫شجع االنتصار العسكري السهل ادارة بوش على‬ ‫اختيار بلد آخر لشمله ببرنامج «نشر الديمقراطية»‪،‬‬ ‫وتم اختيار العراق ألسباب متعددة ومتشابكة‬ ‫شاركت في تقديمها لوبيات النفط والسالح واعادة‬ ‫االعمار‪ ،‬كذلك اللوبي التابع للمعارضة العراقية‬ ‫المقيمة وقتذاك في العاصمة االميركية‪.‬‬

‫لكن يبدو أن الذعر اإليراني من الموجة األميركية‬ ‫لنشر الديمقراطية انتهى بعد ذلك بقليل‪ ،‬إذ بادرت‬ ‫إيران إلى إعادة تفعيل‪ ،‬بل تسريع‪ ،‬برنامجها‬ ‫لتخصيب اليورانيوم‪ ،‬وعملت على بناء منشأة سرية‬ ‫تحت األرض‪ ،‬في جبل فوردو المحاذي لمدينة قم‪.‬‬ ‫وفي وقت الحق‪ ،‬اكتشفت االستخبارات الغربية‬ ‫مفاعل فردو النووي‪ ،‬في وقت علمت عواصم العالم‬ ‫أن مخزون ايران من اليورانيوم المخصب بنسبة ‪3‬‬ ‫في المائة قد تعدى ‪ 1200‬كيلوغرام‪.‬‬

‫في األسابيع التي تلت هجمات ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬قامت‬ ‫مراكز الرأي باستطالع وجهات نظر االميركيين‬ ‫حول رأيهم تجاه التغيير الكبير المقبل في السياسة‬ ‫الخارجية االميركية‪ .‬واظهرت االستطالعات تأييدا‬ ‫واسعا لضرورة مطاردة الجيش األميركي للجهة‬ ‫التي خططت ونفذت الهجمات‪.‬‬

‫بوش حاول إظهار حزمه في مواجهة اإليرانيين‪،‬‬ ‫ورفض الدخول في مفاوضات معهم قبل ايقافهم‬ ‫التخصيب‪ ،‬وكرر مقولة أن «كل الخيارات‪ ،‬بما فيها‬ ‫العسكرية» هي على الطاولة األميركية‪ .‬لكن يبدو‬ ‫أن إيران كانت تعلم أن ال بوش‪ ،‬وال من سيخلفه‪،‬‬ ‫سيقدم على حرب أخرى‪ ،‬خصوصا بعدما خسرت‬ ‫حربا العراق وافغانستان كل التأييد الشعبي الذي‬ ‫حصدتاه إبان اندالعهما‪.‬‬

‫لكن غالبية االميركيين لم تبد تأييدا يذكر لمبدأ «نشر‬ ‫الديمقراطية» حول العالم‪ ،‬اذ اعتبر ‪ 29‬في المائة‬ ‫منهم فقط ان على بالدهم القيام بمجهود من هذا‬ ‫النوع‪.‬‬ ‫وبعد اكثر من عقد‪ ،‬وبعدما انفق االميركيون‬ ‫ما يقارب ‪ 5‬ترليونات دوالر لتمويل الحربين‪،‬‬ ‫وخسروا اكثر من ‪ 7000‬جندي‪ ،‬وبعد ان شعر‬ ‫االميركيون ان بناء حكومات ديمقراطية في العراق‬ ‫وافغانستان أمر شبه مستحيل‪ ،‬على الرغم كل‬ ‫التضحيات المالية والبشرية التي قدموها‪ ،‬انخفض‬ ‫تأييد مبدأ «نشر الديمقراطية» حول العالم‪ ،‬الذي‬ ‫قدمه «المحافظون الجدد» مطلع العقد الماضي‪ ،‬الى‬ ‫أقل من نصف ما كان عليه في العام ‪ ،2002‬واظهر‬ ‫استطالع الرأي الذي اجراه معهد بيو في أكتوبر‪،‬‬ ‫أن عدد األميركيين الذين مازالوا يؤيدون نشر‬ ‫الديمقراطية في العالم ال يتعدى الـ‪ 13‬في المائة‪.‬‬

‫«احتواء» إيران النووية‬ ‫بدال من منعها‬

‫‪9‬‬

‫يزعم الناشط اإليراني ‪ -‬األميركي والمؤيد النفتاح‬ ‫أميركا على نظام إيران تريتا بارسي في كتابه‬ ‫«رمية نرد واحدة» انه بعد أسابيع على اندالع‬

‫واستمرت إيران في التخصيب في وقت برز نجم‬

‫يحلو لكثريين التفكري �أن‬ ‫�ضمور الدور الع�سكري‬ ‫الأمريكي حول العامل هو‬ ‫ب�سبب انتخاب باراك اوباما‬ ‫من احلزب الدميقراطي‬ ‫رئي�سا‪ ،‬وهو ما دفع كثريين‪،‬‬ ‫حتى من غري م�ؤيدي احلزب‬ ‫اجلمهوري‪ ،‬ت�أييد مر�شحي‬ ‫هذا احلزب‪ ،‬جون ماكني يف‬ ‫عام ‪ 2008‬وميت رومني‬ ‫العام املا�ضي‪ ،‬اىل الرئا�سة‬

‫المرشح الرئاسي من الحزب الديمقراطي باراك‬ ‫اوباما‪ ،‬الذي كرر اثناء حملته انه كان ينوي أن‬ ‫«يبادر» إلى الحوار مع ايران من أجل التوصل‬ ‫الى حلول في ملفها النووي‪ ،‬حتى انه وعد بإرسال‬ ‫وزيريه للخارجية والدفاع الى طهران لمباشرة‬ ‫الحوار‪.‬‬ ‫وجاء االمتحان األول بعد ستة اشهر على دخول‬ ‫اوباما البيت األبيض‪ ،‬اذ اندلعت في حزيران ‪2009‬‬ ‫ما عرف بـ «الثورة الخضراء» في ايران‪ ،‬التي‬ ‫بدأت اعتراضا على اعادة انتخاب محمود احمدي‬ ‫نجاد رئيسا‪ ،‬وتحولت الى انتفاضة ضد حكم علي‬ ‫خامنئي بأكمله‪ ،‬اذ ذاك بدأ النظام االيراني بقمع‬ ‫الثورة بعنف‪.‬‬ ‫واثباتا لحسن النية‪ ،‬لم ينبر اوباما الى انتقاد القمع‬ ‫االيراني‪ ،‬بل ارسل وفودا سرية طلبا للحوار‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬شعرت ايران ان واشنطن ضعيفة‪ ،‬فضاعفت‬ ‫من تخصيبها لليورانيوم‪ ،‬واخذت تخصب كمية‬ ‫منه الى درجة ‪ 20‬حتى وصل مخزونها في شهر‬ ‫نوفمبر الماضي ‪ 135‬كيلوغراما‪ .‬ومن المعلوم ان‬ ‫انتاج قنبلة نووية يحتاج الى ‪ 200‬كيلوغرام من‬ ‫اليورانيوم المخصب بدرجة ‪ 20‬في المائة‪ ،‬حتى‬ ‫يتم تخصيبه الى درجات تتعدى الـ ‪ 90‬في المائة‪.‬‬ ‫ومع ان اوباما‪ ،‬كما بوش‪ ،‬كرر انه يبقي الخيار‬ ‫العسكري على الطاولة لمنع ايران من انتاج‬ ‫السالح النووي‪ ،‬اال انه ال يبدو ان طهران تأخذ هذه‬ ‫التهديدات العسكرية االميركية على محمل الجد‪،‬‬ ‫الى درجة انها صارت تضع المزيد من الشروط‬ ‫حول استئناف المفاوضات مع دول مجلس االمن‬ ‫والمانيا للتوصل الى حل حول ملفها النووي‪.‬‬ ‫وألن الشعور الشعبي االميركي معارض الي عمل‬ ‫عسكري حول العالم‪ ،‬صارت تعلو اصواتا للمطالبة‬ ‫بما كان يعتبر خطيئة في عالم السياسة االميركية‬ ‫قبل سنوات‪ ،‬اذ كثر عدد المثقفين من المطالبين بـ‬ ‫«قبول دخول ايران نادي الدول النووية»‪ ،‬و»قبول‬ ‫حيازتها سالحا نوويا»‪ ،‬ووجوب «انتهاج سياسة‬ ‫احتواء او ردع» اليران النووية بدال من توجيه‬ ‫ضربة عسكرية تمنعها من الحصول على هذا النوع‬ ‫من السالح‪.‬‬ ‫وفي شهر يناير ‪ 2013‬وحده‪ ،‬نشر مستشار األمن‬ ‫القومي السابق للرئيس جيمي كارتر مقالة في‬ ‫«واشنطن بوست» يؤيد فيه اسياسة االحتواء‪ ،‬فيما‬ ‫عبر عن دعمه لترشيح اوباما للسناتور السابق‬ ‫تشاك هيغل وزيرا للدفاع‪ ،‬وكان هيغل كتب في‬ ‫كتابه «اميركا الفصل القادم» أن على واشنطن‬ ‫«المبادرة» الجراء حوار غير مشروط مع ايران‪،‬‬ ‫وإعادة العالقات الطبيعية معها كما فعلت ادارة‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪43‬‬


‫قصة الغالف‬

‫األوسط الى غرب آسيا والشرق األدنى‪ ،‬ما يعني‬ ‫أن هناك شبه اجماع بين افراد النخبة األميركية‬ ‫على ضرورة الخروج الكلي عسكريا وسياسيا من‬ ‫الشرق األوسط تحديدا‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫انقالب في الرأي العام األميركي‬

‫في نوفمبر (كانون الثاني) ‪ ،1998‬كتبت بروفسورة‬ ‫«العلوم االخالقية» في جامعة آريزونا ماريان‬ ‫جينينغز‪ ،‬بحثا نشرته في صحيفة «ديزيرت نيوز»‪،‬‬ ‫وتضمن تحليال لعادات األميركيين بحسب أحدث‬ ‫استطالعات الرأي‪ ،‬وحاولت أن تظهر فيه أن البالد‬ ‫لو سارت حسب آراء األكثرية‪ ،‬لتغيرت فيها أمور‬ ‫كثيرة‪ ،‬بعضها ربما يأخذ منحى غير اخالقي‪.‬‬ ‫دراسة جينينغز عكست استياء لدى معارضي‬ ‫الرئيس السابق بيل كلينتون من شعبيته المرتفعة‬ ‫دائما‪ ،‬على الرغم من الفضائح التي طالته مثل‬ ‫فضيحة عالقته بالمتدربة في البيت األبيض مونيكا‬ ‫ليوينسكي‪ .‬وجاءت الدراسة في خضم فضيحة‬ ‫ليوينسكي التي الحقت كلينتون وأدت الى مصادقة‬ ‫مجلس النواب على عملية خلعه‪.‬‬ ‫لكن التأييد الشعبي لكلينتون أجبر الجمهوريين‪،‬‬ ‫الذين كانوا يسيطرون على غالبية مقاعد الكونغرس‪،‬‬ ‫على التراجع‪ ،‬ما دفع هؤالء الى اتهامه بأنه «يحكم‬ ‫حسب استطالعات الرأي»‪ ،‬اي انه يتخذ دائما‬ ‫القرارات التي تظهر االستطالعات انها اكثر شعبية‬ ‫بين األميركيين‪ ،‬ما يبقي نسب تأييده مرتفعة بشكل‬ ‫متواصل‪.‬‬ ‫وال شك ان الرئيس األميركي‪ ،‬كل رئيس‪ ،‬يبقي‬ ‫عيونه مفتوحة تجاه استطالعات الرأي‪ .‬ففي اثناء‬ ‫الوالية االولى‪ ،‬يفعل الرئيس ذلك بهدف ضمان‬ ‫انتخابه لوالية ثانية‪ ،‬وفي الوالية الثانية‪ ،‬يبقى‬ ‫الرئيس متحسبا تجاه الرأي العام من اجل «ذكراه»‬ ‫وصورته التي سيتذكرها التاريخ بعد خروجه من‬ ‫الحكم‪ .‬وال شك ان الرئيس السابق جورج بوش‬ ‫االبن خرج في موقع ال يحسد عليه‪ ،‬اذ تدنت شعبيته‬ ‫وشعبية نائبه ديك تشيني الى مستويات قياسية‪،‬‬ ‫حتى ان نسبة مؤيديه يوم خروجه لم تتجاوز ربع‬ ‫األميركيين‪.‬‬ ‫«الحكم حسب استطالعات الرأي»‪ ،‬التهمة التي‬ ‫طالت كلينتون‪ ،‬تطال باراك اوباما ايضا بين الحين‬ ‫واآلخر‪.‬‬ ‫صحيح ان اوباما صوت ضد الحرب في العراق‬ ‫حتى عندما كانت الحرب تتمتع بشعبية بين‬ ‫االميركيين‪ ،‬لكن موقفه هذا تحول فيما بعد الى‬ ‫نقطة قوة له مع مؤيديه ومع كل الذين انقلبوا الى‬ ‫‪42‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫غالبية االمريكيني مل تبد ت�أييدا‬ ‫يذكر ملبد أ� «ن�شر الدميقراطية»‬ ‫حول العامل‪ ،‬اذ اعترب ‪ 29‬يف‬ ‫املائة منهم فقط ان على‬ ‫بالدهم القيام مبجهود من‬ ‫هذا النوع‪ .‬وبعد اكرث من عقد‪،‬‬ ‫وبعدما انفق االمريكيون ما‬ ‫يقارب ‪ 5‬ترليونات دوالر لتمويل‬ ‫حربي العراق و�أفغان�ستان‪،‬‬ ‫وخ�سروا اكرث من ‪7000‬‬ ‫جندي‪،‬انخف�ض الرقم �إىل ‪13‬‬ ‫يف املائة‬ ‫معارضين للحرب التي طالت وكثرت تكاليفها‬ ‫البشرية والمالية‪.‬‬ ‫وكما العراق‪ ،‬كذلك في افغانستان‪ ،‬ابدى اوباما‬ ‫رغبة في سحب القوات االميركية من هناك‪ ،‬وهو‬ ‫ما اعطاه تفويضا اميركيا شعبيا حتى عندما اعلن‬ ‫خطة لزيادة القوات هناك‪ ،‬اذ ان غالبية االميركيين‬ ‫اعتبرت ان اوباما يرسل المزيد من الجيوش الى‬ ‫هناك‪ ،‬من اجل التسريع في انهاء الحرب‪.‬‬ ‫وألن اوباما يتحسب دوما للرأي العام‪ ،‬وألن غالبية‬ ‫األميركيين صارت تؤيد انهاء الحربين‪ ،‬فهو أعلن‬ ‫أن استراتيجيته تقضي بانهائهما‪ ،‬وعدم التورط في‬ ‫أي حروب جديد ما لم تقتض الضرورة القصوى‬ ‫ذلك‪ .‬بذلك حازت رؤية اوباما للسياسة الخارجية‬ ‫الشرق اوسطية‪ ،‬وللسياسة الدفاعية كذلك‪ ،‬تأييدا‬ ‫كبيرا بين االميركيين‪.‬‬ ‫حتى عندما بدا ان التدخل العسكري األميركي مبرر‬ ‫تماما‪ ،‬مثال في الحالة الليبية عندما كانت قوات‬ ‫معمر القذافي تستعد القتحام بنغازي‪ ،‬وربما ارتكاب‬ ‫مجازر بحق المدنيين هناك‪ ،‬ظل اوباما مترددا‬ ‫في التدخل‪ ،‬وهو عندما أمر األسطول السادس‬ ‫المرابض في البحر األبيض المتوسط بالمباشرة‬ ‫بشن الحملة التي اعلنها «تحالف األطلسي» لحماية‬ ‫المدنيين ضد قوات القذافي‪ ،‬فهو فعل ذلك بخجل‪،‬‬ ‫ولم يتوجه الى الكونغرس طلبا للموافقة على اعالن‬ ‫حرب‪ ،‬على عادة الرؤساء األميركيين‪.‬‬ ‫وعندما بدأ أعضاء الكونغرس من معارضيه‬

‫من الحزب الجمهوري بتوجيه األسئلة حول قيام‬ ‫أوباما بإعالن الحرب من دون اعالمهم‪ ،‬بحسب‬ ‫ما يقتضي الدستور‪ ،‬قال أوباما إن بالده لم تعلن‬ ‫الحرب‪ ،‬بل شاركت لمدة أسبوع واحد من ضمن‬ ‫حملة األطلسي‪ .‬وبعد مرور األسبوع‪ ،‬احجمت‬ ‫القوات األميركية عن المشاركة‪ ،‬ولم تساهم اال‬ ‫بطيارتين من دون طيار كان التحالف يحتاج لهما‬ ‫لعدم قدرته القضاء على اهداف ارضية من دون‬ ‫القوة الجوية األميركية‪.‬‬ ‫في ليبيا‪ ،‬تصرف اوباما حسبما تمليه الرغبة الشعبية‬ ‫االميركية‪ ،‬وكذلك فعل في سوريا‪ ،‬حيث تخطى عدد‬ ‫القتلى ‪ 60‬الفا‪ ،‬من دون ان تحرك القوات االميركية‬ ‫ساكنا او تفكر في التدخل‪.‬‬ ‫وال شك أن تصرفات أوباما هذه تمليها الرغبة‬ ‫الشعبية‪ ،‬التي تميل اليوم الى سحب القوات‬ ‫االميركية من المعمورة‪ ،‬والتفرغ للشؤون الداخلية‪.‬‬ ‫سياسات اوباما هذه تعززها احدث استطالعات‬ ‫الرأي‪ ،‬ففي شهر اكتوبر (كانون األول) الماضي‪،‬‬ ‫اجرى معهد «بيو» استطالعا شمل ‪ 1511‬اميركيا‪،‬‬ ‫واظهرت نتائجه ان اثنين من بين كل ثالثة‬ ‫اميركيين يعتقدون «انه يجب ان تكون مشاركة‬ ‫الواليات المتحدة أقل في التغييرات التي تجري في‬ ‫الشرق األوسط»‪ ،‬فيما اعتبر أقل من ربع المستفتين‬ ‫أن على بالدهم ان تنخرط اكثر في الشؤون العربية‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫نهاية «المحافظين الجدد» بعد تجربة‬ ‫حربي العراق وأفغانتسان‬

‫«المحافظون الجدد» هي تسمية تشمل نخبة من‬ ‫المثقفين األميركيين من المحسوبين على اليمين‬ ‫والحزب الجمهوري‪ ،‬لكن ايرفينغ كريستول‪،‬‬ ‫«األب الروحي» لهذه الموجة السياسية‪ ،‬كان في‬ ‫األساس مثقفا شيوعيا يتمسك بنهج تروتسكي‪ .‬اما‬ ‫رؤيته للدور االميركي حول العالم‪ ،‬فكان يتمحور‬ ‫حول ضرورة قيام الواليات المتحدة بنشر مبادئها‬ ‫الديمقراطية والليبرالية االقتصادية‪ ،‬وان ال ضير‬ ‫في استخدام القوة العسكرية األميركية للقيام بدور‬ ‫«الهندسة االجتماعية» في بناء البلدان والدول‬ ‫وتحويلها الى ديمقراطيات‪ ،‬على غرار ما فعلت‬ ‫اميركا في المانيا واليابان وكوريا الجنوبية في‬ ‫النصف الثاني من القرن الماضي‪.‬‬ ‫على أن نظرية كريستول هذه‪ ،‬لم تكن لتلقى رواجا‬ ‫لو لم تجد األساطيل األميركية نفسها على أهبة‬ ‫االستعداد لمطاردة مخططي وممولي هجمات ‪11‬‬ ‫سبتمبر (ايلول) في نيويورك وواشنطن‪ .‬ومع أن‬ ‫الجيوش األميركية كانت متوجهة أصال في حملة‬ ‫تأديبية وعقابية ضد المسؤولين عن هذه الهجمات‬


‫قصة الغالف‬

‫األوسط الى غرب آسيا والشرق األدنى‪ ،‬ما يعني‬ ‫أن هناك شبه اجماع بين افراد النخبة األميركية‬ ‫على ضرورة الخروج الكلي عسكريا وسياسيا من‬ ‫الشرق األوسط تحديدا‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫انقالب في الرأي العام األميركي‬

‫في نوفمبر (كانون الثاني) ‪ ،1998‬كتبت بروفسورة‬ ‫«العلوم االخالقية» في جامعة آريزونا ماريان‬ ‫جينينغز‪ ،‬بحثا نشرته في صحيفة «ديزيرت نيوز»‪،‬‬ ‫وتضمن تحليال لعادات األميركيين بحسب أحدث‬ ‫استطالعات الرأي‪ ،‬وحاولت أن تظهر فيه أن البالد‬ ‫لو سارت حسب آراء األكثرية‪ ،‬لتغيرت فيها أمور‬ ‫كثيرة‪ ،‬بعضها ربما يأخذ منحى غير اخالقي‪.‬‬ ‫دراسة جينينغز عكست استياء لدى معارضي‬ ‫الرئيس السابق بيل كلينتون من شعبيته المرتفعة‬ ‫دائما‪ ،‬على الرغم من الفضائح التي طالته مثل‬ ‫فضيحة عالقته بالمتدربة في البيت األبيض مونيكا‬ ‫ليوينسكي‪ .‬وجاءت الدراسة في خضم فضيحة‬ ‫ليوينسكي التي الحقت كلينتون وأدت الى مصادقة‬ ‫مجلس النواب على عملية خلعه‪.‬‬ ‫لكن التأييد الشعبي لكلينتون أجبر الجمهوريين‪،‬‬ ‫الذين كانوا يسيطرون على غالبية مقاعد الكونغرس‪،‬‬ ‫على التراجع‪ ،‬ما دفع هؤالء الى اتهامه بأنه «يحكم‬ ‫حسب استطالعات الرأي»‪ ،‬اي انه يتخذ دائما‬ ‫القرارات التي تظهر االستطالعات انها اكثر شعبية‬ ‫بين األميركيين‪ ،‬ما يبقي نسب تأييده مرتفعة بشكل‬ ‫متواصل‪.‬‬ ‫وال شك ان الرئيس األميركي‪ ،‬كل رئيس‪ ،‬يبقي‬ ‫عيونه مفتوحة تجاه استطالعات الرأي‪ .‬ففي اثناء‬ ‫الوالية االولى‪ ،‬يفعل الرئيس ذلك بهدف ضمان‬ ‫انتخابه لوالية ثانية‪ ،‬وفي الوالية الثانية‪ ،‬يبقى‬ ‫الرئيس متحسبا تجاه الرأي العام من اجل «ذكراه»‬ ‫وصورته التي سيتذكرها التاريخ بعد خروجه من‬ ‫الحكم‪ .‬وال شك ان الرئيس السابق جورج بوش‬ ‫االبن خرج في موقع ال يحسد عليه‪ ،‬اذ تدنت شعبيته‬ ‫وشعبية نائبه ديك تشيني الى مستويات قياسية‪،‬‬ ‫حتى ان نسبة مؤيديه يوم خروجه لم تتجاوز ربع‬ ‫األميركيين‪.‬‬ ‫«الحكم حسب استطالعات الرأي»‪ ،‬التهمة التي‬ ‫طالت كلينتون‪ ،‬تطال باراك اوباما ايضا بين الحين‬ ‫واآلخر‪.‬‬ ‫صحيح ان اوباما صوت ضد الحرب في العراق‬ ‫حتى عندما كانت الحرب تتمتع بشعبية بين‬ ‫االميركيين‪ ،‬لكن موقفه هذا تحول فيما بعد الى‬ ‫نقطة قوة له مع مؤيديه ومع كل الذين انقلبوا الى‬ ‫‪42‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫غالبية االمريكيني مل تبد ت�أييدا‬ ‫يذكر ملبد أ� «ن�شر الدميقراطية»‬ ‫حول العامل‪ ،‬اذ اعترب ‪ 29‬يف‬ ‫املائة منهم فقط ان على‬ ‫بالدهم القيام مبجهود من‬ ‫هذا النوع‪ .‬وبعد اكرث من عقد‪،‬‬ ‫وبعدما انفق االمريكيون ما‬ ‫يقارب ‪ 5‬ترليونات دوالر لتمويل‬ ‫حربي العراق و�أفغان�ستان‪،‬‬ ‫وخ�سروا اكرث من ‪7000‬‬ ‫جندي‪،‬انخف�ض الرقم �إىل ‪13‬‬ ‫يف املائة‬ ‫معارضين للحرب التي طالت وكثرت تكاليفها‬ ‫البشرية والمالية‪.‬‬ ‫وكما العراق‪ ،‬كذلك في افغانستان‪ ،‬ابدى اوباما‬ ‫رغبة في سحب القوات االميركية من هناك‪ ،‬وهو‬ ‫ما اعطاه تفويضا اميركيا شعبيا حتى عندما اعلن‬ ‫خطة لزيادة القوات هناك‪ ،‬اذ ان غالبية االميركيين‬ ‫اعتبرت ان اوباما يرسل المزيد من الجيوش الى‬ ‫هناك‪ ،‬من اجل التسريع في انهاء الحرب‪.‬‬ ‫وألن اوباما يتحسب دوما للرأي العام‪ ،‬وألن غالبية‬ ‫األميركيين صارت تؤيد انهاء الحربين‪ ،‬فهو أعلن‬ ‫أن استراتيجيته تقضي بانهائهما‪ ،‬وعدم التورط في‬ ‫أي حروب جديد ما لم تقتض الضرورة القصوى‬ ‫ذلك‪ .‬بذلك حازت رؤية اوباما للسياسة الخارجية‬ ‫الشرق اوسطية‪ ،‬وللسياسة الدفاعية كذلك‪ ،‬تأييدا‬ ‫كبيرا بين االميركيين‪.‬‬ ‫حتى عندما بدا ان التدخل العسكري األميركي مبرر‬ ‫تماما‪ ،‬مثال في الحالة الليبية عندما كانت قوات‬ ‫معمر القذافي تستعد القتحام بنغازي‪ ،‬وربما ارتكاب‬ ‫مجازر بحق المدنيين هناك‪ ،‬ظل اوباما مترددا‬ ‫في التدخل‪ ،‬وهو عندما أمر األسطول السادس‬ ‫المرابض في البحر األبيض المتوسط بالمباشرة‬ ‫بشن الحملة التي اعلنها «تحالف األطلسي» لحماية‬ ‫المدنيين ضد قوات القذافي‪ ،‬فهو فعل ذلك بخجل‪،‬‬ ‫ولم يتوجه الى الكونغرس طلبا للموافقة على اعالن‬ ‫حرب‪ ،‬على عادة الرؤساء األميركيين‪.‬‬ ‫وعندما بدأ أعضاء الكونغرس من معارضيه‬

‫من الحزب الجمهوري بتوجيه األسئلة حول قيام‬ ‫أوباما بإعالن الحرب من دون اعالمهم‪ ،‬بحسب‬ ‫ما يقتضي الدستور‪ ،‬قال أوباما إن بالده لم تعلن‬ ‫الحرب‪ ،‬بل شاركت لمدة أسبوع واحد من ضمن‬ ‫حملة األطلسي‪ .‬وبعد مرور األسبوع‪ ،‬احجمت‬ ‫القوات األميركية عن المشاركة‪ ،‬ولم تساهم اال‬ ‫بطيارتين من دون طيار كان التحالف يحتاج لهما‬ ‫لعدم قدرته القضاء على اهداف ارضية من دون‬ ‫القوة الجوية األميركية‪.‬‬ ‫في ليبيا‪ ،‬تصرف اوباما حسبما تمليه الرغبة الشعبية‬ ‫االميركية‪ ،‬وكذلك فعل في سوريا‪ ،‬حيث تخطى عدد‬ ‫القتلى ‪ 60‬الفا‪ ،‬من دون ان تحرك القوات االميركية‬ ‫ساكنا او تفكر في التدخل‪.‬‬ ‫وال شك أن تصرفات أوباما هذه تمليها الرغبة‬ ‫الشعبية‪ ،‬التي تميل اليوم الى سحب القوات‬ ‫االميركية من المعمورة‪ ،‬والتفرغ للشؤون الداخلية‪.‬‬ ‫سياسات اوباما هذه تعززها احدث استطالعات‬ ‫الرأي‪ ،‬ففي شهر اكتوبر (كانون األول) الماضي‪،‬‬ ‫اجرى معهد «بيو» استطالعا شمل ‪ 1511‬اميركيا‪،‬‬ ‫واظهرت نتائجه ان اثنين من بين كل ثالثة‬ ‫اميركيين يعتقدون «انه يجب ان تكون مشاركة‬ ‫الواليات المتحدة أقل في التغييرات التي تجري في‬ ‫الشرق األوسط»‪ ،‬فيما اعتبر أقل من ربع المستفتين‬ ‫أن على بالدهم ان تنخرط اكثر في الشؤون العربية‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫نهاية «المحافظين الجدد» بعد تجربة‬ ‫حربي العراق وأفغانتسان‬

‫«المحافظون الجدد» هي تسمية تشمل نخبة من‬ ‫المثقفين األميركيين من المحسوبين على اليمين‬ ‫والحزب الجمهوري‪ ،‬لكن ايرفينغ كريستول‪،‬‬ ‫«األب الروحي» لهذه الموجة السياسية‪ ،‬كان في‬ ‫األساس مثقفا شيوعيا يتمسك بنهج تروتسكي‪ .‬اما‬ ‫رؤيته للدور االميركي حول العالم‪ ،‬فكان يتمحور‬ ‫حول ضرورة قيام الواليات المتحدة بنشر مبادئها‬ ‫الديمقراطية والليبرالية االقتصادية‪ ،‬وان ال ضير‬ ‫في استخدام القوة العسكرية األميركية للقيام بدور‬ ‫«الهندسة االجتماعية» في بناء البلدان والدول‬ ‫وتحويلها الى ديمقراطيات‪ ،‬على غرار ما فعلت‬ ‫اميركا في المانيا واليابان وكوريا الجنوبية في‬ ‫النصف الثاني من القرن الماضي‪.‬‬ ‫على أن نظرية كريستول هذه‪ ،‬لم تكن لتلقى رواجا‬ ‫لو لم تجد األساطيل األميركية نفسها على أهبة‬ ‫االستعداد لمطاردة مخططي وممولي هجمات ‪11‬‬ ‫سبتمبر (ايلول) في نيويورك وواشنطن‪ .‬ومع أن‬ ‫الجيوش األميركية كانت متوجهة أصال في حملة‬ ‫تأديبية وعقابية ضد المسؤولين عن هذه الهجمات‬


‫قصة الغالف‬

‫كانت القوات األلمانية تخوض حربا مصيرية ضد‬ ‫القوات السوفياتية للسيطرة على منابع النفط في‬ ‫محيط البحر األسود‪.‬‬

‫مع �أن اوباما‪ ،‬كما بو�ش‪ ،‬كرر‬ ‫انه يبقي اخليار الع�سكري على‬ ‫الطاولة ملنع ايران من انتاج‬ ‫ال�سالح النووي‪ ،‬اال انه ال يبدو ان‬ ‫طهران ت�أخذ هذه التهديدات‬ ‫الع�سكرية االمريكية على حممل‬ ‫اجلد‪ ،‬اىل درجة انها �صارت‬ ‫ت�ضع املزيد من ال�شروط حول‬ ‫ا�ستئناف املفاو�ضات مع دول‬ ‫جمل�س االمن واملانيا للتو�صل‬ ‫اىل حل حول ملفها النووي‬

‫ربط المحررون وقتذاك بين خطاب كارتر في حال‬ ‫االتحاد في ‪ 1980‬بتدخل عسكري محتمل ألميركا‬ ‫في الخليج‪ .‬أما أبرز ما قاله كارتر في ذلك الخطاب‬ ‫فهو التالي‪« :‬خالل السنوات الثالث األخيرة‪،‬‬ ‫انضممتم الي لتحسين أمننا وآفاق السالم‪ ،‬ليس فقط‬ ‫في منطقة الخليج الحيوية والمنتجة للنفط‪ ،‬بل حول‬ ‫العالم»‪ .‬ولم يخطأ محررو «المجلة» في تحليالتهم‬ ‫وقتذاك‪ ،‬فالواليات المتحدة لم تستخدم جيوشها مثال‬ ‫للتصدي لالجتياح السوفياتي الفغانستان‪ ،‬ربما‬ ‫لندرة النفط هناك‪ ،‬ولكن عندما اجتاح صدام حسين‬ ‫الكويت‪ ،‬وهي صاحبة احد اكبر احتياطات النفط في‬ ‫العالم‪ ،‬قامت اميركا ببناء تحالف دولي عريض‪،‬‬ ‫وحركت أساطيلها وجيوشها التي أجبرت قوات‬ ‫صدام على االنسحاب‪.‬‬

‫السعودية‪ ،‬األولى في العالم حاليا‪ ،‬والذي يبلغ ‪9‬‬ ‫ماليين و‪ 700‬الف برميل في اليوم‪.‬‬

‫اكتفاء أميركا بالنفط ذاتيا انتهى مع حلول عام‬ ‫‪ ،1952‬ما جعل اميركا تخشى أن تسعى موسكو‬ ‫الى محاولة االستيالء على خزان الخليج النفطي‪،‬‬ ‫فتنجح بذلك بتعطيل القوة االميركية الى حد بعيد‪،‬‬ ‫وهو ما ساهم الى حد كبير في اطالق الحرب‬ ‫الباردة بين الجبارين‪.‬‬ ‫كانت تلك مواجهة كالسيكية بين قوتين عالميتين‬ ‫تتنافسان على مصادر الطاقة حول األرض‪ .‬في‬ ‫عددها األول قبل ‪ 33‬عاما‪ ،‬كتب محررو «المجلة»‬ ‫ان السؤال هو‪« :‬ماذا تخطط اميركا؟ وكيف ولد‬ ‫مبدأ كارتر؟ وما هي احتماالت تطبيقه؟ ماذا تريد‬ ‫إدارة كارتر ان تفعل في تلك المنطقة الحساسة‪،‬‬ ‫وماذا تستطيع أن تفعل؟ ما هو حجم عزمها على‬ ‫التدخل عسكريا في المنطقة»‪.‬‬

‫أما السؤال اليوم فهو‪ :‬هل مازال الخليج العربي‪،‬‬ ‫ونفطه‪ ،‬يتمتعان باألهمية االستراتيجية نفسها في‬ ‫العقل األميركي؟ في تقريرها للعام ‪ ،2012‬تقول‬ ‫«وكالة الطاقة الدولية» انه بسبب التقنية الجديدة‬ ‫التي ابتكرتها شركات اميركية الستخراج الغاز‬ ‫والنفط‪ ،‬من المتوقع أن تصبح الواليات المتحدة‬ ‫األولى في انتاج الغاز في العالم مع حلول العام‬ ‫‪ ،2016‬واألولى في انتاج النفط في العالم‪ ،‬متقدمة‬ ‫حتى على المملكة العربية السعودية‪ ،‬مع حلول العام‬ ‫‪.2020‬‬ ‫‪ ‬وتظهر بيانات وزارة الطاقة األميركية ان انتاج‬ ‫الواليات المتحدة النفطي ارتفع بنسبة ‪ 30‬في المائة‬ ‫منذ عام ‪ ،2008‬ليصل الى ‪ 6.5‬مليون برميل‬ ‫يوميا الشهر الحالي‪ ،‬وهو رقم مرتفع مقارنة بانتاج‬ ‫‪40‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪ ‬األرقام تشير كذلك إلى أن الزيادة في االنتاج‬ ‫النفطي األميركي في عام ‪ 2011‬كانت األعلى منذ‬ ‫أن تم اكتشاف هذه المادة للمرة األولى في والية‬ ‫بنسلفانيا في عام ‪.1859‬‬ ‫‪ ‬هكذا‪ ،‬للمرة األولى منذ عام ‪ ،1952‬ستتمتع‬ ‫أميركا باكتفاء نفطي من المتوقع أن يستمر حتى‬ ‫عام ‪ ،2035‬ما سيعطي واشنطن ربع قرن من‬ ‫االستقاللية في الطاقة‪ ،‬ويعفيها من السباق مع دول‬ ‫العالم األخرى للوصول إلى األسواق النفطية أو‬ ‫لمحاولة تثبيت الدول النفطية أمنيا وسياسيا‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يعني اعتمادا أميركيا أقل على القوة العسكرية‬ ‫حول العالم‪.‬‬ ‫‪« ‬هذا يعطينا حرية أكثر للحديث عن الشرق‬ ‫األوسط الذي نريد أن نراه‪ ،‬والعالم الذي نريد أن‬ ‫نراه»‪ ،‬يقول الرئيس باراك أوباما في مقابلة أجرتها‬ ‫معه مجلة «التايم» في شهر ديسمبر (كانون األول)‬ ‫الماضي‪.‬‬

‫نهاية مفهوم القوة العظمى‬

‫‪4‬‬

‫يعتبر مؤرخون أن أحد أبرز أسباب نشوب الحرب‬ ‫العالمية األولى‪ ،‬كان بسبب نجاح بريطانيا في إفشال‬ ‫مشروع المانيا بناء خط قطار برلين ‪ -‬بغداد‪ ،‬الذي‬ ‫كان من المفترض أن يصل إلى ميناء الكويت‪ ،‬وان‬ ‫يشكل طريقا تجاريا مختصرا بين الهند واوروبا‪،‬‬ ‫بدال من الطريق البحرية التي تمر في قناة السويس‪،‬‬

‫والتي كانت تحت سيطرة االنكليز‪.‬‬ ‫في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين‪ ،‬كان‬ ‫احتالل االراضي والسيطرة على طرق التجارة‬ ‫ضروريا من أجل قيام االمبراطوريات ومن اجل‬ ‫حفاظها على قوتها وعلى سيطرتها على األسواق‬ ‫وعلى مصادر المواد األولية‪.‬‬ ‫وفي النصف الثاني من القرن الماضي‪ ،‬تواجهت‬ ‫للسبب نفسه القوتان العظميان اميركا وروسيا في‬ ‫ما عرف بـ»الحرب الباردة»‪ ،‬والتي انتهت بفوز‬ ‫االميركيين‪.‬‬ ‫لكن اميركا لم تهزم االتحاد السوفياتي عسكريا‪،‬‬ ‫وال نفطيا‪ ،‬بل اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا‪ ،‬وهو‬ ‫ما تحول الى عنوان للمواجهة بين اميركا ومنافستها‬ ‫االمبراطورية المقبلة‪ ،‬اي الصين‪ ،‬التي تسعى الى‬ ‫اللحاق بالواليات المتحدة‪ ،‬خصوصا على الصعيدين‬ ‫االفتصادي والعلمي‪.‬‬ ‫«إن اقتصادا قويا‪ ،‬ناميا‪ ،‬يؤمن األساس لكل أدوات‬ ‫القوة‪ .‬كذلك‪ ،‬األدوات االقتصادية كالعقوبات‬ ‫والمساعدات‪ ،‬ستكون حاسمة في هذا القرن‬ ‫النها عادة اكثر األدوات فاعلية من حيث كلفتها‬ ‫المنخفضة نسبيا»‪ ،‬يقول البروفسور في جامعة‬ ‫هارفرد جوزيف ناي في كتابه «مستقبل القوة»‪.‬‬ ‫ويضيف األكاديمي األميركي‪ ،‬الذي ابتكر عبارة‬ ‫«القوة الناعمة»‪ ،‬أن «القوة االقتصادية ستكون‬ ‫واحدة من اهم األدوات في جعبة القوى الذكية»‬ ‫حول العالم‪.‬‬ ‫داخل الواليات المتحدة‪ ،‬يندر أن يعثر الباحث على‬ ‫مقالة أو دراسة أو كتاب يحذر من القوة العسكرية‬ ‫الصينية الصاعدة أو من العقيدة الصينية السياسية‪،‬‬ ‫على غرار التحذيرات من قوة االتحاد السوفياتي‬ ‫وتمدد الشيوعية حول العالم اثناء الحرب الباردة‪،‬‬ ‫بل تتركز التحذيرات حول مقارنات ثنائية بين‬ ‫البلدين‪ ،‬اميركا والصين‪ ،‬في المضامير االقتصادية‬ ‫والثقافية والعلمية واألكاديمية‪.‬‬ ‫والسباق األبرز اليوم بين أميركا والصين‪ ،‬والذي‬ ‫يستحوز على معظم اهتمام االميركيين‪ ،‬هو مطاردة‬ ‫االقتصاد الصيني لنظيره األميركي‪ ،‬األكبر في‬ ‫العالم‪ .‬وكانت الصين حلت محل اليابان كصاحبة‬ ‫ثاني اكبر اقتصاد في العالم في عام ‪ ،2010‬فيما‬ ‫تشير الترجيحات إلى أن الصين ستحل محل اميركا‬ ‫مع نهاية هذا العقد‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬تدور رحى السباق االميركي الصيني‬ ‫حول عدد «براءات االختراع» المسجلة في كل‬ ‫دولة‪ ،‬وحول حجم الموازنات السنوية المرصودة‬


‫اليوم‪ ،‬وبعدد ‪ 33‬عاما‪ ،‬تحاول «المجلة» مرة أخرى‬ ‫أن ترصد النوايا األميركية‪ ،‬ولكن على عكس العام‬ ‫‪ 1980‬و”مبدأ كارتر”‪ ،‬يبدو أن “مبدأ اوباما”‬ ‫يقضي بسحب الجيوش األميركية‪ ،‬على األقل من‬ ‫الشرق األوسط وأوروبا‪ ،‬والتفرغ لشؤون البالد‬ ‫الداخلية‪ ،‬في وسط مزاج شعبي أميركي عام يطالب‬ ‫بإنهاء الدور العسكري الذي تضخم جدا في العقد‬ ‫األخير‪ ،‬والعودة إلى العزلة التي تفرضها الواليات‬ ‫المتحدة على نفسها بين حقبة وأخرى من تاريخها‪.‬‬

‫وان «هذه القوة تحتاج الى خمس سنوات الستكمال‬ ‫مقوماتها»‪ ،‬وان «كل ‪ 25‬ألف جندي يحتاجون ‪16‬‬ ‫يوما لالنتقال الى المنطقة المهددة»‪ .‬مضيفا‪« :‬حتى‬ ‫ذلك الحين‪ ،‬ال يمكن تخيل وجود أي مقاومة سريعة‬ ‫وجدية للقوات السوفياتية‪ ،‬إذا أرادت اجتياح بعض‬ ‫دول الخليج»‪.‬‬ ‫بعد عقد على مقالة كولي‪ ،‬انهار االتحاد السوفياتي‬ ‫وقواته من دون أن تقترب أي منها من الخليج‪ ،‬بيد‬ ‫أن قوات عراقية فعلت ما لم يفعله الروس‪ ،‬اذ اجتاح‬ ‫صدام حسين الكويت‪.‬‬

‫في هذ اإلطار‪ ،‬رصدت “المجلة” عشرة أسباب‬ ‫تظهر أن أميركا هي في طور تقليص دورها‬ ‫العسكري حول العالم‪ .‬هذه األسباب‪ ،‬من دون‬ ‫تراتبية أو أهمية معينة‪ ،‬هي التالية‪:‬‬

‫‪1‬‬

‫يقول غرينيرت إنه «في أقل من عشرة أيام على‬ ‫اجتياح الكويت‪ ،‬وصلت إلى شواطئها خمسة‬ ‫تشكيالت من المقاتالت األميركية‪ ،‬وحاملتا‬ ‫طائرات‪ ،‬وبارجتان»‪ ،‬ويضيف انه بعد أسابيع‪،‬‬ ‫«كانت القوات األميركية قد نقلت جوا أكثر من‬ ‫‪ 500‬ألف جندي‪ ،‬و‪ 540‬الف طن حمولة‪ ،‬واوصلت‬ ‫بحرا مليونين ونصف المليون طن من المعدات»‪.‬‬

‫‪ ‬نهاية «الحرب على اإلرهاب»‬

‫أثناء المناظرة الرئاسية الثالثة في شهر أكتوبر‬ ‫(تشرين األول) الماضي‪ ،‬وجه المرشح الجمهوري‬ ‫ميت رومني انتقادا لمنافسه باراك أوباما‪ ،‬لنيته‬ ‫خفض موازنة وزارة الدفاع‪ ،‬وقال رومني إن‬ ‫«البحرية األميركية تحتاج إلى بوارج أكثر‪ ،‬إذ لديها‬ ‫‪ 284‬فقط‪ ،‬وهو الرقم األدنى منذ العام ‪،»1916‬‬ ‫فأجابه الرئيس األميركي‪« :‬طيب‪ ،‬يا حضرة‬ ‫المحافظ‪ ،‬ولدينا عدد أقل من األحصنة والحراب‬ ‫كذلك‪ ،‬مما كان لدينا في الحرب العالمية األولى»‪.‬‬ ‫ويتزامن الحديث عن جعل القوات األميركية أكثر‬ ‫رشاقة واعتمادا على التكنولوجيا‪ ،‬منها على عديد‬ ‫القوات‪ ،‬في وقت تعتزم الحكومة األميركية تخفيض‬ ‫موازنتها العسكرية‪ ،‬التي تضخمت جدا منذ إعالنها‬ ‫«الحرب على اإلرهاب» في عام ‪.2001‬‬ ‫أولى بوادر التخفيض جاءت مع نهاية حرب العراق‪،‬‬ ‫وال بد من أن الميزانية ستشهد المزيد من تقليص‬ ‫للنفقات مع قرب نهاية الحرب في افغانستان‪ ،‬مع‬ ‫ما يعني ذلك من تسريح لفائض الجنود العائدين من‬ ‫الحرب وتقليص عدد المشاة والبحرية‪.‬‬ ‫وكان االنفاق العسكري األميركي قد بلغ ‪711‬‬ ‫بليون دوالر سنويا في عام ‪ ،2012‬ومن المتوقع‬ ‫أن ينخفض إلى ‪ 500‬بليون سنويا مع نهاية األعمال‬ ‫العسكرية في افغانستان العام المقبل‪ .‬وللمقارنة‪ ،‬فإن‬ ‫الموازنة الدفاعية في العام ‪ 2000‬كانت ‪ 300‬بليون‬ ‫سنويا‪ ،‬أي أنه حتى مع التخفيض‪ ،‬ستبقى الموازنة‬ ‫األميركية الدفاعية المتوقعة في األعوام المقبلة أكبر‬ ‫بحوالي الثلثين منها قبل ‪ 13‬عاما‪.‬‬ ‫وبلغة االقتصاد‪ ،‬سيتراجع االنفاق الدفاعي من ‪4‬‬ ‫ونصف في المائة من الناتج المحلي‪ ،‬إلى ثالثة‬ ‫في المائة‪ ،‬وهذه ليست المرة األولى التي تقوم‬

‫غالف العدد االول من مجلة المجلة الذي صدر‬ ‫في ‪ 16‬فبراير‪ -‬شباط ‪1980‬‬

‫بها إدارة أميركية بتخفيض موازنتها الدفاعية‪ ،‬اذ‬ ‫سبق أن فعلت ذلك في األربعينات مع نهاية الحرب‬ ‫العالمية الثانية‪ ،‬ثم وبعد حربي كوريا وفيتنام‪ ،‬وفي‬ ‫التسعينات بعد انهيار االتحاد السوفياتي ونهاية‬ ‫الحرب الباردة‪ ،‬واليوم بعد نهاية «الحرب على‬ ‫االرهاب»‪ ،‬وحربي العراق وأفغانستان‪.‬‬

‫‪ ‬تطور العلوم الحربية‬

‫‪2‬‬

‫«بعد عقد من الحرب في افغانستان والعراق‪ ،‬تجد‬ ‫الواليات المتحدة نفسها أمام منعطف استراتيجي ال‬ ‫يختلف عن نهاية الحرب الباردة»‪ ،‬يقول االدميرال‬ ‫جوناثان غرينيرت‪ ،‬آمر البحرية األميركية‪ ،‬في‬ ‫دراسة له في مجلة «اميريكان انتيريست» في‬ ‫فبراير (شباط) الماضي‪ .‬مقتبسا من «التوجيه‬ ‫االستراتيجي» الذي قدمه وزير الدفاع ليون بانيتا‬ ‫العام الماضي‪ ،‬واصبح بمثابة دليل سياسة الدفاع‬ ‫األميركية للعقد المقبل‪ ،‬ان بانيتا تحدث عن ضرورة‬ ‫«تحويل القوة األميركية الى قوة أصغر وأكثر‬ ‫ليونة»‪ ،‬وأن «تكون هذه القوة على جهوزية تامة‪،‬‬ ‫مع الحلفاء والشركاء‪ ،‬لمواجهة والحاق الهزيمة‬ ‫بأي عدوان في أي مكان حول العالم‪ ،‬خصوصا‬ ‫أولئك الذين يسعون إلى منعنا من تسليط قوتنا»‪.‬‬ ‫في مقالته في «المجلة» قبل ‪ 33‬عاما‪ ،‬كتب جون‬ ‫كولي من واشنطن «انه في عام ‪ ،1979‬بدأ‬ ‫التخطيط‪ ‬جديا إلنشاء قوة أميركية من ‪ 100‬ألف‬ ‫جندي قادرة على التحرك واالنتقال الى أي بقعة من‬ ‫العالم تتعرض فيها المصالح األميركية للخطر»‪،‬‬

‫اليوم‪ ،‬تقول القوات األميركية ان بإمكانها التدخل‬ ‫في أي بقعة على وجه األرض في أقل من ‪12‬‬ ‫ساعة‪ ،‬وخوض حرب والفوز بها‪ ،‬وهذه السياسة‬ ‫الحربية هي التي يعمل على تطويرها األميركيون‬ ‫منذ ‪ 33‬عاما‪ ،‬وهي تعني ان واشنطن تعمل منذ‬ ‫عقود على تفادي احتالل اراض غير اميركية‬ ‫لفرض سلطتها‪ ،‬بيد أن حربي العراق وافغانستان‪،‬‬ ‫واالحتالل الذي رافقهما‪ ،‬شكلت استثناء فرضته‬ ‫مدرسة «المحافظين الجدد»‪ ،‬وال يبدو أنه سيتكرر‬ ‫في المستقبل المنظور‪.‬‬ ‫أما أفضل مثال لفهم التغيير في سياسة استخدام‬ ‫القوة االميركية حول العالم‪ ،‬ونهاية عصر المشاة‬ ‫واالحتالل‪ ،‬قد يأتي من خالل مقارنة حربي العراق‬ ‫وافغانستان بحربي اميركا الخفية وغير المعلنة‬ ‫ضد «تنظيم القاعدة» في كل من باكستان واليمن‪.‬‬ ‫النتيجة في الحروب األربع هي تصفية كوادر‬ ‫هذا التنظيم وقياداته‪ ،‬لكن بدال من استخدام المشاة‬ ‫كما في افغانستان‪ ،‬تقتصر الحرب في اليمن على‬ ‫الطائرات من دون طيار‪ ،‬التي يديرها طيارون‬ ‫من داخل اميركا‪ ،‬والتي تحلق عاليا وبعيدا عن‬ ‫األنظار‪ ،‬والتي صارت تثير ذعر أفراد التنظيم‬ ‫اكثر بكثير من دورية مارينز يمكن نصب كمين‬ ‫لها او مواجهتها‪.‬‬

‫‪ ‬في أميركا نفط أيضا‬

‫‪3‬‬

‫يقول المؤرخ اللبناني الراحل كمال الصليبي في‬ ‫كتابه «تاريخ الجزيرة العربية» إن اميركا فازت‬ ‫في الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ألنها كانت الوحيدة‬ ‫المكتفية ذاتيا لناحية حاجة جيشها الى النفط‪ ،‬فيما‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪39‬‬


‫قصة الغالف‬

‫عشرة أسباب وراء االنسحاب‬

‫األميـركيــون راحلون‬ ‫بقلم‪ :‬حسين عبد الحسين‬

‫يف يناير ‪ ،1980‬حاول حمررو “املجلة” يف عددها الأول التحري عن نوايا الواليات املتحدة‪ ،‬وكتبوا حتت عنوان “ماذا‬ ‫تخطط �أمريكا؟” �أن وا�شنطن و�ضعت مو�ضع التنفيذ “مبد أ� كارتر”‪ ،‬الذي يق�ضي ب�إن�شاء قوة تدخل بهدف �إر�سالها �إىل‬ ‫مناطق غنية بالنفط كاخلليج حلمايتها من �أي تهديد �سوفياتي‪ ،‬بعد عام من اجتياح ال�سوفيات لأفغان�ستان‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬


‫محمد قطب واإلخوان المسلمون العالقة ما بين‬ ‫سيد قطب واإلخوان المسلمين‪ ،‬أن هناك نفرة‬ ‫وخصومة في العالقة بين االثنين بسبب الضرر‬ ‫الذي ألحقه حسن البنا بالمجلة التي كان يرئس‬ ‫تحريرها سيد قطب بواسطة شركة اإلعالنات‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫كتاب هيوارث ‪ -‬دن كان إلى سنوات متأخرة‬ ‫هو المصدر الوحيد‪ ،‬الذي تضمن هذه المعلومة‬ ‫المهمة عن نوع عالقة سيد قطب بحسن البنا‪،‬‬ ‫خاصة أنهما من مواليد سنة واحدة ودرسا في‬ ‫دار العلوم‪ ،‬وانضم سيد إلى جماعة اإلخوان‬ ‫المسلمين بعد وفاة مؤسسها بخمس سنوات‬ ‫وخمسة أشهر‪ .‬لمّح محمد الغزالي ‪ -‬الذي عمل‬ ‫مع سيد قطب في مجلة «الفكر الجديد»‪ ،‬وكان‬ ‫على عالقة مودة به منذ سنة ‪ 1946‬وتخاصما‬ ‫سنة ‪ - 1953‬من بعيد إلى موقف سيد قطب من‬ ‫حسن البنا في تعقيب على بحث محمد أحمد خلف‬ ‫اهلل «الصحوة اإلسالمية في» المنشور في كتاب‬ ‫«الحركات اإلسالمية المعاصرة في الوطن‬ ‫العربي» الصادر سنة ‪ ،1987‬من خالل روايته‬ ‫للواقعة التالية‪:‬‬ ‫«أذكر هنا أن صالح عشماوي رئيس ملة (الدعوة)‬ ‫أرسلني إلى سيد قطب ليكتب كلمة عن البنا في‬ ‫ذكرى استشهاده األول عام ‪ 1950‬وكانت بيني‬ ‫وبينه مودة ‪ -‬ولكن سيد قطب قال لي‪ :‬أرجو قبول‬ ‫اعتذاري فمن الخير أن أكون بعيداً‪.»..‬‬

‫مصاعب حقيقية‬ ‫في محضر نقاش أجراه شريف يونس بالتلفون‬ ‫مع محمد الغزالي في ‪ 23‬أكتوبر وفي ‪ 21‬سبتمبر‬ ‫(أيلول) سنة ‪ 1993‬أفصح الغزالي عن واقعيتن‬ ‫يمكن اعتبارهما متممتين لما ذكره هيوارث ‪-‬‬ ‫دن عن الحرب التي شنها حسن البنا على سيد‬ ‫قطب‪ ،‬لما رفض سيد قطب احتواءه لمجلة «الفكر‬ ‫الجديد»‪.‬‬ ‫هاتان الواقعتان اللتان أفصح عنها‪ ،‬هما‪ :‬بعث‬ ‫حسن البنا رسالة إلى سيد قطب يشيد بها بالمجلة‪،‬‬ ‫فرفض سيد قطب نشرها‪ .‬وعرض محمد الغزالي‬ ‫ عضو الهيئة التأسيسية في جماعة اإلخوان‬‫المسلمين ‪ -‬على سيد قطب االلتحاق باإلخوان‬ ‫المسلمين فرفض العرض‪.‬‬ ‫الواقعة األولى‪ ،‬تبيّن أن سيد قطب في األصل‬ ‫ينفر من حسن البنا وال يثمنه‪ .‬فرفضه لنشر رسالة‬ ‫اإلشادة بالمجلة التي كتبها البنا وأحضرها محمد‬ ‫الغزالي (محمد الغزالي هو المحرر في السبعة‬ ‫المحررين المعاونين لسيد الذي ينتمي لإلخوان‬ ‫المسلمين) لسيد ليس سببه خشيته أن تحتسب‬

‫على مصالح الغرب في المنطقة وعلى ثقافة‬ ‫الغرب وحضارته فيها‪ .‬وأتى بعده محمد قطب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وإكماال لما قاله شقيقه استناداً إلى ذلك الباب‪،‬‬ ‫فساق أباطيل عن الكتاب وعن مؤلفه‪ ،‬ظل تلميذه‬ ‫صالح الخالدي يرددها ما يزيد على العقدين‬ ‫في أكثر من كتاب عن سيد قطب‪ ،‬يزيد فيها وال‬ ‫ينقص‪.‬‬ ‫هذا الباب يتحدث عما كان سيفعل حسن البنا إذا‬ ‫تسلم السلطة وعما ستكون عليه الحال في مصر‪،‬‬ ‫وعن المصاعب الحقيقية التي ستواجه األجهزة‬ ‫الحكومية والمؤسسات التجارية التي ال ارتباط‬ ‫لها بالتجارات الغربية‪ ،‬وذلك أنه سيحدث حتماً‬ ‫تغييراً سياسياً واجتماعياً وتشريعياً واقتصادياً‬ ‫وتعليمياً وثقافياً في المجتمع المصري‪ ،‬استناداً إلى‬ ‫مبادئ اإلخوان وتعاليهم‪ ،‬وطبقاً ألسس الحكومة‬ ‫اإلسالمية وإلزامات الشرع الديني‪.‬‬

‫من مؤلفات دن‬

‫المجلة على حسن البنا وعلى اإلخوان المسلمين‪،‬‬ ‫فنشر رسالة كهذه من زعيم كحسن البنا أو زعماء‬ ‫غيره‪ ،‬ال يعني أن المجلة محسوبة على هذا‬ ‫الطرف أو ذاك‪ ،‬وإنما ألنه ال يعيره اهتماماً وال‬ ‫يقيم له وزناً‪.‬‬ ‫يقول هيوارث ‪ -‬دن في خاتمة باب »كتيبات‬ ‫اإلخوان وتقاريرهم» ‪ -‬وهو الباب الذي جرى‬ ‫الحديث فيه عنه سيد ومجلة «الفكر الجديد» ‪:-‬‬ ‫«أظهر حسن البنا في هذا التقرير‪ -‬يقصد تقريراً‬ ‫عن نشاطاته االقتصادية والتجارية ‪ -‬بأنه كان‬ ‫على فهم كامل بالتفاصيل المرتبطة بالحركة‪ ،‬وأنه‬ ‫كان عبقرياً في التنظيم»‪.‬‬

‫وذكر أن الفئات المتضررة من تسلمه للسلطة‪ ،‬هي‬ ‫األجانب والطبقات الراقية والنساء المتحررات‪،‬‬ ‫وسمّى الجهات التي سيطالها الضرر‪ ،‬كالحانات‬ ‫والمطاعم والكباريهات األنيقة والمسرح‬ ‫والسينما والمدارس األجنبية والجرائد األجنبية‬ ‫وتجارة الكتب والنشاطات التجارية ذات السلع‬ ‫االستهالكية المستوردة‪.‬‬ ‫وفيما يخص ما سماه «المصاعب الحقيقية» كان‬ ‫يتمنى لو أن اإلخوان كان لهم تعامل مع األجهزة‬ ‫البنكية الحديثة المعقدة والمؤسسات االقتصادية‬ ‫المقتبسة من الغرب‪ ،‬والتي هي جزء أساسي في‬ ‫حياة أي بلد حديث‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حلوال في الشريعة لبناء‬ ‫وقد نصحهم بأن يجدوا‬ ‫مؤسسات جديدة لمعالجة المسائل المالية المتطورة‪.‬‬ ‫وصارح حسن البنا بأن الصعوبات المتعلقة‬ ‫بالعمالت وسوق األسهم وقوانين الشركات وكافة‬ ‫التشريعات الغربية التي تم تكييفها مع احتياجات‬ ‫مصر‪ ،‬ال يمكن التعاطي معها من قبل موظفيه‪.‬‬

‫سيد قطب عندما انضم إلى اإلخوان المسلمين في‬ ‫منتصف سنة ‪ ،1953‬ووجد أنه ال مناص من أن‬ ‫يكتب كلمة طيبة عن إمامهم حسن البنا‪ ،‬استعاد‬ ‫ما قاله هيوارث ‪ -‬دن في خاتمة ذلك الباب من‬ ‫أن حسن البنا كان عبقرياً في التنظيم‪ ،‬فجعل من‬ ‫هذه الجملة عنواناً لمقالته اليتيمة والشهيرة عن‬ ‫حسن البنا‪« :‬حسن وعبقرية البناء»‪ .‬فعنوانه ‪-‬‬ ‫كما نرى ‪ -‬هو جملة هيوارث ‪ -‬دن نفسها‪ ،‬لكنه‬ ‫استبدل مفردة «التنظيم»‪.‬‬

‫هذه القضايا التي قمنا باختصارها والتي أثارها‬ ‫هيوارث ‪ -‬دن في ذلك الباب‪ ،‬الذي يتبيّن من‬ ‫صياغته لها أنه كتبها في حياة البنا‪ ،‬كانت مثارة‬ ‫في مصر باألربعينات الميالدية‪ ،‬وتجددت‬ ‫إثارتها في الثمانينات مع صعود المعارضة‬ ‫اإلسالمية األصولية في مصر وفي بعض البلدان‬ ‫العربية‪ .‬وما تزال إلى اآلن مثارة‪.‬‬

‫بمفردة «البناء»‪ ،‬ليتحقق الجناس في عنوانه‪ .‬باب‬ ‫«ماذا لو تسلم اإلخوان السلطة» في الفصل الثاني‬ ‫عشر «المجتمع اإلسالمي»‪ ،‬هو أصل التدليس‬ ‫عند سيد قطب في أنه بعد مقتل البنا صدرت في‬ ‫أميركا كتب تتحدث عن خطر اإلخوان المسلمين‬

‫* ملخص من مقدمة طويلة لكتاب »المستشرق ورجل‬ ‫المخابرات البريطاني ج‪ .‬هيوارث ‪ -‬دن‪ :‬صلة مريبة‬ ‫باإلخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب» تنشرها‬ ‫»المجلة» كاملة في حلقات على موقعها اإللكتروني خالل‬ ‫شهر فبراير <‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪37‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫وتعتمد عليها‪ ،‬وبالتالي فتقييم أميركا لحركة‬ ‫اإلخوان المسلمين كان ال يختلف كثيراً عن تقييم‬ ‫بريطانيا‪.‬‬

‫حممد الغزايل يف كتاب‬ ‫«احلركات الإ�سالمية املعا�صرة‬ ‫يف الوطن العربي»‪�« :‬أذكر هنا‬ ‫�أن �صالح ع�شماوي رئي�س ملة‬ ‫(الدعوة) �أر�سلني �إىل �سيد‬ ‫قطب ليكتب كلمة عن البنا‬ ‫يف ذكرى ا�ست�شهاده الأول عام‬ ‫‪ 1950‬وكانت بيني وبينه‬ ‫مودة ‪ -‬ولكن �سيد قطب قال‬ ‫يل‪� :‬أرجو قبول اعتذاري فمن‬ ‫اخلري �أن �أكون بعيداً‪»..‬‬

‫ما يميز كتاب هيوارث ـ دن »االتجاهات الدينية‬ ‫والسياسية في مصر الحديثة» عما سواه من‬ ‫الدراسات الغربية عن اإلخوان المسلمين‪ ،‬أنه أعد‬ ‫في مرحلة كان التحالف بين اإلنجليز واإلخوان‬ ‫المسلمين في بداياته‪ .‬وهذا المرحلة كانت مشوبة‬ ‫بالحذر والقلق من اإلخوان المسلمين‪ ،‬وكانت‬ ‫صورة اإلخوان المسلمين عند السفارة البريطانية‬ ‫قائمة على تقارير فيها تخبط وارتجال واضطراب‬ ‫وال تظهر الجماعة بالصورة التي هي عليها حقاً‪.‬‬ ‫لهذا كانت السفارة بحاجة ماسة للتعرف الصحيح‬ ‫والكامل على اإلخوان المسلمين‪.‬‬

‫حاليته أو راهنيته ينافس كل ما كتب عن اإلخوان‬ ‫المسلمين باللغة العربية وباللغات األجنبية في‬ ‫وقت متأخر‪ .‬وكل ما كتب بعده ال يغني عن‬ ‫قراءته فهو عمدة ما كتب عن اإلخوان المسلمين‪.‬‬

‫أما كتاب ريتشارد ب‪ .‬ميتشل‪ ،‬فهو يعكس روح‬ ‫المرحلة الثانية (أو األخيرة) وفكرها‪ .‬وهي مرحلة‬ ‫استجدت فيها ظروف إقليمية ودولية‪ ،‬عززت‬ ‫من التحالف مع اإلخوان المسلمين وشدته برباط‬ ‫وثيق‪ .‬زالت فيه كل توجسات وحذر وحيطة‬ ‫وتحفظات المرحلة األولى‪ .‬واتسع لإلخوان مكان‬ ‫تبوأوا فيه مقعداً في العالم الحر ذلك المفهوم‬ ‫السياسي األميركي الفضفاض والرخو ـ بصفتهم‬ ‫ممثلين لجانب من جوانب الليبرالية ومناضلين‬ ‫من أجل الحرية‪ ،‬وضحايا لغياب الديمقراطية في‬ ‫الدولة العربية ذات النمط السلطوي‪ .‬وأصبحوا‬ ‫في هذه المرحلة هم الحليف األساسي ألميركا في‬ ‫مصر‪ ،‬ال ينافسهم في ذلك تيار أو حزب آخر‬ ‫حتى في فترتي حكم أنور السادات وحكم حسني‬ ‫مبارك‪ ،‬والتي كان التحالف فيها مع أميركا تحالفا‬ ‫تاما‪.‬‬

‫هيوارث ‪ -‬دن أعد دراسة لتلبية هذه الحاجة‪،‬‬ ‫وهي تقديم تقرير موضوعي شامل ومفصل عن‬ ‫اإلخوان المسلمين مبني على معرفة شخصية‬ ‫بهم وعلى معرفة بالسياق الداخلي للثقافة والفكر‬ ‫اإلسالمي‪ .‬هذه الدراسة اطلعت عليها السفارة‬ ‫البريطانية في مصر‪ ،‬واستفادت منها واطلع هو‬ ‫ بالتنسيق مع المخابرات البريطانية ‪ -‬المخابرات‬‫األميركية عليها‪ ،‬ثم أتمها في أميركا وطبعها‬ ‫في كتاب هناك‪ .‬وما يميز كتابه عما سواه من‬ ‫الدراسات العربية عن اإلخوان المسلمين أنه كان‬ ‫معايشاً ومراقباً لهم عن كثب في طور تكوينهم‬ ‫وفي طور صعودهم‪ .‬وأنه تعرض لجوانب في‬ ‫تاريخ حسن البنا واإلخوان المسلمين لم تتطرق‬ ‫لها الدراسات المتأخرة‪.‬‬

‫كتاب لم يهرم‬ ‫هذا الكتاب برغم قدمه لم يشخ ولم يهرم‪ .‬فهو في‬ ‫‪36‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫لم يرض اإلخوان المسلمون عن الكتاب‪ ،‬ألنه‬ ‫قدم تاريخاً واقعياً لحسن البنا ولحركتهم‪ ،‬وهم‬ ‫ال يريدون أن يكتب عن إمامهم وعن حركتهم‬ ‫مثل هذا التاريخ البشري الذي ليس فيه محل‬ ‫لثنائية النبي وفرعون‪ ،‬وال ثنائية الفئة المؤمنة‬ ‫والفئة الباغية‪ ،‬وال أنهم مختارون من اهلل كما‬ ‫تاريخ األنبياء ورهطهم األخيار األطهار‪ .‬وألن‬ ‫اإلخوان المسلمين يستعيدون هذه الثنائية القائمة‬ ‫على اصطفاء إلهي لهم‪ ،‬نراهم يصورون إمامهم‬ ‫ويصورون أنفسهم بصورة يتجلى فيها الكمال‬ ‫النبوي‪ ،‬وفي المقابل يصورون أولي السلطة‬ ‫الذين يشتبكون معهم في صراع دنيوي محض‬ ‫على أنهم قوم طغاة بغاة فجار مستكبرون في‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫ومع أنهم كانوا غير راضيين عن الكتاب‪ ،‬إال أنهم‬ ‫لم يهاجموه ويشنعوا به وبمؤلفه حتى ال يشهروه‬ ‫عند القارئ في العالم العربي والعالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫ففي الكتاب تفصيل صغير‪ ،‬يكشف عن طبيعة‬ ‫عالقة سيد قطب بحسن البنا‪.‬‬ ‫هذا التفصيل يزعج سيد قطب بعد أن تحول إلى‬ ‫اإلخوان المسلمين في سنة ‪ 1953‬كما يزعج شقيقه‬ ‫محمد قطب‪ .‬ويزعج اإلخوان المسلمين ألنه يقدم‬ ‫صورة سيئة عن حسن البنا‪ .‬ويزعجهم أيضاً ألنه‬ ‫يتنافى مع دعوى زائفة يتبنونها هم ومحمد قطب‪،‬‬

‫حول طبيعة العالقة بين سيد قطب وحسن البنا في‬ ‫جانبها الشخصي والفكري‪ ،‬قبل أن يتحول سيد‬ ‫قطب إلى اإلخوان المسلمين‪ ،‬وفي جانبها الفكري‬ ‫بعد هذا التحول‪ ،‬إذ يرون في األخيرة أن تنظير‬ ‫سيد قطب ما هو إال استمرار لما كان يدعو إليه‬ ‫قبله البنا‪.‬‬

‫ما هو هذا التفصيل الصغير؟‬ ‫تعرض هيوارث ‪ -‬دن في كتابه إليالء حسن‬ ‫البنا استخدام الطباعة اهتماماً كبيرا‪ ،‬وتحدث عن‬ ‫حرصه أن يكون لشركته شركة اإلعالنات العربية‬ ‫تأثير قوي‪ ،‬وأن تكون وسيلة للحصول على أكثر‬ ‫ما يكون من السيطرة على الدعاية العربية‪ ،‬فذكر‬ ‫األمور التالية‪ :‬أن شركة اإلعالنات الشرقية كانت‬ ‫منافسة لشركته‪( ،‬وقد يكون هذا هوا السبب وراء‬ ‫تفجيرها)‪.‬‬ ‫احتلت شركة اإلعالنات العربية مكاناً مرموقاً في‬ ‫العالم التجاري العربي‪ ،‬بسبب التهديد بالمقاطعة‬ ‫الدينية التي قد يستخدمها اإلخوان‪ ،‬إذا لم تحصل‬ ‫على التعاون من قبل المؤسسات التجارية العربية‬ ‫والمصرية‪.‬‬ ‫إجبار بعض المجالت على الخروج من السوق‪،‬‬ ‫إذا كان البنا يعدها خطراً عليه أو هي غير راغبة‬ ‫في أن يشتريها‪ ،‬وخصوصاً تلك المجالت التي‬ ‫ليس لديها سوى رأس مال صغير‪ ،‬وضرب ً‬ ‫مثاال‬ ‫لذلك ‪ -‬وهذا هو التفصيل الصغير‪ -‬بمجلة «الفكر‬ ‫الجديد» التي كان يرأس تحريرها سيد قطب‬ ‫يعاونه فيها سبعة محررين‪ .‬وكان سيد قطب يكتب‬ ‫فيها مقاالت عن اإلصالحات االجتماعية على‬ ‫أسس إسالمية‪.‬‬ ‫اتصل ممثلو اإلخوان بالمحرر (يقصد سيد‬ ‫قطب) وزمالءه عدة مرات‪ ،‬بناء على تعليمات‬ ‫من حسن البنا الستمالتهم على أساس أن عملهم‬ ‫هو نفس ما يريد اإلخوان عمله بالتمام‪ ،‬وأنه ال‬ ‫مجال هناك للمنافسة‪.‬‬ ‫وأدى رفض سيد قطب االمتثال لمطالبهم إلى‬ ‫مقاطعة أدت إلى عدم استطاعة بيع المجلة من‬ ‫خالل القنوات العادية‪ .‬وفي النهاية أقفلت المجلة‪،‬‬ ‫وكان السبب اآلخر هو العوائق التي فرضها‬ ‫إعالن قانون الطوارئ‪.‬‬ ‫كان حسن البنا إنساناً غيوراً فلم يستسغ المنافسة‬ ‫من قبل أي إنسان في ذلك المجال‪ ،‬كان يريد‬ ‫أن يكون هو الحبر األعظم‪ ،‬وأن ال يكون ثمة‬ ‫«مسيلمة» في مصر‪.‬‬ ‫يشير هذا التفصيل الصغير على غير ما يصور‬


‫اإلخوان على حجتين عقليتين‪ ،‬هما‪ :‬أن حسن البنا‬ ‫ال يمكن ـ بسبب تدينه ‪ -‬أن يقبل مال (الكفار) وأن‬ ‫البريطانيين عملياً وواقعياً‪ ،‬ال يمكن أن يطلبوا‬ ‫إلى اإلخوان المسلمين العمل لحسابهم‪ ،‬وهم‬ ‫الذين ظلوا لمدة ‪ 12‬عاماً يغذون الدعاية المضادة‬ ‫للبريطانيين‪.‬‬

‫هاتان الحجتان غير مقنعتين‬ ‫فحسن البنا مع نشأة الجماعة في اإلسماعيلية‪،‬‬ ‫وحين كانت الجماعة جماعة دينية دعوة خيرية‪،‬‬ ‫ال صلة لها بأوشاب السياسة وأدرانها‪ ،‬سعى هو‬ ‫للحصول على تمويل مالي من شركة قناة السويس‬ ‫لبناء مسجد ومدرسة ودار لجماعته‪ .‬وتحقق له‬ ‫سريعاً ما سعى إليه‪ ،‬إذ أن الشركة منحته عن‬ ‫طريق وكيلها األعلى البارون دي بنوا‪ ،‬مبلغاً‬ ‫قدره خمسمائة جنيه‪ ،‬وكان هذا المبلغ أعلى مبلغ‬ ‫تلقته الجماعة في نشأتها باإلسماعيلية‪.‬‬ ‫وعندما جوبه باعتراض من بعض االتباع لقبوله‬ ‫هذه اإلعانة من «كفار»‪ ،‬وزيادة على ذلك‪ ،‬هم‬ ‫مستعمرون‪ ،‬لم يعدم وسيلة مقنعة لهم لتسويغ ما‬ ‫فعله‪.‬‬ ‫فلماذا ـ وهو في القاهرة وبعد أن انغمس في‬ ‫أوشاب السياسية وغرق في أدرانها ـ يستحرم أخذ‬ ‫مال «الكفار» مع أنه في اإلسماعيلية قد أخذه‪ ،‬ولم‬ ‫ير في أخذه ما يخل بدينه وتدينه؟!‬ ‫وفي حدود ما نعلم أن »الفترة القاهرية» في عقيدة‬ ‫اإلمام حسن البنا لم تراجع بعض ما جاء في‬ ‫«الفترة اإلسماعيلية» بدليل أنه لم يجد غضاضة‬ ‫أو حرجاً في تسلم مبلغ كبيرمن المال تبرع به‬ ‫التاجر اليهودي حاييم درة في حفل جامع بكازينو‬ ‫النزهة في اإلسكندرية‪ ،‬لمساعدة اإلخوان هناك*‪.‬‬ ‫أما الحجة الثانية‪ ،‬فهي مثل األولى غير مقنعة‪،‬‬ ‫وال أحتاج أن أقف عندها‪ ،‬فالوقائع والوثائق ال‬ ‫تسندها‪.‬تبيّن من خالل العرض السابق أن األمور‬ ‫سارت بخالف ما زعمه أنور الجندي في كتابه‬ ‫«اإلخوان المسلمون في ميزان الحق»‪.‬‬ ‫إن رواية هيوارث ‪ -‬دن‪ ،‬كانت رواية بريطانية‬ ‫رسمية‪ ،‬وهي تفيدنا فقط في معرفة الموقف‬ ‫البريطاني الرسمي مما أشيع في األربعينات عن‬ ‫اتصال تم بينهما‪ .‬ومما عرفنا من هذه الرواية أن‬ ‫الموقف البريطاني الرسمي وقتذاك‪ ،‬كان نفى‬ ‫قضية االتفاق ونفى حادثة االتصال‪.‬‬ ‫بينما كان موقف اإلخوان المسلمين هو االعتراف‬ ‫باالتصال وإنكار االتفاق‪ .‬وهذا هو عين ما فعله‬

‫بد�أ ن�شاط الإخوان امل�سلمني‬ ‫املعادي لال�ستعمار‬ ‫الربيطاين �سنة ‪1936‬‬ ‫يف ظل الدعاية الفا�شية‬ ‫والنازية مب�صر‪ .‬وكان الإخوان‬ ‫امل�سلمون منذ ن�ش�أتهم مل‬ ‫ي�سببوا للم�ستعمر الربيطاين‬ ‫�إزعاجاً �أو متاعب حتى لو‬ ‫كانت �صغرية‬ ‫ريتشارد ب ميتشل‪ ،‬فهو وضع حادثة االتصال‬ ‫في موضع التقرير وجعل قضية االتفاق في‬ ‫موضع النفي!‬ ‫ً‬ ‫أصال‬ ‫ريتشارد ب‪ .‬ميتشل في كتابه الذي أعده‬ ‫كرسالة للدكتوراه قدمها إلى جامعة برنستون‬ ‫سنة ‪ ،1960‬والذي طبعه سنة ‪ ،1969‬كان على‬ ‫المستوى الشخصي يعبر عن الموقف األميركي‪،‬‬ ‫وكذلك الموقف البريطاني الرسمي المواد‬ ‫والمحابي لإلخوان المسلمين في تلك اآلونة‪.‬‬ ‫وكان من المتعذر عليه أن يقرر خالف ما انتهى‬ ‫إليه‪ .‬ألنه ال يريد أن يسلّم خصوم اإلخوان‬ ‫المسلمين‪ ،‬كحكومة جمال عبد الناصر وحكومة‬ ‫البعثيين والقوميين واليساريين والشيوعيين‬ ‫العرب تهمة جارحة تخدش وطنية اإلخوان‬ ‫المسلمين المتهمين دعائياً من قبل هؤالء بأنهم‬ ‫حلفاء االستعمار واإلمبريالية في وقت بلغت صلة‬ ‫التحالف ما بين أميركا واإلخوان المسلمين‪ ،‬أعلى‬ ‫مراحلها‪.‬‬

‫مرحلتان مختلفتان‬ ‫في تقديري‪ ،‬أن كتاب هيوارث ‪ -‬دن «االتجاهات‬ ‫الدينية والسياسية في مصر الحديثة» وكتاب‬ ‫ريتشارد ب‪ .‬ميتشل يعبران عن مرحلتين‬ ‫مختلفتين من تحالف بريطانيا وأميركا مع‬ ‫اإلخوان المسلمين الذي يرجع تاريخه إلى ما قبيل‬ ‫خمسينات القرن الماضي ببضع سنوات‪.‬‬ ‫كتاب هيوارث ـ دن يعبّر عن المرحلة األولى‪،‬‬ ‫والتي كان البريطانيون فيها من الناحية السياسية‬ ‫ غير مطمئنين تماماً لحسن البنا «إذ يصبح‬‫اإلخوان خطراً داهماً‪ ،‬إذا استغلتهم شخصية‬

‫قوية مثل الملك أو علي ماهر أو حتى النحاس‬ ‫باشا»‪ .‬يعلق محسن محمد على هذا الكالم‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫«الغريب في أمر السفارة أنها كانت تخشى حيناً‪،‬‬ ‫أن يثور اإلخوان ضد اإلنجليز وضد الوفد‪ ،‬وفي‬ ‫حين آخر تخشى أن يستغل الوفد اإلخوان للثورة‬ ‫ضد اإلنجليز!»‪.‬‬ ‫وكان اإلخوان في هذه المرحلة مصنفين على‬ ‫أنهم حركة رجعية تسعى إلى إقامة نظام اجتماعي‬ ‫سياسي‪ ،‬استناداً إلى أسس وقواعد عفى عليها‬ ‫الزمن‪ .‬وينظر إليهم على أنهم منظمة سياسية‬ ‫متطرفة‪ .‬يعتنقون مفهوماً تقليدياً لإلسالم جعل‬ ‫منهم مسلمين متعصبين‪ ،‬نابذين للثقافة الغربية‪،‬‬ ‫ينسبون إليها ما أصاب المجتمع المصري من‬ ‫انهيار األخالق وانحالل السلوك وفساد القيم‬ ‫ويحملونها ما يعانيه من تعاسة وفقر‪ ،‬ويرون أنهم‬ ‫يحملون عداء دينياً لألجانب‪ .‬ولهذا السبب فهم‬ ‫يشكلون خطراً مباشراً يتهدد الجاليات األوروبية‬ ‫في مصر‪.‬‬ ‫ومع كل التوجسات والحذر والحيطة والتحفظات‪،‬‬ ‫إال أن مركز المخابرات السياسية البريطانية في‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬طلب من الحكومة البريطانية‬ ‫إقامة عالقة قوية غير رسمية مع حسن البنا‪ ،‬ألنه‬ ‫ً‬ ‫تمثيال للشعب‪ ،‬فهم‬ ‫«زعيم ثاني الجماعات األكثر‬ ‫أفضل الجماعات تنظيماً بعد الوفد‪ ،‬وقد يحلون‬ ‫محله كحزب أغلبية‪ ،‬فالوفد لم يقدم برنامجاً‬ ‫للمستقبل‪ ،‬وال يقدر على تبني أية حركة إصالحية‬ ‫كاإلخوان‪ .‬واإلخوان أكبر مجموعة مؤثرة في‬ ‫مصر‪ ،‬التي تقف على أبواب مرحلة خطيرة‪،‬‬ ‫مرت بين عامي ‪ 1919‬ـ ‪،1928‬‬ ‫تشبه الفترة التي ّ‬ ‫ويمثلون خطراً متطرفاً داهماً»‪.‬‬ ‫هذا مع التأكيد في أول التوصية على االستمرار‬ ‫«في تأييد الوفد على ضوء تجاربنا» وقد نصحت‬ ‫التوصية أن يوضح للنحاس ‪ -‬الذي كان هو‬ ‫وحزبه األقرب لبريطانيا وحليفهم الرئيس في‬ ‫تلك الفترة ‪ -‬أن الحكومة البريطانية ال تنافسه‬ ‫في ود حسن البنا‪ ،‬وإنما هي تريد الحصول على‬ ‫معلومات فقط‪.‬‬ ‫وكان البريطانيون في هذه المرحلة في حالة الغاء‬ ‫اإلخوان المسلمين الوفد واحتواءه يراهنون على‬ ‫إضفاء طابع أكثر تحرراً على برنامج اإلخوان‬ ‫المسلمين الذي هو عندهم مجرد غطاء لمشاعر‬ ‫معادية للغرب‪ ،‬ويراهنون على قدرتهم في‬ ‫توجيههم في الطريق الذي يرون صحيحاً‪ ،‬بالنسبة‬ ‫لمصر وجارتها واإلمبراوطورية البريطانية‪.‬‬ ‫ويجب ّ‬ ‫أال يغيب عن بالنا أنه في تلك المرحلة‬ ‫كانت أميركا لحداثة خبرتها في مجال السياسة‬ ‫الخارجية وفي مجال المخابرات كانت تستعين‬ ‫بالخبرة البريطانية العريقة في هذين المجالين‪،‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪35‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫من النقاط الخاصة بهذا التعاون‪ ،‬واحدة منها أن‬ ‫اإلعانات المقدمة من حزب الوفد لإلخوان سيتم‬ ‫دفعها سراً من جانب الحكومة المصرية‪ ،‬وأنها‬ ‫في هذا الشأن سوف تحتاج إلى مساعدة مادية من‬ ‫السفارة البريطانية‪ ،‬كما أن الحكومة المصرية‬ ‫سنقوم بزرع عمالء موثوق بهم داخل جماعة‬ ‫اإلخوان لتراقب نشاطهم عن قرب‪ ،‬وأن الحكومة‬ ‫سوف تسمح للسفارة اإلنجليزية بالحصول على‬ ‫معلومات من هؤالء العمالء‪ ،‬وسيتم اطالع‬ ‫الحكومة المصرية على المعلومات التي تحصل‬ ‫عليها السفارة البريطانية من مصادر بريطانية‪.‬‬ ‫وتم االتفاق كذلك على محاولة خلق انقسام في‬ ‫الجماعة من خالل استغالل أي اختالفات تقع بين‬ ‫حسن البنا وأحمد السكري‪ ،‬أحد مؤسسي الجماعة‬ ‫األوائل‪ .‬وعلى حصول الجانب البريطاني‬ ‫على قائمة بأسماء أعضاء اإلخوان الذي يمكن‬ ‫اعتبارهم من العناصر الخطرة مع التأكيد على‬ ‫عدم القيام بأي تحرك عنيف ضد الجماعة‪ ،‬واتباع‬ ‫أسلوب القتل الرحيم معهم»‪.‬‬ ‫هذه القضية الشائكة التي كانت من المنتصف‬ ‫األخير في عقد األربعينات إلى المنتصف األول‬ ‫في عقد الخمسينات بين أخذ ورد‪ ،‬كان ريتشارد‬ ‫ب‪ .‬ميتشل صاحب كتاب «اإلخوان المسلمون»‬ ‫هو المؤرخ الذي انتهى فيها إلى تقرير أن‬ ‫االتصال بين السفارة البريطانية واإلخوان لم‬ ‫يسفر عن شيء‪ .‬انتهى إلى هذه النتيجة اعتماداً‬ ‫ بدرجة ثانوية ‪ -‬على رواية اإلخوان المسلمين‬‫واعتماداً ‪ -‬بدرجة أساسية ‪ -‬على رواية هيوارث‬ ‫ دن‪ .‬مع أنه كان ال يخفى عليه أنه في وسائل‬‫التثبت ال يصح تضعيف الرواية األخرى وردها‬ ‫استناداً إلى رواية طرفي القضية‪ :‬رواية هيوارث‬ ‫ دن ورواية اإلخوان المسلمين‪ .‬لننظر في رواية‬‫هيوارث ‪ -‬دن التي اعتمد ـ بدرجة أساسية ـ عليها‪.‬‬ ‫صوّر هيوارث ‪ -‬دن القضية بأنها كانت مجرد‬ ‫خديعة من البنا للسلطات بهدف كسب الوقت‪ ،‬إذ‬ ‫أوحى من خالل وكالئه أنه على استعداد للتعاون‬ ‫مع البريطانيين‪ ،‬وعلى استعداد لقبول مكافأة مالية‬ ‫منهم‪ ،‬وقد استخدم في سبيل مصريين كانوا على‬ ‫عالقة مع عمالء بريطانيين‪ ،‬مما جعل الناس‬ ‫يصدقون أنه قد تعلم درساً من السجن‪ .‬وهذا أبعد‬ ‫ما يكون عن الحقيقة‪ ،‬إذا لم تكن لديه أي نية في‬ ‫قبول مال »الكفار»‪ ،‬وقد روج كثيراً في جريدة‬ ‫»اإلخوان المسلمون» لمسألة أنه قد عرض عليه‬ ‫مبلغ من المال أثناء الحرب‪ ،‬خصوصاً في عام‬ ‫‪ ،1946‬وكان أحمد السكري وراء هذه الخدعة‪،‬‬ ‫ففي إحدى المناسبات طلب ‪ 40‬ألف دوالر وسيارة‬ ‫في مقابل دعم اإلخوان‪ .‬لقد ظل اإلخوان لمدة‬ ‫‪ 12‬عاماً ينفذون الدعاية المضادة للبريطانيين‪.‬‬ ‫ولذلك فقد كان ـ عملياً ‪ -‬من المستحيل أن يطلب‬ ‫البريطانيون إليهم العمل لحسابهم‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪« 1940‬حيث حضر الجنرال كليتون وبصحبته‬ ‫المستشرق المستر هيورت‪ -‬دن وقابال األستاذ‬ ‫حسن البنا في دار الجمعية القديمة» وأنه في‬ ‫إحدى االتصاالت‪ ،‬وهو االتصال الذي تم في ‪14‬‬ ‫نوفمبر ‪ 1940‬عرضوا على اإلخوان مبلغاً قدره‬ ‫عشرون ألف جنيه كدفعة أولى من معونة يمدونها‬ ‫ً‬ ‫فضال عن سيارة‬ ‫إليهم باسم الديمقراطية‪ ،‬هذا‬ ‫يهدونها إليه بمناسبة عيد األضحى‪ .‬ورفض هو‬ ‫ً‬ ‫وكيال عاماً للجماعة‪ ،‬ومكلفاً من‬ ‫العرض بصفته‬ ‫قبل البنا لمفاوضتهم‪.‬‬ ‫وبسبب رفض اإلخوان المسلمين ألن يعملوا‬ ‫لحساب بريطانيا في مواجهة األلمان‪ ،‬فوجئوا‬ ‫ كما قال السكري ‪ -‬بسيل من االضطهادات ال‬‫ينقطع‪.‬‬ ‫حسن البنا‬

‫أولى الملحوظات على هذه الرواية‪ :‬أنه قدم تلك‬ ‫القضية الشائكة ـ والتي له صلة مباشرة فيها ـ‬ ‫بوصفه متتبعاً ومحلًّال لها‪ ،‬وبهذا لم يفصح أنه‬ ‫كان طرفاً فيها وشاهد عليها‪ .‬وهذا أمر مفهوم‬ ‫ألنه لم يشأ في كتابه أن يفصح عن هويته غير‬ ‫األكاديمية‪ ،‬وال عن الدور السياسي الذي قام به‬ ‫في مصر في المنتصف األخير من عقد الثالثينات‬ ‫إلى أواخر األربعينات‪.‬‬ ‫ثانيها‪ :‬أخفى أن اإلجراءات الحازمة التي‬ ‫اتخذتها حكومة حسين سري باشا حيال حسن‬ ‫البنا وجماعة اإلخوان المسلمين‪ :‬نقل البنا إلى قنا‬ ‫ونقل السكري إلى دمياط ثم سجنهما وعبدالحكيم‬ ‫عابدين‪ ،‬إيقاف صحف اإلخوان وغلق مطابعهم‪،‬‬ ‫وحظر اجتماعاتهم ومنع الصحف من نشر‬ ‫أنباء عنهم‪ ،‬وهي ما يسميها اإلخوان المسلمون‬ ‫بـ«االمحنة األولى» قد تمت بإيعاز وضغط من‬ ‫السفير البريطاني مايلز المبسون‪ ،‬رغم أنها‬ ‫تفصيل أساسي في مجريات تلك القضية‪.‬‬ ‫ثالثها‪ :‬لم يقدم بياناً واضحاً عن واقعة كشف‬ ‫اإلخوان المسلمين في منتصف األربعينات‬ ‫لالتصاالت المتعددة التي جرت بين السفارة‬ ‫البريطانية وبينهم قبل ما سموه بالمحنة األولى‬ ‫وبعدها‪ ،‬وال عن قولهم إن السفارة البريطانية‬ ‫عرضت عليهم مبلغ عشرين ألفاً‪.‬‬ ‫الواقعة كما قصها أحمد السكري وكيل الجماعة‪،‬‬ ‫هي أن ثمة اتصاالت عديدة جرت بين السفارة‬ ‫البريطانية واإلخوان المسلمين قبل المحنة‬ ‫األولى وبعدها‪ ،‬وكان الساعي لها السفارة‪ .‬وأن‬ ‫أول اتصال كان في ‪ 25‬أغسطس (آب) عام‬

‫اختصاره المخل للواقعة التي تحدث عنها السكري‬ ‫سببه ‪ -‬كما قلنا ـ أن اسم كليتون ـ الوزير المسؤول‬ ‫في السفارة البريطانية ‪ -‬واسمه تردد فيها‪ .‬وقد‬ ‫اكتفى بالرد على ما كشف عنه السكري‪ ،‬بأن‬ ‫جعل من تلك االتصاالت التي أفاض فيها السكري‬ ‫مجرد مناسبة عابرة‪ ،‬طلب السكري فيها ‪ 40‬ألف‬ ‫دوالر وسيارة في مقابل دعم اإلخوان!‬ ‫رابعها‪ :‬كان البريطانيون في تقاريرهم يتهمون‬ ‫حسن البنا باالتصال باإليطاليين واأللمان‪،‬‬ ‫ويتهمونه بقبض أموال منهما إلى سنة ‪.1941‬‬ ‫وهذا األمر ذو صلة وثيقة بتلك القضية الشائكة‪.‬‬ ‫هيوارث ‪ -‬دن في كتابه برأه من هذا االتصال‬ ‫وأرجع هذا االتهام إلى أن حملة اإلخوان المسلمين‬ ‫على البريطانيين تزامنت مع النشاط النازي ضد‬ ‫البريطانيين «األمر الذي دفع البعض لالعتقاد بأنه‬ ‫يعمل مع األلمان واإليطاليين» وبرأه أيضاً حينما‬ ‫قال‪« :‬قد قيل أن المفتي (يعني به الشيخ أمين‬ ‫الحسيني) كان واسطة بين النازيين واإلخوان‪.‬‬ ‫ومع أن حسن يشير إلى ذلك تقاريره‪ ،‬إال أن ذلك‬ ‫لم يتم إثباته»‪.‬‬ ‫هذه التبرئة تتوافق مع ما ورد في تقرير السفير‬ ‫البريطاني في مصر رونالد كامبل‪ ،‬الذي عين في‬ ‫هذا المنصب بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ‪-‬‬ ‫فلقد ورد في تقريره قوله‪« :‬يتعين أن نذكر قبل‬ ‫الحرب‪ ،‬أنه كان هناك من األسباب ما يدعو للشك‬ ‫ً‬ ‫أمواال من مصادر‬ ‫في تلقي اإلخوان المسلمين‬ ‫ألمانية أو إيطالية أو منهما معاً»‪.‬‬ ‫تغير ما قاله هيوارث ـ دن وما قاله السفير‬ ‫البريطاني من اإلدانة إلى التبرئة‪ ،‬قد يكون شاهداً‬ ‫على أن اتصال السفارة البريطانية باإلخوان‬ ‫المسلمين‪ ،‬أسفر عن اتفاق تم بينهما‪.‬‬ ‫خامسها‪ :‬أن هيوارث ـ دن‪ ،‬اعتمد في دفع رواية‬


‫بدأ نشاط اإلخوان المسلمين المعادي لالستعمار‬ ‫البريطاني سنة ‪ 1936‬في ظل الدعاية الفاشية‬ ‫والنازية بمصر‪ .‬وكان اإلخوان المسلمون منذ‬ ‫نشأتهم لم يسببوا للمستعمر البريطاني إزعاجاً أو‬ ‫متاعب حتى لو كانت صغيرة‪.‬‬

‫كان ح�سن البنا �إن�ساناً غيوراً‬ ‫فلم ي�ست�سغ املناف�سة‬ ‫من قبل �أي �إن�سان يف ذلك‬ ‫املجال‪ ،‬كان يريد �أن يكون هو‬ ‫احلرب الأعظم‪ ،‬و�أن ال يكون‬ ‫ثمة »م�سيلمة« يف م�صر‬

‫«قربت الحرب حسن البنا من الحكومة‪ .‬لم يكن‬ ‫هناك شك حول موقفه أثناء الفترة األولى من‬ ‫الحرب إلى شهر حزيران‪ /‬يونيو ‪ ،1940‬عندما‬ ‫قدم علي ماهر استقالته‪ .‬والبد أنها فترة مشحونة‬ ‫بالهموم التي واجهها حسن البنا‪ ،‬والذي كان موقفه‬ ‫المعادي للبريطانيين منذ ‪ ،1936‬ال يمكن انكاره‪،‬‬ ‫وكمعظم أهل الطابور الخامس‪ ،‬فقد تنبأ بسقوط‬ ‫مبكر للبريطانيين‪ ،‬وكمعظم األجانب لم يكن لديه‬ ‫أي معرفة بالروح البريطانية»‪.‬‬

‫وبضغط من نواب البرلمان في حزب األحرار‬ ‫الدستوريين‪ ،‬ومن رئيس الحزب عبد العزيز‬ ‫فهمي باشا على رئيس الوزراء حسين سري‬ ‫باشا‪ ،‬بشأن إعادة حسن البنا إلى مدرسته ‪ -‬وهو‬ ‫الطلب الذي قاومه محمد حسين هيكل باشا‬ ‫لفترة ‪ -‬تراجع رئيس الوزراء حسين سري باشا‬ ‫عن قراره‪ ،‬فأعاده محمد حسين هيكل باشا إلى‬ ‫مدرسته مدرسة المحمدية في القاهرة‪.‬‬

‫وهذا ما يؤكده تقرير للمخابرات البريطانية‪ ،‬قيل‬ ‫فيه‪ :‬خالل السنوات الثماني األولى أي منذ عام‬ ‫‪ 1928‬حتى عام ‪ ،1936‬لم تحظ حركة اإلخوان‬ ‫باهتمام سلطات األمن البريطانية‪ .‬وكان الفضل‬ ‫في ذلك للشيخ حسن البنا! ويؤكده أيضاً هيوارث‬ ‫‪ -‬دن في كتابه هذا الذي نقدم له‪.‬‬

‫ابتداء من تلك السنة التي الحظت المخابرات‬ ‫البريطانية فيها نشاط اإلخوان المسلمين المعادي‬ ‫لها‪ ،‬توفرت تقارير لديها‪ ،‬تتهمهم باالتصال‬ ‫ً‬ ‫أمواال منه‪.‬‬ ‫بمحور «روما ـ برلين» وبقبضهم‬ ‫اتصلت السفارة البريطانية بهم عن طريق كليتون‬ ‫وهيوارث ـ دن المعروف عندهم باسم الحاج‬ ‫جمال الدين بعد وقوع الحرب العالمية الثانية‬ ‫للغرض الذي ذكره أنور الجندي‪ ،‬لكن محاوالتهما‬ ‫باءت بالفشل‪ ،‬ألن موقف بريطانيا أمام ألمانيا‬ ‫في بدايات الحرب كان ضعيفاً‪ ،‬وكان اإلخوان‬ ‫وغيرهم متيقنين أن ألمانيا ستلحق الهزيمة‬ ‫ببريطانيا‪.‬‬ ‫لما يئست السفارة البريطانية من الحصول على‬ ‫تأييدهم وصرفهم عن محور «روما ‪ -‬برلين»‬ ‫باإلقناع واإلغراء‪ ،‬طلب السفير البريطاني مايلز‬ ‫المبسون إلى رئيس الوزراء حسين سري باشا‬ ‫الحد من نشاطهم‪.‬‬ ‫وللحد من نشاطهم حدث رئيس الوزراء حسين‬ ‫سري باشا محمد حسين هيكل باشا وزير‬ ‫المعارف في تلك الحكومة االئتالفية أن ينقل‬ ‫حسن البنا المدرس في مدرسة المحمدية بالقاهرة‬ ‫إلى مدرسة ابتدائية في قنا ذلك البلد النائي في‬ ‫الصعيد‪ ،‬فأنفذ هذه الرغبة فوراً‪ .‬كما تم نقل أحمد‬ ‫السكري وكيل الجماعة إلى بلدة في أقصى شمال‬ ‫مصر‪ ،‬هي دمياط‪.‬‬

‫طلب السفير البريطاني مايلز المبسون بعد مضي‬ ‫أشهر على حادثة نقل البنا إلى قنا ً‬ ‫نقال تأديبياً‪،‬‬ ‫إلى رئيس الوزراء حسين سري باشا اعتقال‬ ‫حسن البنا مرشد الجماعة وأحمد السكري وكيل‬ ‫الجماعة وعبدالحكيم عابدين سكرتير الجماعة‪،‬‬ ‫وذلك استناداً إلى تقارير تتهم اإلخوان المسلمين‬ ‫بالعمل لمحور «روما ‪ -‬برلين»‪.‬‬ ‫فلقد أجمعت تقارير المخابرات البريطانية أنهم‬ ‫«يقومون بداعيات مضادة لإلنجليز‪ ،‬ويخطبون‬ ‫ضد اإلنجليز في اجتماعات شعبية‪ ،‬ويجمعون‬ ‫معلومات عن تحركات القوات البريطانية‪،‬‬ ‫ويجرون اتصاالت مع موظفي السكك الحديدية‬ ‫ومع العاملين في المستودعات والمعسكرات‬ ‫البريطانية»‪.‬‬ ‫وقالت هذه التقارير إن‪« :‬هناك شكوك في أن‬

‫�شن حممد قطب‪،‬حملة‬ ‫كاذبة على هيوارث‪ -‬دن بعد‬ ‫وفاته‪،‬و�صوره �أنه جمرد رجل‬ ‫خمابرات بريطاين التقى به‬ ‫�شقيقه يف �أمريكا‪ ،‬وكان يف‬ ‫حوزته تقارير مف�صلة ودقيقة‬ ‫عن الإخوان امل�سلمني‬

‫اإلخوان يخططون للقيام بعملية تخريبية شاملة‬ ‫ضد المنشآت الحيوية وشبكة االتصاالت‬ ‫البريطانية»‪.‬‬ ‫اعتقل حسن البنا مع صاحبيه السكري وعابدين‬ ‫في ‪ 6‬أكتوبر‪( ،‬تشرين األول) ‪ ،1941‬وأفرج‬ ‫عنه وحده في ‪ 13‬نوفمبر (تشرين الثاني)‪ ،‬مع‬ ‫وعد له باستصدار قرار يقضي بإخراج صاحبيه‬ ‫قريباً‪.‬‬ ‫حدث اتصال بين السفارة البريطانية واإلخوان‬ ‫المسلمين‪ ،‬عقب خروج البنا من السجن‪ ،‬مرة‬ ‫أخرى عن طريق مفاوضيها كليتون وهيوارث ‪-‬‬ ‫دن للوصول إلى اتفاق يمتنع اإلخوان المسلمون‬ ‫فيه عن عمل أي نشاط معاد لإلنجليز أو المشاركة‬ ‫فيه وأن يتعاونوا في محو أسطورة «الحاج محمد‬ ‫هتلر» المنتشرة في المساجد‪ ،‬مقابل مبلغ مالي‬ ‫قدره عشرون ألف جنيه‪ ،‬وأن تتغاضى سلطة‬ ‫األمن البريطانية عن نشاطهم في المدن والقرى‪.‬‬ ‫هناك من يقول إن هذا االتصال لم يسفر عن‬ ‫اتفاق‪ ،‬وبالتالي لم يقبض اإلخوان المسلمون‬ ‫ً‬ ‫أمواال من البريطانيين‪ ،‬ويعتمدون في هذا على‬ ‫روايات اإلخوان المسلمين المبالغة في مناقبيتها‪،‬‬ ‫ويعتمدون على رواية هيوارث ‪ -‬دن الذي قال‬ ‫في هذا الكتاب »لم تكن لديه ـ يقصد حسن البنا‬ ‫ أي نيّة في قبول مال (الكفار)‪ ..‬ولمدة ‪12‬‬‫عاماً استمرت تغذية اإلخوان للدعاية المضادة‬ ‫للبريطانيين‪ ،‬فقد كان من المستحيل أن يطلب منهم‬ ‫العمل لصالح البريطانيين»‪.‬‬ ‫وهناك من يقول إن هذا االتصال أفضى إلى‬ ‫اتفاق بينهم وبين البريطانيين‪ ،‬وأنهم قبضوا منهم‬ ‫ً‬ ‫أمواال‪ .‬وهؤالء يستدلون على صحة قولهم هذا‪،‬‬ ‫بأن نشاط اإلخوان المسلمين المعادي للبريطانيين‬ ‫خفت بعد حدوث االتصال بفترة قليلة‪ .‬ويستدلون‬ ‫على أن االتفاق بات في حكم المقطوع به حين لم‬ ‫يشارك اإلخوان المسلمون في المظاهرة الكبرى‬ ‫لتأييد رومل في سنة ‪.1942‬‬

‫رواية ومالحظات‬ ‫يضيف إلى ما سبق‪ ،‬باحث بريطاني ألف كتاباً‬ ‫مؤخراً بعنوان «صالت سرية‪ :‬تواطؤ بريطانيا‬ ‫مع اإلسالم الراديكالي» في مقابلة أجرتها معه‬ ‫سها السمان أنه «قبل عام ‪ 1942‬كانت بريطانيا‬ ‫بالتأكيد قد بدأت في تمويل جماعة اإلخوان‪ ،‬ففي‬ ‫‪ 18‬مايو‪ ،‬عقد مسؤولون في السفارة اجتماعاً‬ ‫مع رئيس الوزراء المصري أمين عثمان باشا‪،‬‬ ‫كان أحد الموضوعات التي مناقشتها فيه هو‬ ‫العالقات مع اإلخوان‪ ،‬وتمت الموافقة على عدد‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪33‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫املستشرق ورجل املخابرات البريطاني ج‪ .‬هيوارث ‪ -‬دن‪..‬‬ ‫صلة مريبة باإلخوان املسلمني وحسن البنا وسيد قطب‬

‫تاريخ من الغموض‬

‫يرد كتاب »االجتاهات الدينية وال�سيا�سية يف م�صر احلديثة»‪،‬‬ ‫�ضمن قائمة املراجع عند عدد من امل�ؤرخني امل�صريني‪ .‬ويرتدد‬ ‫ا�سم م�ؤلفه جيم�س هيوارث ‪ -‬دن عند بع�ض الإ�سالميني حني‬ ‫احلديث عن بعثة �سيد قطب �إىل �أمريكا‪.‬‬ ‫يشار إلى هيوارث ‪ -‬دن في قضية اتصال السفارة‬ ‫البريطانية في القاهرة باإلخوان المسلمين‪ ،‬عقب‬ ‫اإلفراج عن حسن البنا في ‪ 13‬نوفمبر (تشرين‬ ‫الثاني) سنة ‪ ،1941‬بعد أن لبث في السجن ‪28‬‬ ‫يوماً‪ ،‬واجرائها مفاوضات سرية معهم‪ ،‬عرضت‬ ‫ً‬ ‫أمواال مقابل تأييدهم‬ ‫خاللها السفارة عليهم‬ ‫لالستعمار البريطاني لمصر‪ ،‬وكان المؤلف‬ ‫ضمن المفاوضين األساسيين من قبل السفارة‬ ‫البريطانية‪.‬‬ ‫ويرد اسم كتاب آخر له‪ ،‬وهو كتاب «مدخل إلى‬

‫وعند هذه الجمهرة ‪ -‬وبدرجة أقل بكثير من كتابه‬ ‫السابق ‪ -‬عرف كتاب مدرسي له‪ ،‬عنوانه» األدب‬ ‫العربي وتاريخه في العصر الجاهلي» طبع‬ ‫بمكتبة الثقافة العربية بيروت‪.‬‬

‫لورنس في شبه الجزيرة العربية في الحرب‬ ‫العالمية الثانية لكنه «أخفق في مهمته ألن شعوب‬ ‫الشرق‪ ،‬كانت في الحرب األخيرة أرشد منها في‬ ‫الحرب األولى»‪.‬‬

‫وكان اسمه معروفاً عند بعض أعالم الثقافة‬ ‫المصرية‪ ،‬بعد قدومه إلى مصر من بريطانيا في‬ ‫مطلع الثالثينات الميالدية‪ ،‬ليعمل ‪ -‬وذلك بعد أن‬ ‫تم اختياره من قبل وزارة المعارف ‪ -‬مدرساً للغة‬ ‫اإلنجليزية في مدارسها‪.‬‬

‫هذه المشابهة تحتاج إلى تكملة‪ ،‬سأقوم بها‪:‬‬ ‫اإلخوان المسلمون في الحرب العالمية الثانية‪،‬‬ ‫كانوا دولة األشراف في الحجاز في الحرب‬ ‫العالمية األولى‪ ،‬وعبارة «شعوب الشرق» كان‬ ‫يعني بها اإلخوان المسلمين‪.‬‬

‫تاريخ التعليم في مصر»‪ ،‬في قائمة المراجع اإلخوان والمحور‬ ‫أرخت‬ ‫األجنبية في بعض المؤلفات المصرية التي ّ‬ ‫للتربية والتعليم في مصر‪ .‬وهذا الكتاب هو من‬ ‫أكثر كتبه طباعة‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬أعيد طبعه‬ ‫ما بين سنة ‪ - 1939‬وهي سنة إصدار طبعته‬ ‫األولى بلندن ‪ -‬وسنة ‪ ،1968‬عشر طبعات‪.‬‬

‫قسم أخبار الشعراء ـ طبع بالقاهرة سنة ‪.1934‬‬ ‫قسم أخبار الراضي باهلل والمتقي هلل ـ طبع بالقاهرة‬ ‫سنة ‪.1935‬‬

‫أول حديث جاء على نحو واضح عنه‪ ،‬جاء في‬ ‫كتاب «سيد قطب‪ ،‬الشهيد الحي» لصالح الدين‬ ‫عبدالفتاح الخالدي‪ ،‬صدر في سنة ‪ .1980‬وفي‬ ‫كتاب ثان له بعنوان «أمريكا من الداخل بمنظار‬ ‫سيد قطب» صدر في سنة ‪ ،1985‬أعاد ما قاله‬ ‫في كتابه األول‪ .‬وفي كتاب ثالث له بعنوان »سيد‬ ‫قطب من الميالد إلى االستشهاد» صدر في سنة‬ ‫‪ ،1989‬أعاد ترتيب وتنسيق ما قد كتبه عنه‪،‬‬ ‫أضاف إليه سطوراً‪ ،‬أخذها من اعتراف سيد‬ ‫قطب المنشور في األعداد األولى من جريدة‬ ‫«المسلمون» في خمس حلقات والذي نشر الحقاً‬ ‫ضمن سلسلة كتاب «الشرق األوسط‪ ،‬بالعنوان‪:‬‬ ‫لماذا أعدموني؟»‪ ،‬وذلك في منتصف الثمانينات‪.‬‬

‫قسم أشعار أوالد الخلفاء وأخبارهم ـ طبع بالقاهرة‬ ‫سنة ‪.1936‬‬

‫وقد شابه الدور الذي أراد أن يلعبه في مصر‬ ‫خالل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬بالدور الذي لعبه‬

‫اسم المؤلف اسم معروف عند جمهرة من المحققين‬ ‫والمعنيين بالتراث األدبي العربي‪ ،‬بسبب جمعه‬ ‫وتحقيقه لكتاب «األوراق» ألبي بكر الصولي‪،‬‬ ‫والذي نشر منه ثالثة أقسام‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪32‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫سيد قطب‬

‫واأللمان واإليطاليون في الحرب العالمية الثانية‪،‬‬ ‫كانوا هم األتراك حلفاء األلمان في الحرب العالمية‬ ‫األولى‪ .‬واإلنجليز في الحرب العالمية الثانية كانوا‬ ‫هم اإلنجليز في الحرب العالمية األولى‪ ،‬لكن مع‬ ‫اختالف المسرح‪ ،‬ففي الثانية كان المسرح مصر‪،‬‬ ‫وفي األولى كان المسرح المشرق العربي‪.‬‬ ‫وفي حين نجح لورنس في مهمته بالحرب األولى‪،‬‬ ‫فقد أخفق هيوارث ‪ -‬دن في مهمته بالحرب الثانية‪.‬‬ ‫بسبب أن حسن البنا واإلخوان المسلمين كانوا‬ ‫أرشد من الشريف حسين وابنه األمير فيصل ومن‬ ‫القوميين العرب‪.‬‬ ‫ال يعنينا هنا التأكد من صحة مشابهة دور هيوارث‬ ‫ـ دن في الحرب العالمية الثانية بدور لورنس في‬ ‫الحرب العالمية األولى‪ ،‬فالذي يعنينا هنا هو الحكم‬ ‫على مهمة هيوارث ‪ -‬دن باإلخفاق‪ :‬هل هو حكم‬ ‫صحيح أم ال؟‬



‫شؤون سياسية‬

‫طويلة‪ ،‬فإنهم افتقدوا الخبرات الضرورية انتخابات يوليو ‪2012‬‬

‫للتواصل مع إشكاليات المجتمع الليبي‪ ،‬عقب‬ ‫أربعين عاما من االستبداد سادت فيها عوامل‬ ‫سلبية عديدة‪ ،‬أجدرها بالذكر انتشار ثقافة‬ ‫نهب المال العام والفساد المالي واإلداري‪،‬‬ ‫وتفكك أواصر اللحمة الوطنية‪ ،‬وبروز القبلية‬ ‫والوالء للنظام السياسي بدل الوطن‪ ،‬وكان‬ ‫على حكومة الكيب تسيير دواليب حكومة بال‬ ‫دولة وال دستور وال برلمان وال شرطة وال‬ ‫جيش‪ ،‬وإدارة مصابة بالشلل الكامل والفساد‬ ‫وال تتسم ولو بشيء من كفاءة‪ ،‬ومحاصرة‬ ‫بميليشيات مسلحة ذات نزوع ديني متطرف‪،‬‬ ‫مدعومة في كثير من أطرافها من الخارج‬ ‫بالمال والسالح‪ ،‬وذات أجندة سياسية معادية‬ ‫أيديولوجيا للديمقراطية‪.‬‬ ‫انعدام الخبرات السياسية واإلدارية لرئيس‬ ‫وأعضاء الحكومة‪ ،‬كان واضحا منذ األيام‬ ‫األولى ألفراد الشعب‪ ،‬األمر الذي فتح الباب‬ ‫على مصراعيه أمام لصوص المال العام وما‬ ‫أكثرهم‪ ،‬الذين قاموا باستخدام مهاراتهم في‬ ‫القضاء على مئات الماليين من الدنانير من‬ ‫أموال الشعب‪ ،‬ثم سرعان ما بدأت رائحة‬ ‫الفضائح المالية تنتشر‪ ،‬وبدأ الليبيون يتناقلون‬ ‫األخبار شرقا وغربا وشماال وجنوبا عما‬ ‫يدور‪ ،‬ويحدث من فضائح‪ ،‬وبدأت فئة جديدة‬ ‫تطفو كالدمل على جلد المجتمع الليبي‪ ،‬ممثلة‬ ‫فيما صار يعرف بـ «أغنياء الحرب»‪ .‬وتوقع‬ ‫الليبيون أن تبدأ الحكومة في برنامج وطني‬ ‫إلعادة األعمار‪ ،‬وخاصة في المدن المنكوبة‪،‬‬ ‫وبرامج تدريب وتعليم للشباب‪ ،‬وبرامج صحية‬ ‫لتأهيل المعاقين من جراء الحرب‪ ،‬إال أن ذلك‬ ‫ظل مجرد توقع‪ ،‬ألن الحكومة كانت في حقيقة‬ ‫األمر غير قادرة على التحرك في أي أتجاه من‬ ‫شدة الخوف‪ ،‬ألنها كانت كمن دخل سهواً حقل‬ ‫الغام من دون علم‪ ،‬ولما أكتشف ذلك فيما بعد‬ ‫أصيب بصدمة‪ ،‬مدركا عدم قدرته على السير‬ ‫في أي اتجاه‪.‬‬ ‫صدمة االستقالل الثانية كانت أقوى وأشد‬ ‫من صدمة االستقالل األولى‪ ،‬وخاصة على‬ ‫أفراد الشعب‪ ،‬الذين كانوا يعتقدون أن مجرد‬ ‫إزاحة القذافي كفيل بإعادة األمور إلى ما كانت‬ ‫عليه قبل سبتمبر (أيلول) ‪ ،1969‬ونسوا أن‬ ‫القذافي لم يكن حاكما مستبدا فقط‪ ،‬بل كان‬ ‫نظاما سياسيا استمر ألكثر من أربعين عاما‪،‬‬ ‫وأن عليهم التعامل بصبر الجتثاث ما زرعه‬ ‫من ثقافة وقيم‪ ،‬إلحاللها بثقافة وطنية بديلة‪،‬‬ ‫وبقيم تنتمي للوطن‪ ،‬وتعترف ألفراده بحقوق‬ ‫وواجبات المواطنة‪ ،‬وتنتصر للديمقراطية‬ ‫وتدافع عن حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫تعتبر االنتخابات التي جرت في الـ‪ 7‬من يوليو‬ ‫(تموز) عام ‪ 2012‬النتخاب مائتي عضو‬ ‫يكونون أعضاء المؤتمر الوطني العام‪ ،‬محطة‬ ‫إيجابية مهمة وتاريخية في تاريخ ليبيا السياسي‬ ‫المعاصر لألسباب التالية‪ :‬إنها أول انتخابات‬ ‫برلمانية تجرى في ليبيا منذ عام ‪ .1965‬تمت‬ ‫بإشراف دولي‪ ،‬واتسمت بالنزاهة‪ ،‬وشهدت‬ ‫إقباال شعبيا هائال‪ .‬شهدت مشاركة إيجابية من‬ ‫المرأة الليبية‬ ‫على عكس التجربة االنتخابية في دولتي‬ ‫«الربيع العربي» األخريين تونس ومصر‪،‬‬ ‫فشلت األحزاب اإلسالمية في الحصول على‬ ‫ثقة الناخب الليبي‪ ،‬وحظي تحالف القوى‬ ‫الوطنية بأعلى نسبة من األصوات وصلت‬ ‫نسبتها حوالي ‪ 40‬في المائة‪.‬‬ ‫فرحة الليبيين خاصة والعالم بشكل عام‪ ،‬بفشل‬ ‫اإلسالميين في االنتخابات لم تطل طويال‪ ،‬ألن‬ ‫تكوين المؤتمر الوطني العام‪ ،‬كان قائما على أن‬ ‫يكون أعضاؤه من المنتخبين وفق القوائم الحزبية‪،‬‬ ‫ال يتجاوز ‪ 80‬عضوا والبقية ‪ 120‬عضوا من‬ ‫المستقلين‪ ،‬ونظرا ألن ما صاروا يعرفون‬ ‫بالمستقلين‪ ،‬لم يكونوا حقيقة مستقلين‪ ،‬فقد تغير‬ ‫تكوين المجلس لدى انعقاده ألول مرة‪ ،‬وتحالف‬ ‫اإلسالميون مع حزب جبهة اإلنقاذ الوطني‬ ‫وحزب تحالف الوطن‪ ،‬مع حلفائهم واتباعهم من‬ ‫المستقلين على الفوز برئاسة المؤتمر والتحكم‬ ‫في أجندته‪ ،‬وترشيح رئيس وزراء جديد هو‬ ‫الدكتور مصطفى أبو شاقور على حساب مرشح‬ ‫تحالف القوى الوطنية الدكتور محمود جبريل‪،‬‬ ‫حيث فاز مرشح اليمين بفارق صوتين‪ ،‬وحين‬ ‫تقدم للمؤتمر بتشكيلة حكومته الجديدة لنيل ثقة‬ ‫المؤتمر‪ ،‬فشل في ذلك‪ ،‬وكان لزاما على أعضاء‬ ‫المؤتمر الدخول في جولة جديدة الختيار مرشح‬

‫اال�ستقالل الأول‪ ،‬كان‬ ‫�أقرب ما يكون �إىل‬ ‫ال�صدمة‪ ،‬و�أ�شبه ما يكون‬ ‫بهدية �سامة تقدم �إىل‬ ‫طفل حديث الوالدة‪ ،‬على‬ ‫�أمل �أن يلهو بها قليال‬ ‫قبل �أن تق�ضي عليه‬

‫لرئاسة الحكومة‪ ،‬وفي هذه المرة تمكن التحالف‬ ‫الوطني من عقد تحالف مع حزب الحرية‬ ‫والعدالة (اإلخوان المسلمون) وبذلك وصل‬ ‫علي زيدان لرئاسة الحكومة‪ ،‬وتمكن من تشكيل‬ ‫حكومته‪ ،‬والحصول على ثقة أعضاء المؤتمر‬ ‫الوطني العام‪.‬‬ ‫الغريب أن الحكومة الحالية لم تتمكن حتى وقتنا‬ ‫هذا من وضع الحصان أمام العربة‪ ،‬والتحرك‬ ‫بالبالد إلى األمام‪ ،‬ذلك راجع لعدم رغبة بعض‬ ‫الميليشيات اإلسالمية المسلحة في تسليم سالحها‪،‬‬ ‫ولرفضها المتواصل والعنيد لرغبة الحكومة‬ ‫الساعية إلى تأسيس جيش وطني وجهاز أمني‬ ‫وطني‪ ،‬إضافة إلى ذلك فقدان التعاون والتنسيق‬ ‫بين الجهاز التشريعي ممثال في المؤتمر الوطني‬ ‫العام ورئيسه الدكتور محمد يوسف المقريف‪،‬‬ ‫والجهاز التنفيذي ممثال في الحكومة ورئيسها‬ ‫علي زيدان‪ ،‬مما أربك الحكومة الجديدة وأعاقها‬ ‫عن التحرك وتنفيذ برنامجها الوطني‪ ،‬الذي‬ ‫أعلنت عنه ووافق عليه المؤتمر الوطني العام‪،‬‬ ‫وبالتأكيد فإن اإلرباك ناجم عن عدم وجود‬ ‫خط فاصل للصالحيات المخولة لكل جهاز‪،‬‬ ‫لذلك تداخلت الصالحيات‪ ،‬وصار المواطنون‬ ‫الليبيون يسمعون بقرارات صادرة عن المؤتمر‬ ‫في مناطق تعد من اختصاص الجهة التنفيذية‬ ‫وهي الحكومة‪.‬‬ ‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬قام رئيس الحكومة زيدان‬ ‫في المدة القريبة الماضية بزيارة لدول الجوار‬ ‫مع ليبيا‪ ،‬بشأن تنسيق التعاون األمني‪ ،‬ولدى‬ ‫رجوعه إلى ليبيا فؤجئ بمصادقة أعضاء‬ ‫المؤتمر الوطني العام على قرار بغلق الحدود‬ ‫الجنوبية لليبيا‪ ،‬واعتبار المنطقة الجنوبية منطقة‬ ‫عسكرية من دون أي تنسيق أو تشاور مسبق‬ ‫معه‪ ،‬أو مع أي عضو من أعضاء حكومته‪،‬‬ ‫حتى من باب المجاملة والعلم بالشيء!‬

‫آمال مؤجلة‬ ‫الطريق إلى الديمقراطية في ليبيا مازال‬ ‫طويال وشائكا‪ ،‬واعتقد أن التحرك في االتجاه‬ ‫الصحيح نحوه ال يتم إال بعد أن تنجلي أثار‬ ‫صدمة التخلص من القذافي ونظامه البغيض‪،‬‬ ‫تلك الصدمة التي أذهلت ليبيا‪ ،‬وجعلت الليبيين‬ ‫يدورون في مكان واحد‪ ،‬من دون أن يتمكنوا‬ ‫من التوقف ولو قليال عن ركضهم الالهث في‬ ‫المكان نفسه‪ ،‬والتفكير معا في طريقة تتيح لهم‬ ‫تحديد خط سير واضح نحو الديمقراطية‪ ،‬إذا‬ ‫كانوا حقا ال يريدون العودة للوراء‪ ،‬والدخول‬ ‫في حمّى اإلرهاب االستبدادي‪ ،‬الذي مارسه‬ ‫نظام القذافي ضدهم طيلة العقود األربعة‬ ‫الماضية <‬


‫يف الـ ‪24‬من دي�سمرب (كانون الأول) عام ‪ ،1951‬خرجت دولة جديدة‬ ‫للوجود‪ ،‬بعد �أن �شهدت �أرا�ضيها �أهوال حرب عاملية مدمرة‪ ،‬وامت�ص‬ ‫دمها ا�ستعمار ا�ستيطاين وح�شي دام �أكرث من ثالثني عاما‪ ،‬ثم يف‬ ‫ليلة و�ضحاها حت�صلت على اال�ستقالل عرب عمليات دبلوما�سية‬ ‫و�سيا�سية دولية ماراثونية معقدة‪ ،‬و�صارت تدعى «اململكة الليبية‬ ‫املتحدة»‪ ،‬لها د�ستور وعلى ر�أ�سها ملك ب�صوجلان‪ ،‬ولديها علم ثالثي‬ ‫الألوان‪ ،‬ون�شيد وطني كتب كلماته �شاعر تون�سي‪ ،‬وو�ضع �أحلانه‬ ‫مو�سيقي م�صري‪ ،‬ويعي�ش فيها قرابة املليون ن�سمة‪ ،‬وا�سعة‬ ‫ومرتامية الأطراف‪ ،‬تبلغ م�ساحتها �أكرث مـن ‪ 1.700.000‬كيلومرت‬ ‫مربع‪� ،‬أكرث من ‪ 95‬يف املائة منها �صحراء قاحلة‪ ،‬ومتتلك �ساحال‬ ‫على البحـــر املتو�سط بطــول ‪ 1900‬كيلومتــر‪ ،‬و�صارت ع�ضوا يف‬ ‫الأمم املتحدة وبجامعة الدول العربية‪.‬‬ ‫لكنها في الـ‪ 25‬ديسمبر عام ‪ ،1952‬اليوم‬ ‫التالي مباشرة إلعالن االستقالل‪ ،‬كان على‬ ‫أول حكومة ليبية برئاسة محمود المنتصر‪،‬‬ ‫رحمه اهلل‪ ،‬تسيير دواليب الدولة الجديدة في بلد‬ ‫منهك وبائس وفقير‪ ،‬أطلق عليه في الماضي‬ ‫من شدة فقره وصف «صندوق الرمال»‪،‬‬ ‫وليس به كوادر متعلمة‪ ،‬وليس في خزائنه‬ ‫ما يكفي حتى لدفع رواتب موظفي الحكومة‪،‬‬ ‫ويستأسد فيه الجهل والمرض والدمار‪ ،‬وليس‬ ‫له من الموارد إال تصدير مخلفات الخردة من‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وما يجمعه الفقراء من‬ ‫نبات «الحلفاء»‪ ،‬المستخدم في تصنيع الورق‬ ‫الجيد المخصص لورق «البنكنوت»‪ ،‬ولكي‬ ‫تدفع الحكومة رواتب موظفيها والعاملين بها‪،‬‬ ‫وتسيّر أمورها البسيطة‪ ،‬كان لزاما عليها‬ ‫التوقيع مع الحليفين البريطاني واألميركي‬ ‫على عقود بتأجير قاعدتي العدم في طبرق‬ ‫وهويلس في ضواحي طرابلس الجويتين‪،‬‬ ‫مقابل ‪ 3‬ماليين جنيه إسترليني سنويا‪ ،‬وأن‬ ‫تعتمد على ما يصلها من مساعدات إغاثية من‬ ‫المنظمات الدولية التابعة لألمم المتحدة‪.‬‬ ‫االستقالل األول‪ ،‬كان أقرب ما يكون إلى‬ ‫الصدمة‪ ،‬وأشبه ما يكون بهدية سامة تقدم إلى‬ ‫طفل حديث الوالدة‪ ،‬على أمل أن يلهو بها قليال‬ ‫قبل أن تقضي عليه‪.‬‬ ‫الغريب أن الطفل بلع الطعم لسذاجته‪ ،‬لكن‬

‫لطف اهلل حماه من الموت مسموما‪ ،‬فعاش‬ ‫عليال نحيال إلى أن ّ‬ ‫من اهلل عليه بالشفاء بعد‬ ‫سنوات استمرت حتى عام ‪ ،1960‬وهو تقريبا‬ ‫تاريخ تصدير أول شحنة نفط من ليبيا إلى‬ ‫العالم الخارجي‪.‬‬

‫صدمة االستقالل الثانية‬ ‫هناك سؤال يفرض حضوره يتعلق بالتسمية‬ ‫«االستقالل الثاني» لليبيا‪ ،‬إذ ليس من‬ ‫المتعارف عليه أن يستقل بلد مرتين‪ ،‬ولتفسير‬ ‫ذلك أقول إنني شخصيا من ضمن فئة من‬ ‫الكتّاب والمثقفين والسياسيين الليبيين‪ ،‬الذين‬ ‫يفضلون أن يطلقوا على ما بعد الـ‪ 17‬من فبراير‬ ‫(شباط) عام ‪ 2011‬اسم أو وصف «االستقالل‬ ‫الثاني»‪ ،‬والسبب في ذلك يعود إلى أنني أعتبر‬ ‫مرحلة حكم القذافي‪ ،‬بمثابة حكم استعماري ال‬ ‫يختلف كثيرا عن سابقه االستعمار اإليطالي‪،‬‬ ‫حول الغالبية العظمى‬ ‫إن لم يكن أسوأ‪ ،‬حيث ّ‬ ‫من الليبيين إلى الجئين في وطنهم بدون‬ ‫حقوق‪ ،‬وتحولت بلدان العالم إلى مناف يعيش‬ ‫فيها الليبيون الفارون من االستبداد‪ ،‬كما كان‬ ‫يحدث أيام االحتالل اإليطالي‪.‬‬ ‫في عام ‪ 1979‬كتب القاص عبد‬ ‫شهاب‪ ،‬وكان موقوفا على ذمة قضية‬ ‫مع ‪ 14‬كاتبا وصحافيا شابا في سجن‬ ‫بطرابلس‪ ،‬وكنت من ضمنهم‪ ،‬قصة‬

‫السالم‬ ‫سياسية‬ ‫الجديّدة‬ ‫قصيرة‬

‫نسيت عنوانها‪ ،‬لكن الحدث األساسي فيها‬ ‫يدور حول عمليات الشنق العلني‪ ،‬التي نفذها‬ ‫نظام القذافي ضد المناضلين عمر دبوب‬ ‫ومحمد بن سعود في مدينة بنغازي المجاهدة‬ ‫عام ‪ ،1977‬حيث يصور الكاتب رجال عجوزاً‬ ‫وقف مفجوعا أمام الجثتين المعلقتين‪ ،‬وتساءل‬ ‫عن السبب وراء شنقهما‪ ،‬فقيل له إنهما أدينا‬ ‫بتهمة الخيانة‪ ،‬فرد بشكل عفوي «هذا ما كان‬ ‫يقوله اإليطاليون!»‪ .‬ذلك أن اإليطاليين كانوا‬ ‫يعلقون المجاهدين الليبيين في الساحات العامة‬ ‫في المشانق بتهمة الخيانة!‬

‫حقبة مظلمة‬ ‫في الـ‪ 17‬من فبراير ‪ 2011‬اشتعل فتيل الثورة‬ ‫الليبية الشعبية ضد نظام القذافي‪ ،‬ودخلت البالد‬ ‫في دوامة حرب مهلكة عرفت باسم «حرب‬ ‫التحرير»‪ ،‬وانتهت بمقتل العقيد القذافي في‬ ‫‪ 20‬أكتوبر (تشرين األول) عام ‪ ،2011‬ونهاية‬ ‫حقبة مظلمة ودامية‪ ،‬استمرت اثنين وأربعين‬ ‫عاما‪.‬‬ ‫وفي الـ‪ 23‬من أكتوبر ‪ 2011‬وقف المستشار‬ ‫مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني‬ ‫االنتقالي سابقا‪ ،‬على منصة في ميدان التحرير‬ ‫بمدينة بنغازي‪ ،‬محاطا بحشود تقدر باآلالف‬ ‫جاؤوا من كل أنحاء ليبيا‪ ،‬وأعلن بيان التحرير‪،‬‬ ‫وبذلك ظهرت ليبيا للمرة الثانية على المسرح‬ ‫الدولي بتضاريس سياسية جديدة‪ ،‬وكان على‬ ‫الحكومة الثانية التي ترأسها الدكتور عبد‬ ‫الرحيم الكيب تسيير دواليب الدولة الجديدة‪،‬‬ ‫في بلد أنهكته حرب ضارية‪ ،‬استمرت ثمانية‬ ‫أشهر‪ ،‬مات فيها أكثر من ثالثين آلف مواطن‪،‬‬ ‫وجرح فيها ضعف ذلك العدد‪ ،‬وتعرضت فيها‬ ‫مدنا كاملة للدمار أضحت مليئة بالمشردين‬ ‫واألرامل واأليتام‪ ،‬واألسوأ من ذلك‪ ،‬أنها‬ ‫صارت مرتعا خصبا للميليشيات المسلحة‬ ‫وللمتطرفين اإلسالميين‪ ،‬وبحدود مشرعة‬ ‫األبواب أمام مهربي المخدرات والبشر‬ ‫والسالح‪.‬‬

‫حكومة أكاديمية‬ ‫وعلى عكس حكومة المرحوم محمود‬ ‫المنتصر عام ‪ ،1951‬بدأت حكومة الدكتور‬ ‫الكيب عهدها بوضع أول ميزانية لليبيا‬ ‫الجديدة‪ ،‬بلغت ‪ 68‬مليار دينار ليبي‪ ،‬ووجدت‬ ‫الحكومة نفسها في مأزق أقرب ما يكون‬ ‫للصدمة‪ ،‬ذلك أن رئيس الوزراء وأعضاء‬ ‫حكومته افتقدوا للخبرة السياسية‪ ،‬ألن‬ ‫معظمهم كانوا من القطاع األكاديمي‪ ،‬ونظرا‬ ‫ألن معظمهم عاشوا في المهاجر سنوات‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪29‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫الطريق إلى الديمقراطية في ليبيا مازال طويال وشائكا‬

‫صدمة االستقالل الثانية‬

‫بقلم‪ :‬جمعة بوكليب‬

‫‪28‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬


Distinguish yourself

King’s is ranked in the top 30 universities worldwide* and based in the heart of London. With nine Schools and six Medical Research Council centres, King’s offers world-class teaching and research. Our extensive range of subjects includes humanities, law, medicine, psychiatry, dentistry, nursing, mathematics; natural, biomedical, social and management sciences. For further information, please contact Ghazi Lashab at ghazi.lashab@kcl.ac.uk *QS World University Rankings, 2011

www.kcl.ac.uk


‫شؤون سياسية‬

‫لمن السلطة اليوم‪ ،‬وما هو موقعنا منها‪ ،‬هذا هو السؤال‬ ‫الذي لم يتوقف اإلخوان عن طرحه على أنفسهم في‬ ‫كل لحظة منذ ظهرت عالمات الخور على النظام يوم‬ ‫الثامن والعشرين من يناير‪ .‬لم يبادر اإلخوان بالدعوة‬ ‫للخروج على النظام‪ ،‬ولم يشاركوا في تظاهرات‬ ‫الخامس والعشرين من يناير‪ ،‬لكنهم بعد نجاحها أخذوا‬ ‫موقف االستعداد لما قد تسفر عنه الجولة الثانية بعد‬ ‫ذلك بثالثة أيام‪ .‬يدعي اإلخوان أنهم كانوا موجودين‬ ‫طوال الوقت وإن خالف خطابهم الرسمي ذلك‪ ،‬لكن كل‬ ‫ذلك ليس مهما اآلن‪ ،‬فبالتأكيد كان اإلخوان موجودين‬ ‫وسط المتظاهرين منذ الساعات القليلة التالية النهيار‬ ‫الشرطة ونزول الجيش إلى الشوارع‪ ،‬يضعون عينا‬ ‫على الميدان وتفاعالته‪ ،‬وأخرى على السلطة ورد فعلها‬ ‫للتطور المفاجئ‪ .‬أدرك اإلخوان عمق التغير الذي حدث‬ ‫وقيمة الفرصة التي أتيحت لهم‪ ،‬لكنهم تجنبوا المغامرة‪،‬‬ ‫وواصلوا متابعة الموقف المتغير لحظة بلحظة‪ ،‬معدلين‬ ‫في خطابهم وتحركاتهم مستخدمين في ذلك ميزان دقيق‪.‬‬ ‫امتناع الجيش عن استخدام القوة إلنهاء االحتجاجات‬ ‫شجع اإلخوان بدرجة أكبر‪.‬‬ ‫امتناع النظام المترنح عن استخدام العنف ضد‬ ‫المتظاهرين ال يبقي له من بديل سوى التفاوض معهم‪،‬‬ ‫وفي التفاوض كان اإلخوان حاضرين للحصول على‬ ‫أقصى ما يستطيعون‪ .‬لعب اإلخوان لعبة مزدوجة‪،‬‬ ‫فدفعوا بشبابهم لإلبقاء على الحشد في الميدان‪ ،‬لكنهم‬ ‫تصرفوا بحذر شديد إلخفاء الوجود اإلخواني‪ .‬لقد وفرت‬ ‫الطبيعة الوطنية المعممة لالحتجاجات غطاء وطنيا‬ ‫ديمقراطيا لإلخوان‪ ،‬وهو الغطاء الذي كان ضروريا‬ ‫حتى ال يبدو األمر كما لو كانت الثورة إسالمية‪ ،‬فينفض‬ ‫عنها غيرهم‪ ،‬ويتوقف الغرب عن دعمها‪ ،‬ويستفز‬ ‫الجيش للتخلي عن موقف المراقب‪ ،‬وتتوافر لمبارك‬ ‫شرعية قمع االحتجاجات‪ .‬في نفس الوقت جلس اإلخوان‬ ‫للتفاوض مع رئيس جهاز المخابرات المعين نائبا لرئيس‬ ‫الجمهورية‪ ،‬ففازوا بمجرد جلوسهم العلني معه بشرعية‬ ‫الوجود التي طالما حرموا منها‪ .‬لكن استمرار أزمة‬ ‫النظام فتحت شهية اإلخوان للمزيد من المكاسب‪ ،‬وهو‬ ‫ما كان‪.‬‬ ‫لعبة اإلخوان المزدوجة لم يكن لها أن تنجح‪ ،‬لوال ذلك‬ ‫التنظيم المنضبط الطيع الذي لم يرب أعضاءه على طرح‬ ‫األسئلة‪ ،‬فتلقي األوامر وتنفيذها والثقة غير المحدودة في‬ ‫القيادة كان هو الشيء الوحيد المسموح به لإلخواني‬ ‫الجيد‪ ،‬األمر الذي أتاح لإلخوان التنقل من حصان إلى‬ ‫آخر‪ ،‬بل وركوب أكثر من حصان في الوقت نفسه‪،‬‬ ‫دون خشية تفسخ أو حتى تقلص في العضالت‪ .‬ركب‬ ‫اإلخوان حصان الجيش وأخرجوا المظاهرات الحاشدة‬ ‫دفاعا عنه قبل أن ينقلبوا عليه بعد ذلك‪ .‬وركبوا حصان‬ ‫تطهير المؤسسات والحفاظ عليها حسب الحاجة‪ .‬وركبوا‬ ‫حصان القانون واالستقرار والعمل المؤسسي كما‬ ‫ركبوا حصان الثورة وإجراءاتها االستثنائية‪ ،‬وركبوا‬ ‫حصان مطاردة الفلول وحصان توظيفهم بخفة وبراعة‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫كان على قادة اجلي�ش الدخول‬ ‫يف عملية تفاو�ض مع القوى‬ ‫ال�سيا�سة ال�صاعدة‪ ،‬فالتفاو�ض‬ ‫الناجح بني قوى القدمي‬ ‫واجلديد ـ ولي�س الثورة ‪ -‬هو‬ ‫الو�صفة ال�سحرية لعملية‬ ‫انتقال �سيا�سي ناجح‬ ‫واألكثر أهمية في كل هذا هو أن اإلخوان امتطوا ظهور‬ ‫الشبان الثوريين مرتين‪ ،‬مرة عندما تركوهم يقتحمون‬ ‫بابا كان مستعصيا‪ ،‬ومرة أخرى عندما طاردوهم‬ ‫ووسموهم بالبلطجة والفلولية‪.‬‬

‫مستقبل غامض‬ ‫المستقبل ليس سوى امتداد للحاضر‪ ،‬فلن يحدث شيء‬ ‫في مقبل األيام ال يوجد في الحاضر ما يسمح به ويجعله‬ ‫ممكنا‪ .‬أهم مكونات الحاضر المصري هو أن اإلخوان‬ ‫قد وضعوا أسس نظامهم السياسي‪ .‬ورغم أن نظام‬ ‫اإلخوان السياسي مازال في مرحلة البناء‪ ،‬ولم يدخل بعد‬ ‫مرحلة التعزيز‪ ،‬إال أنه ال يبدو أنه يوجد هناك في الواقع‬ ‫الراهن ما يشي بأن التسيد اإلخواني الراهن على النظام‬ ‫السياسي المصري سينتهي في وقت قريب‪.‬‬ ‫جلس اإلخوان في مقاعد السلطة‪ ،‬وللسلطة نفوذها‬ ‫وأدواتها ومواردها التي تسمح للقابض عليها بالبقاء‬ ‫فيها‪ .‬لقد نجح حكام مصر خالل عقود طويلة في احتواء‬ ‫ضغوط الحركة اإلسالمية الصاعدة باستخدام الدولة‬ ‫وأجهزتها‪ ،‬فالتنافس بين الدولة الوطنية الحديثة من‬ ‫ناحية واإلسالم السياسي من ناحية أخرى‪ ،‬كان هناك‬ ‫منذ بداية المشروع الوطني التحديثي‪ ،‬وكانت الغلبة فيه‬ ‫للدولة التحديثية‪ .‬أما اآلن وبعد أن أصبحت الدولة في‬ ‫يد جماعات اإلسالم السياسي‪ ،‬وبعد أن أصبحت هذه‬ ‫الجماعات قادرة على توظيف كل من الدولة والدين‬ ‫لتعزيز حكمها‪ ،‬فإنه لم يبق من تحد لسيطرة اإلسالميين‬ ‫سوى مقاومة القوى السياسية المعارضة‪ ،‬وهي قوى ال‬ ‫يستهان بها لديها مؤيدون مخلصون يمثلون حوالي ثلث‬ ‫الناخبين‪ ،‬إال أن القدر من التأييد الذي تتمتع به قوى‬ ‫المعارضة الوطنية يتيح لها أن تعمل على تحسين شروط‬ ‫الحكم اإلخواني‪ ،‬لكنه ال يسمح لها بإنهائه قريبا عبر‬ ‫صناديق االنتخاب أو بأي أساليب بديلة أخرى ‪.‬‬ ‫يبدو أن قادة المعارضة قد أدركوا هذه الحقيقة‪ ،‬خاصة‬ ‫بعد معركة االستفتاء على الدستور التي تكتلت فيها‬ ‫المعارضة بكافة أطيافها ألول مرة تحت راية جبهة‬ ‫اإلنقاذ الوطني‪ .‬غير أن قادة المعارضة مازالوا غير‬

‫قادرين على تحويل هذا اإلدراك إلى خطط عمل فعالة‬ ‫تناسب الحالة‪ .‬مشكالت المعارضة الوطنية كثيرة‪ ،‬فتعدد‬ ‫تنظيماتها واختالف منابعها االيديولوجية والسياسية يحد‬ ‫من قدرتها على التصرف ككتلة موحدة قادرة على‬ ‫تحويل مواردها السياسية إلى نفوذ مواز‪.‬‬ ‫غير أن المشكلة األهم التي تواجه المعارضة هي أن‬ ‫جماعات الشباب شديد الحيوية والنشاط التي تمثل‬ ‫الذراع الفعالة للمعارضة في تنظيم االحتجاجات‬ ‫والوصول برسالة المعارضة إلى الجماهير الواسعة‪،‬‬ ‫مازالت بعيدة عن قبول هذه الحقيقة وتمثلها‪ ،‬بل إنها‬ ‫قد تعتبر القول بها فعل من أفعال الخيانة وتثبيط الهمم‪.‬‬ ‫مشكلة القطاعات الشبابية هذه هي أن الثورة ضد نظام‬ ‫مبارك تمثل المكون السياسي األهم واألبرز في الخبرة‬ ‫السياسية لشباب ليس لديه سوى القليل بخالف هذه‬ ‫الخبرة‪ .‬لقد نجحت ثورة الشباب على مبارك‪ ،‬وال يرى‬ ‫الشباب من سبب يقنعهم بأن الثورة التي صلحت مع‬ ‫مبارك ال تصلح مع اإلخوان‪ ،‬فاألخيرون لديهم الدين‬ ‫وتنظيم منضبط يتربى أعضاؤه على شعار «الموت في‬ ‫سبيل اهلل أسمى أمانينا»‪ ،‬وكلها موارد لم تكن متاحة‬ ‫لمبارك الذي حكم ثالثين عاما بأدوات البيروقراطية‬ ‫الباردة معدومة الحماس‪.‬‬ ‫الخيارات المتاحة أمام المعارضة المصرية كلها صعبة‬ ‫ومحفوفة بالمخاطر‪ .‬فالتصرف على أساس أن مصر‬ ‫قد دخلت ولفترة طويلة قادمة‪ ،‬مرحلة حكم اإلخوان‬ ‫المسلمين‪ ،‬يعني القبول بدور المعارضة ضمن النظام‪،‬‬ ‫وهو دور يساهم في إضفاء الشرعية على النظام الجديد‬ ‫حتى وهو يعارضه‪ .‬االختيار البديل المتاح للمعارضة‬ ‫هو رفض القبول بالحقائق الجديدة‪ ،‬ومواصلة معارضة‬ ‫الحكم اإلخواني بال هوادة‪ ،‬وهو مسار من التصعيد ال‬ ‫يعرف سقفا‪ ،‬ويغامر بأخذ البالد إلى مصائر مجهولة تبدأ‬ ‫بإثارة حنق عموم الناس الذين ضاقت بهم سبل الحياة‬ ‫على معارضة تتسبب في انهيار االقتصاد والخدمات‪،‬‬ ‫مرورا بدخول البالد إلى حالة من الصراع األهلي‬ ‫العنيف والممتدة حتى تنكسر إرادة أحد أطراف صراع‬ ‫اإلرادات المفتوح هذا‪ ،‬وصوال إلى عودة الجيش للجلوس‬ ‫خلف عجلة القيادة‪ ،‬فاتحا الباب أمام سيناريو جزائري‬ ‫الطابع‪ ،‬ومحرضا الشبان الثوريين لكي ينزلوا للشوارع‪،‬‬ ‫هاتفين من جديد “يسقط حكم العسكر”‪ .‬كما ذكرت سابقا‬ ‫في هذا المقال‪ ،‬فإن مصر الثورة اختارت طريقا وسطا‬ ‫بين أسوأ االحتماالت وأفضلها‪ ،‬وهو طريق ال يؤدي إلى‬ ‫الكارثة وال يسمح باالنطالق‪ .‬مشكالت مصر الكثيرة‬ ‫بسكانها «الوالدين»‪ ،‬ومواردها المحدودة‪ ،‬ونخبها‬ ‫المنقسمة‪ ،‬وجهازها اإلداري المترهل‪ ،‬واعتمادها‬ ‫المفرط على الخارج‪ ،‬ليس لها حلول سهلة أو قريبة‪،‬‬ ‫وال مخرج للمصريين من هذا المأزق‪ ،‬سوى باتفاق بين‬ ‫النخب السياسية المتناحرة يكون فيه هذا االتفاق تعويضا‬ ‫عن نقص الموارد وانكشاف األمن والتبعية أما وقد فشل‬ ‫المصريون في تحقيق التوافق‪ ،‬فمستقبلهم يشي بحالة‬ ‫ممتدة من عدم االستقرار السياسي‪ ،‬والتنمية المتلكئة‪،‬‬ ‫والتبعية المقيتة <‬


‫للقوات المسلحة الذي كنا نتمنى لو سلك هذا المسلك‬ ‫ليس هو المجلس العسكري الذي رأيناه مهزوزا ومهانا‬ ‫في منذ خريف ‪ ،2011‬عندما بدأ المحتجون يهتفون‬ ‫بسقوطه‪ ،‬وعندما أدى سقوط الضحايا برصاص الجيش‬ ‫والشرطة في الفترة أكتوبر (تشرين األول) ‪ -‬ديسمبر‬ ‫(كانون األول) ‪ 2011‬في ماسبيرو ومحمد محمود‬ ‫ومجلس الوزراء إلى تدهور شعبية المجلس العسكري‪،‬‬ ‫وإلى إخراس األصوات المطالبة بدور للجيش في مرحلة‬ ‫االنتقال وفيما وراءها‪ .‬المجلس األعلى للقوات المسلحة‬ ‫الذي نتحدث عنه ليس هو المجلس الذي قام الرئيس‬ ‫المنتخب محمد مرسي بإخراجه من المشهد السياسي‬ ‫بسهولة بالغة‪ ،‬عبر إصدار إعالن دستوري جديد‪،‬‬ ‫يلغي المجلس ودوره‪ ،‬ويحيل قادته للتقاعد‪ ،‬ويضع‬ ‫سلطة التشريع في يد رئيس الجمهورية‪ ،‬بعد أن بقيت‬ ‫في يد المجلس األعلى للقوات المسلحة طوال الشهرين‬ ‫الفاصلين بين حل مجلس الشعب وحل المجلس األعلى‬ ‫للقوات المسلحة‪ .‬فالمجلس العسكري الذي كان له أن ينفذ‬ ‫هذه االستراتيجية هو ذلك المجلس العسكري الذي هتف‬ ‫الناس له يوم الحادي عشر من فبراير (شباط) عندما‬ ‫تنحى مبارك عن الحكم تحت ضغط الجيش‪ .‬لقد تصدر‬ ‫الجيش المشهد السياسي طوال الفترة التالية‪ ،‬متمتعا‬ ‫بشرعية وتأييد شعبي لم يتمتع به طرف آخر في البالد‪.‬‬ ‫وقتها كان اإلخوان المسلمون مازالوا مترددين في إعالن‬ ‫هويتهم والمباهاة بقوتهم‪ ،‬وكانت “الثورة” هي المنافس‬ ‫الوحيد للمجلس العسكري في المكانة والشرعية‪ ،‬لكن‬ ‫الثورة كانت بال قيادة‪ ،‬ولم يكن ألحد بعينه أن يدعي‬ ‫ملكيتها‪ ،‬فكانت شرعيتها كماء عذب غزير تم صبه فوق‬ ‫رمال الصحراء‪ ،‬فراح يختفي بين حبيبات الرمل رويدا‬ ‫رويدا‪.‬‬ ‫لقد ضاعت الفرصة للبدء بداية جديدة عندما اختار‬ ‫الجيش استراتيجية المناورة واالنفراد‪ ،‬متصورا القدرة‬ ‫على التالعب بأطراف العملية السياسية‪ ،‬واختيار‬ ‫الحلفاء وتبديلهم حسب تطورات الموقف‪ ،‬فكان اإلخوان‬ ‫المسلمون أول الحلفاء الذي اختارهم‪ ،‬لكنه بمجرد‬ ‫اختيارهم قطع على نفسه طريق االختيارات البديلة‪،‬‬ ‫ووجد نفسه متورطا في مسار لم يمكنه الرجوع عنه‬ ‫حتى بعد أن اكتشف مخاطره‪.‬‬ ‫الشبان الثوريون هم الفاعل الثاني الذي ظل يتلهى‬ ‫باألالعيب الصغيرة‪ ،‬فيما كان الوطن يمر بواحدة من‬ ‫أدق مراحل تاريخه الحديث‪ .‬نظم الشبان مظاهرات‬ ‫احتجاج فوجدوا اآلالف يلتحقون بهم‪ .‬في الخامس‬ ‫والعشرين من يناير توقع الشباب مظاهرة احتجاج تضم‬ ‫ثالثة آالف من المتظاهرين‪ ،‬وهو عدد كبير بالمقارنة‬ ‫باالحتجاجات التي كانت تشهدها البالد بشكل متواتر منذ‬ ‫عام ‪ ،2004‬فانضم لهم أضعاف ذلك العدد‪ .‬تونس كانت‬ ‫هي كلمة السر التي دفعت باآلالف من المتظاهرين إلى‬ ‫احتجاجات الشوارع‪ .‬ثورة تونس هي أول دليل في العالم‬ ‫العربي على نجاعة االحتجاجات السلمية في إسقاط النظم‬ ‫االستبدادية‪ .‬نجاح التونسيين أقنع الكثيرون بأن مطالب‬ ‫الحد األقصى ليست خالية تماما من الواقعية‪ .‬كان في‬

‫األمر كثير من السياسة وبعض من الغيرة والمنافسة مع‬ ‫تونس‪ .‬إنه األثر االنتشاري العابر لحدود بالد العرب‬ ‫الذي كان في الماضي والذي سوف يظل في المستقبل‪.‬‬ ‫تنافس البلدان في مسابقات الكرة األفريقية دفع بجمهور‬ ‫الكرة المعروف بـ”األلتراس” لالنضمام لالحتجاجات‪.‬‬ ‫بعض المحتجين كانوا يريدون تسجيل احتجاج قوي‬ ‫ضد النظام‪ ،‬وبعضهم اآلخر كان يريد منافسة تونس في‬ ‫ساحات السياسة كما في ساحات الكرة‪ ،‬وقليلون كانوا‬ ‫يريدون إسقاط النظام فعال‪ ،‬والجميع كانت لديه أسباب‬ ‫لالحتجاج ضد الشرطة‪ ،‬فكان اختيار يوم عيدها موعدا‬ ‫لبدء االحتجاجات‪.‬‬

‫قائمة طويلة ألسئلة بال أجوبة‬ ‫حقق الشبان الثوريون ما لم يتوقعوا تحقيقه‪ ،‬وما لم يسع‬ ‫أغلبهم له‪ .‬وألن سقوط النظام فاجأ الشبان الثوريين كما‬ ‫فاجأ الجميع‪ ،‬فإن القائمة الطويلة لألسئلة التي يطرحها‬ ‫تغيير النظام كانت بال أجوبة لدى هؤالء الشبان‪،‬‬ ‫إذ لم تكن لديهم أهداف محددة لمرحلة ما بعد سقوط‬ ‫النظام‪ ،‬كما لم يكن لديهم تصور حول كيفية التعامل مع‬ ‫المجلس األعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة البالد‬ ‫بعد سقوط مبارك‪ ،‬وال كانت لديهم خطة تحرك تسمح‬ ‫لهم بالتوظيف الفعال الحتجاجات الشارع التي أتقنوها‬ ‫وحدها من بين كل أساليب العمل السياسي‪ .‬لم يكن لدى‬ ‫الشبان الثوريين أي من هذا‪ ،‬فتهربوا من اإلجابة عن‬ ‫أي من هذه األسئلة‪ ،‬واعتمدوا على فطرتهم الثورية‬ ‫المتمردة‪ ،‬وعملوا وفقا للقاعدة السلفية الشهيرة “نصلح‬ ‫بما صلح به حال األولين”‪ ،‬فاعتمدوا أساليب االحتشاد‬ ‫التي جربوها جيدا تكتيكا وحيدا لدرجة االبتذال‪ ،‬وقاوموا‬ ‫االنتقال لمرحلة السياسات المؤسسية‪ ،‬وسعوا إلطالة‬ ‫هذه المرحلة قدر استطاعتهم رافعين شعارات الثورة‬ ‫المستمرة‪ .‬لقد اصطنع الشبان الثوريون ألنفسهم أهدافا‬ ‫غائمة غير قابلة للتحقيق‪ ،‬لكنها استمدت سطوتها من‬ ‫مناسبتها للحالة المزاجية والنفسية التي وجد الشبان‬

‫لقد �أدت الطريقة التي متت‬ ‫بها �إدارة املرحلة االنتقالية �إىل‬ ‫جتنيب م�صر بع�ضا من �أ�سو�أ‬ ‫ال�سيناريوهات‪ ،‬لكن الطريقة‬ ‫نف�سها �أدت �أي�ضا �إىل تفويت‬ ‫الفر�صة للفوز ب�أف�ضل االحتماالت‪،‬‬ ‫فانتهت م�صر الختيار بديل ما‬ ‫يقع يف منت�صف امل�سافة بني‬ ‫�أ�سو أ� االحتماالت و�أف�ضلها‬

‫أنفسهم عليها‪ .‬استكمال أهداف الثورة كان هو أشهر هذه‬ ‫األهداف‪ ،‬مع أن هذه األهداف المفترضة لم تكن أكثر‬ ‫من هتاف صكه البعض حول الخبز والحرية والعدالة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وكلها كلمات فضفاضة يختلف الناس في‬ ‫معانيها المحددة‪ ،‬ناهيك عن أساليب تحقيقها‪.‬‬ ‫كان هناك أيضا الهدف الخاص بحق الشهداء‪ ،‬والقصاص‬ ‫لهم‪ ،‬وهو الهدف الذي لخصه الهتاف الشهير “يجيب‬ ‫حقهم ينموت زيهم»‪ ،‬وهو الهدف الذي تم إعطاؤه معاني‬ ‫عديدة‪ ،‬بدءا من التعويضات المالية والمنافع يحصل‬ ‫عليها ذووهم‪ ،‬وانتهاء باالنتقام ممن أزهق األرواح‬ ‫الثورية‪ .‬وكان تطهير المؤسسات من الفلول هدفا غائما‬ ‫آخر ركبه كل صاحب مظلمة‪ ،‬وكل دعي طامع في‬ ‫الجلوس محل رؤسائه‪ ،‬فدخلت مؤسسات الدولة كلها‬ ‫في حالة من الفوضى وصراع المصالح الصغيرة التي‬ ‫وجدت لنفسها أخيرا أرضية أخالقية صلبة تقف عليها‪.‬‬ ‫أما الهدف الحقيقي لكل هذه الشعارات‪ ،‬فلم يكن أكثر‬ ‫من إطالة أمد التمرد‪ ،‬وتجنب مواجهة السؤال الصعب‬ ‫المتعلق بإعادة بناء النظام السياسي في مرحلة ما بعد‬ ‫مبارك‪.‬‬ ‫خلف الشبان الثوريين كان هناك رموز القوى الوطنية‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬التي أصبحت تحمل اسم القوى المدنية‪.‬‬ ‫عدد من المثقفين النشطاء وزعماء أحزاب وحركات‬ ‫صغيرة استمدوا مكانتهم من معارضة نظام مبارك‪،‬‬ ‫ومن تشابه ايديولوجي بينهم وبين الشباب الذين أطلقوا‬ ‫هذا اإلعصار‪ .‬لكنهم لم يعطوا لرموزهم المفترضين‬ ‫تفويضا غير مشروط‪ ،‬فقد كان الشبان الثوريون الذين‬ ‫يحركهم مزاج ثوري جامح‪ ،‬مستعدين لالنقالب على‬ ‫أي قامة مهما طالت إذا نطقت بما يتعارض مع حالة‬ ‫الثورة المستمرة‪ .‬األكثر من هذا هو أن هؤالء الشبان‬ ‫كانوا جماعات وزرافات تبدأ من الليبراليين وال تنتهي‬ ‫بالفوضويين‪ ،‬ففيما وراء هؤالء كان هناك فئات كبيرة‬ ‫من الهامشيين المتمردين‪ ،‬والذين شرعوا في كتابة مجلد‬ ‫الثورة المستمرة ذي األجزاء العدة قبل أن يقرؤوا كتابا‬ ‫أو حتى صحيفة قبل ذلك‪ ،‬األمر الذي زاد مهمة القيادات‬ ‫المدنية صعوبة فوق أخرى‪.‬‬ ‫الحالة كانت فريدة وسيريالية‪ ،‬فهناك رموز تتحدث‬ ‫باسم جموع متقلبة المزاج لم تعط تفويضا ألحد‪ ،‬وكان‬ ‫هناك قيادات مشغولة بضبط إيقاعها على إيقاع جمهور‬ ‫ال يعرف ألهدافه حدودا وال طريقة للتحقيق‪ ،‬وليس‬ ‫في قاموسه‪ ،‬محدود المفردات‪ ،‬مصطلح يسمى ميزان‬ ‫القوة أو المرحلية‪ ،‬وال أي كلمة أو مصطلح آخر له بهما‬ ‫صلة‪ .‬قيادات يقودها مزاج جماهيرها أكثر مما تمنحه‬ ‫هي القيادة والتوجيه‪ .‬كان هذا هو حال القوى المدنية‪،‬‬ ‫على النقيض التام من الحالة التي كان عليها اإلخوان‬ ‫المسلمون‪ .‬وسط كل هذا‪ ،‬وحدهم اإلخوان المسلمون‬ ‫كانوا يسألون األسئلة الصحيحة‪ ،‬ويطورون اإلجابة‬ ‫الممكنة عنها‪ .‬لم يتوقف اإلخوان عن طرح السؤال‬ ‫الرئيس في أي ثورة على أنفسهم‪ ،‬إنه سؤال السلطة كما‬ ‫يقول لينين‪.‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪25‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫االستقرار عبر نظام للقمع يستمد شرعيته من الدين‪ ،‬أو‬ ‫عودة النظام القديم بعد إجراء عمليات تجميل محدودة‬ ‫له‪ ،‬أو إحداث أكبر إصالح ديمقراطي ممكن في ظل‬ ‫القيود الناتجة عن االنقسامات االيديولوجية وضعف‬ ‫المؤسسات والتفاوت االجتماعي ونقص الموارد‪ .‬لقد‬ ‫أدت الطريقة التي تمت بها إدارة المرحلة االنتقالية‬ ‫إلى تجنيب مصر بعضا من أسوأ السيناريوهات‪ ،‬لكن‬ ‫الطريقة نفسها أدت أيضا إلى تفويت الفرصة للفوز‬ ‫بأفضل االحتماالت‪ ،‬فانتهت مصر‪ ،‬وكعادتها في كل‬ ‫مرة تقف فيها في مفترق طرق مشابه‪ ،‬الختيار بديل ما‬ ‫يقع في منتصف المسافة بين أسوأ االحتماالت وأفضلها‪.‬‬ ‫إحدى اآلليات الرئيسة التي وصلت بمصر إلى ما‬ ‫وصلت إليه بعد عامين من الثورة‪ ،‬هو أن عددا من‬ ‫الالعبين الرئيسيين كانوا يلهون بألعاب صغيرة فيما‬ ‫البلد يمر بمحنة كبيرة‪ .‬المجلس األعلى للقوات المسلحة‬ ‫هو أبرز الالعبين الكبار الذي تصرفوا كالصغار‪ .‬فقد‬ ‫تصور قادة المجلس أن األمر كله ال يزيد عن كونه‬ ‫زوبعة يمكن احتواؤها وتوظيفها لصالحهم‪ .‬كان لقادة‬ ‫الجيش مشكلتان مع نظام مبارك في أعوامه األخيرة‪.‬‬ ‫المشكلة األولى تعلقت بمشروع توريث الحكم البنه‬ ‫جمال‪ ،‬وهو المشروع الذي تركه مبارك ينمو منتجا‬ ‫آثارا شديدة السلبية على نظامه‪ ،‬دون أن يؤكدها أو ينفيها‬ ‫أو يعمل على احتواء آثاره المدمرة‪ .‬أما المشكلة الثانية‬ ‫فتتعلق بتهميش دور الدولة لصالح القطاع الخاص‪،‬‬ ‫وكانت مشاعر العسكريين السلبية تجاه هذا التطور‬ ‫شبيهة بالمشاعر التي سادت في أوساط البيروقراطية‬ ‫المصرية بصفة عامة‪.‬‬ ‫وبينما كان موقف العسكريين من قضية التوريث مفهوما‬ ‫ومحددا‪ ،‬لما يمثله ذلك من خروج عن تقاليد الجمهورية‬ ‫العسكرية القائمة منذ زمن جمال عبد الناصر‪ ،‬فإن‬ ‫موقفهم من زيادة دور القطاع الخاص كان يشوبه‬ ‫الغموض‪ ،‬فالعسكريون بمصالحهم االقتصادية المتنامية‬ ‫كانوا من ضمن المستفيدين من هذا التحول الذي مكنهم‬ ‫من امتالك مشروعات اقتصادية ناجحة تعمل وفقا‬ ‫لقواعد اقتصاد السوق‪ ،‬فيما تستفيد من الموارد المجانية‬ ‫الواقعة في نطاق سيطرة الجيش دون أن يستطيع أحد‬ ‫إخضاعه للمساءلة أو رفع راية التحدي‪ .‬ولعل أكثر ما‬ ‫أزعج الجيش في هذا المجال هو زيادة الدور السياسي‬ ‫لرجال أعمال بارزين‪ ،‬األمر الذي أتي لنخبة الحكم‬ ‫ودهاليز السياسة بالعبين لهم ثقافة وقيم تختلف عن تلك‬ ‫السائدة في أوساط العسكرية والبيروقراطية المصرية‪،‬‬ ‫وهي األمور التي يمكن لها أن تؤدي إلى إشاعة الشعور‬ ‫باالغتراب لدى عسكريين كانوا تدريجيا يجدون نفسهم‬ ‫مضطرين للتعامل مع قيادات سياسية تختلف عنهم‬ ‫وعمن اعتادوا على التعامل معهم بالقرب من قمة الحكم‪.‬‬ ‫اختار الجيش التخلي عن مبارك‪ ،‬فوقف األخير مجردا‬ ‫من دعم مؤسساته المسلحة‪ ،‬بعد أن انهارت الشرطة‬ ‫يوم الثامن والعشرين من يناير‪ .‬واجه مبارك مصيره‬ ‫المحتوم‪ ،‬وتولى المجلس األعلى للقوات المسلحة قيادة‬ ‫‪24‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫امل�ستقبل لي�س �سوى امتداد‬ ‫للحا�ضر‪ ،‬فلن يحدث �شيء يف‬ ‫مقبل الأيام ال يوجد يف احلا�ضر‬ ‫ما ي�سمح به ويجعله ممكنا‪ .‬ال‬ ‫يبدو �أنه يوجد هناك يف الواقع‬ ‫الراهن ما ي�شي ب�أن الت�سيد‬ ‫الإخواين الراهن على النظام‬ ‫ال�سيا�سي امل�صري �سينتهي يف‬ ‫وقت قريب‬ ‫المرحلة االنتقالية‪ ،‬فارتكب كل الخطايا التي أوصلته‬ ‫وأوصلت البالد معه إلى حيث لم يكن يريد أن يصل‪.‬‬ ‫ما حدث في مصر في تلك األيام الثمانية عشر كان كبيرا‬ ‫وهائال‪ ،‬فإسقاط النظام عبر العمل الشعبي المباشر لم‬ ‫يكن باألمر المسبوق في منطقتنا قبل ثورات “الربيع‬ ‫العربي” وال كان باألمر الذي يمكن احتواؤه عبر‬ ‫مناورات العسكر محدودي الخبرة السياسية‪ .‬الخطأ‬ ‫األساسي الذي وقع فيه العسكر هو تبنيهم لتشخيص‬ ‫غير صحيح لطبيعة الموقف‪ ،‬وما رتبوه على ذلك من‬ ‫تكتيكات للتعامل معه‪.‬‬ ‫فالتشخيص السليم للموقف كان يقتضي القبول بأن‬ ‫مبارك ونظامه قد سقطا بال رجعة‪ ،‬وأن المهمة المباشرة‬ ‫هي بناء نظام سياسي جديد بمشاركة القوى السياسية‬ ‫التي فتحت الثورة الباب لصعودها‪ ،‬بما فيها من قوى‬ ‫إسالمية ووطنية مدنية‪ ،‬وأن مبادرة الجيش بقيادة عملية‬ ‫بناء النظام الجديد بالتعاون مع هذه القوى هو أكثر‬ ‫البدائل أمنا للحفاظ على هوية الدولة وحماية نسيجها‬ ‫االجتماعي وأمنها الوطني‪ ،‬وأن مصالح المؤسسة‬ ‫العسكرية وجزءا مهما من مصالح الطبقات والفئات‬ ‫التي تسيدت في ظل النظام القديم‪ ،‬يمكن حمايتها فقط في‬ ‫ظل ترتيب كهذا‪ .‬وباختصار‪ ،‬فإنه كان على قادة الجيش‬ ‫الدخول في عملية تفاوض مع القوى السياسة الصاعدة‪،‬‬ ‫والتي لم يتح تالحق األحداث والكسل الذهني للرئيس‬ ‫السابق الدخول فيها‪ .‬فالتفاوض الناجح بين قوى القديم‬ ‫والجديد ـ وليس الثورة ‪ -‬هو الوصفة السحرية لعملية‬ ‫انتقال سياسي ناجح‪.‬‬ ‫رفض العسكر القبول بحقيقة سقوط النظام‪ ،‬وظنوا أن‬ ‫مبارك وحده هو الذي سقط‪ ،‬وأنه سيكون من الممكن‬ ‫الحفاظ على النظام عبر بعض اإلجراءات اإلصالحية‬ ‫المحدودة التي تستهدف قبل كل شيء تبريد الشارع‬ ‫الملتهب‪ ،‬حتى يمكن إعادة األوضاع إلى حالة قريبة مما‬ ‫كانت عليه قبل االحتجاجات‪ .‬وألن العسكر كانوا يمثلون‬

‫أهم القوى الباقية من قوى النظام القديم‪ ،‬فقد ظنوا أن‬ ‫انفرادهم بالسلطة في هذه المرحلة هو الضمانة لإلبقاء‬ ‫على النظام بعد التضحية برئيسه‪.‬‬ ‫الفارق بين التشخيصين كبير‪ ،‬والتكتيكات المترتبة على‬ ‫كل منهما تختلف عن األخرى‪ ،‬ففيما كان للجيش أن يقود‬ ‫عملية انتقال منظمة واضحة المعالم تقوم على العمل بين‬ ‫شركاء ـ ولو غير متساوين‪ -‬يعملون في إطار مؤسسي‬ ‫ملزم يتم خلقه لهذا الغرض‪ ،‬اختار العسكريون القيادة‬ ‫المنفردة لعملية انتقال غبر منظمة بال أطر مؤسسية‪،‬‬ ‫متصورين أن هذا الترتيب يضمن لهم الحد األقصى‬ ‫من حرية الحركة إزاء قوى سياسية صاعدة ال يقبل‬ ‫العسكريون بها كشركاء‪ .‬تهرب العسكريون من بناء‬ ‫المؤسسات‪ ،‬فيما هذا هو الميدان األهم الذي يبرعون في‬ ‫العمل في إطاره‪ ،‬ولم يدركوا أن الترتيب غير المؤسسي‬ ‫يتيح لخصومهم من الحرية قدرا مساويا لما يتيحه لهم‪،‬‬ ‫وأن إهمال بناء المؤسسات الجديدة للشراكة السياسية‬ ‫يتيح استمرار سياسات الشارع الثورية‪ ،‬وهو الميدان‬ ‫الذي ال يتمتع فيه العسكريون بأي ميزة نسبية إزاء‬ ‫منافسين اختبروا الشارع وآليات التعبئة والتحريض‬ ‫والتنظيم فيه‪.‬‬

‫مرحلة انتقالية بقياد العسكر‬ ‫أصر الجيش على االنفراد بقيادة المرحلة االنتقالية‪،‬‬ ‫رافضا كل األفكار التي تمر طرحها لتكوين مجلس‬ ‫رئاسي مدني يشارك الجيش إدارة مرحلة االنتقال‬ ‫والتخطيط لما بعدها‪ .‬تصور قادة الجيش أن الوضع‬ ‫الذي اختاروه يضمن لهم حرية الحركة والمناورة‬ ‫وبناء التحالفات مع من يختارونه من القوى السياسية‬ ‫المتشرذمة‪ .‬ففكرة المجلس الرئاسي المدني لم يكن لها أن‬ ‫تحقق المشاركة بين الجيش والقوى المدنية في السلطة‪،‬‬ ‫ولكن كان لها أيضا أن توفر إطارا مؤسسيا للتفاوض‬ ‫بين ممثلي القوى السياسية الرئيسية‪ ،‬كما كان له أن يتيح‬ ‫للعسكريين قيادة عملية سياسية يتم من خاللها تعزيز‬ ‫دور القوى المدنية المتشرذمة‪ ،‬واحتواء قوة اإلسالم‬ ‫السياسي‪ ،‬وعزل األجنحة األكثر تطرفا بين اإلسالميين‬ ‫والمدنيين على حد سواء‪ .‬أما غياب هكذا إطار مؤسسي‬ ‫فقد ساهم في توسيع الفجوة بين قوى لم تجلس للحوار‬ ‫فيما بينها إال عرضا‪ ،‬األمر الذي حول عملية االنتقال‬ ‫السياسي في مصر إلى ساحة للصراعات المفتوحة‬ ‫المجردة من أي آلية مؤسسية لضبط الصراعات وتحقيق‬ ‫التوافق بين القوى السياسية الرئيسية‪ ،‬خاصة الفريقين‬ ‫اإلسالمي والوطني‪.‬‬ ‫تنفيذ هذا البديل لم يكن باألمر السهل‪ ،‬فقد كان له أن‬ ‫يواجه بمقاومة من جانب أطراف تريد أن تحرر نفسها‬ ‫من التزامات قد تمنعها من الفوز بنصيب أكبر مما يسمح‬ ‫به العمل المشترك في إطار مؤسسي واحد‪ .‬غير أن‬ ‫مثل هذا المدخل كان له أن يضع األمور كلها في إطار‬ ‫مختلف تماما‪ .‬وعلينا هنا أن نتذكر أن المجلس األعلى‬


‫االحتجاجات الصغيرة المتفرقة في اليومين التاليين أبقت‬ ‫جذوة الحماسة مشتعلة‪ .‬الضحايا الذين فقدوا حياتهم في‬ ‫السويس عبقوا طقس يناير البارد برائحة الدم‪ .‬عندما‬ ‫يشتعل الغضب وتتقد الحماسة يكون للدم فعل السحر‪،‬‬ ‫إنه التعويذة التي تطلق عفاريت الثورة من الجب‪ .‬الموت‬ ‫يخلق لدى األحياء من الثائرين معضلة أخالقية ال حل‬ ‫لها إال بمواصلة ما بدؤوه‪ .‬إنه الخوف من العار يلحق‬ ‫بك إذا جبنت أن تضحي كما ضحى الشهداء‪ ،‬والخوف‬ ‫من الشعور بالذنب إن لم تأت للشهداء بآخر أمانيهم‪:‬‬ ‫سقوط النظام‪“ .‬يا نجيب حقهم يا نموت زيهم” هو‬ ‫الشعار‪ /‬الشفرة الذي لخص هذه المعضلة األخالقية‬ ‫وأحكم إغالقها فيما وراء قدرة العقل البشري على‬ ‫تفكيك الشفرات‪ .‬تحول الشهداء إلى أيقونة الثورة وأعلى‬ ‫رموزها وخيولها األخالقية والرمزية‪ ،‬فامتطاه كل من‬ ‫حيرته تعقيدات السياسة ودناءتها هربا من مواجهة‬ ‫الحقيقة‪ ،‬أو لتعويض اختالل ميزان القوة في مواجهة‬ ‫خصم متفوق يرى أن الوقت قد حان لقطف ثمار دفع‬ ‫ثمنها الشهداء‪ ،‬أو البتزاز رفيق درب اختار الحلول‬ ‫الوسط‪ ،‬التي هي جوهر السياسة الذي يتحول في زمن‬ ‫الثورة إلى فضيحة تلحق بالسائرين على دربه‪ .‬قضيت‬ ‫أغلب نهار الجمعة الثامن والعشرين من يناير متجوال‬ ‫بسيارتي في أنحاء القاهرة للتعرف على الموقف‪ .‬من‬ ‫التحرير لمدينة نصر للمعادي للدقي للعباسية‪ ،‬كانت‬ ‫حشود األمن أخذت مواقعها في الشوارع منذ الصباح‪،‬‬ ‫وكان الجميع في حالة ترقب لحدث كبير ال أحد يعرف‬ ‫كنهه وال مداه‪ ،‬وزاد قطع خدمات اإلنترنت من حدة‬ ‫الترقب والقلق‪.‬‬ ‫ما أن انتهت صالة الجمعة إال وبدأ المتظاهرون في‬ ‫التجمع‪ ،‬وبدأت الصدامات في مواقع عدة‪ ،‬انسحبت من‬ ‫الشارع عائدا إلى منزلي‪ ،‬ألني لم أجد لنفسي مكانا فيه‬ ‫على أي من ضفتيه المتصارعتين‪ .‬عدت أتابع الحدث‬ ‫على شاشة التلفاز‪ ،‬كانت أخبار احتشاد المتظاهرين‬ ‫وتزايد أعدادهم تتتابع‪ ،‬وتوالت أنباء تمكنهم من اجتياز‬ ‫حاجز أمني وراء آخر في طريقهم للجائزة الكبرى‪،‬‬ ‫ميدان التحرير‪ .‬عندما رأيت سيارة األمن تحترق فوق‬ ‫كوبري قصر النيل المؤدي مباشرة إلى الميدان‪ ،‬ورأيت‬ ‫قوات األمن تتراجع يالحقها اآلالف من المتظاهرين‪،‬‬ ‫لتصدر بعد وقت قصير قرارات رئيس الجمهورية‬ ‫باستدعاء الجيش بعد أن انهارت قوات الشرطة تحت‬ ‫ضغط المتظاهرين‪ ،‬عندها أيقنت أن النظام قد سقط‪،‬‬ ‫فصرحت بهذا لفضائية شهيرة بغير احتفال‪ ،‬فاألمر كان‬ ‫أخطر بكثير من غضب عارم لشباب أرهقه التهميش‬ ‫والفساد‪ ،‬وأكبر من أحالمهم الغضة ومن خيالهم الذي‬ ‫هزم نظام سياسي شائخ وجهاز أمنه العقيم‪ ،‬وأكبر من‬ ‫نشوة النصر التي سيطرت على الميدان الشهير‪.‬‬

‫إنهم اإلخوان‬ ‫ليلتها حادثتني ابنتي من خارج البالد في ابتهاج وشعور‬ ‫باالنتصار والزهو بما فعله أبناء جيلها وزمالء لها‪ ،‬وربما‬ ‫كان سخيفا مني أن أذكرها بأنه في اللحظة التي يحتفل فيها‬

‫عامان مرا منذ تلك الأيام‬ ‫الع�صيبة دون �أن ت�صبح‬ ‫احلياة �أقل �صعوبة �أو درامية‪.‬‬ ‫فال�صراع ال�سيا�سي على روح‬ ‫م�صر وم�ستقبلها انطلق‬ ‫و�أ�شك �أنه �سينتهي قريبا‬ ‫الشباب في الميدان‪ ،‬فإن هناك طرفا واحدا فقط يسأل‬ ‫السؤال الوحيد الصحيح في مثل هذه المواقف‪ ،‬سؤال‬ ‫السلطة‪ .‬إنهم اإلخوان المسلمون الذين كنت أراهم‬ ‫فريقا متربصا بالسلطة يترقب سقوطها في حجره‪،‬‬ ‫بعد أن أتاحت له السلطة العجوز المحرومة من خيال‬ ‫السياسة وفنونها الفرصة الحتالل المجتمع‪ .‬كانت‬ ‫نظرتي لإلخوان تختلف عن تلك النظرة الرومانتيكية‬ ‫التي سيطرت على شباب الميدان وعلى “شيوخ لكن‬ ‫ثوار” احتلوا مكانا بارزا في المجال العام‪ ،‬لكن رياح‬ ‫الثورة أخلت بتوازنهم‪ ،‬فراحوا يرددون مع القائلين‬ ‫عبارات اإلخاء في الميدان والوحدة في الدم‪ ،‬فبدا لهم‬ ‫الكل في واحد مصنوع من هيولي الجماهير معدومة‬ ‫المالمح واإليديولوجيات والهويات والبرامج واألجندات‬ ‫والقيادات‪.‬‬ ‫لم أزر التحرير إال مراقبا في أيام االحتجاج الثماني‬ ‫عشرة‪ ،‬لكنني لن أنسى أبدا المرة األولى التي زرت فيها‬ ‫الميدان بعد جمعة الغضب‪ .‬كان ذلك في فجر الثالثين‬ ‫من يناير‪ .‬كنت قد قضيت الليلة السابقة بأحد استديوهات‬ ‫وسط المدينة ضيفا على برنامج تبثه إحدى القنوات‬ ‫من على أطراف المدينة في مدينة اإلنتاج اإلعالمي‬ ‫الشهيرة‪.‬‬ ‫حظر التجوال وانقطاع السبل منعاني من الذهاب‬ ‫إلى مقر القناة في مدينة السادس من أكتوبر حيث تقع‬ ‫مدينة اإلنتاج اإلعالمي‪ ،‬فتواصلت مع القناة من أحد‬ ‫االستديوهات في منطقة ماسبيرو األكثر شهرة‪ .‬في‬ ‫اللقاء الذي بثته قناة “الحياة” على وقع هدير الدبابات‬ ‫وطلقات الرصاص وأنباء المجرمين الذين فروا من‬ ‫سجون فتحها طرف “مجهول»‪ ،‬قلت إن ما نشهده هو‬ ‫انهيار الدولة المصرية التي بناها محمد علي باشا الكبير‬ ‫قبل مائتي عام‪ ،‬كنت أعنى ما قلت وإن لم أصرح بأكثر‬ ‫من هذا‪ .‬عنيت المعنى المباشر من انهيار السلطة دون‬ ‫وجود بديل شرعي في األفق‪ .‬كما عنيت المعنى غير‬ ‫المباشر من انتهاء مائتي عام من حكم نخب تحديثية‬ ‫متعاقبة‪ ،‬لندخل في حقبة جديدة تستقر فيها السلطة في‬ ‫يد تيارات تمقت كل ما حدث في مصر طوال المائتي‬ ‫عام السابقة‪ ،‬والذي أعتبره‪ ،‬ومعي كثيرون‪ ،‬أروع‬ ‫ما حدث لمصر بعد قرون الجمود والحكم األجنبي‪.‬‬ ‫انتهى البث في ساعات الصباح األولى من يوم الثالثين‬ ‫من يناير‪ ،‬ولما كانت العودة للمنزل مستحيلة قضيت‬

‫الليلة ممدا على أريكة جلدية قصيرة في غرفة باردة‬ ‫باالستديو‪ .‬لم أحتمل االنتظار كثيرا‪ ،‬فال النوم يأتي وال‬ ‫األفكار تكف عن التدافع‪ .‬غادرت االستديو قبل آذان‬ ‫الفجر متجوال في وسط المدينة الذي لم أره منذ ظهيرة‬ ‫الثامن والعشرين من يناير‪ .‬هالني ما رأيت وما شممت‪.‬‬ ‫كانت رائحة الحريق والغاز المسيل للدموع تفوح في‬ ‫األجواء‪ ،‬وكانت سيارات الشرطة المحترقة في كل‬ ‫األركان‪ ،‬وكانت جماعات الشباب المسلح بالعصي‬ ‫والسكاكين تقف على زوايا الشوارع‪ ،‬فمشيت بينهم دون‬ ‫أن أعرف ما إذا كانوا من المجرمين الذين حررتهم‬ ‫الثورة‪ ،‬أم من األبرياء الذين هبوا لحماية بيوتهم من عتاة‬ ‫اإلجرام‪ .‬عندما تسير وحدك وسط كل هذا ال تشعر سوى‬ ‫بالرعب‪ ،‬إنها لحظة سقوط الدولة‪ ،‬وتوقع الخطر عند كل‬ ‫زاوية‪ ،‬واالعتماد الكامل على الذات من أجل الحماية‬ ‫والبقاء‪ .‬وسط كل هذا حادثتني ابنتي مرة أخرى‪ ،‬سألتني‬ ‫عن مكاني وعما أرى‪ ،‬تساقطت دموعي وأنا أصف لها‬ ‫المشهد حولي‪ .‬كانت هذه المرة األولى التي أذرف فيها‬ ‫الدمع منذ ماتت أمي‪ ،‬فياال تشابه المشاعر‪.‬‬

‫عامان من االضطراب‬ ‫عامان مرا منذ هذه األيام العصيبة دون أن تصبح الحياة‬ ‫أقل صعوبة أو درامية‪ .‬فالصراع السياسي على روح‬ ‫مصر ومستقبلها انطلق وأشك أنه سينتهي قريبا‪ .‬لم أكن‬ ‫أتوقع خيرا من وراء انهيار السلطة‪ ،‬ليس حبا فيها‪ ،‬وإنما‬ ‫لشكي في قدرة المجتمع ‪-‬الذي أظنني أعرفه جيدا‪ -‬على‬ ‫إنتاج سلطة أفضل عبر الطريق الثوري‪ ،‬ففي المجتمع‬ ‫قوى شر كثير تنتظر لحظة االنفالت حتى تنطلق‪ ،‬فإذا‬ ‫انهار السد الذي كان يمنعها من االجتياح كالفيضان‪ ،‬فإن‬ ‫أحدا لن يستطيع حبسها وراء الجدار مرة أخرى‪.‬‬ ‫هل ما وصلت إليه مصر بعد عامين من الثورة كان‬ ‫قدرا ال يمكن تجنبه؟ ال يمكن القول بذلك حتى وإن‬ ‫سارت األمور وفق فهمنا للقوى الموضوعية الفاعلة‬ ‫وتوازناتها‪ .‬فهذا الموضوعي المزعوم يترك دائما‬ ‫مساحة معتبرة الختيارات الالعبين‪ ،‬يمكنهم إذا اتخذوا‬ ‫القرار الصائب توجيه قوى المجتمع الهادرة في اتجاه‬ ‫سليم‪ ،‬لكن شيئا من هذا لم يحدث‪ ،‬فكانت محصلة عامين‬ ‫من الثورة نتاجا طبيعيا لميزان قوى اجتماعية وسياسية‬ ‫تمت صياغته عبر سنوات طويلة من فشل أهل السلطة‬ ‫في إدارة بلد همومه كبيرة‪ ،‬ومن العمل الدؤوب من‬ ‫جانب من يطرحون نفسهم بديال إسالميا يعد بالعودة إلى‬ ‫الماضي الزاهر فيما العالم يتقدم إلى مستقبل ساحر‪.‬‬ ‫الحكم النهائي على ما حدث في مصر بدءا من يوم‬ ‫الخامس والعشرين من يناير ‪ 2011‬متروك للتاريخ‪،‬‬ ‫ولكن المؤكد أن ما حدث في تلك األيام وضع مصر في‬ ‫مفترق طرق‪ ،‬فقد فتح سقوط نظام مبارك الباب لعدد من‬ ‫السيناريوهات‪/‬االحتماالت‪ ،‬بدءا من الدخول في حالة‬ ‫فوضى شاملة تستمر لسنوات طويلة مصحوبة بدرجة‬ ‫عالية من العنف‪ ،‬مرورا بتأسيس ديكتاتورية عسكرية‬ ‫تستعيد النظام واألمن‪ ،‬أو قيام حكم ديني متشدد يستعيد‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪23‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫مواطن مصري يقبل صورة للرئيس مبارك‪ ..‬مشهد تكرر أخيرا بعد قرار محكمة النقض في ‪ 13‬كانون ثان‪ /‬يناير ‪ 2013‬قبول الطعون المقدمة من الرئيس السابق وإعادة محاكمته ونجليه جمال وعالء‬

‫مستقبل غامض وتبعية مقيتة وتنمية متلكئة‬

‫مصر بعد عامني من الثورة‬ ‫بقلم‪ :‬د‪ .‬جمال عبد الجواد‬

‫ال �أذيع �سرا عندما �أقول �إنني مل �أكن من املتحم�سني لالحتجاجات‪ ،‬التي حملت فيما بعد ا�سم ثورة يناير‪.‬‬ ‫فمنذ جتمعت ح�شود ال�شباب يف ميدان التحرير يوم الثالثاء اخلام�س والع�شرين من يناير (كانون الثاين) يف‬ ‫م�شهد مل ت�شهده م�صر منذ احتالل الطالب للميدان نف�سه يف عام ‪ ،1972‬وخا�صة عندما ك�شف اليومان‬ ‫التاليان �أن ال�شباب الذين �أجربوا على �إخالء امليدان يف ال�ساعات املبكرة من �صباح ال�ساد�س والع�شرين من‬ ‫يناير غري قانعني بالر�سالة القوية التي �أر�سلوها �إىل النظام‪ ،‬و�أنهم م�صممون على ت�صعيد االحتجاجات يف‬ ‫اجلمعة التالية‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬


‫اإلنسان والكومبيوتر‬ ‫في «اجمللة»‬ ‫قبل ربع قرن‬

‫العدد ‪ 398‬لشهر سبتمبر‪/‬ايلول ‪1987‬‬ ‫بسبب التهديدات االيرانية تظهر‬ ‫مالمح حرب صامتة يمكن ان نطلق‬ ‫عليها حرب «االنابيب النفطية»‬ ‫فاملالحظ ان الدول املصدرة للنفط‬ ‫على جانبي الخليج العربي بدأت‬ ‫تعمل على االستغناء عن مضيق‬ ‫هرمز الذي تمر عبره معظم الصادرات‬ ‫النفطية الى الغرب بواسطة انابيب‬ ‫نفطية تمتد من مواقع االنتاج الى‬ ‫مواني على البحرين االحمر واالبيض‬ ‫املتوسط والى املحيط الهندي حتى‬ ‫البحر االسود‪.‬‬

‫كان ذلك قبل ربع قرن تقريبًا حني التقيت وقتها‬ ‫مصادفة في احتفال لتكريم األدباء العرب في قاعة‬ ‫في وسط مدينة لندن‪ ،‬مع األستاذ نديم نحاس‬ ‫والذي كان وقتها ضمن هيئة تحرير مجلة أسبوعية‬ ‫إسمها مجلة “املجلة” تصدر في لندن‪ .‬وبعد حديث‬ ‫جرى مع األستاذ نحاس اتفقت معه على أن أكتب‬ ‫ً‬ ‫مقاال أسبوعيًا حول الحاسبات اآللية وهو موضوع‬ ‫اختصاصي الدراسي وعملي أيضًا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وفعال بدأت الكتابة للمقال األسبوعي وملدة عام‬ ‫كامل أي ‪ 52‬عددًا وال زلت احتفظ بهذه األعداد‬ ‫حتى اآلن وكانت الكتابة مشتركة بيني وبني زميلي‬ ‫ُّ‬ ‫في الدراسة والعمل األستاذ طارق إبراهيم كل منا‬ ‫يتناول موضوعا معينا حول الحاسب اآللي وتطوره‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وكانت تنشر في املجلة‬ ‫تحت عنوان عام وهو‬ ‫(اإلنسان والكومبيوتر)‪.‬‬ ‫في أواسط عام ‪ 1988‬كانت‬ ‫الحاسبات الصغيرة (‪)PC‬‬ ‫قد مضى على ظهورها‬ ‫حوالي خمسة أعوام تقريبًا‪،‬‬ ‫أي أنها كانت حديثة العهد‬ ‫في االستخدام وخاصة‬ ‫التطبيقات العربية فيها‪.‬‬ ‫ومن املوضوعات التي‬ ‫تعر ُ‬ ‫ّ‬ ‫ضت لها طوال عام‬ ‫كامل تدور في محورها‬ ‫األساسي حول مستقبل‬ ‫هذا الجهاز الجديد العجيب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫املقاالت التي نشرت في‬ ‫العدد ‪ 163‬ولثالثة أعداد‬ ‫بعدها في ‪9/8/1989‬‬ ‫كانت بعنوان (كومبيوتر‬ ‫املستقبل) وعرضت‬ ‫التجربة اليابانية التي بدأت‬ ‫عام ‪ 1982‬وكان الباحثون‬ ‫يطلقون عليها بالجيل الخامس من الحاسبات والتي‬ ‫كانت تبشر بأن الكومبيوتر سوف يتكلم اللغة‬ ‫اإلنسانية‪ .‬وهذا املشروع كان يقع ضمن تطوير‬ ‫أنظمة ما يعرف بالذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وفعال وبعد مرور ربع قرن على تلك املقاالت‪ّ ،‬‬ ‫فإن‬ ‫ً‬ ‫الكثير منها قد تحقق فعال وقد قفزت البرامج‬ ‫والتطبيقات الحاسوبية قفزة كبيرة جدًا حتى‬ ‫ظهر تعبير العالم أصبح قرية صغيرة بحكم تطور‬

‫الحاسبات من الناحية املادية وكذلك البرمجيات‬ ‫ّ‬ ‫التطور الذي حصل بالشبكات‬ ‫املرتبطة بها ومنها‬ ‫العنكبوتية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ومن ضمن املقاالت التي نشرت كان بعضها حول‬ ‫اللغات والحاسب وكان هذا املوضوع وال يزال أحد‬ ‫همومي الشخصية وباألخص ما يتعلق منها باللغة‬ ‫العربية وتطبيقاتها الحاسوبية‪ .‬ومن الجدير بالذكر‬ ‫ّأن اللغة العربية لم تلق العناية الالزمة لتطويعها‬ ‫أو لتطويع الحاسب لقبولها وتحليلها بغية فهمها‬ ‫مقارنة مع اللغات العاملية الحية األخرى‪.‬‬ ‫ومن عناوين املقاالت األخرى (ظهور الحاسبات‬ ‫اإللكترونية ‪ -‬املايكرو‪ ،‬والبرمجة بلغة بيسك‬ ‫العربية‪ ،‬وقصص الخيال العلمي والحاسوب‪ ،‬أنظمة‬ ‫املعرفة الحديثة والحاسوب‪،‬‬ ‫ومن مخاطر التكنولوجيا‬ ‫الحديثة ‪ -‬فيروس الكومبيوتر‬ ‫الفتاك)‪ ...‬الخ من املقاالت‪.‬‬ ‫وكانت الطريقة التي تناولت‬ ‫فيها “املجلة” املقاالت‬ ‫العلمية ُت ّ‬ ‫عد طريقة دقيقة‬ ‫وهادفة‪ ،‬حيث إن الكثير من‬ ‫األخوة القراء كان متحمسًا‬ ‫للطريقة التي ُعرضت فيها‬ ‫املادة العلمية بشكل مبسط‬ ‫ومنطقي‪.‬‬ ‫ُ ِّ‬ ‫وبعد كل تلك األعوام وكأنما‬ ‫عاد الزمن بي مجددًا بعد‬ ‫ّ‬ ‫ّأن تفضل األخ العزيز د‪.‬‬ ‫رشيد ُّ‬ ‫الخيون بنشر مقالة‬ ‫في عموده األسبوعي عن‬ ‫هموم اللغة العربية والحاسب‬ ‫وكان ذلك ‪ 28‬ديسمبر‪2012 ،‬‬ ‫َّ‬ ‫وتحت عنوان (عراقي… لق َن‬ ‫َّ‬ ‫النحو َّ‬ ‫والصرف‬ ‫الكمبيوتر‬ ‫واإلعراب واإلمالء!)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حفزني لكتابة هذه الكلمات البسيطة ألتذكر‬ ‫هذا ما‬ ‫«املجلة» وتلك السنوات من عمري وأصدقاء منهم‬ ‫من مازال على قيد الحياة ومنهم من فقدناه أو‬ ‫باعدت الدنيا واملسافات بيننا‪ .‬وفي الختام ّ‬ ‫أود‬ ‫ملجلة «املجلة» االستمرار والدوام لخدمة اللغة‬ ‫العربية والتقدم العلمي‪.‬‬

‫بدأت الكتابة للمقال األسبوعي‬ ‫وملدة عام كامل أي اثنني‬ ‫وخمسون عددًا وال زلت احتفظ‬ ‫األعداد حىت اآلن‪ ..‬كانت‬ ‫بهذه ُ‬ ‫املقاالت تنشر حتت عنوان عام‬ ‫وهو (اإلنسان والكومبيوتر)‪.‬‬ ‫كانت الطريقة اليت تناولت فيها‬ ‫“اجمللة” املقاالت العلمية طريقة‬ ‫دقيقة وهادفة‪ ،‬حيث إن الكثري‬ ‫من األخوة القراء كان متحمسًا‬ ‫للطريقة اليت ُعرضت فيها املادة‬ ‫العلمية بشكل مبسط ومنطقي‬

‫عدنان عيدان‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪21‬‬


‫قصة الغالف‬

‫مجلة اجمللة‪..‬‬ ‫التعرف وأولّ‬ ‫أول ّ‬ ‫الكتابة‬

‫العدد ‪ 520‬لشهر يناير‬ ‫كانون الثاني ‪1990‬‬ ‫منذ اغسطس‪/‬آب ‪1989‬اتجه فريق من‬ ‫العلماء في رحلة استكشافية دولية‬ ‫يترأسها العالم االمريكي ويل ستيجر‬ ‫‪،‬ومن فريق العلماء عاملان سعوديان‬ ‫هما الدكتور ابراهيم عالم والدكتور‬ ‫مصطفى عمر اللذين اصبحا أول‬ ‫سعوديني ومسلمني وعربيني تطأ‬ ‫اقدامهما أرض القطب الجنوبي‬ ‫‪..‬وتنشر املجلة بهذه املناسبة صورا‬ ‫فريدة وتقريرًا خاصا عن رحلتهما‬ ‫املثيرة يوم رفعا العلم السعودي فوق‬ ‫قارة العجائب‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫كان دخول َّالدوريات محدودًا بعدن عاصمة جمهورية‬ ‫َّ‬ ‫اليمن ِّالديمقراطية الشعبية‪ ،‬حيث كنت أعمل مدرسًا‬ ‫هناك‪ ،‬ليست عدن فقط إنما معظم العواصم آنذاك‬ ‫كانت محكومة َّ‬ ‫بالرقابة‪ ،‬ما يدخل وما ال يدخل‪ ،‬ومجلة‬ ‫املجلة‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬كانت ضمن «غير الداخالت» إلى‬ ‫َّ‬ ‫عدد‬ ‫عدن‪ .‬لكن في منتصف الثمانينيات اطلعت على ٍ‬ ‫منها‪ ،‬واستغربت حينها االسم مجلة «املجلة»‪ ،‬وكأنك‬ ‫تقول «جوهر الجوهر» أو «ماء املاء»‪ ،‬حتى صار االسم‬ ‫مألوفًا‪ ،‬فعندما تقول «املجلة» يذهب البال إليها‪.‬‬ ‫كان العدد األول الذي وقع بيدي‪ ،‬واستعنت به في‬ ‫ِّ‬ ‫العراقية القديمة َّ‬ ‫الصابئة‬ ‫كتابتي وبحثي حول الديانة ِ‬ ‫املندائية‪ ،‬وما زلت احتفظ به‪ ،‬وهو املؤرخ نوفمبر‬ ‫َّ‬ ‫(تشرين الثاني) ‪ 1986‬نشر فيه تحقيق عن هذه‬ ‫َّ‬ ‫العراق‪ ،‬مع صور حديثة لشيوخ‬ ‫الطائفة ِمن داخل ِ‬ ‫ِّالديانة‪ ،‬والغطس في‬ ‫َّ‬ ‫النهر للتعميد‪ ،‬وعقد‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫الزواج‪ ،‬وذكر عددهم آنذاك‬ ‫بعشرين ألف نسمة‪.‬‬ ‫ومن حينها بقيت أبحث‬ ‫ِ‬ ‫عنها‪ ،‬وتصلني بني‬ ‫الحني واآلخر عن طريق‬ ‫املسافرين‪.‬‬ ‫كان أكثر ما تابعتها‪،‬‬ ‫في ما بعد‪ ،‬خالل حرب‬ ‫الكويت يناير (كانون‬ ‫َّ‬ ‫الثاني) ‪ ،1991‬كانت‬ ‫تنقل يوميات الحرب‬ ‫في ُّ‬ ‫الصور‪ ،‬يوم لم تكن‬ ‫الفضائيات ناشطة أو‬ ‫منتشرة‪ ،‬وال مواقع‬ ‫االنترنيت معروفة‪،‬‬ ‫وكانت صنعاء مع ِالنظام‬ ‫العراقي واملجلة تصل إلى‬ ‫ِ‬ ‫عدن‪ ،‬فعمليًا احتفظت‬ ‫السلطتني بعاصمتيهما‬ ‫ً‬ ‫كال على انفراد‪ ،‬ومعلوم‬ ‫ِّ‬ ‫لو تقدم النظام العراقي‬ ‫ودخل الكويت قبل إعالن الوحدة اليمنية ما قامت هذه‬ ‫الوحدة‪ ،‬وتلك قصة طويلة‪.‬‬ ‫احتفظت بأعداد منذ ملفات تلك الحرب‪ ،‬واللقاءات‬ ‫الخارجية األسبق عبدالله األصنج‪ ،‬الذي‬ ‫املثيرة بوزير ُ‬ ‫تعرفت عليه عن قرب في ما بعد‪ .‬أما الجولة األخرى‬ ‫التي تابعت «املجلة» فيها فكانت خالل الحرب بني عدن‬ ‫وصنعاء صيف ‪ ،1994‬وكنت بلندن‪ ،‬واحتفظت بلقاء‬ ‫ُ‬ ‫نشر فيها مع آخر أئمة اليمن بصنعاء املنصور محمد‬ ‫ِّ‬ ‫بدر آل حميد الدين (ت ‪ ،)1996‬وظهر يهتم بورد‬

‫حديقته ويحمل وريث العرش اإلمامي على كتفه‪.‬‬ ‫وكنت أعود إلى تلك امللفات بني الحني واآلخر‪ ،‬ملا فيه‬ ‫ِمن معلومات َّ‬ ‫حية ولقاءات مع القيادة ِّ‬ ‫السياسية بعدن‪،‬‬ ‫وواضح‪ ،‬كانت «املجلة» تنتصر للجنوب اليمني‪ ،‬وهذا‬ ‫ما جعلني أواضب على متابعتها‪ ،‬فآنذاك كنت مغادرًا‬ ‫عدن‪ ،‬بعد عشر إلى إحدى عشر سنة ِمن العمل‬ ‫واإلقامة فيها‪ ،‬ومعلوم ما يتركه طول املقام ِمن مودة‬ ‫مع املكان‪ ،‬وقد نفعتني عدن بتوفير العمل واألمان لي‪،‬‬ ‫وقرأت للجاحظ (ت ‪ 255‬هـ)‪ :‬كثرة املنفعة تولد املودة‪.‬‬ ‫استمرت عالقتي باملجلة عالقة قارئ متابع مللفاتها‬ ‫الثرية‪ ،‬حتى أصبحت َ ّكاتبًا فيها ألكثر ِمن عام‪ ،‬كتبت‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫فيها صفحة تراثية‪ ،‬قلبت فيها صفحات التراث‪ ،‬وفي‬ ‫َّ‬ ‫مواضيع شتى‪ ،‬االجتماعية منها والثقافية وأحيانًا‬ ‫ِّ‬ ‫السياسة‪ .‬كتبت فيها (‪ ،)2001 1999-‬أول مادة عن‬ ‫الورد وانتعاش املجالس به في‬ ‫العهد العباسي‪ ،‬وكتبت عن‬ ‫َّ‬ ‫ودورهن في‬ ‫مجتمع القهرمانات‬ ‫َّ‬ ‫القصور‪ ،‬وعن الثلج وكيفية جلبه‬ ‫ِمن أعالي الجبال واالحتفاظ به‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وصناعة الشمع واستخدامه‪،‬‬ ‫وتوزيعه كرواتب ِمن مكتب‬ ‫الوزير‪ ،‬وعن تفاحة املعتزلة‪،‬‬ ‫عندما ناقشوا مسألة الجاذبية‬ ‫وسقوط األجسام‪ ،‬وكتبت عن‬ ‫عجائب املخلوقات‪ ،‬ونكبات‬ ‫الوزراء‪ ،‬وما بني النخلة واإلنسان‬ ‫ِمن شبه وأخالق‪ ،‬كتبت عن اآلثار‬ ‫واالهتمام بها قديمًا‪ ،‬وعن الكنوز‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والسرقات األدبية‪ ،‬عن النفط‬ ‫وكيف نظر إليه القدماء بأنه مادة‬ ‫َ‬ ‫نحسة الفال‪.‬‬ ‫كان التحرير يشترط َّ‬ ‫علي إرفاق‬ ‫الصورة املناسبة مع املقال‪ ،‬الذي‬ ‫ُ‬ ‫كنت أسلمه يدًا بيد قبل أن ادخل‬ ‫عالم البريد األلكتروني‪ ،‬وقبل‬ ‫التعرف على املستر «غوغل»‪.‬‬ ‫كنت أبحث عن ُّ‬ ‫الصور في‬ ‫صفحات الكتب ثم تصويرها باأللوان‪ ،‬فاشترطوا أن‬ ‫تكون ُّ‬ ‫الصورة ملونة‪ ،‬حتى كنت في َحيرة عندما اكتب‬ ‫صفحة تراثية يصعب مطابقة صورة معها‪ .‬استمر‬ ‫ُّ‬ ‫مستأنسًا بما أكتب في الت ُراث حتى أتى يوم ِمن األيام‬ ‫وتبدل رؤساء التحرير‪ ُ ،‬فطلب مني أن أكتب قضايا‬ ‫حديثة‪ ،‬فقلت حينها ال أجيد سوى القديم وافترقنا أنا‬ ‫و»املجلة»‪ ،‬حتى عدت إليها كاتب مدونة‪.‬‬

‫استمرت عالقيت باجمللة‬ ‫عالقة قارئ متابع مللفاتها‬ ‫الثرية‪ ،‬حىت أصبحت‬ ‫كاتبًا فيها ألكثر ِمن‬ ‫عام‪ ،‬كتبت َفيها صفحة‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫تراثية‪ ،‬قلبت فيها‬ ‫رُّ‬ ‫صفحات التاث‪ ،‬ويف‬ ‫مواضيع شىت‪ ،‬االجتماعية‬ ‫َّ‬ ‫منها والثقافية وأحيانًا‬ ‫ِّ‬ ‫السياسة‬

‫ُّ‬ ‫الخيون‬ ‫رشيد‬


‫ذكريات املراهقة‬ ‫والشباب‪..‬‬ ‫واهلجرة الصعبة‬

‫العدد ‪ 295‬لشهراكتوبر‬ ‫تشرين االول ‪1985‬‬ ‫حول مايجري في السودان شماال‬ ‫وجنوبا ومايجري في الخرطوم‬ ‫وجوبا اليوم هل سيصبح السودان‬ ‫سودانني؟ وهل سيستمر السودان‬ ‫في رهانه على الديمقراطية؟ وماهو‬ ‫موقف االحزاب االسالمية والسياسية‬ ‫من االحداث الجارية؟اسئلة كثيرة‬ ‫طرحتها املجلة وانتهت الى وضع‬ ‫مالمح لثالث سيناريوهات متوقعة‬ ‫عن مستقبل السوادان‪.‬‬

‫عندما أتذكر بدايات عملي في مجلة “املجلة” قبل ‪33‬‬ ‫عامًا‪ ،‬ترافقها على الفور ذكريات الهجرة والصعوبات‬ ‫التي واجهتني للتأقلم في هذه املدينة‪ ،‬لندن‪ ،‬التي لم‬ ‫يخطر لي يومًا‪ ،‬خالل مراهقتي وبدايات شبابي‪ ،‬أنني‬ ‫سأقضي معظم سنوات عمري فيها‪.‬‬ ‫بهذا املعنى كانت “املجلة” بمثابة رفيقتي في السنوات‬ ‫األولى من الغربة الصعبة‪ .‬غربة كانت في ذلك الوقت‬ ‫بال رفيق يخفف الوحشة‪ ،‬وبال لغة انكليزية معقولة‬ ‫تصلح للتواصل مع الناس وتدبير الشؤون اليومية‬ ‫للحياة‪( ،‬وأنا اآلتي من بالد كانت تحسب فرنسا‬ ‫“أمها الحنون”)‪ .‬وهكذا وقعت كل تلك األعباء على‬ ‫ظروف العمل في “املجلة” التي رافقتها منذ والدتها‪،‬‬ ‫والتي بات القدوم إلى مكاتبها كل يوم‪ ،‬هو ما يعوض‬ ‫وحشة الغربة‪ .‬أصبحت املكاتب هي الوطن البديل‪،‬‬ ‫والزمالء هم “مواطني”‬ ‫تلك الفترة‪ .‬وأحسب أن‬ ‫أهم التجارب التي تعلمتها‬ ‫من تلك “املواطنة” هي أن‬ ‫“الوطن العربي” الذي كانت‬ ‫اإلنشاءات القومية تتغزل‬ ‫به وتدفعنا إلى حفظه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قد تحقق فعال وبنسبة‬ ‫كبيرة في تلك املرحلة‪ ،‬من‬ ‫خالل التعاطي اليومي مع‬ ‫الزمالء‪ ،‬سواء في “املجلة”‬ ‫أو في شقيقتها “الشرق‬ ‫األوسط”‪ ،‬كونهم قادمني‬ ‫من مختلف الدول العربية‪.‬‬ ‫بالنسبة إلي‪ ،‬كان ذلك‬ ‫مكسبًا بالغ األهمية في‬ ‫تجربتي الصحافية‪،‬‬ ‫باملقارنة مع عملي السابق‬ ‫في مطبوعة محلية‪،‬‬ ‫صحافيوها هم عادة من‬ ‫لون واحد ولغة واحدة قد‬ ‫ال يفهمها سواهم‪ .‬حني أتذكر اآلن تجربة تلك املرحلة‬ ‫أشعر بالحزن‪ .‬فبني يدي ارشيف املقاالت والتحقيقات‬ ‫واملقابالت التي أجريتها في تلك الفترة‪ ،‬والتي نشرت‬ ‫في “املجلة”‪ .‬والعودة إلى كل ذلك تعني لي الكثير‪،‬‬ ‫ألنها تأريخ ملرحلة طويلة من األحداث العربية والدولية‬ ‫التي تركت آثارها على ما نعيشه اليوم‪.‬‬ ‫من بدايات الثورة اإليرانية‪ ،‬إلى الغزو السوفياتي‬ ‫ألفغانستان‪ ،‬وما خلفه من آثار انتهت إلى انهيار‬ ‫االتحاد السوفياتي ونشوء ظاهرة “األفغان العرب”‬ ‫التي أقلقت املنطقة والعالم سياسيًا وأمنيًا لسنوات‬ ‫طويلة‪ ،‬إلى الحرب العراقية اإليرانية‪ ،‬إلى غزو الكويت‬ ‫والذيول التي نتجت عن كل ذلك‪ .‬يكفي أن أذكر أن‬

‫املقال األول الذي نشر لي في “العدد صفر” من‬ ‫“املجلة”‪ ،‬وهو عدد تجريبي ال يوزع على القراء‪ ،‬كان‬ ‫عن مرض الرئيس املاريشال جوزف تيتو‪ ،‬وما كان‬ ‫يتوقع أن يتركه من أثر على احتمال تصدع االتحاد‬ ‫اليوغوسالفي‪ .‬كان ذلك قبل عقد كامل من الحروب‬ ‫املدمرة التي اشتعلت بني أقاليم ذلك البلد‪ ،‬وانتهت‬ ‫بتفكيكه إلى ست دول‪.‬‬ ‫كانت مكاتب “املجلة” و”الشرق األوسط” في ذلك‬ ‫الحني (مطلع عام ‪ )1980‬في شارع صغير اسمه‬ ‫“غوف سكوير» يتفرع من شارع «فليت ستريت»‬ ‫الشهير‪ ،‬الذي كان آنذاك املقر الرئيسي ملعظم الصحف‬ ‫البريطانية‪ .‬ذهبت في أحد األيام‪ ،‬قبل بضع سنوات‪،‬‬ ‫اتفقد ذلك املبنى بعد طول غياب عنه‪ .‬ال أدعي أن‬ ‫الحزن دفعني إلى البكاء على األطالل‪ ،‬كما فعل يومًا‬ ‫ً‬ ‫امرؤ القيس‪ ،‬إذ لم أجد أطالال‬ ‫هناك‪ ،‬بل مبنى مستحدث‪،‬‬ ‫وبالكاد تستطيع تبني معالم‬ ‫املكان لوال أن الرقم ‪ ،4‬وهو رقم‬ ‫البناية التي كانت مكاتبنا فيها‪،‬‬ ‫ما زال هناك‪ .‬لكني شعرت بحنني‬ ‫إلى زمن مضى‪ ،‬ليس فقط ألن‬ ‫جزءًا من عمري انقضى في ذلك‬ ‫املبنى‪ .‬لكن ألن «املعركة» التي كنا‬ ‫نخوضها من أجل نجاح تجربتنا‬ ‫الجديدة‪ ،‬وصراعنا اليومي مع‬ ‫الورقة والقلم‪ ،‬في زمن ما قبل‬ ‫الكومبيوتر واالنترنت‪ ،‬هو ما‬ ‫صنع االسم الذي احتلته «املجلة»‬ ‫في عدد محدود من السنوات‪،‬‬ ‫وفي وقت كانت تواجه منافسة‬ ‫ال يستهان بها في ذلك الوقت‬ ‫من عدد ال بأس به من املجالت‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫مر على “املجلة” عدد من رؤساء‬ ‫التحرير خالل عملي فيها‪ ،‬وترك‬ ‫كل منهم بصمة عليها‪ ،‬وسواء لناحية طريقة إدارته‬ ‫لها أو لناحية الجو الذي خلقه داخل “األسرة” (وهو‬ ‫تعبير محبب إلي وال أدري إذا كان ما زال موجودًا في‬ ‫املطبوعات العربية الى اليوم)‪ .‬لكن ال بد هنا من ذكر‬ ‫ناشري “املجلة” وشقيقاتها في ذلك الوقت هشام‬ ‫ومحمد علي حافظ‪ ،‬وهما اللذان لم يبخال لتمكني‬ ‫“املجلة” من الوقوف على قدميها‪ .‬إضافة إلى الجهد‬ ‫الذي بذله الصديق عبدالكريم أبو النصر الذي تولى‬ ‫رئاسة التحرير مع صدور “املجلة”‪ ،‬والذي يمكنني‬ ‫أن أقول إنه أعطى هذه املطبوعة هويتها السياسية‬ ‫الخاصة‪.‬‬

‫كانت «اجمللة» بمثابة‬ ‫رفيقيت يف السنوات األولى‬ ‫من الغربة الصعبة‪،‬غربة‬ ‫كانت يف ذلك الوقت‬ ‫بال رفيق يخفف‬ ‫الوحشة‪ ،‬وبال لغة انكليزية‬ ‫معقولة تصلح للتواصل‬ ‫مع الناس وتدبري الشؤون‬ ‫اليومية للحياة‪،‬وأنا اآليت‬ ‫من بالد كانت حتسب فرنسا‬ ‫«أمها احلنون»‬

‫إلياس حرفوش‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪19‬‬


‫قصة الغالف‬

‫قصة حياة حلم‬ ‫وتاريخ ومهنة‬

‫العدد ‪ 355‬لشهر ديسمبر‬ ‫كانون االول ‪1986‬‬ ‫منذ ان صدرت املجلة والعالقة بينها‬ ‫وبني البحرين عالقة قوية كعالقة‬ ‫البحرين القديمة مع الحضارة والفكر‬ ‫والثقافة‪ .‬وعاشت البحرين لحظات‬ ‫تاريخية هامة شاركتها فيها الشقيقة‬ ‫الكبرى اململكة السعودية عندما‬ ‫اشترك خادم الحرمني الشريفني امللك‬ ‫فهد بن عبد العزيز وسمو الشيخ‬ ‫عيسى بن سلمان ال خليفة في‬ ‫افتتاح الجسر الذي يربط السعودية‬ ‫بالبحرين والذي تعارف الكثيرون‬ ‫على تسميته بـ”جسر املحبة”‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫اكتشفت فجأة أنني قضيت في هذه املهنة اكثر من ثالثني‬ ‫عاما‪ ،‬سبب املفاجأة ألن شعوري اآلن وكأنني بدأت للتو‬ ‫عملي الصحفي‪ ،‬وأنه مازال علي أن أثبت نفسي وجدارتي‬ ‫بأن أحمل لقب صحفي ‪-‬أو صحافي‪ -‬كما يقول إخوتنا أهل‬ ‫الشام‪ .‬تاريخي املهني ‪-‬ان جازت عليه صفة التاريخ‪ -‬بدأ بحلم‬ ‫العمل في «املجلة»‪ ،‬كنت في الجامعة وقت أن صدر العدد األول‬ ‫لها‪ ،‬أناقاتها وعمقها وتفردها بني املجالت العربية التي كانت‬ ‫موجودة في تلك األيام خلق رباطا بيني وبني هذه املجلة منذ‬ ‫صدورها‪ ،‬أذكر أنني من بني الذين اشتروا عددها األول رغم‬ ‫تأثير ذلك على ميزانية الشهر وقتها‪ ،‬وجدت فيها منذ اللحظة‬ ‫األولى املكان الذي من خالله يتحقق حلمي في أن أمارس‬ ‫املهنة التي اخترتها رغم تحفظ والدي ‪-‬رحمهما الله‪ -‬الذي كان‬ ‫حلمهما أن أكون طبيبا‪ ،‬لكنهما احترما اختياري رغم ما جره‬ ‫وقتها عليهما من قلق ظل مالزما لهما حتى توفاهما الله‪.‬‬ ‫عندما سألني املحاضر في‬ ‫احدى قاعات الدرس ان كنت‬ ‫أريد أن أعمل في»املجلة»‬ ‫بعد أن أنهي دراستي لم‬ ‫أصدق السؤال ولكن انطلقت‬ ‫االجابة بالتأكيد‪ .‬مر أكثر‬ ‫من عام بقليل وكنت قد‬ ‫انتهيت للتو من امتحانات‬ ‫البكالوريوس حتى علمت أن‬ ‫املحاضر الذي سألني من‬ ‫قبل يريد أن يراني ألعمل‬ ‫معه في املجلة التي كان‬ ‫مديرا ملكتبها في القاهرة‬ ‫في ذلك الوقت‪ ،‬كان ذلك أكبر‬ ‫من أن أصدقه وقتها‪ ،‬ولكني‬ ‫وجدت نفسي منتسبا‬ ‫ملكان حلمي بالعمل قبل أن‬ ‫تظهر نتيجة االمتحانات‪.‬‬ ‫في مرحلة تالية كان علي‬ ‫االختيار بني أن أستمر في‬ ‫العمل في «املجلة» أو أن‬ ‫أعمل في إحدى املؤسسات‬ ‫الصحفية القومية‪ ،‬وكان‬ ‫اختياري االستمرار للعمل في املكان الذي لم يضع لي حدودا‬ ‫في عملي الصحفي رغم كوني في بداية الطريق‪ ،‬هذا شجعني‬ ‫حتى أنني كنت أحاول أن أجد وسيلة الستمر في العمل وقت‬ ‫خدمتي في الجيش بطريقة أو بأخرى‪ ،‬وهو أيضًا املكان‬ ‫الذي لم يقصر علي مجاال ضيقا‪ ،‬فقد تمكنت في األشهر‬ ‫األولى أن أجري أول لقاء صحفي على االطالق مع السيدة‬ ‫جيهان السادات بعد وفاة زوجها‪ ،‬وكان ذلك في استراحتها‬ ‫باملعمورة بمدينة االسكندرية‪ ،‬وفي هذا اللقاء كانت بداية‬ ‫اعادة النظر من جانبي في تقييم أنور السادات الدور‬ ‫والشخص الذي كنت اعتبر نفسي من أكثر معارضيه‪ ،‬اال أن‬ ‫الحب الذي حملته هذه السيدة له دفعني إلعادة قراءة مواقفه‪،‬‬ ‫فال يمكن لشخص قادر أن يدفع انسانا ألن يحبه آخر بهذا‬ ‫القدر اال اذا كان لديه جوانب جديرة بهذا الحب‪ ،‬وكان هذا هو‬ ‫الدرس العملي األول‪ ،‬ال مجال لألحكام املطلقة‪ ،‬كل االمور في‬

‫الدنيا لها على االقل وجهان‪ .‬لم أغضب لعدم وضع اسمي‬ ‫على حوار جيهان السادات‪ ،‬فرحتي بنشره كانت أكبر من‬ ‫أن أغضب من الشخص الذي عرض علي تنفيذ وعده منذ‬ ‫أكثر من عام في تحقيق حلمي بالعمل في «املجلة» وكان‬ ‫هذا هو الدرس الثاني‪ ،‬ال يمكن إدراك كل ما نريد من الدنيا‪.‬‬ ‫سريعا أصبحت مديرا ملكتب «املجلة» بالقاهرة‪ ،‬وكان من‬ ‫اسباب غروري املهني وقتها أن يصلني الخبر بمصادرة عدد‬ ‫«املجلة» من الرقابة على املطبوعات في مصر بسبب موضوع‬ ‫لي‪ ،‬ووصل األمر الى حد مصادرة تسعة أعداد متتالية بسبب‬ ‫موضوعات لي‪ .‬ليس هذا وحسب بل كان من بني ما أتاحته‬ ‫لي «املجلة» أن أكون شاهدا على انتفاضة السودان عام ‪1985‬‬ ‫وأن أكون أيضا شاهدا عام ‪1989‬على انقالب االسالميني‬ ‫الذين لم نعرف أنهم اسالميون اال بعد فترة طويلة‪ .‬كما أن‬ ‫«املجلة» هي الجزء األقرب الى نفسي من تاريخي املهني‪ ،‬فان‬ ‫الجزء األهم من تاريخ «املجلة» ككيان‬ ‫صحفي هي الفترة التي تولى رئاسة‬ ‫تحريرها الصديق العزيز عبد الرحمن‬ ‫الراشد الذي استطاع بالفعل أن يجعل‬ ‫من هذه املطبوعة نموذجا صحفيا‬ ‫راقيا ال يقل عن مثيله من املطبوعات‬ ‫في أي من أنحاء العالم‪ ،‬استطاع عبد‬ ‫الرحمن أن يخلق أجواء جعلت كل من‬ ‫يعمل يشعر باالنتماء الشديد للمكان‬ ‫واملهنة والشخص‪ ،‬هذه الحالة صعبت‬ ‫كثيرا على أي كان سيأتي بعده‪ .‬خالل‬ ‫الفترة التي عملت فيها في لندن وقت‬ ‫رئاسة الراشد كانت من أكثر الفترات‬ ‫غنى في حياتي‪ ،‬ولن تكفي املساحة‬ ‫املتاحة لذكرها‪ ،‬ولكن من أكثرها‬ ‫اقترابا الى نفسي تلك الرحلة التي قمت‬ ‫بها الى البوسنة وقت الحرب هناك‪،‬‬ ‫أو اللقاء األول في العالم مع متهمي‬ ‫«لوكربي» في طرابلس وقتها األمني‬ ‫فحيمة وعبد الباسط املقرحي رحمه‬ ‫الله‪ ،‬وغيره الكثير من املوضوعات‪،‬‬ ‫ولكن أكثر ما أعتقد أنه كان اضافة‬ ‫حقيقية باب «قضايا وردود» الذي‬ ‫تصدر صفحات املجلة‪ ،‬واخترت له شعارا ما قاله االمام‬ ‫الشافعي «رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ‬ ‫يحتمل الصواب‪ ،‬ومن أتى بأفضل منه قبلناه»‪ .‬ومن خالل‬ ‫هذا الباب طرقنا قضايا وموضوعات لم يكن يصدق انسان‬ ‫وقتها أن تعالج بهذه الصراحة في الصحافة العربية‪ ،‬وكان‬ ‫السر البسيط هو اتاحة املجال للرأي والرأي اآلخر بحق‪ ،‬وأظن‬ ‫أن «املجلة» كانت رائدة في هذا املجال في وقت مبكر‪ .‬لذلك‬ ‫لو لم نفعل في «املجلة» في تلك الفترة سوى هذه االضافة‬ ‫لكفتنا‪ .‬منذ عدة أيام زرت مكاتب املجلة في الدور الرابع من‬ ‫دار الصحافة العربية في لندن‪ ،‬والذي يشغله اآلن الزمالء في‬ ‫«الشرق األوسط» ورغم مرور السنني انتابني ذلك الشعور‬ ‫بالحنني للمكان واألشخاص الذين كانوا فيه والذين أظنهم‬ ‫يشاركونني اآلن سعادتي بعودتها كنسخة ورقية‪.‬‬

‫أكثر ما أعتقد أنه كان اضافة‬ ‫حقيقية باب «قضايا وردود» الذي‬ ‫تصدر صفحات اجمللة‪ ،‬واخرتت‬ ‫له شعارا ما قاله االمام الشافعي‬ ‫«رأيي صحيح يحتمل اخلطأ ورأي‬ ‫غريي خطأ يحتمل الصواب‪ ،‬ومن‬ ‫أتى بأفضل منه قبلناه»‪ .‬ومن‬ ‫خالل هذا الباب طرقنا قضايا‬ ‫وموضوعات لم يكن يصدق انسان‬ ‫وقتها أن تعالج بهذه الصراحة‬ ‫يف الصحافة العربية‬

‫عبد اللطيف املناوي‬


‫«اجمللة»‪ 33 ..‬عاما‬ ‫من العطاء‬

‫العدد ‪ 220‬لشهر مايو‪/‬ايار – ‪1984‬‬ ‫اثار تحالف الوفد واالخوان عالمات‬ ‫الدهشة والتعجب ‪،‬وهذا يعني قبول‬ ‫االخوان املبادئ العلمانية والليبرالية‬ ‫للوفد أو قبول الوفد مبادئ االخوان‬ ‫ومنهجهم الفكري والسياسي ‪..‬هذه‬ ‫القضية طرحتها املجلة على املرشد‬ ‫العام لالخوان الشيخ عمر التلمساني‬ ‫بمكتبه بمجلة الدعوة في القاهرة‪.‬‬

‫كتبت في مجلة «املجلة» بني فترة وأخرى‪ ،‬إال أن أطول‬ ‫فترة كانت ملا طلب مني األخ والصديق عبد الرحمن‬ ‫الراشد‪ ،‬عندما كان رئيسا للتحرير أن أكتب الصفحة‬ ‫األخيرة‪ ،‬على أال ال تكون مخصصة للكتابة السياسية‪،‬‬ ‫بل االجتماعية الخفيفة‪ ،‬وكانت مناسبة خصبة لي‬ ‫أن أكتب في املوضوعات الحميمية خارج إطار الفكر‬ ‫السياسي‪ ،‬الذي تبدو الكتابة فيه صعبة‪ ،‬ليس على‬ ‫الكاتب فحسب‪ ،‬ولكن على املتلقى أيضا‪.‬‬ ‫الكتابة في الشأن الخاص واالجتماعي قليلة في فضائنا‬ ‫الثقافي‪ ،‬مع أنها أحد أجناس الكتابة املحببة للقارئ‪.‬‬ ‫أذكر أني كتبت مقاال‬ ‫بعنوان «أمي» سردت فيه‬ ‫انطباعا عاما عما أشعر‬ ‫به تجاه تلك اإلنسانة‬ ‫البدوية‪ ،‬التي لم تدخل‬ ‫مدرسة قط‪ ،‬وكيف أنها‬ ‫كانت قوية الشكيمة‪ ،‬إلى‬ ‫درجة أن الرجال في ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬كانوا يأتمنونها‪،‬‬ ‫وأيضا يرجعون إليها في‬ ‫ما يخصهم أو يعترضهم‬ ‫من قضايا‪ .‬وبما أني آخر‬ ‫العنقود ـ كما يقال ‪ -‬فقد‬ ‫وعيت على نشاطها‬ ‫وهي متقدمة نسبيا في‬ ‫السن‪ ،‬وأبناؤها الكبار قد‬ ‫تزوجوا وأنجبوا أيضا‪،‬‬ ‫وهذا يعنى أن دور املرأة‬ ‫في مجتمعنا املحافظ‪،‬‬ ‫كان واضحا ومحترما‪.‬‬ ‫ذلك املقال أثار الكثير من ردود الفعل اإليجابية‪ ،‬ربما‬ ‫بسبب ما جرؤت على البوح به‪ ،‬في مجتمع عادة يميل‬ ‫إلى التحفظ عند الحديث عن األم أو األخت‪ ،‬ويفخر‬ ‫بالحديث عن األب واألخ‪ ،‬أي مجتمع رجولي‪ ،‬وخاصة أن‬ ‫األم التي عادة ما تكون هناك للرعاية‪ ،‬دون الكثير من‬ ‫الحديث حول دورها‪.‬‬

‫أما املوضوع الثاني الذي أذكره والخاص بالكتابة في‬ ‫«املجلة»‪ ،‬فإن أبطاله مازالوا أحياء‪ ،‬فقد كتبت مقاال في‬ ‫«املجلة» بعد االعتداء على ُ الرئيس مبارك ـ رئيس مصر‬ ‫السابق ـ في أديس أبابا‪ ،‬قبيل افتتاح القمة األفريقية عام‬ ‫‪ ،1995‬وقتها أبديت وجهة نظري ـ ما زلت أعتقد بها ـ‬ ‫بأن استخدام اإلسالم كشعار للعمل السياسي‪ ،‬وخاصة‬ ‫املصاحب للعنف‪ ،‬هو إساءة إلى اإلسالم وإلى املسلمني‬ ‫في آن‪ .‬وهنا دخل على الخط الكاتب فهمي هويدي‪،‬‬ ‫فكتب في «املجلة» ردا على مقالي يقول ما معناه‪ ،‬إن‬ ‫الغربيني ينصفون اإلسالم خير من أهله! واعتمد في‬ ‫ذلك على قول كاتب أميركي! هنا ثار‬ ‫تساؤل عندي حول «املنهجية» التي‬ ‫يختارها بعض الكتاب‪ ،‬هي «انتقائية»‬ ‫مخلة إلى حد كبير‪ ،‬فكاتب يدافع عن‬ ‫رأي هو في النهاية رأيه الخاص‪ ،‬وليس‬ ‫رأي جمهرة من الناس‪ ،‬وال يجوز‬ ‫االستناد اليه على أنه محق‪ ،‬كما أن‬ ‫املقارنة بعيدة كل البعد عن املقصد‪.‬‬ ‫ذلك «الرد» جعلني أفكر أن‬ ‫بعضا من كتابنا يخرجون عن‬ ‫املنهجية السليمة‪ ،‬التي يجب أن‬ ‫تتبع في مناقشة األمور العامة إلى‬ ‫الشخصانية البحتة‪ ،‬وهي منهجية‬ ‫بعيدة عن التفكير السليم أوال‪ ،‬كما‬ ‫أنها ال تحقق الصالح العام‪ .‬من‬ ‫تلك الحادثة وقبلها أيضا أرى أن‬ ‫حمل القلم مسؤولية كبرى‪ ،‬مثل‬ ‫حمل السالح ملن ال يعرف قيمته‪،‬‬ ‫فيستخدمه في الضرر أكثر من‬ ‫النفع‪ ،‬وكذلك وسيلة النشر‪.‬‬ ‫لقد قدمت «املجلة» على امتداد عمرها‪ ،‬الكثير من املادة‬ ‫الغنية‪ ،‬التي ساعدت في تشكيل أفكار قراء يحتاجونها‪،‬‬ ‫وهي ال تزال تفعل ذلك لجيل أول يحتاج إليه هو الرأي‬ ‫املنطقي املدعوم بحقائق تتناسب مع العقل السليم‪.‬‬

‫أذكر أني كتبت مقاال بعنوان‬ ‫«أمي» سردت فيه انطباعا عاما‬ ‫عما أشعر به جتاه تلك اإلنسانة‬ ‫البدوية‪ ،‬اليت لم تدخل مدرسة‬ ‫قط‪ ،‬وكيف أنها كانت قوية‬ ‫الشكيمة‪ ،‬إلى درجة أن الرجال‬ ‫يف ذلك الوقت‪ ،‬كانوا يأمتنونها‪،‬‬ ‫وأيضا يرجعون إليها يف ما‬ ‫يخصهم أو يعرتضهم من قضايا‬

‫محمد الرميحي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪17‬‬


‫قصة الغالف‬

‫اجملالت‪ ..‬مـآدب‬ ‫نهاية األسبوع‬

‫العدد ‪ -56‬لشهر مارس‪/‬اذار‪1981‬‬ ‫العقيد القذافي يريد اشعال أفريقيا‬ ‫وزعزعة األستقرار في القارة بدعم من‬ ‫االتحاد السوفياتي وبلغت خطورة‬ ‫الزعيم الليبي سعيه الرسال قوات‬ ‫ليبية إلى دول مجاوره له بعد ارتفاع‬ ‫سقف طموحاته من العالم العربي‬ ‫إلى افريقيا ‪..‬هذه املخاطر طرحها‬ ‫اسماعيل فهمي والصادق املهدي‬ ‫لـ»املجلة» بعد سيطرة القذافي على‬ ‫دولة تشاد‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫تتطلب الصحافة األسبوعية والشهرية جهدًا‬ ‫أكبر من العمل اليومي‪ .‬فهي تتم في بطء‪،‬‬ ‫فيما تتميز الصحف بالسرعة‪ .‬وعلى املجلة‬ ‫أن تقدم شيئًا يتجاوز ما اطلعت عليه الناس‬ ‫في الجرائد طوال األسبوع أو الشهر‪ .‬وهذا‬ ‫أمر غير بسيط‪ .‬وقد أدى تقدم الصحف‬ ‫اليومية وتعدد مادتها إلى ركود في حياة‬ ‫األسبوعيات الكبرى حول العالم‪ ،‬لعل آخر‬ ‫دالالته إغالق الطبعة الورقة من «نيوزويك»‬ ‫العام املاضي‪.‬‬ ‫كان وقف الطبعة‬ ‫الورقية من املجلة‬ ‫مؤملًا بالنسبة‬ ‫إلى أجيال الورق‬ ‫والحبر‪ .‬ولكن رئاسة‬ ‫تحرير «املجلة»‪،‬‬ ‫كانت محطة‬ ‫طبيعية إلى رئاسة‬ ‫تحرير «الشرق‬ ‫األوسط»‪ .‬ثالثة من‬ ‫أبرع الصحافيني‬ ‫السعوديني عبروا‬ ‫هذا الجسر إلى‬ ‫الزحمة اليومية‪:‬‬ ‫عثمان العمير‪ ،‬وعبد‬ ‫الرحمن الراشد‪،‬‬ ‫واآلن الدكتور عادل‬ ‫الطريفي‪.‬‬ ‫سعدت بعودة ما‬ ‫من بديل عن بهاء ألوان الورق‪ .‬وما من بديل‬ ‫عن تلك العالقة الخاصة بني القارئ ومطبوعة‬ ‫يضعها قرب وسادته‪ ،‬ويعود إليها كلما شاء‪،‬‬ ‫ويعرف طرقه وأذواقه بني صفحاتها‪ .‬لذلك‬ ‫تعمد بعض املجالت الكبرى‪ ،‬مثل «اليف»‪ ،‬إلى‬

‫إصدار أعداد خاصة كل عام منذ إغالقها قبل‬ ‫أكثر من ربع قرن‪ ،‬فيما استمرت شقيقتها‬ ‫«تايم»‪ .‬وربما لن تتجاوز األخيرة محنة الحرب‬ ‫االلكترونية على رائحة الورق وعطر الحبر‪.‬‬ ‫كان صدور «املجلة» حدثا في عالم الصحافة‬ ‫العربية‪ ،‬فهي أول أسبوعية خليجية تخرج عن‬ ‫النطاق املحلي‪ ،‬وتدخل املنافسة مع املجالت‬ ‫املعروفة في مصر ولبنان‪ .‬وبذلك كانت تكملة‬ ‫لفكرة «الشرق األوسط» التي اخترقت الحاجز‬ ‫الدولي أمام الصحافة‬ ‫العربية‪ ،‬وكانت أول جريدة‬ ‫متعددة الطبعات في الشرق‬ ‫والغرب‪ ،‬متجاوزة آنذاك‬ ‫طبعات «الهيرالد تريبيون»‪.‬‬ ‫وقبل «االنترنت» لم يكن‬ ‫للصحف األملانية أو‬ ‫البريطانية أو سواها‪ ،‬وجود‬ ‫يومي في مدن العالم مثل‬ ‫«الشرق األوسط»‪ .‬أما‬ ‫«املجلة» فاتخذت لنفسها‬ ‫مكانا بارزًا في جميع أنحاء‬ ‫العالم العربي‪ .‬ومرت بها‬ ‫أقالم عربية كثيرة‪ ،‬بعضها‬ ‫ال ينسى‪ ،‬وبعضها قدمته‬ ‫«املجلة» وأطلقته‪.‬‬ ‫أعطى الدكتور عادل‬ ‫الطريفي الطبعة االلكترونية‬ ‫صيغة جديدة‪ .‬والتجدد‬ ‫هو االستمرار‪ .‬وأنا كرجل‬ ‫من هذه املهنة‪ ،‬أتمنى أن تبقى الصحافة‬ ‫األسبوعية حاضرة ومتطورة‪ .‬فهي بالنسبة‬ ‫إلى العمل اليومي مأدبة نهاية األسبوع‪.‬‬

‫رئاسة حترير “اجمللة”‪،‬‬ ‫كانت محطة طبيعية‬ ‫إلى رئاسة حترير «الشرق‬ ‫األوسط»‪ .‬ثالثة من أبرع‬ ‫الصحافيني السعوديني‬ ‫عربوا هذا اجلسر إلى‬ ‫الزحمة اليومية‪ :‬عثمان‬ ‫العمري‪ ،‬وعبد الرحمن‬ ‫الراشد‪ ،‬واآلن‬ ‫الدكتور عادل الطريفي‬

‫سمير عطاالله‬


‫«خبطة» صحافية‬ ‫ذهبت لغير «اجمللة»!‬

‫العدد ‪ 405‬لشهر نوفمبر‪ /‬تشرين‬ ‫الثاني ‪1987‬‬ ‫مضى على حركة السابع من نوفمبر‬ ‫(تشرين الثاني) التي انتقلت‬ ‫بموجبها السلطة‪،‬الى الرئيس زين‬ ‫العابدين بن علي‪،‬حوالي شهر واحد‬ ‫ومع ذلك‪،‬ورغم قصر هذه الفترة وثقل‬ ‫التركة التي خلفها العهد السابق‬ ‫فان العهد الجديد بدأ يأخذ أبعاده‬ ‫ومالمحه الحقيقية في ضوء املبادئ‬ ‫التي حددها البيان التاريخي الذي‬ ‫أصدره رجل تونس القوي عندما‬ ‫تسلم مسؤولياته الدستورية في‬ ‫التاريخ املشار اليه‪.‬‬

‫كان ذلك في عام ‪ ،1988‬فقد انعقد املجلس الوطني‬ ‫الفلسطيني في الجزائر‪ ،‬وقد تمت الدعوة لتلك الدورة‬ ‫لتكون دورة إجماع وطني تحضرها كل الفصائل‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬ألن املطلوب كان االعتراف بقرار مجلس‬ ‫األمن الدولي الشهير املعروف رقم ‪ ،242‬وإعالن قيام‬ ‫الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران)‬ ‫‪ ،1967‬وحقيقة أن الهدف غير املعلن كان االعتراف‬ ‫بإسرائيل‪ْ ،‬‬ ‫وإن على نحو ُموارب تمهيدًا لالنتقال‬ ‫باملفاوضات التي كانت قد بدأت بني الفلسطينيني‬ ‫واألميركيني في تونس‪ ،‬إلى مرحلة جديدة يكون‬ ‫التفاوض الفلسطيني خاللها مع اإلسرائيليني مباشرة‬ ‫وبال وسيط‪.‬‬ ‫كان كل قادة الفصائل الفسطينية قد حضروا ذلك‬ ‫االجتماع املفصلي واملهم جدًا‪ ،‬وكان من بني هؤالء‬ ‫صبري البنا (أبو نضال) الذي كان انشق عن حركة‬ ‫“فتح” في بدايات‬ ‫سبعينات القرن املاضي‪،‬‬ ‫وشكل تنظيمًا إرهابيًا‬ ‫خاصًا به‪ ،‬أعطاه اسم‬ ‫“حركة فتح ‪-‬املجلس‬ ‫الثوري”‪ ،‬ما لبث أن‬ ‫تحول إلى “بندقية‬ ‫لإليجار”‪ ،‬وقد انتقل من‬ ‫العمل ملصلحة النظام‬ ‫العراقي ْإن في عهد أحمد‬ ‫حسن البكر‪ْ ،‬‬ ‫وإن في‬ ‫عهد صدام حسني‪ ،‬إلى‬ ‫العمل ملصلحة املخابرات‬ ‫السورية ونظام حافظ‬ ‫األسد‪ ،‬ثم إلى العمل‬ ‫ملصلحة املخابرات الليبية‬ ‫ومعمر القذافي‪ ..‬وبالتالي‬ ‫فإن إقامته بعد بغداد‬ ‫ودمشق قد أصبحت في‬ ‫طرابلس الغرب‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫لقد عرفت َّأن (أبو نضال) موجود في الجزائر‪ ،‬وإن هو‬ ‫لم يحضر اجتماعات املجلس الوطني الفلسطيني‪ ،‬من‬ ‫املعارض التونسي الكبير الصديق إبراهيم طوبال‪ ،‬رحمه‬ ‫الله‪ ،‬الذي أبلغني بأن صبري البنا‪ ،‬الذي كان مطلوبًا‬ ‫ملعظم مخابرات الكرة األرضية‪ ،‬يرغب في ْأن أجري معه‬ ‫مقابلة صحافية ملجلة “املجلة”‪ ،‬ونظرًا لتقديري بأن‬ ‫مثل هذه املقابلة ستكون “خبطة” صحافية هائلة‪ ،‬فقد‬ ‫وافقت على الفور وجرى اللقاء مع ذلك الرجل‪ ،‬الذي كان‬ ‫يعتبر سرًا من أسرار الكون‪ ،‬والذي كنت قد التقيته قبل‬ ‫انشقاقه عن “فتح”‪ ،‬في وقت مبكر من بدايات سبعينات‬ ‫مدينة الجزائر‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬في منزل أحد أقاربه في ُ‬ ‫َّ‬ ‫العاصمة‪ ،‬في أجواء بوليسية وسرية‪ ،‬حيث أعلمت أنه‬

‫حتى االستخبارات الجزائرية‪ ،‬وكان على رأسها في تلك‬ ‫الفترة األكحل العياط‪ ،‬الذي تتلمذ على يد عبد الحميد‬ ‫بوصوف أحد قادة الثورة الجزائرية األوائل‪ ،‬ومؤسس‬ ‫مخابرات هذه الثورة العظيمة‪ ،‬ال تعرف أي شيء عن هذا‬ ‫علي ّأال أتحدث عن هذا األمر ٍّ‬ ‫اللقاء‪ ..‬وقد قيل لي أنه َّ‬ ‫ألي‬ ‫َّ‬ ‫كان‪ ،‬إال بعد عودتي إلى لندن‪.‬‬ ‫شخص يعتبر أخطر‬ ‫عدت إلى لندن وأنا أتأبط مقابلة مع‬ ‫ٍ‬ ‫إرهابي في العالم‪ ،‬وكانت هذه املقابلة بما احتوته من‬ ‫أسرار وقضايا ومواقف بمثابة قنبلة صحافية فعلية‪..‬‬ ‫لقد كان األمر في منتهى السرية‪ ،‬وجرى تدارس مسألة‬ ‫النشر أو عدمه بني رئيس التحرير وبيني فقط‪ ،‬وحقيقة‬ ‫أنه كانت هناك رغبة جامحة للنشر‪ ،‬ولكن كانت هناك‬ ‫محاذير كثيرة فـ”مجلتنا” تصدر من لندن‪ ،‬ولهذا‬ ‫الرجل عالقات معروفة ومتداولة مع الجيش الجمهوري‬ ‫اآليرلندي (‪ )I.R.A‬وكان هذا التنظيم اإلرهابي أيضًا في‬ ‫ذروة صدامه مع الدولة البريطانية‪،‬‬ ‫التي كان يعتبرها محتلة للجزء‬ ‫الشمالي من آيرلندا‪ ،‬والذي كان‬ ‫يرفع شعار “تحريرها” وعودتها‬ ‫إلى إيرلندا الجنوبية (الجمهورية‬ ‫اآليرلندية)‪.‬‬ ‫كان القرار بعد ثالثة أيام من التفكير‬ ‫والتشاور واالتصاالت الضرورية‬ ‫َّ‬ ‫أال يتم النشر‪ ،‬وكان هذا بالنسبة‬ ‫ملسيرتي الصحافية الطويلة كفقدان‬ ‫جوهرة ثمينة من عقد سنوات عمري‬ ‫في مهنة املتاعب هذه‪ ،‬وبالنتيجة‬ ‫ُ‬ ‫وحتى ال نغضب (أبو نضال) فقد تم‬ ‫إهداء “املقابلة” إلى إحدى الصحف‬ ‫العربية‪ ،‬التي كانت تصدر بطبعة‬ ‫دولية من إحدى الدول األوروبية‪ ،‬ولقد‬ ‫تم نشر هذه املقابلة في اليوم التالي‪،‬‬ ‫حيث تناقلت وكاالت األنباء مقاطع‬ ‫مطولة مما جاء فيها من أسرار على‬ ‫لسان رجل كان في ذلك الوقت سرًا‬ ‫كبيرًا من أسرار اإلرهاب في العالم كله‪.‬‬ ‫في اليوم التالي رأيت تعبي ومغامرتي وشقائي وجزءًا‬ ‫من ضوء َّ‬ ‫عيني‪ ،‬على صفحات غريبة غير صفحات‬ ‫“املجلة” التي أحببتها كجزء من قلبي‪ ،‬والتي لم أحب‬ ‫على مدى رحلتي الصحافية الطويلة‪ ،‬أي مطبوعة أخرى‬ ‫كما أحببتها‪ ..‬لقد كان حزني شديدًا وجعلني ألزم‬ ‫الفراش لعدة أيام‪ ،‬ألنني رأيت اسمًا غير اسمي يحتل‬ ‫صدارة “خبطة” صحافية هائلة‪ ،‬مع أن صاحب هذا‬ ‫ً‬ ‫االسم عندما كنت أتسلل تسلال إلجراء هذا اللقاء‪ ،‬كان‬ ‫هو يغني على لياله في عاصمة إحدى الدول األوروبية‬ ‫الجميلة‪.‬‬

‫رأيت تعيب ومغامريت وشقائي‬ ‫وجزءًا من ضوء َّ‬ ‫عيين‪ ،‬على‬ ‫صفحات غريبة غري صفحات‬ ‫“اجمللة” اليت أحببتها كجزء من‬ ‫قليب‪ ،‬واليت لم أحب على مدى‬ ‫رحليت الصحافية الطويلة‪ ،‬أي‬ ‫مطبوعة أخرى كما أحببتها‪..‬‬ ‫لقد كان حزني شديدًا وجعلين‬ ‫ألزم الفراش لعدة أيام‪ ،‬ألنين‬ ‫رأيت اسمًا غري اسمي يحتل‬ ‫صدارة “خبطة” صحافية هائلة‬

‫صالح القالب‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪15‬‬


‫قصة الغالف‬

‫هل يعقل أن ثالثني عاما قد مضت منذ ذلك‬ ‫الصباح الربيعي الذي اشتريت فيه نسختي‬ ‫األولى من مجلة «املجلة» بعددها الرابع؟ من كان‬ ‫يقول‪ ،‬وأنا ما أزال حينها في سنتي الجامعية‬ ‫الثانية‪ ،‬ان هذه املجلة ستكون قدري؟‬ ‫كانت تشبه فتاة جميلة ال أملك جرأة الحديث‬ ‫معها‪ ،‬فآثرت مراقبتها‪ ،‬ثم تشجعت وأرسلت لها‬ ‫برسالتي األولى‪.‬‬

‫تجربتي في «اجمللة»‪..‬‬ ‫عندما يسعدك القدر‬

‫العدد ‪ 53‬لشهري فبراير‪ /‬شباط ‪1981‬‬ ‫أول عدد للسنة الثانية من عمر‬ ‫«املجلة»‪ ..‬سنة كاملة أثبتت خاللها‬ ‫املجلة أنها تسير بخطى ثابتة لتكون‬ ‫إحدى أهم املجالت السياسية على‬ ‫الساحة العربية‪ .‬في موضوع الغالف‬ ‫كشفت «املجلة» أسرارا من داخل إيران‬ ‫كانت وراء إفشال زيارة ياسر عرفات‬ ‫إلى الواليات املتحدة األميركية‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫أتاني ردها بعد أسبوعني بنشر نصف الرسالة‬ ‫بعد ألف تعديل‪ .‬تشجعت برسالة اخرى‪ ،‬نشرت‬ ‫بعد أسبوع كاملة وبضعة تعديالت فقط‪ .‬لسبب‬ ‫آثرت أن ابقى العاشق البعيد‪ ،‬حتى أتى اليوم الذي‬ ‫ألتحق فيه بالشركة‬ ‫السعودية ألكون أحد‬ ‫محرري مطبوعاتها‪.‬‬ ‫وجدتني‪ ،‬وكأن يدا‬ ‫تحرك خطاي‪ ،‬وجها‬ ‫لوجه مع عشيقتي‪.‬‬ ‫خفت وسعدت في‬ ‫آن‪ .‬لكن في املجمل‪،‬‬ ‫كان حلما في داخلي‬ ‫يتحقق بأن أصبح‬ ‫محررا في طاقمها‪.‬‬ ‫لم أكن ادري أن ما هو‬ ‫أكبر ينتظرني‪.‬‬

‫قليلة من أحداث سبتمبر‪.‬‬ ‫هكذا عاصرت واحدا من أهم وأشرس رؤساء‬ ‫تحرير الصحف واملجالت في العالم‪ ،‬إنه‬ ‫اسامة بن الدن الذي أدار بوصلة العالم الى‬ ‫غير اتجاه‪ ،‬فنفض الغبار عن املطبوعات‬ ‫السياسية التي كانت تبحث عن خبر يحرك‬ ‫الدماء في عروقها ولو في قط ينبح في أعمق‬ ‫غابات افريقيا‪.‬‬ ‫لم أتميز خالل تلك الفترة بصعود ارقام املبيعات‪،‬‬ ‫ففضل ذلك ليس لي بل ألحداث سبتمبر‪.‬‬ ‫ما ميزني هو أنني توليت إدارتها في نفس‬ ‫الوقت الذي كنت أتولى فيه رئاسة تحرير مجلة‬ ‫«سيدتي» بتكليف مباشر من رئيس مجلس‬ ‫االدارة حينها األمير أحمد‬ ‫بن سلمان أسكنه الله فسيح‬ ‫جناته‪.‬‬

‫عاصرت واحدا‬ ‫من أهم وأشرس رؤساء‬ ‫حترير الصحف‬ ‫واجملالت يف العالم‪ ،‬إنه‬ ‫اسامة بن الدن الذي أدار‬ ‫بوصلة العالم الى غري اجتاه‪،‬‬ ‫فنفض الغبار‬ ‫عن املطبوعات السياسية‬ ‫اليت كانت تبحث‬ ‫عن خرب يحرك الدماء‬ ‫يف عروقها‬

‫لن أدخل في تفاصيل‬ ‫مملة‪ ،‬لكنني‬ ‫سأختصر وأقول‬ ‫إن القدر أسعدني‬ ‫يوم كلفت برئاسة‬ ‫تحريرها بالنيابة‬ ‫متخطيا كثيرين ربما كانو أجدر مني في حمل‬ ‫لوائها‪.‬‬ ‫كان قرارا مؤقتا استمر ألكثر من ثالثة اعوام‬ ‫هي األجمل في عملي الصحافي ومسيرتي‬ ‫االعالمية‪.‬‬ ‫و حظي‪ ،‬أو قدري‪ ،‬أن أتولى «املجلة» قبل اشهر‬

‫كان إنسانا‪ ،‬وصاحب رؤية‬ ‫أصرت على ان أضع مجهودي‬ ‫في «املجلة» بقدر ما يالئم‬ ‫الوضع السياسي حينها وأن‬ ‫أضعه في «سيدتي» بقدر ما‬ ‫تحتاجه املرأة من حنان‪.‬‬ ‫بعد مضي عام سألني رحمه‬ ‫الله مداعبا‪ ،‬كيف وجدت العمل‬ ‫في «سيدتي» النسائية والعمل‬ ‫في «املجلة» السياسة؟ أجبته‬ ‫ان قاسما قويا يجمع بينهما‪،‬‬ ‫فكالهما يرفع الضغط ويثير‬ ‫الحنق‪.‬‬ ‫لم أكن سعيدا بمغادرتي لها‬ ‫بعد حني‪ .‬وكم تمنيت لو بقيت‬ ‫بها حتى اليوم‪ .‬لكن لو حدث‬ ‫ذلك ألصيبت املجلة بسكتة قلبية‪ ،‬ذلك ان إدارة‬ ‫مجلة سياسية في هذا الزمن املتالطم تحتاج الى‬ ‫قادة بدماء اكثر جرأة‪.‬‬ ‫أخيرا‪ ،‬أشكر كل من كان قبلي ألنه أنار الطريق‬ ‫لي‪ ،‬وكل من أتى بعدي ألنه كشف لي أخطائي‪.‬‬

‫هاني نقشبندي‬


‫بعد غزو الكويت هاجموا‬ ‫ادوارد سعيد حتى توقف‬ ‫عن الكتابة لـ «اجمللة»‬

‫العدد ‪ - 211‬لشهر فبراير‪/‬شباط ‪1984‬‬ ‫صرح الرئيس االمريكي رونالد‬ ‫ريغان في مقابلة “خاصة” مع املجلة‬ ‫انه ينوي ابقاء املارينز بمنأى عن‬ ‫الشواطئ اللبنانية مالم تكن هناك‬ ‫فرصة لتحقيق تسوية سلمية وان‬ ‫تحل قوة من االمم املتحدة محل‬ ‫املارينز‪.‬كما تحدث الرئيس االمريكي‬ ‫عن الوضع في اسرائيل وفلسطني‬ ‫وعن جهود الرئيس مبارك وامللك‬ ‫حسني في حفظ السالم في الشرق‬ ‫االوسط ورفضهما املواجهات‬ ‫العسكرية وغير ذلك من قضايا‬ ‫الساعة‪.‬‬

‫مر عام ‪ 1990‬عصيبا على الجميع في الصحافة‬ ‫كما في السياسة‪ ،‬فقد انقسم اإلعالم العربي إلى‬ ‫معسكرين‪ ،‬وأعلنت الحرب على كل املستويات‪،‬‬ ‫وتاه الصحافيون غير املنتمني‪ ،‬وأغلقت السلطات‬ ‫الفرنسية املؤسسات اإلعالمية العربية املرتبطة‬ ‫بنظام صدام في أعقاب احتالله الكويت‪ ،‬ووجدنا‬ ‫أنفسنا في رحى معركة لم نخطط أو نتهيأ لها‪.‬‬ ‫وكنا في مجلة «املجلة» نلعب دورا مهما في تلك‬ ‫املعركة‪ ،‬ننقل أخبار الغزو واالستعداد الدولي‬ ‫ملواجهته‪ .‬وعلى الجبهة األخرى‪ ،‬كان اإلعالم‬ ‫املوالي لصدام أيضا قويا ومنتشرا‪ ،‬وارتكز على‬ ‫مقولة ان العراق يواجه التحالف الغربي‪ ،‬ويدعي‬ ‫مؤامرة مزعومة على بغداد‪ ،‬متجاهال حقيقة‬ ‫تشريد أكثر من مليون إنسان‪ ،‬كويتيني وغيرهم‪،‬‬ ‫وجرائم إعدامات بشعة‬ ‫ارتكبتها قواته ضدهم‪.‬‬ ‫وضمن الصراع‬ ‫نفسه قامت ضدنا‬ ‫في «املجلة» حملة‬ ‫من جماعات موالية‬ ‫لصدام‪ ،‬وكتب بعضهم‬ ‫مهاجما املفكر والكاتب‬ ‫املعروف ادوارد‬ ‫سعيد‪ ،‬رحمه الله‪،‬‬ ‫الذي كان من كبار‬ ‫كتاب مجلتنا‪ ،‬وطالبته‬ ‫باالنسحاب واالنضمام‬ ‫إلى معسكر صدام ال‬ ‫دول النفط‪ ،‬كما كانوا‬ ‫يصنفوننا‪.‬‬ ‫وفوجئت في أواخر‬ ‫العام برسالة من‬ ‫الدكتور سعيد‪..‬‬ ‫رسالة يعتذر عن الكتابة في «املجلة» معترفا بأنه‬ ‫يواجه ضغوطا هائلة تطالبه بالتوقف‪ ،‬وتحرجه‬ ‫سياسيا‪ ،‬وتبادلت معه املراسالت‪ .‬لم يكن في‬ ‫حاجة ألوضح له طبيعة الخالف السياسي‪،‬‬ ‫إنما كنت حريصا في تأكيدي له بأننا في‬ ‫«املجلة» لم نكن نحاسب كتابنا على مواقفهم أو‬ ‫ميولهم‪ ،‬وهم بدورهم يفترض أال يتوقعوا منا‬ ‫مواقف سياسية تنسجم مع مواقفهم‪ .‬والحق‬ ‫أن سعيد ميز موقفه بانتقاده صدام ورفضه‬ ‫احتالل الكويت‪ ،‬طبعا مع رفضه الزدواجية‬ ‫الخطاب الغربي بالسكوت على استمرار االحتالل‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬من دون أن يربط بينهما‪ .‬لكنه بكل‬

‫أسف خضع للضغوط واحتجب عن الكتابة‪ ،‬فقد‬ ‫كان في واشنطن عدد أصدقائه من املنحازين‬ ‫مع صدام‪ ،‬من الشخصيات العربية من العاملني‬ ‫في مجتمع العرب األميركيني والدبلوماسيني‬ ‫واملفكرين‪ ،‬الذين شكلوا تجمعا معاديا ومتحالفا‬ ‫مع العدوان العراقي حينها!‬ ‫ادوارد سعيد ظل يزورنا في لندن‪ ،‬وكان يدرك‬ ‫ويقدر أن «املجلة» املطبوعة العربية األولى‪ ،‬التي‬ ‫نقلته إلى عالم القراء العرب‪ ،‬بعد أن كان العرب‬ ‫يقرأون هذه القامة الثقافية الكبيرة مترجما‪ ،‬مما‬ ‫يكتبه في اإلعالم األميركي‪ ،‬وما تنشره دور‬ ‫الكتب الغربية‪.‬‬ ‫«املجلة» كانت تجربته األولى في الكتابة للعرب‪،‬‬ ‫وكشفت له ما كان يجهله‪ ،‬ان له شعبية واحتراما‬ ‫واسعني بني املثقفني العرب‪.‬‬ ‫وكنت قد عرفت سعيد من‬ ‫أيامي في الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫وحضرت له أول محاضرة في‬ ‫الجامعة األميركية في واشنطن‪،‬‬ ‫عندما كنت أدرس هناك أوائل‬ ‫الثمانينات‪ ،‬وعملت بعدها‬ ‫مراسال لجريدة «الجزيرة» في‬ ‫العاصمة أيضًا‪ .‬وكان سعيد‬ ‫قد تجاوز حدود شهرته‬ ‫األكاديمية‪ ،‬حيث كان أستاذ‬ ‫األدب اإلنجليزي املقارن في‬ ‫جامعة كولومبيا‪ ،‬وصار من‬ ‫أبرز الحاضرين في النقاشات‬ ‫اإلعالمية السياسية في الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬وعرف بكتابه األشهر‬ ‫«االستشراق»‪ ،‬ومؤلفاته من‬ ‫بينها خارج املكان‪ ،‬أيضًا كان‬ ‫عازف بيانو مميزا‪.‬‬ ‫وعندما بدأ يكتب لـ»املجلة» واجهتنا مشكلة‬ ‫ضعف قدراته باللغة العربية‪ ،‬وقال لي إنه يستعني‬ ‫بوالدته التي كانت تصحح له‪ ،‬فكان موقفا غريبا‬ ‫حقًا‪ ،‬لكن ذلك لم يقلل من قيمته‪ ،‬حيث كان‬ ‫يكتب النص األصلي باالنجليزية أوال‪ .‬بعدها‬ ‫اتفقنا على أن نقوم بترجمته تحاشيا لركاكة‬ ‫النص العربي‪ ،‬الذي يترجمه مع أمه‪.‬قيمة سعيد‬ ‫في الغرب الكبيرة‪ ،‬لم تصل إلى نفس القدر في‬ ‫مشرقنا العربي إال بني النخبة‪ ،‬وهذا ما جعلنا‬ ‫في «املجلة» نحرص على استكتابه‪ ،‬وكان أحد‬ ‫أعمدتها لسنوات‪.‬‬

‫قامت ضدنا يف “اجمللة”‬ ‫حملة من جماعات موالية‬ ‫لصدام‪ ،‬وكتب بعضهم‬ ‫مهاجما املفكر والكاتب‬ ‫املعروف ادوارد سعيد‪ ،‬رحمه‬ ‫الله‪ ،‬الذي كان من كبار كتاب‬ ‫مجلتنا‪ ،‬وطالبته باالنسحاب‬ ‫واالنضمام إلى معسكر‬ ‫صدام ال دول النفط‪ ،‬كما‬ ‫كانوا يصنفوننا‪.‬‬

‫عبدالرحمن الراشد‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪13‬‬


‫قصة الغالف‬

‫يحلو لرئيس التحرير الجديد في الصحافة‬ ‫النامية‪ ،‬تقمص حالة الزعيم االنقالبي‪ ،‬سلوكه‬ ‫وعصا مارشاليته‪ .‬فهو بعد ان يصفي الرفاق‪،‬‬ ‫واحدا تلو اآلخر‪ ،‬يهديه عقله الى تطهير مكتبه‬ ‫من العناصر العميلة داخل قيادته الرشيدة‪،‬‬ ‫خوفا من تسلل قوى تجسسية قد تؤثر على‬ ‫األمن القومي من الداخل‪.‬‬

‫رئاستي‪ ..‬من معركة‬ ‫التغيير إلى سوار‬ ‫{اجمللة} األحمر‬

‫و ِل َم ال؟ ذلك ان زرع الجواسيس‪ ،‬وتجنيد‬ ‫السكرتارية‪ ،‬جزء من تاريخ الجاسوسية‪ ،‬ثم‬ ‫إن الرئيس الجديد يعرج على كل املنجزات‬ ‫الرديئة وغير الرديئة الجتثاث جذورها‪ ،‬لكنه‬ ‫ربما ُيبقي على الرديئة‪ ،‬ومن هنا يبدأ برنامجه‬ ‫التنويري‪ ،‬وما أدراك‬ ‫ما “التنويري”‪ ،‬وال‬ ‫اعتقد أننا في مجال‬ ‫الخوض فيه‪ ،‬عدا ان‬ ‫عليك فقط النظر الى‬ ‫الحال املتعثر للعالم‬ ‫الثالثي األبعاد‪ ،‬لتجد‬ ‫انه طبق االصل من‬ ‫صحافته وصحابته‪،‬‬ ‫من أهله وقومه‪.‬‬ ‫في اغسطس (آب)‬ ‫من عام‪ 1985‬تسلمت‬ ‫رئاسة تحرير مجلة‬ ‫“املجلة” من الزميل‬ ‫عماد الدين أديب‪،‬‬ ‫الذي كان تسلمه من‬ ‫زميلنا املبعد من‬ ‫منصبه‪ ،‬عبد الكريم‬ ‫أبو النصر‪.‬‬

‫العدد ‪ 294‬لشهري سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪1985‬‬ ‫قبل عامني عندما تم تكليف عماد‬ ‫الدين أديب برئاسة تحرير “املجلة”‬ ‫لم تكن لديه أي شروط سوى أن يعود‬ ‫في أقرب فرصة الى العمل الصحفي‬ ‫امليداني ليتفرغ للكتابة وإجراء‬ ‫التحقيقات واملقابالت الصحفية‬ ‫الهامة‪ .‬في هذا العدد ّ‬ ‫تغير اسم رئيس‬ ‫التحرير ليصبح عثمان العمير هو‬ ‫الربان الجديد‪ ..‬تغيير لم يفسد ّ‬ ‫ّ‬ ‫للود‬ ‫قضية عندما نعرف أن الفارسني‬ ‫صديقان جمعتهما غربة العمل في‬ ‫لندن‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫نعم‪ ،‬توليت رئاسة تحرير “املجلة” شابًا في‬ ‫منتصف الثالثينيات‪ ،‬قادمًا من خلفيتني‪:‬‬ ‫إحداهما سعودية‪ ،‬واألخرى من جنوب مبنى‬ ‫الشركة‪ ،‬فليت ستريت‪ ،‬حيث يمور ذلك الشارع‬ ‫التاريخي العجيب بأكثر التجارب التاريخية‬ ‫التي مرت على الصحافة في العالم‪.‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬كان يصطحبني‪ ،‬بل ويداخلني‪،‬‬ ‫تحريض على كل ما هو قديم‪ .‬كان األصدقاء‪،‬‬ ‫و “األصدقاء الجدد”‪ ،‬يأتون محرضني‪،‬‬ ‫يرفعون ألوية الثورة والتغيير‪ ،‬نعم‪ ،‬أوقف هذا‪،‬‬ ‫إفصل ذاك‪ ،‬فطال التغيير مجموعة ال بأس بها‪،‬‬ ‫اعترف اآلن انني كنت مخطئا‪ ،‬حد األسف على‬ ‫ما فعلت‪.‬‬

‫ال أحد يغادر رئاسة‬ ‫التحرير‪ ،‬سواء يف هذه‬ ‫الشركة‪ ،‬أو يف العالم‬ ‫األرحب للصحافة‪ ،‬بمحض‬ ‫خيار ذايت‪ .‬ينسحب هذا‬ ‫على كل رئيس‪ /‬رئيسة‬ ‫حترير‪ ،‬بما فيهم كاتب‬ ‫هذه السطور‪ ،‬لكن ظروف‬ ‫املغادرة‪ ،‬أو االنسحاب‪،‬‬ ‫ختتلف من حالة الى أخرى‬

‫هذه مناسبة لالشارة إلى حقيقة أن ال أحد يغادر‬ ‫رئاسة التحرير‪ ،‬سواء في هذه الشركة‪ ،‬أو في‬ ‫العالم األرحب للصحافة‪ ،‬بمحض خيار ذاتي‪.‬‬ ‫ينسحب هذا على كل رئيس‪ /‬رئيسة تحرير‪ ،‬بما‬ ‫فيهم كاتب هذه السطور‪ ،‬لكن ظروف املغادرة‪ ،‬أو‬ ‫االنسحاب‪ ،‬تختلف من حالة الى أخرى‪.‬‬

‫بعدما هدأ غبار املعركة‪،‬‬ ‫تطلعت الى شيء يمكنني‬ ‫تغييره‪ .‬حدقت طويال‪ ،‬وكان‬ ‫الضحية الغالف‪ .‬في أوائل‬ ‫إصدارات “املجلة” كان‬ ‫غالفها محاطا بإطار احمر‬ ‫جميل‪ ،‬يحيط بها إحاطة‬ ‫سوار احمر يلتف على‬ ‫خصر غانية لم تتذوق لظى‬ ‫الشحوم واللحوم‪ ،‬فقررت‬ ‫إزالته‪.‬‬

‫بعدها استدعاني الناشران‬ ‫هشام ومحمد حافظ‪ ،‬قاال‪:‬‬ ‫عثمان أنت ألغيت هذا الحزام‪،‬‬ ‫نحن معك‪ ،‬لكن لدينا مفاجأة‬ ‫لك‪ ،‬هذا السوار ال يحيط‬ ‫اال بمجلتني هما “تايم”‪،‬‬ ‫و”املجلة”‪ ،‬وألن “تايم” السباقة أخطأت في‬ ‫تسجيل أسبقية السوار‪ ،‬صار من حقنا‬ ‫استخدامه‪ ،‬ملاذا ألغيته؟ عاد السوار األحمر‪،‬‬ ‫ثم ألغي‪ ،‬وجرت تحت الجسور مياه‪ ،‬وها هو‬ ‫يعود‪.‬‬

‫عثمان العمير‬


‫‪www.majalla.com‬‬

‫العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫للح�شول على العدد‬ ‫ا�شــتـخـدم هـاتفــك‬ ‫الـــذكــي لـمــ�شــــــح‬ ‫هــــــذا الــــرقــــــــم‬ ‫‪02‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬

‫‪Issue 1580‬‬ ‫‪‬‬

‫‪The Majalla‬‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫علي العميم‪ :‬امل�شت�شرق ج‪ .‬هيوارت دان‪ ..‬تاريخ من الغمو�ض‬ ‫جمعة بوكليب‪ :‬ليبيا‪ ..‬الطريق اإىل الدميقراطية طويل و�شائك‬ ‫جمال عبد اجلواد‪ :‬م�شر‪ ..‬م�شتقبل غام�ض وتبعية مقيتة‬


‫قصة الغالف‬

‫مجلة "املجلة" التي ستصدر باذن الله يوم السبت ‪ 29‬ربيع األول سنة ‪1400‬‬ ‫هجرية املوافق ‪ 16‬شباط (فبراير) سنة ‪ 1980‬ميالدية لها معنا – أخي محمد‬ ‫وأنا وجميع العاملني فيها قصص ونوادر سيأتي حتما الوقت املناسب لذكرها‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬وفي هذه الكلمة سأروي لكم كيف تم اختيار أسم "املجلة" ملجلة العرب‬ ‫الدولية شقيقة "الشرق األوسط" جريدة العرب الدولية‪.‬‬ ‫وكالعادة عندما نقرر اصدار مطبوعة جديدة فاننا جميعا نشترك في عمل قائمة‬ ‫باألسماء املقترحة لنختار منها االسم املناسب‪ ،‬وفي أوائل العام املاضي ‪1979‬م‬ ‫وقع االختيار على اسم "مجلة الشرق االوسط" عن طريق االقتراع السري‪ ،‬ومع‬ ‫أنه كانت لدى البعض منا تحفظات على طول االسم اذ أنه يتكون من ثالث كلمات‬ ‫اال أننا اقتنعنا بأن هذا االسم له ميزات أهمها انه اسم اشتهر وأصبح له وقع لدى‬ ‫القارئ العربي في كل مكان من العالم‪ ،‬وهذا سيساعدنا على سرعة االنتشار‬ ‫والحصول على االعالنات‪.‬‬ ‫وفي يونيه(حزيران) من العام املاضي عندما فاتحنا الصديق محمد سعيد طيب‬ ‫مدير عام شركة "تهامة" بقرارنا اصدار مجلة اسبوعية سياسية اخبارية باسم‬ ‫"مجلة الشرق األوسط" قام من على كرسيه ولم يقعد اال بعد أن حصل على وعد‬ ‫منا بتغيير االسم وانصب اعتراضه – بالطبع – على أن "تهامة" وهي صاحبة‬ ‫االمتياز العالنات "الشرق األوسط اليومية" ال تقبل ان تصدر مطبوعة اخرى‬ ‫بنفس االسم ومن ذات دار النشر‪.‬‬

‫كلمة‪ ..‬ملاذا اجمللة؟‬

‫عبد الكريم أبو النصر رئيس تحرير "املجلة" هو الوحيد‬ ‫الذي احتفظ بقائمة االسماء املقترحة فقدمها مع اقتراح‬ ‫بحل وسط يرضينا وال يغضب الصديق محمد سعيد طيب‬ ‫وكان حال سحريا وافقنا عليه جميعا بدون تردد‪ ،‬اقترح‬ ‫عبد الكريم ان نحذف الكلمة األولى واألخيرة من االسم‬ ‫ليصبح اسم املجلة "الشرق" مع االحتفاظ بشعارها (مجلة‬ ‫العرب الدولية) وهكذا كتبنا في صباح الخير وفي رسالة من‬ ‫الناشر مقدمات عن املجلة الجديدة‪ ،‬وذكرنا ان اسمها هو "الشرق"‪.‬‬

‫في أواخر سبتمبر من العام املاضي كنت وعبد الكريم أبو النصر نبحث بعض‬ ‫املواضيع الخاصة بمجلة "الشرق" واذا بجرس التلفون يرن وكان على الطرف‬ ‫اآلخر محمد معروف الشيباني املدير العام املساعد املسؤول عن مكتب الرياض‬ ‫يعترض ويحذر من استعمال اسم "الشرق" للمجلة شارحا انه قد صدرت في‬ ‫املنطقة الشرقية من اململكة مجلة اسبوعية بهذا االسم وأنه في حال صدورنا بهذا‬ ‫االسم أيضا فان ارتباكا خطيرا سيحدث في التوزيع واالشتراكات في اململكة‬ ‫العربية السعودية منهيا مكاملته بالقول بأنه قد بعث لنا تقريرا وافيا عن هذا األمر‬ ‫مع عدد من املجلة املذكورة‪.‬‬ ‫سألت عبد الكريم ‪ :‬ماذا سنفعل في أوائل عام ‪1980‬؟‬ ‫رد باستغراب ‪ :‬سنصدر مجلة طبعا واال (لشو انا هون)!‬ ‫قلت‪ :‬ما رأيك نضيف على كلمة "مجلة" الف والم التعريف ليصبح اسمها النهائي‬ ‫"املجلة"‪.‬‬

‫هشام علي حافظ‬ ‫فبراير(شباط) ‪1980‬‬

‫‪10‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬



‫قصة الغالف‬

‫كان خطيب الحفل في الذكرى العاشرة لتأسيس «للشرق االوسط» الوزير البريطاني ديفيد‬ ‫ميللور‪ ،‬الذي بدأ كلمته بالقول «إني ارحب بكم في اكبر عاصمة عربية»‪ .‬لم يكن يمزح‪ .‬كانت لندن‬ ‫في تلك االيام ملتقى العرب‪ ،‬الذين فقدوا بيروت واختلفوا حول القاهرة‪ ،‬ولم تكن دبي قد اتخذت‬ ‫بعد الحجم الذي أراده محمد بن راشد آل مكتوم‪.‬‬ ‫كان لعاصمة بريطانيا ميزة اضافية‪ :‬لقد أعطت العرب الحرية في اإلفادة من قوانينها ومن‬ ‫تطورها ومن عراقتها الصحافية التي عرفت تحت اسم «فليت ستريت»‪« :‬ما دمنا في عاصمة‬ ‫الصحافة التاريخية»‪ ،‬كان يقول الراحل العزيز‪ ،‬األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز‪« ،‬فعلينا‬ ‫واجب الحفاظ على مستوياتها‪ .‬ال ينفعنا ان ننقل املستويات العربية الى لندن‪ ،‬بل علينا ان ننقل‬ ‫مستويات لندن الى العالم العربي»‪.‬‬ ‫جاء األمير أحمد الى عالم الصحافة من عالم األعمال واإلدارة‪ ،‬حيث حقق نجاحات غير مألوفة‬ ‫لشاب في مثل سنه‪ .‬وبسبب رؤيته وطموحه أدرك من اللحظة االولى حقيقة أساسية في عالم‬ ‫التعدد‪ ،‬وهي ان النجاح يكون في اعتماد الكبير على الصغير‪ ،‬وليس العكس‪« .‬الشرق االوسط»‬ ‫كانت عمال هائل الضخامة‪ ،‬وبالتالي كثير التكاليف‪ ،‬وال بد من اجل استمرارية املؤسسة‬ ‫واملحافظة على حياتها وحيويتها‪ ،‬من إحاطتها بروافد مجدية‪.‬‬ ‫كيف يكون ذلك؟ بالتوسع في نشر املجالت املتنوعة الجاذبة للقارئ واملادة االعالمية معًا‪ .‬لكن‬ ‫مجلة «املجلة» بالنسبة إليه لم تكن مجرد رافد اعالني‪ ،‬بل اراد لها ان تكون ذات شخصية‬ ‫سياسية خاصة‪ ،‬وان يكون لها قارئ يتعلق بمادتها وخصوصيتها ومهاراتها وسباقاتها‪ .‬وفي‬ ‫اللقاءات الدورية كان ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬يقول‪« :‬يجب ان نسمع كل اسبوع كالمًا من نوع «قالت املجلة»‬ ‫كما نسمع كل يوم عبارة «ذكرت الشرق األوسط»‪ .‬لم يترك شكًا‬ ‫لدى أحد بأن «املجلة» كانت التحدي املفضل لديه‪ .‬وبسبب فكره‬ ‫املؤسساتي كان يعتبرها معهدًا يعد فيه املحررون ورؤساء التحرير‬ ‫على السواء‪ .‬وهذا ما حدث في ثالث حاالت‪ ،‬اذ انتقل من «املجلة»‬ ‫الى «الشرق االوسط» االساتذة عثمان العمير وعبد الرحمن الراشد‬ ‫وعادل الطريفي‪ .‬لم يكن إغالق «املجلة» الورقية نهاية حلم بل كان‬ ‫نهاية مرحلة‪ .‬آخر العام املاضي صدر العدد االخير من «نيوزويك»‬ ‫بعد ‪ 80‬سنة من تصدرها اكشاك الصحف حول االرض‪ .‬وقبلها‬ ‫بزمن أغلقت مجلة «اليف»‪ ،‬درة املجالت املصورة‪ ،‬ولم تعد تصدر إال في املناسبات‪ ،‬لكي تذكر‬ ‫الناس بعصر كان انتاج املجلة يكلف ويأخذ من الجهد أكثر مما تأخذه الجريدة اليومية‪.‬‬

‫األمير أحمد بن سلمان‪..‬‬ ‫التوازن في الرأي واالندفاع في الرؤية‬

‫كانت «املجلة» أول أسبوعية سياسية خليجية ذات مستوى دولي‪ .‬فاألسبوعيات كانت سمة‬ ‫مصرية ولبنانية‪ ،‬يتهافت عليها الخليجيون في ديارهم ويحملونها الى بيوتهم‪ .‬لذلك قال األمير‬ ‫أحمد «ال نريد ان ننافس املجالت العربية عندنا ولكن أيضًا لم يعد من الجائز أال يكون في الخليج‬ ‫مجلة ألبنائه‪ .‬شؤوننا في املجالت العربية الكبرى ال تتجاوز املوضوع او املوضوعني‪ .‬وعلينا‬ ‫ان نحقق التوازن في املادة‪ .‬هناك قضايا كثيرة في هذه املنطقة غير السياسة‪ ،‬كالثقافة واألدب‬ ‫واالقتصاد‪ ،‬وهذه نحن أدرى بشعابها»‪ .‬حافظت «املجلة» على توازن دقيق في اختيار‬ ‫واالجتماع‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫املادة والكتاب والنقاد وحتى الضيوف‪ .‬نقلت العرب الى الخليج والخليج الى العرب‪ .‬أضاءت على‬ ‫شؤون وقضايا كثيرة كان القارئ العربي اآلخر يهملها أو ال يعرف عنها‪ .‬وقدمت الى القارئ‬ ‫ّ‬ ‫الخليجي كتابًا كثيرين لم يكن يعرف بهم أو يعرف عن نتاجهم‪ .‬بذلك‪ ،‬أي في هذه الناحية‬ ‫بالذات‪ ،‬تميزت على األسبوعيات العربية األخرى‪ ،‬التي اكتفت بنجاحها‪ ،‬ولم تنطلق الى االكتشاف‬ ‫والتبادل والتواصل الفكري‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫مر ثلث قرن على صدور «املجلة» من لندن‪ .‬كانت تلك بداية مرحلة في تاريخ الصحافة العربية‬ ‫التي وجدت نفسها تقيم في الخارج‪ ،‬واليوم تبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الصحافة العربية‬ ‫والعاملية‪ ،‬وهي اكثر صعوبة‪ ،‬مرحلة التنافس في األثير وعليه‪ .‬لقد ولد عصر جديد وقارئ‬ ‫جديد ايضًا‪ .‬وما زالت دعوة األمير أحمد بن سلمان هي القاعدة التي نعمل بها‪ :‬التوازن في املادة‬ ‫والتوازن في الرأي واالندفاع في الرؤية‪.‬‬ ‫وكل ثلث قرن وأنتم بخير‬

‫سمير عطاالله‬

‫‪8‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬


‫اللطيف املناوي وأيمن الصياد ولطيفة الشعالن وجعفر عباس وعلي‬ ‫العميم وإلياس حرفوش وغيرهم كثر‪.‬‬ ‫كما تشرفت «املجلة» بأن كتب فيها أدباء كبار من بينهم نجيب‬ ‫محفوظ وإحسان عبد القدوس وبلند الحيدري والطيب صالح وأحالم‬ ‫مستغانمي‪.‬‬ ‫‪« ..2013‬املجلة» ما زالت على العهد وفية لقرائها‪ ،‬تطل عليهم ورقيا‬ ‫أول كل شهر في عدد حرصنا على أن يضم أبرز الكتاب عبر‬ ‫التحليالت العميقة والهادفة‪.‬‬ ‫وألن الزمن غير الزمن‪ ،‬أصبح للمجلة موقع إلكتروني بثالث لغات هي‬ ‫العربية واالنجليزية والفارسية‪.‬‬ ‫وألن القارئ غير القارئ اقتحمت املجلة عالم التقنيات والتكنولوجيات‬

‫الحديثة فصار لها وجود بارز على (الفيس بوك) و(تويتر)‪ .‬وهي‬ ‫مع كل ذلك تسعى أن تستمر على العهد‪ ..‬عهد من أسس ومن قاد‬ ‫ومن ّثبت بجهده إسم «املجلة» لعقود من الزمن ّ‬ ‫مرت ومن يعمل اليوم‬ ‫لتستمر املسيرة لسنوات قادمة‪.‬‬ ‫وكما قال الناشران هشام ومحمد علي حافظ في رسالتهما بمناسبة‬ ‫الذكرى الرابعة لصدور املجلة (فبراير ‪« :)1983‬أنتم‪ ،‬أعزاءنا القراء‪،‬‬ ‫األبطال الحقيقيون الذين كنتم وراء نجاح «املجلة» وصمودها‬ ‫واستمرارها وريادتها‪ ،‬فالقارئ في «املجلة» هو األول دائما‪.»..‬‬ ‫وبعد أكثر ثلث قرن نقول ما قاله املؤسسون من قبلنا‪« :‬القارئ في‬ ‫«املجلة» كان وسيبقى هو األول دائما»‪.‬‬ ‫عزالدين سنيقرة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪7‬‬


‫قصة الغالف‬

‫‪,,‬‬

‫حرصنا‬ ‫على أن‬ ‫يضم أبرز‬ ‫الكتاب عرب‬ ‫التحليالت‬ ‫العميقة‬ ‫واهلادفة‬

‫‪,,‬‬

‫‪6‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫تحتفل «املجلة» في شهر فبراير(شباط) الجاري بالذكرى ‪ 33‬لصدورها‪.‬‬ ‫‪ .. 1980‬ثلث قرن كامل ّ‬ ‫مر عندما قرر الناشران هشام ومحمد علي حافظ إصدار‬ ‫ثامن الصحف واملطبوعات التابعة للشركة السعودية لألبحاث والتسويق‪.‬‬ ‫لم تكن البداية سهلة ولم يكن املشوار كله كما أراده الناشر أو هيئات التحرير‬ ‫املتعاقبة على واحدة من أشهر املجالت العربية التي تعاقب على رئاستها نخبة من‬ ‫أبرز اإلعالميني السعوديني والعرب من بينهم عبد الكريم أبو النصر‪ ،‬الذي بدأ املشوار‬ ‫وقاد االنطالقة باقتدار‪ ،‬وعثمان العمير وعبدالرحمن الراشد وهاني نقشبندي وعماد‬ ‫الدين أديب وعبد العزيز الخضر وعبدالوهاب الفايز وعادل الطريفي‪.‬‬ ‫«املجلة» كانت أيضا محطة مهمة في املسيرة الصحافية لكتاب عرب أصبحوا من‬ ‫رموز اإلعالم العربي من بينهم صالح القالب وسمير عطا الله وفهمي هويدي وعبد‬


‫الكتــاب المســاهمـون في هـذا العـدد‬

‫اللطيف املناوي و أيمن الصياد ولطيفة الشعالن وجعفر عباس وعلي‬ ‫العميم وإلياس حرفوش وغيرهم كثر‪.‬‬ ‫كما تشرفت «املجلة» بأن كتب فيها أدباء كبار من بينهم نجيب‬ ‫محفوظ وإحسان عبد القدوس وبلند الحيدري والطيب صالح وأحالم‬ ‫مستغانمي‪.‬‬ ‫‪« ..2013‬املجلة» ما زالت على العهد وفية لقرائها‪ ،‬تطل عليهم ورقيا‬ ‫أول كل شهر في عدد حرصنا على أن يضم أبرز الكتاب عبر‬ ‫التحليالت العميقة والهادفة‪.‬‬ ‫وألن الزمن غير الزمن‪ ،‬أصبح للمجلة موقع إلكتروني بثالث لغات هي‬ ‫العربية واالنجليزية والفارسية‪.‬‬ ‫وألن القارئ غير القارئـ اقتحمت املجلة عالم التقنيات والتكنولوجيات‬

‫علي العميم‪ :‬كاتب وصحافي وناقد ومؤرخ سعودي‪.‬‬ ‫عمل صحافياً متفرغاً في جريدة «الشرق األوسط» من‬ ‫مؤلفاته «شيء من النقد شيء من التاريخ‪ :‬آراء في‬ ‫الحداثة والصحوة وفي الليبرالية واليسار» و«عبداهلل‬ ‫النفيسي‪ :‬الرجل‪ ،‬الفكرة‪ ،‬التقلبات‪ :‬سيرة غير تبجيلية»‪.‬‬

‫الحديثة فصار لها وجود بارز على الفايس بوك وتويتر‪ .‬وهي مع كل‬ ‫ذلك تسعى أن تستمر على العهد‪ ..‬عهد من أسس ومن قاد ومن ّثبت‬ ‫بجهده إسم «املجلة» لعقود من الزمن ّ‬ ‫مرت ومن يعمل اليوم لتستمر‬ ‫املسيرة لسنوات قادمة‪.‬‬ ‫وكما قال الناشران هشام ومحمد علي حافظ في رسالتهما بمناسبة‬ ‫الذكرى الرابعة لصدور املجلة (فبراير ‪« :)1983‬أنتم‪ ،‬أعزاءنا القراء‪،‬‬ ‫األبطال الحقيقيون الذين كنتم وراء نجاح «املجلة» وصمودها‬ ‫واستمرارها وريادتها‪ ،‬فالقارئ في «املجلة» هو األول دائما‪.»..‬‬ ‫وبعد أكثر ثلث قرن نقول ما قاله املؤسسون من قبلنا‪« :‬القارئ في‬ ‫«املجلة» كان وسيبقى هو األول دائما»‪.‬‬ ‫عزالدين سنيقرة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪7‬‬

‫جمعة بوكليب‪ :‬أديب وكاتب صحافي ليبي‪ ،‬من مؤلفاته‬ ‫“حكايات من البر اإلنجليزي”‪ ..‬له بودكاست أسبوعي‬ ‫تحت عنوان “رسالة من لندن‪ ..‬مع جمعة بوكليب” يقدم‬ ‫من خالله قراءته ومتابعاته ألهم األحداث في بريطانيا‬ ‫والعالم‪.‬‬ ‫د‪ .‬جمال عبد الجواد سلطان‪ :‬أستاذ العلوم السياسية‬ ‫بالجامعة األميركية‪ ،‬رئيس مركز األهرام للدراسات‬ ‫االستراتيجية سابقا حيث كان يترأس برامج الشرق‬ ‫األوسط لبحوث المسوح والسياسات العالمية التابعة‬ ‫للمركز‪ .‬وهو يعمل حاليا مستشارا للمركز وله مساهمات‬ ‫وكتابات في عدد من الصحف المصرية والعربية‪.‬‬

‫حسين عبد الحسين‪ :‬صحافي لبناني خريج “الجامعة‬ ‫االميركية في بيروت” حيث درس فيها التاريخ‪ .‬يقيم‬ ‫في الواليات المتحدة األميركية وهو مدير مكتب جريدة‬ ‫الراي الكويتية في واشنطن‪ .‬صاحب مدونة على موقع‬ ‫“المجلة” العربي بعنوان “من واشنطن”‪.‬‬ ‫عبداهلل الرشيد‪ :‬محاضر في جامعة اإلمام محمد بن‬ ‫سعود اإلسالمية‪ ،‬حاصل على درجة الماجستير عن‬ ‫بحث تناول إشكالية مصطلح المجتمع المدني في الفكر‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬حاليا يدرس الدكتوراه في مناهج الفكر‬ ‫الحديث‪ ،‬ويدير مشروع المعرفة بكرسي الشيخ عبد‬ ‫الرحمن الجريسي لدراسات حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫‪5‬‬


‫قصة الغالف‬

‫مستقبل غامض وتبعية مقيتة‬ ‫وتنمية متلكئة‬

‫المجلة‪ ..‬الذكرى‬ ‫للتاريخ‪,,‬‬ ‫شهادات‬ ‫‪33‬‬

‫حرصنا‬ ‫على أن‬ ‫يضم أبرز‬ ‫الكتاب عرب‬ ‫التحليالت‬ ‫العميقة‬ ‫واهلادفة‬

‫‪,,‬‬

‫‪22‬‬

‫‪06‬‬

‫مصر بعد عامني من الثورة‬

‫‪28‬‬ ‫الطريق إلى الديمقراطية في ليبيا‬ ‫مازال طويال وشائكا‬ ‫صدمة االستقالل الثانية‬

‫‪38‬‬ ‫‪6‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫عشرة أسباب وراء االنسحاب‬ ‫األميركيون راحلون‬

‫‪46‬‬ ‫خلية اإلخوان المسلمين‬ ‫في اإلمارات‪ ..‬القصة كاملة‬ ‫تنظيم ّ‬ ‫سري‬

‫‪54‬‬ ‫تعامل مع المنطقة التي تجدها وال‬ ‫تتعامل مع المنطقة التي تريدها‬ ‫سراب الربيع العربي‬ ‫‪4‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫تحتفل «املجلة» في شهر فبراير الجاري بالذكرى ‪ 33‬لصدورها‪.‬‬ ‫‪ .. 1980‬ثلث قرن كامل ّ‬ ‫مر عندما قرر الناشران هشام ومحمد علي حافظ إصدار‬ ‫ثامن الصحف واملطبوعات التابعة للشركة السعودية لألبحاث والتسويق‪.‬‬ ‫لم تكن البداية سهلة ولم يكن املشوار كله كما أراده الناشر أو هيئات التحرير‬ ‫املتعاقبة على واحدة من أشهر املجالت العربية التي تعاقب على رئاستها نخبة من‬ ‫أبرز اإلعالميني السعوديني والعرب من بينهم عبد الكريم أبو النصر‪ ،‬الذي بدأ املشوار‬ ‫وقاد االنطالقة باقتدار‪ ،‬وعثمان العمير وعبدالرحمن الراشد وهاني نقشبندي وعماد‬ ‫الدين أديب وعبد العزيز الخضر وعبدالوهاب الفايز وعادل الطريفي‪.‬‬ ‫«املجلة» كانت أيضا محطة مهمة في املسيرة الصحافية لكتاب عرب أصبحوا من‬ ‫رموز اإلعالم العربي من بينهم صالح القالب وسمير عطا الله وفهمي هويدي وعبد‬


‫للمشاركة‬

‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني ‪editorial@majalla.com‬‬ ‫ملحوظة‪ :‬جميع المقاالت يجب أال تزيد على ‪ 800‬كلمة‬

‫اشتراكات‬

‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‪ ،‬يرجى االتصال بـ‪subscriptions@majalla.com :‬‬ ‫لالشتراك في االلكترونية‪www.issuu.com/majalla :‬‬

‫حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة ‪ 2009‬التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة‪ .‬وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء‬ ‫منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث‬ ‫والتسويق (شركة محدودة)‪ .‬وتصدر المجلة شهرياً‪ .‬لتلقي استفسارات االشتراك الرقمي‪ ،‬يرجى زيارة ‪www.majalla.com‬‬

‫‪issue 1580 - February 2013‬‬

‫العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬ ‫الرياض ‪ -‬حي المؤتمرات ‪ -‬طريق مكة ‪ -‬تقاطع التخصصى‬

‫مرخص لها‬

‫الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 4419933‬لندن‪A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 :‬‬

‫‪www.majalla.com/eng‬‬

‫‪HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd‬‬ ‫‪Arab Press House, 184 High Holborn,‬‬ ‫‪London WC1V 7AP‬‬ ‫‪Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310‬‬

‫الوكيل اإلعالني‬

‫موقع إلكتروني‪ ،www.alkhaleejiah.com :‬بريد إلكتروني‪hq@alkhaleejiah.com :‬‬

‫وكيل اإلشتراكات‬

‫بريد إلكتروني‪ ، info@arabmediaco.com :‬موقع إلكتروني‪ ،www.arabmediaco.com :‬هاتف مجاني‪ 800-2440076 :‬‬

‫وكيل التوزيع‬ ‫مركز الطباعة‬

‫من داخل المملكة ‪ ،920 000 417 :‬دبي‪ ،+9714 3 914440 :‬باريس‪ ، +331 537 764 00:‬لندن‪ ، +44 207 404 6950:‬ومن مختلف الدول ‪+966 1 441 1444 :‬‬

‫وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي المؤتمرات ‪ -‬ص‪.‬ب ‪ - 62116‬الرياض ‪ ،11585‬هاتف‪ +966 1 4419933 :‬فاكس‪،+966 1 2121774 :‬‬ ‫موقع إلكتروني‪www.saudidistribution.com :‬‬ ‫ص‪.‬ب‪ - 121 .‬الرياض ‪ ،11383‬هاتف ‪ ،+9661.2657000‬فاكس ‪ ،+9661.2658000‬موقع إلكتروني‪www.halaprintco.com :‬‬

‫شركات المجموعة‬ ‫‪Saudi Specialized Publishing Company‬‬

‫حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة‬

‫لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم»‬

‫حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة»‬

‫للحصول على المزيد من المعلومات‪ ،‬يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني ‪8002440014‬‬


AN AMERICAN EDUCATION A BRITISH SETTING A GLOBAL FUTUR E A Since the 1970’s Richmond has been educating leading Middle Eastern families. Richmond’s unique style of personalised higher education ensures that students leave us with a dually accredited degree, that is recognised in the UK, the USA and worldwide.

+44 20 8133 2877 • enroll@richmond.ac.uk Visit www.richmond.ac.uk/al-majalla today to download our catalog and viewbook.


‫العدد ‪ 1580‬فبراير‪ -‬شباط ‪2013‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪02‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪Issue 1580‬‬

‫‪The Majalla‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫علي العميم‪ :‬امل�ست�شرق ج‪ .‬هيوارت دان‪ ..‬تاريخ من الغمو�ض‬ ‫جمعة بوكليب‪ :‬ليبيا‪ ..‬الطريق �إىل الدميقراطية طويل و�شائك‬ ‫جمال عبد اجلواد‪ :‬م�صر‪ ..‬م�ستقبل غام�ض وتبعية مقيتة‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.