�أحوال ِّ ُ ٌ العواطف بعيدا عن مهمته في تحبيب ما ظل راسخا في ذاكرتنا أن عالم الدين أب للجميع ،ويقابل َّ السيئة بالحسنة ،وال تأخذه َ َ ْ ُ ِّ َ ّ ُ ُ غير صغارها.. الدين ُللناسَ ،وذلك َبتعاليه َ على الصغائر ،وكأني أسمع أبا الطيب (اغتيل 354هـ) ينشد« :وتعظم في ع ِ ني الص ِ ََ ْ ُ ُ ظائم». ظيم الع ِ وتصغر في عني الع ِ ِّ زلت أنظر إلى عالم ِّالدين بهذا الشعورِّ ، ما ُ فالدين ثبات وديمومة ِّ والسياسة متغير وزوالِ ،من طبيعتها أنها في كل آن بشأن، وهذا ليس إنقاصا ِمن أهلها ،إنما هذه هي طبيعة السياسة .سنأتي بنموذج من نماذج اإلسالم السياسيِ ،من كبار شيوخه، وكيف أنه تعامل بروح الحزبي الخصم ال بروح عالم ِّالدين األب ،وكيف إذا كان الذين تعامل معهم أبناء وطنه وهم وهو أمسوا َّ خارج الوطن ..بمعنى أن مهمته تتضاعف في تقديم املساعدة لهم ،وفي هذه الحالة سيدفعهم تصرفه إلى النظر إلى ِّالدين ِمن خالله إيجابا أو سلبا. ٌ معروف بدوره في حركة اإلخوان املسلمني ،وقد بايع شخصيا مؤسس ومرشد اإلخوان َّ الشيخ إن عالم ِّالدين الذي أقصده
حسن البنا (اغتيل ،)1949إنه محمد محمود الصواف (ت ،)1992الذي عاد إلى العراق بعد البيعة واالنضمام إلى اإلخوان، َّ الشريعة باألعظميةُ ، وعني مفتشا عاما للمعابد .وأصدر العام 1954مجلة «األخوة اإلسالمية» ،وبعد وعمل مدرسا في كلية العراق ،1960بعد تولي مسؤولية املراقب العام ترك اإلسالمية». األخوة «صدى إلصدار امتيازا منح يوليو (تموز) 1958 ٍّ ككل ،ولو عاش إلى هذه اللحظة َّ لربما احتل زعامة لإلخوان املسلمني العراقيني ،ثم اختلف معه أتباعه ،ولم يخرج ِمن «اإلخوان» َّ التنظيم الدولي اإلخواني. العراق هاجر إلى الحجاز ،وعمل مدرسا في كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية باملدينة املنورة ،ومستشارا في وزارة بعد ِ املعارف باململكة العربية السعودية .ذهب إلى أفغانستان وارتدى اللباس األفغاني مع املجاهدين ،حسب ما ظهر في الصور خطيبا ،وتوفي في صالة مطار إسطنبول خالل عودته إلى اململكة العربية السعودية َّ (السامرائي ،تاريخ علماء بغداد).
بقلم :ر�شيد اخل ُّيون
كنا نسمع بالعراق عن قضية األساتذة الذين عملوا في جامعة امللك سعود ِّ بالرياض ( 1963وما بعدها) ،وهم ِمن كبار األساتذة العراقيني ،وكنا نسمع أيضا عن َّالدور اإليجابي لوزارة املعارف معهم ،وهو أمر شائع بيننا ،لكن لم أكن أتوثق منه إال بعد أن أخبرني األديب واألكاديمي العراقي عبد اإلله أحمد (ت ،)2007في لقاء معه بأربيل (أبريل /نيسان ،)2006 ،وهو ُّ ربطت قصة محاولة االستغناء عن خدماتهم بتمسك املعارف من الذين عاشوا تلك الفترة وأسهموا في أحداثها ،وعندها ُّ السعودية بهم. َّ الشيخ َّ الصواف كان وراء الوشاية باألكاديميني العراقيني املذكورين ،على قصة ذلك :أن خلفية املوقف ِّ السياسي منهم أوان .1959وكانوا قد وصلوا إلى ِّ الرياض متعاقدين مع جامعتها بعد انقالب 8فبراير (شباط) 1963القومي -البعثي ،وصدور قرار بطردهم من َ الجامعة وعشرات ِمن خيرة علماء العراق ،نفذه فيهم زميلهم رئيس الجامعة آنذاك واحتفظ بصورة طبق األصل منه.
َّ الصواف ..عندما يكون ِّ عالم الدين حزبيا!
وهم :اللغوي محمد مهدي املخزومي (ت ،)1993صاحب «مدرسة الكوفة ومنهجها في ُّ دراسة اللغة والنحو» و«الخليل بن أحمد الفراهيدي» .وكبير النقاد علي جواد الطاهر (ت )1996صاحب «الشعر العربي في العصر السلجوقي» ،وثالثني كتابا آخر في شتى مجاالت األدب .واألديب باقر سماكة (ت ،)1994صاحب «التجديد في األدب األندلسي». في القرون اإلسالمية الوسطى» ومؤسس أكاديمية والفنان واألكاديمي خالد الجادر (ت )1988صاحب «التصوير العراقي ُ الفنون الجميلة ببغداد .وعالم النفس نوري جعفر ،الذي تغرب إلى ليبيا وقتل هناك في حادث مؤسف ( .)1991وآخرون ال تحضرني أسماؤهم .وملا طالبت بهم الحكومة العراقية بحجة أنهم مطلوبون لها سياسيا لم تستغن املعارف السعودية عنهم. َّ كان جواب وزير املعارف السعودي آنذاك الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ ،وكان على مستوى ِمن املوضوعية والتواضع: «هل لديكم آخرون َّمن هؤالء؟!» .أكد لي قضية تورط الصواف في مثل هذا العمل أكاديمي سعودي كان يكن احتراما وتقديرا للناقد علي جواد الطاهر ،الذي ترك في مكتبة جامعة امللك سعود كتابا ألفه ليكون مرجعا لطالب الجامعة «معجم املطبوعات العربية في اململكة العربية ُّ السعودية» ( 1417هـ) ثالثة مجلدات. َّ الشيخ َّ الصواف ألح كثيرا على وزير املعارف ،بخصوص طرد هؤالء العلماء ،وبعد أن تيقن الوزير من أن هؤالء نوابغ قال «إن في تخصصاتهم ،وليس لهم تدخل في السياسة ،وليسوا متظاهرين بأي انتماء حزبي أو فكري أو سياسي على العموم، ولبالده فائدة جمة من وجودهم ،فإنه لم يأخذ إلحاح الصواف بنظر االعتبار وأهمله ..وصور املخزومي والطاهر ما زالت ُ ذهبت إلى هناك ورأيتها بعيني .بعدها سمعتها برواية الدكتور نوري معلقة على لوحة الشرف بالجامعة املذكورة» ،وبالفعل جعفر ،وأن َّ الصواف لم يترك األمر إنما أوصله إلى الديوان امللكي ،على اعتبار أنه كان مستشارا ،والتقى امللك فيصل بن عبد َّ العزيز باألساتذة ،وأظهر لهم الترحيب ،ولم يفتح معهم املوضوع ،وظلوا يمارسون التدريس حتى فسح لهم املجال ببالدهم العراق. وعادوا إلى ِ َ َّ الشيخ َّ الصواف إخوانيا سياسيا لنظرها ال نكتب هذا للتشهير ،فالشيخ والعلماء رحلوا جميعا ،بل ِعبرة ملن اعتبر ،فلو لم يكن َّ َّ ّ ِمن زاوية أرحب ،يلعب فيها دور األب ،ال دور الند .رحم الله الجميع ،وفي املقدمة حسن آل الشيخ ملوقفه النبيل هذا.
66
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
ويضيف التقرير أن الهيئة يجب أن يرأسها شخص مدني بصفة «مدير عام» ويجب أن يتم تمويلها عن طريق تبرعات من الواليات املتحدة واألطراف املعنية مباشرة باألمر .واألطراف األخری املهتمة عموما باملنطقة ٬ويوضح التقرير أن هذه املرحلة االنتقالية يجب أن تكون ملدة خمس سنوات وأن «تستغل» لتشجيع قيام قوة بوليس وح��رس وطني محلية .لكن خالل املرحلة االنتقالية تتولی مهمات الجيش والشرطة قوة سالم دولية تعمل تحت قيادة الهيئة التنفيذية املؤقتة .ويقول التقرير« :في السنة الثالثة من املرحلة التمهيدية يختار سكان الضفة الغربية وغ��زة باالنتخاب حكومة مؤقتة م��زودة بسلطات محدودة.. وعشية استقالل الدولة الفلسطينية يختار الفلسطينيون ٬باالنتخاب أيضا٬ أول حكومة وطنية مستقلة .وخالل املرحلة االنتقالية تبقی القوات املسلحة اإلسرائيلية في هذه األراضي املحتلة لضمان أمن إسرائيل .لكن هذه القوات يجب أن تنسحب ضمن جدول زمني يتم تحديده في معاهدة السالم». ويتوقف التقرير عند وض��ع ال�ق��دس ف��ي ه��ذه املرحلة االنتقالية فيقول« :إن القدس تبقی خ�لال ه��ذه املرحلة تحت الحماية العسكرية اإلسرائيلية ٬لكن الهيئة التنفيذية املؤقتة هي التي تشرف علی انتخاب رئيس البلدية وأعضاء املجلس البلدي وهي التي تعني مدير املدينة وتراقب تدفق الوافدين والالجئني إلی القدس». واملقصود بذلك خصوصا مطاردة الفلسطينيني وضربهم -ألن مثل هذهالسياسة تخلق جو الحرب».. أميركا والدولة الفلسطينية
يتناول القسم الثاني م��ن ه��ذا التقرير االت�ج��اه السياسي املحتمل للدولة الدولة ..اقتصاديا
الفلسطينية ٬ويقول التقرير «إن الخالفات داخل الحركة الفلسطينية توحي بأن الصراعات الداخلية ستجعل الدولة الفلسطينية الجديدة غير مستقرة. لكن هذا ال يعني أن هذه الدولة ستميل حتما إلی االتحاد السوفياتي» .ويوضح التقرير وجهة النظر هذه فيقول« :إن الدولة الفلسطينية ستبقی فترة من الزمن مرتبطة بالقوی الخارجية ٬خصوصا العربية منها ٬وستحتاج هذه الدولة إلی دعم مالي كبير ٬لذلك يمكن القول إن سرعة تبني الدولة الفلسطينية مواقف وسياسة عملية رهن في الدرجة األولی بالقوی الخارجية» .ويحث التقرير ال��والي��ات املتحدة علی دع��م إنشاء دول��ة فلسطينية ٬خصوصا أن قيام ه��ذه ال��دول��ة هو «أم��ر حتمي» .وي�ق��ول« :ونستطيع أن نستثمر الرغبة الواضحة لدی الفلسطينيني املعتدلني في التعامل مع الواليات املتحدة وكذلك رغبة العرب املعتدلني في ضمان قيام دولة فلسطينية مستقرة ومسؤولة. وحني تقوم الدولة الفلسطينية يجب أن تحث الواليات املتحدة الدول العربية املعتدلة علی إعالن قبولها وجود إسرائيل .إن مثل هذه الخطوة تبدو صعبة جدا طاملا أن الواليات املتحدة تعارض قيام وطن فلسطيني لكنها تصبح سهلة إذا ساهمنا في إنشاء دولة فلسطينية وحل قضية القدس» .ويعترف التقرير بأن الدولة الفلسطينية وإسرائيل ستشعر في البداية «بعدم الثقة» تجاه إجراءات ملموسة «لضمان أمن إسرائيل من دون تعريض أمن الدولة الفلسطينية للخطر» .ويوصي التقرير بأن تنشئ الدولة الفلسطينية حرسا وطنيا من 10آالف شخص وقوة بوليس .ويضيف« :لكي نشجع االستقرار السياسي يجب أن نحث الدول العربية املعتدلة علی تدريب هذه القوات وتمويلها ويجب أن تقتصر املعدات الحربية لهذه القوات علی األسلحة الخفيفة وطائرات النقل املالئمة وزوارق للدوريات ..أما بالنسبة إلی القدس فيجب أن تتولی عملية حفظ السالم فيها خالل املرحلة االنتقالية قوات دولية». ويقترح التقرير أن يسمح الفلسطينيون للمستوطنني اليهود بالبقاء في الضفة الغربية ويضيف« :إن مثل هذه املبادرة من جانب الفلسطينيني ستسهل قبول اإلسرائيليني معاهدة ال�س�لام ..ويجب أن يسمح لهؤالء املستوطنني اليهود بحمل األسلحة الدفاعية فقط ٬كالرشاشات والبنادق ..ويخضع املستوطنون اليهود ٬لكونهم مقيمني في الدولة الفلسطينية .أما فيما يتعلق باملسائل الدينية واملشاكل واألوض��اع العائلية ٬فينبغي أن تنظر فيها محاكم مختصة» .وال يوضح التقرير عدد املستوطنني اليهود الذين سيبقون في الدولة الفلسطينية وال يقول إذا كانوا سيبقون إلی األبد أم لفترة زمنية معينة. ويذكر التقرير أن بعض األعمال التي قامت بها إسرائيل ٬كقصف املفاعل ال�ن��ووي العراقي وض��م ال�ج��والن ٬ال يمكن أن تستمر إذا ك��ان الهدف تحقيق سالم دائم .كما ال يمكن السماح إلسرائيل باتباع سياسة «مطاردة اآلخرين
القسم الثالث من التقرير يتناول موضوع اقتصاد الدولة الفلسطينية وقابليتها للحياة واالستمرار .ويقول التقرير« :إذا كان إنشاء مثل هذه الدولة سيحقق السالم فإن الدول الغربية ودول الخليج العربي ستجد حافزا كبيرا في دعمها بما تحتاج إليه من مال .وفي الوقت نفسه فإن الحاجة إلی إنفاق مبالغ هائلة علی شراء األسلحة ستتضاءل جديا في حال تحقيق السالم مما يتيح املجال لتحويل جزء مهم من املخصصات لدعم الدولة الفلسطينية اقتصاديا». ويكشف التقرير أن االحتالل اإلسرائيلي للضفة الغربية وغزة خلق اضطرابا جديا في وضع هذه املنطقة االقتصادي واملالي ٬ويقول إن حاجة إسرائيل إلی األيدي العاملة ٬خصوصا بعد حرب .1972جعلت الدولة اليهودية تعتمد اعتمادا كبيرا علی أهالي األراضي املحتل ٬.ويضيف التقرير أن من األمور التي يمكن تحقيقها بعد ضمان السالم في تلك املنطقة ٬إنشاء عالقات اقتصادية وثيقة بني الدولة الفلسطينية واألردن وإسرائيل. ويوصي التقرير بتركيز االستثمارات في الضفة وغزة علی تطوير الزراعة والسياحة .وي�ق��ول إن ال�خ�ب��راء االقتصاديني يتوقعون أن يأتي إل��ی الضفة الغربية بعد تحقيق ال�س�لام ٬بني مليون ومليون ونصف من الفلسطينيني املهاجرين ٬لكن هذا األمر قد يستغرق عدة سنوات .ويذكر التقرير أن هناك بال شك فوائد اقتصادية في تحقيق السالم وإنشاء دول��ة فلسطينية ٬لكنه يقول إن املرحلة االنتقالية ستتخللها عقبات بسبب اعتماد إسرائيل الكبير علی منتجات الضفة وغزة. ويضيف« :بعد إنشاء الدولة الفلسطينية لن تستطيع إسرائيل شراء اإلنتاج الزراعي من الضفة وغزة بالسعر املنخفض الذي تدفعه اآلن ٬بل إن سعر هذه املنتجات سيرتفع ويوازي سعرها في السوق العاملية ٬وحني ذلك علی إسرائيل أن تختار بني زي��ادة إنتاجها ال��زراع��ي الداخلي أو التوصل إل��ی تسويات مع الدولة الفلسطينية». ويالحظ التقرير أن إقامة دولة فلسطينية ٬ضمن املفاهيم واملقومات املذكورة ٬قد تخفف علی إسرائيل بعض النفقات ٬ويكشف التقرير« :إن إسرائيل تنفق حاليا مبالغ مهمة من موازنتها علی قوات الجيش والشرطة في الضفة وغزة ٬وعلی مساعدة املستوطنني اإلسرائيليني في تلك املنطقة .والسلطات اإلسرائيلية ال تكشف حجم هذه النفقات ألسباب سياسية ٬لذلك فإن اإلسرائيليني ال يعلمون عنها أي شيء ..لكن مثل هذه النفقات ستخف بال شك بعد تحقيق السالم». وينتهي التقرير إل��ی ال�ق��ول إن ال�س�لام وح��ده يجلب االس�ت�ق��رار واالزده ��ار االقتصادي إلی املنطقة وإنشاء الدولة الفلسطينية عامل أساسي في تحقيق السالم <
الرئيس األميركي رونالد ريغان ورئيس الوزراء اإلسرائيلي مناحيم بيغن يتجوالن في حدائق البيت األبيض بالعاصمة واشنطن (يونيو)1982 /
يوصي التقرير بأن تمر عملية إنشاء الدولة الفلسطينية بمرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات وإن القدس يجب أن تكون «مدينة مفتوحة وعاصمة لفلسطني وإسرائيل في آن واحد»
غالف املجلة العدد ()112
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
65
أرشيف
للمرة األولى يصدر أربعة مسؤولني في وزارة الخارجية األميركية ٬من األخصائيني في شؤون الشرق األوسط٬ تقريرا مفصال عن الدولة الفلسطينية ٬يؤكد أن قيام هذه الدولة أمر حتمي ٬ويقول إن الواليات املتحدة يجب أن تساعد على إنشاء هذه الدولة.
مسؤولون كبار في الخارجية األميركية أعدوا أول تقرير من نوعه
تكشف مضمون مشروع أمريكي سري إلنشاء الدولة الفلسطينية املجلة العدد ()112 1982/04/9 واشنطن خاص بـ«املجلة»
فكرة الدولة الفلسطينية ليست مجرد «طموح» عربي -فلسطيني بل هي مسألة يری مسؤولون كبار في الخارجية األميركية أن تحقيقها ضروري وأساسي
64
املسؤولون األربعة يؤلفون «مجموعة عمل فلسطينية -إسرائيلية» داخل وزارة الخارجية األميركية ٬وقد أعدوا تقريرهم هذا بعد دراسة الوضع في الشرق األوسط من كل جوانبه ٬وطبع من التقرير ٬الذي وضعت عليه إشارة «سري» عدد محدود من النسخ جری توزيعها على كبار املسؤولني في اإلدارة األميركية وفي الكونغرس ٬وص��درت تعليمات مشددة بعدم تسريب نصه ٬لكن بعض وكاالت األنباء العاملية وزعت مقتطفات صغيرة منه ٬وقد دفع ذلك وزير الخارجية األميركية األسبق ألكسندر هيغ إلی إصدار تعليمات بسحب هذا التقرير من التداول. «املجلة» تمكنت من االطالع علی النص الكامل لهذا التقرير داخل مكتب أحد املسؤولني ف��ي وزارة الخارجية األميركية ٬وق��د سمح ه��ذا امل�س��ؤول ملندوب «املجلة» بنقل كل التفاصيل. وفيما يأتي أبرز ما يتضمنه هذا التقرير: أص��درت «مجموعة العمل الفلسطينية -اإلسرائيلية» ف��ي وزارة الخارجية األميركية تقريرا أكد أن قيام الدولة الفلسطينية أمر حتمي ال مفر منه ٬وأن هذه الدولة ستكون قابلة للحياة كما أنها ال تشكل سوی «مجازفة ضئيلة» علی صعيد السالم في الشرق األوسط ٬ويوصي التقرير بأن تمر عملية إنشاء الدولة الفلسطينية بمرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات ٬ويقول إن القدس يجب أن تكون «مدينة مفتوحة وعاصمة لفلسطني وإسرائيل في آن واحد» .ويتضمن التقرير اقتراحا غريبا يقول إن املستوطنني اليهود يجب أن يبقوا في هذه الدولة الفلسطينية املستقلة وإن ذلك يشكل «خطوة لتعزيز الثقة بني العرب واليهود». ينقسم هذا التقرير إلی ثالثة أقسام ٬وقد ألفه أربعة من خبراء الشرق األوسط في وزارة الخارجية األميركية ٬األربعة هم: ■ الري رويد ،وهو أميركي ولد في بيروت ويعتبر أيضا من الخبراء في شؤون العالقات مع الدول الشيوعية. ■ فرانكلني ماركو ،وهو أميركي درس في الجامعة العبرية في القدس قبل أن ينضم إلی الخارجية األميركية. ■ هنري سيزر الذي أمضی معظم حياته الدبلوماسية في الشرق األوسط. ■ ميلندا كيمبل ٬وهي عملت فترة في السفارة األميركية في القاهرة وتعتبر أخصائية في شؤون النفط. هذا التقرير يعكس آراء هؤالء الخبراء املوظفني في الخارجية األميركية ٬لكن املراقبني املطلعني في واشنطن يقولون إنه ال بد أن يؤثر علی تفكير إدارة ريغان حني تواجه الوضع في الشرق األوسط بعد الجالء اإلسرائيلي عن سيناء. أك��د التقرير ف��ي قسمه األول أن ال�ح��ل ال��وح�ي��د ل�ل�ن��زاع العربي اإلسرائيلي ٬والذي يمكن أن يكون قابال للحياة واالستمرار ٬هو الحل «الذي يرضي السكان املعنيني مباشرة أكثر من أي مجموعة أخرى ٬ونقصد بذلك الفلسطينيني وال يمكن أن يرضی الفلسطينيون
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
بأقل من الحصول علی استقالل حقيقي من األردن وإسرائيل وفي األراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب ،67إن الفلسطينيني يناضلون اليوم ٬كما ناضل غيرهم في السابق من أجل الحصول علی حق تقرير املصير .وحق تقرير املصير يعني في القرن العشرين دولة مستقلة».
القدس ويتناول التقرير بالتفصيل موضوع الدولة الفلسطينية التي ينبغي إنشاؤها في الضفة الغربية وغزة ويقول« :إن مخاوف إسرائيل األمنية يمكن معالجتها عن طريق مجموعة واسعة من اإلجراءات العملية». ويتحدث التقرير عن مدينة القدس ومستقبلها -وهو املوضوع الذي نصحت عدة إدارات أميركية بمعالجته في املرحلة األخيرة من عملية السالم -فيقول: «إن أي تحرك نحو إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة يجب أن يبدأ بإيجاد حل ملسألة القدس ..إن املشاكل السياسية والدينية والرمزية لهذه املسألة يمكن أن تعطل أو تؤخر أي جهود لحل النزاع العربي -اإلسرائيلي.. يجب أن تبقی القدس غير مجزأة ٬لكن ينبغي أن تكون عاصمة إلسرائيل والدولة الفلسطينية الجديدة في آن واحد .يجب أن تبلغ الواليات املتحدة األطراف املعنية برغبتها في االعتراف بالقدس عاصمة مشتركة لهاتني الدولتني ٬وأن توضح أن نقل السفارة األميركية من تل أبيب إلی القدس سيكون رهنا بالتفاوض علی معاهدة سالم بني الفلسطينيني واإلسرائيليني .إن اعتراف الواليات املتحدة بالقدس كعاصمة رسمية إلسرائيل ٬سيجعلنا نخسر إحدی األوراق الحقيقية القليلة التي نملكها في التعامل مع إسرائيل وسيدمر أيضا مصداقيتنا مع الفلسطينيني» .ويقول التقرير إن القدس يجب أن يحكمها «مجلس حكومي بلدي» يرأسه «مدير» للمدينة ال يكون فلسطينيا أو إسرائيليا بل له صفة دولية. ويمكن أن يكون هناك رئيس بلدية منتخب للقدس وأن يتناوب علی هذا املنصب مرة شخصية فلسطينية ومرة شخصية إسرائيلية« ..ويجب أن يكون هناك قضاء مشترك فلسطيني -إسرائيلي وشرطة فلسطينية إسرائيلية تراقب عملها لجنة مشتركة .أما بالنسبة إلی السكان الدائمني للقدس فسيحتفظون بحقوقهم والتزاماتهم كمواطنني تابعني ٬إما إلسرائيل وإما للدولة الفلسطينية. وسيتمتعون بحرية االنتقال إل��ی إسرائيل وال��دول��ة الفلسطينية وك��ل أنحاء مدينة القدس» .ويتحدث التقرير عن املرحلة االنتقالية التي ستمر بها عملية قيام الدولة الفلسطينية ،فيقول إنه «ينبغي إنشاء هيئة تنفيذية مؤقتة ٬مزودة بصالحيات في مجال اإلدارة املدنية ومدعومة بقوات من الجيش والشرطة. تكون مهمتها اإلشراف علی املرحلة االنتقالية الدقيقة التي تمهد لقيام الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة .واملفترض أن يتولی مجلس األمن الدولي إنشاء هذه الهيئة التنفيذية املؤقتة ٬لكن بسبب عدم ثقة إسرائيل باألمم املتحدة فإنه يمكن إنشاء هذه الهيئة عن طريق التفاوض بني األطراف املعنية».
والتي نظر لها االقتصادي البريطاني جون ستيوارت ميل وانتهاء بدولة الرفاهية التي تلتزم بتقديم الخدمات االجتماعية واالقتصادية للمواطن والتي قامت على أفكار بياتريس ويب بعد الحرب العاملية الثانية .بوادر التحول الرابع للدولة الحديثة ظهرت في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن املاضي على يد رئيسة الوزراء البريطانية املرأة الحديدية مارغرت ثاتشر والرئيس األميركي رونالد ريغان اللذين تبنيا ث��ورة عاملية ضد تضخم األجهزة البيروقراطية وزيادة اإلنفاق الحكومي وارتفاع الضرائب. فبدأت مارغريت ثاتشر عهدها بخصخصة الخطوط الجوية البريطانية وشركة االتصاالت وبالتالي قلصت من حجم الحكومة وإنفاقاتها وهو األم��ر نفسه ال��ذي سعى إليه الرئيس ري�غ��ان .لكن ه��ذه ال�ث��ورة لم تكتمل لعدة أسباب منها طبيعة النظام الديمقراطي نفسه والذي سمح ألحزاب املعارضة ف��ي إع��اق��ة الكثير م��ن التشريعات التي تقترحها الحكومات. واليوم يرى املؤلفان أنه مالم يتم إع��ادة هيكلة نموذج الدولة الغربية فإن ذلك سيشكل خطرا على الديمقراطية نفسها حيث إنه كلما تحملت الدولة املزيد من االلتزامات االقتصادية واالجتماعية تجاه املواطنني عجزت عن تنفيذها بسبب التحديات االقتصادية العاملية أو شح املوارد أو ارتفاع عدد السكان وبالتالي يزداد سخط الناس عليها وعدم اقتناعهم بها وربما عدم اقتناعهم بفاعلية النظام الديمقراطي نفسه .وهذا بالتحديد ما حدث في اليونان وإيطاليا أثناء أزمة اليورو قبل عدة أعوام حيث استبدلت حكومات ديمقراطية منتخبة بأخرى تكنوقراط تحت ضغوطات االتحاد األوروبي. كما أن نسب العضوية في األحزاب الرئيسة في الدول الغربية تتراجع كما في بريطانيا حيث يشير املؤلفان إلى أن نسبة األعضاء املنتمني لألحزاب الرئيسية في بريطانيا اليوم هي %1باملقارنة مع %20في الستينات امليالدية.
نحو طور رابع للدولة يستعرض املؤلفان مجموعة من الحلول واألفكار التي قد تساهم في املضي نحو طور رابع للدولة الحديثة .هذه األفكار ترتبط بالعقد االجتماعي بني الدولة واملواطن وترتبط أيضا بالعملية الديمقراطية .فمن ناحية االلتزامات االجتماعية واالقتصادية التي تقدمها ال��دول��ة للمواطنني يطرح املؤلفان أمثلة لبرامج مبتكرة من عدة دول من خارج املنظومة الغربية .هدف هذه البرامج هو تقديم الخدمات االجتماعية الضرورية للمواطنني ولكن بأقل
كلفة أو بطريقة تضمن منفعة متبادلة بني الطرفني الدولة واملواطن .أحد هذه البرامج تطبقه الحكومة البرازيلية لتحويل مساعدات مالية للفقراء مشروطة بإتمامهم لبرامج تدريب أو إرسال أبنائهم إلى املدارس .في هذا البرنامج يستفيد املواطن بشكل مباشر عبر حصوله على املال وتستفيد ال��دول��ة بشكل غير مباشر إذ إن ذه��اب األط�ف��ال إل��ى امل��دارس سيعطيهم فرصا اقتصادية أفضل مستقبال وسيقلص الفجوة بني الفقراء واألغنياء. كما يستعرض املؤلفان فكرة بدأت الهند في تجربتها بهدف تقديم رعاية صحية أكثر فاعلية ولكن بتكلفة أقل ماديا .ففي الهند يوجد 6أطباء لكل 10000مواطن وملواجهة هذا العجز وبدال من التركيز فقط على تخريج عدد أكبر من األطباء بما تستغرقه عملية تعليمهم وتدريبهم من وقت وإنفاق، اقترحت وزارة الصحة الهندية استحداث برنامج تدريبي مدته 3سنوات لتخريج ممرضني قادرين على تقديم الخدمات الطبية األساسية للمرضى وتشخيص وعالج األمراض البسيطة بما يغنيهم عن الذهاب لألطباء .أما بالنسبة للحكم والديمقراطية فيقترح املؤلفان نقل « »outsourceالقرارات االقتصادية الكبرى املتعلقة بالسياسات املالية للدولة إلى لجان وهيئات مستقلة قوامها خبراء تكنوقراط .هذا سيعطي فرصا أكبر لقبول هذه السياسات وتمريرها استنادا إلى استقاللية هذه الهيئات عن الحكومة أو الحزب الحاكم .في نفس الوقت فإن املزيد من املشاركة الشعبية مطلوب في القرارات املتعلقة باملستوى املحلي والبلدي للمواطن ويضرب املؤلفان املثل بالهند مرة أخرى حيث نجح رئيس ال��وزراء الحالي ناريندرا مودي أث�ن��اء حكمه ل��والي��ة ك��وج��رات وبفضل السلطات ال��واس�ع��ة املخولة ل��ه في خلق اقتصاد صناعي للوالية بات نموذجا يتمنى الكثيرون تطبيقه على مستوى الدولة في الهند. قد يبدو هذا الكتاب غير ذي أهمية للقارئ العربي حيث يغرق العالم العربي اليوم في موجة من اإلرهاب واالنهيار السياسي .لكن من الضروري أن نضع في البال أن األطوار الثالثة للدولة الحديثة كما يطرحها الكتاب انبعثت من رحم الحروب التي خاضتها أوروبا .فـ(الدولة -األمة) التي جاء بها توماس هوبز نشأت على إث��ر ال�ح��روب الدينية التي خاضتها أوروب ��ا ف��ي القرنني السادس والسابع عشر .و(الدولة الليبرالية) التي نظر لها جون ستيوارت ميل نشأت في أعقاب الثورة الفرنسية وحرب االستقالل األميركية .و(دولة الرفاهية) جاءت في أعقاب الحربني العامليتني .ما يمر به العالم العربي اليوم على صعوبته يشكل فرصة إلعادة بناء الدولة العربية التي انهارت في بعض الحاالت وشارفت على االنهيار في حاالت أخرى <
تمثال «املرليون» احد اشهر معالم سنغافورة السياحية
بعض عناصر قوة الديمقراطية تتحول أحيانا إلى عوامل ضعف تعيق الحكومات في أداء مهامها
جون ميكلثويت رئيس تحرير مجلة اإليكونوميست
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
63
ثقافة
األطوار الثالثة للدولة الحديثة انبعثت من رحم الحروب التي خاضتها أوروبا .فـ(الدولة -األمة) التي جاء بها توماس هوبز نشأت على إثر الحروب الدينية التي خاضتها أوروبا في القرنني السادس والسابع عشر. و(الدولة الليبرالية) التي نظر لها جون ستيوارت نشأت في أعقاب الثورة الفرنسية وحرب االستقالل األميركية .و(دولة الرفاهية) جاءت في أعقاب الحربني العامليتني .ما يمر به العالم العربي اليوم على صعوبته يشكل فرصة إلعادة بناء الدولة العربية ،وترسيخ عقد اجتماعي متني بني الدولة واملواطن.
فشل الديمقراطية وعجز الحكومة املنتخبة ..أزمة النظام السياسي الغربي
الـثـورة الرابعـة جدة: عاصم صالح
«لقد حافظ الغرب على تفوقه وقدرته الخالقة بسبب نجاحه املتكرر في إع��ادة اختراع ال��دول��ة» بهذه العبارة يختتم ج��ون ميكلثويت رئيس تحرير مجلة اإليكونوميست» وأدريان وولدريدج محرر الشؤون اإلدارية في نفس املجلة كتابهما املشترك «الثورة الرابعة :السباق العاملي نحو إعادة اختراع الدولة (The Fourth Revolution: The Global .»)Race to Reinvent the State الفكرة املحورية لهذا الكتاب املهم والصادر في شهر مايو (أيار) املاضي هي أن العالم بشكل عام والغرب تحديدا يواجهان معضلة في أداء الحكومات والتي تعاني من قصور فاعليتها ومن األعباء املالية وبالتالي فإن تغييرا كبيرا أو ثورة في صيغة الدولة الحديثة هو أمر ضروري. ويعتبر امل��ؤل��ف��ان أن ن��ج��اح ال��ح��ض��ارة الغربية ف��ي اخ��ت��راع صيغة للدولة الحديثة في القرن السابع عشر وفيما بعد تطوير هذه الصيغة عبر ثالث ث��ورات فكرية ضمن لهذه الحضارة ال��ري��ادة أم��ام باقي منافسيها .لكن هذه الحضارة تواجه تحديا كبيرا في العصر الحالي بسبب عيوب إدارية وسياسية في صيغة «دولة الرفاهية» التي تمثلها هذه الحضارة وطبيعة العقد االجتماعي بني الدولة واملواطن مما قد يسمح بتفوق لصيغ أخرى للدولة تمثلها نماذج أوتوقراطية سياسيا ولكنها فاعلة وناجحة اقتصاديا وتقنيا كالصني وسنغافورة.
عجز الحكومات بسبب الديمقراطية
اسم الكتاب: الثورة الرابعة.. السباق العاملي نحو إعادة اختراع الدولة تأليف :جون ميكلثويت وأدريان وولدريدج سنة النشر2014 :
62
يعدد املؤلفان مجموعة من األس��ب��اب لتراجع فاعلية األداء الحكومي أو العجز الحكومي اليوم منها :تضخم الجهاز الحكومي وارتفاع معدالت اإلنفاق الحكومي بالنسبة إلجمالي الناتج املحلي ،واالفتقار إلى الكفاءات ال��ب��ي��روق��راط��ي��ة ف���ي األج���ه���زة ال��ح��ك��وم��ي��ة وال��ش��ل��ل ال����ذي ي��ص��ي��ب الكثير م��ن الحكومات الغربية بسبب عيوب ف��ي العملية الديمقراطية نفسها. والسبب األخير تحديدا خصص له املؤلفان فصال كامال بعنوان «العجز الديمقراطي» .وفيه يجادل املؤلفان بأن بعض عناصر قوة الديمقراطية تتحول أحيانا إلى عوامل ضعف تعيق الحكومات في أداء مهامها. فعلى سبيل املثال بإمكان نائب عن والية أميركية صغيرة ال يتجاوز عدد سكانها النصف مليون كوالية (ويومينغ) أن يعطل إص��دار تشريعات وقرارات تمس 300مليون مواطن أميركي عبر ممارسة املناكفة السياسية « »filibusteringفي جلسات مجلس النواب .باملقارنة مع هذا ،فإن حكومات ال��دول اآلسيوية املتقدمة كالصني وسنغافورة ال تواجه مخاطر الشلل ال��س��ي��اس��ي .فالتشريعات وال��ق��وان�ين وامل��ش��اري��ع ال��ج��دي��دة ي��ت��م اعتمادها وتنفيذها دون معاناة مع املناكفات السياسية والجدل اآليديولوجي بني األحزاب .والفضل في ذلك يعود إلى الفلسفة السياسية واالجتماعية التي
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
تبناها ديكتاتور سنغافورة الصالح لي كوان يو .حيث ينسب إليه املؤلفان القول بأن ما تحتاجه أي دولة هو النظام « »disciplineأكثر من الديمقراطية وأن الحكم الرشيد يعتمد على نخبة من املتعلمني الصالحني وال يعتمد بالضرورة على رأي الغالبية .وهذا ما سعى الصينيون لتطبيقه بعد انهيار الشيوعية حول العالم عام .1989إذ يتحدث املؤلفان باستفاضة في الفصل املعنون بـ«البديل اآلسيوي» عن تجربة الحزب الشيوعي الصيني الذي تبنى رأسمالية الدولة فيصفانه بأكبر «إدارة موارد بشرية» في العالم بسبب احتفاظه بملفات لكل القيادات االقتصادية والعلمية واإلداري��ة في البالد مما يسمح باختيار األكفأ منهم لقيادة املناصب والشركات الحكومية.
تجربة الحكومة الصينية لبناء ك��ادر بشري ضخم م��ن البيروقراطيني األك��ف��اء ،أن��ش��أت الحكومة الصينية عام 2005في ضواحي مدينة شنغهاي أكاديمية الصني للقيادات العليا .ورغم أن األكاديمية تقع تحت إشراف الحزب الشيوعي الصيني فإن مناهجها ال تكترث بآيديولوجيات الحزب بقدر ما تهتم بتطوير القدرات اإلدارية للنخب الصينية من أجل إعدادهم لتقلد مناصب عليا سواء في الحكومة الصينية نفسها أو ف��ي الشركات اململوكة م��ن قبلها .ويقول املؤلفان إن الصني عندما بحثت عن تحديث اقتصادها وتطوير منتجاتها فإن أعني قياداتها اتجهت نحو أميركا والغرب ولكنها عندما بحثت عن الحكم الرشيد واإلدارة الفعالة فإنها اختارت وجهة أخرى وهي سنغافورة. لكن مع هذا ،ال يخلو النموذج الصيني للدولة والتنمية من عيوب خطيرة. أحدها كما يجادل املؤلفان هو أن تراجع النمو السكاني بسبب القوانني التي تحد من اإلنجاب سيخلق مشكلة اجتماعية مستقبال حيث إن عددا كبيرا من السكان من كبار السن لن يجد من يرعاهم وبالتالي ستضطر الدولة إلى تقديم املزيد من اإلنفاق املالي والخدمات االجتماعية لهم أي االتجاه نحو املزيد من صيغة «دولة الرفاهية» التي يمثلها الغرب اليوم وفي نفس الوقت يعاني من ضغوطاتها على فاعلية أداء حكوماته.
أطوار الدولة الحديثة في الفصول األولى للكتاب ،استعرض املؤلفان ثالثة أطوار للدولة الحديثة نشأت عبر ثالث ثورات فكرية في العالم الغربي .بداية من الدولة -األمة ذات السلطة املركزية التي تتحكم في املجتمع وذلك في القرن السابع عشر عبر نظريات توماس هوبز وم��رورا بالدولة الليبرالية في القرن التاسع عشر وال��ت��ي تهدف إل��ى ضمان الحرية الشخصية واالقتصادية للفرد
يكشف هذا السؤال املزيد عن الخبراء وليس عن املقاتلني .من يطرح هذا التساؤل يفترض أوال أن املرأة أكثر سلمية من الرجل بطبيعتها ،وثانيا أن املرأة التي تشارك في الصراع املسلح تمثل فقط وقودا للحرب التي يشعلها الرجل ،وأنها تقاتل بحماقة من أجل حركة لن تحقق لها فائدة .ووفقا ملا أثبتته نساء «داعش» ،فإن كال االفتراضني خاطئ .ومن أجل معرفة نساء «داعش» ودوافعهن ،من املفيد أن نضع األمر في سياقه التاريخي بمقارنته مع جيوش النساء في السلفادور وإريتريا ونيبال وبيرو وسريالنكا الالتي انضممن بإرادتهن إلى حركات وميليشيات تمارس العنف ،وأحيانا ما تقلدن رتبا رفيعة .وفي كل من تلك الحاالت ،كانت املرأة تلتحق بتلك الحركات لألسباب ذاتها التي تدفع الرجال إلى ذلك .ونظرا لوجودهن في دوائر اجتماعية محافظة ،واجه هؤالء النساء تهديدات مستمرة لهوياتهن العرقية أو الدينية أو السياسية ..وكانت تلك التهديدات عادة ،وليست املظالم التي ترجع جذورها إلى اختالف النوع ،هي التي أقنعتهن بحمل السالح. يمكن أن يخفي العنف غير اإلنساني الذي يمارسه تنظيم «داعش» بصورة خاصة حقيقة أن الصراع في العراق له جذور تتعلق بالهوية :في األساس ،تندلع معركة طائفية بني املسلمني من السنة والشيعة ،في حني يقع العديد من األقليات األصغر حجما في املنتصف .لذلك من املنطقي أن تعتمد كتيبة الخنساء ،املكونة من النساء فقط وتتبع «داعش» ،بقوة على سياسة الهوية في تجنيد واستهداف الشابات الالتي يشعرن بالظلم كمسلمات سنيات .وكانت بالفعل الفتاوى التي صدرت من أشخاص مجهولني يدعون النساء غير املتزوجات إلى االنضمام للقتال في سبيل إقامة الخالفة اإلسالمية كافية لجذب النساء إلى االنضمام إلى «داعش» من أماكن أخرى بعيدة عن املنطقة .إذا أغفل صناع السياسات مثل هذه الدوافع وتعاملوا مع املقاتالت بصفتهن مجرد أدوات في يد القيادات من الرجال ،سوف نجد أنه من الصعب منع اتجاه التطرف النسائي .وكما كتبت جني هارمن ،رئيسة مركز وودرو ويلسون الدولي ،في مقال نشر مؤخرا ،إن مواجهة الخطاب املتطرف يتطلب استيعاب األشخاص املتطرفني.
بعيدا عن النوع من املؤكد أنه يمكن أن يتداخل النوع والسياسة فيما يخص املرأة بطريقة ال تحدث مع الرجال .تجد معظم املقاتالت الطريق إلى ميدان املعركة وحشيا ،ولكن ما يدفع بعضهن إلى القتال هي رغبة عملية في األمان .وفي مناطق اشتعال الحروب حول العالم ،تمتص املرأة قدرا غير متكافئ من تداعيات الصراع ،ومنها الحرمان املادي في مخيمات الالجئني ،واملضايقات اليومية والخوف في املناطق العسكرية، والتعرض املستمر لجرائم االغتصاب .أحيانا ما يكون االنضمام إلى القتال هو الوسيلة الوحيدة للبقاء. في عام ،2005قمت بزيارة إلى سريالنكا للتعرف على ما يدفع النساء إلى االنضمام إلى «نمور التاميل» ،وهي جماعة إرهابية انفصالية سعت إلى إنشاء دولة التاميل املستقلة على الجزيرة مع الحفاظ على األدوار الراسخة لكل من الجنسني. كان حفظ األمن هو الدافع األساسي للقادة من النساء ،إذ قالت إحداهن« :جعلني الخوف املستمر من الحياة في مناطق عسكرية أدرك أن الحياة غير عادلة لسكان التاميل ..لذلك أردت أن أقاتل من أجل املساواة في الحقوق»( ..وقد رفضت القائدة ذكر اسمها ألسباب أمنية). وذكرت إحدى مقاتالت «نمور التاميل» أن السبب الرئيس لالنضمام للحركة هو االغتصاب أو الخوف من االغتصاب من قبل القوات الحكومية .ويعد أمر االغتصاب دافعا أساسيا ملا يحمله من جانب سياسي وعالقته بالنوع .قالت مقاتلة أخرى: «كنت أشعر بالخطر ألنني امرأة ،ولكنني كنت مستهدفة أيضا ألنني من التاميل»، في تصريح يعكس الصعوبة الراسخة في التنقل عبر الهويات .في الحقيقة ،يمكن أن تعتمد النجاة من االرتباك املصاحب للحرب على اختيار الهوية التي يكون لها األولوية .على سبيل املثال ،أحيانا ما تدرك نساء التاميل السلطة الذكورية في حركة التاميل ،ولكنهن يقررن االستمرار في القتال معها ،معلقات آمالهن على تحقيق األمن على املدى الطويل تحت راية قومية.
بالنظر إلى حالة إحدى القياديات في حركة التاميل الالتي قابلتهن ،والتي كانت تقضي أيامها في دوريات في القرى املحلية وتوزع منشورات تنص على الزي وتصفيف الشعر والسلوك الالئق الذي يجب أن تطبقه نساء التاميل :ال يمكن ارتداء تنورات قصيرة أو قص الشعر قصيرا أو ركوب الدراجات إال إذا كان ذلك بالجلوس جانبا .كانت القائدة ذاتها ترتدي حذاء مخصصا للقتال وكان شعرها قصيرا للغاية .سألتها كيف ترى أن هناك توافقا بني هذه القواعد وقرارها بمقاومة األدوار املخصصة لكل من الجنسني وحمل السالح ،فأجابت« :أقاتل من أجل حماية هذه القيم ،من أجل الحفاظ على هوية التاميل من أن يمحوها املستبدون» .وبذلك أصبح دور املرأة ركيزة لبناء هوية قومية. ألول وهلة ،تبدو تجارب املقاتالت في سريالنكا بعيدة عن تجارب املقاتالت في العراق ،ال سيما وأن «داعش» يتسم بعنف متطرف -أظهرت تقارير أن مقاتلي «داعش» بقروا بطون سيدات ودفنوا أطفاال أحياء – وأنه يتخذ اتجاها أكثر محافظة تجاه املرأة .ولكنهم أكثر تشابها مع نظرائهم في سريالنكا وغيرها من البلدان التي اندلعت فيها الحروب مما يبدو .تحمل معظم العراقيات السالح ،كما في كل مكان آخر ،بسبب خوفهن على سالمتهن أو شعورهن بأن «داعش» يمثل مصالحهن السياسية .وفي كثير من الحاالت يبدو أن العنف هو السبيل الوحيدة املتاحة للتعبير عن الرأي .بالنسبة لكثير من النساء ،وخاصة من املجتمع السني الذي يعاني من التهميش ،أصبح العنف أداة للقوة السياسية.
إنهاء التطرف
ت�صور و�سائل الإعالم املر�أة ك�ضحية والرجال كمجرمني يت�سمون بالعنف .ولكن هذا لي�س �صحيحا دائما .كما �أن هذا الفهم القا�صر لدور املر�أة يف العنف له م�ضامني تتجاوز ال�صراع ذاته
من أجل مكافحة التطرف النسائي ،يجب أن يتفهم الغرب املظالم التي تدفع النساء إلى القتال ثم يقضي عليها .من غير املرجح أن تحقق الحلول املعتادة – مثل تقديم دعم مادي أو مهني إلى السيدات الشابات أو الفتيات – النتيجة املرجوة، حيث إن النساء املوجودات في مناطق الحروب يعانني من تهميش عميق في كافة جوانب حياتهن .من املهم وجود هذا النوع من املساعدات بالطبع ،ولكنه ليس كافيا :ال تملك النساء في مناطق الحروب، باإلضافة إلى فقرهن ،فرصة املشاركة في الحياة السياسية؛ وعندما يعجزن عن التعبير عن املظالم التي يعانني منها علنا وبوسائل غير عنيفة ،يبدأ التطرف في جذبهن. وفي مفارقة ،نادرا ما يحقق التطرف النسائي أي مكاسب تتعلق بحقوق املرأة .على سبيل املثال في إريتريا ،بعد انتصار جبهة التحرير اإلريترية ،وهي حركة انفصالية في إثيوبيا ،حصلت املقاتالت على سلطات تتعلق بالسياسات االجتماعية ،ولكن لم يكن لهن أي صوت سياسي حقيقي .ويبدو من املرجح أن النساء في الدولة اإلسالمية املتصورة في العراق سوف يجدن تهميشا أيضا بعد انتهاء الصراع. إذا كان الغرب يريد أن يتعرف على نساء «داعش» ،يجب أيضا أن يعيد تقييم تصوراته املسبقة عن النوع والعنف .في العراق وغزة وغيرها من املناطق، سريعا ما تصور وسائل اإلعالم املرأة كضحية والرجال كمجرمني يتسمون بالعنف .ولكن هذا ليس صحيحا دائما .كما أن هذا الفهم القاصر لدور املرأة في العنف له مضامني تتجاوز الصراع ذاته .في الحقيقة ،أحيانا ما تهمل مبادرات حفظ السالم النساء في قراراتها االستراتيجية ،وتحيلهن إلى مهام تتعلق بحقوق املرأة .ولكن هذا االتجاه ال يمكن أن يستمر .في النهاية ،يحل السالم بشموله لجميع وجهات النظر ،وما دامت هناك افتراضات تتعلق بالنوع، لن تجد أصوات النساء من يسمعها .تقاتل املرأة ألسباب شخصية باإلضافة إلى السلطة السياسية ،وأحيانا ما تضحي بإحداها في سبيل األخرى .وإذا تجاهل العالم هذه الحقيقة ،سوف تضيع فرصة التعامل مع سياسة الهوية التي تطيل أمد الحرب
فورن أفيرز /ايلول -سبتمبر61 - 2014 -
صحافة عالمية
في سبيل معرفة التطرف النسائي ومحاربته
نساء «داعش»
إسالمية عراقية تحتج على مظاهرة للدفاع عن حقوق املرأة في بغداد – أغسطس (رويترز)
بقلم :نيمي غوريناثان*
تسببت تقارير بأن مجموعة من السيدات شكلن كتيبة خاصة بهن داخل تنظيم «داعش» في إرباك الخبراء وإثارة قلقهم .بالنسبة لكثيرين تبدو فكرة قيام املرأة بدور املتطرفني الذين يتسمون بالعنف أمرا متناقضا. فما السبب الذي يوجب على املرأة خوض صراع سياسي يتعامل معها بأسلوب قمعي صارخ؟ * زميلة في مركز الصراع والتفاوض واإلصالح ،وخبيرة في قضايا املرأة في األمم املتحدة
فورن أفيرز /ايلول -سبتمبر 60 - 2014
في وكالة األنباء الحكومية (شينخوا) ،إلى أن فيرغسون كشفت عن أن «التمييز العنصري ال يزال مرضا مزمنا متجذرا يستمر في تمزيق أوصال الشعب األميركي». واتهم كثير من الكتاب األجانب الواليات املتحدة بالنفاق .كتبت لي مراسلة «شينخوا» أن الواليات املتحدة «هاجمت نحو 200دولة حول العالم بسبب ما يسمى بسجالتها السيئة في مجال حقوق اإلنسان» .ولكن «ما تحتاج الواليات املتحدة إلى فعله هو التركيز على حل مشاكلها الخاصة بدال من توجيه أصابع االتهام إلى اآلخرين على الدوام» .كذلك ،وجه آية الله علي خامنئي في إيران انتقادات إلى السجل األميركي في حقوق اإلنسان عبر «تويتر»، مع نشر صور من فيرغسون باإلضافة إلى صور تاريخية تعبر عن التفرقة العنصرية واستخدم هاشتاغ .ferguson#ربما تكون االن�ت�ق��ادات املوجهة من خامنئي والصينني متوقعة ،ولكن أظهر التاريخ أن انتهاكات الحقوق في الواليات املتحدة عامة تصبح مبررا للدول األخرى لكي تتجاهل حقوق اإلنسان في ساحاتها الخلفية .عالوة على ذلك ،يقوض التمييز العنصري الصارخ محاوالت الواليات املتحدة لكسب شعوب العالم. يجد م��ؤرخ��و س�ن��وات ال�ح��رب ال �ب��اردة ف��ي ال��والي��ات املتحدة رد الفعل العاملي على أح��داث فيرغسون مألوفا .كان االحتجاج على العنصرية والتمييز األميركي قصة تحظى باهتمام عاملي في الخمسينات والستينات .يمكن أن نلقي نظرة على ما حدث في عام ،1963عندما ركز املتظاهرون املدافعون عن الحقوق املدنية جهودهم في االحتجاج على برمنغهام في والية أالباما ،وكانت مدينة تعاني من انتشار التفرقة العنصرية .كان رد فعل قادة املدينة هو العمل على إصدار قرار من املحكمة ضد املسيرات االحتجاجية .ولكن استمرت االحتجاجات، وجرى اعتقال املشاركني فيها .بعد ذلك في بداية شهر مايو (أي��ار) ،نظمت مجموعة من األطفال مسيرة سلمية ولكنهم واجهوا خراطيم إطفاء الحرائق التي صوبها ضدهم مفتش الشرطة يوجني بول كونور ،مما أدى إلى تفريق املسيرة .وسريعا ما انتشرت صورة لكلب بوليسي يهجم على شاب في قبضة ضابط الشرطة في الصحف في أميركا وحول العالم كله. وفي االتحاد السوفياتي ،كانت برمنغهام توصف بأنها نموذج درام��ي للعنصرية ،ولكن كانت التفرقة العنصرية فكرة رئيسة في الدعاية السوفياتية املعادية للواليات املتحدة. واستخدم السوفيات ،الذين أدرك��وا انتشار أخبار التفرقة األميركية ،هذا الخبر بتوسع. وظهر كاريكاتير في عام 1963يظهر طالبا أميركيا من أصل أفريقي وهو يتعرض للمنع من دخول املدرسة على يد بول كون رالي الذي بدا غاضبا ،وكان إلى جانبه رجال كو كلوكس كالن ،والفتات عنصرية وصلبان محروقة في الخلفية .شعر الدبلوماسيون األميركيون في ذلك الوقت بالقلق من أن تكون الدعاية ضد قضية العنصرية مؤثرة ألنها كانت أحيانا تقوم على أخبار حقيقية. في بقية أنحاء العالم ،وخاصة في أفريقيا وآسيا ،تسببت التقارير املباشرة عن برمنغهام أيضا في إلحاق ضرر كبير .وقامت الواليات املتحدة ببذل جهود كثيرة من أجل الترويج لخطاب يفيد بأن الواليات املتحدة في طريقها إلى تحقيق املساواة العنصرية ،وأن التقدم من العبودية إلى الحرية كان دليال على تفوق الديمقراطية .ولكن قوضت أحداث برمنغهام هذه الحجج .وبعد فترة وجيزة من اندالع أحداث العنف في املدينة ،أوردت وكالة املعلومات األميركية أن «تحسنا كبيرا تحقق على مدار العامني املاضيني على صعيد معرفة الشعب النيجيري بالتقدم الذي أحرزته أميركا في العالقات العنصرية ،بدأ في التداعي السريع». وأشارت السفارة األميركية في أكرا ،بغانا إلى أن الواليات املتحدة «بالتأكيد خسرت» بسبب األزمة .وعندما اجتمع قادة أفريقيا ألول مرة لتأسيس منظمة الوحدة األفريقية ،بعد مرور أقل من ثالثة أسابيع على تلك املسيرة ،مرروا قرارا أعربوا فيه عن قلقهم ودعوا فيه الواليات املتحدة إلى «وضع حد لهذه املمارسات السيئة املتعصبة التي من املرجح أن تؤدي إلى تدهور حاد في العالقات بني الشعوب والحكومات األفريقية ..والواليات املتحدة األميركية». وفي الوقت الذي وقعت فيه أحداث برمنغهام ،انتظر كثيرون خطوة من الرئيس األميركي جون إف كيندي .وكما قال مستشار الحقوق املدنية بورك مارشال في وقت الحق ،ظل األميركيون يتساءلون« :ملاذا لم يفعل شيئا؟» وفي النهاية ،قام الرئيس بفعل شيء .على وجه التحديد، أرسل مارشال إلى برمنغهام ،حيث اجتمع مع قيادات حركة الحقوق املدنية والحكومة املحلية والشركات ،وتوصلوا إلى اتفاق تسوية يقضي بإلغاء الفصل العنصري في املدينة واإلفراج عن املتظاهرين املعتقلني .ولكن في ذلك الوقت كانت قضية برمنغهام أكبر من مجرد أزمة محلية – بل كان لها بعد قومي ودولي أيضا .ولذلك السبب كانت إدارتها تتطلب املزيد. ف��ي الشهر ال�ت��ال��ي ،تجاهل ح��اك��م أالب��ام��ا ج��ورج واالس ،ال��ذي تعهد ب��اس�ت�م��رار «الفصل العنصري» إلى األب��د ،ق��رارا صدر من إح��دى املحاكم ومنع طالبني أفريقيني من االلتحاق بجامعة أالباما .تسبب ذلك في انطالق موجة جديدة من االنتقادات العاملية والوطنية .وعلق املدعي العام روبرت كيندي على أن استمرار املتاعب له آثار سيئة على البالد «وسيئ بالنسبة لنا أمام العالم» .وفي خطاب عاطفي في شهر يونيو (حزيران) ،وصف جون كيندي الحقوق
املدنية بالقضية األخالقية ذات األهمية .وقال« :نحن نعظ بالحرية حول العالم .ولكن هل نخبر العالم ،واألهم من ذلك بعضنا اآلخر ،أن هذه أرض األحرار فيما عدا السود؟». في النهاية ،أجاب كيندي على السؤال الذي طرحه بمشروع قانون الحقوق املدنية الشهير، الذي مهد الساحة أمام إصدار قانون الحقوق املدنية لعام .1964عندما تمت مناقشة مشروع القانون ف��ي الكونغرس ،ك��ان وزي��ر الخارجية دي��ن راس��ك ،امل�س��ؤول ع��ن تنفيذ السياسة الخارجية ،من أب��رز أعضاء اإلدارة األميركية املؤيدين للقانون .وبالطبع لم تكن الشؤون الخارجية العامل الوحيد املهم – أو حتى األهم – الذي دفع عجلة إصالح حقوق اإلنسان في الواليات املتحدة .ولكن لم يستطع قادة الواليات املتحدة معرفة أهمية املساواة في الحقوق بالنسبة لصورة الواليات املتحدة في الخارج وفي معركة الحرب الباردة .وفي النهاية ،أدى قرار حاسم اتخذ في الداخل ،والذي عالج على األقل جزئيا مسائل التفرقة العنصرية والحرمان من الحقوق والقمع الوحشي للنشطاء الحقوقيني ،بتحسني صورة الواليات املتحدة في الخارج. وأعرب راسك عن سعادته عندما جرى تمرير تشريع الحقوق املدنية قائال« :ينظر إلى هذه البالد بصفتها قائدا ملن يريد أن يكون حرا ،وما نفعله هنا له أهمية تتجاوز حدودنا» .كما شعر رئيس وزراء أوغندا ملتون أبوتي بـ«سعادة بالغة» بتمرير القانون ،وتوقع أن ُيضعف من االنتقادات التي يوجهها الشيوعيون ضد الواليات املتحدة في أفريقيا. توجد نقاط تشابه قوية بني قضيتي برمنغهام وفيرغسون .في كال املوقفني ،جذبت صور درامية تستخدم فيها قوة مفرطة ضد متظاهرين أميركيني من أصول أفريقية يطالبون بالحقوق املدنية انتباه العالم .ولكن قد تقدم لنا نظرة على لحظة أخ��رى في امللحمة التي خاضتها حركة الحقوق املدنية األميركية مقارنة مفيدة أيضا :وه��ي أزم��ة ليتل روك في أركنساس في عامي .1958-1957بعد أن قضت املحكمة العليا األميركية بعدم دستورية الفصل العنصري ،أص��در ق��اض فيدرالي ق��رارا يسمح لتسعة ط�لاب أميركيني من أصول أفريقية بااللتحاق باملدرسة الثانوية املركزية في املدينة في العام الدراسي -1957 .1958وك ��ان رد ف�ع��ل ح��اك��م أرك�ن�س��اس أورف � � ��ال ف ��وب ��وس ه ��و اس �ت ��دع ��اء ال �ح��رس الوطني .ومنعت القوات الطالب من دخول امل��درس��ة ف��ي ح�ين تظاهرت ح�ش��ود كبيرة من البيض احتجاجا على املساواة معهم. وك��ان��ت ه ��ذه امل��واج �ه��ة خ �ب��را رئ�ي�س��ا على املستوى ال��دول��ي ،إذ نالت تغطية إخبارية يومية في الصحف األجنبية .وتعقيبا على الغياب األولي لقيادة الرئيس دوايت أيزنهاور والذي جاء مناقضا لصالبته كقائد لقوات الحلفاء في غرب أوروبا أثناء الحرب العاملية الثانية، نشرت «التايمز» اللندنية تعليقا جاء فيه« :تنتشر فكاهة الذعة :لو كان الرئيس أيزنهاور حيا ،ملا حدث كل ذلك». وفي نهاية األمر تدخل الرئيس ،على الرغم من التعهد بعدم استخدام أي قوات فيدرالية لتنفيذ قرار إلغاء الفصل العنصري ،أرسل فرقة 101املحمولة جوا للقيام باألمر .قال أيزنهاور في خطاب أعلن فيه عن قراره« :يفرح أعداؤنا بهذه الواقعة ،ويستغلونها في كل مكان ليسيئوا تقديم صورة أمتنا ككل» .القى قرار أيزنهاور املتأخر ولكنه حاسم احتفاء من جميع أنحاء العالم ،واعتبر دليال على أن الحكومة الفيدرالية تقف في صف العدالة ،بغض النظر عن تصرفات حكام الواليات العنصريني. ولكن كانت لهذه القصة مقدمة غير معروفة .اتخذت والية أركنساس ردا بتمرير قانون التحاق الطالب باملدارس ،أضفى صيغة بيروقراطية على الفصل العنصري بإنشاء عملية إدارية مرهقة ال يستطيع كثير من األميركيني األفارقة اجتيازها .عندما عرض قانون مشابه في والية نورث كارولينا على املحكمة العليا ،رفضت املحكمة العليا النظر فيه مما سمح له باالستمرار .واعتمدت واليات أخرى على هذه املمارسة ،لذلك كانت املساواة موجودة نظريا وليس عمليا .ولم تلحظ الصحف العاملية ذلك. كانت هناك حاجة إلى قيادة رئاسية قوية ملعالجة أزم��ات الحقوق املدنية في بدايتها. وقد ساعدت على إصالح الضرر الذي لحق بصورة أميركا ،وإضعاف الحجة التي تفيد بنفاق الواليات املتحدة في مجال تعزيز حقوق اإلنسان .في ذلك الوقت ،كما هو قائم حاليا ،تخدم حماية الحقوق املدنية العالقات الدولية األميركية ،ولكن تعتمد مسألة تحقيق عدالة حقيقية في فيرغسون على وجود مساع مستمرة حتى بعد أن يصرف اإلعالم األجنبي نظره عن متابعة القضية
فورن أفيرز /ايلول -سبتمبر 59 - 2014
جتاهل حاكم والية �أالباما الذي تعهد با�ستمرار «الف�صل العن�صري» �إىل الأبد ،قرارا �صدر من �إحدى املحاكم ومنع طالبني �أفريقيني من االلتحاق بجامعة �أالباما
صحافة عالمية
كيف يرى العالم املظاهرات؟
اضطرابات فريغسون ..والنفاق االمريكي
صب متظاهر اميركي على رأسه الحليب بعد تعرضه للضرب من قبل قوات االمن التي حاولت تفريق املتظاهرين في فيرغسون ،ميسوري 20 -أغسطس املاضي (رويترز)
بقلم :ماري دودزياك *
في الوقت الذي تستمر فيه االضطرابات في فيرغسون بوالية ميسوري األميركية ،تتصدر التساؤالت حول التزام الواليات املتحدة بحقوق اإلنسان مرة أخرى عناوين األخبار حول العالم .ال يجب أن يكون إلقاء الضوء عامليا على مثل هذه املشاكل املحلية أمرا مفاجئا .كانت أخبار التمييز العنصري ُبني األميركيني تظهر بانتظام في التغطية اإلخبارية في حقبتي الخمسينات والستينات من القرن املاضي .وقد أجبر واضعو السياسات األميركيون في النهاية على االستجابة ،وأحد أسباب ذلك هو الحفاظ على صورة أميركا في الخارج .في حني تدرس إدارة أوباما كيفية التعامل في فيرغسون ،سيكون من األفضل لها أن تضع في اعتبارها حقيقة أن التدخل الفيدرالي ،في العقود السابقة ،كان ضروريا في النهاية لحماية كل من الحقوق املدنية والعالقات الخارجية األميركية. * بروفيسور القانون في جامعة إيموري بوالية جورجيا األمريكية
ك��ان خ�ب��ر مقتل م��اي�ك��ل ب ��راون ،امل��راه��ق األم�ي��رك��ي غ�ي��ر امل�س�ل��ح ،ع�ل��ى ي��د ض��اب��ط ش��رط��ة، واالحتجاجات الناجمة عن الحادث ،في صدارة أخبار العديد من الدول .وفي 20أغسطس (آب) ،نشرت صحيفة «الوطن» السعودية و«الكويت تايمز» الصورة الصادمة ذاتها لضابط شرطة يرتدي زي مكافحة الشغب ويصوب بندقيته تجاه امرأة على األرض .ونشرت «غلف نيوز» اإلماراتية ص��ورة لقوات إنفاذ القانون ذوي بشرة بيضاء مرتدين ما يشبه الزي
العسكري ويحملون بنادق عالية الطاقة .كما نالت أخبار فيرغسون تغطية واسعة تحديدا في تركيا .وتابعت الخدمات اإلخبارية في جميع أنحاء أوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية تطورات القصة .وعلى وجه خاص ،احتلت تغطية االضطرابات في فيرغسون موقعا بارزا َ ِّ على التلفزيون الحكومي الروسي ،فيما ُيذكر بالتغطية املوسعة التي كان يوليها إعالم االتحاد السوفياتي للتمييز العنصري األميركي أثناء الحرب الباردة .وفي الصني ،أشار مقال نشر
فورن أفيرز /ايلول -سبتمبر 58 - 2014
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
www.majalla.com
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
اشرتك اآلن واحصل على نسختك الورقية
تأسست في لندن عام 1980
العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم
09
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
Issue 1599 - September 2014
فورن أفيرز /أيار /مايو 57 - 2014
www.majalla.com
لسان الحال
ما وعد به حزب الله بأن يكون نصرا يف القلمون بات حربا دامية بقلم :طوني بدران
56
ما زال��ت أسئلة كثيرة تحوم حول االشتباكات التي دارت بداية الشهر املاضي بني الجيش اللبناني وفصائل مسلحة سورية ،من ضمنها «جبهة النصرة» ،في بلدة عرسال اللبنانية .لكن مما ال شك فيه أن قتال حزب الله في سوريا وعالقته املثيرة للجدل مع الجيش في لبنان يشكالن خطرا داهما على موقع املؤسسة العسكرية الوطنية ويهددان بتوريطها في حرب ال يستطيع الجيش تحمل كلفتها وأعبائها. مع أن االشتباك جاء بغتة ،فإن حزب الله ،بالشراكة مع الجيش ،خصوصا مديرية املخابرات ،كان قد وضع عرسال نصب عينيه منذ سنتني على األقل .حاول الحزب إنهاء وضعية عرسال كسند للثورة السورية ،خصوصا في فترة تحضيره لحصار واقتحام بلدة القصير السورية صيف .2013 وقد وضع الحزب الجيش في الواجهة في محاولة لتوريط البلدة في صراع مع الجيش ،وكانت ماكينة الحزب اإلعالمية آنذاك تعمل لتظهير عرسال والطائفة السنية عموما كبيئة حاضنة لإلرهاب. املفارقة كانت في أن عملية القصير ،وبعدها عمليات التطهير التي قادها الحزب في بلدات ومدن القلمون من قارة إلى رنكوس ،لم تنه الوجود العسكري للمعارضة السورية في املنطقة ،ال بل دفعتها أكثر في اتجاه لبنان في الجرود والتالل املتاخمة للحدود واملتداخلة مع قرى لبنان البقاعية ،خصوصا في عرسال وبلدة الطفيل املعزولة.أضف إلى ذلك أن الكتائب السورية استطاعت أن تكبد حزب الله خسائر جسيمة عبر عمليات الكر والفر ونصب الكمائن في املنطقة. وتزامن هذا مع انسحاب الكثير من امليليشيات العراقية التي كانت تساند الحزب وقوى النظام ،والتي عادت إلى العراق للدفاع عن بغداد ولقتال تنظيم «داع��ش» واملجموعات األخ��رى التي انتفضت على حكم ن��وري املالكي ،مما اضطر الحزب لتعويض النقص في العديد .ولعل التقارير األخيرة حول سعي حزب الله إلى هدنة مع «جبهة النصرة» في القلمون خير دليل على املأزق الذي يجد الحزب نفسه فيه. تشكل هذه الصورة الخلفية العملياتية ملا حصل في عرسال .فما وعد به حزب الله بأن يكون نصرا في القلمون بات حرب استنزاف دامية .وهنا أصبح استجالب الجيش كسند حاجة ماسة للحزب. ما يسعى إليه الحزب إذن هو انخراط الجيش في املنظومة القتالية إلى جانب النظام السوري ضد الكتائب املعارضة، ليصبح هناك تقاسم وظائف في العمليات العسكرية الدائرة ،بحيث يعتمد الحزب على قصف النظام بالطيران الحربي واملدفعية من ناحية ،ويعتمد على الجيش لحماية ظهره ولقطع إمدادات الكتائب السورية من الداخل اللبناني من ناحية أخرى .بالفعل، أشارت تقارير صحافية لبنانية في يوليو (تموز) ،مستندة إلى مصادر في املعارضة السورية ،أن حزب الله يحاول قطع إمدادات التموين الغذائي التي باتت الفصائل املقاتلة تعتمد عليها من الداخل اللبناني. وأن الجيش اللبناني بات يعترض الشاحنات املحملة باملواد الغذائية داخل لبنان .وبهذا يتحول دور الجيش من مانع انتقال نار الحرب السورية إلى لبنان إلى شريك في هذه الحرب إلى جانب النظام وحزب الله. من ناحية أخرى ،ذكرت تقارير صحافية أنه جرى قصف عرسال من اللبوة ،البلدة املجاورة واملؤيدة لحزب الله .كما أن مجموعة من اللبوة اعترضت قافلة من املساعدات اإلنسانية في طريقها إلى عرسال. وهنا يتبني خطر التماهي القائم بني الجيش والحزب .وتجوز قراءة عودة رئيس الوزراء األسبق سعد الحريري إلى لبنان إثر حادثة عرسال في هذا السياق .يواجه الحريري ،بصفته زعيم تيار املستقبل األكثر تمثيال في الطائفة السنية ،وكحامل لراية االعتدال ،مجموعة تحديات صعبة. عاد الحريري إذن على هذه الخلفية ،حامال مساعدات مالية ،ضمنها الهبة السعودية الكبيرة للجيش ،في محاولة لتهدئة الغليان ،ولرص الصف في الطائفة وإبقائها وراء خيار الدولة واالعتدال. من غير الواضح إن كانت الهبة للجيش ستساهم في الحد من توريطه فيما يريده له الحزب ونظام األس��د ،وبالتالي ستساعد على إعادة الثقة في دور املؤسسة الوطنية .وللجيش مصلحة في هذا ،فهو ليس بقادر على تحمل مثل هذه األدوار وعلى التحول إلى سند للحزب واألسد في حربهما في القلمون. لهذا ،لم تكن كلمة قائد الجيش العماد جان قهوجي حول العملية في عرسال مفيدة ،فهو زعم أن التنظيمات التي دخلت عرسال كانت تخطط لتصدير «السيناريو الذي حصل على الحدود العراقية والسورية» إلى لبنان .املشكلة األخرى هي أن قهوجي ُيعتبر املرشح األول لحزب الله لرئاسة الجمهورية. ويخشى كثيرون أن يستثمر الحالة األمنية ،والدعم الدولي للجيش في مواجهة اإلرهاب ،ليقوي حظوظه للوصول للقصر الرئاسي .أضف إلى ذلك مناورات بعض األطراف السياسية األخرى املتحالفة مع حزب الله لضمان تسلم قائد فوج املغاوير، العميد شامل روكز ،صهر الزعيم املاروني ميشال عون ،قيادة الجيش خلفا لقهوجي. تفاقم كل ه��ذه امل�ن��اورات السياسية املخاطر على توجه الجيش وتضيف ت�س��اؤالت ح��ول وضعية تحالفه مع الحزب وامليليشيات التي ّ يسيرها ،والقوى السياسية األخرى التي تخاصم تيار املستقبل وتؤيد نظام األسد .لكن يبدو أن رهان الحريري يبقى على الجيش ،املؤسسة الوطنية الباقية ،خصوصا في وقت يتلقى حزب الله ضربات في سوريا. لكن هذا الرهان طويل األمد ونتيجته غير مضمونة في ضوء التحديات غير املسبوقة التي تواجه لبنان دولة ومجتمعا، والتغيرات الحاصلة في جواره. ولكي تكون هناك فرصة لنجاح هذا الرهان ،فإن فك االرتباط الشاذ القائم بني الحزب والجيش ،والذي يمثل خطرا على املؤسسة وعلى لحمة املجتمع ككل ،شرط ضروري .لكنه ،مع األسف ،ليس طرحا واقعيا في املدى املنظور. الواقع املؤسف هو أن العقيدة التي رسخها الحزب ،والتي تقول بتكامل الجيش و«املقاومة» و«الشعب» ،حولت الجيش ولبنان ككل هدفا إلسرائيل في أي حرب مقبلة .ومن ناحية أخرى ،ها هو الحزب اليوم قد ورط الجيش والدولة واملجتمع في حربه في سوريا.
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
اإلجراءات الجديدة بينها إقرار مجلس الشورى املوافقة على فرض الزكاة على األراض��ي البيضاء ،إال أن ق��رارا مثل ه��ذا لم يكن له التأثير األول��ي في سوق العقار ،وذلك جراء تضمن األسعار سابقا قيمة الزكاة بل هي موجودة ضمن سعر التكلفة العامة كما تضعها الشركات في دراساتها املبدئية ،مشيرا إلى أن ذلك لم يعزز من تراجع أسعار العقار على األراضي بل في املقابل لوحظت تحركات مضاربية ملموسة .وشدد املصدر على التأكيد أن السوق شهدت خالل الفترة املاضية ،مرحلة ركود نتيجة ترقب ملثل هذا القرار الذي لم يدخل إلى اآلن حيز التنفيذ وبانتظار املوافقة الحكومية النهائية ،موضحا أن األمر ذاته يمكن وصفه على ترقب نتائج أنظمة الرهن العقاري التي طال الحديث حولها في فترة سابقة وسط تطلع املراقبني واملحللني للمساهمة في ترويض وضع السوق باعتبارها أداة شفافية. أسعار األراضي وإجمالي العقارات ،بيد أن ذلك لم يحدث. ووفقا ملصدر عقاري (لم يفضل اإلشارة إلى اسمه) ،يؤكد أنه ال وجود لرابط قوي بني تفاعل سوق العقار مع إيجاد مؤشرات عقارية ،في الوقت الذي تحتاج املؤشرات العقارية فيه السوق إل��ى مزيد من الشفافية وال��وض��وح في طبيعة الصفقات املنفذة وأه��داف املستفيدين منها .ودل��ل على حديثه بأن املؤشرات قد تفيد بدرجة أم��ام هذه التطورات ،كشفت وزارة العدل النقاب أغسطس (آب) املاضي عن معينة في بعض مستويات الرؤية للسوق العقارية على صعيد التقييم العام، أبرز املستجدات الحديثة ذات الصلة الوثيقة بالقطاع العقاري وصناعته ،إذ إال أن االعتماد عليها ال يؤدي إلى نتائج نهائية فاعلة ،ال سيما أن املؤشرات دشن وزير العدل الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى ،بمقر مشروع ال تعد بمثابة «مؤشر عام» كما هو معمول به في السوق املالية حيث دقتها خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء ،العالية التي يمكن احتساب الدراسات والنتائج باملقارنة عليها. 36مؤشرا جديدا للتداول العقاري ،يشمل معلومات متكاملة لألسعار في وأضاف أن «املؤشرات األخيرة أغفلت أبرز الجوانب التي تعطي داللة حقيقية املناطق واملدن واألحياء. لوضع السوق ،ال سيما ما يتم عبر كبار العقاريني من صفقات يلجأ إليها إحصاءات حول تمتلكها التي املعلومات قاعدة بحكم وأوضحت ال��وزارة أنه بعض املتداولني في سوق العقار من مجموعات وشركات بعد موجة ركود دقة بكل الجميع متناول في محتوياتها كل ستجعل فإنها التداول العقاري؛ شهدها السوق خالل العامني املاضيني ،إذ لن تظهر املؤشرات سوى انعكاس عليها التعليق أو تحليالتها تفصيالت تتناول لن أنها إلى مشيرة وشفافية؛ هذه الصفقات على أسعار السوق ،دون توضيح أهدافها وطبيعتها من حيث بذلك. الوزارة اختصاص لعدم املضاربة أو االستثمار بأنواعه أو التملك» .وأبان املصدر بالقول «املؤشرات مرفق لتطوير الشريفني الحرمني خادم مشروع في املؤشرات وحدة وأفادت العقارية ستكون فعالة في حال أن هيئة سوق املال تأخذها كمرجع للصناديق القضاء ،أن خدمة املؤشرات العقارية ستوفر أسعار بيع حقيقية تفصيلية في عملية قياس األداء والتسعير وغيرها ،إذ سيكون حينها للمؤشر عالقة للعقار يسترشد بها املواطنون وجهات االستثمار العقاري في بناء قراراتهم معيارية وارتباط وثيق بالصناديق االستثمارية العقارية على سبيل املثال». وتعامالتهم واستثماراتهم وتحليالتهم العقارية ،ويوفر أدوات مهنية للمقيمني واملثمنني العقاريني يستطيعون من خاللها استخدام طرق املقارنة بعقارات رأي حكومي مشابهة ،وتوفير معلومات تفصيلية للجهات املعنية عن متابعة التضخم في قطاع العقار ،أو معالجة الركود في النشاط العقاري ،وتحقيق الشفافية في وحيال تلك التطورات ،يلفت املهندس حمد الزميع املتحدث الرسمي ل��وزارة توفير املعلومات االقتصادية للنشاط العقاري. اإلسكان ،إلى أن قطاع اإلسكان يحظى بدعم كبير في ظل ما تشهده السعودية وهنا ،يقول رئيس مجموعة سلمان بن عبد الله بن سعيدان العقارية ،إن من نهضة شاملة في كل املجاالت ،مستشهدا بما قامت به الحكومة من إنشاء املؤشرات التي أطلقتها وزارة العمل تكسر صعوبة التنبؤ باملستقبل ،وتمثل وزارة تختص بمعالجة قضايا اإلسكان ،ليكتسب القطاع طابعا مؤسسيا يعزز املصدر املعتمد واملوثوق ،بل ويعتبرها أقوى معلومة رصد وتسجيل للبيانات من إمكانياته التنموية ،إضافة إلى دعم الوزارة بحزمة من املوارد املالية واملادية العقارية ال سيما أنها تصدر بشكل دوري ومستمر ،الفتا إلى أن القطاع بات لتمكينها من أداء دورها في توفير سكن مناسب ملختلف فئات املواطنني. يستطيع حاليا أن يقيس تحركات السوق العقارية بشكل ربع أو نصف سنوي ،ويضيف الزميع أن وزارة اإلسكان تعمل على تطوير أراض سكنية في جميع وفقا ملعلومات صادقة نابعة من الجهاز الحكومي املعني به. مناطق السعودية وتقديمها للمواطنني مع قروض للبناء عليها ،وفقا لتنظيم ولفت بن سعيدان ،وهو أحد الوجوه املطالبة بوضع تشريعات تنظيمية للسوق ال��دع��م السكني ال��ذي ص��در لسرعة توفير ال��دع��م مل��ن يستحقه ،مشيرا إلى العقارية ،إلى أن املؤشرات ستمكن من إجالء الصورة ال سيما الجوانب السعرية إعداد الوزارة برامج للشراكة مع القطاع الخاص علی األراضي التي يملكها أو ل�لأط��راف املستفيدة ،مشيرا إل��ى أن اآلل�ي��ة الجديدة ستمكن م��ن معرفة أدق على أراضي الوزارة لتوفير مساكن للمواطنني الذين يحتاجون لدعم سكني التفاصيل املختصة باألسعار وبذلك ستكون مؤشرات السوق العقارية واضحة وغيرهم من املواطنني. من حيث النمو أو التباطؤ. وق��ال الزميع ،في تعليقه على ت�ط��ورات قطاع العقار مع مستجدات التنظيم وأبان بن سعيدان أن الشركات العقارية والعاملني في املجال كانوا يعتمدون الحكومي ذات الشأن ،تعمل الوزارة على زيادة املعروض من األراضي السكنية على أساليب كثيرة في تقييماتهم ووضع خططهم ،من بينها املؤشرات الداخلية والحد من اكتنازها أو املضاربة فيها دون تطوير أو بناء بما يحقق توازن في لديهم وكذلك العقود واألوراق املثبتة التي يبرمونها في الصفقات ،بيد أن سوق األراض��ي ويمكن املواطن من الحصول على مسكن بحدود إمكانياته امل��ؤش��رات الحالية ،بحسب بن سعيدان ،لن تترك مساحة ألي فرضيات أو املالية .ويرى الزميع حيال املؤشرات العقارية التي أطلقتها وزارة العدل بناء تقييمات اجتهادية وستقلل التهور والغنب والغش والتدليس ليتفرغ العقاريون على العقود التي تقوم بتوثيقها في كتابات العدل ،إنها تساهم في رفع درجة بشرائح أنشطتهم إل��ى التنافس ف��ي املميزات واملنتجات وال�خ��دم��ات املقدمة شفافية ال�س��وق ومساعدة املتعاملني بالسوق م��ن ات�خ��اذ ق��رارات بناء على لعمالئهم .ابن كدسه ،من جانبه ،يؤكد أن املؤشرات التي أطلقتها وزارة العدل معلومة متوفرة ،موضحا فيما يخص الزكاة على األراضي بأنها مفروضة مؤخرا ﻻبد أن تربط بمؤشرات االقتصاد األخرى ليتسنى اعتمادها كمرجعية وواجبة بحكم الشرع وهي من أركان الدين ،وتحديد املكلف بالزكاة والوعاء مهمة لصناعه استثمارية بشكل عام مفيدا أن تجاهل أي مؤشرات أخرى ال��زك��وي وم��ا إذا ك��ان��ت األراض ��ي ال�ب�ي�ض��اء ت�ق��ع ضمنه أم ال وم �ق��دار ال��زك��اة ذات عالقة مهمة بالعقار كمعدالت النمو الرئيسية سيؤدي إلى ضعف النتائج املفروضة ،ومصارفها ،كل ذلك من األم��ور الشرعية التي تبت فيها الجهات املرجوة سواء االستقصائية منها أو االستثمارية أو تلك املنعكسة في ضبط ذات االختصاص <
مواطن سعودي امام واجهة مبنى على طريق امللك فهد في العاصمة السعودية الرياض (غيتي)
الزميع :إنشاء وزارة إسكان مستقلة يكسب القطاع طابعا مؤسسيا يعزز من اإلمكانيات التنموية
املهندس حمد الزميع :املتحدث الرسمي لوزارة اإلسكان
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
55
اقصاد
في وقت اتفقت اآلراء على إيجابية االلتفاتة التشريعية األخيرة على صعيد اإلجراءات واألنظمة لقطاع عمالق كالعقار ،لم يخف مختصون ومستثمرون توقعاتهم بتأثيرات محدودة على السوق العقارية ،ال سيما ما يخص األسعار ،مرشحني أن تظهر نتائج تلك الجهود الحكومية في املديني املتوسط والطويل .واستبعد املختصون في حديث لـ«املجلة» أن تشمل التأثيرات أسعار األراضي والعقارات املشيدة خاصة داخل املدن ،في وقت سيكون تأثيرها منصبا في حركة تداول العقارات مع ظهور بعض االنعكاسات على أسعار األراضي خارج نطاق املدن.
اإلجراءات العقارية الجديدة :هل ستقود القطاع نحو االعتدال؟
مؤشرات عقارية الرياض: محمد الحميدي
ابن سعيدان: املؤشرات العقارية لن تترك مساحة للتقييمات االجتهادية وستقلل الغنب والغش والتدليس
ان��دف��ع��ت ال��س��ع��ودي��ة م���ؤخ���را ن��ح��و وض����ع أس����س م���ن ال��ت��ش��ري��ع��ات والتنظيمات الجديدة التي تشكل بنية تحتية بالغة األهمية للسوق العقارية ،بيد أن هناك ثالثة محركات ال بد من التوقف عندها ،أولها، إقرار نظام الرهن العقاري ،وثانيها ،موافقة مجلس الشورى على نظام جباية الزكاة على األراضي البيضاء ،ومؤخرا إطالق وزارة العدل املؤشرات العقارية. وهنا ،يؤكد سلمان بن سعيدان ،رئيس مجلس إدارة مجموعة سلمان بن عبد الله بن سعيدان العقارية ،أن القطاع العقاري كان متعطشا بالفعل ملثل تلك التنظيمات ،نتيجة أن األنشطة العقارية املختلفة تفتقر للبنية التحتية من التشريعات ،الفتا إلى أن تلك اإلجراءات تؤسس لتنظيم القطاع وبالتالي تعزز تأهيل وتطوير أنشطة العقار املختلفة في السعودية. وكان مجلس ال��وزراء السعودي في يوليو (تموز) 2012أقر نهائيا مشروع الرهن والتمويل العقاري ،مشيرا حينها إلى أن أبرز مالمح النظام هو تحقيق الضمانات الالزمة عند ممارسة نشاطات وتمويل العقار بوضع ضوابط تحمي الدائن واملدين والضامن في العملية االئتمانية. وعلى الرغم من صعوبة التكهن بما ستنتج عنه اإلجراءات األخيرة من تأثيرات عملية على أرض الواقع ال سيما ،الرهن العقاري ،كما يصف بن سعيدان ،إال أن العامل األهم هو أن األنظمة الجديدة تضفي الوضوح املطلوب في القطاع العقاري بمكوناته ،ومع بدء تطبيقها ستسهل من عملية التنبؤ املستقبلي ،مع قدرة الشركات واملشتغلني وحتى املستفيدين من كل األطراف ،سيكون باستطاعتهم تحديد خطواتهم ،من جانب ،ويجعل الحسابات أكثر دقة وتنظيما .وأضاف بن سعيدان ،وهو أحد كبار العقاريني املعروفني في السعودية ،أن نظام الرهن املقر أخيرا سيكون موجها للقطاع السكني ،حيث من املتنظر أن تكون أحد أبرز الحلول املثلى في نشاط اإلسكان ،إذ سيخفض من مخاطر البنوك التمويلية التي تضع سداد التمويل كأحد املخاطر التي تواجهها ،باإلضافة إلى أن تطبيق الرهن العقاري سيسهم في انخفاض تكلفة التمويل على املستفيد ،وبالتالي تعني املواطن على قدرة التملك وكذلك االستثمار. وب�ين ب��ن سعيدان ،أن ال��ره��ن العقاري سيساعد ف��ي خدمة املستفيدين من متملكي اإلسكان ،للحصول على تمويل من رهن املنازل والعقارات التابعة لهم ،في صالح استثمار التمويل في مشروعات أخرى ،وهو ما يعني توفير السيولة الالزمة وتحرك االستثمار مع قدرة الحصول على التمويل وهو األمر الذي سيكون له تأثيرات على العقار التجاري الذي سيستفيد من ذات امليزة.
فرض الزكاة سلمان بن سعيدان :مستثمر في العقار
54
وشهد يونيو (ح��زي��ران) املنصرم ،موافقة مجلس ال��ش��ورى السعودي على مشروع نظام جباية الزكاة في األنشطة التجارية واملهنية ،حيث يشمل النظام األراضي املعدة للبيع بشرط إقرار مالكها أو عرضها للمساهمة بموجب قرائن
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
ظاهرة ،أو أن تكون مساحتها زائدة بصورة ظاهرة على حاجة املكلف الخاصة وأسرته ،بحسب العادة الغالبة. ووفقا للتطورات الحالية ،سيكون قطاع «األراضي البيضاء» في السوق العقارية املحلية أمام مرحلة تاريخية ،إذ بحسب إحصاءات حديثة ،فإن نحو 70في املائة من األراضي الواقعة داخل النطاق العمراني تصنف بأنها «أراض بيضاء» ،وهو األمر الذي تسبب خالل السنوات القليلة املاضية في تضخم أسعار األراضي في السوق املحلية. وينتظر أن يفتح تطبيق مشروع نظام جباية الزكاة على األراض��ي البيضاء بصيغته الجديدة ،باب إدارة هذا امللف بني ثالث جهات حكومية في السعودية، حيث سيكون بصورته األولى مدارا من قبل كل من :مصلحة الزكاة والدخل، ووزارة اإلسكان ،ووزارة البلدية والشؤون القروية ،في وقت يأتي مشروع نظام جباية الزكاة على األراضي املعدة للبيع في السعودية متزامنا مع عزوف كثير من املواطنني عن الشراء نتيجة تضخم األسعار. أم��ام ه��ذا ،يعتقد نبيل ب��ن أحمد ب��ن كدسه وه��و خبير استثماري سعودي ومختص ف��ي الصناعة املالية أن إق���رار ف��رض جباية ال��زك��اة على األراض���ي البيضاء ج��اء م��ت��أخ��را ،الفتا إل��ى السبب الرئيس ف��ي ارت��ف��اع أس��ع��ار العقار وتضخم أسعار األراضي في األصل هو االحتكار مما أدى إلى فجوة سوقية غير منطقية ،تسببت في رفع األسعار إلى مستويات ربما ال تكون عادلة. ويعود ابن كدسة إلى الرهن العقاري حيث يقول في حديثه لـ«املجلة» إنه «سالح ذو حدين فمن ناحية إيجابية سيعمل ك��أداة حماية لحقوق العمالء وجميع األطراف املعنية في ظل غياب أنظمة عقارية وتشريعات تمويلية واضحة ،بينما الناحية السلبية ترتكز في أنها ستؤدي إلى دخول سيولة جديدة وهائلة مما ينتج عنها ارتفاعات إضافية في أسعار العقار مما قد ينعكس عليه على املدى املتوسط والطويل زياده في معدالت التضخم ومستوى املعيشة وهذا بحد ذاته خسارة أخرى ليس على املواطن بل لجميع أطراف املعادلة». ويرى ابن كدسه أن الحل يعتمد على وجود خطة واضحة مبنية على أسس استثمارية وج��دوى اقتصادية عن طريق تعاون جميع أط��راف املعادلة من مؤسسات مالية وممولني وشركات عقارية وحتى األجهزة الحكومية ذات العالقة هادفة بإخالص إل��ى خدمة املستفيد النهائي وه��و الوطن وامل��واط��ن، مشيرا إلى أن ذلك سينعكس على جميع قطاعات صناعة العقار واالستثمار إل��ى ما هو أفضل .من ناحية أخ��رى ،أفصح مصدر استثماري في النشاط العقاري ،أنه ال يمكن التعويل على كل تنظيم إجرائي بأنه سيكون فرس رهان إليصال السوق العقارية ،بمفهومها العام ،نحو االعتدال ،إذ إن السوق تعاني منذ سنوات طويلة من إشكاليات وصعوبات ربما ليس من السهل أن يأتي ق��رار إلنهائها سريعا ،بل تحتاج إل��ى زم��ن في الوقت ال��ذي ال بد أن تواصل فيه الجهات التشريعية مسيرة إصالحاتها وقوانينها وإجراءاتها الجديدة. ولفت املصدر في حديثه لـ«املجلة» إلى أن السوق العقارية في السعودية ،ورغم
ريان األكثر أمانا شركات الط دراسة أجرتها العالم بحسب يف بالس ليجري»: «ترافل حافظت على
يمكن تناولها قبل ثالث ساعات من اإلقالع ،ولكن هذه الطريقة من الوطنية األملانية، شأنها تهدئة املريض مؤقتا وليست عالجا أو دواء شافيا للمرض – «لوفتهانزا» ،شركة الطيران سها عام .1920 1 تأسي وتأسست عام بحد ذاته. سجل خال من الحوادث منذ طنية البريطانية، رويز ،الناقلة الو ومن املمكن أيضا االتصال بأحد خطوط الطيران والتأكد من تنظيمها - 2بريتش إي شركتا كوانتس دروسا خاصة باملسافرين الذين يخافون ركوب الطائرة ،ومن خالل الثالثة والرابعة .1974 ي املرتبتني ه��ذه ال��دروس التي تستمر كل منها ليوم كامل في أح��د امل�ط��ارات، – 4 - 3تعادلت ف ست األميركية. وي يتحدث أخصائيون في مجال املالحة ومتخصصون في مجال األسترالية وساوث لناقلة الصينية. ي ماسيفيك» ،ا علم النفس إلى املسافر ،وتنظم شركة الطيران رحلة قصيرة في « - 5كاث لة الهولندية. خالل 28عاما. محيط املطار في نهاية اليوم. « - 6كاي إل إم» ،الناق دثتان طفيفتان ن اإلمارات» ،حا وب�ح�س��ب ش��رك��ة ط �ي��ران «ف�ي��رج�ين أت�لان�ت�ي��ك» ت�غ�ل��ب آالف را « - 7طي تد كونتيننتال». ال��رك��اب على خوفهم من السفر بالطائرة بعدما خضعوا « - 8يوناي للجلسات التي تنظمها الشركة ،وأشار أحد املسؤولني عن دلتا». ي األصغر سنا « « - 9يو إس إيرويز». تلك ال ��دروس ف��ي ال�ش��رك��ة ،إل��ى أن هناك نسبة كبيرة من ت عام 2003وه – 10 ال��رك��اب الذين يخافون من السفر ال�ج��وي ،باإلضافة إلى « - 11طيران االتحاد» ،وتأسس في هذه القائمة. فة صن ركات الطيران امل ركاب يحبون التعرف أكثر على التكنولوجيا التي تتمتع من بني ش بها الطائرة ،وهذا األمر يغطيه الدرس أيضا ،ألنه من املهم إظهار كل جوانب السالمة التي تتمتع به الطائرات الحديثة لهؤالء الركاب بمن فيهم أصحاب القلوب الضعيفة ،فعندما يدركون كيفية األك� � � � � �ث � � � � ��ر أمانا ،واملقاعد التي بعدها وقبلها بقليل آمنة أيضا ،باملقارنة عمل الطائرة ،وما فيها من تطور تكنولوجي يجعلها قاهرة للرياح م��ع مقاعد ال��درج��ة األول��ى ودرج��ة رج��ال األع�م��ال وامل�ق��اع��د الخلفية في والثغرات الهوائية ،يرتاحون نفسيا ،فاملهم أن يقتنع ال��راك��ب أن مقصورة الدرجة السياحية التي تعد أكثر عرضة للتحطم بالكامل في الطائرة تتمتع بهيكل صلب ال يتأثر بالرياح وال حتى بـ«املطبات حال حدوث أي مكروه ،كما أن املقاعد بمحاذاة النوافذ أقل أمانا من تلك الهوائية» التي تشكل الخوف األكبر بالنسبة لهؤالء املسافرين ،ظنا في وسط الطائرة بمحاذاة املمشى الرئيس. منهم أن الطائرة على وشك فقدان سيطرتها ،وبالتالي سيؤدي ذلك وبالعودة إلى املقارنة ما بني أكثر وسائل النقل أمانا ،تعود الطائرة لتحتل إلى سقوطها. املرتبة األولى؛ من حيث السالمة مقارنة مع التنقل بواسطة الدراجة النارية وبحسب األخصائيني النفسيني ،فمن املهم أن يلهي الراكب نفسه بأي التي تتعدى خطورتها الثالثة آالف مرة باملقارنة مع التنقل بالجو ،في حني ش��يء وه��و على منت الطائرة ،أو النظر إل��ى زاوي��ة معينة في الطائرة ،أو أن التنقل بالقطار هو أكثر خطورة من الطائرة بواقع الضعف. التكلم مع جاره املسافر ،والتفكير بشيء على األرض ومحاولة نسيان إذن ،لقد قرأت أمن وسالمة التنقل بالطائرة باألرقام باملقارنة مع وسائل فكرة أن ال�ط��ائ��رة تحلق ب�ين الغيوم وعلى علو مرتفع ،واملحافظة على نقل أخرى ،فإذا لم تقتنع بعد أن الطائرة وسيلة آمنة ومتطورة جدا فهذا التنفس بشكل منتظم. يؤكد أنك تعاني من «فوبيا الطيران» (اضطراب نفسي سلوكي) ،من ومن الضروري أيضا أن يخبر املسافر أحد مضيفي الطائرة بحالته ،فال املمكن تحسينه من خالل جلسات مع طبيب مختص وتمارين مكثفة عيب في ذلك ،فهذا األمر مألوف بالنسبة للمضيفني واملضيفات وسيكون كما يمكن تعديل نسبة النقص في الناقل العصبي من خالل تناول بإمكانهم م�س��اع��دة امل�س��اف��ر أك�ث��ر ،كما يجب االب�ت�ع��اد ع��ن امل�ش��روب��ات حبوب مضادة لالكتئاب يصفها الطبيب املختص ،ليصبح املسافر أكثر الكحولية ،ألن مفعولها في الجو يساوي ضعف مفعولها على األرض جرأة لتحدي املواقف التي يهابها ،كما يصف األطباء أيضا حبوبا مهدئة ويستحسن االستعاضة عنها باملاء ،وبكمية وافرة <
فريق العمل بهيئة مطار جوارولوس الدولي في البرازيل خالل محاوالتهم انقاذ بعض الركاب الذين سقطوا من طائرة تحطمت فور اقالعها من املطار عام 2011
تفجيرات 11 سبتمبر أدت إلى تدنى عدد املسافرين للواليات املتحدة األميركية بواسطة الطائرات إلى نسبة تعدت 20في املائة
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
53
تقرير
«السفر ،قاتل التحيز ،التعصب ،وضيق األفق» قول شهير للكاتب األميركي مارك توين ،وهذا القول إذا ما دل على شيء فهو يظهر فوائد السفر في كلمات معدودة ،ولكن وفي ظل حوادث الطيران املتتالية األخيرة بدءا باختفاء الطائرة املاليزية؛ الرحلة املشؤومة «إم إتش ،»370ومرورا بإسقاط الطائرة املاليزية؛ رحلة «إم إتش ،»17فوق أراضي أوكرانيا الشرقية ،وتحطم «ترانس إيجا» على سواحل تايوان ،وانتهاء بتحطم الطائرة شمال أفريقيا ،أمسى السفر بالطائرة شرا ال بد منه بالنسبة للذين يخافون أصال من الطيران، الجزائرية في ُ وفي الوقت نفسه طرحت عدة أسئلة حول خطورة السفر بالطائرة على الرغم من التطور السريع في تصنيع هذه الوسيلة التي ال يمكن التخلي عنها والتكنولوجيا التي آلت إليها.
بني كوارث السقوط ..وحوادث االختفاء املحيرة
هل أصبحت سالمة الطائرات يف خطر؟ لندن: جوسلني إيليا
الخبير الجوي محمد عزيز: الطائرات مجهزة بآخر ما آالت إليه التكنولوجيا ومن الصعب أن تسقط طائرة من دون سبب خارج عن إرادة الطيار
52
من البديهي أن نتساءل عن مدى سالمة السفر بالطائرة ،ولكن اإلحصائيات التي وردت في التقرير العاملي لسالمة الطيران قد تساعد في تبديل رأي��ك ،وتبرئة الطائرة ،وإب�ع��اد شبح الخطر عنها ،ففي عام 2013حصلت 90حادثة لطائرات مدنية مخصصة لنقل الركاب ،تسببت في وقوع ضحايا في تسع رحالت من أصل 90رحلة وكانت حصيلة الضحايا هي 137مسافرا. صحيح أن الرقم كبير نسبيا ،ولكن إذا ما قارناه بعدد ضحايا حوادث السيارات في كل أنحاء العالم سنويا سوف نجد أن الطائرة هي وسيلة النقل األكثر أمانا في العالم ،ولو أن عدد الذين سقطوا في حادثة الطائرة املاليزية األخيرة وطائرة «ترانس إيجا» مجتمعتني ،كان ولسوء الحظ 350راكبا ،ولكن هذا ال يعني أن السفر بالطائرة تتعدى خطورته السفر بالباخرة أو السيارة أو القطار ،ألنه يجب التنبه إلى أن هناك أكثر من 32 مليون رحلة مدنية في العام الواحد تابعة ملختلف شركات الطيران ،وهذا يعني أن هناك أقل من حادثة واحدة من بني ثالثمائة رحلة. هذه األرق��ام تبني أن السفر بالطائرة لن يتسبب بوفاتك ،ولو أن الخطر يحيط بأي وسيلة نقل نستقلها أو أي خطوة نقوم بها ،فاألعمار بيد الله ،ولكن ما يمكن أن يقتلك هو خوفك من الطائرة أو ما يعرف بـ«فوبيا الطيران» ،وهذه مشكلة يعاني منها أكثر من 500مليون شخص حول العالم ،وهناك نسبة كبيرة ج��دا من املسافرين الذين يتنقلون ب��را ولم يجربوا السفر بالطائرة ولو مرة واحدة.
خبير جوي
تناول الحبوب املهدئة إال أنها لم تجد نفعا ،واليوم تعمل على إقناع نفسها بأنه ال بد من السفر ويتحتم عليها تغيير طريقة تفكيرها ،واعترفت أن توتر املسافرين من حولها يجعلها تتوتر أكثر ،كما أنها كانت تخاف في املاضي من الرحالت الطويلة ،غير أنها اليوم تفضلها على الرحالت القصيرة وتعدها أكثر أمانا. ومما ال شك فيه هو أن الحوادث الجوية تؤثر على بعض املسافرين وثنيهم عن السفر ،فتفجيرات 11سبتمبر (أيلول) جعلت عدد املسافرين في الواليات املتحدة األميركية بواسطة الطائرات يتدنى إلى نسبة تعدت 20 في املائة ،في حني أن نسبة املسافرين بواسطة السيارات ارتفعت إلى رقم قياسي ،ولكن على مر السنني عاد األميركيون إلى السفر بالطائرة ألنها وسيلة ال يمكن التخلي عنها ،خصوصا عندما يؤكد لك أخصائيو املالحة أنها آمنة ،وف��ي الوقت ال��ذي استبدل فيه األميركيون الطائرة بالسيارة ارتفعت حوادث السير بشكل الفت؛ حيث وصل عدد الضحايا إلى 1595 ضحية في عام واحد (في أميركا فقط). وفي اتصال مع الكابنت الطيار ،والخبير الجوي محمد عزيز تكلم هذا األخير عن أم��ن وسالمة الطائرة ألنها متطورة ج��دا ومجهزة بآخر ما آالت إليه التكنولوجيا ،كما أنه «من الصعب أن تسقط الطائرة من دون سبب خارج عن إرادة الطيار ،كما حصل مع الطائرة املاليزية (إم إتش )17التي أسقطت بصاروخ فوق األراضي األوكرانية» ،وأضاف أن «حوادث الطائرات أقل بكثير من حوادث السير والقطارات ،ولكن حوادث الطيران تتناولها وسائل اإلعالم؛ مما يجعل الخبر أكثر انتشارا وأكثر وقعا على املسافرين الذين يخافون من السفر في األص��ل» ،وتابع« :إذا ما نظرنا إلى عدد الذين يقضون في حوادث الطيران فنراه ضئيال جدا باملقارنة مع حوادث السير». وفي كلمة مهمة قالها أنتوني تايلر ،املدير العام والرئيس التنفيذي لالتحاد الدولي للنقل الجوي ،شدد على أن «حوادث الطيران تصب في مصلحة املسافرين ،ألنها بمثابة دروس يتعلم منها املختصون في مجال املالحة الجوية وشركات تصنيع الطائرات العاملية» ،وأضاف أن «كل حادثة مهما كان نوعها مهمة من ناحية التطوير والتطور في مجال السفر الجوي».
وفي مقابلة مع جميلة العياد ،وهي من املسافرات الالتي يخفن من السفر بالطائرة ،تقول العياد لـ«املجلة» إن «سبب خوفها من السفر بالطائرة ناتج عن حادثة تعرضت لها وهي في سن صغيرة؛ حيث ضربت الطائرة حينها رياح شرقية عاتية؛ مما أحدث زعزعزة حقيقية ملسار الطائرة، والذي عظم من حجم الحادثة هو ردة فعل أحد مضيفي الطائرة الذي راح يصرخ بالصوت العالي طالبا من املسافرين الجلوس واإلن��ذار بكارثة»، وتقول العياد إن هذه الحادثة رافقتها مدة حياتها وأثرت عليها كثيرا، خصوصا أن عملها يتطلب منها السفر إلى بلدان من شبه املستحيل فوبيا الطيران الوصول إليها من دون الطائرة ،وأضافت العياد أن حالة الذعر تدب فيها قبل نحو أربعة أيام من الرحلة وتصاب بنوبات عصبية تؤثر على حياتها وبحسب بعض األخصائيني في مجال املالحة الجوية ،فيمكن طمأنة من اليومية ،ولطاملا حاولت التغلب على توتر أعصابها أثناء السفر من خالل هم يهابون السفر بالطائرة بأن املقاعد املوجودة عند جناحي الطائرة هي
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
وعلى الرغم من أن سياسة الهجرة تتطلب بصفة عامة املرونة وسرعة االستجابة التي تمكنها من التكيف مع تدفق الهجرة ،بدت سياسة الهجرة اإليطالية لعدة سنوات غير قادرة على التطور .فعلى الرغم من صدور قوانني جديدة ،فإنها بدت كتصريحات عقابية مؤقتة ،تستهدف خلق إجماع سياسي سهل؛ فعلى سبيل املثال ،جعل قانون بوسي -فيني 2002الذي ينظم الهجرة وقانون مرسوم روبرتو ماروني ،2009الهجرة غير الشرعية جريمة دون احتواء املشكلة بفعالية. وقد استأنفت الحكومات اإليطالية األخيرة الخط الرسمي الذي اتبعه سلفها حيث كانت تطالب أساسا ب��دور أق��وى ملؤسسات االتحاد األوروب��ي وحصة أكبر من التكلفة املتعلقة بوضع إيطاليا كـ«حارس» للحدود املشتركة. وعلى الرغم من أن ذلك االتجاه يحظى بإجماع قوي من الحزبني ،ما زال هذا االتجاه لم يسفر عن استراتيجية تفاوضية أو تحالف خالق ،ومنضبط وذي مصداقية تقنية .وف��ي ظل ه��ذا السياق ،فليس مفاجئا أن إيطاليا لم تحقق س��وى نتائج محدودة في بروكسل :حيث لم يحدث إجراء سوى تعديالت هامشية للملف الذي كان مفتوحا من قبل .فما زالت املشاركة األوروبية في الدوريات البحرية الحدودية وأنشطة البحث واإلنقاذ ثم استقبال الالجئني محدودة رغم أنه من الضروري القول إن ذلك يرجع إلى املقاومة القوية داخل الدول الثماني والعشرين .فحتى في العالقات مع دول املنشأ ودول العبور خاصة تلك الدول في جنوب البحر املتوسط ،تراجعت تدريجيا أهمية التجديدات التي جرى إدخالها في أواخر التسعينات (االتفاقيات الثنائية) .كما أن سياسة الهجرة ما زالت في الواقع تتخذ مرتبة ثانوية بالنسبة للسياسات الخارجية واألمنية اإليطالية.
ليبيا وإيطاليا :دور سياسي و إنساني
وزيرة الدفاع اإليطالية: عملية ماري نوستروم هي كبرى العمليات اإلنسانية التي شهدتها منطقة املتوسط حيث جرى إنقاذ أكثر من 3آالف قاصر وإلقاء القبض على أكثر من 200مهرب
وعلى امل��دى البعيد ،كانت مجموعة م��ن الخبراء اإليطاليني ف��ي ش��ؤون الهجرة تحاول تحديد خيارين محتملني للسياسة اإليطالية :استغالل «بطاقة الهجرة» ف��ي العالقات بالبلدان امل�ج��اورة خاصة ف��ي البحر املتوسط وعلى صعيد دعم العمليات املحلية للتجديد السياسي على األقل في الحاالت القليلة التي لم يتضرر فيها ذل��ك بالفعل .وف��ي الوقت نفسه ،تنادي الحكومة اإليطالية ب��دور سياسي وإنساني متجدد لألمم املتحدة في ليبيا؛ فوفقا لوزيرة الشؤون الخارجية ،فيدريكا موجريني ،يجب أن تحظى األمم املتحدة بدور كبير في حل أزمة الهجرة وإدارة األزم��ات .ولهذه األسباب ،يجب أن نضع في اعتبارنا بعض الخطوات كوسيلة لتقليل حجم األزمة الليبية وتوفير إطار للتنمية املستقبلية بالبالد؛ حيث إن هدف إيطاليا هو تنفيذ اإلجراءات التي حددتها بالفعل بعثة األمم املتحدة في ليبيا. يعد اإلج ��راء األول توسيعا ملهمة بعثة األم��م املتحدة للدعم ف��ي ليبيا ف��ي ظل ق��رار جديد يأخذ ف��ي اعتباره املشكالت اإلنسانية .وبالتنسيق م��ع الحكومة الليبية ،تستأنف املفوضية العليا لألمم املتحدة لشؤون الالجئني األنشطة املتعلقة بتسجيل الالجئني وتحديد وضعهم بهدف بناء قدرات مؤسسات اللجوء املحلية. وسوف تتمتع البعثة بالقدرة الفعالة على الترويج للحلول املعقولة إلعادة التوطني ف��ي ب�ل��دان أخ��رى وال �ع��ودة الطوعية لالجئني .وق��د أسست البعثة بالتعاون مع الشركاء مكاتب للمساعدة القانونية لالجئني والساعني للجوء الذين يحتاجون للخدمات القانونية. النقطة الثانية :يجب أن تؤيد البعثة بفعالية الحكومة الليبية في معالجة التحديات املتعلقة بالهجرات املختلطة ،بما ف��ي ذل��ك تطوير إج ��راءات استقبال الالجئني ال��ذي��ن يحتاجون للحماية وتقديم ال��دع��م أث�ن��اء اإلن�ق��اذ ف��ي البحر .وت��وف��ر البعثة العناصر األساسية لإلغاثة للساعني للجوء املحاصرين واملهاجرين املستضعفني. وبالتعاون مع الشركاء ،تقدم خدمات صحية لألفراد في حاالت الطوارئ .كما تطور البعثة أيضا برامج تدريب لدعم وزارة الداخلية وح��رس السواحل فيما يتعلق بحقوق اإلنسان وحماية الالجئني وأفضل ممارسات اللجوء والتعامل مع األشخاص املعرضني للخطر وتقديم املساعدات الصحية للمهاجرين الذين جرى إنقاذهم. ويعد الهدف األكثر طموحا لتلك االستراتيجية هو املحاولة اإليطالية لتدويل «أزمة الالجئني» كجزء من األزمة الليبية؛ فبمقتضى قرار جديد ،يجب أن تضع األمم املتحدة شروط دمج البعثة اإليطالية «ماري نوستروم» داخل نطاق تعاون جديد أوسع بني أعضاء املجتمع الدولي وأوروبا .فهذا هو األمل <
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
51
تحقيق
طفل سوري خارج مركز اإلقامة املؤقتة للمهاجرين في روتشيال إيونيكا جنوب كاالبري اإليطالية
الجئون سوريون خالل الصباح الباكر أثناء النوم خارج مركز اإلقامة املؤقتة للمهاجرين في مدينة مليلية االسبانية (غيتي) خفر السواحل اإليطالي تساعد في انقاذ مهاجر من قارب كان يحاول الوصول إلى جزيرة المبيدوسا اإليطالية في 20فبراير 2011
توابيت الضحايا في مطار المبيدوزا الذين لقوا حتفهم اثر غرق قارب على متنه مئات املهاجرين أسفر عن مقتل أكثر من مئة شخص منهم 5أكتوبر 2013
50
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
يعد السوريون الذين يفرون من الحرب في بالدهم كبرى الجماعات املهاجرة كانت محطة ميالنو للسكة الحديد هي النقطة األهم التي يمرون عبرها إلى أوروبا
أحد الناجني من حطام سفينة للمهاجرين قبالة الساحل اإليطالي – اكتوبر 2013
سوى القليل منهم عن رغبته البقاء في إيطاليا. بدأت عملية «ماري نوستروم» بعدما أصبحت سياسة الهجرة مرة أخرى على قمة أولويات املجلس األوروبي في أكتوبر .2013وقد طرح رئيس الوزراء اإليطالي، إنريكو ليتا ،عددا من الخطط للتطبيق الفوري من بينها التعاون بني دول االتحاد األوروبي في تمشيط البحر املتوسط ،وكذلك التعاون بني مكاتب االتحاد األوروبي في بلدان العبور مثل ليبيا للتعامل مع طلبات اللجوء نيابة عن االتحاد بأسره ومن ثم ال يضطر املهاجرون املحتملون أن يخاطروا بحياتهم للعبور ،ومن وجهة نظر إيطاليا لن يصبح من الضروري التعامل معهم في إيطاليا. وقد وافقت سيسيليا ماملستروم ،مفوضة االتحاد األوروبي للشؤون الداخلية، على أن تلك هي أجندة املفوضية أيضا ولكن لم يجر اتخاذ أي��ة إج ��راءات .وقد أوضح االتحاد األوروبي مقاربته الشاملة بشأن أمن الحدود الليبية من خالل بعثة املساعدة الحدودية لالتحاد األوروب��ي « »EUBAMووكالة «فرونتكس» .ونادى بعض الخبراء اإليطاليني بمراجعة معاهدة دوبلني التي تقضي بمنح الالجئني حق اللجوء في أول دول االتحاد األوروبي التي يصلون إليها ،قائلني إن االتحاد األوروبي ككل يجب أن يشارك في تحمل مسؤولية املهاجرين الذين يصلون إلى صقلية.
عبء التعامل مع طالبي اللجوء
وإذا ما نظرنا فقط إلى عام ،2011سنجد أن نحو 2352قد لقوا حتفهم بنفس الطريقة .وكما قالت روبرتا بينوتا ،وزي��رة الدفاع اإليطالية فإن «عملية م ��اري ن��وس �ت��روم ه��ي ك �ب��رى ال�ع�م�ل�ي��ات اإلن�س��ان�ي��ة التي شهدتها منطقة البحر املتوسط خالل العقود املاضية :حيث جرى إنقاذ أكثر من 3آالف قاصر وإلقاء القبض على أكثر من 200مهرب» .ومنذ أن بدأت الحكومة اإليطالية تجهيز عملية اإلنقاذ «ماري ن��وس �ت��روم» ف��ي أك�ت��وب��ر ،2013ف��ي أع �ق��اب ال�غ��رق املأساوي للسفينة التي توفي فيها 600شخص، جرى إنقاذ أكثر من 50ألف شخص من الغرق في البحر .ويعد السوريون الذين يفرون من العنف في بالدهم كبرى تلك الجماعات حيث وصل ما يزيد على 11300منهم .وف��ي الشهور األخ �ي��رة ،كانت محطة ميالنو الرئيسة للسكة الحديد هي النقطة األه��م التي يمر عبرها ال�س��وري��ون ال��ذي��ن يحاولون امل �غ��ادرة إل��ى أوروب� ��ا ،وف��رن�س��ا ،وبلجيكا ،وأملانيا وخاصة ال��دول اإلسكندنافية .وف��ي ال�ح��وارات التي أجرتها وس��ائ��ل اإلع�ل�ام اإليطالية معهم ،ل��م يعرب
تتهم األحزاب اإليطالية اليمينية رئيس الوزراء ماتيو رينزي ،وحكومته بالضعف أمام أوروبا فيما يتعلق بقضية الهجرة
وفي الوقت الراهن ،ما زالت السياسة اإليطالية كما هي :فما زالت الحكومة اإليطالية تطلب مشاركة أوروب��ا واملجتمع ال��دول��ي ،ولكن التناقض بني االت�ح��اد األوروب��ي وإيطاليا يتزايد .فإيطاليا ترغب في الحصول على املساعدات املالية األوروبية ملساعدتها على تحمل عبء التعامل مع طالبي اللجوء ومهمات التمشيط .فعلى الرغم من أن إيطاليا ال تعاني من األرقام األكبر ،فإنها تتحمل على األرجح تكلفة أعلى .فعلى سبيل املثال ،تتكلف ماري نوستروم نحو 12مليون يورو شهريا. وم��ن جهة أخ��رى ،عندما يتعلق األم��ر بالدول التي منحت حق اللجوء ،تحصل أملانيا على نصيب األس��د؛ حيث تصل حصتها إل��ى 23.2في املائة فيما تصل نسبة فرنسا إلى 18.3في املائة والسويد إل��ى 13.1في املائة فيما تصل نسبة إيطاليا إلى 5.2في املائة أو نحو 17ألفا وهي نفس نسبة النمسا التي لديها ثمن عدد سكان إيطاليا. ويغذي ال��رأي العام اإليطالي باإلضافة إل��ى آراء بعض األح��زاب السياسية ذلك الجدال .فمن جهة ،تتهم األحزاب اليمينية (رابطة الشمال ،وفورتسا إيطاليا -إلى األمام إيطاليا -على وجه الخصوص) خارج االئتالف الحاكم ،رئيس الوزراء ماتيو رينزي ،وحكومته بالضعف أمام أوروبا فيما يتعلق بقضية الهجرة .ومن جهة أخرى ،يبدو أن مبادرة الحكومة لزيادة دوريات البحرية وحرس السواحل ،وفقا لبعض املراقبني مثل األستاذ والستون ،الخبير بالشؤون اإليطالية ،قد أرسلت رسائل متباينة لإليطاليني (نحن نحميكم من غزو املهاجرين ..كما أننا في الوقت نفسه سوف نوقف الكوارث املستقبلية) ورسالة واضحة للمهربني (أيا ما كانت السفينة الصدئة التي تستخدمونها ،سوف تكون املساعدة جاهزة في الطريق) وهي الرسالة التي استجابت لها مباشرة تلك الجماعات حيث أرسلت مباشرة أسطوال من السفن غير الصالحة لالستخدام صوب جزيرة أمبيدوسا اإليطالية ومالطة .ومن جهة أخرى (فإنه في األحزاب والحركات السياسية اليسارية خارج الحكومة االئتالفية) ،هناك مطالب بسياسة «اللجوء للجميع» ،وهي السياسة التي تبدو غير واقعية في أوروب��ا التي خرجت لتوها من الركود وفي ظل بزوغ نجم اليمني الشعبوي.
قانون بوسي ـ ـ ـ فيني ومن جهة أخ��رى ،فإن أحد الجوانب املهمة لتلك القضية يتعلق بالغياب الكامل للتمييز بني الساعني للجوء (والتي تلتزم إيطاليا قانونيا بالتعامل معهم وتوفير الوضع القانوني لهم وتوفير الحماية ملن يجري منحهم وضع الالجئني) ،وبني املهاجرين ألسباب اقتصادية .وقد حاول الرئيس اإليطالي جورجيو نابوليتانو أن يوضح أن ضحايا أمبيدوسا كانوا جميعا من الالجئني املحتملني ومعظمهم كان يحصل فعليا على ذلك الوضع .ومع ذلك ،لم يركن أي من السياسيني أو وسائل اإلعالم إلى التمييز بني الفئتني مفضلني استخدام مصطلح املهاجر األكثر عمومية.
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
49
تحقيق
وفقا لـ«الوكالة األوروب �ي��ة إلدارة التعاون العملياتي في الحدود الخارجية للدول األعضاء في االتحاد األوروبي»، ارتفع ع��دد املهاجرين الذين يرغبون في دخ��ول أوروب��ا على نحو غير قانوني في يونيو (حزيران) املاضي نحو 140ألفا نظرا لالضطرابات التي شهدها الشرق األوسط والبحر املتوسط .وم��ن املتوقع أن يمثل السوريون ثلث الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
تهريب البشر إيطاليا وليبيا ..مواجهة أزمة الهجرة ميالنو :أروترو فارفلي يضهي عدد املهاجرين إلى أوروب��ا حتى هذه اللحظة من العام الحالي عدد املهاجرين في 2013كما تجاوز العدد بالفعل إجمالي العدد الذي وصل إليه خالل الفترة نفسها في 2011عندما دخل نحو 140ألفا إلى أوروبا بطريقة غير قانونية .ويتصدر السوريون واألفغان واإلريتريون قائمة من جرى رصد محاوالت دخولهم؛ حيث مثل السوريون وحدهم نحو ربع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا خالل العام املاضي ومن املتوقع أن يصل العدد خالل العام الحالي إلى الثلث .ولعب الجدال الدائر حول الهجرة دورا محوريا خالل االنتخابات األوروبية الحديثة؛ حيث حققت الجماعات اليمينية ،التي تتخذ من قضية الهجرة قضية مركزية ،مكاسب هائلة في فرنسا وبريطانيا. بعد ثالثة أعوام من سقوط نظام القذافي ،ما زال الشعب الليبي غير قادر على تشكيل مؤسسات ديمقراطية فعالة ودولة فاعلة .وفي الوقت الراهن ،بلغت األزمة مستويات منذرة تهدد السلم واألمن ليس فقط في ليبيا ولكن في شمال أفريقيا ودول الساحل والبحر املتوسط ،خاصة أوروبا وإيطاليا ،حيث تلوح في األفق نذر حرب أهلية جديدة وممتدة ،كما أن ليبيا أصبحت على مشارف أن تصبح دولة فاشلة تماما في قلب إحدى املناطق الحيوية بالعالم. وإذا ما كانت األزم��ة الليبية قد قدمت الفرصة لالتحاد األوروب��ي إلثبات نفسه كالعب «عاملي» ،فإن تلك الفرصة ضاعت إلى حد بعيد .فقد أصبح املحور الليبي اإليطالي واحدا من أكثر طرق تهريب البشر أهمية حيث يربط بني وسط وشمالأفريقيا ومنطقة األزم��ات مثل سوريا بالقارة القديمة .وتستغل الجماعات ذات الصلة بالتهريب االضطرابات في ليبيا لتعزيز نشاطاتها وهو ما له تأثير سلبي هائل على إيطاليا.
الوصول إلى أوروبا ومن جهة أخرى ،يتزايد الوضع اإلنساني تدهورا ،نظرا ألن االضطرابات الليبية املستمرة تؤدي إلى انهيار كافة املؤسسات الوطنية الكبرى .ويعرقل العدد املتزايد من املهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا من السواحل الليبية قدرة البعثة البحرية اإليطالية – التي يطلق عليها ماري نوستروم والتي بدأت عملها في أكتوبر (تشرين األول) املاضي -على السيطرة على املياه اإلقليمية بني أفريقيا وإيطاليا دون دعم دولي ،فقد بلغ عدد املهاجرين الذين وصلوا إيطاليا بالقارب على نحو غير شرعي خالل األشهر السبعة األولى من عام 2014نحو 81ألفا من املهاجرين ،وهو ما يزيد على إجمالي العدد في ،2011أي خالل انتفاضات الربيع العربي كما أنه
48
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
مهاجرون افارقة يحاولون تسلق السياج على الحدود بني املغرب واسبانيا في الشمال من مليلية 3 -ابريل ( 2014غيتي)
من عام 1988 لقي نحو عشرين ألفا من املهاجرين حتفهم في البحر املتوسط وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا
ضعف إجمالي املهاجرين خالل 2013والذي كان يبلغ 40ألفا. وي �ت��رك ن �ح��و ث�ل�ث��ي امل �ه��اج��ري��ن ،ال��ذي��ن ي��أت��ون من عشرات الدول بما في ذلك السوريون الذين يفرون من الحرب األهلية واإلري�ت��ري��ون الذين يهربون من التجنيد العسكري ،إيطاليا ويتوجهون إل��ى دول االتحاد األوروب��ي األخ��رى .ومن املرجح أن تستمر تلك الظاهرة نظرا ألن القسم الجنوبي من ليبيا ما زال إل��ى ح��د كبير غير خ��اض��ع للسيطرة ،كما أن عدم سيادة القانون ما زالت هي القانون الحاكم الذي يأتي في مصلحة حركة كبرى عابرة للحدود من املهاجرين باإلضافة إلى انتشار الفصائل الراديكالية وامليليشيات املتنوعة.
عملية «ماري نوستروم» ووفقا ملصادر مستقلة ،فإنه بدءا من عام 1988لقى أكثر من 19720من املهاجرين في البحر املتوسط حتفهم غرقا وه��م يحاولون ال��وص��ول إل��ى أوروب��ا.
عبور 81ألف مهاجر غري شرعي إلى إيطاليا منذ بداية العام ..والالجئون السوريون يف تزايد مستمر
قارب محمل بأكثر من مائة مهاجر غير شرعي يمر بمدينة المبيدوسا على الساحل اإليطالي -مارس( 2014/غيتي)
تحقيق
مصير مجهول
األراضي العربية املحتلة .وقد حسم امللك فيصل هذا األمر في مؤتمر قمة الخرطوم الذي عقد في أغسطس (آب) ،1967وتقرر فيه دفع مبلغ 135مليون جنيه إسترليني سنويا ،التزمت اململكة بدفع مبلغ 50 مليون جنيه إسترليني منها ،والتزمت الكويت بدفع مبلغ 55مليون جنيه إسترليني ،وليبيا 30مليون جنيه إسترليني. وظلت سياسة اململكة ثابتة منذ حرب يونيو 1967حتى حرب أكتوبر 1973تجاه مسألة االستخدام اإليجابي للنفط في تنفيذ التزاماتها بدعم دول الصمود من عائدات النفط .لكن عندما اندلعت الحرب العربية اإلسرائيلية في أكتوبر 1973وضع امللك فيصل الجيش السعودي على أهبة االستعداد ملواجهة ظروف املعركة ،وأرسل رسالة عاجلة مع السيد عمر السقاف وزير الدولة للشؤون الخارجية ،في 10أكتوبر ،1973إلى كل من دمشق والقاهرة ،حيث أعرب السقاف للبلدين الشقيقني عن وقوف السعودية بكل إمكاناتها إلى جانب األشقاء العرب. استمرت السياسة األميركية في تجاهل نداءات العرب ،وقامت علنا بدعم االحتالل اإلسرائيلي لألراضي العربية .وملا أقامت جسرا جويا لتزويد إسرائيل بالسالح في حرب 1973عمدت السعودية وسائر البالد العربية إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزما ،فأعلنت البالد العربية تباعا وقف ضخ النفط إلى الواليات املتحدة ،ومن ثم إلى هولندا التي اتخذت موقفا مواليا إلسرائيل .كما فرض حظر تصدير النفط الخام إلى جميع معامل التكرير التي تصدر مشتقات النفط إلى الواليات املتحدة األميركية ،أو بيعها إلى األسطول البحري الحربي األميركي. ك��ان��ت اململكة ق��د أعلنت وق��ف تصدير النفط إل��ى ال��والي��ات املتحدة األميركية ،مبررة ذلك بازدياد الدعم العسكري األميركي إلسرائيل. واستشاطت أميركا غضبا م��ن ه��ذه الخطوة الجريئة التي ل��م تكن تتوقعها ،والتي أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط ،كما أدت إلى إرباك االقتصاد الرأسمالي الغربي عموما ،ذلك االقتصاد الذي يعتمد على النفط بصورة أساسية في تحريك عجلته على كل املستويات، وفي مختلف القطاعات الصناعية واالقتصادية. تحركت أميركا ،وأرسلت وزي��ر خارجيتها هنري كيسنجر ملقابلة امللك في 8نوفمبر 1973ليتباحث في ثالث نقاط أساسية :النفط، والقدس ،وشؤون فلسطني والفلسطينيني .وأكدت مصادر صحافية أن امللك فيصل أصر على عروبة القدس. ارتفعت لهجة التحدي والتهديد بني الواليات املتحدة األميركية وامللك فيصل إلى الدرجة التي دعت امللك فيصل للرد على هنري كيسنجر بعنف قائال« :لن نرفع الحظر على شحن النفط إلى الواليات املتحدة، ولن نعيد إنتاجنا إلى ما كان عليه سابقا ،ما لم تنته مفاوضات السالم نهاية ناجحة يتحقق على أثرها االنسحاب اإلسرائيلي الكامل من األراضي العربية املحتلة ،وضمان حقوق الشعب الفلسطيني» .وشدد امللك فيصل على ضرورة إعادة القدس العربية إلى العرب ورفض فكرة تدويل األماكن املقدسة.
مبادرات اإلغاثة والسالم لم تتوقف مساعي اململكة الدائبة من أجل حل القضية الفلسطينية عبر كل األصعدة ،ومن أبرز ذلك تقديمها ملبادرات سالم تسعى لرأب الصدع ،وتضمن حقوق الفلسطينيني ،كان من أبرزها ما قدمه امللك فهد بن عبد العزيز في مشروعه للسالم الذي تبناه وأقره مؤتمر القمة العربية الثاني عشر ،الذي عقد في مدينة فاس املغربية في سبتمبر (أيلول) .1982وقدم خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز -عندما ك��ان وليا للعهد -تصورا للتسوية الشاملة العادلة للقضية الفلسطينية من ثمانية مبادئ عرف باسم «مشروع األمير عبد الله بن عبد العزيز» ،قدم ملؤتمر القمة العربية في بيروت عام ،2002 والقت هذه املقترحات قبوال عربيا ودوليا وتبنتها القمة وأكدتها القمم العربية الالحقة خاصة قمة الرياض ،وأضحت مبادرة سالم عربية. كما اقترح في املؤتمر العربي الذي عقد في القاهرة في أكتوبر من عام
2000إنشاء صندوق يحمل اسم «انتفاضة القدس» برأس مال قدره مائتا مليون دوالر يخصص لإلنفاق على أسر الشهداء الفلسطينيني الذين سقطوا في االنتفاضة ،وإنشاء صندوق آخر يحمل اسم صندوق األقصى يخصص له ثمانمائة مليون دوالر لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية واإلسالمية للقدس املحتلة والحيلولة دون طمسها. وإذا كانت السعودية قد تقدمت مؤخرا ،مطلع شهر أغسطس ،2014 بدعم مالي قدره 500مليون دوالر إلعمار غزة بعد الدمار الذي لحقها ج��راء القصف اإلسرائيلي ،ف��إن ه��ذا ك��ان نهجا دائما وثابتا اتخذته اململكة في دع��م القضية الفلسطينية ،ومساندة أبناء شعبها .ففي مؤتمر القمة العربية االقتصادية والتنموية واالجتماعية (قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة) التي عقدت في الكويت في شهر يناير (كانون الثاني) عام ،2009أعلن امللك عبد الله عن تقديم 1000مليون دوالر أيضا إلعادة إعمار غزة ،مشددا على أهمية وحدة الفلسطينيني، قائال« :وتقضي األمانة هنا أن نقول ألشقائنا الفلسطينيني إن فرقتهم أخطر على قضيتهم من عدوان إسرائيل ،وأذكرهم بأن الله عز وجل ربط النصر بالوحدة وربط الهزيمة بالخالف». ل�ك��ن ال �خ�لاف ب�ين الفلسطينيني م��ا زال م�س�ت�م��را ،وح�ي�ن استشرى خ�ط��ره واستفحل ب�ين حركتي فتح وح�م��اس س��ارع خ��ادم الحرمني الشريفني بتوجيه دعوة لقادة الشعب الفلسطيني لعقد لقاء في مكة املكرمة ف��ي فبراير ،2007لبحث أم��ور ال�خ�لاف بينهم بكل حيادية ودون تدخل من أي طرف ،للوصول إلى حلول عاجلة ملا يجري على الساحة الفلسطينية ،وتوجت تلك االجتماعات بـ«اتفاق مكة» ،لكن قادة الفصائل ال��ذي وقعوا هذا االتفاق بجوار بيت الله الحرام ما لبثوا أن عادوا إلى روح الفرقة واالقتتال والخصام ،وازدادت آالم الفلسطينيني، بني دولة محتلة ،وأحزاب سياسية متناحرة. بعد هذه اإلشارات املقتبسة من تاريخ طويل نهجته اململكة تجاه القضية الفلسطينية ،يتأكد أن تلك األص��وات الجائرة التي تسعى إلى إنكار الجهود السعودية تجاه قضية فلسطني ما هي إال أصوات عاجزة آثمة كما يقرر ذلك األمير تركي الفيصل -فالسعودية «هي املؤيد والداعماألساسي للشعب الفلسطيني ،فهي تنطلق في ذلك من واجب ديني وإنساني وعربي ،إيمانا منها بعدالة القضية الفلسطينية ،ورفضا للظلم الفادح الواقع على كاهل الفلسطينيني» <
الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، يتحدث الى امللك فهد في الرياض (مايو2001 -
تؤمن السعودية بأن العنصر الفلسطيني هو العنصر الرئيس في املواجهة املباشرة مع تزويده بالحد األقصى من الدعم
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
45
قضايا
امللك فيصل بن عبد العزيز ()1975/ 1906
شارك الجيش السعودي في حرب فلسطني عام 1948بكتيبتني قوامهما ثالثة آالف مقاتل
44
كل جانب أن يزودوهم بالعدة والعتاد ،إلى جانب املتطوعني الذين يشدون أزرهم ،وبدأ امللك عبد العزيز بنفسه فقال لهم« :ومن اآلن أضع تحت أمرهم خمسني ألف متطوع» ،لكن غلبة الرأي كانت في النهاية لالقتراح القائل بضرورة الحرب الخاطفة. كان امللك عبد العزيز يعتقد أن الوسيلة الوحيدة ملنع قيام دولة عبرية هي تنظيم حرب عصابات ضد الكتائب اليهودية ،وانسجاما مع هذه النظرة أصدر أوامره إلى رؤساء قبائل نجد وما حولها بتقديم متطوعني تتراوح أعمارهم بني العشرين والخمسني سنة ،وإرسالهم إلى الجوف -شمال غربي اململكة -كي يعمل على إيفادهم لنجدة الفلسطينيني. كانت ال�ق��وات السعودية والتي بلغ عددها نحو ثالثة آالف مقاتل من مختلف الرتب العسكرية موزعة على كتيبتني كل منهما ألف وخمسمائة مقاتل ،وقسمت الكتيبة الواحدة إلى ثالث سرايا مقاتلة رئيسة ،وكل سرية مؤلفة من ثالثة فصائل مشاة ،وفصيل رشاش، وثالثة فصائل ومصفحات ،وكانت السرية الواحدة تضم نحو 220 مقاتال ،وقد وزعت السرايا على النحو التالي: السرية األول ��ى :بقيادة امل�ل�ازم عبد الله العيسى ،ونائبه امل�لازمإبراهيم محمد املالك. السرية الثانية :بقيادة النقيب حسن ناظر ،ونائبه امل�لازم علىقباني. السرية الثالثة :بقيادة امل�لازم أول محمد الهنيدي ،ونائبه املالزمصالح النصيان. كانت تلك الدفعة األول��ى م��ن الجيش السعودي إل��ى جانب القوات املصرية ،أما الدفعة الثانية التي شكلتها الكتيبة الثانية فقد وزعت على النحو اآلتي: السرية األولى :بقيادة املالزم أول محمد سكر. السرية الثانية :بقيادة املالزم ناصر املوسى. السرية الثالثة :بقيادة املالزم حمزة عجالن. سرية مدرعات :بقيادة املالزم رشيد البالع.وفقا ملا روته عائشة املسند في كتابها «اململكة العربية السعودية وقضية فلسطني». وك��ان القائد العام للقوات السعودية العقيد سعيد الكردي ونائبه
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
الرائد عبد الله بن نامي ،وبعد انسحاب القوتني املصرية والسعودية من غزة إلى سيناء في أعقاب الهدنة األولى في 29مايو (أيار) 1948 ُعني العميد إبراهيم الطاسان ،يساعده عدد من الضباط منهم املالزم رشيد البالع ،واليوزباشي تركي الراشد ،والصاغ أمني شاكر ،وعبد الهادي محمود ،والدكتور أحمد شلبي. غ��ادرت القوات السعودية الطائف في 21مايو 1948في طريقها إلى جدة ،وعلى منت طائرات سعودية غادرت هذه القوات مدينة جدة بعد أن ودعها وزير الدفاع األمير منصور بن عبد العزيز وجماهير غفيرة من الشعب السعودي إل��ى القاهرة ،فأنزلت قواتها خفيفة التسليح في ميناء «ف��اروق» ،أما األسلحة الثقيلة والقوات املدرعة والذخائر والتجهيزات االحتياطية فقد أرسلت بحرا فأنزلت في ميناء السويس ،وبعد أن تجمعت القوات السعودية -املصرية في العريش دخلت فلسطني عن طريق رفح ،وواصلت سيرها إلى غزة، وعند وصولها غزة أشغلت تلة املنطار املقابلة للمستعمرات اليهودية الشرقية ،وبعد شغلها املواقع شاغلت العدو ال��ذي كان يرابط في تلك املستعمرات ،وقامت بدوريات مقاتلة بني تلك املستعمرات ،كما قامت بنسف أنابيب املياه وعرقلة سير القوافل التي كانت تمون تلك املستعمرات ،كما أنها اشتركت في خطوط القتال األمامية إلى جانب القوات املصرية ،وشاركت في الهجوم على «بيت َعفا» ،واستمرت املعركة سبعة أي��ام متوالية استخدمت فيها القوات السعودية إلى ج��ان��ب امل�ص��ري��ة ع�م��وم األس�ل�ح��ة الثقيلة وال�خ�ف�ي�ف��ة ،وف��ي معركة «بئيرون يتسحاق» شارك الجنود السعوديون باقتحامهم الحصون، وحقول األلغام واألسالك الشائكة. ك��ان م��ن ن�ت��ائ��ج ال�ق�ت��ال أن اس�ت�ط��اع��ت ال �ق��وات امل�ص��ري��ة السعودية استرداد الشريط الساحلي املحاذي لساحل البحر األبيض من رفح على الحدود املصرية جنوبا حتى مدينة أسدود شماال ،مرورا بدير البلح وخان يونس وغزة ودير سنيد واملجدل ،وظل الحال على ذلك حتى ُعقدت الهدنة األولى بني العرب وإسرائيل في 29مايو .1948 في هذه األثناء كانت الهيئة العربية العليا في فلسطني قد طلبت من الجامعة العربية إعالن قيام دولة عربية فلسطينية عقب إعالن نهاية االنتداب البريطاني على فلسطني ،إال أن هذا الطلب لم ينظر فيه في حينه ،ولكن قبل استئناف القتال قررت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية إقامة إدارة مدنية فلسطينية مؤقتة في املناطق التي تسيطر عليها الجيوش العربية ،غير أن هذا املشروع بقي اسميا ولم ينفذ في حينه.
سالح النفط في املواجهة ت�ط��ورت نوعية امل��واج�ه��ة م��ع إس��رائ�ي��ل واح�ت��د امل��وق��ف ال�س�ع��ودي من العدوان اإلسرائيلي املتكرر على األراض��ي الفلسطينية ،وحني تولى امللك فيصل مقاليد الحكم في اململكة ،وهو من وجه انتقادات الذعة للجمعية العمومية في األمم املتحدة تجاه موقفها من إسرائيل ،أذاع راديو اململكة العربية السعودية في الثامن والعشرين من شهر مارس (آذار) 1965تصريحا للملك فيصل بن عبد العزيز جاء فيه« :إننا نعتبر قضية فلسطني قضيتنا وقضية العرب األولى ،وإن فلسطني بالنسبة لنا أغلى من البترول كسالح في املعركة إذا دعت الضرورة لذلك ،وإن الشعب الفلسطيني ال بد أن يعود إلى وطنه حتى ولو كلفنا ذلك أرواحنا جميعا». كانت السعودية حذرة في استخدام سالح النفط كأداة في املواجهة، نظرا لتداعياته االقتصادية الكبيرة على املنطقة وعلى اململكة ،ولكن عندما نشبت حرب يونيو (حزيران) ،1967واحتلت إسرائيل األرض الفلسطينية كلها ،وسيناء والجوالن ،وج��زءا من لبنان ،كانت هناك دع��وات لقطع النفط وأخ��رى الستمرار تدفقه مع استخدام جزء من ع��ائ��دات��ه ل��دع��م ال�ص�م��ود ال�ع��رب��ي وت�ق��وي��ة ال�ج�ي��وش ال�ع��رب�ي��ة لتحرير
ه��ذا امل �ب��دأ األس��اس��ي ه��و ال ��ذي ح�ك��م ع�لاق��ة ال�س�ع��ودي��ة بالقضية األردن وال�ق�ي��ادة الفلسطينية ف��ي ع��ام ،1970كما سعت لتقريب الفلسطينية ،كما يقرر ذلك الباحث واملحلل السعودي عثمان الرواف ،وجهات نظر مصر وسوريا وكذلك األردن وسوريا في الفترة التي الذي بنى عالقة السعودية بالقضية الفلسطينية على عدة أعمدة ،سبقت وأعقبت حرب أكتوبر (تشرين األول) ،1973وغيرها من األحداث. من أهمها: أوال :الدعم املالي الذي التزمت السعودية بتقديمه ملنظمة التحريرالفلسطينية ولدول املواجهة العربية ،ويأتي الدعم املالي السعودي الجيش السعودي في حرب فلسطني 1948 من مصادر رسمية وشعبية ويستخدم ألغراض عسكرية ومدنية وسياسية. ثانيا :التأكيد على البعد اإلسالمي للقضية الفلسطينية :فمنذ على الرغم من املوقف من السعودي الصريح بأن العنصر الفلسطينيوقوع حادث إحراق املسجد األقصى سعت اململكة إلى إبراز البعد هو الذي يجب أن يدير املواجهة بنفسه ،مع إمداده ودعمه باملدد املالي اإلس�لام��ي للقضية الفلسطينية ،إضافة إل��ى بعديها الفلسطيني والسياسي واللوجيستي ،فإن أبناء السعودية قد جادوا بأنفسهم والعربي ،وهو ما أضاف للقضية أسس قوة وعناصر دعم جديدة وأرواحهم في مواجهات مباشرة مع قوات االحتالل اإلسرائيلي في حرب فلسطني عام .1948 لم تكن متوافرة في السابق. ث��ال �ث��ا :ال �ت �ح��رك ال� ��دول� ��ي ،ان �ط�ل�اق��ا م ��ن أه �م �ي �ت �ه��ا االق �ت �ص��ادي��ة ف �ح�ي�ن ان ��دل �ع ��ت امل � �ع� ��ارك ال �ط��اح �ن��ة ب�ي�ن ال � �ث� ��وار ال�ف�ل�س�ط�ي�ن�ي�ينواالستراتيجية البترولية العاملية سعت اململكة إلى لعب دور دولي واإلسرائيليني بعد صدور قرار التقسيم بخمسة أشهر ،وصل كبير لدعم القضية الفلسطينية ،عبر التداخل مع رؤساء الواليات وف��د عربي إل��ى اململكة ض��م ك�لا م��ن عبد الرحمن ع��زام األم�ين املتحدة ،والتأثير خ�لال اجتماعات األم��م املتحدة لضمان حقوق العام للجامعة العربية ،ومفتي فلسطني أمني الحسيني ،ورياض الصلح رئيس وزراء لبنان ،وجميل مردم بك رئيس وزراء سوريا، الفلسطينيني ،ونصرة قضيتهم. رابعا :الوساطة العربية ،حيث م��رت القضية الفلسطينية بأوقات وع��رض��وا على امللك عبد العزيز خالصة امل��وق��ف ف��ي فلسطني ع�ص�ي�ب��ة ت�ع�ل�ق��ت ب�م�ش��اك��ل ال �س �ي��اس��ة ال �ع��رب �ي��ة وارت �ب �ط��ت بشكل -وفقا لدراسة تاريخية أعدها الباحثان ري��اض شاهني ،وعبد خاص بظروف الحرب األهلية في لبنان وباختالف مواقف القيادة الحميد الفراني في مؤتمر بجامعة نابلس عن موقف السعودية الفلسطينية أحيانا مع مواقف قيادات دول املواجهة ،حيث وصلت من القضية الفلسطينية .وقد استغرقت االجتماعات بني امللك هذه االختالفات واملشاكل أحيانا إلى درجة كبيرة من الحدة والتأزم ،وال��وف��د أك�ث��ر م��ن أس �ب��وع ،وك ��ان رأي امل�ل��ك ع��دم اش �ت��راك ال��دول وأدت إلى وجود توتر كبير بني دول املواجهة أو بني إحداها من طرف العربية في حرب فلسطني ،وك��ان من رأي��ه أيضا تسليح أهالي والقيادة الفلسطينية من طرف آخر ،وبالشكل الذي هدد بترك آثار فلسطني ،ومساعدتهم ماديا للدفاع عن ب�لاده��م .وم��ع احتدام سلبية كبيرة على القضية الفلسطينية .ولقد كانت اململكة دائما تبذل الجدال ،وإص��رار الجميع على خوض الحرب ودخ��ول الجيوش مساعيها الحتواء هذه االختالفات ،ولتالفي التوتر بني األشقاء ،العربية إلى فلسطني ،قدم امللك عبد العزيز اقتراحا آخر ،يقضي ولعبت السعودية في هذا الخصوص دورا مهما في الوساطة بني بأن يقوم الفلسطينيون بثورة عارمة من الداخل ،وعلى العرب من
صورة ارشيفية للملك عبد العزيز والرئيس األميركي فرانكلني روزفلت 1945 -
امللك فيصل: «قضية فلسطني هي قضيتنا وقضية العرب األولى ..والشعب الفلسطيني ال بد أن يعود إلى وطنه حتى ولو كلفنا ذلك أرواحنا جميعا»
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
43
قضايا
منذ ثورة البراق عام ،1929واشتعال حدة املواجهات الدامية بني الفلسطينيني واليهود ،مرورا بقرار التقسيم، وإعالن قيام دولة إسرائيل عام ،1948ثم االحتالل اإلسرائيلي لباقي األراضي العربية عام ،1967ثم حرب ،1973وحتى يومنا هذا وقضية فلسطني من أهم الثوابت الراسخة في السياسة الخارجية السعودية ،حيث قامت اململكة بدعم ومساندة القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها وعلى جميع األصعدة (السياسية واالقتصادية واالجتماعية) ،وهو حضور دائم تفرضه السعودية ألهميتها وثقلها االستراتيجي في كل قضايا املنطقة العربية.
عالقة التاريخ واملصير ..استراتيجية راسخة ألجل النصرة والسالم
السعودية والقضية الفلسطينية الرياض: عبد الله الرشيد
امللك عبد العزيز قال للرئيس األميركي: «أعطوا أملانيا لليهود.. ملاذا يدفع العرب ثمن أخطائكم؟»
42
في فبراير (شباط) عام ،1945قبل أن تضع الحرب العاملية الثانية أوزارها ،وتتكشف خريطة جديدة للمنطقة ،كان على رأسها دولة جديدة إلسرائيل في قلب املنطقة العربية «فلسطني» ،مأوى ومالذ لليهود الهاربني من اآللة النازية األملانية التي كانت تالحقهم في كل مكان ..في ذلك الشهر ،وفي حدث تاريخي ،اجتمع امللك عبد العزيز بن عبد الرحمن -مؤسس اململكة العربية السعودية -مع الرئيس األميركي فرانكلني روزفلت في خليج السويس على ظهر السفينة الحربية «كوينسي» ،ملناقشة تداعيات الحرب العاملية الثانية. كان روزفلت قلقا ،يحمل بني طياته ملفا يريد أن يحشد له املناصرة والتأييد -كما يروي الكاتب األميركي ويليام ايدي ،في كتابه «القمة األميركية -السعودية األولى :القمة السرية بني امللك عبد العزيز آل سعود والرئيس روزفلت .»1945قال روزفلت للملك عبد العزيز: «إننا نحن الحلفاء نتطلع إل��ى إنقاذ البقية الباقية من اليهود في وسط أوروبا الذين يذوقون رعبا ال يوصف على يد النازيني من طرد وتعذيب وهدم ملنازلهم وقتلهم عمدا ،واليهود لديهم رغبة عاطفية في سكنى فلسطني». غضب امللك عبد العزيز وتغير وجهه وتجهم ،والتفت إلى روزفلت، وقال« :امنحوا أرض أملانيا لليهود ،فهم الذين اضطهدوهم ..أي شر ألحقه العرب بيهود أوروبا؟ إنهم املسيحيون األملان سرقوا أموالهم وأرواحهم ،إذن فليدفع األملان الثمن ،ملاذا ندفعه نحن العرب؟». كانت هذه القمة التاريخية ابتداء النفصال حاد ومواجهة مستمرة بني اململكة العربية السعودية وال��والي��ات املتحدة األميركية في ما يتعلق باملسألة الفلسطينية ،فمنذ ذلك التاريخ والتحركات األميركية والبريطانية تحث الخطى م��ن أج��ل إع�لان دول��ة لليهود ف��ي أرض فلسطني .ففي 12أبريل (نيسان) 1947اجتمعت الجمعية العامة ل�لأم��م امل�ت�ح��دة ب�ن��اء على طلب م��ن الحكومة البريطانية ،وبتأييد أميركي ،للبحث في مسألة فلسطني ،وتم تشكيل لجنة من إحدى عشرة دولة لهذا الغرض ،وانتهت اللجنة إلى تقرير رأت فيه األغلبية تقسيم فلسطني إل��ى دول�ت�ين :عربية وي�ه��ودي��ة ،بينما رأت األقلية إقامة دولة اتحادية مع وجود حكومتني مستقلتني ،إحداهما للعرب واألخ��رى لليهود ،وأن تكون القدس عاصمة لهذه الدولة ،وصودق على صدور القرار في 29نوفمبر (تشرين الثاني) ،1947بتأييد 33دولة ،ومعارضة 13دولة ،مع امتناع عشر دول عن التصويت منها بريطانيا .وفي تلك املناقشات العامة حول القرار هب األمير فيصل بن عبد العزيز ،الذي حضر املناقشات مندوبا عن السعودية، واستهل كلمته بتوجيه النقد العنيف إلى أعضاء الجمعية العامة،
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
وشدد على سياسة الواليات املتحدة إزاء فلسطني بقوله« :لقد أتينا إلى الجمعية العامة يملؤنا األمل بأن الدول الكبرى والصغرى على السواء ستوجه قصارى جهدها لرفع املستوى األخالقي .لقد أتينا هنا يملؤنا األمل بأن جميع األمم ستحترم وتؤكد حقوق اإلنسان والعدالة ،وبأن هذه املنظمة ستكون أداة لتحقيق األمن والسلم الدولي، وف��ي الوقت نفسه ك��ان يحدونا األم��ل ب��أن املنظمة ستكون عبارة عن أساس قوي لتحقيق التفاهم املشترك بني جميع الشعوب .لقد تعهدنا أم��ام الله والتاريخ بأن ننفذ امليثاق بإخالص وحسن نية، وبذلك نحترم حقوق اإلنسان ونصد كل عدوان ،ولكن لألسف فإن قرار اليوم قد هدم كل املواثيق التي سبقته». يؤكد الفيصل أن الواليات املتحدة مارست ضغوطا على بعض الدول، فيقول مكمال كلمته «لقد شعرنا مثلما شعر اآلخرون بالضغط الذي جرى على عدة مندوبني في هذه املنظمة من قبل بعض الدول الكبرى، وذل��ك لكي يكون تصويتهم في صالح مشروع التقسيم» .ويعلن الفيصل في ختام تصريحه بكل ج��رأة رف��ض ب�لاده لذلك القرار، فيقول« :ولهذه األسباب فإن حكومة اململكة العربية السعودية تود أن تسجل في هذه املناسبة التاريخية أنها ال تعتبر نفسها ملزمة بالقرار الذي تبنته الجمعية العامة اليوم ،باإلضافة إلى ذلك فإنها تحتفظ لنفسها بكامل الحق في حرية التصرف بالطريقة التي تراها تتناسب مع مبادئ الحق والعدالة .إن حكومتي تلقي كامل املسؤولية على األطراف التي أعاقت كل وسائل التعاون والتفاهم».
النهج السعودي تجاه القضية الفلسطينية يقوم النهج السعودي تجاه قضية فلسطني على محاور متعددة.. أبرزها ،اإليمان ببعد القضية العربي واإلسالمي والدولي ،والتركيز على الحلول والتفاهمات املشتركة مع القوى العربية والدولية للوصول إلى حل عادل دائم للقضية الفلسطينية. ومنذ البداية كانت السعودية تقف إلى جانب الفلسطينيني ،لكنها تؤكد على أن العنصر الفلسطيني هو العنصر الرئيس في املواجهة مع تزويده بالحد األقصى من كل أنواع الدعم االقتصادي والعسكري والسياسي .كانت هذه هي نظرة امللك عبد العزيز ،والتي تجسدت بعد ذلك في السياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية ،حيث تبنت مبدأ ع��دم التدخل ف��ي ش��ؤون القيادة الفلسطينية ودعمها في ما تصل إليه من ق��رارات ومواقف مع ضمان مراعاتها للبعد اإلسالمي ملسألة القدس.
متوجها ألسرته في منطقة قرب الدهماني ،وضرب عليه املتطرفون الرصاص، وكانوا يستقلون سيارة جيب ،انقلبت بهم أثناء محاولة هروبهم ،فنزال منها واختفيا ،وعثر الشرطي على أوراق خاصة بجواز سفر لوالدة أحد الهاربني، ونشرنا صور املرأة ومن يتعرف عليها ،إلى أن جاء خالهم ،وقال إنها أخته، وأخبرناه بالواقعة ،فقال إن ابني أخته االثنني من أنصار الشريعة ،لكن الولدين حني جرى توقيفهما قاال إن السيارة ال تخصهما وإن األوراق كانت بحوزة رجل لتخليص إجراءات استخراج جواز السفر ،إال أنه لم يجر العثور على هذا الرجل أبدا ،وما زالت القضية معلقة» .وتتكون الغرفة األمنية في بنغازي من رجال الشرطة السابقني وتتبع وزارة الداخلية وتعمل بشكل محايد بعد أن فشل اإلخوان في استغالل العاملني فيها لصالحهم .وهرب منها إلى مصر عدد من الضباط والجنود بعد تلقيهم تهديدات جدية بالقتل من بينهم ضابط يدعى إبراهيم عمل في السابق كناطق إعالمي باسم الغرفة.
التفخيخ املتطور للخصوم
هذه األموال قادمة من طرابلس في طائرة جرى االستيالء على ما فيها حني حطت في مطار بنينة ،وبالتزامن مع ذلك قام أنصار الشريعة بنهب سيارة أخرى كان فيها 12مليون دينار ليبي من أموال الشعب أيضا .حصلوا على معلومات برقم الطائرة وموعد وصولها ،حدث هذا في منتصف شهر رمضان والناس صيام ..اقتحموا املطار فجأة وبدأوا في الضرب حول الطائرة بينما أنصارهم يتقدمون إلى الطائرة بني خطي النيران وحملوا األموال في سياراتهم وهربوا» .ورغم الرعب الذي تسبب فيه مقاتلو أنصار الشريعة عقب استيالئهم على معسكر الصاعقة ،وقيامهم بذبح جنود من املوالني لحفتر ،فإن قوات الجيش الوطني تمكنت من امتصاص هذه الصدمات ،وع��اودت الكرة لطرد املتشددين من املدينة .وسقط صاروخ خالل هذه املعارك األخيرة على منزل لعائلة البرغثي أمام املدرسة املوجودة في شارع عشرين ،بينما كانت املدرسة نفسها قد تحولت إلى أنقاض بسبب الصواريخ ،وأدى هذا النوع من املعارك إلى نزوح آالف العائالت من املدينة إلى مدن مجاورة أكثر هدوءا أو إلى خارج البالد ،عبر حدود كل من مصر وتونس.
أنصار الشريعة ويعرف سكان بنغازي عناصر من أنصار الشريعة ممن ينتمون لعائالت وقبائل في املدينة ،شاركوا في قتل جنود من أتباع حفتر ،خاصة وأن هؤالء الجنود ينتمون لقبائل وعائالت معروفة أيضا .وهذا جعل أنصار الشريعة يخلون سريعا معسكرات الجيش التي سبق ودخ�ل��وه��ا ،وبعضهم ل��م يعد يستطيع أن يبيت في بيته خوفا من انتقام السكان ،ويلجأ معظمهم للمبيت واإلقامة في مزارع منتشرة في ضواحي املدينة .وواحدة من تلك املناطق تقع في سيدي ف��رج أي إل��ى الغرب قليال من مطار بنينة ،وه��ي منطقة مفتوحة وغنية باملزارع وتمتد عدة كيلومترات حتى منطقة قار يونس غرب بنغازي. لكن جنودا في الجيش يتحدثون عن أن تنظيم أنصار الشريعة ظهر خالل املعارك التي جرت الشهر األخير أن لديه أسلحة غريبة جدا .ويقول جندي شارك في التصدي لهجوم املتطرفني على الكتيبة « :319لديهم أسلحة لها صفير مختلف ..صوتها غريب ،وأول مرة نسمعه ..أمضيت أربع سنوات في الحرب منذ 17فبراير ومر علي كل أنواع األسلحة ،من عيار 106وغيره ،وأستطيع أن أق��ول إن لديهم ص��واري��خ ال مثيل لها ف��ي ليبيا» .ويعمل املتطرفون مثل األشباح في املدن الليبية ،خاصة بنغازي« ..يضربون الضربة ويختفون» .لكن في واحدة من الوقائع التي تحقق فيها الغرفة األمنية في املدينة توجد خيوط تصل بني هذه الضربات وأنصار الشريعة ،كما يقول أحد ضباط الداخلية: «في منطقة قنفودة ،قبل أسبوعني ،كان شرطي زميل لنا يركب سيارة تويوتا
تجري عملية االغتياالت في بنغازي بواسطة قنابل ذات تقنية حديثة ويعتقد أنها مستوردة من الخارج ،وهي ال توجد إال في حوزة املتطرفني في بنغازي ودرنة وطرابلس وسرت .ويقول ضابط في الغرفة األمنية في بنغازي« :أنا رأيت ثالثة انفجارات ..انفجارات دقيقة للسيارات ،يقتل املستهدف بعد جلوسه على املقعد ،والغريب أن االنفجار ال يصيب الجالس في املقعد املجاور .بل يصيب الهدف وحده بكل دقة .وبعد التحقيق في األمر اتضح أن هذا النوع من املتفجرات ال يقتل على الفور وال يدمر السيارة ،ولكنه يؤدي إلى تمزيق شرايني وأوردة في الفخذين والظهر للجالس على املقعد املستهدف ،تؤدي إلى املوت بعد دقائق. هذا النوع من امللصقات املتفجرة ال يصنع في ليبيا ،ولكنه يشترى جاهزا من الخارج ..مديرية أمن بنغازي وقوات الصاعقة صادروا بعضا من هذا النوع من امللصقات املتفجرة .والتفجير ال يحدث بالهاتف الجوال ،ولكن بالريموت كنترول عن بعد ،وذلك بعد أن يجري وضع امللصق في السيارة املستهدفة وهي متوقفة .وسقط بسبب هذا النوع من املتفجرات الالصقة العشرات من الضباط والجنود خاصة في بنغازي ودرنة». ويقول ضابط آخر إنه حني كان يخدم في سالح الصاعقة في بنغازي كان شاهدا على تنفيذ عملية جرى تنفيذها ضد سيارة العميد يوسف الصيفر، الذي كان نائبا عاما ،وكان مسؤوال عن الشرطة العسكرية ،بالطريقة اآلتية: جاء العميد الصيفر للصالة على جثمان خالته في مسجد عمر بن الخطاب في منطقة الليثي ،ولم يكن يقود سيارته ماركة تويوتا الند كروزر ،ألنه كان مصابا في قدميه ،ولهذا كان يقود به شقيقه .ويضيف« :بعد صالة الظهر خرجنا، وكانت السيارة واقفة بجوار الحديقة التي أمام الجامع ،وفجأة انفجرت ،وشقيقه الذي كان يرتدي ثوبا ،لم يصب بأي أذى إال ببعض من دم أخيه الضابط ،بينما العميد حملوه وأخرجوه من السيارة وكان كأنه مضروب في فخذيه وظهره بالسواطير .املتطرفون كانوا يعرفون أنه ال يقود السيارة وأنه يجلس على املقعد الثاني ،واشتعلت السيارة ألن خط البنزين كان تحت املقعد املجاور ملقعد السائق ،أما السيارات التي ال تنفجر بعد تفخيخها باللواصق فالسبب يرجع إلى أن مكان خط البنزين في السيارة يوجد تحت املقعد اآلخر ،حسب نوع السيارة ،وهذا حدث في عملية ضد ضابط آخر في الصاعقة .ويقول إن املتطرفني في بنغازي ودرنة يشيعون أنهم يستخدمون الجالطني (متفجرات ديناميت بدائية تعتمد في تفجيرها عن بعد على الهاتف الجوال) ،لكن« ..هذا غير صحيح ،ألن الجالطني يؤدي لتفجير السيارة بأكملها». هذه امللصقات أتى بها مقاتلون متطرفون من الخارج .وتوجد تحقيقات في معلومات عن تعاقد املتشددين على عشرة آالف حقيبة تحوي متفجرات الصقة من هذا النوع ،وتوجد خيوط تقول إنه جرى استيرادها باسم وزارة الدفاع (وه��ي وزارة يسيطر عليها متطرفون وعناصر من جماعة اإلخ��وان أيضا) .فما حاجة الجيش ملثل هذا النوع من املتفجرات .ولم يتسن الحصول على تعليق من مسؤولي وزارة الدفاع الليبية بسبب األحداث املضطربة هناك، بينما نفى مسؤول اإلخوان في ليبيا ،الشيخ بشير الكبتي ،أي عالقة لجماعته بأعمال العنف التي تشهدها البالد <
ضعف التركيبة السياسية الليبية في السنوات الخمس األخيرة من حكم القذافي ودخول تيار جماعة اإلخوان الليبيني ،على خط إصالحات سيف اإلسالم تسبب في إرباك املنظومة الليبية برمته
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
41
قضايا
ليفتشه ،إال أنه سرعان ما أخذ يصيح قائال( :يا ناس ..وجدت رأسا ..وجدت رأسا) .وهرع إليه املواطنون فأخذوا الرأس للمستشفى ،وهناك جرى غسل الوجه وتصويره وسؤال أهل درنة عمن لديه شاب متغيب ليروا إن كان هذا رأس ابنهم أم ال ،إلى أن تعرفت عليه أسرته ،فدفنوا الرأس وعملوا عزاء ،وبعد أيام عثر أحد املواطنني على الجثة فجرى دفنها مع الرأس» .وحاولت قوات حفتر الحد من خطر هذه الجماعات والجرائم التي تقوم بها في املدينة التي كانت في السابق تشتهر بالفنون والتجارة ،وشن الجيش الوطني عدة هجمات على معاقل املتطرفني واللصوص املتحصنني في الوديان جنوب درنة ،مثلما كانت توجه ضربات لباقي املتطرفني حول بنغازي وطرابلس .ويقول أحد ضباط حفتر ويلقب بـ«العقيد الفيتوري»« :امل��وج��ودون في درن��ة جماعات مختلفة ليسوا منضوين تحت قيادة واحدة أو هكذا يبدون ..التكفيريون متحدون ،لكن السلفيني يختلفون عنهم ..وبينهم اقتتال .يوجد سلفيون في درنة .هذا معلوم. ويوجد مجرمون ولصوص أيضا ،لكن املشكلة تكمن في األسلحة الثقيلة التي يحوزونها» ،مشيرا إلى أن طيران الجيش شن عدة غ��ارات في محاولة منه لكبح جماح تلك الجماعات ،لكنه قال إن األمر قد يستغرق وقتا طويال إذا لم يتلق الجيش مساعدات تقنية وأسلحة متقدمة في الفترة املقبلة .وتوقع أن تكون الحرب على املتشددين في درنة األطول واألصعب بسبب التضاريس.
الجماعة السلفية الليبية ال تجنح على ما يبدو إلى القتال رغم تعرض أبرز تنظيماتها املعروفة باسم «كتيبة سجناء أبو سليم» للهجوم من جانب تنظيم أنصار الشريعة
40
حروب الشوارع أما في بنغازي ،فقد تكشفت تفاصيل جديدة في عملية اقتحام املتطرفني ملعسكرات حفتر هناك ،وتبني من خاللها ،وفقا للمحققني ،وجود عالقة قوية فعلية بني اإلخوان واملتشددين من «أنصار الشريعة» التي استولت على معدات جنود النخبة بالجيش الليبي وتعهدت بتصفيتهم عقب احتاللها لعدة أيام معسكر الصاعقة في املدينة في العشر األواخر من شهر رمضان املاضي. وكان حفتر وقادة الجيش الوطني قد سارعوا بعملية انسحاب تكتيكي من تلك املعسكرات ،لكن كان يوجد فيها معلومات تفصيلية على أجهزة الكومبيوتر عن الجنود واملعدات ،كما كان حفتر قد ترك عددا من الجنود واألسلحة داخلها احتياطيا ،حيث قامت هذه املجموعات الصغيرة بالدفاع ببسالة عن املعسكرات حتى سقطت في أيدي «أنصار الشري عة».ومنذ هيمن التكفيريون على ضواح بأكملها في مدينة بنغازي ،انتشرت ظاهرة القتل والتفجيرات وقطع الرؤوس، بالتزامن مع محاوالت أنصار الشريعة أيضا ومن يدعمهم من ميليشيات املنطقة الغربية ،أي ميليشيات مصراتة واإلخوان (الدروع) ،للسيطرة على مطار بنينة .ومن بني الوقائع الجديدة فيما يتعلق بعملية سيطرة أنصار الشريعة على معسكرات في املدينة التي تعد ثاني أكبر املدن في البالد ،ومهد الثورة ضد القذافي ،يروي جندي برتبة عريف من جنود «الصاعقة» يدعى عبد الحفيظ، قائال إن جماعة «أنصار الشريعة» ،حني اقتحمت املعسكر ،حصلت على أسماء جنود الصاعقة وبدأت في تصفيتهم ومالحقتهم بعد وضع أسمائهم على حواسب محمولة للكشف عن املشتبه بهم ممن يجري توقيفهم عند الحواجز التي يقيمونها في املدينة .ويضيف« :كانت عناصر أنصار الشريعة قد دخلت الكتيبة رقم ( 319ضمن معسكر الصاعقة الرئيس) وقاموا بذبح كل من فيها، وكان عددهم 25جنديا .ويقول :كانت كتيبتي تقع خلف مقر الكتيبة 319 أي كنت في كتيبتي املعروفة باسم الكتيبة ،36ولم تكن لهذه الكتيبة أي مهام أيام القذافي إال حماية رؤساء الدول والضيوف الكبار األجانب ،ويخرج منها عادة في مثل هذه املهام النادرة من 25إلى 30جنديا .وقام أنصار الشريعة بهدم السور الذي يفصل كتيبتنا عن الكتيبة ،319ودخلوا عندنا وبدأوا بحرق السيارات لكي يشكل الدخان حاجزا وستارا لهجومهم .وكان ذلك في وقت الصباح» .ويتابع موضحا« :واشتعل القتال ..وبدأت الذخيرة تنفذ من رفاقي. وأخذ أحد الجنود يصيح« :يا خالي ،يا خالي ماذا سيحدث ،يا خالي» ..وصاح آخر« :الذخيرة يا حفتر ..أين الذخيرة يا حفتر .نتعرض للهالك يا حفتر». ويزيد العريف عبد الحفيظ« :هذا املعسكر كان فيه أربعون غرفة ..منها عشرون في الطابق األول وعشرون في الطابق الثاني .لكن عدد املوجودين في املعسكر لم يكن يزيد عن نحو عشرين جنديا فقط .واستولى أنصار الشريعة على ست أو سبع سيارات .جماعتي كانوا أغبياء ولم يفجروا مقر اإلدارة من أجل
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
مقاتلون اسالميون عند مدخل مطار طرابلس الدولي عقب عدة أيام من االشتباكات مع قوات حفتر24 أغسطس(2014غيتي)
حرق األوراق والحواسيب التي كانت فيها .لألسف أخذ أنصار الشريعة األوراق وأخذوا أسماءنا وملفاتنا وكومبيوتراتنا ،وكل ما يتعلق بنا من تفاصيل منذ التحاقنا بالكتيبة حتى املعركة األخيرة» .ويضيف أن الهدف من جمع أسماء أفراد الكتيبة هو التصفية وقتل الجنود اآلخرين .وقال إنه جاءه تهديد مرتني على هاتفه الجوال .وسبق أن ألقت أنصار الشريعة في درنة القبض على هذا الجندي حني كان يرافق شاحنات بضائع لتأمينها إلى مدينة درن��ة ،وكانوا يعدون لقتله بعد مصادرة البضائع إال أنه ذكر لهم اسم أحد أقاربه من جماعة اإلخوان والذي يقود مجموعة مسلحة في املدينة وكان من املوالني لقائد كتيبة أنصار الشريعة في درنة ،سفيان بن جومة حتى وقت قريب ،من أجل عدم قتله .ويعيش هذا العريف اآلن وسط جنود حفتر في منطقة املرج قرب بنغازي. وبخالف الرعب من االقتتال وتفخيخ سيارات الخصوم عبر شوارع املدينة، تنتشر في بنغازي أعمال الخطف .ويقول سليمان ،وهو مسؤول محلي سابق في املدينة ،إنه شاهد على قيام جزائريني باملشاركة في القتال في صفوف املتطرفني س��واء ف��ي امل�ع��ارك ض��د ق��وات حفتر أو ف��ي أع�م��ال الخطف وطلب الفدية .ويوضح« :يمكن بكل يسر أن يعترض طريقك مسلحون جزائريون أو توانسة أو مصريون ..كنت منذ أسبوع في منطقة بوعطني في منطقة سوق األغ�ن��ام ..هناك أع��داد كبيرة من التوانسة املتطرفني ،تالحظهم بسهولة من خالل لهجتهم ..أحدهم صاح في وجهي بلحيته الطويلة وشعره الكث طالبا مني إخالء املنطقة ،وقال لي( :بربك ..بربك ..امش بعيدا) .أما الجزائريون فهم كثيرون ،ويشاركون في أعمال الخطف ،وهم من خطفوا رجال ثريا مشهورا يدعى عبد السالم ..وضربوه ،وأخ��ذوا فدية من عائلته قدرها مليونا يورو، بعد أن كانوا قد ساوموه على عشرة ماليني يورو». وعما إذا كان أهل بنغازي يستطيعون التعايش مع أنصار الشريعة ،يجيب الرجل الذي كان عضوا في املؤتمر الشعبي أيام القذافي« :مستحيل .ملاذا؟ ألنهم يزعمون أنهم يريدون تطبيق الشريعة ..بينما نرى أن لديهم شريعتهم الخاصة بهم التي ال يتقبلها غالبية الليبيني .أكبر واحد من عناصر أنصار الشريعة عمره 25سنة .وحني يجري تجنيد الشباب من هؤالء يجري إمالء شروط العمل مع أنصار الشريعة عليه ،حتى يوافق عليها ،مثل أنه إذا انخرط في التنظيم وأراد أن يتركه فمصيره القتل .وأال يضع اعتبارا ألي شخص من عائلته ،وإذا كان أخوه من الجيش فعليه أن يقتله ،ألن قتله فيه تقرب إلى الله. هذا فكرهم» .ويقول ضابط صغير السن وحديث التدريب في جيش حفتر: «أنا وجنودي نقف أحيانا حراسة على مساجني من أنصار الشريعة وتأتيني عروض تصل إلى مائة ألف دينار لتهريب محبوس أو اثنني منهم .وهم لديهم أموال ضخمة ..لدينا معلومات بأنهم قاموا أخيرا بنهب 350مليون دينار من األموال التي كانت في طريقها إلى مصارف بنغازي قبيل عيد الفطر .وكانت
خالف بني أنصار الشريعة و(القاعدة) ،ووقع اقتتال ومعارك في الوديان خاصة في وادي كرسة ذي التضاريس الوعرة والذي تعود شهرته إلى أيام مواجهات اإلسالميني مع القذافي». وفيما يخص أعداد الجهاديني هناك ،سواء أنصار شريعة أو «قاعدة» ،يوضح: «أحيانا تشعر أن أعدادهم ليست كبيرة ،وأحيانا تراهم يستعرضون قوتهم بشكل مخيف ..هم لديهم القدرة على تجنيد الشباب العاطل .أي أنهم في يوم من األيام يمكنهم أن يوفروا 300مقاتل في وقت قياسي .وفي بعض األحيان تكون لديهم القدرة على توفير 800مقاتل في سرعة البرق .وفي بعض األيام ال ترى من هذه الجماعات أي أثر إال عدة سيارات دفع رباعي تمر من هنا أو من هناك .وتوجد بينهم قيادات وكوادر ليست ليبية». وفي مقابلة مع شيخ قبلي من درنة ،بعد فراره منها إلى مدينة طبرق القريبة من مصر ،يقول« :الناس العادية في درنة تقول لك ال نعرف شيئا عن تفاصيل ه��ذه الجماعات ال�ت��ي ان�ت�ش��رت ف��ي امل��دي�ن��ة حتى حولتها إل��ى م��ا يشبه امل��دن األفغانية بسبب نوع املالبس واللحى الطويلة ..حتى الذي يعرف يقول لك ال أعرف .وهناك مقولة بني أهل درنة تتعلق بتصرفات أنصار الشريعة وجماعة سفيان بن جومة ،وهي أنهم (ال يعطوك وال يخطوك)؛ أي ال يعطونك أي إفادة أو إجابة وال يتركونك في حالك بعد ذلك» .و« ..إذا سألت عن أمر فأنت ربما تكون مصريا أرسله السيسي (رئيس مصر الذي أزاح اإلخ��وان عن الحكم) في صورة صحافي أو باحث ،ويطلقون عليك الرصاص أو يذبحونك مثلما تفعل (داعش) .وقد يرسلون لك شخصا بسيارة يقتلك في الشارع ويمضي، وال أحد يتحرك ..كل يوم يصير مثل هذا في شوارع درنة .سيارة شيفروليه زجاجها أسود وليس عليها أرق��ام ضربت رجال بالرصاص ومضت .حتى الكالم ال يستطيعون أن يتكلموا وليس لديهم إمكانية لتوقيف املهاجمني أو منعهم من القتل». ويضيف شاهد آخر ،يدعى عبد الله ،وهو تاجر من سكان املدينة الذين فروا بأسرتهم منها أخيرا« :أحيانا تقوم سيارة باستهداف الشخص في الشارع، ويكون خلفها سيارة أو سيارتان للتأمني والحماية ،على أساس أنه لو تعرضت السيارة األولى ألي مشكلة تنجدها السيارة التي وراءها .نحن لم نعد نعرف من يقتل م��ن ،وال م��اذا ي��ري��دون ،يقولون نريد تطبيق ش��رع الله ،لكن ألسنا كلنا مسلمني؟ وكلنا ملة واحدة؟ وكلنا على املذهب املالكي؟ ليبيا كلها على املذهب املالكي وعلى دين وسطي ،لكنهم يقولون إن اآلخرين ،مثل جيش حفتر والبرملان الجديد ،كفرة وأولياء الطاغوت .ما أراه أن هؤالء املتطرفني يريدون الكرسي ال شرع الله وال غيره ..ثم إذا كنت تريد تطبيق شرع الله فلماذا ال تأتي وتتناقش مع الناس ..حتى أهل بلدك ال تتناقش معهم ..ملاذا؟». ويتدخل ابن عبد الله ،وهو شاب تخرج قبل عامني في جامعة األزهر بمصر، واسمه ناصر« :درنة مدينة رعب ..شرع الله ليس فيه قتل ..القتل يكون في حرب بني املسلمني والكفار مثال .بني دولة ودولة مثال ..نحن ليس لدينا كفار في درنة وال في ليبيا .لكن أن نقتل عباد الله فهذا أمر عجيب .وحني تحتج على قتل الناس وتقول لهذا أو ذاك توقفوا عن القتل ،يردون بأنهم ليسوا وراء هذه األعمال .إذن من وراءها ،وماذا يحدث؟ حاول بعض الناس الوجهاء في درنة التحدث مع سفيان بن جومة ،لكنهم فوجئوا بأن مستواه في علوم الدين متواضع جدا ،وقال لهم إنه ال يتزعم أحدا وغير مسؤول إال عن نفسه ..ونسمع أن هناك من يدعمه من الخارج .واملتطرفون في درنة كثر غير سفيان ..حني تجلس مع أحد منهم يقول لك إنه غير مسؤول إال عن نفسه».
محاكم شرعية وتقع درنة بني جبلني ،وهي تشبه مدينة السلوم املصرية ،لكن الفرق أن درنة يحيط بها الجبل من ثالثة اتجاهات ما عدا ناحية البحر ،ووراء تلك الجبال توجد مجموعات كبيرة م��ن ال��ودي��ان التي يختبئ فيها املتطرفون ولديهم معسكرات تحت األرض ،وكذا توجد معسكرات داخل املدينة نفسها .ويضيف ناصر الذي طرده املتشددون من مسجد الصحابة الذي كان يؤم فيه املصلني ف��ي درن ��ة« :امل�ت�ط��رف��ون اح�ت�ل��وا أخ �ي��را مبنى ال�ب�ل��دي��ة وك�ت�ب��وا عليه (املحكمة الشرعية) ..وحاكموا فيها م��ا ال يقل ع��ن عشرين م��ن الليبيني واملصريني وغيرهم من جنسيات مختلفة ونفذوا فيهم حكم اإلعدام في املسجد نفسه
(مسجد الصحابة) وهو أكبر مساجد املدينة وتوجد أمامه ساحة واسعة، مشيرا إلى أن املسجد أخذ اسمه مما يعتقد أن بعضا من املسلمني األوائل دفنوا في منطقته» .ويضيف ناصر قائال إن املتطرفني نفذوا خالل عيد الفطر إعدام ثالثة في املسجد عن طريق املحكمة الشرعية الجديدة هذه .لكنه يقول إن السؤال هو من أعطاهم األمر بعمل محكمة شرعية .هذا من بنات أفكارهم ألنه ال توجد حكومة .العالقة الوحيدة بني هذه امليليشيات والدولة تتلخص في حصولهم على رواتب شهرية بماليني ال��دوالرات ،باإلضافة إال أنهم يتلقون مساندة من جماعة مصراتة واإلخوان املتمثلة في ميليشيات الدروع ،وذلك من خالل املطارات واملوانئ التي يسيطر عليها قادة تلك الجماعات خاصة مطار معيتيقة وميناء مصراتة ،إضافة مليناء درنة نفسه. وسبق للقذافي في منتصف تسعينات القرن املاضي أن شن هجوما على الوديان التي كان يتحصن فيها املتطرفون في درنة ،لكن اآلن أصبحوا أكثر قوة من السابق ..ويقول الوالد عبد الله الذي شارك في الثورة ضد القذافي إن املتطرفني أصبح لديهم معسكرات في العديد من الوديان والجبال ،وأسلحة متنوعة« ..في أيام القذافي كان عدد من لديه سالح من املتطرفني هنا ال يزيد على عشرين نفرا ،وأسلحة من ن��وع كالشينكوف ،لكن اليوم معهم جميع أن��واع األسلحة ..رأينا رت�لا عسكريا تابعا لهم وعليه ص��واري��خ ق��ادرة على إسقاط الطائرات ،وقلنا من أين جاء وأي��ن ك��ان .وط��اف في درن��ة ثم اختفى. وفي بداية الثورة نهبوا صواريخ بعيدة املدى من مخازن الجيش ..من معسكر قرب الزويتينة ناحية بنغازي» .ابن عبد الله ،الكبير ،واسمه أبو بكر وكان يعمل بائعا في سوق الخضر والفاكهة في درنة قبل الفرار منها ،تعامل مع مشترين سوريني يبدو أنهم تحولوا إلى أمراء حرب ويتحصنون في وديان درنة ويتحركون في سيارات دفع رباعي ذات زجاج معتم ..ويقول :سوريون ملتحون وفي مالبس أفغانية كانوا يأتون لشراء الفاكهة من دكاني ..يوم نعم، ويوم ال ..وهم نوع من الزبائن يختلفون عن الليبيني ،ألنهم ال يسألون عن السعر وال يفاصلون ..يأتي الواحد من هؤالء وال يسأل عن األسعار ولكنه يشتري ما يريد بنفسه ويضع على امليزان بنفسه ،ثم في النهاية يسأل عن إجمالي سعر ما أخذه من موز وتفاح وغيره من الفاكهة والخضراوات ،كميات ..ثم يخرج رزمة من الفلوس ويدفع كما أقول له .ويضع كل ذلك في السيارة املغلقة واملعتمة دون أن أعرف ما فيها. وأهل درنة العاديون يتحركون دون أن يعرض طريقهم أحد ،رغم عدم وجود جيش أو شرطة أو إدارة محلية رسمية في املدينة .أما من يجري التعرض له بالخطف أو القتل فيكون عادة من أجل املال أو املنهج ..يقول عبد الله« :يعرفون أنك مليونير أو صاحب مال ،يخطفونك أو يخطفون أحد أفراد أسرتك .يكلمونك بالهاتف( ..ه��ا؟ تدفع أم ال؟) .وإذا لم تدفع يقطعون رأس��ك ،قد يبدأ الطلب بعشرة ماليني دينار (الدوالر يساوي نحو 1.3دينار ليبي) وتجري املساومة والتخفيض وال توجد جهة يمكن أن تلجأ إليها ..البعض اآلخر يقع ضحية لهؤالء بسبب الخالف السياسي أو العقائدي .الكثير من الناس األبرياء قتلوا. هناك رجل من عائلة السعيطي جرى اختطافه في منطقة الكرسة وطلبوا منه 500ألف دينار وأعطاهم 300ألف وباقي عليه 200ألف .وإذا خالف يقتل أو يختطف أو يقتل أحد أفراد أسرته لالنتقام» .واختفت كل مظاهر الدولة من درنة .ويوضح ناصر قائال« :من قبل ألقوا القبض على صديق لي شاب اسمه محمد وقطعوا رأسه ألنه انتقدهم ..وكان عمره 21سنة ..ألقوا القبض عليه في بوابة على مشارف املدينة من الغرب ،فصرخ في وجوههم وأخذ ينتقدهم ويقول لهم إنهم إرهابيون وقتلة .فتركوه أول األمر ألنهم لم يكونوا يريدون القبض عليه وقتله في البوابة ألنها معروفة وتحت أعني العامة .وأخبر أهله وأخبرني بالقصة ..فقال له أهله حسنا هم لم يكونوا يريدون قتلك ألنهم لو كانوا يريدون لفعلوا .لكن بعد أسبوع ألقوا القبض عليه في الشارع مجددا وضربوه وأخ��ذوا منه سيارته املرسيدس من ن��وع معروف باسم (عيون).. ويبدو أنهم شعروا بأن هناك حركة في املنطقة ،فتركوه ،وبعد يومني اتصلوا به( :إذا كنت تريد سيارتك تعال خذها ،وإذا عملت أي حركة أو أتيت معك بأي شخص أو غيره ،فسنطلق عليك النار) .وذه��ب ،ولم يعد ..وفي اليوم الثاني عثر أحد املواطنني على رأسه مقطوعة وموضوعه في كيس فوق السور املحيط بمسجد الصحابة في وسط درنة» .ويضيف قائال إنه «في صباح اليوم التالي عثر رجل درويش معروف في املدينة على كيس فأخذه ودار خلف املسجد
تجري عملية االغتياالت في بنغازي بواسطة قنابل ذات تقنية حديثة ويعتقد أنها مستوردة من الخارج وهي ال توجد إال في حوزة املتطرفني في بنغازي ودرنة وطرابلس وسرت
محمد الزهاوي زعيم الجماعة الجهادية الليبية أنصار الشريعة
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
39
قضايا
في رمضان املاضي دخل نحو 500من (داعش) من سوريا عبر ميناء درنة البحري وهم يتحدثون اللهجة السورية وبعضهم أجانب من إنجلترا وفرنسا
املسؤول العام لجماعة اإلخوان املسلمني في ليبيا بشير الكبتي
38
سرت ،التي شهدت مقتل القذافي ،حيث تحولت املدينة طيلة السنوات الثالث األخيرة إلى معقل للمتشددين من ليبيا والجزائر وتونس ومالي والنيجر، باإلضافة إل��ى عصابات من قطاع الطرق واللصوص الذين يعملون بحرية ويستخدمون األسلحة في نصب األكمنة وتوقيف الضحايا وطلب األموال من األثرياء وتصفية الخصوم بمقابل مادي. وال يوجد من اإلسالميني خارج تحالف املتطرفني ،سوى الجماعة السلفية ذات األغلبية العددية ،إال أنها جماعة ال تجنح على ما يبدو إلى القتال ،رغم تعرض أبرز تنظيماتها املعروفة باسم «كتيبة سجناء أبو سليم» للهجوم من جانب تنظيم أنصار الشريعة مرتني على األقل خالل الشهر املاضي ،مرة في بنغازي واألخرى في درنة ،وجرى ذبح عدد من عناصرها ،كما يقول أحد مساعدي الشيخ «ف ش» .زعيم الكتيبة املتخفي في أحد جبال درنة. أما ميليشيات الزنتان وأشهرها كتيبتا «القعقاع والصواعق» فهي محسوبة على التيار املدني في الدولة ومحسوبة أيضا على قوات «عملية الكرامة» واللواء حفتر ،وأغلب قادتها من منطقة الزنتان ،وتكونت هاتان الكتيبتان على أنقاض اللواء 32املعزز الشهير ،الذي كان يقوده خميس القذافي نجل القذافي في حربه ضد «الثوار الليبيني» على األرض املدعومني بطيران حلف الناتو من السماء. ويقول الضابط ناجي إنه بعد أن أصبحت املعركة أكثر وضوحا بني طرفني متناقضني ،انضمت عدة قبائل إلى ميليشيات الزنتان ،خاصة بعض املقاتلني من منطقة ورشفانة ،وأصبحت تحمل اسم قوات «الجيش الوطني» ،مشيرا إلى أن حفتر قدم إسنادا مهما لهذه القوات في دفاعها عن مطار طرابلس الذي تحاول قوات مصراتة السيطرة عليه منذ أسابيع دون جدوى ،حيث تسببت املعارك في تخريب مدارج املطار وإحراق طائرات ومخازن وقود وغيرها من الخسائر التي تبلغ قيمتها مئات املاليني من الدوالرات. لكن تظل بنغازي هي أساس الحراك في ليبيا .وتعد هذه املدينة املطلة على املتوسط والجبل األخضر نموذجا مصغرا للمجتمع الليبي إذا يوجد فيها أبناء وعائالت لنحو 280قبيلة بمن فيهم ذوو األصول املصراتية وقبائل أوالد علي. ولهذا حني تقع فيها أي أح��داث تتأثر بها باقي البالد الليبية .ويقال هنا إن «بنغازي فيها الداء والدواء» .وكان القذافي يقسمها ألربعة أقسام سياسية في أوقات التصعيد للمؤتمرات الشعبية أو ما يعرف باالنتخابات .وهذه األقسام كان لها امتدادات أساسية داخل قبائل نشطة في بنغازي وباقي املدن ،وهي قبائل العواقير واملصاريت واملرابطني والسعادي .ويقول موسى قدورة الباحث في الشؤون الليبية إن ضعف التركيبة السياسية الليبية في السنوات الخمس األخ�ي��رة من حكم القذافي ودخ��ول تيار جماعة اإلخ��وان الليبيني ،على خط إصالحات سيف اإلسالم القذافي تسبب في إرباك املنظومة الليبية برمتها. ويزيد موضحا« :كانت هناك مجموعة مساجني في قضية كانت تعرف باسم (قضية اإلخوان) وجرى اإلفراج عنهم في عام ،2005وتوسط فيها الدكتور يوسف القرضاوي ،وكانت أب��رز قياداته من بنغازي لكنهم ذوو أص��ول من مصراتة ،وك��ان منهم ال��راح��ل عبد الباسط عيسي ال�ف��اي��دي ،وم��ن أشهرهم عقب ثورة 17فبراير الدكتور شامية ،الذي كان مسؤول االقتصاد في املكتب التنفيذي (الحكومة) التابع للمجلس الوطني االنتقالي وه��و أستاذ جامعي يحمل دكتوراه في االقتصاد». ويضيف أنه ،وبعد اإلعالن الدستوري أسس اإلخ��وان حركة سموها «حزب العدالة والبناء» على أساس أنك حني تقول إن اإلخ��وان يعملون في السياسة يرد قادة الحزب بأنهم ال يتبعون للمرشد أو املسؤول عن الجماعة في ليبيا. ويتساءل قدورة :هل هذه حقيقة أم ال؟ غير معروف ..لكن أعتقد أن هذا سببه أن إخوان ليبيا يريدون تجنب غضب الليبيني الذين ال يحبون تنظيم اإلخوان بسبب منشئه املصري وفكره املنغلق القادم من القاهرة .واملشكلة التي تواجه إخوان ليبيا تتلخص في أنهم ال يعرفون دور القبيلة ،و«لذلك فإن تجربتهم لن تنجح .ليس لهم وجود ال في البيضاء وال في طبرق وال غيرها من املناطق القبلية .كما أن حزب العدالة والبناء اإلخواني ليس له وجود فعلي إال في بنغازي وط��راب�ل��س» .ولعب أح��د ق��ادة اإلخ ��وان املعروفني ف��ي بنغازي وه��و م��ن أصل مصراتي ،دورا في توحيد امليليشيات املتطرفة في الشهور األخيرة ملواجهة قوات حفتر ،وكان هذا الرجل يدرس في اليمن بعد أن فر من ليبيا على خلفية إحدى القضايا السياسية في عهد القذافي ،إال أن سيف اإلسالم نجل القذافي تمكن من التواصل معه عبر السفارة الليبية في اليمن ،واتفقا سويا على إجراء
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
مصالحة مع املعارضة في الخارج وتأسيس حركة «ليبيا الغد» اإلصالحية، وكان ذلك بعد عام .2005وحتى عام 2013كان تنظيم أنصار الشريعة األقل خبرة ،وقياداتهم صغار السن غالبيتهم مواليد التسعينات ،وهو تنظيم منشق أساسا من تنظيم إسالمي آخر اسمه «كتيبة راف الله السحاتي» .وكتيبة راف الله السحاتي منشقة هي األخرى عن كتيبة « 17فبراير» .وكلها كتائب ظهرت خالل الثورة ضد القذافي ،وهي متشددة لكنها تختلف في درجة التشدد.
طرابلس صراع تاريخي يتجدد لكن ماذا يحدث في طرابلس بالضبط؟ يقول الباحث قدورة إن هذا ما حدث مرتني في السابق ..مرة في أي��ام االحتالل اإليطالي ،وأخ��رى أي��ام حكم امللك إدريس السنوسي« ..الجزء الشرقي لوالية طرابلس كان قديما يسير بقيادة مصراتة ،والجزء الغربي بقيادة قبيلة الورفلة (يحل محلها الزنتان حاليا) وهي الفترة التي لقي فيها رمضان السويحلي حتفه ،وهو من مصراتة ،أثناء االقتتال حول الزعامة في طرابلس» .ويضيف أنه بعد أن تأسست الدولة الليبية في بداية خمسينات القرن املاضي ،بدأت املناوشات بني الطرفني مجددا ،لكن امللك حل املشكلة وقام بإعالن بنغازي عاصمة للدولة. وفي الوقت الحالي ،ومع احتدام الصراع على العاصمة ،انتقل البرملان منذ نحو شهر ،لعقد جلساته في طبرق في أقصى شرق البالد ،مع وجود مفاوضات على نقل الحكومة أيضا ،وفقا لـ«قدورة» بينما يجري التفكير في نقل العاصمة أيضا من طرابلس الغرب إلى إحدى املدن الهادئة ومقترح لها مدينة البيضاء.
درنة ..إمارة أفغانية ويقول شهود عيان من مدينة درنة عقب خروجهم من املدينة التي يسيطر عليها املسلحون املتطرفون من تيارات مختلفة ،إن املدينة تفتقر ألي مظهر من مظاهر الدولة طوال السنوات الثالث املاضية .ويضيف أحد الشهود الذي كان يعمل في حراسة ميناء املدينة املطل على البحر« :في شهر رمضان املاضي دخل نحو 500من (داعش) من سوريا عبر ميناء درنة البحري .جاءت بهم مركب في الفجر وهم يتحدثون اللهجة السورية وبعضهم أجانب من إنجلترا وفرنسا ..وجماعة أنصار الشريعة في درنة ربعهم فقط هم الليبيون» .ويشير إلى أن «بن جومة» يتحكم في املدينة من منطقة «رأس هالل» التي تنتشر فيها الغابات الشجرية حتى منطقة «الفتايح» .ويقول في آخر مشهد رآه في املدينة وهو يودعها قبل أيام« :يقومون في الوقت الحالي بإغالق الطريق من منطقة سوسة حتى رأس هالل ،بالكتل الحجرية الضخمة ،حتى ال يدخل أحد إلى هذه املناطق التي يقيمون فيها ،ألن سوسة يوجد فيها حرس من الجيش وخفر السواحل الذين يعتقد أنهم موالون لحفتر». ويضيف أن جماعة سفيان بن جومة لديها إمكانات كبيرة« ..صواريخ وأسلحة ال يوجد لها مثيل في الجيش الوطني .وتمكنت جماعته وجماعات املتطرفني األخ��رى من جمع ه��ذه األسلحة منذ وق��ت مبكر من ث��ورة 17فبراير .وكان الهدف أنه بعد أن يسقط معمر يكون لديهم استعداد ملواجهة من يمكن أن يناصبهم العداء ،مشيرا إلى أن سبب التفجير في الرجمة (أحد معسكرات القذافي الكبرى) في بداية الثورة كان منهم هم. ويقول« :في بداية الثورة كان الثوار ،من كل االتجاهات أيضا ،يمدون جماعة بن جومة بالسالح .ففي بداية الثورة كان الكل يعمل مع بعضه بعضا ،ملتحون متشددون وعلمانيون وليبراليون وغيرهم ،لكن اآلن الوضع اختلف ،والحرب اشتعلت بني رفاق األمس ..لكن ال شك ،وشهادة لله ،أن املتطرفني هم من كانوا يحاربون في الصفوف األول��ى أي��ام ال�ث��ورة ضد القذافي وه��م أول من يدخل معسكرات الجيش ويقومون بانتقاء أفضل أنواع األسلحة خاصة الثقيل منها، ومصادرتها ألنفسهم» .وعن عالقة درنة ببنغازي يقول أحد وجهاء املدينة ممن يقيم حاليا في خارجها خوفا من قتله« :عالقة درن��ة ببنغازي عالقة مصلحية .نحن في درن��ة لدينا أنصار شريعة وفيها تنظيم القاعدة .وفي الفترة األخيرة بدأت الخالفات تدب فيما بينهما ..وجرى اقتتال بني الطرفني كما جرى اقتتال مع كتيبة سجن أبو سليم أيضا ذات التوجه السلفي .صار
دور وزارة الداخلية لكن ما هو دور وزارة الدفاع التابعة للحكومة ..وما هو دور وزارة الداخلية.. في الحقيقة أسهمت هذه األسماء في التشويش على عقول من يريدون فهم ما يجري في ليبيا ،كما يقول املحلل الليبي عادل الشيباني .ويضيف أن القصة ب��دأت بعد أن تشكل املؤتمر الوطني (البرملان امل��ؤق��ت) والحكومة االنتقالية قبل سنتني .ورغم تسمية وزيرين للدفاع وآخر للداخلية ضمن باقي وزارات الحكومة ،فإن أيا من الوزارتني لم تتمكن من التخلص من هيمنة املتطرفني على مقاليد العمل فيهما. ويضيف الشيباني أن��ه ،وب��دال من أن تتجه هاتان ال��وزارت��ان إل��ى العمل على تشكيل جيش وشرطة وطنيني ،اعتمدتا على ما كان يعرف بـ«كتائب الثوار»، أو امليليشيات املسلحة التي تتكون من ألوف الشبان ويقودها متطرفون كانوا في السجون بعد أن عادوا من الخارج ،أو كانوا يمتهنون مهنا ال عالقة لها بمثل هذا النوع من العمل .وبمرور الوقت زاد عدد هذه امليليشيات ،مستندة في ذلك على شرعية سبق وأعطاها لها املجلس الوطني االنتقالي ،عقب مقتل القذافي، تتلخص في االعتراف بها ككيانات يمكن االعتماد عليها لحماية مؤسسات الدولة ،وتخصيص رواتب شهرية لها. ويقول« :تحولت امليليشيات إلى ظاهرة أشد خطرا على ليبيا من ظاهرة اللجان الثورية التي كان يعتمد عليها القذافي في حكم الدولة .اللجان الثورية على األقل كان هناك من هو مسؤول عنها في نهاية املطاف ،لكن امليليشيات تعمل وفقا لقوانينها الخاصة ..دول��ة داخ��ل ال��دول��ة ..لديها سجون ومحاكم وتنفذ العقوبات بقطع ال��رؤوس وإط�لاق النار على الخصوم في الشوارع ،وتفخيخ السيارات ،وفي نهاية الشهر يحصل قادتها وعناصرها على روات��ب تقدر بماليني الدوالرات من الدولة». ويضيف الشيباني أن املعركة الجارية حاليا بني امليليشيات بقيادة اإلخوان في مواجهة قوات حفتر هي معركة حياة أو موت ،ليست للمتطرفني في ليبيا فقط ،ولكن لهذا النوع من املتشددين في شمال أفريقيا واملنطقة ،ألن الهدف كان منذ البداية تحويل ليبيا إلى «بقرة حلوب» ألنشطة التنظيم الدولي لإلخوان وتنظيمات أخرى مثل «القاعدة» في املغرب اإلسالمي (غالبيته من الجزائريني)
وأنصار الشريعة في ليبيا وتونس ،والجماعات التكفيرية في مصر والدول املجاورة سواء عربية أو أفريقية .و«في حال نجاح البرملان الجديد في بسط نفوذه وتشكيل حكومة قوية تضع رقابة على املوانئ واملطارات وتمنع البنك املركزي من صرف رواتب للميليشيات ،فإن املتطرفني سينتهون ،وهم يعلمون هذا» .ويضيف« :سينتهون سريعا إذا حصل حفتر على دعم دولي أو حتى إقليمي من دول الجوار»..
تحالف امليليشيات يوجد نوعان من امليليشيات املتصارعة في غرب البالد ،وحول مطار طرابلس حاليا ،تعرفان باسم «ميليشيات مصراتة» و«ميليشيات الزنتان» ،لكن هناك فروقا جوهرية بينهما ،سواء في التكوين أو في التوجهات .ويقول علي ناجي، الضابط السابق في االستخبارات الليبية ،إنه بالنسبة مليليشيات مصراتة فيهيمن على قياداتها شخصيات ترجع أصولها إلى مدينة مصراتة ،وهي متحالفة مع املتطرفني والتكفيريني واإلخ��وان ،وكانت لها حظوة كبيرة لدى البرملان السابق والحكومات السابقة ،وجرت االستعانة بهذه امليليشيات في اقتحام مدينة بني وليد التي تسكنها قبيلة ورفلة الشهيرة ،وذلك بأوامر من البرملان ،العام املاضي ،وكذا االستعانة بها في إخضاع مناطق في سبها في جنوب البالد كانت تعارض الحكومة ،وفي مناطق أخرى في بنغازي وحول طرابلس. وت�ت�ك��ون ميليشيات م�ص��رات��ة ف��ي ال��وق��ت ال�ح��ال��ي م��ن ال� ��دروع ال�ت��ي يقودها ميكانيكي سابق يدعى وس��ام بن حميد ،ال��ذي كان يقيم في بنغازي بينما ترجع أصوله ملصراتة ،وتتكون أيضا من ميليشيات للمتطرفني قادمة من عدة مدن مجاورة ملصراتة ،إضافة ملجموعة ما يسمى «غرفة ثوار ليبيا» وهي خليط من املتشددين أيضا من بينهم عناصر ما يسمى بالجماعة الليبية املقاتلة. وحني بدأت عملية الكرامة بقيادة حفتر ،أصبحت ميليشيات مصراتة تحظى بتأييد من باقي الجماعات املتطرفة والجماعات الجهادية في عموم البالد، ومنها «أنصار الشريعة» في كل من بنغازي ودرنة. وتحظى ميليشيات مصراتة أيضا بدعم قوي من مخزون املتطرفني في مدينة
تتكون الغرفة األمنية في بنغازي من رجال الشرطة السابقني وتتبع وزارة الداخلية وتعمل بشكل محايد بعد أن فشل اإلخوان في استغالل العاملني فيها لصالحهم
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
37
قضايا
على طول الساحل الشمالي الشرقي الليبي املواجه ألوروبا ،أي من العاصمة طرابلس وحتى الحدود مع مصر ،توجد ثالث مناطق خطرة يجري فيها القتال منذ مطلع هذا العام ،هي بالتوالي مدن سرت وبنغازي ودرنة .لكن املنطقة الواقعة إلى الغرب من العاصمة ،أي ناحية املطار الدولي ،ورغم ما فيها من قصف وحرائق ،تعد فقط مؤشرا على ميزان الحرب في الجانب اآلخر ،رغم أن الخسائر التي وقعت هناك تبدو أكثر فداحة من أي مكان في هذه الدولة شاسعة املساحة والغنية بالنفط .وتوجد حكومة وبرملان ،لكن الدولة غير قادرة حتى اآلن على حماية الحدود مع دول الجوار أو إقناع املجتمع الدولي بمساندة طرف لحسم املعارك مع الطرف اآلخر.
ليبيا ..حروب امليليشيات
«حفرت» وحده ال يكفي بنغازي: عبد الستار حتيتة
تتكون قوات حفتر من آالف الليبيني من بينهم ضباط بجنودهم وأسلحتهم كانوا يعملون في معسكرات الجيش الليبي خالل فترة حكم معمر القذافي
اللواء خليفة حفتر
36
ي�ب��دو األم��ر غير مفهوم لكثير م��ن السياسيني ال��ذي��ن ت�ح��دث��وا مع دبلوماسيني غربيني ،بعد أن تبني أن كثيرا من الفاعلني في الغرب مع إجراء مفاوضات بني طالب الدولة املدنية واملتطرفني املدججني باألسلحة الذين يشبهون في كثير من تصرفاتهم تصرف عناصر ما يسمى «الدولة اإلسالمية في العراق والشام» (داعش). ويقول أحد الدبلوماسيني الغربيني ممن تركوا ليبيا بسبب الحرب الشعواء بني الفرق املختلفة ،إن مصالح العديد من الشركات الكبرى العاملة في مجال النفط والسالح ،تضررت بشدة ،خاصة بعد تراجع تصدير النفط الليبي وتعثر برامج لتسليح الجيش الليبي الرسمي الذي لم يتمكن الليبيون من تأسيسه حتى اليوم ،رغم وجود وزارة للدفاع .وتتخوف العديد من الدول األوروبية الواقعة على الضفة الشمالية من املتوسط قبالة ليبيا من أن تتحول هذه الدولة مترامية األطراف إلى «صومال جديد» تعمه الفوضى أكثر مما يجري في دولة الصومال منذ نحو عقدين ،بينما بدأت دول الجوار الليبي مثل مصر والجزائر وتشاد، وغيرها ،تتخوف من تهريب األسلحة املنهوبة من مخازن جيش القذافي ،ومن تنقل املتطرفني بسهولة عبر الحدود ،خاصة وأن الجانب الليبي ال توجد لديه سيطرة فعلية على حدوده ،في مقابل تزايد لنفوذ امليليشيات التي تعمل على تمرير صفقات السالح والنفط. وك��ان االق�ت�ت��ال ال��داخ�ل��ي ف��ي ال�ب�لاد ي�ج��ري م��ن وراء س�ت��ار ،وح�ت��ى شهرين ماضيني ل��م يكن أح��د يستطيع أن يشير بإصبعه وي�ح��دد بشكل قاطع أن هذا الفريق يقاتل ذلك الفريق .بيد أن األم��ور أصبحت أكثر وضوحا بعد أن خسرت جماعة اإلخوان املسلمني التي تعرف في ليبيا تاريخيا باسم «التجمع اإلسالمي» انتخابات البرملان الجديد أخيرا .ويقول العقيد صابر حوسني الذي فقد عمله في الجيش بسقوط نظام القذافي ،إن كثيرا من الناس ربما يختلط عليهم األمر بسبب كثرة أسماء املجموعات املتقاتلة ،لكن الحقيقية تتلخص في أن��ه أصبحت توجد جبهتان تتحاربان في ال�ب�لاد ..الجبهة األول��ى تضم كل أطياف املتطرفني ويهيمن على القيادة فيها عناصر من جماعة اإلخوان ومما كان يعرف بالجماعة الليبية املقاتلة ،باإلضافة إلى أنصار الشريعة التي تشبه في تكوينها تنظيم «داعش» ،ومجموعات أخرى موالية لتنظيم القاعدة. وتتكون هذه الجبهة املدعومة باألموال واألسلحة من أطراف داخلية وإقليمية ودولية ،على ما يبدو ،من جنسيات ليبية وغير ليبية ،خاصة من الجزائريني والتونسيني واملصريني ،وأخيرا خليط من األوروبيني والسوريني الذين وصل منهم إلى ميناء درنة البحري نحو 500أواخ��ر شهر يوليو (تموز) املاضي يعتقد أنهم كانوا يقاتلون في صفوف «داعش». ويضيف العقيد حوسني أن الجبهة الثانية تشكلت وظهرت مالمحها على عجل في أعقاب إعالن اللواء املتقاعد خليفة حفتر عن تأسيس «الجيش الوطني» والبدء في عملية الكرامة التي تستهدف اجتثاث اإلخوان واملتطرفني من البالد، منذ مطلع هذا الصيف.
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
وتتكون قوات حفتر من آالف الليبيني ،من بينهم ضباط بجنودهم وأسلحتهم كانوا يعملون أساسا في معسكرات الجيش الليبي خالل فترة حكم معمر القذافي التي استمرت ملدة 42عاما وانتهت في خريف عام .2011وانضم إلى حفتر ألوف آخرون من الشبان املتطوعني ممن جرى تدريب بعضهم في الداخل والبعض اآلخر في الخارج ،أي في أحد بلدان ما كان يعرف بالكتلة الشرقية. وتبدو الجبهة األولى؛ جبهة املتطرفني ،كما يقول حوسني ،هي األسرع واألكثر حركة وإصرارا في محاولتها السيطرة على حكم البالد بالقوة ،وتسعى أيضا إلف�ش��ال عمل البرملان الجديد وت��ري��د أيضا إف�ش��ال جهود تشكيل حكومة، ويرتكب عناصرها فظائع بحق مدنيني وبحق كل من يثبت أنه ينتمي للجيش الوطني أو الشرطة أو من ق�ي��ادات املؤسسات املدنية التي تصر على التزام الحياد في الصراع املستعر حاليا .كما يعمل على هامش جبهة املتطرفني ،وفقا ملصادر قبلية في مدينة درنة ،مجموعات من ميليشيات اللصوص املدججني باألسلحة الثقيلة ،ويساعدون على عرقلة محاوالت حفتر في بناء الجيش أو بسط سلطان الدولة على الجميع .وأب��رز موقع يوجد فيه هذا الخليط من املتطرفني ومحترفي النهب والخطف هو مدينة درنة نفسها ذات التضاريس الصعبة بما فيها من جبال تطل على البحر املتوسط وودي��ان تنساب وعرة وتطل على الصحراء من الجنوب .وتقع هذه املدينة إلى الشرق من بنغازي، وأشهر أمرائها سجني سابق في غوانتانامو ،بدعة سفيان جومة. أما الجبهة الثانية ،والتي اضطر العديد من الليبيني إلى تسميتها مجازا «جبهة حفتر» ،فتعمل بشكل أكثر احترافية وبرهنت على قدرتها على امتصاص الهجمات املستعرة التي شنها املسلحون املتطرفون ط��وال شهر رمضان املاضي (يوليو /تموز) رغم تمكنهم من دخول واحد من أكبر املعسكرات التابعة لحفتر ،وهو معسكر الصاعقة في بنغازي .ويقول العقيد حوسني« :بينما كان املتطرفون يروجون الشائعات عن هروب اللواء حفتر بعد واقعة معسكر الصاعقة ،من أجل تثبيط همم مقاتليه الذين يدافعون عن مطار بنغازي (مطار بنينة) ،عاود الرجل الظهور حيث يقيم في مركز إدارة العمليات في منطقة الرجمة قرب بنغازي ،وواص��ل قصف تجمعات املتطرفني ،ليس في بنغازي فقط ،ولكن هذه املرة في مواقع منتقاة في درنة وطرابلس التي يحاول فيها اإلخوان ومن معهم من املتشددين السيطرة على مطار العاصمة». أما السبب في أن قطاعا من الليبيني اضطر للوقوف في صف حفتر فيرجع إلى مالبسات تخص أمرين ،كما يقول محمد العبيدي ،أحد وجهاء قبيلة العبيدات ذات الثقل في شرق البالد ..األول أن هؤالء الليبيني ينتمون لقبائل محسوبة على عهد القذافي ،وفي الوقت نفسه يؤيدون وجود جيش قوي وفاعل في الدولة ،بعد أن تعرضوا لعمليات انتقامية من ميليشيات املتطرفني طيلة السنوات الثالث املاضية ،واألمر الثاني ،املعاكس ،أن لديهم تحفظات على شخصية حفتر على أساس أن الرجل محسوب على ثورة 17فبراير التي أطاحت بحكم القذافي وتسببت في تهميشهم وإقصائهم عن الساحة.
ال��دوالرات لتصدير النفط من اإلقليم شبه املستقل عبر تركيا إلى األس��واق الدولية .وفي مطلع فبراير املاضي ،أعلن وزير الطاقة التركي تانر يلدز أن ضخ النفط الخام قد بدأ من خط أنابيب جديد من كردستان العراق إلى ميناء جيهان التركي على البحر املتوسط .ل��ذا ،لم تدخر حكومة إردوغ��ان وسعا لتسريع الحصول على موافقة الحكومة العراقية على إتمام االتفاق وإنفاذه ،حيث زار وزير الطاقة التركي تانر يلدز بغداد في أوائل ديسمبر (كانون األول) املاضي، إلجراء محادثات مع نائب رئيس الوزراء العراقي حسني الشهرستاني ،الذي أبدى بدوره تحفظات على التقارب بني تركيا واإلقليم الكردي. وعلى غير املعهود ،بدأت حكومة إردوغان تبدي تقبال ضمنيا إلعالن استقالل إقليم كردستان العراق ،خصوصا في ظل تفاهمات تتضمن مغانم مشتركة للطرفني على مختلف الصعد ،أبرزها العمل معا بقصد الحيلولة دون تمكن حزب العمال الكردستاني التركي من بلوغ هذه املرحلة.
تحول تجاه األزمة السورية شهدت األشهر القليلة املنقضية ما يمكن اعتباره تحوال الفتا في مواقف حكومة إردوغان إزاء ما يجري في سوريا .وهو التحول الذي يمكن تفسيره بحزمة م��ن ال�ع��وام��ل ،أب��رزه��ا تفاقم االت�ه��ام��ات الدولية ألن�ق��رة بدعم اإلره��اب داخل سوريا ،فبينما دأبت تركيا على الدعوة لتقديم دعم للمعارضة السورية املسلحة ،إذا بها تواجه اتهامات مؤخرا بتسهيل صعود الجماعات املتطرفة بسوريا من خالل السماح بمرور أسلحة ومقاتلني أجانب عبر الحدود .فقد الحقت حكومة إردوغان اتهامات بدعم تنظيم القاعدة وتنظيمات متطرفة في سوريا وتقديم السالح لها عبر الحدود التركية السورية ،وشنت وسائل إعالم غربية في شهر أكتوبر (تشرين األول) املاضي حملة شرسة على رئيس االستخبارات التركية خاقان فيدان ،املعروف بأنه ال��ذراع اليمنى إلردوغ��ان، واتهمته بدعم تدفق املقاتلني املتطرفني والجهاديني التكفيريني إلى سوريا، وتحديدا جبهة النصرة وداعش (الدولة اإلسالمية في العراق والشام) .كذلك، أك��دت وس��ائ��ل إع�لام محلية أن الشرطة التركية ضبطت شاحنتني تابعتني ملؤسسة اإلغاثة اإلنسانية على متنهما ذخائر وأسلحة في إقليم أضنة قرب ال�ح��دود مع س��وري��ا .وذك��رت وكالة «دوغ��ان» لألنباء أن الحافلتني كانتا في طريقهما إلى إقليم هاتاي التركي الحدودي. وبدوره ،نفى رئيس الوزراء التركي إردوغان االتهامات السورية واإلقليمية والدولية لبالده بدعم تنظيم القاعدة في سوريا أو املنطقة ،غداة تنفيذ قوات األمن حملة ضد مشبوهني في االنتماء للتنظيم في ست محافظات ،مما أدى إلى اعتقاالت ودهم مقر ملؤسسة إغاثة إنسانية قريبة من الحكومة ،مؤكدا أن تركيا اتبعت «سياسة الباب املفتوح» طوال الصراع السوري ،وقدمت شريان حياة للمناطق التي يسيطر عليها مقاتلو املعارضة من خالل السماح للجيش السوري الحر بتنظيم نفسه على أراضيها .غير أن ظهور جماعات لها صلة بـ«القاعدة» ،مثل «جبهة النصرة» و«داعش» ،في أجزاء من شمال سوريا قرب الحدود ،قد عرض أنقرة التهامات بأنها تقدم دعما إلى جماعات إسالمية متشددة .وقد شكلت التداعيات السلبية املتالحقة للثورات العربية عموما واألزمة السورية تحديدا ،دافعا مهما إلعادة أنقرة النظر في سياساتها حيال سوريا ،فلطاملا راهنت تركيا على إمكانية إسقاط النظام السوري بسرعة كنظرائه في تونس ومصر وليبيا ،بعد أن انتفض الشعب السوري بصورة لم تكن متوقعة .غير أن مجريات األحداث خالل ما يقارب الثالث سنوات من عمر األزمة السورية أدت إلى نتائج كانت تخشاها تركيا. فمن جهة ،توترت عالقاتها مع إيران جراء تباين املواقف حيال ما يجري في سوريا ،وبينما تقف حزمة من املحاذير حائال دون إمكانية الحسم العسكري لألزمة ،تتعاظم خسائر تركيا على كل الصعد بمرور الوقت جراء استمرار الوضع املتدهور في سوريا .وبرأسه يطل الهاجس اإلثني ،بعدما شرع حزب االتحاد الديمقراطي ،وغيره من األحزاب الكردية ،في السيطرة على مناطق واسعة من مناطق شمال وشمال شرقي سوريا ،والتي تسكنها غالبية كردية ،وشرعوا في ترتيبات إلدارتها ذاتيا ،األمر الذي يشكل قلقا حقيقيا للسلطات التركية خصوصا لجهة تأثيره على األكراد األتراك وسائر األقليات اإلثنية داخ��ل تركيا .ففيما تخشى تركيا من أن يتحول شمال
سوريا مجددا إلى قاعدة ومنطلقا ملقاتلي حزب العمال الكردستاني في حال فشل االتفاق ال��ذي أبرمه إردوغ��ان معه لتسوية القضية الكردية في تركيا سلميا ،بدأ العلويون األت��راك ،الذين يشكلون كتلة سكانية كبيرة، يهددون بأنهم لن يقفوا مكتوفي األيدي في حال تعرضت األقلية العلوية في سوريا لصراع طائفي. في غضون ذلك ،تبلور لدى صناع القرار في أنقرة اعتقاد بأن األزمة في سوريا قد تحولت إلى ما يشبه الحرب بالوكالة بني قوى إقليمية ودولية على األراضي السورية في نسخة مكررة من املشهدين اللبناني والعراقي. وكم كان موحيا ومؤثرا لألتراك تبدل مواقف حلفاء تركيا الغربيني حيال األزم��ة السورية ،حيث أب��دت الواليات املتحدة األميركية وال��دول األوروبية تراجعا عن سياسة املواجهة مع إيران والنظام السوري عبر إعادة النظر في مواقفهما السابقة إزاءهما بما يتيح التفاهم مع إيران والحوار مع األسد توطئة إلعادة بناء تحالفات جديدة في املنطقة بأسرها. لقد ت��راءى لحكومة العدالة التركية أن انحيازها ملا تعتبره ث��ورة الشعب السوري الطامح للحرية والديمقراطية لإلطاحة بالنظام األسدي القمعي قد أضحى مجافيا ملنطق الحسابات العقالنية البراغماتية ،إذ ال يبدو املجتمع الدولي مستعدا لدعم تلك الثورة ،ليس فقط بسبب تعرض مصالحه في املنطقة للخطر ،ولكن لنجاح األس��د في تشويه تلك ال�ث��ورة الشعبية عبر الدفع بتنظيمات إرهابية وإسالمية جهادية متطرفة إلى صفوفها األمامية .وبناء عليه ،آث��رت أنقرة ت��دارك املوقف وتغيير سياساتها إزاء األزمة السورية ،عساها تقلص خسائرها املتنامية جراء الثورات العربية عموما ،والسورية منها على وجه التحديد ،ولعلها تعزز مركزها وتعظم مغانمها من الترتيبات اإلقليمية الجديدة التي يتم اإلعداد لها في واشنطن بشأن مستقبل املنطقة ،بما يساعد في نهاية املطاف على تقوية املوقف التنافسي إلردوغان وحزبه خالل االستحقاقات االنتخابية املصيرية التي بدأت رحاها في الدوران. فلقد اعترى املوقف التركي من األزمة السورية تغير الفت خالل األشهر القليلة املنقضية ،حتى بات متناغما مع نظيريه اإليراني واألميركي ،بعدما تراءى ألنقرة استحالة نجاح أي نهج انفرادي في التعاطي مع األزمة السورية بمنأى عن طهران وواشنطن .وفي خطابه الوداعي ،أثنى السفير األميركي لدي أنقرة على التعاون األمني الذي «ال يستهان به» بني بالده وتركيا بخصوص األزمة السورية وظاهرة تدفق املقاتلني األجانب إليها ،والذي يأتي ضمن تعاون عاملي موسع ملكافحة اإلره��اب املستشري في املنطقة ستكون إسطنبول مركزا إقليميا له ،كما ثمن إدراج حكومة إردوغ��ان «جبهة النصرة» على الالئحة التركية للمنظمات اإلرهابية استجابة ملطلب واشنطن و«الناتو». وبينما يعد من السابق ألوانه الحديث عن سياسة خارجية مكتملة األركان وواض�ح��ة املعالم لتركيا في ظل رئاسة إردوغ ��ان ،وبينما تبقى السياسة الخارجية نتاجا وانعكاسا لنظيرتها الداخلية ،فإنه لم يتم ترتيب األوضاع السياسية الداخلية في البالد وفقا لتعديالت دستورية تحدد الشكل النهائي لصالحيات الرئيس املنتخب وتسمية رئيس الحكومة الجديد وتحديد عالقته برئيس الدولة ،كما ال يزال الجميع يترقب انتخابات برملانية تحدد ما إذا كان حزب العدالة سيتمكن من حصد األغلبية البرملانية التي ستخوله بتشكيل الحكومة الجديدة منفردا وتعديل الدستور دون الحاجة لدعم الكتل البرملانية ألحزاب أخرى أو إجراء استفتاء شعبي ،أم ال. وعلى الرغم من جدية االعتبارات التي تفرض على إردوغ��ان ضرورة العمل على مراجعة وتقويم وتصحيح مسار السياسة الخارجية لبالده ،وتحديدا في عالقات بالده مع العاملني العربي واإلسالمي ،ال تلوح في األفق مؤشرات جادة أو بشارات مشجعة في هذا الصدد. ففي خطابه ال��وداع��ي ل�ك��وادر ح��زب��ه قبل أن ي�غ��ادره إل��ى رئ��اس��ة الجمهورية منتصف ّشهر أغسطس (آب) ،أك��د إردوغ ��ان أن ح��زب ال�ع��دال��ة والتنمية الحاكم حقق إنجازات وإصالحات كثيرة ،مشددا على وجوب أن يتابع سياستيه الداخلية والخارجية ،وأن يتجاهل أي اعتراض أو انتقاد لهما، سواء جاء ذلك من دول أو أطراف سياسية داخلية وخارجية أو حتى من وسائل إعالم محلية وعاملية .وقال «دعوا القافلة تسير ..اإلنسان يموت مرة واحدة فقط» <
اعترى املوقف التركي من األزمة السورية تغير الفت خالل األشهر القليلة املنقضية حتى بات متناغما مع نظيره األميركي
اوباما
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
35
شؤون سياسية
إبان التحضير لالنتخابات الرئاسية عمد إردوغان إلى توظيف تشدده املعلن إزاء إسرائيل على خلفية العدوان على غزة لتعزيز موقفه التنافسي في السباق الرئاسي
كوهني ،ويوسف تشيخانوفير مبعوث نتنياهو الخاص للمحادثات مع تركيا، واملدير العام لوزارة الخارجية اإلسرائيلية نيسيم بن شطريت. وأك��دت الصحيفة أن معظم الخالفات بني البلدين قد جرى تخطيها تقريبا، خصوصا ما يتعلق منها بمسألة حجم التعويضات التي ستدفعها إسرائيل لعائالت الضحايا األتراك ،والذي كان يشكل العقبة األصعب في وجه االتفاق. ففي مايو (أيار) املاضي طلبت تركيا من إسرائيل دفع مبلغ مليون دوالر لكل عائلة من عائالت القتلى التسعة ،لكن إسرائيل وافقت على دفع 100ألف دوالر فقط ،وأمام هذه الفجوات الكبيرة انهارت املفاوضات ،لكن قبل شهور قليلة عرضت تركيا مؤخرا على الجانب اإلسرائيلي استئناف املفاوضات فوافقت إسرائيل وأرسلت وفدا رفيع املستوى إلى إسطنبول رأسه مستشار األمن القومي ،يوسي كوهني ،وهذه املرة طلبت تركيا رقما أقل حيث عرضت إسرائيل على تركيا دفع 20مليون دوالر كتعويضات لجميع أسر ضحايا مرمرة ،وهو ما وافقت عليه أنقرة رغم أنه يمثل نصف املبلغ الذي كانت قد طلبته في السابق. وحال تأكيد املوافقة التركية ،سيوقع الطرفان اتفاقا يشمل تعويض عائالت الضحايا األتراك مقابل تمرير قانون في البرملان التركي يلغي جميع الدعاوى القضائية ضد ضباط وجنود إسرائيليني ،ويحظر رفع دع��اوى مماثلة في املستقبل ،إضافة إلى زيادة تل أبيب أعداد عمال البناء األت��راك املسموح لهم بالعمل داخل إسرائيل ،ثم عودة العالقات العسكرية واالستخباراتية واألمنية والتجارية إلى سابق عهدها بني البلدين ،كما سيتم اإلعالن عن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بني أنقرة وتل أبيب إلى مستوى السفراء بما يفتح الباب أما إرسال كل طرف سفيره لدى الطرف اآلخر. وإبان التحضير لالنتخابات الرئاسية عمد إردوغان إلى توظيف تشدده املعلن إزاء إسرائيل وانتقاده إياها على خلفية ال�ع��دوان األخير على غ��زة وعملية «الجرف الصامد» لتعزيز موقفه التنافسي في السباق الرئاسي ،حيث أمعن وحكومته في إدان��ة ال�ع��دوان ،معتبرين إي��اه جرائم ضد اإلنسانية ،وطالبوا بمقاضاة إسرائيل دوليا .وفي املقابل ،أطلقت رئاسة ال��وزراء التركية حملة تبرعات لصالح غ� ّ�زة ،جمعت نحو 45مليون ليرة تركية (نحو 20مليون ومائتني وخمسني ألف دوالر أميركي) .غير أن ذلك لم يكن ليؤثر على أسس وركائز العالقات التركية اإلسرائيلية ،التي شهدت انتعاشة واضحة خالل اآلونة األخيرة ،حيث يبدو أن إسرائيل كانت تتفهم أن مثل هذه التصريحات والتحركات من قبل أنقرة كانت بغرض االستعراض السياسي واالستهالك املحلى والدعاية االنتخابية إلردوغان إبان االنتخابات الرئاسية ،إذ لم تنعكس بالسلب على املصالحة اإلسرائيلية التركية وتوافق تل أبيب وأنقرة وتنسيقهما مع واشنطن بشأن ملفات وقضايا إقليمية عديدة كسوريا والعراق واملسألة الكردية ومحاربة اإلرهاب.
تعزيز التفاهم مع إيران
اردوغان
34
يمكن القول إن زيارة إردوغان لطهران مطلع فبراير ،2013والتي أعقبت انتخاب روحاني رئيسا جديدا إليران ،فضال عن زيارة وزير الخارجية التركي داود أوغلو لطهران في نوفمبر (تشرين الثاني) امل��اض��ي ،وك��ذا وزي��ر الخارجية اإلي��ران��ي ج��واد ظريف ألنقرة في يناير (ك��ان��ون الثاني) امل��اض��ي ،قد منحت زخما هائال للعالقات التركية اإليرانية ،التي شهدت نتوءات عديدة خالل اآلونة األخيرة جراء قضايا خالفية عديدة كاملسألة السورية ،حيث تتهم إيران حكومة إردوغ��ان بدعم الجماعات اإلرهابية الناشطة في سوريا ،فيما تحمل أنقرة القيادة اإليرانية مسؤولية إطالة عمر األزمة السورية سواء عبر الدعم املباشر للنظام األس��دي ،أو عبر إشراك قوات «حزب الله» ومجموعات قتالية شيعية من العراق في املعارك الدائرة هناك ،مما مكن طهران الحقا من التفاوض على ورقة النظام السوري في عالقاتها االنفتاحية مع الغرب ،هذا باإلضافة إلى الدرع الصاروخية األطلسية التي وافقت تركيا على نشرها فوق أراضيها، عالوة على تعقيدات البرنامج النووي اإليراني. ويجوز االدعاء بأن تطورات األزمة السورية قد أسهمت في تعزيز التفاهم التركي اإليرانى ،فإبان زيارته لروما والتي بدأها أثناء مفاوضات إردوغان في طهران ،أكد الرئيس التركي عبد الله
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
غل للصحافيني املرافقني له أن تبادل ال��زي��ارات الرسمية عالية املستوى بني أنقرة وطهران يهدف باألساس إلى تعظيم مغانم البلدين وتقليص خسائرهما املحتملة وس��ط االض�ط��راب��ات التي تحيط بهما ،إض��اف��ة إل��ى تعزيز التعاون وبذل الجهود لتسوية األزمة السورية ،قائال «إننا إذا تعاونا بجدية وإخالص سيمكننا طرح مبادرة على املجتمع الدولي للحل في سوريا ،فنحن يمكننا جر الغرب (للموافقة) ،وإيران يمكنها إقناع الطرف اآلخر» .ولعل إردوغان يسعى من خ�لال زيارته لطهران إل��ى تحقيق هدفني :أولهما ،إع��ادة ص��وغ العالقات اإلقليمية لتركيا ،عبر النافذة اإليرانية ،بعد اإلخفاقات التي ُمنيت بها سياستها في ملفات إقليمية ساخنة .وثانيهما االستفادة من تعافي السوق االقتصادية اإليرانية الواعدة في مرحلة ما بعد العقوبات بعد إبرام اتفاق جنيف بني إيران وال��دول الست املعنية بملفها النووي ،بالتزامن مع مساعي ترميم العالقات التركية -اإليرانية ،التي تميزت عبر العصور بصعودها وهبوطها ..وتقدمها وتراجعها ..تحت رحمة القوى واإلم�ب��راط��وري��ات التي استولت على املنطقة وحددت لها مسارها ،إلى أن نجحت الدولتان في توقيع معاهدة «قصر شيرين» التاريخية عام 1639التي حمت عالقاتهما وتحكمت فيها حتى يومنا هذا. ومن زاوية أخرى ،يأتي التقارب التركي اإليراني في توقيت بالغ الدقة في ما يخص التنسيق املشترك بشأن تقليص واحتواء اآلثار السلبية لألزمة السورية، خصوصا ف��ي م��ا يتعلق بامللف اإلث�ن��ي بالبلدين وتحديدا القضية الكردية املتأججة ،حيث سارعت القوى الكردية في شمال سوريا إلعالن دستورها املحلي ،والتحرك في إط��ار حكم ذات��ي وإدارة سياسية مستقلة تذكر بحالة شمال العراق ،وهي تعد نفسها الستنساخ التجربة في سوريا هذه املرة ،ال سيما أن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود ب��ارزان��ي جلس يكرر على مسامعهما في دافوس أن الكرد في سوريا كانوا محرومني من حقوقهم وال يزالون ،وأن شمال العراق مع أي قرار يتخذه أكراد سوريا بهذا الشأن. وتأمل أنقرة أن يفضي تنشيط التنسيق األمني مع طهران إلى تبديد مخاوف األتراك من أعمال تخريبية إيرانية محتملة داخل تركيا ،حذرت منها تقارير أمنية تركية ،تفيد بتحرك إيراني عدائي داخل األراضي التركية عبر تحريك خاليا تجسس وعمليات تهدف للضغط على أنقرة من أجل تبديل سياساتها السورية ،وذلك عبر لقاءات كشف النقاب عنها بني رجال من األمن اإليراني وشبان أتراك محسوبني على حزب العمال لبحث سبل تبادل الخدمات ،إضافة إلى حديث دائم عن محاوالت إنعاش خاليا نائمة تابعة لـ«حزب الله» التركي. بيد أن الالفت حقا في أمر زيارة إردوغان لطهران ،والتي رافقه خاللها وفد بارز يضم وزراء الخارجية أحمد داود أوغلو ،والتنمية جودت يلماز ،واالقتصاد نهاد زيبكتشي ،والطاقة تانر يلدز ،أنها أسفرت عن إبرام خمسة اتفاقات تعاون في مختلف املجاالت ،كما اقترح وزير الخارجية اإليراني محمد جواد ظريف إنشاء لجنة مشتركة عليا للتعاون بني البلدين ،في ما بدا وكأنه تجاهل من أنقرة وطهران لخطوط حمر أميركية عكستها تحذيرات ديفيد كوهني ،وكيل وزير الخزانة األميركي لشؤون اإلرهاب واالستخبارات املالية ،والتي أطلقها ّ من أنقرة قبل الزيارة بأيام ،حينما ذكر الطرفني بأن جزءا مهما من العقوبات على طهران ما زال قائما ،وأن على الشركات املهتمة في ذلك تأجيل العمل أو االستثمار داخل إيران.
تنسيق مع كردستان العراق على الرغم من عوامل التوتر املتعددة التي تلف العالقات التركية العراقية ،لم يتورع إردوغان عن فتح قنوات تفاهم مع إقليم كردستان العراق توخيا لبلوغ غايتني :أوالهما ،تحقيق اختراق داخل الدوائر الكردية ومحاصرة معاقل حزب العمال الكردستاني .وثانيتها ،تعظيم استفادة تركيا من نفط كردستان العراق بما يعينها على تلبية احتياجاتها املحلية امللحة واملتزايدة في مجال الطاقة من جهة ،وتمكني تركيا من أن تكون ممرا وسيطا لتصدير النفط غربا عبر ميناء جيهان التركي مقابل تحصيل رسوم تؤول إلى الخزانة التركية ،وهو دور الوسيط االستراتيجي الذي طاملا تطلعت تركيا إلى االضطالع به في مجال أمن الطاقة ،من جهة أخرى. ففي أواخر العام املاضي ،2013أبرمت تركيا اتفاقات في مجال الطاقة بمليارات
ال يمكن القبول أو االعتراف بنظام جاء إثر انقالب عسكري ،مضيفا أن أي انتخابات ستشهدها مصر ستكون موضع تساؤل ،موضحا أن تركيا عرفت العديد من االنقالبات العسكرية ،التي حصل منفذوها على نسبة عالية من األص��وات حينما خاضوا االنتخابات التي أجريت في عقبها ،غير أن أجواء الخوف والقمع التي خيمت على مثل هذه االنتخابات قد نالت من نزاهتها، وهو ما قد يحدث في مصر. وفي السياق ذاته ،وبينما لم تظهر مؤشرات مؤكدة على توقف الدعم التركي الرسمي لحمالت جماعة اإلخ ��وان املسلمني ح��ول العالم م��ن أج��ل تحريض املجتمع الدولي ضد مصر وخارطة الطريق ،كشفت الحكومة املصرية أن تركيا عرضت على إثيوبيا مساعدتها في بناء سد النهضة ،الذي سيؤثر سلبا على حصة مصر من مياه نهر النيل .فقد أكد وزير املوارد املائية والري املصري السابق محمد عبد املطلب أن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قد زار إثيوبيا وعرض عليها «الخبرة التركية» في بناء سد النهضة الذي يثير أزمة بني أديس أبابا والقاهرة .وفي حني لم يصدر عن الحكومة التركية ما يبدد االدعاءات املصرية في هذا الصدد ،عمدت أديس أبابا إلى تأكيد تلقيها العرض التركي خ�لال زي��ارة أوغلو إلثيوبيا في شهر يناير (كانون الثاني) املاضي ،والتي وصفتها الدوائر الرسمية اإلثيوبية بأنها كانت مهمة وإيجابية ،وأن إثيوبيا تتطلع إلى االستفادة من خبرات تركيا في كل املجاالت بما فيها الري وبناء السدود ،كما تعتبر تركيا إحدى أهم الدول الشريكة إلثيوبيا في عملية التنمية. ولم تكن مصر بعيدة عن االنتخابات الرئاسية التركية األخيرة ،إذ انصبت غالبية االنتقادات املوجهة ضد مرشح املعارضة أكمل الدين إحسان أوغلو باألساس على عدم إبدائه -خالل توليه أمانة منظمة التعاون اإلسالمي -مواقف واضحة ضد تدخل املؤسسة العسكرية في مصر لإلطاحة بالرئيس محمد مرسي باعتباره انقالبا متكامل األركان وفقا لرؤية الحكومة التركية ،ونشأته وقضائه فترة كبيرة من عمره خارج تركيا حيث ولد وعاش في مصر حتى بلغ الثالثني من عمره تقريبا .ومن ثم بدأ أنصار الحزب الحاكم في تصوير أكمل الدين باعتباره مرشح مصر في تركيا (وهو ما يسقط عليه كل أشكال الهجوم والتأطير السلبي التي تبرزها القيادات التركية ضد النظام املصري الحالي) ،فضال عن تسليط الضوء كذلك على عالقاته بفتح الله غولن وحركة «خدمة» التركية من جهة ،واململكة العربية السعودية من جهة أخرى. ورغ��م أن��ه م��ن السابق ألوان��ه الحديث ع��ن سياسة خارجية مكتملة األرك��ان والسمات حيال القاهرة بعد فوز إردوغان بالرئاسة ،فقد بدأت تلوح في األفق مؤشرات تشي بعدم حدوث تحول أو تغيير جوهري إيجابي في سياسة أنقرة بهذا الصدد ،حيث انطوى خطاب إردوغان الوداعي لكوادر حزبه بعد أيام قالئل
من إعالن نتائج االنتخابات الرئاسية على إشارات باستمرار مواقفه غير الودية إزاء النظام الجديد في مصر ،فقد رفع إردوغان خالل خطابه شعار «رابعة»، مشيرا إلى أن «املصريني والفلسطينيني ينتظرون كثيرا من تركيا ،وهذا يزيد من مسؤوليات حزب العدالة ّ ويثبت قدميه على الطريق لئال يحيد عنها».
اردوغان يشير بعالمة رابعة خالل تجمع انتخابي محلي نظمه حزب العدالة والتنمية الحاكم في مدينة ازمير تركيا في 16مارس 2014
التصالح مع إسرائيل بتزامن االضطرابات اإلقليمية مع ارتباك عالقات إردوغان بحلفاء إقليميني عرب محوريني ،لم تجد حكومة إردوغان بدا من شحذ هممها بغرض ترميم عالقاتها مع أصدقائها القدامى والتقليديني في املنطقة كإسرائيل وإي��ران وإثيوبيا. ولقد كان من شأن السحب التي لبدت سماء عالقات تركيا بدول الجوار العربي على خلفية الثورات العربية ،أن دفعت بحكومة إردوغان نحو تسريع الخطى باتجاه ترميم عالقاتها املتوترة بإسرائيل ،تطلعا إلى تحصني العالقات التركية األميركية ضد أي أزمات ،وتحسبا ألي مشاريع أميركية -إسرائيلية إلعادة هندسة املنطقة جيواستراتيجيا خالل املرحلة املقبلة. ففي مطلع شهر فبراير املاضي ،أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أن عودة العالقات إلى طبيعتها بني تركيا وإسرائيل باتت أقرب من أي وقت مضى ،بعد تقليص معظم الفجوات في املباحثات التي تستهدف تعويض ضحايا ومصابي الغارة اإلسرائيلية على سفينة «مافي مرمرة» التركية التي كانت تحمل مساعدات إنسانية في طريقها إلى قطاع غزة عام .2010وأكد أوغلو أن تركيا ما زالت مصممة على أن يتواكب تحويل التعويضات اإلسرائيلية لعائالت الضحايا مع قيام إسرائيل بتخفيف الحصار على غ��زة ،الفتا إلى أن بالده معنية بتمثيل دبلوماسي رفيع في إسرائيل بغية مراقبة إج��راءات تخفيف ذلك الحصار .وبينما أكدت إسرائيل تصريحات أوغلو ،فقد طلبت من تركيا مقابل دفع التعويضات املتفق عليها سن قانون تركي يمنع تقديم دعاوى قضائية تركية ضد الجنود والضباط اإلسرائيليني مستقبال ،فضال عن إلغاء الدعاوى املرفوعة مسبقا. وبدورها ،نقلت صحيفة «هآرتس» اإلسرائيلية عن أوغلو أن املحادثات التركية اإلسرائيلية ،التي انطلقت منذ العام املاضي في محاولة لالتفاق على مصالحة تنهي حالة القطيعة والتوتر الذي استمر أربع سنوات بعد مقتل تسعة أتراك في الهجوم اإلسرائيلي على السفينة التركية ،قد شهدت في اآلونة األخيرة زخما ونهجا جديدين ،حيث قامت بعثة تركية رفيعة املستوى بزيارة إلى إسرائيل في الشهر ذاته ،والتقت كال من املستشار اإلسرائيلي لألمن القومي يوسي
كشفت الحكومة املصرية أن تركيا عرضت على إثيوبيا مساعدتها في بناء سد النهضة الذي سيؤثر سلبا على حصة مصر من مياه نهر النيل
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
33
شؤون سياسية
بعدما أعلنت اللجنة العليا لالنتخابات التركية رسميا فوز مرشح حزب العدالة والتنمية ،رجب طيب إردوغان، بانتخابات رئاسة الجمهورية إثر حصوله على 51.79في املائة من أصوات املقترعني ،وتنازل الرئيس الجديد عن رئاسة حزبه لحليفه املفضل داود اوغلو الذي عينه رئيسا للوزراء ،برأسه يطل التساؤل حول مستقبل السياسة الخارجية التركية بعدما أضحى إردوغان الرئيس الثاني عشر لتركيا ،مع تنامي احتماالت استمراره في السلطة لعشرة أعوام مقبلة ،حيث يمنحه الدستور الحالي الحق في مدتني رئاسيتني متتابعتني كل منهما خمس سنوات، وتفاقم إصرار الرئيس التركي على توسيع صالحياته ،سواء من خالل تفعيل ما هو منصوص عليه منها في الدستور ،أو عبر السعي لتشريع املزيد منها بموجب تعديل دستوري يعقب حصد حزب العدالة لغالبية املقاعد في االنتخابات البرملانية املزمع إجراؤها الصيف املقبل.
تعديل دستوري يعقب حصد حزب العدالة والتنمية لغالبية املقاعد في االنتخابات املقبلة
«تركيا اجلديدة» حتت سطوة إردوغان أنقرة: بشير عبد الفتاح
إردوغان يزور طهران إلعادة صوغ العالقات اإلقليمية لتركيا عبر النافذة اإليرانية و االستفادة من تعافي السوق االقتصادية اإليرانية في مرحلة ما بعد العقوبات
32
بينما ك��ان مرشح املعارضة في االنتخابات الرئاسية أكمل الدين إحسان أوغلو يؤكد أن تركيا تحتاج إلى مرشح يحمل لها فرص تحسني عالقاتها املرتبكة مع العالم الخارجي ،والتي تتحمل حكومة العدالة والتنمية ج��زءا كبيرا من مسؤولية توتير بعضها أو انقطاع بعض آخ��ر ،برز عقب فوز إردوغ��ان بتلك االنتخابات تيار من املفكرين والساسة األت��راك يتحدث عما يسمى «تصحيح مسار» السياسة الخارجية التركية، بعد التغييرات والتطورات العديدة التي اعترت املنطقة أخيرا ،والتي تمخضت بدورها عن نزيف متواصل من الخسائر التركية على جميع الصعد ،خاصة مع استمرار التداعيات السلبية للحراك الثوري العربي. وثمة عوامل متنوعة تحتم على إردوغان تغيير سياسة بالده اإلقليمية حيال دول املنطقة خالل املرحلة املقبلة ،من أهمها: طموحات ال ��دور :ل��م يخف إردوغ ��ان تطلعاته إل��ى أن ي�غ��دو «األب ال�ث��ان��ي» أو «املؤسس الثاني» لتركيا الحديثة بعد مؤسس الجمهورية العلمانية التركية، مصطفى كمال أتاتورك ،وذلك من خالل تغيير وجه تركيا مرتكنا على ما يعتبره نداءات أخالقية وتكليفات إلهية على شاكلة ما بدا جليا في حديثه عن «رسالته التاريخية» وتنفيذه «مشيئة الله». وفي خطوة ال تخلو من مغزى ،قام إردوغ��ان فور تأكده من الفوز بالرئاسة بالتوجه إلى مسجد «أبو سلطان» الذي أقيم بجوار ضريح الصحابي أبو أيوب األنصاري ،للصالة قبل مغادرته إلى أنقرة ،وهو مسجد أقيم تكريما لألنصاري عندما توفي خالل إحدى محاوالت املسلمني األوائل لفتح القسطنطينية ودفن عند أحد أسوارها ،ثم اعتاد السالطني العثمانيون الذهاب إليه للصالة قبل تتويجهم حيث يتسلمون سيف الخالفة .وفي خطاب النصر ،عبر إردوغان عن رغبته في أن تكون أول انتخابات رئاسية في تركيا بواسطة االقتراع املباشر وسيلة خير لتركيا وللدول الشقيقة والصديقة .وأكد إردوغان أن النصر الذي حققه يعتبر نصرا لكل الشعب التركي ،ولشعوب املنطقة ،ال سيما شعوب فلسطني وسوريا والعراق ،وتعهد بأن تلعب بالده في هذه املرحلة الجديدة دورا أكبر على الصعيد الخارجي. تحديات إقليمية :جاء فوز إردوغ��ان بالرئاسة وسط ظروف دولية وإقليمية معقدة ألقت بظاللها السلبية على السياسة الخارجية ألنقرة .فمن فشل حكومة العدالة في تحقيق تقدم يذكر على صعيد اإلطاحة بالرئيس السوري ،بشار األسد ،بعد أكثر من ثالث سنوات من الثورة التي دعمتها أنقرة بكل السبل،
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
م��رورا بخسارتها حليفا أساسيا في مصر بعد اإلطاحة بجماعة اإلخ��وان املسلمني من الحكم ،ثم ظهور خطر «داعش» في العراق وسوريا املجاورتني لتركيا وإعالنه دولة الخالفة املمتدة من املوصل إلى أطراف حلب ،وصوال إلى ما عكسته األشهر القليلة املاضية من انفصال واضح للسياسة الخارجية التركية عن أحد أبرز أسسها النظرية ،وهو املتمثل في مبدأ «تصفير املشكالت» .هذا عالوة على تنامي تكهنات بانتقال مركز االستراتيجية األميركية من العالم العربي وشرق املتوسط إلى شرق آسيا ،وإعادة هندسة منطقة الشرق األوسط جيواستراتيجيا على أسس إثنية وطائفية وفقا ملا يعرف باتفاقية «سايكس بيكو »2التي ترمى إلى تقسيم املقسم وتجزئة املجزأ حسبما تم في اتفاقية «سايكس بيكو »1في عام .1916األمر الذي يستوجب مراجعة شاملة للسياسة الخارجية التركية .وانطالقا مما سبق ،هرعت حكومة «العدالة والتنمية» للهرولة صوب حلفائها ب��دول الجوار العربي كإيران وإسرائيل وكردستان العراق، متوخية مقاصد شتى لعل أهمها :تعويض التدهور الحاصل في عالقاتها مع عدد من الدول العربية ،التي كانت عالقات أنقرة بها قد شهدت تقاربا الفتا قبيل الطوفان الثوري العربي كسوريا ومصر ،فضال عن تقوية مركز تركيا اإلقليمي في أجواء إقليمية ودولية مضطربة.
استمرار التوتر مع مصر يبدو أن التأثير السلبي لتدهور عالقات بالده مع القاهرة والذي بلغ حد تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما ،بعد ما أظهرته حكومته من مواقف مستفزة حيال ما شهدته مصر يوم الثالث من يوليو (تموز) ،2013لم يحمل رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان على التوقف عن الهجوم على مصر وخارطة املستقبل ،حيث أعلن إبان الزيارة املثيرة من قبل املشير السيسي ملوسكو في شهر فبراير (شباط) املاضي ،والتي أيد الرئيس الروسي ترشح السيسي لرئاسة مصر خاللها ،أنه لن يعترف باملشير السيسي أو بأي شخص آخر في حال انتخابه رئيسا ملصر ولو جاء بانتخابات تعددية تنافسية نزيهة. ويرى إردوغان أن الرئيس الشرعي ملصر ،من وجهة نظره ،هو الرئيس املنتخب محمد مرسي ،الذي حصل على 52في املائة من األصوات في أول انتخابات رئاسية ديمقراطية شهدتها مصر ،وأن الشعب املصري وحده هو الذي يحق له إسقاطه بالوسائل الديمقراطية وليس الجيش .وش��دد إردوغ��ان على أنه
األطفال ،وأصيب املئات .كما اعتقلت قوات األمن اإلسرائيلية املحتلة املئات، ومن بينهم املفرج عنهم ضمن صفقة شاليط .ولم تنته حماقات إسرائيل عند هذا الحد ،بل حملت حماس مسؤولية خطف املستوطنني الثالثة ،رغم ع��دم وج��ود أي دليل أو اع�ت��راف من حماس .وشجعت الحملة املتطرفني الصهاينة على خطف الطفل الفلسطيني محمد أب��و خضير ف��ي شرق القدس وإحراقه حيا .وفي رد فعل على تلك االنتهاكات الفظيعة قصفت فصائل املقاومة في غزة إسرائيل .أعلنت إسرائيل في 8يوليو املاضي مستغلة انشغال مصر بقضايا «اإلخ��وان» ،وتوتر العالقة بينها وبنيحماس ،ومستغلة الغطاء الرسمي الدولي لجرائمها -بدء عملية «الجرف الصامد» .وكانت غزة حينها ،وبسبب الحصار ،تعاني من وضع صحي وإنساني واقتصادي مأساوي ،معزولة عامليا ومفصولة عن الضفة الغربية. ومعروف أن ما تعلنه إسرائيل عن أسباب تلك الحرب لم يكن واضحا، بل على العكس ،أظهر تخبطا واضحا في مجلس ال��وزراء املصغر املعني ب��إدارة الحرب ..فتارة تعلن إسرائيل أن الحرب للقضاء على الصواريخ، وتارة أخرى لتدمير األنفاق .لكن الحقيقة التي لم تعلنها إسرائيل هي أنها ال تريد الوحدة بني غزة والضفة .وفي أدبيات احتاللها ،يجب أن تبقى غزة معزولة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا عن الضفة.والسؤال هنا هو :هل استطاعت إسرائيل تحقيق هذا الهدف؟ ما تحقق كان عكس ما أرادت إسرائيل تماما ..فاألمن املنشود يتضاءل، واملقاومة الفلسطينية لم تعد نهج الفصائل فقط ،بل باتت نهجا شعبيا فلسطينيا ،والوحدة بني الضفة وغزة لم تعد مطلبا شعبيا فقط ،بل مطلبا سياسيا ورسميا واجتماعيا. واضطرت إسرائيل -رغم عنجهيتها االستعمارية -تحت نيران املقاومة الفلسطينية إل��ى إل�غ��اء م�ش��روع سكة حديد النقب ألن��ه يقع ف��ي مرمى صواريخ املقاومة .وقد يبدو العالم رسميا صامتا ،لكن الشعوب تحركت ضد ما ترتكبه إسرائيل من فظائع ،فقد بدأت عمليا انتفاضة شعبية عاملية ال تقل تأثيرا ع��ن انتفاضة الحجارة الفلسطينية ،وال تقل في تأثيرها عن انتفاضة الشعوب على نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا .العنف يولد العنف ،وتكلفة الحل السلمي دائما أقل بكثير من تكلفة الحرب ،ولعل أكبر ثمن تدفعه اإلنسانية جراء صمتها عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل هو خلق جيل ال يؤمن بالسالم حال .فقد كلف انتظار الفلسطينيني بعد أوس�ل��و لتسوية نهائية الكثير م��ن الشهداء واملعتقلني ،وقضم األرض والتهويد .ويكفي أن نذكر هنا أن إسرائيل دمرت في الضفة الغربية في مناطق أوسلو (املحررة) 490منزال في عام واحد ،وقتل املستوطنون وقوات األمن -خالل 10سنوات 1900 -طفل فلسطيني .ومنذ عام 2000وحتى اآلن اعتقل 8000طفل فلسطيني. وعلى م��دى 42عاما م��ن االح�ت�لال اعتقلت إس��رائ�ي��ل 700.000ام��رأة فلسطينية في غزة والضفة الغربية.
تعويضات قد تصل إلى 14.6مليون دوالر ملن تضررت مساكنهم ،جراء اإلصابة بالصواريخ .وقد تسلمت الحكومة بالغات من 2500شخص ب��أض��رار في مساكنهم .وهناك أيضا تعويضات املوظفني في الجنوب الذين تعطلت أعمالهم بسبب الحرب ،وال يعرف بعد كيف ستدفع التكلفة. ولعل القطاع املدني كان أكثر القطاعات تضررا؛ إذ وصلت خسائر الناتج القومي -وفقا لسلطة الضرائب في إسرائيل -إلى 1.3مليار دوالر .ويضاف إلى هذا قطاع السياحة الذي تكبد أكبر الخسائر ،فقد انخفض عدد السياح املتوقع حتى نهاية العام إلى النصف ،من 600ألف سائح إلى 300ألف سائح .وسيكلف هذا شركات السياحة 350مليون دوالر ،ويكلف الفنادق 375مليون دوالر .وستحاول إسرائيل بطبيعة الحال أن تضخم من تكلفة الحرب لتحصل على مزيد من الدعم املادي واملعنوي من صهاينة العالم. وهنا أتذكر نكتة روتها لي سيدة يهودية نجت من محارق النازية ،إذ قالت لي في سياق حديثها عن املناورات التي يتبعها اإلسرائيلي« :قتل يهودي أمه وأباه ،وعندما وقف أمام القاضي ملحاكمته ،بكى ،وطلب من القاضي الرأفة بحاله ألنه يتيم األب واألم» ..فهل سيسمح العالم هذه املرة إلسرائيل أهال بكم ..فهذه غزة تحييكم بأن تناور وتنجو من العقاب؟
ملاذا أرادت إسرائيل هذه الحرب؟ أكثر م��ا يقلق إس��رائ�ي��ل ه��ي وح��دة غ��زة وال�ض�ف��ة ،فبعد ات�ف��اق املصالحة في أبريل (نيسان) ،2014شكل أبو مازن حكومة تكنوقراط ،ليس فيها عناصر من فتح أو حماس ،ورحبت أميركا واالتحاد األوروبي واألمم املتحدة بالحكومة الجديدة ،وأعرب الجميع عن استعدادهم للتعامل معها .وأدى هذا إلى غضب إسرائيل التي نددت على لسان نتنياهو بالحكومة وباملصالحة. واس�ت�خ��دم��ت إس��رائ �ي��ل ق�ص��ة اخ�ت�ف��اء 3مستوطنني ف��ي ج��ري�م��ة مدنية لشن ح��رب على الضفة الغربية ومعاقبة أهلها بعمليات بحث مفتعلة ملدة أسبوعني ،رغم أنها كانت قد وجدت املستوطنني الثالثة بعد ساعات من فقدهم ،لكنها استخدمت الحدث ملعاقبة الشعب الفلسطيني وإفشال املصالحة .وقتل في عملية البحث الوهمية 29فلسطينيا معظمهم من
املستشار اإلعالمي للـ«أونروا»: سحق العدوان االسرائيلي الطبقة الوسطى وأغنياء غزة وسكانها األصليون أصبحوا الجئني
وعلى الرغم من كل الدمار ،فال يزال الطفل الفلسطيني يبحث بني الركام عن كتبه ،وعن ألعابه ..ففي غزة ال يزال هناك مكان للحياة ،فاملدارس - كما أكد لنا املستشار اإلعالمي للـ«أونروا» ،عدنان أبو حسنة -ستفتح أب��واب�ه��ا ل�ل��دارس�ين ف��ي م��وع��ده��ا امل �ح��دد ،وأك��د أن الخطة ال�لازم��ة لذلك، وبالتعاون مع وزارة التعليم الفلسطينية ،قد وضعت بالفعل .وأك��دت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة والدة ما يقرب من 5000مولود غزاوي جديد خالل 30يوما من القصف .وهذا الرقم يستثنى منه من ولدوا في مراكز اإليواء .فالحياة ال تزال في غزة تصرخ في وجه املوت ،ومسؤوليتنا أال نغرقها ثانية في جولة حرب جديدة .ولعل أفضل ما أختتم به هذا التحقيق هو التحذير الذي أطلقه خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته التي تناول فيها العدوان اإلسرائيلي على غزة، فقال« :إن هذه الجرائم ستخرج جيال ال يؤمن إال بالعنف ،رافضا السالم، ومؤمنا بصراع الحضارات ال بحوارها» <
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
31
شؤون سياسية
املستشار اإلعالمي في وكالة غوث: إسرائيل دمرت البنية التحتية ومع حلول عام 2016 لن توجد مياه صالحة للشرب في غزة
وبلغ مجمل عدد الضحايا -وفق التقديرات األولية 1960 -شهيدا .وعلى الرغم من صغر القطاع واكتظاظه بالسكان ،فإن إسرائيل أعلنت 44في املائة من مساحته ،وعلى عمق 3كلم ،منطقة محظورة على األهالي. ويقول لنا الكاتب واملحلل السياسي ،طالل عوكل ،وهو من سكان غزة: «استكملت إسرائيل في عدوانها الحالي التدمير الذي بدأته في الحروب السابقة ،وكأنها ترغب في خلق شريط عازل على الحدود غير قابل للعيش أو السكن؛ إذ دمرت تماما كل املناطق القريبة من الحدود ،وتوغل التدمير ليصل إلى أكثر من 2كلم في عمق غزة ،فمسحت املناطق الواقعة شرق رفح ،وقضت على معظم السكان في مجزرة متعمدة ،كما دمرت شمال غزة أيضا مرتكبة مجازر مشابهة ،كما حدث في خزاعة والشجاعية وبيت الهيا وجباليا». ويضيف عوكل أن «التدمير الكلي أصاب -وفق التقديرات األولية -نحو 10.500وحدة سكنية ،وأدى التدمير الكلي أو الجزئي إلى تشريد 450ألف فلسطيني ،وفتحت مراكز إيواء لهم في املدارس واملساجد». وأكد لنا املستشار اإلعالمي في وكالة غوث الالجئني عدنان أبو حسنة حجم الكارثة التي أصابت غزة قائال« :جرى فتح 90مركزا لإليواء ،وتحول كل سكان القطاع إلى الجئني أو نازحني ،وارتفع عدد النازحني حاليا إلى 1.3 مليون .هناك مناطق في غزة ،كالشجاعية وخزاعة ،تذكرك بالحرب العاملية الثانية ،وكأن زلزاال مدمرا أصابها».
مؤتمر املانحني ال يمكن في هذا التحقيق أن نتناول الواقع على األرض بكل تفاصيله ،لكن يمكن أن نستمع ملن عاش وعايش األحداث دقيقة بدقيقة ،وهنا يقول الكاتب طالل عوكل« :لقد استشهد حتى اآلن 2016وأصيب 10193فلسطينيا من بينهم 3084طفال .كما استهدف القطاع الزراعي بكل جزئياته ،فقد دم��رت األراض��ي الزراعية على ط��ول شمال شرقي غ��زة ،وأح��رق��ت م��زارع األبقار والدواجن .وتشير التقديرات األولية إلى أن الخسائر قد تفوق 150 مليون دوالر» .كما تحدث عوكل عن القطاع الصناعي ،فقال إن « 60منشأة ومصنعا دم��رت ،وق��در الخسائر بما ال يقل عن 200مليون دوالر ،هذا باإلضافة إلى توقف العاملني في هذه املنشآت عن العمل». كما يؤكد عدنان أبو حسنة ،املستشار اإلعالمي للـ«أونروا» في غزة ،أن «أخطر ما في هذه الحرب أنها سحقت الطبقة الوسطى وما فوق الوسطى، فأغنياء غزة وسكانها األصليون أصبحوا اليوم الجئني» .ويضيف أبو حسنة أن جميع سكان غزة اليوم بحاجة إلى مساعدات. وعندما سألته عن مؤتمر املانحني الذي سيعقد في القاهرة قريبا ،قال: «نريد أن نعمر غزة ،ولكن هل سيدمر ما سنبنيه مرة أخرى؟ فما يوقف التدمير هو أال ينزع األمل من طريق أهل غزة ،وأن يتوقف الحصار ،فعندما يتساوى املوت بالحياة ،ال حل». وأض��اف املستشار اإلع�لام��ي لوكالة غ��وث وتشغيل الالجئني« :ف��ي هذه الحرب التدمير أكثر بكثير مما شهدناه في الحروب السابقة ،فقد استهدفت إسرائيل خطوط ال�ص��رف الصحي ،وخ�ط��وط امل�ي��اه وال�ك�ه��رب��اء ،وخطوط محطات التحلية .هناك مناطق في غزة عاشت بال كهرباء ملدة 15يوما، وهناك مناطق في غزة عاشت بال ماء 20يوما ،فالحياة تعطلت تماما، أغلقت البنوك ،وأغلقت األسواق ،وانتشرت أمراض وأوبئة اعتقدنا أننا لن نراها ثانية ،مثل الجرب».
إسرائيل تدفع فاتورة عدوانها ألول مرة ال�ت��زم��ت إس��رائ�ي��ل بالصمت ح�ت��ى اآلن ب�خ�ص��وص ال�ح��دي��ث ع��ن التكلفة العسكرية واألض ��رار الناجمة ع��ن القصف ال�ص��اروخ��ي لحرب «الجرف ال�ص��ام��د» .لكن التقارير اإلعالمية اإلسرائيلية ق��درت التكلفة اإلجمالية للحرب بما بني مليارين ونصف ،و 3مليارات و 600مليون دوالر ،بما في ذلك التكلفة العسكرية التي قدرت مبدئيا بما يتراوح بني مليار و300 30
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
حد املباني في بلدة رفح التي دمرها سالح الجو االسرائيلي الذي اطلق خمسة عشر صاروخا على البلدة دمرت عدة منازل وقتلت ثالثة من كبار قادة حماس
مليون ،ومليارين ونصف مليار دوالر .أما الخسائر االقتصادية ،فتقدر بمليار و 300مليون دوالر ،تكبد فيها قطاع السياحة الضربة األكثر إيالما. وق��ال وزي��ر املالية اإلسرائيلية يائير لبيد ف��ي مؤتمر صحافي إن على إسرائيل أال توفر شيقال واح��دا في تعويض الجنود -بمن فيهم سكان املستوطنات ،الذين هم من وجهة نظره جنود إسرائيل.
بعض األرقام الخاصة بفاتورة العدوان القبة الحديدية :يمولها دافعوا الضرائب في أميركا ،وتصل تكلفة الصاروخ الواحد إلى 50ألف دوالر ،وتقول إسرائيل إنها تمكنت من تفجير 584 صاروخا ،من بني 3460صاروخا .أي التكلفة وصلت إلى مليون دوالر في اليوم الواحد ،وهذا ما جعل الكونغرس األميركي يتعجل في التصديق على مساعدة ملشروع القبة الحديدية وصلت إلى 225مليون دوالر ،حتى دون إعالم البيت األبيض .القنابل الذكية :من الصعب في ظل تكتم الجيش اإلسرائيلي الشديد معرفة عدد القنابل التي استخدمت ضد أهالي غزة، لكن م�ص��درا ف��ي مركز دراس��ات األم��ن القومي ف��ي جامعة ت��ل أبيب قدر التكلفة الخاصة بكل طلعة جوية بـ 15ألف دوالر .وقد بلغ عدد الطلعات في األسابيع األربعة األولى إلى 4900طلعة ،باإلضافة إلى عدد كبير من القنابل الرخيصة وعديمة الدقة ،التي استخدمتها إسرائيل ضد املدنيني في غزة. استدعاء االحتياط :من املعروف أن عدد الجيش اإلسرائيلي ليس كبيرا، فهو يعتمد -في األساس -على جيش االحتياط الذي ينضوي تحته معظم اإلسرائيليني .واستدعت إسرائيل في ح��رب «ال�ج��رف الصامد» 82ألف جندي احتياط ،وتقدر تكلفة الجندي الواحد اليومية بـ 147دوالرا ،بما في ذلك طعامه ،ومأواه ،وزيه العسكري ،وسالحه .وإذا صحت هذه التقديرات فقد تصل التكلفة إلى 200مليون دوالر ،دون حساب الراتب. الخسائر البشرية واملادية :أما فيما يخص عدد القتلى والجرحى ،فهناك تكتم رسمي كبير ،وروايات إعالمية متعددة .لكن املعلن أن عدد القتلى من الجنود اإلسرائيليني وصل إلى ،65ما بني جنود وضباط ،ومن املدنيني .3 ووصل عدد الجرحى إلى 651جنديا ،و 23مدنيا .وقد تصل تكلفة العالج -وفقا لوزارة الصحة اإلسرائيلية -إلى 4.4مليون دوالر .يضاف إلى هذا
امل��اض��ي 11طفال .وسجلت ال��وث��ائ��ق إص��اب��ة الجرحى أنفسهم أكثر من مرة ،فقد تعرض أعضاء 59أسرة من الجرحى إلى تكرار إصابتهم في هجمات متتابعة. ويقول حمدي شقورة ،من املركز الفلسطيني لحقوق اإلنسان« :املؤكد أن العائالت في هذه الحرب كانت هدفا متعمدا ،فعائالت بأكملها جرى طحنها تحت الركام ،وقد وثقنا 143أسرة ،اثنان أو أكثر من أعضائها أصيب». وفي حديث لـ"املجلة" مع الكاتب واملحلل السياسي طالل عوكل ،الذي عاش ح��روب غزة جميعا ،سألته عما يميز هذه الحرب فقال« :التدمير الهائل الذي مارسته إسرائيل ضد املدنيني ،وصمود وتصدي املقاومة وقدرتها على إنزال الخسائر في صفوف الجيش اإلسرائيلي ،وقدرتها على صد العدوان ،سيدفع اإلسرائيليني إلى مراجعة كل نظرياتهم العسكرية واألمنية التي وضعوها منذ عام 1948حتى اآلن». وق��ال ع��دن��ان أب��و حسنة ،املستشار اإلع�لام��ي ف��ي وك��ال��ة غ��وث وتشغيل الالجئني في حديثه معنا« :إسرائيل ألول م��رة تستهدف البنية التحتية وتدمرها تدميرا كامال ،ونتوقع أنه مع حلول عام 2016لن توجد نقطة ماء واحدة صالحة للشرب في غزة ،وتفويض األمم املتحدة توسع ليشمل اآلن كل سكان القطاع».
حصار خانق يقلص خيارات أهل غزة قد يكون الصمت العاملي هو السبب وراء تجرؤ إسرائيل على انتهاك حقوق اإلنسان وارتكاب جرائم حرب ترقى لجرائم ضد اإلنسانية ،فاستهداف املدنيني -وتحديدا األطفال -واستهداف املستشفيات وتعمد تدمير البنية التحتية ،ال يمكن تبريره قانونيا. في حرب «الرصاص املصبوب» في عام 2008رغم االرتفاع الكبير في ع��دد الشهداء؛ إذ وص��ل إل��ى أكثر من 1500فلسطيني وآالف الجرحى، لم يستهدف العدوان اإلسرائيلي البنية التحية ،واستمرت الحياة في غزة رغم استمرار الحرب 21يوما .ووفرت الكهرباء لكل القطاع ألكثر من 10 ساعات يوميا ،كما استمر القطاع املصرفي في العمل ،ولم تغلق األسواق. ودمر جزء من املناطق السكنية القريبة من الحدود. ودمرت إسرائيل في عملية «الرصاص املصبوب» -أو «حجارة سجيل» كما تسميها املقاومة 7500 -منزل ،وقدمت وكالة غوث الالجئني (أونروا)
مساعدات ألكثر من 50ألف أسرة. وقد يعتقد البعض أن إسرائيل في حرب «الرصاص املصبوب» لم تستهدف في التدمير القطاعني الصناعي والزراعي ،لكن ال بد هنا من التذكير بأن إسرائيل فرضت على غزة منذ 2006حصارا خانقا جعلها تنتحر في كل يوم لتأمني لقمة العيش ،فاألنفاق التي كانت املنفذ التجاري الوحيد ألهالي غزة قتلت أكثر من 600شخص -بحسب ما ذكره لي أبو حسنة -بسبب انهيارات بعضها ،أو بسبب الصعق الكهربائي .كما أن مولدات الكهرباء التي كان يستخدمها السكان بسبب انقطاع الكهرباء أدت إلى اندالع عشرات الحرائق في البيوت ،وأدت إلى مقتل املئات -كما يقول أبو حسنة -بسبب انفجارها .أضف إلى هذا مئات املرضى الذين قتلوا بسبب انعدام الدواء.
أطفال غزة ل��م تكن ح��رب «ال�ج��رف ال�ص��ام��د» ح��رب��ا ع��ادي��ة بكل املعايير ،فهي حرب انتقامية عبثية بال أهداف سوى التدمير والقتل املتعمد للعائالت واإلمعان في القتل .ولن ينسى العالم أطفال الشاطئ الذين مزقتهم إسرائيل دون اكتراث ،ولن ينسى املستشفيات ،ومراكز اإليواء التابعة لألمم املتحدة التي استهدفتها إسرائيل بعدوانها على مرأى من العالم .وأماكن العبادة التي تحولت إلى مراكز إيواء للنازحني استهدفتها إسرائيل فدمرت حتى اآلن، 161مسجدا 41 ،منها بشكل كلي ،و 120منها بشكل جزئي .وقد قصف بعض هذه املساجد على رؤوس من فيها من الجئني ومصلني. وبعد أسبوعني من العدوان استهدفت محطة توليد الطاقة الوحيدة في غزة، وقصفت ثالث مرات .وانعدمت مصادر املياه أو تقلصت إلى أدنى مستوى أم��ام 1.2مليون فلسطيني .وم��ع نهاية شهر يوليو امل��اض��ي ،استهدف القصف اإلسرائيلي 18مستشفى ومركزا طبيا. قطاع غزة -وعلى الرغم من الضجة اإلعالمية التي أثارها في كل العالم بسبب العدوان عليه وصموده -هو قطاع صغير جغرافيا يصل طوله إلى 45كلم فقط ،أما عرضه فيتفاوت بني 5كلم ،كاملنطقة الوسطى التي تتكون من البريج والنصيرات واملغازي وجحر الديك ،و 15كلم ،كمنطقة رفح .ويبلغ عدد سكان القطاع 1.8مليون نسمة 51 ،في املائة منهم تحت سن ،18أي إن نصف سكان غزة من األطفال ،وقد فقدت غزة في الشهر األول للحرب 440طفال تحت سن 15عاما.
فلسطينيون يحتفلون بوقف إطالق النار بني فصائل املقاومة الفلسطينية واسرائيل في قطاع غزة بوساطة مصرية 26 -أغسطس ( 2014غيتي)
51في املائة من سكان غزة تحت سن 18وقد فقد القطاع في الشهر األول من الحرب 440 طفال تحت سن 15عاما
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
29
شؤون سياسية
عندما تتوقف أصوات املدافع ال تتوقف الحرب ،بل تبدأ معركة من نوع آخر ،معركة تحديد الخسائر ،فغزة بعد 3حروب مدمرة في 6سنوات ال بد أن تسأل العالم الصامت :كم فلسطينيا يجب أن تقتل إسرائيل حتى تحاكم دوليا؟ وكم بيتا يجب أن تدمر حتى يتدخل العالم؟ .هذا ما يجب أن يسعى إليه مؤتمر املانحني الذي سيعقد في القاهرة برعاية مصرية -نرويجية ،عقب توصل الفلسطينيني واإلسرائيليني مباشرة إلى اتفاق طويل األمد لوقف إطالق النار .وستتولى النرويج توزيع الدعوات لحضور املؤتمر الذي سيعمل املانحون من خالله على ضرورة تغيير األوضاع القائمة في غزة؛ إذ إننا جميعا يجب أن نساهم في تعمير غزة ،فهذا واجب وطني وإنساني ،لكن هذا ينبغي أن يمر بالتوازي عبر املحاكم الدولية التي ستضع إسرائيل أمام مسؤولياتها ،فتغيير األوضاع في غزة لن يكتمل إال عبر محاكمة إسرائيل ودفعها ثمن جرائمها.
تعمير غزة عبر الهاي
ماذا استفادت غزة من حربها مع إسرائيل؟ رام الله: ناهد نجار
اضطرت إسرائيل تحت نيران املقاومة الفلسطينية إلى إلغاء مشروع سكة حديد النقب ألنه يقع في مرمى صواريخ املقاومة
28
هنا أستحضر أوال خطاب خ��ادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز ال��ذي سمى األش�ي��اء بأسمائها ،ووص��ف ما يجري في غزة بـ«املجازر» ،قائال« :إن املجازر التي ترتكب في حق الفلسطينيني في غزة تجري تحت سمع املجتمع الدولي وبصره ،إن دماء الفلسطينيني تسفك في مجازر جماعية دون وازع إنساني أو أخالقي ،وهي جرائم حرب ضد اإلنسانية» .وأذكر هنا أيضا -مع الفارق في الوصف ما قيل في الجمعية العامة على لسان األمني العام لألمم املتحدة ،بان كيمون ،في اجتماع دولي خاص بعد أسبوعني من العدوان ،وبعد استهداف القصف اإلسرائيلي مقار األمم املتحدة في غزة؛ إذ يقول حرفيا« :هل علينا أن نبني ونهدم ،نبني ونهدم ،ثم نبني ،ومن ثم نهدم؟ يجب أن يتوقف هذا، فالعودة إلى ما كانت عليه األوضاع في غزة لن يحل املشكلة ،ودوامة املعاناة يجب أن تتوقف .غزة جرح مفتوح ،والضمادات لن تساعده .يجب أن تكون هناك خطة تسمح لغزة بأن تتنفس وتتعافى» .لكن ،كيف يمكن لغزة أن تتنفس إذا كان الغزاويون أنفسهم ال تسمح لهم إسرائيل أن يتنفسوا حتى هواء مدنهم في رام الله ،أو القدس ،في ظل حصار خانق دام ملدة 8أعوام؟ كيف يمكن لغزة أن تتعافى دون أن نضيف إلى بيان األم�ين العام الجهة املسؤولة عن الهدم ،وهي إسرائيل؟ وكان من األجدر أن يقول :هل علينا أن نبني وإسرائيل تهدم ،نبني وإسرائيل تهدم ،مرة واثنتني وثالثا ،حتى يسمع الصم .كيف يمكن أن تردع إسرائيل نفسها عن تكرار متعتها في الهدم والتدمير وقتل املدنيني دون رادع دولي قانوني وإنساني؟ وهذا هو تحديدا ما لفت النظر إليه وزير الخارجية السعودية ،األمير سعود الفيصل ،في االجتماع الطارئ للجنة التنفيذية في منظمة التعاون اإلسالمي الخاص بغزة؛ إذ ق��ال« :ال وق��ت للعزاء أو استجداء الحلول ،إن��ه من املهم أال نعفي أنفسنا من تحمل املسؤولية ،إن وقوفنا خلف حقوق الشعب الفلسطيني سيجعل العالم يدرك تماما أنه ليس بوسع إسرائيل أن تستمر في عدوانها على الفلسطينيني دون أن تدفع الثمن». تعرضت غ��زة ل�ـ 3ح��روب في 6س�ن��وات ،فكيف يمكن لشعب نصفه من األطفال أن يتحمل كل هذه املعاناة؟.
منها ،وهي قصة بيته مع حربني« :عمود السحاب» و«الجرف الصامد» .دمر بيت هذا الصديق جزئيا في حرب ،2012ووصف لنا ما عاناه عقب ذلك من أجل الحصول على تراخيص لترميم البيت .ووصف كثرة املعامالت املعقدة لشراء كمية اإلسمنت الالزمة للبناء ،وتعقيدات تأمني املال الالزم للمستلزمات الخاصة بالترميم .وبعد عامني من االنتظار الطويل ،تنفس الصعداء ،فقد وصلت الشحنة في أوائل شهر يوليو (تموز) .2014 لكن في التاسع من الشهر نفسه 2014استهدفت الطائرات اإلسرائيلية بيته للمرة الثانية فدمر تماما ،وضاعت معه شحنة اإلسمنت .واملفارقة هي أن إسرائيل هي التي تبيع السلع للفلسطينيني ،وهي من يدمرها ثانية ،كما حدث مع معمل الصابون في غزة الذي دمرته تماما الطائرات اإلسرائيلية قبل الهدنة الثانية بدقائق ،وبعد تسليم الشحنة املطلوبة مباشرة.
غزة تدفع دائما فاتورة االحتالل والعدوان
قصة فلسطني مع الحروب قصة طويلة بدأت منذ ،1948م��رورا ب�ـ،1956 و ،1967ثم وص��وال إلى الحرب الحالية .وما عانته غزة تحديدا قصصه موجعة ومكلفة بشريا واقتصاديا واجتماعيا. لم تلملم غزة وجعها بعد ،ولكنها مع كل دقيقة هدنة تبحث بني األنقاض عن عزيز مفقود ،وتبحث عما يمكن إنقاذه من بني الدمار .وتبدأ املؤسسات الدولية مع أهالي غزة -مستغلة أي وقف إلطالق النار -في تحديد حجم الخسائر البشرية وامل��ادي��ة واالج�ت�م��اع�ي��ة ،ف�ح��رب «ال�ج��رف ال�ص��ام��د» ،أو «العصف املأكول» ،كما تطلق عليها حركة حماس ،ليست ككل الحروب التي شهدتها غزة؛ إذ إن إسرائيل -وفقا للمعلومات املوثقة لدى منظمات حقوق اإلنسان الفلسطينية ،ومركز «ميزان» في غزة ،والحق في الضفة الغربية ،وبيت سالم في إسرائيل ،ووفقا لألمم املتحدة -تمكنت في هذه الحرب من أن تبني لغزة وللعالم مقدرتها الخارقة على التدمير والقتل، ومالحقة األطفال والشيوخ. وتبلغ أصغر شهيدة فلسطينية لقيت حتفها في غزة ،وهي هالة أبو ماضي التي قتلت في 2أغسطس (آب) 10 ،أي��ام ،ويبلغ أكبر شهيد قتل في 3 أغسطس 93عاما. بيت وشحنة إسمنت ولعل ي��وم 30يوليو (ت�م��وز) املاضي هو ي��وم «التقتيل األك�ب��ر»؛ إذ قتلت حدثنا شاهد عيان من غزة عن قصص معاناته اليومية ،وسأذكر واحدة إسرائيل 95فلسطينيا من 10عائالت .كما قتلت إسرائيل في 26يوليو
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
إليه ،أما في ظل وجود علي عبد الله صالح في الحزب ،فإن الكل يحجم تماما عن التعامل مع املؤتمر الشعبي ،إال بتلك املسميات التي تقتات من الفتات والتي ال زال علي عبد الله صالح يقدمها لها حتى اآلن». وحول مشروع أحزاب «اللقاء املشترك» وحكومة الوفاق الوطني ورؤيتهما ملوضوع املعرقلني للتسوية السياسية في ضوء زيارة وفد أممي إلى اليمن، مؤخرا ،لبحث هذا املوضوع ،يقول مستشار رئيس الحكومة اليمنية لـ«املجلة» إنه «لم يتضح إلى ماذا توصلت لجنة العقوبات األممية (التي حققت في تورط املعرقلني في التسوية السياسية) ،وال شك أنها قد حصلت على ما يكفي من املعلومات التخاذ مواقف (قرارات) إزاء قضايا عديدة من ضمنها بقاء علي عبد الله صالح في املشهد السياسي» ،ثم يقول الصراري« :أستطيع أن أقول إن بقاء هذا الرجل في العملية السياسية ينطوي على خطورة حقيقية ستؤدي إلى انتكاسة العملية السياسية برمتها .والتسوية السياسية ،أيضا، ستتوقف إذا بقي هذا الرجل ،ألن كل ما صنعه خالل الفترة املاضية يدل على أنه لم يتوقف عن تعطيل عملية التغيير وإفشال التسوية السياسية. وسيظل ،أيضا ،يلعب دورا سلبيا في نقل البالد من أزمة إلى أخرى ،خاصة أنه يستخدم األم��وال الطائلة التي نهبها من ث��روة هذا الشعب ،وهو يمتلك اآلن م��ن امل��ال أكثر مما تمتلكه ال��دول��ة اليمنية ،ألن��ه سطا على ممتلكاتها وعلى أموالها وثرواتها ولم يتوقف عن استخدام هذا املال في تعطيل املسار السياسي ،وبالعكس هو يقف وراء كثير من االضطرابات التي تشهدها البالد وأقول إن إبعاده من الحياة السياسية مسألة محورية وهي نقطة ارتكاز لتحول حقيقي في تاريخ اليمن». وعما إذا كانت املسألة تتعلق بإبعاد الرئيس السابق عن اليمن بشكل كامل، يقول الصراري« :الهدف هو إيقافه عن التدخل في الحياة السياسية وأن يتوقف عن استخدام املال في األزمات والتوترات واالضطرابات التي شهدتها اليمن في تناقضات املشهد اآلونة األخيرة .أما أن يبقى داخل البالد أو يغادرها ،فهذه مسألة ثانوية ،لكن في كل األحوال نريد أن يتوقف تأثيره على مجريات الحياة العامة وأن يترك وتشهد ال��س��اح��ة اليمنية تناقضات ك��ث��ي��رة ،ف��ي ال��وق��ت ال��راه��ن ،ف��إل��ى جانب املواقف السياسية التي ترى أن الرئيس السابق هو أحد أبرز املعرقلني للتسوية الفرصة للمواطنني اليمنيني ألن يقرروا مصائرهم دونه». السياسية ،هناك قوى أخرى برزت في الساحة اليمنية وبقوة وبدأ تأثيرها األمني والسياسي ،فالحوثيون (أنصار الله) املتمردون يلعبون دورا أمنيا صالح ..ضرورة وعسكريا وباتوا يسيطرون على مناطق عدة من شمال البالد ،إضافة إلى من جانبه ،يرى حسني حازب ،عضو اللجنة العامة (املكتب السياسي) لحزب الوجود السياسي في محافظات أخرى ،في الوقت الذي يطرح موضوع تحالفهم املؤتمر الشعبي العام ،الشريك في حكومة الوفاق الوطني ،أنه «ليس لديه شك مع صالح ،عدو األمس ،من أجل إسقاط النظام الحالي. في أن املؤتمر سيظل هو الحافظ أو هو الحزب الوسطي في ظل التجاذبات وأيضا ،هناك نشاط تنظيم القاعدة في مختلف مناطق اليمن ،والذي أدى إلى يمينا وشماال ،وأن سر بقائه في أساس نشأته وليس في األشخاص ،واملؤتمر مقتل املئات من الضباط والجنود في عمليات اغتياالت تتهم فيها «القاعدة»، الشعبي نشأ على أساس يمني وأسسه اليمنيون من مختلف أطياف اللون دون أن تعلن رسميا مسؤوليتها عن هذه العمليات التي خلقت حالة من الذعر السياسي وكان لإلخوان املسلمني والناصريني واالشتراكيني دور في تأسيس والخوف واالستياء ،في الشارع اليمني .وال يقتصر املشهد اليمني على الوضع املؤتمر ،وأيضا ،املشايخ والعلماء ،فاملؤتمر في نشأته وفي وثيقته (امليثاق السياسي أو الوضع األمني وما يترتب عليه ،فهناك معاناة شديدة يمر بها املواطنون اليمنيون كاالنقطاعات املتواصلة للكهرباء دون أسباب واضحة الوطني) ،كان يمنيا». ويؤكد القيادي البارز في حزب املؤتمر الشعبي العام أن حزبه «سيظل باقيا تذكر ،غير أن الحكومة اليمنية تسوق مبررات ،منها الهجمات «التخريبية» التي م��ا بقي أي م��واط��ن يمني وسيظل ه��ذا الشكل م��ن أش��ك��ال العمل السياسي تستهدف أبراج الكهرباء في محافظة مأرب وأيضا أنابيب النفط وغيرها من موجودا ،وهو املؤتمر الشعبي العام» ،وأن املؤتمر سيظل كفا من «كفي التسوية األعمال التي تعدها الحكومة مبررات لعدم تقديم الخدمات بصورة صحيحة السياسية القائمة في اليمن ،وأعتقد أن أي إنسان يريد إبعاد املؤتمر الشعبي وج��ي��دة ،في ظل الوضع االقتصادي امل��ت��ردي وارت��ف��اع األس��ع��ار ،خاصة بعد اإلج��راءات االقتصادية األخيرة (الجرعة) التي رفعت بموجبها أسعار النفط العام أو قيادته ليس إال منقلبا على حزب املؤتمر وقيادته». ويجزم القيادي في املؤتمر الشعبي العام أن حزبه «سيظل صمام األمان للعملية والديزل (املازوت) وبقية املشتقات النفطية ،وانعكس ذلك بصورة كاملة على السياسية في اليمن بصورة عامة وأنه من دون املؤتمر الشعبي العام لن يبقى مختلف جوانب الحياة االقتصادية في اليمن. سوى التطرف في هذا االتجاه أو في االتجاه اآلخر ،وبالتالي إلى خالفات في وفي ظل ما يعتمل في اليمن من تطورات سياسية وأمنية واقتصادية، كل االتجاهات وأنا أرى أن علي عبد الله صالح ،زعيم وقائد (املؤتمر) أصبح ينظر اليمنيون إل��ى أن عملية التغيير وال��ث��ورة الشعبية التي اندلعت في بقاؤه ضرورة ليس لحزب املؤتمر فقط ،ولكن للتسوية السياسية ككل ،ألن مطلع عام ،2011قد تتعرض للخطر في حال ع��ودة صالح ونظامه إلى املؤتمر الشعبي العام يمثل أكثر من ثالثة ماليني عضو على مستوى اليمن الحكم .ويقول الخبراء في مجال السياسة إن عودة صالح ،بأي طريقة من (عدد السكان تقريبا 25مليون نسمة) ،وبالتالي فإن صالح يظل هو صمام الطرق إلى سدة الحكم ،سوف تدفع البالد إلى حافة االنهيار املتمثلة في األمان ،ومن يراهن على خروجه من املؤتمر الشعبي العام ال يعرف أن العملية الحرب األهلية بني مختلف القوى املوجودة على الساحة ،فهناك الحوثيون السياسية في اليمن سوف تختل بصورة كاملة» .ثم يضيف أن «هذا الكالم و«القاعدة» واألحزاب السياسية وقوى أخرى ترفض إعادة البالد إلى املربع من باب االفتراض ،ألنه من املستحيل خروج علي صالح من املؤتمر الشعبي الذي كانت عليه قبل عام ،2011ولذلك يظل التأرجح بني التشاؤم والتفاؤل العام الذي ربما يعاني ضعفا أو انكسارا أو غير ذلك ،لكن مستقبله مضمون بمستقبل اليمن ،في الوقت الذي يرى فيه خبراء أن منفذ اليمن إلى األمن وسيظل حزبا موجودا طاملا بقي هناك مواطن يمني». واالستقرار يرتبط بتطبيق املبادرة الخليجية <
صورة ارشيفية لسيدة يمنية مؤيدة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح خالل مسيرة لدعمه (صنعاء يوم 18نوفمبر )2011
ما جرى من لقاء بني عبد ربه منصور وعلي عبد الله صالح لم يكن مصالحة شاملة بني األطراف اليمنية ولكنه مصالحة شخصية
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
27
شؤون سياسية
حكم الرئيس اليمني السابق ،علي عبد الله صالح اليمن ،نحو 33عاما ،قبل وبعد قيام الوحدة اليمنية (22 مايو /أيار ،)1990ثم غادر الحكم بعد انتفاضة شعبية اندلعت مع ما عرف بـ«الربيع العربي» عام ،2011 في ضوء املبادرة الخليجية التي ضمنت له حصانة من املساءلة القانونية عن فترة حكمه ،لكن الشواهد في املشهد السياسي اليمني تؤكد أن صالح ال زال يمارس دورا سياسيا عبر تزعمه أو ترؤسه لحزب املؤتمر الشعبي العام ،أحد أكبر األحزاب السياسية في اليمن والذي تأسس مطلع ثمانينات القرن املاضي .ويقول املراقبون إنه ما زال يتدخل في الحياة السياسية في اليمن وربما يكون ضمن املعرقلني للتسوية السياسية.
مشهد سياسي متناقض ..إصالحات متعثرة ..وإرهاب وحركة تمرد
اليمن« ..عفاش» هل يعود للحكم؟ صنعاء: عرفات مدابش
حزب املؤتمر الذي يتزعمه صالح ما زال حزبا حاكما عبر مشاركته في حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في ضوء املبادرة الخليجية
26
ولد صالح في مارس (آذار) عام ،1942في قرية بيت األحمر جنوب العاصمة صنعاء .ويحمل رتبة مشير ف��ي ال��ق��وات املسلحة ،وهو أكثر الرؤساء الذين حكموا اليمن وثاني الرؤساء العرب في طول فترة حكمه ،ولقبه األساسي في أسرته «عفاش» ،كما يطلق عليه وكما أطلق على أحد أحفاده. وتختلف وجهات النظر واآلراء في الشارع اليمني بشأن صالح وحزبه بني مؤيد ومعارض ،فاملؤيدون يرون أنه األحق باالستمرار في الحكم أو أن يخلفه نجله العقيد أحمد علي عبد الله صالح ،قائد الحرس الجمهوري (سابقا) وسفير اليمن الحالي في دولة اإلمارات العربية املتحدة ،واملعارضون يرون أن صالح أمضى فترة طويلة في الحكم وأنه يسعى إلى توريثه لنجله ،إضافة إلى أنه جعل أفراد قبيلته وأسرته ممسكني بزمام األمور السياسية والعسكرية في البالد ،كما يقولون. ولكن حزب املؤتمر الذي يتزعمه صالح ما زال موجودا في الحكم عبر مشاركته في حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في ضوء املبادرة الخليجية ،وبالتالي ما زال حزبا حاكما ،وإن جزئيا ،بعد أن كان حزبا حاكما بشكل مطلق .وقد وقع لقاء مصالحة بينه وبني الرئيس عبد ربه منصور هادي ،الذي كان نائبا له ،أثناء صالة العيد في جامع الصالح جوار دار الرئاسة وبحضور عدد من الخصوم السياسيني والقبليني ،ولكن اللقاء لم يثمر عن مصالحة معلنة بشكل كامل.
مصالحة ليست شاملة وينظر حكيم املسمري ،رئيس تحرير صحيفة «يمن بوست» باللغة اإلنجليزية إلى أن ما جرى من لقاء بني الرئيس عبد ربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبد الله صالح لم يكن مصالحة «شاملة بني األط���راف اليمنية ،ولكنه مصالحة شخصية بني الرئيس عبد ربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبد الله صالح .املشكلة أن الرئيس هادي ال يعمل على مصالحة وطنية شاملة وإنما يعمل على مصالحة تخصه هو فقط؛ ولهذا ذهب إلى جامع الصالح (حيث التقى الرئيس صالح وعلي محسن األحمر وحمير األحمر)» .ويؤكد املسمري أن اليمن بحاجة إلى مصالحة شاملة بني كافة األطراف التي تهدد األمن في البالد ،فهناك أط��راف دينية متعصبة ومسلحة ولم نر أية ب��وادر للمصالحة مع هذه األطراف التي لها تأثير على البالد وإدخالها في حروب ال نهاية لها. وعن الخطورة التي تواجه اليمن يقول املسمري لـ«املجلة» إنها «تكمن في انتشار ال��س�لاح وحمله والكراهية التي تستدعي حمل ال��س�لاح على ال��ط��رف اآلخ��ر. وكما أسلفت فليست هناك أية نوايا من األط��راف كاملة في الساحة اليمنية من أجل مصالحة شاملة ،إال بني األطراف التي ليست بينها خالفات ،أصال.
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
واملصالحة يفترض أن تكون بني األطراف التي بينها خالفات وتستدعي هذه الخالفات حمل السالح على الطرف اآلخر وإذا لم يحصل هذا فإن املصيبة في اليمن سوف تزداد وتتضاعف وهنا ستحصل الكارثة التي ال يتوقعها الداخل وال��خ��ارج» .وي��ردف املسمري أن ما ح��دث في حضرموت من إع��دام للجنود على يد مسلحني يعتقد بانتمائهم لتنظيم القاعدة ،هو «بداية لفشل املصالحة في اليمن بني األطراف الداخلية ،خاصة أن الحكومة اليمنية هي التي جعلتهم صيدا سهال ،واملصالحة تأتي بعزيمة من الدولة ثم تطبق بني بقية األطراف ليس بمناورة سياسية أو مصالح شخصية أو غير ذلك والنوايا إذا صدقت سوف تكون املصالحة جدية وصالحة».
مستشار :التسوية ناقصة وي���رى ،علي محمد ال��ص��راري ،املستشار اإلع�لام��ي لرئيس حكومة الوفاق الوطني أنه «ورغم مرور هذا الوقت على التسوية السياسية في ضوء املبادرة الخليجية ،فإن هناك عنصرا ما يزال ناقصا في التسوية السياسية الجارية وهذا العنصر يتمثل في بقاء علي عبد الله صالح (الرئيس السابق) كالعب في العملية السياسية ،في حني كان ينبغي أن تفضي املبادرة الخليجية منذ البدء في تنفيذها إلى إخراجه من العملية السياسية» ،خاصة وأنه «قد حصل على حصانة تحول بينه وبني ما اقترفه بحق هذا البلد وسكان هذا البلد». ويردف السياسي اليمني أنه «من الواضح أن علي عبد الله صالح ومن خالل االستمرار في العملية السياسية يحاول أن يجند عملية التغيير التي كانت عملية مهمة في إطار التسوية السياسية ،فليس هناك أي تغيير إذا بقي علي عبد الله صالح ،حتى ولو تحول إلى أحد مراكز القوى في البالد وسعيه الدءوب من أجل استعادة الحكم ،يعني هذا أن التسوية السياسية قد فشلت ولم تحقق أهدافها» .ويؤكد الصراري ،وهو قيادي بارز في الحزب االشتراكي اليمني، أنه من أجل أن «تستمر التسوية السياسية في اليمن وأن تحقق أهدافها ،ال بد من إخراجه (صالح) من املشهد السياسي وقد تسلم الثمن املتمثل بتحصينه من املحاسبة جراء ما اقترفه بحق هذا البلد». ويقول مستشار رئيس الحكومة اليمنية لـ«املجلة» إن «حزب املؤتمر الشعبي لم يكن (فعليا) حزبا حاكما في عهد الرئيس علي عبد الله صالح ،وفي تقديري أنه لم يكن بمقدور املؤتمر أن يكون حزبا حاكما إذا استمر علي عبد الله صالح على رأس الحزب وال بد أن يحرر املؤتمر الشعبي العام من القبضة العسكرية واملالية التي يشددها صالح على الحزب وتسليم املؤتمر الشعبي إلى قيادة حقيقية تستطيع أن تحوله إلى حزب سياسي ،وبهذه الطريقة سيغدو املؤتمر شريكا حقيقيا في التسوية وفي بناء الدولة وسيجعل بقية القوى تمد يدها
السعودية :تصاعد موجة العنف ُجربت البعث واليسار وآيديولوجيات مختلفة ،ويمكن القول دون تردد إنه لو ق ّدر لفصيل من اإلسالم السياسي الحكم في بلد ما ،فقد شاهدنا ما يحدث في حماس والسودان ،وأوائل حكم «اإلخوان» في مصر من تصريحات وأفعال ومواقف تشرعن للدولة البوليسية الشمولية ،وهو األمر الذي تحذر السعودية من الوقوع في شراكه.
إرهاب الفضاء بدوره ،القرار ال يطال األفكار بل األطر التنظيمية والحزبية ،ولذلك هذه الضجة من محاربي «تويتر» الذين يريدون إفراغ القرار من محتواه ليست إال واحدة من ردات الفعل املتكررة على كل قرار من هذا النوع يجري تفسيره بشكل سلبي ملحاولة القفز عليه والضغط باتجاه تحديده ،بما ال يشمل التيارات التي ينتمون إليها ،أو يتعاطفون معها ،اإلطار التنظيمي هو أشبه بما يكون في البلدان الديمقراطية بحظر الحزب السياسي ،صحيح أن تجربة األحزاب غير م��وج��ودة باملعنى القانوني ،لكنها م��وج��ودة بسلطة األم��ر ال��واق��ع ،وما إنكار هذا إال ضرب من االستخفاف الذي ال يالئم حساسية املرحلة ،فكلنا يعلم أن الكثير من الدول التي عانت من ويالت التنظيمات املتطرفة رغم أنها محظورة ،فإنها كانت ممتدة ومخترقة حتى لبعض مؤسسات الدولة ،وال سيما مؤسسة التعليم ،املحضن التربوي األه��م ف��ي بلد وص��ف بأنه بلد الشباب.
فرصة حقيقية على املستوى االستراتيجي للمملكة شكل القرار امللكي فرصة واعدة جدا لحسم الجدل حول االرتباك من املوقف السعودي للتطرف ،فهو خطوة تشريعية مهمة للفصل بني استراتيجية الدولة من جهة وتصرفات األفراد املنتسبني لها من جهة أخرى ،باإلضافة إلى تبعات االستقرار؛ تعريض العالقات الدولية للخطر ،وهو ما يعني ضرورة أن يجري توسيع النقاش في أجواء صحية للقرار ،وتخصيص مساحات أكبر لتداوله في اإلعالم وأروقة الجامعة ونقاشات املهتمني. السعودية واجهت تحدي اإلرهاب الذي بدا كبيرا ومزدوجا ،فمن جهة تسبب الخطر اإلرهابي في تحوالت على مستوى العالئق السياسية وأبرزها فتور طغى على العالقة مع الواليات املتحدة عقب الـ 11من سبتمبر ،إال الضربات االستباقية مس السعوديني بأكثر مما ّ على معاقل اإلرهاب الذي ّ مس األميركيني أنفسهم، ساهم في فك تلك االزدواجية ،بل وجعل من السعودية العبا رئيسا في ملف اإلرهاب الذي ما زالت الدولة تنظر إليه بجدية بالغة.
مفتاح الحل السعودي وع �ل��ى ال�ع�ك��س ،ف ��إن ح��ال��ة االس �ت �ق��رار ال�س�ي��اس��ي رغ ��م ك��ل ري ��اح ال�ت�ح��دي��ات واملصاعب ،وأبرزها التحديات السياسية التي تعيشها املنطقة ،تفرض على السعودية دورا رئيسا ال يقل أهمية عن دورها في الحرب على اإلرهاب. فالدور املقبل هو ضرورة التعاون مع كل دول املنطقة على اختالف مواقفها السياسية الجزئية ألخذ أدوار فاعلة وكبيرة في الحرب على اإلرهاب ،الذي يجب أن ال تنفرد السعودية به« .عقلنة» الحالة السياسية هو مطلب مهم ،تشترك فيه دول الجوار ،بما فيها األط��راف الفاعلة إيران وتركيا ،وحتى دول الربيع العربي غير املستقرة ،إضافة إلى النخب والطبقات الثقافية الذين يجب عليهم التحلي بالشجاعة هذه امل��رة وع��دم االلتفات إلى صخب الجماهير ليراجعوا باملنطق نفسه «الحالة الثورية» التي دعموها باألمس ،وشاهدوا ارتداداتها السلبية على املجتمعات بعد سقوط األنظمة السريع .األصولية املعاصرة تحمل «ميكانيزم» بقائها في داخلها عبر آلية العنف ،وهي ليست بالضرورة عنفا محصورا في «السالح» ،بل ثمة أسلحة معنوية ال تقل عنه خطورة ،كالتكفير والحصار الفكري واختراق السالم املجتمعي عبر آليات الطرد بمعايير دينية، حتى في أكثر املسائل دنيوية ،لذلك الحرب على اإلرهاب والتطرف والغلو هي حربنا الطويلة جدا <
الحدث املروع الذي فتح ملف اإلرهاب في الداخل كان في 12مايو (أيار) ُ .2003حني قامت 3سيارات مفخخة باستهداف 3مجمعات سكنية يقطنها غربيون وعرب في الرياض ،قتل فيها 20شخصا و194 يمض شهر واحد حتى تفجع إحدى الدوريات األمنية على بعد 10 إصابة ،واملاليني من الخسائر املادية .ولم ِ كلم شمال شرقي مدينة تربة على طريق (حائل -لينة) سيارة جيب «تويوتا» يستقلها شخصان متوقفة على الطريق واشتبه فيها ،وعندما طلب رجال األمن من السائق إثبات هويته فر هاربا وقام رجال األمن بمطاردته حيث سلك طريقا صحراويا ،وأثناء املطاردة قام الهاربان بإلقاء قنبلة يدوية على رجال األمن، مما نتج عنه استشهاد كل من جندي أول درداح بن وقاع الشمري ،والجندي سعود بن عبد الله الشمري، وإصابة الجندي فرحان بن حمود الشمري والجندي عبد الله بن مشعل الشمري. 3يونيو 2003توفي أميركي أصيب بجروح خطيرة بالرصاص في قاعدة بحرية متأثرا بجروحه، وكان يعمل في قاعدة امللك عبد العزيز في الجبيل املدينة الساحلية الصناعية. 8نوفمبر 2003جرى تفجير مجمع املحيا السكني الذي يسكنه غالبية من املواطنني العرب واملسلمني، والذي توافق مع شهر رمضان ،الذي يعد من األشهر التي لها قدسيتها عند عموم املسلمني .كانت حصيلة هذا الهجوم 12قتيال و 122جريحا من األبرياء. 21أبريل (نيسان) 2004انتحاريون يستهدفون مبنى اإلدارة العامة للمرور في الرياض ،بسيارة مفخخة ،نتج عنها مقتل 4من رجال األمن ،باإلضافة إلى مدني ،وإصابة 148شخصا. 1مايو 2004اقتحم مسلحون أحد املواقع الصناعية في مدينة ينبع ،وقتل 5أشخاص (أسترالي وأميركيان وبريطانيان) باإلضافة إلى رجل أمن سعودي ،وإصابة 14من زمالئه. 29مايو (أيار) 2004مجموعة مسلحة تقتحم مجمع الواحة السكني في مدينة الخبر ،واحتجاز 45رهينة ،وقتل العشرات من ساكنيه ،قبل أن تتمكن ق��وات األم��ن السعودي من اقتحام املبنى بعد 48 ساعة ،وتحرير الرهائن. في 6يونيو (حزيران) 2004قتل املصور التلفزيوني اآليرلندي سيمون كامبرز وأصيب زميله البريطاني فرانك غاردنر مراسل هيئة اإلذاع��ة البريطانية (ب��ي بي س��ي) لشؤون األم��ن في اعتداء بحي السويدي في العاصمة السعودية الرياض. 6ديسمبر (كانون األول) 2004محاولة اقتحام فاشلة ملبنى القنصلية األميركية في جدة ،انتهت بمقتل 3مسلحني ،وإلقاء القبض على 2آخرين ،وسقوط عدد من القتلى من غير األميركيني. 29ديسمبر 2004عملية متزامنة ،استهدفت األولى مقر وزارة الداخلية في الرياض ،عبر انتحاري فجر سيارة ،وأصيب رجل أمن عند حراسات البوابة الشرقية .والثانية استهداف مقر مركز تدريب قوات الطوارئ الخاصة في الرياض ،عبر انتحاريني حاوال تفجير سيارة بالقرب من املركز ،قبل أن تفجرهما السلطات األمنية قبل دخول السيارة إلى مقر املركز. 18يونيو 2005اغتيل املقدم مبارك السواط من جهاز املباحث العامة في ضاحية الشرائع بمدينة مكة املكرمة على يد 2من اإلرهابيني ،أطلقا عليه نحو 20رصاصة من سالح ناري (محل شك). 24فبراير (شباط) 2006أحبطت السلطات األمنية محاولة فاشلة استهدفت معامل بقيق لتكرير النفط شرق السعودية ،حيث حاول انتحاريون تفجير سيارتني كانوا يستقالنها ،قبل أن تتمكن حراسات املعامل من قتلهم ،كما استشهد رجال أمن. 12مايو 2006تعرضت القنصلية األميركية في جدة إلى إطالق نار من مسلح ،قبل أن تتمكن سلطات األمن من إلقاء القبض عليه ،بعد أن أصابته. كما شهدت مختلف املدن السعودية عشرات املداهمات األمنية واملواجهات مع اإلرهابيني ،نتج عنها مقتل عدد من رجال األمن ،باإلضافة إلى أعداد كبيرة من املسجلني على قائمة اإلرهاب. 27أغسطس (آب) 2009محاولة اغتيال فاشلة لألمير محمد بن نايف مساعد وزي��ر الداخلية السعودية ،حيث نفذها عبد الله طالع العسيري ال��ذي ك��ان يشكل الرقم 85على قائمة املطلوبني أمنيا، واستخدم فيها تقنية الجوال في محاولة االغتيال الفاشلة. أيضا في عام 2009شهد أحد املنافذ الحدودية في منطقة جازان ،مواجهة مع تنظيم القاعدة حينما حاول اثنان من املدرجني على قائمة الـ 85التسلل إلى األراض��ي السعودية متنكرين بزي نسائي قبل أن تجهز عليهما السلطات األمنية. 5نوفمبر (تشرين الثاني) 2012قتل 2من أفراد حرس الحدود في كمني نصب إلحدى الدوريات األمنية بمحافظة شرورة جنوب البالد على الحدود مع اليمن. 3يوليو (تموز) 2014شهد منفذ الوديعة على الحدود السعودية -اليمنية أعماال إرهابية تبناها تنظيم القاعدة ،حيث قام خمسة أشخاص من «القاعدة» بتبادل النار مع رجال حرس الحدود ،فيما هرب 3من تنظيم القاعدة ،وبقي اثنان داخل غرفة ،حيث هب رجال الحدود إلى القبض عليهما ،وفاجأوهما بأحزمة ناسفة وتفجير أنفسهما ،وقد توفي 5من رجال الحدود ،فيما جرى قتل 3أشخاص من تنظيم القاعدة ،وإلقاء القبض على أحدهم.
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
25
قصة الغالف
حيث قدرته على إتاحة الفرصة لهم في إعادة بناء جسد التنظيم وخالياه، وفي سبيل ذلك يمكن مهادنة األنظمة القائمة ،سواء تلك الربيعية ذات املنزع اإلسالموي ،أو حتى حالة الفراغ السياسي في الدول التي لم تستقر على حال.
ربيع «العنف املسلح»
ملف الحرب على اإلرهاب على الطريقة األميركية ساهم في تعزيز التعاطف مع اإلرهابيني الذين كانوا يلقون حتفهم عبر طائرات بال طيار لكنها تحصد معهم العشرات من األبرياء
جورج دبيلو بوش
24
لكن جماعات العنف املسلح ،وه��ي الظاهرة اآلن ،املنافسة للتيار الرئيس (القاعدة) ،التي ظلت تحصد االهتمام وعدسات التركيز ،مما أسهم في إهمال نظيراتها حتى تضخمت اليوم وباتت جماعات مستقلة ورئيسة ذات طابع محلي .نجد هذا في «قاعدة جزيرة العرب» ،ونجده في جماعات العنف في سيناء وفي ليبيا وتونس ومالي وشمال أفريقيا وفي القرن األفريقي ،وبالطبع هذه املجموعات تختلف جذريا عن حالة مقاتلي جبهة النصرة أو مثال عن املجموعات الصغيرة املسلحة في لبنان ،التي تستهدف بناء توازن مسلح يقابل قوة «حزب الله» ،من دون أن تكترث بأكثر من ذلك ،وفي كل منطقة من هذه املناطق تختلف جماعات العنف املسلح عن السياق العام لتنظيم القاعدة، من حيث استهداف املواقع الغربية ،ورفع العداء ألميركا والقيام بعمليات كبيرة ونوعية ذات بعد إعالمي .على العكس تماما ،تنزع جماعات العنف املسلح مثال في سيناء إلى الحفاظ على حدودها االفتراضية للسلطة والسيطرة، بحيث ال تبحث أبعد عن هذا الهدف إال في حالة تقويض مراكزها الجغرافية في سيناء واملنطقة املحيطة بها ،وه��ذا ما يفسر العمليات اإلرهابية اآلن التي تنتقل إلى القاهرة ومحافظات مصر ،في مؤشر إلى نجاح حصار تلك الجماعات في سيناء بعد أن عاشت فترة ازدهار في ظل حكم مرسي بسبب إطالق القيادات وحالة التفاوض السياسي بني الجماعة وبينها. تصورات جماعات العنف املسلح عن ذاتها وأدواره��ا وطريقة أدائها على األرض وحتى طموحاتها على األرض ال يتصل بـ«املتغير السياسي» ،لذلك وضعها في سياق جماعات اإلسالم السياسي باعتبار أنها الخيار األسوأ في حال فشل التغيير السلمي مغالطة كبرى وخطيئة سياسية أفرزت لنا هذه التصورات املغلوطة ،وأسهم في ذلك أن لحظة الحراك الديمقراطي في املنطقة ما قبل «الربيع» ،حيث التبشير بمشروع الشرق األوسط الكبير والتصالح بني الغرب واإلسالم السياسي كانت مبنية على تكريس هذه املغالطة باعتبار أن اإلسالميني الجدد هم البديل املعتدل عن «القاعدة» وأخواتها على طريقة «اإلح�لال الناعم» ،في حني أن مراجعة بسيطة ألدبيات ونشأة وتاريخ هذه الجماعات تؤكد أنها ليست داخلة في العملية السياسية ،بل هي متجاوزة لها وملفهوم الدولة الذي ال تعترف به ،فضال عن أن تخوض معركة االستحواذ على السلطة ،هي جماعات تقويضية ذات منزع عقائدي ال ت��رى في غير السالح أسلوبا للتغيير ،بل سلوك للحياة ،لذلك هم يرون أنهم حتمية وجودية دينية ،على اعتبار أن الجهاد ال ينقطع إلى يوم القيامة. والسؤال :ما الذي يفيد في معرفة هذه الفروق املتشعبة جدا في التعامل مع جماعات العنف املسلح؟! التمييز ب�ين ن�ش��أة وأف�ك��ار وس�ي��اق وأه ��داف ك��ل جماعة ه��و مفتاح رئيس في التعامل معها ،فالجماعات املحلية الصنع ذات البعد الجهوي والقبلي واالق�ت�ص��ادي ،مثل سيناء ،ال يمكن اجتثاثها م��ن دون تجريف ب��ذوره��م االجتماعية ،بينما األعضاء املقاتلون في مجموعات النصرة والقادمون من دول أوروبا ال يمكن إال اعتبارهم طارئني على املشهد وراحلني بانتهائه ،كما أن خطورة الجماعات التي تحولت إلى ما يشبه الدولة كالحالة الصومالية، وتقترب منها مجموعات أبني وشبوة أكثر بكثير من املقاتلني الهواة الذين ينفذون عمليات انتحارية ف��ردي��ة ،أو أولئك األف��راد في املجتمعات الفردية الذين يعبرون عن أزم��ة هوية معزولة بحاجة إلى اندماج أكثر من إرادتهم للتغير العنفي.
(هناك العشرات من السير الذاتية التي كتبها عمالء مزدوجون عملوا في استخبارات غربية وانضموا لتنظيمات إرهابية). إال أن استغالل الحدث اإلرهابي لصالح قضية أو ملف سياسي بات السمة األبرز ملا يمكن تسميته بـ«اإلرهاب املصلحي» ،فالدول املستفيدة من اإلرهاب التي ال تطالها عملياته كثيرة جدا ،حيث تحاول هذه الدول ،كما املعارضات السياسية ،إحراج األنظمة العربية عبر ملف اإلرهاب ،لكنها تجهل في غمرة حماستها للتغيير السياسي أن اإلرهاب اليوم تحول إلى أسلوب حياة ،فهو ليس كإرهاب األمس فكرة شاذة ومتطرفة.
موقف تاريخي موقف امللك عبد الله في كلمته التاريخية األخيرة كان تاريخيا بكل ما تعنيه الكلمة ،فقد قطع الطريق على املزايدة في ثنائية اإلرهاب والسعودية، كما أنه أسس ملواجهة جديدة ال تطال األفكار املجردة وإنما تطبيقاتها على األرض. األكيد أن موقف السعودية من التطرف واإلرهاب قديم مع تأسيس الدولة منذ أحداث جهيمان في الثمانينات وما تالها من بروز اإلسالم السياسي الحقا فتحوله إلى معارضة ذات طابع سياسي مع حرب الخليج ،إلى ما يشبه الدولة داخل الدولة بعد ذلك إلى ضعفه ما بعد سبتمبر وانتقاله من ملفات الداخل إلى الخارج بعد أن أصاب اإلرهاب الداخل السعودي ،وجرى االنفصال بني التيارات املسلحة والتيارات املتطرفة فكريا لتصبح األولى مهاجرة ،والثانية منظرة أو مبررة أو ممولة أو في أسوء األحوال مستغلة تضخم التطرف املسلح كورقة ضغط سياسية لتمرير أجندتها. إال أن القرار التاريخي هذه املرة يتميز عن املواقف السابقة التي وقفت فيها الدولة بصرامة تجاه التطرف بأنه يتخذ طابع التشريع ،وهو أقوى أنواع التأثير ألن��ه ال يتحدث عن األشخاص أو األح��داث أو األعيان وإنما عن األوص��اف واملحددات القانونية.
توقيت حساس تميز القرار بأنه جاء في توقيت مهم جدا تعيش فيه املنطقة مرحلة استحقاقات ما بعد الربيع العربي ،وبالتالي خاضت كثير من التيارات والرموز املحسوبة على تيارات فكرية متطرفة في شؤون خارجية بدعوى النصرة مرة وبحجة الوقوف مع املظلوم عبر بيانات سياسية تحمل صفة «التدخل السيادي ،وهي أفعال مجرمة قانونا ،وأصبح هناك التباس لدى كثير من املراقبني حتى أولئك الذين يعرفون مواقف اململكة السابقة تجاه تصريحات بعض الشخصيات في امللف العراقي والسوري وأخيرا اليمني ،وتأزيم وتثوير هذه امللفات لصالح االنتصار لفصيل سياسي واضح ومحدد« ،وهو اإلخوان» ،حتى لو تعارض ذلك مع كل املكونات االجتماعية غير املسيسة ،وهي الجماهير العريضة من الشعوب املسلمة ،بل وحتى لو استدعى ذلك الهجوم والتحريض ضد التيارات السلفية التي تملك شرعية أكبر على األرض ومرجعية لها امتداد تاريخي عريق.
الطابع التشريعي
ّ ص�ي��غ بطريقة قانونية دق�ي�ق��ة ،فقد ع��ل��ق األح �ك��ام على ال �ق��رار ام�ت��از ب��أن��ه ِ األوصاف ال على األعيان ليستفيد من تخبطات املرحلة التي تعيشها بعض الدول في تحويلها امللفات السياسية إلى ما يشبه الحرب ضد األقليات ،وهو، وإن كان قد اكتسب صفة التعاطف الشعبي ،فإنه على املدى البعيد قد يحول تلك املجموعات املتطرفة في حال لم تناقش في الهواء الطلق وتبدد حججها إلى أقليات وجماعات سرية ،والحقا إلى ما يشبه امليليشيات املتطرفة ذات اإلرهاب املصلحي االمتداد الشبكي ،القرار لم ِّ يسم لكنه وضع سياجا واضحا حول استهداف انتقلت وضعية اإلرهاب اليوم من حالة االنفصال بني املجموعات اإلرهابية األمن واألفكار التحريضية ،وهو ما يقطع الطريق على املزايدين الذين يدركون والعالم إلى حالة االتصال ،التي تبدأ بالتجنيد املباشر والعمالء املزدوجني أن اململكة لم ولن تكون دولة بوليسية على غرار نموذج الدولة «القومية» ،التي
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
إع�لان امللك الجديد ،ال��ذي انتقلت فيه آليات مواجهة اإلره��اب من املواجهة األمنية واملجتمعية إلى تدخل كل مؤسسات الدولة في هذه املعركة الطويلة، على مستوى الهيئات العلمية والدينية وعلى رأسها املفتي ،هناك املزيد من الوضوح وتسمية األشياء بأسمائها ،وك��ان من آخر تلك التحوالت النص على الجماعات اإلرهابية بعينها وبأسمائها ،حتى ال تلتبس القراءة ،بالطبع يتزامن ذلك مع تراجع كبير في تأثير ودور املؤسسات الشرعية ألسباب تتعلق بالبدائل وتطور لغة الخطاب ،إال أن هذا املوقف ضمانة قوية للشرائح والفئات االجتماعية التي يؤثر فيها هذا النوع من الخطاب ،إضافة إلى أن وجود تشريعات وخطابات ملؤسسات الدولة حول اإلرهاب يقطع كل األقاويل واألساطير التي عادة ما تخرج ملحاولة إحراج اململكة في هذا امللف الحساس. األم��ر مختلف اآلن تماما؛ اإلره��اب يسعى للبقاء والتمدد عبر إع��ادة بعث مشروع الدولة ،بعد أن كان أكبر مطامحه الضغط على األنظمة العربية عبر استهداف مصالح الواليات املتحدة الغربية ،لكن أسلوب إدارة الحرب على اإلره��اب ،مع الوقت ،وعبر طيلة هذه السنوات ،استطاع التأثير على مسار العمليات اإلرهابية ليصبح أقل فأقل ،بينما يزداد تجذره في الداخل اإلسالمي والعربي ليصبح ج��زءا من النسيج االجتماعي ،كما هو الحال في العراق وس��وري��ا واليمن ،ويصعد إل��ى س��دة السلطة ،كما في الصومال ،ويتسيد مشهد التأثير السلبي باستهداف استقرار الدولة ،كما هو الحال في مصر وتونس واملغرب وكل بلدان العالم العربي تقريبا.
اإلرهاب الجديد مواطنون سعوديون أمام مبنى دمر جزئيا في أعقاب حادث انفجار سيارة مفخخة في مبنى اإلدارة العامة للمرور بحي الوشم في قلب العاصمة السعودية الرياض وادت الى مقتل وجرح العديد من االشخاص ( 21أبريل )2004
توظيف الواليات املتحدة وبشكل دعائي لكارثة 11سبتمبر بطرق كثيرة تجاوزت األطر الحقوقية والقانونية التي قامت عليها ديمقراطيتها ساهم ف��ي ارت�ف��اع أص��وات النقد حتى م��ن حلفائها ،فانتهاك س�ي��ادة دول كثيرة كباكستان واليمن وأفغانستان والصومال لضرب أهداف متوهمة هو أحد املؤشرات الخطيرة على ذلك التوظيف السلبي مللف مكافحة اإلرهاب ،وهو األمر الذي قوبل بكثير من االستهجان الشعبي الذي بدأ يتضخم ككرة الثلج، ويرى في الحرب على اإلرهاب فائدة كبيرة لإلرهابيني أنفسهم الذين حصدوا ثمار التصعيد العسكري غير املتزن بابتالع حصة أكبر من األنصار الذين أصبح استقطابهم سهال ما دامت املواجهة بالنسبة إليهم تحولت إلى خيار القتيل أو القاتل.
االنحسار االقتصادي تلق بظاللها مواجهة االنحسار االقتصادي التي سبقت أزمنة الثورات لم ِ على الدول الكبرى أو الصغرى ،بل حتى على التنظيمات املتطرفة واإلرهابية، ففي الجانب املالي تأثرت «القاعدة» كثيرا بالحرب االقتصادية عليها حيث أصابت استراتيجيتها املالية تحوالت كثيرة من أب��رزه��ا أنها انتقلت من طريقة الشبكات التمويلية إلى طلب التبرع برسائل عامة محفوفة بمخاطر أمنية ،وهو ما يؤكد الفشل في إيجاد مصادر تمويل غير تقليدية كمشاريع مستقلة ضخمة ذات عوائد مستمرة ،واالعتماد على التبرعات الفردية أو التحويالت الصغيرة نابع من اليقظة التي يعيشها العالم وتحول اإلره��اب إلى ظاهرة عاملية ،حيث أصبح نقل األموال أكثر خطورة وأشد صعوبة ،ال سيما أن هناك قوائم متجددة بالكيانات واألفراد التي تقدم مساعدة مالية للتنظيمات اإلرهابية.
أحجية اإلرهاب القديمة تبدلت ،فالتصورات القديمة عنه تتعرض للتهشم في ظل التحوالت السريعة التي يعيشها اإلره��اب اليوم ،الذي ال يمكن تجاوزه ب ��أدوات األم��س نفسها ،فنحن ن��واج��ه ح��زم��ة واس�ع��ة ال�ت�ن��وع والتعقيد من اإلرهاب؛ فهناك إرهاب الدولة ،إرهاب املنظمات ،إرهاب الفوضى ،كما أننا اليوم نواجه مئات التنظيمات التي تحتاج إلى قراءة مختلفة بسبب االختالف في السياق واألهداف ،ال سيما بعد «تغول» الجانب السياسي في الدافع اإلرهابي ُ اآلن ،فال يمكن قراءة «بوكو حرام» كما تقرأ «داعش» ،أو مجرد ربط «القاعدة» اليوم باملجموعات الجهادية املبكرة في مرحلة أفغانستان ،حني كان كل شيء بدائيا ،وتختلط فيه الدوافع الدينية بالسياسية باالستفادة من املقاتلني في تسخني الحرب الباردة بني املعسكر الشرقي والواليات املتحدة وحلفائها. الحقيقة اليوم مختلفة تماما ،فمقاربة التنظيم الواحد باتت مسألة بحاجة إلى تتبع وقراءة تأملية دقيقة تختلف بحسب مناطق وجوده ،فـ«قاعدة» اليمن تختلف عن «القاعدة» في ليبيا ،كما أن خصوصية املكان تطغى على كثير من التنظيمات األخ��رى ،كما هو الحال في اإلره��اب ال�ح��دودي في سيناء، لكن كل ه��ذه االختالفات والتنوعات تلقي بعبئها األمني واالستراتيجي على املناطق التي تستهدفها ،وعلى حالة االستقرار في العالم ،ال سيما مع تصاعد موجة التجنيد واالستقطاب للكوادر الجديدة التي يفرزها الواقع املحبط بكميات غير مسبوقة. العالم الداخلي لجماعات العنف املسلح ،وعلى رأسها «القاعدة» وأخواتها، متشابك ومعقد وكثيف الظالل ،عكس ما يبدو أنه بسيط ومباشر ،وذلك عبر تصويرهم كأشخاص ناقمني وموتورين يسعون للتغيير عبر استخدام العنف.
التطور الذي عرفته الجماعات اإلرهابية منذ بذرة أفغانستان وصوال إلى حلم الدولة في «داعش» لم يكن ليتطور لوال صعود اإلسالم السياسي الرافد الرئيس لألصولية الحديثة
سذاجة الربيع العربي
هذا التبسيط في فهم هذه الظاهرة أدى إلى كوارث حقيقية ال سيما في مرحلة الربيع العربي الذي سعى منظروه وحاملوه إلى تهميش مكون أساسي في املشهد السياسي العاملي ،وهو «جماعات العنف املسلح» ،التي تختلف عن جماعات اإلس�لام السياسي ،وإن كانت منبثقة عنها في الرؤية والتكوين الفكري والقضايا العامة ،إال أنها تختلف عنها باعتبارها جماعات فوضوية مشروع الدولة اإلرهابية ذات منزع عقائدي وليست جماعة سياسية تهدف إلى السيطرة على مفاصل تفرض التحديات اآلن إعادة تقييم ملرحلة الحرب على اإلرهاب ال سيما بعد املجتمع عبر شعارات دينية .القاعديون ال يكترثون باملتغير السياسي إال من
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
اسامة بن الدن
23
قصة الغالف
التحول الحقيقي ال��ذي أحدثه اإلس�لام السياسي لم يكن إال على مستوى األف��ك��ار ،فلم يدخل الناس اإلس�لام بعد أن كانوا به كافرين ،وال الحماسة الدينية ازدادت عن مرحلتها السابقة ،وإنما جرى اإلمساك بمفاصل املجتمع ومصادر التلقي فيه ،تغيرت خطب الجمعة وظهرت طبقات جديدة فاعلة في املجتمع ،حيث تراجع العالم التقليدي ،وأصبح معزوال ببعض طالبه النخبويني ،وظهرت طبقة الدعاة ،وهي مرتبة دينية مبتدعة بجدتها ،ولم تكن كباقي املناصب الدينية الرسمية وغير الرسمية امتدادا لسياقها التاريخي منذ عهد اإلسالم املبكر ،وتلك قصة في غاية األهمية ،إذا ما علمنا أن الطبقات الجديدة التي ظهرت؛ «الدعاة» ،و«املفكر اإلسالمي» ،و«املجاهد» و«املحتسب».. ساهمت في تصدعات اجتماعية عميقة ،كما أنها اكتسبت الكثير مع الوقت بسبب سهولة االنتساب لهذه الطبقات التي يمكن االنضمام لها دون شروط ومواصفات عالية ،وف��ي النهاية نحن في مرحلة حصاد الرتباك وتداخل عقود ،وبالتالي فال يمكن الشروع في تجاوز املرحلة إال بعد فهمها جيدا، واستنباط الدروس الكثيرة منها لكل األطراف.
الطائفة الشيعية من السعوديني الذين رأوا في طرح امللك عبد الله ملسألة الحوار ليس فقط بني املذاهب ،وإنما األديان نقطة ِّ مشجعة انطالق وسرعان ما انعكس ذلك على الواقع
هجرة اإلرهاب مرحلة املناصحة هذه كانت كفيلة بهجرة «اإلره��اب» من الداخل ،وانتقاله إلى مناطق توتر ودول مجاورة ،وأصبحت «القاعدة في جزيرة العرب» تتخذ من اليمن مسرحا لها ،ولم يكن هذا القرار تنظيميا محضا ،وإنما ساهمت الضربات االستباقية واالستراتيجية الجديدة في الحرب على اإلرهاب ،في ذلك وذلك ،من خالل عدد من املرتكزات األمنية التي لألسف لم تأخذ حظها من الطرح اإلعالمي ،ومن أبرزها :نجاح االستراتجيات األمنية الجديدة ساهم في الحيلولة دون اتخاذ أراضي اململكة مسرحا للتخطيط وجمع التبرعات والتمويل وتنفيذ الجرائم ،حيث بات من الصعب تسلل العناصر اإلرهابية إليها أو إقامتها على أراضيها فرادى أو جماعات أو استقبالها أو إيواؤها أو تدريبها أو تسليحها أو تمويلها أو تقديم أي تسهيالت ل��ه��ا ،كما أن املجموعات املتطرفة وج��دت صعوبة ف��ي العيش ب��أم��ان ف��ي ال��داخ��ل بحكم تبدل استراتيجيات املواجهة من أمنية إلى مواجهة شاملة .من جهة أخرى ساهمت االستراتيجية الشاملة في التعاون والتنسيق بني ال��دول العربية، وخاصة املتجاورة منها ،التي تعاني من الجرائم اإلرهابية بصورة متشابهة أو مشتركة ،إضافة إلى تطوير وتعزيز األنظمة املتصلة بالكشف عن نقل واستيراد وتصدير وتخزين واستخدام األسلحة والذخائر واملتفجرات، وغيرها من وسائل االعتداء والقتل والدمار ،وإجراءات مراقبتها عبر الجمارك والحدود ملنع انتقالها من دولة إلى أخرى.
الحمالت األميركية
جهيمان العتيبي
22
وعلى عكس واقع األحداث على األرض عنها في شاشات التلفزيون ،فإن ملف الحرب على اإلرهاب على الطريقة األميركية ساهم في تعزيز التعاطف مع اإلرهابيني الذين كانوا يلقون حتفهم عبر طائرات بال طيار ،لكنها تحصد معهم العشرات من األبرياء ،وتخلف غضبا على األرض يكون دافعا رئيسا في املزيد من التجنيد واستقطاب كوادر متطرفة .وحتى بعد مجيء أوباما وكلمته الشهيرة في جامعة القاهرة التي حاولت التأسيس لعالقة جديدة مع العالم اإلسالمي ،لم يفلح ذلك كله في تحسني صورة الواليات املتحدة في ظل تراجع عمليات «القاعدة» وانهيار بنائها التنظيمي ،فاآلثار املترتبة على مرحلة الحرب على اإلرهاب والتدخل األميركي في املنطقة ما زالت تلقي بظاللها، ذلك أن اإلدارة األميركية الجديدة لم تستطع الخروج بنجاح من اإلرث الفاشل ل�لإدارة األميركية السابقة سيئة الذكر (عهد ب��وش) ،التي ارتكبت ك��وارث كثيرة ،حيث فشلت في التعامل مع امللفات الحساسة التي تمس العاملني العربي واإلسالمي ،من خالل ارتجالها غير املدروس في مسألة الحرب على اإلرهاب ،بدءا بملف أفغانستان ،ومرورا بالعراق فالصومال ،وهو األمر الذي َّ جيش الشارع العربي واإلسالمي ضد سياساتها الخارجية ،وخلق خطابا مضادا عبر األدوات الخطابية املؤثرة نفسها.
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
ماذا ل و لم تواجه الس ع و د ية ا إل ر ها ب باستر اتيجية شاملة؟
أرقام مفزعة
ربما ال الت سؤال سيكون إنش ائ يا لو ك ان ال ح دي ي ث ي طالت السعودية دون الحديث عن كم عن حجم التهديدات ية مكن إر تسميته «إرث اإلرهاب» ،ليس الفكر املضبوطات ،أو ما ي ثه ا ال مل��ادي ،إذا ما علمنا مضبوطات وزا أو التنظيري ،وإنما خط رة ه رة التي جرى اكتشافها بحوزة الخ الداخلية من املواد ال نا بع يا اإلرهابية. - 1ض األرقام التي تحا ول ا إل جا بة ع ن ه كمية من امل��واد التفجيرية املتنوعة ب ذا السؤال :ماذا لو؟ لغ .002 ا 23.893ألف كيلوغرام ،علما بأن ال ت زنتها ما يقارب ست كم ك خدمت في مجمع املحيا السكني تترا ية التفجيرية التي وح يلوغرام. بني 300إلى 500 431 - 2ق بقطع نبلة يدوية ،منها ما جر ى صن عه م و معدنية لضمان إحداث أكبر قدر م حليا بعد تعبئتها نا منها ما هو مصن إلصابات البشرية، 674 - 3كبس وع في دول أخرى. ولة ناس فة إلشعال املواد امل تف ج رة ال ست في 350تفجيرا. خد امها 301 - 4قذي بعد لتدم فة «آر بي جي» مع دو اف عه ا، ُ وه ي سالح يطلق عن 4 - 5ير أهداف مختلفة. 30أح��زم��ة ن��اس�� ف��ة ج��اه��زة للتفج ير ب �� م ��ا انتحاري. ي �� ك �� ف �� ي ل ���ـ300 1020 - 6ق ومسدس طعة سالح منوعة ب ني ر شا شا ت وبنادق. «كالشنيكوف» 325 - 7أل 30 لنا أن ف و 8طلقات ذ خي رة ح ية أل سل نتخ حة متنوعة. تعاملنا يل حجم الدمار الذ ي ك ان سي ط ال كل شيء ،لو أننا مع اإلرهاب بمعايير مزدوجة وانتقائية.
واإلقصاء والتمييز االجتماعي ألسباب تطهرية دينية وصوال إلى الجانب الفكري التكفيري والنفي ،وهي تشمل دائرة أوسع بكثير من مجرد جماعات اإلرهاب التقليدية؛ «القاعدة» وأخواتها ،وصوال إلى «داعش» اليوم ،فاألحداث اإلرهابية التي جرى الكشف عنها أفرزت فراغا مجتمعيا في التعامل مع اإلرهاب ،فاملجتمع السعودي كل مرة كان يفاجئ بتورط الكوادر العنفية، لكنه ت��أخ��ر كثيرا ف��ي ال �س��ؤال ع��ن لحظة ال�ت�ح��ول وغ�ي��اب دور األس ��رة أو تجاهلها ،بحجة الخوف والقلق على املصلحة الشخصية لالبن. وبإزاء الحلول الكثيرة التي طرحتها التجربة ،فإن التحوالت املستمرة التي يعيشها عالم اإلرهاب اليوم تفرض متابعة حثيثة وتطويرا لالستراتيجيات، فعلى سبيل امل�ث��ال ،الح��ظ الباحثون أن اإلره ��اب فيما يخص «التجنيد» يمر بتحوالت كثيرة ،منها أنه في طور االنتقال من الطريقة الشبكية التي تحدث عنها خبراء اإلرهاب في بداياته إلى التجنيد الفردي حيث ال يجري االلتحاق ملجموعات متطرفة بشكل تنظيمي هيكلي ،ولذلك فإن التعرف عليهم يكون عسيرا في الغالب ،بسبب غياب السمات الشخصية أو العالمات الدالة ،وحرصهم على السرية والتكتم في خطواتهم التي يقدمون عليها، ومن طبيعة ه��ؤالء املجندين الصغار غير املرتبطني هيكليا أن يحرصوا على االنضمام السريع إلى العراق أو اليمن أو سوريا عبر وسطاء في دول مجاورة ،كما تحرص الجماعات املتطرفة على تجنيد هذه النوعية لسهولة التأثير عليها وإقناعها بالقيام بعلميات انتحارية من دون تفكير أو فحص للعواقب.
ال شيء في الخفاء االستراتيجية ال�ج��دي��دة ف��ي مكافحة اإلره ��اب ات�خ��ذت م��ن م�ب��دأ الشفافية والوضوح منهجا لها ،وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير مع حساسية قطاع األمن بما يتجاوز قطاعات أخرى ما زالت تفتقد ذات الصراحة ،فجرى تعيني متحدث رسمي لوزارة الداخلية الذي ال ينتظر للصدفة تفسير األحداث ،وهذا الكم من التكهنات والتخرصات التي عادة ما تعقب أي حادثة إرهابية على مستوى تفسيرها أو توجيه أصابع االتهام إلى هذه الجهة أو تلك بناء على مواقف مسبقة ،بل كان يظهر في الغالب عقب الحادثة بساعات قليلة ،أو تصدر الداخلية بيانا تفصيال يتحدث عن الواقعة سواء كانت عمال إرهابيا أو القبض على أحد املطلوبني أو توضيحا الستهداف مقرات حكومية ،أو حتى ردا على بيانات جماعات اإلره��اب التي تحاول بال ه��وادة استغالل األحداث وإثارة الرأي العام عبر بيانات وأدواتها اإلعالمية املتقدمة.
التطرف الفكري ُ واستحدثت في وزارة الداخلية برامج كثيرة ملواجهة التطرف الفكري ،كان من أبرزها برنامج اإلرشاد من قبل لجنة استشارية يرأسها وزير الداخلية شخصيا ،ولها ع��دا مركزها الرئيس ب��ال��ري��اض سبعة ف��روع تشمل أهم مناطق اململكة ،هدف هذه اللجنة هو محاولة فهم أعمق لألفكار املسيطرة على الشخصية اإلره��اب�ي��ة وح��واره��ا ،وتشمل أرب��ع ل�ج��ان؛ اللجنة الدينية الفرعية ،واللجنة النفسية واالجتماعية الفرعية ،واللجنة األمنية الفرعية، واللجنة اإلعالمية الفرعية. اللجنة الدينية تتألف من 150من املتخصصني في الشريعة والدعاة املعتدلني يقومون بالحوار املباشر مع السجني في ظروف مالئمة ،ورغم نجاح هذه الطريقة وفعاليتها ،فإنها بحاجة إلى تطوير أوسع لالنتقال بها من نقاش األف�ك��ار املباشر إل��ى فهم «العقل اإلره��اب��ي» م��ن ال��داخ��ل ،ال��ذي يحتاج إلى دراسات بحثية تقدم خالصاتها إلى هذه اللجان التي تتفاجأ أحيانا بالثقافة الشرعية للسجني ،فقد ال تعطي النتائج نفسها التي يعطيها الحوار مع شاب صغير ُم َّ غرر به. اللجنة النفسية واالجتماعية يقوم عليها 50شخصية من املتخصصني في علم النفس التحليلي والعالجي والباحثني االجتماعيني ومقيمني للحالة والسلوك ،ويساهمون في كتابة تقرير عن الحالة ،وربما كان تأثير مثل هذه
اللجنة على أهميته أقل من اللجنة الدينية ،إذا ما أخذنا في االعتبار أن جذر األزمة في العقل اإلرهابي يعود إلى القناعات أكثر من كونه سلوكا نفسيا مضطربا ،وه��و ما يحيل إل��ى ض��رورة مراجعة مفاهيم اإلره��اب وأنواعه الجديدة واملتغيرة .كما أن إض��اف��ة خ�ب��راء ف��ي العلوم السياسية إل��ى هذه اللجان ُي ّ عد أمرا ّ ملحا بعد دخول «لعبة االستخبارات» اليوم على املجموعات اإلره��اب�ي��ة ف��ي مناطق التوتر .إض��اف��ة إل��ى ض��رورة تعميم تجربة الخبراء لتشمل دوال ومناطق أخرى جديدة منتجة للتطرف ،ومنه «اإلرهاب األشقر» املتصاعد ،الذي سيكون املوجة املقبلة ،كما يتوقع كثير من املحللني ،حيث الخاليا النائمة في ال��دول األوروبية ،ال سيما بريطانيا وفرنسا ،بدأت في التزايد ،وهو ما يعني قراءة جديدة ومختلفة لفهم الدوافع .هناك لجان أخرى إعالمية وإرشادية تعمل على تقديم الخدمات التعليمية والتربوية للسجناء، وهي تؤدي عملها بشكل جيد إجماال ،إال أن من املهم هو عدم الوقوع في فخ البيروقراطية ،وتحول عملية املناصحة إلى مجرد وظيفة ،بدال من مبادرة مجتمعية قائمة على محاولة اإلنقاذ وليس مجرد أداء عمل روتيني.
أصداء املناصحة وعلى طريقة «الحق ما شهدت به األعداء» ،فإن صدى برامج املناصحة لوزارة الداخلية قد ّ عم أرجاء العالم ،باعتباره تجربة مثيرة ونموذجا قابال للتكرار، كتبت الكثير من الرسائل الجامعية واملقاالت والبحوث امليدانية عن التجربة، وقدم صحافيون غربيون بارزون لالطالع على التجربة ،والتأكد من أنها ليست حملة عالقات عامة هدفها الدعاية لعمل الوزارة. إال أن األثر األكبر كان في استغالل نتائج املناصحة إعالميا ،وإن بشكل لم يصل إلى حدود املأمول ،إال أن االعترافات التي جرى بثها ألفراد عادوا عن قناعتهم وتحدثوا عن تجربتهم بشكل تفصيلي ،كانت وما زالت واحدة من أهم املواد اإلعالمية التي وضعت مفاتيح لفهم طريقة تفكير العقل اإلرهابي، وآليات التجنيد والتمويل.
ُ استحدثت في وزارة الداخلية برامج كثيرة ملواجهة التطرف الفكري ،كان من أبرزها برنامج اإلرشاد من قبل لجنة استشارية يرأسها وزير الداخلية شخصيا
صمت العلماء وإذا كان في إشارات امللك في كلمته التاريخية نقد الذع للمرجعيات الدينية السنية بأنواعها املختلفة ،فهو وصف بعضها بالكسل ،وآخرين بالصمت، في إشارة إلى تقاعس املؤسسات الدينية التقليدية ،وإلى صمت الحركات والرموز والجماعات اإلسالمية املعتدلة بحجج واهية ،إال أنه يمكن القول إن ّ هذا الكسل والصمت تفسره تحوالت وتبدالت عميقة في واقع اإلسالم السني اليوم الذي يعاني من أزمة غياب املرجعيات الدينية الفاعلة واملؤثرة ،وعودة كثير من الخطابات اإلسالموية ذات الطابع املدني إلى مربع «تبرير العنف»، مع التحفظ على إدانة فاعليه .العالم اإلسالم اليوم ال يبشر بخير في ظل هذا االستقطاب السياسي ،الذي تعيشه املنطقة ،وفي ظل حال «الفشل» باتجاه أي تغييرات حقيقية في القضايا الكبرى العالقة التي باتت تستنزف الكثير من الجهد الذي كان يمكن أن ُي َّ جير لحساب التنمية والتطوير واالستثمار في اإلنسان العربي واملسلم.
تحالفات مشبوهة التطور ال��ذي عرفته الجماعات اإلره��اب�ي��ة منذ ب��ذرة أفغانستان وص��وال إل��ى حلم ال��دول��ة ف��ي «داع��ش»، ل��م يكن ليتطور ل��وال ص�ع��ود اإلس�ل�ام السياسي ال��راف��د ال��رئ�ي��س ل�لأص��ول�ي��ة ال�ح��دي�ث��ة ال�ت��ي تعتبر الجماعات اإلرهابية التعبير املسلح عن الفكرة املتطرفة ،لذلك كانت معالجة التعبيرات العنفية بمعزل عن مكونها السياسي والتنظيري واحدة من إشكاليات الحرب على اإلرهاب ،وليس على التطرف ككل.
وزير الداخلية السعودي األمير محمد بن نايف
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
21
قصة الغالف
خيارات الحلول األمنية متى ما تعذر الوصول إلى حلول لجان املناصحة التي رغم حداثة التجربة والنقص واألخطاء التي ترافق أي مشروع من هذا النوع تحولت إلى أنموذج فريد تتسابق مراكز األبحاث لدراسته عن كثب.
مئات العائدين
حرب الخليج أسهمت في انفصال وانشطار الذات بني اإلسالم السياسي و«القاعدة» سببه اختالف الوسائل مع اتحاد الغايات إلى أن جاءت لحظة 11 سبتمبر
وف��ي التفاصيل ،يمكن القول إن ثمة املئات ممن دخلوا مراكز املناصحة خرجوا إلى الحياة العادية بعد أن ُولدوا من جديدُ ،ومنحوا فرصة استئناف حياة مختلفة بعد أن عانوا من التطرف طويال ،وربما لو كان قدرهم الوقوع رهن االعتقال في مكان آخر من مناطق التوتر ،أو حتى غوانتانامو ،لكان مصيرهم أسوأ بكثير. األرقام التي ال تكذب عادة تقول ،وهي منشورة ومتاحة (مكتبة جامعة األمير نايف للعلوم األمنية مصدر ثري جدا للمعلومات الخام حول ملف العنف مضن .إن أقل من %4 السعودي) ليست سرا وال تحتاج إلى تنقيب أو بحث ٍ من إجمالي الذين دخلوا برامج املناصحة ،وهم باملئات ،ع��ادوا إلى تجربة التطرف مجددا ،وهناك من منح الفرصة أكثر من مرة ،كما أن حجم اإلنفاق على املستفيدين من برامج الوزارة أكثر من 49مليون ريال للمعتقلني ،املطلق سراحهم 77مليون ري��ال ،العائدين من غوانتانامو 10ماليني ري��ال ،الفئة الضالة 35مليون ريال ،رواتب خاصة للمستفيدين 222مليون ريال ،وهو ما آمن به الوزير الشاب محمد بن نايف كجزء من االستثمار في اإلنسان السعودي ،وعدم النظرة ملن وقع في براثن التطرف بمعيار واحد.
نموذج عمل أربعة أعوام كانت كفيلة بأن يتحول برامج إعادة التأهيل واملناصحة إلى ما يسمى نموذج عمل Business modelفي دول كثيرة كاليمن وإندونيسيا وماليزيا وحتى األردن وال�ج��زائ��ر وص��وال إل��ى ت�ج��ارب غربية ك��ان أبرزها التجربة البريطانية وبعض تجارب الجيش األميركي في سجون العراق. ما يجهله الكثيرون في برامج املناصحة أنها قامت بالتوازي مع حمالت تغيير الرأي العام قادتها الصحافة الورقية التقليدية التي واجهت اإلرهاب بملفات وتحقيقات لم تصل إلى الحد املأمول ،لكنها في النهاية قامت بأدوار إيجابية جدا في سبيل تعزيز الشرعية وتفكيك خطابات التسييس مللف اإلرهاب أو محاوالت إسقاط املوقف النقدي من السلفية على ملف اإلرهاب بشكل انتقائي ومؤدلج ،في حني أن التيار العريض للسلفية الرسمية ساهم في تعزيز تلك الشرعية عبر مواجهة اإلرهاب بلغة دينية ربما لم تجد تأثيرها في الشارع إال أنها سجلت مواقف مضادة يمكن االتكاء عليها مع جمهور هذه املؤسسات الدينية الرسمية من عموم املكونات االجتماعية الالمنتمية. املنحنى السعودي ما بعد موجهة إره��اب األلفية خ��رج من ح��رب األح��داث اإلرهابية بطابعها الجنائي إلى اعتبارها حرب أفكار ،وحينها أطلق خادم الحرمني الشريفني كلمته الشهيرة بأن الحرب على اإلرهاب ستدوم طويال.
إعادة التأهيل في البداية ،كانت الفكرة غريبة بعض الشيء إذا ما أخذنا في االعتبار طبيعة وفظاعة األعمال اإلرهابية ،وانتشار الخاليا النائمة من الشبان الذين تدربوا في مناطق التوتر على مدى 3عقود كانت كفيلة بإخراج أجيال من املنخرطني في أفكار التكفير والعنف املسلح ،فمثل هذه الحالة عادة ما تكون القبضة األمنية الحل الوحيد ،رأينا ذلك في مواجهة جماعات الجهاد املصرية منذ عهد عبد الناصر وما بعد اغتيال السادات ..إلخ ،إال أن االستراتيجية السعودية الجديدة في مكافحة اإلره��اب حملت أفكارا شابة وطموحة من قبل وزير الداخلية األمير محمد بن نايف ،الذي كان عراب الحرب على اإلرهاب في طوره الجديد إلى الحد الذي ظل وما زال هدفا للجماعات اإلرهابية. إع��ادة التأهيل ك��ان��ت أق��رب إل��ى برنامج ش��ام��ل منها إل��ى ج��رع��ات نصائح املشايخ التقليديني ،ال�ت��ي ك��ان��ت تحظى ف��ي السابق بسخرية واستهجان
20
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
سجناء اإلرهاب ألسباب تعود إلى عدم إيمانهم بشرعية املؤسسة الدينية ولطبيعة خطاب النصيحة ،إال أن دورات الحوارات الدينية املطولة ومناقشة شبه التكفير وواق��ع مناطق التوتر واستهدافها للشباب السعودي بشكل خ��اص ،شكل نقلة جديدة في مواجهة التطرف داخ��ل السجون ،وانضاف إلى تلك الحوارات الشخصية حزمة من علماء النفس واالجتماع والبيانات الرقمية واإلحصاء ..إلخ. االستراتيجية الجديدة ميزت وبشكل كبير بني من وقعوا في جرائم جنائية من القتل والتفجير والتعذيب ،والنشطاء في الخاليا اإلرهابية ممن لم يباشروا العمليات أو قبض عليهم قبل أن يمسوا دما ،فكان التركيز على هؤالء على طريقة العصا والجزرة؛ فمن يحرز تقدما في برامج إعادة التأهيل سيكون من السهل اإلفراج عنه متى ما استكمل الشروط ،باإلضافة إلى االمتيازات األخ��رى داخل السجن على مستوى الرعاية الصحية شكلت عالمة فارقة لدى املعتقلني وذويهم. سياسة الجزرة لعبت دورا كبيرا في تغيير الصورة النمطية عن سجون الداخلية ،وتلك قصة أخرى حيث الذاكرة والوجدان العربي مليء بقصص التعذيب في سجون عبد الناصر التي ساهمت آلة «اإلخوان» في التفنن في توثيقها والكتابة عنها ،كجزء من منتجات وكتب مرحلة الصدام تلك ،التي كونت انطباعات مرعبة تجاه املعتقالت ع��ززه��ا األداء الوحشي لسجون البعث في العراق وسوريا ،وحتى في مناطق التوتر ،وهو ما ألقى بظالله على استقطاب املزيد من الكوادر اإلرهابية عبر أدوات الدعاية الحزبية من خالل تعرية خطاب السلطة آنذاك. في السعودية ،كان الوضع مختلفا حيث سعت االستراتيجية الجديدة إلى تقديم الدولة وجهازها األمني كناصح أمني ال يسعى إلى االنتقام ،وكان هذا التأكيد واضحا من خالل مفردات برامج املناصحة ،التي أتت أكلها مع الشبان املغرر بهم .وإذا كانت هذه االستراتيجية قد وضعت باألساس ملن جرى اعتقاله في قضايا إرهابية ،إال أنها تشمل حتى أولئك الفارين من العدالة، حيث وضعت قوائم املطلوبني ،مع فرص مرتبطة بإطار زمني للعودة دون شرط أو قيد ،واستهدفت باألساس إلى التمييز بني الكوادر اإلرهابية القيادية واملنظرة واملنغمسة في بحر من ال��دم ،والشباب املتحمس ال��ذي اختطفت قناعاته ،وهناك أمل أن يتغير في حال ما أتته الفرصة. عملية الحشد االجتماعي ملواجهة التطرف لم تقف عن التوعية ،بل طالبت من عموم املواطنني التعاون مع وزارة الداخلية لإلدالء بمعلومات عن الشخصيات املطلوبة أمنيا ،وهو ما يعني املشاركة املجتمعية في مكافحة اإلرهاب ،فقامت وزارة الداخلية عن صور املطلوبني وأعلنت أسماءهم وطلبت التعرف عليهم واإلب�لاغ عنهم ،حيث رص��دت مكافآت مالية ملن يبلغ أو يرشد عن أي من املطلوبني أو غيرهم من العناصر والخاليا اإلرهابية ،على سبيل املثال وضعت الوزارة مكافأة مالية ،قوامها سبعة ماليني ريال لكل من يسهم في إحباط عمل إرهابي. من جهة أخرى ،جرى استهداف األسرة التي يتورط أحد أبنائها في العمليات اإلرهابية ،بالحوار معها وتفهم احتياجاتها وتزويدها باألخبار أوال بأول ،بل ونقلها على حساب الوزارة لزيارة ابنها املعتقل ،وهي استراتيجيات كانت مفاجئة وصادمة في بدايتها ،إال أن نتائجها ساهمت في فصل الشخص اإلرهابي وعزله عن محيطه الخاص ليس من أجل أن ال يجري التأثير عليه، وإنما طلبا في حصاره ومنحه الفرصة للعودة ،وشاهدنا على شاشات التلفزيون عشرات األسر التي كانت تقدم إلى مجلس امللك متبرئة من فعل ابنها ،وت�ج��اوز ذل��ك إل��ى ح�ض��ور وف��ود قبلية ف��ي إش��ارة الم�ع��ة إل��ى نجاح محاصرة «اإلرهاب» في شخص فاعله فحسب.
مناعة اجتماعية الحملة الواسعة التي قادتها الداخلية تجاه اإلرهاب ،تابعها املجتمع السعودي لحظة بلحظة ،لذلك كان من املهم التأكيد على ضرورة تغذية املناعة االجتماعية تجاه أفكار اإلرهاب العنفية ،ليس في استهداف التفجير والعمليات االنتحارية وتجريمها ،بل أيضا إيجاد مناعة ضد التطرف بكل أشكاله بدءا من العزلة
سياسي» ،كما أن��ه عامل استقطاب لكوادر جديدة محملة ع��ادة بالتمويل والدعم واملساندة أحيانا لألسف من األهل عن جهل وخوف من التواصل م��ع السلطات ،وع��ادة ي�ج��ري ات�خ��اذ ق��رار التبليغ بعد انقطاع ال�ت��واص��ل أو القتل ،وهناك أحاديث كثيرة لسعوديني تورطوا في العنف تشهد بأن عملية االستهداف مقصودة.
قلب العالم اإلسالمي من الطبيعي جدا أن يكون حجم التأثير السعودي كبيرا في التأثير على اإلرهاب أو االستهداف منه ،فهناك عوامل تاريخية وجغرافية وسوسيولوجية واقتصادية متداخلة ج��دا جعلت من السعودية مرمى اإلره��اب استقطابا وتمويال وتجنيدا واستهدافا ،فاملقاتلون األوائل في املرحلة األفغانية لم يكونوا يشكلون العدد األك�ب��ر ،لكن ج��رى تمييزهم الحقا في مضافات بيشاور وحتى معسكرات التدريب ،وأهمها الفاروق ،إلعطاء هذا البعد الخاص للمكون السعودي ،حيث كانت املجموعات تنتقل على طريقة الشبكات محاطة بكثير من الدعم املجتمعي من قبل مجتمع محافظ لم يكن يرى في «الحالة األفغانية» أبعد من نصرة للمسلمني تجاه دولة شيوعية. األط��راف املستفيدة كانت ترى في السعوديني وق��ود معارك حقيقية ،فقد نقلوا لهم واقعا مختلفا وجديدا بحكم ارتباط املجموعات الجهادية املقبلة من السعودية في مرحلة الجهاد األفغاني بحراك مجتمعي وشرعي وتمويلي، تأت متأخرة والوعي السعودية بخطورة األزمة كان لكن لحظة االنفصال لم ِ مبكرا ،وهو جزء من تاريخ مركب ومتداخل لم ُي ّدون حتى اآلن ،فهناك العديد من رموز الصحوة واملشايخ والدعاة الذين ذهبوا بعد مرحلة «مطبخ بيشاور» وبدايات استقالل القاعدة ،ليفاجأوا بتحوالت كبيرة في مخيمات ومعسكرات املجاهدين القادمني من الخليج واليمن تتصل بتفشي ظاهرة التكفير ،وبدايات طرح قضايا تكفير الدول ،وتأكيدا على ذلك ،فإن املناخ األصولي العام في املنطقة ،وه��و مناخ «ال�ق��اع��دة» واإلره ��اب ،يشكل ج��زءا ضئيال منه ،وك��ان مستعدا للحظة االنفصال عن املجتمع وال��دول��ة ،وم��ن هنا ب��دأت أطروحات التكفير للدولة ثم العلماء فاألجهزة األمنية فالعلماء ،وبدأت الرسائل تتوالى، وأشهرها «الكواشف الجلية» ،و«تحريم املدارس الحكومية» ،و«قتل العسكر»، وكلها مؤلفات طرحت أسماء جديدة شكلت الحقا مرجعيات شرعية بديلة، وأبزرها مرحلة أبي محمد املقدسي املهمة جدا ،التي استطاع فيها ليس فقط إنتاج خطاب عنفي ُم َّ ؤسس على السلفية ،بل تحويل تراث أئمة الدعوة النجدية إلى رصاصات غادرة ترتد إلى الجسد السعودي عبر تنزيل حالة وفتاوى ضد الدولة العثمانية ،التي كانت تشكل سياقا خاصا أقرب للسياسي منه من الديني على واقع الدولة القطرية ،بل وقلب العالم اإلسالمي السعودية. وكان الفتا أن ال تجد طوال تاريخ العنف عبر عقود أي مؤلفات تتناول تكفير أنظمة عربية أو إسالمية أخ��رى ،ألنها كانت في حكم املفروغ منه ،بل وال تختص به «القاعدة» وأخواتها ،وإنما كان موقف اإلسالم السياسي برمته، إال أن األمر حني يتصل بالسعودية ،فهناك العشرات من املؤلفات الخاصة التي تجيب على شباب جزيرة العرب كما تحاول القاعدة اللعب على رمزية األسماء.
عالقات حرجة التيارات الدينية التقليدية بتنوعاتها املختلفة تأخرت جدا في حسم موقفها إلى لحظة ١١سبتمبر بينما كان موقف الدولة مبكرا بعقد ونصف العقد، مع بدايات العائدين من أفغانستان ،ثم انفجار األوضاع داخليا على مستوى األفكار مع حرب الخليج األولى التي كشفت عن انهيار التحالف الرمزي بني القوى الدينية املختلفة ،هذه القوى التي جرى استخدامها مرارا وفي أكثر من موقع ملحاربة اإلرهاب ،لكن دون جدوى أو تأثير بالغ ،ألنها تخاطب جماهيرها العريضة في التفاصيل وامل��واق��ف واألح��داث وتتناسى التأصيل الشرعي لقضايا الجهاد والقتال ،التي ال يختلف حجاجها الديني إال في الدرجة وليس النوع ،ومن هنا يبدو الجدل والنقاش والحوار تحت سقف منخفض جدا.
الجدل الديني املشتعل على خلفية اإلره��اب كان منخفض السقوف يطرح السؤال والجواب بطريقة ملتبسة وغامضة فـ«القتال مشروع» ،لكن بإذن ولي األمر ،هذا أقصى ما يمكن قوله آنذاك ،بينما من السهولة جدا أن يقول الطرف اآلخر إن اإلذن غير مطلوب ،أو حتى يعترض على مفهوم ولي األمر، ليصبح الجدل ترفا فقهيا ال أكثر. َ وال يمكن القول إن «قضايا» الجهاد واإلمامة لم تحظ بمراجعات نقدية في تاريخ اإلسالم السني ،فهذا غير صحيح أبدا ملن يقرأ تاريخ املدارس السنية الكبرى ومدوناتها الفقهية ،بل األدق أن اإلس�لام السياسي كما جماعات التطرف املسلح لم يكونوا ليعترفوا بالدولة القطرية ،وبيعتهم هي ألم��راء الحرب أو للمرشد ،أو بانتظار املخلص القادم. وبالتالي فإن من السهل جدا أن يجدوا في التأصيل الفقهي مخارج شرعية يجري االستشهاد بها بالنصوص نفسها التي يستدل بها «املعتدلون» ،ألن الجميع لم يقم بمراجعة فاحصة للتوصيف الشرعي لواقع جديد ومختلف عن أدبيات وكالسيكيات مسائل الجهاد والخالفة ودار الحرب.
نقطة تحول موجة الهجمات اإلره��اب�ي��ة املستهدفة للداخل ال�س�ع��ودي ف��ي 2003كانت نقطة تحول أساسية ،حيث طرحت الكثير من األسئلة حول جدوى االكتفاء بالحلول األمنية ،وما إذا كانت «القاعدة» ،التي تستهدف العمق السعودي، لها امتداداتها وخالياها النائمة في الداخل الذين كان يعيشون مرحلة ترقب لردة فعل الجهات األمنية ،التي بدورها انتقلت من استراتيجيات ردة الفعل إلى الضربات االستباقية. في هذا السياق يمكن الحديث عن ثالثة نماذج سعودية بامتياز في ملف الحرب على اإلرهاب وجدت أصداءها في املحيط اإلقليمي والدولي ،بسبب تجاوزها للمفهوم األمني في التعامل مع اإلره��اب إلى استراتيجية الوقاية وإعادة التأهيل ومكافحة التطرف في شكله الفكري. ه��ذه امل��واج�ه��ة ال��دام�ي��ة أس�ف��رت ع��ن والدة منتج س�ع��ودي خ��اص وف��ري��د في التعامل مع اإلرهاب ،كان محل استغراب في بداية تدشينه وإعالنه ،فلم يكن أحد ليتصور أن استراتيجية «القوة الناعمة» التي دشنها األمير محمد بن نايف ،عبر رفع شعار املواجهة ُالفكرية القائمة على مبدأ املناصحة واإلقناع ُ للمتطرفني واملغرر بهم ستؤتي أكلها ،كما أنها ،وفي الوقت ذاته ،تتيح بقاء
القوات الخاصة السعودية
انتقلت وضعية اإلرهاب اليوم من حالة االنفصال بني املجموعات اإلرهابية والعالم إلى حالة االتصال التي تبدأ بالتجنيد املباشر والعمالء املزدوجني
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
19
قصة الغالف
ّ العزيز (رحمه الله) ،الذي جنب به املنطقة كارثة كانت محدقة. في الطور الثاني من الطريق الطويل في املواجهة مع التطرف ،جاءت موجة «القاعدة» لتدشن عصرا جديدا من املواجهات ،منذ تفجيرات الرياض .1994 التي كانت (بال شك) انعطافة خطرة في املعركة مع اإلرهاب ،حيث حضر هذه املرة ،اسما ومعنى وحقيقة ،وكان من املهم حينها أن تخرج الدولة من التعامل مع األزمات ،عبر ردات الفعل ،إلى استراتيجية مبنية على قراءة دقيقة للحالة.
مسؤولية جزئية م��ن ال��ص��ع��ب تحميل «اإلس��ل�ام ال��س��ي��اس��ي» وال��ص��ح��وة ب��رم��وزه��ا وق��ادت��ه��ا مسؤولية قانونية على ذهاب شخص بعينه إلى القتال ألن «القانون» الذي ال َّ واملغرر بهم ،يحمي املنظرين واملبررين الذين يعرفون قواعد يحمي املغفلني اللعبة ،فينتجون خطابني؛ األول لالستهالك اإلعالمي ،والثاني يعرفه األتباع والخواص ،وهذا أمر واضح في بيانات وخطابات رموز املرحلة بعد انفصال حرب الخليج ،لكن املسؤولية الشرعية والدينية واألخالقية تطالهم في التبرير لقاعدة «التكفير والتفجير والتنظير» ،ومحاولة تصوير أنهم مجرد ضحايا لألنظمة السياسية واملجتمع الدولي ،في حني أن «القاعدة» هي انشقاق صغير في جسد اإلسالم السياسي والصحوة ،بسبب استعجال النتائج واملالحقة األمنية وتشكل ظاهرة «املقاتلني العابرين للحدود» ،لكنها تدين في تراثها وأفكارها وتصوراتها العامة للذات واآلخر واملجتمع ملرحلة التأسيس لإلسالم السياسي والصحوة الدينية التي شملت املنطقة برياح التغيير. خادم الحرمني امللك عبد الله بن عبد العزيز يجتمع بالرئيس الفلسطيني محمود عباس
منذ الثمانينات وبدايات تشكل ظاهرة «املقاتلني» العابرين للحدود بعد انتهاء تجربة أفغانستان وتشكل فكر «القاعدة» أظهرت تحوالت جذرية في عالقة اإلسالم السياسي ومن ورائه «الصحوة»
فاملفجرون ،وهم غالبا شباب في بحر ال��ـ ،20لم يخوضوا تجربة اإلسالم مواقف ملتبسة
السياسي ،لكنهم تأثروا بخطابه واملناخ العام املضاد ملفهوم الدولة ،ووضع «املنظرين» ،وهم قيادات القاعدة الشرعية ،وفي مجملها هي مرتدة من تجربة الصحوة واإلس�لام السياسي ،بدءا من أبو مصعب السوري ،وم��رورا بأبو محمد املقدسي ،وصوال إلى أبو قتادة وأبو بصير والقيادات املتأخرة التي شنت على رموز الصحوة الحرب بسبب مواقفها البراغماتية واملصلحية من املواجهة مع األنظمة ،إال أن الرؤية التكاملية خففت من تلك الحرب الشعواء، بوصف أن اإلسالم السياسي باع املجاهدين بثمن بخس وهو «السلطة».
االنفصال بني اإلرهاب واألصولية ما حدث بالضبط أن حرب الخليج أسهمت في انفصال وانشطار الذات بني اإلس�لام السياسي و«القاعدة» ،سببه اختالف الوسائل مع اتحاد الغايات، إلى أن جاءت لحظة 11سبتمبر وقررت «القاعدة» املواجهة العاملية والتحول إلى ظاهرة عابرة للقارات ،فانفصل عنها اإلس�لام السياسي حفاظا على مواقعه االجتماعية ومكتسباته على األرض ونفوذه في الكثير من املؤسسات واملواقع ،لكنه أمسك بخيط «التبرير» مع كل حادثة إرهابية لتذكير األنظمة السياسية بأنها تحصد خطيئتها السياسية بعدم إشراك اإلسالم السياسي وتقديم نفسها بديال لإلسالم املعتدل ،اعتمادا على قاعدة جماهيرية وضمور وضعف أصحاب التيار السلفي التقليدي في مواجهة «القاعدة» ألسباب يجر تتصل بملفات عقائدية وفقهية ما زالت عالقة بني األطراف جميعها لم ِ حسمها على مستوى النظرية على األق��ل حتى اآلن ،وه��ذا جزء من ترهل اإلسالم السني املعاصر بسبب غياب املرجعية الدينية عن التأثير ،واختالفها فيما بينها ،واختراقها وتسييسها.
مواجهات مبكرة
رد فعل رموز اإلسالم السياسي واألصولية الدينية املعاصرة ما زال يتجه نحو اإلن��ك��ار والبحث ع��ن تصريحات قديمة لحظة االن��ف��ص��ال الكبير بني الجهاديني والصحويني والتقليديني ،بل ويتجه نحو التصعيد واملحاكمة وطلب االعتذار ،في حني أن األولى بهم التفكير في مآالت الشباب؛ ملاذا نقرأ بيانات وفتاوى وتغريدات تخص قضايا شخصية جدا فقط ألنها في سياق مناكفة األنظمة السياسية والحكومات ،بينما وصلت الحالة الدينية إلى هذا الكم من الفوضى في الفتاوى واملواقف واألح��زاب والحرب الجديدة بني املجموعات املسلحة من دون أي مواقف حقيقية وصريحة لنقد أخطاء املرحلة السابقة، يمكن أن تقرأ عشرات البيانات في قضايا عابرة للحدود تخص دوال وأقاليم مستقلة ال ناقة ل�لإس�لام السياسي فيها وال جمل ،وال تقرأ بيانا واح��دا حقيقيا يدين العنف ويسمي األشياء بأسمائها ،وهو ما يؤكد أن املواقف التي تتخذ طابع النصائح والبيانات املنددة هي مواقف سياسية باألساس وليست مواقف ذات تأصيل شرعي أو طابع أخالقي ال يفرق بني تطرف وآخر.
اإلرهاب ملة واحدة ال فرق في اإلرهاب الحديث بني اإلرهاب السني أو الشيعي أو البوذي أو حتى إرهاب الفوضى ،الذي ال عالقة له بدين أو مذهب ،فاإلرهاب شر محض وباطل كله ،ويجب أن ُي َ واجه بالقوة نفسها من أي مصدر كان ،لكن اإلشكالية اليوم أن اإلرهاب املتصل بدول واستخبارات عادة ما يكون منقادا إلى أجنداتها، اليوم نحن نشهد حالة سنية فريدة ،فرغم استقاللية «القاعدة» طيلة الفترة املاضية منذ نشأتها ،فإنها كانت خاضعة للمزاج العام ،إال أن إرهاب اليوم هو خيار مستقل شرعيا وتجنيدا وتمويال ،وحتى على مستوى التحالف.
قصة التطرف واألصولية والحقا اإلرهاب بدأت مبكرا مع السعودية ويمكن سعودة العنف
إرجاع بذورها التاريخية إلى اللحظة الحاسمة التي اصطدم فيها امللك املؤسس مع مجموعات راديكالية عقائديا ،وصوال إلى لحظة «جهيمان» ،وهي مرحلة فاصلة انتقل فيها التشدد الديني من املعارضة إلى استهداف بنية الدولة، والحقا لحظة حرب الخليج الفاصلة ،التي كانت السعودية فيها على مفترق طرق ،إلى أن جاء القرار الحكيم من العاهل السعودي آنذاك امللك فهد بن عبد 18
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
في كل حادثة إرهابية تحدث في أرج��اء املعمورة هناك تركيز كبير على «العناصر» السعودية في كل مناطق التوتر ،وهذا راجع إلى جملة من األسباب تتصل بطبيعة تحول «السعودي» املقاتل إلى قيمة إضافية خ��ارج قدراته الذاتية ،فهو عامل دعائي مهم ومزدوج من حيث استخدامه «كارت ضغط
مطلبا ،بل يزيد املشكالت تعقيدا ،ويحقق مآرب األعداء الطامعني» .ويضيف في لغة تسمي األشياء بأسمائها« :لقد بليت مجتمعات األمة في هذا العصر بجماعات وت�ي��ارات متطرفة تمارس اإلره��اب والعنف تحت عناوين دينية وسياسية ،والدين بريء من اإلرهاب ،والعنف السياسي يدمر األوطان». كلمات مثل هذه ال يمكن عزوها إلى الخوف أو التزلف بقدر ما هي استجابة لتحوالت حقيقية في قراءة املشهد من الداخل ،واستهداف الخارج للبلد الذي يشترك الجميع في االنتماء إليه.
تزوير التاريخ بالعودة إلى استراتيجية السعودية الجديدة تجاه اإلرهاب ،ال يمكن القفز على املنحنيات الوعرة تاريخيا ،التي كلما ترسخت مواقف اململكة تجاه العنف، يحاول البعض إعادة الحديث عن مرحلة أفغانستان ،وما يقال عادة عن خلق الوحش اإلرهابي قبل أن يتعملق ،وتصيب أظافره الجميع.يمكن القول إن نواة اإلرهاب الحديث تشكلت مع بدايات تجربة «الجهاد األفغاني» ،بني مزدوجني ضروريني لتمييزها عن املراحل الالحقة التي تلتها ،باعتبارها مرحلة مختلطة ضبابية تمثل ارتباك البدايات ،سواء للمجموعات املقاتلة وصوال إلى الدول املستفيدة والداعمة ،وانتهاء بفقدان السيطرة على تلك املجموعات ،ومن ثم تغولها باتجاه االستقاللية ليس التنظيمية فحسب ،وإنما الفكرية وعلى مستوى املرجعيات الدينية ،واالنفصال عن الجسد اإلسالمي بشكل عام، وه��ذا ما ال تجري قراءته بدقة في تقييم تلك املرحلة ،التي كان من السهل السيطرة على املجموعات الجهادية بحكم املشايخ الشرعيني قبل االنفصال الكبير ،حني انتقلت «القاعدة» إلى الجهاد األممي ،ثم العاملية ،وقبل االنهيار الكبير لجماعات العنف ،وتفريخ نماذج أكثر تطرفا أنتجها واقع جديد.
تحوالت زمنية منذ الثمانينات وبدايات تشكل ظاهرة «املقاتلني» العابرين للحدود بعد انتهاء
تجربة أفغانستان وتشكل فكر «القاعدة» ،أظهرت تحوالت جذرية في عالقة اإلسالم السياسي ومن ورائه «الصحوة» برموزها بهذه الظاهرة من التأييد املبكر إلى اعتبار أن ما يحدث خديعة سياسية كبرى للتخلص من الشباب املجاهد ،إضافة إلى أن أسلوب التغيير أو املشروع االنقالبي بني الفريقني مختلف؛ األول يعتمد على الهرم املقلوب ،البدء بتغيير السلطة بشكل عمودي ومباشر ،بينما يسعى اإلسالم السياسي إلى بناء قاعدة جماهيرية قادرة على التغيير واالنتشار األف�ق��ي ،وم��ن هنا ك��ان كل من الطرفني ينظر إلى اآلخر على أنه يقود بدور تكاملي في الحرب على الغرب واألنظمة املتحالفة معه ،وكانت لحظة االقتتال بني األحزاب في أفغانستان هي لحظة انفصال املدارس السلفية التقليدية عن املشهد ،وبداية الصدام مع الصحوة و«القاعدة» الذين تقاسموا آليات العمل ،لكنهم اختلفوا في الوسائل ليتحدوا مجددا مع ح��رب الخليج ،في ض��رورة التغيير مع اختالف الطرائق ،والحقا صعدت قوى الصحوة في مرحلة ما بعد حرب الخليج ،بينما تراجعت «القاعدة» لتلم شتاتها وتنفجر مجددا بعد أف��ول الصحوة واقتراب املرحلة الثالثة ،وهي اإلرهاب املعولم الذي اكتمل في الـ 11من سبتمبر (أيلول) لينقسم املشهد إلى ثالثة تيارات رئيسة :الخطاب الديني التقليدي املضاد للصحوة ولـ«القاعدة»، والخطاب الصحوي -اإلسالم السياسي املبرر لـ«القاعدة» واملضاد للمدرسة السلفية التقليدية ،و«ال�ق��اع��دة» املنفصلة ع��ن اإلس�ل�ام التقليدي واملكفرة ل��رم��وزه ،واملتحالفة مع اإلس�لام السياسي في ال��رؤي��ة واملختلفة في آليات العمل ،فهم يحتكمون إلى النظرية ويختلفون في آلية العمل :تحضر حاكمية سيد قطب والوالء والبراء ودار الكفر واإليمان ..إلخ ،ولكن يرى «القاعديون» أن الغرب واألنظمة ال يفهمون إال لغة القوة ،بينما يرى اإلس�لام السياسي أن املواجهة خطأ استراتيجي ،وأن املشروع االنقالبي الذي يستهدف تكوين قواعد اجتماعية مؤثرة من شأنها اختراق كل مؤسسات الدولة وصحوتها، ثم يجري الضغط على األنظمة عبر «التبرير» لإلرهاب بأن الحالة السياسية هي السبب ،في محاولة الستثمار إرهاب «القاعدة» للضغط على األنظمة، ولو عبر إظهار االعتدال ومفاوضة اإلرهابيني وحتى التحول إلى «وسطاء»، وربما تتبع موقف «القاعدة» ذاتها من رموز الصحوة يؤكد ترسيمة ما بعد 11سبتمبر التي حددت أضالع مثلث «العنف املسلح».
موقف امللك عبد الله في كلمته لالمتني كان تاريخيا بكل ما تعنيه الكلمة فقد قطع الطريق على املزايدة في ثنائية اإلرهاب والسعودية
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
17
قصة الغالف
ما الدولة التي جربت كل أنواع اإلرهاب الديني والسياسي والفكري ،وجرى استهدافها من كل املجموعات املتطرفة سنيها وشيعيها سواء تلك التي تؤمن بالتغيير الجذري املسلح أو األخرى التي تحمل مشروعا انقالبيا ناعما ومتدرجا؟! أو تلك التي ما زالت تراوح مكانها منتظرة لحظة فاصلة آليديولوجياتها الفاشلة لكي تعود مجددا للحياة والتأثير على األرض؟!
تحديات ومخاطر ..ومليك يجدد وعده بحرب طويلة جدا
منحنيات وعرة :أحجية اإلرهاب والسعودية بقلم: يوسف الديني
في إشارات امللك بكلمته التاريخية نقد الذع للمرجعيات الدينية السنية بأنواعها املختلفة فهو وصف بعضها بالكسل وآخرين بالصمت
16
اإلجابة بال شك :اململكة العربية السعودية ،منذ أن كانت إمارة في الدرعية وحتى اآلن ،باعتبارها أكثر الدول العربية واإلسالمية تأثرا وتأثيرا على ليس باعتبارها قبلة دينية فحسب ،وإنما عالمة فارقة على املستوى االقتصادي املنفتح بال هوادة على األسواق العاملية والسياسية الخارجية املعتدلة وال�ح��ذرة ،واملجتمع املحافظ في مجمله ،ال��ذي لم يعرف االنتماءات السياسية ،إال أنه مر بتحوالت عديدة كانت في مجملها تقلبات ال واعية في أحضان األصولية ،منذ الجماعة املحتسبة ،وحتى «داع��ش»، وبينهما اإلسالم السياسي و«اإلخوان» والسرورية والتكفيريون والسلفيات بأنواعها ،كما عرفت األقليات الدينية ،مثل ه��ذا االختطاف الهوياتي ،إال أن غالبية السعوديني في املجال العمومي يطمحون الستمرار دول��ة الرفاه واالستقرار ،رغم كل العثرات واألخطاء ّ وتقلبات الظروف السياسية املختلفة واملخاطر املحدقة بدولة استعصت على التصنيفات الجاهزة ،وخالفت كل التوقعات ،وما زال لديها الكثير. في املعركة مع اإلرهاب والتطرف ال يمكن تصور الكمال؛ هناك أخطاء ونقص وطموحات لم تأخذ طريقها للتفعيل ،ربما! لكن الداخل السعودي ممثال في القطاعات األمنية ومعاقل القرار والنخب السياسية ينطوي على الكثير من الفعالية والعمل والحراك غير املسبوق .في ملف «اإلرهاب» نحاول أن نرصد أطراف شتاته في هذا امللف الذي يستهدف توقيتا حرجا ،تعيد فيه جهات مشبوهة ،وأخرى مستلبة ثنائية «السعودية واإلرهاب» ،بعد أن كان املراقبون يعتقدون أن 2003كانت نقطة فاصلة في تكريس السعودية املستقرة ،رغم رياح التغيير بوصفها أخطر هدف ملرمى اإلرهابيني ،على اختالف أهدافهم.
صيحة نذير والسؤال الذي يفرضه هذا البحث عن لغز اإلرهاب والسعودية استهدافا وتأثرا وتأثيرا يأخذ مشروعيته من صيحة النذير التي أطلقها امللك عبد الله بن عبد العزيز أخيرا ،معاتبا املجتمع الدولي والدول الكبرى ،وحتى علماء الشريعة الصامتني ،كانت تستحضر هذا التحول في مسيرة اإلره��اب ،التي ُوصف الحرب عليها ذات مرة بالطويلة جدا ،فالدول التي تحول اإلره��اب فيها من عرض مرضي وردة فعل زمنية أو حدثية كثيرة جدا في أفريقيا وباكستان وأفغانستان ودول القوقاز ،وهناك الكثير من الدول الغربية التي تنشط فيها حركة تجنيد غير مسبوقة. هناك مفارقة ثابتة منذ بدايات تأسيس اململكة العربية السعودية ،بحكم موقعها الجغرافي وتبنيها نظام حكم قائما على الشريعة اإلسالمية ،وهي أن كل املنعطفات التاريخية التي مرت بها اململكة كانت تتقاطع مع «العنف» أو التشدد الديني أو اإلرهاب. ف��إره��اب ال �ي��وم ل�ي��س ك�س��اب�ق��ه ،ف�ه��و اآلن يحضر ك ��أداة سياسية وم�ك��ون
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
اجتماعي ،وليس مجرد فعل ألشخاص مغرر بهم يسعون إلى االنقياد غير الواعي نحو شعارات آيديولوجية ،كما هو الحال في عنف الثمانينات املصري املرتبط بالعالقة مع النظام ،أو عنف الداخل الذي اتخذ طابع العنف العقائدي وليس السياسي ،إذن كيف بدأت القصة محليا؟
الحوار أوال سبقت خطوة امللك التشريعية والقرار التاريخي في مواجهة اإلرهاب خطوات كثيرة؛ قبل سنوات أعلن امللك عبد الله خطوة مفاجئة قفزت على الواقع املرير لـ«الطائفية» آن��ذاك ،حني التبست مفاهيم املقاومة ب��األح��زاب املتطرفة التي تسعى إلى تقويض مفهوم الدولة القطرية ،أو بتحويل نفسها إلى دول داخل دول ،كتجربتي «حزب الله» والحوثيني الشيعيتني ،اللتني وجدتا طريقهما للتعاطف ،بفعل استغالل اإلسالم السياسي السني ،ممثال في «اإلخوان»، ملواجهات الحزب ومن بعده حركة حماس إلسرائيل ،إال أن دعوة امللك عبد الله للحرب على الطائفية واإلرهاب في آن واحد استحضرت حالة االلتباس بني الطائفية الدينية وطائفية أكثر خطرا منها ،وهي الطائفية السياسية ،وتصدير التشيع السياسي الذي ليس له عالقة بنظيره العقائدي ،وإن كان رافعا له ومحفزا إلعادة نتائجه ،شهدنا في السابق تصريحات لكثير من جماعات اإلسالم السياسي انحازت للتشيع السياسي ،وإن كانت سنية العقيدة ،إن على مستوى األفراد ،كما صدر عن املفكرين السعوديني والعرب في حرب لبنان األخيرة ،أو من قبل على مستويات كثيرة من قبل اليسار التقليدي، وحتى اتجاهات مكافحة العوملة و«اإلمبريالية الغربية» ،التي تبناها مع اليسار فئام من الناصريني والقوميني العرب.
تذويب الطائفية وإذا كانت هذه الخطوة لتذويب «الطائفية» عبر التأكيد على مفهوم املواطنة السعودية للجميع ق��د قوبلت بترحيب شديد م��ن ق�ي��ادات إسالمية وع��دد من الجهات الدولية ،ف��إن تأثيرها ك��ان أكبر في أبناء الطائفة الشيعية من السعوديني ،الذين رأوا في طرح امللك عبد الله ملسألة الحوار ليس فقط بني ِّ مشجعة ،وسرعان ما انعكس ذلك على املذاهب ،وإنما األديان ،نقطة انطالق الواقع ،فكلنا يتذكر البيان الذي أصدرته طائفة من علماء محافظتي القطيف واألحساء بعد أحداث العوامية األخيرة ،وتكمن أهمية هذا البيان في الجانب السياسي ،حيث اعتبر بمثابة إعادة إنتاج العالقة مجددا مع مراعاة املتغيرات على الساحة ما بعد «الربيع العربي» ،فاملواطنون الشيعة في السعودية تقدموا بخطوة شجاعة كردة فعل على سنوات من التأسيس ملفهوم الحوار الوطني، والحرب على التطرف من الجميع ،وكانت كلمة علماء القطيف هذه املرة صادقة ال تعرف الخداع أو املواربة ،وأقتبس منهم« :التطرف ال يحل مشكلة وال يحقق
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
15
أحداث مصورة
أطفال غزة ثلة من األطفال الفلسطينيني ينظرون من وراء خلفية ملصق عمالق يظهر مقاتال من الجناح العسكري لحركة حماس خالل مظاهرة حاشدة للحركة انطلقت في 17أغسطس املاضي بجنوب قطاع غزة من رفح من قبل مؤيدي حماس «غيتي»
14
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
أحداث مصورة
جهود للحد من تفشي وباء «إيبوال» فتاة ليبيرية تبيع صابونا مطهرا وسط صفوف مجموعة من النساء بمدينة «مونروفيا» بليبيريا يقمن الصالة من أجل وضع حد لوباء الـ«إيبوال» املنتشر في البالد (أغسطس )2014 «غيتي»
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
13
12
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
11
أحداث مصورة
زهور دوقة كمربدج يف ذكرى احلرب العاملية األولى دوقة كمبردج تضع إكليال من الزهور في مقبرة سانت سيمفوريا العسكرية بمونس (بلجيكا) في الذكرى املئوية إلعالن بريطانيا العظمى الحرب على أملانيا ،حيث أعلن رئيس الوزراء البريطاني هربرت أسكويث في الرابع من أغسطس عام 1914دخول بريطانيا الحرب العاملية األولى أو الحرب العظمى التي استمرت حتى 11نوفمبر 1918واملعترف بها بصفتها واحدة من أعنف الصراعات التاريخية التي خلفت املاليني من الضحايا (4 أغسطس )2014 «غيتي» 10
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
دولتان إرهابيتان في آسيا وأفريقيا« ..بوكو حرام» بعد «داعش»
رئيس الوزراء العراقي الجديد ..واملهمة الصعبة
إع�لان أبو بكر البغدادي تأسيس دولة الخالفة اإلسالمية ،وتسميتها بـ«الدولة اإلسالمية في العراق والشام» في يونيو (ح��زي��ران) امل��اض��ي ،أع�ل��ن زع�ي��م ج�م��اع��ة «ب��وك��و ح��رام» أب��و بكر شيكاو ،الشهر امل��اض��ي ،الخالفة اإلسالمية ف��ي بلدة ب��والي��ة ب��ورن��و ،شمال شرقي نيجيريا. وكان شيكوى يتحدث في فيديو بث أخيرا لتهنئة مقاتليه باالستيالء على بلدة غوزا أوائل أغسطس (آب) املاضي .وليس من الواضح إن كان شيكوى ب��اي��ع تنظيم ال��دول��ة اإلس�لام�ي��ة ال��ذي يسيطر على أجزاء من سوريا والعراق .ورفض الجيش النيجيري إعالن الجماعة ،واصفا إياه بأنه «ال معنى له» .وبعد اإلع�ل�ان ع��ن «ال��دول��ة اإلس�لام�ي��ة» امل��زع��وم��ة هاجم عشرات من مسلحي الحركة املدججني بالسالح قاعدة للجيش ومركزا للشرطة في بلدة غامبورو نغاال النيجيرية على الحدود مع الكاميرون ،مما أجبر اآلالف على الفرار ،بحسب السكان .وكانت البلدة الواقعة على ال�ط��رف الشمالي الشرقي من نيجيريا ُد ّمرت بشكل شبه كامل ،في ُ هجوم شنه اإلسالميون في مايو (أيار) املاضي ،وقتل فيه أكثر م��ن 300ش�خ��ص ،مما أغ�ض��ب السكان املحليني الذين قالوا إن الجيش تركهم دون أن يدافع عنهم. وك ��ان آالف األش �خ��اص ق�ت�ل��وا ف��ي ش�م��ال شرقي نيجيريا منذ عام .2009عندما بدأت «بوكو حرام» تمردها .وتعد غ��وزا ،التي يقطنها نحو 265ألف نسمة ،بحسب أح��دث إح�ص��اءات السكان ،كبرى ُالبلدات التي تقع تحت سيطرة «بوكو حرام». أنشئت «بوكو ح��رام» في .2002رك��زت في بداية أم��ره��ا ع�ل��ى م �ع��ارض��ة ال�ت�ع�ل�ي��م ال �غ��رب��ي ،وم�ع�ن��ى «بوكو ح��رام» يعني «التعليم الغربي ممنوع» في عمليات عسكرية في لغة الهوسا .شنت الحركة ُ 2009إلنشاء دولة إسالمية .قتل آالف ،معظمهم ف��ي ش�م��ال ش��رق��ي نيجيريا ،لكن الجماعة شنت أيضا هجمات على الشرطة ،ومقار األمم املتحدة في العاصمة أبوجا تضرر نحو ثالثة ماليني شخص م��ن عملياتها .أع�ل�ن��ت ال��والي��ات امل�ت�ح��دة الجماعة إرهابية في .2013
بعد
قوبل
ح�ي��در ال �ع �ب��ادي ،ال ��ذي اخ�ت�ي��ر ل�ك��ي يصبح رئ�ي��س ال ��وزراء العراقي الجديد ،بصفته املنقذ املحتمل لبالده .فلعدة أشهر، كانت السياسة العراقية في حالة أزمة واضحة ،حيث يعاني البرملان العراقي من الجمود السياسي ،كما أن رئيس ال��وزراء ،نوري املالكي ،ذو ميول سلطوية ،باإلضافة إلى حالة التمرد واسعة النطاق التي شهدها شمال العراق والتي يقودها «داعش». وكان الرئيس العراقي فؤاد معصوم كلف االثنني 11أغسطس مرشح التحالف الوطني (الشيعي) حيدر العبادي بتشكيل الحكومة املقبلة للبالد .وجاء ترشيح العبادي بعد توتر داخل التحالف الوطني أثاره رئيس ال��وزراء املنتهية واليته نوري املالكي ،مطالبا بترشيحه لوالية ثالثة ،غير أنه يواجه انتقادات حادة تأخذ عليه تسلطه وتهميشه األقلية السنية. يقول محلل لسياسة العراقية ب��وزارة الدفاع األميركية كيفني راسل: «رغ��م أن تعيني العبادي رئيسا للوزراء بدا وكأنه بشرى جيدة ،فإن نظام مشاركة السلطة الذي أسفر عن تعيينه كان في األساس جزءا م��ن السبب ال��ذي أدى إل��ى أن تصبح ال�س�ي��اس��ات ال�ع��راق�ي��ة بمثل هذا االضطراب ،فلن تكتفي الجماعات الطائفية بمجرد التعاون في اختيار القائد السياسي أو تشكيل مجلس الوزراء».
أوكرانية مصابة في حالة حرجة بالطابق األسفل بمجمع «كالينينا الطبي» الذي تعرض للقصف من مقاتلني موالني لروسيا في ذكرى استقالل البالد
أبو بكر شيكاو
أوكرانيا :قصف في عيد االستقالل
بينما
تحتفل أوكرانيا بذكرى االستقالل ،تعرضت دونيتسك لقصف طال مستشفى في وسط املدينة خلف عددا من الجرحى. وكانت البالد احتفلت يوم 24أغسطس (آب) املاضي بذكرى استقاللها بعرض كبير في العاصمة كييف ،بينما استهدفت عمليات قصف مدينة دونيتسك في شرق البالد. وفي كييف ،تجمع آالف األوكرانيني في وسط البالد لحضور عرض عسكري هو األول منذ ،2009احتفاال بذكرى االستقالل ،بينما تخوض البالد حربا دموية ضد انفصاليني موالني لروسيا في شرق البالد .ووضع الحاضرون األعالم على أكتافهم وارتدوا األزياء الشعبية. وقد رددوا النشيد الوطني األوكراني في ساحة االستقالل التي يسمونها «امليدان» رمز حركة االحتجاج الشعبي املوالية ألوروب��ا ،التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس املوالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش. المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
09
األسبوع الخامس
في زيارته األولى بعد توليه السلطة
قالدة امللك عبد العزيز تكريما للرئيس السيسي.. وأداء ملناسك العمرة
الزيارة األولى للرئيس املصري املنتخب إلى اململكة السعودية العالقات الثنائية بني الدولتني الشقيقتني ،حيث بحث من خاللها خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز مع الرئيس عبد الفتاح السيسي العالقات الثنائية بني البلدين، وسبل تعزيزها في مختلف املجاالت ،إضافة إلى مجمل األحداث التي تشهدها الساحات اإلسالمية والعربية والدولية ،وفي مقدمتها تطورات األوضاع في األراضي الفلسطينية الـمحتلة ،والجهود املبذولة إليقاف العدوان اإلسرائيلي على قطاع غزة. ُ وقلد خادم الحرمني الشريفني في نهاية االستقبال ،الرئيس السيسي ،قالدة امللك عبد العزيز ،التي تمنح لكبار قادة وزعماء دول العالم الشقيقة والصديقة تكريما له. وأدى الرئيس املصري والوفد املرافق قبل مغادرته السعودية مناسك العمرة ،حيث كان في استقباله لدى وصوله إلى املسجد الحرام أمير منطقة مكة املكرمة األمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز ،ونائب الرئيس العام لشؤون املسجد الحرام الشيخ الدكتور ناصر الخزيم ،ورئيس املراسم امللكية محمد الطبيشي ،وقائد القوة الخاصة ألمن املسجد الحرام بالنيابة العميد عويض الخالدي. ُيذكر أن الرئيس املصري السيسي وصل إلى جدة ،مساء األحد 10 ،أغسطس (آب) املاضي ،في زيارة أولى رسمية للسعودية .وكان في مقدمة مستقبليه بمطار امللك عبد العزيز الدولي األمير سعود الفيصل وزير الخارجية ،واألمير مقرن بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء املستشار واملبعوث الخاص لخادم الحرمني الشريفني.
عززت
بريطانيا :رحالت كاميرون السياحية تثير استياء اإلعالميني وكبار الساسة والقادة العسكريني وسط
انتقادات صحافية بريطانية وقلق بالغ بني كبار الساسة وقادة الجيش في اململكة املتحدة إثر األزمة النامية في العراق ،غادر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالده مع زوجته في رحله ترفيهية إلى املقاطعة االنجليزية التاريخية "كورنوال" و الجزيرة االسبانية "النزاروت ". قالت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية تعليقا على رحلته األخيرة« :يتمتع كاميرون بالبحر والرمل في الوقت الذي تستعد فيه بريطانيا لتقديم أسلحة إلى القوات الكردية، ملحاربة (داعش) ،في شمال العراق». وقال الرئيس السابق للجيش البريطاني الجنرال السير ريتشارد دانات إن األمة تتوقع من البرملان عدم السماح للنواب واملسؤولني بمغادرة البالد ألي عطالت ،إلى أن تستقر األوضاع. ومنذ توليه منصبه في مايو (أيار) عام 2010حصل رئيس وزراء بريطانيا على 15 عطلة ،بمعدل واحدة كل ثالثة شهور .وقضى ديفيد كاميرون رحلته السياحية األولى بعد توليه رئاسة ال��وزراء في كل من «جرينادا» وهي دولة تقع في جزر الهند الغربية في البحر الكاريبي ،وأصل اسمها «غرناطة»؛ تلك املدينة األندلسية الشهيرة .ثم جزيرة «إيبيزا» اإلسبانية ،التي تقع على البحر املتوسط ،وغادرها إلى «توسكانا» املدينة اإليطالية الشهيرة باملناظر الخالبة ،واختتم رحلته املطولة بزيارة عدة مدن بالبرتغال. 08
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
رئيس الوزراء البريطاني ،ديفيد كاميرون وزوجته سامانثا
..
رساله المحرر «ما الدولة التي تم استهدافها من كل أنواع اإلرهاب الديني والسياسي والفكري ،من قبل املجموعات املتطرفة سنيها وشيعيها سواء تلك التي تؤمن بالتغيير الجذري املسلح أو األخرى التي تحمل مشروعا انقالبيا ناعما ومتدرجا؟» ..هكذا يتساءل الباحث في «الجماعات األصولية» يوسف الديني في موضوع غالف هذا العدد ،مجيبًا« :إنها بال شك: اململكة العربية السعودية ،منذ أن كانت إمارة في الدرعية وحتى اآلن ،ألنها أكثر الدول العربية واإلسالمية تأثرا وتأثيرا ،ليس باعتبارها قبلة دينية فحسب ،وإنما عالمة فارقة على املستوى االقتصادي املنفتح بال هوادة على األسواق العاملية والسياسية الخارجية املعتدلة والحذرة ،ومجتمعها املحافظ في مجمله ،الذي لم يعرف االنتماءات السياسية». في هذا املوضوع الذي جاء بعنوان «منحنيات وعرة :أحجية اإلرهاب والسعودية ..تحديات ومخاطر ..ومليك يجدد وعده بحرب طويلة» يستعرض الديني مسيرة السعودية الطويلة في حربها مع اإلرهاب ،وكيف تحول من مرض عرضي نشأ في باكستان وأفغانستان إلى ظاهرة مستمرة تستخدمها جماعات اإلسالم السياسي ألغراض وصولية. كانت كلمة خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز عالمة تاريخية فارقة، وصيحة نذير ،حني عاتب العلماء على كسلهم وصمتهم ،وعاتب املجتمع الدولي الذي تقاعس في حربه أمام اإلرهاب ..إنها كوارث كبرى كانت ستحدث لو لم تقم السعودية باستراتيجية شاملة في محاربة اإلرهاب ،هذه اآلفة التي لن تتوانى عن نشر الرعب وإسالة الدم في كل مكان. وفي موضوع آخر يتتبع الباحث السعودي عبد الله الرشيد مواقف السعودية التاريخية من القضية الفلسطينية ،في استراتيجيتها القائمة على نصرة الشعب الفلسطيني، ومحاولة إنجاح مبادرات السالم التي تحقن الدم وتحفظ حقوق الفلسطينيني ،منذ عهد املؤسس امللك عبد العزيز ،الذي وقف بقوة أمام قرار إعالن قيام دولة إسرائيل ،وتطوع أبناء من شعبه لقتال جيش االحتالل ،وحتى يومنا هذا في عهد امللك عبد الله بن عبد العزيز الذي سعى بكل وسيلة إلى رأب الصدع الفلسطيني ،وإغاثة أبنائهم ونصرتهم بكل السبل ،في سيرة تدحض كل شبه املشككني في جهود اململكة تجاه القضية الفلسطينية. وفي قضايا أخرى يتناول الصحافي املصري عبد الستار حتيتة ،املتخصص في الشأن الليبي تطورت األوضاع الراهنة في ليبيا ،وصراع امليليشيات ،وهل يستطيع «حفتر» وحده مواجهة االضطرابات التي تشل حركة البلد وتعطل بنيتها وقوامها منذ سقوط نظام القذافي عام .2011 أما الصحافي اليمني عرفات مدابش ،فيكتب عن واقع اليمن واالحتماالت القائمة لعودة علي عبد الله صالح لحكم اليمن في ظل الفراغ السياسي ،وتمدد الخطر الحوثي. ويتناول املحلل السياسي املصري بشير عبد الفتاح تطورات السياسة الخارجية لتركيا بعد فوز إردوغان في االنتخابات الرئاسية التي جرت أغسطس (آب) املاضي ،وكيف بدأ موقف الدبلوماسية التركية يتغير ويختلف تجاه عدد من القضايا وامللفات ،خصوصا وأن املرجح أن يقضي إردوغان على كرسي السلطة مدة عشر سنوات قادمة ،وفقا للتعديالت الدستورية الجديدة التي تخوله البقاء في السلطة على مدى فترتني مدة كل منهما عشر سنوات. وفي تقرير إنساني يكتب الصحافي اإليطالي ارتورو فارفلي عن املصير املجهول الذي يواجه الالجئني في رحالت املوت من ليبيا إلى إيطاليا ،وكيف تشكل رحالت الهجرة عبئا مزعجا يالحق السلطات. كما تقدم «املجلة» نخبة مختارة من أهم املقاالت املترجمة من مجلة «فورن أفيرز» األميركية ،التي تناقش شؤون ومستجدات الوضع اإلقليمي والعاملي. ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا majalla.com ونرحب دائما بآرائك ،وتعليقاتك.
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
7
المحتوى
مشهد سياسي متناقض.. إصالحات متعثرة ..وإرهاب وحركة تمرد
اليمن« ..عفاش» هل يعود للحكم؟
ليبيا.. حروب امليليشيات
«حفرت» وحده ال يكفي تعمير غزة عبر الهاي
ماذا استفادت غزة من حربها مع إسرائيل؟
تعديل دستوري يعقب حصد حزب العدالة والتنمية لغالبية املقاعد في االنتخابات املقبلة
«تركيا اجلديدة» حتت سطوة إردوغان
إيطاليا وليبيا.. مواجهة أزمة الهجرة
تهريب البشر
كيف يرى العالم املظاهرات؟
اضطرابات فريغسون.. والنفاق االمريكي
6
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
االفتتاحية
وكأن الحرب على اإلرهاب اندلعت فجأة ،وكأن العالم بأسره كان يعيش في استقرار وسالم ،فلم عاثت «داعش» في األرض فسادا ،صحا العالم من حلم جميل على وقع طبول حرب داعش وأخواتها واقترابها من أطراف أوروبا .تهافت قادة الغرب على العمل فورا ملحاصرة هذا الخطر الداهم .اقتنعوا أخيرا أن اإلرهاب ليس شرطا أن ينحصر في موقعه الحالي ،كما كانوا يطمئنون ،وقد يصل إلى أبعد نقطة عن أرضه. اقتنعوا أخيرا أنه حتى بافتراض احتراق الشرق األوسط وحده بنار اإلرهاب ،وعدم اتساع دائرته ألوروبا وأميركا ،فإن مجموعة من أبناء الغرب متطرفون أيضا وسيكونون حطبا لهذه الحرب الشرسة .لألسف ينشغلون عن بديهيات كانت أمامهم ،ثم يرفعون الصوت عاليا وكأنهم وجدوها. الرئيس األميركي باراك أوباما يقول :إن «داعش» سرطان يجب استئصاله وال يشكل خطرا على العراق وشعبه فحسب بل قد يهدد «مصالح األميركيني» في نهاية امل�ط��اف .رئيس ال��وزراء البريطاني ديفيد كاميرون يصرح بأن داعش «قد تستهدفنا بشوارع بريطانيا» .الرئيس الفرنسي فرنسوا هوالند قال :إنه سيقترح قريبا عقد مؤتمر حول األمن في العراق ومحاربة «داعش» ،معتبرا أن الوضع الدولي اليوم هو «األخطر» منذ العام .2001الحقيقة أن كل هذه املواقف الغربية الحازمة على حني غرة ال يمكن اعتبارها إعطاء «داعش» أكبر مما تستحقه ،بقدر ما أن التنظيم اإلرهابي هو في نهاية األمر فرع لتنظيم متعدد األوجه ،يظهر يوما بشكل «القاعدة» وآخر بوجه «جبهة النصرة» ويوما ثالثا بـ «داعش» ،وهكذا ،فقد تنتهي أسطورة «داعش» قريبا لكن من يضمن عدم ظهور مفاجآت أخرى في املستقبل القريب على شاكلة هذه الجماعات سهلة التأسيس سريعة الظهور؟!
بقلم� :سلمان الدو�سري
ألكثر من 10سنوات وخادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز يواصل مساعيه إلقناع العالم بضرورة التحرك الجماعي ملكافحة اإلره��اب ،لذا فإن خيبة أمل من املجتمع الدولي ،كما عبر عنها امللك في خطابه األخير ،وتقاعسه عن التجاوب مع املحاوالت الحثيثة السعودية الستكمال منظومة مكافحة اإلرهاب ،لم ينطقها أحد بمكانة امللك عبد الله إال بعد أن كان ،وال يزال ،أكثر زعماء العالم تحذيرا من نار اإلرهاب ،وكانت الرسالة األوضح هي تحذيره بأن الصمت العاملي سيخرج جيال يؤمن بالعنف .هل صدق العالم أخيرا تحذير امللك عبد الله؟!
السعودية ..حربا على اإلرهاب وليس معركة
ظل الغرب طويال وهو يربط بني اإلسالم واإلرهاب ،وظل املسلمون، الحقيقيون ،يشرحون ويقنعون باألدلة والبراهني ،أن هذا اإلرهاب ال دين له ،بل إن الدول اإلسالمية ،وعلى رأسها السعودية ،أكثر من اكتوى بناره ،فلما اقتنع الغرب ،جزئيا على األقل ،بأنه ال رابط فعال بني اإلسالم واإلرهاب ،ظهرت نغمة أخرى بأن السعوديني، مثال ،هم حطب تلك الجماعات اإلرهابية ،وعندما تقول لهؤالء إن السعودية أصدرت قرارا بتجريم املقاتلني في الخارج ،يردون عليك بأنه على السعودية أن تسعى أكثر ملنعهم من القتال بأي طريقة .إذن ملاذا ال تسعى الدول الغربية ملنع أبنائها من القتال في سوريا والعراق ،وبحسب تقرير نشرته الشقيقة «الشرق األوسط» فإن هناك 100أميركي يقاتلون في سوريا ويوجد 450بريطانيا و 700فرنسي و 270أملانيا ،ويجيب بيتر بيرغن محلل الشؤون األمنية وقضايا اإلرهاب لدى «سي إن إن» عن سؤال حول األسباب التي تجعل داعش تنظيما شديد الخطورة على أميركا والغرب ،بالقول« :سبب الخطر هو عدد األوروبيني املقاتلني في صفوف التنظيم ،ما يعطي التنظيم اإلمكانية لتقديم الخبرات العسكرية ألولئك املقاتلني وتدريبهم على الهجمات وصناعة املتفجرات».
خ��ادم الحرمني أكد أن املتخاذلني عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد اإلره��اب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة سيكونون «أول ضحاياه في الغد ،وكأنهم بذلك لم يستفيدوا من تجربة املاضي القريب ،والتي لم يسلم منها أحد» .إال أن املعضلة أن أي تحركات يقوم بها الغرب ،وعلى رأسها الواليات املتحدة ،ضد اإلرهاب ،تكون بصورة وقتية وكأنها رد فعل مقرون بمصالح سياسية .حتى هذه اللحظة لم نر استراتيجية وحربا طويلة على اإلرهاب ،وهو مؤشر خطير على استمرار اإلرهاب حاضرا ويتنامى بشكل أكثر قوة و«سرطنة» ،طاملا التعاطي الغربي مع مكافحة اإلرهاب يعتمد على البراغماتية السياسية واملصالح املؤقتة. هناك فرق أن تكون استراتيجيتك حربا على اإلرهاب ال هوادة فيها ،أو تكون معركة ال تلبث أن تخفت يوما وتشتعل يوما آخر.
4
المجلة /العدد 1599ايلول -سبتمبر 2014
رئيس التحرير
�سلمان بن يو�سف الدو�سري Salman Aldossary مدير التحرير
عز الدين �سنيقرة
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Azeddine Senegri +y:a ` 3x3Na - M k 1fM
:مسؤول مكتب اخلليج
Acting CEO of NASHR Co.
عبد اهلل الر�شيد
Omar A. Alshaikh ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ ﻣﺴﺆول :التحرير سكرتري
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē م�صطفى الد�سوقي +y:a ` 3x3Na - M k 1fM
^¤ 7yG* Ò* ^d<
اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﺳﻜﺮﺗﲑ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of NASHR Co. الفين اإلخراج Omarعثمان A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM علي
¥E¢ 6^G* £ }H
ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting CEO of NASHR Co.
ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ ΪϳήΒϟ ϰϠϋ ΔϠγήϤϟ ϰΟήϳ ˯έ ϭ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omarللمشاركة A. Alshaikh
كلمة800 جميع المقاالت يجب أال تزيد على: ملحوظةeditorial@majalla.com ȝƾżȚǍƄŵȚ إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني
ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ ϲϓ ϙήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ ΔόΒτϟ ϲϓ ϙήΘηϼϟ
اشتراكات
ϡΎψϧ ϱ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ ϭ ΔϠΠϤϟ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝϮΣϷ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ ΔϜϠϤϤϟ ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ ΔϠΠϤϟ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla : لالشتراك في االلكترونيةsubscriptions@majalla.com : يرجى االتصال بـ،لالشتراك في الطبعة الرقمية ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϣ ϖΒδϣ ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ ΎϫήϳϮμΗ ϭ Δϴϟ ϭ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ ϭ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ ϲϋΎΟήΘγ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ ϙήΘηϻ ΕέΎδϔΘγ وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام. التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة2009 حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة لتلقي.ً وتصدر المجلة شهريا.)استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة www.majalla.com يرجى زيارة،استفسارات االشتراك الرقمي
LVVXH
$XJXVW
Ώ βτδϏ ΩΪόϟ
++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1599 - September 2014 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn, London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310
ϰμμΨΘϟ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ νΎϳήϟ ΎϬϟ κΧήϣ 2014 سبتمبر- ايلول1599 العدد
$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ
ZZZ PDMDOOD FRP HQJ
تقاطع التخصصى- طريق مكة- حي المؤتمرات- الرياض
مرخص لها
A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 : لندن- 4419933 هاتف:الرياض
KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ www.majalla.com/eng ϝϭΪϟ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ ϞΧΩ Ϧϣ
hq@alkhaleejiah.com : بريد إلكتروني،www.alkhaleejiah.com :موقع إلكتروني +966 11 441 1444 : ومن مختلف الدول، +44 207 404 6950: لندن، +331 537 764 00: باريس،+9714 3 914440 : دبي،920 000 417 : من داخل المملكة
ϲϧϼϋϹ ϞϴϛϮϟ الوكيل اإلعالني
ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ
ΕΎϛήΘηϹ Ϟϴϛϭ
800-2440076 : هاتف مجاني،www.arabmediaco.com : موقع إلكتروني، info@arabmediaco.com :بريد إلكتروني
وكيل اإلشتراكات
ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ ΔϴΑήόϟ ΔϜϠϤϤϟ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 11 2121774 : فاكس+966 11 4419933 : هاتف،11585 الرياض- 62116 ب. ص- وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي المؤتمرات www.saudidistribution.com :موقع إلكتروني
ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι
�شركات ن�شر شركات نشر
ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ
وكيل التوزيع
ΔϋΎΒτϟ ΰϛήϣ
ΔϋϮϤΠϤϟ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com
Saudi Specialized Publishing املتخصص السعودية للنشر الشركةCompany www.sspc.com.sa
áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG
www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\
حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة
»لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم
ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ ϕϮϘΣ
©ϡϼϋϹ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني،المعلومات للحصول على المزيد من
»حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة
مجلة العرب الدولية 1980 تأسست في لندن عام
شهرية سياسية 2014 سبتمبر- ايلول1599 العدد
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم ISSN 1319-0873
09
9 771319 087013
www.majalla.com
Issue 1599 - September 2014