أحجية الإرهاب والسعودية

Page 1



‫�أحوال‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫العواطف بعيدا عن مهمته في تحبيب‬ ‫ما ظل راسخا في ذاكرتنا أن عالم الدين أب للجميع‪ ،‬ويقابل َّ‬ ‫السيئة بالحسنة‪ ،‬وال تأخذه َ َ ْ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫غير صغارها‪..‬‬ ‫الدين ُللناس‪َ ،‬وذلك َبتعاليه َ على الصغائر‪ ،‬وكأني أسمع أبا الطيب (اغتيل ‪354‬هـ) ينشد‪« :‬وتعظم في ع ِ‬ ‫ني الص ِ‬ ‫َ​َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ظائم»‪.‬‬ ‫ظيم الع ِ‬ ‫وتصغر في عني الع ِ‬ ‫ِّ‬ ‫زلت أنظر إلى عالم ِّالدين بهذا الشعور‪ِّ ،‬‬ ‫ما ُ‬ ‫فالدين ثبات وديمومة ِّ‬ ‫والسياسة متغير وزوال‪ِ ،‬من طبيعتها أنها في كل آن بشأن‪،‬‬ ‫وهذا ليس إنقاصا ِمن أهلها‪ ،‬إنما هذه هي طبيعة السياسة‪ .‬سنأتي بنموذج من نماذج اإلسالم السياسي‪ِ ،‬من كبار شيوخه‪،‬‬ ‫وكيف أنه تعامل بروح الحزبي الخصم ال بروح عالم ِّالدين األب‪ ،‬وكيف إذا كان الذين تعامل معهم أبناء وطنه وهم وهو أمسوا‬ ‫َّ‬ ‫خارج الوطن‪ ..‬بمعنى أن مهمته تتضاعف في تقديم املساعدة لهم‪ ،‬وفي هذه الحالة سيدفعهم تصرفه إلى النظر إلى ِّالدين‬ ‫ِمن خالله إيجابا أو سلبا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫معروف بدوره في حركة اإلخوان املسلمني‪ ،‬وقد بايع شخصيا مؤسس ومرشد اإلخوان َّ‬ ‫الشيخ‬ ‫إن عالم ِّالدين الذي أقصده‬

‫حسن البنا (اغتيل ‪ ،)1949‬إنه محمد محمود الصواف (ت ‪ ،)1992‬الذي عاد إلى العراق بعد البيعة واالنضمام إلى اإلخوان‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الشريعة باألعظمية‪ُ ،‬‬ ‫وعني مفتشا عاما للمعابد‪ .‬وأصدر العام ‪ 1954‬مجلة «األخوة اإلسالمية»‪ ،‬وبعد‬ ‫وعمل مدرسا في كلية‬ ‫العراق ‪ ،1960‬بعد تولي مسؤولية املراقب العام‬ ‫ترك‬ ‫اإلسالمية»‪.‬‬ ‫األخوة‬ ‫«صدى‬ ‫إلصدار‬ ‫امتيازا‬ ‫منح‬ ‫يوليو (تموز) ‪1958‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ككل‪ ،‬ولو عاش إلى هذه اللحظة َّ‬ ‫لربما احتل زعامة‬ ‫لإلخوان املسلمني العراقيني‪ ،‬ثم اختلف معه أتباعه‪ ،‬ولم يخرج ِمن «اإلخوان»‬ ‫َّ‬ ‫التنظيم الدولي اإلخواني‪.‬‬ ‫العراق هاجر إلى الحجاز‪ ،‬وعمل مدرسا في كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية باملدينة املنورة‪ ،‬ومستشارا في وزارة‬ ‫بعد ِ‬ ‫املعارف باململكة العربية السعودية‪ .‬ذهب إلى أفغانستان وارتدى اللباس األفغاني مع املجاهدين‪ ،‬حسب ما ظهر في الصور‬ ‫خطيبا‪ ،‬وتوفي في صالة مطار إسطنبول خالل عودته إلى اململكة العربية السعودية َّ‬ ‫(السامرائي‪ ،‬تاريخ علماء بغداد)‪.‬‬

‫بقلم‪ :‬ر�شيد اخل ُّيون‬

‫كنا نسمع بالعراق عن قضية األساتذة الذين عملوا في جامعة امللك سعود ِّ‬ ‫بالرياض (‪ 1963‬وما بعدها)‪ ،‬وهم ِمن كبار‬ ‫األساتذة العراقيني‪ ،‬وكنا نسمع أيضا عن َّالدور اإليجابي لوزارة املعارف معهم‪ ،‬وهو أمر شائع بيننا‪ ،‬لكن لم أكن أتوثق منه‬ ‫إال بعد أن أخبرني األديب واألكاديمي العراقي عبد اإلله أحمد (ت ‪ ،)2007‬في لقاء معه بأربيل (أبريل‪ /‬نيسان‪ ،)2006 ،‬وهو‬ ‫ُّ‬ ‫ربطت قصة محاولة االستغناء عن خدماتهم بتمسك املعارف‬ ‫من الذين عاشوا تلك الفترة وأسهموا في أحداثها‪ ،‬وعندها‬ ‫ُّ‬ ‫السعودية بهم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الشيخ َّ‬ ‫الصواف كان وراء الوشاية باألكاديميني العراقيني املذكورين‪ ،‬على‬ ‫قصة ذلك‪ :‬أن‬ ‫خلفية املوقف ِّ‬ ‫السياسي منهم أوان ‪ .1959‬وكانوا قد وصلوا إلى ِّ‬ ‫الرياض متعاقدين مع‬ ‫جامعتها بعد انقالب ‪ 8‬فبراير (شباط) ‪ 1963‬القومي ‪ -‬البعثي‪ ،‬وصدور قرار بطردهم من‬ ‫َ‬ ‫الجامعة وعشرات ِمن خيرة علماء العراق‪ ،‬نفذه فيهم زميلهم رئيس الجامعة آنذاك واحتفظ‬ ‫بصورة طبق األصل منه‪.‬‬

‫َّ‬ ‫الصواف‪ ..‬عندما يكون‬ ‫ِّ‬ ‫عالم الدين حزبيا!‬

‫وهم‪ :‬اللغوي محمد مهدي املخزومي (ت ‪ ،)1993‬صاحب «مدرسة الكوفة ومنهجها في‬ ‫ُّ‬ ‫دراسة اللغة والنحو» و«الخليل بن أحمد الفراهيدي»‪ .‬وكبير النقاد علي جواد الطاهر (ت‬ ‫‪ )1996‬صاحب «الشعر العربي في العصر السلجوقي»‪ ،‬وثالثني كتابا آخر في شتى‬ ‫مجاالت األدب‪ .‬واألديب باقر سماكة (ت ‪ ،)1994‬صاحب «التجديد في األدب األندلسي»‪.‬‬ ‫في القرون اإلسالمية الوسطى» ومؤسس أكاديمية‬ ‫والفنان واألكاديمي خالد الجادر (ت ‪ )1988‬صاحب «التصوير العراقي ُ‬ ‫الفنون الجميلة ببغداد‪ .‬وعالم النفس نوري جعفر‪ ،‬الذي تغرب إلى ليبيا وقتل هناك في حادث مؤسف (‪ .)1991‬وآخرون ال‬ ‫تحضرني أسماؤهم‪ .‬وملا طالبت بهم الحكومة العراقية بحجة أنهم مطلوبون لها سياسيا لم تستغن املعارف السعودية عنهم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫كان جواب وزير املعارف السعودي آنذاك الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ‪ ،‬وكان على مستوى ِمن املوضوعية والتواضع‪:‬‬ ‫«هل لديكم آخرون َّمن هؤالء؟!»‪ .‬أكد لي قضية تورط الصواف في مثل هذا العمل أكاديمي سعودي كان يكن احتراما وتقديرا‬ ‫للناقد علي جواد الطاهر‪ ،‬الذي ترك في مكتبة جامعة امللك سعود كتابا ألفه ليكون مرجعا لطالب الجامعة «معجم املطبوعات‬ ‫العربية في اململكة العربية ُّ‬ ‫السعودية» (‪ 1417‬هـ) ثالثة مجلدات‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الشيخ َّ‬ ‫الصواف ألح كثيرا على وزير املعارف‪ ،‬بخصوص طرد هؤالء العلماء‪ ،‬وبعد أن تيقن الوزير من أن هؤالء نوابغ‬ ‫قال «إن‬ ‫في تخصصاتهم‪ ،‬وليس لهم تدخل في السياسة‪ ،‬وليسوا متظاهرين بأي انتماء حزبي أو فكري أو سياسي على العموم‪،‬‬ ‫ولبالده فائدة جمة من وجودهم‪ ،‬فإنه لم يأخذ إلحاح الصواف بنظر االعتبار وأهمله‪ ..‬وصور املخزومي والطاهر ما زالت‬ ‫ُ‬ ‫ذهبت إلى هناك ورأيتها بعيني‪ .‬بعدها سمعتها برواية الدكتور نوري‬ ‫معلقة على لوحة الشرف بالجامعة املذكورة»‪ ،‬وبالفعل‬ ‫جعفر‪ ،‬وأن َّ‬ ‫الصواف لم يترك األمر إنما أوصله إلى الديوان امللكي‪ ،‬على اعتبار أنه كان مستشارا‪ ،‬والتقى امللك فيصل بن عبد‬ ‫َّ‬ ‫العزيز باألساتذة‪ ،‬وأظهر لهم الترحيب‪ ،‬ولم يفتح معهم املوضوع‪ ،‬وظلوا يمارسون التدريس حتى فسح لهم املجال ببالدهم‬ ‫العراق‪.‬‬ ‫وعادوا إلى ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫الشيخ َّ‬ ‫الصواف إخوانيا سياسيا لنظرها‬ ‫ال نكتب هذا للتشهير‪ ،‬فالشيخ والعلماء رحلوا جميعا‪ ،‬بل ِعبرة ملن اعتبر‪ ،‬فلو لم يكن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ِمن زاوية أرحب‪ ،‬يلعب فيها دور األب‪ ،‬ال دور الند‪ .‬رحم الله الجميع‪ ،‬وفي املقدمة حسن آل الشيخ ملوقفه النبيل هذا‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬


‫ويضيف التقرير أن الهيئة يجب أن يرأسها شخص مدني بصفة «مدير عام»‬ ‫ويجب أن يتم تمويلها عن طريق تبرعات من الواليات املتحدة واألطراف املعنية‬ ‫مباشرة باألمر‪ .‬واألطراف األخری املهتمة عموما باملنطقة‪ ٬‬ويوضح التقرير أن‬ ‫هذه املرحلة االنتقالية يجب أن تكون ملدة خمس سنوات وأن «تستغل» لتشجيع‬ ‫قيام قوة بوليس وح��رس وطني محلية‪ .‬لكن خالل املرحلة االنتقالية تتولی‬ ‫مهمات الجيش والشرطة قوة سالم دولية تعمل تحت قيادة الهيئة التنفيذية‬ ‫املؤقتة‪ .‬ويقول التقرير‪« :‬في السنة الثالثة من املرحلة التمهيدية يختار سكان‬ ‫الضفة الغربية وغ��زة باالنتخاب حكومة مؤقتة م��زودة بسلطات محدودة‪..‬‬ ‫وعشية استقالل الدولة الفلسطينية يختار الفلسطينيون‪ ٬‬باالنتخاب أيضا‪٬‬‬ ‫أول حكومة وطنية مستقلة‪ .‬وخالل املرحلة االنتقالية تبقی القوات املسلحة‬ ‫اإلسرائيلية في هذه األراضي املحتلة لضمان أمن إسرائيل‪ .‬لكن هذه القوات‬ ‫يجب أن تنسحب ضمن جدول زمني يتم تحديده في معاهدة السالم»‪.‬‬ ‫ويتوقف التقرير عند وض��ع ال�ق��دس ف��ي ه��ذه املرحلة االنتقالية فيقول‪« :‬إن‬ ‫القدس تبقی خ�لال ه��ذه املرحلة تحت الحماية العسكرية اإلسرائيلية‪ ٬‬لكن‬ ‫الهيئة التنفيذية املؤقتة هي التي تشرف علی انتخاب رئيس البلدية وأعضاء‬ ‫املجلس البلدي وهي التي تعني مدير املدينة وتراقب تدفق الوافدين والالجئني‬ ‫إلی القدس»‪.‬‬ ‫ واملقصود بذلك خصوصا مطاردة الفلسطينيني وضربهم ‪ -‬ألن مثل هذه‬‫السياسة تخلق جو الحرب»‪..‬‬ ‫أميركا والدولة الفلسطينية‬

‫يتناول القسم الثاني م��ن ه��ذا التقرير االت�ج��اه السياسي املحتمل للدولة الدولة‪ ..‬اقتصاديا‬

‫الفلسطينية‪ ٬‬ويقول التقرير «إن الخالفات داخل الحركة الفلسطينية توحي‬ ‫بأن الصراعات الداخلية ستجعل الدولة الفلسطينية الجديدة غير مستقرة‪.‬‬ ‫لكن هذا ال يعني أن هذه الدولة ستميل حتما إلی االتحاد السوفياتي»‪ .‬ويوضح‬ ‫التقرير وجهة النظر هذه فيقول‪« :‬إن الدولة الفلسطينية ستبقی فترة من‬ ‫الزمن مرتبطة بالقوی الخارجية‪ ٬‬خصوصا العربية منها‪ ٬‬وستحتاج هذه‬ ‫الدولة إلی دعم مالي كبير‪ ٬‬لذلك يمكن القول إن سرعة تبني الدولة الفلسطينية‬ ‫مواقف وسياسة عملية رهن في الدرجة األولی بالقوی الخارجية»‪ .‬ويحث‬ ‫التقرير ال��والي��ات املتحدة علی دع��م إنشاء دول��ة فلسطينية‪ ٬‬خصوصا أن‬ ‫قيام ه��ذه ال��دول��ة هو «أم��ر حتمي»‪ .‬وي�ق��ول‪« :‬ونستطيع أن نستثمر الرغبة‬ ‫الواضحة لدی الفلسطينيني املعتدلني في التعامل مع الواليات املتحدة وكذلك‬ ‫رغبة العرب املعتدلني في ضمان قيام دولة فلسطينية مستقرة ومسؤولة‪.‬‬ ‫وحني تقوم الدولة الفلسطينية يجب أن تحث الواليات املتحدة الدول العربية‬ ‫املعتدلة علی إعالن قبولها وجود إسرائيل‪ .‬إن مثل هذه الخطوة تبدو صعبة‬ ‫جدا طاملا أن الواليات املتحدة تعارض قيام وطن فلسطيني لكنها تصبح‬ ‫سهلة إذا ساهمنا في إنشاء دولة فلسطينية وحل قضية القدس»‪ .‬ويعترف‬ ‫التقرير بأن الدولة الفلسطينية وإسرائيل ستشعر في البداية «بعدم الثقة»‬ ‫تجاه إجراءات ملموسة «لضمان أمن إسرائيل من دون تعريض أمن الدولة‬ ‫الفلسطينية للخطر»‪ .‬ويوصي التقرير بأن تنشئ الدولة الفلسطينية حرسا‬ ‫وطنيا من ‪ 10‬آالف شخص وقوة بوليس‪ .‬ويضيف‪« :‬لكي نشجع االستقرار‬ ‫السياسي يجب أن نحث الدول العربية املعتدلة علی تدريب هذه القوات وتمويلها‬ ‫ويجب أن تقتصر املعدات الحربية لهذه القوات علی األسلحة الخفيفة وطائرات‬ ‫النقل املالئمة وزوارق للدوريات‪ ..‬أما بالنسبة إلی القدس فيجب أن تتولی عملية‬ ‫حفظ السالم فيها خالل املرحلة االنتقالية قوات دولية»‪.‬‬ ‫ويقترح التقرير أن يسمح الفلسطينيون للمستوطنني اليهود بالبقاء في الضفة‬ ‫الغربية ويضيف‪« :‬إن مثل هذه املبادرة من جانب الفلسطينيني ستسهل قبول‬ ‫اإلسرائيليني معاهدة ال�س�لام‪ ..‬ويجب أن يسمح لهؤالء املستوطنني اليهود‬ ‫بحمل األسلحة الدفاعية فقط‪ ٬‬كالرشاشات والبنادق‪ ..‬ويخضع املستوطنون‬ ‫اليهود‪ ٬‬لكونهم مقيمني في الدولة الفلسطينية‪ .‬أما فيما يتعلق باملسائل الدينية‬ ‫واملشاكل واألوض��اع العائلية‪ ٬‬فينبغي أن تنظر فيها محاكم مختصة»‪ .‬وال‬ ‫يوضح التقرير عدد املستوطنني اليهود الذين سيبقون في الدولة الفلسطينية‬ ‫وال يقول إذا كانوا سيبقون إلی األبد أم لفترة زمنية معينة‪.‬‬ ‫ويذكر التقرير أن بعض األعمال التي قامت بها إسرائيل‪ ٬‬كقصف املفاعل‬ ‫ال�ن��ووي العراقي وض��م ال�ج��والن‪ ٬‬ال يمكن أن تستمر إذا ك��ان الهدف تحقيق‬ ‫سالم دائم‪ .‬كما ال يمكن السماح إلسرائيل باتباع سياسة «مطاردة اآلخرين‬

‫القسم الثالث من التقرير يتناول موضوع اقتصاد الدولة الفلسطينية وقابليتها‬ ‫للحياة واالستمرار‪ .‬ويقول التقرير‪« :‬إذا كان إنشاء مثل هذه الدولة سيحقق‬ ‫السالم فإن الدول الغربية ودول الخليج العربي ستجد حافزا كبيرا في دعمها‬ ‫بما تحتاج إليه من مال‪ .‬وفي الوقت نفسه فإن الحاجة إلی إنفاق مبالغ هائلة‬ ‫علی شراء األسلحة ستتضاءل جديا في حال تحقيق السالم مما يتيح املجال‬ ‫لتحويل جزء مهم من املخصصات لدعم الدولة الفلسطينية اقتصاديا»‪.‬‬ ‫ويكشف التقرير أن االحتالل اإلسرائيلي للضفة الغربية وغزة خلق اضطرابا‬ ‫جديا في وضع هذه املنطقة االقتصادي واملالي‪ ٬‬ويقول إن حاجة إسرائيل إلی‬ ‫األيدي العاملة‪ ٬‬خصوصا بعد حرب ‪ .1972‬جعلت الدولة اليهودية تعتمد اعتمادا‬ ‫كبيرا علی أهالي األراضي املحتل‪ ٬.‬ويضيف التقرير أن من األمور التي يمكن‬ ‫تحقيقها بعد ضمان السالم في تلك املنطقة‪ ٬‬إنشاء عالقات اقتصادية وثيقة‬ ‫بني الدولة الفلسطينية واألردن وإسرائيل‪.‬‬ ‫ويوصي التقرير بتركيز االستثمارات في الضفة وغزة علی تطوير الزراعة‬ ‫والسياحة‪ .‬وي�ق��ول إن ال�خ�ب��راء االقتصاديني يتوقعون أن يأتي إل��ی الضفة‬ ‫الغربية بعد تحقيق ال�س�لام‪ ٬‬بني مليون ومليون ونصف من الفلسطينيني‬ ‫املهاجرين‪ ٬‬لكن هذا األمر قد يستغرق عدة سنوات‪ .‬ويذكر التقرير أن هناك‬ ‫بال شك فوائد اقتصادية في تحقيق السالم وإنشاء دول��ة فلسطينية‪ ٬‬لكنه‬ ‫يقول إن املرحلة االنتقالية ستتخللها عقبات بسبب اعتماد إسرائيل الكبير‬ ‫علی منتجات الضفة وغزة‪.‬‬ ‫ويضيف‪« :‬بعد إنشاء الدولة الفلسطينية لن تستطيع إسرائيل شراء اإلنتاج‬ ‫الزراعي من الضفة وغزة بالسعر املنخفض الذي تدفعه اآلن‪ ٬‬بل إن سعر هذه‬ ‫املنتجات سيرتفع ويوازي سعرها في السوق العاملية‪ ٬‬وحني ذلك علی إسرائيل‬ ‫أن تختار بني زي��ادة إنتاجها ال��زراع��ي الداخلي أو التوصل إل��ی تسويات مع‬ ‫الدولة الفلسطينية»‪.‬‬ ‫ويالحظ التقرير أن إقامة دولة فلسطينية‪ ٬‬ضمن املفاهيم واملقومات املذكورة‪ ٬‬قد‬ ‫تخفف علی إسرائيل بعض النفقات‪ ٬‬ويكشف التقرير‪« :‬إن إسرائيل تنفق حاليا‬ ‫مبالغ مهمة من موازنتها علی قوات الجيش والشرطة في الضفة وغزة‪ ٬‬وعلی‬ ‫مساعدة املستوطنني اإلسرائيليني في تلك املنطقة‪ .‬والسلطات اإلسرائيلية ال‬ ‫تكشف حجم هذه النفقات ألسباب سياسية‪ ٬‬لذلك فإن اإلسرائيليني ال يعلمون‬ ‫عنها أي شيء‪ ..‬لكن مثل هذه النفقات ستخف بال شك بعد تحقيق السالم»‪.‬‬ ‫وينتهي التقرير إل��ی ال�ق��ول إن ال�س�لام وح��ده يجلب االس�ت�ق��رار واالزده ��ار‬ ‫االقتصادي إلی املنطقة وإنشاء الدولة الفلسطينية عامل أساسي في تحقيق‬ ‫السالم <‬

‫الرئيس األميركي رونالد ريغان‬ ‫ورئيس الوزراء اإلسرائيلي مناحيم‬ ‫بيغن يتجوالن في حدائق البيت األبيض‬ ‫بالعاصمة واشنطن (يونيو‪)1982 /‬‬

‫يوصي التقرير بأن‬ ‫تمر عملية إنشاء‬ ‫الدولة الفلسطينية‬ ‫بمرحلة انتقالية‬ ‫مدتها خمس سنوات‬ ‫وإن القدس يجب‬ ‫أن تكون «مدينة‬ ‫مفتوحة وعاصمة‬ ‫لفلسطني وإسرائيل‬ ‫في آن واحد»‬

‫غالف املجلة العدد (‪)112‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪65‬‬


‫أرشيف‬

‫للمرة األولى يصدر أربعة مسؤولني في وزارة الخارجية األميركية‪ ٬‬من األخصائيني في شؤون الشرق األوسط‪٬‬‬ ‫تقريرا مفصال عن الدولة الفلسطينية‪ ٬‬يؤكد أن قيام هذه الدولة أمر حتمي‪ ٬‬ويقول إن الواليات املتحدة يجب أن‬ ‫تساعد على إنشاء هذه الدولة‪.‬‬

‫مسؤولون كبار في الخارجية األميركية أعدوا أول تقرير من نوعه‬

‫تكشف مضمون مشروع أمريكي‬ ‫سري إلنشاء الدولة الفلسطينية‬ ‫املجلة‬ ‫العدد (‪)112‬‬ ‫‪1982/04/9‬‬ ‫واشنطن‬ ‫خاص بـ«املجلة»‬

‫فكرة الدولة‬ ‫الفلسطينية ليست‬ ‫مجرد «طموح»‬ ‫عربي ‪ -‬فلسطيني‬ ‫بل هي مسألة يری‬ ‫مسؤولون كبار في‬ ‫الخارجية األميركية‬ ‫أن تحقيقها‬ ‫ضروري وأساسي‬

‫‪64‬‬

‫املسؤولون األربعة يؤلفون «مجموعة عمل فلسطينية ‪ -‬إسرائيلية»‬ ‫داخل وزارة الخارجية األميركية‪ ٬‬وقد أعدوا تقريرهم هذا بعد دراسة‬ ‫الوضع في الشرق األوسط من كل جوانبه‪ ٬‬وطبع من التقرير‪ ٬‬الذي‬ ‫وضعت عليه إشارة «سري» عدد محدود من النسخ جری توزيعها على كبار‬ ‫املسؤولني في اإلدارة األميركية وفي الكونغرس‪ ٬‬وص��درت تعليمات مشددة‬ ‫بعدم تسريب نصه‪ ٬‬لكن بعض وكاالت األنباء العاملية وزعت مقتطفات صغيرة‬ ‫منه‪ ٬‬وقد دفع ذلك وزير الخارجية األميركية األسبق ألكسندر هيغ إلی إصدار‬ ‫تعليمات بسحب هذا التقرير من التداول‪.‬‬ ‫«املجلة» تمكنت من االطالع علی النص الكامل لهذا التقرير داخل مكتب أحد‬ ‫املسؤولني ف��ي وزارة الخارجية األميركية‪ ٬‬وق��د سمح ه��ذا امل�س��ؤول ملندوب‬ ‫«املجلة» بنقل كل التفاصيل‪.‬‬ ‫وفيما يأتي أبرز ما يتضمنه هذا التقرير‪:‬‬ ‫أص��درت «مجموعة العمل الفلسطينية ‪ -‬اإلسرائيلية» ف��ي وزارة الخارجية‬ ‫األميركية تقريرا أكد أن قيام الدولة الفلسطينية أمر حتمي ال مفر منه‪ ٬‬وأن هذه‬ ‫الدولة ستكون قابلة للحياة كما أنها ال تشكل سوی «مجازفة ضئيلة» علی‬ ‫صعيد السالم في الشرق األوسط‪ ٬‬ويوصي التقرير بأن تمر عملية إنشاء الدولة‬ ‫الفلسطينية بمرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات‪ ٬‬ويقول إن القدس يجب أن‬ ‫تكون «مدينة مفتوحة وعاصمة لفلسطني وإسرائيل في آن واحد»‪ .‬ويتضمن‬ ‫التقرير اقتراحا غريبا يقول إن املستوطنني اليهود يجب أن يبقوا في هذه الدولة‬ ‫الفلسطينية املستقلة وإن ذلك يشكل «خطوة لتعزيز الثقة بني العرب واليهود»‪.‬‬ ‫ينقسم هذا التقرير إلی ثالثة أقسام‪ ٬‬وقد ألفه أربعة من خبراء الشرق األوسط‬ ‫في وزارة الخارجية األميركية‪ ٬‬األربعة هم‪:‬‬ ‫■ الري رويد‪ ،‬وهو أميركي ولد في بيروت ويعتبر أيضا من الخبراء في شؤون‬ ‫العالقات مع الدول الشيوعية‪.‬‬ ‫■ فرانكلني ماركو‪ ،‬وهو أميركي درس في الجامعة العبرية في القدس قبل أن‬ ‫ينضم إلی الخارجية األميركية‪.‬‬ ‫■ هنري سيزر الذي أمضی معظم حياته الدبلوماسية في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫■ ميلندا كيمبل‪ ٬‬وهي عملت فترة في السفارة األميركية في القاهرة وتعتبر‬ ‫أخصائية في شؤون النفط‪.‬‬ ‫هذا التقرير يعكس آراء هؤالء الخبراء املوظفني في الخارجية األميركية‪ ٬‬لكن‬ ‫املراقبني املطلعني في واشنطن يقولون إنه ال بد أن يؤثر علی تفكير إدارة ريغان‬ ‫حني تواجه الوضع في الشرق األوسط بعد الجالء اإلسرائيلي عن سيناء‪.‬‬ ‫أك��د التقرير ف��ي قسمه األول أن ال�ح��ل ال��وح�ي��د ل�ل�ن��زاع العربي‬ ‫اإلسرائيلي‪ ٬‬والذي يمكن أن يكون قابال للحياة واالستمرار‪ ٬‬هو‬ ‫الحل «الذي يرضي السكان املعنيني مباشرة أكثر من أي مجموعة‬ ‫أخرى‪ ٬‬ونقصد بذلك الفلسطينيني وال يمكن أن يرضی الفلسطينيون‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫بأقل من الحصول علی استقالل حقيقي من األردن وإسرائيل وفي األراضي‬ ‫التي احتلتها إسرائيل في حرب ‪ ،67‬إن الفلسطينيني يناضلون اليوم‪ ٬‬كما‬ ‫ناضل غيرهم في السابق من أجل الحصول علی حق تقرير املصير‪ .‬وحق‬ ‫تقرير املصير يعني في القرن العشرين دولة مستقلة»‪.‬‬

‫القدس‬ ‫ويتناول التقرير بالتفصيل موضوع الدولة الفلسطينية التي ينبغي إنشاؤها‬ ‫في الضفة الغربية وغزة ويقول‪« :‬إن مخاوف إسرائيل األمنية يمكن معالجتها‬ ‫عن طريق مجموعة واسعة من اإلجراءات العملية»‪.‬‬ ‫ويتحدث التقرير عن مدينة القدس ومستقبلها ‪ -‬وهو املوضوع الذي نصحت‬ ‫عدة إدارات أميركية بمعالجته في املرحلة األخيرة من عملية السالم ‪ -‬فيقول‪:‬‬ ‫«إن أي تحرك نحو إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة يجب أن‬ ‫يبدأ بإيجاد حل ملسألة القدس‪ ..‬إن املشاكل السياسية والدينية والرمزية لهذه‬ ‫املسألة يمكن أن تعطل أو تؤخر أي جهود لحل النزاع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي‪..‬‬ ‫يجب أن تبقی القدس غير مجزأة‪ ٬‬لكن ينبغي أن تكون عاصمة إلسرائيل والدولة‬ ‫الفلسطينية الجديدة في آن واحد‪ .‬يجب أن تبلغ الواليات املتحدة األطراف املعنية‬ ‫برغبتها في االعتراف بالقدس عاصمة مشتركة لهاتني الدولتني‪ ٬‬وأن توضح أن‬ ‫نقل السفارة األميركية من تل أبيب إلی القدس سيكون رهنا بالتفاوض علی‬ ‫معاهدة سالم بني الفلسطينيني واإلسرائيليني‪ .‬إن اعتراف الواليات املتحدة‬ ‫بالقدس كعاصمة رسمية إلسرائيل‪ ٬‬سيجعلنا نخسر إحدی األوراق الحقيقية‬ ‫القليلة التي نملكها في التعامل مع إسرائيل وسيدمر أيضا مصداقيتنا مع‬ ‫الفلسطينيني»‪ .‬ويقول التقرير إن القدس يجب أن يحكمها «مجلس حكومي‬ ‫بلدي» يرأسه «مدير» للمدينة ال يكون فلسطينيا أو إسرائيليا بل له صفة دولية‪.‬‬ ‫ويمكن أن يكون هناك رئيس بلدية منتخب للقدس وأن يتناوب علی هذا املنصب‬ ‫مرة شخصية فلسطينية ومرة شخصية إسرائيلية‪« ..‬ويجب أن يكون هناك‬ ‫قضاء مشترك فلسطيني ‪ -‬إسرائيلي وشرطة فلسطينية إسرائيلية تراقب‬ ‫عملها لجنة مشتركة‪ .‬أما بالنسبة إلی السكان الدائمني للقدس فسيحتفظون‬ ‫بحقوقهم والتزاماتهم كمواطنني تابعني‪ ٬‬إما إلسرائيل وإما للدولة الفلسطينية‪.‬‬ ‫وسيتمتعون بحرية االنتقال إل��ی إسرائيل وال��دول��ة الفلسطينية وك��ل أنحاء‬ ‫مدينة القدس»‪ .‬ويتحدث التقرير عن املرحلة االنتقالية التي ستمر بها عملية‬ ‫قيام الدولة الفلسطينية‪ ،‬فيقول إنه «ينبغي إنشاء هيئة تنفيذية مؤقتة‪ ٬‬مزودة‬ ‫بصالحيات في مجال اإلدارة املدنية ومدعومة بقوات من الجيش والشرطة‪.‬‬ ‫تكون مهمتها اإلشراف علی املرحلة االنتقالية الدقيقة التي تمهد لقيام الكيان‬ ‫الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة‪ .‬واملفترض أن يتولی مجلس األمن الدولي‬ ‫إنشاء هذه الهيئة التنفيذية املؤقتة‪ ٬‬لكن بسبب عدم ثقة إسرائيل باألمم املتحدة‬ ‫فإنه يمكن إنشاء هذه الهيئة عن طريق التفاوض بني األطراف املعنية»‪.‬‬


‫والتي نظر لها االقتصادي البريطاني جون ستيوارت ميل وانتهاء بدولة‬ ‫الرفاهية التي تلتزم بتقديم الخدمات االجتماعية واالقتصادية للمواطن‬ ‫والتي قامت على أفكار بياتريس ويب بعد الحرب العاملية الثانية‪ .‬بوادر‬ ‫التحول الرابع للدولة الحديثة ظهرت في سنوات السبعينات والثمانينات من‬ ‫القرن املاضي على يد رئيسة الوزراء البريطانية املرأة الحديدية مارغرت‬ ‫ثاتشر والرئيس األميركي رونالد ريغان اللذين تبنيا ث��ورة عاملية ضد‬ ‫تضخم األجهزة البيروقراطية وزيادة اإلنفاق الحكومي وارتفاع الضرائب‪.‬‬ ‫فبدأت مارغريت ثاتشر عهدها بخصخصة الخطوط الجوية البريطانية‬ ‫وشركة االتصاالت وبالتالي قلصت من حجم الحكومة وإنفاقاتها وهو‬ ‫األم��ر نفسه ال��ذي سعى إليه الرئيس ري�غ��ان‪ .‬لكن ه��ذه ال�ث��ورة لم تكتمل‬ ‫لعدة أسباب منها طبيعة النظام الديمقراطي نفسه والذي سمح ألحزاب‬ ‫املعارضة ف��ي إع��اق��ة الكثير م��ن التشريعات التي تقترحها الحكومات‪.‬‬ ‫واليوم يرى املؤلفان أنه مالم يتم إع��ادة هيكلة نموذج الدولة الغربية فإن‬ ‫ذلك سيشكل خطرا على الديمقراطية نفسها حيث إنه كلما تحملت الدولة‬ ‫املزيد من االلتزامات االقتصادية واالجتماعية تجاه املواطنني عجزت عن‬ ‫تنفيذها بسبب التحديات االقتصادية العاملية أو شح املوارد أو ارتفاع عدد‬ ‫السكان وبالتالي يزداد سخط الناس عليها وعدم اقتناعهم بها وربما عدم‬ ‫اقتناعهم بفاعلية النظام الديمقراطي نفسه‪ .‬وهذا بالتحديد ما حدث في‬ ‫اليونان وإيطاليا أثناء أزمة اليورو قبل عدة أعوام حيث استبدلت حكومات‬ ‫ديمقراطية منتخبة بأخرى تكنوقراط تحت ضغوطات االتحاد األوروبي‪.‬‬ ‫كما أن نسب العضوية في األحزاب الرئيسة في الدول الغربية تتراجع كما‬ ‫في بريطانيا حيث يشير املؤلفان إلى أن نسبة األعضاء املنتمني لألحزاب‬ ‫الرئيسية في بريطانيا اليوم هي ‪ %1‬باملقارنة مع ‪ %20‬في الستينات‬ ‫امليالدية‪.‬‬

‫نحو طور رابع للدولة‬ ‫يستعرض املؤلفان مجموعة من الحلول واألفكار التي قد تساهم في املضي‬ ‫نحو طور رابع للدولة الحديثة‪ .‬هذه األفكار ترتبط بالعقد االجتماعي بني‬ ‫الدولة واملواطن وترتبط أيضا بالعملية الديمقراطية‪ .‬فمن ناحية االلتزامات‬ ‫االجتماعية واالقتصادية التي تقدمها ال��دول��ة للمواطنني يطرح املؤلفان‬ ‫أمثلة لبرامج مبتكرة من عدة دول من خارج املنظومة الغربية‪ .‬هدف هذه‬ ‫البرامج هو تقديم الخدمات االجتماعية الضرورية للمواطنني ولكن بأقل‬

‫كلفة أو بطريقة تضمن منفعة متبادلة بني الطرفني الدولة واملواطن‪ .‬أحد‬ ‫هذه البرامج تطبقه الحكومة البرازيلية لتحويل مساعدات مالية للفقراء‬ ‫مشروطة بإتمامهم لبرامج تدريب أو إرسال أبنائهم إلى املدارس‪ .‬في هذا‬ ‫البرنامج يستفيد املواطن بشكل مباشر عبر حصوله على املال وتستفيد‬ ‫ال��دول��ة بشكل غير مباشر إذ إن ذه��اب األط�ف��ال إل��ى امل��دارس سيعطيهم‬ ‫فرصا اقتصادية أفضل مستقبال وسيقلص الفجوة بني الفقراء واألغنياء‪.‬‬ ‫كما يستعرض املؤلفان فكرة بدأت الهند في تجربتها بهدف تقديم رعاية‬ ‫صحية أكثر فاعلية ولكن بتكلفة أقل ماديا‪ .‬ففي الهند يوجد ‪ 6‬أطباء لكل‬ ‫‪ 10000‬مواطن وملواجهة هذا العجز وبدال من التركيز فقط على تخريج عدد‬ ‫أكبر من األطباء بما تستغرقه عملية تعليمهم وتدريبهم من وقت وإنفاق‪،‬‬ ‫اقترحت وزارة الصحة الهندية استحداث برنامج تدريبي مدته ‪ 3‬سنوات‬ ‫لتخريج ممرضني قادرين على تقديم الخدمات الطبية األساسية للمرضى‬ ‫وتشخيص وعالج األمراض البسيطة بما يغنيهم عن الذهاب لألطباء‪ .‬أما‬ ‫بالنسبة للحكم والديمقراطية فيقترح املؤلفان نقل «‪ »outsource‬القرارات‬ ‫االقتصادية الكبرى املتعلقة بالسياسات املالية للدولة إلى لجان وهيئات‬ ‫مستقلة قوامها خبراء تكنوقراط‪ .‬هذا سيعطي فرصا أكبر لقبول هذه‬ ‫السياسات وتمريرها استنادا إلى استقاللية هذه الهيئات عن الحكومة أو‬ ‫الحزب الحاكم‪ .‬في نفس الوقت فإن املزيد من املشاركة الشعبية مطلوب‬ ‫في القرارات املتعلقة باملستوى املحلي والبلدي للمواطن ويضرب املؤلفان‬ ‫املثل بالهند مرة أخرى حيث نجح رئيس ال��وزراء الحالي ناريندرا مودي‬ ‫أث�ن��اء حكمه ل��والي��ة ك��وج��رات وبفضل السلطات ال��واس�ع��ة املخولة ل��ه في‬ ‫خلق اقتصاد صناعي للوالية بات نموذجا يتمنى الكثيرون تطبيقه على‬ ‫مستوى الدولة في الهند‪.‬‬ ‫قد يبدو هذا الكتاب غير ذي أهمية للقارئ العربي حيث يغرق العالم العربي‬ ‫اليوم في موجة من اإلرهاب واالنهيار السياسي‪ .‬لكن من الضروري أن نضع‬ ‫في البال أن األطوار الثالثة للدولة الحديثة كما يطرحها الكتاب انبعثت من‬ ‫رحم الحروب التي خاضتها أوروبا‪ .‬فـ(الدولة ‪ -‬األمة) التي جاء بها توماس‬ ‫هوبز نشأت على إث��ر ال�ح��روب الدينية التي خاضتها أوروب ��ا ف��ي القرنني‬ ‫السادس والسابع عشر‪ .‬و(الدولة الليبرالية) التي نظر لها جون ستيوارت‬ ‫ميل نشأت في أعقاب الثورة الفرنسية وحرب االستقالل األميركية‪ .‬و(دولة‬ ‫الرفاهية) جاءت في أعقاب الحربني العامليتني‪ .‬ما يمر به العالم العربي اليوم‬ ‫على صعوبته يشكل فرصة إلعادة بناء الدولة العربية التي انهارت في بعض‬ ‫الحاالت وشارفت على االنهيار في حاالت أخرى <‬

‫تمثال «املرليون» احد اشهر‬ ‫معالم سنغافورة السياحية‬

‫بعض‬ ‫عناصر قوة‬ ‫الديمقراطية‬ ‫تتحول‬ ‫أحيانا‬ ‫إلى عوامل‬ ‫ضعف تعيق‬ ‫الحكومات‬ ‫في أداء‬ ‫مهامها‬

‫جون ميكلثويت‬ ‫رئيس تحرير مجلة‬ ‫اإليكونوميست‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪63‬‬


‫ثقافة‬

‫األطوار الثالثة للدولة الحديثة انبعثت من رحم الحروب التي خاضتها أوروبا‪ .‬فـ(الدولة ‪ -‬األمة) التي جاء بها‬ ‫توماس هوبز نشأت على إثر الحروب الدينية التي خاضتها أوروبا في القرنني السادس والسابع عشر‪.‬‬ ‫و(الدولة الليبرالية) التي نظر لها جون ستيوارت نشأت في أعقاب الثورة الفرنسية وحرب االستقالل‬ ‫األميركية‪ .‬و(دولة الرفاهية) جاءت في أعقاب الحربني العامليتني‪ .‬ما يمر به العالم العربي اليوم على صعوبته‬ ‫يشكل فرصة إلعادة بناء الدولة العربية‪ ،‬وترسيخ عقد اجتماعي متني بني الدولة واملواطن‪.‬‬

‫فشل الديمقراطية وعجز الحكومة املنتخبة‪ ..‬أزمة النظام السياسي الغربي‬

‫الـثـورة الرابعـة‬ ‫جدة‪:‬‬ ‫عاصم صالح‬

‫«لقد حافظ الغرب على تفوقه وقدرته الخالقة بسبب نجاحه املتكرر‬ ‫في إع��ادة اختراع ال��دول��ة» بهذه العبارة يختتم ج��ون ميكلثويت‬ ‫رئيس تحرير مجلة اإليكونوميست» وأدريان وولدريدج محرر‬ ‫الشؤون اإلدارية في نفس املجلة كتابهما املشترك «الثورة الرابعة‪ :‬السباق‬ ‫العاملي نحو إعادة اختراع الدولة (‪The Fourth Revolution: The Global‬‬ ‫‪.»)Race to Reinvent the State‬‬ ‫الفكرة املحورية لهذا الكتاب املهم والصادر في شهر مايو (أيار) املاضي هي‬ ‫أن العالم بشكل عام والغرب تحديدا يواجهان معضلة في أداء الحكومات‬ ‫والتي تعاني من قصور فاعليتها ومن األعباء املالية وبالتالي فإن تغييرا‬ ‫كبيرا أو ثورة في صيغة الدولة الحديثة هو أمر ضروري‪.‬‬ ‫ويعتبر امل��ؤل��ف��ان أن ن��ج��اح ال��ح��ض��ارة الغربية ف��ي اخ��ت��راع صيغة للدولة‬ ‫الحديثة في القرن السابع عشر وفيما بعد تطوير هذه الصيغة عبر ثالث‬ ‫ث��ورات فكرية ضمن لهذه الحضارة ال��ري��ادة أم��ام باقي منافسيها‪ .‬لكن‬ ‫هذه الحضارة تواجه تحديا كبيرا في العصر الحالي بسبب عيوب إدارية‬ ‫وسياسية في صيغة «دولة الرفاهية» التي تمثلها هذه الحضارة وطبيعة‬ ‫العقد االجتماعي بني الدولة واملواطن مما قد يسمح بتفوق لصيغ أخرى‬ ‫للدولة تمثلها نماذج أوتوقراطية سياسيا ولكنها فاعلة وناجحة اقتصاديا‬ ‫وتقنيا كالصني وسنغافورة‪.‬‬

‫عجز الحكومات بسبب الديمقراطية‬

‫اسم الكتاب‪:‬‬ ‫الثورة الرابعة‪..‬‬ ‫السباق العاملي نحو إعادة‬ ‫اختراع الدولة‬ ‫تأليف‪ :‬جون ميكلثويت‬ ‫وأدريان وولدريدج‬ ‫سنة النشر‪2014 :‬‬

‫‪62‬‬

‫يعدد املؤلفان مجموعة من األس��ب��اب لتراجع فاعلية األداء الحكومي أو‬ ‫العجز الحكومي اليوم منها‪ :‬تضخم الجهاز الحكومي وارتفاع معدالت‬ ‫اإلنفاق الحكومي بالنسبة إلجمالي الناتج املحلي‪ ،‬واالفتقار إلى الكفاءات‬ ‫ال��ب��ي��روق��راط��ي��ة ف���ي األج���ه���زة ال��ح��ك��وم��ي��ة وال��ش��ل��ل ال����ذي ي��ص��ي��ب الكثير‬ ‫م��ن الحكومات الغربية بسبب عيوب ف��ي العملية الديمقراطية نفسها‪.‬‬ ‫والسبب األخير تحديدا خصص له املؤلفان فصال كامال بعنوان «العجز‬ ‫الديمقراطي»‪ .‬وفيه يجادل املؤلفان بأن بعض عناصر قوة الديمقراطية‬ ‫تتحول أحيانا إلى عوامل ضعف تعيق الحكومات في أداء مهامها‪.‬‬ ‫فعلى سبيل املثال بإمكان نائب عن والية أميركية صغيرة ال يتجاوز عدد‬ ‫سكانها النصف مليون كوالية (ويومينغ) أن يعطل إص��دار تشريعات‬ ‫وقرارات تمس ‪ 300‬مليون مواطن أميركي عبر ممارسة املناكفة السياسية‬ ‫«‪ »filibustering‬في جلسات مجلس النواب‪ .‬باملقارنة مع هذا‪ ،‬فإن حكومات‬ ‫ال��دول اآلسيوية املتقدمة كالصني وسنغافورة ال تواجه مخاطر الشلل‬ ‫ال��س��ي��اس��ي‪ .‬فالتشريعات وال��ق��وان�ين وامل��ش��اري��ع ال��ج��دي��دة ي��ت��م اعتمادها‬ ‫وتنفيذها دون معاناة مع املناكفات السياسية والجدل اآليديولوجي بني‬ ‫األحزاب‪ .‬والفضل في ذلك يعود إلى الفلسفة السياسية واالجتماعية التي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫تبناها ديكتاتور سنغافورة الصالح لي كوان يو‪ .‬حيث ينسب إليه املؤلفان‬ ‫القول بأن ما تحتاجه أي دولة هو النظام «‪ »discipline‬أكثر من الديمقراطية‬ ‫وأن الحكم الرشيد يعتمد على نخبة من املتعلمني الصالحني وال يعتمد‬ ‫بالضرورة على رأي الغالبية‪ .‬وهذا ما سعى الصينيون لتطبيقه بعد انهيار‬ ‫الشيوعية حول العالم عام ‪ .1989‬إذ يتحدث املؤلفان باستفاضة في الفصل‬ ‫املعنون بـ«البديل اآلسيوي» عن تجربة الحزب الشيوعي الصيني الذي تبنى‬ ‫رأسمالية الدولة فيصفانه بأكبر «إدارة موارد بشرية» في العالم بسبب‬ ‫احتفاظه بملفات لكل القيادات االقتصادية والعلمية واإلداري��ة في البالد‬ ‫مما يسمح باختيار األكفأ منهم لقيادة املناصب والشركات الحكومية‪.‬‬

‫تجربة الحكومة الصينية‬ ‫لبناء ك��ادر بشري ضخم م��ن البيروقراطيني األك��ف��اء‪ ،‬أن��ش��أت الحكومة‬ ‫الصينية عام ‪ 2005‬في ضواحي مدينة شنغهاي أكاديمية الصني للقيادات‬ ‫العليا‪ .‬ورغم أن األكاديمية تقع تحت إشراف الحزب الشيوعي الصيني فإن‬ ‫مناهجها ال تكترث بآيديولوجيات الحزب بقدر ما تهتم بتطوير القدرات‬ ‫اإلدارية للنخب الصينية من أجل إعدادهم لتقلد مناصب عليا سواء في‬ ‫الحكومة الصينية نفسها أو ف��ي الشركات اململوكة م��ن قبلها‪ .‬ويقول‬ ‫املؤلفان إن الصني عندما بحثت عن تحديث اقتصادها وتطوير منتجاتها‬ ‫فإن أعني قياداتها اتجهت نحو أميركا والغرب ولكنها عندما بحثت عن‬ ‫الحكم الرشيد واإلدارة الفعالة فإنها اختارت وجهة أخرى وهي سنغافورة‪.‬‬ ‫لكن مع هذا‪ ،‬ال يخلو النموذج الصيني للدولة والتنمية من عيوب خطيرة‪.‬‬ ‫أحدها كما يجادل املؤلفان هو أن تراجع النمو السكاني بسبب القوانني التي‬ ‫تحد من اإلنجاب سيخلق مشكلة اجتماعية مستقبال حيث إن عددا كبيرا‬ ‫من السكان من كبار السن لن يجد من يرعاهم وبالتالي ستضطر الدولة‬ ‫إلى تقديم املزيد من اإلنفاق املالي والخدمات االجتماعية لهم أي االتجاه‬ ‫نحو املزيد من صيغة «دولة الرفاهية» التي يمثلها الغرب اليوم وفي نفس‬ ‫الوقت يعاني من ضغوطاتها على فاعلية أداء حكوماته‪.‬‬

‫أطوار الدولة الحديثة‬ ‫في الفصول األولى للكتاب‪ ،‬استعرض املؤلفان ثالثة أطوار للدولة الحديثة‬ ‫نشأت عبر ثالث ثورات فكرية في العالم الغربي‪ .‬بداية من الدولة ‪ -‬األمة‬ ‫ذات السلطة املركزية التي تتحكم في املجتمع وذلك في القرن السابع عشر‬ ‫عبر نظريات توماس هوبز وم��رورا بالدولة الليبرالية في القرن التاسع‬ ‫عشر وال��ت��ي تهدف إل��ى ضمان الحرية الشخصية واالقتصادية للفرد‬


‫يكشف هذا السؤال املزيد عن الخبراء وليس عن املقاتلني‪ .‬من يطرح هذا التساؤل‬ ‫يفترض أوال أن املرأة أكثر سلمية من الرجل بطبيعتها‪ ،‬وثانيا أن املرأة التي تشارك‬ ‫في الصراع املسلح تمثل فقط وقودا للحرب التي يشعلها الرجل‪ ،‬وأنها تقاتل‬ ‫بحماقة من أجل حركة لن تحقق لها فائدة‪ .‬ووفقا ملا أثبتته نساء «داعش»‪ ،‬فإن كال‬ ‫االفتراضني خاطئ‪ .‬ومن أجل معرفة نساء «داعش» ودوافعهن‪ ،‬من املفيد أن نضع‬ ‫األمر في سياقه التاريخي بمقارنته مع جيوش النساء في السلفادور وإريتريا‬ ‫ونيبال وبيرو وسريالنكا الالتي انضممن بإرادتهن إلى حركات وميليشيات‬ ‫تمارس العنف‪ ،‬وأحيانا ما تقلدن رتبا رفيعة‪ .‬وفي كل من تلك الحاالت‪ ،‬كانت املرأة‬ ‫تلتحق بتلك الحركات لألسباب ذاتها التي تدفع الرجال إلى ذلك‪ .‬ونظرا لوجودهن‬ ‫في دوائر اجتماعية محافظة‪ ،‬واجه هؤالء النساء تهديدات مستمرة لهوياتهن‬ ‫العرقية أو الدينية أو السياسية‪ ..‬وكانت تلك التهديدات عادة‪ ،‬وليست املظالم التي‬ ‫ترجع جذورها إلى اختالف النوع‪ ،‬هي التي أقنعتهن بحمل السالح‪.‬‬ ‫يمكن أن يخفي العنف غير اإلنساني الذي يمارسه تنظيم «داعش» بصورة خاصة‬ ‫حقيقة أن الصراع في العراق له جذور تتعلق بالهوية‪ :‬في األساس‪ ،‬تندلع معركة‬ ‫طائفية بني املسلمني من السنة والشيعة‪ ،‬في حني يقع العديد من األقليات األصغر‬ ‫حجما في املنتصف‪ .‬لذلك من املنطقي أن تعتمد كتيبة الخنساء‪ ،‬املكونة من النساء‬ ‫فقط وتتبع «داعش»‪ ،‬بقوة على سياسة الهوية في تجنيد واستهداف الشابات‬ ‫الالتي يشعرن بالظلم كمسلمات سنيات‪ .‬وكانت بالفعل الفتاوى التي صدرت من‬ ‫أشخاص مجهولني يدعون النساء غير املتزوجات إلى االنضمام للقتال في سبيل‬ ‫إقامة الخالفة اإلسالمية كافية لجذب النساء إلى االنضمام إلى «داعش» من أماكن‬ ‫أخرى بعيدة عن املنطقة‪ .‬إذا أغفل صناع السياسات مثل هذه الدوافع وتعاملوا‬ ‫مع املقاتالت بصفتهن مجرد أدوات في يد القيادات من الرجال‪ ،‬سوف نجد أنه‬ ‫من الصعب منع اتجاه التطرف النسائي‪ .‬وكما كتبت جني هارمن‪ ،‬رئيسة مركز‬ ‫وودرو ويلسون الدولي‪ ،‬في مقال نشر مؤخرا‪ ،‬إن مواجهة الخطاب املتطرف يتطلب‬ ‫استيعاب األشخاص املتطرفني‪.‬‬

‫بعيدا عن النوع‬ ‫من املؤكد أنه يمكن أن يتداخل النوع والسياسة فيما يخص املرأة بطريقة ال تحدث‬ ‫مع الرجال‪ .‬تجد معظم املقاتالت الطريق إلى ميدان املعركة وحشيا‪ ،‬ولكن ما يدفع‬ ‫بعضهن إلى القتال هي رغبة عملية في األمان‪ .‬وفي مناطق اشتعال الحروب‬ ‫حول العالم‪ ،‬تمتص املرأة قدرا غير متكافئ من تداعيات الصراع‪ ،‬ومنها الحرمان‬ ‫املادي في مخيمات الالجئني‪ ،‬واملضايقات اليومية والخوف في املناطق العسكرية‪،‬‬ ‫والتعرض املستمر لجرائم االغتصاب‪ .‬أحيانا ما يكون االنضمام إلى القتال هو‬ ‫الوسيلة الوحيدة للبقاء‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،2005‬قمت بزيارة إلى سريالنكا للتعرف على ما يدفع النساء إلى‬ ‫االنضمام إلى «نمور التاميل»‪ ،‬وهي جماعة إرهابية انفصالية سعت إلى إنشاء دولة‬ ‫التاميل املستقلة على الجزيرة مع الحفاظ على األدوار الراسخة لكل من الجنسني‪.‬‬ ‫كان حفظ األمن هو الدافع األساسي للقادة من النساء‪ ،‬إذ قالت إحداهن‪« :‬جعلني‬ ‫الخوف املستمر من الحياة في مناطق عسكرية أدرك أن الحياة غير عادلة لسكان‬ ‫التاميل‪ ..‬لذلك أردت أن أقاتل من أجل املساواة في الحقوق»‪( ..‬وقد رفضت القائدة‬ ‫ذكر اسمها ألسباب أمنية)‪.‬‬ ‫وذكرت إحدى مقاتالت «نمور التاميل» أن السبب الرئيس لالنضمام للحركة هو‬ ‫االغتصاب أو الخوف من االغتصاب من قبل القوات الحكومية‪ .‬ويعد أمر االغتصاب‬ ‫دافعا أساسيا ملا يحمله من جانب سياسي وعالقته بالنوع‪ .‬قالت مقاتلة أخرى‪:‬‬ ‫«كنت أشعر بالخطر ألنني امرأة‪ ،‬ولكنني كنت مستهدفة أيضا ألنني من التاميل»‪،‬‬ ‫في تصريح يعكس الصعوبة الراسخة في التنقل عبر الهويات‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬يمكن‬ ‫أن تعتمد النجاة من االرتباك املصاحب للحرب على اختيار الهوية التي يكون لها‬ ‫األولوية‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬أحيانا ما تدرك نساء التاميل السلطة الذكورية في حركة‬ ‫التاميل‪ ،‬ولكنهن يقررن االستمرار في القتال معها‪ ،‬معلقات آمالهن على تحقيق‬ ‫األمن على املدى الطويل تحت راية قومية‪.‬‬

‫بالنظر إلى حالة إحدى القياديات في حركة التاميل الالتي قابلتهن‪ ،‬والتي كانت‬ ‫تقضي أيامها في دوريات في القرى املحلية وتوزع منشورات تنص على الزي‬ ‫وتصفيف الشعر والسلوك الالئق الذي يجب أن تطبقه نساء التاميل‪ :‬ال يمكن ارتداء‬ ‫تنورات قصيرة أو قص الشعر قصيرا أو ركوب الدراجات إال إذا كان ذلك بالجلوس‬ ‫جانبا‪ .‬كانت القائدة ذاتها ترتدي حذاء مخصصا للقتال وكان شعرها قصيرا‬ ‫للغاية‪ .‬سألتها كيف ترى أن هناك توافقا بني هذه القواعد وقرارها بمقاومة األدوار‬ ‫املخصصة لكل من الجنسني وحمل السالح‪ ،‬فأجابت‪« :‬أقاتل من أجل حماية هذه‬ ‫القيم‪ ،‬من أجل الحفاظ على هوية التاميل من أن يمحوها املستبدون»‪ .‬وبذلك أصبح‬ ‫دور املرأة ركيزة لبناء هوية قومية‪.‬‬ ‫ألول وهلة‪ ،‬تبدو تجارب املقاتالت في سريالنكا بعيدة عن تجارب املقاتالت في‬ ‫العراق‪ ،‬ال سيما وأن «داعش» يتسم بعنف متطرف ‪ -‬أظهرت تقارير أن مقاتلي‬ ‫«داعش» بقروا بطون سيدات ودفنوا أطفاال أحياء – وأنه يتخذ اتجاها أكثر محافظة‬ ‫تجاه املرأة‪ .‬ولكنهم أكثر تشابها مع نظرائهم في سريالنكا وغيرها من البلدان‬ ‫التي اندلعت فيها الحروب مما يبدو‪ .‬تحمل معظم العراقيات السالح‪ ،‬كما في‬ ‫كل مكان آخر‪ ،‬بسبب خوفهن على سالمتهن أو شعورهن بأن «داعش» يمثل‬ ‫مصالحهن السياسية‪ .‬وفي كثير من الحاالت يبدو أن العنف هو السبيل الوحيدة‬ ‫املتاحة للتعبير عن الرأي‪ .‬بالنسبة لكثير من النساء‪ ،‬وخاصة من املجتمع السني‬ ‫الذي يعاني من التهميش‪ ،‬أصبح العنف‬ ‫أداة للقوة السياسية‪.‬‬

‫إنهاء التطرف‬

‫ت�صور و�سائل الإعالم املر�أة‬ ‫ك�ضحية والرجال كمجرمني‬ ‫يت�سمون بالعنف‪ .‬ولكن هذا لي�س‬ ‫�صحيحا دائما‪ .‬كما �أن هذا الفهم‬ ‫القا�صر لدور املر�أة يف العنف له‬ ‫م�ضامني تتجاوز ال�صراع ذاته‬

‫من أجل مكافحة التطرف النسائي‪ ،‬يجب‬ ‫أن يتفهم الغرب املظالم التي تدفع النساء‬ ‫إلى القتال ثم يقضي عليها‪ .‬من غير‬ ‫املرجح أن تحقق الحلول املعتادة – مثل‬ ‫تقديم دعم مادي أو مهني إلى السيدات‬ ‫الشابات أو الفتيات – النتيجة املرجوة‪،‬‬ ‫حيث إن النساء املوجودات في مناطق‬ ‫الحروب يعانني من تهميش عميق في‬ ‫كافة جوانب حياتهن‪ .‬من املهم وجود هذا‬ ‫النوع من املساعدات بالطبع‪ ،‬ولكنه ليس كافيا‪ :‬ال تملك النساء في مناطق الحروب‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى فقرهن‪ ،‬فرصة املشاركة في الحياة السياسية؛ وعندما يعجزن عن‬ ‫التعبير عن املظالم التي يعانني منها علنا وبوسائل غير عنيفة‪ ،‬يبدأ التطرف في‬ ‫جذبهن‪.‬‬ ‫وفي مفارقة‪ ،‬نادرا ما يحقق التطرف النسائي أي مكاسب تتعلق بحقوق املرأة‪ .‬على‬ ‫سبيل املثال في إريتريا‪ ،‬بعد انتصار جبهة التحرير اإلريترية‪ ،‬وهي حركة انفصالية‬ ‫في إثيوبيا‪ ،‬حصلت املقاتالت على سلطات تتعلق بالسياسات االجتماعية‪ ،‬ولكن‬ ‫لم يكن لهن أي صوت سياسي حقيقي‪ .‬ويبدو من املرجح أن النساء في الدولة‬ ‫اإلسالمية املتصورة في العراق سوف يجدن تهميشا أيضا بعد انتهاء الصراع‪.‬‬ ‫إذا كان الغرب يريد أن يتعرف على نساء «داعش»‪ ،‬يجب أيضا أن يعيد تقييم‬ ‫تصوراته املسبقة عن النوع والعنف‪ .‬في العراق وغزة وغيرها من املناطق‪،‬‬ ‫سريعا ما تصور وسائل اإلعالم املرأة كضحية والرجال كمجرمني يتسمون‬ ‫بالعنف‪ .‬ولكن هذا ليس صحيحا دائما‪ .‬كما أن هذا الفهم القاصر لدور املرأة‬ ‫في العنف له مضامني تتجاوز الصراع ذاته‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬أحيانا ما تهمل‬ ‫مبادرات حفظ السالم النساء في قراراتها االستراتيجية‪ ،‬وتحيلهن إلى مهام‬ ‫تتعلق بحقوق املرأة‪ .‬ولكن هذا االتجاه ال يمكن أن يستمر‪ .‬في النهاية‪ ،‬يحل‬ ‫السالم بشموله لجميع وجهات النظر‪ ،‬وما دامت هناك افتراضات تتعلق بالنوع‪،‬‬ ‫لن تجد أصوات النساء من يسمعها‪ .‬تقاتل املرأة ألسباب شخصية باإلضافة‬ ‫إلى السلطة السياسية‪ ،‬وأحيانا ما تضحي بإحداها في سبيل األخرى‪ .‬وإذا‬ ‫تجاهل العالم هذه الحقيقة‪ ،‬سوف تضيع فرصة التعامل مع سياسة الهوية‬ ‫التي تطيل أمد الحرب‬

‫فورن أفيرز‪ /‬ايلول ‪ -‬سبتمبر‪61 - 2014 -‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫في سبيل معرفة التطرف النسائي ومحاربته‬

‫نساء «داعش»‬

‫إسالمية عراقية تحتج على مظاهرة للدفاع عن حقوق املرأة في بغداد – أغسطس (رويترز)‬

‫بقلم‪ :‬نيمي غوريناثان*‬

‫تسببت تقارير بأن مجموعة من السيدات شكلن كتيبة خاصة بهن داخل تنظيم «داعش» في إرباك الخبراء‬ ‫وإثارة قلقهم‪ .‬بالنسبة لكثيرين تبدو فكرة قيام املرأة بدور املتطرفني الذين يتسمون بالعنف أمرا متناقضا‪.‬‬ ‫فما السبب الذي يوجب على املرأة خوض صراع سياسي يتعامل معها بأسلوب قمعي صارخ؟‬ ‫* زميلة في مركز الصراع والتفاوض واإلصالح‪ ،‬وخبيرة في قضايا املرأة في األمم املتحدة‬

‫فورن أفيرز‪ /‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪60 - 2014‬‬


‫في وكالة األنباء الحكومية (شينخوا)‪ ،‬إلى أن فيرغسون كشفت عن أن «التمييز العنصري‬ ‫ال يزال مرضا مزمنا متجذرا يستمر في تمزيق أوصال الشعب األميركي»‪.‬‬ ‫واتهم كثير من الكتاب األجانب الواليات املتحدة بالنفاق‪ .‬كتبت لي مراسلة «شينخوا» أن‬ ‫الواليات املتحدة «هاجمت نحو ‪ 200‬دولة حول العالم بسبب ما يسمى بسجالتها السيئة‬ ‫في مجال حقوق اإلنسان»‪ .‬ولكن «ما تحتاج الواليات املتحدة إلى فعله هو التركيز على حل‬ ‫مشاكلها الخاصة بدال من توجيه أصابع االتهام إلى اآلخرين على الدوام»‪ .‬كذلك‪ ،‬وجه آية‬ ‫الله علي خامنئي في إيران انتقادات إلى السجل األميركي في حقوق اإلنسان عبر «تويتر»‪،‬‬ ‫مع نشر صور من فيرغسون باإلضافة إلى صور تاريخية تعبر عن التفرقة العنصرية‬ ‫واستخدم هاشتاغ ‪ .ferguson#‬ربما تكون االن�ت�ق��ادات املوجهة من خامنئي والصينني‬ ‫متوقعة‪ ،‬ولكن أظهر التاريخ أن انتهاكات الحقوق في الواليات املتحدة عامة تصبح مبررا‬ ‫للدول األخرى لكي تتجاهل حقوق اإلنسان في ساحاتها الخلفية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬يقوض‬ ‫التمييز العنصري الصارخ محاوالت الواليات املتحدة لكسب شعوب العالم‪.‬‬ ‫يجد م��ؤرخ��و س�ن��وات ال�ح��رب ال �ب��اردة ف��ي ال��والي��ات املتحدة رد الفعل العاملي على أح��داث‬ ‫فيرغسون مألوفا‪ .‬كان االحتجاج على العنصرية والتمييز األميركي قصة تحظى باهتمام‬ ‫عاملي في الخمسينات والستينات‪ .‬يمكن أن نلقي نظرة على ما حدث في عام ‪ ،1963‬عندما‬ ‫ركز املتظاهرون املدافعون عن الحقوق املدنية جهودهم في االحتجاج على برمنغهام في‬ ‫والية أالباما‪ ،‬وكانت مدينة تعاني من انتشار التفرقة العنصرية‪ .‬كان رد فعل قادة املدينة هو‬ ‫العمل على إصدار قرار من املحكمة ضد املسيرات االحتجاجية‪ .‬ولكن استمرت االحتجاجات‪،‬‬ ‫وجرى اعتقال املشاركني فيها‪ .‬بعد ذلك في بداية شهر مايو (أي��ار)‪ ،‬نظمت مجموعة من‬ ‫األطفال مسيرة سلمية ولكنهم واجهوا خراطيم إطفاء الحرائق التي صوبها ضدهم مفتش‬ ‫الشرطة يوجني بول كونور‪ ،‬مما أدى إلى تفريق املسيرة‪ .‬وسريعا ما انتشرت صورة لكلب‬ ‫بوليسي يهجم على شاب في قبضة ضابط الشرطة في الصحف في أميركا وحول العالم كله‪.‬‬ ‫وفي االتحاد السوفياتي‪ ،‬كانت برمنغهام توصف بأنها نموذج درام��ي للعنصرية‪ ،‬ولكن‬ ‫كانت التفرقة العنصرية فكرة رئيسة في الدعاية السوفياتية املعادية للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫واستخدم السوفيات‪ ،‬الذين أدرك��وا انتشار أخبار التفرقة األميركية‪ ،‬هذا الخبر بتوسع‪.‬‬ ‫وظهر كاريكاتير في عام ‪ 1963‬يظهر طالبا أميركيا من أصل أفريقي وهو يتعرض للمنع‬ ‫من دخول املدرسة على يد بول كون رالي الذي بدا غاضبا‪ ،‬وكان إلى جانبه رجال كو كلوكس‬ ‫كالن‪ ،‬والفتات عنصرية وصلبان محروقة في الخلفية‪ .‬شعر الدبلوماسيون األميركيون‬ ‫في ذلك الوقت بالقلق من أن تكون الدعاية ضد قضية العنصرية مؤثرة ألنها كانت أحيانا‬ ‫تقوم على أخبار حقيقية‪.‬‬ ‫في بقية أنحاء العالم‪ ،‬وخاصة في أفريقيا وآسيا‪ ،‬تسببت التقارير املباشرة عن برمنغهام‬ ‫أيضا في إلحاق ضرر كبير‪ .‬وقامت الواليات املتحدة ببذل جهود كثيرة من أجل الترويج‬ ‫لخطاب يفيد بأن الواليات املتحدة في طريقها إلى تحقيق املساواة العنصرية‪ ،‬وأن التقدم‬ ‫من العبودية إلى الحرية كان دليال على تفوق الديمقراطية‪ .‬ولكن قوضت أحداث برمنغهام‬ ‫هذه الحجج‪ .‬وبعد فترة وجيزة من اندالع أحداث العنف في املدينة‪ ،‬أوردت وكالة املعلومات‬ ‫األميركية أن «تحسنا كبيرا تحقق على مدار العامني املاضيني على صعيد معرفة الشعب‬ ‫النيجيري بالتقدم الذي أحرزته أميركا في العالقات العنصرية‪ ،‬بدأ في التداعي السريع»‪.‬‬ ‫وأشارت السفارة األميركية في أكرا‪ ،‬بغانا إلى أن الواليات املتحدة «بالتأكيد خسرت» بسبب‬ ‫األزمة‪ .‬وعندما اجتمع قادة أفريقيا ألول مرة لتأسيس منظمة الوحدة األفريقية‪ ،‬بعد مرور‬ ‫أقل من ثالثة أسابيع على تلك املسيرة‪ ،‬مرروا قرارا أعربوا فيه عن قلقهم ودعوا فيه الواليات‬ ‫املتحدة إلى «وضع حد لهذه املمارسات السيئة املتعصبة التي من املرجح أن تؤدي إلى تدهور‬ ‫حاد في العالقات بني الشعوب والحكومات األفريقية‪ ..‬والواليات املتحدة األميركية»‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي وقعت فيه أحداث برمنغهام‪ ،‬انتظر كثيرون خطوة من الرئيس األميركي جون‬ ‫إف كيندي‪ .‬وكما قال مستشار الحقوق املدنية بورك مارشال في وقت الحق‪ ،‬ظل األميركيون‬ ‫يتساءلون‪« :‬ملاذا لم يفعل شيئا؟» وفي النهاية‪ ،‬قام الرئيس بفعل شيء‪ .‬على وجه التحديد‪،‬‬ ‫أرسل مارشال إلى برمنغهام‪ ،‬حيث اجتمع مع قيادات حركة الحقوق املدنية والحكومة املحلية‬ ‫والشركات‪ ،‬وتوصلوا إلى اتفاق تسوية يقضي بإلغاء الفصل العنصري في املدينة واإلفراج‬ ‫عن املتظاهرين املعتقلني‪ .‬ولكن في ذلك الوقت كانت قضية برمنغهام أكبر من مجرد أزمة‬ ‫محلية – بل كان لها بعد قومي ودولي أيضا‪ .‬ولذلك السبب كانت إدارتها تتطلب املزيد‪.‬‬ ‫ف��ي الشهر ال�ت��ال��ي‪ ،‬تجاهل ح��اك��م أالب��ام��ا ج��ورج واالس‪ ،‬ال��ذي تعهد ب��اس�ت�م��رار «الفصل‬ ‫العنصري» إلى األب��د‪ ،‬ق��رارا صدر من إح��دى املحاكم ومنع طالبني أفريقيني من االلتحاق‬ ‫بجامعة أالباما‪ .‬تسبب ذلك في انطالق موجة جديدة من االنتقادات العاملية والوطنية‪ .‬وعلق‬ ‫املدعي العام روبرت كيندي على أن استمرار املتاعب له آثار سيئة على البالد «وسيئ بالنسبة‬ ‫لنا أمام العالم»‪ .‬وفي خطاب عاطفي في شهر يونيو (حزيران)‪ ،‬وصف جون كيندي الحقوق‬

‫املدنية بالقضية األخالقية ذات األهمية‪ .‬وقال‪« :‬نحن نعظ بالحرية حول العالم‪ .‬ولكن هل نخبر‬ ‫العالم‪ ،‬واألهم من ذلك بعضنا اآلخر‪ ،‬أن هذه أرض األحرار فيما عدا السود؟»‪.‬‬ ‫في النهاية‪ ،‬أجاب كيندي على السؤال الذي طرحه بمشروع قانون الحقوق املدنية الشهير‪،‬‬ ‫الذي مهد الساحة أمام إصدار قانون الحقوق املدنية لعام ‪ .1964‬عندما تمت مناقشة مشروع‬ ‫القانون ف��ي الكونغرس‪ ،‬ك��ان وزي��ر الخارجية دي��ن راس��ك‪ ،‬امل�س��ؤول ع��ن تنفيذ السياسة‬ ‫الخارجية‪ ،‬من أب��رز أعضاء اإلدارة األميركية املؤيدين للقانون‪ .‬وبالطبع لم تكن الشؤون‬ ‫الخارجية العامل الوحيد املهم – أو حتى األهم – الذي دفع عجلة إصالح حقوق اإلنسان في‬ ‫الواليات املتحدة‪ .‬ولكن لم يستطع قادة الواليات املتحدة معرفة أهمية املساواة في الحقوق‬ ‫بالنسبة لصورة الواليات املتحدة في الخارج وفي معركة الحرب الباردة‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬أدى قرار‬ ‫حاسم اتخذ في الداخل‪ ،‬والذي عالج على األقل جزئيا مسائل التفرقة العنصرية والحرمان من‬ ‫الحقوق والقمع الوحشي للنشطاء الحقوقيني‪ ،‬بتحسني صورة الواليات املتحدة في الخارج‪.‬‬ ‫وأعرب راسك عن سعادته عندما جرى تمرير تشريع الحقوق املدنية قائال‪« :‬ينظر إلى هذه‬ ‫البالد بصفتها قائدا ملن يريد أن يكون حرا‪ ،‬وما نفعله هنا له أهمية تتجاوز حدودنا»‪ .‬كما‬ ‫شعر رئيس وزراء أوغندا ملتون أبوتي بـ«سعادة بالغة» بتمرير القانون‪ ،‬وتوقع أن ُيضعف‬ ‫من االنتقادات التي يوجهها الشيوعيون ضد الواليات املتحدة في أفريقيا‪.‬‬ ‫توجد نقاط تشابه قوية بني قضيتي برمنغهام وفيرغسون‪ .‬في كال املوقفني‪ ،‬جذبت صور‬ ‫درامية تستخدم فيها قوة مفرطة ضد متظاهرين أميركيني من أصول أفريقية يطالبون‬ ‫بالحقوق املدنية انتباه العالم‪ .‬ولكن قد تقدم لنا نظرة على لحظة أخ��رى في امللحمة التي‬ ‫خاضتها حركة الحقوق املدنية األميركية مقارنة مفيدة أيضا‪ :‬وه��ي أزم��ة ليتل روك في‬ ‫أركنساس في عامي ‪ .1958-1957‬بعد أن قضت املحكمة العليا األميركية بعدم دستورية‬ ‫الفصل العنصري‪ ،‬أص��در ق��اض فيدرالي‬ ‫ق��رارا يسمح لتسعة ط�لاب أميركيني من‬ ‫أصول أفريقية بااللتحاق باملدرسة الثانوية‬ ‫املركزية في املدينة في العام الدراسي ‪-1957‬‬ ‫‪ .1958‬وك ��ان رد ف�ع��ل ح��اك��م أرك�ن�س��اس‬ ‫أورف � � ��ال ف ��وب ��وس ه ��و اس �ت ��دع ��اء ال �ح��رس‬ ‫الوطني‪ .‬ومنعت القوات الطالب من دخول‬ ‫امل��درس��ة ف��ي ح�ين تظاهرت ح�ش��ود كبيرة‬ ‫من البيض احتجاجا على املساواة معهم‪.‬‬ ‫وك��ان��ت ه ��ذه امل��واج �ه��ة خ �ب��را رئ�ي�س��ا على‬ ‫املستوى ال��دول��ي‪ ،‬إذ نالت تغطية إخبارية‬ ‫يومية في الصحف األجنبية‪ .‬وتعقيبا على‬ ‫الغياب األولي لقيادة الرئيس دوايت أيزنهاور‬ ‫والذي جاء مناقضا لصالبته كقائد لقوات الحلفاء في غرب أوروبا أثناء الحرب العاملية الثانية‪،‬‬ ‫نشرت «التايمز» اللندنية تعليقا جاء فيه‪« :‬تنتشر فكاهة الذعة‪ :‬لو كان الرئيس أيزنهاور‬ ‫حيا‪ ،‬ملا حدث كل ذلك»‪.‬‬ ‫وفي نهاية األمر تدخل الرئيس‪ ،‬على الرغم من التعهد بعدم استخدام أي قوات فيدرالية لتنفيذ‬ ‫قرار إلغاء الفصل العنصري‪ ،‬أرسل فرقة ‪ 101‬املحمولة جوا للقيام باألمر‪ .‬قال أيزنهاور في‬ ‫خطاب أعلن فيه عن قراره‪« :‬يفرح أعداؤنا بهذه الواقعة‪ ،‬ويستغلونها في كل مكان ليسيئوا‬ ‫تقديم صورة أمتنا ككل»‪ .‬القى قرار أيزنهاور املتأخر ولكنه حاسم احتفاء من جميع أنحاء‬ ‫العالم‪ ،‬واعتبر دليال على أن الحكومة الفيدرالية تقف في صف العدالة‪ ،‬بغض النظر عن‬ ‫تصرفات حكام الواليات العنصريني‪.‬‬ ‫ولكن كانت لهذه القصة مقدمة غير معروفة‪ .‬اتخذت والية أركنساس ردا بتمرير قانون‬ ‫التحاق الطالب باملدارس‪ ،‬أضفى صيغة بيروقراطية على الفصل العنصري بإنشاء عملية‬ ‫إدارية مرهقة ال يستطيع كثير من األميركيني األفارقة اجتيازها‪ .‬عندما عرض قانون مشابه‬ ‫في والية نورث كارولينا على املحكمة العليا‪ ،‬رفضت املحكمة العليا النظر فيه مما سمح له‬ ‫باالستمرار‪ .‬واعتمدت واليات أخرى على هذه املمارسة‪ ،‬لذلك كانت املساواة موجودة نظريا‬ ‫وليس عمليا‪ .‬ولم تلحظ الصحف العاملية ذلك‪.‬‬ ‫كانت هناك حاجة إلى قيادة رئاسية قوية ملعالجة أزم��ات الحقوق املدنية في بدايتها‪.‬‬ ‫وقد ساعدت على إصالح الضرر الذي لحق بصورة أميركا‪ ،‬وإضعاف الحجة التي تفيد‬ ‫بنفاق الواليات املتحدة في مجال تعزيز حقوق اإلنسان‪ .‬في ذلك الوقت‪ ،‬كما هو قائم‬ ‫حاليا‪ ،‬تخدم حماية الحقوق املدنية العالقات الدولية األميركية‪ ،‬ولكن تعتمد مسألة تحقيق‬ ‫عدالة حقيقية في فيرغسون على وجود مساع مستمرة حتى بعد أن يصرف اإلعالم‬ ‫األجنبي نظره عن متابعة القضية‬

‫فورن أفيرز ‪ /‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪59 - 2014‬‬

‫جتاهل حاكم والية �أالباما الذي‬ ‫تعهد با�ستمرار «الف�صل العن�صري»‬ ‫�إىل الأبد‪ ،‬قرارا �صدر من �إحدى‬ ‫املحاكم ومنع طالبني �أفريقيني‬ ‫من االلتحاق بجامعة �أالباما‬


‫صحافة عالمية‬

‫كيف يرى العالم املظاهرات؟‬

‫اضطرابات فريغسون‪ ..‬والنفاق االمريكي‬

‫صب متظاهر اميركي على رأسه الحليب بعد تعرضه للضرب من قبل قوات االمن التي حاولت تفريق املتظاهرين في فيرغسون‪ ،‬ميسوري‪ 20 -‬أغسطس املاضي (رويترز)‬

‫بقلم‪ :‬ماري دودزياك *‬

‫في الوقت الذي تستمر فيه االضطرابات في فيرغسون بوالية ميسوري األميركية‪ ،‬تتصدر التساؤالت حول التزام‬ ‫الواليات املتحدة بحقوق اإلنسان مرة أخرى عناوين األخبار حول العالم‪ .‬ال يجب أن يكون إلقاء الضوء عامليا على‬ ‫مثل هذه املشاكل املحلية أمرا مفاجئا‪ .‬كانت أخبار التمييز العنصري ُبني األميركيني تظهر بانتظام في التغطية‬ ‫اإلخبارية في حقبتي الخمسينات والستينات من القرن املاضي‪ .‬وقد أجبر واضعو السياسات األميركيون في‬ ‫النهاية على االستجابة‪ ،‬وأحد أسباب ذلك هو الحفاظ على صورة أميركا في الخارج‪ .‬في حني تدرس إدارة أوباما‬ ‫كيفية التعامل في فيرغسون‪ ،‬سيكون من األفضل لها أن تضع في اعتبارها حقيقة أن التدخل الفيدرالي‪ ،‬في‬ ‫العقود السابقة‪ ،‬كان ضروريا في النهاية لحماية كل من الحقوق املدنية والعالقات الخارجية األميركية‪.‬‬ ‫* بروفيسور القانون في جامعة إيموري بوالية جورجيا األمريكية‬

‫ك��ان خ�ب��ر مقتل م��اي�ك��ل ب ��راون‪ ،‬امل��راه��ق األم�ي��رك��ي غ�ي��ر امل�س�ل��ح‪ ،‬ع�ل��ى ي��د ض��اب��ط ش��رط��ة‪،‬‬ ‫واالحتجاجات الناجمة عن الحادث‪ ،‬في صدارة أخبار العديد من الدول‪ .‬وفي ‪ 20‬أغسطس‬ ‫(آب)‪ ،‬نشرت صحيفة «الوطن» السعودية و«الكويت تايمز» الصورة الصادمة ذاتها لضابط‬ ‫شرطة يرتدي زي مكافحة الشغب ويصوب بندقيته تجاه امرأة على األرض‪ .‬ونشرت «غلف‬ ‫نيوز» اإلماراتية ص��ورة لقوات إنفاذ القانون ذوي بشرة بيضاء مرتدين ما يشبه الزي‬

‫العسكري ويحملون بنادق عالية الطاقة‪ .‬كما نالت أخبار فيرغسون تغطية واسعة تحديدا‬ ‫في تركيا‪ .‬وتابعت الخدمات اإلخبارية في جميع أنحاء أوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية‬ ‫تطورات القصة‪ .‬وعلى وجه خاص‪ ،‬احتلت تغطية االضطرابات في فيرغسون موقعا بارزا‬ ‫َ ِّ‬ ‫على التلفزيون الحكومي الروسي‪ ،‬فيما ُيذكر بالتغطية املوسعة التي كان يوليها إعالم االتحاد‬ ‫السوفياتي للتمييز العنصري األميركي أثناء الحرب الباردة‪ .‬وفي الصني‪ ،‬أشار مقال نشر‬

‫فورن أفيرز‪ /‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪58 - 2014‬‬


‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫اشرتك اآلن‬ ‫واحصل على‬ ‫نسختك الورقية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬

‫‪09‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪Issue 1599 - September 2014‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أيار‪ /‬مايو ‪57 - 2014‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


‫لسان الحال‬

‫ما وعد به‬ ‫حزب الله‬ ‫بأن يكون‬ ‫نصرا يف‬ ‫القلمون بات‬ ‫حربا دامية‬ ‫بقلم‪ :‬طوني بدران‬

‫‪56‬‬

‫ما زال��ت أسئلة كثيرة تحوم حول االشتباكات التي دارت بداية الشهر املاضي بني الجيش اللبناني وفصائل مسلحة‬ ‫سورية‪ ،‬من ضمنها «جبهة النصرة»‪ ،‬في بلدة عرسال اللبنانية‪ .‬لكن مما ال شك فيه أن قتال حزب الله في سوريا وعالقته‬ ‫املثيرة للجدل مع الجيش في لبنان يشكالن خطرا داهما على موقع املؤسسة العسكرية الوطنية ويهددان بتوريطها في حرب‬ ‫ال يستطيع الجيش تحمل كلفتها وأعبائها‪.‬‬ ‫مع أن االشتباك جاء بغتة‪ ،‬فإن حزب الله‪ ،‬بالشراكة مع الجيش‪ ،‬خصوصا مديرية املخابرات‪ ،‬كان قد وضع عرسال نصب‬ ‫عينيه منذ سنتني على األقل‪ .‬حاول الحزب إنهاء وضعية عرسال كسند للثورة السورية‪ ،‬خصوصا في فترة تحضيره لحصار‬ ‫واقتحام بلدة القصير السورية صيف ‪.2013‬‬ ‫وقد وضع الحزب الجيش في الواجهة في محاولة لتوريط البلدة في صراع مع الجيش‪ ،‬وكانت ماكينة الحزب اإلعالمية‬ ‫آنذاك تعمل لتظهير عرسال والطائفة السنية عموما كبيئة حاضنة لإلرهاب‪.‬‬ ‫املفارقة كانت في أن عملية القصير‪ ،‬وبعدها عمليات التطهير التي قادها الحزب في بلدات ومدن القلمون من قارة إلى‬ ‫رنكوس‪ ،‬لم تنه الوجود العسكري للمعارضة السورية في املنطقة‪ ،‬ال بل دفعتها أكثر في اتجاه لبنان في الجرود والتالل‬ ‫املتاخمة للحدود واملتداخلة مع قرى لبنان البقاعية‪ ،‬خصوصا في عرسال وبلدة الطفيل املعزولة‪.‬أضف إلى ذلك أن الكتائب‬ ‫السورية استطاعت أن تكبد حزب الله خسائر جسيمة عبر عمليات الكر والفر ونصب الكمائن في املنطقة‪.‬‬ ‫وتزامن هذا مع انسحاب الكثير من امليليشيات العراقية التي كانت تساند الحزب وقوى النظام‪ ،‬والتي عادت إلى العراق‬ ‫للدفاع عن بغداد ولقتال تنظيم «داع��ش» واملجموعات األخ��رى التي انتفضت على حكم ن��وري املالكي‪ ،‬مما اضطر الحزب‬ ‫لتعويض النقص في العديد‪ .‬ولعل التقارير األخيرة حول سعي حزب الله إلى هدنة مع «جبهة النصرة» في القلمون خير دليل‬ ‫على املأزق الذي يجد الحزب نفسه فيه‪.‬‬ ‫تشكل هذه الصورة الخلفية العملياتية ملا حصل في عرسال‪ .‬فما وعد به حزب الله بأن يكون نصرا في القلمون بات‬ ‫حرب استنزاف دامية‪ .‬وهنا أصبح استجالب الجيش كسند حاجة ماسة للحزب‪.‬‬ ‫ما يسعى إليه الحزب إذن هو انخراط الجيش في املنظومة القتالية إلى جانب النظام السوري ضد الكتائب املعارضة‪،‬‬ ‫ليصبح هناك تقاسم وظائف في العمليات العسكرية الدائرة‪ ،‬بحيث يعتمد الحزب على قصف النظام بالطيران الحربي واملدفعية‬ ‫من ناحية‪ ،‬ويعتمد على الجيش لحماية ظهره ولقطع إمدادات الكتائب السورية من الداخل اللبناني من ناحية أخرى‪ .‬بالفعل‪،‬‬ ‫أشارت تقارير صحافية لبنانية في يوليو (تموز)‪ ،‬مستندة إلى مصادر في املعارضة السورية‪ ،‬أن حزب الله يحاول قطع‬ ‫إمدادات التموين الغذائي التي باتت الفصائل املقاتلة تعتمد عليها من الداخل اللبناني‪.‬‬ ‫وأن الجيش اللبناني بات يعترض الشاحنات املحملة باملواد الغذائية داخل لبنان‪ .‬وبهذا يتحول دور الجيش من مانع انتقال‬ ‫نار الحرب السورية إلى لبنان إلى شريك في هذه الحرب إلى جانب النظام وحزب الله‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬ذكرت تقارير صحافية أنه جرى قصف عرسال من اللبوة‪ ،‬البلدة املجاورة واملؤيدة لحزب الله‪ .‬كما أن‬ ‫مجموعة من اللبوة اعترضت قافلة من املساعدات اإلنسانية في طريقها إلى عرسال‪.‬‬ ‫وهنا يتبني خطر التماهي القائم بني الجيش والحزب‪ .‬وتجوز قراءة عودة رئيس الوزراء األسبق سعد الحريري إلى لبنان‬ ‫إثر حادثة عرسال في هذا السياق‪ .‬يواجه الحريري‪ ،‬بصفته زعيم تيار املستقبل األكثر تمثيال في الطائفة السنية‪ ،‬وكحامل‬ ‫لراية االعتدال‪ ،‬مجموعة تحديات صعبة‪.‬‬ ‫عاد الحريري إذن على هذه الخلفية‪ ،‬حامال مساعدات مالية‪ ،‬ضمنها الهبة السعودية الكبيرة للجيش‪ ،‬في محاولة لتهدئة‬ ‫الغليان‪ ،‬ولرص الصف في الطائفة وإبقائها وراء خيار الدولة واالعتدال‪.‬‬ ‫من غير الواضح إن كانت الهبة للجيش ستساهم في الحد من توريطه فيما يريده له الحزب ونظام األس��د‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ستساعد على إعادة الثقة في دور املؤسسة الوطنية‪ .‬وللجيش مصلحة في هذا‪ ،‬فهو ليس بقادر على تحمل مثل هذه األدوار‬ ‫وعلى التحول إلى سند للحزب واألسد في حربهما في القلمون‪.‬‬ ‫لهذا‪ ،‬لم تكن كلمة قائد الجيش العماد جان قهوجي حول العملية في عرسال مفيدة‪ ،‬فهو زعم أن التنظيمات التي دخلت‬ ‫عرسال كانت تخطط لتصدير «السيناريو الذي حصل على الحدود العراقية والسورية» إلى لبنان‪ .‬املشكلة األخرى هي أن‬ ‫قهوجي ُيعتبر املرشح األول لحزب الله لرئاسة الجمهورية‪.‬‬ ‫ويخشى كثيرون أن يستثمر الحالة األمنية‪ ،‬والدعم الدولي للجيش في مواجهة اإلرهاب‪ ،‬ليقوي حظوظه للوصول للقصر‬ ‫الرئاسي‪ .‬أضف إلى ذلك مناورات بعض األطراف السياسية األخرى املتحالفة مع حزب الله لضمان تسلم قائد فوج املغاوير‪،‬‬ ‫العميد شامل روكز‪ ،‬صهر الزعيم املاروني ميشال عون‪ ،‬قيادة الجيش خلفا لقهوجي‪.‬‬ ‫تفاقم كل ه��ذه امل�ن��اورات السياسية املخاطر على توجه الجيش وتضيف ت�س��اؤالت ح��ول وضعية تحالفه مع الحزب‬ ‫وامليليشيات التي ّ‬ ‫يسيرها‪ ،‬والقوى السياسية األخرى التي تخاصم تيار املستقبل وتؤيد نظام األسد‪ .‬لكن يبدو أن رهان‬ ‫الحريري يبقى على الجيش‪ ،‬املؤسسة الوطنية الباقية‪ ،‬خصوصا في وقت يتلقى حزب الله ضربات في سوريا‪.‬‬ ‫لكن هذا الرهان طويل األمد ونتيجته غير مضمونة في ضوء التحديات غير املسبوقة التي تواجه لبنان دولة ومجتمعا‪،‬‬ ‫والتغيرات الحاصلة في جواره‪.‬‬ ‫ولكي تكون هناك فرصة لنجاح هذا الرهان‪ ،‬فإن فك االرتباط الشاذ القائم بني الحزب والجيش‪ ،‬والذي يمثل خطرا على‬ ‫املؤسسة وعلى لحمة املجتمع ككل‪ ،‬شرط ضروري‪ .‬لكنه‪ ،‬مع األسف‪ ،‬ليس طرحا واقعيا في املدى املنظور‪.‬‬ ‫الواقع املؤسف هو أن العقيدة التي رسخها الحزب‪ ،‬والتي تقول بتكامل الجيش و«املقاومة» و«الشعب»‪ ،‬حولت الجيش‬ ‫ولبنان ككل هدفا إلسرائيل في أي حرب مقبلة‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬ها هو الحزب اليوم قد ورط الجيش والدولة واملجتمع في‬ ‫حربه في سوريا‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬


‫اإلجراءات الجديدة بينها إقرار مجلس الشورى املوافقة على فرض الزكاة على‬ ‫األراض��ي البيضاء‪ ،‬إال أن ق��رارا مثل ه��ذا لم يكن له التأثير األول��ي في سوق‬ ‫العقار‪ ،‬وذلك جراء تضمن األسعار سابقا قيمة الزكاة بل هي موجودة ضمن‬ ‫سعر التكلفة العامة كما تضعها الشركات في دراساتها املبدئية‪ ،‬مشيرا إلى‬ ‫أن ذلك لم يعزز من تراجع أسعار العقار على األراضي بل في املقابل لوحظت‬ ‫تحركات مضاربية ملموسة‪ .‬وشدد املصدر على التأكيد أن السوق شهدت‬ ‫خالل الفترة املاضية‪ ،‬مرحلة ركود نتيجة ترقب ملثل هذا القرار الذي لم يدخل‬ ‫إلى اآلن حيز التنفيذ وبانتظار املوافقة الحكومية النهائية‪ ،‬موضحا أن األمر‬ ‫ذاته يمكن وصفه على ترقب نتائج أنظمة الرهن العقاري التي طال الحديث‬ ‫حولها في فترة سابقة وسط تطلع املراقبني واملحللني للمساهمة في ترويض‬ ‫وضع السوق باعتبارها أداة شفافية‪.‬‬ ‫أسعار األراضي وإجمالي العقارات‪ ،‬بيد أن ذلك لم يحدث‪.‬‬ ‫ووفقا ملصدر عقاري (لم يفضل اإلشارة إلى اسمه)‪ ،‬يؤكد أنه ال وجود لرابط‬ ‫قوي بني تفاعل سوق العقار مع إيجاد مؤشرات عقارية‪ ،‬في الوقت الذي تحتاج‬ ‫املؤشرات العقارية‬ ‫فيه السوق إل��ى مزيد من الشفافية وال��وض��وح في طبيعة الصفقات املنفذة‬ ‫وأه��داف املستفيدين منها‪ .‬ودل��ل على حديثه بأن املؤشرات قد تفيد بدرجة‬ ‫أم��ام هذه التطورات‪ ،‬كشفت وزارة العدل النقاب أغسطس (آب) املاضي عن معينة في بعض مستويات الرؤية للسوق العقارية على صعيد التقييم العام‪،‬‬ ‫أبرز املستجدات الحديثة ذات الصلة الوثيقة بالقطاع العقاري وصناعته‪ ،‬إذ إال أن االعتماد عليها ال يؤدي إلى نتائج نهائية فاعلة‪ ،‬ال سيما أن املؤشرات‬ ‫دشن وزير العدل الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‪ ،‬بمقر مشروع ال تعد بمثابة «مؤشر عام» كما هو معمول به في السوق املالية حيث دقتها‬ ‫خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء‪ ،‬العالية التي يمكن احتساب الدراسات والنتائج باملقارنة عليها‪.‬‬ ‫‪ 36‬مؤشرا جديدا للتداول العقاري‪ ،‬يشمل معلومات متكاملة لألسعار في وأضاف أن «املؤشرات األخيرة أغفلت أبرز الجوانب التي تعطي داللة حقيقية‬ ‫املناطق واملدن واألحياء‪.‬‬ ‫لوضع السوق‪ ،‬ال سيما ما يتم عبر كبار العقاريني من صفقات يلجأ إليها‬ ‫إحصاءات‬ ‫حول‬ ‫تمتلكها‬ ‫التي‬ ‫املعلومات‬ ‫قاعدة‬ ‫بحكم‬ ‫وأوضحت ال��وزارة أنه‬ ‫بعض املتداولني في سوق العقار من مجموعات وشركات بعد موجة ركود‬ ‫دقة‬ ‫بكل‬ ‫الجميع‬ ‫متناول‬ ‫في‬ ‫محتوياتها‬ ‫كل‬ ‫ستجعل‬ ‫فإنها‬ ‫التداول العقاري؛‬ ‫شهدها السوق خالل العامني املاضيني‪ ،‬إذ لن تظهر املؤشرات سوى انعكاس‬ ‫عليها‬ ‫التعليق‬ ‫أو‬ ‫تحليالتها‬ ‫تفصيالت‬ ‫تتناول‬ ‫لن‬ ‫أنها‬ ‫إلى‬ ‫مشيرة‬ ‫وشفافية؛‬ ‫هذه الصفقات على أسعار السوق‪ ،‬دون توضيح أهدافها وطبيعتها من حيث‬ ‫بذلك‪.‬‬ ‫الوزارة‬ ‫اختصاص‬ ‫لعدم‬ ‫املضاربة أو االستثمار بأنواعه أو التملك»‪ .‬وأبان املصدر بالقول «املؤشرات‬ ‫مرفق‬ ‫لتطوير‬ ‫الشريفني‬ ‫الحرمني‬ ‫خادم‬ ‫مشروع‬ ‫في‬ ‫املؤشرات‬ ‫وحدة‬ ‫وأفادت‬ ‫العقارية ستكون فعالة في حال أن هيئة سوق املال تأخذها كمرجع للصناديق‬ ‫القضاء‪ ،‬أن خدمة املؤشرات العقارية ستوفر أسعار بيع حقيقية تفصيلية في عملية قياس األداء والتسعير وغيرها‪ ،‬إذ سيكون حينها للمؤشر عالقة‬ ‫للعقار يسترشد بها املواطنون وجهات االستثمار العقاري في بناء قراراتهم معيارية وارتباط وثيق بالصناديق االستثمارية العقارية على سبيل املثال»‪.‬‬ ‫وتعامالتهم واستثماراتهم وتحليالتهم العقارية‪ ،‬ويوفر أدوات مهنية للمقيمني‬ ‫واملثمنني العقاريني يستطيعون من خاللها استخدام طرق املقارنة بعقارات رأي حكومي‬ ‫مشابهة‪ ،‬وتوفير معلومات تفصيلية للجهات املعنية عن متابعة التضخم في‬ ‫قطاع العقار‪ ،‬أو معالجة الركود في النشاط العقاري‪ ،‬وتحقيق الشفافية في وحيال تلك التطورات‪ ،‬يلفت املهندس حمد الزميع املتحدث الرسمي ل��وزارة‬ ‫توفير املعلومات االقتصادية للنشاط العقاري‪.‬‬ ‫اإلسكان‪ ،‬إلى أن قطاع اإلسكان يحظى بدعم كبير في ظل ما تشهده السعودية‬ ‫وهنا‪ ،‬يقول رئيس مجموعة سلمان بن عبد الله بن سعيدان العقارية‪ ،‬إن من نهضة شاملة في كل املجاالت‪ ،‬مستشهدا بما قامت به الحكومة من إنشاء‬ ‫املؤشرات التي أطلقتها وزارة العمل تكسر صعوبة التنبؤ باملستقبل‪ ،‬وتمثل وزارة تختص بمعالجة قضايا اإلسكان‪ ،‬ليكتسب القطاع طابعا مؤسسيا يعزز‬ ‫املصدر املعتمد واملوثوق‪ ،‬بل ويعتبرها أقوى معلومة رصد وتسجيل للبيانات من إمكانياته التنموية‪ ،‬إضافة إلى دعم الوزارة بحزمة من املوارد املالية واملادية‬ ‫العقارية ال سيما أنها تصدر بشكل دوري ومستمر‪ ،‬الفتا إلى أن القطاع بات لتمكينها من أداء دورها في توفير سكن مناسب ملختلف فئات املواطنني‪.‬‬ ‫يستطيع حاليا أن يقيس تحركات السوق العقارية بشكل ربع أو نصف سنوي‪ ،‬ويضيف الزميع أن وزارة اإلسكان تعمل على تطوير أراض سكنية في جميع‬ ‫وفقا ملعلومات صادقة نابعة من الجهاز الحكومي املعني به‪.‬‬ ‫مناطق السعودية وتقديمها للمواطنني مع قروض للبناء عليها‪ ،‬وفقا لتنظيم‬ ‫ولفت بن سعيدان‪ ،‬وهو أحد الوجوه املطالبة بوضع تشريعات تنظيمية للسوق ال��دع��م السكني ال��ذي ص��در لسرعة توفير ال��دع��م مل��ن يستحقه‪ ،‬مشيرا إلى‬ ‫العقارية‪ ،‬إلى أن املؤشرات ستمكن من إجالء الصورة ال سيما الجوانب السعرية إعداد الوزارة برامج للشراكة مع القطاع الخاص علی األراضي التي يملكها أو‬ ‫ل�لأط��راف املستفيدة‪ ،‬مشيرا إل��ى أن اآلل�ي��ة الجديدة ستمكن م��ن معرفة أدق على أراضي الوزارة لتوفير مساكن للمواطنني الذين يحتاجون لدعم سكني‬ ‫التفاصيل املختصة باألسعار وبذلك ستكون مؤشرات السوق العقارية واضحة وغيرهم من املواطنني‪.‬‬ ‫من حيث النمو أو التباطؤ‪.‬‬ ‫وق��ال الزميع‪ ،‬في تعليقه على ت�ط��ورات قطاع العقار مع مستجدات التنظيم‬ ‫وأبان بن سعيدان أن الشركات العقارية والعاملني في املجال كانوا يعتمدون الحكومي ذات الشأن‪ ،‬تعمل الوزارة على زيادة املعروض من األراضي السكنية‬ ‫على أساليب كثيرة في تقييماتهم ووضع خططهم‪ ،‬من بينها املؤشرات الداخلية والحد من اكتنازها أو املضاربة فيها دون تطوير أو بناء بما يحقق توازن في‬ ‫لديهم وكذلك العقود واألوراق املثبتة التي يبرمونها في الصفقات‪ ،‬بيد أن سوق األراض��ي ويمكن املواطن من الحصول على مسكن بحدود إمكانياته‬ ‫امل��ؤش��رات الحالية‪ ،‬بحسب بن سعيدان‪ ،‬لن تترك مساحة ألي فرضيات أو املالية‪ .‬ويرى الزميع حيال املؤشرات العقارية التي أطلقتها وزارة العدل بناء‬ ‫تقييمات اجتهادية وستقلل التهور والغنب والغش والتدليس ليتفرغ العقاريون على العقود التي تقوم بتوثيقها في كتابات العدل‪ ،‬إنها تساهم في رفع درجة‬ ‫بشرائح أنشطتهم إل��ى التنافس ف��ي املميزات واملنتجات وال�خ��دم��ات املقدمة شفافية ال�س��وق ومساعدة املتعاملني بالسوق م��ن ات�خ��اذ ق��رارات بناء على‬ ‫لعمالئهم‪ .‬ابن كدسه‪ ،‬من جانبه‪ ،‬يؤكد أن املؤشرات التي أطلقتها وزارة العدل معلومة متوفرة‪ ،‬موضحا فيما يخص الزكاة على األراضي بأنها مفروضة‬ ‫مؤخرا ﻻبد أن تربط بمؤشرات االقتصاد األخرى ليتسنى اعتمادها كمرجعية وواجبة بحكم الشرع وهي من أركان الدين‪ ،‬وتحديد املكلف بالزكاة والوعاء‬ ‫مهمة لصناعه استثمارية بشكل عام مفيدا أن تجاهل أي مؤشرات أخرى ال��زك��وي وم��ا إذا ك��ان��ت األراض ��ي ال�ب�ي�ض��اء ت�ق��ع ضمنه أم ال وم �ق��دار ال��زك��اة‬ ‫ذات عالقة مهمة بالعقار كمعدالت النمو الرئيسية سيؤدي إلى ضعف النتائج املفروضة‪ ،‬ومصارفها‪ ،‬كل ذلك من األم��ور الشرعية التي تبت فيها الجهات‬ ‫املرجوة سواء االستقصائية منها أو االستثمارية أو تلك املنعكسة في ضبط ذات االختصاص <‬

‫مواطن سعودي امام واجهة مبنى‬ ‫على طريق امللك فهد في العاصمة‬ ‫السعودية الرياض (غيتي)‬

‫الزميع‪ :‬إنشاء‬ ‫وزارة إسكان‬ ‫مستقلة‬ ‫يكسب‬ ‫القطاع طابعا‬ ‫مؤسسيا‬ ‫يعزز من‬ ‫اإلمكانيات‬ ‫التنموية‬

‫املهندس حمد‬ ‫الزميع‪ :‬املتحدث‬ ‫الرسمي لوزارة‬ ‫اإلسكان‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪55‬‬


‫اقصاد‬

‫في وقت اتفقت اآلراء على إيجابية االلتفاتة التشريعية األخيرة على صعيد اإلجراءات واألنظمة لقطاع عمالق‬ ‫كالعقار‪ ،‬لم يخف مختصون ومستثمرون توقعاتهم بتأثيرات محدودة على السوق العقارية‪ ،‬ال سيما ما‬ ‫يخص األسعار‪ ،‬مرشحني أن تظهر نتائج تلك الجهود الحكومية في املديني املتوسط والطويل‪ .‬واستبعد‬ ‫املختصون في حديث لـ«املجلة» أن تشمل التأثيرات أسعار األراضي والعقارات املشيدة خاصة داخل املدن‪ ،‬في‬ ‫وقت سيكون تأثيرها منصبا في حركة تداول العقارات مع ظهور بعض االنعكاسات على أسعار األراضي‬ ‫خارج نطاق املدن‪.‬‬

‫اإلجراءات العقارية الجديدة ‪ :‬هل ستقود القطاع نحو االعتدال؟‬

‫مؤشرات عقارية‬ ‫الرياض‪:‬‬ ‫محمد الحميدي‬

‫ابن سعيدان‪:‬‬ ‫املؤشرات‬ ‫العقارية لن‬ ‫تترك مساحة‬ ‫للتقييمات‬ ‫االجتهادية‬ ‫وستقلل‬ ‫الغنب والغش‬ ‫والتدليس‬

‫ان��دف��ع��ت ال��س��ع��ودي��ة م���ؤخ���را ن��ح��و وض����ع أس����س م���ن ال��ت��ش��ري��ع��ات‬ ‫والتنظيمات الجديدة التي تشكل بنية تحتية بالغة األهمية للسوق‬ ‫العقارية‪ ،‬بيد أن هناك ثالثة محركات ال بد من التوقف عندها‪ ،‬أولها‪،‬‬ ‫إقرار نظام الرهن العقاري‪ ،‬وثانيها‪ ،‬موافقة مجلس الشورى على نظام جباية‬ ‫الزكاة على األراضي البيضاء‪ ،‬ومؤخرا إطالق وزارة العدل املؤشرات العقارية‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬يؤكد سلمان بن سعيدان‪ ،‬رئيس مجلس إدارة مجموعة سلمان بن‬ ‫عبد الله بن سعيدان العقارية‪ ،‬أن القطاع العقاري كان متعطشا بالفعل ملثل‬ ‫تلك التنظيمات‪ ،‬نتيجة أن األنشطة العقارية املختلفة تفتقر للبنية التحتية من‬ ‫التشريعات‪ ،‬الفتا إلى أن تلك اإلجراءات تؤسس لتنظيم القطاع وبالتالي تعزز‬ ‫تأهيل وتطوير أنشطة العقار املختلفة في السعودية‪.‬‬ ‫وكان مجلس ال��وزراء السعودي في يوليو (تموز) ‪ 2012‬أقر نهائيا مشروع‬ ‫الرهن والتمويل العقاري‪ ،‬مشيرا حينها إلى أن أبرز مالمح النظام هو تحقيق‬ ‫الضمانات الالزمة عند ممارسة نشاطات وتمويل العقار بوضع ضوابط تحمي‬ ‫الدائن واملدين والضامن في العملية االئتمانية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من صعوبة التكهن بما ستنتج عنه اإلجراءات األخيرة من تأثيرات‬ ‫عملية على أرض الواقع ال سيما‪ ،‬الرهن العقاري‪ ،‬كما يصف بن سعيدان‪ ،‬إال أن‬ ‫العامل األهم هو أن األنظمة الجديدة تضفي الوضوح املطلوب في القطاع العقاري‬ ‫بمكوناته‪ ،‬ومع بدء تطبيقها ستسهل من عملية التنبؤ املستقبلي‪ ،‬مع قدرة‬ ‫الشركات واملشتغلني وحتى املستفيدين من كل األطراف‪ ،‬سيكون باستطاعتهم‬ ‫تحديد خطواتهم‪ ،‬من جانب‪ ،‬ويجعل الحسابات أكثر دقة وتنظيما‪ .‬وأضاف بن‬ ‫سعيدان‪ ،‬وهو أحد كبار العقاريني املعروفني في السعودية‪ ،‬أن نظام الرهن املقر‬ ‫أخيرا سيكون موجها للقطاع السكني‪ ،‬حيث من املتنظر أن تكون أحد أبرز‬ ‫الحلول املثلى في نشاط اإلسكان‪ ،‬إذ سيخفض من مخاطر البنوك التمويلية‬ ‫التي تضع سداد التمويل كأحد املخاطر التي تواجهها‪ ،‬باإلضافة إلى أن تطبيق‬ ‫الرهن العقاري سيسهم في انخفاض تكلفة التمويل على املستفيد‪ ،‬وبالتالي‬ ‫تعني املواطن على قدرة التملك وكذلك االستثمار‪.‬‬ ‫وب�ين ب��ن سعيدان‪ ،‬أن ال��ره��ن العقاري سيساعد ف��ي خدمة املستفيدين من‬ ‫متملكي اإلسكان‪ ،‬للحصول على تمويل من رهن املنازل والعقارات التابعة‬ ‫لهم‪ ،‬في صالح استثمار التمويل في مشروعات أخرى‪ ،‬وهو ما يعني توفير‬ ‫السيولة الالزمة وتحرك االستثمار مع قدرة الحصول على التمويل وهو األمر‬ ‫الذي سيكون له تأثيرات على العقار التجاري الذي سيستفيد من ذات امليزة‪.‬‬

‫فرض الزكاة‬ ‫سلمان بن سعيدان‪ :‬مستثمر في العقار‬

‫‪54‬‬

‫وشهد يونيو (ح��زي��ران) املنصرم‪ ،‬موافقة مجلس ال��ش��ورى السعودي على‬ ‫مشروع نظام جباية الزكاة في األنشطة التجارية واملهنية‪ ،‬حيث يشمل النظام‬ ‫األراضي املعدة للبيع بشرط إقرار مالكها أو عرضها للمساهمة بموجب قرائن‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫ظاهرة‪ ،‬أو أن تكون مساحتها زائدة بصورة ظاهرة على حاجة املكلف الخاصة‬ ‫وأسرته‪ ،‬بحسب العادة الغالبة‪.‬‬ ‫ووفقا للتطورات الحالية‪ ،‬سيكون قطاع «األراضي البيضاء» في السوق العقارية‬ ‫املحلية أمام مرحلة تاريخية‪ ،‬إذ بحسب إحصاءات حديثة‪ ،‬فإن نحو ‪ 70‬في املائة‬ ‫من األراضي الواقعة داخل النطاق العمراني تصنف بأنها «أراض بيضاء»‪ ،‬وهو‬ ‫األمر الذي تسبب خالل السنوات القليلة املاضية في تضخم أسعار األراضي‬ ‫في السوق املحلية‪.‬‬ ‫وينتظر أن يفتح تطبيق مشروع نظام جباية الزكاة على األراض��ي البيضاء‬ ‫بصيغته الجديدة‪ ،‬باب إدارة هذا امللف بني ثالث جهات حكومية في السعودية‪،‬‬ ‫حيث سيكون بصورته األولى مدارا من قبل كل من‪ :‬مصلحة الزكاة والدخل‪،‬‬ ‫ووزارة اإلسكان‪ ،‬ووزارة البلدية والشؤون القروية‪ ،‬في وقت يأتي مشروع نظام‬ ‫جباية الزكاة على األراضي املعدة للبيع في السعودية متزامنا مع عزوف كثير‬ ‫من املواطنني عن الشراء نتيجة تضخم األسعار‪.‬‬ ‫أم��ام ه��ذا‪ ،‬يعتقد نبيل ب��ن أحمد ب��ن كدسه وه��و خبير استثماري سعودي‬ ‫ومختص ف��ي الصناعة املالية أن إق���رار ف��رض جباية ال��زك��اة على األراض���ي‬ ‫البيضاء ج��اء م��ت��أخ��را‪ ،‬الفتا إل��ى السبب الرئيس ف��ي ارت��ف��اع أس��ع��ار العقار‬ ‫وتضخم أسعار األراضي في األصل هو االحتكار مما أدى إلى فجوة سوقية‬ ‫غير منطقية‪ ،‬تسببت في رفع األسعار إلى مستويات ربما ال تكون عادلة‪.‬‬ ‫ويعود ابن كدسة إلى الرهن العقاري حيث يقول في حديثه لـ«املجلة» إنه «سالح‬ ‫ذو حدين فمن ناحية إيجابية سيعمل ك��أداة حماية لحقوق العمالء وجميع‬ ‫األطراف املعنية في ظل غياب أنظمة عقارية وتشريعات تمويلية واضحة‪ ،‬بينما‬ ‫الناحية السلبية ترتكز في أنها ستؤدي إلى دخول سيولة جديدة وهائلة مما‬ ‫ينتج عنها ارتفاعات إضافية في أسعار العقار مما قد ينعكس عليه على املدى‬ ‫املتوسط والطويل زياده في معدالت التضخم ومستوى املعيشة وهذا بحد ذاته‬ ‫خسارة أخرى ليس على املواطن بل لجميع أطراف املعادلة»‪.‬‬ ‫ويرى ابن كدسه أن الحل يعتمد على وجود خطة واضحة مبنية على أسس‬ ‫استثمارية وج��دوى اقتصادية عن طريق تعاون جميع أط��راف املعادلة من‬ ‫مؤسسات مالية وممولني وشركات عقارية وحتى األجهزة الحكومية ذات‬ ‫العالقة هادفة بإخالص إل��ى خدمة املستفيد النهائي وه��و الوطن وامل��واط��ن‪،‬‬ ‫مشيرا إلى أن ذلك سينعكس على جميع قطاعات صناعة العقار واالستثمار‬ ‫إل��ى ما هو أفضل‪ .‬من ناحية أخ��رى‪ ،‬أفصح مصدر استثماري في النشاط‬ ‫العقاري‪ ،‬أنه ال يمكن التعويل على كل تنظيم إجرائي بأنه سيكون فرس رهان‬ ‫إليصال السوق العقارية‪ ،‬بمفهومها العام‪ ،‬نحو االعتدال‪ ،‬إذ إن السوق تعاني‬ ‫منذ سنوات طويلة من إشكاليات وصعوبات ربما ليس من السهل أن يأتي‬ ‫ق��رار إلنهائها سريعا‪ ،‬بل تحتاج إل��ى زم��ن في الوقت ال��ذي ال بد أن تواصل‬ ‫فيه الجهات التشريعية مسيرة إصالحاتها وقوانينها وإجراءاتها الجديدة‪.‬‬ ‫ولفت املصدر في حديثه لـ«املجلة» إلى أن السوق العقارية في السعودية‪ ،‬ورغم‬


‫ريان األكثر أمانا‬ ‫شركات الط دراسة أجرتها‬ ‫العالم بحسب‬ ‫يف‬ ‫بالس ليجري»‪:‬‬ ‫«ترافل‬ ‫حافظت على‬

‫يمكن تناولها قبل ثالث ساعات من اإلقالع‪ ،‬ولكن هذه الطريقة من‬ ‫الوطنية األملانية‪،‬‬ ‫شأنها تهدئة املريض مؤقتا وليست عالجا أو دواء شافيا للمرض‬ ‫– «لوفتهانزا»‪ ،‬شركة الطيران سها عام ‪.1920‬‬ ‫‪1‬‬ ‫تأسي‬ ‫وتأسست عام‬ ‫بحد ذاته‪.‬‬ ‫سجل خال من الحوادث منذ طنية البريطانية‪،‬‬ ‫رويز‪ ،‬الناقلة الو‬ ‫ومن املمكن أيضا االتصال بأحد خطوط الطيران والتأكد من تنظيمها‬ ‫‪ - 2‬بريتش إي‬ ‫شركتا كوانتس‬ ‫دروسا خاصة باملسافرين الذين يخافون ركوب الطائرة‪ ،‬ومن خالل‬ ‫الثالثة والرابعة‬ ‫‪.1974‬‬ ‫ي املرتبتني‬ ‫ه��ذه ال��دروس التي تستمر كل منها ليوم كامل في أح��د امل�ط��ارات‪،‬‬ ‫‪ – 4 - 3‬تعادلت ف ست األميركية‪.‬‬ ‫وي‬ ‫يتحدث أخصائيون في مجال املالحة ومتخصصون في مجال‬ ‫األسترالية وساوث لناقلة الصينية‪.‬‬ ‫ي ماسيفيك»‪ ،‬ا‬ ‫علم النفس إلى املسافر‪ ،‬وتنظم شركة الطيران رحلة قصيرة في‬ ‫‪« - 5‬كاث‬ ‫لة الهولندية‪.‬‬ ‫خالل ‪ 28‬عاما‪.‬‬ ‫محيط املطار في نهاية اليوم‪.‬‬ ‫‪« - 6‬كاي إل إم»‪ ،‬الناق دثتان طفيفتان‬ ‫ن اإلمارات»‪ ،‬حا‬ ‫وب�ح�س��ب ش��رك��ة ط �ي��ران «ف�ي��رج�ين أت�لان�ت�ي��ك» ت�غ�ل��ب آالف‬ ‫را‬ ‫‪« - 7‬طي تد كونتيننتال»‪.‬‬ ‫ال��رك��اب على خوفهم من السفر بالطائرة بعدما خضعوا‬ ‫‪« - 8‬يوناي‬ ‫للجلسات التي تنظمها الشركة‪ ،‬وأشار أحد املسؤولني عن‬ ‫دلتا»‪.‬‬ ‫ي األصغر سنا‬ ‫‪« « - 9‬يو إس إيرويز»‪.‬‬ ‫تلك ال ��دروس ف��ي ال�ش��رك��ة‪ ،‬إل��ى أن هناك نسبة كبيرة من‬ ‫ت عام ‪ 2003‬وه‬ ‫‪– 10‬‬ ‫ال��رك��اب الذين يخافون من السفر ال�ج��وي‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫‪« - 11‬طيران االتحاد»‪ ،‬وتأسس في هذه القائمة‪.‬‬ ‫فة‬ ‫صن‬ ‫ركات الطيران امل‬ ‫ركاب يحبون التعرف أكثر على التكنولوجيا التي تتمتع‬ ‫من بني ش‬ ‫بها الطائرة‪ ،‬وهذا األمر يغطيه الدرس أيضا‪ ،‬ألنه من املهم‬ ‫إظهار كل جوانب السالمة التي تتمتع به الطائرات الحديثة لهؤالء‬ ‫الركاب بمن فيهم أصحاب القلوب الضعيفة‪ ،‬فعندما يدركون كيفية‬ ‫األك� � � � � �ث � � � � ��ر أمانا‪ ،‬واملقاعد التي بعدها وقبلها بقليل آمنة أيضا‪ ،‬باملقارنة‬ ‫عمل الطائرة‪ ،‬وما فيها من تطور تكنولوجي يجعلها قاهرة للرياح‬ ‫م��ع مقاعد ال��درج��ة األول��ى ودرج��ة رج��ال األع�م��ال وامل�ق��اع��د الخلفية في‬ ‫والثغرات الهوائية‪ ،‬يرتاحون نفسيا‪ ،‬فاملهم أن يقتنع ال��راك��ب أن‬ ‫مقصورة الدرجة السياحية التي تعد أكثر عرضة للتحطم بالكامل في‬ ‫الطائرة تتمتع بهيكل صلب ال يتأثر بالرياح وال حتى بـ«املطبات‬ ‫حال حدوث أي مكروه‪ ،‬كما أن املقاعد بمحاذاة النوافذ أقل أمانا من تلك‬ ‫الهوائية» التي تشكل الخوف األكبر بالنسبة لهؤالء املسافرين‪ ،‬ظنا‬ ‫في وسط الطائرة بمحاذاة املمشى الرئيس‪.‬‬ ‫منهم أن الطائرة على وشك فقدان سيطرتها‪ ،‬وبالتالي سيؤدي ذلك‬ ‫وبالعودة إلى املقارنة ما بني أكثر وسائل النقل أمانا‪ ،‬تعود الطائرة لتحتل‬ ‫إلى سقوطها‪.‬‬ ‫املرتبة األولى؛ من حيث السالمة مقارنة مع التنقل بواسطة الدراجة النارية‬ ‫وبحسب األخصائيني النفسيني‪ ،‬فمن املهم أن يلهي الراكب نفسه بأي‬ ‫التي تتعدى خطورتها الثالثة آالف مرة باملقارنة مع التنقل بالجو‪ ،‬في حني‬ ‫ش��يء وه��و على منت الطائرة‪ ،‬أو النظر إل��ى زاوي��ة معينة في الطائرة‪ ،‬أو‬ ‫أن التنقل بالقطار هو أكثر خطورة من الطائرة بواقع الضعف‪.‬‬ ‫التكلم مع جاره املسافر‪ ،‬والتفكير بشيء على األرض ومحاولة نسيان‬ ‫إذن‪ ،‬لقد قرأت أمن وسالمة التنقل بالطائرة باألرقام باملقارنة مع وسائل‬ ‫فكرة أن ال�ط��ائ��رة تحلق ب�ين الغيوم وعلى علو مرتفع‪ ،‬واملحافظة على‬ ‫نقل أخرى‪ ،‬فإذا لم تقتنع بعد أن الطائرة وسيلة آمنة ومتطورة جدا فهذا‬ ‫التنفس بشكل منتظم‪.‬‬ ‫يؤكد أنك تعاني من «فوبيا الطيران» (اضطراب نفسي سلوكي)‪ ،‬من‬ ‫ومن الضروري أيضا أن يخبر املسافر أحد مضيفي الطائرة بحالته‪ ،‬فال‬ ‫املمكن تحسينه من خالل جلسات مع طبيب مختص وتمارين مكثفة‬ ‫عيب في ذلك‪ ،‬فهذا األمر مألوف بالنسبة للمضيفني واملضيفات وسيكون‬ ‫كما يمكن تعديل نسبة النقص في الناقل العصبي من خالل تناول‬ ‫بإمكانهم م�س��اع��دة امل�س��اف��ر أك�ث��ر‪ ،‬كما يجب االب�ت�ع��اد ع��ن امل�ش��روب��ات‬ ‫حبوب مضادة لالكتئاب يصفها الطبيب املختص‪ ،‬ليصبح املسافر أكثر‬ ‫الكحولية‪ ،‬ألن مفعولها في الجو يساوي ضعف مفعولها على األرض‬ ‫جرأة لتحدي املواقف التي يهابها‪ ،‬كما يصف األطباء أيضا حبوبا مهدئة‬ ‫ويستحسن االستعاضة عنها باملاء‪ ،‬وبكمية وافرة <‬

‫فريق العمل بهيئة مطار جوارولوس‬ ‫الدولي في البرازيل خالل‬ ‫محاوالتهم انقاذ بعض الركاب‬ ‫الذين سقطوا من طائرة تحطمت‬ ‫فور اقالعها من املطار عام ‪2011‬‬

‫تفجيرات ‪11‬‬ ‫سبتمبر أدت‬ ‫إلى تدنى عدد‬ ‫املسافرين‬ ‫للواليات‬ ‫املتحدة‬ ‫األميركية‬ ‫بواسطة‬ ‫الطائرات إلى‬ ‫نسبة تعدت‬ ‫‪ 20‬في املائة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪53‬‬


‫تقرير‬

‫«السفر‪ ،‬قاتل التحيز‪ ،‬التعصب‪ ،‬وضيق األفق» قول شهير للكاتب األميركي مارك توين‪ ،‬وهذا القول إذا ما‬ ‫دل على شيء فهو يظهر فوائد السفر في كلمات معدودة‪ ،‬ولكن وفي ظل حوادث الطيران املتتالية األخيرة‬ ‫بدءا باختفاء الطائرة املاليزية؛ الرحلة املشؤومة «إم إتش ‪ ،»370‬ومرورا بإسقاط الطائرة املاليزية؛ رحلة «إم‬ ‫إتش ‪ ،»17‬فوق أراضي أوكرانيا الشرقية‪ ،‬وتحطم «ترانس إيجا» على سواحل تايوان‪ ،‬وانتهاء بتحطم الطائرة‬ ‫شمال أفريقيا‪ ،‬أمسى السفر بالطائرة شرا ال بد منه بالنسبة للذين يخافون أصال من الطيران‪،‬‬ ‫الجزائرية في‬ ‫ُ‬ ‫وفي الوقت نفسه طرحت عدة أسئلة حول خطورة السفر بالطائرة على الرغم من التطور السريع في تصنيع‬ ‫هذه الوسيلة التي ال يمكن التخلي عنها والتكنولوجيا التي آلت إليها‪.‬‬

‫بني كوارث السقوط‪ ..‬وحوادث االختفاء املحيرة‬

‫هل أصبحت سالمة الطائرات يف خطر؟‬ ‫لندن‪:‬‬ ‫جوسلني إيليا‬

‫الخبير الجوي‬ ‫محمد عزيز‪:‬‬ ‫الطائرات‬ ‫مجهزة بآخر‬ ‫ما آالت إليه‬ ‫التكنولوجيا‬ ‫ومن الصعب أن‬ ‫تسقط طائرة‬ ‫من دون سبب‬ ‫خارج عن إرادة‬ ‫الطيار‬

‫‪52‬‬

‫من البديهي أن نتساءل عن مدى سالمة السفر بالطائرة‪ ،‬ولكن‬ ‫اإلحصائيات التي وردت في التقرير العاملي لسالمة الطيران قد‬ ‫تساعد في تبديل رأي��ك‪ ،‬وتبرئة الطائرة‪ ،‬وإب�ع��اد شبح الخطر‬ ‫عنها‪ ،‬ففي عام ‪ 2013‬حصلت ‪ 90‬حادثة لطائرات مدنية مخصصة لنقل‬ ‫الركاب‪ ،‬تسببت في وقوع ضحايا في تسع رحالت من أصل ‪ 90‬رحلة‬ ‫وكانت حصيلة الضحايا هي ‪ 137‬مسافرا‪.‬‬ ‫صحيح أن الرقم كبير نسبيا‪ ،‬ولكن إذا ما قارناه بعدد ضحايا حوادث‬ ‫السيارات في كل أنحاء العالم سنويا سوف نجد أن الطائرة هي وسيلة‬ ‫النقل األكثر أمانا في العالم‪ ،‬ولو أن عدد الذين سقطوا في حادثة الطائرة‬ ‫املاليزية األخيرة وطائرة «ترانس إيجا» مجتمعتني‪ ،‬كان ولسوء الحظ‬ ‫‪ 350‬راكبا‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أن السفر بالطائرة تتعدى خطورته السفر‬ ‫بالباخرة أو السيارة أو القطار‪ ،‬ألنه يجب التنبه إلى أن هناك أكثر من ‪32‬‬ ‫مليون رحلة مدنية في العام الواحد تابعة ملختلف شركات الطيران‪ ،‬وهذا‬ ‫يعني أن هناك أقل من حادثة واحدة من بني ثالثمائة رحلة‪.‬‬ ‫هذه األرق��ام تبني أن السفر بالطائرة لن يتسبب بوفاتك‪ ،‬ولو أن الخطر‬ ‫يحيط بأي وسيلة نقل نستقلها أو أي خطوة نقوم بها‪ ،‬فاألعمار بيد‬ ‫الله‪ ،‬ولكن ما يمكن أن يقتلك هو خوفك من الطائرة أو ما يعرف بـ«فوبيا‬ ‫الطيران»‪ ،‬وهذه مشكلة يعاني منها أكثر من ‪ 500‬مليون شخص حول‬ ‫العالم‪ ،‬وهناك نسبة كبيرة ج��دا من املسافرين الذين يتنقلون ب��را ولم‬ ‫يجربوا السفر بالطائرة ولو مرة واحدة‪.‬‬

‫خبير جوي‬

‫تناول الحبوب املهدئة إال أنها لم تجد نفعا‪ ،‬واليوم تعمل على إقناع نفسها‬ ‫بأنه ال بد من السفر ويتحتم عليها تغيير طريقة تفكيرها‪ ،‬واعترفت أن‬ ‫توتر املسافرين من حولها يجعلها تتوتر أكثر‪ ،‬كما أنها كانت تخاف‬ ‫في املاضي من الرحالت الطويلة‪ ،‬غير أنها اليوم تفضلها على الرحالت‬ ‫القصيرة وتعدها أكثر أمانا‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه هو أن الحوادث الجوية تؤثر على بعض املسافرين وثنيهم‬ ‫عن السفر‪ ،‬فتفجيرات ‪ 11‬سبتمبر (أيلول) جعلت عدد املسافرين في‬ ‫الواليات املتحدة األميركية بواسطة الطائرات يتدنى إلى نسبة تعدت ‪20‬‬ ‫في املائة‪ ،‬في حني أن نسبة املسافرين بواسطة السيارات ارتفعت إلى رقم‬ ‫قياسي‪ ،‬ولكن على مر السنني عاد األميركيون إلى السفر بالطائرة ألنها‬ ‫وسيلة ال يمكن التخلي عنها‪ ،‬خصوصا عندما يؤكد لك أخصائيو املالحة‬ ‫أنها آمنة‪ ،‬وف��ي الوقت ال��ذي استبدل فيه األميركيون الطائرة بالسيارة‬ ‫ارتفعت حوادث السير بشكل الفت؛ حيث وصل عدد الضحايا إلى ‪1595‬‬ ‫ضحية في عام واحد (في أميركا فقط)‪.‬‬ ‫وفي اتصال مع الكابنت الطيار‪ ،‬والخبير الجوي محمد عزيز تكلم هذا‬ ‫األخير عن أم��ن وسالمة الطائرة ألنها متطورة ج��دا ومجهزة بآخر ما‬ ‫آالت إليه التكنولوجيا‪ ،‬كما أنه «من الصعب أن تسقط الطائرة من دون‬ ‫سبب خارج عن إرادة الطيار‪ ،‬كما حصل مع الطائرة املاليزية (إم إتش‬ ‫‪ )17‬التي أسقطت بصاروخ فوق األراضي األوكرانية»‪ ،‬وأضاف أن «حوادث‬ ‫الطائرات أقل بكثير من حوادث السير والقطارات‪ ،‬ولكن حوادث الطيران‬ ‫تتناولها وسائل اإلعالم؛ مما يجعل الخبر أكثر انتشارا وأكثر وقعا على‬ ‫املسافرين الذين يخافون من السفر في األص��ل»‪ ،‬وتابع‪« :‬إذا ما نظرنا‬ ‫إلى عدد الذين يقضون في حوادث الطيران فنراه ضئيال جدا باملقارنة‬ ‫مع حوادث السير»‪.‬‬ ‫وفي كلمة مهمة قالها أنتوني تايلر‪ ،‬املدير العام والرئيس التنفيذي لالتحاد‬ ‫الدولي للنقل الجوي‪ ،‬شدد على أن «حوادث الطيران تصب في مصلحة‬ ‫املسافرين‪ ،‬ألنها بمثابة دروس يتعلم منها املختصون في مجال املالحة‬ ‫الجوية وشركات تصنيع الطائرات العاملية»‪ ،‬وأضاف أن «كل حادثة مهما‬ ‫كان نوعها مهمة من ناحية التطوير والتطور في مجال السفر الجوي»‪.‬‬

‫وفي مقابلة مع جميلة العياد‪ ،‬وهي من املسافرات الالتي يخفن من السفر‬ ‫بالطائرة‪ ،‬تقول العياد لـ«املجلة» إن «سبب خوفها من السفر بالطائرة‬ ‫ناتج عن حادثة تعرضت لها وهي في سن صغيرة؛ حيث ضربت الطائرة‬ ‫حينها رياح شرقية عاتية؛ مما أحدث زعزعزة حقيقية ملسار الطائرة‪،‬‬ ‫والذي عظم من حجم الحادثة هو ردة فعل أحد مضيفي الطائرة الذي راح‬ ‫يصرخ بالصوت العالي طالبا من املسافرين الجلوس واإلن��ذار بكارثة»‪،‬‬ ‫وتقول العياد إن هذه الحادثة رافقتها مدة حياتها وأثرت عليها كثيرا‪،‬‬ ‫خصوصا أن عملها يتطلب منها السفر إلى بلدان من شبه املستحيل فوبيا الطيران‬ ‫الوصول إليها من دون الطائرة‪ ،‬وأضافت العياد أن حالة الذعر تدب فيها‬ ‫قبل نحو أربعة أيام من الرحلة وتصاب بنوبات عصبية تؤثر على حياتها وبحسب بعض األخصائيني في مجال املالحة الجوية‪ ،‬فيمكن طمأنة من‬ ‫اليومية‪ ،‬ولطاملا حاولت التغلب على توتر أعصابها أثناء السفر من خالل هم يهابون السفر بالطائرة بأن املقاعد املوجودة عند جناحي الطائرة هي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬


‫وعلى الرغم من أن سياسة الهجرة تتطلب بصفة عامة املرونة وسرعة االستجابة‬ ‫التي تمكنها من التكيف مع تدفق الهجرة‪ ،‬بدت سياسة الهجرة اإليطالية لعدة‬ ‫سنوات غير قادرة على التطور‪ .‬فعلى الرغم من صدور قوانني جديدة‪ ،‬فإنها بدت‬ ‫كتصريحات عقابية مؤقتة‪ ،‬تستهدف خلق إجماع سياسي سهل؛ فعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬جعل قانون بوسي ‪ -‬فيني ‪ 2002‬الذي ينظم الهجرة وقانون مرسوم روبرتو‬ ‫ماروني ‪ ،2009‬الهجرة غير الشرعية جريمة دون احتواء املشكلة بفعالية‪.‬‬ ‫وقد استأنفت الحكومات اإليطالية األخيرة الخط الرسمي الذي اتبعه سلفها حيث‬ ‫كانت تطالب أساسا ب��دور أق��وى ملؤسسات االتحاد األوروب��ي وحصة أكبر من‬ ‫التكلفة املتعلقة بوضع إيطاليا كـ«حارس» للحدود املشتركة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن ذلك االتجاه يحظى بإجماع قوي من الحزبني‪ ،‬ما زال هذا االتجاه‬ ‫لم يسفر عن استراتيجية تفاوضية أو تحالف خالق‪ ،‬ومنضبط وذي مصداقية‬ ‫تقنية‪ .‬وف��ي ظل ه��ذا السياق‪ ،‬فليس مفاجئا أن إيطاليا لم تحقق س��وى نتائج‬ ‫محدودة في بروكسل‪ :‬حيث لم يحدث إجراء سوى تعديالت هامشية للملف الذي‬ ‫كان مفتوحا من قبل‪ .‬فما زالت املشاركة األوروبية في الدوريات البحرية الحدودية‬ ‫وأنشطة البحث واإلنقاذ ثم استقبال الالجئني محدودة رغم أنه من الضروري القول‬ ‫إن ذلك يرجع إلى املقاومة القوية داخل الدول الثماني والعشرين‪ .‬فحتى في العالقات‬ ‫مع دول املنشأ ودول العبور خاصة تلك الدول في جنوب البحر املتوسط‪ ،‬تراجعت‬ ‫تدريجيا أهمية التجديدات التي جرى إدخالها في أواخر التسعينات (االتفاقيات‬ ‫الثنائية)‪ .‬كما أن سياسة الهجرة ما زالت في الواقع تتخذ مرتبة ثانوية بالنسبة‬ ‫للسياسات الخارجية واألمنية اإليطالية‪.‬‬

‫ليبيا وإيطاليا‪ :‬دور سياسي و إنساني‬

‫وزيرة الدفاع‬ ‫اإليطالية‪:‬‬ ‫عملية ماري‬ ‫نوستروم هي‬ ‫كبرى العمليات‬ ‫اإلنسانية التي‬ ‫شهدتها منطقة‬ ‫املتوسط حيث‬ ‫جرى إنقاذ أكثر‬ ‫من ‪ 3‬آالف قاصر‬ ‫وإلقاء القبض على‬ ‫أكثر من ‪ 200‬مهرب‬

‫وعلى امل��دى البعيد‪ ،‬كانت مجموعة م��ن الخبراء اإليطاليني ف��ي ش��ؤون الهجرة‬ ‫تحاول تحديد خيارين محتملني للسياسة اإليطالية‪ :‬استغالل «بطاقة الهجرة»‬ ‫ف��ي العالقات بالبلدان امل�ج��اورة خاصة ف��ي البحر املتوسط وعلى صعيد دعم‬ ‫العمليات املحلية للتجديد السياسي على األقل في الحاالت القليلة التي لم يتضرر‬ ‫فيها ذل��ك بالفعل‪ .‬وف��ي الوقت نفسه‪ ،‬تنادي الحكومة اإليطالية ب��دور سياسي‬ ‫وإنساني متجدد لألمم املتحدة في ليبيا؛ فوفقا لوزيرة الشؤون الخارجية‪ ،‬فيدريكا‬ ‫موجريني‪ ،‬يجب أن تحظى األمم املتحدة بدور كبير في حل أزمة الهجرة وإدارة‬ ‫األزم��ات‪ .‬ولهذه األسباب‪ ،‬يجب أن نضع في اعتبارنا بعض الخطوات كوسيلة‬ ‫لتقليل حجم األزمة الليبية وتوفير إطار للتنمية املستقبلية بالبالد؛ حيث إن هدف‬ ‫إيطاليا هو تنفيذ اإلجراءات التي حددتها بالفعل بعثة األمم املتحدة في ليبيا‪.‬‬ ‫يعد اإلج ��راء األول توسيعا ملهمة بعثة األم��م املتحدة للدعم ف��ي ليبيا ف��ي ظل‬ ‫ق��رار جديد يأخذ ف��ي اعتباره املشكالت اإلنسانية‪ .‬وبالتنسيق م��ع الحكومة‬ ‫الليبية‪ ،‬تستأنف املفوضية العليا لألمم املتحدة لشؤون الالجئني األنشطة املتعلقة‬ ‫بتسجيل الالجئني وتحديد وضعهم بهدف بناء قدرات مؤسسات اللجوء املحلية‪.‬‬ ‫وسوف تتمتع البعثة بالقدرة الفعالة على الترويج للحلول املعقولة إلعادة التوطني‬ ‫ف��ي ب�ل��دان أخ��رى وال �ع��ودة الطوعية لالجئني‪ .‬وق��د أسست البعثة بالتعاون مع‬ ‫الشركاء مكاتب للمساعدة القانونية لالجئني والساعني للجوء الذين يحتاجون‬ ‫للخدمات القانونية‪.‬‬ ‫النقطة الثانية‪ :‬يجب أن تؤيد البعثة بفعالية الحكومة الليبية في معالجة التحديات‬ ‫املتعلقة بالهجرات املختلطة‪ ،‬بما ف��ي ذل��ك تطوير إج ��راءات استقبال الالجئني‬ ‫ال��ذي��ن يحتاجون للحماية وتقديم ال��دع��م أث�ن��اء اإلن�ق��اذ ف��ي البحر‪ .‬وت��وف��ر البعثة‬ ‫العناصر األساسية لإلغاثة للساعني للجوء املحاصرين واملهاجرين املستضعفني‪.‬‬ ‫وبالتعاون مع الشركاء‪ ،‬تقدم خدمات صحية لألفراد في حاالت الطوارئ‪ .‬كما‬ ‫تطور البعثة أيضا برامج تدريب لدعم وزارة الداخلية وح��رس السواحل فيما‬ ‫يتعلق بحقوق اإلنسان وحماية الالجئني وأفضل ممارسات اللجوء والتعامل‬ ‫مع األشخاص املعرضني للخطر وتقديم املساعدات الصحية للمهاجرين الذين‬ ‫جرى إنقاذهم‪.‬‬ ‫ويعد الهدف األكثر طموحا لتلك االستراتيجية هو املحاولة اإليطالية لتدويل «أزمة‬ ‫الالجئني» كجزء من األزمة الليبية؛ فبمقتضى قرار جديد‪ ،‬يجب أن تضع األمم‬ ‫املتحدة شروط دمج البعثة اإليطالية «ماري نوستروم» داخل نطاق تعاون جديد‬ ‫أوسع بني أعضاء املجتمع الدولي وأوروبا‪ .‬فهذا هو األمل <‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪51‬‬


‫تحقيق‬

‫طفل سوري خارج مركز اإلقامة املؤقتة للمهاجرين في روتشيال إيونيكا جنوب كاالبري اإليطالية‬

‫الجئون سوريون خالل‬ ‫الصباح الباكر أثناء النوم‬ ‫خارج مركز اإلقامة املؤقتة‬ ‫للمهاجرين في مدينة‬ ‫مليلية االسبانية (غيتي)‬ ‫خفر السواحل اإليطالي تساعد في انقاذ مهاجر من قارب كان يحاول الوصول‬ ‫إلى جزيرة المبيدوسا اإليطالية في ‪ 20‬فبراير ‪2011‬‬

‫توابيت الضحايا في مطار المبيدوزا الذين لقوا حتفهم اثر غرق قارب‬ ‫على متنه مئات املهاجرين أسفر عن مقتل أكثر من مئة شخص منهم ‪ 5‬أكتوبر ‪2013‬‬

‫‪50‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫يعد السوريون‬ ‫الذين يفرون‬ ‫من الحرب في‬ ‫بالدهم كبرى‬ ‫الجماعات‬ ‫املهاجرة كانت‬ ‫محطة ميالنو‬ ‫للسكة الحديد‬ ‫هي النقطة‬ ‫األهم التي‬ ‫يمرون عبرها‬ ‫إلى أوروبا‬

‫أحد الناجني من حطام سفينة‬ ‫للمهاجرين قبالة الساحل‬ ‫اإليطالي – اكتوبر ‪2013‬‬


‫سوى القليل منهم عن رغبته البقاء في إيطاليا‪.‬‬ ‫بدأت عملية «ماري نوستروم» بعدما أصبحت سياسة الهجرة مرة أخرى على‬ ‫قمة أولويات املجلس األوروبي في أكتوبر ‪ .2013‬وقد طرح رئيس الوزراء اإليطالي‪،‬‬ ‫إنريكو ليتا‪ ،‬عددا من الخطط للتطبيق الفوري من بينها التعاون بني دول االتحاد‬ ‫األوروبي في تمشيط البحر املتوسط‪ ،‬وكذلك التعاون بني مكاتب االتحاد األوروبي‬ ‫في بلدان العبور مثل ليبيا للتعامل مع طلبات اللجوء نيابة عن االتحاد بأسره ومن‬ ‫ثم ال يضطر املهاجرون املحتملون أن يخاطروا بحياتهم للعبور‪ ،‬ومن وجهة نظر‬ ‫إيطاليا لن يصبح من الضروري التعامل معهم في إيطاليا‪.‬‬ ‫وقد وافقت سيسيليا ماملستروم‪ ،‬مفوضة االتحاد األوروبي للشؤون الداخلية‪،‬‬ ‫على أن تلك هي أجندة املفوضية أيضا ولكن لم يجر اتخاذ أي��ة إج ��راءات‪ .‬وقد‬ ‫أوضح االتحاد األوروبي مقاربته الشاملة بشأن أمن الحدود الليبية من خالل بعثة‬ ‫املساعدة الحدودية لالتحاد األوروب��ي «‪ »EUBAM‬ووكالة «فرونتكس»‪ .‬ونادى‬ ‫بعض الخبراء اإليطاليني بمراجعة معاهدة دوبلني التي تقضي بمنح الالجئني حق‬ ‫اللجوء في أول دول االتحاد األوروبي التي يصلون إليها‪ ،‬قائلني إن االتحاد األوروبي‬ ‫ككل يجب أن يشارك في تحمل مسؤولية املهاجرين الذين يصلون إلى صقلية‪.‬‬

‫عبء التعامل مع طالبي اللجوء‬

‫وإذا ما نظرنا فقط إلى عام ‪ ،2011‬سنجد أن نحو‬ ‫‪ 2352‬قد لقوا حتفهم بنفس الطريقة‪ .‬وكما قالت‬ ‫روبرتا بينوتا‪ ،‬وزي��رة الدفاع اإليطالية فإن «عملية‬ ‫م ��اري ن��وس �ت��روم ه��ي ك �ب��رى ال�ع�م�ل�ي��ات اإلن�س��ان�ي��ة‬ ‫التي شهدتها منطقة البحر املتوسط خالل العقود‬ ‫املاضية‪ :‬حيث جرى إنقاذ أكثر من ‪ 3‬آالف قاصر‬ ‫وإلقاء القبض على أكثر من ‪ 200‬مهرب»‪ .‬ومنذ أن‬ ‫بدأت الحكومة اإليطالية تجهيز عملية اإلنقاذ «ماري‬ ‫ن��وس �ت��روم» ف��ي أك�ت��وب��ر ‪ ،2013‬ف��ي أع �ق��اب ال�غ��رق‬ ‫املأساوي للسفينة التي توفي فيها ‪ 600‬شخص‪،‬‬ ‫جرى إنقاذ أكثر من ‪ 50‬ألف شخص من الغرق في‬ ‫البحر‪ .‬ويعد السوريون الذين يفرون من العنف في‬ ‫بالدهم كبرى تلك الجماعات حيث وصل ما يزيد‬ ‫على ‪ 11300‬منهم‪ .‬وف��ي الشهور األخ �ي��رة‪ ،‬كانت‬ ‫محطة ميالنو الرئيسة للسكة الحديد هي النقطة‬ ‫األه��م التي يمر عبرها ال�س��وري��ون ال��ذي��ن يحاولون‬ ‫امل �غ��ادرة إل��ى أوروب� ��ا‪ ،‬وف��رن�س��ا‪ ،‬وبلجيكا‪ ،‬وأملانيا‬ ‫وخاصة ال��دول اإلسكندنافية‪ .‬وف��ي ال�ح��وارات التي‬ ‫أجرتها وس��ائ��ل اإلع�ل�ام اإليطالية معهم‪ ،‬ل��م يعرب‬

‫تتهم األحزاب‬ ‫اإليطالية‬ ‫اليمينية رئيس‬ ‫الوزراء ماتيو‬ ‫رينزي‪ ،‬وحكومته‬ ‫بالضعف أمام‬ ‫أوروبا فيما‬ ‫يتعلق بقضية‬ ‫الهجرة‬

‫وفي الوقت الراهن‪ ،‬ما زالت السياسة اإليطالية كما هي‪ :‬فما زالت الحكومة اإليطالية‬ ‫تطلب مشاركة أوروب��ا واملجتمع ال��دول��ي‪ ،‬ولكن التناقض بني االت�ح��اد األوروب��ي‬ ‫وإيطاليا يتزايد‪ .‬فإيطاليا ترغب في الحصول على املساعدات املالية األوروبية‬ ‫ملساعدتها على تحمل عبء التعامل مع طالبي اللجوء ومهمات التمشيط‪ .‬فعلى‬ ‫الرغم من أن إيطاليا ال تعاني من األرقام األكبر‪ ،‬فإنها تتحمل على األرجح تكلفة‬ ‫أعلى‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬تتكلف ماري نوستروم نحو ‪ 12‬مليون يورو شهريا‪.‬‬ ‫وم��ن جهة أخ��رى‪ ،‬عندما يتعلق األم��ر بالدول التي منحت حق اللجوء‪ ،‬تحصل‬ ‫أملانيا على نصيب األس��د؛ حيث تصل حصتها إل��ى‪ 23.2‬في املائة فيما تصل‬ ‫نسبة فرنسا إلى ‪ 18.3‬في املائة والسويد إل��ى‪ 13.1‬في املائة فيما تصل نسبة‬ ‫إيطاليا إلى‪ 5.2‬في املائة أو نحو ‪ 17‬ألفا وهي نفس نسبة النمسا التي لديها ثمن‬ ‫عدد سكان إيطاليا‪.‬‬ ‫ويغذي ال��رأي العام اإليطالي باإلضافة إل��ى آراء بعض األح��زاب السياسية ذلك‬ ‫الجدال‪ .‬فمن جهة‪ ،‬تتهم األحزاب اليمينية (رابطة الشمال‪ ،‬وفورتسا إيطاليا ‪ -‬إلى‬ ‫األمام إيطاليا ‪ -‬على وجه الخصوص) خارج االئتالف الحاكم‪ ،‬رئيس الوزراء ماتيو‬ ‫رينزي‪ ،‬وحكومته بالضعف أمام أوروبا فيما يتعلق بقضية الهجرة‪ .‬ومن جهة‬ ‫أخرى‪ ،‬يبدو أن مبادرة الحكومة لزيادة دوريات البحرية وحرس السواحل‪ ،‬وفقا‬ ‫لبعض املراقبني مثل األستاذ والستون‪ ،‬الخبير بالشؤون اإليطالية‪ ،‬قد أرسلت‬ ‫رسائل متباينة لإليطاليني (نحن نحميكم من غزو املهاجرين‪ ..‬كما أننا في الوقت‬ ‫نفسه سوف نوقف الكوارث املستقبلية) ورسالة واضحة للمهربني (أيا ما كانت‬ ‫السفينة الصدئة التي تستخدمونها‪ ،‬سوف تكون املساعدة جاهزة في الطريق)‬ ‫وهي الرسالة التي استجابت لها مباشرة تلك الجماعات حيث أرسلت مباشرة‬ ‫أسطوال من السفن غير الصالحة لالستخدام صوب جزيرة أمبيدوسا اإليطالية‬ ‫ومالطة‪ .‬ومن جهة أخرى (فإنه في األحزاب والحركات السياسية اليسارية خارج‬ ‫الحكومة االئتالفية)‪ ،‬هناك مطالب بسياسة «اللجوء للجميع»‪ ،‬وهي السياسة التي‬ ‫تبدو غير واقعية في أوروب��ا التي خرجت لتوها من الركود وفي ظل بزوغ نجم‬ ‫اليمني الشعبوي‪.‬‬

‫قانون بوسي ـ ـ ـ فيني‬ ‫ومن جهة أخ��رى‪ ،‬فإن أحد الجوانب املهمة لتلك القضية يتعلق بالغياب الكامل‬ ‫للتمييز بني الساعني للجوء (والتي تلتزم إيطاليا قانونيا بالتعامل معهم وتوفير‬ ‫الوضع القانوني لهم وتوفير الحماية ملن يجري منحهم وضع الالجئني)‪ ،‬وبني‬ ‫املهاجرين ألسباب اقتصادية‪ .‬وقد حاول الرئيس اإليطالي جورجيو نابوليتانو أن‬ ‫يوضح أن ضحايا أمبيدوسا كانوا جميعا من الالجئني املحتملني ومعظمهم كان‬ ‫يحصل فعليا على ذلك الوضع‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم يركن أي من السياسيني أو وسائل‬ ‫اإلعالم إلى التمييز بني الفئتني مفضلني استخدام مصطلح املهاجر األكثر عمومية‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪49‬‬


‫تحقيق‬

‫وفقا لـ«الوكالة األوروب �ي��ة إلدارة التعاون العملياتي في‬ ‫الحدود الخارجية للدول األعضاء في االتحاد األوروبي»‪،‬‬ ‫ارتفع ع��دد املهاجرين الذين يرغبون في دخ��ول أوروب��ا‬ ‫على نحو غير قانوني في يونيو (حزيران) املاضي نحو‬ ‫‪ 140‬ألفا نظرا لالضطرابات التي شهدها الشرق األوسط‬ ‫والبحر املتوسط‪ .‬وم��ن املتوقع أن يمثل السوريون ثلث‬ ‫الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا‪.‬‬

‫تهريب البشر‬ ‫إيطاليا وليبيا‪ ..‬مواجهة أزمة الهجرة‬ ‫ميالنو‪ :‬أروترو فارفلي‬ ‫يضهي عدد املهاجرين إلى أوروب��ا حتى هذه اللحظة من العام الحالي‬ ‫عدد املهاجرين في ‪ 2013‬كما تجاوز العدد بالفعل إجمالي العدد الذي‬ ‫وصل إليه خالل الفترة نفسها في ‪ 2011‬عندما دخل نحو ‪ 140‬ألفا إلى‬ ‫أوروبا بطريقة غير قانونية‪ .‬ويتصدر السوريون واألفغان واإلريتريون قائمة من‬ ‫جرى رصد محاوالت دخولهم؛ حيث مثل السوريون وحدهم نحو ربع الهجرة غير‬ ‫الشرعية إلى أوروبا خالل العام املاضي ومن املتوقع أن يصل العدد خالل العام‬ ‫الحالي إلى الثلث‪ .‬ولعب الجدال الدائر حول الهجرة دورا محوريا خالل االنتخابات‬ ‫األوروبية الحديثة؛ حيث حققت الجماعات اليمينية‪ ،‬التي تتخذ من قضية الهجرة‬ ‫قضية مركزية‪ ،‬مكاسب هائلة في فرنسا وبريطانيا‪.‬‬ ‫بعد ثالثة أعوام من سقوط نظام القذافي‪ ،‬ما زال الشعب الليبي غير قادر على‬ ‫تشكيل مؤسسات ديمقراطية فعالة ودولة فاعلة‪ .‬وفي الوقت الراهن‪ ،‬بلغت األزمة‬ ‫مستويات منذرة تهدد السلم واألمن ليس فقط في ليبيا ولكن في شمال أفريقيا‬ ‫ودول الساحل والبحر املتوسط‪ ،‬خاصة أوروبا وإيطاليا‪ ،‬حيث تلوح في األفق نذر‬ ‫حرب أهلية جديدة وممتدة‪ ،‬كما أن ليبيا أصبحت على مشارف أن تصبح دولة‬ ‫فاشلة تماما في قلب إحدى املناطق الحيوية بالعالم‪.‬‬ ‫وإذا ما كانت األزم��ة الليبية قد قدمت الفرصة لالتحاد األوروب��ي إلثبات نفسه‬ ‫كالعب «عاملي»‪ ،‬فإن تلك الفرصة ضاعت إلى حد بعيد‪ .‬فقد أصبح املحور الليبي‬ ‫ اإليطالي واحدا من أكثر طرق تهريب البشر أهمية حيث يربط بني وسط وشمال‬‫أفريقيا ومنطقة األزم��ات مثل سوريا بالقارة القديمة‪ .‬وتستغل الجماعات ذات‬ ‫الصلة بالتهريب االضطرابات في ليبيا لتعزيز نشاطاتها وهو ما له تأثير سلبي‬ ‫هائل على إيطاليا‪.‬‬

‫الوصول إلى أوروبا‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يتزايد الوضع اإلنساني تدهورا‪ ،‬نظرا ألن االضطرابات الليبية‬ ‫املستمرة تؤدي إلى انهيار كافة املؤسسات الوطنية الكبرى‪ .‬ويعرقل العدد املتزايد‬ ‫من املهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا من السواحل الليبية قدرة البعثة البحرية‬ ‫اإليطالية – التي يطلق عليها ماري نوستروم والتي بدأت عملها في أكتوبر (تشرين‬ ‫األول) املاضي ‪ -‬على السيطرة على املياه اإلقليمية بني أفريقيا وإيطاليا دون دعم‬ ‫دولي‪ ،‬فقد بلغ عدد املهاجرين الذين وصلوا إيطاليا بالقارب على نحو غير شرعي‬ ‫خالل األشهر السبعة األولى من عام ‪ 2014‬نحو ‪ 81‬ألفا من املهاجرين‪ ،‬وهو ما‬ ‫يزيد على إجمالي العدد في ‪ ،2011‬أي خالل انتفاضات الربيع العربي كما أنه‬

‫‪48‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫مهاجرون افارقة‬ ‫يحاولون تسلق‬ ‫السياج على الحدود‬ ‫بني املغرب واسبانيا‬ ‫في الشمال من‬ ‫مليلية‪ 3 -‬ابريل‬ ‫‪( 2014‬غيتي)‬

‫من عام ‪1988‬‬ ‫لقي نحو‬ ‫عشرين ألفا‬ ‫من املهاجرين‬ ‫حتفهم في‬ ‫البحر املتوسط‬ ‫وهم يحاولون‬ ‫الوصول إلى‬ ‫أوروبا‬

‫ضعف إجمالي املهاجرين خالل ‪ 2013‬والذي كان‬ ‫يبلغ ‪ 40‬ألفا‪.‬‬ ‫وي �ت��رك ن �ح��و ث�ل�ث��ي امل �ه��اج��ري��ن‪ ،‬ال��ذي��ن ي��أت��ون من‬ ‫عشرات الدول بما في ذلك السوريون الذين يفرون‬ ‫من الحرب األهلية واإلري�ت��ري��ون الذين يهربون من‬ ‫التجنيد العسكري‪ ،‬إيطاليا ويتوجهون إل��ى دول‬ ‫االتحاد األوروب��ي األخ��رى‪ .‬ومن املرجح أن تستمر‬ ‫تلك الظاهرة نظرا ألن القسم الجنوبي من ليبيا ما‬ ‫زال إل��ى ح��د كبير غير خ��اض��ع للسيطرة‪ ،‬كما أن‬ ‫عدم سيادة القانون ما زالت هي القانون الحاكم الذي‬ ‫يأتي في مصلحة حركة كبرى عابرة للحدود من‬ ‫املهاجرين باإلضافة إلى انتشار الفصائل الراديكالية‬ ‫وامليليشيات املتنوعة‪.‬‬

‫عملية «ماري نوستروم»‬ ‫ووفقا ملصادر مستقلة‪ ،‬فإنه بدءا من عام ‪ 1988‬لقى‬ ‫أكثر من ‪ 19720‬من املهاجرين في البحر املتوسط‬ ‫حتفهم غرقا وه��م يحاولون ال��وص��ول إل��ى أوروب��ا‪.‬‬


‫عبور ‪ 81‬ألف مهاجر غري شرعي إلى إيطاليا منذ‬ ‫بداية العام‪ ..‬والالجئون السوريون يف تزايد مستمر‬

‫قارب محمل بأكثر من مائة مهاجر غير شرعي يمر بمدينة‬ ‫المبيدوسا على الساحل اإليطالي ‪ -‬مارس‪( 2014/‬غيتي)‬


‫تحقيق‬

‫مصير مجهول‬


‫األراضي العربية املحتلة‪ .‬وقد حسم امللك فيصل هذا األمر في مؤتمر‬ ‫قمة الخرطوم الذي عقد في أغسطس (آب) ‪ ،1967‬وتقرر فيه دفع مبلغ‬ ‫‪ 135‬مليون جنيه إسترليني سنويا‪ ،‬التزمت اململكة بدفع مبلغ ‪50‬‬ ‫مليون جنيه إسترليني منها‪ ،‬والتزمت الكويت بدفع مبلغ ‪ 55‬مليون‬ ‫جنيه إسترليني‪ ،‬وليبيا ‪ 30‬مليون جنيه إسترليني‪.‬‬ ‫وظلت سياسة اململكة ثابتة منذ حرب يونيو ‪ 1967‬حتى حرب أكتوبر‬ ‫‪ 1973‬تجاه مسألة االستخدام اإليجابي للنفط في تنفيذ التزاماتها‬ ‫بدعم دول الصمود من عائدات النفط‪ .‬لكن عندما اندلعت الحرب العربية‬ ‫اإلسرائيلية في أكتوبر ‪ 1973‬وضع امللك فيصل الجيش السعودي على‬ ‫أهبة االستعداد ملواجهة ظروف املعركة‪ ،‬وأرسل رسالة عاجلة مع السيد‬ ‫عمر السقاف وزير الدولة للشؤون الخارجية‪ ،‬في ‪ 10‬أكتوبر ‪ ،1973‬إلى‬ ‫كل من دمشق والقاهرة‪ ،‬حيث أعرب السقاف للبلدين الشقيقني عن‬ ‫وقوف السعودية بكل إمكاناتها إلى جانب األشقاء العرب‪.‬‬ ‫استمرت السياسة األميركية في تجاهل نداءات العرب‪ ،‬وقامت علنا‬ ‫بدعم االحتالل اإلسرائيلي لألراضي العربية‪ .‬وملا أقامت جسرا جويا‬ ‫لتزويد إسرائيل بالسالح في حرب ‪ 1973‬عمدت السعودية وسائر‬ ‫البالد العربية إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزما‪ ،‬فأعلنت البالد العربية‬ ‫تباعا وقف ضخ النفط إلى الواليات املتحدة‪ ،‬ومن ثم إلى هولندا التي‬ ‫اتخذت موقفا مواليا إلسرائيل‪ .‬كما فرض حظر تصدير النفط الخام‬ ‫إلى جميع معامل التكرير التي تصدر مشتقات النفط إلى الواليات‬ ‫املتحدة األميركية‪ ،‬أو بيعها إلى األسطول البحري الحربي األميركي‪.‬‬ ‫ك��ان��ت اململكة ق��د أعلنت وق��ف تصدير النفط إل��ى ال��والي��ات املتحدة‬ ‫األميركية‪ ،‬مبررة ذلك بازدياد الدعم العسكري األميركي إلسرائيل‪.‬‬ ‫واستشاطت أميركا غضبا م��ن ه��ذه الخطوة الجريئة التي ل��م تكن‬ ‫تتوقعها‪ ،‬والتي أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط‪ ،‬كما أدت إلى‬ ‫إرباك االقتصاد الرأسمالي الغربي عموما‪ ،‬ذلك االقتصاد الذي يعتمد‬ ‫على النفط بصورة أساسية في تحريك عجلته على كل املستويات‪،‬‬ ‫وفي مختلف القطاعات الصناعية واالقتصادية‪.‬‬ ‫تحركت أميركا‪ ،‬وأرسلت وزي��ر خارجيتها هنري كيسنجر ملقابلة‬ ‫امللك في ‪ 8‬نوفمبر ‪ 1973‬ليتباحث في ثالث نقاط أساسية‪ :‬النفط‪،‬‬ ‫والقدس‪ ،‬وشؤون فلسطني والفلسطينيني‪ .‬وأكدت مصادر صحافية‬ ‫أن امللك فيصل أصر على عروبة القدس‪.‬‬ ‫ارتفعت لهجة التحدي والتهديد بني الواليات املتحدة األميركية وامللك‬ ‫فيصل إلى الدرجة التي دعت امللك فيصل للرد على هنري كيسنجر‬ ‫بعنف قائال‪« :‬لن نرفع الحظر على شحن النفط إلى الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫ولن نعيد إنتاجنا إلى ما كان عليه سابقا‪ ،‬ما لم تنته مفاوضات السالم‬ ‫نهاية ناجحة يتحقق على أثرها االنسحاب اإلسرائيلي الكامل من‬ ‫األراضي العربية املحتلة‪ ،‬وضمان حقوق الشعب الفلسطيني»‪ .‬وشدد‬ ‫امللك فيصل على ضرورة إعادة القدس العربية إلى العرب ورفض فكرة‬ ‫تدويل األماكن املقدسة‪.‬‬

‫مبادرات اإلغاثة والسالم‬ ‫لم تتوقف مساعي اململكة الدائبة من أجل حل القضية الفلسطينية‬ ‫عبر كل األصعدة‪ ،‬ومن أبرز ذلك تقديمها ملبادرات سالم تسعى لرأب‬ ‫الصدع‪ ،‬وتضمن حقوق الفلسطينيني‪ ،‬كان من أبرزها ما قدمه امللك‬ ‫فهد بن عبد العزيز في مشروعه للسالم الذي تبناه وأقره مؤتمر القمة‬ ‫العربية الثاني عشر‪ ،‬الذي عقد في مدينة فاس املغربية في سبتمبر‬ ‫(أيلول) ‪ .1982‬وقدم خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد‬ ‫العزيز ‪ -‬عندما ك��ان وليا للعهد ‪ -‬تصورا للتسوية الشاملة العادلة‬ ‫للقضية الفلسطينية من ثمانية مبادئ عرف باسم «مشروع األمير عبد‬ ‫الله بن عبد العزيز»‪ ،‬قدم ملؤتمر القمة العربية في بيروت عام ‪،2002‬‬ ‫والقت هذه املقترحات قبوال عربيا ودوليا وتبنتها القمة وأكدتها القمم‬ ‫العربية الالحقة خاصة قمة الرياض‪ ،‬وأضحت مبادرة سالم عربية‪.‬‬ ‫كما اقترح في املؤتمر العربي الذي عقد في القاهرة في أكتوبر من عام‬

‫‪ 2000‬إنشاء صندوق يحمل اسم «انتفاضة القدس» برأس مال قدره‬ ‫مائتا مليون دوالر يخصص لإلنفاق على أسر الشهداء الفلسطينيني‬ ‫الذين سقطوا في االنتفاضة‪ ،‬وإنشاء صندوق آخر يحمل اسم صندوق‬ ‫األقصى يخصص له ثمانمائة مليون دوالر لتمويل مشاريع تحافظ‬ ‫على الهوية العربية واإلسالمية للقدس املحتلة والحيلولة دون طمسها‪.‬‬ ‫وإذا كانت السعودية قد تقدمت مؤخرا‪ ،‬مطلع شهر أغسطس ‪،2014‬‬ ‫بدعم مالي قدره ‪ 500‬مليون دوالر إلعمار غزة بعد الدمار الذي لحقها‬ ‫ج��راء القصف اإلسرائيلي‪ ،‬ف��إن ه��ذا ك��ان نهجا دائما وثابتا اتخذته‬ ‫اململكة في دع��م القضية الفلسطينية‪ ،‬ومساندة أبناء شعبها‪ .‬ففي‬ ‫مؤتمر القمة العربية االقتصادية والتنموية واالجتماعية (قمة التضامن‬ ‫مع الشعب الفلسطيني في غزة) التي عقدت في الكويت في شهر يناير‬ ‫(كانون الثاني) عام ‪ ،2009‬أعلن امللك عبد الله عن تقديم ‪ 1000‬مليون‬ ‫دوالر أيضا إلعادة إعمار غزة‪ ،‬مشددا على أهمية وحدة الفلسطينيني‪،‬‬ ‫قائال‪« :‬وتقضي األمانة هنا أن نقول ألشقائنا الفلسطينيني إن فرقتهم‬ ‫أخطر على قضيتهم من عدوان إسرائيل‪ ،‬وأذكرهم بأن الله عز وجل‬ ‫ربط النصر بالوحدة وربط الهزيمة بالخالف»‪.‬‬ ‫ل�ك��ن ال �خ�لاف ب�ين الفلسطينيني م��ا زال م�س�ت�م��را‪ ،‬وح�ي�ن استشرى‬ ‫خ�ط��ره واستفحل ب�ين حركتي فتح وح�م��اس س��ارع خ��ادم الحرمني‬ ‫الشريفني بتوجيه دعوة لقادة الشعب الفلسطيني لعقد لقاء في مكة‬ ‫املكرمة ف��ي فبراير ‪ ،2007‬لبحث أم��ور ال�خ�لاف بينهم بكل حيادية‬ ‫ودون تدخل من أي طرف‪ ،‬للوصول إلى حلول عاجلة ملا يجري على‬ ‫الساحة الفلسطينية‪ ،‬وتوجت تلك االجتماعات بـ«اتفاق مكة»‪ ،‬لكن قادة‬ ‫الفصائل ال��ذي وقعوا هذا االتفاق بجوار بيت الله الحرام ما لبثوا أن‬ ‫عادوا إلى روح الفرقة واالقتتال والخصام‪ ،‬وازدادت آالم الفلسطينيني‪،‬‬ ‫بني دولة محتلة‪ ،‬وأحزاب سياسية متناحرة‪.‬‬ ‫بعد هذه اإلشارات املقتبسة من تاريخ طويل نهجته اململكة تجاه القضية‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬يتأكد أن تلك األص��وات الجائرة التي تسعى إلى إنكار‬ ‫الجهود السعودية تجاه قضية فلسطني ما هي إال أصوات عاجزة آثمة‬ ‫ كما يقرر ذلك األمير تركي الفيصل ‪ -‬فالسعودية «هي املؤيد والداعم‬‫األساسي للشعب الفلسطيني‪ ،‬فهي تنطلق في ذلك من واجب ديني‬ ‫وإنساني وعربي‪ ،‬إيمانا منها بعدالة القضية الفلسطينية‪ ،‬ورفضا‬ ‫للظلم الفادح الواقع على كاهل الفلسطينيني» <‬

‫الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات‪،‬‬ ‫يتحدث الى امللك فهد في الرياض‬ ‫(مايو‪2001 -‬‬

‫تؤمن السعودية‬ ‫بأن العنصر‬ ‫الفلسطيني هو‬ ‫العنصر الرئيس‬ ‫في املواجهة‬ ‫املباشرة مع‬ ‫تزويده بالحد‬ ‫األقصى من‬ ‫الدعم‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪45‬‬


‫قضايا‬

‫امللك فيصل بن عبد العزيز‬ ‫(‪)1975/ 1906‬‬

‫شارك الجيش‬ ‫السعودي‬ ‫في حرب‬ ‫فلسطني عام‬ ‫‪ 1948‬بكتيبتني‬ ‫قوامهما‬ ‫ثالثة آالف‬ ‫مقاتل‬

‫‪44‬‬

‫كل جانب أن يزودوهم بالعدة والعتاد‪ ،‬إلى جانب املتطوعني الذين‬ ‫يشدون أزرهم‪ ،‬وبدأ امللك عبد العزيز بنفسه فقال لهم‪« :‬ومن اآلن‬ ‫أضع تحت أمرهم خمسني ألف متطوع»‪ ،‬لكن غلبة الرأي كانت في‬ ‫النهاية لالقتراح القائل بضرورة الحرب الخاطفة‪.‬‬ ‫كان امللك عبد العزيز يعتقد أن الوسيلة الوحيدة ملنع قيام دولة عبرية‬ ‫هي تنظيم حرب عصابات ضد الكتائب اليهودية‪ ،‬وانسجاما مع‬ ‫هذه النظرة أصدر أوامره إلى رؤساء قبائل نجد وما حولها بتقديم‬ ‫متطوعني تتراوح أعمارهم بني العشرين والخمسني سنة‪ ،‬وإرسالهم‬ ‫إلى الجوف ‪ -‬شمال غربي اململكة ‪ -‬كي يعمل على إيفادهم لنجدة‬ ‫الفلسطينيني‪.‬‬ ‫كانت ال�ق��وات السعودية والتي بلغ عددها نحو ثالثة آالف مقاتل‬ ‫من مختلف الرتب العسكرية موزعة على كتيبتني كل منهما ألف‬ ‫وخمسمائة مقاتل‪ ،‬وقسمت الكتيبة الواحدة إلى ثالث سرايا مقاتلة‬ ‫رئيسة‪ ،‬وكل سرية مؤلفة من ثالثة فصائل مشاة‪ ،‬وفصيل رشاش‪،‬‬ ‫وثالثة فصائل ومصفحات‪ ،‬وكانت السرية الواحدة تضم نحو ‪220‬‬ ‫مقاتال‪ ،‬وقد وزعت السرايا على النحو التالي‪:‬‬ ‫ السرية األول ��ى‪ :‬بقيادة امل�ل�ازم عبد الله العيسى‪ ،‬ونائبه امل�لازم‬‫إبراهيم محمد املالك‪.‬‬ ‫ السرية الثانية‪ :‬بقيادة النقيب حسن ناظر‪ ،‬ونائبه امل�لازم على‬‫قباني‪.‬‬ ‫ السرية الثالثة‪ :‬بقيادة امل�لازم أول محمد الهنيدي‪ ،‬ونائبه املالزم‬‫صالح النصيان‪.‬‬ ‫كانت تلك الدفعة األول��ى م��ن الجيش السعودي إل��ى جانب القوات‬ ‫املصرية‪ ،‬أما الدفعة الثانية التي شكلتها الكتيبة الثانية فقد وزعت‬ ‫على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ السرية األولى‪ :‬بقيادة املالزم أول محمد سكر‪.‬‬‫ السرية الثانية‪ :‬بقيادة املالزم ناصر املوسى‪.‬‬‫ السرية الثالثة‪ :‬بقيادة املالزم حمزة عجالن‪.‬‬‫ سرية مدرعات‪ :‬بقيادة املالزم رشيد البالع‪.‬‬‫وفقا ملا روته عائشة املسند في كتابها «اململكة العربية السعودية‬ ‫وقضية فلسطني»‪.‬‬ ‫وك��ان القائد العام للقوات السعودية العقيد سعيد الكردي ونائبه‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫الرائد عبد الله بن نامي‪ ،‬وبعد انسحاب القوتني املصرية والسعودية‬ ‫من غزة إلى سيناء في أعقاب الهدنة األولى في ‪ 29‬مايو (أيار) ‪1948‬‬ ‫ُعني العميد إبراهيم الطاسان‪ ،‬يساعده عدد من الضباط منهم املالزم‬ ‫رشيد البالع‪ ،‬واليوزباشي تركي الراشد‪ ،‬والصاغ أمني شاكر‪ ،‬وعبد‬ ‫الهادي محمود‪ ،‬والدكتور أحمد شلبي‪.‬‬ ‫غ��ادرت القوات السعودية الطائف في ‪ 21‬مايو ‪ 1948‬في طريقها‬ ‫إلى جدة‪ ،‬وعلى منت طائرات سعودية غادرت هذه القوات مدينة جدة‬ ‫بعد أن ودعها وزير الدفاع األمير منصور بن عبد العزيز وجماهير‬ ‫غفيرة من الشعب السعودي إل��ى القاهرة‪ ،‬فأنزلت قواتها خفيفة‬ ‫التسليح في ميناء «ف��اروق»‪ ،‬أما األسلحة الثقيلة والقوات املدرعة‬ ‫والذخائر والتجهيزات االحتياطية فقد أرسلت بحرا فأنزلت في‬ ‫ميناء السويس‪ ،‬وبعد أن تجمعت القوات السعودية ‪ -‬املصرية في‬ ‫العريش دخلت فلسطني عن طريق رفح‪ ،‬وواصلت سيرها إلى غزة‪،‬‬ ‫وعند وصولها غزة أشغلت تلة املنطار املقابلة للمستعمرات اليهودية‬ ‫الشرقية‪ ،‬وبعد شغلها املواقع شاغلت العدو ال��ذي كان يرابط في‬ ‫تلك املستعمرات‪ ،‬وقامت بدوريات مقاتلة بني تلك املستعمرات‪ ،‬كما‬ ‫قامت بنسف أنابيب املياه وعرقلة سير القوافل التي كانت تمون تلك‬ ‫املستعمرات‪ ،‬كما أنها اشتركت في خطوط القتال األمامية إلى جانب‬ ‫القوات املصرية‪ ،‬وشاركت في الهجوم على «بيت َعفا»‪ ،‬واستمرت‬ ‫املعركة سبعة أي��ام متوالية استخدمت فيها القوات السعودية إلى‬ ‫ج��ان��ب امل�ص��ري��ة ع�م��وم األس�ل�ح��ة الثقيلة وال�خ�ف�ي�ف��ة‪ ،‬وف��ي معركة‬ ‫«بئيرون يتسحاق» شارك الجنود السعوديون باقتحامهم الحصون‪،‬‬ ‫وحقول األلغام واألسالك الشائكة‪.‬‬ ‫ك��ان م��ن ن�ت��ائ��ج ال�ق�ت��ال أن اس�ت�ط��اع��ت ال �ق��وات امل�ص��ري��ة السعودية‬ ‫استرداد الشريط الساحلي املحاذي لساحل البحر األبيض من رفح‬ ‫على الحدود املصرية جنوبا حتى مدينة أسدود شماال‪ ،‬مرورا بدير‬ ‫البلح وخان يونس وغزة ودير سنيد واملجدل‪ ،‬وظل الحال على ذلك‬ ‫حتى ُعقدت الهدنة األولى بني العرب وإسرائيل في ‪ 29‬مايو ‪.1948‬‬ ‫في هذه األثناء كانت الهيئة العربية العليا في فلسطني قد طلبت من‬ ‫الجامعة العربية إعالن قيام دولة عربية فلسطينية عقب إعالن نهاية‬ ‫االنتداب البريطاني على فلسطني‪ ،‬إال أن هذا الطلب لم ينظر فيه في‬ ‫حينه‪ ،‬ولكن قبل استئناف القتال قررت اللجنة السياسية لجامعة‬ ‫الدول العربية إقامة إدارة مدنية فلسطينية مؤقتة في املناطق التي‬ ‫تسيطر عليها الجيوش العربية‪ ،‬غير أن هذا املشروع بقي اسميا‬ ‫ولم ينفذ في حينه‪.‬‬

‫سالح النفط في املواجهة‬ ‫ت�ط��ورت نوعية امل��واج�ه��ة م��ع إس��رائ�ي��ل واح�ت��د امل��وق��ف ال�س�ع��ودي من‬ ‫العدوان اإلسرائيلي املتكرر على األراض��ي الفلسطينية‪ ،‬وحني تولى‬ ‫امللك فيصل مقاليد الحكم في اململكة‪ ،‬وهو من وجه انتقادات الذعة‬ ‫للجمعية العمومية في األمم املتحدة تجاه موقفها من إسرائيل‪ ،‬أذاع‬ ‫راديو اململكة العربية السعودية في الثامن والعشرين من شهر مارس‬ ‫(آذار) ‪ 1965‬تصريحا للملك فيصل بن عبد العزيز جاء فيه‪« :‬إننا‬ ‫نعتبر قضية فلسطني قضيتنا وقضية العرب األولى‪ ،‬وإن فلسطني‬ ‫بالنسبة لنا أغلى من البترول كسالح في املعركة إذا دعت الضرورة‬ ‫لذلك‪ ،‬وإن الشعب الفلسطيني ال بد أن يعود إلى وطنه حتى ولو كلفنا‬ ‫ذلك أرواحنا جميعا»‪.‬‬ ‫كانت السعودية حذرة في استخدام سالح النفط كأداة في املواجهة‪،‬‬ ‫نظرا لتداعياته االقتصادية الكبيرة على املنطقة وعلى اململكة‪ ،‬ولكن‬ ‫عندما نشبت حرب يونيو (حزيران) ‪ ،1967‬واحتلت إسرائيل األرض‬ ‫الفلسطينية كلها‪ ،‬وسيناء والجوالن‪ ،‬وج��زءا من لبنان‪ ،‬كانت هناك‬ ‫دع��وات لقطع النفط وأخ��رى الستمرار تدفقه مع استخدام جزء من‬ ‫ع��ائ��دات��ه ل��دع��م ال�ص�م��ود ال�ع��رب��ي وت�ق��وي��ة ال�ج�ي��وش ال�ع��رب�ي��ة لتحرير‬


‫ه��ذا امل �ب��دأ األس��اس��ي ه��و ال ��ذي ح�ك��م ع�لاق��ة ال�س�ع��ودي��ة بالقضية األردن وال�ق�ي��ادة الفلسطينية ف��ي ع��ام ‪ ،1970‬كما سعت لتقريب‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬كما يقرر ذلك الباحث واملحلل السعودي عثمان الرواف‪ ،‬وجهات نظر مصر وسوريا وكذلك األردن وسوريا في الفترة التي‬ ‫الذي بنى عالقة السعودية بالقضية الفلسطينية على عدة أعمدة‪ ،‬سبقت وأعقبت حرب أكتوبر (تشرين األول) ‪ ،1973‬وغيرها من‬ ‫األحداث‪.‬‬ ‫من أهمها‪:‬‬ ‫ أوال‪ :‬الدعم املالي الذي التزمت السعودية بتقديمه ملنظمة التحرير‬‫الفلسطينية ولدول املواجهة العربية‪ ،‬ويأتي الدعم املالي السعودي الجيش السعودي في حرب فلسطني ‪1948‬‬ ‫من مصادر رسمية وشعبية ويستخدم ألغراض عسكرية ومدنية‬ ‫وسياسية‪.‬‬ ‫ ثانيا‪ :‬التأكيد على البعد اإلسالمي للقضية الفلسطينية‪ :‬فمنذ على الرغم من املوقف من السعودي الصريح بأن العنصر الفلسطيني‬‫وقوع حادث إحراق املسجد األقصى سعت اململكة إلى إبراز البعد هو الذي يجب أن يدير املواجهة بنفسه‪ ،‬مع إمداده ودعمه باملدد املالي‬ ‫اإلس�لام��ي للقضية الفلسطينية‪ ،‬إضافة إل��ى بعديها الفلسطيني والسياسي واللوجيستي‪ ،‬فإن أبناء السعودية قد جادوا بأنفسهم‬ ‫والعربي‪ ،‬وهو ما أضاف للقضية أسس قوة وعناصر دعم جديدة وأرواحهم في مواجهات مباشرة مع قوات االحتالل اإلسرائيلي في‬ ‫حرب فلسطني عام ‪.1948‬‬ ‫لم تكن متوافرة في السابق‪.‬‬ ‫ ث��ال �ث��ا‪ :‬ال �ت �ح��رك ال� ��دول� ��ي‪ ،‬ان �ط�ل�اق��ا م ��ن أه �م �ي �ت �ه��ا االق �ت �ص��ادي��ة ف �ح�ي�ن ان ��دل �ع ��ت امل � �ع� ��ارك ال �ط��اح �ن��ة ب�ي�ن ال � �ث� ��وار ال�ف�ل�س�ط�ي�ن�ي�ين‬‫واالستراتيجية البترولية العاملية سعت اململكة إلى لعب دور دولي واإلسرائيليني بعد صدور قرار التقسيم بخمسة أشهر‪ ،‬وصل‬ ‫كبير لدعم القضية الفلسطينية‪ ،‬عبر التداخل مع رؤساء الواليات وف��د عربي إل��ى اململكة ض��م ك�لا م��ن عبد الرحمن ع��زام األم�ين‬ ‫املتحدة‪ ،‬والتأثير خ�لال اجتماعات األم��م املتحدة لضمان حقوق العام للجامعة العربية‪ ،‬ومفتي فلسطني أمني الحسيني‪ ،‬ورياض‬ ‫الصلح رئيس وزراء لبنان‪ ،‬وجميل مردم بك رئيس وزراء سوريا‪،‬‬ ‫الفلسطينيني‪ ،‬ونصرة قضيتهم‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬الوساطة العربية‪ ،‬حيث م��رت القضية الفلسطينية بأوقات وع��رض��وا على امللك عبد العزيز خالصة امل��وق��ف ف��ي فلسطني‬ ‫ع�ص�ي�ب��ة ت�ع�ل�ق��ت ب�م�ش��اك��ل ال �س �ي��اس��ة ال �ع��رب �ي��ة وارت �ب �ط��ت بشكل ‪ -‬وفقا لدراسة تاريخية أعدها الباحثان ري��اض شاهني‪ ،‬وعبد‬ ‫خاص بظروف الحرب األهلية في لبنان وباختالف مواقف القيادة الحميد الفراني في مؤتمر بجامعة نابلس عن موقف السعودية‬ ‫الفلسطينية أحيانا مع مواقف قيادات دول املواجهة‪ ،‬حيث وصلت من القضية الفلسطينية‪ .‬وقد استغرقت االجتماعات بني امللك‬ ‫هذه االختالفات واملشاكل أحيانا إلى درجة كبيرة من الحدة والتأزم‪ ،‬وال��وف��د أك�ث��ر م��ن أس �ب��وع‪ ،‬وك ��ان رأي امل�ل��ك ع��دم اش �ت��راك ال��دول‬ ‫وأدت إلى وجود توتر كبير بني دول املواجهة أو بني إحداها من طرف العربية في حرب فلسطني‪ ،‬وك��ان من رأي��ه أيضا تسليح أهالي‬ ‫والقيادة الفلسطينية من طرف آخر‪ ،‬وبالشكل الذي هدد بترك آثار فلسطني‪ ،‬ومساعدتهم ماديا للدفاع عن ب�لاده��م‪ .‬وم��ع احتدام‬ ‫سلبية كبيرة على القضية الفلسطينية‪ .‬ولقد كانت اململكة دائما تبذل الجدال‪ ،‬وإص��رار الجميع على خوض الحرب ودخ��ول الجيوش‬ ‫مساعيها الحتواء هذه االختالفات‪ ،‬ولتالفي التوتر بني األشقاء‪ ،‬العربية إلى فلسطني‪ ،‬قدم امللك عبد العزيز اقتراحا آخر‪ ،‬يقضي‬ ‫ولعبت السعودية في هذا الخصوص دورا مهما في الوساطة بني بأن يقوم الفلسطينيون بثورة عارمة من الداخل‪ ،‬وعلى العرب من‬

‫صورة ارشيفية للملك عبد العزيز‬ ‫والرئيس األميركي فرانكلني‬ ‫روزفلت ‪1945 -‬‬

‫امللك فيصل‪:‬‬ ‫«قضية فلسطني‬ ‫هي قضيتنا‬ ‫وقضية العرب‬ ‫األولى‪ ..‬والشعب‬ ‫الفلسطيني‬ ‫ال بد أن يعود‬ ‫إلى وطنه حتى‬ ‫ولو كلفنا ذلك‬ ‫أرواحنا جميعا»‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪43‬‬


‫قضايا‬

‫منذ ثورة البراق عام ‪ ،1929‬واشتعال حدة املواجهات الدامية بني الفلسطينيني واليهود‪ ،‬مرورا بقرار التقسيم‪،‬‬ ‫وإعالن قيام دولة إسرائيل عام ‪ ،1948‬ثم االحتالل اإلسرائيلي لباقي األراضي العربية عام ‪ ،1967‬ثم حرب‬ ‫‪ ،1973‬وحتى يومنا هذا وقضية فلسطني من أهم الثوابت الراسخة في السياسة الخارجية السعودية‪ ،‬حيث‬ ‫قامت اململكة بدعم ومساندة القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها وعلى جميع األصعدة (السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية)‪ ،‬وهو حضور دائم تفرضه السعودية ألهميتها وثقلها االستراتيجي في كل‬ ‫قضايا املنطقة العربية‪.‬‬

‫عالقة التاريخ واملصير‪ ..‬استراتيجية راسخة ألجل النصرة والسالم‬

‫السعودية والقضية الفلسطينية‬ ‫الرياض‪:‬‬ ‫عبد الله الرشيد‬

‫امللك‬ ‫عبد العزيز‬ ‫قال للرئيس‬ ‫األميركي‪:‬‬ ‫«أعطوا أملانيا‬ ‫لليهود‪..‬‬ ‫ملاذا يدفع‬ ‫العرب ثمن‬ ‫أخطائكم؟»‬

‫‪42‬‬

‫في فبراير (شباط) عام ‪ ،1945‬قبل أن تضع الحرب العاملية الثانية‬ ‫أوزارها‪ ،‬وتتكشف خريطة جديدة للمنطقة‪ ،‬كان على رأسها دولة‬ ‫جديدة إلسرائيل في قلب املنطقة العربية «فلسطني»‪ ،‬مأوى ومالذ‬ ‫لليهود الهاربني من اآللة النازية األملانية التي كانت تالحقهم في كل‬ ‫مكان‪ ..‬في ذلك الشهر‪ ،‬وفي حدث تاريخي‪ ،‬اجتمع امللك عبد العزيز‬ ‫بن عبد الرحمن ‪ -‬مؤسس اململكة العربية السعودية ‪ -‬مع الرئيس‬ ‫األميركي فرانكلني روزفلت في خليج السويس على ظهر السفينة‬ ‫الحربية «كوينسي»‪ ،‬ملناقشة تداعيات الحرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫كان روزفلت قلقا‪ ،‬يحمل بني طياته ملفا يريد أن يحشد له املناصرة‬ ‫والتأييد ‪ -‬كما يروي الكاتب األميركي ويليام ايدي‪ ،‬في كتابه «القمة‬ ‫األميركية ‪ -‬السعودية األولى‪ :‬القمة السرية بني امللك عبد العزيز آل‬ ‫سعود والرئيس روزفلت ‪ .»1945‬قال روزفلت للملك عبد العزيز‪:‬‬ ‫«إننا نحن الحلفاء نتطلع إل��ى إنقاذ البقية الباقية من اليهود في‬ ‫وسط أوروبا الذين يذوقون رعبا ال يوصف على يد النازيني من طرد‬ ‫وتعذيب وهدم ملنازلهم وقتلهم عمدا‪ ،‬واليهود لديهم رغبة عاطفية‬ ‫في سكنى فلسطني»‪.‬‬ ‫غضب امللك عبد العزيز وتغير وجهه وتجهم‪ ،‬والتفت إلى روزفلت‪،‬‬ ‫وقال‪« :‬امنحوا أرض أملانيا لليهود‪ ،‬فهم الذين اضطهدوهم‪ ..‬أي شر‬ ‫ألحقه العرب بيهود أوروبا؟ إنهم املسيحيون األملان سرقوا أموالهم‬ ‫وأرواحهم‪ ،‬إذن فليدفع األملان الثمن‪ ،‬ملاذا ندفعه نحن العرب؟»‪.‬‬ ‫كانت هذه القمة التاريخية ابتداء النفصال حاد ومواجهة مستمرة‬ ‫بني اململكة العربية السعودية وال��والي��ات املتحدة األميركية في ما‬ ‫يتعلق باملسألة الفلسطينية‪ ،‬فمنذ ذلك التاريخ والتحركات األميركية‬ ‫والبريطانية تحث الخطى م��ن أج��ل إع�لان دول��ة لليهود ف��ي أرض‬ ‫فلسطني‪ .‬ففي ‪ 12‬أبريل (نيسان) ‪ 1947‬اجتمعت الجمعية العامة‬ ‫ل�لأم��م امل�ت�ح��دة ب�ن��اء على طلب م��ن الحكومة البريطانية‪ ،‬وبتأييد‬ ‫أميركي‪ ،‬للبحث في مسألة فلسطني‪ ،‬وتم تشكيل لجنة من إحدى‬ ‫عشرة دولة لهذا الغرض‪ ،‬وانتهت اللجنة إلى تقرير رأت فيه األغلبية‬ ‫تقسيم فلسطني إل��ى دول�ت�ين‪ :‬عربية وي�ه��ودي��ة‪ ،‬بينما رأت األقلية‬ ‫إقامة دولة اتحادية مع وجود حكومتني مستقلتني‪ ،‬إحداهما للعرب‬ ‫واألخ��رى لليهود‪ ،‬وأن تكون القدس عاصمة لهذه الدولة‪ ،‬وصودق‬ ‫على صدور القرار في ‪ 29‬نوفمبر (تشرين الثاني) ‪ ،1947‬بتأييد‬ ‫‪ 33‬دولة‪ ،‬ومعارضة ‪ 13‬دولة‪ ،‬مع امتناع عشر دول عن التصويت‬ ‫منها بريطانيا‪ .‬وفي تلك املناقشات العامة حول القرار هب األمير‬ ‫فيصل بن عبد العزيز‪ ،‬الذي حضر املناقشات مندوبا عن السعودية‪،‬‬ ‫واستهل كلمته بتوجيه النقد العنيف إلى أعضاء الجمعية العامة‪،‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫وشدد على سياسة الواليات املتحدة إزاء فلسطني بقوله‪« :‬لقد أتينا‬ ‫إلى الجمعية العامة يملؤنا األمل بأن الدول الكبرى والصغرى على‬ ‫السواء ستوجه قصارى جهدها لرفع املستوى األخالقي‪ .‬لقد أتينا‬ ‫هنا يملؤنا األمل بأن جميع األمم ستحترم وتؤكد حقوق اإلنسان‬ ‫والعدالة‪ ،‬وبأن هذه املنظمة ستكون أداة لتحقيق األمن والسلم الدولي‪،‬‬ ‫وف��ي الوقت نفسه ك��ان يحدونا األم��ل ب��أن املنظمة ستكون عبارة‬ ‫عن أساس قوي لتحقيق التفاهم املشترك بني جميع الشعوب‪ .‬لقد‬ ‫تعهدنا أم��ام الله والتاريخ بأن ننفذ امليثاق بإخالص وحسن نية‪،‬‬ ‫وبذلك نحترم حقوق اإلنسان ونصد كل عدوان‪ ،‬ولكن لألسف فإن‬ ‫قرار اليوم قد هدم كل املواثيق التي سبقته»‪.‬‬ ‫يؤكد الفيصل أن الواليات املتحدة مارست ضغوطا على بعض الدول‪،‬‬ ‫فيقول مكمال كلمته «لقد شعرنا مثلما شعر اآلخرون بالضغط الذي‬ ‫جرى على عدة مندوبني في هذه املنظمة من قبل بعض الدول الكبرى‪،‬‬ ‫وذل��ك لكي يكون تصويتهم في صالح مشروع التقسيم»‪ .‬ويعلن‬ ‫الفيصل في ختام تصريحه بكل ج��رأة رف��ض ب�لاده لذلك القرار‪،‬‬ ‫فيقول‪« :‬ولهذه األسباب فإن حكومة اململكة العربية السعودية تود‬ ‫أن تسجل في هذه املناسبة التاريخية أنها ال تعتبر نفسها ملزمة‬ ‫بالقرار الذي تبنته الجمعية العامة اليوم‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك فإنها‬ ‫تحتفظ لنفسها بكامل الحق في حرية التصرف بالطريقة التي تراها‬ ‫تتناسب مع مبادئ الحق والعدالة‪ .‬إن حكومتي تلقي كامل املسؤولية‬ ‫على األطراف التي أعاقت كل وسائل التعاون والتفاهم»‪.‬‬

‫النهج السعودي تجاه القضية الفلسطينية‬ ‫يقوم النهج السعودي تجاه قضية فلسطني على محاور متعددة‪..‬‬ ‫أبرزها‪ ،‬اإليمان ببعد القضية العربي واإلسالمي والدولي‪ ،‬والتركيز‬ ‫على الحلول والتفاهمات املشتركة مع القوى العربية والدولية للوصول‬ ‫إلى حل عادل دائم للقضية الفلسطينية‪.‬‬ ‫ومنذ البداية كانت السعودية تقف إلى جانب الفلسطينيني‪ ،‬لكنها‬ ‫تؤكد على أن العنصر الفلسطيني هو العنصر الرئيس في املواجهة‬ ‫مع تزويده بالحد األقصى من كل أنواع الدعم االقتصادي والعسكري‬ ‫والسياسي‪ .‬كانت هذه هي نظرة امللك عبد العزيز‪ ،‬والتي تجسدت‬ ‫بعد ذلك في السياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية‪ ،‬حيث‬ ‫تبنت مبدأ ع��دم التدخل ف��ي ش��ؤون القيادة الفلسطينية ودعمها‬ ‫في ما تصل إليه من ق��رارات ومواقف مع ضمان مراعاتها للبعد‬ ‫اإلسالمي ملسألة القدس‪.‬‬


‫متوجها ألسرته في منطقة قرب الدهماني‪ ،‬وضرب عليه املتطرفون الرصاص‪،‬‬ ‫وكانوا يستقلون سيارة جيب‪ ،‬انقلبت بهم أثناء محاولة هروبهم‪ ،‬فنزال منها‬ ‫واختفيا‪ ،‬وعثر الشرطي على أوراق خاصة بجواز سفر لوالدة أحد الهاربني‪،‬‬ ‫ونشرنا صور املرأة ومن يتعرف عليها‪ ،‬إلى أن جاء خالهم‪ ،‬وقال إنها أخته‪،‬‬ ‫وأخبرناه بالواقعة‪ ،‬فقال إن ابني أخته االثنني من أنصار الشريعة‪ ،‬لكن الولدين‬ ‫حني جرى توقيفهما قاال إن السيارة ال تخصهما وإن األوراق كانت بحوزة‬ ‫رجل لتخليص إجراءات استخراج جواز السفر‪ ،‬إال أنه لم يجر العثور على هذا‬ ‫الرجل أبدا‪ ،‬وما زالت القضية معلقة»‪ .‬وتتكون الغرفة األمنية في بنغازي من‬ ‫رجال الشرطة السابقني وتتبع وزارة الداخلية وتعمل بشكل محايد بعد أن‬ ‫فشل اإلخوان في استغالل العاملني فيها لصالحهم‪ .‬وهرب منها إلى مصر‬ ‫عدد من الضباط والجنود بعد تلقيهم تهديدات جدية بالقتل من بينهم ضابط‬ ‫يدعى إبراهيم عمل في السابق كناطق إعالمي باسم الغرفة‪.‬‬

‫التفخيخ املتطور للخصوم‬

‫هذه األموال قادمة من طرابلس في طائرة جرى االستيالء على ما فيها حني‬ ‫حطت في مطار بنينة‪ ،‬وبالتزامن مع ذلك قام أنصار الشريعة بنهب سيارة‬ ‫أخرى كان فيها ‪ 12‬مليون دينار ليبي من أموال الشعب أيضا‪ .‬حصلوا على‬ ‫معلومات برقم الطائرة وموعد وصولها‪ ،‬حدث هذا في منتصف شهر رمضان‬ ‫والناس صيام‪ ..‬اقتحموا املطار فجأة وبدأوا في الضرب حول الطائرة بينما‬ ‫أنصارهم يتقدمون إلى الطائرة بني خطي النيران وحملوا األموال في سياراتهم‬ ‫وهربوا»‪ .‬ورغم الرعب الذي تسبب فيه مقاتلو أنصار الشريعة عقب استيالئهم‬ ‫على معسكر الصاعقة‪ ،‬وقيامهم بذبح جنود من املوالني لحفتر‪ ،‬فإن قوات‬ ‫الجيش الوطني تمكنت من امتصاص هذه الصدمات‪ ،‬وع��اودت الكرة لطرد‬ ‫املتشددين من املدينة‪ .‬وسقط صاروخ خالل هذه املعارك األخيرة على منزل‬ ‫لعائلة البرغثي أمام املدرسة املوجودة في شارع عشرين‪ ،‬بينما كانت املدرسة‬ ‫نفسها قد تحولت إلى أنقاض بسبب الصواريخ‪ ،‬وأدى هذا النوع من املعارك‬ ‫إلى نزوح آالف العائالت من املدينة إلى مدن مجاورة أكثر هدوءا أو إلى خارج‬ ‫البالد‪ ،‬عبر حدود كل من مصر وتونس‪.‬‬

‫أنصار الشريعة‬ ‫ويعرف سكان بنغازي عناصر من أنصار الشريعة ممن ينتمون لعائالت‬ ‫وقبائل في املدينة‪ ،‬شاركوا في قتل جنود من أتباع حفتر‪ ،‬خاصة وأن هؤالء‬ ‫الجنود ينتمون لقبائل وعائالت معروفة أيضا‪ .‬وهذا جعل أنصار الشريعة‬ ‫يخلون سريعا معسكرات الجيش التي سبق ودخ�ل��وه��ا‪ ،‬وبعضهم ل��م يعد‬ ‫يستطيع أن يبيت في بيته خوفا من انتقام السكان‪ ،‬ويلجأ معظمهم للمبيت‬ ‫واإلقامة في مزارع منتشرة في ضواحي املدينة‪ .‬وواحدة من تلك املناطق تقع‬ ‫في سيدي ف��رج أي إل��ى الغرب قليال من مطار بنينة‪ ،‬وه��ي منطقة مفتوحة‬ ‫وغنية باملزارع وتمتد عدة كيلومترات حتى منطقة قار يونس غرب بنغازي‪.‬‬ ‫لكن جنودا في الجيش يتحدثون عن أن تنظيم أنصار الشريعة ظهر خالل‬ ‫املعارك التي جرت الشهر األخير أن لديه أسلحة غريبة جدا‪ .‬ويقول جندي شارك‬ ‫في التصدي لهجوم املتطرفني على الكتيبة ‪« :319‬لديهم أسلحة لها صفير‬ ‫مختلف‪ ..‬صوتها غريب‪ ،‬وأول مرة نسمعه‪ ..‬أمضيت أربع سنوات في الحرب‬ ‫منذ ‪ 17‬فبراير ومر علي كل أنواع األسلحة‪ ،‬من عيار ‪ 106‬وغيره‪ ،‬وأستطيع‬ ‫أن أق��ول إن لديهم ص��واري��خ ال مثيل لها ف��ي ليبيا»‪ .‬ويعمل املتطرفون مثل‬ ‫األشباح في املدن الليبية‪ ،‬خاصة بنغازي‪« ..‬يضربون الضربة ويختفون»‪ .‬لكن‬ ‫في واحدة من الوقائع التي تحقق فيها الغرفة األمنية في املدينة توجد خيوط‬ ‫تصل بني هذه الضربات وأنصار الشريعة‪ ،‬كما يقول أحد ضباط الداخلية‪:‬‬ ‫«في منطقة قنفودة‪ ،‬قبل أسبوعني‪ ،‬كان شرطي زميل لنا يركب سيارة تويوتا‬

‫تجري عملية االغتياالت في بنغازي بواسطة قنابل ذات تقنية حديثة ويعتقد‬ ‫أنها مستوردة من الخارج‪ ،‬وهي ال توجد إال في حوزة املتطرفني في بنغازي‬ ‫ودرنة وطرابلس وسرت‪ .‬ويقول ضابط في الغرفة األمنية في بنغازي‪« :‬أنا رأيت‬ ‫ثالثة انفجارات‪ ..‬انفجارات دقيقة للسيارات‪ ،‬يقتل املستهدف بعد جلوسه على‬ ‫املقعد‪ ،‬والغريب أن االنفجار ال يصيب الجالس في املقعد املجاور‪ .‬بل يصيب‬ ‫الهدف وحده بكل دقة‪ .‬وبعد التحقيق في األمر اتضح أن هذا النوع من املتفجرات‬ ‫ال يقتل على الفور وال يدمر السيارة‪ ،‬ولكنه يؤدي إلى تمزيق شرايني وأوردة‬ ‫في الفخذين والظهر للجالس على املقعد املستهدف‪ ،‬تؤدي إلى املوت بعد دقائق‪.‬‬ ‫هذا النوع من امللصقات املتفجرة ال يصنع في ليبيا‪ ،‬ولكنه يشترى جاهزا من‬ ‫الخارج‪ ..‬مديرية أمن بنغازي وقوات الصاعقة صادروا بعضا من هذا النوع‬ ‫من امللصقات املتفجرة‪ .‬والتفجير ال يحدث بالهاتف الجوال‪ ،‬ولكن بالريموت‬ ‫كنترول عن بعد‪ ،‬وذلك بعد أن يجري وضع امللصق في السيارة املستهدفة‬ ‫وهي متوقفة‪ .‬وسقط بسبب هذا النوع من املتفجرات الالصقة العشرات من‬ ‫الضباط والجنود خاصة في بنغازي ودرنة»‪.‬‬ ‫ويقول ضابط آخر إنه حني كان يخدم في سالح الصاعقة في بنغازي كان‬ ‫شاهدا على تنفيذ عملية جرى تنفيذها ضد سيارة العميد يوسف الصيفر‪،‬‬ ‫الذي كان نائبا عاما‪ ،‬وكان مسؤوال عن الشرطة العسكرية‪ ،‬بالطريقة اآلتية‪:‬‬ ‫جاء العميد الصيفر للصالة على جثمان خالته في مسجد عمر بن الخطاب في‬ ‫منطقة الليثي‪ ،‬ولم يكن يقود سيارته ماركة تويوتا الند كروزر‪ ،‬ألنه كان مصابا‬ ‫في قدميه‪ ،‬ولهذا كان يقود به شقيقه‪ .‬ويضيف‪« :‬بعد صالة الظهر خرجنا‪،‬‬ ‫وكانت السيارة واقفة بجوار الحديقة التي أمام الجامع‪ ،‬وفجأة انفجرت‪ ،‬وشقيقه‬ ‫الذي كان يرتدي ثوبا‪ ،‬لم يصب بأي أذى إال ببعض من دم أخيه الضابط‪ ،‬بينما‬ ‫العميد حملوه وأخرجوه من السيارة وكان كأنه مضروب في فخذيه وظهره‬ ‫بالسواطير‪ .‬املتطرفون كانوا يعرفون أنه ال يقود السيارة وأنه يجلس على‬ ‫املقعد الثاني‪ ،‬واشتعلت السيارة ألن خط البنزين كان تحت املقعد املجاور‬ ‫ملقعد السائق‪ ،‬أما السيارات التي ال تنفجر بعد تفخيخها باللواصق فالسبب‬ ‫يرجع إلى أن مكان خط البنزين في السيارة يوجد تحت املقعد اآلخر‪ ،‬حسب‬ ‫نوع السيارة‪ ،‬وهذا حدث في عملية ضد ضابط آخر في الصاعقة‪ .‬ويقول إن‬ ‫املتطرفني في بنغازي ودرنة يشيعون أنهم يستخدمون الجالطني (متفجرات‬ ‫ديناميت بدائية تعتمد في تفجيرها عن بعد على الهاتف الجوال)‪ ،‬لكن‪« ..‬هذا‬ ‫غير صحيح‪ ،‬ألن الجالطني يؤدي لتفجير السيارة بأكملها»‪.‬‬ ‫هذه امللصقات أتى بها مقاتلون متطرفون من الخارج‪ .‬وتوجد تحقيقات في‬ ‫معلومات عن تعاقد املتشددين على عشرة آالف حقيبة تحوي متفجرات‬ ‫الصقة من هذا النوع‪ ،‬وتوجد خيوط تقول إنه جرى استيرادها باسم وزارة‬ ‫الدفاع (وه��ي وزارة يسيطر عليها متطرفون وعناصر من جماعة اإلخ��وان‬ ‫أيضا)‪ .‬فما حاجة الجيش ملثل هذا النوع من املتفجرات‪ .‬ولم يتسن الحصول‬ ‫على تعليق من مسؤولي وزارة الدفاع الليبية بسبب األحداث املضطربة هناك‪،‬‬ ‫بينما نفى مسؤول اإلخوان في ليبيا‪ ،‬الشيخ بشير الكبتي‪ ،‬أي عالقة لجماعته‬ ‫بأعمال العنف التي تشهدها البالد <‬

‫ضعف التركيبة‬ ‫السياسية الليبية‬ ‫في السنوات‬ ‫الخمس األخيرة‬ ‫من حكم القذافي‬ ‫ودخول تيار‬ ‫جماعة اإلخوان‬ ‫الليبيني‪ ،‬على خط‬ ‫إصالحات سيف‬ ‫اإلسالم تسبب‬ ‫في إرباك املنظومة‬ ‫الليبية برمته‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪41‬‬


‫قضايا‬

‫ليفتشه‪ ،‬إال أنه سرعان ما أخذ يصيح قائال‪( :‬يا ناس‪ ..‬وجدت رأسا‪ ..‬وجدت‬ ‫رأسا)‪ .‬وهرع إليه املواطنون فأخذوا الرأس للمستشفى‪ ،‬وهناك جرى غسل‬ ‫الوجه وتصويره وسؤال أهل درنة عمن لديه شاب متغيب ليروا إن كان هذا‬ ‫رأس ابنهم أم ال‪ ،‬إلى أن تعرفت عليه أسرته‪ ،‬فدفنوا الرأس وعملوا عزاء‪ ،‬وبعد‬ ‫أيام عثر أحد املواطنني على الجثة فجرى دفنها مع الرأس»‪ .‬وحاولت قوات حفتر‬ ‫الحد من خطر هذه الجماعات والجرائم التي تقوم بها في املدينة التي كانت‬ ‫في السابق تشتهر بالفنون والتجارة‪ ،‬وشن الجيش الوطني عدة هجمات على‬ ‫معاقل املتطرفني واللصوص املتحصنني في الوديان جنوب درنة‪ ،‬مثلما كانت‬ ‫توجه ضربات لباقي املتطرفني حول بنغازي وطرابلس‪ .‬ويقول أحد ضباط‬ ‫حفتر ويلقب بـ«العقيد الفيتوري»‪« :‬امل��وج��ودون في درن��ة جماعات مختلفة‬ ‫ليسوا منضوين تحت قيادة واحدة أو هكذا يبدون‪ ..‬التكفيريون متحدون‪ ،‬لكن‬ ‫السلفيني يختلفون عنهم‪ ..‬وبينهم اقتتال‪ .‬يوجد سلفيون في درنة‪ .‬هذا معلوم‪.‬‬ ‫ويوجد مجرمون ولصوص أيضا‪ ،‬لكن املشكلة تكمن في األسلحة الثقيلة‬ ‫التي يحوزونها»‪ ،‬مشيرا إلى أن طيران الجيش شن عدة غ��ارات في محاولة‬ ‫منه لكبح جماح تلك الجماعات‪ ،‬لكنه قال إن األمر قد يستغرق وقتا طويال إذا‬ ‫لم يتلق الجيش مساعدات تقنية وأسلحة متقدمة في الفترة املقبلة‪ .‬وتوقع أن‬ ‫تكون الحرب على املتشددين في درنة األطول واألصعب بسبب التضاريس‪.‬‬

‫الجماعة‬ ‫السلفية الليبية‬ ‫ال تجنح على ما‬ ‫يبدو إلى القتال‬ ‫رغم تعرض‬ ‫أبرز تنظيماتها‬ ‫املعروفة باسم‬ ‫«كتيبة سجناء‬ ‫أبو سليم»‬ ‫للهجوم من‬ ‫جانب تنظيم‬ ‫أنصار الشريعة‬

‫‪40‬‬

‫حروب الشوارع‬ ‫أما في بنغازي‪ ،‬فقد تكشفت تفاصيل جديدة في عملية اقتحام املتطرفني‬ ‫ملعسكرات حفتر هناك‪ ،‬وتبني من خاللها‪ ،‬وفقا للمحققني‪ ،‬وجود عالقة قوية‬ ‫فعلية بني اإلخوان واملتشددين من «أنصار الشريعة» التي استولت على معدات‬ ‫جنود النخبة بالجيش الليبي وتعهدت بتصفيتهم عقب احتاللها لعدة أيام‬ ‫معسكر الصاعقة في املدينة في العشر األواخر من شهر رمضان املاضي‪.‬‬ ‫وكان حفتر وقادة الجيش الوطني قد سارعوا بعملية انسحاب تكتيكي من تلك‬ ‫املعسكرات‪ ،‬لكن كان يوجد فيها معلومات تفصيلية على أجهزة الكومبيوتر‬ ‫عن الجنود واملعدات‪ ،‬كما كان حفتر قد ترك عددا من الجنود واألسلحة داخلها‬ ‫احتياطيا‪ ،‬حيث قامت هذه املجموعات الصغيرة بالدفاع ببسالة عن املعسكرات‬ ‫حتى سقطت في أيدي «أنصار الشري عة»‪.‬ومنذ هيمن التكفيريون على ضواح‬ ‫بأكملها في مدينة بنغازي‪ ،‬انتشرت ظاهرة القتل والتفجيرات وقطع الرؤوس‪،‬‬ ‫بالتزامن مع محاوالت أنصار الشريعة أيضا ومن يدعمهم من ميليشيات‬ ‫املنطقة الغربية‪ ،‬أي ميليشيات مصراتة واإلخوان (الدروع)‪ ،‬للسيطرة على مطار‬ ‫بنينة‪ .‬ومن بني الوقائع الجديدة فيما يتعلق بعملية سيطرة أنصار الشريعة‬ ‫على معسكرات في املدينة التي تعد ثاني أكبر املدن في البالد‪ ،‬ومهد الثورة ضد‬ ‫القذافي‪ ،‬يروي جندي برتبة عريف من جنود «الصاعقة» يدعى عبد الحفيظ‪،‬‬ ‫قائال إن جماعة «أنصار الشريعة»‪ ،‬حني اقتحمت املعسكر‪ ،‬حصلت على أسماء‬ ‫جنود الصاعقة وبدأت في تصفيتهم ومالحقتهم بعد وضع أسمائهم على‬ ‫حواسب محمولة للكشف عن املشتبه بهم ممن يجري توقيفهم عند الحواجز‬ ‫التي يقيمونها في املدينة‪ .‬ويضيف‪« :‬كانت عناصر أنصار الشريعة قد دخلت‬ ‫الكتيبة رقم ‪( 319‬ضمن معسكر الصاعقة الرئيس) وقاموا بذبح كل من فيها‪،‬‬ ‫وكان عددهم ‪ 25‬جنديا‪ .‬ويقول‪ :‬كانت كتيبتي تقع خلف مقر الكتيبة ‪319‬‬ ‫أي كنت في كتيبتي املعروفة باسم الكتيبة ‪ ،36‬ولم تكن لهذه الكتيبة أي مهام‬ ‫أيام القذافي إال حماية رؤساء الدول والضيوف الكبار األجانب‪ ،‬ويخرج منها‬ ‫عادة في مثل هذه املهام النادرة من ‪ 25‬إلى ‪ 30‬جنديا‪ .‬وقام أنصار الشريعة‬ ‫بهدم السور الذي يفصل كتيبتنا عن الكتيبة ‪ ،319‬ودخلوا عندنا وبدأوا بحرق‬ ‫السيارات لكي يشكل الدخان حاجزا وستارا لهجومهم‪ .‬وكان ذلك في وقت‬ ‫الصباح»‪ .‬ويتابع موضحا‪« :‬واشتعل القتال‪ ..‬وبدأت الذخيرة تنفذ من رفاقي‪.‬‬ ‫وأخذ أحد الجنود يصيح‪« :‬يا خالي‪ ،‬يا خالي ماذا سيحدث‪ ،‬يا خالي»‪ ..‬وصاح‬ ‫آخر‪« :‬الذخيرة يا حفتر‪ ..‬أين الذخيرة يا حفتر‪ .‬نتعرض للهالك يا حفتر»‪.‬‬ ‫ويزيد العريف عبد الحفيظ‪« :‬هذا املعسكر كان فيه أربعون غرفة‪ ..‬منها عشرون‬ ‫في الطابق األول وعشرون في الطابق الثاني‪ .‬لكن عدد املوجودين في املعسكر‬ ‫لم يكن يزيد عن نحو عشرين جنديا فقط‪ .‬واستولى أنصار الشريعة على‬ ‫ست أو سبع سيارات‪ .‬جماعتي كانوا أغبياء ولم يفجروا مقر اإلدارة من أجل‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫مقاتلون اسالميون عند‬ ‫مدخل مطار طرابلس‬ ‫الدولي عقب عدة‬ ‫أيام من االشتباكات‬ ‫مع قوات حفتر‪24‬‬ ‫أغسطس‪(2014‬غيتي)‬

‫حرق األوراق والحواسيب التي كانت فيها‪ .‬لألسف أخذ أنصار الشريعة األوراق‬ ‫وأخذوا أسماءنا وملفاتنا وكومبيوتراتنا‪ ،‬وكل ما يتعلق بنا من تفاصيل منذ‬ ‫التحاقنا بالكتيبة حتى املعركة األخيرة»‪ .‬ويضيف أن الهدف من جمع أسماء‬ ‫أفراد الكتيبة هو التصفية وقتل الجنود اآلخرين‪ .‬وقال إنه جاءه تهديد مرتني‬ ‫على هاتفه الجوال‪ .‬وسبق أن ألقت أنصار الشريعة في درنة القبض على هذا‬ ‫الجندي حني كان يرافق شاحنات بضائع لتأمينها إلى مدينة درن��ة‪ ،‬وكانوا‬ ‫يعدون لقتله بعد مصادرة البضائع إال أنه ذكر لهم اسم أحد أقاربه من جماعة‬ ‫اإلخوان والذي يقود مجموعة مسلحة في املدينة وكان من املوالني لقائد كتيبة‬ ‫أنصار الشريعة في درنة‪ ،‬سفيان بن جومة حتى وقت قريب‪ ،‬من أجل عدم‬ ‫قتله‪ .‬ويعيش هذا العريف اآلن وسط جنود حفتر في منطقة املرج قرب بنغازي‪.‬‬ ‫وبخالف الرعب من االقتتال وتفخيخ سيارات الخصوم عبر شوارع املدينة‪،‬‬ ‫تنتشر في بنغازي أعمال الخطف‪ .‬ويقول سليمان‪ ،‬وهو مسؤول محلي سابق‬ ‫في املدينة‪ ،‬إنه شاهد على قيام جزائريني باملشاركة في القتال في صفوف‬ ‫املتطرفني س��واء ف��ي امل�ع��ارك ض��د ق��وات حفتر أو ف��ي أع�م��ال الخطف وطلب‬ ‫الفدية‪ .‬ويوضح‪« :‬يمكن بكل يسر أن يعترض طريقك مسلحون جزائريون أو‬ ‫توانسة أو مصريون‪ ..‬كنت منذ أسبوع في منطقة بوعطني في منطقة سوق‬ ‫األغ�ن��ام‪ ..‬هناك أع��داد كبيرة من التوانسة املتطرفني‪ ،‬تالحظهم بسهولة من‬ ‫خالل لهجتهم‪ ..‬أحدهم صاح في وجهي بلحيته الطويلة وشعره الكث طالبا‬ ‫مني إخالء املنطقة‪ ،‬وقال لي‪( :‬بربك‪ ..‬بربك‪ ..‬امش بعيدا)‪ .‬أما الجزائريون فهم‬ ‫كثيرون‪ ،‬ويشاركون في أعمال الخطف‪ ،‬وهم من خطفوا رجال ثريا مشهورا‬ ‫يدعى عبد السالم‪ ..‬وضربوه‪ ،‬وأخ��ذوا فدية من عائلته قدرها مليونا يورو‪،‬‬ ‫بعد أن كانوا قد ساوموه على عشرة ماليني يورو»‪.‬‬ ‫وعما إذا كان أهل بنغازي يستطيعون التعايش مع أنصار الشريعة‪ ،‬يجيب‬ ‫الرجل الذي كان عضوا في املؤتمر الشعبي أيام القذافي‪« :‬مستحيل‪ .‬ملاذا؟‬ ‫ألنهم يزعمون أنهم يريدون تطبيق الشريعة‪ ..‬بينما نرى أن لديهم شريعتهم‬ ‫الخاصة بهم التي ال يتقبلها غالبية الليبيني‪ .‬أكبر واحد من عناصر أنصار‬ ‫الشريعة عمره ‪ 25‬سنة‪ .‬وحني يجري تجنيد الشباب من هؤالء يجري إمالء‬ ‫شروط العمل مع أنصار الشريعة عليه‪ ،‬حتى يوافق عليها‪ ،‬مثل أنه إذا انخرط‬ ‫في التنظيم وأراد أن يتركه فمصيره القتل‪ .‬وأال يضع اعتبارا ألي شخص من‬ ‫عائلته‪ ،‬وإذا كان أخوه من الجيش فعليه أن يقتله‪ ،‬ألن قتله فيه تقرب إلى الله‪.‬‬ ‫هذا فكرهم»‪ .‬ويقول ضابط صغير السن وحديث التدريب في جيش حفتر‪:‬‬ ‫«أنا وجنودي نقف أحيانا حراسة على مساجني من أنصار الشريعة وتأتيني‬ ‫عروض تصل إلى مائة ألف دينار لتهريب محبوس أو اثنني منهم‪ .‬وهم لديهم‬ ‫أموال ضخمة‪ ..‬لدينا معلومات بأنهم قاموا أخيرا بنهب ‪ 350‬مليون دينار من‬ ‫األموال التي كانت في طريقها إلى مصارف بنغازي قبيل عيد الفطر‪ .‬وكانت‬


‫خالف بني أنصار الشريعة و(القاعدة)‪ ،‬ووقع اقتتال ومعارك في الوديان خاصة‬ ‫في وادي كرسة ذي التضاريس الوعرة والذي تعود شهرته إلى أيام مواجهات‬ ‫اإلسالميني مع القذافي»‪.‬‬ ‫وفيما يخص أعداد الجهاديني هناك‪ ،‬سواء أنصار شريعة أو «قاعدة»‪ ،‬يوضح‪:‬‬ ‫«أحيانا تشعر أن أعدادهم ليست كبيرة‪ ،‬وأحيانا تراهم يستعرضون قوتهم‬ ‫بشكل مخيف‪ ..‬هم لديهم القدرة على تجنيد الشباب العاطل‪ .‬أي أنهم في يوم‬ ‫من األيام يمكنهم أن يوفروا ‪ 300‬مقاتل في وقت قياسي‪ .‬وفي بعض األحيان‬ ‫تكون لديهم القدرة على توفير ‪ 800‬مقاتل في سرعة البرق‪ .‬وفي بعض األيام‬ ‫ال ترى من هذه الجماعات أي أثر إال عدة سيارات دفع رباعي تمر من هنا أو‬ ‫من هناك‪ .‬وتوجد بينهم قيادات وكوادر ليست ليبية»‪.‬‬ ‫وفي مقابلة مع شيخ قبلي من درنة‪ ،‬بعد فراره منها إلى مدينة طبرق القريبة‬ ‫من مصر‪ ،‬يقول‪« :‬الناس العادية في درنة تقول لك ال نعرف شيئا عن تفاصيل‬ ‫ه��ذه الجماعات ال�ت��ي ان�ت�ش��رت ف��ي امل��دي�ن��ة حتى حولتها إل��ى م��ا يشبه امل��دن‬ ‫األفغانية بسبب نوع املالبس واللحى الطويلة‪ ..‬حتى الذي يعرف يقول لك ال‬ ‫أعرف‪ .‬وهناك مقولة بني أهل درنة تتعلق بتصرفات أنصار الشريعة وجماعة‬ ‫سفيان بن جومة‪ ،‬وهي أنهم (ال يعطوك وال يخطوك)؛ أي ال يعطونك أي إفادة‬ ‫أو إجابة وال يتركونك في حالك بعد ذلك»‪ .‬و‪« ..‬إذا سألت عن أمر فأنت ربما‬ ‫تكون مصريا أرسله السيسي (رئيس مصر الذي أزاح اإلخ��وان عن الحكم)‬ ‫في صورة صحافي أو باحث‪ ،‬ويطلقون عليك الرصاص أو يذبحونك مثلما‬ ‫تفعل (داعش)‪ .‬وقد يرسلون لك شخصا بسيارة يقتلك في الشارع ويمضي‪،‬‬ ‫وال أحد يتحرك‪ ..‬كل يوم يصير مثل هذا في شوارع درنة‪ .‬سيارة شيفروليه‬ ‫زجاجها أسود وليس عليها أرق��ام ضربت رجال بالرصاص ومضت‪ .‬حتى‬ ‫الكالم ال يستطيعون أن يتكلموا وليس لديهم إمكانية لتوقيف املهاجمني أو‬ ‫منعهم من القتل»‪.‬‬ ‫ويضيف شاهد آخر‪ ،‬يدعى عبد الله‪ ،‬وهو تاجر من سكان املدينة الذين فروا‬ ‫بأسرتهم منها أخيرا‪« :‬أحيانا تقوم سيارة باستهداف الشخص في الشارع‪،‬‬ ‫ويكون خلفها سيارة أو سيارتان للتأمني والحماية‪ ،‬على أساس أنه لو تعرضت‬ ‫السيارة األولى ألي مشكلة تنجدها السيارة التي وراءها‪ .‬نحن لم نعد نعرف‬ ‫من يقتل م��ن‪ ،‬وال م��اذا ي��ري��دون‪ ،‬يقولون نريد تطبيق ش��رع الله‪ ،‬لكن ألسنا‬ ‫كلنا مسلمني؟ وكلنا ملة واحدة؟ وكلنا على املذهب املالكي؟ ليبيا كلها على‬ ‫املذهب املالكي وعلى دين وسطي‪ ،‬لكنهم يقولون إن اآلخرين‪ ،‬مثل جيش حفتر‬ ‫والبرملان الجديد‪ ،‬كفرة وأولياء الطاغوت‪ .‬ما أراه أن هؤالء املتطرفني يريدون‬ ‫الكرسي ال شرع الله وال غيره‪ ..‬ثم إذا كنت تريد تطبيق شرع الله فلماذا ال تأتي‬ ‫وتتناقش مع الناس‪ ..‬حتى أهل بلدك ال تتناقش معهم‪ ..‬ملاذا؟»‪.‬‬ ‫ويتدخل ابن عبد الله‪ ،‬وهو شاب تخرج قبل عامني في جامعة األزهر بمصر‪،‬‬ ‫واسمه ناصر‪« :‬درنة مدينة رعب‪ ..‬شرع الله ليس فيه قتل‪ ..‬القتل يكون في‬ ‫حرب بني املسلمني والكفار مثال‪ .‬بني دولة ودولة مثال‪ ..‬نحن ليس لدينا كفار‬ ‫في درنة وال في ليبيا‪ .‬لكن أن نقتل عباد الله فهذا أمر عجيب‪ .‬وحني تحتج‬ ‫على قتل الناس وتقول لهذا أو ذاك توقفوا عن القتل‪ ،‬يردون بأنهم ليسوا وراء‬ ‫هذه األعمال‪ .‬إذن من وراءها‪ ،‬وماذا يحدث؟ حاول بعض الناس الوجهاء في‬ ‫درنة التحدث مع سفيان بن جومة‪ ،‬لكنهم فوجئوا بأن مستواه في علوم الدين‬ ‫متواضع جدا‪ ،‬وقال لهم إنه ال يتزعم أحدا وغير مسؤول إال عن نفسه‪ ..‬ونسمع‬ ‫أن هناك من يدعمه من الخارج‪ .‬واملتطرفون في درنة كثر غير سفيان‪ ..‬حني‬ ‫تجلس مع أحد منهم يقول لك إنه غير مسؤول إال عن نفسه»‪.‬‬

‫محاكم شرعية‬ ‫وتقع درنة بني جبلني‪ ،‬وهي تشبه مدينة السلوم املصرية‪ ،‬لكن الفرق أن درنة‬ ‫يحيط بها الجبل من ثالثة اتجاهات ما عدا ناحية البحر‪ ،‬ووراء تلك الجبال‬ ‫توجد مجموعات كبيرة م��ن ال��ودي��ان التي يختبئ فيها املتطرفون ولديهم‬ ‫معسكرات تحت األرض‪ ،‬وكذا توجد معسكرات داخل املدينة نفسها‪ .‬ويضيف‬ ‫ناصر الذي طرده املتشددون من مسجد الصحابة الذي كان يؤم فيه املصلني‬ ‫ف��ي درن ��ة‪« :‬امل�ت�ط��رف��ون اح�ت�ل��وا أخ �ي��را مبنى ال�ب�ل��دي��ة وك�ت�ب��وا عليه (املحكمة‬ ‫الشرعية)‪ ..‬وحاكموا فيها م��ا ال يقل ع��ن عشرين م��ن الليبيني واملصريني‬ ‫وغيرهم من جنسيات مختلفة ونفذوا فيهم حكم اإلعدام في املسجد نفسه‬

‫(مسجد الصحابة) وهو أكبر مساجد املدينة وتوجد أمامه ساحة واسعة‪،‬‬ ‫مشيرا إلى أن املسجد أخذ اسمه مما يعتقد أن بعضا من املسلمني األوائل‬ ‫دفنوا في منطقته»‪ .‬ويضيف ناصر قائال إن املتطرفني نفذوا خالل عيد الفطر‬ ‫إعدام ثالثة في املسجد عن طريق املحكمة الشرعية الجديدة هذه‪ .‬لكنه يقول‬ ‫إن السؤال هو من أعطاهم األمر بعمل محكمة شرعية‪ .‬هذا من بنات أفكارهم‬ ‫ألنه ال توجد حكومة‪ .‬العالقة الوحيدة بني هذه امليليشيات والدولة تتلخص في‬ ‫حصولهم على رواتب شهرية بماليني ال��دوالرات‪ ،‬باإلضافة إال أنهم يتلقون‬ ‫مساندة من جماعة مصراتة واإلخوان املتمثلة في ميليشيات الدروع‪ ،‬وذلك من‬ ‫خالل املطارات واملوانئ التي يسيطر عليها قادة تلك الجماعات خاصة مطار‬ ‫معيتيقة وميناء مصراتة‪ ،‬إضافة مليناء درنة نفسه‪.‬‬ ‫وسبق للقذافي في منتصف تسعينات القرن املاضي أن شن هجوما على‬ ‫الوديان التي كان يتحصن فيها املتطرفون في درنة‪ ،‬لكن اآلن أصبحوا أكثر‬ ‫قوة من السابق‪ ..‬ويقول الوالد عبد الله الذي شارك في الثورة ضد القذافي إن‬ ‫املتطرفني أصبح لديهم معسكرات في العديد من الوديان والجبال‪ ،‬وأسلحة‬ ‫متنوعة‪« ..‬في أيام القذافي كان عدد من لديه سالح من املتطرفني هنا ال يزيد‬ ‫على عشرين نفرا‪ ،‬وأسلحة من ن��وع كالشينكوف‪ ،‬لكن اليوم معهم جميع‬ ‫أن��واع األسلحة‪ ..‬رأينا رت�لا عسكريا تابعا لهم وعليه ص��واري��خ ق��ادرة على‬ ‫إسقاط الطائرات‪ ،‬وقلنا من أين جاء وأي��ن ك��ان‪ .‬وط��اف في درن��ة ثم اختفى‪.‬‬ ‫وفي بداية الثورة نهبوا صواريخ بعيدة املدى من مخازن الجيش‪ ..‬من معسكر‬ ‫قرب الزويتينة ناحية بنغازي»‪ .‬ابن عبد الله‪ ،‬الكبير‪ ،‬واسمه أبو بكر وكان‬ ‫يعمل بائعا في سوق الخضر والفاكهة في درنة قبل الفرار منها‪ ،‬تعامل مع‬ ‫مشترين سوريني يبدو أنهم تحولوا إلى أمراء حرب ويتحصنون في وديان‬ ‫درنة ويتحركون في سيارات دفع رباعي ذات زجاج معتم‪ ..‬ويقول‪ :‬سوريون‬ ‫ملتحون وفي مالبس أفغانية كانوا يأتون لشراء الفاكهة من دكاني‪ ..‬يوم نعم‪،‬‬ ‫ويوم ال‪ ..‬وهم نوع من الزبائن يختلفون عن الليبيني‪ ،‬ألنهم ال يسألون عن السعر‬ ‫وال يفاصلون‪ ..‬يأتي الواحد من هؤالء وال يسأل عن األسعار ولكنه يشتري‬ ‫ما يريد بنفسه ويضع على امليزان بنفسه‪ ،‬ثم في النهاية يسأل عن إجمالي‬ ‫سعر ما أخذه من موز وتفاح وغيره من الفاكهة والخضراوات‪ ،‬كميات‪ ..‬ثم‬ ‫يخرج رزمة من الفلوس ويدفع كما أقول له‪ .‬ويضع كل ذلك في السيارة املغلقة‬ ‫واملعتمة دون أن أعرف ما فيها‪.‬‬ ‫وأهل درنة العاديون يتحركون دون أن يعرض طريقهم أحد‪ ،‬رغم عدم وجود‬ ‫جيش أو شرطة أو إدارة محلية رسمية في املدينة‪ .‬أما من يجري التعرض له‬ ‫بالخطف أو القتل فيكون عادة من أجل املال أو املنهج‪ ..‬يقول عبد الله‪« :‬يعرفون‬ ‫أنك مليونير أو صاحب مال‪ ،‬يخطفونك أو يخطفون أحد أفراد أسرتك‪ .‬يكلمونك‬ ‫بالهاتف‪( ..‬ه��ا؟ تدفع أم ال؟)‪ .‬وإذا لم تدفع يقطعون رأس��ك‪ ،‬قد يبدأ الطلب‬ ‫بعشرة ماليني دينار (الدوالر يساوي نحو ‪ 1.3‬دينار ليبي) وتجري املساومة‬ ‫والتخفيض وال توجد جهة يمكن أن تلجأ إليها‪ ..‬البعض اآلخر يقع ضحية‬ ‫لهؤالء بسبب الخالف السياسي أو العقائدي‪ .‬الكثير من الناس األبرياء قتلوا‪.‬‬ ‫هناك رجل من عائلة السعيطي جرى اختطافه في منطقة الكرسة وطلبوا منه‬ ‫‪ 500‬ألف دينار وأعطاهم ‪ 300‬ألف وباقي عليه ‪ 200‬ألف‪ .‬وإذا خالف يقتل أو‬ ‫يختطف أو يقتل أحد أفراد أسرته لالنتقام»‪ .‬واختفت كل مظاهر الدولة من‬ ‫درنة‪ .‬ويوضح ناصر قائال‪« :‬من قبل ألقوا القبض على صديق لي شاب اسمه‬ ‫محمد وقطعوا رأسه ألنه انتقدهم‪ ..‬وكان عمره ‪ 21‬سنة‪ ..‬ألقوا القبض عليه‬ ‫في بوابة على مشارف املدينة من الغرب‪ ،‬فصرخ في وجوههم وأخذ ينتقدهم‬ ‫ويقول لهم إنهم إرهابيون وقتلة‪ .‬فتركوه أول األمر ألنهم لم يكونوا يريدون‬ ‫القبض عليه وقتله في البوابة ألنها معروفة وتحت أعني العامة‪ .‬وأخبر أهله‬ ‫وأخبرني بالقصة‪ ..‬فقال له أهله حسنا هم لم يكونوا يريدون قتلك ألنهم لو‬ ‫كانوا يريدون لفعلوا‪ .‬لكن بعد أسبوع ألقوا القبض عليه في الشارع مجددا‬ ‫وضربوه وأخ��ذوا منه سيارته املرسيدس من ن��وع معروف باسم (عيون)‪..‬‬ ‫ويبدو أنهم شعروا بأن هناك حركة في املنطقة‪ ،‬فتركوه‪ ،‬وبعد يومني اتصلوا‬ ‫به‪( :‬إذا كنت تريد سيارتك تعال خذها‪ ،‬وإذا عملت أي حركة أو أتيت معك بأي‬ ‫شخص أو غيره‪ ،‬فسنطلق عليك النار)‪ .‬وذه��ب‪ ،‬ولم يعد‪ ..‬وفي اليوم الثاني‬ ‫عثر أحد املواطنني على رأسه مقطوعة وموضوعه في كيس فوق السور املحيط‬ ‫بمسجد الصحابة في وسط درنة»‪ .‬ويضيف قائال إنه «في صباح اليوم التالي‬ ‫عثر رجل درويش معروف في املدينة على كيس فأخذه ودار خلف املسجد‬

‫تجري عملية‬ ‫االغتياالت في‬ ‫بنغازي بواسطة‬ ‫قنابل ذات تقنية‬ ‫حديثة ويعتقد‬ ‫أنها مستوردة‬ ‫من الخارج وهي‬ ‫ال توجد إال في‬ ‫حوزة املتطرفني‬ ‫في بنغازي‬ ‫ودرنة وطرابلس‬ ‫وسرت‬

‫محمد الزهاوي زعيم الجماعة الجهادية‬ ‫الليبية أنصار الشريعة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪39‬‬


‫قضايا‬

‫في رمضان‬ ‫املاضي دخل‬ ‫نحو ‪ 500‬من‬ ‫(داعش) من‬ ‫سوريا عبر‬ ‫ميناء درنة‬ ‫البحري وهم‬ ‫يتحدثون‬ ‫اللهجة السورية‬ ‫وبعضهم أجانب‬ ‫من إنجلترا‬ ‫وفرنسا‬

‫املسؤول العام لجماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني في ليبيا بشير الكبتي‬

‫‪38‬‬

‫سرت‪ ،‬التي شهدت مقتل القذافي‪ ،‬حيث تحولت املدينة طيلة السنوات الثالث‬ ‫األخيرة إلى معقل للمتشددين من ليبيا والجزائر وتونس ومالي والنيجر‪،‬‬ ‫باإلضافة إل��ى عصابات من قطاع الطرق واللصوص الذين يعملون بحرية‬ ‫ويستخدمون األسلحة في نصب األكمنة وتوقيف الضحايا وطلب األموال من‬ ‫األثرياء وتصفية الخصوم بمقابل مادي‪.‬‬ ‫وال يوجد من اإلسالميني خارج تحالف املتطرفني‪ ،‬سوى الجماعة السلفية ذات‬ ‫األغلبية العددية‪ ،‬إال أنها جماعة ال تجنح على ما يبدو إلى القتال‪ ،‬رغم تعرض‬ ‫أبرز تنظيماتها املعروفة باسم «كتيبة سجناء أبو سليم» للهجوم من جانب‬ ‫تنظيم أنصار الشريعة مرتني على األقل خالل الشهر املاضي‪ ،‬مرة في بنغازي‬ ‫واألخرى في درنة‪ ،‬وجرى ذبح عدد من عناصرها‪ ،‬كما يقول أحد مساعدي‬ ‫الشيخ «ف ش»‪ .‬زعيم الكتيبة املتخفي في أحد جبال درنة‪.‬‬ ‫أما ميليشيات الزنتان وأشهرها كتيبتا «القعقاع والصواعق» فهي محسوبة‬ ‫على التيار املدني في الدولة ومحسوبة أيضا على قوات «عملية الكرامة» واللواء‬ ‫حفتر‪ ،‬وأغلب قادتها من منطقة الزنتان‪ ،‬وتكونت هاتان الكتيبتان على أنقاض‬ ‫اللواء ‪ 32‬املعزز الشهير‪ ،‬الذي كان يقوده خميس القذافي نجل القذافي في حربه‬ ‫ضد «الثوار الليبيني» على األرض املدعومني بطيران حلف الناتو من السماء‪.‬‬ ‫ويقول الضابط ناجي إنه بعد أن أصبحت املعركة أكثر وضوحا بني طرفني‬ ‫متناقضني‪ ،‬انضمت عدة قبائل إلى ميليشيات الزنتان‪ ،‬خاصة بعض املقاتلني‬ ‫من منطقة ورشفانة‪ ،‬وأصبحت تحمل اسم قوات «الجيش الوطني»‪ ،‬مشيرا‬ ‫إلى أن حفتر قدم إسنادا مهما لهذه القوات في دفاعها عن مطار طرابلس الذي‬ ‫تحاول قوات مصراتة السيطرة عليه منذ أسابيع دون جدوى‪ ،‬حيث تسببت‬ ‫املعارك في تخريب مدارج املطار وإحراق طائرات ومخازن وقود وغيرها من‬ ‫الخسائر التي تبلغ قيمتها مئات املاليني من الدوالرات‪.‬‬ ‫لكن تظل بنغازي هي أساس الحراك في ليبيا‪ .‬وتعد هذه املدينة املطلة على‬ ‫املتوسط والجبل األخضر نموذجا مصغرا للمجتمع الليبي إذا يوجد فيها أبناء‬ ‫وعائالت لنحو ‪ 280‬قبيلة بمن فيهم ذوو األصول املصراتية وقبائل أوالد علي‪.‬‬ ‫ولهذا حني تقع فيها أي أح��داث تتأثر بها باقي البالد الليبية‪ .‬ويقال هنا إن‬ ‫«بنغازي فيها الداء والدواء»‪ .‬وكان القذافي يقسمها ألربعة أقسام سياسية في‬ ‫أوقات التصعيد للمؤتمرات الشعبية أو ما يعرف باالنتخابات‪ .‬وهذه األقسام‬ ‫كان لها امتدادات أساسية داخل قبائل نشطة في بنغازي وباقي املدن‪ ،‬وهي‬ ‫قبائل العواقير واملصاريت واملرابطني والسعادي‪ .‬ويقول موسى قدورة الباحث‬ ‫في الشؤون الليبية إن ضعف التركيبة السياسية الليبية في السنوات الخمس‬ ‫األخ�ي��رة من حكم القذافي ودخ��ول تيار جماعة اإلخ��وان الليبيني‪ ،‬على خط‬ ‫إصالحات سيف اإلسالم القذافي تسبب في إرباك املنظومة الليبية برمتها‪.‬‬ ‫ويزيد موضحا‪« :‬كانت هناك مجموعة مساجني في قضية كانت تعرف باسم‬ ‫(قضية اإلخوان) وجرى اإلفراج عنهم في عام ‪ ،2005‬وتوسط فيها الدكتور‬ ‫يوسف القرضاوي‪ ،‬وكانت أب��رز قياداته من بنغازي لكنهم ذوو أص��ول من‬ ‫مصراتة‪ ،‬وك��ان منهم ال��راح��ل عبد الباسط عيسي ال�ف��اي��دي‪ ،‬وم��ن أشهرهم‬ ‫عقب ثورة ‪ 17‬فبراير الدكتور شامية‪ ،‬الذي كان مسؤول االقتصاد في املكتب‬ ‫التنفيذي (الحكومة) التابع للمجلس الوطني االنتقالي وه��و أستاذ جامعي‬ ‫يحمل دكتوراه في االقتصاد»‪.‬‬ ‫ويضيف أنه‪ ،‬وبعد اإلعالن الدستوري أسس اإلخ��وان حركة سموها «حزب‬ ‫العدالة والبناء» على أساس أنك حني تقول إن اإلخ��وان يعملون في السياسة‬ ‫يرد قادة الحزب بأنهم ال يتبعون للمرشد أو املسؤول عن الجماعة في ليبيا‪.‬‬ ‫ويتساءل قدورة‪ :‬هل هذه حقيقة أم ال؟ غير معروف‪ ..‬لكن أعتقد أن هذا سببه‬ ‫أن إخوان ليبيا يريدون تجنب غضب الليبيني الذين ال يحبون تنظيم اإلخوان‬ ‫بسبب منشئه املصري وفكره املنغلق القادم من القاهرة‪ .‬واملشكلة التي تواجه‬ ‫إخوان ليبيا تتلخص في أنهم ال يعرفون دور القبيلة‪ ،‬و«لذلك فإن تجربتهم‬ ‫لن تنجح‪ .‬ليس لهم وجود ال في البيضاء وال في طبرق وال غيرها من املناطق‬ ‫القبلية‪ .‬كما أن حزب العدالة والبناء اإلخواني ليس له وجود فعلي إال في بنغازي‬ ‫وط��راب�ل��س»‪ .‬ولعب أح��د ق��ادة اإلخ ��وان املعروفني ف��ي بنغازي وه��و م��ن أصل‬ ‫مصراتي‪ ،‬دورا في توحيد امليليشيات املتطرفة في الشهور األخيرة ملواجهة‬ ‫قوات حفتر‪ ،‬وكان هذا الرجل يدرس في اليمن بعد أن فر من ليبيا على خلفية‬ ‫إحدى القضايا السياسية في عهد القذافي‪ ،‬إال أن سيف اإلسالم نجل القذافي‬ ‫تمكن من التواصل معه عبر السفارة الليبية في اليمن‪ ،‬واتفقا سويا على إجراء‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫مصالحة مع املعارضة في الخارج وتأسيس حركة «ليبيا الغد» اإلصالحية‪،‬‬ ‫وكان ذلك بعد عام ‪ .2005‬وحتى عام ‪ 2013‬كان تنظيم أنصار الشريعة األقل‬ ‫خبرة‪ ،‬وقياداتهم صغار السن غالبيتهم مواليد التسعينات‪ ،‬وهو تنظيم منشق‬ ‫أساسا من تنظيم إسالمي آخر اسمه «كتيبة راف الله السحاتي»‪ .‬وكتيبة راف‬ ‫الله السحاتي منشقة هي األخرى عن كتيبة «‪ 17‬فبراير»‪ .‬وكلها كتائب ظهرت‬ ‫خالل الثورة ضد القذافي‪ ،‬وهي متشددة لكنها تختلف في درجة التشدد‪.‬‬

‫طرابلس صراع تاريخي يتجدد‬ ‫لكن ماذا يحدث في طرابلس بالضبط؟ يقول الباحث قدورة إن هذا ما حدث‬ ‫مرتني في السابق‪ ..‬مرة في أي��ام االحتالل اإليطالي‪ ،‬وأخ��رى أي��ام حكم امللك‬ ‫إدريس السنوسي‪« ..‬الجزء الشرقي لوالية طرابلس كان قديما يسير بقيادة‬ ‫مصراتة‪ ،‬والجزء الغربي بقيادة قبيلة الورفلة (يحل محلها الزنتان حاليا)‬ ‫وهي الفترة التي لقي فيها رمضان السويحلي حتفه‪ ،‬وهو من مصراتة‪ ،‬أثناء‬ ‫االقتتال حول الزعامة في طرابلس»‪ .‬ويضيف أنه بعد أن تأسست الدولة الليبية‬ ‫في بداية خمسينات القرن املاضي‪ ،‬بدأت املناوشات بني الطرفني مجددا‪ ،‬لكن‬ ‫امللك حل املشكلة وقام بإعالن بنغازي عاصمة للدولة‪.‬‬ ‫وفي الوقت الحالي‪ ،‬ومع احتدام الصراع على العاصمة‪ ،‬انتقل البرملان منذ نحو‬ ‫شهر‪ ،‬لعقد جلساته في طبرق في أقصى شرق البالد‪ ،‬مع وجود مفاوضات‬ ‫على نقل الحكومة أيضا‪ ،‬وفقا لـ«قدورة» بينما يجري التفكير في نقل العاصمة‬ ‫أيضا من طرابلس الغرب إلى إحدى املدن الهادئة ومقترح لها مدينة البيضاء‪.‬‬

‫درنة‪ ..‬إمارة أفغانية‬ ‫ويقول شهود عيان من مدينة درنة عقب خروجهم من املدينة التي يسيطر‬ ‫عليها املسلحون املتطرفون من تيارات مختلفة‪ ،‬إن املدينة تفتقر ألي مظهر من‬ ‫مظاهر الدولة طوال السنوات الثالث املاضية‪ .‬ويضيف أحد الشهود الذي كان‬ ‫يعمل في حراسة ميناء املدينة املطل على البحر‪« :‬في شهر رمضان املاضي‬ ‫دخل نحو ‪ 500‬من (داعش) من سوريا عبر ميناء درنة البحري‪ .‬جاءت بهم‬ ‫مركب في الفجر وهم يتحدثون اللهجة السورية وبعضهم أجانب من إنجلترا‬ ‫وفرنسا‪ ..‬وجماعة أنصار الشريعة في درنة ربعهم فقط هم الليبيون»‪ .‬ويشير‬ ‫إلى أن «بن جومة» يتحكم في املدينة من منطقة «رأس هالل» التي تنتشر فيها‬ ‫الغابات الشجرية حتى منطقة «الفتايح»‪ .‬ويقول في آخر مشهد رآه في املدينة‬ ‫وهو يودعها قبل أيام‪« :‬يقومون في الوقت الحالي بإغالق الطريق من منطقة‬ ‫سوسة حتى رأس هالل‪ ،‬بالكتل الحجرية الضخمة‪ ،‬حتى ال يدخل أحد إلى هذه‬ ‫املناطق التي يقيمون فيها‪ ،‬ألن سوسة يوجد فيها حرس من الجيش وخفر‬ ‫السواحل الذين يعتقد أنهم موالون لحفتر»‪.‬‬ ‫ويضيف أن جماعة سفيان بن جومة لديها إمكانات كبيرة‪« ..‬صواريخ وأسلحة‬ ‫ال يوجد لها مثيل في الجيش الوطني‪ .‬وتمكنت جماعته وجماعات املتطرفني‬ ‫األخ��رى من جمع ه��ذه األسلحة منذ وق��ت مبكر من ث��ورة ‪ 17‬فبراير‪ .‬وكان‬ ‫الهدف أنه بعد أن يسقط معمر يكون لديهم استعداد ملواجهة من يمكن أن‬ ‫يناصبهم العداء‪ ،‬مشيرا إلى أن سبب التفجير في الرجمة (أحد معسكرات‬ ‫القذافي الكبرى) في بداية الثورة كان منهم هم‪.‬‬ ‫ويقول‪« :‬في بداية الثورة كان الثوار‪ ،‬من كل االتجاهات أيضا‪ ،‬يمدون جماعة بن‬ ‫جومة بالسالح‪ .‬ففي بداية الثورة كان الكل يعمل مع بعضه بعضا‪ ،‬ملتحون‬ ‫متشددون وعلمانيون وليبراليون وغيرهم‪ ،‬لكن اآلن الوضع اختلف‪ ،‬والحرب‬ ‫اشتعلت بني رفاق األمس‪ ..‬لكن ال شك‪ ،‬وشهادة لله‪ ،‬أن املتطرفني هم من كانوا‬ ‫يحاربون في الصفوف األول��ى أي��ام ال�ث��ورة ضد القذافي وه��م أول من يدخل‬ ‫معسكرات الجيش ويقومون بانتقاء أفضل أنواع األسلحة خاصة الثقيل منها‪،‬‬ ‫ومصادرتها ألنفسهم»‪ .‬وعن عالقة درنة ببنغازي يقول أحد وجهاء املدينة‬ ‫ممن يقيم حاليا في خارجها خوفا من قتله‪« :‬عالقة درن��ة ببنغازي عالقة‬ ‫مصلحية‪ .‬نحن في درن��ة لدينا أنصار شريعة وفيها تنظيم القاعدة‪ .‬وفي‬ ‫الفترة األخيرة بدأت الخالفات تدب فيما بينهما‪ ..‬وجرى اقتتال بني الطرفني‬ ‫كما جرى اقتتال مع كتيبة سجن أبو سليم أيضا ذات التوجه السلفي‪ .‬صار‬


‫دور وزارة الداخلية‬ ‫لكن ما هو دور وزارة الدفاع التابعة للحكومة‪ ..‬وما هو دور وزارة الداخلية‪..‬‬ ‫في الحقيقة أسهمت هذه األسماء في التشويش على عقول من يريدون فهم ما‬ ‫يجري في ليبيا‪ ،‬كما يقول املحلل الليبي عادل الشيباني‪ .‬ويضيف أن القصة‬ ‫ب��دأت بعد أن تشكل املؤتمر الوطني (البرملان امل��ؤق��ت) والحكومة االنتقالية‬ ‫قبل سنتني‪ .‬ورغم تسمية وزيرين للدفاع وآخر للداخلية ضمن باقي وزارات‬ ‫الحكومة‪ ،‬فإن أيا من الوزارتني لم تتمكن من التخلص من هيمنة املتطرفني‬ ‫على مقاليد العمل فيهما‪.‬‬ ‫ويضيف الشيباني أن��ه‪ ،‬وب��دال من أن تتجه هاتان ال��وزارت��ان إل��ى العمل على‬ ‫تشكيل جيش وشرطة وطنيني‪ ،‬اعتمدتا على ما كان يعرف بـ«كتائب الثوار»‪،‬‬ ‫أو امليليشيات املسلحة التي تتكون من ألوف الشبان ويقودها متطرفون كانوا‬ ‫في السجون بعد أن عادوا من الخارج‪ ،‬أو كانوا يمتهنون مهنا ال عالقة لها بمثل‬ ‫هذا النوع من العمل‪ .‬وبمرور الوقت زاد عدد هذه امليليشيات‪ ،‬مستندة في ذلك‬ ‫على شرعية سبق وأعطاها لها املجلس الوطني االنتقالي‪ ،‬عقب مقتل القذافي‪،‬‬ ‫تتلخص في االعتراف بها ككيانات يمكن االعتماد عليها لحماية مؤسسات‬ ‫الدولة‪ ،‬وتخصيص رواتب شهرية لها‪.‬‬ ‫ويقول‪« :‬تحولت امليليشيات إلى ظاهرة أشد خطرا على ليبيا من ظاهرة اللجان‬ ‫الثورية التي كان يعتمد عليها القذافي في حكم الدولة‪ .‬اللجان الثورية على‬ ‫األقل كان هناك من هو مسؤول عنها في نهاية املطاف‪ ،‬لكن امليليشيات تعمل‬ ‫وفقا لقوانينها الخاصة‪ ..‬دول��ة داخ��ل ال��دول��ة‪ ..‬لديها سجون ومحاكم وتنفذ‬ ‫العقوبات بقطع ال��رؤوس وإط�لاق النار على الخصوم في الشوارع‪ ،‬وتفخيخ‬ ‫السيارات‪ ،‬وفي نهاية الشهر يحصل قادتها وعناصرها على روات��ب تقدر‬ ‫بماليني الدوالرات من الدولة»‪.‬‬ ‫ويضيف الشيباني أن املعركة الجارية حاليا بني امليليشيات بقيادة اإلخوان‬ ‫في مواجهة قوات حفتر هي معركة حياة أو موت‪ ،‬ليست للمتطرفني في ليبيا‬ ‫فقط‪ ،‬ولكن لهذا النوع من املتشددين في شمال أفريقيا واملنطقة‪ ،‬ألن الهدف‬ ‫كان منذ البداية تحويل ليبيا إلى «بقرة حلوب» ألنشطة التنظيم الدولي لإلخوان‬ ‫وتنظيمات أخرى مثل «القاعدة» في املغرب اإلسالمي (غالبيته من الجزائريني)‬

‫وأنصار الشريعة في ليبيا وتونس‪ ،‬والجماعات التكفيرية في مصر والدول‬ ‫املجاورة سواء عربية أو أفريقية‪ .‬و«في حال نجاح البرملان الجديد في بسط‬ ‫نفوذه وتشكيل حكومة قوية تضع رقابة على املوانئ واملطارات وتمنع البنك‬ ‫املركزي من صرف رواتب للميليشيات‪ ،‬فإن املتطرفني سينتهون‪ ،‬وهم يعلمون‬ ‫هذا»‪ .‬ويضيف‪« :‬سينتهون سريعا إذا حصل حفتر على دعم دولي أو حتى‬ ‫إقليمي من دول الجوار»‪..‬‬

‫تحالف امليليشيات‬ ‫يوجد نوعان من امليليشيات املتصارعة في غرب البالد‪ ،‬وحول مطار طرابلس‬ ‫حاليا‪ ،‬تعرفان باسم «ميليشيات مصراتة» و«ميليشيات الزنتان»‪ ،‬لكن هناك‬ ‫فروقا جوهرية بينهما‪ ،‬سواء في التكوين أو في التوجهات‪ .‬ويقول علي ناجي‪،‬‬ ‫الضابط السابق في االستخبارات الليبية‪ ،‬إنه بالنسبة مليليشيات مصراتة‬ ‫فيهيمن على قياداتها شخصيات ترجع أصولها إلى مدينة مصراتة‪ ،‬وهي‬ ‫متحالفة مع املتطرفني والتكفيريني واإلخ��وان‪ ،‬وكانت لها حظوة كبيرة لدى‬ ‫البرملان السابق والحكومات السابقة‪ ،‬وجرت االستعانة بهذه امليليشيات في‬ ‫اقتحام مدينة بني وليد التي تسكنها قبيلة ورفلة الشهيرة‪ ،‬وذلك بأوامر من‬ ‫البرملان‪ ،‬العام املاضي‪ ،‬وكذا االستعانة بها في إخضاع مناطق في سبها في‬ ‫جنوب البالد كانت تعارض الحكومة‪ ،‬وفي مناطق أخرى في بنغازي وحول‬ ‫طرابلس‪.‬‬ ‫وت�ت�ك��ون ميليشيات م�ص��رات��ة ف��ي ال��وق��ت ال�ح��ال��ي م��ن ال� ��دروع ال�ت��ي يقودها‬ ‫ميكانيكي سابق يدعى وس��ام بن حميد‪ ،‬ال��ذي كان يقيم في بنغازي بينما‬ ‫ترجع أصوله ملصراتة‪ ،‬وتتكون أيضا من ميليشيات للمتطرفني قادمة من عدة‬ ‫مدن مجاورة ملصراتة‪ ،‬إضافة ملجموعة ما يسمى «غرفة ثوار ليبيا» وهي خليط‬ ‫من املتشددين أيضا من بينهم عناصر ما يسمى بالجماعة الليبية املقاتلة‪.‬‬ ‫وحني بدأت عملية الكرامة بقيادة حفتر‪ ،‬أصبحت ميليشيات مصراتة تحظى‬ ‫بتأييد من باقي الجماعات املتطرفة والجماعات الجهادية في عموم البالد‪،‬‬ ‫ومنها «أنصار الشريعة» في كل من بنغازي ودرنة‪.‬‬ ‫وتحظى ميليشيات مصراتة أيضا بدعم قوي من مخزون املتطرفني في مدينة‬

‫تتكون الغرفة‬ ‫األمنية في‬ ‫بنغازي من‬ ‫رجال الشرطة‬ ‫السابقني وتتبع‬ ‫وزارة الداخلية‬ ‫وتعمل بشكل‬ ‫محايد بعد أن‬ ‫فشل اإلخوان‬ ‫في استغالل‬ ‫العاملني فيها‬ ‫لصالحهم‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪37‬‬


‫قضايا‬

‫على طول الساحل الشمالي الشرقي الليبي املواجه ألوروبا‪ ،‬أي من العاصمة طرابلس وحتى الحدود مع مصر‪ ،‬توجد‬ ‫ثالث مناطق خطرة يجري فيها القتال منذ مطلع هذا العام‪ ،‬هي بالتوالي مدن سرت وبنغازي ودرنة‪ .‬لكن املنطقة الواقعة‬ ‫إلى الغرب من العاصمة‪ ،‬أي ناحية املطار الدولي‪ ،‬ورغم ما فيها من قصف وحرائق‪ ،‬تعد فقط مؤشرا على ميزان الحرب‬ ‫في الجانب اآلخر‪ ،‬رغم أن الخسائر التي وقعت هناك تبدو أكثر فداحة من أي مكان في هذه الدولة شاسعة املساحة‬ ‫والغنية بالنفط‪ .‬وتوجد حكومة وبرملان‪ ،‬لكن الدولة غير قادرة حتى اآلن على حماية الحدود مع دول الجوار أو إقناع‬ ‫املجتمع الدولي بمساندة طرف لحسم املعارك مع الطرف اآلخر‪.‬‬

‫ليبيا‪ ..‬حروب امليليشيات‬

‫«حفرت» وحده ال يكفي‬ ‫بنغازي‪:‬‬ ‫عبد الستار حتيتة‬

‫تتكون قوات‬ ‫حفتر من آالف‬ ‫الليبيني من‬ ‫بينهم ضباط‬ ‫بجنودهم‬ ‫وأسلحتهم‬ ‫كانوا يعملون‬ ‫في معسكرات‬ ‫الجيش الليبي‬ ‫خالل فترة حكم‬ ‫معمر القذافي‬

‫اللواء‬ ‫خليفة‬ ‫حفتر‬

‫‪36‬‬

‫ي�ب��دو األم��ر غير مفهوم لكثير م��ن السياسيني ال��ذي��ن ت�ح��دث��وا مع‬ ‫دبلوماسيني غربيني‪ ،‬بعد أن تبني أن كثيرا من الفاعلني في الغرب‬ ‫مع إجراء مفاوضات بني طالب الدولة املدنية واملتطرفني املدججني‬ ‫باألسلحة الذين يشبهون في كثير من تصرفاتهم تصرف عناصر ما يسمى‬ ‫«الدولة اإلسالمية في العراق والشام» (داعش)‪.‬‬ ‫ويقول أحد الدبلوماسيني الغربيني ممن تركوا ليبيا بسبب الحرب الشعواء‬ ‫بني الفرق املختلفة‪ ،‬إن مصالح العديد من الشركات الكبرى العاملة في مجال‬ ‫النفط والسالح‪ ،‬تضررت بشدة‪ ،‬خاصة بعد تراجع تصدير النفط الليبي وتعثر‬ ‫برامج لتسليح الجيش الليبي الرسمي الذي لم يتمكن الليبيون من تأسيسه‬ ‫حتى اليوم‪ ،‬رغم وجود وزارة للدفاع‪ .‬وتتخوف العديد من الدول األوروبية الواقعة‬ ‫على الضفة الشمالية من املتوسط قبالة ليبيا من أن تتحول هذه الدولة مترامية‬ ‫األطراف إلى «صومال جديد» تعمه الفوضى أكثر مما يجري في دولة الصومال‬ ‫منذ نحو عقدين‪ ،‬بينما بدأت دول الجوار الليبي مثل مصر والجزائر وتشاد‪،‬‬ ‫وغيرها‪ ،‬تتخوف من تهريب األسلحة املنهوبة من مخازن جيش القذافي‪ ،‬ومن‬ ‫تنقل املتطرفني بسهولة عبر الحدود‪ ،‬خاصة وأن الجانب الليبي ال توجد لديه‬ ‫سيطرة فعلية على حدوده‪ ،‬في مقابل تزايد لنفوذ امليليشيات التي تعمل على‬ ‫تمرير صفقات السالح والنفط‪.‬‬ ‫وك��ان االق�ت�ت��ال ال��داخ�ل��ي ف��ي ال�ب�لاد ي�ج��ري م��ن وراء س�ت��ار‪ ،‬وح�ت��ى شهرين‬ ‫ماضيني ل��م يكن أح��د يستطيع أن يشير بإصبعه وي�ح��دد بشكل قاطع أن‬ ‫هذا الفريق يقاتل ذلك الفريق‪ .‬بيد أن األم��ور أصبحت أكثر وضوحا بعد أن‬ ‫خسرت جماعة اإلخوان املسلمني التي تعرف في ليبيا تاريخيا باسم «التجمع‬ ‫اإلسالمي» انتخابات البرملان الجديد أخيرا‪ .‬ويقول العقيد صابر حوسني الذي‬ ‫فقد عمله في الجيش بسقوط نظام القذافي‪ ،‬إن كثيرا من الناس ربما يختلط‬ ‫عليهم األمر بسبب كثرة أسماء املجموعات املتقاتلة‪ ،‬لكن الحقيقية تتلخص‬ ‫في أن��ه أصبحت توجد جبهتان تتحاربان في ال�ب�لاد‪ ..‬الجبهة األول��ى تضم‬ ‫كل أطياف املتطرفني ويهيمن على القيادة فيها عناصر من جماعة اإلخوان‬ ‫ومما كان يعرف بالجماعة الليبية املقاتلة‪ ،‬باإلضافة إلى أنصار الشريعة التي‬ ‫تشبه في تكوينها تنظيم «داعش»‪ ،‬ومجموعات أخرى موالية لتنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫وتتكون هذه الجبهة املدعومة باألموال واألسلحة من أطراف داخلية وإقليمية‬ ‫ودولية‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬من جنسيات ليبية وغير ليبية‪ ،‬خاصة من الجزائريني‬ ‫والتونسيني واملصريني‪ ،‬وأخيرا خليط من األوروبيني والسوريني الذين وصل‬ ‫منهم إلى ميناء درنة البحري نحو ‪ 500‬أواخ��ر شهر يوليو (تموز) املاضي‬ ‫يعتقد أنهم كانوا يقاتلون في صفوف «داعش»‪.‬‬ ‫ويضيف العقيد حوسني أن الجبهة الثانية تشكلت وظهرت مالمحها على عجل‬ ‫في أعقاب إعالن اللواء املتقاعد خليفة حفتر عن تأسيس «الجيش الوطني»‬ ‫والبدء في عملية الكرامة التي تستهدف اجتثاث اإلخوان واملتطرفني من البالد‪،‬‬ ‫منذ مطلع هذا الصيف‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫وتتكون قوات حفتر من آالف الليبيني‪ ،‬من بينهم ضباط بجنودهم وأسلحتهم‬ ‫كانوا يعملون أساسا في معسكرات الجيش الليبي خالل فترة حكم معمر‬ ‫القذافي التي استمرت ملدة ‪ 42‬عاما وانتهت في خريف عام ‪ .2011‬وانضم إلى‬ ‫حفتر ألوف آخرون من الشبان املتطوعني ممن جرى تدريب بعضهم في الداخل‬ ‫والبعض اآلخر في الخارج‪ ،‬أي في أحد بلدان ما كان يعرف بالكتلة الشرقية‪.‬‬ ‫وتبدو الجبهة األولى؛ جبهة املتطرفني‪ ،‬كما يقول حوسني‪ ،‬هي األسرع واألكثر‬ ‫حركة وإصرارا في محاولتها السيطرة على حكم البالد بالقوة‪ ،‬وتسعى أيضا‬ ‫إلف�ش��ال عمل البرملان الجديد وت��ري��د أيضا إف�ش��ال جهود تشكيل حكومة‪،‬‬ ‫ويرتكب عناصرها فظائع بحق مدنيني وبحق كل من يثبت أنه ينتمي للجيش‬ ‫الوطني أو الشرطة أو من ق�ي��ادات املؤسسات املدنية التي تصر على التزام‬ ‫الحياد في الصراع املستعر حاليا‪ .‬كما يعمل على هامش جبهة املتطرفني‪ ،‬وفقا‬ ‫ملصادر قبلية في مدينة درنة‪ ،‬مجموعات من ميليشيات اللصوص املدججني‬ ‫باألسلحة الثقيلة‪ ،‬ويساعدون على عرقلة محاوالت حفتر في بناء الجيش‬ ‫أو بسط سلطان الدولة على الجميع‪ .‬وأب��رز موقع يوجد فيه هذا الخليط من‬ ‫املتطرفني ومحترفي النهب والخطف هو مدينة درنة نفسها ذات التضاريس‬ ‫الصعبة بما فيها من جبال تطل على البحر املتوسط وودي��ان تنساب وعرة‬ ‫وتطل على الصحراء من الجنوب‪ .‬وتقع هذه املدينة إلى الشرق من بنغازي‪،‬‬ ‫وأشهر أمرائها سجني سابق في غوانتانامو‪ ،‬بدعة سفيان جومة‪.‬‬ ‫أما الجبهة الثانية‪ ،‬والتي اضطر العديد من الليبيني إلى تسميتها مجازا «جبهة‬ ‫حفتر»‪ ،‬فتعمل بشكل أكثر احترافية وبرهنت على قدرتها على امتصاص‬ ‫الهجمات املستعرة التي شنها املسلحون املتطرفون ط��وال شهر رمضان‬ ‫املاضي (يوليو‪ /‬تموز) رغم تمكنهم من دخول واحد من أكبر املعسكرات التابعة‬ ‫لحفتر‪ ،‬وهو معسكر الصاعقة في بنغازي‪ .‬ويقول العقيد حوسني‪« :‬بينما‬ ‫كان املتطرفون يروجون الشائعات عن هروب اللواء حفتر بعد واقعة معسكر‬ ‫الصاعقة‪ ،‬من أجل تثبيط همم مقاتليه الذين يدافعون عن مطار بنغازي (مطار‬ ‫بنينة)‪ ،‬عاود الرجل الظهور حيث يقيم في مركز إدارة العمليات في منطقة‬ ‫الرجمة قرب بنغازي‪ ،‬وواص��ل قصف تجمعات املتطرفني‪ ،‬ليس في بنغازي‬ ‫فقط‪ ،‬ولكن هذه املرة في مواقع منتقاة في درنة وطرابلس التي يحاول فيها‬ ‫اإلخوان ومن معهم من املتشددين السيطرة على مطار العاصمة»‪.‬‬ ‫أما السبب في أن قطاعا من الليبيني اضطر للوقوف في صف حفتر فيرجع إلى‬ ‫مالبسات تخص أمرين‪ ،‬كما يقول محمد العبيدي‪ ،‬أحد وجهاء قبيلة العبيدات‬ ‫ذات الثقل في شرق البالد‪ ..‬األول أن هؤالء الليبيني ينتمون لقبائل محسوبة على‬ ‫عهد القذافي‪ ،‬وفي الوقت نفسه يؤيدون وجود جيش قوي وفاعل في الدولة‪ ،‬بعد‬ ‫أن تعرضوا لعمليات انتقامية من ميليشيات املتطرفني طيلة السنوات الثالث‬ ‫املاضية‪ ،‬واألمر الثاني‪ ،‬املعاكس‪ ،‬أن لديهم تحفظات على شخصية حفتر على‬ ‫أساس أن الرجل محسوب على ثورة ‪ 17‬فبراير التي أطاحت بحكم القذافي‬ ‫وتسببت في تهميشهم وإقصائهم عن الساحة‪.‬‬


‫ال��دوالرات لتصدير النفط من اإلقليم شبه املستقل عبر تركيا إلى األس��واق‬ ‫الدولية‪ .‬وفي مطلع فبراير املاضي‪ ،‬أعلن وزير الطاقة التركي تانر يلدز أن ضخ‬ ‫النفط الخام قد بدأ من خط أنابيب جديد من كردستان العراق إلى ميناء جيهان‬ ‫التركي على البحر املتوسط‪ .‬ل��ذا‪ ،‬لم تدخر حكومة إردوغ��ان وسعا لتسريع‬ ‫الحصول على موافقة الحكومة العراقية على إتمام االتفاق وإنفاذه‪ ،‬حيث زار‬ ‫وزير الطاقة التركي تانر يلدز بغداد في أوائل ديسمبر (كانون األول) املاضي‪،‬‬ ‫إلجراء محادثات مع نائب رئيس الوزراء العراقي حسني الشهرستاني‪ ،‬الذي‬ ‫أبدى بدوره تحفظات على التقارب بني تركيا واإلقليم الكردي‪.‬‬ ‫وعلى غير املعهود‪ ،‬بدأت حكومة إردوغان تبدي تقبال ضمنيا إلعالن استقالل‬ ‫إقليم كردستان العراق‪ ،‬خصوصا في ظل تفاهمات تتضمن مغانم مشتركة‬ ‫للطرفني على مختلف الصعد‪ ،‬أبرزها العمل معا بقصد الحيلولة دون تمكن‬ ‫حزب العمال الكردستاني التركي من بلوغ هذه املرحلة‪.‬‬

‫تحول تجاه األزمة السورية‬ ‫شهدت األشهر القليلة املنقضية ما يمكن اعتباره تحوال الفتا في مواقف‬ ‫حكومة إردوغان إزاء ما يجري في سوريا‪ .‬وهو التحول الذي يمكن تفسيره‬ ‫بحزمة م��ن ال�ع��وام��ل‪ ،‬أب��رزه��ا تفاقم االت�ه��ام��ات الدولية ألن�ق��رة بدعم اإلره��اب‬ ‫داخل سوريا‪ ،‬فبينما دأبت تركيا على الدعوة لتقديم دعم للمعارضة السورية‬ ‫املسلحة‪ ،‬إذا بها تواجه اتهامات مؤخرا بتسهيل صعود الجماعات املتطرفة‬ ‫بسوريا من خالل السماح بمرور أسلحة ومقاتلني أجانب عبر الحدود‪ .‬فقد‬ ‫الحقت حكومة إردوغان اتهامات بدعم تنظيم القاعدة وتنظيمات متطرفة في‬ ‫سوريا وتقديم السالح لها عبر الحدود التركية السورية‪ ،‬وشنت وسائل إعالم‬ ‫غربية في شهر أكتوبر (تشرين األول) املاضي حملة شرسة على رئيس‬ ‫االستخبارات التركية خاقان فيدان‪ ،‬املعروف بأنه ال��ذراع اليمنى إلردوغ��ان‪،‬‬ ‫واتهمته بدعم تدفق املقاتلني املتطرفني والجهاديني التكفيريني إلى سوريا‪،‬‬ ‫وتحديدا جبهة النصرة وداعش (الدولة اإلسالمية في العراق والشام)‪ .‬كذلك‪،‬‬ ‫أك��دت وس��ائ��ل إع�لام محلية أن الشرطة التركية ضبطت شاحنتني تابعتني‬ ‫ملؤسسة اإلغاثة اإلنسانية على متنهما ذخائر وأسلحة في إقليم أضنة قرب‬ ‫ال�ح��دود مع س��وري��ا‪ .‬وذك��رت وكالة «دوغ��ان» لألنباء أن الحافلتني كانتا في‬ ‫طريقهما إلى إقليم هاتاي التركي الحدودي‪.‬‬ ‫وبدوره‪ ،‬نفى رئيس الوزراء التركي إردوغان االتهامات السورية واإلقليمية‬ ‫والدولية لبالده بدعم تنظيم القاعدة في سوريا أو املنطقة‪ ،‬غداة تنفيذ قوات‬ ‫األمن حملة ضد مشبوهني في االنتماء للتنظيم في ست محافظات‪ ،‬مما أدى‬ ‫إلى اعتقاالت ودهم مقر ملؤسسة إغاثة إنسانية قريبة من الحكومة‪ ،‬مؤكدا أن‬ ‫تركيا اتبعت «سياسة الباب املفتوح» طوال الصراع السوري‪ ،‬وقدمت شريان‬ ‫حياة للمناطق التي يسيطر عليها مقاتلو املعارضة من خالل السماح للجيش‬ ‫السوري الحر بتنظيم نفسه على أراضيها‪ .‬غير أن ظهور جماعات لها صلة‬ ‫بـ«القاعدة»‪ ،‬مثل «جبهة النصرة» و«داعش»‪ ،‬في أجزاء من شمال سوريا قرب‬ ‫الحدود‪ ،‬قد عرض أنقرة التهامات بأنها تقدم دعما إلى جماعات إسالمية‬ ‫متشددة‪ .‬وقد شكلت التداعيات السلبية املتالحقة للثورات العربية عموما‬ ‫واألزمة السورية تحديدا‪ ،‬دافعا مهما إلعادة أنقرة النظر في سياساتها حيال‬ ‫سوريا‪ ،‬فلطاملا راهنت تركيا على إمكانية إسقاط النظام السوري بسرعة‬ ‫كنظرائه في تونس ومصر وليبيا‪ ،‬بعد أن انتفض الشعب السوري بصورة‬ ‫لم تكن متوقعة‪ .‬غير أن مجريات األحداث خالل ما يقارب الثالث سنوات من‬ ‫عمر األزمة السورية أدت إلى نتائج كانت تخشاها تركيا‪.‬‬ ‫فمن جهة‪ ،‬توترت عالقاتها مع إيران جراء تباين املواقف حيال ما يجري‬ ‫في سوريا‪ ،‬وبينما تقف حزمة من املحاذير حائال دون إمكانية الحسم‬ ‫العسكري لألزمة‪ ،‬تتعاظم خسائر تركيا على كل الصعد بمرور الوقت جراء‬ ‫استمرار الوضع املتدهور في سوريا‪ .‬وبرأسه يطل الهاجس اإلثني‪ ،‬بعدما‬ ‫شرع حزب االتحاد الديمقراطي‪ ،‬وغيره من األحزاب الكردية‪ ،‬في السيطرة‬ ‫على مناطق واسعة من مناطق شمال وشمال شرقي سوريا‪ ،‬والتي تسكنها‬ ‫غالبية كردية‪ ،‬وشرعوا في ترتيبات إلدارتها ذاتيا‪ ،‬األمر الذي يشكل قلقا‬ ‫حقيقيا للسلطات التركية خصوصا لجهة تأثيره على األكراد األتراك وسائر‬ ‫األقليات اإلثنية داخ��ل تركيا‪ .‬ففيما تخشى تركيا من أن يتحول شمال‬

‫سوريا مجددا إلى قاعدة ومنطلقا ملقاتلي حزب العمال الكردستاني في‬ ‫حال فشل االتفاق ال��ذي أبرمه إردوغ��ان معه لتسوية القضية الكردية في‬ ‫تركيا سلميا‪ ،‬بدأ العلويون األت��راك‪ ،‬الذين يشكلون كتلة سكانية كبيرة‪،‬‬ ‫يهددون بأنهم لن يقفوا مكتوفي األيدي في حال تعرضت األقلية العلوية‬ ‫في سوريا لصراع طائفي‪.‬‬ ‫في غضون ذلك‪ ،‬تبلور لدى صناع القرار في أنقرة اعتقاد بأن األزمة في‬ ‫سوريا قد تحولت إلى ما يشبه الحرب بالوكالة بني قوى إقليمية ودولية‬ ‫على األراضي السورية في نسخة مكررة من املشهدين اللبناني والعراقي‪.‬‬ ‫وكم كان موحيا ومؤثرا لألتراك تبدل مواقف حلفاء تركيا الغربيني حيال‬ ‫األزم��ة السورية‪ ،‬حيث أب��دت الواليات املتحدة األميركية وال��دول األوروبية‬ ‫تراجعا عن سياسة املواجهة مع إيران والنظام السوري عبر إعادة النظر‬ ‫في مواقفهما السابقة إزاءهما بما يتيح التفاهم مع إيران والحوار مع األسد‬ ‫توطئة إلعادة بناء تحالفات جديدة في املنطقة بأسرها‪.‬‬ ‫لقد ت��راءى لحكومة العدالة التركية أن انحيازها ملا تعتبره ث��ورة الشعب‬ ‫السوري الطامح للحرية والديمقراطية لإلطاحة بالنظام األسدي القمعي‬ ‫قد أضحى مجافيا ملنطق الحسابات العقالنية البراغماتية‪ ،‬إذ ال يبدو‬ ‫املجتمع الدولي مستعدا لدعم تلك الثورة‪ ،‬ليس فقط بسبب تعرض مصالحه‬ ‫في املنطقة للخطر‪ ،‬ولكن لنجاح األس��د في تشويه تلك ال�ث��ورة الشعبية‬ ‫عبر الدفع بتنظيمات إرهابية وإسالمية جهادية متطرفة إلى صفوفها‬ ‫األمامية‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬آث��رت أنقرة ت��دارك املوقف وتغيير سياساتها إزاء‬ ‫األزمة السورية‪ ،‬عساها تقلص خسائرها املتنامية جراء الثورات العربية‬ ‫عموما‪ ،‬والسورية منها على وجه التحديد‪ ،‬ولعلها تعزز مركزها وتعظم‬ ‫مغانمها من الترتيبات اإلقليمية الجديدة التي يتم اإلعداد لها في واشنطن‬ ‫بشأن مستقبل املنطقة‪ ،‬بما يساعد في نهاية املطاف على تقوية املوقف‬ ‫التنافسي إلردوغان وحزبه خالل االستحقاقات االنتخابية املصيرية التي‬ ‫بدأت رحاها في الدوران‪.‬‬ ‫فلقد اعترى املوقف التركي من األزمة السورية تغير الفت خالل األشهر القليلة‬ ‫املنقضية‪ ،‬حتى بات متناغما مع نظيريه اإليراني واألميركي‪ ،‬بعدما تراءى‬ ‫ألنقرة استحالة نجاح أي نهج انفرادي في التعاطي مع األزمة السورية بمنأى‬ ‫عن طهران وواشنطن‪ .‬وفي خطابه الوداعي‪ ،‬أثنى السفير األميركي لدي أنقرة‬ ‫على التعاون األمني الذي «ال يستهان به» بني بالده وتركيا بخصوص األزمة‬ ‫السورية وظاهرة تدفق املقاتلني األجانب إليها‪ ،‬والذي يأتي ضمن تعاون عاملي‬ ‫موسع ملكافحة اإلره��اب املستشري في املنطقة ستكون إسطنبول مركزا‬ ‫إقليميا له‪ ،‬كما ثمن إدراج حكومة إردوغ��ان «جبهة النصرة» على الالئحة‬ ‫التركية للمنظمات اإلرهابية استجابة ملطلب واشنطن و«الناتو»‪.‬‬ ‫وبينما يعد من السابق ألوانه الحديث عن سياسة خارجية مكتملة األركان‬ ‫وواض�ح��ة املعالم لتركيا في ظل رئاسة إردوغ ��ان‪ ،‬وبينما تبقى السياسة‬ ‫الخارجية نتاجا وانعكاسا لنظيرتها الداخلية‪ ،‬فإنه لم يتم ترتيب األوضاع‬ ‫السياسية الداخلية في البالد وفقا لتعديالت دستورية تحدد الشكل النهائي‬ ‫لصالحيات الرئيس املنتخب وتسمية رئيس الحكومة الجديد وتحديد عالقته‬ ‫برئيس الدولة‪ ،‬كما ال يزال الجميع يترقب انتخابات برملانية تحدد ما إذا كان‬ ‫حزب العدالة سيتمكن من حصد األغلبية البرملانية التي ستخوله بتشكيل‬ ‫الحكومة الجديدة منفردا وتعديل الدستور دون الحاجة لدعم الكتل البرملانية‬ ‫ألحزاب أخرى أو إجراء استفتاء شعبي‪ ،‬أم ال‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من جدية االعتبارات التي تفرض على إردوغ��ان ضرورة العمل‬ ‫على مراجعة وتقويم وتصحيح مسار السياسة الخارجية لبالده‪ ،‬وتحديدا في‬ ‫عالقات بالده مع العاملني العربي واإلسالمي‪ ،‬ال تلوح في األفق مؤشرات جادة‬ ‫أو بشارات مشجعة في هذا الصدد‪.‬‬ ‫ففي خطابه ال��وداع��ي ل�ك��وادر ح��زب��ه قبل أن ي�غ��ادره إل��ى رئ��اس��ة الجمهورية‬ ‫منتصف ّشهر أغسطس (آب)‪ ،‬أك��د إردوغ ��ان أن ح��زب ال�ع��دال��ة والتنمية‬ ‫الحاكم حقق إنجازات وإصالحات كثيرة‪ ،‬مشددا على وجوب أن يتابع‬ ‫سياستيه الداخلية والخارجية‪ ،‬وأن يتجاهل أي اعتراض أو انتقاد لهما‪،‬‬ ‫سواء جاء ذلك من دول أو أطراف سياسية داخلية وخارجية أو حتى‬ ‫من وسائل إعالم محلية وعاملية‪ .‬وقال «دعوا القافلة تسير‪ ..‬اإلنسان‬ ‫يموت مرة واحدة فقط» <‬

‫اعترى املوقف‬ ‫التركي من‬ ‫األزمة السورية‬ ‫تغير الفت‬ ‫خالل األشهر‬ ‫القليلة‬ ‫املنقضية‬ ‫حتى بات‬ ‫متناغما‬ ‫مع نظيره‬ ‫األميركي‬

‫اوباما‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪35‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫إبان التحضير‬ ‫لالنتخابات‬ ‫الرئاسية عمد‬ ‫إردوغان إلى‬ ‫توظيف تشدده‬ ‫املعلن إزاء‬ ‫إسرائيل على‬ ‫خلفية العدوان‬ ‫على غزة لتعزيز‬ ‫موقفه التنافسي‬ ‫في السباق‬ ‫الرئاسي‬

‫كوهني‪ ،‬ويوسف تشيخانوفير مبعوث نتنياهو الخاص للمحادثات مع تركيا‪،‬‬ ‫واملدير العام لوزارة الخارجية اإلسرائيلية نيسيم بن شطريت‪.‬‬ ‫وأك��دت الصحيفة أن معظم الخالفات بني البلدين قد جرى تخطيها تقريبا‪،‬‬ ‫خصوصا ما يتعلق منها بمسألة حجم التعويضات التي ستدفعها إسرائيل‬ ‫لعائالت الضحايا األتراك‪ ،‬والذي كان يشكل العقبة األصعب في وجه االتفاق‪.‬‬ ‫ففي مايو (أيار) املاضي طلبت تركيا من إسرائيل دفع مبلغ مليون دوالر لكل‬ ‫عائلة من عائالت القتلى التسعة‪ ،‬لكن إسرائيل وافقت على دفع ‪ 100‬ألف دوالر‬ ‫فقط‪ ،‬وأمام هذه الفجوات الكبيرة انهارت املفاوضات‪ ،‬لكن قبل شهور قليلة‬ ‫عرضت تركيا مؤخرا على الجانب اإلسرائيلي استئناف املفاوضات فوافقت‬ ‫إسرائيل وأرسلت وفدا رفيع املستوى إلى إسطنبول رأسه مستشار األمن‬ ‫القومي‪ ،‬يوسي كوهني‪ ،‬وهذه املرة طلبت تركيا رقما أقل حيث عرضت إسرائيل‬ ‫على تركيا دفع ‪ 20‬مليون دوالر كتعويضات لجميع أسر ضحايا مرمرة‪ ،‬وهو‬ ‫ما وافقت عليه أنقرة رغم أنه يمثل نصف املبلغ الذي كانت قد طلبته في السابق‪.‬‬ ‫وحال تأكيد املوافقة التركية‪ ،‬سيوقع الطرفان اتفاقا يشمل تعويض عائالت‬ ‫الضحايا األتراك مقابل تمرير قانون في البرملان التركي يلغي جميع الدعاوى‬ ‫القضائية ضد ضباط وجنود إسرائيليني‪ ،‬ويحظر رفع دع��اوى مماثلة في‬ ‫املستقبل‪ ،‬إضافة إلى زيادة تل أبيب أعداد عمال البناء األت��راك املسموح لهم‬ ‫بالعمل داخل إسرائيل‪ ،‬ثم عودة العالقات العسكرية واالستخباراتية واألمنية‬ ‫والتجارية إلى سابق عهدها بني البلدين‪ ،‬كما سيتم اإلعالن عن رفع مستوى‬ ‫التمثيل الدبلوماسي بني أنقرة وتل أبيب إلى مستوى السفراء بما يفتح الباب‬ ‫أما إرسال كل طرف سفيره لدى الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫وإبان التحضير لالنتخابات الرئاسية عمد إردوغان إلى توظيف تشدده املعلن‬ ‫إزاء إسرائيل وانتقاده إياها على خلفية ال�ع��دوان األخير على غ��زة وعملية‬ ‫«الجرف الصامد» لتعزيز موقفه التنافسي في السباق الرئاسي‪ ،‬حيث أمعن‬ ‫وحكومته في إدان��ة ال�ع��دوان‪ ،‬معتبرين إي��اه جرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬وطالبوا‬ ‫بمقاضاة إسرائيل دوليا‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬أطلقت رئاسة ال��وزراء التركية حملة‬ ‫تبرعات لصالح غ� ّ�زة‪ ،‬جمعت نحو ‪ 45‬مليون ليرة تركية (نحو ‪ 20‬مليون‬ ‫ومائتني وخمسني ألف دوالر أميركي)‪ .‬غير أن ذلك لم يكن ليؤثر على أسس‬ ‫وركائز العالقات التركية اإلسرائيلية‪ ،‬التي شهدت انتعاشة واضحة خالل‬ ‫اآلونة األخيرة‪ ،‬حيث يبدو أن إسرائيل كانت تتفهم أن مثل هذه التصريحات‬ ‫والتحركات من قبل أنقرة كانت بغرض االستعراض السياسي واالستهالك‬ ‫املحلى والدعاية االنتخابية إلردوغان إبان االنتخابات الرئاسية‪ ،‬إذ لم تنعكس‬ ‫بالسلب على املصالحة اإلسرائيلية التركية وتوافق تل أبيب وأنقرة وتنسيقهما‬ ‫مع واشنطن بشأن ملفات وقضايا إقليمية عديدة كسوريا والعراق واملسألة‬ ‫الكردية ومحاربة اإلرهاب‪.‬‬

‫تعزيز التفاهم مع إيران‬

‫اردوغان‬

‫‪34‬‬

‫يمكن القول إن زيارة إردوغان لطهران مطلع فبراير ‪ ،2013‬والتي أعقبت انتخاب‬ ‫روحاني رئيسا جديدا إليران‪ ،‬فضال عن زيارة وزير الخارجية التركي داود‬ ‫أوغلو لطهران في نوفمبر (تشرين الثاني) امل��اض��ي‪ ،‬وك��ذا وزي��ر الخارجية‬ ‫اإلي��ران��ي ج��واد ظريف ألنقرة في يناير (ك��ان��ون الثاني) امل��اض��ي‪ ،‬قد منحت‬ ‫زخما هائال للعالقات التركية اإليرانية‪ ،‬التي شهدت نتوءات عديدة خالل اآلونة‬ ‫األخيرة جراء قضايا خالفية عديدة كاملسألة السورية‪ ،‬حيث تتهم إيران حكومة‬ ‫إردوغ��ان بدعم الجماعات اإلرهابية الناشطة في سوريا‪ ،‬فيما تحمل أنقرة‬ ‫القيادة اإليرانية مسؤولية إطالة عمر األزمة السورية سواء عبر الدعم املباشر‬ ‫للنظام األس��دي‪ ،‬أو عبر إشراك قوات «حزب الله» ومجموعات قتالية شيعية‬ ‫من العراق في املعارك الدائرة هناك‪ ،‬مما مكن طهران الحقا من التفاوض على‬ ‫ورقة النظام السوري في عالقاتها االنفتاحية مع الغرب‪ ،‬هذا باإلضافة إلى الدرع‬ ‫الصاروخية األطلسية التي وافقت تركيا على نشرها فوق أراضيها‪،‬‬ ‫عالوة على تعقيدات البرنامج النووي اإليراني‪.‬‬ ‫ويجوز االدعاء بأن تطورات األزمة السورية قد أسهمت في تعزيز‬ ‫التفاهم التركي اإليرانى‪ ،‬فإبان زيارته لروما والتي بدأها أثناء‬ ‫مفاوضات إردوغان في طهران‪ ،‬أكد الرئيس التركي عبد الله‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫غل للصحافيني املرافقني له أن تبادل ال��زي��ارات الرسمية عالية املستوى بني‬ ‫أنقرة وطهران يهدف باألساس إلى تعظيم مغانم البلدين وتقليص خسائرهما‬ ‫املحتملة وس��ط االض�ط��راب��ات التي تحيط بهما‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى تعزيز التعاون‬ ‫وبذل الجهود لتسوية األزمة السورية‪ ،‬قائال «إننا إذا تعاونا بجدية وإخالص‬ ‫سيمكننا طرح مبادرة على املجتمع الدولي للحل في سوريا‪ ،‬فنحن يمكننا جر‬ ‫الغرب (للموافقة)‪ ،‬وإيران يمكنها إقناع الطرف اآلخر»‪ .‬ولعل إردوغان يسعى‬ ‫من خ�لال زيارته لطهران إل��ى تحقيق هدفني‪ :‬أولهما‪ ،‬إع��ادة ص��وغ العالقات‬ ‫اإلقليمية لتركيا‪ ،‬عبر النافذة اإليرانية‪ ،‬بعد اإلخفاقات التي ُمنيت بها سياستها‬ ‫في ملفات إقليمية ساخنة‪ .‬وثانيهما االستفادة من تعافي السوق االقتصادية‬ ‫اإليرانية الواعدة في مرحلة ما بعد العقوبات بعد إبرام اتفاق جنيف بني إيران‬ ‫وال��دول الست املعنية بملفها النووي‪ ،‬بالتزامن مع مساعي ترميم العالقات‬ ‫التركية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬التي تميزت عبر العصور بصعودها وهبوطها‪ ..‬وتقدمها‬ ‫وتراجعها‪ ..‬تحت رحمة القوى واإلم�ب��راط��وري��ات التي استولت على املنطقة‬ ‫وحددت لها مسارها‪ ،‬إلى أن نجحت الدولتان في توقيع معاهدة «قصر شيرين»‬ ‫التاريخية عام ‪ 1639‬التي حمت عالقاتهما وتحكمت فيها حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫ومن زاوية أخرى‪ ،‬يأتي التقارب التركي اإليراني في توقيت بالغ الدقة في ما‬ ‫يخص التنسيق املشترك بشأن تقليص واحتواء اآلثار السلبية لألزمة السورية‪،‬‬ ‫خصوصا ف��ي م��ا يتعلق بامللف اإلث�ن��ي بالبلدين وتحديدا القضية الكردية‬ ‫املتأججة‪ ،‬حيث سارعت القوى الكردية في شمال سوريا إلعالن دستورها‬ ‫املحلي‪ ،‬والتحرك في إط��ار حكم ذات��ي وإدارة سياسية مستقلة تذكر بحالة‬ ‫شمال العراق‪ ،‬وهي تعد نفسها الستنساخ التجربة في سوريا هذه املرة‪ ،‬ال‬ ‫سيما أن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود ب��ارزان��ي جلس يكرر على‬ ‫مسامعهما في دافوس أن الكرد في سوريا كانوا محرومني من حقوقهم وال‬ ‫يزالون‪ ،‬وأن شمال العراق مع أي قرار يتخذه أكراد سوريا بهذا الشأن‪.‬‬ ‫وتأمل أنقرة أن يفضي تنشيط التنسيق األمني مع طهران إلى تبديد مخاوف‬ ‫األتراك من أعمال تخريبية إيرانية محتملة داخل تركيا‪ ،‬حذرت منها تقارير‬ ‫أمنية تركية‪ ،‬تفيد بتحرك إيراني عدائي داخل األراضي التركية عبر تحريك‬ ‫خاليا تجسس وعمليات تهدف للضغط على أنقرة من أجل تبديل سياساتها‬ ‫السورية‪ ،‬وذلك عبر لقاءات كشف النقاب عنها بني رجال من األمن اإليراني‬ ‫وشبان أتراك محسوبني على حزب العمال لبحث سبل تبادل الخدمات‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى حديث دائم عن محاوالت إنعاش خاليا نائمة تابعة لـ«حزب الله» التركي‪.‬‬ ‫بيد أن الالفت حقا في أمر زيارة إردوغان لطهران‪ ،‬والتي رافقه خاللها وفد بارز‬ ‫يضم وزراء الخارجية أحمد داود أوغلو‪ ،‬والتنمية جودت يلماز‪ ،‬واالقتصاد نهاد‬ ‫زيبكتشي‪ ،‬والطاقة تانر يلدز‪ ،‬أنها أسفرت عن إبرام خمسة اتفاقات تعاون‬ ‫في مختلف املجاالت‪ ،‬كما اقترح وزير الخارجية اإليراني محمد جواد ظريف‬ ‫إنشاء لجنة مشتركة عليا للتعاون بني البلدين‪ ،‬في ما بدا وكأنه تجاهل من‬ ‫أنقرة وطهران لخطوط حمر أميركية عكستها تحذيرات ديفيد كوهني‪ ،‬وكيل‬ ‫وزير الخزانة األميركي لشؤون اإلرهاب واالستخبارات املالية‪ ،‬والتي أطلقها‬ ‫ّ‬ ‫من أنقرة قبل الزيارة بأيام‪ ،‬حينما ذكر الطرفني بأن جزءا مهما من العقوبات‬ ‫على طهران ما زال قائما‪ ،‬وأن على الشركات املهتمة في ذلك تأجيل العمل أو‬ ‫االستثمار داخل إيران‪.‬‬

‫تنسيق مع كردستان العراق‬ ‫على الرغم من عوامل التوتر املتعددة التي تلف العالقات التركية العراقية‪ ،‬لم‬ ‫يتورع إردوغان عن فتح قنوات تفاهم مع إقليم كردستان العراق توخيا لبلوغ‬ ‫غايتني‪ :‬أوالهما‪ ،‬تحقيق اختراق داخل الدوائر الكردية ومحاصرة معاقل حزب‬ ‫العمال الكردستاني‪ .‬وثانيتها‪ ،‬تعظيم استفادة تركيا من نفط كردستان العراق‬ ‫بما يعينها على تلبية احتياجاتها املحلية امللحة واملتزايدة في مجال الطاقة‬ ‫من جهة‪ ،‬وتمكني تركيا من أن تكون ممرا وسيطا لتصدير النفط غربا عبر‬ ‫ميناء جيهان التركي مقابل تحصيل رسوم تؤول إلى الخزانة التركية‪ ،‬وهو‬ ‫دور الوسيط االستراتيجي الذي طاملا تطلعت تركيا إلى االضطالع به في مجال‬ ‫أمن الطاقة‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬ ‫ففي أواخر العام املاضي ‪ ،2013‬أبرمت تركيا اتفاقات في مجال الطاقة بمليارات‬


‫ال يمكن القبول أو االعتراف بنظام جاء إثر انقالب عسكري‪ ،‬مضيفا أن أي‬ ‫انتخابات ستشهدها مصر ستكون موضع تساؤل‪ ،‬موضحا أن تركيا عرفت‬ ‫العديد من االنقالبات العسكرية‪ ،‬التي حصل منفذوها على نسبة عالية من‬ ‫األص��وات حينما خاضوا االنتخابات التي أجريت في عقبها‪ ،‬غير أن أجواء‬ ‫الخوف والقمع التي خيمت على مثل هذه االنتخابات قد نالت من نزاهتها‪،‬‬ ‫وهو ما قد يحدث في مصر‪.‬‬ ‫وفي السياق ذاته‪ ،‬وبينما لم تظهر مؤشرات مؤكدة على توقف الدعم التركي‬ ‫الرسمي لحمالت جماعة اإلخ ��وان املسلمني ح��ول العالم م��ن أج��ل تحريض‬ ‫املجتمع الدولي ضد مصر وخارطة الطريق‪ ،‬كشفت الحكومة املصرية أن تركيا‬ ‫عرضت على إثيوبيا مساعدتها في بناء سد النهضة‪ ،‬الذي سيؤثر سلبا على‬ ‫حصة مصر من مياه نهر النيل‪ .‬فقد أكد وزير املوارد املائية والري املصري‬ ‫السابق محمد عبد املطلب أن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قد زار‬ ‫إثيوبيا وعرض عليها «الخبرة التركية» في بناء سد النهضة الذي يثير أزمة بني‬ ‫أديس أبابا والقاهرة‪ .‬وفي حني لم يصدر عن الحكومة التركية ما يبدد االدعاءات‬ ‫املصرية في هذا الصدد‪ ،‬عمدت أديس أبابا إلى تأكيد تلقيها العرض التركي‬ ‫خ�لال زي��ارة أوغلو إلثيوبيا في شهر يناير (كانون الثاني) املاضي‪ ،‬والتي‬ ‫وصفتها الدوائر الرسمية اإلثيوبية بأنها كانت مهمة وإيجابية‪ ،‬وأن إثيوبيا‬ ‫تتطلع إلى االستفادة من خبرات تركيا في كل املجاالت بما فيها الري وبناء‬ ‫السدود‪ ،‬كما تعتبر تركيا إحدى أهم الدول الشريكة إلثيوبيا في عملية التنمية‪.‬‬ ‫ولم تكن مصر بعيدة عن االنتخابات الرئاسية التركية األخيرة‪ ،‬إذ انصبت‬ ‫غالبية االنتقادات املوجهة ضد مرشح املعارضة أكمل الدين إحسان أوغلو‬ ‫باألساس على عدم إبدائه ‪ -‬خالل توليه أمانة منظمة التعاون اإلسالمي ‪ -‬مواقف‬ ‫واضحة ضد تدخل املؤسسة العسكرية في مصر لإلطاحة بالرئيس محمد‬ ‫مرسي باعتباره انقالبا متكامل األركان وفقا لرؤية الحكومة التركية‪ ،‬ونشأته‬ ‫وقضائه فترة كبيرة من عمره خارج تركيا حيث ولد وعاش في مصر حتى‬ ‫بلغ الثالثني من عمره تقريبا‪ .‬ومن ثم بدأ أنصار الحزب الحاكم في تصوير‬ ‫أكمل الدين باعتباره مرشح مصر في تركيا (وهو ما يسقط عليه كل أشكال‬ ‫الهجوم والتأطير السلبي التي تبرزها القيادات التركية ضد النظام املصري‬ ‫الحالي)‪ ،‬فضال عن تسليط الضوء كذلك على عالقاته بفتح الله غولن وحركة‬ ‫«خدمة» التركية من جهة‪ ،‬واململكة العربية السعودية من جهة أخرى‪.‬‬ ‫ورغ��م أن��ه م��ن السابق ألوان��ه الحديث ع��ن سياسة خارجية مكتملة األرك��ان‬ ‫والسمات حيال القاهرة بعد فوز إردوغان بالرئاسة‪ ،‬فقد بدأت تلوح في األفق‬ ‫مؤشرات تشي بعدم حدوث تحول أو تغيير جوهري إيجابي في سياسة أنقرة‬ ‫بهذا الصدد‪ ،‬حيث انطوى خطاب إردوغان الوداعي لكوادر حزبه بعد أيام قالئل‬

‫من إعالن نتائج االنتخابات الرئاسية على إشارات باستمرار مواقفه غير الودية‬ ‫إزاء النظام الجديد في مصر‪ ،‬فقد رفع إردوغان خالل خطابه شعار «رابعة»‪،‬‬ ‫مشيرا إلى أن «املصريني والفلسطينيني ينتظرون كثيرا من تركيا‪ ،‬وهذا يزيد‬ ‫من مسؤوليات حزب العدالة ّ‬ ‫ويثبت قدميه على الطريق لئال يحيد عنها»‪.‬‬

‫اردوغان يشير بعالمة رابعة خالل‬ ‫تجمع انتخابي محلي نظمه حزب‬ ‫العدالة والتنمية الحاكم في مدينة‬ ‫ازمير تركيا في ‪ 16‬مارس ‪2014‬‬

‫التصالح مع إسرائيل‬ ‫بتزامن االضطرابات اإلقليمية مع ارتباك عالقات إردوغان بحلفاء إقليميني‬ ‫عرب محوريني‪ ،‬لم تجد حكومة إردوغان بدا من شحذ هممها بغرض ترميم‬ ‫عالقاتها مع أصدقائها القدامى والتقليديني في املنطقة كإسرائيل وإي��ران‬ ‫وإثيوبيا‪.‬‬ ‫ولقد كان من شأن السحب التي لبدت سماء عالقات تركيا بدول الجوار العربي‬ ‫على خلفية الثورات العربية‪ ،‬أن دفعت بحكومة إردوغان نحو تسريع الخطى‬ ‫باتجاه ترميم عالقاتها املتوترة بإسرائيل‪ ،‬تطلعا إلى تحصني العالقات التركية‬ ‫األميركية ضد أي أزمات‪ ،‬وتحسبا ألي مشاريع أميركية ‪ -‬إسرائيلية إلعادة‬ ‫هندسة املنطقة جيواستراتيجيا خالل املرحلة املقبلة‪.‬‬ ‫ففي مطلع شهر فبراير املاضي‪ ،‬أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو‬ ‫أن عودة العالقات إلى طبيعتها بني تركيا وإسرائيل باتت أقرب من أي وقت‬ ‫مضى‪ ،‬بعد تقليص معظم الفجوات في املباحثات التي تستهدف تعويض‬ ‫ضحايا ومصابي الغارة اإلسرائيلية على سفينة «مافي مرمرة» التركية التي‬ ‫كانت تحمل مساعدات إنسانية في طريقها إلى قطاع غزة عام ‪ .2010‬وأكد‬ ‫أوغلو أن تركيا ما زالت مصممة على أن يتواكب تحويل التعويضات اإلسرائيلية‬ ‫لعائالت الضحايا مع قيام إسرائيل بتخفيف الحصار على غ��زة‪ ،‬الفتا إلى‬ ‫أن بالده معنية بتمثيل دبلوماسي رفيع في إسرائيل بغية مراقبة إج��راءات‬ ‫تخفيف ذلك الحصار‪ .‬وبينما أكدت إسرائيل تصريحات أوغلو‪ ،‬فقد طلبت‬ ‫من تركيا مقابل دفع التعويضات املتفق عليها سن قانون تركي يمنع تقديم‬ ‫دعاوى قضائية تركية ضد الجنود والضباط اإلسرائيليني مستقبال‪ ،‬فضال‬ ‫عن إلغاء الدعاوى املرفوعة مسبقا‪.‬‬ ‫وبدورها‪ ،‬نقلت صحيفة «هآرتس» اإلسرائيلية عن أوغلو أن املحادثات التركية‬ ‫اإلسرائيلية‪ ،‬التي انطلقت منذ العام املاضي في محاولة لالتفاق على مصالحة‬ ‫تنهي حالة القطيعة والتوتر الذي استمر أربع سنوات بعد مقتل تسعة أتراك في‬ ‫الهجوم اإلسرائيلي على السفينة التركية‪ ،‬قد شهدت في اآلونة األخيرة زخما‬ ‫ونهجا جديدين‪ ،‬حيث قامت بعثة تركية رفيعة املستوى بزيارة إلى إسرائيل‬ ‫في الشهر ذاته‪ ،‬والتقت كال من املستشار اإلسرائيلي لألمن القومي يوسي‬

‫كشفت الحكومة‬ ‫املصرية أن‬ ‫تركيا عرضت‬ ‫على إثيوبيا‬ ‫مساعدتها‬ ‫في بناء سد‬ ‫النهضة الذي‬ ‫سيؤثر سلبا‬ ‫على حصة‬ ‫مصر من مياه‬ ‫نهر النيل‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪33‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫بعدما أعلنت اللجنة العليا لالنتخابات التركية رسميا فوز مرشح حزب العدالة والتنمية‪ ،‬رجب طيب إردوغان‪،‬‬ ‫بانتخابات رئاسة الجمهورية إثر حصوله على ‪ 51.79‬في املائة من أصوات املقترعني‪ ،‬وتنازل الرئيس الجديد عن‬ ‫رئاسة حزبه لحليفه املفضل داود اوغلو الذي عينه رئيسا للوزراء‪ ،‬برأسه يطل التساؤل حول مستقبل السياسة‬ ‫الخارجية التركية بعدما أضحى إردوغان الرئيس الثاني عشر لتركيا‪ ،‬مع تنامي احتماالت استمراره في السلطة‬ ‫لعشرة أعوام مقبلة‪ ،‬حيث يمنحه الدستور الحالي الحق في مدتني رئاسيتني متتابعتني كل منهما خمس سنوات‪،‬‬ ‫وتفاقم إصرار الرئيس التركي على توسيع صالحياته‪ ،‬سواء من خالل تفعيل ما هو منصوص عليه منها في‬ ‫الدستور‪ ،‬أو عبر السعي لتشريع املزيد منها بموجب تعديل دستوري يعقب حصد حزب العدالة لغالبية املقاعد في‬ ‫االنتخابات البرملانية املزمع إجراؤها الصيف املقبل‪.‬‬

‫تعديل دستوري يعقب حصد حزب العدالة والتنمية لغالبية املقاعد في االنتخابات املقبلة‬

‫«تركيا اجلديدة» حتت سطوة إردوغان‬ ‫أنقرة‪:‬‬ ‫بشير عبد الفتاح‬

‫إردوغان يزور‬ ‫طهران إلعادة‬ ‫صوغ العالقات‬ ‫اإلقليمية لتركيا‬ ‫عبر النافذة‬ ‫اإليرانية‬ ‫و االستفادة من‬ ‫تعافي السوق‬ ‫االقتصادية‬ ‫اإليرانية في‬ ‫مرحلة ما بعد‬ ‫العقوبات‬

‫‪32‬‬

‫بينما ك��ان مرشح املعارضة في االنتخابات الرئاسية أكمل الدين‬ ‫إحسان أوغلو يؤكد أن تركيا تحتاج إلى مرشح يحمل لها فرص‬ ‫تحسني عالقاتها املرتبكة مع العالم الخارجي‪ ،‬والتي تتحمل حكومة‬ ‫العدالة والتنمية ج��زءا كبيرا من مسؤولية توتير بعضها أو انقطاع بعض‬ ‫آخ��ر‪ ،‬برز عقب فوز إردوغ��ان بتلك االنتخابات تيار من املفكرين والساسة‬ ‫األت��راك يتحدث عما يسمى «تصحيح مسار» السياسة الخارجية التركية‪،‬‬ ‫بعد التغييرات والتطورات العديدة التي اعترت املنطقة أخيرا‪ ،‬والتي تمخضت‬ ‫بدورها عن نزيف متواصل من الخسائر التركية على جميع الصعد‪ ،‬خاصة‬ ‫مع استمرار التداعيات السلبية للحراك الثوري العربي‪.‬‬ ‫وثمة عوامل متنوعة تحتم على إردوغان تغيير سياسة بالده اإلقليمية حيال‬ ‫دول املنطقة خالل املرحلة املقبلة‪ ،‬من أهمها‪:‬‬ ‫طموحات ال ��دور‪ :‬ل��م يخف إردوغ ��ان تطلعاته إل��ى أن ي�غ��دو «األب ال�ث��ان��ي» أو‬ ‫«املؤسس الثاني» لتركيا الحديثة بعد مؤسس الجمهورية العلمانية التركية‪،‬‬ ‫مصطفى كمال أتاتورك‪ ،‬وذلك من خالل تغيير وجه تركيا مرتكنا على ما‬ ‫يعتبره نداءات أخالقية وتكليفات إلهية على شاكلة ما بدا جليا في حديثه عن‬ ‫«رسالته التاريخية» وتنفيذه «مشيئة الله»‪.‬‬ ‫وفي خطوة ال تخلو من مغزى‪ ،‬قام إردوغ��ان فور تأكده من الفوز بالرئاسة‬ ‫بالتوجه إلى مسجد «أبو سلطان» الذي أقيم بجوار ضريح الصحابي أبو أيوب‬ ‫األنصاري‪ ،‬للصالة قبل مغادرته إلى أنقرة‪ ،‬وهو مسجد أقيم تكريما لألنصاري‬ ‫عندما توفي خالل إحدى محاوالت املسلمني األوائل لفتح القسطنطينية ودفن‬ ‫عند أحد أسوارها‪ ،‬ثم اعتاد السالطني العثمانيون الذهاب إليه للصالة قبل‬ ‫تتويجهم حيث يتسلمون سيف الخالفة‪ .‬وفي خطاب النصر‪ ،‬عبر إردوغان عن‬ ‫رغبته في أن تكون أول انتخابات رئاسية في تركيا بواسطة االقتراع املباشر‬ ‫وسيلة خير لتركيا وللدول الشقيقة والصديقة‪ .‬وأكد إردوغان أن النصر الذي‬ ‫حققه يعتبر نصرا لكل الشعب التركي‪ ،‬ولشعوب املنطقة‪ ،‬ال سيما شعوب‬ ‫فلسطني وسوريا والعراق‪ ،‬وتعهد بأن تلعب بالده في هذه املرحلة الجديدة‬ ‫دورا أكبر على الصعيد الخارجي‪.‬‬ ‫تحديات إقليمية‪ :‬جاء فوز إردوغ��ان بالرئاسة وسط ظروف دولية وإقليمية‬ ‫معقدة ألقت بظاللها السلبية على السياسة الخارجية ألنقرة‪ .‬فمن فشل حكومة‬ ‫العدالة في تحقيق تقدم يذكر على صعيد اإلطاحة بالرئيس السوري‪ ،‬بشار‬ ‫األسد‪ ،‬بعد أكثر من ثالث سنوات من الثورة التي دعمتها أنقرة بكل السبل‪،‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫م��رورا بخسارتها حليفا أساسيا في مصر بعد اإلطاحة بجماعة اإلخ��وان‬ ‫املسلمني من الحكم‪ ،‬ثم ظهور خطر «داعش» في العراق وسوريا املجاورتني‬ ‫لتركيا وإعالنه دولة الخالفة املمتدة من املوصل إلى أطراف حلب‪ ،‬وصوال إلى ما‬ ‫عكسته األشهر القليلة املاضية من انفصال واضح للسياسة الخارجية التركية‬ ‫عن أحد أبرز أسسها النظرية‪ ،‬وهو املتمثل في مبدأ «تصفير املشكالت»‪ .‬هذا‬ ‫عالوة على تنامي تكهنات بانتقال مركز االستراتيجية األميركية من العالم‬ ‫العربي وشرق املتوسط إلى شرق آسيا‪ ،‬وإعادة هندسة منطقة الشرق األوسط‬ ‫جيواستراتيجيا على أسس إثنية وطائفية وفقا ملا يعرف باتفاقية «سايكس‬ ‫بيكو ‪ »2‬التي ترمى إلى تقسيم املقسم وتجزئة املجزأ حسبما تم في اتفاقية‬ ‫«سايكس بيكو ‪ »1‬في عام ‪.1916‬األمر الذي يستوجب مراجعة شاملة للسياسة‬ ‫الخارجية التركية‪ .‬وانطالقا مما سبق‪ ،‬هرعت حكومة «العدالة والتنمية» للهرولة‬ ‫صوب حلفائها ب��دول الجوار العربي كإيران وإسرائيل وكردستان العراق‪،‬‬ ‫متوخية مقاصد شتى لعل أهمها‪ :‬تعويض التدهور الحاصل في عالقاتها مع‬ ‫عدد من الدول العربية‪ ،‬التي كانت عالقات أنقرة بها قد شهدت تقاربا الفتا‬ ‫قبيل الطوفان الثوري العربي كسوريا ومصر‪ ،‬فضال عن تقوية مركز تركيا‬ ‫اإلقليمي في أجواء إقليمية ودولية مضطربة‪.‬‬

‫استمرار التوتر مع مصر‬ ‫يبدو أن التأثير السلبي لتدهور عالقات بالده مع القاهرة والذي بلغ حد تخفيض‬ ‫مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما‪ ،‬بعد ما أظهرته حكومته من مواقف‬ ‫مستفزة حيال ما شهدته مصر يوم الثالث من يوليو (تموز) ‪ ،2013‬لم يحمل‬ ‫رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان على التوقف عن الهجوم على مصر‬ ‫وخارطة املستقبل‪ ،‬حيث أعلن إبان الزيارة املثيرة من قبل املشير السيسي‬ ‫ملوسكو في شهر فبراير (شباط) املاضي‪ ،‬والتي أيد الرئيس الروسي ترشح‬ ‫السيسي لرئاسة مصر خاللها‪ ،‬أنه لن يعترف باملشير السيسي أو بأي شخص‬ ‫آخر في حال انتخابه رئيسا ملصر ولو جاء بانتخابات تعددية تنافسية نزيهة‪.‬‬ ‫ويرى إردوغان أن الرئيس الشرعي ملصر‪ ،‬من وجهة نظره‪ ،‬هو الرئيس املنتخب‬ ‫محمد مرسي‪ ،‬الذي حصل على ‪ 52‬في املائة من األصوات في أول انتخابات‬ ‫رئاسية ديمقراطية شهدتها مصر‪ ،‬وأن الشعب املصري وحده هو الذي يحق‬ ‫له إسقاطه بالوسائل الديمقراطية وليس الجيش‪ .‬وش��دد إردوغ��ان على أنه‬


‫األطفال‪ ،‬وأصيب املئات‪ .‬كما اعتقلت قوات األمن اإلسرائيلية املحتلة املئات‪،‬‬ ‫ومن بينهم املفرج عنهم ضمن صفقة شاليط‪ .‬ولم تنته حماقات إسرائيل‬ ‫عند هذا الحد‪ ،‬بل حملت حماس مسؤولية خطف املستوطنني الثالثة‪ ،‬رغم‬ ‫ع��دم وج��ود أي دليل أو اع�ت��راف من حماس‪ .‬وشجعت الحملة املتطرفني‬ ‫الصهاينة على خطف الطفل الفلسطيني محمد أب��و خضير ف��ي شرق‬ ‫القدس وإحراقه حيا‪ .‬وفي رد فعل على تلك االنتهاكات الفظيعة قصفت‬ ‫فصائل املقاومة في غزة إسرائيل‪ .‬أعلنت إسرائيل في ‪ 8‬يوليو املاضي‬ ‫ مستغلة انشغال مصر بقضايا «اإلخ��وان»‪ ،‬وتوتر العالقة بينها وبني‬‫حماس‪ ،‬ومستغلة الغطاء الرسمي الدولي لجرائمها ‪ -‬بدء عملية «الجرف‬ ‫الصامد»‪ .‬وكانت غزة حينها‪ ،‬وبسبب الحصار‪ ،‬تعاني من وضع صحي‬ ‫وإنساني واقتصادي مأساوي‪ ،‬معزولة عامليا ومفصولة عن الضفة الغربية‪.‬‬ ‫ومعروف أن ما تعلنه إسرائيل عن أسباب تلك الحرب لم يكن واضحا‪،‬‬ ‫بل على العكس‪ ،‬أظهر تخبطا واضحا في مجلس ال��وزراء املصغر املعني‬ ‫ب��إدارة الحرب‪ ..‬فتارة تعلن إسرائيل أن الحرب للقضاء على الصواريخ‪،‬‬ ‫وتارة أخرى لتدمير األنفاق‪ .‬لكن الحقيقة التي لم تعلنها إسرائيل هي أنها‬ ‫ال تريد الوحدة بني غزة والضفة‪ .‬وفي أدبيات احتاللها‪ ،‬يجب أن تبقى غزة‬ ‫معزولة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا عن الضفة‪.‬والسؤال هنا هو‪ :‬هل‬ ‫استطاعت إسرائيل تحقيق هذا الهدف؟‬ ‫ما تحقق كان عكس ما أرادت إسرائيل تماما‪ ..‬فاألمن املنشود يتضاءل‪،‬‬ ‫واملقاومة الفلسطينية لم تعد نهج الفصائل فقط‪ ،‬بل باتت نهجا شعبيا‬ ‫فلسطينيا‪ ،‬والوحدة بني الضفة وغزة لم تعد مطلبا شعبيا فقط‪ ،‬بل مطلبا‬ ‫سياسيا ورسميا واجتماعيا‪.‬‬ ‫واضطرت إسرائيل ‪ -‬رغم عنجهيتها االستعمارية ‪ -‬تحت نيران املقاومة‬ ‫الفلسطينية إل��ى إل�غ��اء م�ش��روع سكة حديد النقب ألن��ه يقع ف��ي مرمى‬ ‫صواريخ املقاومة‪ .‬وقد يبدو العالم رسميا صامتا‪ ،‬لكن الشعوب تحركت‬ ‫ضد ما ترتكبه إسرائيل من فظائع‪ ،‬فقد بدأت عمليا انتفاضة شعبية‬ ‫عاملية ال تقل تأثيرا ع��ن انتفاضة الحجارة الفلسطينية‪ ،‬وال تقل في‬ ‫تأثيرها عن انتفاضة الشعوب على نظام التمييز العنصري في جنوب‬ ‫أفريقيا‪ .‬العنف يولد العنف‪ ،‬وتكلفة الحل السلمي دائما أقل بكثير من‬ ‫تكلفة الحرب‪ ،‬ولعل أكبر ثمن تدفعه اإلنسانية جراء صمتها عن الجرائم‬ ‫التي ترتكبها إسرائيل هو خلق جيل ال يؤمن بالسالم حال‪ .‬فقد كلف‬ ‫انتظار الفلسطينيني بعد أوس�ل��و لتسوية نهائية الكثير م��ن الشهداء‬ ‫واملعتقلني‪ ،‬وقضم األرض والتهويد‪ .‬ويكفي أن نذكر هنا أن إسرائيل‬ ‫دمرت في الضفة الغربية في مناطق أوسلو (املحررة) ‪ 490‬منزال في عام‬ ‫واحد‪ ،‬وقتل املستوطنون وقوات األمن ‪ -‬خالل ‪ 10‬سنوات ‪ 1900 -‬طفل‬ ‫فلسطيني‪ .‬ومنذ عام ‪ 2000‬وحتى اآلن اعتقل ‪ 8000‬طفل فلسطيني‪.‬‬ ‫وعلى م��دى ‪ 42‬عاما م��ن االح�ت�لال اعتقلت إس��رائ�ي��ل ‪ 700.000‬ام��رأة‬ ‫فلسطينية في غزة والضفة الغربية‪.‬‬

‫تعويضات قد تصل إلى ‪ 14.6‬مليون دوالر ملن تضررت مساكنهم‪ ،‬جراء‬ ‫اإلصابة بالصواريخ‪ .‬وقد تسلمت الحكومة بالغات من ‪ 2500‬شخص‬ ‫ب��أض��رار في مساكنهم‪ .‬وهناك أيضا تعويضات املوظفني في الجنوب‬ ‫الذين تعطلت أعمالهم بسبب الحرب‪ ،‬وال يعرف بعد كيف ستدفع التكلفة‪.‬‬ ‫ولعل القطاع املدني كان أكثر القطاعات تضررا؛ إذ وصلت خسائر الناتج‬ ‫القومي ‪ -‬وفقا لسلطة الضرائب في إسرائيل ‪ -‬إلى ‪ 1.3‬مليار دوالر‪ .‬ويضاف‬ ‫إلى هذا قطاع السياحة الذي تكبد أكبر الخسائر‪ ،‬فقد انخفض عدد السياح‬ ‫املتوقع حتى نهاية العام إلى النصف‪ ،‬من ‪ 600‬ألف سائح إلى ‪ 300‬ألف‬ ‫سائح‪ .‬وسيكلف هذا شركات السياحة ‪ 350‬مليون دوالر‪ ،‬ويكلف الفنادق‬ ‫‪ 375‬مليون دوالر‪ .‬وستحاول إسرائيل بطبيعة الحال أن تضخم من تكلفة‬ ‫الحرب لتحصل على مزيد من الدعم املادي واملعنوي من صهاينة العالم‪.‬‬ ‫وهنا أتذكر نكتة روتها لي سيدة يهودية نجت من محارق النازية‪ ،‬إذ قالت‬ ‫لي في سياق حديثها عن املناورات التي يتبعها اإلسرائيلي‪« :‬قتل يهودي‬ ‫أمه وأباه‪ ،‬وعندما وقف أمام القاضي ملحاكمته‪ ،‬بكى‪ ،‬وطلب من القاضي‬ ‫الرأفة بحاله ألنه يتيم األب واألم»‪ ..‬فهل سيسمح العالم هذه املرة إلسرائيل‬ ‫أهال بكم‪ ..‬فهذه غزة تحييكم‬ ‫بأن تناور وتنجو من العقاب؟‬

‫ملاذا أرادت إسرائيل هذه الحرب؟‬ ‫أكثر م��ا يقلق إس��رائ�ي��ل ه��ي وح��دة غ��زة وال�ض�ف��ة‪ ،‬فبعد ات�ف��اق املصالحة‬ ‫في أبريل (نيسان) ‪ ،2014‬شكل أبو مازن حكومة تكنوقراط‪ ،‬ليس فيها‬ ‫عناصر من فتح أو حماس‪ ،‬ورحبت أميركا واالتحاد األوروبي واألمم املتحدة‬ ‫بالحكومة الجديدة‪ ،‬وأعرب الجميع عن استعدادهم للتعامل معها‪ .‬وأدى هذا‬ ‫إلى غضب إسرائيل التي نددت على لسان نتنياهو بالحكومة وباملصالحة‪.‬‬ ‫واس�ت�خ��دم��ت إس��رائ �ي��ل ق�ص��ة اخ�ت�ف��اء ‪ 3‬مستوطنني ف��ي ج��ري�م��ة مدنية‬ ‫لشن ح��رب على الضفة الغربية ومعاقبة أهلها بعمليات بحث مفتعلة‬ ‫ملدة أسبوعني‪ ،‬رغم أنها كانت قد وجدت املستوطنني الثالثة بعد ساعات‬ ‫من فقدهم‪ ،‬لكنها استخدمت الحدث ملعاقبة الشعب الفلسطيني وإفشال‬ ‫املصالحة‪ .‬وقتل في عملية البحث الوهمية ‪ 29‬فلسطينيا معظمهم من‬

‫املستشار‬ ‫اإلعالمي‬ ‫للـ«أونروا»‪:‬‬ ‫سحق العدوان‬ ‫االسرائيلي‬ ‫الطبقة‬ ‫الوسطى‬ ‫وأغنياء غزة‬ ‫وسكانها‬ ‫األصليون‬ ‫أصبحوا‬ ‫الجئني‬

‫وعلى الرغم من كل الدمار‪ ،‬فال يزال الطفل الفلسطيني يبحث بني الركام‬ ‫عن كتبه‪ ،‬وعن ألعابه‪ ..‬ففي غزة ال يزال هناك مكان للحياة‪ ،‬فاملدارس ‪-‬‬ ‫كما أكد لنا املستشار اإلعالمي للـ«أونروا»‪ ،‬عدنان أبو حسنة ‪ -‬ستفتح‬ ‫أب��واب�ه��ا ل�ل��دارس�ين ف��ي م��وع��ده��ا امل �ح��دد‪ ،‬وأك��د أن الخطة ال�لازم��ة لذلك‪،‬‬ ‫وبالتعاون مع وزارة التعليم الفلسطينية‪ ،‬قد وضعت بالفعل‪ .‬وأك��دت‬ ‫وزارة الصحة الفلسطينية في غزة والدة ما يقرب من ‪ 5000‬مولود غزاوي‬ ‫جديد خالل ‪ 30‬يوما من القصف‪ .‬وهذا الرقم يستثنى منه من ولدوا في‬ ‫مراكز اإليواء‪ .‬فالحياة ال تزال في غزة تصرخ في وجه املوت‪ ،‬ومسؤوليتنا‬ ‫أال نغرقها ثانية في جولة حرب جديدة‪ .‬ولعل أفضل ما أختتم به هذا‬ ‫التحقيق هو التحذير الذي أطلقه خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله‬ ‫بن عبد العزيز في كلمته التي تناول فيها العدوان اإلسرائيلي على غزة‪،‬‬ ‫فقال‪« :‬إن هذه الجرائم ستخرج جيال ال يؤمن إال بالعنف‪ ،‬رافضا السالم‪،‬‬ ‫ومؤمنا بصراع الحضارات ال بحوارها» <‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪31‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫املستشار‬ ‫اإلعالمي في‬ ‫وكالة غوث‪:‬‬ ‫إسرائيل‬ ‫دمرت البنية‬ ‫التحتية‬ ‫ومع حلول‬ ‫عام ‪2016‬‬ ‫لن توجد‬ ‫مياه صالحة‬ ‫للشرب في‬ ‫غزة‬

‫وبلغ مجمل عدد الضحايا ‪ -‬وفق التقديرات األولية ‪ 1960 -‬شهيدا‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من صغر القطاع واكتظاظه بالسكان‪ ،‬فإن إسرائيل أعلنت ‪ 44‬في املائة‬ ‫من مساحته‪ ،‬وعلى عمق ‪ 3‬كلم‪ ،‬منطقة محظورة على األهالي‪.‬‬ ‫ويقول لنا الكاتب واملحلل السياسي‪ ،‬طالل عوكل‪ ،‬وهو من سكان غزة‪:‬‬ ‫«استكملت إسرائيل في عدوانها الحالي التدمير الذي بدأته في الحروب‬ ‫السابقة‪ ،‬وكأنها ترغب في خلق شريط عازل على الحدود غير قابل للعيش‬ ‫أو السكن؛ إذ دمرت تماما كل املناطق القريبة من الحدود‪ ،‬وتوغل التدمير‬ ‫ليصل إلى أكثر من ‪ 2‬كلم في عمق غزة‪ ،‬فمسحت املناطق الواقعة شرق‬ ‫رفح‪ ،‬وقضت على معظم السكان في مجزرة متعمدة‪ ،‬كما دمرت شمال‬ ‫غزة أيضا مرتكبة مجازر مشابهة‪ ،‬كما حدث في خزاعة والشجاعية وبيت‬ ‫الهيا وجباليا»‪.‬‬ ‫ويضيف عوكل أن «التدمير الكلي أصاب ‪ -‬وفق التقديرات األولية ‪ -‬نحو‬ ‫‪ 10.500‬وحدة سكنية‪ ،‬وأدى التدمير الكلي أو الجزئي إلى تشريد ‪ 450‬ألف‬ ‫فلسطيني‪ ،‬وفتحت مراكز إيواء لهم في املدارس واملساجد»‪.‬‬ ‫وأكد لنا املستشار اإلعالمي في وكالة غوث الالجئني عدنان أبو حسنة حجم‬ ‫الكارثة التي أصابت غزة قائال‪« :‬جرى فتح ‪ 90‬مركزا لإليواء‪ ،‬وتحول كل‬ ‫سكان القطاع إلى الجئني أو نازحني‪ ،‬وارتفع عدد النازحني حاليا إلى ‪1.3‬‬ ‫مليون‪ .‬هناك مناطق في غزة‪ ،‬كالشجاعية وخزاعة‪ ،‬تذكرك بالحرب العاملية‬ ‫الثانية‪ ،‬وكأن زلزاال مدمرا أصابها»‪.‬‬

‫مؤتمر املانحني‬ ‫ال يمكن في هذا التحقيق أن نتناول الواقع على األرض بكل تفاصيله‪ ،‬لكن‬ ‫يمكن أن نستمع ملن عاش وعايش األحداث دقيقة بدقيقة‪ ،‬وهنا يقول الكاتب‬ ‫طالل عوكل‪« :‬لقد استشهد حتى اآلن ‪ 2016‬وأصيب ‪ 10193‬فلسطينيا‬ ‫من بينهم ‪ 3084‬طفال‪ .‬كما استهدف القطاع الزراعي بكل جزئياته‪ ،‬فقد‬ ‫دم��رت األراض��ي الزراعية على ط��ول شمال شرقي غ��زة‪ ،‬وأح��رق��ت م��زارع‬ ‫األبقار والدواجن‪ .‬وتشير التقديرات األولية إلى أن الخسائر قد تفوق ‪150‬‬ ‫مليون دوالر»‪ .‬كما تحدث عوكل عن القطاع الصناعي‪ ،‬فقال إن «‪ 60‬منشأة‬ ‫ومصنعا دم��رت‪ ،‬وق��در الخسائر بما ال يقل عن ‪ 200‬مليون دوالر‪ ،‬هذا‬ ‫باإلضافة إلى توقف العاملني في هذه املنشآت عن العمل»‪.‬‬ ‫كما يؤكد عدنان أبو حسنة‪ ،‬املستشار اإلعالمي للـ«أونروا» في غزة‪ ،‬أن‬ ‫«أخطر ما في هذه الحرب أنها سحقت الطبقة الوسطى وما فوق الوسطى‪،‬‬ ‫فأغنياء غزة وسكانها األصليون أصبحوا اليوم الجئني»‪ .‬ويضيف أبو‬ ‫حسنة أن جميع سكان غزة اليوم بحاجة إلى مساعدات‪.‬‬ ‫وعندما سألته عن مؤتمر املانحني الذي سيعقد في القاهرة قريبا‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫«نريد أن نعمر غزة‪ ،‬ولكن هل سيدمر ما سنبنيه مرة أخرى؟ فما يوقف‬ ‫التدمير هو أال ينزع األمل من طريق أهل غزة‪ ،‬وأن يتوقف الحصار‪ ،‬فعندما‬ ‫يتساوى املوت بالحياة‪ ،‬ال حل»‪.‬‬ ‫وأض��اف املستشار اإلع�لام��ي لوكالة غ��وث وتشغيل الالجئني‪« :‬ف��ي هذه‬ ‫الحرب التدمير أكثر بكثير مما شهدناه في الحروب السابقة‪ ،‬فقد استهدفت‬ ‫إسرائيل خطوط ال�ص��رف الصحي‪ ،‬وخ�ط��وط امل�ي��اه وال�ك�ه��رب��اء‪ ،‬وخطوط‬ ‫محطات التحلية‪ .‬هناك مناطق في غزة عاشت بال كهرباء ملدة ‪ 15‬يوما‪،‬‬ ‫وهناك مناطق في غزة عاشت بال ماء ‪ 20‬يوما‪ ،‬فالحياة تعطلت تماما‪،‬‬ ‫أغلقت البنوك‪ ،‬وأغلقت األسواق‪ ،‬وانتشرت أمراض وأوبئة اعتقدنا أننا لن‬ ‫نراها ثانية‪ ،‬مثل الجرب»‪.‬‬

‫إسرائيل تدفع فاتورة عدوانها ألول مرة‬ ‫ال�ت��زم��ت إس��رائ�ي��ل بالصمت ح�ت��ى اآلن ب�خ�ص��وص ال�ح��دي��ث ع��ن التكلفة‬ ‫العسكرية واألض ��رار الناجمة ع��ن القصف ال�ص��اروخ��ي لحرب «الجرف‬ ‫ال�ص��ام��د»‪ .‬لكن التقارير اإلعالمية اإلسرائيلية ق��درت التكلفة اإلجمالية‬ ‫للحرب بما بني مليارين ونصف‪ ،‬و‪ 3‬مليارات و‪ 600‬مليون دوالر‪ ،‬بما‬ ‫في ذلك التكلفة العسكرية التي قدرت مبدئيا بما يتراوح بني مليار و‪300‬‬ ‫‪30‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫حد املباني في بلدة رفح التي دمرها‬ ‫سالح الجو االسرائيلي الذي اطلق خمسة‬ ‫عشر صاروخا على البلدة دمرت عدة‬ ‫منازل وقتلت ثالثة من كبار قادة حماس‬

‫مليون‪ ،‬ومليارين ونصف مليار دوالر‪ .‬أما الخسائر االقتصادية‪ ،‬فتقدر‬ ‫بمليار و‪ 300‬مليون دوالر‪ ،‬تكبد فيها قطاع السياحة الضربة األكثر إيالما‪.‬‬ ‫وق��ال وزي��ر املالية اإلسرائيلية يائير لبيد ف��ي مؤتمر صحافي إن على‬ ‫إسرائيل أال توفر شيقال واح��دا في تعويض الجنود ‪ -‬بمن فيهم سكان‬ ‫املستوطنات‪ ،‬الذين هم من وجهة نظره جنود إسرائيل‪.‬‬

‫بعض األرقام الخاصة بفاتورة العدوان‬ ‫القبة الحديدية‪ :‬يمولها دافعوا الضرائب في أميركا‪ ،‬وتصل تكلفة الصاروخ‬ ‫الواحد إلى ‪ 50‬ألف دوالر‪ ،‬وتقول إسرائيل إنها تمكنت من تفجير ‪584‬‬ ‫صاروخا‪ ،‬من بني ‪ 3460‬صاروخا‪ .‬أي التكلفة وصلت إلى مليون دوالر‬ ‫في اليوم الواحد‪ ،‬وهذا ما جعل الكونغرس األميركي يتعجل في التصديق‬ ‫على مساعدة ملشروع القبة الحديدية وصلت إلى ‪ 225‬مليون دوالر‪ ،‬حتى‬ ‫دون إعالم البيت األبيض‪ .‬القنابل الذكية‪ :‬من الصعب في ظل تكتم الجيش‬ ‫اإلسرائيلي الشديد معرفة عدد القنابل التي استخدمت ضد أهالي غزة‪،‬‬ ‫لكن م�ص��درا ف��ي مركز دراس��ات األم��ن القومي ف��ي جامعة ت��ل أبيب قدر‬ ‫التكلفة الخاصة بكل طلعة جوية بـ‪ 15‬ألف دوالر‪ .‬وقد بلغ عدد الطلعات في‬ ‫األسابيع األربعة األولى إلى ‪ 4900‬طلعة‪ ،‬باإلضافة إلى عدد كبير من القنابل‬ ‫الرخيصة وعديمة الدقة‪ ،‬التي استخدمتها إسرائيل ضد املدنيني في غزة‪.‬‬ ‫استدعاء االحتياط‪ :‬من املعروف أن عدد الجيش اإلسرائيلي ليس كبيرا‪،‬‬ ‫فهو يعتمد ‪ -‬في األساس ‪ -‬على جيش االحتياط الذي ينضوي تحته معظم‬ ‫اإلسرائيليني‪ .‬واستدعت إسرائيل في ح��رب «ال�ج��رف الصامد» ‪ 82‬ألف‬ ‫جندي احتياط‪ ،‬وتقدر تكلفة الجندي الواحد اليومية بـ‪ 147‬دوالرا‪ ،‬بما في‬ ‫ذلك طعامه‪ ،‬ومأواه‪ ،‬وزيه العسكري‪ ،‬وسالحه‪ .‬وإذا صحت هذه التقديرات‬ ‫فقد تصل التكلفة إلى ‪ 200‬مليون دوالر‪ ،‬دون حساب الراتب‪.‬‬ ‫الخسائر البشرية واملادية‪ :‬أما فيما يخص عدد القتلى والجرحى‪ ،‬فهناك‬ ‫تكتم رسمي كبير‪ ،‬وروايات إعالمية متعددة‪ .‬لكن املعلن أن عدد القتلى من‬ ‫الجنود اإلسرائيليني وصل إلى ‪ ،65‬ما بني جنود وضباط‪ ،‬ومن املدنيني ‪.3‬‬ ‫ووصل عدد الجرحى إلى ‪ 651‬جنديا‪ ،‬و‪ 23‬مدنيا‪ .‬وقد تصل تكلفة العالج‬ ‫‪ -‬وفقا لوزارة الصحة اإلسرائيلية ‪ -‬إلى ‪ 4.4‬مليون دوالر‪ .‬يضاف إلى هذا‬


‫امل��اض��ي ‪ 11‬طفال‪ .‬وسجلت ال��وث��ائ��ق إص��اب��ة الجرحى أنفسهم أكثر من‬ ‫مرة‪ ،‬فقد تعرض أعضاء ‪ 59‬أسرة من الجرحى إلى تكرار إصابتهم في‬ ‫هجمات متتابعة‪.‬‬ ‫ويقول حمدي شقورة‪ ،‬من املركز الفلسطيني لحقوق اإلنسان‪« :‬املؤكد أن‬ ‫العائالت في هذه الحرب كانت هدفا متعمدا‪ ،‬فعائالت بأكملها جرى طحنها‬ ‫تحت الركام‪ ،‬وقد وثقنا ‪ 143‬أسرة‪ ،‬اثنان أو أكثر من أعضائها أصيب»‪.‬‬ ‫وفي حديث لـ"املجلة" مع الكاتب واملحلل السياسي طالل عوكل‪ ،‬الذي عاش‬ ‫ح��روب غزة جميعا‪ ،‬سألته عما يميز هذه الحرب فقال‪« :‬التدمير الهائل‬ ‫الذي مارسته إسرائيل ضد املدنيني‪ ،‬وصمود وتصدي املقاومة وقدرتها‬ ‫على إنزال الخسائر في صفوف الجيش اإلسرائيلي‪ ،‬وقدرتها على صد‬ ‫العدوان‪ ،‬سيدفع اإلسرائيليني إلى مراجعة كل نظرياتهم العسكرية واألمنية‬ ‫التي وضعوها منذ عام ‪ 1948‬حتى اآلن»‪.‬‬ ‫وق��ال ع��دن��ان أب��و حسنة‪ ،‬املستشار اإلع�لام��ي ف��ي وك��ال��ة غ��وث وتشغيل‬ ‫الالجئني في حديثه معنا‪« :‬إسرائيل ألول م��رة تستهدف البنية التحتية‬ ‫وتدمرها تدميرا كامال‪ ،‬ونتوقع أنه مع حلول عام ‪ 2016‬لن توجد نقطة‬ ‫ماء واحدة صالحة للشرب في غزة‪ ،‬وتفويض األمم املتحدة توسع ليشمل‬ ‫اآلن كل سكان القطاع»‪.‬‬

‫حصار خانق يقلص خيارات أهل غزة‬ ‫قد يكون الصمت العاملي هو السبب وراء تجرؤ إسرائيل على انتهاك حقوق‬ ‫اإلنسان وارتكاب جرائم حرب ترقى لجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬فاستهداف‬ ‫املدنيني ‪ -‬وتحديدا األطفال ‪ -‬واستهداف املستشفيات وتعمد تدمير البنية‬ ‫التحتية‪ ،‬ال يمكن تبريره قانونيا‪.‬‬ ‫في حرب «الرصاص املصبوب» في عام ‪ 2008‬رغم االرتفاع الكبير في‬ ‫ع��دد الشهداء؛ إذ وص��ل إل��ى أكثر من ‪ 1500‬فلسطيني وآالف الجرحى‪،‬‬ ‫لم يستهدف العدوان اإلسرائيلي البنية التحية‪ ،‬واستمرت الحياة في غزة‬ ‫رغم استمرار الحرب ‪ 21‬يوما‪ .‬ووفرت الكهرباء لكل القطاع ألكثر من ‪10‬‬ ‫ساعات يوميا‪ ،‬كما استمر القطاع املصرفي في العمل‪ ،‬ولم تغلق األسواق‪.‬‬ ‫ودمر جزء من املناطق السكنية القريبة من الحدود‪.‬‬ ‫ودمرت إسرائيل في عملية «الرصاص املصبوب» ‪ -‬أو «حجارة سجيل»‬ ‫كما تسميها املقاومة ‪ 7500 -‬منزل‪ ،‬وقدمت وكالة غوث الالجئني (أونروا)‬

‫مساعدات ألكثر من ‪ 50‬ألف أسرة‪.‬‬ ‫وقد يعتقد البعض أن إسرائيل في حرب «الرصاص املصبوب» لم تستهدف‬ ‫في التدمير القطاعني الصناعي والزراعي‪ ،‬لكن ال بد هنا من التذكير بأن‬ ‫إسرائيل فرضت على غزة منذ ‪ 2006‬حصارا خانقا جعلها تنتحر في كل‬ ‫يوم لتأمني لقمة العيش‪ ،‬فاألنفاق التي كانت املنفذ التجاري الوحيد ألهالي‬ ‫غزة قتلت أكثر من ‪ 600‬شخص ‪ -‬بحسب ما ذكره لي أبو حسنة ‪ -‬بسبب‬ ‫انهيارات بعضها‪ ،‬أو بسبب الصعق الكهربائي‪ .‬كما أن مولدات الكهرباء‬ ‫التي كان يستخدمها السكان بسبب انقطاع الكهرباء أدت إلى اندالع عشرات‬ ‫الحرائق في البيوت‪ ،‬وأدت إلى مقتل املئات ‪ -‬كما يقول أبو حسنة ‪ -‬بسبب‬ ‫انفجارها‪ .‬أضف إلى هذا مئات املرضى الذين قتلوا بسبب انعدام الدواء‪.‬‬

‫أطفال غزة‬ ‫ل��م تكن ح��رب «ال�ج��رف ال�ص��ام��د» ح��رب��ا ع��ادي��ة بكل املعايير‪ ،‬فهي حرب‬ ‫انتقامية عبثية بال أهداف سوى التدمير والقتل املتعمد للعائالت واإلمعان‬ ‫في القتل‪ .‬ولن ينسى العالم أطفال الشاطئ الذين مزقتهم إسرائيل دون‬ ‫اكتراث‪ ،‬ولن ينسى املستشفيات‪ ،‬ومراكز اإليواء التابعة لألمم املتحدة التي‬ ‫استهدفتها إسرائيل بعدوانها على مرأى من العالم‪ .‬وأماكن العبادة التي‬ ‫تحولت إلى مراكز إيواء للنازحني استهدفتها إسرائيل فدمرت حتى اآلن‪،‬‬ ‫‪ 161‬مسجدا‪ 41 ،‬منها بشكل كلي‪ ،‬و‪ 120‬منها بشكل جزئي‪ .‬وقد قصف‬ ‫بعض هذه املساجد على رؤوس من فيها من الجئني ومصلني‪.‬‬ ‫وبعد أسبوعني من العدوان استهدفت محطة توليد الطاقة الوحيدة في غزة‪،‬‬ ‫وقصفت ثالث مرات‪ .‬وانعدمت مصادر املياه أو تقلصت إلى أدنى مستوى‬ ‫أم��ام ‪ 1.2‬مليون فلسطيني‪ .‬وم��ع نهاية شهر يوليو امل��اض��ي‪ ،‬استهدف‬ ‫القصف اإلسرائيلي ‪ 18‬مستشفى ومركزا طبيا‪.‬‬ ‫قطاع غزة ‪ -‬وعلى الرغم من الضجة اإلعالمية التي أثارها في كل العالم‬ ‫بسبب العدوان عليه وصموده ‪ -‬هو قطاع صغير جغرافيا يصل طوله إلى‬ ‫‪ 45‬كلم فقط‪ ،‬أما عرضه فيتفاوت بني ‪ 5‬كلم‪ ،‬كاملنطقة الوسطى التي تتكون‬ ‫من البريج والنصيرات واملغازي وجحر الديك‪ ،‬و‪ 15‬كلم‪ ،‬كمنطقة رفح‪ .‬ويبلغ‬ ‫عدد سكان القطاع ‪ 1.8‬مليون نسمة‪ 51 ،‬في املائة منهم تحت سن ‪ ،18‬أي‬ ‫إن نصف سكان غزة من األطفال‪ ،‬وقد فقدت غزة في الشهر األول للحرب‬ ‫‪ 440‬طفال تحت سن ‪ 15‬عاما‪.‬‬

‫فلسطينيون يحتفلون بوقف‬ ‫إطالق النار بني فصائل املقاومة‬ ‫الفلسطينية واسرائيل في قطاع‬ ‫غزة بوساطة مصرية ‪ 26 -‬أغسطس‬ ‫‪( 2014‬غيتي)‬

‫‪ 51‬في املائة‬ ‫من سكان غزة‬ ‫تحت سن‬ ‫‪ 18‬وقد فقد‬ ‫القطاع في‬ ‫الشهر األول‬ ‫من الحرب ‪440‬‬ ‫طفال تحت‬ ‫سن ‪ 15‬عاما‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪29‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫عندما تتوقف أصوات املدافع ال تتوقف الحرب‪ ،‬بل تبدأ معركة من نوع آخر‪ ،‬معركة تحديد الخسائر‪ ،‬فغزة‬ ‫بعد ‪ 3‬حروب مدمرة في ‪ 6‬سنوات ال بد أن تسأل العالم الصامت‪ :‬كم فلسطينيا يجب أن تقتل إسرائيل حتى‬ ‫تحاكم دوليا؟ وكم بيتا يجب أن تدمر حتى يتدخل العالم؟‪ .‬هذا ما يجب أن يسعى إليه مؤتمر املانحني الذي‬ ‫سيعقد في القاهرة برعاية مصرية ‪ -‬نرويجية‪ ،‬عقب توصل الفلسطينيني واإلسرائيليني مباشرة إلى اتفاق‬ ‫طويل األمد لوقف إطالق النار‪ .‬وستتولى النرويج توزيع الدعوات لحضور املؤتمر الذي سيعمل املانحون من‬ ‫خالله على ضرورة تغيير األوضاع القائمة في غزة؛ إذ إننا جميعا يجب أن نساهم في تعمير غزة‪ ،‬فهذا‬ ‫واجب وطني وإنساني‪ ،‬لكن هذا ينبغي أن يمر بالتوازي عبر املحاكم الدولية التي ستضع إسرائيل أمام‬ ‫مسؤولياتها‪ ،‬فتغيير األوضاع في غزة لن يكتمل إال عبر محاكمة إسرائيل ودفعها ثمن جرائمها‪.‬‬

‫تعمير غزة عبر الهاي‬

‫ماذا استفادت غزة من حربها مع إسرائيل؟‬ ‫رام الله‪:‬‬ ‫ناهد نجار‬

‫اضطرت‬ ‫إسرائيل تحت‬ ‫نيران املقاومة‬ ‫الفلسطينية‬ ‫إلى إلغاء‬ ‫مشروع سكة‬ ‫حديد النقب‬ ‫ألنه يقع في‬ ‫مرمى صواريخ‬ ‫املقاومة‬

‫‪28‬‬

‫هنا أستحضر أوال خطاب خ��ادم الحرمني الشريفني امللك عبد‬ ‫الله بن عبد العزيز ال��ذي سمى األش�ي��اء بأسمائها‪ ،‬ووص��ف ما‬ ‫يجري في غزة بـ«املجازر»‪ ،‬قائال‪« :‬إن املجازر التي ترتكب في حق‬ ‫الفلسطينيني في غزة تجري تحت سمع املجتمع الدولي وبصره‪ ،‬إن دماء‬ ‫الفلسطينيني تسفك في مجازر جماعية دون وازع إنساني أو أخالقي‪ ،‬وهي‬ ‫جرائم حرب ضد اإلنسانية»‪ .‬وأذكر هنا أيضا ‪ -‬مع الفارق في الوصف‬ ‫ ما قيل في الجمعية العامة على لسان األمني العام لألمم املتحدة‪ ،‬بان كي‬‫مون‪ ،‬في اجتماع دولي خاص بعد أسبوعني من العدوان‪ ،‬وبعد استهداف‬ ‫القصف اإلسرائيلي مقار األمم املتحدة في غزة؛ إذ يقول حرفيا‪« :‬هل علينا‬ ‫أن نبني ونهدم‪ ،‬نبني ونهدم‪ ،‬ثم نبني‪ ،‬ومن ثم نهدم؟ يجب أن يتوقف هذا‪،‬‬ ‫فالعودة إلى ما كانت عليه األوضاع في غزة لن يحل املشكلة‪ ،‬ودوامة املعاناة‬ ‫يجب أن تتوقف‪ .‬غزة جرح مفتوح‪ ،‬والضمادات لن تساعده‪ .‬يجب أن تكون‬ ‫هناك خطة تسمح لغزة بأن تتنفس وتتعافى»‪ .‬لكن‪ ،‬كيف يمكن لغزة أن‬ ‫تتنفس إذا كان الغزاويون أنفسهم ال تسمح لهم إسرائيل أن يتنفسوا حتى‬ ‫هواء مدنهم في رام الله‪ ،‬أو القدس‪ ،‬في ظل حصار خانق دام ملدة ‪ 8‬أعوام؟‬ ‫كيف يمكن لغزة أن تتعافى دون أن نضيف إلى بيان األم�ين العام الجهة‬ ‫املسؤولة عن الهدم‪ ،‬وهي إسرائيل؟ وكان من األجدر أن يقول‪ :‬هل علينا‬ ‫أن نبني وإسرائيل تهدم‪ ،‬نبني وإسرائيل تهدم‪ ،‬مرة واثنتني وثالثا‪ ،‬حتى‬ ‫يسمع الصم‪ .‬كيف يمكن أن تردع إسرائيل نفسها عن تكرار متعتها في‬ ‫الهدم والتدمير وقتل املدنيني دون رادع دولي قانوني وإنساني؟‬ ‫وهذا هو تحديدا ما لفت النظر إليه وزير الخارجية السعودية‪ ،‬األمير سعود‬ ‫الفيصل‪ ،‬في االجتماع الطارئ للجنة التنفيذية في منظمة التعاون اإلسالمي‬ ‫الخاص بغزة؛ إذ ق��ال‪« :‬ال وق��ت للعزاء أو استجداء الحلول‪ ،‬إن��ه من املهم‬ ‫أال نعفي أنفسنا من تحمل املسؤولية‪ ،‬إن وقوفنا خلف حقوق الشعب‬ ‫الفلسطيني سيجعل العالم يدرك تماما أنه ليس بوسع إسرائيل أن تستمر‬ ‫في عدوانها على الفلسطينيني دون أن تدفع الثمن»‪.‬‬ ‫تعرضت غ��زة ل�ـ‪ 3‬ح��روب في ‪ 6‬س�ن��وات‪ ،‬فكيف يمكن لشعب نصفه من‬ ‫األطفال أن يتحمل كل هذه املعاناة؟‪.‬‬

‫منها‪ ،‬وهي قصة بيته مع حربني‪« :‬عمود السحاب» و«الجرف الصامد»‪ .‬دمر‬ ‫بيت هذا الصديق جزئيا في حرب ‪ ،2012‬ووصف لنا ما عاناه عقب ذلك‬ ‫من أجل الحصول على تراخيص لترميم البيت‪ .‬ووصف كثرة املعامالت‬ ‫املعقدة لشراء كمية اإلسمنت الالزمة للبناء‪ ،‬وتعقيدات تأمني املال الالزم‬ ‫للمستلزمات الخاصة بالترميم‪ .‬وبعد عامني من االنتظار الطويل‪ ،‬تنفس‬ ‫الصعداء‪ ،‬فقد وصلت الشحنة في أوائل شهر يوليو (تموز) ‪.2014‬‬ ‫لكن في التاسع من الشهر نفسه ‪ 2014‬استهدفت الطائرات اإلسرائيلية‬ ‫بيته للمرة الثانية فدمر تماما‪ ،‬وضاعت معه شحنة اإلسمنت‪ .‬واملفارقة هي‬ ‫أن إسرائيل هي التي تبيع السلع للفلسطينيني‪ ،‬وهي من يدمرها ثانية‪ ،‬كما‬ ‫حدث مع معمل الصابون في غزة الذي دمرته تماما الطائرات اإلسرائيلية‬ ‫قبل الهدنة الثانية بدقائق‪ ،‬وبعد تسليم الشحنة املطلوبة مباشرة‪.‬‬

‫غزة تدفع دائما فاتورة االحتالل والعدوان‬

‫قصة فلسطني مع الحروب قصة طويلة بدأت منذ ‪ ،1948‬م��رورا ب�ـ‪،1956‬‬ ‫و‪ ،1967‬ثم وص��وال إلى الحرب الحالية‪ .‬وما عانته غزة تحديدا قصصه‬ ‫موجعة ومكلفة بشريا واقتصاديا واجتماعيا‪.‬‬ ‫لم تلملم غزة وجعها بعد‪ ،‬ولكنها مع كل دقيقة هدنة تبحث بني األنقاض‬ ‫عن عزيز مفقود‪ ،‬وتبحث عما يمكن إنقاذه من بني الدمار‪ .‬وتبدأ املؤسسات‬ ‫الدولية مع أهالي غزة ‪ -‬مستغلة أي وقف إلطالق النار ‪ -‬في تحديد حجم‬ ‫الخسائر البشرية وامل��ادي��ة واالج�ت�م��اع�ي��ة‪ ،‬ف�ح��رب «ال�ج��رف ال�ص��ام��د»‪ ،‬أو‬ ‫«العصف املأكول»‪ ،‬كما تطلق عليها حركة حماس‪ ،‬ليست ككل الحروب‬ ‫التي شهدتها غزة؛ إذ إن إسرائيل ‪ -‬وفقا للمعلومات املوثقة لدى منظمات‬ ‫حقوق اإلنسان الفلسطينية‪ ،‬ومركز «ميزان» في غزة‪ ،‬والحق في الضفة‬ ‫الغربية‪ ،‬وبيت سالم في إسرائيل‪ ،‬ووفقا لألمم املتحدة ‪ -‬تمكنت في هذه‬ ‫الحرب من أن تبني لغزة وللعالم مقدرتها الخارقة على التدمير والقتل‪،‬‬ ‫ومالحقة األطفال والشيوخ‪.‬‬ ‫وتبلغ أصغر شهيدة فلسطينية لقيت حتفها في غزة‪ ،‬وهي هالة أبو ماضي‬ ‫التي قتلت في ‪ 2‬أغسطس (آب)‪ 10 ،‬أي��ام‪ ،‬ويبلغ أكبر شهيد قتل في ‪3‬‬ ‫أغسطس ‪ 93‬عاما‪.‬‬ ‫بيت وشحنة إسمنت‬ ‫ولعل ي��وم ‪ 30‬يوليو (ت�م��وز) املاضي هو ي��وم «التقتيل األك�ب��ر»؛ إذ قتلت‬ ‫حدثنا شاهد عيان من غزة عن قصص معاناته اليومية‪ ،‬وسأذكر واحدة إسرائيل ‪ 95‬فلسطينيا من ‪ 10‬عائالت‪ .‬كما قتلت إسرائيل في ‪ 26‬يوليو‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬


‫إليه‪ ،‬أما في ظل وجود علي عبد الله صالح في الحزب‪ ،‬فإن الكل يحجم تماما‬ ‫عن التعامل مع املؤتمر الشعبي‪ ،‬إال بتلك املسميات التي تقتات من الفتات والتي‬ ‫ال زال علي عبد الله صالح يقدمها لها حتى اآلن»‪.‬‬ ‫وحول مشروع أحزاب «اللقاء املشترك» وحكومة الوفاق الوطني ورؤيتهما‬ ‫ملوضوع املعرقلني للتسوية السياسية في ضوء زيارة وفد أممي إلى اليمن‪،‬‬ ‫مؤخرا‪ ،‬لبحث هذا املوضوع‪ ،‬يقول مستشار رئيس الحكومة اليمنية لـ«املجلة»‬ ‫إنه «لم يتضح إلى ماذا توصلت لجنة العقوبات األممية (التي حققت في تورط‬ ‫املعرقلني في التسوية السياسية)‪ ،‬وال شك أنها قد حصلت على ما يكفي‬ ‫من املعلومات التخاذ مواقف (قرارات) إزاء قضايا عديدة من ضمنها بقاء‬ ‫علي عبد الله صالح في املشهد السياسي»‪ ،‬ثم يقول الصراري‪« :‬أستطيع أن‬ ‫أقول إن بقاء هذا الرجل في العملية السياسية ينطوي على خطورة حقيقية‬ ‫ستؤدي إلى انتكاسة العملية السياسية برمتها‪ .‬والتسوية السياسية‪ ،‬أيضا‪،‬‬ ‫ستتوقف إذا بقي هذا الرجل‪ ،‬ألن كل ما صنعه خالل الفترة املاضية يدل‬ ‫على أنه لم يتوقف عن تعطيل عملية التغيير وإفشال التسوية السياسية‪.‬‬ ‫وسيظل‪ ،‬أيضا‪ ،‬يلعب دورا سلبيا في نقل البالد من أزمة إلى أخرى‪ ،‬خاصة‬ ‫أنه يستخدم األم��وال الطائلة التي نهبها من ث��روة هذا الشعب‪ ،‬وهو يمتلك‬ ‫اآلن م��ن امل��ال أكثر مما تمتلكه ال��دول��ة اليمنية‪ ،‬ألن��ه سطا على ممتلكاتها‬ ‫وعلى أموالها وثرواتها ولم يتوقف عن استخدام هذا املال في تعطيل املسار‬ ‫السياسي‪ ،‬وبالعكس هو يقف وراء كثير من االضطرابات التي تشهدها‬ ‫البالد وأقول إن إبعاده من الحياة السياسية مسألة محورية وهي نقطة ارتكاز‬ ‫لتحول حقيقي في تاريخ اليمن»‪.‬‬ ‫وعما إذا كانت املسألة تتعلق بإبعاد الرئيس السابق عن اليمن بشكل كامل‪،‬‬ ‫يقول الصراري‪« :‬الهدف هو إيقافه عن التدخل في الحياة السياسية وأن يتوقف‬ ‫عن استخدام املال في األزمات والتوترات واالضطرابات التي شهدتها اليمن في تناقضات املشهد‬ ‫اآلونة األخيرة‪ .‬أما أن يبقى داخل البالد أو يغادرها‪ ،‬فهذه مسألة ثانوية‪ ،‬لكن‬ ‫في كل األحوال نريد أن يتوقف تأثيره على مجريات الحياة العامة وأن يترك وتشهد ال��س��اح��ة اليمنية تناقضات ك��ث��ي��رة‪ ،‬ف��ي ال��وق��ت ال��راه��ن‪ ،‬ف��إل��ى جانب‬ ‫املواقف السياسية التي ترى أن الرئيس السابق هو أحد أبرز املعرقلني للتسوية‬ ‫الفرصة للمواطنني اليمنيني ألن يقرروا مصائرهم دونه»‪.‬‬ ‫السياسية‪ ،‬هناك قوى أخرى برزت في الساحة اليمنية وبقوة وبدأ تأثيرها‬ ‫األمني والسياسي‪ ،‬فالحوثيون (أنصار الله) املتمردون يلعبون دورا أمنيا‬ ‫صالح‪ ..‬ضرورة‬ ‫وعسكريا وباتوا يسيطرون على مناطق عدة من شمال البالد‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫من جانبه‪ ،‬يرى حسني حازب‪ ،‬عضو اللجنة العامة (املكتب السياسي) لحزب الوجود السياسي في محافظات أخرى‪ ،‬في الوقت الذي يطرح موضوع تحالفهم‬ ‫املؤتمر الشعبي العام‪ ،‬الشريك في حكومة الوفاق الوطني‪ ،‬أنه «ليس لديه شك مع صالح‪ ،‬عدو األمس‪ ،‬من أجل إسقاط النظام الحالي‪.‬‬ ‫في أن املؤتمر سيظل هو الحافظ أو هو الحزب الوسطي في ظل التجاذبات وأيضا‪ ،‬هناك نشاط تنظيم القاعدة في مختلف مناطق اليمن‪ ،‬والذي أدى إلى‬ ‫يمينا وشماال‪ ،‬وأن سر بقائه في أساس نشأته وليس في األشخاص‪ ،‬واملؤتمر مقتل املئات من الضباط والجنود في عمليات اغتياالت تتهم فيها «القاعدة»‪،‬‬ ‫الشعبي نشأ على أساس يمني وأسسه اليمنيون من مختلف أطياف اللون دون أن تعلن رسميا مسؤوليتها عن هذه العمليات التي خلقت حالة من الذعر‬ ‫السياسي وكان لإلخوان املسلمني والناصريني واالشتراكيني دور في تأسيس والخوف واالستياء‪ ،‬في الشارع اليمني‪ .‬وال يقتصر املشهد اليمني على الوضع‬ ‫املؤتمر‪ ،‬وأيضا‪ ،‬املشايخ والعلماء‪ ،‬فاملؤتمر في نشأته وفي وثيقته (امليثاق السياسي أو الوضع األمني وما يترتب عليه‪ ،‬فهناك معاناة شديدة يمر بها‬ ‫املواطنون اليمنيون كاالنقطاعات املتواصلة للكهرباء دون أسباب واضحة‬ ‫الوطني)‪ ،‬كان يمنيا»‪.‬‬ ‫ويؤكد القيادي البارز في حزب املؤتمر الشعبي العام أن حزبه «سيظل باقيا تذكر‪ ،‬غير أن الحكومة اليمنية تسوق مبررات‪ ،‬منها الهجمات «التخريبية» التي‬ ‫م��ا بقي أي م��واط��ن يمني وسيظل ه��ذا الشكل م��ن أش��ك��ال العمل السياسي تستهدف أبراج الكهرباء في محافظة مأرب وأيضا أنابيب النفط وغيرها من‬ ‫موجودا‪ ،‬وهو املؤتمر الشعبي العام»‪ ،‬وأن املؤتمر سيظل كفا من «كفي التسوية األعمال التي تعدها الحكومة مبررات لعدم تقديم الخدمات بصورة صحيحة‬ ‫السياسية القائمة في اليمن‪ ،‬وأعتقد أن أي إنسان يريد إبعاد املؤتمر الشعبي وج��ي��دة‪ ،‬في ظل الوضع االقتصادي امل��ت��ردي وارت��ف��اع األس��ع��ار‪ ،‬خاصة بعد‬ ‫اإلج��راءات االقتصادية األخيرة (الجرعة) التي رفعت بموجبها أسعار النفط‬ ‫العام أو قيادته ليس إال منقلبا على حزب املؤتمر وقيادته»‪.‬‬ ‫ويجزم القيادي في املؤتمر الشعبي العام أن حزبه «سيظل صمام األمان للعملية والديزل (املازوت) وبقية املشتقات النفطية‪ ،‬وانعكس ذلك بصورة كاملة على‬ ‫السياسية في اليمن بصورة عامة وأنه من دون املؤتمر الشعبي العام لن يبقى مختلف جوانب الحياة االقتصادية في اليمن‪.‬‬ ‫سوى التطرف في هذا االتجاه أو في االتجاه اآلخر‪ ،‬وبالتالي إلى خالفات في وفي ظل ما يعتمل في اليمن من تطورات سياسية وأمنية واقتصادية‪،‬‬ ‫كل االتجاهات وأنا أرى أن علي عبد الله صالح‪ ،‬زعيم وقائد (املؤتمر) أصبح ينظر اليمنيون إل��ى أن عملية التغيير وال��ث��ورة الشعبية التي اندلعت في‬ ‫بقاؤه ضرورة ليس لحزب املؤتمر فقط‪ ،‬ولكن للتسوية السياسية ككل‪ ،‬ألن مطلع عام ‪ ،2011‬قد تتعرض للخطر في حال ع��ودة صالح ونظامه إلى‬ ‫املؤتمر الشعبي العام يمثل أكثر من ثالثة ماليني عضو على مستوى اليمن الحكم‪ .‬ويقول الخبراء في مجال السياسة إن عودة صالح‪ ،‬بأي طريقة من‬ ‫(عدد السكان تقريبا ‪ 25‬مليون نسمة)‪ ،‬وبالتالي فإن صالح يظل هو صمام الطرق إلى سدة الحكم‪ ،‬سوف تدفع البالد إلى حافة االنهيار املتمثلة في‬ ‫األمان‪ ،‬ومن يراهن على خروجه من املؤتمر الشعبي العام ال يعرف أن العملية الحرب األهلية بني مختلف القوى املوجودة على الساحة‪ ،‬فهناك الحوثيون‬ ‫السياسية في اليمن سوف تختل بصورة كاملة»‪ .‬ثم يضيف أن «هذا الكالم و«القاعدة» واألحزاب السياسية وقوى أخرى ترفض إعادة البالد إلى املربع‬ ‫من باب االفتراض‪ ،‬ألنه من املستحيل خروج علي صالح من املؤتمر الشعبي الذي كانت عليه قبل عام ‪ ،2011‬ولذلك يظل التأرجح بني التشاؤم والتفاؤل‬ ‫العام الذي ربما يعاني ضعفا أو انكسارا أو غير ذلك‪ ،‬لكن مستقبله مضمون بمستقبل اليمن‪ ،‬في الوقت الذي يرى فيه خبراء أن منفذ اليمن إلى األمن‬ ‫وسيظل حزبا موجودا طاملا بقي هناك مواطن يمني»‪.‬‬ ‫واالستقرار يرتبط بتطبيق املبادرة الخليجية <‬

‫صورة ارشيفية لسيدة يمنية مؤيدة‬ ‫للرئيس اليمني السابق علي عبد الله‬ ‫صالح خالل مسيرة لدعمه (صنعاء‬ ‫يوم ‪ 18‬نوفمبر ‪)2011‬‬

‫ما جرى من‬ ‫لقاء بني عبد‬ ‫ربه منصور‬ ‫وعلي عبد‬ ‫الله صالح لم‬ ‫يكن مصالحة‬ ‫شاملة بني‬ ‫األطراف‬ ‫اليمنية ولكنه‬ ‫مصالحة‬ ‫شخصية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪27‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫حكم الرئيس اليمني السابق‪ ،‬علي عبد الله صالح اليمن‪ ،‬نحو ‪ 33‬عاما‪ ،‬قبل وبعد قيام الوحدة اليمنية (‪22‬‬ ‫مايو‪ /‬أيار ‪ ،)1990‬ثم غادر الحكم بعد انتفاضة شعبية اندلعت مع ما عرف بـ«الربيع العربي» عام ‪،2011‬‬ ‫في ضوء املبادرة الخليجية التي ضمنت له حصانة من املساءلة القانونية عن فترة حكمه‪ ،‬لكن الشواهد في‬ ‫املشهد السياسي اليمني تؤكد أن صالح ال زال يمارس دورا سياسيا عبر تزعمه أو ترؤسه لحزب املؤتمر‬ ‫الشعبي العام‪ ،‬أحد أكبر األحزاب السياسية في اليمن والذي تأسس مطلع ثمانينات القرن املاضي‪ .‬ويقول‬ ‫املراقبون إنه ما زال يتدخل في الحياة السياسية في اليمن وربما يكون ضمن املعرقلني للتسوية السياسية‪.‬‬

‫مشهد سياسي متناقض‪ ..‬إصالحات متعثرة‪ ..‬وإرهاب وحركة تمرد‬

‫اليمن‪« ..‬عفاش» هل يعود للحكم؟‬ ‫صنعاء‪:‬‬ ‫عرفات مدابش‬

‫حزب املؤتمر‬ ‫الذي يتزعمه‬ ‫صالح ما‬ ‫زال حزبا‬ ‫حاكما عبر‬ ‫مشاركته في‬ ‫حكومة الوفاق‬ ‫الوطني التي‬ ‫تشكلت في‬ ‫ضوء املبادرة‬ ‫الخليجية‬

‫‪26‬‬

‫ولد صالح في مارس (آذار) عام ‪ ،1942‬في قرية بيت األحمر جنوب‬ ‫العاصمة صنعاء‪ .‬ويحمل رتبة مشير ف��ي ال��ق��وات املسلحة‪ ،‬وهو‬ ‫أكثر الرؤساء الذين حكموا اليمن وثاني الرؤساء العرب في طول‬ ‫فترة حكمه‪ ،‬ولقبه األساسي في أسرته «عفاش»‪ ،‬كما يطلق عليه وكما أطلق‬ ‫على أحد أحفاده‪.‬‬ ‫وتختلف وجهات النظر واآلراء في الشارع اليمني بشأن صالح وحزبه بني مؤيد‬ ‫ومعارض‪ ،‬فاملؤيدون يرون أنه األحق باالستمرار في الحكم أو أن يخلفه نجله‬ ‫العقيد أحمد علي عبد الله صالح‪ ،‬قائد الحرس الجمهوري (سابقا) وسفير‬ ‫اليمن الحالي في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬واملعارضون يرون أن صالح‬ ‫أمضى فترة طويلة في الحكم وأنه يسعى إلى توريثه لنجله‪ ،‬إضافة إلى أنه‬ ‫جعل أفراد قبيلته وأسرته ممسكني بزمام األمور السياسية والعسكرية في‬ ‫البالد‪ ،‬كما يقولون‪.‬‬ ‫ولكن حزب املؤتمر الذي يتزعمه صالح ما زال موجودا في الحكم عبر مشاركته‬ ‫في حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في ضوء املبادرة الخليجية‪ ،‬وبالتالي ما‬ ‫زال حزبا حاكما‪ ،‬وإن جزئيا‪ ،‬بعد أن كان حزبا حاكما بشكل مطلق‪ .‬وقد وقع‬ ‫لقاء مصالحة بينه وبني الرئيس عبد ربه منصور هادي‪ ،‬الذي كان نائبا له‪ ،‬أثناء‬ ‫صالة العيد في جامع الصالح جوار دار الرئاسة وبحضور عدد من الخصوم‬ ‫السياسيني والقبليني‪ ،‬ولكن اللقاء لم يثمر عن مصالحة معلنة بشكل كامل‪.‬‬

‫مصالحة ليست شاملة‬ ‫وينظر حكيم املسمري‪ ،‬رئيس تحرير صحيفة «يمن بوست» باللغة اإلنجليزية‬ ‫إلى أن ما جرى من لقاء بني الرئيس عبد ربه منصور هادي والرئيس السابق‬ ‫علي عبد الله صالح لم يكن مصالحة «شاملة بني األط���راف اليمنية‪ ،‬ولكنه‬ ‫مصالحة شخصية بني الرئيس عبد ربه منصور هادي والرئيس السابق علي‬ ‫عبد الله صالح‪ .‬املشكلة أن الرئيس هادي ال يعمل على مصالحة وطنية شاملة‬ ‫وإنما يعمل على مصالحة تخصه هو فقط؛ ولهذا ذهب إلى جامع الصالح (حيث‬ ‫التقى الرئيس صالح وعلي محسن األحمر وحمير األحمر)»‪ .‬ويؤكد املسمري‬ ‫أن اليمن بحاجة إلى مصالحة شاملة بني كافة األطراف التي تهدد األمن في‬ ‫البالد‪ ،‬فهناك أط��راف دينية متعصبة ومسلحة ولم نر أية ب��وادر للمصالحة‬ ‫مع هذه األطراف التي لها تأثير على البالد وإدخالها في حروب ال نهاية لها‪.‬‬ ‫وعن الخطورة التي تواجه اليمن يقول املسمري لـ«املجلة» إنها «تكمن في انتشار‬ ‫ال��س�لاح وحمله والكراهية التي تستدعي حمل ال��س�لاح على ال��ط��رف اآلخ��ر‪.‬‬ ‫وكما أسلفت فليست هناك أية نوايا من األط��راف كاملة في الساحة اليمنية‬ ‫من أجل مصالحة شاملة‪ ،‬إال بني األطراف التي ليست بينها خالفات‪ ،‬أصال‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫واملصالحة يفترض أن تكون بني األطراف التي بينها خالفات وتستدعي هذه‬ ‫الخالفات حمل السالح على الطرف اآلخر وإذا لم يحصل هذا فإن املصيبة في‬ ‫اليمن سوف تزداد وتتضاعف وهنا ستحصل الكارثة التي ال يتوقعها الداخل‬ ‫وال��خ��ارج»‪ .‬وي��ردف املسمري أن ما ح��دث في حضرموت من إع��دام للجنود‬ ‫على يد مسلحني يعتقد بانتمائهم لتنظيم القاعدة‪ ،‬هو «بداية لفشل املصالحة‬ ‫في اليمن بني األطراف الداخلية‪ ،‬خاصة أن الحكومة اليمنية هي التي جعلتهم‬ ‫صيدا سهال‪ ،‬واملصالحة تأتي بعزيمة من الدولة ثم تطبق بني بقية األطراف‬ ‫ليس بمناورة سياسية أو مصالح شخصية أو غير ذلك والنوايا إذا صدقت‬ ‫سوف تكون املصالحة جدية وصالحة»‪.‬‬

‫مستشار‪ :‬التسوية ناقصة‬ ‫وي���رى‪ ،‬علي محمد ال��ص��راري‪ ،‬املستشار اإلع�لام��ي لرئيس حكومة الوفاق‬ ‫الوطني أنه «ورغم مرور هذا الوقت على التسوية السياسية في ضوء املبادرة‬ ‫الخليجية‪ ،‬فإن هناك عنصرا ما يزال ناقصا في التسوية السياسية الجارية‬ ‫وهذا العنصر يتمثل في بقاء علي عبد الله صالح (الرئيس السابق) كالعب‬ ‫في العملية السياسية‪ ،‬في حني كان ينبغي أن تفضي املبادرة الخليجية منذ‬ ‫البدء في تنفيذها إلى إخراجه من العملية السياسية»‪ ،‬خاصة وأنه «قد حصل‬ ‫على حصانة تحول بينه وبني ما اقترفه بحق هذا البلد وسكان هذا البلد»‪.‬‬ ‫ويردف السياسي اليمني أنه «من الواضح أن علي عبد الله صالح ومن خالل‬ ‫االستمرار في العملية السياسية يحاول أن يجند عملية التغيير التي كانت‬ ‫عملية مهمة في إطار التسوية السياسية‪ ،‬فليس هناك أي تغيير إذا بقي علي‬ ‫عبد الله صالح‪ ،‬حتى ولو تحول إلى أحد مراكز القوى في البالد وسعيه الدءوب‬ ‫من أجل استعادة الحكم‪ ،‬يعني هذا أن التسوية السياسية قد فشلت ولم تحقق‬ ‫أهدافها»‪ .‬ويؤكد الصراري‪ ،‬وهو قيادي بارز في الحزب االشتراكي اليمني‪،‬‬ ‫أنه من أجل أن «تستمر التسوية السياسية في اليمن وأن تحقق أهدافها‪ ،‬ال بد‬ ‫من إخراجه (صالح) من املشهد السياسي وقد تسلم الثمن املتمثل بتحصينه‬ ‫من املحاسبة جراء ما اقترفه بحق هذا البلد»‪.‬‬ ‫ويقول مستشار رئيس الحكومة اليمنية لـ«املجلة» إن «حزب املؤتمر الشعبي لم‬ ‫يكن (فعليا) حزبا حاكما في عهد الرئيس علي عبد الله صالح‪ ،‬وفي تقديري‬ ‫أنه لم يكن بمقدور املؤتمر أن يكون حزبا حاكما إذا استمر علي عبد الله صالح‬ ‫على رأس الحزب وال بد أن يحرر املؤتمر الشعبي العام من القبضة العسكرية‬ ‫واملالية التي يشددها صالح على الحزب وتسليم املؤتمر الشعبي إلى قيادة‬ ‫حقيقية تستطيع أن تحوله إلى حزب سياسي‪ ،‬وبهذه الطريقة سيغدو املؤتمر‬ ‫شريكا حقيقيا في التسوية وفي بناء الدولة وسيجعل بقية القوى تمد يدها‬


‫السعودية‪ :‬تصاعد موجة العنف‬ ‫ُجربت البعث واليسار وآيديولوجيات مختلفة‪ ،‬ويمكن القول دون تردد إنه لو‬ ‫ق ّدر لفصيل من اإلسالم السياسي الحكم في بلد ما‪ ،‬فقد شاهدنا ما يحدث‬ ‫في حماس والسودان‪ ،‬وأوائل حكم «اإلخوان» في مصر من تصريحات وأفعال‬ ‫ومواقف تشرعن للدولة البوليسية الشمولية‪ ،‬وهو األمر الذي تحذر السعودية‬ ‫من الوقوع في شراكه‪.‬‬

‫إرهاب الفضاء‬ ‫بدوره‪ ،‬القرار ال يطال األفكار بل األطر التنظيمية والحزبية‪ ،‬ولذلك هذه الضجة‬ ‫من محاربي «تويتر» الذين يريدون إفراغ القرار من محتواه ليست إال واحدة‬ ‫من ردات الفعل املتكررة على كل قرار من هذا النوع يجري تفسيره بشكل‬ ‫سلبي ملحاولة القفز عليه والضغط باتجاه تحديده‪ ،‬بما ال يشمل التيارات‬ ‫التي ينتمون إليها‪ ،‬أو يتعاطفون معها‪ ،‬اإلطار التنظيمي هو أشبه بما يكون‬ ‫في البلدان الديمقراطية بحظر الحزب السياسي‪ ،‬صحيح أن تجربة األحزاب‬ ‫غير م��وج��ودة باملعنى القانوني‪ ،‬لكنها م��وج��ودة بسلطة األم��ر ال��واق��ع‪ ،‬وما‬ ‫إنكار هذا إال ضرب من االستخفاف الذي ال يالئم حساسية املرحلة‪ ،‬فكلنا‬ ‫يعلم أن الكثير من الدول التي عانت من ويالت التنظيمات املتطرفة رغم أنها‬ ‫محظورة‪ ،‬فإنها كانت ممتدة ومخترقة حتى لبعض مؤسسات الدولة‪ ،‬وال‬ ‫سيما مؤسسة التعليم‪ ،‬املحضن التربوي األه��م ف��ي بلد وص��ف بأنه بلد‬ ‫الشباب‪.‬‬

‫فرصة حقيقية‬ ‫على املستوى االستراتيجي للمملكة شكل القرار امللكي فرصة واعدة جدا لحسم‬ ‫الجدل حول االرتباك من املوقف السعودي للتطرف‪ ،‬فهو خطوة تشريعية مهمة‬ ‫للفصل بني استراتيجية الدولة من جهة وتصرفات األفراد املنتسبني لها من جهة‬ ‫أخرى‪ ،‬باإلضافة إلى تبعات االستقرار؛ تعريض العالقات الدولية للخطر‪ ،‬وهو ما‬ ‫يعني ضرورة أن يجري توسيع النقاش في أجواء صحية للقرار‪ ،‬وتخصيص‬ ‫مساحات أكبر لتداوله في اإلعالم وأروقة الجامعة ونقاشات املهتمني‪.‬‬ ‫السعودية واجهت تحدي اإلرهاب الذي بدا كبيرا ومزدوجا‪ ،‬فمن جهة تسبب‬ ‫الخطر اإلرهابي في تحوالت على مستوى العالئق السياسية وأبرزها فتور طغى‬ ‫على العالقة مع الواليات املتحدة عقب الـ‪ 11‬من سبتمبر‪ ،‬إال الضربات االستباقية‬ ‫مس السعوديني بأكثر مما ّ‬ ‫على معاقل اإلرهاب الذي ّ‬ ‫مس األميركيني أنفسهم‪،‬‬ ‫ساهم في فك تلك االزدواجية‪ ،‬بل وجعل من السعودية العبا رئيسا في ملف‬ ‫اإلرهاب الذي ما زالت الدولة تنظر إليه بجدية بالغة‪.‬‬

‫مفتاح الحل السعودي‬ ‫وع �ل��ى ال�ع�ك��س‪ ،‬ف ��إن ح��ال��ة االس �ت �ق��رار ال�س�ي��اس��ي رغ ��م ك��ل ري ��اح ال�ت�ح��دي��ات‬ ‫واملصاعب‪ ،‬وأبرزها التحديات السياسية التي تعيشها املنطقة‪ ،‬تفرض على‬ ‫السعودية دورا رئيسا ال يقل أهمية عن دورها في الحرب على اإلرهاب‪.‬‬ ‫فالدور املقبل هو ضرورة التعاون مع كل دول املنطقة على اختالف مواقفها‬ ‫السياسية الجزئية ألخذ أدوار فاعلة وكبيرة في الحرب على اإلرهاب‪ ،‬الذي يجب‬ ‫أن ال تنفرد السعودية به‪« .‬عقلنة» الحالة السياسية هو مطلب مهم‪ ،‬تشترك‬ ‫فيه دول الجوار‪ ،‬بما فيها األط��راف الفاعلة إيران وتركيا‪ ،‬وحتى دول الربيع‬ ‫العربي غير املستقرة‪ ،‬إضافة إلى النخب والطبقات الثقافية الذين يجب عليهم‬ ‫التحلي بالشجاعة هذه امل��رة وع��دم االلتفات إلى صخب الجماهير ليراجعوا‬ ‫باملنطق نفسه «الحالة الثورية» التي دعموها باألمس‪ ،‬وشاهدوا ارتداداتها‬ ‫السلبية على املجتمعات بعد سقوط األنظمة السريع‪ .‬األصولية املعاصرة تحمل‬ ‫«ميكانيزم» بقائها في داخلها عبر آلية العنف‪ ،‬وهي ليست بالضرورة عنفا‬ ‫محصورا في «السالح»‪ ،‬بل ثمة أسلحة معنوية ال تقل عنه خطورة‪ ،‬كالتكفير‬ ‫والحصار الفكري واختراق السالم املجتمعي عبر آليات الطرد بمعايير دينية‪،‬‬ ‫حتى في أكثر املسائل دنيوية‪ ،‬لذلك الحرب على اإلرهاب والتطرف والغلو هي‬ ‫حربنا الطويلة جدا <‬

‫الحدث املروع الذي فتح ملف اإلرهاب في الداخل كان في ‪ 12‬مايو (أيار) ُ‪ .2003‬حني قامت ‪ 3‬سيارات‬ ‫مفخخة باستهداف ‪ 3‬مجمعات سكنية يقطنها غربيون وعرب في الرياض‪ ،‬قتل فيها ‪ 20‬شخصا و‪194‬‬ ‫يمض شهر واحد حتى تفجع إحدى الدوريات األمنية على بعد ‪10‬‬ ‫إصابة‪ ،‬واملاليني من الخسائر املادية‪ .‬ولم‬ ‫ِ‬ ‫كلم شمال شرقي مدينة تربة على طريق (حائل ‪ -‬لينة) سيارة جيب «تويوتا» يستقلها شخصان متوقفة‬ ‫على الطريق واشتبه فيها‪ ،‬وعندما طلب رجال األمن من السائق إثبات هويته فر هاربا وقام رجال األمن‬ ‫بمطاردته حيث سلك طريقا صحراويا‪ ،‬وأثناء املطاردة قام الهاربان بإلقاء قنبلة يدوية على رجال األمن‪،‬‬ ‫مما نتج عنه استشهاد كل من جندي أول درداح بن وقاع الشمري‪ ،‬والجندي سعود بن عبد الله الشمري‪،‬‬ ‫وإصابة الجندي فرحان بن حمود الشمري والجندي عبد الله بن مشعل الشمري‪.‬‬ ‫‪ 3‬يونيو ‪ 2003‬توفي أميركي أصيب بجروح خطيرة بالرصاص في قاعدة بحرية متأثرا بجروحه‪،‬‬ ‫وكان يعمل في قاعدة امللك عبد العزيز في الجبيل املدينة الساحلية الصناعية‪.‬‬ ‫‪ 8‬نوفمبر ‪ 2003‬جرى تفجير مجمع املحيا السكني الذي يسكنه غالبية من املواطنني العرب واملسلمني‪،‬‬ ‫والذي توافق مع شهر رمضان‪ ،‬الذي يعد من األشهر التي لها قدسيتها عند عموم املسلمني‪ .‬كانت حصيلة‬ ‫هذا الهجوم ‪ 12‬قتيال و‪ 122‬جريحا من األبرياء‪.‬‬ ‫‪ 21‬أبريل (نيسان) ‪ 2004‬انتحاريون يستهدفون مبنى اإلدارة العامة للمرور في الرياض‪ ،‬بسيارة‬ ‫مفخخة‪ ،‬نتج عنها مقتل ‪ 4‬من رجال األمن‪ ،‬باإلضافة إلى مدني‪ ،‬وإصابة ‪ 148‬شخصا‪.‬‬ ‫‪ 1‬مايو ‪ 2004‬اقتحم مسلحون أحد املواقع الصناعية في مدينة ينبع‪ ،‬وقتل ‪ 5‬أشخاص (أسترالي‬ ‫وأميركيان وبريطانيان) باإلضافة إلى رجل أمن سعودي‪ ،‬وإصابة ‪ 14‬من زمالئه‪.‬‬ ‫‪ 29‬مايو (أيار) ‪ 2004‬مجموعة مسلحة تقتحم مجمع الواحة السكني في مدينة الخبر‪ ،‬واحتجاز‬ ‫‪ 45‬رهينة‪ ،‬وقتل العشرات من ساكنيه‪ ،‬قبل أن تتمكن ق��وات األم��ن السعودي من اقتحام املبنى بعد ‪48‬‬ ‫ساعة‪ ،‬وتحرير الرهائن‪.‬‬ ‫في ‪ 6‬يونيو (حزيران) ‪ 2004‬قتل املصور التلفزيوني اآليرلندي سيمون كامبرز وأصيب زميله‬ ‫البريطاني فرانك غاردنر مراسل هيئة اإلذاع��ة البريطانية (ب��ي بي س��ي) لشؤون األم��ن في اعتداء بحي‬ ‫السويدي في العاصمة السعودية الرياض‪.‬‬ ‫‪ 6‬ديسمبر (كانون األول) ‪ 2004‬محاولة اقتحام فاشلة ملبنى القنصلية األميركية في جدة‪ ،‬انتهت‬ ‫بمقتل ‪ 3‬مسلحني‪ ،‬وإلقاء القبض على ‪ 2‬آخرين‪ ،‬وسقوط عدد من القتلى من غير األميركيني‪.‬‬ ‫‪ 29‬ديسمبر ‪ 2004‬عملية متزامنة‪ ،‬استهدفت األولى مقر وزارة الداخلية في الرياض‪ ،‬عبر انتحاري‬ ‫فجر سيارة‪ ،‬وأصيب رجل أمن عند حراسات البوابة الشرقية‪ .‬والثانية استهداف مقر مركز تدريب قوات‬ ‫الطوارئ الخاصة في الرياض‪ ،‬عبر انتحاريني حاوال تفجير سيارة بالقرب من املركز‪ ،‬قبل أن تفجرهما‬ ‫السلطات األمنية قبل دخول السيارة إلى مقر املركز‪.‬‬ ‫‪ 18‬يونيو ‪ 2005‬اغتيل املقدم مبارك السواط من جهاز املباحث العامة في ضاحية الشرائع بمدينة‬ ‫مكة املكرمة على يد ‪ 2‬من اإلرهابيني‪ ،‬أطلقا عليه نحو ‪ 20‬رصاصة من سالح ناري (محل شك)‪.‬‬ ‫‪ 24‬فبراير (شباط) ‪ 2006‬أحبطت السلطات األمنية محاولة فاشلة استهدفت معامل بقيق لتكرير‬ ‫النفط شرق السعودية‪ ،‬حيث حاول انتحاريون تفجير سيارتني كانوا يستقالنها‪ ،‬قبل أن تتمكن حراسات‬ ‫املعامل من قتلهم‪ ،‬كما استشهد رجال أمن‪.‬‬ ‫‪ 12‬مايو ‪ 2006‬تعرضت القنصلية األميركية في جدة إلى إطالق نار من مسلح‪ ،‬قبل أن تتمكن سلطات‬ ‫األمن من إلقاء القبض عليه‪ ،‬بعد أن أصابته‪.‬‬ ‫كما شهدت مختلف املدن السعودية عشرات املداهمات األمنية واملواجهات مع اإلرهابيني‪ ،‬نتج عنها‬ ‫مقتل عدد من رجال األمن‪ ،‬باإلضافة إلى أعداد كبيرة من املسجلني على قائمة اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪ 27‬أغسطس (آب) ‪ 2009‬محاولة اغتيال فاشلة لألمير محمد بن نايف مساعد وزي��ر الداخلية‬ ‫السعودية‪ ،‬حيث نفذها عبد الله طالع العسيري ال��ذي ك��ان يشكل الرقم ‪ 85‬على قائمة املطلوبني أمنيا‪،‬‬ ‫واستخدم فيها تقنية الجوال في محاولة االغتيال الفاشلة‪.‬‬ ‫أيضا في عام ‪ 2009‬شهد أحد املنافذ الحدودية في منطقة جازان‪ ،‬مواجهة مع تنظيم القاعدة حينما‬ ‫حاول اثنان من املدرجني على قائمة الـ‪ 85‬التسلل إلى األراض��ي السعودية متنكرين بزي نسائي قبل أن‬ ‫تجهز عليهما السلطات األمنية‪.‬‬ ‫‪ 5‬نوفمبر (تشرين الثاني) ‪ 2012‬قتل ‪ 2‬من أفراد حرس الحدود في كمني نصب إلحدى الدوريات‬ ‫األمنية بمحافظة شرورة جنوب البالد على الحدود مع اليمن‪.‬‬ ‫‪ 3‬يوليو (تموز) ‪ 2014‬شهد منفذ الوديعة على الحدود السعودية ‪ -‬اليمنية أعماال إرهابية تبناها‬ ‫تنظيم القاعدة‪ ،‬حيث قام خمسة أشخاص من «القاعدة» بتبادل النار مع رجال حرس الحدود‪ ،‬فيما هرب‬ ‫‪ 3‬من تنظيم القاعدة‪ ،‬وبقي اثنان داخل غرفة‪ ،‬حيث هب رجال الحدود إلى القبض عليهما‪ ،‬وفاجأوهما‬ ‫بأحزمة ناسفة وتفجير أنفسهما‪ ،‬وقد توفي ‪ 5‬من رجال الحدود‪ ،‬فيما جرى قتل ‪ 3‬أشخاص من تنظيم‬ ‫القاعدة‪ ،‬وإلقاء القبض على أحدهم‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪25‬‬


‫قصة الغالف‬

‫حيث قدرته على إتاحة الفرصة لهم في إعادة بناء جسد التنظيم وخالياه‪،‬‬ ‫وفي سبيل ذلك يمكن مهادنة األنظمة القائمة‪ ،‬سواء تلك الربيعية ذات املنزع‬ ‫اإلسالموي‪ ،‬أو حتى حالة الفراغ السياسي في الدول التي لم تستقر على حال‪.‬‬

‫ربيع «العنف املسلح»‬

‫ملف الحرب‬ ‫على اإلرهاب‬ ‫على الطريقة‬ ‫األميركية ساهم‬ ‫في تعزيز‬ ‫التعاطف مع‬ ‫اإلرهابيني الذين‬ ‫كانوا يلقون‬ ‫حتفهم عبر‬ ‫طائرات بال طيار‬ ‫لكنها تحصد‬ ‫معهم العشرات‬ ‫من األبرياء‬

‫جورج‬ ‫دبيلو بوش‬

‫‪24‬‬

‫لكن جماعات العنف املسلح‪ ،‬وه��ي الظاهرة اآلن‪ ،‬املنافسة للتيار الرئيس‬ ‫(القاعدة)‪ ،‬التي ظلت تحصد االهتمام وعدسات التركيز‪ ،‬مما أسهم في إهمال‬ ‫نظيراتها حتى تضخمت اليوم وباتت جماعات مستقلة ورئيسة ذات طابع‬ ‫محلي‪ .‬نجد هذا في «قاعدة جزيرة العرب»‪ ،‬ونجده في جماعات العنف في‬ ‫سيناء وفي ليبيا وتونس ومالي وشمال أفريقيا وفي القرن األفريقي‪ ،‬وبالطبع‬ ‫هذه املجموعات تختلف جذريا عن حالة مقاتلي جبهة النصرة أو مثال عن‬ ‫املجموعات الصغيرة املسلحة في لبنان‪ ،‬التي تستهدف بناء توازن مسلح‬ ‫يقابل قوة «حزب الله»‪ ،‬من دون أن تكترث بأكثر من ذلك‪ ،‬وفي كل منطقة من‬ ‫هذه املناطق تختلف جماعات العنف املسلح عن السياق العام لتنظيم القاعدة‪،‬‬ ‫من حيث استهداف املواقع الغربية‪ ،‬ورفع العداء ألميركا والقيام بعمليات كبيرة‬ ‫ونوعية ذات بعد إعالمي‪ .‬على العكس تماما‪ ،‬تنزع جماعات العنف املسلح‬ ‫مثال في سيناء إلى الحفاظ على حدودها االفتراضية للسلطة والسيطرة‪،‬‬ ‫بحيث ال تبحث أبعد عن هذا الهدف إال في حالة تقويض مراكزها الجغرافية‬ ‫في سيناء واملنطقة املحيطة بها‪ ،‬وه��ذا ما يفسر العمليات اإلرهابية اآلن‬ ‫التي تنتقل إلى القاهرة ومحافظات مصر‪ ،‬في مؤشر إلى نجاح حصار تلك‬ ‫الجماعات في سيناء بعد أن عاشت فترة ازدهار في ظل حكم مرسي بسبب‬ ‫إطالق القيادات وحالة التفاوض السياسي بني الجماعة وبينها‪.‬‬ ‫تصورات جماعات العنف املسلح عن ذاتها وأدواره��ا وطريقة أدائها على‬ ‫األرض وحتى طموحاتها على األرض ال يتصل بـ«املتغير السياسي»‪ ،‬لذلك‬ ‫وضعها في سياق جماعات اإلسالم السياسي باعتبار أنها الخيار األسوأ‬ ‫في حال فشل التغيير السلمي مغالطة كبرى وخطيئة سياسية أفرزت لنا هذه‬ ‫التصورات املغلوطة‪ ،‬وأسهم في ذلك أن لحظة الحراك الديمقراطي في املنطقة‬ ‫ما قبل «الربيع»‪ ،‬حيث التبشير بمشروع الشرق األوسط الكبير والتصالح‬ ‫بني الغرب واإلسالم السياسي كانت مبنية على تكريس هذه املغالطة باعتبار‬ ‫أن اإلسالميني الجدد هم البديل املعتدل عن «القاعدة» وأخواتها على طريقة‬ ‫«اإلح�لال الناعم»‪ ،‬في حني أن مراجعة بسيطة ألدبيات ونشأة وتاريخ هذه‬ ‫الجماعات تؤكد أنها ليست داخلة في العملية السياسية‪ ،‬بل هي متجاوزة لها‬ ‫وملفهوم الدولة الذي ال تعترف به‪ ،‬فضال عن أن تخوض معركة االستحواذ‬ ‫على السلطة‪ ،‬هي جماعات تقويضية ذات منزع عقائدي ال ت��رى في غير‬ ‫السالح أسلوبا للتغيير‪ ،‬بل سلوك للحياة‪ ،‬لذلك هم يرون أنهم حتمية وجودية‬ ‫دينية‪ ،‬على اعتبار أن الجهاد ال ينقطع إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫والسؤال‪ :‬ما الذي يفيد في معرفة هذه الفروق املتشعبة جدا في التعامل مع‬ ‫جماعات العنف املسلح؟!‬ ‫التمييز ب�ين ن�ش��أة وأف�ك��ار وس�ي��اق وأه ��داف ك��ل جماعة ه��و مفتاح رئيس‬ ‫في التعامل معها‪ ،‬فالجماعات املحلية الصنع ذات البعد الجهوي والقبلي‬ ‫واالق�ت�ص��ادي‪ ،‬مثل سيناء‪ ،‬ال يمكن اجتثاثها م��ن دون تجريف ب��ذوره��م‬ ‫االجتماعية‪ ،‬بينما األعضاء املقاتلون في مجموعات النصرة والقادمون من‬ ‫دول أوروبا ال يمكن إال اعتبارهم طارئني على املشهد وراحلني بانتهائه‪ ،‬كما‬ ‫أن خطورة الجماعات التي تحولت إلى ما يشبه الدولة كالحالة الصومالية‪،‬‬ ‫وتقترب منها مجموعات أبني وشبوة أكثر بكثير من املقاتلني الهواة الذين‬ ‫ينفذون عمليات انتحارية ف��ردي��ة‪ ،‬أو أولئك األف��راد في املجتمعات الفردية‬ ‫الذين يعبرون عن أزم��ة هوية معزولة بحاجة إلى اندماج أكثر من إرادتهم‬ ‫للتغير العنفي‪.‬‬

‫(هناك العشرات من السير الذاتية التي كتبها عمالء مزدوجون عملوا في‬ ‫استخبارات غربية وانضموا لتنظيمات إرهابية)‪.‬‬ ‫إال أن استغالل الحدث اإلرهابي لصالح قضية أو ملف سياسي بات السمة‬ ‫األبرز ملا يمكن تسميته بـ«اإلرهاب املصلحي»‪ ،‬فالدول املستفيدة من اإلرهاب‬ ‫التي ال تطالها عملياته كثيرة جدا‪ ،‬حيث تحاول هذه الدول‪ ،‬كما املعارضات‬ ‫السياسية‪ ،‬إحراج األنظمة العربية عبر ملف اإلرهاب‪ ،‬لكنها تجهل في غمرة‬ ‫حماستها للتغيير السياسي أن اإلرهاب اليوم تحول إلى أسلوب حياة‪ ،‬فهو‬ ‫ليس كإرهاب األمس فكرة شاذة ومتطرفة‪.‬‬

‫موقف تاريخي‬ ‫موقف امللك عبد الله في كلمته التاريخية األخيرة كان تاريخيا بكل ما‬ ‫تعنيه الكلمة‪ ،‬فقد قطع الطريق على املزايدة في ثنائية اإلرهاب والسعودية‪،‬‬ ‫كما أنه أسس ملواجهة جديدة ال تطال األفكار املجردة وإنما تطبيقاتها‬ ‫على األرض‪.‬‬ ‫األكيد أن موقف السعودية من التطرف واإلرهاب قديم مع تأسيس الدولة منذ‬ ‫أحداث جهيمان في الثمانينات وما تالها من بروز اإلسالم السياسي الحقا‬ ‫فتحوله إلى معارضة ذات طابع سياسي مع حرب الخليج‪ ،‬إلى ما يشبه الدولة‬ ‫داخل الدولة بعد ذلك إلى ضعفه ما بعد سبتمبر وانتقاله من ملفات الداخل‬ ‫إلى الخارج بعد أن أصاب اإلرهاب الداخل السعودي‪ ،‬وجرى االنفصال بني‬ ‫التيارات املسلحة والتيارات املتطرفة فكريا لتصبح األولى مهاجرة‪ ،‬والثانية‬ ‫منظرة أو مبررة أو ممولة أو في أسوء األحوال مستغلة تضخم التطرف املسلح‬ ‫كورقة ضغط سياسية لتمرير أجندتها‪.‬‬ ‫إال أن القرار التاريخي هذه املرة يتميز عن املواقف السابقة التي وقفت فيها‬ ‫الدولة بصرامة تجاه التطرف بأنه يتخذ طابع التشريع‪ ،‬وهو أقوى أنواع التأثير‬ ‫ألن��ه ال يتحدث عن األشخاص أو األح��داث أو األعيان وإنما عن األوص��اف‬ ‫واملحددات القانونية‪.‬‬

‫توقيت حساس‬ ‫تميز القرار بأنه جاء في توقيت مهم جدا تعيش فيه املنطقة مرحلة استحقاقات‬ ‫ما بعد الربيع العربي‪ ،‬وبالتالي خاضت كثير من التيارات والرموز املحسوبة‬ ‫على تيارات فكرية متطرفة في شؤون خارجية بدعوى النصرة مرة وبحجة‬ ‫الوقوف مع املظلوم عبر بيانات سياسية تحمل صفة «التدخل السيادي‪ ،‬وهي‬ ‫أفعال مجرمة قانونا‪ ،‬وأصبح هناك التباس لدى كثير من املراقبني حتى أولئك‬ ‫الذين يعرفون مواقف اململكة السابقة تجاه تصريحات بعض الشخصيات‬ ‫في امللف العراقي والسوري وأخيرا اليمني‪ ،‬وتأزيم وتثوير هذه امللفات لصالح‬ ‫االنتصار لفصيل سياسي واضح ومحدد‪« ،‬وهو اإلخوان»‪ ،‬حتى لو تعارض‬ ‫ذلك مع كل املكونات االجتماعية غير املسيسة‪ ،‬وهي الجماهير العريضة‬ ‫من الشعوب املسلمة‪ ،‬بل وحتى لو استدعى ذلك الهجوم والتحريض ضد‬ ‫التيارات السلفية التي تملك شرعية أكبر على األرض ومرجعية لها امتداد‬ ‫تاريخي عريق‪.‬‬

‫الطابع التشريعي‬

‫ّ‬ ‫ص�ي��غ بطريقة قانونية دق�ي�ق��ة‪ ،‬فقد ع��ل��ق األح �ك��ام على‬ ‫ال �ق��رار ام�ت��از ب��أن��ه ِ‬ ‫األوصاف ال على األعيان ليستفيد من تخبطات املرحلة التي تعيشها بعض‬ ‫الدول في تحويلها امللفات السياسية إلى ما يشبه الحرب ضد األقليات‪ ،‬وهو‪،‬‬ ‫وإن كان قد اكتسب صفة التعاطف الشعبي‪ ،‬فإنه على املدى البعيد قد يحول‬ ‫تلك املجموعات املتطرفة في حال لم تناقش في الهواء الطلق وتبدد حججها‬ ‫إلى أقليات وجماعات سرية‪ ،‬والحقا إلى ما يشبه امليليشيات املتطرفة ذات‬ ‫اإلرهاب املصلحي‬ ‫االمتداد الشبكي‪ ،‬القرار لم ِّ‬ ‫يسم لكنه وضع سياجا واضحا حول استهداف‬ ‫انتقلت وضعية اإلرهاب اليوم من حالة االنفصال بني املجموعات اإلرهابية األمن واألفكار التحريضية‪ ،‬وهو ما يقطع الطريق على املزايدين الذين يدركون‬ ‫والعالم إلى حالة االتصال‪ ،‬التي تبدأ بالتجنيد املباشر والعمالء املزدوجني أن اململكة لم ولن تكون دولة بوليسية على غرار نموذج الدولة «القومية»‪ ،‬التي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬


‫إع�لان امللك الجديد‪ ،‬ال��ذي انتقلت فيه آليات مواجهة اإلره��اب من املواجهة‬ ‫األمنية واملجتمعية إلى تدخل كل مؤسسات الدولة في هذه املعركة الطويلة‪،‬‬ ‫على مستوى الهيئات العلمية والدينية وعلى رأسها املفتي‪ ،‬هناك املزيد من‬ ‫الوضوح وتسمية األشياء بأسمائها‪ ،‬وك��ان من آخر تلك التحوالت النص‬ ‫على الجماعات اإلرهابية بعينها وبأسمائها‪ ،‬حتى ال تلتبس القراءة‪ ،‬بالطبع‬ ‫يتزامن ذلك مع تراجع كبير في تأثير ودور املؤسسات الشرعية ألسباب‬ ‫تتعلق بالبدائل وتطور لغة الخطاب‪ ،‬إال أن هذا املوقف ضمانة قوية للشرائح‬ ‫والفئات االجتماعية التي يؤثر فيها هذا النوع من الخطاب‪ ،‬إضافة إلى أن‬ ‫وجود تشريعات وخطابات ملؤسسات الدولة حول اإلرهاب يقطع كل األقاويل‬ ‫واألساطير التي عادة ما تخرج ملحاولة إحراج اململكة في هذا امللف الحساس‪.‬‬ ‫األم��ر مختلف اآلن تماما؛ اإلره��اب يسعى للبقاء والتمدد عبر إع��ادة بعث‬ ‫مشروع الدولة‪ ،‬بعد أن كان أكبر مطامحه الضغط على األنظمة العربية عبر‬ ‫استهداف مصالح الواليات املتحدة الغربية‪ ،‬لكن أسلوب إدارة الحرب على‬ ‫اإلره��اب‪ ،‬مع الوقت‪ ،‬وعبر طيلة هذه السنوات‪ ،‬استطاع التأثير على مسار‬ ‫العمليات اإلرهابية ليصبح أقل فأقل‪ ،‬بينما يزداد تجذره في الداخل اإلسالمي‬ ‫والعربي ليصبح ج��زءا من النسيج االجتماعي‪ ،‬كما هو الحال في العراق‬ ‫وس��وري��ا واليمن‪ ،‬ويصعد إل��ى س��دة السلطة‪ ،‬كما في الصومال‪ ،‬ويتسيد‬ ‫مشهد التأثير السلبي باستهداف استقرار الدولة‪ ،‬كما هو الحال في مصر‬ ‫وتونس واملغرب وكل بلدان العالم العربي تقريبا‪.‬‬

‫اإلرهاب الجديد‬ ‫مواطنون سعوديون أمام مبنى دمر جزئيا في أعقاب حادث‬ ‫انفجار سيارة مفخخة في مبنى اإلدارة العامة للمرور بحي‬ ‫الوشم في قلب العاصمة السعودية الرياض وادت الى مقتل‬ ‫وجرح العديد من االشخاص (‪ 21‬أبريل ‪)2004‬‬

‫توظيف الواليات املتحدة وبشكل دعائي لكارثة ‪ 11‬سبتمبر بطرق كثيرة‬ ‫تجاوزت األطر الحقوقية والقانونية التي قامت عليها ديمقراطيتها ساهم‬ ‫ف��ي ارت�ف��اع أص��وات النقد حتى م��ن حلفائها‪ ،‬فانتهاك س�ي��ادة دول كثيرة‬ ‫كباكستان واليمن وأفغانستان والصومال لضرب أهداف متوهمة هو أحد‬ ‫املؤشرات الخطيرة على ذلك التوظيف السلبي مللف مكافحة اإلرهاب‪ ،‬وهو‬ ‫األمر الذي قوبل بكثير من االستهجان الشعبي الذي بدأ يتضخم ككرة الثلج‪،‬‬ ‫ويرى في الحرب على اإلرهاب فائدة كبيرة لإلرهابيني أنفسهم الذين حصدوا‬ ‫ثمار التصعيد العسكري غير املتزن بابتالع حصة أكبر من األنصار الذين‬ ‫أصبح استقطابهم سهال ما دامت املواجهة بالنسبة إليهم تحولت إلى خيار‬ ‫القتيل أو القاتل‪.‬‬

‫االنحسار االقتصادي‬ ‫تلق بظاللها‬ ‫مواجهة االنحسار االقتصادي التي سبقت أزمنة الثورات لم ِ‬ ‫على الدول الكبرى أو الصغرى‪ ،‬بل حتى على التنظيمات املتطرفة واإلرهابية‪،‬‬ ‫ففي الجانب املالي تأثرت «القاعدة» كثيرا بالحرب االقتصادية عليها حيث‬ ‫أصابت استراتيجيتها املالية تحوالت كثيرة من أب��رزه��ا أنها انتقلت من‬ ‫طريقة الشبكات التمويلية إلى طلب التبرع برسائل عامة محفوفة بمخاطر‬ ‫أمنية‪ ،‬وهو ما يؤكد الفشل في إيجاد مصادر تمويل غير تقليدية كمشاريع‬ ‫مستقلة ضخمة ذات عوائد مستمرة‪ ،‬واالعتماد على التبرعات الفردية أو‬ ‫التحويالت الصغيرة نابع من اليقظة التي يعيشها العالم وتحول اإلره��اب‬ ‫إلى ظاهرة عاملية‪ ،‬حيث أصبح نقل األموال أكثر خطورة وأشد صعوبة‪ ،‬ال‬ ‫سيما أن هناك قوائم متجددة بالكيانات واألفراد التي تقدم مساعدة مالية‬ ‫للتنظيمات اإلرهابية‪.‬‬

‫أحجية اإلرهاب القديمة تبدلت‪ ،‬فالتصورات القديمة عنه تتعرض للتهشم في‬ ‫ظل التحوالت السريعة التي يعيشها اإلره��اب اليوم‪ ،‬الذي ال يمكن تجاوزه‬ ‫ب ��أدوات األم��س نفسها‪ ،‬فنحن ن��واج��ه ح��زم��ة واس�ع��ة ال�ت�ن��وع والتعقيد من‬ ‫اإلرهاب؛ فهناك إرهاب الدولة‪ ،‬إرهاب املنظمات‪ ،‬إرهاب الفوضى‪ ،‬كما أننا اليوم‬ ‫نواجه مئات التنظيمات التي تحتاج إلى قراءة مختلفة بسبب االختالف في‬ ‫السياق واألهداف‪ ،‬ال سيما بعد «تغول» الجانب السياسي في الدافع اإلرهابي‬ ‫ُ‬ ‫اآلن‪ ،‬فال يمكن قراءة «بوكو حرام» كما تقرأ «داعش»‪ ،‬أو مجرد ربط «القاعدة»‬ ‫اليوم باملجموعات الجهادية املبكرة في مرحلة أفغانستان‪ ،‬حني كان كل شيء‬ ‫بدائيا‪ ،‬وتختلط فيه الدوافع الدينية بالسياسية باالستفادة من املقاتلني في‬ ‫تسخني الحرب الباردة بني املعسكر الشرقي والواليات املتحدة وحلفائها‪.‬‬ ‫الحقيقة اليوم مختلفة تماما‪ ،‬فمقاربة التنظيم الواحد باتت مسألة بحاجة إلى‬ ‫تتبع وقراءة تأملية دقيقة تختلف بحسب مناطق وجوده‪ ،‬فـ«قاعدة» اليمن‬ ‫تختلف عن «القاعدة» في ليبيا‪ ،‬كما أن خصوصية املكان تطغى على كثير‬ ‫من التنظيمات األخ��رى‪ ،‬كما هو الحال في اإلره��اب ال�ح��دودي في سيناء‪،‬‬ ‫لكن كل ه��ذه االختالفات والتنوعات تلقي بعبئها األمني واالستراتيجي‬ ‫على املناطق التي تستهدفها‪ ،‬وعلى حالة االستقرار في العالم‪ ،‬ال سيما مع‬ ‫تصاعد موجة التجنيد واالستقطاب للكوادر الجديدة التي يفرزها الواقع‬ ‫املحبط بكميات غير مسبوقة‪.‬‬ ‫العالم الداخلي لجماعات العنف املسلح‪ ،‬وعلى رأسها «القاعدة» وأخواتها‪،‬‬ ‫متشابك ومعقد وكثيف الظالل‪ ،‬عكس ما يبدو أنه بسيط ومباشر‪ ،‬وذلك‬ ‫عبر تصويرهم كأشخاص ناقمني وموتورين يسعون للتغيير عبر استخدام‬ ‫العنف‪.‬‬

‫التطور الذي‬ ‫عرفته الجماعات‬ ‫اإلرهابية منذ‬ ‫بذرة أفغانستان‬ ‫وصوال إلى‬ ‫حلم الدولة في‬ ‫«داعش» لم‬ ‫يكن ليتطور‬ ‫لوال صعود‬ ‫اإلسالم السياسي‬ ‫الرافد الرئيس‬ ‫لألصولية‬ ‫الحديثة‬

‫سذاجة الربيع العربي‬

‫هذا التبسيط في فهم هذه الظاهرة أدى إلى كوارث حقيقية ال سيما في مرحلة‬ ‫الربيع العربي الذي سعى منظروه وحاملوه إلى تهميش مكون أساسي في‬ ‫املشهد السياسي العاملي‪ ،‬وهو «جماعات العنف املسلح»‪ ،‬التي تختلف عن‬ ‫جماعات اإلس�لام السياسي‪ ،‬وإن كانت منبثقة عنها في الرؤية والتكوين‬ ‫الفكري والقضايا العامة‪ ،‬إال أنها تختلف عنها باعتبارها جماعات فوضوية‬ ‫مشروع الدولة اإلرهابية‬ ‫ذات منزع عقائدي وليست جماعة سياسية تهدف إلى السيطرة على مفاصل‬ ‫تفرض التحديات اآلن إعادة تقييم ملرحلة الحرب على اإلرهاب ال سيما بعد املجتمع عبر شعارات دينية‪ .‬القاعديون ال يكترثون باملتغير السياسي إال من‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫اسامة‬ ‫بن الدن‬

‫‪23‬‬


‫قصة الغالف‬

‫التحول الحقيقي ال��ذي أحدثه اإلس�لام السياسي لم يكن إال على مستوى‬ ‫األف��ك��ار‪ ،‬فلم يدخل الناس اإلس�لام بعد أن كانوا به كافرين‪ ،‬وال الحماسة‬ ‫الدينية ازدادت عن مرحلتها السابقة‪ ،‬وإنما جرى اإلمساك بمفاصل املجتمع‬ ‫ومصادر التلقي فيه‪ ،‬تغيرت خطب الجمعة وظهرت طبقات جديدة فاعلة‬ ‫في املجتمع‪ ،‬حيث تراجع العالم التقليدي‪ ،‬وأصبح معزوال ببعض طالبه‬ ‫النخبويني‪ ،‬وظهرت طبقة الدعاة‪ ،‬وهي مرتبة دينية مبتدعة بجدتها‪ ،‬ولم تكن‬ ‫كباقي املناصب الدينية الرسمية وغير الرسمية امتدادا لسياقها التاريخي‬ ‫منذ عهد اإلسالم املبكر‪ ،‬وتلك قصة في غاية األهمية‪ ،‬إذا ما علمنا أن الطبقات‬ ‫الجديدة التي ظهرت؛ «الدعاة»‪ ،‬و«املفكر اإلسالمي»‪ ،‬و«املجاهد» و«املحتسب»‪..‬‬ ‫ساهمت في تصدعات اجتماعية عميقة‪ ،‬كما أنها اكتسبت الكثير مع الوقت‬ ‫بسبب سهولة االنتساب لهذه الطبقات التي يمكن االنضمام لها دون شروط‬ ‫ومواصفات عالية‪ ،‬وف��ي النهاية نحن في مرحلة حصاد الرتباك وتداخل‬ ‫عقود‪ ،‬وبالتالي فال يمكن الشروع في تجاوز املرحلة إال بعد فهمها جيدا‪،‬‬ ‫واستنباط الدروس الكثيرة منها لكل األطراف‪.‬‬

‫الطائفة الشيعية‬ ‫من السعوديني‬ ‫الذين رأوا في‬ ‫طرح امللك عبد‬ ‫الله ملسألة‬ ‫الحوار ليس‬ ‫فقط بني‬ ‫املذاهب‪ ،‬وإنما‬ ‫األديان نقطة‬ ‫ِّ‬ ‫مشجعة‬ ‫انطالق‬ ‫وسرعان ما‬ ‫انعكس ذلك على‬ ‫الواقع‬

‫هجرة اإلرهاب‬ ‫مرحلة املناصحة هذه كانت كفيلة بهجرة «اإلره��اب» من الداخل‪ ،‬وانتقاله‬ ‫إلى مناطق توتر ودول مجاورة‪ ،‬وأصبحت «القاعدة في جزيرة العرب» تتخذ‬ ‫من اليمن مسرحا لها‪ ،‬ولم يكن هذا القرار تنظيميا محضا‪ ،‬وإنما ساهمت‬ ‫الضربات االستباقية واالستراتيجية الجديدة في الحرب على اإلرهاب‪ ،‬في‬ ‫ذلك وذلك‪ ،‬من خالل عدد من املرتكزات األمنية التي لألسف لم تأخذ حظها‬ ‫من الطرح اإلعالمي‪ ،‬ومن أبرزها‪ :‬نجاح االستراتجيات األمنية الجديدة ساهم‬ ‫في الحيلولة دون اتخاذ أراضي اململكة مسرحا للتخطيط وجمع التبرعات‬ ‫والتمويل وتنفيذ الجرائم‪ ،‬حيث بات من الصعب تسلل العناصر اإلرهابية‬ ‫إليها أو إقامتها على أراضيها فرادى أو جماعات أو استقبالها أو إيواؤها‬ ‫أو تدريبها أو تسليحها أو تمويلها أو تقديم أي تسهيالت ل��ه��ا‪ ،‬كما أن‬ ‫املجموعات املتطرفة وج��دت صعوبة ف��ي العيش ب��أم��ان ف��ي ال��داخ��ل بحكم‬ ‫تبدل استراتيجيات املواجهة من أمنية إلى مواجهة شاملة‪ .‬من جهة أخرى‬ ‫ساهمت االستراتيجية الشاملة في التعاون والتنسيق بني ال��دول العربية‪،‬‬ ‫وخاصة املتجاورة منها‪ ،‬التي تعاني من الجرائم اإلرهابية بصورة متشابهة‬ ‫أو مشتركة‪ ،‬إضافة إلى تطوير وتعزيز األنظمة املتصلة بالكشف عن نقل‬ ‫واستيراد وتصدير وتخزين واستخدام األسلحة والذخائر واملتفجرات‪،‬‬ ‫وغيرها من وسائل االعتداء والقتل والدمار‪ ،‬وإجراءات مراقبتها عبر الجمارك‬ ‫والحدود ملنع انتقالها من دولة إلى أخرى‪.‬‬

‫الحمالت األميركية‬

‫جهيمان‬ ‫العتيبي‬

‫‪22‬‬

‫وعلى عكس واقع األحداث على األرض عنها في شاشات التلفزيون‪ ،‬فإن ملف‬ ‫الحرب على اإلرهاب على الطريقة األميركية ساهم في تعزيز التعاطف مع‬ ‫اإلرهابيني الذين كانوا يلقون حتفهم عبر طائرات بال طيار‪ ،‬لكنها تحصد‬ ‫معهم العشرات من األبرياء‪ ،‬وتخلف غضبا على األرض يكون دافعا رئيسا‬ ‫في املزيد من التجنيد واستقطاب كوادر متطرفة‪ .‬وحتى بعد مجيء أوباما‬ ‫وكلمته الشهيرة في جامعة القاهرة التي حاولت التأسيس لعالقة جديدة مع‬ ‫العالم اإلسالمي‪ ،‬لم يفلح ذلك كله في تحسني صورة الواليات املتحدة في ظل‬ ‫تراجع عمليات «القاعدة» وانهيار بنائها التنظيمي‪ ،‬فاآلثار املترتبة على مرحلة‬ ‫الحرب على اإلرهاب والتدخل األميركي في املنطقة ما زالت تلقي بظاللها‪،‬‬ ‫ذلك أن اإلدارة األميركية الجديدة لم تستطع الخروج بنجاح من اإلرث الفاشل‬ ‫ل�لإدارة األميركية السابقة سيئة الذكر (عهد ب��وش)‪ ،‬التي ارتكبت ك��وارث‬ ‫كثيرة‪ ،‬حيث فشلت في التعامل مع امللفات الحساسة التي تمس العاملني‬ ‫العربي واإلسالمي‪ ،‬من خالل ارتجالها غير املدروس في مسألة الحرب على‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬بدءا بملف أفغانستان‪ ،‬ومرورا بالعراق فالصومال‪ ،‬وهو األمر الذي‬ ‫َّ‬ ‫جيش الشارع العربي واإلسالمي ضد سياساتها الخارجية‪ ،‬وخلق خطابا‬ ‫مضادا عبر األدوات الخطابية املؤثرة نفسها‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫ماذا ل‬ ‫و لم تواجه الس‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ية‬ ‫ا‬ ‫إل‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ب‬ ‫باستر‬ ‫اتيجية شاملة؟‬

‫أرقام مفزعة‬

‫ربما ال‬ ‫الت سؤال سيكون إنش‬ ‫ائ‬ ‫يا‬ ‫لو‬ ‫ك‬ ‫ان‬ ‫ال‬ ‫ح‬ ‫دي‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫ي طالت السعودية دون الحديث عن كم عن حجم التهديدات‬ ‫ية‬ ‫مكن‬ ‫إر تسميته «إرث اإلرهاب»‪ ،‬ليس الفكر املضبوطات‪ ،‬أو ما‬ ‫ي‬ ‫ثه ا‬ ‫ال مل��ادي‪ ،‬إذا ما علمنا مضبوطات وزا أو التنظيري‪ ،‬وإنما‬ ‫خط‬ ‫رة‬ ‫ه رة التي جرى اكتشافها بحوزة الخ الداخلية من املواد‬ ‫ال‬ ‫نا بع‬ ‫يا اإلرهابية‪.‬‬ ‫‪ - 1‬ض األرقام التي تحا‬ ‫ول‬ ‫ا‬ ‫إل‬ ‫جا‬ ‫بة‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫كمية من امل��واد التفجيرية املتنوعة ب ذا السؤال‪ :‬ماذا لو؟‬ ‫لغ‬ ‫‪.002‬‬ ‫ا ‪ 23.893‬ألف كيلوغرام‪ ،‬علما بأن ال ت زنتها ما يقارب‬ ‫ست‬ ‫كم‬ ‫ك خدمت في مجمع املحيا السكني تترا ية التفجيرية التي‬ ‫وح‬ ‫يلوغرام‪.‬‬ ‫بني ‪ 300‬إلى ‪500‬‬ ‫‪ 431 - 2‬ق‬ ‫بقطع نبلة يدوية‪ ،‬منها ما‬ ‫جر‬ ‫ى‬ ‫صن‬ ‫عه‬ ‫م‬ ‫و معدنية لضمان إحداث أكبر قدر م حليا بعد تعبئتها‬ ‫نا‬ ‫منها ما هو مصن‬ ‫إلصابات البشرية‪،‬‬ ‫‪ 674 - 3‬كبس وع في دول أخرى‪.‬‬ ‫ولة ناس‬ ‫فة إلشعال املواد امل‬ ‫تف‬ ‫ج‬ ‫رة‬ ‫ال‬ ‫ست‬ ‫في ‪ 350‬تفجيرا‪.‬‬ ‫خد‬ ‫امها‬ ‫‪ 301 - 4‬قذي‬ ‫بعد لتدم فة «آر بي جي» مع‬ ‫دو‬ ‫اف‬ ‫عه‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وه‬ ‫ي‬ ‫سالح يطلق عن‬ ‫‪ 4 - 5‬ير أهداف مختلفة‪.‬‬ ‫‪ 30‬أح��زم��ة ن��اس��‬ ‫ف��ة ج��اه��زة للتفج‬ ‫ير‬ ‫ب‬ ‫��‬ ‫م‬ ‫��ا‬ ‫انتحاري‪.‬‬ ‫ي‬ ‫��‬ ‫ك‬ ‫��‬ ‫ف‬ ‫��‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫���ـ‪300‬‬ ‫‪ 1020 - 6‬ق‬ ‫ومسدس طعة سالح منوعة‬ ‫ب‬ ‫ني‬ ‫ر‬ ‫شا‬ ‫شا‬ ‫ت‬ ‫وبنادق‪.‬‬ ‫«كالشنيكوف»‬ ‫‪ 325 - 7‬أل‬ ‫‪30‬‬ ‫لنا أن ف و‪ 8‬طلقات ذ‬ ‫خي‬ ‫رة‬ ‫ح‬ ‫ية‬ ‫أل‬ ‫سل‬ ‫نتخ‬ ‫حة متنوعة‪.‬‬ ‫تعاملنا يل حجم الدمار الذ‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫ان‬ ‫سي‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫كل شيء‪ ،‬لو أننا‬ ‫مع اإلرهاب بمعايير‬ ‫مزدوجة وانتقائية‪.‬‬


‫واإلقصاء والتمييز االجتماعي ألسباب تطهرية دينية وصوال إلى الجانب‬ ‫الفكري التكفيري والنفي‪ ،‬وهي تشمل دائرة أوسع بكثير من مجرد جماعات‬ ‫اإلرهاب التقليدية؛ «القاعدة» وأخواتها‪ ،‬وصوال إلى «داعش» اليوم‪ ،‬فاألحداث‬ ‫اإلرهابية التي جرى الكشف عنها أفرزت فراغا مجتمعيا في التعامل مع‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬فاملجتمع السعودي كل مرة كان يفاجئ بتورط الكوادر العنفية‪،‬‬ ‫لكنه ت��أخ��ر كثيرا ف��ي ال �س��ؤال ع��ن لحظة ال�ت�ح��ول وغ�ي��اب دور األس ��رة أو‬ ‫تجاهلها‪ ،‬بحجة الخوف والقلق على املصلحة الشخصية لالبن‪.‬‬ ‫وبإزاء الحلول الكثيرة التي طرحتها التجربة‪ ،‬فإن التحوالت املستمرة التي‬ ‫يعيشها عالم اإلرهاب اليوم تفرض متابعة حثيثة وتطويرا لالستراتيجيات‪،‬‬ ‫فعلى سبيل امل�ث��ال‪ ،‬الح��ظ الباحثون أن اإلره ��اب فيما يخص «التجنيد»‬ ‫يمر بتحوالت كثيرة‪ ،‬منها أنه في طور االنتقال من الطريقة الشبكية التي‬ ‫تحدث عنها خبراء اإلرهاب في بداياته إلى التجنيد الفردي حيث ال يجري‬ ‫االلتحاق ملجموعات متطرفة بشكل تنظيمي هيكلي‪ ،‬ولذلك فإن التعرف‬ ‫عليهم يكون عسيرا في الغالب‪ ،‬بسبب غياب السمات الشخصية أو العالمات‬ ‫الدالة‪ ،‬وحرصهم على السرية والتكتم في خطواتهم التي يقدمون عليها‪،‬‬ ‫ومن طبيعة ه��ؤالء املجندين الصغار غير املرتبطني هيكليا أن يحرصوا‬ ‫على االنضمام السريع إلى العراق أو اليمن أو سوريا عبر وسطاء في دول‬ ‫مجاورة‪ ،‬كما تحرص الجماعات املتطرفة على تجنيد هذه النوعية لسهولة‬ ‫التأثير عليها وإقناعها بالقيام بعلميات انتحارية من دون تفكير أو فحص‬ ‫للعواقب‪.‬‬

‫ال شيء في الخفاء‬ ‫االستراتيجية ال�ج��دي��دة ف��ي مكافحة اإلره ��اب ات�خ��ذت م��ن م�ب��دأ الشفافية‬ ‫والوضوح منهجا لها‪ ،‬وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير مع حساسية قطاع‬ ‫األمن بما يتجاوز قطاعات أخرى ما زالت تفتقد ذات الصراحة‪ ،‬فجرى تعيني‬ ‫متحدث رسمي لوزارة الداخلية الذي ال ينتظر للصدفة تفسير األحداث‪ ،‬وهذا‬ ‫الكم من التكهنات والتخرصات التي عادة ما تعقب أي حادثة إرهابية على‬ ‫مستوى تفسيرها أو توجيه أصابع االتهام إلى هذه الجهة أو تلك بناء على‬ ‫مواقف مسبقة‪ ،‬بل كان يظهر في الغالب عقب الحادثة بساعات قليلة‪ ،‬أو‬ ‫تصدر الداخلية بيانا تفصيال يتحدث عن الواقعة سواء كانت عمال إرهابيا‬ ‫أو القبض على أحد املطلوبني أو توضيحا الستهداف مقرات حكومية‪ ،‬أو‬ ‫حتى ردا على بيانات جماعات اإلره��اب التي تحاول بال ه��وادة استغالل‬ ‫األحداث وإثارة الرأي العام عبر بيانات وأدواتها اإلعالمية املتقدمة‪.‬‬

‫التطرف الفكري‬ ‫ُ‬ ‫واستحدثت في وزارة الداخلية برامج كثيرة ملواجهة التطرف الفكري‪ ،‬كان‬ ‫من أبرزها برنامج اإلرشاد من قبل لجنة استشارية يرأسها وزير الداخلية‬ ‫شخصيا‪ ،‬ولها ع��دا مركزها الرئيس ب��ال��ري��اض سبعة ف��روع تشمل أهم‬ ‫مناطق اململكة‪ ،‬هدف هذه اللجنة هو محاولة فهم أعمق لألفكار املسيطرة‬ ‫على الشخصية اإلره��اب�ي��ة وح��واره��ا‪ ،‬وتشمل أرب��ع ل�ج��ان؛ اللجنة الدينية‬ ‫الفرعية‪ ،‬واللجنة النفسية واالجتماعية الفرعية‪ ،‬واللجنة األمنية الفرعية‪،‬‬ ‫واللجنة اإلعالمية الفرعية‪.‬‬ ‫اللجنة الدينية تتألف من ‪ 150‬من املتخصصني في الشريعة والدعاة املعتدلني‬ ‫يقومون بالحوار املباشر مع السجني في ظروف مالئمة‪ ،‬ورغم نجاح هذه‬ ‫الطريقة وفعاليتها‪ ،‬فإنها بحاجة إلى تطوير أوسع لالنتقال بها من نقاش‬ ‫األف�ك��ار املباشر إل��ى فهم «العقل اإلره��اب��ي» م��ن ال��داخ��ل‪ ،‬ال��ذي يحتاج إلى‬ ‫دراسات بحثية تقدم خالصاتها إلى هذه اللجان التي تتفاجأ أحيانا بالثقافة‬ ‫الشرعية للسجني‪ ،‬فقد ال تعطي النتائج نفسها التي يعطيها الحوار مع‬ ‫شاب صغير ُم َّ‬ ‫غرر به‪.‬‬ ‫اللجنة النفسية واالجتماعية يقوم عليها ‪ 50‬شخصية من املتخصصني‬ ‫في علم النفس التحليلي والعالجي والباحثني االجتماعيني ومقيمني للحالة‬ ‫والسلوك‪ ،‬ويساهمون في كتابة تقرير عن الحالة‪ ،‬وربما كان تأثير مثل هذه‬

‫اللجنة على أهميته أقل من اللجنة الدينية‪ ،‬إذا ما أخذنا في االعتبار أن جذر‬ ‫األزمة في العقل اإلرهابي يعود إلى القناعات أكثر من كونه سلوكا نفسيا‬ ‫مضطربا‪ ،‬وه��و ما يحيل إل��ى ض��رورة مراجعة مفاهيم اإلره��اب وأنواعه‬ ‫الجديدة واملتغيرة‪ .‬كما أن إض��اف��ة خ�ب��راء ف��ي العلوم السياسية إل��ى هذه‬ ‫اللجان ُي ّ‬ ‫عد أمرا ّ‬ ‫ملحا بعد دخول «لعبة االستخبارات» اليوم على املجموعات‬ ‫اإلره��اب�ي��ة ف��ي مناطق التوتر‪ .‬إض��اف��ة إل��ى ض��رورة تعميم تجربة الخبراء‬ ‫لتشمل دوال ومناطق أخرى جديدة منتجة للتطرف‪ ،‬ومنه «اإلرهاب األشقر»‬ ‫املتصاعد‪ ،‬الذي سيكون املوجة املقبلة‪ ،‬كما يتوقع كثير من املحللني‪ ،‬حيث‬ ‫الخاليا النائمة في ال��دول األوروبية‪ ،‬ال سيما بريطانيا وفرنسا‪ ،‬بدأت في‬ ‫التزايد‪ ،‬وهو ما يعني قراءة جديدة ومختلفة لفهم الدوافع‪ .‬هناك لجان أخرى‬ ‫إعالمية وإرشادية تعمل على تقديم الخدمات التعليمية والتربوية للسجناء‪،‬‬ ‫وهي تؤدي عملها بشكل جيد إجماال‪ ،‬إال أن من املهم هو عدم الوقوع في فخ‬ ‫البيروقراطية‪ ،‬وتحول عملية املناصحة إلى مجرد وظيفة‪ ،‬بدال من مبادرة‬ ‫مجتمعية قائمة على محاولة اإلنقاذ وليس مجرد أداء عمل روتيني‪.‬‬

‫أصداء املناصحة‬ ‫وعلى طريقة «الحق ما شهدت به األعداء»‪ ،‬فإن صدى برامج املناصحة لوزارة‬ ‫الداخلية قد ّ‬ ‫عم أرجاء العالم‪ ،‬باعتباره تجربة مثيرة ونموذجا قابال للتكرار‪،‬‬ ‫كتبت الكثير من الرسائل الجامعية واملقاالت والبحوث امليدانية عن التجربة‪،‬‬ ‫وقدم صحافيون غربيون بارزون لالطالع على التجربة‪ ،‬والتأكد من أنها‬ ‫ليست حملة عالقات عامة هدفها الدعاية لعمل الوزارة‪.‬‬ ‫إال أن األثر األكبر كان في استغالل نتائج املناصحة إعالميا‪ ،‬وإن بشكل لم‬ ‫يصل إلى حدود املأمول‪ ،‬إال أن االعترافات التي جرى بثها ألفراد عادوا عن‬ ‫قناعتهم وتحدثوا عن تجربتهم بشكل تفصيلي‪ ،‬كانت وما زالت واحدة من‬ ‫أهم املواد اإلعالمية التي وضعت مفاتيح لفهم طريقة تفكير العقل اإلرهابي‪،‬‬ ‫وآليات التجنيد والتمويل‪.‬‬

‫ُ‬ ‫استحدثت في‬ ‫وزارة الداخلية‬ ‫برامج كثيرة‬ ‫ملواجهة التطرف‬ ‫الفكري‪ ،‬كان من‬ ‫أبرزها برنامج‬ ‫اإلرشاد من قبل‬ ‫لجنة استشارية‬ ‫يرأسها وزير‬ ‫الداخلية‬ ‫شخصيا‬

‫صمت العلماء‬ ‫وإذا كان في إشارات امللك في كلمته التاريخية نقد الذع للمرجعيات الدينية‬ ‫السنية بأنواعها املختلفة‪ ،‬فهو وصف بعضها بالكسل‪ ،‬وآخرين بالصمت‪،‬‬ ‫في إشارة إلى تقاعس املؤسسات الدينية التقليدية‪ ،‬وإلى صمت الحركات‬ ‫والرموز والجماعات اإلسالمية املعتدلة بحجج واهية‪ ،‬إال أنه يمكن القول إن‬ ‫ّ‬ ‫هذا الكسل والصمت تفسره تحوالت وتبدالت عميقة في واقع اإلسالم السني‬ ‫اليوم الذي يعاني من أزمة غياب املرجعيات الدينية الفاعلة واملؤثرة‪ ،‬وعودة‬ ‫كثير من الخطابات اإلسالموية ذات الطابع املدني إلى مربع «تبرير العنف»‪،‬‬ ‫مع التحفظ على إدانة فاعليه‪ .‬العالم اإلسالم اليوم ال يبشر بخير في ظل‬ ‫هذا االستقطاب السياسي‪ ،‬الذي تعيشه املنطقة‪ ،‬وفي ظل حال «الفشل»‬ ‫باتجاه أي تغييرات حقيقية في القضايا الكبرى العالقة التي باتت‬ ‫تستنزف الكثير من الجهد الذي كان يمكن أن ُي َّ‬ ‫جير لحساب التنمية‬ ‫والتطوير واالستثمار في اإلنسان العربي واملسلم‪.‬‬

‫تحالفات مشبوهة‬ ‫التطور ال��ذي عرفته الجماعات اإلره��اب�ي��ة منذ ب��ذرة‬ ‫أفغانستان وص��وال إل��ى حلم ال��دول��ة ف��ي «داع��ش»‪،‬‬ ‫ل��م يكن ليتطور ل��وال ص�ع��ود اإلس�ل�ام السياسي‬ ‫ال��راف��د ال��رئ�ي��س ل�لأص��ول�ي��ة ال�ح��دي�ث��ة ال�ت��ي تعتبر‬ ‫الجماعات اإلرهابية التعبير املسلح عن الفكرة‬ ‫املتطرفة‪ ،‬لذلك كانت معالجة التعبيرات العنفية‬ ‫بمعزل عن مكونها السياسي والتنظيري واحدة‬ ‫من إشكاليات الحرب على اإلرهاب‪ ،‬وليس على‬ ‫التطرف ككل‪.‬‬

‫وزير الداخلية‬ ‫السعودي األمير‬ ‫محمد بن نايف‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪21‬‬


‫قصة الغالف‬

‫خيارات الحلول األمنية متى ما تعذر الوصول إلى حلول لجان املناصحة‬ ‫التي رغم حداثة التجربة والنقص واألخطاء التي ترافق أي مشروع من هذا‬ ‫النوع تحولت إلى أنموذج فريد تتسابق مراكز األبحاث لدراسته عن كثب‪.‬‬

‫مئات العائدين‬

‫حرب الخليج‬ ‫أسهمت في‬ ‫انفصال‬ ‫وانشطار الذات‬ ‫بني اإلسالم‬ ‫السياسي‬ ‫و«القاعدة» سببه‬ ‫اختالف الوسائل‬ ‫مع اتحاد‬ ‫الغايات إلى أن‬ ‫جاءت لحظة ‪11‬‬ ‫سبتمبر‬

‫وف��ي التفاصيل‪ ،‬يمكن القول إن ثمة املئات ممن دخلوا مراكز املناصحة‬ ‫خرجوا إلى الحياة العادية بعد أن ُولدوا من جديد‪ُ ،‬ومنحوا فرصة استئناف‬ ‫حياة مختلفة بعد أن عانوا من التطرف طويال‪ ،‬وربما لو كان قدرهم الوقوع‬ ‫رهن االعتقال في مكان آخر من مناطق التوتر‪ ،‬أو حتى غوانتانامو‪ ،‬لكان‬ ‫مصيرهم أسوأ بكثير‪.‬‬ ‫األرقام التي ال تكذب عادة تقول‪ ،‬وهي منشورة ومتاحة (مكتبة جامعة األمير‬ ‫نايف للعلوم األمنية مصدر ثري جدا للمعلومات الخام حول ملف العنف‬ ‫مضن‪ .‬إن أقل من ‪%4‬‬ ‫السعودي) ليست سرا وال تحتاج إلى تنقيب أو بحث‬ ‫ٍ‬ ‫من إجمالي الذين دخلوا برامج املناصحة‪ ،‬وهم باملئات‪ ،‬ع��ادوا إلى تجربة‬ ‫التطرف مجددا‪ ،‬وهناك من منح الفرصة أكثر من مرة‪ ،‬كما أن حجم اإلنفاق‬ ‫على املستفيدين من برامج الوزارة أكثر من ‪ 49‬مليون ريال للمعتقلني‪ ،‬املطلق‬ ‫سراحهم ‪ 77‬مليون ري��ال‪ ،‬العائدين من غوانتانامو ‪ 10‬ماليني ري��ال‪ ،‬الفئة‬ ‫الضالة ‪ 35‬مليون ريال‪ ،‬رواتب خاصة للمستفيدين ‪ 222‬مليون ريال‪ ،‬وهو‬ ‫ما آمن به الوزير الشاب محمد بن نايف كجزء من االستثمار في اإلنسان‬ ‫السعودي‪ ،‬وعدم النظرة ملن وقع في براثن التطرف بمعيار واحد‪.‬‬

‫نموذج عمل‬ ‫أربعة أعوام كانت كفيلة بأن يتحول برامج إعادة التأهيل واملناصحة إلى ما‬ ‫يسمى نموذج عمل ‪ Business model‬في دول كثيرة كاليمن وإندونيسيا‬ ‫وماليزيا وحتى األردن وال�ج��زائ��ر وص��وال إل��ى ت�ج��ارب غربية ك��ان أبرزها‬ ‫التجربة البريطانية وبعض تجارب الجيش األميركي في سجون العراق‪.‬‬ ‫ما يجهله الكثيرون في برامج املناصحة أنها قامت بالتوازي مع حمالت‬ ‫تغيير الرأي العام قادتها الصحافة الورقية التقليدية التي واجهت اإلرهاب‬ ‫بملفات وتحقيقات لم تصل إلى الحد املأمول‪ ،‬لكنها في النهاية قامت بأدوار‬ ‫إيجابية جدا في سبيل تعزيز الشرعية وتفكيك خطابات التسييس مللف‬ ‫اإلرهاب أو محاوالت إسقاط املوقف النقدي من السلفية على ملف اإلرهاب‬ ‫بشكل انتقائي ومؤدلج‪ ،‬في حني أن التيار العريض للسلفية الرسمية ساهم‬ ‫في تعزيز تلك الشرعية عبر مواجهة اإلرهاب بلغة دينية ربما لم تجد تأثيرها‬ ‫في الشارع إال أنها سجلت مواقف مضادة يمكن االتكاء عليها مع جمهور‬ ‫هذه املؤسسات الدينية الرسمية من عموم املكونات االجتماعية الالمنتمية‪.‬‬ ‫املنحنى السعودي ما بعد موجهة إره��اب األلفية خ��رج من ح��رب األح��داث‬ ‫اإلرهابية بطابعها الجنائي إلى اعتبارها حرب أفكار‪ ،‬وحينها أطلق خادم‬ ‫الحرمني الشريفني كلمته الشهيرة بأن الحرب على اإلرهاب ستدوم طويال‪.‬‬

‫إعادة التأهيل‬ ‫في البداية‪ ،‬كانت الفكرة غريبة بعض الشيء إذا ما أخذنا في االعتبار طبيعة‬ ‫وفظاعة األعمال اإلرهابية‪ ،‬وانتشار الخاليا النائمة من الشبان الذين تدربوا‬ ‫في مناطق التوتر على مدى ‪ 3‬عقود كانت كفيلة بإخراج أجيال من املنخرطني‬ ‫في أفكار التكفير والعنف املسلح‪ ،‬فمثل هذه الحالة عادة ما تكون القبضة‬ ‫األمنية الحل الوحيد‪ ،‬رأينا ذلك في مواجهة جماعات الجهاد املصرية منذ عهد‬ ‫عبد الناصر وما بعد اغتيال السادات‪ ..‬إلخ‪ ،‬إال أن االستراتيجية السعودية‬ ‫الجديدة في مكافحة اإلره��اب حملت أفكارا شابة وطموحة من قبل وزير‬ ‫الداخلية األمير محمد بن نايف‪ ،‬الذي كان عراب الحرب على اإلرهاب في طوره‬ ‫الجديد إلى الحد الذي ظل وما زال هدفا للجماعات اإلرهابية‪.‬‬ ‫إع��ادة التأهيل ك��ان��ت أق��رب إل��ى برنامج ش��ام��ل منها إل��ى ج��رع��ات نصائح‬ ‫املشايخ التقليديني‪ ،‬ال�ت��ي ك��ان��ت تحظى ف��ي السابق بسخرية واستهجان‬

‫‪20‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫سجناء اإلرهاب ألسباب تعود إلى عدم إيمانهم بشرعية املؤسسة الدينية‬ ‫ولطبيعة خطاب النصيحة‪ ،‬إال أن دورات الحوارات الدينية املطولة ومناقشة‬ ‫شبه التكفير وواق��ع مناطق التوتر واستهدافها للشباب السعودي بشكل‬ ‫خ��اص‪ ،‬شكل نقلة جديدة في مواجهة التطرف داخ��ل السجون‪ ،‬وانضاف‬ ‫إلى تلك الحوارات الشخصية حزمة من علماء النفس واالجتماع والبيانات‬ ‫الرقمية واإلحصاء‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫االستراتيجية الجديدة ميزت وبشكل كبير بني من وقعوا في جرائم جنائية‬ ‫من القتل والتفجير والتعذيب‪ ،‬والنشطاء في الخاليا اإلرهابية ممن لم يباشروا‬ ‫العمليات أو قبض عليهم قبل أن يمسوا دما‪ ،‬فكان التركيز على هؤالء على‬ ‫طريقة العصا والجزرة؛ فمن يحرز تقدما في برامج إعادة التأهيل سيكون‬ ‫من السهل اإلفراج عنه متى ما استكمل الشروط‪ ،‬باإلضافة إلى االمتيازات‬ ‫األخ��رى داخل السجن على مستوى الرعاية الصحية شكلت عالمة فارقة‬ ‫لدى املعتقلني وذويهم‪.‬‬ ‫سياسة الجزرة لعبت دورا كبيرا في تغيير الصورة النمطية عن سجون‬ ‫الداخلية‪ ،‬وتلك قصة أخرى حيث الذاكرة والوجدان العربي مليء بقصص‬ ‫التعذيب في سجون عبد الناصر التي ساهمت آلة «اإلخوان» في التفنن في‬ ‫توثيقها والكتابة عنها‪ ،‬كجزء من منتجات وكتب مرحلة الصدام تلك‪ ،‬التي‬ ‫كونت انطباعات مرعبة تجاه املعتقالت ع��ززه��ا األداء الوحشي لسجون‬ ‫البعث في العراق وسوريا‪ ،‬وحتى في مناطق التوتر‪ ،‬وهو ما ألقى بظالله على‬ ‫استقطاب املزيد من الكوادر اإلرهابية عبر أدوات الدعاية الحزبية من خالل‬ ‫تعرية خطاب السلطة آنذاك‪.‬‬ ‫في السعودية‪ ،‬كان الوضع مختلفا حيث سعت االستراتيجية الجديدة إلى‬ ‫تقديم الدولة وجهازها األمني كناصح أمني ال يسعى إلى االنتقام‪ ،‬وكان هذا‬ ‫التأكيد واضحا من خالل مفردات برامج املناصحة‪ ،‬التي أتت أكلها مع الشبان‬ ‫املغرر بهم‪ .‬وإذا كانت هذه االستراتيجية قد وضعت باألساس ملن جرى‬ ‫اعتقاله في قضايا إرهابية‪ ،‬إال أنها تشمل حتى أولئك الفارين من العدالة‪،‬‬ ‫حيث وضعت قوائم املطلوبني‪ ،‬مع فرص مرتبطة بإطار زمني للعودة دون‬ ‫شرط أو قيد‪ ،‬واستهدفت باألساس إلى التمييز بني الكوادر اإلرهابية القيادية‬ ‫واملنظرة واملنغمسة في بحر من ال��دم‪ ،‬والشباب املتحمس ال��ذي اختطفت‬ ‫قناعاته‪ ،‬وهناك أمل أن يتغير في حال ما أتته الفرصة‪.‬‬ ‫عملية الحشد االجتماعي ملواجهة التطرف لم تقف عن التوعية‪ ،‬بل طالبت من‬ ‫عموم املواطنني التعاون مع وزارة الداخلية لإلدالء بمعلومات عن الشخصيات‬ ‫املطلوبة أمنيا‪ ،‬وهو ما يعني املشاركة املجتمعية في مكافحة اإلرهاب‪ ،‬فقامت‬ ‫وزارة الداخلية عن صور املطلوبني وأعلنت أسماءهم وطلبت التعرف عليهم‬ ‫واإلب�لاغ عنهم‪ ،‬حيث رص��دت مكافآت مالية ملن يبلغ أو يرشد عن أي من‬ ‫املطلوبني أو غيرهم من العناصر والخاليا اإلرهابية‪ ،‬على سبيل املثال وضعت‬ ‫الوزارة مكافأة مالية‪ ،‬قوامها سبعة ماليني ريال لكل من يسهم في إحباط‬ ‫عمل إرهابي‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬جرى استهداف األسرة التي يتورط أحد أبنائها في العمليات‬ ‫اإلرهابية‪ ،‬بالحوار معها وتفهم احتياجاتها وتزويدها باألخبار أوال بأول‪ ،‬بل‬ ‫ونقلها على حساب الوزارة لزيارة ابنها املعتقل‪ ،‬وهي استراتيجيات كانت‬ ‫مفاجئة وصادمة في بدايتها‪ ،‬إال أن نتائجها ساهمت في فصل الشخص‬ ‫اإلرهابي وعزله عن محيطه الخاص ليس من أجل أن ال يجري التأثير عليه‪،‬‬ ‫وإنما طلبا في حصاره ومنحه الفرصة للعودة‪ ،‬وشاهدنا على شاشات‬ ‫التلفزيون عشرات األسر التي كانت تقدم إلى مجلس امللك متبرئة من فعل‬ ‫ابنها‪ ،‬وت�ج��اوز ذل��ك إل��ى ح�ض��ور وف��ود قبلية ف��ي إش��ارة الم�ع��ة إل��ى نجاح‬ ‫محاصرة «اإلرهاب» في شخص فاعله فحسب‪.‬‬

‫مناعة اجتماعية‬ ‫الحملة الواسعة التي قادتها الداخلية تجاه اإلرهاب‪ ،‬تابعها املجتمع السعودي‬ ‫لحظة بلحظة‪ ،‬لذلك كان من املهم التأكيد على ضرورة تغذية املناعة االجتماعية‬ ‫تجاه أفكار اإلرهاب العنفية‪ ،‬ليس في استهداف التفجير والعمليات االنتحارية‬ ‫وتجريمها‪ ،‬بل أيضا إيجاد مناعة ضد التطرف بكل أشكاله بدءا من العزلة‬


‫سياسي»‪ ،‬كما أن��ه عامل استقطاب لكوادر جديدة محملة ع��ادة بالتمويل‬ ‫والدعم واملساندة أحيانا لألسف من األهل عن جهل وخوف من التواصل‬ ‫م��ع السلطات‪ ،‬وع��ادة ي�ج��ري ات�خ��اذ ق��رار التبليغ بعد انقطاع ال�ت��واص��ل أو‬ ‫القتل‪ ،‬وهناك أحاديث كثيرة لسعوديني تورطوا في العنف تشهد بأن عملية‬ ‫االستهداف مقصودة‪.‬‬

‫قلب العالم اإلسالمي‬ ‫من الطبيعي جدا أن يكون حجم التأثير السعودي كبيرا في التأثير على‬ ‫اإلرهاب أو االستهداف منه‪ ،‬فهناك عوامل تاريخية وجغرافية وسوسيولوجية‬ ‫واقتصادية متداخلة ج��دا جعلت من السعودية مرمى اإلره��اب استقطابا‬ ‫وتمويال وتجنيدا واستهدافا‪ ،‬فاملقاتلون األوائل في املرحلة األفغانية لم يكونوا‬ ‫يشكلون العدد األك�ب��ر‪ ،‬لكن ج��رى تمييزهم الحقا في مضافات بيشاور‬ ‫وحتى معسكرات التدريب‪ ،‬وأهمها الفاروق‪ ،‬إلعطاء هذا البعد الخاص للمكون‬ ‫السعودي‪ ،‬حيث كانت املجموعات تنتقل على طريقة الشبكات محاطة بكثير‬ ‫من الدعم املجتمعي من قبل مجتمع محافظ لم يكن يرى في «الحالة األفغانية»‬ ‫أبعد من نصرة للمسلمني تجاه دولة شيوعية‪.‬‬ ‫األط��راف املستفيدة كانت ترى في السعوديني وق��ود معارك حقيقية‪ ،‬فقد‬ ‫نقلوا لهم واقعا مختلفا وجديدا بحكم ارتباط املجموعات الجهادية املقبلة من‬ ‫السعودية في مرحلة الجهاد األفغاني بحراك مجتمعي وشرعي وتمويلي‪،‬‬ ‫تأت متأخرة والوعي السعودية بخطورة األزمة كان‬ ‫لكن لحظة االنفصال لم ِ‬ ‫مبكرا‪ ،‬وهو جزء من تاريخ مركب ومتداخل لم ُي ّدون حتى اآلن‪ ،‬فهناك العديد‬ ‫من رموز الصحوة واملشايخ والدعاة الذين ذهبوا بعد مرحلة «مطبخ بيشاور»‬ ‫وبدايات استقالل القاعدة‪ ،‬ليفاجأوا بتحوالت كبيرة في مخيمات ومعسكرات‬ ‫املجاهدين القادمني من الخليج واليمن تتصل بتفشي ظاهرة التكفير‪ ،‬وبدايات‬ ‫طرح قضايا تكفير الدول‪ ،‬وتأكيدا على ذلك‪ ،‬فإن املناخ األصولي العام في‬ ‫املنطقة‪ ،‬وه��و مناخ «ال�ق��اع��دة» واإلره ��اب‪ ،‬يشكل ج��زءا ضئيال منه‪ ،‬وك��ان‬ ‫مستعدا للحظة االنفصال عن املجتمع وال��دول��ة‪ ،‬وم��ن هنا ب��دأت أطروحات‬ ‫التكفير للدولة ثم العلماء فاألجهزة األمنية فالعلماء‪ ،‬وبدأت الرسائل تتوالى‪،‬‬ ‫وأشهرها «الكواشف الجلية»‪ ،‬و«تحريم املدارس الحكومية»‪ ،‬و«قتل العسكر»‪،‬‬ ‫وكلها مؤلفات طرحت أسماء جديدة شكلت الحقا مرجعيات شرعية بديلة‪،‬‬ ‫وأبزرها مرحلة أبي محمد املقدسي املهمة جدا‪ ،‬التي استطاع فيها ليس فقط‬ ‫إنتاج خطاب عنفي ُم َّ‬ ‫ؤسس على السلفية‪ ،‬بل تحويل تراث أئمة الدعوة النجدية‬ ‫إلى رصاصات غادرة ترتد إلى الجسد السعودي عبر تنزيل حالة وفتاوى‬ ‫ضد الدولة العثمانية‪ ،‬التي كانت تشكل سياقا خاصا أقرب للسياسي منه‬ ‫من الديني على واقع الدولة القطرية‪ ،‬بل وقلب العالم اإلسالمي السعودية‪.‬‬ ‫وكان الفتا أن ال تجد طوال تاريخ العنف عبر عقود أي مؤلفات تتناول تكفير‬ ‫أنظمة عربية أو إسالمية أخ��رى‪ ،‬ألنها كانت في حكم املفروغ منه‪ ،‬بل وال‬ ‫تختص به «القاعدة» وأخواتها‪ ،‬وإنما كان موقف اإلسالم السياسي برمته‪،‬‬ ‫إال أن األمر حني يتصل بالسعودية‪ ،‬فهناك العشرات من املؤلفات الخاصة‬ ‫التي تجيب على شباب جزيرة العرب كما تحاول القاعدة اللعب على رمزية‬ ‫األسماء‪.‬‬

‫عالقات حرجة‬ ‫التيارات الدينية التقليدية بتنوعاتها املختلفة تأخرت جدا في حسم موقفها‬ ‫إلى لحظة ‪ ١١‬سبتمبر بينما كان موقف الدولة مبكرا بعقد ونصف العقد‪،‬‬ ‫مع بدايات العائدين من أفغانستان‪ ،‬ثم انفجار األوضاع داخليا على مستوى‬ ‫األفكار مع حرب الخليج األولى التي كشفت عن انهيار التحالف الرمزي بني‬ ‫القوى الدينية املختلفة‪ ،‬هذه القوى التي جرى استخدامها مرارا وفي أكثر من‬ ‫موقع ملحاربة اإلرهاب‪ ،‬لكن دون جدوى أو تأثير بالغ‪ ،‬ألنها تخاطب جماهيرها‬ ‫العريضة في التفاصيل وامل��واق��ف واألح��داث وتتناسى التأصيل الشرعي‬ ‫لقضايا الجهاد والقتال‪ ،‬التي ال يختلف حجاجها الديني إال في الدرجة وليس‬ ‫النوع‪ ،‬ومن هنا يبدو الجدل والنقاش والحوار تحت سقف منخفض جدا‪.‬‬

‫الجدل الديني املشتعل على خلفية اإلره��اب كان منخفض السقوف يطرح‬ ‫السؤال والجواب بطريقة ملتبسة وغامضة فـ«القتال مشروع»‪ ،‬لكن بإذن‬ ‫ولي األمر‪ ،‬هذا أقصى ما يمكن قوله آنذاك‪ ،‬بينما من السهولة جدا أن يقول‬ ‫الطرف اآلخر إن اإلذن غير مطلوب‪ ،‬أو حتى يعترض على مفهوم ولي األمر‪،‬‬ ‫ليصبح الجدل ترفا فقهيا ال أكثر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وال يمكن القول إن «قضايا» الجهاد واإلمامة لم تحظ بمراجعات نقدية في‬ ‫تاريخ اإلسالم السني‪ ،‬فهذا غير صحيح أبدا ملن يقرأ تاريخ املدارس السنية‬ ‫الكبرى ومدوناتها الفقهية‪ ،‬بل األدق أن اإلس�لام السياسي كما جماعات‬ ‫التطرف املسلح لم يكونوا ليعترفوا بالدولة القطرية‪ ،‬وبيعتهم هي ألم��راء‬ ‫الحرب أو للمرشد‪ ،‬أو بانتظار املخلص القادم‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن من السهل جدا أن يجدوا في التأصيل الفقهي مخارج شرعية‬ ‫يجري االستشهاد بها بالنصوص نفسها التي يستدل بها «املعتدلون»‪ ،‬ألن‬ ‫الجميع لم يقم بمراجعة فاحصة للتوصيف الشرعي لواقع جديد ومختلف‬ ‫عن أدبيات وكالسيكيات مسائل الجهاد والخالفة ودار الحرب‪.‬‬

‫نقطة تحول‬ ‫موجة الهجمات اإلره��اب�ي��ة املستهدفة للداخل ال�س�ع��ودي ف��ي ‪ 2003‬كانت‬ ‫نقطة تحول أساسية‪ ،‬حيث طرحت الكثير من األسئلة حول جدوى االكتفاء‬ ‫بالحلول األمنية‪ ،‬وما إذا كانت «القاعدة»‪ ،‬التي تستهدف العمق السعودي‪،‬‬ ‫لها امتداداتها وخالياها النائمة في الداخل الذين كان يعيشون مرحلة ترقب‬ ‫لردة فعل الجهات األمنية‪ ،‬التي بدورها انتقلت من استراتيجيات ردة الفعل‬ ‫إلى الضربات االستباقية‪.‬‬ ‫في هذا السياق يمكن الحديث عن ثالثة نماذج سعودية بامتياز في ملف‬ ‫الحرب على اإلرهاب وجدت أصداءها في املحيط اإلقليمي والدولي‪ ،‬بسبب‬ ‫تجاوزها للمفهوم األمني في التعامل مع اإلره��اب إلى استراتيجية الوقاية‬ ‫وإعادة التأهيل ومكافحة التطرف في شكله الفكري‪.‬‬ ‫ه��ذه امل��واج�ه��ة ال��دام�ي��ة أس�ف��رت ع��ن والدة منتج س�ع��ودي خ��اص وف��ري��د في‬ ‫التعامل مع اإلرهاب‪ ،‬كان محل استغراب في بداية تدشينه وإعالنه‪ ،‬فلم يكن‬ ‫أحد ليتصور أن استراتيجية «القوة الناعمة» التي دشنها األمير محمد بن‬ ‫نايف‪ ،‬عبر رفع شعار املواجهة ُالفكرية القائمة على مبدأ املناصحة واإلقناع‬ ‫ُ‬ ‫للمتطرفني واملغرر بهم ستؤتي أكلها‪ ،‬كما أنها‪ ،‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬تتيح بقاء‬

‫القوات الخاصة السعودية‬

‫انتقلت وضعية‬ ‫اإلرهاب اليوم من‬ ‫حالة االنفصال‬ ‫بني املجموعات‬ ‫اإلرهابية‬ ‫والعالم إلى حالة‬ ‫االتصال التي‬ ‫تبدأ بالتجنيد‬ ‫املباشر والعمالء‬ ‫املزدوجني‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪19‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ّ‬ ‫العزيز (رحمه الله)‪ ،‬الذي جنب به املنطقة كارثة كانت محدقة‪.‬‬ ‫في الطور الثاني من الطريق الطويل في املواجهة مع التطرف‪ ،‬جاءت موجة‬ ‫«القاعدة» لتدشن عصرا جديدا من املواجهات‪ ،‬منذ تفجيرات الرياض ‪.1994‬‬ ‫التي كانت (بال شك) انعطافة خطرة في املعركة مع اإلرهاب‪ ،‬حيث حضر هذه‬ ‫املرة‪ ،‬اسما ومعنى وحقيقة‪ ،‬وكان من املهم حينها أن تخرج الدولة من التعامل‬ ‫مع األزمات‪ ،‬عبر ردات الفعل‪ ،‬إلى استراتيجية مبنية على قراءة دقيقة للحالة‪.‬‬

‫مسؤولية جزئية‬ ‫م��ن ال��ص��ع��ب تحميل «اإلس��ل�ام ال��س��ي��اس��ي» وال��ص��ح��وة ب��رم��وزه��ا وق��ادت��ه��ا‬ ‫مسؤولية قانونية على ذهاب شخص بعينه إلى القتال ألن «القانون» الذي ال‬ ‫َّ‬ ‫واملغرر بهم‪ ،‬يحمي املنظرين واملبررين الذين يعرفون قواعد‬ ‫يحمي املغفلني‬ ‫اللعبة‪ ،‬فينتجون خطابني؛ األول لالستهالك اإلعالمي‪ ،‬والثاني يعرفه األتباع‬ ‫والخواص‪ ،‬وهذا أمر واضح في بيانات وخطابات رموز املرحلة بعد انفصال‬ ‫حرب الخليج‪ ،‬لكن املسؤولية الشرعية والدينية واألخالقية تطالهم في التبرير‬ ‫لقاعدة «التكفير والتفجير والتنظير»‪ ،‬ومحاولة تصوير أنهم مجرد ضحايا‬ ‫لألنظمة السياسية واملجتمع الدولي‪ ،‬في حني أن «القاعدة» هي انشقاق صغير‬ ‫في جسد اإلسالم السياسي والصحوة‪ ،‬بسبب استعجال النتائج واملالحقة‬ ‫األمنية وتشكل ظاهرة «املقاتلني العابرين للحدود»‪ ،‬لكنها تدين في تراثها‬ ‫وأفكارها وتصوراتها العامة للذات واآلخر واملجتمع ملرحلة التأسيس لإلسالم‬ ‫السياسي والصحوة الدينية التي شملت املنطقة برياح التغيير‪.‬‬ ‫خادم الحرمني امللك عبد الله‬ ‫بن عبد العزيز يجتمع بالرئيس‬ ‫الفلسطيني محمود عباس‬

‫منذ الثمانينات‬ ‫وبدايات تشكل‬ ‫ظاهرة «املقاتلني»‬ ‫العابرين للحدود‬ ‫بعد انتهاء‬ ‫تجربة أفغانستان‬ ‫وتشكل فكر‬ ‫«القاعدة» أظهرت‬ ‫تحوالت جذرية‬ ‫في عالقة اإلسالم‬ ‫السياسي ومن‬ ‫ورائه «الصحوة»‬

‫فاملفجرون‪ ،‬وهم غالبا شباب في بحر ال��ـ‪ ،20‬لم يخوضوا تجربة اإلسالم مواقف ملتبسة‬

‫السياسي‪ ،‬لكنهم تأثروا بخطابه واملناخ العام املضاد ملفهوم الدولة‪ ،‬ووضع‬ ‫«املنظرين»‪ ،‬وهم قيادات القاعدة الشرعية‪ ،‬وفي مجملها هي مرتدة من تجربة‬ ‫الصحوة واإلس�لام السياسي‪ ،‬بدءا من أبو مصعب السوري‪ ،‬وم��رورا بأبو‬ ‫محمد املقدسي‪ ،‬وصوال إلى أبو قتادة وأبو بصير والقيادات املتأخرة التي‬ ‫شنت على رموز الصحوة الحرب بسبب مواقفها البراغماتية واملصلحية من‬ ‫املواجهة مع األنظمة‪ ،‬إال أن الرؤية التكاملية خففت من تلك الحرب الشعواء‪،‬‬ ‫بوصف أن اإلسالم السياسي باع املجاهدين بثمن بخس وهو «السلطة»‪.‬‬

‫االنفصال بني اإلرهاب واألصولية‬ ‫ما حدث بالضبط أن حرب الخليج أسهمت في انفصال وانشطار الذات بني‬ ‫اإلس�لام السياسي و«القاعدة»‪ ،‬سببه اختالف الوسائل مع اتحاد الغايات‪،‬‬ ‫إلى أن جاءت لحظة ‪ 11‬سبتمبر وقررت «القاعدة» املواجهة العاملية والتحول‬ ‫إلى ظاهرة عابرة للقارات‪ ،‬فانفصل عنها اإلس�لام السياسي حفاظا على‬ ‫مواقعه االجتماعية ومكتسباته على األرض ونفوذه في الكثير من املؤسسات‬ ‫واملواقع‪ ،‬لكنه أمسك بخيط «التبرير» مع كل حادثة إرهابية لتذكير األنظمة‬ ‫السياسية بأنها تحصد خطيئتها السياسية بعدم إشراك اإلسالم السياسي‬ ‫وتقديم نفسها بديال لإلسالم املعتدل‪ ،‬اعتمادا على قاعدة جماهيرية وضمور‬ ‫وضعف أصحاب التيار السلفي التقليدي في مواجهة «القاعدة» ألسباب‬ ‫يجر‬ ‫تتصل بملفات عقائدية وفقهية ما زالت عالقة بني األطراف جميعها لم ِ‬ ‫حسمها على مستوى النظرية على األق��ل حتى اآلن‪ ،‬وه��ذا جزء من ترهل‬ ‫اإلسالم السني املعاصر بسبب غياب املرجعية الدينية عن التأثير‪ ،‬واختالفها‬ ‫فيما بينها‪ ،‬واختراقها وتسييسها‪.‬‬

‫مواجهات مبكرة‬

‫رد فعل رموز اإلسالم السياسي واألصولية الدينية املعاصرة ما زال يتجه‬ ‫نحو اإلن��ك��ار والبحث ع��ن تصريحات قديمة لحظة االن��ف��ص��ال الكبير بني‬ ‫الجهاديني والصحويني والتقليديني‪ ،‬بل ويتجه نحو التصعيد واملحاكمة وطلب‬ ‫االعتذار‪ ،‬في حني أن األولى بهم التفكير في مآالت الشباب؛ ملاذا نقرأ بيانات‬ ‫وفتاوى وتغريدات تخص قضايا شخصية جدا فقط ألنها في سياق مناكفة‬ ‫األنظمة السياسية والحكومات‪ ،‬بينما وصلت الحالة الدينية إلى هذا الكم من‬ ‫الفوضى في الفتاوى واملواقف واألح��زاب والحرب الجديدة بني املجموعات‬ ‫املسلحة من دون أي مواقف حقيقية وصريحة لنقد أخطاء املرحلة السابقة‪،‬‬ ‫يمكن أن تقرأ عشرات البيانات في قضايا عابرة للحدود تخص دوال وأقاليم‬ ‫مستقلة ال ناقة ل�لإس�لام السياسي فيها وال جمل‪ ،‬وال تقرأ بيانا واح��دا‬ ‫حقيقيا يدين العنف ويسمي األشياء بأسمائها‪ ،‬وهو ما يؤكد أن املواقف‬ ‫التي تتخذ طابع النصائح والبيانات املنددة هي مواقف سياسية باألساس‬ ‫وليست مواقف ذات تأصيل شرعي أو طابع أخالقي ال يفرق بني تطرف وآخر‪.‬‬

‫اإلرهاب ملة واحدة‬ ‫ال فرق في اإلرهاب الحديث بني اإلرهاب السني أو الشيعي أو البوذي أو حتى‬ ‫إرهاب الفوضى‪ ،‬الذي ال عالقة له بدين أو مذهب‪ ،‬فاإلرهاب شر محض وباطل‬ ‫كله‪ ،‬ويجب أن ُي َ‬ ‫واجه بالقوة نفسها من أي مصدر كان‪ ،‬لكن اإلشكالية اليوم‬ ‫أن اإلرهاب املتصل بدول واستخبارات عادة ما يكون منقادا إلى أجنداتها‪،‬‬ ‫اليوم نحن نشهد حالة سنية فريدة‪ ،‬فرغم استقاللية «القاعدة» طيلة الفترة‬ ‫املاضية منذ نشأتها‪ ،‬فإنها كانت خاضعة للمزاج العام‪ ،‬إال أن إرهاب اليوم‬ ‫هو خيار مستقل شرعيا وتجنيدا وتمويال‪ ،‬وحتى على مستوى التحالف‪.‬‬

‫قصة التطرف واألصولية والحقا اإلرهاب بدأت مبكرا مع السعودية ويمكن سعودة العنف‬

‫إرجاع بذورها التاريخية إلى اللحظة الحاسمة التي اصطدم فيها امللك املؤسس‬ ‫مع مجموعات راديكالية عقائديا‪ ،‬وصوال إلى لحظة «جهيمان»‪ ،‬وهي مرحلة‬ ‫فاصلة انتقل فيها التشدد الديني من املعارضة إلى استهداف بنية الدولة‪،‬‬ ‫والحقا لحظة حرب الخليج الفاصلة‪ ،‬التي كانت السعودية فيها على مفترق‬ ‫طرق‪ ،‬إلى أن جاء القرار الحكيم من العاهل السعودي آنذاك امللك فهد بن عبد‬ ‫‪18‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫في كل حادثة إرهابية تحدث في أرج��اء املعمورة هناك تركيز كبير على‬ ‫«العناصر» السعودية في كل مناطق التوتر‪ ،‬وهذا راجع إلى جملة من األسباب‬ ‫تتصل بطبيعة تحول «السعودي» املقاتل إلى قيمة إضافية خ��ارج قدراته‬ ‫الذاتية‪ ،‬فهو عامل دعائي مهم ومزدوج من حيث استخدامه «كارت ضغط‬


‫مطلبا‪ ،‬بل يزيد املشكالت تعقيدا‪ ،‬ويحقق مآرب األعداء الطامعني»‪ .‬ويضيف‬ ‫في لغة تسمي األشياء بأسمائها‪« :‬لقد بليت مجتمعات األمة في هذا العصر‬ ‫بجماعات وت�ي��ارات متطرفة تمارس اإلره��اب والعنف تحت عناوين دينية‬ ‫وسياسية‪ ،‬والدين بريء من اإلرهاب‪ ،‬والعنف السياسي يدمر األوطان»‪.‬‬ ‫كلمات مثل هذه ال يمكن عزوها إلى الخوف أو التزلف بقدر ما هي استجابة‬ ‫لتحوالت حقيقية في قراءة املشهد من الداخل‪ ،‬واستهداف الخارج للبلد الذي‬ ‫يشترك الجميع في االنتماء إليه‪.‬‬

‫تزوير التاريخ‬ ‫بالعودة إلى استراتيجية السعودية الجديدة تجاه اإلرهاب‪ ،‬ال يمكن القفز على‬ ‫املنحنيات الوعرة تاريخيا‪ ،‬التي كلما ترسخت مواقف اململكة تجاه العنف‪،‬‬ ‫يحاول البعض إعادة الحديث عن مرحلة أفغانستان‪ ،‬وما يقال عادة عن خلق‬ ‫الوحش اإلرهابي قبل أن يتعملق‪ ،‬وتصيب أظافره الجميع‪.‬يمكن القول إن نواة‬ ‫اإلرهاب الحديث تشكلت مع بدايات تجربة «الجهاد األفغاني»‪ ،‬بني مزدوجني‬ ‫ضروريني لتمييزها عن املراحل الالحقة التي تلتها‪ ،‬باعتبارها مرحلة مختلطة‬ ‫ضبابية تمثل ارتباك البدايات‪ ،‬سواء للمجموعات املقاتلة وصوال إلى الدول‬ ‫املستفيدة والداعمة‪ ،‬وانتهاء بفقدان السيطرة على تلك املجموعات‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تغولها باتجاه االستقاللية ليس التنظيمية فحسب‪ ،‬وإنما الفكرية وعلى‬ ‫مستوى املرجعيات الدينية‪ ،‬واالنفصال عن الجسد اإلسالمي بشكل عام‪،‬‬ ‫وه��ذا ما ال تجري قراءته بدقة في تقييم تلك املرحلة‪ ،‬التي كان من السهل‬ ‫السيطرة على املجموعات الجهادية بحكم املشايخ الشرعيني قبل االنفصال‬ ‫الكبير‪ ،‬حني انتقلت «القاعدة» إلى الجهاد األممي‪ ،‬ثم العاملية‪ ،‬وقبل االنهيار‬ ‫الكبير لجماعات العنف‪ ،‬وتفريخ نماذج أكثر تطرفا أنتجها واقع جديد‪.‬‬

‫تحوالت زمنية‬ ‫منذ الثمانينات وبدايات تشكل ظاهرة «املقاتلني» العابرين للحدود بعد انتهاء‬

‫تجربة أفغانستان وتشكل فكر «القاعدة»‪ ،‬أظهرت تحوالت جذرية في عالقة‬ ‫اإلسالم السياسي ومن ورائه «الصحوة» برموزها بهذه الظاهرة من التأييد‬ ‫املبكر إلى اعتبار أن ما يحدث خديعة سياسية كبرى للتخلص من الشباب‬ ‫املجاهد‪ ،‬إضافة إلى أن أسلوب التغيير أو املشروع االنقالبي بني الفريقني‬ ‫مختلف؛ األول يعتمد على الهرم املقلوب‪ ،‬البدء بتغيير السلطة بشكل عمودي‬ ‫ومباشر‪ ،‬بينما يسعى اإلسالم السياسي إلى بناء قاعدة جماهيرية قادرة‬ ‫على التغيير واالنتشار األف�ق��ي‪ ،‬وم��ن هنا ك��ان كل من الطرفني ينظر إلى‬ ‫اآلخر على أنه يقود بدور تكاملي في الحرب على الغرب واألنظمة املتحالفة‬ ‫معه‪ ،‬وكانت لحظة االقتتال بني األحزاب في أفغانستان هي لحظة انفصال‬ ‫املدارس السلفية التقليدية عن املشهد‪ ،‬وبداية الصدام مع الصحوة و«القاعدة»‬ ‫الذين تقاسموا آليات العمل‪ ،‬لكنهم اختلفوا في الوسائل ليتحدوا مجددا مع‬ ‫ح��رب الخليج‪ ،‬في ض��رورة التغيير مع اختالف الطرائق‪ ،‬والحقا صعدت‬ ‫قوى الصحوة في مرحلة ما بعد حرب الخليج‪ ،‬بينما تراجعت «القاعدة» لتلم‬ ‫شتاتها وتنفجر مجددا بعد أف��ول الصحوة واقتراب املرحلة الثالثة‪ ،‬وهي‬ ‫اإلرهاب املعولم الذي اكتمل في الـ‪ 11‬من سبتمبر (أيلول) لينقسم املشهد إلى‬ ‫ثالثة تيارات رئيسة‪ :‬الخطاب الديني التقليدي املضاد للصحوة ولـ«القاعدة»‪،‬‬ ‫والخطاب الصحوي ‪ -‬اإلسالم السياسي املبرر لـ«القاعدة» واملضاد للمدرسة‬ ‫السلفية التقليدية‪ ،‬و«ال�ق��اع��دة» املنفصلة ع��ن اإلس�ل�ام التقليدي واملكفرة‬ ‫ل��رم��وزه‪ ،‬واملتحالفة مع اإلس�لام السياسي في ال��رؤي��ة واملختلفة في آليات‬ ‫العمل‪ ،‬فهم يحتكمون إلى النظرية ويختلفون في آلية العمل‪ :‬تحضر حاكمية‬ ‫سيد قطب والوالء والبراء ودار الكفر واإليمان‪ ..‬إلخ‪ ،‬ولكن يرى «القاعديون»‬ ‫أن الغرب واألنظمة ال يفهمون إال لغة القوة‪ ،‬بينما يرى اإلس�لام السياسي‬ ‫أن املواجهة خطأ استراتيجي‪ ،‬وأن املشروع االنقالبي الذي يستهدف تكوين‬ ‫قواعد اجتماعية مؤثرة من شأنها اختراق كل مؤسسات الدولة وصحوتها‪،‬‬ ‫ثم يجري الضغط على األنظمة عبر «التبرير» لإلرهاب بأن الحالة السياسية‬ ‫هي السبب‪ ،‬في محاولة الستثمار إرهاب «القاعدة» للضغط على األنظمة‪،‬‬ ‫ولو عبر إظهار االعتدال ومفاوضة اإلرهابيني وحتى التحول إلى «وسطاء»‪،‬‬ ‫وربما تتبع موقف «القاعدة» ذاتها من رموز الصحوة يؤكد ترسيمة ما بعد‬ ‫‪ 11‬سبتمبر التي حددت أضالع مثلث «العنف املسلح»‪.‬‬

‫موقف امللك‬ ‫عبد الله في‬ ‫كلمته لالمتني‬ ‫كان تاريخيا بكل‬ ‫ما تعنيه الكلمة‬ ‫فقد قطع الطريق‬ ‫على املزايدة في‬ ‫ثنائية اإلرهاب‬ ‫والسعودية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪17‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ما الدولة التي جربت كل أنواع اإلرهاب الديني والسياسي والفكري‪ ،‬وجرى استهدافها من كل املجموعات‬ ‫املتطرفة سنيها وشيعيها سواء تلك التي تؤمن بالتغيير الجذري املسلح أو األخرى التي تحمل مشروعا‬ ‫انقالبيا ناعما ومتدرجا؟! أو تلك التي ما زالت تراوح مكانها منتظرة لحظة فاصلة آليديولوجياتها الفاشلة‬ ‫لكي تعود مجددا للحياة والتأثير على األرض؟!‬

‫تحديات ومخاطر‪ ..‬ومليك يجدد وعده بحرب طويلة جدا‬

‫منحنيات وعرة‪ :‬أحجية اإلرهاب والسعودية‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫يوسف الديني‬

‫في إشارات‬ ‫امللك بكلمته‬ ‫التاريخية نقد‬ ‫الذع للمرجعيات‬ ‫الدينية السنية‬ ‫بأنواعها‬ ‫املختلفة فهو‬ ‫وصف بعضها‬ ‫بالكسل وآخرين‬ ‫بالصمت‬

‫‪16‬‬

‫اإلجابة بال شك‪ :‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬منذ أن كانت إمارة في‬ ‫الدرعية وحتى اآلن‪ ،‬باعتبارها أكثر الدول العربية واإلسالمية تأثرا‬ ‫وتأثيرا على ليس باعتبارها قبلة دينية فحسب‪ ،‬وإنما عالمة فارقة‬ ‫على املستوى االقتصادي املنفتح بال هوادة على األسواق العاملية والسياسية‬ ‫الخارجية املعتدلة وال�ح��ذرة‪ ،‬واملجتمع املحافظ في مجمله‪ ،‬ال��ذي لم يعرف‬ ‫االنتماءات السياسية‪ ،‬إال أنه مر بتحوالت عديدة كانت في مجملها تقلبات‬ ‫ال واعية في أحضان األصولية‪ ،‬منذ الجماعة املحتسبة‪ ،‬وحتى «داع��ش»‪،‬‬ ‫وبينهما اإلسالم السياسي و«اإلخوان» والسرورية والتكفيريون والسلفيات‬ ‫بأنواعها‪ ،‬كما عرفت األقليات الدينية‪ ،‬مثل ه��ذا االختطاف الهوياتي‪ ،‬إال‬ ‫أن غالبية السعوديني في املجال العمومي يطمحون الستمرار دول��ة الرفاه‬ ‫واالستقرار‪ ،‬رغم كل العثرات واألخطاء ّ‬ ‫وتقلبات الظروف السياسية املختلفة‬ ‫واملخاطر املحدقة بدولة استعصت على التصنيفات الجاهزة‪ ،‬وخالفت كل‬ ‫التوقعات‪ ،‬وما زال لديها الكثير‪.‬‬ ‫في املعركة مع اإلرهاب والتطرف ال يمكن تصور الكمال؛ هناك أخطاء ونقص‬ ‫وطموحات لم تأخذ طريقها للتفعيل‪ ،‬ربما!‬ ‫لكن الداخل السعودي ممثال في القطاعات األمنية ومعاقل القرار والنخب‬ ‫السياسية ينطوي على الكثير من الفعالية والعمل والحراك غير املسبوق‪ .‬في‬ ‫ملف «اإلرهاب» نحاول أن نرصد أطراف شتاته في هذا امللف الذي يستهدف‬ ‫توقيتا حرجا‪ ،‬تعيد فيه جهات مشبوهة‪ ،‬وأخرى مستلبة ثنائية «السعودية‬ ‫واإلرهاب»‪ ،‬بعد أن كان املراقبون يعتقدون أن ‪ 2003‬كانت نقطة فاصلة في‬ ‫تكريس السعودية املستقرة‪ ،‬رغم رياح التغيير بوصفها أخطر هدف ملرمى‬ ‫اإلرهابيني‪ ،‬على اختالف أهدافهم‪.‬‬

‫صيحة نذير‬ ‫والسؤال الذي يفرضه هذا البحث عن لغز اإلرهاب والسعودية استهدافا وتأثرا‬ ‫وتأثيرا يأخذ مشروعيته من صيحة النذير التي أطلقها امللك عبد الله بن عبد‬ ‫العزيز أخيرا‪ ،‬معاتبا املجتمع الدولي والدول الكبرى‪ ،‬وحتى علماء الشريعة‬ ‫الصامتني‪ ،‬كانت تستحضر هذا التحول في مسيرة اإلره��اب‪ ،‬التي ُوصف‬ ‫الحرب عليها ذات مرة بالطويلة جدا‪ ،‬فالدول التي تحول اإلره��اب فيها من‬ ‫عرض مرضي وردة فعل زمنية أو حدثية كثيرة جدا في أفريقيا وباكستان‬ ‫وأفغانستان ودول القوقاز‪ ،‬وهناك الكثير من الدول الغربية التي تنشط فيها‬ ‫حركة تجنيد غير مسبوقة‪.‬‬ ‫هناك مفارقة ثابتة منذ بدايات تأسيس اململكة العربية السعودية‪ ،‬بحكم‬ ‫موقعها الجغرافي وتبنيها نظام حكم قائما على الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وهي‬ ‫أن كل املنعطفات التاريخية التي مرت بها اململكة كانت تتقاطع مع «العنف»‬ ‫أو التشدد الديني أو اإلرهاب‪.‬‬ ‫ف��إره��اب ال �ي��وم ل�ي��س ك�س��اب�ق��ه‪ ،‬ف�ه��و اآلن يحضر ك ��أداة سياسية وم�ك��ون‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫اجتماعي‪ ،‬وليس مجرد فعل ألشخاص مغرر بهم يسعون إلى االنقياد غير‬ ‫الواعي نحو شعارات آيديولوجية‪ ،‬كما هو الحال في عنف الثمانينات املصري‬ ‫املرتبط بالعالقة مع النظام‪ ،‬أو عنف الداخل الذي اتخذ طابع العنف العقائدي‬ ‫وليس السياسي‪ ،‬إذن كيف بدأت القصة محليا؟‬

‫الحوار أوال‬ ‫سبقت خطوة امللك التشريعية والقرار التاريخي في مواجهة اإلرهاب خطوات‬ ‫كثيرة؛ قبل سنوات أعلن امللك عبد الله خطوة مفاجئة قفزت على الواقع املرير‬ ‫لـ«الطائفية» آن��ذاك‪ ،‬حني التبست مفاهيم املقاومة ب��األح��زاب املتطرفة التي‬ ‫تسعى إلى تقويض مفهوم الدولة القطرية‪ ،‬أو بتحويل نفسها إلى دول داخل‬ ‫دول‪ ،‬كتجربتي «حزب الله» والحوثيني الشيعيتني‪ ،‬اللتني وجدتا طريقهما‬ ‫للتعاطف‪ ،‬بفعل استغالل اإلسالم السياسي السني‪ ،‬ممثال في «اإلخوان»‪،‬‬ ‫ملواجهات الحزب ومن بعده حركة حماس إلسرائيل‪ ،‬إال أن دعوة امللك عبد الله‬ ‫للحرب على الطائفية واإلرهاب في آن واحد استحضرت حالة االلتباس بني‬ ‫الطائفية الدينية وطائفية أكثر خطرا منها‪ ،‬وهي الطائفية السياسية‪ ،‬وتصدير‬ ‫التشيع السياسي الذي ليس له عالقة بنظيره العقائدي‪ ،‬وإن كان رافعا له‬ ‫ومحفزا إلعادة نتائجه‪ ،‬شهدنا في السابق تصريحات لكثير من جماعات‬ ‫اإلسالم السياسي انحازت للتشيع السياسي‪ ،‬وإن كانت سنية العقيدة‪ ،‬إن‬ ‫على مستوى األفراد‪ ،‬كما صدر عن املفكرين السعوديني والعرب في حرب‬ ‫لبنان األخيرة‪ ،‬أو من قبل على مستويات كثيرة من قبل اليسار التقليدي‪،‬‬ ‫وحتى اتجاهات مكافحة العوملة و«اإلمبريالية الغربية»‪ ،‬التي تبناها مع اليسار‬ ‫فئام من الناصريني والقوميني العرب‪.‬‬

‫تذويب الطائفية‬ ‫وإذا كانت هذه الخطوة لتذويب «الطائفية» عبر التأكيد على مفهوم املواطنة‬ ‫السعودية للجميع ق��د قوبلت بترحيب شديد م��ن ق�ي��ادات إسالمية وع��دد‬ ‫من الجهات الدولية‪ ،‬ف��إن تأثيرها ك��ان أكبر في أبناء الطائفة الشيعية من‬ ‫السعوديني‪ ،‬الذين رأوا في طرح امللك عبد الله ملسألة الحوار ليس فقط بني‬ ‫ِّ‬ ‫مشجعة‪ ،‬وسرعان ما انعكس ذلك على‬ ‫املذاهب‪ ،‬وإنما األديان‪ ،‬نقطة انطالق‬ ‫الواقع‪ ،‬فكلنا يتذكر البيان الذي أصدرته طائفة من علماء محافظتي القطيف‬ ‫واألحساء بعد أحداث العوامية األخيرة‪ ،‬وتكمن أهمية هذا البيان في الجانب‬ ‫السياسي‪ ،‬حيث اعتبر بمثابة إعادة إنتاج العالقة مجددا مع مراعاة املتغيرات‬ ‫على الساحة ما بعد «الربيع العربي»‪ ،‬فاملواطنون الشيعة في السعودية تقدموا‬ ‫بخطوة شجاعة كردة فعل على سنوات من التأسيس ملفهوم الحوار الوطني‪،‬‬ ‫والحرب على التطرف من الجميع‪ ،‬وكانت كلمة علماء القطيف هذه املرة صادقة‬ ‫ال تعرف الخداع أو املواربة‪ ،‬وأقتبس منهم‪« :‬التطرف ال يحل مشكلة وال يحقق‬


‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪15‬‬


‫أحداث مصورة‬

‫أطفال‬ ‫غزة‬ ‫ثلة من األطفال‬ ‫الفلسطينيني‬ ‫ينظرون من‬ ‫وراء خلفية‬ ‫ملصق عمالق‬ ‫يظهر مقاتال‬ ‫من الجناح‬ ‫العسكري لحركة‬ ‫حماس خالل‬ ‫مظاهرة حاشدة‬ ‫للحركة انطلقت‬ ‫في ‪ 17‬أغسطس‬ ‫املاضي بجنوب‬ ‫قطاع غزة من‬ ‫رفح من قبل‬ ‫مؤيدي حماس‬ ‫«غيتي»‬

‫‪14‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬


‫أحداث مصورة‬

‫جهود‬ ‫للحد من‬ ‫تفشي وباء‬ ‫«إيبوال»‬ ‫فتاة ليبيرية‬ ‫تبيع صابونا‬ ‫مطهرا وسط‬ ‫صفوف‬ ‫مجموعة من‬ ‫النساء بمدينة‬ ‫«مونروفيا»‬ ‫بليبيريا يقمن‬ ‫الصالة من‬ ‫أجل وضع حد‬ ‫لوباء الـ«إيبوال»‬ ‫املنتشر في البالد‬ ‫(أغسطس ‪)2014‬‬ ‫«غيتي»‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪13‬‬


‫‪12‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬


‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪11‬‬


‫أحداث مصورة‬

‫زهور دوقة‬ ‫كمربدج يف‬ ‫ذكرى احلرب‬ ‫العاملية األولى‬ ‫دوقة كمبردج‬ ‫تضع إكليال من‬ ‫الزهور في مقبرة‬ ‫سانت سيمفوريا‬ ‫العسكرية بمونس‬ ‫(بلجيكا) في‬ ‫الذكرى املئوية‬ ‫إلعالن بريطانيا‬ ‫العظمى الحرب‬ ‫على أملانيا‪ ،‬حيث‬ ‫أعلن رئيس الوزراء‬ ‫البريطاني هربرت‬ ‫أسكويث في الرابع‬ ‫من أغسطس‬ ‫عام ‪ 1914‬دخول‬ ‫بريطانيا الحرب‬ ‫العاملية األولى أو‬ ‫الحرب العظمى‬ ‫التي استمرت‬ ‫حتى ‪ 11‬نوفمبر‬ ‫‪ 1918‬واملعترف بها‬ ‫بصفتها واحدة من‬ ‫أعنف الصراعات‬ ‫التاريخية التي‬ ‫خلفت املاليني‬ ‫من الضحايا (‪4‬‬ ‫أغسطس ‪)2014‬‬ ‫«غيتي»‬ ‫‪10‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬


‫دولتان إرهابيتان في آسيا‬ ‫وأفريقيا‪« ..‬بوكو حرام»‬ ‫بعد «داعش»‬

‫رئيس الوزراء العراقي‬ ‫الجديد‪ ..‬واملهمة الصعبة‬

‫إع�لان أبو بكر البغدادي تأسيس دولة‬ ‫الخالفة اإلسالمية‪ ،‬وتسميتها بـ«الدولة‬ ‫اإلسالمية في العراق والشام» في يونيو‬ ‫(ح��زي��ران) امل��اض��ي ‪ ،‬أع�ل��ن زع�ي��م ج�م��اع��ة «ب��وك��و‬ ‫ح��رام» أب��و بكر شيكاو‪ ،‬الشهر امل��اض��ي‪ ،‬الخالفة‬ ‫اإلسالمية ف��ي بلدة ب��والي��ة ب��ورن��و‪ ،‬شمال شرقي‬ ‫نيجيريا‪.‬‬ ‫وكان شيكوى يتحدث في فيديو بث أخيرا لتهنئة‬ ‫مقاتليه باالستيالء على بلدة غوزا أوائل أغسطس‬ ‫(آب) املاضي‪ .‬وليس من الواضح إن كان شيكوى‬ ‫ب��اي��ع تنظيم ال��دول��ة اإلس�لام�ي��ة ال��ذي يسيطر على‬ ‫أجزاء من سوريا والعراق‪ .‬ورفض الجيش النيجيري‬ ‫إعالن الجماعة‪ ،‬واصفا إياه بأنه «ال معنى له»‪ .‬وبعد‬ ‫اإلع�ل�ان ع��ن «ال��دول��ة اإلس�لام�ي��ة» امل��زع��وم��ة هاجم‬ ‫عشرات من مسلحي الحركة املدججني بالسالح‬ ‫قاعدة للجيش ومركزا للشرطة في بلدة غامبورو‬ ‫نغاال النيجيرية على الحدود مع الكاميرون‪ ،‬مما‬ ‫أجبر اآلالف على الفرار‪ ،‬بحسب السكان‪ .‬وكانت‬ ‫البلدة الواقعة على ال�ط��رف الشمالي الشرقي من‬ ‫نيجيريا ُد ّمرت بشكل شبه كامل‪ ،‬في ُ هجوم شنه‬ ‫اإلسالميون في مايو (أيار) املاضي‪ ،‬وقتل فيه أكثر‬ ‫م��ن ‪ 300‬ش�خ��ص‪ ،‬مما أغ�ض��ب السكان املحليني‬ ‫الذين قالوا إن الجيش تركهم دون أن يدافع عنهم‪.‬‬ ‫وك ��ان آالف األش �خ��اص ق�ت�ل��وا ف��ي ش�م��ال شرقي‬ ‫نيجيريا منذ عام ‪ .2009‬عندما بدأت «بوكو حرام»‬ ‫تمردها‪ .‬وتعد غ��وزا‪ ،‬التي يقطنها نحو ‪ 265‬ألف‬ ‫نسمة‪ ،‬بحسب أح��دث إح�ص��اءات السكان‪ ،‬كبرى‬ ‫ُالبلدات التي تقع تحت سيطرة «بوكو حرام»‪.‬‬ ‫أنشئت «بوكو ح��رام» في ‪ .2002‬رك��زت في بداية‬ ‫أم��ره��ا ع�ل��ى م �ع��ارض��ة ال�ت�ع�ل�ي��م ال �غ��رب��ي‪ ،‬وم�ع�ن��ى‬ ‫«بوكو ح��رام» يعني «التعليم الغربي ممنوع» في‬ ‫عمليات عسكرية في‬ ‫لغة الهوسا‪ .‬شنت الحركة ُ‬ ‫‪ 2009‬إلنشاء دولة إسالمية‪ .‬قتل آالف‪ ،‬معظمهم‬ ‫ف��ي ش�م��ال ش��رق��ي نيجيريا‪ ،‬لكن الجماعة شنت‬ ‫أيضا هجمات على الشرطة‪ ،‬ومقار األمم املتحدة في‬ ‫العاصمة أبوجا تضرر نحو ثالثة ماليني شخص‬ ‫م��ن عملياتها‪ .‬أع�ل�ن��ت ال��والي��ات امل�ت�ح��دة الجماعة‬ ‫إرهابية في ‪.2013‬‬

‫بعد‬

‫قوبل‬

‫ح�ي��در ال �ع �ب��ادي‪ ،‬ال ��ذي اخ�ت�ي��ر ل�ك��ي يصبح رئ�ي��س ال ��وزراء‬ ‫العراقي الجديد‪ ،‬بصفته املنقذ املحتمل لبالده‪ .‬فلعدة أشهر‪،‬‬ ‫كانت السياسة العراقية في حالة أزمة واضحة‪ ،‬حيث يعاني‬ ‫البرملان العراقي من الجمود السياسي‪ ،‬كما أن رئيس ال��وزراء‪ ،‬نوري‬ ‫املالكي‪ ،‬ذو ميول سلطوية‪ ،‬باإلضافة إلى حالة التمرد واسعة النطاق‬ ‫التي شهدها شمال العراق والتي يقودها «داعش»‪.‬‬ ‫وكان الرئيس العراقي فؤاد معصوم كلف االثنني ‪ 11‬أغسطس مرشح‬ ‫التحالف الوطني (الشيعي) حيدر العبادي بتشكيل الحكومة املقبلة‬ ‫للبالد‪ .‬وجاء ترشيح العبادي بعد توتر داخل التحالف الوطني أثاره‬ ‫رئيس ال��وزراء املنتهية واليته نوري املالكي‪ ،‬مطالبا بترشيحه لوالية‬ ‫ثالثة‪ ،‬غير أنه يواجه انتقادات حادة تأخذ عليه تسلطه وتهميشه األقلية‬ ‫السنية‪.‬‬ ‫يقول محلل لسياسة العراقية ب��وزارة الدفاع األميركية كيفني راسل‪:‬‬ ‫«رغ��م أن تعيني العبادي رئيسا للوزراء بدا وكأنه بشرى جيدة‪ ،‬فإن‬ ‫نظام مشاركة السلطة الذي أسفر عن تعيينه كان في األساس جزءا‬ ‫م��ن السبب ال��ذي أدى إل��ى أن تصبح ال�س�ي��اس��ات ال�ع��راق�ي��ة بمثل هذا‬ ‫االضطراب‪ ،‬فلن تكتفي الجماعات الطائفية بمجرد التعاون في اختيار‬ ‫القائد السياسي أو تشكيل مجلس الوزراء»‪.‬‬

‫أوكرانية مصابة في حالة حرجة بالطابق األسفل بمجمع «كالينينا الطبي» الذي تعرض للقصف من مقاتلني موالني لروسيا في ذكرى استقالل البالد‬

‫أبو بكر‬ ‫شيكاو‬

‫أوكرانيا‪ :‬قصف‬ ‫في عيد االستقالل‬

‫بينما‬

‫تحتفل أوكرانيا بذكرى االستقالل‪ ،‬تعرضت دونيتسك لقصف طال‬ ‫مستشفى في وسط املدينة خلف عددا من الجرحى‪.‬‬ ‫وكانت البالد احتفلت يوم ‪ 24‬أغسطس (آب) املاضي بذكرى استقاللها‬ ‫بعرض كبير في العاصمة كييف‪ ،‬بينما استهدفت عمليات قصف مدينة دونيتسك‬ ‫في شرق البالد‪.‬‬ ‫وفي كييف‪ ،‬تجمع آالف األوكرانيني في وسط البالد لحضور عرض عسكري هو‬ ‫األول منذ ‪ ،2009‬احتفاال بذكرى االستقالل‪ ،‬بينما تخوض البالد حربا دموية ضد‬ ‫انفصاليني موالني لروسيا في شرق البالد‪ .‬ووضع الحاضرون األعالم على أكتافهم‬ ‫وارتدوا األزياء الشعبية‪.‬‬ ‫وقد رددوا النشيد الوطني األوكراني في ساحة االستقالل التي يسمونها «امليدان»‬ ‫رمز حركة االحتجاج الشعبي املوالية ألوروب��ا‪ ،‬التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس‬ ‫املوالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش‪.‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪09‬‬


‫األسبوع الخامس‬

‫في زيارته األولى بعد توليه السلطة‬

‫قالدة امللك عبد العزيز‬ ‫تكريما للرئيس السيسي‪..‬‬ ‫وأداء ملناسك العمرة‬

‫الزيارة األولى للرئيس املصري املنتخب إلى اململكة السعودية العالقات الثنائية بني الدولتني الشقيقتني‪ ،‬حيث بحث من‬ ‫خاللها خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز مع الرئيس عبد الفتاح السيسي العالقات الثنائية بني البلدين‪،‬‬ ‫وسبل تعزيزها في مختلف املجاالت‪ ،‬إضافة إلى مجمل األحداث التي تشهدها الساحات اإلسالمية والعربية والدولية‪ ،‬وفي‬ ‫مقدمتها تطورات األوضاع في األراضي الفلسطينية الـمحتلة‪ ،‬والجهود املبذولة إليقاف العدوان اإلسرائيلي على قطاع غزة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وقلد خادم الحرمني الشريفني في نهاية االستقبال‪ ،‬الرئيس السيسي‪ ،‬قالدة امللك عبد العزيز‪ ،‬التي تمنح لكبار قادة وزعماء دول العالم‬ ‫الشقيقة والصديقة تكريما له‪.‬‬ ‫وأدى الرئيس املصري والوفد املرافق قبل مغادرته السعودية مناسك العمرة‪ ،‬حيث كان في استقباله لدى وصوله إلى املسجد الحرام‬ ‫أمير منطقة مكة املكرمة األمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز‪ ،‬ونائب الرئيس العام لشؤون املسجد الحرام الشيخ الدكتور ناصر‬ ‫الخزيم‪ ،‬ورئيس املراسم امللكية محمد الطبيشي‪ ،‬وقائد القوة الخاصة ألمن املسجد الحرام بالنيابة العميد عويض الخالدي‪.‬‬ ‫ُيذكر أن الرئيس املصري السيسي وصل إلى جدة‪ ،‬مساء األحد‪ 10 ،‬أغسطس (آب) املاضي‪ ،‬في زيارة أولى رسمية للسعودية‪ .‬وكان‬ ‫في مقدمة مستقبليه بمطار امللك عبد العزيز الدولي األمير سعود الفيصل وزير الخارجية‪ ،‬واألمير مقرن بن عبد العزيز ولي ولي العهد‬ ‫النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء املستشار واملبعوث الخاص لخادم الحرمني الشريفني‪.‬‬

‫عززت‬

‫بريطانيا‪ :‬رحالت كاميرون السياحية‬ ‫تثير استياء اإلعالميني‬ ‫وكبار الساسة والقادة العسكريني‬ ‫وسط‬

‫انتقادات صحافية بريطانية وقلق بالغ بني كبار الساسة وقادة الجيش في‬ ‫اململكة املتحدة إثر األزمة النامية في العراق‪ ،‬غادر رئيس الوزراء البريطاني‬ ‫ديفيد كاميرون بالده مع زوجته في رحله ترفيهية إلى املقاطعة االنجليزية‬ ‫التاريخية "كورنوال" و الجزيرة االسبانية "النزاروت "‪.‬‬ ‫قالت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية تعليقا على رحلته األخيرة‪« :‬يتمتع كاميرون‬ ‫بالبحر والرمل في الوقت الذي تستعد فيه بريطانيا لتقديم أسلحة إلى القوات الكردية‪،‬‬ ‫ملحاربة (داعش)‪ ،‬في شمال العراق»‪.‬‬ ‫وقال الرئيس السابق للجيش البريطاني الجنرال السير ريتشارد دانات إن األمة تتوقع‬ ‫من البرملان عدم السماح للنواب واملسؤولني بمغادرة البالد ألي عطالت‪ ،‬إلى أن تستقر‬ ‫األوضاع‪.‬‬ ‫ومنذ توليه منصبه في مايو (أيار) عام ‪ 2010‬حصل رئيس وزراء بريطانيا على ‪15‬‬ ‫عطلة‪ ،‬بمعدل واحدة كل ثالثة شهور‪ .‬وقضى ديفيد كاميرون رحلته السياحية األولى‬ ‫بعد توليه رئاسة ال��وزراء في كل من «جرينادا» وهي دولة تقع في جزر الهند الغربية‬ ‫في البحر الكاريبي‪ ،‬وأصل اسمها «غرناطة»؛ تلك املدينة األندلسية الشهيرة‪ .‬ثم جزيرة‬ ‫«إيبيزا» اإلسبانية‪ ،‬التي تقع على البحر املتوسط‪ ،‬وغادرها إلى «توسكانا» املدينة اإليطالية‬ ‫الشهيرة باملناظر الخالبة‪ ،‬واختتم رحلته املطولة بزيارة عدة مدن بالبرتغال‪.‬‬ ‫‪08‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫رئيس الوزراء البريطاني‪ ،‬ديفيد كاميرون وزوجته سامانثا‬


‫‪..‬‬

‫رساله المحرر‬ ‫«ما الدولة التي تم استهدافها من كل أنواع اإلرهاب الديني والسياسي والفكري‪ ،‬من‬ ‫قبل املجموعات املتطرفة سنيها وشيعيها سواء تلك التي تؤمن بالتغيير الجذري املسلح‬ ‫أو األخرى التي تحمل مشروعا انقالبيا ناعما ومتدرجا؟»‪ ..‬هكذا يتساءل الباحث في‬ ‫«الجماعات األصولية» يوسف الديني في موضوع غالف هذا العدد‪ ،‬مجيبًا‪« :‬إنها بال شك‪:‬‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ،‬منذ أن كانت إمارة في الدرعية وحتى اآلن‪ ،‬ألنها أكثر الدول‬ ‫العربية واإلسالمية تأثرا وتأثيرا‪ ،‬ليس باعتبارها قبلة دينية فحسب‪ ،‬وإنما عالمة فارقة‬ ‫على املستوى االقتصادي املنفتح بال هوادة على األسواق العاملية والسياسية الخارجية‬ ‫املعتدلة والحذرة‪ ،‬ومجتمعها املحافظ في مجمله‪ ،‬الذي لم يعرف االنتماءات السياسية»‪.‬‬ ‫في هذا املوضوع الذي جاء بعنوان «منحنيات وعرة‪ :‬أحجية اإلرهاب والسعودية‪ ..‬تحديات‬ ‫ومخاطر‪ ..‬ومليك يجدد وعده بحرب طويلة» يستعرض الديني مسيرة السعودية الطويلة‬ ‫في حربها مع اإلرهاب‪ ،‬وكيف تحول من مرض عرضي نشأ في باكستان وأفغانستان‬ ‫إلى ظاهرة مستمرة تستخدمها جماعات اإلسالم السياسي ألغراض وصولية‪.‬‬ ‫كانت كلمة خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز عالمة تاريخية فارقة‪،‬‬ ‫وصيحة نذير‪ ،‬حني عاتب العلماء على كسلهم وصمتهم‪ ،‬وعاتب املجتمع الدولي الذي‬ ‫تقاعس في حربه أمام اإلرهاب‪ ..‬إنها كوارث كبرى كانت ستحدث لو لم تقم السعودية‬ ‫باستراتيجية شاملة في محاربة اإلرهاب‪ ،‬هذه اآلفة التي لن تتوانى عن نشر الرعب‬ ‫وإسالة الدم في كل مكان‪.‬‬ ‫وفي موضوع آخر يتتبع الباحث السعودي عبد الله الرشيد مواقف السعودية التاريخية‬ ‫من القضية الفلسطينية‪ ،‬في استراتيجيتها القائمة على نصرة الشعب الفلسطيني‪،‬‬ ‫ومحاولة إنجاح مبادرات السالم التي تحقن الدم وتحفظ حقوق الفلسطينيني‪ ،‬منذ عهد‬ ‫املؤسس امللك عبد العزيز‪ ،‬الذي وقف بقوة أمام قرار إعالن قيام دولة إسرائيل‪ ،‬وتطوع‬ ‫أبناء من شعبه لقتال جيش االحتالل‪ ،‬وحتى يومنا هذا في عهد امللك عبد الله بن عبد‬ ‫العزيز الذي سعى بكل وسيلة إلى رأب الصدع الفلسطيني‪ ،‬وإغاثة أبنائهم ونصرتهم بكل‬ ‫السبل‪ ،‬في سيرة تدحض كل شبه املشككني في جهود اململكة تجاه القضية الفلسطينية‪.‬‬ ‫وفي قضايا أخرى يتناول الصحافي املصري عبد الستار حتيتة‪ ،‬املتخصص في الشأن‬ ‫الليبي تطورت األوضاع الراهنة في ليبيا‪ ،‬وصراع امليليشيات‪ ،‬وهل يستطيع «حفتر»‬ ‫وحده مواجهة االضطرابات التي تشل حركة البلد وتعطل بنيتها وقوامها منذ سقوط‬ ‫نظام القذافي عام ‪.2011‬‬ ‫أما الصحافي اليمني عرفات مدابش‪ ،‬فيكتب عن واقع اليمن واالحتماالت القائمة لعودة‬ ‫علي عبد الله صالح لحكم اليمن في ظل الفراغ السياسي‪ ،‬وتمدد الخطر الحوثي‪.‬‬ ‫ويتناول املحلل السياسي املصري بشير عبد الفتاح تطورات السياسة الخارجية لتركيا‬ ‫بعد فوز إردوغان في االنتخابات الرئاسية التي جرت أغسطس (آب) املاضي‪ ،‬وكيف بدأ‬ ‫موقف الدبلوماسية التركية يتغير ويختلف تجاه عدد من القضايا وامللفات‪ ،‬خصوصا‬ ‫وأن املرجح أن يقضي إردوغان على كرسي السلطة مدة عشر سنوات قادمة‪ ،‬وفقا‬ ‫للتعديالت الدستورية الجديدة التي تخوله البقاء في السلطة على مدى فترتني مدة كل‬ ‫منهما عشر سنوات‪.‬‬ ‫وفي تقرير إنساني يكتب الصحافي اإليطالي ارتورو فارفلي عن املصير املجهول الذي‬ ‫يواجه الالجئني في رحالت املوت من ليبيا إلى إيطاليا‪ ،‬وكيف تشكل رحالت الهجرة عبئا‬ ‫مزعجا يالحق السلطات‪.‬‬ ‫كما تقدم «املجلة» نخبة مختارة من أهم املقاالت املترجمة من مجلة «فورن أفيرز»‬ ‫األميركية‪ ،‬التي تناقش شؤون ومستجدات الوضع اإلقليمي والعاملي‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا ‪majalla.com‬‬ ‫ونرحب دائما بآرائك‪ ،‬وتعليقاتك‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬

‫‪7‬‬


‫المحتوى‬

‫مشهد سياسي متناقض‪..‬‬ ‫إصالحات متعثرة‪ ..‬وإرهاب‬ ‫وحركة تمرد‬

‫اليمن‪« ..‬عفاش»‬ ‫هل يعود للحكم؟‬

‫ليبيا‪..‬‬ ‫حروب‬ ‫امليليشيات‬

‫«حفرت»‬ ‫وحده ال‬ ‫يكفي‬ ‫تعمير غزة عبر الهاي‬

‫ماذا استفادت غزة من‬ ‫حربها مع إسرائيل؟‬

‫تعديل دستوري يعقب حصد‬ ‫حزب العدالة والتنمية لغالبية‬ ‫املقاعد في االنتخابات املقبلة‬

‫«تركيا اجلديدة»‬ ‫حتت سطوة إردوغان‬

‫إيطاليا‬ ‫وليبيا‪..‬‬ ‫مواجهة‬ ‫أزمة الهجرة‬

‫تهريب‬ ‫البشر‬

‫كيف يرى العالم املظاهرات؟‬

‫اضطرابات فريغسون‪..‬‬ ‫والنفاق االمريكي‬

‫‪6‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬



‫االفتتاحية‬

‫وكأن الحرب على اإلرهاب اندلعت فجأة‪ ،‬وكأن العالم بأسره كان يعيش في استقرار وسالم‪ ،‬فلم عاثت‬ ‫«داعش» في األرض فسادا‪ ،‬صحا العالم من حلم جميل على وقع طبول حرب داعش وأخواتها واقترابها‬ ‫من أطراف أوروبا‪ .‬تهافت قادة الغرب على العمل فورا ملحاصرة هذا الخطر الداهم‪ .‬اقتنعوا أخيرا أن اإلرهاب‬ ‫ليس شرطا أن ينحصر في موقعه الحالي‪ ،‬كما كانوا يطمئنون‪ ،‬وقد يصل إلى أبعد نقطة عن أرضه‪.‬‬ ‫اقتنعوا أخيرا أنه حتى بافتراض احتراق الشرق األوسط وحده بنار اإلرهاب‪ ،‬وعدم اتساع دائرته ألوروبا‬ ‫وأميركا‪ ،‬فإن مجموعة من أبناء الغرب متطرفون أيضا وسيكونون حطبا لهذه الحرب الشرسة‪ .‬لألسف‬ ‫ينشغلون عن بديهيات كانت أمامهم‪ ،‬ثم يرفعون الصوت عاليا وكأنهم وجدوها‪.‬‬ ‫الرئيس األميركي باراك أوباما يقول‪ :‬إن «داعش» سرطان يجب استئصاله وال يشكل خطرا على العراق‬ ‫وشعبه فحسب بل قد يهدد «مصالح األميركيني» في نهاية امل�ط��اف‪ .‬رئيس ال��وزراء البريطاني ديفيد‬ ‫كاميرون يصرح بأن داعش «قد تستهدفنا بشوارع بريطانيا»‪ .‬الرئيس الفرنسي فرنسوا هوالند قال‪ :‬إنه‬ ‫سيقترح قريبا عقد مؤتمر حول األمن في العراق ومحاربة «داعش»‪ ،‬معتبرا أن الوضع الدولي اليوم هو‬ ‫«األخطر» منذ العام ‪ .2001‬الحقيقة أن كل هذه املواقف الغربية الحازمة على حني غرة ال يمكن اعتبارها‬ ‫إعطاء «داعش» أكبر مما تستحقه‪ ،‬بقدر ما أن التنظيم اإلرهابي هو في نهاية األمر فرع لتنظيم متعدد‬ ‫األوجه‪ ،‬يظهر يوما بشكل «القاعدة» وآخر بوجه «جبهة النصرة» ويوما ثالثا بـ «داعش»‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فقد تنتهي‬ ‫أسطورة «داعش» قريبا لكن من يضمن عدم ظهور مفاجآت أخرى في املستقبل القريب على شاكلة هذه‬ ‫الجماعات سهلة التأسيس سريعة الظهور؟!‬

‫بقلم‪� :‬سلمان الدو�سري‬

‫ألكثر من ‪ 10‬سنوات وخادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز يواصل مساعيه إلقناع العالم‬ ‫بضرورة التحرك الجماعي ملكافحة اإلره��اب‪ ،‬لذا فإن خيبة أمل من املجتمع الدولي‪ ،‬كما عبر عنها امللك‬ ‫في خطابه األخير‪ ،‬وتقاعسه عن التجاوب مع املحاوالت الحثيثة السعودية الستكمال منظومة مكافحة‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬لم ينطقها أحد بمكانة امللك عبد الله إال بعد أن كان‪ ،‬وال يزال‪ ،‬أكثر زعماء العالم تحذيرا من نار‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬وكانت الرسالة األوضح هي تحذيره بأن الصمت العاملي سيخرج جيال يؤمن بالعنف‪ .‬هل صدق‬ ‫العالم أخيرا تحذير امللك عبد الله؟!‬

‫السعودية‪ ..‬حربا على اإلرهاب‬ ‫وليس معركة‬

‫ظل الغرب طويال وهو يربط بني اإلسالم واإلرهاب‪ ،‬وظل املسلمون‪،‬‬ ‫الحقيقيون‪ ،‬يشرحون ويقنعون باألدلة والبراهني‪ ،‬أن هذا اإلرهاب‬ ‫ال دين له‪ ،‬بل إن الدول اإلسالمية‪ ،‬وعلى رأسها السعودية‪ ،‬أكثر‬ ‫من اكتوى بناره‪ ،‬فلما اقتنع الغرب‪ ،‬جزئيا على األقل‪ ،‬بأنه ال رابط‬ ‫فعال بني اإلسالم واإلرهاب‪ ،‬ظهرت نغمة أخرى بأن السعوديني‪،‬‬ ‫مثال‪ ،‬هم حطب تلك الجماعات اإلرهابية‪ ،‬وعندما تقول لهؤالء‬ ‫إن السعودية أصدرت قرارا بتجريم املقاتلني في الخارج‪ ،‬يردون‬ ‫عليك بأنه على السعودية أن تسعى أكثر ملنعهم من القتال بأي‬ ‫طريقة‪ .‬إذن ملاذا ال تسعى الدول الغربية ملنع أبنائها من القتال في سوريا والعراق‪ ،‬وبحسب تقرير نشرته‬ ‫الشقيقة «الشرق األوسط» فإن هناك ‪ 100‬أميركي يقاتلون في سوريا ويوجد ‪ 450‬بريطانيا و‪ 700‬فرنسي‬ ‫و‪ 270‬أملانيا‪ ،‬ويجيب بيتر بيرغن محلل الشؤون األمنية وقضايا اإلرهاب لدى «سي إن إن» عن سؤال‬ ‫حول األسباب التي تجعل داعش تنظيما شديد الخطورة على أميركا والغرب‪ ،‬بالقول‪« :‬سبب الخطر هو‬ ‫عدد األوروبيني املقاتلني في صفوف التنظيم‪ ،‬ما يعطي التنظيم اإلمكانية لتقديم الخبرات العسكرية ألولئك‬ ‫املقاتلني وتدريبهم على الهجمات وصناعة املتفجرات»‪.‬‬

‫خ��ادم الحرمني أكد أن املتخاذلني عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد اإلره��اب من أجل مصالح وقتية‬ ‫أو مخططات مشبوهة سيكونون «أول ضحاياه في الغد‪ ،‬وكأنهم بذلك لم يستفيدوا من تجربة املاضي‬ ‫القريب‪ ،‬والتي لم يسلم منها أحد»‪ .‬إال أن املعضلة أن أي تحركات يقوم بها الغرب‪ ،‬وعلى رأسها الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬ضد اإلرهاب‪ ،‬تكون بصورة وقتية وكأنها رد فعل مقرون بمصالح سياسية‪ .‬حتى هذه اللحظة‬ ‫لم نر استراتيجية وحربا طويلة على اإلرهاب‪ ،‬وهو مؤشر خطير على استمرار اإلرهاب حاضرا ويتنامى‬ ‫بشكل أكثر قوة و«سرطنة»‪ ،‬طاملا التعاطي الغربي مع مكافحة اإلرهاب يعتمد على البراغماتية السياسية‬ ‫واملصالح املؤقتة‪.‬‬ ‫هناك فرق أن تكون استراتيجيتك حربا على اإلرهاب ال هوادة فيها‪ ،‬أو تكون معركة ال تلبث أن تخفت‬ ‫يوما وتشتعل يوما آخر‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1599‬ايلول ‪ -‬سبتمبر ‪2014‬‬


‫رئيس التحرير‬

‫�سلمان بن يو�سف الدو�سري‬ Salman Aldossary ‫مدير التحرير‬

‫عز الدين �سنيقرة‬

ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Azeddine Senegri +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

:‫مسؤول مكتب اخلليج‬

Acting CEO of NASHR Co.

‫عبد اهلل الر�شيد‬

Omar A. Alshaikh ‫ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ‬ ‫ﻣﺴﺆول‬ :‫التحرير‬ ‫سكرتري‬

ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē ‫م�صطفى الد�سوقي‬ +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

^¤ 7yG* Ò* ^d<

‫اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬ ‫ﺳﻜﺮﺗﲑ‬ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of NASHR Co. ‫الفين‬ ‫اإلخراج‬ Omar‫عثمان‬ A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM ‫علي‬

¥E¢ 6^G* £ }H

ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting CEO of NASHR Co.

ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ΃ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ΍ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ΍ ΪϳήΒϟ΍ ϰϠϋ ΔϠγ΍ήϤϟ΍ ϰΟήϳ ˯΍έ΁ ϭ΃ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar‫للمشاركة‬ A. Alshaikh

‫ كلمة‬800 ‫ جميع المقاالت يجب أال تزيد على‬:‫ ملحوظة‬editorial@majalla.com ȝƾżȚǍƄŵȚ ‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني‬

ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ΍ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ΍ ΔόΒτϟ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ

‫اشتراكات‬

ϡΎψϧ ϱ΃ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ΃ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ΃ ϭ΃ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝ΍ϮΣϷ΍ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ΍ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ΍ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla :‫ لالشتراك في االلكترونية‬subscriptions@majalla.com :‫ يرجى االتصال بـ‬،‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‬ ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ΍ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϣ ϖΒδϣ ΢ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ΍ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ΃ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ΃ ΎϫήϳϮμΗ ϭ΃ Δϴϟ΁ ϭ΃ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ΃ ϭ΃ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ΃ ϲϋΎΟήΘγ΍ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ΍ ϙ΍ήΘηϻ΍ Ε΍έΎδϔΘγ΍ ‫ وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام‬.‫ التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة‬2009 ‫حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة‬ ‫ لتلقي‬.ً‫ وتصدر المجلة شهريا‬.)‫استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة‬ www.majalla.com ‫ يرجى زيارة‬،‫استفسارات االشتراك الرقمي‬

LVVXH

$XJXVW

Ώ΁ βτδϏ΃ ΩΪόϟ΍

++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1599 - September 2014 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn, London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310

ϰμμΨΘϟ΍ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ νΎϳήϟ΍ ΎϬϟ κΧήϣ 2014 ‫ سبتمبر‬- ‫ ايلول‬1599 ‫العدد‬

$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ΍

ZZZ PDMDOOD FRP HQJ

‫ تقاطع التخصصى‬- ‫ طريق مكة‬- ‫ حي المؤتمرات‬- ‫الرياض‬

‫مرخص لها‬

A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 :‫ لندن‬- 4419933 ‫ هاتف‬:‫الرياض‬

KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ www.majalla.com/eng ϝϭΪϟ΍ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϞΧ΍Ω Ϧϣ

hq@alkhaleejiah.com :‫ بريد إلكتروني‬،www.alkhaleejiah.com :‫موقع إلكتروني‬ +966 11 441 1444 : ‫ ومن مختلف الدول‬، +44 207 404 6950:‫ لندن‬، +331 537 764 00:‫ باريس‬،+9714 3 914440 :‫ دبي‬،920 000 417 : ‫من داخل المملكة‬

ϲϧϼϋϹ΍ ϞϴϛϮϟ΍ ‫الوكيل اإلعالني‬

ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ

ΕΎϛ΍ήΘηϹ΍ Ϟϴϛϭ

800-2440076 :‫ هاتف مجاني‬،www.arabmediaco.com :‫ موقع إلكتروني‬، info@arabmediaco.com :‫بريد إلكتروني‬

‫وكيل اإلشتراكات‬

ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ΍ ΔϴΑήόϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 11 2121774 :‫ فاكس‬+966 11 4419933 :‫ هاتف‬،11585 ‫ الرياض‬- 62116 ‫ب‬.‫ ص‬- ‫وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي المؤتمرات‬ www.saudidistribution.com :‫موقع إلكتروني‬

ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι

‫�شركات ن�شر‬ ‫شركات نشر‬

ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ

‫وكيل التوزيع‬

ΔϋΎΒτϟ΍ ΰϛήϣ

ΔϋϮϤΠϤϟ΍ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com

Saudi Specialized Publishing ‫املتخصص‬ ‫السعودية للنشر‬ ‫ الشركة‬Company www.sspc.com.sa

áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG

www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\

‫حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة‬

»‫لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم‬

ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ΍ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ΍ ϕϮϘΣ

©ϡϼϋϹ΍ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 ‫ يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني‬،‫المعلومات‬ ‫للحصول على المزيد من‬

»‫حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة‬



‫مجلة العرب الدولية‬ 1980 ‫تأسست في لندن عام‬

‫شهرية سياسية‬ 2014 ‫ سبتمبر‬- ‫ ايلول‬1599 ‫العدد‬





‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ISSN 1319-0873

09

9 771319 087013 

www.majalla.com



Issue 1599 - September 2014


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.