ذكرياتي العلمية

Page 1

‫‪/1‬‬

‫ذكرياتي مع العلم وأهله‬ ‫مشاهد ومقاصد‬

‫ذكرياتي‬ ‫العلمية‬

‫أحمد بن علي الهبطي(أبوخالد)‬ ‫‪1‬‬


‫‪/2‬‬

‫ذكرياتي مع العلم وأهله‬ ‫مشاهد ومقاصد‬

‫على سبيل التقديم‬ ‫أ‬ ‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة السالم على رسوله المين‪.‬‬ ‫وبعد‪:‬‬ ‫فإن طاعة العلماء العدول ‪-‬في مراضي هللا عزوجل‪ -‬أافرض من طاعة الوالدين‬ ‫أاحيانا‪ ،‬كما قرر المحققون ‪" .‬والفقهاء قادة‪ ،‬ومجالسته ْم ِزيادة ‪ . "1‬كما روي‬ ‫عن ابن مسعود رضي هللا هللا عهه‪.‬‬ ‫وإن مما أامرني به بعض أاساتيذي ‪-‬القراء‪ -‬قديما ‪ ،2‬تدوين ذكرياتي‪ ..‬مع‬ ‫القران الكريم أواهله‪ ،‬بدءا بالطفولة والشباب‪ ،‬وانتهاء بالمرحلة الراههة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫(وكهت ساعتها على عتبة الربعين)‪ .‬والحق أاني وعدت بذلك؛ أوانا بين‬ ‫الرجاء والخوف‪ ،‬واإلقدام واإلحجام‪ ..‬أواخشى ما كهت أاخشاه هو أان اباغت‬ ‫بالسؤال؛ في ْسقط في يدي؛ ولكن هللا سلم‪.!.‬‬ ‫وكلما هم ْمت بالك تابة والتقييد‪ْ ،‬‬ ‫داخلتهي ‪ -‬أايها السادة والسيدات‪ -‬هيبة‬ ‫عظيمة‪ ،‬ورهبة جسيمة‪ ،‬وخفت على نفسي ك ثيرا من الشهوة الخفية‪،‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬ورجاله موثقون كما قال الهيثمي في "مجمع الزاوئد ومنبع الفوائد"‪.‬‬

‫وهو شيخنا العالمة المقرئ الدكتور أيمن سويد‪-‬نفعنا اهلل به‪.-‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪/3‬‬

‫أ‬ ‫والهشوة العلمية ‪ ،3‬والجتراء على شيء ا ندم عليه في قبري! فليس ‪-‬‬ ‫يا أا هل الفضل ‪ -‬أا خطر من الحديث عن الهفس ‪ ،‬واإل عجاب بالهفس‪،‬‬ ‫‪4‬‬ ‫و في حديث " ثالث م هلكات ‪ "..‬عظة و درس ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ثم ترج ح عهد ي ‪ -‬مع ال يام‪ -‬أا ن اإل قدام هاهها خير من اإلحجام ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫و إن شئت ْ‬ ‫فقل ‪ :‬نفعه أا كبر من إثمه ‪ .‬ولو تحو ط ال ول ون جميعا لما‬ ‫وصلها شيء! و من عبارات هم العميقة قول الفضيل بن عياض رحمه‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫هللا‪ " :‬ترك العمل من ا جل الهاس رياء‪ ،‬والعمل من ا جل الهاس‬ ‫شرك‪ ،‬واإلخالص أا ن يعافيك هللا مههما "‪.‬‬ ‫و ل شك أا ن ه ذا العمل يحتاج إلى راحة بال ‪ ،‬وبيت خال ‪ ،‬و تهقل‬ ‫وا رتحال‪ ..‬و أا ن ى لي ذلك‪ ،‬أوا نا أا بو العيال ؟! ‪ 5.‬ف" اللهم ل ْ‬ ‫سه ل إل ما‬ ‫ج علته سهال أوا نت تجعل ْ‬ ‫الحزن إذا شئت سهال " ‪.6‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫و سا حاول في هذا الجزء ال ول أا ن أا عتصر ذاكرتي قليال ‪ ،‬أوا ستحضر‬ ‫بعض الط رائ ف وال لطائ ف ‪ ،‬والمشاهد والمواقف‪ ،‬التي عشتها مع‬ ‫أا ساتذتي ومعلمي ‪ ..‬في أا يام اله ْف ِر ( ال رحلة في طلب العلم) أا و ما‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أرا يته من بعض العلماء ال جالء ‪ ،‬ال م وات مههم وال حياء؛ م رك زا على‬ ‫مواطن ا لئ تساء والقتداء ‪ ،‬والعظة وال هتداء ؛ ضاربا صفحا عن‬ ‫كل ما ل يهبه ي عليه عمل‪ ،‬أا و ل يرشح مهه نفع ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫نعم للعلم نشوة كنشوة الخمر‪ ،‬وطغيان كطغيان الغنى! وليست فتنة العلم أقل خط ار من فتنة العمل‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫تمامه‪ ":‬ثالث مهلكات‪ُّ :‬‬ ‫شح مطاع‪ ،‬وهوى متبع‪ ،‬واعجاب المرء بنفسه "‪ .‬أخرجه البيهقي وحسنه األلباني ‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫حديث مرفوع‪ .‬رواه ابن حبان في صحيحه‪ .‬انظر‪ :‬السلسلة الصحيحة (‪ )6/209‬حديث(‪.)9886‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 5‬عيال الرجل‪ :‬الذين يسكنون معه وينفق عليهم كامرأته وأوالده وغالمه ووالديه الفقيرين الفانيين‪.‬‬ ‫َجمع َعي ٍ‬ ‫ك ثَُّم بِ َم ْن تَ ُعو ُل] أما حديث الخلق عيال اهلل‬ ‫ق َعلَْي ِه ْم ‪َ .‬و ِم ْنهُ [ ْاب َد ْأ بَِن ْف ِس َ‬ ‫ِّل‪َ ،‬ك ِجَي ٍاد ِفي َجي ٍِّد‪َ ،‬و َعا َل ِعَيالَهُ قَاتَهُ ْم َوأ َْنفَ َ‬ ‫ُْ‬ ‫فهو حديث شديد الضعف‪ .‬ومعناه ال يستقيم إال بتأويل‪.‬‬


‫‪/4‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫وليس القصد ‪ -‬في هذ ه ال خط رات‪ -‬كشف العورات‪ ،‬ا و تصهيف ال ف راد‬ ‫والجماعات‪ ،‬أا و نقد شخص ‪ ،‬أا و تقديسه أا و تبخيسه‪ ،‬أا و تعديله أا و‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫تجريحه ‪-‬با ي شكل من ال شكال‪ -‬بل القصد تقييد الذكريات‪..‬‬ ‫واستلهام العظات ‪ ..‬وإطالق الزف رات‪ !..‬واستدرار الدعوات‪! ..‬‬ ‫وللقارئ‪ -‬القدير ‪ -‬بعد ذلك أا ن يستهبط ما شاء‪ ،‬ويهتقد ‪ -‬بعلم وعدل ‪-‬‬ ‫م ن شاء‪ .‬وسبحان المتصف بصفات الكمال ! المتهزه عن كل نقص‬ ‫وعيب ! ( في ذاته‪ ،‬وصفاته‪ ،‬أوا فعاله)‪ ،‬المستحق للحمد المطلق ‪،‬‬ ‫والثهاء الكامل !! ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫وا م ا عن ذكريات الق را ن ال م جيد ؛ فحق ها التجريد والتفريد ؛‬ ‫جر دوا هذا القرا ن ‪ ،‬ول تخلطوه‬ ‫استئهاسا بقول الصحابي الرشيد ‪ِ " :‬‬ ‫بشيء " ‪ . 7‬وإن فسح هللا في المدة‪ ،‬ور زق الع دة‪ ،‬بسطها الكالم‬ ‫فيها بسطا ‪ ،‬وتحدثها بهعم ة هللا ش ك را‪ ،‬و (‪ ..‬م ْن ه م ِب ح س ه ة ف ل ْم‬ ‫ْ‬ ‫‪8‬‬ ‫ي ْع م ل ه ا (لعذر)ك ت ب ه ا هللا ِع ْه د ه ح س ه ة ك ا ِم ل ة )‬ ‫وسوف لن أا حمل هم الصهاعة التحريرية ك ثيرا في هذ ا المك توب ؛‬ ‫أ‬ ‫ل ن صاحبكم ‪ -‬كما تعلمون ‪ -‬ل يس ق ص اصا ‪ ،‬ول ِروائيا ‪ ،‬ول أا ديبا ‪ ،‬ول‬ ‫كاتبا محترفا ‪ ..‬؛ وإنما هو طالب حكمة ‪ ،‬و حامل رسالة‪ ،‬ي هقلها‬ ‫لل خاصة وال عامة ‪ ،‬ب فطري ة و انسيابية ‪ ،‬وعفوية و تلقائية ‪ ،‬و ي ك تب ما‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫تيسر من ال لفاظ والتعابير ‪ ،‬والخواطر والمعاني ‪ ، ..‬إلى أا ن يا تي هللا‬ ‫أ أ‬ ‫بالفتح ا و ا مر من عهده ! ورحم هللا امرءا زانها بقلمه البديع ‪ ،‬وقوله‬ ‫البليغ ‪ ،‬أا و نظر إليها بعين الودا د فصبر وغفر! !‬ ‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬

‫هو ابن مسعود رضي اهلل عنه‪ .‬انظر مجلة البحوث اإلسالمية‪) .‬الجزء رقم ‪ ،6 :‬الصفحة رقم‪.(99 :‬‬

‫البخاري ومسلم‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫‪/5‬‬

‫أ‬ ‫وما ا جمل مقالة شعيب عليه السالم‪ِ " :‬إ ْن ا ِر يد ِإ ل ا ِإل ْص الح م ا‬ ‫ْ‬ ‫‪9‬‬ ‫ْ‬ ‫اس ت ط ْع ت و م ا ت ْو ِف ي ِق ي ِإ ل ِب الل ِه ع ل ْي ِه ت و ك ل ت وإليه أا نيب" ‪.‬‬ ‫ول حرمها هللا ْلفتة ناصح ‪ -‬مثلك‪ -‬ترد إلى صواب‪ ،‬أاو ترشد إلى كمال!‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وإن دعاءك ‪ -‬أاخي الصالح ‪ -‬هو زاد الطريق؛ فاوف لها مهه الكيل وتصدق‪..‬‬ ‫إن هللا يجزي المتصدقين!‬

‫‪9‬‬

‫سورة هود االية (‪.(3-6‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪/6‬‬

‫دعاء ورجاء!!‬ ‫اللهم إنا ما شهدنا إل بما علمها‪ ،‬وما كها للغيب‬ ‫أ‬ ‫حافظين! فاك تبها‪-‬ياربها‪ -‬مع الشاهدين! وادخلها‬ ‫برحمتك في عبادك الصالحين!‬ ‫اللهم إن بجوار بيتك الكريم طالب قران‪ ،‬وإمام‬ ‫أ‬ ‫صالة‪ ،‬وعائل اسرة‪ ..‬يبوء بهعمته عليك‪ ،‬ويبوء‬ ‫أ أ‬ ‫بذنبه‪ ،‬وقد نزل به من الضر والبالء ما انت اعلم‬ ‫أ‬ ‫به من غيره؛ فاللهم ارفع عهه البالء‪ ،‬والبسه لباس‬ ‫الصحة والعافية‪ ،‬واغفر لوالديه ولمربيه ولمعلميه‬ ‫أ‬ ‫ولماموميه ومحبيه! واختم له ولجميع خلقك‬ ‫وعبادك بخير‪ ،‬يارب العالمين!‬

‫‪6‬‬


‫‪/7‬‬

‫عالم المك ان‪ ،‬وكيف تعرفت عليه!؟‬ ‫كان الوالد المعلم رحمه هللا يحدثه ا ‪ -‬في " ال طفولة المبكرة" ‪10-‬عن‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫العلماء وال ولياء با سلوب يفيض عذوبة ورق ة‪ ،‬وحماسة وحرق ة‪!! ..‬‬ ‫أ‬ ‫وكان الع لماء والقراء ‪ -‬في نظره ‪ -‬هم المثل ال س م ى ‪ ،‬والهموذج‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ال على ‪-‬بعد ال نبياء والمرسلين ‪ ،‬والصحابة والتابعي ن ‪ -‬ل ي زاحم هم‬ ‫بشر على اإلطالق‪ .‬وما جلس إليه طالب إل وحب ب إليه العلم‬ ‫والعلماء ‪ ،‬ورس خ فيه هذا ال حس الجميل‪ ،‬والشعور الهبيل !‪.‬‬ ‫والحق ‪ ،‬أا نه لم يكن ثم ة في قريتها و مهطقتها‪ْ ..‬ام رؤ تهطبق عليه‬ ‫صفات العالم‪ ،‬أا و الفقيه‪ ،‬أا و المقرئ‪ ،‬بمعهاه الصطالحي ال د قيق؛‬ ‫وإنما كان عهدنا ‪ -‬فقط‪ -‬عالم المكان أ(ا ي عالم مكانه) ‪ -‬حسب‬ ‫أ‬ ‫الصطالح ‪ -‬ولو قيس بالعلماء والقراء الكبار في القرويين وال زهر‬ ‫والزيتونة‪ ..‬لكان غير ذلك ! ومع هذا فقد استطاع الوالد ‪ -‬بذكائه‬ ‫الفطري ‪ -‬أا ن يوحي إليها بوجود العلماء وال ه س اك في ضاحيتها‬ ‫ْ‬ ‫و بل دتها ‪ ،‬وربما ش ِب ه لها بعض هم ب مالك بن أا نس‪ ،‬و إبراهيم بن‬ ‫أا دهم !‬ ‫أوا ما الش ر يف ال هاسك‪ ،‬المعرو ف ب سيدي الطيب الزياتي ‪ -‬رحمه هللا‪-‬‬ ‫خي لتي عبدا مالئكيا ‪ 11،‬أا و بشرا استثهائيا ‪ ،‬أا و ‪ -‬إن‬ ‫ف قد كان في م ِ‬ ‫شئ ت ‪ -‬فقل‪ :‬بقية السلف في الخلف !‪ .‬وم ا كان في ال زو ِار أا حد أا حب‬ ‫أ‬ ‫إلي مهه‪ ،‬ول أا جل في عيهي مهه ! ولم أا كن أا قدر أا ن أا مال عيهي مهه ‪،‬‬ ‫‪10‬‬

‫مرحلة الطفولة المبكرة من (‪ 5-9‬سنوات)‪.‬‬

‫‪11‬يقول أحد الصالحين‪ :‬خلق اهلل المالئكة عقوال بال شهوة ‪ !!..‬وخلق البهائم شهوة بال عقول ‪ !!..‬وخلق بن آدم وركب فيه‬ ‫العقل والشهوة‪ !!..‬فمن غلب عقله شهوته التحق بالمالئكة ‪ !!..‬ومن غلبت شهوته عقله التحق بالبهائم‪".‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪/8‬‬

‫أ‬ ‫هيبة مهه! ومن خالله تلقيت ال درس ال ول في حب الشرفاء‬ ‫أ‬ ‫والصلحاء‪ .‬ثم كان الذي كان من تا صيل وتفصيل وتهزيل ‪ ،‬والحمد‬ ‫هلل‪.‬‬ ‫وذات يوم أا قبل بعض العدول الفقهاء ليشهدوا مهافع لهم في‬ ‫ني الوا لد ‪ -‬رحمه هللا‪ -‬طيلة اليوم ل م عايهتهم ‪،‬‬ ‫قري تها ؛ فاستهف ر‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫وال قتباس مه هم‪ ،‬ومال ني شوقا وحماسة‪ ،‬وعزيمة وهم ة ‪ ، ..‬وقال لي‬ ‫أ‬ ‫ بما معهاه‪ : -‬ي طل ع اليوم عليها رجل من ا هل العلم والعدل ‪ ،‬اسمه‬‫ال فقيه سي ب وكر الغرماني ‪ ،‬فالزم غ ْرزه‪ ،‬وق ص أا ثره‪ ،‬ول ت ْع د عيهاك‬ ‫عهه! ‪.‬‬ ‫والحقيقة أا ن الرج ل ‪ -‬يرحمه هللا‪ -‬كان فقيه ا مشاركا ‪ ،‬ودارسا م ِرسا ‪،‬‬ ‫و ناسخا م ِوث قا ‪ ،‬وعدل ضابطا ؛ ولكهه لم يكن أا ك ثر من ذلك إل في‬ ‫حس الوالد رحمه هللا؛ لحسن ظهه بالهاس عموما‪ ،‬ولحاجة أا خرى‬ ‫ِ‬ ‫‪12‬‬ ‫في نفس يعقوب !‪.‬‬ ‫أ‬ ‫والطريف في ال مر أا ني ظللت اليوم كله‪ ،‬أا سارق فقيهها الهظر ‪،‬‬ ‫وا ق ص ه أ(ا تتبع أا ثره) في البساتين والحقول‪ ،‬والوهاد والسهول ‪ ، ..‬ل‬ ‫يصرفهي عهه صارف ‪ ،‬ول يشغلهي عهه شاغل؛ وسهي ل يتجاوز ‪ -‬على‬ ‫أ‬ ‫ال رجح ‪ -‬ثمان ي ِح ج ج ‪ .‬ولو قد رت عليه لسل مت ؛ ولكن كما قال‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫‪13‬‬ ‫و ل ِك ْن ِم ْل ء ع ْي ن ح ِب ي به ا‬ ‫ا ه اب ِك ِإ ْج ال ل و م ا ِب ِك عل ي ق ْد رة‬ ‫‪12‬‬

‫ولم تكن هذه الحاجة إال اغتنام الموجود‪ ،‬في انتظار المفقود‪.‬‬

‫‪13‬بيت لقيس بن الملوح (مجنون ليلى) وهو يكشف عن سبب عدم تجرؤه عليها وتوقيره لها ‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪/9‬‬

‫ول ت زال هذه المشاهد ‪ -‬بحمد هللا‪ -‬مطبوعة في ذههي‪ ،‬م هقوشة في‬ ‫ذاكرتي‪ ،‬بتفاصيلها ودقائ قها‪ ،‬أوا نواعها أوا لوانها‪ ،‬ل يزحمها شيء في‬ ‫قرارها المكين ‪ ،‬وركهها الركين ‪ .‬وصدق من قال‪ِ " :‬ح ْف ظ الغالم‬ ‫الص غير كاله ْق ش في الحجر‪ ،‬وحفظ الرجل بعدما ْيك ب ر كالك تاب ة‬ ‫على الماء "‪.‬‬ ‫رحم هللا الوالد أا ول‪ ،‬ورحم الفقيه ال راحل ( الصهر ) بوكر أا حجان ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫الذي كان ‪-‬بحق ‪" -‬باكورة الس عد " في طفولتي‪ .‬ا ي‪ :‬ا ول فقيه ا عرفه‬ ‫في حياتي ‪ -‬بعد الوالد طبعا ‪ -‬وبه رحمه هللا عرفت شيائ اسمه العل م‬ ‫أ‬ ‫والعلماء‪ !.‬و " الفضل للمبتدي‪ ،‬وإن ا حسن المق تدي "‪ .‬جعلها هللا من‬ ‫المحسهين المخبتين!‬

‫حلم يتحقق!‬ ‫أ‬ ‫ثم لما سافرت ‪ -‬في سن الطفولة المتا خرة ‪ 14 -‬إلى تطوان ‪ ،‬رفقة‬ ‫والدي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬حدثهي أا يضا عن شيوخ كرام ‪ ،‬وسادة أا عالم‪،‬‬ ‫ي ستسقى بهم في الغمام ‪ 15،‬و ت شد إليهم الرحال‪ ،‬أا ذكر مههم أا صحاب‬ ‫‪14‬‬ ‫‪15‬‬

‫مرحلة الطفولة المتأخرة عند التربويين ما بين (‪)29– 2‬سنوات‪.‬‬

‫استشكل بعض الفضالء هذه العبارة‪ ،‬وذهبوا فيها مذاهب شتى‪ ،‬وذهب بعض المحققين إلى أن هذا ِمن باب قوله عليه‬

‫ض َعفَائ ُكم"‪ .‬وقد ُنقل عن اإلمام مالك رحمه اهلل قوله‬ ‫ص ُرون وتُْرَزقُون إالَّ ِب ُ‬ ‫الصالة والسالم‪ ،‬في حديث البخاري‪" :‬هل تُْن َ‬ ‫أيضا‪" :‬إن من شيوخي من ُيستسقى بهم الغمام لكني ال آخذ حديثهم"‪ .‬وجاء في صحيح البخاري أن ابن عمر رضي اهلل‬

‫عنه كان يتمثل بشعر أبي طالب‪:‬‬ ‫الغمام بِو ْج ِه ِه‪ ....‬ثِما ُل اليتامى ِعصمةٌ لألر ِ‬ ‫ام ِل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫و ْأب َ‬ ‫َْ‬ ‫يض ُي ْستَ ْسقى َ ُ َ‬ ‫والحقيقة أن مسألة التوسل بالنبي وآله وصحبه وورثته مسألة خالفية فقهية‪ ،‬ال عالقة لهل بموضوع البدعة والكفر‪ ،‬والفسق‬ ‫والزندقة‪ .‬وأصول العقائد‪ .‬إال في أذهان البعض‪ .‬ومن منع ذلك من العلماء؛ فإنما يقصد الحزم والعزم‪ ،‬والخروج من‬

‫الخالف‪ ،‬وسد باب الذريعة‪ .‬ال أقل وال أكثر‪،.‬‬

‫‪9‬‬


‫‪/10‬‬

‫الفضيلة‪ :‬الفقيه بوجهة ‪ ،‬والفقيه المهدي شقور ‪ ،‬والفقيه الغ زال‪،‬‬ ‫والفقيه عبد السالم المهدي‪ ،..‬وكلهم من أا عالم الم هطقة ‪ ،‬ورجال تها‬ ‫أ‬ ‫ال ب رار‪.‬‬ ‫وبشرني رحمه هللا باحتمال مصادف تهم في ال رحلة ‪ ،‬أا و أا حدهم ‪ -‬على‬ ‫أ‬ ‫ال قل‪ -‬وتلك غهيمة ما بعدها غهيمة! وكهت أا جلس ‪ -‬ياساد تي ‪ -‬في‬ ‫المقعد ال خلف ي ل لحافلة ا لشع بية ‪ ،‬أوا نتظر ‪ -‬بشوق ‪ -‬طلعتهم البهية ‪..‬‬ ‫و طي وبهم الزكية ‪ ،..‬ول سيما في الربوع الحس انية (بهي حس ان) ‪،‬‬ ‫وكلما لحت عمامة بيضاء قلت ‪ :‬كن الف قيه فالن ‪ ! ..‬كن الشيخ‬ ‫عالن ‪ ! ..‬وبيهما كهت غارقا في هذا الحلم الجميل؛ إذا بالوالد‬ ‫الجليل رحمه هللا ي وخزني قائال‪ :‬سي بوجهة‪ ..‬سي بوجهة‪ ، !! ..‬انظر‬ ‫إليه! إنه ههاك‪ ..‬في مقدمة الركاب !‪ .‬وظللت الطريق كله‪ ،‬أا تخطى‬ ‫الرقاب ‪ 16،‬و أا رمقه بإعجاب‪ .‬وكان ‪-‬يا سادتي ‪ -‬ا ية في ال ورع والقهوت‪،‬‬ ‫و السكون والسكوت ! وربما أا غهته اإلشارات عن العبارات ‪ -‬كما حدثها‬ ‫الثقات ‪ . -‬و أا يم هللا ل أا جد ‪ -‬ال ن ‪ -‬عبارة تصف شعوري ؛ أوا نا أا سمع ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫ل ول مرة‪ -‬هذا السم ال لطيف (بوجه ة ! )‪ .‬وكان ي ذكرني ‪ -‬حقيقة ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ب ا جواء الجهة ونعيمها ! ويمال قلبي سعادة وغبطة ‪ ،‬وسكيهة ورحمة!‬ ‫وسبحان ْ‬ ‫من حبب الخلق إلى الخلق!! ولو استطعت ساعتها أا ن‬ ‫أا طير إليه ‪ ،‬أوا جلس في ِح جره لفعلت ‪ .‬وما كان يعهيهي وهللا سفر ول‬ ‫حضر‪ ،‬و ل استرو اح ول سمر‪ ،‬ول تطوان ول وزان‪ ..‬ولكهي كهت‬ ‫" أا عشق " العلم الشريف ‪ ،‬أوا حب أا هله ‪ -‬أا يا كانوا ‪ -‬ولو استطعت أا ن‬

‫‪16‬‬

‫بعيني ال برجلي طبعا‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫‪/11‬‬

‫أ‬ ‫ا ِقب ل كل حرف من حروفه لفعلت ! ولو قدرت على م زاحمة كل‬ ‫العلماء لما قص رت ! وجزى هللا الوالد خي را على هذه ال لفتة التربوية‪،‬‬ ‫و " البيداغوجي ة" الفطرية‪ ،‬أوا سكهه الفردوس العالية! ‪! .‬‬ ‫وال مق صد من هذ ا ال مشهد ‪ -‬بعد الترحم على السيد الوالد ‪ -‬هو‪ :‬أا ن‬ ‫نحبب العلم أوا هله إلى أا ولدنا مهذ نعومة أا ظفارهم ‪ ،‬أوا ن نقص‬ ‫عليهم قصص الع لماء والفضالء ‪ ،‬ب اعتدال و إنصاف ‪ ،‬وثقة واعتراف ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ول نحطم القدوات الكبار في ا عيههم ‪ -‬تحت ا ي ذريعة ‪ -‬فإن ذلك‬ ‫ضار بهم وبفطرتهم‪ ،‬وحاضرهم ومستقبلهم‪.‬‬ ‫وم ْن حبب العلماء والمعلمين إلى ذريته وتالمذته ؛ فقد حبب‬ ‫إليهم العل م ‪ -‬ضمهيا ‪ -‬ومك ههم مهه‪ ،‬وترك لهم الذخائر والمفاخر‪،‬‬ ‫وعاش بخير ‪ ،‬ومات بخير ‪ ..‬وصدق القائل‪ " :‬من حص ل المحب ة ما‬ ‫فاتته حب ة ! "‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أا ما إن سا لت عن كيفية هذا التحبيب؛ فإني أا عظك بواحدة‪ " :‬اصدق‬ ‫سي رك ْ‬ ‫هللا يصدقك " كن صادقا في ْ‬ ‫وسع يك ‪ ،‬ولن تعدم ‪ -‬إن شاء‬ ‫هللا ‪ -‬حيلة ل بلوغ مرامك ‪ ،‬وتحقيق أا مهيتك‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وال وسائل ك ثيرة‪ ،‬والم هارات متهوعة‪ ،‬وال ع راف مختلفة‪ ،‬ويك في أا ن‬ ‫ت تكلم عن سادتها بحب وإجالل ‪ ،‬وتوسط واعتدال‪ ،‬وسترى كيف‬ ‫سي ْس ري هذ ا الخلق الحسن في ذريتك‪ ،‬ويجري فيهم مجرى الدم في‬ ‫العرو ق ‪.‬‬ ‫وإن شئت المزيد؛ فدرب طفلك الصغير على السالم على إ مام‬ ‫الحي‪ ،‬وخطيب الجمعة‪ ،‬أوا ستاذ المدرسة‪ ،‬وعالم البلد ة ‪ ،‬وشيخ‬ ‫‪11‬‬


‫‪/12‬‬

‫العلم ‪ ، ..‬في الصلوات المك توبة‪ ،‬والمهاسبات العامة‪ ،‬ومصافحته‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وتقبيل جبهته‪ ،‬أا و ك تفه‪ ،‬أا و أرا س ه‪ ،‬إن اقتضى ال مر ذلك ‪ ،‬و ارتضته‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ال ع راف وال ذواق‪ . .‬ول سيما إذا كان كبي را في السن والعلم‬ ‫والفضل‪..‬‬ ‫وإن أا هديت له شيائ قل أا و ك ث ر ‪ -‬بحضرة الولد‪ -‬كان أا بلغ أوا نفع ‪ .‬ول‬ ‫أ‬ ‫سيما في المهاسبات وال عياد‪.‬‬ ‫أ‬ ‫و ال ْو لى أا ن ت ق د م هذه الهدية ‪ -‬الرمزية ‪ -‬من طرف الولد ‪ -‬مبا شرة ‪-‬‬ ‫حتى يتدرب على العطاء والوفاء‪ ،‬و يهال الدع اء والثهاء ‪.‬‬ ‫على أا ن ل يقتصر هذا التحبيب على أا هل العلم الشرعي؛ بل يشمل‬ ‫كل المعلمين والمربين‪ ،‬والعلماء الهافعين ‪ ..‬والموف ق من وفقه‬ ‫هللا‪.‬‬

‫فراسة العلماء‬ ‫في مهتصف السبعيهيات‪ ،‬من القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬سافرت‬ ‫مع معلمي الوالد رحمه هللا إلى مديهة تطوان ‪ -‬مديهة العلم والعرفان‪-‬‬ ‫فالتقيها في شارع الباريو الكبير (شارع عبد الكريم الخطابي) ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫بالفقيه ال راحل ‪ ،‬ال ديب ال شاعر ‪ ،‬المؤرخ الباحث ‪ ،‬سيدي عبد‬ ‫الحضري أ‬ ‫للين وال لطف ‪،‬‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ية‬ ‫ا‬ ‫وكان‬ ‫‪.‬‬ ‫هللا‬ ‫رحمه‬ ‫‪،‬‬ ‫ندلسي‬ ‫ال‬ ‫السالم‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫والتا نق والتا لق ! و دار حديث خفيف بيهه وبين الوالد رحمه هللا‬ ‫أا ذكر مهه ‪ -‬بما معهاه ‪ " :-‬تطوان تضرب بحجرين‪ :‬حجر العلم ‪ ،‬وحجر‬ ‫الحضارة ! وقد أا ودعت ك ِب دك هذه المديهة ؛ فال تعجب ‪ -‬سيدي ‪ -‬إن‬ ‫خالفك ‪ -‬بعد ‪ -‬في ال رأا ي‪ ،‬أا و جادلك ‪ ، ..‬أا و ذهب مذهبا غير‬ ‫‪12‬‬


‫‪/13‬‬

‫مذهبك‪ " ! ..‬فتكد ر الوالد رحمه هللا من هذ ا الكالم جدا؛ بل ن زل‬ ‫عليه كالصاعقة ! وظل ‪ -‬طيلة حياته ‪ -‬يذكرني به ويبتسم ! ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫صدقت ف راسة ال ستاذ ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬فما أا ن تد ي ْرت تطوان عاما أا و‬ ‫وقد‬ ‫عامين‪ْ ،‬‬ ‫وثافه ت علماءها ‪ ،‬واختلفت إلى مك تبتها؛ حتى صرت‬ ‫حقيقة صعب المراس‪ ،‬شديد العريكة‪ ،‬أا ي ‪ :‬أ‬ ‫بدا ت أا عيد الهظر في‬ ‫بعض ال مور وثات والمرويات ‪ ،‬أوا فحصها فحصا دقيقا ‪ .‬ولربما ناقشت‬ ‫أ‬ ‫الوالد فيها نقاشا عميقا ‪ ،‬وراجعته في ك ثير من ال فكار والتصورات‪،‬‬ ‫والمواقف والجتهادات! ول سيما بعد أا ن فاض علي السيل‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وحطبت بليل‪ ،‬وق را ت ك تب الصالحين والطالحين ‪ ،‬والجامدين‬ ‫أ‬ ‫والجاحدين‪ ،‬وال مجددين والمقلدين‪ ، ..‬و فتح لي جارنا ال ستاذ‬ ‫الدك تور اسماعيل الخطيب ‪ -‬رئيس ال م جلس العلمي ‪ -‬رحمه هللا ‪-‬‬ ‫قلبه ‪ ،‬وعقله‪ ،‬ومك تبته ‪ ، ..‬ومك ههي من كل الجرائد والمجالت‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫والد ْو ريات ‪ ..‬التي تصله من كافة ال مصار وال قطار‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ول أا دعي أا نهي كهت م لم ا ب كل ما فيها؛ بل ربما ع ِم ي ت علي ال نباء‬ ‫أ‬ ‫والتصاوير ‪ ،‬و ال لفاظ والتعابير‪ ،‬والتحليالت والتعليالت‪ ..‬وبقيت‬ ‫في ح ْي ص ب ْي ص !‬ ‫وكم مرة ‪ 17‬اقتهيت ك تابا صغي را‪ ،‬أا و كبي را‪ ،‬ثم بعته في السوق ‪-‬‬ ‫الشعبي ‪ -‬بثمن بخس دراهم معدودة ‪ ،‬أا و أا هديته لغيري؛ ل علة‬ ‫واحد ة‪ ،‬ه ي ‪ :‬العجز التام عن فهمه وهضمه‪! .‬‬

‫‪18‬‬

‫‪ 17‬كم‪ :‬هنا هي خبرية تكثيرية‪ ،‬واالسم بعدها يأتي مجرو ار على أنه مضاف إليه؛ ولكن هو في المعنى تمييز‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫ويهدي إلى العلماء والباحثين‪ ،‬وخزانات المعاهد والمساجد‪ ..‬كل مجلَّد أو كتاب ال‬ ‫وأقول هذا حتى يقتدي بي غيري‪ُ ،‬‬ ‫يفهمه‪ ،‬أو ال يحتاج إليه؛ فإنما الكتب للتعلم ال للتزيُّن‪ ،‬ولالستعمال ال للتبرك ‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫‪/14‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ا ما صحيفة " ا لهور " فكهت ا تصفحها قبل الصدور‪ .‬ويهدر ا ن يفوتهي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫عدد مهها ‪ -‬رغم صغري‪ -‬ول زلت أا تخيل ال ستاذ الشاعر ال ديب محمد‬ ‫ال م هتصر الريسوني ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬واقفا إلى جانبي ‪ -‬في مطبعة الهور ‪-‬‬ ‫يراقب و يصحح ‪ ،‬وي راجع ويهقح ‪..‬والعم ال ح ْ‬ ‫والي ه ا ي ع ِد دون‬ ‫أ‬ ‫الشهور ‪ ،‬ويتساءلون عن ال جور !‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫دون أا ن أا نسى تا ثير ال ستاذ ال ديب الفقيه بوخبزة الحس هي‪ ،‬الذي‬ ‫تعرفت عليه في قسم المخطوطات والمحفوظات ‪ ،‬وجاورته سهوات‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وق رأا ت عليه شيائ من موطا اإلمام مالك ‪ ،‬وصليت وراءه ‪ ،‬واستفدت‬ ‫أ‬ ‫من درو سه العامة ‪ ،‬وطرائ فه الخاصة‪ ،‬وق را ت ك تبه‪ ،‬وخابرت‬ ‫قرابته ‪ 19،‬وراج ْع ت ه في أا مور ‪ -‬غفر هللا لي ‪ -‬ومكههي ‪ -‬بارك هللا في‬ ‫عمره ‪ -‬من مك تبته العامرة ‪ ،‬و ا ثاره ال زاخرة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وال مقصد من هذه الذكرى ‪ :‬أا ن ي ذكر ال باء وال ولياء أا نه ل سلطان لهم‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫على ال ولد وال حفاد؛ إذا بلغوا الهكاح ‪ ،‬ورحلوا إلى ال قطار‬ ‫أ‬ ‫وال مصار‪ ،‬والمدائن والحواضر‪ ،‬وخاب رو ا غيرهم‪ ،‬وا طلعوا على‬ ‫أ‬ ‫ال فكار والمذاهب‪ ،‬وال فلسفات والثقافات‪ . .‬ول سيما في هذا‬ ‫الزمان‪ ،‬زمان الثورة المعلوماتية‪ ،‬وال شبكة العهكبوتية! ‪. .‬‬ ‫أ‬ ‫وليس غريبا أا ن يهطبع اإلنسان ب طابع عصره‪ ،‬ويتا ثر برياح محيطه ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫قليال أا و ك ثي را ‪ ،‬س را أا و علها؛ ل ن ذلك يا تي بانسياب‪ ،‬ويدخل على‬ ‫أ‬ ‫ال عقول بال است ئذان (ا ي ب دون شعور وإرادة )‪ .‬وكل ما ي مكن فعله‬

‫‪19‬‬

‫وخصوصا زميل الدراسة‪ ،‬ورفيق الطفولة‪ ،‬األستاذ المحامي‪ ،‬المعافى بوخبزة‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫‪/15‬‬

‫أ‬ ‫مع هذا ا لقريب ا و البعيد ‪ -‬المخالف‪ -‬هو‪ :‬الحوار بعد الحوار ‪ ،‬و تعهده‬ ‫‪20‬‬ ‫بالليل والههار‪ .‬وصدق هللا القائل‪ " :‬وما أا نت عليهم بجبار" ‪.‬‬ ‫وقد تهب على صاحبها رياح ‪ -‬شرقية أا و غربية ‪ -‬أا خرى ( ول سيما‬ ‫أ‬ ‫بعد ال ربعين)؛ في ههض ل م راجعا ت‪ ،‬يهتقد فيها ذاته ‪ ،‬ويفحص‬ ‫أا فكاره‪ ،‬ويهتقل من نقيض إلى نقيض ‪ ،‬أا و من يمين إلى يسار‪ ،‬أا و‬ ‫من يسار إلى يمين!! وسبحان مقلب القلوب والعقول‪!!.‬‬

‫أ‬ ‫ا يام من نور!‬ ‫في السبعيهيات من القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬رافقت ابن عمها‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ال ستاذ الخطيب‪ ،‬المربي ال ريب‪ ،‬سيدي محمد بن طاهر ‪-‬نض ره‬ ‫أ‬ ‫هللا ‪ -‬في رحلته إلى شفشاون ؛ لحضور " ال مؤتمر ال ول ل لعلماء‬ ‫أ‬ ‫وال دعاة بالمغرب " ‪ ،‬برائسة ال ستاذ المؤرخ‪ ،‬الشريف مولي علي‬ ‫الريسوني ‪-‬فسح هللا في مدته‪ ،‬وحف ه برحمته ‪ -‬وك ان مؤتمر علم ‪-‬‬ ‫بحق ‪ -‬تخللته ك ثير من العروض والمداخالت والمهاقشات ‪ ، ..‬وطاب‬ ‫أ‬ ‫فيه الحديث وط ال ! ول أا ذكر أا ني عشت أا ياما أا سعد من هذه ال يام‬ ‫( من جهة العلم والفكر ! ) ‪ .‬ول زلت أا حن إليها‪ ،‬أوا قتات على رغيفها‪! .‬‬ ‫أ‬ ‫أوا حلى كالم سمعته في تلك ال يام هو كالم هللا عزو جل‪ ،‬بصوت‬ ‫أ‬ ‫ال ستاذ القارئ المتقن‪ ،‬عمر محسن‪ -‬أا حسن هللا إليه ‪ -‬الذي ق رأا‬ ‫خواتيم " الحج " ‪ ،‬وفواتح " المؤمهو ن " ‪ ،‬أوا و ساط " الحديد ‪ ،‬قراءة‬ ‫خاشعة ‪ ..‬سكت لها الشجر والحجر والبشر‪ ..‬ووجلت مهها القلوب‪،‬‬ ‫‪20‬‬

‫سورة ق‬ ‫‪15‬‬


‫‪/16‬‬

‫أ أ‬ ‫أ أ‬ ‫و ذ رفت مهها الدموع‪ !! ..‬ول ا علم ا ني سمعت مثلها‪ ،‬ا و ا جمل مهها!‬ ‫أا و قل ‪ :‬إنها صادفت مهي ‪ -‬أا يامئذ‪ -‬قلبا مفتوحا‪ ،‬ومحال قابال‪ . .‬ثم قسا‬ ‫القلب‪ ،‬والعياذ باهلل!‬ ‫أوا شهد أا ني أا حببت الق را ن في هذا ال مؤتمر حبا غير مسبوق !‬ ‫وجددت الصلة ب ه ‪ ،‬رغم أا ني كهت أا حفظه ‪ -‬بحمد هللا‪ -‬عن ظهر‬ ‫قلب‪ ،‬أوا عد حروفه عد ا ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ومن جملة ال عالم الذين اك تحلت عيهي برؤيتهم في هذا المؤتمر‬ ‫السعيد‪ :‬ريحانة الشمال ‪ ،‬ورئيس رابطة علماء المغرب‪ ،‬الفقيه‬ ‫العالمة سيدي عبد هللا كهون‪ ،‬رحمه هللا‪ .‬وكهت ‪ -‬بصدق ‪ -‬ل أا قد ره‬ ‫حق قدره ‪ ،‬ول أا عرفه‪ ،‬وربما انتقدته انتقاد ال جاهل ال ِغ ِر ‪ ،‬أا و‬ ‫حسبته فقيها تقليديا‪ ،‬و أا ستاذا عاديا‪ . .‬فلما خب ْرته ‪ ،‬وا قتربت من‬ ‫أا نفاسه ‪ ،‬وق رأا ت ك تابه ال هفيس " الهبوغ المغربي " أا شفقت ‪ -‬ياسادة ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫على نفسي‪ ،‬و ا دركت مدى جهلي وجهل ا شباهي ِبس ي ر ا عالمها‬ ‫أ‬ ‫الهبالء ‪ ،‬وعلمائها ال جالء‪ .‬ولو استقبلت من أا مري ما استدبرت‬ ‫لكهت معه في الحل والترحال ؛ ولكن هيهات هيهات !‬ ‫وفي هذه ال مشاهد مقاصد ‪ ،‬أا برزها‪:‬‬ ‫ا ‪ -‬ضرورة العهاية بالشب ا ن والشواب ‪ْ ،‬‬ ‫وسو قهم إلى مواطن الخير‬ ‫ِ‬ ‫والفالح ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اغتهام الع ا لم قبل رحيله‪ ،‬والتعرف علي ه‪ ،‬والذب عن عرضه‪،‬‬ ‫ودفع الشائعات عهه‪ ،‬والتماس العذر له ‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫‪/17‬‬

‫أ‬ ‫ج‪ -‬وقبل ذلك وبعده مالحظة جاذبية الق را ن‪ ،‬وتا ثيره ال معجز في‬ ‫ْ‬ ‫الهفوس والعقول والقلوب‪ .‬مصداقا لقول هللا تعالى‪ ":‬ل ْو ا ْن زل ه ا َٰه ذ ا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ال ق ْرا ن ع ل َٰى ج ب ل ل را ْي ت ه خ ِاش ع ا م ت ص ِد ع ا ِم ْن خ ْش ي ِة الل ِه ۚ و ِت ل ك‬ ‫ْ‬ ‫‪21‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اس ل ع ل ه ْم ي ت ف ك رو ن " ‪.‬‬ ‫له‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ِ ِ ِ‬

‫ل يضل ربي ول يهسى!‬ ‫أ‬ ‫و في هذا المؤتمر بالذات ‪ ،‬حاض ر فيها ال فقيه الضرير‪ ،‬وال ستاذ‬ ‫الكبير‪ ،‬الدك تور أا بو شكيب الفاللي ‪ ،‬تقي الدين الهاللي‪ ،‬رحمه هللا‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وكا ن ملء السمع وا لبصر في هذا المؤتمر ؛ بل كانت الكلمة ال ولى‬ ‫أ‬ ‫وال خيرة له في كل نقاش ! وه و لغوي باإلجماع ‪ ،‬أا ستاذ ب ال نزاع؛‬ ‫وإن اختلف الهاس معه قليال أا و ك ثيرا في المذهب والمشرب‪،‬‬ ‫والطريقة وال مههج ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وقد بلغ من إجالل العلماء له في هذا الم هاسبة أا ن قدموه ‪-‬با تفاق ‪-‬‬ ‫إماما للجمعة‪ -‬رغم احت راز البعض مهه ‪ -‬فلما خطب خطبته القصيرة ‪..‬‬ ‫و دخل في ال صالة ؛ وقع في سهو عجيب‪ ،‬وخلط غريب‪ ،‬ل يستوعبه‬ ‫أا مث ا لي من المثاليين ‪ ،‬والشبا ن ال حالمين ! ‪.‬‬ ‫وكهت أا تساءل ‪ -‬ببراءة ‪ :-‬كيف ي خطئ عالم مثله في ركعتين اثهتين ؟‬ ‫أ‬ ‫أوا ين كان عقله الكبير ؟ وما ذا سيقول الهاس؟ ! وكا نهي ما حفظت‬

‫‪21‬‬

‫سورة الحشر‬ ‫‪17‬‬


‫‪/18‬‬

‫يوما ‪ ،‬ول تلوت قوله تع الى‪ " :‬ل يضل ربي ول يهسى " ‪22‬وقوله جل‬ ‫‪23‬‬ ‫عاله‪ " :‬سهقرئك فال تهسى إل ما شاء هللا " ‪.‬‬ ‫ثم لما عدت إلى ال م ه اج ِر ( تطوان ) صليت وراء إمام ا خر في مسجد‬ ‫الح ج ر ؛ ف سها سهوا أا عجب مهه؛ فازداد عجبي‪ ،‬وظللت على هذا‬ ‫الشعور شهورا ؛ حتى ق رأا ت في الس ه ة الصحيحة الصريحة سهو سيد‬ ‫أ‬ ‫العلماء‪ ،‬وإمام ال تقياء‪ ،‬وقدوة ال خاشعين محمد صلى هللا عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬وفقهت الحكمة من ذلك‪ ،‬والحمد هلل‪.‬‬ ‫والمقصد من هذه المشهد‪ :‬أا ن ل نعتقد العصمة والكمال في ال فقيه‬ ‫أ أ‬ ‫العالم الريان ‪ ،‬أا يا كان‪ ،‬أوا ن نسدده إذا ا خطا ‪ ،‬ونذكره إذا نسي‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ونفتح عليه إذا سها‪ ،‬ونقومه إذا اعوج ‪( ..‬كل ذلك با دب وتواضع‬ ‫وإنصاف)‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وإذا كان ال ستاذ العالمة الدك تور الهاللي رحمه هللا قد أا خطا في‬ ‫الصالة ‪-‬يقيها ‪ -‬و أا جبر ذلك بسجود السهو (قبلي ا كان أا و بعدي ا ) ف إن‬ ‫ا حتمال خطئه أا و سهوه في ال ر أا ي والجتهاد والفتوى ‪ ..‬وارد أا يضا ‪.‬‬ ‫وم ن ث م وجب النتباه إلى هذه البد ه ية جيدا‪ ،‬وإنصاف ا لشيوخ‬ ‫أ‬ ‫الراسخين‪ ،‬وال ئمة الصالحين ‪ ،‬وعدم تقليدهم في كل شيء ‪ ،‬أا و‬ ‫اعتقاد العصمة فيهم ‪ .‬وما أا جمل قول ْاب ِن ع ب اس ر ِض ي الل ه ع ْه ه م ا‪:‬‬ ‫اس ِإ ل ي ْؤ خ ذ ِم ْن ق ْو ِل ِه و ي ودع غ ْي ر اله ِب ِي ع ل ْي ِه‬ ‫" م ا ا ح د ِم ن اله ِ‬ ‫الص ال ة و الس ال م "‪.‬‬

‫‪22‬سورة طه‬

‫‪23‬سورة سبح‬ ‫‪18‬‬


‫‪/19‬‬

‫أ‬ ‫درس ل ا نساه!‬ ‫و في هذا المؤتمر قيل كالم هجين ‪ -‬في العلم والدين‪ -‬لم ي ر ْق بعض‬ ‫تاذ ين ؛ فاستحي ى أا ن يرد شفهيا‪ ،‬وكره أا ن ي علم الهاس ب هقده‬ ‫ال ْس ِ‬ ‫ونقضه‪ ..‬؛ فك تب الذي ك تب ‪ ،‬وطوى الذي طوى‪ ..‬ثم قام بتوريطي ‪-‬‬ ‫سامحه هللا ‪ -‬في نقل الرسالة إلى المهصة ؛ لكوني فتى ل ي ؤبه ب ه ‪ ،‬أا و‬ ‫ِغ را ل تجربة ل ه ! فوقعت ‪ -‬ياسادة ‪ -‬في حرج شديد ‪ ،‬وهم قعيد؛‬ ‫أ‬ ‫وكا ن ي أا نا المهتقد الجريء ‪ ،‬وكاتب ها الم بتهج البريء ‪ !! ..‬و من يومها‬ ‫أا خذت في حياتي درسا أا ن ل أا قبل أا ي شيء ‪ ،‬من أا ي كان ‪-‬بال‬ ‫بصيرة ‪ -‬ول أا حمل في يدي أا و في جيبي ‪ ..‬أا و في حقيبتي‪ ..‬أا و في‬ ‫م ْركبي‪ ..‬شيائ ل أا عرف أا صله وفصله‪ ،‬ونسبه وسبب ه‪ ،‬ومصدره‬ ‫ومحتواه! وبهذا أا وصي أا بهائي و أا حب ائي ‪ ..‬وهذا هو المقصد الكبير‬ ‫عهدي‪.‬‬

‫دوام الحال من المحال!‬ ‫أ‬ ‫وفي هذا المؤتمر أا يضا شاهدت ‪ -‬ل ول مرة ‪ -‬فقيها " أا حمدي ا " ‪ 24‬من‬ ‫أا عيان ال حجاز ‪ ،‬اسمه‪ :‬الشيخ عبد المحسن العباد ‪ ،‬واستمعت إلى‬ ‫درو سه الهادئة‪ ،‬ورددوه الدافئة‪ ،‬وحفظت مهها ما حفظت‪،‬‬ ‫وض يعت ما ضيعت ‪ ..‬ثم انقطع ْ‬ ‫الوص ل به تماما‪ ،‬وطال عهدي‬ ‫برؤ يته‪ ،‬إلى أا ن شاهدت ه أا خي را على قهاة " اليوتوب " ؛ وقد جيء به‬ ‫‪24‬‬

‫نسبة إلى اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬على حد اصطالح اإلمام المفسر محمود شكري األلوسي رحمه اهلل‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫‪/20‬‬

‫أ‬ ‫على كرسي متحرك ! في صورة ا ليمة ! وللحديث عن ماذا؟ عن فلسفة‬ ‫البالء ‪ ،‬ونفاذ القضاء! ففزعت ‪ -‬ياسادتي ‪ -‬من تقلب ات الدهر‪،‬‬ ‫وتغي رات الزمان‪ ،‬وتحول النسان من شباب إلى كهولة‪ ،‬ومن كهولة‬ ‫إلى شيخوخة‪ ،‬ومن شيخوخة إلى هرم ‪ ..‬بهذه السرعة الفائ قة‪..‬‬ ‫والص مت العجيب ‪ ،‬والغفلة المطبقة ‪ !!.‬أوا شفقت على نفسي أا ول ‪ ،‬ثم‬ ‫على من يغتر بشبابه وقوته‪ ،‬وماله وعشيرته ‪ ،‬وجاهه ومهصبه !‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وما ا جمل هذه ال بيات التي حفظتها عن ال سيد الوالد رحمه هللا ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫و ل ب د ل إل ْ‬ ‫ان ي ل ق ى الث م ا ِن ي ْه‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫و ع ْس ر و ي ْس ر ‪ ،‬ث م س ْق م و ع ا ِف ي ْه‬

‫ْ ْ‬ ‫اس ك ِل ِه ْم‬ ‫ث م ا ِن ي ة ت ج ِري ع ل ى اله ِ‬ ‫س ر ْو ر و ح ْزن ‪ ،‬و ْ‬ ‫اج ِت م اع و ف ْرق ة‬

‫وهذا هو المقصد ‪ -‬عهدي ‪ -‬من هذا المشهد‪.‬‬

‫كهز ثمين!‬ ‫وفي هذا المؤتمر المشهود كان ههاك دك تور وقور ‪ ،‬يصول ويجول‪..‬‬ ‫أ‬ ‫ويخطب ويقول‪ ،‬اسمه‪ :‬ال ستاذ عبد السالم الهراس‪ ،‬وهو شيخ كبير‬ ‫في ا لسن‪ ،‬عريق في الفضل‪ ،‬أا صله من مهطقتها ومديهتها‬ ‫(شفشاون)‪ ،‬ويقيم ‪ -‬من قديم‪ -‬بفاس العلمية‪ ،‬والسطيحات‬ ‫الغمارية‪ .‬وله صيت عالمي! وما كهت أا علم قدره وفضله‪ ،‬وجاهه‬ ‫ومه زلته ‪ ،‬إلى عهد قريب؛ فلما عدته في مرضه قبل سهوات ‪ -‬بصحبة‬ ‫وبلدي ها الدك تور الشريف عبد اللطيف الم يموني ‪ -‬وجدته‬ ‫زميلها ِ‬ ‫كشكول معارف‪ ،‬و خزانة تاريخ‪ ،‬ويهبوع رحمة‪ ،‬ولسان حكمة ! ولو‬ ‫‪20‬‬


‫‪/21‬‬

‫تفرغ لك تابة ذكرياته و يومياته لترك لها كه زا ثميها‪ ،‬و إرثا سميها ! فإلى‬ ‫القلم أا يها الع ل م‪ .‬إلى القلم أا يها اله رم ‪ ..‬والسالم عليك حيا وميتا!‬ ‫وهذا هو المقصد من هذا المشهد‪.‬‬

‫أ‬ ‫حقيقة ا شبه بالخيال!‬ ‫ومن الذكريات الطريفة ‪ ،‬أا ني كهت أا تسو ق ‪-‬ض حى ‪ -‬في مديهة‬ ‫تطوان‪ ،‬قبل ثالثين سهة‪ ،‬وفي أرا سي من الهموم العلمية‬ ‫والفكرية‪ ..‬ما ل طاقة لي به ! وكهت قد اختلفت ك ثي را إلى ال عالم‬ ‫أ‬ ‫ال زهري ‪ -‬المثير للجدل‪ -‬ال شيخ محمد بن الصديق ‪ ،‬المعرو ف‬ ‫بالشريف الزمزمي ‪ ،‬وا ستمعت إلى خطبه و درو سه أوا شرطته ‪،‬‬ ‫أوا خذت مهها وتركت ‪ -‬كعادتي مع كل إنتاج بشري‪ -‬وبيهما أا نا‬ ‫أا تحرك في أا سواق الك تب‪ ،‬أوا ت فرس الوجوه ‪ ،‬إذا بخاطر يقول‪:‬‬ ‫جوابك عهد الشريف ! ثم أا قول لهفسي‪ :‬أوا يهك ياهذا من الشريف؟‬ ‫أوا ن ى لك به ؟! ‪ .‬والهاس يزدحمون عليه ازدحاما ‪ ،‬ويخهقونه خهقا‪،‬‬ ‫ول يكاد يهسل مههم ‪ -‬يوم الجمعة والعيدين‪ -‬إل ب ضابط قوي ‪ ،‬أا و‬ ‫ذي ِم رة سوي !‬ ‫أ‬ ‫ومعلوم ا ن ال فقيه ا لزمزمي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬كان مقيما في طهجة ‪ ،‬ل في‬ ‫أ‬ ‫تطوان‪ ،‬ويهدر مصادفته في ال ِس ك ِك وال سواق ؛ ولكن هللا تعالى‬ ‫إذا أا راد شيائ قال " كن فيكون ! " فانظر ما ذا ح ص ل ! ؟ لقد دخلت ‪-‬‬ ‫ور ِب الكعبة ‪ -‬في هذه الض حوة المباركة إلى " مسجد الحسن الثاني "‬ ‫‪21‬‬


‫‪/22‬‬

‫أ‬ ‫بتطوان ؛ فا لفيت المسجد فارغا إل من شيخ م عم م كبير ‪ ،‬شديد‬ ‫أ‬ ‫بياض ال شعر ‪ ،‬شديد سواد العين ‪ .25..‬ل شغل له إل التا مل والهظر؛‬ ‫ف ر أا يته شديد الشبه ب الشيخ الشريف ‪ ،‬ثم كذ بت بصري ! فلما دنوت‬ ‫أ‬ ‫مهه كانت المفاجا ة ‪ -‬السارة ‪ -‬أا ي‪ :‬وجدته هو هو‪ ،‬بلحمه ودمه‬ ‫أ‬ ‫وعصبه ! وكدت أا صعق ‪ -‬ياسادة‪ -‬من شدة الدهشة والفرح ! وكا ن هللا‬ ‫تعالى أ‬ ‫غم ي !‬ ‫كشف‬ ‫و‬ ‫ي‪،‬‬ ‫هم‬ ‫لتفريج‬ ‫يصا‬ ‫ص‬ ‫خ‬ ‫رسله‬ ‫ا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و حيث إنه كان في حاجة إلى من يؤنسه وي هعشه‪ ،‬ف قد اغتهمته‬ ‫اغتهاما‪ ،‬ونثرت بين يديه كهانة قلبي‪ ،‬ون فثات صدري ‪ ،‬وكان لي ما‬ ‫أْ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ا ردت مهه وز يادة ‪ .‬والحمد هلل الذي ا ْن عم وا كرم وا ل ه م ! وله الفضل‬ ‫أا ول أوا خي را ! ‪.‬‬ ‫والمقصد من هذا المشهد‪ :‬أا ن يثق الهاس في ربهم وخالقهم‬ ‫أ‬ ‫ومولهم ‪ ،‬ويخلصوا له في المسا لة والطلب‪ ،‬وال ضراعة وال ثهاء ‪ .‬و إن‬ ‫هللا تعالى لقادر على خرق العادات‪ ،‬ودفع الم لم ات‪ ،‬وتحقيق‬ ‫المستحيالت ‪ ..‬وم ن علم هللا مهه صدق الضطرار إليه سمعه(سمع‬ ‫‪26‬‬ ‫قص را ‪ -‬مثلي ‪ " -‬أا من يجيب المضطر إذا دعاه"‬ ‫إجابة) ‪ ،‬وإن كان م ِ‬ ‫ومن أا رى هللا من نفسه الصدق في الطلب ‪ ،‬سخ ر له معلمين‬ ‫ومربين ‪ ، ..‬وجهودا مخفيين‪ ،‬من حيث ل يحتسب ‪.‬‬ ‫ولما توجه موسى عليه السالم تل قاء مدين؛ ا وى إلى ظل شجرة‬ ‫ْ ْ‬ ‫‪ 27‬اأ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وقال‪ " :‬ر ِب ِإ ِن ي ِل م ا ا ن زل ت ِإ ل ي ِم ن خ ي ر ف ِق ير " ( ي ‪ :‬إني مفتقر‬ ‫‪25‬‬

‫وكان يستعمل الكحل األصيل( ِ‬ ‫اإلثمد) –حسب الظاهر‪ -‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫سورة القصص‬

‫‪26‬سورة النمل‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫‪/23‬‬

‫أ‬ ‫للخير الذي تسوقه إلي وتيسره لي! ) فجاءه العون والمدد ‪" :‬إن ا بي‬ ‫‪28‬‬ ‫يدعوك ليجزيك أا جر ما سقيت لها" ‪.‬‬ ‫فاحفظ هذا وشد يدك عليه‪.‬‬

‫الكهز المخفي!‬ ‫بيهما كهت في مق رأا ة والدي رحمه هللا ‪ -‬قديما ‪ -‬أا ك تب أا لوا حي‪،‬‬ ‫أوا تعهد قرا ني ؛ إذا بعابر سبيل‪ ،‬يقتحم عليها المكان‪ ،‬ويكلمها‬ ‫أ‬ ‫بالق را ن؛ فعجبها لذلك أا شد العجب‪ ،‬وتهي بها أا ن نسا له عن أا صله‬ ‫وفصله‪ ،‬و باديته ورحله‪ ،‬إلى أا ن دخل الوالد رحمه هللا فاستقبله‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫استقبال ال بطال ‪ ،‬وسا له عن الحال والما ل ‪ ..‬وقا ل‪ :‬هذا أا خونا‬ ‫الرح ال ‪ ،‬و فقيهها المفضال‪ 29 ،‬وله علم بالتهزيل‪ ،‬ودراية بالترتيل ‪.‬‬ ‫وسم اه لها ‪.‬‬ ‫ولم أا كن أا يها السادة قد سمعت ‪ -‬إطالقا‪ -‬بهذ ه المادة‪( ،‬مادة‬ ‫الترتيل )‪ ،‬ول خطرت لي ببال ؛ ولكهي استحسهتها ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬ك ثيرا‪،‬‬ ‫وطربت لها‪ ،‬وملت إلى استكشافها وطلبها ‪ ..‬أوا ن ى لي ذلك أوا نا‬ ‫أا عيش بين الطيور والهسور‪ ..‬وال صخور وال ثغور ! وليس عهدنا‬ ‫أا سطوانات‪ ،‬ول م سجالت‪ ،‬ول تلفزيونات‪ ،‬ول أا نترنيت ‪ ..‬ول مدرسة‬ ‫تجويد‪ ،‬ول خ زانة ك تب‪ ،‬ول دار ثقافة‪ ،‬ول أا ي شيء مما يعرفه أا بهاء‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫‪28‬سورة القصص‬ ‫‪29‬‬

‫اسمه سي الراضي التمساسنوتي‪ .‬والكالم هنا بالمعنى ال باللفظ‪-‬طبعا‪.-‬‬ ‫‪23‬‬


‫‪/24‬‬

‫أ‬ ‫وكها في كل يوم نشهد من هذا الغريب غ رابة ‪ ،‬فا م ا كالمه فكالم‬ ‫أ‬ ‫ال ق راء ‪ ،‬أوا ما سمته فسمت ال ولياء ‪ ،‬أوا ما لباسه فلباس الفق راء؛ بل‬ ‫إني أرا يت ‪-‬وهللا ‪ -‬من رثاثة حاله ‪ ،‬وخشونة طعامه‪ ،‬ما يوحي للهاظر‬ ‫أا نه إنسان أا رم ل ‪ ،30‬أا ْو مسكين م هم ل ! ولو را ه شيوخ اليوم‪ ،‬أوا ئمة‬ ‫أ‬ ‫اليوم (وخصوصا في بالد الرفاهية ) لك فوا عن الدعوى ‪ ،‬و جا رو ا إلى‬ ‫هللا ب الشكوى ! ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ولم يكن الوالد ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬يستثقل ا مثال هؤلء ‪ -‬ال ضياف ‪ -‬في بيته‬ ‫ومسجده؛ بل كان يحتفي بهم ‪ ،‬ويكرم مثواهم‪ ،‬ويستعملهم في‬ ‫أ‬ ‫مرضاة هللا تعالى‪ ،‬بشكل ا و با خر‪ .‬ولم يكن هؤلء ال فضالء في‬ ‫ظرافتهم و خفتهم ‪ ..‬إل كما قال ابن الرو مي‪:‬‬ ‫ي ثقل أا رضا ول يسد فضاء‬ ‫أا نا من خف واستد ق فما‬ ‫ومما أا ذكره في هذه الزيارة ‪ -‬تحديدا ‪ -‬أا ن الوالد‪ -‬اإلمام‪ -‬رحمه هللا ‪-‬‬ ‫استخلف صاحبه هذا ‪-‬ي رحمه هللا‪ -‬مرا را في مسجده ؛ ف اقتبسها مهه‬ ‫أا نوارا في التوحيد‪ ،‬و أا ضواء في التجويد‪ ،‬ومهه ا هذا البيت الفريد ‪: 31‬‬ ‫ص ع ل ى الس ك ون ف ي ج ع ْل ه ا ا ْن ع ْم ت ‪ ،‬و ْال م ْ‬ ‫و ْ‬ ‫اح ِر ْ‬ ‫وب ‪ ،‬م ْع‬ ‫ض‬ ‫غ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ض ل ل ه ا‪..‬‬ ‫وقد أا فادني هذا البيت الجميل في تحقيق أا حرف نزل بها جبريل ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وتكلم بها المولى الجليل ! وا نا بهذا سعيد ! وعلى ذلك شهيد !!‪.‬ول‬ ‫أا دري هل مات صاحبها هذا في سهل أا م في جبل ‪ ،‬أا م في بادية أا م‬ ‫‪30‬‬ ‫َه َل لَه‪.‬‬ ‫ان أ َْرَم ُل‪ :‬فَِق ٌير ليس له َم ْن َي ُعولُهُ َوُي ْ‬ ‫ط ِع ُمهُ‪ ،‬الَ أ ْ‬ ‫ُ​ُ إِ ْن َس ٌ‬ ‫‪ 31‬وهو من منظومة الجزرية‪ ،‬لإلمام ابن الجزري رحمه اهلل‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫‪/25‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫ظه ي ب الرحيم ال كريم ا ن يرحمه ويكرمه ‪ ،‬وا ن ل‬ ‫في حاضرة‪ ..‬؟! و ِ‬ ‫يجمع عليه فقرين و غربتين ‪ ،‬وجوعين وعطشين‪ ، ..‬وحاشاه جل‬ ‫جالله أ‬ ‫يخي ب أا ولياءه أوا حب اءه!‪ .‬حاشاه حاشاه!‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫والمقصد من هذا المشهد‪ :‬أا ن نزن الهاس بمي زان الرب‪ ،‬ل بمي زان‬ ‫العبد‪ ،‬أوا ن نكرم الهاس بحسب أا عمالهم‪ ،‬ل بحسب أا موالهم‪ ،‬أوا ن‬ ‫أ‬ ‫نذكر الفضل ل هل الفضل‪ ،‬أوا ن ندعو بالرحمة والرضوان لمن علمها‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫حرفا واحدا‪ ،‬ا و سبقها باإليمان ‪ .‬وتلك هي ا زمة الزمان‪ ،‬وعلة‬ ‫المكان ‪ .‬فيا إخوتي ل تهسوا الفضل بيهكم ! أ‬ ‫وياا هل الكهود و ْي ح ك ْم !‬

‫بيهي وبين الفقيه التجكاني رحمه هللا‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ومن الذكريات اللطيفة‪ ،‬أا ن ي كهت في يوم من ال يام مهموما بمسائل‬ ‫أ‬ ‫فرعية خالفية‪ ، ..‬عش شت في العقول وال ذهان‪ ،‬وابت لي بها ك ثير‬ ‫أ‬ ‫من ال غلمان ‪ ،‬ول سيما في طهجة و تطوان ؛‪ 32‬فلجا ت إلى أا حد علماء‬ ‫القرويين‪ ،‬اسمه الفقيه الشريف التجكاني (صهر ال شيخ بوخبزة) فلما‬ ‫لم أا جده في كرسيه المعتاد ‪ -‬بجامع العيو ن‪ -‬ذهبت ق ْبي ل الغروب‪،‬‬ ‫أ أ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ا سا ل عن بيته في ال زقة والدر ب‪( ..‬زنقة زنقة!!) وطال بحثي‬ ‫وتهقيبي‪ ،‬ولقيت من أا مري هذا نصبا!‪ .‬ثم شاء هللا أا ن أا عثر عليه في‬ ‫‪32‬‬

‫وكان سبب ابتالء كاتب هذه السطور‪ ،‬قراءة بعض الرسائل الصغيرة‪ ،‬التي تباع في األسواق الشعبية‪ ،‬بدرهم أو درهمين‪،‬‬

‫أو مجالستي لبعض العامة "المفتين!"‪ .‬ولم تكن هذه الرسائل ‪-‬بصدق‪ -‬تشفي غليلي؛ بل كانت تزيدني حيرة على حيرة‪،‬‬ ‫وداء على داء‪ ..‬وأما العلماء فلم يكونوا سواء في المعالجة والبيان‪ .‬و أذكر أني كنت أجالس الفقيه القروي‪ ،‬الشيخ سيدي‬

‫محمد التجكاني‪ ،‬في مجالس التفسير بجامع العيون بتطوان؛ فأسمع منه كالما‪ ،‬ثم أجلس مع صهره الفقيه بوخبزة (في جامع‬

‫مجاور)؛ فأسمع النقيض تماما‪..‬وال سيما في أمر السنة والبدعة‪ ،‬والتصحيح والتضعيف‪.!..‬‬ ‫‪25‬‬


‫‪/26‬‬

‫أ‬ ‫م سك ن مضغوط‪ ،‬ا يل للسقوط؛ فهقرت الباب ‪ -‬مستا ذنا ‪ -‬فقيل ‪:‬‬ ‫م ن؟ قلت‪ :‬طالب علم ؛ فإذا به ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬يخرج إلي ببطء؛ بل‬ ‫أ‬ ‫ْيد رج كالطفل الصغير !! فسا لته أا سئلة " رو تيهية " نمطية ! أا ستحضر‬ ‫مهها ‪ :‬ما حكم ق راءة الحزب جماعة ؟ ورفع اليدين بعد الصالة ؟‬ ‫والمصافحة ب عد الصالة ؟ والق راءة على الميت ؟!‪( .‬ول أا دري أا ين‬ ‫أ‬ ‫صيغت هذه ال سئلة العجيبة؟! ول كيف ط بخت؟ ! ول م ن عم مها‬ ‫أ‬ ‫على القارات الخمس؟ ! ) فا طرق الشيخ أرا سه ه ه ْي ه ة ‪ ،‬أوا جابهي ‪-‬على‬ ‫مضض ‪ -‬ثم قال ‪ -‬بالدارجة التطوانية‪" -‬ا وك ْ‬ ‫الش ي‬ ‫ان ! على هذا ِ‬ ‫ْ‬ ‫جيت ؟!" يعهي‪ :‬أا لمثل هذا أا تعبت الشيخ الكبير!؟‬ ‫رحم هللا ال فقيه الرباني‪ ،‬ال شريف التجكاني ! الذي ربانا بحاله‬ ‫أ‬ ‫وبا مثاله من ْ‬ ‫صب وة الشباب ‪ ،‬ونزق المراهقة!‪.‬‬ ‫ومقاله‪ ،‬و صانها هللا به‬ ‫وغفر هللا لي هذا اإلتعاب الذي ما تعمدته ول قصدته‪ ،‬ول أا رتضيه !!‬ ‫أوا عاذنا هللا وإياكم من سخطه وسخط أا وليائه أوا حب ائه!‬ ‫وهكذا ‪ -‬أا يها السادة ‪ -‬يؤدي العالم والجاهل ‪ -‬كالهما ‪ -‬الضريبة‬ ‫أ‬ ‫الباهضة )‪ . (taxe‬فا ما العالم فضريبته تعليم الجاهل‪ ،‬وتهبيه‬ ‫الغافل‪ ،‬أوا ما الجاهل فضريبته التعلم والسؤال‪ ..‬والصبر عل ى ذلك‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وصدق هللا‪ " :‬و ج ع ل ه ا ب ْع ض ك ْم ِل ب ْع ض ِف ْت ه ة ا ت ْص ِب رو ن و ك ان ر ب ك‬ ‫‪33‬‬ ‫ب ِص ي را " ‪.‬‬

‫والمقصد من هذا المشهد ‪ -‬عهدي ‪ -‬هو ما ختمت به‪ .‬وفي المشهد‬ ‫مقاصد أا خرى‪ ،‬ل تخفى على اللبيب‪.‬‬ ‫‪].33‬الفرقان‪[90:‬‬ ‫‪26‬‬


‫‪/27‬‬

‫مع الشيخ المحدث‬ ‫ومن المشاهد العجيبة في شبابي‪ ،‬مشاه دة العالمة المحدث عبد هللا‬ ‫بن الصديق الغماري ‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬وهو يدرس ‪ -‬بين العشاءين ‪ -‬في‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الجامع ال عظم بطهجة‪ ،‬وكهت ل ا عرفه من قبل‪ ،‬إل سماعا؛ بل‬ ‫كهت مصرو فا عهه بشبهات أوا باطيل‪ ،‬وفزاع ات وتهاويل! وكان‬ ‫أ‬ ‫غرضي من اللقاء ال ول التعرف عليه‪ ،‬و اك تشاف معدنه‪ ،‬من باب‬ ‫التبين والتثبت‪.‬‬ ‫وشاء هللا أا ن ي ختم هذا المجلس ‪ -‬الهادر ‪ -‬بسؤال عن الدخان‪ .‬فما‬ ‫كان جواب الشيخ إل أا ن قال‪ :‬حكمه حكم السكر والشاي ! ( هكذا‬ ‫بال ترد د ول تلعثم‪ ،‬ول إخفاء ول غهة! )‪ .‬فاستغربت جدا جدا من‬ ‫هذا ال كالم ‪ ،‬ولم تقبله فطرتي؛ بل ص دمت صدمة عهيفة ‪ -‬ل أا نساها ‪-‬‬ ‫‪ .‬وكان شرب الدخان ‪-‬في ظهي ‪ -‬صهيع البطالين والمبذرين‪،..‬‬ ‫ورائحته رائحة كريهة‪ ،‬و نفقاته م رهقة ‪ ،‬وكل شيء فيه ل يعجب ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫بإجماع ال طباء والعقالء ‪ -‬ول زلت أا مقته ‪ ،‬أوا ب ر أا إلى هللا مهه‪ ،‬أوا حمد‬ ‫هللا على المعافاة التامة من قليله وك ثيره! أوا وصي ذريتي أوا حبتي أا ن‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ل يقربوه‪ ،‬با ي حال من ال حوال‪.‬‬ ‫ورغم توقيري للشيخ الهسيب المحدث رحمه هللا و اعتزازي ب علمه‬ ‫الواسع ‪ ،‬وفقهه الساطع؛ فقد ظللت بعيدا عن واديه ‪ ،‬مت حفظا من‬ ‫أ‬ ‫فتاويه ! إلى أا ن أا شفيت غليلي بالطالع على فتواه ال خيرة‪ ،‬الهاسخة‬ ‫لسابقتها؛ ب ل الهاسفة له ا بشكل واضح جلي ل لبس فيه ! أا ي بعبارة‬ ‫أا خرى‪ :‬فيها تراجع واضح عن إباحة الدخان‪ ،‬وتصريح قوي بالحرمة‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫‪/28‬‬

‫ثم تجددت عالقتي العلمية والرو حية ب شيخها العالمة المحدث‬ ‫(سيدي عبد هللا) وتالمذته ومحبيه ‪ ،‬وق رأا ت كل ما تيسر لي من ك تبه‬ ‫ومقالته ‪ ،‬ورسائله وتعليقاته‪. .‬واطلعت على أا قوال م حبيه وش انئيه‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ومادحيه وقادحيه‪ ،‬أوا سا ل هللا تعالى أا ن ي رحمه برحمته ‪ ،‬وي ك فر‬ ‫عهه سيائته ‪ ،‬ويرفع درجاته!‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫والمقصد من هذا المشهد‪ :‬أا ن نا خذ ال حدث فال حدث من أا قوال‬ ‫أ‬ ‫العلماء‪ ،‬ونتا ول لهم‪ ،‬ول نتهمهم بشيء؛ بل نقول‪ :‬إن الشيخ رحمه‬ ‫هللا أا فتى بما أا فتى به قد يما؛ لعدم اطالعه الكافي على أا ضرار‬ ‫أ‬ ‫الدخان‪( ،‬من الهاحية ال طبية ) ا و لعدم اقتهاعه بها‪ .‬فلما ثبت‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الضرر ‪ -‬عهده‪ -‬ثب ت التحريم (بالتبع) وانتهى ال مر ‪ .‬والعبرة بالرا ي‬ ‫الجديد ل أ‬ ‫بالرا ي القديم‪ .‬وعلى هذ فقس‪.‬‬ ‫و ه ْب أا ن شيخها مات على فتواه ‪ -‬باجتهاد ‪ -‬أا يكون هذا سببا في نبزه‬ ‫ونبذه‪ ،‬وهمزه ولمزه؟! كال‪ .‬ورحم هللا عالمة الشام جمال الدين‬ ‫أ‬ ‫‪34‬‬ ‫القاسمي إذ قال‪ " :‬ل تفسيق وتضليل‪ ،‬باجتهاد وتا ويل " ‪.‬‬

‫صاحب السمت الحسن‬ ‫أ‬ ‫في طفولتي ‪-‬المتا خرة ‪ -‬كهت أا ختلف ‪-‬ا نا بعد ا ن‪ -‬إلى إحدى قريباتها‬ ‫بتطوان‪ ،‬رحمها هللا‪ ،‬وت عرف بين الجيرة بلال ا مهة ‪ ..‬وك انت تسعد‬ ‫ب مجاورة مسجد مبارك عتيق‪ ،‬يسمى مسجد ْ‬ ‫السد راوية (نسبة إلى‬ ‫الم رأا ة الثرية المعروفة) وهو مسجد معرو ف ‪ -‬ا نذاك ‪ -‬بهشاطه العلمي‬ ‫‪34‬‬

‫انظر رسالته القيمة(الجرح والتعديل)‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫‪/29‬‬

‫والتربوي‪ ،..‬وتردد رجال الدعوة والتبليغ عليه‪ ( ،‬بترخيص من‬ ‫الدولة ) ‪ .‬وكان إمامه ال راتب غاية في الكياسة واللين! إذا أرا يته‬ ‫ْ‬ ‫أا حببته‪ ،‬وإذا سمعته أا جلل ته‪ .‬ول زلت أا ذكر ل ْث غت ه الجميلة‪،‬‬ ‫أوا خالقه الهبيلة‪ ،‬أوا دعو هللا أا ن يرحمه حيا وميتا!‬ ‫أوا ذكر أا ني كهت أا رى في هذا المسجد وجوها جديدة‪ ،‬وو فودا‬ ‫عديدة‪ ،‬ت ْع ب ق مهها رو ائح المسك والطيب‪ ،‬وتدل ع لى ثراء كبير!‬ ‫أ‬ ‫وكهت ا عجب من ك ثرة صالتهم‪ ،‬وطول قهوتهم ‪ ،‬وك ثرة د عائهم‬ ‫وبكائهم‪ !..‬ول سيما في ليلة الجمعة وصبيحتها‪ .‬وربما اعتك فوا‬ ‫الليالي ذوات العدد‪ ،‬و ساح وا في المدائن والقرى‪ ،‬وبذلوا الهصيحة‬ ‫لعامة الورى‪. !.‬‬ ‫وكان أا قربهم مودة لي رجل ‪ -‬مههم ‪ -‬ي دعى الشريف سي الحسن‬ ‫أ‬ ‫البقالي الغماري ‪ ،‬وهو من أا رحام الوالدة رحمها هللا (من جه ة ال ب)‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ول ا علم له نظي را في الصيام والقيام‪ ،‬والذكر والدعاء‪ ،‬وفهم رسالة‬ ‫أ‬ ‫ال نبياء‪ ! .‬والعجيب أا نه أا ِم ي فطري ‪ ،‬ل يق رأا ك تابا‪ ،‬ول يحفظ علما‪!.‬‬ ‫وله كالم مهخول‪ ،‬وفكر مصقول ‪ -‬بشهادة العلماء ال عدول ‪ .-‬ولو‬ ‫تعلم صاحبها لت م له أا مره‪ ،‬ولو تفقه في الدين لكان أا ولى بالمهبر‬ ‫والمح راب من غيره ! وليتهي شعرة من بدنه! وكا ن من قد ر هللا‬ ‫الحكيم أا ن أا شرف في هذا المسجد المبارك بمشاهدة واعظ‬ ‫أ‬ ‫موهوب‪ ،‬وا ستاذ محبوب ( توفي في سن الكهولة) اسمه الفقيه محمد‬ ‫الحمداوي‪ ،‬رحمه هللا‪ .‬وهو من أا عيان الرباط‪ ،‬ورجالت التربية‬ ‫والتعليم ‪ -‬كما س م عت‪ -‬وكان مربيا ‪-‬بحق ‪ -‬أوا حسبه من عباد هللا‬ ‫الك م ِل ! وقد " كم ل من الرجال ك ثير " ‪ -‬كما صح في السهة ‪ . -‬ول أا علم‬ ‫‪29‬‬


‫‪/30‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫رجال ا ث ر في بس ْم ته ‪-‬ا يام ال م راهقة‪ -‬مثل هذا العبد الصالح‪ ،‬ورفيق‬ ‫أ‬ ‫دربه ال ستاذ الحاج البشير القصري (الذي فقدت الصلة به من قديم‬ ‫ول أا دري ماذا فعل هللا به! ) وصدق القائل‪" :‬ح ال رجل في أا لف‬ ‫رجل أا بلغ من كالم أا لف رجل في رجل!"‪.‬‬ ‫أا جل‪ .‬لقد كان كل شيء في الحمداوي يهطق بحمد هللا‪ ،‬ويدل على‬ ‫هللا‪ !.‬وصدق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " أا ولياء هللا الذين إذا‬ ‫أ‬ ‫رؤ وا ذكر هللا" ‪ 35‬ا ي ‪ :‬لحسن سمتهم ‪ -‬كما قال الش راح ‪. -‬‬ ‫والمقصد من هذا المشهد ‪ :‬أا ن ل يكون همها من العلماء والوعاظ‬ ‫أ‬ ‫أا قوالهم فقط ؛ بل أا حوالهم أوا فعالهم في المقام ال ول ‪ .‬فالسمت‬ ‫الحسن ‪ ،‬أا و قوة الحال‪ ،‬دعوة صامتة نافذة‪ .‬وربما كان الحال أا بلغ‬ ‫من ال مقال في ا خر الزمان ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وما أا جمل قول القائل ‪:‬تا ملت في أا حوال الهاس؛ فوجدت أا ن ‪:‬‬ ‫بعضه م إذا أرا يته ‪ ...‬قلت ‪ :‬سبحان هللا !‬ ‫وبعضهم إذا أرا يته ‪ ...‬قلت ‪ :‬الحمد هلل !‬ ‫وبعضهم إذا أرا يته ‪ ...‬قلت ‪ :‬هللا أا كبر !‬ ‫وبعضهم إذا أرا يته ‪ ...‬قلت ‪ :‬ل إله إل هللا !‬

‫أ‬ ‫وبعضهم إذا را يته ‪ ...‬قلت ‪ :‬ما شاء هللا !‬ ‫وبعضهم إذا أرا يته ‪ ...‬قلت ‪ :‬ل حول ول قوة إل باهلل !‬ ‫‪26‬‬

‫السلسلة الصحيحة ‪.4/122‬‬ ‫‪30‬‬


‫‪/31‬‬

‫أ‬ ‫وبعضهم إذا را يته ‪ ...‬قلت ‪ :‬حسبها هللا ونعم الوكيل !‬ ‫وبعضهم إذا أرا يته ‪ ...‬قلت ‪ :‬أا عوذ باهلل من الشيطان الرجيم ! ‪.‬‬

‫أ‬ ‫ا وحي بعد رسول هللا؟!‬ ‫ومن الذكريات العجيبة‪ ،‬رحلتي إلى شيخ مغمور ‪ ،‬يدعى الشريف‬ ‫بهعجيبة ‪ ( ،‬من ضاحية طهجة )‪ .‬وذلك صحبة صهري وابن عمي‬ ‫السيد العياشي الهبطي‪ ،‬سدده هللا‪ ،‬وصديقه الراحل أا حمد‬ ‫الغزاوي‪ ،‬رحمه هللا ‪ .‬وكالهما من أا حباب الشيخ رحمه هللا‪،‬‬ ‫والموالين له – باقتهاع ‪ -‬وكهت صغي را بيههم‪ ،‬غريبا في مجلسهم ‪..‬‬ ‫ل أا فقه قليال ول ك ثيرا في أا مور التصوف والتسل ف‪ ،‬والطوائ ف‬ ‫والفرق ‪ ، ..‬وما قطعت هذه المسافات ‪-‬ح افيا ومهتعال ‪ -‬إل حبا في‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫العلم والعلماء‪ ،‬وال تقياء والصلحاء ‪ .‬أوا ما النتساب إلى ال شخاص‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وال سماء وال لقاب‪ ..‬فلم يكن هذا شا ن طالب ‪ -‬مثلي ‪. -‬‬ ‫والعجيب أا ن الشيخ رحمه هللا استقبلها في ج ه ِت ه ( بستانه ) ‪ ،‬ل في‬ ‫بيته أا و مسجده ‪ ،‬وقد م لها لونا واحدا من الطعام والش راب " الخبز‬ ‫الحافي !" و " اللبن الصافي ! " على غير عادة أا هل البلد ‪ .‬فلما ارتويها‬ ‫وشبعها ‪ ،‬وحمدنا وشكرنا؛ جلس الصاحبان " الم ريدان " يهتظران‬ ‫الدعوات‪ ،‬ويستجلبان البركات ‪ ..‬وجلست ‪ -‬أا نا الفتى الغالم ‪ -‬أا نظر‬ ‫أ‬ ‫إلى شيخها نظرة الفاحص المتا مل ‪..‬و السائل المتعلم ! وطال النتظار‬ ‫إخوتي‪ ،‬و ساد الصمت‪ ،‬ودب الملل‪ ،‬واشتهيت القيام ‪ ..‬فقلت في‬ ‫خاطري (بيهي وبين نفسي)‪ :‬أا هذا هو الشيخ الفقيه الذي حدثوني‬ ‫‪31‬‬


‫‪/32‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫عهه؟ ا هذا هو ال عالم ال قدوة ؟ ا لمثل هذا ت شد الرحال‪ ،‬وت قطع‬ ‫أ‬ ‫ال ميال؟ ! وهها رفع الشيخ الكبير عقيرته قائال ‪ " :‬و ت ْح سب ون ه ه ِي ه ا‬ ‫و ه و ِع ْه د الل ِه ع ِظ يم " ‪ 36.‬فه زلت علي هذه ال ية – إخوتي ‪ -‬كالصاعقة‪،‬‬ ‫و عجبت لهذه الموافقة‪ ،‬وكاد عقلي يطير !! ول أا ذكر أا ن الشيخ ‪-‬‬ ‫وس م‪ -‬أا ضاف حرفا بعد ذلك إلى أا ن ودعهاه‪ ،‬رحمه هللا‪.‬‬ ‫المت ِ‬ ‫أ‬ ‫وقد سا لت عهه أا خي را فقيل لي‪ :‬إنه كان من أا هل الق را ن ‪ -‬أا هل هللا‬ ‫وخاصته ‪ -‬ويشهد له الجميع بالفضل والصالح‪ .‬والويل ثم الويل لمن‬ ‫نبزه بابن عجيلة ! فإنه عبد القادر ابن عجيبة ‪ -‬كما سماه أا بوه أوا مه ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫غفر هللا لها وله‪ ،‬ورزقها حسن ال دب مع الخلق ! ‪.‬‬ ‫والمقصد من هذا المشهد‪ :‬حفظ الخواطر من غيبة القلب‪ ،‬وعدم‬ ‫أ‬ ‫العتراض على أا هل الجتهاد والتا ويل‪ ،‬دون بيهة ودليل ‪ .‬فاإلنسان‬ ‫ب ين انقباض وانبساط‪ ،‬وحزن واغتباط ‪ ..‬ولعل ال سيد رحمه هللا كان‬ ‫في حال تكد ر وتغي ر؛ فتعذر عليه الكالم‪ ،‬ولو عدنا إليه ‪ -‬بعد حين‬ ‫ لكان أا بين أوا فصح ‪.‬و لعله أا راد أا ن يعلم المغترين ‪ -‬مثلي ‪ -‬بالقدوة‪-‬‬‫أا ن العبرة بالعمل‪ ،‬ل باللقلقة والشقشقة‪ ،‬والفصاحة والصباحة ‪!..‬‬ ‫ورحم هللا القائل‪ ":‬كم من لسان فصيح‪ ،‬ووجه صبيح وجسم صحيح‬ ‫‪ ..‬في أا طباق الهار يصيح !"‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ولعله كان حافظا عاديا‪ ،‬و ذاكرا تاليا‪ ،‬ل علم له بال حكام‪ ،‬وهذا ل‬ ‫أ‬ ‫يهقص من قدره‪ .‬فما كل الصالحين علماء فقهاء‪ .‬وحسب هم ا نهم‬ ‫أ‬ ‫علماء بربهم‪ ،‬عارفون با سمائه وصفاته‪ ،‬وجماله وجالله‪ ..‬تالون‬ ‫ا ي اته ا ناء الليل وا ناء الههار! !‬ ‫‪36‬‬

‫سورة النور‬ ‫‪32‬‬


‫‪/33‬‬

‫وفي المشهد مقصد ا خر هو‪ :‬إثبات ف راسة المؤمهين‪ ...‬وسببها نور‬ ‫يقذفه الل ه في قلب عبده‪ ،‬يفرق به بين الحق والباطل‪ ...،‬والصادق‬ ‫والكاذب‪ ....‬ومهها ما هو وهبي إيماني‪ ،‬ومهها ما هو كسبي رياضي‪.‬‬ ‫وانظر تفصيل هذا في " الفرو ق " للق رافي‪ ،‬و " الم دارج " ل بن القيم‪.‬‬ ‫ففيهما الشفاء والغ هاء‪.‬‬ ‫ويك فيها في الرجل ‪-‬المذكور ‪ -‬أا نه من حملة الق را ن‪ ،‬أا هل هللا‬ ‫أ‬ ‫وخاصته‪ ،‬المشهود لهم في ال رض وفي السماء!‪ .‬وكان جد شيخها‬ ‫أا يمن‪ -‬العالمة الكبير الشيخ أا مين سويد الدمشقي ‪ -‬نور هللا ضريحه ‪-‬‬ ‫يقول ‪ -‬بما معهاه ‪ " :-‬هاتوا حفظ القرا ن‪ ،‬وخ ذوا عهي كل هذه‬ ‫‪37‬‬ ‫العلوم !"‬

‫خالفا لميارة الصغير والكبير!‬ ‫من المسائل التي أا شبعها الفقهاء بحثا ‪ ،‬وا ْو د ع وها في مؤلفاتهم ‪:‬‬ ‫أ‬ ‫مسا لة علو اإلمام على المؤتم في الصالة‪ ،‬والعكس ‪ .‬ومن أا ولئك‬ ‫اإلمام العال مة محمد بن علي الشوكاني ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬في رسالته‬ ‫الموسو مة ب " تحرير الدلئل على ما يجوز بين اإلمام والمؤت ِم من‬ ‫الرتفاع والنخفاض والبعد والحائل ‪ ".‬ولم يتيسر لي الطالع عليها‪.‬‬

‫‪37‬‬

‫الظاهر أنه كان ال يحفظ القرآن كله‪ ،‬وقد سمعت هذا من حفيده شيخنا العالمة المقرئ الدكتور أيمن سويد‪ .‬د‬ ‫‪33‬‬


‫‪/34‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫ويرى المالكية جواز ا ن يصلي الما موم على مكان مرتفع عن إمامه ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫بعلو ه عن‬ ‫موم‬ ‫الما‬ ‫ولو كان سطح ا في غير جمعة ‪ .‬هذا إذا لم يقصد‬ ‫ِ‬ ‫اإلمام التكب ر‪ ،‬فإن قص د ه بطلت الصالة لمهافاته لها‪". 38‬‬ ‫أ‬ ‫وإنما مهدت بهذا ل ذكر ‪ -‬باختصار ‪ -‬قصة طريفة حصلت لها ‪ -‬قديما ‪-‬‬ ‫في تطوان‪ -‬مع جارنا الفقيه الشريف سيدي محمد أا بو أا ويس بوخبزة‬ ‫الحسهي ‪ -‬وهو شاعر د ع ابة ‪ ،‬سريع البديه ة ‪ ،‬مليح الهك تة ‪ -‬وبيان‬ ‫ذلك ‪:‬‬ ‫أ‬ ‫أا نها كها في حفلة عشاء ؛ ف لما حضرت الصالة أا ب ى ال ستاذ الكبير‬ ‫أ‬ ‫قد م صاحب البيت ‪ -‬إك راما له ‪ -‬وكانت الغرفة ‪-‬على سعتها ‪-‬‬ ‫إل ا ن ي ِ‬ ‫ود ! فلم ا لم يجد أا ستاذنا موقفا في الصف‪،‬‬ ‫تضيق بالرك ع الس ج ِ‬ ‫أ‬ ‫تا خر قليال‪ ،‬ثم صعد على سرير متصل بالصفوف‪ ،‬وقال بصوت‬ ‫عال ‪ :‬خالفا لميارة الصغير والكبير ‪ :‬هللا أا كبر !! (تكبيرة إحرام)‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ففهمها ا نه يرد على من يكره ذلك من المالكية المتا خرين ‪ ،‬ا و‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يرسل رسالة " مشف رة " إلى واحد مها –وال رجح أا نه ال ستاذ داود ‪-‬‬ ‫فانفجر إمامها الوقور بالضحك‪ ،‬ووقع في القهقهة الكبرى (المبطلة‬ ‫للوضوء عهد الحهفية) ‪ ،‬وهو القدوة المتبوع‪ ،‬والحافظ المرفوع !‬ ‫أ‬ ‫وحاولها أا ن نتمالك‪ ،‬فلم نستطع ! وال ستاذ (بوخبزة) ماض في‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫صالته‪ ،‬ل يا به با حد‪ ،‬ول يقتدي با حد!! ‪.‬وما كها نعتقد أا ن إمامها‬ ‫الفذ‪ ،‬سيههار إلى هذا الحد‪ ،‬ويعجز عن إتمام الصالة‪ ،‬وهو ال حافظ‬

‫‪38‬‬

‫مجلة الدرعية‪ ،‬العددان‪ ،18/13 :‬أ‪ .‬د‪ .‬أحمد بن يوسف الدريويش‪ .‬نقال عن " األلوكة"‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫‪/35‬‬

‫الدك تور ‪ ،‬الموسوم بجديته وثباته‪ ،‬و خشوعه و سكونه ؛ ولكن كما‬ ‫قال هللا في ك تابه " أوا نه هو أا ضحك أوا بك ى "‪.39‬‬ ‫والمقاصد من هذا المشهد ك ثيرة‪ ،‬أا برزها ‪:‬‬ ‫ا ‪ -‬الهظر إلى العلماء والصلحاء نظرة واقعية بشرية‪ ،‬ل خيالية‬ ‫مثالية‪ ،‬فهم في نهاية المطاف بشر عاديون‪ ،‬يههارو ن في ساعة‬ ‫الشدة والفرح‪ ،‬وي ضحكهم ما يضحك الهاس‪ ،‬ويبكيهم ما ي بكي‬ ‫الهاس‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬ضرورة م راعاة الخالف‪ ،‬وفهم الخالف‪ ،‬والطالع على أا قوال‬ ‫أ‬ ‫المتقدمين والمتا خرين‪ ،‬وعدم الجمود على قول مرجوح في‬ ‫المذهب ‪.‬فالمذهب أا وسع مما نتصور ‪.‬‬

‫علماء عرفتهم في المديهة المهورة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫في عام ‪ 1984‬ميالدية‪ ،‬رشح ت هي وزارة ال وقاف المغربية ‪ -‬مشكورة‪-‬‬ ‫للمشاركة في المساب قة الدولية لحفظ الق را ن وتجويده وتفسيره بمكة‬ ‫المكرمة ‪ .‬وما كهت أا تصور ذلك في اليقظة‪ ،‬ول أا حلم به في المهام !‬ ‫وقد دامت الرحلة شه را أا و نحوه ‪ ،‬أرا يها فيها من كرم هللا وإحسانه ما‬ ‫ل يعد ول يحصى‪ .‬وكانت فرصة ذهبية لمشافهة علماء وق راء من‬ ‫مخت ِل ف أا نحاء العالم اإلسالمي‪ ،‬وغير اإلسالمي‪ .‬ولعلي أا عود إلى هذه‬ ‫الذكريات بتفصيل‪ ،‬في سياقات أا خرى إن شاء هللا‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫سورة النجم‬ ‫‪35‬‬


‫‪/36‬‬

‫أ‬ ‫ومن ا جمل ذكرياتي في هذه ا لرحلة التاريخية ‪ :‬م جالست ي للعالمة‬ ‫الكبير‪ ،‬والفقيه القدير ‪ ،‬الشيخ عطية سالم المالكي ‪ ،‬قاضي‬ ‫أ‬ ‫المديهة‪ ،‬وو ارث علم اإلمام محمد ال مين الشهقيطي‪ ،‬و أا مين إرثه‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫بعد موته‪ .‬وقد حضرت له درس الموطا ‪ ،‬وتفاعلت معه جدا‪ ،‬وتا ثرت‬ ‫ببيانه‪ ،‬وغزارة علمه‪ ،‬وقوة استحضاره ‪ ،‬وحياة عاطفته‪ . .‬وههالك‬ ‫أ‬ ‫عرفت العالم ال راسخ من غيره‪ ،‬وسا لت هللا عزوجل أا ن يرزقهي من‬ ‫علم الشيخ وعمله ‪ ،‬ووفائه وإخالصه! ول زلت أا حن إلى درسه ‪،‬‬ ‫أوا ترحم عليه!‬ ‫وكهت قد تسامعت في نفس ال وقت بدخول العالمة الوزير‪ ،‬اإلمام‬ ‫الشعراوي رحمه هللا إلى المسجد الهبوي الشريف ‪ ،‬فسررت ك ثي را‬ ‫بذلك ! و قلت‪ :‬إنها فرصة العمر! ‪ 40‬و أا ذكر أا ني تركت أا صحابي‪،‬‬ ‫أ‬ ‫و دخلت في أا عماق المسجد (الهبوي الشريف) أا تتبع أا ثره‪ ،‬أوا سا ل‬ ‫أ‬ ‫عهه ‪ -‬بال جدوى! في حين شاهدت الشيخ الواعظ ال س تاذ أا با بكر‬ ‫جابر الجزائري م رات عديدة في المسجد الهبوي ‪ ،‬وجلست في حلقته‬ ‫أ‬ ‫الواسعة ‪ ،‬وق ر أا ت ك تبه‪ ،‬وكاتبته‪ ،‬وهاتفته‪ ،‬و ناقشته ‪-‬با دب ‪( -‬في‬ ‫فقه الواقع ل في فقه الدين طبعا)‪ .‬ول أا دري ما ذا فعل هللا به ال ن‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أوا سا ل هللا لها وله حسن الما ب!‬

‫‪40‬وهو من فرسان القرآن في هذا الزمان‪ ،‬وخواطره القرآنية أبلغ بيان‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫‪/37‬‬

‫ليلة من نور!‬ ‫ومما أ‬ ‫الطي بة‪ ،‬حضور حفل سماع ختم صحيح‬ ‫طابة‬ ‫في‬ ‫به‬ ‫هللا‬ ‫نعم‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫البخاري ‪ ،‬صحبة شيخها العالمة المقرئ الدك تور ا يمن رشدي‬ ‫سويد‪ ،‬وشيخها العالمة الفقيه الدك تور صفوان عدنان داوو دي‪،‬‬ ‫وحشد حاشد من أا هل العلم والفقه‪ ،‬والق راءات والتجويد‪ ..‬والفضل‬ ‫والخير‪ .‬ولك أا ن تتخيل‪ -‬ياصاح ‪ -‬هذا المشه د العزيز(الذي ل يتكرر‬ ‫ك ثي را في حياة اإلنسان) فإن الحديث هاهها حديث رسول هللا(صلى‬ ‫هللا عليه وسلم) والسهد إليه‪ ،‬والتربة تربته‪ ،‬والمديهة مديهته‪..‬‬ ‫والقبر قبره‪ ،‬والمهبر مهبره‪ !!..‬ومن الرواة أا مها عائشة‪ ،‬رضي هللا‬ ‫عهها‪ ،‬أوا بوها الصديق‪ ،‬وعمر الفارو ق‪ ،‬وفالن وع الن ‪ ..‬من الخلفاء‬ ‫ال راشدين‪ ،‬والعشرة المبشرين‪ ،‬والعترة الطاهرين‪ ..‬والخل ف‬ ‫التابعين‪ ،‬وكلهم‪ -‬ثمة ‪ -‬ياصاح ‪ -‬في البقيع‪ ،‬بجوار الهبي الشفيع !‬ ‫أوا ذكر أا ن المجلس قد طال جدا؛ بل طاب جدا‪ ،‬وتخللته تعليقات‬ ‫وتعقيبات‪ ،‬وإفادات وإنشادات‪ ..‬ودار نقاش طريف بين‬ ‫أ‬ ‫شيخها(ا يمن) وشيخ اإل سهاد‪ ،‬ونافح كل مههما عن أرا يه بثبات!‬ ‫ْ‬ ‫العالمي ن إل عالم مثلهما‪ ،‬أا و‬ ‫(وكالهما عالم مسهد‪ ،‬ول يفصل بين‬ ‫أ‬ ‫أا كبر مههما)‪ .‬وكان الخالف ‪ -‬اللفظي ‪ -‬حول مسا لة دقيقة (ل أا ذكر‬ ‫تفاصيلها جيدا) ولعل شيخها كان أا ميل إلى الدراية والمعهى‪ ،‬على‬ ‫‪41‬‬ ‫حين كان صاحبه متقيدا بالمك توب‪ ،‬دون اس تدراك ‪.‬‬

‫‪ - 42‬يقول العالمة المغربي عباس أرحيلة في هذا المعنى‪ ":‬بعد تقليب النظر في االحتماالت الواردة في األصول حتى ال‬ ‫بقي آيةً قرآنيةً ُمحرَّفةً في المتن أبداً؛ إذ ال أمانة علمية في أداء النص‬ ‫تكون لها عالقة بقراءة من القراءات؛ ينبغي أن ال ُن َ‬ ‫‪37‬‬


‫‪/38‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫وشاهدت في هذا الحفل شيوخا من ا قطار مختلفة‪ .‬وا غلبهم شوافع‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫والرقاق‬ ‫اءات‪،‬‬ ‫ر‬ ‫والق‬ ‫ايات‬ ‫الر‬ ‫في‬ ‫إل‬ ‫يتكلمون‬ ‫ل‬ ‫حهاف‪،‬‬ ‫وا‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫والزهديات‪ ،‬وال ذكار والدعوات ؛ حتى حسبتهم صوفية‪ ،‬وما هم‬ ‫أ‬ ‫بصوفية‪ ،‬ودراويش وما هم بدراويش؛ ولكههم قوم تركوا ال لقاب‬ ‫والتسميات‪ ،‬وشغلتهم الكليات عن الجزئيات‪ ،‬ولم تفرق بيههم‬ ‫أ‬ ‫ال لفاظ والمصطلحات !‬ ‫أ‬ ‫وفي هذا المجلس المبارك سمعت من ا حد الحضور كالما عج با ‪،‬‬ ‫خي را ‪ ،‬وعابدا ن ِي را ‪،‬‬ ‫يهدي إلى الرشد‪ .‬وكان الرجل ‪ -‬في الظاهر ‪ -‬عالما ِ‬ ‫أ‬ ‫فتح هللا عليه بمحامد جميلة‪ ،‬ودعوات جليلة؛ لول ا نه ‪ -‬سامحه‬ ‫هللا ‪ -‬قد ط و ل ك ثي را؛ حتى كادت أا ضلعها تهكسر‪ ،‬وقلوبها تهفجر !‬ ‫وفي هذه المهاسبة ‪ -‬الهادرة ‪ -‬أرا يت حقيقة شيخها أا يمن‪ ،‬ومدى‬ ‫تقديره لمعلميه ومربيه‪ ،‬أوا ق رانه وشيوخه‪ ..‬فمهذ وصولها إلى الحرم‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الشريف وهو يحدثها عن ا حد معلميه ومربيه؛ حتى حسبها ا نه شيخ‬ ‫الق راء‪ ،‬و أا مين اإلفتاء ‪ ،‬والحقي قة أا نه أا ستاذ مرب ‪ ،‬وداعية متهور ‪.‬‬ ‫فلم ا را ه شيخها سلم عليه سالما خاصا ‪ ،‬وخفض له الجهاح‪ ،‬وقدمه‬ ‫أ‬ ‫إليها با سلوب يفيض رقة وو فاء‪ ،‬وطه را ونقاء ‪ .‬وقل من مثقفيها ‪-‬‬ ‫اليوم ‪ -‬من يذكر معلمه في المرحلة البتدائية والثانوية؛ فضال عن أا ن‬ ‫يخفض له الجهاح‪ ،‬ويهوه به في المحافل ‪ ،‬ويعامله معاملة البن‬ ‫أ‬ ‫ل بيه‪ ،‬ول سيما إذا كان من المشاهير !! ‪.‬‬ ‫الكتاب بغير إذن صاحبه‪ ،‬فإن ذلك يكون‬ ‫القرآني على حالته من الخطأ‪ .‬واذا تقرر في تجربة حركة التأليف أنه ال ُيصلَح‬ ‫ُ‬ ‫وفنياً مع آية قرآنية في مخطوط ؟" موقع عباس ارحيأل‬ ‫علمياً ّ‬ ‫في غير القرآن"‪ .‬انظر مقال " كيف نتعامل ّ‬ ‫‪41‬‬

‫‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫‪/39‬‬

‫أ‬ ‫وا ما "ز ْردة" الحفلة فال كالم عليها‪ ،‬ول جديد فيها‪ ،‬ول فائدة من‬ ‫ذكرها‪ ..‬وهل س غ ب (جاع) أا حد بهاتيك الديار ؟! وهل ههاك أا كرم‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫من ال نصار‪ ،‬أوا بهاء ال نصار؟! فالحمد هلل الذي أا طعمها وسقانا‪..‬‬ ‫وا وانا وك فانا‪ !..‬ونستغفره تعالى من كل تبذير وتقتير ‪!.‬‬ ‫وفي هذه المشاهد مقاصد‪ ،‬أا برزها ‪:‬‬ ‫أ‬ ‫ا ‪ -‬التذكير با همية الك راسي العلمية‪ ،‬والمجالس‪ -‬الحديثية ‪ ، -‬وما أا ودع‬ ‫هللا فيها من أا س رار وخيرات‪ ،‬أوا نوار وبركات‪ ..‬وبيان أا ن الحتفال‬ ‫بالختم عادة قديمة‪ ،‬وسهة حميدة‪ ،‬جرى العمل بها في المشرق‬ ‫والمغرب‪ ،‬والبادية والحاضرة‪ ،‬أوا شاد بها العلماء الكبار‪،‬‬ ‫الخ يا ر !‪..42‬‬ ‫والسالطين ِ‬ ‫ول ت زال مدارسها العتيقة ‪ -‬بحمد هللا ‪ -‬تحفظ هذه السهة الحميدة‪ ،‬في‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫العشر ال واخر من رمضان‪ ،‬بحضور السكان‪ ..‬إلى جانب ال عيان‪،‬‬ ‫وطلبة الق را ن‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬اإلنباه إلى أا ن هذه الختمات الحديثية‪ ،‬والجلسات اله ورانية‪ ..‬ل‬ ‫ي غهي عهها اليوم وبعد اليوم " حافظ عصرنا "( الكومبيوتر) ‪ -‬كما‬ ‫سماه العالمة الدك تور عبد العظيم الديب‪ . -‬فالعلم ‪ -‬ياسادتي ‪ " -‬روح‬ ‫ت هف خ‪ ،‬ل سطور تهسخ "‪ -‬كما قال الربانيون ‪ .-‬العلم ‪ -‬أا بهائي ‪ " -‬كهرباء‬ ‫" يسري من قلب إلى قلب‪ ،‬ومن روح إلى روح‪ ..‬عب ر أا سالك الصدق‬ ‫واإلخالص‪ ،‬والمحبة والصفاء !! ‪ " .‬المجالس العلمية "‪-‬يا أا عزتي ‪-‬‬ ‫‪-49‬إال أن ختمات البخاري لم تشتهر كما اشتهرت بالمغرب‪ .‬وأول ما نعرف من الختمات ما جاء في" فتح الباري" البن‬ ‫الباري‪ ،‬أنه ختم البخاري واحتفل بذلك؛ فيكون أقدم من نعلم – إلى اآلن – ممن ختم البخاري هو الحافظ ابن حجر‪." ...‬‬

‫‪42‬‬

‫مقالة للدكتور يوسف الكتاني‪ ،‬من مجلة دعوة الحق المغربية‬ ‫‪39‬‬


‫‪/40‬‬

‫مقصودة في ذاتها ‪ -‬بهص صحيح صريح مليح ‪ -‬تجده في رياض‬ ‫الصالحين‪ ،‬وتحفة الذاكرين‪ ..‬وهي رو ضة من رياض الجهة ‪ ،‬وباب‬ ‫من أا بواب الرحمة‪ ..‬فمن رغب عهها فقد ضيع أوا ضاع‪ -43 ،‬مهما كان‬ ‫طويل الباع‪ ،‬واسع الطالع ‪.-‬‬ ‫ج‪ -‬يستحسن التجديد في أا مر هذه الختمات‪ ،‬وتهظيمها بشكل‬ ‫عصري جذاب‪ ،‬يراعي أا حوال الصحة والمرض‪ ،‬والشباب‬ ‫والشيخوخة‪ ،‬والحر والقر‪ ،‬والسفر والحضر‪ ..‬والشبع والجوع‪ "..‬فما‬ ‫كل الهاس يستطيع أا ن يتكلم بعذره! " ‪ -‬كما قال مالك رحمه هللا‬ ‫‪ 44‬وما كل الحضور يطيق الجلوس ال طويل‪ ،‬والسهر الطويل‪،‬‬‫والتركيز الطويل‪ .‬ول سيما بعد فشو مرض المفاصل والسكري‪..‬‬ ‫أ‬ ‫والمعدة وال معاء‪..‬عافانا هللا!‪ .‬وليس كل المتعلمين أا يضا يستسيغ‬ ‫أ‬ ‫ال سلوب التلقيهي التقليدي‪ ،..‬الذي ل مشاركة فيه ول حوار‪ ،‬ول‬ ‫تشويق ول تعليق‪.‬‬

‫‪-.43‬انظر ‪-‬غير مأمور‪ " -‬من بركات االجتماع" على موقع مسجد إبنال ‪ .‬لكاتب هذه السطور‪ ،‬عفا اهلل عنه‬

‫كان مالك رحمه اهلل يأتي المسجد‪ ،‬فيشهد الصلوات‪...‬ويجلس في المسجد‪ ،‬فيجتمع إليه أصحابه‪ ،‬ثم ترك الجلوس‪ ،‬فكان‬

‫‪44‬‬

‫يصلي وينصرف‪ ،‬ثم ترك ذلك كله‪ ،‬وربما كلم في ذلك‪ ،‬فيقول‪( :‬ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره)‪.".‬ا‪.‬هـ‬ ‫‪40‬‬


‫‪/41‬‬

‫مع عالم قدوة‬ ‫أ‬ ‫وم ما أا نعم هللا في طيبة الطيبة‪ ،‬ق راءة الموطا ‪ -‬بتمامه وكماله ‪-‬‬ ‫بفضل هللا وإحسانه ‪ -‬على أا ستاذنا العالمة الدك تور صفوان داوو دي‪.‬‬ ‫والفضل ‪ -‬بعد هللا تعالى ‪ -‬لشيخها ‪-‬في الق را ن ‪ -‬سيدي أا يمن( رئيس‬ ‫المجلس العلمي )‪ ،‬وصاحب برنامج " كيف أ‬ ‫نقرا القرا ن ؟" فهو الذي‬ ‫‪45‬‬ ‫عرفهي عليه‪ ،‬وو ضعهي بين يديه‪ " .‬والدال على الخير ك فاعله" ‪.‬‬ ‫كما جاء في الحديث ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أوا عود إلى شيخها في الموطا (الدك تور داوو دي)‪ ،‬أوا قول ‪ -‬بال مغالة ‪-‬‬ ‫‪ :‬لكل عالم فضله ونبله‪ ،‬وإنجازه وإنتاجه‪ ،‬وخطؤه وصوابه‪ " .‬وكال‬ ‫وعد هللا الحسهى "‪ 46 ،‬وفي كل خير " ‪47‬؛ بيد أا ني وجدت في معلمها‬ ‫أ‬ ‫(صفوان) صفات نفتقده ا‪ -‬اليوم ‪ -‬مع ال سف‪ -‬في ك ثير من طلبة‬ ‫العلم‪ .‬وجدت فيه ‪ -‬سادتي ‪ -‬العلم الواسع‪ ،‬والتواضع ال رائع ‪..‬‬ ‫والصحة الهفسية‪ ...‬والهم ة العالية‪ ..‬وجدت فيه العالم الموسوعي‬ ‫المشارك‪ ،‬الذي إذا تكلم في الحديث قلت إنه ل يحسن غيره! وإذا‬ ‫أ‬ ‫تكلم في ال صول فهو السابح الغواص ‪ -‬بشهادة أا هل الختصاص ‪. -48‬‬ ‫أوا ما اللغة والبالغة‪..‬فحدث ول حرج! ومؤلفاته خير دليل‪ .‬ناهيك‬ ‫أ‬ ‫عن الق راءات الق را نية(الكبرى والصغرى)‪ ،‬وال سانيد العالية‪،‬‬ ‫والمؤلفات ال راقية ‪!.‬‬ ‫‪45‬‬

‫هذا الحديث رواه الترمذي في سننه عن أنس بن مالك‬

‫‪46‬سورة الحديد‬

‫َّع ِ‬ ‫ب إِلَى اللَّ ِه ِمن ا ْلمؤ ِم ِن الض ِ‬ ‫َح ُّ‬ ‫يف َوِفى ُك ٍّل َخ ْير‬ ‫‪..47‬اقتباس من حديث مسلم‪ :‬ا ْل ُم ْؤ ِم ُن ا ْلقَ ِو ُّ‬ ‫ى َخ ْيٌر َوأ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫‪ 48‬ومنهم‪ :‬العالمة الحبر عبد اهلل بن بية‪ ،‬الذي قرظ كتابه‪ ".‬اللباب في أصول الفقه"‪ .‬وقد أهداه إلي الشيخ جزاه اهلل خي ار‪-‬‬ ‫‪41‬‬


‫‪/42‬‬

‫ولهدع كل هذا ونقول‪ :‬إن معلمها ‪ -‬نفعها هللا به ‪ -‬امتاز بشيء ا خر‬ ‫استوقفهي؛ بل أا دهشهي‪ ،‬أا ل وهو وسطيته واعتداله ‪ ،‬وسماحته‬ ‫ويسره‪ ،‬وإنصافه وعدله!! فإذا تحدث عن المالكية مدحهم‪ ،‬وإذا‬ ‫تكلم عن الصوفية أا نصفهم‪ ،‬وإذا تكلم عن الجهال أا عذرهم‪ ،‬وإذا‬ ‫تكلم عن العصاة رحمهم‪ ،‬وإذا تكلم عن العلماء وق رهم‪ ..‬وإذا تكلم‬ ‫عن الغربيين فهمهم‪ ..‬وو هللا ما كه رني(قهرني) ول شتمهي – بعبارة‬ ‫معاوية بن الحكم السلمي رضي هللا عهه ‪ " -‬وما علمت أا نه أا وجع‬ ‫قلب طالب " ‪ 49‬أا بدا‪ .‬وما أرا يت مهه إل الوجه البشوش‪ ،‬والقلب‬ ‫أ‬ ‫الرحيم‪ ،‬واللسان العف! وكيف ل وهو جار ال نصار‪ ،‬وو ارث الهبي‬ ‫المختار‪ .‬ورحم هللا القائل ‪:‬‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫طي ب به طيب ة طاب ت‪..‬فا ين‬ ‫إذا لم تطب في طيبة عهد ِ‬ ‫تطيب ؟‬ ‫أ‬ ‫وكان موعدنا(العلمي) كل فجر (بانتظام)‪ .‬وا ين يا ا خ ي ؟ في الحرم‬ ‫الشريف! ثم إلى أا ين؟ إلى ق باء !‪ 50‬وفي سيارة م ن؟ في سيارة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الشيخ ال زاهد!! فبا ي لسان أا شكره؟ وبا ي عطاء أا كافئه؟ فاللهم اجزه‬ ‫عهي وعن طلبة العلم خير الجزاء !‬ ‫وكها نجلس‪ -‬يإخوتي ‪ -‬من الف جر إلى الزوال تقريبا‪ ،‬م ثهين الرك ب‪ ،‬أا و‬ ‫مترب عين‪ ،‬ل يفصلها عن الدرس إل است راحة خفيفة! نحتسي فيها‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫كا س شاي‪ ،‬ا و شربة عصير‪ ،‬مع شيء من "التحميض" (الترويح)‬

‫‪49‬‬ ‫‪50‬‬

‫ما بين مزدوجتين ليس لي‬

‫بجوار مسجد قباء‪( ،‬أول مسجد في اإلسالم) وقد وردت فيه أحاديث تبين فضله‬ ‫‪42‬‬


‫‪/43‬‬

‫أ‬ ‫والترو يض‪ .‬وكهت ‪ -‬بصراحة ‪ -‬ا تعب ك ثي را ‪ -‬لقلة نومي‪ ،‬وو هن عظمي ‪-‬‬ ‫أ أ‬ ‫أ‬ ‫ثم أا نظر إلى الثمار فا تعزى‪ ،‬وإلى شيخها فا تا س ى !‬ ‫وفي يوم الختم والوداع اختلطت ‪ -‬ياصاح‪ -‬دموع الفرح بدموع الت رح‪،‬‬ ‫وشق على أا خيكم الف راق‪ ،‬واشتاق إلى التالق!‪ .‬ومن يقدر‪ -‬أ‬ ‫ياا عزتي ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫على مبارحة " قباء" ‪ ،‬و"وادي رانوناء"‪ ..‬وما ِرز العلماء! إنها مديهة‬ ‫رسول هللا وك فى ‪!.‬‬ ‫ط ي ب ة أا حبك وال محبة ق سم ة‬ ‫وا لحب من عظم اله وى أا ضهاني‬ ‫يا راحال صوب الحبيبة صف لها‬ ‫وجدي وشوق ي كيف هز كياني‬

‫يا دوح ة الس الم ح ب ك طي ب‬ ‫من لم ي ذق ه ع اش في حرم ان‬

‫‪51‬‬

‫وفي هذه المشهد مقاصد ‪:‬‬ ‫ا ‪ -‬العلم ل وطن له‪ ،‬ول جهسية له‪ ،‬ول لون له‪ ،‬ول ح جر عليه‪ .‬فال‬ ‫يحسبن أا حد أا ن العلم ‪ -‬الشرعي ‪ -‬محصور في هذه الطائ فة أا و تلك‪ ،‬أا و‬ ‫أ‬ ‫هذه الجهسية أا و تلك‪ ،‬أا و هذه العمامة أا و تلك‪ .‬فمي راث ال نبياء‬ ‫أ‬ ‫موزع ‪ -‬بحمد هللا ‪ -‬في القارات الخمس‪ ،‬بهسب متفاوتة‪ ،‬وا سالفها ‪-‬‬ ‫رحمهم هللا‪ -‬انطلقوا في كل مكان يهشرو ن العلم والهور ‪ ،‬والرحمة‬ ‫هذه األبيات‪-‬بالطبع‪ -‬ليست لي‪ ،‬ولم أركب في حياتي صد ار على عجوز إال مرة واحدة‪-‬دون قصد‪ -‬ثم أصبح ماء شعري‬

‫‪51‬غورا!‪ .‬وال أدري كيف يكتب الناس الشعر؟! وسبحان المعطي المانع‪ ،‬الذي وزع بين الناس مواهبهم كما وزع بينهم أرزاقهم‬ ‫‪43‬‬


‫‪/44‬‬

‫والعدل‪ ..‬وتلقى عههم تالميذ هم علوما نقلوها بدورهم إلى من‬ ‫بعدهم‪ ،‬إلى أا ن استغلظ هذا الخير واستوى على سوقه في الفردوس‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ندلس)‪..‬وا يهعت ثماره في القرويين وال زهر والزيتونة‪..‬‬ ‫المفقود(ال‬ ‫وقد علمت أا ن شيخها هذا ليس مدنيا ول مكيا‪ ،‬ول نجديا ول‬ ‫حجازيا‪..‬؛ بل هو دمشقي شامي‪ ،‬درس في الشام‪ ،‬وجاور المصطفى‬ ‫أ‬ ‫عليه السالم‪ !.‬وقبله شيخ الشيوخ محمد ال مين الشهقيطي رحمه هللا‬ ‫أ‬ ‫‪ ،‬الذي جاء عالما من بلده‪ ،‬ومال المديهة علما وفقها؛ بل إن شارح‬ ‫البخاري (الحافظ ابن حجر) ‪ -‬نفسه ‪ -‬لم يكن مدنيا ول مكيا‪ ،‬ول‬ ‫مقدسيا‪ ..‬وكل العلماء(في المشرق والمغرب) يرجعون إلى فتحه(فتح‬ ‫البا ري ) الذي ل فتح بعده‪ -‬حسب تعبير الشوكاني ‪ . -‬وقس على ذلك‬ ‫أا صحاب الك تب الستة‪ ،‬وعلماء اللغة‪ ،‬والمعاجم والتراجم‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والق راءات والتجويد‪ ،‬والتفسير وال صول‪ ..‬والتربية والسلوك ‪..‬‬ ‫أ‬ ‫ب ‪ -‬يهبغي ل بهائها في الغرب اإلسالمي‪ ،‬وفي بالد المغرب خاصة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أا ن يستمرو ا على نهج أا سالفهم في ال عهاية بموطا مالك(رو اية ودراية‬ ‫أ‬ ‫ورعاية)‪..‬ل لشيء إل ل ن الهاس عهدنا ‪ -‬من قرو ن ‪ -‬على مذهب إمام‬ ‫دار الهجرة‪ ،‬رضي هللا عهه‪ ،‬وعلي ه المعو ل في المساجد والمعاهد‪،‬‬ ‫والك راسي(العلمية) والمجالس(العلمية)‪ ..‬؛ بل ل يكاد أا ئمتها‬ ‫يعرفون غيره! ومن الخير أا ن يبقى هذا المذهب الجل يل شامخا‬ ‫راسخا‪ ..‬متجددا‪ ..‬لحيثيات يعرفها المتخصصون‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫‪/45‬‬

‫تذييل‬ ‫أ‬ ‫وبقدر إجاللها لمالك ‪ -‬إمامها ‪-‬ن جل ال ئمة ا ْج م ِع ين ا ْك ت ِع ين ا ْب ت ِع ين‬ ‫ا ْب ص ِع ين ‪ ،52‬ونترحم عليهم‪ ،‬وندعو أا شياعهم ‪ -‬في كل مكان ‪ -‬إلى‬ ‫حفظ ت راثهم‪ (..‬دون تعصب وجمود )‪.‬‬

‫حوار ساخن!!‬ ‫وفي زيارتها للجامعة اإلسالمية بالمديهة المهورة(ضمن الوفد‬ ‫الرسمي) حصل لها حوار طريف مع أا حد الطلبة الوافدين( من أا صل‬ ‫يوغوسالفي)‪ .‬وذلك أا ني كهت أا طارحه مسائل العلم والدين‪،‬‬ ‫أ‬ ‫با سلوب تشاركي عفوي‪ ..‬ل تكلف فيه ول تفلسف‪ ..‬إذا به‪ -‬كان هللا‬ ‫لها وله‪ -‬يفتح شريط الق را ن الكريم‪- ،‬بص وت عال ‪ -‬ويستمر في‬ ‫محادثتي‪ ،‬واإلنصات إلي ! فاستعظمت ذلك جدا‪ ،‬وقلت‪ :‬أ‬ ‫ياا خي‪،‬‬ ‫إما كالم البشر وإما كالم رب البشر! أا و بعبارة أا خرى‪ :‬إما أا ن نهصت‬ ‫إلى الق را ن‪ ،‬وإما أا ن نغلق الشريط‪ .‬ل حل غير هذا!‪.‬‬ ‫وكهت ‪ -‬بالطبع ‪ -‬أا نتظر مهه إجابة عملية؛ أل ن الموضوع في نظري‬ ‫محسوم (إيماني ا)‪ ،‬ول يحتاج إلى مهاظرة ودرس‪ .‬فالكالم كالم هللا‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ونحن ما مورون بتعظيمه‪ ،‬والستماع إليه‪ ،‬وعدم اللغو فيه‪،..‬‬ ‫والهصوص واضحة بيهة‪ ..‬إل أا ن صاحبها ‪ -‬عامله هللا بلطفه ‪ -‬سلك فجا‬ ‫غير فجي‪ ،‬أوا قحمهي ‪ -‬سامحه هللا ‪ -‬في نقاش عجيب‪ ،‬بعيد عن‬ ‫‪52‬‬

‫العرب توكد الكلمة بأربعة تواكيد فتقول ‪ :‬مررت بالقوم أجمعين أكتعين أبصعين أبتعين‬ ‫‪45‬‬


‫‪/46‬‬

‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫قصدي‪ ..‬غريب على طبعي‪ .‬وا ذكر ا نه احتج بكالم بعض ال ئمة‬ ‫أ‬ ‫ال ربعة‪ ،‬رحمه هللا تعالى‪ .‬وذكر أا ن ا ية الستماع " وإذا قرئ الق را ن‬ ‫فاستمعوا له أوا نصتوا‪ ".53 .‬تخص الصالة والخطبة‪ ".‬وذلك أا ن‬ ‫أ‬ ‫إيجابهما على كل من يسمع أا حدا يق رأا ‪ ،‬فيه حرج عظيم؛ ل نه‬ ‫يقتضي أا ن يترك له المشتغل بالعلم علمه ‪ ،‬والمشتغل بالحكم‬ ‫حكمه ‪ ،‬والمت باعدان مساومتهما وتعاقدهما وكل ذي شغل شغله ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫فا ما ق راءة الهبي صلى هللا عليه وسلم فكان بعضها تبليغا للتهزيل‬ ‫وبعضها وعظا وإرشادا‪ ،‬فال يسع أا حدا من المسلمين يسمعه أ‬ ‫يقرا أا ن‬ ‫يعرض عن الستماع أا و يتكلم بما يشغله أا و يشغل غيره عهه" ‪ 54.‬أا و‬ ‫كالما قريبا من هذا؛ فقلت له أ‬ ‫ياا خي‪ :‬أا نا في واد أوا نت في واد! أا نا‬ ‫أ‬ ‫ا شرق أ‬ ‫غرب! ومهما حشدت من د رر في هذا الشا ن فإني‬ ‫ت‬ ‫نت‬ ‫وا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ملتزم بال دب مع ربي! ول ا جرؤ ا ن ا رفع صوتي فوق صوت الوحي‪،‬‬ ‫إطالقا ‪ ،‬ول أا قبل هذا الستف زاز العلمي‪ ،‬الذي ل موجب له ول‬ ‫معهى !‬ ‫أ‬ ‫وربما أا ضفت أا و أا ضيف‪-‬ال ن ‪ -‬هذا البيا ن‪ :‬إن ما قاله ال ئمة صريح؛‬ ‫إذا و ضع في سياقه الصحيح‪ .‬فالرخصة في أا قوالهم مهوطة بمن كان‬ ‫في علم أا و ذكر‪ ،‬أا و معاملة بيع‪ ،‬ثم ط رأا عليه صوت الق را ن‪ ،‬في‬ ‫سوق أا و غيره‪ ،‬ولم يبق أا مامه إل الستماع أا و مزاولة عمله‪ .‬أا ما من‬ ‫كان في سعة من أا مره‪ ،‬وكان يملك الضغط على الزر‪ -‬مثله ا ‪ -‬فهو‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫‪55‬‬ ‫ما زور؛ ل نه تعمد ذلك ورضيه؛ بال حاجة ول ضرورة ‪.‬‬ ‫‪ . 53‬سورة األعراف‬

‫‪54‬تفسير المنار سورة األعراف‪.‬‬

‫جاء في "الموسوعة الفقهية" (‪26)86/4‬‬‫‪46‬‬


‫‪/47‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وبيهما نحن نخوض في هذا ال مر إذا با صداء ال ذان تجلجل في سماء‬ ‫أ‬ ‫المديهة الحبيبة ‪ ،‬وتمال القلوب شوقا وحهيها إلى ربها!! فافترقها‪-‬‬ ‫دون شحهاء ‪ -‬في باب الحرم الشريف‪ ،‬وذهب كل مها لمهاجاة ربه‪،‬‬ ‫والبكاء على ذنبه! دون أا ن نتبادل ‪ -‬طبعا‪ -‬أا رقام الهاتف الجوال‪ .‬وما‬ ‫كان الهاس يعرفون هذا الهاتف ‪ -‬يومئذ ‪ -‬إل في الشركات واإلدارات‪،‬‬ ‫أوا وقات الطوارئ ‪( .‬باستثهاء الطبقة الميسورة طبعا)‪ .‬ول أا دري ما ذا‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫فعل هللا با خيها؟!‪ .‬فإن كان من ال حياء فحياه هللا‪ ،‬وإن كان ميتا‬ ‫فرحمه هللا ‪!.‬‬ ‫وفي هذا ا لمشهد مقاصد مهها ‪:‬‬ ‫أ‬ ‫ا ‪ -‬يهبغي لطالب العلم – أا يا كان ‪ -‬أا ن يلتزم ال دب مع هللا تعالى ومع‬ ‫ك تابه ونبيه‪ ،‬وعباده وخلقه‪ ،‬أوا ن يضع كالم الفقهاء في إطاره‬ ‫الصحيح السليم؛ فاختيار القول بعدم الوجوب ل يعهي التساهل‬ ‫والتسيب‪ ،‬وتعمد التغافل عن اإلنصات لكالم هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫أ‬ ‫فالحرص على اإلنصات هو ال صل الثابت‪-‬لمن أا بصر ‪ -‬وغيره استثهاء‬ ‫ورخصة ‪.‬‬ ‫يقول الهووي في " التبيان في ا داب حملة القرا ن‪": 56‬‬ ‫أ أ‬ ‫" ومما ي ْع تهى به ويتا كد ال مر به ‪ :‬احت رام الق را ن من أا مور قد يتساهل‬

‫فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين ‪ ،‬فمن ذلك ‪ :‬اجتهاب‬ ‫الضحك واللغط والحديث في خالل الق راءة ‪ ،‬إل كالما يضطر إليه ‪،‬‬ ‫‪55‬‬ ‫عذر مشروعٌ لترك االستماع "‬ ‫االستماع إلى تالوة القرآن الكريم حين يق أر خارج الصالة و ٌ‬ ‫اجب إن لم يكن هناك ٌ‬ ‫والجدير بالذكر أن شيخنا الدكتور سويد قد شرح هذا الكتاب(شرحا وافيا مبسطا) في دورة علمية بالشارقة‪ ،‬وهو موجود‬

‫‪56‬على قناة اليوتيوب‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫‪/48‬‬

‫ْ‬ ‫وليمتثل قول هللا تعالى ‪ ( :‬و ِإ ذ ا ق ِرىء ْال ق ْرا ن ف ْ‬ ‫اس ت ِم ع وا ل ه‬ ‫ْ‬ ‫و ا ِنص ت وا ل ع ل ك ْم ت ْرح م ون ) وليقتد بما رواه ابن أا بي داود عن ابن‬ ‫أ‬ ‫عمر رضي هللا عههما ‪ ( :‬ا نه كان إذا ق رئ الق را ن ل يتكلم حتى ي فرغ‬ ‫مهه )‪.‬‬ ‫ويقول الفقيه الحهبلي ابن عثيمين رحمه هللا في "لقاءات الباب‬ ‫المفتوح" (لقاء رقم‪ ، 146 /‬سؤال رقم ‪: 9‬‬ ‫" ليس من ال داب أا ن يتلى ك تاب هللا ولو بواسطة الشريط أوا نت‬ ‫متغافل عهه ‪".‬‬ ‫ب ‪ -‬من كان له غرض في الستماع إلى الق را ن(تعلما أا و تعبدا)وكان‬ ‫غيره في شغل وعمل ‪ ،‬فله أا ن يضع سماعة صغيرة في أا ذنيه‪،‬‬ ‫ويجعل الصوت له وحده‪ .‬وهذا حل وسط‪( .‬ول سيما للمسافر‬ ‫السائر‪ .‬أا و الم رأا ة المشتغلة في بيتها ومطبخها‪).‬‬ ‫وبعض الهاس‪-‬في أا ور وبا ‪ -‬حفظوا سورا ك ثيرة؛ بفضل هذه السماعة‪،‬‬ ‫دون أا ن يعلم بهم أا حد‪ .‬والموفق من وفقه هللا‪.‬‬ ‫ج‪ -‬ولعل من أا سباب هذا الفهم الحرفي‪ :‬اإلغ راق في الجزئيات‬ ‫والخالفيات‪ ،‬وعدم الرتباط السليم بك تاب هللا تعالى (حفظا‬ ‫ومدارسة‪ ،‬وتالوة وتدب را) فإن الرتباط بك تاب هللا تعالى يورث العلم‬ ‫الرباني‪ ،‬ويجعل صاحبه صاحيا يقظا‪ ،‬خائ فا حذرا‪ ..‬ي ْق د ر هللا حق‬ ‫أ‬ ‫قدره‪ ،‬ويتا دب مع ك تابه‪ ،‬ول يتعلل بقول فالن وعالن‪ ..‬وانظر إلى‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫تعامل الفقهاء الكبار‪ ،‬وال ئمة ال خيار مع شيء قريب من هذا‪ ".‬ذ كر‬ ‫أا ن مالكا رحمه هللا دخل المسجد بعد صالة العصر (وهو ممن ل‬ ‫‪48‬‬


‫‪/49‬‬

‫يرى الركوع بعد العصر) فجلس ولم يركع؛ فقال له صبي‪ :‬يا شيخ قم‬ ‫فاركع! فقام فركع‪ ،‬ولم يحاج ه بما ي راه مذهبا؛ فقيل له في ذلك‬ ‫فقال‪ :‬خشيت أا ن أا كون من الذين قال هللا فيهم‪ ( :‬وإذا قيل لهم‬ ‫‪57‬‬ ‫اركعوا ل يركعون ) ‪" .‬‬ ‫وهذا هو الفقه الحي‪ ،‬الذي يدخل القلوب بدون استئذان – على حد‬ ‫تعبير ابن القيم‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬في "إعالم الموقعين ‪".‬‬

‫مع الشيخ الوزير‬ ‫لقد كان السيد الوالد رحمه هللا ‪ -‬كما أا شرنا في سيرته ‪ -‬شغوفا بتفسير‬ ‫الشيخ المكي الهاصري‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬متابعا له بإخالص‪ .‬ولم يكن‬ ‫ههاك سبيل للوصول إلى علم الشيخ الوزير إل عن طريق اإلذاعة‬ ‫الوطهية‪ .‬وكهت أا نا ‪ -‬الغالم ‪ -‬حيهئذ ‪ -‬ل أا راه إل رجل وزارة وإدارة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وإذاعة وتلفزة‪ !!..‬مثلي مثل أا بهاء جيلي ‪-‬ال غمار ‪ -‬الذين جهلوا‬ ‫علماءهم‪ ،‬وغم طوا أا عالمهم! وشاء هللا تعالى أا ن يجمعهي بالشيخ‬ ‫الوزير م رات ‪ -‬من غير ميعاد ‪ -‬إحداهن بقاعة المك تبة العامة بتطوان ‪-‬‬ ‫في تظاهرة علمية ل تهسى‪ .‬وبيهما هو يخطب في الحاضرين إذا‬ ‫بشاب وث اب يقصفه بهذا الخطاب‪ :‬ياشيخ ‪ ،‬ما ذا قدمت لها في‬ ‫مجال العل م؟ وما بصمتك في هذه الحياة؟ فامتعض الشيخ من هذا‬ ‫الكالم‪ ،‬وقال بانكسار‪ :‬أا ما يك فيك – يابهي ‪ -‬أا ني تركت فيكم تفسي را‬ ‫كامال للق را ن‪ ،‬يسمعه المغاربة صباح مساء؟ !‬ ‫‪57‬تفسير القرطبي سورة المرسالت‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫‪/50‬‬

‫أ أ‬ ‫أ أ‬ ‫ومضت ا يام وا عوام‪ ،‬وا نا ا فكر في هذا الكالم الوازن الثقيل‪،‬‬ ‫أوا ضعه تحت المجهر‪ .‬وذات ليلة فتحت الفضائية ‪ -‬الجزائرية‪-‬عرضا ‪-‬‬ ‫فوجدت البروفسور الشيخ شيبان‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬يتحدث عن زميله‬ ‫الشيخ المكي الهاصري‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬بلسان فرنسي مبين‪ ،‬ويثهي على‬ ‫علمه وفكره‪ ،‬وبالغته وفصاحته‪ ..‬ويقدم تفسيره بغاية الفخر‬ ‫والعت زاز‪ .‬فقلت سبحان هللا ! أا هذا هو المكي الهاصري الذي‬ ‫نجهله؟! أا هذا هو الشيخ الوزير‪ ،‬الذي بك ته (قرع ه ووب خ ه ) الشاب‬ ‫في مهاسبة كذا؟! أا هذا هو مفسر الديار المغربية؟! وعهدئذ عقدت‬ ‫العزم على تتبع ت راث هذا الرجل‪ ،‬والتهقيب عن ما ثره ‪ -‬بتجرد تام ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫إلى أا ن ساقتهي ال قدار للركوب مع سائ قه ‪ ،‬والطالع على‬ ‫بيته(القديم) في تطوان‪ ،‬والص الة في مسجده( بالرباط)‪ .‬وكهت‬ ‫أا جهل أا نه أا قام سهوات في تطوان‪ ،‬ودرس في معهد مولي الحسن‪،‬‬ ‫بالمديهة العتيقة‪ ..‬أوا نه درس على مفخرة المغرب‪ :‬الحافظ أ"ا بو‬ ‫شعيب" الدكالي‪ ،‬والشيخ محمد المدني بن الحسهي‪ !! .‬وفي الشرق‬ ‫أ‬ ‫العربي ق رأا أا يضا على ال زهري ‪ -‬المثير للجدل ‪ -‬مصطفى عبد الرزاق‪،‬‬ ‫وعبد الوهاب ع زام‪ ،‬ويوسف كرم‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وتتلمذ أا يضا على أا ساتذة‬ ‫غربيين‪ ،‬مههم المستشرقان اإليطاليان نلليهو‪ ،‬وجويدي‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ال لمانيان ليتمان وبرجست راسر‪ ،‬والفيلسوف أا ندري‬ ‫والمستشرقان‬ ‫للند‪..‬‬ ‫أا قول‪ :‬وكهت أا جهل ‪ -‬أا يضا ‪ -‬أا ن علماء المغرب انتخبوه ‪ -‬باإلجماع ‪-‬‬ ‫أا ميها عاما ل رابطتهم في مؤتمرهم الستثهائي (المهعقد بطهجة عام‬ ‫أ‬ ‫‪) 1989‬خلفا ل ميههم العام‪ ،‬العالمة سيدي عبد هللا كهون‪..‬وهلم‬ ‫‪50‬‬


‫‪/51‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫ج را‪ .‬كل هذا وغيره كهت ا جهله تماما‪ ،‬ول ا رى في الهاصري إل صورة‬ ‫اإلداري الوزير‪! .‬‬ ‫والحقيقة أا نه لول اشتغاله بالسياسة وا لوزارة ‪ ..‬لكان من طالئع‬ ‫المفكري ن؛ بل من كبار المفسرين!! وحسبه هذا اللقب الشريف‬ ‫« مفسر الديار المغربية ‪!".‬‬

‫وجزى هللا خي را من كان سببا في إحياء ت راثه العلمي‪ ،‬وبث درو سه‬ ‫على قهاة السادسة‪ ،‬وإذاعة الق را ن الكريم بالسعودية‪!.‬‬ ‫ورحم هللا الوالد الذي عرفهي عليه وعلى أا مثاله !‬ ‫وفي هذا المشهد مقاصد‪ ،‬أا برزها ‪:‬‬ ‫ا ‪ -‬بيان أا ن اشتغال العالم بوظيفة الوزارة أا و السفارة أا و القضاء‪ ..‬أا و‬ ‫ما شاكل ‪..‬ل يمهعه من مزاولة العلم‪ ،‬وخدمته‪ ،‬والمشاركة فيه‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫واإلخالص فيه‪ ،‬با ي حال من ال حوال‪ .‬فكون الهاصري ا و غيره‬ ‫وزي را ل يعهي أا نه عق العلم‪ ،‬أا و طلقه‪ ،‬أا و انتفت صفته عهه؛ بل قد‬ ‫يكون عمل ه هذا فرعا من مسؤولياته كعالم مسلم‪ ،‬يقدر المصالح‬ ‫والمفاسد ويوازن بيههما‪ .‬وإن شئت فقل‪ :‬إن هذا ضرب من الجتهاد‬ ‫الذي ي ؤجر عليه العالم ‪ -‬حسب نيته ‪. -‬‬ ‫ومن العلماء الكبار الذين جمعوا بين العلم الواسع والسياسة‬ ‫والحكم ‪ :‬القاضي ابن العربي‪ ،‬والقاضي عياض‪ ،‬والقاضي ابن ح جر‪،‬‬ ‫والقاضي علي الطهطاوي‪ ،‬والقاضي بكر بن زيد‪ ،‬والقاضي عطية‬ ‫سالم‪ ،‬والوزير أا بو شعيب الدكالي‪ ،‬والوزير الحجوي الثعالبي‪،‬‬ ‫‪51‬‬


‫‪/52‬‬

‫والوزير عالل الفاسي‪ ،‬والوزير عبد هللا بن بية‪ ..‬وهلم ج را‪ .‬وكلهم‬ ‫أا نتجوا علوما‪ ،‬وحققوا ا مال‪ ،‬وتركوا ا ثارا ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ب ‪ -‬الدعوة إلى التبين وال ناة‪ ،‬أوا خذ الحيطة والحذر‪ ،‬وعدم‬ ‫النصياع للشائعات الحزبية والسياسية والقب لية‪..‬؛ فإن العالم مثله‬ ‫مثل الهاس‪ ،‬إذا انخرط في شؤو ن اإلدارة والمال‪ ،‬سقط في‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ال وحال‪ ،‬وتعرض للقيل والقال‪ ،‬أوا صاب مرة‪ ،‬أوا خطا مرات‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وا رضى قوما وا سخط ا خرين‪ ..‬وهللا حسيب كل ا حد ورقيبه‪ .‬وبيده‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫موازين ال عمال وال قوال وال حوال‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ول يعرف حقيقة هذه ال مور إل من كابدها‪ ،‬أا و مارسها‪ ،‬كما قال‬ ‫اإلمام الحسن البصري رحمه هللا‪ " :‬استوى الهاس في العافية فإذ نزل‬ ‫أ‬ ‫البالء تبايهوا "‪ .‬نسا ل هللا تعالى أا ن ل يبتليها! فإنه إن ابتالنا‬ ‫فضحها !‬

‫القارئ المد اح‬ ‫أوا قصد ب ه الفقيه القارئ الحاج سيدي عبد الرحمن بهموسى‬ ‫السالوي رحمه هللا‪ ،‬الذي ل يهفك تاريخه عن تاريخ الشيخ المكي‬ ‫أ‬ ‫الهاصري‪ ،‬إل قليال‪ .‬فحيثما سمعت الهاصري يفسر‪ ،‬ا و مولي‬ ‫مصطفى العلوي يهوب‪ ،‬فاعلم أا ن الحاج بهموسى قد مر ههاك‪ ،‬وق رأا‬ ‫الذي ق رأا ‪ ،‬وجود الذي جود !‪.‬‬ ‫فما قصتي مع هذا الرجل؟ وكيف تعرفت عليه؟‬ ‫‪52‬‬


‫‪/53‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الحقيقة ا نهي لم ا خالطه مخالطة التلميذ ل لمعلم ‪ ،‬ولم ا تشرف‬ ‫بزيارته‪ ،‬وإنما عرفته في الدورة التكويهية بالرباط(بإش راف وزارة‬ ‫أ‬ ‫ال وقاف) ولربما كان أا حد رجال التحكيم في مسابقة التجويد‪ (،..‬ول‬ ‫أا دري هل نج حهي أا م أا قصاني؟!) والذي علق في ذه هي من ذكرياته‬ ‫أا نها كها ‪ -‬في حلقة التعليم ‪ -‬بمسجد السهة بالرباط ‪ -‬إذ طلع عليها‬ ‫رجل شديد بياض الثياب‪ ،‬شديد بياض الشعر‪ ،‬طويل القامة‪،‬‬ ‫جميل المهظر‪ ،..‬فقيل إنه الحاج بهموسى؛ ففرحها بذلك فرحا‬ ‫شديدا‪ ،‬وتمهيها أا ن نتبرك بتالوته‪ ،‬ونسعد بم الزمته ؛ فقام‪ -‬رحمه‬ ‫هللا ‪ -‬إلى المه بر المعلوم‪ ،‬وحاول الصعود أا و الهبوط فهوى على‬ ‫أ‬ ‫ال رض‪ ،‬وهرع الهاس إليه‪ ،‬وانتهت القصة هها‪.‬‬ ‫والمقصد من هذا المشهد ‪ :‬أا ن ل نهسى أا مثال هؤلء السابقين‬ ‫أ‬ ‫ال ولين‪ -‬مهما اختلفها معهم ‪ -‬فإن الحاج بهموسى قارئ مداح ‪ ،‬وعطر‬ ‫فو اح‪ ،‬وحاد مبدع‪ ،‬و فقيه ابن فقيه ! وهو أا ول قارئ مغرب ي يق رأا في‬ ‫اإلذاعة الوطهية‬ ‫( وك فاه سبقا!)‪ .‬وقد سد الف راغ‪ ،‬وبذل المستطاع‪ ،‬رحمه هللا تعالى‪.‬‬ ‫ومهما أا حسن الهاس بعده أوا بدعوا‪ ..‬فالفضل‪ -‬دائما ‪ -‬للمبتدي وإن‬ ‫أا حسن المقتدي‪.‬‬ ‫وبالمهاسبة ؛ فإن كاتب هذه السطور ‪ -‬سدده هللا ‪ -‬قد اجتمع بشيخه‬ ‫أ‬ ‫ال ستاذ القارئ المتقن‪ ،‬سيدي محمد الك هتاوي‪ -‬ابن تافياللت –‬ ‫أ‬ ‫أا طال هللا عمره وخيره ‪ -‬في ملتقى ال ئمة بباريس؛ فقب ل أرا سه( ديانة )‬ ‫أوا ثهى على جهده‪..‬؛ فرد ردا ل ي هسى! قال‪-‬نض ر هللا وجهه ‪ : -‬أا صحيح‬ ‫أ‬ ‫يابهي أا نهي ل زلت قارائ؟!‪..‬هل بقي أا حد يذكرنا في هذه ال يام؟ لقد‬ ‫‪53‬‬


‫‪/54‬‬

‫تهكر لها الشبان يافالن‪ ..‬وانفضوا عها‪ ! ..‬هرمها وكبرنا !! واسترسل في‬ ‫الهفثات والزف رات‪ ..‬حتى خشيت عليه ‪. !!.‬‬ ‫أ‬ ‫أوا ما شيخها القارئ الفاسي‪ ،‬ال ستاذ سيدي عبد العزيز القصار ‪-‬‬ ‫أا ستاذ كرسي التجويد بجامع القرويين‪ -‬فقد أا جهش بالبكاء لما‬ ‫سلمت عليه في ملتقى الخطباء ‪ -‬بالبيضاء ‪ -‬وقلت باعت زاز‪ :‬هذا‬ ‫أا ستاذي !‬ ‫أوا ما أا ستاذي في الفرنسية(قديما) فقد كاد أا ن يغمى عليه‪ -‬فرحا ‪ -‬لما‬ ‫صادفته في شارع مور يتانيا بتطوان‪ ،‬وقلت‪ :‬على فرنسيتك أا قتات ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫ياا ستاذي ‪ -‬اليوم‪ -‬في بالد الفرنسيس! وبها أا ِعل م الهاس أا بجديات‬ ‫اإليمان واإلسالم واإلحسان‪..‬ول أا نسى فضلك وخيرك !‬ ‫فياإخوتي‪ ،‬اذكرو ا موتاكم بخير‪ ،‬اذكرو ا أا حياءكم بخير‪ ،‬اذكرو ا‬ ‫خياركم بخير‪ ،‬اذكروا أا كابركم بخير ‪..‬‬ ‫أ‬ ‫انظرو ا ‪-‬نض ركم هللا ‪ -‬إلى الوراء قليال‪ ،‬وتا ملوا البدايات‪ ..‬ول تغرنكم‬ ‫أ‬ ‫زهرة الشباب‪ ،‬ولمعة الس راب‪ ..‬فال يام د و ل‪ ،‬والدنيا يباب‪..‬وكما‬ ‫تدين تدان ‪.‬‬

‫رحلة ل تهسى!!‬ ‫وفي شبابها المبكر‪ ،‬قمها برحلة – علمية ‪ -‬إلى الدار البيضاء‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وم راكش‪ ،‬رفقة بعض ال خيار ‪ -‬أا ذكر مههم صديقها الودود‪ ،‬ال ستاذ‬ ‫داوو د‪ -‬المعرو ف بحيويته ونشاطه ‪ -‬وكان الهدف استكشاف معاهد‬ ‫‪54‬‬


‫‪/55‬‬

‫الق راءات والتجويد‪ ..‬ومشافهة المقرئين‪ ..‬ومشاهدة الهاجحين‪ .‬وشاء‬ ‫هللا تعالى أا ن أ‬ ‫نبدا بمسجد الشهداء بالبيضاء‪ ،‬حيث يوجد صديق ها‬ ‫أ‬ ‫ال ثير‪ ،‬القارئ الضرير‪ ،‬الشيخ مصطفى غربي ‪ -‬نور هللا قلبه ‪ -‬وبعد‬ ‫صالة الجمعة‪ ،‬قادنا أا حد المصلين لزيارة عالم أا مازيغي مرموق‪،‬‬ ‫اسمه الشيخ محمد زحل الحاحي‪( .‬ولم أا ره من ثالثين سهة) ول‬ ‫أا دري ما ذا فعل هللا به ال ن ! وكان يسكن في حي شعبي‪ ،‬بعيد عن‬ ‫أ‬ ‫كل مظاهر السعة واليس ر‪ ،‬وال بهة والفخر‪ .‬فلما دخلها البيت‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أا لفيهاه متواضعا للغاية؛ بل تا سفها ل ستاذ مثله ل يجد المكان‬ ‫المهاسب لوضع الك تب المبعثرة في كل مكان! أوا ذكر أا نها كها في‬ ‫أ‬ ‫شهر رمضان‪-‬ال برك ‪ -‬وبيهها وبين المغرب ساعات؛ فغاب عها الشيخ‬ ‫لحظات‪ ،‬وما لبث أا ن جاء بخبز فطير؛ فلما را ى أا يدي ها ل تصل‬ ‫إليه‪ ،‬قال ‪ -‬بالحرف‪ : -‬أا ترغبون عن سهة نبيكم؟ !‬ ‫قلها‪ :‬ل وهللا! وإنما نهتظر الرخصة من فضيلتكم ‪ -‬أا و كالما هذا‬ ‫معهاه ‪-.‬‬ ‫والحقيقة أا ن رخصة الشيخ كانت كالهسيم على قلبي (وربما على‬ ‫أ‬ ‫قلب ال ستاذ داود أا يضا) بل تمهيت لو أا ن الفقهاء طرا على مذهبه‬ ‫أ‬ ‫في التيسير‪ ..‬وم راعاة ال حوال‪ .‬ولول أا خذنا بالرخصة لما تلذذنا‬ ‫بالفرصة؛ فلقد كان الحر شديدا‪ ،‬والههار طويال‪ ،‬والصبر قليال !!‪..‬‬

‫وبعد زيارة الشيخ زحل في بيته‪ ،‬ومك تبته – التجارية ‪ -‬توجهها‬ ‫لزيارة فقيه ا خر (من بلدنا غمارة) يسمى القاضي برهون‪ ،‬وهو دك تور‬ ‫في الفقه المالي‪ ،‬وخطيب قدي م(في الدار البيضاء)‪ ،‬يرجع إليه‬ ‫الهاس في فقه المعامالت‪ ،‬وله محاضرات ومؤلفات‪ ،‬واجتهادات‬ ‫‪55‬‬


‫‪/56‬‬

‫أ أ‬ ‫أ‬ ‫وم راجعات‪ ..،‬وا ذكر ا نه قدم لها الشاي ا يضا‪ ،‬ورغبها في الفطور على‬ ‫غرار ما فعله الشيخ زحل! ثم حدثها عن تجربته في التربية‬ ‫والتعليم‪ ،‬والخطابة والتذكير‪ ،‬أوا وصانا بالوسطية والعتد ال‪،‬‬ ‫واجتهاب التهور والنفعال‪ ..‬ودعا لها بخير وشي عها‪(.‬ولم أا ره من‬ ‫ثالثين سهة أا يضا )‪.‬‬ ‫وفي نفس الرحلة توجهها ‪ -‬على متن القطار ‪ -‬إلى مراكش الحمراء‪،‬‬ ‫وز رنا بعض ق رائها وفقهائها‪ ،‬واستمتعها بهخلها وهوائها‪ ،‬وتجولها في‬ ‫أ‬ ‫ساحتها الفيحاء(ساحة جامع الفهاء)‪ ،‬ور أا يها فيها ال فاعي والحيات‪،‬‬ ‫والمكرو هات والمباحات‪ ،‬والمبكيات والمضحكات‪ !!..‬وشاء هللا‬ ‫تعالى أا ن نجتمع فيها بفضيلة العالمة المقرئ اللغوي المعم ر‬ ‫الشريف أا بي عبيدة أا حمد المحرزي ‪ ، 58،‬أوا ن نستمتع بفوائده‬ ‫وف رائده‪ ،‬وط رائ فه ولطائ فه‪ ،..‬دون أا ن نهسى فضيلة العالمة الهابغة‬ ‫أ‬ ‫ال ستاذ مول ي مصطفى البيحياوي‪ ،‬الذي حضرنا درسه‪ -‬الرمضاني ‪-‬‬ ‫الفريد(بدار الق را ن) أوا عجبها بذكائه وعلمه‪ ،‬وسماحته ويسره ‪،‬‬ ‫وسمته وصمته!‪ .‬وكان الشيخ ‪ -‬يومئذ ‪ -‬شابا ثالثيهيا ‪ ،‬ل ت رى في لحيته‬ ‫أ‬ ‫شعرة بيضاء!‪ .‬وكان ي عرف بين العامة با ستاذ الفلسفة‪ ،‬ومفتش‬ ‫التعليم‪ ،‬وطالب العلم‪ ،‬ل أا قل و ل أا ك ثر‪ ،‬إلى أا ن استوطن عروس‬ ‫الشمال ‪ -‬طهجة ‪ -‬فالح نجمه‪ ،‬وسطع أا مره‪ ،‬وفاح عطره !‬

‫وفي هذه المشاهد مقاصد ‪:‬‬

‫‪58‬‬

‫قال عنه أحد العلماء الكبار‪ :‬لو أنصفوه ‪-‬أي العالمة أبا عبيدة‪-‬ألعطوه في كل فن دكتوراه!‬ ‫‪56‬‬


‫‪/57‬‬

‫أ‬ ‫ا همها‪ :‬الرحلة في طلب العلم‪ ،‬وزيارة الصالحين‪ ،‬والستفادة من‬ ‫تجارب السابقين‪ ،‬وطاعة العلماء في مراضي هللا عزو جل‪ ،‬والعتبار‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫بمرو ر ال يام وال عوام ‪.‬‬

‫المهسي !‬ ‫مع الشيخ‬ ‫ِ‬

‫أ‬ ‫أوا قصد الشيخ الحكيم‪ ،‬والداعية الرحيم‪ ،‬صادق شرف ال زهري‪،‬‬ ‫رحمه هللا‪ ،‬الذي أا فهى بياضه وسواده في الوعظ والتذكير‪ ،‬والتربية‬ ‫أ‬ ‫والتا طير(ما بين أا فريقيا أوا وروبا) ثم غاب عها وجهلهاه‪ ،‬ونسيهاه‬ ‫وما ذكرناه‪ ،‬فكيف تعرفت على هذا الشيخ الجليل‪ -‬ريحانة‬ ‫بركسيل ‪ -‬؟‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الواقع أا نهي كهت ‪ -‬في شبابي ‪ -‬شديد الولع با شرطته‪ ،‬شديد التا ثر‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫با سلوبه‪ !.‬وكهت أا ظن أا نه يقيم في بالد ال زهر‪ ،‬أا و في بالد مشرقية‬ ‫أا خرى؛ فلما هاجرت إلى أا ور وبا (قبل ربع قرن) وجدت أا صداءه في‬ ‫أ‬ ‫كل مكان‪ ،‬ول سيما في العاصمة ال ور وبية(بلجيكا)‪ .‬وشاء هللا أا ن‬ ‫يزورنا في فرنسا‪ ،‬أا ك ثر من مرة‪ ،‬أوا ن أا سعد باستقباله في مسجدي‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وكان الشهر شهر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (ربيع ال ول)‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وال يام أا يامه‪ ،‬والحضور أا حبابه‪ ..‬والقلوب عطشى‪ ،‬وال رو اح‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ظما ى‪ !!..‬فطلبها من الشيخ ال سيف رحمه هللا ا ن يتكلم على‬ ‫سجيته‪ ،‬دون إيجاز مخل‪ ..‬أا و تطويل م مل‪ ..‬وكان حرجه شديدا لما‬ ‫أ‬ ‫طلبها مهه الكالم بالفرنسية‪ ،‬مراعاة ل حوال المخاطبين(علما أا نه‬ ‫كان يفهم الفرنسية) أوا ذكر أا نه قال كالما عاما في سيرة المصطفى‬ ‫‪57‬‬


‫‪/58‬‬

‫(صلى هللا عليه وسلم) وشمائله العطرة‪ ،‬وترك من ال ثار الحسهة ما‬ ‫ل أا ستطيع وصفه !‬ ‫وبعد المحاضرة رافقته (في رحلته ال وعظية ) إلى جامع ميلوز (شرق‬ ‫أ‬ ‫فرنسا) ‪ ،‬وسا لته‪ ،‬وذاكرته‪ ،‬وانتفعت به‪ ،‬وبقيت على الصلة ‪-‬‬ ‫العلمية ‪ -‬به إلى أا ن مات رحمه هللا ‪.‬‬ ‫وهو الذي نهاني أا شد الههي عن مبارحة م هاج ري‪..‬ومديهتي‪..‬‬ ‫ومهبري‪ ،..‬وع زاني في ابتالءاتي الظاهرة والباطهة‪ ،‬وشد عضدي‪..‬‬ ‫ودعا لي بخير ‪.‬‬ ‫ومما أا ذكره عن هذا الرجل رحمه هللا أا نه زارنا ‪ -‬قبيل وفاته ‪ -‬في قضية‬ ‫أ‬ ‫صلح؛ ف رأا يها من سعة صدره وجميل حلمه ما يذكرنا بال سالف‬ ‫أ‬ ‫الصالحين‪ ،‬وال ئمة ال راشدين‪ ..‬ولك أا ن تتصور ‪ -‬ياصاح ‪ -‬شيخا‬ ‫مريضا ‪ -‬مرض الموت ‪ -‬يتجشم عذاب الرحلة من بروكسيل إلى فرنسا‬ ‫من أا جل هذا الغرض(الصلح ) ‪ ،‬دون أا ن يسمح لها رحمه هللا بتقديم‬ ‫حبة دواء بال مقابل‪ ،‬ودون أا ن يكلف اإلخوة المتهازعين عهاء‬ ‫النتقال إليه( في مجلس الصلح)؛ بل رحل إليهم بذاته‪ ،‬وقام إليهم‬ ‫بشخصه‪ ،‬ولم يترك عذرا لمعتذر‪ ،‬ول حجة لمتحجج ‪59.‬رحمه هللا !‬ ‫وههاك فقط اك تشفت معدن الشيخ رحمه هللا‪ ،‬وعرفت مدى خسارة‬ ‫الجالية المسلمة بفقده! وقد علمت أا نه مات بعد ذلك بقليل‪ ،‬ونقل‬ ‫إلى البقيع (بجوار الهبي الشفيع)؛ فههيائ لسيدنا بهذا الجوار‪ ،‬ههيائ‬

‫‪59‬‬

‫أكتب هذا ولساني يدعو‪ :‬اللهم اغفر إلخواننا الذين سبقونا باإليمان‪ ،‬وسامح الظالم والمظلوم‪ ،‬والحي والميت‪ .‬آمين !!!ا‬ ‫‪58‬‬


‫‪/59‬‬

‫لشيخها شرف بهذا الشرف! ويارب اغفر له وارحمه‪ ،‬واجزه عها خير‬ ‫الج زاء !‬ ‫وفي هذه المشاهد مقاصد أا همها‪:‬‬ ‫إحياء ذكرى هذا الرجل‪ ،‬ونفض الغبا ر عن تراثه المسموع‬ ‫أ‬ ‫والمطبوع‪ ،‬وتعريف ال جيال به‪ ،‬وإخراج موقع إلك تروني باسمه‪،‬‬ ‫وتفقد أا رملته‪ ،‬وفحص أا فكاره وتجربته‪ ،..‬أوا ولى الهاس بذلك ‪-‬طبعا‪-‬‬ ‫أ‬ ‫هم تالميذه وجي رانه‪ ،‬في بلجيكا‪ .‬فاهلل هللا يارابطة ال ئمة في هذا‬ ‫الزميل الهبيل !‬

‫أ‬ ‫مع رئيس رابطة ال ئمة في بلجيكا‬ ‫أ‬ ‫وفي عا صمة التحاد ال وروبي ‪-‬بروكسيل ‪ -‬لها ذكريات أا خرى ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫نستهلها برئيس رابطة ال ئمة ببلجيكا‪ ،‬خادم الجالية‪ ،‬ال ستاذ‬ ‫الداعية‪ ،‬الشريف سيدي محمد التجكاني ‪-‬حفظ هللا م هجته أوا دام‬ ‫بهجته!‪. -‬‬ ‫وك ثير من أا عزتها يعتقدون أا ن الشيخ محمد من طبقة(مرتبة) هذا‬ ‫الفقير‪ ،‬والحق أا ن الشيخ أا كبر مهي ‪ ،‬سها‪ ،‬وعلما‪ ،‬وفضال؛ بل أا عده‬ ‫من شيوخي ‪ -‬إن سره ذلك !‪.-‬‬ ‫فكيف تعرفت على خطيب الجيل‪ ،‬إمام مسجد الخليل؟‬ ‫الحقيقة أا ن معرفتي به ضاربة في القدم‪ ..‬وهو ابن بلدي غمارة‪،‬‬ ‫ونتدي ر مديهة واحدة هي ‪ :‬عرو س الشمال( طهجة)‪ .‬وفي هذه المديهة‬ ‫‪59‬‬


‫‪/60‬‬

‫الفاتهة‪ ..‬الفاضلة‪(..‬الزاخ رة بالخير ‪ ) ..‬تعرفت عليه‪ ،‬واستمعت إلى‬ ‫درسه الجريء‪ ،‬حول قوله تعالى ‪ ":‬ي ا ا ي ه ا ال ِذ ين ا م ه وا ات ق وا الل ه‬ ‫ح ق ت ق ا ِت ِه ‪ "..60‬وكان ذلك قبل ثالثين سهة (بالعد الميالدي)‪ ،‬ول‬ ‫أ‬ ‫زالت نب راته القوية تخترق أا ذني‪ ،‬وتمال علي أا قطار نفسي‪ !.‬بل ل زلت‬ ‫أا تخيل ا لشيخ الشاب القوي خارجا وداخال‪ ..‬وقائما وقاعدا‪ ..‬وراكبا‬ ‫أ‬ ‫وماشيا‪ ..‬والهاس يرمقونه با بصارهم‪ ،‬في أا دب تام‪ ،‬ويهتظرو ن أا ن‬ ‫يجود عليهم بهظرة‪ ،‬ويفيض عليهم بقطرة‪ !..‬أا ل سقى هللا هاتيك‬ ‫أ‬ ‫ال يام ‪!!.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وكهت ‪ -‬ا يها السادة‪ -‬ا هابه وا جل ه‪ ،‬وتعجبهي حماسته وفصاحته‪..‬‬ ‫وعفويته وانبساطه ‪ ..‬وفي يوم صائ ف جميل‪ ..‬سافرت ‪ -‬رفقة‬ ‫أ‬ ‫ال ق ران‪ -‬إلى شاطئ قاع اس راس (بغمارة)؛ لقربه من إقامة والدي‪،‬‬ ‫أ‬ ‫رحمه هللا‪ .‬وكان من خبرنا أا نها أا سرفها في أ‬ ‫وقر ْم ها‬ ‫سماك‪،‬‬ ‫ال‬ ‫كل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫اللحم (اشتدت شهوتها إليه)‪ ،‬فلم ا لم نجد سبيال إلى ِج ِل ِه ِود ِق ه‬ ‫(قليله وك ثيره)‪ ،‬وغثه وسميهه ‪ ..‬طمعها – ياعباد هللا ‪ -‬في حيوان‬ ‫ضعيف‪( ..‬م غ ل ف ِب ِر يش ش ا ِئ ك ح اد ‪ ،‬ي ْخ ت ِب ئ ِف ي اله ه ِار و ي ْخ رج ِف ي‬ ‫أ‬ ‫الل ْي ِل )‪ ،‬اسمه القهفذ‪ .‬ويكهى با بي شوك ‪!.‬‬ ‫أ‬ ‫وكان أا جدادنا المالكية يا كلونه بال خالف‪ .‬إل أا نها قد توقفها في أا مره‬ ‫ك ثي را‪ ،‬وطال تورعها؛ بل وسوستها !‪ ..‬أوا خي را شددت الرحيل إلى‬ ‫الشيخ الجليل ( التجكاني) فوجدته ‪ -‬كالعادة ‪ -‬يلقي درسه" عمدة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ال حكام من كالم خير ال نام " بمسجد الموحدين (بطهجة)‪ ،‬وبيهه‬ ‫وبين الطلبة مودة‪ ،‬وزمالة وصحبة! فرفعت السبابة ‪-‬اليسرى‪-‬‬ ‫‪.60‬سورة آل عمران‬

‫‪60‬‬


‫‪/61‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫مستا ذنا ‪ -‬فقال الشيخ‪ :‬يمين يمين!! فرمقهي القوم با بصارهم! ثم‬ ‫أا عدت الكرة فقال الشيخ ‪ :‬أا ْ‬ ‫ش تريد؟ فقلت‪ :‬سؤال ياشيخ عن‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫القهفذ!! فضحك حتى بدت نواجذه‪ !.‬ونشط الطالب‪ ،‬واستروح‬ ‫أ‬ ‫ال حباب‪ ،‬ونسيت الجواب!! والحمد هلل الذي أا غهانا ‪ -‬بعد ذلك‬ ‫وقبله‪ -‬عن أا بي شوك(القهفذ)‪ ،‬أوا بي قرو ن(الحلزو ن)‪ ،‬وعن كل‬ ‫الشبهات‪ ..‬والمكرو هات‪ ..‬والمحظورات !‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫" ال ح ْم د ِل ل ِه ال ِذ ي ا ط ع م ه ا و س ق ان ا و ك ف ان ا و ا و ان ا ‪ ,‬ف ك ْم ِم م ْن ل‬ ‫ك ا ِف ي ل ه و ل م ْؤ وي ‪!".61‬‬ ‫وفي كل مهاسبة يذكرني الشيخ بذلك؛ فهسعد بالذكرى !‬ ‫ثم هاجر الشيخ إلى بلجيكا‪ ،‬وانقطعت صلتي به‪ ،‬إلى أا ن ضمتها‬ ‫( المسابقة ا لدولية لتجويد القرا ن وحفظه وتفسيره بمكة المكرمة ) ‪،‬‬ ‫(قبل ثالثين سهة) صحبة الشيخ القارئ مصطفى الغربي‪ ،‬والشيخ‬ ‫القارئ عبد الفتاح اللمطي‪ ،‬والغائب الحاضر‪ ،‬القارئ الحسين بن‬ ‫إيجة‪ ..‬وا خرين من المملكة المغربية‪ ..‬وههاك اغتهمته ك ثي را‪،‬‬ ‫وتجددت صلتي به‪ ،‬وسافرنا معا من مكة إلى المديهة (ذهابا وإيابا)‬ ‫أوا قمها في فهدق أ"ا نتركهتهونتال " ‪62 ، " InterContinental‬على‬ ‫نفقة الوزارة‪ ،‬وزرنا الم زارات‪ ،‬أوا حييها الذكريات ‪ ،..‬فلما علم الشيخ‬ ‫أا ني قد أا قمت في ط رابلس (ملحقا بوزارة التعليم) ا س ى ك ثيرا ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وا شار علي بالهجرة إلى القارة العجوز (ا ور وبا) ‪ ،‬وهيا لي كل‬ ‫أ‬ ‫ال سباب‪ -‬ج زاه هللا خيرا ‪ -‬لإلقامة في الهرو يج (إماما راتبا )؛ فلم‬ ‫‪61‬‬

‫‪.‬ال راحم وال عاطف عليه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬معناه ال وطن له وال سكن يأوي إليه ‪ .‬والحديث مرفوع ‪ .‬رواه مسلم‬

‫‪62‬وكنا نتدرب على نطقه‪ ،‬كما يتدرب أحدنا على المخارج والصفات‪ ،‬واتمام الحركات‪ ..‬ولربما جعلنا من ذلك قصة‬ ‫‪61‬‬


‫‪/62‬‬

‫أ أ‬ ‫يتيسر ذلك‪ -‬لتقصير مهي ‪ -‬ثم كان من قدر هللا ا ن ا كون قريبا مهه‬ ‫في شرق فرنسا‪ ،‬أوا ن نتبادل الزيارات الودية‪ ،‬ونتعاون على البر‬ ‫والتقوى‪ .‬وإلى هللا نشكو التقصير! – كما قال الذهبي‪. -‬‬ ‫و المقصد من هذا كله ‪ :‬ذك ران الفضل والجميل‪ ،‬والتركيز على كل ما‬ ‫ْ‬ ‫هو جميل‪ ،‬وو صل ما أا مر هللا به أا ن يوصل‪ ،‬إذ " ال ح ر م ْن راع ى‬ ‫ِو د اد ل ْح ظ ة و ْان ت م ى إلى م ْن ا ف اد ه ل ْف ظ ة " كما رو ي عن الشافعي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫رحمه هللا‪ .‬وقال غيره‪ " :‬ا بو اإلفادة ا قوى من ا بي الولدة ‪".‬‬ ‫وقال أا بو حهيفة رحمه هللا‪ ( :‬ما صليت صالة مهذ مات حم اد – شيخه‬ ‫– إل استغفرت له مع والدي ‪ ،‬وإني لستغفر لمن تعلمت مهه علما‬ ‫أا و علمته علما )‪.‬‬

‫مع رئيس المجلس العلمي‬ ‫وكان من بركات هذا التواصل بيهي وبين شيخها التجكاني ‪ -‬أا دام هللا‬ ‫فضله ‪ -‬تعرفي على تجكاني ا خر من أا بهاء عمومته‪ ،‬ل يقل فضال‬ ‫ونبال‪ ،‬وعلما وحلما‪ ..‬أا ل وهو أا ستاذنا المبارك الشريف‪ ،‬الشيخ‬ ‫أ‬ ‫الطاهر التجكاني (رئيس المجلس العلمي ال ور وبي‪ ،‬وخل ف العالمة‬ ‫سيدي الحسن بن الصديق في الدعوة واإلفتاء )‪.‬‬ ‫وك ثي را ما يخلط الهاس بين السمين والعل م ين‪ .‬وك الهما عا ِل م (بكسر‬ ‫الالم) مستقل‪ .‬وإن شئت فقل‪ :‬كالهما عال م (بفتح الالم)مستقل!‬ ‫ول يكادان يشتركان ‪ -‬أا حيانا‪ -‬إل في الهسب والحسب!‪ .‬فالشيخ محمد‬ ‫‪62‬‬


‫‪/63‬‬

‫ كما ي علم ‪ -‬صاحب مباسطة وإقدام‪ ،‬وحماسة واقتحام‪ ،‬في حين‬‫نجد ابن عم ومته ‪ -‬الشيخ الطاهر‪ -‬أا قرب إلى طيهة المحتشم الصامت‬ ‫الفقيه " وفي كل خير ‪".‬‬ ‫وكهت أا سمع بالشيخ الطاهر ول أا عرفه؛ حتى جمعهي هللا به في‬ ‫مسجد الخليل ببروكسيل‪ ،‬قبل سهوات‪ .‬أوا ول ما استوقفهي فيه‬ ‫شدة حيائه‪ ،‬وجميل تواضعه‪ ،‬وسرعة بديهته‪ !..‬ثم كان الذي كان‬ ‫من تواصلها وتكاملها‪ ..‬وتعاونها على البر والتقوى‪.‬‬ ‫وفي كل يوم أا زداد اقتهاعا أا ن الشيخ الطاهر ‪ -‬نفعها هللا به‪ -‬خ لق‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫للعلم والتعليم‪ ،‬والتقعيد والتا صيل‪ .‬والسعيد من عرفه‪ .‬ولو جاو ته‬ ‫لجعلت على نفسي أا ن أا ق رأا عليه حتى أا موت‪ .‬ولو لقيت تالميذه‬ ‫لوعظتهم بقول ابن قاسم الغزي‪ " :‬وليس بعاقل من أا مكهه درجة‬ ‫أ‬ ‫ورثة ال نبياء ثم فو تها ‪"..‬‬

‫شيخ مقرئي بلجيكا‬ ‫أ‬ ‫وفي بروكسيل‪ ..‬قادتها ال قدار لزيارة إمام جليل‪ ،‬ومقرئ نبيل‪،‬‬ ‫يسمى الشيخ المؤذن (القصري) وهو ق را ني حتى الهخاع ؛ ل يكاد‬ ‫يعرف إل القرا ن ‪ ،‬حفظا وترتيال ‪ ،‬و تحصيال وتوصيال ‪ .‬وكان رفيقها‬ ‫في هذه الزيارة أا خوان عزي زان‪ ،‬هما‪ :‬السيد محمد الفا تحي‪( ،‬اإلمام‬ ‫الواعظ المحهك) والسيد مصطفى أا بو مسلم‪( .‬الحافظ القارئ‬ ‫المعم ر)‪ ،‬وكالهما من أا هل الق را ن بفرنسا‪ ،‬الموسومين بالخير والبر‪.‬‬ ‫ولما اقتربها من المق رأ‬ ‫كدوي الهحل‪ ،‬وكادت‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫بالق‬ ‫دويا‬ ‫سمعها‬ ‫ة‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫‪63‬‬


‫‪/64‬‬

‫قلوبها تهخلع من شدة الجالل والجمال! وكان عدد ال تالمذة ك ثيرا؛‬ ‫وجلهم يحمل في يده لوحا تقليديا‪ ،‬على عادة أا هل المغرب في‬ ‫الحفظ والرسم‪ .‬ورغم استقبال الشيخ لها‪ ،‬وانبساطه إليها‪ ..‬إل أا نها‬ ‫شعرنا بهيبة عظيمة‪ ،‬ل تفسير لها‪ -‬في تصوري المتواضع ‪ -‬إل الق را ن‬ ‫أ‬ ‫الذي يحمله‪ ،‬والهم الذي يثقله‪ ،‬والفن الذي يحسهه‪ !!..‬فلما سا لهاه‬ ‫أ‬ ‫عن دقيقة (غامضة ) في التجويد‪ ،‬قال ‪ -‬مبتسما‪ :-‬هذه مسا لة يسيرة!‬ ‫ردوها إلى ذاك الغالم الصغير (ولده البشير) فازددنا خجال!!‪ .‬ول‬ ‫أا جد وصفا لحالها مع الشيخ إل قول الشاعر في إمامها مالك رحمه‬ ‫هللا‪:‬‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ي ا ب ى ال ج و اب ف م ا ي راج ع ه ي ب ة‬ ‫ْ‬ ‫ان !‬ ‫ق‬ ‫ذ‬ ‫والس ا ِئ ل ون ن و ا ِك س ال ِ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ان الت ق ى‬ ‫ط‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ار‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫هدي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ف ه و ْال م ه يب و ل ْ‬ ‫طان !‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومما أا ذكره هاهها أا نهي زرت ‪ -‬قديما ‪ -‬شيخها الشريف التجكاني (رئيس‬ ‫أ‬ ‫رابطة ال ئمة ببلجيكا) فذهبه ا إلى الشيخ المؤذن‪ ،‬وطرقها بيته‬ ‫(ببروكسيل) فرحب بها ك ثي را‪ ،‬أوا نعم عليها بالخي رات‪ ،‬أوا متعها‬ ‫بالرو ايات‪ ،‬فلما هممها بالخروج قال شيخها التجكاني ‪ -‬على عادته في‬ ‫الد عابة‪ : -‬ياشيخ‪ ،‬ل خروج من هاه ها إل بعد اختبار فالن(‪ )...‬في‬ ‫قالون! فذبت حياء‪ ،‬وكدت أا خرج من باب اإلغا ثة! ومن رحمة هللا‬ ‫أ‬ ‫وستره أا ن الشيخ المخيف ‪ -‬في ال رواية ‪ -‬سا لهي سؤال واحدا هو‪ :‬كيف‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫بالسو‬ ‫فقلت‪:‬‬ ‫يوسف"‬ ‫ة‬ ‫سو‬ ‫في‬ ‫"‬ ‫بالسوء‬ ‫"‪...‬‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫قالون‬ ‫ا‬ ‫يق ر‬ ‫ِ‬ ‫‪64‬‬


‫‪/65‬‬

‫أ‬ ‫وصال‪ ،‬والسوء وقفا؛ فهز الشيخ را سه فرحا ‪ ،‬ونشط الشيخ‬ ‫التجكاني ‪ ،‬وقال‪ :‬هكذا إذا ‪ ،..‬كل من قال إنه يجو أ‬ ‫د‪..‬ا و كذا‪ ...‬أا تيها‬ ‫ِ‬ ‫به إلى الشيخ المؤذن ‪ -‬أا و كما قال رضي هللا عهه ‪ -‬فقلت‪ :‬واخجلتاه!‬ ‫واث ْك ل أا ِم ي اه! مالي ول لتجويد! مالي ولهذا الوعيد ‪.!.‬‬ ‫ودار الفلك دورته؛ فالتقيت في " مسابقة التجويد " ‪ -‬ببرشلونة ‪-‬‬ ‫أ أ‬ ‫أ‬ ‫بال ستاذ الجامعي اللوذعي‪ ،‬الخ ال ستاذ الدك تور الحلو‪ ،‬فوجدته‬ ‫كاسمه‪ :‬حلو ال حديث‪ ،‬لطيف المعشر‪ ،‬شديد العهاية بالشيخ‬ ‫أ‬ ‫المؤذن‪ ،‬وبا هل الق را ن عامة‪ !.‬وهذا مئهة من فقهه ‪ -‬أا عزه هللا ‪ -‬وكان‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫من ا دبه الجم‪ ،‬وتواضعه الع ِم ا ن دعا إلى تكريم الشيخ في يوم‬ ‫خاص(ببلجيكا)‪ ،‬أوا راني ‪ -‬حفظه هللا ‪ -‬مسو دة القت راح؛ فحمدت له‬ ‫هذا الصهيع‪ ،‬وافترقها‪ .‬ثم انشغلت عن هذا الموضوع أوا شباهه‬ ‫بواجبات الوقت‪ ،‬وطوارئ أال يام‪ ،‬إلى أ‬ ‫المكرم والمكرم‪..‬‬ ‫نسيت‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫و"المؤذن" واإلمام‪ !..‬ثم شاء هللا أا ن التقي في هذا العام با سرة‬ ‫مغربية رافقتهي في الطائرة (من بلجيكا إلى طهجة) ومعها رجل‬ ‫زمين ‪ ،..‬ل يقوى على الحركة والمشي‪ ،‬ول تستقيم له حياة بال ْرع ي‬ ‫أ‬ ‫؛ فتا ملت وجهه؛ فإذا هو بوجه الشيخ المؤذن‪ ،‬ثم كذبت بصري!‬ ‫أ‬ ‫أوا خي را سا لت الشاب الم رافق‪ :‬أا ليس هذا هو الشيخ المؤذن؟ قال‪:‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫بلى‪ .‬قلت‪ :‬أا تا ذن بالسالم عليه؟ قال‪ :‬ل با س؛ ولكهه ‪ -‬كما ترى ‪-‬‬ ‫يعاني من داء فقدان الذاكرة (الزهايمر ! )‪ ،‬وقد نسي كل شيء إل‬ ‫الق را ن الكري م!! فقب لت أرا س الشيخ البركة‪ ،‬وك فك فت دموعي!‪.‬‬ ‫وعزيت نفسي ! وقلت‪ :‬ل حول ول قوة إل باهلل! أا هذا هو الشيخ‬ ‫‪63‬‬

‫من الرعاية ‪.‬‬

‫‪65‬‬

‫‪63‬‬


‫‪/66‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫الهي اب‪ ،‬الذي مال بروكسيل فضال ونبال؟ ا هذا هو شيخ ق راء‬ ‫بلجيكا؟ !‬ ‫وهها أا ذكر شيائ جميال يهبغي ذكره‪ :‬لقد طال انتظار الشيخ المقرئ‬ ‫الكبير‪ ..‬في قاعة " مطار ابن بطوطة "‪ ،‬مهتظرا إجراءات المرور‪..‬‬ ‫أ‬ ‫فلما تسامع ال مهيون به‪ ،‬واطلعوا على حاله؛ قال كبيرهم‪ :‬هات‬ ‫جوازه‪ ..‬ففحصه بسرعة‪ ،‬وختمه بسرعة‪ ،‬وسلمه بسرعة‪ ..‬ثم قال‪:‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫م رو ه ا ن يستغفر لها‪..‬م رو ه ا ن يدعو لها! فا كبرته وشكرته‪ ..‬وعلمت‬ ‫أا نه أا صيل بن أا صيل‪ ..‬إنسان ابن إنسان ‪!.‬‬ ‫والمق صد من هذا كله هو ‪ :‬الدكار والعتبار‪ ،‬والهظر في ال ثار‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وإجالل العلماء ال ب رار‪ ،‬والصلحاء ال خيار‬

‫أ‬ ‫م ههل‪..‬دنوت مهه ولم ا شرب!‬ ‫أ‬ ‫أوا قصد أا ستاذ الهوازل وال حكام‪ ،‬العالمة القاضي الهمام ‪ ،‬أا با عبد‬ ‫أ‬ ‫هللا محمد بن محمد المرير الغماري‬ ‫السعيدي‪(.‬ا ستاذ المؤرخ‬ ‫الكبير‪ ،‬محم د داود) الذي وافته المهية يوم ‪ 26‬دجهبر سهة‬ ‫‪ 1977‬م‪ ،‬وصلى عليه العالمة الشريف البشير أا فيالل‪ ،‬أوا ب هه العالمة‬ ‫السيد محمد الطهجي‪ .‬رحمهم هللا جميعا !‬ ‫والحقيقة أا ني كهت ‪-‬عام ئذ ‪ -‬حديث العهد بتطوان‪ ،‬ولم تكن لي‬ ‫أ‬ ‫معرفة حيهها إل با ساتذة التعليم‪ ،‬ومعارف الوالد رحمه هللا ‪ ،‬وبعض‬ ‫الخطباء والوعاظ‪ .‬إل أا نهي كهت شديد الشغف بعلماء القرويين‪ ،‬ول‬ ‫‪66‬‬


‫‪/67‬‬

‫أ‬ ‫تكاد تخطئهم عيهي!‪ .‬ومن هؤلء الذين كهت ا صادفهم في الشارع‬ ‫العام‪ ،‬أوا تمل ى بطلعتهم‪ :‬العالمة المرير‪ ،‬والعالمة ابن تاويت‪،‬‬ ‫أ‬ ‫(وكالهما مرجعان في الفقه وال صول)‪ .‬إل أا نهي لم أا تمكن ‪ -‬مع‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ال سف‪ -‬من مش افهتهما‪ ،‬وال خذ عههما‪ ،‬ولم يحصل لي شرف‬ ‫الحضور معهما في أا ي مهاسبة من المهاسبات‪ .‬ولم يكن ذلك ‪ -‬علم‬ ‫هللا ‪ -‬تقصي را مهي؛ بل كهت ل أا ستطيع إليهما سبيال‪ ،‬إلى أا ن علمت‬ ‫بوفاتهما‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وبعد ربع قرن من هجرتي (إلى الغرب) تا ججت في قلبي أا شواق‬ ‫التعرف على علماء المغرب ورجالته‪-‬بشك ل غير مسبوق‪ -‬فاطلعت‬ ‫على ك تاب من خمسة أا جزاء‪ ،‬قيل إنه للفقيه القاضي المرير‪ ،‬رحمه‬ ‫هللا‪ ،‬الموسوم ‪ " :‬الهعيم المقيم‪ ،‬في ذكرى مدارس العلم ومجالس‬ ‫التعليم "‪( ،‬وقد قام بتقديمه ومراجعته الدك تور امحمد ابن عبود‪،‬‬ ‫والدك تور جعفر السلمي‪ ،‬ونشرته جمعية تطوان أا سمير)‪ .‬وفي هذا‬ ‫الك تاب علم غزير‪ ،‬وخير ك ثير‪ ..‬لمن شاء الستفادة واإلفادة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫والمقصد من هذا المشهد ‪ :‬أا ن من فاته ال خذ عن العالم في حياته‬ ‫فال أا قل من أا ن يعك ف على تراثه‪ ،‬بعد وفاته‪ ،‬ويحتك بتالميذه‬ ‫أوا صحابه‪ ،‬ويطلع على ا ثاره وما ثره‪ .‬والميسور ل يسقط بالمعسور ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫كما قال ال صوليون ‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫‪/68‬‬

‫أ‬ ‫عميد كلية ا صول الدين‬ ‫أوا قصد به أا ستاذنا ووالدنا الراحل‪ ،‬الشيخ محمد حدو بن أا موح‬ ‫أا مزيان (الورياغلي)‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬الذي عرفه القاصي والداني‪ ،‬في‬ ‫أ‬ ‫الشمال المغربي‪ ،‬ونال محبة الخواص والعوام‪ ،‬والعرب وال مازيغ ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وكان مثال العالم (ال زهري) الواعظ اإلداري المحهك‪ ،..‬الذي يع رف‬ ‫عالمه وعصره‪ ،‬وماضيه وحاضره‪ ،‬ول يخوض في شيء ل يحسهه‪ ،‬ول‬ ‫يقدر عليه‪.‬‬ ‫والشيخ من مواليد سهة ‪ 1916‬م‪ ،‬بقبيلة بهي ورياغل الريفية‪،‬‬ ‫أوا سرته أا سرة كريمة‪ ..‬مشهورة بالريادة والسيادة‪ .‬ومههم ابن أا خته‬ ‫أ‬ ‫ال ستاذ الدك تور توفيق الغلبزو ري ‪ ،‬حفظه هللا‪( ،‬رئيس المجلس‬ ‫العلمي با لمضيق)‪ ،‬أوا ستاذ التعليم العالي بجامعة القرويين‪،‬‬ ‫وصاحب ك تاب" المه ار المهيف في التعريف بعلماء الريف" ‪ .‬وغيره‬ ‫من الك تابات الهافعة الماتعة ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وا ما سبب تعرفي على الشيخ؛ فهو ولده البار( ب ْري دة)‪ ،‬الذي كان‬ ‫زميلي في الفصل‪ ،‬ومالزما لي كالظل! أ‬ ‫(وا سلم عليه سالم الوفاء من‬ ‫أ‬ ‫هها)‪ .‬ناهيك عن شقيقه ال ستاذ الدك تور قتيبة‪ ،‬الذي عرفهي وعرفته‬ ‫ قديما‪ -‬في مسجد الحسن الثاني‪ ،‬ومق رأا ة سانية الرمل(بتطوان)‪،‬‬‫أ‬ ‫أوا حبهي أوا حببته‪ ،‬وكان ‪ -‬ول يزال‪ -‬نعم الخ و الصديق! دون أا ن‬ ‫أ‬ ‫أا نسى صهر الشيخ ( ال ستاذ المعلم العوفي) الذي كان معلما لي في‬ ‫المرحلة الب تدائية‪ ،‬بمدرسة سيدي طلحة‪ ،‬وكان نعم الوالد‬ ‫والمربي !‬ ‫‪68‬‬


‫‪/69‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وا ما ما علق في ذههي من ذكريات الشيخ (ا مزيان) فهو ك ثير! ا ذكر‬ ‫مهه ال تي‪:‬‬ ‫لقد دخلت ذات يوم إلى جامع العيون (بتطوان) فسمعت كالما‬ ‫أ‬ ‫عجبا ‪ ،‬تتخلله أا لفاظ بالدارجة المغربية‪ ،‬وباللغتين ال مازيغية‬ ‫واإلسبانية‪ ،‬مع علم غ زير‪ ،‬وتفهن كبير‪ ،..‬ونظرت إلى الحاضرين‬ ‫فإذا هم أا خالط من الطلبة والصهاع‪ ،‬والعمال والتجار‪ ،‬والعرب‬ ‫أ‬ ‫وال مازيغ‪ ،..‬والصغار والكبار‪ ..‬ونظرت إلى الواعظ فقيل‪ :‬إنه‬ ‫الشيخ أا مزيان ‪-‬عميد كلية أا صول الدين‪ . -‬فاستغربت من هذا‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫ال سلوب الجديد ‪ ،‬واستمتعت به‪ !!..‬بل ل ا زال ا عيش عل ى وقع هذا‬ ‫الدرس الفريد‪ ،‬أوا حن إلى مثله‪ ،‬أوا تمهى من الوعاظ جميعا أا ن‬ ‫يههجوا نهج الشيخ في التفهيم والت عليم ‪ ،‬وتقريب العلم من‬ ‫المواطهين ‪!!.‬‬ ‫أ‬ ‫ومن ذكرياتي الطريفة مع الشيخ‪ :‬ا ني صادفته يوما في حي باب‬ ‫التوت بتطوان (قريبا من المجلس العلمي العتيق) فسلمت عليه‬ ‫سالما أا بويا ‪ ،‬وخاطبهي ‪ -‬مداعبا ‪ :-‬أا هال بولحية! ثم رافقته إلى‬ ‫أ‬ ‫المجلس‪ ،‬كما ي رافق البن أا باه‪ ،‬وسا لته في أا مور‪ ..‬كان ا خرها نازلة‬ ‫فقهية تخص الجالية المسلمة في فرنسا‪ .‬أوا ذكر أا نهي رجوته‪ -‬بإلحاح ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫أا ن يك تب لي في ذلك ك تابا (فتوى) بتوقيعه ؛ فا بى إب اي ة شديدة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وقال ‪ -‬بالمعهى ‪ :-‬ا مثالي ل ي سمع لهم في الخارج ‪!.‬‬ ‫وفي أا يام إجازة تعرضت لضائ قة إدارية‪( ،‬تتعلق بالتجمع العائلي)؛‬ ‫ففكرت في استشارة الشيخ أا مزيان؛ (لمكانته الجتماعية) وقبل‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الذهاب إليه‪ ،‬استا ذنت نجله ‪ -‬المبارك‪ -‬ال ستاذ قتيبة؛ فقال‪ :‬إن‬ ‫‪69‬‬


‫‪/70‬‬

‫الشيخ ‪ -‬كما تعلم ‪ -‬يعاني من مرض الضغط والسكري‪ ،..‬وي ؤثر الع زلة‬ ‫والسكون‪ ..‬ولربما ردك ردا غير جميل؛ فاصبر عليه‪ ..‬وستهال‬ ‫م رادك‪ ،‬إن شاء هللا‪ .‬ث م عل مهي‪ -‬رضي هللا عهه ‪ -‬كيف أا صل إليه؛ بل‬ ‫كيف أا نحهي لعاصفته!! فكان لي ما أا ردت في دقيقة أا و دقيقتين!‬ ‫و هذه هي الشفاعة الدنيوية كما قال تعالى‪ (:‬م ْن ي ْش ف ْع ش ف اع ة‬ ‫ح س ه ة ي ك ْن ل ه ن ِص يب ِم ْه ه ا ‪) .‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫و كان الهبي صلى هللا عليه وسلم إذا ا تاه طالب حاجة ا قبل على‬ ‫جلسائه فقال ‪ (( :‬اشفعوا تؤجرو ا ويقضي هللا على لسان نبيه ما‬ ‫أ‬ ‫ا حب‪" . 64‬‬ ‫وفي رو اية ‪ " :‬ما شاء " ‪.‬‬ ‫فرحم هللا الشافع الهافع ‪ ،‬والوالد والولد‪ ،‬وجزى الشيخ على إفضاله‬ ‫وإحسانه‪ ،‬و حف ه برحماته !‬ ‫والمقصد من هذا كله ‪ :‬الترحم على الشيخ الجليل‪ ،‬وذكران الفضل‬ ‫والجميل ‪ ،‬أوا عظم به من مقصد !‬

‫‪64‬‬

‫متفق عليه‬ ‫‪70‬‬


‫‪/71‬‬

‫مع العالمة العشراوي‬ ‫ك ثيرا ما كان صفي ها الحاج سيدي مصطفى أا بو مسلم العبدي يحدثهي‬ ‫في فرنسا عن طالب ق را ني‪ ،‬بمديهته ( ا سفي )‪ ،‬يقال له ‪ :‬سي عبد‬ ‫الهادي احميتو ‪..‬وكان يبشرني أا نه يحضر مع طلبة القرا ن في‬ ‫مهاسبات خاصة وعامة‪ ،‬كواحد مههم‪ ،‬ل أا قل ول أا ك ثر‪ ،‬وربما‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫تحدث ‪ -‬بإعجاب ‪-‬عن حفظه لال نصاص الق را نية ‪ ..‬وإلمامه با بجديات‬ ‫أ‬ ‫التجويد ( الهظرية ) ‪ ،‬واهتمامه بالرسم والضبط ‪ ..‬وكهت أا سا له عن‬ ‫أ‬ ‫حرفته فيقول ‪ :‬رجل تعليم ‪ ! ..‬هكذا !ومرت ال يا م والسهون‬ ‫فاك تشفت أا ن الرجل فوق ما قيل بمراحل ومراحل؛ بل إنه ‪ -‬أا على‬ ‫هللا مقامه ‪ -‬يعد من أا كبر المراجع في الفقه المالكي‪ ،‬والقراءات وعلم‬ ‫التجويد ‪ ، ..‬يدل على ذلك موسوعته الهادرة في قراءة اإلمام نافع ‪65 .‬‬ ‫أ‬ ‫ول يكون اإلنسان مبالغا إن قال با ن كل جزء مهها يساوي رسالة‬ ‫دك توراه ‪!!.‬‬ ‫فكيف تعرفت على هذه القامة العلمية ؟‬ ‫الواقع أا ني لم أا بذل جهدا يذكر في الوصول إلى ال مقرئ اإلمام‪ ،‬رغم‬ ‫حرصي الشديد على ذلك ‪.‬وكل ما كهت أا رجوه أوا تمهاه هو أا ن أا سلم‬ ‫عليه؛ بل أا ن أا قبل أرا سه‪ ،‬أوا لثم يده !‪..‬وفي كل يوم كهت أا زداد‬

‫شوقا إليه‪ ،‬وتعلقا بعلمه وفضله‪ ،‬ول س يما بعد اطالعي على مقالته‬ ‫في " موقع ال رابطة المحمدية‪".‬‬

‫‪65‬‬

‫‪).‬قراءة اإلمام نافع عند المغاربة " في سبعة أجزاء‪ ،‬دكتوراه الدولة (طبع ونشر و ازرة األوقاف المغربية "‬ ‫‪71‬‬


‫‪/72‬‬

‫وفي أا مسية من أا مسيات رمضان المبارك‪ ،‬ساقتهي أال قدار لحضور‬ ‫أ‬ ‫مهاسبة علمية ( بالرباط ( ‪ ( ،‬بإش راف المجلس العلمي ال على )‬ ‫فوجدتهي وجها لوجه أا مام هذا الطود الشامخ‪ ،‬والعالم الراسخ ! وما‬ ‫أ‬ ‫كدت أا صدق أا نهي سا غهمه بهذه ال سهولة ‪ !.‬فمثله تشد إليه الرحال‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وتقطع إليه المسافات وال ميال ‪!.‬وكان ذلك في مدخل فهدق كبير ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫نسيت اسمه ‪ -‬وكهت مشغول بشيء مهم للغاية؛ فلما رمقت ال ستاذ‬ ‫تركت كل شيء‪ ،‬وعل قت كل شيء‪ ،‬أوا قبلت عليه متوددا ‪ :‬أا أا نتم‬ ‫أ‬ ‫الشيخ احميتو؟ ! فقال ‪ -‬بتواضع العلماء ‪ :-‬نعم فقلت ‪ :‬أا ت ا ذنون‬ ‫بالخدمة؟ فتردد قليال‪ ،‬وتفرس ك ثيرا ‪ ..‬ثم مكههي أا عزه هللا من‬ ‫أ‬ ‫م رافقته في المصعد‪ ،‬إلى أا ن اطما نهت على راحته وإقامته ‪ .‬وبعد‬ ‫دقائق عدت إليه في غرفته‪ ،‬ورافقته إلى قاعة الفطور ‪ ،‬ونويت أا ن‬ ‫أ‬ ‫أا كون خادما له مدى الرحلة ‪ ،‬التي لم تدم طويال مع ال سف ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وفي جلسة الفطور ( الرم ضانية ) لزمته‪ ،‬واغتهمته‪ ،‬فا غرقهي ‪-‬حفظه‬ ‫أ‬ ‫هللا ‪-‬في بحور من التا صيل والتفصيل‪ ،‬والتحقيق والتدقيق ‪ ،..‬ول‬ ‫سيما في مجال القراءات والتجويد‪ ،‬والهحو واللغة؛ حتى حسبت‬ ‫أا نهي بين يدي إمام من أا ئمة اإلسالم الكبار‪ ،‬أا مثال الداني‪،‬‬ ‫والمكي‪ ،‬وابن الجزري ‪ ،‬والشاطبي ‪ ..‬وخفت على نفسي ‪ -‬حقيقة ‪-‬من‬ ‫أ‬ ‫سوء ال دب معه؛ بل استحييت أا ن أا عد نفسي ‪-‬بعد ذلك ‪-‬من طلبة‬ ‫ْ‬ ‫العلم ؛ بل ه ( دع عهك ) المعلم القارئ ‪!.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ومن جملة ال مور التي طارحته فيها؛ بل سا لته عهها سؤال التلميذ‬ ‫أ أ‬ ‫الصغير للشيخ الكبير ‪:‬مسا لة ال وقاف الهبطية‪ ،‬وظاهرة اإلقبال‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫على طريق ال صبهاني ( بالمغرب ال عربي ) ‪..‬وا ذكر ا نه نقلهي نقلة‬ ‫‪72‬‬


‫‪/73‬‬

‫بعيدة ‪ ..‬إلى عالم الربانية والرو حانية‪ ،‬وانتقد ظاهرة الهجومية‪،‬‬ ‫أوا فاض في موضوع التزكية‪ ،‬أوا وصى باإلخالص التام هلل عزوجل‪،‬‬ ‫وقال كالما ل يصدر إل عن علم عميق‪ ،‬وفقه دقيق‪ ،‬وقلب رقيق ‪!.‬‬ ‫أوا ذكر أا نه جرى الحديث عن شيخها العالمة أا يمن سويد؛ فق ال ‪-‬‬ ‫متحمسا‪ : -‬إنهي أا عرفه جيدا‪ ،‬وهو صديقي‪ ،‬أوا حضر معه في‬ ‫مؤتمرات ومسابقات دولية‪ ،‬أوا قول ‪ :‬هو رجل ل نظير له في هذا‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫العصر !‪.‬فا يقهت حيهئذ أا ن الشيخ اإلمام بعيد عن ال حقاد‪ ،‬راسخ‬ ‫أ‬ ‫في ال مجاد‪ ،‬أوا نه من أا هل هللا وخاصته ‪ -‬حقا‪ -‬فالمعاصرة حجاب ‪-‬‬ ‫كما قالوا ‪ -‬وليس من السهل أا ن يشهد القرين للقرين‪ ،‬والهد للهد ‪..‬‬ ‫بهذا التجرد والصفاء‪ ،‬والعفوية والزكاء ‪ !.‬فلله در الشيخ الجليل(‬ ‫احميتو ! ) وهكذا يكون العلماء وإل فال ول ‪ ،‬والجهل ‪ -‬حيهئذ ‪ -‬أا ولى‪.‬‬ ‫والمقصد من هذا المشهد ‪ :‬هو ما تم الختم به من سالمة الصدر‪،‬‬ ‫وصفاء السريرة‪ ،‬ونقاء القلب ‪..‬ول يهبل ال عالم والمتعلم إل بذاك ‪.‬‬ ‫وما سبق اإلمام مالك إل بصفاء السريرة ‪ -‬كما قال ابن المبارك ‪-‬‬ ‫بالمعهى ‪. -‬‬ ‫" ربها اغفر لها وإلخوانها الذين سبقونا باإليمان ول تجعل في قلوبها‬ ‫غال للذين ا مهوا‪" .66‬‬

‫‪66‬سورة الحشر‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫‪/74‬‬

‫مع الشيخ المغمور‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أوا عهي به هها بلدي ها ال ثير‪ ،‬أوا خانا الكبير‪ ،‬الشيخ الفقيه ال صولي‬ ‫درس الم ِرس‪ ،‬الباحث الهقادة‪ ،‬الشيخ محفوظ طه‬ ‫الهحوي‪ ،‬الم ِ‬ ‫البحراوي ْ‬ ‫اليد ري التطواني‪ -‬أا على هللا مقامه ‪ -‬المولود سهة ‪ 1949 :‬م‬ ‫بقرية مهكال ( إقليم تطوان ) ‪.‬وهو عالم من علماء تطوان‪ ،‬وبركة‬ ‫من بركاتها ! حفظ الق را ن الكريم بالبادية‪ ،‬وتلقى مبادئ العربية‬ ‫والفقه ا لمالكي على يد الشيخ الفقيه المهدي شقور ‪ ،‬رحمه هللا‪،‬‬ ‫أوا كمل دراسته الشرعية الواسعة في مديهة طهجة‪ ،‬على يد العالمة‬ ‫أ‬ ‫المحدث ال صولي الفقيه عبد هللا بن الصديق الغماري ‪ ،‬ولزمه مدة‬ ‫طويلة‪ ،‬وع د من أا نجب تالميذه ‪ -‬بشهادة أا قرانه ‪ -‬المهصفين ‪-‬ل‬ ‫المطففين ‪-‬بل بشهادة الشيخ سيدي عبد هللا نفسه‪ ،‬حيث قال‬ ‫بالحرف ‪ " :‬محفوظ اليدري هو أا نجب طالبي على اإلطالق" ‪67.‬‬ ‫أ‬ ‫ولم يشتغل الشيخ ‪ -‬نض ره هللا‪ -‬ك ثيرا بالتا ليف؛ لتفرغه التام‬ ‫للتدريس والتكوين ‪ ،‬ول سيما في معهد اإلمام مالك‪ ،‬ومعهد اإلمام‬ ‫الشاطبي‪ ،‬بتطوان ‪.‬وله ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬ك تب مخطوطة‪ ،‬ودراسات نفيسة‬ ‫‪ ،‬مهشورة على الشبكة العهكبوتية ‪.‬‬ ‫أا ما عن تعرفي على الشيخ ‪ :‬فإني أا عترف ‪ -‬ابتداء ‪ -‬أا ن عالقتي بالشيخ‬

‫حفظه هللا‪ ،‬كانت عالقة صحبة ومودة‪ ،‬وزيارة وصلة‪ ،‬وجوار‬ ‫أ‬ ‫وحوار‪ ،‬ولم أا درس عليه قليال ول ك ثيرا ‪-‬مع ال سف ‪-‬بل إني أا عرف‬ ‫أ‬ ‫الشيخ مهذ عقود‪ ،‬أوا تعهده ‪ -‬ما استطعت ‪ -‬وما أا شعرنا يوما من ال يام‬ ‫‪67‬‬

‫‪.‬سمع هذا منه(مباشرة) الثقة العدل الصدوق‪ ،‬األستاذ القارئ‪ ،‬محمد داود الودراسي‪-‬حفظه اهلل‪ -‬وكتب لي ذلك بخطه!‬ ‫‪74‬‬


‫‪/75‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫أ‬ ‫ا نه شيخ ل حد‪ ،‬ا و ا ستاذ لتلميذ ! وهكذا شا نه مع عامة الطالب‬ ‫أ‬ ‫وال حباب ‪ -‬كما قيل ‪ -‬وكهت أ‬ ‫بحي ب وجراح ) الشعبي )‬ ‫‪،‬‬ ‫بيته‬ ‫في‬ ‫صله‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫بمعية أا خي ال ستاذ سيدي أا حمد داوو د ‪ ،‬ونقضي معه الساعات‬ ‫أ أ‬ ‫الطوال ؛ فال يعاملها إل معاملة الخ ل خيه‪ ،‬والصديق لصديقه‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وربما أا حرجها ه إذ سا لهاه واستفتيهاه !!‪ ، ..‬وربما سردت عليه بعض‬ ‫خواطري ‪ -‬المهلهلة ‪ -‬فصبر وغفر‪ ،‬وشكر وستر !!‪ ..‬وما أرا يها مهه ‪ -‬أا عزه‬ ‫هللا ‪-‬إل اإلشادة والتحفيز‪ ،‬واإلفادة والتعزيز !‪..‬ول أا نسى فضل‬ ‫أ‬ ‫الشيخ إذ أا تحفهي ‪ -‬قبل أا عوام ‪-‬بمحرر وجيز حول " مسا لة ترجمة‬ ‫الخطبة إلى غير العربية "‪ ،‬وهو من أا نفس ما ك تب !!وقد استفدت‬ ‫مهه ك ثيرا في بحثي المهشور ‪ ).‬وللشيخ ‪ -‬كما علمت ‪ -‬إضافات‬ ‫وتعقيبات ‪ ..‬وانتقادات ‪ ..‬أا نتظرها بفارغ الصبر ) !‬ ‫وإني كلما ذكرت الشيخ محفوظ‪ ،‬حفظه هللا‪ ،‬واستعدت ذكرياتي‬ ‫أ‬ ‫معه‪ ،‬بكيت على من يد عي العلم والعلم مهه ب راء‪ ،‬وسا لت هللا‬ ‫تعالى أا ن يريها العلم علما‪ ،‬والجهل جهال ! فليس العلم ‪ -‬ياسادتي ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫بشقشقة اللسان‪ ،‬ول بسحر البيان‪ ،‬ول بك ثرة الهذيان ‪ ، ..‬ول با ي‬ ‫أ‬ ‫شيء يتخيله المتخيلون؛ بل هو كد وجد ‪ ،‬ووعي وسعي‪ ،‬وتا صيل‬ ‫ْ‬ ‫المصطفي ن‬ ‫وتهزيل‪ ،‬واصطفاء واجتباء ‪ ..‬جعلها هللا وإياكم من‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫والعلماء ال برار !‬ ‫خيار ‪،‬‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫والخ الصة ‪:‬ا ن الرجل واسع الطالع ‪ ،‬طويل الباع‪ ،‬عميق القاع ‪، ..‬‬ ‫جمع هللا له بين علوم الوسيلة والغاية‪ ،‬والمهقول والمعقول‪ ،‬وفتح‬ ‫عليه في الحديث ( رو اية ودراية)‪ ،‬وزه ده في المظاهر الفارغة‪،‬‬ ‫والسمعة الكاذبة ‪ ، ..‬أوا نعم عليه بم ل ك ة فقهية وحديثية‪ ،‬تذكرك‬ ‫‪75‬‬


‫‪/76‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫بال ئمة الكبار‪ ،‬والشموس ال قمار !ور بما استدرك على ك ثير من‬ ‫المشاهير‪ ،‬وضعف ما صححوه‪ ،‬وصحح ما ضعفوه !وربما عقب على‬ ‫وج ل ! وه و ل يم ل ‪ -‬حفظه هللا ‪-‬‬ ‫اللغويين والهحويين ‪ ..‬غير هي اب ول ِ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫من التهقيب في بطون الك تب‪ ،‬أوا رحام ال م ات ( ال مهات ) ‪ ،‬رغم وهن‬ ‫بدنه‪ ،‬وداء مفاصله ‪ ..‬وندرة وقته ‪.‬وو فرة طالبه !!‪ ..‬والشيخ قبل ذلك‬ ‫وبعده أا بي الهفس‪ ،‬مرفوع أ‬ ‫الرا س‪ ،‬سخي اليد‪ ،‬بادي الورع‪ ،‬سريع‬ ‫البديهة‪ ،‬ذكي الفؤاد‪ ،‬مرهف الحس ‪ ..‬تؤذيه همسة‪ ،‬وتؤلمه لمسة ! ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وليته ترك ك تابا في الرقائق والزهديات‪ ،‬وال ذكار والدعوات‪ ،‬وفقه‬ ‫التعامل مع الق را ن؛ بل ليته ك تب ك تابا كامال في التفسير ‪..‬وهو‬ ‫أا هل لذلك وزيادة !ول يعرف خيره إل من عاشره وخب ره ‪ ..‬وليتهي‬ ‫أ‬ ‫كهت معه فا خدمه‪ ،‬أوا نتفع به !‬ ‫وهذا هو المقصد من هذا المشهد ‪.‬‬

‫مع الدك تور وجاج‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أوا قصد الشيخ المعم ر‪ ،‬ال مازيغي الفصيح‪ ،‬ال ستاذ الدك تور سيدي‬ ‫الحسن وجاج ‪ ،‬المولود سهة ‪ 1348/1930‬بس وس المحرو سة ‪.‬‬ ‫الحاصل على شهادة " دبلوم الدراسات العليا في العلوم اإلسالمية‬ ‫والحديث " بدار الحديث الحسهية ‪ ،‬سهة ‪ 1977‬م‪ ،‬وعلى شهادة "‬ ‫دك توراه الدولة في العلوم اإلسالمية والحديث " ‪ ،‬بدار الحديث‬ ‫الحسهية‪ ،‬في سهة ‪ 1990‬م ‪.‬وهو شيخ معرو ف في شهقيط ‪ ..‬والحجاز‬ ‫أ‬ ‫‪ ..‬وم راكش ‪ ..‬وسوس ‪ ..‬وفرنسا ( ول سيما بين أا حبابها ال مازيغ)‪ .‬وقد‬ ‫‪76‬‬


‫‪/77‬‬

‫تولى الشيخ وجاج ‪ -‬بارك هللا في عمره ‪ -‬التدريس بكلية التربية‬ ‫بالطائ ف‪ ،‬لمدة أا ربع سهوات‪ ،‬ودرس في شهقيط ( موريتانيا ) سبع‬ ‫سهوات ونصف‪ ،‬وحاضر بكلية الشريعة ( ا يت ملول ) ‪ ،‬وكلية اللغة‬ ‫( بم راكش )‪ .‬وله من الك تب المعروفة " تحقيق وقف القرا ن الكريم‪،‬‬ ‫للشيخ الهبطي "‪ ،‬طبع سهة ‪ ، 1991‬وتحقيق " مهبهة الشيخ أا بي عمرو‬ ‫الداني‪" 1988.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫والشيخ من ال ساتذة المعدودين‪ ،‬الذين رافقوا الشيخ ال لباني‪،‬‬ ‫رحمه هللا‪ ،‬في رحلته التاريخية للمملكة المغربية‪ ،‬وشهدوا‬ ‫أ‬ ‫مهاظراته‪ ،‬وتا ثرو ا بمههجه ‪..‬‬ ‫ولسها معهيين في هذه ال وريقات‪ -‬كما سبق القول ‪ -‬بتصهيف هذا‬ ‫الشيخ أا و ذاك؛ بل القصد تقييد الذكريات‪ ،‬واستلهام العظات‪ ،‬ل‬ ‫أا قل ول أا ك ثر ‪.‬وللقارئ بعد ذلك أا ن يتوسع كيف شاء‪ ،‬ويهتقد ‪ -‬بعلم‬ ‫وعدل ‪-‬من شاء ‪.‬‬ ‫كيف عرفت الشيخ وجاج؟‬ ‫الواقع أا ني كهت أا سمع به ك ثي را ( عن طريق فقهاء سوس ) ‪ ،‬وق رأا ت‬ ‫أ‬ ‫ك تابه في نقد ال وقاف الهبطية‪ ،‬أوا عرف أا خاه ‪ -‬معرفة عامة ‪-‬من‬ ‫خالل مؤتمر الخطباء بالبيضاء؛ ولكهي لم أا جتمع به إل في زيارته‬ ‫لشرق فرنسا‪ ( ،‬قبل سهوات ) وكهت أا تصور أا نه صعب الم راس‪ ،‬حاد‬ ‫الطبع‪ ،‬قليل الهفع‪ ،‬فلما خب رناه وجدنا غير ذلك؛ بل إنه ‪ -‬سدده‬ ‫هللا ‪ -‬ل يكاد يتكلم إل بالهك تة والطرفة‪ ،‬والفطرة والقلب‪ ،‬ول سيما‬

‫‪77‬‬


‫‪/78‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫مع من يحسهون ال مازيغية‪ ،‬ويهضمونها ! ولست مههم ‪-‬مع ال سف‬ ‫الشديد ‪. -‬‬ ‫ومما أا ذكره (في هذه المجالسة ) أا ني ذاكرته في بعض مسائل العلم؛‬ ‫أ‬ ‫بل سا لته سؤال التلميذ ل لمعلم ‪ ،‬واستوضحته في نقول ومرويات ‪..‬‬ ‫وإي رادات وانتقادات ‪ ( ، ..‬ذكرها في إحدى ك تبه ) فاستغرب جدا ‪..‬‬ ‫أ‬ ‫وقال ‪ :‬من أا ين لك هذا؟ ما المصدر؟ وما الك تاب ‪..‬؟ فا طرقت أرا سي‬ ‫حياء‪ ،‬وقلت ‪ :‬كل هذا من فضيلة الشيخ الدك تور وجاج ! قال ‪:‬‬ ‫وكيف؟ قلت ‪ :‬هذا ما قررتموه ‪ -‬رحمكم هللا ‪ -‬باللفظ والحرف ‪-‬في‬ ‫أ‬ ‫تحقيق " ‪ :‬تقييد وقف الق را ن الكريم للشيخ ا بي جمعة‪ ! " ..‬قال ‪:‬‬ ‫عجيب !!‪ ..‬ل أا ذكر هذا ! فقلت ‪ :‬سبحان من ل يضل ول يهسى !‬ ‫أ‬ ‫والعام ية‬ ‫مازيغية‪،‬‬ ‫ال‬ ‫وبعد جلسة الغداء‪ ،‬قدمته إللقاء درس باللغة‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫المغربية ( مراعاة ل حوال المخاطبين ) وطلبت من أا حد أا بهائها‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المتقهين للغة الفرنسية ا ن يترجم؛ ف را يها ‪ -‬ياإخوتي ‪-‬عجبا في‬ ‫أ‬ ‫اإللقاء‪ ،‬وا ية في ال داء !!‪ .‬أوا عجب ا لعجب أا ن دك تورنا ل يتقيد‬ ‫بموضوع‪ ،‬ول بورقة‪ ،‬ول بكرسي‪ ،‬ول بمكبر ( مكروفون )ول بلغة‪ ،‬ول‬ ‫أ‬ ‫بلهجة‪ ،‬ول بهثر‪ ،‬ول بشعر‪ ،‬ول بوقت ‪ ،..‬ول با ي شيء يتعلق‬ ‫باإللقاء !! ؛ بل يطوف على الحاضرين واحدا واحدا‪ ،‬ويتفقدهم فردا‬ ‫فردا ‪ ..‬حتى ليشعر الواحد مههم أا ن الشيخ الوقور جاء من أا جله‪ ،‬ول‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫غرض له بغيره ! فإذا را ى إنسانا قد سها ا و غفا ‪ ..‬ا قبل إليه‪ ،‬ووقف‬ ‫على أرا سه‪ ،‬وطلب مهه الستيقاظ والنتباه‪ ،‬ولربما ضرب على‬ ‫أرا سه ( ضربا غير مبرح ) وناداه بالعامية "‪ :‬أا ْه يا ِف ْق ‪ !".‬والحقيقة أا نها‬ ‫لم نشعر بمرو ر الوقت ‪..‬ول بثق ل الحديث؛ بل كانت جلسة إمتاع –‬ ‫‪78‬‬


‫‪/79‬‬

‫أ‬ ‫بإجماع ‪ -‬فلما جاء دور السؤال والجواب ‪ ..‬انصبت ال سئلة ‪ -‬في‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مجملها ‪-‬على مش كالت البيوت‪ ،‬أوا حوال ال سرة ‪ ..‬فا جاب عهها‬ ‫الشيخ الحكيم إجابة واحدة ثابتة ‪ ..‬حفظها الصغير والكبير ‪ :"..‬سل ْك‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫عام ي مغربي‪ ،‬يعهي ‪ ":‬عالج ال مور بحكمة "‬ ‫مثال‬ ‫وهو‬ ‫"!‬ ‫لك‬ ‫حسن‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫أا و ( ادفع بالتي هي أا حسن) ‪ ، ..68‬ثم يضرب على أرا س‬ ‫أ‬ ‫المترجم (ال ستاذ فارس ) ويقول ‪ :‬ترجم ترجم !!‪ ..‬فيهظر إليه‬ ‫المترجم‪ ،‬يهتظر البيان؛ فيقول مرة أا خرى ‪ :‬ترجم ‪ ..‬ترجم ‪ ...‬سلك‬ ‫أا حسن لك‪ ،‬سلك أا حسن لك ‪ ..‬سلك أا حسن لك !‪..‬‬ ‫ول زال الهاس‪ -‬عهدنا ‪-‬يذكرو ن هذه الحكمة العميقة‪ ،‬ويتواصون‬ ‫بالليل والههار "‪ :‬سلك أا حسن لك ‪!".‬‬ ‫والحقيقة أا ن كل من حاول الخروج هها (في الغرب ) عن مادة سلك‬ ‫( المسلك ‪ ..‬والسلوك والتسليك والسلك ‪ ) ..‬وما اشتق مهها‪ ،‬وما‬ ‫تفرع مهها ‪ ..‬فقد هد بهيانه‪ ،‬وهدم عمرانه‪ ،‬وشتت ف راخه ! والعاصم‬ ‫من عصمه هللا ‪.‬ول حول ول قوة إل باهلل‪.‬‬ ‫وهكذا انتهت زيارة الشيخ ( الخفيف الظل ) بوصية أا بوية‪ ،‬قال فيها ‪:‬‬ ‫احذرو ا الفتانين والم ك ِف رين والمتهطعين ‪ ..‬ول تجادلوهم ‪..‬ول‬ ‫تخالطوهم ‪..‬ول تضيعوا أا وقاتكم معهم !‬

‫وهذا هو المقصد من هذا المشهد ‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫سورة فصلت‪.‬‬ ‫‪79‬‬


‫‪/80‬‬

‫مع العالم القرا ني‪..‬‬ ‫أوا قصد أا خانا ال راحل‪ ،‬أال ستاذ الفاضل ‪ ،‬فريد بن الحسن أال نصاري‬ ‫الخزرجي السجلم اسي‪ ،‬الفاللي‪ ،‬رحمه هللا ‪ ،‬المولود بإقليم‬ ‫الرشيدية‪ ( ،‬جهوب المملكة المغربية ) سهة ‪ : 1380‬ه ‪/ 1960‬م ‪ -‬وهو‬ ‫عالم إيمان وق را ن‪ ،‬أوا صول ومقاصد‪ ،‬ولغة أوا دب ‪ .‬علمه ربه‪، ..‬‬ ‫ولقهه أا بوه‪ ،‬وبهاه شيخه‪ ،‬و قربه مرضه ‪.‬‬ ‫حصل على الدك توراه في الدراسات اإلسالمية ( تخصص أا صول‬ ‫الفقه ) ‪ ،‬و عمل رئيسا لقسم الدراسات اإلسالمية بكلية ال داب‪،‬‬ ‫أ‬ ‫( جامعة مولي إسماعيل بمكهاس‪ ،‬المغرب ) ‪ .‬أوا ستاذا ل صول الفقه‬ ‫بهفس الجامعة‪.‬‬ ‫كما شغل رحمه هللا مهصب رئيس المجلس العلمي بمكهاس‪ ،‬وعضو‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المجلس العلمي ال على بالمغرب (برائسة ال ستاذ الدك تور يسف ‪).‬‬ ‫وتوفي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬في أا وج عطائه ‪ -‬بإسطهبول‪ ،‬يوم ‪ 17‬ذو القعدة‬ ‫‪ 1430‬ه ‪ / 5‬نوفمبر ‪ 2009‬م ‪ ،‬ونقل جثمانه إلى مكهاس‪ ،‬حيث دفن‬ ‫بمقبرة الزيتون ‪ ،‬في جهازة مشهودة ‪ ..‬ل تهسى !‪!.69‬‬ ‫وبعد‪ ،‬فما قصتي مع هذا الرجل؟ وكيف تعرفت عليه؟‬ ‫ومي تا ؟ حاض را وغائبا ؟‬ ‫وما ِس ر احتفائي به حي ا ِ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫وما أ‬ ‫ْ‬ ‫الف بيهي وبيهه؟ ‪ -‬وهو ال ستاذ أوا نا‬ ‫ت‬ ‫والئ‬ ‫فاق‬ ‫الت‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫التلميذ‪ ،‬وهو الم بتدي أوا نا المقتدي؟ ‪. -‬‬ ‫‪69‬هذه الفقرات مقتبسة –في الغالب‪-‬من مقالتنا‪" :‬الشيخ األنصاري والذكريات التي ال تنسى" مع تصرف‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫‪/81‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫الحق ا ن شط را كبي را من الجواب‪ ،‬ذهب مع ذهاب ال ستاذ رحمه‬ ‫أ‬ ‫هللا ! وكان ‪ -‬ولشك ‪ -‬أا ْق د ر مهي على التعبير عن هذه العالقة ال خوية‬ ‫أ‬ ‫السامية‪ ،‬التي نشا ت بيهها في سهوات مع دودات‪ ،‬وندوات‬ ‫معلومات؛ فباركها المولى الكريم وزكاها‪ ،‬أوا ثمرها ونم اها ‪.‬ول أا جد‬ ‫أ‬ ‫في التعبير عهها أا بلغ من قوله تعالى ‪ " :‬لو أا نفقت ما في ال رض جميعا‬ ‫ما أا لفت بين قلوبهم ولكن هللا أا لف بيههم " ‪ 70‬وقوله الرسول‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ال كرم‪ ،‬عليه الصالة والسالم "‪:‬ال رو اح جهود مجه دة ‪ ،‬فما تعارف‬ ‫مهها ائ تلف‪ ،‬وما تهاكر مهها اختلف‪" . 71‬‬ ‫أ‬ ‫لقد عرفت الفقيد ا ول ما عرفته ‪-‬رحمه هللا ‪ -‬ناثرا ممتعا ‪ ،‬وشاعرا‬ ‫أ‬ ‫مبدعا‪ ،‬يهشر قصائده في مجلة " ال مة " ‪ ،‬عليها الرحمة ! في مطلع‬ ‫الثمانين من القرن الميالدي الماضي ‪.‬ولم أا كن يومئذ شغوفا‬ ‫بالشعر‪ ،‬ول م ْع هيا ب ِت ْب ِره و ِت ْب ِه ه‪ ،‬وقديمه وحديثه ‪ ...‬ومع ذلك‬ ‫وجدت هي أا طرب لقوافيه‪ ،‬أوا تلمس فيها المعاني ال راقية ْ‬ ‫الرق راق ة‪،‬‬ ‫بشره عجيب‪ ،‬وصبر غريب؛ حتى كاد يستميلهي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬إلى‬ ‫أ‬ ‫عالم الشعر والشعراء‪ ،‬على حين غفلة مهي ‪ .‬وصدق الرسول ال كرم‬ ‫صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬إن من البيان لسح را " ‪72 ،‬أا ْو " إن ب ْع ض‬ ‫يان سحر " ‪.‬‬ ‫الب ِ‬ ‫وكهت أا خاله ‪ -‬يرحمه هللا ‪ -‬أا نصاريا حجازيا ‪ -‬دارا وقرارا ‪ -‬إلى أا ن‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫فوجئت ‪-‬بعد ا عوام ‪ -‬بمقالته ال سبوعية‪ ،‬في صحيفة مغربية؛‬ ‫أ‬ ‫فا دركت عهدئذ أا نه مغربي أا صيل‪ ،‬من بالد الهخيل (سجلماسة)‬ ‫‪70‬‬

‫سورة التوبة‬

‫‪72‬‬

‫ي في صحيحه‪ ،‬كتاب الطب‬ ‫رواه اإلمام البخار ُّ‬

‫‪71‬‬

‫‪..‬أخرجه البخاري ( ‪ )1116‬من حديث عمرة عن عائشة‪ ،‬وأخرجه مسلم (‪ )9618‬من حديث سهيل بن أبي صالح‬ ‫‪81‬‬


‫‪/82‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وكهت ‪-‬ول ا زال ‪-‬متا ث را ببيانه‪ ،‬وعمق تحليله‪ ،‬وغزارة علمه !وكا نه ي‬ ‫أا ق ر أا لفقيه أا ديب‪ ،‬من طبقة ك ه ون‪ ،‬والخضر حسين‪ ،‬وعلي‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫الطه طاوي ‪..‬وزاد‪ -‬رحمه هللا ‪-‬تا ل قا وإش راقا في ك تابه " التوحيد‬ ‫أ‬ ‫والوساطة "‪ ...‬الذي نشرته مجلة " ال مة " القطرية ‪ .‬وتقبله الهاس‬ ‫بقبول حسن ‪.‬وهو لعمري من نفائس الك تب التربوية ‪ ! -‬كما شهد‬ ‫الكبار ‪-‬بل من أا عظم ما فتح هللا به على كاتبها الشاب يومئذ ‪ -‬وافقه‬ ‫من وافقه‪ ،‬وخالفه من خالفه ‪ -‬وسبحان من تفرد بالكمال !‬ ‫أ‬ ‫ثم شاء هللا عزو جل أا ن تعصف بي رياح ال قدار‪ ،‬بعيدا عن الوطن‬ ‫العزيز‪( ،‬في مهتصف الثمانيهيات من القرن الماضي ) ؛ فغاب عهي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫خبر ال ديب ال ريب‪ ،‬وفقدت كل اتصال بمقالته‪ ،‬إلى ا ن علمت به‬ ‫عضوا بارزا في المجلس العلمي‪ ،‬بمكهاسة الزيتون ! وخطيبا مفوها‬ ‫بمساجدها ! فقلت في نفسي ‪ :‬لقد عادت القوس إلى باريها‪ ،‬والمياه‬ ‫إلى مجاريها؛ ْ‬ ‫ولكن ما حظ الرجل من علوم الوحي والدين؟ وما‬ ‫أ‬ ‫عالقته بالفقه والفتوى‪ ،‬والعلم والعلماء ‪-‬وهو ال ستاذ اللغوي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الجامعي؟ ‪!-‬وما ْ‬ ‫دري ت يومها ‪ -‬مع ال سف ‪ -‬أا نه الفقيه ال صولي ‪73‬؛‬ ‫بل الموسوعي العصا ِم ي ‪.‬‬ ‫وليس على هللا بمستبعد أا ن يجمع العالم في واحد‬ ‫وفي زيارة عابرة للوطن ( أال م ) ‪ ،‬شاء هللا أا ن أا جدد الصلة مرة أا خرى‬ ‫أ أ‬ ‫بكاتبها الحبيب ‪-‬في عيادة طبيب ‪-‬وا ن ا قف له على مقال جديد‪،‬‬ ‫من ط راز فريد ‪ ،‬لم أا عهده من ا ق رانه‪ ،‬وم ن على شاكلته من‬ ‫من أراد أن يعرف باع األنصاري في علم المقاصد واألصول فليق أر رسالته" المصطلح األصولي عند الشاطبي" بإشراف‬

‫‪73‬‬

‫‪.‬العالمة البوشيخي‪.‬‬

‫‪82‬‬


‫‪/83‬‬

‫أ‬ ‫ال كاديميين العصريين ‪..‬وكان يرثي في هذا المقال فقيها ق را نيا‪،‬‬ ‫وم ع لما ربانيا‪ ،‬ترب ت على يده أا جيال‪ ،‬وخرج من صلبه رجال‪ ،‬ول‬ ‫يكاد يسمع به أا حد ! أا ل وهو المعلم الهصيح‪ ،‬والمربي الهجيح‪،‬‬ ‫أ‬ ‫الفقيه العمراوي ‪ -‬نور هللا قبره‪ -‬؛ فانبرى الكاتب ‪ -‬ال نصاري‪ -‬للكشف‬ ‫أ‬ ‫عن مهاقبه‪ ،‬با سلوب ي ْه ض ح ‪-‬وهللا ‪ -‬حبا للقرا ن‪ ،‬أوا هل الق را ن؛ حتى‬ ‫أ‬ ‫ليتمه ين العبد أا ن يكون محل ذلك الميت !! فزادني ال نصاري‪ -‬رحمه‬ ‫ْ‬ ‫وشدد ت الرحال إلى أا بهاء‬ ‫هللا ‪ -‬أا نسا باهلل‪ ،‬واعتزازا بكلمات هللا‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الفقيه ؛ بل إلى فقهاء الفقيه؛ ل قدم لهم التعازي فيه ‪-‬تا سيا بما‬ ‫ق رأا ت ‪-‬ول ت زال الصلة القلبية قائمة بيهها وبيههم‪ ،‬والحمد هلل " وإلى‬ ‫هللا نشكو التقصير ‪ "! -‬كما قال اإلمام الذهبي ‪.‬‬ ‫والحاصل أا نه ت ب ْره ن لي ‪-‬من خالل هذه المقالة وغيرها ‪ -‬أا ن الرجل‬ ‫مجذوب إلى هللا ‪ -‬جذبا حقيقيا‪ ،‬ل ص وريا تمثيليا ‪ -‬وإن شئت فقل ‪:‬‬ ‫هو ق را ني حتى الهخاع ! يتهفس هواءه‪ ،‬و "يعش ق "حروفه‪ ،‬ويتلذذ‬ ‫بمعانيه ! أوا دركت أا نه ماض في هذا الطريق ( طريق الق را ن ) ‪ ،‬مهما‬ ‫أ‬ ‫والع قاب ! (جمع عق ب ة ) ‪ ،‬وكذلك كان؛ فإن ال ستاذ‬ ‫كانت ِ‬ ‫الص عاب ِ‬ ‫أ‬ ‫الل ْو ذ ِع ي ‪ -‬رحمه هللا ‪-‬رغم فحوليته في ال دب والشعر‪ ،‬والمقاصد‬ ‫أ‬ ‫وال صول ‪ ..‬؛ فإن طموحه الحقيقي‪ ،‬ومشروعه الع ْم ري‪ ،‬الذي‬ ‫استقر عليه أا خي را‪ ،‬ون سب إليه‪ ،‬واندمج فيه‪ ،‬ومات عليه ‪-‬إن شاء‬ ‫هللا ‪ -‬هو مجالس الق را ن‪ ،‬ومدارسة الق را ن‪ ،‬وتدبر الق را ن ! كان هذا هو‬ ‫أ‬ ‫ِه ِج يراه ‪ -‬بشهادة المؤالف والمخالف ‪-‬متا ثرا ‪ -‬في ظهي ‪ -‬بمدرسة‬ ‫أ‬ ‫الهور التركية ‪ ،‬وبا ستاذه ومربيه‪ ،‬العالمة الدك تور الشاهد‬ ‫البوشيخي الفاسي ‪ -‬بارك هللا في عمره ‪ -‬الذي ما فتئ يدعو أا يضا إلى‬ ‫‪83‬‬


‫‪/84‬‬

‫أ‬ ‫تدارس الق را ن‪ ،‬وتداول الق را ن‪ ،‬بمههجيته الفريدة‪ ،‬وا سلوبه الهادئ‬ ‫الرصين ‪!.‬‬ ‫وقد صادفت هذه العهاية بالق را ن هوى في نفس هذا العبد ‪ -‬بحكم‬ ‫أ‬ ‫أا ني طالب ق را ن ‪ -‬مهذ الط فولة ‪-‬ول أا زال ‪ -‬فتتبعت ال ستاذ في مسيرته‬ ‫الق را نية‪ ،‬شبرا بشبر‪ ،‬وذراعا بذراع‪ ،‬وانتظرت مهه ‪ -‬كالعادة ‪ -‬إنتاجا‬ ‫أ‬ ‫نوعيا في هذا المجال‪ ،‬يمال الف راغ‪ ،‬ويتسم باإلبداع ! إلى أا ن وقعت‬ ‫في يدي رسالته الس ي ارة "‪ :‬مجالس الق را ن "‪ ...‬فقلت في نفسي ‪:‬قد‬ ‫أ‬ ‫فعلها ال ستاذ وهللا ! وهذا هو المههج الذي كها نهتظره ونتوخاه !‪..‬‬ ‫هذا هو المههج ‪ -‬التعليمي ‪ -‬الفطري‪ ،‬الذي يتالءم ‪-‬إن شاء هللا‬ ‫تعالى ‪ -‬مع م راد ربها في تيسير الق را ن للذكر ‪ ،‬بعيدا عن التكلف‬ ‫والتعقيد ‪ ..‬ذلكم أا ن الق را ن ‪ -‬ياسادتي ‪ -‬رسالت هللا للعالمين‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أا جمعين‪ ،‬أا بتعين أا ك تعين ‪ ..‬ل ل ف راد معي ِه ين‪ ،‬أا و ل جهاس‬ ‫مخصوصين ‪.‬ومن ث م فال يهبغي تلويهه بلون حزبي‪ ،‬أا و مذهبي‪ ،‬أا و‬ ‫شخصي ‪ ، ..‬وهلم ج را ‪ .‬ويهبغي لكل إنسان‪ ،‬أا ي إنسان‪ ،‬أا ن يهال‬ ‫أ‬ ‫متعث را‪ ،‬أا ْو متعلما ماهرا ‪..‬‬ ‫قسطه من الق را ن ‪-‬ق ل ا و ك ث ر ‪ -‬م ت ْع ِت عا ِ‬ ‫ناظرا متدب را‪ ،‬أا و عالما مفسرا ! تلك هي أا مهيتي‪ ،‬وذاك هو مس لكي‪،‬‬ ‫إلى أا ن أا لقى ربي وخالقي ‪-‬إن شاء هللا ‪-.‬‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫و ِم ن ثم تفاعل ت مع فكرة " مجالس القرا ن " التي بش ر بها ال ستاذ؛‬ ‫رغم مثاليتها في الظاهر‪ ،‬واستعصائها على التطبيق ‪ -‬بضوابطها‬ ‫وشرو طها ‪-‬في عالمها وعصرنا‪ ،‬وبيئتها ومجتمعها؛ ْبي د أا ن ك ثيرا مما‬ ‫كها نعده في السابق مثال‪ ،‬أا ْو خيال‪ ،‬صار اليوم واقعا مشهودا ‪،‬‬ ‫‪84‬‬


‫‪/85‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫وحقيقة ماثلة " وهللا غالب على ا مره ولكن ا ك ثر الهاس ل يعلمون‪" .‬‬ ‫‪74‬‬ ‫سورة يوسف ‪.‬‬ ‫ول أا حب هاهها أا ن أا شغل نفسي أا و غيري في ذكريات هامشية بيهي‬ ‫أ‬ ‫وبين ال ستاذ ‪-‬رغم أا هميتها ودللتها في السياق العلمي والتربوي ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫وحسبي أا ن أا شير إلى أا همها أوا برزها ‪.‬فا قول وباهلل التوفيق ‪:‬‬ ‫لقد أرا يته ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬كيف تفاعل مع ا يات ق را نية‪ ،‬في مهاسبة‬ ‫غالية؛ حتى أا نه رفع عقيرته قائال‪ ":‬ا ِص بت ياجماعة بالنهيار ‪!".‬‬ ‫أ‬ ‫نداوة صوت ‪ ،‬أا ْو ح ْس ِن أا داء ‪...‬‬ ‫ومعلوم ا ن ذلك لم يكن بسبب ِ‬ ‫والمتهغ مون أا ك ثر ! ْ‬ ‫ولكن بسبب ا خر ‪ -‬في تقدير‬ ‫فالقراء غيرنا ك ثير !‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫هذا العبد ‪ -‬أا ل وهو تغل غل الرجل في معاني الوحي‪ ،‬وغو ص ه في‬ ‫أ‬ ‫أا عماقه !وهو ال ديب الذو اق‪ ،‬والم ْع ت ل المشتاق‪ ،‬الذي صدع‬ ‫الق را ن قلب ه‪ ،‬وملك عليه ل ب ه ! " ولو أا ن ق را نا س يرت به الجبال أا و‬ ‫أ‬ ‫ق ِط عت به ال رض أا و ك لم به الموتى "‪.75‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وكهت قد قر أا ت‪ -‬قديما ‪ -‬لكاتب صدوق أا ن ال ستاذ ال نصاري المغربي‬ ‫ل يدع قيام الليل في سفر وحضر ! أوا نه شاهد ذلك مهه على مدى‬ ‫أ‬ ‫أا سبوعين كاملين‪ ،‬في رحلة علمية بماليزيا؛ فتا ثرت ك ثيرا بهذه‬ ‫الشهادة الهادرة‪ ،‬وم ق ت نفسي ‪ ، ..‬وصارت كل شعرة في بدني ِتح ن ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫حقيقة ‪ -‬إلى هذا العبد القانت ! ثم سا لت ربي ‪-‬رغم ذنوبي وعيوبي ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫ا ن ي ري هي مهه ذلك عيانا؛ فإن هذا ‪ -‬وهللا ‪ -‬مما تق ر له العين‪ ،‬ويفرح‬ ‫ويع ز وجوده في ا خر الزمان !‬ ‫له الرب ‪ِ ،‬‬ ‫‪74‬سورة يوسف‪.‬‬ ‫‪75‬‬

‫سورة الرعد‬

‫‪85‬‬


‫‪/86‬‬

‫أ‬ ‫ولما نزل ال ستاذ الدك تور ‪-‬رحمه هللا ‪-‬ضيفا عزي زا على " تجمع‬ ‫المسلمين بفرنسا " شاء السميع المجيب ‪ ، ..‬أا ن أا كون إلى جواره في‬ ‫الفهدق ‪ -‬من غير تقدير مهي ول تدبير ‪ -‬فقلت في نفسي ‪ :‬سبحان هللا‬ ‫أ‬ ‫رب العالمين ! هذا هو ال نصاري بلحمه ودمه !‪ ..‬وهذا هو ليل‬ ‫أ‬ ‫العابدين‪ ،‬وروض المحبين ‪..‬فال نظر ماذا يكون ؟ !وما هي إل‬ ‫أ‬ ‫كدو ِي الهحل ‪ ..‬أوا زيزا‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫بالق‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫دو‬ ‫ستاذ‬ ‫لال‬ ‫لحظات حتى سمعت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫كا زيز المرجل ‪..‬؛ فا ْفق ت قائال ‪ :‬هللا أا كبر هللا أا كبر " !ص د ق الخب ر‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ال خ ْب ر " ! كانوا قليال من الليل ما يهجعون‪ ،‬وبال سحار هم‬ ‫‪76‬‬ ‫يستغفرو ن ‪«.‬‬ ‫العيون بلي ِل ها ل تهج ع‬ ‫مه ع الق ران بوع ِد ه وو عي ِد ِه *** م ق ل‬ ‫ِ‬ ‫ف ِه م وا عن الم ِل ِك العظي ِم كالم ه *** ف ْه م ا ِتذ ل له الرق اب وتخض ع‬ ‫و سمعته يق ر أا في بيتها سورة الفرقان ‪ -‬الحبيبة إلى قلبه ‪ -‬فلم أا ر‬ ‫أا خشع مهه‪ ،‬ول أا حرص على التدبر !يق ر أا رحمه هللا على السجي ة‪،‬‬ ‫به ْ‬ ‫مغر بية‪ ،‬ول يعهيه ‪ -‬فيما أرا يت ‪ -‬إل التلقي عن هللا‪،‬‬ ‫مة‬ ‫غ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫والستشفاء بكلمات هللا !ول ِزل ت إلى ا ل ن ا تغذ ى بهذه الحال !بل‬ ‫كلما است ْح ض ْرت ذلك ت ر ْق رق ْدم عي‪ ،‬ور ْف رف ْت روحي ‪ ،‬وصغرت‬ ‫أ‬ ‫إخالص ال ستاذ ‪-‬إن شاء هللا ‪-‬‬ ‫نفسي ! ولعل هذا من دلئل‬ ‫ِ‬ ‫ولإلخالص أا مارات أوا شراط ‪ ، ..‬ل تخطئها العين ‪ .‬ومن أا خلص هلل‬

‫ب ورك له في القليل‪ ،‬ودام عمله واتصل ‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫سورة الذاريات‪.‬‬ ‫‪86‬‬


‫‪/87‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫وكهت ا جده ‪-‬ا ْف س ح هللا في قبره ‪-‬يقف طويال ا مام الكلمات الق را نية‬ ‫والحديثي ة‪ ،‬ويجعلها هي المحور والجوهر ‪ ،‬والمقصد والغاية ‪، ..‬‬ ‫سائر‬ ‫وذاك م ِئ ه ة من فقهه ‪ -‬يرحمه هللا ‪ -‬فإن " فضل كالم هللا على ِ‬ ‫أ‬ ‫الكلم‪ ،‬ك فضل هللا على خلقه " كما جاء في ال ثر ‪.‬‬ ‫وكان ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬ل يقف أا مام كالم المفسرين إل بقدر الضرورة أا و‬ ‫الحاجة‪ ،‬ولربما اعترض على بعض التفاسير الكالمية الستطرادية ‪..‬‬ ‫‪ ،‬المغرقة في اإلعراب واإلغ راب‪ ،‬والتفريع والتسجيع‪ ،‬وقال ‪ " :‬إنها‬ ‫تحجب الهاس عن حقائق الق را ن ‪!".‬وربما أا ضاف – مازحا ‪ ":-‬مالي إذا‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ق را ت الق را ن فهمته ! وإذا ق را ت التفسير احتجت معه إلى تفسير !!‬ ‫"‪ 77‬أا و كما قال ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وكان ال نصاري ال كاديمي‪ -‬يرحمه هللا ‪ -‬كما عرفته ‪ -‬ل ي ْب خل ‪ -‬في‬ ‫حديثه ‪ -‬بالصالة على الهبي الكريم‪ ،‬والترضي عن ا له وصحبه‪،‬‬ ‫الحرص على ْ‬ ‫والترحم على ورثته‪ ،‬مع ْ‬ ‫تح لي ِة الق راء والعلماء‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫والصلحاء ‪ ..‬با لقاب الت ِج ل ة والتعظيم ! مسترشدا بقوله تعالى "ذلك‬ ‫ومن يعظم حرمات هللا فهو خير له عهد ربه ‪ " 78.‬وقوله عزو جل "‬ ‫والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربها اغفر لها وإلخوانها الذين‬ ‫‪79‬‬ ‫سبقونا باإليمان ‪" .‬‬ ‫وكان أا حب الق راء إليه ‪ -‬كما حدثهي ‪ -‬الشيخ محمد العالم الد وك الي ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وهو شيخ ليبي م تقن‪ ،‬إذا ق را الق را ن حسبت ه يخشى هللا ! ‪-‬وفي كل‬ ‫‪77‬‬

‫بصائر قرآنية(دروس مسجلة)‪.‬‬

‫‪79‬‬

‫سورة الحشر‬

‫‪78‬‬

‫سورة الحج‬

‫‪87‬‬


‫‪/88‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الق راء خير‪-‬بل إن ا ستاذنا ‪ -‬ا على هللا درجته ‪ -‬كان ي ِج ل ا هل الق را ن‬ ‫عامة‪ ،‬وي ثهي عليهم‪ ،‬وي ْد نيهم‪ ،‬ويتشفع لهم‪ ،‬ويعفو عن مسيئهم‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وي ص ِل هم با نواع ال ِه بات ‪ -‬كما حدثها الثقات ‪ -‬وهذا فرع عن مكابدة‬ ‫الق را ن‪ ،‬ومحبة الق را ن ‪ .‬فمن أا حب الق را ن أا حب أا هله ‪ -‬قول واحدا ‪. -‬‬ ‫يقول صلى هللا عليه وسلم "‪ :‬إن من إجالل هللا تعالى ‪ :‬إك رام ذي‬ ‫وحامل الق را ن غير الغالي فيه ول الجافي عهه‪،‬‬ ‫الشيبة المسلم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وإك رام ذي السلطان المقسط‪". 80‬‬ ‫وكان ‪ -‬يرحمه هللا ‪ -‬يسبغ الوضوء على المكاره ‪ -‬كما شاهدناه ‪ -‬ويطيب‬ ‫له ك ثيرا سرد حديث اإلسباغ‪ ،‬والتفصيل فيه ‪ .‬ويحافظ على‬ ‫والصالة بعده ‪ ،‬رغم مرضه وتعبه‪ ،‬ويردد "‬ ‫الوضوء (في سفره )‬ ‫ِ‬ ‫الوضوء سالح المؤمن "‪ 81‬بل إن الصالة كانت هي مالذه وسلواه‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أوا نسه ونجواه !! وما تا لم لشيء تا لمه ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬للعجز عن السجود‬ ‫أ أ أ‬ ‫الكامل‪ ،‬والركوع الكامل؛ بسبب داء الم فاصل ‪!!.‬وا ذكر ا ن ا حد‬ ‫أ أ‬ ‫أ‬ ‫العوام شكا إليه ال سقام وال لم ؛ فسا له ال ستاذ ‪ :‬أا تقدر يافالن على‬ ‫السجود؟ قال نعم ‪ .‬فعقب ‪ -‬بما معهاه ‪ :-‬إذن ما بك شيء‪ ،‬ما بك‬ ‫شيء ‪ !!...‬أا نت بخير أ‬ ‫ياا خي ‪ ..‬أا نت بخير ‪ ..‬احمد مولك‪ ،‬وك ف عن‬ ‫الشكوى !!‬ ‫أ‬ ‫ولم ا ط ل ع عليها ‪ -‬رحمه هللا ‪-‬في ندوة ال ئمة " بمهطقة ِل ْيل " سل م‬ ‫سالما خفيفا ‪ ،‬ومر بيهها مرو ر السهم‪ ،‬ثم توجه إلى قاعة الصالة‪،‬‬ ‫‪80‬‬

‫‪-‬رواه أبو داود (‪ )4841‬وحسنه النووي في "رياض الصالحين"‪.‬‬

‫‪-82‬وقد نسب األستاذ رحمه اهلل تعالى هذا القول ‪-‬في بعض دروسه ‪-‬سهوا‪ -‬إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬والوارد الثابت في ذلك‬ ‫هو حديث مالك في الموطأ" وال يحافظ على الوضوء إال مؤمن"‪ .‬وأما " الوضوء سالح المومن "فال يعرف له سند وأصل‪ ،‬ومعناه‬ ‫صحيح‪ ،‬كما قال أهل العلم‬

‫‪88‬‬


‫‪/89‬‬

‫أ‬ ‫ومكث في مصاله ما شاء هللا ا ن يمكث ‪ ،‬ي طفئ ِض رام و ْج ده بالركوع‬ ‫أ‬ ‫والمهاجاة والدعاء‪ ،‬ويشحن بط ارية رو حه ‪ ..‬؛ فتا ملت حاله‪،‬‬ ‫شا ن ‪ ،‬ونحن في ْ‬ ‫أوا ْي ق ْه ت ‪ -‬سادتي‪ -‬أا ن ه في ْ‬ ‫شا ن ! أا ي أا ن ه ب ْي ه ها‬ ‫بجسمه‪ ،‬ومع ربه بروحه ! كما قيل‪:‬‬ ‫أ‬ ‫ِج ْس مي معي غير ا ن الروح ْعه دكم‬

‫ْ‬ ‫وطن‬ ‫فالجسم في غ ر بة والروح في ِ‬

‫أوا شهد أا ني لم أا سمع درسا في " مفهوم اإلمامة " أا بلغ مما سمعت من‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ال ستاذ في مؤتمر ال ئمة ! وو هللا لقد أا سبى العقول‪ ،‬أوا سر القلوب‪،‬‬ ‫أ‬ ‫و قال كالما ت شد إليه الرحال‪ ،‬وتقطع إليه ال ميال‪ ،‬ولن تظفر به في‬ ‫ِس ْف ر أا و مقال ‪!.‬ول زلت أا ترجى إدارة المؤتمر الموقرة أا ن ت خرج لها‬ ‫هذا التسجيل ؛ فإنه ‪ -‬لعمري ‪ -‬من العلم الجليل‪ ،‬الذي يؤجر عليه‬ ‫المتكلم والمستمع والدليل ‪ ..‬ولو ق در للفقير أا ن يضع عهوانا لهذا‬ ‫أ‬ ‫الدرس الماتع لكان " فتح الباري ‪ ،‬في مفهوم اإلمامة عهد ال نصاري ‪".‬‬ ‫ومن درره التي ل تهسى‪ ":‬من جعله هللا إماما ساق إليه خلقه ! ‪".‬‬ ‫أ‬ ‫" وهللا إن لم يجعلك هللا إماما في السماء فلن تكون إماما في ال رض‬ ‫"! مشيرا إلى قوله تعالى ‪ " :‬إني جاعلك للهاس إماما‪" . 82‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وكم ر ِغ ْب ت إلى ال ستاذ الق را ني الرباني أا ن يؤمها في الصالة؛ ل تبرك‬ ‫بق راءته‪ ،‬أوا نهل من خشوعه ! فما كان جواب ه ‪ -‬رحمه هللا ‪-‬إل الرفض‬ ‫ولعل ي طو لت عليه أا حيانا في الصالة ‪ -‬من غير قصد مهي‬ ‫والمتهاع ! ِ‬ ‫ول عمد ‪-‬ولم أا راع ض عفه ‪ -‬كما علمتها السهة ‪ -‬فما تزحزح ‪ -‬رحمه هللا ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫ول تهحهح‪ ،‬ول تا ف ف ول ضجر؛ بل كان لسان حاله يقول في خشوع‬ ‫المؤمن‪ ":‬أا رحها بها يابالل " ! رغم ما كان يعانيه ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬من ا لم‬ ‫‪82‬‬

‫سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪89‬‬


‫‪/90‬‬

‫أ‬ ‫وا سقام‪ ،‬لو ن زلت ‪ -‬وهللا ‪-‬على جبل له د ْت ه ! فكيف بصاحب جسم‬ ‫ْ‬ ‫نحيف‪ ،‬وع ظ م واه ضعيف !‬ ‫أ‬ ‫ِنش طت للعبادة ال عضاء‬ ‫وإذا حل ت الهداية قلبا‬ ‫تاب " قهاديل الصالة " ؟ فمن يخطر‬ ‫ا و ل ْي س ‪ -‬ياسادة ‪ -‬هو صاحب ك ِ‬ ‫على باله مثل هذا العهوان‪ ،‬ومن ي فيض قلب ه بهذا العرفان‪ ،‬إل‬ ‫المتلذذون بالق را ن‪ ،‬المهاجون للرب الرحمن؟ !‬ ‫من ْ‬ ‫ْ‬ ‫من ‪ -‬ياصاح ‪ -‬يستطيع أا ن يص وغ بقلبه ووجدانه‪ ،‬ما صاغه فريد‬ ‫في " القهاديل "وفي " جمالية التدين "وس ائر أا عماله وك تبه‪ ،‬إل أا ن‬ ‫يكون عارفا بربه‪ ،‬م شاهدا بقلبه؟ !‬ ‫أ‬ ‫ومن الذكريات الطريفة مع ال ستاذ أا نه أا طل‪ -‬ذات يوم ‪-‬على‬ ‫مك تبتي المتواضعة‪ ،‬ثم سم ر عيهيه في زاوية مهها؛ فدفعهي‬ ‫الفضول إلى تتبع ما قصد؛ فإذا هي ك تب تفاسير ‪ ،‬ثم قال ‪:‬ما شاء‬ ‫أ‬ ‫هللا ! من كل فن طرف ! وعليك بك تاب " القبس‪ ،‬في شرح موطا‬ ‫مالك بن أا نس" ( لبن العربي المعافري المالكي ) ‪ .‬ثم أا طلعته على‬ ‫أ‬ ‫ك تابه المتين " أا بجديات البحث في العلوم الشرعية "فا طرق أرا سه‬ ‫حياء؛ فقلت ‪-‬على السجية ‪: -‬‬ ‫ياشيخ‪ :‬ع هدي مالحظة على ك تابكم ؛ فازداد حياء‪ ،‬وقال ‪ :‬هات‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫هات ‪ ..‬مرحبا مرحبا !! ‪..‬ف قلت‪-‬بال معهى‪ -‬مداعبا ‪ :-‬هذه ا بجديات ا م‬ ‫أا كاديميات !!‪ ..‬ليتك ‪ -‬رحمك هللا ‪ -‬بسطت الك تاب أا ك ثر حتى يعم‬ ‫الهفع‪ ! .‬قال ‪ :‬أا فعل إن شاء هللا ‪ .‬ثم قدمت له ت و ْي لفا في‬ ‫أ‬ ‫المقاصد (ل حد المعاصرين) فهظر إليه نظرة‪ ،‬وو ضعه جانبا ‪ .‬فلما‬ ‫‪90‬‬


‫‪/91‬‬

‫أ‬ ‫ثهيت بك تاب الفقيه عبد هللا بن بية ( صهاعة الفتوى وفقه ال قليات )‬ ‫هز أرا سه ‪ -‬طربا ‪ -‬و قال ‪ :‬أا ما هذا ففيه علم !‬ ‫والحق أا ني ما كهت أا عرف قدر الشيخ في " مقاصد الشريعة " حتى‬ ‫أا سمعهي الشيخ التجكاني ( رئيس المجلس العلمي ) بعض محاضراته‬ ‫في بلجيكا ‪ .‬والعجيب أا نها مرتجلة بالكامل‪ ،‬والحضور فقهاء علماء !‬ ‫وسبحان المعطي المانع !‬ ‫أ‬ ‫ومن الذكريات التي ل أا نساها مع الشيخ ال نصاري ‪ ،‬عليه الرحمة ‪:‬‬ ‫رحلتها إلى محطات الثلوج‪ ،‬بولية " ِل ف ْ‬ ‫وج "‪ ،‬رفقة الهجل خالد ‪.‬وكان‬ ‫أ‬ ‫الشيخ ما خوذا بجمال الطبيعة‪ ،‬دائم الذكر والتسبيح‪ ،‬سريع‬ ‫التواصل مع الغربيين‪ ،‬ك ثير الرحمة بهم ‪..‬ول سيما العجائز والزمهى‬ ‫‪.‬وما مر بشيخ أا و عجوز ‪..‬إل قال ‪ ( "bonjour " :‬صباح الخير )‬ ‫مستحضرا أا مر هللا تعالى " وقولوا للهاس حسها " ‪ ،83‬وما مر بب ر أا و‬ ‫أ‬ ‫فاجر ( من ا هل القبلة ) إل بش في وجهه‪ ،‬وا نسه بقوله ! حتى إن‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫الجيرة ‪-‬على غير العادة ‪ِ -‬فط هوا لمقدمه‪ ،‬واستا نسوا بطل عته‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وعج بوا ل خالقه !‬ ‫ِ‬ ‫هلل قوم إذا ح ل وا ب ْ‬ ‫ح ل اله دى ويسير الجود إن س ارو ا‬ ‫مه ِزل ة‬ ‫أ‬ ‫أوا ذكر أا نه قال ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬بتفاؤل المؤمن‪ ،‬وهم ة العالم‪ ":‬سا جتهد‬ ‫في تجويد فرنسيتي‪ ،‬أوا كرر زيارتي ! وا ْش هدكم أا ني قد صح ْح ت‬ ‫صورتي عن اإلسالم أوا هله في الغرب ! ما شاء هللا على ما أا نتم فيه من‬

‫‪83‬‬

‫سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪91‬‬


‫‪/92‬‬

‫أ‬ ‫خير ! الحمد هلل الذي جاء بي إليكم ! الحمد هلل الذي ا راني ما تق ر له‬ ‫العين ! ‪ "...‬أا و كالما هذا معهاه‪.‬‬ ‫وفي هذه المشاهد مقاصد ‪ ،‬أا برزها ‪:‬‬ ‫أ‬ ‫ضرورة العتهاء‪ ،‬بسادتها العلماء‪ ،‬وخصوصا ال حياء ؛ فإنما الهاس‬ ‫بقادتهم وسادتهم؛ فإذا ق ِب ض الفقيه القدوة؛ ق ِب ض معه العلم‬ ‫والفضل‪ ،‬وعم الظالم والجهل !وهلل در القائل‪:‬‬ ‫وما كهت أا دري ما فواضل ك ِف ه‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫فا صبح في لح د من ال رض ِمي تا‬

‫على الهاس حتى غي بته الصفائح‬ ‫وكانت به حي ا ت ضيق الص ح اصح‬

‫ومن ث م وجب ‪ -‬سادتي ‪ -‬الحتفال ‪ ،‬بعلم التراجم والرجال ‪.‬فكم من‬ ‫علوم ضاعت بسبب اإلهمال ! سيما أوا ن علماء المغرب الكبير ‪ -‬رضي‬ ‫هللا عههم‪ -‬موسومون ‪-‬في الجملة ‪ْ -‬‬ ‫بهض م الهفس‪ ،‬وتقزيم الذات‪،‬‬ ‫ْ أ‬ ‫أ أ‬ ‫إلى حد كبير !ول ي قبلون من ا حد ا ن ي ترجم لهم‪ ،‬ب ل ه ا ن ي ترجموا‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ل نفسهم با نفسهم ‪.‬ولم يخرق هذه العادة إل نزر يسير مههم ‪،‬‬ ‫أا مثال ‪ :‬العالمة الوز ير‪ ،‬محمد الح ج وي الفاسي الثعالبي ‪،‬ا لذي‬ ‫أ‬ ‫ترجم لهفسه ‪-‬على خجل ‪-‬في ( الفكر السامي ) ‪ ،‬وإمام ال دب‪ ،‬لسان‬ ‫الدين بن الخطيب‪ ،‬وإمام التاريخ ابن خلدون ‪..‬وا خرين معدودين‬ ‫معروفين ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ول ندري كيف ستعرف ال جيال الصاعدة رجالها وعلماءها إذا ا هملها‬ ‫فن التراجم والسير؟ !ولم ْ‬ ‫يس ع القادرو ن مها إلى إماطة اللثام عن‬ ‫أ‬ ‫سير هؤلء ال عالم‪ ،‬بالشكل التقليدي المعرو ف‪ ،‬أا ْو بفتح مواقع‬ ‫‪92‬‬


‫‪/93‬‬

‫إلك ترونية ‪ ،‬علمية‪ ،‬راقية ؛ تواكب العصر‪ ،‬وتستشرف المستقبل‪،‬‬ ‫‪84‬‬ ‫وتحترم ال خر؟ ‪!.‬‬

‫العالمة الحكيم‬ ‫ومن العلماء أال عالم الذين اك تحل ناظري برؤ يتهم‪ ،‬وطاب خاطري‬ ‫أ‬ ‫بهظرته م ‪ :‬سيد المسلمين‪ ،‬ومفخرة المؤمهين‪ ،‬ال ستاذ العالمة‬ ‫أ‬ ‫الوزير‪ ،‬الفقيه الحق ‪ -‬بالمعهى ال دق ‪ -‬عبد هللا بن الشيخ العالمة‬ ‫أ‬ ‫المحفوظ‪ 85‬بن بي ه‪ ،‬الشهقيطي ‪ ،‬المولود سهة ‪ 1935‬ميالدية ( ال ستاذ‬ ‫في جامعة الملك عبد العزيز في جدة ‪.‬‬ ‫وهو عالمة عالمي ‪ ،86‬متين التكوين‪ ،‬نادر الوجود‪ ،‬متعدد‬ ‫الخبرات‪ ،‬ك ثير المواهب‪ ،‬جميل الصفات ‪ ..‬فإلى جانب كونه شيخا‬ ‫فإنه يتميز بهضجه السياسي‪ ،‬وفكره الوسطي‪ ،‬وعمقه الفكري‪،‬‬ ‫الجم ‪ ،‬أوا دبه الع ِم ‪ ،‬وتجربته الطويلة‪،‬‬ ‫واجتهاده الفقهي‪ ،‬وتواضعه ِ‬ ‫ومعرفته الواسعة بالغرب‪ ،‬واختالطه برجاله‪ ،‬وتردده على معاهده‬ ‫ومدارسه ‪.‬‬ ‫وهو رجل إطفاء وإسعاف ‪ ..‬ومصالحة وإنصاف ‪ ..‬وتقريب وتغليب ‪.‬‬ ‫وخاصة وعامة ‪ .‬يحترمه العلماء والزعماء‪ ،‬والفقراء‬ ‫والبسطاء ‪ ..‬والعرب والعجم ‪ ..‬وسائر من عرفه ‪.‬‬ ‫‪".‬انظر –غير مأمور‪ -‬مقالتنا المنشورة على الشبكة العنكبوتية بعنوان‪ ":‬الدكتور األنصاري والدروس التي ال تنسى"جزء ‪9‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬

‫تربى في بيت علم حيث كان الوالد الشيخ المحفوظ ( رحمه اهلل ) من كبار العلماء‬

‫وقد تم اختياره من قبل جامعة جورج تاون كواحد من أكثر ‪ 50‬شخصية إسالمية تأثي ار لعام ‪9002‬م‬ ‫‪93‬‬


‫‪/94‬‬

‫ومن خالط الشيخ حار في تصهيفه‪ ،‬وتاه في تعريفه ‪ ..‬فقلبه‬ ‫قلب صوفي‪ ،‬وعقله عقل سلفي‪ ،‬وكالمه كالم فيلسوف‪ ،‬ونشاطه‬ ‫نشاط كهل‪ ،‬وذاكرته ذاكرة حافظ‪ ،‬واستهباطه استهباط مجتهد‪، 87‬‬ ‫أ‬ ‫وثيابه ثياب عامة ‪ ! .‬أوا غرب ما في ال مر أا نه وزير سابق‪ ،‬وقاض‬ ‫سابق‪ ،‬اعتاد ‪ -‬مهذ طفولته ‪ -‬أا ن ل يحمل نقودا في جيبه‪ ،‬ول يلبس‬ ‫ساعة في يده‪ ،‬كما قال بعظ مة لسانه ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وبعد ‪ ،‬فما قصتي مع هذا اإلمام ؟ وكيف ا ذن المولى بال غتهام؟‬ ‫الحقيقة أا نهي شاهدته ‪ -‬أل ول مرة ‪-‬على قهاة " أ‬ ‫إقرا " الفضائية‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫بعمامته المغربية‪ ،‬وب ل غته الفاسية‪ ،‬وس بحته العادية ‪ ..‬فتوسمت‬ ‫فيه الخير والصالح‪ ،‬والرشاد والرباح ‪ ،‬وحسبته إماما عاديا ‪ ،‬أا و‬ ‫فقيها مالكيا ‪ ،‬يهتسب إلى المدارس العتيقة ببالدنا ‪.‬وكان‬ ‫يتكلم ( بالفرنسية والعربية ) عن مشكالت الغرب‪ ،‬ونوازل الغرب ‪..‬؛‬ ‫فا عجبت غاية العجب بفقهه ونضجه‪ ،‬وحكمته وحلمه‪ ،‬وخشيت‬ ‫شيائ واحدا هو ‪ :‬أا ن يكون الشيخ الجليل بعيدا عن الواقع الغربي؛‬ ‫أ‬ ‫فيقع المحذور ( من حيث التهزيل ل من حيث التا صيل) ؛ بل طالما‬ ‫أ‬ ‫تساءل الفقير ‪ -‬بب راءة ‪ :-‬ما عالقة الشيخ البركة بفقه ال قليات ‪..‬‬ ‫وشؤو ن الجاليات؟ ! وما هي إل أا يام حتى سبرت غوره‪ ،‬وعرفت‬ ‫خيره ‪ ..‬وقد سهل علي ‪ -‬ياإخوتي ‪ -‬تصديق كل شيء إل أا ن يكون‬ ‫شيخها وز ي را ‪ 88‬أا ب وزير‪ ،‬وقاضيا أا ب سفير !‬ ‫بدهيات نغفل عنها‬ ‫وهو قبل ذلك وبعده‪-‬بطبيعة الحال‪ -‬بشر غير معصوم‪ ،‬يصيب ويخطئ ‪ ،‬ويذنب ويتوب ‪..‬وهذه َ‬ ‫‪ 87‬أحيانا‪.‬‬

‫‪-88‬وزي ار للتعليم األساسي والشؤون الدينية‪ ،‬ثم وزي ار للعدل والتشريع وحافظاً للخواتم‪ ،‬ثم وزي اًر للمصادر البشرية‪ ،‬ثم وزي اًر‬ ‫للتوجيه الوطني والمنظمات الحزبية‬

‫‪94‬‬


‫‪/95‬‬

‫وكان أا ول ما ق رأا ت له ‪ -‬فيما أا ذكر ‪ " :-‬صهاعة الفتوى "‪..‬وهو ك تاب‬ ‫متين‪ ، 89‬ل يصدر إل عن راسخ مكين‪ " ،‬ول ي سمح للهاظر ‪ ..‬أا ن‬ ‫يهظر فيه نظر مفيد أا و مستفيد‪ ،‬حتى يكون ري ان من علم الشريعة‬ ‫أا صولها وفرو عها‪ ،‬مهقولها ومعقولها ‪. " 90..‬‬ ‫ثم شاء هللا أا ن أا ق ر أا له في الدوريات والمهتديات ‪ .‬أوا ن أا تابعه في‬ ‫الدرو س الحسهية (ال رمضانية) ‪ ،‬والقهوات الفضائية ‪ ،..‬إلى أا ن نظرت‬ ‫إليه عيانا(في مطار باريس الدولي ) ‪ ،‬وكلمته واستفيت ه( هاتفيا ) ‪،‬‬ ‫وحضرت محاضرته (ب باريس )‪ ،‬وزارني حفيده المبارك ‪.‬ثم دار الفلك‬ ‫دورته‪ ،‬ووجدتهي غير بعيد عن عالمها في ليلة القرا ن ( الرمضانية) )‬ ‫أ‬ ‫بالرباط ( ‪،‬ت حت إشراف وزرارة ال وقاف ‪ .‬وكانت فرصة نادرة للسالم‬ ‫عليه‪ ،‬ت قربا إلى هللا تعالى ‪ .‬وفي نفس المهاسبة د عيها إلى مائدة‬ ‫أ‬ ‫إفطار ‪ ،‬ببيت السيد وزير ال وقاف والشؤو ن اإلسالمية؛ ففوجئت‬ ‫بوجود الدك تور العالمة بن بية ‪ ،‬وإلى جهبه نجله الدبلوماسي البار‬ ‫‪91‬‬

‫!‪..‬‬

‫أ‬ ‫وكان أا حظى الهاس به ‪ -‬في المقام ال ول ‪-‬رؤ ساء المجالس العلمية‪،‬‬ ‫وضيوف الدرو س الحسهية ‪ ، ..‬والكل يجله ويوقره‪ ،‬ويحبه ويعزه !‬ ‫وسبحان ال رافع الخافض‪ ،‬المعز المذل ! وكهت قد تحايلت‬ ‫للوصول إليه في هذه الفرصة؛ فلما أرا يت شيخها الشريف البقالي قد‬ ‫ه م بذلك ا ثرته وقدمته‪ ،‬وراعيت سهه وس بقه ‪ ،‬وعلمه وفضله‪ ،‬وهو‬ ‫‪89‬‬

‫‪.‬ليس الكتاب بكثرة أوراقه؛ بل بما حوى بين دفتيه‪ .‬كما قال الحكماء‬

‫‪).90‬حسب تعبير الشاطبي‪ .‬ويقصد كتابه" الموافقات"‪ .‬انظر‪ (:‬الموافقات‪83 /2‬‬ ‫‪91‬‬

‫ويتميز بتواضعه الجم‪ ،‬وتفانيه في خدمة والده‪ ،‬والبرور به‪ .‬فلله دره!‬ ‫‪95‬‬


‫‪/96‬‬

‫قبل ذلك وبعده شريكه في اإلفتاء؛ وزميله في " مجلس اإلفتاء‬ ‫أال ور وبي"‪..92‬‬ ‫والمقاصد من هذه المشاهد ك ثيرة أا برزها ‪:‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ا ‪ -‬طلب العلم من ال كابر ل من ال صاغر‪ ،‬ومن المعتدلين ل من‬ ‫أ‬ ‫الغالين ‪ .‬خالفا لما درج عليه السواد ال عظم ‪-‬في هذا الزمان ‪ -‬من‬ ‫تتبع كالم الغالة‪ ،‬والفتتان بمقولتهم‪ ،‬والمغالة في حبهم‪ " .‬وقد‬ ‫أ‬ ‫و جد بال ستق راء أا ن صوت الغالي أا قوى صدى أوا عظم استجابة؛ ل ن‬ ‫التوسط مي زان العتدال‪ ،‬ومن يحرص عليه قليل في كل عصر‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ومصر‪ ،‬أوا ما الغلو فمشرب ال ك ثر‪ ،‬ورغبة السواد ال عظم‪ ،‬وعليه‬ ‫درجت طوائ ف الملل والهحل‪" 93‬‬ ‫ب ‪ -‬عدم الحكم على الهاس ‪-‬سلبا أا و إيجابا ‪ -‬من خالل المظاهر‬ ‫الخارجية‪ ،‬فالم ظهر ‪ -‬على أا هميته ‪ -‬ل يصهع من الجاهل عالما‪ ،‬ومن‬ ‫الطالح صالحا ‪ ..‬وقديما قالوا ‪ " :‬ت رى الفتيان كاله ْخ ل ‪ ،‬و ما ي ْد ريك ما‬ ‫الد ْخ ل ! ‪ ".‬فشيخها العالمة الوقور ‪-‬بن بية ‪ -‬زاده هللا جمال وجالل ‪-‬ل‬ ‫يوحي مهظره ‪ -‬في العرف العربي ‪ -‬بالوجاهة واليسار‪ ،‬والسياسة‬ ‫والرياسة ‪ ،..‬و الطموح والرسوخ؛ ولكهه ‪ -‬كما علمت ‪-‬غارق في‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫السياسة إلى ال ذقان‪ ،‬محسوب على ال عيان‪ ،‬مستوعب للدساتير‬ ‫والقوانين‪ ،‬حافظ للمتون‪ ،‬مشارك في القراءات‪ ،‬ناظر في‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ال سانيد‪ ،‬خبير بالفقه‪ ،‬عالم في ال صول‪ ،‬رائد في التفكير‪ ،‬متجول‬

‫‪92‬‬ ‫‪93‬‬

‫ويحليه بالشيخ المبارك! وانه لكذلك‬ ‫وقد علمت أن الشيخ بن بية يجل أخاه الفقيه البقالي‪ُ ،‬‬ ‫‪.‬انظر" الجرح والتعديل" ص‪ 952:‬للعالمة القاسمى‬ ‫‪96‬‬


‫‪/97‬‬

‫في القارات‪ ،‬مشارك في الحوار ‪ ..‬شاهد على الهاس ‪ ..‬بارك هللا في‬ ‫عمره ‪ ،‬ونفعها بعلمه!‬ ‫ب ‪ -‬بيان أ ا ن " علم العالم ل يهضج إل بالمدارسة والممارسة " ‪ ،‬أوا ن‬ ‫أ‬ ‫ك ثيرا من العلماء ال عالم تغيب عههم الهظرة الصحيحة للوقائع‬ ‫أ‬ ‫وال حداث‪ ،‬والقضايا والمسائل؛ بسبب اعتكافهم في المساجد‬ ‫والمعاهد‪ ،‬والمك تبات والمكاتب ‪..‬وتورعهم عن المخال طة‬ ‫والمغالبة ‪ ..‬والمدافعة والم راجعة ‪ ..‬ولو زاحموا العامة بالمهاكب‪،‬‬ ‫وانخرطوا في المجتمعات‪ ،‬وجالوا في البلدان؛ لتفتحت عقولهم‪،‬‬ ‫وتبدلت نظرتهم‪ ،‬وصحت أا حكامهم ‪ .‬وكانوا ربانيين حقا وصدقا ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وإنما يساعد على ذلك ‪ -‬بعد اإلخالص – ال خذ بحظ وافر من علم‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المقاصد وال صول؛ ف " علم ال صول يوسع العقل‪ ،‬ويهير الذهن‪،‬‬ ‫‪ ..‬وتركه ضربة قاضية على العلم الديهي‪" . 94‬‬ ‫وكل هذا وذلك وذاك ل يهفع‪ -‬سادتي ‪ -‬إذا عششت العصبيات‬ ‫والحزبيات‪ ،‬والدنيويات والهفعيات ‪ ..‬وإنما المعصوم من عصمه‬ ‫هللا‪.‬‬

‫‪.94‬كما قال العالمة جمال الدين القاسمي في مراسالته المنشورة‬ ‫‪97‬‬


‫‪/98‬‬

‫مع الشيخ التليدي الكرفطي‬ ‫وقد ك فانا الشيخ المؤونة‪ ،‬وعرف نفسه بهفس ه‪ ،‬في ك تابه " ذكريات‬ ‫من حياتي "وهو أا علم بهفسه من غيره‪ ،‬وهللا أا علم بها جميعا ‪.‬‬ ‫وملخص التعريف أا نه ‪ :‬الشيخ عبد هللا بن عبد القادر بن محمد‬ ‫أ‬ ‫التليدي الكرفطي‪ ،‬الطهجي‪ ،‬الحسهي‪ ،‬الملقب با بي الفتوح‪،‬‬ ‫المولود بقرية الصاف من قبيلة بهي غرفط سهة ‪ 1347‬ه ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫بدا مشواره العل مي كعادة أا هل المغرب بحفظ كالم هللا عز وجل‪،‬‬ ‫ثم ذهب إلى قرية " امجا زليين " وحفظ المتون‪ ،‬ثم التحق بالمعهد‬ ‫أ‬ ‫الديهي‪ ،‬وانقطع ل سباب‪ ،‬وتفرغ للدراسة الحرة على يد علماء‬ ‫طهجة‪ ،‬ودام على هذا ثمان سهوات ‪.‬‬ ‫بعد ذلك رحل إلى القرويين بفاس‪ ،‬ولم يدم طويال لظرو ف خاصة‪،‬‬ ‫فعاد لبلده‪ ،‬ولزم العلماء الغماريين‪ ،‬وانتسب ‪ -‬خصوصا ‪ -‬إلى‬ ‫أ‬ ‫أا خيهم ال كبر‪ ،‬الحافظ المحدث أا حمد بن الصديق‪ ،‬رحمه هللا‪،‬‬ ‫ودرس عليه‪ ،‬والتزم طريقته ومههجه ‪.‬ثم تفرغ للتدريس‬ ‫أ‬ ‫والتا ليف ‪ ..‬حسب الوسع والطاقة‪ ،‬ورحل إليه الهاس من مهاطق‬ ‫أ‬ ‫شتى‪ ،‬وانتشرت مصهفاته في العالم اإلسالمي‪ ،‬وبال خص التفسير ‪.‬‬ ‫وس هات وههات ‪..‬‬ ‫وكانت له مراجعات ومدافعات‪ ،‬و هفوات وكبوات‪ِ ،‬‬ ‫حسب قوله في" الذكريات ‪..".‬‬ ‫وبعد‪ ،‬فما قصتي مع هذا الفقيه المدرس‪ ،‬والشيخ المحدث؟‬

‫‪98‬‬


‫‪/99‬‬

‫الواقع أا نهي ما درست عليه‪ ،‬ول انتسبت إليه‪ ،‬ول كهت حسن‬ ‫العتقاد فيه؛ بل كهت أا سمع عهه ما ل يرضي‪ ،‬أوا ق رأا عهه ما ل‬ ‫ي صدق ‪ ..‬وعهد هللا تجتمع الخصوم " وهللا الموعد " كما قال الذهبي‪.‬‬ ‫أوا ول من زهدني فيه أا ق رانه أوا ت رابه‪ ،‬وعصري وه وبلدي وه ‪ -‬لخالف‬ ‫قديم ‪-‬وما كهت أا عي ‪ -‬ياسادة ‪ -‬بصدق ‪ -‬المقولة السائرة " المعاصرة‬ ‫تهفي المهاصرة" ‪ ،‬أا و" المعاصرة حجاب"؛ بل ما كهت أا فهم ‪-‬‬ ‫بص راحة ‪ -‬الطبيعة ا لبشرية‪ ،‬كما هي‪ ،‬بال أا صباغ ول أا لوان ‪ .‬وزادني‬ ‫ازورارا عن الشيخ اطالعي على جزء له في الكرامات ‪ ..‬أوا ي كرامات؟‬

‫كراماته هو ‪ -‬ختم هللا لها وله بالخير ‪-‬في سرد طويل عريض ‪ ..‬فقلت ‪:‬‬ ‫ما هذا ؟ وما الداعي إليه؟ وشاء هللا أا ن أا تردد على طهجة ثالثين‬ ‫سهة‪ ،‬أا و أا ك ثر‪ ،‬دون أا ن تحد ثهي نفسي ‪-‬ولو مرة ‪ -‬بزيارته‪ ،‬أا و‬ ‫القت راب مهه ! والعجيب أا ن مدرسته على مرمى حجر من قرابتي !ولو‬ ‫شئت لوصلت إليه بال كلفة ول مشقة‪ ،‬ول خلة ول شفاعة ‪ ..‬وهكذا ‪..‬‬ ‫أ‬ ‫إلى أا ن أا ذن هللا بذلك ‪-‬في الوقت المهاسب ‪-‬على يد الخ الهف اعة‬ ‫المقدام‪ ،‬الفقيه سيدي أا حمد داود الودراسي ‪ -‬جزاه هللا خي را ‪.-‬‬ ‫فكيف تم ذلك؟‬ ‫الحقيقة أا ني نسيت المقدمات والمشوقات ( الداودية ) والذي أا ذكره‬ ‫ال ن هو أا ني كهت أا زو ر المك تبات‪ ،‬أوا طوف على الق رابات(ما بين‬ ‫أ‬ ‫المديهة القديمة والجديدة) ف اتصل بي الخ المذكور ( داود ) ورغبهي‬ ‫في م رافقته إلى مدرسة الشيخ التليدي‪ ،‬وحدثهي أا نه صديق‬ ‫صهره ( الحاج الحافظ سيدي عبد السالم جيد ) فوافقته ورافقته‪ ،‬وما‬ ‫بي نشاط ول همة؛ فلما دخلها مدرسته أا و زاويته وجدناها دار علم‪،‬‬ ‫‪99‬‬


‫‪/100‬‬

‫أ‬ ‫وما وى طالب ‪ ،..‬ل تختلف قليال ول ك ثيرا عن المدارس العتيقة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والرباطات القديمة ‪ ،..‬وسا لها عن الشيخ فقيل ‪ :‬إنه في غرفته‪ ،‬أا و‬ ‫أ‬ ‫مقصورته؛ فا ذن لها في الدخول‪ ،‬وسلمها عليه وجلسها ‪ ..‬وكان‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫البهو ا هال بالزوار ‪ ،‬معمورا بال خيار‪ ،‬من مخت ِل ف الديار وال مصار‪،‬‬ ‫ومههم بعض تالميذه بالغرب ‪ .‬والعجيب أا ن الشيخ ‪ -‬طيلة جلوسها ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫لم يهبس ببهت شفة‪ ،‬ولم يحرك لسانه ‪ -‬فيما أا ذكر ‪-‬إل في ال وراد‬ ‫أ‬ ‫وال ذكار‪ ،‬وشرب الشاي ‪ -‬ربما ‪ -‬فلما طال بها المقام‪ ،‬أا شرت على‬ ‫صاحبي داود‪ ،‬أا و أا شار علي بالستئذان‪ ،‬ثم قلت أا و قال صاحبي‪-‬‬ ‫أ‬ ‫على ال رجح ‪ -:‬ياشيخ‪ ،‬نحن أا ئمة في أا وروبا‪ ،‬وطلبة علم ‪ ، ..‬ونهتظر‬ ‫من فضيلتكم ك ْلي مة أا و وصية !‪ ..‬فهظر الشيخ نظرة متفرس أا و‬ ‫متوجس‪ ،‬وقال ما قال‪ ،‬ثم قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫وسلم ‪ " :‬أا ك ثر مهافقي أا متي قراؤها ‪!".‬وعاد إلى ورده وحزبه ‪.!.‬‬ ‫أ‬ ‫فا صبها بالذهول‪ ،‬وجهلها " سبب الهزو ل " ‪ ،‬وبقي ال مل ‪-‬عهدي ‪ -‬في‬ ‫أا ن يكون الحديث ضعيفا أا و موضوعا ؛ ولكن هيهات هيهات !‬ ‫فالشيخ – كما ل يخفى ‪-‬رجل الحديث ( رو اية ودراي ة) ؛ بل ل يكاد‬ ‫أ‬ ‫ي عرف إل به ‪.‬وا لحديث ( بلفظه وحرفه ) صححه ال لباني في السلسلة‬ ‫أ‬ ‫الصحيحة‪ ،‬وال رناؤو ط في تحقيقه لمسهد اإلمام أا حمد ‪ ..‬فلم يبق إذا‬ ‫إل التسليم والعتبار‪ ،‬واستكهاه المعهى ال ِم درار ‪ . .‬والمعهى ا يل ‪ -‬ول‬ ‫شك ‪ -‬إلى التسميع والتلميع‪ ،‬وطلب الدنيا بالدين ‪ .‬وهذا ل يكاد‬ ‫أ‬ ‫نسا ل هللا العافية ‪!-.‬‬ ‫يسلم مهه أا حد ‪-‬‬

‫‪100‬‬


‫‪/101‬‬

‫ورغم أا ن حديث " خيركم من تعلم الق را ن وعلمه‪ " 95‬كان ياسادتي‬ ‫أا قوى في السهد ‪ ،‬أوا جمل في البشارة ؛ فإن جذبة الشيخ‪ ،‬أا و رصاصة‬ ‫الرحمة نفعتهي‪ -‬أا يها السادة ‪ -‬ك ثيرا في م راقبة عملي‪ ،‬وتجديد نيتي‪،‬‬ ‫واتهام نفسي ‪..‬ول سيما بعد أا ن قرأا ت في " مدارج السالكين "‬ ‫و " إحياء علوم الدين " أا ن خوف الهفاق قطع ق ل وب الس ا ِب ِق ين‬ ‫أ‬ ‫ال ولين ( لعلمهم ِب ِد ِق ِه و ِج ِل ِه ‪ ،‬و ت ف ِاص ي ِل ِه و ج م ِل ِه ) أوا نهم س اء ْت‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫وس ِه ْم ؛ ح ت ى خ ش ْو ا ا ْن ي ك ون وا ِم ن ج م ل ِة ال م ه ا ِف ِق ين ‪.‬‬ ‫ظ ه ون ه ْم ِب ه ف ِ‬ ‫ْ ْ‬ ‫اب‬ ‫ومن الروايات المشهورة في هذا ا لمعهى قول ع م ر ب ن ال خ ط ِ‬ ‫ِل ح ذ ْي ف ة ‪ -‬ر ِض ي الل ه ع ْه ه م ا ‪-:‬ي ا ح ذ ْي ف ة ‪ ،‬ن ش ْد ت ك ِب الل ِه ؛ ه ْل س م ا ِن ي‬ ‫ل ك رس ول الل ِه ‪ -‬ص ل ى الل ه ع ل ْي ِه و س ل م ‪ِ -‬م ْه ه ْم ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬و ل ا ز ِك ي‬ ‫بعد ك أا حد ‪!!.‬‬ ‫و ق ال ْاب ن ا ب ي م ل ْي ك ة ‪ :‬ا ْد ر ْك ت ث ال ِث ين ِم ْ‬ ‫ْ‬ ‫اب م ح م د ‪ -‬ص ل ى‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اله ف اق ع ل ى ن ْف ِس ِه ؛ م ا ِم ْه ه ْم ا ح د‬ ‫الل ه ع ل ْي ِه و س ل م ‪ -‬ك ل ه ْم ي خ اف ِ‬ ‫ي ق ول ‪ِ :‬إ ن ِإ يم ان ه ك ِإ يم ِان ِج ْب ِر يل و ِم يك ا ِئ يل !‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫و ذ ِك ر ع ِن ال ح س ِن ال ب ْص ِر ِي ‪:‬ما أا مهه ( أا ي الهفاق ) ِإ ل م ه ا ِف ق ‪ ،‬و م ا‬ ‫خ اف ه إل مؤمن‪.‬‬ ‫وذ ِك ر ع ْن ب ْ‬ ‫ض الص ح اب ِة ‪ :‬ا ن ه ك ان يق ول ِف ي د ع ا ِئ ِه ‪ :‬الل ه م ِإ ِن ي‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ا ع وذ ب ك ِم ْ‬ ‫اله ف ِاق ؟ ! قال ‪ :‬ا ْن‬ ‫ش‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫اله ف ِاق ‪ .‬قيل ‪ :‬و م ا خ ش وع ِ‬ ‫وع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ي رى ال ب د ن خ ِاش ع ا‪ ،‬و ال ق ل ب ل ْي س ِب خ ِاش ع "‪.‬‬

‫‪95‬‬

‫‪.‬رواه البخاري عن عثمان بن عفان‬ ‫‪101‬‬


‫‪/102‬‬

‫ثم إني لقيت الشيخ الكبير ‪ -‬بعد سهوات ‪-‬في باحة استراحة بطهجة‪،‬‬ ‫وجددت الصلة به‪ ،‬وقبلت أرا سه‪ ،‬وشربها العصير معا‪ ،‬واستروحها‬ ‫معا ‪ ، ..‬ور أا ى مهي ور أا يت مهه ضعف البشر‪ ،‬وعياء البشر‪ ،‬وطبيعة‬ ‫البشر ‪ ، ..‬وتابعته من خالل إنتاجه العلمي الغزير‪ ،‬بدءا بذكرياته‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وانتهاء ب" در الغمام الرقيق برسائل أا حمد بن الصديق "‪96‬؛ فا يقهت‬ ‫أا نه صاحب همة عالية في البحث والتصهيف‪ ،‬والتدريس والتعليم ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫أا صاب أا م أا خطا ‪ -‬أوا نه من فقهاء البادية اله وادر الذين بهوا أا نفسهم‬ ‫أ‬ ‫با نفسهم‪ ،‬ولم يك تفوا بما تلقوه عن أا شياخهم من متون وفهون‪،‬‬ ‫وفروع وحواش ‪ ..‬ومقولت ونقول ‪ ..‬كما أا نهي أا كبرت في الرجل نقده‬ ‫الذاتي ‪ -‬المستمر ‪ -‬الدال على الصدق واله زاهة ‪ .‬ومن ذلك‬ ‫ك فه ( قديما )عن سب معاوية‪ ،‬رضي هللا عهه‪ ،‬وتراجعه عن القول‬ ‫بوحدة الوجود ‪..‬وهلم جرا من أا مور ‪ ..‬راجعها أا و تراجع عهها! ‪..‬‬ ‫فسببت له حرجا مع مريديه أوا شياعه ‪ ، ..‬وربما رم وه بالتخريف‬ ‫والتحريف ‪.‬‬ ‫وإن كاتب السطور‪ -‬غفر هللا له ‪ -‬ليستغرب ‪ -‬مع ذلك ‪-‬من إضراب‬ ‫الشيخ ‪ -‬التليدي ‪ -‬عن ق راءة الصحف والمجالت ‪-‬إن صح ذلك ‪ -‬تقليدا‬ ‫لشيخه الحافظ أا حمد بن الصديق‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬ويتساءل بجد ‪ :‬هل‬ ‫أ‬ ‫سيقلده طلبته أا يضا في ذلك؛ فيهشا جيل حافظ ناسخ مقلد ‪، ..‬‬ ‫مقطوع الصل ة بواقعه‪ ،‬ك ل على مجتمعه‪ ،‬ثقيل على أا مته‪ ،‬غريب‬ ‫على عالمه وعصره؟ ‪!.‬‬

‫‪..96‬وألستاذنا الشيخ بوخيزة نقد لهذا الكتاب ‪-‬كما بلغني‪ -‬وبهذا يروج العلم‪ ،‬وينشط الذهن‪ ،‬وتنكشف الحقائق‪.‬‬

‫‪102‬‬


‫‪/103‬‬

‫كما يستغرب الفقير غاية الغرابة ممن يطعهون ف ي الشيخ ( سرا‬ ‫وجهرا ) وبيههم وبيه ه أا ميال‪ ،‬لو قطعوها من أا جل الحوار لكان أا نفع ‪.‬‬ ‫ولو تفرغوا للتعليم لكان أا نجع ‪ .‬وزاد الطين بلة‪ ،‬والداء علة‪،‬‬ ‫والطهبور نغم ة ‪ ..‬دخول بعض العامة في الجدال العقيم‪ ،‬وإحياؤهم‬ ‫العظام وهي رميم ‪ .‬ويرى الشريف الشيخ بوخبزة أا بو أا ويس (بارك هللا‬ ‫في عمره ) أا ن معظم المشاحهات بين فالن وفالن ( من أا هل العلم )‬ ‫ي رجع إلى سعي الو شاة وشيط ه ت هم !!‪ ..‬وهذا كالم مجرب ! ‪.‬ومن‬ ‫أا قوال مالك رحمه هللا "‪ :‬إذا أرا يت الرجل يدافع عن الحق فيشتم‬ ‫أ‬ ‫ويسب ويغضب فاعلم أا نه معلول الهية؛ ل ن الحق ل يحتاج إلى‬ ‫هذا‪".‬‬ ‫أا ما العجب كل العجب فهو من أا ب رار أا غ رار ‪ ..‬ما عرفوا عن التليدي‬ ‫أا و الكرفطي إل أا نه صوفي ت وه ب‪ ،‬أا و وهابي تصو ف‪ ،‬ضاربين‬ ‫صفحا عن ذخائره وما ثره‪ ،‬وبصماته وحسهاته!‬

‫وحسن ما فعله المجلس العلمي بطهجة من تكريم‪ ،‬وما خص به ‪-‬‬ ‫الشيخ ‪ -‬من تعظيم ! ‪ ..‬فهو ‪ -‬مهما قيل ‪ -‬جدير بكل خير ‪ ..‬وما كان من‬ ‫ِس هات وه هات مه ا ومهه ومن غيره ‪ ..‬فهو من طبيعة البشر ‪..‬وقصور‬ ‫البشر ‪ ..‬واجتهاد البشر ‪ ..-‬قول واحدا ‪ -‬ولو رد علم العالم لطرقيته‬ ‫وصوفيته ‪ ..‬وسلفيته أوا شعريته ‪..‬لما بقي لها إل السباب والس راب ‪.‬‬ ‫والخ راب واليباب ‪ .‬فيا أا يها الهاقد أا بصر‪ ،‬ويا أا يها الهاق م أا قصر ‪..‬‬ ‫أ‬ ‫وتا ويل‪" . 97‬‬ ‫واذكر ‪-‬مرة أا خري ‪ -‬أا نه " ل تفسيق ول تضليل باجتهاد‬ ‫وهذا هو المقصد من هذا المشهد ‪.‬‬ ‫‪97‬‬

‫قاعدة ذهبية جليلة لعالمة الشام‪ ،‬المفسر اإلمام جمال القاسمي الشامي‪ ،‬رحمه اهلل‪ .‬انظر رسالته النفيسة" الجرح والتعديل‬ ‫‪103‬‬


‫‪/104‬‬

‫مع العالم الرباني‬ ‫أوا قصد أا ستاذنا الهف اع‪ ،‬وشيخها المطواع‪ ،‬الفقيه المبارك سيدي‬ ‫عبد هللا بن المدني السجلماسي الفاللي ( أا با عطاء هللا ) ‪ ،‬وي عرف‬ ‫بين العامة في بهي مالل بسيدي عبد هللا (وهو غير الشيخ عبد هللا‬ ‫المدني‪ ،‬الكاتب السياسي اإلعالمي الشرقي ) ‪.‬‬ ‫ولد الشيخ عبد هللا عام ‪ 1372‬ه ‪ 195 2‬م بهواحي الريصاني‪،‬‬ ‫أ‬ ‫تافياللت ( إقليم الرشيدية‪( ،‬ب المملكة المغربية ‪.‬ونشا وتربى في‬ ‫حجر والده الفقيه المدرس‪ ،‬الشيخ المدني رحمه هللا ( خريج جامع‬ ‫القرويين‪ ،‬أوا حد مراجع المذهب المالكي في زمانه )‪ .‬وعليه تلقى جل‬ ‫بلدي ه الشهير‪ ،‬أوا ستاذه‬ ‫الفهون والعلوم الشرعية‪ ،‬ناهيك عن ِ‬ ‫الضرير‪ ،‬العالمة اللغوي‪ ،‬الدك تور أا بي شكيب تقي الدين الهاللي‬ ‫أ‬ ‫رحمه هللا‪ ،‬حيث لزمه سهوات‪ ،‬وتلقى عهه ال دب والشعر‪،‬‬ ‫والعقيدة والحديث‪ ،‬والتجربة والخبرة ‪ .‬كما حدثها الشيخ ( مباشرة )‬ ‫أا نه درس على الفقيه المعرو ف‪ ،‬الشيخ المكي العليوي الحسهي‪،‬‬ ‫أ‬ ‫( والد أا خيها ال ستاذ سيدي محمد العليوي ( اإلمام والفقيه ال معرو ف‬ ‫في ستراسبورغ ونانسي ‪.‬‬ ‫وقد مر الشيخ أا بو عطاء هللا بم راحل في العطاء‪ ،‬وتجارب في البهاء‪،‬‬ ‫وابتاله هللا بالس راء والض راء‪ ،‬والمهع والعطاء ‪ .‬وكانت له مراجعات‬ ‫أ‬ ‫ومدافعات‪ ،‬ووقفات وتا مالت‪ ،‬و ِر ْح الت وسياحات ‪ ، ..‬ووغ ل في‬ ‫ِع رضه قوم‪ ،‬وتاه فيه قوم ‪...‬وو ضع هللا قبول ع جيبا في قلوب الطلبة‬ ‫أ‬ ‫وال ئمة والق راء والفقهاء والوجهاء ‪ ،.‬وشهد له الجميع بالعدل‬ ‫‪104‬‬


‫‪/105‬‬

‫والفضل ! وما حل بمكان إل وحل الخير‪ ،‬ونزلت البركة‪ ،‬بإذن هللا‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫أوا سعد الهاس به ‪ -‬حاليا ‪ -‬هم أا هل بهي مالل ونواحيها ‪.‬وله مهبر في‬ ‫مساجدها‪ ،‬ومدارس في ربوعها‪ ،‬وعضوية في مجلسه ا( العل مي)‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وهو أا حد أا عضاء المجلس العلمي ال على‪ ،‬أوا حد أا ركان الكراسي‬ ‫العلمية‪ ،‬مهذ تدشيهها ‪.‬وله موقع إلك تروني‪ ،‬وتسجيالت مرئية‪،‬‬ ‫وإطاللت تلفزيونية‪ ،‬وحضور مك ثف في الهدوات والمهاسبات‪،‬‬ ‫ومشاركة ‪ -‬مهتظمة ‪-‬في مؤتمرات تجمع المسلمين في فرنسا‪ ،‬ومكانة‬ ‫خاصة في قلوب الجالية العربية واإلسالمية بالديار أال ور وبية ‪.‬‬ ‫وبعد ‪ ،‬فما قصتي مع الرجل؟ وكيف تعرفت على الفقيه البركة؟‬ ‫الواقع أا نهي كهت أا سمع عهه ك ثي را‪ ،‬وتصلهي أا صداؤه في المغرب‬ ‫أوا ور وبا‪ ،‬أوا عرف من يعرفه من قرابتي‪ ..‬وكهت – بال مغالة – أا ش م‬ ‫عبيره من بعيد‪ ،..‬وا نس بوجوده في بالدنا المغربية؛ رغم أا ني لم‬ ‫أا ق ر أا له حرفا‪ ،‬ولم أا ق ر أا عليه حرفا !‬ ‫وكهت أا درك أا نه متين التكوين‪ ،‬طويل الباع‪ ،‬واسع الطالع‪ ،‬رفيع‬ ‫الهمة‪..‬؛ بيد أا ن ذلك ‪ -‬كله أا و بعضه ‪ -‬لم يكن لي غري الفقير ‪-‬إلى هللا ‪-‬‬ ‫بالسؤال عهه‪ ،‬وا لحتفال به‪ ،‬والرحلة إليه‪ ،..‬فالعلماء ‪-‬بهذا‬ ‫المعهى ‪ -‬ك ثير ‪ ،‬والمتعالمون أا ك ثر! ولكن الذي شد ني إليه ‪-‬بصدق ‪-‬‬ ‫وحببهي فيه ‪-‬بحق ‪ -‬هو ما أا لقاه هللا تعالى في القلب ‪-‬العليل ‪ -‬من‬ ‫ربانيته‪ ،‬ونورانيته‪ ،‬وصفائه و نبله ‪ ،‬وكهت ل أا شك ‪-‬طرفة عين ‪ -‬أا نه‬

‫‪105‬‬


‫‪/106‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫من أا هل الصيام والقيام‪ ،‬وال وراد وال ذكار‪ ..‬فم ن ل ورد له ل وارد له‬ ‫– كما يردد شيخها باستمرار ‪.-‬‬ ‫وكان ال فتى ‪-‬الط ل ع ة ‪ -‬يتساءل ‪-‬قديما ‪ : -‬هل الشيخ الفاللي نسخة من‬ ‫الهاللي؟ وهل سلفيته سلفية تجديدية رو حية‪ ،‬أا م تقليدية حرفية؟‬ ‫وهل إليه من سبيل؟ ولم يكن ثمة سبيل ‪ -‬في الحقيقة ‪ -‬إلى شيخها‬ ‫لبعد المهزل‪ ،‬وضعف الهمة‪ ،‬واعتالل الصحة‪ ،‬وندرة الوقت‪ ،..‬وما‬ ‫تيسر لي أا ن أا قر أا له مقال‪ ،‬أا و أا سمع له تسجيال؛ إلى أا ن أا ذن المولى‬ ‫الكريم بمثافهته (بمالزمته) في مؤتمر فور باك (السهوي)‪ ،‬صحبة‬ ‫أ‬ ‫أا خيها القديم‪ ،‬الشيخ القارئ الكوشي‪ ،‬ولفيف من ال ساتذة‬ ‫والوعاظ‪ .‬ول أا دري ‪-‬لحد ال ن ‪ -‬كيف تم استدعاؤه؟ ول كيف وصل‬ ‫الشيخ إليها أ(ا ول مرة)؟ والظاهر أا ن إدارة المؤتمر ‪ 98‬رتبت ذلك مع‬ ‫أ‬ ‫وزارة ال وقاف (كالعادة)‪ ،‬أا و جاء به الشيخ التجكاني من بلجيكا!‪.‬‬ ‫أوا ذكر أا نها ن زلها ضيوفا‪ ..‬عهد مترجم محترف ‪ ،‬ومحاسب إمام‪ . .‬اسمه‬ ‫الحاج فخر الدين‪ .‬وحدثها أا نه من جيرة الشيخ بن المدني في بهي‬ ‫مالل‪ ،‬ومن محبيه و م جليه‪..‬‬ ‫ثم انطلقها إلى قاعة المؤتمر ‪ .‬وكانت محاضرة الشيخ (بن المدني)‬ ‫عن "ا لوسطية " غاية في الحسن! لمست ‪-‬بإذن هللا ‪ -‬القلوب‬ ‫والعقول‪ ،‬وك تب هللا لها القبول‪ .‬وقد ترجمها ‪ -‬باقتدار ‪ -‬رئيس‬ ‫أ‬ ‫مجلس الديانة اإلسالمية باللور ين)‪ (crcm‬الخ الدك تور الهجدي‪،‬‬ ‫ي رحم هللا والديه! والعجيب أا ن المحاضرة كانت مرتجلة! و ما كل‬ ‫الهاس ي تقن الرتجال‪ ،‬ول سيما في هذا المجال‪ .‬وسبحان الفتاح‬ ‫العليم !‬ ‫‪98‬‬

‫متمثلة في رئيس الديانة اإلسالمية باللورين ‪ ،‬السيد الدكتور النجدي‪( .‬عميد مسجد السالم بنانسي)‪.‬‬ ‫‪106‬‬


‫‪/107‬‬

‫و بعد المحاضرة والترجمة سلمها على الشيخ‪ ،‬واستمتعها بمجالسته‬ ‫ومؤانسته‪ .‬و الحقيقة أا نهي لم أا سعد يوما بالسالم على رجل ‪ -‬بعد‬ ‫الوالدين وشيوخي في الق را ن ‪ -‬كما سعدت بالسالم على الوالد‬ ‫سيدي عبد هللا!‪ .‬أوا شعر شعورا صادقا أا نه سلم سالم المحب ين ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وهش ه ش اش المربين ‪ ،‬وكا نه يعرفها من مدة؛ بل كا نها أا حد أا بهائه‬ ‫وتالميذه !‬ ‫ثم شاء هللا تعالى أا ن ن رافق العال مة طيلة الرحلة‪ ،‬أوا ن يكون من‬ ‫نصيب الفقير في الضيافة الهبوية‪ .‬وهذه من أا عظم غهائمي !‬ ‫وكان ضيفها بركة ورحمة على أا هل البيت ‪ ،..‬قدوة في دخوله‬ ‫أ‬ ‫وخروجه‪ ،‬وا كله ونومه‪ ،‬ودرسه ونصحه‪ ..‬خفيف الظل‪ ،‬جميل‬ ‫القول‪ ،‬أا ليف المعشر‪ ،‬ك ثير المهاجاة! أوا ذكر أا ني سمعته يتلو في‬ ‫أ‬ ‫خلوته‪ " :‬ربها ل تجعل في قلوبها غال للذين ا مهوا" ‪ 99‬فتا ثرت‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ك ثي را‪ ،..‬وسا لت هللا تعالى ا ن يجيبهي ب لسانه‪ ،‬وي لحقهي بصالحه‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ويغسل قلوبها جميعا من الغل والحسد‪ ،‬ويمال ها بالخير والرش د!‬ ‫ونحسب أا ن الشيخ ‪ -‬إن شاء هللا ‪ -‬ممن أا كرمهم هللا بسالمة القلب‪،‬‬ ‫أ‬ ‫الح لم‪(..‬وهذا ما صدقه الخبير به‪ ،‬ال ستاذ‬ ‫وصفاء السريرة‪ ،‬ونعمة ِ‬ ‫المؤرخ‪ ،‬الشيخ مولي علي الريسوني )‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫فالهاس ا كيس من ا ن يحمدوا رجال‬

‫أ‬ ‫من غير ا ن يجدوا ا ثار إحسان‬

‫وما أا ك ثر ما طعن فيه الطاعهون‪ ،‬و تكلم فيه المرجفون‬ ‫والحاسدون‪ ،‬فما نالوا مهه إل الصفح والعفو‪ ،‬والدعاء والثهاء! وهذا‬ ‫أ‬ ‫ل يا تي من ف راغ؛ بل كما قال تعالى‪ " :‬وما يلقاها إل الذين صبرو ا وما‬ ‫يلقاها إل ذو حظ عظيم"‪100 .‬‬ ‫‪99‬سورة الحشر‬

‫‪100‬سورة فصلت‪.‬‬ ‫‪107‬‬


‫‪/108‬‬

‫وقد صحبها الشيخ في السفر ( الساعات ذوات العدد ) فانتفعها في‬ ‫اللغة والفقه ‪ ..‬والعلم عموما ‪..‬و لكن اسمحوا لي أا ن أا قول‪ :‬إن أا عظم‬ ‫ما ي ؤخذ عن الشيخ ‪ -‬في ظن هذا ال فقير ‪-‬هو‪ :‬عفة اللسان‪ ،‬وطهارة‬ ‫الج هان‪ ،‬وحقائق الق را ن ‪- ..‬ول نزكي على هللا أا حدا ‪ -‬وو هللا إنه لرجل‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫متميز با خالق ه‪ ،‬كبير با ذواقه‪ ،‬عجيب با شواقه !!‪..‬ل يشعرك في‬ ‫لحظة من اللحظات أا نك دونه علما وفهما‪ ،‬وفضال ونبال‪ ،‬ول‬ ‫يحوجك إلى اعتذار !‬ ‫إنه رجل إذا تكلم عن الهاس أا برز محاسههم‪ ،‬وتعامى عن‬ ‫سيائتهم ‪ ..‬فإذا اضطر إلى البيان قال ‪ :‬قد ي حب اإلنسان من وجه‬ ‫وي بغض من وجه !‬ ‫وإن الحديث عن شيخها يطول ويطيب! وهو حي يرزق ‪ -‬بارك هللا في‬ ‫عمره ‪ -‬ولها فرص أا خرى ‪ -‬إن شاء هللا ‪ -‬للتواصل معه‪ ،‬والههل من‬ ‫واسع علمه وفضله ‪ ،‬داخل المغرب أا و خارجه‪.‬‬ ‫ولول الموازنة والترجيح ‪ ،‬لما قرظهاه بكلمة ‪ ،‬أا و أا شرنا إليه بحرف‪،‬‬ ‫مراعاة لمشاعره‪ ،‬وإرضاء لخاطره ‪ ..‬؛ فإنه ‪ -‬أا على هللا ق دره ‪ -‬يكره‬ ‫أ‬ ‫المدح والثهاء‪ ،‬والشهرة وال ضواء ‪ ، ..‬ول يرى نفسه إل طالب علم‬ ‫صغير‪ ..‬يسد الف راغ‪ ،‬ويبذل المستطاع ‪ ..‬في زمان قل فيه العلم‬ ‫والعلماء‪ ،‬والحكمة والحكماء‪ ،‬واتسع الخرق على ال راقع !‪.‬‬ ‫وهكذا يهبغي أا ن يكون ظن العبد ‪-‬المومن ‪ -‬بهفسه دائما أوا بدا‪.‬‬ ‫مصداقا لقول هللا عزو جل‪ ":‬فال تزكوا أا نفسكم هو أا علم بمن اتقى"‪.101‬‬ ‫و إن التواضع ‪-‬ياإخوتي ‪ -‬من شيم العلماء الربانيين ؛ فإن العالم‬ ‫باهلل‪ ،‬موصول بربه‪ ،‬ا ناء الليل وا ناء الههار ‪ ..‬دائم الخشية‬ ‫‪101‬‬

‫سورة النجم‪.‬‬

‫‪108‬‬


‫‪/109‬‬

‫والدمعة‪ ..‬واإلنابة والتوكل ‪ ..‬والفتقار والنكسار! ومن عظ م‬ ‫أ‬ ‫العظيم ‪ ،‬و الرب ال على ( في صالته وتسب يحه) صغرت نفسه‪ ،‬وزكت‬ ‫أ‬ ‫روحه‪ ،‬وخسا شيطانه‪ ،‬واستوى عهده المدح والقدح ‪ ..‬واإلقبال‬ ‫واإلعراض‪ ..‬أوا صبح ل يشهد ‪ -‬في دنياه ‪ -‬إل الم هعم الوهاب‪ ..‬المعطي‬ ‫المانع‪ ..‬الكريم الرحيم ‪ ..‬العزيز العليم! وهللا تعالى ي عين شيخها ‪،‬‬ ‫ويكرمها بصحبته‪ ،‬وي هفعها بمحبته!‬ ‫و هذا هو المقص د عهدي‪.‬‬ ‫يتبع إن شاء هللا‪.‬‬

‫‪109‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.