الرجاء العظيم نظرة كاشفة للمعركة بني الخري والرش والفائز منهام
مقتطفات ُم َج َّمعة من كتاب الرصاع العظيم بقلم السيدة ال ْن ه َوايت
محتويات الكتاب
1ملاذا هناك معاناة؟
..........................................................................................................................................................................................................................................
2الرجاء يف النرصة عىل الرش 3إغراءات خطرية 4حياة أبدية
7 16 25 34 46 54 68 74 81 92 104
......................................................................................................................................................................................................
............................................................................................................................................................................................................................................
...............................................................................................................................................................................................................................................................
5الرجاء الزائف
....................................................................................................................................................................................................................................................
6السالم الحقيقي 7حصننا الوحيد
.............................................................................................................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................................................................................................................
8دفاعاً عن الحق
9الرجاء الحقيقي
..............................................................................................................................................................................................................................................
10اإلنقاذ العظيم 11نرصة املحبة
.............................................................................................................................................................................................................................................
...........................................................................................................................................................................................................................................
.............................................................................................................................................................................................................................................
ملاذا هناك
معاناة؟
يرى كثريون عمل الرش بنتائجه املرعبة ،وهي الشقاء والخراب ،فيتساءلون كيف ميكن أن يوجد كل هذا تحت سيادة ذاك الذي هو كيل الحكمة والقدرة واملحبة .واملدفوعون بدافع امليل اىل الشك واملامحكة يتمسكون بهذا كعذر لرفض الكلمة املقدسة .إن كالً من التقليد والتحريف قد لفّا بالغموض تعليم الكتاب املقدس عن صفات الله وطبيعة حكمه ومبادئ معاملته للخطيئة. من املستحيل علينا أن نوضح أصل الخطيئة بحيث نقدم سببا لوجودها. ومع ذلك ميكن فهم أصل الخطيئة واتجاهها النهايئ فهام كافيا إلعالن عدالة الله واحسانه .ان الله مل يكن مسؤوال عىل االطالق عن دخول الخطيئة ،والنعمة االلهية مل تسحب اعتباطيا ،ومل يُس َّجل نقص يف حكم الله افسح يف املجال لظهور العصيان .الخطيئة دخيلة وال ميكن تعليل وجودها .فتربيرها هو دفاع عنها .ولو وجد عذر لها او سبب لوجودها ملا اعتُربت خطيئة .إن الخطيئة هي نتيجة مبدأ يحارب رشيعة املحبة العظيمة التي هي أساس حكم الله. قبل دخول الرش كان يسود السالم والفرح أرجاء املسكونة .كانت املحبة لله سائدة ،ومحبة كل واحد لآلخر كانت غري مغرضة .فاملسيح الكلمة ابن الله الوحيد كان واحدا مع اآلب الرسمدي ،واحدا يف الطبيعة والصفات والقصد. وكان هو الكائن اإللهي الوحيد يف الكون الذي استطاع ان يطلع عىل كل
8
الرجاء العظيم
مشورات الله ومقاصده "فيه خلق الكل ما يف السموات ...سواء كان الساموية عروشا أم سيادات أم رياسات أم سالطني " (كولويس .)16 :1وألن ناموس املحبة هو أساس حكم الله فقد كانت سعادة كل الخالئق متوقفة عىل وفاقهم التام مع مبادئ الرب العظيمة .الله ال يرس باغتصاب الوالء ،وهو يوفر للجميع حرية االرادة ليك يؤ ّدوا له الخدمة الطوعية. ولكن وجد كائن اختار ان يفسد هذه الحرية .وقد بدأت الخطيئة املسيح خالقُه الذي حصل عىل كرامة عظيمة من بلوسيفر الذي مل يَ ُف ْق ُه إلَّ ُ الله ،ان لوسيفر قبل سقوطه كان هو أول كروب مظلل وكان مقدسا بال عيب" .هكذا قال السيد الرب أنت خاتم الكامل مآلن حكمة وكامل الجامل .كنت يف عدن جنة الله .كل حجر كريم ستارتك ...أنت الكروب املنبسط املظلل وأقمتك عىل جبل الله املقدس كنت. بني حجارة النار متشيت .أنت كامل يف طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم ...ق َِد ا ْرتَ َف َع قَلْ ُب َك لِ َب ْه َج ِت َك .أَف َْسدْتَ ِح ْك َمتَ َك ألَ ْجلِ بَ َهائِ َكِ " ".م ْن أَ ْجلِ أَن ََّك َج َعل َْت قَلْ َب َك كَ َقل ِْب اآللِ َه ِة"َ " .وأَن َْت قُل َْت ِف قَلْب َِك ...أَ ْرفَ ُع كُ ْر ِس ِّيي فَ ْو َق كَ َواكِ ِب الل ِهَ ،وأَ ْجلِ ُس َع َل َج َبلِ اال ْج ِت َم ِع ...أَ ْص َع ُد فَ ْو َق ُم ْرتَ َف َع ِ ل" (حزقيال 12 :28ـ 17؛ 6 :28؛ إشعياء :14 الس َح ِ ات َّ اب .أَ ِص ُري ِمث َْل الْ َع ِ ِّ 13و .)14 واذ كان يصبو اىل الكرامة التي قد منحها اآلب الرسمدي البنه ،طلب رئيس املالئكة هذا أن يحصل عىل السلطان الذي كان من حق املسيح وحده أن يستخدمه .إن نغمة ناشزة أفسدت التناسق واالنسجام بني السامويني.
ملاذا هناك معاناة؟
9
فخدمة الذات وتعظيمها أيقظت التشاؤم بالرش يف العقول التي كان مجد الله هو أسمى مطلب لها .لقد توسلت مجالس السامويني اىل لوسيفر .واستعرض ابن الله أمامه عظمة الخالق وصالحه وعدله ،وطبيعة رشيعته املقدسة غري املتغرية .فاذا خرج لوسيفر عىل ذلك النظام فسيهني صانعه ويجلب عىل نفسه الدمار .لكن االنذار املقدم مل يرث يف نفسه سوى روح املقاومة .وقد سمح لوسيفر بأن تتفىش روح الحسد للمسيح . هذا وان افتخاره مبجده غذى شوقه اىل السيادة .فالكرامات السامية التي أوتيها لوسيفر مل تقدر كهبة من الله ومل يُق َّدم ألجلها شكر اىل الخالق. لقد تاق اىل أن يكون مساويا لله .ومع هذا فان ابن الله كان هو امللك املعرتف به يف السامء وواحدا ً يف القدرة والسلطان مع اآلب .ويف كل مشورات الله كان املسيح رشيكاً ،يف حني مل يُسمح للوسيفر بأن يطلع عىل مقاصد الله .وقد تساءل هذا املالك العظيم قائالً" :ملاذا تكون السيادة للمسيح؟ وملاذا يكرم هكذا ويتفوق عىل لوسيفر؟" تذمر بني املالئكة -فاذ ترك مكانه يف محرض الله خرج الشيطان لينرش روح التذمر بني املالئكة .كان يعمل برسية عجيبة ،وقد أخفى اىل حني غرضه الحقيقي تحت مظهر التوقري لله محاوال ان يثري عدم الرىض عن الرشائع التي تحكم الخالئق الساموية ،موعزا املالئكة أنها تفرض عليهم روادع ال رضورة رص هو عىل وجوب أن يطيعوا ما متليه لها .وملا كانت طبائع املالئكة مقدسة أ َّ عليهم ارادتهم .وقد ص َّور لهم أن الله قد عامله بالظلم حني منح املسيح كرامة سامية .وادعى أنه ال يستهدف تعظيم نفسه امنا هو يريد أن يضمن الحرية لكل ساكني السامء حتى بهذه الوسيلة يبلغوا حالة وجود أسمى. لك ّن الله احتمل لوسيفر وصرب عليه طويال .فلم يحطَّه عن مركزه
10
الرجاء العظيم
السامي حتى عندما بدأ يتشدق بادعاءاته الكاذبة أمام املالئكة .وق ُِدم له الغفران مرة بعد االخرى عىل رشط التوبة والخضوع .ومثل هذه املساعي التي ال ميكن أن تبتكرها غري املحبة غري املحدودة والحكمة االلهية كان القصد منها اقناعه بخطئه .ان روح التذمر مل يسبق ان عرفتها السامء .ومل يكن لوسيفر نفسه يعرف يف البدء طبيعة مشاعره عىل حقيقتها .ولكن بعد أن تربهن انه ال يوجد مربر لتربمه اقتنع لوسيفر بخطئه ،وان مطالب الله عادلة ،وان عليه أن يعرتف أمام كل سكان السامء بعدالتها .فلو فعل هذا ألنقذ نفسه وأنقذ كثريين من املالئكة .فلو أنه كان راغبا يف الرجوع اىل الله وقانعا بأن يشغل املركز املعني له لكان قد تثبت يف وظيفته .لك ّن كربياءه منعته من الخضوع .وقال انه يف غري حاجة اىل التوبة وسلم نفسه متاما ليخوض غامر الرصاع العظيم ضد صانعه. وقد اتجهت كل قوى عقله الجبار اآلن اىل علم الخداع ليظفر بعطف املالئكة .وقد ص َّور الشيطان أنه قد ُحكم عليه ظلام وأن مركزه مل يُحرتم وأن حريته ستغفل ويُستغنى عنها .ثم انتقل من تحريف أقوال املسيح اىل املراوغة والكذب الرصيح املبارش اذ اتهم ابن الله بأنه يقصد اذالله أمام ساكني السامء. واتهم الشيطان كل الذين مل ينجح يف اغوائهم وجذبهم اىل طرقه بعدم االكرتاث ملصالح الخالئق الساموية .لجأ اىل تحريف أقوال الخالق وتشويه أعامله .لقد كانت سياسته أن يربك املالئكة بحجج ماكرة بخصوص مقاصد الله .وكل ما كان بسيطا لفَّه هو يف ستار من الغموض .وبتحريفه املاكر ألقى ظالل الشك عىل أبسط أقوال الرب .وكان مركزه السامي قد أَضفى قوة أعظم عىل ما صوره فأُغوي كثريون عىل االنضامم اليه يف التمرد. روح النفور يصري ثورة ناشطة -والله يف حكمته سمح للشيطان بالتقدم يف عمله ،وقد نضج روح النفور فصار ثورة ناشطة .كان من الرضوري ان
ملاذا هناك معاناة؟
11
يكتمل منو خططه متاما حتى يرى الجميع حقيقة طبيعتها واتجاهها .فلوسيفر قد احبته الخالئق الساموية حبا عظيام وكان تأثريه عليهم عظيام وقويا .وحكم الله مل يشمل سكان السامء وحدهم بل كل العوامل التي قد خلقها .وقد ظن الشيطان أنه لو استطاع أن يُرشك مالئكة السامء معه يف العصيان فسيكون قادرا ان يُرشك معه يف ذلك سكان العوامل االخرى .وباستخدامه املغالطة واالحتيال كانت قوته عىل الخداع عظيمة جدا .وحتى املالئكة املخلصون مل يدركوا خبايا ُخلُقه عىل حقيقتها وال رأوا يف أي اتجاه كان عمله سائرا. كان الشيطان قد أُكرم اكراما عظيام وكان يتسرت ويتخفَّى يف كل أعامله حتى صار من الصعب عليه أن يكشف للمالئكة طبيعة عمله عىل حقيقتها. ومل تكن الخطيئة تظهر كام هي رشيرة إىل أن اكتمل منوها .وادعى الشيطان يف البداية أنه إمنا يعمل عىل زيادة كرامة الله وتوطيد دعائم حكمه وضامن الخري لكل سكان السامء . مل يلجأ الله يف تعامله مع الخطيئة إالَّ اىل الرب والحق .أما الشيطان فكان ميكنه استخدام ما مل يستطع الله أن يستخدمه ،أي املداهنة والخداع .والصفة الحقيقية للمغتصب وغرضه الحقيقي ينبغي أن يفهمه الجميع .وينبغي أن يعطى وقتا فيه يُظهر نفسه بأعامله الرشيرة. ألقى الشيطان تبعة النزاع الذي أحدثه يف السامء عىل الله .وأعلن أن كل الرش هو نتيجة سياسة الله وحكمه .ولذلك غدا من الالزم أن يظهر طبيعة ادعاءاته ويُري نتائج التعديالت املقرتحة يف رشيعة الله .فالبد أن يدينه عمله نفسه .فكان يجب أن ترى املسكونة كلها ذلك املخادع بعد اماطة اللثام عنه. مل تُهلك حكمة الله الالمتناهية الشيطان حتى بعدما تقرر انه ال يستطيع أن يبقى يف السامء .ينبغي أن يرتكز والء خالئق الله عىل االقتناع
12
الرجاء العظيم
بعدالته .إن سكان السامء والعوامل األخرى إذ مل يكونوا مستعدين بعد إلدراك عواقب الخطية مل يكونوا يستطيعون أن يفهموا حينئذ عدالة الله ورحمته يف اهالك الشيطان .فلو كان قد ُمحي من الوجود يف الحال لكانوا هم يخدمون الله مدفوعني بدافع الخوف ال بدافع املحبة .وملا أمكن مالشاة تأثري ذلك املخادع متاما واستئصال روح التمرد كلية .فألجل خري املسكونة كلها مدى اجيال التاريخ كان ال بد للشيطان من أن ينرش مبادئه حتى ميكن للخالئق أن ترى اتهاماته التي وجهها اىل حكم الله عىل حقيقتها. كان البد أن يكون مترد الشيطان درسا لكل املسكونة وشهادة دامئة سيي النتائج املحتومة لطرح عىل النتائج املريعة للخطية .فحكم الشيطان ُ سلطان الله جانبا .وهكذا سيكون تاريخ اختبار هذا العصيان املرعب حارسا دامئا لألجناد السامويني يحفظهم من الخطيئة وقصاصها. وعندما أُعلن أنه هو وكل مؤيديه ال بد أن يُطردوا من موطن السعادة جاهر حينئذ رئيس العصاة ذاك بازدرائه رشيعة الخالق بكل جرأة .وقد ش َّهر بوصايا الله قائال انها تحد من حريتهم وأعلن انه يقصد ان ياليش الرشيعة .فاذ يتحرر اجناد السامء من هذا ا لرادع ميكنهم أن يدخلوا اىل حالة وجود أسمى وأمجد. مطرودون من السامء -وقد أجمع الشيطان وجنوده عىل أن يلقوا تبعة متردهم عىل املسيح؛ وأعلنوا أنهم ما كانوا ليتمردوا لوال التوبيخ الذي ُو ِّجه إليهم .ظل رئيس العصاة ومؤيدوه عنيدين و ُمتح ِّدين ،وعىل رغم تجديفهم كانوا يدعون انهم ضحايا السلطة التعسفية .وطُردوا أخريا من السامء. انظر رؤيا 7 :12ـ .9
ملاذا هناك معاناة؟
13
روح الشيطان هذه نفسها ال تزال توحي بالعصيان عىل األرض ومتلك اآلن عىل أبناء املعصية .فهم مثله يعدون الناس بالحرية عن طريق التعدي عىل وصايا الله .هذا ،وإن توبيخ الخطيئة ما زال يثري روح الكراهية .فالشيطان يجعلهم يربرون أنفسهم ويطلبون عطف اآلخرين ورضاهم عن طريق الخطيئة الذي هم فيه سائرون .وبدالً من تقويم سلوكهم واصالح اخطائهم يثريون الغضب عىل من يوبخهم كام لو كان هو سبب املتاعب. ومثلام ش ّوه الشيطان صفات الله يف السامء اذ جعله يبدو صارما ومستبدا ،أغوى الشيطا ُن الناس عىل ارتكاب الخطيئة .وأعلن أن نواهي الله غري العادلة هي التي ادت اىل سقوط االنسان مثلام ساقته هو اىل العصيان. ان الله بطرده الشيطان من السامء أعلن الله عدله وأبقى عىل كرامة عرشه .ولكن عندما اخطأ االنسان قدم الله الربهان عىل محبته اذ بذل ابنه الوحيد ليموت ألجل جنسنا الساقط .ففي الكفارة انكشفت صفات الله .ان حجة الصليب القوية تعلن لكل املسكونة ان طريق الخطيئة مل تكن تبعته لتقع عىل حكم الله .ويف أثناء خدمة املخلص عىل االرض فضحت صفات املخادع العظيم .ان تجديفه الجريء عندما طلب من املسيح ان يسجد له ،وحقده الذي ال يهجع الذي جعله يتعقبه من مكان اىل مكان ،وايغاره صدور الكهنة والشعب ضده حتى رفضوا محبته وأخريا ً رصخوا ضده قائلني" :أصلبه أصلبه". كل هذا أثار دهشة املسكونة وحنقها .لقد بذل سلطان الرش قصارى جهده وقوته ودهائه إلهالك يسوع .واستخدم الشيطان الناس وسائل يف يده ليمأل حياة املخلص باآلالم واالحزان .فنريان الحسد والخبث املحتبسة والكراهية وحب االنتقام اندلعت ألسنتها عند صليب جلجثة ضد ابن الله. أما اآلن فها اثم الشيطان يبدو بال عذر .لقد ظهر يف صفته الحقيقية.
14
الرجاء العظيم
وظهرت اتهامات الشيطان الكاذبة ضد الله وحكمه عىل حقيقتها .لقد اتهم الله بأنه امنا يطلب مجد نفسه فقط حني يطلب من خالئقه أن يقدموا اليه الخضوع والطاعة ،كام أعلن أنه يف حني فرض الخالق عىل الجميع أن ينكروا ذواتهم فانه هو نفسه مل ميارس انكار الذات ومل يُقدم أي تضحية .وقد رؤي اآلن أنه يف سبيل خالص الجنس الساقط الخاطئ أقدم حاكم الكون عىل أعظم تضحية ميكن للمحبة أن تقوم بها" :ألن الله كان يف املسيح مصالحاً العامل لنفسه" (2كورنثوس .)19 :5فإن املسيح ليك يبيد الخطيئة وضع نفسه وأطاع حتى املوت. محاججة ألجل اإلنسان -ولقد رأت السامء كلها إعالن عدله .وقد ادعى الشيطان أن الجنس البرشي الخاطئ بعيد عن متناول الفداء .لكن وقع قصاص الرشيعة عىل ذلك الذي كان معادالً لله .وكان لإلنسان مطلق الحرية لقبول بر املسيح وبحياة التوبة والتذلل ينترص عىل قوة الشيطان. لك ّن مجيء املسيح اىل العامل ليموت مل يكن ملجرد امتام الفداء .وامنا ليعلن لسكان العوامل جميعا يف كل املسكونة ان رشيعة الله ال تتغري .فموت املسيح برهان عىل ثباتها وعدم تغريها .ويعلن موت املسيح لكل املسكونة ان العدل والرحمة هام أساس رشيعة الله وحكمه .وعندما تنفذ الدينونة أخريا ً سيى أنه ال يوجد سبب للخطيئة وعندما يقدم ديان األرض هذا السؤال" :ملاذا ُ يل؟" فلن يكون هناك عذر ملبتدع الرش. عصيت ع َّ ففي رصخة املخلص وهو يسلم الروح "قد أكمل" دق جرس موت الشيطان .فذلك الرصاع الهائل* الذي كان محتدماً أمدا ً طويالً بُت فيه حينئذ وصار استئصال الرش نهائياً أمرا ً مؤكدا ً .فعندما "َيأْ ِت الْيَ ْو ُم الْ ُمتَّ ِق ُد كَالتَّ ُّنورِ، * إن "الرصاع العظيم" بني املسيح والشيطان يدور حول صفات الله وعدالته ورشيعته.
ملاذا هناك معاناة؟
15
اآلت ،ق ََال َر ُّب الش يَكُونُو َن قَشًّ اَ ،ويُ ْح ِرقُ ُه ُم الْ َي ْو ُم ِ َوك ُُّل الْ ُم ْستَك ِْبِي َن َوك ُُّل فَا ِع ِل َّ ِّ الْ ُج ُنو ِد ،فَالَ يُبْ ِقي لَ ُه ْم أَ ْصالً َوالَ فَ ْر ًعا" (مالخي .)1 :4 ولن يعود الرش للظهور يف ما بعد .ورشيعة الله ستكرم عىل أنها ناموس الحرية .والخليقة املمحصة املزكاة لن ترتد ثانية عن والئها لذاك الذي قد ظهرت صفاته عىل أنها املحبة التي ال يُسرب غورها والحكمة غري املحدودة.
الرجاء
يف النرصة عىل الرش
" َوأَضَ ُع َع َدا َو ًة بَ ْي َن ِك َوبَ ْ َي الْ َم ْرأَ ِةَ ،وبَ ْ َي ن َْسلِ ِك َون َْسلِ َهاُ .ه َو يَ ْس َح ُق َرأْ َس ِك، َوأَن ِْت ت َْس َح ِق َني َع ِق َب ُه" (تكوين .)15 :3هذه العداوة ال يرحب بها الناس عادة. فعندما تعدى االنسان عىل رشيعة الله صارت طبيعة اإلنسان رشيرة وعىل وفاق ووئام مع الشيطان .ولو مل يتدخل الله عىل نحو خاص لكان الشيطان قد تحالف مع االنسان ملحاربة السامء ولكانت االرسة البرشية كلها ت ُجمع عىل مقاومة الله. وعندما سمع الشيطان بأنه ستكون هنالك عداوة بينه وبني املرأة و بني نسله ونسلها علم انه بوسيلة ما سيكون االنسان قادرا عىل مقاومة سلطانه. نعمة من املسيح -يغرس املسيح يف النفس عداوة ضد الشيطان. وبدون هذه النعمة املجددة والقوة املغرية يرغب االنسان يف أن يظل أسريا للشيطان وعبدا له عىل استعداد دائم لتنفيذ أوامره .ولكن املبدأ الجديد الذي ُخلق يف النفس يخلق رصاعا .والقوة التي مينحها املسيح تعني االنسان عىل مقاومة الطاغية املغتصب .وأي من يقاوم ويغلب تلك االهواء التي قد تسلطت عىل قلبه يُظهر عملية املبدأ الذي هو من فوق اوال وآخرا.
الرجاء يف النرصة عىل الرش
17
ظهر العداء املستحكم بني روح املسيح وروح الشيطان بشكل مدهش جدا يف استقبال العامل ليسوع .إن طهارة املسيح وقداسته أثارتا عليه عداوة االرشار .فحياة انكار الذات التي عاشها كانت توبيخا دامئا للشعب الشهواين املتكرب .لقد تحالف ضده الشيطان واملالئكة االرشار مع الناس االرشار .تآمرت كل قوى االرتداد ضد بَطَل الحق .هذا العداء نفسه الذي ظهر ضد املسيح يظهر ضد تابعيه ،فأي انسان يقاوم التجربة يثري عىل نفسه غضب الشيطان. وتابعو املسيح ال ميكن التوفيق بينهم وبني عبيد الشيطانَ " .و َج ِمي ُع ال َِّذي َن يُرِي ُدو َن أَ ْن يَ ِعيشُ وا بِالتَّ ْق َوى ِف الْ َم ِسي ِح يَ ُسو َع يُضْ طَ َه ُدونَ" (2تيموثاوس :3 .)12 إن أعوان الشيطان يحاولون إغراء أتباع املسيح وإغواءهم حتى يبعدوهم عن والئهم له .وهم يحرفون الكتب املقدسة لتحقيق أغراضهم. ان الروح التي أماتت املسيح تحرض االرشار عىل اهالك تالميذه .كل هذا كان مرموزا اليه يف النبوة االوىل القائلة "وأضع عداوة بينك وبني املرأة وبني نسلك ونسلها". ملاذا ال يواجه الشيطان مقاومة أعظم؟ السبب هو أن صلة املسيحيني الحقيقية باملسيح ضئيلة جدا ً .كام أن الخطية يف نظرهم ليست منفرة وال كريهة كام كانت يف نظر سيدهم .وهم ال يواجهونها كام قد فعل املسيح بكل مقاومة وإرصار .وال يرون صفات الظلمة .انهم ال يدرون ان عدوهم قائد عظيم وجبار يحارب املسيح .وحتى من بني خدام اإلنجيل من يغفلون الرباهني عىل نشاطه .ويبدو أنهم يتجاهلون وجود الشيطان نفسه.
عدو يقظ -يُق ِْحم هذا العدو وجوده يف كل مصالح العائلة ويف كل
18
الرجاء العظيم
الشوارع ويف الكنائس ويف مجالس االمم ويف دور القضاء فريبك ويخدع ومي ِّوه. ويف كل مكان يهلك ارواح الرجال والنساء واالطفال وأجسادهم ويشتت شمل العائالت ويبذر بذار البغضاء والتنافس واملنازعات والفنت وجرائم القتل .ويبدو أن العامل يعترب أن الله هو الذي قد حكم بكل هذه املآيس وال بد من حدوثها. كل من ليسوا اتباعا أمناء للمسيح هم عبيد للشيطان .فعندما يختار املسيحيون معارشة االرشار وغري املؤمنني فهم يعرضون أنفسهم للتجربة .والشيطان يتخفَّى بعيدا من االنظار ويسدل ستارا عىل عيون الناس خلسة. ان مشاكلة العامل يف عاداته تجعل الكنيسة شبيهة بالعامل وال تهدي العامل اىل املسيح .وتع ُّود الخطيئة والتآلف معها ال بد أن يقلال من النفور منها وكراهيتها .واذ كنا ونحن نقوم بواجباتنا نج َّرب فلنا أن نتحقق من أن الله سيحرسنا ،أما اذا ألقينا بأنفسنا يف التجربة فسنسقط عاجال أو آجال. يعمل املجرب غالبا بنجاح منقطع النظري عرب الذين قلام يُشتبه يف أنهم تحت سيطرته .ان املواهب والثقافة يف حد ذاتها هي هبات من الله، ولكن اذا احتلت هذه االمور مكان التقوى فإنها متيس حينئذ لعنة ورشكا .كثريا ما يكون هنالك انسان مهذب يف عقله وممتاز يف عاداته هو آلة مصقولة يف يد الشيطان . دعونا ال ننىس أبدا ً اإلنذار اإللهي الذي يدوي عرب األجيال إىل يومنا هذا قائالً" :اصحوا واسهروا ألن إبليس خصمكم أسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو"" .البسوا سالح الله الكامل ليك تقدروا أن تثبوا ضد مكايد إبليس" (1بطرس 8 :5؛ أفسس .)11 :6إن عدونا العظيم يتأهب اآلن للقيام بحملته األخرية .وكل َمن يتبعون املسيح سيكونون يف نزاع مع هذا العدو .وكلام كان املسيحي أقرب متثال باملثال االلهي كلام ازداد تأكُّدا انه سيصري هدفا لهجامت
الرجاء يف النرصة عىل الرش
19
الشيطان. لقد هاجم الشيطان املسيح بأعنف تجاربه وأشدها مكرا وخبثا لكنه انهزم وارتد بعد كل معركة .وانتصارات املسيح تجعل انتصارنا أمرا ممكنا. يرض واملسيح سيمنح القوة لكل طالبيها .ولن ينهزم أحد أمام الشيطان ما مل َ هو بالهزمية .فليس للمج ِّرب قوة بها يسيطر عىل اإلرادة أو يرغم النفس عىل ارتكاب الخطيئة .قد يضايق النفس لكنه ال يستطيع أن يلوثها .وقد يسبب للقلب حزنا لكنه ال يستطيع أن يفسده قرسا .ان حقيقة كون املسيح قد انترص ينبغي أن تلهم اتباعه الشجاعة ليك يحاربوا بكل قوة وشدة بأس وهم ينازلون الخطيئة والشيطان. معونة املالئكة -ان ارتباط العامل املنظور بالعامل غري املنظور، وخدمة مالئكة الله وقوة االرواح الرشيرة ،كل هذا معلن بكل وضوح يف الكتب املقدسة ومتداخل ومحبوك يف التاريخ البرشي .إن املالئكة القديسني الذين يخدمون "العتيدين أن يرثوا الخالص" (عربانيني )14 :1يعتربهم الكثريون أرواح االموات .لكن الكتب املقدسة تقدم برهانا ال يتطرق اليه الشك عىل أن هذه ليست أرواح االموات متحررة من االجساد. لقد كان املالئكة موجودين قبل خلق االنسان ألنه عندما ُوضعت أساسات األرض "ترمنت كواكب الصبح معاً وهتف جميع بني الله" (أيوب .)7 :38وبعد سقوط اإلنسان أرسل املالئكة لحراسة شجرة الحياة .وكان هذا قبل أن مات إي إنسان .إن املالئكة
20
الرجاء العظيم
هم أسمى من الناس .ألن الكتاب املقدس يقول عن اإلنسان "وتنقصه قليالً عن املالئكة" (مزمور .)5 :8 يقول النبي" :وسمعت صوت مالئكة كثريين حول العرش" وهم ينتظرون يف مقصورة ملك امللوك" ،خدامه العاملني مرضاته"" ،عند سامع صوت كالمه"" ،ربوات وألوف ألوف" (رؤيا 11 :5؛ مزمور 20 :103؛ عربانيني .)22 :12 وكرسل الله هم يخرجون "كمنظر الربق" وهم يرسعون يف طريانهم .فاملالك الذي ظهر عند قرب املخلص ،وكان منظره "كالربق" أخاف الحراس فارتعدوا عي سنحاريب املتعجرف الله وجدف عليه وهدد "وصاروا كأموات" .وعندما َّ شعبه بالهالك فإن "مالك الرب خرج ورضب من جيش أشور مئة ألف وخمسة ومثانني ألفاً" (حزقيال 14 :1؛ متى 3 :28و 4؛ 2ملوك .)35 :19 رسل املالئكة يف مأموريات الرحمة اىل أوالد الله .فقد ذهبوا اىل يُ َ ابراهيم وقدموا اليه وعودا بالربكة ،واىل أبواب سدوم إلنقاذ لوط البار حتى ال يهلك بالنار .وأُرسل مالك اىل ايليا عندما كان موشكا عىل املوت من فرط االعياء والجوع يف الربية ،واىل اليشع ارسلت مركبات نار وخيل لتحيط باملدينة الصغرية التي كان اعداؤه قد حبسوه فيها ،واىل دانيال عندما طلب الحكمة االلهية يف بالط ملك وثني وعندما طرح يف الجب ليكون فريسة االسود ،واىل بطرس وهو محكوم عليه باملوت حني كان سجينا يف سجن هريودس ،واىل السجينني اللذين كانا يف فيلبي ،واىل بولس ورفاقه يف ابان العاصفة الهائلة التي ثارت عليهم يف تلك الليلة وهم يف عرض البحر ،واىل كرنيليوس ليفتح ذهنه فيقبل اإلنجيل ،واىل بطرس ليزوده برسالة الخالص لذلك االممي الغريب. وهكذا يف كل العصور خدم املالئكة القديسون شعب الله.
الرجاء يف النرصة عىل الرش
21
حراسة املالئكة -يوجد مالك معني لحراسة كل تابع للمسيحَ " .مال َُك ال َّر ِّب َح ٌّال َح ْو َل َخائِ ِفي ِهَ ،ويُ َن ِّجي ِه ْم" (مزمور .)7 :34واملخلص يف معرض كالمه الصغَارِ ،ألَ ِّن أَق ُُول لَ ُك ْم :إِ َّن عمن آمنوا به قال" :اُنْظُ ُروا ،الَ تَ ْحتَ ِق ُروا أَ َح َد ه ُؤالَ ِء ِّ الس َم َو ِ ات ك َُّل ِح ٍني يَ ْنظُ ُرو َن َو ْج َه أَ ِب" (متى .)10 :18وهذا التأكيد َمالَئِ َكتَ ُه ْم ِف َّ ال يعطى من دون حاجة إليه .فذلك بسبب وجود قوات الرش الجبارة التي عليهم أن ينازلوها ،قوات كثرية وعنيدة ال تكل. األرواح الرشيرة تعارض خطط الله -ان االرواح الرشيرة التي ُخلقت يف البدء بال خطية كانت عىل قدم املساواة مع الخالئق املقدسة الذين هم اآلن رسل الله ،يف طبيعتهم وقوتهم ومجدهم .ولكن النهم سقطوا اذ أخطأوا فقد تعاهدوا معا عىل اهانة الله واهالك بني االنسان .واذ اتحدوا مع الشيطان يف العصيان ،فقد تعاونوا معه مدى كل العصور املتعاقبة يف حربه ضد سلطان الله . ويذكر تاريخ العهد القديم وجودهم ،ولكن يف وقت وجود املسيح عىل االرض اظهرت االرواح الرشيرة قوتها بطريقة مدهشة جدا .كان املسيح قد أىت ألجل فداء االنسان فأرص الشيطان عىل السيطرة عىل العامل .لقد نجح يف توطيد دعائم الوثنية يف كل اقطار االرض عدا ارض فلسطني .وقد أىت املسيح إىل ذلك القطر الوحيد الذي مل يكن قد خضع متاماً لسلطان املجرب باسطا ذراعي محبته وهو يدعو الكل أن يجدوا فيه الغفران والسالم .وقد أدركت أجناد الظالم أنه لو نجحت رسالة املسيح فسينقيض سلطانهم ويزول رسيعاً. يبني العهد الجديد بكل جالء حقيقة كون الناس قد سيطرت عليهم الشياطني .واالشخاص الذين ابتُلوا بتلك البلوى مل يكونوا يقاسون فقط امراضا
22
الرجاء العظيم
ألسباب طبيعية .وقد كان املسيح يدرك ادراكا كامال وجود االرواح الرشيرة وفاعليتها .ان ذينك املجنونني البائسني ،يف جدرة ،اذ ابعدا عنهام كل رادع وهام يتلويان والزبد يخرج من افواههام وهام ثائران كانا ميآلن الجو برصخاتهام. كانا يقسوان عىل نفسيهام ويعرضان حياة كل َمن يقرتب منهام للخطر .ان جسميهام الداميني املشوهني وأفكارهام املشتتة قدمت صورة يهتز لها قلب سلطان الظلمة طربا .وقد أعلن أحد الشياطني التي كانت مسيطرة عىل ذينك الرجلني املعذبني قائالً" :اسمي لجئون ألننا كثريون" (مرقس .)9 :5إن كلمة "لجئون" كانت عند الجيش الروماين تعني فرقة من الجنود يرتاوح عدد رجالها ما بني ثالثة آالف وخمسة آالف رجل .وبأمر يسوع خرجت تلك االرواح الرشيرة من ذينك الرجلني املعذبني تاركة اياهام عاقلني وجالسني .وقد أُخضعا وعاد اليهام ذكاؤهام ورقتهام .ولكن الشياطني ُسمح لها بأن تكتسح قطيعا من الخنازير اىل البحر .وقد رجحت هذه الخسارة يف نظر سكان كورة الجدريني عىل كل الربكات التي قد منحها املسيح .فتوسلوا اىل هذا الشايف االلهي بأن ينرصف من تخومهم (انظر متى 23 :8ـ .)34فاذ ألقى تبعة هذه الخسارة عىل يسوع أثار مخاوف الشعب االنانية وحال بينهم وبني االستامع اىل اقواله. فقد سمح املسيح لألرواح الرشيرة أن تغرق قطيع الخنازير توبيخا ألولئك اليهود الذين كانوا يربون تلك الحيوانات النجسة طمعا يف الربح .فلو مل يردع املسيح الشياطني لكانوا قد أغرقوا يف البحر ليس الخنازير وحدها بل أيضا رعاتها وأصحابها. وزد عىل ذلك فانه قد ُسمح بوقوع هذه الحادثة حتى يشهد التالميذ قوة الشيطان القاسية عىل االنسان والحيوان حتى ال يخدعهم مبكايده .كام كان يريد أن يرى شعب تلك الكورة قدرته عىل تحطيم عبودية الشيطان واطالق
الرجاء يف النرصة عىل الرش
23
ارساه احرارا .ومع أن يسوع نفسه قد رحل فان ذينك الرجلني اللذين خلصا بكيفية معجزية بقيا ليعلنا عن رحمة َمن قد أحسن اليهام . وتوجد يف الكتاب املقدس حوادث مسجلة من أمثال هذه الحادثة. فقد كانت ابنة املرأة الفينيقية السورية معذبة من روح رشير لكن يسوع أخرجه منها بكلمة (مرقس 25 :7ـ .)30وكان هنالك شاب به روح أخرس "كثريا ً ما ألقاه يف النار ويف املاء ليهلكه" (مرقس 17 :9ـ .)27والرجل املجنون إذ كان يعذبه "روح نجس" (لوقا 33 :4ـ )36أزعج العابدين يف مجمع كفرناحوم يف سكون السبت" .كل هؤالء شفاهم املخلص الرحيم .ويف كل حالة من هذه الحاالت تقريبا كان املسيح يخاطب الشيطان ككائن عاقل آمرا اياه أن يخرج من االنسان وال يعود يعذبه .فاذ رأى العابدون يف مجمع كفرناحوم قدرة املسيح العظيمة "وقعت دهشة عىل الجميع وكانوا يخاطبون بعضهم بعضاً قائلني ما هذه الكلمة ألنه بسلطان وقوة يأمر األرواح النجسة فتخرج" (لوقا .)36 :4 فبعض الناس كانوا يرحبون بالتأثري الشيطاين طمعا يف امتالك قوة فائقة .هؤالء مل يكونوا بطبيعة الحال يف حالة حرب مع الشياطني .فمن هذه الفئة كان الذين بهم روح عرافة ،مثل سيمون الساحر وعليم الساحر والفتاة التي تبعت بولس وسيال يف فيلبي (انظر أعامل 9 :8و 18؛ 8 :13؛ 16 :16ـ .)18 الخطر -ال أحد مع َّرضاً لتأثري االرواح الرشيرة أكرث من الذين ينكرون وجود الشيطان ومالئكته .وكثريون يعملون مبقرتحاتهم يف حني يظنون أنهم امنا يتبعون ما متليه عليهم حكمتهم .ومع اقرتاب نهاية الزمن الذي فيه يعمل الشيطان بأعظم قوة ليضل الناس ويهلكهم ،يذيع يف كل مكان االعتقاد بأ ْن
24
الرجاء العظيم
ليس له وجود .فسياسته تبنى عىل كونه يخفي نفسه وطريقة عمله. ال يشء يخافه ذلك املضل العظيم أكرث من اطِّالعنا عىل حيله .فليك يخفي صفته الحقيقية ونواياه جعل الناس يصورونه عىل أنه ال يثري انفعاالً أعظم من السخرية او االحتقار .انه يرس جدا ً عندما يص َّور ككائن مضحك أو كريه أو مشوه ،نصفه حيوان ونصفه اآلخر انسان .وهو يرس عندما يسمع اسمه يستعمل يف معرض اللهو أو السخرية .فلكونه قد تنكر بدهاء ومهارة كاملني يُثار هذا السؤال" :هل ملثل ذلك املخلوق وجود حقاً؟" وألن الشيطان يستطيع بكل رسعة وسهولة أن يتحكم يف عقول الذين ال يدرون عن تأثريه تكشف لنا كلمة الله عن قوته الخفية وهكذا تجعلنا نتيقظ ونتحفظ من هجامته. األمان مع املسيح -يف وسعنا أن نجد الحامية والخالص يف قدرة فادينا الفائقة .اننا بكل حرص نوصد ابواب بيوتنا باملزالج واالقفال لحفظ ممتلكاتنا وأرواحنا من الناس االرشار ،ولكننا قلام نفكر يف املالئكة االرشار الذين يحاولون دامئا الوصول الينا وال حيلة لنا يف دفعهم عنا بقوتنا الذاتية .إن نسمح لهم بالدخول يشوشوا عقولنا ويربكوها ويصيبوا أجسامنا باالضطراب والعذاب ويتلفوا أمالكنا وحياتنا .أما الذين يتبعون املسيح فهم أبدا يف سالم وأمان تحت حراسته ورعايته .فاملالئكة املقتدرون قوة يرسلون من السامء لحفظهم. والرشير ال ميكنه أن يشق لنفسه طريقا يف وسط صفوف الحراس الذين قد أقامهم الله حول شعبه.
إغراءات
خطرية ان الرصاع الهائل بني املسيح والشيطان صار قريباً من نهايته ،والرشير يضاعف جهوده ليقيض عىل عمل املسيح ألجل االنسان .ان غرضه الذي يريد أن يحققه هو أن يبقي الناس يف الظلمة وصالبة القلب حتى تنقيض مدة وساطة املخلص .وعندما يسود يف الكنيسة عدم املباالة فالشيطان ال يهتم .ولكن عندما تسأل النفوس قائلة" :ماذا ينبغي أن أفعل ليك أخلص؟" عند ذلك ينربي إىل ساحة القتال محاوالً أن يستخدم قوته ضد قوة املسيح ويوقف تأثري الروح القدس. وعندما جاء املالئكة ذات مرة ليمثلوا أمام الرب جاء الشيطان أيضاً يف وسطهم ال ليسجد أمام امللك الرسمدي بل ليخدم غايته الخبيثة ضد األبرار (انظر أيوب .)6 :1وعندما يجتمع الناس ليعبدوا الله يجيء هو يف وسطهم لهذا الغرض نفسه و يعمل بخفاء طالبا السيطرة عىل أفكار العابدين .واذ يرى رسول الله وهو يفتش الكتب يأخذ هو مذكرة باملوضوع الذي سيعرض عىل الشعب وحينئذ يستخدم كل دهائه ومكره ليك يسيطر عىل الظروف بحيث ال تصل الرسالة اىل الذين يغرر بهم
26
الرجاء العظيم
يف ذلك ا ملوضوع بالذات .والشخص الذي هو احوج الناس اىل االنذار تُلزمه الظروف بأن يخرج ليشرتك يف صفقة تجارية تقتيض حضوره ،أو بوسيلة أخرى ُينع من سامع االقوال. ثم ان الشيطان يرى عبيد الرب واذا هم مثقلو القلوب بسبب الظالم الروحي الذي يكتنف الناس .وهو يسمع صلواتهم يف طلب النعمة والقوة االلهيتني للقضاء عىل سحر عدم االكرتاث واالهامل والكسل .حينئذ يحبك هو مؤامراته بغرية مجددة .فهو يجرب الناس لينغمسوا يف شهوة الطعام أو أي صورة من صور ارضاء شهوات النفس ،وهكذا يخدر حساسيتهم بحيث يخيبون من سامع الحقائق نفسها التي هم يف أمس الحاجة اىل سامعها وتعلمها. والشيطان يعرف جيدا ان كل من يستطيع أن يسوقهم اىل اهامل الصالة وتفتيش الكتب سينهزمون أمام هجامته .لذلك هو يبتكر كل حيلة ممكنة ليشغل العقل .إن املشتكني عىل األخوة يكونون دامئا نشيطني عندما يرون الله يعمل .ويصورون أعظم خدام املسيح حرارة وغرية وانكارا للذات عىل أنهم مخدوعون أو خادعون .فعملهم هو تشويه البواعث عىل كل عمل حقيقي ونبيل ونرش الوشايات واثارة الشبهات يف عقول البسطاء .فقد يُرى رسيعاً أبناء من هم ،وأي مثال يتبعون ،وعمل من يقومون به" .من مثارهم تعرفونهم" (متى .)16 :7إن ترصفهم يشبه ترصف الشيطان الوايش الذي يوغر الصدور" :املشتيك عىل أخوتنا" (رؤيا .)10 :12 الحق يُ َقدِّ س -لدى املضل العظيم الكثري من أنواع الضالالت الصطياد النفوس ،وهي معدة بحيث تناسب االذواق والكفاءات املختلفة للذين يريد أن يهلكهم .وخطته هي أن يضم اىل الكنيسة عنارص غري مخلصة وال متجددة
إغراءات خطرية
27
تشجع عىل الشك وعدم االميان .فكثريون ممن ال يوجد عندهم اميان حقيقي بالله يقبلون بعض مبادئ الحق وينجحون يف االمتحان ويُعتربون مسيحيني، وبذلك يكونون قادرين عىل تقديم ضالالتهم كتعاليم كتابية .يعرف الشيطان أن الحق الذي يقبله االنسان حبا به يقدس نفس من يقبله ،ولذلك يحاول الشيطان دامئا ان يستبدل الحق بنظريات وخرافات كاذبة وبإنجيل آخر .لقد ناضل عبيد الله منذ البدء ضد املعلمني الكذبة ليس فقط ملجرد كونهم قوما ارشارا بل النهم يغرسون يف اذهان الناس الضالالت واالكاذيب املهلكة للنفس. فإيليا وارميا وبولس قاوموا بكل شجاعة اولئك الذين كانوا يحولون الناس عن كلمة الله .وذلك التساهل الذي يعترب العقيدة الدينية السليمة عدمية االهمية مل يجد قبوال لدى هؤالء القديسني املدافعني عن الحق. ان التفسري الخيايل الغامض للكتاب والنظريات الكثرية املتضاربة الخاصة بالعقيدة املوجودة يف العامل املسيحي هي من صنع خصمنا العظيم ليك يربك العقول .ثم ان النفور والشقاق الكائن بني الكنائس يف العامل املسيحي يعزى اىل حد كبري اىل عادة تحريف الكتاب السائدة ليدعم نظرية محبوبة. البعض العقائد املغلوطة أو املامرسات التي ال صلة لها فليك يدعم ُ باملسيحية يتشبثون بفصل من الكتاب منفصل عن سياقه ورمبا يقتبسون نصف آية للربهان عىل صدق رأيهم ،يف حني أن باقي اآلية قد تربهن عىل يفسونها عكس ذلك .فبدهاء الحية ِّ يحصنون أنفسهم خلف ألفاظ مفككة ِّ لتالئم رغباتهم الجسدية .وهناك آخرون لهم خيال وتصور نشيطان يتمسكون بصور الكتاب املقدس ورموزه ويفرسونها بحيث تناسب اوهامهم ،مع التفات قليل اىل شهادة الكتاب الذي هو مفرس نفسه ،وحينئذ يقدمون أوهامهم عىل أنها تعاليم الكتاب .
28
الرجاء العظيم
الكتاب ،املرشد الوحيد -وكلام رشعنا يف درس الكلمة من دون روح الصالة واالتضاع واالستعداد للتعلُّم فان أبسط فصول الكتاب وأشدها تعقيدا عل السواء تُح َّرف عن معناها الصحيح .ينبغي أن يعطى الكتاب كله للشعب كام هو عىل بساطته. ولقد أعطى الله الناس كلمة النبوة الثابتة .أىت املالئكة بل حتى املسيح نفسه إلفهام دانيال ويوحنا ما ال بد أن يكون قريبا (رؤيا .)1 :1فتلك األمور املهمة املختصة بخالصنا مل تكن لترتك يف حال الخفاء والغموض .إن الكلمة واضحة لكل من يدرسونها بقلوب مصلية. ان الناس اذ ينطقون بكلمة التساهل* يتعامون عن مكايد العدو .واذ ينجح يف ابدال الكتاب املقدس بالنظريات البرشية يُلقي برشيعة الله جانبا وترزح الكنائس تحت عبودية الخطيئة يف حني أنهم ي َّدعون أنهم أحرار. ان الله سمح أن ينسكب فيض من النور عىل العامل يف االستكشافات يف العلوم .ولكن حتى أعظم العقول الجبارة ان مل تكن كلمة الله مرشدا لهم يف بحثهم فسريتبكون يف محاوالتهم أن يفحصوا العالقات بني العلم والوحي االلهي. إن املعرفة البرشية لألشياء هي معرفة جزئية ناقصة .ولذلك يعجز كثريون عن التوفيق بني آرائهم العلمية وحقائق الكتاب .وكثريون يقبلون النظريات واآلراء املحضة كحقائق علمية ويظنون أن كلمة الله يجب أن تخترب بتعاليم "العلم الكاذب االسم" (1تيموثاوس .)20 :6وألن الخالق وأعامله فوق إدراكهم ولكونهم ال يستطيعون إيضاح هذه األمور بالقوانني الطبيعية فهم يعتربون تاريخ الكتاب مام ال يُركن اليه .والذين يشكّون يف وثوق سجالت العهدين القديم والجديد وثباتها يتقدمون يف غالب االحيان خطوة جريئة * قبول األمر بأفق متسع أو التسامح مع وجهات النظر سواء كانت تتفق مع الكتاب املقدس أو ال.
إغراءات خطرية
29
اخرى فيشكون يف وجود الله .فحيث قد افلتوا املرساة من ايديهم يُرتكون ليصطدموا بصخور االلحاد. انها طُرفة من طرف مخادعات الشيطان كونه يجعل عقول الناس تبحث وتخمن ما مل يعلنه الله .عىل هذا النحو صار لوسيفر متربما ألنه مل يُستأمن عىل كل ارسار مقاصد الله واستخف متام مبا قد أعلن له .واآلن هو يحاول أن يرسخ الروح نفسها يف أذهان الناس وان يجعلهم يستخفون بأوامر الله الرصيحة. الحق لصلته بالصليب -وكلام كانت التعاليم املقدمة أقل يُ ْر َف ُض ُ روحانية وانكارا للذات كلام قبلها الناس برسور .والشيطان عىل استعداد الن مينح القلب مشتهاه وهو يلصق أكاذيبه يف موضع الحق .لقد بسطت البابوية سلطانها عىل عقول الناس بهذه الطريقة .و الربوتستانت يسريون يف الطريق نفسه .فكل من يهملون كلمة الله ليدرسوا آداب اللياقة واللباقة والسياسة حتى ال يكونوا عىل خالف مع العامل سيُرتكون ليقبلوا "الهرطقة اللعينة" بدال من الحق الديني2( .بطرس .)1 :2و َمن ينظر برعب اىل أحد الضالالت سيقبل ضالال آخرا ً برسعة*. أخطاء خطرية -من بني أنجح الوسائل التي يستخدمها املخادع االكرب هي التعاليم املضلة والعجائب الكاذبة التي يقدمها من يعتقدون مبناجاة األرواح .إذ يرفض الناس الحق يسقطون فريسة الضالل. وهنالك ضاللة خطرة أخرى وهي العقيدة التي تنكر الوهية املسيح اذ ت َّدعي أنه مل يكن له وجود قبل مجيئه اىل العامل .فهذه العقيدة تناقض مناقضة * يف كتاب الرصاع العظيم ،الذي هو املصدر املأخوذ منه هذا الكُتيب ،سيجد القراء قصة حول كيف ابتعد معظم العامل املسيحي تدريجياً عن تعاليم الكتاب املقدس.
30
الرجاء العظيم
رصيحة ألبسط الترصيحات التي نطق بها مخلصنا عن عالقته باآلب ،وصفاته االلهية ووجوده من قبل .فإنها أيضا تقوض االميان بالكتاب كإعالن من الله. فاذا كان الناس يرفضون شهادة الكتاب املوحى به عن الهوت املسيح فعبثا نجادلهم يف ذلك ألنه ال ميكن ألي حجة أن تقنعهم مهام تكن قوة اقناعها عظيمة .وكل من يعتنقون هذه الضاللة ال يستطيعون إدراك صفات املسيح أو رسالته إدراكاً حقيقياً ،وال يعرفون تدبري الله العظيم لفداء اإلنسان. ثم هنالك ضاللة أخرى ماكرة وخبيثة وهي االعتقاد بأن الشيطان ال وجود له ككائن شخيص ،وان االسم الذي قد أطلقه عليه الكتاب امنا ذكر فقط لتصوير أفكار الناس ورغائبهم الرشيرة. والتعليم بأن املجيئ الثاين هو مجيئه لكل فرد يف ساعة املوت امنا هو مكيدة لتحويل أفكار الناس عن مجيئه بنفس ِه عىل سحاب السامء .لقد ظل الشيطان يقول عدة سنني" :ها هو يف املخادع" (انظر متى 23 :24ـ .)26وقد هلكت نفوس كثرية بسبب هذه الضاللة. ورجال العلم يدعون أنه ال ميكن أن تكون هنالك اجابة حقيقية للصالة ،وان ذلك يكون خرقا للنواميس ،وانه معجزة ،واملعجزات ال وجود لها. ويقولون ان الكون تحكمه نواميس ثابتة والله نفسه ال يفعل شيئا مناقضا لهذه النواميس .وهكذا يصورون الله عىل أنه محكوم ومرتبط بنواميسه ،كام لو أن عمل النواميس االلهية يح ِّرم عىل الله التمتع بالحرية االلهية . أفلم يصنع املسيح وتالميذه معجزات؟ إن ذلك املخلص نفسه يرغب يف االستامع إىل صالة اإلميان كام كان حني كان يسري بني الناس بهيئة منظورة. ان الطبيعي يتعاون مع ما هو فوق الطبيعة .انه جزء من تدبري الله أن مينحنا، إجابة لصلوات االميان ،ما مل يكن ليمنحنا اياه لو مل نطلبه.
إغراءات خطرية
31
النظر إىل الكتاب املقدس بعني الشك -إن التعاليم املغلوطة واآلراء الوهمية التي تتفىش يف الكنائس تزيل املعامل املثبتة يف كلمة الله. وقليلون هم َمن يتوقفون عند رفض مبدأ واحد من مبادئ الحق .فالغالبية العظمى يظلون يطرحون جانبا واحدا بعد اآلخر من مبادئ الحق حتى يصريوا ملحدين بالفعل. قادت اخطاء الالهوت الرائج شعبياً اىل الشك .ذلك انه يستحيل عىل املؤمن ان يتقبل عقائد تنتهك حسه بالعدالة والرحمة وحب الخري؛ والن عقائد كهذه ُصورت عىل انها متثل الكتاب املقدس فقد رفضت هذه النفوس تق ُّبلَه ككلمة الله. ينظ ُر اىل كلمة الله نظرة الشك ألنها توبخ الخطيئة وتدينها .فالذين ال يرغبون يف إطاعة متطلباتها يحاولون أن يهدموا سلطانها .وكثريون يصريون ملحدين ليك يجدوا تربيرا أو عذرا إلهامل واجبهم .وآخرون يفرطون يف حب الراحة بحيث ال يربزون أنفسهم بإنجاز أي عمل يتطلب بذل املجهود وانكار الذات ،فهم يهدفون اىل االشتهار بحكمة سامية بانتقادهم الكتاب املقدس. ويوجد الكثريون ممن يبدو أنهم يحسون أن الفضيلة هي يف الوقوف اىل جانب عدم االميان والشكوك وااللحاد .كثريون يرسون لو وجدوا يف الكتاب املقدس شيئا يربك عقول اآلخرين ويحريهم .بعض الناس يف بادئ االمر ينتقدون ويتحاجون عىل الجانب املخطئ ملجرد حب الجدال .ولكن مبا أنهم جاهروا بعدم اإلميان فإنهم بذلك يتحدون مع األرشار. الربهان الكايف -لقد أعطى الله يف كلمته الربهان الكايف عىل صفتها اإللهية .ومع ذلك فعقول الناس محدودة قارصة عن أن تدرك ادراكا كامال
32
الرجاء العظيم
تدابري الله غري املحدودة ومقاصده "يَا لَ ُع ْمقِ ِغ َنى الل ِه َو ِح ْك َم ِت ِه َو ِعلْ ِم ِه! َما االس ِتق َْصا ِء!" (رومية .)33 :11وال نزال أَبْ َع َد أَ ْحكَا َم ُه َعنِ الْ َف ْح ِص َوطُ ُرقَ ُه َعنِ ْ نرى محبته ورحمته الالمحدودتني واملرتبطتني بالقدرة غري املتناهية .إن أبانا الساموي سيعلن لنا مقاصده بقدر ما هو من صالحنا أن نعرفه ،ولكن أكرث من هذا علينا أن نثق بيد الله القدير وقلبه املفعم باملحبة. إن الله لن يلغي كل عذر لعدم اإلميان .فكل من يبحثون عن خطاطيف يعلقون عليها شكوكهم سيجدونها .والذين يرفضون قبول كلمة الله واطاعته اىل أن يُزال كل اعرتاض وال يعود بعد مجال للشك فلن يأتوا اىل النور .إن القلب غري املتجدد هو عداوة لله .أما االميان فهو ما يلهمه الروح القدس ،وهو سيزهر وينمو عىل قدر ما يتغذى .وال يستطيع انسان أن يصري قويا يف االميان من دون أن يبذل جهدا وعزما .وإذا كان الناس يعمدون اىل التساؤل واملامحكة فسيجدون أن شكوكهم تزداد رسوخا عىل الدوام. لك ّن الذين يشكون يف مواعيد الله وال يثقون بيقني نعمته امنا يهينون املسيح .انهم أشجار عقيمة تنرش ظاللها القامتة يف كل مكان وتحجب نور الشمس عن النباتات االخرى وتجعلها تذوي ومتوت تحت ظلها القارس الربد. وسيظهر عمل اولئك الناس مدى الحياة شهادة ضدهم تبقى عىل الدوام . ليس أمام الذين يرغبون بكل اخالص أن يتحرروا من الشكوك غري طريق واحد يسلكونه .فبدال من التساؤل واملامحكة يف ما ال يفهمونه ليلتفتوا اىل النور الذي قد أرشق عليهم وحينئذ سيحصلون عىل نور أعظم . يستطيع الشيطان أن يقدم تقليدا للحق قريب الشبه به جدا بحيث يخدع الذين يرغبون يف أن ينخدعوا والذين ال يرغبون يف التضحية التي يطلبها الحق .ولكن يستحيل عليه أن يُبقي تحت سيطرته نفسا واحدة ترغب مخلصة
إغراءات خطرية
33
يف معرفة الحق مهام تكن الكلفة .ان املسيح هو الحق وهو "النور الحقيقي الذي ينري كل إنسان آتياً إىل العامل"" .إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم" (يوحنا 9 :1؛ .)17 :7 ان الرب يسمح أن يجتاز شعبه يف بلوى التجربة املحرقة ال ألنه يرس بوقوع الضيق أو البلوى عليهم بل الن هذه العملية الزمة وجوهرية لنرصتهم النهائية .انه مل يستطع ،مبا يتفق مع مجده ،أن يقيهم من التجربة الن غاية التجربة هي اعدادهم ملقاومة كل مغريات الرش .ولك ْن ال الناس األرشار وال الشياطني يستطيعون تعطيل عمل الله أو حجب وجهه عن شعبه اذا كانوا يعرتفون بخطاياهم ويرتكونها ،وباإلميان يتمسكون مبواعيده ويطالبونه بها. فكل تجربة وكل تأثري معاكس سواء يف الرس أو العالنية ميكن مقاومته بنجاح "ال بالقدرة وال بالقوة بل بروحي قال رب الجنود" (زكريا .)6 :4 "فمن يؤذيكم إن كنتم متمثلني بالخري" (1بطرس .)13 :3يعلم الشيطان جيدا أن أضعف نفس تثبت يف املسيح هي أكرث من ند لجنود الظلمة ،ولذلك هو يحاول أن يستدرج جنود الصليب بعيدا من معاقلهم وحصونهم بينام يكمن لهم مع جنوده وهو عىل استعداد إلهالك كل من يجرؤ عىل االقرتاب من أرضه .ونحن ميكننا باالتكال املتواضع عىل الله وإطاعة وصاياه أن نكون يف أمان . ولن يكون أي انسان يف أمان يوما واحدا أو ساعة واحدة من دون صالة .وينبغي أن نتوسل إىل الرب يف طلب الحكمة لفهم كالمه .ان الشيطان خبري يف اقتباس اآليات الكتابية وهو يقدم تفسريه الخاص للفصول التي يؤمل أننا سنعرث فيها .فعلينا أن ندرس الكتاب بقلب متواضع .ففي حني يجب علينا أن نكون عىل حذر دامئا من مكايد الشيطان علينا أن نصيل دامئا بإميان قائلني: " ال تدخلنا يف تجربة " (متى .)13 :6
حياة
أبدية
إن الشيطان الذي حرض ساكني السامء عىل الثورة أراد أن يجعل ساكني األرض يشرتكون معه يف حربه ضد الله .لقد كان آدم وحواء يف منتهى السعادة وهام يطيعان رشيعة الله ،وكانت هذه الحقيقة شهادة دامئة ضد االدعاء الذي اشاعه الشيطان يف السامء والقائل بأن رشيعة الله ظاملة وصارمة. فعقد الشيطان العزم عىل إسقاطهام حتى إذا فصل بينهام وبني الله وأخضعهام لسلطانه ميكنه أن ميتلك األرض وفيها يوطد مملكته ومنها يقاوم حكم الله العيل. إن آدم وحواء كانا قد أنذرا بالحذر من هذا العدو الخطر ،لك ّنه كان يحيك مؤامراته يف الظالم مخفيا نواياه .وإذ اتخذ الحية وسيلة ومطية له تقدم من حواء فقال" :أحقاً قال الله ال تأكال من كل شجر الجنة؟" .لقد خاطرت حواء بنفسها مبناقشة الشيطان فسقطت فريسة مكايده "فَقَال َِت الْ َم ْرأَ ُة لِلْ َح َّي ِةِ ’ :م ْن ثَ َ ِر شَ َج ِر الْ َج َّن ِة نَأْك ُُلَ ،وأَ َّما ثَ َ ُر الشَّ َج َر ِة الَّ ِتي ِف َو َس ِط الْ َج َّن ِة فَق ََال الل ُه :الَ تَأْكُالَ ِم ْن ُه َوالَ تَ ََّسا ُه لِئَالَّ تَ ُوتَا‘ .فَقَال َِت الْ َحيَّ ُة لِلْ َم ْرأَ ِة’ :لَ ْن تَ ُوتَا! بَلِ الل ُه َعالِ ٌم أَنَّ ُه يَ ْو َم الش‘ " (تكوين 1 :3ـ تَأْكُالَنِ ِم ْن ُه تَ ْن َف ِت ُح أَ ْع ُي ُنك َُم َوتَكُونَانِ كَالل ِه َعا ِرف ْ َِي الْ َخ ْ َي َو َّ َّ .)5 وقد خضعت حواء للتجربة وبواسطة تأثريها سقط آدم يف الخطيئة.
حياة أبدية
35
قبال أقوال الحية ان الله مل يكن يعني ما قال .شكَّا يف خالقهام وتصورا أنه يحد من حريتهام. ولكن ما املعنى الذي اكتشفه آدم بعد سقوطه للقول" :يوم تأكل منه موتاً متوت؟" هل وجده يعني أنه سيدخل حالة وجود أسمى؟ مل يجد آدم أن هذا هو معنى قول الله .وقد اعلن الرب آلدم انه ال بد ان يعود اىل االرض التي منها أخذ قصاصا له عىل خطيئته "ألنك تراب وإىل تراب تعود" (تكوين :3 .)19وقد تربهن صدق قول الشيطان :فبعدما عىص آدم وحواء الله انفتحت اعينهام لرييا جهالتهام ويفطنا اىل غبائهام .لقد عرفا الرش وذاقا مرارة مثار العصيان. كانت توجد شجرة الحياة التي يف مثارها قوة عىل اطالة العمر .فلو ظل آدم مطيعا لله لكان قد بقي ينعم بالوصول بكل حرية اىل هذه الشجرة ولكان يحيا اىل االبد .ولكن عندما اخطأ ُح ِّرم عليه االكل من شجرة الحياة فصار عرضة للموت .ان الخلود الذي كان االنسان قد ُوعد به لقاء الطاعة اضاعه بعصيانه .ومل يكن هنالك رجاء لجنسنا الساقط لوال أن الله جعل الخلود يف متناول أيدينا إذ بذل ابنه ألجلنا ففي حني "اجتاز املوت إىل جميع الناس إذا أخطأ الجميع" فإن املسيح "أنار الحياة والخلود بواسطة اإلنجيل" (رومية :5 12؛ 2تيموثاوس .)10 :1وال ميكن الحصول عىل الخلود إال بواسطة املسيح وحده .وقد قال يسوع" :الذي يؤمن باالبن له حياة أبدية .والذي ال يؤمن باالبن لن يرى حياة" (يوحنا .)36 :3 الكذبة األوىل -والشخص الوحيد الذي وعد آدم بالحياة مع العصيان هو املخادع العظيم .إن اعالن الحية يف جنة عدن" -لن متوتا" -كان أول عظة
36
الرجاء العظيم
القيت عن خلود النفس .لك ّن هذا االعالن الذي يستند اىل سلطان الشيطان ال سواه تردد صداه املنابر وغالبية بني االنسان يقبلونه بالرسعة نفسها التي قبله بها ابوانا االوالن .وان حكم الله القائل" :النفس التي تخطئ هي متوت" (حزقيال )20 :18صار يعني أن النفس التي تخطئ لن متوت بل تحيا إىل األبد. ولو ُسمح لإلنسان بعد سقوطه بالتناول من مثر شجرة الحياة لكان يحيا إىل األبد ،وهكذا كانت الخطية تبقى خالدة إىل األبد .ومل يسمح ألي واحد من بني آدم بتجاوز ذلك السياج ليتناول من الثمرة الواهبة الحياة .ولذلك فال خاطئ خالدا ً. لك ّن الشيطان أمر مالئكته بعد السقوط ان يبذلوا جهدا خاصا يف تلقني الناس عقيدة خلود النفس .واذ أُغري الناس بقبول هذه الضاللة كان عليهم ان يجعلوهم يستنتجون ان الخاطئ سيحيا يف شقاء ابدي .واآلن فها سلطان الظلمة وهو يعمل عرب اعوانه يصور الله طاغية محبا لالنتقام ،ويعلن انه تعاىل يطرح يف اعامق الجحيم جميع الذين ال يرضونه ويجعلهم يحسون بشدة وطأة غضبه مدى اجيال االبد .وفيام هم يقاسون اهوال العذاب الذي ال يوصف ويتلوون يف النار االبدية فان خالقهم يرشف عليهم من عليائه بلذة ورىض ورسور .وهكذا يخلع العدو االعظم (رئيس الشياطني ) صفاته عىل خالق البرش واملحسن اليهم .ان القسوة هي من صفات الشيطان .لك ّن الله محبة. والشيطان نفسه هو العدو الذي يجرب االنسان لريتكب الخطيئة ،وحينئذ يهلكه لو استطاع ذلك .وكم هو ممقوت لكل من يحس باملحبة والرحمة، وحتى لشعورنا بالعدالة ،اعتقادنا ان االموات االرشار سيعذبون بالنار والكربيت يف لهيب الجحيم اىل االبد ،وانهم ألجل الخطايا التي ارتكبوها مدى حياتهم القصرية عىل االرض سيقاسون اهوال العذاب مدى اجيال أبدية الله .وقد قال
حياة أبدية
37
أحد دكاترة الالهوت العلامء" :إن منظر عذابات الجحيم سيزيد من غبطة القديسني إىل األبد .فعندما يرون غريهم ممن لهم طبيعتهم نفسها وولدوا يف ظروف شبيهة بظروفهم وقد غمرهم ذلك البؤس ،أما هم فقد امتازوا عن أولئك التعساء ،فهذا سيجعلهم يحسون بعظمة سعادتهم". أين يوجد هذا التعليم عىل صفحات كلمة الله؟ وهل هذه ستُستبدل بعدم اكرتاث الرواقيني او قسوة املتوحشني؟ كال ،أبدا ،فهذا ليس ما يعلم به كتاب الله َ ".ح ٌّي أَنَا ،يَق ُ الشيرِ ،بَ ْل ِبأَ ْن يَ ْرج َع ُول َّ س بِ َ ْو ِت ِّ ِّ الس ِّي ُد ال َّر ُّب ،إِ ِّن الَ أُ َ ُّ الشي ُر َع ْن طَرِي ِق ِه َويَ ْح َيا .اِ ْر ِج ُعوا ،ا ْر ِج ُعوا َع ْن طُ ُر ِق ُك ُم ال َّر ِديئَ ِة! فَلِ َمذَا متوتون؟" ِّ ِّ (حزقيال .)11 :33 هل يرس الله مبشاهدة خالئقه يعذبون عذابا ابديا؟ وهل هو ينتعش وهو يسمع آهات خالئقه ورصخاتهم ولعناتهم وهم يتعذبون محبوسني يف نار الجحيم؟ وهل ميكن أن تكون هذه الرصخات املفزعة نغامت موسيقية يف أذين املحبة الرسمدية ؟ يا لهذا من تجديف مخيف! إن مجد الله ال يتحقق باالستمرار يف تكويم الخطايا مدى أجيال األبد. بدعة العذاب األبدي -رش ينجم عن الهرطقة املتعلقة بالعذاب األبدي .ان دين الكتاب املقدس ،املفعم بالحب والصالح والفائض بالرحمة، يكتنفه ظالم الخرافات ويحاط بالرعب .إن الشيطان قد صور صفات الله بألوان خادعة .فإن الناس يخشون من الخالق الرحيم ويرهبون جانبه ويرتعبون منه بل ويبغضونه .إن اآلراء املرعبة عن الله ،التي ت ُفهم من التعاليم التي تلقى من عىل املنابر يف كل انحاء العامل ،قد خلقت آالفا بل ماليني من املتشككني وامللحدين.
38
الرجاء العظيم
إن نظرية العذاب األبدي هي إحدى العقائد الكاذبة التي منها تتكون خمر رجس بابل التي تجعل كل األمم ترشب منها (رؤيا 8 :14؛ .)2 :17إن خدام املسيح قد قبلوا هذه الضاللة عن روما كام قد أخذوا السبت الزائف*. فإذا ارتددنا عن شهادة كلمة الله وقبلنا التعاليم الكاذبة ألن آباءنا علَّموا بها فإننا نقع تحت الدينونة التي نطق بها الرب ضد بابل اذ نحن نرشب من خمر رجاساتها. ينساق فريق كبري ممن تثريهم وتنفرهم عقيدة العذاب االبدي اىل الضاللة املضادة لها .فهم يرون ان الكتاب املقدس يصور الله ككائن محب رحيم ،ولذلك فال ميكنهم ان يعتقدوا ان الله سيحبس خالئقه يف نريان الجحيم املتقدة اىل االبد .ولكن لكونهم يعتقدون ان النفس خالدة بالطبع ،فهم ال يرون بديال سوى ان يستنجوا ان كل بني االنسان سيخلصون اخريا .وهكذا ميكن للخاطئ ان يعيش يف املرسات النفسانية مزدريا مبطالب الله ومع ذلك ينتظر ان يتلقّاه الله يف النهاية بالرىض والقبول .مثل هذا التعليم الذي يجرتئ عىل رحمة الله ويتجاهل عدالته يف الوقت نفسه يرس القلب البرشي. هل َسي ْخلَص كل شخص؟ -يحرف املعتنقون عقيدة الخالص العام كلمة الله .ونسمع احد املدعوين خدام املسيح يردد االكذوبة نفسها والتي نطقت بها الحية يف عدن" :لن متوتا"" .يوم تأكالن منه تنفتح أعينكام وتكونان كالله" .وهو يعلن ان انجس الخطاة ،سواء كان قاتال أو لصا أو زانياً، سيكون بعد املوت مستعدا للدخول اىل السعادة األبدية .هذه خرافة لذيذة حقاً كفيلة بأن تشبع القلب البرشي! فلو كان حقا ان ارواح كثريين من الناس تنتقل اىل السامء مبارشة يف * ملزيد من املعلومات حول السبت انظر الفصل الثامن من هذا الكتاب.
حياة أبدية
39
ساعة املوت لكان لنا ان نشتهي املوت ونفضله عىل الحياة .لقد ساق هذا االعتقاد كثريين من الناس اىل القضاء عىل حياتهم باالنتحار .فعندما تغمرهم الضيقات واملتاعب واالرتباك والخيبة فانه يبدو امرا سهال ان يفصموا ربط الحياة الواهنة ويصعدوا اىل السعادة يف دنيا االبد. لقد قدم الله يف كتابه الربهان الناصع الحاسم عىل أنه ال بد أن يعاقب كل من يتعدون رشيعته .فهل الله أرحم من أن ينفذ عدالته يف الخاطئ؟ انظروا إىل صليب جلجثة .إن موت ابن الله هو شهادة رصيحة عىل أن "أجرة الخطية هي موت" (رومية )23 :6وأن كل انتهاك لرشيعة الله ال بد أن يوقع بالخاطئ الجزاء العادل .إن املسيح الذي بال خطيئة صار خطيئة ألجل اإلنسان. لقد حمل جرم الخطيئة واحتجاب وجه اآلب عنه حتى لقد انسحق قلبه وأزهقت روحه ليك يُفتدى الخطاة .فكل نفس ترفض االستفادة من الكفارة التي أعدت بهذه الكلفة العظيمة ال بد من أن يتحمل صاحبها نفسه جرمية التعدي وقصاصه. الرشوط محددة " -أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً" (رؤيا .)6 :21هذا الوعد مقدم اىل العطاش وحدهم " .من يغلب يرث كل يشء وأكون له إلها وهو يكون يل ابناً" (رؤيا .)7 :21هنا أيضاً يحدد الرب الرشوط .فليك نرث كل يشء علينا أوالً أن نقاوم الخطيئة وننترص عليها. "وال يكون خري للرشير" (جامعة .)13 :8إن الخاطئ يذخر لنفسه "غضباً يف يوم الغضب واستعالن دينونة الله العادلة الذي يجازي كل واحد حسب أعامله"" ،شدة وضيق عىل كل نفس انسان يفعل الرش"(رومية 5 :2و 6و .)9 "كل زانٍ أو نجس أو طامع ،الذي هو عابد لألوثان ،ليس له مرياث يف
40
الرجاء العظيم
ك يَكُو َن ُسلْطَانُ ُه ْم َع َل ُوب لِل َِّذي َن يَ ْص َن ُعو َن َو َصايَا ُه لِ َ ْ ملكوت املسيح والله" ".ط َ الس َح َر َة شَ َج َر ِة الْ َح َيا ِةَ ،ويَ ْد ُخلُوا ِم َن األَبْ َو ِ اب إِ َل الْ َم ِدي َن ِة ،ألَ َّن َخا ِر ًجا الْ ِكال ََب َو َّ َوال ُّزنَا َة َوالْ َقتَلَ َة َو َعبَ َد َة األَ ْوث َانِ َ ،وك َُّل َم ْن يُ ِح ُّب َويَ ْص َن ُع ك َِذبًا" (أفسس 5 :5؛ رؤيا 14 :22و .)15 لقد أعطى الله إعالناً عن صفاته وطريقته يف معاملة الخطيئة" :يهلك جميع األرشار"" ،أما األرشار فيبادون جميعاً .عقب األرشار ينقطع" (مزمور :145 20؛ .)38 :37ان قوة حكم الله وسلطانه سيستخدمان يف قمع كل عصيان، ومع ذلك فكل مظاهر عدالة الله يف توقيع الجزاء متوافقة متاما مع صفات الله كاإلله الرحيم واملحسن والطويل االناة. ال يرغم الله ارادة اي انسان او اختياره وال يُرس بطاعة العبيد .فهو يرغب يف أن الذين هم صنعة يديه يحبونه ألنه يستحق ان يُحب .وهو يريدهم أن يطيعوه ألن عندهم تقديرا ذكيا واعيا لحكمته وعدله واحسانه وحبه. إن مبادئ حكم الله متوافقة متام مع وصية املسيح القائلة" :أحبوا أعداءكم" (متى .)44 :5والله يوقع أحكام عدله عىل األرشار ألجل خري املسكونة بل حتى ألجل خري الذين يوقع عليهم أحكامه .فهو يريد أن يسعدهم اذا كان ذلك ال يتعارض مع رشائع حكمه وعدالة صفاته .وهو يحيطهم بدالئل محبته ومينحهم معرفة رشيعته ويسري وراءهم ليقدم اليهم هبات رحمته، ولكنهم يزدرون مبحبته ويستخفون برشيعته ويحتقرون رحمته .ومع أنهم دامئاً يتقبلون هباته فإنهم يهينون الواهب .والرب يحتمل فسادهم ويصرب عىل ذلك طويال .لك ّن الساعة الحاسمة ستجيء اخريا عندما يتقرر مصريهم .فهل سيقبل اولئك العصاة ويبقيهم اىل جانبه؟ وهل يرغمهم عىل عمل ارادته ؟ غري مستعدين لدخول السامء -ان الذين اختاروا الشيطان قائدا
حياة أبدية
41
لهم هم غري مستعدين للمثول يف حرضة الله .فالكربياء واملخاتلة والفجور والخالعة والقسوة قد ثبتت يف اخالقهم .فهل يستطيعون دخول السامء ليعيشوا اىل االبد مع الذين قد ازدروا بهم وابغضوهم وهم عىل االرض؟ ان الكذاب ال ميكنه ان يستسيغ الصدق او يرىض به ،والوداعة لن تشبع نفس من يعظم نفسه او يسلك بالكربياء ،والطهارة غري مقبولة لدى االنسان الفاسد، واملحبة النزيهة ال تبدو جذابة للرجل االناين .أي نبع للتمتع ميكن أن تقدمه السامء اىل اولئك الناس املشغولني يف مصالحهم االرضية االنانية؟ فهل ميكن للذين قلوبهم مفعمة بالكراهية لله وللحق والقداسة ان يندمجوا بني جموع السامويني ويشاركوهم يف ترديد اناشيد الحمد؟ فلقد قدمت اليهم سنو االختبار لعلهم يشكلون اخالقهم لتكون كأخالق السامويني. ولكنهم مل يتعلموا لغة السامء .واآلن قد مىض الوقت . ان حياة العصيان لله التي عاشوها مل تؤهلهم للسامء .ان طهارتها وقداستها وسالمها تعذبهم ،ومجد الله هو نار آكلة لهم .انهم يتوقون للهروب من ذلك املكان املقدس .يرحبون بالهالك ليستطيعوا االختباء من وجه ذاك الذي قد مات ليك يفتديهم .فمصري االرشار يقرره اختيارهم نفسه .انهم يطردون انفسهم من السامء مبحض اختيارهم وهذا عدل من الله ورحمة .عىل غرار مياه الطوفان ستعلن نريان ذلك اليوم العظيم حكم الله بأن األرشار ال ميكن إصالحهم .لقد تدربت إرادتهم عىل التمرد والثورة .وعندما تنقيض الحياة سيكون قد مىض الوقت لتحويل مجرى تفكريهم من العصيان إىل الطاعة ومن الكراهية إىل املحبة.
مصريان " -أجرة الخطية هي موت وأما هبة الله فهي حياة أبدية
42
الرجاء العظيم
باملسيح يسوع ربنا" .ففي حني أن الحياة هي مرياث األبرار فاملوت هو نصيب األرشار" .املوت الثاين" قد وضع عىل نقيض الحياة األبدية( .رومية 23 :6؛ انظر رؤيا .)14 :20 وقد كان من نتائج خطيئة آدم ان املوت اجتاز اىل الجنس البرشي كله .فالجميع ينحدرون اىل الهاوية عىل السواء .وعرب تدبري الخالص سيخرج الجميع من قبورهم" .سوف تكون قيامة لألموات األبرار واألمثة" "ألنه كام يف آدم ميوت الجميع هكذا يف املسيح سيحيا الجميع" .لكن سيكون هنالك فرق بني الذين سيخرجون من قبورهم من الفريقني" .يسمع جميع الذين يف القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إىل قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إىل قيامة الدينونة" (أعامل 15 :24؛ 1كورنثوس 22 :15؛ يوحنا 28 :5و .)29 نهاية املعاناة واألمل -فالذين "حسبوا أهالً" لقيامة الحياة هم "مباركون ومقدسون"" ،هؤالء ليس للموت الثاين سلطان عليهم" (لوقا :20 35؛ رؤيا .)6 :20أما الذين مل يحصلوا عىل الغفران بواسطة التوبة واإلميان فال بد أن ينالوا قصاص تعدياتهم" :أجرة الخطيئة" .وهم يقاسون قصاصاً "حسب أعاملهم" ،وسينتهي أمرهم "باملوت الثاين". وحيث أنه يستحيل عىل الله أن يخلص الرشير من خطاياه فسيحرمه من الوجود الذي قد خرسه بسبب عصيانه والذي قد برهن هو عىل عدم استحقاقه إياه" .بعد قليل ال يكون الرشير .تطلع يف مكانه فال يكون". "ويكونون كأنهم مل يكونوا" (مزمور 10 :37؛ عوبديا .)16يهبطون يائسني إىل أعامق النسيان األبدي. وهكذا تنتهي الخطية" .أهلكت الرشير .محوت اسمهم إىل الدهر
حياة أبدية
43
واألبد .العدو تم خرابه إىل األبد" (مزمور 5 :9و .)6ويوحنا يف رؤياه سمع تسبيحة شكر ال يعكرها أو يفسدها أي تنافر يف األصوات .لن تكون هناك نفوس هالكة لتجدف عىل الله وهي تتلوى من هول العذاب الذي ال ينتهي، ولن تكون يف الجحيم ارواح شقية تختلط رصخاتها بأغاين املخلصني. وعىل أساس ضاللة خلود النفس الطبيعي ترتكز عقيدة الوعي عند املوت ،وهي عقيدة مناقضة لتعاليم الكتاب وما ميليه العقل ومشاعرنا البرشية. وطبقا لالعتقاد الشائع يكون املفتدون يف السامء عىل علم بكل ما يحدث عىل االرض .ولكن كيف ميكن ان يكون نبع سعادة وفرح لألموات كونهم يعلمون بضيقات االحياء ومتاعبهم ،وكونهم يشاهدون الخطايا التي يرتكبها احباؤهم ويرونهم يقاسون اآلالم واالحزان والخيبة والعذاب يف حياتهم؟ كم هو اعتقاد ْس ممقوت ان يظن االنسان انه حاملا تنطلق النسمة من الجسد تُحبس نَف ُ الخاطئ يف نريان الجحيم! ما الذي يقوله الكتاب عن هذه األمور؟ إن اإلنسان يكون عديم الشعور عند موته" :تخرج روحه فيعود إىل ترابه يف ذلك اليوم نفسه تهلك أفكاره"(مزمور " ،)4 :146ألن األحياء يعلمون أنهم سيموتون أما املوىت فال يعلمون شيئاً ...ومحبتهم وبغضهم وحسدهم هلكت منذ زمان وال نصيب لهم بعد إىل األبد يف كل ما عمل تحت الشمس"" ،ألَ َّن الْ َها ِويَ َة الَ تَ ْح َم ُد َك .الْ َم ْوتُ الَ يُ َس ِّب ُح َك .الَ يَ ْر ُجو الْ َها ِبطُو َن إِ َل الْ ُج ِّب أَ َمانَتَ َك .الْ َح ُّي الْ َح ُّي ُه َو يَ ْح َم ُد َك ك ََم أَنَا الْيَ ْو َم .األَ ُب يُ َع ِّر ُف الْبَ ِن َني َحق ََّك"" ،ألَنَّ ُه لَيْ َس ِف الْ َم ْو ِت ِذكْ ُر َكِ .ف الْ َها ِويَ ِة َم ْن يَ ْح َم ُد َك؟" ( مزمور 4 :146؛ جامعة 5 :9و 6؛ إشعياء 18 :38و 19؛ مزمور .)5 :6 ويف يوم الخمسني أعلن بطرس عن داود "أنه مات ودفن وقربه عندنا حتى هذا اليوم"" ،ألن داود مل يصعد إىل السموات" (أعامل 29 :2و .)34ان
44
الرجاء العظيم
حقيقة كون داود باقِ يف القرب اىل يوم القيامة هي برهان عىل كون االبرار ال يذهبون اىل السامء عند املوت . القيامة إىل حياة أبدية -لك ّن يسوع اذ كان موشكا ان يرتك تالميذه مل يقل لهم انهم سيأتون إليه رسيعاً .فقد قال لهم" :أنا أميض ألعد لكم مكاناً. وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آيت أيضاً وآخذكم إيل" (يوحنا 2 :14و .)3ثم إن بولس يخربنا فوق ذلك أن "الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس مالئكة وبوق الله سوف ينزل من السامء واألموات يف املسيح سيقومون أوالً .ثم نحن األحياء الباقني سنخطف جميعاً معهم يف السحب ملالقاة الرب يف الهواء .وهكذا نكون كل حني مع الــرب" .ثم يضيف قائالً" :لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكالم" (1تسالونييك 16 :4ـ .)18فعند مجيء الرب تتحطم قيود القرب ويقوم "األموات يف املسيح" للحياة األبدية. وسيدان الجميع كام هو مكتوب يف األسفار وسيجازى كل واحد بحسب أعامله. هذه الدينونة ال تتم عند املوت" .ألنه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين املسكونة بالعدل"ُ " ،ه َوذَا قَ ْد َجا َء ال َّر ُّب ِف َربَ َو ِ ات ِق ِّد ِ يسي ِه ،لِ َي ْص َن َع َديْ ُنونَ ًة َع َل الْ َج ِميعِ" (أعامل 31 :17؛ يهوذا 14و .) 15 ولكن اذا كان االموات قد قاموا وهم يتمتعون بسعادة السامء او يتلوون من أهوال نريان الجحيم فام الداعي إلقامة الدينونة يف املستقبل؟ ان تعاليم كلمة الله عن هذه االمور املهمة ميكن لألذهان العادية ان تفهمها. ولكن اي عقل مخلص ميكنه ان يرى حكمة او عدال يف النظرية املألوفة؟ فهل
حياة أبدية
45
األبرار بعد فحص قضاياهم يف الدينونة سيحصلون عىل هذا الثناء القائل" :نعامً أيها العبد الصالح واألمني ...ادخل إىل فرح سيدك" يف الوقت الذي يكونون فيه ساكنني يف محرضه رمبا منذ أجيال طويلة؟ وهل األرشار يستدعون من موضوع العذاب ليسمعوا الحكم عليهم من ديان كل األرض إذ يقول لهم" :اذهبوا عني يا مالعني إىل النار األبدية؟ (متى 21 :25و .)41 ان نظرية خلود النفس كانت احدى تلك العقائد املغلوطة التي اذ اخذتها روما عن الوثنية .لقد اعتربها مارتن لوثر ضمن "الخرافات الفظيعة التي تكون جزءا ً من كومة أحكام روما البابوية" 1والكتاب يعلمنا بكل وضوح أن األموات راقدون إىل يوم القيامة. الخلود عند مجيء املسيح -ما أعظمها من راحة مباركة لألبرار املتعبني! فالزمن طال أو قرص يشبه يف تقديرهم لحظة عابرة ،إنهم ينامون ثم يستيقظون عىل صوت بوق الله إىل خلود مجيد " :فإنه سيبوق فيقام األموات عدميي فساد ونحن نتغري ...ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا املائت عدم موت فحينئذ تصري الكلمة املكتوبة ابتلع املوت إىل غلبة" (1كورنثوس 52 :15ـ .)54 فإذ يُدعون ليستيقظوا من نومهم العميق يبدأون يفكرون من حيث كفوا عن التفكري .لقد كانت آخر االحاسيس هي شوكة املوت ،وآخر فكر كان هو انهم قد سقطوا تحت سلطان الهاوية .فعندما يخرجون من القرب فأول فكر مبهج لهم سرين صداه يف صيحة االنتصار القائلة" :أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية"؟ (1كورنثوس .) 55 :15 . 1إ .بيتافيل ،معضلة الخلود ،صفحة .255
الرجاء
الزائف
إن تعليم الخلود الطبيعي للنفس ،الذي أخذ أوالً عن الفلسفة الوثنية ويف ظلمة االرتداد العظيم أدخل إىل العقيدة املسيحية وقد احتل مكان الحق الذي علم به الكتاب بكل وضوح والقائل أن "املوىت ال يعلمون شيئاً" (جامعة .)5 :9فجامهري كثرية من الناس يعتقدون أن أرواح املوىت هي "األرواح الخادمة املرسلة للخدمة ألجل العتيدين أن يرثوا الخالص" (عربانيني .)14 :1 إن عقيدة عودة أروح املوىت لتخدم األحياء قد مهد الطريقة أمام عقيدة مناجاة األروح العرصية .فإذا كان املوت ميتازون مبعرفة تفوق كثريا ً ما كان لهم من قبل فلامذا إذا ً ال يعودون إىل األرض إلنارة األحياء وتعليمهم؟ وإذا كانت أرواح املوىت تحوم حول أصدقائهم عىل األرض فلامذا ال يتصلون بهم؟ وكيف يستطيع الذين يعتقدون بإحساس اإلنسان عند املوت أن يرفضوا ما يأتيهم عىل أنه "نور إلهي" إذ يصل إليهم بواسطة األرواح املمجدة؟ هنا قناة تعترب مقدسة ،لكن الشيطان يتوسلها إلمتام أغراضه .فاملالئكة الساقطون الذين ينفذون أمره يبدو كأنهم رسل قادمون من عامل األرواح. ان للشيطان سلطانا أن يُرِى الناس أشباه اصدقائهم الراحلني .وان التزييف او التقليد كامل االتقان ،فالنظرة املألوفة والكالم والنغمة التي ينطق بها تنسخ ومتثل بدقة عجيبة .وكثريون يتعزون بيقني كون احبائهم متمتعون
الرجاء الزائف
47
بسعادة السامء ،ومن دون أن يشكوا يف وجود خطر يصغون إىل "أرواح مضلة وتعاليم شياطني" (1تيموثاوس .)1 :4 فالذين نزلوا إىل قبورهم يدعون بأنهم سعداء يف السامء وأن لهم مراكز سامية هناك .ان اولئك االدعياء القادمني من عامل االرواح ينطقون احيانا بإنذارات وتحذيرات يتربهن انها صحيحة .فمتى وثق بهم مشاهدوهم فهم حينئذ يقدمون تعاليم تقوض االميان بالكتاب عىل نحو مبارش .وحقيقة كونهم يقررون بعض الحقائق ويستطيعون احيانا إنباءهم بحوادث عتيدة تضفي عىل ترصيحاتهم مظهر الوثوق واليقني فَتُ ْقبَل .وهكذا يلقي الناس برشيعة الله جانباً ويزدرون بروح النعمة .إن األرواح تنكر ألوهية املسيح بل تجعل الخالق نفسه يف مستواها. ولكن مع حقيقة كون نتائج االحتيال هذه كثريا ً ما صورت عىل أنها ظهورات حقيقية لوحظت أيضاً بعض مظاهر قوة فائقة الطبيعة .وكان ذلك هو عمل املالئكة األرشار املبارش .إن كثريين يعتقدون أن مناجاة األرواح هي مجرد خدعة برشية .فمتى وقفوا وجهاً لوجه أمام ظهورات مل يسعهم إال أن يعتربوها مظاهر خارقة فسينخدعون وسينتهون إىل االعتقاد أنها قوة الله العظيمة. فبمساعدة الشيطان استطاع سحرة فرعون أن يزيفوا عمل االله. (انظر خروج 10 :7ـ .)12وها هو بولس يعلن أن املجيء الثاين للمسيح سيسبق بـ "عمل الشيطان بكل قوة وآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة اإلثم" (2تسالونييك 9 :2و .)10ويعلن الرسول يوحنا قائالً "ويصنع آيات عظيمة حتى أنه يجعل نارا ً تنزل من السامء عىل األرض قدام الناس .ويضل الساكنني عىل األرض باآليات التي أعطي أن يصنعها" (رؤيا 13 :13و .)14فالذي أنبيء به هنا
48
الرجاء العظيم
ليس هو مجرد احتيال .فالناس ينخدعون باآليات التي يستطيع أعوان الشيطان أن يصنعوها ال مبا يتظاهرون بعمله. مناشدة العقل -فرجال العلم والثقافة والتهذيب يقدم اليهم ضاللة مناجاة االرواح يف مظاهرها العقلية والعلمية املهذبة .وهو يبهج املخيلة مبناظر مذهلة ويحث العواطف بتصويراته املنطقية البليغة للمحبة واالحسان .وهو يثري الخيال اىل نزوات عالية جاعال الناس يفتخرون بحكمتهم اذ انهم يف اعامق قلوبهم يحتقرون االله الرسمدي. يغوي الشيطان الناس اآلن كام قد أغوى حواء يف عدن بتملقاته ،وبإثارة الطموح نحو تعظيم الذات .وقد أعلن قائالً" :تكونان كالله عارفني الخري والرش" (تكوين .)5 :3إن مناجاة األرواح تُعلِّم أن "اإلنسان هو خليقة التقدم نحو األلوهة". ثم يقولون أيضاً "والحكم سيكون صائباً ألنه حكم الذات ...إن العرش هو يف داخلك" .كام يعلن آخر قائالً" :أي كائن عادل كامل فهو املسيح". وهكذا وضع الشيطان طبيعة اإلنسان نفسه ،الرشيرة املخطئة، كاملوضع الوحيد للحكم .هذا هو التقدم إىل أسفل ال إىل أعىل .واالنسان لن يستطيع ان يرتفع او يسمو فوق النموذج الذي اتخذه لنفسه .نعمة الله وحدها هي التي تستطيع أن تسمو باإلنسان .فإذا كانت الذات هي مثله االعىل فلن يبلغ اىل ما هو اسمى من ذلك .بل سينحدر بالحري اىل الدرك األسفل .
الرجاء الزائف
49
استاملة محبي اللذات -تقدم عقيدة مناجاة االرواح نفسها اىل املنغمس يف امللذات ومحب املرسات والشهواين متخف َّية تحت قناع أقل احتياال ودهاء .ويف اشكالها االكرث سامجة يجدون ما يتفق مع ميلهم .ان الشيطان يالحظ الخطايا التي مييل كل فرد اىل ارتكابها ،وحينئذ يحرص عىل توفري الفرص إلشباع ذلك امليل .وهو يجرب الناس لإلفراط يف ما هو مرشوع يف ذاته ،وبذلك يُضعف قواهم الجسامنية والعقلية واالدبية .لقد أهلك وما زال يهلك آالفا من الناس بواسطة االنغامس يف الشهوات ،وهكذا يجعل كل طبيعة اإلنسان بهيمية .وليك يتمم عمله يعلن عرب األرواح أن "املعرفة الحقيقية تجعل اإلنسان يف وضع أرفع من كل الرشائع" وأن "ما يكون هو صواب" وأن "الله ال يدين" وأن "كل الخطايا التي ترتكب هي بريئة" .وعندما ينساق الناس إىل االعتقاد ان الرغبة هي اسمى قانون ،وان الحرية هي اإلباحية وان االنسان مسؤول امام نفسه فقط فمن ذا الذي يستغرب عندما يتكاثر الفساد واالنحطاط يف كل مكان؟ ان جامهري كثرية من الناس يتقبلون بكل شغف التعاليم التي ترتك لهم حرية إطاعة ايحاءات قلوبهم الشهوانية .ويوقع الشيطان يف شبكته آالفاً ممن يعرتفون بأنهم أتباع املسيح. لكن قد أعطى الله العامل نورا كافيا به يستطيع الناس ان يكتشفوا الرشك .إن مناجاة االرواح هي يف حال حرب مع أبسط اقوال الكتاب .فالكتاب يعلن ان املوىت ال يعلمون شيئا وان افكارهم قد هلكت وان ال نصيب لهم يف أفراح أو أحزان من هم عىل األرض.
االتصال املمنوع -وأكرث من هذا فقد نهى الله نهياً رصيحاً عن كل
50
الرجاء العظيم
ادعاء باالتصال بأرواح الراحلني .فـ "أرواح العرافة" ،كام كان يدعى القادمون من العوامل األخرى ،يصفها الكتاب بـ "أرواح شياطني" (انظر سفر العدد :25 1ـ 3؛ مزمور 28 :106؛ 1كورنثوس 20 :10؛ رؤيا .)14 :16إن عمل التعاطي مع أرواح العرافة ُح ِكم عليه بأنه رجس أمام الرب وقد نُهي عنه نهياً قاطعاً تحت قصاص املوت (الويني 31 :19؛ .)27 :20لك ّن مناجاة االرواح والتي شقت لنفسها طريقا يف االوساط العلمية وغزت الكنائس ووجدت قبوال من الهيئات الترشيعية وحتى يف بالط امللوك .هذه الخدعة الهائلة إِ ْن هي إالَّ انتعاش يف زي جديد للعرافة املحكوم عليها واملنهي عنها منذ القدم. فإذ يصورون أرذل الناس عىل أنهم يف السامء فالشيطان يقول للعامل: "ال يهم ،سواء أكنتم تؤمنون بالله والكتاب أم كنتم تكذبونهام ،عيشوا كام يحلو لكم فالسامء هي موطنكم" .وقد قالت كلمة الله" :ويل للقائلني للرش خريا ً وللخري رشا ً الجاعلني الظالم نورا ً والنور ظالماً" (إشعياء .)20 :5 تصوير الكتاب املقدس عىل أنه مجرد أوهام -يص َّور الرسل الذين تقلدهم هذه االرواح الكاذبة كمناقضني ملا قد كتبوه حني كانوا عائشني عىل االرض .ويوعز الشيطان اىل العامل بأن الكتاب املقدس مجرد اوهام ،او عىل االقل ال يصلح للجنس البرشي إال يف ايام طفولته االوىل ،اما اآلن فيجب ان يستخف به او يلقى به جانبا كام لو كان شيئا مهمال .فيضع يف الظل الكتاب الذي سيدينه وتابعيه وأعوانه .وهو يجعل مخلص العامل ال يزيد عن إنسان عادي .يحاول من يؤمنون باإلعالنات الروحانية ان يجعلوا االمر يبدو كام لو انه ال يوجد يشء عجائبي يف ظروف حياة مخلصنا .ويعلنون ان معجزاتهم تفوق معجزات املسيح مبراحل.
الرجاء الزائف
51
إن مناجاة األرواح تغري اآلن شكلها وتبدو يف هيئة مسيحية .لكن ترصيحاتها وتعاليمها ال ميكن إخفاؤها أو إنكارها .وحتى يف شكلها الحارض هي أبعد ،بل هي أشد خطرا ً لكونها أعظم خبثاً وخداعاً .فهي اآلن تعرتف بقبول فس بطريقة ترس القلب غري املتجدد املسيح والكتاب املقدس .لك ّن الكتاب يُ َّ وترضيه .فاملحبة تعترب أعظم صفات الله لكنها تنحط لتصبح رقة وعواطف ضعيفة .ثم ان عدل الله ،وذ َّمة الخطيئة ،ومطالب رشيعته املقدسة كلها تُقْىص بعيدا عن األنظار .والخرافات تجعل الناس يرفضون الكتاب كأساس إلميانهم. ويف الواقع يُنكر املسيح كام من قبل ،لك ّن ال يفطن أحد اىل الخدعة. قليلون هم الذين لديهم اي ادراك عادل لقوة بدعة مناجاة االرواح الخادع وكثريون يتحرشون بها ملجرد اشباع فضولهم .وهم ميتلئون فزعا ورعبا ملجرد فكرة اخضاع انفسهم لسيطرة الروح .لكنهم يجازفون بالدخول اىل االرض الحرام .وهنا يستخدم املهلك الجبار قوته وسلطانه معهم عىل رغم ارادتهم. فلو أمكن استاملتهم مرة إلخضاع عقولهم لتوجيهه فهو سيأرسهم .وال يشء غري قدرة الله التي متنح اجابة لصالة االميان الحارة يستطيع ان ينقذ هذه النفوس التي علقت يف الفخ. إن كل من لهم نوازع خاطئة يف أخالقهم يرحبون بتجارب الشيطان. فهم يفصلون أنفسهم عن الله ورعاية مالئكته وحراستهم ومجردين من وسائل الدفاع. اب التَّ َوابعِ َوالْ َع َّرا ِف َني الْ ُمشَ ق ِْش ِق َني " َوإِذَا قَالُوا لَ ُك ُم’ :اطْلُ ُبوا إِ َل أَ ْص َح ِ الشي َع ِة َوالْ َها ِم ِس َني‘’ .أَالَ يَ ْسأَ ُل شَ ْع ٌب إِل َه ُه؟ أَيُ ْسأَ ُل الْ َم ْو َت ألَ ْجلِ األَ ْحيَا ِء؟‘ إِ َل َّ ِ َوإِ َل الشَّ َها َد ِة .إِ ْن لَ ْم يَقُولُوا ِمث َْل هذَا الْ َق ْو ِل فَلَ ْي َس لَ ُه ْم فَ ْج ٌر!" (إشعياء 19 :8و .)20
52
الرجاء العظيم
فلو كان الناس راغبني يف قبول الحق فيام يتعلق بطبيعة اإلنسان وحالة املوىت لرأوا يف إدعاءات بدعة مناجاة األرواح وإعالناتها عمل الشيطان بقوة وبآيات وعجائب كاذبة .ولكن جامهري كثرية من الناس يغمضون عيونهم يف حني أن الشيطان ينسج أرشاكه حولهم" .ألنهم مل يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا وألجل هذا سريسل إليهم الضالل حتى يصدقوا الكذب"(2تسالونييك :2 10و .)11 إن الذين يقاومون تعاليم عقيدة مناجاة األرواح يهاجمون الشيطان ومالئكته .ولن يتخىل الشيطان عن موقع قدم من أرضه إال إذا كانت قوة رسل السامء تصده وتطرده .والشيطان يستطيع أن يقتبس اآليات الكتابية اآلن كام يف إيام املسيح .وهو سيحرف تعاليم الكتاب .فالذين يريدون الثبات والصمود يف هذا الوقت ِ الخطر ينبغي لهم أن يفهموا شهادة الكتابة ألنفسهم. فهم الحق الكتايب -إن أرواح الشياطني وهي تقلد أقرباءنا أو أصدقاءنا األحباء سيلجؤون إىل أرق عواطفنا ويصنعون عجائب لدعم ادعاءاتهم .فعلينا أن نتأهب للصمود أمامهم بقوة الحق الكتايب القائل أن املوىت ال يعلمون شيئاً، وإن الذين يظهرون هكذا إن هم إال أروح شياطني. فكل الذين ليس إميانهم ثابتاً وال مؤسساً عىل كلمة الله سينخدعون ويغلبون .فالشيطان سيعمل "بكل خديعة اإلثم" وستزيد مخاتالته باستمرار. لكن الذين يطلبون معرفة الحق ويجتهدون يف تطهري أنفسهم بالطاعة سيجدون يف إله الحق حصناً قوياً ومالذا أميناً .إن املخلص يرسع بإرسال كل مالك من مالئكة السامء لحراسة شعبه وال يرتك نفساً واحدة متكلة عليه تهزم أمام الشيطان .إن أولئك الذين يعزون أنفسهم بيقني كاذب بأنه لن يكون
الرجاء الزائف
53
هنالك قصاص يقع عىل الخاطئ إمنا يرفضون الحقائق التي اعدتها السامء لتكون حصنا لألبرار يف يوم الضيق ويقبلون ملجأ االكاذيب الذي يقدمه اليهم الشيطان بدال منه ،اي ادعاءات مناجاة االرواح الكاذبة. واملتشككون والساخرون يهزؤون بإعالنات كتاب الله عن تدبري الخالص والجزاء العادل الذي سيحل بكل من يرفضون الحق. انهم يتصنعون االشفاق العظيم عىل العقول الضيقة الضعيفة املتعلقة بالخرافات اىل حد االعــراف مبطالب الله وإطاعة مقتضيات الرشيعة لقد سلموا للمجرب تسليامً كامال واتحدوا معه اتحادا وثيقا ،وقد ترشبوا روحه متاما وبكل اتقان بحيث مل تبق فيهم قوة وال ميل عندهم للتخلص من أرشاكه. وكان أساس عمل الشيطان هو التأكيد الذي قدمه إىل حواء" :يوم تأكالن منه تنفتح أعينكام وتكونان مثل الله عارفني الخري والرش" (تكوين :3 4و .)5لكن الشيطان سيصل إىل تحقيق أغراضه كاملة يف الوقت الباقي .والنبي يقول" :رأيت ثالثة أرواح نجسة شبه ضفادع .فإنهم أرواح شياطني صانعة آيات تخرج عىل ملوك العامل وكل املسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر عىل كل يشء" (رؤيا 13 :16و .)14 وباستثناء املحفوظني بقوة الله وباإلميان بكلمته فالعامل كله سينساق وينحاز اىل صفوف هذا الضالل .والناس يركنون برسعة اىل طأمنينة كاذبة ليوقظهم غضب الله الذي ينسكب عليهم.
السالم الحقيقي
أينام يكرز بكلمة الله بأمانة تتبع ذلك نتائج مباركة تشهد ملصدرها االلهي .وقد أحس الخطاة بأن ضامئرهم قد استيقظت وأن عقولهم وقلوبهم قد تبكَّتت تبكيتا عميقا .لقد كان عندهم إحساس برب الرب .وقد رصخوا قائلني: "من ينقذين من جسد هذا املوت؟" (رومية .)24 :7فإذ أُعلِن لهم صليب جلجثة رأوا أنه ال يوجد سوى استحقاقات املسيح تكفي للتكفري عن معاصيهم .وبدم املسيح حصلوا عىل "غفران خطاياهم املاضية" (رومية .)25 :3 لقد آمنت هذه النفوس واعتمدت وقامت لتسلك يف جدة الحياة فصاروا خليقة جديدة بإميان ابن الله ليسريوا يف خطواته وليعكسوا صفاته وليطهروا أنفسهم كام هو طاهر .لقد صاروا اآلن يبغضون ما كانوا قبال يحبون ويحبون ما كانوا قبال يبغضون .فاملتكربون واملتغطرسون صاروا ودعاء ومتواضعي القلوب .والسكريون صاروا صاحني والخلعاء طاهرين. ومل يطلب املسيحيون "ال ِّزي َن َة الْ َخا ِر ِج َّي َةِ ،م ْن ضَ ْف ِر الشَّ ْع ِر َوالتَّ َح ِّل بِال َّذ َه ِب
السالم الحقيقي
55
َولِ ْب ِس الثِّ َي ِ اب ،بَ ْل إِن َْسا َن الْ َقل ِْب الْ َخ ِف َّي ِف الْ َع ِد َمي ِة الْف ََسا ِد ،زِي َن َة ال ُّرو ِح الْ َو ِديعِ الْ َها ِدئِ ،ال َِّذي ُه َو قُ َّدا َم الل ِه كَ ِث ُري الثَّ َمنِ " (1بطرس 3 :3و .)4 وقد متيزت النهضات أو االنتعاشات بتوسالت حارة إىل الخطاة .وقد شوهدت مثار مثل هذه االنتعاشات يف كثريين ممن مل يرتاجعوا أمام انكار الذات والتضحية بل كانوا فرحني النهم ُحسبوا مستأهلني الن يحتملوا التعيري والتجارب ألجل املسيح .وقد رأى الناس تبدال يف حياة من قد اعرتفوا باسم يسوع .مثل هذه اآلثار تبعت أوقات النهضات الدينية يف السنني السالفة. ولكن كثريا ً من االنتعاشات التي حدثت يف العصور الحديثة تختلف اختالفاً ب ِّيناً عن تلك التي ظهرت يف األيام القدمية .نعم ،كثريون يعرتفون أنهم قد تجددوا وان االقبال عظيم عىل الكنائس .ومع كل ذلك فالنتائج ال تربر االعتقاد أن هذا االهتامم رافقته زيادة مالمئة يف مستوى الحياة الروحية الحقيقية .ان النور الذي يرتفع لهيبه اىل حني رسعان ما ينطفئ. ان االنتعاشات املألوفة كثريا ما تحدث واثارة االنفعاالت وإشباع شوق الناس اىل كل ما هو جديد ومفزع .واملتجددون بهذه الوسائل ال يرغبون كثريا ً يف االصغاء اىل حق االنجيل ،وما مل تكن الخدمة الدينية من النوع العاطفي فهي ال تجذبهم . وبالنسبة اىل كل نفس مهتدية حقاً ستكون الصلة بينها وبني الله أي كنيسة من واألمور االبدية هي مدار الحياة كلها وموضوعه .ولكن يف ّ الكنائس املشهورة يف هذه االيام نجد روح تكريس الذات لله؟ فاملتجددون ال ينبذون كربياءهم وال حبهم للعامل ،وال عادوا راغبني يف انكار الذات واتباع يسوع الوديع املتواضع أكرث مام كانوا قبل تجديدهم .فقوة التقوى تكاد تهجر كثريا من الكنائس .
56
الرجاء العظيم
أتباع حقيقيون للمسيح -ولكن عىل رغم انحطاط االميان الشائع يوجد يف هذه الكنائس أتباع أمناء للمسيح .فقبلام يفتقد الله االرض برضباته االخرية سيحدث بني شعب الرب انتعاش يف التقوى والقداسة عىل غرار ما حدث يف عرص الرسل .فسينسكب روح الله وسينسحب كثريون من تلك الكنائس التي فيها احتلت محبة العامل مكان محبة الله وكلمته .وكثريون من الخدام والشعب سيقبلون بكل رسور تلك الحقائق العظيمة التي أمر الله بأن ينادى بها يف هذا الوقت إلعداد شعب ملجيء الرب ثانية. ان عدو النفوس يرغب يف تعطيل هذا العمل .وقبل مجيء الوقت ملثل هذه النهضة سيحاول الشيطان أن مينعها بتقديم يشء زائف بدال منها. ويف تلك الكنائس التي يستطيع أن يجعلها تحت سلطانه الخادع سيجعل االمر يبدو للناس وكأن بركة الله الخاصة قد فاضت ،وسيفرح جامهري من الناس الن الله "يعمل عمال عجيبا" يف حني أن ذلك العمل هو عمل روح آخر .فتحت ثوب الدين سيحاول الشيطان أن ميد تأثريه عىل العامل املسيحي .ويف كثري من هذه االنتعاشات يكون مثة اهتياج عاطفي هو مزيج من الحقيقي والزائف يساعد عىل التضليل. ففي نور كلمة الله ليس من الصعب عىل االنسان أن يحكم عىل طبيعة هذه الحركات .فعندما يهمل الناس شهادة الكتاب مبتعدين عن تلك الحقائق الواضحة الفاحصة للنفس والتي تتطلب إنكار الذات ونبذ العامل تُحجب عنهم بالتأكيد بركة الله .ومبوجب القانون الذي وضعه املسيح نفسه والقائل" :من مثارهم تعرفونهم" (متى )16 :7فمن الواضح أن هذه الحركات ليست من عمل روح الله. إن حقائق كلمة الله هي ترس لكل َمن يقبلونها يقيهم أضاليل
السالم الحقيقي
57
الشيطان .واهامل هذه الحقائق هو ما فتح الباب لكل الرشور التي تفاقمت وانترشت يف كل العامل .لقد غابت عن انظار الناس طبيعة رشيعة الله وأهميتها الناس اىل االخطاء اىل حد كبري .وساق الفه ُم الخاطئ لطبيعة رشيعة الله َ الخاصة بالهداية والتقديس ،ونتج من ذلك خفض مقياس التقوى يف الكنيسة. هنا نجد الرس يف افتقارنا اىل روح الله يف االنتعاشات التي تحصل يف عرصنا الحارض. ناموس الحرية -يؤكد كثريون من معلمي الدين ان املسيح ابطل مبوته الناموس .وبعض الناس يصورونه نريا مكدرا محزنا ،وعىل نقيض "عبودية" الناموس يقدمون الحرية التي ميتعهم بها االنجيل .لك ّن هذه مل تكن النظرة التي كان االنبياء والرسل ينظرون بها اىل رشيعة الله املقدسة .فلقد قال داود: "أمتىش يف رحب ألين طلبت وصاياك" (مزمور .)45 :119ويشري الرسول يعقوب إىل الوصايا العرش عىل أنها "الناموس الكامل ناموس الحرية" (يعقوب .)25 :1 وينطق الرايئ بالربكة والطوىب عىل "الذين يصنعون وصاياه ليك يكون سلطانهم عىل شجرة الحياة ويدخلوا من األبواب إىل املدينة" (رؤيا .)14 :22 فلو كان من املمكن تغيري الرشيعة أو طرحها جانبا ملا كان من حاجة اىل ان ميوت املسيح لينقذ االنسان من قصاص الخطيئة .وابن الله قد أىت ليك "يعظم الرشيعة ويكرمها" (إشعياء .)21 :42وهو الذي قال" :ال تظنوا أين جئت ألنقض الناموس"" .إىل أن تزول السامء واألرض ال يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس" (متى 17 :5و .)18أما عن نفسه فيعلن قائالً" :أن أفعل مشيئتك يا إلهي رسرت ورشيعتك يف وسط أحشايئ" (مزمور .)8 :40 ال تتغري رشيعة الله بطبيعتها .إنها إعالن إرادة وصفات مبدعها .الله
58
الرجاء العظيم
محبة ،ورشيعته محبة" .املحبة هي تكميل الناموس" (رومية .)10 :13يقول صاحب املزامري" :رشيعتك حق" "كل وصاياك عدل" (مزمور 142 :119و .)172 وبولس الرسول يعلن قائالً" :الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة" (رومية )12 :7مثل هذه الرشيعة ينبغي أن تكون ثابتة وباقية كمبدعها. إن عمل التجديد والتقديس هو إصالح ذات البني بني الناس والله يجعلهم يف حالة وفاق مع مبادئ رشيعته .يف البدء كان اإلنسان يف حالة وفاق كامل مع رشيعة الله .لكن الخطية فصلت بينه وبني خالقه ونشبت حرب يف قلبه ضد مبادئ رشيعة الله" .ألن اهتامم الجسد هو عداوة لله إذ ليس هو خاضعاً لناموس الله ألنه أيضاً ال يستطيع" (رومية .)7 :8ولكن "هكذا أحب الله العامل حتى بذل ابنه الوحيد" ليك يتاح لإلنسان أن يتصالح مع الله وأن يعود إىل حالة الوفاق مع جابله .هذا التغيري هو الوالدة الجديدة التي من دونها "ال يقدر أن يرى ملكوت الله(.يوحنا 16 :3و .)3 إدانة الخطية -أوىل خطوات املصالحة مع الله هي إقرار الخاطئ بخطيئته وإدانته لها" .الخطيئة هي التعدي" عىل رشيعة الله" .بالناموس معرفة الخطيئة" (يوحنا 4 :3 :1؛ رومية .)20 :3فليك يرى الخاطئ خطيئته عليه أن يقيس أخالقه وميتحنها مبقياس الرب العظيم (الرشيعة) .إنه مرآة يُري اإلنسان كامل الصفات البارة ويقدره عىل اكتشاف النقص يف أخالقه. يكشف الناموس لإلنسان عن خطاياه لكنه ال يقدم عالجاً لذلك .وهو يعلن أن املوت هو نصيب العصاة .صليب املسيح وحده هو الذي يستطيع أن يحرر اإلنسان من دينونة الخطيئة ونجاستها .لذا ينبغي له أن يتوب إىل الله الذي قد تعدى عىل رشيعته ويؤمن باملسيح الذي هو ذبيحته الكفارية.
السالم الحقيقي
وهكذا ينال "غفراناً" لخطاياه السالفة" (رومية )25 :3ويغدو ابناً لله.
59
لوثر يوضح إيجاد الغفران والخالص -هذا وإن رغبة لوثر الحارة يف التحرر من الخطيئة والحصول عىل السالم مع الله قادته إىل تكريس نفسه لحياة الرهبنة .وقد طُلب منه مامرسة أحط ألوان الكدح املذل فكان يذهب من بيت إىل بيت مستجدياً أهل اإلحسان .وتحمل اإلذالل بصرب إذ كان يعتقد أنه رضوري له بسبب خطاياه. وعاش عيشة غاية يف الرصامة ،محاوال بواسطة الصوم والصلوات أن يقهر رش طبيعته .وقال فيام بعد" :لقد كنت يف الحق راهباً تقياً واتبعت قوانني رهبانيتي بدقة أعجز عن التعبري عنها .ولو أُعطي لراهب أن يرث السامء بأعامل النسك التي ميارسها لكان يل الحق يف امتالكها ...ولو استمريت عىل ذلك مدة أطول ألودى يب قمع الجسد وإذالل النفس إىل املوت 2".ولكن مع كل تلك الجهود مل تجد نفسه املثقلة راحة .وأخريا ً انساق إىل حافة اليأس. عندما بدا للوثر أن كل أمله قد ضاع دبر له الله صديقاً ومعيناً .ذلك أن ستوݒتز فتح ذهن لوثر أمام كلمة الله وأمره بأن يحول نظره بعيدا ً عن نفسه وينظر إىل يسوع .ثم قال له" :بدالً من تعذيب نفسك ألجل خطاياك ألق بنفسك بني ذراعي الفادي .ثق به ،يف بر حياته وكفارته وموته ...أصغ إىل ابن الله ...الذي صار إنساناً ليمنحك يقني الرىض اإللهي"" .أحب ذاك الذي أحبك قبالً" .3فأثر كالمه يف عقل لوثر تأثريا ً عميقاً ،فحل السالم يف نفسه املضطربة. وبعد ذلك س ُمع صوته من املنرب وهو يوجه اىل سامعيه إنذارا ً حارا ً مقدسا .وقد رشح للشعب ان الخطيئة كريهة جدا ،وعلمهم انه يستحيل عىل االنسان بأعامله ان يقلل من جرمها أو يفلت من قصاصها .وال يشء يخلص . 2ج .هـ .مرييل دي أوبنج ،تاريخ اإلصالح يف القرن السادس عرش ،مجلد ،2الفصل الثالث. . 3املرجع نفسه ،مجلد ،2الفصل الرابع.
60
الرجاء العظيم
الخاطئ غري التوبة اىل الله واالميان باملسيح .ونعمة املسيح ال ميكن رشاؤها، فهي هبة مجانية .ثم نصح الشعب بأال يشرتوا صكوك الغفران بل ان ينظروا باإلميان اىل الفادي املصلوب .واخربهم عن اختباره املؤمل املرير واكد لسامعيه انه قد حصل عىل السالم والفرح لكونه رصف نظره عن نفسه وآمن باملسيح. هل يجعلنا الغفران يف ِحلٍ من الطاعة؟ -فهل هو حر اآلن ليتعدى رشيعة الله؟ يقول بولس "أفنبطل الناموس باإلميان؟ حاشا بل نثبت الناموس" " .نحن الذين متنا عن الخطيئة كيف نعيش بعد فيها؟ " :ويوحنا يعلن قائال" :هذه هي محبة الله أن نحفظ وصاياه ووصاياه ليست ثقيلة". وعندما يولد اإلنسان ثانية يصري القلب يف حالة وفاق مع الله ومع رشيعته. فعندما يحدث هذا التبدل يف الخاطئ ينتقل من املوت إىل الحياة ومن التعدي والعصيان إىل الطاعة والوالء .لقد انتهت حياته القدمية وبدأت الحياة الجديدة، حياة املصالحة واإلميان واملحبة .حينئذ "يتم حكم (بر) الناموس فينا نحن السالكني ليس حسب الجسد بل حسب الروح" .وحينئذ ستكون لغة النفس شي َعتَ َك! الْ َي ْو َم كُلَّ ُه ِه َي لَ َهجِي" (رومية 31 :3؛ 2 :6؛ هي هذه" :كَ ْم أَ ْح َب ْب ُت َ ِ 1يوحنا 3 :5؛ مزمور .)97 :119 من دون ناموس الله ال يدرك الناس خطاياهم وال يحسون بحاجتهم إىل التوبة .واإلنسان يقبل رجاء الخالص من دون تغيري جوهري يف القلب أو إصالح للحياة .وهكذا تكرث هدايات سطحية وتنضم جامهري غفرية ممن مل يرتبطوا باملسيح أبدا ً إىل الكنيسة.
ما هو التقديس؟ -تنشأ النظريات الخاطئة عن التقديس أيضاً من
السالم الحقيقي
61
إهامل أو نبذ رشيعة الله .وتلقى هذه النظريات ،الزائفة والكاذبة يف العقيدة والخطرة يف العواقب العملية ،استحساناً بصفة عامة. يعلن الرسول بولس" :ألن هذه هي إرادة الله قداستكم" .ويعلمنا الكتاب تعليامً واضحاً ماهية التقديس وكيفية الوصول إليه .لقد صىل املخلص ألجل تالميذه قائالً" :قَ ِّد ْس ُه ْم ِف َحق َِّك .كَالَ ُم َك ُه َو َحق" .وبولس يعلمنا قائالً أن عىل املؤمن أن يكون "مقدساً بالروح القدس" (1تسالونييك 3 :4؛ يوحنا :17 17؛ رومية .)16 :15 وما هو عمل الروح القدس؟ لقد أخرب يسوع تالميذه قائالً" :ومتى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إىل جميع الحق" (يوحنا .)13 :16وصاحب املزامري يقول" :رشيعتك حق" .ومبا أن رشيعة الله "مقدسة وعادلة وصالحة" فإن األخالق التي تتكون بالطاعة لتلك الرشيعة ال بد أن تكون أيضاً مقدسة. واملسيح هو املثال الكامل لتلك األخالق فهو يقول" :إين قد حفظت وصايا أيب"" .يف كل حني أفعل ما يرضيه" (يوحنا 10 :15؛ .)29 :8وعىل أتباع املسيح أن يكونوا مثله .وبنعمة الله عليهم أن تكون لهم صفات متفقة مع مبادئ رشيعته املقدسة .وهذا هو التقديس حسب تعليم الكتاب املقدس. باإلميان فقط -وميكن انجاز هذا العمل بواسطة االميان باملسيح فقط وبواسطة قوة روح الله الساكن يف القلب .سيحس املسيحي بنوازع الخطيئة لكنه سيثري عليها حربا دامئة ال هوادة فيها .هذا هو الوقت الذي فيه يحتاج املؤمن اىل معونة املسيح ،فيتحد الضعف البرشي بالقوة االلهية ويهتف االميان قائال ":شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع املسيح" (1كورنثوس .)57 :15
62
الرجاء العظيم
إن عمل التقديس مرحيل .فإذ يجد الخاطئ يف التجديد سالماً مع الله تكون الحياة املسيحية قد بدأت .وعليه اآلن أن يتقدم "إىل الكامل" .وينمو "إىل قياس قامة ملء املسيح"" ،أسعى نحو الغرض ألجل جعالة دعوة الله العليا يف املسيح يسوع" (عربانيني 1 :6؛ أفسس 13 :4؛ فيلبي .)14 :3 إن الذين يختربون التقديس الكتايب سيظهرون روح الوداعة .فهم قد رأوا عظمة جالل القداسة ويرون عدم استحقاقهم عىل نقيض طهارة االله الرسمدي وكامله السامي .كان النبي دانيال مثاال للتقديس الحقيقي فبدال من أن يدعي لنفسه الطهارة والقداسة اعترب نفسه واحدا من بني ارسائيل الخطأة عندما كان يتوسل ألجل شعبه( .دانيال 11 :10؛ 15 :9و 18و 20؛ 8 :10و .)11 ال ميكن للذين يسريون يف ظل الصليب أن ميجدوا أنفسهم أو يدعوا أنهم قد تحرروا من الخطيئة .فهم يحسون بأن خطيئتهم هي التي تسببت يف اآلالم والعذابات التي سحقت قلب ابن الله ،وهذا الفكر يقودهم اىل التذلل واالنسحاق .والذين هم أقرب الناس اىل يسوع يدركون كل االدراك ضعف البرشية ورشها ،وان رجاءهم الوحيد هو يف استحقاق مخلصهم املصلوب واملقام. ان التقديس الذي ينال شهرة اآلن يف عامل الدين يحمل معه روح متجيد الذات واالستخفاف برشيعة الله مام يجعله يختلف عن ديانة الكتاب. والذين يدافعون عنه يعلِّمون الناس قائلني ان التقديس هو عمل لحظة بواسطته يحصلون عىل القداسة الكاملة باإلميان وحده .وهم يقولون" :آمن فقط فتحصل عىل الربكة" .ويظنون أنه ال يُطلب ممن ينال هذه الربكة أن يبذل أي مجهود بعد ذلك .وهم يف الوقت نفسه ينكرون سلطان رشيعة الله ويحتجون قائلني انهم قد تحرروا من التزام حفظ الوصايا .ولكن أميكن للناس
السالم الحقيقي
63
أن يكونوا قديسني طبقا ملشيئة الله وصفاته من دون أن يكونوا يف حالة وفاق مع املبادئ التي هي تعبري عن طبيعته ومشيئته؟ إن شهادة كلمة الله هي ضد هذا التعليم املعرقل تعليم االميان من دون أعامل .فليس االميان هو الذي يطالب برىض السامء من دون االمتثال للرشوط التي عىل أساسها تُ نح الرحمة ،بل هي الغطرسة .انظر يعقوب 14 :2ـ .24 ال يخدع َّن أحد نفسه باالعتقاد أنه ميكنه أن يكون قديسا يف حني أنه يتعمد التعدي عىل مطلب واحد من مطالب الله .فارتكاب خطيئة معروفة يسكت صوت الروح الشاهد ويفصل النفس عن الله .ان يوحنا مع أنه يتكلم كثريا عن املحبة يف رسائله فانه ال يرتدد يف الكشف عن الصفة الحقيقية لتلك الفئة من الناس الذين يدعون أنهم قد تقدسوا يف حني أنهم عائشون يف حال التعدي عىل رشيعة الله فيقول" :من قال قد عرفته وهو ال يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه .وأما من حفظ كلمته فحقا يف هذا قد تكملت محبة الله" (1يوحنا 4 :2و .)5هذا هو اختبار إعالن اإلميان لكل فرد .فاذا استخف الناس بالرشيعة االبدية وحقروا من شأن وصايا الله ونقضوا احدى هذه الوصايا الصغرى "وعلموا الناس هكذا" (متى 18 :5و .)19فلن يكون لهم أي اعتبار يف نظر السامء .ونعرف نحن أن ادعاءاتهم كانت عىل غري أساس. وادعاء االنسان انه بال خطيئة هو يف حد ذاته برهان عىل أن َمن يقدم هذا االدعاء بعيد كل البعد من القداسة .وذلك ألنه ال يدرك ادراكا حقيقيا طهارة الله وقداسته غري املحدودة ،وألنه ال يدرك خبث الخطيئة ورشها .وكلام زاد ابتعاده عن املسيح كلام بدا بارا ً جدا ً يف عيني نفسه.
64
الرجاء العظيم
التقديس وفقاً للكتاب املقدس -يتناول التقديس املقدم إلينا يف الكتاب املقدس كيان اإلنسان كله ،يف الروح والنفس والجسد (انظر 1تسالونييك .)23 :5يُطلب من املسيحيني أن يقدموا أجسادهم "ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله" (رومية .)1 :12فكل عمل من شأنه أن يضعف قوى الجسد أو العقل يجعل اإلنسان غري أهل لخدمة الله خالقه .فالذين يحبون الله من كل القلب سيكونون عىل الدوام راغبني يف أن يجعلوا كل قوى كيانهم يف حالة وفاق مع القوانني التي تزيد من قدرتهم عىل عمل إرادته .إنهم لن يجعلوا االنغامس يف الشاهية أو الشهوات وسيلة إضعاف أو تدنيس للقربان الذي يريدون تقدميه إىل أبيهم الساموي. فكل متتُّع خاطئ يعمل عىل تخدير القوى وإماتة االحاسيس الذهنية والروحية ،فال تستطيع كلمة الله أو روحه أن تؤِثر يف القلب اال بقدر ضئيل جدا .وبولس كتب يقول ألهل كورنثوس" :لنط ِّهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملني القداسة يف خوف الله" (2كورنثوس .)7 :1 ما أكرث املعرتفني باملسيحية والذين يحطون ِمن قدر انسانيتهم الجليلة املجيدة باالنغامس يف النهم والرشاهة ورشب الخمر أو التمتع باملرسات املحرمة .والكنيسة يف غالب األحيان تشجع الرش ليك متأل باملال خزانتها ،ألن محبتها للمسيح هي أضعف من أن متألها .ولو قُ ِّيض ليسوع أن يدخل كنائس اليوم ويرى الوالئم والتجارة النجسة التي تدار باسم الدين أما كان يطرد اولئك املنجسني كام قد طرد الصيارفة من الهيكل؟ "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله .وإنكم لستم ألنفسكم .ألنكم قد اشرتيتم بثمن .فمجدوا الله يف أجسادكم ويف أرواحكم التي هي لله" (1كورنثوس 19 :6و .)20إن ذاك
السالم الحقيقي
65
الذي جسده هيكل للروح القدس لن تستعبده عادة وبيلة .فكل قواه هي مبرا وهو يبذر رأس املال هذا املو َدع للمسيح .وامالكه هي للرب .وكيف يكون َّ امانة بني يديه؟ إن املعرتفني باملسيح ينفقون كل عام مبلغاً ضخامً عىل املالذ العدمية النفع والوبيلة .لقد سلَ ْبنا الله يف العشور والتقدمة بينام نحن نحرق عىل مذبح الشهوة املهلِكة أكرث مام نقدم إلسعاف املساكني أو لنرش رسالة االنجيل .لو كان كل املعرتفني بأنهم أتباع املسيح مق َّدسني بالحق لكانت أموالهم ،بدال من أن ترصف يف متتعات باطلة ال داعي لها بل وضارة ،تتحول اىل خزانة الرب، ولكان املسيحيون يرضبون أروع االمثلة عىل التعفف وانكار الذات والتضحية. وحينئذ يصبحون نورا للعامل. إن "شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم املعيشة" (1يوحنا )16 :2 تتحكم يف جامهري الناس وتسيطر عليهم .أما أتباع املسيح فلهم دعوة أقدس: "اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب وال متسوا نجساً" .ولكل َمن ينصاعون يقدم الرب إليهم هذا الوعد" :فَأَقْ َبلَ ُك ْمَ ،وأَكُو َن لَ ُك ْم أَبًاَ ،وأَنْتُ ْم تَكُونُو َن ِل بَ ِن َني َوبَ َن ٍ ات ،يَق ُ ش ٍء" (2كورنثوس 17 :6و .)18 ُول ال َّر ُّب ،الْقَا ِد ُر َع َل ك ُِّل َ ْ دخول مبارش إىل محرض الله -ان كل خطوة من خطوات االميان والطاعة ت ُدخل النفس اىل ارتباط أقرب وأوثق بنور العامل .أشعة شمس الرب املتألقة ترشق عىل عبيد الله ،وعليهم هم أن يعكسوا أشعة نوره .فكام تخربنا النجوم أن هنالك يف السامء نورا عظيام تستنري هي و تنري بنوره ،كذلك يجب عىل املسيحيني أن يجعلوا االمر واضحا وجليا انه يوجد اله عىل عرش الكون تستحق صفاته أن ميجدها الناس ويتمثَّلوا بها .ان قداسة صفاته ستبدو جلية
66
الرجاء العظيم
واضحة يف حياة شهوده. ان لنا يف استحقاقات املسيح دخوال اىل عرش القدرة االزيل .فذاك "الذي مل يشفق عىل ابنه بل بذله ألجلنا أجمعني كيف ال يهبنا أيضاً معه كل يشء" .يقول يسوع" :إن كنتم وأنتم أرشار تعرفون أن تعطوا أوالدكم عطايا جيدة فكم بالحري اآلب الذي من السامء يعطي الروح القدس للذين يسألون"، "إذا سألتم شيئاً بأسمي فإين أفعله"" ،أطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كامالً" (رومية 32 :8؛ لوقا 13 :11؛ يوحنا 14 :14؛ .)24 :16 انه المتياز ان يحيا كل انسان بحيث يرىض الله عنه ويباركه .فاآلب الساموي ال يريد أن نقع تحت الدينونة والظلمة .وليس من دالئل الوداعة الحقة أ ْن يسري االنسان مطأطئ الرأس وقلبه ممتلئ بأفكار ذاتية .ميكننا أن نذهب اىل يسوع ونتطهر ونقف أمام الرشيعة بال عار أو حزن. يف املسيح ميكن ألبناء آدم الساقطني أن يصريوا أبناء الله .وهو "ال يستحي أن يدعوهم أخوة" (عربانيني .)11 :2ينبغي أن تكون حياة املسيحي حياة اإلميان والنرصة والفرح يف الرب. "فرح الرب هو قوتكم" "افرحوا كل حني .صلوا بال انقطاع .اشكروا يف كل يشء ألن هذه هي مشيئة الله يف املسيح يسوع من جهتكم" (عربانيني 11 :2؛ نحميا 10 :8؛ 1تسالونييك 16 :5ـ .)18 هذه هي مثار التجديد والتقديس كام هي ورادة يف الكتاب املقدس، ولكن نادرا ً ما تُشا َهد مثارها ألن مبادئ الرب العظيمة املقدمة يف رشيعة الله تقابل من العامل املسيحي بعدم اكرتاث وبإهامل معيب .وهذا هو السبب الذي
السالم الحقيقي
67
ألجله ال يظهر إال القليل جدا ً من ذلك العمل العميق الباقي ،عمل روح الله الذي كان طابع االنتعاشات التي حدثت يف السنني السالفة. اننا نتغري بالنظر واملشاهدة .ومبا ان تلك الوصايا املقدسة التي فيها كشف الله للناس عن كامل صفاته وقداستها قد أُهملت ،بينام التعاليم والنظريات البرشية اجتذبت عقول الناس ،فال غرابة أن يتبع ذلك تدهور يف التقوى الحيوية يف الكنيسة .اننا عندما نعيد لرشيعة الله كرامتها ونضعها يف مركزها الرشعي الالئق بها ينتعش االميان القديم والتقوى القدمية بني املعرتفني بأنهم شعب الله.
حصننا
الوحيد
يُو َّجه شعب الله اىل الكتاب كحافظ لهم من تأثري املعلمني الكذبة وقوة أرواح الظلمة املضلة .ويستخدم الشيطان كل حيلة ممكنة ليحول بني الناس وحصولهم عىل معرفة الكتاب .ويف كل انتعاش لعمل الله ينهض سلطان الرش ليبذل جهدا اعظم ونشاطا أوفر .وسيكون تقليده دقيقا جدا بحيث يشبه الحقيقي ،وهكذا يستحيل التمييز بني االثنني إال بواسطة الكتاب املقدس. سيتعرض الذين يحاولون اطاعة كل وصايا الله للمقاومة والسخرية وليك يحتملوا التجربة املقبلة يجب عليهم ان يفهموا ارادة الله كام هي معلنة يف كلمته .ويستطيعون اكرامه فقط بقدر ما يكون عندهم ادراك صحيح لصفاته وحكمه ومقاصده ويعملون طبقا لها .وليس غري الذين قد حصنوا عقولهم بحقائق الكتاب يثبتون يف هذا الرصاع االخري العظيم. أوضح املخلص لتالميذه قبل صلبه انه س ُيقتل ويقوم ثانية من القرب. وكان املالئكة حارضين لريسخوا هذه االقوال يف عقولهم وقلوبهم .لكن األقوال غابت عن أذهانهم .وعندما جاء وقت التجربة وجدهم عىل غري استعداد .ان موت يسوع قد حطم آمالهم بالتامم كام لو مل يكن قد سبق فأنذرهم .كذلك يف النبوات نجد املستقبل واضحا أمامنا بكل جالء كام كان واضحا أمام التالميذ. لكن جامهري من الناس ال يدركون من هذه الحقائق املهمة أكرث مام لو مل تكن
حصننا الوحيد
69
قد أعلنت . عندما يرسل الله اىل العامل انذارات فانه يطلب من كل انسان موهوب بقوى التفكري والتعقل ان يلتفت اىل الرسالة ويعيها .إن الرضبات املخيفة املقيض بها ضد عبادة الوحش وصورته (انظر رؤيا 9 :14ـ )11ينبغي أن تقود الكل لدرس النبوات باجتهاد ليتعلموا ما هي سمة الوحش وكيف ميكنهم تجنب قبولها* .لكن جامهري الناس ال يريدون الحق الكتايب ألنه يتدخل يف رغبات القلب الخاطئ ،والشيطان يقدم اليهم املخاتالت واملخادعات التي يحبونها . لك ّن الله سيكون له عىل االرض شعب يحفظون الكتاب املقدس والكتاب املقدس وحده ،كمقياس لكل التعاليم وأساس كل االصالحات .فال آراء العلامء أو استنتاجات العلم وال عقائد املجامع الكنسية أو قراراتها وال صوت االغلبية كل هذه ال ينبغي اعتبارها ،منفردة أو مجتمعة ،برهانا يف جانب أي فقرة من العقيدة الدينية أو ضدها .ينبغي أن نسأل ما اذا كان مستندا اىل قول الرب أم ال .وهل هو يبدأ بالقول" :هكذا قال الرب" .يحاول الشيطان دامئا أن يجعل الناس يتطلعون اىل االساقفة والرعاة وأساتذة الالهوت كمرشدين لهم بدال من ان يفتشوا الكتب ألنفسهم .وإذ يسيطر الشيطان عىل عقول هؤالء القادة ميكنه أن يؤثر يف الجامهري. عندما جاء املسيح ليتكلم بكالم الحياة سمعه عامة الشعب برسور. لك ّن رئيس الكهنة وقادة االمة عقدوا العزم عىل التعصب ورفضوا انصع الرباهني عىل كونه مسيا .وقد تساءل الناس قائلني" :كيف ال يؤمن رؤساؤنا وكتبتنا العلامء بيسوع؟ أما كان هؤالء القوم االتقياء يقبلونه لو كان هو املسيح؟" إن نفوذ مثل هؤالء املعلمني هو الذي قاد االمة اليهودية اىل رفض فاديها. * يتم تناول هذا املوضوع يف الفصل 38من كتاب الرصاع العظيم.
70
الرجاء العظيم
متجيد السلطة البرشية -لقد كانت للمسيح بصرية النبي فرأى عمل تعظيم السلطة البرشية للسيطرة عىل الضامئر ،األمر الذي كان لعنة يف كل العصور .وإنذاراته التي وجهها إىل الشعب حتى ال يتبعوا أولئك القادة العميان إمنا سجلت إلنذار األجيال املقبلة. تحتفظ كنيسة روما لالكلريوس بحق تفسري الكتاب املقدس .ومع ان االصالح قدم الكتاب اىل الجميع فان املبدأ نفسه الذي سارت عليه روما مينع جموعا غفرية يف الكنائس الربوتستانتية من تفتيش الكتاب ألنفسهم. لقد تعلموا ان يقبلوا تعاليمها كام قد فرستها الكنيسة ،ويوجد آالف ممن ال يجرؤون عىل قبول يشء يناقض عقيدتهم أو تعليم كنيستهم الثابت. فان كثريين مستعدون هكذا ألن يستودعوا حفظ أرواحهم بني أيدي رجال االكلريوس .إنهم ميرون بتعاليم املخلص مر الكرام حتى يكادون ال يالحظونها ،ولكن هل الخدام معصومون؟ وكيف نستأمنهم عىل ارشاد نفوسنا ما مل نعلم من كلمة الله انهم حاملو مشعل النور؟ ان انعدام الشجاعة االدبية يجعل كثريين يسريون يف اثر خطوات العلامء ،وبنفورهم من الفحص واالستقصاء بأنفسهم وألنفسهم يصريون مكبلني يف سالسل الضالل .انهم يرون ان الحق الخاص بهذا العرص مكشوف للعيان بكل وضوح يف الكتاب ويحسون بقوة الروح القدس مرافقا إلعالنه ،اال انهم يسمحون ملقاومة االكلريوس بان تبعدهم عن النور . يستحوذ الشيطان عىل جامهري كثرية لنفسه اذ يربطهم بخيوط حريرية ،خيوط املحبة ملن هم أعداء صليب املسيح .وميكن لهذا االرتباط أن املمسكة يكون ارتباط اآلباء أو األبناء أو األزواج أو ارتباطاً اجتامعياً .والنفوس َ تحت سلطتهم ليست لديها الشجاعة الكافية أو االستقالل إلطاعة اقتناعها
حصننا الوحيد
71
بالواجب. كثريون يدعون قائلني انه ال يهم ما الذي يعتقده االنسان اذا كانت حياته حياة مستقيمة .لك ّن العقيدة هي التي تشكل الحياة .فاذا كان النور والحق يف متناول ايدينا ونحن نهمل االستفادة من ميزات استامعه ورؤيته فإننا يف الواقع نرفضه ،ونحن نختار الظلمة ونفضلها عىل النور. ليس الجهل عذرا عن الضالل أو الخطيئة فيام كل الفرص ماثلة أمام االنسان ليعرف ارادة الله .ها رجل مسافر يأيت اىل مكان به طرق متشعبة كثرية وتوجد عىل جانب الطريق الفتة تشري اىل نهاية كل طريق .فإذا هو أغفل تلك الالفتة واتخذ اي طريق يرتاءى له انه صواب ،فقد يكون مخلصا متام االخالص ولكن من املرجح أن يجد نفسه سائرا يف طريق مخطئ غري الذي يريده. الواجب األول واألهم -ال يكفي ان تكون نوايا االنسان صالحة، وال يكفي ان نفعل ما نظنه صوابا وال ما يقول الخادم عنه انه صواب .وعليه أن يفتش الكتب لنفسه .ان لديه خارطة تشري اىل كل عالمة من معامل الطريق يف سياحته اىل السامء ،وينبغي اال يخمن من جهة أي يشء. ان أول واجب واعظمه عىل كل كائن عاقل هو ان يتعلم من الكتاب ما هو الحق ثم يسري يف النور ويشجع اآلخرين عىل التمثل به .وعلينا مبساعدة الله أن نك ِّون آراءنا ألنفسنا اذ ان علينا ان نجيب عن انفسنا امام الله. إن العلامء لكونهم ي َّدعون ادعاءات عظيمة بأنهم علامء وحكامء فهم يعلمون الناس بأن للكتاب معنى غامضاً خفياً روحياً ال يظهر يف لغته الحالية. هؤالء القوم معلمون كذبة .ان لغة الكتاب ينبغي رشحها طبقاً ملعناها الواضح ما مل يكن هنالك رمز أو استعارة .فلو اخذ الناس الكتاب كام يُقرأ المكن
72
الرجاء العظيم
انجاز عمل يُفرح قلوب املالئكة ويضم اىل حظرية املسيح آالفا فوق آالف ممن يهيمون اآلن يف تيه الضالل. كثريا ما يكون هنالك فصل من الكتاب يقول عنه العلامء انه غامض او ميرون به مرورا رسيعا اذ يعتربونه عديم االهمية ولكنه يكون مملوءا بالعزاء والتعليم ملن قد تعلم يف مدرسة املسيح .ادراك حق الكتاب ال يتوقف باألكرث عىل قوة الذهن الذي يستخدم يف البحث كام عىل توحيد القصد وبساطته، والرغبة والشوق الحار يف طلب الرب. نتائج تجاهل الصالة ودراسة الكلمة -ينبغي اال ندرس الكتاب من دون صالة .فالروح القدس وحده هو الذي يستطيع ان يجعلنا نشعر بأهمية تلك االشياء التي يسهل فهمها أو مينعنا من تحريف الحقائق التي يصعب علينا ادراكها .ان عمل مالئكة السامء هو اعداد القلب بحيث يفهم كلمة الله ليك يسحر جاملها قلوبنا ونحيا وننتعش ونتقوى مبواعيدها .ليقابل الشيطان بسالح الكتاب. فالتجارب يف غالب األحيان تبدو كأنها ال تُ ْغلَب ألن امل ُ َج َّرب بسبب إهامله الصالة ودرس الكتاب ال يستطيع أن يتذكر مواعيد الله برسعة ويقابل الشيطان بسالح الكتاب .لك ّن املالئكة يعسكرون حول الذين يرغبون يف تعلم امور الله ،ويف وقت الحرج والحاجة العظمى ي ُنجدون ذاكرتهم بالحقائق ذاتها التي يحتاجون إليها. " وأما املعزي الروح القدس الذي سريسله اآلب باسمي فهو يعلمكم كل يشء
حصننا الوحيد
73
ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يوحنا .)26 :4:14ولكن ينبغي قبل ذلك ان ندخر تعاليم املسيح يف اذهاننا حتى يذكرنا بها روح الله يف وقت الخطر. ومصري االرض مبن يعيشون عليها والذين يتكاثرون كل يوم موشك ان يتقرر .وعىل كل تابع للمسيح ان يسأل بكل غرية قائال " :ماذا تريد يا رب ان افعل؟" (أعامل .)6 :9علينا اآلن ان نطلب اختبارا عميقا حيا ألمور الله .مل يبق لدينا وقت نضيعه وال برهة واحدة .ونحن يف أرض الشيطان املسحورة .فال تناموا يا حراس الله. كثريون يهنئون أنفسهم عىل األخطاء التي ال يرتكبونها .فال يكفي ان يكونوا اشجارا يف جنة الله بل عليهم ان يحققوا انتظاراته يف االتيان بثمر .ففي اسفار السامء مسجل ضدهم انهم معطِّلون ومبطلون لألرض .ان قلب املحبة املتأين الصبور ال يزال يتوسل اىل الذين قد استهانوا برحمته واساءوا استخدام نعمته. يف الصيف ال يرى فرق ظاهر بني االشجار الدامئة االخرضار وغريها من االشجار ،ولكن عندما تجيء زوابع الشتاء وبرده تبقى االشجار الدامئة االخرضار بال تغيري بينام االشجار االخرى تتجرد من أوراقها .فلو استيقظت املقاومة وساد التعصب واشتعلت نريان االضطهاد فان الفاترين واملرائني سيرتنحون ويسلمون يف عقيدتهم ،لك ّن املسيحي االمني سيظل ثابتا كالصخر وسيتقوى اميانه ويلمع رجاؤه اكرث مام يف ايام النجاح. وس ٍة َع َل ِم َيا ٍهَ ،و َع َل نَ ْه ٍر تَ ُ ُّد أُ ُصولَ َهاَ ،والَ تَ َرى إِذَا َجا َء " فَ ِإنَّ ُه يَكُو ُن كَشَ َج َر ٍة َم ْغ ُر َ ضَ ،و ِف َس َن ِة الْ َق ْح ِط الَ تَ َخ ُ افَ ،والَ تَك ُُّف َعنِ اإلِثْ َارِ"(إرميا الْ َح ُّرَ ،ويَكُو ُن َو َرقُ َها أَ ْخ َ َ .)8 :17
دفاعاً
عن الحق
ان واجب السجود لله مبني عىل حقيقة كونه هو الخالقَ " .هلُ َّم ن َْس ُج ُد َونَ ْركَ ُع َونَ ْجثُو أَ َما َم ال َّر ِّب َخالِ ِق َنا " (مزمور 3 :100؛ .)6 :95 يف رؤيا 14يُطلب من الناس أن يسجدوا للخالق وأن يحفظوا وصايا الله. وإحدى هذه الوصايا تشري مبارشة إىل الله الخالق إذ تقول" :واما اليوم السابع ففيه سبت للرب الهك ...ألن يف ستة ايام صنع الرب السامء واالرض والبحر وكل ما فيها واسرتاح يف اليوم السابع لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه" (خروج 10 :20و .)11زد عىل هذا قول الرب عن السبت انه" :عالمة ...لتعلموا اين انا الرب الهكم" (حزقيال .)20 :20ولو كان جميع الناس يحفظون السبت لكانت افكارهم وعواطفهم تنعطف اىل الخالق كموضوع لإلكرام والعبادة ،وملا ُوجد عابد وثن أو كافر أو ملحد .ان حفظ السبت هو عالمة من عالمات الوالء لإلله الحقيقي "الذي صنع السامء واالرض والبحر وينابيع املياه" ويتبع ذلك ان الرسالة التي تأمر الناس بالسجود لله وحفظ وصاياه تأمرهم عىل الخصوص بحفظ الوصية الرابعة. اسرتجاع الحق -ان عمل اصالح السبت الذي سيتم يف االيام االخرية سبق فأنبئ به يف نبوة اشعياء الذي يقول" :هكذا قال الرب احفظوا
دفاعاً عن الحق
75
الحق واجروا العدل ألنه قريب مجيء خاليص واستعالن بري .طوىب لإلنسان الذي يعمل هذا والبن االنسان الذي يتمسك به الحافظ السبت لئال ينجسه والحافظ يده من كل عمل رش ...وابناء الغريب الذين يقرتنون بالرب ليخدموه وليحبوا اسم الرب ليكونوا له عبيدا كل الذين يحفظون السبت لئال ينجسوه ويتمسكون بعهدي آيت بهم اىل جبل قديس وافرحهم يف بيت صاليت" (إشعياء 1 :56و 2و 6و .)7 هذا الكالم ينطبق عىل العرص املسيحي كام يربهن سياق الكالم (إشعياء .)8 :56هنا يرمز إىل جمع األمم بواسطة اإلنجيل يف الوقت الذي فيه يبرش عبيده كل األمم بالبشارة املفرحة. "ص الشهادة اختم الرشيعة بتالميذي" (إشعياء والرب يأمر قائالًَّ ُ : .)16 :8ان ختم رشيعة الله يوجد يف الوصية الرابعة .فهذه الوصية وحدها من دون باقي الوصايا العرش ترينا اسم معطي الرشيعة ولقبه .وعندما أبدل السبت بالسلطان البابوي* أُخذ الختم من الرشيعة .ويُطلب من تالميذ يسوع ان يرجعوه بتمجيدهم واكرامهم لسبت الوصية الرابعة ووضعه يف مركزه الرشعي كتذكار ان واجب السجود لله مبني عىل حقيقة كونه هو الخالق" . َهلُ َّم ن َْس ُج ُد َونَ ْركَ ُع َونَ ْجثُو أَ َما َم ال َّر ِّب َخالِ ِق َنا " (مزمور 3 :100؛ .)6 :95 يرص الربوتستانت اآلن عىل القول إن قيامة املسيح يف يوم االحد جعلته يوم الراحة املقدس للمسيحيني .لكن ال املسيح وال رسله اعطوا هذا اليوم مثل هذه الكرامة .ان حفظ يوم االحد كترشيع مسيحي يجد اصله يف "رس االثم" (2تسالونييك )7 :2الذي كان قد بدأ حتى منذ أيام بولس .وأي سبب رشعي ميكن اعطاؤه لذلك التغيري الذي مل يقره الكتاب املقدس؟ انها حقيقة يسلم بها الربوتستانت اجامال وهي املتعلقة "بصمت * يتم وصف هذا اإلبدال والتغيري يف الفصل الثالث من كتاب الرصاع العظيم.
76
الرجاء العظيم
العهد الجديد املطبق حول إعطاء أمر قاطع عن يوم الراحة [األحد ،أول أيام 4 األسبوع] أو حول القواعد املحددة لحفظه". "مل يحدث تغيري يف اليوم حتى وقت موت املسيح"" ،وعىل قدر ما ترينا شهادة الكتاب فإنهم [الرسل] مل يقدموا أمرا ً قاطعاً يفرض عىل املسيحيني 5 هجر اليوم السابع – السبت -وحفظ اليوم األول من أيام األسبوع". يعرتف اتباع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ان كنيستهم هي التي غريت يوم السبت ويعلنون ان حفظ الربوتستانت يوم االحد هو مبثابة اعرتاف منهم بسلطانها .نجد هذه الحقيقة "يف عهد الناموس القديم كان يوم السبت هو اليوم املقدس ،لك ّن الكنيسة كام قد علمها يسوع املسيح ومبوجب توجيهات روح الله ،ابدلت يوم السبت بيوم االحد ،ولذلك فنحن اآلن نقدس اليوم االول 6 ال السابع .ان يوم االحد معناه ،كام هو اآلن ،يوم الرب". يُعطى هذا االمر" :ناد بصوت عا ٍل .ال متسك .ارفع صوتك كبوق واخرب شعبي بتعديهم" .أولئك الذي يقول الرب عنهم "شعبي" هم الذين يوبَّخون عىل تعدياتهم .هنا نرى فريقا من الناس يظنون انفسهم ابرارا يف خدمة الرب. لك ّن التوبيخ الصارم الخطري الذي ينطق به ذاك الذي هو فاحص القلوب يربهن انهم كانوا يدوسون عىل الوصايا االلهية (إشعياء 1 :58و .)2 وبعد ذلك يشري النبي اىل الفريضة التي قد تُركت فيقولَ " :و ِم ْن َك تُ ْب َنى ال ِْخ َر ُب الْق َِد َمي ُة .تُ ِقي ُم أَ َس َاس ِ ات َد ْو ٍر فَ َد ْورٍ ،فَ ُي َس ُّمون ََكُ :م َر ِّم َم الثُّ ْغ َر ِةُ ،م ْرج َع ستِ َك يَ ْو َم قُ ْد ِس، لس ْك َنى .إِ ْن َر َددْتَ َعنِ َّ الْ َم َسالِ ِك لِ ُّ الس ْب ِت ِر ْجل ََكَ ،ع ْن َع َملِ َم َ َّ السبْ َت لَ َّذةًَ ،و ُم َق َّد َس ال َّر ِّب ُم َك َّر ًماَ ،وأَكْ َر ْمتَ ُه َع ْن َع َملِ طُ ُر ِق َك َو َع ْن َو َد َع ْوتَ َّ ستِ َك َوالتَّ َكل ُِّم ِب َكالَ ِم َك ،فَ ِإن ََّك ِحي َن ِئ ٍذ تَتَلَ َّذ ُذ بِال َّر ِّب" (إشعياء 12 :58ـ إِي َجا ِد َم َ َّ .)14 .4جورج إيليوت ،السبت الدائم ،صحفة .184 .5أ .ي .وافيل ،يوم الرب ،صفحة 186ـ .188
.6التعليم الكاثولييك للدين املسيحي.
دفاعاً عن الحق
77
لقد حدثت "ثغرة" يف الرشيعة االلهية عندما أبدل السبت بسلطان روما .ولكن قد جاء الوقت الذي فيه ترمم الثغرة. إن السبت كان آدم يحفظه وهو يف حالة الربارة يف جنة عدن .وحتى بعدما سقط آدم وتاب وعندما طُرد من ذلك املسكن السعيد .وكان كل اآلباء يحفظونه من هابيل اىل نوح البار اىل ابراهيم اىل يعقوب .عندما حرر الرب إرسائيل أعلن رشيعته لذلك الجمهور.
السبت الحقيقي ُح ِف َ ظ دامئاً -منذ ذلك اليوم اىل يومنا هذا حفظ سبت الوصية الرابعة .ومع أن "إنسان الخطية" أفلح يف دوس سبت الوصية الرابعة املقدسة باألقدامُ ،وجدت نفوس امينة يف اماكن خفية مسترتة كانت تحفظ السبت. هذه الحقائق يف ارتباطها بـ "البشارة األبدية" ستميز كنيسة املسيح يف وقت ظهوره" .هنا الذين يحفظون وصايا الله وعندهم إميان يسوع" (رؤيا :14 .)12 والذين قبلوا النور الخاص بالقدس* ورشيعة الله امتألوا فرحا عندما رأوا انسجام الحق .وقد كانوا يبتغون ان يقدم النور اىل جميع املسيحيني .لك ّن تلك الحقائق التي تحدث خالفا بينهم وبني العامل مل تجد ترحيبا من كثريين ممن يدعون انهم اتباع املسيح. وعندما قُدمت مطالب السبت جعل كثريون يقولون" :لقد كنا دامئا نحفظ يوم االحد كام قد حفظه آباؤنا من قبل وكثريون من الصالحني االتقياء ماتوا سعداء وهم يحفظونه .ان حفظ هذا السبت الجديد سيخرجنا عن االنسجام مع العامل .وماذا تستطيع رشذمة صغرية تحفظ اليوم السابع ان تفعل * انظر الفصل 23و 24من كتاب الرصاع العظيم.
78
الرجاء العظيم
ضد كل اهل العامل الذين يحفظون يوم االحد؟" مبثل هذه الحجج حاول اليهود ان يربروا رفضهم املسيح .وكذلك يف عهد لوثر كان البابويون يجادلون قائلني ان املسيحيني الحقيقيني ماتوا معتنقني االميان الكاثولييك ولذلك فهذا الدين ٍ كاف للخالص .مثل هذه املجادالت قد تصري مانعا قويا لكل تقدم يف العقيدة. وقد تحاجج كثريون قائلني ان حفظ يوم االحد هو عقيدة ثابتة وعادة ذائعة اصطلحت عليها الكنيسة مدى قرون عديدة .وللرد عىل هذه الحجة تربهن ان يوم السبت وحفظه كانا اقدم واكرث انتشارا ً بنسبة قدم العامل نفسه، فلقد وضعه القديم األيام. لسبب عدم وجود شهادة من الكتاب تسندهم جعلوا يجادلون بإرصار ال يكل قائلني" :ملاذا ال يفهم عظامؤنا قضية السبت هذه؟" الذين يعتنقون عقيدتكم هذه هم قلة .فال يعقل ان تكونوا صادقني وعىل صواب ويكون كل رجال العلم يف العامل مخطئني وعىل ضالل". فألجل تفنيد امثال تلك الحجج كانت الحاجة تدعو اىل اقتباس تعاليم الكتاب وتاريخ معامالت الله مع شعبه يف كل العصور .والسبب الذي ألجله ال يكرث من استخدام العلامء والعظامء ليكونوا يف طليعة القامئني بحركات االصالح هو كونهم يثقون بعقائدهم ونظرياتهم ونظمهم الالهوتية وال يحسون بحاجة اىل التعلُّم من الله .فالرجال الذين قد نالوا قدرا قليال من العلم يف املدارس يدعون احيانا إلعالن الحق ،ال النهم غري متعلمني بل ألنهم غري متكلني عىل انفسهم اىل حد يجعلهم ال يشعرون بحاجتهم اىل التعلُّم من الله .ووداعتهم وطاعتهم تجعالنهم عظامء.
اإلميان والشجاعة -مل يكن الله يريد ان يهيم العربانيون عىل
دفاعاً عن الحق
79
وجوههم يف الربية اربعني سنة .بل كان يريد ان يدخلهم ارض كنعان مبارشة ويثبت اقدامهم فيها شعبا مقدسا سعيدا .لكنهم "مل يقدروا ان يدخلوا لعدم االميان" (عربانيني .)19 :3وبهذه الطريقة ذاتها مل تكن ارادة الله ان يتأخر مجيء املسيح اىل هذا الحد ويظل شعبه يف عامل الخطيئة والحزن كل هذه السنني .ولكن عدم اميانهم صار فاصال بينهم وبني الههم .ان يسوع ،رحمة منه بالعامل ،يؤخر مجيئه حتى تتاح للخطاة فرصة لسامع االنذار ويجدوا فيه ملجأ قبلام ينصب غضب الله. واآلن كام يف كل العصور املاضية يثري تقديم الحق مقاومة شديدة .فان كثريين وبروح خبيثة يهاجمون اخالق الذين يصمدون يف ل عن أرميا انه خائن ،وبولس اتهم بأنه قد نجس الهيكل .ومنذ ذلك اليوم اىل اآلن نجد ان الدفاع عن الحق غري املقبول ويشككون يف بواعثهم. لقد اتهم ايليا بأنه مكدر ارسائيل ،وقي كل من يريدون ان يكونوا مخلصني يف والئهم للحق يش َّهر بهم عىل انهم مثريو فنت او هراطقة او منشقون. ان االعرتاف باإلميان الذي نطق به القديسون والشهداء ،وتلك املثل الحية ،مثل القداسة واالستقامة التي ال تتقلقل ،لتلهم شجاعة اولئك الذين يُد َعون اليوم ليكونوا شهودا لله .أما خادم الله يف هذا العرص فالرب يأمره قائال "ارفع صوتك كبوق واخرب شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم"" ،فَ َق ْد سائِ َيل ،فَتَ ْس َم ُع الْ َكالَ َم ِم ْن فَ ِميَ ،وتُ َح ِّذ ُر ُه ْم ِم ْن ِق َب ِل" َج َعلْتُ َك َر ِقي ًبا لِ َب ْي ِت إِ ْ َ (إشعياء 1 :58؛ حزقيال .)7 :33
80
الرجاء العظيم
إن العقبة العظيمة التي متنع من قبول الحق هي ما ينطوي عليه ذلك من تعب وعار .هذه هي الحجة الوحيدة ضد الحق ،التي مل يستطع املدافعون عنه ان يدحضوها .لكن أتباع املسيح األمناء ال ينتظرون حتى يشتهر الحق ويذيع وإمنا يقبلون حمل الصليب ويقولون مع بولس الرسول" :ألن خفة ضيقتنا الوقتية تنيشء لنا أكرث فأكرث ثقل مجد أبدياً" .ويقولون معه أيضاً عىل لسان موىس" :حاسباً عار املسيح غنى أعظم من خزائن مرص" (2كورنثوس :4 17؛ عربانيني .26 :11 علينا ان نختار الصواب لكونه صوابا ونرتك النتائج لله .ان العامل يدين بإصالحاته العظيمة للرجال ذوي املبدأ واالميان والجرأة .فبواسطة مثل هؤالء ينبغي ان يتم االصالح ويتقدم يف عرصنا هذا.
الرجاء الحقيقي ان الوعد باملجيء الثاين للمسيح ليكمل عمل الفداء العظيم هو محور الكتاب املقدس .فمنذ عدن ظل أبناء االميان ينتظرون مجيء ذاك املوعود به ليعيدهم اىل الفردوس املفقود . ان اخنوخ الذي كان الساب َع من آدم والذي ملدة ثالثة قرون سار مع الله أعلن قائال" :هوذا قد جاء الرب يف ربوات قديسيه ليصنع دينونة عىل الجميع" (يهوذا 14و .)15وأيوب صاح من وسط بلواه قائال" :أ َّما أَنَا فَ َق ْد َعلِ ْم ُت أَ َّن َولِ ِّيي َح ٌّيَ ،و ِ اآلخ َر َع َل األَ ْر ِض يَقُو ُم َ ...و ِب ُدونِ َج َس ِدي أَ َرى الل َه. اي ت َ ْنظُ َرانِ َولَ ْي َس آ َخ ُر" (أيوب .)27-25 :19لقد تكلم ال َِّذي أَ َرا ُه أَنَا لِ َنف ِْسَ ،و َع ْي َن َ شعراء الكتاب املقدس وأنبياؤه طويال عن مجيء املسيح بكالم يتوهج بالنار: الس َم َواتُ َولْتَ ْبتَ ِه ِج األَ ْر ُض ...أَ َما َم ال َّر ِّب ،ألَنَّ ُه َجا َءَ .جا َء لِ َي ِدي َن األَ ْر َض. "لِتَ ْف َر ِح َّ وب ِبأَ َمانَ ِت ِه" (مزمور 11 :96ـ .)13 يَ ِدي ُن الْ َم ْسكُونَ َة بِالْ َع ْد ِل َوالشُّ ُع َ وقال النبي إشعياء" :هوذا هذا الهنا انتظرناه فخلصنا .هذا هو الرب انتظرناه .نبتهج ونفرح بخالصه" (.)9 :25 وقد عزى املخلص تالميذه بيقني مجيئه الثاين ،قائال" :يف بيت أيب منازل كثرية ...أنا أميض ألعد لكم مكانا .وان مضيت وأعددت لكم مكانا آيت أيضا وآخذكم ا َّيل"" ،متى جاء ابن االنسان يف مجده وجميع املالئكة القديسني معه،
82
الرجاء العظيم
فحينئذ يجلس عىل كريس مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب" (يوحنا :14 2و 3؛ متى 31 :25و .)32 ثم أن املالكني رددا عىل مسامع التالميذ الوعد مبجيئه قائلني" :إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إىل السامء سيأيت هكذا كام رأيتموه منطلقاً إىل السامء" (أعامل .)11 :1ويشهد بولس قائالً" :ألن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس مالئكة وبوق الله سوف ينزل من السامء" (1تسالونييك .)16 :4وقال الرسول يوحنا" :هوذا يأيت مع السحاب وستنظره كل عني" (رؤيا .)7 :1 حينئذ سيتالىش حكم الرش الطويل االمد ،وتصري "ماملك العامل لربنا ومسيحه فسيملك اىل أبد اآلبدين" (رؤيا " .)15 :11الرب ينبت برا وتسبيحا أمام كل االمم" (إشعياء .)11 :61 حينئذ فإن مملكة املسيح ،التي هي مملكة السالم ،ستثبت" :فإن الرب قد ع َّزى صهيون ع َّزى كل خربها ويجعل بريتها كعدن وباديتها كجنة الرب" (إشعياء .)3 :51 لقد كان مجيء الرب رجاء اتباعه االمناء يف كل عرص .ففي وسط األمل واالضطهاد كان ظهور الله العظيم ومخلصنا يسوع املسيح هو "الرجاء املبارك" (تيطس .)13 :2و َّجه بولس أفكار سامعيه وقرائه إىل أن القيامة ستحدث عند مجيء املخلص .وحينئذ سيقوم االموات يف املسيح ،ويخطفون مع االحياء ملالقاة الرب يف الهواء .ولذلك قال بولس" :وهكذا نكون كل حني مع الرب . لذلك عزوا بعضكم بعضا بهذا الكالم" (1تسالونييك 17 :4ـ .)18 واذ كان التلميذ الحبيب يوحنا يف جزيرة بطمس الصخرية سمع هذا الوعد" :أنا آت رسيعاً" فجاء جوابه املشتاق مجاهرا بطلبة الكنيسة يف كل غربتها قائال" :آمني تعال أيها الرب يسوع" (رؤيا .)20 :22
الرجاء الحقيقي
83
املنصات التي أعدت لحرق فمن أعامق ظلامت السجون ،ومن فوق ّ الضحايا ،واملشانق التي من فوقها شهد الشهداء والقديسون للحق يجيء نطق اميانهم ورجائهم عرب أجيال التاريخ .فاذ كانوا "متحققني من قيامة السيد، ومتحققني تبعا لذلك من قيامتهم عند مجيئه" -كام يقول أحد هؤالء املسيحيني- "ازدروا باملوت النهم كانوا متعالني عليه 7 ".وكان الولدنسيون يعتنقون هذا اإلميان نفسه .وكان ويكلف ولوثر وكالفن ونوكس وريديل وباكسرت* يتطلعون إىل األمام إىل ظهور الفادي .كان هذا هو رجاء الكنيسة الرسولية و "الكنيسة يف الربية" ورجاء املصلحني. ان النبوات فضال عن كونها قد سبقت فأنبأت عن كيفية مجيء املسيح وغايته فإنها قد أوردت العالمات التي مبوجبها يعرف الناس قرب مجيئه: "ولتكون عالمات يف الشمس والقمر والنجوم" (لوقا " ،)25 :21الشَّ ْم ُس تُظْلِ ُم، الس َم َو ِ ات الس َم ِء تَتَ َساقَطَُ ،والْ ُق َّواتُ الَّ ِتي ِف َّ َوالْ َق َم ُر الَ يُ ْع ِطي ضَ ْو َء ُهَ ،ونُ ُجو ُم َّ اب ِب ُق َّو ٍة كَ ِث َري ٍة َو َم ْج ٍد" (مرقس صو َن ابْ َن ا ِإلن َْسانِ آتِ ًيا ِف َس َح ٍ تَتَ َز ْع َز ُعَ .و ِحي َن ِئ ٍذ يُ ْب ِ ُ 24 :13ـ .)26وهكذا يصف الرايئ أول العالمات التي تسبق املجيء الثاين فيقول" :اذا زلزلة عظيمة حدثت والشمس صارت سوداء كمسح من شعر والقمر صار كالدم" (رؤيا .)12 :6 عندما و َّجه املخلص أفكار تابعيه اىل عالمات مجيئه الثاين أنبأهم عن حالة االرتداد التي ستعم العامل قبيل ذلك .فلمثل اولئك العائشني يف هذا الوقت يقدم املسيح انذاره قائال" :ا ْح َ ِتزُوا ألَنْف ُِس ُك ْم لِئَالَّ تَثْق َُل قُلُوبُ ُك ْم ِف ُخ َم ٍر َض ُعوا ِف ك ُِّل َو ُس ْك ٍر َو ُه ُم ِ وم الْ َحيَا ِة ،فَيُ َصا ِدفَ ُك ْم ذلِ َك الْيَ ْو ُم بَ ْغتَ ًة"" .اِ ْس َه ُروا إِذًا َوت َ َّ ك تُ ْح َس ُبوا أَ ْهالً لِل َّن َجا ِة ِم ْن َج ِميعِ هذَا الْ ُم ْز ِمعِ أَ ْن يَكُونََ ،وتَ ِقفُوا قُ َّدا َم ِحنيٍ ،لِ َ ْ ابْنِ ا ِإلن َْسانِ " (لوقا 34 :21و .)36 .7أنظر دانيال ت .تايلور ،حكم املسيح عىل األرض ،صوت الكنيسة يف كل العصور ،صفحة .33 * سيجد الق َّراء قصة الولدنسيني وغريهم من املصلحني الربوتستانت يف كتاب الرصاع العظيم الذي هو مصدر هذا الكُتيب الذي بني أيدينا.
84
الرجاء العظيم
دعوة إىل االستعداد -ويف نور ذلك اليوم العظيم تدعونا كلمة الله إىل التامس وجه الرب بتوبة" :ألن يوم الرب قادم ألنه قريب" " .قدسوا صوما نادوا باعتكاف .اجمعوا الشعب قدسوا الجامعة احشدوا الشيوخ اجمعوا االطفال ِ ... ليبك الكهنة خدام الرب بني الرواق واملذبح"" .ارجعوا ا َّيل بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح .ومزقوا قلوبكم ال ثيابكم وارجعوا اىل الرب الهكم ألنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثري الرأفة" (يوئيل 1 :2و 15ـ 17و 12و .)13 وألجل إعداد شعب الرب للوقوف يف يوم الله كان ال بد من إجراء إصالح عظيم .ففي رحمته كان من املنتظَر أن يرسل الله اليهم رسالة انذار إليقاظهم من خمولهم وليجعلهم يستعدون ملجيء الرب. وهذا االنذار نجده يف (رؤيا .)١٤ففي هذا االصحاح توجد رسالة مثلثة ،وهي موصوفة بأنها معلنة عىل أفواه خالئق ساموية ،ويتبع ذلك مبارشة مجيء ابن االنسان ليجمع "حصيد االرض" .لقد رأى النبي مالكا طائرا ِ"ف َو َس ِط الساكِ ِن َني َع َل األَ ْر ِض َوك َُّل أُ َّم ٍة َوقَبِيلَ ٍة َولِ َسانٍ ش َّ َّ الس َم ِء َم َع ُه بِشَ ا َر ٌة أَبَ ِديَّ ٌة ،لِ ُي َب ِّ َ َوشَ ْع ٍب ،قَائِالً ب َِص ْو ٍت َع ِظ ٍيمَ ’ :خافُوا الل َه َوأَ ْعطُو ُه َم ْج ًدا ،ألَنَّ ُه قَ ْد َجا َءتْ َسا َع ُة الس َم ِء َواألَ ْر ِض َوالْ َب ْح ِر َويَ َنابِيعِ الْ ِم َيا ِه‘ " (رؤيا 6 :14و َديْ ُنونَ ِت ِهَ ،و ْاس ُج ُدوا لِ َصانِعِ َّ .)7 هذه الرسالة هي جزء من "البشارة األبدية" .فالكرازة باإلنجيل كُل َِّف بها الناس .ولكن املالئكة القديسني كلفوا بتوجيه وإدارة هذا العمل .اال أن االعالن الفعيل لإلنجيل يقوم به خدام املسيح عىل االرض*.
الرجاء الحقيقي
85
مخاطر مقاومة دعوة اإلنجيل -وما خراب اورشليم سوى انذار خطري مخيف لكل من يستخفون بهبات النعمة االلهية وكل من يقاومون توسالت رحمة الله .ان نبوة املخلص عن افتقاد الله اورشليم بالدينونة سيكون لها امتام آخر .ففي القضاء العادل الذي حل باملدينة املختارة ميكننا ان نرى الدينونة الهائلة التي ستحل بالعامل الذي رفض رحمة الله وداس رشيعته .فأنباء الشقاء البرشي الذي شهدته االرض مدى عصور الجرمية الطويلة مظلمة قامتة السواد .لك ّن منظ ًرا اشد ظالماً يُعرض أمامنا يف اعالنات املستقبل املوحى بها. عندما تنسحب قوة روح الله الرادعة بعيدا ً من األرشار انسحابا كامالً وال تعود توقف انفجار الشهوات البرشية والغضب الشيطاين! فسريى العامل حينئذ ،اكرث من اي وقت مىض ،نتائج حكم الشيطان. ويف ذلك اليوم ،وكام كانت الحال عند خراب اورشليم ،سينجو شعب الله .انظر إشعياء 3 :4؛ متى 30 :24و .)31سيأيت املسيح ثانية ليجمع عبيده االمناء لنفسه" :حينئذ تنوح جميع قبائل االرض ويبرصون ابن االنسان آتياً عىل سحاب السامء بقوة ومجد كثري .فريسل مالئكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من االربع الرياح من اقصاء السموات اىل اقصائه" (متى 30 :24و .)31 اذا ً فليحرتس الناس لئال يهملوا الدرس الذي تحمله اليهم كلامت املسيح .فكام انذر تالميذه بخراب اورشليم معطياً اياهم عالمة عن الخراب املقبل ليك يهربوا ،هكذا هو قد أنذر العامل بيوم الهالك االخري .كل َمن يريد الهروب ان يهرب من الغضب اآليت " .وتكون عالمات يف الشمس والقمر والنجوم وعىل األرض كرب" لوقا .25 :21أنظر أيضاً متى 29 :24؛ مرقس :13 24ـ 26؛ رؤيا 12 :6ـ .17ويحذرنا املسيح قائالً" :اسهروا إذا ً" (مرقس .)35 :13 * للحصول عىل معلومات أكرث تفصيالً حول هذه الرسالة وحول أولئك الذين يعلنونها انظر الفصل 17و 18من كتاب الرصاع العظيم وكذلك الفصول الالحقة لهام والتي تناقش األمور بتوسع أكرب.
86
الرجاء العظيم
فالذين ينتبهون إىل اإلنذار لن يرتكوا يف الظالم. ليس العامل يف هذه االيام اكرث استعدا ًدا لتصديق هذه الرسالة مام كان اليهود مستعدين لقبول انذار املسيح عن اورشليم .ويف اي وقت يجيء يو ُم الله سيفاجئ االمثة الفجار .فاذ تسري الحياة عىل وترية واحدة ،وحني يكون الناس منغمسني يف لذاتهم واعاملهم وتجارتهم وجمع املال واكتناز الرثوة، وحني ميجد القادة الدينيون تقدم العامل وتن ُّوره ويهجع الناس يف طأمنينة كاذبة حينئذ ينسل الهالك كلص نصف الليل الذي يرسق البيوت غري املحروسةويفاجيء املهملني واالمثة فال "ينجون" (انظر 1تسالونييك 2 :5ـ .)5
الشيطان يحاول إبقاء الناس يف قبضة سلطته -عرب الضاللتني العظيمتني،
وهام خلود النفس وتقديس يوم االحد ،سيوقع الشيطان الناس تحت سلطان مخادعاته .وفيام تريس الضاللة االوىل أُســس مناجاة االرواح تربطهم الضاللة الثانية بعجلة روما. بواسطة مناجاة االرواح سيبدو الشيطان محسنا للجنس البرشي، يشفي أمراض الناس ويتظاهر بتقديم نظام جديد سام اىل العقيدة الدينية، ولكنه يف الوقت نفسه يقوم بعمله املهلك املدمر .فتجاربه تودي بجامهري كثرية من الناس اىل الهالك .ان عدم االعتدال يخلع العقل عن عرشه ،واالنغامس يف الشهوات والخصومات وسفك الدماء تأيت يف اثر ذلك .إن الحروب تثري أرش شهوات النفس وتكتسح اىل االبدية ضحاياها الذين قد انحدروا اىل اعامق هاوية الرذيلة وسفك الدماء .وغرض الشيطان هو اثارة الدول لتحارب بعضها بعضا ،ألنه بهذه الوسيلة يحول أفكار الناس عن االستعداد للوقوف ثابتني يف
الرجاء الحقيقي
87
يوم الله. لقد درس الشيطان أرسار معامل الطبيعة ،وهو يبذل كل ما يف قدرته ليسيطر عىل العنارص بقدر ما يسمح له به الله .ان الله هو الذي يحمي خالئقه من املهلك .لك ّن العامل املسيحي برهن عىل احتقاره رشيعة الرب ،والرب سيفعل ما أعلن انه سيفعله ويرفع رعايته الحافظة بعيدا ع ّمن يتمردون عىل رشيعته ويعلّمون غريهم ويرغمونهم عىل ذلك التمرد .ثم ان للشيطان سلطانا عىل كل من ال يحرسهم الله حراسة خاصة .وهو سريىض عن البعض وينجحهم ليك يعضد مكايده ،وسيوقع املتاعب واآلالم بآخرين ويُقنع الناس بان الله هو من يفعل ذلك. فاذ يُظهر الشيطان نفسه لبني االنسان كالطبيب العظيم الذي يستطيع ابراء كل اسقامهم فهو سيأيت باألمراض والكوارث اىل ان تصري املدن العظيمة العامرة بالناس خرابا يبابا .ففي الكوارث والفواجع التي تحدث يف البحار وعىل والبد املخيف والزوابع اليابسة ويف الحرائق الهائلة واالعاصري العظيمة واملطر َ والسيول والعواصف وأمواج املد والزالزل يف كل مكان وبآالف االشكال ،يف هذه كلها يستخدم الشيطان قوته .انه يكتسح املحاصيل الناضجة للحصاد فتجيء يف اذيال ذلك املجاعات والضيقات والكروب .وهو يطلق يف الجو روائح عفنة قاتلة فيهلك آالف الناس بالوباء. وحينئذ سيقنع املخادع األعظم الناس بإيقاع تبعة متاعبهم ومصائبهم عىل الذين طاعتهم لوصايا الله هي توبيخ دائم للمتعدين .وسيُعلن ان الناس يغيظون الله بتعديهم رشيعة يوم االحد ،وان هذه الخطيئة قد جلبت كل تلك املصائب التي لن تكف حتى يعود الناس اىل حفظ يوم االحد" .إن الذين يقوضون إكرام يوم األحد ويدنسونه إمنا مينعون الشعب من اسرتداد رىض
88
الرجاء العظيم
الله ونجاحهم املادي" .وهكذا فإن التهمة التي ا ُتهم بها خادم الله يف القديم ستتكرر" .ملا رأى أخاب إيليا قال له آخاب أأنت هو مكدر إرسائيل؟" (1ملوك 17 :18و .)18 ان َمن يكرمون السبت كام هو وارد يف الكتاب املقدس س ُي َع َّيون كأعداء للقانون والنظام ،وكمن يهدمون الروادع األدبية للمجتمع ويسببون الفوىض والفساد ،ويستمطرون دينونة الله عىل االرض .وسيتهمون بإضامر الكراهية للحكومة .والخدام الذين ينكرون حق رشيعة الله سيقدمون من عىل املنرب نصائح تحث الشعب عىل اطاعة السلطات .ويف دور الترشيع ودور القضاء ستشوه اخالق حافظي الوصية ويدانون .وستفرس أقوالهم تفسريا كاذبا، وستُنعت بواعثهم بأسوأ النعوت. سيتحد أحبار الكنيسة والدولة معا يف ارشاء كل الطبقات أو اقناعها وإرغامها عىل اكرام يوم االحد .وحتى يف أمريكا الحرة سيخضع الحكام واملرشعون ملطلب الجامهري بإصدار ترشيع يلزم الناس حفظ يوم االحد. ولن تحرتم بعد اآلن حرية الضمري التي كلفت أصحابها تضحيات .ويف الرصاع الوشيك الوقوع سرنى كلامت النبي ممثلة أمامنا اذ يقول" :فغضب التنني عىل املرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع املسيح" (رؤيا .)17 :12 ان عبيد الله بوجوههم املرشقة واملتألقة بنور التكريس املقدس سيرسعون من مكان اىل مكان ليذيعوا رسالة السامء .وستجرى عجائب فيشفى املرىض ،واآليات والعجائب ستتبع املؤمنني .ثم ان الشيطان سيعمل ايضا بآيات كاذبة حتى ينزل نارا من السامء (رؤيا .)13 :13وهكذا سيؤىت بسكان االرض ليقفوا موقفهم.
الرجاء الحقيقي
89
ثم ان الرسالة ال تُحمل بالحجة بقدر ما تحمل بإقناع روح الله العميق يف القلب .لقد قُدمت الحجج واملنشورات التي قد وزعها الكارزون قد بذلت تأثريها .ومع ذلك فكثريون ممن قد تأثرت عقولهم ُمنعوا من ادراك الحق كامال .والحق يُرى اآلن يف كل وضوحه .فصالت القرابة العائلية والكنسية تعجز اآلن عن إبقاء أبناء الله اذ ان الحق امثن من كل ما عداه .وعىل رغم كل القوات املتحدة ضد الحق فان عددا غفريا يتخذون موقفهم اىل جانب الرب . ان الذين يكرمون رشيعة الله سيُعتربون مسببي االهــتـزازات واالنتفاضات الهائلة التي تحدث يف الطبيعة والخصومات وسفك الدماء بني الناس التي قد مألت االرض بالويل والشقاء .والسلطان املصاحب آلخر انذار قد اهاج االرشار ،والشيطان سيثري ضدهم روح الكراهية واالضطهاد ضد كل من قد قبلوا الرسالة. اإلميان الذي يتحمل -يتطلب وقت الضيق واألمل اللذين ينتظراننا اميانا يتحمل الكلل والتأخري والجوع ،وال يهن ويضعف حتى ولو ُج ِّرب بكل شدة ورصامة .إن نرصة يعقوب هي برهان عىل اقتدار الصالة التي تقدم بلجاجة .وكل َمن يتمسكون مبواعيد الله كام قد فعل هو سينجحون كام قد ُصل نجح .املجاهدة مع الله – ما أقل َمن يعرفون ما هي! وعندما تكتسح امل ِّ أمواج اليأس فام أقل من يتعلقون مبواعيد الله بإميان ال يكل وال يُسلِّم. وستظهر يف السموات مناظر مخيفة فائقة الطبيعة كعالمة وبرهان عىل قوة الشياطني الصانعة اآليات .وستخرج أرواح الشياطني اىل "ملوك االرض" واىل العامل كله لتث ِّبتهم يف الخداع وتشدد عليهم يف االتحاد مع الشيطان يف معركته االخرية ضد حكم السامء .وسيقوم اشخاص ي ّدعون انهم املسيح نفسه.
90
الرجاء العظيم
وسيصنعون معجزات شفاء عجيبة ،وسيدعون انهم تلقوا اعالنات من السامء مناقضة لشهادة الكتاب. أعظم حادث -وآخر فصل من فصول رواية الخداع هو ان الشيطان نفسه سيظهر يف شكل املسيح .لقد اعرتفت الكنيسة طويال بأنها تنتظر مجيء املخلص كنهاية آمالها .فاآلن سيجعل املخادع العظيم االمر يبدو كام لو ان املسيح قد جاء .سيظهر الشيطان نفسه ككائن مهيب ينبعث منه نور يبهر االبصار يشبه الوصف الذي يف سفر الرؤيا عن ابن الله (رؤيا 13 :1ـ .)15 واملجد الذي يحيط بالشيطان لن يفوقه مجد مام قد رأته عني برش. وسيدوي يف الهواء هتاف االنتصار قائال" :قد أىت املسيح!" والناس سينطرحون ساجدين امامه يف حني يرفع هو يديه مباركا اياهم .صوته رقيق ومنخفض ومع ذلك فهو ميلء باأللحان .وبنغامت رقيقة مشفقة يقدم بعضا من الحقائق الجميلة الساموية نفسها التي نطق بها املخلص .فهو يشفي امراض الناس ،ومبا انه قد اتخذ صفة املسيح وهيئته يَّدعي انه قد ابدل السبت باألحد .ثم يعلن ان كل من يرصون عىل تقديس اليوم السابع يجدفون عىل اسمه .هذا هو الخداع القوي الذي يكاد يكون مسيطرا .يلتفت الناس إىل أعامل السحر هذه قائلني هذه هي "قوة الله العظيمة" (أعامل .)10 :8 شعب الله ال ميكن تضليلهم -لك ّن شعب الله لن ميكن تضليلهم. ان تعاليم هذا املسيح الكذاب ليست متوافقة مع تعاليم الكتاب .ان الربكة يُنطق بها عىل عابدي الوحش وصورته وهم الجامعة نفسها الذين يعلن الكتاب ان غضب الله سينصب رصفا عليهم.
الرجاء الحقيقي
91
وأكرث من هذا فان الشيطان ال يُسمح له بتزييف كيفية مجيء املسيح. لقد حذر املخلص شعبه من الضالل يف هذا االمر وبكل وضوح أنبأهم بكيفية مجيئه الثاين اذ يقول" :ألنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيــات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن املختارين...فإن قالوا لكم ها هو يف الربية فال تخرجوا .ها هو يف املخادع فال تصدقوا ألنه كام ان الربق يخرج من املشارق ويظهر اىل املغارب هكذا يكون أيضا مجيء ابن االنسان" (متى 24 :24ـ 27؛ أنظر أيضاً متى 31 :25؛ رؤيا 7 :1؛ 1تسالونييك 16 :4و .)17هذا املجيء ال ميكن تزييفه .فسيعرفه الجميع وسرياه العامل. وحدهم الذين كانوا دارسني بج ّد الكتاب املقدس وقبلوا محبة الحق هم الذين سيحصلون عىل الحامية من الضاللة القوية التي ستأرس العامل. فبواسطة شهادة الكتاب سيكتشف هؤالء الناس املخادع يف تنكره .فهل شعب الله مبنيون بكل ثبات عىل كلمته بحيث ال يخضعون وال يسلمون لربهان حواسهم؟ وهل يف مثل هذه الحالة املتأزمة يتمسكون بالكتاب وال يشء سواه؟
اإلنقاذ
العظيم عندما تُسحب حامية القوانني البرشية من الذين يك ِّرمون رشيعة الله فستوجد يف بلدان مختلفة حركة ترمي اىل اهالكهم .واذ يقرتب الوقت املعني يف ذلك املرسوم القضايئ فالناس سيتآمرون عىل استئصال تلك الطائفة املكروهة والقضاء عليها .وسيتقرر رضبُهم رضبة حاسمة يف ليلة واحدة تُسكت نهائيا صوت االنشقاق والتوبيخ. اما شعب الله الذين يكون بعض منهم يف السجون والبعض اآلخر مختبئني يف مخابئ رسية منعزلة يف الغابات وبطون الجبال فسيواصلون التوسل يف طلب الحامية االلهية .بينام توجد فرق من الرجال املسلحني مسوقني بقوة اجناد املالئكة االرشار ،مستعدون للقتل .فاآلن يف ساعة الحاجة القصوى سيتدخل الله" :تكون لكم اغنية كليلة تقديس عيد وفرح قلب كالسائر ...ليأيت اىل جبل الرب اىل صخر ارسائيل .ويُسمع الرب جالل صوته ويُرى نزول ذراعه بهيجان غضب ولهيب نار آكلة نوء وسيل وحجارة برد" (إشعياء 29 :30و .)30 توشك جموع من الناس االرشار ان ينقضوا عىل فريستهم ،واذا بظلمة داجية اشد من ظلمة الليل تسقط عىل االرض .وحينئذ ميتد فوق السموات قوس قزح يسطع مبجد من عرش الله ويبدو كأنه يحيط بكل جامعة مصلية. وحينئذ تتوقف تلك الجموع الغاضبة .ويُنىس أولئك الذين كانوا سبب هياجهم
اإلنقاذ العظيم
93
االجرامي .ويشخصون اىل رمز عهد الله ويتوقون اىل االحتامء بعيدا من نور ه وملعانه الباهر. ثم يُسمع شعب الله صوتا قائال لهم" :انظروا فوق" .ومثل استفانوس وشهداء الكنيسة األوىل يثبِّتون انظارهم اىل السامء فريون مجد الله وابن االنسان جالسا عىل عرشه( .انظر أعامل 55 :7ـ .)56ومييزون سامت اتضاعه، ومن بني شفتيه يسمعون الطلب" :أريد ان هؤالء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا" (يوحنا .)24 :17يُسمع صوت يقول" :ها هم آتون ! ها هم آتون ! قديسون وأمناء وبال عيب .لقد حفظوا كلمة صربي".
الخالص ٍ آت! -يكون الليل قد انتصف حينام يظهر الله قدرته لخالص شعبه .والشمس تظهر مرشقة يف قوتها .وستتبع ذلك آيات ومعجزات. وسينظر االرشار اىل ذلك املشهد برعب وذهول ،يف حني ينظر االبرار بفرح مقدس اىل دالئل نجاتهم .ويف وسط السموات الغاضبة توجد رقعة واحدة صافية يظهر منها مجد يفوق الوصف ،ومنها يأيت صوت الله كصوت مياه كثرية قائال" :قد تم" (رؤيا .)17 :16 ذلك الصوت يهز السموات واالرض. وتحدث زلزلة عظيمة "مل يحدث مثلها منذ صار الناس عىل االرض زلزلة مبقدارها عظيمة هكذا" (رؤيا .)18 :16والصخور الوعرة تتبعرث يف كل مكان .والبحر يثور ويهتاج .وتُسمع رصخة إعصار كصوت شياطني. واألرض ينشق سطحها وتبدو أساساتها نفسها كأنها تنهار .وموانئ البحر
94
الرجاء العظيم
الشبيهة بسدوم يف رشها تبتلعها املياه الغاضبة .لقد ذُكرت بابل العظيمة أمام الله "ليعطيها كأس خمر سخط غضبه" (رؤيا .)19 :16وحجارة برد عظيمة كل واحدة تقوم بعملية التخريب .وأعظم املدن املتنافرة تنهدم .وقصور األمراء التي أغدق عظامء األرض ثرواتهم عليها ليك ميجدوا أنفسهم تتحطم وتصري أنقاضاً أمام عيونهم .وأبواب السجون تنفتح بعنف ف ُيطلق رساح شعب الله. والقبور تنفتح" :وكثريون من الراقدين يف تراب االرض يستيقظون هؤالء اىل الحياة االبدية وهؤالء اىل العار لالزدراء االبدي" ،وكذلك "الذين طعنوه". والذين سخروا باملسيح وهزأوا بعذاباته وأقىس املقاومني لحقه وشعبه يقامون لريون يف مجده ويروا الكرامة التي يضعها عىل املخلَّصني والطائعني( .دانيال 2 :12؛ رؤيا .)7 :1 وتلمع يف السامء بروق مخيفة تلف االرض يف رداء من النار .وستُسمع أصوات غامضة ومخيفة أعىل من صوت هزيم الرعد معلنة دينونة االرشار. فالذين كانوا متهورين وفخورين ومتح ِّدين ومبتهجني بسبب قسوتهم عىل من قد حفظوا وصية الله يغمرهم اآلن الرعب ويرتجفون من هول الخوف. وترتعب الشياطني يف حني أن الناس يتوسلون يف طلب الرحمة. يوم الرب -قال النبي إشعياء" :يف ذلك اليوم يطرح االنسان أوثانه الفضية وأوثانه الذهبية التي عملوها له للسجود للجرذان والخفافيش ليدخل يف نقر الصخور ويف شقوق املعاقل من امام هيبة الرب ومن بهاء عظمته عند قيامه لريعب االرض" (إشعياء 20 :2و .)21 والذين قد ضحوا بكل يشء يف سبيل املسيح هم اآلن يف أمان فأثبتوا امام العامل وامام محتقري الحق والءهم لذاك الذي قد مات ألجلهم .
اإلنقاذ العظيم
95
ووجهوههم التي كانت منذ عهد قريب شاحبة وجزعة ومنهوكة صارت االن متأججة بالدهشة ثم ترتفع اصواتهم وهم ويرددون انشودة االنتصار قائلني: "الله لنا ملجأ وقوة عونا يف الضيقات وجد شديدا .لذلك ال نخىش ولو تزحزت االرض ولو انقلبت الجبال اىل قلب البحار .تعج وتجيش مياهها .تتزعزع الجبال بطموها" (مزمور 1 :46ـ .)3 وعندما ترتفع اىل الله كلامت الثقة فإن بهاء املدينة يشع من األبواب املفتوحة .حينئذ تُرى يف السامء يد ممسكة بلوحني من حجر .فتلك الرشيعة املقدسة ،التي قد أُعلنت من السامء تُعلن اآلن للناس كقانون الدينونة .والكالم واضح بحيث يستطيع كل واحد ان يقرأه .فتستيقظ الذاكرة وتُكتسح ظلمة الخرافات والهرطقات من كل العقول. ويستحيل علينا ان نصف الرعب واليأس اللذين سيستوليان عىل الذين قد داسوا عىل مطالب الله املقدسة .ولكنهم يف سبيل الظفر برىض العامل القوا بتلك الوصايا جانبا وعلموا اآلخرين التعدي عليها .أما االن فالرشيعة التي قد ازدروا بها تدينهم .و يرون انهم بال عذر .لدى أعداء رشيعة الله رأي جديد عن الحق والواجب .وسريون يف وقت متأخر جدا ان سبت الوصية الرابعة هو ختم الله الحي .ويرون يف وقت متأخر جدا الصفة الحقيقية لسبتهم الزائف واالساس الرميل الذي كانوا يبنون عليه .وانهم امنا كانوا يحاربون الله .لقد ساقهم معلمو الدين اىل الهالك مع انهم كانوا يقرون بانهم يرشدونهم اىل ابواب الفردوس. كم هي عظيمة تلك املسؤولية التي تقع عىل عاتق َمن يحتلون وظيفة مقدسة وكم هو عظيم هول النتائج املرتتبة عىل عدم امانتهم!
ظهور ملك امللوك -يُسمع صوت الله من السامء معلنا اليوم
96
الرجاء العظيم
والساعة التي يأيت فيها يسوع .وشعب الله سيقفون مصغني ووجوههم مستنرية مبجده .ورسعان ما تظهر يف الرشق سحابة صغرية سوداء .وهي السحابة التي تحيط باملخلص .فينظرون اليها يف صمت مقدس وهي تقرتب من االرض وتزيد نورا ومجدا حتى تصري سحابة عظيمة بيضاء ويكون اسفلها مجيدا كنار آكلة ومن فوقها قوس قزح الوعد .وفوقها يسوع كفاتح عظيم ،فليس هو اآلن "رجل أوجاع" ،لكنه يأيت كمنترص عظيم .فيحف به جمع كبري من املالئكة القديسني "ربوات ربوات والوف ألوف" .فكل عني ترى رئيس الحياة .اكليل مجد عىل جبينه القديس .ووجهه يسطع بنور اشد ملعانا من نور الشمس وهي تيضء يف قوتها" .وله عىل ثوبه وعىل فخذه اسم مكتوب ملك امللوك ورب االرباب" (رؤيا .)16 :19 ينزل ملك امللوك عىل السحاب و حوله لهيب نار .وترتعد االرض قدامه" ،يأيت الهنا وال يصمت .نار قدامه تأكل وحوله عاصف جدا .يدعو السموات من فوق واالرض اىل مداينة شعبه" (مزمور 3 :50و.)4 " َو ُمل ُُوك األَ ْر ِض َوالْ ُعظ ََم ُء َواألَ ْغ ِن َيا ُء َواألُ َم َرا ُء َواألَقْ ِويَا ُء َوك ُُّل َع ْب ٍد َوك ُُّل ُح ّر، الص ُخورِ: أَ ْخ َف ْوا أَنْف َُس ُه ْم ِف الْ َمغَا ِي ِر َو ِف ُص ُخو ِر الْ ِج َبا ِلَ ،و ُه ْم يَقُولُو َن لِلْ ِج َبا ِل َو ُّ ’اسق ُِطي َعلَيْ َنا َوأَ ْخ ِفي َنا َع ْن َو ْج ِه الْ َجالِ ِس َع َل الْ َع ْر ِش َو َع ْن غَضَ ِب الْ َخ ُر ِ وف ،ألَنَّ ُه ْ قَ ْد َجا َء يَ ْو ُم غَضَ ِب ِه الْ َع ِظي ُمَ .و َم ْن يَ ْستَ ِطي ُع الْ ُوق َ ُوف؟‘ " (رؤيا 15 :6ـ .)17لقد انقطع املزاح الساخر .وشفاه الكذب قد صمتت .وال يُسمع اآلن صوت آخر غري صوت الصالة وصوت البكاء والنوح .وسيطلب األرشار ان يدفنوا تحت صخور الجبال مفضِّ لني ذلك عىل مقابلة وجه ذاك الذي قد ازدروا به ورفضوه .انهم يعرفون ذلك الصوت الذي يخرتق آذان املوىت .فكم مرة دعاهم ذلك الصوت اىل التوبة بنغامته الرقيقة .وكم مرة ُسمع يف توسالت مؤثرة من فم الصديق
اإلنقاذ العظيم
97
واألخ والفادي .ذلك الصوت يوقظ فيهم ذكريات يودون من كل قلوبهم ان يالشوها ،فهي انذارات ُرذلت ودعوات ُرفضت. هناك الذين قد سخروا باملسيح يف حالة اتضاعه .فأعلن قائالً" :من اآلن تبرصون ابن اإلنسان جالساً عن ميني القوة وآتياً عىل سحاب السامء" (متى :26 .)64واآلن ها هم يرونه يف مجده وسريونه بعد ذلك جالساً عن ميني القوة .فها هريودس املتعجرف الذي استهزأ بلقب املخلص امللويك .وها الرجال انفسهم الذين بأيدي االثم ألبسوه الرداء االرجواين ووضعوا اكليال من شوك عىل جبينه املقدس ،ويف يده املستسلمة وضعوا قصبة زائفة ،وكانوا يجثون قدامه يف استهزاء تجديفي .الذين بصقوا عىل رئيس الحياة .ويحاولون الهرب من مجد حضوره .والذين ثقبوا يديه ورجليه باملسامري يشاهدون هذه السامت برعب وحزن. وها الكهنة والشيوخ يذكرون احداث جلجثة بدقائقها املخيفة. وبرعب وارتجاف يذكرون كيف انهم وهم يهزون رؤوسهم بتشامخ شيطاين رصخوا قائلني" :خلص آخرين وأما نفسه فام يقدر ان يخلصها" (متى .)42 :27 أما اآلن فإن رصخة تصدر من أفواههم أعىل من تلك التي نطقوا بها حني قالوا: "أصلبه" والتي رددت صداها شوارع أورشليم ،فرتتفع رصخات العويل املخيفة قائلة" :إنه ابن الله!" ويحاولون الهرب من حرضة ملك امللوك. يف حياة كل من يرفضون الحق لحظات يستيقظ فيها الضمري ،فتنزعج من الندامة غري املجدية .ولكن ما هذه كلها اذا قيست بحرسة ذلك اليوم! ويف غمرة رعبهم يسمعون اصوات القديسني وهم يرتمنون ويهتفون هتاف الفرح قائلني" :هوذا هذا الهنا .انتظرناه فخلصنا" (إشعياء .)9 :25
98
الرجاء العظيم
قيامة شعب الله -يدعو ابن الله بصوته القديسني الراقدين ليخرجوا من قبورهم .يف طول األرض وعرضها سيسمع األموات ذلك الصوت، والسامعون يحيون .الجيش العظيم جدا من كل أمة وقبيلة ولسان وشعب. وسيخرجون من بيت سجن املوت مترسبلني مبجد ال يرذل صارخني وقائلني: "أَيْ َن شَ ْوكَتُ َك يَا َم ْوتُ ؟ أَيْ َن َغلَ َبتُ ِك يَا َها ِويَ ُة؟" (1كورنثوس .)55 :15 وسيخرج الجميع من قبورهم وستكون ألجسامهم القامة نفسها كام كانت عند دخولهم القرب .لكن الجميع يقومون يف حداثة شبابهم ونشاطهم االبديني .إن املسيح قد جاء ليعيد الينا ما قد خرسناه .وهو سيغري شكل جسد تواضعنا ليكون عىل صورة جسد مجده .فالجسم الفاين الفاسد املجرد من الجامل والذي قد أفسدته الخطيئة مرة يصري كامالً وجميالً وخالدا ً .وكل العيوب والتشوهات سترتك يف القرب .أما املفديون فإنهم "ينشأون" (مالخي :4 )2إىل ملء قامة جنسنا يف حالته األصلية .وآخر ما تبقى من أثار لعنة الخطية سيفع .وسيعكس أتباع املسيح األمناء صورة سيدهم الحقيقية يف الذهن ُ والنفس والجسد. واألحياء األبرار يتغريون "يف لحظة يف طرفة عني" لدى سامعهم صوت الله أما اآلن فقد صاروا خالدين .ومع القديسني املقامني يخطفون ملالقاة الرب يف الهواء .إن املالئكة "يجمعون مختاريه من الرياح األربع من أقىص السموات إىل أقصائها" (متى .)31 :24واألوالد الصغار سيحملون إىل أذرع أمهاتهم. واالصدقاء الذين قد ف َّرق املوت بينهم طويال يجتمعون معا ولن يفرتقوا فيام بعد ،وبأناشيد الفرح يرتفعون معا اىل مدينة الله.
إىل داخل املدينة املقدسة -وبني جموع املفتدين التي ال تحىص تتجه كل االنظار ايل املسيح .وكل عني سرتى مجده هو الذي "كان منظره كذا
اإلنقاذ العظيم
99
مفسدا ً أكرث من الرجل وصورته أكرث من بني آدم" (إشعياء .)14 :52وعىل رؤوس املنترصين سيضع يسوع أكاليل املجد .ولكل واحد اكليله مكتوب عليه "اسمه الجديد" (رؤيا .)17 :2وهذه الكتابة "قدس للرب" .وستعطى لكل املفتدين سعف النخل فيمسكونها بأيديهم كام ميسكون بالقيثارات الالمعة. وحينئذ اذ يعزف املالئكة القواد النغمة املطلوبة فكل يد تالمس أوتار القيثارة ملسات ماهرة مدربة ،فتستيقظ النغامت املوسيقية العذبة ويهتز كل قلب طربا بفرح ال يُنطق به ويرتفع كل صوت مسبحا تسبيحة الشكر قائال" :الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه له املجد والسلطان اىل أبد اآلبدين آمني" (رؤيا 5 :1و .)6 وأمام جموع املفتدين تُرى املدينة املقدسة .فيفتح يسوع االبواب فتدخل كل االمم التي قد حفظت الحق .وحينئذ يُسمع صوته قائال" :تعالوا يا مباريك ايب رثوا امللكوت املعد لكم منذ تأسيس العامل" (متى .)34 :25واملسيح يقدم إىل اآلب مقتنى دمه معلناً وقائالً" :ها انا واالوالد الذين أعطيتنيهم"، "الذين أعطيتني حفظتهم" (عربانيني 13 :2؛ يوحنا .)12 :17وما أعظم الفرح، فرح تلك الساعة التي فيها عندما ينظر اآلب الرسمدي اىل املفتدين يرى صورته، وعندما ينتهي تشويش الخطيئة ونزاعها يعود االنسان مرة أخرى اىل االتفاق واالنسجام مع الله! ففرح املخلص ينحرص يف كونه يرى يف ملكوت املجد النفوس التي قد خلصت بقوة آالمه واتضاعه .وسيشاركه املفتدون يف فرحه اذ يرون بني أولئك املغبوطني أولئك الذين قد ُربحوا للمسيح عن طريق صلواتهم وجهودهم وتضحيات محبتهم .متتلئ قلوبهم بفرح ال يُنطق به عندما يرون الذين قد ربحوهم للمسيح ويرون ان واحدا قد ربح آخرين وهؤالء ربحوا آخرين.
100
الرجاء العظيم
آدم األول وآدم الثاين يلتقيان -واذ يُر َّحب باملفديني يف مدينة الله ت ُسمع يف الجو رصخة متجيد فرِحة .ان آدم االول وآدم الثاين مزمعان ان يتالقيا .فابن الله واقف باسطا ذراعيه الستقبال أيب البرش ،املخلوق الذي قد جبله فاخطأ اىل صانعه وبسبب خطيئته يحمل املخلص يف جسمه آثار الصليب .فاذ يرى آدم آثار املسامري القاسية ال يرمتي يف حضن سيده ولكنه يف اتضاع وتذلل وانكسار يرمتي عند قدمي املسيح .لكن املخلص يقيمه بكل رقة ويأمره بأن ينظر مرة اخرى اىل بيته يف جنة عدن الذي كان قد نُفي منه كل تلك الحقبة الطويلة من الزمن. كانت حياة آدم مليئة باآلالم واملتاعب .فكل ورقة يابسة وكل ذبيحة وكل رضبة وقعت عىل وجه الطبيعة الجميل وكل لطخة أصابت طهارة االنسان كانت مذكرا له بخطيئته .وقد كانت مرارة حزنه شديدة ورهيبة وهو يرى االثم يسترشي و يتفاقم وجواباً عىل انذاراته جعل الناس يعريونه بأنه هو سبب الخطية .فتاب عن خطيئته بكل أمانة ثم مات عىل رجاء القيامة .واآلن فمن خالل الكفارة أعيد اىل آدم سلطانه االول. واذ كان محموال عىل اجنحة الفرح رأى االشجار التي كان قبال يرس بها، االشجار نفسها التي كان يجمع امثارها بنفسه يف أيام برارته .انه يرى اشجار الكرم التي غرسها واالزهار نفسها التي كان يرس بالعناية بها .ويستوعب عقله املنظر عىل حقيقته ويدرك ان هذه حقا هي عدن وقد أعيدت اليه. وها املخلص يأخذه اىل حيث توجد شجرة الحياة ويقطف من مثارها املجيدة ويأمره باألكل منها .فينظر آدم حواليه فريى كثريين من عائلته وقد افتدوا .ثم يطرح اكليله عند قدمي يسوع ويقع عىل صدر الفادي ويعانقه ثم يلمس أوتار قيثارته الذهبية فتدوي ارجاء السامء بأصوات اغنية االنتصار
اإلنقاذ العظيم
101
القائلة" :مستحق مستحق هو الخروف قد ذبح" (رؤيا .)12 :5فيشرتك أفراد أرسة آدم يف األغنية ويطرحون أكاليلهم عند قدمي املخلص وهم ينحنون أمامه ساجدين متعبدين ممجدين .إن املالئكة الذين بكوا عندما سقط آدم وفرحوا عندما فتح املسيح باب القرب لكل من يؤمنون باسمه .واآلن ها هم يرون عمل الفداء وقد أكمل فيشرتكون يف انشودة الحمد بأصواتهم العذبة . وعىل البحر البلوري ،ذلك البحر من زجاج كأنه مختلط بنار ،يجتمع جمهور "الغالبني عىل الوحش وصورته وعىل سمته وعدد اسمه" .واملئة واالربعة واالربعون ألفا الذين قد افتدوا من بني الناس يرتمنون "ترنيمة جديدة" .وهي ترنيمة موىس والخروف (رؤيا 2 :15و .)3وليس غري املئة واألربعة واألربعني ألفاً يستطيع أن يتعلم تلك الرتنيمة ألنها ترنيمة اختبارهم وهو اختبار مل يكن لجامعة أخرى سواهم" .وهؤالء هم الذين يتبعون الخروف حيثام ذهب". هؤالء إذ قد نقلوا من األرض من بني األحياء فإنهم يحسبون "باكورة لله وللخروف" (رؤيا 4 :14و .)5لقد مروا يف وقت ضيق مل يكن مثله منذ كانت امة .واحتملوا آالم وقت ضيق يعقوب .وثبتوا من دون شفيع يف اثناء انصباب رضبات الله االخرية .لقد "غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم يف دم الخروف" .ويف أفواههم مل يوجد غش ألنهم بال عيب قدام عرش الله"" .لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد وال تقع عليهم الشمس وال يشء من الحر ألن الخروف الذي يف وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إىل ينابيع ماء حية وميسح الله كل دمعة من عيونهم" (رؤيا 14 :7؛ 5 :14؛ 16 :7و .)17 املفديون يحظون باملجد -يف كل العصور سار مختارو املخلص يف طرق ضيقة وتنقوا يف أتون األمل .فألجل يسوع احتملوا املقاومات والكراهية
102
الرجاء العظيم
والوشايات .وقد اتبعوه يف إنكار الذ ات والخيبة املريرة .وتعلموا رش الخطيئة وسلطانها وجرمها وشقاءها .وهم ينظرون اليها بنفور واشمئزاز .ان احساسهم بالتضحية العظيمة املقدمة كعالج للخطيئة يجعلهم يتضعون يف أعني أنفسهم ومتتلئ قلوبهم بالشكر والتسبيح .انهم يحبون كثريا ألنه قد غُفر لهم كثري .واذ صاروا رشكاء املسيح يف آالمه فقد صاروا أهال ملشاركته يف مجده. أىت ورثة الله من املساكن الحقرية واملخابئ والسجون ومن آالت االعدام ومن الجبال والرباري ومن شقوق االرض والكهوف .كانوا "معتازين مكروبني مذلني" وقد نزل ماليني منهم إىل الهاوية مجللني بالعار ألنهم بكل ثبات رفضوا الخضوع للشيطان .أما اآلن فإنهم مل يعودوا واهنني أو معذبني أو مشتتني أو مضطهدين .ومن اآلن يقفون أمام العرش مترسبلني بحلل أغىل من كل ما لبسه أكرم أهل األرض .وعىل رؤوسهم أكاليل أمجد من كل ما كلل به امللوك األرضيون" .وملك املجد قد مسح الدموع عن كل الوجوه ،يرتمنون برتنيمة الحمد وهي صافية عذبة منسجمة متناسقة ،وكل صوت يلتقط اللحن اىل ان ترتفع التسبيحة وتعلو يف جو السامء اذ يقولون" :الخالص إللهنا الجالس عىل العرش وللخروف" فيجيب الكل قائلني" :آمني .الربكة واملجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة إللهنا اىل ابد اآلبدين" رؤيا 10 :7و .)12 اننا يف هذه الحياة نستطيع فقط ان نبدأ يف ادراك موضوع الفداء العجيب .وميكننا بفهمنا القارص ان نتأمل بكل جد يف العار واملجد والحياة واملوت والعدل والرحمة التي تلتقي يف الصليب ،ولكن مع كل اجهادنا لقوى عقولنا ال نستطيع ادراك معناه ادراكا كامال .فطول املحبة الفادية وعرضها وعمقها وعلوها ال ميكننا ادراكها اال ادراكا غامضا .وتدبري الفداء لن يفهم فهام كامال حتى عندما يَرى املفتدون كام يُرون ويعرفون كام يُعرفون ،ولكن مدى
اإلنقاذ العظيم
103
دهور االبد سينكشف امام الذهن املندهش املبتهج نور جديد عىل الدوام. ومع أن أحزان االرض وآالمها وتجاربها قد انتهت وأزيلت أسبابها فان شعب الله سيكون عندهم ادراك واضح وا ٍع للكلفة التي ُدفعت مثنا لخالصهم. سيكون صليب املسيح اغنية الحمد للمفتدين مدى االبدية .ففي شخص املسيح املمجد سريون أيضاً املسيح املصلوب .ولن يُنىس ابدا ان ذاك الذي بقدرته خلق العوامل اتضع وأخىل نفسه لريفع االنسان الخاطئ الساقط ،وحمل جرم الخطيئة وعارها ،واحتجاب وجه أبيه عنه اىل أن كرست قلبه ويالت العامل الهالك وسحقت حياته .فكون خالق كل العوامل يضع نفسه مدفوعا اىل ذلك بدافع املحبة لإلنسان ،هذا سيكون مبعث اندهاش املسكونة ومتجيدها اياه أبد الدهر .واذ ينظر شعوب املخلصني اىل فاديهم ويعرفون أنه لن يكون مللكه انقضاء سيهتفون ويغنون قائلني" :مستحق مستحق هو الخروف الذي ذبح واشرتانا لله بدمه الكريم الثمني!" وسيى ان ذاك الذي هو يفرس رس الصليب جميع األرسار األخرىُ . غري محدود يف الحكمة مل يستطع ان يبتكر خطة ألجل خالصنا اال ذبيحة ابنه. وان التعويض عن هذه الذبيحة هو فرح تعمري االرض بخالئق مفدية مقدسة سعيدة وخالدة .وقيمة النفس عظيمة هكذا حتى ان اآلب يرىض بالثمن الذي ُدفع ،واملسيح نفسه اذ يرى مثار ذبيحته العظيمة سيكتفي ويشبع .
نرصة
املحبة ويف ختام األلف سنة* سيجيء املسيح إىل األرض ويصحبه جموع املتفدين وتحف به حاشية من املالئكة .يأمر املسيح املوىت األرشار بأن يقوموا ليدانوا ويحكم عليهم .فيخرجون وهم جمع كبري جدا ً بال عدد كرمل البحر حاملني يف أجسادهم آثار املرض واملوت .فيا له من فرق شاسع بني هؤالء وأولئك الذي كان لهم نصيب يف القيامة األوىل! وكل عني تلتفت لتشاهد مجد ابن الله .وبصوت واحد يرصخ األرشار قائلني" :مبارك اآليت باسم الرب" (متى .)39 :23ليست املحبة هي التي تلهمهم هذا الكالم بل قوة الحق تنتزع الكالم من شفاههم الكارهة انتزاعا .فكام نزل االرشار اىل قبورهم كذلك خرجوا بالعداوة للمسيح وبروح العصيان نفسيهام. ولن يُعطَوا فرصة اختبار اخرى ليصلحوا نقائص حياتهم املاضية. والنبي يقول" :وتقف قدماه يف ذلك اليوم عىل جبل الزيتون ...فينشق جبل الزيتون من وسطه" (زكريا .)4 :14وإذ تنزل أورشليم الجديدة من السامء ببهائها الذي يخطف األبصار فهي تستقر يف املوضع الذي قد تطهر وأعد الستقبالها ،فيدخل إليها املسيح ومعه شعبه ومالئكته ويحلون يف تلك املدينة املقدسة. ان قائد الرش اذ كان مجردا من سلطانه ومنقطعا عن عمل الخداع كان * هذه هي األلفية املص َّورة يف الكتاب املقدس يف رؤيا 1 :20ـ .6كام يرد الحديث عنها بتوسع يف الفصل 41من كتاب الرصاع العظيم.
نرصة املحبة
105
شقيا ومغموما ،ولكن اذ يقام املوىت االرشار ويرى هو ذلك الجمع العظيم اىل جانبه تنتعش آماله ويصمم عىل عدم التسليم يف ذلك الرصاع الهائل .وحينئذ يصف كل جيوشه من الهالكني تحت رايته منذ رفضوا املسيح وقبلوا حكم ّ ذلك القائد املتمرد وهم عىل استعداد لقبول مقرتحاته وتنفيذ أمره .ولكن متشيا مع خداعه ومكره القديم فهو ال يعرتف بانه الشيطان .ويدعي أنه امللك واملالك الرشعي للعامل الذي اغتُصب منه مرياثه ظلام .وهو يصور نفسه لرعاياه املخدوعني بانه الفادي ويؤكد لهم ان قوته هي التي اخرجتهم من قبورهم. فيق ّوي الضعفاء ويلهم الجميع بروحه ونشاطه وقوته ويقرتح ان يتقدمهم ملحاربة معسكر القديسني لالستيالء عىل مدينة الله .ويشري اىل املاليني التي ال حرص لها الذين قد اقيموا من االموات ويعلن انه بصفته قائدا لهم هو قادر عىل قلب املدينة واستعادة سلطانه وملكه. وبني ذلك الجمع الغفري توجد جامهري من الجنس الذي كان يعيش منذ عصور القدم قبل الطوفان ،رجال طوال القامة ذوو عقول جبارة .رجال قادت اعاملهم الفنية العجيبة العامل اىل ان يعبد عبقريتهم ونبوغهم لك ّن قسوتهم ومخرتعاتهم الرشيرة التي نجست االرض وشوهت صورة الله جعلته ميحوهم من عىل وجه الخليقة .يوجد ملوك وقواد وجبابرة بأس مل ينهزموا قط يف معركة ،واملوت مل يُحدث تغيريا يف هؤالء القوم .فاذ يخرجون من قبورهم يستأنفون تفكريهم السابق نفسه والرغبة نفسها يف الغزو والفتح ،وستحفزهم هذه األفكار مثلام كانت تفعل عندما سقطوا. املعركة األخرية ضد الله -يتشاور الشيطان مع هؤالء الجبابرة. فيعلنون ان الجيش الذي يف داخل أسوار املدينة صغري باملقابلة مع جيوشهم
106
الرجاء العظيم
وانه ميكن االنتصار عليه .ويرشع الرجال املهرة يف صنع اسلحة القتال .والقواد الحربيون الذين اشتهروا بنجاحهم يصفون جموع رجال الحرب يف جامعات وأقسام. وأخريا يصدر االمر باالنطالق فيتقدم اىل االمام ذلك الجمع الذي ال يحىص عديده ،وال تضارعه كل الجيوش يف مختلف العصور مجتمعة معا. والشيطان يتقدم الجيش وامللوك والجبابرة هم ضمن حاشيته .وبدقة حربية تتقدم تلك الصفوف املتامسكة إىل األمام عىل سطح األرض املشقق الوعر نحو مدينة الله .وبناء عىل أمر يسوع تغلق أبواب أورشليم الجديدة فتحارص جيوش الشيطان املدينة ويستعدون للهجوم. واآلن يظهر املسيح أمام عيون أعدائه .وفوق املدينة عىل ارتفاع شاهق يوجد عرش عا ٍل ومرتفع عىل أساس من الذهب املصقول .وعىل هذا العرش يجلس ابن الله وحوله رعايا ملكوته .ان مجد الله الرسمدي يحيط بابنه وبهاء حضوره ميأل مدينة الله ويفيض خارج االبواب وميأل االرض كلها بألالئه. واقرب الناس اىل العرش هم أولئك الذين كانوا قبال متحمسني للشيطان. ولكن اذ كانوا كشعالت منتشلة من الحريق فقد ات ّبعوا مخلصهم يف تكريس عميق قوي .ويَيل هؤالء أولئك الذين قد كملوا الصفات املسيحية واحتفظوا بها يف وسط الكذب وااللحاد ،أولئك الذين أكرموا رشيعة الله يف وقت اعتربها العامل املسيحي باطلة ،وماليني من كل االجيال الذين استشهدوا ألجل اميانهم. وخلف هؤالء يوجد "جمع كثري مل يستطع أحد ان يعده من كل االمم والقبائل والشعوب واأللسنة ...مترسبلني بثياب بيض ويف ايديهم سعف النخل" (رؤيا .)9 :7لقد انتهت حربهم وأحرزوا االنتصار .وسعف النخل التي يف أيديهم هي رمز االنتصار ،والثياب البيض هي رمز لرب املسيح الذي صار لهم اآلن.
نرصة املحبة
107
ويف كل ذلك الجمع املتألق بالنور ال يوجد احد ينسب الخالص اىل نفسه كام لو انه قد انترص بقوته وصالحه .ال يذكر يشء عام قد قاسوه ،لكن كل أغنية ومطلع كل انشودة هو الخالص إللهنا وللخروف. النطق بالحكم ضد املتمردين -ويف محرض سكان االرض و السامء املجتمعني يتوج ابن الله .واآلن وقد ُز ِّود بالجالل واملجد الفائقني فان ملك امللوك ينطق بحكمه ضد العصاة عىل سلطانه وينفذ عدله عىل من قد عصوا عليه وتعدوا رشيعته وضايقوا شعبه وظلموهم" .ثم رأيت عرشا عظيام أبيض والجالس عليه الذي من وجهه هربت االرض والسامء ومل يوجد لهام موضع .ورأيت االموات صغارا وكبارا واقفني أمام الله وانفتحت أسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة ودين األموات مام هو مكتوب يف االسفار بحسب اعاملهم" (رؤيا 11 :20و .)12 وحاملا تقع عني يسوع عىل األرشار يشعرون بكل خطيئة ارتكبوها. ويرون املكان نفسه الذي فيه انحرفت أرجلهم بعيدا عن طريق الطهارة والقداسة .والتجارب الخادعة التي شجعوها عىل تضليلهم بانغامسهم يف الخطيئة ،ورسل الله الذين احتقروهم ،واالنــذارات التي رفضوها ،وأمواج الرحمة التي ص ُّدوها بقلوبهم العنيدة القاسية غري التائبة ،كل هذه تظهر واضحة كام لو كانت مكتوبة بحروف من نار. وفوق العرش يُرى الصليب .وتظهر مشاهد تجربة آدم وسقوطه كام عىل شاشة بيضاء فسيحة .وتظهر كذلك الخطوات املتتابعة يف تدبري الفداء العظيم .فميالد املخلص الوضيع ،وحياته التي قضاها يف بساطة ،ومعموديته يف االردن ،والصوم والتجربة يف الربية ،وخدمته الجهارية التي كشف فيها للناس
108
الرجاء العظيم
عن امثن بركات السامء ،وااليام التي ازدحمت بأعامل الرحمة ،والليايل التي كان يقضيها مصليا يف الجبال ،والجزاء الذي ناله من مؤامرات الحسد والكراهية والخبث يف مقابل الخري العظيم الذي نالوه عىل يديه ،والعذاب األليم املخيف الغامض يف جثسيامين تحت الثقل العظيم لخطايا العامل كله؛ وتسليمه أليدي الرعاع املجرمني القتلة ،والحوادث املخيفة التي حدثت يف ليلة الرعب تلك، االسري املستسلم وقد تركه تالميذه ،وهو يساق بكل قسوة وعنف ويحاكَم يف قرص رئيس الكهنة ،ويف دار والية بيالطس وأمام هريودس الجبان ،وقد سخروا به وأهانوه وعذبوه وحكم عليه باملوت ،كل ذلك يص َّور بكل وضوح. واآلن تعلن املشاهد النهائية أمام ذلك الجمع الحاشد :فاملتأمل الصبور يسري يف الطريق اىل جلجثة ،ملك السامء يُعلق عىل الصليب ،الكهنة واألحبار يهزأون بآالم احتضاره ،الظلمة غري الطبيعية تغىش االرض محددة اللحظة التي فيها أسلم فادي العامل روحه. يبدو املنظر املخيف كام كان متاما .فالشيطان ومالئكته ورعاياه ال يستطيعون االبتعاد عن الصورة التي تصور عملهم .فكل ممثل يذكر الدور الذي مثَّله :هريودس الذي قتل أطفال بيت لحم االبرياء .وهريوديا السافلة التي يستقر عىل نفسها اآلمثة دم يوحنا املعمدان ،وبيالطس الضعيف خادم الزمان ،والجنود الساخرون والشعب املجنون الذي رصخ قائالً" :دمه علينا وعىل أوالدنا" .الجميع يرون هول جرميتهم .وعبثاً يحاولون االختباء من جالل وجه الله .بينام املتفدون يطرحون أكاليلهم عند رجيل املخلص صارخني وقائلني: "لقد مات عني!" فهناك يوجد نريون ذلك الوحش الذي اشتهر بالقسوة والرذيلة وهو يرى فرح الذين قد عذبهم ومتجيدهم يف ما كان يجد رسوره الشيطاين وهو
نرصة املحبة
109
يراهم يقاسون أرهب العذابات .وأمه هناك لتشهد نتيجة عملها ولرتى كيف ان االهواء والشهوات التي تجرأ ابنها عىل السري فيها وتنميتها بقوة تأثريها ومثالها قد آتت مثارها يف الجرائم التي جعلت العامل يرتعد من هولها. وهناك يوجد كهنة وأساقفة بابويون ممن ادعوا انهم سفراء املسيح ومع ذلك فقد لجأوا اىل آالت التعذيب والسجون والحرق بالنار ليتحكموا يف ضامئر شعبه .وهناك الباباوات املتكربون الذين رفعوا انفسهم فوق الله وتجرأوا عىل تغيري رشيعة العيل .فآباء الكنيسة االدعياء أولئك عليهم حساب عسري يقدمونه اىل الله .ويرون يف وقت متأخر جدا ان الله العليم بكل يشء يغار عىل رشيعته .وهم يعلمون اآلن ان املسيح يقرن مصلحته مبصالح شعبه املتأملني. ان العامل الرشير كله يقف متهام امام محكمة الله بتهمة الخيانة العظمى ضد حكم السامء .وال يجدون من يرتافع عنهم يف قضيتهم ،فهم بال عذر وقد صدر ضدهم الحكم باملوت االبدي. واالرشار يرون ما قد اضاعوه بحياة العصيان التي عاشوها .تقول النفس الهالكة صارخة" :كان ميكنني امتالك كل هذا ولكني ابعدت كل هذه األشياء عني .آه يا له من جنون غريب! لقد استعضت عن السالم والسعادة والكرامة بالشقاء والعار واليأس" .والجميع يرون أن طردهم من السامء عادل. ففي حياتهم أعلنوا قائلني" :ال نريد أن يسوع هذا ميلك علينا". هزمية الشيطان -لقد نظر االرشار اىل تتويج ابن الله وكأنهم ذاهلون .انهم يرون بني يديه لوحي الرشيعة االلهية ،الوصايا التي قد احتقروها. ويشهدون الدهشة املشبوبة والفرح الغامر والتمجيد الذي يقدمه املخلصون.
110
الرجاء العظيم
واذ تكتسح موجة النغامت املطربة الجموع الذين خارج املدينة فالجميع يرصخون قائلني بصوت واحد" :عظيمة وعجيبة هي أعاملك يا ملك القديسني". ويسقطون عىل وجوههم يقدمون السجود لرئيس الحياة( .رؤيا .)3 :15 ثم ان الشيطان يبدو وكأنه قد شُ لَّت قواه .إن الذي كان أحد الرسافيم املتألقني بالنور قد طرد إىل األبد من املجلس الذي كان قبالً مكرماً فيه .واآلن يرى آخر غريه واقفا بالقرب من اآلب الساموي .يرى مالكاً جليل املنظر .ويعرف ان املركز السامي الذي يشغله هذا املالك كان ميكن ان يشغله هو. ثم تستعيد الذاكرة وطن برارته وطهارته والسالم والقناعة اللذين كانا من صفاته اىل ان أقدم عىل التمرد والعصيان .ثم يستعرض أعامله بني الناس ونتائجها :عداوة االنسان ألخيه االنسان ،وهالك الحياة الرهيب وقيام املاملك وسقوطها وقلب العروش ،وتوايل حوادث الشغب الطويلة والحروب والثورات. ثم يستعرض محاوالته املستمرة يف مقاومة عمل املسيح .واذ ينظر الشيطان اىل مملكته ،مثرة جهوده ،ال يرى غري الفشل .ومرارا وتكرارا يف سري الرصاع الهائل انهزم وأرغم عىل التسليم. لقد كان غرض املتمرد االعظم دامئا تربير نفسه واقامة الربهان عىل ان سياسة الله هي املسؤولة عن العصيان .جعل جامهري كثرية من الناس يقبلون تفسريه للرصاع الهائل الذي ظل محتدما هذا االمد الطويل .فعىل امتداد آالف السنني ظل رئيس التآمر هذا يُلبس الباطل ثوب الحق .ولكن ها قد اىت الوقت الذي فيه يُهزم العصيان نهائيا ويكشف الستار عن تاريخ الشيطان وصفاته .ان املخادع االعظم يف محاولته االخرية ان يخلع املسيح عن عرشه ويهلك شعبه ويستويل عىل مدينة الله انكشف القناع عن وجهه متاما .والذين اتحدوا معه يرون فشل قضيته اخريا فشال تاما.
نرصة املحبة
111
يرى الشيطان ان مترده الذي أقدم عليه مبحض اختياره ال يؤهله للسامء .لقد درب قواه عىل محاربة الله .وطهارة السامء وسالمها وانسجامها ستكون سبب عذاب هائل له .واآلن فها الشيطان ينحني معرتفا بعدالة الحكم الذي صدر ضده. واآلن قد اتضح كل شك أو تساؤل يف ما يختص بالحق والضالل يف الرصاع الهائل الطويل االمد .ونتائج العصيان ومثار طرح رشيعة الله جانبا اتضحت أمام انظار كل الخالئق العاقلة .ان تاريخ الخطيئة سيظل اىل األبد شاهدا عىل ان سعادة كل خالئق الله مرتبطة ارتباطا وثيقا بوجود رشيعته. فكل املسكونة ،املخلصون منهم والعصاة ،يعلنون بفم واحد قائلني" :عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسني". وقد أتت الساعة التي يتمجد فيها اسم املسيح فوق كل اسم يسمى. إنه من أجل الرسور املوضوع أمامه – ليك يأيت بأبناء كثريين إىل املجد -احتمل الصليب .انه ينظر اىل املفتدين وقد تجددوا فصاروا يف شبه صورته .انه يرى نفسه (إشعياء .)11 :53وبصوت يصل اىل فيهم نتيجة تعب نفسه فتطيب ُ اسامع الجامهري املجتمعة من االبرار واالرشار يعلن حينئذ قائال" :هوذا مقتنى دمي! فألجل هؤالء تأملت وألجلهم مت" نهاية األرشار القاسية -تبقى صفات الشيطان كام هي من دون تغيري. فروح العصيان ترتد عليه كسيل جارف .وصمم عىل عدم االستسالم يف رصاع أخري يائس ضد ملك السامء .ولكن من بني املاليني التي ال تحيص الذين قد أغواهم عىل العصيان ال يوجد اآلن وال واحد يعرتف بسيادته .واألرشار متألهم ذات الكراهية التي تعتمل يف قلب الشيطان تجاه الله .لكنهم يرون أن قضيتهم صارت ميئوساً منها.
112
الرجاء العظيم
تنزل نار من عند الله من السامء .واالرض تتكرس فتخرج من فجواتها نار محرقة ونفس الصخور تشتعل بالنار .والعنارص تذوب بحرارة متوقدة وتحرتق أيضا االرض وكل املصنوعات التي فيها (2بطرس .)10 :3وسطح االرض يبدو كأنه كتلة واحدة ذائبة :بحرية واسعة من النار تغيل .إنه "للرب يوم انتقام سنة جزاء من أجل دعوى صهيون" (إشعياء .)8 :34 وسيعاقب األرشار "حسب أعاملهم" .وسيتأمل الشيطان ال ألجل عصيانه فحسب بل ألجل كل الخطايا التي جعل شعب الله يرتكبونها .إن األرشار يهلكون أصالً وفرعاً يف النار املطهرة؛ فالشيطان هو األصل وأتباعه هم الفروع. لقد وقع قصاص التعدي عىل الناموس كامالً ،وقد أجيبت كل مطالب العدل. ان عمل التخريب والهالك الذي قام به الشيطان قد انتهى اىل االبد .أما اآلن فان خالئق الله سيتخلصون اىل االبد من وجود الشيطان وتجاربه. واذ تلتف االرض يف رداء من النار يكون األبرار ساكنني مطمئنني يف املدينة املقدسة .ويف حني أن الله هو نار آكلة لألرشار فهو لشعبه شمس ومجن" (انظر رؤيا 6 :20؛ مزمور .)11 :84 وطننا النهايئ " -ورأيت سامء جديدة وأرضاً جديدة ألن السامء األوىل واألرض األوىل قد مضتا" (رؤيا .)1 :21إن النار التي تحرق األرشار تطهر األرض .وكل أثر من آثار اللعنة ميحى .ولن تكون هنالك نار جحيم أبدية لتذكر األبرار املفديني بعواقب الخطيئة املخيفة. ولكن يبقى مذكر واحد ،ذلك ان فادينا سيظل حامال يف جسده سامت صلبه ،اآلثار الوحيدة للعمل القايس الذي قد احدثته الخطيئة .ومدى دهور االبد ستكون جروح جلجثة مبعث الحمد له واعالنا لقدرته.
نرصة املحبة
113
لقد اكد املسيح لتالميذه انه ماض ليعد لهم منازل يف بيت اآلب .ان لغة البرش قارصة عن وصف مكافأة االبرار .ولن يعرفها اال من يرونها .وال ميكن لعقل محدود قارص ان يدرك مجد فردوس الله! يدعى مرياث املخلصني يف الكتاب املقدس "وطناً" (عربانيني 14 :11ـ .)16فهناك يقود الراعي الساموي قطيعه اىل ينابيع مياه حية .ويوجد دامئا انهار جارية صافية ونقية كالبلور وعىل وجوانبها اشجار تلقي ظاللها الوارفة عىل الطرق املعدة ملفتدي الرب .وهناك ترتفع السهول الفسيحة فتصري تالال آية يف الجامل وجبال الله تعلو بقممها الشامخة .ويف تلك السهول الهادئة التي بجوار الينابيع الحية يجد شعب الله ،الذين ظلوا أمدا طويال غرباء وتائهني، وطنا ومستقرا. "ويبنون بيوتا ويسكنون فيها ويغرسون كروما ويأكلونا مثارها .ال يبنون وآخر يسكن وال يغرسون وآخر يأكل ... مختاري عمل أيديهم"" .تفرح الربية يستعمل َّ واالرض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالرنجس". "فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي ...وصبي صغري يسوقها ...الَ يَ ُسو ُؤو َن َوالَ يُف ِْس ُدو َن ِف ك ُِّل َج َبلِ قُ ْد ِس" (إشعياء :65 21و 22؛1 :35؛ 6 :11و .)9 ليس لألمل وجود يف جو السامء .ولن تكون هناك دموع وال مواكب جنازات وال شارات حداد" .واملوت ال يكون يف ما بعد وال يكون حزن وال رصاخ ...ألن االمور االوىل قد مضت"" ،وال يقول ساكن انا مرضت .الشعب الساكن فيها مغفور االثم" (رؤيا 4 :21؛ إشعياء .)24 :33
114
الرجاء العظيم
وهناك أورشليم الجديدة قصبة االرض الجديدة املجيدة" :لها مجد الله وملعانها شبه أكرم حجر كحجر يشب بلوري"" .ومتيش شعوب املخلصني بنورها وملوك االرض يجيئون مبجدهم وكرامتهم اليها"" ،هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم إلها لهم" (رؤيا 11 :21و 24و .)3 ويف مدينة الله "ال يكون ليل هناك" (رؤيا .)5 :22ولن يكون هنا تعب؟ وسنشعر دامئا بنضارة الصباح ولن نخىش من انتهائها .ويفوق نو َر الشمس ضيا ٌء ال يبهر االبصار أو يؤذيها ومع ذلك فهو يفوق نور منتصف النهار مبا ال يقاس .واملفتدون يسريون يف مجد النهار االبدي. "مل أر فيها هيكال ألن الرب الله القادر عىل كل يشء هو والخروف هيكلها" (رؤيا .)22 :21ولشعب الله امتياز الرشكة املباحة مع اآلب واالبن. فإننا ننظر االن يف مرآة ولكننا سرناه حينئذ وجها لوجه من دون ان يكون هناك حجاب يحجب الرؤية . انتصار محبة الله -وستجد املحبة والعطف اللذين غرسهام الله نفسه يف القلب أصدق تدريب واعذبه .والرشكة الطاهرة مع الخالئق املقدسة ومع الرجال األمناء يف كل العصور .والروابط املقدسة التي توحد بني "كل عشرية يف السموات وعىل األرض" وستساعد هذه األمور يف تشكيل سعادة املفديني (أفسس .)15 :3 هناك ستتأمل العقول الخالدة ،برسور متواصل ،يف عجائب القوة الخالقة ويف ارسار املحبة الفادية .وستنمو وتتطور كل قوى النفس وتزداد مهاراتها ،وتحصيل املعرفة لن يتعب العقل ولن يرهق القوى .وهناك ميكن
نرصة املحبة
115
أجل املشاريع .وأسمى الرغائب تتحقق وأرفع املطامح ت ُنال ،ومع ذلك تنفيذ َّ تظهر ذرى ليبلغها اإلنسان ،وعجائب جديدة ليعجب بها ،وحقائق جديدة عليه ليدركها ،وأغراض جديدة تتطلب بذل قوى العقل والنفس والجسد. وكل كنوز املسكونة ستكون مباحة لدراسة مفتدي الله .ولكونهم غري مقيدين بقيود الفناء فسريتفعون اىل أعايل العوامل البعيدة ،فبفرح ال ينطق فرح الخالئق غري الساقطني وحكمتهم .وهم يتقاسمون به يدخل ابناء االرض َ معهم كنوز املعرفة والعلم التي حصلوا عليها مدى أجيال بعد أجيال يف التأمل يف صنع الله .وبعيون صافية ينظرون اىل مجد الخليقة :الشموس والكواكب واالنظمة الكونية كل منها يف مسارها املحيط بعرش الله . واذ متر سنو االبدية فستأيت بإعالنات أغنى وأمجد عن الله واملسيح .وكام تتجدد املعرفة فكذلك ستتجدد املحبة والوقار والسعادة وتزيد كذلك .وكلام عرف الناس أشياء أكرث عن الله زاد اعجابهم بصفاته .واذ يكشف يسوع أمامهم غنى الفداء واالعامل العظيمة املدهشة يف الرصاع الهائل مع الشيطان فإن قلوب املفتدين تختلج بتعبد حار عميق ،فتتحد ربوات ربوات وألوف ألوف من االصوات يف انشاد اغنية الحمد العظيمة. " وكل خليقة مام يف السامء وعىل األرض وتحت األرض وما عىل البحر كل ما فيها سمعتها قائلة :للجالس عىل العرش وللخروف الربكة والكرامة واملجد والسلطان اىل أبد اآلبدين" (رؤيا .)13 :5 لقد انتهى الرصاع العظيم .وما عاد للخطيئة أو للخطاة وجود .وقد
116
الرجاء العظيم
صارت املسكونة كلها طاهرة .ويف عاطفة واحدة من الوفاق والفرح يشرتك كل الخالئق .ومن ذاك الذي قد خلق الجميع تفيض الحياة والنور والبهجة يف كل االقاليم يف الفضاء الذي ال حدود له .فمن أصغر ذرة اىل أعظم كوكب ،من حي اىل جامد ،بجاملها وكاملها كلها تشهد شهادة واحدة قائلة :الله محبة.
سنجد يف القامئة أدناه ،تحت عنوان كل فصل من الفصول الواردة يف هذا الكُتيب ،أسامء الفصل أو الفصول املوازية له يف كتاب الرصاع العظيم: الفصل األول" ،ملاذا هناك معاناة"؟ الرصاع العظيم ،الفصل 29
الفصل السابع" ،حاميتنا الوحيدة" الرصاع العظيم ،الفصل 37
الفصل الثاين" ،الرجاء يف النرصة عىل الرش" الرصاع العظيم ،الفصل 30و 31
الفصل الثامن" ،دفاعاً عن الحق" الرصاع العظيم ،الفصل 3و 25و 26
الفصل الثالث" ،إغراءات خطرية" الرصاع العظيم ،الفصل 32
الفصل التاسع" ،الرجاء الحقيقي" الرصاع العظيم ،الفصل 1و 17و 36و 38و 39
الفصل الرابع" ،حياة أبدية" الرصاع العظيم ،الفصل 33
الفصل العارش" ،اإلنقاذ العظيم" الرصاع العظيم ،الفصل 40
الفصل الخامس" ،الرجاء الزائف" الرصاع العظيم ،الفصل 34
الفصل الحادي عرش "نرصة املحبة" الرصاع العظيم ،الفصل 42
الفصل السادس" ،السالم الحقيقي" الرصاع العظيم ،الفصل 7و 27