The Great Hope

Page 1


‫الرجاء العظيم‬ ‫نظرة كاشفة للمعركة‬ ‫بني‬ ‫الخري والرش‬ ‫والفائز‬ ‫منهام‬


‫مقتطفات ُم َج َّمعة من كتاب الرصاع العظيم‬ ‫بقلم السيدة ال ْن ه َوايت‬


‫محتويات الكتاب‬

‫‪ 1‬ملاذا هناك معاناة؟‬

‫‪..........................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪ 2‬الرجاء يف النرصة عىل الرش‬ ‫‪ 3‬إغراءات خطرية‬ ‫‪ 4‬حياة أبدية‬

‫‪7‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪104‬‬

‫‪......................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪............................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪ 5‬الرجاء الزائف‬

‫‪....................................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪ 6‬السالم الحقيقي‬ ‫‪ 7‬حصننا الوحيد‬

‫‪.............................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪ 8‬دفاعاً عن الحق‬

‫‪ 9‬الرجاء الحقيقي‬

‫‪..............................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪ 10‬اإلنقاذ العظيم‬ ‫‪ 11‬نرصة املحبة‬

‫‪.............................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪...........................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪.............................................................................................................................................................................................................................................‬‬



‫ملاذا هناك‬

‫معاناة؟‬

‫يرى كثريون عمل الرش بنتائجه املرعبة‪ ،‬وهي الشقاء والخراب‪ ،‬فيتساءلون‬ ‫ ‬ ‫كيف ميكن أن يوجد كل هذا تحت سيادة ذاك الذي هو كيل الحكمة والقدرة‬ ‫واملحبة‪ .‬واملدفوعون بدافع امليل اىل الشك واملامحكة يتمسكون بهذا كعذر‬ ‫لرفض الكلمة املقدسة‪ .‬إن كالً من التقليد والتحريف قد لفّا بالغموض تعليم‬ ‫الكتاب املقدس عن صفات الله وطبيعة حكمه ومبادئ معاملته للخطيئة‪.‬‬ ‫من املستحيل علينا أن نوضح أصل الخطيئة بحيث نقدم سببا لوجودها‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ومع ذلك ميكن فهم أصل الخطيئة واتجاهها النهايئ فهام كافيا إلعالن عدالة‬ ‫الله واحسانه‪ .‬ان الله مل يكن مسؤوال عىل االطالق عن دخول الخطيئة‪ ،‬والنعمة‬ ‫االلهية مل تسحب اعتباطيا‪ ،‬ومل يُس َّجل نقص يف حكم الله افسح يف املجال‬ ‫لظهور العصيان‪ .‬الخطيئة دخيلة وال ميكن تعليل وجودها‪ .‬فتربيرها هو دفاع‬ ‫عنها‪ .‬ولو وجد عذر لها او سبب لوجودها ملا اعتُربت خطيئة‪ .‬إن الخطيئة هي‬ ‫نتيجة مبدأ يحارب رشيعة املحبة العظيمة التي هي أساس حكم الله‪.‬‬ ‫قبل دخول الرش كان يسود السالم والفرح أرجاء املسكونة‪ .‬كانت املحبة‬ ‫ ‬ ‫لله سائدة‪ ،‬ومحبة كل واحد لآلخر كانت غري مغرضة‪ .‬فاملسيح الكلمة ابن الله‬ ‫الوحيد كان واحدا مع اآلب الرسمدي‪ ،‬واحدا يف الطبيعة والصفات والقصد‪.‬‬ ‫وكان هو الكائن اإللهي الوحيد يف الكون الذي استطاع ان يطلع عىل كل‬


‫‪8‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫مشورات الله ومقاصده "فيه خلق الكل ما يف السموات ‪ ...‬سواء كان الساموية‬ ‫عروشا أم سيادات أم رياسات أم سالطني " (كولويس ‪ .)16 :1‬وألن ناموس‬ ‫املحبة هو أساس حكم الله فقد كانت سعادة كل الخالئق متوقفة عىل وفاقهم‬ ‫التام مع مبادئ الرب العظيمة‪ .‬الله ال يرس باغتصاب الوالء‪ ،‬وهو يوفر للجميع‬ ‫حرية االرادة ليك يؤ ّدوا له الخدمة الطوعية‪.‬‬ ‫ولكن وجد كائن اختار ان يفسد هذه الحرية‪ .‬وقد بدأت الخطيئة‬ ‫ ‬ ‫املسيح خالقُه الذي حصل عىل كرامة عظيمة من‬ ‫بلوسيفر الذي مل يَ ُف ْق ُه إلَّ‬ ‫ُ‬ ‫الله‪ ،‬ان لوسيفر قبل سقوطه كان هو أول‬ ‫كروب مظلل وكان مقدسا بال عيب‪" .‬هكذا‬ ‫قال السيد الرب أنت خاتم الكامل مآلن حكمة‬ ‫وكامل الجامل‪ .‬كنت يف عدن جنة الله‪ .‬كل‬ ‫حجر كريم ستارتك‪ ...‬أنت الكروب املنبسط‬ ‫املظلل وأقمتك عىل جبل الله املقدس كنت‪.‬‬ ‫بني حجارة النار متشيت‪ .‬أنت كامل يف طرقك‬ ‫من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم‪ ...‬ق َِد ا ْرتَ َف َع قَلْ ُب َك لِ َب ْه َج ِت َك‪ .‬أَف َْسدْتَ ِح ْك َمتَ َك‬ ‫ألَ ْجلِ بَ َهائِ َك‪ِ " ".‬م ْن أَ ْجلِ أَن َ​َّك َج َعل َْت قَلْ َب َك كَ َقل ِْب اآللِ َه ِة"‪َ " .‬وأَن َْت قُل َْت ِف قَلْب َِك‬ ‫‪ ...‬أَ ْرفَ ُع كُ ْر ِس ِّيي فَ ْو َق كَ َواكِ ِب الل ِه‪َ ،‬وأَ ْجلِ ُس َع َل َج َبلِ اال ْج ِت َم ِع ‪ ...‬أَ ْص َع ُد فَ ْو َق‬ ‫ُم ْرتَ َف َع ِ‬ ‫ل" (حزقيال ‪12 :28‬ـ ‪17‬؛ ‪6 :28‬؛ إشعياء ‪:14‬‬ ‫الس َح ِ‬ ‫ات َّ‬ ‫اب‪ .‬أَ ِص ُري ِمث َْل الْ َع ِ ِّ‬ ‫‪13‬و ‪.)14‬‬ ‫واذ كان يصبو اىل الكرامة التي قد منحها اآلب الرسمدي البنه‪ ،‬طلب‬ ‫ ‬ ‫رئيس املالئكة هذا أن يحصل عىل السلطان الذي كان من حق املسيح وحده‬ ‫أن يستخدمه‪ .‬إن نغمة ناشزة أفسدت التناسق واالنسجام بني السامويني‪.‬‬


‫ملاذا هناك معاناة؟‬

‫‪9‬‬

‫فخدمة الذات وتعظيمها أيقظت التشاؤم بالرش يف العقول التي كان مجد الله‬ ‫هو أسمى مطلب لها‪ .‬لقد توسلت مجالس السامويني اىل لوسيفر‪ .‬واستعرض‬ ‫ابن الله أمامه عظمة الخالق وصالحه وعدله‪ ،‬وطبيعة رشيعته املقدسة غري‬ ‫املتغرية‪ .‬فاذا خرج لوسيفر عىل ذلك النظام فسيهني صانعه ويجلب عىل نفسه‬ ‫الدمار‪ .‬لكن االنذار املقدم مل يرث يف نفسه سوى روح املقاومة‪ .‬وقد سمح‬ ‫لوسيفر بأن تتفىش روح الحسد للمسيح ‪.‬‬ ‫هذا وان افتخاره مبجده غذى شوقه اىل السيادة‪ .‬فالكرامات السامية‬ ‫ ‬ ‫التي أوتيها لوسيفر مل تقدر كهبة من الله ومل يُق َّدم ألجلها شكر اىل الخالق‪.‬‬ ‫لقد تاق اىل أن يكون مساويا لله‪ .‬ومع هذا فان ابن الله كان هو امللك املعرتف‬ ‫به يف السامء وواحدا ً يف القدرة والسلطان مع اآلب‪ .‬ويف كل مشورات الله كان‬ ‫املسيح رشيكاً‪ ،‬يف حني مل يُسمح للوسيفر بأن يطلع عىل مقاصد الله ‪ .‬وقد‬ ‫تساءل هذا املالك العظيم قائالً‪" :‬ملاذا تكون السيادة للمسيح؟ وملاذا يكرم‬ ‫هكذا ويتفوق عىل لوسيفر؟"‬ ‫تذمر بني املالئكة ‪ -‬فاذ ترك مكانه يف محرض الله خرج الشيطان‬ ‫ ‬ ‫لينرش روح التذمر بني املالئكة‪ .‬كان يعمل برسية عجيبة‪ ،‬وقد أخفى اىل حني‬ ‫غرضه الحقيقي تحت مظهر التوقري لله محاوال ان يثري عدم الرىض عن الرشائع‬ ‫التي تحكم الخالئق الساموية‪ ،‬موعزا املالئكة أنها تفرض عليهم روادع ال رضورة‬ ‫رص هو عىل وجوب أن يطيعوا ما متليه‬ ‫لها ‪.‬وملا كانت طبائع املالئكة مقدسة أ َّ‬ ‫عليهم ارادتهم‪ .‬وقد ص َّور لهم أن الله قد عامله بالظلم حني منح املسيح كرامة‬ ‫سامية‪ .‬وادعى أنه ال يستهدف تعظيم نفسه امنا هو يريد أن يضمن الحرية‬ ‫لكل ساكني السامء حتى بهذه الوسيلة يبلغوا حالة وجود أسمى‪.‬‬ ‫لك ّن الله احتمل لوسيفر وصرب عليه طويال‪ .‬فلم يحطَّه عن مركزه‬ ‫ ‬


‫‪10‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫السامي حتى عندما بدأ يتشدق بادعاءاته الكاذبة أمام املالئكة‪ .‬وق ُِدم له‬ ‫الغفران مرة بعد االخرى عىل رشط التوبة والخضوع‪ .‬ومثل هذه املساعي التي‬ ‫ال ميكن أن تبتكرها غري املحبة غري املحدودة والحكمة االلهية كان القصد منها‬ ‫اقناعه بخطئه‪ .‬ان روح التذمر مل يسبق ان عرفتها السامء‪ .‬ومل يكن لوسيفر‬ ‫نفسه يعرف يف البدء طبيعة مشاعره عىل حقيقتها‪ .‬ولكن بعد أن تربهن انه ال‬ ‫يوجد مربر لتربمه اقتنع لوسيفر بخطئه‪ ،‬وان مطالب الله عادلة‪ ،‬وان عليه أن‬ ‫يعرتف أمام كل سكان السامء بعدالتها‪ .‬فلو فعل هذا ألنقذ نفسه وأنقذ كثريين‬ ‫من املالئكة‪ .‬فلو أنه كان راغبا يف الرجوع اىل الله وقانعا بأن يشغل املركز املعني‬ ‫له لكان قد تثبت يف وظيفته‪ .‬لك ّن كربياءه منعته من الخضوع‪ .‬وقال انه يف غري‬ ‫حاجة اىل التوبة وسلم نفسه متاما ليخوض غامر الرصاع العظيم ضد صانعه‪.‬‬ ‫وقد اتجهت كل قوى عقله الجبار اآلن اىل علم الخداع ليظفر بعطف‬ ‫ ‬ ‫املالئكة‪ .‬وقد ص َّور الشيطان أنه قد ُحكم عليه ظلام وأن مركزه مل يُحرتم وأن‬ ‫حريته ستغفل ويُستغنى عنها‪ .‬ثم انتقل من تحريف أقوال املسيح اىل املراوغة‬ ‫والكذب الرصيح املبارش اذ اتهم ابن الله بأنه يقصد اذالله أمام ساكني السامء‪.‬‬ ‫واتهم الشيطان كل الذين مل ينجح يف اغوائهم وجذبهم اىل طرقه بعدم‬ ‫ ‬ ‫االكرتاث ملصالح الخالئق الساموية‪ .‬لجأ اىل تحريف أقوال الخالق وتشويه‬ ‫أعامله‪ .‬لقد كانت سياسته أن يربك املالئكة بحجج ماكرة بخصوص مقاصد‬ ‫الله‪ .‬وكل ما كان بسيطا لفَّه هو يف ستار من الغموض‪ .‬وبتحريفه املاكر ألقى‬ ‫ظالل الشك عىل أبسط أقوال الرب‪ .‬وكان مركزه السامي قد أَضفى قوة أعظم‬ ‫عىل ما صوره فأُغوي كثريون عىل االنضامم اليه يف التمرد‪.‬‬ ‫روح النفور يصري ثورة ناشطة ‪ -‬والله يف حكمته سمح للشيطان‬ ‫ ‬ ‫بالتقدم يف عمله‪ ،‬وقد نضج روح النفور فصار ثورة ناشطة‪ .‬كان من الرضوري ان‬


‫ملاذا هناك معاناة؟‬

‫‪11‬‬

‫يكتمل منو خططه متاما حتى يرى الجميع حقيقة طبيعتها واتجاهها‪ .‬فلوسيفر‬ ‫قد احبته الخالئق الساموية حبا عظيام وكان تأثريه عليهم عظيام وقويا‪ .‬وحكم‬ ‫الله مل يشمل سكان السامء وحدهم بل كل العوامل التي قد خلقها‪ .‬وقد ظن‬ ‫الشيطان أنه لو استطاع أن يُرشك مالئكة السامء معه يف العصيان فسيكون قادرا‬ ‫ان يُرشك معه يف ذلك سكان العوامل االخرى‪ .‬وباستخدامه املغالطة واالحتيال‬ ‫كانت قوته عىل الخداع عظيمة جدا‪ .‬وحتى املالئكة املخلصون مل يدركوا خبايا‬ ‫ُخلُقه عىل حقيقتها وال رأوا يف أي اتجاه كان عمله سائرا‪.‬‬ ‫كان الشيطان قد أُكرم اكراما عظيام وكان يتسرت ويتخفَّى يف كل أعامله‬ ‫ ‬ ‫حتى صار من الصعب عليه أن يكشف للمالئكة طبيعة عمله عىل حقيقتها‪.‬‬ ‫ومل تكن الخطيئة تظهر كام هي رشيرة إىل أن اكتمل منوها‪ .‬وادعى الشيطان يف‬ ‫البداية أنه إمنا يعمل عىل زيادة كرامة الله وتوطيد دعائم حكمه وضامن الخري‬ ‫لكل سكان السامء ‪.‬‬ ‫مل يلجأ الله يف تعامله مع الخطيئة إالَّ اىل الرب والحق‪ .‬أما الشيطان فكان‬ ‫ ‬ ‫ميكنه استخدام ما مل يستطع الله أن يستخدمه‪ ،‬أي املداهنة والخداع‪ .‬والصفة‬ ‫الحقيقية للمغتصب وغرضه الحقيقي ينبغي أن يفهمه الجميع‪ .‬وينبغي أن‬ ‫يعطى وقتا فيه يُظهر نفسه بأعامله الرشيرة‪.‬‬ ‫ألقى الشيطان تبعة النزاع الذي أحدثه يف السامء عىل الله‪ .‬وأعلن أن‬ ‫ ‬ ‫كل الرش هو نتيجة سياسة الله وحكمه‪ .‬ولذلك غدا من الالزم أن يظهر طبيعة‬ ‫ادعاءاته ويُري نتائج التعديالت املقرتحة يف رشيعة الله‪ .‬فالبد أن يدينه عمله‬ ‫نفسه‪ .‬فكان يجب أن ترى املسكونة كلها ذلك املخادع بعد اماطة اللثام عنه‪.‬‬ ‫مل تُهلك حكمة الله الالمتناهية الشيطان حتى بعدما تقرر انه ال‬ ‫ ‬ ‫يستطيع أن يبقى يف السامء‪ .‬ينبغي أن يرتكز والء خالئق الله عىل االقتناع‬


‫‪12‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫بعدالته‪ .‬إن سكان السامء والعوامل األخرى إذ مل يكونوا مستعدين بعد إلدراك‬ ‫عواقب الخطية مل يكونوا يستطيعون أن يفهموا حينئذ عدالة الله ورحمته يف‬ ‫اهالك الشيطان‪ .‬فلو كان قد ُمحي من الوجود يف الحال لكانوا هم يخدمون‬ ‫الله مدفوعني بدافع الخوف ال بدافع املحبة‪ .‬وملا أمكن مالشاة تأثري ذلك‬ ‫املخادع متاما واستئصال روح التمرد كلية‪ .‬فألجل خري املسكونة كلها مدى‬ ‫اجيال التاريخ كان ال بد للشيطان من أن ينرش مبادئه حتى ميكن للخالئق أن‬ ‫ترى اتهاماته التي وجهها اىل حكم الله عىل حقيقتها‪.‬‬ ‫كان البد أن يكون مترد الشيطان درسا لكل املسكونة وشهادة دامئة‬ ‫ ‬ ‫سيي النتائج املحتومة لطرح‬ ‫عىل النتائج املريعة للخطية‪ .‬فحكم الشيطان ُ‬ ‫سلطان الله جانبا‪ .‬وهكذا سيكون تاريخ اختبار هذا العصيان املرعب حارسا‬ ‫دامئا لألجناد السامويني يحفظهم من الخطيئة وقصاصها‪.‬‬ ‫وعندما أُعلن أنه هو وكل مؤيديه ال بد أن يُطردوا من موطن السعادة‬ ‫ ‬ ‫جاهر حينئذ رئيس العصاة ذاك بازدرائه رشيعة الخالق بكل جرأة‪ .‬وقد ش َّهر‬ ‫بوصايا الله قائال انها تحد من حريتهم وأعلن انه يقصد ان ياليش الرشيعة‪ .‬فاذ‬ ‫يتحرر اجناد السامء من هذا ا لرادع ميكنهم أن يدخلوا اىل حالة وجود أسمى‬ ‫وأمجد‪.‬‬ ‫مطرودون من السامء ‪ -‬وقد أجمع الشيطان وجنوده عىل أن‬ ‫ ‬ ‫يلقوا تبعة متردهم عىل املسيح؛ وأعلنوا أنهم ما كانوا ليتمردوا لوال التوبيخ‬ ‫الذي ُو ِّجه إليهم‪ .‬ظل رئيس العصاة ومؤيدوه عنيدين و ُمتح ِّدين‪ ،‬وعىل رغم‬ ‫تجديفهم كانوا يدعون انهم ضحايا السلطة التعسفية‪ .‬وطُردوا أخريا من السامء‪.‬‬ ‫انظر رؤيا ‪7 :12‬ـ ‪.9‬‬


‫ملاذا هناك معاناة؟‬

‫‪13‬‬

‫روح الشيطان هذه نفسها ال تزال توحي بالعصيان عىل األرض ومتلك‬ ‫ ‬ ‫اآلن عىل أبناء املعصية‪ .‬فهم مثله يعدون الناس بالحرية عن طريق التعدي‬ ‫عىل وصايا الله‪ .‬هذا‪ ،‬وإن توبيخ الخطيئة ما زال يثري روح الكراهية‪ .‬فالشيطان‬ ‫يجعلهم يربرون أنفسهم ويطلبون عطف اآلخرين ورضاهم عن طريق الخطيئة‬ ‫الذي هم فيه سائرون‪ .‬وبدالً من تقويم سلوكهم واصالح اخطائهم يثريون‬ ‫الغضب عىل من يوبخهم كام لو كان هو سبب املتاعب‪.‬‬ ‫ومثلام ش ّوه الشيطان صفات الله يف السامء اذ جعله يبدو صارما‬ ‫ ‬ ‫ومستبدا‪ ،‬أغوى الشيطا ُن الناس عىل ارتكاب الخطيئة‪ .‬وأعلن أن نواهي الله‬ ‫غري العادلة هي التي ادت اىل سقوط االنسان مثلام ساقته هو اىل العصيان‪.‬‬ ‫ان الله بطرده الشيطان من السامء أعلن الله عدله وأبقى عىل كرامة‬ ‫ ‬ ‫عرشه ‪.‬ولكن عندما اخطأ االنسان قدم الله الربهان عىل محبته اذ بذل ابنه‬ ‫الوحيد ليموت ألجل جنسنا الساقط ‪ .‬ففي الكفارة انكشفت صفات الله‪ .‬ان‬ ‫حجة الصليب القوية تعلن لكل املسكونة ان طريق الخطيئة مل تكن تبعته لتقع‬ ‫عىل حكم الله‪ .‬ويف أثناء خدمة املخلص عىل االرض فضحت صفات املخادع‬ ‫العظيم‪ .‬ان تجديفه الجريء عندما طلب من املسيح ان يسجد له‪ ،‬وحقده‬ ‫الذي ال يهجع الذي جعله يتعقبه من مكان اىل مكان‪ ،‬وايغاره صدور الكهنة‬ ‫والشعب ضده حتى رفضوا محبته وأخريا ً رصخوا ضده قائلني‪" :‬أصلبه أصلبه"‪.‬‬ ‫كل هذا أثار دهشة املسكونة وحنقها‪ .‬لقد بذل سلطان الرش قصارى جهده‬ ‫وقوته ودهائه إلهالك يسوع‪ .‬واستخدم الشيطان الناس وسائل يف يده ليمأل‬ ‫حياة املخلص باآلالم واالحزان‪ .‬فنريان الحسد والخبث املحتبسة والكراهية‬ ‫وحب االنتقام اندلعت ألسنتها عند صليب جلجثة ضد ابن الله‪.‬‬ ‫أما اآلن فها اثم الشيطان يبدو بال عذر‪ .‬لقد ظهر يف صفته الحقيقية‪.‬‬ ‫ ‬


‫‪14‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫وظهرت اتهامات الشيطان الكاذبة ضد الله وحكمه عىل حقيقتها‪ .‬لقد اتهم‬ ‫الله بأنه امنا يطلب مجد نفسه فقط حني يطلب من خالئقه أن يقدموا اليه‬ ‫الخضوع والطاعة‪ ،‬كام أعلن أنه يف حني فرض الخالق عىل الجميع أن ينكروا‬ ‫ذواتهم فانه هو نفسه مل ميارس انكار الذات ومل يُقدم أي تضحية‪ .‬وقد رؤي‬ ‫اآلن أنه يف سبيل خالص الجنس الساقط الخاطئ أقدم حاكم الكون عىل أعظم‬ ‫تضحية ميكن للمحبة أن تقوم بها‪" :‬ألن الله كان يف املسيح مصالحاً العامل‬ ‫لنفسه" (‪2‬كورنثوس ‪ .)19 :5‬فإن املسيح ليك يبيد الخطيئة وضع نفسه وأطاع‬ ‫حتى املوت‪.‬‬ ‫محاججة ألجل اإلنسان ‪ -‬ولقد رأت السامء كلها إعالن عدله‪ .‬وقد‬ ‫ ‬ ‫ادعى الشيطان أن الجنس البرشي الخاطئ بعيد عن متناول الفداء‪ .‬لكن وقع‬ ‫قصاص الرشيعة عىل ذلك الذي كان معادالً لله‪ .‬وكان لإلنسان مطلق الحرية‬ ‫لقبول بر املسيح وبحياة التوبة والتذلل ينترص عىل قوة الشيطان‪.‬‬ ‫لك ّن مجيء املسيح اىل العامل ليموت مل يكن ملجرد امتام الفداء‪ .‬وامنا‬ ‫ ‬ ‫ليعلن لسكان العوامل جميعا يف كل املسكونة ان رشيعة الله ال تتغري‪ .‬فموت‬ ‫املسيح برهان عىل ثباتها وعدم تغريها‪ .‬ويعلن موت املسيح لكل املسكونة ان‬ ‫العدل والرحمة هام أساس رشيعة الله وحكمه‪ .‬وعندما تنفذ الدينونة أخريا ً‬ ‫سيى أنه ال يوجد سبب للخطيئة وعندما يقدم ديان األرض هذا السؤال‪" :‬ملاذا‬ ‫ُ‬ ‫يل؟" فلن يكون هناك عذر ملبتدع الرش‪.‬‬ ‫عصيت ع َّ‬ ‫ففي رصخة املخلص وهو يسلم الروح "قد أكمل" دق جرس موت‬ ‫ ‬ ‫الشيطان‪ .‬فذلك الرصاع الهائل* الذي كان محتدماً أمدا ً طويالً بُت فيه حينئذ‬ ‫وصار استئصال الرش نهائياً أمرا ً مؤكدا ً‪ .‬فعندما "َيأْ ِت الْيَ ْو ُم الْ ُمتَّ ِق ُد كَالتَّ ُّنورِ‪،‬‬ ‫* إن "الرصاع العظيم" بني املسيح والشيطان يدور حول صفات الله وعدالته ورشيعته‪.‬‬


‫ملاذا هناك معاناة؟‬

‫‪15‬‬

‫اآلت‪ ،‬ق َ​َال َر ُّب‬ ‫الش يَكُونُو َن قَشًّ ا‪َ ،‬ويُ ْح ِرقُ ُه ُم الْ َي ْو ُم ِ‬ ‫َوك ُُّل الْ ُم ْستَك ِْبِي َن َوك ُُّل فَا ِع ِل َّ ِّ‬ ‫الْ ُج ُنو ِد‪ ،‬فَالَ يُبْ ِقي لَ ُه ْم أَ ْصالً َوالَ فَ ْر ًعا" (مالخي ‪.)1 :4‬‬ ‫ولن يعود الرش للظهور يف ما بعد‪ .‬ورشيعة الله ستكرم عىل أنها‬ ‫ ‬ ‫ناموس الحرية‪ .‬والخليقة املمحصة املزكاة لن ترتد ثانية عن والئها لذاك الذي‬ ‫قد ظهرت صفاته عىل أنها املحبة التي ال يُسرب غورها والحكمة غري املحدودة‪.‬‬


‫الرجاء‬

‫يف النرصة عىل الرش‬

‫ ‬ ‫" َوأَضَ ُع َع َدا َو ًة بَ ْي َن ِك َوبَ ْ َي الْ َم ْرأَ ِة‪َ ،‬وبَ ْ َي ن َْسلِ ِك َون َْسلِ َها‪ُ .‬ه َو يَ ْس َح ُق َرأْ َس ِك‪،‬‬ ‫َوأَن ِْت ت َْس َح ِق َني َع ِق َب ُه" (تكوين ‪ .)15 :3‬هذه العداوة ال يرحب بها الناس عادة‪.‬‬ ‫فعندما تعدى االنسان عىل رشيعة الله صارت طبيعة اإلنسان رشيرة وعىل‬ ‫وفاق ووئام مع الشيطان‪ .‬ولو مل يتدخل الله عىل نحو خاص لكان الشيطان‬ ‫قد تحالف مع االنسان ملحاربة السامء ولكانت االرسة البرشية كلها ت ُجمع عىل‬ ‫مقاومة الله‪.‬‬ ‫وعندما سمع الشيطان بأنه ستكون هنالك عداوة بينه وبني املرأة‬ ‫ ‬ ‫و بني نسله ونسلها علم انه بوسيلة ما سيكون االنسان قادرا عىل مقاومة‬ ‫سلطانه‪.‬‬ ‫نعمة من املسيح ‪ -‬يغرس املسيح يف النفس عداوة ضد الشيطان‪.‬‬ ‫ ‬ ‫وبدون هذه النعمة املجددة والقوة املغرية يرغب االنسان يف أن يظل أسريا‬ ‫للشيطان وعبدا له عىل استعداد دائم لتنفيذ أوامره‪ .‬ولكن املبدأ الجديد‬ ‫الذي ُخلق يف النفس يخلق رصاعا‪ .‬والقوة التي مينحها املسيح تعني االنسان‬ ‫عىل مقاومة الطاغية املغتصب‪ .‬وأي من يقاوم ويغلب تلك االهواء التي قد‬ ‫تسلطت عىل قلبه يُظهر عملية املبدأ الذي هو من فوق اوال وآخرا‪.‬‬


‫الرجاء يف النرصة عىل الرش‬

‫‪17‬‬

‫ظهر العداء املستحكم بني روح املسيح وروح الشيطان بشكل مدهش‬ ‫ ‬ ‫جدا يف استقبال العامل ليسوع‪ .‬إن طهارة املسيح وقداسته أثارتا عليه عداوة‬ ‫االرشار‪ .‬فحياة انكار الذات التي عاشها كانت توبيخا دامئا للشعب الشهواين‬ ‫املتكرب‪ .‬لقد تحالف ضده الشيطان واملالئكة االرشار مع الناس االرشار‪ .‬تآمرت‬ ‫كل قوى االرتداد ضد بَطَل الحق‪ .‬هذا العداء نفسه الذي ظهر ضد املسيح‬ ‫يظهر ضد تابعيه‪ ،‬فأي انسان يقاوم التجربة يثري عىل نفسه غضب الشيطان‪.‬‬ ‫وتابعو املسيح ال ميكن التوفيق بينهم وبني عبيد الشيطان‪َ " .‬و َج ِمي ُع ال َِّذي َن‬ ‫يُرِي ُدو َن أَ ْن يَ ِعيشُ وا بِالتَّ ْق َوى ِف الْ َم ِسي ِح يَ ُسو َع يُضْ طَ َه ُدونَ" (‪2‬تيموثاوس ‪:3‬‬ ‫‪.)12‬‬ ‫إن أعوان الشيطان يحاولون إغراء أتباع املسيح وإغواءهم حتى‬ ‫ ‬ ‫يبعدوهم عن والئهم له‪ .‬وهم يحرفون الكتب املقدسة لتحقيق أغراضهم‪.‬‬ ‫ان الروح التي أماتت املسيح تحرض االرشار عىل اهالك تالميذه‪ .‬كل هذا كان‬ ‫مرموزا اليه يف النبوة االوىل القائلة "وأضع عداوة بينك وبني املرأة وبني نسلك‬ ‫ونسلها"‪.‬‬ ‫ملاذا ال يواجه الشيطان مقاومة أعظم؟ السبب هو أن صلة املسيحيني‬ ‫ ‬ ‫الحقيقية باملسيح ضئيلة جدا ً‪ .‬كام أن الخطية يف نظرهم ليست منفرة وال‬ ‫كريهة كام كانت يف نظر سيدهم‪ .‬وهم ال يواجهونها كام قد فعل املسيح بكل‬ ‫مقاومة وإرصار‪ .‬وال يرون صفات الظلمة‪ .‬انهم ال يدرون ان عدوهم قائد‬ ‫عظيم وجبار يحارب املسيح‪ .‬وحتى من بني خدام اإلنجيل من يغفلون الرباهني‬ ‫عىل نشاطه‪ .‬ويبدو أنهم يتجاهلون وجود الشيطان نفسه‪.‬‬ ‫ ‬

‫عدو يقظ ‪ -‬يُق ِْحم هذا العدو وجوده يف كل مصالح العائلة ويف كل‬


‫‪18‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫الشوارع ويف الكنائس ويف مجالس االمم ويف دور القضاء فريبك ويخدع ومي ِّوه‪.‬‬ ‫ويف كل مكان يهلك ارواح الرجال والنساء واالطفال وأجسادهم ويشتت شمل‬ ‫العائالت ويبذر بذار البغضاء والتنافس واملنازعات والفنت وجرائم القتل‪ .‬ويبدو‬ ‫أن العامل يعترب أن الله هو الذي قد حكم بكل هذه املآيس وال بد من حدوثها‪.‬‬ ‫كل من ليسوا اتباعا أمناء للمسيح هم عبيد للشيطان‪ .‬فعندما يختار املسيحيون‬ ‫معارشة االرشار وغري املؤمنني فهم يعرضون أنفسهم للتجربة‪ .‬والشيطان يتخفَّى‬ ‫بعيدا من االنظار ويسدل ستارا عىل عيون الناس خلسة‪.‬‬ ‫ان مشاكلة العامل يف عاداته تجعل الكنيسة شبيهة بالعامل وال تهدي‬ ‫ ‬ ‫العامل اىل املسيح‪ .‬وتع ُّود الخطيئة والتآلف معها ال بد أن يقلال من النفور منها‬ ‫وكراهيتها‪ .‬واذ كنا ونحن نقوم بواجباتنا نج َّرب فلنا أن نتحقق من أن الله‬ ‫سيحرسنا‪ ،‬أما اذا ألقينا بأنفسنا يف التجربة فسنسقط عاجال أو آجال‪.‬‬ ‫يعمل املجرب غالبا بنجاح منقطع النظري عرب الذين قلام يُشتبه يف‬ ‫ ‬ ‫أنهم تحت سيطرته‪ .‬ان املواهب والثقافة يف حد ذاتها هي هبات من الله‪،‬‬ ‫ولكن اذا احتلت هذه االمور مكان التقوى فإنها متيس حينئذ لعنة ورشكا‪ .‬كثريا‬ ‫ما يكون هنالك انسان مهذب يف عقله وممتاز يف عاداته هو آلة مصقولة يف يد‬ ‫الشيطان ‪.‬‬ ‫دعونا ال ننىس أبدا ً اإلنذار اإللهي الذي يدوي عرب األجيال إىل يومنا‬ ‫ ‬ ‫هذا قائالً‪" :‬اصحوا واسهروا ألن إبليس خصمكم أسد زائر يجول ملتمساً من‬ ‫يبتلعه هو"‪" .‬البسوا سالح الله الكامل ليك تقدروا أن تثبوا ضد مكايد إبليس"‬ ‫(‪1‬بطرس ‪8 :5‬؛ أفسس ‪ .)11 :6‬إن عدونا العظيم يتأهب اآلن للقيام بحملته‬ ‫األخرية‪ .‬وكل َمن يتبعون املسيح سيكونون يف نزاع مع هذا العدو‪ .‬وكلام كان‬ ‫املسيحي أقرب متثال باملثال االلهي كلام ازداد تأكُّدا انه سيصري هدفا لهجامت‬


‫الرجاء يف النرصة عىل الرش‬

‫‪19‬‬

‫الشيطان‪.‬‬ ‫لقد هاجم الشيطان املسيح بأعنف تجاربه وأشدها مكرا وخبثا لكنه‬ ‫ ‬ ‫انهزم وارتد بعد كل معركة‪ .‬وانتصارات املسيح تجعل انتصارنا أمرا ممكنا‪.‬‬ ‫يرض‬ ‫واملسيح سيمنح القوة لكل طالبيها‪ .‬ولن ينهزم أحد أمام الشيطان ما مل َ‬ ‫هو بالهزمية‪ .‬فليس للمج ِّرب قوة بها يسيطر عىل اإلرادة أو يرغم النفس عىل‬ ‫ارتكاب الخطيئة ‪ .‬قد يضايق النفس لكنه ال يستطيع أن يلوثها‪ .‬وقد يسبب‬ ‫للقلب حزنا لكنه ال يستطيع أن يفسده قرسا‪ .‬ان حقيقة كون املسيح قد انترص‬ ‫ينبغي أن تلهم اتباعه الشجاعة ليك يحاربوا بكل قوة وشدة بأس وهم ينازلون‬ ‫الخطيئة والشيطان‪.‬‬ ‫معونة املالئكة ‪ -‬ان ارتباط العامل املنظور بالعامل غري املنظور‪،‬‬ ‫ ‬ ‫وخدمة مالئكة الله وقوة االرواح الرشيرة‪ ،‬كل هذا معلن بكل وضوح يف الكتب‬ ‫املقدسة ومتداخل ومحبوك يف التاريخ البرشي‪ .‬إن املالئكة القديسني الذين‬ ‫يخدمون "العتيدين أن يرثوا الخالص" (عربانيني ‪ )14 :1‬يعتربهم الكثريون أرواح‬ ‫االموات‪ .‬لكن الكتب املقدسة تقدم برهانا ال‬ ‫يتطرق اليه الشك عىل أن هذه ليست أرواح‬ ‫االموات متحررة من االجساد‪.‬‬ ‫لقد كان املالئكة موجودين قبل خلق‬ ‫ ‬ ‫االنسان ألنه عندما ُوضعت أساسات األرض‬ ‫"ترمنت كواكب الصبح معاً وهتف جميع بني‬ ‫الله" (أيوب ‪ .)7 :38‬وبعد سقوط اإلنسان أرسل‬ ‫املالئكة لحراسة شجرة الحياة‪ .‬وكان هذا قبل أن مات إي إنسان‪ .‬إن املالئكة‬


‫‪20‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫هم أسمى من الناس‪ .‬ألن الكتاب املقدس يقول عن اإلنسان "وتنقصه قليالً عن‬ ‫املالئكة" (مزمور ‪.)5 :8‬‬ ‫يقول النبي‪" :‬وسمعت صوت مالئكة كثريين حول العرش" وهم‬ ‫ ‬ ‫ينتظرون يف مقصورة ملك امللوك‪" ،‬خدامه العاملني مرضاته"‪" ،‬عند سامع صوت‬ ‫كالمه"‪" ،‬ربوات وألوف ألوف" (رؤيا ‪11 :5‬؛ مزمور ‪20 :103‬؛ عربانيني ‪.)22 :12‬‬ ‫وكرسل الله هم يخرجون "كمنظر الربق" وهم يرسعون يف طريانهم‪ .‬فاملالك‬ ‫الذي ظهر عند قرب املخلص‪ ،‬وكان منظره "كالربق" أخاف الحراس فارتعدوا‬ ‫عي سنحاريب املتعجرف الله وجدف عليه وهدد‬ ‫"وصاروا كأموات"‪ .‬وعندما َّ‬ ‫شعبه بالهالك فإن "مالك الرب خرج ورضب من جيش أشور مئة ألف وخمسة‬ ‫ومثانني ألفاً" (حزقيال ‪14 :1‬؛ متى ‪3 :28‬و ‪4‬؛ ‪2‬ملوك ‪.)35 :19‬‬ ‫رسل املالئكة يف مأموريات الرحمة اىل أوالد الله ‪ .‬فقد ذهبوا اىل‬ ‫ ‬ ‫يُ َ‬ ‫ابراهيم وقدموا اليه وعودا بالربكة‪ ،‬واىل أبواب سدوم إلنقاذ لوط البار حتى‬ ‫ال يهلك بالنار‪ .‬وأُرسل مالك اىل ايليا عندما كان موشكا عىل املوت من فرط‬ ‫االعياء والجوع يف الربية‪ ،‬واىل اليشع ارسلت مركبات نار وخيل لتحيط باملدينة‬ ‫الصغرية التي كان اعداؤه قد حبسوه فيها‪ ،‬واىل دانيال عندما طلب الحكمة‬ ‫االلهية يف بالط ملك وثني وعندما طرح يف الجب ليكون فريسة االسود‪ ،‬واىل‬ ‫بطرس وهو محكوم عليه باملوت حني كان سجينا يف سجن هريودس‪ ،‬واىل‬ ‫السجينني اللذين كانا يف فيلبي‪ ،‬واىل بولس ورفاقه يف ابان العاصفة الهائلة‬ ‫التي ثارت عليهم يف تلك الليلة وهم يف عرض البحر‪ ،‬واىل كرنيليوس ليفتح‬ ‫ذهنه فيقبل اإلنجيل‪ ،‬واىل بطرس ليزوده برسالة الخالص لذلك االممي الغريب‪.‬‬ ‫وهكذا يف كل العصور خدم املالئكة القديسون شعب الله‪.‬‬


‫الرجاء يف النرصة عىل الرش‬

‫‪21‬‬

‫حراسة املالئكة ‪ -‬يوجد مالك معني لحراسة كل تابع للمسيح‪َ " .‬مال َُك‬ ‫ ‬ ‫ال َّر ِّب َح ٌّال َح ْو َل َخائِ ِفي ِه‪َ ،‬ويُ َن ِّجي ِه ْم" (مزمور ‪ .)7 :34‬واملخلص يف معرض كالمه‬ ‫الصغَارِ‪ ،‬ألَ ِّن أَق ُ​ُول لَ ُك ْم‪ :‬إِ َّن‬ ‫عمن آمنوا به قال‪" :‬اُنْظُ ُروا‪ ،‬الَ تَ ْحتَ ِق ُروا أَ َح َد ه ُؤالَ ِء ِّ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ات ك َُّل ِح ٍني يَ ْنظُ ُرو َن َو ْج َه أَ ِب" (متى ‪ .)10 :18‬وهذا التأكيد‬ ‫َمالَئِ َكتَ ُه ْم ِف َّ‬ ‫ال يعطى من دون حاجة إليه‪ .‬فذلك بسبب وجود قوات الرش الجبارة التي‬ ‫عليهم أن ينازلوها‪ ،‬قوات كثرية وعنيدة ال تكل‪.‬‬ ‫األرواح الرشيرة تعارض خطط الله ‪ -‬ان االرواح الرشيرة التي‬ ‫ ‬ ‫ُخلقت يف البدء بال خطية كانت عىل قدم املساواة مع الخالئق املقدسة الذين‬ ‫هم اآلن رسل الله‪ ،‬يف طبيعتهم وقوتهم ومجدهم‪ .‬ولكن النهم سقطوا اذ‬ ‫أخطأوا فقد تعاهدوا معا عىل اهانة الله واهالك بني االنسان‪ .‬واذ اتحدوا مع‬ ‫الشيطان يف العصيان‪ ،‬فقد تعاونوا معه مدى كل العصور املتعاقبة يف حربه ضد‬ ‫سلطان الله ‪.‬‬ ‫ويذكر تاريخ العهد القديم وجودهم‪ ،‬ولكن يف وقت وجود املسيح‬ ‫ ‬ ‫عىل االرض اظهرت االرواح الرشيرة قوتها بطريقة مدهشة جدا‪ .‬كان املسيح‬ ‫قد أىت ألجل فداء االنسان فأرص الشيطان عىل السيطرة عىل العامل‪ .‬لقد نجح يف‬ ‫توطيد دعائم الوثنية يف كل اقطار االرض عدا ارض فلسطني‪ .‬وقد أىت املسيح إىل‬ ‫ذلك القطر الوحيد الذي مل يكن قد خضع متاماً لسلطان املجرب باسطا ذراعي‬ ‫محبته وهو يدعو الكل أن يجدوا فيه الغفران والسالم‪ .‬وقد أدركت أجناد‬ ‫الظالم أنه لو نجحت رسالة املسيح فسينقيض سلطانهم ويزول رسيعاً‪.‬‬ ‫يبني العهد الجديد بكل جالء حقيقة كون الناس قد سيطرت عليهم‬ ‫ ‬ ‫الشياطني‪ .‬واالشخاص الذين ابتُلوا بتلك البلوى مل يكونوا يقاسون فقط امراضا‬


‫‪22‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫ألسباب طبيعية‪ .‬وقد كان املسيح يدرك ادراكا كامال وجود االرواح الرشيرة‬ ‫وفاعليتها‪ .‬ان ذينك املجنونني البائسني‪ ،‬يف جدرة‪ ،‬اذ ابعدا عنهام كل رادع وهام‬ ‫يتلويان والزبد يخرج من افواههام وهام ثائران كانا ميآلن الجو برصخاتهام‪.‬‬ ‫كانا يقسوان عىل نفسيهام ويعرضان حياة كل َمن يقرتب منهام للخطر‪ .‬ان‬ ‫جسميهام الداميني املشوهني وأفكارهام املشتتة قدمت صورة يهتز لها قلب‬ ‫سلطان الظلمة طربا‪ .‬وقد أعلن أحد الشياطني التي كانت مسيطرة عىل ذينك‬ ‫الرجلني املعذبني قائالً‪" :‬اسمي لجئون ألننا كثريون" (مرقس ‪ .)9 :5‬إن كلمة‬ ‫"لجئون" كانت عند الجيش الروماين تعني فرقة من الجنود يرتاوح عدد رجالها‬ ‫ما بني ثالثة آالف وخمسة آالف رجل‪ .‬وبأمر يسوع خرجت تلك االرواح‬ ‫الرشيرة من ذينك الرجلني املعذبني تاركة اياهام عاقلني وجالسني‪ .‬وقد أُخضعا‬ ‫وعاد اليهام ذكاؤهام ورقتهام‪ .‬ولكن الشياطني ُسمح لها بأن تكتسح قطيعا من‬ ‫الخنازير اىل البحر‪ .‬وقد رجحت هذه الخسارة يف نظر سكان كورة الجدريني‬ ‫عىل كل الربكات التي قد منحها املسيح‪ .‬فتوسلوا اىل هذا الشايف االلهي بأن‬ ‫ينرصف من تخومهم (انظر متى ‪23 :8‬ـ ‪ .)34‬فاذ ألقى تبعة هذه الخسارة عىل‬ ‫يسوع أثار مخاوف الشعب االنانية وحال بينهم وبني االستامع اىل اقواله‪.‬‬ ‫فقد سمح املسيح لألرواح الرشيرة أن تغرق قطيع الخنازير توبيخا‬ ‫ ‬ ‫ألولئك اليهود الذين كانوا يربون تلك الحيوانات النجسة طمعا يف الربح‪ .‬فلو مل‬ ‫يردع املسيح الشياطني لكانوا قد أغرقوا يف البحر ليس الخنازير وحدها بل أيضا‬ ‫رعاتها وأصحابها‪.‬‬ ‫وزد عىل ذلك فانه قد ُسمح بوقوع هذه الحادثة حتى يشهد التالميذ‬ ‫ ‬ ‫قوة الشيطان القاسية عىل االنسان والحيوان حتى ال يخدعهم مبكايده‪ .‬كام كان‬ ‫يريد أن يرى شعب تلك الكورة قدرته عىل تحطيم عبودية الشيطان واطالق‬


‫الرجاء يف النرصة عىل الرش‬

‫‪23‬‬

‫ارساه احرارا‪ .‬ومع أن يسوع نفسه قد رحل فان ذينك الرجلني اللذين خلصا‬ ‫بكيفية معجزية بقيا ليعلنا عن رحمة َمن قد أحسن اليهام ‪.‬‬ ‫وتوجد يف الكتاب املقدس حوادث مسجلة من أمثال هذه الحادثة‪.‬‬ ‫ ‬ ‫فقد كانت ابنة املرأة الفينيقية السورية معذبة من روح رشير لكن يسوع‬ ‫أخرجه منها بكلمة (مرقس ‪25 :7‬ـ ‪ .)30‬وكان هنالك شاب به روح أخرس‬ ‫"كثريا ً ما ألقاه يف النار ويف املاء ليهلكه" (مرقس ‪17 :9‬ـ ‪ .)27‬والرجل املجنون إذ‬ ‫كان يعذبه "روح نجس" (لوقا ‪33 :4‬ـ ‪ )36‬أزعج العابدين يف مجمع كفرناحوم‬ ‫يف سكون السبت"‪ .‬كل هؤالء شفاهم املخلص الرحيم‪ .‬ويف كل حالة من هذه‬ ‫الحاالت تقريبا كان املسيح يخاطب الشيطان ككائن عاقل آمرا اياه أن يخرج‬ ‫من االنسان وال يعود يعذبه‪ .‬فاذ رأى العابدون يف مجمع كفرناحوم قدرة‬ ‫املسيح العظيمة "وقعت دهشة عىل الجميع وكانوا يخاطبون بعضهم بعضاً‬ ‫قائلني ما هذه الكلمة ألنه بسلطان وقوة يأمر األرواح النجسة فتخرج" (لوقا‬ ‫‪.)36 :4‬‬ ‫فبعض الناس كانوا يرحبون بالتأثري الشيطاين طمعا يف امتالك قوة‬ ‫ ‬ ‫فائقة‪ .‬هؤالء مل يكونوا بطبيعة الحال يف حالة حرب مع الشياطني‪ .‬فمن هذه‬ ‫الفئة كان الذين بهم روح عرافة‪ ،‬مثل سيمون الساحر وعليم الساحر والفتاة‬ ‫التي تبعت بولس وسيال يف فيلبي (انظر أعامل ‪9 :8‬و ‪18‬؛ ‪8 :13‬؛ ‪16 :16‬ـ ‪.)18‬‬ ‫الخطر ‪ -‬ال أحد مع َّرضاً لتأثري االرواح الرشيرة أكرث من الذين ينكرون‬ ‫ ‬ ‫وجود الشيطان ومالئكته‪ .‬وكثريون يعملون مبقرتحاتهم يف حني يظنون أنهم‬ ‫امنا يتبعون ما متليه عليهم حكمتهم‪ .‬ومع اقرتاب نهاية الزمن الذي فيه يعمل‬ ‫الشيطان بأعظم قوة ليضل الناس ويهلكهم‪ ،‬يذيع يف كل مكان االعتقاد بأ ْن‬


‫‪24‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫ليس له وجود‪ .‬فسياسته تبنى عىل كونه يخفي نفسه وطريقة عمله‪.‬‬ ‫ال يشء يخافه ذلك املضل العظيم أكرث من اطِّالعنا عىل حيله‪ .‬فليك‬ ‫ ‬ ‫يخفي صفته الحقيقية ونواياه جعل الناس يصورونه عىل أنه ال يثري انفعاالً‬ ‫أعظم من السخرية او االحتقار‪ .‬انه يرس جدا ً عندما يص َّور ككائن مضحك أو‬ ‫كريه أو مشوه‪ ،‬نصفه حيوان ونصفه اآلخر انسان‪ .‬وهو يرس عندما يسمع‬ ‫اسمه يستعمل يف معرض اللهو أو السخرية‪ .‬فلكونه قد تنكر بدهاء ومهارة‬ ‫كاملني يُثار هذا السؤال‪" :‬هل ملثل ذلك املخلوق وجود حقاً؟" وألن الشيطان‬ ‫يستطيع بكل رسعة وسهولة أن يتحكم يف عقول الذين ال يدرون عن تأثريه‬ ‫تكشف لنا كلمة الله عن قوته الخفية وهكذا تجعلنا نتيقظ ونتحفظ من‬ ‫هجامته‪.‬‬ ‫األمان مع املسيح ‪ -‬يف وسعنا أن نجد الحامية والخالص يف قدرة‬ ‫ ‬ ‫فادينا الفائقة‪ .‬اننا بكل حرص نوصد ابواب بيوتنا باملزالج واالقفال لحفظ‬ ‫ممتلكاتنا وأرواحنا من الناس االرشار‪ ،‬ولكننا قلام نفكر يف املالئكة االرشار الذين‬ ‫يحاولون دامئا الوصول الينا وال حيلة لنا يف دفعهم عنا بقوتنا الذاتية‪ .‬إن نسمح‬ ‫لهم بالدخول يشوشوا عقولنا ويربكوها ويصيبوا أجسامنا باالضطراب والعذاب‬ ‫ويتلفوا أمالكنا وحياتنا‪ .‬أما الذين يتبعون املسيح فهم أبدا يف سالم وأمان‬ ‫تحت حراسته ورعايته‪ .‬فاملالئكة املقتدرون قوة يرسلون من السامء لحفظهم‪.‬‬ ‫والرشير ال ميكنه أن يشق لنفسه طريقا يف وسط صفوف الحراس الذين قد‬ ‫أقامهم الله حول شعبه‪.‬‬


‫إغراءات‬

‫خطرية‬ ‫ان الرصاع الهائل بني املسيح والشيطان صار قريباً من نهايته‪ ،‬والرشير‬ ‫ ‬ ‫يضاعف جهوده ليقيض عىل عمل املسيح ألجل االنسان‪ .‬ان غرضه الذي يريد أن‬ ‫يحققه هو أن يبقي الناس يف الظلمة وصالبة القلب حتى تنقيض مدة وساطة‬ ‫املخلص‪ .‬وعندما يسود يف الكنيسة عدم املباالة‬ ‫فالشيطان ال يهتم‪ .‬ولكن عندما تسأل النفوس‬ ‫قائلة‪" :‬ماذا ينبغي أن أفعل ليك أخلص؟" عند‬ ‫ذلك ينربي إىل ساحة القتال محاوالً أن يستخدم‬ ‫قوته ضد قوة املسيح ويوقف تأثري الروح‬ ‫القدس‪.‬‬ ‫وعندما جاء املالئكة ذات مرة ليمثلوا‬ ‫ ‬ ‫أمام الرب جاء الشيطان أيضاً يف وسطهم ال ليسجد أمام امللك الرسمدي بل‬ ‫ليخدم غايته الخبيثة ضد األبرار (انظر أيوب ‪ .)6 :1‬وعندما يجتمع الناس‬ ‫ليعبدوا الله يجيء هو يف وسطهم لهذا الغرض نفسه و يعمل بخفاء طالبا‬ ‫السيطرة عىل أفكار العابدين‪ .‬واذ يرى رسول الله وهو يفتش الكتب يأخذ‬ ‫هو مذكرة باملوضوع الذي سيعرض عىل الشعب وحينئذ يستخدم كل دهائه‬ ‫ومكره ليك يسيطر عىل الظروف بحيث ال تصل الرسالة اىل الذين يغرر بهم‬


‫‪26‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫يف ذلك ا ملوضوع بالذات‪ .‬والشخص الذي هو احوج الناس اىل االنذار تُلزمه‬ ‫الظروف بأن يخرج ليشرتك يف صفقة تجارية تقتيض حضوره‪ ،‬أو بوسيلة أخرى‬ ‫ُينع من سامع االقوال‪.‬‬ ‫ثم ان الشيطان يرى عبيد الرب واذا هم مثقلو القلوب بسبب الظالم‬ ‫ ‬ ‫الروحي الذي يكتنف الناس‪ .‬وهو يسمع صلواتهم يف طلب النعمة والقوة‬ ‫االلهيتني للقضاء عىل سحر عدم االكرتاث واالهامل والكسل‪ .‬حينئذ يحبك هو‬ ‫مؤامراته بغرية مجددة‪ .‬فهو يجرب الناس لينغمسوا يف شهوة الطعام أو أي‬ ‫صورة من صور ارضاء شهوات النفس‪ ،‬وهكذا يخدر حساسيتهم بحيث يخيبون‬ ‫من سامع الحقائق نفسها التي هم يف أمس الحاجة اىل سامعها وتعلمها‪.‬‬ ‫والشيطان يعرف جيدا ان كل من يستطيع أن يسوقهم اىل اهامل‬ ‫ ‬ ‫الصالة وتفتيش الكتب سينهزمون أمام هجامته‪ .‬لذلك هو يبتكر كل حيلة‬ ‫ممكنة ليشغل العقل‪ .‬إن املشتكني عىل األخوة يكونون دامئا نشيطني عندما‬ ‫يرون الله يعمل‪ .‬ويصورون أعظم خدام املسيح حرارة وغرية وانكارا للذات‬ ‫عىل أنهم مخدوعون أو خادعون‪ .‬فعملهم هو تشويه البواعث عىل كل عمل‬ ‫حقيقي ونبيل ونرش الوشايات واثارة الشبهات يف عقول البسطاء‪ .‬فقد يُرى‬ ‫رسيعاً أبناء من هم‪ ،‬وأي مثال يتبعون‪ ،‬وعمل من يقومون به‪" .‬من مثارهم‬ ‫تعرفونهم" (متى ‪ .)16 :7‬إن ترصفهم يشبه ترصف الشيطان الوايش الذي يوغر‬ ‫الصدور‪" :‬املشتيك عىل أخوتنا" (رؤيا ‪.)10 :12‬‬ ‫الحق يُ َقدِّ س ‪ -‬لدى املضل العظيم الكثري من أنواع الضالالت الصطياد‬ ‫ ‬ ‫النفوس‪ ،‬وهي معدة بحيث تناسب االذواق والكفاءات املختلفة للذين يريد‬ ‫أن يهلكهم‪ .‬وخطته هي أن يضم اىل الكنيسة عنارص غري مخلصة وال متجددة‬


‫إغراءات خطرية‬

‫‪27‬‬

‫تشجع عىل الشك وعدم االميان‪ .‬فكثريون ممن ال يوجد عندهم اميان حقيقي‬ ‫بالله يقبلون بعض مبادئ الحق وينجحون يف االمتحان ويُعتربون مسيحيني‪،‬‬ ‫وبذلك يكونون قادرين عىل تقديم ضالالتهم كتعاليم كتابية‪ .‬يعرف الشيطان‬ ‫أن الحق الذي يقبله االنسان حبا به يقدس نفس من يقبله‪ ،‬ولذلك يحاول‬ ‫الشيطان دامئا ان يستبدل الحق بنظريات وخرافات كاذبة وبإنجيل آخر‪ .‬لقد‬ ‫ناضل عبيد الله منذ البدء ضد املعلمني الكذبة ليس فقط ملجرد كونهم قوما‬ ‫ارشارا بل النهم يغرسون يف اذهان الناس الضالالت واالكاذيب املهلكة للنفس‪.‬‬ ‫فإيليا وارميا وبولس قاوموا بكل شجاعة اولئك الذين كانوا يحولون الناس عن‬ ‫كلمة الله‪ .‬وذلك التساهل الذي يعترب العقيدة الدينية السليمة عدمية االهمية‬ ‫مل يجد قبوال لدى هؤالء القديسني املدافعني عن الحق‪.‬‬ ‫ان التفسري الخيايل الغامض للكتاب والنظريات الكثرية املتضاربة‬ ‫ ‬ ‫الخاصة بالعقيدة املوجودة يف العامل املسيحي هي من صنع خصمنا العظيم‬ ‫ليك يربك العقول‪ .‬ثم ان النفور والشقاق الكائن بني الكنائس يف العامل املسيحي‬ ‫يعزى اىل حد كبري اىل عادة تحريف الكتاب السائدة ليدعم نظرية محبوبة‪.‬‬ ‫البعض العقائد املغلوطة أو املامرسات التي ال صلة لها‬ ‫فليك يدعم‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫باملسيحية يتشبثون بفصل من الكتاب منفصل عن سياقه ورمبا يقتبسون‬ ‫نصف آية للربهان عىل صدق رأيهم‪ ،‬يف حني أن باقي اآلية قد تربهن عىل‬ ‫يفسونها‬ ‫عكس ذلك‪ .‬فبدهاء الحية ِّ‬ ‫يحصنون أنفسهم خلف ألفاظ مفككة ِّ‬ ‫لتالئم رغباتهم الجسدية‪ .‬وهناك آخرون لهم خيال وتصور نشيطان يتمسكون‬ ‫بصور الكتاب املقدس ورموزه ويفرسونها بحيث تناسب اوهامهم‪ ،‬مع التفات‬ ‫قليل اىل شهادة الكتاب الذي هو مفرس نفسه‪ ،‬وحينئذ يقدمون أوهامهم عىل‬ ‫أنها تعاليم الكتاب ‪.‬‬


‫‪28‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫الكتاب‪ ،‬املرشد الوحيد ‪ -‬وكلام رشعنا يف درس الكلمة من دون‬ ‫ ‬ ‫روح الصالة واالتضاع واالستعداد للتعلُّم فان أبسط فصول الكتاب وأشدها‬ ‫تعقيدا عل السواء تُح َّرف عن معناها الصحيح‪ .‬ينبغي أن يعطى الكتاب كله‬ ‫للشعب كام هو عىل بساطته‪.‬‬ ‫ولقد أعطى الله الناس كلمة النبوة الثابتة‪ .‬أىت املالئكة بل حتى املسيح‬ ‫ ‬ ‫نفسه إلفهام دانيال ويوحنا ما ال بد أن يكون قريبا (رؤيا ‪ .)1 :1‬فتلك األمور‬ ‫املهمة املختصة بخالصنا مل تكن لترتك يف حال الخفاء والغموض‪ .‬إن الكلمة‬ ‫واضحة لكل من يدرسونها بقلوب مصلية‪.‬‬ ‫ان الناس اذ ينطقون بكلمة التساهل* يتعامون عن مكايد العدو‪ .‬واذ‬ ‫ ‬ ‫ينجح يف ابدال الكتاب املقدس بالنظريات البرشية يُلقي برشيعة الله جانبا‬ ‫وترزح الكنائس تحت عبودية الخطيئة يف حني أنهم ي َّدعون أنهم أحرار‪.‬‬ ‫ان الله سمح أن ينسكب فيض من النور عىل العامل يف االستكشافات‬ ‫ ‬ ‫يف العلوم‪ .‬ولكن حتى أعظم العقول الجبارة ان مل تكن كلمة الله مرشدا لهم‬ ‫يف بحثهم فسريتبكون يف محاوالتهم أن يفحصوا العالقات بني العلم والوحي‬ ‫االلهي‪.‬‬ ‫إن املعرفة البرشية لألشياء هي معرفة جزئية ناقصة‪ .‬ولذلك يعجز‬ ‫ ‬ ‫كثريون عن التوفيق بني آرائهم العلمية وحقائق الكتاب‪ .‬وكثريون يقبلون‬ ‫النظريات واآلراء املحضة كحقائق علمية ويظنون أن كلمة الله يجب أن تخترب‬ ‫بتعاليم "العلم الكاذب االسم" (‪1‬تيموثاوس ‪ .)20 :6‬وألن الخالق وأعامله فوق‬ ‫إدراكهم ولكونهم ال يستطيعون إيضاح هذه األمور بالقوانني الطبيعية فهم‬ ‫يعتربون تاريخ الكتاب مام ال يُركن اليه‪ .‬والذين يشكّون يف وثوق سجالت‬ ‫العهدين القديم والجديد وثباتها يتقدمون يف غالب االحيان خطوة جريئة‬ ‫* قبول األمر بأفق متسع أو التسامح مع وجهات النظر سواء كانت تتفق مع الكتاب املقدس أو ال‪.‬‬


‫إغراءات خطرية‬

‫‪29‬‬

‫اخرى فيشكون يف وجود الله‪ .‬فحيث قد افلتوا املرساة من ايديهم يُرتكون‬ ‫ليصطدموا بصخور االلحاد‪.‬‬ ‫انها طُرفة من طرف مخادعات الشيطان كونه يجعل عقول الناس‬ ‫ ‬ ‫تبحث وتخمن ما مل يعلنه الله‪ .‬عىل هذا النحو صار لوسيفر متربما ألنه مل‬ ‫يُستأمن عىل كل ارسار مقاصد الله واستخف متام مبا قد أعلن له‪ .‬واآلن هو‬ ‫يحاول أن يرسخ الروح نفسها يف أذهان الناس وان يجعلهم يستخفون بأوامر‬ ‫الله الرصيحة‪.‬‬ ‫الحق لصلته بالصليب ‪ -‬وكلام كانت التعاليم املقدمة أقل‬ ‫ ‬ ‫يُ ْر َف ُض ُ‬ ‫روحانية وانكارا للذات كلام قبلها الناس برسور‪ .‬والشيطان عىل استعداد الن‬ ‫مينح القلب مشتهاه وهو يلصق أكاذيبه يف موضع الحق‪ .‬لقد بسطت البابوية‬ ‫سلطانها عىل عقول الناس بهذه الطريقة‪ .‬و الربوتستانت يسريون يف الطريق‬ ‫نفسه‪ .‬فكل من يهملون كلمة الله ليدرسوا آداب اللياقة واللباقة والسياسة‬ ‫حتى ال يكونوا عىل خالف مع العامل سيُرتكون ليقبلوا "الهرطقة اللعينة" بدال‬ ‫من الحق الديني‪2( .‬بطرس ‪ .)1 :2‬و َمن ينظر برعب اىل أحد الضالالت سيقبل‬ ‫ضالال آخرا ً برسعة‪*.‬‬ ‫أخطاء خطرية ‪ -‬من بني أنجح الوسائل التي يستخدمها املخادع‬ ‫ ‬ ‫االكرب هي التعاليم املضلة والعجائب الكاذبة التي يقدمها من يعتقدون مبناجاة‬ ‫األرواح‪ .‬إذ يرفض الناس الحق يسقطون فريسة الضالل‪.‬‬ ‫وهنالك ضاللة خطرة أخرى وهي العقيدة التي تنكر الوهية املسيح اذ‬ ‫ ‬ ‫ت َّدعي أنه مل يكن له وجود قبل مجيئه اىل العامل‪ .‬فهذه العقيدة تناقض مناقضة‬ ‫* يف كتاب الرصاع العظيم‪ ،‬الذي هو املصدر املأخوذ منه هذا الكُتيب‪ ،‬سيجد القراء قصة‬ ‫حول كيف ابتعد معظم العامل املسيحي تدريجياً عن تعاليم الكتاب املقدس‪.‬‬


‫‪30‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫رصيحة ألبسط الترصيحات التي نطق بها مخلصنا عن عالقته باآلب‪ ،‬وصفاته‬ ‫االلهية ووجوده من قبل‪ .‬فإنها أيضا تقوض االميان بالكتاب كإعالن من الله‪.‬‬ ‫فاذا كان الناس يرفضون شهادة الكتاب املوحى به عن الهوت املسيح فعبثا‬ ‫نجادلهم يف ذلك ألنه ال ميكن ألي حجة أن تقنعهم مهام تكن قوة اقناعها‬ ‫عظيمة‪ .‬وكل من يعتنقون هذه الضاللة ال يستطيعون إدراك صفات املسيح أو‬ ‫رسالته إدراكاً حقيقياً‪ ،‬وال يعرفون تدبري الله العظيم لفداء اإلنسان‪.‬‬ ‫ثم هنالك ضاللة أخرى ماكرة وخبيثة وهي االعتقاد بأن الشيطان ال‬ ‫ ‬ ‫وجود له ككائن شخيص‪ ،‬وان االسم الذي قد أطلقه عليه الكتاب امنا ذكر فقط‬ ‫لتصوير أفكار الناس ورغائبهم الرشيرة‪.‬‬ ‫والتعليم بأن املجيئ الثاين هو مجيئه لكل فرد يف ساعة املوت امنا هو‬ ‫ ‬ ‫مكيدة لتحويل أفكار الناس عن مجيئه بنفس ِه عىل سحاب السامء‪ .‬لقد ظل‬ ‫الشيطان يقول عدة سنني‪" :‬ها هو يف املخادع" (انظر متى ‪23 :24‬ـ ‪ .)26‬وقد‬ ‫هلكت نفوس كثرية بسبب هذه الضاللة‪.‬‬ ‫ورجال العلم يدعون أنه ال ميكن أن تكون هنالك اجابة حقيقية‬ ‫ ‬ ‫للصالة‪ ،‬وان ذلك يكون خرقا للنواميس‪ ،‬وانه معجزة‪ ،‬واملعجزات ال وجود لها‪.‬‬ ‫ويقولون ان الكون تحكمه نواميس ثابتة والله نفسه ال يفعل شيئا مناقضا‬ ‫لهذه النواميس‪ .‬وهكذا يصورون الله عىل أنه محكوم ومرتبط بنواميسه‪ ،‬كام‬ ‫لو أن عمل النواميس االلهية يح ِّرم عىل الله التمتع بالحرية االلهية ‪.‬‬ ‫أفلم يصنع املسيح وتالميذه معجزات؟ إن ذلك املخلص نفسه يرغب‬ ‫ ‬ ‫يف االستامع إىل صالة اإلميان كام كان حني كان يسري بني الناس بهيئة منظورة‪.‬‬ ‫ان الطبيعي يتعاون مع ما هو فوق الطبيعة‪ .‬انه جزء من تدبري الله أن مينحنا‪،‬‬ ‫إجابة لصلوات االميان‪ ،‬ما مل يكن ليمنحنا اياه لو مل نطلبه‪.‬‬


‫إغراءات خطرية‬

‫‪31‬‬

‫النظر إىل الكتاب املقدس بعني الشك ‪ -‬إن التعاليم املغلوطة‬ ‫ ‬ ‫واآلراء الوهمية التي تتفىش يف الكنائس تزيل املعامل املثبتة يف كلمة الله‪.‬‬ ‫وقليلون هم َمن يتوقفون عند رفض مبدأ واحد من مبادئ الحق‪ .‬فالغالبية‬ ‫العظمى يظلون يطرحون جانبا واحدا بعد اآلخر من مبادئ الحق حتى يصريوا‬ ‫ملحدين بالفعل‪.‬‬ ‫قادت اخطاء الالهوت الرائج شعبياً اىل الشك‪ .‬ذلك انه يستحيل عىل‬ ‫ ‬ ‫املؤمن ان يتقبل عقائد تنتهك حسه بالعدالة والرحمة وحب الخري؛ والن عقائد‬ ‫كهذه ُصورت عىل انها متثل الكتاب املقدس فقد رفضت هذه النفوس تق ُّبلَه‬ ‫ككلمة الله‪.‬‬ ‫ينظ ُر اىل كلمة الله نظرة الشك ألنها توبخ الخطيئة وتدينها‪ .‬فالذين‬ ‫ ‬ ‫ال يرغبون يف إطاعة متطلباتها يحاولون أن يهدموا سلطانها‪ .‬وكثريون يصريون‬ ‫ملحدين ليك يجدوا تربيرا أو عذرا إلهامل واجبهم‪ .‬وآخرون يفرطون يف حب‬ ‫الراحة بحيث ال يربزون أنفسهم بإنجاز أي عمل يتطلب بذل املجهود وانكار‬ ‫الذات‪ ،‬فهم يهدفون اىل االشتهار بحكمة سامية بانتقادهم الكتاب املقدس‪.‬‬ ‫ويوجد الكثريون ممن يبدو أنهم يحسون أن الفضيلة هي يف الوقوف‬ ‫ ‬ ‫اىل جانب عدم االميان والشكوك وااللحاد‪ .‬كثريون يرسون لو وجدوا يف الكتاب‬ ‫املقدس شيئا يربك عقول اآلخرين ويحريهم‪ .‬بعض الناس يف بادئ االمر‬ ‫ينتقدون ويتحاجون عىل الجانب املخطئ ملجرد حب الجدال‪ .‬ولكن مبا أنهم‬ ‫جاهروا بعدم اإلميان فإنهم بذلك يتحدون مع األرشار‪.‬‬ ‫الربهان الكايف ‪ -‬لقد أعطى الله يف كلمته الربهان الكايف عىل صفتها‬ ‫ ‬ ‫اإللهية‪ .‬ومع ذلك فعقول الناس محدودة قارصة عن أن تدرك ادراكا كامال‬


‫‪32‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫تدابري الله غري املحدودة ومقاصده "يَا لَ ُع ْمقِ ِغ َنى الل ِه َو ِح ْك َم ِت ِه َو ِعلْ ِم ِه! َما‬ ‫االس ِتق َْصا ِء!" (رومية ‪ .)33 :11‬وال نزال‬ ‫أَبْ َع َد أَ ْحكَا َم ُه َعنِ الْ َف ْح ِص َوطُ ُرقَ ُه َعنِ ْ‬ ‫نرى محبته ورحمته الالمحدودتني واملرتبطتني بالقدرة غري املتناهية‪ .‬إن أبانا‬ ‫الساموي سيعلن لنا مقاصده بقدر ما هو من صالحنا أن نعرفه‪ ،‬ولكن أكرث من‬ ‫هذا علينا أن نثق بيد الله القدير وقلبه املفعم باملحبة‪.‬‬ ‫إن الله لن يلغي كل عذر لعدم اإلميان‪ .‬فكل من يبحثون عن خطاطيف‬ ‫ ‬ ‫يعلقون عليها شكوكهم سيجدونها‪ .‬والذين يرفضون قبول كلمة الله واطاعته‬ ‫اىل أن يُزال كل اعرتاض وال يعود بعد مجال للشك فلن يأتوا اىل النور‪ .‬إن‬ ‫القلب غري املتجدد هو عداوة لله‪ .‬أما االميان فهو ما يلهمه الروح القدس‪ ،‬وهو‬ ‫سيزهر وينمو عىل قدر ما يتغذى‪ .‬وال يستطيع انسان أن يصري قويا يف االميان‬ ‫من دون أن يبذل جهدا وعزما‪ .‬وإذا كان الناس يعمدون اىل التساؤل واملامحكة‬ ‫فسيجدون أن شكوكهم تزداد رسوخا عىل الدوام‪.‬‬ ‫لك ّن الذين يشكون يف مواعيد الله وال يثقون بيقني نعمته امنا يهينون‬ ‫ ‬ ‫املسيح‪ .‬انهم أشجار عقيمة تنرش ظاللها القامتة يف كل مكان وتحجب نور‬ ‫الشمس عن النباتات االخرى وتجعلها تذوي ومتوت تحت ظلها القارس الربد‪.‬‬ ‫وسيظهر عمل اولئك الناس مدى الحياة شهادة ضدهم تبقى عىل الدوام ‪.‬‬ ‫ليس أمام الذين يرغبون بكل اخالص أن يتحرروا من الشكوك غري‬ ‫ ‬ ‫طريق واحد يسلكونه‪ .‬فبدال من التساؤل واملامحكة يف ما ال يفهمونه ليلتفتوا‬ ‫اىل النور الذي قد أرشق عليهم وحينئذ سيحصلون عىل نور أعظم ‪.‬‬ ‫يستطيع الشيطان أن يقدم تقليدا للحق قريب الشبه به جدا بحيث‬ ‫ ‬ ‫يخدع الذين يرغبون يف أن ينخدعوا والذين ال يرغبون يف التضحية التي يطلبها‬ ‫الحق‪ .‬ولكن يستحيل عليه أن يُبقي تحت سيطرته نفسا واحدة ترغب مخلصة‬


‫إغراءات خطرية‬

‫‪33‬‬

‫يف معرفة الحق مهام تكن الكلفة‪ .‬ان املسيح هو الحق وهو "النور الحقيقي‬ ‫الذي ينري كل إنسان آتياً إىل العامل"‪" .‬إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف‬ ‫التعليم" (يوحنا ‪9 :1‬؛ ‪.)17 :7‬‬ ‫ان الرب يسمح أن يجتاز شعبه يف بلوى التجربة املحرقة ال ألنه يرس‬ ‫ ‬ ‫بوقوع الضيق أو البلوى عليهم بل الن هذه العملية الزمة وجوهرية لنرصتهم‬ ‫النهائية‪ .‬انه مل يستطع‪ ،‬مبا يتفق مع مجده‪ ،‬أن يقيهم من التجربة الن غاية‬ ‫التجربة هي اعدادهم ملقاومة كل مغريات الرش‪ .‬ولك ْن ال الناس األرشار وال‬ ‫الشياطني يستطيعون تعطيل عمل الله أو حجب وجهه عن شعبه اذا كانوا‬ ‫يعرتفون بخطاياهم ويرتكونها‪ ،‬وباإلميان يتمسكون مبواعيده ويطالبونه بها‪.‬‬ ‫فكل تجربة وكل تأثري معاكس سواء يف الرس أو العالنية ميكن مقاومته بنجاح‬ ‫"ال بالقدرة وال بالقوة بل بروحي قال رب الجنود" (زكريا ‪.)6 :4‬‬ ‫"فمن يؤذيكم إن كنتم متمثلني بالخري" (‪1‬بطرس ‪ .)13 :3‬يعلم الشيطان‬ ‫ ‬ ‫جيدا أن أضعف نفس تثبت يف املسيح هي أكرث من ند لجنود الظلمة‪ ،‬ولذلك‬ ‫هو يحاول أن يستدرج جنود الصليب بعيدا من معاقلهم وحصونهم بينام‬ ‫يكمن لهم مع جنوده وهو عىل استعداد إلهالك كل من يجرؤ عىل االقرتاب‬ ‫من أرضه‪ .‬ونحن ميكننا باالتكال املتواضع عىل الله وإطاعة وصاياه أن نكون يف‬ ‫أمان ‪.‬‬ ‫ولن يكون أي انسان يف أمان يوما واحدا أو ساعة واحدة من دون‬ ‫ ‬ ‫صالة‪ .‬وينبغي أن نتوسل إىل الرب يف طلب الحكمة لفهم كالمه‪ .‬ان الشيطان‬ ‫خبري يف اقتباس اآليات الكتابية وهو يقدم تفسريه الخاص للفصول التي يؤمل‬ ‫أننا سنعرث فيها‪ .‬فعلينا أن ندرس الكتاب بقلب متواضع‪ .‬ففي حني يجب علينا‬ ‫أن نكون عىل حذر دامئا من مكايد الشيطان علينا أن نصيل دامئا بإميان قائلني‪:‬‬ ‫" ال تدخلنا يف تجربة " (متى ‪.)13 :6‬‬


‫حياة‬

‫أبدية‬

‫إن الشيطان الذي حرض ساكني السامء عىل الثورة أراد أن يجعل‬ ‫ ‬ ‫ساكني األرض يشرتكون معه يف حربه ضد الله‪ .‬لقد كان آدم وحواء يف منتهى‬ ‫السعادة وهام يطيعان رشيعة الله‪ ،‬وكانت هذه الحقيقة شهادة دامئة ضد‬ ‫االدعاء الذي اشاعه الشيطان يف السامء والقائل بأن رشيعة الله ظاملة وصارمة‪.‬‬ ‫فعقد الشيطان العزم عىل إسقاطهام حتى إذا فصل بينهام وبني الله وأخضعهام‬ ‫لسلطانه ميكنه أن ميتلك األرض وفيها يوطد مملكته ومنها يقاوم حكم الله‬ ‫العيل‪.‬‬ ‫إن آدم وحواء كانا قد أنذرا بالحذر من هذا العدو الخطر‪ ،‬لك ّنه كان‬ ‫ ‬ ‫يحيك مؤامراته يف الظالم مخفيا نواياه‪ .‬وإذ اتخذ الحية وسيلة ومطية له تقدم‬ ‫من حواء فقال‪" :‬أحقاً قال الله ال تأكال من كل شجر الجنة؟"‪ .‬لقد خاطرت حواء‬ ‫بنفسها مبناقشة الشيطان فسقطت فريسة مكايده "فَقَال َِت الْ َم ْرأَ ُة لِلْ َح َّي ِة‪ِ ’ :‬م ْن‬ ‫ثَ َ ِر شَ َج ِر الْ َج َّن ِة نَأْك ُ​ُل‪َ ،‬وأَ َّما ثَ َ ُر الشَّ َج َر ِة الَّ ِتي ِف َو َس ِط الْ َج َّن ِة فَق َ​َال الل ُه‪ :‬الَ تَأْكُالَ‬ ‫ِم ْن ُه َوالَ تَ ََّسا ُه لِئَالَّ تَ ُوتَا‘‪ .‬فَقَال َِت الْ َحيَّ ُة لِلْ َم ْرأَ ِة‪’ :‬لَ ْن تَ ُوتَا! بَلِ الل ُه َعالِ ٌم أَنَّ ُه يَ ْو َم‬ ‫الش‘ " (تكوين ‪1 :3‬ـ‬ ‫تَأْكُالَنِ ِم ْن ُه تَ ْن َف ِت ُح أَ ْع ُي ُنك َُم َوتَكُونَانِ كَالل ِه َعا ِرف ْ َِي الْ َخ ْ َي َو َّ َّ‬ ‫‪.)5‬‬ ‫وقد خضعت حواء للتجربة وبواسطة تأثريها سقط آدم يف الخطيئة‪.‬‬ ‫ ‬


‫حياة أبدية‬

‫‪35‬‬

‫قبال أقوال الحية ان الله مل يكن يعني ما قال‪ .‬شكَّا يف خالقهام وتصورا أنه يحد‬ ‫من حريتهام‪.‬‬ ‫ولكن ما املعنى الذي اكتشفه آدم بعد سقوطه للقول‪" :‬يوم تأكل منه‬ ‫ ‬ ‫موتاً متوت؟" هل وجده يعني أنه سيدخل حالة وجود أسمى؟ مل يجد آدم أن‬ ‫هذا هو معنى قول الله‪ .‬وقد اعلن الرب آلدم انه ال بد ان يعود اىل االرض‬ ‫التي منها أخذ قصاصا له عىل خطيئته "ألنك تراب وإىل تراب تعود" (تكوين ‪:3‬‬ ‫‪ .)19‬وقد تربهن صدق قول الشيطان ‪ :‬فبعدما عىص آدم وحواء الله انفتحت‬ ‫اعينهام لرييا جهالتهام ويفطنا اىل غبائهام‪ .‬لقد عرفا الرش وذاقا مرارة مثار‬ ‫العصيان‪.‬‬ ‫كانت توجد شجرة الحياة التي يف مثارها قوة عىل اطالة العمر‪ .‬فلو‬ ‫ ‬ ‫ظل آدم مطيعا لله لكان قد بقي ينعم بالوصول بكل حرية اىل هذه الشجرة‬ ‫ولكان يحيا اىل االبد‪ .‬ولكن عندما اخطأ ُح ِّرم عليه االكل من شجرة الحياة فصار‬ ‫عرضة للموت‪ .‬ان الخلود الذي كان االنسان قد ُوعد به لقاء الطاعة اضاعه‬ ‫بعصيانه‪ .‬ومل يكن هنالك رجاء لجنسنا الساقط لوال أن الله جعل الخلود يف‬ ‫متناول أيدينا إذ بذل ابنه ألجلنا ففي حني "اجتاز املوت إىل جميع الناس إذا‬ ‫أخطأ الجميع" فإن املسيح "أنار الحياة والخلود بواسطة اإلنجيل" (رومية ‪:5‬‬ ‫‪12‬؛ ‪2‬تيموثاوس ‪ .)10 :1‬وال ميكن الحصول عىل الخلود إال بواسطة املسيح‬ ‫وحده‪ .‬وقد قال يسوع‪" :‬الذي يؤمن باالبن له حياة أبدية‪ .‬والذي ال يؤمن‬ ‫باالبن لن يرى حياة" (يوحنا ‪.)36 :3‬‬ ‫الكذبة األوىل ‪ -‬والشخص الوحيد الذي وعد آدم بالحياة مع العصيان‬ ‫ ‬ ‫هو املخادع العظيم‪ .‬إن اعالن الحية يف جنة عدن‪" -‬لن متوتا"‪ -‬كان أول عظة‬


‫‪36‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫القيت عن خلود النفس‪ .‬لك ّن هذا االعالن الذي يستند اىل سلطان الشيطان‬ ‫ال سواه تردد صداه املنابر وغالبية بني االنسان يقبلونه بالرسعة نفسها التي‬ ‫قبله بها ابوانا االوالن‪ .‬وان حكم الله القائل‪" :‬النفس التي تخطئ هي متوت"‬ ‫(حزقيال ‪ )20 :18‬صار يعني أن النفس التي تخطئ لن متوت بل تحيا إىل األبد‪.‬‬ ‫ولو ُسمح لإلنسان بعد سقوطه بالتناول من مثر شجرة الحياة لكان يحيا إىل‬ ‫األبد‪ ،‬وهكذا كانت الخطية تبقى خالدة إىل األبد‪ .‬ومل يسمح ألي واحد من بني‬ ‫آدم بتجاوز ذلك السياج ليتناول من الثمرة الواهبة الحياة‪ .‬ولذلك فال خاطئ‬ ‫خالدا ً‪.‬‬ ‫لك ّن الشيطان أمر مالئكته بعد السقوط ان يبذلوا جهدا خاصا يف‬ ‫ ‬ ‫تلقني الناس عقيدة خلود النفس‪ .‬واذ أُغري الناس بقبول هذه الضاللة كان‬ ‫عليهم ان يجعلوهم يستنتجون ان الخاطئ سيحيا يف شقاء ابدي‪ .‬واآلن فها‬ ‫سلطان الظلمة وهو يعمل عرب اعوانه يصور الله طاغية محبا لالنتقام‪ ،‬ويعلن‬ ‫انه تعاىل يطرح يف اعامق الجحيم جميع الذين ال يرضونه ويجعلهم يحسون‬ ‫بشدة وطأة غضبه مدى اجيال االبد‪ .‬وفيام هم يقاسون اهوال العذاب الذي‬ ‫ال يوصف ويتلوون يف النار االبدية فان خالقهم يرشف عليهم من عليائه بلذة‬ ‫ورىض ورسور‪ .‬وهكذا يخلع العدو االعظم (رئيس الشياطني ) صفاته عىل خالق‬ ‫البرش واملحسن اليهم ‪ .‬ان القسوة هي من صفات الشيطان‪ .‬لك ّن الله محبة‪.‬‬ ‫والشيطان نفسه هو العدو الذي يجرب االنسان لريتكب الخطيئة‪ ،‬وحينئذ‬ ‫يهلكه لو استطاع ذلك‪ .‬وكم هو ممقوت لكل من يحس باملحبة والرحمة‪،‬‬ ‫وحتى لشعورنا بالعدالة‪ ،‬اعتقادنا ان االموات االرشار سيعذبون بالنار والكربيت‬ ‫يف لهيب الجحيم اىل االبد‪ ،‬وانهم ألجل الخطايا التي ارتكبوها مدى حياتهم‬ ‫القصرية عىل االرض سيقاسون اهوال العذاب مدى اجيال أبدية الله‪ .‬وقد قال‬


‫حياة أبدية‬

‫‪37‬‬

‫أحد دكاترة الالهوت العلامء‪" :‬إن منظر عذابات الجحيم سيزيد من غبطة‬ ‫القديسني إىل األبد‪ .‬فعندما يرون غريهم ممن لهم طبيعتهم نفسها وولدوا‬ ‫يف ظروف شبيهة بظروفهم وقد غمرهم ذلك البؤس‪ ،‬أما هم فقد امتازوا عن‬ ‫أولئك التعساء‪ ،‬فهذا سيجعلهم يحسون بعظمة سعادتهم"‪.‬‬ ‫أين يوجد هذا التعليم عىل صفحات كلمة الله؟ وهل هذه ستُستبدل‬ ‫ ‬ ‫بعدم اكرتاث الرواقيني او قسوة املتوحشني؟ كال‪ ،‬أبدا‪ ،‬فهذا ليس ما يعلم به‬ ‫كتاب الله ‪َ ".‬ح ٌّي أَنَا‪ ،‬يَق ُ‬ ‫الشيرِ‪ ،‬بَ ْل ِبأَ ْن يَ ْرج َع‬ ‫ُول َّ‬ ‫س بِ َ ْو ِت ِّ ِّ‬ ‫الس ِّي ُد ال َّر ُّب‪ ،‬إِ ِّن الَ أُ َ ُّ‬ ‫الشي ُر َع ْن طَرِي ِق ِه َويَ ْح َيا‪ .‬اِ ْر ِج ُعوا‪ ،‬ا ْر ِج ُعوا َع ْن طُ ُر ِق ُك ُم ال َّر ِديئَ ِة! فَلِ َمذَا متوتون؟"‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫(حزقيال ‪.)11 :33‬‬ ‫هل يرس الله مبشاهدة خالئقه يعذبون عذابا ابديا؟ وهل هو ينتعش‬ ‫ ‬ ‫وهو يسمع آهات خالئقه ورصخاتهم ولعناتهم وهم يتعذبون محبوسني يف‬ ‫نار الجحيم؟ وهل ميكن أن تكون هذه الرصخات املفزعة نغامت موسيقية يف‬ ‫أذين املحبة الرسمدية ؟ يا لهذا من تجديف مخيف! إن مجد الله ال يتحقق‬ ‫باالستمرار يف تكويم الخطايا مدى أجيال األبد‪.‬‬ ‫ ‬ ‫بدعة العذاب األبدي ‪ -‬رش ينجم عن الهرطقة املتعلقة بالعذاب‬ ‫ ‬ ‫األبدي‪ .‬ان دين الكتاب املقدس‪ ،‬املفعم بالحب والصالح والفائض بالرحمة‪،‬‬ ‫يكتنفه ظالم الخرافات ويحاط بالرعب‪ .‬إن الشيطان قد صور صفات الله بألوان‬ ‫خادعة‪ .‬فإن الناس يخشون من الخالق الرحيم ويرهبون جانبه ويرتعبون منه‬ ‫بل ويبغضونه‪ .‬إن اآلراء املرعبة عن الله‪ ،‬التي ت ُفهم من التعاليم التي تلقى‬ ‫من عىل املنابر يف كل انحاء العامل‪ ،‬قد خلقت آالفا بل ماليني من املتشككني‬ ‫وامللحدين‪.‬‬


‫‪38‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫إن نظرية العذاب األبدي هي إحدى العقائد الكاذبة التي منها تتكون‬ ‫ ‬ ‫خمر رجس بابل التي تجعل كل األمم ترشب منها (رؤيا ‪8 :14‬؛ ‪ .)2 :17‬إن‬ ‫خدام املسيح قد قبلوا هذه الضاللة عن روما كام قد أخذوا السبت الزائف‪*.‬‬ ‫فإذا ارتددنا عن شهادة كلمة الله وقبلنا التعاليم الكاذبة ألن آباءنا علَّموا بها‬ ‫فإننا نقع تحت الدينونة التي نطق بها الرب ضد بابل اذ نحن نرشب من خمر‬ ‫رجاساتها‪.‬‬ ‫ينساق فريق كبري ممن تثريهم وتنفرهم عقيدة العذاب االبدي اىل‬ ‫ ‬ ‫الضاللة املضادة لها‪ .‬فهم يرون ان الكتاب املقدس يصور الله ككائن محب‬ ‫رحيم‪ ،‬ولذلك فال ميكنهم ان يعتقدوا ان الله سيحبس خالئقه يف نريان الجحيم‬ ‫املتقدة اىل االبد‪ .‬ولكن لكونهم يعتقدون ان النفس خالدة بالطبع‪ ،‬فهم ال يرون‬ ‫بديال سوى ان يستنجوا ان كل بني االنسان سيخلصون اخريا‪ .‬وهكذا ميكن‬ ‫للخاطئ ان يعيش يف املرسات النفسانية مزدريا مبطالب الله ومع ذلك ينتظر‬ ‫ان يتلقّاه الله يف النهاية بالرىض والقبول‪ .‬مثل هذا التعليم الذي يجرتئ عىل‬ ‫رحمة الله ويتجاهل عدالته يف الوقت نفسه يرس القلب البرشي‪.‬‬ ‫هل َسي ْخلَص كل شخص؟ ‪ -‬يحرف املعتنقون عقيدة الخالص‬ ‫ ‬ ‫العام كلمة الله‪ .‬ونسمع احد املدعوين خدام املسيح يردد االكذوبة نفسها‬ ‫والتي نطقت بها الحية يف عدن‪" :‬لن متوتا"‪" .‬يوم تأكالن منه تنفتح أعينكام‬ ‫وتكونان كالله"‪ .‬وهو يعلن ان انجس الخطاة‪ ،‬سواء كان قاتال أو لصا أو زانياً‪،‬‬ ‫سيكون بعد املوت مستعدا للدخول اىل السعادة األبدية‪ .‬هذه خرافة لذيذة‬ ‫حقاً كفيلة بأن تشبع القلب البرشي!‬ ‫فلو كان حقا ان ارواح كثريين من الناس تنتقل اىل السامء مبارشة يف‬ ‫ ‬ ‫* ملزيد من املعلومات حول السبت انظر الفصل الثامن من هذا الكتاب‪.‬‬


‫حياة أبدية‬

‫‪39‬‬

‫ساعة املوت لكان لنا ان نشتهي املوت ونفضله عىل الحياة ‪ .‬لقد ساق هذا‬ ‫االعتقاد كثريين من الناس اىل القضاء عىل حياتهم باالنتحار ‪ .‬فعندما تغمرهم‬ ‫الضيقات واملتاعب واالرتباك والخيبة فانه يبدو امرا سهال ان يفصموا ربط‬ ‫الحياة الواهنة ويصعدوا اىل السعادة يف دنيا االبد‪.‬‬ ‫لقد قدم الله يف كتابه الربهان الناصع الحاسم عىل أنه ال بد أن يعاقب‬ ‫ ‬ ‫كل من يتعدون رشيعته‪ .‬فهل الله أرحم من أن ينفذ عدالته يف الخاطئ؟‬ ‫انظروا إىل صليب جلجثة‪ .‬إن موت ابن الله هو شهادة رصيحة عىل أن "أجرة‬ ‫الخطية هي موت" (رومية ‪ )23 :6‬وأن كل انتهاك لرشيعة الله ال بد أن يوقع‬ ‫بالخاطئ الجزاء العادل‪ .‬إن املسيح الذي بال خطيئة صار خطيئة ألجل اإلنسان‪.‬‬ ‫لقد حمل جرم الخطيئة واحتجاب وجه اآلب عنه حتى لقد انسحق قلبه‬ ‫وأزهقت روحه ليك يُفتدى الخطاة‪ .‬فكل نفس ترفض االستفادة من الكفارة‬ ‫التي أعدت بهذه الكلفة العظيمة ال بد من أن يتحمل صاحبها نفسه جرمية‬ ‫التعدي وقصاصه‪.‬‬ ‫الرشوط محددة ‪" -‬أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة‬ ‫ ‬ ‫مجاناً" (رؤيا ‪ .)6 :21‬هذا الوعد مقدم اىل العطاش وحدهم ‪" .‬من يغلب يرث‬ ‫كل يشء وأكون له إلها وهو يكون يل ابناً" (رؤيا ‪ .)7 :21‬هنا أيضاً يحدد الرب‬ ‫الرشوط‪ .‬فليك نرث كل يشء علينا أوالً أن نقاوم الخطيئة وننترص عليها‪.‬‬ ‫"وال يكون خري للرشير" (جامعة ‪ .)13 :8‬إن الخاطئ يذخر لنفسه‬ ‫ ‬ ‫"غضباً يف يوم الغضب واستعالن دينونة الله العادلة الذي يجازي كل واحد‬ ‫حسب أعامله"‪" ،‬شدة وضيق عىل كل نفس انسان يفعل الرش"(رومية ‪5 :2‬و ‪6‬و ‪.)9‬‬ ‫"كل زانٍ أو نجس أو طامع‪ ،‬الذي هو عابد لألوثان‪ ،‬ليس له مرياث يف‬ ‫ ‬


‫‪40‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫ك يَكُو َن ُسلْطَانُ ُه ْم َع َل‬ ‫ُوب لِل َِّذي َن يَ ْص َن ُعو َن َو َصايَا ُه لِ َ ْ‬ ‫ملكوت املسيح والله‪" ".‬ط َ‬ ‫الس َح َر َة‬ ‫شَ َج َر ِة الْ َح َيا ِة‪َ ،‬ويَ ْد ُخلُوا ِم َن األَبْ َو ِ‬ ‫اب إِ َل الْ َم ِدي َن ِة‪ ،‬ألَ َّن َخا ِر ًجا الْ ِكال َ​َب َو َّ‬ ‫َوال ُّزنَا َة َوالْ َقتَلَ َة َو َعبَ َد َة األَ ْوث َانِ ‪َ ،‬وك َُّل َم ْن يُ ِح ُّب َويَ ْص َن ُع ك َِذبًا" (أفسس ‪5 :5‬؛ رؤيا‬ ‫‪14 :22‬و ‪.)15‬‬ ‫لقد أعطى الله إعالناً عن صفاته وطريقته يف معاملة الخطيئة‪" :‬يهلك‬ ‫ ‬ ‫جميع األرشار"‪" ،‬أما األرشار فيبادون جميعاً‪ .‬عقب األرشار ينقطع" (مزمور ‪:145‬‬ ‫‪20‬؛ ‪ .)38 :37‬ان قوة حكم الله وسلطانه سيستخدمان يف قمع كل عصيان‪،‬‬ ‫ومع ذلك فكل مظاهر عدالة الله يف توقيع الجزاء متوافقة متاما مع صفات الله‬ ‫كاإلله الرحيم واملحسن والطويل االناة‪.‬‬ ‫ال يرغم الله ارادة اي انسان او اختياره وال يُرس بطاعة العبيد ‪ .‬فهو‬ ‫ ‬ ‫يرغب يف أن الذين هم صنعة يديه يحبونه ألنه يستحق ان يُحب‪ .‬وهو يريدهم‬ ‫أن يطيعوه ألن عندهم تقديرا ذكيا واعيا لحكمته وعدله واحسانه وحبه‪.‬‬ ‫إن مبادئ حكم الله متوافقة متام مع وصية املسيح القائلة‪" :‬أحبوا‬ ‫ ‬ ‫أعداءكم" (متى ‪ .)44 :5‬والله يوقع أحكام عدله عىل األرشار ألجل خري املسكونة‬ ‫بل حتى ألجل خري الذين يوقع عليهم أحكامه‪ .‬فهو يريد أن يسعدهم اذا‬ ‫كان ذلك ال يتعارض مع رشائع حكمه وعدالة صفاته ‪ .‬وهو يحيطهم بدالئل‬ ‫محبته ومينحهم معرفة رشيعته ويسري وراءهم ليقدم اليهم هبات رحمته‪،‬‬ ‫ولكنهم يزدرون مبحبته ويستخفون برشيعته ويحتقرون رحمته‪ .‬ومع أنهم‬ ‫دامئاً يتقبلون هباته فإنهم يهينون الواهب‪ .‬والرب يحتمل فسادهم ويصرب عىل‬ ‫ذلك طويال ‪ .‬لك ّن الساعة الحاسمة ستجيء اخريا عندما يتقرر مصريهم ‪ .‬فهل‬ ‫سيقبل اولئك العصاة ويبقيهم اىل جانبه؟ وهل يرغمهم عىل عمل ارادته ؟‬ ‫غري مستعدين لدخول السامء ‪ -‬ان الذين اختاروا الشيطان قائدا‬ ‫ ‬


‫حياة أبدية‬

‫‪41‬‬

‫لهم هم غري مستعدين للمثول يف حرضة الله ‪ .‬فالكربياء واملخاتلة والفجور‬ ‫والخالعة والقسوة قد ثبتت يف اخالقهم ‪ .‬فهل يستطيعون دخول السامء‬ ‫ليعيشوا اىل االبد مع الذين قد ازدروا بهم وابغضوهم وهم عىل االرض؟ ان‬ ‫الكذاب ال ميكنه ان يستسيغ الصدق او يرىض به‪ ،‬والوداعة لن تشبع نفس من‬ ‫يعظم نفسه او يسلك بالكربياء‪ ،‬والطهارة غري مقبولة لدى االنسان الفاسد‪،‬‬ ‫واملحبة النزيهة ال تبدو جذابة للرجل االناين ‪ .‬أي نبع للتمتع ميكن أن تقدمه‬ ‫السامء اىل اولئك الناس املشغولني يف مصالحهم االرضية االنانية؟‬ ‫فهل ميكن للذين قلوبهم مفعمة بالكراهية لله وللحق والقداسة ان‬ ‫ ‬ ‫يندمجوا بني جموع السامويني ويشاركوهم يف ترديد اناشيد الحمد؟ فلقد‬ ‫قدمت اليهم سنو االختبار لعلهم يشكلون اخالقهم لتكون كأخالق السامويني‪.‬‬ ‫ولكنهم مل يتعلموا لغة السامء ‪ .‬واآلن قد مىض الوقت ‪.‬‬ ‫ان حياة العصيان لله التي عاشوها مل تؤهلهم للسامء‪ .‬ان طهارتها‬ ‫ ‬ ‫وقداستها وسالمها تعذبهم‪ ،‬ومجد الله هو نار آكلة لهم‪ .‬انهم يتوقون للهروب‬ ‫من ذلك املكان املقدس‪ .‬يرحبون بالهالك ليستطيعوا االختباء من وجه ذاك‬ ‫الذي قد مات ليك يفتديهم‪ .‬فمصري االرشار يقرره اختيارهم نفسه‪ .‬انهم‬ ‫يطردون انفسهم من السامء مبحض اختيارهم وهذا عدل من الله ورحمة‪ .‬عىل‬ ‫غرار مياه الطوفان ستعلن نريان ذلك اليوم العظيم حكم الله بأن األرشار ال‬ ‫ميكن إصالحهم‪ .‬لقد تدربت إرادتهم عىل التمرد والثورة‪ .‬وعندما تنقيض الحياة‬ ‫سيكون قد مىض الوقت لتحويل مجرى تفكريهم من العصيان إىل الطاعة ومن‬ ‫الكراهية إىل املحبة‪.‬‬ ‫ ‬

‫مصريان ‪" -‬أجرة الخطية هي موت وأما هبة الله فهي حياة أبدية‬


‫‪42‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫باملسيح يسوع ربنا"‪ .‬ففي حني أن الحياة هي مرياث األبرار فاملوت هو نصيب‬ ‫األرشار‪" .‬املوت الثاين" قد وضع عىل نقيض الحياة األبدية‪( .‬رومية ‪23 :6‬؛ انظر‬ ‫رؤيا ‪.)14 :20‬‬ ‫وقد كان من نتائج خطيئة آدم ان املوت اجتاز اىل الجنس البرشي‬ ‫ ‬ ‫كله‪ .‬فالجميع ينحدرون اىل الهاوية عىل السواء‪ .‬وعرب تدبري الخالص سيخرج‬ ‫الجميع من قبورهم‪" .‬سوف تكون قيامة لألموات األبرار واألمثة" "ألنه كام يف‬ ‫آدم ميوت الجميع هكذا يف املسيح سيحيا الجميع"‪ .‬لكن سيكون هنالك فرق‬ ‫بني الذين سيخرجون من قبورهم من الفريقني‪" .‬يسمع جميع الذين يف القبور‬ ‫صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إىل قيامة الحياة والذين عملوا السيئات‬ ‫إىل قيامة الدينونة" (أعامل ‪15 :24‬؛ ‪1‬كورنثوس ‪22 :15‬؛ يوحنا ‪28 :5‬و ‪.)29‬‬ ‫نهاية املعاناة واألمل ‪ -‬فالذين "حسبوا أهالً" لقيامة الحياة هم‬ ‫ ‬ ‫"مباركون ومقدسون"‪" ،‬هؤالء ليس للموت الثاين سلطان عليهم" (لوقا ‪:20‬‬ ‫‪35‬؛ رؤيا ‪ .)6 :20‬أما الذين مل يحصلوا عىل الغفران بواسطة التوبة واإلميان فال‬ ‫بد أن ينالوا قصاص تعدياتهم‪" :‬أجرة الخطيئة"‪ .‬وهم يقاسون قصاصاً "حسب‬ ‫أعاملهم"‪ ،‬وسينتهي أمرهم "باملوت الثاين"‪.‬‬ ‫وحيث أنه يستحيل عىل الله أن يخلص الرشير من خطاياه فسيحرمه‬ ‫ ‬ ‫من الوجود الذي قد خرسه بسبب عصيانه والذي قد برهن هو عىل عدم‬ ‫استحقاقه إياه‪" .‬بعد قليل ال يكون الرشير‪ .‬تطلع يف مكانه فال يكون"‪.‬‬ ‫"ويكونون كأنهم مل يكونوا" (مزمور ‪10 :37‬؛ عوبديا ‪ .)16‬يهبطون يائسني إىل‬ ‫أعامق النسيان األبدي‪.‬‬ ‫وهكذا تنتهي الخطية‪" .‬أهلكت الرشير‪ .‬محوت اسمهم إىل الدهر‬ ‫ ‬


‫حياة أبدية‬

‫‪43‬‬

‫واألبد‪ .‬العدو تم خرابه إىل األبد" (مزمور ‪5 :9‬و ‪ .)6‬ويوحنا يف رؤياه سمع‬ ‫تسبيحة شكر ال يعكرها أو يفسدها أي تنافر يف األصوات‪ .‬لن تكون هناك‬ ‫نفوس هالكة لتجدف عىل الله وهي تتلوى من هول العذاب الذي ال ينتهي‪،‬‬ ‫ولن تكون يف الجحيم ارواح شقية تختلط رصخاتها بأغاين املخلصني‪.‬‬ ‫وعىل أساس ضاللة خلود النفس الطبيعي ترتكز عقيدة الوعي عند‬ ‫ ‬ ‫املوت‪ ،‬وهي عقيدة مناقضة لتعاليم الكتاب وما ميليه العقل ومشاعرنا البرشية‪.‬‬ ‫وطبقا لالعتقاد الشائع يكون املفتدون يف السامء عىل علم بكل ما يحدث عىل‬ ‫االرض‪ .‬ولكن كيف ميكن ان يكون نبع سعادة وفرح لألموات كونهم يعلمون‬ ‫بضيقات االحياء ومتاعبهم‪ ،‬وكونهم يشاهدون الخطايا التي يرتكبها احباؤهم‬ ‫ويرونهم يقاسون اآلالم واالحزان والخيبة والعذاب يف حياتهم؟ كم هو اعتقاد‬ ‫ْس‬ ‫ممقوت ان يظن االنسان انه حاملا تنطلق النسمة من الجسد تُحبس نَف ُ‬ ‫الخاطئ يف نريان الجحيم!‬ ‫ما الذي يقوله الكتاب عن هذه األمور؟ إن اإلنسان يكون عديم‬ ‫ ‬ ‫الشعور عند موته‪" :‬تخرج روحه فيعود إىل ترابه يف ذلك اليوم نفسه تهلك‬ ‫أفكاره"(مزمور ‪" ،)4 :146‬ألن األحياء يعلمون أنهم سيموتون أما املوىت فال‬ ‫يعلمون شيئاً‪ ...‬ومحبتهم وبغضهم وحسدهم هلكت منذ زمان وال نصيب لهم‬ ‫بعد إىل األبد يف كل ما عمل تحت الشمس"‪" ،‬ألَ َّن الْ َها ِويَ َة الَ تَ ْح َم ُد َك‪ .‬الْ َم ْوتُ‬ ‫الَ يُ َس ِّب ُح َك‪ .‬الَ يَ ْر ُجو الْ َها ِبطُو َن إِ َل الْ ُج ِّب أَ َمانَتَ َك‪ .‬الْ َح ُّي الْ َح ُّي ُه َو يَ ْح َم ُد َك ك َ​َم‬ ‫أَنَا الْيَ ْو َم‪ .‬األَ ُب يُ َع ِّر ُف الْبَ ِن َني َحق َ​َّك"‪" ،‬ألَنَّ ُه لَيْ َس ِف الْ َم ْو ِت ِذكْ ُر َك‪ِ .‬ف الْ َها ِويَ ِة َم ْن‬ ‫يَ ْح َم ُد َك؟" ( مزمور ‪4 :146‬؛ جامعة ‪5 :9‬و‪ 6‬؛ إشعياء ‪18 :38‬و ‪19‬؛ مزمور ‪.)5 :6‬‬ ‫ويف يوم الخمسني أعلن بطرس عن داود "أنه مات ودفن وقربه عندنا‬ ‫ ‬ ‫حتى هذا اليوم"‪" ،‬ألن داود مل يصعد إىل السموات" (أعامل ‪29 :2‬و ‪ .)34‬ان‬


‫‪44‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫حقيقة كون داود باقِ يف القرب اىل يوم القيامة هي برهان عىل كون االبرار ال‬ ‫يذهبون اىل السامء عند املوت ‪.‬‬ ‫القيامة إىل حياة أبدية ‪ -‬لك ّن يسوع اذ كان موشكا ان يرتك تالميذه‬ ‫ ‬ ‫مل يقل لهم انهم سيأتون إليه رسيعاً‪ .‬فقد قال لهم‪" :‬أنا أميض ألعد لكم مكاناً‪.‬‬ ‫وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آيت أيضاً وآخذكم إيل" (يوحنا ‪2 :14‬و ‪ .)3‬ثم‬ ‫إن بولس يخربنا فوق ذلك أن "الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس مالئكة وبوق‬ ‫الله سوف ينزل من السامء واألموات يف املسيح سيقومون أوالً‪ .‬ثم نحن األحياء‬ ‫الباقني سنخطف جميعاً معهم يف السحب ملالقاة الرب يف الهواء‪ .‬وهكذا نكون‬ ‫كل حني مع الــرب"‪ .‬ثم يضيف قائالً‪" :‬لذلك‬ ‫عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكالم" (‪1‬تسالونييك‬ ‫‪16 :4‬ـ ‪ .)18‬فعند مجيء الرب تتحطم قيود‬ ‫القرب ويقوم "األموات يف املسيح" للحياة األبدية‪.‬‬ ‫وسيدان الجميع كام هو مكتوب يف‬ ‫ ‬ ‫األسفار وسيجازى كل واحد بحسب أعامله‪.‬‬ ‫هذه الدينونة ال تتم عند املوت‪" .‬ألنه أقام يوماً‬ ‫هو فيه مزمع أن يدين املسكونة بالعدل"‪ُ " ،‬ه َوذَا قَ ْد َجا َء ال َّر ُّب ِف َربَ َو ِ‬ ‫ات‬ ‫ِق ِّد ِ‬ ‫يسي ِه‪ ،‬لِ َي ْص َن َع َديْ ُنونَ ًة َع َل الْ َج ِميعِ" (أعامل ‪31 :17‬؛ يهوذا ‪14‬و ‪.) 15‬‬ ‫ولكن اذا كان االموات قد قاموا وهم يتمتعون بسعادة السامء او‬ ‫ ‬ ‫يتلوون من أهوال نريان الجحيم فام الداعي إلقامة الدينونة يف املستقبل؟ ان‬ ‫تعاليم كلمة الله عن هذه االمور املهمة ميكن لألذهان العادية ان تفهمها‪.‬‬ ‫ولكن اي عقل مخلص ميكنه ان يرى حكمة او عدال يف النظرية املألوفة؟ فهل‬


‫حياة أبدية‬

‫‪45‬‬

‫األبرار بعد فحص قضاياهم يف الدينونة سيحصلون عىل هذا الثناء القائل‪" :‬نعامً‬ ‫أيها العبد الصالح واألمني‪ ...‬ادخل إىل فرح سيدك" يف الوقت الذي يكونون فيه‬ ‫ساكنني يف محرضه رمبا منذ أجيال طويلة؟ وهل األرشار يستدعون من موضوع‬ ‫العذاب ليسمعوا الحكم عليهم من ديان كل األرض إذ يقول لهم‪" :‬اذهبوا عني‬ ‫يا مالعني إىل النار األبدية؟ (متى ‪21 :25‬و ‪.)41‬‬ ‫ان نظرية خلود النفس كانت احدى تلك العقائد املغلوطة التي اذ‬ ‫ ‬ ‫اخذتها روما عن الوثنية‪ .‬لقد اعتربها مارتن لوثر ضمن "الخرافات الفظيعة‬ ‫التي تكون جزءا ً من كومة أحكام روما البابوية"‪ 1‬والكتاب يعلمنا بكل وضوح‬ ‫أن األموات راقدون إىل يوم القيامة‪.‬‬ ‫الخلود عند مجيء املسيح ‪ -‬ما أعظمها من راحة مباركة لألبرار‬ ‫ ‬ ‫املتعبني! فالزمن طال أو قرص يشبه يف تقديرهم لحظة عابرة‪ ،‬إنهم ينامون‬ ‫ثم يستيقظون عىل صوت بوق الله إىل خلود مجيد‪ " :‬فإنه سيبوق فيقام‬ ‫األموات عدميي فساد ونحن نتغري‪ ...‬ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس‬ ‫هذا املائت عدم موت فحينئذ تصري الكلمة املكتوبة ابتلع املوت إىل غلبة"‬ ‫(‪1‬كورنثوس ‪52 :15‬ـ ‪.)54‬‬ ‫فإذ يُدعون ليستيقظوا من نومهم العميق يبدأون يفكرون من حيث‬ ‫ ‬ ‫كفوا عن التفكري ‪.‬لقد كانت آخر االحاسيس هي شوكة املوت‪ ،‬وآخر فكر كان‬ ‫هو انهم قد سقطوا تحت سلطان الهاوية‪ .‬فعندما يخرجون من القرب فأول فكر‬ ‫مبهج لهم سرين صداه يف صيحة االنتصار القائلة‪" :‬أين شوكتك يا موت أين‬ ‫غلبتك يا هاوية"؟ (‪1‬كورنثوس ‪.) 55 :15‬‬ ‫‪. 1‬إ‪ .‬بيتافيل‪ ،‬معضلة الخلود‪ ،‬صفحة ‪.255‬‬


‫الرجاء‬

‫الزائف‬

‫إن تعليم الخلود الطبيعي للنفس‪ ،‬الذي أخذ أوالً عن الفلسفة الوثنية‬ ‫ ‬ ‫ويف ظلمة االرتداد العظيم أدخل إىل العقيدة املسيحية وقد احتل مكان الحق‬ ‫الذي علم به الكتاب بكل وضوح والقائل أن "املوىت ال يعلمون شيئاً" (جامعة‬ ‫‪ .)5 :9‬فجامهري كثرية من الناس يعتقدون أن أرواح املوىت هي "األرواح الخادمة‬ ‫املرسلة للخدمة ألجل العتيدين أن يرثوا الخالص" (عربانيني ‪.)14 :1‬‬ ‫إن عقيدة عودة أروح املوىت لتخدم األحياء قد مهد الطريقة أمام‬ ‫ ‬ ‫عقيدة مناجاة األروح العرصية‪ .‬فإذا كان املوت ميتازون مبعرفة تفوق كثريا ً ما‬ ‫كان لهم من قبل فلامذا إذا ً ال يعودون إىل األرض إلنارة األحياء وتعليمهم؟ وإذا‬ ‫كانت أرواح املوىت تحوم حول أصدقائهم عىل األرض فلامذا ال يتصلون بهم؟‬ ‫وكيف يستطيع الذين يعتقدون بإحساس اإلنسان عند املوت أن يرفضوا ما‬ ‫يأتيهم عىل أنه "نور إلهي" إذ يصل إليهم بواسطة األرواح املمجدة؟ هنا قناة‬ ‫تعترب مقدسة‪ ،‬لكن الشيطان يتوسلها إلمتام أغراضه‪ .‬فاملالئكة الساقطون الذين‬ ‫ينفذون أمره يبدو كأنهم رسل قادمون من عامل األرواح‪.‬‬ ‫ان للشيطان سلطانا أن يُرِى الناس أشباه اصدقائهم الراحلني‪ .‬وان‬ ‫ ‬ ‫التزييف او التقليد كامل االتقان‪ ،‬فالنظرة املألوفة والكالم والنغمة التي ينطق‬ ‫بها تنسخ ومتثل بدقة عجيبة‪ .‬وكثريون يتعزون بيقني كون احبائهم متمتعون‬


‫الرجاء الزائف‬

‫‪47‬‬

‫بسعادة السامء‪ ،‬ومن دون أن يشكوا يف وجود خطر يصغون إىل "أرواح مضلة‬ ‫وتعاليم شياطني" (‪1‬تيموثاوس ‪.)1 :4‬‬ ‫فالذين نزلوا إىل قبورهم يدعون بأنهم سعداء يف السامء وأن لهم‬ ‫ ‬ ‫مراكز سامية هناك‪ .‬ان اولئك االدعياء القادمني من عامل االرواح ينطقون احيانا‬ ‫بإنذارات وتحذيرات يتربهن انها صحيحة‪ .‬فمتى وثق بهم مشاهدوهم فهم‬ ‫حينئذ يقدمون تعاليم تقوض االميان بالكتاب عىل نحو مبارش‪ .‬وحقيقة كونهم‬ ‫يقررون بعض الحقائق ويستطيعون احيانا إنباءهم بحوادث عتيدة تضفي‬ ‫عىل ترصيحاتهم مظهر الوثوق واليقني فَتُ ْقبَل‪ .‬وهكذا يلقي الناس برشيعة الله‬ ‫جانباً ويزدرون بروح النعمة‪ .‬إن األرواح تنكر ألوهية املسيح بل تجعل الخالق‬ ‫نفسه يف مستواها‪.‬‬ ‫ولكن مع حقيقة كون نتائج االحتيال هذه كثريا ً ما صورت عىل أنها‬ ‫ ‬ ‫ظهورات حقيقية لوحظت أيضاً بعض مظاهر قوة فائقة الطبيعة‪ .‬وكان ذلك‬ ‫هو عمل املالئكة األرشار املبارش‪ .‬إن كثريين يعتقدون أن مناجاة األرواح هي‬ ‫مجرد خدعة برشية‪ .‬فمتى وقفوا وجهاً لوجه أمام ظهورات مل يسعهم إال‬ ‫أن يعتربوها مظاهر خارقة فسينخدعون وسينتهون إىل االعتقاد أنها قوة الله‬ ‫العظيمة‪.‬‬ ‫فبمساعدة الشيطان استطاع سحرة فرعون أن يزيفوا عمل االله‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(انظر خروج ‪10 :7‬ـ ‪ .)12‬وها هو بولس يعلن أن املجيء الثاين للمسيح‬ ‫سيسبق بـ "عمل الشيطان بكل قوة وآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة اإلثم"‬ ‫(‪2‬تسالونييك ‪9 :2‬و ‪ .)10‬ويعلن الرسول يوحنا قائالً "ويصنع آيات عظيمة حتى‬ ‫أنه يجعل نارا ً تنزل من السامء عىل األرض قدام الناس‪ .‬ويضل الساكنني عىل‬ ‫األرض باآليات التي أعطي أن يصنعها" (رؤيا ‪13 :13‬و ‪ .)14‬فالذي أنبيء به هنا‬


‫‪48‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫ليس هو مجرد احتيال‪ .‬فالناس ينخدعون باآليات التي يستطيع أعوان الشيطان‬ ‫أن يصنعوها ال مبا يتظاهرون بعمله‪.‬‬ ‫مناشدة العقل ‪ -‬فرجال العلم والثقافة والتهذيب يقدم اليهم‬ ‫ ‬ ‫ضاللة مناجاة االرواح يف مظاهرها العقلية والعلمية املهذبة‪ .‬وهو يبهج املخيلة‬ ‫مبناظر مذهلة ويحث العواطف بتصويراته‬ ‫املنطقية البليغة للمحبة واالحسان‪ .‬وهو يثري‬ ‫الخيال اىل نزوات عالية جاعال الناس يفتخرون‬ ‫بحكمتهم اذ انهم يف اعامق قلوبهم يحتقرون‬ ‫االله الرسمدي‪.‬‬ ‫يغوي الشيطان الناس اآلن كام قد‬ ‫ ‬ ‫أغوى حواء يف عدن بتملقاته‪ ،‬وبإثارة الطموح‬ ‫نحو تعظيم الذات‪ .‬وقد أعلن قائالً‪" :‬تكونان كالله عارفني الخري والرش" (تكوين‬ ‫‪ .)5 :3‬إن مناجاة األرواح تُعلِّم أن "اإلنسان هو خليقة التقدم نحو األلوهة"‪.‬‬ ‫ثم يقولون أيضاً "والحكم سيكون صائباً ألنه حكم الذات‪ ...‬إن العرش هو يف‬ ‫داخلك"‪ .‬كام يعلن آخر قائالً‪" :‬أي كائن عادل كامل فهو املسيح"‪.‬‬ ‫وهكذا وضع الشيطان طبيعة اإلنسان نفسه‪ ،‬الرشيرة املخطئة‪،‬‬ ‫ ‬ ‫كاملوضع الوحيد للحكم‪ .‬هذا هو التقدم إىل أسفل ال إىل أعىل‪ .‬واالنسان لن‬ ‫يستطيع ان يرتفع او يسمو فوق النموذج الذي اتخذه لنفسه‪ .‬نعمة الله‬ ‫وحدها هي التي تستطيع أن تسمو باإلنسان‪ .‬فإذا كانت الذات هي مثله‬ ‫االعىل فلن يبلغ اىل ما هو اسمى من ذلك‪ .‬بل سينحدر بالحري اىل الدرك‬ ‫األسفل ‪.‬‬


‫الرجاء الزائف‬

‫‪49‬‬

‫استاملة محبي اللذات ‪ -‬تقدم عقيدة مناجاة االرواح نفسها اىل‬ ‫ ‬ ‫املنغمس يف امللذات ومحب املرسات والشهواين متخف َّية تحت قناع أقل احتياال‬ ‫ودهاء‪ .‬ويف اشكالها االكرث سامجة يجدون ما يتفق مع ميلهم‪ .‬ان الشيطان‬ ‫يالحظ الخطايا التي مييل كل فرد اىل ارتكابها‪ ،‬وحينئذ يحرص عىل توفري الفرص‬ ‫إلشباع ذلك امليل‪ .‬وهو يجرب الناس لإلفراط يف ما هو مرشوع يف ذاته‪ ،‬وبذلك‬ ‫يُضعف قواهم الجسامنية والعقلية واالدبية‪ .‬لقد أهلك وما زال يهلك آالفا‬ ‫من الناس بواسطة االنغامس يف الشهوات‪ ،‬وهكذا يجعل كل طبيعة اإلنسان‬ ‫بهيمية‪ .‬وليك يتمم عمله يعلن عرب األرواح أن "املعرفة الحقيقية تجعل اإلنسان‬ ‫يف وضع أرفع من كل الرشائع" وأن "ما يكون هو صواب" وأن "الله ال يدين"‬ ‫وأن "كل الخطايا التي ترتكب هي بريئة"‪ .‬وعندما ينساق الناس إىل االعتقاد ان‬ ‫الرغبة هي اسمى قانون‪ ،‬وان الحرية هي اإلباحية وان االنسان مسؤول امام‬ ‫نفسه فقط فمن ذا الذي يستغرب عندما يتكاثر الفساد واالنحطاط يف كل‬ ‫مكان؟ ان جامهري كثرية من الناس يتقبلون بكل شغف التعاليم التي ترتك لهم‬ ‫حرية إطاعة ايحاءات قلوبهم الشهوانية‪ .‬ويوقع الشيطان يف شبكته آالفاً ممن‬ ‫يعرتفون بأنهم أتباع املسيح‪.‬‬ ‫لكن قد أعطى الله العامل نورا كافيا به يستطيع الناس ان يكتشفوا‬ ‫ ‬ ‫الرشك‪ .‬إن مناجاة االرواح هي يف حال حرب مع أبسط اقوال الكتاب‪ .‬فالكتاب‬ ‫يعلن ان املوىت ال يعلمون شيئا وان افكارهم قد هلكت وان ال نصيب لهم يف‬ ‫أفراح أو أحزان من هم عىل األرض‪.‬‬ ‫ ‬

‫االتصال املمنوع ‪ -‬وأكرث من هذا فقد نهى الله نهياً رصيحاً عن كل‬


‫‪50‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫ادعاء باالتصال بأرواح الراحلني‪ .‬فـ "أرواح العرافة"‪ ،‬كام كان يدعى القادمون‬ ‫من العوامل األخرى‪ ،‬يصفها الكتاب بـ "أرواح شياطني" (انظر سفر العدد ‪:25‬‬ ‫‪1‬ـ ‪3‬؛ مزمور ‪28 :106‬؛ ‪1‬كورنثوس ‪20 :10‬؛ رؤيا ‪ .)14 :16‬إن عمل التعاطي‬ ‫مع أرواح العرافة ُح ِكم عليه بأنه رجس أمام الرب وقد نُهي عنه نهياً قاطعاً‬ ‫تحت قصاص املوت (الويني ‪31 :19‬؛ ‪ .)27 :20‬لك ّن مناجاة االرواح والتي شقت‬ ‫لنفسها طريقا يف االوساط العلمية وغزت الكنائس ووجدت قبوال من الهيئات‬ ‫الترشيعية وحتى يف بالط امللوك‪ .‬هذه الخدعة الهائلة إِ ْن هي إالَّ انتعاش يف‬ ‫زي جديد للعرافة املحكوم عليها واملنهي عنها منذ القدم‪.‬‬ ‫فإذ يصورون أرذل الناس عىل أنهم يف السامء فالشيطان يقول للعامل‪:‬‬ ‫ ‬ ‫"ال يهم‪ ،‬سواء أكنتم تؤمنون بالله والكتاب أم كنتم تكذبونهام‪ ،‬عيشوا كام يحلو‬ ‫لكم فالسامء هي موطنكم"‪ .‬وقد قالت كلمة الله‪" :‬ويل للقائلني للرش خريا ً‬ ‫وللخري رشا ً الجاعلني الظالم نورا ً والنور ظالماً" (إشعياء ‪.)20 :5‬‬ ‫تصوير الكتاب املقدس عىل أنه مجرد أوهام ‪ -‬يص َّور الرسل الذين‬ ‫ ‬ ‫تقلدهم هذه االرواح الكاذبة كمناقضني ملا قد كتبوه حني كانوا عائشني عىل‬ ‫االرض‪ .‬ويوعز الشيطان اىل العامل بأن الكتاب املقدس مجرد اوهام‪ ،‬او عىل‬ ‫االقل ال يصلح للجنس البرشي إال يف ايام طفولته االوىل‪ ،‬اما اآلن فيجب ان‬ ‫يستخف به او يلقى به جانبا كام لو كان شيئا مهمال‪ .‬فيضع يف الظل الكتاب‬ ‫الذي سيدينه وتابعيه وأعوانه‪ .‬وهو يجعل مخلص العامل ال يزيد عن إنسان‬ ‫عادي‪ .‬يحاول من يؤمنون باإلعالنات الروحانية ان يجعلوا االمر يبدو كام لو انه‬ ‫ال يوجد يشء عجائبي يف ظروف حياة مخلصنا‪ .‬ويعلنون ان معجزاتهم تفوق‬ ‫معجزات املسيح مبراحل‪.‬‬


‫الرجاء الزائف‬

‫‪51‬‬

‫إن مناجاة األرواح تغري اآلن شكلها وتبدو يف هيئة مسيحية‪ .‬لكن‬ ‫ ‬ ‫ترصيحاتها وتعاليمها ال ميكن إخفاؤها أو إنكارها‪ .‬وحتى يف شكلها الحارض هي‬ ‫أبعد‪ ،‬بل هي أشد خطرا ً لكونها أعظم خبثاً وخداعاً‪ .‬فهي اآلن تعرتف بقبول‬ ‫فس بطريقة ترس القلب غري املتجدد‬ ‫املسيح والكتاب املقدس‪ .‬لك ّن الكتاب يُ َّ‬ ‫وترضيه‪ .‬فاملحبة تعترب أعظم صفات الله لكنها تنحط لتصبح رقة وعواطف‬ ‫ضعيفة‪ .‬ثم ان عدل الله‪ ،‬وذ َّمة الخطيئة‪ ،‬ومطالب رشيعته املقدسة كلها تُقْىص‬ ‫بعيدا عن األنظار‪ .‬والخرافات تجعل الناس يرفضون الكتاب كأساس إلميانهم‪.‬‬ ‫ويف الواقع يُنكر املسيح كام من قبل‪ ،‬لك ّن ال يفطن أحد اىل الخدعة‪.‬‬ ‫قليلون هم الذين لديهم اي ادراك عادل لقوة بدعة مناجاة االرواح‬ ‫ ‬ ‫الخادع وكثريون يتحرشون بها ملجرد اشباع فضولهم‪ .‬وهم ميتلئون فزعا ورعبا‬ ‫ملجرد فكرة اخضاع انفسهم لسيطرة الروح‪ .‬لكنهم يجازفون بالدخول اىل االرض‬ ‫الحرام‪ .‬وهنا يستخدم املهلك الجبار قوته وسلطانه معهم عىل رغم ارادتهم‪.‬‬ ‫فلو أمكن استاملتهم مرة إلخضاع عقولهم لتوجيهه فهو سيأرسهم‪ .‬وال يشء غري‬ ‫قدرة الله التي متنح اجابة لصالة االميان الحارة يستطيع ان ينقذ هذه النفوس‬ ‫التي علقت يف الفخ‪.‬‬ ‫إن كل من لهم نوازع خاطئة يف أخالقهم يرحبون بتجارب الشيطان‪.‬‬ ‫ ‬ ‫فهم يفصلون أنفسهم عن الله ورعاية مالئكته وحراستهم ومجردين من وسائل‬ ‫الدفاع‪.‬‬ ‫اب التَّ َوابعِ َوالْ َع َّرا ِف َني الْ ُمشَ ق ِْش ِق َني‬ ‫ ‬ ‫" َوإِذَا قَالُوا لَ ُك ُم‪’ :‬اطْلُ ُبوا إِ َل أَ ْص َح ِ‬ ‫الشي َع ِة‬ ‫َوالْ َها ِم ِس َني‘‪’ .‬أَالَ يَ ْسأَ ُل شَ ْع ٌب إِل َه ُه؟ أَيُ ْسأَ ُل الْ َم ْو َت ألَ ْجلِ األَ ْحيَا ِء؟‘ إِ َل َّ ِ‬ ‫َوإِ َل الشَّ َها َد ِة‪ .‬إِ ْن لَ ْم يَقُولُوا ِمث َْل هذَا الْ َق ْو ِل فَلَ ْي َس لَ ُه ْم فَ ْج ٌر!" (إشعياء ‪19 :8‬و‬ ‫‪.)20‬‬


‫‪52‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫فلو كان الناس راغبني يف قبول الحق فيام يتعلق بطبيعة اإلنسان‬ ‫ ‬ ‫وحالة املوىت لرأوا يف إدعاءات بدعة مناجاة األرواح وإعالناتها عمل الشيطان‬ ‫بقوة وبآيات وعجائب كاذبة‪ .‬ولكن جامهري كثرية من الناس يغمضون عيونهم‬ ‫يف حني أن الشيطان ينسج أرشاكه حولهم‪" .‬ألنهم مل يقبلوا محبة الحق حتى‬ ‫يخلصوا وألجل هذا سريسل إليهم الضالل حتى يصدقوا الكذب"(‪2‬تسالونييك ‪:2‬‬ ‫‪10‬و ‪.)11‬‬ ‫إن الذين يقاومون تعاليم عقيدة مناجاة األرواح يهاجمون الشيطان‬ ‫ ‬ ‫ومالئكته‪ .‬ولن يتخىل الشيطان عن موقع قدم من أرضه إال إذا كانت قوة رسل‬ ‫السامء تصده وتطرده‪ .‬والشيطان يستطيع أن يقتبس اآليات الكتابية اآلن كام‬ ‫يف إيام املسيح‪ .‬وهو سيحرف تعاليم الكتاب‪ .‬فالذين يريدون الثبات والصمود‬ ‫يف هذا الوقت ِ‬ ‫الخطر ينبغي لهم أن يفهموا شهادة الكتابة ألنفسهم‪.‬‬ ‫فهم الحق الكتايب ‪ -‬إن أرواح الشياطني وهي تقلد أقرباءنا أو أصدقاءنا‬ ‫ ‬ ‫األحباء سيلجؤون إىل أرق عواطفنا ويصنعون عجائب لدعم ادعاءاتهم‪ .‬فعلينا‬ ‫أن نتأهب للصمود أمامهم بقوة الحق الكتايب القائل أن املوىت ال يعلمون شيئاً‪،‬‬ ‫وإن الذين يظهرون هكذا إن هم إال أروح شياطني‪.‬‬ ‫فكل الذين ليس إميانهم ثابتاً وال مؤسساً عىل كلمة الله سينخدعون‬ ‫ ‬ ‫ويغلبون‪ .‬فالشيطان سيعمل "بكل خديعة اإلثم" وستزيد مخاتالته باستمرار‪.‬‬ ‫لكن الذين يطلبون معرفة الحق ويجتهدون يف تطهري أنفسهم بالطاعة‬ ‫سيجدون يف إله الحق حصناً قوياً ومالذا أميناً‪ .‬إن املخلص يرسع بإرسال كل‬ ‫مالك من مالئكة السامء لحراسة شعبه وال يرتك نفساً واحدة متكلة عليه تهزم‬ ‫أمام الشيطان‪ .‬إن أولئك الذين يعزون أنفسهم بيقني كاذب بأنه لن يكون‬


‫الرجاء الزائف‬

‫‪53‬‬

‫هنالك قصاص يقع عىل الخاطئ إمنا يرفضون الحقائق التي اعدتها السامء‬ ‫لتكون حصنا لألبرار يف يوم الضيق ويقبلون ملجأ االكاذيب الذي يقدمه اليهم‬ ‫الشيطان بدال منه‪ ،‬اي ادعاءات مناجاة االرواح الكاذبة‪.‬‬ ‫واملتشككون والساخرون يهزؤون‬ ‫ ‬ ‫بإعالنات كتاب الله عن تدبري الخالص والجزاء‬ ‫العادل الذي سيحل بكل من يرفضون الحق‪.‬‬ ‫انهم يتصنعون االشفاق العظيم عىل العقول‬ ‫الضيقة الضعيفة املتعلقة بالخرافات اىل حد‬ ‫االعــراف مبطالب الله وإطاعة مقتضيات‬ ‫الرشيعة لقد سلموا للمجرب تسليامً كامال‬ ‫واتحدوا معه اتحادا وثيقا‪ ،‬وقد ترشبوا روحه متاما وبكل اتقان بحيث مل تبق‬ ‫فيهم قوة وال ميل عندهم للتخلص من أرشاكه‪.‬‬ ‫وكان أساس عمل الشيطان هو التأكيد الذي قدمه إىل حواء‪" :‬يوم‬ ‫ ‬ ‫تأكالن منه تنفتح أعينكام وتكونان مثل الله عارفني الخري والرش" (تكوين ‪:3‬‬ ‫‪4‬و ‪ .)5‬لكن الشيطان سيصل إىل تحقيق أغراضه كاملة يف الوقت الباقي‪ .‬والنبي‬ ‫يقول‪" :‬رأيت ثالثة أرواح نجسة شبه ضفادع‪ .‬فإنهم أرواح شياطني صانعة آيات‬ ‫تخرج عىل ملوك العامل وكل املسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم‬ ‫الله القادر عىل كل يشء" (رؤيا ‪13 :16‬و ‪.)14‬‬ ‫وباستثناء املحفوظني بقوة الله وباإلميان بكلمته فالعامل كله سينساق وينحاز‬ ‫اىل صفوف هذا الضالل‪ .‬والناس يركنون برسعة اىل طأمنينة كاذبة ليوقظهم‬ ‫غضب الله الذي ينسكب عليهم‪.‬‬


‫السالم‬ ‫الحقيقي‬

‫أينام يكرز بكلمة الله بأمانة تتبع ذلك نتائج مباركة تشهد ملصدرها‬ ‫ ‬ ‫االلهي‪ .‬وقد أحس الخطاة بأن ضامئرهم قد استيقظت وأن عقولهم وقلوبهم‬ ‫قد تبكَّتت تبكيتا عميقا‪ .‬لقد كان عندهم إحساس برب الرب‪ .‬وقد رصخوا قائلني‪:‬‬ ‫"من ينقذين من جسد هذا املوت؟" (رومية ‪ .)24 :7‬فإذ أُعلِن لهم صليب‬ ‫جلجثة رأوا أنه ال يوجد سوى استحقاقات‬ ‫املسيح تكفي للتكفري عن معاصيهم‪ .‬وبدم‬ ‫املسيح حصلوا عىل "غفران خطاياهم املاضية"‬ ‫(رومية ‪.)25 :3‬‬ ‫لقد آمنت هذه النفوس واعتمدت‬ ‫ ‬ ‫وقامت لتسلك يف جدة الحياة فصاروا خليقة‬ ‫جديدة بإميان ابن الله ليسريوا يف خطواته‬ ‫وليعكسوا صفاته وليطهروا أنفسهم كام هو طاهر‪ .‬لقد صاروا اآلن يبغضون‬ ‫ما كانوا قبال يحبون ويحبون ما كانوا قبال يبغضون‪ .‬فاملتكربون واملتغطرسون‬ ‫صاروا ودعاء ومتواضعي القلوب‪ .‬والسكريون صاروا صاحني والخلعاء طاهرين‪.‬‬ ‫ومل يطلب املسيحيون "ال ِّزي َن َة الْ َخا ِر ِج َّي َة‪ِ ،‬م ْن ضَ ْف ِر الشَّ ْع ِر َوالتَّ َح ِّل بِال َّذ َه ِب‬


‫السالم الحقيقي‬

‫‪55‬‬

‫َولِ ْب ِس الثِّ َي ِ‬ ‫اب‪ ،‬بَ ْل إِن َْسا َن الْ َقل ِْب الْ َخ ِف َّي ِف الْ َع ِد َمي ِة الْف َ​َسا ِد‪ ،‬زِي َن َة ال ُّرو ِح الْ َو ِديعِ‬ ‫الْ َها ِدئِ ‪ ،‬ال َِّذي ُه َو قُ َّدا َم الل ِه كَ ِث ُري الثَّ َمنِ " (‪1‬بطرس ‪3 :3‬و ‪.)4‬‬ ‫وقد متيزت النهضات أو االنتعاشات بتوسالت حارة إىل الخطاة‪ .‬وقد‬ ‫ ‬ ‫شوهدت مثار مثل هذه االنتعاشات يف كثريين ممن مل يرتاجعوا أمام انكار‬ ‫الذات والتضحية بل كانوا فرحني النهم ُحسبوا مستأهلني الن يحتملوا التعيري‬ ‫والتجارب ألجل املسيح‪ .‬وقد رأى الناس تبدال يف حياة من قد اعرتفوا باسم‬ ‫يسوع‪ .‬مثل هذه اآلثار تبعت أوقات النهضات الدينية يف السنني السالفة‪.‬‬ ‫ولكن كثريا ً من االنتعاشات التي حدثت يف العصور الحديثة تختلف‬ ‫ ‬ ‫اختالفاً ب ِّيناً عن تلك التي ظهرت يف األيام القدمية‪ .‬نعم‪ ،‬كثريون يعرتفون أنهم قد‬ ‫تجددوا وان االقبال عظيم عىل الكنائس‪ .‬ومع كل ذلك فالنتائج ال تربر االعتقاد‬ ‫أن هذا االهتامم رافقته زيادة مالمئة يف مستوى الحياة الروحية الحقيقية‪ .‬ان‬ ‫النور الذي يرتفع لهيبه اىل حني رسعان ما ينطفئ‪.‬‬ ‫ان االنتعاشات املألوفة كثريا ما تحدث واثارة االنفعاالت وإشباع شوق‬ ‫ ‬ ‫الناس اىل كل ما هو جديد ومفزع‪ .‬واملتجددون بهذه الوسائل ال يرغبون كثريا ً‬ ‫يف االصغاء اىل حق االنجيل‪ ،‬وما مل تكن الخدمة الدينية من النوع العاطفي‬ ‫فهي ال تجذبهم ‪.‬‬ ‫وبالنسبة اىل كل نفس مهتدية حقاً ستكون الصلة بينها وبني الله‬ ‫ ‬ ‫أي كنيسة من‬ ‫واألمور االبدية هي مدار الحياة كلها وموضوعه‪ .‬ولكن يف ّ‬ ‫الكنائس املشهورة يف هذه االيام نجد روح تكريس الذات لله؟ فاملتجددون‬ ‫ال ينبذون كربياءهم وال حبهم للعامل‪ ،‬وال عادوا راغبني يف انكار الذات واتباع‬ ‫يسوع الوديع املتواضع أكرث مام كانوا قبل تجديدهم‪ .‬فقوة التقوى تكاد تهجر‬ ‫كثريا من الكنائس ‪.‬‬


‫‪56‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫أتباع حقيقيون للمسيح ‪ -‬ولكن عىل رغم انحطاط االميان الشائع‬ ‫ ‬ ‫يوجد يف هذه الكنائس أتباع أمناء للمسيح ‪ .‬فقبلام يفتقد الله االرض برضباته‬ ‫االخرية سيحدث بني شعب الرب انتعاش يف التقوى والقداسة عىل غرار ما حدث‬ ‫يف عرص الرسل‪ .‬فسينسكب روح الله وسينسحب كثريون من تلك الكنائس التي‬ ‫فيها احتلت محبة العامل مكان محبة الله وكلمته‪ .‬وكثريون من الخدام والشعب‬ ‫سيقبلون بكل رسور تلك الحقائق العظيمة التي أمر الله بأن ينادى بها يف هذا‬ ‫الوقت إلعداد شعب ملجيء الرب ثانية‪.‬‬ ‫ان عدو النفوس يرغب يف تعطيل هذا العمل‪ .‬وقبل مجيء الوقت‬ ‫ ‬ ‫ملثل هذه النهضة سيحاول الشيطان أن مينعها بتقديم يشء زائف بدال منها‪.‬‬ ‫ويف تلك الكنائس التي يستطيع أن يجعلها تحت سلطانه الخادع سيجعل االمر‬ ‫يبدو للناس وكأن بركة الله الخاصة قد فاضت‪ ،‬وسيفرح جامهري من الناس الن‬ ‫الله "يعمل عمال عجيبا" يف حني أن ذلك العمل هو عمل روح آخر‪ .‬فتحت ثوب‬ ‫الدين سيحاول الشيطان أن ميد تأثريه عىل العامل املسيحي‪ .‬ويف كثري من هذه‬ ‫االنتعاشات يكون مثة اهتياج عاطفي هو مزيج من الحقيقي والزائف يساعد‬ ‫عىل التضليل‪.‬‬ ‫ففي نور كلمة الله ليس من الصعب عىل االنسان أن يحكم عىل‬ ‫ ‬ ‫طبيعة هذه الحركات ‪ .‬فعندما يهمل الناس شهادة الكتاب مبتعدين عن تلك‬ ‫الحقائق الواضحة الفاحصة للنفس والتي تتطلب إنكار الذات ونبذ العامل‬ ‫تُحجب عنهم بالتأكيد بركة الله‪ .‬ومبوجب القانون الذي وضعه املسيح نفسه‬ ‫والقائل‪" :‬من مثارهم تعرفونهم" (متى ‪ )16 :7‬فمن الواضح أن هذه الحركات‬ ‫ليست من عمل روح الله‪.‬‬ ‫إن حقائق كلمة الله هي ترس لكل َمن يقبلونها يقيهم أضاليل‬ ‫ ‬


‫السالم الحقيقي‬

‫‪57‬‬

‫الشيطان‪ .‬واهامل هذه الحقائق هو ما فتح الباب لكل الرشور التي تفاقمت‬ ‫وانترشت يف كل العامل‪ .‬لقد غابت عن انظار الناس طبيعة رشيعة الله وأهميتها‬ ‫الناس اىل االخطاء‬ ‫اىل حد كبري‪ .‬وساق الفه ُم الخاطئ لطبيعة رشيعة الله َ‬ ‫الخاصة بالهداية والتقديس‪ ،‬ونتج من ذلك خفض مقياس التقوى يف الكنيسة‪.‬‬ ‫هنا نجد الرس يف افتقارنا اىل روح الله يف االنتعاشات التي تحصل يف عرصنا‬ ‫الحارض‪.‬‬ ‫ناموس الحرية ‪ -‬يؤكد كثريون من معلمي الدين ان املسيح ابطل‬ ‫ ‬ ‫مبوته الناموس‪ .‬وبعض الناس يصورونه نريا مكدرا محزنا‪ ،‬وعىل نقيض "عبودية"‬ ‫الناموس يقدمون الحرية التي ميتعهم بها االنجيل‪ .‬لك ّن هذه مل تكن النظرة‬ ‫التي كان االنبياء والرسل ينظرون بها اىل رشيعة الله املقدسة‪ .‬فلقد قال داود‪:‬‬ ‫"أمتىش يف رحب ألين طلبت وصاياك" (مزمور ‪ .)45 :119‬ويشري الرسول يعقوب‬ ‫إىل الوصايا العرش عىل أنها "الناموس الكامل ناموس الحرية" (يعقوب ‪.)25 :1‬‬ ‫وينطق الرايئ بالربكة والطوىب عىل "الذين يصنعون وصاياه ليك يكون سلطانهم‬ ‫عىل شجرة الحياة ويدخلوا من األبواب إىل املدينة" (رؤيا ‪.)14 :22‬‬ ‫فلو كان من املمكن تغيري الرشيعة أو طرحها جانبا ملا كان من حاجة‬ ‫ ‬ ‫اىل ان ميوت املسيح لينقذ االنسان من قصاص الخطيئة‪ .‬وابن الله قد أىت ليك‬ ‫"يعظم الرشيعة ويكرمها" (إشعياء ‪ .)21 :42‬وهو الذي قال‪" :‬ال تظنوا أين جئت‬ ‫ألنقض الناموس"‪" .‬إىل أن تزول السامء واألرض ال يزول حرف واحد أو نقطة‬ ‫واحدة من الناموس" (متى ‪17 :5‬و ‪ .)18‬أما عن نفسه فيعلن قائالً‪" :‬أن أفعل‬ ‫مشيئتك يا إلهي رسرت ورشيعتك يف وسط أحشايئ" (مزمور ‪.)8 :40‬‬ ‫ال تتغري رشيعة الله بطبيعتها‪ .‬إنها إعالن إرادة وصفات مبدعها‪ .‬الله‬ ‫ ‬


‫‪58‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫محبة‪ ،‬ورشيعته محبة‪" .‬املحبة هي تكميل الناموس" (رومية ‪ .)10 :13‬يقول‬ ‫صاحب املزامري‪" :‬رشيعتك حق" "كل وصاياك عدل" (مزمور ‪142 :119‬و ‪.)172‬‬ ‫وبولس الرسول يعلن قائالً‪" :‬الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة"‬ ‫(رومية ‪ )12 :7‬مثل هذه الرشيعة ينبغي أن تكون ثابتة وباقية كمبدعها‪.‬‬ ‫إن عمل التجديد والتقديس هو إصالح ذات البني بني الناس والله‬ ‫ ‬ ‫يجعلهم يف حالة وفاق مع مبادئ رشيعته‪ .‬يف البدء كان اإلنسان يف حالة وفاق‬ ‫كامل مع رشيعة الله‪ .‬لكن الخطية فصلت بينه وبني خالقه ونشبت حرب يف‬ ‫قلبه ضد مبادئ رشيعة الله‪" .‬ألن اهتامم الجسد هو عداوة لله إذ ليس هو‬ ‫خاضعاً لناموس الله ألنه أيضاً ال يستطيع" (رومية ‪ .)7 :8‬ولكن "هكذا أحب‬ ‫الله العامل حتى بذل ابنه الوحيد" ليك يتاح لإلنسان أن يتصالح مع الله وأن‬ ‫يعود إىل حالة الوفاق مع جابله‪ .‬هذا التغيري هو الوالدة الجديدة التي من‬ ‫دونها "ال يقدر أن يرى ملكوت الله‪(.‬يوحنا ‪16 :3‬و ‪.)3‬‬ ‫إدانة الخطية ‪ -‬أوىل خطوات املصالحة مع الله هي إقرار الخاطئ‬ ‫ ‬ ‫بخطيئته وإدانته لها‪" .‬الخطيئة هي التعدي" عىل رشيعة الله‪" .‬بالناموس‬ ‫معرفة الخطيئة" (يوحنا ‪4 :3 :1‬؛ رومية ‪ .)20 :3‬فليك يرى الخاطئ خطيئته‬ ‫عليه أن يقيس أخالقه وميتحنها مبقياس الرب العظيم (الرشيعة)‪ .‬إنه مرآة يُري‬ ‫اإلنسان كامل الصفات البارة ويقدره عىل اكتشاف النقص يف أخالقه‪.‬‬ ‫يكشف الناموس لإلنسان عن خطاياه لكنه ال يقدم عالجاً لذلك‪ .‬وهو‬ ‫ ‬ ‫يعلن أن املوت هو نصيب العصاة‪ .‬صليب املسيح وحده هو الذي يستطيع‬ ‫أن يحرر اإلنسان من دينونة الخطيئة ونجاستها‪ .‬لذا ينبغي له أن يتوب إىل‬ ‫الله الذي قد تعدى عىل رشيعته ويؤمن باملسيح الذي هو ذبيحته الكفارية‪.‬‬


‫السالم الحقيقي‬

‫وهكذا ينال "غفراناً" لخطاياه السالفة" (رومية ‪ )25 :3‬ويغدو ابناً لله‪.‬‬

‫‪59‬‬

‫لوثر يوضح إيجاد الغفران والخالص ‪ -‬هذا وإن رغبة لوثر‬ ‫ ‬ ‫الحارة يف التحرر من الخطيئة والحصول عىل السالم مع الله قادته إىل تكريس‬ ‫نفسه لحياة الرهبنة‪ .‬وقد طُلب منه مامرسة أحط ألوان الكدح املذل فكان‬ ‫يذهب من بيت إىل بيت مستجدياً أهل اإلحسان‪ .‬وتحمل اإلذالل بصرب إذ كان‬ ‫يعتقد أنه رضوري له بسبب خطاياه‪.‬‬ ‫وعاش عيشة غاية يف الرصامة‪ ،‬محاوال بواسطة الصوم والصلوات أن‬ ‫ ‬ ‫يقهر رش طبيعته‪ .‬وقال فيام بعد‪" :‬لقد كنت يف الحق راهباً تقياً واتبعت‬ ‫قوانني رهبانيتي بدقة أعجز عن التعبري عنها‪ .‬ولو أُعطي لراهب أن يرث السامء‬ ‫بأعامل النسك التي ميارسها لكان يل الحق يف امتالكها‪ ...‬ولو استمريت عىل ذلك‬ ‫مدة أطول ألودى يب قمع الجسد وإذالل النفس إىل املوت‪ 2".‬ولكن مع كل تلك‬ ‫الجهود مل تجد نفسه املثقلة راحة‪ .‬وأخريا ً انساق إىل حافة اليأس‪.‬‬ ‫عندما بدا للوثر أن كل أمله قد ضاع دبر له الله صديقاً ومعيناً‪ .‬ذلك‬ ‫ ‬ ‫أن ستوݒتز فتح ذهن لوثر أمام كلمة الله وأمره بأن يحول نظره بعيدا ً عن‬ ‫نفسه وينظر إىل يسوع‪ .‬ثم قال له‪" :‬بدالً من تعذيب نفسك ألجل خطاياك ألق‬ ‫بنفسك بني ذراعي الفادي‪ .‬ثق به‪ ،‬يف بر حياته وكفارته وموته‪ ...‬أصغ إىل ابن‬ ‫الله‪ ...‬الذي صار إنساناً ليمنحك يقني الرىض اإللهي"‪" .‬أحب ذاك الذي أحبك‬ ‫قبالً"‪ .3‬فأثر كالمه يف عقل لوثر تأثريا ً عميقاً‪ ،‬فحل السالم يف نفسه املضطربة‪.‬‬ ‫وبعد ذلك س ُمع صوته من املنرب وهو يوجه اىل سامعيه إنذارا ً حارا ً‬ ‫ ‬ ‫مقدسا‪ .‬وقد رشح للشعب ان الخطيئة كريهة جدا‪ ،‬وعلمهم انه يستحيل عىل‬ ‫االنسان بأعامله ان يقلل من جرمها أو يفلت من قصاصها‪ .‬وال يشء يخلص‬ ‫‪ . 2‬ج‪ .‬هـ‪ .‬مرييل دي أوبنج‪ ،‬تاريخ اإلصالح يف القرن السادس عرش‪ ،‬مجلد ‪ ،2‬الفصل الثالث‪.‬‬ ‫‪ . 3‬املرجع نفسه‪ ،‬مجلد ‪ ،2‬الفصل الرابع‪.‬‬


‫‪60‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫الخاطئ غري التوبة اىل الله واالميان باملسيح‪ .‬ونعمة املسيح ال ميكن رشاؤها‪،‬‬ ‫فهي هبة مجانية‪ .‬ثم نصح الشعب بأال يشرتوا صكوك الغفران بل ان ينظروا‬ ‫باإلميان اىل الفادي املصلوب‪ .‬واخربهم عن اختباره املؤمل املرير واكد لسامعيه‬ ‫انه قد حصل عىل السالم والفرح لكونه رصف نظره عن نفسه وآمن باملسيح‪.‬‬ ‫هل يجعلنا الغفران يف ِحلٍ من الطاعة؟ ‪ -‬فهل هو حر اآلن‬ ‫ ‬ ‫ليتعدى رشيعة الله؟ يقول بولس "أفنبطل الناموس باإلميان؟ حاشا بل نثبت‬ ‫الناموس"‪ " .‬نحن الذين متنا عن الخطيئة كيف نعيش بعد فيها؟ " ‪ :‬ويوحنا‬ ‫يعلن قائال‪" :‬هذه هي محبة الله أن نحفظ وصاياه ووصاياه ليست ثقيلة"‪.‬‬ ‫وعندما يولد اإلنسان ثانية يصري القلب يف حالة وفاق مع الله ومع رشيعته‪.‬‬ ‫فعندما يحدث هذا التبدل يف الخاطئ ينتقل من املوت إىل الحياة ومن التعدي‬ ‫والعصيان إىل الطاعة والوالء‪ .‬لقد انتهت حياته القدمية وبدأت الحياة الجديدة‪،‬‬ ‫حياة املصالحة واإلميان واملحبة‪ .‬حينئذ "يتم حكم (بر) الناموس فينا نحن‬ ‫السالكني ليس حسب الجسد بل حسب الروح"‪ .‬وحينئذ ستكون لغة النفس‬ ‫شي َعتَ َك! الْ َي ْو َم كُلَّ ُه ِه َي لَ َهجِي" (رومية ‪31 :3‬؛ ‪2 :6‬؛‬ ‫هي هذه‪" :‬كَ ْم أَ ْح َب ْب ُت َ ِ‬ ‫‪1‬يوحنا ‪3 :5‬؛ مزمور ‪.)97 :119‬‬ ‫من دون ناموس الله ال يدرك الناس خطاياهم وال يحسون بحاجتهم‬ ‫ ‬ ‫إىل التوبة‪ .‬واإلنسان يقبل رجاء الخالص من دون تغيري جوهري يف القلب أو‬ ‫إصالح للحياة‪ .‬وهكذا تكرث هدايات سطحية وتنضم جامهري غفرية ممن مل‬ ‫يرتبطوا باملسيح أبدا ً إىل الكنيسة‪.‬‬

‫ ‬

‫ما هو التقديس؟ ‪ -‬تنشأ النظريات الخاطئة عن التقديس أيضاً من‬


‫السالم الحقيقي‬

‫‪61‬‬

‫إهامل أو نبذ رشيعة الله‪ .‬وتلقى هذه النظريات‪ ،‬الزائفة والكاذبة يف العقيدة‬ ‫والخطرة يف العواقب العملية‪ ،‬استحساناً بصفة عامة‪.‬‬ ‫يعلن الرسول بولس‪" :‬ألن هذه هي إرادة الله قداستكم"‪ .‬ويعلمنا‬ ‫ ‬ ‫الكتاب تعليامً واضحاً ماهية التقديس وكيفية الوصول إليه‪ .‬لقد صىل املخلص‬ ‫ألجل تالميذه قائالً‪" :‬قَ ِّد ْس ُه ْم ِف َحق َِّك‪ .‬كَالَ ُم َك ُه َو َحق"‪ .‬وبولس يعلمنا قائالً‬ ‫أن عىل املؤمن أن يكون "مقدساً بالروح القدس" (‪1‬تسالونييك ‪3 :4‬؛ يوحنا ‪:17‬‬ ‫‪17‬؛ رومية ‪.)16 :15‬‬ ‫وما هو عمل الروح القدس؟ لقد أخرب يسوع تالميذه قائالً‪" :‬ومتى‬ ‫ ‬ ‫جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إىل جميع الحق" (يوحنا ‪ .)13 :16‬وصاحب‬ ‫املزامري يقول‪" :‬رشيعتك حق"‪ .‬ومبا أن رشيعة الله "مقدسة وعادلة وصالحة"‬ ‫فإن األخالق التي تتكون بالطاعة لتلك الرشيعة ال بد أن تكون أيضاً مقدسة‪.‬‬ ‫واملسيح هو املثال الكامل لتلك األخالق فهو يقول‪" :‬إين قد حفظت وصايا‬ ‫أيب"‪" .‬يف كل حني أفعل ما يرضيه" (يوحنا ‪10 :15‬؛ ‪ .)29 :8‬وعىل أتباع املسيح‬ ‫أن يكونوا مثله‪ .‬وبنعمة الله عليهم أن تكون لهم صفات متفقة مع مبادئ‬ ‫رشيعته املقدسة‪ .‬وهذا هو التقديس حسب تعليم الكتاب املقدس‪.‬‬ ‫باإلميان فقط ‪ -‬وميكن انجاز هذا العمل بواسطة االميان باملسيح‬ ‫ ‬ ‫فقط وبواسطة قوة روح الله الساكن يف القلب‪ .‬سيحس املسيحي بنوازع‬ ‫الخطيئة لكنه سيثري عليها حربا دامئة ال هوادة فيها‪ .‬هذا هو الوقت الذي فيه‬ ‫يحتاج املؤمن اىل معونة املسيح‪ ،‬فيتحد الضعف البرشي بالقوة االلهية ويهتف‬ ‫االميان قائال ‪ ":‬شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع املسيح" (‪1‬كورنثوس‬ ‫‪.)57 :15‬‬


‫‪62‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫إن عمل التقديس مرحيل‪ .‬فإذ يجد الخاطئ يف التجديد سالماً مع الله‬ ‫ ‬ ‫تكون الحياة املسيحية قد بدأت‪ .‬وعليه اآلن أن يتقدم "إىل الكامل"‪ .‬وينمو "إىل‬ ‫قياس قامة ملء املسيح"‪" ،‬أسعى نحو الغرض ألجل جعالة دعوة الله العليا يف‬ ‫املسيح يسوع" (عربانيني ‪1 :6‬؛ أفسس ‪13 :4‬؛ فيلبي ‪.)14 :3‬‬ ‫إن الذين يختربون التقديس الكتايب سيظهرون روح الوداعة‪ .‬فهم قد‬ ‫ ‬ ‫رأوا عظمة جالل القداسة ويرون عدم استحقاقهم عىل نقيض طهارة االله‬ ‫الرسمدي وكامله السامي‪ .‬كان النبي دانيال مثاال للتقديس الحقيقي فبدال من‬ ‫أن يدعي لنفسه الطهارة والقداسة اعترب نفسه واحدا من بني ارسائيل الخطأة‬ ‫عندما كان يتوسل ألجل شعبه‪( .‬دانيال ‪11 :10‬؛ ‪15 :9‬و ‪18‬و ‪20‬؛ ‪8 :10‬و ‪.)11‬‬ ‫ال ميكن للذين يسريون يف ظل الصليب أن ميجدوا أنفسهم أو يدعوا‬ ‫ ‬ ‫أنهم قد تحرروا من الخطيئة‪ .‬فهم يحسون بأن خطيئتهم هي التي تسببت يف‬ ‫اآلالم والعذابات التي سحقت قلب ابن الله‪ ،‬وهذا الفكر يقودهم اىل التذلل‬ ‫واالنسحاق‪ .‬والذين هم أقرب الناس اىل يسوع يدركون كل االدراك ضعف‬ ‫البرشية ورشها‪ ،‬وان رجاءهم الوحيد هو يف استحقاق مخلصهم املصلوب‬ ‫واملقام‪.‬‬ ‫ان التقديس الذي ينال شهرة اآلن يف عامل الدين يحمل معه روح‬ ‫ ‬ ‫متجيد الذات واالستخفاف برشيعة الله مام يجعله يختلف عن ديانة الكتاب‪.‬‬ ‫والذين يدافعون عنه يعلِّمون الناس قائلني ان التقديس هو عمل لحظة‬ ‫بواسطته يحصلون عىل القداسة الكاملة باإلميان وحده‪ .‬وهم يقولون‪" :‬آمن‬ ‫فقط فتحصل عىل الربكة"‪ .‬ويظنون أنه ال يُطلب ممن ينال هذه الربكة أن‬ ‫يبذل أي مجهود بعد ذلك‪ .‬وهم يف الوقت نفسه ينكرون سلطان رشيعة الله‬ ‫ويحتجون قائلني انهم قد تحرروا من التزام حفظ الوصايا‪ .‬ولكن أميكن للناس‬


‫السالم الحقيقي‬

‫‪63‬‬

‫أن يكونوا قديسني طبقا ملشيئة الله وصفاته من دون أن يكونوا يف حالة وفاق‬ ‫مع املبادئ التي هي تعبري عن طبيعته ومشيئته؟‬ ‫إن شهادة كلمة الله هي ضد هذا التعليم املعرقل تعليم االميان من‬ ‫ ‬ ‫دون أعامل‪ .‬فليس االميان هو الذي يطالب برىض السامء من دون االمتثال‬ ‫للرشوط التي عىل أساسها تُ نح الرحمة‪ ،‬بل هي الغطرسة‪ .‬انظر يعقوب ‪14 :2‬ـ‬ ‫‪.24‬‬ ‫ال يخدع َّن أحد نفسه باالعتقاد أنه ميكنه أن يكون قديسا يف حني أنه‬ ‫ ‬ ‫يتعمد التعدي عىل مطلب واحد من مطالب الله‪ .‬فارتكاب خطيئة معروفة‬ ‫يسكت صوت الروح الشاهد ويفصل النفس عن الله‪ .‬ان يوحنا مع أنه يتكلم‬ ‫كثريا عن املحبة يف رسائله فانه ال يرتدد يف الكشف عن الصفة الحقيقية لتلك‬ ‫الفئة من الناس الذين يدعون أنهم قد تقدسوا يف حني أنهم عائشون يف حال‬ ‫التعدي عىل رشيعة الله فيقول‪" :‬من قال قد عرفته وهو ال يحفظ وصاياه‬ ‫فهو كاذب وليس الحق فيه ‪ .‬وأما من حفظ كلمته فحقا يف هذا قد تكملت‬ ‫محبة الله" (‪1‬يوحنا ‪4 :2‬و ‪ .)5‬هذا هو اختبار إعالن اإلميان لكل فرد‪ .‬فاذا‬ ‫استخف الناس بالرشيعة االبدية وحقروا من شأن وصايا الله ونقضوا احدى‬ ‫هذه الوصايا الصغرى "وعلموا الناس هكذا" (متى ‪18 :5‬و ‪ .)19‬فلن يكون لهم‬ ‫أي اعتبار يف نظر السامء‪ .‬ونعرف نحن أن ادعاءاتهم كانت عىل غري أساس‪.‬‬ ‫وادعاء االنسان انه بال خطيئة هو يف حد ذاته برهان عىل أن َمن يقدم‬ ‫ ‬ ‫هذا االدعاء بعيد كل البعد من القداسة‪ .‬وذلك ألنه ال يدرك ادراكا حقيقيا‬ ‫طهارة الله وقداسته غري املحدودة‪ ،‬وألنه ال يدرك خبث الخطيئة ورشها‪ .‬وكلام‬ ‫زاد ابتعاده عن املسيح كلام بدا بارا ً جدا ً يف عيني نفسه‪.‬‬


‫‪64‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫التقديس وفقاً للكتاب املقدس ‪ -‬يتناول التقديس املقدم إلينا يف‬ ‫ ‬ ‫الكتاب املقدس كيان اإلنسان كله‪ ،‬يف الروح والنفس والجسد (انظر ‪1‬تسالونييك‬ ‫‪ .)23 :5‬يُطلب من املسيحيني أن يقدموا أجسادهم "ذبيحة حية مقدسة مرضية‬ ‫عند الله" (رومية ‪ .)1 :12‬فكل عمل من شأنه أن يضعف قوى الجسد أو العقل‬ ‫يجعل اإلنسان غري أهل لخدمة الله خالقه‪ .‬فالذين يحبون الله من كل القلب‬ ‫سيكونون عىل الدوام راغبني يف أن يجعلوا كل قوى كيانهم يف حالة وفاق مع‬ ‫القوانني التي تزيد من قدرتهم عىل عمل إرادته‪ .‬إنهم لن يجعلوا االنغامس يف‬ ‫الشاهية أو الشهوات وسيلة إضعاف أو تدنيس للقربان الذي يريدون تقدميه‬ ‫إىل أبيهم الساموي‪.‬‬ ‫فكل متتُّع خاطئ يعمل عىل تخدير القوى وإماتة االحاسيس الذهنية‬ ‫ ‬ ‫والروحية‪ ،‬فال تستطيع كلمة الله أو روحه أن تؤِثر يف القلب اال بقدر ضئيل‬ ‫جدا‪ .‬وبولس كتب يقول ألهل كورنثوس‪" :‬لنط ِّهر ذواتنا من كل دنس الجسد‬ ‫والروح مكملني القداسة يف خوف الله" (‪2‬كورنثوس ‪.)7 :1‬‬ ‫ما أكرث املعرتفني باملسيحية والذين يحطون ِمن قدر انسانيتهم الجليلة‬ ‫ ‬ ‫املجيدة باالنغامس يف النهم والرشاهة ورشب الخمر أو التمتع باملرسات‬ ‫املحرمة‪ .‬والكنيسة يف غالب األحيان تشجع الرش ليك متأل باملال خزانتها‪ ،‬ألن‬ ‫محبتها للمسيح هي أضعف من أن متألها‪ .‬ولو قُ ِّيض ليسوع أن يدخل كنائس‬ ‫اليوم ويرى الوالئم والتجارة النجسة التي تدار باسم الدين أما كان يطرد اولئك‬ ‫املنجسني كام قد طرد الصيارفة من الهيكل؟‬ ‫"أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم‬ ‫ ‬ ‫الذي لكم من الله‪ .‬وإنكم لستم ألنفسكم‪ .‬ألنكم قد اشرتيتم بثمن‪ .‬فمجدوا‬ ‫الله يف أجسادكم ويف أرواحكم التي هي لله" (‪1‬كورنثوس ‪19 :6‬و ‪ .)20‬إن ذاك‬


‫السالم الحقيقي‬

‫‪65‬‬

‫الذي جسده هيكل للروح القدس لن تستعبده عادة وبيلة‪ .‬فكل قواه هي‬ ‫مبرا وهو يبذر رأس املال هذا املو َدع‬ ‫للمسيح‪ .‬وامالكه هي للرب‪ .‬وكيف يكون َّ‬ ‫امانة بني يديه؟‬ ‫إن املعرتفني باملسيح ينفقون كل عام مبلغاً ضخامً عىل املالذ العدمية‬ ‫ ‬ ‫النفع والوبيلة‪ .‬لقد سلَ ْبنا الله يف العشور والتقدمة بينام نحن نحرق عىل مذبح‬ ‫الشهوة املهلِكة أكرث مام نقدم إلسعاف املساكني أو لنرش رسالة االنجيل‪ .‬لو‬ ‫كان كل املعرتفني بأنهم أتباع املسيح مق َّدسني بالحق لكانت أموالهم‪ ،‬بدال من‬ ‫أن ترصف يف متتعات باطلة ال داعي لها بل وضارة‪ ،‬تتحول اىل خزانة الرب‪،‬‬ ‫ولكان املسيحيون يرضبون أروع االمثلة عىل التعفف وانكار الذات والتضحية‪.‬‬ ‫وحينئذ يصبحون نورا للعامل‪.‬‬ ‫إن "شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم املعيشة" (‪1‬يوحنا ‪)16 :2‬‬ ‫ ‬ ‫تتحكم يف جامهري الناس وتسيطر عليهم‪ .‬أما أتباع املسيح فلهم دعوة أقدس‪:‬‬ ‫"اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب وال متسوا نجساً"‪ .‬ولكل َمن ينصاعون‬ ‫يقدم الرب إليهم هذا الوعد‪" :‬فَأَقْ َبلَ ُك ْم‪َ ،‬وأَكُو َن لَ ُك ْم أَبًا‪َ ،‬وأَنْتُ ْم تَكُونُو َن ِل بَ ِن َني‬ ‫َوبَ َن ٍ‬ ‫ات‪ ،‬يَق ُ‬ ‫ش ٍء" (‪2‬كورنثوس ‪17 :6‬و ‪.)18‬‬ ‫ُول ال َّر ُّب‪ ،‬الْقَا ِد ُر َع َل ك ُِّل َ ْ‬ ‫دخول مبارش إىل محرض الله ‪ -‬ان كل خطوة من خطوات االميان‬ ‫ ‬ ‫والطاعة ت ُدخل النفس اىل ارتباط أقرب وأوثق بنور العامل‪ .‬أشعة شمس الرب‬ ‫املتألقة ترشق عىل عبيد الله‪ ،‬وعليهم هم أن يعكسوا أشعة نوره‪ .‬فكام تخربنا‬ ‫النجوم أن هنالك يف السامء نورا عظيام تستنري هي و تنري بنوره‪ ،‬كذلك يجب‬ ‫عىل املسيحيني أن يجعلوا االمر واضحا وجليا انه يوجد اله عىل عرش الكون‬ ‫تستحق صفاته أن ميجدها الناس ويتمثَّلوا بها‪ .‬ان قداسة صفاته ستبدو جلية‬


‫‪66‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫واضحة يف حياة شهوده‪.‬‬ ‫ان لنا يف استحقاقات املسيح دخوال اىل عرش القدرة االزيل‪ .‬فذاك‬ ‫ ‬ ‫"الذي مل يشفق عىل ابنه بل بذله ألجلنا أجمعني كيف ال يهبنا أيضاً معه كل‬ ‫يشء"‪ .‬يقول يسوع‪" :‬إن كنتم وأنتم أرشار تعرفون أن تعطوا أوالدكم عطايا‬ ‫جيدة فكم بالحري اآلب الذي من السامء يعطي الروح القدس للذين يسألون"‪،‬‬ ‫"إذا سألتم شيئاً بأسمي فإين أفعله"‪" ،‬أطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كامالً"‬ ‫(رومية ‪32 :8‬؛ لوقا ‪13 :11‬؛ يوحنا ‪14 :14‬؛ ‪.)24 :16‬‬ ‫انه المتياز ان يحيا كل انسان بحيث يرىض الله عنه ويباركه‪ .‬فاآلب‬ ‫ ‬ ‫الساموي ال يريد أن نقع تحت الدينونة والظلمة‪ .‬وليس من دالئل الوداعة‬ ‫الحقة أ ْن يسري االنسان مطأطئ الرأس وقلبه‬ ‫ممتلئ بأفكار ذاتية‪ .‬ميكننا أن نذهب اىل يسوع‬ ‫ونتطهر ونقف أمام الرشيعة بال عار أو حزن‪.‬‬ ‫يف املسيح ميكن ألبناء آدم الساقطني أن‬ ‫ ‬ ‫يصريوا أبناء الله‪ .‬وهو "ال يستحي أن يدعوهم‬ ‫أخوة" (عربانيني ‪ .)11 :2‬ينبغي أن تكون حياة‬ ‫املسيحي حياة اإلميان والنرصة والفرح يف الرب‪.‬‬ ‫"فرح الرب هو قوتكم" "افرحوا كل حني‪ .‬صلوا بال انقطاع‪ .‬اشكروا يف كل يشء‬ ‫ألن هذه هي مشيئة الله يف املسيح يسوع من جهتكم" (عربانيني ‪11 :2‬؛ نحميا‬ ‫‪10 :8‬؛ ‪1‬تسالونييك ‪16 :5‬ـ ‪.)18‬‬ ‫هذه هي مثار التجديد والتقديس كام هي ورادة يف الكتاب املقدس‪،‬‬ ‫ ‬ ‫ولكن نادرا ً ما تُشا َهد مثارها ألن مبادئ الرب العظيمة املقدمة يف رشيعة الله‬ ‫تقابل من العامل املسيحي بعدم اكرتاث وبإهامل معيب‪ .‬وهذا هو السبب الذي‬


‫السالم الحقيقي‬

‫‪67‬‬

‫ألجله ال يظهر إال القليل جدا ً من ذلك العمل العميق الباقي‪ ،‬عمل روح الله‬ ‫الذي كان طابع االنتعاشات التي حدثت يف السنني السالفة‪.‬‬ ‫اننا نتغري بالنظر واملشاهدة‪ .‬ومبا ان تلك الوصايا املقدسة التي فيها‬ ‫ ‬ ‫كشف الله للناس عن كامل صفاته وقداستها قد أُهملت‪ ،‬بينام التعاليم‬ ‫والنظريات البرشية اجتذبت عقول الناس‪ ،‬فال غرابة أن يتبع ذلك تدهور يف‬ ‫التقوى الحيوية يف الكنيسة‪ .‬اننا عندما نعيد لرشيعة الله كرامتها ونضعها يف‬ ‫مركزها الرشعي الالئق بها ينتعش االميان القديم والتقوى القدمية بني املعرتفني‬ ‫بأنهم شعب الله‪.‬‬


‫حصننا‬

‫الوحيد‬

‫يُو َّجه شعب الله اىل الكتاب كحافظ لهم من تأثري املعلمني الكذبة‬ ‫ ‬ ‫وقوة أرواح الظلمة املضلة‪ .‬ويستخدم الشيطان كل حيلة ممكنة ليحول بني‬ ‫الناس وحصولهم عىل معرفة الكتاب‪ .‬ويف كل انتعاش لعمل الله ينهض سلطان‬ ‫الرش ليبذل جهدا اعظم ونشاطا أوفر‪ .‬وسيكون تقليده دقيقا جدا بحيث يشبه‬ ‫الحقيقي‪ ،‬وهكذا يستحيل التمييز بني االثنني إال بواسطة الكتاب املقدس‪.‬‬ ‫سيتعرض الذين يحاولون اطاعة كل وصايا الله للمقاومة والسخرية‬ ‫ ‬ ‫وليك يحتملوا التجربة املقبلة يجب عليهم ان يفهموا ارادة الله كام هي معلنة‬ ‫يف كلمته‪ .‬ويستطيعون اكرامه فقط بقدر ما يكون عندهم ادراك صحيح‬ ‫لصفاته وحكمه ومقاصده ويعملون طبقا لها‪ .‬وليس غري الذين قد حصنوا‬ ‫عقولهم بحقائق الكتاب يثبتون يف هذا الرصاع االخري العظيم‪.‬‬ ‫أوضح املخلص لتالميذه قبل صلبه انه س ُيقتل ويقوم ثانية من القرب‪.‬‬ ‫ ‬ ‫وكان املالئكة حارضين لريسخوا هذه االقوال يف عقولهم وقلوبهم‪ .‬لكن األقوال‬ ‫غابت عن أذهانهم‪ .‬وعندما جاء وقت التجربة وجدهم عىل غري استعداد‪ .‬ان‬ ‫موت يسوع قد حطم آمالهم بالتامم كام لو مل يكن قد سبق فأنذرهم‪ .‬كذلك‬ ‫يف النبوات نجد املستقبل واضحا أمامنا بكل جالء كام كان واضحا أمام التالميذ‪.‬‬ ‫لكن جامهري من الناس ال يدركون من هذه الحقائق املهمة أكرث مام لو مل تكن‬


‫حصننا الوحيد‬

‫‪69‬‬

‫قد أعلنت ‪.‬‬ ‫عندما يرسل الله اىل العامل انذارات فانه يطلب من كل انسان موهوب‬ ‫ ‬ ‫بقوى التفكري والتعقل ان يلتفت اىل الرسالة ويعيها‪ .‬إن الرضبات املخيفة‬ ‫املقيض بها ضد عبادة الوحش وصورته (انظر رؤيا ‪9 :14‬ـ ‪ )11‬ينبغي أن تقود‬ ‫الكل لدرس النبوات باجتهاد ليتعلموا ما هي سمة الوحش وكيف ميكنهم‬ ‫تجنب قبولها‪* .‬لكن جامهري الناس ال يريدون الحق الكتايب ألنه يتدخل يف‬ ‫رغبات القلب الخاطئ ‪ ،‬والشيطان يقدم اليهم املخاتالت واملخادعات التي‬ ‫يحبونها ‪.‬‬ ‫لك ّن الله سيكون له عىل االرض شعب يحفظون الكتاب املقدس‬ ‫ ‬ ‫والكتاب املقدس وحده‪ ،‬كمقياس لكل التعاليم وأساس كل االصالحات‪ .‬فال آراء‬ ‫العلامء أو استنتاجات العلم وال عقائد املجامع الكنسية أو قراراتها وال صوت‬ ‫االغلبية كل هذه ال ينبغي اعتبارها‪ ،‬منفردة أو مجتمعة‪ ،‬برهانا يف جانب أي‬ ‫فقرة من العقيدة الدينية أو ضدها‪ .‬ينبغي أن نسأل ما اذا كان مستندا اىل قول‬ ‫الرب أم ال‪ .‬وهل هو يبدأ بالقول‪" :‬هكذا قال الرب"‪ .‬يحاول الشيطان دامئا أن‬ ‫يجعل الناس يتطلعون اىل االساقفة والرعاة وأساتذة الالهوت كمرشدين لهم‬ ‫بدال من ان يفتشوا الكتب ألنفسهم‪ .‬وإذ يسيطر الشيطان عىل عقول هؤالء‬ ‫القادة ميكنه أن يؤثر يف الجامهري‪.‬‬ ‫عندما جاء املسيح ليتكلم بكالم الحياة سمعه عامة الشعب برسور‪.‬‬ ‫ ‬ ‫لك ّن رئيس الكهنة وقادة االمة عقدوا العزم عىل التعصب ورفضوا انصع الرباهني‬ ‫عىل كونه مسيا‪ .‬وقد تساءل الناس قائلني‪" :‬كيف ال يؤمن رؤساؤنا وكتبتنا‬ ‫العلامء بيسوع؟ أما كان هؤالء القوم االتقياء يقبلونه لو كان هو املسيح؟" إن‬ ‫نفوذ مثل هؤالء املعلمني هو الذي قاد االمة اليهودية اىل رفض فاديها‪.‬‬ ‫* يتم تناول هذا املوضوع يف الفصل ‪ 38‬من كتاب الرصاع العظيم‪.‬‬


‫‪70‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫متجيد السلطة البرشية ‪ -‬لقد كانت للمسيح بصرية النبي فرأى‬ ‫ ‬ ‫عمل تعظيم السلطة البرشية للسيطرة عىل الضامئر‪ ،‬األمر الذي كان لعنة يف‬ ‫كل العصور‪ .‬وإنذاراته التي وجهها إىل الشعب حتى ال يتبعوا أولئك القادة‬ ‫العميان إمنا سجلت إلنذار األجيال املقبلة‪.‬‬ ‫تحتفظ كنيسة روما لالكلريوس بحق تفسري الكتاب املقدس‪ .‬ومع‬ ‫ ‬ ‫ان االصالح قدم الكتاب اىل الجميع فان املبدأ نفسه الذي سارت عليه روما‬ ‫مينع جموعا غفرية يف الكنائس الربوتستانتية من تفتيش الكتاب ألنفسهم‪.‬‬ ‫لقد تعلموا ان يقبلوا تعاليمها كام قد فرستها الكنيسة‪ ،‬ويوجد آالف ممن ال‬ ‫يجرؤون عىل قبول يشء يناقض عقيدتهم أو تعليم كنيستهم الثابت‪.‬‬ ‫فان كثريين مستعدون هكذا ألن يستودعوا حفظ أرواحهم بني‬ ‫ ‬ ‫أيدي رجال االكلريوس‪ .‬إنهم ميرون بتعاليم املخلص مر الكرام حتى يكادون‬ ‫ال يالحظونها‪ ،‬ولكن هل الخدام معصومون؟ وكيف نستأمنهم عىل ارشاد‬ ‫نفوسنا ما مل نعلم من كلمة الله انهم حاملو مشعل النور؟ ان انعدام الشجاعة‬ ‫االدبية يجعل كثريين يسريون يف اثر خطوات العلامء‪ ،‬وبنفورهم من الفحص‬ ‫واالستقصاء بأنفسهم وألنفسهم يصريون مكبلني يف سالسل الضالل‪ .‬انهم يرون‬ ‫ان الحق الخاص بهذا العرص مكشوف للعيان بكل وضوح يف الكتاب ويحسون‬ ‫بقوة الروح القدس مرافقا إلعالنه‪ ،‬اال انهم يسمحون ملقاومة االكلريوس بان‬ ‫تبعدهم عن النور ‪.‬‬ ‫يستحوذ الشيطان عىل جامهري كثرية لنفسه اذ يربطهم بخيوط‬ ‫ ‬ ‫حريرية‪ ،‬خيوط املحبة ملن هم أعداء صليب املسيح‪ .‬وميكن لهذا االرتباط أن‬ ‫املمسكة‬ ‫يكون ارتباط اآلباء أو األبناء أو األزواج أو ارتباطاً اجتامعياً‪ .‬والنفوس َ‬ ‫تحت سلطتهم ليست لديها الشجاعة الكافية أو االستقالل إلطاعة اقتناعها‬


‫حصننا الوحيد‬

‫‪71‬‬

‫بالواجب‪.‬‬ ‫كثريون يدعون قائلني انه ال يهم ما الذي يعتقده االنسان اذا كانت‬ ‫ ‬ ‫حياته حياة مستقيمة‪ .‬لك ّن العقيدة هي التي تشكل الحياة‪ .‬فاذا كان النور‬ ‫والحق يف متناول ايدينا ونحن نهمل االستفادة من ميزات استامعه ورؤيته فإننا‬ ‫يف الواقع نرفضه‪ ،‬ونحن نختار الظلمة ونفضلها عىل النور‪.‬‬ ‫ليس الجهل عذرا عن الضالل أو الخطيئة فيام كل الفرص ماثلة أمام‬ ‫ ‬ ‫االنسان ليعرف ارادة الله‪ .‬ها رجل مسافر يأيت اىل مكان به طرق متشعبة كثرية‬ ‫وتوجد عىل جانب الطريق الفتة تشري اىل نهاية كل طريق‪ .‬فإذا هو أغفل تلك‬ ‫الالفتة واتخذ اي طريق يرتاءى له انه صواب‪ ،‬فقد يكون مخلصا متام االخالص‬ ‫ولكن من املرجح أن يجد نفسه سائرا يف طريق مخطئ غري الذي يريده‪.‬‬ ‫الواجب األول واألهم ‪ -‬ال يكفي ان تكون نوايا االنسان صالحة‪،‬‬ ‫ ‬ ‫وال يكفي ان نفعل ما نظنه صوابا وال ما يقول الخادم عنه انه صواب‪ .‬وعليه‬ ‫أن يفتش الكتب لنفسه‪ .‬ان لديه خارطة تشري اىل كل عالمة من معامل الطريق‬ ‫يف سياحته اىل السامء ‪ ،‬وينبغي اال يخمن من جهة أي يشء‪.‬‬ ‫ان أول واجب واعظمه عىل كل كائن عاقل هو ان يتعلم من الكتاب‬ ‫ ‬ ‫ما هو الحق ثم يسري يف النور ويشجع اآلخرين عىل التمثل به‪ .‬وعلينا مبساعدة‬ ‫الله أن نك ِّون آراءنا ألنفسنا اذ ان علينا ان نجيب عن انفسنا امام الله‪.‬‬ ‫إن العلامء لكونهم ي َّدعون ادعاءات عظيمة بأنهم علامء وحكامء فهم‬ ‫ ‬ ‫يعلمون الناس بأن للكتاب معنى غامضاً خفياً روحياً ال يظهر يف لغته الحالية‪.‬‬ ‫هؤالء القوم معلمون كذبة‪ .‬ان لغة الكتاب ينبغي رشحها طبقاً ملعناها الواضح‬ ‫ما مل يكن هنالك رمز أو استعارة‪ .‬فلو اخذ الناس الكتاب كام يُقرأ المكن‬


‫‪72‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫انجاز عمل يُفرح قلوب املالئكة ويضم اىل حظرية املسيح آالفا فوق آالف ممن‬ ‫يهيمون اآلن يف تيه الضالل‪.‬‬ ‫كثريا ما يكون هنالك فصل من الكتاب يقول عنه العلامء انه غامض او‬ ‫ ‬ ‫ميرون به مرورا رسيعا اذ يعتربونه عديم االهمية ولكنه يكون مملوءا بالعزاء‬ ‫والتعليم ملن قد تعلم يف مدرسة املسيح‪ .‬ادراك حق الكتاب ال يتوقف باألكرث‬ ‫عىل قوة الذهن الذي يستخدم يف البحث كام عىل توحيد القصد وبساطته‪،‬‬ ‫والرغبة والشوق الحار يف طلب الرب‪.‬‬ ‫نتائج تجاهل الصالة ودراسة الكلمة ‪ -‬ينبغي اال ندرس الكتاب‬ ‫ ‬ ‫من دون صالة‪ .‬فالروح القدس وحده هو الذي يستطيع ان يجعلنا نشعر‬ ‫بأهمية تلك االشياء التي يسهل فهمها أو مينعنا من تحريف الحقائق التي‬ ‫يصعب علينا ادراكها‪ .‬ان عمل مالئكة السامء‬ ‫هو اعداد القلب بحيث يفهم كلمة الله ليك‬ ‫يسحر جاملها قلوبنا ونحيا وننتعش ونتقوى‬ ‫مبواعيدها‪ .‬ليقابل الشيطان بسالح الكتاب‪.‬‬ ‫فالتجارب يف غالب األحيان تبدو كأنها ال تُ ْغلَب‬ ‫ألن امل ُ َج َّرب بسبب إهامله الصالة ودرس الكتاب‬ ‫ال يستطيع أن يتذكر مواعيد الله برسعة ويقابل‬ ‫الشيطان بسالح الكتاب‪ .‬لك ّن املالئكة يعسكرون حول الذين يرغبون يف تعلم‬ ‫امور الله‪ ،‬ويف وقت الحرج والحاجة العظمى ي ُنجدون ذاكرتهم بالحقائق ذاتها‬ ‫التي يحتاجون إليها‪.‬‬ ‫" وأما املعزي الروح القدس الذي سريسله اآلب باسمي فهو يعلمكم كل يشء‬


‫حصننا الوحيد‬

‫‪73‬‬

‫ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يوحنا ‪ .)26 :4:14‬ولكن ينبغي قبل ذلك ان ندخر‬ ‫تعاليم املسيح يف اذهاننا حتى يذكرنا بها روح الله يف وقت الخطر‪.‬‬ ‫ومصري االرض مبن يعيشون عليها والذين يتكاثرون كل يوم موشك‬ ‫ ‬ ‫ان يتقرر‪ .‬وعىل كل تابع للمسيح ان يسأل بكل غرية قائال‪ " :‬ماذا تريد يا رب‬ ‫ان افعل؟" (أعامل ‪ .)6 :9‬علينا اآلن ان نطلب اختبارا عميقا حيا ألمور الله‪ .‬مل‬ ‫يبق لدينا وقت نضيعه وال برهة واحدة‪ .‬ونحن يف أرض الشيطان املسحورة‪ .‬فال‬ ‫تناموا يا حراس الله‪.‬‬ ‫كثريون يهنئون أنفسهم عىل األخطاء التي ال يرتكبونها‪ .‬فال يكفي ان‬ ‫ ‬ ‫يكونوا اشجارا يف جنة الله بل عليهم ان يحققوا انتظاراته يف االتيان بثمر‪ .‬ففي‬ ‫اسفار السامء مسجل ضدهم انهم معطِّلون ومبطلون لألرض‪ .‬ان قلب املحبة‬ ‫املتأين الصبور ال يزال يتوسل اىل الذين قد استهانوا برحمته واساءوا استخدام‬ ‫نعمته‪.‬‬ ‫يف الصيف ال يرى فرق ظاهر بني االشجار الدامئة االخرضار وغريها من‬ ‫ ‬ ‫االشجار‪ ،‬ولكن عندما تجيء زوابع الشتاء وبرده تبقى االشجار الدامئة االخرضار‬ ‫بال تغيري بينام االشجار االخرى تتجرد من أوراقها‪ .‬فلو استيقظت املقاومة وساد‬ ‫التعصب واشتعلت نريان االضطهاد فان الفاترين واملرائني سيرتنحون ويسلمون‬ ‫يف عقيدتهم‪ ،‬لك ّن املسيحي االمني سيظل ثابتا كالصخر وسيتقوى اميانه ويلمع‬ ‫رجاؤه اكرث مام يف ايام النجاح‪.‬‬ ‫وس ٍة َع َل ِم َيا ٍه‪َ ،‬و َع َل نَ ْه ٍر تَ ُ ُّد أُ ُصولَ َها‪َ ،‬والَ تَ َرى إِذَا َجا َء‬ ‫" فَ ِإنَّ ُه يَكُو ُن كَشَ َج َر ٍة َم ْغ ُر َ‬ ‫ض‪َ ،‬و ِف َس َن ِة الْ َق ْح ِط الَ تَ َخ ُ‬ ‫اف‪َ ،‬والَ تَك ُُّف َعنِ اإلِثْ َارِ"(إرميا‬ ‫الْ َح ُّر‪َ ،‬ويَكُو ُن َو َرقُ َها أَ ْخ َ َ‬ ‫‪.)8 :17‬‬


‫دفاعاً‬

‫عن الحق‬

‫ان واجب السجود لله مبني عىل حقيقة كونه هو الخالق‪َ " .‬هلُ َّم‬ ‫ ‬ ‫ن َْس ُج ُد َونَ ْركَ ُع َونَ ْجثُو أَ َما َم ال َّر ِّب َخالِ ِق َنا " (مزمور ‪3 :100‬؛ ‪.)6 :95‬‬ ‫يف رؤيا ‪ 14‬يُطلب من الناس أن يسجدوا للخالق وأن يحفظوا وصايا الله‪.‬‬ ‫ ‬ ‫وإحدى هذه الوصايا تشري مبارشة إىل الله الخالق إذ تقول‪" :‬واما اليوم السابع‬ ‫ففيه سبت للرب الهك ‪ ...‬ألن يف ستة ايام صنع الرب السامء واالرض والبحر‬ ‫وكل ما فيها واسرتاح يف اليوم السابع لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه"‬ ‫(خروج ‪10 :20‬و ‪ .)11‬زد عىل هذا قول الرب عن السبت انه‪" :‬عالمة ‪ ...‬لتعلموا‬ ‫اين انا الرب الهكم" (حزقيال ‪ .)20 :20‬ولو كان جميع الناس يحفظون السبت‬ ‫لكانت افكارهم وعواطفهم تنعطف اىل الخالق كموضوع لإلكرام والعبادة‪ ،‬وملا‬ ‫ُوجد عابد وثن أو كافر أو ملحد‪ .‬ان حفظ السبت هو عالمة من عالمات الوالء‬ ‫لإلله الحقيقي "الذي صنع السامء واالرض والبحر وينابيع املياه" ويتبع ذلك‬ ‫ان الرسالة التي تأمر الناس بالسجود لله وحفظ وصاياه تأمرهم عىل الخصوص‬ ‫بحفظ الوصية الرابعة‪.‬‬ ‫اسرتجاع الحق ‪ -‬ان عمل اصالح السبت الذي سيتم يف االيام‬ ‫ ‬ ‫االخرية سبق فأنبئ به يف نبوة اشعياء الذي يقول‪" :‬هكذا قال الرب احفظوا‬


‫دفاعاً عن الحق‬

‫‪75‬‬

‫الحق واجروا العدل ألنه قريب مجيء خاليص واستعالن بري‪ .‬طوىب لإلنسان‬ ‫الذي يعمل هذا والبن االنسان الذي يتمسك به الحافظ السبت لئال ينجسه‬ ‫والحافظ يده من كل عمل رش‪ ...‬وابناء الغريب الذين يقرتنون بالرب ليخدموه‬ ‫وليحبوا اسم الرب ليكونوا له عبيدا كل الذين يحفظون السبت لئال ينجسوه‬ ‫ويتمسكون بعهدي آيت بهم اىل جبل قديس وافرحهم يف بيت صاليت" (إشعياء‬ ‫‪1 :56‬و ‪2‬و ‪6‬و ‪.)7‬‬ ‫هذا الكالم ينطبق عىل العرص املسيحي كام يربهن سياق الكالم‬ ‫ ‬ ‫(إشعياء ‪ .)8 :56‬هنا يرمز إىل جمع األمم بواسطة اإلنجيل يف الوقت الذي فيه‬ ‫يبرش عبيده كل األمم بالبشارة املفرحة‪.‬‬ ‫"ص الشهادة اختم الرشيعة بتالميذي" (إشعياء‬ ‫ ‬ ‫والرب يأمر قائالً‪َّ ُ :‬‬ ‫‪ .)16 :8‬ان ختم رشيعة الله يوجد يف الوصية الرابعة‪ .‬فهذه الوصية وحدها‬ ‫من دون باقي الوصايا العرش ترينا اسم معطي الرشيعة ولقبه‪ .‬وعندما أبدل‬ ‫السبت بالسلطان البابوي* أُخذ الختم من الرشيعة ‪ .‬ويُطلب من تالميذ يسوع‬ ‫ان يرجعوه بتمجيدهم واكرامهم لسبت الوصية الرابعة ووضعه يف مركزه‬ ‫الرشعي كتذكار ان واجب السجود لله مبني عىل حقيقة كونه هو الخالق‪" .‬‬ ‫َهلُ َّم ن َْس ُج ُد َونَ ْركَ ُع َونَ ْجثُو أَ َما َم ال َّر ِّب َخالِ ِق َنا " (مزمور ‪3 :100‬؛ ‪.)6 :95‬‬ ‫يرص الربوتستانت اآلن عىل القول إن قيامة املسيح يف يوم االحد جعلته‬ ‫ ‬ ‫يوم الراحة املقدس للمسيحيني‪ .‬لكن ال املسيح وال رسله اعطوا هذا اليوم مثل‬ ‫هذه الكرامة‪ .‬ان حفظ يوم االحد كترشيع مسيحي يجد اصله يف "رس االثم"‬ ‫(‪2‬تسالونييك ‪ )7 :2‬الذي كان قد بدأ حتى منذ أيام بولس‪ .‬وأي سبب رشعي‬ ‫ميكن اعطاؤه لذلك التغيري الذي مل يقره الكتاب املقدس؟‬ ‫انها حقيقة يسلم بها الربوتستانت اجامال وهي املتعلقة "بصمت‬ ‫ ‬ ‫* يتم وصف هذا اإلبدال والتغيري يف الفصل الثالث من كتاب الرصاع العظيم‪.‬‬


‫‪76‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫العهد الجديد املطبق حول إعطاء أمر قاطع عن يوم الراحة [األحد‪ ،‬أول أيام‬ ‫‪4‬‬ ‫األسبوع] أو حول القواعد املحددة لحفظه‪".‬‬ ‫"مل يحدث تغيري يف اليوم حتى وقت موت املسيح"‪" ،‬وعىل قدر ما‬ ‫ ‬ ‫ترينا شهادة الكتاب فإنهم [الرسل] مل يقدموا أمرا ً قاطعاً يفرض عىل املسيحيني‬ ‫‪5‬‬ ‫هجر اليوم السابع – السبت‪ -‬وحفظ اليوم األول من أيام األسبوع‪".‬‬ ‫يعرتف اتباع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ان كنيستهم هي التي‬ ‫ ‬ ‫غريت يوم السبت ويعلنون ان حفظ الربوتستانت يوم االحد هو مبثابة اعرتاف‬ ‫منهم بسلطانها‪ .‬نجد هذه الحقيقة "يف عهد الناموس القديم كان يوم السبت‬ ‫هو اليوم املقدس‪ ،‬لك ّن الكنيسة كام قد علمها يسوع املسيح ومبوجب توجيهات‬ ‫روح الله‪ ،‬ابدلت يوم السبت بيوم االحد‪ ،‬ولذلك فنحن اآلن نقدس اليوم االول‬ ‫‪6‬‬ ‫ال السابع‪ .‬ان يوم االحد معناه‪ ،‬كام هو اآلن‪ ،‬يوم الرب‪".‬‬ ‫يُعطى هذا االمر‪" :‬ناد بصوت عا ٍل‪ .‬ال متسك‪ .‬ارفع صوتك كبوق واخرب‬ ‫ ‬ ‫شعبي بتعديهم"‪ .‬أولئك الذي يقول الرب عنهم "شعبي" هم الذين يوبَّخون‬ ‫عىل تعدياتهم‪ .‬هنا نرى فريقا من الناس يظنون انفسهم ابرارا يف خدمة الرب‪.‬‬ ‫لك ّن التوبيخ الصارم الخطري الذي ينطق به ذاك الذي هو فاحص القلوب يربهن‬ ‫انهم كانوا يدوسون عىل الوصايا االلهية (إشعياء ‪1 :58‬و ‪.)2‬‬ ‫وبعد ذلك يشري النبي اىل الفريضة التي قد تُركت فيقول‪َ " :‬و ِم ْن َك‬ ‫ ‬ ‫تُ ْب َنى ال ِْخ َر ُب الْق َِد َمي ُة‪ .‬تُ ِقي ُم أَ َس َاس ِ‬ ‫ات َد ْو ٍر فَ َد ْورٍ‪ ،‬فَ ُي َس ُّمون َ​َك‪ُ :‬م َر ِّم َم الثُّ ْغ َر ِة‪ُ ،‬م ْرج َع‬ ‫ستِ َك يَ ْو َم قُ ْد ِس‪،‬‬ ‫لس ْك َنى‪ .‬إِ ْن َر َددْتَ َعنِ َّ‬ ‫الْ َم َسالِ ِك لِ ُّ‬ ‫الس ْب ِت ِر ْجل َ​َك‪َ ،‬ع ْن َع َملِ َم َ َّ‬ ‫السبْ َت لَ َّذةً‪َ ،‬و ُم َق َّد َس ال َّر ِّب ُم َك َّر ًما‪َ ،‬وأَكْ َر ْمتَ ُه َع ْن َع َملِ طُ ُر ِق َك َو َع ْن‬ ‫َو َد َع ْوتَ َّ‬ ‫ستِ َك َوالتَّ َكل ُِّم ِب َكالَ ِم َك‪ ،‬فَ ِإن َ​َّك ِحي َن ِئ ٍذ تَتَلَ َّذ ُذ بِال َّر ِّب" (إشعياء ‪12 :58‬ـ‬ ‫إِي َجا ِد َم َ َّ‬ ‫‪.)14‬‬ ‫‪ .4‬جورج إيليوت‪ ،‬السبت الدائم‪ ،‬صحفة ‪ .184‬‬ ‫‪ .5‬أ‪ .‬ي‪ .‬وافيل‪ ،‬يوم الرب‪ ،‬صفحة ‪186‬ـ ‪.188‬‬

‫‪ .6‬التعليم الكاثولييك للدين املسيحي‪.‬‬


‫دفاعاً عن الحق‬

‫‪77‬‬

‫لقد حدثت "ثغرة" يف الرشيعة االلهية عندما أبدل السبت بسلطان‬ ‫ ‬ ‫روما‪ .‬ولكن قد جاء الوقت الذي فيه ترمم الثغرة‪.‬‬ ‫إن السبت كان آدم يحفظه وهو يف حالة الربارة يف جنة عدن‪ .‬وحتى‬ ‫ ‬ ‫بعدما سقط آدم وتاب وعندما طُرد من ذلك املسكن السعيد‪ .‬وكان كل اآلباء‬ ‫يحفظونه من هابيل اىل نوح البار اىل ابراهيم اىل يعقوب‪ .‬عندما حرر الرب‬ ‫إرسائيل أعلن رشيعته لذلك الجمهور‪.‬‬

‫السبت الحقيقي ُح ِف َ‬ ‫ظ دامئاً ‪ -‬منذ ذلك اليوم اىل يومنا هذا‬ ‫ ‬ ‫حفظ سبت الوصية الرابعة‪ .‬ومع أن "إنسان الخطية" أفلح يف دوس سبت‬ ‫الوصية الرابعة املقدسة باألقدام‪ُ ،‬وجدت نفوس امينة يف اماكن خفية مسترتة‬ ‫كانت تحفظ السبت‪.‬‬ ‫هذه الحقائق يف ارتباطها بـ "البشارة األبدية" ستميز كنيسة املسيح يف‬ ‫ ‬ ‫وقت ظهوره‪" .‬هنا الذين يحفظون وصايا الله وعندهم إميان يسوع" (رؤيا ‪:14‬‬ ‫‪.)12‬‬ ‫والذين قبلوا النور الخاص بالقدس* ورشيعة الله امتألوا فرحا عندما‬ ‫ ‬ ‫رأوا انسجام الحق‪ .‬وقد كانوا يبتغون ان يقدم النور اىل جميع املسيحيني‪ .‬لك ّن‬ ‫تلك الحقائق التي تحدث خالفا بينهم وبني العامل مل تجد ترحيبا من كثريين‬ ‫ممن يدعون انهم اتباع املسيح‪.‬‬ ‫وعندما قُدمت مطالب السبت جعل كثريون يقولون‪" :‬لقد كنا دامئا‬ ‫ ‬ ‫نحفظ يوم االحد كام قد حفظه آباؤنا من قبل وكثريون من الصالحني االتقياء‬ ‫ماتوا سعداء وهم يحفظونه‪ .‬ان حفظ هذا السبت الجديد سيخرجنا عن‬ ‫االنسجام مع العامل‪ .‬وماذا تستطيع رشذمة صغرية تحفظ اليوم السابع ان تفعل‬ ‫* انظر الفصل ‪23‬و ‪ 24‬من كتاب الرصاع العظيم‪.‬‬


‫‪78‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫ضد كل اهل العامل الذين يحفظون يوم االحد؟" مبثل هذه الحجج حاول اليهود‬ ‫ان يربروا رفضهم املسيح‪ .‬وكذلك يف عهد لوثر كان البابويون يجادلون قائلني ان‬ ‫املسيحيني الحقيقيني ماتوا معتنقني االميان الكاثولييك ولذلك فهذا الدين ٍ‬ ‫كاف‬ ‫للخالص‪ .‬مثل هذه املجادالت قد تصري مانعا قويا لكل تقدم يف العقيدة‪.‬‬ ‫وقد تحاجج كثريون قائلني ان حفظ يوم االحد هو عقيدة ثابتة وعادة‬ ‫ ‬ ‫ذائعة اصطلحت عليها الكنيسة مدى قرون عديدة‪ .‬وللرد عىل هذه الحجة‬ ‫تربهن ان يوم السبت وحفظه كانا اقدم واكرث انتشارا ً بنسبة قدم العامل نفسه‪،‬‬ ‫فلقد وضعه القديم األيام‪.‬‬ ‫لسبب عدم وجود شهادة من الكتاب تسندهم جعلوا يجادلون بإرصار‬ ‫ ‬ ‫ال يكل قائلني‪" :‬ملاذا ال يفهم عظامؤنا قضية السبت هذه؟" الذين يعتنقون‬ ‫عقيدتكم هذه هم قلة‪ .‬فال يعقل ان تكونوا صادقني وعىل صواب ويكون كل‬ ‫رجال العلم يف العامل مخطئني وعىل ضالل‪".‬‬ ‫فألجل تفنيد امثال تلك الحجج كانت الحاجة تدعو اىل اقتباس تعاليم‬ ‫ ‬ ‫الكتاب وتاريخ معامالت الله مع شعبه يف كل العصور‪ .‬والسبب الذي ألجله ال‬ ‫يكرث من استخدام العلامء والعظامء ليكونوا يف طليعة القامئني بحركات االصالح‬ ‫هو كونهم يثقون بعقائدهم ونظرياتهم ونظمهم الالهوتية وال يحسون بحاجة‬ ‫اىل التعلُّم من الله‪ .‬فالرجال الذين قد نالوا قدرا قليال من العلم يف املدارس‬ ‫يدعون احيانا إلعالن الحق‪ ،‬ال النهم غري متعلمني بل ألنهم غري متكلني عىل‬ ‫انفسهم اىل حد يجعلهم ال يشعرون بحاجتهم اىل التعلُّم من الله‪ .‬ووداعتهم‬ ‫وطاعتهم تجعالنهم عظامء‪.‬‬

‫ ‬

‫اإلميان والشجاعة ‪ -‬مل يكن الله يريد ان يهيم العربانيون عىل‬


‫دفاعاً عن الحق‬

‫‪79‬‬

‫وجوههم يف الربية اربعني سنة‪ .‬بل كان يريد ان يدخلهم ارض كنعان مبارشة‬ ‫ويثبت اقدامهم فيها شعبا مقدسا سعيدا‪ .‬لكنهم "مل يقدروا ان يدخلوا لعدم‬ ‫االميان" (عربانيني ‪ .)19 :3‬وبهذه الطريقة ذاتها مل تكن ارادة الله ان يتأخر‬ ‫مجيء املسيح اىل هذا الحد ويظل شعبه يف عامل الخطيئة والحزن كل هذه‬ ‫السنني‪ .‬ولكن عدم اميانهم صار فاصال بينهم وبني الههم‪ .‬ان يسوع‪ ،‬رحمة منه‬ ‫بالعامل‪ ،‬يؤخر مجيئه حتى تتاح للخطاة فرصة لسامع االنذار ويجدوا فيه ملجأ‬ ‫قبلام ينصب غضب الله‪.‬‬ ‫واآلن كام يف كل العصور املاضية يثري‬ ‫ ‬ ‫تقديم الحق مقاومة شديدة‪ .‬فان كثريين وبروح‬ ‫خبيثة يهاجمون اخالق الذين يصمدون يف ل‬ ‫عن أرميا انه خائن‪ ،‬وبولس اتهم بأنه قد نجس‬ ‫الهيكل‪ .‬ومنذ ذلك اليوم اىل اآلن نجد ان الدفاع‬ ‫عن الحق غري املقبول ويشككون يف بواعثهم‪.‬‬ ‫لقد اتهم ايليا بأنه مكدر ارسائيل‪ ،‬وقي كل من‬ ‫يريدون ان يكونوا مخلصني يف والئهم للحق يش َّهر بهم عىل انهم مثريو فنت او‬ ‫هراطقة او منشقون‪.‬‬ ‫ان االعرتاف باإلميان الذي نطق به القديسون والشهداء‪ ،‬وتلك املثل‬ ‫ ‬ ‫الحية‪ ،‬مثل القداسة واالستقامة التي ال تتقلقل‪ ،‬لتلهم شجاعة اولئك الذين‬ ‫يُد َعون اليوم ليكونوا شهودا لله‪ .‬أما خادم الله يف هذا العرص فالرب يأمره قائال‬ ‫"ارفع صوتك كبوق واخرب شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم"‪" ،‬فَ َق ْد‬ ‫سائِ َيل‪ ،‬فَتَ ْس َم ُع الْ َكالَ َم ِم ْن فَ ِمي‪َ ،‬وتُ َح ِّذ ُر ُه ْم ِم ْن ِق َب ِل"‬ ‫َج َعلْتُ َك َر ِقي ًبا لِ َب ْي ِت إِ ْ َ‬ ‫(إشعياء ‪1 :58‬؛ حزقيال ‪.)7 :33‬‬


‫‪80‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫إن العقبة العظيمة التي متنع من قبول الحق هي ما ينطوي عليه‬ ‫ ‬ ‫ذلك من تعب وعار‪ .‬هذه هي الحجة الوحيدة ضد الحق‪ ،‬التي مل يستطع‬ ‫املدافعون عنه ان يدحضوها‪ .‬لكن أتباع املسيح األمناء ال ينتظرون حتى يشتهر‬ ‫الحق ويذيع وإمنا يقبلون حمل الصليب ويقولون مع بولس الرسول‪" :‬ألن خفة‬ ‫ضيقتنا الوقتية تنيشء لنا أكرث فأكرث ثقل مجد أبدياً"‪ .‬ويقولون معه أيضاً عىل‬ ‫لسان موىس‪" :‬حاسباً عار املسيح غنى أعظم من خزائن مرص" (‪2‬كورنثوس ‪:4‬‬ ‫‪17‬؛ عربانيني ‪.26 :11‬‬ ‫علينا ان نختار الصواب لكونه صوابا ونرتك النتائج لله‪ .‬ان العامل يدين‬ ‫ ‬ ‫بإصالحاته العظيمة للرجال ذوي املبدأ واالميان والجرأة‪ .‬فبواسطة مثل هؤالء‬ ‫ينبغي ان يتم االصالح ويتقدم يف عرصنا هذا‪.‬‬


‫الرجاء‬ ‫الحقيقي‬ ‫ان الوعد باملجيء الثاين للمسيح ليكمل عمل الفداء العظيم هو محور‬ ‫ ‬ ‫الكتاب املقدس‪ .‬فمنذ عدن ظل أبناء االميان ينتظرون مجيء ذاك املوعود به‬ ‫ليعيدهم اىل الفردوس املفقود ‪.‬‬ ‫ان اخنوخ الذي كان الساب َع من آدم والذي ملدة ثالثة قرون سار مع‬ ‫ ‬ ‫الله أعلن قائال‪" :‬هوذا قد جاء الرب يف ربوات قديسيه ليصنع دينونة عىل‬ ‫الجميع" (يهوذا ‪14‬و ‪ .)15‬وأيوب صاح من وسط بلواه قائال‪" :‬أ َّما أَنَا فَ َق ْد‬ ‫َعلِ ْم ُت أَ َّن َولِ ِّيي َح ٌّي‪َ ،‬و ِ‬ ‫اآلخ َر َع َل األَ ْر ِض يَقُو ُم ‪َ ...‬و ِب ُدونِ َج َس ِدي أَ َرى الل َه‪.‬‬ ‫اي ت َ ْنظُ َرانِ َولَ ْي َس آ َخ ُر" (أيوب ‪ .)27-25 :19‬لقد تكلم‬ ‫ال َِّذي أَ َرا ُه أَنَا لِ َنف ِْس‪َ ،‬و َع ْي َن َ‬ ‫شعراء الكتاب املقدس وأنبياؤه طويال عن مجيء املسيح بكالم يتوهج بالنار‪:‬‬ ‫الس َم َواتُ َولْتَ ْبتَ ِه ِج األَ ْر ُض ‪ ...‬أَ َما َم ال َّر ِّب‪ ،‬ألَنَّ ُه َجا َء‪َ .‬جا َء لِ َي ِدي َن األَ ْر َض‪.‬‬ ‫"لِتَ ْف َر ِح َّ‬ ‫وب ِبأَ َمانَ ِت ِه" (مزمور ‪11 :96‬ـ ‪.)13‬‬ ‫يَ ِدي ُن الْ َم ْسكُونَ َة بِالْ َع ْد ِل َوالشُّ ُع َ‬ ‫وقال النبي إشعياء‪" :‬هوذا هذا الهنا انتظرناه فخلصنا‪ .‬هذا هو الرب‬ ‫ ‬ ‫انتظرناه‪ .‬نبتهج ونفرح بخالصه" (‪.)9 :25‬‬ ‫وقد عزى املخلص تالميذه بيقني مجيئه الثاين‪ ،‬قائال‪" :‬يف بيت أيب منازل‬ ‫ ‬ ‫كثرية ‪ ...‬أنا أميض ألعد لكم مكانا‪ .‬وان مضيت وأعددت لكم مكانا آيت أيضا‬ ‫وآخذكم ا َّيل"‪" ،‬متى جاء ابن االنسان يف مجده وجميع املالئكة القديسني معه‪،‬‬


‫‪82‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫فحينئذ يجلس عىل كريس مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب" (يوحنا ‪:14‬‬ ‫‪2‬و ‪3‬؛ متى ‪31 :25‬و ‪.)32‬‬ ‫ثم أن املالكني رددا عىل مسامع التالميذ الوعد مبجيئه قائلني‪" :‬إن‬ ‫ ‬ ‫يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إىل السامء سيأيت هكذا كام رأيتموه منطلقاً إىل‬ ‫السامء" (أعامل ‪ .)11 :1‬ويشهد بولس قائالً‪" :‬ألن الرب نفسه بهتاف بصوت‬ ‫رئيس مالئكة وبوق الله سوف ينزل من السامء" (‪1‬تسالونييك ‪ .)16 :4‬وقال‬ ‫الرسول يوحنا‪" :‬هوذا يأيت مع السحاب وستنظره كل عني" (رؤيا ‪.)7 :1‬‬ ‫حينئذ سيتالىش حكم الرش الطويل االمد‪ ،‬وتصري "ماملك العامل لربنا‬ ‫ ‬ ‫ومسيحه فسيملك اىل أبد اآلبدين" (رؤيا ‪" .)15 :11‬الرب ينبت برا وتسبيحا‬ ‫أمام كل االمم" (إشعياء ‪.)11 :61‬‬ ‫حينئذ فإن مملكة املسيح‪ ،‬التي هي مملكة السالم‪ ،‬ستثبت‪" :‬فإن‬ ‫ ‬ ‫الرب قد ع َّزى صهيون ع َّزى كل خربها ويجعل بريتها كعدن وباديتها كجنة‬ ‫الرب" (إشعياء ‪.)3 :51‬‬ ‫لقد كان مجيء الرب رجاء اتباعه االمناء يف كل عرص‪ .‬ففي وسط األمل‬ ‫ ‬ ‫واالضطهاد كان ظهور الله العظيم ومخلصنا يسوع املسيح هو "الرجاء املبارك"‬ ‫(تيطس ‪ .)13 :2‬و َّجه بولس أفكار سامعيه وقرائه إىل أن القيامة ستحدث‬ ‫عند مجيء املخلص‪ .‬وحينئذ سيقوم االموات يف املسيح‪ ،‬ويخطفون مع االحياء‬ ‫ملالقاة الرب يف الهواء‪ .‬ولذلك قال بولس‪" :‬وهكذا نكون كل حني مع الرب ‪.‬‬ ‫لذلك عزوا بعضكم بعضا بهذا الكالم" (‪1‬تسالونييك ‪17 :4‬ـ ‪.)18‬‬ ‫واذ كان التلميذ الحبيب يوحنا يف جزيرة بطمس الصخرية سمع هذا‬ ‫ ‬ ‫الوعد‪" :‬أنا آت رسيعاً" فجاء جوابه املشتاق مجاهرا بطلبة الكنيسة يف كل‬ ‫غربتها قائال‪" :‬آمني تعال أيها الرب يسوع" (رؤيا ‪.)20 :22‬‬


‫الرجاء الحقيقي‬

‫‪83‬‬

‫املنصات التي أعدت لحرق‬ ‫ ‬ ‫فمن أعامق ظلامت السجون‪ ،‬ومن فوق ّ‬ ‫الضحايا‪ ،‬واملشانق التي من فوقها شهد الشهداء والقديسون للحق يجيء نطق‬ ‫اميانهم ورجائهم عرب أجيال التاريخ ‪ .‬فاذ كانوا "متحققني من قيامة السيد‪،‬‬ ‫ومتحققني تبعا لذلك من قيامتهم عند مجيئه"‪ -‬كام يقول أحد هؤالء املسيحيني‪-‬‬ ‫"ازدروا باملوت النهم كانوا متعالني عليه‪ 7 ".‬وكان الولدنسيون يعتنقون هذا‬ ‫اإلميان نفسه‪ .‬وكان ويكلف ولوثر وكالفن ونوكس وريديل وباكسرت* يتطلعون‬ ‫إىل األمام إىل ظهور الفادي‪ .‬كان هذا هو رجاء الكنيسة الرسولية و "الكنيسة يف‬ ‫الربية" ورجاء املصلحني‪.‬‬ ‫ان النبوات فضال عن كونها قد سبقت فأنبأت عن كيفية مجيء املسيح‬ ‫ ‬ ‫وغايته فإنها قد أوردت العالمات التي مبوجبها يعرف الناس قرب مجيئه‪:‬‬ ‫"ولتكون عالمات يف الشمس والقمر والنجوم" (لوقا ‪" ،)25 :21‬الشَّ ْم ُس تُظْلِ ُم‪،‬‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ات‬ ‫الس َم ِء تَتَ َساقَطُ‪َ ،‬والْ ُق َّواتُ الَّ ِتي ِف َّ‬ ‫َوالْ َق َم ُر الَ يُ ْع ِطي ضَ ْو َء ُه‪َ ،‬ونُ ُجو ُم َّ‬ ‫اب ِب ُق َّو ٍة كَ ِث َري ٍة َو َم ْج ٍد" (مرقس‬ ‫صو َن ابْ َن ا ِإلن َْسانِ آتِ ًيا ِف َس َح ٍ‬ ‫تَتَ َز ْع َز ُع‪َ .‬و ِحي َن ِئ ٍذ يُ ْب ِ ُ‬ ‫‪24 :13‬ـ ‪ .)26‬وهكذا يصف الرايئ أول العالمات التي تسبق املجيء الثاين‬ ‫فيقول‪" :‬اذا زلزلة عظيمة حدثت والشمس صارت سوداء كمسح من شعر‬ ‫والقمر صار كالدم" (رؤيا ‪.)12 :6‬‬ ‫عندما و َّجه املخلص أفكار تابعيه اىل عالمات مجيئه الثاين أنبأهم عن‬ ‫ ‬ ‫حالة االرتداد التي ستعم العامل قبيل ذلك‪ .‬فلمثل اولئك العائشني يف هذا‬ ‫الوقت يقدم املسيح انذاره قائال‪" :‬ا ْح َ ِتزُوا ألَنْف ُِس ُك ْم لِئَالَّ تَثْق َُل قُلُوبُ ُك ْم ِف ُخ َم ٍر‬ ‫َض ُعوا ِف ك ُِّل‬ ‫َو ُس ْك ٍر َو ُه ُم ِ‬ ‫وم الْ َحيَا ِة‪ ،‬فَيُ َصا ِدفَ ُك ْم ذلِ َك الْيَ ْو ُم بَ ْغتَ ًة"‪" .‬اِ ْس َه ُروا إِذًا َوت َ َّ‬ ‫ك تُ ْح َس ُبوا أَ ْهالً لِل َّن َجا ِة ِم ْن َج ِميعِ هذَا الْ ُم ْز ِمعِ أَ ْن يَكُونَ‪َ ،‬وتَ ِقفُوا قُ َّدا َم‬ ‫ِحنيٍ‪ ،‬لِ َ ْ‬ ‫ابْنِ ا ِإلن َْسانِ " (لوقا ‪34 :21‬و ‪.)36‬‬ ‫‪ .7‬أنظر دانيال ت‪ .‬تايلور‪ ،‬حكم املسيح عىل األرض‪ ،‬صوت الكنيسة يف كل العصور‪ ،‬صفحة ‪.33‬‬ ‫* سيجد الق َّراء قصة الولدنسيني وغريهم من املصلحني الربوتستانت يف كتاب الرصاع العظيم الذي هو مصدر هذا الكُتيب الذي بني أيدينا‪.‬‬


‫‪84‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫دعوة إىل االستعداد ‪ -‬ويف نور ذلك اليوم العظيم تدعونا كلمة‬ ‫ ‬ ‫الله إىل التامس وجه الرب بتوبة‪" :‬ألن يوم الرب قادم ألنه قريب"‪ " .‬قدسوا‬ ‫صوما نادوا باعتكاف‪ .‬اجمعوا الشعب قدسوا الجامعة احشدوا الشيوخ اجمعوا‬ ‫االطفال ‪ِ ...‬‬ ‫ليبك الكهنة خدام الرب بني الرواق واملذبح"‪" .‬ارجعوا ا َّيل بكل‬ ‫قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح‪ .‬ومزقوا قلوبكم ال ثيابكم وارجعوا اىل الرب‬ ‫الهكم ألنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثري الرأفة" (يوئيل ‪1 :2‬و ‪15‬ـ ‪17‬و‬ ‫‪12‬و ‪.)13‬‬ ‫وألجل إعداد شعب الرب للوقوف يف يوم الله كان ال بد من إجراء‬ ‫ ‬ ‫إصالح عظيم‪ .‬ففي رحمته كان من املنتظَر أن يرسل الله اليهم رسالة انذار‬ ‫إليقاظهم من خمولهم وليجعلهم يستعدون ملجيء الرب‪.‬‬ ‫وهذا االنذار نجده يف (رؤيا ‪ .)١٤‬ففي هذا االصحاح توجد رسالة‬ ‫ ‬ ‫مثلثة‪ ،‬وهي موصوفة بأنها معلنة عىل أفواه خالئق ساموية‪ ،‬ويتبع ذلك مبارشة‬ ‫مجيء ابن االنسان ليجمع "حصيد االرض"‪ .‬لقد رأى النبي مالكا طائرا ِ"ف َو َس ِط‬ ‫الساكِ ِن َني َع َل األَ ْر ِض َوك َُّل أُ َّم ٍة َوقَبِيلَ ٍة َولِ َسانٍ‬ ‫ش َّ‬ ‫َّ‬ ‫الس َم ِء َم َع ُه بِشَ ا َر ٌة أَبَ ِديَّ ٌة‪ ،‬لِ ُي َب ِّ َ‬ ‫َوشَ ْع ٍب‪ ،‬قَائِالً ب َِص ْو ٍت َع ِظ ٍيم‪َ ’ :‬خافُوا الل َه َوأَ ْعطُو ُه َم ْج ًدا‪ ،‬ألَنَّ ُه قَ ْد َجا َءتْ َسا َع ُة‬ ‫الس َم ِء َواألَ ْر ِض َوالْ َب ْح ِر َويَ َنابِيعِ الْ ِم َيا ِه‘ " (رؤيا ‪6 :14‬و‬ ‫َديْ ُنونَ ِت ِه‪َ ،‬و ْاس ُج ُدوا لِ َصانِعِ َّ‬ ‫‪.)7‬‬ ‫هذه الرسالة هي جزء من "البشارة األبدية"‪ .‬فالكرازة باإلنجيل كُل َِّف‬ ‫ ‬ ‫بها الناس‪ .‬ولكن املالئكة القديسني كلفوا بتوجيه وإدارة هذا العمل‪ .‬اال أن‬ ‫االعالن الفعيل لإلنجيل يقوم به خدام املسيح عىل االرض‪*.‬‬


‫الرجاء الحقيقي‬

‫‪85‬‬

‫مخاطر مقاومة دعوة اإلنجيل ‪ -‬وما خراب اورشليم سوى انذار‬ ‫ ‬ ‫خطري مخيف لكل من يستخفون بهبات النعمة االلهية وكل من يقاومون‬ ‫توسالت رحمة الله‪ .‬ان نبوة املخلص عن افتقاد الله اورشليم بالدينونة سيكون‬ ‫لها امتام آخر‪ .‬ففي القضاء العادل الذي حل باملدينة املختارة ميكننا ان نرى‬ ‫الدينونة الهائلة التي ستحل بالعامل الذي رفض رحمة الله وداس رشيعته‪ .‬فأنباء‬ ‫الشقاء البرشي الذي شهدته االرض مدى عصور الجرمية الطويلة مظلمة قامتة‬ ‫السواد‪ .‬لك ّن منظ ًرا اشد ظالماً يُعرض أمامنا يف اعالنات املستقبل املوحى بها‪.‬‬ ‫عندما تنسحب قوة روح الله الرادعة بعيدا ً من األرشار انسحابا كامالً وال تعود‬ ‫توقف انفجار الشهوات البرشية والغضب الشيطاين! فسريى العامل حينئذ‪ ،‬اكرث‬ ‫من اي وقت مىض‪ ،‬نتائج حكم الشيطان‪.‬‬ ‫ويف ذلك اليوم‪ ،‬وكام كانت الحال عند خراب اورشليم‪ ،‬سينجو شعب‬ ‫ ‬ ‫الله‪ .‬انظر إشعياء ‪3 :4‬؛ متى ‪30 :24‬و ‪ .)31‬سيأيت املسيح ثانية ليجمع عبيده‬ ‫االمناء لنفسه‪" :‬حينئذ تنوح جميع قبائل االرض ويبرصون ابن االنسان آتياً عىل‬ ‫سحاب السامء بقوة ومجد كثري‪ .‬فريسل مالئكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون‬ ‫مختاريه من االربع الرياح من اقصاء السموات اىل اقصائه" (متى ‪30 :24‬و‬ ‫‪.)31‬‬ ‫اذا ً فليحرتس الناس لئال يهملوا الدرس الذي تحمله اليهم كلامت‬ ‫ ‬ ‫املسيح‪ .‬فكام انذر تالميذه بخراب اورشليم معطياً اياهم عالمة عن الخراب‬ ‫املقبل ليك يهربوا‪ ،‬هكذا هو قد أنذر العامل بيوم الهالك االخري‪ .‬كل َمن يريد‬ ‫الهروب ان يهرب من الغضب اآليت ‪" .‬وتكون عالمات يف الشمس والقمر‬ ‫والنجوم وعىل األرض كرب" لوقا ‪ .25 :21‬أنظر أيضاً متى ‪29 :24‬؛ مرقس ‪:13‬‬ ‫‪24‬ـ ‪26‬؛ رؤيا ‪12 :6‬ـ ‪ .17‬ويحذرنا املسيح قائالً‪" :‬اسهروا إذا ً" (مرقس ‪.)35 :13‬‬ ‫* للحصول عىل معلومات أكرث تفصيالً حول هذه الرسالة وحول أولئك الذين يعلنونها انظر الفصل ‪17‬و ‪ 18‬من كتاب الرصاع العظيم وكذلك الفصول الالحقة لهام والتي تناقش األمور بتوسع أكرب‪.‬‬


‫‪86‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫فالذين ينتبهون إىل اإلنذار لن يرتكوا يف الظالم‪.‬‬ ‫ليس العامل يف هذه االيام اكرث استعدا ًدا لتصديق هذه الرسالة مام كان‬ ‫ ‬ ‫اليهود مستعدين لقبول انذار املسيح عن اورشليم‪ .‬ويف اي وقت يجيء يو ُم‬ ‫الله سيفاجئ االمثة الفجار‪ .‬فاذ تسري الحياة عىل وترية واحدة‪ ،‬وحني يكون‬ ‫الناس منغمسني يف لذاتهم واعاملهم وتجارتهم وجمع املال واكتناز الرثوة‪،‬‬ ‫وحني ميجد القادة الدينيون تقدم العامل وتن ُّوره ويهجع الناس يف طأمنينة كاذبة‬ ‫ حينئذ ينسل الهالك كلص نصف الليل الذي يرسق البيوت غري املحروسة‬‫ويفاجيء املهملني واالمثة فال "ينجون" (انظر ‪1‬تسالونييك ‪2 :5‬ـ ‪.)5‬‬

‫الشيطان يحاول إبقاء الناس يف‬ ‫ ‬ ‫قبضة سلطته ‪ -‬عرب الضاللتني العظيمتني‪،‬‬

‫وهام خلود النفس وتقديس يوم االحد‪ ،‬سيوقع‬ ‫الشيطان الناس تحت سلطان مخادعاته‪ .‬وفيام‬ ‫تريس الضاللة االوىل أُســس مناجاة االرواح‬ ‫تربطهم الضاللة الثانية بعجلة روما‪.‬‬ ‫بواسطة مناجاة االرواح سيبدو الشيطان محسنا للجنس البرشي‪،‬‬ ‫ ‬ ‫يشفي أمراض الناس ويتظاهر بتقديم نظام جديد سام اىل العقيدة الدينية‪،‬‬ ‫ولكنه يف الوقت نفسه يقوم بعمله املهلك املدمر‪ .‬فتجاربه تودي بجامهري‬ ‫كثرية من الناس اىل الهالك‪ .‬ان عدم االعتدال يخلع العقل عن عرشه‪ ،‬واالنغامس‬ ‫يف الشهوات والخصومات وسفك الدماء تأيت يف اثر ذلك‪ .‬إن الحروب تثري أرش‬ ‫شهوات النفس وتكتسح اىل االبدية ضحاياها الذين قد انحدروا اىل اعامق‬ ‫هاوية الرذيلة وسفك الدماء ‪.‬وغرض الشيطان هو اثارة الدول لتحارب بعضها‬ ‫بعضا‪ ،‬ألنه بهذه الوسيلة يحول أفكار الناس عن االستعداد للوقوف ثابتني يف‬


‫الرجاء الحقيقي‬

‫‪87‬‬

‫يوم الله‪.‬‬ ‫لقد درس الشيطان أرسار معامل الطبيعة‪ ،‬وهو يبذل كل ما يف قدرته‬ ‫ ‬ ‫ليسيطر عىل العنارص بقدر ما يسمح له به الله‪ .‬ان الله هو الذي يحمي‬ ‫خالئقه من املهلك‪ .‬لك ّن العامل املسيحي برهن عىل احتقاره رشيعة الرب‪ ،‬والرب‬ ‫سيفعل ما أعلن انه سيفعله ويرفع رعايته الحافظة بعيدا ع ّمن يتمردون عىل‬ ‫رشيعته ويعلّمون غريهم ويرغمونهم عىل ذلك التمرد‪ .‬ثم ان للشيطان سلطانا‬ ‫عىل كل من ال يحرسهم الله حراسة خاصة‪ .‬وهو سريىض عن البعض وينجحهم‬ ‫ليك يعضد مكايده‪ ،‬وسيوقع املتاعب واآلالم بآخرين ويُقنع الناس بان الله هو‬ ‫من يفعل ذلك‪.‬‬ ‫فاذ يُظهر الشيطان نفسه لبني االنسان كالطبيب العظيم الذي يستطيع‬ ‫ ‬ ‫ابراء كل اسقامهم فهو سيأيت باألمراض والكوارث اىل ان تصري املدن العظيمة‬ ‫العامرة بالناس خرابا يبابا‪ .‬ففي الكوارث والفواجع التي تحدث يف البحار وعىل‬ ‫والبد املخيف والزوابع‬ ‫اليابسة ويف الحرائق الهائلة واالعاصري العظيمة واملطر َ‬ ‫والسيول والعواصف وأمواج املد والزالزل يف كل مكان وبآالف االشكال‪ ،‬يف هذه‬ ‫كلها يستخدم الشيطان قوته‪ .‬انه يكتسح املحاصيل الناضجة للحصاد فتجيء‬ ‫يف اذيال ذلك املجاعات والضيقات والكروب‪ .‬وهو يطلق يف الجو روائح عفنة‬ ‫قاتلة فيهلك آالف الناس بالوباء‪.‬‬ ‫وحينئذ سيقنع املخادع األعظم الناس بإيقاع تبعة متاعبهم ومصائبهم‬ ‫ ‬ ‫عىل الذين طاعتهم لوصايا الله هي توبيخ دائم للمتعدين‪ .‬وسيُعلن ان الناس‬ ‫يغيظون الله بتعديهم رشيعة يوم االحد‪ ،‬وان هذه الخطيئة قد جلبت كل‬ ‫تلك املصائب التي لن تكف حتى يعود الناس اىل حفظ يوم االحد‪" .‬إن الذين‬ ‫يقوضون إكرام يوم األحد ويدنسونه إمنا مينعون الشعب من اسرتداد رىض‬


‫‪88‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫الله ونجاحهم املادي"‪ .‬وهكذا فإن التهمة التي ا ُتهم بها خادم الله يف القديم‬ ‫ستتكرر‪" .‬ملا رأى أخاب إيليا قال له آخاب أأنت هو مكدر إرسائيل؟" (‪1‬ملوك‬ ‫‪17 :18‬و ‪.)18‬‬ ‫ان َمن يكرمون السبت كام هو وارد يف الكتاب املقدس س ُي َع َّيون‬ ‫ ‬ ‫كأعداء للقانون والنظام‪ ،‬وكمن يهدمون الروادع األدبية للمجتمع ويسببون‬ ‫الفوىض والفساد‪ ،‬ويستمطرون دينونة الله عىل االرض‪ .‬وسيتهمون بإضامر‬ ‫الكراهية للحكومة‪ .‬والخدام الذين ينكرون حق رشيعة الله سيقدمون من‬ ‫عىل املنرب نصائح تحث الشعب عىل اطاعة السلطات‪ .‬ويف دور الترشيع ودور‬ ‫القضاء ستشوه اخالق حافظي الوصية ويدانون‪ .‬وستفرس أقوالهم تفسريا كاذبا‪،‬‬ ‫وستُنعت بواعثهم بأسوأ النعوت‪.‬‬ ‫سيتحد أحبار الكنيسة والدولة معا يف ارشاء كل الطبقات أو اقناعها‬ ‫ ‬ ‫وإرغامها عىل اكرام يوم االحد‪ .‬وحتى يف أمريكا الحرة سيخضع الحكام‬ ‫واملرشعون ملطلب الجامهري بإصدار ترشيع يلزم الناس حفظ يوم االحد‪.‬‬ ‫ولن تحرتم بعد اآلن حرية الضمري التي كلفت أصحابها تضحيات‪ .‬ويف الرصاع‬ ‫الوشيك الوقوع سرنى كلامت النبي ممثلة أمامنا اذ يقول‪" :‬فغضب التنني عىل‬ ‫املرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم‬ ‫شهادة يسوع املسيح" (رؤيا ‪.)17 :12‬‬ ‫ان عبيد الله بوجوههم املرشقة واملتألقة بنور التكريس املقدس‬ ‫ ‬ ‫سيرسعون من مكان اىل مكان ليذيعوا رسالة السامء‪ .‬وستجرى عجائب فيشفى‬ ‫املرىض‪ ،‬واآليات والعجائب ستتبع املؤمنني‪ .‬ثم ان الشيطان سيعمل ايضا بآيات‬ ‫كاذبة حتى ينزل نارا من السامء (رؤيا ‪ .)13 :13‬وهكذا سيؤىت بسكان االرض‬ ‫ليقفوا موقفهم‪.‬‬


‫الرجاء الحقيقي‬

‫‪89‬‬

‫ثم ان الرسالة ال تُحمل بالحجة بقدر ما تحمل بإقناع روح الله العميق‬ ‫ ‬ ‫يف القلب‪ .‬لقد قُدمت الحجج واملنشورات التي قد وزعها الكارزون قد بذلت‬ ‫تأثريها‪ .‬ومع ذلك فكثريون ممن قد تأثرت عقولهم ُمنعوا من ادراك الحق‬ ‫كامال‪ .‬والحق يُرى اآلن يف كل وضوحه‪ .‬فصالت القرابة العائلية والكنسية تعجز‬ ‫اآلن عن إبقاء أبناء الله اذ ان الحق امثن من كل ما عداه‪ .‬وعىل رغم كل‬ ‫القوات املتحدة ضد الحق فان عددا غفريا يتخذون موقفهم اىل جانب الرب ‪.‬‬ ‫ان الذين يكرمون رشيعة الله سيُعتربون مسببي االهــتـزازات‬ ‫ ‬ ‫واالنتفاضات الهائلة التي تحدث يف الطبيعة والخصومات وسفك الدماء بني‬ ‫الناس التي قد مألت االرض بالويل والشقاء‪ .‬والسلطان املصاحب آلخر انذار قد‬ ‫اهاج االرشار‪ ،‬والشيطان سيثري ضدهم روح الكراهية واالضطهاد ضد كل من‬ ‫قد قبلوا الرسالة‪.‬‬ ‫اإلميان الذي يتحمل ‪ -‬يتطلب وقت الضيق واألمل اللذين ينتظراننا‬ ‫ ‬ ‫اميانا يتحمل الكلل والتأخري والجوع‪ ،‬وال يهن ويضعف حتى ولو ُج ِّرب بكل‬ ‫شدة ورصامة‪ .‬إن نرصة يعقوب هي برهان عىل اقتدار الصالة التي تقدم‬ ‫بلجاجة‪ .‬وكل َمن يتمسكون مبواعيد الله كام قد فعل هو سينجحون كام قد‬ ‫ُصل‬ ‫نجح‪ .‬املجاهدة مع الله – ما أقل َمن يعرفون ما هي! وعندما تكتسح امل ِّ‬ ‫أمواج اليأس فام أقل من يتعلقون مبواعيد الله بإميان ال يكل وال يُسلِّم‪.‬‬ ‫وستظهر يف السموات مناظر مخيفة فائقة الطبيعة كعالمة وبرهان‬ ‫ ‬ ‫عىل قوة الشياطني الصانعة اآليات‪ .‬وستخرج أرواح الشياطني اىل "ملوك االرض"‬ ‫واىل العامل كله لتث ِّبتهم يف الخداع وتشدد عليهم يف االتحاد مع الشيطان يف‬ ‫معركته االخرية ضد حكم السامء‪ .‬وسيقوم اشخاص ي ّدعون انهم املسيح نفسه‪.‬‬


‫‪90‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫وسيصنعون معجزات شفاء عجيبة‪ ،‬وسيدعون انهم تلقوا اعالنات من السامء‬ ‫مناقضة لشهادة الكتاب‪.‬‬ ‫أعظم حادث ‪ -‬وآخر فصل من فصول رواية الخداع هو ان الشيطان‬ ‫ ‬ ‫نفسه سيظهر يف شكل املسيح‪ .‬لقد اعرتفت الكنيسة طويال بأنها تنتظر مجيء‬ ‫املخلص كنهاية آمالها‪ .‬فاآلن سيجعل املخادع العظيم االمر يبدو كام لو ان‬ ‫املسيح قد جاء‪ .‬سيظهر الشيطان نفسه ككائن مهيب ينبعث منه نور يبهر‬ ‫االبصار يشبه الوصف الذي يف سفر الرؤيا عن ابن الله (رؤيا ‪13 :1‬ـ ‪.)15‬‬ ‫واملجد الذي يحيط بالشيطان لن يفوقه مجد مام قد رأته عني برش‪.‬‬ ‫ ‬ ‫وسيدوي يف الهواء هتاف االنتصار قائال‪" :‬قد أىت املسيح!" والناس سينطرحون‬ ‫ساجدين امامه يف حني يرفع هو يديه مباركا اياهم‪ .‬صوته رقيق ومنخفض ومع‬ ‫ذلك فهو ميلء باأللحان‪ .‬وبنغامت رقيقة مشفقة يقدم بعضا من الحقائق‬ ‫الجميلة الساموية نفسها التي نطق بها املخلص‪ .‬فهو يشفي امراض الناس‪ ،‬ومبا‬ ‫انه قد اتخذ صفة املسيح وهيئته يَّدعي انه قد ابدل السبت باألحد‪ .‬ثم يعلن‬ ‫ان كل من يرصون عىل تقديس اليوم السابع يجدفون عىل اسمه‪ .‬هذا هو‬ ‫الخداع القوي الذي يكاد يكون مسيطرا‪ .‬يلتفت الناس إىل أعامل السحر هذه‬ ‫قائلني هذه هي "قوة الله العظيمة" (أعامل ‪.)10 :8‬‬ ‫شعب الله ال ميكن تضليلهم ‪ -‬لك ّن شعب الله لن ميكن تضليلهم‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ان تعاليم هذا املسيح الكذاب ليست متوافقة مع تعاليم الكتاب‪ .‬ان الربكة‬ ‫يُنطق بها عىل عابدي الوحش وصورته وهم الجامعة نفسها الذين يعلن الكتاب‬ ‫ان غضب الله سينصب رصفا عليهم‪.‬‬


‫الرجاء الحقيقي‬

‫‪91‬‬

‫وأكرث من هذا فان الشيطان ال يُسمح له بتزييف كيفية مجيء املسيح‪.‬‬ ‫ ‬ ‫لقد حذر املخلص شعبه من الضالل يف هذا االمر وبكل وضوح أنبأهم بكيفية‬ ‫مجيئه الثاين اذ يقول‪" :‬ألنه سيقوم مسحاء‬ ‫كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيــات عظيمة‬ ‫وعجائب حتى يضلوا لو أمكن املختارين‪...‬فإن‬ ‫قالوا لكم ها هو يف الربية فال تخرجوا‪ .‬ها هو يف‬ ‫املخادع فال تصدقوا ألنه كام ان الربق يخرج من‬ ‫املشارق ويظهر اىل املغارب هكذا يكون أيضا‬ ‫مجيء ابن االنسان" (متى ‪24 :24‬ـ ‪27‬؛ أنظر‬ ‫أيضاً متى ‪31 :25‬؛ رؤيا ‪7 :1‬؛ ‪1‬تسالونييك ‪16 :4‬و ‪ .)17‬هذا املجيء ال ميكن‬ ‫تزييفه‪ .‬فسيعرفه الجميع وسرياه العامل‪.‬‬ ‫وحدهم الذين كانوا دارسني بج ّد الكتاب املقدس وقبلوا محبة الحق‬ ‫ ‬ ‫هم الذين سيحصلون عىل الحامية من الضاللة القوية التي ستأرس العامل‪.‬‬ ‫فبواسطة شهادة الكتاب سيكتشف هؤالء الناس املخادع يف تنكره‪ .‬فهل شعب‬ ‫الله مبنيون بكل ثبات عىل كلمته بحيث ال يخضعون وال يسلمون لربهان‬ ‫حواسهم؟ وهل يف مثل هذه الحالة املتأزمة يتمسكون بالكتاب وال يشء سواه؟‬


‫اإلنقاذ‬

‫العظيم‬ ‫عندما تُسحب حامية القوانني البرشية من الذين يك ِّرمون رشيعة الله‬ ‫ ‬ ‫فستوجد يف بلدان مختلفة حركة ترمي اىل اهالكهم‪ .‬واذ يقرتب الوقت املعني‬ ‫يف ذلك املرسوم القضايئ فالناس سيتآمرون عىل استئصال تلك الطائفة املكروهة‬ ‫والقضاء عليها‪ .‬وسيتقرر رضبُهم رضبة حاسمة يف ليلة واحدة تُسكت نهائيا‬ ‫صوت االنشقاق والتوبيخ‪.‬‬ ‫اما شعب الله الذين يكون بعض منهم يف السجون والبعض اآلخر‬ ‫ ‬ ‫مختبئني يف مخابئ رسية منعزلة يف الغابات وبطون الجبال فسيواصلون‬ ‫التوسل يف طلب الحامية االلهية‪ .‬بينام توجد فرق من الرجال املسلحني مسوقني‬ ‫بقوة اجناد املالئكة االرشار‪ ،‬مستعدون للقتل‪ .‬فاآلن يف ساعة الحاجة القصوى‬ ‫سيتدخل الله‪" :‬تكون لكم اغنية كليلة تقديس عيد وفرح قلب كالسائر ‪ ...‬ليأيت‬ ‫اىل جبل الرب اىل صخر ارسائيل‪ .‬ويُسمع الرب جالل صوته ويُرى نزول ذراعه‬ ‫بهيجان غضب ولهيب نار آكلة نوء وسيل وحجارة برد" (إشعياء ‪29 :30‬و ‪.)30‬‬ ‫توشك جموع من الناس االرشار ان ينقضوا عىل فريستهم‪ ،‬واذا بظلمة‬ ‫ ‬ ‫داجية اشد من ظلمة الليل تسقط عىل االرض‪ .‬وحينئذ ميتد فوق السموات‬ ‫قوس قزح يسطع مبجد من عرش الله ويبدو كأنه يحيط بكل جامعة مصلية‪.‬‬ ‫وحينئذ تتوقف تلك الجموع الغاضبة‪ .‬ويُنىس أولئك الذين كانوا سبب هياجهم‬


‫اإلنقاذ العظيم‬

‫‪93‬‬

‫االجرامي‪ .‬ويشخصون اىل رمز عهد الله ويتوقون اىل االحتامء بعيدا من نور ه‬ ‫وملعانه الباهر‪.‬‬ ‫ثم يُسمع شعب الله صوتا قائال لهم‪" :‬انظروا فوق"‪ .‬ومثل استفانوس‬ ‫ ‬ ‫وشهداء الكنيسة األوىل يثبِّتون انظارهم اىل السامء فريون مجد الله وابن‬ ‫االنسان جالسا عىل عرشه‪( .‬انظر أعامل ‪55 :7‬ـ ‪ .)56‬ومييزون سامت اتضاعه‪،‬‬ ‫ومن بني شفتيه يسمعون الطلب‪" :‬أريد ان هؤالء الذين أعطيتني يكونون‬ ‫معي حيث أكون أنا" (يوحنا ‪ .)24 :17‬يُسمع صوت يقول‪" :‬ها هم آتون ! ها‬ ‫هم آتون ! قديسون وأمناء وبال عيب‪ .‬لقد حفظوا كلمة صربي"‪.‬‬

‫الخالص ٍ‬ ‫آت! ‪ -‬يكون الليل قد انتصف حينام يظهر الله قدرته‬ ‫ ‬ ‫لخالص شعبه‪ .‬والشمس تظهر مرشقة يف قوتها‪ .‬وستتبع ذلك آيات ومعجزات‪.‬‬ ‫وسينظر االرشار اىل ذلك املشهد برعب وذهول‪ ،‬يف حني ينظر االبرار بفرح‬ ‫مقدس اىل دالئل نجاتهم‪ .‬ويف وسط السموات الغاضبة توجد رقعة واحدة‬ ‫صافية يظهر منها مجد يفوق الوصف‪ ،‬ومنها‬ ‫يأيت صوت الله كصوت مياه كثرية قائال‪" :‬قد‬ ‫تم" (رؤيا ‪.)17 :16‬‬ ‫ذلك الصوت يهز السموات واالرض‪.‬‬ ‫ ‬ ‫وتحدث زلزلة عظيمة "مل يحدث مثلها منذ‬ ‫صار الناس عىل االرض زلزلة مبقدارها عظيمة‬ ‫هكذا" (رؤيا ‪ .)18 :16‬والصخور الوعرة تتبعرث‬ ‫يف كل مكان‪ .‬والبحر يثور ويهتاج‪ .‬وتُسمع رصخة إعصار كصوت شياطني‪.‬‬ ‫واألرض ينشق سطحها وتبدو أساساتها نفسها كأنها تنهار‪ .‬وموانئ البحر‬


‫‪94‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫الشبيهة بسدوم يف رشها تبتلعها املياه الغاضبة‪ .‬لقد ذُكرت بابل العظيمة أمام‬ ‫الله "ليعطيها كأس خمر سخط غضبه" (رؤيا ‪ .)19 :16‬وحجارة برد عظيمة كل‬ ‫واحدة تقوم بعملية التخريب‪ .‬وأعظم املدن املتنافرة تنهدم‪ .‬وقصور األمراء‬ ‫التي أغدق عظامء األرض ثرواتهم عليها ليك ميجدوا أنفسهم تتحطم وتصري‬ ‫أنقاضاً أمام عيونهم‪ .‬وأبواب السجون تنفتح بعنف ف ُيطلق رساح شعب الله‪.‬‬ ‫والقبور تنفتح‪" :‬وكثريون من الراقدين يف تراب االرض يستيقظون هؤالء‬ ‫ ‬ ‫اىل الحياة االبدية وهؤالء اىل العار لالزدراء االبدي"‪ ،‬وكذلك "الذين طعنوه"‪.‬‬ ‫والذين سخروا باملسيح وهزأوا بعذاباته وأقىس املقاومني لحقه وشعبه يقامون‬ ‫لريون يف مجده ويروا الكرامة التي يضعها عىل املخلَّصني والطائعني‪( .‬دانيال‬ ‫‪2 :12‬؛ رؤيا ‪.)7 :1‬‬ ‫وتلمع يف السامء بروق مخيفة تلف االرض يف رداء من النار‪ .‬وستُسمع‬ ‫ ‬ ‫أصوات غامضة ومخيفة أعىل من صوت هزيم الرعد معلنة دينونة االرشار‪.‬‬ ‫فالذين كانوا متهورين وفخورين ومتح ِّدين ومبتهجني بسبب قسوتهم عىل‬ ‫من قد حفظوا وصية الله يغمرهم اآلن الرعب ويرتجفون من هول الخوف‪.‬‬ ‫وترتعب الشياطني يف حني أن الناس يتوسلون يف طلب الرحمة‪.‬‬ ‫يوم الرب ‪ -‬قال النبي إشعياء‪" :‬يف ذلك اليوم يطرح االنسان أوثانه‬ ‫ ‬ ‫الفضية وأوثانه الذهبية التي عملوها له للسجود للجرذان والخفافيش ليدخل‬ ‫يف نقر الصخور ويف شقوق املعاقل من امام هيبة الرب ومن بهاء عظمته عند‬ ‫قيامه لريعب االرض" (إشعياء ‪20 :2‬و ‪.)21‬‬ ‫والذين قد ضحوا بكل يشء يف سبيل املسيح هم اآلن يف أمان‬ ‫ ‬ ‫فأثبتوا امام العامل وامام محتقري الحق والءهم لذاك الذي قد مات ألجلهم ‪.‬‬


‫اإلنقاذ العظيم‬

‫‪95‬‬

‫ووجهوههم التي كانت منذ عهد قريب شاحبة وجزعة ومنهوكة صارت االن‬ ‫متأججة بالدهشة ثم ترتفع اصواتهم وهم ويرددون انشودة االنتصار قائلني‪:‬‬ ‫"الله لنا ملجأ وقوة عونا يف الضيقات وجد شديدا ‪ .‬لذلك ال نخىش ولو تزحزت‬ ‫االرض ولو انقلبت الجبال اىل قلب البحار‪ .‬تعج وتجيش مياهها‪ .‬تتزعزع الجبال‬ ‫بطموها" (مزمور ‪1 :46‬ـ ‪.)3‬‬ ‫وعندما ترتفع اىل الله كلامت الثقة فإن بهاء املدينة يشع من األبواب‬ ‫ ‬ ‫املفتوحة‪ .‬حينئذ تُرى يف السامء يد ممسكة بلوحني من حجر‪ .‬فتلك الرشيعة‬ ‫املقدسة‪ ،‬التي قد أُعلنت من السامء تُعلن اآلن للناس كقانون الدينونة‪ .‬والكالم‬ ‫واضح بحيث يستطيع كل واحد ان يقرأه‪ .‬فتستيقظ الذاكرة وتُكتسح ظلمة‬ ‫الخرافات والهرطقات من كل العقول‪.‬‬ ‫ويستحيل علينا ان نصف الرعب واليأس اللذين سيستوليان عىل الذين‬ ‫ ‬ ‫قد داسوا عىل مطالب الله املقدسة‪ .‬ولكنهم يف سبيل الظفر برىض العامل القوا‬ ‫بتلك الوصايا جانبا وعلموا اآلخرين التعدي عليها‪ .‬أما االن فالرشيعة التي قد‬ ‫ازدروا بها تدينهم‪ .‬و يرون انهم بال عذر‪ .‬لدى أعداء رشيعة الله رأي جديد عن‬ ‫الحق والواجب‪ .‬وسريون يف وقت متأخر جدا ان سبت الوصية الرابعة هو ختم‬ ‫الله الحي‪ .‬ويرون يف وقت متأخر جدا الصفة الحقيقية لسبتهم الزائف واالساس‬ ‫الرميل الذي كانوا يبنون عليه‪ .‬وانهم امنا كانوا يحاربون الله‪ .‬لقد ساقهم معلمو‬ ‫الدين اىل الهالك مع انهم كانوا يقرون بانهم يرشدونهم اىل ابواب الفردوس‪.‬‬ ‫كم هي عظيمة تلك املسؤولية التي تقع عىل عاتق َمن يحتلون وظيفة مقدسة‬ ‫وكم هو عظيم هول النتائج املرتتبة عىل عدم امانتهم!‬

‫ ‬

‫ظهور ملك امللوك ‪ -‬يُسمع صوت الله من السامء معلنا اليوم‬


‫‪96‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫والساعة التي يأيت فيها يسوع‪ .‬وشعب الله سيقفون مصغني ووجوههم مستنرية‬ ‫مبجده‪ .‬ورسعان ما تظهر يف الرشق سحابة صغرية سوداء‪ .‬وهي السحابة التي‬ ‫تحيط باملخلص‪ .‬فينظرون اليها يف صمت مقدس وهي تقرتب من االرض وتزيد‬ ‫نورا ومجدا حتى تصري سحابة عظيمة بيضاء ويكون اسفلها مجيدا كنار آكلة‬ ‫ومن فوقها قوس قزح الوعد‪ .‬وفوقها يسوع كفاتح عظيم‪ ،‬فليس هو اآلن "رجل‬ ‫أوجاع"‪ ،‬لكنه يأيت كمنترص عظيم‪ .‬فيحف به جمع كبري من املالئكة القديسني‬ ‫"ربوات ربوات والوف ألوف"‪ .‬فكل عني ترى رئيس الحياة‪ .‬اكليل مجد عىل‬ ‫جبينه القديس‪ .‬ووجهه يسطع بنور اشد ملعانا من نور الشمس وهي تيضء يف‬ ‫قوتها‪" .‬وله عىل ثوبه وعىل فخذه اسم مكتوب ملك امللوك ورب االرباب" (رؤيا‬ ‫‪.)16 :19‬‬ ‫ينزل ملك امللوك عىل السحاب و حوله لهيب نار‪ .‬وترتعد االرض‬ ‫ ‬ ‫قدامه‪" ،‬يأيت الهنا وال يصمت ‪ .‬نار قدامه تأكل وحوله عاصف جدا‪ .‬يدعو‬ ‫السموات من فوق واالرض اىل مداينة شعبه" (مزمور ‪3 :50‬و‪.)4‬‬ ‫" َو ُمل ُ​ُوك األَ ْر ِض َوالْ ُعظ َ​َم ُء َواألَ ْغ ِن َيا ُء َواألُ َم َرا ُء َواألَقْ ِويَا ُء َوك ُُّل َع ْب ٍد َوك ُُّل ُح ّر‪،‬‬ ‫ ‬ ‫الص ُخورِ‪:‬‬ ‫أَ ْخ َف ْوا أَنْف َُس ُه ْم ِف الْ َمغَا ِي ِر َو ِف ُص ُخو ِر الْ ِج َبا ِل‪َ ،‬و ُه ْم يَقُولُو َن لِلْ ِج َبا ِل َو ُّ‬ ‫’اسق ُِطي َعلَيْ َنا َوأَ ْخ ِفي َنا َع ْن َو ْج ِه الْ َجالِ ِس َع َل الْ َع ْر ِش َو َع ْن غَضَ ِب الْ َخ ُر ِ‬ ‫وف‪ ،‬ألَنَّ ُه‬ ‫ْ‬ ‫قَ ْد َجا َء يَ ْو ُم غَضَ ِب ِه الْ َع ِظي ُم‪َ .‬و َم ْن يَ ْستَ ِطي ُع الْ ُوق َ‬ ‫ُوف؟‘ " (رؤيا ‪15 :6‬ـ ‪ .)17‬لقد‬ ‫انقطع املزاح الساخر‪ .‬وشفاه الكذب قد صمتت‪ .‬وال يُسمع اآلن صوت آخر غري‬ ‫صوت الصالة وصوت البكاء والنوح‪ .‬وسيطلب األرشار ان يدفنوا تحت صخور‬ ‫الجبال مفضِّ لني ذلك عىل مقابلة وجه ذاك الذي قد ازدروا به ورفضوه‪ .‬انهم‬ ‫يعرفون ذلك الصوت الذي يخرتق آذان املوىت‪ .‬فكم مرة دعاهم ذلك الصوت‬ ‫اىل التوبة بنغامته الرقيقة‪ .‬وكم مرة ُسمع يف توسالت مؤثرة من فم الصديق‬


‫اإلنقاذ العظيم‬

‫‪97‬‬

‫واألخ والفادي‪ .‬ذلك الصوت يوقظ فيهم ذكريات يودون من كل قلوبهم ان‬ ‫يالشوها‪ ،‬فهي انذارات ُرذلت ودعوات ُرفضت‪.‬‬ ‫هناك الذين قد سخروا باملسيح يف حالة اتضاعه‪ .‬فأعلن قائالً‪" :‬من اآلن‬ ‫ ‬ ‫تبرصون ابن اإلنسان جالساً عن ميني القوة وآتياً عىل سحاب السامء" (متى ‪:26‬‬ ‫‪ .)64‬واآلن ها هم يرونه يف مجده وسريونه بعد ذلك جالساً عن ميني القوة‪ .‬فها‬ ‫هريودس املتعجرف الذي استهزأ بلقب املخلص امللويك‪ .‬وها الرجال انفسهم‬ ‫الذين بأيدي االثم ألبسوه الرداء االرجواين ووضعوا اكليال من شوك عىل جبينه‬ ‫املقدس‪ ،‬ويف يده املستسلمة وضعوا قصبة زائفة‪ ،‬وكانوا يجثون قدامه يف‬ ‫استهزاء تجديفي‪ .‬الذين بصقوا عىل رئيس الحياة‪ .‬ويحاولون الهرب من مجد‬ ‫حضوره‪ .‬والذين ثقبوا يديه ورجليه باملسامري يشاهدون هذه السامت برعب‬ ‫وحزن‪.‬‬ ‫وها الكهنة والشيوخ يذكرون احداث جلجثة بدقائقها املخيفة‪.‬‬ ‫ ‬ ‫وبرعب وارتجاف يذكرون كيف انهم وهم يهزون رؤوسهم بتشامخ شيطاين‬ ‫رصخوا قائلني‪" :‬خلص آخرين وأما نفسه فام يقدر ان يخلصها" (متى ‪.)42 :27‬‬ ‫أما اآلن فإن رصخة تصدر من أفواههم أعىل من تلك التي نطقوا بها حني قالوا‪:‬‬ ‫"أصلبه" والتي رددت صداها شوارع أورشليم‪ ،‬فرتتفع رصخات العويل املخيفة‬ ‫قائلة‪" :‬إنه ابن الله!" ويحاولون الهرب من حرضة ملك امللوك‪.‬‬ ‫يف حياة كل من يرفضون الحق لحظات يستيقظ فيها الضمري‪ ،‬فتنزعج‬ ‫ ‬ ‫من الندامة غري املجدية‪ .‬ولكن ما هذه كلها اذا قيست بحرسة ذلك اليوم! ويف‬ ‫غمرة رعبهم يسمعون اصوات القديسني وهم يرتمنون ويهتفون هتاف الفرح‬ ‫قائلني‪" :‬هوذا هذا الهنا‪ .‬انتظرناه فخلصنا" (إشعياء ‪.)9 :25‬‬


‫‪98‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫قيامة شعب الله ‪ -‬يدعو ابن الله بصوته القديسني الراقدين‬ ‫ ‬ ‫ليخرجوا من قبورهم‪ .‬يف طول األرض وعرضها سيسمع األموات ذلك الصوت‪،‬‬ ‫والسامعون يحيون‪ .‬الجيش العظيم جدا من كل أمة وقبيلة ولسان وشعب‪.‬‬ ‫وسيخرجون من بيت سجن املوت مترسبلني مبجد ال يرذل صارخني وقائلني‪:‬‬ ‫"أَيْ َن شَ ْوكَتُ َك يَا َم ْوتُ ؟ أَيْ َن َغلَ َبتُ ِك يَا َها ِويَ ُة؟" (‪1‬كورنثوس ‪.)55 :15‬‬ ‫وسيخرج الجميع من قبورهم وستكون ألجسامهم القامة نفسها كام‬ ‫ ‬ ‫كانت عند دخولهم القرب‪ .‬لكن الجميع يقومون يف حداثة شبابهم ونشاطهم‬ ‫االبديني‪ .‬إن املسيح قد جاء ليعيد الينا ما قد خرسناه‪ .‬وهو سيغري شكل جسد‬ ‫تواضعنا ليكون عىل صورة جسد مجده‪ .‬فالجسم الفاين الفاسد املجرد من‬ ‫الجامل والذي قد أفسدته الخطيئة مرة يصري كامالً وجميالً وخالدا ً‪ .‬وكل‬ ‫العيوب والتشوهات سترتك يف القرب‪ .‬أما املفديون فإنهم "ينشأون" (مالخي ‪:4‬‬ ‫‪ )2‬إىل ملء قامة جنسنا يف حالته األصلية‪ .‬وآخر ما تبقى من أثار لعنة الخطية‬ ‫سيفع‪ .‬وسيعكس أتباع املسيح األمناء صورة سيدهم الحقيقية يف الذهن‬ ‫ُ‬ ‫والنفس والجسد‪.‬‬ ‫واألحياء األبرار يتغريون "يف لحظة يف طرفة عني" لدى سامعهم صوت‬ ‫ ‬ ‫الله أما اآلن فقد صاروا خالدين‪ .‬ومع القديسني املقامني يخطفون ملالقاة الرب‬ ‫يف الهواء‪ .‬إن املالئكة "يجمعون مختاريه من الرياح األربع من أقىص السموات‬ ‫إىل أقصائها" (متى ‪ .)31 :24‬واألوالد الصغار سيحملون إىل أذرع أمهاتهم‪.‬‬ ‫واالصدقاء الذين قد ف َّرق املوت بينهم طويال يجتمعون معا ولن يفرتقوا فيام‬ ‫بعد‪ ،‬وبأناشيد الفرح يرتفعون معا اىل مدينة الله‪.‬‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫إىل داخل املدينة املقدسة ‪ -‬وبني جموع املفتدين التي ال تحىص‬ ‫تتجه كل االنظار ايل املسيح‪ .‬وكل عني سرتى مجده هو الذي "كان منظره كذا‬


‫اإلنقاذ العظيم‬

‫‪99‬‬

‫مفسدا ً أكرث من الرجل وصورته أكرث من بني آدم" (إشعياء ‪ .)14 :52‬وعىل‬ ‫رؤوس املنترصين سيضع يسوع أكاليل املجد‪ .‬ولكل واحد اكليله مكتوب عليه‬ ‫"اسمه الجديد" (رؤيا ‪ .)17 :2‬وهذه الكتابة "قدس للرب"‪ .‬وستعطى لكل‬ ‫املفتدين سعف النخل فيمسكونها بأيديهم كام ميسكون بالقيثارات الالمعة‪.‬‬ ‫وحينئذ اذ يعزف املالئكة القواد النغمة املطلوبة فكل يد تالمس أوتار القيثارة‬ ‫ملسات ماهرة مدربة‪ ،‬فتستيقظ النغامت املوسيقية العذبة ويهتز كل قلب‬ ‫طربا بفرح ال يُنطق به ويرتفع كل صوت مسبحا تسبيحة الشكر قائال‪" :‬الذي‬ ‫أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه له املجد‬ ‫والسلطان اىل أبد اآلبدين آمني" (رؤيا ‪5 :1‬و ‪.)6‬‬ ‫وأمام جموع املفتدين تُرى املدينة املقدسة‪ .‬فيفتح يسوع االبواب‬ ‫ ‬ ‫فتدخل كل االمم التي قد حفظت الحق‪ .‬وحينئذ يُسمع صوته قائال‪" :‬تعالوا يا‬ ‫مباريك ايب رثوا امللكوت املعد لكم منذ تأسيس العامل" (متى ‪ .)34 :25‬واملسيح‬ ‫يقدم إىل اآلب مقتنى دمه معلناً وقائالً‪" :‬ها انا واالوالد الذين أعطيتنيهم"‪،‬‬ ‫"الذين أعطيتني حفظتهم" (عربانيني ‪13 :2‬؛ يوحنا ‪ .)12 :17‬وما أعظم الفرح‪،‬‬ ‫فرح تلك الساعة التي فيها عندما ينظر اآلب الرسمدي اىل املفتدين يرى صورته‪،‬‬ ‫وعندما ينتهي تشويش الخطيئة ونزاعها يعود االنسان مرة أخرى اىل االتفاق‬ ‫واالنسجام مع الله!‬ ‫ففرح املخلص ينحرص يف كونه يرى يف ملكوت املجد النفوس التي قد‬ ‫ ‬ ‫خلصت بقوة آالمه واتضاعه‪ .‬وسيشاركه املفتدون يف فرحه اذ يرون بني أولئك‬ ‫املغبوطني أولئك الذين قد ُربحوا للمسيح عن طريق صلواتهم وجهودهم‬ ‫وتضحيات محبتهم‪ .‬متتلئ قلوبهم بفرح ال يُنطق به عندما يرون الذين قد‬ ‫ربحوهم للمسيح ويرون ان واحدا قد ربح آخرين وهؤالء ربحوا آخرين‪.‬‬


‫‪100‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫آدم األول وآدم الثاين يلتقيان ‪ -‬واذ يُر َّحب باملفديني يف مدينة‬ ‫ ‬ ‫الله ت ُسمع يف الجو رصخة متجيد فرِحة‪ .‬ان آدم االول وآدم الثاين مزمعان‬ ‫ان يتالقيا‪ .‬فابن الله واقف باسطا ذراعيه الستقبال أيب البرش‪ ،‬املخلوق الذي‬ ‫قد جبله فاخطأ اىل صانعه وبسبب خطيئته يحمل املخلص يف جسمه آثار‬ ‫الصليب‪ .‬فاذ يرى آدم آثار املسامري القاسية ال يرمتي يف حضن سيده ولكنه يف‬ ‫اتضاع وتذلل وانكسار يرمتي عند قدمي املسيح‪ .‬لكن املخلص يقيمه بكل رقة‬ ‫ويأمره بأن ينظر مرة اخرى اىل بيته يف جنة عدن الذي كان قد نُفي منه كل‬ ‫تلك الحقبة الطويلة من الزمن‪.‬‬ ‫كانت حياة آدم مليئة باآلالم واملتاعب‪ .‬فكل ورقة يابسة وكل ذبيحة‬ ‫ ‬ ‫وكل رضبة وقعت عىل وجه الطبيعة الجميل وكل لطخة أصابت طهارة االنسان‬ ‫كانت مذكرا له بخطيئته‪ .‬وقد كانت مرارة حزنه شديدة ورهيبة وهو يرى االثم‬ ‫يسترشي و يتفاقم وجواباً عىل انذاراته جعل الناس يعريونه بأنه هو سبب‬ ‫الخطية‪ .‬فتاب عن خطيئته بكل أمانة ثم مات عىل رجاء القيامة‪ .‬واآلن فمن‬ ‫خالل الكفارة أعيد اىل آدم سلطانه االول‪.‬‬ ‫واذ كان محموال عىل اجنحة الفرح رأى االشجار التي كان قبال يرس بها‪،‬‬ ‫ ‬ ‫االشجار نفسها التي كان يجمع امثارها بنفسه يف أيام برارته‪ .‬انه يرى اشجار‬ ‫الكرم التي غرسها واالزهار نفسها التي كان يرس بالعناية بها‪ .‬ويستوعب عقله‬ ‫املنظر عىل حقيقته ويدرك ان هذه حقا هي عدن وقد أعيدت اليه‪.‬‬ ‫وها املخلص يأخذه اىل حيث توجد شجرة الحياة ويقطف من مثارها‬ ‫ ‬ ‫املجيدة ويأمره باألكل منها‪ .‬فينظر آدم حواليه فريى كثريين من عائلته وقد‬ ‫افتدوا‪ .‬ثم يطرح اكليله عند قدمي يسوع ويقع عىل صدر الفادي ويعانقه‬ ‫ثم يلمس أوتار قيثارته الذهبية فتدوي ارجاء السامء بأصوات اغنية االنتصار‬


‫اإلنقاذ العظيم‬

‫‪101‬‬

‫القائلة‪" :‬مستحق مستحق هو الخروف قد ذبح" (رؤيا ‪ .)12 :5‬فيشرتك أفراد‬ ‫أرسة آدم يف األغنية ويطرحون أكاليلهم عند قدمي املخلص وهم ينحنون أمامه‬ ‫ساجدين متعبدين ممجدين‪ .‬إن املالئكة الذين بكوا عندما سقط آدم وفرحوا‬ ‫عندما فتح املسيح باب القرب لكل من يؤمنون باسمه‪ .‬واآلن ها هم يرون عمل‬ ‫الفداء وقد أكمل فيشرتكون يف انشودة الحمد بأصواتهم العذبة ‪.‬‬ ‫وعىل البحر البلوري‪ ،‬ذلك البحر من زجاج كأنه مختلط بنار‪ ،‬يجتمع‬ ‫ ‬ ‫جمهور "الغالبني عىل الوحش وصورته وعىل سمته وعدد اسمه"‪ .‬واملئة واالربعة‬ ‫واالربعون ألفا الذين قد افتدوا من بني الناس يرتمنون "ترنيمة جديدة"‪ .‬وهي‬ ‫ترنيمة موىس والخروف (رؤيا ‪2 :15‬و ‪ .)3‬وليس غري املئة واألربعة واألربعني‬ ‫ألفاً يستطيع أن يتعلم تلك الرتنيمة ألنها ترنيمة اختبارهم وهو اختبار مل يكن‬ ‫لجامعة أخرى سواهم‪" .‬وهؤالء هم الذين يتبعون الخروف حيثام ذهب"‪.‬‬ ‫هؤالء إذ قد نقلوا من األرض من بني األحياء فإنهم يحسبون "باكورة لله‬ ‫وللخروف" (رؤيا ‪4 :14‬و ‪ .)5‬لقد مروا يف وقت ضيق مل يكن مثله منذ كانت‬ ‫امة‪ .‬واحتملوا آالم وقت ضيق يعقوب ‪ .‬وثبتوا من دون شفيع يف اثناء انصباب‬ ‫رضبات الله االخرية‪ .‬لقد "غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم يف دم الخروف"‪ .‬ويف‬ ‫أفواههم مل يوجد غش ألنهم بال عيب قدام عرش الله"‪" .‬لن يجوعوا بعد ولن‬ ‫يعطشوا بعد وال تقع عليهم الشمس وال يشء من الحر ألن الخروف الذي يف‬ ‫وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إىل ينابيع ماء حية وميسح الله كل دمعة من‬ ‫عيونهم" (رؤيا ‪14 :7‬؛ ‪5 :14‬؛ ‪16 :7‬و ‪.)17‬‬ ‫املفديون يحظون باملجد ‪ -‬يف كل العصور سار مختارو املخلص يف‬ ‫ ‬ ‫طرق ضيقة وتنقوا يف أتون األمل‪ .‬فألجل يسوع احتملوا املقاومات والكراهية‬


‫‪102‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫والوشايات‪ .‬وقد اتبعوه يف إنكار الذ ات والخيبة املريرة‪ .‬وتعلموا رش الخطيئة‬ ‫وسلطانها وجرمها وشقاءها‪ .‬وهم ينظرون اليها بنفور واشمئزاز‪ .‬ان احساسهم‬ ‫بالتضحية العظيمة املقدمة كعالج للخطيئة يجعلهم يتضعون يف أعني أنفسهم‬ ‫ومتتلئ قلوبهم بالشكر والتسبيح‪ .‬انهم يحبون كثريا ألنه قد غُفر لهم كثري‪ .‬واذ‬ ‫صاروا رشكاء املسيح يف آالمه فقد صاروا أهال ملشاركته يف مجده‪.‬‬ ‫أىت ورثة الله من املساكن الحقرية واملخابئ والسجون ومن آالت‬ ‫ ‬ ‫االعدام ومن الجبال والرباري ومن شقوق االرض والكهوف‪ .‬كانوا "معتازين‬ ‫مكروبني مذلني" وقد نزل ماليني منهم إىل الهاوية مجللني بالعار ألنهم بكل‬ ‫ثبات رفضوا الخضوع للشيطان‪ .‬أما اآلن فإنهم مل يعودوا واهنني أو معذبني‬ ‫أو مشتتني أو مضطهدين‪ .‬ومن اآلن يقفون أمام العرش مترسبلني بحلل أغىل‬ ‫من كل ما لبسه أكرم أهل األرض‪ .‬وعىل رؤوسهم أكاليل أمجد من كل ما كلل‬ ‫به امللوك األرضيون"‪ .‬وملك املجد قد مسح الدموع عن كل الوجوه‪ ،‬يرتمنون‬ ‫برتنيمة الحمد وهي صافية عذبة منسجمة متناسقة‪ ،‬وكل صوت يلتقط اللحن‬ ‫اىل ان ترتفع التسبيحة وتعلو يف جو السامء اذ يقولون‪" :‬الخالص إللهنا الجالس‬ ‫عىل العرش وللخروف" فيجيب الكل قائلني‪" :‬آمني‪ .‬الربكة واملجد والحكمة‬ ‫والشكر والكرامة والقدرة والقوة إللهنا اىل ابد اآلبدين" رؤيا ‪10 :7‬و ‪.)12‬‬ ‫اننا يف هذه الحياة نستطيع فقط ان نبدأ يف ادراك موضوع الفداء‬ ‫ ‬ ‫العجيب‪ .‬وميكننا بفهمنا القارص ان نتأمل بكل جد يف العار واملجد والحياة‬ ‫واملوت والعدل والرحمة التي تلتقي يف الصليب‪ ،‬ولكن مع كل اجهادنا لقوى‬ ‫عقولنا ال نستطيع ادراك معناه ادراكا كامال‪ .‬فطول املحبة الفادية وعرضها‬ ‫وعمقها وعلوها ال ميكننا ادراكها اال ادراكا غامضا‪ .‬وتدبري الفداء لن يفهم فهام‬ ‫كامال حتى عندما يَرى املفتدون كام يُرون ويعرفون كام يُعرفون‪ ،‬ولكن مدى‬


‫اإلنقاذ العظيم‬

‫‪103‬‬

‫دهور االبد سينكشف امام الذهن املندهش املبتهج نور جديد عىل الدوام‪.‬‬ ‫ومع أن أحزان االرض وآالمها وتجاربها قد انتهت وأزيلت أسبابها فان شعب‬ ‫الله سيكون عندهم ادراك واضح وا ٍع للكلفة التي ُدفعت مثنا لخالصهم‪.‬‬ ‫سيكون صليب املسيح اغنية الحمد للمفتدين مدى االبدية‪ .‬ففي‬ ‫ ‬ ‫شخص املسيح املمجد سريون أيضاً املسيح املصلوب‪ .‬ولن يُنىس ابدا ان ذاك‬ ‫الذي بقدرته خلق العوامل اتضع وأخىل نفسه‬ ‫لريفع االنسان الخاطئ الساقط‪ ،‬وحمل جرم‬ ‫الخطيئة وعارها‪ ،‬واحتجاب وجه أبيه عنه اىل‬ ‫أن كرست قلبه ويالت العامل الهالك وسحقت‬ ‫حياته‪ .‬فكون خالق كل العوامل يضع نفسه‬ ‫مدفوعا اىل ذلك بدافع املحبة لإلنسان‪ ،‬هذا‬ ‫سيكون مبعث اندهاش املسكونة ومتجيدها‬ ‫اياه أبد الدهر‪ .‬واذ ينظر شعوب املخلصني اىل فاديهم ويعرفون أنه لن يكون‬ ‫مللكه انقضاء سيهتفون ويغنون قائلني‪" :‬مستحق مستحق هو الخروف الذي‬ ‫ذبح واشرتانا لله بدمه الكريم الثمني!"‬ ‫وسيى ان ذاك الذي هو‬ ‫ ‬ ‫يفرس رس الصليب جميع األرسار األخرى‪ُ .‬‬ ‫غري محدود يف الحكمة مل يستطع ان يبتكر خطة ألجل خالصنا اال ذبيحة ابنه‪.‬‬ ‫وان التعويض عن هذه الذبيحة هو فرح تعمري االرض بخالئق مفدية مقدسة‬ ‫سعيدة وخالدة‪ .‬وقيمة النفس عظيمة هكذا حتى ان اآلب يرىض بالثمن الذي‬ ‫ُدفع‪ ،‬واملسيح نفسه اذ يرى مثار ذبيحته العظيمة سيكتفي ويشبع ‪.‬‬


‫نرصة‬

‫املحبة‬ ‫ويف ختام األلف سنة* سيجيء املسيح إىل األرض ويصحبه جموع‬ ‫ ‬ ‫املتفدين وتحف به حاشية من املالئكة‪ .‬يأمر املسيح املوىت األرشار بأن يقوموا‬ ‫ليدانوا ويحكم عليهم‪ .‬فيخرجون وهم جمع كبري جدا ً بال عدد كرمل البحر‬ ‫حاملني يف أجسادهم آثار املرض واملوت‪ .‬فيا له من فرق شاسع بني هؤالء‬ ‫وأولئك الذي كان لهم نصيب يف القيامة األوىل!‬ ‫وكل عني تلتفت لتشاهد مجد ابن الله‪ .‬وبصوت واحد يرصخ األرشار‬ ‫ ‬ ‫قائلني‪" :‬مبارك اآليت باسم الرب" (متى ‪ .)39 :23‬ليست املحبة هي التي تلهمهم‬ ‫هذا الكالم بل قوة الحق تنتزع الكالم من شفاههم الكارهة انتزاعا‪ .‬فكام نزل‬ ‫االرشار اىل قبورهم كذلك خرجوا بالعداوة للمسيح وبروح العصيان نفسيهام‪.‬‬ ‫ولن يُعطَوا فرصة اختبار اخرى ليصلحوا نقائص حياتهم املاضية‪.‬‬ ‫والنبي يقول‪" :‬وتقف قدماه يف ذلك اليوم عىل جبل الزيتون‪ ...‬فينشق‬ ‫ ‬ ‫جبل الزيتون من وسطه" (زكريا ‪ .)4 :14‬وإذ تنزل أورشليم الجديدة من السامء‬ ‫ببهائها الذي يخطف األبصار فهي تستقر يف املوضع الذي قد تطهر وأعد‬ ‫الستقبالها‪ ،‬فيدخل إليها املسيح ومعه شعبه ومالئكته ويحلون يف تلك املدينة‬ ‫املقدسة‪.‬‬ ‫ان قائد الرش اذ كان مجردا من سلطانه ومنقطعا عن عمل الخداع كان‬ ‫ ‬ ‫* هذه هي األلفية املص َّورة يف الكتاب املقدس يف رؤيا ‪1 :20‬ـ ‪ .6‬كام يرد الحديث عنها بتوسع يف الفصل ‪ 41‬من كتاب الرصاع العظيم‪.‬‬


‫نرصة املحبة‬

‫‪105‬‬

‫شقيا ومغموما‪ ،‬ولكن اذ يقام املوىت االرشار ويرى هو ذلك الجمع العظيم اىل‬ ‫جانبه تنتعش آماله ويصمم عىل عدم التسليم يف ذلك الرصاع الهائل‪ .‬وحينئذ‬ ‫يصف كل جيوشه من الهالكني تحت رايته منذ رفضوا املسيح وقبلوا حكم‬ ‫ّ‬ ‫ذلك القائد املتمرد وهم عىل استعداد لقبول مقرتحاته وتنفيذ أمره‪ .‬ولكن‬ ‫متشيا مع خداعه ومكره القديم فهو ال يعرتف بانه الشيطان‪ .‬ويدعي أنه امللك‬ ‫واملالك الرشعي للعامل الذي اغتُصب منه مرياثه ظلام‪ .‬وهو يصور نفسه لرعاياه‬ ‫املخدوعني بانه الفادي ويؤكد لهم ان قوته هي التي اخرجتهم من قبورهم‪.‬‬ ‫فيق ّوي الضعفاء ويلهم الجميع بروحه ونشاطه وقوته ويقرتح ان يتقدمهم‬ ‫ملحاربة معسكر القديسني لالستيالء عىل مدينة الله‪ .‬ويشري اىل املاليني التي ال‬ ‫حرص لها الذين قد اقيموا من االموات ويعلن انه بصفته قائدا لهم هو قادر‬ ‫عىل قلب املدينة واستعادة سلطانه وملكه‪.‬‬ ‫وبني ذلك الجمع الغفري توجد جامهري من الجنس الذي كان يعيش‬ ‫ ‬ ‫منذ عصور القدم قبل الطوفان‪ ،‬رجال طوال القامة ذوو عقول جبارة‪ .‬رجال‬ ‫قادت اعاملهم الفنية العجيبة العامل اىل ان يعبد عبقريتهم ونبوغهم لك ّن‬ ‫قسوتهم ومخرتعاتهم الرشيرة التي نجست االرض وشوهت صورة الله جعلته‬ ‫ميحوهم من عىل وجه الخليقة‪ .‬يوجد ملوك وقواد وجبابرة بأس مل ينهزموا قط‬ ‫يف معركة‪ ،‬واملوت مل يُحدث تغيريا يف هؤالء القوم‪ .‬فاذ يخرجون من قبورهم‬ ‫يستأنفون تفكريهم السابق نفسه والرغبة نفسها يف الغزو والفتح‪ ،‬وستحفزهم‬ ‫هذه األفكار مثلام كانت تفعل عندما سقطوا‪.‬‬ ‫املعركة األخرية ضد الله ‪ -‬يتشاور الشيطان مع هؤالء الجبابرة‪.‬‬ ‫ ‬ ‫فيعلنون ان الجيش الذي يف داخل أسوار املدينة صغري باملقابلة مع جيوشهم‬


‫‪106‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫وانه ميكن االنتصار عليه‪ .‬ويرشع الرجال املهرة يف صنع اسلحة القتال‪ .‬والقواد‬ ‫الحربيون الذين اشتهروا بنجاحهم يصفون جموع رجال الحرب يف جامعات‬ ‫وأقسام‪.‬‬ ‫وأخريا يصدر االمر باالنطالق فيتقدم اىل االمام ذلك الجمع الذي ال‬ ‫ ‬ ‫يحىص عديده‪ ،‬وال تضارعه كل الجيوش يف مختلف العصور مجتمعة معا‪.‬‬ ‫والشيطان يتقدم الجيش وامللوك والجبابرة هم ضمن حاشيته‪ .‬وبدقة حربية‬ ‫تتقدم تلك الصفوف املتامسكة إىل األمام عىل سطح األرض املشقق الوعر‬ ‫نحو مدينة الله‪ .‬وبناء عىل أمر يسوع تغلق أبواب أورشليم الجديدة فتحارص‬ ‫جيوش الشيطان املدينة ويستعدون للهجوم‪.‬‬ ‫واآلن يظهر املسيح أمام عيون أعدائه‪ .‬وفوق املدينة عىل ارتفاع شاهق‬ ‫ ‬ ‫يوجد عرش عا ٍل ومرتفع عىل أساس من الذهب املصقول‪ .‬وعىل هذا العرش‬ ‫يجلس ابن الله وحوله رعايا ملكوته‪ .‬ان مجد الله الرسمدي يحيط بابنه وبهاء‬ ‫حضوره ميأل مدينة الله ويفيض خارج االبواب وميأل االرض كلها بألالئه‪.‬‬ ‫واقرب الناس اىل العرش هم أولئك الذين كانوا قبال متحمسني للشيطان‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ولكن اذ كانوا كشعالت منتشلة من الحريق فقد ات ّبعوا مخلصهم يف تكريس‬ ‫عميق قوي‪ .‬ويَيل هؤالء أولئك الذين قد كملوا الصفات املسيحية واحتفظوا‬ ‫بها يف وسط الكذب وااللحاد‪ ،‬أولئك الذين أكرموا رشيعة الله يف وقت اعتربها‬ ‫العامل املسيحي باطلة‪ ،‬وماليني من كل االجيال الذين استشهدوا ألجل اميانهم‪.‬‬ ‫وخلف هؤالء يوجد "جمع كثري مل يستطع أحد ان يعده من كل االمم والقبائل‬ ‫والشعوب واأللسنة ‪ ...‬مترسبلني بثياب بيض ويف ايديهم سعف النخل" (رؤيا‬ ‫‪ .)9 :7‬لقد انتهت حربهم وأحرزوا االنتصار‪ .‬وسعف النخل التي يف أيديهم هي‬ ‫رمز االنتصار‪ ،‬والثياب البيض هي رمز لرب املسيح الذي صار لهم اآلن‪.‬‬


‫نرصة املحبة‬

‫‪107‬‬

‫ويف كل ذلك الجمع املتألق بالنور ال يوجد احد ينسب الخالص اىل‬ ‫ ‬ ‫نفسه كام لو انه قد انترص بقوته وصالحه‪ .‬ال يذكر يشء عام قد قاسوه‪ ،‬لكن‬ ‫كل أغنية ومطلع كل انشودة هو الخالص إللهنا وللخروف‪.‬‬ ‫النطق بالحكم ضد املتمردين ‪ -‬ويف محرض سكان االرض و‬ ‫ ‬ ‫السامء املجتمعني يتوج ابن الله‪ .‬واآلن وقد ُز ِّود بالجالل واملجد الفائقني فان‬ ‫ملك امللوك ينطق بحكمه ضد العصاة عىل سلطانه وينفذ عدله عىل من قد‬ ‫عصوا عليه وتعدوا رشيعته وضايقوا شعبه وظلموهم‪" .‬ثم رأيت عرشا عظيام‬ ‫أبيض والجالس عليه الذي من وجهه هربت االرض والسامء ومل يوجد لهام‬ ‫موضع‪ .‬ورأيت االموات صغارا وكبارا واقفني أمام الله وانفتحت أسفار وانفتح‬ ‫سفر آخر هو سفر الحياة ودين األموات مام هو مكتوب يف االسفار بحسب‬ ‫اعاملهم" (رؤيا ‪11 :20‬و ‪.)12‬‬ ‫وحاملا تقع عني يسوع عىل األرشار يشعرون بكل خطيئة ارتكبوها‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ويرون املكان نفسه الذي فيه انحرفت أرجلهم بعيدا عن طريق الطهارة‬ ‫والقداسة‪ .‬والتجارب الخادعة التي شجعوها عىل تضليلهم بانغامسهم يف‬ ‫الخطيئة‪ ،‬ورسل الله الذين احتقروهم‪ ،‬واالنــذارات التي رفضوها‪ ،‬وأمواج‬ ‫الرحمة التي ص ُّدوها بقلوبهم العنيدة القاسية غري التائبة‪ ،‬كل هذه تظهر‬ ‫واضحة كام لو كانت مكتوبة بحروف من نار‪.‬‬ ‫وفوق العرش يُرى الصليب‪ .‬وتظهر مشاهد تجربة آدم وسقوطه كام‬ ‫ ‬ ‫عىل شاشة بيضاء فسيحة‪ .‬وتظهر كذلك الخطوات املتتابعة يف تدبري الفداء‬ ‫العظيم‪ .‬فميالد املخلص الوضيع‪ ،‬وحياته التي قضاها يف بساطة‪ ،‬ومعموديته يف‬ ‫االردن‪ ،‬والصوم والتجربة يف الربية‪ ،‬وخدمته الجهارية التي كشف فيها للناس‬


‫‪108‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫عن امثن بركات السامء‪ ،‬وااليام التي ازدحمت بأعامل الرحمة‪ ،‬والليايل التي‬ ‫كان يقضيها مصليا يف الجبال‪ ،‬والجزاء الذي ناله من مؤامرات الحسد والكراهية‬ ‫والخبث يف مقابل الخري العظيم الذي نالوه عىل يديه‪ ،‬والعذاب األليم املخيف‬ ‫الغامض يف جثسيامين تحت الثقل العظيم لخطايا العامل كله؛ وتسليمه أليدي‬ ‫الرعاع املجرمني القتلة‪ ،‬والحوادث املخيفة التي حدثت يف ليلة الرعب تلك‪،‬‬ ‫االسري املستسلم وقد تركه تالميذه‪ ،‬وهو يساق بكل قسوة وعنف ويحاكَم يف‬ ‫قرص رئيس الكهنة‪ ،‬ويف دار والية بيالطس وأمام هريودس الجبان‪ ،‬وقد سخروا‬ ‫به وأهانوه وعذبوه وحكم عليه باملوت‪ ،‬كل ذلك يص َّور بكل وضوح‪.‬‬ ‫واآلن تعلن املشاهد النهائية أمام ذلك الجمع الحاشد‪ :‬فاملتأمل الصبور‬ ‫ ‬ ‫يسري يف الطريق اىل جلجثة‪ ،‬ملك السامء يُعلق عىل الصليب‪ ،‬الكهنة واألحبار‬ ‫يهزأون بآالم احتضاره‪ ،‬الظلمة غري الطبيعية تغىش االرض محددة اللحظة التي‬ ‫فيها أسلم فادي العامل روحه‪.‬‬ ‫يبدو املنظر املخيف كام كان متاما‪ .‬فالشيطان ومالئكته ورعاياه ال‬ ‫ ‬ ‫يستطيعون االبتعاد عن الصورة التي تصور عملهم‪ .‬فكل ممثل يذكر الدور‬ ‫الذي مثَّله‪ :‬هريودس الذي قتل أطفال بيت لحم االبرياء‪ .‬وهريوديا السافلة‬ ‫التي يستقر عىل نفسها اآلمثة دم يوحنا املعمدان‪ ،‬وبيالطس الضعيف خادم‬ ‫الزمان‪ ،‬والجنود الساخرون والشعب املجنون الذي رصخ قائالً‪" :‬دمه علينا‬ ‫وعىل أوالدنا"‪ .‬الجميع يرون هول جرميتهم‪ .‬وعبثاً يحاولون االختباء من جالل‬ ‫وجه الله‪ .‬بينام املتفدون يطرحون أكاليلهم عند رجيل املخلص صارخني وقائلني‪:‬‬ ‫"لقد مات عني!"‬ ‫فهناك يوجد نريون ذلك الوحش الذي اشتهر بالقسوة والرذيلة وهو‬ ‫ ‬ ‫يرى فرح الذين قد عذبهم ومتجيدهم يف ما كان يجد رسوره الشيطاين وهو‬


‫نرصة املحبة‬

‫‪109‬‬

‫يراهم يقاسون أرهب العذابات‪ .‬وأمه هناك لتشهد نتيجة عملها ولرتى كيف‬ ‫ان االهواء والشهوات التي تجرأ ابنها عىل السري فيها وتنميتها بقوة تأثريها‬ ‫ومثالها قد آتت مثارها يف الجرائم التي جعلت العامل يرتعد من هولها‪.‬‬ ‫وهناك يوجد كهنة وأساقفة بابويون ممن ادعوا انهم سفراء املسيح‬ ‫ ‬ ‫ومع ذلك فقد لجأوا اىل آالت التعذيب والسجون والحرق بالنار ليتحكموا‬ ‫يف ضامئر شعبه‪ .‬وهناك الباباوات املتكربون الذين رفعوا انفسهم فوق الله‬ ‫وتجرأوا عىل تغيري رشيعة العيل‪ .‬فآباء الكنيسة االدعياء أولئك عليهم حساب‬ ‫عسري يقدمونه اىل الله‪ .‬ويرون يف وقت متأخر جدا ان الله العليم بكل يشء‬ ‫يغار عىل رشيعته‪ .‬وهم يعلمون اآلن ان املسيح يقرن مصلحته مبصالح شعبه‬ ‫املتأملني‪.‬‬ ‫ان العامل الرشير كله يقف متهام امام محكمة الله بتهمة الخيانة‬ ‫ ‬ ‫العظمى ضد حكم السامء‪ .‬وال يجدون من يرتافع عنهم يف قضيتهم‪ ،‬فهم بال‬ ‫عذر وقد صدر ضدهم الحكم باملوت االبدي‪.‬‬ ‫واالرشار يرون ما قد اضاعوه بحياة العصيان التي عاشوها‪ .‬تقول‬ ‫ ‬ ‫النفس الهالكة صارخة‪" :‬كان ميكنني امتالك كل هذا ولكني ابعدت كل هذه‬ ‫األشياء عني‪ .‬آه يا له من جنون غريب! لقد استعضت عن السالم والسعادة‬ ‫والكرامة بالشقاء والعار واليأس"‪ .‬والجميع يرون أن طردهم من السامء عادل‪.‬‬ ‫ففي حياتهم أعلنوا قائلني‪" :‬ال نريد أن يسوع هذا ميلك علينا"‪.‬‬ ‫هزمية الشيطان ‪ -‬لقد نظر االرشار اىل تتويج ابن الله وكأنهم‬ ‫ ‬ ‫ذاهلون‪ .‬انهم يرون بني يديه لوحي الرشيعة االلهية‪ ،‬الوصايا التي قد احتقروها‪.‬‬ ‫ويشهدون الدهشة املشبوبة والفرح الغامر والتمجيد الذي يقدمه املخلصون‪.‬‬


‫‪110‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫واذ تكتسح موجة النغامت املطربة الجموع الذين خارج املدينة فالجميع‬ ‫يرصخون قائلني بصوت واحد‪" :‬عظيمة وعجيبة هي أعاملك يا ملك القديسني"‪.‬‬ ‫ويسقطون عىل وجوههم يقدمون السجود لرئيس الحياة‪( .‬رؤيا ‪.)3 :15‬‬ ‫ثم ان الشيطان يبدو وكأنه قد شُ لَّت قواه‪ .‬إن الذي كان أحد الرسافيم‬ ‫ ‬ ‫املتألقني بالنور قد طرد إىل األبد من املجلس الذي كان قبالً مكرماً فيه‪ .‬واآلن‬ ‫يرى آخر غريه واقفا بالقرب من اآلب الساموي‪ .‬يرى مالكاً جليل املنظر‪ .‬ويعرف‬ ‫ان املركز السامي الذي يشغله هذا املالك كان ميكن ان يشغله هو‪.‬‬ ‫ثم تستعيد الذاكرة وطن برارته وطهارته والسالم والقناعة اللذين كانا‬ ‫ ‬ ‫من صفاته اىل ان أقدم عىل التمرد والعصيان‪ .‬ثم يستعرض أعامله بني الناس‬ ‫ونتائجها‪ :‬عداوة االنسان ألخيه االنسان‪ ،‬وهالك الحياة الرهيب وقيام املاملك‬ ‫وسقوطها وقلب العروش‪ ،‬وتوايل حوادث الشغب الطويلة والحروب والثورات‪.‬‬ ‫ثم يستعرض محاوالته املستمرة يف مقاومة عمل املسيح‪ .‬واذ ينظر الشيطان اىل‬ ‫مملكته‪ ،‬مثرة جهوده‪ ،‬ال يرى غري الفشل‪ .‬ومرارا وتكرارا يف سري الرصاع الهائل‬ ‫انهزم وأرغم عىل التسليم‪.‬‬ ‫لقد كان غرض املتمرد االعظم دامئا تربير نفسه واقامة الربهان عىل ان‬ ‫ ‬ ‫سياسة الله هي املسؤولة عن العصيان‪ .‬جعل جامهري كثرية من الناس يقبلون‬ ‫تفسريه للرصاع الهائل الذي ظل محتدما هذا االمد الطويل‪ .‬فعىل امتداد آالف‬ ‫السنني ظل رئيس التآمر هذا يُلبس الباطل ثوب الحق‪ .‬ولكن ها قد اىت الوقت‬ ‫الذي فيه يُهزم العصيان نهائيا ويكشف الستار عن تاريخ الشيطان وصفاته‪ .‬ان‬ ‫املخادع االعظم يف محاولته االخرية ان يخلع املسيح عن عرشه ويهلك شعبه‬ ‫ويستويل عىل مدينة الله انكشف القناع عن وجهه متاما‪ .‬والذين اتحدوا معه‬ ‫يرون فشل قضيته اخريا فشال تاما‪.‬‬


‫نرصة املحبة‬

‫‪111‬‬

‫يرى الشيطان ان مترده الذي أقدم عليه مبحض اختياره ال يؤهله‬ ‫ ‬ ‫للسامء‪ .‬لقد درب قواه عىل محاربة الله‪ .‬وطهارة السامء وسالمها وانسجامها‬ ‫ستكون سبب عذاب هائل له‪ .‬واآلن فها الشيطان ينحني معرتفا بعدالة الحكم‬ ‫الذي صدر ضده‪.‬‬ ‫واآلن قد اتضح كل شك أو تساؤل يف ما يختص بالحق والضالل يف‬ ‫ ‬ ‫الرصاع الهائل الطويل االمد‪ .‬ونتائج العصيان ومثار طرح رشيعة الله جانبا‬ ‫اتضحت أمام انظار كل الخالئق العاقلة‪ .‬ان تاريخ الخطيئة سيظل اىل األبد‬ ‫شاهدا عىل ان سعادة كل خالئق الله مرتبطة ارتباطا وثيقا بوجود رشيعته‪.‬‬ ‫فكل املسكونة‪ ،‬املخلصون منهم والعصاة‪ ،‬يعلنون بفم واحد قائلني‪" :‬عادلة‬ ‫وحق هي طرقك يا ملك القديسني‪".‬‬ ‫وقد أتت الساعة التي يتمجد فيها اسم املسيح فوق كل اسم يسمى‪.‬‬ ‫ ‬ ‫إنه من أجل الرسور املوضوع أمامه – ليك يأيت بأبناء كثريين إىل املجد‪ -‬احتمل‬ ‫الصليب‪ .‬انه ينظر اىل املفتدين وقد تجددوا فصاروا يف شبه صورته‪ .‬انه يرى‬ ‫نفسه (إشعياء ‪ .)11 :53‬وبصوت يصل اىل‬ ‫فيهم نتيجة تعب نفسه فتطيب ُ‬ ‫اسامع الجامهري املجتمعة من االبرار واالرشار يعلن حينئذ قائال‪" :‬هوذا مقتنى‬ ‫دمي! فألجل هؤالء تأملت وألجلهم مت"‬ ‫نهاية األرشار القاسية ‪ -‬تبقى صفات الشيطان كام هي من دون تغيري‪.‬‬ ‫ ‬ ‫فروح العصيان ترتد عليه كسيل جارف‪ .‬وصمم عىل عدم االستسالم يف رصاع‬ ‫أخري يائس ضد ملك السامء‪ .‬ولكن من بني املاليني التي ال تحيص الذين قد‬ ‫أغواهم عىل العصيان ال يوجد اآلن وال واحد يعرتف بسيادته‪ .‬واألرشار متألهم‬ ‫ذات الكراهية التي تعتمل يف قلب الشيطان تجاه الله‪ .‬لكنهم يرون أن قضيتهم‬ ‫صارت ميئوساً منها‪.‬‬


‫‪112‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫تنزل نار من عند الله من السامء‪ .‬واالرض تتكرس فتخرج من فجواتها‬ ‫ ‬ ‫نار محرقة ونفس الصخور تشتعل بالنار‪ .‬والعنارص تذوب بحرارة متوقدة‬ ‫وتحرتق أيضا االرض وكل املصنوعات التي فيها (‪2‬بطرس ‪ .)10 :3‬وسطح االرض‬ ‫يبدو كأنه كتلة واحدة ذائبة ‪ :‬بحرية واسعة من النار تغيل‪ .‬إنه "للرب يوم‬ ‫انتقام سنة جزاء من أجل دعوى صهيون" (إشعياء ‪.)8 :34‬‬ ‫وسيعاقب األرشار "حسب أعاملهم"‪ .‬وسيتأمل الشيطان ال ألجل عصيانه‬ ‫ ‬ ‫فحسب بل ألجل كل الخطايا التي جعل شعب الله يرتكبونها‪ .‬إن األرشار‬ ‫يهلكون أصالً وفرعاً يف النار املطهرة؛ فالشيطان هو األصل وأتباعه هم الفروع‪.‬‬ ‫لقد وقع قصاص التعدي عىل الناموس كامالً‪ ،‬وقد أجيبت كل مطالب العدل‪.‬‬ ‫ان عمل التخريب والهالك الذي قام به الشيطان قد انتهى اىل االبد‪ .‬أما اآلن‬ ‫فان خالئق الله سيتخلصون اىل االبد من وجود الشيطان وتجاربه‪.‬‬ ‫واذ تلتف االرض يف رداء من النار يكون األبرار ساكنني مطمئنني يف‬ ‫ ‬ ‫املدينة املقدسة‪ .‬ويف حني أن الله هو نار آكلة لألرشار فهو لشعبه شمس‬ ‫ومجن" (انظر رؤيا ‪6 :20‬؛ مزمور ‪.)11 :84‬‬ ‫وطننا النهايئ ‪" -‬ورأيت سامء جديدة وأرضاً جديدة ألن السامء‬ ‫ ‬ ‫األوىل واألرض األوىل قد مضتا" (رؤيا ‪ .)1 :21‬إن النار التي تحرق األرشار تطهر‬ ‫األرض‪ .‬وكل أثر من آثار اللعنة ميحى‪ .‬ولن تكون هنالك نار جحيم أبدية لتذكر‬ ‫األبرار املفديني بعواقب الخطيئة املخيفة‪.‬‬ ‫ولكن يبقى مذكر واحد‪ ،‬ذلك ان فادينا سيظل حامال يف جسده سامت‬ ‫ ‬ ‫صلبه‪ ،‬اآلثار الوحيدة للعمل القايس الذي قد احدثته الخطيئة‪ .‬ومدى دهور‬ ‫االبد ستكون جروح جلجثة مبعث الحمد له واعالنا لقدرته‪.‬‬


‫نرصة املحبة‬

‫‪113‬‬

‫لقد اكد املسيح لتالميذه انه ماض ليعد لهم منازل يف بيت اآلب‪ .‬ان‬ ‫ ‬ ‫لغة البرش قارصة عن وصف مكافأة االبرار‪ .‬ولن يعرفها اال من يرونها‪ .‬وال ميكن‬ ‫لعقل محدود قارص ان يدرك مجد فردوس الله!‬ ‫يدعى مرياث املخلصني يف الكتاب املقدس "وطناً" (عربانيني ‪14 :11‬ـ‬ ‫ ‬ ‫‪ .)16‬فهناك يقود الراعي الساموي قطيعه اىل ينابيع مياه حية‪ .‬ويوجد دامئا‬ ‫انهار جارية صافية ونقية كالبلور وعىل وجوانبها اشجار تلقي ظاللها الوارفة‬ ‫عىل الطرق املعدة ملفتدي الرب‪ .‬وهناك ترتفع السهول الفسيحة فتصري تالال‬ ‫آية يف الجامل وجبال الله تعلو بقممها الشامخة‪ .‬ويف تلك السهول الهادئة التي‬ ‫بجوار الينابيع الحية يجد شعب الله‪ ،‬الذين ظلوا أمدا طويال غرباء وتائهني‪،‬‬ ‫وطنا ومستقرا‪.‬‬ ‫"ويبنون بيوتا ويسكنون فيها ويغرسون كروما ويأكلونا مثارها‪ .‬ال‬ ‫ ‬ ‫يبنون وآخر يسكن وال يغرسون وآخر يأكل ‪...‬‬ ‫مختاري عمل أيديهم"‪" .‬تفرح الربية‬ ‫يستعمل‬ ‫َّ‬ ‫واالرض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالرنجس"‪.‬‬ ‫"فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع‬ ‫الجدي ‪ ...‬وصبي صغري يسوقها‪ ...‬الَ يَ ُسو ُؤو َن‬ ‫َوالَ يُف ِْس ُدو َن ِف ك ُِّل َج َبلِ قُ ْد ِس" (إشعياء ‪:65‬‬ ‫‪21‬و ‪22‬؛‪1 :35‬؛ ‪6 :11‬و ‪.)9‬‬ ‫ليس لألمل وجود يف جو السامء‪ .‬ولن تكون هناك دموع وال مواكب‬ ‫ ‬ ‫جنازات وال شارات حداد‪" .‬واملوت ال يكون يف ما بعد وال يكون حزن وال رصاخ‬ ‫‪ ...‬ألن االمور االوىل قد مضت"‪" ،‬وال يقول ساكن انا مرضت ‪ .‬الشعب الساكن‬ ‫فيها مغفور االثم" (رؤيا ‪4 :21‬؛ إشعياء ‪.)24 :33‬‬


‫‪114‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫وهناك أورشليم الجديدة قصبة االرض الجديدة املجيدة‪" :‬لها مجد‬ ‫ ‬ ‫الله وملعانها شبه أكرم حجر كحجر يشب بلوري"‪" .‬ومتيش شعوب املخلصني‬ ‫بنورها وملوك االرض يجيئون مبجدهم وكرامتهم اليها"‪" ،‬هوذا مسكن الله مع‬ ‫الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم إلها‬ ‫لهم" (رؤيا ‪11 :21‬و ‪24‬و ‪.)3‬‬ ‫ويف مدينة الله "ال يكون ليل هناك" (رؤيا ‪ .)5 :22‬ولن يكون هنا‬ ‫ ‬ ‫تعب؟ وسنشعر دامئا بنضارة الصباح ولن نخىش من انتهائها‪ .‬ويفوق نو َر‬ ‫الشمس ضيا ٌء ال يبهر االبصار أو يؤذيها ومع ذلك فهو يفوق نور منتصف النهار‬ ‫مبا ال يقاس‪ .‬واملفتدون يسريون يف مجد النهار االبدي‪.‬‬ ‫"مل أر فيها هيكال ألن الرب الله القادر عىل كل يشء هو والخروف‬ ‫ ‬ ‫هيكلها" (رؤيا ‪ .)22 :21‬ولشعب الله امتياز الرشكة املباحة مع اآلب واالبن‪.‬‬ ‫فإننا ننظر االن يف مرآة ولكننا سرناه حينئذ وجها لوجه من دون ان يكون هناك‬ ‫حجاب يحجب الرؤية ‪.‬‬ ‫انتصار محبة الله ‪ -‬وستجد املحبة والعطف اللذين غرسهام الله‬ ‫ ‬ ‫نفسه يف القلب أصدق تدريب واعذبه‪ .‬والرشكة الطاهرة مع الخالئق املقدسة‬ ‫ومع الرجال األمناء يف كل العصور‪ .‬والروابط املقدسة التي توحد بني "كل‬ ‫عشرية يف السموات وعىل األرض" وستساعد هذه األمور يف تشكيل سعادة‬ ‫املفديني (أفسس ‪.)15 :3‬‬ ‫هناك ستتأمل العقول الخالدة‪ ،‬برسور متواصل‪ ،‬يف عجائب القوة‬ ‫ ‬ ‫الخالقة ويف ارسار املحبة الفادية‪ .‬وستنمو وتتطور كل قوى النفس وتزداد‬ ‫مهاراتها‪ ،‬وتحصيل املعرفة لن يتعب العقل ولن يرهق القوى‪ .‬وهناك ميكن‬


‫نرصة املحبة‬

‫‪115‬‬

‫أجل املشاريع‪ .‬وأسمى الرغائب تتحقق وأرفع املطامح ت ُنال‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫تنفيذ َّ‬ ‫تظهر ذرى ليبلغها اإلنسان‪ ،‬وعجائب جديدة ليعجب بها‪ ،‬وحقائق جديدة‬ ‫عليه ليدركها‪ ،‬وأغراض جديدة تتطلب بذل قوى العقل والنفس والجسد‪.‬‬ ‫وكل كنوز املسكونة ستكون مباحة لدراسة مفتدي الله‪ .‬ولكونهم غري‬ ‫ ‬ ‫مقيدين بقيود الفناء فسريتفعون اىل أعايل العوامل البعيدة‪ ،‬فبفرح ال ينطق‬ ‫فرح الخالئق غري الساقطني وحكمتهم‪ .‬وهم يتقاسمون‬ ‫به يدخل ابناء االرض َ‬ ‫معهم كنوز املعرفة والعلم التي حصلوا عليها مدى أجيال بعد أجيال يف التأمل‬ ‫يف صنع الله‪ .‬وبعيون صافية ينظرون اىل مجد الخليقة‪ :‬الشموس والكواكب‬ ‫واالنظمة الكونية كل منها يف مسارها املحيط بعرش الله ‪.‬‬ ‫واذ متر سنو االبدية فستأيت بإعالنات‬ ‫ ‬ ‫أغنى وأمجد عن الله واملسيح‪ .‬وكام تتجدد‬ ‫املعرفة فكذلك ستتجدد املحبة والوقار‬ ‫والسعادة وتزيد كذلك‪ .‬وكلام عرف الناس أشياء‬ ‫أكرث عن الله زاد اعجابهم بصفاته‪ .‬واذ يكشف‬ ‫يسوع أمامهم غنى الفداء واالعامل العظيمة‬ ‫املدهشة يف الرصاع الهائل مع الشيطان فإن‬ ‫قلوب املفتدين تختلج بتعبد حار عميق‪ ،‬فتتحد ربوات ربوات وألوف ألوف‬ ‫من االصوات يف انشاد اغنية الحمد العظيمة‪.‬‬ ‫" وكل خليقة مام يف السامء وعىل األرض وتحت األرض وما عىل البحر كل‬ ‫ما فيها سمعتها قائلة‪ :‬للجالس عىل العرش وللخروف الربكة والكرامة واملجد‬ ‫والسلطان اىل أبد اآلبدين" (رؤيا ‪.)13 :5‬‬ ‫لقد انتهى الرصاع العظيم ‪ .‬وما عاد للخطيئة أو للخطاة وجود‪ .‬وقد‬ ‫ ‬


‫‪116‬‬

‫الرجاء العظيم‬

‫صارت املسكونة كلها طاهرة‪ .‬ويف عاطفة واحدة من الوفاق والفرح يشرتك كل‬ ‫الخالئق‪ .‬ومن ذاك الذي قد خلق الجميع تفيض الحياة والنور والبهجة يف كل‬ ‫االقاليم يف الفضاء الذي ال حدود له‪ .‬فمن أصغر ذرة اىل أعظم كوكب‪ ،‬من حي‬ ‫اىل جامد‪ ،‬بجاملها وكاملها كلها تشهد شهادة واحدة قائلة‪ :‬الله محبة‪.‬‬


‫سنجد يف القامئة أدناه‪ ،‬تحت عنوان كل فصل من الفصول الواردة يف هذا الكُتيب‪ ،‬أسامء‬ ‫الفصل أو الفصول املوازية له يف كتاب الرصاع العظيم‪:‬‬ ‫الفصل األول‪" ،‬ملاذا هناك معاناة"؟‬ ‫الرصاع العظيم‪ ،‬الفصل ‪29‬‬

‫الفصل السابع‪" ،‬حاميتنا الوحيدة"‬ ‫الرصاع العظيم‪ ،‬الفصل ‪37‬‬

‫الفصل الثاين‪" ،‬الرجاء يف النرصة عىل الرش"‬ ‫الرصاع العظيم‪ ،‬الفصل ‪30‬و ‪31‬‬

‫الفصل الثامن‪" ،‬دفاعاً عن الحق"‬ ‫الرصاع العظيم‪ ،‬الفصل ‪3‬و ‪25‬و ‪26‬‬

‫الفصل الثالث‪" ،‬إغراءات خطرية"‬ ‫الرصاع العظيم‪ ،‬الفصل ‪32‬‬

‫الفصل التاسع‪" ،‬الرجاء الحقيقي"‬ ‫الرصاع العظيم‪ ،‬الفصل ‪1‬و ‪17‬و ‪36‬و ‪38‬و ‪39‬‬

‫الفصل الرابع‪" ،‬حياة أبدية"‬ ‫الرصاع العظيم‪ ،‬الفصل ‪33‬‬

‫الفصل العارش‪" ،‬اإلنقاذ العظيم"‬ ‫الرصاع العظيم‪ ،‬الفصل ‪40‬‬

‫الفصل الخامس‪" ،‬الرجاء الزائف"‬ ‫الرصاع العظيم‪ ،‬الفصل ‪34‬‬

‫الفصل الحادي عرش "نرصة املحبة"‬ ‫الرصاع العظيم‪ ،‬الفصل ‪42‬‬

‫الفصل السادس‪" ،‬السالم الحقيقي"‬ ‫الرصاع العظيم‪ ،‬الفصل ‪7‬و ‪27‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.