تنبيهالعقالءمباجاءيف
بقلم الداعية �صفاء عابدين
حقوق الطبع غري حمفوظة ولكل م�سلم حق الطبع ي�شرط التنويه بذكر امل�صادر الطبعة الأوىل 2010م 1431 -هـ وجزاء اهلل كل من �ساهم بن�شر هذا الكتاب من غري حذف �أو تعديل �أو �أ�ضافة �إال بعد املراجعة
�إهداء
�أهدي كلماتي املتوا�ضعة هذه �إىل روح �أمي و�أبي الطاهرة وبناتي وعائلتي و�أحبائي يف اهلل و�إىل كل مكلوم و�أذكر نف�سي و�أذكركم بقول �أم عمارة «كل م�صيبة بعدك يا ر�سول اهلل جلل – تريد �صغرية»
كلمةمضيئة
احلمد اهلل وكفى وال�صالة وال�سالم على النبي امل�صطفى [ ...وبعد قال تعاىلَ } :ي ْر َف ْع هَّ ُ ين ين � َآم ُنوا ِم ْن ُك ْم َوا َّل ِذ َ الل ا َّل ِذ َ ات َو هَّ ُ �أُوتُوا ا ْل ِع ْل َم َد َر َج ٍ ري ({)11 با ت َْع َم ُل َ الل مِ َ ون َخبِ ٌ
املجادلة ١١
قال [« :من يرد اهلل به خريا يفقه يف الدين»
متفق عليه
وا�ستجابه لهذه التوجيهات ال�سماوية حر�صت �سل�سلة العالمتني ابن باز والألباين �أن تتوا�صل معكم ب�أ�صدارتها العلمية املتنوعة م�ساهمة يف ن�شر العلم ال�شرعي بطريقة مي�سرة وخمت�صرة لي�سهل على امل�سلم ماينبغي معرفته من �أحكام الدين.
وبني يديك �أخي القارئ الإ�صدار احلادي ع�رشة من
�إ���ص��دارات م�شروع �سل�سلة العالمتني اب��ن ب��از والألباين الوقفي. فن�س�أل اهلل �أن يعيننا على تعلم �أحكام ديننا �إنه ويل ذلك والقادر عليه و�صلى اهلل على نبينا حممد [.
�سل�سة العالمتني 3
مقدمة
بسم اهلل الرمحن الرحيم و به نستعني ,,,
احلمد هلل ال�صبور ال�شكور ,العلي الكبري ,ال�سميع الب�صري العليم القدير الذي �شملت قدرته كل خملوق ,وجرت م�شيئته يف خلقه بت�صاريف الأم��ور ,و�أ�سمعت دعوته لليوم املوعود �أ�صحاب القبور ,قدر مقادير اخلالئق و�آجالهم ,وكتب �آثارهم و�أعمالهم ,و ق�سم بينهم معاي�شهم و �أموالهم ,قدر املوت واحلياة, ليبلوهم �أيهم �أح�سن عمال وهو العزيز الغفور ,القاهر القادر فكل ع�سري عليه ي�سري ,وهو املوىل الن�صري فنعم املوىل ونعم الن�صري ,ي�سبح له ما يف ال�سماوات وما يف الأر�ض ,له امللك وله احلمد وهو على كل �شيء قدير ,هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم م�ؤمن ,واهلل مبا تعملون ب�صري ,خلق ال�سماوات والأر�ض باحلق ,و�صوركم ف�أح�سن �صوركم ,و�إليه امل�صري ,يعلم ما ت�سرون وما تعلنون ,واهلل عليم بذات ال�صدور. و�أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له� ,إله جل عن ال�شبيه والنظري ,وتعاىل عن ال�شريك والظهري ,وتقد�س عن تعطيل امللحدين ,كما تنزه عن �شبه املخلوقني ,فلي�س كمثله �شيء وهو ال�سميع الب�صري . و�أ�شهد �أن حممدا عبده ور�سوله ,وخريته من بريته, و�صفوته من خليقته ,و�أمينه على وحيه ,و�أن�صحهم لأمته, و�أ�صربهم حلكمه ,و�أ�شكرهم لنعمه ,فبلغ ر�ساالت ربه, وحتمل يف مر�ضاته ما مل يتحمله ب�شر �سواه ,وق��ام هلل بال�صرب وال�شكر حق القيام حتى بلغ ر�ضاه ,فثبت يف مقام ال�صرب حتى مل يلحقه �أحد من ال�صابرين ,وترقى يف درجة ال�شكر حتى عال فوق جميع ال�شاكرين.
5
لقد خلقنا اإلنسان يف كبد
ال �شك �أن الإن�سان عموماً يعي�ش حياته بني �صفو وكدر ،وجملة من الأخطار والأمرا�ض واحلوادث ،وقد قرر اهلل هذه احلقيقة، ك َب ٍد { البلد 4 ان يِف َ ن�س َ فقال �سبحانه وتعاىلَ } :لقَ ْد َخ َلقْ َنا الإِ َ قال ال�شاعر : ومن عا�ش يف الدنيا فالبد �أن يرى
من العي�ش ما ي�صفو وما يتكدر
واهلل تعاىل جعل ال�صرب جواداً ال يكبو ،و�صارماً ال ينبو ،وجنداً ال يهزم وح�صناً ح�صيناً ال يهدم وال يثلم ،فهو والن�صر �أخوان �شقيقان ،فالن�صر مع ال�صرب ،والفرج مع الكرب ،والع�سر مع الي�سر ،وهو �أن�صر ل�صاحبه من الرجال بال عدة وال عدد ،وحمله من الظفر كمحل الر�أ�س من اجل�سد ،ولقد �ضمن �سبحانه وتعاىل يف حمكم الكتاب �أنه يوفيهم �أجرهم بغري ح�ساب ،و�أخربهم �أنه معهم بهدايته ون�صره العزيز وفتحه املبني. قال تعاىل َ } :و َل َن ْب ُل َو َّن ُك ْم َح َّتى َن ْع َل َم مْ ُ ال َج ِ ين ال�صاب ِِر َ اه ِد َ ين ِم ْن ُك ْم َو َّ َو َن ْب ُل َو �أَ ْخ َب َار ُك ْم { حممد .31
قال تعاىل �}:إِ َّنا َج َع ْل َنا َما َع َلى الأَ ْر�� ِ�ض ِز َين ًة َل َها ِل َن ْب ُل َو ُه ْم َ�أ ُّي ُه ْم �أَ ْح َ�س ُن َع َم ًال { الكهف .7 8
اهلل تبارك وتعاىل جرت �سنته يف عباده امل�ؤمنني �أن يبتليهم على ح�سب �إميانهم ،فمن ازداد �إميانه زيد يف بالئه .ف�إن كان يف دينه �صالبة �شدد عليه البالء ،و�إن كان يف دينه رقه خفف عنه البالء. ف�أ�شد النا�س بالء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ،يبتلى الرجل على ح�سب دينه كما �سئل النبي [ �أي النا�س �أ�شد ب�لاء ، فقال« :الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على ح�سب دينه ف�إن كان يف دينه �صلباً ا�شتد بال�ؤه و�إن كان يف دينه رقة ابتلى على ح�سب دينه فما يربح البالء بالعبد حتى يرتكه مي�شي على الأر�ض وما عليه خطيئة» �أخرجه الرتمذي و ابن ماجة . و البالء الذي ي�صيب امل�ؤمن نوعان -: � .1أحدهما :بالء مبخالفة دواعي النف�س والطبع كال�صرب على الطاعات ،و ال�صرب عن املعا�صي .وهذا من �أ�شد البالء ،ف�إنه ال ي�صرب عليه �إال الأنبياء وال�صديقون ، والنا�س فيه درجات متفاوتة . .2ثانيهما :البالء الذي يجري على العبد بغري اختياره كاملر�ض واجل���وع والعط�ش واخل���وف ونق�ص الأم���وال والأنف�س والثمرات و نحو ذلك ،وال�صرب هنا ال يتوقف على الإميان ،بل ي�صرب عليه الرب والفاجر ال �سيما �إذا علم �أنه ال ممول له �إال ال�صرب ،ف�إن مل ي�صرب اختياراً �صرب بل ا�ضطراراً . 9
االمتحان
واهلل تبارك وتعاىل ميتحن كل �إن�سان يف ثالثة مواطن -: يف الدنيا .....ويف القرب ......ويف املح�شر ففي الدنيا :يكون االب��ت�لاء واالمتحان ب�شيئني :بال�سراء وال�ضراء ,وباخلري وال�شر وذلك ليعلم اهلل ال�صادق من الكاذب واجلازع من ال�صابر ,وامل�ؤمن من املنافق .قال تعاىل �} :أَ َح ِ�س َب ين ا�س �أَ ْن ُي رْ َ ون (َ )2و َل َقدْ َفتَ َّنا ا َّل ِذ َ ت ُكوا �أَ ْن َي ُقو ُلوا � َآم َّنا َو ُه ْم ال ُيفْ تَ نُ َ َّ الن ُ ِم ْن َق ْب ِلهِ ْم َف َل َي ْع َل َم َّن هَّ ُ ِني (�{)3سورة الل ا َّل ِذ َ ين َ�صدَ ُقوا َو َل َي ْع َل َم َّن ا ْل َك ِاذب َ
العنكبوت . 3 ، 2
فمن �صرب و�أطاع اهلل فاز ...ومن جزع وع�صى خ�سر ويف القرب :يكون االمتحان بثالثة �أ�شياء : من ربك ..؟ ما دينك ..؟ ومن نبيك ..؟ فمن عرف ربه يف الدنيا ،وعرف ر�سوله ،وعمل بدينه �أجاب بقوله :ربي اهلل ،وديني الإ�سالم ونبيي حممد [ ففاز باجلنة، ومن مل يعرف ذلك �أجاب بقوله هاه هاه ،ال �أدري ،فله النار .
12
�أما يف املح�شر فيكون االمتحان وال�س�ؤال عن �سبعة �أ�شياء : في�س�أل العبد عن عمره فيما �أفناه ؟ ..وعن �شبابه فيما �أب�لاه؟ ...وعن ماله من �أين اكت�سبه ؟ ..وفيم �أنفقه ؟ ...وعن عمله ماذا عمل به ؟ و �سي�س�أل النا�س جميعا عن �أمرين : ماذا كنتم تعبدون ؟ ..وماذا �أجبتم املر�سلني ؟ واهلل بعباده خبري ب�صري ,وهو �أرحم الراحمني ،ورحمته و�سعت كل �شيء ، وهو �أرحم بعباده من الوالدة بولدها. ف�إذا �أ�صيب الإن�سان مب�صيبته ،فاهلل يعلم �أن م�صلحة العبد تتحقق هنا ،ولو علم العبد ذلك حلمد اهلل على ذلك ،ولكنه جلهله ي�شكو ويت�سخط ،والواجب والالئق بالعبد �أن مي�شي مع �أقدار ربه �سواء �سرته �أو �ساءته ,فاهلل �أعلم مب�صلحته ،و�سيوفيه �أجره �إن �صرب و �شكر } َو َع�سى �أَ ْن ت َْك َر ُهوا �شَ ْيئ ًا َو ُه َو َخيرْ ٌ َل ُك ْم َو َع َ�سى �أَ ْن حُ ِ ت ُّبوا �ش َل ُك ْم َو هَّ ُ ون { البقرة . 216 الل َي ْع َل ُم َو�أَنْتُ ْم ال ت َْع َل ُم َ �شَ ْيئ ًا َو ُه َو رَ ٌّ فكذلك امل�صائب تطهري للعبد من الذنوب ،ت�ستحق من العبد احلمد وال�شكر ويدرك هذا من حقق معنى ال �إله �إال اهلل .وفيها متييز للم�ؤمنني من املنافقني وال�صادقني من الكاذبني ،و�أهل اخلري من �أهل ال�شر ،وبال�صرب عليها يرفع اهلل درجات العبد ، وي�ضاعف ح�سناته ويكفر �سيئاته . 13
الصرب ...صرب ساعة
بوا �إِ َّن هَّ َ ين { الأنفال . 46 ال�صا ِبرِ َ قال تعاىلَ } :و ْ الل َم َع َّ ا�ص رِ ُ
واملعنى� :إن اهلل مع ال�صابرين بالعون والن�صر والت�أييد ولن يخذلهم .التف�سري املي�سر . فظفر ال�صابرون بهذه املعية بخريي الدنيا والآخرة ،وفازوا بها وبنعم اهلل الباطنة والظاهرة. قال ابن القيم -رحمه اهلل :-قال بع�ض ال�صاحلني :يا بني �إن امل�صيبة ما جاءت لتهلكك ،و�إمنا جاءت لتمح�ص �صربك و�إميانك ،يا بني القدر �سبع ،وال�سبع ال ي�أكل امليتة .
ت ُكوا �أَ ْن َيقُ و ُلوا � َآم َّنا َو ُه ْم ال ا�س �أَ ْن ُي رْ َ قال تعاىل�} :أَ َح ِ�س َب َّ الن ُ ون { العنكبوت . 2 ُيفْ تَ ُن َ
ق��ال اب��ن �أب��ي الدنيا :و حدثني عبد اهلل بن حممد بن �إ�سماعيل التميمي � :أن رجال عزى رجال يف ابنه فقال � :إمنا ي�ستوجب على اهلل وعده من �صرب له بحقه ,فال جتمع �إىل ما �أ�صبت به من امل�صيبة الفجيعة بالأجر ف�إنها �أعظم امل�صيبتني عليك. و عزى ابن ال�سماك رجال فقال :عليك بال�صرب ،فيه يعمل من احت�سب ,و �إليه ي�صرب من جزع .
16
و قال عمر بن عبد العزيز � :أما الر�ضى فمنزلة عزيزة �أو منيعة و لكن جعل اهلل يف ال�صرب معوال ح�سناً . و ملا مات عبد امللك ابنه �صلى عليه ثم قال :رحمك اهلل لقد كنت يل وزيرا ,و كنت يل معيناً .قال والنا�س يبكون و ما يقطر من عينيه قطره . و �أ�صيب مطرف بن عبد اهلل يف ابن له ,ف�أتاه قوم يعزونه فخرج �إليهم �أح�سن ما كان ب�شراً ,ثم قال � :إين �أ�ستحي من اهلل �أن �أت�ضع�ضع مل�صيبة . وبالعادة يتعر�ض الإن�سان يف حياته ملظاهر و�أنواع خمتلفة من االبتالء فيعي�ش بني الفرح واحلزن ،والغنى والفقر ،والفرح وال�ضيق ،والوالدة واملوت ،والذي مييز امل�سلم احلق يف �سمته �أن ال يكون جاحداً لنعم اهلل تعاىل في�صرب يف ال�ضراء ،وي�شكر يف ال�سراء. و �أخرب تعاىل �أن ال�صرب خري لأهله م�ؤكدا ذلك باليمني , ين» النحل ،126و �أخرب �أن ب مُ ْ ل�صاب ِِر َ ت َل ُه َو َخيرْ ٌ ِل َّ فقالَ « :و َل ِئ ْن َ�ص رَ ْ مع ال�صرب و التقوى ال ي�ضر كيد العدو ولو كان ذا ت�سليط فقال بوا َوت ََّتقُ وا ال َي�ضرُ ُّ ُك ْم َك ْيدُ ُه ْم �شَ ْيئ ًا �إِ َّن هَّ َ الل تعاىلَ } :و�إِ ْن ت َْ�ص رِ ُ م ٌ ون حُ ِ يط (� {)120آل عمران ،120و�أن ال�صرب و التقوى با َي ْع َم ُل َ مِ َ وال�صالة تو�صالن ال�صديق �إىل حمل العز والتمكني فقال�} :إِ َّن ُه ب َف�إِ َّن هَّ َ يع �أَ ْج َر مْ ُ ني{ يو�سف . 90 ال ْح ِ�س ِن َ الل ال ُي ِ�ض ُ َم ْن َي َّت ِق َو َي ْ�ص رِ ْ
17
و �أخرب تعاىل �أن دفع ال�سيئة بالتي هي �أح�سن جتعل امل�سيء ك�أنه ويل حميم فقالَ } :وال ت َْ�ستَ وِ ي حْ َ ال�س ِّيئَ ُة ْاد َف ْع ال َ�س َن ُة َوال َّ بِا َّل ِتي ِهي �أَ ْح�س ُن َف ِ�إذَ ا ا َّل ِذي بي َن َك وبي َن ُه َعدَ او ٌة َ َ ك�أ َّن ُه َو يِ ٌّ يم{ َ ََْ َْ ل َح ِم ٌ َ َ ف�صلت .34و�أن هذه اخل�صلة ما يلقاها �إال الذين �صربوا و ما يلقاها �إال ذو حظ عظيم . و ال�صرب جادة امل�ؤمن التي يجول ثم يرجع �إليها ،و �ساق �إميانه الذي ال اعتماد له �إال عليها ،فال �إميان ملن ال �صرب له ، و �إن كان ف�إميان قليل يف غاية ال�ضعف ،و �صاحبه ممن يعبد اهلل على حرف ف�إن �أ�صابه خري اطمئن به و �إن �أ�صابته فتنة انقلب على وجهه خ�سر الدنيا و الآخ��رة ،و مل يح�ض منهما �إال بال�صفقة اخلا�سرة ،فخري عي�ش �أدركه ال�سعداء ب�صربهم، وترقوا �إىل �أعلى املنازل ب�شكرهم ،ف�ساروا بني جناحي ال�صرب وال�شكر �إىل جنات النعيم . ولذلك ترى �أبناء الدنيا متقلبني فيها بني خري و�شر ،ونفع و�ضر ،وال ترى لهم يف �أيام الرخاء �أنفع من ال�شكر والثناء ،وال يف �أيام املحنة والبالء �أجنع من ال�صرب والدعاء ،وقد اقت�ضت حكمة اهلل �سبحانه وتعاىل �أنه ما من ليل �إال وبعده �صباح ،وما من �ضيق و�شدة� ،إال وبعده فرج وخري. فطوبى ثم طوبى ملن وفق يف احلالني ،للقيام بالواجبني، وجتد �أف�ضل �شيء يفزع �إليه من ابتلي مبكروه ،من �شدة �أو
18
مر�ض �أو هم �أو غم �أو �أي �شيء �صارف من �صروف الدهر �أن يفزع �إىل ال�صالة ،كما كان يفعل امل�صطفى [ :كما يف حديث حذيفة ر�ضي اهلل عنه قال« :كان ر�سول اهلل [ �إذا حزبه �أمر �صلى» �أخرجه �أحمد و�أبو داود ثم ق��راءة القر�آن بتدبر وخ�شوع ،ف�إن فيه راحة وطم�أنينة ين � َآم ُنوا َوت َْط َم ِئ ُّن و�سكينة للنف�س الإن�سانية ،قال عز وجل } :ا َّل ِذ َ الل �أَال ب ِِذ ْك ِر هَّ ِ ُق ُلو ُب ُه ْم ب ِِذ ْك ِر هَّ ِ وب{ الرعد . 28 الل ت َْط َم ِئ ُّن ا ْلقُ ُل ُ
19
من أسباب دفع البالء
.1لطف اهلل بعباده ،خا�صة �إن كان العبد قوي الإميان بخالقه �شديد التعلق بربه . .2حفظ العبد رب��ه ،ق��ال [ « :احفظ اهلل يحفظك احفظ اهلل جتده جتاهك» �أخرجه �أحمد والرتمذي . .3التعرف �إىل اهلل يف الرخاء بامتثال �أوام��ره و اجتناب نواهيه ،كما ثبت من حديث ابن عبا�س و �أبي �سعيد ر�ضي اهلل عنهما قاال :قال ر�سول اهلل [ « :تعرف �إليه يف الرخاء ،يعرفك يف ال�شدة» . .4التقرب �إىل اهلل �سبحانه وتعاىل بال�صدقات ،ف�إن �صدقة ال�سر تدفع غ�ضب الرب ،و تداوي املر�ض قال ر�سول اهلل [ �« :صدقة ال�سر تطفئ غ�ضب ال��رب» �أخ��رج��ه الطرباين و�صححه الألباين.
.5الإكثار من قراءة الأوراد و الأذكار امل�ستمدة من القر�آن الكرمي و من ال�سنة النبوية املطهرة . .6االلتجاء �إىل اهلل تعاىل و التعلق به ،و االعتقاد ب�أنه املعطي و املانع ،و �أن النفع و ال�ضر بيده �سبحانه و تعاىل وحده دون �سواه من �سائر اخللق . 22
ين قال ابن القيم -رحمه اهلل : -قال اهلل تعاىل }:ا َّل ِذ َ َ يب ٌة َقا ُلوا ِ�إ َّنا للِهَّ ِ َو ِ�إ َّنا �إِ َل ْي ِه َر ِ ون (� )156أُ ْو َل ِئ َك اج ُع َ �إِذَ ا �أ َ�صا َبتْ ُه ْم ُم ِ�ص َ ات ِم ْن َر ِّبهِ ْم َو َر ْح َم ٌة َو�أُ ْو َل ِئ َك ُه ْم مْ ُ ون { �سورة البقرة ال ْهتَ دُ َ َع َل ْيهِ ْم َ�ص َل َو ٌ
.157 - 156
و يف امل�سند عنه [ �أنه قال « :ما من عبد ت�صيبه م�صيبة فيقول � :إنا هلل و �إنا �إليه راجعون اللهم �آجرين يف م�صيبتي واخلفني خرياً منها� ،إال �أجره اهلل يف م�صيبته و خلف له خرياً منها» .وهذه الكلمة �إنا هلل و �إنا �إليه راجعون من �أبلغ عالج امل�صاب و�أنفعه يف عاجلته و �آجلته ف�إنها تت�ضمن �أ�صلني عظيمني �إذا حتقق العبد مبعرفتهما ت�سلى عن م�صيبته -: الأول� :أن العبد و �أهله و ماله ،ملك هلل عز و جل حقيقة، وقد جعله اهلل عند العبد عارية ،ف�إذا �أخذه منه فهو كاملعري ي�أخذ متاعه من امل�ستعري . الثاين� :أن م�صري العبد و مرجعه �إىل مواله احلق ،و البد من �أن يخلف الدنيا وراء ظهره و يجيء ربه فردا كما خلقه �أول مرة ,بال �أهل ،و ال مال ،وال ع�شرية و لكن باحل�سنات و ال�سيئات.
23
حادي األرواح � .1أن يعلم علم اليقني �أن ما �أ�صابه مل يكن ليخطئه ,و ما اب �أخط�أه مل يكن لي�صيبه قال اهلل عز و جل َ } :ما �أَ َ�ص َ
�ض َوال يِف �أَ ْنفُ ِ�س ُك ْم ِ�إ َّال يِف ِكتَ ٍ يب ٍة يِف الأَ ْر ِ اب ِم ْن ِم ْن ُم ِ�ص َ َ ب�أَ َها �إِ َّن ذَ ِل َك َع َلى هَّ ِ ري (ِ )22ل َك ْيال َت�أْ َ�س ْوا َق ْب ِل �أ ْن َن رْ َ الل َي ِ�س ٌ َاك ْم َو هَّ ُ الل ال ُي ِح ُّب ُك َّل با �آت ُ َع َلى َما َفات َُك ْم َوال تَفْ َر ُحوا مِ َ متَ ٍ ور ( {23احلديد . 23-22 / ال َف ُخ ٍ خُ ْ
� .2أن ينظر امل�صاب �إىل ما �أ�صيب به فيجد ربه قد �أبقى عليه مثله �أو �أف�ضل منه و ادخر له � -إن �صرب و ر�ضي- ما هو �أعظم من فوات تلك امل�صيبة ب�أ�ضعاف م�ضاعفة, و �أنه لو �شاء جلعلها �أعظم مما هي . � .3أن يطفئ نار م�صيبته بربد الت�أ�سي ب�أهل امل�صائب و لينظر مينة فهل يرى �إال حمنة ؟ ثم ليعطف ي�سرة فهل يرى �إال ح�سرة ؟. � .4أن يعلم �أن اجل��زع الي��رده��ا بل ي�ضاعفها ,وه��و يف احلقيقة من تزايد املر�ض . � .5أن يعلم �أن ف��وات ث��واب ال�صرب و الت�سليم -وه��و :
26
ال�صالة والرحمة و الهداية التي �ضمنها اهلل على ال�صرب و اال�سرتجاع � -أعظم من امل�صيبة يف احلقيقة � .6أن يعلم �أن اجل��زع ي�شمت ع��دوه و ي�سيء �صديقه ، ويغ�ضب ربه ،وي�سر �شيطانه و يحبط �أجره و ي�ضعف نف�سه . � .7أن يعلم ما يعقبه ال�صرب و االحت�ساب من اللذة و امل�سرة، ويكفيه من ذلك بيت احلمد الذي يبنى له يف اجلنة على حمده لربه و ا�سرتجاعه .
27
الصرب عند الصدمة األوىل
ملا كان ال�صرب حب�س الل�سان عن ال�شكوى �إىل غري اهلل ,والقلب عن الت�سخط ،واجلوارح عن اللطم و �شق الثياب ونحوها ،كان ما ي�ضاده واقعا على هذه اجلمله ،فمنه :ال�شكوى �إىل املخلوق، ف�إذا �شكا العبد ربه �إىل خملوق مثله فقد �شكى من يرحمه �إىل من ال يرحمه . و �أما �إخبار املخلوق باحلال ،ف�إن كان لال�ستعانة ب�إر�شاده �أو معاونته والتو�صل �إىل زوال �ضرره مل يقدح ذلك يف ال�صرب ,ك�إخبار املري�ض للطبيب ب�شكايته ،و �إخبار املظلوم ملن ينت�صر به بحاله، و�إخبار املبتلى ببالئه ملن كان يرجو �أن يكون فرجه على يديه . و قد كان النبي [ �إذا دخل على املري�ض ي�س�أله عن حاله ويقول: «كيف جتدك؟» �أخرجه الرتمذي ،وهذا ا�ستخبار منه وا�ستعالم بحاله . و قد روي يف الأثر «�أن املري�ض �إذا بد�أ بحمد اهلل ثم �أخرب بحاله مل يكن �شكوى» . و قال �شقيق البلخي :من �شكى من م�صيبة نزلت به �إىل غري اهلل مل يجد يف قلبه حالوة لطاعة اهلل �أبداً . و مما ينايف ال�صرب� :شق الثياب عند امل�صيبة ,و لطم الوجه, و ال�ضرب ب�إحدى اليدين على الأخرى ,و حلق ال�شعر ,و الدعاء بالويل ,و لهذا برىء النبي [ ممن �صلق و حلق و خرق )رفع 30
�صوته عند امل�صيبة و حلق ر�أ�سه و �شق ثيابه( ,و ال ينافيه البكاء و احلزن ,قال اهلل تعاىل عن يعقوب َ } :وا ْب َي َّ�ض ْت َع ْي َن ُاه ِم َن حْ ُ يم{ يو�سف 84:قال قتادة :كظيم على احلزن ,فلم ال ْز ِن َف ُه َو َك ِظ ٌ يقل �إال خرياً� .أخرجه عبد الرزاق يف تف�سريه . 327 / 2 / 1 قال احل�سن :ما جرعتان �أحب �إىل اهلل من جرعة م�صيبة موجعة حمزنة ردها �صاحبها بح�سن عزاء و �صرب ،و جرعة غيظ ردها بحلم . و قال عبيد بن عمري :لي�س اجلزع �أن تدمع العني و يحزن القلب ,و لكن اجلزع القول ال�سيء و الظن ال�سيء . و�سئل ابن حممد عن اجل��زع؟ فقال :القول ال�سيء والظن ال�سيء. و قال احل�سن بن عبد العزيز اجلروي :مات ابن يل نفي�س, فقلت لأمه اتقي اهلل و احت�سبي ,و ا�صربي ،فقالت :م�صيبتي به �أعظم من �أن �أف�سدها باجلزع . و ي�ضاد ال�صرب الهلع ،و هو :اجلزع عند ورود امل�صيبة ,و املنع ان ُخ ِل َق هَ ُلوع ًا (� )19إِ َذا ن�س َ عند ورود النعمة قال تعاىل�} :إِ َّن الإِ َ ال�ش َجزُ وع ًا (َ )20و ِ�إ َذا َم َّ�س ُه خْ َ اليرْ ُ َمنُ وع ًا ({)21املعارج .21-19 َم َّ�س ُه رَّ ُّ و هذا تف�سري الهلوع :قال اجلوهري :الهلع � :أفح�ش اجلزع, و قد هلع بالك�سر ،فهو هلع و هلوع ،و يف احلديث �« :شر ما يف العبد �شح هالع و جنب خالع» �.أخرجه �أبو داود و�صححه الألباين . 31
الآن �أيها الأحبة و قد علمنا �أن االبتالء �سنة �إلهية لي�س غايتها �إزالة معنى من الإميان� ،إمنا املق�صود �أن يُربى هذا العبد �إميانه وثقليه ،و يعرب بهذا االبتالء �إىل رحمات اخلالق ،يتلذذ بن�سمات القرب و املناجاة . �إن اجلزع فيه فوات �أجر امل�صيبة و زيادتها و نق�ص الإميان، فلماذا ؟ ال ن�ستثمر هذه املحنة فنقلبها منحة لنا ،و ملن فقدنا من �أحبابنا و قد حل البالء املكتوب بقلم قد جفت به ال�صحف ،ف�أي فائدة ترجى من الت�سخط على رب الأرباب ،و النياحة على ميت قد فات� ،أمل يقل معلمنا اخلري حممد [�« :إن امليت ليعذب ببكاء �أهله عليه؟» فلماذا ال �أترجم هذه امل�شاعر الفيا�ضة من احلزن و احلب و ال�شوق �إىل ح�سنات ماحيات ،و �أجور رافعات للدرجات، مبا ورد و�صح عن �أرحم اخللق باخللق حممد [ لنا و ملن فقدنا؟ ف�إن الدال على اخلري كفاعله . 33
هل أنت ٍ راض عن اهلل؟ ملاذا قل الر�ضا عند النا�س ؟ قال ابن القيم يف اجل��واب الكايف� :إن من بع�ض عقوبات املعا�صي فقدان الر�ضا بالرب. فك�أن املع�صية جالبة ملحق الر�ضا من القلوب فقد قال تعاىل: } َر ِ�ضي هَّ ُ الل َع ْن ُه ْم َو َر ُ�ضوا َع ْن ُه{ البينة .8 َ ال�شاهد يف هذه الآية� ،أن ر�ضاهم عن اهلل ثمرة لر�ضاه عنهم, ف�إذا �سخط اهلل �أ�سخطهم . والر�ضا ق�سمان : < ر�ضى اهلل عن العبد وهو الغاية . < ر�ضى العبد عن اهلل وهو و�سيلة ال�ستجالب ر�ضاه. يقول طبيب القلوب ابن القيم -رحمه اهلل : - �إن الر�ضا من �أعمال القلوب كمثل اجلهاد من �أعمال اجلوارح وهو ذروة ال�سنام ،فقمة الر�ضا هو ما و�ضحه ر�سول اهلل [
)ذاق ح�لاوة الإمي��ان من ر�ضى ب��اهلل رب��اً وبالإ�سالم ديناً 36
ومبحمد ر�سوالً( .يعني �أن يلزم امل��رء ما جعل اهلل به ر�ضاه فري�ضيه حتماً مواله. ولكن ال�س�ؤال يف هذا املقال ،كيف نر�ضى؟؟ �إن هلل يف كل �سكنة وكل وحركة عبودية .فلو �أعملنا جوارحنا بطاعة اهلل الكت�سبنا ر�ضاه ،فاهلل يلقي ر�ضاه يف قلوب الطائعني فهو من ثمراتها. كما الفرج وال�سرور بالرب – تبارك وتعاىل -من ثمراته ، وي�ضاد ذلك �أن ال�سخط هو ثمرة املع�صية .من �أعمل جوارحه بالطاعة �سكب اهلل يف قلبه الر�ضا و�أراه عني احلكمة يف ق�ضاءه وقدره ،ويف معر�ض ذلك ما ذكره ابن اجلوزي يف �صيد اخلاطر: من �أراد �أن يعلم حقيقة الر�ضى عن اهلل – عز وج��ل – يف �أفعاله ،و�أن يدري من �أين ين�ش�أ الر�ضا ،فليتفكر يف �أحوال ر�سول اهلل [ ف�إنه ملا تكاملت معرفته باخلالق �سبحانه ر�أى �أن اخلالق مالك ،وللمالك الت�صرف يف مملوكه ،ور�آه حكيماً ال ي�صنع �شيئاً عبثاً ف�سلم ت�سليم مملوك حلكيم ،فكانت العجائب جتري عليه وال يوجد منه تغيري وال من الطبع ت�أفف. وال يقول بل�سان احلال :لو كان كذا ،بل يثبت للأقدار ثبوت اجلبل لعوا�صف الرياح فتجري عليه �أق��دار اهلل وهو �ساكت �ساكن. 37
ومن جهة �أخ��رى ورد يف حديث �ضعيف فهو ال ي�صح عن الر�سول [ ولكن ال ب�أ�س �أن ن�ست�أن�س مبفرداته فالعبد لو �أعمل به قلبه لوجد فيه مفاتيح احلكم. قوله� :إن من عبادي من ال ي�صلحه �إال الفقر ولو �أغنيته لكفر. و�إن من عبادي من ال ي�صلحه �إال الغنى ولو �أفقرته لكفر. و�إن من عبادي من ال ي�صلحه �إال املر�ض ف�إن �أ�صححته لكفر. و�إن من عبادي من ال ي�صلحه �إال العافية ف�إن �أ�سقمته لكفر.
قال تعاىل }�إِ َّن الإِ َن�سانَ َل َي ْطغَ ى (� )6أَ ْن َر� ُآه ْا�ستَ غْ نَ ى ({)7
العلق 6.7
فلو ا�ست�شعر العبد وا�ستيقن �أن حال فقره مق�صود بعني احلكمة ،و�أنه حال �سقمه �أريد له اخلري وبه حينئذ يتذوق حالوة حكمة اهلل يف �أقداره . ق��ال اب��ن ال�ق�ي��م :ما �أغلق اهلل بابا بحكمة �إال وفتح بابني برحمة. وقال �سفيان :قال احل�سن :من ر�ضي مبا ق�سم اهلل له و�سعه، وبارك اهلل له فيه ،ومن مل ير�ض مل ي�سعه ،ومل يبارك له فيه. وقال �أبو عثمان اجلربي :منذ �أربعني �سنة ما �أقامني اهلل يف حال فكرهته ،وما نقلني �إىل غريه ف�سخطته. فهذه هي الق�ضية � :أنك �إذا كنت را�ضياً دائماً �أر�ضاك اهلل وبعث �إليك ما ير�ضيك ومن ير�ضيك. 38
وق�صة حدير خري �شاهد ..ملا م�شى القوم ووجدوا كل واحد منهم يف يده الهدية ،مل يقل و�أنا ،ومل يرجع ليقول � :أنا مل �آخذ هديتي يا ر�سول اهلل ...ولو طلب لأعطاه الر�سول [ ولكن الرجل كان را�ضياً ،فيكفيه �أن اهلل ذكره ...وملا ذكر الر�سول [ به �أر�سل �إليه هديته ب�سرعة .فحاز الهدية وذكر اهلل ... لر�ضاه. و�سعد بن �أبي وقا�ص ] معروف �أنه كان م�ستجاب الدعوة، وكان قد كف ب�صره �آخر عمره ،قال له ابنه :يا �أبت� ،أراك تدعو للنا�س هال دعوت لنف�سك � ،أن يرد اهلل عليك ب�صرك، قال :يا بني ،ق�ضاء اهلل �أحب �إيل من ب�صري. �أحبائي ... هل نحن را�ضون عن اهلل ؟ هل فع ً ال ق�ضاء اهلل وقدره �أحب �إليكم مما �أنتم فيه من بالء وفتنة وغربة؟ �إذا �أردن��ا الت�أكد فالر�ضا عن اهلل ي�صح بثالثة �شروط ذكرها اب��ن القيم يف املدارج. الأول :ا�ستواء النعمة والبلية عند العبد ،لأنه ي�شاهد ح�سن اختيار اهلل له.
الثاين� :سقوط اخل�صومة عن اخللق� ،إال فيما كان حقاً هلل ور�سوله [ ،فالرا�ضي ال يخا�صم وال يعاتب �إال فيما يتعلق بحق اهلل ،وهذه كانت حال ر�سول اهلل [ ،فاملخا�صمة تطفئ نور 39
الر�ضا وتذهب بهجته ،وتبدل باملرارة حالوته وتكرث �صفوته. الثالث :اخلال�ص من امل�س�ألة للخلق والإحلاح ،قال تعاىل:
َ } َي ْح َ�س ُب ُه ْم جْ َ ال� ِ الت َعفُّ ِ اه ْم ال اء ِم� ْ�ن َّ يم ُ �اه� ُ�ل �أ ْغ ِن َي َ ف ت َْع ِر ُف ُه ْم ب ِِ�س َ ي َ ا�س ِ �إ حْ َ لاف ًا { البقرة .273 �س�أ ُل َ ون َّ الن َ َْ
قال ابن عبا�س � :إذا كان عنده غداء مل ي�س�أل ع�شاء ،و�إذا كان عنده ع�شاء مل ي�س�أل غداء. ثم يبني رحمه اهلل �أن منع اهلل – تعاىل – لعبده عطاء، وابتالءه �إياه عافية فيقول :ف�إنه – �سبحانه – ال يق�ضي لعبده امل�ؤمن ق�ضاء �إال كان خرياً له � ،ساءه ذلك الق�ضاء �أو �سره، فق�ضا�ؤه لعبده امل�ؤمن عطاء ،و�إن كان يف �صورة املنع .ونعمة و�إن كانت يف �صورة حمنة. وب�لا�ؤه عافية و�إن كان يف �صورة بلية .ولكن جلهل العبد وظلمه ال يعد العطاء والنعمة والعافية �إال ما التذ به يف العاجل ،وكان مالئماً لطبعه ،ولو رزق من املعرفة حظاً وافراً لعد املنع نعمة والبالء رحمة ،وتلذذ بالبالء �أكرث من لذته بالعافية ،وتلذذ بالفقر �أكرث من لذته بالغنى. وكان يف حال القلة �أعظم �شكراً من حال الكرثة.
40
ً وختاما - : نظر رجل �إىل قرحة يف رجل حممد بن وا�سع فقال � :إين لأرحمك من هذه القرحة ،فقال � :إين لأ�شكرها منذ خرجت �إذ مل تخرج يف عيني . و�أختم بب�شري الطربي وك��ان عنده مزرعة فيها �أربعمائة جامو�سة -ثروة تقدر مبليون جنيه اليوم .-فهجم الروم يوماً عليها ،ف�ساقوا اجلوامي�س كلها وكان عنده مائة يحر�سونها، ف�أر�سل ه�ؤالء العبيد �إىل ب�شري �أن قد �أخذت اجلوامي�س ،فركب مع ولد له �إليهم ،فلما و�صل �إىل املزرعة لقيه العبيد ...يا �سيدنا ،يا موالنا� ،أخذت اجلوامي�س فقال :و�أنتم �أي�ضاً ،اذهبوا ف�أنتم �أحرار لوجه اهلل ..فقال له ابنه � :أفقرتنا يا �أبتاه ،فقال: ا�سكت يا بني� ،إن اهلل �أراد �أن يبتلي ر�ضائي به ،ف�أحببت �أن �أزيده ...رحمك اهلل يا ب�شري . �إن اهلل ميتحنني �أ�أر�ضى بق�ضائه �أم ال؟ قلت له :ال � ،أنا را�ض جداً ،وهذه الزيادة �أي�ضاً من �أجلك يا رب ...اذهبوا ف�أنتم �أحرار لوجه اهلل.
41
إليك أيها املبتلى
ال بد من وقفة تدبر وت�أمل عند وقوع البالء ،فبعد تثبيت اليقني �أن اهلل رحيم ،و�أن اهلل حكيم ،يتوقف الإن�سان لينظر يف �سبب وقوع البالء ،ثم ي�سلم هلل العليم احلكيم ت�سليم مملوك حلكيم ...ولي�س�أل نف�سه :هل ما �أ�صابك بذنوبك ؟ �أم �أن اهلل يرفع درجاتك باملر�ض؟ �إن كانت الأوىل – وه��ي الأغ��ل��ب – فالتوبة من الذنوب واملعا�صي واجبة وهي يف املر�ض �أوجب. قال ابن اجلوزي -رحمه اهلل : -غالب البالء يكون عقوبة. و�إن كانت الثانية ,فاحلمد هلل و الثناء و ال�شكر على تودد اهلل للعبد وتقريبه �إليه لوازم يقوم بها العبد فرحاً بف�ضل اهلل عليه وا�صطفائه له ,لتطهريه و متحي�صه باملر�ض . عن هالل بن ي�ساف قال :كنا قعودا عند عمار بن يا�سر فذكروا الأوجاع ,فقال �أعرابي :ما ا�شتكيت قط ,فقال عمار: ما �أنت منا – �أو ل�ست منا � , -إن امل�سلم ليبتلى ببالء فتحط عنه ذنوبه كما يحط الورق من ال�شجر ,و �إن الكافر – �أو قال: الفاجر , -يبتلى ببالء فمثله مثل بعري �أطلق فلم يدر مل �أطلق, و عقل فلم يدر مل عقل. فهو مل يفهم ملاذا مر�ض ,و مل يفهم ملاذا �شفي . 44
< ثم �إن البالء على قدر الرجال يف الهمة و الدين ,قال ر�سول اهلل [« :فيبتلى الرجل على ح�سب دينه ,ف�إن كان دينه �صلبا ا�شتد بال�ؤه ,و �إن كان يف دينه رقة ابتلى على ح�سب دينه, فما يربح البالء بالعبد حتى يرتكه مي�شي على الأر�ض ما عليه خطيئة» )�صحيح الرتغيب و الرتهيب (3402 :ال بد �أن نفهم حقيقة البالء و العافية ,ف�إن البالء يف احلقيقة لي�س �إال الذنوب و عواقبها, والعافية املطلقة هي الطاعات وعواقبها ,ف�أهل البالء هم �أهل املع�صية و �إن عوفيت �أبدانهم ,و�أهل العافية هم �أهل الطاعة و�إن مر�ضت �أبدانهم ,ف�إن �أهل البالء احلقيقيني هم املبتلون مبعا�صي اهلل والإعرا�ض والغفلة عن اهلل . < و عن فقه االبتالء يقول ابن اجلوزي -رحمه اهلل : -من اجلهل �أن يخفى على الإن�سان مراد التكليف ,ف�إنه مو�ضوع على عك�س الأغرا�ض ,فينبغي للعاقل �أن ي�أن�س بانعكا�س الأغرا�ض, ف�إن دعا و �س�أل بلوغ غر�ض تعبد اهلل بالدعاء ,ف�إن �أعطي مراده �شكر ,و �إن مل ينل مراده فال ينبغي �أن يلح يف الطلب , لأن الدنيا لي�ست لبلوغ الأغرا�ض ,و ليقل لنف�سه َ } :و َع�سى �أَ ْن خيرْ ٌ َل ُك ْم { )البقرة (216 ت َْك َر ُهوا �شَ ْيئ ًا َو ُه َو َ < و من الذي ح�صل له غر�ض ثم مل يكدر ؟ هذا �آدم طاب عي�شه يف اجلنة و �أخ��رج منها ,و نوح �س�أل اهلل يف ابنه فلم يعط مراده ,و اخلليل ابتلي بالنار ,و �إ�سماعيل 45
بالذبح ,ويعقوب بفقد الولد ,و يو�سف مبجاهدة الهوى ,و �أيوب بالبالء ,وداود و �سليمان بالفتنة ,وجميع الأنبياء على هذا, و�أما ما لقي نبينا حممد [ من اجلوع و الأذى و كدر العي�ش فمعلوم . فالدنيا و �ضعت للبالء ,فينبغي للعاقل �أن يوطن نف�سه على ال�صرب ,و �أن يعلم �أن ما ح�صل من امل��راد فلطف ,و ما مل يح�صل فعلى �أ�صل اخللق و اجلبلة للدنيا ,كما قيل : �صفواً من الأقذاء و الأكدار طبعت على كدر و �أنت تريدها متطلب يف املاء جدوة نـــــــــار
و مكلف الأيام �ضد طباعهـــــــا
و ها هنا تتبني قوة الإميان و �ضعفه ,فلي�ستعمل امل�ؤمن من �أدوية هذا املر�ض الت�سليم للمالك و التحكيم حلكمته ,و ليقل �س َل َ ك ِم ْن الأَ ْم ِر �شَ ْي ٌء{ )�آل عمران (128 : ل�سيد النا�سَ } :ل ْي َ ثم لي�سل نف�سه ب�أن املنع لي�س عن بخل ,و �إمنا هو مل�صلحة ال يعلمها ,ولي�ؤجر ال�صابر عن �أغرا�ضه ,و ليعلم اهلل الذين �سلموا ور�ضوا . و �إن من زمن االبتالء مقدار ي�سري ,و الأغرا�ض مدخرة تلقى بعد قليل ,و ك�أنه بالظلمة قد اجنلت و بفجر الأجر قد طلع . و متى ارتقى فهمه �إىل �أن ما جرى مراد احلق �سبحانه , اقت�ضى �إميانه �أن يريد ما يريد ,و ير�ضى مبا قدر ,و �إذا مل 46
يكن كذلك كان خارجاً عن حقيقة العبودية يف املعنى ,و هذا �أ�صل ينبغي �أن يت�أمل و يعمل عليه يف كل غر�ض انعك�س . < �أح�ضر عقلك و ا�سمع. �ألي�س قد ثبت �أن احلق �سبحانه مالك ,و للمالك �أن يت�صرف كيف ي�شاء ؟ �ألي�س قد ثبت �أنه حكيم و احلكيم ال يعبث !؟ فال تعرت�ض على اهلل بعقلك و ال تنكر احلكمة �إذا مل تتو�صل �إليها بفهمك . فلم يبق �إال �أن نرجع العجز عن فهم ما يجري �إىل �أنف�سنا, ونقول :هذا فعل عليم حكيم ,و لكن ال يبني لنا معناه و ال نفهم حكمته ,و مل تتو�صل عقولنا �إىل �سببه. و لي�س هذا بعجب ,ف�إن مو�سى عليه ال�سالم خفي عليه وجه احلكمة يف نق�ض ال�سفينة ال�صحيحة و قتل الغالم اجلميل فلما بني له اخل�ضر وجه احلكمة �أذعن ,فلنكن مع اهلل -على الأقل -كمو�سى مع اخل�ضر. < من �أ�سرار ت�أخر الإجابة . �أحبائي ,,, �أخ�شى �أن �أك��ون قد �أطلت عليكم ,ف�أرجو من اهلل �أال متلوا مني ,ف�إمنا �أريد �أن �أ�ؤن�سكم و �أن �أ�شارككم �أفكاركم , 47
و �إنني مازلت �أفت�ش يف ر�أ�سكم ,و �أناق�شكم يف كل ما يجول بخواطركم ,و �أراكم الآن قد تقولون :ال�صرب ..ال�صرب ..ال�صرب.. �إىل متى؟! ها �أنا قد �صربت ,و ها �أنا قد عبدت ,و ها �أنا قد دعوت, ف�إىل متى ؟ و ما �سبب ت�أخري الإجابة ؟! دعوين �أت��رك الإم��ام ابن اجل��وزي -رحمه اهلل :-يجيبك على هذا الت�سا�ؤل ,لتعلم �أن هذا الت�سا�ؤل وارد على كل النا�س و الإجابة عليه �سهلة. يقول ابن اجلوزي -رحمه اهلل: - ر�أيت من البالء العجائب �أن امل�ؤمن يدعو فال يجاب , فيكرر الدعاء ,و تطول املدة و ال يرى �أثراً للإجابة ,فينبغي له �أن يعلم �أن هذا من البالء الذي يحتاج �إىل ال�صرب ,و ما يعر�ض للنف�س من الو�سوا�س يف ت�أخري اجلواب مر�ض يحتاج �إىل طب , و لقد عر�ض يل من هذا اجلن�س ,ف�إنه نزلت بي نازلة فدعوت و بالغت فلم �أر الإجابة ,ف�أخذ �إبلي�س يجول يف حلبات كيده , فتارة يقول :الكرم وا�سع و البخل معدوم ,فما فائدة ت�أخري اجلواب ؟ فقلت له :اخ�س�أ يا لعني ,فما �أحتاج �إىل تقا�ضي ,وال �أر�ضاك و كيال . ثم عدت �إىل نف�سي فقلت � :إياك م�ساكنة و�سو�سته ,ف�إنه لو مل يكن يف ت�أخري الإجابة �إال �أن يبلوك املقدر يف حماربة العدو 48
لكفى يف احلكمة . قالت :ف�سلني عن ت�أخري الإجابة يف مثل هذه النازلة . فقلت :قد ثبت بالربهان �أن اهلل عز و جل مالك ,و للمالك الت�صرف باملنع و العطاء ,فال وجه لالعرتا�ض عليه .
49
ماينفع املسلم بعد موته •ال�صالة عليه :قال ر�سول اهلل [« :ما من رجل م�سلم ميوت ،فيقوم على جنازته �أربعون رجال ال ي�شركون باهلل �شيئا �إال �شفعهم اهلل فيه» .و قال [« :ما من ميت ت�صلي عليه �أمة من امل�سلمني يبلغون مائة كلهم ي�شفعون له �إال �شفعوا فيه».رواهما م�سلم . قال ابن القيم :و مق�صود ال�صالة على اجلنازة هو الدعاء للميت .زاد املعاد . 505 / 1 •الدعاء له و اال�ستغفار :حلديث ابن عمر ر�ضي اهلل عنهما:- �أن النبي [ كان �إذا و�ضع امليت يف القرب قال « :ب�سم اهلل, و على �سنة ر�سول اهلل» �أخرجه �أبو داود و �صححه الألباين. •و حلديث عثمان بن عفان ] قال :كان النبي [ �إذا فرغ من دفن امليت وقف عليه فقال« :ا�ستغفروا لأخيكم ,و �سلوا له التثبيت ,ف�إنه الآن ي�س�أل» رواه �أبو داود و �صححه الألباين. •دع��اء امل�سلمني خا�صهم و عامهم له :لقوله تعاىل : ون َر َّب َنا ْ اغ ِف ْر َل َنا َولإِ ْخ َوا ِن َنا ين َج ُاءوا ِم ْن َب ْع ِد ِه ْم َيقُ و ُل َ َوا َّل ِذ َ مي ِ ين � َآم ُنوا ت َع ْل يِف ُق ُلوب َِنا ِغ ًّال ِل َّل ِذ َ ا َّل ِذ َ ان َوال جَ ْ ين َ�س َبقُ و َنا بِالإِ َ َر َّب َنا �إِ َّن َك َر ُء ٌ يم { احل�شر . 10 / وف َر ِح ٌ 52
و�أما الأحاديث فهي كثرية جداً وقد �سبق بع�ضها يف زيارة املقابر ودعاء النبي [ لأ�صحابها ،و�أمره بذلك ،ومنها قوله [« :دعوة املرء امل�سلم لأخيه امل�سلم بظهر الغيب م�ستجابة ،عند ر�أ�سه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخري قال امللك املوكل :به �آمني ،ولك مبثل» رواه م�سلم. بل �إن �صالة اجلنازة جعلت �شاهد لذلك ،لأن غالبها دعاء للميت ،وا�ستغفار له ،كما تقدم بيانه. •ق�ضاء الدين عنه :لقوله [ « :نف�س امل�ؤمن معلقه حتى يق�ضى عنه» �أخرجه البخاري . وحلديث �أبي قتادة ] :حيث �ضمن �سداد الدين عن بع�ض الأموات ،فلما ق�ضاه عنه قال له النبي [« :الآن بردت عليه جلدته» �أخرجه احلاكم ،وقال �صحيح الإ�سناد ،ووافقه الذهبي والألباين.
قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية :والدين ي�صح ق�ضا�ؤه من كل �أحد ،فدل على �أنه يجوز �أن يفعل ذلك من كل �أحد، ال يخت�ص ذلك بالولد .جمموع الفتاوى 311/24 •ق�ضاء ما عليه من نذر ،و�صيام ،وغريه :عن ابن عبا�س رضى الله عنهما :قال :ا�ستفتنى �سعد بن عبادة ] :ر�سول اهلل [ :يف نذر كان على �أمه توفيت قبل �أن تق�ضيه ،فقال: «اق�ضه عنها» متفق عليه . 53
وقال [« :من مات وعليه �صيام� ،صام عنه وليه»
متفق
عليه .
•ال�صدقة عن امليت :عن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها�« :أن رج ً ال قال لر�سول اهلل [� :إن �أمي افتلتت نف�سها ومل تو�ص و�أظنها لو تكلمت ت�صدقت ،فهل لها �أج��ر �إن ت�صدقت عنها ويل �أجر؟ قال :نعم ،فت�صدق عنها» رواه البخاري وم�سلم . قال الإمام النووي :ال�صدقة عن امليت تنفع امليت ،وي�صله ثوابها وهو كذلك ب�إجماع العلماء . قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية :فال نزاع بني علماء ال�سنة واجلماعة يف و�صول ثواب العبادات املالية ،كال�صدقة والعتق ف�إذا تربع له الغري ب�سعيه نفعه اهلل بذلك ،كما ينفعه بدعائه له ،وال�صدقة عنه ،وهو ينتفع بكل ما ي�صل �إليه من كل م�سلم� ،سواء كان من �أقاربه �أو غريهم كما ينتفع ب�صالة امل�صلني عليه ،ودعائهم له عند قربه .جمموع الفتاوى 367/24بت�صرف . •احلج عن امليت :لقول النبي [ :للتي قالت �« :إن �أمي نذرت �أن حتج فلم حتج حتى ماتت �أف�أحج عنها ؟ فقال : حجي عنها� ،أر�أيت لو كان على �أمك دين � ،أكنت قا�ضيته عنها؟ اق�ضوا اهلل ،فاهلل �أحق بالوفاء» رواه البخاري وم�سلم .
54
عن بريدة ر�ضي اهلل عنها �« :أن امر�أة قالت :يا ر�سول اهلل� ،إن �أمي ماتت ومل حتج� ،أفيجزي �أو يق�ضى �أن �أحج عنها؟ قال :نعم» رواه م�سلم
55
ما ينفع امليت من كسبه
قال تعاىل َ } :و َن ْكتُ ُب َما َق َّد ُموا َو�آ َث َار ُه ْم{ ي�س. 12/ قال ابن كثري :نكتب �أعمالهم التي با�شروها ب�أنف�سهم و�آثارهم التي �آثروها من بعدهم ،فنجزيهم على ذلك �أي�ضاً �إن خرياً فخري و�إن �شراً ف�شر . �أوال :ما يفعله الولد ال�صالح من الأعمال ال�صاحلة :ف�إن لوالديه مثل �أجره دون �أن ينق�ص من �أجره �شيء ،لأن الولد من َ ن�س ِ ان �إِ َّال �س ِل ِ �سعيهما وك�سبهما واهلل عز وجل يقولَ } :و�أ ْن َل ْي َ لإ َ َما َ�س َعى{ النجم . 39 / وقال ر�سول اهلل [�« : :إن �أطيب ما �أكله الرجل من ك�سبه ، و�إن ولده من ك�سبه» �أخرجه �أبو داود و�صححه الألباين . ً ثانيا� :صدقة جارية �أو علم ينتفع به �أو ولد �صالح يدعو له:
لقوله [�« :إذا مات ابن �آدم انقطع عمله �إال من ثالث ،من �صدقة جارية� ،أو علم ينتفع به � ،أو ولد �صالح يدعو له» رواه م�سلم. قال �شيخ الإ�سالم :مل يقل �إنه مل ينتفع بعمل غريه ..ف�إذا دعا له ولده كان هذا من عمله الذي مل ينقطع ،و�إذا دعا له غريه مل يكن من عمله لكنه ينتفع به .جمموع الفتاوى . 321/24
58
توريث امل�صاحف وبناء امل�ساجد والبيوت البن ال�سبيل و�إجراء الأنهار ،لقوله [�« :إن مما يلحق امل�ؤمن من عمله وح�سناته بعد موته ،علماً ن�شره �أو ولداً �صاحلاً تركه �أو م�صحفاً ورثه� ،أو م�سجداً بناه �أو بيتاً بناه البن ال�سبيل� ،أو نهراً �أجراه �أو �صدقة �أخرجها من ماله يف �صحته وحياته تلحقه من بعد موته» �أخرجه ابن ماجه وح�سنه الألباين .
قال الإمام النووي � :أجمع امل�سلمون على �صحة وقف امل�ساجد وال�سقايات و�أن الوقف ال يباع وال يوهب وال يورث ،و�إمنا تتبع فيه �شروط الواقف ،وفيه ف�ضيلة الوقف وهي ال�صدقة اجلارية �شرح م�سلم . 86/11
ً ثالثا� :إذا �سن امليت �سنة ح�سنة �أو دعا �إىل هدى ،لقوله [: «من �سن يف الإ�سالم �سنة ح�سنه فله �أجرها ومثل �أجر من عمل بها بعده من غري �أن ينق�ص من �أجورهم �شيء» �أخرجه م�سلم. ً رابعا :الغر�س والزرع :عن �أن�س بن مالك ] :قال ر�سول اهلل [« :ما من م�سلم يغر�س غر�ساً � ،أو يزرع زرعاً في�أكل منه طري �أو �إن�سان �أو بهيمة �إال كان له به �صدقة» �أخرجه البخاري وم�سلم . وقال [« :ما من م�سلم يغر�س غر�ساً �إال كان ما �أكل منه له �صدقة ،وما �سرق منه له �صدقة ،وما �أك��ل ال�سبع منه فهو له �صدقة وما �أكلت الطري فهو له �صدقة ،وال ي��رز�ؤه �أحد كان له �صدقة» رواه م�سلم . 59
بشرى عن �أبي �إ�سحاق عن الأعز �أبي م�سلم � ,أنه �شهد على �أبي هريرة و �أبي �سعيد اخلدري ر�ضي اهلل عنهما �أنهما �شهدا على ر�سول اهلل [: قال� :إذا قال العبد« :ال �إله �إال اهلل واهلل �أكرب ,قال اهلل عز و جل� :-صدق عبدي ,ال �إله �إال �أنا و�أنا �أكرب . ف�إذا قال :ال �إله �إال اهلل وحده ,قال اهلل � :صدق عبدي ,ال �إله �إال �أنا وحدي . ف�إذا قال :ال �إله �إال اهلل و ال �شريك له ,قال اهلل � :صدق عبدي و ال �إله �إال �أنا ,و ال �شريك يل . ف�إذا قال :ال �إله �إال اهلل له امللك و له احلمد ,قال اهلل : �صدق عبدي ال �إله �إال �أنا يل امللك و يل احلمد . ف�إذا قال :ال �إله �إال اهلل و ال حول و ال قوة �إال باهلل ,قال اهلل: �صدق عبدي ,ال �إله �إال �أنا و ال حول و ال قوة �إال بي . فقال من رزقهن عند املوت لن مت�سه النار»� .صحيح ابن ماجه.
60
يف هذا احلديث �أخرب �أبو هريرة و �أبو �سعيد اخلدري ر�ضي اهلل عنهما عن ر�سول اهلل [ الذي قاله عن اهلل �سبحانه وتعاىل و احلال �أنهما على يقني مما �سمعا منه و مبا �أخربا به. ففي احلديث �أن اهلل تبارك و تعاىل ير�ضى و ي�صدق على ما يقول العبد من الأذكار املوجودة باحلديث �أعاله و ثمرة ت�صديقه لذلك الذكر و �إثابة عبده عليه و عظيم الثواب �أن ينجيه عز وجل من النار فال مت�س�سه النار �أبدا .
61
اخلامتة
ينبغي للإن�سان �أن يتذكر حاله و نهايته يف هذه الدنيا و �أن لي�ست هذه النهاية نهاية ,بل وراءه��ا غاية �أعظم منها ,و هي الآخ��رة , فينبغي للإن�سان �أن يتذكر دائماً املوت ال على �أ�سا�س الفراق للأحباب و امل�ألوف ,لأن هذه نظرة قا�صرة ,و لكن على �أ�سا�س فراق العمل و احلرث للآخرة ف�إنه �إذا نظر هذه النظرة ا�ستعد و زاد يف عمل الآخرة و �إذا نظر النظرة الأوىل حزن و �ساءه الأمر . فيكون ذكره على هذا الوجه ال يزداد به �إال حت�سرا و ندما �إال �إذا ذكره على الوجه الأول و هو �أن يتذكر املوت لي�ستعد له و يعمل للآخرة, فهذا ال يزيده حزنا و�إمنا يزيده �إقباال على اهلل عز و جل ,ف�إذا �أقبل الإن�سان على ربه ف�إنه يزداد �صدره ان�شراحاً و قلبه اطمئناناً . و احلمد هلل رب العاملني ،حمدا ً كثرياً طيباً مباركاً فيه ،كما يحب ربنا وير�ضى ،و كما ينبغي لكرمي وجهه وعز جالله حمداً ميلأ ال�سماوات والأر�ض وما بينهما ,وما �شاء ربنا من �شيء بعد ,مبجامع حمده كلها ما علمنا منها وما مل نعلم ,على نعمه كلها ما علمنا منها وما مل نعلم ,عدد ما حمده احلامدون ,وغفل عن ذكره الغافلون, وعدد ما جرى به قلمه و�أح�صاه كتابه ,و�أحاط به علمه. و [ :على �سيدنا حممد و �آله و �صحبه �أجمعني و على �سائر الأنبياء و املر�سلني . و ر�ضي اهلل عن التابعني لهم ب�إح�سان �إىل يوم الدين . } و ال حول و ال قوة �إال باهلل و ح�سبنا اهلل و نعم الوكيل {.
الفه ـ ـ ـ ــرس
الصفحة
رقم
املوض ـ ـ ـ ـ ــوع
1
كلمة مضيئة
3
2
املقدمة
5
3
لقد خلقنا اإلنسان في كبد
7
4
االمتحان
11
5
الصبر ...صبر ساعة
15
6
من أسباب دفع البالء
21
7
حادي األرواح
25
8
الصبر عند الصدمة األولى
29
9
ترجم محبتك
33
10
راض عن الله هل أنت ٍ
35
11
كيف نفهم عن الله
43
12
ماينفع املسلم بعد موته
51
13
ما ينفع امليت من كسبه
57
14
بشرى
60
15
اخلامتة
62