Al Sabr

Page 1

‫تنبيهالعقالءمباجاءيف‬

‫بقلم الداعية‬ ‫�صفاء عابدين‬

‫حقوق الطبع غري حمفوظة‬ ‫ولكل م�سلم حق الطبع ي�شرط التنويه بذكر امل�صادر‬ ‫الطبعة الأوىل‬ ‫‪ 2010‬م ‪ 1431 -‬هـ‬ ‫وجزاء اهلل كل من �ساهم بن�شر هذا الكتاب من غري حذف‬ ‫�أو تعديل �أو �أ�ضافة �إال بعد املراجعة‬


‫�إهداء‬

‫�أهدي كلماتي املتوا�ضعة هذه �إىل روح‬ ‫�أمي و�أبي الطاهرة وبناتي‬ ‫وعائلتي و�أحبائي‬ ‫يف اهلل‬ ‫و�إىل كل مكلوم‬ ‫و�أذكر نف�سي و�أذكركم بقول �أم عمارة‬ ‫«كل م�صيبة بعدك يا ر�سول اهلل جلل – تريد �صغرية»‬


‫كلمةمضيئة‬

‫احلمد اهلل وكفى وال�صالة وال�سالم على النبي امل�صطفى‬ ‫[‪ ...‬وبعد قال تعاىل‪َ } :‬ي ْر َف ْع هَّ ُ‬ ‫ين‬ ‫ين � َآم ُنوا ِم ْن ُك ْم َوا َّل ِذ َ‬ ‫الل ا َّل ِذ َ‬ ‫ات َو هَّ ُ‬ ‫�أُوتُوا ا ْل ِع ْل َم َد َر َج ٍ‬ ‫ري (‪{)11‬‬ ‫با ت َْع َم ُل َ‬ ‫الل مِ َ‬ ‫ون َخبِ ٌ‬

‫املجادلة ‪١١‬‬

‫قال [‪« :‬من يرد اهلل به خريا يفقه يف الدين»‬

‫متفق عليه‬

‫وا�ستجابه لهذه التوجيهات ال�سماوية حر�صت �سل�سلة‬ ‫العالمتني ابن باز والألباين �أن تتوا�صل معكم ب�أ�صدارتها‬ ‫العلمية املتنوعة م�ساهمة يف ن�شر العلم ال�شرعي بطريقة‬ ‫مي�سرة وخمت�صرة لي�سهل على امل�سلم ماينبغي معرفته من‬ ‫�أحكام الدين‪.‬‬

‫وبني يديك �أخي القارئ الإ�صدار احلادي ع�رشة من‬

‫�إ���ص��دارات م�شروع �سل�سلة العالمتني اب��ن ب��از والألباين‬ ‫الوقفي‪.‬‬ ‫فن�س�أل اهلل �أن يعيننا على تعلم �أحكام ديننا �إنه ويل ذلك‬ ‫والقادر عليه و�صلى اهلل على نبينا حممد [‪.‬‬

‫�سل�سة العالمتني‬ ‫‪3‬‬


‫مقدمة‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬ ‫و به نستعني ‪,,,‬‬


‫احلمد هلل ال�صبور ال�شكور‪ ,‬العلي الكبري‪ ,‬ال�سميع الب�صري‬ ‫العليم القدير الذي �شملت قدرته كل خملوق‪ ,‬وجرت م�شيئته‬ ‫يف خلقه بت�صاريف الأم��ور‪ ,‬و�أ�سمعت دعوته لليوم املوعود‬ ‫�أ�صحاب القبور‪ ,‬قدر مقادير اخلالئق و�آجالهم‪ ,‬وكتب �آثارهم‬ ‫و�أعمالهم‪ ,‬و ق�سم بينهم معاي�شهم و �أموالهم‪ ,‬قدر املوت واحلياة‪,‬‬ ‫ليبلوهم �أيهم �أح�سن عمال وهو العزيز الغفور‪ ,‬القاهر القادر‬ ‫فكل ع�سري عليه ي�سري‪ ,‬وهو املوىل الن�صري فنعم املوىل ونعم‬ ‫الن�صري‪ ,‬ي�سبح له ما يف ال�سماوات وما يف الأر�ض‪ ,‬له امللك‬ ‫وله احلمد وهو على كل �شيء قدير‪ ,‬هو الذي خلقكم فمنكم‬ ‫كافر ومنكم م�ؤمن‪ ,‬واهلل مبا تعملون ب�صري‪ ,‬خلق ال�سماوات‬ ‫والأر�ض باحلق‪ ,‬و�صوركم ف�أح�سن �صوركم‪ ,‬و�إليه امل�صري‪ ,‬يعلم‬ ‫ما ت�سرون وما تعلنون‪ ,‬واهلل عليم بذات ال�صدور‪.‬‬ ‫و�أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له‪� ,‬إله جل عن‬ ‫ال�شبيه والنظري‪ ,‬وتعاىل عن ال�شريك والظهري‪ ,‬وتقد�س عن‬ ‫تعطيل امللحدين‪ ,‬كما تنزه عن �شبه املخلوقني‪ ,‬فلي�س كمثله‬ ‫�شيء وهو ال�سميع الب�صري ‪.‬‬ ‫و�أ�شهد �أن حممدا عبده ور�سوله‪ ,‬وخريته من بريته‪,‬‬ ‫و�صفوته من خليقته‪ ,‬و�أمينه على وحيه ‪ ,‬و�أن�صحهم لأمته‪,‬‬ ‫و�أ�صربهم حلكمه‪ ,‬و�أ�شكرهم لنعمه ‪ ,‬فبلغ ر�ساالت ربه‪,‬‬ ‫وحتمل يف مر�ضاته ما مل يتحمله ب�شر �سواه ‪ ,‬وق��ام هلل‬ ‫بال�صرب وال�شكر حق القيام حتى بلغ ر�ضاه ‪ ,‬فثبت يف مقام‬ ‫ال�صرب حتى مل يلحقه �أحد من ال�صابرين‪ ,‬وترقى يف درجة‬ ‫ال�شكر حتى عال فوق جميع ال�شاكرين‪.‬‬

‫‪5‬‬




‫لقد خلقنا اإلنسان يف كبد‬

‫ال �شك �أن الإن�سان عموماً يعي�ش حياته بني �صفو وكدر‪ ،‬وجملة‬ ‫من الأخطار والأمرا�ض واحلوادث‪ ،‬وقد قرر اهلل هذه احلقيقة‪،‬‬ ‫ك َب ٍد { البلد ‪4‬‬ ‫ان يِف َ‬ ‫ن�س َ‬ ‫فقال �سبحانه وتعاىل‪َ } :‬لقَ ْد َخ َلقْ َنا الإِ َ‬ ‫قال ال�شاعر ‪:‬‬ ‫ومن عا�ش يف الدنيا فالبد �أن يرى‬ ‫ ‬

‫من العي�ش ما ي�صفو وما يتكدر‬

‫واهلل تعاىل جعل ال�صرب جواداً ال يكبو‪ ،‬و�صارماً ال ينبو‪ ،‬وجنداً‬ ‫ال يهزم وح�صناً ح�صيناً ال يهدم وال يثلم‪ ،‬فهو والن�صر �أخوان‬ ‫�شقيقان‪ ،‬فالن�صر مع ال�صرب‪ ،‬والفرج مع الكرب‪ ،‬والع�سر مع‬ ‫الي�سر‪ ،‬وهو �أن�صر ل�صاحبه من الرجال بال عدة وال عدد‪ ،‬وحمله‬ ‫من الظفر كمحل الر�أ�س من اجل�سد‪ ،‬ولقد �ضمن �سبحانه وتعاىل‬ ‫يف حمكم الكتاب �أنه يوفيهم �أجرهم بغري ح�ساب‪ ،‬و�أخربهم �أنه‬ ‫معهم بهدايته ون�صره العزيز وفتحه املبني‪.‬‬ ‫قال تعاىل ‪َ } :‬و َل َن ْب ُل َو َّن ُك ْم َح َّتى َن ْع َل َم مْ ُ‬ ‫ال َج ِ‬ ‫ين‬ ‫ال�صاب ِ​ِر َ‬ ‫اه ِد َ‬ ‫ين ِم ْن ُك ْم َو َّ‬ ‫َو َن ْب ُل َو �أَ ْخ َب َار ُك ْم { حممد ‪.31‬‬

‫قال تعاىل ‪�}:‬إِ َّنا َج َع ْل َنا َما َع َلى الأَ ْر�� ِ�ض ِز َين ًة َل َها ِل َن ْب ُل َو ُه ْم َ�أ ُّي ُه ْم‬ ‫�أَ ْح َ�س ُن َع َم ًال { الكهف ‪.7‬‬ ‫‪8‬‬


‫اهلل تبارك وتعاىل جرت �سنته يف عباده امل�ؤمنني �أن يبتليهم‬ ‫على ح�سب �إميانهم ‪ ،‬فمن ازداد �إميانه زيد يف بالئه‪ .‬ف�إن كان‬ ‫يف دينه �صالبة �شدد عليه البالء‪ ،‬و�إن كان يف دينه رقه خفف‬ ‫عنه البالء‪.‬‬ ‫ف�أ�شد النا�س بالء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ‪ ،‬يبتلى الرجل‬ ‫على ح�سب دينه كما �سئل النبي [ �أي النا�س �أ�شد ب�لاء ‪،‬‬ ‫فقال‪« :‬الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على ح�سب‬ ‫دينه ف�إن كان يف دينه �صلباً ا�شتد بال�ؤه و�إن كان يف دينه رقة‬ ‫ابتلى على ح�سب دينه فما يربح البالء بالعبد حتى يرتكه مي�شي‬ ‫على الأر�ض وما عليه خطيئة» �أخرجه الرتمذي و ابن ماجة ‪.‬‬ ‫و البالء الذي ي�صيب امل�ؤمن نوعان ‪-:‬‬ ‫‪� .1‬أحدهما ‪ :‬بالء مبخالفة دواعي النف�س والطبع كال�صرب‬ ‫على الطاعات ‪ ،‬و ال�صرب عن املعا�صي‪ .‬وهذا من �أ�شد‬ ‫البالء ‪ ،‬ف�إنه ال ي�صرب عليه �إال الأنبياء وال�صديقون ‪،‬‬ ‫والنا�س فيه درجات متفاوتة ‪.‬‬ ‫‪ .2‬ثانيهما ‪ :‬البالء الذي يجري على العبد بغري اختياره‬ ‫كاملر�ض واجل���وع والعط�ش واخل���وف ونق�ص الأم���وال‬ ‫والأنف�س والثمرات و نحو ذلك ‪ ،‬وال�صرب هنا ال يتوقف‬ ‫على الإميان ‪ ،‬بل ي�صرب عليه الرب والفاجر ال �سيما �إذا‬ ‫علم �أنه ال ممول له �إال ال�صرب ‪ ،‬ف�إن مل ي�صرب اختياراً‬ ‫�صرب بل ا�ضطراراً ‪.‬‬ ‫‪9‬‬




‫االمتحان‬

‫واهلل تبارك وتعاىل ميتحن كل �إن�سان يف ثالثة مواطن ‪-:‬‬ ‫يف الدنيا ‪ .....‬ويف القرب ‪ ......‬ويف املح�شر‬ ‫ففي الدنيا‪ :‬يكون االب��ت�لاء واالمتحان ب�شيئني‪ :‬بال�سراء‬ ‫وال�ضراء‪ ,‬وباخلري وال�شر وذلك ليعلم اهلل ال�صادق من الكاذب‬ ‫واجلازع من ال�صابر‪ ,‬وامل�ؤمن من املنافق‪ .‬قال تعاىل ‪�} :‬أَ َح ِ�س َب‬ ‫ين‬ ‫ا�س �أَ ْن ُي رْ َ‬ ‫ون (‪َ )2‬و َل َقدْ َفتَ َّنا ا َّل ِذ َ‬ ‫ت ُكوا �أَ ْن َي ُقو ُلوا � َآم َّنا َو ُه ْم ال ُيفْ تَ نُ َ‬ ‫َّ‬ ‫الن ُ‬ ‫ِم ْن َق ْب ِلهِ ْم َف َل َي ْع َل َم َّن هَّ ُ‬ ‫ِني (‪�{)3‬سورة‬ ‫الل ا َّل ِذ َ‬ ‫ين َ�صدَ ُقوا َو َل َي ْع َل َم َّن ا ْل َك ِاذب َ‬

‫العنكبوت ‪. 3 ، 2‬‬

‫فمن �صرب و�أطاع اهلل فاز ‪ ...‬ومن جزع وع�صى خ�سر‬ ‫ويف القرب ‪ :‬يكون االمتحان بثالثة �أ�شياء ‪:‬‬ ‫من ربك ‪..‬؟ ما دينك ‪..‬؟ ومن نبيك ‪..‬؟‬ ‫فمن عرف ربه يف الدنيا ‪ ،‬وعرف ر�سوله ‪ ،‬وعمل بدينه �أجاب‬ ‫بقوله‪ :‬ربي اهلل ‪ ،‬وديني الإ�سالم ونبيي حممد [ ففاز باجلنة‪،‬‬ ‫ومن مل يعرف ذلك �أجاب بقوله هاه هاه‪ ،‬ال �أدري‪ ،‬فله النار ‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫�أما يف املح�شر فيكون االمتحان وال�س�ؤال عن �سبعة �أ�شياء ‪:‬‬ ‫في�س�أل العبد عن عمره فيما �أفناه ؟ ‪ ..‬وعن �شبابه فيما‬ ‫�أب�لاه؟‪ ...‬وعن ماله من �أين اكت�سبه ؟‪ ..‬وفيم �أنفقه ؟‪ ...‬وعن‬ ‫عمله ماذا عمل به ؟‬ ‫و �سي�س�أل النا�س جميعا عن �أمرين ‪:‬‬ ‫ماذا كنتم تعبدون ؟ ‪ ..‬وماذا �أجبتم املر�سلني ؟ واهلل بعباده‬ ‫خبري ب�صري ‪ ,‬وهو �أرحم الراحمني ‪ ،‬ورحمته و�سعت كل �شيء ‪،‬‬ ‫وهو �أرحم بعباده من الوالدة بولدها‪.‬‬ ‫ف�إذا �أ�صيب الإن�سان مب�صيبته‪ ،‬فاهلل يعلم �أن م�صلحة العبد‬ ‫تتحقق هنا‪ ،‬ولو علم العبد ذلك حلمد اهلل على ذلك‪ ،‬ولكنه جلهله‬ ‫ي�شكو ويت�سخط‪ ،‬والواجب والالئق بالعبد �أن مي�شي مع �أقدار ربه‬ ‫�سواء �سرته �أو �ساءته ‪ ,‬فاهلل �أعلم مب�صلحته‪ ،‬و�سيوفيه �أجره �إن‬ ‫�صرب و �شكر } َو َع�سى �أَ ْن ت َْك َر ُهوا �شَ ْيئ ًا َو ُه َو َخيرْ ٌ َل ُك ْم َو َع َ�سى �أَ ْن حُ ِ‬ ‫ت ُّبوا‬ ‫�ش َل ُك ْم َو هَّ ُ‬ ‫ون { البقرة ‪. 216‬‬ ‫الل َي ْع َل ُم َو�أَنْتُ ْم ال ت َْع َل ُم َ‬ ‫�شَ ْيئ ًا َو ُه َو رَ ٌّ‬ ‫فكذلك امل�صائب تطهري للعبد من الذنوب ‪ ،‬ت�ستحق من العبد‬ ‫احلمد وال�شكر ويدرك هذا من حقق معنى ال �إله �إال اهلل ‪ .‬وفيها‬ ‫متييز للم�ؤمنني من املنافقني وال�صادقني من الكاذبني ‪ ،‬و�أهل‬ ‫اخلري من �أهل ال�شر ‪ ،‬وبال�صرب عليها يرفع اهلل درجات العبد ‪،‬‬ ‫وي�ضاعف ح�سناته ويكفر �سيئاته ‪.‬‬ ‫‪13‬‬




‫الصرب ‪ ...‬صرب ساعة‬

‫بوا �إِ َّن هَّ َ‬ ‫ين { الأنفال ‪. 46‬‬ ‫ال�صا ِبرِ َ‬ ‫قال تعاىل‪َ } :‬و ْ‬ ‫الل َم َع َّ‬ ‫ا�ص رِ ُ‬

‫واملعنى‪� :‬إن اهلل مع ال�صابرين بالعون والن�صر والت�أييد ولن‬ ‫يخذلهم‪ .‬التف�سري املي�سر ‪.‬‬ ‫فظفر ال�صابرون بهذه املعية بخريي الدنيا والآخرة‪ ،‬وفازوا‬ ‫بها وبنعم اهلل الباطنة والظاهرة‪.‬‬ ‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬قال بع�ض ال�صاحلني ‪ :‬يا‬ ‫بني �إن امل�صيبة ما جاءت لتهلكك‪ ،‬و�إمنا جاءت لتمح�ص �صربك‬ ‫و�إميانك‪ ،‬يا بني القدر �سبع‪ ،‬وال�سبع ال ي�أكل امليتة ‪.‬‬

‫ت ُكوا �أَ ْن َيقُ و ُلوا � َآم َّنا َو ُه ْم ال‬ ‫ا�س �أَ ْن ُي رْ َ‬ ‫قال تعاىل‪�} :‬أَ َح ِ�س َب َّ‬ ‫الن ُ‬ ‫ون { العنكبوت ‪. 2‬‬ ‫ُيفْ تَ ُن َ‬

‫ق��ال اب��ن �أب��ي الدنيا ‪ :‬و حدثني عبد اهلل بن حممد بن‬ ‫�إ�سماعيل التميمي ‪� :‬أن رجال عزى رجال يف ابنه فقال ‪� :‬إمنا‬ ‫ي�ستوجب على اهلل وعده من �صرب له بحقه ‪ ,‬فال جتمع �إىل ما‬ ‫�أ�صبت به من امل�صيبة الفجيعة بالأجر ف�إنها �أعظم امل�صيبتني‬ ‫عليك‪.‬‬ ‫و عزى ابن ال�سماك رجال فقال ‪ :‬عليك بال�صرب‪ ،‬فيه يعمل‬ ‫من احت�سب ‪ ,‬و �إليه ي�صرب من جزع ‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫و قال عمر بن عبد العزيز ‪� :‬أما الر�ضى فمنزلة عزيزة �أو‬ ‫منيعة و لكن جعل اهلل يف ال�صرب معوال ح�سناً ‪.‬‬ ‫و ملا مات عبد امللك ابنه �صلى عليه ثم قال ‪ :‬رحمك اهلل‬ ‫لقد كنت يل وزيرا ‪ ,‬و كنت يل معيناً ‪ .‬قال والنا�س يبكون و ما‬ ‫يقطر من عينيه قطره ‪.‬‬ ‫و �أ�صيب مطرف بن عبد اهلل يف ابن له ‪ ,‬ف�أتاه قوم يعزونه‬ ‫فخرج �إليهم �أح�سن ما كان ب�شراً ‪ ,‬ثم قال ‪� :‬إين �أ�ستحي من اهلل‬ ‫�أن �أت�ضع�ضع مل�صيبة ‪.‬‬ ‫وبالعادة يتعر�ض الإن�سان يف حياته ملظاهر و�أنواع خمتلفة‬ ‫من االبتالء فيعي�ش بني الفرح واحلزن‪ ،‬والغنى والفقر‪ ،‬والفرح‬ ‫وال�ضيق‪ ،‬والوالدة واملوت‪ ،‬والذي مييز امل�سلم احلق يف �سمته �أن‬ ‫ال يكون جاحداً لنعم اهلل تعاىل في�صرب يف ال�ضراء‪ ،‬وي�شكر يف‬ ‫ال�سراء‪.‬‬ ‫و �أخرب تعاىل �أن ال�صرب خري لأهله م�ؤكدا ذلك باليمني ‪,‬‬ ‫ين» النحل ‪ ،126‬و �أخرب �أن‬ ‫ب مُ ْ‬ ‫ل�صاب ِ​ِر َ‬ ‫ت َل ُه َو َخيرْ ٌ ِل َّ‬ ‫فقال‪َ « :‬و َل ِئ ْن َ�ص رَ ْ‬ ‫مع ال�صرب و التقوى ال ي�ضر كيد العدو ولو كان ذا ت�سليط فقال‬ ‫بوا َوت ََّتقُ وا ال َي�ضرُ ُّ ُك ْم َك ْيدُ ُه ْم �شَ ْيئ ًا �إِ َّن هَّ َ‬ ‫الل‬ ‫تعاىل‪َ } :‬و�إِ ْن ت َْ�ص رِ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ون حُ ِ‬ ‫يط (‪� {)120‬آل عمران ‪ ،120‬و�أن ال�صرب و التقوى‬ ‫با َي ْع َم ُل َ‬ ‫مِ َ‬ ‫وال�صالة تو�صالن ال�صديق �إىل حمل العز والتمكني فقال‪�} :‬إِ َّن ُه‬ ‫ب َف�إِ َّن هَّ َ‬ ‫يع �أَ ْج َر مْ ُ‬ ‫ني{ يو�سف ‪. 90‬‬ ‫ال ْح ِ�س ِن َ‬ ‫الل ال ُي ِ�ض ُ‬ ‫َم ْن َي َّت ِق َو َي ْ�ص رِ ْ‬

‫‪17‬‬


‫و �أخرب تعاىل �أن دفع ال�سيئة بالتي هي �أح�سن جتعل امل�سيء‬ ‫ك�أنه ويل حميم فقال‪َ } :‬وال ت َْ�ستَ وِ ي حْ َ‬ ‫ال�س ِّيئَ ُة ْاد َف ْع‬ ‫ال َ�س َن ُة َوال َّ‬ ‫بِا َّل ِتي ِهي �أَ ْح�س ُن َف ِ�إذَ ا ا َّل ِذي بي َن َك وبي َن ُه َعدَ او ٌة َ َ‬ ‫ك�أ َّن ُه َو يِ ٌّ‬ ‫يم{‬ ‫َ‬ ‫َ​َْ‬ ‫َْ‬ ‫ل َح ِم ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف�صلت ‪ .34‬و�أن هذه اخل�صلة ما يلقاها �إال الذين �صربوا و ما‬ ‫يلقاها �إال ذو حظ عظيم ‪.‬‬ ‫و ال�صرب جادة امل�ؤمن التي يجول ثم يرجع �إليها‪ ،‬و �ساق‬ ‫�إميانه الذي ال اعتماد له �إال عليها‪ ،‬فال �إميان ملن ال �صرب له ‪،‬‬ ‫و �إن كان ف�إميان قليل يف غاية ال�ضعف ‪ ،‬و �صاحبه ممن يعبد‬ ‫اهلل على حرف ف�إن �أ�صابه خري اطمئن به و �إن �أ�صابته فتنة‬ ‫انقلب على وجهه خ�سر الدنيا و الآخ��رة ‪ ،‬و مل يح�ض منهما‬ ‫�إال بال�صفقة اخلا�سرة‪ ،‬فخري عي�ش �أدركه ال�سعداء ب�صربهم‪،‬‬ ‫وترقوا �إىل �أعلى املنازل ب�شكرهم ‪ ،‬ف�ساروا بني جناحي ال�صرب‬ ‫وال�شكر �إىل جنات النعيم ‪.‬‬ ‫ولذلك ترى �أبناء الدنيا متقلبني فيها بني خري و�شر ‪ ،‬ونفع‬ ‫و�ضر‪ ،‬وال ترى لهم يف �أيام الرخاء �أنفع من ال�شكر والثناء‪ ،‬وال‬ ‫يف �أيام املحنة والبالء �أجنع من ال�صرب والدعاء‪ ،‬وقد اقت�ضت‬ ‫حكمة اهلل �سبحانه وتعاىل �أنه ما من ليل �إال وبعده �صباح‪ ،‬وما‬ ‫من �ضيق و�شدة‪� ،‬إال وبعده فرج وخري‪.‬‬ ‫فطوبى ثم طوبى ملن وفق يف احلالني‪ ،‬للقيام بالواجبني‪،‬‬ ‫وجتد �أف�ضل �شيء يفزع �إليه من ابتلي مبكروه‪ ،‬من �شدة �أو‬

‫‪18‬‬


‫مر�ض �أو هم �أو غم �أو �أي �شيء �صارف من �صروف الدهر �أن‬ ‫يفزع �إىل ال�صالة‪ ،‬كما كان يفعل امل�صطفى [‪ :‬كما يف حديث‬ ‫حذيفة ر�ضي اهلل عنه قال‪« :‬كان ر�سول اهلل [ �إذا حزبه �أمر‬ ‫�صلى» �أخرجه �أحمد و�أبو داود‬ ‫ثم ق��راءة القر�آن بتدبر وخ�شوع‪ ،‬ف�إن فيه راحة وطم�أنينة‬ ‫ين � َآم ُنوا َوت َْط َم ِئ ُّن‬ ‫و�سكينة للنف�س الإن�سانية‪ ،‬قال عز وجل ‪} :‬ا َّل ِذ َ‬ ‫الل �أَال ب ِ​ِذ ْك ِر هَّ ِ‬ ‫ُق ُلو ُب ُه ْم ب ِ​ِذ ْك ِر هَّ ِ‬ ‫وب{ الرعد ‪. 28‬‬ ‫الل ت َْط َم ِئ ُّن ا ْلقُ ُل ُ‬

‫‪19‬‬




‫من أسباب دفع البالء‬

‫‪ .1‬لطف اهلل بعباده ‪ ،‬خا�صة �إن كان العبد قوي الإميان‬ ‫بخالقه �شديد التعلق بربه ‪.‬‬ ‫‪ .2‬حفظ العبد رب��ه‪ ،‬ق��ال [ ‪ « :‬احفظ اهلل يحفظك‬ ‫احفظ اهلل جتده جتاهك» �أخرجه �أحمد والرتمذي ‪.‬‬ ‫‪ .3‬التعرف �إىل اهلل يف الرخاء بامتثال �أوام��ره و اجتناب‬ ‫نواهيه‪ ،‬كما ثبت من حديث ابن عبا�س و �أبي �سعيد‬ ‫ر�ضي اهلل عنهما قاال ‪ :‬قال ر�سول اهلل [ ‪« :‬تعرف �إليه‬ ‫يف الرخاء ‪ ،‬يعرفك يف ال�شدة» ‪.‬‬ ‫‪ .4‬التقرب �إىل اهلل �سبحانه وتعاىل بال�صدقات‪ ،‬ف�إن �صدقة‬ ‫ال�سر تدفع غ�ضب الرب‪ ،‬و تداوي املر�ض قال ر�سول اهلل‬ ‫[ ‪�« :‬صدقة ال�سر تطفئ غ�ضب ال��رب» �أخ��رج��ه الطرباين‬ ‫و�صححه الألباين‪.‬‬

‫‪ .5‬الإكثار من قراءة الأوراد و الأذكار امل�ستمدة من القر�آن‬ ‫الكرمي و من ال�سنة النبوية املطهرة ‪.‬‬ ‫‪ .6‬االلتجاء �إىل اهلل تعاىل و التعلق به ‪ ،‬و االعتقاد ب�أنه‬ ‫املعطي و املانع‪ ،‬و �أن النفع و ال�ضر بيده �سبحانه و تعاىل‬ ‫وحده دون �سواه من �سائر اخللق ‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫ين‬ ‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪ : -‬قال اهلل تعاىل ‪}:‬ا َّل ِذ َ‬ ‫َ‬ ‫يب ٌة َقا ُلوا ِ�إ َّنا للِهَّ ِ َو ِ�إ َّنا �إِ َل ْي ِه َر ِ‬ ‫ون (‪� )156‬أُ ْو َل ِئ َك‬ ‫اج ُع َ‬ ‫�إِذَ ا �أ َ�صا َبتْ ُه ْم ُم ِ�ص َ‬ ‫ات ِم ْن َر ِّبهِ ْم َو َر ْح َم ٌة َو�أُ ْو َل ِئ َك ُه ْم مْ ُ‬ ‫ون { �سورة البقرة‬ ‫ال ْهتَ دُ َ‬ ‫َع َل ْيهِ ْم َ�ص َل َو ٌ‬

‫‪.157 - 156‬‬

‫و يف امل�سند عنه [ �أنه قال ‪« :‬ما من عبد ت�صيبه م�صيبة‬ ‫فيقول ‪� :‬إنا هلل و �إنا �إليه راجعون اللهم �آجرين يف م�صيبتي‬ ‫واخلفني خرياً منها‪� ،‬إال �أجره اهلل يف م�صيبته و خلف له خرياً‬ ‫منها» ‪ .‬وهذه الكلمة �إنا هلل و �إنا �إليه راجعون من �أبلغ عالج‬ ‫امل�صاب و�أنفعه يف عاجلته و �آجلته ف�إنها تت�ضمن �أ�صلني عظيمني‬ ‫�إذا حتقق العبد مبعرفتهما ت�سلى عن م�صيبته ‪-:‬‬ ‫الأول‪� :‬أن العبد و �أهله و ماله ‪ ،‬ملك هلل عز و جل حقيقة‪،‬‬ ‫وقد جعله اهلل عند العبد عارية ‪ ،‬ف�إذا �أخذه منه فهو كاملعري‬ ‫ي�أخذ متاعه من امل�ستعري ‪.‬‬ ‫الثاين‪� :‬أن م�صري العبد و مرجعه �إىل مواله احلق ‪ ،‬و البد‬ ‫من �أن يخلف الدنيا وراء ظهره و يجيء ربه فردا كما خلقه‬ ‫�أول مرة‪ ,‬بال �أهل ‪ ،‬و ال مال ‪ ،‬وال ع�شرية و لكن باحل�سنات و‬ ‫ال�سيئات‪.‬‬

‫‪23‬‬




‫حادي األرواح‬ ‫‪� .1‬أن يعلم علم اليقني �أن ما �أ�صابه مل يكن ليخطئه ‪ ,‬و ما‬ ‫اب‬ ‫�أخط�أه مل يكن لي�صيبه قال اهلل عز و جل ‪َ } :‬ما �أَ َ�ص َ‬

‫�ض َوال يِف �أَ ْنفُ ِ�س ُك ْم ِ�إ َّال يِف ِكتَ ٍ‬ ‫يب ٍة يِف الأَ ْر ِ‬ ‫اب ِم ْن‬ ‫ِم ْن ُم ِ�ص َ‬ ‫َ‬ ‫ب�أَ َها �إِ َّن ذَ ِل َك َع َلى هَّ ِ‬ ‫ري (‪ِ )22‬ل َك ْيال َت�أْ َ�س ْوا‬ ‫َق ْب ِل �أ ْن َن رْ َ‬ ‫الل َي ِ�س ٌ‬ ‫َاك ْم َو هَّ ُ‬ ‫الل ال ُي ِح ُّب ُك َّل‬ ‫با �آت ُ‬ ‫َع َلى َما َفات َُك ْم َوال تَفْ َر ُحوا مِ َ‬ ‫متَ ٍ‬ ‫ور (‪ {23‬احلديد ‪. 23-22 /‬‬ ‫ال َف ُخ ٍ‬ ‫خُ ْ‬

‫‪� .2‬أن ينظر امل�صاب �إىل ما �أ�صيب به فيجد ربه قد �أبقى‬ ‫عليه مثله �أو �أف�ضل منه و ادخر له ‪� -‬إن �صرب و ر�ضي‪-‬‬ ‫ما هو �أعظم من فوات تلك امل�صيبة ب�أ�ضعاف م�ضاعفة‪,‬‬ ‫و �أنه لو �شاء جلعلها �أعظم مما هي ‪.‬‬ ‫‪� .3‬أن يطفئ نار م�صيبته بربد الت�أ�سي ب�أهل امل�صائب و‬ ‫لينظر مينة فهل يرى �إال حمنة ؟ ثم ليعطف ي�سرة فهل‬ ‫يرى �إال ح�سرة ؟‪.‬‬ ‫‪� .4‬أن يعلم �أن اجل��زع الي��رده��ا بل ي�ضاعفها ‪ ,‬وه��و يف‬ ‫احلقيقة من تزايد املر�ض ‪.‬‬ ‫‪� .5‬أن يعلم �أن ف��وات ث��واب ال�صرب و الت�سليم ‪ -‬وه��و ‪:‬‬

‫‪26‬‬


‫ال�صالة والرحمة و الهداية التي �ضمنها اهلل على ال�صرب‬ ‫و اال�سرتجاع ‪� -‬أعظم من امل�صيبة يف احلقيقة‬ ‫‪� .6‬أن يعلم �أن اجل��زع ي�شمت ع��دوه و ي�سيء �صديقه ‪،‬‬ ‫ويغ�ضب ربه ‪ ،‬وي�سر �شيطانه و يحبط �أجره و ي�ضعف‬ ‫نف�سه ‪.‬‬ ‫‪� .7‬أن يعلم ما يعقبه ال�صرب و االحت�ساب من اللذة و امل�سرة‪،‬‬ ‫ويكفيه من ذلك بيت احلمد الذي يبنى له يف اجلنة على‬ ‫حمده لربه و ا�سرتجاعه ‪.‬‬

‫‪27‬‬




‫الصرب عند الصدمة األوىل‬

‫ملا كان ال�صرب حب�س الل�سان عن ال�شكوى �إىل غري اهلل‪ ,‬والقلب‬ ‫عن الت�سخط‪ ،‬واجلوارح عن اللطم و �شق الثياب ونحوها‪ ،‬كان‬ ‫ما ي�ضاده واقعا على هذه اجلمله‪ ،‬فمنه‪ :‬ال�شكوى �إىل املخلوق‪،‬‬ ‫ف�إذا �شكا العبد ربه �إىل خملوق مثله فقد �شكى من يرحمه �إىل‬ ‫من ال يرحمه ‪.‬‬ ‫و �أما �إخبار املخلوق باحلال‪ ،‬ف�إن كان لال�ستعانة ب�إر�شاده �أو‬ ‫معاونته والتو�صل �إىل زوال �ضرره مل يقدح ذلك يف ال�صرب‪ ,‬ك�إخبار‬ ‫املري�ض للطبيب ب�شكايته‪ ،‬و �إخبار املظلوم ملن ينت�صر به بحاله‪،‬‬ ‫و�إخبار املبتلى ببالئه ملن كان يرجو �أن يكون فرجه على يديه ‪.‬‬ ‫و قد كان النبي [ �إذا دخل على املري�ض ي�س�أله عن حاله ويقول‪:‬‬ ‫«كيف جتدك؟» �أخرجه الرتمذي‪ ،‬وهذا ا�ستخبار منه وا�ستعالم بحاله ‪.‬‬ ‫و قد روي يف الأثر «�أن املري�ض �إذا بد�أ بحمد اهلل ثم �أخرب‬ ‫بحاله مل يكن �شكوى» ‪.‬‬ ‫و قال �شقيق البلخي‪ :‬من �شكى من م�صيبة نزلت به �إىل غري‬ ‫اهلل مل يجد يف قلبه حالوة لطاعة اهلل �أبداً ‪.‬‬ ‫و مما ينايف ال�صرب‪� :‬شق الثياب عند امل�صيبة ‪ ,‬و لطم الوجه‪,‬‬ ‫و ال�ضرب ب�إحدى اليدين على الأخرى‪ ,‬و حلق ال�شعر ‪ ,‬و الدعاء‬ ‫بالويل ‪ ,‬و لهذا برىء النبي [ ممن �صلق و حلق و خرق )رفع‬ ‫‪30‬‬


‫�صوته عند امل�صيبة و حلق ر�أ�سه و �شق ثيابه( ‪ ,‬و ال ينافيه البكاء‬ ‫و احلزن ‪ ,‬قال اهلل تعاىل عن يعقوب ‪َ } :‬وا ْب َي َّ�ض ْت َع ْي َن ُاه ِم َن‬ ‫حْ ُ‬ ‫يم{ يو�سف ‪ 84:‬قال قتادة ‪ :‬كظيم على احلزن‪ ,‬فلم‬ ‫ال ْز ِن َف ُه َو َك ِظ ٌ‬ ‫يقل �إال خرياً‪� .‬أخرجه عبد الرزاق يف تف�سريه ‪. 327 / 2 / 1‬‬ ‫قال احل�سن ‪ :‬ما جرعتان �أحب �إىل اهلل من جرعة م�صيبة‬ ‫موجعة حمزنة ردها �صاحبها بح�سن عزاء و �صرب ‪ ،‬و جرعة‬ ‫غيظ ردها بحلم ‪.‬‬ ‫و قال عبيد بن عمري ‪ :‬لي�س اجلزع �أن تدمع العني و يحزن‬ ‫القلب ‪ ,‬و لكن اجلزع القول ال�سيء و الظن ال�سيء ‪.‬‬ ‫و�سئل ابن حممد عن اجل��زع؟ فقال‪ :‬القول ال�سيء والظن‬ ‫ال�سيء‪.‬‬ ‫و قال احل�سن بن عبد العزيز اجلروي ‪ :‬مات ابن يل نفي�س‪,‬‬ ‫فقلت لأمه اتقي اهلل و احت�سبي‪ ,‬و ا�صربي‪ ،‬فقالت ‪ :‬م�صيبتي‬ ‫به �أعظم من �أن �أف�سدها باجلزع ‪.‬‬ ‫و ي�ضاد ال�صرب الهلع ‪ ،‬و هو‪ :‬اجلزع عند ورود امل�صيبة‪ ,‬و املنع‬ ‫ان ُخ ِل َق هَ ُلوع ًا (‪� )19‬إِ َذا‬ ‫ن�س َ‬ ‫عند ورود النعمة قال تعاىل‪�} :‬إِ َّن الإِ َ‬ ‫ال�ش َجزُ وع ًا (‪َ )20‬و ِ�إ َذا َم َّ�س ُه خْ َ‬ ‫اليرْ ُ َمنُ وع ًا (‪{)21‬املعارج ‪.21-19‬‬ ‫َم َّ�س ُه رَّ ُّ‬ ‫و هذا تف�سري الهلوع ‪ :‬قال اجلوهري ‪ :‬الهلع ‪� :‬أفح�ش اجلزع‪,‬‬ ‫و قد هلع بالك�سر ‪ ،‬فهو هلع و هلوع ‪ ،‬و يف احلديث ‪�« :‬شر ما يف‬ ‫العبد �شح هالع و جنب خالع» ‪�.‬أخرجه �أبو داود و�صححه الألباين ‪.‬‬ ‫‪31‬‬



‫الآن �أيها الأحبة و قد علمنا �أن االبتالء �سنة �إلهية لي�س غايتها‬ ‫�إزالة معنى من الإميان‪� ،‬إمنا املق�صود �أن يُربى هذا العبد �إميانه‬ ‫وثقليه‪ ،‬و يعرب بهذا االبتالء �إىل رحمات اخلالق‪ ،‬يتلذذ بن�سمات‬ ‫القرب و املناجاة ‪.‬‬ ‫�إن اجلزع فيه فوات �أجر امل�صيبة و زيادتها و نق�ص الإميان‪،‬‬ ‫فلماذا ؟ ال ن�ستثمر هذه املحنة فنقلبها منحة لنا‪ ،‬و ملن فقدنا من‬ ‫�أحبابنا و قد حل البالء املكتوب بقلم قد جفت به ال�صحف‪ ،‬ف�أي‬ ‫فائدة ترجى من الت�سخط على رب الأرباب‪ ،‬و النياحة على ميت‬ ‫قد فات‪� ،‬أمل يقل معلمنا اخلري حممد [‪�« :‬إن امليت ليعذب ببكاء‬ ‫�أهله عليه؟» فلماذا ال �أترجم هذه امل�شاعر الفيا�ضة من احلزن و‬ ‫احلب و ال�شوق �إىل ح�سنات ماحيات‪ ،‬و �أجور رافعات للدرجات‪،‬‬ ‫مبا ورد و�صح عن �أرحم اخللق باخللق حممد [ لنا و ملن فقدنا؟‬ ‫ف�إن الدال على اخلري كفاعله ‪.‬‬ ‫‪33‬‬




‫هل أنت ٍ‬ ‫راض عن اهلل؟‬ ‫ملاذا قل الر�ضا عند النا�س ؟‬ ‫قال ابن القيم يف اجل��واب الكايف‪� :‬إن من بع�ض عقوبات‬ ‫املعا�صي فقدان الر�ضا بالرب‪.‬‬ ‫فك�أن املع�صية جالبة ملحق الر�ضا من القلوب فقد قال تعاىل‪:‬‬ ‫} َر ِ�ضي هَّ ُ‬ ‫الل َع ْن ُه ْم َو َر ُ�ضوا َع ْن ُه{ البينة ‪.8‬‬ ‫َ‬ ‫ال�شاهد يف هذه الآية‪� ،‬أن ر�ضاهم عن اهلل ثمرة لر�ضاه عنهم‪,‬‬ ‫ف�إذا �سخط اهلل �أ�سخطهم ‪.‬‬ ‫والر�ضا ق�سمان ‪:‬‬ ‫< ر�ضى اهلل عن العبد وهو الغاية ‪.‬‬ ‫< ر�ضى العبد عن اهلل وهو و�سيلة ال�ستجالب ر�ضاه‪.‬‬ ‫يقول طبيب القلوب ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪: -‬‬ ‫�إن الر�ضا من �أعمال القلوب كمثل اجلهاد من �أعمال اجلوارح‬ ‫وهو ذروة ال�سنام‪ ،‬فقمة الر�ضا هو ما و�ضحه ر�سول اهلل [‬

‫)ذاق ح�لاوة الإمي��ان من ر�ضى ب��اهلل رب��اً وبالإ�سالم ديناً‬ ‫‪36‬‬


‫ومبحمد ر�سوالً(‪ .‬يعني �أن يلزم امل��رء ما جعل اهلل به ر�ضاه‬ ‫فري�ضيه حتماً مواله‪.‬‬ ‫ولكن ال�س�ؤال يف هذا املقال‪ ،‬كيف نر�ضى؟؟‬ ‫�إن هلل يف كل �سكنة وكل وحركة عبودية ‪ .‬فلو �أعملنا جوارحنا‬ ‫بطاعة اهلل الكت�سبنا ر�ضاه ‪ ،‬فاهلل يلقي ر�ضاه يف قلوب الطائعني‬ ‫فهو من ثمراتها‪.‬‬ ‫كما الفرج وال�سرور بالرب – تبارك وتعاىل ‪ -‬من ثمراته ‪،‬‬ ‫وي�ضاد ذلك �أن ال�سخط هو ثمرة املع�صية‪ .‬من �أعمل جوارحه‬ ‫بالطاعة �سكب اهلل يف قلبه الر�ضا و�أراه عني احلكمة يف ق�ضاءه‬ ‫وقدره‪ ،‬ويف معر�ض ذلك ما ذكره ابن اجلوزي يف �صيد اخلاطر‪:‬‬ ‫من �أراد �أن يعلم حقيقة الر�ضى عن اهلل – عز وج��ل – يف‬ ‫�أفعاله‪ ،‬و�أن يدري من �أين ين�ش�أ الر�ضا ‪ ،‬فليتفكر يف �أحوال‬ ‫ر�سول اهلل [ ف�إنه ملا تكاملت معرفته باخلالق �سبحانه ر�أى‬ ‫�أن اخلالق مالك‪ ،‬وللمالك الت�صرف يف مملوكه‪ ،‬ور�آه حكيماً ال‬ ‫ي�صنع �شيئاً عبثاً ف�سلم ت�سليم مملوك حلكيم‪ ،‬فكانت العجائب‬ ‫جتري عليه وال يوجد منه تغيري وال من الطبع ت�أفف‪.‬‬ ‫وال يقول بل�سان احلال ‪ :‬لو كان كذا ‪ ،‬بل يثبت للأقدار ثبوت‬ ‫اجلبل لعوا�صف الرياح فتجري عليه �أق��دار اهلل وهو �ساكت‬ ‫�ساكن‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫ومن جهة �أخ��رى ورد يف حديث �ضعيف فهو ال ي�صح عن‬ ‫الر�سول [ ولكن ال ب�أ�س �أن ن�ست�أن�س مبفرداته فالعبد لو �أعمل‬ ‫به قلبه لوجد فيه مفاتيح احلكم‪.‬‬ ‫قوله‪� :‬إن من عبادي من ال ي�صلحه �إال الفقر ولو �أغنيته لكفر‪.‬‬ ‫و�إن من عبادي من ال ي�صلحه �إال الغنى ولو �أفقرته لكفر‪.‬‬ ‫و�إن من عبادي من ال ي�صلحه �إال املر�ض ف�إن �أ�صححته لكفر‪.‬‬ ‫و�إن من عبادي من ال ي�صلحه �إال العافية ف�إن �أ�سقمته لكفر‪.‬‬

‫قال تعاىل }�إِ َّن الإِ َن�سانَ َل َي ْطغَ ى (‪� )6‬أَ ْن َر� ُآه ْا�ستَ غْ نَ ى (‪{)7‬‬

‫العلق ‪6.7‬‬

‫فلو ا�ست�شعر العبد وا�ستيقن �أن حال فقره مق�صود بعني‬ ‫احلكمة‪ ،‬و�أنه حال �سقمه �أريد له اخلري وبه حينئذ يتذوق حالوة‬ ‫حكمة اهلل يف �أقداره ‪.‬‬ ‫ق��ال اب��ن ال�ق�ي��م‪ :‬ما �أغلق اهلل بابا بحكمة �إال وفتح بابني‬ ‫برحمة‪.‬‬ ‫وقال �سفيان‪ :‬قال احل�سن‪ :‬من ر�ضي مبا ق�سم اهلل له و�سعه‪،‬‬ ‫وبارك اهلل له فيه‪ ،‬ومن مل ير�ض مل ي�سعه‪ ،‬ومل يبارك له فيه‪.‬‬ ‫وقال �أبو عثمان اجلربي‪ :‬منذ �أربعني �سنة ما �أقامني اهلل يف‬ ‫حال فكرهته ‪ ،‬وما نقلني �إىل غريه ف�سخطته‪.‬‬ ‫فهذه هي الق�ضية ‪� :‬أنك �إذا كنت را�ضياً دائماً �أر�ضاك اهلل‬ ‫وبعث �إليك ما ير�ضيك ومن ير�ضيك‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫وق�صة حدير خري �شاهد ‪ ..‬ملا م�شى القوم ووجدوا كل واحد‬ ‫منهم يف يده الهدية ‪ ،‬مل يقل و�أنا ‪ ،‬ومل يرجع ليقول ‪� :‬أنا مل‬ ‫�آخذ هديتي يا ر�سول اهلل ‪ ...‬ولو طلب لأعطاه الر�سول [ ولكن‬ ‫الرجل كان را�ضياً ‪ ،‬فيكفيه �أن اهلل ذكره ‪ ...‬وملا ذكر الر�سول‬ ‫[ به �أر�سل �إليه هديته ب�سرعة ‪ .‬فحاز الهدية وذكر اهلل ‪...‬‬ ‫لر�ضاه‪.‬‬ ‫و�سعد بن �أبي وقا�ص ] معروف �أنه كان م�ستجاب الدعوة‪،‬‬ ‫وكان قد كف ب�صره �آخر عمره ‪ ،‬قال له ابنه ‪ :‬يا �أبت‪� ،‬أراك‬ ‫تدعو للنا�س هال دعوت لنف�سك ‪� ،‬أن يرد اهلل عليك ب�صرك‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬يا بني‪ ،‬ق�ضاء اهلل �أحب �إيل من ب�صري‪.‬‬ ‫�أحبائي ‪...‬‬ ‫هل نحن را�ضون عن اهلل ؟ هل فع ً‬ ‫ال ق�ضاء اهلل وقدره �أحب‬ ‫�إليكم مما �أنتم فيه من بالء وفتنة وغربة؟ �إذا �أردن��ا الت�أكد‬ ‫فالر�ضا عن اهلل ي�صح بثالثة �شروط ذكرها اب��ن القيم يف‬ ‫املدارج‪.‬‬ ‫الأول‪ :‬ا�ستواء النعمة والبلية عند العبد ‪ ،‬لأنه ي�شاهد ح�سن‬ ‫اختيار اهلل له‪.‬‬

‫الثاين‪� :‬سقوط اخل�صومة عن اخللق‪� ،‬إال فيما كان حقاً هلل‬ ‫ور�سوله [‪ ،‬فالرا�ضي ال يخا�صم وال يعاتب �إال فيما يتعلق بحق‬ ‫اهلل‪ ،‬وهذه كانت حال ر�سول اهلل [‪ ،‬فاملخا�صمة تطفئ نور‬ ‫‪39‬‬


‫الر�ضا وتذهب بهجته‪ ،‬وتبدل باملرارة حالوته وتكرث �صفوته‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬اخلال�ص من امل�س�ألة للخلق والإحلاح‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫َ‬ ‫} َي ْح َ�س ُب ُه ْم جْ َ‬ ‫ال� ِ‬ ‫الت َعفُّ ِ‬ ‫اه ْم ال‬ ‫اء ِم� ْ�ن َّ‬ ‫يم ُ‬ ‫�اه� ُ�ل �أ ْغ ِن َي َ‬ ‫ف ت َْع ِر ُف ُه ْم ب ِ​ِ�س َ‬ ‫ي َ‬ ‫ا�س ِ �إ حْ َ‬ ‫لاف ًا { البقرة ‪.273‬‬ ‫�س�أ ُل َ‬ ‫ون َّ‬ ‫الن َ‬ ‫َْ‬

‫قال ابن عبا�س ‪� :‬إذا كان عنده غداء مل ي�س�أل ع�شاء ‪ ،‬و�إذا‬ ‫كان عنده ع�شاء مل ي�س�أل غداء‪.‬‬ ‫ثم يبني رحمه اهلل �أن منع اهلل – تعاىل – لعبده عطاء‪،‬‬ ‫وابتالءه �إياه عافية فيقول ‪ :‬ف�إنه – �سبحانه – ال يق�ضي لعبده‬ ‫امل�ؤمن ق�ضاء �إال كان خرياً له ‪� ،‬ساءه ذلك الق�ضاء �أو �سره‪،‬‬ ‫فق�ضا�ؤه لعبده امل�ؤمن عطاء‪ ،‬و�إن كان يف �صورة املنع‪ .‬ونعمة و�إن‬ ‫كانت يف �صورة حمنة‪.‬‬ ‫وب�لا�ؤه عافية و�إن كان يف �صورة بلية‪ .‬ولكن جلهل العبد‬ ‫وظلمه ال يعد العطاء والنعمة والعافية �إال ما التذ به يف العاجل‬ ‫‪ ،‬وكان مالئماً لطبعه‪ ،‬ولو رزق من املعرفة حظاً وافراً لعد املنع‬ ‫نعمة والبالء رحمة‪ ،‬وتلذذ بالبالء �أكرث من لذته بالعافية‪ ،‬وتلذذ‬ ‫بالفقر �أكرث من لذته بالغنى‪.‬‬ ‫وكان يف حال القلة �أعظم �شكراً من حال الكرثة‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫ً‬ ‫وختاما ‪- :‬‬ ‫نظر رجل �إىل قرحة يف رجل حممد بن وا�سع فقال ‪� :‬إين‬ ‫لأرحمك من هذه القرحة ‪ ،‬فقال ‪� :‬إين لأ�شكرها منذ خرجت‬ ‫�إذ مل تخرج يف عيني ‪.‬‬ ‫و�أختم بب�شري الطربي وك��ان عنده مزرعة فيها �أربعمائة‬ ‫جامو�سة ‪ -‬ثروة تقدر مبليون جنيه اليوم ‪ .-‬فهجم الروم يوماً‬ ‫عليها‪ ،‬ف�ساقوا اجلوامي�س كلها وكان عنده مائة يحر�سونها‪،‬‬ ‫ف�أر�سل ه�ؤالء العبيد �إىل ب�شري �أن قد �أخذت اجلوامي�س ‪ ،‬فركب‬ ‫مع ولد له �إليهم‪ ،‬فلما و�صل �إىل املزرعة لقيه العبيد ‪ ...‬يا‬ ‫�سيدنا ‪ ،‬يا موالنا‪� ،‬أخذت اجلوامي�س فقال‪ :‬و�أنتم �أي�ضاً‪ ،‬اذهبوا‬ ‫ف�أنتم �أحرار لوجه اهلل ‪ ..‬فقال له ابنه ‪� :‬أفقرتنا يا �أبتاه ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ا�سكت يا بني‪� ،‬إن اهلل �أراد �أن يبتلي ر�ضائي به ‪ ،‬ف�أحببت �أن‬ ‫�أزيده ‪ ...‬رحمك اهلل يا ب�شري ‪.‬‬ ‫�إن اهلل ميتحنني �أ�أر�ضى بق�ضائه �أم ال؟ قلت له ‪ :‬ال ‪� ،‬أنا‬ ‫را�ض جداً ‪ ،‬وهذه الزيادة �أي�ضاً من �أجلك يا رب ‪ ...‬اذهبوا‬ ‫ف�أنتم �أحرار لوجه اهلل‪.‬‬

‫‪41‬‬




‫إليك أيها املبتلى‬

‫ال بد من وقفة تدبر وت�أمل عند وقوع البالء ‪ ،‬فبعد تثبيت‬ ‫اليقني �أن اهلل رحيم ‪ ،‬و�أن اهلل حكيم ‪ ،‬يتوقف الإن�سان لينظر‬ ‫يف �سبب وقوع البالء‪ ،‬ثم ي�سلم هلل العليم احلكيم ت�سليم مملوك‬ ‫حلكيم‪ ...‬ولي�س�أل نف�سه‪ :‬هل ما �أ�صابك بذنوبك ؟ �أم �أن اهلل‬ ‫يرفع درجاتك باملر�ض؟‬ ‫�إن كانت الأوىل – وه��ي الأغ��ل��ب – فالتوبة من الذنوب‬ ‫واملعا�صي واجبة وهي يف املر�ض �أوجب‪.‬‬ ‫قال ابن اجلوزي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ : -‬غالب البالء يكون عقوبة‪.‬‬ ‫و�إن كانت الثانية‪ ,‬فاحلمد هلل و الثناء و ال�شكر على تودد‬ ‫اهلل للعبد وتقريبه �إليه لوازم يقوم بها العبد فرحاً بف�ضل اهلل‬ ‫عليه وا�صطفائه له ‪ ,‬لتطهريه و متحي�صه باملر�ض ‪.‬‬ ‫عن هالل بن ي�ساف قال ‪ :‬كنا قعودا عند عمار بن يا�سر‬ ‫فذكروا الأوجاع ‪ ,‬فقال �أعرابي ‪ :‬ما ا�شتكيت قط ‪ ,‬فقال عمار‪:‬‬ ‫ما �أنت منا – �أو ل�ست منا ‪� , -‬إن امل�سلم ليبتلى ببالء فتحط‬ ‫عنه ذنوبه كما يحط الورق من ال�شجر ‪ ,‬و �إن الكافر – �أو قال‪:‬‬ ‫الفاجر ‪ , -‬يبتلى ببالء فمثله مثل بعري �أطلق فلم يدر مل �أطلق‪,‬‬ ‫و عقل فلم يدر مل عقل‪.‬‬ ‫فهو مل يفهم ملاذا مر�ض ‪ ,‬و مل يفهم ملاذا �شفي ‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫< ثم �إن البالء على قدر الرجال يف الهمة و الدين‪ ,‬قال‬ ‫ر�سول اهلل [‪« :‬فيبتلى الرجل على ح�سب دينه ‪ ,‬ف�إن كان دينه‬ ‫�صلبا ا�شتد بال�ؤه‪ ,‬و �إن كان يف دينه رقة ابتلى على ح�سب دينه‪,‬‬ ‫فما يربح البالء بالعبد حتى يرتكه مي�شي على الأر�ض ما عليه‬ ‫خطيئة» )�صحيح الرتغيب و الرتهيب ‪ (3402 :‬ال بد �أن نفهم حقيقة البالء‬ ‫و العافية ‪ ,‬ف�إن البالء يف احلقيقة لي�س �إال الذنوب و عواقبها‪,‬‬ ‫والعافية املطلقة هي الطاعات وعواقبها‪ ,‬ف�أهل البالء هم �أهل‬ ‫املع�صية و �إن عوفيت �أبدانهم‪ ,‬و�أهل العافية هم �أهل الطاعة‬ ‫و�إن مر�ضت �أبدانهم‪ ,‬ف�إن �أهل البالء احلقيقيني هم املبتلون‬ ‫مبعا�صي اهلل والإعرا�ض والغفلة عن اهلل ‪.‬‬ ‫< و عن فقه االبتالء يقول ابن اجلوزي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ : -‬من‬ ‫اجلهل �أن يخفى على الإن�سان مراد التكليف ‪ ,‬ف�إنه مو�ضوع على‬ ‫عك�س الأغرا�ض ‪ ,‬فينبغي للعاقل �أن ي�أن�س بانعكا�س الأغرا�ض‪,‬‬ ‫ف�إن دعا و �س�أل بلوغ غر�ض تعبد اهلل بالدعاء ‪ ,‬ف�إن �أعطي‬ ‫مراده �شكر ‪ ,‬و �إن مل ينل مراده فال ينبغي �أن يلح يف الطلب ‪,‬‬ ‫لأن الدنيا لي�ست لبلوغ الأغرا�ض ‪ ,‬و ليقل لنف�سه ‪َ } :‬و َع�سى �أَ ْن‬ ‫خيرْ ٌ َل ُك ْم { )البقرة ‪(216‬‬ ‫ت َْك َر ُهوا �شَ ْيئ ًا َو ُه َو َ‬ ‫< و من الذي ح�صل له غر�ض ثم مل يكدر ؟‬ ‫هذا �آدم طاب عي�شه يف اجلنة و �أخ��رج منها‪ ,‬و نوح �س�أل‬ ‫اهلل يف ابنه فلم يعط مراده‪ ,‬و اخلليل ابتلي بالنار‪ ,‬و �إ�سماعيل‬ ‫‪45‬‬


‫بالذبح‪ ,‬ويعقوب بفقد الولد‪ ,‬و يو�سف مبجاهدة الهوى‪ ,‬و �أيوب‬ ‫بالبالء‪ ,‬وداود و �سليمان بالفتنة ‪ ,‬وجميع الأنبياء على هذا‪,‬‬ ‫و�أما ما لقي نبينا حممد [ من اجلوع و الأذى و كدر العي�ش‬ ‫فمعلوم ‪.‬‬ ‫فالدنيا و �ضعت للبالء ‪ ,‬فينبغي للعاقل �أن يوطن نف�سه على‬ ‫ال�صرب ‪ ,‬و �أن يعلم �أن ما ح�صل من امل��راد فلطف ‪ ,‬و ما مل‬ ‫يح�صل فعلى �أ�صل اخللق و اجلبلة للدنيا ‪ ,‬كما قيل ‪:‬‬ ‫�صفواً من الأقذاء و الأكدار‬ ‫طبعت على كدر و �أنت تريدها‬ ‫متطلب يف املاء جدوة نـــــــــار‬

‫و مكلف الأيام �ضد طباعهـــــــا‬

‫و ها هنا تتبني قوة الإميان و �ضعفه ‪ ,‬فلي�ستعمل امل�ؤمن من‬ ‫�أدوية هذا املر�ض الت�سليم للمالك و التحكيم حلكمته ‪ ,‬و ليقل‬ ‫�س َل َ‬ ‫ك ِم ْن الأَ ْم ِر �شَ ْي ٌء{ )�آل عمران ‪(128 :‬‬ ‫ل�سيد النا�س‪َ } :‬ل ْي َ‬ ‫ثم لي�سل نف�سه ب�أن املنع لي�س عن بخل‪ ,‬و �إمنا هو مل�صلحة ال‬ ‫يعلمها‪ ,‬ولي�ؤجر ال�صابر عن �أغرا�ضه‪ ,‬و ليعلم اهلل الذين �سلموا‬ ‫ور�ضوا ‪.‬‬ ‫و �إن من زمن االبتالء مقدار ي�سري‪ ,‬و الأغرا�ض مدخرة تلقى‬ ‫بعد قليل ‪ ,‬و ك�أنه بالظلمة قد اجنلت و بفجر الأجر قد طلع ‪.‬‬ ‫و متى ارتقى فهمه �إىل �أن ما جرى مراد احلق �سبحانه ‪,‬‬ ‫اقت�ضى �إميانه �أن يريد ما يريد ‪ ,‬و ير�ضى مبا قدر ‪ ,‬و �إذا مل‬ ‫‪46‬‬


‫يكن كذلك كان خارجاً عن حقيقة العبودية يف املعنى ‪ ,‬و هذا‬ ‫�أ�صل ينبغي �أن يت�أمل و يعمل عليه يف كل غر�ض انعك�س ‪.‬‬ ‫< �أح�ضر عقلك و ا�سمع‪.‬‬ ‫�ألي�س قد ثبت �أن احلق �سبحانه مالك‪ ,‬و للمالك �أن يت�صرف‬ ‫كيف ي�شاء ؟‬ ‫�ألي�س قد ثبت �أنه حكيم و احلكيم ال يعبث !؟‬ ‫فال تعرت�ض على اهلل بعقلك و ال تنكر احلكمة �إذا مل تتو�صل‬ ‫�إليها بفهمك ‪.‬‬ ‫فلم يبق �إال �أن نرجع العجز عن فهم ما يجري �إىل �أنف�سنا‪,‬‬ ‫ونقول‪ :‬هذا فعل عليم حكيم‪ ,‬و لكن ال يبني لنا معناه و ال نفهم‬ ‫حكمته ‪ ,‬و مل تتو�صل عقولنا �إىل �سببه‪.‬‬ ‫و لي�س هذا بعجب ‪ ,‬ف�إن مو�سى عليه ال�سالم خفي عليه‬ ‫وجه احلكمة يف نق�ض ال�سفينة ال�صحيحة و قتل الغالم اجلميل‬ ‫فلما بني له اخل�ضر وجه احلكمة �أذعن ‪ ,‬فلنكن مع اهلل ‪ -‬على‬ ‫الأقل ‪ -‬كمو�سى مع اخل�ضر‪.‬‬ ‫< من �أ�سرار ت�أخر الإجابة ‪.‬‬ ‫�أحبائي ‪,,,‬‬ ‫�أخ�شى �أن �أك��ون قد �أطلت عليكم ‪ ,‬ف�أرجو من اهلل �أال‬ ‫متلوا مني ‪ ,‬ف�إمنا �أريد �أن �أ�ؤن�سكم و �أن �أ�شارككم �أفكاركم ‪,‬‬ ‫‪47‬‬


‫و �إنني مازلت �أفت�ش يف ر�أ�سكم ‪ ,‬و �أناق�شكم يف كل ما يجول‬ ‫بخواطركم‪ ,‬و �أراكم الآن قد تقولون ‪ :‬ال�صرب ‪..‬ال�صرب ‪..‬ال�صرب‪..‬‬ ‫�إىل متى؟!‬ ‫ها �أنا قد �صربت ‪ ,‬و ها �أنا قد عبدت ‪ ,‬و ها �أنا قد دعوت‪,‬‬ ‫ف�إىل متى ؟ و ما �سبب ت�أخري الإجابة ؟!‬ ‫دعوين �أت��رك الإم��ام ابن اجل��وزي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬يجيبك‬ ‫على هذا الت�سا�ؤل ‪ ,‬لتعلم �أن هذا الت�سا�ؤل وارد على كل النا�س‬ ‫و الإجابة عليه �سهلة‪.‬‬ ‫يقول ابن اجلوزي ‪ -‬رحمه اهلل‪: -‬‬ ‫ر�أيت من البالء العجائب �أن امل�ؤمن يدعو فال يجاب ‪,‬‬ ‫فيكرر الدعاء ‪ ,‬و تطول املدة و ال يرى �أثراً للإجابة ‪ ,‬فينبغي له‬ ‫�أن يعلم �أن هذا من البالء الذي يحتاج �إىل ال�صرب ‪ ,‬و ما يعر�ض‬ ‫للنف�س من الو�سوا�س يف ت�أخري اجلواب مر�ض يحتاج �إىل طب ‪,‬‬ ‫و لقد عر�ض يل من هذا اجلن�س ‪ ,‬ف�إنه نزلت بي نازلة فدعوت‬ ‫و بالغت فلم �أر الإجابة ‪ ,‬ف�أخذ �إبلي�س يجول يف حلبات كيده ‪,‬‬ ‫فتارة يقول ‪ :‬الكرم وا�سع و البخل معدوم ‪ ,‬فما فائدة ت�أخري‬ ‫اجلواب ؟ فقلت له‪ :‬اخ�س�أ يا لعني ‪ ,‬فما �أحتاج �إىل تقا�ضي‪ ,‬وال‬ ‫�أر�ضاك و كيال ‪.‬‬ ‫ثم عدت �إىل نف�سي فقلت ‪� :‬إياك م�ساكنة و�سو�سته ‪ ,‬ف�إنه لو‬ ‫مل يكن يف ت�أخري الإجابة �إال �أن يبلوك املقدر يف حماربة العدو‬ ‫‪48‬‬


‫لكفى يف احلكمة ‪.‬‬ ‫قالت ‪ :‬ف�سلني عن ت�أخري الإجابة يف مثل هذه النازلة ‪.‬‬ ‫فقلت ‪ :‬قد ثبت بالربهان �أن اهلل عز و جل مالك ‪ ,‬و للمالك‬ ‫الت�صرف باملنع و العطاء ‪ ,‬فال وجه لالعرتا�ض عليه ‪.‬‬

‫‪49‬‬




‫ماينفع املسلم بعد موته‬ ‫ •ال�صالة عليه‪ :‬قال ر�سول اهلل [‪« :‬ما من رجل م�سلم‬ ‫ميوت‪ ،‬فيقوم على جنازته �أربعون رجال ال ي�شركون باهلل‬ ‫�شيئا �إال �شفعهم اهلل فيه»‪ .‬و قال [‪« :‬ما من ميت ت�صلي‬ ‫عليه �أمة من امل�سلمني يبلغون مائة كلهم ي�شفعون له �إال‬ ‫�شفعوا فيه»‪.‬رواهما م�سلم ‪.‬‬ ‫قال ابن القيم ‪ :‬و مق�صود ال�صالة على اجلنازة هو الدعاء‬ ‫للميت ‪ .‬زاد املعاد ‪. 505 / 1‬‬ ‫ •الدعاء له و اال�ستغفار‪ :‬حلديث ابن عمر ر�ضي اهلل عنهما‪:-‬‬ ‫�أن النبي [ كان �إذا و�ضع امليت يف القرب قال ‪« :‬ب�سم اهلل‪,‬‬ ‫و على �سنة ر�سول اهلل» �أخرجه �أبو داود و �صححه الألباين‪.‬‬ ‫ •و حلديث عثمان بن عفان ] قال‪ :‬كان النبي [ �إذا فرغ‬ ‫من دفن امليت وقف عليه فقال‪« :‬ا�ستغفروا لأخيكم‪ ,‬و �سلوا‬ ‫له التثبيت‪ ,‬ف�إنه الآن ي�س�أل» رواه �أبو داود و �صححه الألباين‪.‬‬ ‫ •دع��اء امل�سلمني خا�صهم و عامهم له ‪ :‬لقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ون َر َّب َنا ْ‬ ‫اغ ِف ْر َل َنا َولإِ ْخ َوا ِن َنا‬ ‫ين َج ُاءوا ِم ْن َب ْع ِد ِه ْم َيقُ و ُل َ‬ ‫َوا َّل ِذ َ‬ ‫مي ِ‬ ‫ين � َآم ُنوا‬ ‫ت َع ْل يِف ُق ُلوب َِنا ِغ ًّال ِل َّل ِذ َ‬ ‫ا َّل ِذ َ‬ ‫ان َوال جَ ْ‬ ‫ين َ�س َبقُ و َنا بِالإِ َ‬ ‫َر َّب َنا �إِ َّن َك َر ُء ٌ‬ ‫يم { احل�شر ‪. 10 /‬‬ ‫وف َر ِح ٌ‬ ‫‪52‬‬


‫و�أما الأحاديث فهي كثرية جداً وقد �سبق بع�ضها يف زيارة‬ ‫املقابر ودعاء النبي [ لأ�صحابها‪ ،‬و�أمره بذلك‪ ،‬ومنها‬ ‫قوله [‪« :‬دعوة املرء امل�سلم لأخيه امل�سلم بظهر الغيب‬ ‫م�ستجابة‪ ،‬عند ر�أ�سه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخري‬ ‫قال امللك املوكل‪ :‬به �آمني‪ ،‬ولك مبثل» رواه م�سلم‪.‬‬ ‫بل �إن �صالة اجلنازة جعلت �شاهد لذلك‪ ،‬لأن غالبها‬ ‫دعاء للميت‪ ،‬وا�ستغفار له‪ ،‬كما تقدم بيانه‪.‬‬ ‫ •ق�ضاء الدين عنه ‪ :‬لقوله [ ‪« :‬نف�س امل�ؤمن معلقه حتى‬ ‫يق�ضى عنه» �أخرجه البخاري ‪.‬‬ ‫وحلديث �أبي قتادة ]‪ :‬حيث �ضمن �سداد الدين عن‬ ‫بع�ض الأموات‪ ،‬فلما ق�ضاه عنه قال له النبي [‪« :‬الآن‬ ‫بردت عليه جلدته» �أخرجه احلاكم ‪ ،‬وقال �صحيح الإ�سناد ‪ ،‬ووافقه‬ ‫الذهبي والألباين‪.‬‬

‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ :‬والدين ي�صح ق�ضا�ؤه من‬ ‫كل �أحد ‪ ،‬فدل على �أنه يجوز �أن يفعل ذلك من كل �أحد‪،‬‬ ‫ال يخت�ص ذلك بالولد‪ .‬جمموع الفتاوى ‪311/24‬‬ ‫ •ق�ضاء ما عليه من نذر‪ ،‬و�صيام‪ ،‬وغريه‪ :‬عن ابن عبا�س رضى‬ ‫الله عنهما‪ :‬قال‪ :‬ا�ستفتنى �سعد بن عبادة ]‪ :‬ر�سول اهلل‬ ‫[‪ :‬يف نذر كان على �أمه توفيت قبل �أن تق�ضيه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫«اق�ضه عنها» متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫وقال [‪« :‬من مات وعليه �صيام‪� ،‬صام عنه وليه»‬

‫متفق‬

‫عليه ‪.‬‬

‫ •ال�صدقة عن امليت‪ :‬عن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪�« :‬أن‬ ‫رج ً‬ ‫ال قال لر�سول اهلل [‪� :‬إن �أمي افتلتت نف�سها ومل‬ ‫تو�ص و�أظنها لو تكلمت ت�صدقت‪ ،‬فهل لها �أج��ر �إن‬ ‫ت�صدقت عنها ويل �أجر؟ قال ‪ :‬نعم‪ ،‬فت�صدق عنها» رواه‬ ‫البخاري وم�سلم ‪.‬‬ ‫قال الإمام النووي‪ :‬ال�صدقة عن امليت تنفع امليت‪ ،‬وي�صله‬ ‫ثوابها وهو كذلك ب�إجماع العلماء ‪.‬‬ ‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪ :‬فال نزاع بني علماء ال�سنة‬ ‫واجلماعة يف و�صول ثواب العبادات املالية‪ ،‬كال�صدقة‬ ‫والعتق ف�إذا تربع له الغري ب�سعيه نفعه اهلل بذلك‪ ،‬كما‬ ‫ينفعه بدعائه له‪ ،‬وال�صدقة عنه‪ ،‬وهو ينتفع بكل ما ي�صل‬ ‫�إليه من كل م�سلم‪� ،‬سواء كان من �أقاربه �أو غريهم كما‬ ‫ينتفع ب�صالة امل�صلني عليه‪ ،‬ودعائهم له عند قربه‪ .‬جمموع‬ ‫الفتاوى ‪ 367/24‬بت�صرف ‪.‬‬ ‫ •احلج عن امليت‪ :‬لقول النبي [‪ :‬للتي قالت ‪�« :‬إن �أمي‬ ‫نذرت �أن حتج فلم حتج حتى ماتت �أف�أحج عنها ؟ فقال ‪:‬‬ ‫حجي عنها‪� ،‬أر�أيت لو كان على �أمك دين ‪� ،‬أكنت قا�ضيته‬ ‫عنها؟ اق�ضوا اهلل ‪ ،‬فاهلل �أحق بالوفاء» رواه البخاري وم�سلم ‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫عن بريدة ر�ضي اهلل عنها ‪�« :‬أن امر�أة قالت ‪ :‬يا ر�سول‬ ‫اهلل‪� ،‬إن �أمي ماتت ومل حتج‪� ،‬أفيجزي �أو يق�ضى �أن �أحج‬ ‫عنها؟ قال‪ :‬نعم» رواه م�سلم‬

‫‪55‬‬




‫ما ينفع امليت من كسبه‬

‫قال تعاىل ‪َ } :‬و َن ْكتُ ُب َما َق َّد ُموا َو�آ َث َار ُه ْم{ ي�س‪. 12/‬‬ ‫قال ابن كثري‪ :‬نكتب �أعمالهم التي با�شروها ب�أنف�سهم و�آثارهم‬ ‫التي �آثروها من بعدهم‪ ،‬فنجزيهم على ذلك �أي�ضاً �إن خرياً‬ ‫فخري و�إن �شراً ف�شر ‪.‬‬ ‫�أوال‪ :‬ما يفعله الولد ال�صالح من الأعمال ال�صاحلة‪ :‬ف�إن‬ ‫لوالديه مثل �أجره دون �أن ينق�ص من �أجره �شيء ‪ ،‬لأن الولد من‬ ‫َ‬ ‫ن�س ِ‬ ‫ان �إِ َّال‬ ‫�س ِل ِ‬ ‫�سعيهما وك�سبهما واهلل عز وجل يقول‪َ } :‬و�أ ْن َل ْي َ‬ ‫لإ َ‬ ‫َما َ�س َعى{ النجم ‪. 39 /‬‬ ‫وقال ر�سول اهلل [‪�« : :‬إن �أطيب ما �أكله الرجل من ك�سبه ‪،‬‬ ‫و�إن ولده من ك�سبه» �أخرجه �أبو داود و�صححه الألباين ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪� :‬صدقة جارية �أو علم ينتفع به �أو ولد �صالح يدعو له‪:‬‬

‫لقوله [‪�« :‬إذا مات ابن �آدم انقطع عمله �إال من ثالث ‪ ،‬من �صدقة‬ ‫جارية‪� ،‬أو علم ينتفع به ‪� ،‬أو ولد �صالح يدعو له» رواه م�سلم‪.‬‬ ‫قال �شيخ الإ�سالم ‪ :‬مل يقل �إنه مل ينتفع بعمل غريه ‪ ..‬ف�إذا‬ ‫دعا له ولده كان هذا من عمله الذي مل ينقطع ‪ ،‬و�إذا دعا له‬ ‫غريه مل يكن من عمله لكنه ينتفع به ‪ .‬جمموع الفتاوى ‪. 321/24‬‬

‫‪58‬‬


‫توريث امل�صاحف وبناء امل�ساجد والبيوت البن ال�سبيل و�إجراء‬ ‫الأنهار‪ ،‬لقوله [‪�« :‬إن مما يلحق امل�ؤمن من عمله وح�سناته بعد‬ ‫موته‪ ،‬علماً ن�شره �أو ولداً �صاحلاً تركه �أو م�صحفاً ورثه‪� ،‬أو م�سجداً‬ ‫بناه �أو بيتاً بناه البن ال�سبيل‪� ،‬أو نهراً �أجراه �أو �صدقة �أخرجها من‬ ‫ماله يف �صحته وحياته تلحقه من بعد موته» �أخرجه ابن ماجه وح�سنه‬ ‫الألباين ‪.‬‬

‫قال الإمام النووي ‪� :‬أجمع امل�سلمون على �صحة وقف امل�ساجد‬ ‫وال�سقايات و�أن الوقف ال يباع وال يوهب وال يورث‪ ،‬و�إمنا تتبع‬ ‫فيه �شروط الواقف‪ ،‬وفيه ف�ضيلة الوقف وهي ال�صدقة اجلارية‬ ‫�شرح م�سلم ‪. 86/11‬‬

‫ً‬ ‫ثالثا‪� :‬إذا �سن امليت �سنة ح�سنة �أو دعا �إىل هدى‪ ،‬لقوله [‪:‬‬ ‫«من �سن يف الإ�سالم �سنة ح�سنه فله �أجرها ومثل �أجر من عمل‬ ‫بها بعده من غري �أن ينق�ص من �أجورهم �شيء» �أخرجه م�سلم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رابعا‪ :‬الغر�س والزرع ‪ :‬عن �أن�س بن مالك ]‪ :‬قال ر�سول اهلل‬ ‫[‪« :‬ما من م�سلم يغر�س غر�ساً ‪� ،‬أو يزرع زرعاً في�أكل منه طري‬ ‫�أو �إن�سان �أو بهيمة �إال كان له به �صدقة» �أخرجه البخاري وم�سلم ‪.‬‬ ‫وقال [‪« :‬ما من م�سلم يغر�س غر�ساً �إال كان ما �أكل منه له‬ ‫�صدقة‪ ،‬وما �سرق منه له �صدقة‪ ،‬وما �أك��ل ال�سبع منه فهو له‬ ‫�صدقة وما �أكلت الطري فهو له �صدقة‪ ،‬وال ي��رز�ؤه �أحد كان له‬ ‫�صدقة» رواه م�سلم ‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫بشرى‬ ‫عن �أبي �إ�سحاق عن الأعز �أبي م�سلم ‪� ,‬أنه �شهد على �أبي‬ ‫هريرة و �أبي �سعيد اخلدري ر�ضي اهلل عنهما �أنهما �شهدا على‬ ‫ر�سول اهلل [‪:‬‬ ‫قال‪� :‬إذا قال العبد‪« :‬ال �إله �إال اهلل واهلل �أكرب‪ ,‬قال اهلل عز‬ ‫و جل‪� :-‬صدق عبدي ‪ ,‬ال �إله �إال �أنا و�أنا �أكرب ‪.‬‬ ‫ف�إذا قال‪ :‬ال �إله �إال اهلل وحده ‪ ,‬قال اهلل ‪� :‬صدق عبدي ‪ ,‬ال‬ ‫�إله �إال �أنا وحدي ‪.‬‬ ‫ف�إذا قال ‪ :‬ال �إله �إال اهلل و ال �شريك له ‪ ,‬قال اهلل ‪� :‬صدق‬ ‫عبدي و ال �إله �إال �أنا ‪ ,‬و ال �شريك يل ‪.‬‬ ‫ف�إذا قال‪ :‬ال �إله �إال اهلل له امللك و له احلمد ‪ ,‬قال اهلل ‪:‬‬ ‫�صدق عبدي ال �إله �إال �أنا يل امللك و يل احلمد ‪.‬‬ ‫ف�إذا قال‪ :‬ال �إله �إال اهلل و ال حول و ال قوة �إال باهلل ‪ ,‬قال اهلل‪:‬‬ ‫�صدق عبدي‪ ,‬ال �إله �إال �أنا و ال حول و ال قوة �إال بي ‪.‬‬ ‫فقال من رزقهن عند املوت لن مت�سه النار»‪� .‬صحيح ابن ماجه‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫يف هذا احلديث �أخرب �أبو هريرة و �أبو �سعيد اخلدري ر�ضي‬ ‫اهلل عنهما عن ر�سول اهلل [ الذي قاله عن اهلل �سبحانه وتعاىل‬ ‫و احلال �أنهما على يقني مما �سمعا منه و مبا �أخربا به‪.‬‬ ‫ففي احلديث �أن اهلل تبارك و تعاىل ير�ضى و ي�صدق على‬ ‫ما يقول العبد من الأذكار املوجودة باحلديث �أعاله و ثمرة‬ ‫ت�صديقه لذلك الذكر و �إثابة عبده عليه و عظيم الثواب �أن‬ ‫ينجيه عز وجل من النار فال مت�س�سه النار �أبدا ‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫اخلامتة‬


‫ينبغي للإن�سان �أن يتذكر حاله و نهايته يف هذه الدنيا و �أن لي�ست‬ ‫هذه النهاية نهاية ‪ ,‬بل وراءه��ا غاية �أعظم منها ‪ ,‬و هي الآخ��رة ‪,‬‬ ‫فينبغي للإن�سان �أن يتذكر دائماً املوت ال على �أ�سا�س الفراق للأحباب‬ ‫و امل�ألوف ‪ ,‬لأن هذه نظرة قا�صرة ‪ ,‬و لكن على �أ�سا�س فراق العمل و‬ ‫احلرث للآخرة ف�إنه �إذا نظر هذه النظرة ا�ستعد و زاد يف عمل الآخرة‬ ‫و �إذا نظر النظرة الأوىل حزن و �ساءه الأمر ‪.‬‬ ‫فيكون ذكره على هذا الوجه ال يزداد به �إال حت�سرا و ندما �إال �إذا‬ ‫ذكره على الوجه الأول و هو �أن يتذكر املوت لي�ستعد له و يعمل للآخرة‪,‬‬ ‫فهذا ال يزيده حزنا و�إمنا يزيده �إقباال على اهلل عز و جل‪ ,‬ف�إذا �أقبل‬ ‫الإن�سان على ربه ف�إنه يزداد �صدره ان�شراحاً و قلبه اطمئناناً ‪.‬‬ ‫و احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬حمدا ً كثرياً طيباً مباركاً فيه‪ ،‬كما‬ ‫يحب ربنا وير�ضى‪ ،‬و كما ينبغي لكرمي وجهه وعز جالله حمداً ميلأ‬ ‫ال�سماوات والأر�ض وما بينهما ‪ ,‬وما �شاء ربنا من �شيء بعد‪ ,‬مبجامع‬ ‫حمده كلها ما علمنا منها وما مل نعلم‪ ,‬على نعمه كلها ما علمنا منها‬ ‫وما مل نعلم‪ ,‬عدد ما حمده احلامدون‪ ,‬وغفل عن ذكره الغافلون‪,‬‬ ‫وعدد ما جرى به قلمه و�أح�صاه كتابه‪ ,‬و�أحاط به علمه‪.‬‬ ‫و [‪ :‬على �سيدنا حممد و �آله و �صحبه �أجمعني و على �سائر‬ ‫الأنبياء و املر�سلني ‪.‬‬ ‫و ر�ضي اهلل عن التابعني لهم ب�إح�سان �إىل يوم الدين ‪.‬‬ ‫} و ال حول و ال قوة �إال باهلل و ح�سبنا اهلل و نعم الوكيل {‪.‬‬


‫الفه ـ ـ ـ ــرس‬

‫الصفحة‬

‫رقم‬

‫املوض ـ ـ ـ ـ ــوع‬

‫‪1‬‬

‫كلمة مضيئة‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫املقدمة‬

‫‪5‬‬

‫‪3‬‬

‫لقد خلقنا اإلنسان في كبد‬

‫‪7‬‬

‫‪4‬‬

‫االمتحان‬

‫‪11‬‬

‫‪5‬‬

‫الصبر ‪ ...‬صبر ساعة‬

‫‪15‬‬

‫‪6‬‬

‫من أسباب دفع البالء‬

‫‪21‬‬

‫‪7‬‬

‫حادي األرواح‬

‫‪25‬‬

‫‪8‬‬

‫الصبر عند الصدمة األولى‬

‫‪29‬‬

‫‪9‬‬

‫ترجم محبتك‬

‫‪33‬‬

‫‪10‬‬

‫راض عن الله‬ ‫هل أنت ٍ‬

‫‪35‬‬

‫‪11‬‬

‫كيف نفهم عن الله‬

‫‪43‬‬

‫‪12‬‬

‫ماينفع املسلم بعد موته‬

‫‪51‬‬

‫‪13‬‬

‫ما ينفع امليت من كسبه‬

‫‪57‬‬

‫‪14‬‬

‫بشرى‬

‫‪60‬‬

‫‪15‬‬

‫اخلامتة‬

‫‪62‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.