أوّل رحلة بحرية لبحارة الترك الى القارة الامريكية-ترجمة مرتضى قره علي

Page 1

‫‪KİTABEVİ-782‬‬

‫الغالف‬

‫أونور سونماز‬

‫التصويب ‪/‬التخطيط الداخلي‬ ‫بداية‬

‫الطبع‬

‫‪Çalış Ofest‬‬ ‫‪Davutpaşa Caddesi No:8‬‬ ‫‪Topkapı – İstanbul‬‬

‫التجليد‬

‫‪Bayrak Matbaası‬‬

‫الطبعة الثانية(العدد ‪)066‬‬ ‫اسطنبول‪7122-‬‬

‫‪ISBN 975-6403-83-7‬‬ ‫الجمهورية التركية‬ ‫وزارة الثقافة والسياحة‬ ‫رقم الشهادة ‪121200112018 :‬‬ ‫الشراء عبر اإلنترنت‬ ‫‪www.kitabevi.com.tr‬‬

‫‪KİTABEVİ‬‬

‫‪Çatalçeşme sk.No:54/A Cağaloğlu-İSTANBUL‬‬ ‫‪Tel:(0212) 512 43 28 – 511 21 43. Faks:(0212) 513 77 26‬‬

‫‪3‬‬


‫المهندس فايق‬

‫بحارة الترك‬ ‫بحرية ل ّ‬ ‫ّأول رحلة ّ‬ ‫إلى القا ّرة االمريك ّية‬ ‫(سياحات نامى بحر‪-‬محيط)‬

‫اإلعداد والتحضير‬

‫ن‪ .‬أحمد أوزآلب‬ ‫الترجم ة‬

‫مرتضى قره علي‬

‫‪4‬‬


‫المحتوايات‬ ‫كتب الرحلة‪ :‬نداء األماكن البعيدة‪7.....................................‬‬ ‫المقدمة‪01...................................................... ..........‬‬ ‫تبدأ الرحلة‪01............................................................‬‬ ‫مدينة الجزائر‪01.........................................................‬‬ ‫األحداث‪01...............................................................‬‬ ‫مدينة قادس‪07............................................................‬‬ ‫األحداث‪01................................................................‬‬ ‫جزر الكناري‪10...........................................................‬‬ ‫األحداث‪11................................................................‬‬ ‫جزر الرأس األخضر‪11..................................................‬‬ ‫األحداث‪12................................................................‬‬ ‫بالد البرازيل ‪17............................ ...............................‬‬ ‫ترسانة البرازيل‪11........................................................‬‬ ‫طرّادات البحريّة‪11.......................................................‬‬ ‫الحرب بين البرازيل والبراغواي ‪11.....................................‬‬ ‫األحداث‪12................................................................‬‬ ‫عبدالرحمن أفندي(إمام طرادة البورصه )‪11............................‬‬ ‫أحداث السفر‪13...........................................................‬‬ ‫‪5‬‬


‫رأس الرجاء الصالح‪21..................................................‬‬ ‫األحداث‪22................................................................‬‬ ‫أحداث الرحلة‪21..........................................................‬‬ ‫جزيرة موريشيوس ‪27....................................................‬‬ ‫مالحظة مثيرة لألتهتمام‪11................................................‬‬ ‫األحدث‪11.................................................................‬‬ ‫مدينة بومباي‪11...........................................................‬‬ ‫مسقط‪11...................................................................‬‬ ‫األحداث‪17................................................................‬‬ ‫مدينة بوشهر‪13...........................................................‬‬ ‫األحداث‪11................................................................‬‬ ‫مدينة البصرة‪11...........................................................‬‬ ‫ترسانة البصرة‪10.......................................... ...............‬‬ ‫الخاتمة‪11..................................................................‬‬

‫‪6‬‬


‫كتب ال ّرحلة‪ :‬نداء األماكن البعيدة‬

‫"أ َف َلم ي َ ِسيرُوا فِي َ‬ ‫اْلرض ِ َف َت ُكونَ لَه ُم ُق ُلوب يَعقِ ُلونَ بِه َ‬ ‫َٰ‬ ‫َأو َآذان يَس َمعُونَ بِهَا َفإ ِ َّنهَا َل تَع َمى َ‬ ‫صار َو َلكِن‬ ‫اْلب َ‬ ‫تَع َمى ال ُق ُلوبُ الَّتِي فِي الصُّ دُور"‬ ‫القرآن‬

‫الكريم (سورة الحج ‪)60‬‬

‫تبدأ الحياة البشرية على وجه اْلرض بالمنفى‪ ,‬وبعبارة ُاخرى‪ :‬تبدأ‬ ‫بالرحلة اإللزامية الشاقة‪ .‬واإلنسان طوال حياته ل يستطيع أن ينسى الجنة‬ ‫التي افتقدها‪ .‬والشوق إلى هذه الجنة المفقودة‪ ,‬يعشعش في أعماق روحه‬ ‫حيث يدفعه دائما إلى السفر بحثا عن بالد السعادة‪.‬‬ ‫لقد دعا الشاعر الكبير ناظم حكمت في شعره إلى السفر تلبية لندء القلب‬ ‫قائال‪ " :‬الطوا ف والرحلة في السماء واْلرض وفي كل فصول" هذا‬ ‫الوصف ليس من قبيل الصدفة في شعره‪ .‬فإذا كان السفر نتيجة‪ ,‬ف نداء القلب‬ ‫هو سبب هذه النتيجة‪ .‬حيث أن هذا النداء القوي ولَد تحرر البشر من‬ ‫قيودهم‪.‬‬ ‫ولهذا ل يمكن أن نؤيد رأي ( لوشزبورك) الذي كتب (تاريخ ثقافة‬ ‫الرحلة ) ووصفها بأنها " تاريخ الرحالت هو تاريخ البشرية وجزء من‬ ‫تاريخ العالم"‪.‬‬ ‫بل وحتى يمكن القول بأن ‪ :‬تاريخ البشرية هو عبارة عن تاريخ رحلتها‬ ‫الطويلة على وجه اْلرض‪ .‬وهذا الوصف هو اْلقرب للحقيقة‪ْ ,‬لن جميع‬

‫‪7‬‬


‫اْلحداث الهامة في حياة البشرية على الصعيد الفردي أو الجماعي كانت إما‬ ‫نتيجة الرحالت أو نتيجة الطلب إ لى الرحلة‪.‬‬ ‫والرحالة الحقيقيون هم الذين يخرجون للرحلة دون قيد أو شرط إلرواء‬ ‫فضولهم في اْلكتشاف والتعلم ورؤية اْلماكن البعيدة‪ .‬وهم أشخاص شجعان‬ ‫يلبون دعوة نداء قلوبهم‪ ,‬حيث وصفهم الشاعر نجيب فاضل في قصيدته‬ ‫اْلخرى ب " الدعوة الصاخبة في اْلعماق" وأوليائنا الصالحين الذين قالوا‬ ‫‪ ":‬رحلة يا رسول هللا" بدل من الشفاعة هو خير دليل على ذلك‪ .‬واختيارهم‬ ‫هذا ليس من العبث بل نتيجة إستماعهم للنداء والطلب الذي ينبع من الدعوة‬ ‫الصاخبة في أعماقهم‪.‬‬ ‫وهناك أسباب أخرى هامة تدفع اإلنسان إلى الرحلة مثل أسباب دينية‬ ‫كالرحلة ْلداء فريضة الحج وأسباب سياسية ودبلوماسية وتجارية والحروب‬ ‫ورحالت اْلستكشاف‪.‬‬ ‫مهما كان سبب رحلتهم فإن الرحالة لديهم دافع قوي إلخبار اآلخرين‬ ‫عما جرى معهم وما تعل موه ورأوه وعاشوه أثناء رحلتهم‪ ,‬ونتيجة ذلك‬ ‫ظهرت كتابات الرحالة وكتب الرحالين‪ .‬التي تعتبر من أقدم أنواع الكتابات‪.‬‬ ‫ومن خالل ما كتبه الرحال "لوشوزبورك" بأن‪" :‬كتابات الرحالة قديمة كقدم‬ ‫اْلدب" نستطيع أن نتأكد بأن سرود ومحكيات الرحالة يرجع جذورها إلى‬ ‫عصور قديمة‪.‬‬ ‫وأسطورة ملحمة رحلة كلكامش التي حدثت قبل خمسة أآلف عام والتي‬ ‫تعتبر من أقدم الرحال ت في العالم‪ْ .‬لن كلكامش ملك منطقة ( أور ) رحل‬ ‫من بلد إلى آخر بحثا عن الحياة اْلبد ية‪ .‬وأقدم رحلة معروفة في التاريخ‬ ‫تُسرد‪ ,‬هي رحلة تجارية ل "حتشبسوت" ملكة م صر في عام ‪8611-861‬‬ ‫قبل الميالد إلى مدينة بونتي‪ .‬ويعتبر كتاب التاريخ(القرن الخامس قبل‬ ‫الميالد) للمؤرخ اإلغريقي " هيرودوت" من كتب الرحالت التي تحتوي‬ ‫‪8‬‬


‫على مالحظات ومعلومات هامة إلى جانب اْل حداث السياسية التي اكتسبها‬ ‫أثناء رحلته‪.‬‬ ‫ويحتل السفر مكانة هامة في اْل ساطير التركية القديمة‪ .‬وكتاب "ألف ليلة‬ ‫وليلة" الذي يعتبر سردا مهيبا في الثقافة اإلسالمية يمكن تصنيفه ضمن كتب‬ ‫الرحالت‪ْ .‬لن معظم الحكايات في هذا الكتاب ت سرد مغامرات أثناء‬ ‫الرحالت‪ ,‬ومعظم اْلبطال في هذه الحكايات يسافرون في أرجاء الكون‬ ‫ْلسباب مختلفة‪.‬‬ ‫إن هدف منشورات "كتاب أفي" من خالل (سلسلة الرحالت البحرية )‬ ‫أول ‪ :‬تسليط الضوء إ لى هذا الجانب المهمل من ثقافتنا و أدبنا‪ ,‬ثانيا‪ :‬اكتساب‬ ‫مثل هذه الكتب من خالل إعادة نشرها مرة أخرى‪ .‬ونتمنى أن تكون هذه‬ ‫الكتب دليل إ لى كل من يتشوق لمعرفة أسرار العالم البعيدة‪ ,‬ويفتح له طريقا‬ ‫إلى العالم المخفي‪ .‬ويخفف من فضوله الجنوني ويكون بمثابة جواب لندائه‬ ‫الصاخب الذي يناديه في اْلعماق‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫المقدمة‬ ‫في ‪ 81‬أيلول من عام ‪8101‬م‪ ,‬تنطلق سفينتان حربيتان عثمانيتان تحمالن‬ ‫اسم (بورصا وأزمير) من اسطنبول باتجاه ا لخليج العربي‪ .‬وكانت مهمة‬ ‫هاتين السفينتين هي اجتياز البحر اْلبيض المتوسط وبعدها العبور من‬ ‫مضيق جبل الطارق للوصول إلى المحيط اْلطلسي‪ ,‬ومنه سوف تسلكان‬ ‫طريقهما عبر السواحل لتجول كل أنحاء القارة اإلفريقية وبعد ذلك الوصول‬ ‫إلى الخليج العربي‪ .‬وهذه الرحل ة في الظروف العادية كانت تحتاج إلى‬ ‫أشهر‪ ,‬ولكن لم تسر اْلمور كما هو متوقع‪.‬‬ ‫بعد رحلة مليئة بالمغامرات تصل السفن إلى اسبانيا في ‪ 06‬تشرين الو ل‪,‬‬ ‫بقيت السفن ستة أشهر في ميناء قادس بشكل اضطراري‪ ,‬ولكن المغامرة‬ ‫الحقيقية كانت تنتظرهم في المحيط‪ .‬حيث يكملون رحلتهم في ‪ 06‬نيسان‬ ‫باتجاه جزر الكناري‪ .‬وفي ‪ 86‬أيار يصلون إ لى جزر الرأس اْلخضر‪.‬وبعد‬ ‫استراحة استغرقت يومين يتابعون رحلتهم ولكنهم يفقدون طريقهم ووجهتهم‬ ‫نتيجة العواصف‪ ,‬وبعد سبعة عشر يوم ا من الرحلة المجهولة توصلهم‬ ‫اْلمواج إلى سواحل البرازيل ويلقون ال مرساة في ميناء "ريو دا جنريو"‪.‬‬ ‫تبقى السفينتان بورصة وأزمير في هذا الميناء لمدة شهرين‪ ,‬ثم يبحرون‬ ‫مرة أخرى وبعد مرورهم إ لى رأس الرجاء الصالح ودولة بومباي وعدة‬ ‫موانئ يصلون إلى مكان مهمته م وذلك في ‪ 86‬تشرين الثاني من‬ ‫عام‪8100‬م‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫وهكذا تنتهي رحلتهم التي استغرقت ثالثة عشر شهرا حيث كانت مليئة‬ ‫باْلحداث والمغامرات ‪.‬‬ ‫هذه الرحلة كانت بمثابة محنة مرعبة بالنسبة ْلفراد طاقم السفينتان‪ ,‬ونحن‬ ‫محظوظون جدا من وصول تفاصيل هذه الرحلة لنا‪ ,‬والتي يرويها اثنان من‬ ‫أفراد طاقم سفينة بورصة‪ ,‬أحدهما المهندس فايق وهو مهندس السفينة أما‬ ‫الثاني عبدالرحمن أفندي وهو إمام السفينة الذي عاش ثالث سنوات في‬ ‫البرازيل وبعد ذلك رجع إلى اسطنبول‪.‬‬ ‫ذكر عبدالرحمن أفندي تفاصيل هذه الرحلة باللغة العربية وبعد رجوعه‬ ‫من البرازيل ترجمت ونشرت باللغة الترك ية من قبل محمد شريف أفندي في‬ ‫عام(‪ .)8188/8111‬ولم يتكلم عن تفاصيل رحلة الوصول إلى البرزيل في‬ ‫هذا العمل ‪ْ,‬لنه ركز على أحوال المسلمين وحياتهم في البرازيل‪ .‬أما رحلة‬ ‫رجوعه من البرزيل فقد ذكرها بالتفصيل في كتاب الرحلة تحت اسم (سفر‬ ‫البرازيل)‪.‬‬ ‫أما المهندس فايق بيك كان على عكس عبدالرحمن أفندي الذي تحدث‬ ‫عن تفاصيل هذه الرحلة بشكل واسع وبالتواريخ‪ ,‬و منذ بداية الرحلة‪ ,‬كان‬ ‫يذكر كل ميناء مرو عليه و الحوادث الغريبة والهامة ولكن بشكل مختصر‬ ‫ومفيد‪.‬‬ ‫يتألف كتاب الرحلة الذي كتبه المهندس فايق بيك من نصين مختلفين‪ ,‬في‬ ‫الجز ء اْلول من هذا النص ذكر فيه مالحظاته اْلولية والمعامالت الرسمية‬ ‫عن ذلك المكان أو الميناء وبمعنى آخر تحدث عنها بشكل تعبيري فني‪ .‬أما‬ ‫في الجزء الثاني من النص كتب فيه رأيه وم الحظاته وتعليقاته واكتشافاته‬ ‫‪1‬‬ ‫بطريقته الشخصية وبرؤيته اإلنسانية تحت عنوان "الوقائع واْلحداث"‪.‬‬

‫تم نشر كتاب تهذه الرحلة من قبل "كتاب أ ڨي" ضمن مجموعة (سلسلة رحالت‬

‫‪11‬‬

‫‪1‬‬


‫في هذا الجزء من ذكرياته لم يظهر فيها كمهندس رسمي للسفينة بل ظهر‬ ‫كإنسان حر وبرؤيته اإلن سانية وأفكاره واحاسيسه الخاصة به‪.‬‬ ‫و في الوقت نفسه تعتبرهذه الحكاية التي كتبها فايق بيك هي وثيقة ْلول‬ ‫رحلة قام بها البحارة الترك إ لى القارة اْلمريكية‪ .‬وكان اْلسم اْلصلي لهذا‬ ‫الكتاب هو"سياحات نامه بحر‪-‬محيط" الذي نشر ْلول مرة في عام‬ ‫(‪ .)8111/810‬ولم ينشرإل بعد مائة وثمانية وثالثين عاما تحت‬ ‫عنوان"أول رحلة بحرية للبحارة الترك إ لى أمريكا"‪.‬‬ ‫لقد قمنا بتحديث بعض الكلمات الصعبة في هذا الكتاب وتسهيل لغتة‬ ‫بشكل ي فهمه قراء الجيل الجديد‪ ,‬ولكننا اضطررنا ترك بعضها اآلخر‬ ‫المتعلقة بالمالحة البحرية والتي تعاكس خصوصيات تلك الفترة ووضعنا‬ ‫شرح هذه المصطلحات في حواشي الكتاب‪ .‬و واجهنا صعوبات أثناء شرح‬ ‫هذه الكلمات ْلنها ليست سهلة لمن ل يعرف مهنة المالحة‪ ,‬لذلك نلجأ إلى‬ ‫تسامحكم إن وجدت أخطاء في شرح لبعض هذه المصطلحات‪.‬‬

‫ن‪ .‬أحمد أوزآلب‬

‫‪12‬‬


‫تبدأ الرحلة‬

‫‪2‬‬

‫اللهم يا سلطان البرين والبحر ين‪ ,‬يا من كنت سببا في وجود الخالئق كلها‪,‬‬ ‫أنت منعم للعالمين‪ ,‬أنت ملك الملوك و ناشر اْلخالق الحسنة بين البشر‬ ‫أجمعين‪ .‬يا رب أنت مقدر اْلقدار واْلسفار‪.‬أنت الذي بقدرتك توصل هذه‬ ‫السفينة إلى وجهتها‪ .‬اللهم انصر سلطاننا واحميه و ارحمه إلى يوم الدين‪,‬‬ ‫واجعل انتصاراته رياحا‪ ,‬وهيبته عاصفة‪ ,‬واجعل سيفه مسلول على عنق‬ ‫أعدائه‪.‬‬ ‫بفضل حضرة السلطان وتحت قيادة عقيد ال بحار علي بيك تم تعيين‬ ‫السفينتين بورصة وأزمير لإلبحارباتجاه الخليج العربي في الثالث من شهر‬ ‫جمادى اْلول من عام ألف ومئتان واثنين وثمانين هجري أي الثاني عشر‬ ‫من شهر أيلول الرومي (‪ )8101‬وعند الساعة الثانية عشر من ليلة اْلحد ‪,‬‬ ‫بدأت رحلتنا بعد التوكل على لطف ربنا‪ ,‬فتحنا الشراع وأبحرنا من ميناء‬ ‫طوبخانه ب" دار السعادة " ‪ ,3‬وفي ال يوم التالي وصلنا الى جاليبولي‪.‬‬ ‫بقينا يومين في "جاليبولي" بسبب عدم توفر "بقسماط" ‪,4‬ومن ثم أ بحرنا‬ ‫باتجاه ج زيرة صاقيز (خيوس)‪ .‬وأكملنا طريقنا بعد تأمين الفحم الالزم من‬ ‫‪2‬‬

‫نحن من أضفنا تهذا العنوان‬ ‫اسطنبول‬ ‫‪4‬‬ ‫البقسماط أو البشماط أو قرشلة تهو خبز وتهو مسحوق الكعك الذي يوضع على الدجاج‬ ‫قبل القلي ويكون مخلوطا بالملح والبهارات يخبز مرتين أو ثالثا حتى يحمَر ويصلب ثم‬ ‫‪3‬‬

‫‪13‬‬


‫هذه الجزيرة‪ .‬لقد أ بحرنا من ‪ 86-9‬كم في الساعة نتيجة اشتداد قوة الرياح‬ ‫الشمالية من مؤخرة السفينة‪ .‬ووصلنا إلى ميناء مالطا وذلك في الواحد‬ ‫والعشرون من شهر أيلول‪.‬‬ ‫بقينا عدة أيام في ميناء مالطا‪ ,‬وأبحرنا في يوم الجمعة الواحد من تشرين‬ ‫اْلول وذ لك بعد إتمام نواقص السفينة‪ .‬ثم اشتدت ا لرياح أثناء رحلتنا باتجاه‬ ‫جبل طارق وكنا على بعد خمسين كم من جزيرة "مايوركا" اْلسبانية‪ ,‬أي‬ ‫‪08‬درجة و‪ 61‬دقيقة شمال على دائرة العرض‪ ,‬درجة واحدة و‪ 19‬دقيقة‬ ‫شرقا على خط الطول‪ .‬وفي الص باح من اليوم التالي طارت وانكسرت‬ ‫معظم اإلشارت التي كانوا يستخدمونها للتواصل‪ ,‬واشتدت العاصفة وهطلت‬ ‫اْلمطار ونزل الضباب‪ .‬وإثر ذل ك فقدت السفينتين بعضهما البعض نتيجة‬ ‫انعدام الرؤية‪.‬‬ ‫وفي صباح اليوم التالي هدأت اْلجواء‪ ,‬وخففنا السرعة ولم يكن هناك أي‬ ‫أثر لسفينة إزمير‪ .‬وفتحنا جميع اْلشرعة ْلستكمال طريقنا نحو جبل طارق‪.‬‬ ‫ولكن نتيجة هبوب الرياح الغربية وقدوم التيار من اْلمام وقلة الفح م رأينا‬ ‫أن أنسب قرار هو التوجه إلى الجزائر‪.‬‬ ‫وعند الظهيرة من يوم الخميس السابع من تشرين الثاني سلكنا الرياح‬ ‫الجنوبية الشرقية وفي اليوم التالي قبل نصف ساعة من الظهر وصلنا إلى‬ ‫ميناء الجزائر‪.‬‬

‫يجفف وذلك ليحفظ طويال دون أن يصاب بالعفن‪ ،‬وكان يصنع للجنود وللمسافرين إلى‬ ‫األماكن البعيدة التي اليجدون فيها الخبز الطازج‬

‫‪14‬‬


‫مدينة الجزائر‬

‫تقع مدينة الجزائر على ست وثالثون درجة وسبع واربعون دقيقة شمال‬ ‫على خط العرض‪ ,‬وعلى ثالث درجات واربعة دقائق شرقا على خط‬ ‫الطول‪ .‬وهي مدينة مبنية على قمة الجبل و جميلة جدا بمساجدها ومدارسها‬ ‫اْلبتدائية وتحتوي ايضا على عدد كبير من الكنائس‪.‬‬ ‫جاء عدد كبير من الشعب الجزائري لزيارتنا في الميناء و لرؤية راية‬ ‫الدولة العلية العثمانية التي افتقدوها منذ فترة طويلة وعندما رأوها قاموا‬ ‫بشمها وتقبيلها باحترام وحسرة‪.‬‬ ‫لقد هاجرت أعداد كبيرة من الناس من أوربا إلى الجزائر وتوطنت فيها‬ ‫وذلك بسبب جمالها وتوفر المياه واعتدال الجو في المواسم اْلربعة اْلخيرة‪.‬‬ ‫وتحتوي المدينة على عدد كبير من اْلبنية التاريخية والتماثيل اْلثرية‪ .‬و‬ ‫على ميادين واسعة في مركز المدينة‪ ,‬مزينة بالحدائق والبرك‪.‬‬ ‫الشعب الجزائري شعب مضياف وكريم‪ ,‬قدموا لنا كل اْلحترام من جميع‬ ‫الجوانب‪ ,‬حيث كانوا يدعوننا كل يوم إلى مكان مختلف للوليمة وينظمون‬ ‫المناسبات‪ .‬في الحقيقة الشعب الجزائري أدى ما عليه وأكثر من خال ل‬ ‫استضافته لنا في بيوتهم و احترام هم لنا‪.‬‬ ‫وأهدانا مفتي الجزائر نسخة من القرآن الكريم بقيمة خمسة عشر ألف‬ ‫قرشا وطلب منا أن نضعها في إحد ى مساجد البصرة‪ .‬ولقد تأثرنا وفرحنا‬ ‫من موقف المفتي هذا‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫األحداث‬ ‫بقينا خمسة أيام في الجزائر وفي الثالث عشر من تشرين اْلول يوم‬ ‫الخميس خرجنا من ميناء مدينة الجزائر بعد تأمين احتياجاتنا من الفحم‬ ‫واللوازم اْلخرى‪ .‬وكان الجو مناسبا لذلك فتحنا اْلشرعة‪ ,‬ووصلنا إلى‬ ‫ميناء جبل طارق في السادس عشر من تشرين اْلول يوم السبت‪.‬‬ ‫والتقينا مع سفينة إزمير في ميناء جبل طارق‪ .‬وسألنا طاقم السفينة عما‬ ‫جرى معهم بعد أن فقدناهم نتيجة العاصفة‪ .‬وشرحو ا لنا ما حصل وقالوا‪:‬‬ ‫بأن الماء دخل إ لى سفينتهم من منطقة المرجل حيث قام جميع أفراد الطاقم‬ ‫بضخ المياه إلى ال بحر لحين وصولنا إ لى ميناء جبل طارق‪.‬‬ ‫و قام القائد اْلمني للسفينة بإإلبالغ عما حصل معنا لقيادتنا البحرية‬ ‫العليا وذلك بواساطة قنصلية الدولة العلية العثمانية في جبل طارق‪ .‬و‬ ‫وصلنا بعد أربعة عشر يوما أي في التاسع والعشرين من تشرين اْلول‪,‬‬ ‫وطلبوا منا صيانة سفينة إزمير بشكل عاجل بميناء قادس في اسبانيا‪.‬‬ ‫بناء على ذلك القرار خرجنا في نفس اليوم من ميناء جبل طارق ووصلنا‬ ‫إلى ميناء قادس في اليوم التالي أي في الثالثين من تشرين اْلول يوم الحد‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫مدينة قادس‬ ‫تقع مدينة قادس على ست وثالثون درجة واثنين وثالثين دقيقة شمال‬ ‫على خط العرض وست درجات وسبعة عشرة دقيقة غربا على خط الطول‪.‬‬ ‫وهي شبه جزيرة صغيرة في ساحل المحيط‪.‬‬ ‫ومدينة قادس مدينة مزينة بالمباني المنتظمة وبعد د كبير من الكنائس‬ ‫الكبيرة والصغيرة والثكنات‪ .‬ويوجد سور محكم حول المدينة يخاطب‬ ‫اْلبصار بجماله‪ .‬وتعتبر هذه المدينة من أهم المراكز التجارية ْلسبانيا‬ ‫بسبب موقعها اْل ستراتيجي واآلمن في تلك المنطقة‪ .‬فلذلك يدخل ويخرج من‬ ‫ميناءها العديد من السفن والبواخر التجارية‪.‬‬ ‫ولكن في أيام الصيف يتجه القاطنين فيها إلى القرى المجاورة بسبب ظهور‬ ‫مرض المالريا الناتج عن المستنقعات المنتشرة‪ ,‬التي ظهرت نتيجة جفاف‬ ‫بعض أفرع اْلنهار الواقعة في الطرف الشرقي من المدينة‪.‬‬ ‫وتنتشر في مدينة قادس زراعة جميع أنواع الفواكه والخضروات‪,‬‬ ‫وخاصة العنب حيث يوجد بكثرة و يتم تصدير ك ميات هائلة من شراب‬ ‫العنب والخل إ لى إنكلترا وفرنسا وهولندا‪ ,‬ويؤمن التصدير دخال كبير ْلهل‬ ‫المدينة‪.‬‬ ‫ويوجد ميناء ثالث لدولة اسبانيا في الطرف الشمالي‪-‬الغربي من مدينة‬ ‫قادس‪ ,‬في مكان يسمى (سان فرناندو) ويحتوي على عدد من المعامل‬ ‫والمباني وثالثة خزانات ومستودعات خاصة لمستلزمات السفن والمالحة‪.‬‬ ‫ويوجد فيها ايضا مدرسة للمهندسين وفيها خم س مائة طالب وأخرى‬

‫‪17‬‬


‫للبحارة فيها ثالث مائة طالب لتدريب ضباط المدفعية إضافة إ لى ثكنات‬ ‫المدفعية والمستشفيات‪.‬‬ ‫ويوجد هنا برج للمراقبة غريب الشكل مبني على تلة لحماية المدينة‬ ‫بشكل جيد‪ ,‬ويحتوي هذا البرج على جميع اْلدوات والعدة الالزمة للمراقبة‪.‬‬ ‫حيث يأتي الطالب إلى هذا البرج لدارسة وتطبيق دروس علم الفلك وعلم‬ ‫النجوم‪ ,‬وجميع نف قات البرج تغطى من قبل الدولة اْلسبانية‪.‬‬ ‫وهذا الميناء الذي تم ذكره يحتوي على أقس ام مختلفة من المخازن‬ ‫والمستودعات المليئة باْلدوات والمستلزمات بحيث تستطيع تجهيز‬ ‫عشرون سفينة حربية بزمن قصير عند الحاجة‪.‬‬ ‫وتعتبر الصناعة والتجارة دخل أساسي ْلهل قادس‪ ,‬بسبب توفر عربات‬ ‫البريد وطرق السكك الحديدية التي تربط المدينة مع المدن اْلخرى‪ ,‬حيث‬ ‫تسهل سبل العيش‪ .‬ولكن يتم بيع السلع بأسعار باهظة وذلك بسبب ارتفاع‬ ‫اسعار الضرائب وتفشي الرشوة بين موظفي الدولة‪ .‬ول يوجد عدالة في‬ ‫الدعوات القضائية التي تجري في المحاكم‪ .‬اْلستيراد لديهم أكبر بخمس‬ ‫مرات من التصدير‪ ,‬وتصدر البضائع اْلجنبية وذلك بسبب اهتمام النساء‬ ‫لمظهرهن الخارجي‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫االحداث‬ ‫بعد أن وصلنا إلى قادس أرسلنا كتاب رسمي إلى والي قادس بواساطة‬ ‫قنصلية الدولة العلية العثمانية للسماح بدخول سفينة إزمير إ لى ميناء قادس‪.‬‬ ‫ولكنهم أخبرونا بأنه لم يكن هناك حوض فارغ في الميناء‪ ,‬وطُلب منا أن‬ ‫نتتظر يومين أو ثالثة‪ ,‬و بشكل اضطراري انتظرنا في الميناء‪.‬‬ ‫وبعد جهود تم إدخال سفينة إزمير إلى الحوض وكان ذلك في الثاني‬ ‫والعشرون من شهر تشرين الثاني‪ .‬ثم أخذنا قرارا ل صيانة السفينة وتبديل‬ ‫بعض أقسام ها وتم جلب مادة النحاس من مكان يسمى"مولفا" لتغطية‬ ‫السفينة من الخارج‪.‬‬ ‫في الثالث من كانون اْلول يوم اْلثنين خرجت السفينة من الحوض بعد‬ ‫اْلنتهاء من صيانتها‪ ,‬ولكن ضباط السفينة وموظفي الميناء قرروا إعادة‬ ‫معاينة السفينة بعد إبالغ قبطان السفينة بأن بعض أقسام السفينة مازالت‬ ‫تأخذ ماء‪ .‬وتبين أن الماء كان يدخل من غرفة المولدات‪ .‬وعادت السفينة إ لى‬ ‫حوض الصيانة وتمت صيانتها و تقوية المكان المذكور بشكل جيد و أخرجنا‬ ‫سفينة إزمير من الحوض مرة أخرى‪.‬‬ ‫في هذه اْلثناء كان الفصل شتاء‪ ,‬و كان هناك الكثير من السفن التي‬ ‫غرقت بسبب العواصف‪ ,‬وكان علينا البقاء في اسبانيا إلى أواخر شهر أذار‪,‬‬ ‫ْلن من المستحيل أن نبحر بهذا الجو العاصف‪ ,‬لذلك قمنا بإبالغ القيادة‬ ‫بالبريد عن وضعنا‪ ,‬فطلبوا من ا أن نمكث في قادس طيلة فصل الشتاء‪.‬‬ ‫وطلب قائد سفينة بورصة أموال من اسطنبول‪ ,‬لتغطية جميع مصاريف‬ ‫الصيانة ومصاريف العساكر خالل فترة بقائنا في قادس‪ .‬وكما طلب نقل‬ ‫موسى بيك إلى سفينة بورصة‪ ,‬ف تم تعيين أحمد بيك قائدا لسفينة إزمير بدل‬ ‫‪19‬‬


‫من موسى بيك‪ .‬وخرجنا من ميناء قادس لستكمال طريقنا بعد أن وصل‬ ‫أحمد بيك من اسطنبول‪.‬‬ ‫وصل أحمد بيك في الثالث عشر من نيسان شهر الرومي‪ ,‬وأرسل‬ ‫اسماعيل بيك إلى اسطنبول‪ .‬كما وصلنا أموال من باريس لتغطية نفقات‬ ‫السفر‪ .‬وفي ال ثالثين من شهر نيسان يوم السبت في الساعة السابعة مساء‬ ‫خرجنا من ميناء قادس‪.‬‬ ‫عندما أبحرن ا من ميناء قادس كان الفص ل ربيعا لذلك كنا نستخدم‬ ‫اْلشرعة أحيانا‪ .‬وفي ا لخامس من شهر أيار الرومي يوم اْلربعاء وصلنا‬ ‫إلى جزيرة "تزيف" وهي أحد جزر الكناري‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫جزر الكناري‬ ‫ُسميت جزر الكناري بهذا اْلسم لكثرة طيور الكناري فيها‪ ,‬وقد أسماها‬ ‫العرب قديما بـ "الجُ زر الخالدات" حيث بقيت هذه ال ُجزر لفترة طويلة تحت‬ ‫حكم البرتغاليين والهولنديين وفيما بعد وقعت تحت حكم اْلسبان‪.‬‬ ‫تتكون ُجزر الكناري من سبع ُجزر مأهولة بالسكان وهي "تزيف" و‬ ‫"كناريا الكبرى" و "فويرتيفنتورا" و "قميرة" و "لنزاروت" و " لس‪-‬‬ ‫بالماس" و "هيير"‪ .‬ويوجد فيها ايضا مجموعة أخرى من ال ُجزر الغير‬ ‫مأهولة بالسكان‪ .‬بلغ عدد سكان هذه الجزر مائتان وثالثون ألف نسمة‬ ‫تقريبا‪ .‬وجزيرة "تنزيف" هي مقر ال ُجزرالسبعة‪ ,‬وعدد سكانها ثالثون ألف‬ ‫نسمة‪ .‬حيث تقع على دائرة عرض ثمانية وعشرين درجة وخمس دقائق‬ ‫شمال وخط طول سبعة عشر درجة وسبع دقائق غربا‪ .‬مركز وليتها‬ ‫يحتوي على ميناء رئيسي ومحكمة للقضاة وعددا من القالع‪.‬‬ ‫تشتهر جزيرة "تزيف" بجمال حدائقها وبساتينها وكرومها‪ ,‬حيث تنتشر‬ ‫فيها زراعة الفواكه والخضراوات‪ .‬و في فصل الصيف يهاجر الناس فيها‬ ‫إلى قمم الجبال والهضاب العالية بسبب ارتفاع درجات الحرارة‪ ,‬ومعظم‬ ‫قاطنيها من اإلسبان لذلك تميل لون بشرتهم إلى السواد‪.‬‬ ‫وهي معروفة ايضا بتجارة الفحم الحجري بسبب موقعها على معبر هام‬ ‫للسفن التجارية والبريدية القادمة من أوربا إلى أمريكا الشمالية والهند‬ ‫والصين‪ .‬ولكن ال لحوم فيها نادرة جدا لذلك يستوردونها من السواحل‬ ‫المغربية وبالمقابل يتواجد السمك فيها بكثرة‪ ,‬ويعتبر الغذاء الرئيسي لسكان‬ ‫المدينة حيث يصدر السمك المجفف منها إلى الخارج مما يؤمن دخال لسكان‬ ‫الجزيرة‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫األحداث‬ ‫في الثامن من شهر أيار يوم السبت عند الظهيرة خرجنا من جزيرة‬ ‫"تزييف" وأبحرنا باتجاه الغرب‪ .‬وكانت اْلجواء مناسبة جدا لذلك استخدمنا‬ ‫اْلشرعة في بعض اْلوقات ولم نصادف أية عاصفة أو مشكلة أخرى أثناء‬ ‫الرحلة‪ .‬وفي الرابع عشر من شهر أيار يوم الجمعة وصلنا إلى إحدى جزر‬ ‫رأس الرجاء الصالح وتسمى جزيرة "سان فينوس"‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫جزر الرأس األخضر‬ ‫جزر الرأس اْلخضر أو اْلنف اْلخضر‪ ,‬تقع على السواحل اْلفريقية و‬ ‫تتكون من تسعة جزر‪ .‬ويعيش فيها ثمانين ألف نسمة‪ .‬ومعظم سكانها من‬ ‫الزنوج الذ ين تم جلبهم أسرى من افريقيا‪ .‬ونتيجة الجفاف وارتفاع درجات‬ ‫الحرارة ل ينمو الزرع فيها‪ ,‬كما أن معظم أراضيها من الصخور‪ ,‬لذلك‬ ‫يعتمد سكانها على الصيد‪.‬‬ ‫تعتبر جزيرة "سان فينوس" مركزا لجزر الرأس اْلخضر و أشهرها‪.‬‬ ‫وتقع على ستة عشر درجة وخمس دقائق شمال على خط العرض‪ ,‬وبخمس‬ ‫درجات ودقيقتان على خط الطول‪ .‬وعلى الرغم من حجمها الصغير إل أن‬ ‫معظم الفنانين يقصدونها‪ ,‬وذلك لوجود ميناء جميل في ساحلها‪ .‬ويسكن في‬ ‫هذه الجزيرة حوالي ثالثة أل ف من الزنوج الذين يعملون في المعادن‬ ‫ومناجم الفحم التابعة للتجار اْلنكليز‪ ,‬بدخل يومي قيمته خمسة قروش‪.‬‬ ‫ل تتوفر المياه ا لصالحة للشرب في هذه الجزيرة‪ ,‬حيث يتم تحلية مياه‬ ‫البحر بواسطة اْللت‪ ,‬وتباع بأسعار باهظة‪ .‬أما بالنسبة للغذاء ل يوجد فيها‬ ‫شيء من أنواع الخضار‪ ,‬و الغنم والماعز فيها نادرة جدا‪ ,‬ويتوفر لحم‬ ‫الدجاج بكميات كثيرة‪.‬‬ ‫و جزر الرأس اْلخضر تحت سيطرة دولة البرتغال حاليا‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫االحداث‬ ‫وبعد أربع ساعات من وصولنا إلى جزيرة "سا فينوس"‪ ,‬جائتنا سفينة‬ ‫حربية فرنسية ذات ثالثة أشرعة اسمها "باسا"‪ ,‬وأرسلني قائد سفينتنا إليهم‬ ‫حيث أخبروني بأنهم قدموا من ميناء"ريو دا جنريو" بأمريكا‪ ,‬ومتجهين إلى‬ ‫ميناء "طولون"‪ .‬حيث استغرقت رحلتهم ثالثة وعشرون ساعة‪.‬‬ ‫في السادس عشر من شهر أيار يوم اْلحد خرجنا من جزيرة "سان‬ ‫فينوس" وذلك بعد تأمين احتياجاتنا من الفحم‪ .‬وفي اليوم التالي كانت‬ ‫اْلجواء هادئة لذلك استفدنا منها وقطعنا مسافة طويلة‪.‬‬ ‫في الثامن عشر من شهر أيلول يوم الثالثاء أوقفنا اْللت وفتحنا‬ ‫اْلشرعة‪ .‬وفي التاسع عشر من أيار اشتدت الرياح وهطلت اْلمطار وبدأت‬ ‫العاصفة‪ ,‬فأضطررنا إلغالق اْلشرعة و تشغيل اْلل ت مرة أخرى‪.‬‬ ‫وفي هذه اْلثناء لحت لنا سفينة إزمير في اْلفق فقمنا بتعليق إشارات‬ ‫التواصل ولكن دون جدوى ‪,‬حيث اختفت السفينة عن نظرنا مرة أخرى‪.‬‬ ‫وفي المحصلة استغرقت العاصفة أربعة أيام وألحقت بالسفينة أضرار‬ ‫كثيرة ‪ ,‬كما أن طاقم السفينة تعب نتيجة الصراع مع العواصف‪ .‬وتحطم‬ ‫عامود الرصد‪ .‬وفي الثالث والعشرين من أيار هدأت اْلجواء وانتهزنا هذه‬ ‫الفرصة وفتحنا جميع اْلشر عة ولكن الرياح كانت خفيفة وكنا نبحر فقط‬ ‫ثالثة كيلومترات في الساعة لذلك أغلقنا اْلشرعة وفتحنا اْللت مرة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫وفي الخامس والعشرين عند منتصف الليل من يوم اْلربعاء وجهنا‬ ‫السفينة نحو واحد وعشرون درجة وثمانية وعشرون دقيقة غربا على خط‬

‫‪24‬‬


‫الطول‪ ,‬وعبرنا خط اْلستواء وكانت درجة الحرارة مرتفعة بشكل ل‬ ‫يوصف‪.‬‬ ‫وكان إمام السفينة يدعو هللا طوال الليل‪ .‬وكان الشيء الغريب هو انتظار‬ ‫بعض أفراد الطاقم على متن السفينة لمدة ساعتين أثناء عبورنا خط اْلستواء‬ ‫‪ْ ,‬لعتقادهم ب رؤية خط اْلستواء الخيالي‪.‬‬ ‫وفي يوم التالي ظهرت سفينة في اْل فق‪ ,‬تبين أنها قادمة باتجاهنا‪ ,‬و عندما‬ ‫اقتربت منا‪ ,‬أوقفنا السفينة وعرفنا أنها سفينة تجارية اسمها "ناتورالب"‬ ‫تابعة لألنكليز ‪ ,‬وهي قادمة من الهند باتجاه انكلترا وأخبرونا أن رحلتهم‬ ‫استغرقت تسع وثمانون يوما ‪ .‬وتابعنا طريقنا دون إخبارهم أي شيء عن‬ ‫تفاصيل رحلتنا‪.‬‬ ‫في اليوم الثامن والعشرون من شهر أيار عند الساعة السادسة بدأت‬ ‫اْلمطار تهطل ب غزارة واشتدت العواصف ‪ ,‬وتساقطت حبات المطر على‬ ‫رؤوس بعض أفراد السفينة‪ ,‬و كانت كل حبة منها كحجم حبة الجوز‪.‬‬ ‫والحمدهلل أنها لم تستغرق وقتا طويال‪ ,‬حيث أنتهت بعد ساعة من الزمن‪.‬‬ ‫وفي أول يوم من شهر حزيران وكان يوم اْلربعاء‪ ,‬حدثت عاصفة أشد من‬ ‫المذكو ر في اْلعلى فقمنا مباشرة بإغالق اْلشرعة وتم إنزال القضبان إلى‬ ‫البحر واستمرت العاصفة زمنا طويلة هذه المرة‪.‬‬ ‫في اليوم الثالث من حزيران هدأت الرياح فأخرجنا القضبان وفتحنا‬ ‫جميع اْلشرعة ْلستكمال رحلتنا‪ .‬وعبرنا بجانب سفينة عليها علم أمريكي‪.‬‬ ‫وبعد ثال ثة أيام من اإلبحار لحت لنا في اْلفق منارة مدينة "فريو‬ ‫بورنو" التابعة لدولة البرازيل‪ ,‬وكنا في السادس من شهر حزيران يوم‬ ‫اْلثنين‪ .‬وفي الصباح شاهدنا مدينة " بورنو"‪ ,‬ففتحنا اْلشرعة ْلن اْلجواء‬ ‫كانت مناسبة و قطعنا عدة كيلومترات ورأينا السفن التابعة لدولة ال برازيل‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫وفي صباح اليوم التالي ظهر لنا ال جبل الذي يحد ميناء " ريو " وهو‬ ‫معروف ويسمى بجبل "سكر مخروط" ‪ .‬دخلنا ميناء " ريو دا جنريو " في‬ ‫الساعة العاشرة تقريبا‪ .‬لنلتقي مجددا مع سفينة إزمير في هذا الميناء‪.‬‬ ‫وكنا أول سفينة عثمانية تزور هذا الميناء‪ .‬و في الكتب التاريخية‬ ‫يصفون العثمانيين بأنهم "شجعان ورجال أقوياء و يزعمون أنهم آكلي لحوم‬ ‫البشر" ‪ .‬ول يوجد لديهم أي معلومة عن العثمانيين سوى ما قرأوه في هذه‬ ‫الكتب ‪ .‬لذلك عندما وصلنا إ لى الميناء تدفقوا بقواربهم وبأعداد كبيرة‬ ‫لروؤيتنا ‪ .‬وكان هناك ضابط تم تعيين ه من قبل ال قوات البحرية البرازيلية‬ ‫للبحث والتحقيق حول إذا ما كنا " من آكلي لحوم البشر أم ل"‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫دولة البرازيل‬ ‫البرازيل هي من دول أمريكا الجنوبية كما يعلم الجميع‪ .‬تقع على أربع‬ ‫درجات وثالثين دقيقة شمال وبثالثة وثالثين درجة وخمس وأربعون دقيقة‬ ‫جنوبا على خط العرض‪ .‬وعلى أربع وثالثون درجة وسبعة وأ ربعون دقيقة‬ ‫ودرجتان شمال على خط الطول‪ .‬وعلى الرغم من أرضها ا لواسعة إ ل أنه‬ ‫ل يعيش فيها سوى ثمانية مليون نسمة فقط ‪.‬‬ ‫وبسبب توفر اْلراضي ال شاسعة في البرازيل‪ ,‬تقوم حكومة البرازيل‬ ‫بتوزيع أجزاء وا سعة من هذه اْلراضي إلى الالجئين‪.‬‬ ‫ويذكر في كتبهم الجغرافية أنه يتم ا ستخراج كميات كبيرة من الذهب و‬ ‫اْللماس من رمال سواحلها‪ ,‬وكما يذكر بأنه إذا وجد عبد زنجي ألماسة‬ ‫كبيرة يتم عتقه من قبل سيده مكافأة له‪ .‬لكن في الوقت الحالي يستخدم الناس‬ ‫العملة الورقية بسبب عدم توفر المعادن نهائيا‪.‬‬ ‫وعرفنا أن ال كثير من اْلوربيين هاجروا إلى هنا للبحث عن الذهب و‬ ‫اْللماس ولكن على عكس ذلك لم يجدوا ما توقعوه‪ .‬لذلك يشتغلون بأعمال‬ ‫أخرى و يعيشون حاليا بالفقر‪.‬‬ ‫ويتكون سكان ال برازيل من الزنوج ومن الناس القادمين من القارة‬ ‫اْلفريقية كما ذكرنا سابقا‪ .‬واستخدم هؤلء عبيدا بعد احتالل البرتغال‪ .‬حيث‬ ‫يتم استغالل هؤلء الزنوج في المزارع أو في البيوت كخ دم خاص من قبل‬ ‫البرتغاليين‪ .‬ويعملون فقط مقابل طعامهم وشراب هم‪ .‬وتعتق رقابهم بعد عشرة‬ ‫أو خمسة عشرة سنة‪ .‬ومن شدة كسل الشعب هنا‪ ,‬يقض ون يومهم بالشوارع‬ ‫يبحثون عن قوتهم اليومي‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫تنمو جميع أنواع النباتات ولكن أشهرها و ألذها هي شجرة "الماهوغاني‪,‬‬ ‫والبلوط‪ ,‬وشجرة الزان" ‪ .‬إضافة إلى ذلك ي زرع فيها "سكر نبات‪ ,‬والعنب‪,‬‬ ‫والبطاطا‪ ,‬والموز" وكما تصنع الحوم المقددة‪ .‬ويزرعون هنا أفضل أنواع‬ ‫التبغ‪ .‬و جميع هذه المنتجات توفر دخال كبير للشعب البرازيلي‪.‬‬ ‫يعيش في غابات البرازيل "اْلسود‪ ,‬والنمور‪ ,‬والقطط البرية وكثيرا من‬ ‫القردة"‪ .‬وتصل أصواتهم هذه بشكل مرعب طوال الليل إلى السفن‬ ‫المتواجدة بالموانئ‪ .‬وخاصة أصوات الذئاب التي توجد بكثرة‪ .‬ويُستخرج‬ ‫من جبال ال برازيل بعض المعادن الها مة مثل "الكبريت‪ ,‬والنيلج‪ ,‬والملح‬ ‫الصخري‪ ,‬والنفط"‪ .‬وتنمو في أراضيها جميع أنواع الخضروات وخاصة‬ ‫الحمضيات مثل "الليمون‪ ,‬والبرتغال‪ ,‬واليوسفي"‪.‬‬ ‫وعاصمة ال برازيل هي مدينة "ريو دا جنريو"‪ .‬وهي مدينة مبنية على‬ ‫سفح الجبل الذي يطل على شاطئ البحر‪ .‬وتقع على إثنان وعشرون درجة‬ ‫وأربعة وخمسون دقيقة جنوبا على خط العرض‪ ,‬وثالثة وأربعون درجة‬ ‫وخمس عشرة دقيقة غربا على خط العرض‪ .‬عدد سكانها أربع مائة ألف‬ ‫نسمة تقريبا‪ .‬وهي مدينة جميلة ومبهرة‪ ,‬حيث تحتوي على مبان ضخمة‬ ‫ومدارس عسكرية وأدبية وقصر إمبراطوري وبعض من الثكنات واْلبنية‬ ‫اْلخرى‪.‬‬ ‫ولكن الرائحة ال كريهة الصادرة م ن تشكل المستنقعات و الناتجة عن‬ ‫بعض اْلقنية الفرعية لألنهار التي تصب في ميناء المدينة تُف ِس ُد هوا ء‬ ‫المدينة النقي‪ .‬وينتشر في فصل الصيف من كل عام أمرض عديدة نتيجة‬ ‫القمامة المنتشرة في الشوارع‪ .‬وأحيانا تشتد حدة اْلمرض ويضطر الناس‬ ‫إلى ترك المدينة‪.‬‬ ‫ميناء المدينة آمن جدا وهو محاط بأسوار وقالع قوية ومحكمة‪ .‬لذلك‬ ‫يصبح ملجأ َ للسفن التجارية والحربية والبريدية التابعة لدول مختلفة‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫يوجد في المدينة على قمة الجبل برج منظم للمراقبة‪ .‬و يوجد في القسم‬ ‫الذي يرصد ميناء المدينة‪ ,‬إشارة خاصة على شكل دائرة‪ ,‬يتم من خاللها‬ ‫تعديل ساعات العرض في أوقات محددة من كل يوم ‪.‬‬ ‫وهناك مدينة أخرى تسمى "بتروبولي" على بعد خمسين كيلو متر من‬ ‫مدينة "ريو دا جنريو"‪ .‬حيث تحتوي على سوق منظم كبير‪ ,‬وقصر‬ ‫إمبراطوري‪ ,‬وبعض اْلبنية اْلخرى‪ .‬ومعظم اْلغنياء يأتون إلى هذه‬ ‫المدينة في أيام الصيف وذلك ْلعتدال مناخها‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫ترسانة البرازيل‬ ‫كنت أخل إلى الترسانة كل يوم ْلن طرادة ال بورصة موجودة في حوض‬ ‫السفن ‪ .‬وبهذه الوسيلة تمك ُ‬ ‫نت من استكشاف ما في داخل الترسانة بشكل‬ ‫جيد‪.‬‬ ‫تقع هذه الترسان ة على الطرف الشرقي من مدينة " ريو دا جنريو" وتمتد‬ ‫على مساحة ثالثة ألف قدم على الشاطئ‪ ,‬ويوجد بداخلها جزيرة صغيرة‪,‬‬ ‫وتحتوي على آلتين حرفيتين و على خمسة معامل لصناعة اْلدوات‬ ‫الحديدية الصغيرة ‪ ,‬وهناك ايضا معامل لأل شرعة والحبال والبكرات و‬ ‫مكتبة لألقالم‪ ,‬ومكتب لحفظ الوثائق ومدارس بحرية‪.‬‬ ‫وجميع اْل بنية التي ذكرتها كانت مبنية بشكل عشوائي بسبب موقعها‬ ‫الصخري‪ .‬بإمكاننا القول أن أفضل مكان هنا هو المعمل الخاص لصناعة‬ ‫معدات المدافع‪ .‬حيث تُ سكب في هذا المعمل أربع مائة طلقة مدفعية يوميا‪,‬‬ ‫ويحشى داخلها لت كون جاهزة لإلطالق‪ ,‬ويعمل مايقارب ثالثين عامال في‬ ‫هذا المعمل‪.‬‬ ‫كان هناك معمل آخر للنحاس ‪ ,‬وهو خاص لسكب المصفحات ال نحاسية‬ ‫على شكل مربعات عليها ثقب ليغطي أسفل السفن‪ .‬ويصنعون ايضا مايس مي‬ ‫بقايا الخردة‪ .‬كما أنه يصنع في هذا المعمل أدوات تكفي لصنع ثالث‬ ‫طرادات بحرية‪ .‬و يوجد فيها أيضا معمل للسالسل واْلسالك‪.‬‬ ‫وأُنشأت جميع هذه المعامل من قبل المهندسين الذين تخرجوا من‬ ‫المدارس البحرية البرازيلية‪ ,‬ومن ثم تلقوا تعليما في بريطانيا‪ .‬كانوا‬

‫‪30‬‬


‫يعتبرون هذه المعامل هامة بالنسبة لهم‪ ,‬لهذا السبب يخبئون هذه اْللت‬ ‫بعناية من أعين البريطانيين والفرنسيين‪.‬‬ ‫قاموا ببناء معامل كبيرة خاصة باْلآلت الضخمة إلنشاء السفن‬ ‫المدرعة‪ .‬وكانوا يبنون في إحدى أقسامها طرادة مزودة بالمروحة‪ .‬قمت‬ ‫بإستكشافها من الداخل والخارج‪ .‬في الحقيقة كانت أخشابها رائعة‪.‬‬ ‫والمهندسين كانوا بارعين في صناعتها‪ .‬وكان هذا القسم ال مخصص‬ ‫للطرادات مبني من الحجر‪ .‬وذلك لحماية السفن التي على قيد اإلنشاء بغطاء‬ ‫مصنوع من الحديد ويحملها أعمدة حديدية بإرتفاع ثالث مائة قدم عن‬ ‫اْلرض‪ ,‬و هي مشدودة بالبراغي لكي يستطيعوا نقلها إلى أمكان أخرى إذا‬ ‫احتاجوا ذلك‪.‬‬ ‫وكما ذكرت في اْلعلى بأن البرازيل يتوفر فيها اْل شجار بكثرة‪ ,‬هذا يعني‬ ‫أن تاريخ مهنة صناعة السفن في البرازيل تعود إلى أكثر من خمسين عام‪.‬‬ ‫وباإلضافة إلى ذلك كانو ا يعتنون ويهتمون بكل تفاصيل السفينة‪.‬‬ ‫إن طول اْلحواض الموجودة في الترسانة و التي ذكرتها في اْلعلى‬ ‫يصل إلى ثالث مائة قدم‪ .‬وفيها بئر للمياه وبداخلها عوامات وآلة‪ .‬و يتم ملء‬ ‫وإفراغ الحوض بواسطة هذه العوامات في ربع ساعة ‪ .‬أما الحوض اآلخر‬ ‫في هذه الجزيرة كان مئتان وخمسون قدما‪ .‬لهذا السبب كان ل يدخل إليها‬ ‫إل السفن التجارية الصغيرة فقط‪.‬‬ ‫وكان يوجد في هذه الجزيرة الصغيرة الموجودة ضمن الترسانة‪,‬‬ ‫مستودعات للفحم‪ ,‬ومستودعات للطعام‪ ,‬وبعض محالت النجارة‪ ,‬واْلعمدة‬ ‫الخشبية‪ ,‬ومعمل للسكاكين‪ ,‬ولوازم أخرى ‪ .‬تم جلب قطع هذه اْللت‬ ‫واْلدوات من فرنسا وعندما تتعطل اْللت‪ ,‬كانوا يستوردون قطعها من‬ ‫فرنسا بمبالغ ضخمة‪ .‬لهذا السبب قرروا إنشاء معامل خاصة لصناعة هذه‬ ‫القطع ‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫البحرية‬ ‫طرادات‬ ‫ّ‬ ‫تتألف البحرية البرازيلية من ثالث وخمسين سفينة تجارية وحربية‪ ,‬وهي‬ ‫أربع طرادات مدرعة مصنوعة في لندن‪ ,‬و ثالث فرقاطات ذات ثالث‬ ‫مرواح وكل واحدة منها مزودة بخمسين كرة مدفعية و أربعة فرقاطات ذات‬ ‫أشرعة‪ .‬وسبعة طرادات مزودة بالمرواح واْلشرعة‪ .‬وأثني عشر سفينة‬ ‫نقل‪ .‬وثمانية سفن شراعية بصاريين‪ .‬وخمسة عشر سفينة مدفعية و مركب‬ ‫شراعي وقاطعة‪.‬‬ ‫والقالع الموجودة في الشواطئ هي تحت مراقبة القوات البحرية‪ .‬ويتم‬ ‫تدريب العسكريين البحريين في هذه القالع‪ .‬وهؤل العساكر هم طواقم‬ ‫السفن‪ ,‬ويتلقون تدريبات على المدافع ‪ ,‬و على أسلحة أخرى في هذه‬ ‫القالع‪ ,‬حيث يقضون هناك خالل تواجد سفنهم في الموانئ‪ ,‬ويترك في‬ ‫السفن العساكر التي لهم مهمات خاصة بالسفينة‪.‬‬ ‫يعود الجنود الذين تم إنهاء تدريبهم في القالع إلى السفن‪ .‬وعندما سألت‬ ‫عن الهدف من هذه التدريبات تبين أن هؤلء كانوا يشرفون أثناء التدريب‬ ‫شخصيا على صناعة كرة المدافع ويحشونها‪ ,‬حتى تزداد خبرتهم في هذه‬ ‫المهنة بشكل ممتاز‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫الحرب بين البرازيل والبراغواي‬ ‫تدفع دولة البراغواي الضرائب إلى البرازيل في كل عام‪ .‬ولكن في‬ ‫السنوات اْلخيرة تحولت هذه ال مسألة إلى مشكلة حقيقية حتى وصلت إلى‬ ‫اْلشتباكات فيما بينهم‪ .‬حيث هاجم الجيش البرازيلي البراغواي وأحتل‬ ‫بعض من قالعها‪ .‬ولكن جنود البراغواي المرتزقة التي جلبتهم من أنكلترا‬ ‫وفرنسا وبريطانيا جعلت من البراغواي اْلقوى في هذه الحرب‪ .‬و أثناء‬ ‫وجودنا في ال ميناء في شهر تموز قتل تسعة ألف من الجنود البرازيليين‬ ‫وفرت بعض الفرق العسكرية كاملة مع ضباطهم في المعارك الدائرة‬ ‫بالقرب من نهر" لبالن"‪ .‬وبعد ذلك تفرق وهزم الجيش البرازيلي في موقع‬ ‫"بتروبولي" ايضا‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫األحداث‬

‫بعد وصولنا إلى ميناء "ريو دا جنريو" قضينا عد ة أيام بتنظيف السفينة‪.‬‬ ‫و في الثالث عشر من حزيران أخبرونا بأن اْلمبراطور البرازيلي سيزور‬ ‫سفينتنا‪ .‬فقمنا بتجهيز جميع أمور اْلستقبال و جهزنا راية الفرقة‪ ,‬ولبس‬ ‫العساكر ثيابهم الجديدة ْلستقباله‪ .‬وقمنا بشراء السجاد من نوع الجوخ لمدها‬ ‫أمام حجرات السفينة التي سيمشي فيها اْلمبراطور‪.‬‬ ‫جاء اْلمبراطور إلى السفينة برفقة الوزراء وبعض الشخصيات المهمة‪.‬‬ ‫ففتحنا رايات الفرقة مباشرة وتم تحضير الجنود وبعد ذلك بدأت مرسم‬ ‫اْلست قبال بإطالق واحد وعشرون كرة مدفعية‪.‬‬ ‫بعد مراسم اْلستقبال أنزلنا جميع العساكر من السفين ة بطلب من‬ ‫اْلمبراطور‪ ,‬وتجول اْلمبراطور داخل السفينة‪ ,‬حتى أنه نزل إلى القسم‬ ‫المخصص ل لمراجل البخارية وفحص اْللت واْلدوات في هذا القسم بنفسه‪.‬‬ ‫واهتم بالجنود ومنحهم اْلوسمة بعد أن رأى قدراتهم ومهاراتهم أثناء مراسم‬ ‫اْلستقبال‪ .‬وأوضح بأنه مسرور برؤية جنود الدولة العلية العثمانية و بأنه‬ ‫فخور بلقائهم‪ .‬وذهب بعد دعاء جماعي‪.‬‬ ‫وعند وداع اْل مبراطور وقف جميع الجنود وأدوا التحية له وتم إطالق‬ ‫واحد وعشرون كرة مدفعية‪ ,‬وبعد ذلك تم إنزال الرايات ورجع الجنود إ لى‬ ‫أعمالهم‪.‬‬ ‫الشعب البرازيلي لم يرى جنود ا عثمانيين أبدا كما ذكرت في اْلعلى‪.‬‬ ‫كانوا يعرفون عن العثمانيين بأنهم رجال ضخمة ذو لحى ويضعون في‬ ‫رؤوسهم قبعات طويلة‪ .‬لذلك كانوا يأتون بأعداد كبيرة لزيارتنا في الميناء‬

‫‪34‬‬


‫ويتجولون في السفينة‪ .‬وحتى أن البعض كانوا يأتون لزيارة سفينتنا من‬ ‫أماكن بعيدة خارج المدينة‪.‬‬ ‫عندما وصلنا إلى الميناء خرجت بمفردي من السفينة ْلتجول في المدينة‪.‬‬ ‫عرفوا أنني من العثمانيين واجتمع المئات من حولي وحتى أصحاب‬ ‫المحالت خرجوا من محالتهم‪ ,‬وتجولت مع هذه المجموعة داخل السوق‪.‬‬ ‫احترموني احترما شديدا لكوني عسكري عثماني‪ ,‬و كنت كلما مررت من‬ ‫شارع‪ ,‬ترك الناس أعمالهم ونظروا إلي‪ .‬لقد كانوا محترمين معنا طيلة فترة‬ ‫بقائنا هنا‪.‬‬ ‫خالل أشهر وجودنا في ميناء قادس‪ ,‬تلوثت طرادة بورصة نتيجة‬ ‫الطحالب التي شكلتها بعض اْلنهار‪ ,‬وهذا التلوث كان يب طئ من سرعة‬ ‫الطرادة وأضف على ذلك بعض اْلعطال لذلك كان يجب إدخال السفينة إ لى‬ ‫حوض الصيانة‪ .‬تم اإلبالغ عن الوضع إ لى مقامات الترسانة عن ذلك‪ ,‬من‬ ‫قبل قائد قوات السفينة‪.‬‬ ‫حيث تم إدخال الطرادة إ لى حوض الصيانة الموجود داخل الجزيرة‪,‬‬ ‫وتم تنظيف نحاسها من مخلفات الطحالب وقاموا بصيانتها ومن ثم‬ ‫أخرجناها من الحوض‪.‬‬ ‫لقد نقصت ألبسة طاقم السفينة‪ ,‬لذلك قمنا بشراء بعض اْلقمشة وصبغناها‬ ‫وتم تفصيل البناطيل والقمصان منها للجنود‪ ,‬وذلك بفضل حضرة سلطاننا‪.‬‬ ‫وتم شراء خمسة عشرة بكرة حبل ْلن جميع الحبال أنقطعت أثنا الرحلة‪.‬‬ ‫احتجنا مال لتغطية نفقاتنا من الصيانة والطعام والثياب خالل وجودنا هنا‪,‬‬ ‫لذلك قمن ا بسحب مبلغا من إحدى المصارف بواساطة القنصلية البريطانية‬ ‫هنا‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫عبدالرحمن أفندي‬ ‫إمام طرادة بورصة‬ ‫لقد هرب إمام طرادة ال بورصه عبدالرحمن أفندي وهو من مدينة بغداد‪,‬‬ ‫بعد أن تم إقناعه من قبل زنوج المسلمين في البرازايل‪.‬‬ ‫إن الزنوج الذين جلبهم البرتغاليين من إفريقيا أسرى وخاصة السودانيين‬ ‫منهم‪ ,‬يميلون إلى اإل سالم ولديهم بعض المعلومات عن اإلسالم ‪ .‬ويأدون‬ ‫خمس أوقات للصالة بانتظام ويعرفون بعض ال سور من القرآن مثل سورة‬ ‫الفاتحة وسورة اإلخالص وحتى البعض من الشعب اْل مريكي دخل إ لى‬ ‫اإلسالم‪ .‬ويعيش تسعة أ آلف مسلم في البرازيل في الوقت الحالي‪.‬‬ ‫عند وصولنا إلى ميناء "ريو دا جنريو" جاءت مجموعة من المسلمين‬ ‫والتقوا مع سماحة اإلمام‪ .‬وبعد ذلك أصبحوا يأتون كل يوم ليتعلموا أمور‬ ‫متعلقة بالدين اإلسالمي‪ .‬كان ل يوجد لديهم أي نسخة من القرآن الكريم‪,‬‬ ‫لذلك البعض منهم ك انوا يدفعون أربعة أو خمس ليرات إ لى الجنود مقابل‬ ‫جزء من القرآن‪.‬‬ ‫وكان اإلمام يفهم لغتهم بشكل جيد لذلك كانوا يحبونه ويقدرونه‪ ,‬حيث‬ ‫كانوا كل ثالثة أيام يدعون إمامنا على الوليمة إلى بيوتهم في المدينة‪ .‬وفي‬ ‫يوم من اْليام طلب إمام أفندي أذنا من أحد الضباط وذهب إ لى المدينة و‬ ‫مرت ستة أيام ولم ي عد‪ .‬وتم البحث عنه في المدينة ولكن دون جدوى‪.‬‬ ‫وعندما فتحنا ال غرفة التي كان ينام فيها لحظنا عدم وجود كتبه وأغرضه‬ ‫الشخصية في الغرفة‪ .‬وتم التأكد من هروبه‪.‬‬ ‫كتب قائد السفينة كتاب إ لى الحكومة وطلب منهم تسليم إمام أفندي إ لى‬ ‫السفينة في حال عثورهم عليه‪..‬وبعد خمس أو ستة أيام عثروا عليه ولكن‬ ‫أبلغهم بأنه غير راض عنا ويريد البقاء في البرازيل‪ .‬وبناء على طلبه‬ ‫‪36‬‬


‫أرسلوا كتاب إلى قائد السفينة بأن إمام أفندي أصبح في حماية الحكومة‬ ‫البرازيلية وأن ه حسب قوانين البرازيل يسمح لألشخاص البقاء في البرازيل‬ ‫إذا طلبوا ذلك‪ ,‬حيث يتم تقديم التسهيالت لهم من قبل الحكومة مثل‪:‬‬ ‫استمالكهم اْلرض‪ ,‬و يتم تنظيم مراسم لستقبالهم في وطنهم الجديد‪.‬‬ ‫اإلمام عبدالرحمن أفندي من أصول بغداد ية‪ ,‬ول كن فيما بعد هاجر إ لى‬ ‫الشام‪ ,‬وألقي القبض عليه في ترسانة الدولة بعد أحداث الشام وتم سجنه‪.‬‬ ‫ولكن عندما سمع قائد القوات البحرية محمد الباشا بأنه يتقن اللغة العربية‬ ‫والف ارسية ويملك علما في أمور الدين‪ ,‬طلب من الدولة إطالق سراحه‬ ‫وطلب منهم تعينه في القوات البحرية ‪ .‬و فيما بعد عُيِن إماما على " فرقاطة"‬ ‫في البصرة بناء على طلبه‪.‬‬ ‫لذلك إن زنوج المسلمين ف ي البرازيل كان متشوقين جدا لتعلم الدين‬ ‫اإلسالمي ‪,‬حيث قاموا بخداع إمامنا وجذبه بالمال مقابل تعليمهم أمور الدين‬ ‫في البرازيل‪.‬‬ ‫بالمختصر المفيد إمامنا هرب في البرازيل‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫أحداث الرحلة‬ ‫مكثنا شهرين في البرازيل‪ ,‬وبعد تأمين المستلزمات خرجنا من ميناء‬ ‫البرازيل وذلك في اليوم اْلول من شهر آب‪ .‬في هذا الشهر تكون الرياح فيه‬ ‫قوية بين القارتين اْلفريقية واْلمريكة‪ .‬لذلك كانت الرياح غربية قاسية‪.‬‬ ‫وكانت تضرب السفينة من الخلف وكنا نقطع حوالي عشرة أو إثني عشرة‬ ‫كيلو مترا في الساعة‪.‬‬ ‫و في الساعة الثالثة من الليل ة الثالثة من شهر آب‪ ,‬بدأت هطول اْل مطار‬ ‫بغزارة مع أصوات الرعد حيث استمرت لنصف ساعة‪ .‬وفي اللي لة الرابعة‬ ‫هطلت أمطار غزيرة أيضا‪.‬‬ ‫العاشر من آب يوم اْلربعاء‪ ,‬بدأت عاصفة قوية وذلك على ثالثة وثالثون‬ ‫درجة وثمان وخمسون دقيقة على خط العرض‪ .‬تم أخذ الحيطة لألشياء‬ ‫الضرورية مباشرة‪ ,‬ولكن لحسن الحظ توقفت بعد نصف ساعة‪.‬‬

‫الحادي عشر من آب عاد هطول اْل مطار وعادت العاصفة مجددا‪ .‬وفي‬ ‫اليوم التالي هدأت اْلجواء شيئا ما‪ .‬و بقيت على حالها حتى اليوم الثامن‬ ‫عشر‪ .‬ولكن في اليوم الثامن عشر بدأت هبوب الرياح الغربية بالجهة‬ ‫المعاكسة لذلك تم إنزال القضبان إلى البحر وربطنا جميع اْلشرعة بالسفينة‪.‬‬ ‫وفي الساعة التاسعة تشققت بعض اْلشرعة نتيجة العاصفة وتم تغييرها‬ ‫مباشرة‪.‬‬ ‫هذه العاصفة كانت قوية‪ ,‬و ل يمكنني وصف اْلمواج العالية‪ .‬حيث‬ ‫كانت طرادة بورصه تظهر كحجم النقطة بين اْل مواج‪ .‬وفي هذه اْلثناء‬ ‫ازداد خوفنا أكثر فأكثر نتيجة اْلصوات الصادرة من طيور"كابجين" وهو‬ ‫نوع من أنواع طيور البحر‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫الحمدهلل انتهت هذه العاصفة بسالم بعد أن استغرقت أ ربع وعشرون‬ ‫ساعة‪ .‬ولكن كان من الصعب الوقوف عل ظهر السفينة نتيجة لضخامة‬ ‫اْلمواج وبرودة الجو‪ .‬وبعد فترة ظهرت في اْلفق جزر الجليد التي أسماها‬ ‫اْلنكليز ب "أيس برك"‪.‬‬ ‫في العش رين من شهر آب يوم السبت توجهنا إ لى رأس الرجاء الصالح‬ ‫بالرياح الجنوبية –الشرقية‪ .‬وفي اليوم التالي فتحنا اْللت بدل من اْلشرعة‬ ‫ْلن الرياح كانت مناسبة‪.‬‬ ‫في الثالث والعشرين من آب يوم الثالثاء عند التاسعة‪ ,‬وصلنا إلى ميناء‬ ‫"سيمون" الموجود في رأس الرجاء الصالح‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫رأس الرجاء الصالح‬ ‫تقع ف ي الجهة الجنوبية من القارة اإلفريقية ويعرف ببلد "كاب" حيث‬ ‫يشبه بشكله رأس محدب‪ .‬أنفقت أموال هائلة في إعماره‪ ,‬و بعد سيطرة‬ ‫اْلنكليزعليه‪ ,‬أصبح يشبه مدن الدول اْلوربية‪ .‬حيث تنمو جميع أنواع‬ ‫المزروعات في أراضيه‪ .‬وبغض النظر عن اْلهتمام بالزراعة هناك اهتمام‬ ‫بالتجارة‪ ,‬بسبب وجود الكثير من المعامل والسكك الحديدية والخطوط‬ ‫البرقية والطرق البريدية والعربات ‪.‬‬ ‫ويسيطر اْلنكليز على مساحة ألف ومئتان كيلومتر من شو اطئ رأس‬ ‫الرجاء الصالح‪ ,‬وبشكل عام هذه المساحة تحظى بأهتمام اْل نكليز أما‬ ‫المناطق الداخلية فالتقدم فيها ضعيف‪.‬‬ ‫وأهم منتجات رأس ال رجاء الصالح هي السمك والعنب والفواكه الجافة‪.‬‬ ‫ويعيش في جبالها اْلسود‪ ,‬والنمور‪ ,‬والثير ان البرية‪ ,‬والكثير من الفيلة‪.‬‬ ‫ويحصلون على عائدات ضخمة من جلود و قرون هذه الحيوانات‪ .‬أما من‬ ‫صفات شعبها‪ :‬فهو ذو جثة ضخمة و وجه بشوش نابع من جمال طبيعتها‬ ‫واعتدال مناخها‪ .‬و يقطنها اْلنكليز والفلمنكيين ويعيش فيها أيضا أناس من‬ ‫أصول مالية وهم مسلمون يشبهون في أشكالهم الحبشيين‪ .‬ويضعون على‬ ‫رؤوسهم منديال أسودا‪ .‬أما شيخهم فيضع على رأسه منديل أحمر وعليه‬ ‫قبعة على شكل مخروط من مادة الحصير‪ .‬وبالمقابل ثياب نسائهم غير‬ ‫محشمة حيث يلبسون فساتين كزي نساء اْلنكليز‪.‬‬ ‫المسلمون هنا ل يعرفون أمور الدين وشريعتها بشكل صحيح‪ ,‬فهناك‬ ‫العديد من العادات الغريبة الخاطئة فمثال هناك من يدفن ميته ب طريقة عكسية‬ ‫وهناك من يعلق في رقبته وعاء للبصاق في أيام رمضان‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫ذهب أحد المسلمين إلى الحج قبل عشرين عام وأدرك عاداتهم الخاطئة‬ ‫وأنه ل يوجد في اإلسالم مثل هذه العادات‪ ,‬وعندما رجع إ لى بلده قام بشرح‬ ‫الدين للناس بشكل صحيح‪ .‬ولكن هناك قسم عارضه وأوضح له بأن هذه‬ ‫العادات هي وراثة من أجدادهم وأنه يسيئ لهذه العقيدة‪ ,‬وبدأ صراع فيما‬ ‫بينهم لسنوات طويلة‪.‬‬ ‫عندما جاء اْل نكليز أردوا حل هذه المشكلة نهائيا‪ ,‬فقاموا بطلب المساعدة‬ ‫من الدولة العلية العثمانية وبناء على ذلك تم تعيين العالم الد يني والمدرس‬ ‫أبوبكر أفندي قبل سته أعوام لمعالجة الخالفات‪.‬‬ ‫ذهب أبوبكر أفندي بباخرة البريد إلى أنكلترا وانتقل من هناك إلى رأس‬ ‫الرجاء الصالح‪ .‬و كان الشعب راضي كل الرضى من هذا اْلمر حيث كانوا‬ ‫يحترمون الشيخ أ بوبكر أفندي احتراما شديدا‪ .‬و أعطوه منزل يتألف من‬ ‫عشرة غرف ‪.‬‬ ‫وسخروا الخدم له‪ ,‬و أعطوه معاشا‪ .‬ول كن أبوبكرأفندي لم ينجح بمهامه‬ ‫وذلك لألسباب التالية‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬خاطب أبوبكر أفندي ا لناس في إحدى مجالس وجهاء المسلمين وقال‬ ‫لهم "أنتم كفار ْلنكم تلبسون نساءكم ثياب ا قصير" وفجأة لم يتحملوا هذا‬ ‫الكالم القاسي ْلنهم كانوا يعيشون منذ سنوات عدة تحت تربية اْل نكليز‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تعرض أطفال المسلمين الذين يذهبون إ لى مدارس تعليم الدين لكالم‬ ‫سيء ومعاملة قاسية من قبل الشيخ وإثر ذلك َمنعت العائالت أولدهم من‬ ‫الذهاب إلى المدارس‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬لقد أراد أبوبكرأفندي الزواج‪ ,‬فقاموا بتزويجه من بنات أحد الوجهاء‬ ‫هنا‪ .‬ولكن بعد فترة‪ ,‬حبس أ بوبكر زوج ته ومنعها من زيارة أهلها‪ .‬وقدم‬ ‫أهلها شكوى بحق زوجها أبو بكر‪ .‬و وقع خالفا بينه وبين قنصلية الدولة‬

‫‪41‬‬


‫العثمانية على خلفية هذه المشاكل‪ .‬وأصبحت العالقات باردة بين المسلمين‬ ‫والشيخ أبو بكر أفندي‪.‬‬ ‫بعد أن وصلنا إلى رأس ال رجاء الصالح أرسل أحد وجهاء المسلمين‬ ‫رسالة إلى قائد السفينة وشرح له أفعال أبوبكر أفندي‪ .‬وأنا شخصيا ذهبت‬ ‫إلى منزل أبو بكر وألتقيت معه‪ .‬و رأيته حزينا‪ ,‬وعندما سألته عن سبب‬ ‫حزنه قال لي بأن عالقاته سيئة جدا مع المسلمين هنا‪ ,‬وأضاف بأنه قدم‬ ‫استقالته إلى اسطنبول وطلب منهم نقله‪ .‬وبعد ذلك زار أبوبكر أفندي سفينتنا‬ ‫مرتين‪.‬‬ ‫ويقع رأس ال رجاء الصالح على ثالثة وثالثين درجة وخمس وخمسون‬ ‫دقيقة جنوبا على خط العرض وثمانية عشر درجة وثالثة وعشرون دقيقة‬ ‫شرقا على خط الطول‪ .‬عاصمتها "كاب تاون" وهي مدينة ممتدة على طول‬ ‫الساحل‪.‬‬ ‫عدد سكان مدينة "كاب تاون" حوالي أربعون ألف وتحتوي المدينة على‬ ‫المباني الضخمة ومسجدين وسوق منظم ومتحف وثكنات وعدد من الحدائق‬ ‫والميادين والكنائس‪.‬‬ ‫والمدينة مفتوحة من الغرب على نقطة يسمونها ميناء "تيربزا" لذلك‬ ‫تغرق العديد من السفن التجارية في أيام الشتاء نتيجة العواصف‪ .‬وهذا‬ ‫الميناء هو مركز تجا ري للسفن‪ .‬حيث أنشيء سدا في الجهة الغربية من‬ ‫الميناء طوله ألفين قدم وعرضه خمسة وثالثون قدم‪ .‬و يوجد هنا أآلت‬ ‫لصناعة الحجارة ال ضخمة ‪.‬‬ ‫ويوجد ميناء أخر اسمه"سيمونس" يبعد خمسة عشر كيلو مترا عن‬ ‫ميناء "تيربيزا"‪ .‬ولكن ل تدخله السفن ْلنه ل يوفر الحماية لها‪ ,‬وفي حال‬ ‫إنتهاء السد في ميناء "تيربيزا"‪ ,‬لن تكون هناك حاجة إ لى هذا الميناء نهائيا‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫ويوجد هنا ترسانة كبيرة ومنظمة تابعة لدولة النكليز‪ ,‬وتحتوي على آلت‬ ‫ومعامل ل لحديد ومخازن خاصة لمعدات السفن‪ ,‬وبيوت خاصة للضباط‬ ‫ومدرسة خاصة ل تدريب جنود البحرية‪ ,‬وهناك أماكن مرتفعة‪ ,‬ومشفى‪,‬‬ ‫وسط حديقة مزينة بالزهور‪.‬‬ ‫هذه الترسانة تحت حماية أحد الضباط‪ ,‬حيث تم تعينه بشكل خاص للحديقة‬ ‫واْلبنية‪ ,‬ويوجد هنا سبعون منزل تقريبا ودكاكين‪ ,‬وكنيستين تابعتين‬ ‫لألنكليز‪ ,‬لكن نستطيع القول بأنها مدينة صغيرة‪ ,‬وجميلة ‪ ,‬مناخها معتدل في‬ ‫الفصول اْلربعة‪.‬‬ ‫يصعب إنشاء حوضا على ساحلها ْلن ساحلها رملي‪ ,‬وفيه زلجة‬ ‫لسحب السفن الكبيرة التي يصل وزنها إلى ألفين طن من أجل الصيانة‪.‬‬ ‫يوجد هنا ايضا مركز للبرقيات‪ ,‬و بجانبه عامودا وفي أعاله ساعة‪ ,‬ظهر‬ ‫كل يوم تضبط السفن ساعاتها على هذه الساعة‪ .‬يحيط الميناء جبال عديدة‪,‬‬ ‫أهمها جبل رأس ال رجاء الصالح المشخور الذي يسميه اْلنكليز بجبل"تيل‬ ‫مونتاين"‪ .‬و في وسط هذا الجبل هناك بقعة بيضاء ترى من على بعد ثالثين‬ ‫كيلو مترا‪.‬‬ ‫يتوفر سمك المرجان بكثرة‪ ,‬وينبت المرجان ايضا بكثرة‪ .‬واصطياد سمك‬ ‫المرجان يؤمن دخال كبير للمدينة‪.‬‬ ‫في الحقيقة ل يمكننا وصف جمال الطبيعة والمناخ في رأس ال رجاء الصالح‬

‫‪43‬‬


‫االحداث‬ ‫عندما وصلنا إلى رأس الرجاء الصالح‪ ,‬جاء الشعب لزيارتنا وتجولوا‬ ‫بالسفينة وقبلوا راية الدولة العلية العثمانية‪ .‬و قاموا بالدعاء لحضرة سلطاننا‬ ‫ليمد هللا بعمره‪.‬‬ ‫تسرب الماء إلى بعض اْلماكن في السفينة‪ ,‬وكان يجب إصالحها‪ ,‬لذلك‬ ‫تم صيانة جميع اْلماكن التي تسرب منها الماء‪.‬‬ ‫تحضرنا لألنطالق بعد أن تم تأمين المستلزمات الالزمة عن طريق‬ ‫القنصلية العثمانية بواسطة مستر "روبينس"‪ .‬ولكن في الحادي عشر من‬ ‫أيلول ساءت اْلجواء وتساقطت اْلمطار متزامنة مع رياح غربية شديدة‪.‬‬ ‫وفي الصباح رأينا أن السالسل قد انقطعت فقمنا برمي سالسل الحديد‬ ‫اْلحتياط ية في البحر‪ .‬مساء عادت اْلمطار والعواصف‪ ,‬وانقطعت السالسل‬ ‫اْلحتياط ية ايضا‪.‬‬ ‫أثناء تبديل السالسل والحبال هدأت اْلجواء وفي اليوم التالي أ بحرنا من‬ ‫المكان الذي كنا متو اجدين فيه‪ .‬وتركنا عوامة بالستيكية لتحديد المكان الذي‬ ‫فقدنا فيه السالسل‪ .‬وفي اليوم التالي وجدنا السالسل الحديدية بجهود جنودنا‬ ‫وأخرجناها من البحر وقمنا بتقوية الحلقات التي تعلق فيها السالسل‪.‬وخرجنا‬ ‫من الميناء في الرابع عشرمن أيلول‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫أحداث الرحلة‬ ‫في اليوم التالي كا نت اْلجواء مناسبة فقمنا بفتح اْلشرعة‪ ,‬وأبحرنا في‬ ‫الواحد والعشرين من شهر أيلول‪ ,‬ثم ساءت اْلجواء وبدأت العاصفة وكانت‬ ‫قوية حيث اجتمعت السحب‪ ,‬وبدأت الرياح تضرب بنا من كل الجهات‪.‬‬ ‫أخذنا جميع اْلحتياطات الالزمة‪ .‬لم نرى مثل هذه العاصفة من قبل لقد‬ ‫كانت شديدة و مدهشة جدا‪ ,‬حيث بدأت اْل مواج الضخ مة تضرب سفينتنا‬ ‫كأنها جبال‪.‬‬ ‫واستمرت العاصفة أربعة ساعات وتوقفت بعد ذلك‪ .‬وكنا نقطع إثنتا‬ ‫عشرة كيلو مترا في الساعة‪ْ ,‬لن اْلمواج كانت ما تزال تضرب السفينة‬ ‫من الخلف واستمرت اْلوضاع هكذا لثالثة أيام‪.‬‬ ‫في الرابع عشر من أيلول عند الساعة الثانية ظهرا‪ ,‬كانت اْلجواء مغلقة‪,‬‬ ‫شعرنا بأن العاصفة قادمة‪ .‬اكتست السماء بظالم غير مسبوق‪ ,‬وغيوم‬ ‫سوداء كثيفة‪ ,‬فكان هنالك ث قل غير طبيعي في السماء‪ .‬وأ صوات الصواعق‬ ‫والبرق تضرب في كل مكان ‪ .‬ورأينا طيور ا سوداء كبيرة ومرعبة وهي‬ ‫خاصة بهذه المنطقة‪ ,‬حيث كانت تخرج منهم أصوات مدهشة ومخيفة‪ .‬وبعد‬ ‫ذلك هطلت أ مطار غزيرة‪ ,‬تبعتها رياح غربية شديدة‪ .‬حتى الشمس خافت‬ ‫من هذه العاصفة وهربت‪ .‬وبعد الغروب ازدادت شدة العاصفة‪ ,‬وتضررت‬ ‫أجزء من السفينة في هذه العاصفة‪.‬‬

‫ومن قوة وضخامة اْل مواج وقعت صناديق البوصلة وانكسرت‪ ,‬وفي هذه‬ ‫اْلثناء كنت جالسا بجانب إحدى اْلعمدة وسمعت الجميع ينطق بالشهادة‪,‬‬ ‫عاجزين عن فعل أي شيء‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫وبعد نصف ساعة هدأت اْلجواء بعناية ربنا سبحانه وتعالى‪ .‬وقمنا بربط‬ ‫اْلعمدة التي انكسرت جراء العاصفة‪ .‬وفي اليوم التالي تم فتح جميع‬ ‫اْلشرعة ْلن اْلجواء كانت مناسبة وأبحرنا عدة أيام بهذه اْلجواء‪.‬‬ ‫الرابع من تشرين اْلول يوم الثالثاء‪ ,‬وصلنا إلى جزيرة "موريشيوس"‬ ‫التابعة لدولة اْلنكليز‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫جزيرة موريشيوس‬ ‫هي جزيرة معروفة بأسم " دي فرنش " تقع على تسعة عشر درجة‬ ‫وخمسون دقيقة جنوبا على خط العرض‪ ,‬وسبع درجات وخمسة وأ ربعون‬ ‫دقيقة شرقا على خط الطول‪.‬عدد سكانها ثمانين ألف نسمة‪ .‬وهي مدينة‬ ‫تحتوي على ميناء " بورت لويس " ‪.‬‬ ‫وهذه المدينة مزينة بعمارات عديدة‪ ,‬حيث تحتوي على مسجدين ومشفى‬ ‫وكنائس تابعة لمذاهب الديانة المسيحية‪ ,‬وشارع منظم‪ ,‬وسوق‪ ,‬وعدد من‬ ‫اْلبنية الكبيرة اْلخرى‪ .‬وباب التجارة في هذه المدينة مفتوحا على‬ ‫مصراعيه‪ ,‬بسبب تجارة السكر‪ ,‬حيث يحصلون على واردات كبيرة من‬ ‫خالل بيع السكر إلى الهند والصين وجزر " الفلمنك "‬ ‫ميناء "بورت لويس " هو ميناء محمي وآمن بطريق متينة‪ ,‬وباإلضافة‬ ‫إلى ذلك يحتوي على ترسانة تجارية رائعة ‪ .‬حيث يوجد فيه حوضين‬ ‫فارغين وحوض مليء بالماء‪ ,‬وعدد كبير من المعامل و ورشات العمل‬ ‫والمستودعات وأبنية أخرى‪ .‬ويتواجد في هذا الميناء دائما مئة وخمسون‬ ‫سفينة تجارية‪ .‬باإلضافة إلى ذلك يدخل ويخرج من هذا الميناء البواخر‬ ‫البريدية التابعة لدول "مالبار" ‪" ,‬سنغافورا" ‪" ,‬بومبي" ‪" ,‬جدة" ‪. 5‬‬ ‫في كل عام تأتي عاصفة قوية تسمى بعاصفة"حارقاني"‪ .‬وعند ظهور‬ ‫عالمات هذه العاصفة يتم تعليق إشارة على سفينة "رئيس الميناء" المتواجد‬ ‫في الميناء إلبالغ السفن بقدوم الخطر‪ .‬وعندما ترى السفن هذه اإلشارة‬ ‫يقومون بإنزال اْلشرعة واْلعمدة مباشرة‪ ,‬والسفن التي لم تتخذ هذه‬ ‫اإلجراءات تكون نهايتها الغرق غالبا‪.‬‬

‫وتهي إحدى مدن شبه جزيرة العربية‬

‫‪47‬‬

‫‪5‬‬


‫تميل بشرة الناس في هذه الجزيرة إلى السواد‪ .‬ثالثون ألف نسمة في‬ ‫هذه الجزيرة هم من المسلمين‪ ,‬والباقي هم من الفرنسيين‪ .‬ويعيش هنا ايضا‬ ‫أناس وحوش بكل معنى الكلمة‪ ,‬حيث يعيشون في بيوت من الحصير‬ ‫ويتجولون وهم عراة‪.‬‬ ‫ويوجد هنا تجار من المسلمين لهم شهرة في الجزيرة‪ ,‬منهم أصحاب‬ ‫المعامل ومنهم أصحاب السفن التجارية‪ ,‬حيث يتعاملون مع الهند‪ .‬وكان‬ ‫هناك شخص اسمه "حاج اسماعيل" وهو كبار وجهاء المسلمين‪ .‬سنتكلم‬ ‫عنه بالتفصيل‪..‬‬ ‫حاج اسماعيل أفندي هو من سكان جزيرة " موريتوس"‪ ,‬وهو صاحب‬ ‫أربعون سفينة وطرادة‪ ,‬ويملك معامل عدة‪ .‬وتتجول سفنه في البحر اْلحمر‬ ‫والهند والخليج العربي تحت حماية اْلنكليز بهدف التجارة‪ .‬ذهب "حاج‬ ‫اسماعيل" خمس مرات ْلداء فريضة الحج‪ .‬وهو يعمل بالتجارة ولديه‬ ‫عشرين موظفا‪ .‬ول يُعرف حجم اْلمول التي يملكها‪.‬‬ ‫فرح "حاج اسماعيل" بزيارتنا إلى هذه الجزيرة‪ .‬حيث قام بزيارتنا وقدم‬ ‫الهدايا لجنود السفينة‪ .‬و قام بدعوة قائد سفينتنا والضباط إلى قصره عدة‬ ‫مرات‪ .‬وقدم لنا احترام كبيرا خالل وجودنا في هذه الجزيرة‪.‬‬

‫والمسجدين التي ذكرناهما في اْلعلى بُنيا من قبل "حاج إسماعيل" أفندي‪.‬‬ ‫وفي إحدى أيام الجمعة ذهبنا إ لى المسجد بعد الوليمة التي قدمها لنا الحاج‬ ‫اسماعيل في قصره‪.‬‬ ‫وكان في المسجد شقيق ملك "قبلستان"‪ ,‬الذي صعد إلى المنبر وخطب باسم‬ ‫سلطاننا "عبدالعزيزخان"‪ .‬وفي نهاية الخطبة قرأنا أدعية لصحة وعافية‬

‫‪48‬‬


‫السلطان‪ .‬وبعد هذه اْلدعية هتفنا مع الضباط في المسجد جملة"عاش‬ ‫سلطاننا"‪.‬‬ ‫زبدة الحديث‪ :‬أن "حاج اسماعيل" قام بواجب الضيافة بشكل كامل‪,‬‬ ‫واحترمنا احترما ل مثيل له خالل وجودنا في الجزيرة‪.‬‬ ‫وأعطت دولة اْلنكليز إذنا إلنشاء مآذن للمساجد‪ ,‬و بدأ العمل بذلك‪.‬‬ ‫بعد أن سيطر اْلنكليز على الجزيرة اهتموا بعمرانها فتقدمت المدينة في‬ ‫مجال التجارة‪ ,‬حيث أقاموا السكك الحديدية‪ ,‬والقطارات وعربات البريد‬ ‫وخطوط البرقية‪.‬‬ ‫والناس الوحوش الذين ذكرناهم في اْلعلى لديهم معتقدات غريبة جدا‪.‬‬ ‫حيث أن نسائهم يضعن حلق من الذهب أوالنحاس في أفواههن و أُ نوفهن‪,‬‬ ‫حسب وضعهم المادي‪ .‬والنساء الباكرات يقفلن فروجهن بالحلق‪.‬‬ ‫وأكثر ما يخيف هؤلء الوحوش هو القطار‪ ,‬حيث يعتقدون بأن اْلنكليز هم‬ ‫من يقودون هذه القطارات‪ ,‬وسيدمرون بيوتهم بها إذا عصوا اْلوامر أو‬ ‫وقفوا في وجوههم‪ ,‬لذا يرتجفون خوفا عندما يسمعون صوت القطار‪ .‬لذلك‬ ‫يعيشون بعزلة ويزرعون قصب السكر‪ .‬وتزرع جميع أنواع الخضروات‬ ‫في هذه الجزيرة‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫مالحظات مثيرة لألهتمام‬ ‫في أحد اْليام ذهبت إلى إحدى القرى بالقطار بقصد الزيارة‪ .‬تجولت في‬ ‫معمل السكر الموجود في القرية والذي يملكه أحد تجار اْلنكليز‪ .‬وكان‬ ‫المعمل يحتوي على غرف خاصة للعمال‪ .‬كان يوجد معبدا في وسط هذه‬ ‫الغرف‪ .‬ويتكفل صاحب المعمل بإطعام وإلباس العمال إلى جانب رواتبهم‪.‬‬ ‫والعمال ل يستطيعون الخروج إلى خارج المعمل إل بإذن رسمي‪.‬‬ ‫بعد أن تجولنا في كل أنحاء المعمل‪ ,‬أخذني تاجر انكليزي إ لى المعبد ال ذي‬ ‫ذكرته أثناء استراحة وجبة الغداء‪ .‬وكان ممتلئأ بالثريات والشمعدانات وكان‬ ‫يوجد في وسط المعبد تمثال إمرأة مزينة بالنقوش‪ .‬أخبرني التاجر ( أن‬ ‫العمال سيأتون إ لى المعبد من أجل العبادة )‪ ,‬و طلب مني أن أراقبهم‪ .‬وبعد‬ ‫نصف ساعة جاء خمسة أشخاص واشعلوا الشمعدانات‪ .‬وخصصوا لنا مكانا‬ ‫لمراقبة عبادتهم‪.‬‬

‫وبعد بضع دقائق دقت أجراس المعبد و دخل شخص ذو مظهر غريب‬ ‫يرتدي ثوبا أسودا ومعه خمسة أشخا ص وفي يدهم اليمنى صواني ووقفوا‬ ‫أمام التمثال‪ .‬وبدأو يصرخون‪ ,‬كان يخرج منهم صوت غريب ومخيف‪.‬‬ ‫وبعد عدة دقائق دخل من الباب العمال مع عائالتهم حفاة اْلقدام وبثيا ب‬ ‫جديدة‪ .‬وذهبوا باتجاه التمثال ووضعوا طعاما في فمه ومن ثم انتقلوا إ لى‬ ‫القسم الخاص لعبادتهم‪ .‬لكن الطعام الذي وضعوا في فم التمثال كان يسقط‬ ‫إلى الصواني التي خلف التمثال‪ .‬وبعد اْل نتهاء من تقديم الطعام‪ ,‬تم تغطية‬ ‫التمثال‪ .‬وقاموا برفع أيديهم إلى اْلعلى وبدأو ا بالصراخ ‪,‬ثم سجدوا إلى‬

‫‪50‬‬


‫اْلرض واخرجوا من جيبهم مادة بيضاء كالملح ووضعوها على رؤوسهم‬ ‫وبعد اْل نتهاء انصرفوا إلى أعمالهم‪.‬‬ ‫سألت التاجرعن أصل هذه العبادة القبيحة‪ ,‬فأجابني بأن هؤلء تبنوا هذا‬ ‫التمثال إلها لهم "وهو تمثال ْلمرأة"‪ .‬وهم هنا إلطعام التمثال طعاما يحتوي‬ ‫على الرز والحليب‪ ,‬و يعتقدون بذلك أنهم سيتوفقون في أعمالهم وأن هذه‬ ‫اآللهة ستحميهم من اْلمراض واْل رواح الشريرة‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫األحداث‬ ‫كان سكان الجزيرة يأتون لزيارتنا كل يوم رجال ونساء وبأعداد كبيرة‬ ‫خالل وجودنا في جزيرة " موريشيوس"‪ .‬ويدعون لحضرت سلطاننا‬ ‫بالصحة والعافية‬ ‫الخامس عشر من تشرين اْلول يوم السبت‪ .‬لقد تم تأمين كافة مستلزمات‬ ‫السفر خالل أسبوع وخرجنا من ميناء "موريشيوس"‪ .‬كانت اْلجواء هادئة‬ ‫جدا ودرجة الحرارة مرتفعة‪ .‬وفي الس ادس والعشرين من تشرين اْلول‬ ‫وصلنا إلى "إكوادر" ولم نسجل أي حادثة غريبة في هذه اْلثناء‪.‬‬

‫وفي الثامن والعشرين كانت اْلجواء والرياح مناسبتين لإلبحار‪ .‬فتحنا‬ ‫جميع اْلشرعة وحتى أشرعة الزينة وأصبحت السفينتين "بورصة وإزمير"‬ ‫كعروسة تميل يمينا ويسارا في وسط البحر‪ ,‬ودعينا لحضرة سلطاننا‪ .‬حيث‬ ‫وصل دعائنا إلى قبة السماء‪.‬‬ ‫وبعد فترة من الوقت اشتدت اْلجواء وفقدنا طرادة "إزمير" عند المساء‬

‫‪52‬‬


‫مدينة بومباي‬ ‫تقع مدينة بومباي على ساحل "مالبار" وهي أشهر مركز تجاري في‬ ‫الهند‪ ,‬وحاليا هي تحت إدارة الح كومة البريطانية‪ .‬تقع على ثماني عشرة‬ ‫دقيقة وخمس وخمسون دقيقة شمال على خط العرض‪ .‬ووإثنان وسبعون‬ ‫درجة وأربع وخمسون دقيقة شرقا على خط الطول‪.‬‬ ‫يعيش في بومباي ثمانون ألف نسمة تقريبا‪ .‬وتحتوي على المساجد‪,‬‬ ‫والمعابد المجوسية‪ ,‬والمساكن‪ ,‬ومشفى‪ ,‬وثالثة أحواض منظمة وجميلة لبناء‬ ‫السفن‪ ,‬إلى جانب العديد من المباني اْلخرى‪.‬‬ ‫مدينة بومباي مدينة تجارية جميلة‪ ,‬حيث تأتي إليها المنتجات والسلع التي يتم‬ ‫إنتاجها في أنحاء مختلفة من الهند‪ ,‬ويتم تصديرتها إلى الدول والجزر المجاورة‬ ‫للمحيط الهندي وخاصة (سنغافورة‪ ،‬مدراس جزيرة سرنديب‪ ،‬باربون‪،‬‬

‫موريتوس‪ ،‬سواحل البحر اْلحمر‪ ,‬وخليج البصرة ) حيث يتم نقل البضائع‬ ‫من ميناء " بومباي" إلى هذه اْلماكن المجاورة للمحيط الهندي وخاصة أن‬ ‫معظم السفن التي تبحر في هذه المياه تم إنشاؤها في أحواض " بومباي"‪.‬‬ ‫وأيضا السفن التي تحتاج إلى صيانة تأتي إلى هذا الميناء‪.‬‬ ‫تأتي البواخر البريدية إلى " بومباي" كل أسبوع بإنتظام من (أوربا‪،‬‬ ‫موريتوس‪ ،‬عدن‪ ,‬وجدة) ومن أماكن أخرى وخاصة البصرة‪.‬أغلبية سكانها‬ ‫من الهنود المسلمين‪ ،‬وباقي السكان هم من المجوس البانيان الذين يقومون‬ ‫بحرق موتاهم‪.‬‬ ‫النساء هنا بشكل عام أصحاب مهن وفنون ويقو مون بإنتاج بضائع جميلة‬ ‫ونادرة‪ ,‬خاصة بالهند ‪ .‬وهناك عادات غريبة تابعة للديانات الهندية مثال‪ :‬إذا‬ ‫مات شخص من مجتمع "البانيان" يقومون بحرقه هو و زوجته معا ‪ ,‬ومع‬ ‫العلم ان الحكومة البريطانية عملت قصارى جهدها للحد من هذه العادات‬ ‫‪53‬‬


‫السيئة ولكن دون جدوى ‪ .‬في بعض اْلحيان ليحرقون الزوج مع زوجته‬ ‫او العكس الزوجة مع زوجها‪ .‬هي عادات منتشرة في المناطق الداخلية‬ ‫للهند‪ ,‬و تنتشر اْلمراض و اْلوبئة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في فصل‬ ‫الصيف ‪.‬‬ ‫ويوجد في الهند مجتمع أخر‪ ,‬لديهم عادات غريبة أيضا‪ .‬حيث يقومون‬ ‫برمي موتاهم في المستنقع المقدس "في نهاية خليج البنغال"‪ ,‬وتنتشر‬ ‫اْل مراض الخبيثة بسبب روائح الجثث المتعفنة التي ترمى في المستنقع ‪,‬‬ ‫وح تى السفن التي تمر على بعد خمسة أميال تشعر وتشم روائح هذه الجثث‪.‬‬ ‫لقد بقيت سفينة "إزمير" أسبوعا واحدا في ميناء بومباي أما سفينة‬ ‫"بورصه" بقيت في ميناء مسقط حتى السابع من شهر تشرين الثاني‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫مسقط‬ ‫إمامة "مسقط" هي واحدة من اإلمارات الصغيرة الموجودة في القسم‬ ‫الجنوبي من نصف الجزيرة العربية‪ ,‬عدد سكانها حوالي مئتان وأربعون‬ ‫أ لفا ومركز المدينة هو مدينة مسقط الموجودة على ساحل البحر‪.‬‬ ‫تقع على ثالث وعشرون درجة وسبعة وثالثون دقيقة شمال على خط‬ ‫العرض‪ ,‬ثمان وخمسون درجة وواحد وأربعون دقيقة شرقا على خط‬ ‫الطول‪ .‬هذه المدينة تحتوي على بعض من المباني القديمة‪ ,‬كالدكاكين‬ ‫المهجورة‪ ,‬وقصر الحاكم الموجودة في مقدمة الميناء وفي الطرف الثاني‬ ‫من المدي نة هناك أربعة قالع على وشك الدمار‪ .‬اإلمام الحالي بعد أن قتل‬ ‫أباه‪ ,‬حصل على التقدير بعدما حارب عمه الذي من المفترض أن يحل محل‬ ‫أبيه‪ .‬ولهذا السبب لم تقبل الدول ا ْلجنبية بإمامته‪ ,‬ولم يعترفوا بمسقط‪.‬‬ ‫مع مرور اْليام وفي أحد الليالي قام عم اْلمام ومعه خمسين شخصا‬ ‫باْل ستيالء على القلعة الكبيرة التي تحكم المدينة وقتل الحراس الثماني‬ ‫الموجودين فيها‪ ,‬وبدأ بإمطار المدينة بقذائف المدفعية‪ .‬ولكن بسبب قلة‬ ‫اْلرزاق ومحاصرة اْلمام لهم‪ .‬أراد عم اْلمام أن يسلم القلعة وي هرب‪ .‬ولكن‬ ‫تم إلقاء القبض عليه‪ .‬ووضع في السجن لعدة أيام‪ .‬لكن اْلمام احترامه لكونه‬ ‫عمه‪ ,‬وبشرط ذهابه إ لى بلد آخر‪ .‬قام بإعطائه مقدارا من المال وطرده‬ ‫بسفينة بإتجاه البحر اْلحمر ‪.‬‬ ‫ي في المدينة أثناء اْلشتباكات الداخلية‪ ,‬جاءت فرقة من‬ ‫ووفق لما رو َ‬ ‫السفن الحربية اْلنكليزية من بومباي وأوقفت اْلشتباكات الداخلية‪ .‬أما قائد‬ ‫السفينة فقد قال‪ :‬بأنه سيمطر المدينة بالقذائف في حال عادت الحرب‬ ‫الداخلية مرة أخرى‪.‬‬ ‫لقد كانت هناك عالقات تجارية كثيفة بين رصيفي "بومباي والبحر‬ ‫اْلحمر"‪ .‬وذلك بسبب زراعة التمر والقطن وإنتاج الحرير‪ .‬ولحالوة مسقط‬ ‫شهرة خاصة في تلك المناطق‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫ترسانتها تتكون من عشرين سفينة حربية من " كورفيت" إلى " كوترا"‬ ‫تابعة لحكومة مسقط‪ ,‬ول يوجد تنظيم عسكري لهذه السفن‪ .‬وطوال فترة‬ ‫تواجدها في الميناء يبقى معها حارسين أو ثالتة‪ .‬وفي حال أرادت اْلنطالق‬ ‫إلى ال سفر يتم النداء عن طريق المؤذن‪ ,‬حيث يتم تأمين طاقم مأجور‪.‬‬ ‫ل يتواجد أحد في القالع عند الضرب بالمدافع‪ ,‬بنفس الطريقة يقوم المؤ ذن‬ ‫بالندا ء في السوق وبعهد يذهبون العمال إلى القلعة وينفذون المهمة‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫األحداث‬ ‫عند وصولنا إلى مسقط‪ ,‬تم تنفيذ مهمة إلقاء التحية بإطالق عشرين طلقة‬ ‫مدفعية‪ ,‬وبعدها نزل قائدنا إلى البر وألتقى مع إمام مسقط‪ ,‬وفي نفس اليوم‬ ‫بعد أخذ الفحم والمعدات الالزمة‪ ,‬افترقنا من ميناء مسقط‪ ,‬وبسبب سكون‬ ‫الجو والطقس قمنا بتشغيل اْللت وفي اليوم التالي و في ساعات متأخرة من‬ ‫الليل تم الدخول إلى مضيق "هرمز" حيث قضينا ما يقارب اليومين في‬ ‫السواحل اإليرانية وفي اليوم الثاني عشرمن تشرين اْلول وصلنا إلى ميناء‬ ‫مدينة " بوشهر"‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫مدينة بوشهر‬ ‫"بوشهر" مدينة في خليج بصرى على السواحل اإليرانية‪ .‬تقع على تسعة‬ ‫وعشرين درجة شمال و خمسين درجة ودقيقة شرقا‪ .‬أبنية "بوشهر" مدمرة‬ ‫بشكل شبه كامل‪ .‬اْلزقة ضيقة وكثيفة‪ .‬ويعيش فيها حوالي عشرة آلف‬ ‫شخص‪ .‬وهي مركز تجاري مهم بسبب كونها رصيف لدولة إيران‪ ,‬وتأتي‬ ‫إليها السفن التجارية من "بومباي‪ ,‬وبصرى‪ ,‬وجدة" للتجارة‪..‬‬ ‫ألقينا التحية بإطالق واحد وعشرون طلقة مدفعية‪ ,‬لكن في المقابل تم الرد‬ ‫بتسع طلقات من القلعة‪ .‬قام قاد السفينة مباشرة بإرسال كتاب رسمي يسأل‬ ‫فيها والي المنطقة عن السبب‪ ,‬أرسل الوالي إليه رسول خاصا قال له‪ :‬نرجو‬ ‫المعذرة لم نكن نملك البارود الكافي إلطالق واحد وعشرون طلقة‪ .‬ونتوقف‬ ‫عن الحديث عن مدينة "بوشهر" كونها ليست جديرة بالذكر‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫األحداث‬ ‫بعد بقائنا أربعة ساعات في ميناء مدينة " بوشهر" وصلنا إلى جزيرة‬ ‫تسمى "فيراتا" الموجودة تحت حكم إيران‪ .‬وقمنا بتعليق إشارة تواصل‪,‬‬ ‫وأطلقنا بالمدفعية‪ .‬وجاء من الساحل زورق صغير فيه الدليل‪ ,‬فقمنا بتشغيل‬ ‫المحركات وأخذنا المسار و سافرنا طول الليل‪ ,‬وفي اليوم الثاني في الساعة‬ ‫السابعة رأينا اإل شارة الموجودة في الميدان العالي ‪.‬‬ ‫وفي الساعة العاشرة وصلنا إلى "فاف" ودخلنا إلى نهر شط العرب‪,‬‬ ‫انتظرنا حتى الساعة الواحدة والربع‪ ,‬بسبب مجي ء فارس من فرسان‬ ‫العثمانيين المسمى ب " هوجا" إلى سفينتنا‪ ,‬وبعدها استمرينا بالسفر حتى‬ ‫مغيب الشمس‪ .‬في تلك الليلة قمنا بتنظيف السفينة ونقلنا القذائف الموجودة‬ ‫في المخزن إ لى سطح السفينة‪ ,‬وانطلقنا في الساعة العاشرة صباحا‪ .‬في‬ ‫الرابع عشر من تشرين الثاني يوم اْلثنين‪ ,‬تم تعليق رايات الفوج وقام‬ ‫الجنود بالدعاء‪ :‬قائلين " أطال هللا بعمرك أيها الملك" ‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫مدينة بصرى‬ ‫وبتيسير من رب العالمين وصلنا إلى بصرى وقمنا بإطالق واحد‬ ‫وعشرين قذيفة بداعي الشكر‪ ,‬وتم ذكر عبارة " أطال هللا بعمرك أيها‬ ‫السلطان" مرارا وتكرارا م ن قبل الجنود والناس والبدويين الذين اجتمعوا‬ ‫في الساحل‪ ,‬حتى وصلت أصواتهم إلى عنان السماء‪ ,‬اللهم زد وبارك كل‬ ‫ساعة من ساعات حكم سلطاننا ول تنقص عنا مساعداته ودعمه وزد من‬ ‫إيمانه و محبته "آمين"‪.‬‬ ‫من اإلنجازات ال تي أ نجزها إلى أن أصابه المرض أنه قام بتأمين حماية‬ ‫الناس بإحضار مهندسين مختصين لترميم المجمعات السكنية وإنشاء أبنية‬ ‫حديثة ‪ ,‬غير ذلك اتخذ عدة خطوات لألهتمام بالنظافة‪ ,‬لهذا السبب تخلصت‬ ‫بصرى من كونها مسكننا للغربان والبوم‪ ,‬و ازدهرت بصرى بجهوده‪.‬‬ ‫ول يمكن إنكار أعمال قائم مقام "بصرى" صاحب العز "سليمان أفندي"‬ ‫مختصر الكالم بصرى هي مركز تجاري هام‪ ,‬بسبب كونها نقطة وصل بين‬ ‫بغداد وبالد الهند المجاورة لها‪ .‬حيث تأتي باخرة البريد من بومباي إلى‬ ‫اْلنكليز مرة في اْلسبوع‪ .‬وأيضا تاتي السفن من مسقط وبوشهر من أجل‬ ‫التجارة‪.‬‬ ‫في مقدمة بضائع بصرى "التمر‪ ,‬الرز‪ ,‬القطن" وفي بعض السنوات‬ ‫تزداد المحاصيل في منطقة بغداد‪ ,‬فتنقل هذه المحاصيل إلى بصرى لتباع ‪.‬‬ ‫يوجد سفينتين عثمانيتين وسفينتين إنكليزيتين على وشك العمل من بصرى‬ ‫إلى بغداد وهذه السفينتين تذهبن من والى بصرى إلى بغداد ذهابا وإيابا‬ ‫وأيضا من الموارد الهامة اْلحصنة العربية اْلصيلة الواردة من الكويت‬ ‫وبيعها إلى الخارج‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫ترسانة بصرى‬ ‫الترسانة تمتد من نهر الشط وتحل على ضفاف قناة "اشعر" التي تمر من‬ ‫أمام مدينة بصرى‪ ,‬وطولها ُ‬ ‫ست مائة قدم تقريبا‪ .‬ول يوجد في الترسانة‬ ‫حوض أو أبنية أخرى ( التي يكون وجودها ضروريا في الترسانات)‪ .‬يوجد‬ ‫فيها غرفة مخصصة للكتاب‪ ,‬وبعض المخازن المبنية من أغصان اْلشجار‬ ‫لوضع المعدات فيها‪ .‬وفيها وحدة من الجنود المدعومين بالمدافع‪ .‬وبسبب‬ ‫الحاجة لتصليح سفينة "لطفية كورفيت وعي"‪ ,‬تم البدأ بحفر حوض في‬ ‫الترسانة‪ .‬وتعتبر هذه السفينة من السفن اْلولى ال تي أخذت لتزويد بصرى‬ ‫بالسالح البحري‪.‬‬ ‫وهناك أيضا على بعد ثالثة أميال مكان يسمى "مناوي" يوجد في هذا‬ ‫المكان مدرسة صغيرة لتدريب وتعليم الجنود العثمانيين أ صحاب المواهب‪,‬‬ ‫لتصليح ترسانة بصرى‪ :‬مواضيع البناء "حوض –مصنع –وأبنية أخرى"‬ ‫وْلن إصالح الترسانة من اْلهداف اْلولية للوالي المذكور في اْلعلى قام‬ ‫بتعيين موظفين مختصين‪ ,‬وتم القيام بأعمال الكشف على اْلبنية من أجل‬ ‫الترسانة حيث تم طلب ثالثة سفن أخرى من أوربا‪ .‬وسمعت بأن بعد إكمال‬ ‫العمل هنا سأتون إ لى بصرى‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫الخاتمة‬

‫‪6‬‬

‫إن مهمتي وهدفي هي توثيق اْلحداث وا ْلماكن ال تي رأيناها خالل رحلتنا‬ ‫وذلك بشكل مختصر ومفيد ‪ ,‬وحاولت تسليط الضوء على أوضاع الموانئ‬ ‫اْلجنبية التي زرناها ‪ .‬في حال أردتم التعرف بشكل تفصيلي أكثر على‬ ‫المناطق والموانئ التي زرناها ‪ ,‬عليكم مراجعة كتب الجغرافية ‪.‬‬

‫يرجى من قرائنا المثقفين "الناضجين علميا" تصويب اْلخطاء اإلمالئية‬ ‫أو ذلت اللسان و التي ربما ارتكبناها أثناء تحضيرنا لهذا ال ُكتيب ‪.‬‬

‫نحن من وضعنا العنوان‬

‫‪62‬‬

‫‪6‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.