َّ ِ ن تَ ربية املُستقبل الشرط فهم اإلنساني :رها ُ ُ ّ
*
124
إدغار موران ،ترجمة :عزيز مشواط يجب على كل تربية وتعليم يبغيان امتالك صالحيتهما مستقبالً ،جتاوز التجزيء املؤذي ،والتأسيس لفعل بديل ينبني على ضرورة االعتراف بالطابع املركب لإلنسان» .تلك هي اخلالصة التي ينتهي إليها عالم االجتماع واإلبستمولوجي الفرنسي املرموق إدغار موران في هذا الفصل الثالث من كتابه املوسوم بـ»املعارف السبعة الضرورية لتعليم املستقبل». يقدم املعالم الكبرى للمشروع التربوي الذي يدافع عنه إدغار موران ،منذ سنوات ،استناد ًا إلى نتائج وتراكمات وتأتي فائدة الكتاب من كونه ِّ تداخل املستويات يحكم الذي التعقيد مستوى في والقرار الفهم فيه يكون أفضل، مستقبل أجل من والنضال مسار طويل في البحث والتفكير ُ ُ ُ واملرجعيات واآلفاق. الكتاب برمته ال يشذ عن املنهج التي يعكف موران على تطويره منذ منتصف سبعينيات القرن املنصرم ،إذ ينتهي استناد ًا إلى رؤية عبرمناهجية ( )transdisciplinaireإلى استخالص سبعة مبادئ رئيسية لكل تربية مستقبلية ،قادته إلى تقسيم الكتاب إلى سبعة فصول( :عماء املعرفة: اخلطأ والوهم ،تعليم الهوية األرضية ،أخالق الكائن اإلنساني ،مبادئ املعرفة املركبة ،تعليم الشرط اإلنساني ،في مواجهة الاليقني ،تعليم الفهم). قدم للكتاب فريديريكو مايور املدير السابق ملنظمة األمم املتحدة للتربية والثقافة والعلوم قائ ً ال “إن التزام مفكر من قبيل موران وحكمته يحظيان لدينا بأهمية قصوى ،إن أفكاره تساعد اليونسكو على املساعدة في إحداث التغييرات العميقة واألساسية من أجل اإلعداد ملستقبل أفضل”. اخلالصات التي انتهى إليها موران في هذا العمل تشكل عصارة أفكاره التربوية ،ألنها أتت في سياق مشروع اليونسكو املتعدد التخصصات، الذي رفع شعار “تعليم من أجل تنمية مستدامة” .إنها تأمالت طالب “مايور” شخصي ًا من موران صياغتها ،لالستئناس بها في سياق النقاش العاملي حول توجهات تربية املستقبل من أجل تنمية مستدامة. أما الفصل املترجم ،فانعكاس وفي لتصورات موران العبرمنهاجية التي يعكف على تطويرها منذ سبعينيات القرن املاضي ،كما يجسد تصوراته الداعية إلى توحيد املعرفة اإلنسانية من أجل توحيد مصير النوع اإلنساني ،ومصير الفرد ،واملصير االجتماعي ،واملصير التاريخي ،وكل املصائر املتناثرة بال نظام .تلك هي الرهانات األساسية لتربية املستقبل ،كما يتصورها موران ،ألن كل تربية جديرة باملستقبل ،هي تلك التي تربط بني املعرفة والوعي بالشروط الوجودية املشتركة لكل البشر ،والوعي أيض ًا بالثراء الضروري املتمثل في تنوع األفراد والشعوب والثقافات.
رؤى تربوية -العدد التاسع والعشرون
املترجم كل تربية مستقبلية ال بد أن تتجه نحو تعليم أولي وشامل ،يرتكز على ضرورة فهم شروط الوجود اإلنساني ،ألننا نعيش في مرحلة تاريخية تتسم بالكونية ،ونعيشها كمغامرة مشتركة تهم البشر في كل مكان .هذه هي احلقيقة التي يجب االعتراف بها في أبعادها اإلنسانية املشتركة ،وفي الوقت ذاته ال بد من االعتراف بالتعدد الثقافي املميز لإلنسانية. إن معرفة اإلنسان تقتضي بالضرورة موضعته في العالم ،وليس فصله، وكما أكدنا على ذلك في الفصل األول ،فإن كل معرفة جادة يجب
أن تأخذ بعني االعتبار سياق موضوعها .وهنا تصبح أسئلة من قبيل: من نحن؟ أين نتموضع؟ من أين أتينا؟ وإلى أين منضي؟ غير قابلة للتجزيء. إن مساءلة وجودنا اإلنساني يعني في املقام األول مساءلة وضعنا في العالم .لقد أسهم تدفق املعارف في نهاية القرن العشرين في توضيح وضعية الوجود اإلنساني بطريقة جديدة ،تغيرت معها التصورات السائدة خالل الستينيات والسبعينيات حول الكون واألرض واحلياة،
بفعل الطفرات التي حققتها علوم الكوسمولوجيا وعلوم األرض وعلوم البيئة والبيولوجيا وعلوم ما قبل التاريخ. وعلى الرغم من التطور احلاصل في هذه امليادين العلمية ،فإنها ال تزال تعاني من التجزئة ،إذ يظل البعد اإلنساني مقصي ًا ومجز ًأ إلى فسيفساء متناثرة من رقعة فاقدة لشكلها احلقيقي .وهنا يطرح مشكل إبستيمولوجي يتعلق باستحالة تصور وفهم الوحدة املعقدة للكائن اإلنساني من خالل الفكر التجزيئي ،الذي ينظر إلى إنسانيتنا بطريقة مجتزأة ،ودون أخذ الكون احمليط بنا واملادة الفيزيقية املكونة واألفكار التي نحملها بعني االعتبار ،كما ال ميكن فهم حقيقتنا من خالل تلك النظرة االختزالية التي حتصر الوحدة اإلنسانية في مكون بيولوجي ذري صرف ،بل إن العلوم اإلنسانية ذاتها تتعرض لالختزال والتجزئة. وهكذا يصبح هذا التركيب اإلنساني غير مرئي وتختفي احلقيقة اإلنسانية كما تختفي قشة صغيرة على رمال شاسعة ،ومن ثمة تصبح املعرفة على الرغم من أصالتها ،بسبب جتزيئها ،غير قادرة على استيعاب تعقد الوجود اإلنسان واستدماجه ،وباملقابل ترتفع حدة اجلهل املعمم ،في الوقت الذي تتضخم فيه معرفة األجزاء املنفصلة. لكل هذه احملاذير يلزم على تربية املستقبل أن تقوم باالستفادة من هذا العدد الكبير من العلوم الطبيعية من أجل فهم أفضل لشروط الوجود اإلنساني في هذا العالم ،أما وظيفة العلوم اإلنسانية ،فيجب أن تتجه نحو توضيح األبعاد اإلنسانية املتعددة واملركبة وضرورة إعارة االهتمام لكل اجلوانب اإلنسانية املهمة ،ليس الفلسفية والتاريخية فحسب ،بل الشعرية والفنية أيضاً.
في البداية ال بد من االعتراف بانتمائنا املزدوج إلى الكون املادي وإلى احمليط احلي ،كما يلزمنا في الوقت نفسه االعتراف بتفردنا اإلنساني، حيث ننتمي في اآلن نفسه إلى الطبيعة ونخالفها أيضاً.
125
1.1الشرط الكوني لقد غادرنا إلى غير رجعة فكرة وجودنا في كون منظم ،كامل وأبدي لصالح عالم خلق عبر مجموعة من الدوائر ،يلف مصيره املجهول، حيث يتضافر فيه التكامل من جهة ،والتناقض والتنافس من جهة أخرى، ويتضافر فيه النظام والالنظام أيضاً .إننا نعيش في كون عمالق ،يتمدد باستمرار ،ويتكون من مليارات املجرات والنجوم ،إن كوكبنا ليس سوى نقطة متناهية في الصغر تدور دون توقف في مدار مجرة صغيرة، وفي عالم ال ٍ متناه من املجرات. تكون أجسامنا ميكن أن تكون قد تشكلت خالل إن اجلزيئات التي ّ الثواني األولى لظهور الكون ،الذي يعود رمبا إلى أكثر من 15مليار ذرات الكربون املكونة ألعضائنا قد تكون تنتمي إلى أحد سنة ،كما أن ّ أو العديد من الشموس السابقة علينا ،أي أن جزيئاتنا الدقيقة انتظمت جتمعت في أوائل الزمن املضطرب لألرض .أما املكونات الكبرى ،فقد ّ في دوامات من االضطراب ،تشكل أحد أكبر مصادر الثراء والغنى والتعدد ،بعد أن حتولت إلى نسق جديد مختلف عن النسق الكيماوي األول :إنه نسق حي ذاتي التنظيم.
رؤى تربوية -العدد التاسع والعشرون
من حصة تدريبية في مدرسة غزة للموسيقى.
.1اإلنسان بني التج ُّ ذر واالقتالع
126
تعرض باستمرار إلى تأثيرات الالنظام إن هذا التتويج الكوني للتنظيم ّ تعرض أيض ًا ملؤثرات ال ّتجميع التي منعت الكون من والتدمير ،كما ّ التالشي واالختفاء بعد ميالده. إننا في وجودنا اإلنساني احلالي نتابع املغامرة الكونية من أجل تطور خالق ،تقودنا في هذه املسيرة تلك امليزة اخلاصة املتمثلة في قدرة الكائن اخلاصة هذه املغامرة احلي على التنظيم الذاتي .إننا نواصل بطريقتنا ّ احملفوفة باملخاطر.
2.1الشرط املادي نشأت احلياة على األرض على الشكل التالي :انتظمت القليل من املكونات املادية بطريقة دينامية وحرارية عن طريق «تخمر» بحري وتفاعل كيماوي وتفريغ كهربائي .وهكذا ،ترتبط احلياة بالشمس، وجتمعت ألن مكونات احلياة استمدت طاقتها الدافعة من الشمس، ّ على كوكب لفظته هذه األخيرة .إن احلياة نتاج للتحوالت التي شهدها مجرى الفطونات املستمدة من شرارات الدوامات الشمسية .وبهذا، نتكون نحن األحياء من بويضة ناجتة عن الشتات والتالشي الكوني، ومن بعض مكونات الوجود الشمسي التي لقحت الوجود األرضي.
3.1الشرط األرضي يرتبط مصيرنا مبصير الكون بشكل وثيق على الرغم من أننا نقع في اجلزء الهامشي منه .إننا نعيش في كوكب األرض الذي ميثل الكوكب الثالث للشمس التي انتزعت منها مركزيتها ،وأصبحت جنم ًا قزمي ًا تدور على غرار مليارات النجوم في مجرة ،تشكل بدورها هامش كون يتمدد باستمرار.
رؤى تربوية -العدد التاسع والعشرون
لقد تشكل كوكب األرض الذي ننتمي إليه منذ حوالي خمسة مليارات سنة ،انطالق ًا من احتمال يقول بانفجار كوني ناجت عن دمار أصاب شمساً .أما بخصوص الكائن احلي ،فقد انبثق رمبا حوالي أربعة مليارات سنة نتيجة دوامة ضخمة ملجموعة من اجلزيئات ،بفعل اضطرابات الكواكب وتشنجاتها .وهكذا انتظمت األرض كونياً ،وأنتجت نفسها باستقالل عن الشمس ،وتشكلت من خالل تركيب فيزيقي حي انطالق ًا من اللحظة التي تطور فيها محيطها البيولوجي. إننا في اآلن نفسه كائنات كونية وأرضية .إن احلياة نتجت بفعل تشنجات واضطرابات الكواكب ( )les convulsions telluriquesوفي سياق مغامرتها الوجودية هذه تعرضت في مناسبتني خلطر التالشي عند نهاية احلياة البدائية ،وخالل املرحلة الثانوية .لقد تطورت احلياة ليس كأمناط مختلفة فحسب ،ولكن تطورت كذلك على شكل أنساق بيئية شكل فيها االفتراس سلسلة من االنتصارات ذات التوجه املزدوج :احلياة من جهة ،والعدم من جهة ثانية. تسبح األرض التي نعيش فيها في هذا الكون الشاسع ،لذلك وجب أن نستخلص النتائج من هذه الوضعية الهامشية واحمليطية ،وباعتبارنا كائنات حية داخل هذه األرض ،فإننا نرتبط بشكل حيوي باملجال البيولوجي األرضي ،ما يجبرنا على االعتراف بالهوية اإلنسانية الضاربة
في عمق املادي والبيولوجي.
4.1الشرط اإلنساني إن أهمية التربية على الشرط اإلنساني حتظى بأهمية قصوى ،ألن من شأن ذلك أن يبرهن على الكيفية التي تشكل بها الوجود اإلنساني من خالل جتميع بعدين أساسني :البعد اإلنساني ،والبعد احليواني. تفيدنا األنثروبولوجيا املهتمة بدراسة حقب ما قبل التاريخ ،في التعرف على مسلسل األنسنة ،إذ أن اكتساب اإلنسان إلنسانيته يعتبر مغامرة تضرب جذورها في عمق التاريخ ،ومبدة تقاس مباليني السنني ،إنها مغامرة مرت مبراحل منفصلة شهدت ميالد أشكال البشر األولني، الذين يطلق العلم عليهم أسماء “النيودرتال“ ،و“األموسابيان“ و“اإليريكتوس املنتصب« ،كما عرفت أيض ًا اختفاء بعض األنواع السابقة ،وكذا انبثاق لغات وثقافات ،ومراحل متصلة مبا يعنيه ذلك من استمرار مسلسل تطور وظائف اليدين والرجلني واستقامة اجلسم وتطور الدماغ ،واستمرار التعقيد االجتماعي ،وهي الصيرورة التي انبثقت منها اللغة اإلنسانية التي متيزنا .هذه اللغة ساهمت في الوقت نفسه في تطور الثقافة والرأسمال املكتسب من املعارف والكفاءة واالعتقادات واألساطير املنقولة جي ً ال عن جيل. لقد انتهت عملية األنسنة إلى والدة جديدة .إن الكائن اإلنساني «يتأنسن» ،ومع ذلك فإن مفهوم اإلنسان ميكن أن نقاربه من خالل مدخلني :مدخل بيومادي وآخر نفسي اجتماعي ،حيث يحيل أحدهما على اآلخر .إن أصلنا هو الكون والطبيعة واحلياة ،لكن بفعل هذه اإلنسانية نفسها وبفعل هذه الثقافة وهذا الفكر وهذا الوعي أصبحنا يظل متخفي ًا فينا على الرغم منا. غرباء عن هذا الكون ،الذي ّ إن فكرنا ووعينا الذي مكننا من معرفة العالم هو نفسه ما يبعدنا عنه ،بل إن قضية الدراسة العلمية واملوضوعية للعالم تبعدنا أكثر عن هذا الكون الثاوي فينا الذي ننتمي إليه. إن تطورنا يتجاوز البعد املادي واحلي ،وهذا التجاوز هو أن اخلصائص اإلنسانية في تشتتها شبيهة مبا يقع لنقطة صغيرة داخل مجسم ضخم. نحمل داخل خصوصيتنا وتفردنا ،ليس فقط اإلنسانية وكل احلياة كافة، ولكن نحمل تقريب ًا كل الكون ،بكل غموضه الذي ميكث في عمق الطبيعة اإلنسانية .وباملقابل ،لسنا مجرد كائنات ميكن إدراكها وفهمها انطالق ًا فقط مما هو كوسمولوجي أو مادي بيولوجي أو نفسي .إن إنسانية اإلنسان أكبر من أن تختزل في هذا البعد أو ذاك.
.2إنسانية اإلنسان 1.2الوحدة املزدوجة يتكون اإلنسان بالدرجة نفسها من مكون بيولوجي وثقافي ،وهذه الوحدة املزدوجة هي ما مينح اإلنسان أصالته ومتيزه .إنه كائن حي متفوق طور بطريقة مذهلة قدراته على احلياة .إنه تعبير بطريقة مفرطة جد ًا عن
إمكانياته التمركزية والغيرية للفرد. إن اإلنسان ذو أبعاد بيولوجية ،بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ،ولكن افتراض عدم توفره على املكتسب الثقافي سيحوله إلى كائن بدائي من األصناف احليوانية األولى ،إن الثقافة مبا هي مجموعة من التراكمات احلاصلة عبر سنني طويلة تتضمن كل ما مت االحتفاظ به ونقله وتعلمه، وهي تتضمن أيض ًا القواعد واملبادئ املكتسبة.
2.2دائرة الدماغ ..الفكر ..الثقافة ال يكتمل اإلنسان ككائن تام اإلنسانية إال داخل الثقافة وبواسطتها ،كما أنه من املستحيل تصور ثقافة دون دماغ إنساني (كجهاز بيولوجي يتوفر على كفاءة احلراك ،والتصور ،واملعرفة والتعلم) ،لكن ال وجود لفكر خالص؛ أي إمكانية وجود وعي وفكر دون ثقافة .إن الفكر اإلنساني ينشأ وينمو داخل هذه العالقة الثنائية بني الدماغ والثقافة ،إذ مبجرد انبثاق الفكر يتدخل في اشتغال اجلهاز العصبي ويؤثر عليه. هناك إذن دائرة ثالثية العناصر متشكلة من الدماغ والفكر والثقافة، حيث كل مفهوم يقتضي بالضرورة وجود العنصر اآلخر .وهكذا ،فإن الفكر انبثق من الدماغ الذي أفرز الثقافة التي ال ميكن تصور إمكانيتها دون دماغ.
أيضاً ،حيث تتضمن صراعات معروفة بني الغريزة والقلب والعقل، وبالنتيجة فإن العالقة الثالثية ال تخضع بالضرورة لتراتبية :عقل، عاطفة ،غريزة .إن العالقة بني هذه املكونات ليست سكونية بل دائرية. العقالنية بهذا املعنى ال تتوفر على سلطة مطلقة ،إنها مجرد مكون يتنافس ويتعارض ،وال ميكن فصلها عن باقي املكونات الثالثة ،وهي في الوقت نفسه هشة ،وتتمثل هشاشتها في قدرة باقي املكونات على السيطرة عليها وإزاحتها ،بل واستبعادها من قبل اإلحساس أو الغريزة. إن غريزة القتل ميكن أن تشغل القدرات اخلارقة للمنطق ،وتستعمل العقالنية التقنية من أجل تنظيم أفعالها وتبريرها.
127
4.2ثالثية :الفرد ،املجتمع ،النوع ال يستقيم احلديث عن اإلنسان دون التوقف عند هذه الثالثية :فرد، مجتمع ،نوع؛ ألن األفراد ليسوا سوى منتوج لصيرورة إعادة إنتاج النوع البشري ،لكن هذه الصيرورة نفسها ليست سوى منتوج اللتقاء فرديني .وهكذا ،فإن تفاعالت األفراد تنتج املجتمع ،وهذا األخير شاهد على انبثاق الثقافة التي تؤثر جدلي ًا على األفراد انطالق ًا من الشكل التالي: فرد
3.2دائرة العقل اإلحساس ..والغريزة إلى جانب ثالثية (الدماغ -الفكر -الثقافة) ميكن العثور أيض ًا على ثالثية بيو– أنثروبولوجية أخرى غير مذكورة سالفاً ،واملتمثلة في ثالثية أخرى جتد سندها في التصور الثالثي للدماغ ،كما جندها لدى ماكلني (Mac 1،)leanإذ أن الدماغ اإلنساني حسب نظرية هذا العالم األمريكي يتضمن مجموعة من املكونات:
إن العالقة بني املكونات الثالثة ليست تكاملية فحسب ولكنها تنافرية
ال يحظى أي عنصر من هذه العناصر باألفضلية ،وال ميكن بأي حال من األحوال إضفاء صفة اإلطالقية على الفرد ،وأن جنعل منه الغاية القصوى لهذه الثالثية ،كما ال ميكن في الوقت ذاته أن نضفي اإلطالقية نفسها على املجتمع على حساب الفرد الذي يعيش بدوره من أجل املجتمع .وهكذا يصبح كال الطرفني غاية ووسيلة :إن الثقافة واملجتمع متكن األفراد من التالحم ،كما أن التفاعالت بني األفراد متكنهم من استمرارية الثقافة والوصول إلى التنظيم الذاتي للمجتمع .وباملقابل، ميكننا أن نعتبر أن االنفتاح وحرية تعبير األفراد/الذوات يشكل مصيرنا األخالقي والسياسي دون أن نعتقد أن الذوات نفسها تشكل الغاية القصوى من ثالثية :املجتمع ،الفرد ،النوع .واخلالصة ،أنه ال ميكن فهم تعقيد الظاهرة اإلنسانية في انفصالها عن العناصر املكونة لها، ألن كل تطور حقيقي لإلنسان يعني تطور ًا متالزم ًا لالستقالل الذاتي لألفراد ،وتطور ًا للمشاركة اجلماعية ،وتطور ًا لإلحساس باالستماع إلى النوع اإلنساني.
.3الوحدة املتعددة التركيبات: الوحدة والتنوع اإلنساني يجب أن ترتكز تربية املستقبل على أن تكون وحدة النوع اإلنساني ال تتعارض مع تعدده ،كما أن فكرة التعدد ال ميكنها القضاء على فكرة
رؤى تربوية -العدد التاسع والعشرون
< الفص اجلبهي الذي متت وراثته من دماغ الزواحف ،وهو مصدر العدوانية والغرائز البدائية. < قشرة الدماغ احلوفية ،كجزء من مخلفات الثدييات األولى ،حيث يبدو احلصني ( 2)l’hippocampeكمؤشر على ذلك االرتباط الدال بني مجموعة من الكائنات وحلقة مهمة في التطور .إن هذا اجلزء من الدماغ مسؤول عن تطور العاطفة وتطور الذاكرة الطويلة األمد. < القشرة الدماغية :واملتطورة بشكل كبير لدى الثدييات إلى درجة تغطية جميع أجزاء املخ وتشكيل اجلزء الغربي من القشرة الدماغية ،وهي متضخمة بشكل كبير لدى اجلنس البشري مقارنة بباقي األنواع ،وهي التي حتولت فيما بعد إلى قشرة املخ احلديثة ( )néocortexالتي تعتبر املسؤولة عن القدرات التحليلية واملنطقية واإلستراتيجية ،والتي تعمل الثقافة على تطويرها باستمرار .وهنا يظهر وجه آخر من أوجه التعقيد اإلنساني واملتمثلة في استدماج صفات حيوانية (ثدييات وزواحف) في الكائن البشري من جهة ،واختالط اإلنساني باحليواني من جهة ثانية.
مجتمع
نوع
128
الوحدة .هناك وحدة إنسانية وهناك باملقابل تعدد إنساني .إن الوحدة ال تتمثل في املالمح البيولوجية لإلنسان العاقل ،كما أن الوحدة ليست في املكونات السيكولوجية والثقافية واالجتماعية للكائن اإلنساني، هناك أيض ًا تعدد محض بيولوجي داخل الوحدة اإلنسانية ذاتها .وهناك وحدة ليس فقط في اجلهاز العصبي ،بل وحدة فكرية ونفسية وشعورية وثقافية ،األدهى من ذلك أن الثقافات واملجتمعات األشد تباين ًا يشتركون في مبادئ عامة أو منظمة. إن الوحدة اإلنسانية تتضمن داخلها املبادئ املتعددة للتنوع .وهكذا، فإن فهم األبعاد اإلنسانية تقتضي فهم وحدة النوع اإلنساني في تنوعه، وفهم تنوعه في وحدته ،يجب بناء تصور جديد ينظر إلى الوحدة في التنوع وينظر إلى املتعدد في الواحد .وعلى هذا األساس ،يجب على التربية أن تشجع مبدأ الوحدة والتعدد في كل املجاالت ،بل يجب أن يكون هذا الهدف بداية ومنتهى كل فعل تربوي مستقبلي.
1.3املجال الفردي تتجاور داخل الفرد نفسه الوحدة والتعدد الوراثيان .فكل إنسان يحمل في جيناته مورثات النوع اإلنساني ،كما يحمل في الوقت ذاته خصوصياته املميزة له تشريحي ًا وفسيولوجياً .هناك وحدة وتنوع عصبي ،عقلي ،وسيكولوجي ،وعاطفي ،وثقافي ،وذاتي .فكل إنسان يحمل داخله خصوصيات عصبية وثقافية وسيكولوجية وعاطفية وذاتية ترتد باألساس إلى ما هو مشترك ،وفي الوقت ذاته ،يتكون اإلنسان من خصوصيات عقلية وأخالقية ونفسية وشعورية وثقافية متيزه عن اآلخرين.
2.3في املجال االجتماعي املجال االجتماعي بدوره ال يخرج عن ثنائية التنوع والوحدة في اآلن ذاته ،ففي اللغات توجد اختالفات شاسعة في البنيات ،لكنها تشترك جميعها من حيث متفصلها املزدوج ،ما يجعلنا توائم في الكالم ومختلفني في اللغات .وثنائية الوحدة والتعدد نفسها جندها في التنظيمات االجتماعية والثقافية.
رؤى تربوية -العدد التاسع والعشرون
3.3التنوع الثقافي وتعدد األفراد تتخذ الثقافة صيغتني ،فنقول ثقافة بصيغة املفرد وثقافات بصيغة اجلمع .إن الثقافة تشكيلة من املعارف والقدرات والقواعد واألسس واإلستراتيجيات واالعتقادات واألفكار والقيم واألساطير املنقولة جي ً ال عن جيل ،التي يعيد إنتاجها كل فرد وتفرض رقابة على املجتمع وحتافظ على التناسق االجتماعي والسيكولوجي .فال وجود ملجتمع قدمي أو حديث دون ثقافة ،لكن لكل ثقافة خصوصيتها املتفردة ،وبالتالي توجد ثقافة في الثقافات ،لكن الثقافة ال ميكن أن تستمر إال عبر الثقافات املتعددة. توجد التقنيات بدرجات متفاوتة حسب اختالف الثقافات ،كما هو احلال بالنسبة لتقنيات العجالت والدوران ،أو الترابط ،أو البوصلة أو
املطبعة ،وتختلف أيض ًا حسب درجة حضور املعتقدات الدينية واألفكار املالئكية .غير أن بعض الثقافات استطاعت أن تصبح عاملية .فداخل كل ثقافة يوجد رأسمال خاص من املعتقدات واألفكار والقيم واألساطير التي تشكل أساس الروابط القوية بني أفراد جماعة معينة وأجدادهم وثقافتهم وموتاهم. يحاول املدافعون عن التعدد جاهدين التبخيس واحلد من الوحدة اإلنسانية ،في حني يعمد املدافعون عن الوحدة اإلنسانية إلى اعتبار التعدد الثقافي مسألة هامشية .ضد هذين التوجهني يجب االهتمام بالوحدة التي تضمن وتشجع التعدد :تعدد يدخل ضمن سياق الوحدة. تشكل ثنائية الوحدة والتعدد أمر ًا حاسم ًا بالنسبة للثقافات .فالثقافة حتافظ على الهوية اإلنسانية في خصوصياتها ،أما الثقافات فتحافظ على الهويات االجتماعية في ما مييزها .وهكذا يظهر أن الثقافات تنغلق على ذاتها من أجل حماية الهوية اخلاصة .وباملقابل ،تقوم هذه الثقافات باالنفتاح على اخلارج من خالل استدماج األفكار والعادات وعادات األكل واألفراد ،وليس فقط املعارف والتقنيات .إن استيعاب ثقافة ما لعناصر ثقافية تنتمي إلى مجال آخر يؤدي إلى حصول اإلغناء واإلثراء. مكتسبات كبيرة جد ًا وخالقة تنتج عن التالقح الثقافي .إن النموذج اخلالق لهذا التالقح يتجسد بوضوح في موسيقى الفالمنكو وموسيقى أمريكا الالتينية وموسيقى «الراي» 3.وباملقابل ،فان إقصاء ثقافة ما حتت التأثير املدمر للهيمنة التقنية واحلضارية يشكل خسارة لإلنسانية كافة، التي يشكل التعدد الثقافي أحد كنوزها األكثر أهمية. الكائن اإلنساني واحد ومتعدد ،وكما أسلفنا سابقاً ،فان كل إنسان في أبسط مكوناته يحمل داخله مخلفات كونية ،إذ أن كل كائن مهما كانت شدة انغالقه ومهما كان بدائياً ،يتضمن في تكوينه عناصر من هذا الكون .إنه يحمل في داخله أبعاده الداخلية املتعددة وشخصياته االفتراضية ،وعدد ًا النهائي ًا من العناصر املتوهمة ،ووجوداً ،متعدداً، ومتخي ً ال وواقعياً ،في النوم واليقظة ،في الطاعة والتمرد ،في السر والعلن. كل شخص يتضمن داخله مجرات من األحالم واألوهام ومشاعر ظمأى من الرغبات ومشاعر احلب ،وانتكاسات من احلزن ،ومساحات ال متناهية من الالمباالة املتراكمة ،وأكوام ًا من النجوم احملترقة ،ومشاعر من الكراهية ،وإشراقات من الوضوح ،ورعود ًا من احلماقات.
4.3اإلنسان ،العاقل ،الواهم يجب أن نتخلص في القرن احلادي والعشرين من تلك النظرة األحادية البعد التي تعرف الكائن اإلنساني بالعقل فحسب (،)homo sapien أو من خالل وصفه بالكائن الصانع ( ،)homo faberتلك النظرة التي تعرف الكائن اإلنساني بالعقل فحسب أو التي حتصره في أنشطته االقتصادية ( )homoeconomicusأو من التي تقتصر على الوظائف األساسية. يجب النظر إلى اإلنسان بعيد ًا عن هذه النظرة األحادية ،من خالل
استبدالها بتصور يقارب اإلنسان باعتباره كائن ًا مركب ًا يحمل في ذاته خصائص متناقضة وبطريقة ثنائية األقطاب ،إنه: < عاقل وواهم ()sapiens - démens < عامل والعب يحب اللهو ()faber- ludens < واقعي وخيالي ()empiricus- immaginerues < منتج اقتصادياً ،ومستهلك ()economicus- consuman < نثري وشعري ()prosaicus-poeticus إن اإلنسان العقالني هو نفسه احلامل أبعاد ًا عاطفية ،وهو نفسه ذلك املؤمن باألسطورة واخلرافات ،واإلنسان العامل هو نفسه ذاك الذي يجد في اللعب جوهره ،كما أن اإلنسان الواقعي هو نفسه ذلك اإلنسان احلالم .وبالقدر نفسه الذي ميكن أن نصف اإلنسان باالقتصادي ميثل أيض ًا ذلك البعد االستهالكي .من جهة أخرى ،فاإلنسان منتج النثر، هو الذي ينظم الشعر أيضاً ،مبا يعنيه ذلك من امتياز ،ومشاركة، وحب ونزوات .إن احلب شعر ،وكل حب ناشئ قادر على إغراق العالم شعراً ،وكل حب وجد طريقه نحو االستمرارية يبعث في احلياة اليومية متدفق ًا من الشعر فيما تؤدي نهاية احلب إلى رمينا في صحاري النثر .يتضح إذن ،أن اإلنسان ال يعيش فقط من خالل بعديه العقالني والتقني ،إنه يشمئز ،ميزح ،وينخرط في الرقص ،وفي جذبة مرضية وفي األساطير ،والسحر والطقوس .إنه يعتقد أيض ًا في قيم التضحية. ويعيش باستمرار مستعد ًا حلياة ما بعد املوت. في جميع املجاالت يتمظهر النشاط التقني والعملي والثقافي ،كمؤشر على ذكاء جتريبي وعقالني .وفي جميع املجاالت كذلك ،تشكل احلفالت واألعياد والطقوس بكل متظهراتها وأفراحها والضياع الذي تقتضيه مؤشرات على البعد الترفيهي واالستهالكي واخليالي والواهم في اإلنسان.
5.3اإلنسان املركب إننا كائنات لعوبة ،وعدوانية ،وواهمة ،وبالقدر نفسه ،نحن عقالنيون. كل ذلك يشكل اللحمة اخلاصة باإلنسان .إن اإلنسان كائن عقالني ٍ ومستعص عليه .إنه كائن وال عقالني في الوقت ذاته ،قابل للقياس ذو إحساس كثيف وغير مستقر .إنه يضحك ،يبتسم ،يبكي ،ولكن
129
ال بد من التساؤل كذلك إن كان احلمق يشكل معضلة أساسية لإلنسان وليس فقط مخلفاته أو أمراضه .إن تأثير احلمق اإلنساني كان واضح ًا بالنسبة للفلسفة القدمية واحلكمة الشرقية ،وللشعراء من كل األنحاء وألصحاب النظرة األخالقية من «إيرازم» إلى «باسكال» ،ومن «مونتني» إلى «روسو» .غير أن موضوع احلمق هذا تالشى ،بفعل الفورة األيديولوجية للتيار اإلنساني التي اجتاحت العالم ،واجتاحت أيض ًا العلوم. لم يقد احلمق اإلنسان إلى الفناء (فقط الطاقات النووية الناجتة عن استخدام العقل العلمي وفقط التقدم العقالني والتقني في مقابل البيولوجي ،ميكن أن تودي إلى دمار اإلنسان) .بل إن البشر وعلى الرغم من قضائهم جلزء مهم من أوقاتهم في الرقص وممارسة الطقوس والعادات والتزيني وعدد ال يستهان به من احلماقات ،فإن التقدم التقني والعلمي احلاصل يعتبر مذه ً ال حقاً ،وأنتجت احلضارات والفلسفة والعلم ،وسيطر الكائن اإلنساني على كوكب األرض. ميكن أن نستخلص أن التطورات املعقدة أجنزت بواسطة احلمق اإلنساني وضده .إن احلوار عقل/حمق كان ناجع ًا في الوقت نفسه الذي يشكل فيه عنصر دمار .إن الفكر والعلم والفنون قد انبثقت من خالل القوة العميقة للعاطفة واألحالم والقلق والرغبات واملخاوف واآلمال. في كل اإلنتاجات اإلنسانية يتجاور دائم ًا الثنائي عقل/حمق .احلمق يناقض العقل لكنه يستحثه .وقد الحظ أفالطون منذ القدمي أن ديكي، ممثلة قانون احلكمة ،سليلة أوربيس التي متثل إله الالنظام. إنه الغضب األعمى ذاك الذي دمر أعمدة العبودية ،التي مثلها سجن الباستيل ،وباملقابل فإن السيطرة على سجن الباستيل كانت من طبيعة عقلية ،والعقل نفسه سيتحمل مسؤولية طوفان املوت واإلعدام الذي أعقب الثورة الفرنسية. العبقرية في شكل من أشكالها ،ناجتة باألساس من عدم القدرة على سجن اإلنسان في ما هو واقعي ومنطقي ،وفي شفرة وراثية أو في ثقافة أو مجتمع .إن البحث واالكتشاف ال يتقدم إال عبر صبيب معني من الاليقني ،وعبر هامش من التردد املتاح .ألن العبقرية ال تنبثق إال من رحم االنفالت من الرقابة .وهنا يتأجج احلمق ويفعل فعله املبدع.
رؤى تربوية -العدد التاسع والعشرون
إن أنشطة اللعب واالحتفال والطقوس ليست مجرد أنشطة بسيطة للترفيه واالسترخاء من أجل التخفيف من عبء اليومي والعمل .كما أن االعتقاد في اآللهة ،وفي األفكار ال ميكن اختزالها إلى مجرد أوهام أو خرافات .إنها تضرب بجذورها عميق ًا في األعماق األنثروبولوجية، ألنها تهم الكائن اإلنساني في طبيعته األصلية .دون شك ،هناك عالقة ظاهرة أو متخفية بني السيكولوجي والعاطفي والسحر واألسطورة والدين .هناك في الوقت نفسه وحدة وازدواجية ما بني اإلنسان العامل، اإلنسان الالعب ،اإلنسان العاقل ،اإلنسان األسطوري ،وبخاصة أن التطور العقالني التجريبي التقني لدى اإلنسان ،لم يستطع ،في أي حال من األحوال ،أن ينهي مع املعرفة الرمزية واألسطورية والسحرية والشعرية.
قادر على إنتاج معرفة موضوعية .إنه كائن جدي ،ويجيد العد ،ولكن أيض ًا كائن قلق وعصبي وفرجوي ،يحب اللذة ويهيم بها ،كائن عنيف وحنون ،محب وحاقد ،كائن يخترقه اخليال ،ويعترف بالواقع ،يسمع باملوت ويرفض التصديق به .يستبطن األسطورة والسحر ويتجاوران داخله مع العلم والفلسفة .مهووس باآللهة واألفكار ويشكك فيهما وينتقدهما ،يتغذى من األفكار الواقعية ومن األوهام واألحالم غير الواقعية ،وفي الوقت الذي حتدث فيه القطيعة بني الرقابة العقلية والثقافية واملادية ،يقع ذلك اللبس القائم بني الذاتي واملوضوعي .وعندما يتحقق انسجام األوهام بفعل سيادة منطق غير مترابط يقوم البعد األحمق في اإلنسان باستعباد الكائن العاقل ،ويصبح الذكاء العقالني تابع ًا للجانب املتوحش من البشر.
130
ينبثق اإلبداع من خالل ذلك الرابط بني األعماق النفسية والوجدانية املظلمة والشعلة املتقدة للوعي .وعلى هذا األساس يجب على التربية أن تكشف وتوضح املصير املتعدد املعالم لإلنسان ،من خالل توضيح مصير النوع اإلنساني ،ومصير الفرد ،واملصير االجتماعي ،واملصير التاريخي ،وكل املصائر املتناثرة بال نظام وغير املنفصلة .ومن بني الرهانات األساسية أيض ًا لتربية املستقبل ،اإلعالء من موهبة فهم التعقيد اإلنساني ودراسته .إن كل تربية جديرة باملستقبل هي تلك
التي تربط بني املعرفة والوعي بالشروط الوجودية املشتركة لكل البشر والوعي أيض ًا بهذا الثراء الضروري املتمثل في تنوع األفراد والشعوب والثقافات ،ما يجعل جذورنا مشتركة كمواطنني ننتمي إلى هذه األرض. إدغار موران ترجمة :عزيز مشواط
الهوامش
رؤى تربوية -العدد التاسع والعشرون
* العنوان األصلي للمقال هو (ENSEIGNER LA CONDITION ،)HUMAINEوميثل الفصل الثالث من كتاب إدغار موران املعنون بـ «املعارف السبعة الضرورية لتربية املستقبل» (Les sept savoirs ،)nécessaires à l’éducation du futurواملنشور بدعم من اليونسكو. 1بول د .ماكلني عالم البيولوجيا العصبية ،أمريكي اجلنسية (.)2007-1913 اشتهر بنظريته الثالثية حول الدماغ التي يعتبر فيها أن الدماغ اإلنساني يتضمن ثالثة مكونات ،بحيث يحيل كل مكون على مرحلة من مراحل التطور اإلنساني بدأت من الزواحف والثدييات وصو ً ال لإلنسان احلالي، (املترجم). 2احلصني أو قرن آمون قشرة دماغية توجد أسفل الفص الصدغي للدماغ، وقد حظيت باهتمام كبير من الدراسات التشريحية منذ أواخر القرن التاسع عشر ،وبخاصة في أوائل القرن املنصرم .ويرجع االهتمام إلى املعطيات التي قدمها طبيب األعصاب بابيز ( ،)Papezحيث أظهر هذا الباحث أن للحصني دور ًا مهم ًا في اكتساب املعلومات ،وافتراضها من اجلهات األساسية والضرورية للتذكر والذاكرة .وبالفعل ،أكدت الدراسات
من دورة كمبيوتر للفتيات نظمها مسرح احلرية في جنني.
فيما بعد أن للحصني دور ًا في معاجلة املعلومات اخلاصة بالتذكر والذاكرة طويلة املدى .وزيادة على كون هذه اجلهة الدماغية تشكل املمر الضروري للمعلومات ،فإن لها دور ًا آخر ال يقل أهمية عن األول ،بحيث أنها تخزن املعلومات التي هي في طريق الترسيخ ملدة زمانية تصل إلى أسابيع عدة، قبل أن تبعث أو مترر إلى نوى أو باحات قشرية دماغية أخرى .ويستغرق تخزين املعلومات بالنوى والباحات األخرى حيز ًا زماني ًا يدوم في بعض األحيان بباحات أو نوى عدة ،لكل منها دور ونشاط عصبحيوي يتولى وظيفة معلوماتية معينة( ،املترجم). 3الراي هو حركة موسيقية غنائية نشأت بالغرب اجلزائري ،تعود أصولها إلى لحن» ،لغة أغاني امللحون من اللهجة العامية شيوخ الشعر امللحون أي «ا ُمل ّ القريبة جد ًا للعربية الفصحى ،وتأخذ جل مواضيعها من املديح الديني واملشاكل االجتماعية .ركزت اهتمامها إبان فترة االستعمار الفرنسي على سرد مآسي السكان من صعوبة في املعيشة وآفات اجتماعية حتاول بها توعية املستمع. تطورت هذه احلركة كثير ًا في أواخر القرن املاضي في كل من املغرب واجلزائر، بعد أن استطاع بعض الشباب تطعيمها بإيقاعات موسيقية غربية وشرقية مختلفة لتشكل منوذج ًا فريد ًا من التمازج واالختالط املوسيقي ،املترجم.