تفسير رسالة فيلبي القس انطونيوس فكري كنيسة العذراء الفجالة

Page 1

‫ﺗﻔﺴﻴﺮ‬ ‫رﺳﺎﻟﺔ ﻓﻴﻠﺒﻲ‬ ‫اﻟﻘﺲ اﻧﻄﻮﻧﻴﻮس ﻓﻜﺮي‬ ‫ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﺴﻴﺪة اﻟﻌﺬراء ﺑﺎﻟﻔﺠﺎﻟﺔ‬ ‫اﻻﺻﺪار اﻟﺜﺎﻧﻲ ‪2012‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي ‪ -‬جدول رسالة فيلبي‬ ‫رقم اإلصحاح‬ ‫مقدمة‬

‫رقم اإلصحاح‬ ‫فيلبي ‪1‬‬

‫رقم اإلصحاح‬ ‫فيلبي ‪2‬‬

‫رقم اإلصحاح‬ ‫فيلبي ‪3‬‬

‫رقم اإلصحاح‬ ‫فيلبي ‪4‬‬

‫‪1‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (المقدمة)‬

‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (المقدمة)‬

‫عودة للجدول‬

‫تنقسم بالد اليونان إلى مقاطعتين رئيسيتين هما‪ :‬إخائية فى الجنوب وأشهر مدنها كورنثوس وأثينا‪ ،‬ومقاطعة‬

‫مكدونية فى الشمال وأشهر مدنها فيليبى وتسالونيكى‪ .‬ولقد ضم فيلبس المكدونى فيليبى إلى مملكته سنة ‪653‬‬

‫وحصنها ودعاها بإسمه‪ .‬وفيلبس المكدونى هو أبو اإلسكندر األكبر‪.‬‬ ‫ووسعها‬ ‫ق‪.‬م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وفيليبى تشمل مناجم ذهب‪ .‬وهى طريق رئيسى بين أوروبا وآسيا‪ .‬ولموقعها الجغرافى صارت مدينة تجارية هامة‬ ‫ولقد سقطت تحت يد الرومان سنة ‪ 831‬ق‪.‬م وأصبحت فيما بعد كولونية (أع ‪ .)81 :83‬أى مستعمرة لها‬ ‫إمتيازات خاصة تحت حكم الرومان‪ .‬ولقد أسكن أغسطس قيصر جنوده المنتصرين فيها مكافأة لهم‪ .‬وكان‬

‫سكانها يتمتعون بكل حقوق وامتيازات المواطن الروماني كسكان روما تماماً‪ .‬وال يدفع أهلها ضرائب‪ ،‬مما جعلهم‬

‫يعتبرونها جزًء من روما (وهذا معنى كولونية)‪ .‬ولذلك كان أهل فيليبى يفتخرون بهذا الوضع ولسبب رعويتهم‬ ‫الرومانية المتميزة‪ .‬بل كانوا يلبسون أزياء رومانية‪ ،‬حتى صارت فيليبى صورة مصغرة لروما‪ .‬وقبل إيمان فيليبى‬

‫إنتشر فيها السحر والعرافة والعبادات الوثنية‪ ،‬أى أن الشيطان كان مسيط اًر على أهل المدينة‪.‬‬

‫زارها بولس الرسول سنة ‪ 51‬م حيث أسس أول كنيسة فى أوروبا بعد أن ظهر له فى رؤيا رجل مكدونى يطلب‬

‫إليه قائالً "أعبر إلينا وأعنا" (أع ‪ .)6:83‬فآمن على يديه كثيرون منهم ليديا‪ ،‬وكانت ليديا أول من آمنت فى‬ ‫فيليبى‪ .‬وفيها ُس ِجن الرسوالن بولس وسيال حيث أخرجهما الرب فكر از للسجان وأهل بيته وكانا بولس وسيال قد‬

‫ُسجنا بسبب ثورة حدثت حينما أخرج بولس الشياطين من العرافة فغضب أسيادها النقطاع أرباحهم‪ .‬وهم قبضوا‬ ‫على بولس وسيال ظناً منهم أنهما يهوديان‪ ،‬ثم أدركوا أنهما رومانيان‪ .‬وكان ليس من السهل القبض على‬

‫الرومان إالّ بحسب القانون الرومانى‪ ،‬لذلك إذ عرفوا أنهما رومانيان أطلقوا سراحهما‪.‬‬ ‫تاريخ كتابتها‪:‬‬

‫ُيرجح أنه نحو سنة ‪ 36‬م قرب نهاية أسر بولس األول فى روما‪ ،‬حيث كان يتوقع سرعة اإلفراج عنه (‪،86:8‬‬ ‫‪ .)12،16 :1( + )15‬ورسائل األسر األول هى أفسس وكولوسى وفيليبى وفليمون‪.‬‬ ‫غرض الرسالة‪:‬‬ ‫‪ ‬لما سمع أهل فيليبى أن بولس مسجون ومريض أرسلوا له أبفرودتس بالعطايا والهدايا‪ .‬ولكن أبفرودتس‬ ‫مرض أثناء خدمته لبولس فى روما‪ .‬واذ مرض أبفرودتس وقارب الموت‪ ،‬سمع بذلك أهل فيليبى وحزنوا‪،‬‬ ‫فحزن الرسول على حزنهم وأرسل لهم يطمئنهم على أبفرودتس وأرسله لهم ليطمئنوا‪ .‬وأرسل لهم أيضاً يشكرهم‬

‫على عطاياهم ومحبتهم (‪ .)81،83،81 :2 + 15:1‬وهو يشيد بهم لتبرعاتهم (‪1‬كو ‪:1 + 6،1 :88‬‬

‫‪ .)2،6‬ولنرى مشاعر الحب العجيبة فى محبة الكل للكل‪ .‬وبولس لم يقبل مساعدة مالية سوى من أهل فيليبى‬

‫وذلك لشعوره بمحبتهم الحقيقية ومشاعرهم الطيبة‪ ،‬أما هو عن نفسه فنعرف أنه قد تعلم أن يكون قنوعاً‬

‫‪2‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (المقدمة)‬

‫ومقتنعاً بما عنده حتى لو كان قليالً‪ .‬بل أن أهل فيليبى تبرعوا بالكثير ألورشليم (‪1‬كو‪ )5-8 :1‬حيث ترى‬

‫إشارة بولس الرسول لكرم كنائس مكدونية‪.‬‬

‫‪ ‬وردت كلمة الحب فى هذه الرسالة ‪ 88‬مرة‪ ،‬وهى خالية من التوبيخ أو النقد‪ ،‬بل نرى فيها عواطف حارة‬

‫نحو أبناء لهم مكانتهم الخاصة فى قلب الرسول‪ ،‬إذ ذهب إليهم برؤيا‪ ،‬وكانوا أول كنيسة يؤسسها فى أوروبا‪.‬‬ ‫ونرى فى الرسالة إهتمام الرسول برعيته المحبوبة‪ .‬ومحبته الخاصة لهم وفرحته بهم إذ كانوا كنيسة قوية‪.‬‬

‫وبالرغم من أسر الرسول وسجنه فالرسالة تنضح بنغمة الفرح‪ ،‬لقد تعلم الرسول أن يفرح بالرب كل حين‪ .‬لقد‬ ‫حبسه العالم فى سجن ولكن ال يستطيع أحد أن يمنع تعزيات اهلل عنه‪ ،‬بالرغم من السالسل والضرب‬

‫واإلهانات وهذا ما حدث مع الرسل (أع ‪ .)28:5‬وهذا هو معنى اإلنتصار فى المسيحية‪ .‬فاالنتصار ليس في‬

‫الخروج من التجربة أو إنتهاء األلم أو الظروف المكدرة بل فى إستمرار الفرح والتعزيات حتى فى وسط‬

‫التجربة‪.‬‬

‫مثال‪ :‬الثالثة فتية فى أتون النار‪ .‬فاهلل لم يطفىء النار بل جاء وسطهم وحول النار إلى جنة يسيرون فيها‪.‬‬

‫وهذه هى طريقة اهلل‪ .‬فهو ال يخرجنا من التجربة بل يعطينا التعزية وسط التجربة "شماله تحت رأسى ويمينه‬

‫تعانقنى" (نش ‪ .)3:1‬بل نرى أنه وال حتى الموت صار من األمور المقاومة لنا‪ ،‬فالموت سيقودنا للسماء‪،‬‬

‫فإن كنا نحيا فى السماء من اآلن كعربون لما سوف نأخذه بعد ذلك "سيرتنا فى السماوات" (فى‪ .)11:6‬فإننا‬

‫بالتأكيد سنشتهى أن نذهب فعالً إلى السماء (فى‪ .)16:8‬المسيحية جعلتنا نحيا فى السماويات اآلن كعربون‬

‫(أف‪ .)3:1‬وجعلت الموت شهوة‪ .‬هذه هي الغلبة على الموت‪ ،‬وهذا هو اإلنتصار فى المسيحية على األلم‪،‬‬ ‫أى الفرح الذى ال ينزعه أحد منا (يو‪ .)11:83‬مهما كانت الظروف مكدرة‪ .‬نحن نعيش منتظرين بشوق‬

‫مجىء المخلص‪ .‬ولقد وردت كلمة الفرح فى هذه الرسالة ‪ 83‬مرة‪ ،‬لذلك فهى رسالة حب وفرح‪ .‬حب من ار ٍع‬ ‫أمين لرعيته‪ ،‬وحب من الرعية لراعيها‪ ،‬وحب بين أفراد الرعية بعضهم لبعض‪ ،‬ودعوة للحب الحقيقى بينهم‬

‫ونبذ الذات‪ ،‬ليستمر هذا الحب ويستمر هذا الفرح وسط الضيقات‪ ،‬وتستمر التعزيات اإللهية وسط طريق‬

‫األلم‪ .‬عموماً فال فرح بدون محبة وال محبة بدون فرح‪ .‬فالفرح ناشىء عن المحبة‪ ،‬وثمار الروح "محبة‪ ،‬فرح‪،‬‬

‫سالم‪( "...‬غل‪ )11:5‬وهذه هى الحالة الفردوسية األولى فى جنة عدن (عدن تعنى فرح) إذ كان آدم يحب اهلل‬ ‫ويحب حواء قبل الخطية‪ .‬واهلل بعد فدائه لنا تركنا في العالم المملوء باأللم ولكنه قادر أن يمأل قلوب أوالده‬

‫بالفرح والسالم والتعزية (يو ‪.)11:83‬‬

‫‪ ‬يبدو أن البعض من المتهودين والمتفلسفين (غالباً من الغنوسيين) كرزوا بالمسيح أثناء سجن الرسول‬ ‫بغرض سىء‪ ،‬أالّ وهو إغاظة بولس الرسول‪ ،‬ولكى يتعرض لضيقات أكثر‪ ،‬فجاءت نغمة الرسالة‪ ،‬وحدانية‬ ‫الروح والفرح‪ .‬والرسول انتهز الفرصة ليعطيهم بعض التعاليم ضد ما سمعوه من أفكار فلسفية ومن متهودين‬

‫من الذين كرزوا إلغاظته‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (المقدمة)‬

‫‪ ‬اهلل قادر أن يخرج من الجافى حالوة‪ .‬فنجد أن الرسول استغل فرصة سجنه وبشر كثيرين من الجنود‪،‬‬

‫بل ومن بيت قيصر‪ .‬وهنا نجد الرسول ُيطمئن أهل فيليبى على إستمرار خدمته وسط آالمه وسجنه‪ ،‬وأن‬ ‫كلمة اهلل ال تُقيد‪.‬‬

‫‪ ‬كان للنساء عملهن وخدمتهن فى الكنيسة‪ ،‬ويبدو أن إختالفاً فى الفكر دب بينهن (‪ .)1:2‬لذلك أكثر‬

‫الرسول من كلمة "جميعكم" ‪ ،‬مع التشديد على الوحدانية وحثهم على نكران الذات والتواضع‪ ،‬وطلب الصلح‬

‫بين سيدتين خادمتين هما أفودية وسنتيخى‪ ،‬ويبدو أنهما كانا لهما مرك اًز هاماً فى كنيسة فيليبى‪ .‬ولكن يبدو‬

‫أنه لم يكن فى كنيسة فيليبى خالفات تُذكر سوى خالف هاتين السيدتين‪.‬‬ ‫‪ ‬نالحظ أن حالة أهل فيليبى كانت جيدة‪ ،‬فلم يكن هناك ٍ‬ ‫داع ألن يوبخهم على شىء‪ ،‬وال نرى فيها تعليماً‬ ‫مرتباً كما فى رسالة رومية مثالً‪ ،‬لذلك فهى تتضمن ما يختص باختبارات القديسين وهم فى حالة مر ِ‬ ‫ضية هلل‪.‬‬ ‫ُْ‬ ‫‪ ‬الرسول هنا كان يرسل ألصدقاء فحدثهم عن أخباره وأخبار نجاح خدمته‪.‬‬ ‫‪ ‬كان عدد اليهود الذين أقاموا فى فيليبى قليالً جداً‪ ،‬ولم يكن هناك مجمع لليهود‪ .‬بل كان النسوة يجتمعن‬ ‫على شاطىء النهر للعبادة‪ .‬لذلك كان تعصب اليهود فى فيليبى ال ُيذكر‪ .‬وكان هناك مذبح إلله وثنى على‬ ‫جبل قرب المدينة‪ .‬ويبدو أن اجتماع اليهود عند هذا النهر كان ينضم إليه بعض الوثنيين‪ ،‬فليديا الوثنية كانت‬

‫حاضرة لخطاب بولس فى هذا االجتماع وآمنت‪ .‬وربما تكون ليديا قد تهودت‪ ،‬قبل أن تؤمن بالمسيح على‬

‫يدى بولس‪.‬‬

‫‪َ ‬عي َر الوثنيون المؤمنين فى فيليبى بأنهم عبدوا إنساناً ُح ِك َم عليه بالموت صلباً‪ ،‬وهذه الميتة هى أحقر‬ ‫ميتة عند الرومان واليونان‪ ،‬لذلك فالرسول يوضح لهم فضل معرفة المسيح المصلوب‪ .‬وربما بدأ الوثنيون‬ ‫ب لكم أن تتألموا" (فى ‪.)16:8‬‬ ‫يتهمون المسيحيين بإنشاء دين محرم جديد‪ ،‬فيقول لهم الرسول ُ"وِه َ‬ ‫‪ ‬كتب لهم الرسول يذكرهم بأنهم إن كانوا يفتخرون برعويتهم الرومانية‪ ،‬فعليهم باألولى أن يفتخروا‬ ‫برعويتهم السماوية‪.‬‬

‫‪ ‬حمل أبفرودتس هذه الرسالة ألهل فيليبى لكى يطمإنوا على صحته‪.‬‬

‫ينظر الرسول على كنيسة فيليبى وهم بدونه ‪ ،‬كمعلم ومصلح ألخطائهم ومشجع لهم ليعلمهم أن يلقوا برجائهم‬ ‫على الرب وحده‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫عودة للجدول‬

‫يع ا ْل ِقد ِ‬ ‫‪ُ 1‬بولُ ُ ِ‬ ‫ين ِفي‬ ‫ين ِفي ا ْل َم ِس ِ‬ ‫يح‪ ،‬إِلَى َج ِم ِ‬ ‫ع ا ْل َم ِس ِ‬ ‫سو َ‬ ‫سو َ‬ ‫ع‪ ،‬الَِّذ َ‬ ‫ِّيس َ‬ ‫يح َي ُ‬ ‫س َع ْب َدا َي ُ‬ ‫يموثَ ُاو ُ‬ ‫س َوت ُ‬ ‫امس ٍة‪ِ 2 :‬نعم ٌة لَ ُكم وسالَم ِم َن ِ‬ ‫وَ ِ‬ ‫يح‪".‬‬ ‫ع ا ْل َم ِس ِ‬ ‫الر ِّ‬ ‫اهلل أَِبي َنا َو َّ‬ ‫سو َ‬ ‫ب َي ُ‬ ‫ش َم َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ َ َ ٌ‬

‫األيات (‪"-:)2-1‬‬ ‫ِفيلِ ِّبي‪ ،‬مع أَس ِ‬ ‫اقفَ ٍة‬ ‫َ​َ َ‬ ‫بولس‪ :‬بعد إيمان بولس اختار اسمه اليونانى (أما شاول فهو اسمه العبرى)‪ .‬وبولس يعنى الصغير‪ ،‬وربما يكون‬

‫هذا لتواضعه أنه إختار اسم الصغير (أف‪ ،)1:6‬أو إعالناً عن حياته الجديدة فى المسيح يسوع فلقد إستخدم‬

‫إسماً جديداً‪ ،‬وربما ألنه صار رسوالً لألمم فقد استخدم اإلسم اليونانى‪ .‬والرسول هنا لم يصرح بلقبه الرسمى‬

‫كرسول للمسيح كما فعل فى معظم رسائله‪ ،‬فأهل فيليبى أصدقاء له ال َي ُشكون فيه وال فى رسوليته وهكذا فعل فى‬ ‫رسالته ألهل تسالونيكى‪ .‬وتيموثاوس‪ :‬هو مساعد بولس فى ك ارزته ألهل فيليبى‪ ،‬وتيموثاوس معروف عندهم‪،‬‬ ‫ولكن كاتب الرسالة هو بولس فقط‪ ،‬فهو يستخدم ضمير المفرد المتكلم بعد ذلك‪ ،‬أما تيموثاوس فهو يرسل سالمه‬

‫فقط‪ .‬ومن تواضع بولس أن يذكر اسم إبنه معهُ على قدم المساواة‪ .‬عبدا‪ :‬فالمسيح اشتراهما بدمه‪ ،‬والمسيح حين‬ ‫يشترى أحداً فإنه يحرره ويطلقه ح اًر‪ ،‬بل يعتبره ابناً‪ ،‬ولذلك اختار حتى أقرباء المسيح بالجسد (يعقوب ويهوذا)‬

‫أما‬ ‫لقب عبد للمسيح (يع‪( + )8:8‬يه‪ ،)8‬ولم يقوال إخوة يسوع بالجسد فهم يعلمون أن العبودية للمسيح تحرر‪ّ ،‬‬ ‫العبودية للشيطان ففيها مذلة وهوان‪ .‬العبودية هلل تحرر والدليل أن اهلل يترك الماليين تنكره وتهين إسمه‪ .‬بينما‬

‫العبودية ألي شهوة تذل‪.‬‬

‫جميع القديسين فى المسيح‪ :‬قديس أى أفرز نفسه عن كل ما للعالم وصار للرب يسوع عبداً مستعداً دائماً‬ ‫لطاعة أوامر سيده‪ ،‬خصص تفكيره وكل طاقاته له‪ .‬ونحن إذ نشعر بمحبة المسيح نستعبد أنفسنا له‪ ،‬لمحبته‪ .‬فى‬

‫المسيح‪ :‬تعبير خاص ببولس الرسول يشير لالتحاد بالمسيح والثبات فيه (باإليمان والمعمودية‪ .)...‬ونالحظ أنه‬ ‫ال قداسة إال في المسيح يسوع‪.‬‬

‫أساقفة‪ :‬كان لقب أسقف يطلق على القسوس (وقيل عن الرسل قسوس (‪8‬بط ‪ )8:5‬وهذه مترجمة شيوخ)‪ .‬ولقب‬ ‫قسوس ُيطلق على األساقفة (أع‪ .)11 ،82:11‬شمامسة‪ :‬مع القسوس يساعدون األسقف‪.‬‬ ‫نعمة وسالم‪ :‬نعمة‪" :‬خاريس" وهى التحية اليونانية بمعنى‪ :‬أرجو أن تحصل على نعمة غنية تناسب حاجتك‪،‬‬

‫فالنعمة هى عطية حسنة مجانية‪ .‬وسالم‪ :‬هى التحية عند اليهود‪ .‬والمعنى أن يحل السالم على السامع كعطية‬

‫إلهية‪.‬‬

‫ت علينا بسبب تجسد المسيح وفدائه‪ .‬وأعظم البركات التى‬ ‫والنعمة فى المسيحية هى إشارة لكل البركات التى َحل ْ‬ ‫حصلنا عليها هو الروح القدس‪ ،‬ومن ثماره السالم‪ .‬وبولس تعود على استعمال هذه التحية ليشير أن المسيح‬ ‫للجميع (يهوداً ويونانيين أى أمم)‪ .‬وفى المسيح وحده ننال النعمة من اآلب كهبة مجانية لخالصنا والتى بها‬ ‫نقتنى السالم كدليل للعمل الخالصى فينا أى المصالحة‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫من اهلل أبينا والرب يسوع‪ :‬اآلب واإلبن فى مساواة جوهرية يمنحان النعمة والسالم‪ .‬واآلب هو العامل األول‬ ‫لخالصنا بمحبته‪ ،‬واالبن الكلمة عامل فى خالصنا بتجسده‪ .‬واهلل هو أبينا (يو ‪ )81:8‬ونصلي له قائلين أبانا‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ش ُك ُر إِل ِهي ِع ْن َد ُك ِّل ِذ ْك ِري إِ َّيا ُك ْم "‬ ‫آية (‪ " -:)3‬أَ ْ‬ ‫إلهى‪ :‬الرسول يبدأ كل رسائله بتقديم الشكر هلل (وهذا منهج الكنيسة التى تبدأ كل صلواتها بصالة الشكر)‪ .‬وهنا‬

‫يشكر اهلل على ثبات إيمان ومحبة أهل فيليبى هلل‪ ،‬وهذه المحبة قد ظهرت فى عطاياهم وشعورهم بإحتياجات‬

‫اآلخرين‪ ،‬وهو يشكر اهلل على نجاح خدمته فى فيليبى وهذه هى ثمارها‪ .‬وقوله إلهى هو شعور حلو‪ ،‬فبولس‬ ‫يشعر بعالقة خاصة مع اهلل‪ .‬هو يحسب أن اهلل إلهه هو‪ ،‬كما قال "الذى أحبنى وأسلم ذاته ألجلى" (غل‬

‫‪ .)11:1‬وهذا كقول عروس النشيد "أنا لحبيبى وحبيبى لى"‪ .‬ومن أعطى نفسه هلل يشعر وكأن اهلل أيضاً صار‬

‫لهُ‪ .‬والحظ قول بطرس (أع ‪ " )3:6‬ولكن الذى لى فإياه أعطيك بإسم يسوع المسيح الناصرى قم وامشى"‪.‬‬

‫‪ِ5‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫اإل ْن ِج ِ‬ ‫ش َارَك ِت ُك ْم ِفي ِ‬ ‫يل ِم ْن‬ ‫س َب ِب ُم َ‬ ‫أل ْ‬ ‫َج ِل َجميع ُك ْم ِبفَ​َر ٍح‪ ،‬ل َ‬ ‫عمالً ِ‬ ‫يح‪" .‬‬ ‫سوعَ ا ْل َم ِس ِ‬ ‫صال ًحا ُي َك ِّم ُل إِلَى َي ْوِم َي ُ‬ ‫َ​َ َ‬

‫ِ ِ‬ ‫‪ِ ِ 4‬‬ ‫ِّما الطَّ ْل َب َة‬ ‫األيات (‪َ "-:)6-4‬دائ ًما في ُك ِّل أ َْدع َيتي‪ُ ،‬مقَد ً‬ ‫َن الَِّذي ْابتَ َدأَ ِفي ُك ْم‬ ‫اآلن‪َ 6 .‬و ِاثقًا ِبه َذا َع ْي ِن ِه أ َّ‬ ‫أ ََّو ِل َي ْوٍم إِلَى َ‬ ‫في كل أدعيتي‪ :‬بولس يصلي كل حين فهو الذي قال صلوا بال انقطاع وهذا يعطى للنفس سالماً وفرحاً‪ .‬فإشراك‬ ‫اهلل في مشاكلي أفضل من تفكيري منفرداً في حلها‪ .‬فتفكيري منفرداً يصيبني باليأس‪ .‬أما تفكيري بروح الصالة‬ ‫واشراك اهلل مثالً أقول‪ :‬يارب حل مشكلتي‪ ،‬أنا واثق أنك في محبتك لن تتركنى‪ ،‬اللهم التفت إلى معونتي‪ .‬وبهذا‬

‫فقط نمتلئ من الرجاء وسالم اهلل الذي يفوق كل عقل وتنسكب التعزيات اإللهية خالل الصالة أي صلتك باهلل‪.‬‬

‫فرح ور ٍ‬ ‫بفرح‪ :‬هى رسالة الفرح‪ ،‬وهو ِ‬ ‫اض عن حالتهم اإليمانية‪ .‬هو فرح بالرغم من آالمه وسجنه‪ ،‬فالفرح الروحى‬ ‫ال يستطيع أحد أن ينزعه‪.‬‬

‫مشاركتكم فى اإلنجيل‪ :‬أى مساهمتهم فى احتياجات الك ارزة باإلنجيل سواء بالمال أو بالشهادة لإلنجيل فى‬ ‫حياتهم أو بك ارزتهم بال خوف‪ .‬هى شركة متبادلة فى عمل واحد لهدف واحد وهو تقدم اإلنجيل‪ .‬فكلمة شريك هنا‬ ‫باليونانية هى العصا التى تربط رقبتى ثورين يجران نورج‪ .‬فأهل فيليبى ارتبطوا باإلنجيل وارتبطوا ببولس الذي‬

‫بشرهم باإلنجيل وشاركوه قيوده إذ أرسلوا إليه من يخدمه‪ ،‬وشاركوه فى المحاماة عن اإلنجيل‪ ،‬وشاركوه فى نفقات‬

‫المعيشة‪.‬‬

‫من أول يوم إلى اآلن‪ :‬من يوم إهتدوا للمسيحية حتى وقت كتابة هذه الرسالة‪ ،‬أى حوالى عشر سنوات‪ .‬ابتدأ‬

‫صالحا‪ :‬باإليمان والمعمودية أصبحوا خليقة جديدة‪ ،‬واهلل سيكمل معهم هذا العمل بإحتمالهم لألالم‬ ‫فيكم عمالً‬ ‫ً‬ ‫ليشتركوا مع المسيح فى صليبه ويتكملوا فيليقوا بحياة القيامة‪ .‬واهلل ليس عنده تغيير أو ظل دوران‪ ،‬فإذا إبتدأ‬ ‫عمالً فهو سيكمله‪ ،‬واهلل إذاً سيكمل معهم طريق القداسة واألعمال الصالحة‪ .‬ويوم خلق اهلل آدم فهو عمل عمالً‬

‫صالحاً‪ ،‬فهو قد خلق آدم ليحيا فى مجد‪ ،‬ولما فقد آدم المجد تجسد المسيح ليكمل العمل الذى بدأه‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫وأن إلهنا إله جبار لن يترك أوالده بسهولة في يد إبليس‪ ،‬ولكن إن تركه أوالده بحريتهم مثل ديماس (‪ 1‬تي‪،)8:2‬‬

‫و تركوه بالرغم من محاوالت اهلل إرجاعهم‪ ،‬حينئذ يهلكون وهذا يتضح من (في‪.)86،81:6‬‬

‫يوم يسوع المسيح‪ :‬يوم المجىء الثانى للمسيح الذى سيأتى فيه للدينونة‪ .‬والحظ أنه يقول "يسوع المسيح" إذا أراد‬ ‫اإلشارة إلى أنه ابن اإلنسان الذى تجسد ومات وقام وسيأتى فى مجده‪ .‬ويقول "المسيح يسوع" (‪ ،)8:8‬إذا أراد‬

‫الفعالة‪ ،‬والحظ أن خادم بال صالة يدعو فيها‬ ‫اإلشارة له كاألقنوم الثانى‪ .‬أدعيتى‪ :‬بالصالة نستمد من اهلل نعمته ّ‬ ‫شيئا فى خدمته‪.‬‬ ‫اهلل‪ ،‬لن يحقق ً‬ ‫تأمل ‪ :‬ابتدأ‪ ..‬يكمل‪ :‬اهلل ال يبدأ عمالً بدون قصد‪ ،‬بل هو إن بدأ العمل البد وسيكمله‪ .‬واهلل دعانا‪ ،‬لذلك فهو‬ ‫سيكمل معنا‪ .‬لو نظرنا لقوة العدو نيأس‪ ،‬ولكن إن نظرنا لعمل الرب نتشجع ونتعزى ونسير فوق المياه الهائجة‬

‫(مت‪ .)66-11:82‬فبطرس حين نظر للمسيح سار فوق الماء الهائج‪ ،‬ولما نظر للريح الشديدة غرق‪.‬‬ ‫يع ُكم‪ ،‬أل َِّني ح ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ق لِي أ ْ ِ‬ ‫األيات (‪َ 7 "-:)8-7‬ك َما َي ِح ُّ‬ ‫افظُ ُك ْم ِفي َق ْل ِبي‪ِ ،‬في ُوثُ ِقي‪َ ،‬وِفي‬ ‫َ‬ ‫َن أَفْتَك َر ه َذا م ْن ج َهة َجم ْ‬ ‫‪8‬‬ ‫ش ِ‬ ‫يت ِه‪ ،‬أَ ْنتُم الَِّذ َ ِ‬ ‫يل وتَثِْب ِ‬ ‫ا ْلمحام ِ‬ ‫ش َرَك ِائي ِفي ِّ‬ ‫اة َع ِن ِ‬ ‫اق إِلَى‬ ‫ف أَ ْ‬ ‫الن ْع َم ِة‪ .‬فَِإ َّن اهللَ َ‬ ‫يع ُك ْم ُ‬ ‫اه ٌد لِي َك ْي َ‬ ‫شتَ ُ‬ ‫ين َجم ُ‬ ‫اإل ْن ِج ِ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َح َ ِ‬ ‫ج ِم ِ‬ ‫يح‪" .‬‬ ‫سوعَ ا ْل َم ِس ِ‬ ‫يع ُك ْم ِفي أ ْ‬ ‫َ‬ ‫شاء َي ُ‬ ‫كما يحق لى أن أفتكر‪ :‬يحق لى أن أفرح بكم‪ ،‬وأثق أن اهلل سيكمل معكم‪ ،‬هذا تعبير عن محبته لهم وثقته فيهم‪،‬‬ ‫وثقته فى عمل اهلل معهم‪ .‬حافظكم فى قلبى هو يحملهم فى قلبه‪ ،‬أى يذكرهم ويفكر فيهم ويصلى ألجلهم‪ ،‬ويفرح‬ ‫بأخبارهم المطمئنة‪ ،‬وينشغل وينزعج إذا سمع عن هراطقة يزعجونهم‪ ،‬ولم تشغله آالمه وقيوده واهتمامه بالك ارزة‬

‫فى بيت قيصر عن أن يذكرهم ويصلى ألجلهم ويهتم بهم‪ ،‬هو أحب أهل فيليبى كنفسه‪ .‬وفى المحاماة عن‬

‫اإلنجيل وتثبيته‪ :‬اهلل يحفظ إنجيله‪ ،‬وبولس يحامى عنه (وهكذا نحن) بأن يعلن اإليمان الصحيح ويرد على كل‬

‫الهراطقة ليثبت التعاليم واإليمان الصحيح ‪ :‬وتثبيته‪ .‬وكل هذا لم يشغله عنهم‪.‬‬

‫شركائى فى النعمة‪ :‬المسيح مات وقام ألجلنا جميعاً‪ ،‬ونحن شركاء فى كل ما تم الحصول عليه‪ ،‬وشركاء فى‬

‫حلول الروح القدس علينا جميعاً‪ .‬حقاً ليس ألهل فيليبى نفس مواهب بولس‪ ،‬لكن الكل شريك فى نعمة الخالص‬ ‫بفداء المسيح وفى حلول الروح القدس عليه‪ .‬لكن لكل واحد مواهبه بحسب العمل المطلوب منه‪.‬‬

‫فى أحشاء يسوع‪ :‬األحشاء هى القلب والكبد‪ .‬وقد عرفها القدماء أنها مركز العواطف واإلحساس‪ ،‬وقوله أحشاء‬ ‫يسوع‪ ،‬أى أنه يحمل لهم محبة المسيح واشتياقه لخالصهم‪ ،‬وألن المسيح يحيا فى بولس صارت أعضاء‬

‫وعواطف وفكر بولس هي أعضاء وعواطف وفكر يستعملهم المسيح فصارت أعضاء بولس آالت بر (رو‪:3‬‬ ‫‪ ،)86‬وصارت محبة بولس لهم هى نفسها محبة المسيح لهم‪ ،‬ألم يقل الرسول إن له "فكر المسيح" (‪8‬كو‪.)83:1‬‬ ‫وهكذا هنا نرى أن الرسول له نفس اشتياقات المسيح ومحبته نحو أهل فيليبى‪ ،‬و قوله في أحشاء يسوع أي أنها‬

‫ليست عواطف بشرية‪.‬‬

‫وهذه المحبة التي يضعها المسيح في قلوبنا بالروح القدس (رو‪( + )5:5‬غال ‪ )11 :5‬هى غير العواطف‬

‫الطبيعية البشرية‪ .‬فالعواطف البشرية لها عيوب‪:‬‬

‫‪7‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫‪ .8‬يمكن أن نحب إنسان أكثر من إنسان آخر‪.‬‬

‫‪ .1‬هذه المحبة البشرية قد تتحول إلى كراهية وكم من القضايا في المحاكم بين أخوة وأقارب‪.‬‬ ‫‪ .6‬بل يمكن أن تكون العواطف البشرية سبباً في التصادم مع اهلل لو سمح اهلل بأى تجربة لمن نحبه‪.‬‬

‫‪ .2‬أما المحبة التي يضعها اهلل في القلب فهي محبة هلل أوالً وهذه المحبة تكون أكثر من محبتنا ألي إنسان‬

‫‪ ،‬ومحبة لكل إنسان حتى أعدائنا وهذه المحبة تسبب فرحاً يمأل القلب‪.‬‬ ‫األيات (‪9 "-:)11-9‬وه َذا أُصلِّ ِ‬ ‫ضا أَ ْكثَ​َر فَأَ ْكثَ​َر ِفي ا ْل َم ْع ِرفَ ِة َوِفي ُك ِّل فَ ْهٍم‪َ 11 ،‬حتَّى تُ َم ِّي ُزوا‬ ‫يه‪ :‬أ ْ‬ ‫َن تَْزَد َ‬ ‫اد َم َحبَّتُ ُك ْم أ َْي ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪11‬‬ ‫ِ‬ ‫يح‪ ،‬مملُوِئ َ ِ‬ ‫األُمور ا ْلمتَ َخالِفَ َة‪ ،‬لِ َكي تَ ُكوُنوا م ْخلِ ِ‬ ‫ين َوِبالَ َعثَْرٍة إِلَى َي ْوِم ا ْل َم ِس ِ‬ ‫سوعَ‬ ‫ص َ‬ ‫ين م ْن ثَ َم ِر ا ْل ِبِّر الَّذي ِب َي ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫يح لِم ْج ِد ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َو َح ْم ِد ِ‪".‬‬ ‫ا ْل َمس ِ َ‬ ‫حينما اختبر بولس هذه المحبة التي يعطيها اهلل طلب أن يمأل اهلل شعب فيلبى من هذه المحبة‪.‬‬ ‫أن تزداد محبتكم‪ ..‬فى المعرفة‪ :‬بولس الذي اختبر المحبة التي يضعها المسيح في قلبه يصلي لكل أهل فيلبي‬

‫أن يمتلئوا من هذه المحبة‪ .‬محبة بولس لهم ترجمها إلى صلوات من أجل أن تزداد محبتهم وتنمو‪ ،‬فيكون لهم‬

‫خالص لنفوسهم‪ .‬فالمحبة هى تمام الناموس وتمام اإلنجيل‪ ،‬وهى هلل أوالً ولكل إنسان حتى األعداء‪ ،‬هى عالمة‬ ‫حلول روح اهلل القدوس فينا (غل ‪( + )11:5‬رو‪ )5:5‬وبدون محبة ال خالص إذ أننا سنكون فاقدين لصورة اهلل‪.‬‬

‫وهناك إرتباط جوهرى بين المحبة والمعرفة‪ .‬فكلما زادت المحبة زادت المعرفة (أف‪83:6‬ـ‪ .)86‬وهذه مثل رجل‬ ‫غنى له قصر عظيم‪ ،‬فأنت لن تدرك عظمة هذا القصر‪ ،‬وال أفكار وخطط هذا الرجل العظيم ما لم تدخل إلى‬

‫قصره‪ ،‬وهذا لن يحدث إالّ لو دخلت فى عالقة محبة مع هذا الرجل‪ ،‬حينئذ يدعوك إلى قصره فتعرف عنه أشياء‬

‫عجيبة‪ ،‬هكذا إذا دخلنا فى عالقة حب مع اهلل سيعطينا أن نعرف أمجاده بل أعماقه (‪8‬كو ‪ .)81-6:1‬وأيضاً‬ ‫كلما زادت معرفتنا باهلل تزداد محبتنا له‪ .‬وهذا يأتى بمعرفة كلمة اهلل فى اإلنجيل‪ ،‬وبالصالة يكشف لنا الروح‬

‫القدس عن من هو المسيح (يو‪ .)82:83‬وكلما اكتشفنا من هو المسيح نزداد حباً له‪ ..‬وهكذا كلما إزداد الحب‬

‫إزدادت المعرفة‪ ،‬وهكذا إذ دخل إبراهيم فى حالة حب مع اهلل قال اهلل‪ :‬كيف أخفى عن عبدى إبراهيم ما أنا‬

‫فاعله‪ .‬وكلما إزدادت المعرفة إزداد الحب‪ .‬لماذا؟ اإلجابة‪ :‬لحالوة شخص اهلل فكلما نكتشف شخص اهلل وحالوته‬

‫نحبه باألكثر وهذه حلقة ال تنتهى بل هذه هى الحياة األبدية (يو ‪ .)6 :82‬إذاً كلما إزداد الحب إزدادت المعرفة‬

‫وكلما إزدادت المعرفة إزداد الفرح‪ ،‬وكلما إزدادت المعرفة وازداد الحب إزداد اإليمان والثقة فى اهلل‪ .‬فإذ عرفنا‬

‫قوته وقدراته‪ ،‬وأنه لمحبته يوجه كل هذه القدرات لنا نزداد إيماناً به‪ .‬وهذه هى أول طريقة لزيادة اإليمان‪.‬‬

‫والطريقة الثانية أشار إليها القديس بولس الرسول فى (كو ‪" .)2:1‬موطدين فى اإليمان‪ ..‬متفاضلين فيه بالشكر”‬

‫فمن يحيا شاك اًر اهلل فى ضيقاته يرى يد اهلل ويعرفه فيزداد إيمانه‪.‬‬

‫وفى كل فهم‪ :‬المعرفة هى المعرفة المجردة‪ .‬والفهم هو فى تطبيق ما عرفناه فيصبح اإلنجيل إنجيل معاش‪.‬‬ ‫فالفداء معرفة ولكن الفهم كيف أعيش هذا الكالم كيف أنفذ وصايا من أحبنى وأقبل صليبه وبهذا تزداد معرفة‬ ‫المسيح وبالتالى يزداد الحب له‪ ،‬وتبعاً لذلك يزداد اإليمان به‪ ،‬فال نهتز وال ننهار أمام التجارب مهما كانت‬ ‫شديدة وعاتية‪ ،‬وهذا معنى مثل البيت المبنى على الصخر الذى ال ينهار من العواصف والرياح واألنهار (مت‬

‫‪8‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫‪ .) 12-12:2‬والمقصود أن من ينفذ التعاليم وال تظل تعاليم المسيح مجرد تعاليم نظرية (معرفة) بالنسبة له بل‬ ‫تتحول إلى حياة‪ ،‬سيعرف المسيح وتزداد المحبة وبالتالى اإليمان‪ ،‬فال يشك وقت التجربة‪.‬‬

‫حتى تميزوا األمور المتخالفة‪ :‬من يمتلىء معرفة ومحبة سيميز األمور المتخالفة وفى ترجمة أخرى " لكى‬ ‫تستحسنوا ما هو أفضل " فالمسيحية ليست ديانة الحرام والحالل بل اختيار األحسن من الحسن‪ .‬هى إنسان قد‬

‫تذوق‪ ،‬ومن تذوق سيكون له القدرة على التمييز ليس بين ما هو باطل وما هو خير‪ ،‬بل ما هو األحسن فى‬

‫األمور المعروضة علينا‪ .‬عموماً زيادة المحبة تعطى إستنارة فيكون لإلنسان تمييز األمور المختلفة‪ .‬وهذا يحدث‬

‫لمن له النظرة البسيطة "فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون ني اًر" (مت‪ .)11:3‬والعين البسيطة هى التى‬ ‫تبحث فقط عن مجد اهلل‪ ،‬تطلب فقط أن تعرف اهلل وتعرف كل شىء عنه‪ ،‬فتعرفه‪ ،‬فتحبه‪ ،‬فتعطيه المجد‪ .‬فيحل‬

‫المسيح نور العالم في هذا اإلنسان فيصبح ني اًر‪.‬‬ ‫م ِخ ِ‬ ‫ين‪ :‬معناها فى اليونانية ُم ْختَ​َبرين فى نور الشمس الكامل َوُو ِج ْدتُ ْم أنقياء بال عثرة إلى يوم المسيح‪ :‬أى‬ ‫لص ْ‬ ‫ُ‬ ‫ثمر البر الذى بيسوع المسيح‪ :‬بر القديسين ال‬ ‫حتى يأتى المسيح للدينونة‪ .‬بال عثرة‪ :‬ال تعثروا أحداً‪.‬‬ ‫يحصلوا عليه بالناموس وال بالطبيعة ولكن بالثبات فى المسيح واالتحاد به‪ ،‬لنصير كغصن فى كرمة‪ ،‬والغصن‬

‫ال يأتى بثمر إن لم يثبت فى الكرمة (يو‪ .)2:85‬والثبات فى المسيح يأتى باإليمان والمعمودية وحياة التوبة‬

‫والجهاد وذلك لالمتالء بالروح القدس الذى يثبتنا فى المسيح فنثمر (‪1‬كو‪ .)18:8‬ونالحظ أن البر هو المسيح‪،‬‬

‫وال بر سوى بحياة المسيح فينا (غل‪( + )11:1‬فى‪( + )18:8‬رو‪ .)81:5‬ولماذا ال يحيا المسيح فينا؟ ببساطة‬ ‫ألننا لم نقبل الصلب مع المسيح‪" .‬مع المسيح صلبت فأحيا ال أنا بل المسيح يحيا في"‪.‬‬

‫لمجد اهلل وحمد ‪ :‬الحياة فى المسيح لها ثمرها الذى سيظهر فى حياتنا وهذا سيؤدى إلى مجد اهلل حين يرى‬ ‫الناس أعمالنا الصالحة فيمجدوا أبانا الذى فى السموات (مت ‪.)83:5‬‬ ‫‪12‬‬ ‫اإل ْن ِج ِ‬ ‫وري قَ ْد آلَ ْت أَ ْكثَ​َر إِلَى تَقَدُِّم ِ‬ ‫ُّها ِ‬ ‫ُم ِ‬ ‫يل‪َ 13 ،‬حتَّى ِإ َّن‬ ‫اإل ْخ َوةُ أ َّ‬ ‫يد أ ْ‬ ‫األيات (‪ "-:)14-12‬ثُ َّم أ ُِر ُ‬ ‫َن تَ ْعلَ ُموا أَي َ‬ ‫َن أ ُ‬ ‫اقي األَم ِ‬ ‫ار ا ْل ِوالَي ِة وِفي ب ِ‬ ‫وثُ ِقي صار ْت ظَ ِ‬ ‫َج َم َع‪َ 14 .‬وأَ ْكثَُر ِ‬ ‫يح ِفي ُك ِّل َد ِ‬ ‫ون ِفي‬ ‫اه َرةً ِفي ا ْل َم ِس ِ‬ ‫اإل ْخ َوِة‪َ ،‬و ُه ْم َو ِاثقُ َ‬ ‫اك ِن أ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ‬ ‫ون أَ ْكثَر علَى التَّ َكلُِّم ِبا ْل َكلِم ِة ِبالَ َخو ٍ‬ ‫الر ِّ ِ‬ ‫ف‪" .‬‬ ‫َّ‬ ‫ب ِب ُوثُقي‪َ ،‬ي ْجتَ ِرُئ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫تقدم اإلنجيل‪ :‬هى كلمة يونانية تعنى مجموعة متقدمة للجيش تقوم بتقطيع خشب األشجار فى الغابات لتسهيل‬

‫مرور الجيش‪ ،‬فبولس بخدمته يمهد الطريق إلنتشار كلمة اهلل‪ .‬أمورى‪ :‬أحوالى فى فترة سجنى‪ ،‬وهى حوالى‬ ‫سنتين‪ ،‬وما قبلها من غرق السفينة والمشاكل التى صادفها فى رحلته‪ ،‬واآلن يده مربوطة بيد حارس‪ .‬آلت‪ :‬كان‬

‫الظن أن السجن سيكون عائقاً عن الك ارزة ولكن حدث العكس‪ .‬فاهلل قادر أن ُيخرج من الجافى حالوة‪ .‬والحظ أن‬ ‫الخدمة هى خدمة اهلل‪ ،‬وبولس وبطرس وغيرهم أدوات فى يد اهلل‪ .‬بل أن اإلستشهاد كان سبباً فى نمو الكنيسة‬ ‫األولى وثقى صارت ظاهرة‪ :‬ظهرت براءتى من أى جريمة منسوبة إلى‪ ،‬وعلموا أن وثقه سببها محبته للمسيح‬

‫الذى كان يبشر به وليس لذنب جناه‪ ،‬صاروا ال يرونه سجيناً عادياً‪ ،‬ولم يخطئوا فهم قيوده ‪ ،‬أى فهموا أنه ليس‬

‫مجرماً يستحق هذه القيود‪ .‬دار الوالية‪ :‬الكلمة تعنى ثكنة العسكر‪ ،‬أو جنود الحرس اإلمبراطورى أو البالط‬

‫‪9‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫اإلمبراطورى‪ ،‬ومكانهم فى مبنى ملحق بالقصر‪ .‬وهنا يطمئن الرسول أهل فيليبى أن السالسل لم تمنع الك ارزة‪ ،‬بل‬

‫هو نشر الك ارزة عن طريق الجنود المربوطين معه بالسالسل‪ ،‬إذ شرح لهم سبب سالسله وهو محبته للمسيح‪،‬‬ ‫وبشرهم بالمسيح‪ ،‬أو هم سمعوا كالم بولس مع من يزورونه من أصدقائه فعرفوا المسيح‪ ،‬بل نشروا هذه الدعوة‬

‫ليس فى دار الوالية فقط بل فى خارجها = فى باقى األماكن أجمع‪ .‬بل أن أكثر اإلخوة إذ رأوا شجاعة بولس‬ ‫تشجعوا وازدادت ثقتهم فى الرب وكرزوا بال خوف‪ ،‬واحتملوا اآلالم فى سبيل هذا‪ .‬والمسيحية انتشرت فى رومية‬

‫عموماً عن طريق مؤمنين عرفوا المسيح ثم جالوا يكرزون بالكلمة‪ .‬الرسول هنا يرد على تساؤل و َش ْك قد يصيب‬ ‫أهل فيليبى أو غيرهم‪ ،‬وهو كيف أن هذا الرسول العظيم يسمح اهلل بسجنه مع أن تعاليمه صحيحة؟! والرد أن‬

‫اهلل قادر أن ُيحول كل األمور لتعمل معاً للخير‪ .‬فال ننظر إلى المشاكل على أنها معوقات‪ ،‬بل إذا سمح بها‬ ‫الرب فهى ستعود بالخير‪ .‬فالرسول بولس أخطأ فى ذهابه إلى أورشليم بعد إنذارات الروح القدس له أنه َسُيقَي ْد‪.‬‬ ‫فس ِج َن‪ .‬غير أنه لم يضيع وقته فى الندم على ما فات بل إمتد‬ ‫ولكنه من فرط غيرته ومحبته أصر على الذهاب ُ‬ ‫بنظره إلى قدام وبدأ يكرز وهو فى السجن ولم يندم على األربع سنين التى ضاعت فى األسر (سنتين فى‬

‫فلسطين وسنتين فى حبس دار الوالية فى رومية)‪ .‬ولكن اهلل يحول األمور للخير‪ .‬فما كان ممكناً لبولس أن‬ ‫يصل إلى قصر قيصر سوى بهذه الوسيلة أى سجنه‪.‬‬

‫واثقون فى الرب بوثقى‪ :‬لقد أروا أن وثقى لم تكن عائقاً يمنعنى من الفرح أو الك ارزة فتشجعوا فباألولى يكرزون‬ ‫وهم أحرار بال قيود‪ .‬علينا أال نخاف إذا هبت رياح معاكسة‪ ،‬وال أن نحكم بحسب الظاهر أن العمل سيتوقف‪،‬‬

‫ومجد اهلل لن يظهر‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫هؤالَ ِء َع ْن‬ ‫ِبا ْل َم ِس ِ‬ ‫يح‪َ ،‬وأ َّ‬ ‫س َّرٍة‪ .‬فَ ُ‬ ‫َما قَ ْوٌم فَ َع ْن َم َ‬ ‫ُولئ َك ع ْن محب ٍ‬ ‫ضيقًا‪17 .‬وأ ِ‬ ‫إِلَى وثُ ِقي ِ‬ ‫ين‬ ‫َّة‪َ ،‬عالِ ِم َ‬ ‫َ َ​َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫‪15‬‬ ‫َما قَوم فَع ْن ح ٍ ِ‬ ‫ون‬ ‫ص ٍام َي ْك ِرُز َ‬ ‫سد َوخ َ‬ ‫األيات (‪ "-:)17-15‬أ َّ ْ ٌ َ َ َ‬ ‫ين أ ََّنهم ي ِ‬ ‫يح الَ َع ْن إِ ْخالَ ٍ‬ ‫ون‬ ‫ون ِبا ْل َم ِس ِ‬ ‫ص‪َ ،‬‬ ‫تَ َح ُّز ٍب ُي َن ُ‬ ‫ضيفُ َ‬ ‫اد َ‬ ‫ظ ِّان َ ُ ْ ُ‬ ‫اإل ْن ِج ِ‬ ‫ضوعٌ لِ ِح َم َاي ِة ِ‬ ‫يل‪" .‬‬ ‫أ َِّني َم ْو ُ‬ ‫عن حسد وخصام = كان هؤالء من المتهودين (يهود آمنوا بالمسيح لكنهم يرون أن األممى عليه أن يلتزم‬

‫بالناموس أوالً قبل أن يصبح مسيحياً)‪.‬‬

‫وهؤالء المتهودين غاظهم إهمال بولس للطقوس الناموسية‪ ،‬ولم يهدأ بولس فى الهجوم عليهم وعلى معتقداتهم‪،‬‬ ‫وظل يعمل على تصحيح تعاليمهم‪ .‬واآلن فبولس مسجون‪ ،‬وكان أن قام هؤالء عن غيرة ومنافسة تحركهم دوافع‬

‫ويظهرون غيرة شديدة فى ك ارزتهم لعلهم يبلغون صيتاً حسناً وسمعة طيبة أفضل من بولس‪ .‬هؤالء‬ ‫غير نقية‪ُ ،‬‬ ‫يعملون لمنفعتهم الخاصة وتمجيد ذواتهم ال ألجل مجد المسيح‪ .‬وهم يظنوا أن نجاحهم فى الك ارزة سيضعف‬ ‫وهو فى سجنه ‪ ،‬وفي توقفه عن الك ارزة التى يعانى منها فعالً‪ .‬لذلك‬ ‫مكانة بولس ويضيف إلى ضيقاته ضيقا ً‬ ‫فهم ال أجر لهم‪.‬‬ ‫تحزب = جاءت فى اليونانية أنهم يعملون لمنفعتهم الخاصة‪ ،‬وتشير للتنافس‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫عن مسرة = هؤالء كانوا يكرزون برضا وسرور لمجد المسيح وحتى يجعلوا بولس مسرو اًر‪ .‬عن محبة = هلل‬

‫عين لهذه الخدمة‪ ،‬هم علموا أن اهلل عيننى لهذا‪،‬‬ ‫ولبولس‪ .‬عالمين إنى موضوع لحماية اإلنجيل = موضوع أى ُم ّ‬ ‫أى أن أدافع كجند ى وأحامى عن اإلنجيل من اليهود والمتهودين والوثنيين والشيطان‪ ،‬وذلك بأن أعلن الحق أمام‬ ‫هجوم الهراطقة على اإليمان الصحيح‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫ٍ‬ ‫يح‪َ ،‬وِبه َذا أَ​َنا‬ ‫ادى ِبا ْل َم ِس ِ‬ ‫ان ِب ِعلَّ ٍة أ َْم ِب َح ّ‬ ‫ق ُي َن َ‬ ‫اء َك َ‬ ‫س َو ٌ‬ ‫األيات (‪ "-:)21-18‬فَ َما َذا؟ َغ ْي َر أ ََّن ُه َعلَى ُك ِّل َو ْجه َ‬ ‫‪19‬‬ ‫َن ه َذا َي ُؤو ُل لِي إِلَى َخالَ ٍ‬ ‫ع ا ْل َم ِسي ِح‪،‬‬ ‫َعلَ ُم أ َّ‬ ‫ص ِبطَ ْل َب ِت ُك ْم َو ُم َؤ َازَرِة ُر ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ضا‪ .‬أل َِّني أ ْ‬ ‫سأَف َْر ُح أ َْي ً‬ ‫وح َي ُ‬ ‫أَف َْر ُح‪َ .‬ب ْل َ‬ ‫‪21‬‬ ‫اه َرٍة َك َما ِفي ُك ِّل ِح ٍ‬ ‫ب ا ْن ِتظَ ِ‬ ‫اآلن‪َ ،‬يتَ َعظَّ ُم‬ ‫اري َو َر َج ِائي أ َِّني الَ أ ْ‬ ‫ُخ َزى ِفي َ‬ ‫ش ْي ٍء‪َ ،‬ب ْل ِب ُك ِّل ُم َج َ‬ ‫ين‪َ ،‬كذلِ َك َ‬ ‫سَ‬ ‫َح َ‬ ‫ان ِبحي ٍ‬ ‫ا ْلم ِسيح ِفي ج ِ‬ ‫اة أ َْم ِب َم ْو ٍت‪" .‬‬ ‫اء َك َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫س َو ٌ‬ ‫سدي‪َ ،‬‬ ‫َ َ‬ ‫سواء كان بعلة أم بحق = سواء كانت دوافعهم للك ارزة عن تحزب ورغبة فى تمجيد ذواتهم‪ ،‬أم بإخالص ورغبة‬

‫فى مجد المسيح‪.‬‬

‫بهذا أنا أفرح = هم ظنوا أننى سأتضايق من ك ارزتهم وشهرتهم‪ ،‬إال أنهم مخطئين‪ ،‬فأنا أفرح بأن الك ارزة تنتشر‪.‬‬ ‫بل هو يفرح لوجوده فى السجن الذى حرك كثيرين للك ارزة مهما كانت دوافعهم‪ .‬بولس فرح بإنتشار إسم المسيح‪،‬‬ ‫وهو واثق أن اهلل إ ستخدم القليل الذى لدى هؤالء ليبدأ معهم‪ ،‬ثم إذا كان اهلل قد بدأ فهو سيكمل وسيصحح لهم‬

‫معلوماتهم ويكمل إيمانهم‪ ،‬لذلك ال يجب أن ننزعج لوجود طوائف كثيرة بل نسعى أن نكمل نقائصهم‪.‬‬ ‫يؤول لخالص = الخالص له عمل هنا على األرض وحياة أبدية فى السماء‪.‬‬

‫‪ .8‬من يسمع هؤالء المغرضين لن يعرف دوافعهم‪ ،‬ومن يؤمن بك ارزتهم يخلص‪.‬‬ ‫‪ .1‬كل ألم فى حياة بولس ألجل المسيح سيؤول ذلك إلى رصيد له فى السماء (لو‪.)86:18‬‬

‫‪ .6‬كلما ازدادت ضيقات بولس من هؤالء المضايقين يرتمى باألكثر فى أحضان المسيح فتزداد تعزياته‪.‬‬ ‫‪ .2‬عمل بولس هو إنتشار اإلنجيل‪ ،‬واهلل أبقى حياته إلى هذه اللحظة لهذا السبب‪ ،‬فكلما إنتشر اإلنجيل فهو‬ ‫يفرح ألن هدف وجوده قد تحقق‪ .‬لو تحقق هدف وجوده يخلص فى الحياة األبدية‪.‬‬

‫بهذا أفرح = بولس يفرح‪:‬‬ ‫‪ .8‬بسجنه‪.‬‬

‫‪ .1‬بك ارزة من يكرز بمحبة‪.‬‬

‫‪ .6‬بك ارزة من يكرز عن تحزب ويتسبب فى زيادة آالمه‪.‬‬

‫فكل هذا سيؤول لمجد المسيح ‪ .‬وهذا الفرح وهذا الخالص يكون لى بطلبتكم= صلواتكم عنى ‪ +‬مؤازرة روح‬

‫يسوع‪ .‬والروح القدس من ثماره الفرح‪ .‬وهو يحل علينا باستحقاقات عمل يسوع المسيح‪ .‬ونالحظ أن الخالص‬ ‫لكل واحد يكون بـ‪:‬‬ ‫أ‪ .‬اإليمان بالك ارزة‪.‬‬

‫ب‪ .‬صلوات الشخص نفسه‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫ت‪ .‬عمل الروح القدس فيه‪.‬‬

‫حسب انتظارى = كلمة إنتظار تعنى اإلنتظار بإشتياق كبير لدرجة محاولة الوقوف على أطراف األصابع ورفع‬ ‫الرأس‪ ،‬مثلما قال الرب يسوع (لو‪ .)81:18‬فبولس يسهر ويجاهد ويطلب شيئاً واحداً وال يطلب سواه‪ ،‬وهو‬ ‫انتظار مشفوع بالرجاء فى ذلك الشىء‪ .‬وما هو هذا الشىء الذى ينتظره بال يأس بل بكل رجاء؟ أن يتعظم‬

‫المسيح فى جسده وأن يظل يكرز بالمسيح‪ ،‬فهو ليس مثل المتحزبين يطلب مجد نفسه بل مجد المسيح‪ .‬يتعظم‬

‫المسيح = المسيح لن ُيزيد من عظمته أحد‪ ،‬لكن المعنى أن تظهر عظمة المسيح للناس فى جسد بولس‪ ،‬كيف‬ ‫؟‬ ‫بحياة أم بموت = هو يشتهى أن يتمجد اسم المسيح به سواء بحياته أو حتى باستشهاده‪ .‬ومازال بولس بعد موته‬

‫وحتى اآلن ُيكرز برسائله لمدة ‪1111‬سنة‪ ،‬وفى كل مكان‪ .‬هو اشتهى أن يظل يكرز كل حياته باسم المسيح‬ ‫وأن يشهد له بإستشهاده‪ ،‬فالشهادة باإلستشهاد تظهر مجد المسيح‪ ،‬الذى يموت الشهيد وال ينكر إسمه حباً فيه‪.‬‬ ‫واهلل أعطى لبولس أن يشهد له فى حياته وبعد إستشهاده واإلستشهاد ك ارزة‪ ،‬فحينما يرى غير المؤمن‪ ،‬أن‬

‫المؤمنين تكون حياتهم رخ يصة عندهم من أجل المسيح الذى آمنوا به وأحبوه سيتساءلون عمن هو المسيح هذا‬ ‫وربما آمنوا به‪ .‬راجع (نش ‪.)8:3 + 83-81:5 + 6:5 + 1:5‬‬

‫بطلبتكم = الحظ هنا طلبة بولس عنهم وطلباتهم عنه‪ ،‬وهذه هى الشفاعة‪ .‬وماذا يمنع أن تكون الشفاعة بين‬ ‫الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة؟!‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آية (‪21 " -:)21‬أل َّ ِ‬ ‫ت ُه َو ِرْب ٌح‪" .‬‬ ‫يح َوا ْل َم ْو ُ‬ ‫َن ل َي ا ْل َح َياةَ ه َي ا ْل َمس ُ‬ ‫لى الحياة هى المسيح = هذه مثل " المسيح يحيا فى” (غل‪ .)11:1‬ومن يحيا فيه المسيح يستخدم المسيح‬ ‫أعضاءه كأآلت بر وهذه ال تحصل إال بصلب الذات “مع المسيح صلبت فأحيا ال أنا بل المسيح يحيا فى”‪،‬‬ ‫فكلما جاهد اإلنسان فى إماتة ذاته وعاش لمن مات ألجله‪ ،‬ولم يعش متمتعاً بملذات العالم‪ ،‬يمتلىء باألكثر من‬

‫حياة المسيح ويتحقق له المزيد من الشركة مع الرب‪ .‬وهذا معنى قول السيد “من َو َج َد حياته يضيعها‪ .‬ومن‬ ‫أضاع حياته من أجلى يجدها” (مت‪ .)66:11‬ولكن كثيرون بالنسبة لهم الحياة هى فى الملذات الحسية‬ ‫والشهوات والمال‪ ...‬ومثل هؤالء يرتعبون من الموت الذى يعتبرونه كمال الحزن‪ ،‬إذ أنه يفصلهم عن الملذات‬

‫التى يفهمونها‪ ،‬وال يرون فى الموت سوى مظهره الخارجى مثل النتانة والقبور‪.‬‬

‫والموت هو ربح = الموت هو كمال إماتة الذات‪ .‬وبالتالى فالمزيد من الشركة مع المسيح يتحقق بموت الجسد‪.‬‬ ‫فالخطية هى التى تفصلنى عن هذه الشركة التامة مع المسيح ‪ ،‬وبعد الوت ال خطية ‪ .‬ولذلك صرخ بولس قائالً‬

‫“ويحى أنا اإلنسان الشقى من ينقذنى من جسد هذا الموت” (رو ‪ .)12:2‬ولذلك فهو يعتبر الموت هنا ربحاً‪.‬‬ ‫ألن فى األبدية تتحقق الراحة والفرح والمجد وشركة القديسين وكمال الشركة مع المسيح‪ .‬ولكن يستحيل أن‬

‫يشتهى الموت بفرح إالّ من تذوق العربون‪ ،‬عربون الفرح والشركة مع المسيح هنا على األرض‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫والحظ أن الرسول يعلن وجهة نظره فى الموت‪ ،‬فهو من المحتمل أن يتعرض للموت بعد سجنه هذا ومحاكمته‪.‬‬

‫وهذه اآلية أوردها الرسول بعد اآلية السابقة ليشرح أنه يريد أن يتمجد اهلل فيه سواء بحياته أم مماته‪ ،‬والمسيح‬

‫يتمجد فى لو كان هو حياتى‪ ،‬أحيا به وأشهد له فى حياتى حتى آخر لحظة‪ ،‬والموت هو ربح فهو راحة وفرح‪.‬‬

‫واذا كان موتى بإستشهاد على إسم المسيح فهو أيضاً فيه تمجيد السم المسيح‪ ،‬فماذا أختار لو خيرونى‪ ...‬الحياة‬

‫أم الموت؟!‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ِ 22‬‬ ‫س ِد‬ ‫آية (‪َ " -:)22‬ولك ْن إِ ْن َكا َنت ا ْل َح َياةُ في ا ْل َج َ‬ ‫هى لى ثمر عملى = تعبير يونانى معناه أن األمر‬

‫ت أ َْد ِري!"‬ ‫ِه َي لِي ثَ َم ُر َع َملِي‪ ،‬فَ َما َذا أ ْ‬ ‫سُ‬ ‫َختَ ُار؟ لَ ْ‬ ‫يستحق االعتبار‪.‬‬

‫الحظ أنه فى آية ‪ 11‬كان كل ما يطلبه الرسول أن يتعظم المسيح فى جسده فهو يريد أن يقول إنه إن كانت‬ ‫المعلنة فى اآلن بينما أعيش فى الجسد كعربون للحياة بالمسيح فى األبدية‪ ،‬هى لى ثمر جهادى وبذل‬ ‫الحياة ُ‬ ‫ذاتى‪ ..‬أى هى خدمة ألوالد اهلل حتى يعرفوا اهلل‪ ،‬ويتمجد اهلل فيهم‪ .‬وحياتى هى أعمال صالحة أمجد بها اهلل ‪،‬‬ ‫وثمر متكاثر لحساب المسيح‪ .‬فماذا أختار‪ ،‬الحياة التى يتمجد بها اهلل من هذا الثمر المتكاثر أم الموت‬ ‫واإلستشهاد الذى يمجد اهلل؟ إن جهاد الرسول وأتعابه وصبره وك ارزته باسم المسيح وانتشار ملكوت المسيح‬

‫بواسطته هو ثمرة حياته (أو حياة المسيح فيه)‪ .‬إذاً كلما عاش كلما كان له ثمار‪ ،‬وكانت حياته وعمله يمجدان‬

‫اسم المسيح‪ .‬والموت هو ربح أكبر له فبه يستريح من أتعابه ويبدأ طريق الفرح والراحة والمجد‪ ...‬إذاً أيهما‬ ‫يختار؟! الحياة هى له تمتع بالمسيح وخدمة المسيح الذى يحبه‪ ،‬والموت هو الوصول للمسيح وأمجاده‪.‬‬

‫األيات (‪23 "-:)26-23‬فَِإ ِّني م ْحصور ِم ْن اال ثْ َن ْي ِن‪ :‬لِي ا ْ ِ‬ ‫ْض ُل‬ ‫ون َم َع ا ْل َم ِس ِ‬ ‫يح‪َ ،‬ذ َ‬ ‫اء أ ْ‬ ‫َن أَ ْنطَلِ َ‬ ‫ق َوأَ ُك َ‬ ‫اك أَف َ‬ ‫شت َه ٌ‬ ‫َ ُ ٌ‬ ‫َ‬ ‫‪25‬‬ ‫ث وأ َْبقَى مع ج ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِجدًّا‪24 .‬و ِ‬ ‫َج ِل‬ ‫لك ْن أ ْ‬ ‫َجلِ ُك ْم‪ .‬فَِإ ْذ أَ​َنا َو ِاث ٌ‬ ‫يع ُك ْم أل ْ‬ ‫ق ِبه َذا أ ْ‬ ‫س ِد أَْل َزُم ِم ْن أ ْ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫َعلَ ُم أ َِّني أ َْم ُك ُ َ‬ ‫َن أ َْبقَى في ا ْل َج َ‬ ‫َ‬ ‫‪26‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَقَد ِ‬ ‫ُّم ُك ْم َوفَ​َرح ُك ْم في ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫ضا ع ْن َد ُك ْم‪".‬‬ ‫اد افْت َخ ُارُك ْم في ا ْل َمس ِ‬ ‫ع ف َّي‪ِ ،‬ب َواس َ‬ ‫سو َ‬ ‫ان‪ ،‬ل َك ْي َي ْزَد َ‬ ‫وري أ َْي ً‬ ‫طة ُح ُ‬ ‫يح َي ُ‬ ‫اإل َ‬ ‫محصور بين االثنين = هو رأى أن كال الطريقين صالح وله مميزاته‪ ،‬وهو ال يستطيع أن يختار أيهما‪ .‬هل‬ ‫يختار حياته على األرض التى بها يربح نفوساً للمسيح أو حياته فى الفردوس حيث الراحة‪ ..‬وقوله محصور بين‬

‫االثنين إشارة ألن كال الخيارين يتنازعان داخله‪ .‬فكال الطريقين صالح ومبارك أمامه‪ .‬ولكنه فض َل فى النهاية ما‬ ‫يراه اهلل صالحاً‪ .‬وطالما هو حى‪ ،‬إذاً فاهلل يريد منه الثمر المتكاثر فى حياته‪ .‬فبولس يعلم أن اهلل “خلقنا ألعمال‬

‫صالحة سبق فأعدها لكى نسلك فيها” (اف ‪ ، )81 :1‬وحينما ننهى األعمال التى يريدنا اهلل أن ننهيها ينقلنا إلى‬

‫الراحة كما قال لدانيال (دا ‪.)86:81‬‬

‫ألزم ألجلكم = اهلل الذى خلقنى يعلم وحده متى أنهى األعمال التى خلقنى من أجلها‪ .‬وبولس هنا يقول ألهل‬ ‫فيليبى‪ ..‬طالما أنا حى‪ ،‬إذاً فاهلل يرى أن بقائى الزم ألجلكم‪ ،‬ألثمر فيكم‪ ،‬فهذا هو العمل الذى خلقنى اهلل ألجله‪.‬‬

‫بولس هنا ُي َسلم أمره بالكامل هلل ليختار له اهلل الصالح‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫فى سفر أعمال الرسل (‪ )1،8 :81‬نجد هيرودس يقتل يعقوب بالسيف‪ .‬ثم فى (أع ‪ )82-6:81‬نجد هيرودس‬

‫يريد قتل بطرس ولكن مالكاً ينقذه‪ ...‬فلماذا لم يرسل اهلل مالكاً لينقذ يعقوب؟ السبب ببساطة أن لسان حال‬

‫يعقوب فى سجنه كان يقول “لى إشتهاء أن أنطلق”‪ ،‬وكان يعقوب قد أنهى أعماله التى خلقه اهلل ليعملها‪ ،‬فسمح‬

‫اهلل لهيرودس أن يقتله‪ ،‬سيف هيرودس كان األداة التى ينتقل بها يعقوب إلى فرح سيده‪ ،‬إلى حيث الراحة‪ .‬وكان‬

‫لسان حال بطرس فى السجن يقول “لى إشتهاء أن أنطلق”‪ ،،‬ولكن بطرس كان أمامه أعمال أخرى‪ ،‬إذاً لن يكون‬

‫لهيرودس سلطان عليه ألنه لم ُيعط هذا السلطان من فوق (يو‪ .)88:86‬إذاً فمالك يذهب لينقذ بطرس من يد‬ ‫هيرودس‪ ،‬ليكمل بطرس األعمال التى خلقه اهلل ألجلها‪.‬‬ ‫وبهذا المفهوم يقول بولس هنا إن الرب يرى أنه مازال أمامى أعماالً ألعملها‪ .‬أنطلق = يقصد الموت أى الخروج‬

‫من هذا الجسد‪ .‬والكلمة اليونانية تعنى “فك الخيمة” أو “حل ربط السفينة” إستعداً لإلقالع أو إطالق السجين بعد‬ ‫فترة سجنه‪ .‬والجسد فى نظر بولس خيمة والموت هو حل هذه الخيمة (‪1‬كو‪ .)8:5‬والموت هو إقالع إلى الوطن‬

‫السمائى‪ .‬وهو انطالق من سجن هذا الجسد الذى يحرمنى من رؤية اهلل والقديسين وأمجاد السماء‪.‬‬

‫أل كون مع المسيح = إذاً وجوده فى الجسد كأنه غربة عن اهلل‪ ،‬فالمسيح فى كل مكان لكن بسبب الخطية‬ ‫الساكنة فى أجسادنا (رو‪ )81 ، 82 : 2‬فالجسد أصبح ُمعوق عن رؤية المسيح‪ .‬وبالموت تنتهى حالة الغربة‬ ‫ونرى المسيح إذ ال خطية حينئذ‪.‬‬

‫تقدمكم وفرحكم فى اإليمان = إذاً وجوده فى الجسد نافع فى تقدمهم وفرحهم‪ .‬وكلما زاد إيمانهم ونما يزداد‬

‫فرحهم‪ .‬خصوصاً حين ُيطلق سراح بولس فسيختفى حزنهم = بواسطة حضورى عندكم‪ .‬ولكن قوله أيضاً يعنى‬ ‫أن افتخارهم وفرحهم ببولس مستمر حتى لو لم ُيطلق سراحه‪ ،‬فك ارزته وعمله ورسائله لهم مستمرة حتى وهو فى‬

‫السجن‪ .‬هم خافوا من حبسه لئال تتعطل الك ارزة‪ ،‬ولكنهم أروا اآلن أن الك ارزة لم تتعطل‪ ،‬فعليهم أن يفتخروا‬

‫فى = هم يفتخرون حقاً ببولس لكن كل افتخار هو فى المسيح يسوع الذى ننال منه‬ ‫ويبتهجوا فى المسيح يسوع‪َّ .‬‬ ‫كل الهبات الروحية‪ ،‬وهو الذى يعمل فى بولس فكرز لهم‪ ،‬وكرز فى السجن‪ ،‬وعمل فى الملوك فأطلقوه‪ ،‬ويعمل‬

‫فى أهل فيليبى ليفرحوا‪ .‬وفى آيات ‪ 13،15‬نشعر أن بولس شعر بأنهم سوف يطلقون سراحه ولن يموت‪.‬‬ ‫‪27‬‬ ‫ت و أر َْيتُ ُكم‪ ،‬أَو ُك ْن ُ ِ‬ ‫ق ِإل ْن ِج ِ‬ ‫شوا َك َما َي ِح ُّ‬ ‫ورُك ْم‬ ‫يل ا ْل َم ِس ِ‬ ‫آية (‪ " -:)27‬فَقَ ْط ِعي ُ‬ ‫ت َغائ ًبا أ ْ‬ ‫يح‪َ ،‬حتَّى إِ َذا ِج ْئ ُ َ َ ْ ْ‬ ‫ُم َ‬ ‫َس َمعُ أ ُ‬ ‫ين معا ِب َن ْف ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ون ِفي ر ٍ ِ ٍ‬ ‫يم ِ‬ ‫ان‬ ‫أ ََّن ُك ْم تَثْ ُبتُ َ‬ ‫وح َواحد‪ُ ،‬م َجاهد َ َ ً‬ ‫ُ‬ ‫س َواح َدة ِإل َ‬

‫اإل ْن ِج ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل‪" ،‬‬

‫واآلن ماذا أطلب منكم‪ ..‬أن تعيشوا كما يحق إلنجيل المسيح = أى بما يتفق مع وصايا اإلنجيل‪ .‬ونحن يجب‬

‫أن نعيش بحسب اإلنجيل داخلياً وخارجياً أى ننفذ وصايا اإلنجيل قلبياً فى الخفاء‪ ،‬وأيضاً أمام الناس‪ .‬إنجيل =‬

‫لم يكن هناك أناجيل‪ ،‬ولكن المقصود التعاليم التى علمها لهم بولس الرسول‪ .‬فبولس يريدهم أن يكونوا إنجيالً‬

‫معاشاً مقروءاً من جميع الناس (‪1‬كو‪.)1:6‬‬

‫‪14‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫عيشوا = هى مشتقة من كلمة وطن أو مدينة‪ .‬لذلك يمكن ترجمة اآلية “ لتكن وطنيتكم المسيحية كما يليق‬ ‫باإلنجيل‪ ،‬هو معنى يشير لتأدية المرء واجبه كمواطن‪ .‬وكما قلنا فى المقدمة أن شعب فيليبى يفتخر بكون فيليبى‬

‫كولونية أى أن شعبها له مميزات شعب روما نفسها‪ .‬وهنا بولس يرفع أنظارهم أنهم مواطنين سمائيين لهم‬ ‫امتيازات سماوية وعل يهم واجبات أن يحيوا كما يحق إلنجيل المسيح‪ .‬يريد الرسول أن يقول أنه ال يشرفكم أن‬ ‫تكونوا مواطنين رومان فهؤالء وثنيون‪ ،‬ولكن الذى يشرفكم أنكم مواطنون سماويون‪.‬‬

‫ونرى بولس هنا يهتم بوحدتهم = روح واحد‪ ..‬بنفس واحدة‪ .‬وتثبتون على هذا‪ ،‬ال يكونوا كإبليس الذى لم يثبت‬ ‫يوحدنا فى محبة‬ ‫(يو‪ .)22:1‬وهذا يؤول إلعالء اإليمان باإلنجيل ونشر اإليمان به‪ .‬وهذا عمل الروح القدس‪ ،‬أن َ‬ ‫بفكر واحد وقلب واحد‪ ،‬أماّ عدو الخير فعمله زرع الخصومات والشقاق‪ .‬وما يهدم هذه الوحدة والشركة الواجب‬ ‫إظهارها للجميع‪ ،‬الكبرياء والتحزب واألنانية‪ .‬والمطلوب التشبه بالمسيح الذى أخلى ذاته‪ ،‬وبالكنيسة األولى التى‬

‫كانت قلباً واحداً ونفساً واحدة (أع‪.)61:2‬‬

‫فقط = ما قلته لكم عن الموت والحياة ‪ ،‬له وقته الذى سوف يختاره ويحدده المسيح‪ ،‬ولكن ما أطلبه منكم اآلن‪،‬‬

‫وما يجب أن تفعلوه طالما أنتم أحياء عيشوا كما يحق إلنجيل‪ ..‬مجاهدين = ضد إبليس والخطية (أف‪.)81:3‬‬

‫وللحفاظ على “اإليمان المسلم مرة للقديسين” (يه‪ .)6‬وللثبات فى الكنيسة الواحدة بدون شقاقات‪.‬‬ ‫َما لَ ُك ْم َفلِ ْل َخالَ ِ‬ ‫شي ٍء ِم َن ا ْل ُمقَ ِ‬ ‫آية (‪َ 28 " -:)28‬غ ْي َر ُم َخ َّوِف َ ِ‬ ‫ص‪،‬‬ ‫ين‪ ،‬األ َْم ُر الَِّذي ُه َو لَ ُه ْم َب ِّي َن ٌة لِ ْل َهالَ ِك‪َ ،‬وأ َّ‬ ‫او ِم َ‬ ‫ين ب َ ْ‬ ‫وذلِ َك ِم َن ِ‬ ‫اهلل‪".‬‬ ‫َ‬

‫ال تخافوا ممن يضطهدكم ويقاوم رسالتكم = غير مخوفين = والكلمة تُستخدم أصالً للخيول الجافلة التى تعود‬ ‫مضطربة إذا وجدت ما يخيفها‪ .‬ولماذا ال نخاف؟ النعمة اإللهية قادرة أن تحفظ أوالد اهلل‪ ،‬ويد اهلل القوية تحفظهم‪،‬‬

‫وتدين من يضطهدهم وتهلكه‪“ .‬من يمسكم يمس حدقة عينه” (زك‪ .)1:1‬أولم تنهزم اإلمبراطورية الرومانية أمام‬ ‫المسيحية‪ .‬وهناك سؤال إذا كان اهلل يحفظ أوالده‪ ،‬فلماذا مات واستشهد الكثيرين بيد أعداء المسيح؟ اإلجابة‬

‫بسيطة وراجع شرح آيات ‪ 13-16‬من هذا اإلصحاح‪ ،‬ونضيف عليها ما قاله السيد المسيح لبيالطس “ لم يكن‬

‫لك على سلطان البتة إن لم تكن قد أعطيت من فوق” (يو ‪ .)88:86‬والمعنى أن من إستشهد‪ ،‬كان ذلك بسماح‬ ‫من اهلل‪ ،‬ألنه قد أنهى أعماله‪ ،‬وذهب للراحة فى إنتظار المجد‪ .‬وعادة يشعر المضطهدين لشعب اهلل بقوة تعمل‬

‫مع شعب اهلل (خر ‪ .)81:8‬ولكن من الذى يشعر بقوة اهلل التى تسانده فى هذا الوقت أى وقت اإلضطهاد؟ هو‬ ‫من قرر بإيمان أن يثبت‪ .‬والحظ أن من إضطهد الكنيسة أوالً كانوا اليهود وجاء بعدهم الوثنيون‪.‬‬

‫األمر الذى هو لهم بي ّنة للهالك = النعمة اإللهية قادرة أن تحفظكم ثابتين إن قررتم أن تثبتوا‪ .‬وسوف تختبرون‬

‫قوة اهلل التى ستساندكم وتحفظكم ثابتين وان ثبتم فسيكون هذا دليل واعالن قوى عن أن اهلل حفظكم‪ ،‬ويد اهلل‬

‫القوية التى تحفظكم هى نفسها ستدين من يضطهدكم وتهلكه‪ ،‬وهى نفسها التى ستُ َكمل معكم حتى الخالص‬ ‫النهائى = وأماّ لكم فللخالص‪ .‬وثباتكم أمامهم سيخيفهم‪ ،‬فثباتكم هذا بسبب عمل قوة اهلل فيكم‪ .‬وهذه القوة هى‬

‫‪15‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح األول)‬

‫التى ترعبهم (خر ‪ = )81:8‬تكون لهم بينة للهالك‪ .‬وهذا الثبات هو ما أسماه الرسول مجاهدين فى آية ‪.12‬‬ ‫فالجهاد هو ق اررنا بالثبات بالرغم من اآلالم‪ .‬والقوة التى يعطيها اهلل التى تثبتنا هى النعمة التى تحفظنا ثابتين‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫َجِل ِه‪31 .‬إِ ْذ‬ ‫َج ِل ا ْل َم ِس ِ‬ ‫ضا أ ْ‬ ‫يح الَ أ ْ‬ ‫َن تَتَأَلَّ ُموا أل ْ‬ ‫َن تُ ْؤ ِم ُنوا ِب ِه فَقَ ْط‪َ ،‬ب ْل أ َْي ً‬ ‫ب لَ ُك ْم أل ْ‬ ‫األيات (‪ "-:)31-29‬أل ََّن ُه قَ ْد ُو ِه َ‬ ‫ون ِف َّي‪".‬‬ ‫لَ ُك ُم ا ْل ِج َه ُ‬ ‫س َم ُع َ‬ ‫اد َع ْي ُن ُه الَِّذي َأر َْيتُ ُموُ ِف َّي‪َ ،‬و َ‬ ‫اآلن تَ ْ‬ ‫ألنه = عائدة على ما قبلها‪ .‬والمعنى أنه البد وأن نواجه آالم ونحن فى هذه الحياة (‪1‬تى‪ .)81:6‬ولكن‬

‫المسيحية غيرت النظرة إلى األلم فهو لم يعد عقاباً‪ ،‬إنما شركة حب مع المسيح المتألم‪ ،‬ثم هى شركة مجد معه‪.‬‬

‫وهى اختبار عزاء حقيقى من اهلل للمتألمين‪ .‬فربما يندر أن نختبر يد اهلل فى أيام صحتنا وفرحنا‪ ،‬لكن يمكننا إذا‬ ‫عشنا حياة الشكر وسط األلم أن نعاين اهلل ونختبر تعزيات وأفراح ال يختبرها اإلنسان العادى غير المتألم‪ ،‬لذلك‬

‫يقول الرسول ُوهب لكم‪ ..‬أن تتألموا = حينما تزداد المحبة يتمنى المحب أن يتألم بدالً من حبيبه (كشعور أم‬ ‫ترى إبنها متألماً)‪ .‬ولقد أعطى ل نا أن نشعر بهذه المشاعر‪ ،‬أن نتألم ألجل المسيح = بالنيابة عنه‪ .‬نرى المسيح‬

‫وهو على الصليب‪ ،‬أو وهو مازال متألماً لآلن من أجل الخطاة والمستهترين ورافضى اإليمان والذين مازالوا‬

‫مستعبدين للشيطان‪ ..‬ونقول فى حب‪ ،‬نريد أن نحمل عنك يا حبيب بعضاً مما تحمله من ألم‪ .‬واهلل وهب لنا‬

‫هذا‪ ..‬أن نشترك مع ابنه فى آالمه كشركة حب مع إبنه‪ .‬واهلل فى محبته يعطى لشركاء األلم أن يكونوا شركاء‬

‫مجد (رو‪ .)82:1‬وذلك فى السماء‪ ،‬أماّ هنا على األرض فيعطيهم تعزيات عجيبة كما أعطى للثالثة الفتية‪.‬‬ ‫صار احتمال األلم بفرح وشكر خير وسيلة إلعالن محبتنا للرب‪ .‬وصارت التعزيات التى يعطيها اهلل وسط األلم‬

‫هى عربون المجد العتيد أن ُيستعلن فينا‪ .‬وبولس اختبر هذا األلم وهذه التعزيات‪ ،‬فهو قد ُسجن عندهم فى فيليبى‬ ‫ورأوه فى وسط آالمه فَ ِرحاً متعزياً‪ ،‬ورأوه مجاهداً ضد الشيطان وتابعيه غير مخوف منهم = إذ لكم الجهاد عينه‬

‫فى = فهو اآلن مسجون فى روما‪ .‬فبولس هنا يقدم نفسه نموذجاً لما قاله عن‬ ‫فى‪ .‬واآلن تسمعون ّ‬ ‫الذى رأيتمو ّ‬ ‫اآلالم التى يقابلها أوالد اهلل‪ .‬عموماً فالعالم يكره المسيح ومن يتبع المسيح‪ ،‬وهذا ليس جديداً‪ ،‬أو يدعو لإلندهاش‪.‬‬ ‫وأهل فيليبى غالباً تحملوا نوعاً من االضطهاد والرسول يشجعهم على االحتمال‪.‬‬

‫وهب لكم‪ ..‬ال أن تؤمنوا فقط‪ .‬فاإليمان بالمسيح هو هبة ونعمة من اهلل مجانية‪ .‬فاإليمان هو الطريق الوحيد‬

‫لغفران الخطية‪ ،‬وللحياة األبدية (يو‪+ 6 ،1:83‬يو‪.)13 ،15:88‬‬

‫بل أيضاً أن تتألموا ألجله‪ .‬فاآلالم هي لكي نكف عن الخطايا (‪8‬بط‪ )8:2‬وحينما يهلك الجسد تخلص الروح في‬ ‫يوم الرب (‪8‬كو‪ )5:5‬وحينما يفني إنساننا الخارج يتجدد الداخل يوماً فيوماً (‪1‬كو‪ . )83:2‬والمسيح الذي هو‬

‫الطريق (يو‪ .)3:82‬والذي سبقنا للسماء ليعد لنا مكاناً يعرف كيف يصل بنا للسماء‪ ،‬إن ثبتنا فيه‪ .‬وهو يعرف‬ ‫أننا ورثنا الخطية والتمرد من آدم "بالخطية ولدتني أمي" ‪" +‬الخطية الساكنة في" (رو‪ )11:2‬فالصليب صار‬

‫وسيلة للتجديد‪ .‬فكيف ال نعتبر األلم هبة من اهلل‪ .‬واأللم هو طريقنا للسماء‪ .‬وبنفس الفكر يقول القديس يعقوب‬

‫"إحسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع‪ .)1:8‬وبنفس الفكر يقول داود النبي في‬

‫المزمور"جربني يا رب وامتحني‪ .‬صف كليتي وقلبي" (مز‪.)1:13‬‬

‫‪16‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫عودة للجدول‬

‫‪1‬‬ ‫وح‪ .‬إِ ْن‬ ‫الر ِ‬ ‫ان َو ْعظٌ َما ِفي ا ْل َم ِس ِ‬ ‫ش ِرَك ٌة َما ِفي ُّ‬ ‫سلِ َي ٌة َما لِ ْل َم َح َّب ِة‪ .‬إِ ْن َكا َن ْت َ‬ ‫آية (‪ " -:)1‬فَِإ ْن َك َ‬ ‫يح‪ .‬إِ ْن َكا َن ْت تَ ْ‬ ‫اء َو َأْرفَ ٌة‪" ،‬‬ ‫َح َ‬ ‫َكا َن ْت أ ْ‬ ‫ش ٌ‬

‫فإن كان وعظ ما فى المسيح‪ :‬قوله فإن تعنى عالقة هذه اآلية بما سبق فى اآليات السابقة‪ .‬فكلمة وعظ تُترجم‬ ‫تشجيع أو حض أو مناشدة أو مواساة‪ .‬إذاً هى تشجيع اآلخرين وتقويتهم فى شدائدهم‪ .‬والرسول يرى أن الطريقة‬

‫المثلى للتشجيع والتعزية بأن تكون كلمات الوعظ هى فى المسيح‪ ،‬أى بتوجيه نظر المتألم بأنه شريك المسيح فى‬ ‫ُ‬ ‫آالمه‪ ،‬وسيكون شريكاً له فى مجده‪ .‬وتوجيه نظر المتألم ال أن يرفض األلم بل أن يطلب التعزية وسط األلم‪ ،‬أن‬ ‫يطلب من المسيح أن يشترك معه‪ ،‬وأن يشعر المتألم بهذه الشركة فيتعزى‪ .‬فالمسيح وحده‪ ،‬وروحه القدوس‬

‫المعزى قادران على تعزية المتألم‪ .‬واذا كنا نحن كبشر قادرين أن نشجع بعضنا البعض فى الضيقات‪ ،‬فباألولى‬ ‫فإن المسيح يقدر أن يساندنا ويرسل لنا روحه المعزى‪ .‬والوعظ الذى فى المسيح هو الذى يعزى القلب‪ .‬وياحبذا‬

‫لو كان الواعظ ثابتاً فى المسيح‪ ،‬والمسيح يحيا فيه مثل بولس الذى قال "أما نحن فلنا فكر المسيح"‬

‫(‪8‬كو‪ .) 83:1‬ففى هذه الحالة ستكون كلمات الواعظ هى كلمات المسيح وقادرة على التشجيع "مثل فمى تكون"‬ ‫(إر‪.)86:85‬‬

‫تسلية فى المحبة = كلمة تسلية هى ‪ comfort‬أى راحة وتعزية للقلب الحزين (كو‪ .)88:2‬وهذا العمل أساسه‬ ‫المحبة للمتألم وليس تأدية واجب‪ ،‬وال شىء يعطى عزاء للمتألم قدر شعوره بمحبة إنسان يقف جانبه بمحبة‪.‬‬

‫شركة فى الروح‪ :‬الشركة تتم بصورة رائعة لو خضع الكل للروح القدس‪ ،‬وهو الذى يجمعنا إلى واحد‪ ،‬ويكون‬ ‫هدفنا واحد هو مجد المسيح‪.‬‬

‫إن كانت أحشاء ورأفة‪ :‬األحشاء هى القلب والكبد‪ ،‬وهما مصدر العواطف كما فهم القدماء‪ .‬وهم استخدموا كلمة‬ ‫أحشاء كما نستخدم اآلن كلمة قلب للتعبير عن المشاعر‪ .‬والمقصود أن يكون لنا القلب الحانى الشفوق‪ .‬ما‬

‫أخذناه من المسيح علينا أن نعطيه لبعضنا البعض‪ ،‬فكما أحبنا المسيح بشفقة ورأفة علينا أن نكون هكذا مع‬ ‫اآلخرين‪ .‬بل إن الروح القدس يغير طبيعتنا فنتشبه بالمسيح فى محبته‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ش ْي ًئا و ِ‬ ‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اح ًدا‪"،‬‬ ‫اح َد ٍة‪ُ ،‬م ْفتَ ِك ِر َ‬ ‫ين َ َ‬ ‫آية (‪ " -:)2‬فَتَ ِّم ُموا فَ َرحي َحتَّى تَ ْفتَك ُروا ف ْك ًار َواح ًدا َولَ ُك ْم َم َح َّب ٌة َواح َدةٌ ِب َن ْف ٍ َ‬ ‫هى آية الوحدة فى كل شىء‪ .‬فتمموا فرحى‪ :‬أى أنا أفرح بكم اآلن ولكن اجعلوا هذا الفرح كامالً بأن تتحدوا برأى‬

‫واحد وفكر واحد ومحبة واحدة‪ ،‬أى تحبون اآلخرين واآلخرون يحبونكم وكلكم تحبون اهلل‪ .‬أى المحبة تسود‪.‬‬

‫فك ارً واحداً‪ :‬قد تختلف األفكار‪ ،‬ولكن إن كان هناك امتالء من الروح ستجد األفكار متشابهة ومتقاربة بل تتكامل‬

‫‪ ،‬هذا إن لم يكن هناك األنا‪ .‬وعلينا جميعاً أن نفكر فى مجد المسيح "فالحاجة إلى واحد" (لو‪ .)21:81‬والخصام‬ ‫واالنشقاق عكس الفكر الواحد‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫محبة واحدة‪ :‬الكل فى محبة وغير منقسمين لمجموعات‪ ،‬كل مجموعة تحب بعضها وال تحب المجموعة‬ ‫األخرى‪.‬‬

‫بنفس واحدة‪ :‬النفس هى مركز العواطف واألحاسيس‪ .‬وعندما يكون لنا الفكر الواحد والمحبة الواحدة سيكون لنا‬

‫المشاعر الواحدة‪ .‬والمعنى االنسجام معاً أى روح الفريق الواحد‪.‬‬

‫مفتكرين شيئاً واحداً‪ :‬ولكنه سبق وقال فك اًر واحداً والمعنى هنا أى أفكاركم متشابهة وهذه ال تكون إال فيمن‬ ‫يمألهم الروح القدس‪ ،‬واذا تناقشوا حول موضوع سريعاً ما يتفقوا على فكر واحد يشير به الروح القدس‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫اض ٍع‪ ،‬ح ِ‬ ‫ْض َل ِم ْن أَ ْنفُ ِس ِه ْم‪" .‬‬ ‫آية (‪ " -:)3‬الَ َ‬ ‫ض ُك ُم ا ْل َب ْع َ‬ ‫اس ِب َ‬ ‫ض أَف َ‬ ‫ين َب ْع ُ‬ ‫ش ْي ًئا ِبتَ َح ُّز ٍب أ َْو ِب ُع ْج ٍب‪َ ،‬ب ْل ِبتَ​َو ُ َ‬ ‫ال شيئاً بتحزب أو بعجب‪ :‬أسباب االنقسامات هى روح التحزب أى التعصب لشخص ما‪ ،‬وهذا يؤدى للكراهية‪،‬‬

‫أو العمل لمجد الذات وللمنفعة الشخصية واإلعجاب بالذات ورؤية اإلنسان نفسه أفضل من اآلخرين مما يجعله‬

‫يطلب مرك اًز أكبر أو يفرض رأيه‪ .‬من المؤكد أن بولس الرسول يعالج هنا الشقاقات التى بلغت أخبارها له‬

‫(فى‪.)1:2‬‬

‫ُع ْج ْب‪ :‬اإلنسان يعجب بذاته أو بالمواهب التى اعطاها له اهلل‪.‬‬ ‫حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم‪ :‬هذه قد تُترجم هكذا "فليحسب كل واحد اآلخر أفضل منه"‪ .‬وبحسب‬ ‫الترجمة األولى نفهم أنه علينا أن نعطى اآلخرين تقدي اًر أكبر مما يستحقون‪ ،‬وكرامة تفوق مراكزهم‪ .‬وهذا بهدف‬

‫تشجيعهم‪ .‬والحظ كيف تعامل المسيح مع السامرية‪ .‬أما بحسب الترجمة الثانية‪ ،‬فكيف أحسب اآلخر أفضل منى‬ ‫وأنا أعلم أننى أفضل منه علماً مثال‪ ،‬كيف يحسب الع ِ‬ ‫الم أن الجاهل أفضل منه‪ ،‬أو كيف يحسب من هو صالح‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الخاطىء أفضل منه؟ اإلجابة هى بالتواضع والطريق هو‪:‬‬ ‫‪ .8‬كل واحد يفكر فى خطاياه الشخصية وال يفكر فى خطايا اآلخر‪.‬‬

‫‪ .1‬كل واحد يفكر فى دينونة اهلل وال يهتم بنظرة الناس وحكمهم (‪8‬كو ‪.)6:2‬‬ ‫‪ .6‬نظرة اإلنسان أنه أفضل هى من قبيل التخمين‪ ،‬وهذا ال يصح أن نسير بحسبه‪ .‬فال أحد يعلم حقيقة‬ ‫داخل اإلنسان سوى اهلل‪.‬‬

‫‪ .2‬كل شىء صالح فى هو من اهلل فلماذا أنسبه لنفسى (‪8‬كو ‪( + )2:2‬يع‪.)82:8‬‬

‫‪ .5‬كل ميزة فى هى وزنة‪ ،‬وكلما زادت وزناتى‪ ،‬على أالّ اعتبر هذا سبباً لالفتخار‪ ،‬بل أطلب الرحمة‬ ‫ألنه كلما زادت وزناتى سيطالبنى اهلل بوزنات أكثر‪ .‬فاهلل أعطانى هذه الميزات ألتاجر بها وأربح‬

‫لحسابه‪.‬‬

‫‪ .3‬من يشعر فى نفسه أنه األحسن فليتضع وينكر ذاته كما عمل المسيح (يو‪.)85:86‬‬ ‫‪ .2‬الحقيقة اننى فى ذاتى لست شيئاً ‪ ،‬بل تراب وكلى نجاسة‪ .‬أما قيمتى الحقيقية ليست فيما أملك من‬ ‫مال أو علم ‪ ،‬فهذا عطية من اهلل‪.‬أما القيمة الحقيقية لكل انسان هى في المسيح الساكن فينا‪ .‬وفى‬ ‫هذا فما الفرق بينى وبين أى إنسان آخر‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫اح ٍد إِلَى ما ُهو لِ َن ْف ِس ِه‪ ،‬ب ْل ُك ُّل و ِ‬ ‫آية (‪4 " -:)4‬الَ تَ ْنظُروا ُك ُّل و ِ‬ ‫ضا‪".‬‬ ‫اح ٍد إِلَى َما ُه َو َ‬ ‫آلخ ِر َ‬ ‫ين أ َْي ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال تهتموا فقط بمصالحكم الشخصية‪ ،‬بل ليهتم كل واحد بما لآلخرين‪ .‬ليضع كل واحد نفسه مكان اآلخر‪ ،‬ويهتم‬

‫كل واحد بأن يخدم اآلخر المحتاج‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫ضا‪" :‬‬ ‫آية (‪َ " -:)5‬ف ْل َي ُك ْن ِفي ُك ْم ه َذا ا ْل ِف ْك ُر الَِّذي ِفي ا ْل َم ِس ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ع أ َْي ً‬ ‫يح َي ُ‬ ‫الفكر الذى فى المسيح يسوع هو أنه أنكر ذاته وأخلى ذاته فى تجسده ألجلنا‪ ،‬فإذا سلك كل واحد هذا المسلك‬

‫حدثت الوحدة‪ ،‬ومن ينكر نفسه فحاالً يجد نفسه فى حالة تواضع‪ .‬والتواضع فيه حل لكل الخالفات على كل‬ ‫المستويات (الكنيسة ‪ /‬المجتمع ‪ /‬البيت‪).../‬‬

‫وبعد هذه اآلية يضع بولس الرسول أنشودة رائعة تحمل فكره عن تجسد المسيح‪ ،‬ولم يقلها بغرض إثبات عقيدة‬

‫معينة بل قالها كدرس فى االتضاع فال يوجد صورة لإلتضاع أروع من صورة إتضاع المسيح فى تجسده ‪ ،‬ولكن‬ ‫كل كلمة وكل حرف فى هذه األنشودة يشير لعقيدة التجسد والفداء‪ .‬لذلك نفهم أن العقيدة والروحيات واألخالقيات‬

‫كل ال يتجزأ‪ .‬فالعقائد هى حياة يحياها المسيحى وليست نظريات جامدة فمن عقيدة التجسد نرى محبة اهلل‬

‫وتواضعه ونحاول أن نحيا بنفس األسلوب‪.‬‬

‫ون مع ِادالًِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آية (‪6 " -:)6‬الَِّذي إِ ْذ َك َ ِ‬ ‫هلل‪".‬‬ ‫س ًة أ ْ‬ ‫َن َي ُك َ ُ َ‬ ‫ورِة اهلل‪ ،‬لَ ْم َي ْحس ْب ُخ ْل َ‬ ‫ان في ُ‬ ‫ص َ‬ ‫خلسة‪ :‬هى كلمة نادرة جداً فى اليونانية‪ .‬ووردت مرة واحدة فى الكتاب المقدس‪ ،‬ومرة واحدة فى الكتابات‬

‫اليونانية‪ .‬ولها أكثر من ترجمة‪:‬‬

‫‪ .8‬بمعنى الخطف أو السلب ‪.robbery‬‬ ‫‪ .1‬بمعنى التشبث أو التلهف‪.‬‬

‫ولقد اعتمدت بعض الترجمات المعنى األول‪ ،‬والبعض اعتمد المعنى الثانى‪.‬‬

‫كان‪ :‬تعنى فى اليونانية يوجد أو يستمر‪ ،‬فيسوع هو اهلل فى الجوهر قبل التجسد وبعده‪ .‬الكلمة تشير لشخص‬ ‫اإلنسان الذى ينفرد به وهو ال يتغير وال يتبدل مهما تغير شكل هذا اإلنسان‪ ،‬فشخصه هو شخصه ال يتغير‪.‬‬

‫فى صورة اهلل‪ :‬صورة (مورفى باليونانية) جاءت بمعنى شكل‪ ،‬وتعنى الصورة الجوهرية لشىء وال تتغير قط‪.‬‬

‫فمثالً الصورة الجوهرية لإلنسان هى اإلنسانية‪ .‬صورة هنا هى التعبير عن الكيان الذى يعنى جوهر الطبيعة أو‬

‫الطبيعة الجوهرية ‪ ،‬وليس الشكل وال المظهر بل الصفات األساسية هلل التى تستعلنه‪ ،‬هو صورة اهلل غير‬

‫المنظور (كو‪1( + )85:8‬كو‪( + )2:2‬عب‪ .)6:8‬إذن المسيح هو صورة اهلل وقائم من البدء لذلك يقول المسيح‬

‫" أنا واآلب واحد"‪ .‬ويقول " من رآنى فقد رأى اآلب"‪ .‬واذا كانت كلمة "صورة" المستخدمة هنا تعنى عدم تغير‬

‫جوهر الشخصية بتغير الشكل الخارجى‪ ،‬فالمعنى يصير واضحاً أن جوهر ألوهية المسيح لم ُيصب بأى تغيير‬ ‫بسبب التجسد‪ ..‬هو اهلل ظهر فى الجسد‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫خلسة‪ :‬إذا إعتمدنا الترجمة األولى وهى (الخطف والسلب) كما فى العربية يكون المعنى أن المسيح فى جوهره‬ ‫واحد مع اآلب‪ ،‬ولذا لم يكن فى احتياج ألن يختلس لنفسه المساواة باهلل‪ ،‬فهو اهلل‪ .‬واذا اعتمدنا الترجمة الثانية‬

‫كما فعلت ترجمة (جيروزاليم بيبل) اإلنجليزية‪ .‬يكون المعنى أن المسيح بالرغم من كونه أصالً في صورة اهلل‪ ،‬إال‬

‫أنه لم ينظر لمساواته مع اهلل على أنها ربح أو غنيمة يتشبث بها‪ ،‬ولكنه أخلى ذاته آخذاً صورة عبد (‪1‬كو‪:1‬‬ ‫‪ .) 6‬وهذه الترجمة متمشية مع كالم بولس الرسول بأن ال نتمسك بما لنا من حقوق بل نتخلى عنها كما عمل‬ ‫المسيح‪ .‬وهذه الترجمة الثانية تترجم اآلية هكذا "إذ كان فى صورة اهلل لم يحسب مساواته هلل ربحاً يتمسك به‪.‬‬

‫معادالً هلل‪ :‬تفيد معنى المساواة‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫آية (‪ِ 7 " -:)7‬‬ ‫ص ِائ ار ِفي ِش ْب ِه َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫اس‪" .‬‬ ‫لك َّن ُه أ ْ‬ ‫س ُه‪ ،‬آخ ًذا ُ‬ ‫َخلَى َن ْف َ‬ ‫ورةَ َع ْبد‪ً َ ،‬‬ ‫ص َ‬ ‫أخلى ذاته‪ :‬المسيح بتجسده حجب مجد الهوته الكائن فيه عن الظهور‪ .‬وكلمة أخلى باليونانية تعنى أفرغ اإلناء‬ ‫مما يحتويه‪ .‬إذاً المعنى أن المسيح أفرغ إناءهُ البشرى من كل ما لالهوت من مجد كائن فيه أقنومياً‪ ،‬وصار فى‬ ‫صورة عبد ليتمكن العبيد (نحن البشر) من أن يقتربوا إليه ويروه ويتعاملوا معه (تث‪ )86-85:81‬فيرفعهم إليه‪.‬‬ ‫ويتمم فى جسده عمل الفداء العجيب‪ ،‬فلو ظهر بمجده ما كان الشيطان أو رئيس كهنة اليهود أو بيالطس أى‬ ‫كل من حركهم الشيطان‪ ،‬قادرين أن يقتربوا منه ليصلبوه‪ .‬هو أخلى ذاته ليعطيهم فرصة أن يصلبوه‬

‫(‪8‬كو‪ .) 1:1‬هذا اإلخالء لم يتناول طبيعته كإله‪ ،‬بل هو أضاف صورة العبد على ألوهيته‪ ،‬لذلك خرج من جنبه‬

‫دم وماء إشارة التحاد الهوته بجسده الذى انفصلت عنه الروح مع إستمرار إتحاد الهوته بروحه أيضاً التى ذهبت‬

‫للجحيم ثم للفردوس‪.‬‬

‫صورة عبد‪ :‬أخذ صورتنا فيما عدا الخطية‪ .‬فالخطية هى مرض أضيف على البشر والزمهم‪ .‬لكن الخطية لم‬ ‫تكن جزءاً أساسياً فى طبيعة اإلنسان حين خلقه اهلل‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصلِ ِ‬ ‫سٍ‬ ‫يب‪".‬‬ ‫ت َّ‬ ‫ت َم ْو َ‬ ‫اع َحتَّى ا ْل َم ْو َ‬ ‫س ُه َوأَطَ َ‬ ‫ان‪َ ،‬و َ‬ ‫ض َع َن ْف َ‬ ‫آية (‪َ " -:)8‬وِا ْذ ُو ِج َد في ا ْل َه ْي َئة َكِإ ْن َ‬ ‫كإنسان‪ :‬حرف الكاف يعنى أنه صار فى صورة إنسان (بإنسانية كاملة) ولكنه ليس مثل كل إنسان‪:‬‬

‫‪ .8‬هو بال خطية‪.‬‬

‫‪ .1‬حل فيه كل ملء الالهوت‪.‬‬

‫فى الهيئة‪ :‬هيئة باليونانية (سكيما) بمعنى المظهر الخارجى أو الصورة الخارجية‪ ،‬وهى التى يمكن أن تتغير‬ ‫وتتبدل‪ .‬وهذه عكس كلمة صورة التى وردت فى آية ‪( 3‬مورفى) التى تشير لثبات الوضع‪ .‬والرسول يقصد أن‬ ‫يقول أن صورة العبد التى أخذها المسيح كانت صورة وقتية حتى يتمم الفداء‪ .‬ولكن هذا قد تم دون أى تغيير فى‬

‫جوهر الهوته‪ ،‬وهذا ما جعل الرسول يستخدم كلمتين يونانيتين صورة (مورفى) وهى ثابتة‪ ،‬وهيئة (سكيما) وهى‬ ‫شىء وقتى‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫وضع نفسه‪ :‬تشير لوضاعة طبيعتنا إذا قورنت بمجد طبيعة اهلل‪ .‬ونالحظ أن الشيطان يفعل عكس ما فعل‬ ‫المسيح‪ ،‬فالشيطان متكبر أراد أن يتساوى باهلل‪ ،‬وكان هذا اختالساً‪ ،‬بل جعل البشر يعبدونه فى صورة األصنام‪،‬‬

‫واعتبر هذا ربحاً أو غنيمة يتشبث بها ويقتنصها‪ ،‬أما المسيح فأخلى ذاته ولم يعتبر مساواته هلل غنيمة يقتنصها‬

‫بل أخلى ذاته من مجده لصالح اإلنسان‪.‬‬

‫موت الصليب‪ :‬لم يتجسد ويخلى نفسه فقط بل أطاع حتى الموت‪ ،‬موت الصليب بكل ما فيه من مهانة‪ ،‬وألم‬ ‫مرعب‪ ،‬فهو للمجرمين وللقتلة وللصوص‪ .‬والصليب ملعون أو كان ملعوناً (تث‪ .)16 ،11:1‬والفيلسوف‬

‫الرومانى شيشرون يقول "ليبعد اسم الصليب ال عن أجساد المواطنين الرومانيين فحسب بل أيضاً عن أفكارهم‬ ‫وعيونهم وآذانهم"‪.‬‬

‫‪َّ ِ ِ 9‬‬ ‫األيات (‪ "-:)11-9‬لذل َك َرف َع ُه اهللُ‬ ‫السم ِ‬ ‫ِ‬ ‫اء َو َم ْن َعلَى األ َْر ِ‬ ‫ض َو َم ْن‬ ‫في َّ َ‬

‫ق‬ ‫َع َ‬ ‫اس ًما فَ ْو َ‬ ‫ضا‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫أ َْي ً‬ ‫طا ُ ْ‬ ‫‪11‬‬ ‫ت األ َْر ِ‬ ‫ف‬ ‫ض‪َ ،‬وَي ْعتَ ِر َ‬ ‫تَ ْح َ‬

‫ُك ِّل اسٍم ‪11‬لِ َكي تَ ْجثُو ِب ِ‬ ‫ع‬ ‫سو َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫اسم َي ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سٍ‬ ‫يح ُه َو‬ ‫ان أ َّ‬ ‫سو َ‬ ‫ع ا ْل َمس َ‬ ‫َن َي ُ‬ ‫ُك ُّل ل َ‬

‫ُك ُّل ُرْك َب ٍة ِم َّم ْن‬ ‫ب لِم ْج ِد ِ‬ ‫اهلل‬ ‫َر ٌّ َ‬

‫ِ‬ ‫اآلب‪".‬‬ ‫َرفَّ َعه اهلل‪ :‬هذه تُقال عن الناسوت (فالالهوت لم يفقد مجده أبداً) ففى مقابل إتضاعه وطاعته َرفعه اهلل ناسوتياً‪.‬‬ ‫ونالحظ أن المسيح له سلطان أن يضع ذاته وأن يأخذها (يو‪ .)81 ،82:81‬ونفهم اآلية أن الالهوت الواحد‬ ‫مثلث األقانيم أعطى للناسوت أن يرتفع ويتمجد‪ .‬وكما نقول فى قانون اإليمان "صعد إلى السموات وجلس عن‬

‫يمين أبيه"‪ ،‬فالجلوس عن يمين اآلب تعنى أن ناسوت المسيح صار له مجد اآلب‪ .‬وهذه اآلية موجهة لكل منا‪،‬‬

‫فمن يتضع كالمسيح يرفعه اهلل ويمجده‪.‬‬

‫اسماً فوق كل اسم‪ :‬إسماً جاءت معرفة بـ "الـ" فى اليونانية‪ .‬وهذا إشارة لالسم المتفرد يهوه‪ .‬واالسم ُيظهر حياة‬ ‫الشخص‪ .‬فلقد أظهر اهلل من هو المسيح الذى كان متضعاً وأنه هو هو يهوه العظيم‪ ،‬لقد صار للناسوت الذى‬ ‫أخذه المسيح اسم يهوه العظيم الذى كان له قبل إخالئه لذاته‪ ،‬بعد أن جلس عن يمين اآلب وتمجد بناسوته‬

‫وصار لهُ بناسوته كل ما لآلب من مجد‪ .‬اسم يسوع‪ :‬يهوه يخلص‪ ،‬لقد صار اسم يسوع قوة ترهب الشياطين‪،‬‬ ‫وصار قوة لنا (لذلك يوصى األباء باستخدام صالة يسوع‪ ،‬فإسم يسوع له قوة جبارة)‪ .‬ولقد صار إسم يسوع‬

‫موضوع تسبيحنا‪.‬‬

‫باسم يسوع‪ :‬يسوع هو إسمه فى حالة إخالء ذاته‪ .‬والسجود صار لإلله المتجسد الذى إتخذ إسم يسوع‪ ،‬بل صار‬

‫السمائيين يسجدون ليسوع الذى صار له مجد أبيه ومجد الهوته = تجثو له كل ركبة‪ :‬هذه قيلت عن يهوه‬

‫العظيم (إش‪ .)16:25‬وقيلت هنا عن يسوع‪ .‬فيسوع هو هو يهوه العظيم‪.‬‬

‫ممن فى السماء ومن على األرض‪ :‬يقدمون له العبادة فى حب وعرفان بالجميل‪.‬‬

‫من تحت األرض‪ :‬بارتفاعه وضع أعدائه تحت قدميه‪ ،‬هذا خضوع الكسرة والمذلة‪ .‬هؤالء هم من يقولون للجبال‬ ‫غطينا (رؤ‪.)83:3‬‬

‫‪21‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫ويعترف‪ :‬أى االعتراف علناً عن قصد تمجيد المسيح وشكره فهو صاحب حق وجميل‪ .‬والكل سيعترف به أنه هو‬ ‫يهوه العظيم الذى ينبغى له السجود والعبادة‪.‬‬

‫لمجد اهلل اآلب‪ :‬المجد الذى صار لربنا يسوع ال ينفصل عن مجد اهلل اآلب‪ .‬هو َمج َد اهلل اآلب بصليبه‪ ،‬و َمج َده‬ ‫فى قيامته‪ .‬وكل هذا كان ألجلنا‪ .‬ولكى نمجد نحن اآلب على محبته وأعماله‪.‬‬ ‫َحب ِ‬ ‫األيات (‪12 "-:)13-12‬إِ ًذا يا أ ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ط ْعتُ ْم ُك َّل ِح ٍ‬ ‫اآلن ِباأل َْولَى ِجدًّا‬ ‫َّائي‪َ ،‬ك َما أَ َ‬ ‫وري فَقَ ْط‪َ ،‬ب ِل َ‬ ‫س َك َما ِفي ُح ُ‬ ‫َ‬ ‫ين‪ ،‬لَ ْي َ‬ ‫‪13‬‬ ‫َن اهلل ُهو ا ْلع ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫س َّرِة‪" .‬‬ ‫يدوا َوأ ْ‬ ‫ام ُل ِفي ُك ْم أ ْ‬ ‫َن تُ ِر ُ‬ ‫َن تَ ْع َملُوا ِم ْن أ ْ‬ ‫َج ِل ا ْل َم َ‬ ‫ص ُك ْم ِب َخ ْوف َو ِر ْع َدة‪ ،‬أل َّ َ َ َ‬ ‫في غ َيا ِبي‪ ،‬تَ ِّم ُموا َخالَ َ‬

‫أطعتم‪ :‬قال لهم إن اهلل َرفع المسيح بسبب طاعته فعليهم بالطاعة‪ .‬ليباركهم اهلل على األرض وفى السماء‪.‬‬ ‫ليس كما فى حضورى‪ :‬هو كأب يعلم أطفاله المشى وحدهم حتى فى غيابه دون االتكال عليه‪ .‬والمقصود أن‬ ‫تتعلموا الطاعة هلل ولوصاياه حتى فى غيابى‪ .‬فاهلل ينظر تصرفاتهم كل حين‪.‬‬

‫تمموا خالصكم‪ :‬قوله تمموا تشير أن لإلنسان المؤمن دو اًر فى خالص نفسه وهذا نسميه بالجهاد‪ .‬المسيح كان‬ ‫كطبيب أعد الدواء‪ ،‬ونحن كمرضى علينا أن نتناوله بانتظام ونمتنع عن كل ما منعنا عنه الطبيب‪ .‬ومن يطيع‬

‫ويؤهل‬ ‫يتمم خالصه‪ .‬خالص المسيح كان كامالً‪ .‬ولكن المعنى أن من يجاهد خاضعاً للروح القدس تتم تنقيته ُ‬

‫لقبول الخالص الذى يعنى تمام اتحادنا بالرب يسوع‪ .‬خالص المسيح كان كامالً ونؤمن بهذا‪ .‬ولكن علينا الجهاد‬ ‫طالما نحن فى الجسد‪ ،‬كما نؤمن أن المسيح قادر أن يشبع الجائع لكن علينا أن نطعمه‪ .‬والجهاد هو أن نخضع‬

‫لمشيئة الروح القدس بالصلوات واماتة الشهوات‪ .‬هو جهاد ضد الذات (كو‪.)5-8:6‬‬

‫بخوف ورعدة‪ :‬هو خوف من أن نغضب اهلل ونرتد عنه‪ ،‬وهو خوف ناشئ عن معرفتنا بضعفنا وبقوة العدو‪ ،‬فهو‬ ‫ونحزن قلب اهلل علينا‪ .‬والرعدة هى القلق المتزايد على خالص نفوسنا‪ ،‬ولكن‬ ‫خوفنا من خداع الحية لنا فنسقط ُ‬ ‫ليس رعدة اليائس من خالص نفسه‪ .‬خوفنا ورعدتنا ممتزجان برجاء فى الخالص وثقة فى المعونة اإللهية‪ .‬أماّ‬ ‫من يشعر بقوته فهو سيسقط سريعاً‪ .‬خوفنا ورعدتنا مقصود بهما أن يؤديا لالحتراس الشديد لئال نخسر خالصنا‪،‬‬

‫مثل من يخاف عند عبوره الطريق‪ ،‬هذا يسمى خوف ّبناء‪ ،‬هذا يكسب حياته بسبب حذره‪ ،‬أماّ المندفع فيسقط‬ ‫تحت عجالت السيارات‪ .‬وهكذا من يخاف من الرسوب‪ ،‬سيذاكر قبل االمتحان فينجح‪ ،‬أما من ال يخاف من‬ ‫النتيجة لن يجاهد فى مذاكرته فيرسب‪ .‬إذاً هناك خوف مطلوب يدفع اإلنسان للتقدم وألن يحافظ على حياته‪.‬‬ ‫ولكن هناك خوف مرضى يتسبب فى رسوب الطالب مهما ذاكر بسبب رعبه وهذا يناظر الشك فى محبة اهلل‪،‬‬

‫أو تصور أن اهلل منتقم والبد سيهلكه حتى لو تاب عن خطيته (هذا النوع يشك فى الغفران) وهذا النوع يدفع‬

‫اإلنسان للصدام مع اهلل ‪ ،‬وهذا النوع من الخوف تطرحه المحبة خارجاً (‪8‬يو‪ .)81:2‬إذاً الخوف المطلوب هو‬

‫الذى يجعلنا ننشغل بالدرجة األولى بخالص نفوسنا وهو الذى ُيلهمنا العمل ألجل خالص نفوسنا‪ .‬فنحفظ‬ ‫الوصايا ولنا رجاء فى الخالص‪.‬‬

‫ألن اهلل هو العامل فيكم أن تريدوا‪ :‬سبق فى آية ‪ 81‬وتحدث عن مسئولية اإلنسان تجاه خالصه‪ ،‬وهنا يشجعهم‬ ‫أن العمل ليس عملهم وحدهم بل اهلل يشترك معهم فى مهمة خالص أنفسهم‪ ،‬فلو قال بولس " تمموا خالصكم‬

‫‪22‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫بخوف ورعدة" وسكت على هذا لصار األمر مرعباً فماذا نعمل ونحن فى ضعفنا هذا؟ هنا يتحدث عن‬ ‫اإلمكانيات اإللهية المعطاة لإلنسان لكى يخلص‪ ،‬فاهلل هو الذى يعمل فى اإلنسان فيحرك إرادته تجاه خالص‬

‫نفسه وأيضاً يعضده فى كل عمل يقوم به إلتمام الهدف المنشود وهو خالص نفسه‪ .‬واهلل يحرك اإلرادة ويعطى‬

‫المعونة لنعمل على خالص أنفسنا‪ .‬وهل معنى هذا أن اهلل يعطى إرادة لمن ال إرادة له؟ قطعاً ال‪ .‬ولنسمع قول‬

‫السيد المسيح " كم مرة أردت‪ ...‬ولم تريدوا‪ .‬هوذا بيتكم ُيترك لكم خراباً" (مت ‪ .)61 ،62:16‬لكن اهلل يحفز‬ ‫وينشط إرادة من يغصب نفسه (رؤ‪( + )11:6‬نش‪ .)2:5‬أليست حياة المسيح فينا (في‪ )18:8‬وهو بحياته فينا‬ ‫يقودنا ويقود أعضاءنا لتكون أالت بر (رو‪.)86:3‬‬

‫هنا نرى المسيح يقرع الباب ويثير عواطف اإلنسان نحوه حتى نفتح له‪ ،‬ومن يفتح ويتجاوب يعطيه المسيح أكثر‬

‫فيكون له ملكوت السموات (مت‪ .)81:88‬والروح القدس يبكت ويقنع المؤمن على ترك الخطية وعلى عمل البر‪،‬‬ ‫ويحاول أن يوفق إرادة المؤمن مع إرادة اهلل‪ ،‬ويحفز إرادة الذى يغصب نفسه‪ .‬وأن تعملوا‪ :‬هو الذى يعطى‬

‫المعونة فى كل عمل صالح نقوم به‪ ،‬إذ هو يشترك معنا فى كل عمل صالح‪ ،‬بل بدونه ال نقدر أن نعمل شيئاً‬

‫(يو‪ .)5:85‬وكون أن اهلل هو العامل فى شعبه وفينا فهذا يعطينا التشجيع لنعمل كل ما فى طاقاتنا ليتم خالصنا‬ ‫معتمدين على اهلل وليس على أنفسنا‪ .‬ونكرر‪ ،‬اهلل ال يجبر إنسان وال يرغمه على تغيير إرادته‪ ،‬بل عمل اهلل‬

‫يكون بإقناع المؤمن وانارة عقله (إر‪ .)2:11‬إذاً تمام الخالص هو عمل مشترك بيننا وبين الروح القدس‪ .‬وهذا‬ ‫الكالم يعطى اطمئنان ألهل فيليبى أنه لو اختفى بولس أو الرسل كلهم بالموت أو االستشهاد فإن اهلل هو العامل‬

‫فى شعبه‪.‬‬

‫من أجل المسرة‪ :‬فمسرة اهلل هى خالص اإلنسان فهو يريد أن الجميع يخلصون (‪8‬تى‪ .)2:1‬لذلك فهو يعمل فينا‬

‫أن نريد وأن نعمل‪.‬‬ ‫‪ِ14‬‬ ‫طاء‪ ،‬أَوالَ ًداِ ِ‬ ‫شي ٍء ِبالَ َدم َدم ٍة والَ مج َ ٍ ‪ِ 15‬‬ ‫َّ‬ ‫هلل ِبالَ‬ ‫ْ َ َ َُ‬ ‫سَ َ ْ‬ ‫ادلَة‪ ،‬ل َك ْي تَ ُكوُنوا ِبالَ لَ ْوٍم‪َ ،‬وُب َ‬ ‫األيات (‪ "-:)15-14‬اف َْعلُوا ُكل َ ْ‬ ‫ع ْي ٍب ِفي وس ِط ِجيل مع َّو ٍج وم ْلتَ ٍو‪ ،‬تُ ِ‬ ‫ون َب ْي َن ُه ْم َكأَ ْن َو ٍ‬ ‫ار ِفي ا ْل َعالَِم‪".‬‬ ‫ضُ‬ ‫يئ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ َ ُ‬ ‫دمدمة‪ :‬الكلمة تشير للتذمر كما يتذمر العبد على سيده‪ ،‬وكما تذمر اليهود على اهلل فى البرية‪ .‬والتذمر ينشأ من‬ ‫م اررة القلب وعدم الصبر فى معاشرتنا لبعضنا البعض‪ ،‬ولعدم المحبة وضيق القلب أو عدم إحتمال أحكام اهلل‪.‬‬

‫ولذلك عودتنا الكنيسة على الشكر دائماً حتى نتحاشى التذمر الذى يقسى القلب أمام اهلل وما يدفع اإلنسان‬

‫للتذمر عدم ثقته أن ما يسمح به اهلل هو للخير‪ ،‬وأن كل ما يسمح به اهلل هو طريقنا للسماء أو هو إلعدادنا‬

‫للسماء‪.‬‬

‫مجادلة‪ :‬مناقشات فى كبرياء وتمسك بالرأى ومناقشات فى شك بين طرفين وهذا يؤدى قطعاً للنزاع‪ .‬بال لوم‪:‬‬

‫ليس فيهم ما يستحق التوبيخ والنقد‪ ،‬وليس فيهم خطأ أو عيب ما‪ .‬ونحن لن نكون بال لوم أمام اهلل إالّ لو كنا فى‬

‫المسيح (كو‪.)11:8‬‬

‫‪23‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫بسطاء‪ :‬البسيط هو من ينظر هلل فقط وال يخلط البر والشر فى حياته‪ ،‬ال ُيظهر غير ما يبطن‪ ،‬ويبتعد عن‬ ‫المكر والدهاء‪ .‬والكلمة تشير إلى أن المادة تكون نقية غير مخلوطة بشوائب أى غير مغشوشة‪ .‬ويشير المعنى‬

‫ألن المؤمن يجب أن يكون برىء وصادق ذو نية صادقة وبواعث نظيفة ونقية‪ .‬وتترجم ‪ single hearted‬أى‬

‫القلب له إتجاه واحد= "يا إبنى اعطنى قلبك" ‪.‬معوج‪ :‬تعنى االبتعاد عن الحق‪ .‬ملتو‪ :‬تشويه الحقائق بإلتواء‬ ‫ومكر‪ .‬تضيئون‪ :‬الضوء يشير للقداسة المستمدة من الرب يسوع‪ .‬كأنوار‪ :‬هناك كلمتين فى العبرية أنوار وتشير‬ ‫لألجسام المضيئة من نفسها كالشمس ونيرات وهى كلمة تشير للكواكب التى تستمد نورها من الشمس‪ ،‬كالقمر‬

‫وبولس استخدم كلمة نيرات‪ ،‬فنحن نور العالم (مت ‪ .)82:5‬نستمد نورنا من المسيح شمس البر (مال‪ )1:2‬وهو‬

‫النور الحقيقى (يو‪ .)81:1‬والمقصود أن أوالد اهلل يكونون نو اًر للعالم‪ ،‬ينيروا الطريق لكل العالم الذى ال يعرف‬

‫اهلل‪ .‬لكى تكونوا‪ ..‬أوالداً هلل أى ليظهر أنكم أوالد اهلل‪ ،‬فأوالد اهلل يجب أن يتشبهوا باهلل (أف‪ .)8:5‬والوالدة من اهلل‬ ‫تأتى بالمعمودية وتستمر باإليمان الثابت والجهاد بأعمال صالحة يراها الناس ويمجدوا أبانا الذى فى السموات‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫ين ِب َكلِم ِة ا ْلحي ِ‬ ‫اة الف ِْت َخ ِ‬ ‫اري ِفي َي ْوِم‬ ‫األيات (‪ُ "-:)18-16‬متَ َم ِّ‬ ‫س ِك َ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ‬ ‫ت أَ ْن ِ‬ ‫ِ ‪ِ ِ 17‬‬ ‫ضا َعلَى َذ ِب َ ِ ِ‬ ‫يم ِان ُك ْم َو ِخ ْد َم ِت ِه‪،‬‬ ‫ب أ َْي ً‬ ‫سك ُ‬ ‫َباطالً‪ .‬لك َّنني َوِا ْن ُك ْن ُ َ‬ ‫يحة إ َ‬ ‫س ُر ِ‬ ‫ضا َواف َْر ُحوا َم ِعي‪".‬‬ ‫ور َ‬ ‫ين أ َْي ً‬ ‫ُكوُنوا أَ ْنتُ ْم َم ْ‬

‫يح‪ِ ،‬بأ َِّني لَم أَسع ب ِ‬ ‫ت‬ ‫ا ْل َم ِس ِ‬ ‫اطالً َوالَ تَِع ْب ُ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫ين‪َ 18 .‬وِبه َذا َع ْي ِن ِه‬ ‫َج َم ِع َ‬ ‫ُس ُّر َوأَف َْر ُح َم َع ُك ْم أ ْ‬ ‫أَ‬

‫متمسكين‪ :‬أصل الكلمة يخبر‪ ،‬إذاً المقصود إعالن كلمة الحياة‪ :‬أى اإلنجيل‪ ،‬بالشهادة لكلمة الحياة فى حياتهم‬ ‫وأقوالهم وبهذا نخبر اآلخرين بالمسيح‪ .‬ونحن نعلن ونخبر الناس باإلنجيل بأن نحيا وفق تعاليمه‪.‬‬

‫إلفتخارى‪ :‬تكونوا لفخرى ومجدى وعلة مكافأتى فى األبدية‪.‬‬

‫سعيت‪ :‬كلمة تصف الذى يجرى فى ميدان السباق للحصول على جائزة‪.‬‬

‫انسكب‪ :‬كل اآلالم التى صادفها خالل ك ارزته‪ ،‬بل هو مسجون حالياً وربما تكون نهايته االستشهاد‪ ،‬لقد كانت‬ ‫حياته كالسكيب الذى كان الكهنة فى العهد القديم يسكبونه على الذبائح قبل إحراقها على المذبح (خر ‪+ 21:16‬‬

‫عد‪ )82 ،2:11 +5 ،2:85‬والتصوير هنا أن أهل فيليبى بآالمهم وقبولهم لآلالم بفرح‪ ،‬هم ذبيحة مقدمة هلل‪:‬‬

‫ذبيحة إيمانكم‪ :‬وبولس ككاهن يسكب حياته على ذبيحة إيمانهم (وهذا ما حدث له على يد نيرون بعد ذلك‪ ،‬فهو‬ ‫كان يتنبأ بنهايته)‪ .‬والسكيب الذى كان الكهنة يسكبونه على الذبائح كان خم اًر‪ .‬والخمر رمز للفرح‪ .‬والمعنى أن‬ ‫سكيب بولس لنفسه‪ ،‬أى قبوله لأللم واستعداده للشهادة‪ .‬كان ككاهن يسكب الخمر على ذبيحة أهل فيليبى ليفرح‬ ‫اهلل‪ ،‬وهو هنا يفعل ما فعله المسيح حين سكب نفسه (إش‪ .)81:56‬ومن ناحية أخرى فبولس يفرح بأن يسكب‬

‫نفسه وبأن يقدموا هم للعالم كلمة الحياة‪.‬‬

‫فخدمتهم ستفرحهم وتفرحه‪ ،‬وسيفرحهم خالصهم وايمانهم وخدمتهم وشهادتهم هلل‪ ،‬وسيفرحون أيضاً بمحبة بولس‬

‫لهم‪ .‬وخدمته‪ :‬كلمة خدمة هنا هى "ليتورجيا"‪ ،‬أى الخدمة الكهنوتية‪ .‬فبولس ككاهن يقدم نفسه سكيب على ذبيحة‬ ‫إيمانهم‪ .‬وفكرة أن المؤمنين ذبيحة يقدمها هو ككاهن قالها من قبل فى (رو‪.)83:85‬‬

‫‪24‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫افرحوا معى‪ :‬باإلنجليزية هنئونى بأننى استشهد وانسكب سكيباً‪ .‬وفى هذا تطبيق عملى لما سبق وقاله أن األلم‬ ‫هو هبة من اهلل ألجل المسيح (فى ‪ )16:8‬وهكذا عاش بولس الرسول " من أجلك ُنمات كل النهار‪ .‬قد ُحسبنا‬ ‫مثل غنم للذبح" (رو‪ .)63:1‬وهذا ما يفرحه أن يتألم ألجل المسيح الذى أحبه‪ ،‬بل هو يتشبه به ويشترك معه فى‬

‫صليبه‪ .‬وعلى أهل فيليبى أن يفرحوا إذا شابهوه وشابهوا المسيح‪ ،‬واشتركوا مع المسيح فى صليبه‪ ،‬أى ليتحملوا‬

‫أالمهم بفرح‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫ِ‬ ‫َن أُر ِس َل إِلَ ْي ُكم س ِريعا ِتيموثَاو ِ‬ ‫ت‬ ‫الر ِّ‬ ‫آية (‪َ " -:)19‬علَى أ َِّني أ َْر ُجو ِفي َّ‬ ‫يب َن ْف ِسي إِ َذا َع َرْف ُ‬ ‫سو َ‬ ‫س ل َك ْي تَط َ‬ ‫ْ َ ً ُ ُ َ‬ ‫ب َي ُ‬ ‫ع أْ ْ‬ ‫َح َوالَ ُك ْم‪" .‬‬ ‫أْ‬

‫أرجو‪ :‬فكل األمور تحت سلطان اهلل‪ ،‬وهو الذى يوجه الكل‪ .‬وهو يريد أن يرسل تيموثاوس ليطمئن أهل فيليبى‬

‫عليه‪ ،‬ثم يطمئن بولس على أخبار أهل فيليبى‪ .‬فى الرب يسوع‪ :‬كان لبولس حياة المسيح (فى‪ .)18:8‬وبالتالى‬

‫فكر المسيح (‪8‬كو‪ .)83:1‬وذلك نتيجة طبيعية التحاده بالمسيح‪ ،‬فهو عضو فى جسد المسيح فكل فكر وكل‬ ‫عمل له صادر من المسيح كمركز اإلرادة‪ ،‬فهو يحب فى المسيح ويفتخر فى الرب يسوع ويعمل ويرجو فى‬

‫المسيح‪ .‬فال خالص لنا إالّ بثباتنا فى الرب يسوع‪ .‬والحظ أنه إن لم يكن ثابتاً فى الرب يسوع فهو سيرجو شيئاً‬

‫خاطئاً مثل األموال أو الماديات ولكن ثباته فى الرب يسوع جعله يرجو ما يساعدهم على خالص نفوسهم‪ ،‬فهذه‬ ‫هى ارادة اهلل‬

‫( ‪8‬تى ‪. ) 2 :1‬‬

‫‪21‬‬ ‫‪21‬‬ ‫َن لَ ْيس لِي أَح ٌد َ ِ‬ ‫َح َوالِ ُك ْم ِبِإ ْخالَ ٍ‬ ‫ون َما‬ ‫ص‪ ،‬إِ​ِذ ا ْل َج ِميعُ َي ْطلُ ُب َ‬ ‫ير َن ْف ِسي َي ْهتَ ُّم ِبأ ْ‬ ‫َ‬ ‫األيات (‪ "-:)22-21‬أل ْ َ‬ ‫آخ ُر َنظ ُ‬ ‫‪22‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإل ْن ِج ِ‬ ‫ون أَنَّ ُه َك َولٍَد معَ أ ٍ‬ ‫َج ِل ِ‬ ‫يل‪.‬‬ ‫ع ا ْل َم ِس ِ‬ ‫يح‪َ .‬وأ َّ‬ ‫َما ْ‬ ‫سو َ‬ ‫اخ ِت َب ُارُ فَأَ ْنتُ ْم تَ ْع ِرفُ َ‬ ‫َب َخ َد َم َم ِعي أل ْ‬ ‫ُه َو ألَ ْنفُس ِه ْم الَ َما ُه َو ل َي ُ‬ ‫َ‬

‫"‬

‫مع احتياج بولس فى سجنه لتيموثاوس‪ ،‬إالّ أنه لمحبته ألهل فيليبى سيرسله لهم‪ .‬فليس فى روما من هو نظير‬

‫تيموثاوس‪ ،‬فهو إنسان ُيعتمد عليه‪ .‬وهو يحبهم مثل بولس‪ :‬نظير نفسى‪ :‬فهو يفكر كما أفكر أنا بولس‪ ،‬ويرى ما‬ ‫أراه من حق إلهى‪ .‬اختبار ‪ :‬تشير الكلمة إلى الكيفية التى واجه بها تيموثاوس ما إمتحن به ‪ ،‬وحاز على‬

‫موافقتهم جميعاً على شخصه‪ ،‬كيف كان متضعاً متفانياً محباً فى خدمته‪ .‬فأنتم تعرفون‪ :‬فى اليونانية المعرفة‬

‫الناشئة عن إختبار‪ ،‬فأهل فيليبى قد عايشوا تيموثاوس‪ .‬الجميع يطلبون ما ألنفسهم‪ :‬مع زيادة االضطهاد‬ ‫إرتخت أيدى الكثيرين وظهر فتور الكثيرين‪ .‬وقل إخالصهم للرب يسوع‪.‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪23‬‬ ‫ضا س ِ‬ ‫آتي إِلَ ْي ُك ْم‬ ‫الر ِّ‬ ‫ق ِب َّ‬ ‫األيات (‪ "-:)24-23‬ه َذا أ َْر ُجو أ ْ‬ ‫َح َوالِي َحاالً‪َ .‬وأ َِث ُ‬ ‫َن أ ُْر ِسلَ ُه أ ََّو َل َما أ َ​َرى أ ْ‬ ‫ب أ َِّني أَ​َنا أ َْي ً َ‬ ‫يعا‪".‬‬ ‫س ِر ً‬ ‫َ‬

‫أول ما أرى أحوالى‪ :‬أى عندما ُيعلن قرار القضاء فى أمرى إماّ بالسجن أو اإلستشهاد أو اإلفراج‪ .‬فهو اآلن‬ ‫الذى يخدمنى فال أستغنى عنه‪ ،‬ولكن إذا أُف ِرج عنى أو إذا استشهدت سيأتى حامالً لكم األخبار‪.‬‬

‫‪25‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫أثق بالرب‪ :‬هو كان شاع اًر باإلفراج عنه‪ .‬وهذا ما حدث فعالً إذ أطلق نيرون سراحه هذه المرة‪.‬‬ ‫َخي‪ ،‬وا ْلع ِ‬ ‫َن أُر ِس َل إِلَ ْي ُكم أَب ْفروِدتُس أ ِ‬ ‫لك ِّني ح ِس ْب ُ ِ‬ ‫آية (‪25 " -:)25‬و ِ‬ ‫ام َل َم ِعي‪َ ،‬وا ْل ُمتَ َج ِّن َد َم ِعي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت م َن الّالَ ِزِم أ ْ ْ‬ ‫ْ َُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اج ِتي‪" .‬‬ ‫سولَ ُك ْم‪َ ،‬وا ْل َخاد َم ل َح َ‬ ‫َو َر ُ‬

‫حسبت من الالزم‪ :‬فأنا أعرف مشاعركم نحوه خاصة بعد سماعكم أخبار مرضه‪ .‬وأبفرودتس جاء لبولس حامالً‬ ‫هدية أهل فيليبى ولكى يخدم بولس فى سجنه‪ .‬ثم مرض أبفرودتس وكان رقيق المشاعر‪ ،‬لذلك نجده قد حزن لما‬

‫عرف أن أخبار مرضه وصلت ألهل فيليبى‪ .‬أخى = فى المعمودية‪ .‬العامل معى‪ :‬فى الخدمة والك ارزة‪ .‬المجند‬

‫معى‪ :‬ضد قوات الظلمة‪ .‬ونرى محبة بولس وأنه يفضل اآلخرين على نفسه (آية ‪ )2‬فمع احتياجه ألبفرودتس‬ ‫سيرسله ألهل فيليبى‪.‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ان م ْ ِ‬ ‫‪ِ26‬‬ ‫يضا‪".‬‬ ‫س ِم ْعتُ ْم أَنَّ ُه َك َ‬ ‫ان َم ِر ً‬ ‫وما‪ ،‬أل ََّن ُك ْم َ‬ ‫شتَاقًا إلَى َجميع ُك ْم َو َم ْغ ُم ً‬ ‫آية (‪ " -:)26‬إ ْذ َك َ ُ‬ ‫كان غم أبفرودتس شديداً إذ كان بعيداً عنهم فى مرضه‪ ،‬وكان غمه ألنه تصور حزنهم عليه مما زاد من‬ ‫اشتياقه لهم‪ .‬لذلك كان البد لبولس أن يرسله لهم فيفرحوا به وفرحهم هذا يقلل من أالم بولس‪.‬‬

‫ونرى أن بولس بالرغم من كل مواهبه فى الشفاء (أع ‪ )81:86‬لم يستطع شفاء أبفرودتس‪ .‬فشفاء المريض‬

‫بمعجزة ال يتم إالّ لو كان لحساب مجد اهلل وايمان الناس‪ .‬بل أن اهلل يستخدم األمراض للتأديب والشفاء الروحى‪.‬‬ ‫وهكذا بولس لم يستطع شفاء تروفيمس (‪1‬تى‪ .)11:2‬وتيموثاوس كان مريضاً ولم يستطع شفاءه (‪8‬تى‪.)16:5‬‬

‫وبولس نفسه كان له شوكة فى الجسد (‪1‬كو‪ .)2:81‬ولم يستطع شفاء نفسه‪.‬‬

‫اهلل يستخدم الشفاء بمعجزة فى بعض األحيان‪ ،‬ويستخدم المرض‪ ،‬وكالهما الشفاء والمرض أدوات فى يد اهلل‬

‫لشفاء النفس وإلعداد اإلنسان للسماء‪ .‬المرض كان عقوبة للخطية فلم يكن هناك أمراض قبل سقوط آدم ولكن‬

‫كما نقول فى القداس الغريغورى " حولت لى العقوبة خالصاً" فاهلل َحو َل المرض فصار وسيلة للخالص فكما‬ ‫يقول معلمنا بطرس أن من تألم فى الجسد كف عن الخطية‪8( ،‬بط‪ .)8:2‬بل أن األلم صار طريق الكمال‬

‫(عب‪ .)81:1‬أما معجزات الشفاء فاهلل يستخدمها لمن تساعده على نمو إيمانه أو لمن ال يريد اهلل موته اآلن‬ ‫ويريد أن يعطيه اهلل حياة أخرى‪ .‬اهلل هو صانع اإلنسان وهو الذى يعرف ضعفاته وما الذى يصلحها ليدخل إلى‬

‫السماء‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ض قَ ِر ِ‬ ‫ضا لِ َئالَّ‬ ‫األيات (‪ "-:)31-27‬فَِإ َّن ُه َم ِر َ‬ ‫َّاي أ َْي ً‬ ‫ً‬ ‫س إِيَّا ُ َو ْح َد ُ َب ْل إِي َ‬ ‫يبا م َن ا ْل َم ْوت‪ ،‬لك َّن اهللَ َرح َم ُه‪َ .‬ولَ ْي َ‬ ‫‪28‬‬ ‫ي ُك َ ِ‬ ‫ون أَ​َنا أَ َق َّل ُح ْزًنا‪.‬‬ ‫ضا َوأَ ُك ُ‬ ‫س ْر َع ٍة‪َ ،‬حتَّى إِ َذا َأر َْيتُ ُموُ تَ ْف َر ُح َ‬ ‫ون أ َْي ً‬ ‫َ‬ ‫س ْلتُ ُه إِلَ ْي ُك ْم ِبأ َْوفَ ِر ُ‬ ‫ون لي ُح ْز ٌن َعلَى ُح ْز ٍن‪ .‬فَأ َْر َ‬ ‫‪31‬‬ ‫‪29‬‬ ‫ت‪ ،‬م َخ ِ‬ ‫اط ًار‬ ‫َج ِل َع َم ِل ا ْل َم ِس ِ‬ ‫فَاق َْبلُوُ ِفي ا َّلر ِّ‬ ‫ب ِب ُك ِّل فَ​َر ٍح‪َ ،‬وْل َي ُك ْن ِم ْثلُ ُه ُم َك َّرًما ِع ْن َد ُك ْم‪ .‬أل ََّن ُه ِم ْن أ ْ‬ ‫يح قَ َار َ‬ ‫ب ا ْل َم ْو َ ُ‬ ‫ِ​ِ ِ‬ ‫ان ِخ ْد َم ِت ُك ْم لِي "‬ ‫ص َ‬ ‫ِب َن ْفسه‪ ،‬ل َك ْي َي ْج ُب َر ُن ْق َ‬

‫‪26‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثاني)‬

‫مخاط ارً‪ :‬الكلمة المستخدمة تحمل معنى المقامرة‪ ،‬أى غامر بحياته فى تهور ألجل خدمتى وأنا سجين‪ .‬ربما‬ ‫كانت هناك خطورة من الجنود أو هو استمر يخدم بولس الرسول بينما هو مريض وكان محتاجاً للراحة‪.‬‬

‫يجبر نقصان خدمتكم لى‪ :‬أى يقوم بخدمتى نيابة عنكم‪ ،‬ويتمم ما لم تستطيعوه أنتم بسبب بعد المسافة بين‬ ‫ّ‬ ‫فيليبى وروما‪ .‬وليس لتقصير منهم‪.‬‬

‫مكرماً عندكم‪ :‬إذ ربما يلوموا أبفرودتس أنه ترك بولس فى سجنه وتخلى عن خدمته لذلك يقول لهم عن خدمته‬ ‫ويطلب منهم أن يقبلوه فى الرب‪ .‬فهو من محبته عرض نفسه ألخطار جمة‪.‬‬

‫حزن على حزن‪ :‬حزنى على موته بعد حزنى على مرضه‪ .‬هذه هى محبة بولس للجميع‪ ،‬ألهل فيليبى ولتلميذه‪.‬‬ ‫فالمسيحية ال تلغى المشاعر اإلنسانية‪ ،‬بل هذا ما طالب به الرسول فى آية ‪" 8‬إن كان أحشاء رأفة‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫عودة للجدول‬

‫ِ​ِ‬ ‫الر ِّ ِ‬ ‫آية (‪1 " -:)1‬أ ِ‬ ‫ُم ِ‬ ‫َما لَ ُك ْم فَ ِه َي‬ ‫َخ ًا‬ ‫ير َيا إِ ْخ َوِتي اف َْر ُحوا ِفي َّ‬ ‫س ْت َعلَ َّي ثَ ِقيلَ ًة‪َ ،‬وأ َّ‬ ‫ور إِلَ ْي ُك ْم لَ ْي َ‬ ‫ب‪ .‬كتَ َاب ُة هذ األ ُ‬ ‫ُم َؤ ِّم َن ٌة‪" .‬‬ ‫أخي ارً‪ :‬األصل اليونانى " أما بالنسبة لما بقى من الكالم" أى أن الجزء السابق أو الحديث السابق قد انتهى وسيبدأ‬ ‫حديث فى موضوع جديد هو تعاليم المتهودين الذين يعل ِ​ِمون بضرورة الختان‪ ،‬وباقى الطقوس اليهودية كأمر‬

‫ضرورى للخالص‪ .‬والرسول ال يعتبر أن تحذيراته فى هذا الخصوص هى ثقيلة عليه أو تسبب له ضيقاً ألنها‬

‫تُؤم ْن من يسمعها من االنزالق فى الخطأ‪ .‬وهى ليست ثقيلة عليه لثقته فيهم ومعرفته ألخبارهم‪ .‬وهذا عكس ما‬ ‫قاله فى رسالته لغال طية ولكورنثوس‪ ،‬حين قال" من حزن كثير وم اررة قلب كتبت لكم"‪ ،‬وهى ليست ثقيلة ألنه‬ ‫مسرور بهم‪ .‬وقوله إنها ليست ثقيلة ألنه طالما نبههم إلى خطورتها وهو معهم فى فيليبى ولكنه مضطر اآلن أن‬

‫يكتب لهم لخطورة األمر‪ .‬إفرحوا‪ :‬الفرح يعطى قوة (نح‪ .)81:1‬أماّ الفشل والغم فال يليقا بأوالد اهلل‪ ،‬ألن إبليس‬

‫يصطاد مثل هذه النفوس المغمومة‪:‬‬ ‫‪ .8‬ليشككها فى محبة اهلل‪.‬‬

‫‪ .1‬ليغريها بأن تتعزى بخطايا العالم وملذاته‪.‬‬ ‫ولنرى كيف أن بولس وسيال كانا يسبحان فى السجن‪ .‬لو كتب بولس لهم عن الفرح وهو ال يعانى من السجن لما‬

‫صدقوه وهم فى آالمهم وهناك اضطهاد واق ع عليهم‪ ،‬لكنه يكتب لهم كمختبر‪ .‬والفرح هو لمن يثبت فى الرب‬ ‫(فى‪ ،)2:2‬بل ال يمكن أن يجتمع األلم والفرح إالّ فى الرب‪ ،‬فالرب وحده هو القادر أن يحول الضيق الداخلى‬ ‫الناشئ من األلم إلى فرح داخلى‪ .‬هذه الرسالة هى رسالة الفرح لذلك يذكرهم بالفرح الذى يريد الرب أن يعطيه‬

‫لهم‪ ،‬وفى هذا تحذير أن من يرتد وراء اآلخرين سيفقد هذا الفرح‪.‬‬

‫إفرحوا‪ :‬هنا بولس يعطى أم اًر بأن نفرح والمقصود أن إكتشفوا أن اهلل قادر أن يعطيكم الفرح من خالل العالقة‬

‫الشخصية فى المخدع واكتشاف شخص اهلل الذى يعطى الفرح الحقيقى الذى ينتصر على أى ألم‪ .‬من إكتشف‬ ‫هذا الفرح ال تهزمه تجربة وال يصاب باكتئاب أو حزن‪ .‬ومن لم يكتشف طريق الفرح هذا‪ ،‬إن أصابته تجربة‬

‫مؤلمة‪ ،‬يصطدم مع اهلل ويكتئب بل هناك من يرفضون التعزية والفرح‪ .‬وكيف يعطى اهلل تعزية وفرح لمن ال يريد‬

‫ومن هم هكذا يصبحون صيداً سهالً إلبليس والمسيح يحزن جداً على هؤالء المكتئبين‪ ،‬بعد كل ما صنعه من‬

‫فداء وأنه جعلهم أبناء اهلل وأعد لهم مكاناً فى السماء وأن كل األمور لخيرهم ليصلوا إلى هذا المكان المعد‪ ،‬فلماذا‬

‫يكتئبون؟ السبب هو الشك فى محبة المسيح لهم وأن ما يسمح به هو للخير‪ .‬ومن يحيا فى فرح يحيا فى صحة‬

‫جسدية ونفسية ويحيا فى قوة‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ب‪ .‬ا ْنظُ​ُروا فَ َعلَ َة َّ‬ ‫الشِّر‪ .‬ا ْنظُ​ُروا ا ْلقَ ْط َع‪" .‬‬ ‫آية (‪ " -:)2‬اُْنظُ​ُروا ا ْلكالَ َ‬

‫‪28‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫انظروا‪ :‬معناه إحذروا واحترسوا وافتحوا عيونكم‪.‬‬

‫الكالب = هناك كلمتين بمعنى كالب‪:‬‬

‫‪ .8‬الكالب المدلّلة وهذه تكون مدلّلة فى البيوت‪ .‬واستخدم رب المجد هذه الكلمة فى حديثه مع المرأة الكنعانية‬ ‫(مت‪.)13:85‬‬

‫‪ .1‬الكالب الجربانة الضالة التى تجرى فى الشوارع ُم ْه َملَ ْة‪ .‬وهذه هى الكلمة المستخدمة هنا‪ .‬وهذه الكلمة‬ ‫استخدمها اليهود واليونانيين ككلمة توبيخ‪ ،‬ويقصد بها الرسول توبيخ المعلمين الكذبة من المتهودين‪ ،‬الذين‬ ‫تمسكوا بالتعاليم اليهود ية وحرموا أنفسهم من الشبع بالنعمة فى إنجيل الخالص‪ ،‬وهؤالء أرادوا اعتبار‬

‫المسيحية طائفة يهودية‪ ،‬وعلموا بأن األمم لكى يصيروا مسيحيين عليهم أن يدخلوا من باب اليهودية أوالً‪.‬‬ ‫وأسماهم الرسول كالباً‪:‬‬

‫‪ .8‬فهم نبحوا ضد بولس عندما قاومهم‪ ،‬ككالب مسعورة (راجع سفر األعمال)‪ ،‬بل نبحوا ضد كل من َعلم‬ ‫تعليماً صحيحاً‪ .‬وشبههم بالكالب فى محاولتهم عض ومهاجمة خدام المسيح الحقيقيين‪ .‬وهكذا وصف‬

‫المسيح هيرودس بالثعلب‪.‬‬

‫‪ .1‬هم ينهشون جسم المسيح (الكنيسة) ليخطفوا ما يستطيعون اختطافه من المؤمنين‪.‬‬

‫‪ .6‬الكلب رمز للنجاسة فى العهد القديم (تث‪ .)81:16‬ألنه يأكل من الزبالة والقذارة‪ .‬ولذلك أطلق اليهود‬ ‫على األمم لفظ كالب لوثنيتهم ونجاستهم التى يحيون فيها‪ ،‬وبهذا فهم منفصلين عن شعب اهلل وعن اهلل‪.‬‬

‫ودارت األيام وها هو بولس كممثل لكنيسة األمم يرد لهم اإلسم فهم أولى به بسبب إنفصالهم اآلن عن‬

‫الكنيسة شعب اهلل وعن ال نعمة‪ .‬وال سبيل للطهارة من النجاسة اال بدم المسيح ‪ ،‬وهم رافضين االيمان‬ ‫بالمسيح ‪ ،‬ولذلك فنجاستهم باقية ‪ .‬ولذلك قال عنهم الرسول انهم كالب ‪.‬‬

‫‪ .2‬الكلب منتقم ينهش من الخلف‪ ،‬وهذا ما يفعلونه باضطهادهم لخدام المسيح‪.‬‬

‫فعلة الشر‪ :‬هم المتهودين الذين يريدون إفساد التعليم الصحيح وخطف أوالد اهلل‪ ،‬هم ضد اإلنجيل ويشوهون‬ ‫تعاليمه ويضللون المؤمنين عن الحق اإللهى الصحيح‪.‬‬

‫القطع‪ :‬معنى الكلمة الذين يقطعون أجزاء من أجسادهم‪ ،‬وهى إشارة ألنهم يعلمون بالختان الجسدى كطريق‬ ‫للخالص بدالً من الختان الروحى الذى هو من صميم عمل النعمة فى العهد الجديد‪ .‬ونادى به أنبياء العهد‬

‫القديم (ال‪( + )28:13‬تث‪( + )3:61+ 83:81‬إر‪ .)81:3‬والكلمة قد تشير إلى أن هؤالء بتعاليمهم المنحرفة قد‬ ‫قطعوا أنفسهم من شركة جسد الكنيسة‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫س ِد‪" .‬‬ ‫وح‪َ ،‬وَن ْفتَ ِخ ُر ِفي ا ْل َم ِس ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫ين َن ْع ُب ُد اهللَ ِب ُّ‬ ‫سو َ‬ ‫ان‪ ،‬الَِّذ َ‬ ‫آية (‪ " -:)3‬أل ََّن َنا َن ْح ُن ا ْل ِختَ َ‬ ‫ع‪َ ،‬والَ َنتَّك ُل َعلَى ا ْل َج َ‬ ‫يح َي ُ‬ ‫ألننا نحن الختان = لماذا هم كالب؟ لماذا هم قطع؟ ألنهم قطعوا أنفسهم عنا نحن كنيسة المسيح المختونين‬

‫روحياً أى ختان القلب بالروح (رو‪ .)86:1 +16:1‬فالقلب يحب األقارب مثالً ولكنه يحب الخطية أيضاً ‪ ،‬ولكن‬ ‫الروح القدس يعين من يميت أعمال الجسد‪ ،‬فمن يقف ميتاً أمام الخطية يعينه الروح القدس وبولس هنا يقول‬

‫‪29‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫أيهما له قيمة أكبر‪ :‬أن يقطع إنساناً جزء من جسده بيد إنسان أو أن الروح القدس يميت حب الخطية من‬

‫داخلى‪.‬‬

‫نحن نعبد اهلل بالروح‪ :‬العبادة بالروح (رو‪ )6:8‬هى التى أشار إليها السيد المسيح للسامرية (يو‪.)12،16:2‬‬ ‫وهذه العبادة بالروح يشترك فيها كل من آمن بالمسيح من اليهود واألمم الذين صاروا من شعب اهلل‪.‬‬

‫هناك عبادة بالجسد أى ما كان يمارسه اليهود‪ .‬يصوم ويصلى ويطالب اهلل باألجر (ومازال هناك من المسيحيين‬

‫من يفكر كاليهود فيقول أنا صمت وصليت فلماذا يسمح اهلل لى بهذه التجربة) وهناك من يدخل فى منافسات من‬ ‫يصوم مدة أطول ليطالب بثمن أكبر‪ .‬هذا ما يسمى البر الذاتى‪.‬‬

‫وهناك عبادة نفسانية أى من يصلى إذا ُوجد جو مشجع كاجتماع صالة‪ .‬أى طالما ُو ِج َدت قوة دفع يصلى‪ ،‬واذا‬ ‫لم توجد ال يصلى‪ .‬مثل هؤالء يصلون القداس ثم ال يصلون فى مخادعهم ألنهم صلوا في القداس‪.‬‬

‫أما العبادة بالروح هى أن يقودنى الروح‬

‫ولكن هناك سؤال هل الصوم عبادة بالروح أم الجسد مع أن الصوم يقوم به الجسد وهكذا المطانيات هل هى‬

‫بالجسد أم بالروح‪ .‬هناك صوم ومطانيات بالروح وصوم ومطانيات بالجسد‪ .‬الصوم بالروح هو أن الروح القدس‬ ‫يخاطب الروح اإلنسانية ويقنعها بما يمليه عليها الروح القدس‪ .‬والجسد ينقاد لما أماله الروح القدس على الروح‬ ‫اإلنسانية (وهكذا فى المطانيات) وهنا نجد أن الروح القدس أقنع اإلنسان بهذه العبادة بأن يبكته على خطاياه‬

‫ويقنعه باالنسحاق (يصوم ويصلى ويسجد)‪ .‬أو الروح القدس يذكر اإلنسان بأن المسيح صلب من أجله ويقنعه‬

‫قائالً أال تترك أكل تحبه ألجل المسيح‪ .‬هنا يصوم اإلنسان ويصلى وينسحق عن اقتناع دون طلب ثمن من اهلل‪.‬‬ ‫هنا لو أتت تجربة على اإلنسان ينسحق باألكثر ويقول هذه بسبب خطاياى‪ ،‬أنا أستحق‪ .‬هذه العبادة بالروح‬

‫تجعلنى أقترب بسهولة من اهلل لذلك حصلت المرأة الخاطئة على الخالص ولم يحصل عليه الفريسى المتكبر‪.‬‬

‫أما العبادة بالجسد فهى نوع من إحساس اإلنسان بأنه يداين اهلل بعبادته‪ .‬ولكن من يداين اهلل سريعاً ما يدين اهلل‬

‫مثل الفريسى الذى قال عن المسيح " لو كان هذا نبياً‪."..‬‬

‫هذه العبادة بالجسد هى ما أسماه بولس البر الذى بالناموس أى العبادة الجسدية ولكن هناك البر الذى بالمسيح‪.‬‬

‫وهنا المسيح هو الذى فعل كل شئ‪ .‬أما البر الذى بالناموس ففيه أننى أنا الذى أفعل كل شئ‪.‬‬

‫ولكن هل معنى أن المسيح هو الذى فعل كل شىء أننى ال عمل لى وال جهاد لى؟‬

‫حل هذه المعادلة كان فى قول المسيح‪ " :‬إذا فعلتم كل البر فقولوا أننا عبيد بطالون"‪ ،‬ومن يضع فى نفسه أنه‬

‫عبد بطال كيف يدين اهلل إن أتت عليه تجربة ويقول لماذا سمحت يارب بكذا أو كذا‪ ....‬هو سيقول ألجل‬

‫خطيتى‪.‬‬

‫المسيح تمم الخالص ولكن حتى أستفيد بهذا الخالص‪.‬‬

‫‪ .8‬أتمم خالصى بخوف ورعدة فى جهاد مستمر‪.‬‬ ‫‪ .1‬أقول دائماً إننى عبد باطل‪.‬‬

‫لذلك ينقسم المؤمنين إلى فئتين‪:‬‬

‫‪30‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫‪ .8‬المجموعة األولى تشعر بخيرات اهلل عليها وأن خيراته هى بال حدود وتنسب األالم لخطاياها‪ .‬هذه‬ ‫الفئة هى من تعبد اهلل بالروح‪.‬‬

‫‪ .1‬المجموعة الثانية تنسب الخير لذكائها وتنسب األالم والشرور هلل وهذه الفئة هى من تعبد بالجسد‪.‬‬

‫الفئة األولى تنسحق أمام اهلل‪ ،‬فيتعامل معها الروح وتعبد اهلل بالروح والفئة الثانية كبريائها أعماها فما عادت‬

‫تعرف كيف تسمع صوت اهلل وما عادت تستطيع أن ترى يد اهلل‪.‬‬

‫* المنسحق يفتح الروح القدس عينيه على محبة اهلل الذى نقشنى على كفه‪ ،‬الذى يحملنى على يده ويدللنى على‬

‫ركبتيه فيقبل منه كل األمور فى محبة واثقاً فى محبته‪( .‬إش ‪.)81:33‬‬

‫* والحظ أن بولس الرسول مع كل خدماته يقول‪ " :‬بعد ما كرزت آلخرين ال أصير أنا نفسى مرفوضاً"‪ .‬هو فى‬

‫داخل نفسه يشعر أنه عبد بطال ‪ ،‬ويقول عن نفسه أنه أول الخطاة ‪ ،‬والكنيسة تعلمنا أن نصلى دائماً كخطاة ال‬ ‫نستحق شىء قائلين يارب ارحم‪ .‬أما المتكبر الذى يثق فى نفسه وأعماله إن أتت عليه تجربة تجده يلوم اهلل‪،‬‬

‫ويقول لماذا يارب‪.‬‬ ‫العبادة بالروح‪:‬‬ ‫ماذا يأخذ من يعبد بالروح؟‬

‫‪ .8‬الروح يشفع فيه أى يجعله مقبوالً أمام الرب (رو‪ .)13:1‬فالمسيح يشفع فينا شفاعة كفارية أمام اآلب أى‬ ‫يغطينا بدمه فنصير مقبولين أمام اآلب‪ .‬فبدون دم المسيح نفتضح وتظهر خطايانا فال نكون مقبولين أمام‬

‫اآلب‪.‬‬

‫شفاء جسدياً‪ ،‬كما طلب‬ ‫‪ .1‬فماذا تعنى شفاعة الروح القدس؟ قد يطلب اإلنسان طلباً ال يرضى عنه اهلل‪ ،‬مثالً‬ ‫ً‬ ‫بولس‪ ،‬ويصر هذا اإلنسان على طلبه فيكون معانداً إلرادة اهلل‪ .‬وهنا يتدخل الروح القدس مع من يعبد بالروح‬ ‫ويقنعه أن هذا ضد إرادة اهلل‪ ،‬ويستجيب ويصرخ "لتكن مشيئتك" ويصير بهذا مقبوالً لدى اآلب‪ .‬وهذا ما‬

‫حدث مع بولس إذ سمع أن شفاءه سيكون سبباً فى هالكه إذ سيرتفع من فرط اإلعالنات (‪1‬كو‪ )88‬فلم‬

‫يطلب مرة أخرى‪.‬‬

‫نعبر بها عن حبنا‬ ‫‪ .6‬الروح القدس ُيصور لنا من هو المسيح وكيف أحبنا حباً متناهياً‪ .‬وقد ال نجد كلمات ّ‬ ‫للمسيح وشكرنا له فنصرخ بأنات للتعبير عن حالتنا هذه‪.‬‬ ‫‪( .2‬رو‪ .)13:1‬إذ ال نجد كلمات تعبر عما فى القلب‪ .‬يذكرنا الروح القدس بكم صنع بنا اهلل وحفظنا وستر‬ ‫ويصور لنا هذه المواقف وكم كنا معرضين ألخطار عظيمة لوال معونة اهلل‪ .‬وهنا تخرج عبارة‬ ‫علينا وأعاننا ُ‬

‫"أشكرك" من القلب وليس من الفم‪.‬‬

‫‪ُ .5‬يصور لنا الروح القدس عظم خطيتنا وكم من إهانات وجهناها إلى اهلل فنصرخ من القلب "إرحمنا" وليس من‬ ‫الفم‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫‪ .3‬الروح القدس ُيصور لنا أمجاد السماء (‪8‬كو‪8 + 81-6:1‬كو‪ .)81:86‬وكيف أن هذا سيكون مكاننا فنسبح‬ ‫اهلل من القلب على عظيم محبته ونشكره ونشتهى السماء‪.‬‬

‫‪ .2‬الروح القدس يضع كالماً على أفواه من يعبد بالروح (هو‪ )6 ،1:82‬ولكن هذا يستلزم أن نسكت بعض‬ ‫الوقت أثناء الصالة وأن ننسحق أمام اهلل وأن نتغصب فنطيل صلواتنا نتكلم قليالً ونسكت كثي اًر لنسمع‪.‬‬

‫‪ .1‬لذلك نصلى دائماً أن نمتلىء من الروح ونقول "روحك القدوس جدده فى أحشائنا" أى إمألنا من الروح‬ ‫واجعله يعمل فينا وال ينطفىء‪ .‬فتكون لنا هذه العبادة الروحية‪ .‬والروح نفسه ال ينطفىء فإلهنا نار آكلة‬

‫(عب‪ ) 16:81‬ولكن اإلنسان الجسدانى ال يعود يسمع صوته مثال من يطفىء صوت الراديو ال يعود يسمع‬ ‫صوته مع أن الموجات الصوتية موجودة فى كل مكان ومتاحة‪.‬‬ ‫نفتخر فى المسيح‪ :‬شعب اهلل يفتخرون فى المسيح يسوع ‪ ،‬وليس بأعمال الجسد مثل الختان الجسدى أو البنوة‬ ‫إلبراهيم‪ .‬وكلمة نفتخر فى أصلها اليونانى تحمل معنى فكر الفرح والمجد‪ .‬فالعبادة بالروح تقود للفرح‪ .‬لذلك فى‬ ‫العهد الجديد لم نسمع عن شخص قوى جسدياً وال عن امرأة جميلة كما كنا نسمع كثي اًر فى العهد القديم ألن القوة‬ ‫والجمال صا ار في العهد الجديد فى شخص المسيح فقط‪ .‬لقد صار المسيح هو فرحنا ومجدنا وابتهاجنا وفخرنا‬

‫وقوتنا وجمالنا‪.‬‬

‫ال نتكل على الجسد‪ :‬فى المفهوم المسيحى‪ ،‬الخالص عمل يفوق إمكانيات البشر ويقوم به اهلل ألجل اإلنسان‪.‬‬ ‫أماّ اليهود فهم يتصورون أن الخالص هو عمل طبيعى يقوم به اإلنسان تجاه اهلل لذلك فهم يتكلمون عن أعمال‬ ‫بشرية مثل الختان أو سائر الفروض الناموسية كوسائل للتبرير‪ .‬والمقصود تجنبوا أفكار المعلمين الكذبة‪ ،‬فنحن‬ ‫نعبد اهلل بأرواحنا الخاضعة لعمل الروح القدس‪ ،‬ونفتخر بالمسيح يسوع الذى يمنحنا البر والقداسة‪ ،‬ولسنا مثلهم‬

‫نعتمد فى تبريرنا على عمل يعملونه فى الجسد كبر ذاتى لهم‪ .‬ومن يعبد اهلل بالروح فى فرح سيفهم أن اهلل هو‬ ‫الذى يعمل كل شئ‪ .‬وهو لذلك ال يعتمد على نفسه فى شىء بل على اهلل‪ .‬فمن يعتمد على ذاته يحاول أن‬

‫يرضى ذاته فى عبادته فيتكبر‪ .‬أما من يثق فى أن اهلل هو الذى يعمل كل شئ يشعر بضآلته فينسحق‪ ،‬وهذا هو‬

‫المدخل الصحيح للتعامل مع اهلل‪ ،‬وهذا ما شعر به بولس الرسول نفسه فقال جاهدت الجهاد الحسن ألنه مخلوق‬ ‫ليعمل (أف ‪ .)81:1‬ولكن فى داخله يشعر إنه أول الخطاة ويقول " أنا أصغر جميع القديسين" (أف ‪ .)1:6‬حقاً‬ ‫اهلل عمل كل شئ للخالص لكن على اإلنسان أن يجاهد واذا فعل كل البر يقول عن نفسه أنه عبد بطال ويقول‬

‫عن نفسه أنه "أول الخطاة" مع بولس‪ .‬لذلك المسيحى ال يفتخر بنفسه فهو يشعر أنه ال شئ بل يفتخر بالمسيح‬

‫ويقول عن نفسه أنه عبد بطال هذه حقيقة أوالً‪ .‬وثانياً فيها حماية من الكبرياء‪ .‬وثالثاً أننا ال نعتمد على عملنا بل‬

‫على قوة عمل المسيح‪.‬‬

‫آخر أ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن لِي أ ْ ِ‬ ‫س ِد فَأَ​َنا ِباألَ ْولَى‪" .‬‬ ‫آية (‪َ 4 " -:)4‬م َع أ َّ‬ ‫ضا‪ .‬إِ ْن َ‬ ‫س ِد أ َْي ً‬ ‫َن َيتَّك َل َعلَى ا ْل َج َ‬ ‫َن أَتَّك َل َعلَى ا ْل َج َ‬ ‫ظ َّن َواح ٌد َ ُ‬

‫‪32‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫إن كان أحد من المتهودين يثق فى نفسه بما له من مميزات مترتبة على وضعه كيهودى‪ ،‬وعلى ما له من‬

‫أعمال بشرية‪ .‬فأنا أفوقه فى هذه المميزات‪.‬‬

‫إن ظن‪ :‬ظن فى أصلها اليونانى تشير لمن يقارن نفسه باآلخرين‪ ،‬فيرى فى نفسه مميزات ال يراها فى اآلخرين‪.‬‬ ‫وهكذا المتهودين يظنون أنفسهم بسبب يهوديتهم أنهم أفضل من األمم‪.‬‬ ‫يل‪ِ ،‬م ْن ِس ْب ِط ِب ْني ِ‬ ‫ون ِفي ا ْليوِم الثَّ ِ‬ ‫ام ِن‪ِ ،‬م ْن ِج ْن ِ‬ ‫آية (‪ِ 5 " -:)5‬م ْن ِج َه ِة ا ْل ِختَ ِ‬ ‫ين‪ِ ،‬ع ْب َرِان ٌّي ِم َن‬ ‫س َرِائ َ‬ ‫ام َ‬ ‫ان َم ْختُ ٌ‬ ‫َ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫َْ‬ ‫وس فَِّر ِ‬ ‫ا ْل ِع ْبرِان ِّي َ ِ ِ ِ َّ‬ ‫ام ِ‬ ‫يس ٌّي‪" .‬‬ ‫َ‬ ‫ين‪ .‬م ْن ج َهة الن ُ‬

‫الختان‪ :‬عالمة شعب اهلل فى العهد القديم‪ .‬إذاً بولس من بيت يهودى وليس دخيالً على اليهودية‪ .‬فى اليوم‬

‫الثامن‪ :‬كان الدخالء (األمم الذين آمنوا باليهودية وأرادوا االنضمام لدين اليهود) يختتنون وهم كبار سناً‪ ،‬أى يوم‬ ‫دخولهم لليهودية‪ .‬إذاً بولس كان يهودى المنبت وليس دخيالً‪.‬‬

‫من جنس إسرائيل‪ :‬لم يختلط باألمم‪ ،‬أى من جنس نقى‪ .‬وارث لبركة إبراهيم واسحق ويعقوب‪ .‬من سبط‬

‫بنيامين‪ :‬كانت ميزة سبط بنيامين أنه مع سبط يهوذا مولودين فى األرض المقدسة‪ ،‬وهو ابن راحيل المحبوبة‬

‫وليس ابن جارية‪ .‬والحظ أن يوسف أيضاً كان ابن راحيل المحبوبة ولكن سبطى افرايم ومنسى ضاعا مع المملكة‬ ‫الشمالية‪.‬وكان من سبط بنيامين‪ ،‬أول ملك على إسرائيل‪ .‬وظلوا مالزمين ليهوذا بعد انقسام المملكة‪ ،‬وعادوا معهم‬

‫بعد السبى‪ .‬عبرانى‪ :‬أى يتكلم العبرانية مع أنه ُوِل َد فى بالد أجنبية‪ ،‬وهذه ميزة له‪ ،‬فاليهود فى الشتات كانوا‬ ‫ومخصص هلل‪ ،‬يحفظ أبسط وأدق تفاصيل الناموس بكل‬ ‫يتكلمون اليونانية وأهملوا العبرانية‪ .‬فريسى‪ :‬أى ُمفرز ُ‬ ‫حرص‪ .‬وعند اليهود كان الفريسيين هم األعظم فى األحزاب‪ ،‬فكانوا مثل الحاصلين على الدكتوراه فى الناموس‪،‬‬

‫وكانوا حوالى ستة آالف شخص أيام المسيح‪ .‬وقيل عنهم‪" :‬كل من يذهب للسماء البد أن يكون فريسياً"‪ .‬ولكن‬

‫المسيح كان يهاجمهم لكبريائهم‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫ضطَ ِه ُد ا ْل َك ِن ِ ِ ِ ِ‬ ‫َِّ ِ َّ‬ ‫ام ِ‬ ‫وس ِبالَ لَ ْوٍم‪".‬‬ ‫آية (‪ِ " -:)6‬م ْن ِج َه ِة ا ْل َغ ْي َرِة ُم ْ‬ ‫َ‬ ‫يسة‪ .‬م ْن ج َهة ا ْل ِبِّر الذي في الن ُ‬ ‫هو عرف اليهودية فى أضيق مذاهبها وأكثرها تعصباً‪ ،‬كان غيو اًر على يهوديته ال يطيق أن يرى أحد خارج‬

‫حظيرتها‪ .‬لذلك حرص على أن يالشى الكنيسة الوليدة‪ .‬وكان هذا تديناً مريضاً ألنه مرتبط بالقتل‪ .‬كان كمن‬ ‫يدافع عن اهلل‪ .‬والحق أن اهلل هو الذى يدافع عنا‪.‬‬

‫بال لوم‪ :‬كان مدققاً فى إيفاء كل مطالب الناموس بال إهمال ُيالم عليه فى وصايا أو فرائض اآلباء‪ .‬ومشكلة هذا‬ ‫الشعور أن اإلنسان الذى يشعر أنه بال لوم لن يبحث عن الكمال‪ .‬والحظ أن بولس المسيحى قال الخطاة الذين‬

‫أولهم أنا‪.‬‬

‫آيات ‪ :3،5‬تشرح معنى البر الذى بالجسد‪ ،‬هنا نجد بولس يفتخر بمواصفات معينة جسدية‪ ،‬ويفتخر بنفسه‪.‬‬ ‫آية (‪ِ 7 " -:)7‬‬ ‫س َارةً‪" .‬‬ ‫َج ِل ا ْل َم ِس ِ‬ ‫لك ْن َما َك َ‬ ‫ان ِلي ِرْب ًحا‪ ،‬فَه َذا قَ ْد َح ِس ْبتُ ُه ِم ْن أ ْ‬ ‫يح َخ َ‬

‫‪33‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫كل هذه االمتيازات السابقة التى كانت لى قبل المسيح‪ ،‬وتعتبر مكاسب كبيرة من وجهة نظر أى يهودى‪ ،‬رأيتها‬

‫اآلن كخسارة إذا قورنت بما أخذته من هبات فى المسيح‪ .‬وهى خسارة ألنها لم تفدنى شيئاً فى عالقتى بالمسيح‪،‬‬ ‫بل كانت حاج اًز بينى وبينه‪ .‬البر الذى بالناموس كان السبب فى أننى لم أعرف المسيح إذ كان أمامى ‪،‬‬

‫واضطهدت ت ابعيه من المسيحيين‪ ،‬لذلك يكون برى هذا هو السبب فى هالكى ألننى لم أعرف المسيح‪ .‬فبولس‬

‫بعد أن عرف المسيح اكتشف أن بر الجسد صار عائقاً عن بر المسيح‪ ،‬فالبر الناموسى هو نوع من الربح‬ ‫لإلنسان بحيث أنه كلما حصل عليه بسلوكه كان له فضل فيه على اآلخرين‪ .‬ولكن اإلحساس بالبر الذاتى‬

‫واإلحساس بالفضل على اآلخرين يبعدنا عن البر بالمسيح بل فيه كبرياء‪ ،‬والكبرياء يسبب االبتعاد واالنفصال‬

‫عن اهلل‪ .‬عموماً كل من يحسب نفسه با اًر لن يبحث عن المسيح ليبرره‪ ،‬وما دام اإلنسان يحسب نفسه بال لوم‬ ‫فلماذا السعى وراء الكمال‪ .‬بل كان الناموس الذى كنت متمسكاً به سبب لعنة على‪ ،‬فالناموس يلعن ويحكم‬ ‫بالموت على كل من يخطئ حتى فى خطية واحدة‪ ،‬ومن هو الذى ال يخطئ‪ .‬وحتى اآلن فهناك من يظن أن‬

‫طريقاً ما فيه ربح ولكنه فيه خسارة‪ ،‬مثل من ينكر اإليمان‪ .‬أما من يستشهد فإن العالم يظن أنه قد خسر حياته‪،‬‬ ‫وهو قد ربح الملكوت (مر ‪ .)65:1‬بولس كيهودى كان يظل يفكر فى نسبه وما يفتخر به من أعماله فيدخله‬

‫الكبرياء أما بولس كمسيحى يقول أنه ال يفكر فى الماضى مهما وصل من درجات أو مهما عمل من خدمة بل‬

‫يظل ينظر للسماء ولدرجات أعلى (آية ‪.)86‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آية (‪8 " -:)8‬ب ْل إِ ِّني أ ْ ِ‬ ‫َجلِ ِه‬ ‫ب ُك َّل َ‬ ‫سو َ‬ ‫َج ِل فَ ْ‬ ‫ع َرِّبي‪ ،‬الَِّذي ِم ْن أ ْ‬ ‫س َارةً ِم ْن أ ْ‬ ‫ش ْي ٍء أ َْي ً‬ ‫َحس ُ‬ ‫َ‬ ‫ض ِل َم ْع ِرفَة ا ْل َمسي ِح َي ُ‬ ‫ضا َخ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اء‪ ،‬وأَ​َنا أ ْ ِ‬ ‫ت ُك َّل األَ ْ ِ‬ ‫يح‪"،‬‬ ‫َخ ِس ْر ُ‬ ‫َحس ُب َها ُنفَ َاي ًة ل َك ْي أ َْرَب َح ا ْل َمس َ‬ ‫ش َي َ‬ ‫بولس بعد أن رأى المسيح فى طريقه إلى دمشق‪ ،‬ثم عرفه بعد ذلك من خبرته فى حياته فى المسيح‪ ،‬وعرف أن‬

‫المسيح هو يهوه اإلله القوى الذى أحب خاصته إلى المنتهى‪ .‬فألجل المسيح الذى تذوق بولس محبته‪ ،‬خسر‬ ‫وضعه كفريسى مقرب للقيادات الدينية وقائد يهودى بارز‪ ،‬بل خسر أصدقاءه ومعارفه اليهود‪ .‬وامتد بولس بنظره‬

‫فوجد أن ليس فقط مركزه كيهودى‪ ،‬بل كل ما فى العالم ما هو إالّ نفاية بجانب معرفة يسوع المسيح‪ ،‬وأن كل‬

‫شئ فى العالم إن كان سيحرمه من المسيح‪ ،‬أو بالمقارنة مع معرفة المسيح‪ ،‬ما هو إالّ نفاية‪.‬‬

‫معرفة المسيح‪ :‬هناك فرق بين أن أعرف المسيح وأن أعرف عن المسيح‪ .‬فأعرف المسيح تشير لمعرفة اختبارية‬ ‫اقتناها بولس من خالل حياة الشركة مع المسيح‪ .‬ومعرفة المسيح هذه هى الحياة األبدية (يو‪ .)6:82‬وهذه‬ ‫المعرفة تمأل القلب فرحاً وسالماً ومحبة (راجع مت‪.)23:86‬‬

‫فضل معرفة المسيح‪ :‬حين تُقارن معرفة المسيح هذه بأى شىء آخر فهى من المؤكد ستكون أفضل بما ال‬ ‫ُيقاس‪ .‬بل إذا لم أعرف المسيح فسيكون كل ما عرفته أو وصلت إليه فى العالم ما هو إالّ خسارة وعديم النفع‪.‬‬

‫فمعرفة المسيح تعنى الفرح والسالم هنا إذ نعرف بين يدى من نحن‪ ،‬وتعنى المجد فى السماء‪ .‬أليست إذاً كل‬ ‫األشياء التى تلهينا عن معرفة المسيح ما هى إالّ خسارة‪ .‬والمسيح هو وحده الحق "أنا هو الطريق والحق والحياة"‬ ‫أما العالم فهو باطل كل األباطيل أى ضياع وبال جدوى‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫معرفة المسيح‪:‬‬

‫معرفة المسيح هى األفضل (آية ‪.)1‬‬

‫أوجد فيه (آية ‪ )6‬أى ثابت فى المسيح‪.‬‬ ‫ألعرفه (آية‪.)81‬‬

‫المسيح الرأس‬

‫آدم الرأس‬

‫أوجد فيه‪ :‬مثل غصن فى كرمة‪ .‬هنا فى جسد المسيح‪ ،‬ودم المسيح يسرى فى كل الجسد وكل من هو ثابت فى‬ ‫المسيح سيكون له ثمار (يو‪.)85‬‬

‫أعرفه‪ :‬فالن عرف زوجته (تك‪ )8:2‬أى عاشرها وصا ار جسداً واحداً‪ ،‬إذاً كلمة أعرفه تعنى صرنا واحداً مع‬ ‫المسيح‪.‬‬

‫فالن عرف زوجته وأنجبا فالن وفالن (تك‪ )8:2‬إذاً هى معرفة مثمرة واتحادنا بالمسيح يعطى ثمر بر‪.‬‬ ‫ال أحد يعرف من هو االبن إال اآلب ومن هو اآلب إالّ االبن (لو‪)11:81‬‬ ‫أنا واآلب واحد (يو‪)61:81‬‬

‫أنا فى اآلب واآلب فى (يو‪)81:82‬‬ ‫وهذه اآليات تشير لوحدة اآلب واالبن وأن المعرفة تعنى الوحدة‪ .‬فكون أن اآلب يعرف االبن واالبن يعرف اآلب‬

‫فهذا يعنى الوحدة‪ ،‬وهذا يظهر من اآليتين األخيرتين‪.‬‬

‫وكلمة أعرف المسيح إذاً تعنى أننى أصبحت واحداً مع المسيح وسيكون لى ثمر هو ثمر البر الذى بالمسيح ألن‬

‫حياة المسيح ستكون فى‪.‬‬

‫وقارن مع اآليات (يو‪11:82‬ـ‪ )16‬فالمسيح صيرنا واحداً فيه‪.‬‬

‫فلو قلنا أن فالن عرف زوجته فهذا يعنى أنهما صا ار جسداً واحداً‪ .‬فهذا يشير أيضاً إلى أن من يعرف اهلل يصير‬

‫معه روحاً واحداً (‪8‬كو ‪.)82 :3‬‬

‫ومن يصير روحاً واحداً مع اهلل يكون كشجرة مغروسة على مجاري المياه فمجاري المياه هي إشارة للروح القدس‬

‫(يو ‪.)66 – 62 :2‬‬

‫وهذا البر الذى بالمسيح يكون باإليمان كمدخل ألننا ننتمى لجسد المسيح ونصير فى المسيح باإليمان ثم‬

‫المعمودية‪ .‬والطريق لكى أتحد بالمسيح هو الموت عن العالم‪ .‬ونالحظ أنه إذا عرفت المسيح أستطيع أن أترك‬

‫‪35‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫العالم جزئياً واذا حدث هذا أعرف المسيح أكثر وحينئذ أفرح به فأتخلى باألكثر عن العالم ‪ ،‬وهكذا إلى أن يصبح‬ ‫العالم كله بالنسبة لى نفاية‪ .‬ولكن حتى نعرف المسيح فالثمن هو ترك العالم والموت عن العالم‪ .‬والمعرفة هنا‬

‫هى معرفة إختبارية ول يست العقالنية النظرية‪ ،‬ومن ال يعرف المسيح معرفة إختبارية يسهل خداعه وبهذا قد ينكر‬

‫المسيح‪ .‬وكلما عرفت المسيح يزداد إتحادى به والثبات فيه‪.‬‬

‫يو‪18:82‬‬

‫المسيح يطلب أن نكون واحداً‪ ،‬نحيا فى وحدة‬

‫يو‪16:82‬‬

‫أنا فيهم وأنت فى ليكونوا مكملين إلى واحد‪.‬‬

‫يو‪18:82‬‬

‫ليكونوا واحداً فينا‪ .‬هنا يطلب المسيح لنكون واحداً مع اهلل‪.‬‬

‫هذه الوحدة خسرناها بالخطية ‪ ،‬والمسيح أتى ليعيد هذه الوحدة‪ .‬لذلك‬

‫كانت هذه اآليات آخر آيات قبل الصليب مباشرة والسيد يقول "إثبتوا فى‬ ‫وأنا فيكم" وذلك بتحاشى الخطية وااللتصاق به فنعرفه عقلياً أوالً ثم‬

‫طفرة كبيرة فى المعرفة‬ ‫لكنها تظل تنمو وإلى األبد‬

‫بالموت عن العالم تزداد المعرفة اإلختبارية ويزداد الفرح وذلك ألن‬

‫المسيح شخص ممتع واذا عرفناه سنحبه ألنه ُيحب وبسبب هذا الحب‬ ‫ومن تذوقه‪ ،‬ترك الرهبان العالم وذهبوا للبرية ليتوحدوا مع اهلل فيستمتعوا‬

‫بحبه دون عائق‪.‬والمعرفة تزداد هنا على األرض وتزداد أيضاً فى‬

‫السماء وكلما ازدادت المعرفة يزداد الفرح ويزداد الثبات أما من يرى الخطية لذيذة يريد أن يقتنصها فهو غصن‬ ‫جاف وورق خريفى أى تجربة تكون كريح تسقطه‪( .‬الريح الخفيفة هى التجارب البسيطة) أما من عرف المسيح‬

‫فيكون كمن بنى بيته على الصخر‪ .‬هذا لمن يعرف ويعمل (مت‪ )12-12:2‬فما العمل الذى أعمله ألعرف‬

‫المسيح وأبنى بيتى على الصخر‪.‬‬

‫‪ .8‬عشرة المسيح فى المخدع‪.‬‬

‫‪ .1‬الموت عن الخطية والعالم‪.‬‬ ‫‪ .6‬تنفيذ الوصايا‪.‬‬ ‫أما من إنغمس فى محبة العالم تاركاً عشرة المسيح فلن يعرفه لذلك قال يعقوب محبة العالم عداوة هلل‪( .‬يع‬ ‫‪.)2:2‬‬

‫لذلك فى آية (‪)81:6‬نسمع عن مؤمنين صاروا أعداء صليب المسيح هؤالء لم يحاربوا المسيح لكنه يقول عنهم‬

‫فى آية (‪ ) 86:6‬إنهم إلههم بطنهم ألن كل من يفكر فقط فى شهوات وملذات الدنيا فهذه عداوة هلل ألنه بهذا لم‬ ‫يبحث عن متعة معرفة المسيح وال صار المسيح إلهاً يشبعه‪.‬‬

‫أعداء الصليب‪ :‬ما هو الصليب؟ هو األلم‬

‫‪36‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫فكيف يق بل االستشهاد من يرفض صوم األربعاء والجمعة‪ .‬من يقبل الصليب هو صديق الصليب ولكن من ال‬

‫يريد حمله فهو عدو له‪ .‬هل مستعد أن تموت أوالً عن لذات الطعام فى الصوم أو تحبس نفسك فى صلوات‬

‫طويلة‪.‬‬

‫من ال يريد إضاعة وقت فى الصالة هلل كيف يقول أنا أقبل الصليب؟ من يغصب نفسه ويموت عن لذات العالم‬

‫يتذوق حالوة عشرة اهلل وحينئذ يدرك أن العالم نفاية بجانب معرفة المسيح‪ .‬أماّ من يعرف اهلل فى الكنيسة بطريقة‬

‫ظاهرية سيأخذ بقدر ما أعطى‪.‬‬

‫ألعرفه‪ :‬معرفة ‪ /‬تلذذ ‪ /‬ثبات ‪ /‬وحدة‪ /‬ثمار بر‪.‬‬

‫وقوة قيامته‪ :‬بالمعمودية ُولد والدة جديدة‪.‬‬ ‫بها صار ثابتاً فى المسيح‪ ،‬وصارت فيه بذرة حياة‪.‬‬

‫شركة آالمه‪ :‬حينما أرى آالم الحبيب أشتهى األلم معه كأم ترى أالم ابنها فتقول " يا ريتنى كنت أنا" هذا بسبب‬ ‫الحب فمن أحب المسيح يشتهى أن يتألم معه‪ .‬والمسيح تألم مرة على الصليب ولكنه مازال يتألم بسبب الخطاة‬

‫والذين ينكرون اسمه‪.‬‬

‫متشبهاً بموته‪ :‬عن الخطية وعن العالم‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫يح‪ ،‬ا ْل ِب ُّر الَِّذي ِم َن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫النام ِ ِ َِّ ِ‬ ‫س لِي ِبِّري الَِّذي ِم َن َّ‬ ‫يم ِ‬ ‫اهلل‬ ‫ان ا ْل َم ِس ِ‬ ‫آية (‪َ " -:)9‬وأ َ‬ ‫ُوج َد فيه‪َ ،‬ولَ ْي َ‬ ‫وس‪َ ،‬بل الذي ِبإ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِب ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫ان‪" .‬‬ ‫اإل َ‬

‫وأوجد فيه‪ :‬أوجد فى المسيح أى متحداً به اآلن والى األبد‪ ،‬عضواً فى جسده وغصناً فى الكرمة‪ .‬وهذا سر الفرح‬ ‫والسالم هنا‪ ،‬وهذا هو الطريق الوحيد ألمجاد السماء‪ .‬وثباتى فى الكرمة أى المسيح هو الوسيلة الوحيدة لكى‬

‫أتبرر‪ ،‬ويرى الناس بر المسيح فى الذى يثمره الروح القدس كهبة مجانية نتيجة إليمانى بالمسيح‪ ،‬فاإليمان‬ ‫بالمسيح هو المدخل لكل هذه البركات = باإليمان‪ ...‬ليس لى برى الذى من الناموس‪ :‬هذا البر هو ما أصنعه‬

‫أنا أى تنفيذى ألوامر الناموس‪ ،‬أصنعه أنا من ذاتى‪ .‬وهذا ثبت أن أحداً لم يستطع أن يتبرر به (أع ‪+ )81:85‬‬

‫(غل ‪ .)83:1‬فلو كان الناموس يبرر ما كان هناك دا ٍع للمسيح (غال ‪ .)18:1‬كل من قيل عنه با اًر قبل المسيح‬ ‫كان‪:‬‬

‫‪ .8‬بطريقة نسبية أى هو بار بالمقارنة لمن حوله‪.‬‬

‫‪ .1‬كان بر الناموس طريقاً ليتقابل البار بالمسيح فيعرفه كما حدث مع التالميذ فتبعوه‪ .‬أما البر الذى بالمسيح‬ ‫فيهيئنا لنتقابل مع اآلب فى المجد‪ ،‬ويقبلنا اآلب ألننا فى إبنه‪.‬‬

‫‪ .6‬لنقارن بين البر الذى يصنعه اهلل‪ :‬البر الذى من اهلل باإليمان‪ .‬والبر الذى أصنعه أنا بذاتى (باإللتزام‬ ‫بالناموس)‪ .‬فالفارق بينهما هو الفارق بين السماء واألرض‪ .‬البر الذى بالمسيح يعطينى السماء ميراثاً‪ .‬والبر‬ ‫الذى من ذاتى يعطينى أن أتفوق على من هم مثلى على األرض‪ ،‬ويكون ميراثى أرضياً‪ .‬وهذا هو حال‬

‫العهد القديم‪ .‬والسؤال للمتهودين‪ ...‬ماذا تطلبون‪ ...‬أب اًر يصنعه اهلل أم ب اًر ذاتياً تصنعونه أنتم ؟!‬

‫‪37‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬ ‫‪11‬‬ ‫ِ‬ ‫ش ِّب ًها ِب َم ْوِت ِه‪" ،‬‬ ‫ش ِرَك َة آالَ ِم ِه‪ُ ،‬متَ َ‬ ‫ام ِت ِه‪َ ،‬و َ‬ ‫آية (‪ " -:)11‬أل ْ‬ ‫َع ِرفَ ُه‪َ ،‬وقُ َّوةَ ق َي َ‬ ‫ِ‬ ‫ب كل شىء خسارة ألجل هذه المعرفة‪ ،‬وبإيمانه بالمسيح أصبح يوجد فى المسيح‬ ‫ألعرفه‪ :‬هو سبق وقال إنه َحس َ‬ ‫ِ‬ ‫ب كل ما فى العالم‪ ،‬ما تحت يده وما ال‬ ‫(اآلية السابقة)‪ .‬وصارت له حياة البر‪ ،‬البر الذى من اهلل‪ .‬ولذلك َحس َ‬ ‫يملكه‪ ،‬كل شىء حسبه نفاية‪ .‬لذلك انفتحت عيناه وصار يعرف كل يوم عن المسيح أكثر‪ .‬لقد عرف بولس‬

‫الرسول شيئاً عن المسيح فى طريقه لدمشق‪ ،‬وما عرفه جعله يترك مركزه اليهودى‪ ،‬وهنا بدأت اختباراته عن‬

‫المسيح تزداد‪ ،‬وظل يعرف كل يوم شيئاً جديداً عن المسيح‪ ،‬وكلما عرف أكثر أحبه أكثر‪ .‬ومع زيادة المعرفة‬

‫احتقر أمجاد العالم باألكثر‪ .‬وأدرك أن كل ما كان يعتبره مكسباً ما كان سوى خسارة عطلته عن المسيح‪ ،‬وما هو‬

‫إالّ نفاية بجانب محبة المسيح ومجد المسيح‪.‬‬

‫لقد كانت خسارته لكل المميزات السابق ذكرها هى الطريق الوحيد لمعرفة الرب يسوع‪ ،‬ليس فقط لكى يخلص بل‬

‫ليعرف الرب معرفة حقيقية‪ ،‬يعرف حبه وحنانه وقوة اقتداره‪ ،‬ومجده‪ ،‬وتواضعه‪ ،‬ووداعته وعذوبته‪ ،‬هى معرفة‬

‫اختبارية ألن المعرفة العقلية فقط هى معرفة شيطانية‪ .‬أما من يعرف الرب ويختبره سيحب الرب ويطيعه ويتشبث‬

‫به ويخدمه‪ .‬ونالحظ أن معرفة اهلل تزداد يوماً عن يوم هنا على األرض وهناك فى السماء‪.‬‬ ‫‪ .8‬المعرفة على األرض تزداد يوماً عن يوم‪.‬‬

‫‪ .1‬انتقالنا إلى أمجاد السماء يجعل معرفتنا تزداد جداً‪.‬‬

‫‪ .6‬معرفتنا فى السماء أيضاً ستزداد يوماً عن يوم‪ ،‬وبالتالى تزداد أفراحنا إذ نعرف عن الرب أكثر‬ ‫ونحبه باألكثر وهذه هى الحياة األبدية (يو ‪.)6:82‬‬

‫وقوة قيامته‪ :‬لقد اختبر الرسول قوة عمل المسيح فيه من خالل كل ما واجهه من مواقف الحياة‪ ،‬ولقد تالمس‬ ‫واختبر قوة المسيح التى أقامت المسيح من األموات‪ ،‬ورأى أن هذه القوة نفسها عملت لحسابه‪ ،‬إذ أقامته من‬ ‫موت الخطية‪ .‬واختبر قوة القيامة هذه التى انتشلت األمم من وثنيتهم ليصيروا قديسين‪.‬‬

‫وشركة آالمه‪ :‬حين تذوق الرسول محبة المسيح‪ ،‬واختبر قوته الموجهة نحوه ونحو كل العالم‪ ،‬صار يشتهى أن‬ ‫ِ‬ ‫ب نفسه كغنم سيقت‬ ‫يتألم ألجل حبيبه المسيح‪ ،‬فمن تذوق حب المسيح‪ ،‬يسهل عليه قبول األلم‪ .‬وبولس َحس َ‬ ‫للذبح‪ .‬إ ختبر بولس أكثر من ذلك أن المسيح لم يتركه فى آالمه وحده‪ ،‬بل كان يعطيه تعزية بقدر اآلالم التى‬ ‫يتعرض لها (‪1‬كو‪ .)81-6:8‬بل اختبر بولس أن األالم التى سمح بها اهلل كانت لتنقيته وحفظه من الكبرياء‬

‫(‪1‬كو‪ .)81-2:81‬واألجمل من كل هذا أنه شعر بشركة ورفقة المسيح بجانبه وسط أالمه ‪ .‬وهذه وحدها شهوة‬

‫ب لنا أن‬ ‫قلب من يحب محبة حقيقية‪ .‬وشركاء األلم شركاء المجد (رو‪ .)82:1‬هنا قال كلمته العجيبة‪ ،‬إنه "و ِه َ‬ ‫نتألم ألجله" (فى‪ .)16:8‬وذلك حتى نتذوق التعزيات‪ ،‬وباآلالم نكمل (عب‪ .)81:1‬وهذه وحدها شهوة قلب من‬ ‫يحب محبة حقيقية‪ .‬وشركاء األلم شركاء المجد (رو‪.)82:1‬‬

‫متشبهاً بموته‪ :‬قمة الحب للمسيح أن نموت فعالً ألجله‪ ،‬وهذا تم مع الشهداء‪ ،‬وهذا كان موقف الرسول الذى‬

‫كان مستعداً للموت ألجل المسيح فى أى لحظة (رو‪1( + )63:1‬كو‪ .)88:2‬ولكن بالنسبة لنا فنحن لن نموت‬

‫‪38‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫فعالً لكى نتشبه بالمسيح ولكن نموت عن الخطية (رو‪( + )88:3‬كو‪ .)5:6‬ونموت عن العالم وكافة األمور‬ ‫األرضية‪ .‬ونصلب أهوائنا وشهواتنا (غل‪ .)12:5‬ولكن إن حدث وطُلِب منا إنكار اإليمان فأهال باإلستشهاد ‪.‬‬ ‫وترتيب األحداث بالنسبة للمسيح كان ‪ :‬األلم‬ ‫معرفة المسيح‬

‫ثم الموت‬

‫قوة قيامته‬

‫ثم القيامة‬

‫الموت‬

‫شركة آالمه‬

‫القيامة‬

‫(آية ‪)11‬‬

‫المعرفة االختبارية القيامة‬

‫من الحب‬

‫‪ -1‬موت عن القيامة العامة‬

‫فنحتقر وتغيير‬

‫كامل لقبول‬

‫األلم ‪ -2‬لو وصل فى مجد أبدى‬

‫لذة موت‬

‫وتذوق‬

‫عشرته‬

‫للحياة‬

‫العالم‪.‬‬

‫الخطية للمسيح يدفع الخطية‬ ‫ألجله‬

‫من‬

‫األموات‬

‫فى األمر‬

‫فرح لنشترك لإلستشهاد‬

‫معه‬ ‫الجدول يشير لترتيب األحداث بحسب اآليات ‪88 ، 81‬‬ ‫ألعرفه‬

‫وقوة قيامته‬

‫وقارن مع طريق المسيح‬

‫وشركة أالمه‬

‫أالم‪....‬موت‪......‬قيامة‬

‫متشبها بموته ‪..‬قيامة األموات‪.‬‬

‫وقد يبدو أن الترتيب بالنسبة لنا معكوساً عما للمسيح ولكن لنتأمل‬ ‫ألعرفه‬

‫وقوة قيامته‬

‫بهذا أتحد بالمسيح‬

‫فالمعرفة إتحاد وثبات فى حياة المسيح‪.‬‬

‫شركة آالمه‬

‫الموت‬

‫القيامة‬

‫يصير لى نفس طريق المسيح‬

‫واذا حدث اإلتحاد مع المسيح‬ ‫آية (‪11 " -:)11‬لَعلِّي أ َْبلُغُ إِلَى ِقيام ِة األَمو ِ‬ ‫ات‪" .‬‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬ ‫لعلى‪:‬‬ ‫‪ .8‬هذه تشير إلتضاعه فهو يكمل خالصه بخوف ورعدة غير واثق فى نفسه‪ ،‬فهو القائل "من يظن أنه‬ ‫قائم فلينظر أن ال يسقط" (‪8‬كو ‪.)81:81‬‬

‫‪ .1‬وتشير لصعوبة الطريق إلى هذه القيامة‪ ،‬وصعوبة الجهاد المطلوب‪ ،‬والحيطة والحذر المطلوبين‪،‬‬

‫فهو القائل‪" :‬أقمع جسدى وأستعبده‪ ..‬حتى ال أصير مرفوضاً" (‪8‬كو ‪" .)12:6‬ويكمل خالصه‬ ‫بخوف ورعدة" (فى ‪.)81:1‬‬

‫‪ .6‬فيها شهوة للمجد البهى بعد القيامة الذى رأى لمحة منه فى طريقه إلى دمشق‪ .‬والقيامة فى هذه اآلية‬ ‫تتكلم عن القيامة العامة فى اليوم األخير‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫‪12‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صر ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يح‬ ‫س أ َِّني قَ ْد ِن ْل ُ‬ ‫َجلِ ِه أ َْد َرَك ِني أ َْي ً‬ ‫َس َعى لَ َعلِّي أ ُْد ِر ُك الَِّذي أل ْ‬ ‫ضا ا ْل َمس ُ‬ ‫ت َكامالً‪َ ،‬ولك ِّني أ ْ‬ ‫آية (‪ " -:)12‬لَ ْي َ‬ ‫ت أ َْو ْ‬ ‫سوعُ‪" .‬‬ ‫َي ُ‬

‫لكنى أسعى‪ :‬معنى الكلمة كمن يجرى فى سباق‪ ،‬وهو تعبير واضح عن حياة الجهاد‪ .‬ومعنى اآلية‪ ..‬أنا لم أبلغ‬ ‫كمال المعرفة بالرب يسوع‪ ،‬فهذا لن يتحقق ال هنا وال فى السماء‪ ،‬بل هى حياة تنمو فيها المعرفة هنا وهناك‪.‬‬ ‫ولكننى أمسكت بالطريق‪ ،‬وأنمو فى هذه المعرفة كل يوم بقدر ما أسعى كى أحقق الهدف الذى ألجله افتقدنى‬

‫الرب يسوع فى طريقى إلى دمشق‪ .‬وكلما أعمل على إماتة ذاتى حاسباً كل األشياء نفاية‪ ،‬وأشترك فى آالم الرب‬ ‫أزداد معرفة وأمتلىء بحياة المسيح فى‪.‬‬

‫أدركنى أيضاً‪ :‬اهلل أدركنا لكى يحضرنا إلى السماء‪ ،‬لكى نحصل على كمال بركتنا‪ .‬وأدركنى أى وصل إلى‪،‬‬ ‫وتعامل مع قلبى‪ ،‬ألعرفه وأحبه وأثق فيه فأسلم له قلبى فيمتلكنى‪ ،‬وبهذا يضمن كمال خالصى‪ ،‬وبأن ال يمتلكنى‬ ‫غيره فيستعبدنى فأهلك‪.‬‬

‫واهلل بفدائه وارسال روحه القدس‪ ،‬الذى يبكت ويعزى ويعل ِ​ِم أدركنا‪ .‬لكن اهلل له طرق مختلفة تختلف بحسب‬ ‫احتياج الشخص وباختالف حالته‪ ،‬يجذب بها كل نفس إليه‪ ،‬فمع السامرية يذهب إليها ويحاورها ليعرفها ذاته‪،‬‬ ‫ومع االبن الضال ي ِ‬ ‫رس ْل له الرب مجاعة ليقارن بين حاله فى المجاعة والشبع فى بيت أبيه‪ ،‬ومع ُمقعد بيت‬ ‫ُ‬ ‫حسدا يذهب إليه ليشفيه‪ ،‬وهكذا… ومع بولس الرسول يظهر له فى طريقه إلى دمشق‪ .‬ك ٌل له طريقة خاصة‬ ‫يستعملها اهلل بحكمته التى ال تُدرك‪ .‬أدركنى‪ :‬هى تعبير عن المعاملة الخاصة للمسيح مع كل نفس‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫ش ْي ًئا و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت أْ ِ‬ ‫ُّها ِ‬ ‫اح ًدا‪ :‬إِ ْذ أَ​َنا‬ ‫ب َن ْف ِسي أ َِّني قَ ْد أ َْد َرْك ُ‬ ‫سُ‬ ‫َحس ُ‬ ‫اإل ْخ َوةُ‪ ،‬أَ​َنا لَ ْ‬ ‫األيات (‪ "-:)14-13‬أَي َ‬ ‫ت‪َ .‬ولك ِّني أَف َْع ُل َ َ‬ ‫‪14‬‬ ‫َج ِل جعالَ ِة َد ْعوِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫َس َعى َن ْح َو ا ْل َغ َر ِ‬ ‫اهلل ا ْل ُع ْل َيا ِفي ا ْل َم ِسي ِح‬ ‫َّام‪ ،‬أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ض أل ْ َ َ‬ ‫سى َما ُه َو َو َر ُ‬ ‫أَ ْن َ‬ ‫اء َوأ َْمتَ ُّد إلَى َما ُه َو قُد ُ‬ ‫ع‪".‬‬ ‫سو َ‬ ‫َي ُ‬

‫أحسب‪ :‬الكلمة فى أصلها اليونانى معناها النظرة الفاحصة للماضى‪ ،‬فى نقاش هادىء مع النفس للخروج‬ ‫بنتيجه‪ .‬ولقد ظن كالً من الفريسيين والغنوسيين أنهم وصلوا لدرجة الكمال‪ ،‬هؤالء ببرهم الناموسى‪ ،‬وأولئك‬ ‫بمعرفتهم الفلسفية‪ ،‬وهذا ضد التواضع‪ ،‬فكلما شعروا أنهم وصلوا لدرجة معينة من البر إنتفخوا‪ .‬والكبرياء فيه‬

‫إنفصال عن اهلل لذلك يقول بولس فى حكمة "أنسى ما هو وراء”‪ :‬ال يفكر أبداً إلى ما وصل إليه‪ ...‬فهو لم يصل‬ ‫بعد للسماء وال للكمال‪ .‬والكلمة اليونانية "أنسى" تشير لتمام النسيان‪ .‬هو كمتسابق يركض نحو الجعالة‪ ،‬إن‬

‫التفت إلى الوراء يضيع وقته وقد يخسر السباق‪ .‬وروحياً من ينظر للوراء يهلك كإمرأة لوط "من يضع يده على‬ ‫المحراث ال يعود ينظر إلى الخلف"‪ .‬فمن يضع يده على المحراث وينظر للخلف يتعوج طريقه‪.‬‬

‫دعوة اهلل العليا‪ :‬دعوة اهلل لنا هى عليا ألنها تأتى من السماء وهدفها أن نتجه للسماء‪ .‬معنى كالم الرسول‪ ،‬أننى‬ ‫بنظرة هادئة لماضى حياتى أرى أننى لم أصل بعد للمستوى الذى ال أحتاج فيه إلى مزيد من الجهاد ومزيد من‬

‫النمو ومزيد من المعرفة ومزيد من الحب‪ ،‬وأشعر أننى فى احتياج للكثير كى أتمم الهدف الذى قصده لى الرب‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫لذلك أنا أنسى كل ما حصلت عليه (أو وصلت إليه) فى الماضى سواء كان مكاسب أم سلبيات‪ ،‬حتى ال‬

‫يعوقنى شىء عن الجهاد اإليجابى لمزيد من النمو فى معرفة الرب‪.‬‬

‫وتذكر الشر أيضاً يهلك‪ .‬لذلك تصلى الكنيسة "طهرنا من كل دنس‪ ..‬ومن تذكار الشر الملبس الموت"‪ .‬فتذكار‬

‫الشر القديم إماّ أنه‪:‬‬

‫‪ .8‬يجعلنا نشتهيه مرة أخرى أو‪،‬‬ ‫‪ .1‬نسقط فى اليأس‪.‬‬

‫ولكن داود يقول ‪" :‬خطيتى أمامى فى كل حين" ولكن هذه تعنى أن نذكر خطيتنا‪:‬‬ ‫‪ .8‬لنتضع وال ننتفخ‪.‬‬

‫‪ .1‬لنذكر رحمة اهلل الذى غفر لنا فنشكره شك اًر بانسحاق‪.‬‬

‫ولنذكر دائماً أعمال اهلل معنا وقبوله لنا لنشكره على محبته‪.‬‬

‫مع أن بولس وصل لمعرفة عالية جداً جعلته يحسب كل األشياء نفاية إالّ أنه لو شعر أنه وصل لشىء وصار‬

‫شيئاً سيمنعه هذا عن السعى للكمال بل سيدفعه للكبرياء والسقوط‪ .‬بل يظل اإلنسان يسعى أى كمن يركض فى‬

‫سباق بال توقف‪.....‬‬

‫ناسيا الماضى بإيجابياته فال ينتفخ ‪ ،‬وبسلبياته فال ييأس طالبا رحمة اهلل ‪.‬‬

‫اإليجابيات (كل ما وصل إليه من معرفة)‪.‬‬ ‫السلبيات (الخطايا السابقة)‪.‬‬

‫الجعالة‪ :‬هى الجائزة التى ينالها المتسابق أو المتصارع‪ ،‬وهذه فى المسابقات العالمية‪ ،‬وأما لنا فجائزتنا هى‬ ‫الملكوت‪ ،‬هى اإلكليل األبدى (‪8‬كو ‪ .)15:6‬هى المسيح نفسه‪ ،‬وهكذا قال الرسول "لكى أربح المسيح" (آية ‪.)1‬‬ ‫وفى مسابقات العالم واحد فقط من بين المتسابقين يأخذ الجائزة‪ .‬أماّ روحياً فكل من يجاهد سيكلل(‪8‬كو ‪-12:6‬‬

‫‪.)12‬‬

‫أمتد‪ :‬كما يرمى المتسابق بنفسه فى الميدان ليحصل على المكافأة (الجعالة) هكذا يركز الرسول كل فكره وجهده‬ ‫لكى يرضى اهلل‪ ،‬يرمى بنفسه فى خدمته وجهاده معتمداً على نعمة اهلل‪.‬‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫األيات (‪َ 15 "-:)16-15‬ف ْلي ْفتَ ِكر ه َذا ج ِميع ا ْل َك ِ‬ ‫ضا‪.‬‬ ‫ين ِمنَّا‪َ ،‬وِا ِن افْتَ َك ْرتُ ْم َ‬ ‫املِ َ‬ ‫س ُي ْعلِ ُن لَ ُك ْم ه َذا أ َْي ً‬ ‫َ ُ‬ ‫ش ْي ًئا ِبخالَفه فَاهللُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫‪16‬‬ ‫س ِب ذلِ َك ا ْلقَا ُن ِ‬ ‫ون َع ْي ِن ِه‪َ ،‬وَن ْفتَ ِك ْر ذلِ َك َع ْي َن ُه‪".‬‬ ‫َوأ َّ‬ ‫َما َما قَ ْد أ َْد َرْك َنا ُ‪َ ،‬ف ْل َن ْ‬ ‫سلُ ْك ِب َح َ‬

‫الكاملين‪ :‬الكمال نسبى‪ ،‬والمقصود الناضجين روحياً الذين لهم نفس الفكر الذى له‪ ،‬والذى ذكره فى آيات‬ ‫(‪ .)82،86‬أى الذين يسعون للكمال العمر كله معتمدين على نعمة اهلل وليس برهم الذاتى‪ .‬ومن تواضع الرسول‬

‫وضع نفسه معهم فقال الكاملين منا‪ .‬هؤالء الكاملين يشعرون أنه مازال ينتظرهم الكثير‪ .‬وحتى لو افتكر أحد أنه‬

‫قد بلغ إلى أعلى مستوى فاهلل سيعلن له الحقيقة إن طلبها وأراد معرفتها‪ ،‬وهذا هو عمل الروح الذى يبكت ويعلم‬

‫لكل من افتكر شيئاً‪.‬‬

‫‪41‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫بخالفه‪ :‬لكل من ضل وانشغل بالعالم‪ ،‬أو ظن نفسه قد ارتفع فى مستواه فيكف عن الجهاد‪ .‬عمل الروح أن‬ ‫يكشف لهؤالء ضالل فكرهم‪ .‬وبولس واثق أن هذا سيحدث ألهل فيليبى ألنه واثق فى محبتهم واخالصهم‪ ،‬فاهلل‬

‫إذاً لن يتركهم جهالء‪ .‬وأما نحن ففى أعلى مستوى نصل إليه يجب أن يكون لنا هذا الفكر الذى أشرنا إليه‪.‬‬

‫فلنسلك بحسب القانون عينه‪ :‬لنواصل سيرنا فى نفس الطريق أى الجهاد الذى بدأنا به عالقتنا بالرب حتى‬ ‫ننتهى إلى الجعالة العليا التى أرادها لنا الرب‪ .‬أما ما قد أدركنا ‪ :‬علينا أالّ نقف مهما كان ما أدركناه من نمو‬

‫روحى بل نواصل السير والجهاد فى طريق الكمال الذى ال نهاية له ولنذكر قول السيد المسيح ‪ " :‬كونوا كاملين‬

‫كما ان أباكم الذى فى السموات هو كامل"‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫اإل ْخوةُ‪ ،‬والَ ِحظُوا الَِّذ َ ِ‬ ‫ون ه َك َذا َك َما َن ْح ُن ِع ْن َد ُك ْم قُ ْد َوةٌ‪" .‬‬ ‫ير َ‬ ‫آية (‪ُ " -:)17‬كوُنوا ُمتَ َمثِِّل َ‬ ‫ين ِبي َم ًعا أَي َ‬ ‫ُّها ِ َ َ‬ ‫ين َيس ُ‬ ‫‪ .8‬بولس هنا يضع نفسه أمامهم كإنجيل ُمعاش فلم يكن هناك أناجيل مكتوبة‪.‬‬

‫‪ .1‬وبولس يطلب أن يتمثلوا به ألنه هو يتمثل بالمسيح (‪8‬تس ‪8( + )3:8‬كو ‪ .)8:88‬فكأنهم إذا‬ ‫تمثلوا ببولس فهم يتمثلون بالمسيح‪.‬‬

‫‪ .6‬بل يطلب منهم بولس أن يتمثلوا بمن هم قدوة كتيموثاوس وأبفرودتس‪ :‬الذين يسيرون هكذا‪.‬‬ ‫والمعنى أيضاً تمثلوا بمن يتمثل بالمسيح‪ ،‬وليكونوا لكم قدوة‪ .‬لذلك تق أر لنا الكنيسة فى كل قداس‬

‫السنكسار لنتمثل بهؤالء القديسين‪.‬‬

‫ضا ب ِ‬ ‫ير َ ِ‬ ‫َن َك ِث ِ‬ ‫اء‬ ‫األيات (‪18 "-:)19-18‬أل َّ‬ ‫ون ِم َّم ْن ُك ْن ُ‬ ‫ت أَ ْذ ُك ُرُه ْم لَ ُك ْم ِم َرًارا‪َ ،‬و َ‬ ‫ير َ‬ ‫اك ًيا‪َ ،‬و ُه ْم أ ْ‬ ‫اآلن أَ ْذ ُك ُرُه ْم أ َْي ً َ‬ ‫َع َد ُ‬ ‫ين َيس ُ‬ ‫‪19‬‬ ‫صلِ ِ‬ ‫ون ِفي‬ ‫يب ا ْل َم ِس ِ‬ ‫ين َي ْفتَ ِك ُر َ‬ ‫له ُه ْم َب ْط ُن ُه ْم َو َم ْج ُد ُه ْم ِفي ِخ ْزِي ِهِم‪ ،‬الَِّذ َ‬ ‫ين ِن َه َايتُ ُه ُم ا ْل َهالَ ُك‪ ،‬الَِّذ َ‬ ‫يح‪ ،‬الَِّذ َ‬ ‫ين إِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ضي ِ‬ ‫األَر ِ‬ ‫َّات‪".‬‬ ‫ْ‬ ‫هنا يشير لمن ارتدوا عن الطريق الصحيح وتأثروا بالفلسفات العالمية اإلباحية‪ ،‬وهؤالء اعتبروا أن الجسد مصدر‬

‫للشرور‪ ،‬لذلك فالخطية مهما كانت لن تزيده ش اًر فوق شره‪ ،‬وبالتالى ال ضرر من خطيتهم‪ ،‬إذاً فليطلقوا العنان‬ ‫لشهواتهم‪ .‬وقالوا إن النعمة فيها متسع لجميع الخطايا (رو‪5:6‬ـ‪ .)1‬هؤالء ال يسعون لجعالة دعوة اهلل العليا‪ ،‬بل‬

‫إلرضاء شهوات بطونهم (أكل وشرب وجنس)‪ .‬لذلك هم أعداء صليب المسيح‪ :‬فهم يؤمنون بالصليب نظرياً‬ ‫لكنهم يرفضون حمله وترك شهواتهم‪ ،‬يرفضون صلب الجسد مع األهواء والشهوات (غل ‪ .)12:5‬فالصليب رمز‬

‫للتحمل والتضحية بالذات‪.‬هؤالء ال يستطيعون تقبل الصليب ألن المسيح بصليبه أراد لنا التحرر من مطالب‬ ‫الجسد األرضية‪ ،‬وأعطانا بصليبه أن نعيش وفق الروح الساكن فينا ويملك اهلل على كل القلب‪ .‬هؤالء صارت‬

‫بطونهم آلهتهم‪ :‬أى يعملون إلرضائها وتلبية مطالبها ورغباتها‪ ،‬وال يرفضون لبطونهم طلب‪ .‬فهم عندهم أن‬ ‫أقصى درجات السعادة هو إشباع الشهوات الجسدية‪.‬‬

‫مجدهم فى خزيهم‪ :‬صار مجدهم وافتخارهم بأمور هذا العالم وارضاء شهواتهم‪ ،‬وهم افتخروا بكسرهم للقوانين‬ ‫األدبية والخلقية والتشريعية وصار تفكيرهم منحطاً ومنصباً فى كل ما يربطهم بأرض الشقاء‪ ،‬ولم يعد لهم أى‬

‫‪42‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫تطلع للسماء‪ ،‬فشرورهم منعت عنهم معرفة الملكوت الذى أراد الرب أن يؤسسه بالصليب‪ .‬وكان افتخارهم هذا‬

‫خزياً لهم‪ .‬هذه اآليات رد على من يقول أن من آمن قد ضمن الخالص‪ ،‬فهاهم أناس قد آمنوا ثم إرتدوا فهلكوا‪.‬‬ ‫‪ِ ِ 21‬‬ ‫يرتَ​َنا َن ْح ُن ِه َي‬ ‫األيات (‪ "-:)21-21‬فَإ َّن س َ‬ ‫‪ِ 21‬‬ ‫ِ‬ ‫اض ِع َنا‬ ‫س ُي َغ ِّي ُر َ‬ ‫س ِد تَ​َو ُ‬ ‫ا ْل َمس ُ‬ ‫ش ْك َل َج َ‬ ‫يح‪ ،‬الَّذي َ‬ ‫ي ْخ ِ‬ ‫ش ْي ٍء‪".‬‬ ‫ض َع لِ َن ْف ِس ِه ُك َّل َ‬ ‫ُ‬

‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات‪ ،‬الَِّتي ِم ْن َها‬ ‫في َّ َ َ‬ ‫س ِد‬ ‫لِ َي ُك َ‬ ‫ورِة َج َ‬ ‫ون َعلَى ُ‬ ‫ص َ‬

‫ِ‬ ‫الر ُّ‬ ‫صا ُه َو َّ‬ ‫سوعُ‬ ‫أ َْي ً‬ ‫ب َي ُ‬ ‫ضا َن ْنتَظ ُر ُم َخلِّ ً‬ ‫م ْج ِد ِ‪ِ ،‬بحس ِب عم ِل ِ‬ ‫َن‬ ‫اع ِت ِه أ ْ‬ ‫استطَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ​َ‬ ‫َ‬

‫سيرتنا‪ :‬المقصود فى النص اليونانى مواطنتنا‪ ،‬هى من نفس أصل كلمة "عيشوا" (فى‪ .)12:8‬فمواطنو فيليبى‬ ‫كانوا ُيعاملون كالرومان‪ ،‬ولهم نفس مزايا الرومان من أهل روما‪ ،‬وهذا كان يدفعهم لالفتخار‪ ،‬لذلك يستخدم‬ ‫الرسول هذه الكلمة ليثير فيهم االهتمام باألكثر بمواطنتهم السماوية‪.‬‬ ‫نحن مواطنين سماويين ألن رأسنا المسيح سماوى وأبونا سماوى وأعطانا أن نحيا فى السماويات فهو "أقامنا معه‬

‫وأجلسنا معهُ فى السماويات" (أف‪ .)3:1‬إذاً فلنسلك كمواطنين سماويين فنحن ننتظر‪( :‬فى أصلها اليونانى تعنى‬ ‫التوقع بشوق شديد) نحن ننتظر مجىء مخلصنا الرب يسوع مرة ثانية من السماء‪ .‬إذاً فما يدفعنا ألن نسلك‬

‫كسمائيين أن ربنا سيأتى قريباً من السماء حينئذ سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده‪.‬‬

‫وكلمة تواضعنا ال تعنى التواضع‪ ،‬بل الوضيع ‪ Lowly Body‬وتُترجم أيضاً ‪ Vile Body‬بمعنى (تافه ‪ /‬فاسد ‪/‬‬ ‫حقير ‪ /‬جدير باالزدراء‪ .)..‬وهو صار وضيعاً بسبب الخطية‪ .‬ونالحظ أن موسى حين رأى شيئاً بسيطاً من مجد‬ ‫اهلل وهو مختبىء فى الجبل لمع وجهه‪ ،‬فكم كان لمعان ومجد وجه آدم حين كان فى الجنة وكان يتكلم مع اهلل‬

‫دائماً‪ .‬هكذا خلقنا اهلل فى مجد وقد خسرنا هذا المجد بالخطية‪ .‬والمسيح افتدانا ليردنا إلى صورة مجده‪ ،‬لذلك‬ ‫قال‪" :‬المجد الذى أعطيتنى‪ ..‬أعطيتهم" (يو ‪ .)11:82‬هذا ما قاله معلمنا يوحنا ‪ " :‬إذا أ ِ‬ ‫ُظهَر ذاك نكون مثله‬ ‫ألننا سنراه كما هو" (‪8‬يو‪ .)1:6‬لقد صار جسدنا حقي اًر تضربه األمراض وخاضعاً لآلالم واألهواء‪ ،‬وكل هذا‬ ‫سيتغير إلى جسد ُممجد على غرار جسد المسيح الذى قام به من الموت‪ .‬وفق قوته اإللهية التى بها يعمل فينا‪،‬‬ ‫ليقودنا للخضوع الكامل له فنعيش فى مجده‪ .‬وبعد أن كان جسدنا للهوان سيصير ممجد ونورانى (‪8‬كو‬

‫‪ .)51-21:85‬بحسب عمل استطاعته أن ُيخضع لنفسه كل شئ‪ :‬إن قوة السيد المسيح غير محدودة‪ ،‬وقد‬ ‫ظهرت تماماً فى قيامته وصعوده ُممجداً‪ .‬وبنفس هذه القوة هو قادر أن يغير أجساد المؤمنين إلى أجساد ُممجدة‬

‫مثل جسده‪ ،‬هذه القوة صارت ُموجهة لنا نحن البشر‪ ،‬وبهذه القوة هو قادر أن يجعل كل المخلوقات تخضع‬ ‫للمسيح حتى الطبيعة نفسها‪ .‬وهنا نقارن بين نهاية أجساد القديسين فى مجد ونهاية الشهوانيين الذين نهايتهم‬

‫الهالك (‪ .)86:6‬مخلصاً = أى ينقلنا من هذه الصورة المزرية التى نحن عليها إلى صورة المجد‪ .‬يفتكرون فى‬ ‫األرضيات (اية ‪ = )86‬ال يفكرون فى السمائيات‪ ،‬كل همهم فى التفكير فى األرضيات‪ .‬ونحن من المؤكد‬

‫سنفكر فى األرضيات فنحن نعيش فى العالم ونأكل ونشرب ولكن علينا أن نفكر فى المكان الذى سنذهب إليه‬

‫ونهتم به باألولى فهو مكاننا األبدى‪.‬‬

‫المجد والصليب‬

‫‪43‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫الصليب والمجد هما وجهان لعملة واحدة فحين يقول الكتاب "ألن يسوع لم يكن قد مجد بعد" (يو‪ )66:2‬فهو‬ ‫يقصد بقوله مج َد هنا أى ِ‬ ‫ب أو يمكن فهمها أنه لم يكن قد جلس عن يمين اآلب‪ .‬والسبب أن هناك إتجاهين‬ ‫صل َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يسلك فيهما اإلنسان‪ .‬فهو‪:‬‬ ‫‪ .8‬إماّ ينظر للسماء رافضاً شهوات األرض ومجدها وهذا هو الصليب‪ ،‬كما يقول بولس الرسول "حاشا‬ ‫لى أن أفتخر إالّ بصليب ربنا يسوع المسيح الذى به قد صلب العالم لى وأنا للعالم" (غل‪.)82:3‬‬ ‫ولكن من ينظر للسماء فهو طالب مجد اهلل وسيمجده اهلل‪.‬‬

‫‪ .1‬واماّ ينظر لشهوات العالم كما فعل ديماس الذى قال عنه بولس الرسول‬

‫" ديماس تركنى إذ أحب‬

‫العالم الحاضر" (‪1‬تى‪ )81:2‬والعالم هو باطل األباطيل (عكس المجد)‪.‬‬

‫المجد‪ :‬أول مرة يذكر فيها كلمة المجد فى الكتاب المقدس كانت بحسب مفهوم البشر‪ ،‬فقد قال بنى البان عن‬ ‫يعقوب حينما زادت ثروته من الغنم "مما ألبينا صنع كل هذا المجد" (تك‪ )8:68‬ومازال حتى اآلن هناك من‬ ‫يفهم أن المجد هو فى كنوز ومراكز هذه الدنيا‪ .‬وظل اهلل يرتقى بالفكر البشرى ليفهموا أن المجد ليس فى‬

‫الماديات بل فى وجود اهلل وسطنا‪ ،‬فالمجد هو شىء خاص باهلل وليس باإلنسان‪" .‬أكون لها سور نار من حولها‬

‫وأكون مجداً فى وسطها" (زك‪ .)5:1‬فالمجد هو الحالة التى فيها اهلل‪ .‬ونحن لن نفهم حقاً ما هى حقيقة هذا‬ ‫المجد‪ ،‬هل هو نور؟ هل هو عظمة؟ هذا "ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان"‬

‫(‪8‬كو‪ )6:1‬ونحن اآلن فى مجد مستتر وذلك لوجود المسيح فى وسطنا (مت‪ )11:11‬وسيأتى وقت يستعلن هذا‬ ‫المجد فى الدهر اآلتى (رو‪.)81:1‬‬

‫الصليب‪ :‬يعنى األلم وقبول األلم‪ ،‬ورفض هذا العالم وشهواته‪ .‬وهذا ما فعله المسيح‪ .‬فلقد‪:‬‬ ‫‪ .8‬رفض أى شىء من هذا العالم حينما عرض إبليس هذا عليه (مت‪1:2‬ـ‪ )81‬وانتهى برفض حياته‬ ‫وصلب على الصليب وأسلم الروح (ما بدأه المسيح برفض شهوات العالم أنهاه برفضه الحياة كلها)‬

‫وهذا هو نفس ما قاله بولس هنا أعرفه‪ ...‬وشركه أالمه متشبهاً بموته (فى‪.)81:6‬‬

‫‪ .1‬هو لمحبته قبل الصليب ألجلنا وكل من أحبه يقبل الصليب ألجله‪.‬‬

‫‪ .6‬األلم لم يعد عقوبة للمجرم فالمسيح كان بريئاً بال خطية‪ ،‬لذلك صار األلم شركة حب مع المسيح‬ ‫وحمل للصليب وراءه وتلمذة له ومن يحمل صليبه يصير تلميذاً للمسيح‪.‬‬

‫الصليب والمجد متطابقان‬ ‫من يسعى وراء العالم الباطل وشهواته يصير باطالً مثله‪ ،‬ومن يرفض العالم الباطل يصير فى مجد‪ ،‬فالصليب‬ ‫وهو رفض العالم والحياة الحاضرة هو الصورة األخرى إلختياره المجد‪ .‬لذلك فالمسيح حين أطاع حتى الموت‬ ‫موت الصليب رفعه اهلل‪( ...‬فى ‪ .)6 ،1:1‬واإلنسان مخير بين العالم وشهواته وملذاته وخطاياه وبين رفض‬

‫العالم واختيار معرفة المسيح‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫‪ .8‬فإن من طلب معرفة المسيح‪ ،‬إكتشف لذته وتوحد به وأحبه وعاش فى فرح هو عربون الفرح األبدى‪ ،‬وعاش‬ ‫فى مجد مستتر إنتظا اًر إلعالن هذا المجد‪ ،‬وعاش فى تعزية يعطيها اهلل لمن إختار طريق األلم والصليب‪،‬‬ ‫حتى نحتمل أالم هذا العالم‪ .‬ومهما طالت مدة هذا العالم بأالمه‪ ،‬فالمسيح ينظر إلينا مشجعاً ويقول لقد‬

‫إقتربت أيام الراحة وال فرح والمجد‪ ...‬أما قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة إن من عرف المسيح وأحبه‬ ‫سيحتقر العالم وما فيه وسيعتبره نفاية‪.‬‬

‫‪ .1‬وان طلب شهوات وملذات هذا العالم‪ ،‬فهو يذهب للعالم بشهواته رافضاً تعزيات اهلل فهو قد أحب العالم‪.‬‬ ‫ومحبة العالم هى عداوة هلل (يع‪ .)2:2‬ألننى ألجأ للعالم كإله أخر يكون مصد اًر لفرحى ولذتى وأسعى له كمن‬

‫يرضيه رافضاً طريق المسيح للتعزية وهو طريق الصليب كطريق للتعزية والفرح اإللهى إستعداداً للفرح والمجد‬ ‫األبدى لذلك يكون من إختار أن تكون بطنه هى إلهه فهو بهذا يكون قد ترك اهلل كإله له‪ ،‬فهو بهذا يعادى‬

‫صليب المسيح أى طريق المسيح الذى بدأ بالصليب وانتهى بالجلوس عن يمين اآلب هو بهذا إختار له إلهاً‬

‫آخر وبهذا يعادى اهلل وطريقه الذى هو الصليب والمجد الحقيقى‪ ،‬واختار إلهاً باطالً عوضاً عن اهلل وبهذا‬ ‫نفهم أيضاً اآلية (فى‪" )16:8‬وهب لكم‪ ..‬أن تتألموا ألجله" فاأللم هو شركة مع المسيح فى صليبه وفى‬

‫مجده (رو‪ )82:1‬ومن عرف المسيح وأحبه واتحد به يشتهى أن يتألم معه فالمحب يشتهى أن يتألم مع من‬ ‫أحبه‪ ،‬ولكن من جهه أخرى فمن إختار طريق األلم يكافئه اهلل بأن يمجده‪.‬‬

‫فاأللم والمجد وجهان لعمله واحدة‪ .‬ومن رفض األلم فهو يرفض المجد اإللهى فى هذه الحياة كشىء مستتر‪ ،‬وفى‬

‫ب لكم أن تتحدوا بالمسيح المتألم المصلوب‬ ‫ب لكم أن تتألموا يعنى أنه ُوِه ُ‬ ‫الحياة األخرى بالعيان‪ .‬فيكون معنى ُوِه ُ‬ ‫ب لكم أن تتمجدوا‬ ‫‪ ،‬وتكتشفوا عذوبته وتعزياته ومحبته ‪ ،‬وتعرفوه وتشتهوا أن تشاركوه ألمه ‪ ،‬وأيضاً بهذا فلقد ُوِه ُ‬

‫معه‪.‬‬

‫فشركة اآلالم والصليب إذاً هى شركة حب وتعزية على األرض وشركة مجد فى السماء ‪ ،‬ومن يرفض هذا‬

‫الطريق ويسير وراء شهواته فلقد سار وراء إله آخر يظن أنه يشبعه ويفرحه ولكنه إله باطل‪ ،‬وبهذا لن يكسب بل‬

‫أنه سيعادى اهلل وصليبه بمسلكه هذا‪.‬‬

‫طريق السماء‬

‫إن من عرف المسيح وأحبه يعتبر العالم نفاية والعكس من‬

‫ونهايته المجد‬

‫يجرى وراء العالم فهو لم يعرف المسيح وال أحبه وال إختبره‬

‫لذلك يرفض صليبه ويرفض األلم معه‪ .‬المجد صار للمسيح‬

‫بالجسد ونحن جسده‪ ،‬لذلك سيصير لنا نفس المجد لذلك‬

‫يصلى المسيح فى صالته الشفاعية األخيرة قائالً‪:‬‬

‫"مجدنى أنت أيها اآلب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى‬ ‫عندك قبل كون العالم" (يو‪ )5:82‬ثم يقول‪" :‬وأنا قد أعطيتهم‬

‫المجد الذى أعطيتنى" (يو‪ )11:82‬فمن يرفض طريق‬

‫المسيح ويجرى وراء شهواته لينال لذة وقتية فهو يترك طريق‬

‫األرض ألم‬

‫هذا الطريق فيه رفض‬

‫للعالم = الصليب واأللم‬

‫وتعزية ثم‬

‫مجد السماء‬ ‫فى السماء‬

‫إختيار العالم =‬

‫ترك طريق اهلل‬ ‫= عداء اهلل‬

‫على‬ ‫األرض‬ ‫لذة حسية‬

‫طريق العالم وشهواته‬ ‫ونهايته الهالك‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪45‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الثالث)‬

‫المجد ويترك كل تدبير اهلل له الذى أعده له ليحيا فى المجد أبدياً وهذا عداوة هلل ولصليبه‪ .‬واإلنسان حر فى أن‬ ‫يسلك فى أى اتجاه وهذا ملخص األيات (فى‪ )18-82:6‬وفيها يطلب الرسول أن نسلك فى طريق السماء‬

‫ليكون نصيبنا المجد وليس الهالك‪ .‬والمجد هو رفض الخطية والعالم وهذا ما عمله المسيح فتمجد وكل من يسلك‬

‫هذا الطريق يتمجد‪ .‬وكل من يسلك فى طريق العالم رافضاً الطريق الذى أعده له اهلل‪ ،‬ساعياً وراء لذاته‪ ،‬ساعياً‬ ‫وراء العالم فهو يبحث عن إله آخر وبهذا يعادى اهلل وصليبه‪ .‬فرفض العالم وملذاته هو الصليب (غل‪.)82:3‬‬

‫‪46‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الرابع)‬

‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الرابع)‬

‫عودة للجدول‬

‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫وري وِا ْكِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّاء‪".‬‬ ‫الر ِّ‬ ‫يلي‪ ،‬اثْ ُبتُوا ه َك َذا ِفي َّ‬ ‫َّاء َوا ْل ُم ْ‬ ‫شتَ َ‬ ‫ب أَي َ‬ ‫ُّها األَحب ُ‬ ‫س ُر ِ َ‬ ‫اق إِلَ ْي ِه ْم‪َ ،‬يا ُ‬ ‫آية (‪ " -:)1‬إِ ًذا َيا إِ ْخ َوِتي األَحب َ‬ ‫إ ًذا‪ ...‬اثبتوا‪ :‬قوله "إ ًذا" يعنى أن هذه اآلية عائدة على ما قبلها‪ ،‬والمعنى أنه مادام يا إخوتى أنتم منتظرون مجىء‬

‫الرب إذاً اثبتوا فى الرب‪ :‬اثبتوا فيما أنتم فيه كمواطنين سماويين‪ ،‬والتزموا بكل ما توجبه عليكم هذه المواطنة‬

‫السماوية‪ ،‬وال ترتدوا لمحبة لذات وشهوات العالم‪ .‬وقوله "اثبتوا فى الرب" يعنى‪ ،‬أن الرب الذى نحن متحدون به هو‬ ‫المعد‪ .‬يا سرورى‪ِ :‬ذكرهم ُيدخل السرور لقلبه لطهارة سيرتهم وطاعتهم‬ ‫الذى سيقودنا فى معركة منتصرة لهذا المجد ُ‬ ‫وكرمهم ومحبتهم‪ .‬بل هم إكليلى‪ :‬كان الفائز فى السباق ُيلبسونه إكليل زهور‪ .‬وكان المتسابق يظل يجاهد العام كله‬ ‫فى تدريبات شاقة وهو يحلم بأن يلبس هذا اإلكليل‪ .‬وحينما يحصل عليه يفتخر به‪ .‬والرسول يجاهد كل عمره‬

‫لخالصهم‪ ،‬ويفتخر بإيمانهم‪ ،‬وسيكلل بسببهم فى األبدية‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫َن تَ ْفتَ ِك ار ِف ْك ار و ِ‬ ‫ودي َة وأَ ْطلُب إِلَى ِس ْن ِت ِ‬ ‫ب‪" .‬‬ ‫الر ِّ‬ ‫اح ًدا ِفي َّ‬ ‫يخي أ ْ‬ ‫ب إِلَى أَفُ ِ َ َ ُ‬ ‫آية (‪ " -:)2‬أَ ْطلُ ُ‬ ‫َ ً َ‬ ‫يطلب الرسول من كلتيهما أن تتنازل عن ما بينهما من خالف ويتوافقا فى فكر واحد‪ ،‬فال يحرما نفسيهما من الشركة‬

‫ومه َد له (فى‪ .)1-8:1+ 61-12:8‬والخالف بينهما يعطل عمل الك ارزة وعمل الروح‬ ‫والفرح فى الرب‪ .‬وهذا سبق َ‬ ‫القدس‪ .‬ويبدو أن هاتين المرأتين كان لهما مرك اًز هاماً فى الكنيسة‪ .‬وكان النساء أول من آَمن فى فيليبى وربما كانت‬

‫إفودية وسنتيخى عند النهر حيث تُقام الصالة (أع‪ .)86:83‬ثم صارتا خادمات وكارزات أو خادمات للمحتاجين‪.‬‬ ‫وخصام هاتين الخادمتين يسبب شقاقاً وتحزباً فى الكنيسة فتتأثر الكنيسة ككل‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫يكي ا ْلم ْخلِص‪ ،‬س ِ‬ ‫ش ِر ِ‬ ‫اإل ْن ِج ِ‬ ‫اه َدتَا َم ِعي ِفي ِ‬ ‫ضا‪َ ،‬يا َ‬ ‫اع ْد َهاتَ ْي ِن اللَّتَ ْي ِن َج َ‬ ‫َسأَلُ َك أَ ْن َ‬ ‫ت أ َْي ً‬ ‫يل‪َ ،‬معَ‬ ‫آية (‪َ " -:)3‬ن َع ْم أ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫اؤ ُهم ِفي ِس ْف ِر ا ْلحي ِ‬ ‫اقي ا ْلع ِ‬ ‫ضا وب ِ‬ ‫ِ‬ ‫اة‪" .‬‬ ‫ين َم ِعي‪ ،‬الَِّذ َ‬ ‫املِ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫س أ َْي ً َ َ‬ ‫ين أ ْ‬ ‫َ‬ ‫يم ْن ُد َ‬ ‫َس َم ُ ْ‬ ‫أَ ْكل َ‬

‫شريكى‪ :‬الكلمة تشير الشتراك ثورين فى محراث‪ ،‬وهذا الشريك المخلص إذاً كان قد احتمل مع بولس نير الخدمة‬ ‫واحتمال الضيقات والمصاعب‪ .‬وشاركه فى الخدمة أيضاً إكليمنضس وافودية وسنتيخى‪ ،‬وحتى ال ينسى باقى الذين‬ ‫تعبوا معه قال "وباقى العاملين معى"‪ .‬وما هو نصيب من يعمل فى كرم الرب؟ أسماؤهم فى سفر الحياة‪ .‬والضيقات‬

‫التى إحتملوها كانت بسبب االضطهاد الذى حدث فى فيليبى وفى كل مكان‪ .‬جاهدتا معى فى اإلنجيل‪ :‬والرسول‬

‫يشجعهما بقوله هذا‪ ،‬فيذكر لهما ماضيهما ومحبتهما هلل لينسوا خالفاتهن‪ .‬ولكن من هو هذا الشريك الذى يشير إليه‬

‫الرسول؟ قيلت آراء كثيرة ‪:‬‬

‫‪ .8‬هو شخص مشهور فى فيليبى له مركز قيادى وهم يعرفونه وكان معاوناً لبولس وقيل ربما سيال أو لوقا‬ ‫أو أسقف فيليبى أو أبفرودتس‪.‬‬

‫‪47‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الرابع)‬

‫‪ .1‬قيل إن كلمة شريكى باليونانية هى "سيزيجيوس"‪ ،‬فقالوا أنه شخص اسمه سيزيجيوس‪ ،‬ووصفه الرسول‬ ‫بأنه مخلص‪.‬‬

‫‪ .6‬قال القديس يوحنا فم الذهب إنه زوج إفودية أو سنتيخى‪.‬‬

‫والرسول يطلب من إكليمنضس ومن الشريك هذا مساعدته فى عمل الصلح بين المرأتين‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ب ُك َّل ِح ٍ‬ ‫ضا‪ :‬اف َْر ُحوا‪" .‬‬ ‫الر ِّ‬ ‫آية (‪ِ " -:)4‬اف َْر ُحوا ِفي َّ‬ ‫ين‪َ ،‬وأَقُو ُل أ َْي ً‬ ‫إفرحوا فى الرب‪ :‬فال فرح حقيقى إالّ بالثبات فى المسيح‪ ،‬ومن هو ثابت فى المسيح يمأله الروح القدس فرحاً فالفرح‬

‫ثمرة من ثمار الروح القدس ‪.‬واهلل يريدنا ان نفرح ‪ ،‬فهو خلق االنسان فى جنة عدن ‪ ،‬وعدن كلمة عبرية معناها فرح‬

‫وبهجة ‪.‬‬

‫يدعو الرسول أهل فيليبى للفرح الدائم‪ ،‬كثمرة طبيعية التحادهم بالرب‪ :‬إفرحوا فى الرب‪ .‬ومن ثمار الروح القدس‬

‫منا (يو‪ ،)11:83‬مهما‬ ‫الفرح‪ .‬والفرح الذى يعطيه لنا الرب ال يتأثر بأى ظروف خارجية‪ ،‬وال يستطيع أحد أن ينزعه ّ‬ ‫كانت اآلالم المحيطة بنا‪ ،‬كما سبح بولس فَرحاً فى سجنه فى فيليبى‪ ،‬أماّ أفراح العالم فسريعاً ما تزول‪ .‬ويصل‬

‫اإلنسان لهذا الفرح سريعاً إذا بدأ يحزن على خطاياه‪ ،‬ويقدم توبة‪ ،‬فالخطية تسبب عدم الثبات فى الرب‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫يع َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫يب‪".‬‬ ‫اس‪ .‬اَ َّلر ُّ‬ ‫آية (‪ " -:)5‬لِ َي ُك ْن ِح ْل ُم ُك ْم َم ْع ُروفًا ِع ْن َد َج ِم ِ‬ ‫ب قَ ِر ٌ‬ ‫حلمكم‪ :‬المعنى باليونانية (كونوا بال غضب ‪ /‬ال تكونوا قساة ‪ /‬تحملوا بالصبر إساءات الغير ‪ /‬التساهل مع اآلخرين‬

‫فى الحقوق الشخصية كما فعل إبراهيم مع لوط)‪ .‬وهذه الصفات ال تتوافر إالّ لمن استطاع أن يفرح بالرب‪ ،‬والفرح‬ ‫نابع من المحبة التى هى من ثمار اإلمتالء من الروح القدس‪ .‬والمحبة والفرح يعطيان إتساع قلب واحتمال وضبط‬

‫للنفس وتسامح ووداعة ولطف‪.‬‬

‫الرب قريب‪" :‬ماران أثا" (‪8‬كو‪ .)11:83‬هى كلمة الصبر التى كان يرددها المسيحيون األوائل إلعالن فرحهم بقرب‬ ‫مجىء المسيح‪ .‬وهكذا علينا دائماً أن نتوقع قرب مجيئه بفرح واشتياق ولهفة‪ .‬والحظ التسلسل الرائع فى كلمات‬

‫الرسول ففى آية (‪ )8‬قال اثبتوا فى الرب وفى آية (‪ )2‬قال افرحوا فى الرب فال فرح حقيقى بدون ثبات فى الرب‪ .‬وهنا‬

‫يتكلم عن التساهل فى الحقوق وهذا يكون سهالً وممكناً لمن يعيش فى فرح وينتظر الرب باشتياق‪ .‬فالذى ينشغل‬

‫بمجىء الرب يتساهل فى حقوقه الشخصية‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫الش ْك ِر‪ ،‬لِتُعلَم ِط ْلباتُ ُكم لَ َدى ِ‬ ‫الصالَ ِة والدُّع ِ‬ ‫اء َم َع ُّ‬ ‫اهلل‪.‬‬ ‫ش ْي ٍء ِب َّ‬ ‫ش ْي ٍء‪َ ،‬ب ْل ِفي ُك ِّل َ‬ ‫األيات (‪ "-:)7-6‬الَ تَ ْهتَ ُّموا ِب َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ْ َ ْ‬ ‫‪7‬وسالَم ِ‬ ‫ع‪".‬‬ ‫وب ُك ْم َوأَ ْف َك َارُك ْم ِفي ا ْل َم ِس ِ‬ ‫سو َ‬ ‫اهلل الَِّذي َيفُ ُ‬ ‫وق ُك َّل َع ْقل‪َ ،‬ي ْحفَظُ ُقلُ َ‬ ‫يح َي ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ال تهتموا بشىء‪ :‬ال تقلقوا وال ترتبكوا وال تضطربوا أمام هموم الحياة‪ .‬والحظ أنه لم يقل ال تفكروا فى ترتيب أموركم‬

‫التى فى الغد‪ ،‬بل قال ال تحملوا هم هذه األمور (مت‪8( + )15:3‬كو‪ .)61:2‬بل بالصالة‪ :‬فالصالة تمأل القلب‬

‫سالماً‪ ،‬فإذ نسمع صوت اهلل فى قلوبنا نهدأ‪ .‬وهناك طريقتين للتفكير حينما تواجهنا مشكلة محيرة ‪ ،‬األولى ‪ :‬ان نفكر‬

‫‪48‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الرابع)‬

‫ونعمل العقل وحده للتوصل الى حل ‪ ،‬واذا كانت المشكلة كبيرة نصل لليأس ‪ .‬والثانية ‪ :‬هى ان نشرك معنا اهلل فى‬ ‫التفكير ‪...‬مثالً يرفع االنسان قلبه هلل ويقول انت لن تتركنى وحدى يا رب فى هذه الضيقة ‪....‬ألست انا إبنك ‪...‬أنا‬

‫أثق أنك تحبنى ولن تتخلى عنى ‪....‬فإذا فعلت يمأل اهلل قلبك تعزية‪.‬‬

‫والصالة تعنى التسبيح‪ ...‬أماّ الدعاء‪ :‬فهو توسل الشخص فى تقديم طلباته‪ ،‬وهذا يشمل طلب غفران الخطية‪ .‬مع‬

‫الشكر‪ :‬فالشاكر يزيده اهلل نعمة فوق نعمة‪ ،‬فحينما نرجع هلل بالشكر على عطية من عطاياه‪ ،‬يزيدنا اهلل من عطايا‬ ‫نعمته (شفاء العشرة البرص (لو ‪ )86-88:82‬فالذى عاد شاك اًر حصل على الخالص‪ ،‬بعد أن كان قد حصل على‬ ‫الشفاء الجسدى)‪ .‬بهذا يرسم الرسول خطة نتبعها فى صلواتنا أثناء أى ضيقة‪ .‬فيجب أن تشمل الصالة هذه‬

‫العناصر‪( :‬التسبيح والتمجيد هلل ‪ +‬الطلب من أجل حل المشكلة ‪ +‬الشكر المستمر حتى وسط الضيقة)‪ .‬والشكر هو‬ ‫عنصر مرافق هام لكل صالة‪ ،‬بل نحن نبدأ به أى صالة فى كنيستنا‪.‬‬

‫سالم اهلل الذى يفوق كل عقل‪ :‬كثي اًر ما تصادفنا ضيقات أو مشاكل ال نجد لها حالً بعقولنا‪ ،‬أو يصادفنا مكدر يهدد‬

‫سالمنا وال نجد له حالً‪ ،‬ونصرخ هلل فيعطينا سالماً يتغلب على القلق والخوف وحيرة العقل التى نعانى منها‪ ،‬فسالم‬ ‫اهلل يفوق ويتفوق على حيرة عقولنا العاجزة‪ ،‬فيغمر السالم عقولنا وقلوبنا بطريقة تفوق أفهامنا‪ .‬فمع أن الشىء المحير‬

‫المكدر مازال باقياً‪ ،‬نجد أنفسنا وقد ارتفعنا فوقه ولم يعد يقدر أن يكدرنا‬ ‫الذى طلبنا إزالته مازال باقياً‪ ،‬أو المشكلة أو ُ‬ ‫أو يفقدنا سالمنا‪ .‬وهذا ما َعبر عنه الرسول بصورة أخرى حين قال "مكتئبين فى كل شىء لكن غير متضايقين‪،‬‬ ‫متحيرين لكن غير يائسين" (‪1‬كو‪ .)1:2‬والفرح فى الرب (آية‪ )2‬وسالم اهلل الذى يفوق كل عقل (آية‪ )2‬هما عطايا‬ ‫من اهلل لنحيا فى نصرة وسط أحزان وضيقات هذا العالم‪ .‬فالنصرة فى المسيحية هى ان نحيا فى فرح وسالم بالرغم‬ ‫من المشاكل الخارجية وليست هى فى نزع الضيقة الخارجية وهذا ما كان يعنيه السيد المسيح بقوله "والينزع أحد‬

‫فرحكم منكم" (يو‪.)11:83‬‬

‫سالم اهلل الذى يفوق كل عقل ‪ which surpasses all understanding :‬بحسب ترجمة (‪)NKJV‬‬ ‫والمعنى ان لدى اهلل حلوال لمشكلتنا ‪ )8‬تفوق تصورنا وافهامنا ‪ )1‬تعطى سالما يسود العقل ‪ ،‬يتغلب على الحيرة‬

‫التى فيه ‪.‬‬

‫يحفظ‪ :‬كلمة لها طابع عسكرى فى اليونانية وتعنى ُي ْح ِك ْم حراسة شىء ما‪ .‬إذاً صلوا وال تقلقوا وسالم اهلل الذى ال ُيعبر‬ ‫عنه وال يمكن للعقل البشرى أن يدركه أو يمنحه‪ ،‬سالم اهلل هذا سوف ُيحكم حراسة قلوبكم وأفكاركم فى المسيح‪ .‬أى‬ ‫سوف يمنع القلق أن يتسرب لها وسيمنع أى محاوالت من إبليس لزرع الهم واليأس‪.‬‬

‫ُّها ِ‬ ‫اإل ْخ َوةُ ُك ُّل َما ُه َو َحق‪ُ ،‬ك ُّل َما ُه َو َجلِي ٌل‪،‬‬ ‫األيات (‪8 "-:)9-8‬أَ ِخ ًا‬ ‫ير أَي َ‬ ‫صيتُ ُه حس ٌن‪ ،‬إِ ْن َكا َن ْت فَ ِ‬ ‫ُهو م ِسٌّر‪ُ ،‬ك ُّل ما ِ‬ ‫ان َم ْد ٌح‪ ،‬فَ ِفي‬ ‫ضيلَ ٌة َوِا ْن َك َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ون َم َع ُك ْم‪".‬‬ ‫له َّ‬ ‫س ِم ْعتُ ُموُ‪َ ،‬و َأر َْيتُ ُموُ ِف َّي‪ ،‬فَه َذا اف َْعلُوا‪َ ،‬وِا ُ‬ ‫السالَِم َي ُك ُ‬ ‫َو َ‬

‫ُك ُّل ما ُهو ع ِاد ٌل‪ُ ،‬ك ُّل ما ُهو طَ ِ‬ ‫اهٌر‪ُ ،‬ك ُّل َما‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫‪9‬‬ ‫ِ​ِ ِ‬ ‫سلَّ ْمتُ ُموُ‪،‬‬ ‫هذ افْتَك ُروا‪َ .‬و َما تَ َعلَّ ْمتُ ُموُ‪َ ،‬وتَ َ‬

‫علينا أن ال نكف فقط عن السيئات بل نمتلىء باإليجابيات وعمل الخير‪ ،‬فإن كنا قد حسبنا العالم نفاية وتركنا‬

‫السيئات‪ ،‬فعلينا أن ننشغل بشىء ما وليكن ما ننشغل به حسن‪ ،‬نحن ذاهبون للسماء فلننشغل بما للسماء‪.‬‬

‫‪49‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الرابع)‬

‫أخير‪ :‬تعنى خالصة األمر كله‪ .‬كل ما هو حق‪ :‬عليكم أن تنشغل أفكاركم بما هو حق فى نظر اهلل‪ .‬والحق عكس‬ ‫ًا‬ ‫الباطل‪ .‬الباطل هو العالم بكل ما فيه من ملذات ودرجات عظيمة‪ ،‬وأموال‪ ،‬ومراكز‪ ...‬هذا قيل عنه باطل األباطيل‪.‬‬ ‫أما الحق فهو المسيح‪ ،‬الذى قال عن نفسه "أنا هو الطريق والحق والحياة"‪ .‬الحق هو اهلل‪ ،‬وهو السماء واألبدية‪ .‬هذا‬

‫ما قال عنه الرسول "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فأطلبوا ما فوق" (كو‪ .)8:6‬أما من يهتم بالعالم فهو يهتم بالباطل‪.‬‬

‫وقيل عن إبليس "رئيس هذا العالم" وهو "الكذاب وأبو الكذاب"‪ .‬وقوله كل ما هو‪ ...‬يشير ألن ال ينقسم قلبنا بين الحق‬

‫والباطل "التعرجوا بين الفرقتين"‪ .‬كل ما هو جليل‪ :‬أى موقر ومستحق االعتبار‪ .‬عادل‪ :‬إستقامة التصرف فيما يليق‬ ‫باآلخرين‪ .‬طاهر‪ :‬تشمل األفكار الطاهرة والسلوك الطاهر‪ُ .‬ك ُّل َما ُه َو ُم ِسٌّر‪ :‬المقصود كل ما يسر اهلل‪ ،‬ويبعث‬ ‫السرور فى قلوب الناس‪ .‬صيته حسن‪ :‬أن يشتهر عنكم األمانة مثالً‪ ،‬تكون سمعتكم حسنة‪ .‬إن كانت فضيلة‪ :‬ضرورة‬ ‫التفكير فى كل ما هو فضيلة واالهتمام بأن تكون فينا كل الفضائل‪ ،‬وأن نرفض كل ما هو رذيلة‪ .‬مدح‪ :‬أى ليمدح‬

‫الناس أعمالكم وهذه مثل "ليرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذى فى السموات"‪ .‬وقد تعنى ليمدح كل واحد‬ ‫اآلخر ليشجعه‪ .‬عموماً نحن ال نتسول المدح من الناس‪ ،‬بل نسعى ألن تكون تصرفاتنا تمجد اهلل (‪8‬كو ‪.)5:2‬‬

‫ما تعلمتمو ‪ : ...‬راجع (فى ‪ .)82:6‬ونرى هنا أهمية التقليد والتعليم الشفهى الذى نقل لنا طرق ممارسة األسرار‪.‬‬

‫إله السالم‪ :‬يمأل القلب بالسالم ويسحق الشيطان (رو ‪.)11:83‬‬

‫‪11‬‬ ‫اؤ ُكم ِبي الَِّذي ُك ْنتُم تَعتَُنوَن ُه‪ ،‬و ِ‬ ‫ضا م َّرةً ْ ِ‬ ‫لك ْن لَ ْم‬ ‫الر ِّ‬ ‫ت ِب َّ‬ ‫آية (‪ " -:)11‬ثُ َّم إِ ِّني فَ ِر ْح ُ‬ ‫ب ِجدًّا أل ََّن ُك ُم َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫اعت َن ُ ْ‬ ‫اآلن قَ ْد أ َْزَه َر أ َْي ً َ‬ ‫ص ٌة‪" .‬‬ ‫تَ ُك ْن لَ ُك ْم فُ ْر َ‬

‫فرحت بالرب‪ :‬هو يفرح بالرب كما علمهم (فى‪ .)2:2‬وليس بالعطايا التى أرسلوها‪ .‬هو يفرح بالرب الذى وضع المحبة‬ ‫فى قلوبهم فأرسلوا عطاياهم‪ .‬أزهر‪ :‬هى كلمة تشير للشجرة اليابسة التى أفرخت‪ .‬أى أفرخت شجرة محبتكم لى‪،‬‬

‫فإعتنيتم بى ووفرتم احتياجاتى‪ .‬فهم لم يرسلوا له أى شىء فى سجنه حتى أرسلوا مع أبفرودتس‪.‬‬ ‫ُم ْكتَ ِف ًيا ِب َما‬ ‫َن‬ ‫أَ ْ‬ ‫ش َب َع َوأ ْ‬

‫ِ ِ ‪12‬‬ ‫َن‬ ‫أَ​َنا ف‬ ‫َع ِر ُ‬ ‫ف أْ‬ ‫يه‪ .‬أ ْ‬ ‫َن أَستَ ْف ِ‬ ‫ض َل‬ ‫َجو َ‬ ‫أُ‬ ‫ع‪َ ،‬وأ ْ ْ‬

‫‪11‬‬ ‫ون‬ ‫اح ِت َي ٍ‬ ‫ت أْ‬ ‫اج‪ ،‬فَِإ ِّني قَ ْد تَ َعلَّ ْم ُ‬ ‫َن أَ ُك َ‬ ‫س أ َِّني أَقُو ُل ِم ْن ِج َه ِة ْ‬ ‫األيات (‪ "-:)13-11‬لَ ْي َ‬ ‫شي ِ‬ ‫َن أَستَ ْف ِ‬ ‫أَتَّ ِ‬ ‫َن‬ ‫ش ْي ٍء َوِفي َج ِم ِ‬ ‫ض َل‪ِ .‬في ُك ِّل َ‬ ‫َع ِر ُ‬ ‫ت أْ‬ ‫اء قَ ْد تَ َد َّرْب ُ‬ ‫ف أ َْي ً‬ ‫ض َع َوأ ْ‬ ‫يع األَ ْ َ‬ ‫ضا أ ْ ْ‬ ‫‪13‬‬ ‫يح الَِّذي يقَ ِّو ِ‬ ‫يني‪" .‬‬ ‫ش ْي ٍء ِفي ا ْل َم ِس ِ‬ ‫َستَ ِطيعُ ُك َّل َ‬ ‫َوأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ص‪ .‬أ ْ‬ ‫َن أَ ْنقُ َ‬ ‫ليس‪ ..‬من جهة احتياج‪ :‬هو كان محتاج فعالً لعطاياهم‪ ،‬ليأكل وليدفع أجرة المنزل الذى أستأجره فى روما (أع‬

‫‪ .)61:11‬ولكنه يرفض أن تكون خدمته سبباً فى مكاسب مادية له‪.‬‬

‫ويضاف لذلك أن كثرة أسفاره‪ ،‬وكثرة آالمه كانوا له‬ ‫قد تعلمت‪ :‬لقد حصل على طبيعة جديدة بعد أن صار مسيحياً‪ُ .‬‬ ‫كمدرسة خاصة‪.‬‬

‫قانعا بما عندى‪ ،‬بأقل قدر من المأكل والملبس‪ .‬أعرف أن أتضع‪ :‬أى أعيش فى أقل مستوى للمعيشة‪ .‬أن‬ ‫ً‬ ‫مكتفيا‪ً :‬‬ ‫أستفضل‪ :‬أى أستبقى فوق كفايتى من كل ما كان لى مهما كان قليالً‪ .‬وما يفضل يعطيه للمحتاج‪ .‬فكلمة أستفضل‪:‬‬ ‫أفيض على اآلخرين‪ ،‬وربما كانت هناك فترات وفرة وغنى مادى فى حياته‪ ،‬ولكنه فى غناه لم يستكبر‪ ،‬وفى فقره لم‬

‫‪50‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الرابع)‬

‫يتذمر‪ ،‬فاهلل رفعه فوق هذا وذاك‪ .‬فى كل شئ‪ :‬فى كل الظروف التى واجهتنى‪ .‬تدربت أن أشبع وأجوع‪ :‬الحياة‬ ‫عموما تحتاج إلى تدريب وجهاد‪ .‬وهو إذا جاع يقبل الجوع من يدى الرب ويحاول أن يستفيد به‪ ،‬واذا شبع‬ ‫الروحية‬ ‫ً‬ ‫يشكر‪ .‬ولكن هناك من فى ضيقه يتذمر‪ ،‬وفى أفراحه ينسى اهلل‪ .‬ولكن بولس تعلم أن يحيا فى المسيح على أى حال‪،‬‬ ‫ولذلك كان المسيح يقويه فى كل شىء على كل حال‪ .‬ومعنى كالم بولس ألهل فيليبى أن فرحه لم يكن ألنه فى‬

‫احتياج للمعونة بل بمحبتهم التى ظهرت فى عطاياهم‪ .‬لقد تعلم أن يعيش بالقليل وهو فى حالة رضى بالرب‪ ،‬ومهما‬

‫كا ن له من ضعف بشرى ففى المسيح كان يجد كفايته وال يحتاج مع المسيح ألى شىء آخر‪ :‬أستطيع كل شىء فى‬

‫المسيح الذى يقوينى‪ :‬فى المسيح اى الننى ثابت فيه وهو له امكانيات النهائية ‪ ،‬وبهذه االمكانيات يمكننى ان افعل‬ ‫اي شئ ‪ .‬ولم يزل المسيح مصدر قوة لنا فى كل شىء (فى حياتنا الروحية والمادية) كما كان لبولس‪ .‬وهذه اآلية رد‬ ‫على قول المسيح بدونى ال تقدرون أن تفعلوا شيئاً (يو‪ ،5:85‬وراجع ‪1‬كو‪ .)81 ،6 :81‬ولكن علينا أن نعرف أن ما‬ ‫سيتحقق ونستطيع عمله هو ما يوافق إرادة اهلل ولمجده‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫شتَرْكتُم ِفي ِ‬ ‫األيات (‪َ 14 "-:)16-14‬غ ْير أ ََّن ُكم فَع ْلتُم ح ِ​ِ‬ ‫ُّون أ ََّن ُه ِفي‬ ‫ُّها ا ْل ِفيلِ ِّبي َ‬ ‫ضا تَ ْعلَ ُم َ‬ ‫ضيقَ ِتي‪َ .‬وأَ ْنتُ ْم أ َْي ً‬ ‫ون أَي َ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫س ًنا إذ ا ْ َ ْ‬ ‫‪16‬‬ ‫اب ا ْلعطَ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫شِ ِ ِ‬ ‫اإل ْن ِج ِ‬ ‫اء ِة ِ‬ ‫اء َواألَ ْخ ِذ إِالَّ أَ ْنتُ ْم َو ْح َد ُك ْم‪ .‬فَِإ َّن ُك ْم‬ ‫ت ِم ْن َم ِك ُدوِن َّي َة‪ ،‬لَ ْم تُ َ‬ ‫يل‪،‬لَ َّما َخ َر ْج ُ‬ ‫س ِ َ‬ ‫يس ٌة َواح َدةٌ في ح َ‬ ‫ارْكني َكن َ‬ ‫َب َد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِفي تَسالُوِن ِ‬ ‫اج ِتي‪".‬‬ ‫يكي أ َْي ً‬ ‫س ْلتُ ْم إِلَ َّي َم َّرةً َو َم َّرتَ ْي ِن ل َح َ‬ ‫ضا أ َْر َ‬ ‫َ‬ ‫إذ قال إنه غير محتاج لشىء وانه مستكفى‪ ،‬وحتى ال يفهم أهل فيليبى أن الرسول يحط من قدر ما قدموه له‪ ،‬يقول‬

‫إن كل ما عملتموه لى فهو حسن‪ .‬إذ أنكم شاركتمونى فى ضيقتى فى سجنى‪ ،‬ليس بعطاياكم فقط بل بمحبتكم‬

‫بدأت الك ارزة بينكم‬ ‫ومشاعركم‪ .‬لقد شعرت فى محبتكم أن ضيقتى هى ضيقة لكم‪ .‬وهذا ليس بالجديد عليكم فأنتم منذ ُ‬ ‫باإلنجيل وحتى خروجى من مكدونية (كانت آخر مدينة زارها هناك هى بيرية منذ ‪ 81‬سنوات)‪ ،‬لم تشاركنى كنيسة‬

‫واحدة ك ما شاركتمونى‪ ،‬وباألخص فى مشاعركم بأنكم مدينون لى بالكثير‪ ،‬مقابل ما أخذتموه منى فى رعايتكم‬ ‫وك ارزتكم وتنمية إيمانكم‪ ،‬وأرسلتم لمساعدتى وأنا فى تسالونيكى وهى مدينة ذات ثراء كبير‪ .‬إالّ أنتم وحدكم‪ :‬لم يقبل‬

‫الرسول سوى منهم لثقته فى محبتهم له‪ .‬العطاء واألخذ‪ :‬بولس أعطاهم روحيات وأخذ منهم ماديات‪ .‬وهم أخذوا‬ ‫روحيات وأعطوه ماديات‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ب ا ْلع ِط َّي َة‪َ ،‬ب ْل أَ ْطلُ ُ َّ‬ ‫سا ِب ُك ْم‪".‬‬ ‫ب الث َم َر ا ْل ُمتَ َكاث َر لح َ‬ ‫س أ َِّني أَ ْطلُ ُ َ‬ ‫آية (‪ " -:)17‬لَ ْي َ‬ ‫ال ُيفهم من حديثى هذا أننى أجتهد فى طلب عطايا أكثر منكم‪ ،‬بل أطلب لكم الثمر المتكاثر فى البر‪ ،‬أى الثمر‬

‫الروحى المتكاثر فى أعمال المحبة ويزداد رصيدكم من أعمال البر واإلحسان‪ ،‬واهلل ال ينسى تعب المحبة‪.‬‬

‫ْت إِ ْذ قَ ِب ْل ُ ِ‬ ‫ض ْل ُ ِ‬ ‫ت ُك َّل َ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫‪ِ 18‬‬ ‫اء الَِّتي‬ ‫س األَ ْ‬ ‫امتَأل ُ‬ ‫استَ ْوفَ ْي ُ‬ ‫استَ ْف َ‬ ‫ش ْيء َو ْ‬ ‫األيات (‪َ "-:)21-18‬ولك ِّني قَد ْ‬ ‫ش َي َ‬ ‫ت م ْن أ َ​َب ْف ُروِدتُ َ‬ ‫ت‪ .‬قَد ْ‬ ‫ِ ‪19‬‬ ‫ِم ْن ِع ْن ِد ُكم‪َ ،‬ن ِسيم رِائح ٍة طَ ِّيب ٍة‪َ ،‬ذ ِبيح ًة م ْقبولَ ًة مر ِ‬ ‫اح ِت َي ِ‬ ‫س ِب ِغ َنا ُ ِفي ا ْل َم ْج ِد‬ ‫ضيَّ ًة ِع ْن َد‬ ‫اهلل‪ .‬فَ َي ْمألُ إِل ِهي ُك َّل ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫اج ُك ْم ِب َح َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫‪21‬‬ ‫ين‪ِ .‬‬ ‫هلل وأَِبي َنا ا ْلم ْج ُد إِلَى َد ْه ِر الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪".‬‬ ‫ِفي ا ْل َم ِس ِ‬ ‫سو َ‬ ‫آم َ‬ ‫َّاه ِر َ‬ ‫ع‪َ .‬و َ‬ ‫يح َي ُ‬ ‫َ‬

‫‪51‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


‫رسالة بولس الرسول إلي أهل فيلبي (اإلصحاح الرابع)‬

‫استفضلت‪ :‬تقدماتكم جعلتنى أستوفى كل حاجاتى بل زادت عن حاجتى‪ .‬ذبيحة مقبولة نسيم رائحة طيبة‪ :‬هذه‬ ‫كلمات تستخدم مع ذبائح العهد القديم (تك ‪( + )18:1‬ال‪ .)6:8‬فهو اعتبر العطايا ذبيحة حب (عب‪.)83:86‬‬ ‫والرائحة الطيبة هى رائحة المحبة التى قدموا بها عطاياهم‪ .‬فيمأل إلهى‪ :‬قوله إلهى يشير إلحساسه بأن اهلل إله خاص‬

‫له " أنا لحبيبى وحبيبى لى" (نش ‪ .)83:1،6:3‬وهذا اإلحساس يقوى العالقة بينى وبين اهلل‪ .‬بولس إختبر العالقة‬ ‫الخاصة بين اهلل وبينه وعرف محبة اهلل وحنانه‪.‬‬

‫بحسب غنا ‪ :‬إذاً فعطايا اهلل لنا بغير حدود ألن غناه بغير حدود‪.‬‬

‫وهلل وأبينا‪ :‬هو اهلل وهو أبينا‪ .‬وما أجمل أن نعرف أن اهلل هو أبونا‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫اإل ْخوةُ الَِّذ َ ِ‬ ‫َعلَى ُك ِّل ِقد ٍ‬ ‫سلِّ ُم َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫ِّيس ِفي ا ْل َم ِس ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ين َمعي‪ُ .‬ي َ‬ ‫سلِّ ُم َعلَ ْي ُك ُم ِ َ‬ ‫ع‪ُ .‬ي َ‬ ‫يح َي ُ‬ ‫يع ُكم‪ِ .‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪ِ 23‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪".‬‬ ‫ع ا ْل َم ِس ِ‬ ‫سو َ‬ ‫آم َ‬ ‫ص َر‪ .‬ن ْع َم ُة َرِّب َنا َي ُ‬ ‫م ْن َب ْيت قَ ْي َ‬ ‫يح َم َع َجم ْ‬

‫‪21‬‬ ‫سلِّ ُموا‬ ‫األيات (‪َ "-:)23-21‬‬ ‫ِ‬ ‫ج ِميع ا ْل ِقد ِ‬ ‫ين‬ ‫َّما الَِّذ َ‬ ‫ِّيس َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ين َوالَ سي َ‬ ‫السيما الذين من بيت قيصر‪ :‬كان الرسول قد قاد بعض الجنود وموظفى القصر لإليمان‪ ،‬وربما بعض من عائلة‬

‫قيصر‪ .‬فكان الجنود الذين يحرسونه يسمعونه وينقلون األخبار لآلخرين فيأتون إليه‪ .‬ويسمعونه فيؤمنوا‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.