الصلاة لذة الحياة القمص يوحنا باقي

Page 1

‫كنيسة مارمرقس‬ ‫القبطية‬ ‫األرثوذكسية‬ ‫بمصر الجديدة‬

‫الصــالة لـذة الحيــاة‬

‫القس يوحنا باقى‬


‫صاحب الغبطــة والقداســة‬

‫البابـــا شــــنوده الثــــالـث‬ ‫بابا اإلسكندرية وبطريرك الكـرازة المرقسية الـ ‪117‬‬


‫اﻟﻛﺗـﺎب ‪ :‬اﻟﺻﻼة ﻟذة اﻟﺣﻳﺎة‬ ‫اﻟﻣؤﻟـف ‪ :‬اﻟﻘس ﻳوﺣﻧﺎ ﺑﺎﻗﻰ‬

‫اﻟﻧﺎﺷـر ‪ :‬ﻛﻧﻳﺳﺔ ﻣﺎرﻣرﻗس ﻣﺻر اﻟﺟدﻳدة‬ ‫اﻟطﺑﻌـﺔ ‪ :‬اﻷوﻟﻰ أﺑرﻳﻝ ‪2007‬‬ ‫اﻟﻣطﺑﻌﺔ ‪ :‬دﻳر ﻣﺎرﻣﻳﻧﺎ ﺑﻣرﻳوط‬

‫اﻟﺟﻣﻊ اﻟﺗﺻوﻳرى‪ :‬اﻟﻧﺎﺳﺦ اﻟﺳرﻳﻊ‬


‫ﺑطﺎﻗﺔ ﻓﻬرﺳﺔ‬ ‫ﻓﻬرﺳﺔ أﺛﻧﺎء اﻟﻧﺷر إﻋداد اﻟﻬﻳﺋﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟدار اﻟﻛﺗب واﻟوﺛﺎﺋق اﻟﻘوﻣﻳﺔ‬ ‫إدارة اﻟﺷﺋون اﻟﻔﻧﻳﺔ‬

‫ﺑﺎﻗﻰ‪ ،‬ﻳوﺣﻧﺎ‬ ‫ﻛﻳف أرى اﷲ ‪ /‬ﻳوﺣﻧﺎ ﺑﺎﻗﻰ‬ ‫‪ - 0‬ط ‪ - 01‬اﻟﻘﺎﻫرة ‪ :‬ﻛﻧﻳﺳﺔ ﻣﺎرﻣرﻗس‪56 01-04-2006 ،‬‬ ‫ص ؛ ‪ 16‬ﺳم‬ ‫أ‪ -‬اﻟﻌﻧوان‬ ‫‪ -1‬اﻟﺗﺄﻣﻼت )اﻟﻣﺳﻳﺣﻳﺔ(‬ ‫‪274.2‬‬


‫مقدمة‬ ‫وﺳط زﺣﺎم اﻟﺣﻳﺎة ﻳﺷﻌر اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺎﻹرﻫﺎق‪ .‬وﻣﻊ ﺿـﻐوط اﻟﺣﻳـﺎة‬

‫اﻟﻣﺎدﻳ ــﺔ ﺗﺗﺟﻣ ــد اﻟﻌﻼﻗ ــﺎت ﻣ ــﻊ اﻵﺧـ ـرﻳن وﺗ ــﺻﻳر ﺟﺎﻓ ــﺔ إﻟ ــﻰ ﺣ ــد ﻛﺑﻳ ــر‬

‫وﻧﻔﻌﻳــﺔ ﻓــﻰ ﻛﺛﻳــر ﻣــن اﻷﺣﻳــﺎن‪ .‬وﻳﺣﺗــﺎج اﻹﻧــﺳﺎن إﻟــﻰ ﻣــن ﻳــﺷﻌر ﺑــﻪ‬ ‫وﻳﺣﺑــﻪ ﻟﺷﺧــﺻﻪ وﻳﺗﻌــﺎطف ﻣﻌــﻪ وﻫﻧــﺎ ﻳظﻬــر اﷲ؛ ﻟﻳﺣﻧــو ﻋﻠــﻰ اﻹﻧــﺳﺎن‬ ‫وﻳﺳﺎﻧدﻩ‪ ،‬ﺑﻝ وﻳﺣﺗﺿﻧﻪ‪.‬‬

‫ﻓﻳﻠﺗﺟــﺊ اﻹﻧــﺳﺎن إﻟــﻰ اﻟــﺻﻼة؛ ﻟﻳﺗﺣــدث ﻣــﻊ اﷲ دون ﻗﻳــود وﻫــو‬

‫ﻣطﻣﺋن أﻧﻪ ﺳﻳﺳﻣﻌﻪ وﻻ ﻳﻣﻝ ﻣﻧﻪ‪ ،‬ﻓﻳﺧﺷﻊ ﻗﻠﺑﻪ وﻳﺣﻛﻰ ﻟـﻪ ﻛـﻝ ﻣـﺷﺎﻋرﻩ‬

‫اﻟداﺧﻠﻳﺔ‪ .‬وﻋﻠﻰ ﻗدر ﻣﺎ ﺗﺗﻌﻘد اﻟﺣﻳﺎة ﻳزداد اﻻﺣﺗﻳﺎج إﻟـﻰ اﻟـﺻﻼة‪ ،‬ﻓﻬـﻰ‬ ‫اﻟﻣﻧﻔــذ ﻟﻠ ارﺣــﺔ وﺳــط ﻛــﻝ اﻟﻣﺗﺎﻋــب‪ .‬واﻟﻣــﺳﻳﺢ ﺑﻧﻔــﺳﻪ ﻳﻌﻠــم اﺣﺗﻳﺎﺟﻧــﺎ‪ ،‬إذ‬

‫ﻗ ــﺎﻝ "ﺗﻌ ــﺎﻟوا إﻟ ــﻰ ﻳ ــﺎ ﺟﻣﻳ ــﻊ اﻟﻣﺗﻌﺑ ــﻳن واﻟﺛﻘﻳﻠ ــﻰ اﻷﺣﻣ ــﺎﻝ وأﻧ ــﺎ أرﻳﺣﻛ ــم"‬

‫)ﻣت‪.(28 :11‬‬

‫وﻓﻰ اﻟﺻﻼة ﻳﺗﻼﻗﻰ اﻹﻧﺳﺎن ﻣﻊ اﷲ وﻫو أﻋظم ﻟﻘﺎء ﻳﺣدث ﻓـﻰ‬ ‫ﺣﻳــﺎة أى إﻧــﺳﺎن؛ ﻟــذا أﺟﻣــﻊ اﻵﺑــﺎء اﻟﻘدﻳــﺳون ﻋﻠــﻰ أن أﻫــم ﻋﻣــﻝ ﻓــﻰ‬ ‫اﻟﺣﻳـﺎة ﻫــو اﻟــﺻﻼة‪ ،‬ﺑـﻝ إن اﻟــﺻﻼة – ﻋﻧــدﻣﺎ ﻳﺗﻌودﻫـﺎ اﻹﻧــﺳﺎن – ﺗﻣﺗــد‬ ‫ﻟﺗﻐطﻰ ﺣﻳﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺳﺗطﻳﻊ أن ﻳﺗرﻛﻬـﺎ وﺗﺗﺧﻠـﻝ ﻛـﻝ أﻋﻣﺎﻟـﻪ وأﻓﻛـﺎرﻩ‬ ‫وﺗﻣﺗ ــزج ﺑﻬ ــﺎ‪ ،‬ﺣﺗ ــﻰ أﻧ ــﻪ ﻳ ــﺷﻌر أن اﻟ ــﺻﻼة ﻫ ــﻰ ﻋﻣﻠ ــﻪ اﻟوﺣﻳ ــد؛ ﻷﻧﻬ ــﺎ‬

‫‪-1-‬‬


‫ﺗﺣﺗــﺿن ﺣﻳﺎﺗــﻪ وﺗــﺿﻊ ﺑــﺻﻣﺎﺗﻬﺎ ﻓــﻰ ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻳﻌﻣﻠــﻪ‪ ،‬ﻓﻳــﺻﻳر ﻧﻘﻳـ ًـﺎ‪ ،‬ﺑــﻝ‬ ‫ورﻗﻳﻘﺎً ﻓﻳﻧﻌم ﺑﺣﻳﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض‪.‬‬

‫واﻟــﺻﻼة ﻫــﻰ اﻟﻌﻣــﻝ اﻟوﺣﻳــد ﻓــﻰ اﻟــﺳﻣﺎء‪ ،‬ﺣﻳــث ﺗﺑطــﻝ اﻟﻣﺎدﻳــﺎت‬ ‫وﻛ ــﻝ ﻣ ــﺎ ﻳﺗﻌﻠـ ـق ﺑﻬ ــﺎ ﻣ ــن اﺿ ــطراﺑﺎت وﻣ ــﺷﺎﻛﻝ‪ ،‬وﻻ ﻳﺑﻘ ــﻰ إﻻ ﺷ ــﺧص‬ ‫اﻟﻣﺳﻳﺢ‪ ،‬اﻟذى ﺗﺗﻌﻠق ﺑﻪ ﻛﻝ اﻟﻘﻠوب ﺑﺻﻼة ﺗدوم إﻟﻰ اﻷﺑد‪.‬‬ ‫ﻧظ ـ ـ ـ اًر ﻷﻫﻣﻳـ ـ ــﺔ اﻟـ ـ ــﺻﻼة ‪ -‬اﻟﺗـ ـ ــﻰ ﻗـ ـ ــد ﻳﻠﻬﻳﻧـ ـ ــﺎ اﻟـ ـ ــﺷﻳطﺎن ﻋﻧﻬـ ـ ــﺎ‬ ‫ﺑﺎﻧــﺷﻐﺎﻻت اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻛﺛﻳ ـرة؛ ﻟﻳﻔﻘــدﻧﺎ اﻟــﺷوق إﻟﻳﻬــﺎ – ﻧﻘــدم ﻫــذﻩ اﻟﺗــﺄﻣﻼت‬ ‫اﻟﻣﺑﺳطﺔ ﻓﻰ ﻓﺎﻋﻠﻳﺔ اﻟـﺻﻼة ﻓـﻰ ﺣﻳﺎﺗﻧـﺎ‪ ،‬ﻟﻌﻠﻬـﺎ ﺗﺣـرك ﻣـﺷﺎﻋرﻧﺎ‪ ،‬ﻓﻧﺗﻘـدم‬ ‫ﻧﺣو اﻟﺻﻼة ﺑﺧطوات أﻛﺛر ﺟدﻳﺔ؛ ﻟﻧﺗﻣﺗﻊ ﺑﺎﻟﺻﻼة‪ ،‬أو ﺑـﺎﻷﺣرى ﻧﺗﻣﺗـﻊ‬ ‫ﺑﺣﻳﺎﺗﻧﺎ اﻟﺗﻰ ﺗﻐطﻳﻬﺎ اﻟﺻﻼة‪.‬‬ ‫ٕواذا اﻗﺗﻧﻌ ــت أﻳﻬ ــﺎ اﻟﻘ ــﺎرئ ﺑﺄﻫﻣﻳ ــﺔ اﻟ ــﺻﻼة واﺷ ــﺗﻘت إﻟﻳﻬ ــﺎ‪ ،‬إﺑ ــدأ‬ ‫ﺳ ـرﻳﻌﺎً ﺑﺗﺧــﺻﻳص وﻗﺗــﺎً ﻛﺎﻓﻳــﺎً ﻟﻠــﺻﻼة واﺳــﺗﺧدم ﻛــﻝ اﻟوﺳــﺎﺋﻝ اﻟﻣﻣﻛﻧــﺔ‬ ‫ﻟﻠوﺻــوﻝ إﻟــﻰ ﺻــﻼة ﻋﻣﻳﻘــﺔ‪ ،‬ﺳ ـواء ﺻــﻼة اﻷﺟﺑﻳــﺔ ﺑﻣزاﻣﻳرﻫــﺎ اﻟﺟﻣﻳﻠــﺔ‬ ‫واﻟﺗـ ــﺳﺑﺣﺔ اﻟﻛﻧـ ــﺳﻳﺔ‪ ،‬أو اﻟـ ــﺻﻠوات اﻻرﺗﺟﺎﻟﻳـ ــﺔ واﻟﻣﻳطﺎﻧﻳـ ــﺎت وﻛـ ــﻝ أﻣـ ــر‬ ‫ﻳ ــﺷﺟﻌك ﻋﻠ ــﻰ اﻟ ــﺻﻼة‪ .‬إﺑ ــدأ ﺑ ــﺻﻼة وﻟ ــو ﻗ ــﺻﻳرة ٕوان ﻋﺎﻧ ــدك اﻟﺟ ــﺳد‬ ‫ﺑﺎﻟﻛــﺳﻝ‪ ،‬أو ﺣﺎوﻟــت اﻟظــروف أن ﺗــﺷﻐﻠك ﻓــﻼ ﺗﺗﻬــﺎون‪ ،‬أو ﺗﺗ ارﺟــﻊ‪ ،‬ﺑــﻝ‬ ‫إﻏ ــﺻب ﻧﻔ ــﺳك ﻋﻠ ــﻰ اﻟ ــﺻﻼة‪ ،‬ﻋﺎﻟﻣ ــﺎً أن ﻫ ــذﻩ اﻟ ــﺻﻼة اﻟﺗ ــﻰ ﺗﻐ ــﺻب‬

‫‪-2-‬‬


‫ﻧﻔــﺳك ﻋﻠﻳﻬــﺎ ﻣﻘﺑوﻟــﺔ وﻣﺣﺑوﺑــﺔ‪ ،‬ﺑــﻝ وﻏﺎﻟﻳــﺔ ﻋﻧــد اﷲ؛ ﻷﻧــك ﺗﺗﻌــب ﻓﻳﻬــﺎ‬ ‫ﻣن أﺟﻝ اﻟوﺻوﻝ إﻟﻳﻪ‪.‬‬ ‫ﺛ ــم ﺗ ــﻳﻘن أن ﻫ ــذا اﻟﺗﻐ ــﺻب ﺳ ــﻳزوﻝ وﻳﺣ ــﻝ ﻣﺣﻠ ــﻪ اﻟﺗﻌ ــود‪ ،‬ﻓ ــﻼ‬ ‫ﺗﺳﺗطﻳﻊ أن ﺗﺳﺗﻐﻧﻰ ﻋن اﻟﺻﻼة‪ ،‬إذ ﺗﺷﻌر أﻧﻬﺎ ﺟزء ﻣن ﺣﻳﺎﺗك‪ .‬وﺑﻌـد‬ ‫ذﻟــك ﺗﻧﺗﻘــﻝ إﻟــﻰ اﻟﻣرﺣﻠــﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛــﺔ واﻷﺧﻳـرة وﻫــﻰ اﻟﺗﻠــذذ ﺑﺎﻟــﺻﻼة‪ ،‬ﻓﺗﺧﺗﺑــر‬ ‫أﻣــو اًر ﻻ ﻳﻌﺑــر ﻋﻧﻬــﺎ‪ ،‬ﻓﺗﻘــﺿﻰ وﻗﺗــﺎً ﻣﻔرﺣــﺎً ﻣــﻊ اﷲ‪ ،‬ﻻ ﻳﻌــد ﻣــن أوﻗــﺎت‬ ‫اﻟزﻣـ ــﺎن اﻟﺣﺎﺿـ ــر‪ ،‬ﺑـ ــﻝ ﻫـ ــﻰ ﻟﺣظـ ــﺎت ﻣـ ــن اﻷﺑدﻳـ ــﺔ‪ ،‬ﺗـ ــذوﻗﻬﺎ ﻛﻌرﺑـ ــون‬ ‫ﻟﻠﻣﻠﻛوت‪.‬‬

‫أﺷﻛر ﻛﻝ ﻣن ﺷﺎرك ﻓﻰ ﺧـروج ﻫـذا اﻟﻛﺗـﺎب ووﺻـوﻟﻪ إﻟﻳـك أﻳﻬـﺎ‬ ‫اﻟﻘـ ــﺎرئ اﻟﻌزﻳـ ــز وأرﺟـ ــو أن ﻳﻛـ ــون ﺣـ ــﺎﻓ اًز ﻟـ ــك ﻧﺣـ ــو اﻟـ ــﺻﻼة اﻟﻌﻣﻳﻘـ ــﺔ‪،‬‬ ‫ﺑـ ـ ــﺷﻔﺎﻋﺎت أﻣﻧـ ـ ــﺎ اﻟطـ ـ ــﺎﻫرة اﻟﻌـ ـ ــذراء ﻣ ـ ـ ـرﻳم وﺻـ ـ ــﻠوات اﻟﻘـ ـ ــدﻳس اﻟﻌظـ ـ ــﻳم‬ ‫ﻣــﺎرﻣرﻗس اﻟرﺳــوﻝ ﻛــﺎروز دﻳﺎرﻧــﺎ اﻟﻣــﺻرﻳﺔ وﻣﻌﻬــﺎ ﺻــﻠوات ﻗداﺳــﺔ اﻟﺑﺎﺑــﺎ‬ ‫اﻟﻣﻌظم اﻷﻧﺑﺎ ﺷﻧودة اﻟﺛﺎﻟث‪.‬‬ ‫اﻟﻘس ﺑوﺣﻧﺎ ﺑﺎﻗﻰ‬

‫ﻋﻳد اﻟﻘﻳﺎﻣﺔ اﻟﻣﺟﻳد‬ ‫‪ 8‬أﺑرﻳﻝ ‪2007‬‬

‫‪-3-‬‬


‫الباب األول‬

‫ما ھى الصالة ؟‬ ‫ﻷن اﻟﺻﻼة ﻫﻰ أﺳﻣﻰ ﺷﺊ ﻓﻰ اﻟﺣﻳﺎة وطرﻳق ﻛﻝ ﻣن ﻳﺑﺗﻐـون ﻣﻠﻛـوت‬ ‫اﻟﺳﻣوات‪ ،‬ﻟذا اﺧﺗﺑرﻫـﺎ ﺟﻣﻳـﻊ أوﻻد اﷲ وﻛﺗﺑـوا وﺗﻛﻠﻣـوا ﻋﻧﻬـﺎ ﻛﺛﻳـ ًرا‪ ،‬ﻓﻬـﻰ‬ ‫ﺗﻌﻧـﻰ أﻣـو اًر روﺣﻳــﺔً ﻛﺛﻳـرة وﺗﻐطـﻰ ﻛــﻝ ﺟواﻧـب اﻟﺣﻳـﺎة‪ .‬ﻧــذﻛر ﻫﻧـﺎ ﺑﻌــض‬ ‫ﺗﻌرﻳﻔﺎت اﻟﺻﻼة‪ ،‬اﻟﺗـﻰ ﺗﺧﺗﻠـف ﻣـن ﺷـﺧص إﻟـﻰ آﺧـر‪ ،‬ﺑﺣـﺳب اﺧﺗﺑـﺎرﻩ‬ ‫ﻟﻠﺻﻼة ٕواﺣﺳﺎﺳﻪ ﺑﺎﷲ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺻﻼة ﻫﻰ ‪-:‬‬

‫)‪ (1‬حديث مع ﷲ ‪:‬‬

‫ﻛم ﻫـو ﻋظـﻳم أن ﻳـﺳﻣﺢ اﷲ ﻟﻧـﺎ أن ﻧﻛﻠﻣـﻪ‪ ،‬ﻓـﻰ ﺣـﻳن أن رؤﺳـﺎء‬ ‫اﻟﻌــﺎﻟم ﻻ ﻳــﺳﻣﺣون ﺑﻬــذا ﻟﻛــﻝ إﻧــﺳﺎن وﻟﻛــن اﷲ ﺑﻣﺣﺑﺗــﻪ ﻳﻔــﺗﺢ أﺑواﺑــﻪ ﻟﻧــﺎ‬ ‫وﻳﻔرح ﺑﺻﻼﺗﻧﺎ‪ ،‬ﻟﻳس ﻓﻰ أوﻗﺎت ﻣﻌﻳﻧﺔ‪ ،‬ﺑﻝ ﻓﻰ ﻛﻝ وﻗـت‪ .‬واﻷﻛﺛـر ﻣـن‬ ‫ﻫــذا أﻧ ــﻪ ﻳــدﻋوﻧﺎ ﻟﻠ ـﺻـﻼة داﺋﻣــﺎً ﻓﻳﻘ ــوﻝ "ﺻ ــﻠوا ﺑــﻼ اﻧﻘطــﺎع" )‪1‬ﺗــس‪:5‬‬ ‫‪ (17‬وﻳﻘــوﻝ أﻳــﺿﺎً "ﻳﻧﺑﻐــﻰ أن ﻳــﺻﻠﻰ ﻛــﻝ ﺣــﻳن وﻻ ﻳﻣــﻝ" )ﻟــو‪.(1 :18‬‬ ‫ﻓﻬـو ﻳﻧـﺻت ﺑﺎﻫﺗﻣـﺎم ﻟﻛـﻝ ﻛﻠﻣﺎﺗﻧـﺎ ﻓـﻰ اﻟـﺻﻼة‪ ،‬ﻣﻬﻣـﺎ ﻛﺎﻧـت ﺿــﻌﻳﻔﺔ أو‬ ‫ﻣﺗﻠﻌﺛﻣﺔ‪ ،‬وﻳـرد أﻳـﺿﺎً ﻋﻠﻳﻧـﺎ ﺑطـرق ﻣﺗﻧوﻋـﺔ‪ ،‬ﺳـواء ﻓـﻰ اﻟﻛﺗـﺎب اﻟﻣﻘـدس‪،‬‬ ‫أو ﺑﺗـ ــذﻛر آﻳـ ــﺎت‪ ،‬أو ﻣﻌـ ــﺎﻧﻰ ﻣﻌﻳﻧـ ــﺔ‪ ،‬أو ﻳـ ــﺳﻣﻌﻧﺎ ﺻـ ــوﺗﻪ ﻋﻠـ ــﻰ ﻟـ ــﺳﺎن‬

‫‪-4-‬‬


‫اﻟﻣﺣﻳطــﻳن ﺑﻧــﺎ‪ .‬ﻓﻬــو ﻳﺟﻳﺑﻧــﺎ إﻣــﺎ أﺛﻧــﺎء اﻟ ـﺻﻼة‪ ،‬أو ﺑﻌــدﻫﺎ وﻫــو ﻳــود أن‬ ‫ﻳﻘﻳم ﺣوا اًر ﻣﻌﻧﺎ‪ ،‬إن ﻛﻧﺎ ﻣﺗﻣﺳﻛﻳن ﺑﻪ‪ ،‬ﻣﺣﺑﻳن ﻟﻠﺣوار ﻣﻌﻪ‪.‬‬

‫)‪ (2‬عالقة اإلبن مع أبيه ‪:‬‬ ‫اﻟــﺻﻼة ﻫــﻰ ذﻫــﺎب اﻹﺑــن إﻟــﻰ أﺑﻳــﻪ؛ ﻟﻳﺣدﺛــﻪ ﺑﻛــﻝ اﺣﺗﻳﺎﺟﺎﺗ ــﻪ‪.‬‬ ‫واﻷب ﻳﻔــرح أن ﻳــﺳد اﺣﺗﻳﺎﺟــﺎت إﺑﻧــﻪ وﻳﺣــﻝ ﻛــﻝ ﻣــﺷﺎﻛﻠﻪ‪ ،‬ﻓﻳﺗﻘــدم اﻹﺑــن‬ ‫ﺑﺧـﺷوع أﻣــﺎم أﺑﻳــﻪ اﻟﻌظــﻳم‪ .‬وﻟﻛــن ﻓــﻰ ﻧﻔـس اﻟوﻗــت ﻳﺗﻘــدم ﺑداﻟــﺔ وﺛﻘــﺔ ﻓــﻰ‬ ‫ﻣﺣﺑــﺔ أﺑﻳــﻪ وﻳطﻠــب ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻳرﻳــد ﻣﻧــﻪ‪ ،‬ﺧﺎﺻــﺔ وأن اﷲ ﻳــﺳﺗﺣﺛﻧﺎ ﻟﻧــﺳرع‬ ‫إﻟﻳﻪ ﻓﻰ ﻛﻝ اﺣﺗﻳﺎﺟﺎﺗﻧﺎ ﻓﻳﻘوﻝ "اﺳﺄﻟوا ﺗﻌطوا‪ ،‬اطﻠﺑوا ﺗﺟدوا‪ ،‬اﻗرﻋـوا ﻳﻔـﺗﺢ‬ ‫ﻟﻛم" )ﻣت‪ ،(7 :7‬ﺑﻝ ﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺗﻬﺎون ﻓﻰ اﻟـﺻﻼة ﻳﻧﺑﻬﻧـﺎ؛ ﻟﻧطﻠـب ﻛـﻝ ﻣـﺎ‬ ‫ﻧرﻳ ــد ﻣﻧ ــﻪ‪ ،‬ﻓﻳﻘ ــوﻝ "إﻟ ــﻰ اﻵن ﻟ ــم ﺗطﻠﺑـ ـوا ﺷ ــﻳﺋﺎً ﺑﺈﺳ ــﻣﻰ‪ ،‬اطﻠﺑـ ـوا ﺗﺄﺧ ــذوا‬

‫ﻟﻳﻛــون ﻓــرﺣﻛم ﻛــﺎﻣﻼً" )ﻳ ــو‪ .(24 :16‬ﻓﺎﻟــﺻﻼة ﻫــﻰ اﺳــﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟطﻠﺑ ــﺎت‬

‫اﻷﺑﻧﺎء‪ ،‬وﻫﻰ ﺣدﻳث اﻟﺣب اﻟﺧﺎص ﺑﻳن اﻹﺑن وأﺑﻳﻪ‪ ،‬ﻟﻳﻛﻔﻳﻪ وﻳﺷﺑﻌﻪ‪.‬‬

‫)‪ (3‬توبة التائبين ‪:‬‬ ‫ﻫــﻰ ﺑ ــﺎب اﻟﺗوﺑ ــﺔ اﻟﻣﻔﺗــوح ﻟﻛ ــﻝ اﻟﺧط ــﺎة‪ ،‬ﻣﻬﻣــﺎ ﻛﺎﻧ ــت ﺧطﺎﻳ ــﺎﻫم‬ ‫ﻋظﻳﻣ ــﺔ‪ ،‬أو ﻣﺗﻛ ــررة وﻫ ــو ﻳﻘﺑ ــﻝ أوﻻدﻩ؛ ﻟﻳﻣ ــﺳﺢ ﻋ ــﻧﻬم ﻛ ــﻝ ﺧطﺎﻳ ــﺎﻫم‪.‬‬ ‫واﻟﻌﺟﻳـ ــب أﻧـ ــﻪ ﺑﻌـ ــد اﻟـ ــﺻﻼة اﻟـ ــﺳﺎﺟدة واﻟداﻣﻌـ ــﺔ ‪ -‬اﻟﺗـ ــﻰ ﻳـ ــﺳﻛب ﻓﻳﻬـ ــﺎ‬

‫‪-5-‬‬


‫اﻹﻧـ ــﺳﺎن ﻧﻔـ ــﺳﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺗرﻓـ ــﺎً ﺑﺧطﺎﻳـ ــﺎﻩ اﻟﻣؤﻟﻣـ ــﺔ – ﻳـ ــﺷﻌر ﺑﺎرﺗﻳـ ــﺎح ﺷـ ــدﻳد؛‬ ‫ﻓﻳﺗﺧﻠص ﻣن ﻛﻝ اﺿطراب‪ ،‬ﺑﻝ وﻳﻧﺎﻝ ﻓرﺣﺎً ﺑﺟﺎﻧب اﻟﺳﻼم‪.‬‬

‫)‪ (4‬محبة العروس ‪:‬‬ ‫ﻫﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺣب ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻠـﻰ أﻋﻠـﻰ ﻣـﺳﺗوى ﺑـﻳن اﻟـﻧﻔس اﻟﺑـﺷرﻳﺔ‬ ‫– ﻛﻌ ــروس ﻟﻠﻣ ــﺳﻳﺢ – وﺑ ــﻳن ﻋرﻳ ــﺳﻬﺎ اﻟ ــﺳﻣﺎوى‪ .‬ﻓﻬ ــﻰ ﺗﻔ ــرح أن ﺗﻠﻘ ــﻰ‬ ‫ﺑﻧﻔﺳﻬﺎ ﺑﻳن أﺣـﺿﺎﻧﻪ وﻫـو ﻳﻌﺎﻧﻘﻬـﺎ ﺑﺣﺑـﻪ وﻳﻘﺑﻠﻬـﺎ‪ ،‬ﻓﻳـﺷﺑﻌﻬﺎ وﺗﺗـذوق دﺳـم‬ ‫ﺣﺑﻪ‪ ،‬اﻟذى ﻳﻌﻠو ﻓوق ﻛﻝ ﻋﻘﻝ أو ﻣﺷﺎﻋر ﺑﺷرﻳﺔ‪.‬‬

‫)‪ (5‬عمل الروحانيين ‪:‬‬ ‫اﻹﻧﺳﺎن ﺟﺳد وروح وﻛﻣﺎ ﻳﺣﺗﺎج اﻟﺟﺳد إﻟﻰ ﻣﺗطﻠﺑﺎﺗﻪ اﻟﻣﺎدﻳﺔ –‬ ‫ﻣن ﻏذاء وراﺣﺔ – ﻫﻛذا أﻳﺿﺎً اﻟروح ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺷـﺑﻌﻬﺎ‪ ،‬اﻟـذى ﻳـﺗم ﻣـن‬ ‫ﺧـ ــﻼﻝ اﻟـ ــﺻﻼة‪ ،‬ﻟـ ــذا ﻓﻬـ ــﻰ دﻟﻳـ ــﻝ ﻋﻠـ ــﻰ روﺣﺎﻧﻳـ ــﺔ اﻹﻧـ ــﺳﺎن‪ ،‬ﺑـ ــﻝ ﺗﻘـ ــﺎس‬ ‫روﺣﺎﻧﻳﺗﻪ ﺑﻣﻘدار ﻣﺣﺑﺗﻪ ﻟﻠﺻﻼة‪.‬‬

‫)‪ (6‬ينبوع الفضائل ‪:‬‬ ‫اﻟــﺻﻼة ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎﻝ اﻵﺑــﺎء ﻫــﻰ اﻟﻌــﻳن اﻟﺗــﻰ ﺗــﺳﻘﻰ ﺟﻣﻳــﻊ اﻟﻐــروس‬

‫ﻓــﻰ ﻓــردوس اﻟــﻧﻔس‪ ،‬ﻓﻬــﻰ ﻣــﺻدر اﻟﻔــﺿﺎﺋﻝ وﻫــﻰ اﻟﺗــﻰ ﺗﻧﻣﻳﻬــﺎ وﺗﺛﺑﺗﻬــﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻌﻠﻰ ﻗدر ﻣﺣﺑﺔ اﻟﻧﻔس ﻟﻠـﺻﻼة ﻳﻬﺑﻬـﺎ اﷲ ﻓـﺿﺎﺋﻝ ﻛﺛﻳـرة‪ ،‬ﺗﻧﻣـو وﺗزدﻫـر‬ ‫ﺑﺎزدﻳـ ــﺎد ﻋﻼﻗـ ــﺔ اﻹﻧـ ــﺳﺎن ﺑـ ــﺎﷲ ﻣـ ــن ﺧـ ــﻼﻝ اﻟـ ــﺻﻼة‪ .‬ﻓﺎﻟﻣـ ــﺻﻠﻰ ﻳﺗﻣﺗـ ــﻊ‬

‫‪-6-‬‬


‫ﺑﻔﺿﺎﺋﻝ ﻛﺛﻳرة دون أن ﻳﺷﻌر‪ ،‬ﻳﻧظرﻫﺎ ﻣن ﺣوﻟﻪ وﻳﻔرﺣون ﺑرؤﻳﺗﻬـﺎ ﻓﻳـﻪ‪،‬‬ ‫ﺑﻝ ﻳﺻﻳر ﺑرﻛﺔ ﻟﻛﻝ ﻣن ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ‪.‬‬

‫ﻓﻛﻝ ﻣﻣﺎرﺳﺔ روﺣﻳـﺔ ﺗـﺳﺎﻋد اﻹﻧـﺳﺎن ﻋﻠـﻰ اﻹرﺗﺑـﺎط ﺑـﺎﷲ وﺗﻧﻣـﻰ‬

‫ﻋﻼﻗﺗ ــﻪ ﺑ ــﻪ ﻫ ــﻰ طرﻳ ــق ﻟﻠ ــﺻﻼة‪ ،‬وﻓ ــﻰ اﻟﻧﻬﺎﻳ ــﺔ ﺗﻘودﻧ ــﺎ ﻗـ ـراءة اﻟﻛﺗـــﺎب‬ ‫اﻟﻣﻘــدس واﻟﻛﺗــب اﻟروﺣﻳــﺔ وﺣــﺿور اﻻﺟﺗﻣﺎﻋــﺎت اﻟروﺣﻳــﺔ وﻛــﻝ ﺧدﻣــﺔ‬

‫وﻋﻣﻝ رﺣﻣـﺔ إﻟـﻰ ﺻـﻼة ﻗوﻳـﺔ‪ ،‬إذ أن ﻫـذﻩ اﻟﻣﻣﺎرﺳـﺎت ﺗـﺻﺑﺢ ﺑـﻼ ﻗﻳﻣـﺔ‬ ‫ﺑدون ﺻﻼة‪.‬‬

‫)‪ (7‬السماء على األرض ‪:‬‬ ‫اﻟــﺻﻼة ﻫــﻰ ﺗﻘــدﻳس اﻟــزﻣن اﻟﺣﺎﺿــر؛ ﻟﻳــﺳﻣو وﻳﺗﻘــدس‪ ،‬ﻓﻳــﺻﻳر‬ ‫ﻣـن اﻟﻠﺣظـﺎت اﻷﺑدﻳــﺔ‪ .‬ﻓﻬـﻰ اﺳــﺗﻌداد ﻟﻠـﺳﻣﺎء‪ ،‬ﺑـﻝ ﺷــرﻛﺔ ﻣـﻊ اﻟــﺳﻣﺎﺋﻳﻳن‬ ‫وﺗﻣﺗﻊ ﺑﺎﻟﻣﻠﻛوت‪ ،‬اﻟذى ﻻ ﻳﻌﺑر ﻋﻧـﻪ وﺗﻌﻠـو ﻟذﺗـﻪ ﻓـوق ﻛـﻝ ﻟـذة أرﺿـﻳﺔ‪.‬‬ ‫وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻰ ﻓﺎﻟﺻﻼة ﻫﻰ ﺻداﻗﺔ ﻣﻊ اﷲ واﻟﻘدﻳﺳﻳن‪ ،‬ﻓﻬﻰ ﻋﺷرة اﻟﺳﻣﺎء‪.‬‬

‫‪-7-‬‬


‫الباب الثانى‬

‫فاعلية الصالة‬ ‫إن أﺛـ ــﺎر اﻟـ ــﺻﻼة ﻓـ ــﻰ اﻟـ ــﻧﻔس ﻣﺗﻌـ ــددة ﺟـ ــداً وﺑرﻛﺎﺗﻬـ ــﺎ ﻳـ ــﺻﻌب‬ ‫إﺣ ــﺻﺎﺋﻬﺎ وﻫ ــﻰ ﺗﻌﻣ ــﻝ ﻓ ــﻰ اﻹﻧ ــﺳﺎن؛ ﻟﻛ ــﻰ ﻣ ــﺎ ﺗﺟﻌﻠ ــﻪ إﺑﻧ ــﺎً ﺣﻘﻳﻘﻳ ــﺎً ﷲ‬

‫وﻣــﺳﺗﺣﻘﺎً ﻟﻣﻠﻛــوت اﻟــﺳﻣوات‪ .‬وﻧﻘــدم ﻟــك ﻓــﻰ اﻟﻔــﺻوﻝ اﻟﺗﺎﻟﻳــﺔ ﺑﻌــﺿﺎً ﻣــن‬ ‫ﻫذﻩ اﻟﺑرﻛﺎت‪ ،‬اﻟﺗﻰ ﻳﺗﻣﺗﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﻣﺻﻠﻰ‪.‬‬

‫‪-8-‬‬


‫الفصل األول ‪:‬‬

‫حماية من الخطية‬ ‫ﻟﻠﺧطﻳ ـ ــﺔ ﺑرﻳ ـ ــق ﺧط ـ ــف اﻷﺑ ـ ــﺻﺎر وﻟ ـ ــذة ﺗﻌﻣ ـ ــﻰ اﻟﻘﻠ ـ ــوب‪ ،‬ﺗ ـ ــدﻓﻊ‬ ‫اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻠﺳﻌﻰ ﻧﺣوﻫﺎ واﻟﺗﻌﻠق ﺑﻬﺎ‪ .‬وﻟﻛﻧﻪ ﻓـﻰ ﻛـﻝ ﻣـرة ﻳﺧطـﺊ اﻹﻧـﺳﺎن‬ ‫ﻳــﺷﻌر ﺑﻧــدم ﺷــدﻳد وﻓﻘــدان ﻟــﺳﻼﻣﻪ وﺳــرﻋﺎن ﻣــﺎ ﻳﻛﺗــﺷف أن ﻟــذة اﻟﺧطﻳــﺔ‬ ‫وﻗﺗﻳــﺔ‪ ،‬ﺗﺧﻠــف وراءﻫــﺎ ﻣــن اﻷﻟــم واﻟﻧــدم ﻣــﺎ ﻳﻔﻘــدﻫﺎ زﻫوﺗﻬــﺎ وﻟﻛــن اﻋﺗﻳــﺎد‬ ‫اﻟﺧطﻳﺔ وﺑﻌد اﻹﻧـﺳﺎن ﻋـن ﻳﻧﺑـوع ﺧﻼﺻـﻪ وﺳـر ﺷـﺑﻌﻪ اﻟﺣﻘﻳﻘـﻰ – وﻫـو‬ ‫اﷲ – ﻳﺟﻌﻠــﻪ ﻳ ـﺳﻘط ﻣ ـرات وﻣ ـرات وﺑﺗ ـواﻟﻰ ﺳــﻘوطﻪ ﻳــزداد اﺑﺗﻌــﺎدﻩ ﻋــن‬ ‫ﺧﺎﻟﻘــﻪ‪ ،‬ﻫﻧــﺎ ﻳﺣﺎرﺑــﻪ اﻟــﺷﻳطﺎن ﺑــﺄﺧطر ﺧطﻳــﺔ وﻫــﻰ اﻟﻳــﺄس‪ ،‬ﺣﺗــﻰ ﻳﺑﺗﻌــد‬ ‫ﻧﻬﺎﺋﻳــﺎً ﻋــن اﷲ وﻳظــﻝ ﺗﺣــت وطــﺄة اﻟﺧطﻳــﺔ‪ ،‬ﻳﻌــﺎﻧﻰ ﻣــن آﺛﺎرﻫــﺎ‪ .‬واﻟﺣــﻝ‬ ‫اﻟوﺣﻳ ــد اﻟ ــذى ﻳﻧﻘ ــذﻩ ﻣ ــن اﻟﺧطﻳ ــﺔ وﻳﺣﻣﻳـــﻪ ﻣﻧﻬ ــﺎ ﻫ ــو اﻟرﺟ ــوع إﻟـــﻰ اﷲ‬ ‫واﻟﺣدﻳث ﻣﻌﻪ ﻓﻰ اﻟﺻﻼة‪ .‬ﻓﻛﻳف ﺗﻛون اﻟﺻﻼة ﺣﻣﺎﻳﺔ ﻣن اﻟﺧطﻳﺔ ؟‬

‫‪ -1‬تكشف قبحھا ‪:‬‬ ‫اﻟﺻﻼة ﺗرﻓﻊ اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻠﺣدﻳث ﻣـﻊ اﷲ‪ ،‬ﻓﺗﺗﻧﻘـﻰ ﻣـﺷﺎﻋرﻩ وﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻰ‬

‫ﻳﺑدأ ﺑﺎﻛﺗﺷﺎف ﺧطﺄ اﻟﺧطﻳﺔ‪ ،‬وﺗﺗﺣـرك ﻣـﺷﺎﻋر اﻟﻧـدم داﺧﻠـﻪ‪ ،‬ﻓﻳﻘـدم ﺗوﺑـﺔ‬ ‫ﻓﻰ اﻟﺻﻼة وﻳطﻠب ﻏﻔران اﷲ‪.‬‬

‫‪-9-‬‬


‫‪ -2‬لذة تبطل لذتھا ‪:‬‬ ‫وﺑﺎﺳﺗﻣرار اﻟﺻﻼة ﻳﺗدرج ارﺗﻔﺎع اﻟﻧﻔس ﻋن ﻛﻝ ﺷر‪ٕ ،‬واذ ﺗﺗـذوق‬

‫ﺣﻼوة اﷲ ﺗﺷﻌر ﺑﻠذة ﺟدﻳدة‪ ،‬ﺗﺧﺗﻠف ﺗﻣﺎﻣﺎً ﻋن ﻟذة اﻟﺧطﻳـﺔ‪ ،‬ﺑـﻝ ﺗـﺷﻌر‬ ‫ﺑــدﻧﺎءة ﻟــذة اﻟﺧطﻳــﺔ‪ ،‬إن ﻗﻳــﺳت ﺑﺎﻟﻠــذة اﻟروﺣﻳــﺔ ﻓــﻰ ﻋــﺷرة اﷲ؛ ﻓﻳ ــزداد‬ ‫ﺿﻳق اﻹﻧﺳﺎن ﻣن ﺧطﻳﺗﻪ وﻳﺗﺑﺎﻋد ﻋن ﻣـﺻﺎدرﻫﺎ وﻳﺣـﺎوﻝ أن ﻳﻘﺎوﻣﻬـﺎ؛‬ ‫ﻟﻳﺣﺗﻔظ ﺑﻣﻛﺎﻧﻪ اﻟطﺎﻫر ﻓﻰ اﻟﺻﻼة‪.‬‬

‫‪ -3‬سلطان عليھا ‪:‬‬ ‫وﺑﺎﺳﺗﻣرار اﻟﺻﻼة ﺗﺗﻘوى اﻟﻧﻔس ﺑﻌﻼﻗﺗﻬﺎ ﺑـﺎﷲ وﺗـﺷﻌر ﺑـﺳﻠطﺎﻧﻬﺎ‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﺧطﻳﺔ وﻋﻠﻰ إﺑﻠﻳس ﻣﺻدرﻫﺎ وأﻧﻬـﺎ ﻗـﺎدرة ﺑـﺎﷲ أن ﺗـدوس اﻟﺣﻳـﺎت‬ ‫واﻟﻌﻘــﺎرب وﻛــﻝ ﻗــوة اﻟﻌــدو‪ ،‬ﻓﻳﻧﻣــو إﻳﻣﺎﻧﻬــﺎ ﺑــﺎﷲ وﺗﺗﻘــدم أﻣﺎﻣــﻪ ﻓــﻰ دﻣــوع‬ ‫اﻟﺻﻼة وﻣطﺎﻧﻳﺎت ﻛﺛﻳرة‪ ،‬طﺎﻟﺑﺔ ﻣن اﷲ أن ﻳرﻓﻊ ﻋﻧﻬﺎ ﺳﻳطرة اﻟﺧطﻳـﺔ‪،‬‬ ‫ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻣﺳﺗﻣرة ﻟزﻣﺎن طوﻳﻝ وﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺻﻌﺑﺔ وﻣﺧزﻳﺔ‪ ،‬ﺛم ﺗﻘـوم‬ ‫ﻣــن اﻟــﺻﻼة ﺑﻣــﺷﺎﻋر ﻫﺎدﺋــﺔ ﻣطﻣﺋﻧــﺔ‪ ،‬واﺛﻘــﺔ ﻣــن ﺳــﻠطﺎﻧﻬﺎ ﻋﻠــﻰ رﻓــض‬ ‫اﻟﺧطﻳﺔ واﻟﺑدء اﻟﺟدﻳد‪.‬‬

‫‪-10-‬‬


‫‪ -4‬تطفئ بريقھا ‪:‬‬ ‫وﻫﻛذا ﺗرﻓﻊ اﻟﺻﻼة اﻹﻧﺳﺎن ﻋن ﺷﻬواﺗﻪ اﻟﺷرﻳرة وﻳﻛرﻩ اﻟﺧطﻳـﺔ‪،‬‬ ‫إذ ﻳــﺷﻌر ﺑــﺷﻧﺎﻋﺗﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬــﺎ ﻓــﺻﻠﺗﻪ ﻋــن اﷲ ﻣــدة طوﻳﻠــﺔ وأﻓﻘدﺗــﻪ ﺗﻌزﻳــﺎت‬ ‫اﻟـﺳﻣﺎء‪ .‬وﻋﻠــﻰ ﻗـدر ﺗﻣــﺳﻛﻪ ﺑﺎﻟـﺻﻼة ﻳــزداد ﺗﻧـﺎﻓرﻩ ﻣــﻊ اﻟﺧطﻳـﺔ‪ ،‬ﻓﻳﺗﺑﺎﻋــد‬ ‫ﻳﺟﻳﺎ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻻ ﺗﻌود ﺗﺛﻳرﻩ وﻳﻧطﻔﺊ ﺑرﻳﻘﻬﺎ اﻟذى ﻛـﺎن ﻳﻠﻬـب ﻗﻠﺑـﻪ‬ ‫ﻋﻧﻬﺎ ﺗدر ً‬ ‫ﻗدﻳﻣﺎ؛ ﻷن اﻟﻘﻠب ﻗد اﺳﺗﻘر ﻓﻰ اﷲ ﺑﺎﻟﺻﻼة وﺑدأ ﻳﺗﻌود ﺣﻼوة ﻋﺷرﺗﻪ‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪ -5‬وقاية وحصانة ‪:‬‬ ‫وﻓـﻰ اﻟﻧﻬﺎﻳـﺔ ﻳﺟـد اﻟﻣـﺻﻠﻰ أن اﻟـﺻﻼة أﺻـﺑﺣت ﺣـﺎﺟ اًز واﻗﻳـﺎً ﻟــﻪ‬ ‫ﻣن اﻟﺧطﻳـﺔ‪ ،‬إذ أﺑﻌـدت ﻗﻠﺑـﻪ ﻋـن ﻣﺣﺑﺗﻬـﺎ ورﺑطﺗـﻪ ﺑﻣﺣﺑـﺔ اﷲ وأﺻـﺑﺣت‬ ‫طﻣوﺣﺎﺗﻪ ﻫﻰ ﻓﻰ ﻣﻌرﻓﺔ اﷲ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﻳزﻳد ﺣرﺻﻪ ﻛﻝ ﻳوم‪ ،‬ﻓﻳدﻗق ﻟﻳـرﻓض‬ ‫ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻳــؤدى ﺑــﻪ إﻟــﻰ اﻟﺧطﻳــﺔ‪ ،‬وﺗــﺻﻳر اﻟــﺻﻼة ﺣﻣﺎﻳــﺔ داﺋﻣــﺔ ﻟــﻪ ﻣــن‬ ‫اﻟﺧطﻳﺔ‪.‬‬

‫‪ -6‬بشارة ورجاء ‪:‬‬ ‫ﺛــم ﻳﺑــدأ اﻟﻣــﺻﻠﻰ اﻟــذى ﺗــذوق ﺣــﻼوة اﻟــﺻﻼة ‪ -‬اﻟﺗــﻰ أﻧﻘذﺗــﻪ ﻣــن‬

‫اﻟﺧطﻳــﺔ وﺗﺣﻣﻳــﻪ ﻛــﻝ ﻳــوم ﻋﻠــﻰ ﻗــدر ﺗﻣــﺳﻛﻪ ﺑﻬــﺎ – أن ﻳﺑــﺷر اﻵﺧ ـرﻳن‬ ‫ﺑﺣﻼوة اﻟـﺻﻼة‪ .‬وﻳﻧﻘـﻝ اﻟرﺟـﺎء ﻟﻛـﻝ اﻟﺑﺎﺋـﺳﻳن اﻟـﺳﺎﻗطﻳن ﺗﺣـت اﻟﺧطﻳـﺔ‪،‬‬

‫‪-11-‬‬


‫ﻓﻳ ــﺷﺟﻌﻬم ﻟﻳﺟﺎﻫ ــدوا ﻣﻌ ــﻪ ﻓ ــﻰ اﻟ ــﺻﻼة‪ ،‬ﻓﻳ ــذوﻗوا ﻫ ــم أﻳ ــﺿﺎً اﻟﻧﺟ ــﺎة ﻣ ــن‬ ‫اﻟﺧطﻳﺔ اﻟﻣﺳﻳطرة وﻳﺗﻣﺗﻌوا ﺑﻌﺷرة اﷲ اﻟﻣﺧﻠص اﻟﻔﺎدى‪.‬‬

‫‪ -7‬تدقيق وتوبة ‪:‬‬ ‫ﻟﻛــن ﺗــذوق اﻟﻣــﺻﻠﻰ ﻟﺣﻳــﺎة اﻟطﻬــﺎرة واﻟﻧﻘــﺎوة وﺗﺑﺎﻋــدﻩ اﻟﺗــدرﻳﺟﻰ‬

‫ﻋن اﻟﺧطﻳﺔ‪ ،‬ﻻ ﻳﺟﻌﻠـﻪ ﻳﺗﻬـﺎون ﻣـﻊ اﻟﺧطﻳـﺔ‪ ،‬ﺑـﻝ ﻳـزداد ﺗﻣـﺳﻛﺎً ﺑﺎﻟـﺻﻼة‬ ‫وﺣرﺻﺎً أﻛﺛر ﻣن ذى ﻗﺑﻝ ﻣن أن ﻳـﺳﻘط ﻓﻳﻬـﺎ‪ٕ .‬وان ﺳـﻘط ﻧﺗﻳﺟـﺔ ﺿـﻌﻔﻪ‬ ‫ﻻ ﻳﻧـزﻋﺞ؛ ﻷﻧـﻪ ﻋـرف اﻟطرﻳــق إﻟـﻰ اﻟـﺻﻼة‪ ،‬ﻓﻳــﺳرع ﻣﻘـدﻣﺎً ﺗوﺑـﺔ ﺑــدﻣوع‬ ‫أﻛﺛــر ﻣﻣ ــﺎ ﻛــﺎن ﻓ ــﻰ ﺣﻳﺎﺗ ــﻪ اﻟــﺳﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬واﺛﻘ ــﺎً ﻣ ــن رﺣﻣــﺔ اﷲ‪ ،‬ﻣﻣ ــﺎ ﻳدﻓﻌ ــﻪ‬ ‫ﻟﻠﺗﻘدم ﻓﻰ ﺣﻳﺎة اﻟﺑر وأﻋﻣﺎﻝ اﻟﺧﻳر واﻟرﺣﻣﺔ‪.‬‬

‫‪ -8‬أشواق المخدع ‪:‬‬ ‫وﻓﻰ ﺻراع اﻟﺻﻼة اﻟﺗﺎﺋﺑﺔ‪ ،‬ﻳردد اﻟﻣﺻﻠﻰ ﻣزاﻣﻳرﻩ وﻛﻝ ﺻـﻠوات‬

‫اﻷﺟﺑﻳــﺔ وﻳﺗﻌﻠــق ﺑﺎﻟﺗــﺳﺑﺣﺔ وﻳــﺳﻛب ﻧﻔــﺳﻪ ﻓــﻰ ﺻــﻠوات ارﺗﺟﺎﻟﻳــﺔ ﻛﺛﻳ ـرة‪.‬‬ ‫ٕواذ ﻳﻌﺑر ﻋن ﺗوﺑﺗﻪ ﺑﺄﺷﻛﺎﻝ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬ﺗزداد ﻣراﺣم اﷲ ﻋﻠﻳﻪ؛ ﻓﻳرﻓﻌـﻪ ﻣـن‬ ‫ﻛ ــﻝ ﺳ ــﻘطﺔ‪ ،‬ﺑ ــﻝ ﺗﺗﺣ ــوﻝ اﻟ ــﺳﻘطﺔ إﻟ ــﻰ ارﺗﻔ ــﺎع ﺟدﻳ ــد ﻓ ــﻰ ﺳ ــﻠم اﻟﺣﻳ ــﺎة‬ ‫اﻟروﺣﻳﺔ؛ ﻟﻳﺧﺗﺑر أﻣو اًر ﻻ ﻳﻌﺑر ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻰ ﻣﺣﺑﺔ اﷲ‪.‬‬

‫‪-12-‬‬


‫‪ -9‬القداس واالتحاد بالمسيح ‪:‬‬ ‫وﻓﻰ طرﻳـق اﻟﻧﻣـو اﻟروﺣـﻰ ﻳﺗﻣـﺳك اﻟﻣـﺻﻠﻰ ﻟـﻳس ﻓﻘـط ﺑـﺻﻠوات‬

‫اﻟﻣﺧدع – ﺣﻳث ﻳﺑﻛـﻰ ﺑﺣرﻳـﺔ أﻣـﺎم اﷲ – ﺑـﻝ أﻳـﺿﺎً ﻳﺗﻌﻠـق ﺑﺎﻟﻣـذﺑﺢ ﻓـﻰ‬ ‫اﻟﻘداس اﻹﻟﻬﻰ؛ ﻟﻳﺗﻧﺎوﻝ ﺟﺳد اﻟرب ودﻣﻪ‪ ،‬ﻓﻳﺗﻘوى وﻳﺟﺎﻫد‪ ،‬ﺑﻝ وﺗـﺻﺑﺢ‬ ‫اﻟﻘداﺳﺎت أﺳﻣﻰ ﻟﺣظﺎت ﺣﻳﺎﺗﻪ‪.‬‬

‫‪ -10‬مساندة القديسين ‪:‬‬ ‫وﺑﺎزدﻳﺎد ازدﻳﺎد ﺻـداﻗﺗﻪ ﻣـﻊ اﻟﻘدﻳـﺳﻳن‪ ،‬ﻓﻬـم ﻳـﺷﺟﻌوﻧﻪ ﺑـﺻﻠواﺗﻬم‬

‫وأﺣﻳﺎﻧﺎً ﻳﻧﺑﻬوﻧﻪ إن ﺗﻬﺎون‪ ،‬ﺑطـرق ﻣﺗﻧوﻋـﺔ ﻻ ﻳـﺷﻌر ﺑﻬـﺎ ﺳـواﻩ‪ ،‬ﻓﻳﺗـﺷﺟﻊ‬ ‫أﻧــﻪ ﻗــد دﺧــﻝ ﻓــﻰ ﺟــﻳش اﻟﺧــﻼص‪ ،‬ﻳﻌــﺿدﻩ اﻟــذﻳن ﺳــﺑﻘوﻩ ﻣــن اﻟﻘدﻳــﺳﻳن‪،‬‬ ‫ﻓﻳﺳرع ﺑﺧطﻰ ﻗوﻳﺔ ﻓﻰ ﺣﻳﺎة اﻟﺗوﺑﺔ‪.‬‬

‫‪-13-‬‬


‫الفصل الثانى‬

‫شــبـع وفــرح‬ ‫إن اﻟـ ــﺷﺑﻊ اﻟﻣـ ــﺎدى ﻻ ﻳﻠﺑـ ــث أن ﻳـ ــزوﻝ وﻳﺧﻠـ ــف وراءﻩ اﺣـ ــﺳﺎﺳﺎً‬ ‫ﺑــﺎﻟﺟوع واﻟﺣرﻣــﺎن‪ ،‬ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎﻝ رب اﻟﻣﺟــد ﻟﻠــﺳﺎﻣرﻳﺔ "ﻛــﻝ ﻣــن ﻳــﺷرب ﻣــن‬

‫ﻫــذا اﻟﻣــﺎء ﻳﻌطــش أﻳــﺿﺎً وﻟﻛــن ﻣــن ﻳــﺷرب ﻣــن اﻟﻣــﺎء اﻟــذى أﻋطﻳــﻪ أﻧــﺎ‬ ‫ﻓﻠــن ﻳﻌطــش إﻟــﻰ اﻷﺑــد" )ﻳــو‪ .(14 ،13 :4‬أﻣــﺎ اﻟــﺷﺑﻊ اﻟروﺣــﻰ ﻓﻳﻌطــﻰ‬

‫اﺳــﺗﻘ ار اًر ﻟﻠــﻧﻔس وﻳﻛﻔﻳﻬــﺎ ﻋــن ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻓــﻰ اﻟﻌــﺎﻟم‪ .‬وﻟﻛــن ﻓــﻰ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت‬

‫ﻳوﻟ ـ ــد داﺧﻠﻬ ـ ــﺎ أﺷـ ـ ـواﻗﺎً ﻣﺗ ازﻳ ـ ــدة ﻧﺣ ـ ــو اﷲ‪ ،‬دون اﺿ ـ ــطراب أو إﺣ ـ ــﺳﺎس‬ ‫ﺑﺎﻟﺣرﻣ ــﺎن‪ ،‬ﺑ ــﻝ ﻧﻣـ ـواً ﻫﺎدﺋ ــﺎً ﻣﻔرﺣـــﺎً ﻟﻠـ ــﻧﻔس‪ .‬ﻫ ــذا ﻫ ــو ﻣـــﺎ ﺗـــدﺧﻠﻧﺎ إﻟﻳـ ــﻪ‬

‫اﻟﺻﻼة‪ .‬ﻓﻣﺎ ﻫو ﺗﺄﺛﻳرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻔس ؟‬

‫)‪ (1‬تمنحھا السالم ‪:‬‬ ‫ﺑﻌــد أن ﺗــﺗﺧﻠص اﻟــﻧﻔس ﻣــن ﺧطﺎﻳﺎﻫــﺎ ﺑﺎﻟﺗوﺑــﺔ وﺗﺑــدأ ﻓــﻰ اﻟــﺷﻌور‬

‫ﺑﺎﻻﺳﺗﻘرار‪ ،‬ﺗﺗﻘـدم أﻳـﺿﺎً ﻓـﻰ ﺻـﻼة؛ ﻟﺗﻠﻘـﻰ ﻛـﻝ ﻣﺗﺎﻋﺑﻬـﺎ وﻣـﺷﺎﻛﻠﻬﺎ أﻣـﺎم‬ ‫اﷲ اﻟﺣﻧون‪ ،‬واﺛﻘﺔ ﻣن ﻗدرﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻳزداد ﻫدوءﻫﺎ‪ ،‬وﺗﺗﻣﺗـﻊ ﺑـﺳﻼم‬ ‫ﻻ ﻳﻌﺑ ــر ﻋﻧ ــﻪ‪ ،‬ﻳ ــدﻓﻌﻬﺎ داﺋﻣ ــﺎً إﻟ ــﻰ اﻟﻠﺟ ــوء ﻟﻠ ــﺻﻼة ﻣـ ـرات ﻛﺛﻳـ ـرة‪ ،‬ﻛﻠﻣ ــﺎ‬ ‫ﺳـ ــﻘطت ﻓـ ــﻰ اﻟﺧطﻳـ ــﺔ‪ ،‬أو ﺗﻌرﺿـ ــت ﻟﻣـ ــﺷﺎﻛﻝ‪ ،‬أو اﺳـ ــﺗﻣرت اﻟـ ــﺿﻳﻘﺎت‬

‫‪-14-‬‬


‫ﺣوﻟﻬـ ــﺎ‪ ،‬ﻓﺗـ ــﺳﺗﻌﻳد راﺣﺗﻬـ ــﺎ‪ .‬وﻫﻛـ ــذا ﺗـ ــﺻﻳر اﻟـ ــﺻﻼة اﻟﻣـ ــﺻدر اﻟرﺋﻳـ ــﺳﻰ‬

‫ﻟﻠﺣــﺻوﻝ ﻋﻠــﻰ اﻟــﺳﻼم اﻟــداﺧﻠﻰ واﻟﻘﺎﻋــدة اﻟﺗــﻰ ﻳرﺗﻛــز ﻋﻠﻳﻬــﺎ ﻛــﻝ ﻧﻣــو‬ ‫روﺣﻰ وﻛﻝ ﺷﺑﻊ داﺧﻠﻰ‪.‬‬

‫)‪ (2‬تعيدھا إلى طبيعتھا ‪:‬‬ ‫إذ ﺗﺗﺣــرر اﻟــﻧﻔس ‪ -‬ﺑﺎﻟــﺻﻼة ‪ -‬ﻣــن أﺛﻘﺎﻟﻬــﺎ‪ ،‬ﺳـواء اﻟﺧطﺎﻳــﺎ‪ ،‬أو‬

‫اﻟﻣــﺷﺎﻛﻝ‪ ،‬ﺗــﺳﺗطﻳﻊ أن ﺗــﺳﺗﻌﻳد طﺑﻳﻌﺗﻬــﺎ ﻓــﻰ ﻋﻼﻗﺗﻬــﺎ ﻣــﻊ اﷲ‪ ،‬ﻓﺗﻧطﻠــق‬

‫ﻟﻠﺣــدﻳث ﻣﻌــﻪ؛ ﻟﺗــﺷﻌر ﺑﻣــﺷﺎﻋر ﻧﻘﻳــﺔ‪ ،‬أﺳــﻣﻰ ﻣــن اﻟﻣــﺷﺎﻋر اﻷرﺿــﻳﺔ‪،‬‬ ‫ﻓﺗﻔ ــرح اﻟ ــﻧﻔس ﺑﻠﻘ ــﺎء ﺣﺑﻳﺑﻬ ــﺎ‪ ،‬اﻟ ــذى ﻳﻘﺑﻠﻬ ــﺎ رﻏ ــم ﺿ ــﻌﻔﻬﺎ وﻳﻣ ــﺳﺢ ﻋﻧﻬ ــﺎ‬

‫ﺧطﺎﻳﺎﻫــﺎ وﻳــﺳﻧدﻫﺎ ﻓــﻰ أوﺟﺎﻋﻬــﺎ‪ ،‬ﻓﺗطﻣــﺋن‪ ،‬ﺑــﻝ وﺗﺗﻠــذذ ﺑﻣــﺳﺎﻧدﺗﻪ وﺗﺑــدأ‬

‫أوﻟﻰ درﺟﺎت اﻟﺷﺑﻊ اﻟروﺣﻰ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼﻝ ﻋودة اﻟﺣدﻳث ﻣﻊ اﷲ‪.‬‬

‫)‪ (3‬تجردھا وتضبطھا ‪:‬‬ ‫ﻋﻧدﻣﺎ ﺗـذوق اﻟـﻧﻔس اﻟﻣﺎدﻳـﺎت – ﻛﻌطﻳـﺔ ﻣـن اﷲ – وﺗـرى ﺟﻣـﺎﻝ‬

‫اﻟﻌــﺎﻟم ﻣــن ﺧﻼﻟــﻪ‪ ،‬ﻻ ﺗﻌــود ﺗﻧﺟــذب ﺑــﺷﻬوات اﻟﻌــﺎﻟم اﻟــﺷرﻳرة‪ ،‬أو ﺑﺑرﻳــق‬ ‫ﻣﺑﺎﻫﺟــﻪ‪ ،‬ﻓﺗــﺷﻌر أن ﻛــﻝ اﻟﻣﺎدﻳــﺎت زاﺋﻠــﺔ‪ ،‬ﺑــﻝ ﻻ ﺗﺣﺑﻬــﺎ؛ ﻷﻧﻬــﺎ ﺗﻌطﻠﻬــﺎ‬

‫ﻋــن اﷲ‪ ،‬ﺣﺗــﻰ ﺗــﺻﻝ إﻟــﻰ إدراك ﻛﻠﻣــﺎت اﻟﻛﺗــﺎب اﻟﻣﻘــدس "ﻣﺣﺑــﺔ اﻟﻌــﺎﻟم‬

‫ﻋ ــداوة ﷲ" )ﻳ ــﻊ‪ .(4 :4‬وﻫ ــذا ﻳ ــدﻓﻊ اﻟ ــﻧﻔس إﻟ ــﻰ اﻟﺗﻧ ــﺎزﻝ اﻟﺗ ــدرﻳﺟﻰ ﻋ ــن‬

‫‪-15-‬‬


‫اﻟﻣﺎدﻳﺎت ﺑﺎﻟﺻوم وﻛﻝ ﺗدارﻳب اﻟﺗﺟرد‪ ،‬ﻓﺗﺳﺗﺧدم ﻛﻝ ﺷﺊ ﺑﻣﻘدار وﺗﻔرح‬

‫ﺑﻬ ـ ــذا؛ ﻷﻧ ـ ــﻪ ﻳﻔ ـ ــﺳﺢ اﻟطرﻳ ـ ــق ﻟﻬ ـ ــﺎ‪ ،‬ﻟﺗﺗﻣﺗــ ــﻊ ﺑﺎﻟ ـ ــﺻﻼة‪ .‬وﻛﻠﻣــ ــﺎ ازدادت‬

‫اﻟــﺻﻠوات ﺗرﺗﻔــﻊ ﻋــن اﻟﻣﺎدﻳــﺎت‪ ،‬ﻓﺗﻘﺑــﻝ ﻛــﻝ ﺷــﺊ ﺑــﺷﻛر وﻻ ﺗﻧــزﻋﺞ ﻣــن‬ ‫ﻧﻘص أى ﺷﺊ ﻣﻧﻬﺎ‪ .‬وﻋﻧدﻣﺎ ﺗﻔﻌﻝ ﻫذا ﻳزداد اﻧطﻼﻗﻬﺎ ﻓﻰ اﻟـﺻﻼة‪ ،‬أى‬

‫أن اﻟﺗﺟرد ﻳﻧﻣﻰ اﻟﺻﻼة وﻫﻰ ﺑدورﻫﺎ ﺗﺣﻔر ﻓﻰ اﻟﻧﻔس روح اﻟﺗﺟرد‪.‬‬

‫)‪ (4‬تقبل الماديات بروحانية ‪:‬‬ ‫ﺑﻌدﻣﺎ ﺗﻧﺿﺑط اﻟﻧﻔس ﻓﻰ اﺳﺗﺧداﻣﻬﺎ ﻟﻠﻣﺎدﻳﺎت‪ ،‬ﺗرﺗﻔـﻊ إﻟـﻰ درﺟـﺔ‬ ‫أﻋﻠــﻰ ﺑﺎﻟــﺻﻼة‪ ،‬ﻓﺗــرى أن ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﺗــﺳﺗﺧدﻣﻪ ﻣــن اﻟﻣﺎدﻳــﺎت ﻫــو ﻋطﻳــﺔ‬ ‫ـدا؛ ﻷﻧﻬــﺎ‬ ‫إﻟﻬﻳــﺔ وﺗــﺻﺑﺢ ﻟﻠﻣﺎدﻳــﺎت – ﻣﻬﻣــﺎ ﻛﺎﻧــت زﻫﻳــدة –ﻗﻳﻣــﺔ ﻛﺑﻳـرة ﺟـ ً‬

‫ﻧﻌﻣــﺔ ﻣــن اﷲ‪ ،‬ﻓﺗﺄﻛــﻝ وﺗــﺷﻛر اﷲ وﺗــﺳﺗﺧدم ﻛــﻝ ﺷــﺊ ﻣــﺎدى ﺑﻔــرح‪ ،‬ﻷﻧــﻪ‬

‫ﻣ ــن ﻳ ــد اﷲ‪ .‬ﺣﻳﻧﺋ ــذ ﺗﻌﺗ ــﺎد اﻟ ــﻧﻔس أن ﺗﺣﻛ ــﻰ ﷲ ﻛ ــﻝ ﻣ ــﺎ ﻳﻣ ــر ﺑﻬ ــﺎ ﻓ ــﻰ‬ ‫ﻳوﻣﻬـ ــﺎ؛ ﻟﺗـ ــﺷرﻛﻪ ﻓـ ــﻰ ﺣﻳﺎﺗﻬـ ــﺎ وﺗطﻠـ ــب ﺗدﺧﻠـ ــﻪ وﺗﺗﻣﻧـ ــﻰ أن ﻳﺗﺧﻠـ ــﻝ ﻛـ ــﻝ‬ ‫أﻋﻣﺎﻟﻬــﺎ وﻛﻼﻣﻬــﺎ وأﻓﻛﺎرﻫــﺎ‪ ،‬ﻓﻳﺗــﺿﺢ ﻫــدﻓﻬﺎ ﻣــن ﺣﻳﺎﺗﻬــﺎ‪ ،‬أى ﻳــﺻﺑﺢ اﷲ‬ ‫ﻫدف ﻛﻝ ﺷـﺊ وﺑواﺳـطﺗﻪ ﺗﻧـﺎﻝ اﻟﻘـوة ﻋﻠـﻰ أداء ﻛـﻝ ﺷـﺊ‪ ،‬ﺑـﻝ أﻛﺛـر ﻣـن‬ ‫ﻫذا ﺗﻌﻣﻝ ﻛﻝ ﺷﺊ ﻓﻳﻪ‪ ،‬ﻓﻳﺻﻳر اﷲ ﻫو ﻛﻝ ﺣﻳﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬وﻣن ﺧﻼﻟﻪ ﺗﻌـﻳش‬ ‫ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎﻝ ﺑــوﻟس اﻟرﺳــوﻝ "ﻟــﻰ اﻟﺣﻳــﺎة ﻫــﻰ اﻟﻣــﺳﻳﺢ" )ﻓــﻰ‪ .(21 :1‬وﻫﻛــذا‬

‫‪-16-‬‬


‫ﺑﺎﻟــﺻﻼة ﻳــﺻﺑﺢ ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻓــﻰ اﻟــﻧﻔس روﺣﺎﻧﻳــﺎً وﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻳﻧــﺗﺞ ﻋﻧﻬــﺎ ﻓــﻰ‬

‫ﺗﻌﺎﻣﻼﺗﻬــﺎ ﻣــﻊ اﻵﺧ ـرﻳن ﻣﺣوطــﺎً ﺑﻌﻣــﻝ اﻟــروح اﻟﻘــدس‪ ،‬ﻓــﻼ ﻳــرى اﻟﻧــﺎس‬

‫إﻻﺻـورة اﷲ ﻣﻧطﺑﻌـﺔ ﻋﻠــﻰ ﻫـذا اﻹﻧـﺳﺎن اﻟﻣــﺻﻠﻰ‪ ،‬أى ﻳـﺻﺑﺢ اﻹﻧــﺳﺎن‬ ‫ﻛﻠﻪ روﺣﺎﻧﻳﺎً‪.‬‬

‫)‪ (5‬تطلب خالصھا ‪:‬‬ ‫ﺗﻧﺷﻐﻝ اﻟﻧﻔس ﺑﺣﺑﻳﺑﻬـﺎ اﻟﻣـﺳﻳﺢ وﺗﺗﻠـذذ ﺑﺎﻟﺣـدﻳث ﻣﻌـﻪ‪ ،‬أﺣﻠـﻰ ﻣـن‬ ‫ﻛ ــﻝ أﺣﺎدﻳﺛﻬ ــﺎ اﻟﻌﺎﻟﻣﻳ ــﺔ وﺑﺗﻛـ ـرار اﻟ ــﺻﻼة ﺗﻧطﺑ ــﻊ ﺻ ــورة اﻟﻣ ــﺳﻳﺢ ﻓﻳﻬ ــﺎ؛‬ ‫ﻓﻳــزداد اﺷــﺗﻳﺎﻗﻬﺎ إﻟﻳــﻪ وﺗــﺳﻌﻰ ‪ -‬رﻏــم ﻣﺣــدودﻳﺗﻬﺎ ‪ -‬إﻟــﻰ ﺣﺑﻳﺑﻬــﺎ ﻏﻳــر‬ ‫اﻟﻣﺣدود‪ ،‬ﻓﺗﺗﻘدم ﻓﻰ طرﻳـق ﻣﻌرﻓﺗـﻪ وﺗـدﺧﻝ إﻟـﻰ أﻋﻣﺎﻗـﻪ‪ ،‬ﻣﻧﻘـﺎدة ﺑروﺣـﻪ‬ ‫اﻟﻘـ ــدوس اﻟـ ــﺳﺎﻛن ﻓﻳﻬـ ــﺎ؛ ﻓﺗـ ــﺷﺑﻊ وﺗﺧﺗﺑـ ــر أﻣـ ــو اًر ﻻ ﻳﻌﺑـ ــر ﻋﻧﻬـ ــﺎ "اﻟـ ــروح‬ ‫ﻳﻔﺣ ــص ﻛ ــﻝ ﺷ ــﺊ ﺣﺗ ــﻰ أﻋﻣ ــﺎق اﷲ" )‪1‬ﻛ ــو‪ .(10 :2‬وﻓﻳﻣ ــﺎ ﻫ ــﻰ ﺗﻧﻣ ــو‬

‫وﺗــﺷﺑﻊ‪ ،‬ﻳﺗــﺳﺎﻗط ﻋﻧﻬــﺎ ﻣــﺎ ﺑﻘــﻰ ﻣــن اﻫﺗﻣﺎﻣــﺎت أرﺿــﻳﺔ؛ ﻟﻳــزداد اﻣﺗﻼؤﻫــﺎ‬ ‫ﺑ ــﺎﷲ‪ ،‬ﻓﺗﺗﻌﻠ ــق ﺑﺎﻟ ــﺻﻼة؛ ﻷﻧﻬ ــﺎ ﺣﻳﺎﺗﻬ ــﺎ وﺧﻼﺻ ــﻬﺎ وﻫﻛ ــذا ﺗ ــﺳرع ﻧﺣ ــو‬ ‫اﻷﺑدﻳﺔ ﺑﺧطﻰ واﺳﻌﺔ‪.‬‬

‫‪-17-‬‬


‫)‪ (6‬تسبح وتمجد ‪:‬‬ ‫ﺑﺗﻌﻣــق اﻟــﻧﻔس ﻓــﻰ ﻣﻌرﻓــﺔ اﷲ ﻳﻧﻛــﺷف أﻣﺎﻣﻬــﺎ ﺟﻣﺎﻟــﻪ؛ ﻓﻳــﺳﺑﻳﻬﺎ‬

‫وﻳرﻓﻌﻬــﺎ إﻟ ــﻰ ﺗــﺳﺑﻳﺢ اﺳ ــﻣﻪ اﻟﻘ ــدوس‪ ،‬ﻣﻧﺑﻬــرة ﺑﺣﺑ ــﻪ؛ ﻓﺗﺗﻌﻠــق ﺑ ــﻪ وﺗ ــردد‬ ‫اﺳــﻣﻪ ﺑﻔــرح‪ ،‬وﻓــﻰ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت ﺗــﺷﻌر ﺑﻌظﻣﺗــﻪ وﻣﻬﺎﺑﺗــﻪ؛ ﻓﺗﺧــﺷﻊ أﻣﺎﻣــﻪ‬ ‫ﺑﺎﺗــﺿﺎع‪ .‬وﻳﻣﺗــزج ﺷــﻌور داﻟــﺔ اﻟﺑﻧــوة ﻣــﻊ اﻟﺧــﺷوع أﻣــﺎم ﻋظﻣﺗــﻪ وﻳﺧــرج‬

‫اﻟــﺷﻌوران ﻓــﻰ ﺗــﺳﺑﻳﺢ وﺗﻣﺟﻳــد‪ ،‬ﻳرﺗﻔــﻊ إﻟــﻰ اﻟــﺳﻣﺎء وﻳﺧﺗــرق اﻟــﺻﻔوف؛‬

‫ﻟﻳﺟد ﻣﻛﺎن ﺑﻳن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ‪ ،‬ﻓﺗﻔرح اﻟﻧﻔس ﺑﻠﻘﻳـﺎ اﷲ‪ ،‬وﻫـذا ﻫـو ﻗﻣـﺔ اﻟـﺷﺑﻊ‪،‬‬

‫اﻟ ــذى إذ ﺗذوﻗ ــﻪ اﻟ ــﻧﻔس ﻻ ﺗرﻳ ــد أن ﺗﻧ ــزﻝ إﻟ ــﻰ اﻷرض‪ ،‬ﺑﻌ ــدﻣﺎ اﺧﺗﺑ ــرت‬

‫ﺣـ ــﻼوة اﻟـ ــﺳﻣﺎء‪ٕ .‬واذا ﻧزﻟـ ــت إﻟـ ــﻰ أﻋﻣـ ــﺎﻝ اﻷرض ﺑـ ــﺳﺑب وﺟودﻫـ ــﺎ ﻓـ ــﻰ‬ ‫اﻟﺟــﺳد‪ ،‬ﻻ ﺗــﺳﺗطﻳﻊ أن ﺗﺗوﻗــف ﻋـن ﺗــﺳﺑﻳﺢ اﷲ وﻟــو ﺑﻛﻠﻣــﺎت ﻗﻠﻳﻠــﺔ أﺛﻧــﺎء‬ ‫ﻳوﻣﻬــﺎ؛ ﻷن اﻟﺗــﺳﺑﻳﺢ أﺻــﺑﺢ ﻏــذاؤﻫﺎ وﺗــﺷﺗﺎق إﻟــﻰ اﻟﻠﻳــﻝ؛ ﻟﺗﻧﻔــرد ﺑﺣﺑﻳﺑﻬــﺎ‬

‫اﻟـرب ﻳــﺳوع؛ ﻓﺗﻌطﻳــﻪ ﻛــﻝ أﺷـواﻗﻬﺎ وﻣﺣﺑﺗﻬــﺎ‪ .‬وﻫﻛــذا ﺗﺗﺣــوﻝ أرﺿــﻬﺎ إﻟــﻰ‬ ‫ﺳﻣﺎء وﺗﺗﻐذى ﻓﻰ اﻟﻠﻳﻝ واﻟﻧﻬﺎر ﺑﺗﺳﺑﻳﺢ اﺳﻣﻪ اﻟﻘدوس‪.‬‬

‫‪-18-‬‬


‫الفصل الثالث‬

‫طھــارة الحـواس‬ ‫ﻟﻺﻧـ ــﺳﺎن ﺧﻣـ ــس ﺣ ـ ـواس‪ ،‬ﻫـ ــﻰ اﻟﻧظـ ــر واﻟـ ــﺳﻣﻊ واﻟـ ــﺷم واﻟﻠﻣـ ــس‬

‫واﻟﺗذوق‪ .‬وﺑﻬذﻩ اﻟﺣـواس ﻳـدرك اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ اﻟﻣﺣـﻳط ﺑـﻪ وﻳـﺳﺗوﻋب ﻣـﺎ ﻓﻳـﻪ‪،‬‬ ‫ﻓﻬو اﻟﺻﻠﺔ ﺑﻳن اﻹﻧﺳﺎن واﻟﻌﺎﻟم اﻟذى ﻳﻌﻳش ﻓﻳﻪ‪.‬‬

‫وﻟﻛن ﺗوﺟد ﺣواس داﺧﻠﻳـﺔ‪ ،‬ﺑﻬـﺎ ﻳﺗـﺻﻝ اﻹﻧـﺳﺎن ﺑـﺎﷲ واﻟـﺳﻣﺎﺋﻳﻳن‬

‫ﻣــن ﻣﻼﺋﻛــﺔ وﻗدﻳــﺳﻳن‪ ،‬أى ﻛﻣــﺎ أن ﻟﻠﺟــﺳد ﺣ ـواس‪ ،‬ﻛــذﻟك اﻟــروح أﻳــﺿﺎً‬ ‫ﻟﻬ ـ ــﺎ ﺣواﺳ ـ ــﻬﺎ‪ .‬وﻧﺟ ـ ــﺎح اﻹﻧ ـ ــﺳﺎن اﻟروﺣ ـ ــﻰ‪ ،‬أن ﺗﻘ ـ ــود ﺣواﺳ ـ ــﻪ اﻟروﺣﻳ ـ ــﺔ‬

‫اﻟﺣ ـ ـواس اﻟﻣﺎدﻳـ ــﺔ وﻋﻠـ ــﻰ اﻟﻌﻛـ ــس ﻓﺣ ـ ـواس اﻹﻧـ ــﺳﺎن اﻟﺟـ ــﺳداﻧﻰ اﻟﻣﺎدﻳـ ــﺔ‬ ‫ﺗ ــﺳﻳطر ﻋﻠ ــﻰ ﺣواﺳ ــﻪ اﻟروﺣﻳ ــﺔ‪ ،‬ﻓﻳﻛ ــون أﻗ ــرب إﻟ ــﻰ اﻟﺣﻳـ ـوان ﻣﻧ ــﻪ إﻟ ــﻰ‬

‫اﻹﻧــﺳﺎن اﻟــﺳﺎﻣﻰ‪ ،‬اﻟــذى ﺧﻠﻘــﻪ اﷲ ﻟﻳﺣﻳــﺎ ﻣﻌــﻪ‪ .‬ﻓﻛﻳــف ﺗــﺳﺎﻋد اﻟــﺻﻼة‬

‫ﻋﻠــﻰ طﻬــﺎرة اﻟﺣـواس اﻟﻣﺎدﻳــﺔ واﻟــﺳﻣو ﺑﻬــﺎ؛ وﻛﻳــف ﺗوﺣــدﻫﺎ ﻣــﻊ اﻟﺣـواس‬

‫اﻟروﺣﻳﺔ اﻟﺗﻰ ﻓﻰ داﺧﻝ اﻹﻧﺳﺎن ؟‬

‫‪ -1‬إنشغال با ‪:‬‬ ‫إن اﻟ ــروح ﺑطﺑﻳﻌﺗﻬ ــﺎ ﺗﻣﻳ ــﻝ إﻟ ــﻰ اﷲ ﺧﺎﻟﻘﻬ ــﺎ‪ ،‬إذ أن اﻹﻧ ــﺳﺎن ﻗ ــد‬

‫ﺧﻠــق ﻋﻠــﻰ ﺻــورة اﷲ وﻣﺛﺎﻟــﻪ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻰ ﻛﻠﻣــﺎ ﻧﻣــت اﻟﺣ ـواس اﻟروﺣﻳــﺔ‪،‬‬

‫‪-19-‬‬


‫اﺳ ــﺗطﺎﻋت أن ﺗ ــدرك اﷲ‪ .‬ﻓﺑﺎﻟ ــﺻﻼة ﺗ ــرى اﷲ وﺗ ــدرك وﺟودﻫ ــﺎ أﻣﺎﻣ ــﻪ‪،‬‬

‫ﻓﺗﻔـ ــرح ﺑﻠﻘﻳـ ــﺎﻩ‪ ،‬ﻣﻣـ ــﺎ ﻳﻌزﻳﻬـ ــﺎ وﻳـ ــﺷﺟﻌﻬﺎ ﻋﻠـ ــﻰ اﻻﺳـ ــﺗﻣرار ﻓـ ــﻰ اﻟـ ــﺻﻼة‪.‬‬

‫ـﺿﺎ‪ ،‬ﺣﻳﻧﻣــﺎ ﻳﻠﻘــﻰ ﺑﺄﻓﻛــﺎر ﻓــﻰ داﺧﻠﻬــﺎ‪ ،‬ﻣﺛــﻝ ﺗــذﻛﻳرﻫﺎ ﺑﺂﻳــﺎت‬ ‫وﺗــﺳﻣﻌﻪ أﻳـ ً‬ ‫ﻣﻌﻳﻧﺔ‪ ،‬أو أﻓﻛﺎر روﺣﻳﺔ ﺗﻌﻠﻣﺗﻬﺎ ﻣن ﻗﺑﻝ‪ ،‬ﻓﺗـﺷﻛرﻩ ﻋﻠـﻰ ﻛﻠﻣﺎﺗـﻪ وﺗـﺳﺗﻣر‬

‫ﻓـ ــﻰ ﺣوارﻫـ ــﺎ ﻣﻌـ ــﻪ‪ .‬وﺗـ ــﺳﺗطﻳﻊ اﻟـ ــروح أﻳـ ــﺿﺎً أن ﺗـ ــﺷﺗم راﺋﺣـ ــﺔ اﷲ وﻫـ ــﻰ‬ ‫ﺗﺳﺑﺣﻪ وﺗﺗذوق ﺣﻼوﺗﻪ‪ ،‬ﺑﻝ ﺗﺷﻌر ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻠﻣـﺳﻪ وﺗﻣـﺳك ﺑـﻪ وﻻ ﺗرﻳـد أن‬ ‫ﺗﺗرﻛــﻪ‪ .‬ﻫــذﻩ ﻫــﻰ اﻟــﺻﻼة اﻟﻌﻣﻳﻘــﺔ‪ ،‬اﻟﺗــﻰ إذا دﺧــﻝ إﻟﻳﻬــﺎ اﻹﻧــﺳﺎن ﺗﻔــرح‬ ‫ﻗﻠﺑﻪ ﺟداً وﻳﺗﻣﺳك ﺑﻬﺎ وﻻ ﻳرﻳد أن ﻳﻧﻬﻰ اﻟﺻﻼة ﻣن ﻓرط ﺳﻌﺎدﺗﻪ‪.‬‬

‫‪ -2‬إبتعاد عن الشر ‪:‬‬ ‫إذا ذاﻗ ـ ـ ــت اﻟﺣـ ـ ـ ـواس اﻟروﺣﻳ ـ ـ ــﺔ ﺣ ـ ـ ــﻼوة اﷲ‪ ،‬وﻟ ـ ـ ــو ﺟزﺋﻳ ـ ـ ــﺎً – أى‬ ‫ﻟﻠﺣظﺎت ﻗﻠﻳﻠﺔ ﺳواء ﻓﻰ ﺻـﻼة اﻟﻣﺧـدع‪ ،‬أو اﻟـﺻﻼة اﻟﺟﻣﺎﻋﻳـﺔ ‪ -‬ﻓﺈﻧﻬـﺎ‬ ‫ﺗــؤﺛر ﻋﻠــﻰ اﻟﺣ ـواس اﻟﻣﺎدﻳــﺔ‪ ،‬ﻓﺗﻌطﻳﻬــﺎ أوﻟــﻰ درﺟــﺎت اﻟﺗطﻬﻳــر‪ ،‬إذ ﺗﺑــدأ‬

‫اﻟﺣـ ـواس اﻟﻣﺎدﻳ ــﺔ ﺑ ــﺈدراك ﺧط ــﺄ اﻟﺧطﻳ ــﺔ وﻳﻧﻛ ــﺷف أﻣﺎﻣﻬ ــﺎ ﺧ ــداﻋﻬﺎ ﻣ ــن‬ ‫ﻟذات وﺑرﻳـق؛ ﻓﺗﺗـﺿﺎﻳق ﻣﻧﻬـﺎ وﺗﺣـﺎوﻝ اﻻﺑﺗﻌـﺎد ﻋﻧﻬـﺎ‪ ،‬أى ﺗرﻳـد اﻟﺣـواس‬ ‫رؤﻳــﺔ وﺳــﻣﺎع ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻫــو ﻧﻘــﻰ ﻣــن اﻟﺧطﻳــﺔ‪ .‬وﺗﻛــون اﻟﺑداﻳــﺔ ﻫــﻰ رﻓــض‬

‫ـﺿﺎ‪ ،‬ﺑـﻝ‬ ‫اﻟﺷرور اﻟواﺿﺣﺔ‪ ،‬ﺛم ﻣﻊ اﻟﻧﻣو ﻓـﻰ طﻬـﺎرة اﻟﺣـواس ﺗﻛﺗـﺷف أﻳ ً‬ ‫وﺗﺗﺑﺎﻋد ﻋن اﻟﺷر‪ ،‬اﻟذى ﻳﺗﺧﻠﻝ اﻟﻣﺎدﻳﺎت اﻟطﺎﻫرة‪ ،‬ﻣﺛـﻝ أن ﺗـرﻓض أوﻻً‬

‫‪-20-‬‬


‫رؤﻳــﺔ اﻷﻓــﻼم اﻟﻧﺟــﺳﺔ اﻟــﺷرﻳرة‪ ،‬ﺛــم ﻋﻧــدﻣﺎ ﺗــزداد ﻓــﻰ اﻟطﻬــﺎرة‪ ،‬ﺗــرﻓض‬

‫أﻳــﺿﺎً اﻷﻓــﻼم اﻟﺗــﻰ ﺑﻬــﺎ ﺑﻌــض ﻣﻧــﺎظر ﺳــﻳﺋﺔ‪ ،‬ﻷﻧﻬــﺎ ﺑﺗﻌودﻫــﺎ اﻟــﺻﻼة‬ ‫وارﺗﺑﺎطﻬــﺎ ﺑــﺎﷲ ﺗﻧﻣــو ﻓــﻰ داﺧﻠﻬــﺎ ﻛراﻫﻳــﺔ ﻟﻠﺧطﻳــﺔ ‪ -‬ﺣﺗــﻰ وﻟــو ﻛﺎﻧــت‬

‫ﻳﺟﻳﺎ‪ ،‬ﺣﺗـﻰ‬ ‫ﺻﻐﻳرة ‪ -‬ﻓﺗﺗﺑﺎﻋد ﻋﻧﻬﺎ‪ ،‬وﻫﻛذا ﺗﺗﻧﻘﻰ اﻟﺣواس اﻟﺧﺎرﺟﻳﺔ ﺗدر ً‬ ‫ﻟو ﺧﺳرت ﺗﺳﻠﻳﺎت وﻣﺗﻊ ﻣﺎدﻳﺔ ﻛﺛﻳـرة‪ ،‬ﻣﻣـﺎ ﻳﻧـﺷﻐﻝ ﺑﻬـﺎ ﻛـﻝ اﻟﻣﺣﻳطـﻳن‪،‬‬ ‫ﺑــﻝ وﺗــﺷﻌر ﺑﻔــرح؛ ﻷﻧﻬــﺎ ﺗﺗﻧﻘــﻰ ﻣــن ﻫــذﻩ اﻟــﺷرور وﻻ ﺗــﺷﻌر ﺑﺎﻟﺧــﺳﺎرة؛‬ ‫ﻷﻧﻬﺎ ﺑﻬذا ﺗﺳﺗطﻳﻊ أن ﺗواﺻﻝ ﺻﻠواﺗﻬﺎ وﺗﻣﺗﻌﻬﺎ ﺑﺣﺑﻳﺑﻬﺎ اﻟرب ﻳﺳوع‪.‬‬

‫‪ -3‬حياة الشكر ‪:‬‬ ‫وﺑﺗﻌـ ــود اﻹﻧـ ــﺳﺎن اﻟـ ــﺻﻼة‪ ،‬ﻳـ ــدرك اﷲ ﺑﺣواﺳـ ــﻪ اﻟداﺧﻠﻳـ ــﺔ وﻳﻔـ ــرح‬

‫ﺑﻠﻘﻳﺎﻩ‪ .‬وﻋﻧدﻣﺎ ﻳﺗرك وﻗﻔﺔ اﻟﺻﻼة وﻳﺗﻌﺎﻣﻝ ﻣﻊ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺣـﻳط ﺑـﻪ‪ ،‬ﻻ‬ ‫ﻳـ ــﺳﺗطﻳﻊ أن ﻳﺧـ ــرج ﻋـ ــن روح اﻟـ ــﺻﻼة‪ ،‬ﻓﻳـ ــرى أن ﻛـ ــﻝ اﻟﻣﺎدﻳـ ــﺎت اﻟﺗـ ــﻰ‬

‫ﻳﺣ ــﺻﻝ ﻋﻠﻳﻬ ــﺎ ﻫ ــﻰ ﻋطﻳ ــﺔ ﻣ ــن اﷲ؛ ﻓﻳ ــﺷﻛرﻩ ﻋﻠﻳﻬ ــﺎ‪ ،‬وﻳ ــرى اﷲ ﻓﻳﻬ ــﺎ؛‬ ‫ﻓﺗــزداد ﻗﻳﻣﺗﻬــﺎ ﻓــﻰ ﻧظ ـرﻩ؛ ﻷﻧﻬــﺎ ﻣــن اﷲ‪ ،‬ﻓﻳــزداد ﺗﻣﺗﻌــﻪ ﺑﻬــﺎ‪ ،‬ﻟــﻳس ﻓﻘــط‬

‫اﻟﺗﻣﺗــﻊ اﻟﺣــﺳﻰ‪ ،‬ﺑــﻝ ﺗﻣﺗﻌــﻪ ﻛﺈﻧــﺳﺎن ‪ -‬ﺑﻛــﻝ ﻛﻳﺎﻧــﻪ روﺣــﺎً وﺟــﺳداً – ﺑــﺎﷲ‬ ‫اﻟﻌـ ــﺎطﻰ‪ .‬وﻳدﻓﻌـ ــﻪ ﻫـ ــذا ﻟﻠوﻗـ ــوف أﻣـ ــﺎم اﷲ ﻓـ ــﻰ اﻟـ ــﺻﻼة؛ ﻟﻳـ ــﺷﻛرﻩ ﻋﻠـ ــﻰ‬

‫ﻋطﺎﻳﺎﻩ‪ ،‬ﺑﻝ طواﻝ اﻟﻳوم ﻳﺳﺑﺢ اﷲ‪ ،‬وﻳﻣﺟدﻩ ﻣن أﺟﻝ ﻋﻧﺎﻳﺗـﻪ ﺑـﻪ‪ .‬وﻫﻛـذا‬

‫ﺗــزداد طﻬــﺎرة اﻟﺣ ـواس ﺑرؤﻳﺗﻬــﺎ اﷲ ﻓــﻰ ﻋطﺎﻳــﺎﻩ اﻟﺟﻳــدة‪ ،‬اﻟﺗــﻰ ﺗــﺷﺑﻌﻬﺎ‪.‬‬

‫‪-21-‬‬


‫وﺣﺗــﻰ ﻋﻧــدﻣﺎ ﺗــدرك اﻟــﻧﻔس أن ﻫﻧــﺎك أﻣــو اًر ﻣﻌﺎﻛــﺳﺔ ﻟرﻏﺑﺎﺗﻬــﺎ ﻻ ﺗﻌــود‬ ‫ﺗﻧزﻋﺞ‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﺗدرك ﺑﺣواﺳﻬﺎ اﻟداﺧﻠﻳـﺔ أن إﻟﻬﻬـﺎ – ﺿـﺎﺑط اﻟﻛـﻝ – ﻳـدﺑر‬

‫ﻟﻬــﺎ اﻟﺧﻳــر ﻣــن اﻟــﺿﻳﻘﺎت اﻟﺗــﻰ ﺗﻣــر ﺑﻬــﺎ؛ ﻓﺗﻘﺑــﻝ وﺗــﺷﻛر اﷲ أﻳــﺿﺎً ﻋﻠــﻰ‬ ‫ﻣ ـ ــﺎ ﻳﻌ ـ ــﺎﻛس رﻏﺑﺎﺗﻬــ ــﺎ‪ ،‬وﺗﻠﺗﺟ ـ ــﺊ إﻟ ـ ــﻰ اﷲ طﺎﻟﺑ ـ ــﺔ اﻟﻣﻌوﻧ ـ ــﺔ؛ ﻻﺣﺗﻣ ـ ــﺎﻝ‬

‫اﻟﺿﻳﻘﺎت وﻳﻣﺗزج طﻠب اﻟﻣﻌوﻧﺔ ﺑﺎﻟﺷﻛر‪ ،‬ﻟﺛﻘﺔ اﻟﻧﻔس ﻓﻰ ﻣﺣﺑﺔ اﷲ‪.‬‬

‫وﻣﻊ ﻧﻣو ﺣﻳﺎة اﻟﺷﻛر‪ ،‬ﻻ ﺗﻘﺑﻝ اﻟﻧﻔس اﻟـﺿﻳﻘﺎت ﻓﻘـط‪ ،‬أو ﺗـﺷﻛر‬

‫ﻋﻠﻳﻬــﺎ‪ ،‬ﺑــﻝ ﺗــﺻﻝ ﻓــﻰ اﻟﻧﻬﺎﻳــﺔ إﻟــﻰ اﻟﻔــرح ﺑﺎﻟــﺿﻳﻘﺎت‪ ،‬ﻛﻣــﺎ ﻳﻘــوﻝ ﻣﻌﻠﻣﻧــﺎ‬ ‫ﻳﻌﻘــوب اﻟرﺳــوﻝ "اﺣــﺳﺑوﻩ ﻛــﻝ ﻓــرح ﻳــﺎ إﺧــوﺗﻰ ﺣﻳﻧﻣــﺎ ﺗﻘﻌــون ﻓــﻰ ﺗﺟــﺎرب‬

‫ﻣﺗﻧوﻋــﺔ" )ﻳــﻊ‪ .(2 :1‬وﻫــذا ﻳﺟﻌــﻝ اﻟــﺻﻼة ﺗﻧطﻠــق ﻧﺣــو اﷲ ﻓــﻰ ﺗــﺳﺑﻳﺢ‬

‫ﻣـ ــﺳﺗﻣر ﻓـ ــﻰ ﻛـ ــﻝ اﻷﺣ ـ ـواﻝ وﻳﻌﺟـ ــز إﺑﻠـ ــﻳس ﻋـ ــن ﺗﻌطﻳـ ــﻝ اﻟـ ــﻧﻔس ﻋـ ــن‬

‫اﻟﺻﻼة؛ ﻷن اﻟﺣواس أﺻﺑﺣت طﺎﻫرة ﺗﻣﺎﻣﺎً‪.‬‬

‫‪ -4‬رؤية فضائل اآلخرين ‪:‬‬ ‫اﻟــﻧﻔس اﻟﺗــﻰ ﺗــرى اﷲ ﻓــﻰ ﻋطﺎﻳــﺎﻩ‪ ،‬ﺗرﻳــد أن ﺗـراﻩ ﻓــﻰ ﻛــﻝ اﻟوﺟــوﻩ‬ ‫اﻟﻣﺣﻳطﺔ ﺑﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ أﺣﺑﺗﻪ وﺗرﻳدﻩ داﺋﻣـﺎً ﻣﻌﻬـﺎ؛ ﻟﺗـﺳﺗﻣر ﻣﺗﻣﺗﻌـﺔ ﺑﺣـدﻳﺛﻬﺎ‬ ‫ﻓ ــﻰ ﺻ ــﻠوات ﻻ ﺗﻧﻘط ــﻊ‪ ،‬ﻓﺗﺑﺣ ــث ﻋﻧ ــﻪ ﻓ ــﻰ ﻓ ــﺿﺎﺋﻝ اﻵﺧـ ـرﻳن؛ ﻷن ﻛ ــﻝ‬ ‫ﻓ ــﺿﻳﻠﺔ ﻫ ــﻰ ﻣ ــن ﺛﻣ ــﺎر اﻟ ــروح اﻟﻘ ــدس‪ ،‬اﻟﺗ ــﻰ ﻳﻬﺑﻬ ــﺎ ﻟﻛ ــﻝ اﻟﺑ ــﺷر اﻟ ــذﻳن‬ ‫ﻳطﻠﺑوﻧــﻪ ﺳ ـواء ﻣــن اﻟﻣــﺳﻳﺣﻳﻳن أو ﻏﻳــرﻫم وﻟﻛــن ﻳﻣﻧﺣﻬــﺎ ﺑــﺷﻛﻝ أﻋﻣــق‬

‫‪-22-‬‬


‫ﻷوﻻدﻩ‪ .‬ﻓﺎﻟﻧﻔس اﻟﻣﺻﻠﻳﺔ ﺗﻔرح ﺑﻠﻘﺎء اﷲ ﻓـﻰ ﻛـﻝ ﻓـﺿﻳﻠﺔ وﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻰ ﺗﺣـب‬ ‫أﺻــﺣﺎﺑﻬﺎ‪ .‬وﻷن ﻛــﻝ إﻧــﺳﺎن ﻻ ﻳﺧﻠــو ﻣــن ﻓــﺿﻳﻠﺔ‪ ،‬ﻓﺗﺣــب اﻟﺟﻣﻳــﻊ وﺗــرى‬ ‫اﷲ ﻓﻰ اﻟﻛﻝ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻘدﻳﺳﻳن‪ ،‬اﻟذﻳن ﻳﻌﻳﺷون ﺑﻳﻧﻧﺎ وﺗﻘﺗدى وﺗﺗﻌﻠم ﻣـن‬ ‫اﻟﻛﻝ‪ ،‬ﻓﺗﻘﺗرب ﻣن اﷲ‪ ،‬ﻟـﻳس ﻓﻘـط ﺑﺎﻟـﺻﻼة وﻟﻛـن أﻳـﺿﺎً ﻳﺗﻐﻳـر ﺳـﻠوﻛﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻓﺗﺣــﺎوﻝ اﻗﺗﻧــﺎء ﻫــذﻩ اﻟﻔــﺿﺎﺋﻝ وﻳــزداد ﻋﻣــﻝ اﻟــروح اﻟﻘــدس ﻓﻳﻬــﺎ‪ ،‬ﻓﻳﻠﻬــب‬ ‫ﻗﻠﺑﻬ ــﺎ ﻧﺣ ــو اﷲ ﺑﺄﺷـ ـواق ﻣﺗ ازﻳ ــدة ﺗﻌﻣ ــق ﺻ ــﻠواﺗﻬﺎ‪ .‬وﺑﻬ ــذا ﺗﻘ ــود اﻟ ــﺻﻼة‬ ‫اﻟﺣواس اﻟطﺎﻫرة؛ ﻟﺗﻔرح ﺑرؤﻳﺔ اﷲ‪ ،‬أﻳﻧﻣﺎ وﺟدت ﻣﻊ ﺟﻣﻳﻊ اﻟﺑﺷر‪.‬‬ ‫وﻋﻧدﻣﺎ ﺗرى اﻟﻧﻔس اﻟﻣﺻﻠﻳﺔ اﻷﺷرار ﺗﺻﻠﻰ ﻷﺟﻠﻬم؛ ﺣﺗﻰ ﻳﺑدﻝ‬ ‫اﷲ ﺷــرورﻫم ﺑﻔــﺿﺎﺋﻝ؛ ﻓﺗــزداد ﻓــﺿﺎﺋﻠﻬم‪ .‬وﺗظــﻝ اﻟﺣ ـواس اﻟطــﺎﻫرة ﺗــرى‬ ‫اﷲ ﻓﻰ اﻷﺑـرار واﻷﺷـرار وﺗطﻠـب ﻧﻌﻣﺗـﻪ ﻟﻠﻛـﻝ‪ ،‬ﻓﺗـزداد ﻫـﻰ ﻓـﻰ ﺣﺑﻬـﺎ ﷲ‬ ‫واﻧطﻼﻗﻬﺎ ﻓﻰ اﻟﺻﻼة‪.‬‬

‫‪ -5‬إدراك ﷲ فى العالم ‪:‬‬ ‫اﻟــﻧﻔس اﻟﻣــﺻﻠﻳﺔ ﻻ ﺗﻛﺗﻔــﻰ ﺑرؤﻳــﺔ اﷲ ﻓــﻰ اﻟﺑــﺷر وﻟﻛــن ﻻﺗــﺻﺎﻟﻬﺎ‬ ‫اﻟﻣــﺳﺗﻣر ﺑــﺎﷲ‪ ،‬ﺗرﻳــد أن ﺗ ـراﻩ ﻓــﻰ ﻛــﻝ اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻣﺣــﻳط ﺑﻬــﺎ‪ ،‬ﻓــﻰ اﻟﻧﺑﺎﺗــﺎت‬ ‫واﻟﺣﻳواﻧــﺎت واﻟطﺑﻳﻌــﺔ‪ ،‬اﻟﺗــﻰ ﺗﺣــدث ﺑﻣﺟــد اﷲ وﺗﺧﺑــر ﺑﻌﻣــﻝ ﻳدﻳــﻪ‪ .‬ﻓﺗــرى‬ ‫ﻳــدﻩ اﻟﺗــﻰ ﺗﻌطــﻰ ﺣﻳــﺎة ﻟﻛــﻝ ﻛــﺎﺋن ﺣــﻰ وﺗﻛﺗــﺷف أﺳـرار اﷲ اﻟﻣﺧﻔﻳــﺔ ﻓــﻰ‬ ‫ﺧﻠﻘﺗ ــﻪ‪ ،‬ﻓﺗ ــرى اﻟﺣﺑ ــﺔ اﻟﺗ ــﻰ ﻻﺑ ــد أن ﺗﻣ ــوت‪ ،‬ﻟﺗﻌط ــﻰ ﺣﻳ ــﺎة ﻓ ــﻰ اﻟﻧﺑ ــﺎت‬

‫‪-23-‬‬


‫اﻟﺧــﺎرج ﻣﻧﻬــﺎ‪ ،‬واﻟﻧﺧﻠــﺔ اﻟﻣرﺗﻔﻌــﺔ ﺗﻣﺗــد أﻏــﺻﺎﻧﻬﺎ ﻧﺣــو اﻟــﺳﻣﺎء‪ ،‬ﻛــذراﻋﻰ‬ ‫اﻟﻣــﺻﻠﻰ‪ .‬وﺗــرى أﺑــوة اﷲ ﻓــﻰ رﻋﺎﻳــﺔ اﻟﺣﻳ ـوان ﻟــﺻﻐﺎرﻩ‪ ،‬وﺗــرى اﻟطﺎﻋــﺔ‬ ‫اﻟﻛﺎﻣﻠــﺔ ﻓــﻰ ﺗﺣــرك اﻷﺟ ـرام اﻟــﺳﻣﺎوﻳﺔ‪ .‬ﻓﺗﻔــرح ﻣــﻊ ﺑــوﻟس اﻟرﺳــوﻝ‪ ،‬اﻟــذى‬ ‫ﻳﻌﻠــن وﺟــود اﷲ ﻓــﻰ اﻟطﺑﻳﻌــﺔ‪ ،‬ﺣﻳﻧﻣــﺎ ﻳﻘــوﻝ "ﻷن أﻣــورﻩ ﻏﻳــر اﻟﻣﻧظــورة‬ ‫ﺗــرى ﻣﻧــذ ﺧﻠــق اﻟﻌــﺎﻟم ﻣدرﻛــﺔ ﺑﺎﻟﻣــﺻﻧوﻋﺎت ﻗدرﺗــﻪ اﻟــﺳرﻣدﻳﺔ وﻻﻫوﺗــﻪ"‬ ‫)رو‪ .(20 :1‬وﺑﻬــذا ﻻ ﺗﺗطﻬــر اﻟﺣـواس ﻓﻘــط‪ ،‬ﺑــﻝ ﺗﺗﻘــدس‪ ،‬ﻓــﻼ ﺗــرى إﻻ‬ ‫اﷲ ﻓــﻰ ﻛــﻝ ﺷــﺊ ﺣوﻟﻬــﺎ‪ ،‬ﻓﻳﺣدﺛــﻪ وﻳﺣــدﺛﻬﺎ ﻣــن ﺧــﻼﻝ ﻫــذﻩ اﻟﻣﺧﻠوﻗــﺎت‬ ‫وﻳزداد ارﺗﺑﺎطﻬﺎ ﺑﻪ‪.‬‬

‫‪ -6‬قداسة الحواس ‪:‬‬ ‫ﻓـ ــﻰ ﻧﻬﺎﻳـ ــﺔ طرﻳـ ــق ﺗطﻬﻳـ ــر اﻟﺣ ـ ـواس‪ ،‬ﻋﻧـ ــدﻣﺎ ﺗﺗطـ ــﺎﺑق اﻟﺣ ـ ـواس‬

‫اﻟداﺧﻠﻳ ــﺔ اﻟﻣﻧ ــﺷﻐﻠﺔ ﺑﺎﻟ ــﺻﻼة ﻣـ ـﻊ اﻟﺣـ ـواس اﻟﺧﺎرﺟﻳ ــﺔ‪ ،‬ﺗ ــﺻﺑﺢ اﻷﺧﻳـ ـرة‬

‫أدوات طﻳﻌــﺔ ﻓــﻰ ﻳــد اﷲ‪ ،‬ﻓﺗﻧــﺷﻐﻝ ﺑــﺎﷲ وﺗﺑﺣــث ﻋﻧــﻪ ﻓــﻰ ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﺣوﻟﻬــﺎ‬ ‫وﻻ ﺗرﻳــد أن ﺗــرى ﻏﻳ ـرﻩ‪ ،‬أو ﺗــرى ﻛــﻝ ﺷــﺊ ﻣــن ﺧﻼﻟــﻪ وﺗــﺻﺑﺢ اﻟﺣ ـواس‬

‫ﻣطﻳﻌــﺔ ﷲ‪ ،‬ﻳﺣرﻛﻬــﺎ ﺣــﺳب ﻣــﺷﻳﺋﺗﻪ‪ ،‬ﻣﻣــﺎ ﻳﻣﻸﻫــﺎ ﻓرﺣـ ًـﺎ‪ ،‬ﻟﻌﻣﻠــﻪ اﻟــﺳﺧﻰ‬ ‫ﻓﻰ داﺧﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺗﺷﻛرﻩ وﺗﻣﺟدﻩ‪ .‬وﺗﺻﺑﺢ اﻟﻧﻔس ﻧو اًر ﻟﻠﻌﺎﻟم وﻣﻠﺣﺎً ﻟـﻸرض‪،‬‬

‫‪-24-‬‬


‫أى اﻟ ــﺻورة اﻟﺣﻘﻳﻘﻳ ــﺔ ﻟﻺﻧ ــﺳﺎن ﻛﻣ ــﺎ أرادﻩ اﷲ‪ ،‬ﻳ ــرى اﷲ ﻓ ــﻰ ﻛ ــﻝ ﺷ ــﺊ‬

‫وﻳﺟﻣﻊ اﻟﻛﻝ وﻳﻘودﻫم ﻓﻰ ﺗﺳﺑﻳﺢ اﷲ‪.‬‬

‫‪-25-‬‬


‫الفصل الرابع‬

‫اتكـال وتســليـم‬ ‫إن ﺗﻘﻠﺑــﺎت اﻟﻌــﺎﻟم ﻻ ﺗﻧﺗﻬــﻰ‪ ،‬ﻓﻬــو ﻣﺗﻐﻳــر ﺑطﺑﻳﻌﺗــﻪ وﻗــوى اﻟﻌــﺎﻟم‬

‫اﻟﻣــﺎدى ﺗﺣرﻛــﻪ‪ ،‬ﻓــﻰ ﺷــﻛﻝ رؤﺳــﺎء اﻟﻌــﺎﻟم وأﺻــﺣﺎب اﻟﻣــﺻﺎﻟﺢ‪ ،‬اﻟــذﻳن‬ ‫ﻳﻧﺗــﺷرون ﺣــوﻟﻰ ﻓــﻰ ﻛــﻝ ﻣﻛــﺎن‪ .‬ﻓﻛﻳــف أواﺟــﻪ ﻛــﻝ ﻫــذﻩ اﻟﻘــوى وأﺷــق‬

‫طرﻳﻘــﺎً ﺑﻳﻧﻬــﺎ وﻳﻛــون ﻟــﻰ ﻣﻛــﺎن وﺳــط ﻫــذا اﻟزﺣــﺎم اﻟــﺷدﻳد ؟ إﻻ ﺑﺎﻻﺗﻛــﺎﻝ‬ ‫ﻋﻠـﻰ اﷲ؛ ﻓﻳـﺳﻧدﻧﻰ ﺑﻘوﺗـﻪ‪ ،‬ﺑـﻝ ﻋﻧـدﻣﺎ أﺗﺣﻳـر أﻣـﺎم أﻓﻛـﺎر اﻟﻌـﺎﻟم اﻟﻛﺛﻳـرة‪،‬‬ ‫أﺟــد راﺣﺗــﻰ ﻓــﻰ ﺗــﺳﻠﻳم ﺣﻳــﺎﺗﻰ ﻟــﻪ‪ ،‬ﻟﻳﻘودﻫــﺎ ﺑﻬــدوء‪ ،‬ﻣﻬﻣــﺎ ﻛﺎﻧــت اﻟزواﺑــﻊ‬

‫اﻟﻣﺣﻳطــﺔ‪ .‬وطرﻳﻘــﻰ إﻟــﻰ اﻹﺗﻛــﺎﻝ واﻟﺗــﺳﻠﻳم ﻫــو اﻟــﺻﻼة وﻛﻠﻣــﺎ ﺗﺣــدﺛت‬ ‫ﻣﻌﻪ ﻳزداد اﺗﻛـﺎﻟﻰ ﻋﻠﻳـﻪ‪ .‬ﻓﻛﻳـف ﺗوﺻـﻠﻧﻰ اﻟـﺻﻼة إﻟـﻰ اﻻﺗﻛـﺎﻝ واﻟﺗـﺳﻠﻳم‬

‫؟!‬

‫‪ -1‬قدرته وحبه ‪:‬‬ ‫اﻟــﺻﻼة ﺗﺛﺑــت إﻳﻣــﺎﻧﻰ ﺑــﺎﷲ ﺧــﺎﻟق اﻟﻛــﻝ وﺿــﺎﺑط اﻟﻛــﻝ‪ .‬ﻓﻌﻧــدﻣﺎ‬

‫أﺷـ ــﻛرﻩ ﻋﻠـ ــﻰ ﻋطﺎﻳـ ــﺎﻩ وﺗدﺑﻳ ارﺗـ ــﻪ ﻟﺣﻳـ ــﺎﺗﻰ‪ ،‬أﺷـ ــﻌر ﺑﺣﻧﺎﻧـ ــﻪ ﻓـ ــﻰ رﻋﺎﻳﺗـ ــﻪ‬ ‫واﻫﺗﻣﺎﻣﻪ ﺑﻰ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﻳﺷﺟﻌﻧﻰ أن أطﻠب ﻣﻧﻪ ﻛﻝ اﺣﺗﻳﺎﺟﺎﺗﻰ وأﺿﻊ أﻣﺎﻣﻪ‬ ‫ﻣــﺷﺎﻛﻠﻰ؛ ﻓــﺄرى ﻳــدﻩ اﻟﻘوﻳــﺔ اﻟﺣﺎﻧﻳــﺔ ﺗﺗــدﺧﻝ‪ ،‬ﻟﺗرﻓــﻊ ﻋﻧــﻰ أﺛﻘــﺎﻟﻰ وﺗﺣــﻝ‬

‫‪-26-‬‬


‫ﻣ ــﺷﺎﻛﻠﻰ‪ ،‬ﻣﻬﻣـ ــﺎ ﻛﺎﻧـ ــت ﺻـ ــﻌﺑﺔ‪ .‬وﻋﻧـ ــدﻣﺎ ﻳﺗـ ــﺄﺧر ﺣـ ــﻝ اﻟﻣـ ــﺷﺎﻛﻝ ﺗـ ــزداد‬

‫ﺻــﻠواﺗﻰ وأﺗــﺷﺑث ﺑــﻪ ﺑﻠﺟﺎﺟــﺔ‪ ،‬ﺣﺗــﻰ ﻳﺗــدﺧﻝ‪ .‬وﻓــﻰ اﻟﻧﻬﺎﻳــﺔ أرى ﻋﻣﻠــﻪ‬

‫اﻟﻌظﻳم‪ ،‬ﻓﻳﺛﺑت إﻳﻣـﺎﻧﻰ ﺑﻘدرﺗـﻪ وﺣﺑـﻪ وﻻ أﻋـود أﺿـطرب‪ ،‬ﻣﻬﻣـﺎ ﺗﺣرﻛـت‬ ‫اﻟدﻧﻳﺎ ﺣوﻟﻰ‪ ،‬أو ﺣﺗﻰ واﺟﻬﺗﻧﻰ ﻣﺧﺎوف وﺗﻬدﻳدات‪ ،‬ﻓﻬـﻰ ﺑـﻼ ﻗﻳﻣـﺔ ﻷن‬

‫اﷲ ﻣﻌﻰ‪.‬‬

‫وﻣــن ﻧﺎﺣﻳــﺔ أﺧــرى ﺗــدﻓﻌﻧﻰ اﻟــﺻﻼة ﻟﻠﺗﺄﻣــﻝ اﻟﻣــﺳﺗﻣر ﻓــﻰ أﻋﻣــﺎﻝ‬

‫اﷲ واﻫﺗﻣﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺑﺷر وﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺧﺻوص ﻓـﻰ رﻋﺎﻳﺗـﻪ ﻟـﻰ‪ ،‬ﻣﻣـﺎ ﻳﻌﻠـق‬ ‫ﻗﻠﺑﻰ ﺑﻪ‪ ،‬ﻓﺄﺣب اﻟوﺟود ﻣﻌﻪ؛ ﻷﻧـﻪ أﻏﻠـﻰ ﻣـن ﻛـﻝ اﻟﺑـﺷر ﻓـﻰ ﻧظـرى وﻻ‬

‫أﺗﺿﺎﻳق‪ ،‬إذا اﻧﺷﻐﻝ اﻟﻧﺎس ﻋﻧﻰ‪ ،‬ﺑﻝ أﻓرح ﺑﺎﺑﺗﻌﺎدﻫم؛ ﻷﻧـﻪ ﻳﻘرﺑﻧـﻰ إﻟﻳـﻪ‬

‫وﻳﺟﻌﻠﻪ ﻳﻛﺷف ﻟﻰ – ﻓﻰ اﻟـﺻﻼة – أﺳـ ار اًر ﺟدﻳـدة ﻣـن أﻋﻣﺎﻟـﻪ اﻹﻟﻬﻳـﺔ‪،‬‬ ‫ﻓﺄﺗﻣﺗﻊ وأﻓرح ﺑﻪ‪.‬‬

‫‪ -2‬تسليم له ‪:‬‬ ‫ﺑﺄﻓﻛﺎرى اﻟﺑﺷرﻳﺔ أﺣﺎوﻝ ﻗﻳﺎدة ﺣﻳـﺎﺗﻰ وﻟﻛﻧـﻰ أواﺟـﻪ ﻋﻘﺑـﺎت ﻛﺛﻳـرة‬

‫ﺗﻌﺗرﺿﻧﻰ وأﻋﺟز ﻋن ﺣﻠﻬﺎ ﻓـﻰ أوﻗـﺎت ﻛﺛﻳـرة وأﺣﻳﺎﻧـﺎً أﺧـرى أﺗﺣﻳـر ﻓـﻰ‬ ‫اﺧﺗﻳــﺎر اﻟطرﻳــق اﻟــذى ﻳﻧﺎﺳــﺑﻧﻰ؛ ﻟﻌﺟــزى ﻋــن ﻣﻌرﻓــﺔ اﻟﻣــﺳﺗﻘﺑﻝ‪ ،‬ﻓﺗﺣــوط‬ ‫ﺑﻘﻠﺑ ــﻰ اﻟﻣﺧ ــﺎوف‪ .‬وﻓ ــﻰ اﻟﻧﻬﺎﻳ ــﺔ أﻧﺗﺑ ــﻪ‪ ،‬ﻓ ــﺈذ ﺑ ــﻰ ﻗ ــد ﻋزﻟ ــت ﻧﻔ ــﺳﻰ ﻋ ــن‬

‫‪-27-‬‬


‫ﻣــﺻدر ﻗــوﺗﻰ وراﺣﺗــﻰ وﻫــو اﷲ‪ ،‬ﻓــﺄﻋود إﻟﻳــﻪ وأرﻓــﻊ ﺻــﻠواﺗﻰ‪ ،‬ﻟﻳﻧﻘــذﻧﻰ‬

‫وﻳــﺳﻧدﻧﻰ‪ٕ .‬واذ أﺗــذﻛر أﻋﻣﺎﻟــﻪ اﻟــﺳﺎﺑﻘﺔ ﻣﻌــﻰ وﻣﺣﺑﺗــﻪ اﻟﺗــﻰ ﻻ ﺗوﺻــف‪،‬‬ ‫أطﻠب ﻣﻧﻪ أن ﻳﺳﺗﻠم ﺣﻳـﺎﺗﻰ وﻳﻘودﻫـﺎ ﺑﻧﻔـﺳﻪ‪ ،‬ﻷﻧـﻰ ﻋـﺎﺟز ﻋـن ﻗﻳﺎدﺗﻬـﺎ‪.‬‬ ‫وﻓــﻰ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت أﺛــق ﻓــﻰ أﺑوﺗــﻪ ورﻋﺎﻳﺗــﻪ‪ .‬وﻫﻛــذا أﺳــﺗﻌﻳد راﺣﺗــﻰ‪ ،‬ﺑــﻝ‬

‫أﺗﻔ ــرغ ﻟﻠﺗﻣﺗ ــﻊ ﺑﺣﺑ ــﻪ‪ ،‬ﻓﺗ ــزداد ﺻ ــﻠواﺗﻰ وﺣﻳﻧﺋ ــذ ﺗﻔ ــﻳض ﻋﻠ ــﻰ ﻣـ ـراﺣم اﷲ‬

‫وأﺧﺗﺑر ﺑرﻛﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﻳزﻳدﻧﻰ ﺗﺳﻠﻳﻣﺎً وﺷﻛ اًر ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺎﻳﺗﻪ ﺑﻰ‪.‬‬

‫‪ -3‬إستناد عليه ‪:‬‬ ‫ﻋﻧ ــدﻣﺎ أرى اﻟﻧ ــﺎس ﺣ ــوﻟﻰ ﻳﺑﺣﺛ ــون ﻋ ــن ﻋﻼﻗ ــﺎت ﻣ ــﻊ اﻟرؤﺳ ــﺎء‬

‫وذوى اﻟﻣ ارﻛ ــز ﻣ ــن ﻧﺎﺣﻳ ــﺔ وأرى دور اﻟﻣ ــﺎﻝ ﻓ ــﻰ ﻗﻳ ــﺎدة اﻟﻌ ــﺎﻟم ﻛﻠ ــﻪ ﻣ ــن‬ ‫ﻧﺎﺣﻳﺔ أﺧرى‪ ،‬وﻛﻳف ﻳﺟذب ﻧﻔوس اﻟﺑﺷر‪ ،‬ﻟﻳﺗﻌﺑدوا ﻟـﻪ دون أن ﻳـﺷﻌروا‪،‬‬

‫أﻧ ــﺳﺎق وﻟ ــو ﻗﻠ ــﻳﻼً ﻣﻌﻬ ــم‪ ،‬ﻓﺄﺳ ــﺗﻧد ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻣ ــﺎﻝ واﻟﻣرﻛ ــز واﻟ ــﺻﺣﺔ وﻛ ــﻝ‬ ‫اﻹﻣﻛﺎﻧﻳﺎت اﻟﺑﺷرﻳﺔ؛ ﻷﺳﺗطﻳﻊ ﻣواﺟﻬﺔ اﻟﺣﻳﺎة‪.‬‬ ‫ﻟﻛ ــن ﻟﻸﺳ ــف ﻳظﻬ ــر ﻋﺟ ــز ﻛ ــﻝ ﻣ ــﺎ أﺳ ــﺗﻧد ﻋﻠﻳ ــﻪ ﻓ ــﻰ اﻟﻣواﻗ ــف‬

‫اﻟﺻﻌﺑﺔ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﻳﺟﻌﻝ اﻟﺷﻳطﺎن ﻳﺛﻳـر ﻓـﻰ داﺧﻠـﻰ أﻓﻛـﺎر اﻟﻳـﺄس واﻹﺣﺑـﺎط‪.‬‬ ‫وﺗزداد ﺻﻌوﺑﺔ اﻷﻣر‪ ،‬ﻋﻧدﻣﺎ أﺟد اﻟﻧﺎس ﻛﻠﻬـم ﻳﺟـرون ﻓـﻰ ﻫـذا اﻻﺗﺟـﺎﻩ‬

‫اﻟﻣﺎدى وﻳﺗﻔﺎﺧرون ﺑﻣﺎ ﻳﻌﺗﻣـدون ﻋﻠﻳـﻪ‪ ،‬راﻓﻌـﻳن ﺷـﻌﺎر "اﻟﻠـﻰ ﻣﻌـﺎﻩ ﻗـرش‬

‫‪-28-‬‬


‫ﻳ ـ ــﺳوى ﻗ ـ ــرش"‪ ،‬وﻟﻛ ـ ــن ﻳظﻬ ـ ــر ﺣﻧ ـ ــﺎن اﷲ‪ ،‬اﻟ ـ ــذى ﻳﻧﻳ ـ ــر ظﻠﻣ ـ ــﺔ ﺣﻳ ـ ــﺎﺗﻰ‬

‫وﻳ ــدﻋوﻧﻰ ﻟﻼﺗﻛ ــﺎﻝ ﻋﻠﻳ ــﻪ‪ ،‬ﻓ ــﺄﺧﺗﺑر ﻧوﻋ ــﺎً ﺟدﻳ ــداً ﻣ ــن اﻟﻣ ــﺳﺎﻧدة‪ ،‬ﺗﺗﻣﻳ ــز‬ ‫ﺑﺄﻣرﻳن واﺿﺣﻳن ﻋن ﻛﻝ ﻗوى اﻟﻌﺎﻟم وﻫﻣﺎ ‪:‬‬ ‫‪ -1‬ﻳﺻﺎﺣﺑﻬﺎ ﺳﻼم داﺧﻠﻰ ﻻ ﻳﺷوﺑﻪ أى اﻧزﻋﺎج‪.‬‬ ‫‪ -2‬ﺗؤدى إﻟﻰ اﻟﺑﻧﻳﺎن ﻻ اﻟﻬدم‪ ،‬ﺳواء ﻟﻧﻔﺳﻰ أو ﻟﻶﺧرﻳن‪.‬‬

‫وﻫﻧــﺎ اﻟﺗﺟــﺊ إﻟــﻰ اﻟــﺻﻼة وأﺗﻣــﺳك ﺑﻬــﺎ وأﺳــﺗﻧد ﻋﻠــﻰ اﷲ‪ ،‬ﻟــﻳس‬

‫ﻓﻘط ﻓﻰ اﻟﻣواﻗف اﻟﺻﻌﺑﺔ وﻟﻛن ﻓـﻰ ﻛـﻝ أﻣـور ﺣﻳـﺎﺗﻰ؛ ﻓﺄطﻠﺑـﻪ ﻗﺑـﻝ ﻛـﻝ‬

‫ـﻰ وﺑــﻰ‪ ،‬ﺛــم أﺷــﻛرﻩ ﺑﻌــد ذﻟــك‪ ،‬ﻣﻣــﺎ ﻳزﻳــد‬ ‫ﻋﻣــﻝ وأﺛﻧــﺎءﻩ؛ ﻟﻳﺗــدﺧﻝ وﻳﻌﻣــﻝ ﻓـ ﱠ‬ ‫اﺳﺗﻧﺎدى ﻋﻠﻳﻪ‪ .‬وﻫﻛـذا ﺗﺟﻌﻠﻧـﻰ اﻟـﺻﻼة أﺳـﺗﻧد ﻋﻠـﻰ اﷲ‪ ،‬ﺛـم ﻣـﺳﺎﻧدة اﷲ‬ ‫ﺗدﻓﻌﻧﻰ ﻟﻠﺻﻼة‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻳﺻﺑﺢ اﷲ ﺳﻧدى ﻓﻰ ﻛﻝ ﺷﺊ ﻓﺄﺣﻳﺎ ﻣطﻣﺋﻧﺎً‪.‬‬

‫‪ -4‬قبول مشيئته ‪:‬‬ ‫ﺑﻌدﻣﺎ أﺧﺗﺑر ﻣﺳﺎﻧدة اﷲ ﻟﻰ وﻳزداد ﺛﺑﺎﺗﻰ ﻓﻰ اﻹﻳﻣﺎن ﺑﻪ‪ ،‬أواﺟـﻪ‬ ‫ﻣــﺷﻛﻠﺔ‪ ،‬وﻫــﻰ أن ﺑﻌــض طﻠﺑــﺎﺗﻰ ﻻ ﺗــﺳﺗﺟﺎب‪ ،‬ﻓﺄﺗــﺿﺎﻳق ﻟﻌــدم ﺗﺣﻘﻳــق‬ ‫رﻏﺑ ــﺎﺗﻰ‪ ،‬ﺣﺗ ــﻰ ﺑ ــﺎﻟرﻏم ﻣ ــن اﻟ ــﺻﻠوات اﻟﻛﺛﻳـ ـرة واﻟﻠﺟﺎﺟ ــﺔ ﺑﺈﻳﻣ ــﺎن؛ ﻟﺣ ــﻝ‬ ‫ﻣــﺷﺎﻛﻠﻰ وﺗﺣﻘﻳــق طﻠﺑــﺎﺗﻰ‪ ،‬وﻳﺑــدأ اﻟﺗــذﻣر ﻓــﻰ اﻟﺗــﺳﻠﻝ إﻟــﻰ ﻧﻔــﺳﻰ‪ .‬وﻟﻛــن‬ ‫ﻟﺗﻌودى اﻟﺻﻼة‪ ،‬أطﻠب ﻣﻌوﻧﺔ اﷲ ﻓﻰ ﻫذا اﻟﻣﺄزق اﻟﻧﻔﺳﻰ‪ ،‬ﻓﺄﺟد ﺣﻧﺎﻧﻪ‬

‫‪-29-‬‬


‫اﻟﻌﺟﻳب ﻳﻌطﻳﻧﻰ راﺣﺔ‪ ،‬ﻟﻘﺑوﻝ ﻣﺷﻳﺋﺗﻪ اﻟﻣﻌﺎﻛﺳﺔ‪ ،‬اﻟﺗﻰ ﻛﻧت أﻛﺎد أﺗذﻣر‬ ‫ﻋﻠﻳﻬﺎ‪ ،‬أو ﺳﻘطت ﻓﻌﻼً ﻓﻰ اﻟﺗذﻣر‪ ،‬ﻓﺗﻬدأ ﻧﻔﺳﻰ‪.‬‬ ‫وﺑﺗﻛرار ﺿﻳﻘﻰ ﻣن ﻋدم ﺗﺣﻘﻳق ﻣـﺷﻳﺋﺗﻰ‪ ،‬ﺛـم اﻟـﺻﻼة‪ ،‬ﻓﻳﻌطﻳﻧـﻰ‬ ‫اﷲ ﻫ ــدوءاً وﻗﺑ ــوﻻً ﻟﻣ ــﺷﻳﺋﺗﻪ‪ ،‬أﺟ ــد ﻧﻔ ــﺳﻰ ﺗﻠﻘﺎﺋﻳ ــﺎً ازداد إﻳﻣﺎﻧ ــﺎً ﺑﺗ ــدﺑﻳر اﷲ‬ ‫ﻟﺣﻳـ ــﺎﺗﻰ‪ ،‬ﻓﺄﺻـ ــﻠﻰ إﻟﻳـ ــﻪ طﺎﻟﺑـ ــﺎً ﻣﻌوﻧﺗـ ــﻪ وﺣﻳﻧﺋـ ــذ ﻳﺣررﻧـ ــﻰ ﺗـ ــدرﻳﺟﻳﺎً ﻣـ ــن‬ ‫ﻣﺷﻳﺋﺗﻰ اﻟﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻓﺄﺗﻧﺎزﻝ ﻋن رﻏﺑﺎﺗــﻰ وﻋﻧـدﻣﺎ أﺻـﻠﻰ وأطﻠـب أى ﺷـﺊ‬

‫ﻣﻧﻪ‪ ،‬أﻟﺣﻘﻪ ﺳرﻳﻌﺎً ﺑﺻﻼة "ﻟﺗﻛن ﻣﺷﻳﺋﺗك" )ﻣت‪ ،(10 :6‬ﻷﻧـﻰ أﻋﻠـم أن‬

‫ﻣﺷﻳﺋﺗﻪ أﻓﺿﻝ ﻣن ﻣﺷﻳﺋﺗﻰ‪ .‬وﻫﻛـذا ﺗﺗطـﺎﺑق اﻟﻣـﺷﻳﺋﺗﺎن؛ ﻣـﺷﻳﺋﺗﻰ ﻣـﺷﻳﺋﺔ‬

‫اﷲ‪ ،‬ﻓﺗــﺻﺑﺢ ﻣــﺷﻳﺋﺗﻪ ﻫــﻰ ﻣــﺷﻳﺋﺗﻰ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺑــﻝ ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻳــدﺑرﻩ ﻟﺣﻳــﺎﺗﻰ وأﺗﻔــرغ‬ ‫أﻧ ــﺎ ﻟﻠﺗﻣﺗ ــﻊ ﺑﺣﺑ ــﻪ‪ ،‬ﻓ ــﻰ ﺻ ــﻠوات ﻛﺛﻳـ ـرة وﺗ ــﺻﺑﺢ ﺣﻳ ــﺎﺗﻰ ﻣ ــﺳﺗﻘرة ﻫﺎدﺋ ــﺔ‪،‬‬ ‫ﻣﻧﺷﻐﻠﺔ ﻓﻘط ﺑﺎﻟﻧﻣو اﻟروﺣﻰ وﺧدﻣﺔ اﻵﺧرﻳن‪.‬‬

‫‪ -5‬فرح بمعاينته ‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻟــﺻﻼة أﺣﻳــﺎ ﺣﻳــﺎة ﻣطﻣﺋﻧــﺔ وﺳــط ﺿــﺟﻳﺞ اﻟﻌــﺎﻟم وأﻋﺑــر ﻓــوق‬

‫ﻋﻘﺑﺎﺗ ــﻪ ﺑ ــﻼ اﻧزﻋ ــﺎج‪ ،‬ﻓﻳﻬ ــدأ ذﻫﻧ ــﻰ ﻣ ــن ﺛ ــورة اﻷﻓﻛ ــﺎر اﻟ ــﺷرﻳرة وﻳﻧ ــﺷﻐﻝ‬

‫ﺑﻣﺣﺑﺔ اﷲ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﻳﻛﺷف ﻋن ﻋﻳﻧﻰ‪ ،‬ﻓﺄﻋﺎﻳن أﻋﻣﺎﻟﻪ اﻟﻛﺛﻳرة ﻣﻌـﻰ‪ ،‬ﻓـﺄﻓرح‬

‫‪-30-‬‬


‫وأﺷـ ــﻛر اﷲ وﻋﻧـ ــدﻣﺎ أﺷـ ــﻛرﻩ ﺗـ ــزداد ﻋطﺎﻳـ ــﺎﻩ؛ ﻓﻳـ ــزداد ﻓرﺣـ ــﻰ وﺻـ ــﻠواﺗﻰ‪.‬‬

‫وﺑﺎﻟﺗــدرﻳﺞ أﻛﺗــﺷف ﻣﺣﺑــﺔ اﷲ اﻟﺗــﻰ ﻻ ﺗوﺻــف‪ ،‬ﻓﺎﻧــﺷﻐﻝ ﺑﺷﺧــﺻﻪ ﻋــن‬

‫ﻋطﺎﻳﺎﻩ‪ ،‬أو أراﻩ ﻓﻰ ﻋطﺎﻳﺎﻩ أﻛﺛر ﻣـن اﻧـﺷﻐﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﻌطﻳـﺔ ﻧﻔـﺳﻬﺎ‪ .‬وﺣﻳﻧﺋـذ‬ ‫ﻳﻛﺷف ﻟﻰ أﺳ اررﻩ وﻳدﺧﻠﻧﻰ إﻟﻰ اﻷﻋﻣﺎق‪ ،‬ﻷﻋﺎﻳن ﻣﺟدﻩ وأﺟد ﻟذﺗﻰ ﻓـﻰ‬ ‫ﻣﻌﻳﺗﻪ وﻋﺷرﺗﻪ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﻳرﻓﻌﻧﻰ ﻓوق ﻛﻝ أﻟـم وأﺣﻳـﺎ ﻓـﻰ ﻓـرح ﻻ ﻳﻌﺑـر ﻋﻧـﻪ‪،‬‬

‫ﻫـ ــو ﺗـ ــﺷﺟﻳﻊ إﻟﻬـ ــﻰ؛ ﻷﻧـ ــﺷﻐﻝ ﺑﺎﻷﺑدﻳـ ــﺔ اﻟـ ــﺳﻌﻳدة وأﺳـ ــﺗﻌد ﻟﻬـ ــﺎ‪ ،‬ﻓﺄﺣـ ــب‬

‫اﻟــﺻﻼة؛ ﻷﻧــﻰ أﺧﺗﻠــﻰ ﻓﻳﻬــﺎ ﺑــﻪ‪ ،‬ﺣﺗــﻰ أﻧﻌﺗــق ﻣــن ﻗﻳــود اﻟﺟــﺳد وأﻧطﻠــق‬ ‫ﻷﻛون ﻣﻌﻪ ﻓﻰ اﻟﺳﻣﺎء‪.‬‬

‫‪-31-‬‬


‫الفصل الخامس‬

‫تواضـع وانسـحـاق‬ ‫إن ﻛﺎﻧت اﻟﻛﺑرﻳﺎء ﻫﻰ اﻟﺧطﻳﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺗﻰ ﺳﻘط ﻓﻳﻬﺎ أﺑوﻳﻧـﺎ آدم‬

‫وﺣواء‪ ،‬ﻓـﺈن اﻟﺗواﺿـﻊ ﻫـو اﻟﻔـﺿﻳﻠﺔ اﻟﺗـﻰ ﻳرﺗﻛـز ﻋﻠﻳﻬـﺎ ﺟﻣﻳـﻊ اﻟﻔـﺿﺎﺋﻝ‪،‬‬

‫ﻓﻬو اﻷرض اﻟﺗﻰ ﺗﻧﺑـت ﻓﻳﻬـﺎ ﺟﻣﻳـﻊ اﻟﻐـروس اﻟﺣـﺳﻧﺔ‪ ،‬ﻛﻣـﺎ ﻗـﺎﻝ اﻵﺑـﺎء‪.‬‬

‫إذن ﻓﺎﻻﺗــﺿﺎع ﻫــو ﺿــرورة ﺣﺗﻣﻳــﺔ ﻟﺧــﻼص ﻧﻔــﺳﻰ‪ ،‬ﻳﻧــﺎدﻳﻧﻰ إﻟﻬــﻰ ﻣــﻊ‬ ‫ﻛـ ــﻝ اﻟﻣـ ــؤﻣﻧﻳن ﻟﻼﻗﺗـ ــداء ﺑـ ــﻪ‪ ،‬ﺣﻳﻧﻣـ ــﺎ ﻳﻘـ ــوﻝ "ﺗﻌﻠﻣ ـ ـوا ﻣﻧـ ــﻰ ﻷﻧـ ــﻰ ودﻳـ ــﻊ‬

‫وﻣﺗواﺿــﻊ اﻟﻘﻠــب ﻓﺗﺟــدوا ارﺣــﺔ ﻟﻧﻔوﺳــﻛم" )ﻣــت‪ (29 :11‬ﻓﻛﻳــف ﺗــدﺧﻠﻧﺎ‬

‫اﻟﺻﻼة إﻟﻰ اﻟﺗواﺿﻊ ؟‬

‫‪ -1‬مجده العظيم ‪:‬‬ ‫ﻓــﻰ اﻟــﺻﻼة ﻳﻘــف اﻹﻧــﺳﺎن أﻣــﺎم اﷲ اﻟﻣﻬــوب‪ ،‬اﻟــذى ﺗﺣــﻳط ﺑــﻪ‬

‫ﻣﻼﺋﻛﺗﻪ وﻳﻐطون وﺟوﻫﻬم ﻣن ﺑﻬـﺎء ﻣﺟـدﻩ‪ ،‬ﻓـﻼ ﻳـﺳﺗطﻳﻊ أﺣـد أن ﻳﻧظـر‬

‫إﻟﻳـ ــﻪ ﻣـ ــن ﻓـ ــرط ﻋظﻣﺗـ ــﻪ‪ .‬واﻷرﺑﻌـ ــﺔ وﻋـ ــﺷرون ﻗﺳﻳـ ــﺳﺎً – ﻫـ ــذﻩ اﻟطﻐﻣـ ــﺔ‬ ‫اﻟﻣﻼﺋﻛﻳ ـ ــﺔ اﻟﻌﺎﻟﻳ ـ ــﺔ ‪ -‬ﻳﺧﻠﻌ ـ ــون أﻛ ـ ــﺎﻟﻳﻠﻬم اﻟذﻫﺑﻳ ـ ــﺔ ﻣ ـ ــن ﻋﻠ ـ ــﻰ رؤوﺳ ـ ــﻬم‬

‫وﻳــﺳﺟدون أﻣﺎﻣــﻪ ﻓــﻰ ﺧــﺷوع‪ ،‬ﺻــﺎرﺧﻳن ﻗــدوس ﻗــدوس ﻗــدوس‪ .‬ﻓﻛﻳــف‬

‫ﺗــدﺧﻝ ﻧﻔــﺳﻰ اﻟــﺿﻌﻳﻔﺔ ﻫــذا اﻟﻣﺣﻔــﻝ اﻟﻌظــﻳم‪ ،‬ﻟﺗرﻓــﻊ ﺻــﻠواﺗﻬﺎ أﻣــﺎم اﷲ؟!‬

‫‪-32-‬‬


‫إﻧــﻪ ﺣﻧــﺎن اﷲ اﻟــذى ﻳــﺷﺟﻌﻧﻰ ﻋﻠــﻰ اﻟوﻗــوف أﻣﺎﻣــﻪ واﻟــﺳﺟود ﺑــﻳن ﻳدﻳــﻪ‪.‬‬

‫وﻛﻠﻣــﺎ ﺗﺄﻣﻠــت ﻋظﻣــﺔ اﷲ ‪ -‬اﻟــذى ﻳﺛﺑــت ﻓــﻰ داﺧﻠــﻰ ﺑﻛﺛ ـرة اﻟــﺻﻠوات –‬

‫أﺷ ــﻌر ﺑ ــﺿﻌﻔﻰ‪ ،‬ﻓﺄﺗ ــﺿﻊ أﻣ ــﺎم ﻣﺟ ــدﻩ‪ ،‬ﻋﺎﻟﻣ ــﺎً أﻧ ــﻰ ﻻ ﺷ ــﺊ أﻣ ــﺎم ﻣﺟ ــدﻩ‬ ‫اﻟﻌظﻳم‪ ،‬ﻛﻣﺎ اﺗﺿﻊ أﻣﺎم اﷲ ﻛﻝ ﻣـن رأى ﻣﺟـدﻩ‪ ،‬ﻣﺛـﻝ أﺷـﻌﻳﺎء وﺣزﻗﻳـﺎﻝ‬

‫وﻛﻝ اﻷﻧﺑﻳﺎء ورﺟﺎﻝ اﷲ اﻟذﻳن ﻋﺎﻳﻧوا ﻓﻰ اﻟـﺻﻼة ﺷـﻳﺋﺎً ﻣـن ﻣﺟـدﻩ‪ ،‬ﻣﻣـﺎ‬ ‫ﻳﺟﻌﻠﻧــﻰ أﻗﺗــرب ﻓــﻰ ﺧــﺷوع أﻣﺎﻣــﻪ ﻛــﻝ ﻳــوم وأﺣﻧــﻰ أرﺳــﻰ طﺎﻟﺑــﺎً ﺑرﻛﺗــﻪ‪.‬‬ ‫وﻟﻛــن ﻓــﻰ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت إذا أﺗﻣﺗــﻊ ﺑﻬــذا اﻟﻠﻘــﺎء اﻹﻟﻬــﻰ اﻟﻌظــﻳم ﻻ أرﻳــد أن‬

‫أﺗرﻛــﻪ؛ ﻷﻧــﻪ أﻋظــم ﻣــن أى ﻟﻘــﺎء ﻓــﻰ اﻟﻌــﺎﻟم‪ ،‬ﻓﺄﻗﺑــﻝ ﻋﻠــﻰ اﻟــﺻﻼة‪ ،‬اﻟﺗــﻰ‬ ‫ﻣن ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻳزداد اﺗﺿﺎﻋﻰ ﻳوﻣﺎً ﻓﻳوم‪.‬‬

‫‪ -2‬حبه الالنھائى ‪:‬‬ ‫ﻳ ــﺷﺟﻌﻧﻰ ﻋﻠ ــﻰ اﻟوﻗ ــوف ﻓ ــﻰ اﻟ ــﺻﻼة أﻣ ــﺎم اﷲ ﻣﺣﺑﺗ ــﻪ وﺗرﺣﻳﺑ ــﻪ‬ ‫ﺑ ــﻰ‪ ،‬رﻏ ــم ﺿ ــﻌﻔﻰ وﺣﻘ ــﺎرﺗﻰ‪ ،‬ﺑ ــﻝ دﻋوﺗ ــﻪ ﻟ ــﻰ ﻣ ــﻊ ﻛ ــﻝ أوﻻدﻩ؛ ﻟﻠﺗﻣﺗ ــﻊ‬ ‫ﺑــﺎﻟوﻗوف أﻣﺎﻣــﻪ‪ ،‬ﻓﺄﻧــﺎ ﻟــﺳت ﻣﻘﺗﺣﻣــﺎً ﻟﻣﺟﻠــس اﷲ اﻟﻌﻠــﻰ‪ ،‬ﺑــﻝ ﻣــدﻋواً ﻣــن‬

‫ﻋظﻣﺗ ــﻪ ﻟﻠﺗﻣﺗ ــﻊ ﺑﺣ ــﺿرﺗﻪ‪ ،‬ﻓﺄﺗ ــﺷﺟﻊ وأﻗ ــف أﻣﺎﻣ ــﻪ وأرﻓ ــﻊ ﺻ ــﻠواﺗﻰ ﻣ ــﻊ‬ ‫اﻟﻛﻧﻳــﺳﺔ ﻛﻠﻬــﺎ‪ ،‬ﺑﻣزاﻣﻳــر وﺗــﺳﺎﺑﻳﺢ ﻛــﻝ ﻳــوم‪ ،‬ﻓــﻰ ﺳــﺎﻋﺎت اﻟﻧﻬــﺎر واﻟﻠﻳــﻝ‪،‬‬ ‫ﻛﻣﺎ ﺗﻌﻠﻣﻧﺎ ﺻﻼة اﻷﺟﺑﻳﺔ‪ ،‬ﺑﻝ أﻛﺛر ﻣـن ﻫـذا‪ ،‬ﻳـﺷﺟﻌﻧﻰ ﺣﺑـﻪ أن أﺣﻛـﻰ‬

‫‪-33-‬‬


‫ﻟﻪ ﻛﻝ ﺗﻔﺎﺻﻳﻝ ﺣﻳﺎﺗﻰ وأطﻠب ﺗدﺧﻠﻪ ﻓﻳﻬﺎ وﻫو ﺑﺣﻧﺎﻧﻪ ﻳﺳﻣﻌﻧﻰ ﺑﺎﻫﺗﻣﺎم‬ ‫وﻳ ــﺷﺟﻌﻧﻰ أن أطﻠ ــب ﻣﻧ ــﻪ ﻛ ــﻝ اﺣﺗﻳﺎﺟ ــﺎﺗﻰ‪ .‬وﻟﻛ ــن ﻳﻧ ــﺎزﻋﻧﻰ ﺷ ــﻌوران‪،‬‬ ‫اﻟﺷﻌور اﻷوﻝ ﻫو اﻧﺟذاﺑﻰ إﻟﻰ ﺣﺑﻪ وأﺑوﺗﻪ‪ ،‬ﻓﺄرﻳد أن أﺣﻛـﻰ ﻟـﻪ ﻛـﻝ ﻣـﺎ‬ ‫ﻓﻰ داﺧﻠﻰ‪ .‬واﻟﺷﻌور اﻟﺛﺎﻧﻰ ﻫو إﺣﺳﺎﺳﻰ ﺑﻌظﻣﺗﻪ وﺗﻔﺎﻫﺔ ﻛﻝ ﻣﺎ أﻧطـق‬ ‫ﻣﻌﺎ‪ ،‬ﻓﺄﺗﻘـدم‬ ‫ﺑﻪ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﻳوﻟد داﺧﻠﻰ اﻧﺳﺣﺎق ﺷدﻳد‪ .‬وﻟﻛن ﻳﺧﺗﻠط اﻟﺷﻌوران ً‬

‫أﻣﺎﻣﻪ ﺑداﻟﺔ اﻟﺑﻧﻳن واﺗﺿﺎع اﻟﻌﺎرﻓﻳن ﺑﻣﺟدﻩ‪.‬‬

‫وﻟﻛ ــن اﻟﻌﺟ ــب ﻳظﻬ ــر ﻓ ــﻰ ﺣﺑ ــﻪ اﻟ ــذى ﻳرﺣ ــب ﺑ ــﻰ‪ ،‬رﻏ ــم ﺗﻠ ــوﺛﻰ‬ ‫ﺑﺧطﺎﻳــﺎ ﻛﺛﻳـرة‪ ،‬ﻓﻳــدﻋوﻧﻰ ﻟﻠﺗوﺑــﺔ‪ ،‬ﺑــﻝ ﻳﻌﻠــن ﻓرﺣــﻪ ﺑــﻰ وﺑﺗــوﺑﺗﻰ أﻛﺛــر ﻣــن‬ ‫ﺻﻠوات ﻛﺛﻳرة ﻣرﻓوﻋﺔ أﻣﺎﻣﻪ‪ ،‬ﻋﻧدﻣﺎ ﻳﻘوﻝ "ﻫﻛذا ﻳﻛون ﻓرح ﻓـﻰ اﻟـﺳﻣﺎء‬ ‫ﺑﺧ ــﺎطﺊ واﺣ ــد ﻳﺗ ــوب أﻛﺛ ــر ﻣ ــن ﺗ ــﺳﻌﺔ وﺗ ــﺳﻌﻳن ﺑ ــﺎ اًر ﻻ ﻳﺣﺗ ــﺎﺟون إﻟ ــﻰ‬

‫ﺗوﺑﺔ" )ﻟو‪ .(7 :15‬ﺛم ﻳﻣد ﻳدﻩ‪ ،‬ﻟﻳﻣﺣو ﻛـﻝ ﺧطﺎﻳـﺎى‪ ،‬ﺑـﻝ وﻳﻣـﺳﺢ أﻳـﺿﺎً‬

‫دﻣــوﻋﻰ وأﺣ ازﻧــﻰ‪ ،‬اﻟﺗــﻰ ﺳــﺑﺑﺗﻬﺎ اﻟﺧطﻳــﺔ‪ ،‬ﻓﻳــزداد اﻧــﺳﺣﺎﻗﻰ أﻣﺎﻣــﻪ‪ ،‬ﻟﻛﺛـرة‬ ‫ﻣراﺣﻣـ ــﻪ وﺣﺑـ ــﻪ اﻟﻼﻧﻬـ ــﺎﺋﻰ‪ ،‬اﻟـ ــذى ﻳﺑﺗﻠـ ــﻊ وﻳﻣﺣـ ــو ﻛـ ــﻝ آﺛـ ــﺎﻣﻰ‪ ،‬ﻓﺄﺳـ ــﺑﺣﻪ‬ ‫وأﻣﺟدﻩ‪.‬‬

‫‪-34-‬‬


‫‪ -3‬تواضعه يخجلنى ‪:‬‬ ‫ﻛﻠﻣـ ــﺎ وﻗﻔـ ــت ﻓـ ــﻰ اﻟـ ــﺻﻼة أﻣﺎﻣـ ــﻪ أﻓـ ــرح ﺑﻠﻘﻳـ ــﺎﻩ وﻟﻛﻧـ ــﻰ أﺗﻌﺟ ـ ـب‬

‫ﻻﺗــﺿﺎﻋﻪ‪ ،‬ﻟــﻳس ﻓﻘــط ﻓــﻰ ﺗﺟــﺳدﻩ واﺣﺗﻣﺎﻟــﻪ اﻵﻻم ﻋﻠــﻰ اﻟــﺻﻠﻳب ﻣــن‬

‫أﺟﻠــﻰ وﻟﻛــن ﻓــﻰ ﻗﺑوﻟــﻪ أن ﻳــﺳﻣﻌﻧﻰ ﻛــﻝ ﻳــوم وﻓــﻰ ﻛــﻝ وﻗــت‪ .‬ﻓــﺈن ﻛــﺎن‬ ‫ﻫو اﻟﻌظﻳم ﺑﻬذا اﻟﻣﻘـدار ﻳﺗـﺿﻊ ﻫﻛـذا‪ ،‬ﻓﻛـم ﺑـﺎﻷﺣرى ﻳﻠزﻣﻧـﻰ أن أﺗـﺿﻊ‬ ‫أﻣﺎﻣ ـ ــﻪ ؟! وﻷﻧ ـ ــﻪ ﻏﻳ ـ ــر ﻣﺣ ـ ــدود‪ ،‬ﻓﺎﺗ ـ ــﺿﺎﻋﻪ ﻻ ﻳﻣﻛ ـ ــن أن ﺗﻌﺑ ـ ــر ﻋﻧ ـ ــﻪ‬

‫اﻟﻛﻠﻣــﺎت‪ ،‬ﻓﻛﻠﻣــﺎ وﻗﻔــت أﻣﺎﻣــﻪ ﻓـﻰ اﻟــﺻﻼة أﻧــﺳﺣق ﺗﻠﻘﺎﺋﻳـ ًـﺎ؛ ﻷﻧــﻰ أﺧﺟــﻝ‬ ‫ﻣــن اﺗــﺿﺎﻋﻪ‪ ،‬ﺧﺎﺻــﺔ وأﻧــﻰ أﺷــﻌر ﺑﺣﻧﺎﻧــﻪ ﻳﻘﺗــرب ﻣﻧــﻰ‪ .‬وﻋﻧــدﻣﺎ أﺳــﻳر‬ ‫ﻓﻰ طرﻳق ﺣﻳـﺎﺗﻰ‪ ،‬أﺟـدﻩ ﻳراﻓﻘﻧـﻰ؛ ﻓـﺄﻓرح وأﺗـﺿﻊ وأﻗـوﻝ ﻓـﻰ ﻧﻔـﺳﻰ‪ ،‬ﻣـن‬

‫أﻧﺎ ﺣﺗﻰ ﻳﺳﻳر اﷲ ﻣﻌﻰ‪ .‬وﻫﻛذا ﻳـﺳﻣر ﺑﺎﺗـﺿﺎﻋﻪ اﻻﻧـﺳﺣﺎق ﻓـﻰ داﺧﻠـﻰ‬ ‫ﻛﻠﻣﺎ وﻗﻔت أﺻﻠﻰ أﻣﺎﻣﻪ وﻋﻧدﻣﺎ أرﻓﻊ ﻗﻠﺑﻰ إﻟﻳﻪ وﻓﻰ ﻛﻝ ﺧطواﺗﻰ‪.‬‬

‫‪ -4‬تواضعى أمام أوالده ‪:‬‬ ‫ﺑﺗﻌــودى اﻟــﺻﻼة أﺗﻌــود اﻻﺗــﺿﺎع‪ ،‬ﻓﻳــﺻﺑﺢ أﺣــد طﺑــﺎﻋﻰ‪ ،‬ﻷﻧــﻰ‬ ‫أطﻠب اﷲ ﻛﺛﻳ اًر أﺛﻧـﺎء ﻳـوﻣﻰ‪ ،‬أﺧﺗﺑـر اﻻﺗـﺿﺎع اﻟﻣـﺳﺗﻣر وﻻ أﺳـﺗطﻳﻊ أن‬ ‫أﺧـ ــرج ﻋـ ــن ﻫـ ــذا اﻻﺗـ ــﺿﺎع‪ ،‬ﻋﻧـ ــدﻣﺎ أﺗﻌﺎﻣـ ــﻝ ﻣـ ــﻊ إﺧـ ــوﺗﻰ اﻟﺑـ ــﺷر؛ ﻷن‬

‫اﻻﺗــﺿﺎع أﺻــﺑﺢ ﺟــزءاً ﻣﻧــﻰ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺑــﻝ أن ﻳﺗﻘــدم اﻟﻧــﺎس ﻋﻧــﻰ ﻓ ـﻰ اﻟﻛ ارﻣــﺔ‬

‫‪-35-‬‬


‫ـﻰ اﷲ‬ ‫وأﻣﻳﻝ إﻟـﻰ اﻟﺧﻔـﺎء ﻓـﻰ ﻋﺑـﺎدﺗﻰ وأﻋﻣـﺎﻟﻰ اﻟـﺻﺎﻟﺣﺔ‪ ،‬اﻟﺗـﻰ ﻳـﻧﻌم ﻋﻠ ﱠ‬

‫ﺑﻬــﺎ‪ ،‬ﺑــﻝ وأﻛﺛــر ﻣــن ﻫــذا‪ ،‬أﺷــﻌر أن اﻟﺟﻣﻳــﻊ أﻓــﺿﻝ ﻣﻧــﻰ‪ ،‬ﻓــﺄﺗﻌﻠم ﻣــن‬

‫اﻟﻛــﻝ وأﺗﺗﻠﻣــذ ﻋﻠــﻰ أﻳــدﻳﻬم‪ ،‬ﻓﻳﻛــﺷف ﻟــﻰ اﷲ ﻋــن ﻣﺣﺑﺗــﻪ‪ ،‬ﻓﺄﺗــﺿﻊ أﻛﺛــر‬ ‫وأﻛﺛر‪.‬‬ ‫وﻷﻧــﻰ ﻗــد ﺗﻌــودت اﻟوﺟــود ﻓــﻰ ﺣــﺿرة اﷲ‪ ،‬ﻓﻌﻧــدﻣﺎ أﺗﻌﺎﻣــﻝ ﻣــﻊ‬ ‫اﻵﺧـ ـرﻳن أﺷ ــﻌر أﻧﻬ ــم أوﻻدﻩ‪ ،‬ﻷﻧ ــﻰ أرى ﻛ ــﻝ ﺷ ــﺊ ﻣ ــن ﺧﻼﻟ ــﻪ وﺣﻳﻧﺋ ــذ‬ ‫أﺗﺿﻊ أﻣﺎﻣﻬم ﻷﻧﻬم ﻣﻧﻪ‪ ،‬ﻓﺄطﻳﻌﻬم وأﺳـﺎﻋدﻫم وأﺧـدﻣﻬم‪ ،‬ﻣﻘـدﻣﺎً ﺧـدﻣﺗﻰ‬ ‫ﻟﻪ ﻣن ﺧﻼﻟﻬم‪.‬‬

‫وﻳﺗﻌــﺎظم ﻋﻣــﻝ اﷲ اﻟﻣﺗــﺿﻊ ﻣﻌــﻰ ﻋﻧــدﻣﺎ أﺗــﺿﻊ أﻣــﺎم اﻵﺧ ـرﻳن‬ ‫وأﻛون ﻋﻧد أﻗداﻣﻬم‪ ،‬ﻓﺄﺷﻌر ﺑﻪ ﺑﺟوارى‪ ،‬ﻳﻐﺳﻝ أﻗـدام اﻟﻛـﻝ‪ ،‬أى ﻳﻛـﺷف‬ ‫ﻧﻔــﺳﻪ ﻟــﻰ ﻋﻧــدﻣﺎ أﺗــﺿﻊ‪ ،‬ﻓﻣــن ﻧﺎﺣﻳــﺔ أﺗﻌﺟــب ﻣــن اﺗــﺿﺎﻋﻪ وﻣــن ﻧﺎﺣﻳــﺔ‬ ‫أﺧــرى أﺧﺗﺑــر ﻣﺣﺑﺗــﻪ أﻛﺛــر ﻣــن أى وﻗــت آﺧــر؛ ﻷﻧــﻪ ﻳﻌﻠــن ﻧﻔــﺳﻪ ﺑــﺷﻛﻝ‬ ‫ﺧﺎص ﻟﻠﻣﺗﺿﻌﻳن‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻋﻠﻧت اﻟﻌـذراء ﻓـﻰ ﺗـﺳـﺑﺣﺗﻬﺎ )ﻟـو‪-46 :46 :1‬‬ ‫‪.(55‬‬

‫‪-36-‬‬


‫‪ -5‬إحتمالى آلالمه ‪:‬‬ ‫إذ أﺧﺗﺑـ ــر ﻣﺣﺑﺗـ ــﻪ وﻋـ ــﺷرﺗﻪ ﻓـ ــﻰ اﻻﺗـ ــﺿﺎع‪ ،‬ﻳﻧﺟـ ــذب ﻗﻠﺑـ ــﻰ إﻟﻳـ ــﻪ‬

‫وﻳﺳﺑﻳﻧﻰ ﺣﺑـﻪ‪ ،‬ﻓﺄﺳـﺗﻬﻳن ﺑﻛـﻝ اﻷﺗﻌـﺎب ﻣـن أﺟﻠـﻪ وأﺣﺗﻣـﻝ اﻹﻫﺎﻧـﺎت ﻣـن‬

‫اﻵﺧ ـ ـرﻳن وأﺗﻧـ ــﺎزﻝ ﻋـ ــن رأى ﺑـ ــﺳﻬوﻟﺔ وأﻗﺑـ ــﻝ إﻫﻣـ ــﺎﻝ اﻟﻧـ ــﺎس ﻟـ ــﻰ‪ ،‬ﻷﻧـ ــﻰ‬ ‫ﻣﺷﻐوﻝ ﺑﺄﻋظم ﺷﺊ ﻓﻰ اﻟوﺟود وﻫو اﻟﺗﻣﺗﻊ ﺑﻌﺷرة اﷲ‪ .‬وﺑﻬذا ﻳﺣﻔـر اﷲ‬

‫ﻓــﻰ ﻗﻠﺑــﻰ اﺗــﺿﺎﻋﺎً ﻻ ﻳﻣﺣــﻰ‪ ،‬ﻷﻧــﻰ أراﻩ ﻓــﻰ ﻛــﻝ اﻷﺗﻌــﺎب وأﻓــرح ﺑﺑﻧــوﺗﻰ‬ ‫ﻟﻪ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼﻝ ﺣﻣﻝ ﺻﻠﻳﺑﻪ وأﺻﻠﻰ طﺎﻟﺑﺎً ﻣﻌوﻧﺗﻪ؛ ﻻﺣﺗﻣﺎﻝ اﻵﻻم وﻓﻰ‬ ‫ﻧﻔس اﻟوﻗت أﺷﻛرﻩ؛ ﻷﻧﻪ ﺟﻌﻠﻧـﻰ ﻣـﺳﺗﺣﻘﺎً أن أﺷـﺎرﻛﻪ آﻻﻣـﻪ‪ ،‬ﻓﻳﻛـون ﻟـﻰ‬ ‫ﻣﺟد ﻣﻌﻪ ﻓﻰ اﻟﺳﻣﺎء‪.‬‬

‫‪-37-‬‬


‫الفصل السادس‬

‫محبـة لآلخريـن‬ ‫اﻟ ــﺻﻼة ﺗرﻓ ــﻊ اﻹﻧ ــﺳﺎن ﻣ ــن أﻧﺎﻧﻳﺗ ــﻪ‪ ،‬ﻟﻳﺣ ــب اﷲ اﻟﻐﻳ ــر ﻣﺣ ــدود‬

‫وﻳ ــﺷﺑﻊ ﻣ ــن ﺣﺑ ــﻪ‪ٕ .‬واذ ﻳﻧ ــﺳﻰ اﻹﻧ ــﺳﺎن ﻧﻔ ــﺳﻪ‪ ،‬ﺗﻔ ــﻳض ﻣـ ـراﺣم اﷲ ﻋﻠﻳ ــﻪ‬ ‫وﻳﺣﺗـ ــﺿﻧﻪ‪ ،‬ﻓﻳﺗﻘـ ــدس ﻓـ ــﻰ اﷲ وﻳﻣﺗﻠـ ــﺊ ﺑﻣﺣﺑﺗـ ــﻪ‪ ،‬ﻓﻳﻧﻔـ ــﺗﺢ ﺑـ ــﺳﻬوﻟﺔ ﻋﻠـ ــﻰ‬

‫اﻵﺧرﻳن ﻟﻳﺣﺑﻬم‪ ،‬أو ﺑﻣﻌﻧـﻰ أدق ﻳﻘـدم ﻟﻬـم ﻣﺣﺑـﺔ اﷲ؛ ﻟﻳـﺷﺑﻌوا وﻳﺗﻘدﺳـوا‬ ‫ﻫم أﻳـﺿﺎً ﻓـﻰ اﷲ‪ ،‬ﺣﺗـﻰ ﻳـﺻﻳر اﷲ ﻓـﻰ اﻟﻛـﻝ وﻳﻔـرح ﺑـﺄوﻻدﻩ اﻟﻣﻠﺗـﺻﻘﻳن‬ ‫ﺑــﻪ ﻣﻌـ ًـﺎ‪ ،‬ﻛﺄﻋــﺿﺎء ﻓــﻰ اﻟﺟــﺳد اﻟواﺣــد‪ ،‬اﻟــذى ﻫــو ﻛﻧﻳــﺳﺗﻪ‪ ،‬ﻓﻛﻳــف ﺗﻔــﺗﺢ‬

‫اﻟﺻﻼة ﻗﻠب اﻟﻣﺻﻠﻰ ﻋﻠﻰ إﺧوﺗﻪ ﻓﻳﺣﺑﻬم ﻣن ﻛﻝ ﻗﻠﺑﻪ؟‬

‫‪ -1‬إحساس ‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻧــﺷﻐﺎﻝ اﻟــﻧﻔس ﺑﻣﺣﺑــﺔ اﷲ ﺗﺗــﺿﺎﻳق ﻣــن ﺧطﺎﻳﺎﻫــﺎ وﺗرﺗﻔــﻊ ﻓــوق‬

‫اﻟﻣﺎدﻳــﺎت‪ ،‬ﺑــﻝ ﺗــﺷﻌر أﻧﻬــﺎ زاﺋﻠــﺔ وﺗﺎﻓﻬــﺔ ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎﻝ ﻣﻌﻠﻣﻧــﺎ ﺑــوﻟس اﻟرﺳــوﻝ‬

‫"وأﻧﺎ أﺣﺳﺑﻬﺎ ﻧﻔﺎﻳﺔ ﻟﻛﻰ أرﺑﺢ اﻟﻣـﺳﻳﺢ" )ﻓـﻰ‪ .(8 :3‬وﺑﻬـذا ﻳﻧـﺷﻐﻝ اﻟﻘﻠـب‬

‫ﺑﻣﺣﺑﺔ اﷲ وﻳﻧﻌﺗق ﻣن ﻣﺣﺑﺗﻪ ﻟﻧﻔـﺳﻪ وﻻ ﻳـرى ﻧﻔـﺳﻪ إﻻ ﻛﻌطﻳـﺔ ﻣـن اﷲ‪،‬‬ ‫ﻓﻳﻔرح ﺑﻬﺎ‪.‬‬

‫‪-38-‬‬


‫وﺣﻳﻧﺋــذ ﺗــﺳﺗﻧﻳر ﻋﻳﻧﻳــﻪ ﻟﻳــرى اﻵﺧ ـرﻳن اﻟــذﻳن ﺣوﻟــﻪ أﻳــﺿﺎً ﻋطﻳــﺔ‬ ‫ﻣــن اﷲ‪ ،‬ﻣوﻫوﺑــﺔ ﻟــﻪ؛ وﻳــرى اﷲ ﻓــﻳﻬم وﻳﻛــون ﻧــو اًر ﻟﻬــم‪ ،‬ﻛﻣــﺎ وﻫــب اﷲ‬ ‫ﺣﻳــﺎة ﻟرﻛــﺎب اﻟــﺳﻔﻳﻧﺔ ﺑــﺻﻠوات ﺑــوﻟس اﻟرﺳــوﻝ )أع‪ .(24 :27‬وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻰ‬ ‫ﻳ ــﺻﺑﺢ ﻣ ــن اﻟ ــﺳﻬﻝ ﻋﻠ ــﻰ اﻟ ــﻧﻔس أن ﺗ ــﺷﻌر ﺑﻣ ــن ﺣوﻟﻬ ــﺎ‪ ،‬ﺑ ــﻝ ﺗﺟ ــدﻫﺎ‬ ‫ﻣﻧــﺳﺎﻗﺔ ﻧﺣــوﻫم ﻟﺗــﺷﻌر ﺑﺎﺣﺗﻳﺎﺟــﺎﺗﻬم‪ ،‬ﻟــﻳس ﻓﻘــط ﻟﻠﻣﺎدﻳــﺎت‪ ،‬ﺑــﻝ ﺑــﺎﻷﺣرى‬ ‫ﻟﻠﻣﺳﻳﺢ ﻳﺳوع واﻫب اﻟﺣﻳﺎة‪ ،‬ﻓﺗﺻﻠﻰ ﻣن أﺟﻠﻬم‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻳرﺗﻔـﻊ اﻟﺑرﻗـﻊ ﻣـن‬ ‫أﻣـ ــﺎم ﻋﻳـ ــوﻧﻬم وﻳـ ــروا اﷲ – ﺑرﻗـ ــﻊ اﻟﺗﻔﻛﻳـ ــر اﻟﻣـ ــﺎدى وﻏطـ ــﺎء اﻟـ ــﺷﻬوات‬

‫اﻟﺟﺳداﻧﻳﺔ – ﺑﻝ ﺗطﻠـب ﻣـن اﷲ أن ﻳﺗﻌطـف ﻋﻠـﻳﻬم وﻳﻛـﺷف ﻧﻔـﺳﻪ ﻟﻬـم؛‬ ‫ﻟﻌﺟـ ــزﻫم ﻋـ ــن إد ارﻛـ ــﻪ‪ ،‬ﻓﻬـ ــﻰ ﺗـ ــﺷﺗﺎق أن ﺗﻧـ ــﺿم ﻫـ ــذﻩ اﻟﻧﻔـ ــوس اﻟﺑﻌﻳـ ــدة‪،‬‬ ‫ﻟﺗــﺻﻠﻰ ﻣﻌﻬــﺎ وﺗﺗﻣﺗــﻊ ﺑرؤﻳــﺔ اﷲ وﺗﺟــد ﺧﻼﺻــﻬﺎ‪ .‬وﺗﻘــدم أﻳــﺿﺎً اﻟــدﻣوع‬ ‫واﻟﻣطﺎﻧﻳﺎت ﻣن أﺟﻠﻬم‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻳﺣرك اﷲ ﻣﺷﺎﻋرﻫم وﻳﺣررﻫم ﻣن ﺳﺟﻧﻬم‬ ‫اﻟﻣــﺎدى‪ ،‬واﺛﻘــﺔ أن اﷲ ﻗــﺎدر أن ﻳﻐﻳــر اﻟﻧﻔــوس اﻟﺑﻌﻳــدة‪ ،‬ﺑــﻝ ﻳﺣوﻟﻬــﺎ إﻟــﻰ‬ ‫أوﻻد ﻣﻘرﺑﻳن إﻟﻳﻪ وﺧداﻣﺎً ﻟﻪ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣـﺎ ﺣـوﻝ ﺷـﺎوﻝ اﻟطرﺳوﺳـﻰ إﻟـﻰ ﺑـوﻟس‬ ‫اﻟرﺳــوﻝ‪ .‬وﺗﺗ ـواﻟﻰ ﺻــﻠواﺗﻬﺎ طﺎﻟﺑــﺔ ﺧﻼﺻــﻬم وﺗطﻠــب ﻟﻬــم ﻛــﻝ اﺣﺗﻳــﺎج‬ ‫ﺻﻐﻳ اًر ﻛﺎن أم ﻛﺑﻳ اًر وﺗﻘدم أﻣﺎم اﷲ ﻛﻝ ﻣﻌﺎﻧﺎة ﻳﻌﺎﻧوﻧﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻳـﺳﻧدﻫم ﻓﻳﻬـﺎ‪،‬‬ ‫ﺳواء أظﻬـروا ﻫـذا اﻻﺣﺗﻳـﺎج أم ﻟـم ﻳظﻬـروﻩ ﻟﺧﺟﻠﻬـم‪ ،‬أو ﻳﺄﺳـﻬم‪ ،‬ﻓﺗﻣﺗﻠـﺊ‬ ‫اﻟـ ــﺻﻼة ﺑﺎﻟطﻠﺑـ ــﺎت ﻣـ ــن أﺟـ ــﻝ اﻵﺧ ـ ـرﻳن وﺗﺗﻛـ ــرر اﻟطﻠﺑـ ــﺎت ﻣـ ــن أﺟﻠﻬـ ــم‬ ‫ﻣﺷﻔوﻋﺔ ﺑﺎﻷﺻوام‪.‬‬

‫‪-39-‬‬


‫‪ -2‬عطــاء ‪:‬‬ ‫ﻋﻧدﺋ ــذ ﺗ ــﺷﻌر اﻟ ــﻧﻔس ﺑ ــﺎﻵﺧرﻳن وﺧﺎﺻ ــﺔ اﻟ ــذﻳن أؤﺗﻣﻧ ــت ﻋﻠ ــﻳﻬم‬

‫وﺻﺎرت ﻣـﺳﺋوﻟﺔ ﻋـﻧﻬم‪ ،‬ﺳـواء داﺧـﻝ اﻷﺳـرة واﻷﻗـﺎرب‪ ،‬أو ﻓـﻰ اﻟﻛﻧﻳـﺳﺔ‬

‫أو ﻛــﻝ ﻣــن ﺗﺧــﺗﻠط ﺑﻬــم وﺗرﻓــﻊ ﺻــﻠواﺗﻬﺎ ﻣــن أﺟﻠﻬــم‪ .‬وﺑﺗﻛ ـرار اﻟــﺻﻼة‬ ‫ﻷﺟــﻝ اﻵﺧ ـرﻳن ﺗﺗﺣــرك اﻟــﻧﻔس؛ ﻟﺗــﺳﺎﻧد ﻣــن ﺣوﻟﻬــﺎ ﺑﺎﻟﻛﻠﻣــﺎت اﻟﻣــﺷﺟﻌﺔ‬

‫واﻟﻣــﺳﺎﻋدة اﻟﻣﺎدﻳــﺔ واﻟﺗﻌــﺎطف ﺑﻛــﻝ ﺷــﻛﻝ‪ .‬وﻋﻠــﻰ ﻗــدر اﻟــﺻﻠوات ﻳــزداد‬

‫اﻟﻌطــﺎء‪ ،‬ﻓــﺈذا اﺳــﺗﻣرت اﻟــﺻﻠوات ﺑﻣــﺷﺎﻋر اﻟﺣــب ﻧﺣــو اﻵﺧـرﻳن ﻳــﺳﺗﻣر‬ ‫اﻟﻌطﺎء ﺑﻼ ﺣدود‪.‬‬

‫‪ -3‬احتضــان ‪:‬‬ ‫ﻳـ ــزداد ﺷـ ــﻌور اﻟـ ــﻧﻔس ﺑﺎﻟﻣـ ــﺳﺋوﻟﻳﺔ ﻋـ ــن اﻵﺧ ـ ـرﻳن وﻳ ـ ـرﺗﺑط ﻗﻠﺑﻬـ ــﺎ‬

‫ﺑﺧﻼﺻ ــﻬم‪ ،‬ﻓﺗ ــﺳﻌﻰ ﻟﻣ ــﺳﺎﻋدﺗﻬم‪ ،‬ﻛﺄﻧﻬ ــﺎ وﺣ ــدﻫﺎ اﻟﻣ ــﺳﺋوﻟﺔ ﻋ ــﻧﻬم‪ ،‬ﻓ ــﻼ‬

‫ﺗﻧزﻋﺞ ﻣن ﺗﻘﺻﻳر اﻵﺧرﻳن‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻟو ﻛﺎﻧوا أﻗـرب ﻣﻧﻬـﺎ إﻟـﻰ ﻫـذﻩ اﻟـﻧﻔس‬

‫أﺣدا‪ ،‬ﺑﻝ ﺗﻌﻣـﻝ ﻓـﻰ ﺻـﻣت وﺗﺣﺗـﺿن اﻟﻛـﻝ ‪ -‬ﻛـﺄم‬ ‫اﻟﻣﺣﺗﺎﺟﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﺗﻠوم ً‬ ‫ﻷطﻔﺎﻟﻬ ــﺎ – دون اﺳ ــﺗﺑﻌﺎد‪ ،‬ﺣﺗ ــﻰ ﺑ ــﺳﺑب ﻣ ــﺿﺎﻳﻘﺔ أﺣ ــد اﻟﻣﺣﺑ ــﻳن ﻟﻬ ــذﻩ‬ ‫اﻟﻧﻔس‪ ،‬ﺑﻝ ﺗﻛﻣﻝ ﻛﻝ اﺣﺗﻳﺎج وﺗﻌطﻰ ﺑﺳﺧﺎء‪.‬‬

‫‪-40-‬‬


‫وﻳ ــﺳﺗﻣر ﻋطﺎؤﻫ ــﺎ ﻓ ــﻰ اﺣﺗ ــﺿﺎن وﻣ ــﺳﺋوﻟﻳﺔ ﻛﺎﻣﻠ ــﺔ‪ ،‬أﻳ ــﺎً ﻛ ــﺎن رد‬ ‫ﻓﻌــﻝ اﻟــﻧﻔس اﻟﻣﺣﺗﺎﺟــﺔ‪ ،‬اﻟﺗــﻰ ﻗــد ﺗﺗــذﻣر ﻋﻠــﻰ اﻹﻧــﺳﺎن اﻟﻣــﺻﻠﻰ وﺗﻠوﻣــﻪ‬ ‫وﺗﻐﺿب ﻋﻠﻳﻪ وﺗﻬﻳﻧﻪ‪ ،‬ﺑـﻝ ﻗـد ﻳـﺻﻝ إﻧﻛـﺎر اﻟﺟﻣﻳـﻝ إﻟـﻰ ﺣـد أن ﺗـرﻓض‬ ‫ﻣﺣﺑــﺔ اﻹﻧــﺳﺎن اﻟﻣــﺻﻠﻰ‪ ،‬وﻟﻛــن ﻻ ﻳــؤﺛر ﻛــﻝ ﻫــذا ﻓــﻰ ﻣﺣﺑــﺔ اﻹﻧــﺳﺎن‬ ‫اﻟﻣ ــﺻﻠﻰ؛ ﻷﻧ ــﻪ ﻳﺣ ــب اﷲ اﻟ ــﺳﺎﻛن ﻓ ــﻰ ﻫ ــذﻩ اﻟ ــﻧﻔس اﻟﻣﺣﺗﺎﺟ ــﺔ‪ .‬وﻛ ــﻼم‬ ‫اﻟﻣـ ــﺳﻳﺢ واﺿـ ــﺢ ﺣـ ــﻳن ﻗـ ــﺎﻝ "ﺑﻣـ ــﺎ أﻧﻛـ ــم ﻓﻌﻠﺗﻣـ ــوﻩ ﺑﺄﺣـ ــد أﺧـ ــوﺗﻰ ﻫـ ــؤﻻء‬ ‫اﻷﺻﺎﻏر ﻓﺑﻰ ﻓﻌﻠﺗم" )ﻣﺗﻰ‪.(40 :25‬‬ ‫وﻳﻌﺑــر ﺑــوﻟس اﻟرﺳــوﻝ ﻋــن ﻫــذﻩ اﻟﻣﻌﺎدﻟــﺔ اﻟــﺻﻌﺑﺔ ﻣــن اﻟﻧﻔــوس‬ ‫اﻟﻣﺣﺗﺎﺟ ــﺔ اﻟﺗ ــﻰ ﻳﺧ ــدﻣﻬﺎ ﺣﻳﻧﻣ ــﺎ ﻳﻘ ــوﻝ "ﻛﻠﻣ ــﺎ أﺣ ــﺑﻛم أﻛﺛـ ــر أﺣ ــب أﻗـ ــﻝ"‬ ‫)‪2‬ﻛو‪.(15 :12‬‬ ‫وﺗــﺳﺗﻣر اﻟــﺻﻠوات – اﻟﺗــﻰ ﺗﺣﺗــﺿن اﻵﺧ ـرﻳن وﺗطﻠــب ﻋــﻧﻬم –‬ ‫ﻣﻬﻣــﺎ طــﺎﻝ اﻟــزﻣن‪ ،‬ﺣﺗــﻰ ﺗﻌــود اﻟــﻧﻔس اﻟﻣــﺻﻠﻳﺔ ﺑــﺎﻟﻧﻔوس اﻟﻣﻌﺎﻧــدة إﻟــﻰ‬ ‫اﷲ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻋـﺎدت اﻟﻘدﻳـﺳﺔ ﻣوﻧﻳﻛـﺎ ﻟـﻳس ﻓﻘـط ﺑﺎﺑﻧﻬـﺎ أﻏـﺳطﻳﻧوس اﻟﻣﻌﺎﻧـد‪،‬‬ ‫أﻳﺿﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺻﻼة ﻻ ﺗﻌود ﻓﺎرﻏﺔ‪.‬‬ ‫ﺑﻝ زوﺟﻬﺎ وﺣﻣﺎﺗﻬﺎ اﻟﻣﻌﺎﻧدﻳن‬ ‫ً‬

‫‪-41-‬‬


‫‪ -4‬فــداء ‪:‬‬ ‫ﻓﻳﻣﺎ ﺗﺗﻘدم اﻟﻧﻔس اﻟﻣـﺻﻠﻳﺔ ﺑﺎﻟﺣـب واﻟﻌطـﺎء واﻻﺣﺗـﺿﺎن ﻟﻠﻧﻔـوس‬ ‫اﻟﻣﺣﺗﺎﺟــﺔ‪ ،‬ﺗﻛــون ﻣــﺳﺗﻌدة ﻟﺑــذﻝ ﻛــﻝ ﺷــﺊ ﻟﺧﻼﺻــﻬﺎ‪ ،‬ﺑــﻝ ﺗﺗﻘــدم ﺑــدﻣوع‬ ‫أﻣـﺎم اﷲ طﺎﻟﺑـﺔ ﻋـن ﻫـذﻩ اﻟﻧﻔـوس ﻟﻳرﺣﻣﻬـﺎ اﷲ‪ ،‬ﻷن اﻟـﻧﻔس اﻟﻣـﺻﻠﻳﺔ ﻗـد‬ ‫ﺗــﺄﺛرت ﺑﺎﻟﻣــﺳﻳﺢ اﻟﻔــﺎدى‪ ،‬اﻟــذى اﺟﺗــﺎز اﻟﻣﻌــﺻرة وﺣــدﻩ ﻋﻧﻬــﺎ وﻋــن ﻛــﻝ‬ ‫اﻟﻣؤﻣﻧﻳن ﺑـﻪ وﺻـﻠب ﻋﻠـﻰ اﻟـﺻﻠﻳب ﺣﺗـﻰ أﻛﻣـﻝ اﻟﻔـداء‪ ،‬ﻓﺗـﺳﻛب اﻟـﻧﻔس‬ ‫دﻣوﻋﻬﺎ أﻣﺎم اﷲ وﻫﻰ ﺗﺣﺗﺿن ﻧﻔوس ﻣن ﺣوﻟﻬﺎ وﺗطﻠب ﺧﻼﺻـﻬم ﻣـن‬ ‫ﺣﺑﻳﺑﻬــﺎ‪ ،‬اﻟــذى ﺗــﺳﺗﻧد ﻋﻠــﻰ ذ ارﻋــﻪ‪ ،‬وﺗﻠــﺢ ﻋﻠﻳــﻪ‪ ،‬ﻟﻳﺗ ـرأف ﻋﻠــﻰ اﻟﻛــﻝ وﻻ‬ ‫ﺗﻬــدأ ﺣﺗــﻰ ﻳﻧﻬﻣــر اﻟﺣــب اﻹﻟﻬــﻰ‪ ،‬ﻛﺄﻣطــﺎر ﻏزﻳـرة ﻋﻠــﻰ ﻛــﻝ ﻣــن ﺗطﻠــب‬ ‫ﻣن أﺟﻠﻬم‪ ،‬ﻓﺗﺳﺗرﻳﺢ اﻟﻧﻔس وﺗﻔرح ﺑﺧـﻼص ﺑـﺎﻗﻰ أﻋـﺿﺎء اﻟﺟـﺳد وذﻟـك‬ ‫ﻋﻧــدﻣﺎ ﺗــرى اﻫﺗﻣــﺎم اﻟﻣــﺳﻳﺢ – رأس اﻟﺟــﺳد – وﺣﻧﺎﻧــﻪ ﻋﻠــﻰ اﻟﻛــﻝ‪ ،‬ﻟــذا‬ ‫ﻓــﺎﻟﻧﻔس اﻟﻣــﺻﻠﻳﺔ ﺗــﺻﻠب أﻫواﺋﻬــﺎ وراﺣﺗﻬــﺎ ﻣــن أﺟــﻝ ﺧــﻼص اﻟﻧﻔــوس‬ ‫اﻟﻣﺣﺗﺎﺟــﺔ وﺗﻘــدم ﺟﻬــﺎداً ﻛﺛﻳـ اًر ﻣــن ﺻــﻠوات وﻣطﺎﻧﻳــﺎت وأﺻـوام وﺗــﺳﺎﺑﻳﺢ‬ ‫ودﻣوع ﻛﺛﻳرة‪ ،‬ﺑدﻻً ﻣن اﻟﻧﻔوس اﻟﻣﺣﺗﺎﺟﺔ‪ ،‬اﻟﺗﻰ ﺻﺎرت ﻓﻰ ﻋﺟـز ﺷـدﻳد‬ ‫وﺗﺣﺗــﺎج ﻟﻣــن ﻳﺟﺎﻫــد ﻋﻧﻬــﺎ‪ ،‬ﺣﺗــﻰ ﺗﻘــوم ﻣــن رﻗ ـﺎد اﻟﺧطﻳــﺔ‪ ،‬ﻛﻣــﺎ اﺣﺗــﺎج‬ ‫اﻟﻣﻔﻠـ ــوج ﻟـ ــﺷﻔﺎﻋﺔ اﻷرﺑﻌـ ــﺔ اﻟـ ــذﻳن ﻳﺣﻣﻠوﻧـ ــﻪ وﻳدﻟوﻧـ ــﻪ ﻣـ ــن اﻟـ ــﺳﻘف أﻣـ ــﺎم‬ ‫اﻟﻣﺳﻳﺢ ﻟﻳﻧﺎﻝ ﺧﻼﺻﻪ )ﻣر‪.(5-3 :2‬‬

‫‪-42-‬‬


‫وﺑﻬــذا ﺗــﺳﺗﻣر اﻟــﺻﻠوات واﻟــﺷﻔﺎﻋﺎت ﻋــن اﻟﻣﺣﺗــﺎﺟﻳن ﻣــﺻﺣوﺑﺔ‬

‫ﺑﺎﻟﻌطﺎء واﻟﻣﺳﺎﻧدة‪ ،‬ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺑذﻝ‪ ،‬ﺣﺗـﻰ ﻟـو وﺻـﻝ إﻟـﻰ اﻟﻣـوت‪ ،‬ﻛﻣـﺎ‬

‫أﻋﻠــن ﻣوﺳــﻰ وﺑــوﻟس اﺳــﺗﻌدادﻫﻣﺎ أن ﻳﻣوﺗ ـﺎ ﻟﻳﺣﻳــﺎ ﺷــﻌﺑﻳﻬﻣﺎ‪ ،‬ﻓﻳﻔــرح اﷲ‬ ‫ﺑﻬذﻩ اﻟﺻﻠوات اﻟﺗﻰ ﺗﺣﻣﻝ روح اﻟﻔداء‪ ،‬ﻓﻳﺧﻠص اﻟﻧﻔس اﻟﻣﺻﻠﻳﺔ وﻣﻌﻬـﺎ‬

‫أﻳﺿﺎً اﻟﻧﻔوس اﻟﺗﻰ ﺗﺻﻠﻰ ﻣن اﺟﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻳﻔرح اﻟﻛﻝ ﻓﻰ أﺣﺿﺎن اﻟﻣﺳﻳﺢ‪.‬‬

‫‪-43-‬‬


‫الفھـرس‬ ‫ﻣﻘدﻣـــﺔ‬

‫‪1‬‬

‫اﻟﺑﺎب اﻷوﻝ ‪ :‬ﻣﺎ ﻫﻰ اﻟﺻﻼة ؟‬

‫‪4‬‬

‫‪ -1‬ﺣدﻳث ﻣﻊ اﷲ‬

‫‪4‬‬

‫‪ -2‬ﻋﻼﻗﺔ اﻹﺑن ﻣﻊ أﺑﻳﻪ‬

‫‪5‬‬

‫‪ -3‬ﺗوﺑﺔ اﻟﺗﺎﺋﺑﻳن‬

‫‪5‬‬

‫‪ -4‬ﻣﺣﺑﺔ اﻟﻌروس‬

‫‪6‬‬

‫‪ -5‬ﻋﻣﻝ اﻟروﺣﺎﻧﻳﻳن‬

‫‪6‬‬

‫‪ -6‬ﻳﻧﺑوع اﻟﻔﺿﺎﺋﻝ‬

‫‪6‬‬

‫‪ -7‬اﻟﺳﻣﺎء ﻋﻠﻰ اﻷرض‬

‫‪7‬‬

‫اﻟﺑﺎب اﻟﺛﺎﻧﻰ ‪ :‬ﻓﺎﻋﻠﻳﺔ اﻟﺻﻼة‬

‫‪8‬‬

‫‪-44-‬‬


‫اﻟﻔﺻﻝ اﻷوﻝ ‪ :‬ﺣﻣﺎﻳﺔ ﻣن اﻟﺧطﻳﺔ‬

‫‪9‬‬

‫‪-1‬‬

‫ﺗﻛﺷف ﻗﺑﺣﻬﺎ‬

‫‪9‬‬

‫‪-2‬‬

‫ﻟذة ﺗﺑطﻝ ﻟذﺗﻬﺎ‬

‫‪10‬‬

‫‪-3‬‬

‫ﺳﻠطﺎن ﻋﻠﻳﻬﺎ‬

‫‪10‬‬

‫‪-4‬‬

‫ﺗطﻔﺊ ﺑرﻳﻘﻬﺎ‬

‫‪11‬‬

‫‪-5‬‬

‫وﻗﺎﻳﺔ وﺣﺻﺎﻧﺔ‬

‫‪11‬‬

‫‪-6‬‬

‫ﺑﺷﺎرة ورﺟﺎء‬

‫‪11‬‬

‫‪-7‬‬

‫ﺗدﻗﻳق وﺗوﺑﺔ‬

‫‪12‬‬

‫‪-8‬‬

‫اﺷواق اﻟﻣﺧدع‬

‫‪12‬‬

‫‪-9‬‬

‫اﻟﻘداس واﻻﺗﺣﺎد ﺑﺎﻟﻣﺳﻳﺢ‬

‫‪13‬‬

‫‪ -10‬ﻣﺳﺎﻧدة اﻟﻘدﻳﺳﻳن‬

‫‪-45-‬‬

‫‪13‬‬


‫اﻟﻔﺻﻝ اﻟﺛﺎﻧﻰ ‪ :‬ﺷﺑﻊ وﻓرح‬

‫‪14‬‬

‫‪ -1‬ﺗﻣﻧﺣﻬﺎ اﻟﺳﻼم‬

‫‪14‬‬

‫‪ -2‬ﺗﻌﻳدﻫﺎ إﻟﻰ طﺑﻳﻌﺗﻬﺎ‬

‫‪15‬‬

‫‪ -3‬ﺗﺟردﻫﺎ وﺗﺿﺑطﻬﺎ‬

‫‪15‬‬

‫‪ -4‬ﺗﻘﺑﻝ اﻟﻣﺎدﻳﺎت ﺑروﺣﺎﻧﻳﺔ‬

‫‪16‬‬

‫‪ -5‬ﺗطﻠب ﺧﻼﺻﻬﺎ‬

‫‪17‬‬

‫‪ -6‬ﺗﺳﺑﺢ وﺗﻣﺟد‬

‫‪18‬‬

‫اﻟﻔﺻﻝ اﻟﺛﺎﻟث ‪ :‬طﻬﺎرة اﻟﺣواس‬

‫‪19‬‬

‫‪ -1‬اﻧﺷﻐﺎﻝ ﺑﺎﷲ‬

‫‪19‬‬

‫‪ -2‬اﺑﺗﻌﺎد ﻋن اﻟﺷر‬

‫‪20‬‬

‫‪ -3‬ﺣﻳﺎة اﻟﺷﻛر‬

‫‪21‬‬

‫‪-46-‬‬


‫‪ -4‬رؤﻳﺔ ﻓﺿﺎﺋﻝ اﻵﺧرﻳن‬

‫‪23‬‬

‫‪ -5‬إدراك اﷲ ﻓﻰ اﻟﻌﺎﻟم‬

‫‪24‬‬

‫‪ -6‬ﻗداﺳﺔ اﻟﺣواس‬

‫‪25‬‬

‫اﻟﻔﺻﻝ اﻟراﺑﻊ ‪ :‬اﺗﻛﺎﻝ وﺗﺳﻠﻳم‬

‫‪26‬‬

‫‪ -1‬ﻗدرﺗﻪ وﺣﺑﻪ‬

‫‪26‬‬

‫‪ -2‬ﺗﺳﻠﻳم ﻟﻪ‬

‫‪27‬‬

‫‪ -3‬اﺳﺗﻧﺎد ﻋﻠﻳﻪ‬

‫‪28‬‬

‫‪ -4‬ﻗﺑوﻝ ﻣﺷﻳﺋﺗﻪ‬

‫‪29‬‬

‫‪ -5‬ﻓرح ﺑﻣﻌﺎﻳﻧﺗﻪ‬

‫‪31‬‬

‫اﻟﻔﺻﻝ اﻟﺧﺎﻣس ‪ :‬ﺗواﺿﻊ واﻧﺳﺣﺎق‬

‫‪-47-‬‬

‫‪32‬‬


‫‪ -1‬ﻣﺟدﻩ اﻟﻌظﻳم‬

‫‪32‬‬

‫‪ -2‬ﺣﺑﻪ اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻰ‬

‫‪33‬‬

‫‪ -3‬ﺗواﺿﻌﻪ ﻳﺧﺟﻠﻧﻰ‬

‫‪35‬‬

‫‪ -4‬ﺗواﺿﻌﻰ أﻣﺎم أوﻻدﻩ‬

‫‪35‬‬

‫‪ -5‬اﺣﺗﻣﺎﻟﻰ ﻵﻻﻣﻪ‬

‫‪37‬‬

‫اﻟﻔﺻﻝ اﻟﺳﺎدس ‪ :‬ﻣﺣﺑﺔ اﻵﺧرﻳن‬

‫‪38‬‬

‫‪ -1‬اﺣﺳﺎس‬

‫‪38‬‬

‫‪ -2‬ﻋطﺎء‬

‫‪40‬‬

‫‪ -3‬اﺣﺗﺿﺎن‬

‫‪40‬‬

‫‪ -4‬ﻓداء‬

‫‪42‬‬

‫‪-48-‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.