كنيسة مارمرقس القبطية األرثوذكسية بمصر الجديدة
الصــالة لـذة الحيــاة
القس يوحنا باقى
صاحب الغبطــة والقداســة
البابـــا شــــنوده الثــــالـث بابا اإلسكندرية وبطريرك الكـرازة المرقسية الـ 117
اﻟﻛﺗـﺎب :اﻟﺻﻼة ﻟذة اﻟﺣﻳﺎة اﻟﻣؤﻟـف :اﻟﻘس ﻳوﺣﻧﺎ ﺑﺎﻗﻰ
اﻟﻧﺎﺷـر :ﻛﻧﻳﺳﺔ ﻣﺎرﻣرﻗس ﻣﺻر اﻟﺟدﻳدة اﻟطﺑﻌـﺔ :اﻷوﻟﻰ أﺑرﻳﻝ 2007 اﻟﻣطﺑﻌﺔ :دﻳر ﻣﺎرﻣﻳﻧﺎ ﺑﻣرﻳوط
اﻟﺟﻣﻊ اﻟﺗﺻوﻳرى :اﻟﻧﺎﺳﺦ اﻟﺳرﻳﻊ
ﺑطﺎﻗﺔ ﻓﻬرﺳﺔ ﻓﻬرﺳﺔ أﺛﻧﺎء اﻟﻧﺷر إﻋداد اﻟﻬﻳﺋﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟدار اﻟﻛﺗب واﻟوﺛﺎﺋق اﻟﻘوﻣﻳﺔ إدارة اﻟﺷﺋون اﻟﻔﻧﻳﺔ
ﺑﺎﻗﻰ ،ﻳوﺣﻧﺎ ﻛﻳف أرى اﷲ /ﻳوﺣﻧﺎ ﺑﺎﻗﻰ - 0ط - 01اﻟﻘﺎﻫرة :ﻛﻧﻳﺳﺔ ﻣﺎرﻣرﻗس56 01-04-2006 ، ص ؛ 16ﺳم أ -اﻟﻌﻧوان -1اﻟﺗﺄﻣﻼت )اﻟﻣﺳﻳﺣﻳﺔ( 274.2
مقدمة وﺳط زﺣﺎم اﻟﺣﻳﺎة ﻳﺷﻌر اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺎﻹرﻫﺎق .وﻣﻊ ﺿـﻐوط اﻟﺣﻳـﺎة
اﻟﻣﺎدﻳ ــﺔ ﺗﺗﺟﻣ ــد اﻟﻌﻼﻗ ــﺎت ﻣ ــﻊ اﻵﺧـ ـرﻳن وﺗ ــﺻﻳر ﺟﺎﻓ ــﺔ إﻟ ــﻰ ﺣ ــد ﻛﺑﻳ ــر
وﻧﻔﻌﻳــﺔ ﻓــﻰ ﻛﺛﻳــر ﻣــن اﻷﺣﻳــﺎن .وﻳﺣﺗــﺎج اﻹﻧــﺳﺎن إﻟــﻰ ﻣــن ﻳــﺷﻌر ﺑــﻪ وﻳﺣﺑــﻪ ﻟﺷﺧــﺻﻪ وﻳﺗﻌــﺎطف ﻣﻌــﻪ وﻫﻧــﺎ ﻳظﻬــر اﷲ؛ ﻟﻳﺣﻧــو ﻋﻠــﻰ اﻹﻧــﺳﺎن وﻳﺳﺎﻧدﻩ ،ﺑﻝ وﻳﺣﺗﺿﻧﻪ.
ﻓﻳﻠﺗﺟــﺊ اﻹﻧــﺳﺎن إﻟــﻰ اﻟــﺻﻼة؛ ﻟﻳﺗﺣــدث ﻣــﻊ اﷲ دون ﻗﻳــود وﻫــو
ﻣطﻣﺋن أﻧﻪ ﺳﻳﺳﻣﻌﻪ وﻻ ﻳﻣﻝ ﻣﻧﻪ ،ﻓﻳﺧﺷﻊ ﻗﻠﺑﻪ وﻳﺣﻛﻰ ﻟـﻪ ﻛـﻝ ﻣـﺷﺎﻋرﻩ
اﻟداﺧﻠﻳﺔ .وﻋﻠﻰ ﻗدر ﻣﺎ ﺗﺗﻌﻘد اﻟﺣﻳﺎة ﻳزداد اﻻﺣﺗﻳﺎج إﻟـﻰ اﻟـﺻﻼة ،ﻓﻬـﻰ اﻟﻣﻧﻔــذ ﻟﻠ ارﺣــﺔ وﺳــط ﻛــﻝ اﻟﻣﺗﺎﻋــب .واﻟﻣــﺳﻳﺢ ﺑﻧﻔــﺳﻪ ﻳﻌﻠــم اﺣﺗﻳﺎﺟﻧــﺎ ،إذ
ﻗ ــﺎﻝ "ﺗﻌ ــﺎﻟوا إﻟ ــﻰ ﻳ ــﺎ ﺟﻣﻳ ــﻊ اﻟﻣﺗﻌﺑ ــﻳن واﻟﺛﻘﻳﻠ ــﻰ اﻷﺣﻣ ــﺎﻝ وأﻧ ــﺎ أرﻳﺣﻛ ــم"
)ﻣت.(28 :11
وﻓﻰ اﻟﺻﻼة ﻳﺗﻼﻗﻰ اﻹﻧﺳﺎن ﻣﻊ اﷲ وﻫو أﻋظم ﻟﻘﺎء ﻳﺣدث ﻓـﻰ ﺣﻳــﺎة أى إﻧــﺳﺎن؛ ﻟــذا أﺟﻣــﻊ اﻵﺑــﺎء اﻟﻘدﻳــﺳون ﻋﻠــﻰ أن أﻫــم ﻋﻣــﻝ ﻓــﻰ اﻟﺣﻳـﺎة ﻫــو اﻟــﺻﻼة ،ﺑـﻝ إن اﻟــﺻﻼة – ﻋﻧــدﻣﺎ ﻳﺗﻌودﻫـﺎ اﻹﻧــﺳﺎن – ﺗﻣﺗــد ﻟﺗﻐطﻰ ﺣﻳﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻓﻼ ﻳﺳﺗطﻳﻊ أن ﻳﺗرﻛﻬـﺎ وﺗﺗﺧﻠـﻝ ﻛـﻝ أﻋﻣﺎﻟـﻪ وأﻓﻛـﺎرﻩ وﺗﻣﺗ ــزج ﺑﻬ ــﺎ ،ﺣﺗ ــﻰ أﻧ ــﻪ ﻳ ــﺷﻌر أن اﻟ ــﺻﻼة ﻫ ــﻰ ﻋﻣﻠ ــﻪ اﻟوﺣﻳ ــد؛ ﻷﻧﻬ ــﺎ
-1-
ﺗﺣﺗــﺿن ﺣﻳﺎﺗــﻪ وﺗــﺿﻊ ﺑــﺻﻣﺎﺗﻬﺎ ﻓــﻰ ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻳﻌﻣﻠــﻪ ،ﻓﻳــﺻﻳر ﻧﻘﻳـ ًـﺎ ،ﺑــﻝ ورﻗﻳﻘﺎً ﻓﻳﻧﻌم ﺑﺣﻳﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض.
واﻟــﺻﻼة ﻫــﻰ اﻟﻌﻣــﻝ اﻟوﺣﻳــد ﻓــﻰ اﻟــﺳﻣﺎء ،ﺣﻳــث ﺗﺑطــﻝ اﻟﻣﺎدﻳــﺎت وﻛ ــﻝ ﻣ ــﺎ ﻳﺗﻌﻠـ ـق ﺑﻬ ــﺎ ﻣ ــن اﺿ ــطراﺑﺎت وﻣ ــﺷﺎﻛﻝ ،وﻻ ﻳﺑﻘ ــﻰ إﻻ ﺷ ــﺧص اﻟﻣﺳﻳﺢ ،اﻟذى ﺗﺗﻌﻠق ﺑﻪ ﻛﻝ اﻟﻘﻠوب ﺑﺻﻼة ﺗدوم إﻟﻰ اﻷﺑد. ﻧظ ـ ـ ـ اًر ﻷﻫﻣﻳـ ـ ــﺔ اﻟـ ـ ــﺻﻼة -اﻟﺗـ ـ ــﻰ ﻗـ ـ ــد ﻳﻠﻬﻳﻧـ ـ ــﺎ اﻟـ ـ ــﺷﻳطﺎن ﻋﻧﻬـ ـ ــﺎ ﺑﺎﻧــﺷﻐﺎﻻت اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻛﺛﻳ ـرة؛ ﻟﻳﻔﻘــدﻧﺎ اﻟــﺷوق إﻟﻳﻬــﺎ – ﻧﻘــدم ﻫــذﻩ اﻟﺗــﺄﻣﻼت اﻟﻣﺑﺳطﺔ ﻓﻰ ﻓﺎﻋﻠﻳﺔ اﻟـﺻﻼة ﻓـﻰ ﺣﻳﺎﺗﻧـﺎ ،ﻟﻌﻠﻬـﺎ ﺗﺣـرك ﻣـﺷﺎﻋرﻧﺎ ،ﻓﻧﺗﻘـدم ﻧﺣو اﻟﺻﻼة ﺑﺧطوات أﻛﺛر ﺟدﻳﺔ؛ ﻟﻧﺗﻣﺗﻊ ﺑﺎﻟﺻﻼة ،أو ﺑـﺎﻷﺣرى ﻧﺗﻣﺗـﻊ ﺑﺣﻳﺎﺗﻧﺎ اﻟﺗﻰ ﺗﻐطﻳﻬﺎ اﻟﺻﻼة. ٕواذا اﻗﺗﻧﻌ ــت أﻳﻬ ــﺎ اﻟﻘ ــﺎرئ ﺑﺄﻫﻣﻳ ــﺔ اﻟ ــﺻﻼة واﺷ ــﺗﻘت إﻟﻳﻬ ــﺎ ،إﺑ ــدأ ﺳ ـرﻳﻌﺎً ﺑﺗﺧــﺻﻳص وﻗﺗــﺎً ﻛﺎﻓﻳــﺎً ﻟﻠــﺻﻼة واﺳــﺗﺧدم ﻛــﻝ اﻟوﺳــﺎﺋﻝ اﻟﻣﻣﻛﻧــﺔ ﻟﻠوﺻــوﻝ إﻟــﻰ ﺻــﻼة ﻋﻣﻳﻘــﺔ ،ﺳ ـواء ﺻــﻼة اﻷﺟﺑﻳــﺔ ﺑﻣزاﻣﻳرﻫــﺎ اﻟﺟﻣﻳﻠــﺔ واﻟﺗـ ــﺳﺑﺣﺔ اﻟﻛﻧـ ــﺳﻳﺔ ،أو اﻟـ ــﺻﻠوات اﻻرﺗﺟﺎﻟﻳـ ــﺔ واﻟﻣﻳطﺎﻧﻳـ ــﺎت وﻛـ ــﻝ أﻣـ ــر ﻳ ــﺷﺟﻌك ﻋﻠ ــﻰ اﻟ ــﺻﻼة .إﺑ ــدأ ﺑ ــﺻﻼة وﻟ ــو ﻗ ــﺻﻳرة ٕوان ﻋﺎﻧ ــدك اﻟﺟ ــﺳد ﺑﺎﻟﻛــﺳﻝ ،أو ﺣﺎوﻟــت اﻟظــروف أن ﺗــﺷﻐﻠك ﻓــﻼ ﺗﺗﻬــﺎون ،أو ﺗﺗ ارﺟــﻊ ،ﺑــﻝ إﻏ ــﺻب ﻧﻔ ــﺳك ﻋﻠ ــﻰ اﻟ ــﺻﻼة ،ﻋﺎﻟﻣ ــﺎً أن ﻫ ــذﻩ اﻟ ــﺻﻼة اﻟﺗ ــﻰ ﺗﻐ ــﺻب
-2-
ﻧﻔــﺳك ﻋﻠﻳﻬــﺎ ﻣﻘﺑوﻟــﺔ وﻣﺣﺑوﺑــﺔ ،ﺑــﻝ وﻏﺎﻟﻳــﺔ ﻋﻧــد اﷲ؛ ﻷﻧــك ﺗﺗﻌــب ﻓﻳﻬــﺎ ﻣن أﺟﻝ اﻟوﺻوﻝ إﻟﻳﻪ. ﺛ ــم ﺗ ــﻳﻘن أن ﻫ ــذا اﻟﺗﻐ ــﺻب ﺳ ــﻳزوﻝ وﻳﺣ ــﻝ ﻣﺣﻠ ــﻪ اﻟﺗﻌ ــود ،ﻓ ــﻼ ﺗﺳﺗطﻳﻊ أن ﺗﺳﺗﻐﻧﻰ ﻋن اﻟﺻﻼة ،إذ ﺗﺷﻌر أﻧﻬﺎ ﺟزء ﻣن ﺣﻳﺎﺗك .وﺑﻌـد ذﻟــك ﺗﻧﺗﻘــﻝ إﻟــﻰ اﻟﻣرﺣﻠــﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛــﺔ واﻷﺧﻳـرة وﻫــﻰ اﻟﺗﻠــذذ ﺑﺎﻟــﺻﻼة ،ﻓﺗﺧﺗﺑــر أﻣــو اًر ﻻ ﻳﻌﺑــر ﻋﻧﻬــﺎ ،ﻓﺗﻘــﺿﻰ وﻗﺗــﺎً ﻣﻔرﺣــﺎً ﻣــﻊ اﷲ ،ﻻ ﻳﻌــد ﻣــن أوﻗــﺎت اﻟزﻣـ ــﺎن اﻟﺣﺎﺿـ ــر ،ﺑـ ــﻝ ﻫـ ــﻰ ﻟﺣظـ ــﺎت ﻣـ ــن اﻷﺑدﻳـ ــﺔ ،ﺗـ ــذوﻗﻬﺎ ﻛﻌرﺑـ ــون ﻟﻠﻣﻠﻛوت.
أﺷﻛر ﻛﻝ ﻣن ﺷﺎرك ﻓﻰ ﺧـروج ﻫـذا اﻟﻛﺗـﺎب ووﺻـوﻟﻪ إﻟﻳـك أﻳﻬـﺎ اﻟﻘـ ــﺎرئ اﻟﻌزﻳـ ــز وأرﺟـ ــو أن ﻳﻛـ ــون ﺣـ ــﺎﻓ اًز ﻟـ ــك ﻧﺣـ ــو اﻟـ ــﺻﻼة اﻟﻌﻣﻳﻘـ ــﺔ، ﺑـ ـ ــﺷﻔﺎﻋﺎت أﻣﻧـ ـ ــﺎ اﻟطـ ـ ــﺎﻫرة اﻟﻌـ ـ ــذراء ﻣ ـ ـ ـرﻳم وﺻـ ـ ــﻠوات اﻟﻘـ ـ ــدﻳس اﻟﻌظـ ـ ــﻳم ﻣــﺎرﻣرﻗس اﻟرﺳــوﻝ ﻛــﺎروز دﻳﺎرﻧــﺎ اﻟﻣــﺻرﻳﺔ وﻣﻌﻬــﺎ ﺻــﻠوات ﻗداﺳــﺔ اﻟﺑﺎﺑــﺎ اﻟﻣﻌظم اﻷﻧﺑﺎ ﺷﻧودة اﻟﺛﺎﻟث. اﻟﻘس ﺑوﺣﻧﺎ ﺑﺎﻗﻰ
ﻋﻳد اﻟﻘﻳﺎﻣﺔ اﻟﻣﺟﻳد 8أﺑرﻳﻝ 2007
-3-
الباب األول
ما ھى الصالة ؟ ﻷن اﻟﺻﻼة ﻫﻰ أﺳﻣﻰ ﺷﺊ ﻓﻰ اﻟﺣﻳﺎة وطرﻳق ﻛﻝ ﻣن ﻳﺑﺗﻐـون ﻣﻠﻛـوت اﻟﺳﻣوات ،ﻟذا اﺧﺗﺑرﻫـﺎ ﺟﻣﻳـﻊ أوﻻد اﷲ وﻛﺗﺑـوا وﺗﻛﻠﻣـوا ﻋﻧﻬـﺎ ﻛﺛﻳـ ًرا ،ﻓﻬـﻰ ﺗﻌﻧـﻰ أﻣـو اًر روﺣﻳــﺔً ﻛﺛﻳـرة وﺗﻐطـﻰ ﻛــﻝ ﺟواﻧـب اﻟﺣﻳـﺎة .ﻧــذﻛر ﻫﻧـﺎ ﺑﻌــض ﺗﻌرﻳﻔﺎت اﻟﺻﻼة ،اﻟﺗـﻰ ﺗﺧﺗﻠـف ﻣـن ﺷـﺧص إﻟـﻰ آﺧـر ،ﺑﺣـﺳب اﺧﺗﺑـﺎرﻩ ﻟﻠﺻﻼة ٕواﺣﺳﺎﺳﻪ ﺑﺎﷲ ،ﻓﺎﻟﺻﻼة ﻫﻰ -:
) (1حديث مع ﷲ :
ﻛم ﻫـو ﻋظـﻳم أن ﻳـﺳﻣﺢ اﷲ ﻟﻧـﺎ أن ﻧﻛﻠﻣـﻪ ،ﻓـﻰ ﺣـﻳن أن رؤﺳـﺎء اﻟﻌــﺎﻟم ﻻ ﻳــﺳﻣﺣون ﺑﻬــذا ﻟﻛــﻝ إﻧــﺳﺎن وﻟﻛــن اﷲ ﺑﻣﺣﺑﺗــﻪ ﻳﻔــﺗﺢ أﺑواﺑــﻪ ﻟﻧــﺎ وﻳﻔرح ﺑﺻﻼﺗﻧﺎ ،ﻟﻳس ﻓﻰ أوﻗﺎت ﻣﻌﻳﻧﺔ ،ﺑﻝ ﻓﻰ ﻛﻝ وﻗـت .واﻷﻛﺛـر ﻣـن ﻫــذا أﻧ ــﻪ ﻳــدﻋوﻧﺎ ﻟﻠ ـﺻـﻼة داﺋﻣــﺎً ﻓﻳﻘ ــوﻝ "ﺻ ــﻠوا ﺑــﻼ اﻧﻘطــﺎع" )1ﺗــس:5 (17وﻳﻘــوﻝ أﻳــﺿﺎً "ﻳﻧﺑﻐــﻰ أن ﻳــﺻﻠﻰ ﻛــﻝ ﺣــﻳن وﻻ ﻳﻣــﻝ" )ﻟــو.(1 :18 ﻓﻬـو ﻳﻧـﺻت ﺑﺎﻫﺗﻣـﺎم ﻟﻛـﻝ ﻛﻠﻣﺎﺗﻧـﺎ ﻓـﻰ اﻟـﺻﻼة ،ﻣﻬﻣـﺎ ﻛﺎﻧـت ﺿــﻌﻳﻔﺔ أو ﻣﺗﻠﻌﺛﻣﺔ ،وﻳـرد أﻳـﺿﺎً ﻋﻠﻳﻧـﺎ ﺑطـرق ﻣﺗﻧوﻋـﺔ ،ﺳـواء ﻓـﻰ اﻟﻛﺗـﺎب اﻟﻣﻘـدس، أو ﺑﺗـ ــذﻛر آﻳـ ــﺎت ،أو ﻣﻌـ ــﺎﻧﻰ ﻣﻌﻳﻧـ ــﺔ ،أو ﻳـ ــﺳﻣﻌﻧﺎ ﺻـ ــوﺗﻪ ﻋﻠـ ــﻰ ﻟـ ــﺳﺎن
-4-
اﻟﻣﺣﻳطــﻳن ﺑﻧــﺎ .ﻓﻬــو ﻳﺟﻳﺑﻧــﺎ إﻣــﺎ أﺛﻧــﺎء اﻟ ـﺻﻼة ،أو ﺑﻌــدﻫﺎ وﻫــو ﻳــود أن ﻳﻘﻳم ﺣوا اًر ﻣﻌﻧﺎ ،إن ﻛﻧﺎ ﻣﺗﻣﺳﻛﻳن ﺑﻪ ،ﻣﺣﺑﻳن ﻟﻠﺣوار ﻣﻌﻪ.
) (2عالقة اإلبن مع أبيه : اﻟــﺻﻼة ﻫــﻰ ذﻫــﺎب اﻹﺑــن إﻟــﻰ أﺑﻳــﻪ؛ ﻟﻳﺣدﺛــﻪ ﺑﻛــﻝ اﺣﺗﻳﺎﺟﺎﺗ ــﻪ. واﻷب ﻳﻔــرح أن ﻳــﺳد اﺣﺗﻳﺎﺟــﺎت إﺑﻧــﻪ وﻳﺣــﻝ ﻛــﻝ ﻣــﺷﺎﻛﻠﻪ ،ﻓﻳﺗﻘــدم اﻹﺑــن ﺑﺧـﺷوع أﻣــﺎم أﺑﻳــﻪ اﻟﻌظــﻳم .وﻟﻛــن ﻓــﻰ ﻧﻔـس اﻟوﻗــت ﻳﺗﻘــدم ﺑداﻟــﺔ وﺛﻘــﺔ ﻓــﻰ ﻣﺣﺑــﺔ أﺑﻳــﻪ وﻳطﻠــب ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻳرﻳــد ﻣﻧــﻪ ،ﺧﺎﺻــﺔ وأن اﷲ ﻳــﺳﺗﺣﺛﻧﺎ ﻟﻧــﺳرع إﻟﻳﻪ ﻓﻰ ﻛﻝ اﺣﺗﻳﺎﺟﺎﺗﻧﺎ ﻓﻳﻘوﻝ "اﺳﺄﻟوا ﺗﻌطوا ،اطﻠﺑوا ﺗﺟدوا ،اﻗرﻋـوا ﻳﻔـﺗﺢ ﻟﻛم" )ﻣت ،(7 :7ﺑﻝ ﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺗﻬﺎون ﻓﻰ اﻟـﺻﻼة ﻳﻧﺑﻬﻧـﺎ؛ ﻟﻧطﻠـب ﻛـﻝ ﻣـﺎ ﻧرﻳ ــد ﻣﻧ ــﻪ ،ﻓﻳﻘ ــوﻝ "إﻟ ــﻰ اﻵن ﻟ ــم ﺗطﻠﺑـ ـوا ﺷ ــﻳﺋﺎً ﺑﺈﺳ ــﻣﻰ ،اطﻠﺑـ ـوا ﺗﺄﺧ ــذوا
ﻟﻳﻛــون ﻓــرﺣﻛم ﻛــﺎﻣﻼً" )ﻳ ــو .(24 :16ﻓﺎﻟــﺻﻼة ﻫــﻰ اﺳــﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟطﻠﺑ ــﺎت
اﻷﺑﻧﺎء ،وﻫﻰ ﺣدﻳث اﻟﺣب اﻟﺧﺎص ﺑﻳن اﻹﺑن وأﺑﻳﻪ ،ﻟﻳﻛﻔﻳﻪ وﻳﺷﺑﻌﻪ.
) (3توبة التائبين : ﻫــﻰ ﺑ ــﺎب اﻟﺗوﺑ ــﺔ اﻟﻣﻔﺗــوح ﻟﻛ ــﻝ اﻟﺧط ــﺎة ،ﻣﻬﻣــﺎ ﻛﺎﻧ ــت ﺧطﺎﻳ ــﺎﻫم ﻋظﻳﻣ ــﺔ ،أو ﻣﺗﻛ ــررة وﻫ ــو ﻳﻘﺑ ــﻝ أوﻻدﻩ؛ ﻟﻳﻣ ــﺳﺢ ﻋ ــﻧﻬم ﻛ ــﻝ ﺧطﺎﻳ ــﺎﻫم. واﻟﻌﺟﻳـ ــب أﻧـ ــﻪ ﺑﻌـ ــد اﻟـ ــﺻﻼة اﻟـ ــﺳﺎﺟدة واﻟداﻣﻌـ ــﺔ -اﻟﺗـ ــﻰ ﻳـ ــﺳﻛب ﻓﻳﻬـ ــﺎ
-5-
اﻹﻧـ ــﺳﺎن ﻧﻔـ ــﺳﻪ ،ﻣﻌﺗرﻓـ ــﺎً ﺑﺧطﺎﻳـ ــﺎﻩ اﻟﻣؤﻟﻣـ ــﺔ – ﻳـ ــﺷﻌر ﺑﺎرﺗﻳـ ــﺎح ﺷـ ــدﻳد؛ ﻓﻳﺗﺧﻠص ﻣن ﻛﻝ اﺿطراب ،ﺑﻝ وﻳﻧﺎﻝ ﻓرﺣﺎً ﺑﺟﺎﻧب اﻟﺳﻼم.
) (4محبة العروس : ﻫﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺣب ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻠـﻰ أﻋﻠـﻰ ﻣـﺳﺗوى ﺑـﻳن اﻟـﻧﻔس اﻟﺑـﺷرﻳﺔ – ﻛﻌ ــروس ﻟﻠﻣ ــﺳﻳﺢ – وﺑ ــﻳن ﻋرﻳ ــﺳﻬﺎ اﻟ ــﺳﻣﺎوى .ﻓﻬ ــﻰ ﺗﻔ ــرح أن ﺗﻠﻘ ــﻰ ﺑﻧﻔﺳﻬﺎ ﺑﻳن أﺣـﺿﺎﻧﻪ وﻫـو ﻳﻌﺎﻧﻘﻬـﺎ ﺑﺣﺑـﻪ وﻳﻘﺑﻠﻬـﺎ ،ﻓﻳـﺷﺑﻌﻬﺎ وﺗﺗـذوق دﺳـم ﺣﺑﻪ ،اﻟذى ﻳﻌﻠو ﻓوق ﻛﻝ ﻋﻘﻝ أو ﻣﺷﺎﻋر ﺑﺷرﻳﺔ.
) (5عمل الروحانيين : اﻹﻧﺳﺎن ﺟﺳد وروح وﻛﻣﺎ ﻳﺣﺗﺎج اﻟﺟﺳد إﻟﻰ ﻣﺗطﻠﺑﺎﺗﻪ اﻟﻣﺎدﻳﺔ – ﻣن ﻏذاء وراﺣﺔ – ﻫﻛذا أﻳﺿﺎً اﻟروح ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺷـﺑﻌﻬﺎ ،اﻟـذى ﻳـﺗم ﻣـن ﺧـ ــﻼﻝ اﻟـ ــﺻﻼة ،ﻟـ ــذا ﻓﻬـ ــﻰ دﻟﻳـ ــﻝ ﻋﻠـ ــﻰ روﺣﺎﻧﻳـ ــﺔ اﻹﻧـ ــﺳﺎن ،ﺑـ ــﻝ ﺗﻘـ ــﺎس روﺣﺎﻧﻳﺗﻪ ﺑﻣﻘدار ﻣﺣﺑﺗﻪ ﻟﻠﺻﻼة.
) (6ينبوع الفضائل : اﻟــﺻﻼة ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎﻝ اﻵﺑــﺎء ﻫــﻰ اﻟﻌــﻳن اﻟﺗــﻰ ﺗــﺳﻘﻰ ﺟﻣﻳــﻊ اﻟﻐــروس
ﻓــﻰ ﻓــردوس اﻟــﻧﻔس ،ﻓﻬــﻰ ﻣــﺻدر اﻟﻔــﺿﺎﺋﻝ وﻫــﻰ اﻟﺗــﻰ ﺗﻧﻣﻳﻬــﺎ وﺗﺛﺑﺗﻬــﺎ.
ﻓﻌﻠﻰ ﻗدر ﻣﺣﺑﺔ اﻟﻧﻔس ﻟﻠـﺻﻼة ﻳﻬﺑﻬـﺎ اﷲ ﻓـﺿﺎﺋﻝ ﻛﺛﻳـرة ،ﺗﻧﻣـو وﺗزدﻫـر ﺑﺎزدﻳـ ــﺎد ﻋﻼﻗـ ــﺔ اﻹﻧـ ــﺳﺎن ﺑـ ــﺎﷲ ﻣـ ــن ﺧـ ــﻼﻝ اﻟـ ــﺻﻼة .ﻓﺎﻟﻣـ ــﺻﻠﻰ ﻳﺗﻣﺗـ ــﻊ
-6-
ﺑﻔﺿﺎﺋﻝ ﻛﺛﻳرة دون أن ﻳﺷﻌر ،ﻳﻧظرﻫﺎ ﻣن ﺣوﻟﻪ وﻳﻔرﺣون ﺑرؤﻳﺗﻬـﺎ ﻓﻳـﻪ، ﺑﻝ ﻳﺻﻳر ﺑرﻛﺔ ﻟﻛﻝ ﻣن ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ.
ﻓﻛﻝ ﻣﻣﺎرﺳﺔ روﺣﻳـﺔ ﺗـﺳﺎﻋد اﻹﻧـﺳﺎن ﻋﻠـﻰ اﻹرﺗﺑـﺎط ﺑـﺎﷲ وﺗﻧﻣـﻰ
ﻋﻼﻗﺗ ــﻪ ﺑ ــﻪ ﻫ ــﻰ طرﻳ ــق ﻟﻠ ــﺻﻼة ،وﻓ ــﻰ اﻟﻧﻬﺎﻳ ــﺔ ﺗﻘودﻧ ــﺎ ﻗـ ـراءة اﻟﻛﺗـــﺎب اﻟﻣﻘــدس واﻟﻛﺗــب اﻟروﺣﻳــﺔ وﺣــﺿور اﻻﺟﺗﻣﺎﻋــﺎت اﻟروﺣﻳــﺔ وﻛــﻝ ﺧدﻣــﺔ
وﻋﻣﻝ رﺣﻣـﺔ إﻟـﻰ ﺻـﻼة ﻗوﻳـﺔ ،إذ أن ﻫـذﻩ اﻟﻣﻣﺎرﺳـﺎت ﺗـﺻﺑﺢ ﺑـﻼ ﻗﻳﻣـﺔ ﺑدون ﺻﻼة.
) (7السماء على األرض : اﻟــﺻﻼة ﻫــﻰ ﺗﻘــدﻳس اﻟــزﻣن اﻟﺣﺎﺿــر؛ ﻟﻳــﺳﻣو وﻳﺗﻘــدس ،ﻓﻳــﺻﻳر ﻣـن اﻟﻠﺣظـﺎت اﻷﺑدﻳــﺔ .ﻓﻬـﻰ اﺳــﺗﻌداد ﻟﻠـﺳﻣﺎء ،ﺑـﻝ ﺷــرﻛﺔ ﻣـﻊ اﻟــﺳﻣﺎﺋﻳﻳن وﺗﻣﺗﻊ ﺑﺎﻟﻣﻠﻛوت ،اﻟذى ﻻ ﻳﻌﺑر ﻋﻧـﻪ وﺗﻌﻠـو ﻟذﺗـﻪ ﻓـوق ﻛـﻝ ﻟـذة أرﺿـﻳﺔ. وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻰ ﻓﺎﻟﺻﻼة ﻫﻰ ﺻداﻗﺔ ﻣﻊ اﷲ واﻟﻘدﻳﺳﻳن ،ﻓﻬﻰ ﻋﺷرة اﻟﺳﻣﺎء.
-7-
الباب الثانى
فاعلية الصالة إن أﺛـ ــﺎر اﻟـ ــﺻﻼة ﻓـ ــﻰ اﻟـ ــﻧﻔس ﻣﺗﻌـ ــددة ﺟـ ــداً وﺑرﻛﺎﺗﻬـ ــﺎ ﻳـ ــﺻﻌب إﺣ ــﺻﺎﺋﻬﺎ وﻫ ــﻰ ﺗﻌﻣ ــﻝ ﻓ ــﻰ اﻹﻧ ــﺳﺎن؛ ﻟﻛ ــﻰ ﻣ ــﺎ ﺗﺟﻌﻠ ــﻪ إﺑﻧ ــﺎً ﺣﻘﻳﻘﻳ ــﺎً ﷲ
وﻣــﺳﺗﺣﻘﺎً ﻟﻣﻠﻛــوت اﻟــﺳﻣوات .وﻧﻘــدم ﻟــك ﻓــﻰ اﻟﻔــﺻوﻝ اﻟﺗﺎﻟﻳــﺔ ﺑﻌــﺿﺎً ﻣــن ﻫذﻩ اﻟﺑرﻛﺎت ،اﻟﺗﻰ ﻳﺗﻣﺗﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﻣﺻﻠﻰ.
-8-
الفصل األول :
حماية من الخطية ﻟﻠﺧطﻳ ـ ــﺔ ﺑرﻳ ـ ــق ﺧط ـ ــف اﻷﺑ ـ ــﺻﺎر وﻟ ـ ــذة ﺗﻌﻣ ـ ــﻰ اﻟﻘﻠ ـ ــوب ،ﺗ ـ ــدﻓﻊ اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻠﺳﻌﻰ ﻧﺣوﻫﺎ واﻟﺗﻌﻠق ﺑﻬﺎ .وﻟﻛﻧﻪ ﻓـﻰ ﻛـﻝ ﻣـرة ﻳﺧطـﺊ اﻹﻧـﺳﺎن ﻳــﺷﻌر ﺑﻧــدم ﺷــدﻳد وﻓﻘــدان ﻟــﺳﻼﻣﻪ وﺳــرﻋﺎن ﻣــﺎ ﻳﻛﺗــﺷف أن ﻟــذة اﻟﺧطﻳــﺔ وﻗﺗﻳــﺔ ،ﺗﺧﻠــف وراءﻫــﺎ ﻣــن اﻷﻟــم واﻟﻧــدم ﻣــﺎ ﻳﻔﻘــدﻫﺎ زﻫوﺗﻬــﺎ وﻟﻛــن اﻋﺗﻳــﺎد اﻟﺧطﻳﺔ وﺑﻌد اﻹﻧـﺳﺎن ﻋـن ﻳﻧﺑـوع ﺧﻼﺻـﻪ وﺳـر ﺷـﺑﻌﻪ اﻟﺣﻘﻳﻘـﻰ – وﻫـو اﷲ – ﻳﺟﻌﻠــﻪ ﻳ ـﺳﻘط ﻣ ـرات وﻣ ـرات وﺑﺗ ـواﻟﻰ ﺳــﻘوطﻪ ﻳــزداد اﺑﺗﻌــﺎدﻩ ﻋــن ﺧﺎﻟﻘــﻪ ،ﻫﻧــﺎ ﻳﺣﺎرﺑــﻪ اﻟــﺷﻳطﺎن ﺑــﺄﺧطر ﺧطﻳــﺔ وﻫــﻰ اﻟﻳــﺄس ،ﺣﺗــﻰ ﻳﺑﺗﻌــد ﻧﻬﺎﺋﻳــﺎً ﻋــن اﷲ وﻳظــﻝ ﺗﺣــت وطــﺄة اﻟﺧطﻳــﺔ ،ﻳﻌــﺎﻧﻰ ﻣــن آﺛﺎرﻫــﺎ .واﻟﺣــﻝ اﻟوﺣﻳ ــد اﻟ ــذى ﻳﻧﻘ ــذﻩ ﻣ ــن اﻟﺧطﻳ ــﺔ وﻳﺣﻣﻳـــﻪ ﻣﻧﻬ ــﺎ ﻫ ــو اﻟرﺟ ــوع إﻟـــﻰ اﷲ واﻟﺣدﻳث ﻣﻌﻪ ﻓﻰ اﻟﺻﻼة .ﻓﻛﻳف ﺗﻛون اﻟﺻﻼة ﺣﻣﺎﻳﺔ ﻣن اﻟﺧطﻳﺔ ؟
-1تكشف قبحھا : اﻟﺻﻼة ﺗرﻓﻊ اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻠﺣدﻳث ﻣـﻊ اﷲ ،ﻓﺗﺗﻧﻘـﻰ ﻣـﺷﺎﻋرﻩ وﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻰ
ﻳﺑدأ ﺑﺎﻛﺗﺷﺎف ﺧطﺄ اﻟﺧطﻳﺔ ،وﺗﺗﺣـرك ﻣـﺷﺎﻋر اﻟﻧـدم داﺧﻠـﻪ ،ﻓﻳﻘـدم ﺗوﺑـﺔ ﻓﻰ اﻟﺻﻼة وﻳطﻠب ﻏﻔران اﷲ.
-9-
-2لذة تبطل لذتھا : وﺑﺎﺳﺗﻣرار اﻟﺻﻼة ﻳﺗدرج ارﺗﻔﺎع اﻟﻧﻔس ﻋن ﻛﻝ ﺷرٕ ،واذ ﺗﺗـذوق
ﺣﻼوة اﷲ ﺗﺷﻌر ﺑﻠذة ﺟدﻳدة ،ﺗﺧﺗﻠف ﺗﻣﺎﻣﺎً ﻋن ﻟذة اﻟﺧطﻳـﺔ ،ﺑـﻝ ﺗـﺷﻌر ﺑــدﻧﺎءة ﻟــذة اﻟﺧطﻳــﺔ ،إن ﻗﻳــﺳت ﺑﺎﻟﻠــذة اﻟروﺣﻳــﺔ ﻓــﻰ ﻋــﺷرة اﷲ؛ ﻓﻳ ــزداد ﺿﻳق اﻹﻧﺳﺎن ﻣن ﺧطﻳﺗﻪ وﻳﺗﺑﺎﻋد ﻋن ﻣـﺻﺎدرﻫﺎ وﻳﺣـﺎوﻝ أن ﻳﻘﺎوﻣﻬـﺎ؛ ﻟﻳﺣﺗﻔظ ﺑﻣﻛﺎﻧﻪ اﻟطﺎﻫر ﻓﻰ اﻟﺻﻼة.
-3سلطان عليھا : وﺑﺎﺳﺗﻣرار اﻟﺻﻼة ﺗﺗﻘوى اﻟﻧﻔس ﺑﻌﻼﻗﺗﻬﺎ ﺑـﺎﷲ وﺗـﺷﻌر ﺑـﺳﻠطﺎﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺧطﻳﺔ وﻋﻠﻰ إﺑﻠﻳس ﻣﺻدرﻫﺎ وأﻧﻬـﺎ ﻗـﺎدرة ﺑـﺎﷲ أن ﺗـدوس اﻟﺣﻳـﺎت واﻟﻌﻘــﺎرب وﻛــﻝ ﻗــوة اﻟﻌــدو ،ﻓﻳﻧﻣــو إﻳﻣﺎﻧﻬــﺎ ﺑــﺎﷲ وﺗﺗﻘــدم أﻣﺎﻣــﻪ ﻓــﻰ دﻣــوع اﻟﺻﻼة وﻣطﺎﻧﻳﺎت ﻛﺛﻳرة ،طﺎﻟﺑﺔ ﻣن اﷲ أن ﻳرﻓﻊ ﻋﻧﻬﺎ ﺳﻳطرة اﻟﺧطﻳـﺔ، ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻣﺳﺗﻣرة ﻟزﻣﺎن طوﻳﻝ وﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺻﻌﺑﺔ وﻣﺧزﻳﺔ ،ﺛم ﺗﻘـوم ﻣــن اﻟــﺻﻼة ﺑﻣــﺷﺎﻋر ﻫﺎدﺋــﺔ ﻣطﻣﺋﻧــﺔ ،واﺛﻘــﺔ ﻣــن ﺳــﻠطﺎﻧﻬﺎ ﻋﻠــﻰ رﻓــض اﻟﺧطﻳﺔ واﻟﺑدء اﻟﺟدﻳد.
-10-
-4تطفئ بريقھا : وﻫﻛذا ﺗرﻓﻊ اﻟﺻﻼة اﻹﻧﺳﺎن ﻋن ﺷﻬواﺗﻪ اﻟﺷرﻳرة وﻳﻛرﻩ اﻟﺧطﻳـﺔ، إذ ﻳــﺷﻌر ﺑــﺷﻧﺎﻋﺗﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬــﺎ ﻓــﺻﻠﺗﻪ ﻋــن اﷲ ﻣــدة طوﻳﻠــﺔ وأﻓﻘدﺗــﻪ ﺗﻌزﻳــﺎت اﻟـﺳﻣﺎء .وﻋﻠــﻰ ﻗـدر ﺗﻣــﺳﻛﻪ ﺑﺎﻟـﺻﻼة ﻳــزداد ﺗﻧـﺎﻓرﻩ ﻣــﻊ اﻟﺧطﻳـﺔ ،ﻓﻳﺗﺑﺎﻋــد ﻳﺟﻳﺎ ،ﺣﺗﻰ ﻻ ﺗﻌود ﺗﺛﻳرﻩ وﻳﻧطﻔﺊ ﺑرﻳﻘﻬﺎ اﻟذى ﻛـﺎن ﻳﻠﻬـب ﻗﻠﺑـﻪ ﻋﻧﻬﺎ ﺗدر ً ﻗدﻳﻣﺎ؛ ﻷن اﻟﻘﻠب ﻗد اﺳﺗﻘر ﻓﻰ اﷲ ﺑﺎﻟﺻﻼة وﺑدأ ﻳﺗﻌود ﺣﻼوة ﻋﺷرﺗﻪ. ً
-5وقاية وحصانة : وﻓـﻰ اﻟﻧﻬﺎﻳـﺔ ﻳﺟـد اﻟﻣـﺻﻠﻰ أن اﻟـﺻﻼة أﺻـﺑﺣت ﺣـﺎﺟ اًز واﻗﻳـﺎً ﻟــﻪ ﻣن اﻟﺧطﻳـﺔ ،إذ أﺑﻌـدت ﻗﻠﺑـﻪ ﻋـن ﻣﺣﺑﺗﻬـﺎ ورﺑطﺗـﻪ ﺑﻣﺣﺑـﺔ اﷲ وأﺻـﺑﺣت طﻣوﺣﺎﺗﻪ ﻫﻰ ﻓﻰ ﻣﻌرﻓﺔ اﷲ ،ﻣﻣﺎ ﻳزﻳد ﺣرﺻﻪ ﻛﻝ ﻳوم ،ﻓﻳدﻗق ﻟﻳـرﻓض ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻳــؤدى ﺑــﻪ إﻟــﻰ اﻟﺧطﻳــﺔ ،وﺗــﺻﻳر اﻟــﺻﻼة ﺣﻣﺎﻳــﺔ داﺋﻣــﺔ ﻟــﻪ ﻣــن اﻟﺧطﻳﺔ.
-6بشارة ورجاء : ﺛــم ﻳﺑــدأ اﻟﻣــﺻﻠﻰ اﻟــذى ﺗــذوق ﺣــﻼوة اﻟــﺻﻼة -اﻟﺗــﻰ أﻧﻘذﺗــﻪ ﻣــن
اﻟﺧطﻳــﺔ وﺗﺣﻣﻳــﻪ ﻛــﻝ ﻳــوم ﻋﻠــﻰ ﻗــدر ﺗﻣــﺳﻛﻪ ﺑﻬــﺎ – أن ﻳﺑــﺷر اﻵﺧ ـرﻳن ﺑﺣﻼوة اﻟـﺻﻼة .وﻳﻧﻘـﻝ اﻟرﺟـﺎء ﻟﻛـﻝ اﻟﺑﺎﺋـﺳﻳن اﻟـﺳﺎﻗطﻳن ﺗﺣـت اﻟﺧطﻳـﺔ،
-11-
ﻓﻳ ــﺷﺟﻌﻬم ﻟﻳﺟﺎﻫ ــدوا ﻣﻌ ــﻪ ﻓ ــﻰ اﻟ ــﺻﻼة ،ﻓﻳ ــذوﻗوا ﻫ ــم أﻳ ــﺿﺎً اﻟﻧﺟ ــﺎة ﻣ ــن اﻟﺧطﻳﺔ اﻟﻣﺳﻳطرة وﻳﺗﻣﺗﻌوا ﺑﻌﺷرة اﷲ اﻟﻣﺧﻠص اﻟﻔﺎدى.
-7تدقيق وتوبة : ﻟﻛــن ﺗــذوق اﻟﻣــﺻﻠﻰ ﻟﺣﻳــﺎة اﻟطﻬــﺎرة واﻟﻧﻘــﺎوة وﺗﺑﺎﻋــدﻩ اﻟﺗــدرﻳﺟﻰ
ﻋن اﻟﺧطﻳﺔ ،ﻻ ﻳﺟﻌﻠـﻪ ﻳﺗﻬـﺎون ﻣـﻊ اﻟﺧطﻳـﺔ ،ﺑـﻝ ﻳـزداد ﺗﻣـﺳﻛﺎً ﺑﺎﻟـﺻﻼة وﺣرﺻﺎً أﻛﺛر ﻣن ذى ﻗﺑﻝ ﻣن أن ﻳـﺳﻘط ﻓﻳﻬـﺎٕ .وان ﺳـﻘط ﻧﺗﻳﺟـﺔ ﺿـﻌﻔﻪ ﻻ ﻳﻧـزﻋﺞ؛ ﻷﻧـﻪ ﻋـرف اﻟطرﻳــق إﻟـﻰ اﻟـﺻﻼة ،ﻓﻳــﺳرع ﻣﻘـدﻣﺎً ﺗوﺑـﺔ ﺑــدﻣوع أﻛﺛــر ﻣﻣ ــﺎ ﻛــﺎن ﻓ ــﻰ ﺣﻳﺎﺗ ــﻪ اﻟــﺳﺎﺑﻘﺔ ،واﺛﻘ ــﺎً ﻣ ــن رﺣﻣــﺔ اﷲ ،ﻣﻣ ــﺎ ﻳدﻓﻌ ــﻪ ﻟﻠﺗﻘدم ﻓﻰ ﺣﻳﺎة اﻟﺑر وأﻋﻣﺎﻝ اﻟﺧﻳر واﻟرﺣﻣﺔ.
-8أشواق المخدع : وﻓﻰ ﺻراع اﻟﺻﻼة اﻟﺗﺎﺋﺑﺔ ،ﻳردد اﻟﻣﺻﻠﻰ ﻣزاﻣﻳرﻩ وﻛﻝ ﺻـﻠوات
اﻷﺟﺑﻳــﺔ وﻳﺗﻌﻠــق ﺑﺎﻟﺗــﺳﺑﺣﺔ وﻳــﺳﻛب ﻧﻔــﺳﻪ ﻓــﻰ ﺻــﻠوات ارﺗﺟﺎﻟﻳــﺔ ﻛﺛﻳ ـرة. ٕواذ ﻳﻌﺑر ﻋن ﺗوﺑﺗﻪ ﺑﺄﺷﻛﺎﻝ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ﺗزداد ﻣراﺣم اﷲ ﻋﻠﻳﻪ؛ ﻓﻳرﻓﻌـﻪ ﻣـن ﻛ ــﻝ ﺳ ــﻘطﺔ ،ﺑ ــﻝ ﺗﺗﺣ ــوﻝ اﻟ ــﺳﻘطﺔ إﻟ ــﻰ ارﺗﻔ ــﺎع ﺟدﻳ ــد ﻓ ــﻰ ﺳ ــﻠم اﻟﺣﻳ ــﺎة اﻟروﺣﻳﺔ؛ ﻟﻳﺧﺗﺑر أﻣو اًر ﻻ ﻳﻌﺑر ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻰ ﻣﺣﺑﺔ اﷲ.
-12-
-9القداس واالتحاد بالمسيح : وﻓﻰ طرﻳـق اﻟﻧﻣـو اﻟروﺣـﻰ ﻳﺗﻣـﺳك اﻟﻣـﺻﻠﻰ ﻟـﻳس ﻓﻘـط ﺑـﺻﻠوات
اﻟﻣﺧدع – ﺣﻳث ﻳﺑﻛـﻰ ﺑﺣرﻳـﺔ أﻣـﺎم اﷲ – ﺑـﻝ أﻳـﺿﺎً ﻳﺗﻌﻠـق ﺑﺎﻟﻣـذﺑﺢ ﻓـﻰ اﻟﻘداس اﻹﻟﻬﻰ؛ ﻟﻳﺗﻧﺎوﻝ ﺟﺳد اﻟرب ودﻣﻪ ،ﻓﻳﺗﻘوى وﻳﺟﺎﻫد ،ﺑﻝ وﺗـﺻﺑﺢ اﻟﻘداﺳﺎت أﺳﻣﻰ ﻟﺣظﺎت ﺣﻳﺎﺗﻪ.
-10مساندة القديسين : وﺑﺎزدﻳﺎد ازدﻳﺎد ﺻـداﻗﺗﻪ ﻣـﻊ اﻟﻘدﻳـﺳﻳن ،ﻓﻬـم ﻳـﺷﺟﻌوﻧﻪ ﺑـﺻﻠواﺗﻬم
وأﺣﻳﺎﻧﺎً ﻳﻧﺑﻬوﻧﻪ إن ﺗﻬﺎون ،ﺑطـرق ﻣﺗﻧوﻋـﺔ ﻻ ﻳـﺷﻌر ﺑﻬـﺎ ﺳـواﻩ ،ﻓﻳﺗـﺷﺟﻊ أﻧــﻪ ﻗــد دﺧــﻝ ﻓــﻰ ﺟــﻳش اﻟﺧــﻼص ،ﻳﻌــﺿدﻩ اﻟــذﻳن ﺳــﺑﻘوﻩ ﻣــن اﻟﻘدﻳــﺳﻳن، ﻓﻳﺳرع ﺑﺧطﻰ ﻗوﻳﺔ ﻓﻰ ﺣﻳﺎة اﻟﺗوﺑﺔ.
-13-
الفصل الثانى
شــبـع وفــرح إن اﻟـ ــﺷﺑﻊ اﻟﻣـ ــﺎدى ﻻ ﻳﻠﺑـ ــث أن ﻳـ ــزوﻝ وﻳﺧﻠـ ــف وراءﻩ اﺣـ ــﺳﺎﺳﺎً ﺑــﺎﻟﺟوع واﻟﺣرﻣــﺎن ،ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎﻝ رب اﻟﻣﺟــد ﻟﻠــﺳﺎﻣرﻳﺔ "ﻛــﻝ ﻣــن ﻳــﺷرب ﻣــن
ﻫــذا اﻟﻣــﺎء ﻳﻌطــش أﻳــﺿﺎً وﻟﻛــن ﻣــن ﻳــﺷرب ﻣــن اﻟﻣــﺎء اﻟــذى أﻋطﻳــﻪ أﻧــﺎ ﻓﻠــن ﻳﻌطــش إﻟــﻰ اﻷﺑــد" )ﻳــو .(14 ،13 :4أﻣــﺎ اﻟــﺷﺑﻊ اﻟروﺣــﻰ ﻓﻳﻌطــﻰ
اﺳــﺗﻘ ار اًر ﻟﻠــﻧﻔس وﻳﻛﻔﻳﻬــﺎ ﻋــن ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻓــﻰ اﻟﻌــﺎﻟم .وﻟﻛــن ﻓــﻰ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت
ﻳوﻟ ـ ــد داﺧﻠﻬ ـ ــﺎ أﺷـ ـ ـواﻗﺎً ﻣﺗ ازﻳ ـ ــدة ﻧﺣ ـ ــو اﷲ ،دون اﺿ ـ ــطراب أو إﺣ ـ ــﺳﺎس ﺑﺎﻟﺣرﻣ ــﺎن ،ﺑ ــﻝ ﻧﻣـ ـواً ﻫﺎدﺋ ــﺎً ﻣﻔرﺣـــﺎً ﻟﻠـ ــﻧﻔس .ﻫ ــذا ﻫ ــو ﻣـــﺎ ﺗـــدﺧﻠﻧﺎ إﻟﻳـ ــﻪ
اﻟﺻﻼة .ﻓﻣﺎ ﻫو ﺗﺄﺛﻳرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻔس ؟
) (1تمنحھا السالم : ﺑﻌــد أن ﺗــﺗﺧﻠص اﻟــﻧﻔس ﻣــن ﺧطﺎﻳﺎﻫــﺎ ﺑﺎﻟﺗوﺑــﺔ وﺗﺑــدأ ﻓــﻰ اﻟــﺷﻌور
ﺑﺎﻻﺳﺗﻘرار ،ﺗﺗﻘـدم أﻳـﺿﺎً ﻓـﻰ ﺻـﻼة؛ ﻟﺗﻠﻘـﻰ ﻛـﻝ ﻣﺗﺎﻋﺑﻬـﺎ وﻣـﺷﺎﻛﻠﻬﺎ أﻣـﺎم اﷲ اﻟﺣﻧون ،واﺛﻘﺔ ﻣن ﻗدرﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﻠﻬﺎ ،ﻓﻳزداد ﻫدوءﻫﺎ ،وﺗﺗﻣﺗـﻊ ﺑـﺳﻼم ﻻ ﻳﻌﺑ ــر ﻋﻧ ــﻪ ،ﻳ ــدﻓﻌﻬﺎ داﺋﻣ ــﺎً إﻟ ــﻰ اﻟﻠﺟ ــوء ﻟﻠ ــﺻﻼة ﻣـ ـرات ﻛﺛﻳـ ـرة ،ﻛﻠﻣ ــﺎ ﺳـ ــﻘطت ﻓـ ــﻰ اﻟﺧطﻳـ ــﺔ ،أو ﺗﻌرﺿـ ــت ﻟﻣـ ــﺷﺎﻛﻝ ،أو اﺳـ ــﺗﻣرت اﻟـ ــﺿﻳﻘﺎت
-14-
ﺣوﻟﻬـ ــﺎ ،ﻓﺗـ ــﺳﺗﻌﻳد راﺣﺗﻬـ ــﺎ .وﻫﻛـ ــذا ﺗـ ــﺻﻳر اﻟـ ــﺻﻼة اﻟﻣـ ــﺻدر اﻟرﺋﻳـ ــﺳﻰ
ﻟﻠﺣــﺻوﻝ ﻋﻠــﻰ اﻟــﺳﻼم اﻟــداﺧﻠﻰ واﻟﻘﺎﻋــدة اﻟﺗــﻰ ﻳرﺗﻛــز ﻋﻠﻳﻬــﺎ ﻛــﻝ ﻧﻣــو روﺣﻰ وﻛﻝ ﺷﺑﻊ داﺧﻠﻰ.
) (2تعيدھا إلى طبيعتھا : إذ ﺗﺗﺣــرر اﻟــﻧﻔس -ﺑﺎﻟــﺻﻼة -ﻣــن أﺛﻘﺎﻟﻬــﺎ ،ﺳـواء اﻟﺧطﺎﻳــﺎ ،أو
اﻟﻣــﺷﺎﻛﻝ ،ﺗــﺳﺗطﻳﻊ أن ﺗــﺳﺗﻌﻳد طﺑﻳﻌﺗﻬــﺎ ﻓــﻰ ﻋﻼﻗﺗﻬــﺎ ﻣــﻊ اﷲ ،ﻓﺗﻧطﻠــق
ﻟﻠﺣــدﻳث ﻣﻌــﻪ؛ ﻟﺗــﺷﻌر ﺑﻣــﺷﺎﻋر ﻧﻘﻳــﺔ ،أﺳــﻣﻰ ﻣــن اﻟﻣــﺷﺎﻋر اﻷرﺿــﻳﺔ، ﻓﺗﻔ ــرح اﻟ ــﻧﻔس ﺑﻠﻘ ــﺎء ﺣﺑﻳﺑﻬ ــﺎ ،اﻟ ــذى ﻳﻘﺑﻠﻬ ــﺎ رﻏ ــم ﺿ ــﻌﻔﻬﺎ وﻳﻣ ــﺳﺢ ﻋﻧﻬ ــﺎ
ﺧطﺎﻳﺎﻫــﺎ وﻳــﺳﻧدﻫﺎ ﻓــﻰ أوﺟﺎﻋﻬــﺎ ،ﻓﺗطﻣــﺋن ،ﺑــﻝ وﺗﺗﻠــذذ ﺑﻣــﺳﺎﻧدﺗﻪ وﺗﺑــدأ
أوﻟﻰ درﺟﺎت اﻟﺷﺑﻊ اﻟروﺣﻰ ،ﻣن ﺧﻼﻝ ﻋودة اﻟﺣدﻳث ﻣﻊ اﷲ.
) (3تجردھا وتضبطھا : ﻋﻧدﻣﺎ ﺗـذوق اﻟـﻧﻔس اﻟﻣﺎدﻳـﺎت – ﻛﻌطﻳـﺔ ﻣـن اﷲ – وﺗـرى ﺟﻣـﺎﻝ
اﻟﻌــﺎﻟم ﻣــن ﺧﻼﻟــﻪ ،ﻻ ﺗﻌــود ﺗﻧﺟــذب ﺑــﺷﻬوات اﻟﻌــﺎﻟم اﻟــﺷرﻳرة ،أو ﺑﺑرﻳــق ﻣﺑﺎﻫﺟــﻪ ،ﻓﺗــﺷﻌر أن ﻛــﻝ اﻟﻣﺎدﻳــﺎت زاﺋﻠــﺔ ،ﺑــﻝ ﻻ ﺗﺣﺑﻬــﺎ؛ ﻷﻧﻬــﺎ ﺗﻌطﻠﻬــﺎ
ﻋــن اﷲ ،ﺣﺗــﻰ ﺗــﺻﻝ إﻟــﻰ إدراك ﻛﻠﻣــﺎت اﻟﻛﺗــﺎب اﻟﻣﻘــدس "ﻣﺣﺑــﺔ اﻟﻌــﺎﻟم
ﻋ ــداوة ﷲ" )ﻳ ــﻊ .(4 :4وﻫ ــذا ﻳ ــدﻓﻊ اﻟ ــﻧﻔس إﻟ ــﻰ اﻟﺗﻧ ــﺎزﻝ اﻟﺗ ــدرﻳﺟﻰ ﻋ ــن
-15-
اﻟﻣﺎدﻳﺎت ﺑﺎﻟﺻوم وﻛﻝ ﺗدارﻳب اﻟﺗﺟرد ،ﻓﺗﺳﺗﺧدم ﻛﻝ ﺷﺊ ﺑﻣﻘدار وﺗﻔرح
ﺑﻬ ـ ــذا؛ ﻷﻧ ـ ــﻪ ﻳﻔ ـ ــﺳﺢ اﻟطرﻳ ـ ــق ﻟﻬ ـ ــﺎ ،ﻟﺗﺗﻣﺗــ ــﻊ ﺑﺎﻟ ـ ــﺻﻼة .وﻛﻠﻣــ ــﺎ ازدادت
اﻟــﺻﻠوات ﺗرﺗﻔــﻊ ﻋــن اﻟﻣﺎدﻳــﺎت ،ﻓﺗﻘﺑــﻝ ﻛــﻝ ﺷــﺊ ﺑــﺷﻛر وﻻ ﺗﻧــزﻋﺞ ﻣــن ﻧﻘص أى ﺷﺊ ﻣﻧﻬﺎ .وﻋﻧدﻣﺎ ﺗﻔﻌﻝ ﻫذا ﻳزداد اﻧطﻼﻗﻬﺎ ﻓﻰ اﻟـﺻﻼة ،أى
أن اﻟﺗﺟرد ﻳﻧﻣﻰ اﻟﺻﻼة وﻫﻰ ﺑدورﻫﺎ ﺗﺣﻔر ﻓﻰ اﻟﻧﻔس روح اﻟﺗﺟرد.
) (4تقبل الماديات بروحانية : ﺑﻌدﻣﺎ ﺗﻧﺿﺑط اﻟﻧﻔس ﻓﻰ اﺳﺗﺧداﻣﻬﺎ ﻟﻠﻣﺎدﻳﺎت ،ﺗرﺗﻔـﻊ إﻟـﻰ درﺟـﺔ أﻋﻠــﻰ ﺑﺎﻟــﺻﻼة ،ﻓﺗــرى أن ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﺗــﺳﺗﺧدﻣﻪ ﻣــن اﻟﻣﺎدﻳــﺎت ﻫــو ﻋطﻳــﺔ ـدا؛ ﻷﻧﻬــﺎ إﻟﻬﻳــﺔ وﺗــﺻﺑﺢ ﻟﻠﻣﺎدﻳــﺎت – ﻣﻬﻣــﺎ ﻛﺎﻧــت زﻫﻳــدة –ﻗﻳﻣــﺔ ﻛﺑﻳـرة ﺟـ ً
ﻧﻌﻣــﺔ ﻣــن اﷲ ،ﻓﺗﺄﻛــﻝ وﺗــﺷﻛر اﷲ وﺗــﺳﺗﺧدم ﻛــﻝ ﺷــﺊ ﻣــﺎدى ﺑﻔــرح ،ﻷﻧــﻪ
ﻣ ــن ﻳ ــد اﷲ .ﺣﻳﻧﺋ ــذ ﺗﻌﺗ ــﺎد اﻟ ــﻧﻔس أن ﺗﺣﻛ ــﻰ ﷲ ﻛ ــﻝ ﻣ ــﺎ ﻳﻣ ــر ﺑﻬ ــﺎ ﻓ ــﻰ ﻳوﻣﻬـ ــﺎ؛ ﻟﺗـ ــﺷرﻛﻪ ﻓـ ــﻰ ﺣﻳﺎﺗﻬـ ــﺎ وﺗطﻠـ ــب ﺗدﺧﻠـ ــﻪ وﺗﺗﻣﻧـ ــﻰ أن ﻳﺗﺧﻠـ ــﻝ ﻛـ ــﻝ أﻋﻣﺎﻟﻬــﺎ وﻛﻼﻣﻬــﺎ وأﻓﻛﺎرﻫــﺎ ،ﻓﻳﺗــﺿﺢ ﻫــدﻓﻬﺎ ﻣــن ﺣﻳﺎﺗﻬــﺎ ،أى ﻳــﺻﺑﺢ اﷲ ﻫدف ﻛﻝ ﺷـﺊ وﺑواﺳـطﺗﻪ ﺗﻧـﺎﻝ اﻟﻘـوة ﻋﻠـﻰ أداء ﻛـﻝ ﺷـﺊ ،ﺑـﻝ أﻛﺛـر ﻣـن ﻫذا ﺗﻌﻣﻝ ﻛﻝ ﺷﺊ ﻓﻳﻪ ،ﻓﻳﺻﻳر اﷲ ﻫو ﻛﻝ ﺣﻳﺎﺗﻬﺎ ،وﻣن ﺧﻼﻟﻪ ﺗﻌـﻳش ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎﻝ ﺑــوﻟس اﻟرﺳــوﻝ "ﻟــﻰ اﻟﺣﻳــﺎة ﻫــﻰ اﻟﻣــﺳﻳﺢ" )ﻓــﻰ .(21 :1وﻫﻛــذا
-16-
ﺑﺎﻟــﺻﻼة ﻳــﺻﺑﺢ ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻓــﻰ اﻟــﻧﻔس روﺣﺎﻧﻳــﺎً وﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻳﻧــﺗﺞ ﻋﻧﻬــﺎ ﻓــﻰ
ﺗﻌﺎﻣﻼﺗﻬــﺎ ﻣــﻊ اﻵﺧ ـرﻳن ﻣﺣوطــﺎً ﺑﻌﻣــﻝ اﻟــروح اﻟﻘــدس ،ﻓــﻼ ﻳــرى اﻟﻧــﺎس
إﻻﺻـورة اﷲ ﻣﻧطﺑﻌـﺔ ﻋﻠــﻰ ﻫـذا اﻹﻧـﺳﺎن اﻟﻣــﺻﻠﻰ ،أى ﻳـﺻﺑﺢ اﻹﻧــﺳﺎن ﻛﻠﻪ روﺣﺎﻧﻳﺎً.
) (5تطلب خالصھا : ﺗﻧﺷﻐﻝ اﻟﻧﻔس ﺑﺣﺑﻳﺑﻬـﺎ اﻟﻣـﺳﻳﺢ وﺗﺗﻠـذذ ﺑﺎﻟﺣـدﻳث ﻣﻌـﻪ ،أﺣﻠـﻰ ﻣـن ﻛ ــﻝ أﺣﺎدﻳﺛﻬ ــﺎ اﻟﻌﺎﻟﻣﻳ ــﺔ وﺑﺗﻛـ ـرار اﻟ ــﺻﻼة ﺗﻧطﺑ ــﻊ ﺻ ــورة اﻟﻣ ــﺳﻳﺢ ﻓﻳﻬ ــﺎ؛ ﻓﻳــزداد اﺷــﺗﻳﺎﻗﻬﺎ إﻟﻳــﻪ وﺗــﺳﻌﻰ -رﻏــم ﻣﺣــدودﻳﺗﻬﺎ -إﻟــﻰ ﺣﺑﻳﺑﻬــﺎ ﻏﻳــر اﻟﻣﺣدود ،ﻓﺗﺗﻘدم ﻓﻰ طرﻳـق ﻣﻌرﻓﺗـﻪ وﺗـدﺧﻝ إﻟـﻰ أﻋﻣﺎﻗـﻪ ،ﻣﻧﻘـﺎدة ﺑروﺣـﻪ اﻟﻘـ ــدوس اﻟـ ــﺳﺎﻛن ﻓﻳﻬـ ــﺎ؛ ﻓﺗـ ــﺷﺑﻊ وﺗﺧﺗﺑـ ــر أﻣـ ــو اًر ﻻ ﻳﻌﺑـ ــر ﻋﻧﻬـ ــﺎ "اﻟـ ــروح ﻳﻔﺣ ــص ﻛ ــﻝ ﺷ ــﺊ ﺣﺗ ــﻰ أﻋﻣ ــﺎق اﷲ" )1ﻛ ــو .(10 :2وﻓﻳﻣ ــﺎ ﻫ ــﻰ ﺗﻧﻣ ــو
وﺗــﺷﺑﻊ ،ﻳﺗــﺳﺎﻗط ﻋﻧﻬــﺎ ﻣــﺎ ﺑﻘــﻰ ﻣــن اﻫﺗﻣﺎﻣــﺎت أرﺿــﻳﺔ؛ ﻟﻳــزداد اﻣﺗﻼؤﻫــﺎ ﺑ ــﺎﷲ ،ﻓﺗﺗﻌﻠ ــق ﺑﺎﻟ ــﺻﻼة؛ ﻷﻧﻬ ــﺎ ﺣﻳﺎﺗﻬ ــﺎ وﺧﻼﺻ ــﻬﺎ وﻫﻛ ــذا ﺗ ــﺳرع ﻧﺣ ــو اﻷﺑدﻳﺔ ﺑﺧطﻰ واﺳﻌﺔ.
-17-
) (6تسبح وتمجد : ﺑﺗﻌﻣــق اﻟــﻧﻔس ﻓــﻰ ﻣﻌرﻓــﺔ اﷲ ﻳﻧﻛــﺷف أﻣﺎﻣﻬــﺎ ﺟﻣﺎﻟــﻪ؛ ﻓﻳــﺳﺑﻳﻬﺎ
وﻳرﻓﻌﻬــﺎ إﻟ ــﻰ ﺗــﺳﺑﻳﺢ اﺳ ــﻣﻪ اﻟﻘ ــدوس ،ﻣﻧﺑﻬــرة ﺑﺣﺑ ــﻪ؛ ﻓﺗﺗﻌﻠــق ﺑ ــﻪ وﺗ ــردد اﺳــﻣﻪ ﺑﻔــرح ،وﻓــﻰ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت ﺗــﺷﻌر ﺑﻌظﻣﺗــﻪ وﻣﻬﺎﺑﺗــﻪ؛ ﻓﺗﺧــﺷﻊ أﻣﺎﻣــﻪ ﺑﺎﺗــﺿﺎع .وﻳﻣﺗــزج ﺷــﻌور داﻟــﺔ اﻟﺑﻧــوة ﻣــﻊ اﻟﺧــﺷوع أﻣــﺎم ﻋظﻣﺗــﻪ وﻳﺧــرج
اﻟــﺷﻌوران ﻓــﻰ ﺗــﺳﺑﻳﺢ وﺗﻣﺟﻳــد ،ﻳرﺗﻔــﻊ إﻟــﻰ اﻟــﺳﻣﺎء وﻳﺧﺗــرق اﻟــﺻﻔوف؛
ﻟﻳﺟد ﻣﻛﺎن ﺑﻳن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ،ﻓﺗﻔرح اﻟﻧﻔس ﺑﻠﻘﻳـﺎ اﷲ ،وﻫـذا ﻫـو ﻗﻣـﺔ اﻟـﺷﺑﻊ،
اﻟ ــذى إذ ﺗذوﻗ ــﻪ اﻟ ــﻧﻔس ﻻ ﺗرﻳ ــد أن ﺗﻧ ــزﻝ إﻟ ــﻰ اﻷرض ،ﺑﻌ ــدﻣﺎ اﺧﺗﺑ ــرت
ﺣـ ــﻼوة اﻟـ ــﺳﻣﺎءٕ .واذا ﻧزﻟـ ــت إﻟـ ــﻰ أﻋﻣـ ــﺎﻝ اﻷرض ﺑـ ــﺳﺑب وﺟودﻫـ ــﺎ ﻓـ ــﻰ اﻟﺟــﺳد ،ﻻ ﺗــﺳﺗطﻳﻊ أن ﺗﺗوﻗــف ﻋـن ﺗــﺳﺑﻳﺢ اﷲ وﻟــو ﺑﻛﻠﻣــﺎت ﻗﻠﻳﻠــﺔ أﺛﻧــﺎء ﻳوﻣﻬــﺎ؛ ﻷن اﻟﺗــﺳﺑﻳﺢ أﺻــﺑﺢ ﻏــذاؤﻫﺎ وﺗــﺷﺗﺎق إﻟــﻰ اﻟﻠﻳــﻝ؛ ﻟﺗﻧﻔــرد ﺑﺣﺑﻳﺑﻬــﺎ
اﻟـرب ﻳــﺳوع؛ ﻓﺗﻌطﻳــﻪ ﻛــﻝ أﺷـواﻗﻬﺎ وﻣﺣﺑﺗﻬــﺎ .وﻫﻛــذا ﺗﺗﺣــوﻝ أرﺿــﻬﺎ إﻟــﻰ ﺳﻣﺎء وﺗﺗﻐذى ﻓﻰ اﻟﻠﻳﻝ واﻟﻧﻬﺎر ﺑﺗﺳﺑﻳﺢ اﺳﻣﻪ اﻟﻘدوس.
-18-
الفصل الثالث
طھــارة الحـواس ﻟﻺﻧـ ــﺳﺎن ﺧﻣـ ــس ﺣ ـ ـواس ،ﻫـ ــﻰ اﻟﻧظـ ــر واﻟـ ــﺳﻣﻊ واﻟـ ــﺷم واﻟﻠﻣـ ــس
واﻟﺗذوق .وﺑﻬذﻩ اﻟﺣـواس ﻳـدرك اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ اﻟﻣﺣـﻳط ﺑـﻪ وﻳـﺳﺗوﻋب ﻣـﺎ ﻓﻳـﻪ، ﻓﻬو اﻟﺻﻠﺔ ﺑﻳن اﻹﻧﺳﺎن واﻟﻌﺎﻟم اﻟذى ﻳﻌﻳش ﻓﻳﻪ.
وﻟﻛن ﺗوﺟد ﺣواس داﺧﻠﻳـﺔ ،ﺑﻬـﺎ ﻳﺗـﺻﻝ اﻹﻧـﺳﺎن ﺑـﺎﷲ واﻟـﺳﻣﺎﺋﻳﻳن
ﻣــن ﻣﻼﺋﻛــﺔ وﻗدﻳــﺳﻳن ،أى ﻛﻣــﺎ أن ﻟﻠﺟــﺳد ﺣ ـواس ،ﻛــذﻟك اﻟــروح أﻳــﺿﺎً ﻟﻬ ـ ــﺎ ﺣواﺳ ـ ــﻬﺎ .وﻧﺟ ـ ــﺎح اﻹﻧ ـ ــﺳﺎن اﻟروﺣ ـ ــﻰ ،أن ﺗﻘ ـ ــود ﺣواﺳ ـ ــﻪ اﻟروﺣﻳ ـ ــﺔ
اﻟﺣ ـ ـواس اﻟﻣﺎدﻳـ ــﺔ وﻋﻠـ ــﻰ اﻟﻌﻛـ ــس ﻓﺣ ـ ـواس اﻹﻧـ ــﺳﺎن اﻟﺟـ ــﺳداﻧﻰ اﻟﻣﺎدﻳـ ــﺔ ﺗ ــﺳﻳطر ﻋﻠ ــﻰ ﺣواﺳ ــﻪ اﻟروﺣﻳ ــﺔ ،ﻓﻳﻛ ــون أﻗ ــرب إﻟ ــﻰ اﻟﺣﻳـ ـوان ﻣﻧ ــﻪ إﻟ ــﻰ
اﻹﻧــﺳﺎن اﻟــﺳﺎﻣﻰ ،اﻟــذى ﺧﻠﻘــﻪ اﷲ ﻟﻳﺣﻳــﺎ ﻣﻌــﻪ .ﻓﻛﻳــف ﺗــﺳﺎﻋد اﻟــﺻﻼة
ﻋﻠــﻰ طﻬــﺎرة اﻟﺣـواس اﻟﻣﺎدﻳــﺔ واﻟــﺳﻣو ﺑﻬــﺎ؛ وﻛﻳــف ﺗوﺣــدﻫﺎ ﻣــﻊ اﻟﺣـواس
اﻟروﺣﻳﺔ اﻟﺗﻰ ﻓﻰ داﺧﻝ اﻹﻧﺳﺎن ؟
-1إنشغال با : إن اﻟ ــروح ﺑطﺑﻳﻌﺗﻬ ــﺎ ﺗﻣﻳ ــﻝ إﻟ ــﻰ اﷲ ﺧﺎﻟﻘﻬ ــﺎ ،إذ أن اﻹﻧ ــﺳﺎن ﻗ ــد
ﺧﻠــق ﻋﻠــﻰ ﺻــورة اﷲ وﻣﺛﺎﻟــﻪ ،وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻰ ﻛﻠﻣــﺎ ﻧﻣــت اﻟﺣ ـواس اﻟروﺣﻳــﺔ،
-19-
اﺳ ــﺗطﺎﻋت أن ﺗ ــدرك اﷲ .ﻓﺑﺎﻟ ــﺻﻼة ﺗ ــرى اﷲ وﺗ ــدرك وﺟودﻫ ــﺎ أﻣﺎﻣ ــﻪ،
ﻓﺗﻔـ ــرح ﺑﻠﻘﻳـ ــﺎﻩ ،ﻣﻣـ ــﺎ ﻳﻌزﻳﻬـ ــﺎ وﻳـ ــﺷﺟﻌﻬﺎ ﻋﻠـ ــﻰ اﻻﺳـ ــﺗﻣرار ﻓـ ــﻰ اﻟـ ــﺻﻼة.
ـﺿﺎ ،ﺣﻳﻧﻣــﺎ ﻳﻠﻘــﻰ ﺑﺄﻓﻛــﺎر ﻓــﻰ داﺧﻠﻬــﺎ ،ﻣﺛــﻝ ﺗــذﻛﻳرﻫﺎ ﺑﺂﻳــﺎت وﺗــﺳﻣﻌﻪ أﻳـ ً ﻣﻌﻳﻧﺔ ،أو أﻓﻛﺎر روﺣﻳﺔ ﺗﻌﻠﻣﺗﻬﺎ ﻣن ﻗﺑﻝ ،ﻓﺗـﺷﻛرﻩ ﻋﻠـﻰ ﻛﻠﻣﺎﺗـﻪ وﺗـﺳﺗﻣر
ﻓـ ــﻰ ﺣوارﻫـ ــﺎ ﻣﻌـ ــﻪ .وﺗـ ــﺳﺗطﻳﻊ اﻟـ ــروح أﻳـ ــﺿﺎً أن ﺗـ ــﺷﺗم راﺋﺣـ ــﺔ اﷲ وﻫـ ــﻰ ﺗﺳﺑﺣﻪ وﺗﺗذوق ﺣﻼوﺗﻪ ،ﺑﻝ ﺗﺷﻌر ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻠﻣـﺳﻪ وﺗﻣـﺳك ﺑـﻪ وﻻ ﺗرﻳـد أن ﺗﺗرﻛــﻪ .ﻫــذﻩ ﻫــﻰ اﻟــﺻﻼة اﻟﻌﻣﻳﻘــﺔ ،اﻟﺗــﻰ إذا دﺧــﻝ إﻟﻳﻬــﺎ اﻹﻧــﺳﺎن ﺗﻔــرح ﻗﻠﺑﻪ ﺟداً وﻳﺗﻣﺳك ﺑﻬﺎ وﻻ ﻳرﻳد أن ﻳﻧﻬﻰ اﻟﺻﻼة ﻣن ﻓرط ﺳﻌﺎدﺗﻪ.
-2إبتعاد عن الشر : إذا ذاﻗ ـ ـ ــت اﻟﺣـ ـ ـ ـواس اﻟروﺣﻳ ـ ـ ــﺔ ﺣ ـ ـ ــﻼوة اﷲ ،وﻟ ـ ـ ــو ﺟزﺋﻳ ـ ـ ــﺎً – أى ﻟﻠﺣظﺎت ﻗﻠﻳﻠﺔ ﺳواء ﻓﻰ ﺻـﻼة اﻟﻣﺧـدع ،أو اﻟـﺻﻼة اﻟﺟﻣﺎﻋﻳـﺔ -ﻓﺈﻧﻬـﺎ ﺗــؤﺛر ﻋﻠــﻰ اﻟﺣ ـواس اﻟﻣﺎدﻳــﺔ ،ﻓﺗﻌطﻳﻬــﺎ أوﻟــﻰ درﺟــﺎت اﻟﺗطﻬﻳــر ،إذ ﺗﺑــدأ
اﻟﺣـ ـواس اﻟﻣﺎدﻳ ــﺔ ﺑ ــﺈدراك ﺧط ــﺄ اﻟﺧطﻳ ــﺔ وﻳﻧﻛ ــﺷف أﻣﺎﻣﻬ ــﺎ ﺧ ــداﻋﻬﺎ ﻣ ــن ﻟذات وﺑرﻳـق؛ ﻓﺗﺗـﺿﺎﻳق ﻣﻧﻬـﺎ وﺗﺣـﺎوﻝ اﻻﺑﺗﻌـﺎد ﻋﻧﻬـﺎ ،أى ﺗرﻳـد اﻟﺣـواس رؤﻳــﺔ وﺳــﻣﺎع ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻫــو ﻧﻘــﻰ ﻣــن اﻟﺧطﻳــﺔ .وﺗﻛــون اﻟﺑداﻳــﺔ ﻫــﻰ رﻓــض
ـﺿﺎ ،ﺑـﻝ اﻟﺷرور اﻟواﺿﺣﺔ ،ﺛم ﻣﻊ اﻟﻧﻣو ﻓـﻰ طﻬـﺎرة اﻟﺣـواس ﺗﻛﺗـﺷف أﻳ ً وﺗﺗﺑﺎﻋد ﻋن اﻟﺷر ،اﻟذى ﻳﺗﺧﻠﻝ اﻟﻣﺎدﻳﺎت اﻟطﺎﻫرة ،ﻣﺛـﻝ أن ﺗـرﻓض أوﻻً
-20-
رؤﻳــﺔ اﻷﻓــﻼم اﻟﻧﺟــﺳﺔ اﻟــﺷرﻳرة ،ﺛــم ﻋﻧــدﻣﺎ ﺗــزداد ﻓــﻰ اﻟطﻬــﺎرة ،ﺗــرﻓض
أﻳــﺿﺎً اﻷﻓــﻼم اﻟﺗــﻰ ﺑﻬــﺎ ﺑﻌــض ﻣﻧــﺎظر ﺳــﻳﺋﺔ ،ﻷﻧﻬــﺎ ﺑﺗﻌودﻫــﺎ اﻟــﺻﻼة وارﺗﺑﺎطﻬــﺎ ﺑــﺎﷲ ﺗﻧﻣــو ﻓــﻰ داﺧﻠﻬــﺎ ﻛراﻫﻳــﺔ ﻟﻠﺧطﻳــﺔ -ﺣﺗــﻰ وﻟــو ﻛﺎﻧــت
ﻳﺟﻳﺎ ،ﺣﺗـﻰ ﺻﻐﻳرة -ﻓﺗﺗﺑﺎﻋد ﻋﻧﻬﺎ ،وﻫﻛذا ﺗﺗﻧﻘﻰ اﻟﺣواس اﻟﺧﺎرﺟﻳﺔ ﺗدر ً ﻟو ﺧﺳرت ﺗﺳﻠﻳﺎت وﻣﺗﻊ ﻣﺎدﻳﺔ ﻛﺛﻳـرة ،ﻣﻣـﺎ ﻳﻧـﺷﻐﻝ ﺑﻬـﺎ ﻛـﻝ اﻟﻣﺣﻳطـﻳن، ﺑــﻝ وﺗــﺷﻌر ﺑﻔــرح؛ ﻷﻧﻬــﺎ ﺗﺗﻧﻘــﻰ ﻣــن ﻫــذﻩ اﻟــﺷرور وﻻ ﺗــﺷﻌر ﺑﺎﻟﺧــﺳﺎرة؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺑﻬذا ﺗﺳﺗطﻳﻊ أن ﺗواﺻﻝ ﺻﻠواﺗﻬﺎ وﺗﻣﺗﻌﻬﺎ ﺑﺣﺑﻳﺑﻬﺎ اﻟرب ﻳﺳوع.
-3حياة الشكر : وﺑﺗﻌـ ــود اﻹﻧـ ــﺳﺎن اﻟـ ــﺻﻼة ،ﻳـ ــدرك اﷲ ﺑﺣواﺳـ ــﻪ اﻟداﺧﻠﻳـ ــﺔ وﻳﻔـ ــرح
ﺑﻠﻘﻳﺎﻩ .وﻋﻧدﻣﺎ ﻳﺗرك وﻗﻔﺔ اﻟﺻﻼة وﻳﺗﻌﺎﻣﻝ ﻣﻊ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺣـﻳط ﺑـﻪ ،ﻻ ﻳـ ــﺳﺗطﻳﻊ أن ﻳﺧـ ــرج ﻋـ ــن روح اﻟـ ــﺻﻼة ،ﻓﻳـ ــرى أن ﻛـ ــﻝ اﻟﻣﺎدﻳـ ــﺎت اﻟﺗـ ــﻰ
ﻳﺣ ــﺻﻝ ﻋﻠﻳﻬ ــﺎ ﻫ ــﻰ ﻋطﻳ ــﺔ ﻣ ــن اﷲ؛ ﻓﻳ ــﺷﻛرﻩ ﻋﻠﻳﻬ ــﺎ ،وﻳ ــرى اﷲ ﻓﻳﻬ ــﺎ؛ ﻓﺗــزداد ﻗﻳﻣﺗﻬــﺎ ﻓــﻰ ﻧظ ـرﻩ؛ ﻷﻧﻬــﺎ ﻣــن اﷲ ،ﻓﻳــزداد ﺗﻣﺗﻌــﻪ ﺑﻬــﺎ ،ﻟــﻳس ﻓﻘــط
اﻟﺗﻣﺗــﻊ اﻟﺣــﺳﻰ ،ﺑــﻝ ﺗﻣﺗﻌــﻪ ﻛﺈﻧــﺳﺎن -ﺑﻛــﻝ ﻛﻳﺎﻧــﻪ روﺣــﺎً وﺟــﺳداً – ﺑــﺎﷲ اﻟﻌـ ــﺎطﻰ .وﻳدﻓﻌـ ــﻪ ﻫـ ــذا ﻟﻠوﻗـ ــوف أﻣـ ــﺎم اﷲ ﻓـ ــﻰ اﻟـ ــﺻﻼة؛ ﻟﻳـ ــﺷﻛرﻩ ﻋﻠـ ــﻰ
ﻋطﺎﻳﺎﻩ ،ﺑﻝ طواﻝ اﻟﻳوم ﻳﺳﺑﺢ اﷲ ،وﻳﻣﺟدﻩ ﻣن أﺟﻝ ﻋﻧﺎﻳﺗـﻪ ﺑـﻪ .وﻫﻛـذا
ﺗــزداد طﻬــﺎرة اﻟﺣ ـواس ﺑرؤﻳﺗﻬــﺎ اﷲ ﻓــﻰ ﻋطﺎﻳــﺎﻩ اﻟﺟﻳــدة ،اﻟﺗــﻰ ﺗــﺷﺑﻌﻬﺎ.
-21-
وﺣﺗــﻰ ﻋﻧــدﻣﺎ ﺗــدرك اﻟــﻧﻔس أن ﻫﻧــﺎك أﻣــو اًر ﻣﻌﺎﻛــﺳﺔ ﻟرﻏﺑﺎﺗﻬــﺎ ﻻ ﺗﻌــود ﺗﻧزﻋﺞ ،ﻷﻧﻬﺎ ﺗدرك ﺑﺣواﺳﻬﺎ اﻟداﺧﻠﻳـﺔ أن إﻟﻬﻬـﺎ – ﺿـﺎﺑط اﻟﻛـﻝ – ﻳـدﺑر
ﻟﻬــﺎ اﻟﺧﻳــر ﻣــن اﻟــﺿﻳﻘﺎت اﻟﺗــﻰ ﺗﻣــر ﺑﻬــﺎ؛ ﻓﺗﻘﺑــﻝ وﺗــﺷﻛر اﷲ أﻳــﺿﺎً ﻋﻠــﻰ ﻣ ـ ــﺎ ﻳﻌ ـ ــﺎﻛس رﻏﺑﺎﺗﻬــ ــﺎ ،وﺗﻠﺗﺟ ـ ــﺊ إﻟ ـ ــﻰ اﷲ طﺎﻟﺑ ـ ــﺔ اﻟﻣﻌوﻧ ـ ــﺔ؛ ﻻﺣﺗﻣ ـ ــﺎﻝ
اﻟﺿﻳﻘﺎت وﻳﻣﺗزج طﻠب اﻟﻣﻌوﻧﺔ ﺑﺎﻟﺷﻛر ،ﻟﺛﻘﺔ اﻟﻧﻔس ﻓﻰ ﻣﺣﺑﺔ اﷲ.
وﻣﻊ ﻧﻣو ﺣﻳﺎة اﻟﺷﻛر ،ﻻ ﺗﻘﺑﻝ اﻟﻧﻔس اﻟـﺿﻳﻘﺎت ﻓﻘـط ،أو ﺗـﺷﻛر
ﻋﻠﻳﻬــﺎ ،ﺑــﻝ ﺗــﺻﻝ ﻓــﻰ اﻟﻧﻬﺎﻳــﺔ إﻟــﻰ اﻟﻔــرح ﺑﺎﻟــﺿﻳﻘﺎت ،ﻛﻣــﺎ ﻳﻘــوﻝ ﻣﻌﻠﻣﻧــﺎ ﻳﻌﻘــوب اﻟرﺳــوﻝ "اﺣــﺳﺑوﻩ ﻛــﻝ ﻓــرح ﻳــﺎ إﺧــوﺗﻰ ﺣﻳﻧﻣــﺎ ﺗﻘﻌــون ﻓــﻰ ﺗﺟــﺎرب
ﻣﺗﻧوﻋــﺔ" )ﻳــﻊ .(2 :1وﻫــذا ﻳﺟﻌــﻝ اﻟــﺻﻼة ﺗﻧطﻠــق ﻧﺣــو اﷲ ﻓــﻰ ﺗــﺳﺑﻳﺢ
ﻣـ ــﺳﺗﻣر ﻓـ ــﻰ ﻛـ ــﻝ اﻷﺣ ـ ـواﻝ وﻳﻌﺟـ ــز إﺑﻠـ ــﻳس ﻋـ ــن ﺗﻌطﻳـ ــﻝ اﻟـ ــﻧﻔس ﻋـ ــن
اﻟﺻﻼة؛ ﻷن اﻟﺣواس أﺻﺑﺣت طﺎﻫرة ﺗﻣﺎﻣﺎً.
-4رؤية فضائل اآلخرين : اﻟــﻧﻔس اﻟﺗــﻰ ﺗــرى اﷲ ﻓــﻰ ﻋطﺎﻳــﺎﻩ ،ﺗرﻳــد أن ﺗـراﻩ ﻓــﻰ ﻛــﻝ اﻟوﺟــوﻩ اﻟﻣﺣﻳطﺔ ﺑﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ أﺣﺑﺗﻪ وﺗرﻳدﻩ داﺋﻣـﺎً ﻣﻌﻬـﺎ؛ ﻟﺗـﺳﺗﻣر ﻣﺗﻣﺗﻌـﺔ ﺑﺣـدﻳﺛﻬﺎ ﻓ ــﻰ ﺻ ــﻠوات ﻻ ﺗﻧﻘط ــﻊ ،ﻓﺗﺑﺣ ــث ﻋﻧ ــﻪ ﻓ ــﻰ ﻓ ــﺿﺎﺋﻝ اﻵﺧـ ـرﻳن؛ ﻷن ﻛ ــﻝ ﻓ ــﺿﻳﻠﺔ ﻫ ــﻰ ﻣ ــن ﺛﻣ ــﺎر اﻟ ــروح اﻟﻘ ــدس ،اﻟﺗ ــﻰ ﻳﻬﺑﻬ ــﺎ ﻟﻛ ــﻝ اﻟﺑ ــﺷر اﻟ ــذﻳن ﻳطﻠﺑوﻧــﻪ ﺳ ـواء ﻣــن اﻟﻣــﺳﻳﺣﻳﻳن أو ﻏﻳــرﻫم وﻟﻛــن ﻳﻣﻧﺣﻬــﺎ ﺑــﺷﻛﻝ أﻋﻣــق
-22-
ﻷوﻻدﻩ .ﻓﺎﻟﻧﻔس اﻟﻣﺻﻠﻳﺔ ﺗﻔرح ﺑﻠﻘﺎء اﷲ ﻓـﻰ ﻛـﻝ ﻓـﺿﻳﻠﺔ وﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻰ ﺗﺣـب أﺻــﺣﺎﺑﻬﺎ .وﻷن ﻛــﻝ إﻧــﺳﺎن ﻻ ﻳﺧﻠــو ﻣــن ﻓــﺿﻳﻠﺔ ،ﻓﺗﺣــب اﻟﺟﻣﻳــﻊ وﺗــرى اﷲ ﻓﻰ اﻟﻛﻝ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻘدﻳﺳﻳن ،اﻟذﻳن ﻳﻌﻳﺷون ﺑﻳﻧﻧﺎ وﺗﻘﺗدى وﺗﺗﻌﻠم ﻣـن اﻟﻛﻝ ،ﻓﺗﻘﺗرب ﻣن اﷲ ،ﻟـﻳس ﻓﻘـط ﺑﺎﻟـﺻﻼة وﻟﻛـن أﻳـﺿﺎً ﻳﺗﻐﻳـر ﺳـﻠوﻛﻬﺎ، ﻓﺗﺣــﺎوﻝ اﻗﺗﻧــﺎء ﻫــذﻩ اﻟﻔــﺿﺎﺋﻝ وﻳــزداد ﻋﻣــﻝ اﻟــروح اﻟﻘــدس ﻓﻳﻬــﺎ ،ﻓﻳﻠﻬــب ﻗﻠﺑﻬ ــﺎ ﻧﺣ ــو اﷲ ﺑﺄﺷـ ـواق ﻣﺗ ازﻳ ــدة ﺗﻌﻣ ــق ﺻ ــﻠواﺗﻬﺎ .وﺑﻬ ــذا ﺗﻘ ــود اﻟ ــﺻﻼة اﻟﺣواس اﻟطﺎﻫرة؛ ﻟﺗﻔرح ﺑرؤﻳﺔ اﷲ ،أﻳﻧﻣﺎ وﺟدت ﻣﻊ ﺟﻣﻳﻊ اﻟﺑﺷر. وﻋﻧدﻣﺎ ﺗرى اﻟﻧﻔس اﻟﻣﺻﻠﻳﺔ اﻷﺷرار ﺗﺻﻠﻰ ﻷﺟﻠﻬم؛ ﺣﺗﻰ ﻳﺑدﻝ اﷲ ﺷــرورﻫم ﺑﻔــﺿﺎﺋﻝ؛ ﻓﺗــزداد ﻓــﺿﺎﺋﻠﻬم .وﺗظــﻝ اﻟﺣ ـواس اﻟطــﺎﻫرة ﺗــرى اﷲ ﻓﻰ اﻷﺑـرار واﻷﺷـرار وﺗطﻠـب ﻧﻌﻣﺗـﻪ ﻟﻠﻛـﻝ ،ﻓﺗـزداد ﻫـﻰ ﻓـﻰ ﺣﺑﻬـﺎ ﷲ واﻧطﻼﻗﻬﺎ ﻓﻰ اﻟﺻﻼة.
-5إدراك ﷲ فى العالم : اﻟــﻧﻔس اﻟﻣــﺻﻠﻳﺔ ﻻ ﺗﻛﺗﻔــﻰ ﺑرؤﻳــﺔ اﷲ ﻓــﻰ اﻟﺑــﺷر وﻟﻛــن ﻻﺗــﺻﺎﻟﻬﺎ اﻟﻣــﺳﺗﻣر ﺑــﺎﷲ ،ﺗرﻳــد أن ﺗ ـراﻩ ﻓــﻰ ﻛــﻝ اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻣﺣــﻳط ﺑﻬــﺎ ،ﻓــﻰ اﻟﻧﺑﺎﺗــﺎت واﻟﺣﻳواﻧــﺎت واﻟطﺑﻳﻌــﺔ ،اﻟﺗــﻰ ﺗﺣــدث ﺑﻣﺟــد اﷲ وﺗﺧﺑــر ﺑﻌﻣــﻝ ﻳدﻳــﻪ .ﻓﺗــرى ﻳــدﻩ اﻟﺗــﻰ ﺗﻌطــﻰ ﺣﻳــﺎة ﻟﻛــﻝ ﻛــﺎﺋن ﺣــﻰ وﺗﻛﺗــﺷف أﺳـرار اﷲ اﻟﻣﺧﻔﻳــﺔ ﻓــﻰ ﺧﻠﻘﺗ ــﻪ ،ﻓﺗ ــرى اﻟﺣﺑ ــﺔ اﻟﺗ ــﻰ ﻻﺑ ــد أن ﺗﻣ ــوت ،ﻟﺗﻌط ــﻰ ﺣﻳ ــﺎة ﻓ ــﻰ اﻟﻧﺑ ــﺎت
-23-
اﻟﺧــﺎرج ﻣﻧﻬــﺎ ،واﻟﻧﺧﻠــﺔ اﻟﻣرﺗﻔﻌــﺔ ﺗﻣﺗــد أﻏــﺻﺎﻧﻬﺎ ﻧﺣــو اﻟــﺳﻣﺎء ،ﻛــذراﻋﻰ اﻟﻣــﺻﻠﻰ .وﺗــرى أﺑــوة اﷲ ﻓــﻰ رﻋﺎﻳــﺔ اﻟﺣﻳ ـوان ﻟــﺻﻐﺎرﻩ ،وﺗــرى اﻟطﺎﻋــﺔ اﻟﻛﺎﻣﻠــﺔ ﻓــﻰ ﺗﺣــرك اﻷﺟ ـرام اﻟــﺳﻣﺎوﻳﺔ .ﻓﺗﻔــرح ﻣــﻊ ﺑــوﻟس اﻟرﺳــوﻝ ،اﻟــذى ﻳﻌﻠــن وﺟــود اﷲ ﻓــﻰ اﻟطﺑﻳﻌــﺔ ،ﺣﻳﻧﻣــﺎ ﻳﻘــوﻝ "ﻷن أﻣــورﻩ ﻏﻳــر اﻟﻣﻧظــورة ﺗــرى ﻣﻧــذ ﺧﻠــق اﻟﻌــﺎﻟم ﻣدرﻛــﺔ ﺑﺎﻟﻣــﺻﻧوﻋﺎت ﻗدرﺗــﻪ اﻟــﺳرﻣدﻳﺔ وﻻﻫوﺗــﻪ" )رو .(20 :1وﺑﻬــذا ﻻ ﺗﺗطﻬــر اﻟﺣـواس ﻓﻘــط ،ﺑــﻝ ﺗﺗﻘــدس ،ﻓــﻼ ﺗــرى إﻻ اﷲ ﻓــﻰ ﻛــﻝ ﺷــﺊ ﺣوﻟﻬــﺎ ،ﻓﻳﺣدﺛــﻪ وﻳﺣــدﺛﻬﺎ ﻣــن ﺧــﻼﻝ ﻫــذﻩ اﻟﻣﺧﻠوﻗــﺎت وﻳزداد ارﺗﺑﺎطﻬﺎ ﺑﻪ.
-6قداسة الحواس : ﻓـ ــﻰ ﻧﻬﺎﻳـ ــﺔ طرﻳـ ــق ﺗطﻬﻳـ ــر اﻟﺣ ـ ـواس ،ﻋﻧـ ــدﻣﺎ ﺗﺗطـ ــﺎﺑق اﻟﺣ ـ ـواس
اﻟداﺧﻠﻳ ــﺔ اﻟﻣﻧ ــﺷﻐﻠﺔ ﺑﺎﻟ ــﺻﻼة ﻣـ ـﻊ اﻟﺣـ ـواس اﻟﺧﺎرﺟﻳ ــﺔ ،ﺗ ــﺻﺑﺢ اﻷﺧﻳـ ـرة
أدوات طﻳﻌــﺔ ﻓــﻰ ﻳــد اﷲ ،ﻓﺗﻧــﺷﻐﻝ ﺑــﺎﷲ وﺗﺑﺣــث ﻋﻧــﻪ ﻓــﻰ ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﺣوﻟﻬــﺎ وﻻ ﺗرﻳــد أن ﺗــرى ﻏﻳ ـرﻩ ،أو ﺗــرى ﻛــﻝ ﺷــﺊ ﻣــن ﺧﻼﻟــﻪ وﺗــﺻﺑﺢ اﻟﺣ ـواس
ﻣطﻳﻌــﺔ ﷲ ،ﻳﺣرﻛﻬــﺎ ﺣــﺳب ﻣــﺷﻳﺋﺗﻪ ،ﻣﻣــﺎ ﻳﻣﻸﻫــﺎ ﻓرﺣـ ًـﺎ ،ﻟﻌﻣﻠــﻪ اﻟــﺳﺧﻰ ﻓﻰ داﺧﻠﻬﺎ ،ﻓﺗﺷﻛرﻩ وﺗﻣﺟدﻩ .وﺗﺻﺑﺢ اﻟﻧﻔس ﻧو اًر ﻟﻠﻌﺎﻟم وﻣﻠﺣﺎً ﻟـﻸرض،
-24-
أى اﻟ ــﺻورة اﻟﺣﻘﻳﻘﻳ ــﺔ ﻟﻺﻧ ــﺳﺎن ﻛﻣ ــﺎ أرادﻩ اﷲ ،ﻳ ــرى اﷲ ﻓ ــﻰ ﻛ ــﻝ ﺷ ــﺊ
وﻳﺟﻣﻊ اﻟﻛﻝ وﻳﻘودﻫم ﻓﻰ ﺗﺳﺑﻳﺢ اﷲ.
-25-
الفصل الرابع
اتكـال وتســليـم إن ﺗﻘﻠﺑــﺎت اﻟﻌــﺎﻟم ﻻ ﺗﻧﺗﻬــﻰ ،ﻓﻬــو ﻣﺗﻐﻳــر ﺑطﺑﻳﻌﺗــﻪ وﻗــوى اﻟﻌــﺎﻟم
اﻟﻣــﺎدى ﺗﺣرﻛــﻪ ،ﻓــﻰ ﺷــﻛﻝ رؤﺳــﺎء اﻟﻌــﺎﻟم وأﺻــﺣﺎب اﻟﻣــﺻﺎﻟﺢ ،اﻟــذﻳن ﻳﻧﺗــﺷرون ﺣــوﻟﻰ ﻓــﻰ ﻛــﻝ ﻣﻛــﺎن .ﻓﻛﻳــف أواﺟــﻪ ﻛــﻝ ﻫــذﻩ اﻟﻘــوى وأﺷــق
طرﻳﻘــﺎً ﺑﻳﻧﻬــﺎ وﻳﻛــون ﻟــﻰ ﻣﻛــﺎن وﺳــط ﻫــذا اﻟزﺣــﺎم اﻟــﺷدﻳد ؟ إﻻ ﺑﺎﻻﺗﻛــﺎﻝ ﻋﻠـﻰ اﷲ؛ ﻓﻳـﺳﻧدﻧﻰ ﺑﻘوﺗـﻪ ،ﺑـﻝ ﻋﻧـدﻣﺎ أﺗﺣﻳـر أﻣـﺎم أﻓﻛـﺎر اﻟﻌـﺎﻟم اﻟﻛﺛﻳـرة، أﺟــد راﺣﺗــﻰ ﻓــﻰ ﺗــﺳﻠﻳم ﺣﻳــﺎﺗﻰ ﻟــﻪ ،ﻟﻳﻘودﻫــﺎ ﺑﻬــدوء ،ﻣﻬﻣــﺎ ﻛﺎﻧــت اﻟزواﺑــﻊ
اﻟﻣﺣﻳطــﺔ .وطرﻳﻘــﻰ إﻟــﻰ اﻹﺗﻛــﺎﻝ واﻟﺗــﺳﻠﻳم ﻫــو اﻟــﺻﻼة وﻛﻠﻣــﺎ ﺗﺣــدﺛت ﻣﻌﻪ ﻳزداد اﺗﻛـﺎﻟﻰ ﻋﻠﻳـﻪ .ﻓﻛﻳـف ﺗوﺻـﻠﻧﻰ اﻟـﺻﻼة إﻟـﻰ اﻻﺗﻛـﺎﻝ واﻟﺗـﺳﻠﻳم
؟!
-1قدرته وحبه : اﻟــﺻﻼة ﺗﺛﺑــت إﻳﻣــﺎﻧﻰ ﺑــﺎﷲ ﺧــﺎﻟق اﻟﻛــﻝ وﺿــﺎﺑط اﻟﻛــﻝ .ﻓﻌﻧــدﻣﺎ
أﺷـ ــﻛرﻩ ﻋﻠـ ــﻰ ﻋطﺎﻳـ ــﺎﻩ وﺗدﺑﻳ ارﺗـ ــﻪ ﻟﺣﻳـ ــﺎﺗﻰ ،أﺷـ ــﻌر ﺑﺣﻧﺎﻧـ ــﻪ ﻓـ ــﻰ رﻋﺎﻳﺗـ ــﻪ واﻫﺗﻣﺎﻣﻪ ﺑﻰ ،ﻣﻣﺎ ﻳﺷﺟﻌﻧﻰ أن أطﻠب ﻣﻧﻪ ﻛﻝ اﺣﺗﻳﺎﺟﺎﺗﻰ وأﺿﻊ أﻣﺎﻣﻪ ﻣــﺷﺎﻛﻠﻰ؛ ﻓــﺄرى ﻳــدﻩ اﻟﻘوﻳــﺔ اﻟﺣﺎﻧﻳــﺔ ﺗﺗــدﺧﻝ ،ﻟﺗرﻓــﻊ ﻋﻧــﻰ أﺛﻘــﺎﻟﻰ وﺗﺣــﻝ
-26-
ﻣ ــﺷﺎﻛﻠﻰ ،ﻣﻬﻣـ ــﺎ ﻛﺎﻧـ ــت ﺻـ ــﻌﺑﺔ .وﻋﻧـ ــدﻣﺎ ﻳﺗـ ــﺄﺧر ﺣـ ــﻝ اﻟﻣـ ــﺷﺎﻛﻝ ﺗـ ــزداد
ﺻــﻠواﺗﻰ وأﺗــﺷﺑث ﺑــﻪ ﺑﻠﺟﺎﺟــﺔ ،ﺣﺗــﻰ ﻳﺗــدﺧﻝ .وﻓــﻰ اﻟﻧﻬﺎﻳــﺔ أرى ﻋﻣﻠــﻪ
اﻟﻌظﻳم ،ﻓﻳﺛﺑت إﻳﻣـﺎﻧﻰ ﺑﻘدرﺗـﻪ وﺣﺑـﻪ وﻻ أﻋـود أﺿـطرب ،ﻣﻬﻣـﺎ ﺗﺣرﻛـت اﻟدﻧﻳﺎ ﺣوﻟﻰ ،أو ﺣﺗﻰ واﺟﻬﺗﻧﻰ ﻣﺧﺎوف وﺗﻬدﻳدات ،ﻓﻬـﻰ ﺑـﻼ ﻗﻳﻣـﺔ ﻷن
اﷲ ﻣﻌﻰ.
وﻣــن ﻧﺎﺣﻳــﺔ أﺧــرى ﺗــدﻓﻌﻧﻰ اﻟــﺻﻼة ﻟﻠﺗﺄﻣــﻝ اﻟﻣــﺳﺗﻣر ﻓــﻰ أﻋﻣــﺎﻝ
اﷲ واﻫﺗﻣﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺑﺷر وﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺧﺻوص ﻓـﻰ رﻋﺎﻳﺗـﻪ ﻟـﻰ ،ﻣﻣـﺎ ﻳﻌﻠـق ﻗﻠﺑﻰ ﺑﻪ ،ﻓﺄﺣب اﻟوﺟود ﻣﻌﻪ؛ ﻷﻧـﻪ أﻏﻠـﻰ ﻣـن ﻛـﻝ اﻟﺑـﺷر ﻓـﻰ ﻧظـرى وﻻ
أﺗﺿﺎﻳق ،إذا اﻧﺷﻐﻝ اﻟﻧﺎس ﻋﻧﻰ ،ﺑﻝ أﻓرح ﺑﺎﺑﺗﻌﺎدﻫم؛ ﻷﻧـﻪ ﻳﻘرﺑﻧـﻰ إﻟﻳـﻪ
وﻳﺟﻌﻠﻪ ﻳﻛﺷف ﻟﻰ – ﻓﻰ اﻟـﺻﻼة – أﺳـ ار اًر ﺟدﻳـدة ﻣـن أﻋﻣﺎﻟـﻪ اﻹﻟﻬﻳـﺔ، ﻓﺄﺗﻣﺗﻊ وأﻓرح ﺑﻪ.
-2تسليم له : ﺑﺄﻓﻛﺎرى اﻟﺑﺷرﻳﺔ أﺣﺎوﻝ ﻗﻳﺎدة ﺣﻳـﺎﺗﻰ وﻟﻛﻧـﻰ أواﺟـﻪ ﻋﻘﺑـﺎت ﻛﺛﻳـرة
ﺗﻌﺗرﺿﻧﻰ وأﻋﺟز ﻋن ﺣﻠﻬﺎ ﻓـﻰ أوﻗـﺎت ﻛﺛﻳـرة وأﺣﻳﺎﻧـﺎً أﺧـرى أﺗﺣﻳـر ﻓـﻰ اﺧﺗﻳــﺎر اﻟطرﻳــق اﻟــذى ﻳﻧﺎﺳــﺑﻧﻰ؛ ﻟﻌﺟــزى ﻋــن ﻣﻌرﻓــﺔ اﻟﻣــﺳﺗﻘﺑﻝ ،ﻓﺗﺣــوط ﺑﻘﻠﺑ ــﻰ اﻟﻣﺧ ــﺎوف .وﻓ ــﻰ اﻟﻧﻬﺎﻳ ــﺔ أﻧﺗﺑ ــﻪ ،ﻓ ــﺈذ ﺑ ــﻰ ﻗ ــد ﻋزﻟ ــت ﻧﻔ ــﺳﻰ ﻋ ــن
-27-
ﻣــﺻدر ﻗــوﺗﻰ وراﺣﺗــﻰ وﻫــو اﷲ ،ﻓــﺄﻋود إﻟﻳــﻪ وأرﻓــﻊ ﺻــﻠواﺗﻰ ،ﻟﻳﻧﻘــذﻧﻰ
وﻳــﺳﻧدﻧﻰٕ .واذ أﺗــذﻛر أﻋﻣﺎﻟــﻪ اﻟــﺳﺎﺑﻘﺔ ﻣﻌــﻰ وﻣﺣﺑﺗــﻪ اﻟﺗــﻰ ﻻ ﺗوﺻــف، أطﻠب ﻣﻧﻪ أن ﻳﺳﺗﻠم ﺣﻳـﺎﺗﻰ وﻳﻘودﻫـﺎ ﺑﻧﻔـﺳﻪ ،ﻷﻧـﻰ ﻋـﺎﺟز ﻋـن ﻗﻳﺎدﺗﻬـﺎ. وﻓــﻰ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت أﺛــق ﻓــﻰ أﺑوﺗــﻪ ورﻋﺎﻳﺗــﻪ .وﻫﻛــذا أﺳــﺗﻌﻳد راﺣﺗــﻰ ،ﺑــﻝ
أﺗﻔ ــرغ ﻟﻠﺗﻣﺗ ــﻊ ﺑﺣﺑ ــﻪ ،ﻓﺗ ــزداد ﺻ ــﻠواﺗﻰ وﺣﻳﻧﺋ ــذ ﺗﻔ ــﻳض ﻋﻠ ــﻰ ﻣـ ـراﺣم اﷲ
وأﺧﺗﺑر ﺑرﻛﺎﺗﻪ ،ﻣﻣﺎ ﻳزﻳدﻧﻰ ﺗﺳﻠﻳﻣﺎً وﺷﻛ اًر ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺎﻳﺗﻪ ﺑﻰ.
-3إستناد عليه : ﻋﻧ ــدﻣﺎ أرى اﻟﻧ ــﺎس ﺣ ــوﻟﻰ ﻳﺑﺣﺛ ــون ﻋ ــن ﻋﻼﻗ ــﺎت ﻣ ــﻊ اﻟرؤﺳ ــﺎء
وذوى اﻟﻣ ارﻛ ــز ﻣ ــن ﻧﺎﺣﻳ ــﺔ وأرى دور اﻟﻣ ــﺎﻝ ﻓ ــﻰ ﻗﻳ ــﺎدة اﻟﻌ ــﺎﻟم ﻛﻠ ــﻪ ﻣ ــن ﻧﺎﺣﻳﺔ أﺧرى ،وﻛﻳف ﻳﺟذب ﻧﻔوس اﻟﺑﺷر ،ﻟﻳﺗﻌﺑدوا ﻟـﻪ دون أن ﻳـﺷﻌروا،
أﻧ ــﺳﺎق وﻟ ــو ﻗﻠ ــﻳﻼً ﻣﻌﻬ ــم ،ﻓﺄﺳ ــﺗﻧد ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻣ ــﺎﻝ واﻟﻣرﻛ ــز واﻟ ــﺻﺣﺔ وﻛ ــﻝ اﻹﻣﻛﺎﻧﻳﺎت اﻟﺑﺷرﻳﺔ؛ ﻷﺳﺗطﻳﻊ ﻣواﺟﻬﺔ اﻟﺣﻳﺎة. ﻟﻛ ــن ﻟﻸﺳ ــف ﻳظﻬ ــر ﻋﺟ ــز ﻛ ــﻝ ﻣ ــﺎ أﺳ ــﺗﻧد ﻋﻠﻳ ــﻪ ﻓ ــﻰ اﻟﻣواﻗ ــف
اﻟﺻﻌﺑﺔ ،ﻣﻣﺎ ﻳﺟﻌﻝ اﻟﺷﻳطﺎن ﻳﺛﻳـر ﻓـﻰ داﺧﻠـﻰ أﻓﻛـﺎر اﻟﻳـﺄس واﻹﺣﺑـﺎط. وﺗزداد ﺻﻌوﺑﺔ اﻷﻣر ،ﻋﻧدﻣﺎ أﺟد اﻟﻧﺎس ﻛﻠﻬـم ﻳﺟـرون ﻓـﻰ ﻫـذا اﻻﺗﺟـﺎﻩ
اﻟﻣﺎدى وﻳﺗﻔﺎﺧرون ﺑﻣﺎ ﻳﻌﺗﻣـدون ﻋﻠﻳـﻪ ،راﻓﻌـﻳن ﺷـﻌﺎر "اﻟﻠـﻰ ﻣﻌـﺎﻩ ﻗـرش
-28-
ﻳ ـ ــﺳوى ﻗ ـ ــرش" ،وﻟﻛ ـ ــن ﻳظﻬ ـ ــر ﺣﻧ ـ ــﺎن اﷲ ،اﻟ ـ ــذى ﻳﻧﻳ ـ ــر ظﻠﻣ ـ ــﺔ ﺣﻳ ـ ــﺎﺗﻰ
وﻳ ــدﻋوﻧﻰ ﻟﻼﺗﻛ ــﺎﻝ ﻋﻠﻳ ــﻪ ،ﻓ ــﺄﺧﺗﺑر ﻧوﻋ ــﺎً ﺟدﻳ ــداً ﻣ ــن اﻟﻣ ــﺳﺎﻧدة ،ﺗﺗﻣﻳ ــز ﺑﺄﻣرﻳن واﺿﺣﻳن ﻋن ﻛﻝ ﻗوى اﻟﻌﺎﻟم وﻫﻣﺎ : -1ﻳﺻﺎﺣﺑﻬﺎ ﺳﻼم داﺧﻠﻰ ﻻ ﻳﺷوﺑﻪ أى اﻧزﻋﺎج. -2ﺗؤدى إﻟﻰ اﻟﺑﻧﻳﺎن ﻻ اﻟﻬدم ،ﺳواء ﻟﻧﻔﺳﻰ أو ﻟﻶﺧرﻳن.
وﻫﻧــﺎ اﻟﺗﺟــﺊ إﻟــﻰ اﻟــﺻﻼة وأﺗﻣــﺳك ﺑﻬــﺎ وأﺳــﺗﻧد ﻋﻠــﻰ اﷲ ،ﻟــﻳس
ﻓﻘط ﻓﻰ اﻟﻣواﻗف اﻟﺻﻌﺑﺔ وﻟﻛن ﻓـﻰ ﻛـﻝ أﻣـور ﺣﻳـﺎﺗﻰ؛ ﻓﺄطﻠﺑـﻪ ﻗﺑـﻝ ﻛـﻝ
ـﻰ وﺑــﻰ ،ﺛــم أﺷــﻛرﻩ ﺑﻌــد ذﻟــك ،ﻣﻣــﺎ ﻳزﻳــد ﻋﻣــﻝ وأﺛﻧــﺎءﻩ؛ ﻟﻳﺗــدﺧﻝ وﻳﻌﻣــﻝ ﻓـ ﱠ اﺳﺗﻧﺎدى ﻋﻠﻳﻪ .وﻫﻛـذا ﺗﺟﻌﻠﻧـﻰ اﻟـﺻﻼة أﺳـﺗﻧد ﻋﻠـﻰ اﷲ ،ﺛـم ﻣـﺳﺎﻧدة اﷲ ﺗدﻓﻌﻧﻰ ﻟﻠﺻﻼة ،ﺣﺗﻰ ﻳﺻﺑﺢ اﷲ ﺳﻧدى ﻓﻰ ﻛﻝ ﺷﺊ ﻓﺄﺣﻳﺎ ﻣطﻣﺋﻧﺎً.
-4قبول مشيئته : ﺑﻌدﻣﺎ أﺧﺗﺑر ﻣﺳﺎﻧدة اﷲ ﻟﻰ وﻳزداد ﺛﺑﺎﺗﻰ ﻓﻰ اﻹﻳﻣﺎن ﺑﻪ ،أواﺟـﻪ ﻣــﺷﻛﻠﺔ ،وﻫــﻰ أن ﺑﻌــض طﻠﺑــﺎﺗﻰ ﻻ ﺗــﺳﺗﺟﺎب ،ﻓﺄﺗــﺿﺎﻳق ﻟﻌــدم ﺗﺣﻘﻳــق رﻏﺑ ــﺎﺗﻰ ،ﺣﺗ ــﻰ ﺑ ــﺎﻟرﻏم ﻣ ــن اﻟ ــﺻﻠوات اﻟﻛﺛﻳـ ـرة واﻟﻠﺟﺎﺟ ــﺔ ﺑﺈﻳﻣ ــﺎن؛ ﻟﺣ ــﻝ ﻣــﺷﺎﻛﻠﻰ وﺗﺣﻘﻳــق طﻠﺑــﺎﺗﻰ ،وﻳﺑــدأ اﻟﺗــذﻣر ﻓــﻰ اﻟﺗــﺳﻠﻝ إﻟــﻰ ﻧﻔــﺳﻰ .وﻟﻛــن ﻟﺗﻌودى اﻟﺻﻼة ،أطﻠب ﻣﻌوﻧﺔ اﷲ ﻓﻰ ﻫذا اﻟﻣﺄزق اﻟﻧﻔﺳﻰ ،ﻓﺄﺟد ﺣﻧﺎﻧﻪ
-29-
اﻟﻌﺟﻳب ﻳﻌطﻳﻧﻰ راﺣﺔ ،ﻟﻘﺑوﻝ ﻣﺷﻳﺋﺗﻪ اﻟﻣﻌﺎﻛﺳﺔ ،اﻟﺗﻰ ﻛﻧت أﻛﺎد أﺗذﻣر ﻋﻠﻳﻬﺎ ،أو ﺳﻘطت ﻓﻌﻼً ﻓﻰ اﻟﺗذﻣر ،ﻓﺗﻬدأ ﻧﻔﺳﻰ. وﺑﺗﻛرار ﺿﻳﻘﻰ ﻣن ﻋدم ﺗﺣﻘﻳق ﻣـﺷﻳﺋﺗﻰ ،ﺛـم اﻟـﺻﻼة ،ﻓﻳﻌطﻳﻧـﻰ اﷲ ﻫ ــدوءاً وﻗﺑ ــوﻻً ﻟﻣ ــﺷﻳﺋﺗﻪ ،أﺟ ــد ﻧﻔ ــﺳﻰ ﺗﻠﻘﺎﺋﻳ ــﺎً ازداد إﻳﻣﺎﻧ ــﺎً ﺑﺗ ــدﺑﻳر اﷲ ﻟﺣﻳـ ــﺎﺗﻰ ،ﻓﺄﺻـ ــﻠﻰ إﻟﻳـ ــﻪ طﺎﻟﺑـ ــﺎً ﻣﻌوﻧﺗـ ــﻪ وﺣﻳﻧﺋـ ــذ ﻳﺣررﻧـ ــﻰ ﺗـ ــدرﻳﺟﻳﺎً ﻣـ ــن ﻣﺷﻳﺋﺗﻰ اﻟﺧﺎﺻﺔ ،ﻓﺄﺗﻧﺎزﻝ ﻋن رﻏﺑﺎﺗــﻰ وﻋﻧـدﻣﺎ أﺻـﻠﻰ وأطﻠـب أى ﺷـﺊ
ﻣﻧﻪ ،أﻟﺣﻘﻪ ﺳرﻳﻌﺎً ﺑﺻﻼة "ﻟﺗﻛن ﻣﺷﻳﺋﺗك" )ﻣت ،(10 :6ﻷﻧـﻰ أﻋﻠـم أن
ﻣﺷﻳﺋﺗﻪ أﻓﺿﻝ ﻣن ﻣﺷﻳﺋﺗﻰ .وﻫﻛـذا ﺗﺗطـﺎﺑق اﻟﻣـﺷﻳﺋﺗﺎن؛ ﻣـﺷﻳﺋﺗﻰ ﻣـﺷﻳﺋﺔ
اﷲ ،ﻓﺗــﺻﺑﺢ ﻣــﺷﻳﺋﺗﻪ ﻫــﻰ ﻣــﺷﻳﺋﺗﻰ ،ﻓﺄﻗﺑــﻝ ﻛــﻝ ﻣــﺎ ﻳــدﺑرﻩ ﻟﺣﻳــﺎﺗﻰ وأﺗﻔــرغ أﻧ ــﺎ ﻟﻠﺗﻣﺗ ــﻊ ﺑﺣﺑ ــﻪ ،ﻓ ــﻰ ﺻ ــﻠوات ﻛﺛﻳـ ـرة وﺗ ــﺻﺑﺢ ﺣﻳ ــﺎﺗﻰ ﻣ ــﺳﺗﻘرة ﻫﺎدﺋ ــﺔ، ﻣﻧﺷﻐﻠﺔ ﻓﻘط ﺑﺎﻟﻧﻣو اﻟروﺣﻰ وﺧدﻣﺔ اﻵﺧرﻳن.
-5فرح بمعاينته : ﺑﺎﻟــﺻﻼة أﺣﻳــﺎ ﺣﻳــﺎة ﻣطﻣﺋﻧــﺔ وﺳــط ﺿــﺟﻳﺞ اﻟﻌــﺎﻟم وأﻋﺑــر ﻓــوق
ﻋﻘﺑﺎﺗ ــﻪ ﺑ ــﻼ اﻧزﻋ ــﺎج ،ﻓﻳﻬ ــدأ ذﻫﻧ ــﻰ ﻣ ــن ﺛ ــورة اﻷﻓﻛ ــﺎر اﻟ ــﺷرﻳرة وﻳﻧ ــﺷﻐﻝ
ﺑﻣﺣﺑﺔ اﷲ ،ﻣﻣﺎ ﻳﻛﺷف ﻋن ﻋﻳﻧﻰ ،ﻓﺄﻋﺎﻳن أﻋﻣﺎﻟﻪ اﻟﻛﺛﻳرة ﻣﻌـﻰ ،ﻓـﺄﻓرح
-30-
وأﺷـ ــﻛر اﷲ وﻋﻧـ ــدﻣﺎ أﺷـ ــﻛرﻩ ﺗـ ــزداد ﻋطﺎﻳـ ــﺎﻩ؛ ﻓﻳـ ــزداد ﻓرﺣـ ــﻰ وﺻـ ــﻠواﺗﻰ.
وﺑﺎﻟﺗــدرﻳﺞ أﻛﺗــﺷف ﻣﺣﺑــﺔ اﷲ اﻟﺗــﻰ ﻻ ﺗوﺻــف ،ﻓﺎﻧــﺷﻐﻝ ﺑﺷﺧــﺻﻪ ﻋــن
ﻋطﺎﻳﺎﻩ ،أو أراﻩ ﻓﻰ ﻋطﺎﻳﺎﻩ أﻛﺛر ﻣـن اﻧـﺷﻐﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﻌطﻳـﺔ ﻧﻔـﺳﻬﺎ .وﺣﻳﻧﺋـذ ﻳﻛﺷف ﻟﻰ أﺳ اررﻩ وﻳدﺧﻠﻧﻰ إﻟﻰ اﻷﻋﻣﺎق ،ﻷﻋﺎﻳن ﻣﺟدﻩ وأﺟد ﻟذﺗﻰ ﻓـﻰ ﻣﻌﻳﺗﻪ وﻋﺷرﺗﻪ ،ﻣﻣﺎ ﻳرﻓﻌﻧﻰ ﻓوق ﻛﻝ أﻟـم وأﺣﻳـﺎ ﻓـﻰ ﻓـرح ﻻ ﻳﻌﺑـر ﻋﻧـﻪ،
ﻫـ ــو ﺗـ ــﺷﺟﻳﻊ إﻟﻬـ ــﻰ؛ ﻷﻧـ ــﺷﻐﻝ ﺑﺎﻷﺑدﻳـ ــﺔ اﻟـ ــﺳﻌﻳدة وأﺳـ ــﺗﻌد ﻟﻬـ ــﺎ ،ﻓﺄﺣـ ــب
اﻟــﺻﻼة؛ ﻷﻧــﻰ أﺧﺗﻠــﻰ ﻓﻳﻬــﺎ ﺑــﻪ ،ﺣﺗــﻰ أﻧﻌﺗــق ﻣــن ﻗﻳــود اﻟﺟــﺳد وأﻧطﻠــق ﻷﻛون ﻣﻌﻪ ﻓﻰ اﻟﺳﻣﺎء.
-31-
الفصل الخامس
تواضـع وانسـحـاق إن ﻛﺎﻧت اﻟﻛﺑرﻳﺎء ﻫﻰ اﻟﺧطﻳﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺗﻰ ﺳﻘط ﻓﻳﻬﺎ أﺑوﻳﻧـﺎ آدم
وﺣواء ،ﻓـﺈن اﻟﺗواﺿـﻊ ﻫـو اﻟﻔـﺿﻳﻠﺔ اﻟﺗـﻰ ﻳرﺗﻛـز ﻋﻠﻳﻬـﺎ ﺟﻣﻳـﻊ اﻟﻔـﺿﺎﺋﻝ،
ﻓﻬو اﻷرض اﻟﺗﻰ ﺗﻧﺑـت ﻓﻳﻬـﺎ ﺟﻣﻳـﻊ اﻟﻐـروس اﻟﺣـﺳﻧﺔ ،ﻛﻣـﺎ ﻗـﺎﻝ اﻵﺑـﺎء.
إذن ﻓﺎﻻﺗــﺿﺎع ﻫــو ﺿــرورة ﺣﺗﻣﻳــﺔ ﻟﺧــﻼص ﻧﻔــﺳﻰ ،ﻳﻧــﺎدﻳﻧﻰ إﻟﻬــﻰ ﻣــﻊ ﻛـ ــﻝ اﻟﻣـ ــؤﻣﻧﻳن ﻟﻼﻗﺗـ ــداء ﺑـ ــﻪ ،ﺣﻳﻧﻣـ ــﺎ ﻳﻘـ ــوﻝ "ﺗﻌﻠﻣ ـ ـوا ﻣﻧـ ــﻰ ﻷﻧـ ــﻰ ودﻳـ ــﻊ
وﻣﺗواﺿــﻊ اﻟﻘﻠــب ﻓﺗﺟــدوا ارﺣــﺔ ﻟﻧﻔوﺳــﻛم" )ﻣــت (29 :11ﻓﻛﻳــف ﺗــدﺧﻠﻧﺎ
اﻟﺻﻼة إﻟﻰ اﻟﺗواﺿﻊ ؟
-1مجده العظيم : ﻓــﻰ اﻟــﺻﻼة ﻳﻘــف اﻹﻧــﺳﺎن أﻣــﺎم اﷲ اﻟﻣﻬــوب ،اﻟــذى ﺗﺣــﻳط ﺑــﻪ
ﻣﻼﺋﻛﺗﻪ وﻳﻐطون وﺟوﻫﻬم ﻣن ﺑﻬـﺎء ﻣﺟـدﻩ ،ﻓـﻼ ﻳـﺳﺗطﻳﻊ أﺣـد أن ﻳﻧظـر
إﻟﻳـ ــﻪ ﻣـ ــن ﻓـ ــرط ﻋظﻣﺗـ ــﻪ .واﻷرﺑﻌـ ــﺔ وﻋـ ــﺷرون ﻗﺳﻳـ ــﺳﺎً – ﻫـ ــذﻩ اﻟطﻐﻣـ ــﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﻳ ـ ــﺔ اﻟﻌﺎﻟﻳ ـ ــﺔ -ﻳﺧﻠﻌ ـ ــون أﻛ ـ ــﺎﻟﻳﻠﻬم اﻟذﻫﺑﻳ ـ ــﺔ ﻣ ـ ــن ﻋﻠ ـ ــﻰ رؤوﺳ ـ ــﻬم
وﻳــﺳﺟدون أﻣﺎﻣــﻪ ﻓــﻰ ﺧــﺷوع ،ﺻــﺎرﺧﻳن ﻗــدوس ﻗــدوس ﻗــدوس .ﻓﻛﻳــف
ﺗــدﺧﻝ ﻧﻔــﺳﻰ اﻟــﺿﻌﻳﻔﺔ ﻫــذا اﻟﻣﺣﻔــﻝ اﻟﻌظــﻳم ،ﻟﺗرﻓــﻊ ﺻــﻠواﺗﻬﺎ أﻣــﺎم اﷲ؟!
-32-
إﻧــﻪ ﺣﻧــﺎن اﷲ اﻟــذى ﻳــﺷﺟﻌﻧﻰ ﻋﻠــﻰ اﻟوﻗــوف أﻣﺎﻣــﻪ واﻟــﺳﺟود ﺑــﻳن ﻳدﻳــﻪ.
وﻛﻠﻣــﺎ ﺗﺄﻣﻠــت ﻋظﻣــﺔ اﷲ -اﻟــذى ﻳﺛﺑــت ﻓــﻰ داﺧﻠــﻰ ﺑﻛﺛ ـرة اﻟــﺻﻠوات –
أﺷ ــﻌر ﺑ ــﺿﻌﻔﻰ ،ﻓﺄﺗ ــﺿﻊ أﻣ ــﺎم ﻣﺟ ــدﻩ ،ﻋﺎﻟﻣ ــﺎً أﻧ ــﻰ ﻻ ﺷ ــﺊ أﻣ ــﺎم ﻣﺟ ــدﻩ اﻟﻌظﻳم ،ﻛﻣﺎ اﺗﺿﻊ أﻣﺎم اﷲ ﻛﻝ ﻣـن رأى ﻣﺟـدﻩ ،ﻣﺛـﻝ أﺷـﻌﻳﺎء وﺣزﻗﻳـﺎﻝ
وﻛﻝ اﻷﻧﺑﻳﺎء ورﺟﺎﻝ اﷲ اﻟذﻳن ﻋﺎﻳﻧوا ﻓﻰ اﻟـﺻﻼة ﺷـﻳﺋﺎً ﻣـن ﻣﺟـدﻩ ،ﻣﻣـﺎ ﻳﺟﻌﻠﻧــﻰ أﻗﺗــرب ﻓــﻰ ﺧــﺷوع أﻣﺎﻣــﻪ ﻛــﻝ ﻳــوم وأﺣﻧــﻰ أرﺳــﻰ طﺎﻟﺑــﺎً ﺑرﻛﺗــﻪ. وﻟﻛــن ﻓــﻰ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت إذا أﺗﻣﺗــﻊ ﺑﻬــذا اﻟﻠﻘــﺎء اﻹﻟﻬــﻰ اﻟﻌظــﻳم ﻻ أرﻳــد أن
أﺗرﻛــﻪ؛ ﻷﻧــﻪ أﻋظــم ﻣــن أى ﻟﻘــﺎء ﻓــﻰ اﻟﻌــﺎﻟم ،ﻓﺄﻗﺑــﻝ ﻋﻠــﻰ اﻟــﺻﻼة ،اﻟﺗــﻰ ﻣن ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻳزداد اﺗﺿﺎﻋﻰ ﻳوﻣﺎً ﻓﻳوم.
-2حبه الالنھائى : ﻳ ــﺷﺟﻌﻧﻰ ﻋﻠ ــﻰ اﻟوﻗ ــوف ﻓ ــﻰ اﻟ ــﺻﻼة أﻣ ــﺎم اﷲ ﻣﺣﺑﺗ ــﻪ وﺗرﺣﻳﺑ ــﻪ ﺑ ــﻰ ،رﻏ ــم ﺿ ــﻌﻔﻰ وﺣﻘ ــﺎرﺗﻰ ،ﺑ ــﻝ دﻋوﺗ ــﻪ ﻟ ــﻰ ﻣ ــﻊ ﻛ ــﻝ أوﻻدﻩ؛ ﻟﻠﺗﻣﺗ ــﻊ ﺑــﺎﻟوﻗوف أﻣﺎﻣــﻪ ،ﻓﺄﻧــﺎ ﻟــﺳت ﻣﻘﺗﺣﻣــﺎً ﻟﻣﺟﻠــس اﷲ اﻟﻌﻠــﻰ ،ﺑــﻝ ﻣــدﻋواً ﻣــن
ﻋظﻣﺗ ــﻪ ﻟﻠﺗﻣﺗ ــﻊ ﺑﺣ ــﺿرﺗﻪ ،ﻓﺄﺗ ــﺷﺟﻊ وأﻗ ــف أﻣﺎﻣ ــﻪ وأرﻓ ــﻊ ﺻ ــﻠواﺗﻰ ﻣ ــﻊ اﻟﻛﻧﻳــﺳﺔ ﻛﻠﻬــﺎ ،ﺑﻣزاﻣﻳــر وﺗــﺳﺎﺑﻳﺢ ﻛــﻝ ﻳــوم ،ﻓــﻰ ﺳــﺎﻋﺎت اﻟﻧﻬــﺎر واﻟﻠﻳــﻝ، ﻛﻣﺎ ﺗﻌﻠﻣﻧﺎ ﺻﻼة اﻷﺟﺑﻳﺔ ،ﺑﻝ أﻛﺛر ﻣـن ﻫـذا ،ﻳـﺷﺟﻌﻧﻰ ﺣﺑـﻪ أن أﺣﻛـﻰ
-33-
ﻟﻪ ﻛﻝ ﺗﻔﺎﺻﻳﻝ ﺣﻳﺎﺗﻰ وأطﻠب ﺗدﺧﻠﻪ ﻓﻳﻬﺎ وﻫو ﺑﺣﻧﺎﻧﻪ ﻳﺳﻣﻌﻧﻰ ﺑﺎﻫﺗﻣﺎم وﻳ ــﺷﺟﻌﻧﻰ أن أطﻠ ــب ﻣﻧ ــﻪ ﻛ ــﻝ اﺣﺗﻳﺎﺟ ــﺎﺗﻰ .وﻟﻛ ــن ﻳﻧ ــﺎزﻋﻧﻰ ﺷ ــﻌوران، اﻟﺷﻌور اﻷوﻝ ﻫو اﻧﺟذاﺑﻰ إﻟﻰ ﺣﺑﻪ وأﺑوﺗﻪ ،ﻓﺄرﻳد أن أﺣﻛـﻰ ﻟـﻪ ﻛـﻝ ﻣـﺎ ﻓﻰ داﺧﻠﻰ .واﻟﺷﻌور اﻟﺛﺎﻧﻰ ﻫو إﺣﺳﺎﺳﻰ ﺑﻌظﻣﺗﻪ وﺗﻔﺎﻫﺔ ﻛﻝ ﻣﺎ أﻧطـق ﻣﻌﺎ ،ﻓﺄﺗﻘـدم ﺑﻪ ،ﻣﻣﺎ ﻳوﻟد داﺧﻠﻰ اﻧﺳﺣﺎق ﺷدﻳد .وﻟﻛن ﻳﺧﺗﻠط اﻟﺷﻌوران ً
أﻣﺎﻣﻪ ﺑداﻟﺔ اﻟﺑﻧﻳن واﺗﺿﺎع اﻟﻌﺎرﻓﻳن ﺑﻣﺟدﻩ.
وﻟﻛ ــن اﻟﻌﺟ ــب ﻳظﻬ ــر ﻓ ــﻰ ﺣﺑ ــﻪ اﻟ ــذى ﻳرﺣ ــب ﺑ ــﻰ ،رﻏ ــم ﺗﻠ ــوﺛﻰ ﺑﺧطﺎﻳــﺎ ﻛﺛﻳـرة ،ﻓﻳــدﻋوﻧﻰ ﻟﻠﺗوﺑــﺔ ،ﺑــﻝ ﻳﻌﻠــن ﻓرﺣــﻪ ﺑــﻰ وﺑﺗــوﺑﺗﻰ أﻛﺛــر ﻣــن ﺻﻠوات ﻛﺛﻳرة ﻣرﻓوﻋﺔ أﻣﺎﻣﻪ ،ﻋﻧدﻣﺎ ﻳﻘوﻝ "ﻫﻛذا ﻳﻛون ﻓرح ﻓـﻰ اﻟـﺳﻣﺎء ﺑﺧ ــﺎطﺊ واﺣ ــد ﻳﺗ ــوب أﻛﺛ ــر ﻣ ــن ﺗ ــﺳﻌﺔ وﺗ ــﺳﻌﻳن ﺑ ــﺎ اًر ﻻ ﻳﺣﺗ ــﺎﺟون إﻟ ــﻰ
ﺗوﺑﺔ" )ﻟو .(7 :15ﺛم ﻳﻣد ﻳدﻩ ،ﻟﻳﻣﺣو ﻛـﻝ ﺧطﺎﻳـﺎى ،ﺑـﻝ وﻳﻣـﺳﺢ أﻳـﺿﺎً
دﻣــوﻋﻰ وأﺣ ازﻧــﻰ ،اﻟﺗــﻰ ﺳــﺑﺑﺗﻬﺎ اﻟﺧطﻳــﺔ ،ﻓﻳــزداد اﻧــﺳﺣﺎﻗﻰ أﻣﺎﻣــﻪ ،ﻟﻛﺛـرة ﻣراﺣﻣـ ــﻪ وﺣﺑـ ــﻪ اﻟﻼﻧﻬـ ــﺎﺋﻰ ،اﻟـ ــذى ﻳﺑﺗﻠـ ــﻊ وﻳﻣﺣـ ــو ﻛـ ــﻝ آﺛـ ــﺎﻣﻰ ،ﻓﺄﺳـ ــﺑﺣﻪ وأﻣﺟدﻩ.
-34-
-3تواضعه يخجلنى : ﻛﻠﻣـ ــﺎ وﻗﻔـ ــت ﻓـ ــﻰ اﻟـ ــﺻﻼة أﻣﺎﻣـ ــﻪ أﻓـ ــرح ﺑﻠﻘﻳـ ــﺎﻩ وﻟﻛﻧـ ــﻰ أﺗﻌﺟ ـ ـب
ﻻﺗــﺿﺎﻋﻪ ،ﻟــﻳس ﻓﻘــط ﻓــﻰ ﺗﺟــﺳدﻩ واﺣﺗﻣﺎﻟــﻪ اﻵﻻم ﻋﻠــﻰ اﻟــﺻﻠﻳب ﻣــن
أﺟﻠــﻰ وﻟﻛــن ﻓــﻰ ﻗﺑوﻟــﻪ أن ﻳــﺳﻣﻌﻧﻰ ﻛــﻝ ﻳــوم وﻓــﻰ ﻛــﻝ وﻗــت .ﻓــﺈن ﻛــﺎن ﻫو اﻟﻌظﻳم ﺑﻬذا اﻟﻣﻘـدار ﻳﺗـﺿﻊ ﻫﻛـذا ،ﻓﻛـم ﺑـﺎﻷﺣرى ﻳﻠزﻣﻧـﻰ أن أﺗـﺿﻊ أﻣﺎﻣ ـ ــﻪ ؟! وﻷﻧ ـ ــﻪ ﻏﻳ ـ ــر ﻣﺣ ـ ــدود ،ﻓﺎﺗ ـ ــﺿﺎﻋﻪ ﻻ ﻳﻣﻛ ـ ــن أن ﺗﻌﺑ ـ ــر ﻋﻧ ـ ــﻪ
اﻟﻛﻠﻣــﺎت ،ﻓﻛﻠﻣــﺎ وﻗﻔــت أﻣﺎﻣــﻪ ﻓـﻰ اﻟــﺻﻼة أﻧــﺳﺣق ﺗﻠﻘﺎﺋﻳـ ًـﺎ؛ ﻷﻧــﻰ أﺧﺟــﻝ ﻣــن اﺗــﺿﺎﻋﻪ ،ﺧﺎﺻــﺔ وأﻧــﻰ أﺷــﻌر ﺑﺣﻧﺎﻧــﻪ ﻳﻘﺗــرب ﻣﻧــﻰ .وﻋﻧــدﻣﺎ أﺳــﻳر ﻓﻰ طرﻳق ﺣﻳـﺎﺗﻰ ،أﺟـدﻩ ﻳراﻓﻘﻧـﻰ؛ ﻓـﺄﻓرح وأﺗـﺿﻊ وأﻗـوﻝ ﻓـﻰ ﻧﻔـﺳﻰ ،ﻣـن
أﻧﺎ ﺣﺗﻰ ﻳﺳﻳر اﷲ ﻣﻌﻰ .وﻫﻛذا ﻳـﺳﻣر ﺑﺎﺗـﺿﺎﻋﻪ اﻻﻧـﺳﺣﺎق ﻓـﻰ داﺧﻠـﻰ ﻛﻠﻣﺎ وﻗﻔت أﺻﻠﻰ أﻣﺎﻣﻪ وﻋﻧدﻣﺎ أرﻓﻊ ﻗﻠﺑﻰ إﻟﻳﻪ وﻓﻰ ﻛﻝ ﺧطواﺗﻰ.
-4تواضعى أمام أوالده : ﺑﺗﻌــودى اﻟــﺻﻼة أﺗﻌــود اﻻﺗــﺿﺎع ،ﻓﻳــﺻﺑﺢ أﺣــد طﺑــﺎﻋﻰ ،ﻷﻧــﻰ أطﻠب اﷲ ﻛﺛﻳ اًر أﺛﻧـﺎء ﻳـوﻣﻰ ،أﺧﺗﺑـر اﻻﺗـﺿﺎع اﻟﻣـﺳﺗﻣر وﻻ أﺳـﺗطﻳﻊ أن أﺧـ ــرج ﻋـ ــن ﻫـ ــذا اﻻﺗـ ــﺿﺎع ،ﻋﻧـ ــدﻣﺎ أﺗﻌﺎﻣـ ــﻝ ﻣـ ــﻊ إﺧـ ــوﺗﻰ اﻟﺑـ ــﺷر؛ ﻷن
اﻻﺗــﺿﺎع أﺻــﺑﺢ ﺟــزءاً ﻣﻧــﻰ ،ﻓﺄﻗﺑــﻝ أن ﻳﺗﻘــدم اﻟﻧــﺎس ﻋﻧــﻰ ﻓ ـﻰ اﻟﻛ ارﻣــﺔ
-35-
ـﻰ اﷲ وأﻣﻳﻝ إﻟـﻰ اﻟﺧﻔـﺎء ﻓـﻰ ﻋﺑـﺎدﺗﻰ وأﻋﻣـﺎﻟﻰ اﻟـﺻﺎﻟﺣﺔ ،اﻟﺗـﻰ ﻳـﻧﻌم ﻋﻠ ﱠ
ﺑﻬــﺎ ،ﺑــﻝ وأﻛﺛــر ﻣــن ﻫــذا ،أﺷــﻌر أن اﻟﺟﻣﻳــﻊ أﻓــﺿﻝ ﻣﻧــﻰ ،ﻓــﺄﺗﻌﻠم ﻣــن
اﻟﻛــﻝ وأﺗﺗﻠﻣــذ ﻋﻠــﻰ أﻳــدﻳﻬم ،ﻓﻳﻛــﺷف ﻟــﻰ اﷲ ﻋــن ﻣﺣﺑﺗــﻪ ،ﻓﺄﺗــﺿﻊ أﻛﺛــر وأﻛﺛر. وﻷﻧــﻰ ﻗــد ﺗﻌــودت اﻟوﺟــود ﻓــﻰ ﺣــﺿرة اﷲ ،ﻓﻌﻧــدﻣﺎ أﺗﻌﺎﻣــﻝ ﻣــﻊ اﻵﺧـ ـرﻳن أﺷ ــﻌر أﻧﻬ ــم أوﻻدﻩ ،ﻷﻧ ــﻰ أرى ﻛ ــﻝ ﺷ ــﺊ ﻣ ــن ﺧﻼﻟ ــﻪ وﺣﻳﻧﺋ ــذ أﺗﺿﻊ أﻣﺎﻣﻬم ﻷﻧﻬم ﻣﻧﻪ ،ﻓﺄطﻳﻌﻬم وأﺳـﺎﻋدﻫم وأﺧـدﻣﻬم ،ﻣﻘـدﻣﺎً ﺧـدﻣﺗﻰ ﻟﻪ ﻣن ﺧﻼﻟﻬم.
وﻳﺗﻌــﺎظم ﻋﻣــﻝ اﷲ اﻟﻣﺗــﺿﻊ ﻣﻌــﻰ ﻋﻧــدﻣﺎ أﺗــﺿﻊ أﻣــﺎم اﻵﺧ ـرﻳن وأﻛون ﻋﻧد أﻗداﻣﻬم ،ﻓﺄﺷﻌر ﺑﻪ ﺑﺟوارى ،ﻳﻐﺳﻝ أﻗـدام اﻟﻛـﻝ ،أى ﻳﻛـﺷف ﻧﻔــﺳﻪ ﻟــﻰ ﻋﻧــدﻣﺎ أﺗــﺿﻊ ،ﻓﻣــن ﻧﺎﺣﻳــﺔ أﺗﻌﺟــب ﻣــن اﺗــﺿﺎﻋﻪ وﻣــن ﻧﺎﺣﻳــﺔ أﺧــرى أﺧﺗﺑــر ﻣﺣﺑﺗــﻪ أﻛﺛــر ﻣــن أى وﻗــت آﺧــر؛ ﻷﻧــﻪ ﻳﻌﻠــن ﻧﻔــﺳﻪ ﺑــﺷﻛﻝ ﺧﺎص ﻟﻠﻣﺗﺿﻌﻳن ،ﻛﻣﺎ أﻋﻠﻧت اﻟﻌـذراء ﻓـﻰ ﺗـﺳـﺑﺣﺗﻬﺎ )ﻟـو-46 :46 :1 .(55
-36-
-5إحتمالى آلالمه : إذ أﺧﺗﺑـ ــر ﻣﺣﺑﺗـ ــﻪ وﻋـ ــﺷرﺗﻪ ﻓـ ــﻰ اﻻﺗـ ــﺿﺎع ،ﻳﻧﺟـ ــذب ﻗﻠﺑـ ــﻰ إﻟﻳـ ــﻪ
وﻳﺳﺑﻳﻧﻰ ﺣﺑـﻪ ،ﻓﺄﺳـﺗﻬﻳن ﺑﻛـﻝ اﻷﺗﻌـﺎب ﻣـن أﺟﻠـﻪ وأﺣﺗﻣـﻝ اﻹﻫﺎﻧـﺎت ﻣـن
اﻵﺧ ـ ـرﻳن وأﺗﻧـ ــﺎزﻝ ﻋـ ــن رأى ﺑـ ــﺳﻬوﻟﺔ وأﻗﺑـ ــﻝ إﻫﻣـ ــﺎﻝ اﻟﻧـ ــﺎس ﻟـ ــﻰ ،ﻷﻧـ ــﻰ ﻣﺷﻐوﻝ ﺑﺄﻋظم ﺷﺊ ﻓﻰ اﻟوﺟود وﻫو اﻟﺗﻣﺗﻊ ﺑﻌﺷرة اﷲ .وﺑﻬذا ﻳﺣﻔـر اﷲ
ﻓــﻰ ﻗﻠﺑــﻰ اﺗــﺿﺎﻋﺎً ﻻ ﻳﻣﺣــﻰ ،ﻷﻧــﻰ أراﻩ ﻓــﻰ ﻛــﻝ اﻷﺗﻌــﺎب وأﻓــرح ﺑﺑﻧــوﺗﻰ ﻟﻪ ،ﻣن ﺧﻼﻝ ﺣﻣﻝ ﺻﻠﻳﺑﻪ وأﺻﻠﻰ طﺎﻟﺑﺎً ﻣﻌوﻧﺗﻪ؛ ﻻﺣﺗﻣﺎﻝ اﻵﻻم وﻓﻰ ﻧﻔس اﻟوﻗت أﺷﻛرﻩ؛ ﻷﻧﻪ ﺟﻌﻠﻧـﻰ ﻣـﺳﺗﺣﻘﺎً أن أﺷـﺎرﻛﻪ آﻻﻣـﻪ ،ﻓﻳﻛـون ﻟـﻰ ﻣﺟد ﻣﻌﻪ ﻓﻰ اﻟﺳﻣﺎء.
-37-
الفصل السادس
محبـة لآلخريـن اﻟ ــﺻﻼة ﺗرﻓ ــﻊ اﻹﻧ ــﺳﺎن ﻣ ــن أﻧﺎﻧﻳﺗ ــﻪ ،ﻟﻳﺣ ــب اﷲ اﻟﻐﻳ ــر ﻣﺣ ــدود
وﻳ ــﺷﺑﻊ ﻣ ــن ﺣﺑ ــﻪٕ .واذ ﻳﻧ ــﺳﻰ اﻹﻧ ــﺳﺎن ﻧﻔ ــﺳﻪ ،ﺗﻔ ــﻳض ﻣـ ـراﺣم اﷲ ﻋﻠﻳ ــﻪ وﻳﺣﺗـ ــﺿﻧﻪ ،ﻓﻳﺗﻘـ ــدس ﻓـ ــﻰ اﷲ وﻳﻣﺗﻠـ ــﺊ ﺑﻣﺣﺑﺗـ ــﻪ ،ﻓﻳﻧﻔـ ــﺗﺢ ﺑـ ــﺳﻬوﻟﺔ ﻋﻠـ ــﻰ
اﻵﺧرﻳن ﻟﻳﺣﺑﻬم ،أو ﺑﻣﻌﻧـﻰ أدق ﻳﻘـدم ﻟﻬـم ﻣﺣﺑـﺔ اﷲ؛ ﻟﻳـﺷﺑﻌوا وﻳﺗﻘدﺳـوا ﻫم أﻳـﺿﺎً ﻓـﻰ اﷲ ،ﺣﺗـﻰ ﻳـﺻﻳر اﷲ ﻓـﻰ اﻟﻛـﻝ وﻳﻔـرح ﺑـﺄوﻻدﻩ اﻟﻣﻠﺗـﺻﻘﻳن ﺑــﻪ ﻣﻌـ ًـﺎ ،ﻛﺄﻋــﺿﺎء ﻓــﻰ اﻟﺟــﺳد اﻟواﺣــد ،اﻟــذى ﻫــو ﻛﻧﻳــﺳﺗﻪ ،ﻓﻛﻳــف ﺗﻔــﺗﺢ
اﻟﺻﻼة ﻗﻠب اﻟﻣﺻﻠﻰ ﻋﻠﻰ إﺧوﺗﻪ ﻓﻳﺣﺑﻬم ﻣن ﻛﻝ ﻗﻠﺑﻪ؟
-1إحساس : ﺑﺎﻧــﺷﻐﺎﻝ اﻟــﻧﻔس ﺑﻣﺣﺑــﺔ اﷲ ﺗﺗــﺿﺎﻳق ﻣــن ﺧطﺎﻳﺎﻫــﺎ وﺗرﺗﻔــﻊ ﻓــوق
اﻟﻣﺎدﻳــﺎت ،ﺑــﻝ ﺗــﺷﻌر أﻧﻬــﺎ زاﺋﻠــﺔ وﺗﺎﻓﻬــﺔ ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎﻝ ﻣﻌﻠﻣﻧــﺎ ﺑــوﻟس اﻟرﺳــوﻝ
"وأﻧﺎ أﺣﺳﺑﻬﺎ ﻧﻔﺎﻳﺔ ﻟﻛﻰ أرﺑﺢ اﻟﻣـﺳﻳﺢ" )ﻓـﻰ .(8 :3وﺑﻬـذا ﻳﻧـﺷﻐﻝ اﻟﻘﻠـب
ﺑﻣﺣﺑﺔ اﷲ وﻳﻧﻌﺗق ﻣن ﻣﺣﺑﺗﻪ ﻟﻧﻔـﺳﻪ وﻻ ﻳـرى ﻧﻔـﺳﻪ إﻻ ﻛﻌطﻳـﺔ ﻣـن اﷲ، ﻓﻳﻔرح ﺑﻬﺎ.
-38-
وﺣﻳﻧﺋــذ ﺗــﺳﺗﻧﻳر ﻋﻳﻧﻳــﻪ ﻟﻳــرى اﻵﺧ ـرﻳن اﻟــذﻳن ﺣوﻟــﻪ أﻳــﺿﺎً ﻋطﻳــﺔ ﻣــن اﷲ ،ﻣوﻫوﺑــﺔ ﻟــﻪ؛ وﻳــرى اﷲ ﻓــﻳﻬم وﻳﻛــون ﻧــو اًر ﻟﻬــم ،ﻛﻣــﺎ وﻫــب اﷲ ﺣﻳــﺎة ﻟرﻛــﺎب اﻟــﺳﻔﻳﻧﺔ ﺑــﺻﻠوات ﺑــوﻟس اﻟرﺳــوﻝ )أع .(24 :27وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻰ ﻳ ــﺻﺑﺢ ﻣ ــن اﻟ ــﺳﻬﻝ ﻋﻠ ــﻰ اﻟ ــﻧﻔس أن ﺗ ــﺷﻌر ﺑﻣ ــن ﺣوﻟﻬ ــﺎ ،ﺑ ــﻝ ﺗﺟ ــدﻫﺎ ﻣﻧــﺳﺎﻗﺔ ﻧﺣــوﻫم ﻟﺗــﺷﻌر ﺑﺎﺣﺗﻳﺎﺟــﺎﺗﻬم ،ﻟــﻳس ﻓﻘــط ﻟﻠﻣﺎدﻳــﺎت ،ﺑــﻝ ﺑــﺎﻷﺣرى ﻟﻠﻣﺳﻳﺢ ﻳﺳوع واﻫب اﻟﺣﻳﺎة ،ﻓﺗﺻﻠﻰ ﻣن أﺟﻠﻬم ،ﺣﺗﻰ ﻳرﺗﻔـﻊ اﻟﺑرﻗـﻊ ﻣـن أﻣـ ــﺎم ﻋﻳـ ــوﻧﻬم وﻳـ ــروا اﷲ – ﺑرﻗـ ــﻊ اﻟﺗﻔﻛﻳـ ــر اﻟﻣـ ــﺎدى وﻏطـ ــﺎء اﻟـ ــﺷﻬوات
اﻟﺟﺳداﻧﻳﺔ – ﺑﻝ ﺗطﻠـب ﻣـن اﷲ أن ﻳﺗﻌطـف ﻋﻠـﻳﻬم وﻳﻛـﺷف ﻧﻔـﺳﻪ ﻟﻬـم؛ ﻟﻌﺟـ ــزﻫم ﻋـ ــن إد ارﻛـ ــﻪ ،ﻓﻬـ ــﻰ ﺗـ ــﺷﺗﺎق أن ﺗﻧـ ــﺿم ﻫـ ــذﻩ اﻟﻧﻔـ ــوس اﻟﺑﻌﻳـ ــدة، ﻟﺗــﺻﻠﻰ ﻣﻌﻬــﺎ وﺗﺗﻣﺗــﻊ ﺑرؤﻳــﺔ اﷲ وﺗﺟــد ﺧﻼﺻــﻬﺎ .وﺗﻘــدم أﻳــﺿﺎً اﻟــدﻣوع واﻟﻣطﺎﻧﻳﺎت ﻣن أﺟﻠﻬم ،ﺣﺗﻰ ﻳﺣرك اﷲ ﻣﺷﺎﻋرﻫم وﻳﺣررﻫم ﻣن ﺳﺟﻧﻬم اﻟﻣــﺎدى ،واﺛﻘــﺔ أن اﷲ ﻗــﺎدر أن ﻳﻐﻳــر اﻟﻧﻔــوس اﻟﺑﻌﻳــدة ،ﺑــﻝ ﻳﺣوﻟﻬــﺎ إﻟــﻰ أوﻻد ﻣﻘرﺑﻳن إﻟﻳﻪ وﺧداﻣﺎً ﻟﻪ ،ﻣﺛﻠﻣـﺎ ﺣـوﻝ ﺷـﺎوﻝ اﻟطرﺳوﺳـﻰ إﻟـﻰ ﺑـوﻟس اﻟرﺳــوﻝ .وﺗﺗ ـواﻟﻰ ﺻــﻠواﺗﻬﺎ طﺎﻟﺑــﺔ ﺧﻼﺻــﻬم وﺗطﻠــب ﻟﻬــم ﻛــﻝ اﺣﺗﻳــﺎج ﺻﻐﻳ اًر ﻛﺎن أم ﻛﺑﻳ اًر وﺗﻘدم أﻣﺎم اﷲ ﻛﻝ ﻣﻌﺎﻧﺎة ﻳﻌﺎﻧوﻧﻬﺎ ،ﻟﻳـﺳﻧدﻫم ﻓﻳﻬـﺎ، ﺳواء أظﻬـروا ﻫـذا اﻻﺣﺗﻳـﺎج أم ﻟـم ﻳظﻬـروﻩ ﻟﺧﺟﻠﻬـم ،أو ﻳﺄﺳـﻬم ،ﻓﺗﻣﺗﻠـﺊ اﻟـ ــﺻﻼة ﺑﺎﻟطﻠﺑـ ــﺎت ﻣـ ــن أﺟـ ــﻝ اﻵﺧ ـ ـرﻳن وﺗﺗﻛـ ــرر اﻟطﻠﺑـ ــﺎت ﻣـ ــن أﺟﻠﻬـ ــم ﻣﺷﻔوﻋﺔ ﺑﺎﻷﺻوام.
-39-
-2عطــاء : ﻋﻧدﺋ ــذ ﺗ ــﺷﻌر اﻟ ــﻧﻔس ﺑ ــﺎﻵﺧرﻳن وﺧﺎﺻ ــﺔ اﻟ ــذﻳن أؤﺗﻣﻧ ــت ﻋﻠ ــﻳﻬم
وﺻﺎرت ﻣـﺳﺋوﻟﺔ ﻋـﻧﻬم ،ﺳـواء داﺧـﻝ اﻷﺳـرة واﻷﻗـﺎرب ،أو ﻓـﻰ اﻟﻛﻧﻳـﺳﺔ
أو ﻛــﻝ ﻣــن ﺗﺧــﺗﻠط ﺑﻬــم وﺗرﻓــﻊ ﺻــﻠواﺗﻬﺎ ﻣــن أﺟﻠﻬــم .وﺑﺗﻛ ـرار اﻟــﺻﻼة ﻷﺟــﻝ اﻵﺧ ـرﻳن ﺗﺗﺣــرك اﻟــﻧﻔس؛ ﻟﺗــﺳﺎﻧد ﻣــن ﺣوﻟﻬــﺎ ﺑﺎﻟﻛﻠﻣــﺎت اﻟﻣــﺷﺟﻌﺔ
واﻟﻣــﺳﺎﻋدة اﻟﻣﺎدﻳــﺔ واﻟﺗﻌــﺎطف ﺑﻛــﻝ ﺷــﻛﻝ .وﻋﻠــﻰ ﻗــدر اﻟــﺻﻠوات ﻳــزداد
اﻟﻌطــﺎء ،ﻓــﺈذا اﺳــﺗﻣرت اﻟــﺻﻠوات ﺑﻣــﺷﺎﻋر اﻟﺣــب ﻧﺣــو اﻵﺧـرﻳن ﻳــﺳﺗﻣر اﻟﻌطﺎء ﺑﻼ ﺣدود.
-3احتضــان : ﻳـ ــزداد ﺷـ ــﻌور اﻟـ ــﻧﻔس ﺑﺎﻟﻣـ ــﺳﺋوﻟﻳﺔ ﻋـ ــن اﻵﺧ ـ ـرﻳن وﻳ ـ ـرﺗﺑط ﻗﻠﺑﻬـ ــﺎ
ﺑﺧﻼﺻ ــﻬم ،ﻓﺗ ــﺳﻌﻰ ﻟﻣ ــﺳﺎﻋدﺗﻬم ،ﻛﺄﻧﻬ ــﺎ وﺣ ــدﻫﺎ اﻟﻣ ــﺳﺋوﻟﺔ ﻋ ــﻧﻬم ،ﻓ ــﻼ
ﺗﻧزﻋﺞ ﻣن ﺗﻘﺻﻳر اﻵﺧرﻳن ،ﺣﺗﻰ ﻟو ﻛﺎﻧوا أﻗـرب ﻣﻧﻬـﺎ إﻟـﻰ ﻫـذﻩ اﻟـﻧﻔس
أﺣدا ،ﺑﻝ ﺗﻌﻣـﻝ ﻓـﻰ ﺻـﻣت وﺗﺣﺗـﺿن اﻟﻛـﻝ -ﻛـﺄم اﻟﻣﺣﺗﺎﺟﺔ ،ﻓﻼ ﺗﻠوم ً ﻷطﻔﺎﻟﻬ ــﺎ – دون اﺳ ــﺗﺑﻌﺎد ،ﺣﺗ ــﻰ ﺑ ــﺳﺑب ﻣ ــﺿﺎﻳﻘﺔ أﺣ ــد اﻟﻣﺣﺑ ــﻳن ﻟﻬ ــذﻩ اﻟﻧﻔس ،ﺑﻝ ﺗﻛﻣﻝ ﻛﻝ اﺣﺗﻳﺎج وﺗﻌطﻰ ﺑﺳﺧﺎء.
-40-
وﻳ ــﺳﺗﻣر ﻋطﺎؤﻫ ــﺎ ﻓ ــﻰ اﺣﺗ ــﺿﺎن وﻣ ــﺳﺋوﻟﻳﺔ ﻛﺎﻣﻠ ــﺔ ،أﻳ ــﺎً ﻛ ــﺎن رد ﻓﻌــﻝ اﻟــﻧﻔس اﻟﻣﺣﺗﺎﺟــﺔ ،اﻟﺗــﻰ ﻗــد ﺗﺗــذﻣر ﻋﻠــﻰ اﻹﻧــﺳﺎن اﻟﻣــﺻﻠﻰ وﺗﻠوﻣــﻪ وﺗﻐﺿب ﻋﻠﻳﻪ وﺗﻬﻳﻧﻪ ،ﺑـﻝ ﻗـد ﻳـﺻﻝ إﻧﻛـﺎر اﻟﺟﻣﻳـﻝ إﻟـﻰ ﺣـد أن ﺗـرﻓض ﻣﺣﺑــﺔ اﻹﻧــﺳﺎن اﻟﻣــﺻﻠﻰ ،وﻟﻛــن ﻻ ﻳــؤﺛر ﻛــﻝ ﻫــذا ﻓــﻰ ﻣﺣﺑــﺔ اﻹﻧــﺳﺎن اﻟﻣ ــﺻﻠﻰ؛ ﻷﻧ ــﻪ ﻳﺣ ــب اﷲ اﻟ ــﺳﺎﻛن ﻓ ــﻰ ﻫ ــذﻩ اﻟ ــﻧﻔس اﻟﻣﺣﺗﺎﺟ ــﺔ .وﻛ ــﻼم اﻟﻣـ ــﺳﻳﺢ واﺿـ ــﺢ ﺣـ ــﻳن ﻗـ ــﺎﻝ "ﺑﻣـ ــﺎ أﻧﻛـ ــم ﻓﻌﻠﺗﻣـ ــوﻩ ﺑﺄﺣـ ــد أﺧـ ــوﺗﻰ ﻫـ ــؤﻻء اﻷﺻﺎﻏر ﻓﺑﻰ ﻓﻌﻠﺗم" )ﻣﺗﻰ.(40 :25 وﻳﻌﺑــر ﺑــوﻟس اﻟرﺳــوﻝ ﻋــن ﻫــذﻩ اﻟﻣﻌﺎدﻟــﺔ اﻟــﺻﻌﺑﺔ ﻣــن اﻟﻧﻔــوس اﻟﻣﺣﺗﺎﺟ ــﺔ اﻟﺗ ــﻰ ﻳﺧ ــدﻣﻬﺎ ﺣﻳﻧﻣ ــﺎ ﻳﻘ ــوﻝ "ﻛﻠﻣ ــﺎ أﺣ ــﺑﻛم أﻛﺛـ ــر أﺣ ــب أﻗـ ــﻝ" )2ﻛو.(15 :12 وﺗــﺳﺗﻣر اﻟــﺻﻠوات – اﻟﺗــﻰ ﺗﺣﺗــﺿن اﻵﺧ ـرﻳن وﺗطﻠــب ﻋــﻧﻬم – ﻣﻬﻣــﺎ طــﺎﻝ اﻟــزﻣن ،ﺣﺗــﻰ ﺗﻌــود اﻟــﻧﻔس اﻟﻣــﺻﻠﻳﺔ ﺑــﺎﻟﻧﻔوس اﻟﻣﻌﺎﻧــدة إﻟــﻰ اﷲ ،ﻛﻣﺎ ﻋـﺎدت اﻟﻘدﻳـﺳﺔ ﻣوﻧﻳﻛـﺎ ﻟـﻳس ﻓﻘـط ﺑﺎﺑﻧﻬـﺎ أﻏـﺳطﻳﻧوس اﻟﻣﻌﺎﻧـد، أﻳﺿﺎ ،ﻓﺎﻟﺻﻼة ﻻ ﺗﻌود ﻓﺎرﻏﺔ. ﺑﻝ زوﺟﻬﺎ وﺣﻣﺎﺗﻬﺎ اﻟﻣﻌﺎﻧدﻳن ً
-41-
-4فــداء : ﻓﻳﻣﺎ ﺗﺗﻘدم اﻟﻧﻔس اﻟﻣـﺻﻠﻳﺔ ﺑﺎﻟﺣـب واﻟﻌطـﺎء واﻻﺣﺗـﺿﺎن ﻟﻠﻧﻔـوس اﻟﻣﺣﺗﺎﺟــﺔ ،ﺗﻛــون ﻣــﺳﺗﻌدة ﻟﺑــذﻝ ﻛــﻝ ﺷــﺊ ﻟﺧﻼﺻــﻬﺎ ،ﺑــﻝ ﺗﺗﻘــدم ﺑــدﻣوع أﻣـﺎم اﷲ طﺎﻟﺑـﺔ ﻋـن ﻫـذﻩ اﻟﻧﻔـوس ﻟﻳرﺣﻣﻬـﺎ اﷲ ،ﻷن اﻟـﻧﻔس اﻟﻣـﺻﻠﻳﺔ ﻗـد ﺗــﺄﺛرت ﺑﺎﻟﻣــﺳﻳﺢ اﻟﻔــﺎدى ،اﻟــذى اﺟﺗــﺎز اﻟﻣﻌــﺻرة وﺣــدﻩ ﻋﻧﻬــﺎ وﻋــن ﻛــﻝ اﻟﻣؤﻣﻧﻳن ﺑـﻪ وﺻـﻠب ﻋﻠـﻰ اﻟـﺻﻠﻳب ﺣﺗـﻰ أﻛﻣـﻝ اﻟﻔـداء ،ﻓﺗـﺳﻛب اﻟـﻧﻔس دﻣوﻋﻬﺎ أﻣﺎم اﷲ وﻫﻰ ﺗﺣﺗﺿن ﻧﻔوس ﻣن ﺣوﻟﻬﺎ وﺗطﻠب ﺧﻼﺻـﻬم ﻣـن ﺣﺑﻳﺑﻬــﺎ ،اﻟــذى ﺗــﺳﺗﻧد ﻋﻠــﻰ ذ ارﻋــﻪ ،وﺗﻠــﺢ ﻋﻠﻳــﻪ ،ﻟﻳﺗ ـرأف ﻋﻠــﻰ اﻟﻛــﻝ وﻻ ﺗﻬــدأ ﺣﺗــﻰ ﻳﻧﻬﻣــر اﻟﺣــب اﻹﻟﻬــﻰ ،ﻛﺄﻣطــﺎر ﻏزﻳـرة ﻋﻠــﻰ ﻛــﻝ ﻣــن ﺗطﻠــب ﻣن أﺟﻠﻬم ،ﻓﺗﺳﺗرﻳﺢ اﻟﻧﻔس وﺗﻔرح ﺑﺧـﻼص ﺑـﺎﻗﻰ أﻋـﺿﺎء اﻟﺟـﺳد وذﻟـك ﻋﻧــدﻣﺎ ﺗــرى اﻫﺗﻣــﺎم اﻟﻣــﺳﻳﺢ – رأس اﻟﺟــﺳد – وﺣﻧﺎﻧــﻪ ﻋﻠــﻰ اﻟﻛــﻝ ،ﻟــذا ﻓــﺎﻟﻧﻔس اﻟﻣــﺻﻠﻳﺔ ﺗــﺻﻠب أﻫواﺋﻬــﺎ وراﺣﺗﻬــﺎ ﻣــن أﺟــﻝ ﺧــﻼص اﻟﻧﻔــوس اﻟﻣﺣﺗﺎﺟــﺔ وﺗﻘــدم ﺟﻬــﺎداً ﻛﺛﻳـ اًر ﻣــن ﺻــﻠوات وﻣطﺎﻧﻳــﺎت وأﺻـوام وﺗــﺳﺎﺑﻳﺢ ودﻣوع ﻛﺛﻳرة ،ﺑدﻻً ﻣن اﻟﻧﻔوس اﻟﻣﺣﺗﺎﺟﺔ ،اﻟﺗﻰ ﺻﺎرت ﻓﻰ ﻋﺟـز ﺷـدﻳد وﺗﺣﺗــﺎج ﻟﻣــن ﻳﺟﺎﻫــد ﻋﻧﻬــﺎ ،ﺣﺗــﻰ ﺗﻘــوم ﻣــن رﻗ ـﺎد اﻟﺧطﻳــﺔ ،ﻛﻣــﺎ اﺣﺗــﺎج اﻟﻣﻔﻠـ ــوج ﻟـ ــﺷﻔﺎﻋﺔ اﻷرﺑﻌـ ــﺔ اﻟـ ــذﻳن ﻳﺣﻣﻠوﻧـ ــﻪ وﻳدﻟوﻧـ ــﻪ ﻣـ ــن اﻟـ ــﺳﻘف أﻣـ ــﺎم اﻟﻣﺳﻳﺢ ﻟﻳﻧﺎﻝ ﺧﻼﺻﻪ )ﻣر.(5-3 :2
-42-
وﺑﻬــذا ﺗــﺳﺗﻣر اﻟــﺻﻠوات واﻟــﺷﻔﺎﻋﺎت ﻋــن اﻟﻣﺣﺗــﺎﺟﻳن ﻣــﺻﺣوﺑﺔ
ﺑﺎﻟﻌطﺎء واﻟﻣﺳﺎﻧدة ،ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺑذﻝ ،ﺣﺗـﻰ ﻟـو وﺻـﻝ إﻟـﻰ اﻟﻣـوت ،ﻛﻣـﺎ
أﻋﻠــن ﻣوﺳــﻰ وﺑــوﻟس اﺳــﺗﻌدادﻫﻣﺎ أن ﻳﻣوﺗ ـﺎ ﻟﻳﺣﻳــﺎ ﺷــﻌﺑﻳﻬﻣﺎ ،ﻓﻳﻔــرح اﷲ ﺑﻬذﻩ اﻟﺻﻠوات اﻟﺗﻰ ﺗﺣﻣﻝ روح اﻟﻔداء ،ﻓﻳﺧﻠص اﻟﻧﻔس اﻟﻣﺻﻠﻳﺔ وﻣﻌﻬـﺎ
أﻳﺿﺎً اﻟﻧﻔوس اﻟﺗﻰ ﺗﺻﻠﻰ ﻣن اﺟﻠﻬﺎ ،ﻓﻳﻔرح اﻟﻛﻝ ﻓﻰ أﺣﺿﺎن اﻟﻣﺳﻳﺢ.
-43-
الفھـرس ﻣﻘدﻣـــﺔ
1
اﻟﺑﺎب اﻷوﻝ :ﻣﺎ ﻫﻰ اﻟﺻﻼة ؟
4
-1ﺣدﻳث ﻣﻊ اﷲ
4
-2ﻋﻼﻗﺔ اﻹﺑن ﻣﻊ أﺑﻳﻪ
5
-3ﺗوﺑﺔ اﻟﺗﺎﺋﺑﻳن
5
-4ﻣﺣﺑﺔ اﻟﻌروس
6
-5ﻋﻣﻝ اﻟروﺣﺎﻧﻳﻳن
6
-6ﻳﻧﺑوع اﻟﻔﺿﺎﺋﻝ
6
-7اﻟﺳﻣﺎء ﻋﻠﻰ اﻷرض
7
اﻟﺑﺎب اﻟﺛﺎﻧﻰ :ﻓﺎﻋﻠﻳﺔ اﻟﺻﻼة
8
-44-
اﻟﻔﺻﻝ اﻷوﻝ :ﺣﻣﺎﻳﺔ ﻣن اﻟﺧطﻳﺔ
9
-1
ﺗﻛﺷف ﻗﺑﺣﻬﺎ
9
-2
ﻟذة ﺗﺑطﻝ ﻟذﺗﻬﺎ
10
-3
ﺳﻠطﺎن ﻋﻠﻳﻬﺎ
10
-4
ﺗطﻔﺊ ﺑرﻳﻘﻬﺎ
11
-5
وﻗﺎﻳﺔ وﺣﺻﺎﻧﺔ
11
-6
ﺑﺷﺎرة ورﺟﺎء
11
-7
ﺗدﻗﻳق وﺗوﺑﺔ
12
-8
اﺷواق اﻟﻣﺧدع
12
-9
اﻟﻘداس واﻻﺗﺣﺎد ﺑﺎﻟﻣﺳﻳﺢ
13
-10ﻣﺳﺎﻧدة اﻟﻘدﻳﺳﻳن
-45-
13
اﻟﻔﺻﻝ اﻟﺛﺎﻧﻰ :ﺷﺑﻊ وﻓرح
14
-1ﺗﻣﻧﺣﻬﺎ اﻟﺳﻼم
14
-2ﺗﻌﻳدﻫﺎ إﻟﻰ طﺑﻳﻌﺗﻬﺎ
15
-3ﺗﺟردﻫﺎ وﺗﺿﺑطﻬﺎ
15
-4ﺗﻘﺑﻝ اﻟﻣﺎدﻳﺎت ﺑروﺣﺎﻧﻳﺔ
16
-5ﺗطﻠب ﺧﻼﺻﻬﺎ
17
-6ﺗﺳﺑﺢ وﺗﻣﺟد
18
اﻟﻔﺻﻝ اﻟﺛﺎﻟث :طﻬﺎرة اﻟﺣواس
19
-1اﻧﺷﻐﺎﻝ ﺑﺎﷲ
19
-2اﺑﺗﻌﺎد ﻋن اﻟﺷر
20
-3ﺣﻳﺎة اﻟﺷﻛر
21
-46-
-4رؤﻳﺔ ﻓﺿﺎﺋﻝ اﻵﺧرﻳن
23
-5إدراك اﷲ ﻓﻰ اﻟﻌﺎﻟم
24
-6ﻗداﺳﺔ اﻟﺣواس
25
اﻟﻔﺻﻝ اﻟراﺑﻊ :اﺗﻛﺎﻝ وﺗﺳﻠﻳم
26
-1ﻗدرﺗﻪ وﺣﺑﻪ
26
-2ﺗﺳﻠﻳم ﻟﻪ
27
-3اﺳﺗﻧﺎد ﻋﻠﻳﻪ
28
-4ﻗﺑوﻝ ﻣﺷﻳﺋﺗﻪ
29
-5ﻓرح ﺑﻣﻌﺎﻳﻧﺗﻪ
31
اﻟﻔﺻﻝ اﻟﺧﺎﻣس :ﺗواﺿﻊ واﻧﺳﺣﺎق
-47-
32
-1ﻣﺟدﻩ اﻟﻌظﻳم
32
-2ﺣﺑﻪ اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻰ
33
-3ﺗواﺿﻌﻪ ﻳﺧﺟﻠﻧﻰ
35
-4ﺗواﺿﻌﻰ أﻣﺎم أوﻻدﻩ
35
-5اﺣﺗﻣﺎﻟﻰ ﻵﻻﻣﻪ
37
اﻟﻔﺻﻝ اﻟﺳﺎدس :ﻣﺣﺑﺔ اﻵﺧرﻳن
38
-1اﺣﺳﺎس
38
-2ﻋطﺎء
40
-3اﺣﺗﺿﺎن
40
-4ﻓداء
42
-48-