سيرة وحياة الانبا مكاريوس أسقف قنا المتنيح

Page 1


‫بسم االب واالبن والروح القدس‬ ‫فى يوم األربعاء الموافق ‪ 10‬سبتمبر ‪1923‬م‬ ‫الموافق ‪ 5‬نسيء ‪1639‬ش فى قرية أوالد يحيى‬ ‫بحرى "الشيخ جامع" مركز دار السالم محافظة‬ ‫سوھاج‪ .‬ولد الطفل "حلمى أيوب ميخائيل" من أبوين‬ ‫تقيين اسم أمه "رنة شنودة" ودرس بالمدرسة االبتدائية‬ ‫فى القرية‪ ،‬ثم اشتغل بالزراعة ورعاية األغنام‪.‬‬ ‫ترك القرية وذھب إلى أحد أقربائه يدعى المقدس‬ ‫"توفيق أبسخيرون" وعرض عليه رغبته فى دخول‬ ‫الدير فرفض‪ ،‬بعد ذلك ذھب ھو وإثنان من أقربائه‬ ‫"كامل عطية ﷲ‪ ،‬لبيب مشرقى" نحو الجبل الكائن‬ ‫شرق قرية الكشح حيث كان ھناك راھبا ً قديسا ً مقيما ً‬ ‫بمغارة وقالوا له نحن نريد الرھبنة فأجابھم "لبيب‬ ‫وكامل" يرجعوا ويتزوجوا أما حلمى فليذھب إلى‬ ‫الدير‪.‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪1‬‬


‫فذھب إلى دير السيدة العذراء "البراموس" طالبا ً‬ ‫للرھبنة وتم ذلك فى يوم الجمعة الموافق ‪ 7‬يونيه‬ ‫‪1946‬م‪ 30 ،‬بشنس ‪1662‬ش وترھب يوم الخميس‬ ‫الموافق ‪ 21‬نوفمبر ‪1946‬م‪ 12 ،‬ھاتور ‪1664‬ش‬ ‫باسم الراھب آدم‪ .‬نال درجه الشموسية على يد المتنيح‬ ‫"األنبا توماس" مطران طنطا فى ذلك الوقت يوم‬ ‫األربعاء الموافق ‪ 26‬مارس ‪1947‬م ‪ 17‬برمھات‬ ‫‪1665‬ش‪.‬‬ ‫ثم ذھب إلى كلية الالھوت بحلوان أول أكتوبر‬ ‫‪1948‬م ثم سيم قسا ً على يد المتنيح "األنبا مكاريوس"‬ ‫أسقف الدير فى يوم أحد الشعانين الموافق ‪ 2‬أبريل‬ ‫‪1950‬م‪ 4 ،‬برمودة ‪ 1668‬ش باسم القس "بولس‬ ‫البراموسى" تخرج من كليه الالھوت فى مايو‬ ‫‪1953‬م‪ ،‬وعين كاھنا ً لكنيسة "الشھيد مار جرجس"‬ ‫ببور فؤاد أول أكتوبر ‪1953‬م‪ ،‬ثم نال درجة‬ ‫القمصية يوم األحد ‪ 25‬مارس ‪1956‬م‪ 16 ،‬برمھات‬ ‫‪1674‬ش ثم شاءت عناية ﷲ أن يسام أسقفا ً على‬ ‫إيبارشية قنا وقوص وقفط ونقادة ودشنا والبحر‬ ‫األحمر وتوابعھا يوم األحد ‪ 19‬سبتمبر ‪1965‬م‪.‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪2‬‬


‫وظل يخدم إيبارشيتة فى أمانة وحب ووداعة وعطاء‬ ‫بال حدود أكثر من ربع قرن حتى تنيح بسالم يوم‬ ‫األحد الموافق ‪ 3‬فبراير ‪1991‬م‪ 26 ،‬طوبة‬ ‫‪1707‬ش أثناء قيامه بصالة القداس اإللھى‬ ‫ذھب إلى دير السيدة العذراء "البراموس" العامر فى‬ ‫سن صغير حوالى ‪ 23‬سنه‪ .‬تتلمذ على أيادى كبار‬ ‫اآلباء والشيوخ فى البرية فى ذلك الوقت ومنھم أبونا‬ ‫بولس البراموسى الكبير‪ ،‬أبونا فلتس البراموسى‬ ‫الكبير وخدمھم ونال بركتھم‪ .‬كان محبوبا ً جداً لديھم‪،‬‬ ‫بنفس راضي ٍة منسحقةٍ‪،‬‬ ‫وكان مطيعا ً لھم محبا ً للخدمة‬ ‫ٍ‬ ‫وأتى عليه وقت كان يقوم فيه بأغلب خدمة الدير‬ ‫الصعبة‪ .‬كانت تسليته وتعزيته فى خدمة اآلباء‬ ‫الشيوخ‪ .‬يغسل لھم مالبسھم وينظف لھم قالليھم ويمأل‬ ‫لھم الماء‪ .‬يحكى أحد اآلباء المعاصرين‪.‬‬ ‫وقد كان زميالً له فى الرھبنة أن سيدنا المتنيح كان‬ ‫منظما ً فى حياته الروحية وفى ملبسه وحياته الخاصة‬ ‫وقاليته كانت نظيفة جداً‪ ،‬مداوما ً على المزامير‬ ‫والميطانيات والصوم حتى المساء يوميا ً وكان يفطر‬ ‫على الخبز والكمون لمدة ‪ 12‬سنة‪.‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪3‬‬


‫كان ال يختلط بأحد‪ ،‬من عمله لقاليته ومن القالية‬ ‫للكنيسة‪ ،‬ھادئ الطباع محبوبا ً من الجميع‪ .‬كان مثال‬ ‫الراھب الصامت الذى ال يتكلم إال إذا دعى المجال‬ ‫إلى ذلك وكان إذا تكلم ال ينطق إال بما يستوجبه‬ ‫الموضوع فقط‪ ،‬أما اسلوبه فى الحديث فكان بسيطا ً‬ ‫جداً ومع ھذه البساطة المتناھية تجد كالمه يمس‬ ‫القلب‪ ،‬ويحس المستمع إليه أن كالمه خارج من القلب‬ ‫وأنه يعيش فعالً ما يقوله‪ ،‬وقديما ً قيل "إن الكلمة إذا‬ ‫خرجت من اللسان ال تتجاوز اآلذان أما إذا خرجت‬ ‫من القلب فإنھا تدخل إلى القلب"‪.‬‬ ‫وقد ذكر نيافته أنه فى بداية رھبنته رأى رؤيا يمسك‬ ‫فيھا بالصليب والحية النحاسية ويصلى التحليل فلما‬ ‫ذكرھا ألب اعترافه قال له‪" :‬يعنى ياخوى ھتترسم‬ ‫أسقف"‪ ،‬وكانت ھذه بشارة من السماء له‪.‬‬ ‫بعد تخرجه من كلية الالھوت بحلوان سيم قسا ً ببور‬ ‫فؤاد‪ ،‬وكان محبوبا ً جداً من جميع الشعب‪ ،‬وذكر‬ ‫نيافته أنه فى تلك الفترة قرأ كمية ھائلة من الكتب‬ ‫الكنسية المقدسة‪ ،‬ثم استدعاه بعد ذلك قداسة القديس‬ ‫البابا كيرلس السادس ليكون سكرتيراً خاصا ً له‪ ،‬فكان‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪4‬‬


‫محبوبا ً جداً لديه‪ ،‬وكان يدعوه أبونا بولس البسيط‪،‬‬ ‫ويقول له تعال‪" :‬يا مبروك"‪.‬‬ ‫كان ﷲ يشعره باحتياجات أوالده المادية الروحية‪:‬‬ ‫حدثت ھذه القصة حين كان القمص بولس البراموسى‬ ‫أب اعتراف الدير‪ ..‬كانت أحوال الدير المادية غير‬ ‫متيسرة فلم يوجد بالدير مال لشراء الخضار‪ ،‬فدخلت‬ ‫األم رئيسة الدير قاليتھا لتصلى وتعرض األمر على‬ ‫ﷲ ليدبره‪ ،‬وبعد قليل علمت بحضور أبونا بولس على‬ ‫غير عادته فى ذلك اليوم وعندما قابلته بادرھا بقوله‪:‬‬ ‫"ھل الدير محتاج إلى شيء"‪.‬‬ ‫وعندما استفسرت عن سبب ھذا السؤال أخبرھا بأن‬ ‫الشھيد "أبى سيفين" أعلمه بأن الدير محتاج إلى النقود‬ ‫واستطرد فى الحديث قائالً‪" :‬أننى بعد االنتھاء من‬ ‫صالة القداس اإللھى َذ ُ‬ ‫ھبت ألستريح قليالً قبل أن‬ ‫أتوجه إلى البطريركية )إذ كان حينئذ سكرتيراً خاصا ً‬ ‫لقداسة البابا كيرلس السادس( وعندما بدأت أغمض‬ ‫عينى سمعت صوتا ً يقول لى قم خذ فلوس وأذھب إلى‬ ‫َ‬ ‫دير أبى سيفين‪ ،‬فنھضت ورشمت عالمة الصليب‬ ‫قائالً‪" :‬ھل الشيطان يحاربنى" ثم أغمضت عينىَّ مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬فسمعت ذات الصوت ثانية‪ .‬فقمت وصليت‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪5‬‬


‫الصالة الربانية ورشمت الصليب وحاولت أن أنام‪،‬‬ ‫فسمعت صوت يقول لى‪" :‬أنا الشھيد أبى سيفين أقول‬ ‫لك قم اآلن وخذ الفلوس واذھب إلى ديرى بمصر‬ ‫القديمة"‪ .‬فتأكدت أن ھذا الصوت من ﷲ فقمت‬ ‫وأخذت المال الموجود لدَ ىّ بالدوالب وأتيت به‪.‬‬ ‫فأخبرته األم رئيسة الدير باألمر كله و َم َج ّدنا ﷲ‬ ‫وشھيده البطل أبى سيفين‪.‬‬ ‫وحدث أيضا فى أحد األيام أن تقابل أبونا بولس‬ ‫البراموسى مع أبونا عطا ﷲ المحرقى المھتم بطباعة‬ ‫أبدى أبونا‬ ‫كتاب خدمة الشماس وفى أثناء حديثھما‬ ‫َ‬ ‫عطا ﷲ إعجابه الشديد بالفراجية التى كان يرتديھا‬ ‫أبونا بولس‪ ،‬ففى الحال خلعھا وقدمھا له وعندما سأله‬ ‫أبونا عطا ﷲ عن ثمن تكلفتھا أجابه‪" :‬أنه ال يريد‬ ‫مقابلھا نقود‪ ،‬وإنما طلب منه أن يقدر ھو ثمنھا‬ ‫ويرسل بمقابله عدداً من كتب خدمة الشماس إلى دير‬ ‫أبى سيفين للراھبات" وكان فعالً ال يوجد بالدير سوى‬ ‫نسخة واحدة من الكتاب تدرس فيه الراھبات جميعا ً‬ ‫األلحان الكنسية‪ ،‬فجاء عدد الكتب يزيد عن عدد‬ ‫الراھبات بالدير بعشرة نسخ‪.‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪6‬‬


‫نال نعمة األسقفية على يد قداسة البابا المعظم‬ ‫القديس األنبا كيرلس السادس فى يوم ‪ 19‬سبتمبر‬ ‫‪1965‬م باسم األنبا مكاريوس أسقفا ً على إيبارشية قنا‬ ‫وقوص ونقادة وقفط ودشنا والبحر األحمر وتوابعھا‪.‬‬ ‫بعد نياحة األنبا كيرلس مطران كرسى قنا‪ ،‬قام‬ ‫قداسة البابا بإجراء قرعة ھيكلية بإسم الراھب القمص‬ ‫إقالديوس األنطونى والقمص أنطونيوس البراموسى‬ ‫حتى تظھر مشيئة ﷲ ووضع أيضا ورقه بيضاء وبعد‬ ‫صالة القداس أمام جميع الشعب وبحضور جمع من‬ ‫أبناء قنا قام البابا باستدعاء أحد الشمامسة لسحب‬ ‫ورقة من الثالثة‪ .‬كانت ھى الورقة البيضاء وذلك‬ ‫إعالنا ً الختيار الروح القدس لراھب آخر وفعالً وقع‬ ‫اختيار قداسته على الراھب القمص بولس البراموسى‪،‬‬ ‫وفى يوم السبت الموافق ‪ 18‬سبتمبر ‪1965‬م فى رفع‬ ‫بخور عشيه تمت صلوات وطقس السيامة باسم األنبا‬ ‫مكاريوس أسقف قنا وقوص ونقادة وقفط ودشنا‬ ‫والبحر األحمر‪.‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪7‬‬


‫ومنذ سيامته وحتى نياحته لم يقصر يوما ً من األيام‬ ‫فى خدمة ھذه اإليبارشية المتسعة األطراف والتى‬ ‫انقسمت بعد نياحته إلى أربعة إيبارشيات‪ ،‬كان يفتقدھا‬ ‫على مدار السنة بيتا ً بيتا ً وحتى أواخر أيامه وشدة‬ ‫مرضه‪ ،‬كان يقول أنه يتمنى أن يتنيح أثناء الخدمة‬ ‫واالفتقاد أو فى القداس‪ ،‬والرب أعطاه سؤل قلبه‪،‬‬ ‫وتنيح فى خدمته التى أحبھا من كل قلبه فى أقدس يوم‬ ‫وأقدس مكان وفى أقدس لحظة وآخر طلبة طلبھا فى‬ ‫القداس "أعطنا يا رب وكل شعبك" فأعطاه الرب‬ ‫الحياة األبدية‪.‬‬ ‫أما عن العطاء فى حياته فكان يقول عن نفسه‬ ‫تعبير‪" :‬أنا عندى دكتوراه فى البخل" وكان ي َّدعى أنه‬ ‫ال يعطى أحداً‪ ،‬لكن القريبين كانوا يعلمون أن له‬ ‫عطاء بصورة غير عادية‪ .‬وعندما كان يزور األسر‬ ‫فى زياراته السنوية كان يقول للكاھن الذى يفتقد معه‪:‬‬ ‫"أعطينى فكرة عن األسر المحتاجة‪ ،‬وبعدما أخرج‬ ‫من عندھم أعطى أنت لھم"‪.‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪8‬‬


‫أى إنسان كان يعطى له بركة كان يأخذھا منه‪ ،‬حتى‬ ‫من األسر الفقيرة حتى ال يحرج أحداً ولكن بعد ذلك‬ ‫يترك لھم مع اآلباء مبلغا ً من المال بحسب احتياجاتھم‬ ‫أو يضعه تحت الوسادة دون أن يشعر به أحد‪ .‬وھناك‬ ‫قصة عن عائله محتاجة‪ ،‬ولكنھا بخيله كان سيدنا فى‬ ‫العائلة‬ ‫ھذه‬ ‫رب‬ ‫أما‬ ‫زيارتھم‪،‬‬ ‫فلم يرد أن يقابل سيدنا أو أن يعطيه بركة فى منزله‪،‬‬ ‫ودار حوار بين الرجل وامرأته‪ ،‬فذھبت المرأة‬ ‫لجارتھا لتأخذ منھا بركة لتعطيھا لسيدنا‪ ،‬ودخل سيدنا‬ ‫المنزل ولكنه رفض أن يأخذ من المرأة بشدة على‬ ‫غير عادته وقال لھا‪" :‬رجعى الفلوس دى للناس اللى‬ ‫أخذتيھا منھم" وھكذا اكتشف بروحه الشفافة أنھا‬ ‫استدانت ھذا المال ألجله‪.‬‬ ‫من األمور التى الشك فيھا أن أبينا األسقف األنبا‬ ‫مكاريوس كان على درجة روحانية عالية‬ ‫أھلته ألن يكون صديقا ً لآلباء السواح بل كان منھم‪.‬‬ ‫وذكر نيافة األنبا مكاريوس أن ھناك سياحة كاملة‬ ‫يختفى فيھا ھؤالء القديسون عن العالم ولھم أماكنھم‬ ‫وأديرتھم وال يراھم أحد وال يتكلمون مع أحد إال نادراً‬ ‫ولھم خدمتھم وھى الصالة والتسبيح وفى بعض‬ ‫األحيان يذھبون ألشخاص حينما يكونون فى شدة أو‬ ‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪9‬‬


‫ضيق أو تجارب معينة لمعونتھم ومساعدتھم وعزائھم‬ ‫فى شدائدھم ويحضرون الصلوات مع أوالد ﷲ سواء‬ ‫فى مخادعھم الخاصة أو الكنائس أو األديرة‪.‬‬ ‫وذكر أيضا ً أنھم ذات مرة ذھبوا إلى كنيسة معينة‬ ‫ووجدوا القرابنى موجوداً فطلبوا منه الخروج‪ ،‬وھنا‬ ‫يتكلم كمن عاش الموقف بنفسه‪ .‬كما ذكر نيافة األنبا‬ ‫مكاريوس لبعض خواصه أن السواح حينما يأتون إلى‬ ‫المطرانية تنفتح األبواب تلقائيا ً ثم تغلق وحينما‬ ‫يرحلون يفردون أياديھم على مثال الصليب ويقولون‬ ‫"قدوس‪ ،‬قدوس‪ ،‬قدوس" ويطيرون فى الھواء‪ ،‬ويكون‬ ‫منظرھم كالطائر الكبير الذى يفرد جناحيه وھو‬ ‫مضيء ولكنه ال يحرك ذراعيه‪ .‬أو تحملھم قوة إلھية‬ ‫على ھيئة مركبة نارية أو تجذبھم قوة الروح القدس‬ ‫الساكن فى قلوبھم فيصيرون محمولين بقوة الروح‬ ‫القدس إلى األماكن التى يقودھم لھا الروح القدس‪.‬‬ ‫وھناك قصة يتناولھا شعب الرحمانية‪ ،‬أنه ذات مرة‬ ‫كان سيدنا األنبا مكاريوس فى زيارة لقرية "فاو‬ ‫بحرى" وكان يرافقه المتنيح أبونا عازر توما "تنيح‬ ‫فى‪ "1973/1/6‬وكان من السواح‪ .‬وفى زيارة أحد‬ ‫المنازل سأله األنبا مكاريوس "ماتعرفش يا أبونا‬ ‫عازر كام عمود فى كنيسة العذراء األثرية بأتريب؟"‬ ‫فقال له‪" :‬كتب التاريخ بتقول ‪ 44‬عامود يا سيدنا"‬ ‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪10‬‬


‫فسأله سيدنا‪" :‬كتب التاريخ وال أنت صليت معانا‬ ‫برضه وأنا كنت شايفك وراء العمود"‪ .‬وھنا صمت‬ ‫وبدأ بغير مجرى الحديث‪.‬‬ ‫حينما كان يصلى القداس كان دائما يعلمنا أن المذبح‬ ‫له ھيبته وقدسيته والبد أن يحترم الكاھن المذبح‬ ‫ويتحرك فيه بھدوء ووقار وأن يحترم الذبيحة ويھابھا‬ ‫وال يستھتر بھا بل ليعلم جيدا أنه يتعامل مع رب‬ ‫المجد ذاته ومع أرواح المالئكة والقديسين المحيطين‬ ‫بالذبيحة والمذبح‪ ،‬وكان يقول لنا دائما‪" :‬أن القداس‬ ‫بالنسبة لى ھو عزائى الوحيد وفرحتى الشديدة وال‬ ‫يعلم أحد بالفرح الذى أشعر به أثناء وقفتى أمام‬ ‫المذبح" وكان يقول أيضا ً‪" :‬إن كانت ھذه الفرحة التى‬ ‫نشعر بھا ھنا على األرض بھذا الشكل‪ ،‬فكم تكون‬ ‫فرحتنا بربنا يسوع المسيح فى السماء" وكان دائما ً‬ ‫يطلب أثناء وقوفه أمام المذبح ھذه الطلبات "يا رب‬ ‫حل بسالمك فى اإليبارشية‪ ،‬دبر حياتى‪ ،‬اغفر‬ ‫خطاياى بدمك الطاھر‪ ،‬اذكرنى يا رب متى جئت فى‬ ‫ملكوتك‪َ ،‬قوّ ى إيمانى بك‪ ،‬زد محبتى لك‪ ،‬عمق‬ ‫شركتى معك بالروح‪ ،‬واحمينى من الذات" ثم يذكر‬ ‫كل الذين طلبوا الصالة من أجلھم ويطلب الرحمة‬ ‫لنفوس كثيرين ممن انتقلوا للسماء‪ ،‬وكان يقول لنا أن‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪11‬‬


‫أروح القديسين حين نذكرھم فى الترحيم يحضرون‬ ‫القداس بسماح من ﷲ‪.‬‬ ‫كان القداس اإللھى ھو مصدر فرح وشبع روحى‬ ‫وجسدى له ولكل الشعب فكان يطلب من ﷲ دائما ً أال‬ ‫يحرمه من المذبح إلى آخر نسمة فى حياته‪ .‬وقد‬ ‫أعطاه الرب سؤل قلبه وعندما اشتد به المرض لم يثنه‬ ‫ذلك عن حبه الشديد ومالزمته للمذبح‪ ،‬بل كان فى‬ ‫السنوات األخيرة من حياته أكثر اشتعاالً وأكثر بذالً‬ ‫رغم ضعف جسده‪ .‬وقبل رحيله من عالم األتعاب إلى‬ ‫عالم المجد كان يصلى قداسات صوم يونان حتى‬ ‫ساعة متأخرة تصل إلى السابعة مساءاً‪ ،‬األمر الذى‬ ‫يتعذر حدوثه تماما ً مع مريض القلب‪ ،‬ولكنه لشدة حبه‬ ‫وتمسكه بخدمة المذبح والصالة كان ﷲ يمنحه القوة‬ ‫ليتمم بھا خدمة القداس‪.‬‬ ‫ومنذ سيامته أسقفا ً وحتى قبل مرضه الشديد كان‬ ‫يقوم بأغلب الخدمة فى القداس اإللھى من بداية رفع‬ ‫البخور وحتى نھاية القداس ولم يكن يترك للكاھن‬ ‫المصلى معه سوى األواشي والمجمع‪.‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪12‬‬


‫كان شديد االحترام للمذبح ويقول‪" :‬أن الذى يحترم‬ ‫المذبح ويقدسه يرى أموراً روحية عجيبة ويكشف له‬ ‫الرب عن األسرار المخفية" وكان يتعامل مع المذبح‬ ‫بخشوع ووقار غير عادى‪ ،‬يذكرنا بالمالئكة‬ ‫والشاروبيم والساروفيم الذين يقفون أمام ﷲ بخشوع‬ ‫ووقار بجناحين يغطون وجوھھم وباثنين يغطون‬ ‫أرجلھم ويطيرون باثنين وھم يصرخون ويقولون‬ ‫"قدوس قدوس قدوس رب الصاباؤوت السماء‬ ‫واألرض مملوءتان من مجدك وكرامتك"‪.‬‬ ‫حقا ً كان يقف أمام ﷲ وفى محضر ﷲ‪ ،‬ويقول‬ ‫القديس يوحنا الدرجى‪" :‬اغتصاب الماء من فم‬ ‫العطشان صعب وأصعب منه منع النفس الممتلئة‬ ‫خشوعا ً من وقوفھا فى الصالة ألن الصالة محبوبة‬ ‫جداً لديھا ومفضلة عن كل عمل آخر"‪ .‬ولذلك لم تكن‬ ‫ھناك أى قوة تستطيع أن تمنعه من الصالة‪ ،‬ولم يكن‬ ‫يسمع لكالم أى من األطباء أو اآلباء اللذين يمنعونه‬ ‫من الصالة وكان يقول لنا‪" :‬عندما أقف على المذبح ال‬ ‫أريد أن أتركه أبداً‪ ،‬وربنا ما يحرمنيش من الصالة‬ ‫حتى ولو تنيحت على المذبح وأنا بأصلى"‪ ،‬وكان‬ ‫يقول لنا أن سر عظمة البابا كيرلس والقديسين جميعا ً‬ ‫ھو فى المزامير والتسبحة والقداسات‪.‬‬ ‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪13‬‬


‫وفى كل قداس تقريبا ً من السنوات الست األخيرة‬ ‫كان يصليه نيافة األنبا مكاريوس كان يحضر معه‬ ‫البابا كيرلس السادس‪.‬‬ ‫وذكر األنبا مكاريوس أنه فى بداية سيامته أسقفا ً أثناء‬ ‫قيامه بصالة القداس اإللھى أنه كان يرى الدم نازفا ً‬ ‫من جراحات السيد المسيح فى صورة الصلبوت‬ ‫الموجودة بالشرقية وفى السنة األخيرة فى أسبوع‬ ‫اآلالم صرح المتنيح األنبا مكاريوس أنه كان فى كل‬ ‫عام ينظر الدم نازفا ً من الجراحات أثناء عمل‬ ‫األربعمائة ميطانية وحدثت ھذه الواقعة أنه فى ھذه‬ ‫السنة أخرج منديالً من جيبه ومسح به صورة‬ ‫الصلبوت بعد األربعمائة ميطانية ومسح به وجھه‬ ‫وعينيه و َق َب َل ُه وقال للكاھن الواقف بجواره‪" :‬خذ بركه‬ ‫يا أبونا" واستطرد قائالً‪" :‬ألنكم منعتمونى فى ھذا‬ ‫العام من الصوم اإلنقطاعى فى أسبوع اآلالم لم أتمكن‬ ‫من رؤية الدم النازف من الجراحات ألنى كنت أرى‬ ‫الدم نازفا ً من الجراحات كل عام من أيقونة الصلبوت‬ ‫بعد األربعمائة ميطانية" وإنما قال ھذا ليخفى فضائله‪.‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪14‬‬


‫وكانت كل شھوته أن يتنيح أثناء القداس اإللھى‪،‬‬ ‫فحقق ﷲ له ھذه الرغبة فبينما كان ھو واقفا ً ليصلى‬ ‫القداس يوم األحد ‪ 3‬فبراير ‪1991‬م فاضت روحة‬ ‫الطاھرة إلى كورة األبكار‪.‬‬ ‫بناء كنيسة السيدة العذراء والدة اإلله بقنا‪ ،‬له قصة‬ ‫عجيبة‪ ،‬فنيافة األنبا مكاريوس كان دائما ً يطلب من‬ ‫السيدة العذراء بناء كنيسة لھا ليصلى بھا قبل أن ينتقل‬ ‫من ھذا العالم وأعطاه الرب سؤل قلبه وتم بناء ھذه‬ ‫الكنيسة فى حوالى خمسة عشر عاماً‪ ،‬وبعد أن أتم‬ ‫بناءھا صارت من أجمل الكنائس على مستوى‬ ‫اإليبارشية‪.‬‬ ‫مرض مرض الموت وأصيب بجلطة فى القلب‬ ‫َ‬ ‫وتليف بعضلة القلب وبجلطة فى الرئتين وساءت‬ ‫حالته الصحية جداً حتى وصل إلى النھاية‪ ،‬وفى أحد‬ ‫األيام ذكر لنا أنه وجد نفسه واقفا ً فوق السرير وجسده‬ ‫ممدداً على السرير وحوله مجموعة من المالئكة أتت‬ ‫الستالم روحه ولكن جاءت بجوارھم السيدة العذراء‬ ‫وأشارت لھم أن ينتظروا ورفعت يداھا إلى السماء‬ ‫وطلبت من الرب يسوع وقالت له‪" :‬يا ابنى وإلھى لك‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪15‬‬


‫المجد والكرامة والعظمة إن أردت ابنك األنبا‬ ‫مكاريوس ھو الذى بنى الكنيسة على اسمى وأريده أن‬ ‫يدشنھا لى" فذكر المتنيح انه سمع صوتا ً بعيداً يقول‪:‬‬ ‫"أردت" وللحال أمرت أم النور المالك أن يعيد الروح‬ ‫للجسد‪ ،‬وذكر األنبا مكاريوس أن دخول الروح للجسد‬ ‫أصعب من خروجھا ويشعر اإلنسان بضيق أثناء‬ ‫دخول الروح للجسد وفى الحال تحسنت حالته الصحية‬ ‫بصورة مذھلة جداً وتم تدشين الكنيسة‪.‬‬ ‫وفى أثناء التدشين ورشم كرسى األسقف الذى كان‬ ‫عليه صورة لرب المجد محفورة فى الخشب‪ ،‬صعد‬ ‫سيدنا إلى الكرسى ليدشنه بالميرون فشعر برھبة‬ ‫شديدة عند اقترابه من الصورة ورأى رب المجد‬ ‫تجسم من الصورة ونوراً بھيا ً جداً حواليه فلم يقدر أن‬ ‫يقترب من الكرسى أكثر من ذلك وبالكاد استطاع أن‬ ‫يرشم أطراف الكرسى بالميرون‪ ،‬وذكر نيافته أن‬ ‫عدداً كبيراً من القديسين بارك تدشين الكنيسة منھم‬ ‫العذراء القديسة مريم ومار جرجس وأبى سيفين ومار‬ ‫مينا والبابا كيرلس السادس وبعض من السواح‪ ،‬وذكر‬ ‫بعض ممن شاھدوا شرائط الفيديو الخاصة بتدشين‬ ‫الكنيسة حضور أرواح القديسين أمام المذبح وفى‬ ‫المذابح الجانبية‪.‬‬ ‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪16‬‬


‫وفى أثناء التدشين وصالة القداس كنا نرى قوة‬ ‫عجيبة تسند األنبا مكاريوس الذى ظل يصلى من‬ ‫السادسة صباحا ً إلى الخامسة مساءاً دون تعب أو كلل‬ ‫بالرغم من ظروفه الصحية‪.‬‬ ‫كانت فضيلة االستعداد بارزة جداً فى حياة األنبا‬ ‫مكاريوس فقبل أن يتنيح بثالث سنوات كلف أحد‬ ‫اآلباء بأن يقوم بتجديد وإعداد المقبرة الخاصة باآلباء‬ ‫األساقفة والموجودة تحت الھيكل البحرى بالكنيسة‬ ‫المرقسية والموجود بھا جسدى األنبا لوكاس واألنبا‬ ‫كيرلس مطارنة قنا السابقين‪ ،‬وطلب شراء صندوق‪،‬‬ ‫وتم شراء الصندوق قبل نياحته بسنة‪ ،‬وقبل نياحته‬ ‫بحوالى ستة أشھر طلب استخراج ترخيص وفاه باسم‬ ‫األنبا مكاريوس‪ ،‬باستعمال المقبرة الحالية لئال‬ ‫يعترض المسئولون على دفنه فى ھذا المكان‪ ،‬وھكذا‬ ‫ترى أنه جھز لنفسه المقبرة والصندوق وترخيص‬ ‫الدفن باسمه استعداداً للرحيل‪.‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪17‬‬


‫كان نيافته يعلم بوقت انتقاله من ھذا العالم وسمح‬ ‫بتصويره بالفيديو فى ھذا اليوم بالرغم من أنه كان ال‬ ‫يحب تصوير أو تسجيل أى شيء له وإنما إن كان‬ ‫يفعل ذلك فھو على مضض منه‪ ،‬وسأله أحد اآلباء "يا‬ ‫سيدنا بكره ھا تصلى فين" فقال له‪" :‬فى كنيسة مار‬ ‫مرقس وأبونا متياس ھيصورنى بكره" أى لحظة‬ ‫نياحته بالقداس‪ .‬واتصلت به األم إيرينى يوم السبت‬ ‫صباحا ً وأخبرته أنھا مسافرة فى اليوم التالى فقال لھا‪:‬‬ ‫"وأنا مسافر برضه" فقالت له‪" :‬يا سيدنا مش نيافتك‬ ‫أنھيت زياراتك السنوية السنة دى" فأجابھا‪" :‬أنا‬ ‫مسافر سفريه مريحة بكره"‪ .‬وسأله أحد األشخاص‬ ‫يوم الخميس الذى ھو فصح صوم يونان‪" :‬ھتصلى‬ ‫فين يا سيدنا األسبوع المقبل" فأجابه‪" :‬الجمعة فى‬ ‫الست العذراء واألحد فى مار مرقس وبعدين مع أبى‬ ‫سيفين" وسأله أيضا أحد األشخاص أن يحدد له ميعاد‬ ‫فى يوم األحد ليناقشه فى موضوع فقال له‪" :‬أنا مش‬ ‫ھا أقابل أحد يوم األحد"‪.‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪18‬‬


‫وأتت الساعة وھو يصلى القداس اإللھى فى أقدس‬ ‫مكان وأقدس يوم وأقدس لحظة حينما كان يقول‪" :‬يا‬ ‫الذى أعطى تالميذه القديسين ورسله األطھار فى ذلك‬ ‫الزمان اآلن أيضا ً أعطنا وكـ ‪ "...‬وفيما كانت كلمة‬ ‫"كل" مال إلى األمام على المذبح قليالً لمدة قصيرة‬ ‫وسقط فجأة على األرض‪ ،‬سقط وھو ممسك بيديه‬ ‫الجسد المقدس بعدما وضع الثلث فوق الثلثين على‬ ‫مثال الصليب‪.‬‬ ‫ظل جثمانه الطاھر يوم نياحته ‪1991/2/3‬م‬ ‫موضوعا ً أمام الھيكل والمذبح بكنيسة مار مرقس التى‬ ‫تنيح بھا حتى منتصف الليل حيث نقل إلى كنيسة‬ ‫السيدة العذراء التى شيدھا نيافته أثناء حياته وذلك‬ ‫إلقامة القداس اإللھى فى حضور جسده الطاھر‪.‬‬ ‫بركة صلوات أبينا األسقف القديس الطاھر‬ ‫األنبا مكاريوس تشملنا جميعا ً‪ .‬آمين ‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪http://coptic-treasures.com‬‬

‫‪19‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.