fine art

Page 1

‫‪Sponsored by‬‬

‫مجلة تعنى بشؤون الثقافة والفنون التشكيلية ‪ -‬تصدر عن «بابل للخدمات اإلعالمية» ‪« -‬آذار ‪ /‬مارس ‪»2015‬‬

‫التشكيلي محمد سامي‪:‬‬ ‫الحياة صفقة خاسرة!‬

‫ناصر مؤنس‪:‬‬ ‫جمالية الحرف والمعنى‬

‫زها حديد‪:‬‬ ‫أنا ال أغفل الطبيعة اإلنسانية للعمارة‬


‫ناصر مؤنس‪:‬‬ ‫جمالية الحرف والمعنى‬

‫رئيس مجلس اإلدارة‬

‫زيد الح ّلي‬

‫محمد سامي‪:‬‬ ‫الحياة صفقة خاسرة!‬

‫‪8‬‬

‫عبد الرحيم ياسر‪..‬‬ ‫‪12‬‬ ‫هل يتقاع ُد‬ ‫ِع ْطر ُالنسرين؟!‬

‫رئيس التحرير‬

‫د‪.‬طه ج ّزاع‬

‫زها حديد‪:‬‬ ‫أنا ال أغفل الطبيعة‬ ‫اإلنسانية للعمارة‬

‫سكرتير التحرير‬

‫إيفان حكمت‬

‫اإلخراج والتصميم الف ّني‬

‫الج ّفال‬ ‫عُ َطيل َ‬

‫المقاالت تعكس رأي كتابها‬ ‫وال تمثل بالضرورة وجهة نظر‬ ‫المجلة‪.‬‬ ‫ترحب المجلة بما يصلها‬ ‫من مالحظات وآراء الزمالء‬ ‫التشكيليين والكتاب ‪ ..‬وهي‬ ‫تطمح ان تكون مجلة الجميع‬ ‫المراسالت‬ ‫بغداد ‪ /‬ساحة الفتح ‪ /‬قرب‬ ‫المسرح الوطني ‪ /‬عمارة‬ ‫مكية‬ ‫هاتف‪07706731452 :‬‬ ‫البريد االلكتروني‪:‬‬ ‫‪babylon_zzzzz@yahoo.com‬‬

‫‪2‬‬

‫علي كيتو‪:‬‬ ‫عالقتي‬ ‫بالرسامين‬ ‫جعلتني اختار‬ ‫اللون الصحيح‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪52‬‬

‫ـني �أياديكم عدد جديد يف عام جديد من جملتكم (فنون‬ ‫ت�شكيلية) التي �أردناها جملة لكل املثقفني والفنانني و�أ�ساتذة‬ ‫وطلبة وحمبي الفنون الت�شكيلية بجميع �أ�شكالها و�ألوانها وتعبرياتها‬ ‫واجتاهاتها ومدار�سها‪،‬وقد �شجعنا على اال�ستمرار يف هذا امل�شروع‬ ‫ال�صحفي املتخ�ص�ص املتميز تلك الأ�صداء الوا�سعة التي �سمعناها من‬ ‫زمالء و�أ�صدقاء وقراء ومهنيني ومتخ�ص�صني نكن لهم كل االحرتام‬ ‫والتقدير‪،‬ذهب بع�ضهم �إىل القول �إنها املجلة املفاج�أة يف بلد م�ضطرب‬ ‫ال ينتظر �أن ت�صدر عنه يف مثل ظروفه املعروفة جملة تعنى بالفنون‬ ‫الت�شكيلية �إال من باب البطر واالدعاء والتباهي!‬ ‫وحقيقة الأمر �إننا ال ننكر املغامرة التي تقف وراء مثل هذا‬ ‫الإ�صدار‪،‬كما ال ننكر االدعاء ب�أننا قد جتاوزنا مرحلة الرتدد �إىل‬ ‫مرحلة الثبات‪،‬وال ننكر التباهي بنجاح اخلطوات الأوىل ال�صعبة التي‬ ‫فتحت �أمامنا �آماال وا�سعة يف �سوق بور�صة �صحفية معقدة القواعد‬ ‫والقوانني‪،‬متعددة ال�سلع‪،‬عجيبة العر�ض‪،‬غريبة الطلب‪،‬وهنا نعرتف‬ ‫�أي�ضا بالبطر يف جتاوز هذه البور�صة لأننا نعرف جمهورنا حق املعرفة‬ ‫ونتمكن �أن ن�صل �إليه من دون وا�سطة �أو ح�ساب للربح واخل�سارة‪،‬لأن‬ ‫الربح الوحيد الذي نفكر فيه يتحقق حني تكون املجلة بني �أيادي‬ ‫قرائها الذين يقدرونها حق التقدير‪،‬ويرونها نقطة �ضوء تتلألأ‬ ‫و�سط ركام من التجهيل والظالم وتغييب الفنون التي هي �أرقى نتاج‬ ‫للعقل الب�شري وجلوهر الروح الإن�سانية يف رقيها و�سموها وجتردها‬ ‫وتعاليها‪.‬‬ ‫وتتطلب الأمانة مني �أن �أ�شري بامتنان وتقدير عال �إىل الت�ضحية‬ ‫املادية التي قدمها الزميل ال�صحفي والكاتب واملهني املعروف‬ ‫الأ�ستاذ زيد احللي مدير مكتب بابل للخدمات الإعالمية الذي‬ ‫�صدرت عنه املجلة‪،‬فقد كر�س مكتبه لتهيئة امل�ستلزمات الفنية‬ ‫لإ�صدارها و�ضمان ا�ستمرارها‪،‬و�صرف ما تبقى يف جيبه لدفع تكاليف‬ ‫الطباعة‪،‬فهو من الذين ينفقون على امل�شاريع ال�صحفية ب�سخاء ولو به‬ ‫خ�صا�صة‪،‬م�ستعينا بفنانني �شباب متفانني يف حبهم لعملهم يف الت�صميم‬ ‫والر�سم والتنفيذ والإخراج واملتابعة الفنية‪،‬متطلعا �إىل اليوم الذي‬ ‫يقف فيه املطبوع على قدميه‪،‬وي�أخذ دوره يف �إعادة االهتمام بالفنون‬ ‫الت�شكيلية‪،‬وزرع الثقة يف نفو�س الت�شكيليني العراقيني ب�إمكانية‬ ‫ا�سرتجاع الروح املبدعة لأجيال من الفنانني العراقيني الذين ملأوا‬ ‫الدنيا ب�أ�سمائهم ولوحاتهم ومنحوتاتهم و�أعمالهم الفنية الكبرية‬ ‫املنت�شرة يف خمتلف عوا�صم العامل املتح�ضر‪.‬‬ ‫كما ال يخفى على كل ذي علم وب�صرية ورجاحة عقل ومو�ضوعية‪�،‬إن‬ ‫الظروف التي مير بها بلدنا هي ظروف ا�ستثنائية مهما بدت طويلة‬ ‫ومعقدة ومت�شابكة‪،‬و�إذا كانت مثل هذه الظروف حتتم ت�أجيل �أو‬ ‫تقلي�ص الكثري من امل�شاريع واخلطط التنموية والفعاليات الثقافية‬ ‫والفنية امل�ؤ�س�ساتية‪�،‬أال �إنها ال متنع من القيام مببادرات وخطوات‬ ‫فردية و�شخ�صية حتقق �أهدافا كبرية ب�إمكانيات ب�سيطة‪،‬انطالقا من‬ ‫ال�شعور الوطني ب�أن الروح العراقية املبدعة قادرة على اال�ستمرار‬ ‫والعطاء‪،‬وان العمق احل�ضاري لل�شخ�صية العراقية‪،‬يرتقي بها دوما‬

‫ظل وضوء‬

‫بـ‬

‫‪4‬‬

‫المجلة المفاجأة!‬

‫د‪.‬طه جزّاع‬

‫�إىل التعايل وال�سمو فوق الظروف والتحديات ال�صعبة مبختلف‬ ‫�أنواعها‪،‬ذلك �إن وطنا مثل العراق بتاريخه احل�ضاري و�شواخ�صه‬ ‫االثارية عمرانا ونحتا وت�صميما ور�سما وزخرفة و�أختاما ا�سطوانية‬ ‫ونقو�شا على احلجر‪،‬و�صوال �إىل النه�ضة الفنية الت�شكيلية احلديثة‬ ‫واملعا�صرة بروادها وفنانيها الكبار من عبد القادر الر�سام وعا�صم‬ ‫حافظ وحممد �صالح زكي وعبد الكرمي حممود و�أكرم �شكري واحلاج‬ ‫�سعاد �سليم وقا�سم ناجي وفائق ح�سن وحافظ �ألدروبي وعطا �صربي‬ ‫وبهجت عبو�ش و�صديق احمد وها�شم حممد اخلطاط وعي�سى حنا‬ ‫وجواد �سليم وفرج عبو‪،‬مرورا ب�إ�سماعيل ال�شيخلي وجميل حمودي‬ ‫وحممود �صربي وخالد الرحال وخالد اجلادر وحممد غني حكمت‬ ‫وكاظم حيدر وجميل حمودي ونوري الراوي وقتيبة ال�شيخ نوري‬ ‫ورافع النا�صري وخ�سرو اجلاف وفي�صل لعيبي وعالء ب�شري وراكان‬ ‫دبدوب وحميد يا�سني و�شوكت الربيعي‪،‬ومديحة عمر ونزيهة �سليم‬ ‫ووداد االورفلي وبهيجة احلكيم وعفيفة لعيبي وليلى العطار و�سعاد‬ ‫العطار وبتول الفكيكي و�سهام ال�شكرة و�سمرية عبد الوهاب وع�شتار‬ ‫جميل واملعمارية ذات ال�شهرة العاملية زها حديد‪،‬وغريهم الكثري من‬ ‫الذين ال يت�سع املجال لذكرهم‪،‬ي�ضاف �إليهم جيل جديد من ال�شباب‬ ‫العراقي الواعد‪،‬نقول �إن وطنا مثل هذا ع�صي على املوت واالندثار‪.‬‬ ‫العراق حي بروحه وح�ضارته وهويته وثقافته وفنونه و�أبنائه‬ ‫املبدعون املثابرون مهما تكالب عليه الأعداء وا�شتدت به املحن‪،‬وان‬ ‫�صور احلروب واملوت والقتل والدماء واخلراب والف�ساد والنزوح‬ ‫والتهجري والتكفري �صور عابرة مهما طال بها الزمن‪،‬لأنها نقي�ض‬ ‫ال�شخ�صية العراقية املتح�ضرة التي حتب العلوم والآداب والفنون و‬ ‫‪ ......‬حتب احلياة‪ .‬هذه هي ر�سالتنا يف هذه املجلة املفاج�أة‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪3‬‬


‫ناصر مؤنس‪:‬‬ ‫حرف والمعنى‬ ‫جمالية ال‬ ‫(إن الشاعر يسير في غابة من الرموز)‬ ‫شارل بودلير‬

‫إ‬

‫عبد الكريم كاظم‬

‫ن ح�ضور املعنى املتعدد هو منتهى ما و�صل �إليه‬ ‫ال�شاعر والفنان العراقي نا�صر م�ؤن�س يف جممل‬ ‫�إ�صداراته ال�شعرية وطريقته يف الكتابة �إذ يتحول الن�ص ال�شعري‬ ‫لديه �إىل �صورة جتعل املتلقي يف نقطة ال يعرف بعدها �إىل �أين هو‬ ‫ذاهب �أو متوجه وهو بهذا يرمز �إىل منحى �شعري جديد من وظائفه‬ ‫الفنية الت�شديد على معاين الن�ص املتنوعة و�سلطة احلرف‪ ،‬ومنذ‬ ‫�أن ظهر النقد احلديث بتياراته املختلفة‪ ،‬كالبنيوية والبنيوية‬ ‫التكوينية والبنيوية ال�شعرية وال�سيميولوجية‪ ،‬نتيجة ت�أثره‬ ‫بل�سانيات (�سو�سور) وفل�سفة (بري�س) �أ�صبحت العالقة النقدية‬ ‫عبارة عن عالقة لغوية ـ فنية تتكون بني ن�ص ومتلقي و�إن العالقة‬ ‫بينهما هي عالقة معرفية ت�سري على كل نظام �صارم للتلقي ال�شعري‬ ‫الذي ال يتعاطى مع التعبريات ال�شعرية الهالمية �أو ال�صور امل�صابة‬ ‫بالتورم اللغوي والإ�شارات ال�سطحية التي تزعزع الثقة بني الن�ص‬ ‫ومتلقيه �أو بني ظاهر الن�ص وعمقه بتعبري (مي�شيل فوكو) ذاك لأن‬ ‫ظاهر الن�ص خداع لغوي وفكري وت�سلية عابرة �أما عمق الن�ص فهو‬ ‫�أ�شبه بالتوغل �أو الذهاب �إىل املعاين الكامنة وراء ق�شرة الن�ص‬ ‫لغوي ًا وفني ًا وب�صري ًا‪.‬‬ ‫توظف �شعرية نا�صر م�ؤن�س يف �إ�صدارته كثري ًا من الإ�شارات ذات‬ ‫بعد �سيميولوجي‪ ،‬وت�ستعني بها يف ر�سم داللتها وتقريبها من املتلقي‪،‬‬ ‫فقد ا�ستعان ال�شاعر بالف�ضاء اجلمايل للخط العربي �إذ ثمة تنظيم‬

‫‪4‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫وت�آلف بني (احلروف والكلمات واملقاطع وال�شكل) بهدف خلق‬ ‫وحدة ذات تعبري فني‪� ،‬إ�ضافة للمعنى املتعدد‪� ،‬أو للتعبري عن فكرته‬ ‫ال�شعرية املتمثلة بح�ضور املعنى ب�صري ًا‪ ،‬من خالل احلرف‪ ،‬و�شعري ًا‬ ‫�إذ تتجلى �سيميولوجيا الف�ضاء اجلمايل يف كونه يعرب‪� ،‬إيحاء‬ ‫ورمز ًا‪ ،‬عن املعنى املتعدد الذي حل بالن�ص ال�شعري فحوله �إىل ن�ص‬ ‫ب�صري خمتلف ي�شو�ش على املتلقي �أحيان ًا ومينح القراءة ال�صارمة‬ ‫�شك ًال حركي ًا دا ًال عن املعنى ومعرب ًا عنه يف �أكرث من داللة الألفاظ‬ ‫ال�شعرية لنفهم من خالل ذلك رمزية الف�ضاء اجلمايل للخط‬ ‫وطريقة ر�سمه �شعري ًا وت�شكيلي ًا‪ ،‬وقد تلم�سنا ذلك يف جمموعته‬ ‫ال�شعرية املعنونة (هزائم) وال�صادرة عن دار خمطوطات عام‬ ‫‪ 1996‬وال �شك �أن هذه الر�ؤى امللمو�سة يف جمموعته تلك قد �أثرت‪،‬‬ ‫فني ًا وجماليا‪ ،‬يف م�سرية نا�صر م�ؤن�س ال�شعرية الفنية وانعك�ست‬ ‫�إيجاب ًا على طبيعة كتابته لل�شعر رغم كل االعرتا�ضات امل�شار اليها‬ ‫مبالحظة كتبها ال�شاعر يف بداية كتابه ال�شعري املعنون (هزائم)‬ ‫التي قال فيها‪( :‬مت �إجناز هذا الكتاب عام ‪ 1986‬وقد منع من قبل‬ ‫م�ؤ�س�سات القمع الثقايف بحجة �أنه ي�شوه احلرف العربي اجلميل)‬ ‫ومن هنا �أي�ض ًا مل يكن غريب ًا �أن جند ال�شاعر يعود فريى �أن �أف�ضلية‬ ‫الت�شكيل الفني لل�شعر لي�ست ثابتة‪ ،‬ف�إن للر�سم �أو اخلط دوره يف‬ ‫تعديل وحتوير الن�ص‪ ،‬لأن الت�شكيل ال ميكن �أن يتماثل بالإطالق‬ ‫ولذا فهو يعر�ض للن�ص ال�شعري املختلف ب�أن الت�شكيل الفني‬ ‫حتتاجه الكتابة ال�شعرية ويو�ضح �أي�ض ًا ب�أن الت�شكيل ي�ستملي من‬ ‫النف�س والعقل والب�صر ويتماهى مع املعاين املتعددة وهكذا يف�سر‬ ‫ال�شاعر نا�صر م�ؤن�س طبيعة العالقة بني الإبداع الفني ونوعيته‬

‫ب�إبراز العالقة القائمة بني ال�شعر والت�شكيل يف نف�س الفنان ويطبق‬ ‫تلك العالقة اجلمالية (كناقد �أو ًال) ثم (ك�شاعر ور�سام ثاني ًا) على‬ ‫فن ال�شعر‪ ،‬من هنا يتبني يل �أن ال�شاعر قد ت�أثر بنظرية التوحيدي‬ ‫يف الإبداع الفني التي ميكن �أن ت�ضاف �إىل نظريته يف فل�سفة اخلط‬ ‫العربي الذي �ألف فيه �أقدم ر�سالة عن اخلط العربي‪ ،‬كما ميكن لنا‬ ‫�أن ن�ضيف �أن لغته ال�شعرية هي لغة تعبري وت�شكيل وت�صوير و�أداة‬ ‫فهم وتف�سري يطوعها ال�شاعر للتعبري عن �أدق املعاين الروحية‬ ‫والفل�سفية واجلمالية‪.‬‬ ‫من خالل قراءتي العمال نا�صر م�ؤن�س ال�شعرية حاولت كثري ًا �أن‬ ‫�أردم الفراغ بني القراءة وامل�شاهدة‪ ،‬وبني معنى الن�ص و�صورته‪،‬‬ ‫�أعني �صياغته الت�شكيلية‪ ،‬لكنني �أدركت �أن �صورة الن�ص ال�شعري‬ ‫هي جوهر موقف ال�شاعر من الكتابة ال�شعرية �إذ لي�س من العدل‬ ‫�أن يتعامل املتلقي مع هكذا ن�صو�ص بانتزاعها من �سيا قها‬ ‫الت�شكيلي‪ ،‬و�أعني تلك املتعلقة ب�صياغة الن�ص‬ ‫وكتابته باخلطوط والتخطيطات والر�سوم املغلفة‬ ‫بلم�سة �صوفية‪ ،‬واجتزائها من وحدتها الفنية‬ ‫و�أمنا �أردت فح�سب �أن �أ�سوق بع�ض �أمثلة من‬ ‫�شعره لأدلل بها على �أن الدعوة �إىل التجاوز‪،‬‬ ‫يف طريقته ال�شعرية‪ ،‬تكاد �أن تكون الداللة‬ ‫الفنية الأ�سا�سية ملعظم ن�صو�صه يعرب عنها‬ ‫تعبري ًا جتريدي ًا تارة وب�صري ًا خال�ص ًا تارة‬ ‫�أخرى حتى و�أن تنوعت وتفرعت �أ�ساليب‬ ‫و�صور التعبري عن هذه الدعوة التجاوزية ‪.‬‬ ‫هذا ف�ض ًال عن �أن �أ�سلوبه يف كتابة الن�ص يكاد‬ ‫يقوم �أ�سا�س ًا على املواجهة الب�صرية احلادة‬ ‫وامل�صادمة بني املعنى واملبنى‪ ،‬ولي�س يف هذا‬ ‫�أقالل من قيمة هذا الن�ص �أو ذاك‪ ،‬يف جممل‬ ‫�أعماله‪ ،‬و�أمنا هو حتديد خل�صائ�صه الأ�سلوبية‬

‫يف الكتابة ال�شعرية‪ ،‬ولعل �أهم ما مييز ن�صو�صه �أي�ض ًا تلم�س نب�ض‬ ‫الواقع احل�سي‪/‬التجريدي للحرف بكل �أبعاده اجلمالية املجردة‬ ‫ون�ستطيع �أن نتبني يف ن�صه ال�شعري عدة عنا�صر متداخلة مت�شابكة‬ ‫�أي�ض ًا‪ ،‬فهناك اخلط الذي يعرب عن نف�سه تعبري ًا ب�صري ًا يف �شكل‬ ‫لوحة وهناك املعنى الزاخر بالتفا�صيل ال�صوفية امللمو�سة وهي‬ ‫تتحرك وتتالقى وتتفرق لت�شكل املعنى املمتد بني رموز و�أقنعة‬ ‫تراثية ودينية وفل�سفية و�صوفية ثم هناك الرمزية التي‬ ‫ن�ست�شعرها برغم ما فيها من داللة و�إيحاء وهناك �أخري ًا ال�صور‬ ‫ال�شعرية اجلوهرية املتنامية �أفقي ًا يف �شكل حكائي‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫تبدو العالقة بني �أدوات نا�صر م�ؤن�س يف الكتابة ال�شعرية و�سريورة‬ ‫احلرف العربي �أكرث من عالقة قائمة على الت�شكيل الفني للحرف‪،‬‬ ‫و�أُ�شدد على عبارة الت�شكيل الفني للحرف العربي‪ ،‬بل �أتت كتابة‬ ‫الن�صو�ص من مفاهيم فل�سفية و�صوفية وجمالية �أو ر�ؤية‬ ‫فنية مغايرة مل تبالغ يف قدرة التو�سع اجلمايل للن�ص‬ ‫ال�شعري نف�سه‪� ،‬إذ تبدو العالقة تداخلية ولي�ست‬ ‫�أحادية الإجتاه �أو الت�أ�سي�س وهي بالن�سبة ملو�ضوعة‬ ‫التلقي‪ ،‬ك�أ�سلوب �أو طريقة جديدة للتلقي‪� ،‬أكرث‬ ‫تداخ ًال ب�سبب تراكم مكونات الن�صو�ص ال�شعرية‬ ‫التي ت�سهل الإنتقال باملعنى بني عني ال�شاعر‬ ‫وخميلته �أو بني التعاطي اجلمايل مع الف�ضاء‬ ‫الكوين للحرف و�أ�سلوب ا�ستخدامه يف الكتابة‪،‬‬ ‫وقد جعل الأغريق الكون قائم ًا على حرف‬ ‫ورقم ونغم ولفظ‪ ،‬وما �شعر نا�صر م�ؤن�س �سوى‬ ‫جمموعة من الرموز حا�ضرة يف الذهن جتعل املتلقي‬ ‫متهي�أ لقراءة الالمرئي ‪ .‬والرمزيون‪ ،‬كما هو معروف‪،‬‬ ‫يف�سرون املرئي بالالمرئي �أو الالمرئي باملرئي وقوام‬ ‫ذلك كله فكرة الن�ص ال�شعري التي جت�سدها ماهية‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪5‬‬


‫احلرف وهكذا يختزل ال�شاعر فنية الن�ص وارتباطها بالوجود‬ ‫عرب عوامل الألغاز �أو الرموز وهكذا �أي�ض ًا يتحقق ال�شعر‪ ،‬من خالل‬ ‫جمالية احلرف‪ ،‬على �أ�سلوب �أو متر�س ب�أ�سرار اللغة واحلروف‬ ‫واملعاين كتابة ور�سم ًا‪� .‬إن املتلقي املت�أمل يف جممل �أعمال ال�شاعر‬ ‫يدرك‪ ،‬بتلقائية‪� ،‬أن احلرف ما كان له �أن يبلغ م�ستوى ال�شكل‬ ‫اجلمايل لوال املغايرة والتجاوز واالبتكار يف طريقة ا�ستخدامه‪،‬‬ ‫وبالتايل �أال ي�شكل هذا اال�ستخدام للحرف نوع ًا من احلرية املثلى‬ ‫يف �أعلى مراتبها خ�صو�ص ًا حني تتحول ال�صورة ال�شعرية �إىل �صورة‬ ‫ب�صرية �أو ذهنية �أو جتريبية لكن دون �أن تعتمد على اللغة عن�صر ًا‬ ‫وحيد ًا �أو �إذا ما حترر ال�شاعر املغاير �أي�ض ًا‪ ،‬من عبودية الكتابة‬ ‫ال�شعرية التقليدية االلتقاطات ال�شعرية يف هذا الن�ص ال�شعري �أو‬ ‫يف �سواه‪ ،‬ت�ستمد لذتها من جمالية احلروف �أو املعاين التي ترتاءى‬ ‫وك�أنها احتفاء لغوي �أو ت�شكيلي يدعونا ثانية �إىل االحتفاء‬ ‫بجماليات التلقي ال�شعري التي حررت النقد من �أوهام‬ ‫احلقائق املطلقة و�أطاحت بفكرة املعنى‬ ‫الواحد الذي هو وليد القراءات النقدية‬ ‫املجاملة الراع�شة وك�أن جربية نقدية‬ ‫جديدة حلت حمل جربية نقدية قدمية‬ ‫يف تق�صي معنى الإطاحة بالن�ص وال�شاعر‬ ‫مع ًا و�إماتته مقابل تن�صيب النقد املمالئ ثم‬ ‫تن�صيب الن�ص الفاقد ملقوماته الفنية‬ ‫واجلمالية واللغوية‪ .‬لنقر�أ بع�ض هذه‬ ‫االلتقاطات املوجزة من �شعره‪ :‬تعويذة‬ ‫الزلزلة‪( :‬ثمة ح�ضارات تتثائب و�أزمنة‬ ‫تتناثر يف الفراغ) تعويذة الرميم‪( :‬رجع‬ ‫ال�صدى حوارات توقظ العبارة) (م�أدبة‬ ‫املراثي ت�سرف ب�أ�ستعاراتها البليغة‪ ،‬العويل‬ ‫وليمتنا‪� ،‬أنا املعول �أبارك هذا اخلراب)‬ ‫تعويذة الرفائيم‪( :‬اختفت اجلهات االربع‬ ‫وبقي ر�أ�سي بندوال يتحرك يبحث بعيد ًا‬ ‫يف الظلمة) (يف الغار تن�سج العناكب �أحزانها)‬ ‫هزائم (هتاف طائ�ش)‪( :‬قرري يا هزائم �أن�سقط‬ ‫كثمرة يف منتهى الن�ضج؟ بال ثروة �أو جمد �أم نبقى نفاجئ الرعد‬ ‫كمرايا تع�شق ما ي�شبهها؟) هتاف برنني‪( :‬هزائم ت�سافر يف �شكلي‬ ‫و�أحوايل وتلب�س اجللد واحلنجرة‪ ،‬فلماذا ال تقول الهزائم ما نقول؟‬ ‫وملاذا تكبح تهليل املجزرة؟ باهلل يا هزائم ال حترمينا هذا ال�سرور)‬ ‫هتاف يلب�س وجه ال�شم�س‪( :‬هزائم تتزيا بالأ�شياء الفانية وتلب�س‬ ‫جب الكلمات �سكينة وزهرة حانية) وثمة‬ ‫�أردية اجلماد‪ ،‬متنح ّ‬ ‫التقاطات اخرى من الكتاب الوثني‪( :‬دع املعجزة ت�أتي مثل ل�ص يف‬ ‫�ساعة ال يظنها �أحد) (دع الكتاب على غي‬ ‫ر ما متليه التالوة‪� :‬أذهب مع اخلاطر‪�/‬أجعل �صداقتك له �سماوية‬ ‫فهذا هو ال�شريك الوحيد) (كان يكفي �أن يكون ال�شيطان حمق ًا‬ ‫يف منيمته و�آدم ذو طبع �سجايل) (ذهب منثور هكذا �أ�صف �صورة‬ ‫�سامع الهاتف وهو ي�ؤول ان�شغايل‪/‬ذهب م�سبوك هكذا �أ�صف ن�سيانا‬ ‫يدعوين) (القيامة‪ :‬يا لها من �شائعة مروعة) كما يذهب ال�شاعر‪،‬‬ ‫يف هذه االلتقاطات ال�شعرية املختارة‪ ،‬بعيد ًا يف املعنى فيذكر �أن‬

‫‪6‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫الن�ص ال�شعري املكتوب بطريقته الت�شكيلية قد �أن�ش�أ واقع ًا مغاير ًا‬ ‫يف بنائه اللغوي والفني وب�سبب هذا الواقع املغاير يف الكتابة‬ ‫�أو الت�شكيل الكتابي للحرف �أو اجلملة ال�شعرية املر�سومة �شنت‬ ‫الكتابة ال�شعرية احلرب على املتلقي وهذا الكالم يتلم�سه املتلقي‬ ‫�أثناء النظر �أو قراءة �شعر نا�صر م�ؤن�س وهذا الكالم هو كالم نقدي‬

‫جمرد غري مغرق (باملديح النقدي الراع�ش واملجاين) بتعبري �سارتر‬ ‫لكنه‪ ،‬مفتون بال�شكل اجلمايل للحرف داخل بنية الن�ص وتركيبيته‬ ‫الفنية �أو طريقته الت�شكيلية للن�ص التي ال تنح�صر يف �صنع عوامل‬ ‫خيالية من معان وكلمات و�إمنا هي حروف ورموز و�إ�شارات مر�سومة‬ ‫ال تربطها �سلطة ما �إال �سلطة احلرف وجمال املعنى‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪7‬‬


‫ال‬ ‫ت‬ ‫ال ش‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ص‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ةخ س‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫اسر ي‪:‬‬ ‫ة!‬

‫تشمل أعمال الفنان العراقي محمد سامي‬

‫(‪ )1984‬المقيم في السويد ‪ ،‬البشر والحيوانات‬

‫مع وجودهم المذهل على األرض‪ .‬والمشاهد يرغب‬

‫بالمزيد لرؤيته‪ ،‬ولهذا فان هذا الفنان هو قبل كل شيء‪ :‬ذو أساليب مبتكرة‪.‬‬

‫و‬

‫دافود كازاي‬

‫ميكن تق�سيم �أعماله �إىل ثالث مراحل‪ ،‬مثلما نراها‬ ‫على موقعه على �شبكة الإنرتنت وكتيبه اجلديد‬ ‫(ربيع ‪ .)1984‬الأوىل تغطي ال�سنوات ‪ ،2006-2005‬والثانية تغطي‬ ‫‪ 2007‬والثالثة عام ‪ .2008‬وكل مرحلة تتميز ب�أ�سلوب حمدد‪.‬‬ ‫�أعماله لل�سنوات ‪ 2005‬و ‪ 2006‬كانت تتميز باثنني من‬ ‫اخل�صائ�ص‪:‬هما الإن�سان واحل�صان‪ .‬الإن�سان هنا لي�س �شكال عاديا‬ ‫كما هو م�ألوف لدينا يف �شكله الواقعي‪ ،‬بل هو �شكل �شبحي‪ ،‬حيث ميكن‬ ‫�أن يجر�ؤ امل�شاهد على ت�شخي�ص ال�شكل ب�أنه �شبحي‪ .‬ع�ضالت ج�سم‬ ‫الإن�سان تبدو �أكرث عر�ضة للذوبان وذات فعالية وهمية‪ ،‬على ما‬ ‫يبدو‪ .‬يف املقابل‪ ،‬يظهر الرجل‪ ،‬الذي يتكون من لبنة‪ .‬لكن ال يزال‬ ‫الرجل لديه القلب‪ ،‬ويوحي بالنب�ض‪.‬‬ ‫املر�أة التي قدمت له زهرة‪ ،‬هذا هو ال�شيء الوحيد الذي يوحي باللني‪،‬‬ ‫الذي ما زال قائما‪ .‬املر�أة ميكن تف�سريها بطرق خمتلفة‪� ،‬إنها مالك‪،‬‬ ‫�أو الأف�ضل الأنوثة �أو الرتفيه (مثلما هو يف علم النف�س التحليلي عند‬ ‫كارل يونغ)‪.‬‬ ‫يف هذه احلالة‪ ،‬حاولت املر�أة ان تخل�صه من ت�شدد الرجولة و�إعادته‬ ‫لتحقيق الوحدة الطبيعية بني الرجل واملر�أة‪ ،‬لأنه كل فرد من‬ ‫الذكور �أو الإناث‪ ،‬يحوي يف داخله دائما على �شئ قليل من اجلن�س‬

‫‪8‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫الآخر‪ :‬و�إال كيف �سيتمكن �أن يحب‪ ,‬من دون �أن يجد الإن�سان �شيئا ما‬ ‫يف الإن�سان املقابل الذي يحبه ؟‬ ‫�أعماله الأخرى تتيح لنا �أن نرى الرجال فيها تظهر ر�ؤو�سهم ك�أ�سنان‬ ‫الرتو�س امل�سننة ‪ .‬هذا ميكن �أن يكون رمزا ل�شعب ب�أ�سره ‪,‬يذكر‬ ‫با�ستخدام املاكنة يف املجتمع احلديث‪� ،‬إن�سانا ك�أحد �أ�سنان الرت�س‬ ‫يدور حول نف�سه ال ل�شئ ومرة �أخرى ال ل�شئ ‪ .‬ويظهر عمل �آخر‬ ‫ر�أ�س كال�ساعة كرمز للعبودية الذاتية للإن�سان‪ ،‬والتي تخ�ضع لقيود‬ ‫الوقت والفو�ضى ‪ .‬يف �صورة �أخرى رجل يحاول اخرتاق جدار متاما‬ ‫كما نحن نحاول �أن نخرتق احلدود‪ ،‬والأحكام امل�سبقة‪ ،‬و �أمناط‬ ‫التفكري وللتغلب عليها ‪ .‬لكي نكون نحن �أنف�سنا‪.‬‬ ‫يف �أعماله �أحيانا تعرب �شخ�صية الفاعل لدراما الوجود الإن�ساين يف‬ ‫االنفجار �أو يفقد ر�أ�سه‪� ،‬أو يف �صراع مع غريها من الهويات‪ ،.‬ميكن‬ ‫ر�ؤية رجل حزين ج�سمه يظهر وك�أنه يجل�س و ال�شم�س بد�أت حتوم‬ ‫حوله‪ ،‬التي تقع يف املزيد واملزيد من النمل على ب�شرته‪ ،‬وذلك يرمز‬ ‫�إىل اكتظاظ ال�سكان‪ ،‬واحلرب وغطر�سة الإن�سان الذي يريد �أكل‬ ‫ال�شم�س لو كان ي�ستطيع ذلك لفعلها؟‬ ‫احل�صان كمرافق �أول للإن�سان يظهر يف مراحل �أخرى من �أعماله‪.‬‬ ‫احل�صان هو رمز لل�شم�س �أو يف الكتاب املقد�س للذكاء وال�شطارة‪ .‬تبعا‬ ‫للون‪ ،‬ميكن �أن يرمز احل�صان �إىل التدمري �أو التعبري عن الن�صر‪ .‬من‬ ‫الناحية النف�سية‪ ،‬تقف يف غيبوبة كما الوهمية ت�شبه املر�أة التي مت‬ ‫و�صفها �سابقا‪ .‬يف �صورة �أخرى رجل ي�سجد‪ ،‬ورمبا يكون حمارب �أمام‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪9‬‬


‫احل�صان‪ .‬هذه ال�صورة تذكرنا برحالت جاليفر وفيها التقى جاليفر‬ ‫مع احل�صان ويبد�أ تدريجيا يفهم بان اخليول‪،‬هي احلاكم الأ�صلي‬ ‫وال�شعب هو فقط خملوقات مم�سوخة‪� .‬صور اخليول مماثلة لتلك‬ ‫التي للإن�سان مبعنى �أن التحرك عرب احلدود و�ستكون مقتولة ‪ .‬كل‬ ‫هذه الأعمال يف الوقت الراهن بدون ا�سم‪ ،‬لأنها ت�ستطيع �أن تتحدث‬ ‫عن نف�سها‪� .‬أ�سماء هي ال�ضجيج والدخان‪.‬‬ ‫�أعمال املرحلة الثانية‪� ،‬أي يف عام ‪ ،2006‬ت�شمل املزيد من اخلطوط‬ ‫املنحنية والتجريد‪ .‬وهنا تزداد �صعوبة وا�ضحة الرموز �أو احلروف‬ ‫غري ممار�سة الطائر‪� ،‬أو �صقر اليمامة‪ ،‬والتي غالبا ما تكون �إطالق‬ ‫النار‪ .‬اليمامة هو رمز للمثابرة واملنزل‪ ،‬والأمن‪ ،‬وغريزة الأمومة‬ ‫وكذلك كرمز لل�سالم‪ .‬امل�سيحيون الأوائل اقرت�ضوا هذا الرمز من‬ ‫الوثنيني‪ ،‬لكي يربطوا به �أ�شيائهم الثمينة‪ .‬م�ستمر من خالل التاريخ‬ ‫والثقافة والأ�ساطري يرمز ال�صقور التفوق‪ ،‬الروح‪ ،‬وال�ضوء‪ ،‬واحلرية‪،‬‬ ‫والطموح‪ .‬ال�صقر هو عالمة على النجاح‪ ،‬واالنت�صار‪ .‬بع�ض ال�صور‬ ‫من الب�شر واخليول وميكن االطالع �أي�ضا يف هذه املرحلة‪ ،‬لكنها �أكرث‬ ‫و�ضوحا لتمثيل املركز‪ .‬الألوان هي ال�صورة الرمزية لعنا�صر يف‬ ‫ال�صدارة‪ .‬بل و�أعمال املرحلة الثانية ال حتمل �أ�سماء‪ ،‬لكنها تقول لنا‬

‫‪10‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫القليل من ذلك‪ ،‬فهم يعربون عن �أقل من ذلك‪.‬‬ ‫�أعمال املرحلة الثالثة من العام ‪� ،2008‬أ�صبحت الأكرث جتريدا‪.‬‬ ‫ميكننا �أن جند هنا الب�شر واحليوانات واخليول والثريان‪ .‬من �أهم‬ ‫الأعمال يف هذه املرحلة "النوم على حرير"‪ ،‬وتظهر �شخ�صية‬ ‫ن�سائية‪ ،‬وهي التي ت�أخذ دور البطولة وتبدو زهرة قد تفتحت ‪" .‬‬ ‫م�ساء اال�سرتخاء" وهي ولوحة مثرية لالهتمام‪ ،‬وهنا مرة �أخرى‬ ‫نرى امر�أة وتبدو يف حالة ا�سرتخاء‪ ،‬ولكن لي�س على �سرير‪ ،‬بل على‬ ‫ظهر ح�صان‪" .‬ا�صطياد الأ�شباح" يذكرنا بفيلم "مومي "‪ ،‬وفيها ت�أتي‬ ‫عربة من القتلى ليجلب الروح يف عامل الأموات و�إىل �إفيلن امل�صريات‬ ‫وتقول‪" :‬املوت لي�ست �سوى البداية"‪ .‬ومن خالل هذه املرحلة �أي�ضا‬ ‫عدد قليل من ال�صور �سل�سلة‪" :‬املوت على مو�سيقى"‪ ،‬و "الراق�صات‬ ‫والدخان" و "موت الأ�شباح املهاجرة" ‪ " .‬يذكرنا يف ال�سحرة يف‬ ‫ماكبث ل�شك�سبري‪ ،‬ولوحة احلِداد املبكر التي كتب عنها (ال�شيء‬ ‫ي�ستحق االهتمام مادام املوت امتداد حلياة هي يف الأ�صل �صفقة‬ ‫خا�سرة)!‪.‬‬ ‫ناقد ألماني \ من شركة الفن العالمي \هامبورغ‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪11‬‬


‫عبد الرحيم ياسر‪ ..‬هل يتقاع ُد ِع ْطر ُالنسرين؟!‬

‫خضير الحميري‪ :‬آن األوان لتطلق عفاريتك المشاكسة!‬ ‫مها البياتي‪ :‬أخيرا جعلوك تعترف!‬ ‫حميد علي موسى‪ :‬قلبه الطفولي لم تتسرب إليه نوازع الحقد!‬

‫لـ‬

‫حمل الرسام في دار ثقافة األطفال عبد‬ ‫الرحيم ياسر حقيبته‪ ،‬التي عمرها أكثر‬ ‫من ‪ 44‬عاما‪،‬بعد أن جمع فيها أوراقه‬ ‫وذكرياته ورسوماته‪ ،‬وأطلق نظراته‬ ‫في األنحاء ومضى بخطوات هادئة على‬ ‫الممر الطويل إلى خارج الدار‪ ،‬فالتفت‬ ‫ليلقي نظرة على وجهها ومن ثم مشى‬ ‫على طريق‪ ..‬التقاعد!‬

‫‪12‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫عبد الجبار العتابي‬

‫ـم ا�صدق �إن الفنان الكبري عبد الرحيم يا�سر و�صل‬ ‫العام املن�صرم �إىل عمر الـ ‪ 63‬عاما‪ ،‬لكي ي�شهروا‬ ‫يف وجهه بطاقة (التقاعد) ويتخلى عن دار ثقافة الأطفال التي‬ ‫وهبها �أكرث من ‪ 44‬عاما من اجلهد وال�سعي والنجاح والعمل والألوان‬ ‫والر�سم لل�صغار يف �أعمار خمتلفة واللعب معهم على طريقته‬ ‫اخلا�صة التي طاملا �أبهجتهم‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ي�ساعد قلبه وهو يجد نف�سه‬ ‫ال عالقة له مبا �صنعه وابتكره و�أبدعه و�أحاطه بالعناية والرعاية‬ ‫وقد منت الأ�شياء من حوله و�صارت جزءا من جلده ودمه و�أ�صابعه‬ ‫وري�شته وابت�سامته فعا�شت طفولتها و�صباها و�شبابها يف كنفه‪.‬‬ ‫اعتقد انه فوجئ ب�أن عمره �صار ‪ 63‬عاما و�أ�صبح (ي�ستحق)‬ ‫الإحالة على التقاعد‪ ،‬رمبا راح ينظر �إىل وجهه ويديه و�أ�صابعه‬ ‫ويت�ساءل هل �شاخ فعال‪ ،‬انه مل ي�صدق �إن يجد نف�سه فج�أة‬ ‫(متقاعدا) ومنتميا لفريق املتقاعدين الذين يق�ضون نهاراتهم‬ ‫(يت�شم�سون) ويجرتون الذكريات‪ ،‬وان كنت ال �أرى ذلك يف عبد‬ ‫الرحيم املبدع الذي �سيك�سر القواعد كلها ويعود �إىل الوراء ‪ 40‬عاما‬ ‫ليجد نف�سه يف (بحبوحة) الدار وهو ي�ضع خطوطه و�ألوانه وي�سمع‬ ‫قهقهات كائناته ‪ .‬وهنا ميكنني �أن ا�ستعري ما قالته عنه �إميان‬ ‫الوائلي ‪ ( :‬لن تتقاعدُ �أَحال ُم الأطفالِ الوردية‪ ..‬و�ستبقى الط ّيارات‬ ‫الورقية حتمل �أجمل �أحالمنا لتنرثها يف عنان ال�سماء‪ ..‬مثلهُ ال‬ ‫ي�أفل جنمه �أبدا)‪.‬‬

‫�إذن‪ ..‬البد من احتفالية على الورق لالبتهاج بعودته �إىل طفولته‬ ‫الثانية‪.‬‬

‫عفاريت مشاكسة‬

‫قال عنه زميله ر�سام الكاريكاتري خ�ضري احلمريي‪ :‬الفنان عبد‬ ‫الرحيم يا�سر ح ّول الوظيفة �إىل �أداة من �أدواته التعبريية‪،‬وموقع‬ ‫لتن�شيط التوا�صل واجلدل الثقايف الذي ال يجاريه فيه �أحد‪ ،‬رغم‬ ‫�إنها �أكلت (بالت�أكيد) من جرف التفرغ الإبداعي الذي يطمح‬ ‫�إليه كل فنان‪ ،‬ورمبا كنا نحن ر�سامي الكاريكاتري اخلا�سر الأكرب‬ ‫من ارتباط عبد الرحيم الوظيفي‪ ،‬فقد ظل م�شروعنا يف تن�شيط‬ ‫عمل اجلمعية العراقية للكاريكاتري معطال ب�سبب ان�شغال كبري‬ ‫الكاريكاترييني العراقيني ب�ألف م�شروع وم�شروع لي�س من بينها ما‬ ‫يخ�ص جمعيتنا الفتية‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف‪�:‬أ�شعر بال�سعادة �إن حجة عبد الرحيم الأزلية قد �سقطت‬ ‫بالتقاعد (ولي�س بالتقادم) و�آن الأوان لعمل جدي (يفرك)‬ ‫م�صباحنا ال�سحري ويطلق عفاريته امل�شاك�سة‪( .‬م�صباح عالء الدين‬ ‫ال�سحري هو �شعار اجلمعية العراقية للكاريكاتري)‪.‬‬ ‫اخلال�ص من الرتابة اﻻدارية‬ ‫�أما الكاتبة مها �ألبياتي فقد قالت عنه‪� :‬إىل من مل تلده �أمي‪..‬‬ ‫ومل يحمل ا�سم �أبي‪�..‬إىل �صديق العمر اﻻخ الفنان املبدع عبد‬ ‫الرحيم يا�سر‪ ،..‬اعرتف‪..‬قلتها لك يوما �ستعرتف‪�..‬أخريا جعلوك‬ ‫تعرتف‪ !!...‬حملوا �إليك ورقة تقول‪�..‬أذهب لت�سرتح‪�..‬أ�شرب‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪13‬‬


‫عرب نافذة غرفتك يف جملتي واملزمار‪..‬تاريخك هنا‪�،..‬سنني ال�شباب‬ ‫التي رحلت‪..‬اﻻ�صدقاء‪..‬اﻻلوان‪..‬و�ضحكات اﻻطفال‪..‬ولوحات‬ ‫الر�سم التي متلأ �أروقة الدار‪..‬وكر�سيك الذي تعودك وتعودته‪..‬‬ ‫وتابعت‪ :‬يا �صديقي‪�..‬أبارك لك التقاعد اﻻداري‪ !..‬و�أنا على‬ ‫يقني �إن �إبداعا �آخر �سيولد من جديد و�أنت يف هدوئك‪..‬بعيدا عن‬ ‫رتابة العمل‪..‬ﻻنك فنان يتع�شقك اﻻبداع‪..‬وتتخمر بذاتك كل‬ ‫�ألوان قو�س قزح احلياة‪..‬وري�شتك �سرتق�ص فوق الورق بحرية‪..‬‬ ‫متناهية‪..‬لتنطلق حيث اﻻمل واﻻن�سان‪� ،..‬ستبقى �أبدا ا�سما‬ ‫فنيا ﻻمعا‪�..‬ساهم يف تقدمي �أجمل الر�سوم للأطفال‪..‬وال�صور‬ ‫الكاريكاتريية لل�صحافة العراقية‪..‬مناف�سا ومتفوقا على العديد‬ ‫من الر�سامني العرب واﻻجانب‪..‬لك مني التهاين للخال�ص من‬ ‫الرتابة اﻻدارية‪..‬ويف انتظار �إبداع ما بعد التقاعد‪!...‬‬

‫نقاوة وصفاء وذوق‬

‫فنجان قهوتك ال�صباحي و�أنت تردد مع فريوز‪�...‬شايف البحر‬ ‫�شو كبري‪ !...‬جاءوا يحملون �إليك احلقيقة التي ت�شري �إليها �أرقام‬ ‫هوية‪ ..‬تعريفية‪!!..‬‬ ‫و�أ�ضافت‪� :‬أت�صور �ضحكتك و�أنت تقر�أ الأمر اﻻداري‪..‬واعرف �أي‬ ‫�سخرية �سخرت منهم‪..‬و�أدرك �إن �أملا دفينا وخز قلبك حلظتها و�أنت‬ ‫جتول بنظرك‬

‫‪14‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫�أما زميله حميد علي مو�سى فقال عنه‪ :‬هذا املبدع الذي انحدر‬ ‫من �أعماق مدينة غما�س يف حمافظة الديوانية‪ ،‬وتطبع يف وفائه‬ ‫وخ�صاله من جدلية ع�شق الق�صب والربدي لطني اهوار مدينته‬ ‫الغامرة يف عمق التاريخ التي كانت امتداد ًا ملقرتبات (نفر) مدينة‬ ‫احل�ضارة والإ�شعاع الفكري‪ ..‬فرتجم بحق عند جميئه �إىل عا�صمة‬ ‫ال�سالم كل طيبة �أهلنا يف الريف و�شهامة ونبل �أهلنا الكرام‪..‬قدم‬ ‫الكثري يف م�سريته الفنية‪ ..‬وح�صد الكثري من اجلوائز والألقاب‬ ‫كان �آخرها اختياره العام املا�ضي ك�أحد �أف�ضل ع�شرة مبدعي فناين‬ ‫العامل يف ر�سوم الكاريكاتري الذين ي�شار �إىل �أعمالهم بالبنان‪،‬‬ ‫وحقيقة ملن عرفه فقد رف�ض يف تلك امل�سرية كل املغريات والعناوين‬ ‫وبقي متم�سك ًا بعنوانه الأزيل الفني‪ ،‬الر�سام والفنان و�صديق اللون‬ ‫وورق الر�سم والفر�شاة التي لي�س يف الدنيا �أجمل منها نقاوة و�صفاء‬ ‫وذوق‪.‬‬

‫و�أ�ضاف‪ :‬كان بحق مهماز ًا جلميع الذين عملوا �إىل جانبه ومبعيته‬ ‫مهما كانت �ضغوط العمل الوظيفي الرتيب الذي ال يرحم وال‬ ‫ي�سلم احد فيه من �شتائم ونقمة وح�سد وخبث بع�ض املتقاع�سني‬ ‫والك�ساىل والناقمني من الأف�ضل‪ ،‬ومل تت�سرب �إىل نف�سه وقلبه‬ ‫الطفويل نوازع احلقد الأعمى بالرغم من الهنات والطعنات وظلم‬ ‫�إخوة يو�سف‪ ...‬ترت�سم الب�سمة على وجهة بالرغم من �أي‬ ‫ظرف مير به‪ ،‬وتطبع بكل ت�صرفاته ب�سجايا الرحمة‬ ‫التي ا�ستمدها من احد �أ�سماء اجلاللة الذي اختاره �أهله‬ ‫الطيبون ا�سم ًا له‪ ..‬وما خاب ظنهم به وانه اغرتف �شمائله‬ ‫وخ�صاله من نبعه وا�صله احل�سيني العلوي ال�شريف ومن‬ ‫طيبة �أهله الكرام ومن دفء عائلته ال�صغرية التي‬ ‫تربت يف كنفه‪ ...‬فكان العطف واحلنان‬ ‫ومودة الآخرين من (عواطف) رفيقة‬ ‫م�سريته ال�شخ�صية والفنية وقدي�س ًا‬ ‫ي�شبه يف �سلوكه �أبناء (مرمي) ومن‬ ‫مبدئية (حيدر) يف رف�ضه لكل ما هو �صواب وم�ؤمن ًا‬ ‫باملثل العليا والثبات عليها مثل (يا�سر) يف بداية ع�صر الر�سالة‪،‬‬ ‫وبقدر ما كانت هذه كلها �صفاته و�سجاياه �أال انه كان ثائر ًا متمرد ًا‬ ‫متحدي ًا يف ثورته ما كان يدور حوله بر�سوماته ولوحاته ومعار�ضه‬ ‫الفنية املختلفة‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪15‬‬


‫يتقاعد ِع ْطر ُالنسرين؟‬ ‫هل‬ ‫ُ‬

‫�أما ال�شاعر جليل خزعل‪ ،‬فلم يجد �إال �أن يبوح بال�شعر لزميل عمره‬ ‫الذي حتدث عنه مبقدمة نرثية �أوال‪ ،‬حيث قال (انه الفنّان العاملي‬ ‫ر�سامي الأَطفال يف العراق‬ ‫الكبري عبد الرحيم يا�سر‪� ،‬أحد �أ�شهر ّ‬ ‫والوطن العربي‪ ،‬و�أحد �أَف�ضل ر�سامي الكاريكاتري يف العامل‪ ،‬ملنا�سبة‬ ‫بلوغه �سن التقاعد‪ ،‬ومغادرته دار ثقافة الأطفال بعد �أن �أم�ضى‬ ‫فيها ‪44‬عام ًا من الإبداع والت�ألق)‪.‬‬ ‫ومن ثم قر�أ ق�صيدته‪:‬‬ ‫ر�سامٌ من "غ ّما�س"‬ ‫ولدٌ ّ‬ ‫لعب ِّ‬ ‫بالطني‬ ‫كان َ�صغري ًا َي ُ‬ ‫رب الولدُ الفنّان‬ ‫َك ُ‬ ‫َ‬ ‫�صا َر �أمري ًا للألوان‬ ‫جاء �إىل بغدا َد‬ ‫َ‬ ‫وملّا َي ُ‬ ‫بلغ َب ْعدُ ال ِع�شرين‬ ‫اليو َم يفاجئنا‬ ‫و َي ُ‬ ‫قول‪َ :‬كفى‬ ‫ال�ستني‬ ‫الآن تجَ ا َوز ُْت ِّ‬ ‫***‬ ‫واعجباه!!!‬ ‫هل تتقاعدُ �أَحال ُم الأطفالِ الوردية؟‬ ‫و"الط ّيارات الورق ّية"؟‬

‫ُ‬ ‫الفرح ّ‬ ‫الف�ضية‬ ‫جنمات‬ ‫هل تتقاعدُ‬ ‫ِ‬ ‫والأقما ُر الذهبية‬ ‫هل يتقاعدُ ع�صفو ٌر م�سرور‬ ‫ُ‬ ‫وفرا�شات النور؟‬ ‫ُ‬ ‫�سم‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫فر�شا‬ ‫هل‬ ‫تتقاعدُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ورائحة احلِرب؟‬ ‫هل يتقاعدُ ِعطْ ُر الن�سرين؟‬ ‫يا خل�سارتنا !!!!‬ ‫ال�س ُ‬ ‫نوات �إذن؟‬ ‫كيف َت َ�س َّر َب ِت َّ‬ ‫و َت َركْنا قمر ًا َمهموم ًا َي ُ‬ ‫عتزل‬ ‫ُ‬ ‫ويقول‪ :‬كفى‬ ‫ُ‬ ‫اليو َم جتا َوزْت ال�ستني‬

‫عبد الرحيم يا�سر‪ ،‬يعد من ابرز ر�سامي ر�سوم الأطفال‬ ‫والكاريكاتري‪ ،‬من مواليد حمافظة الديوانية عام ‪،1951‬ح�صل‬ ‫على �شهادة الدبلوم من معهد الفنون اجلميلة‪ /‬بغداد عام ‪1975‬‬ ‫وح�صل على �شهادة البكالوريو�س من كلية الفنون اجلميلة بغداد ‪/‬‬ ‫فرع الر�سم عام ‪ ,1980‬مار�س الر�سم يف الدوريات منذ عام ‪1970‬‬ ‫وعمل ر�سام ًا للأطفال يف جملة (جملتي) و(املزمار) ‪ ,1971‬كما‬ ‫عمل ر�سام ًا يف امل�ؤ�س�سة العامة للإذاعة والتلفزيون ‪ /‬ق�سم برامج‬

‫‪16‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫الأطفال ‪� 1990-1980‬شارك يف ر�سوم الأطفال ور�سوم الكاريكاتري‬ ‫والغرافيك ال�صحفي لعدد من الدوريات داخل وخارج العراق بينها‬ ‫جملتا (املتفرج) و(�ألف باء) و�صحيفتا (اجلمهورية) و(النه�ضة)‬ ‫يف العراق ودار الآداب يف لبنان ودار املنهل يف الأردن ور�سم العديد‬ ‫من الكتب املوجهة �إىل الطفل داخل وخارج العراق‪.‬نال عدة جوائز‬ ‫عاملية جعلته يحتل ت�صنيف واحد من �أف�ضل ع�شرة فنانني يف العامل‬ ‫يف املعر�ض الكوين بينايل فين�سيا عام ‪.2013‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪17‬‬


‫بعد حصوله على جائزة الشيخ زايد للكتاب‬

‫أياد الحسيني ‪ :‬الجمال ال ينفصل عن الخير ‪..‬‬ ‫والفنان العراقي في غربة داخل بالده وخارجها!‬

‫بعد أن بدأ د‪ .‬أياد الحسيني بتقصي تقاليد الحرف العربي ‪ ،‬كتابة وتقنية ‪ ،‬وجد إن هذا‬ ‫الخط يحمل رسالة تتضمن الشفرات الداخلية للمعاني وبضمنها األبعاد التشكيلية ‪ ..‬فانتقل‬ ‫من الخط إلى الرسم مع دراسة للعالقة بين التصميم والتشكيل ‪..‬ودرس التصميم بصفته فنا ً‬ ‫معاصرا ً يحمل روح التحديث وتقنيات الحداثة ‪ ..‬إلى جانب ذلك لم يهمل دور البعد‬ ‫الثالث فدمج بين الخط والرسم والنحت كي يحقق بعدا ً تركيبيا ً للمغامرة الجمالية ‪..‬‬ ‫لكننا نجده من جهة أخرى يبحث عن أبعاد ال مرئية في هذه المرئيات ‪ ..‬بمعنى آخر‬ ‫تكريس أعماله للبحث عن المخفي عبر التجريبية المتواصلة في أبحاثه النظرية والعلمية‬ ‫‪ ..‬ويبدو إن ذلك سببا ً مهما ً في فوزه بجائزة الشيخ زايد للكتاب ‪ ..‬ومنها انطلقنا في‬ ‫حديثنا معه خالل زيارته إلى بغداد ‪.‬‬

‫حـ‬

‫حوار‪ /‬قحطان جاسم جواد‬ ‫ـدثنا عن جائزة الشيخ زايد للكتاب؟‬

‫اجلائزة عاملية ومنحت للعديد من الكتاب يف العامل‬ ‫ب�شتى االخت�صا�صات ‪ ..‬بالن�سبة يل منحت عن كتابي ال�ضخم ( فن‬ ‫الت�صميم ) ب�أجزائه الثالثة ‪ ....‬وقد كنت متوقع ًا للفوز لأهمية‬ ‫املنجز العلمي الذي �ضمه كتابي والنظرية اجلديدة التي �أنادي‬ ‫بها يف فن الت�صميم وهي تربط بني نواحي الفن واجلمال واحلياة‬ ‫وت�ضيف �صبغة جمالية على احتياجات الإن�سان اليومية حيث‬ ‫يعالج ق�ضايا الت�صميم على جميع امل�ستويات الفكرية والفنية ‪.‬‬ ‫* مل تهتم الأو�ساط العراقية الر�سمية باجلائزة ‪ ..‬فما ال�سبب؟‬ ‫البالد حماطة بظروف �صعبة جعلت امل�س�ؤولني فيها بدوامة انعدام‬ ‫الوزن ولي�س غريبا �أن ال ينتبه املعنيون جلائزتي الن كل �شيء يف‬ ‫العراق ال يحظى باهتمامهم �سواء يف العلم �أو الثقافة �أو الفن ‪..‬‬ ‫كحال اخلدمات االعتيادية!‬ ‫لكن غياب امل�ؤ�س�سات الر�سمية ال يعفيها من حتمل امل�س�ؤولية اجتاه‬ ‫املبدعني العراقيني واالهتمام بهم لأنهم ثروة البالد ولي�ست ق�ضية‬ ‫�شخ�صية‪.‬‬

‫هل يمكن أن تسلط األضواء على كتابك على‬ ‫نحو ملخص؟‬

‫الكتاب يت�ضمن ثالث نواح مهمة من الفل�سفة والنظرية والتطبيق ‪..‬‬ ‫لقد �أ�ضفيت الفل�سفة عليه بد ًال من املنهج الن هناك �إ�شكاليات كربى‬ ‫متمثلة بعالقة الفكر بالوجود والوعي باملادة كعالقة متطورة‬ ‫تعرب عن حاجة الإن�سان �إىل الن�سق �ألقيمي الذي ينعك�س يف وعي‬ ‫املجتمعات على �شكل منظومة متكاملة من القيم الروحية واملعرفية‬ ‫واجلمالية والأخالقية التي تتداول اجلمال يف كل جوانب احلياة‬ ‫كدليل انتقال الإن�سان من نظام خطابي ب�سيط �إىل �آخر �أكرث رقي ًا‬

‫‪18‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫وجما ًال لت�شمل �أكرث من خم�سني نوع ًا من فنون الت�صميم ‪.‬‬

‫وجديدك؟‬

‫اعمل على اجناز كتاب (نظرية اجلمال يف الإ�سالم) هذه النظرية‬ ‫التي تختلط فيها الكثري من الر�ؤى والأفكار غري ال�سديدة‪ ،‬و�أحاول‬ ‫�أن �أقدم فكرة الفن الإ�سالمي ب�شمولية ان�سكلوبيدية وفل�سفية‬ ‫وجمالية ومنطقية ولي�ست متحفية �أو تاريخية ‪.‬‬ ‫* ملاذا اجلمع بني اخلط والفن والتقنيات احلديثة؟‬ ‫اللوحة الفنية املعا�صرة ومنها احلروفية مل تعد تقنية �أو مهارة‬ ‫�أو حرفة مع �أهمية هذه العنا�صر جميع ًا ‪� ...‬إمنا �أ�صبحت ذات‬ ‫�أبعاد فكرية وت�أويلية بفعل املناهج النقدية احلديثة ‪ ..‬علم ًا �إن‬ ‫اللوحة مل تعد قادرة اليوم على ت�أدية ذات الدور القدمي اجلمايل‬ ‫واحل�ضاري يف خ�ضم املتغريات الهائلة يف اجلانب التكنولوجي‬ ‫وال�سمعي والب�صري واال�ستهالكي‪.‬‬

‫الفن رسالة تهذيب للسلوك البشري كما اإلسالم‬ ‫فكيف تلتقي الديانات مع الفن؟‬

‫ا�صل الر�سالة ال�سماوية هي حتقيق �إن�سانية الإن�سان وعبوديته هلل‬ ‫يف نف�س الوقت‪� ،‬إن�سانيته من خالل تعمري الأر�ض والدعوة الفا�ضلة‪،‬‬ ‫وعبوديته من خالل عالقته املتوازنة وال�صحيحة بعقيدته ‪..‬‬ ‫وعندما يتعهد الفن دعوة للف�ضيلة فهو عامل خري يف �إ�صالح الإن�سان‬ ‫والكون ‪ ...‬فيكون الفن �ضروري ًا للحياة ‪ ...‬وعندما يتحول الفن �إىل‬ ‫�شيء �آخر هدفه ال�شر وجتاوز حدود اهلل يكون حراما ‪ ..‬الفن �سالح‬ ‫ذو حدين وكذلك ال�شعر واملجاالت الأخرى ‪ ..‬الفن يرتقي بالإن�سان‬ ‫على م�ستوى الذوق وال�سلوك والتفكري ‪ ...‬واجلمال ال ميكن �أن‬ ‫ينف�صل عن اخلري ‪ ..‬واخلري �شقيق احلق‪.‬‬

‫هل تمثل مدرسة في إدخال الحرف في اللوحة؟‬

‫لي�س من واجبي �أن �أقيم مدر�سة �أو �أحدد �أطر ًا معينة لأن ذلك‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪19‬‬


‫�سيخرج الفن عن احلرية التي ينادي بها ‪ ..‬ولو قيدنا الفن مبدار�س ي�شارك بدور يف �صياغة م�ستقبله‪.‬‬ ‫وموا�صفات و�شروط‪،‬ف�أننا �سنهدم احد �أركانه واق�صد به الإبداع‬ ‫وانح�ساره ‪ ..‬غري �إن لتجربتي ت�أثري وا�ضح يف الفنانني الآخرين ‪ .‬الجانب الديني في حياتك‬

‫الفني؟‬

‫هل يحد من نشاطك‬

‫على العك�س لأنه يو�سع الآفاق ويعطي للأ�شياء واجلمال قيمة‬ ‫ماذا تمثل لك الجائزة؟‬ ‫�إنها الأرفع عاملي ًا وهي تقومي حمايد للمبدع العراقي ورد اعتبار حقيقية تربز �أ�سا�سا من حكمة اخلالق الن اهلل �سبحانه وتعاىل‬ ‫له الن بالده مل تهتم به ‪ ..‬وهي حزمة �ضوء من نور جتعل املفكر �سخر كل �شيء خلدمة الإن�سان ‪ ..‬والدين م�صدر ثر لي�س للفن ح�سب‬ ‫بل للفكر واحلياة‪.‬‬ ‫يوا�صل م�سرية الإبداع الفكري يف ليله البهيم‪.‬‬

‫كيف تنظر إلى تجارب الفنانين العراقيين والعرب؟ كيف تنظر إلى جمال المرأة وهل يغريك لرسمه؟‬ ‫�إنهم يف غربة داخل �أوطانهم وخارجها ‪ ..‬والفنان العراقي م�ستلب دون �شك هناك عوامل كثرية وم�ؤثرة على م�شاعر الإن�سان وطريقة‬ ‫يف كيانه املعريف والإبداعي وهذا ي�صعب عليه اخلروج بفنه �إىل تفكريه لكنها القيا�سات الأبعد‪ ...‬هذا اجلمال الذي نتمتع به هو‬ ‫جمال زائل ‪ ..‬وفل�سفة الفن الإ�سالمي تقوم على معنى اجلمال‬ ‫العاملية ‪ ..‬وا�شعر باحل�سرة لذلك وال�سبب هو اجلهل وال�سيا�سة!‬ ‫كذلك الفن العربي هو لي�س بخري لأنه يعي�ش ذات الغربة وال املطلق الذي يرتبط باجلوهر وال يرتبط بال�شكل!‬

‫‪20‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪21‬‬


‫الفن الفطري العربي‪ ..‬من التجارب األولى‬

‫األحجار منذورة لمنعم فرات!‬

‫إن كانت للشعوب ذاكرة‪ ،‬وهي كذلك‪ ،‬فهي وبكل تأكيد تبقى يقظة ومتشعبة المسالك‪،‬‬ ‫هي ذاكرة تتوزع ما بين أنشطة فطرية وعقلية معرفية واجتماعية متعددة‪ .‬قد تتشظى‬ ‫أو تضمحل أو تتوسع بعض من دوائرها المعرفية الثقافية بتقادم أزمنتها‪ .‬لكن‪ ،‬سوف يبقى‬ ‫للفطرة مقام خاص ضمن هذه المسالك‪ ،‬كونها كانت وما تزال تسكن في العمق من ثنايا‬ ‫الطبقة العميقة من مكونات الجينات اإلنسانية‪ ،‬أو بذرتها األولى‪ .‬وهذا ما تشهد عليه‬ ‫انبثاقاتها المتعاقبة طوال حقب التاريخ المتتابعة وحتى يومنا هذا‪ .‬وان تسربت بعض من‬ ‫مكوناتها الوجدانية (التعبيرية االفصاحية) عبر دروبها المتعاقبة‪ ،‬فان ما ترشح منها لعصرنا‬ ‫الحالي يبقى شاهدا على عدم إمكانية اندثار هذه البذرة‪ ،‬رغم كل ما تعرضت له هذه‬ ‫الفطرة من اختراق التحوالت المحيطية المتثاقفة والمتبدلة المتسارعة عبر كل العصور‬ ‫وصوال لعصرنا الحالي‪ .‬فبذرتنا اإلنسانية الفطرية األولى لم تزل حية‪ .‬وهي إذ تتقمص‬ ‫بعض من ذواتنا هنا وهناك‪ ،‬فليس األمر بالنسبة لها اعتباطا بقدر من تحقق شروطها ضمن‬ ‫محركات هذه الذوات الوجدانية الحاضنة‪.‬‬

‫فـ‬

‫علي النجار‬

‫ـي زمننا العربي احلديث‪ ،‬وما اخ�صه هو احلداثة‬ ‫املدونة �أو املنقولة منذ بداية القرن الع�شرين‪� ،‬أو‬ ‫ما بعد احلقبة العثمانية متييزا عما قبلها من الأزمنة الأخرى‪.‬‬ ‫والتدوين هنا هو افرتا�ضا القا�سم امل�شرتك لهذا الزمن العربي‪.‬‬ ‫ملا لذلك من عالقة وثيقة ببحثنا‪ .‬الذي اعتقده ان منجز الفن‬ ‫الفطري العربي اخذ اجتاهات عديدة �ضمن م�ساحته‪ .‬اجتاهات‬ ‫�أو اختالفات ارتهنت باجلغرافيا احل�ضرية �أو املدنية‪ ،‬وبالواقع‬ ‫االجتماعي واملتغريات ال�سيا�سية‪ .‬مع الأخذ بنظر االعتبار التمايز‬ ‫ما بني الفن الفطري والفولكلوري ومنه ال�صناعي و �ألتزييني و�صلته‬ ‫مبواد التدوين من �أحبار و�أ�صباغ وخامات �أخرى‪ ،‬وما تبع ذلك يف‬ ‫�أوقات احدث من ا�ستخدامات للمواد ال�صباغية ال�صناعية الغربية‪.‬‬ ‫ومن اجل الإحاطة ولو ب�شكل خمت�صر بواقع الفن الفطري العربي‬ ‫لهذه احلقبة الزمنية‪ .‬ارت�أيت معاينة ثالثة مناذج لفنانني فطريني‬ ‫من ثالث دول عربية وهذه الدول هي العراق وم�صر وبالد املغرب‪.‬‬

‫جرب النحت على احلجر و�أجنز ر�أ�س �إن�سان وا�ستهوى هذا العمل‬ ‫منذ عامه الثامن ع�شر ( يف عام ‪ .)1918‬يف تلك احلقبة الزمنية‬ ‫التي كان فيها العراق يفتقد حتى �إىل التعليم االبتدائي �إال ما ندر‪،‬‬

‫(منعم فرات) ولغة الصخر‪ :‬الحجر التعليم‬

‫من �أ�شهر فناين العراق الفطريني‪ ،‬و�أو�ضحهم �أ�سلوبا تتمثل يف‬ ‫منحوتاته �سمات بالد الرافدين الفنية التنقيبية املعروفة عرب‬ ‫حقبها املتعددة‪ .‬اختار كما �أ�سالفه ال�سومريني والآ�شوريني مادة‬ ‫ال�صخر جماال لإنتاج منحوتاته‪ .‬ولهذا االختيار عوامل عديدة‬ ‫منها توفر هذه املادة و�سهولة ح�صوله عليها‪ .‬ومل�ألوفة املنحوتات‬ ‫الأثرية يف عموم العراق‪� .‬سواء ما متوفر منها يف متحف الآثار‬ ‫العراقي احلديث الن�ش�أة وقتها‪� ،‬أو يف املواقع الأثرية العديدة التي‬ ‫تغطي م�ساحة رقعة هذا البلد اجلغرافية‪ .‬و�إذا ما عرفنا بان منعم‬

‫‪22‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪23‬‬


‫وكانت الكتاتيب التي حتفظ القران هي ال�سائدة يف �أزقة بغداد‬ ‫وبقية املدن‪ ،‬كما كان اخلطاب القر�آين وماليل اخلطب الدينية‬ ‫وقراء وم�ستطلعي احلظ والتنجيم ( فتاحي الفال) لهم الن�صيب‬ ‫الأوفر من ح�صة الثقافة ال�شعبية ال�سائدة‪ .‬ومل تكن ثقافة فناننا‬ ‫�إال بع�ضا من هذا التح�صيل املعريف ال�شعبي‪ .‬وان كان يتماها و�شقه‬ ‫الديني املحاذي ملنطقة الت�صوف املحلي‪ .‬فقد كان اخلطاب الديني‬ ‫والرتاث العربي ب�شقيه �أملديني والال مديني (الريفي والبدوي)‬ ‫ي�سيطر على ذاكرته‪ .‬ومل يكن نتاجه ببعيد عن كل ذلك‪ ،‬بل كان‬ ‫تف�سريا لواقع �أو خميال ورموز ذلك الرتاث مرت�شحا عرب غربال‬ ‫تفا�صيل هذه الثقافة ال�شعبية لبداية القرن التاريخي‪ .‬وما‬ ‫منحوتاته مبجملها �إال متثيال ملحنة وجدانه ورهافة �أحا�سي�سه‪.‬‬ ‫(الأحجار منذورة يل)‪ ،‬هذا ما كان يردده (منعم فرات) دوما‪.‬‬ ‫وللنذر �أ�صل �سحري باملعنى املجازي‪ .‬وال�سحر الذي ي�سلطه منعم‬ ‫على �أعماله ذات الهيئات املركبة هو خليط من مركبات ذهنية‬ ‫ذات مرجعية تاريخية واجتماعية عا�ش �أزمنتها‪ ،‬هو املتلب�س‬ ‫�سحرا غابرا و املت�سربل �أخالقية فرو�سية عربية نادرة‪ ،‬وكما‬ ‫دونته ابنته الحقا ( عا�ش ومات وحيد منعزل فريد وم�ؤمن باهلل‬ ‫ومبالئكته وكتبه ور�سله واليوم الآخر ال يح�سد �أحدا ويكره‬ ‫التزييف (الزيف) واحليلة والغ�ش والفتنة قليل الكالم وال�ضحك‬ ‫يخاطب اهلل يف كل وقت ملاذا ذبح هذه احليوانات الأ�سرية ال�ضعيفة‬ ‫ومل ال حتلل ذبح احليوانات املفرت�سة‪ ،‬يكره احلرب ويقول ملاذا‬ ‫تزهق الأرواح لوال الطامعون ال ي�شرب اخلمر وال يلعب القمار (‪))1‬‬ ‫وما يهمنا من مقتطف هذه ال�سرية على �أهميته هو ما ورد فيها من‬ ‫مفهوم �أن�سنة احليوان وبقية املخلوقات‪ ،‬الذي متثل على �أو�ضح ما‬ ‫يكون يف معظم منحوتاته �أو احفوراته‪ .‬مبا ان �أعماله النحتية‬ ‫منفذة بوا�سطة احلفر والك�شط واحلز ومبا يوازي تعرية �سطوحها‬ ‫من زوائدها التي تغلف �أو تطمر ر�ؤيته امل�شهدية ملجاميع كائناته‬ ‫الإن�سية واحليوانية‪� .‬أو اختالطاتهما معا يف ن�سيج واحد‪� ،‬أج�سادا‬ ‫ومالمح متبادلة �أو متكافئة الأدوار �أو الأداء الأ�سطوري‪ .‬مبا ان‬ ‫الأ�سطورة هي عنده فرو�سية �أخالقية‪ ،‬حا�ضرة هنا يف �شقيها‬ ‫الواقعي واخليايل‪ .‬وان كانت املنحوتات الأثرية العراقية مغرقة‬ ‫بتفا�صيل مثقفة (وعيها الزمني و�إغرا�ضها الدينية والدنيوية‬ ‫(‪ ))2‬فان اختالف �أعمال منعم عنها يكمن يف عمق الإف�صاح عن‬ ‫فطرته وهو الذي �صان �سجية هذه الفطرة طوال دروب عمره‪ .‬وعن‬ ‫ابنته مرة �أخرى (�أر�سلت الوزارة ـ تق�صد وزارة الثقافة العراقية‬ ‫ويف وقت مت�أخر) منعم �إىل طبيب العيون يفح�صه وي�س�أله فقال‬ ‫للطبيب �أنا ل�ست طيارا وال مدفعيا‪� .‬أنا نحات واحلجر قريب مني‬ ‫(�إيل) �أنت طبب نف�سك وخرج)‪.‬‬ ‫رمبا للأحالم دور مهم يف �إخراج منحوتاته‪ .‬فان كانت الفطرة حلما‬ ‫�سكن الذات الإن�سانية يوتوبيا منذ الأزل‪ .‬ف�إنها كذلك خا�ضعة‬ ‫لل�ضمور �أو الظهور‪ ،‬رمبا ب�سبب من حمفزات ظرفية‪ .‬وان كان يف‬ ‫الإمكان جت�سيدها‪ ،‬ف�إنها جت�سدت يف �أعمال هذا النحات الفريد‪.‬‬ ‫فكل منحوتة م�ستقلة من منحوتاته متثل حلما �سكنه يف حلظة ما‪.‬‬ ‫وان كان قد عا�ش حياته احللمية نذرا م�ستحيال‪ .‬فان �سحر هذه‬ ‫الأحالم �سوف يكون �شاخ�صا كما هو �سحر الدمى ال�سومرية‪ .‬وان‬ ‫جازت املقارنة بينهما فهي جائزة بحدود مبثوث نواياها احللمية‬

‫‪24‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫الأ�سطورية ومبالحمها الرافدينية ومبحركات حا�ضنتها الطينية‪.‬‬ ‫وما االختالف �إال يف حدود نوايا الفنان‪ .‬وان كانت منحوتات منعم‬ ‫تندرج �ضمن م�ساحة الفن الفطري‪ ،‬ف�إنها �شـ�أن �أعمال �سكان ا�سرتاليا‬ ‫الأ�صليني (الأبرجينيز) تبقى حمافظة على خ�صائ�ص تفردها‬ ‫بدالالتها ال�سحرية ومبحموالت تفا�صيل كائناتها امل�ؤن�سنة‪ ،‬كما‬ ‫�أنها ت�شكل ا�ستثناءا بني بقية �أعمال الفنانني الفطريني العراقيني‬ ‫لو�ضوح خطوطها الأ�سلوبية رغم �صغر �أحجامها و ميزة كتلها‬ ‫الن�صبية الوا�ضحة‪.‬‬ ‫مع ا�ستثنائنا للر�سوم العراقية الفطرية التي �أخذت منحا مغايرا‬ ‫عن عموم الر�سوم الفطرية العربية‪ .‬كونها‪ ،‬وخا�صة يف منطقتي‬ ‫الفرات الأو�سط واجلنوب‪ ،‬متيزت باال�شتغال على ت�شخي�ص‬ ‫الرموز الدينية‪ ،‬وعلى الر�سوم التمثيلية لوقائع تاريخية دينية‬ ‫�أي�ضا‪ ،‬وبت�أثريات م�شرقية فار�سية‪ ،‬ومغربية عربية (جغرافيا)‪.‬‬ ‫كما االختالف يف �أحجام هذه الر�سومات والتي تقارب م�ساحات‬ ‫اليافطات الإعالنية‪� ،‬سواء مثلت حدثا مفردا �أو �سل�سلة �أحداث‬ ‫متعاقبة‪ .‬ولكرثة تكرار تفا�صيلها وا�ستعادتها‪ ،‬ف�إنها �شكلت حدثا‬ ‫فولكلوريا �شعبيا وا�ضح املعامل وقابال لال�ستن�ساخ �إىل ما ال نهاية‪.‬‬ ‫كما ان معظمها ابتعد عن الأداء �أمل�سندي للوحة الر�سم‪ .‬لذلك‬ ‫بقي النتاج النحتي الفطري هو الأبرز يف هذا املجال يف العراق‪ .‬مع‬ ‫ا�ستثناءات نادرة‪ .‬رمبا يرجع �سبب انح�سار �أو �شيوع منط الر�سوم‬ ‫الفطرية العربية املتقاربة اخل�صائ�ص يف العراق‪ ،‬هو اكتفاء‬ ‫الذاكرة اجلمعية العراقية بهذا الأداء النحتي والر�سم الديني‬ ‫امل�شرقي‪ .‬وان تكن مل تختلف ب�شكل مطلق عن بع�ض النماذج‬ ‫امللحمية لبالد ال�شام وم�صر على �سبيل املثال‪ .‬لكنها تبقى متفردة يف‬ ‫�إخراجها ونواياها الثقافية ومرجعيتها التاريخية اخلا�صة‪.‬‬

‫(محمد علي) وشمولية التعبير‪:‬‬

‫مثل بقية الفنانني الفطريني يف العامل مل يكن يخطط حممد‬ ‫علي الن ميار�س فن الر�سم‪ .‬لقد فاج�أته مقدرته التعبريية بعمر‬ ‫متقدم‪ .‬وان كانت بالن�سبة له مفاج�أة دراماتيكية ب�شكل ما‪� .‬إال‬ ‫ان هذه املفاجئة ا�ستطاعت ان تفجر كوامن دواخله تعبريا عن‬ ‫واقع معا�ش ثم متخيل‪� .‬أو كالهما معا‪ .‬وحول هذه البداية يقول‬ ‫الفنان‪( :‬عندما طلع الوجه) يق�صد به وجه (ال�شيخ �إمام) الذي‬ ‫حاول ان ير�سمه لأول مرة يف حياته (بد�أت الب�سه بدله و�أقعده‬ ‫على كر�سي‪ .‬و�أحط له رجل على رجل وام�سكه عود (‪ .))3‬ثم يتابع‬ ‫يف مو�ضع �آخر (بد�أت ار�سم �أقنعة‪ ،‬بت�أثري من حرفتي التي �آكل منها‬ ‫عي�ش وهي �صياغة احللي التي تركتها ب�سبب �إمياين مبا كنا نعمله‬ ‫مع ال�شيخ �إمام رغم ال�سجن واملعتقالت واحلرمان)‪ .‬كان ذلك يف عام‬ ‫(‪ ،)1967‬علما ب�أنه من مواليد (‪ .)1930‬فالرجل تفتحت قريحته‬ ‫الفنية الفطرية يف خ�ضم الأحداث ال�سيا�سية الدراماتيكية التي‬ ‫كانت ت�شهدها املنطقة العربية وقتها‪ ،‬ويف املركز منها بلده م�صر‪.‬‬ ‫ون�ست�شف من حديثه هذا على ان هناك رغبتان تتنازعه‪ .‬الرغبة‬ ‫الأوىل لتحقيق ذاته الإبداعية ومنها مهنته التي ال تبتعد يف‬ ‫�صميمها عن الولع الفني‪ ،‬وكذلك حماولة حتقيق ذاته ال�سيا�سية‬ ‫االجتماعية من خالل تطويع مقدرته الإبداعية وموهبته‬ ‫التزيينية (ال�صياغة) ل�صالح فطرته الت�شخي�صية الواقعية‬ ‫الكامنة واملنفلتة ب�سبب احلراك االجتماعي االحتجاجي‪ .‬ومن‬ ‫ثمة جاء الإف�صاح الكامل لأدواته �أو مقدرته التعبريية بعيدا عن‬ ‫الأطر الأكادميية املدر�سية املحلية والعاملية‪ ،‬و لكونه �أمي مل يتعلم‬ ‫القراءة والكتابة‪ .‬مل ميلك يف واقع �أمره �إال الفطرة التي طوعها‬ ‫لت�ساعده على الإف�صاح بحدود قدراتها التعبريية الربية‪.‬‬ ‫لقد مهد الفنان (حممد علي) لالعرتاف بالفن الفطري يف بلده‬ ‫م�صر من قبل عامة ال�شعب من خالل ن�شاطه امل�صاحب لرموز �أن�شطة‬ ‫احلركة ال�شعبية ال�سيا�سية الفنية الأخرى يف ال�شارع امل�صري يف‬ ‫ال�ستينات وال�سبعينات من القرن املا�ضي‪ .‬وكانت ر�سومه املرافقة‬ ‫لن�شاط ال�شيخ �إمام الأدائي واملف�سرة لأ�شعار (احمد ف�ؤاد جنم)‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬الدور الكبري لتعريف الو�سط ال�شعبي واجلامعي يف نف�س‬ ‫الوقت بهذا الفن‪ .‬لقد انت�شرت ر�سوماته ملا حتمله من ب�ساطة تعبري‬ ‫وو�ضوح ولتتجاوب ونب�ض ال�شارع للحد الذي ا�ستفزت فيه ال�سلطة‪،‬‬ ‫ومل ي�سلم حممد علي على �أثرها من االعتقال‪ .‬وان كانت ر�سومه‬ ‫لهذه املرحلة‪ ،‬حالها حال الر�سوم الكاريكاتورية حتمل روح النقد‬ ‫والتحري�ض وتندرج �ضمن نف�س الوظيفة ال�سيا�سية �أو االجتماعية‪.‬‬ ‫فكال الأدائيني (ر�سوم حممد علي والر�سوم الكاريكاتورية) تقاربا‬ ‫يف موا�صفاتهما ولو بن�سب معينة مثل اختالل ن�سب الأ�شخا�ص‬ ‫املر�سومة وح�سب تفا�ضلية الر�سام‪ .‬وانعدام املنظور اخلطي‪ ،‬وحدة‬ ‫وخ�شونة وت�سطيح امللونة‪ ،‬وكذلك واالهم هنا تقارب دالالتهما‬ ‫النقدية‪ .‬ورغم ذلك فان ر�سوم حممد علي ومن خالل ملونتها‬ ‫الفطرية ال�صريحة وتفا�صيل واقع املحيط الأخرى و�شروط عملها‬ ‫�أمل�سندي‪ ،‬ا�ستطاعت ان حتافظ على قيمتها املعنوية كر�سوم حتقق‬ ‫ا�شرتاطاتها الفنية الفطرية‪.‬‬ ‫حممد علي ابن مدينة القاهرة وحملته ال�شعبية املكتظة (بوالق)‬ ‫تت�شعب دروبها و�أزقتها‪ ،‬و�أنواع �أزياء ومناذج �أنا�سها ومهنهم‬ ‫وعماراتها‪ .‬بعد ان فرغت �آو ا�سرتاحت نف�سه من هموم ال�سيا�سة‪،‬‬

‫�آو بعد ان �أفرغته الظروف امل�ستجدة من اهتماماته بها وجد‬ ‫�ضالته التعبريية يف م�شهدية م�سالك و�شعاب هذه الدروب والأزقة‪.‬‬ ‫والفطرة جمبولة على الوازع االجتماعي‪ ،‬مثلما الألفة مرهونة‬ ‫بالتفا�صيل االجتماعية ال�شعبية‪ .‬وحينما عاد الفنان لهذا ال�صخب‬ ‫مرة �أخرى‪ ،‬ار�شف للفن امل�صري تفا�صيل �صخب هذه البيئة املدوم‪.‬‬ ‫يذكر (�سيد هويدي) عن الفنان‪( :‬انه يف مرحلة �سابقة تخلى عن‬ ‫االرتباط بالق�صائد واجته �إىل ر�سم احلارة وما يدور فيها مب�سحة‬ ‫من البهجة والتفا�ؤل‪ .‬حيث تناول املواليد الدينية‪ ،‬وحفالت الزواج‬ ‫وال�سبوع وزحام الأ�سواق‪ ،‬والعاب الأرجواز‪ ،‬وال�سريك ال�شعبي‬ ‫و�صخب الباعة اجلائلني واملداحني وامل�شعوذين و�صور امل�شربيات‬ ‫والبيوت القدمية والن�سوة باملالءات اللف و�أزيائهم املزرك�شة‬ ‫و�ألوانها ال�صارخة)‪ .‬لقد اكت�شف الفنان ذاته التعوي�ضية‪ .‬فبذرة‬ ‫الفن التي منت و�سط الهم اجلماعي حتولت ل�صالح امل�شهد االجتماعي‬ ‫الوا�سع‪ .‬وحتولت تفا�صيله ال�صياغية احلرفية الزخرفية التي‬ ‫نف�ض يده عنها �إىل �صياغات لتفا�صيل تنب�ض حياة‪ .‬وان يكن من‬ ‫ميزة بارزة �أو متفردة يف وقتنا احلا�ضر للر�سوم الفطرية‪ ،‬فهي‬ ‫امتالكها لهذه ال�سعة �أو الكرثة من تفا�صيل حميط البيئة والتي نوى‬ ‫الفنان ر�سمها �أو �سرب غورها كما يحلو له‪ .‬لي�س كما حذلقة �صناعة‬ ‫الر�سوم الأكادميية وبقية مدار�س و�سبل الفن الأخرى‪ .‬بل ب�صدق‬ ‫ما ت�ست�شفه هذه الفطرة مما ميثل �أمامها‪� ،‬أو مما حتاوله من حتقيق‬ ‫لأحالمها وبتفا�صيل م�ستقاة من خ�ضم الواقع املعا�ش‪ .‬فلي�س هناك‬ ‫من جمال للحذلقة بقدر مما تدركه حوا�س الفنان ويحققه ب�صره‪.‬‬ ‫يف املثالني ال�سابقني ا�ست�شهدنا بفنانني مدنيني وبخلفيات ثقافية‬ ‫خمتلفة‪ .‬ونرى ا�ستكماال للمو�ضوع االطالع على منوذج �آخر من‬ ‫امل�ساحة االفرتا�ضية للفن الفطري امل�صري‪ ،‬ذلك ل�سعة م�ساحته‪.‬‬ ‫وهذا املثال متوفر يف �أعمال الفنان الفطري (�صالح احمد ح�سونة)‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪25‬‬


‫الشعيبية طالل وإشكالية الفن الفطري المغربي‪:‬‬

‫ال يزال اجلدل م�ستمرا يف بالد املغرب حول ما يدعى بالفن الفطري‬ ‫(‪� )6‬أو (ال�ساذج �أو اخلام �أو الربي) وان يكن للجدل ما يربره‪ ،‬فذلك‬ ‫ناجت عن اختالف ظروف ن�شـ�أة هذه الظاهرة الفنية يف هذا البلد‬ ‫العربي‪ .‬كذلك لدوره الأكرث فاعلية يف ت�أ�سي�س الفن الت�شكيلي‬ ‫املغربي‪ .‬فان برزت النتاجات الت�شكيلية املغربية احلديثة متزامنة‬ ‫او مت�أخرة زمنيا بع�ض ال�شيء عن زمن انبعاث النتاج الت�شكيلي‬ ‫العربي يف مراكزه الأبرز من القرن املا�ضي‪ .‬فان ظاهرة الفن‬ ‫الفطري كانت الرائدة على �صعيد الفن الت�شكيلي املغربي‪ .‬من هنا‬ ‫ي�أتي اجلدل حول ا�شكاليته بالن�سبة للأجيال الت�شكيلية الالحقة‪.‬‬

‫صالح احمد حسونة فطرة الريف واختراقات‬ ‫السياسة‪:‬‬

‫ابن قرية (�شريامنت)‪ .‬بد�أ الر�سم عن عمر يناهز اخلام�سة‬ ‫والأربعني‪� .‬أي يف العام الثمانون من القرن املن�صرم‪ .‬ر�سم حكايات‬ ‫من قريته وحميط �أ�سرته‪ ،‬كذلك موا�ضيع �سيا�سية عامة عن بلده‬ ‫م�صر وبع�ض بلدان العامل‪ .‬ومل تكن ال�سيا�سة بالن�سبة �إليه هما‬ ‫يوميا كما هي عند (حممد علي) يف حقبة زمنية من عمره‪ .‬بل‬ ‫كانت تعبريا ت�ضامنيا مع نكبة �أو حدث م�أ�ساوي تعر�ض له بلده �أو‬ ‫احد البلدان الأخرى وبحدود اطالعه‪ .‬وبنوازع فطرته الإن�سانية‪.‬‬ ‫وهي ر�سومات لأحداث تزامنت وزمن واقعتها‪ .‬حاله حال العديد‬ ‫من الت�شكيليني العرب عموما‪ .‬لقد تناولت معظم ر�سومه جغرافيا‬ ‫و ميثولوجيا القرية‪ .‬وكانت معربا للعاملية‪ ،‬حالها حال �أعمال‬ ‫نظرائه الر�سامني الفطريني املربزين‪ .‬وان كانت ال�سيا�سة قا�سما‬ ‫م�شرتكا يف �أعمال �أكرث من فنان فطري م�صري‪ ،‬فهي داللة على ما‬ ‫لت�أثري اخلطاب ال�سيا�سي على املواطن العربي عموما وامل�صري ب�شكل‬ ‫خا�ص‪ ،‬ذلك للت�أثري املبا�شر للتقلبات ال�سيا�سية املتكررة التي مرت‬ ‫على هذا البلد العربي والتي م�ست تداعياتها احلياة اليومية لهذا‬ ‫املواطن والفنان حاله حال بقية املواطنني‪.‬‬ ‫ان تكن جغرافيا القرية ف�ضاء �أكرث انب�ساطا ووهجا من املدينة‬ ‫كما يف ر�سوم (�صالح)‪ .‬وان متثلت ر�سوم حممد علي من خالل جتاور‬ ‫�أو تقاطع تفا�صيلها با�ستهالكها ملعظم ف�ضاء م�ساحة ر�سومه التي‬

‫‪26‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫�أوال لكون ريادته ارتبطت بالفرتة اال�ستعمارية‪ .‬وما كان من دور‬ ‫للنخبة امل�ستعمرة من التزام وت�شجيع وت�سويق لأعمال ه�ؤالء‬ ‫الفنانني الفطريني‪ .‬بل الأكرث من ذلك العمل على تكري�س هذا‬ ‫النمط الفني والإعالء من �ش�أنه وحتى الحقا‪ .‬على ال�ضد مما حدث‬ ‫للعراقي (منعم فرات) الذي كان مالحقا من قبل �سلطة املتحف‬ ‫( يف حقبة النفوذ اال�ستعماري يف العراق) ومن الو�سط الر�سمي‬ ‫وقتها �أي�ضا‪ .‬بالوقت الذي جتاهلت هذه الأو�ساط الغربية قيمة‬ ‫املنجز الت�شكيلي املغربي احلديث ومنذ بداية نه�ضته يف اخلم�سينات‬ ‫وال�ستينات من القرن املا�ضي‪ .‬اظافة للإ�شكالية املعرفية مل�ضمون‬ ‫ال�سذاجة �أو الفطرة‪ .‬وهل ان ت�سمية ال�سذاجة �أو الفطرة لنتاج‬ ‫هذا الفن ت�صلح لها �أم تبقى قا�صرة عن الإحاطة مبيزات هذا النتاج‬

‫�شكلتها حدة حواف م�ساحات عمارات مدينته‪ .‬مثلما هو ت�أكيده‬ ‫على املالمح التعبريية ل�شخو�صه تكري�سا خل�صو�صيتها وتفردها‪.‬‬ ‫ف�إنها تقع على ال�ضد من ميزات ر�سوم �صالح التي ت�شكل البيئة‬ ‫الريفية اخللوية (ب�أ�شجارها وبيوتها و نباتاتها) كتل م�ستقلة �أو‬ ‫متنافذة لكنها مبثوثة �ضمن ف�ضاءات ر�سوماته وبعمومية مالمح‬ ‫هي اقرب �إىل امللمح الطبيعي العام‪ .‬بالرغم من وهج امللونة‪ .‬و�أخريا‬ ‫تبقى ر�سومات الفنانني الفطريني �أر�شيفا مكتظا بتفا�صيل البيئة‬ ‫والفولكلور وب�أحالم هي على ب�ساطتها �أو كما تدون �أحيانا‪( :‬على‬ ‫�سذاجتها) نب�ضا حيا لدوافع الذات الإن�سانية الأوىل والتي فاج�أتها‬ ‫العاب احلياة والطبيعة وخفايا النف�س‪ .‬بعيدا عن حذلقة �أ�ساليب‬ ‫ال�صنعة الإدراكية املعقلنة‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪27‬‬


‫الفني الذي يتعدى يف بع�ض من تفا�صيله مفهوم الفطرة �أو ال�سذاجة‬ ‫(رغم ما حتمل ت�سميته بال�سذاجة من �إ�شكالية غالبا ال تتوافق و‬ ‫طبيعة ومميزات وم�صادر هذا النمط الفني)‪ .‬وان كانت ال�سذاجة‬ ‫مرادفة للفطرة يف بع�ض التف�سريات‪ .‬فاين �أجد ان هناك اختالفا‬ ‫وا�ضحا يف نوايا كالهما‪ .‬فالفطرة ب�شكل عام ت�شكل املكنون الأكرث‬ ‫نقاء و�صفاء من مكنونات �أو حمركات الذهن الب�شري‪� .‬أما ال�سذاجة‪،‬‬ ‫فمع كونها ت�شرتك مع الفطرة �أحيانا ببع�ض �صفاتها‪� ،‬إال �أنها غالبا‬ ‫ما توحي بالغفلة وعدم الإدراك �أحيانا �أخرى‪ .‬وهذا الأمر �أجده‬

‫‪28‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫ال ين�سجم مع حجم وفاعلية املقدرة الفنية التعبريية لنتاج ه�ؤالء‬ ‫الفنانني‪ .‬على كل حال ومبا �إنني �سوف اتعدى اخلو�ض يف مبحث‬ ‫�أ�صل الت�سمية و�إ�شكاالتها‪ ،‬فاين ارجع �إىل �أ�صل مبحثي املقارن‪.‬‬ ‫ر�سومات ال�شعيبية طالل (مواليد ‪ )1929‬مع جمايليها من الفنانني‬ ‫الفطريني املغاربة‪ ،‬مثل احمد الإدري�سي الذي ولد يف عام ‪1924‬‬ ‫وتويف يف ‪ 1073‬وحممد بن عالل والدة ‪ 1924‬وغريهم‪� .‬شكلت‬ ‫الظاهرة الأبرز و�ضوحا للفن الفطري املغربي يف القرن الع�شرين‪،‬‬ ‫رغم تق�صينا لأقدم مثل متثل يف ر�سم ملحمد �ألرباطي يف عام‬ ‫(‪� .)1910‬إال ان الفنانة ال�شعيبية تبقى هي الأ�شهر من بينهم‬ ‫وكان ملن�شئها البدوي دور مهم يف �إخراج ر�سوماتها على �شاكلتها‬ ‫املعروفة بغلبة م�ساحة �أحجام وجوه ر�سوم �شخو�صها الإن�سانية‬ ‫التي افرت�شت معظم ف�ضاء م�ساحات �أعمالها‪ .‬وجوه متاهت و�صبغتها‬ ‫اللونية امل�شتقة من ملونة �أن�سجة الزرابي البدوية ب�ألوانها الأ�صلية‬ ‫ال�صريحة الوا�ضحة‪ .‬ر�سومات ت�شكلت و�سط حا�ضن جمتمعي �أنثوي‬ ‫متدثر بطقو�سه ال�سرية والتي فاج�أتها ري�شة الفنانة يف حلظات‬ ‫مكرها و�صفائها و�سذاجتها يف ان واحد‪ .‬وان كانت ال�شعيبية تن�صف‬ ‫املر�أة البدوية وملغربية ب�شكل عام يف جممل نتاجها من خالل‬ ‫بهرجة حميط واقعها املتدثر بتالوين ق�سمات تركت للزمن جماال‬ ‫وا�سعا يف حفر مالحمها‪ .‬فهي �أعمال ت�شكل واقعا ما‪ ،‬واقع ي�سميه‬ ‫جمايليها من الت�شكيلني املغاربة (الواقعية ال�سحرية) كما هو حال‬ ‫نعتهم ملجمل تفا�صيل �أعمال الفنانني الفطريني املغاربة الآخرين‪.‬‬ ‫ويرجعونا مرة �أخرى لهذه الإ�شكالية امل�صطلحية‪ .‬وان كان اخليال‬ ‫يحكم بع�ض �أعمالها‪ .‬فهو يبقى خيال ع�صامي النزعة تختلط يف‬ ‫ثناياه التفا�صيل املرئية والذاتية املخبوءة يف ذهن ملتب�س الوعي‬

‫وجمال الر�ؤية التعوي�ضية (انغالق املجتمع‬ ‫الن�سوي) التي �أك�سبت �أعمالها بهرجها‬ ‫العاطفي اخلاطف‪ .‬هذه الوجوه تذكرنا‬ ‫بع�ض ال�شيء بر�سوم وجوه الفنان التعبريي‬ ‫الأملاين (نولده) التي ا�ستمدت‪ ،‬كما هي‬ ‫�أعمال ال�شعيبية‪� ،‬سطوتها التعبريية من‬ ‫عمق وهج ودفء ملونتها ومن اكت�ضا�ضها‬ ‫على امتداد م�ساحة العمل‪ ،‬ومن الت�شويهات‬ ‫التعبريية التي تفاج�أ الناظر لها وت�ستحوذ‬ ‫على �أحا�سي�سه قبل الإحاطة مبجمل‬ ‫التفا�صيل الثانوية الأخرى والتي ال تقل‬ ‫�إثارة عنها‪ .‬لكن املقارنة ال ت�صح ب�شكل مطلق‬ ‫و�أعمال (نولده) بدون الرجوع �إىل مكونات‬ ‫(�إن�شاء) ر�سوم الفنان الفرن�سي �ألوحو�شي‬ ‫(ماتي�س) التي ا�ستوحاها من جغرافيا‬ ‫وحميط املغرب وت�سطيح زخرفة ملونته‬ ‫ال�شرقية‪ .‬ومن حماولته ا�ستكناه الطبيعة‬ ‫اخللقية الفطرية‪ ،‬كما ثبتها يف ت�شويهات م�صوراته‪ .‬وكما هي يف‬ ‫ر�سومات ال�شعيبية مع اختالفات الأداء‪ .‬كل هذه املقاربات اعتقدها‬ ‫�شكلت عامال حا�سما لكل االهتمامات املتحفية وال�شخ�صية الغربية‬ ‫لهذا النتاج الت�شكيلي املغربي املتفرد‪ .‬ولي�س لل�شعيبية وحدها‪ .‬وال‬ ‫اعتقد ان يف الأمر لغزا كما يراها الكثري من الت�شكيلني ونقاد الفن‬ ‫املغاربة وهو الآن يحاول االبتعاد عن منطقته التعبريية والأدائية‬ ‫والفل�سفية اجلمالية والبحث عن م�صادر �إبداعية �أخرى‪ ،‬ومن �ضمن‬ ‫هذه امل�صادر �أعمال الفطرة واخليال العلمي‪.‬‬ ‫ان اخرتنا ر�سوم ال�شعيبية مثاال للفن الفطري املغربي‪ .‬فهذا ال يعني‬ ‫ان كل ميزات هذا الفن متوفرة يف �أعمالها‪ .‬بل لتفرد خ�صو�صية‬ ‫م�صادرها الإيحائية اجلغرافية (البيئة البدوية منها)‪ .‬وان‬ ‫ا�ستوفت مقا�صدها هذه‪ ،‬فان م�ساحة الفن الفطري املغربي �أو�سع‬ ‫من ذلك بكثري‪ .‬لكنها تبقى مقا�صد حمدودة بحدود حا�ضنها البيئي‬ ‫حالها حال كل النتاج الفطري الغربي‪ ،‬بل حتى العاملي‪ .‬ولنا مثال‬ ‫يف �أعمال الفنان الفطري املغربي الآخر ( احمد الورديغي) الذي‬ ‫ا�شتغل ب�ستانيا و�أنتج ر�سوما بتفا�صيل من زهور ونباتات وكائنات‬ ‫ب�ستانه الواقعي واملتخيل‪ .‬كذلك الفنان املدين (احمد الإدري�سي)‬ ‫الذي �أدرج تفا�صيل حياة جمتمعه املدين‪ .‬وهكذا هو الأمر بالن�سبة‬ ‫لبقية الفنانني الفطريني الآخرين‪.‬‬ ‫نتاجات الفنون الفطرية ب�شكل عام‪� ،‬سواء ر�سوما �أو منحوتات‬ ‫او من�سوجات �أو �أي ت�شكيل �آخر وجلت جمال العرو�ض املتحفية‬ ‫العاملية الدورية منذ بداية القرن الع�شرين ثم ات�سعت لت�شكل‬ ‫ظاهرة فنية مميزة‪ .‬ومع انت�شارها ات�سعت �أهداف عرو�ضها‬ ‫لت�شمل عرو�ضا تعريفية بثقافات ال�شعوب‪ .‬وعرو�ضا فنية مقارنة‬ ‫لأ�ساليب ت�شكيلية حداثية كال�سريالية والتعبريية والوحو�شية‪.‬‬ ‫او عرو�ض دورية خا�صة بالفن الفطري العاملي والتي �شاهدت‬ ‫م�ساهمات عديدة لفنانني عرب ومن دول خمتلفة‪ .‬ومنها نتاجات‬ ‫الفنانني الذين تناولنا جتربتهم بهذا البحث املخت�صر‪ .‬كما مت‬ ‫اقتناء العديد من �أعمالهم‪ .‬واعتربت بع�ضها مب�صاف الأعمال‬

‫الفنية العاملية واملكر�سة ل�صاالت العر�ض امل�شهورة ومل�ضارباتها‪.‬‬ ‫اظافة ملتحفيتها‪ .‬وان مثل العر�ض املتحفي احتفاءا ثقافيا ح�ضاريا‬ ‫بهذه الأعمال‪ ،‬فعلينا االنتباه لهذا النتاج الفني والنظر �إليه لي�س‬ ‫باملقيا�س امل�ألوف من ب�ضاعة الفنون الت�شكيلية امل�صنعة كالنتاج‬ ‫الت�شكيلي �ألطباعي �أال�ستن�ساخي �أو ال�صناعي الديكوري الذي‬ ‫يقتحم �أذواقنا جمانا‪ .‬بل يف البحث والتمعن والتمتع مبكوناتها‬ ‫الت�شكيلية اخلطية واللونية وبا�شتقاقات مرجعيتها البيئية‬ ‫ال�شعبية العلنية وال�سرية‪ .‬وبهواج�سها الذهنية‪ .‬وباكت�شاف‬ ‫منطقة الإثارة ال�سحرية الأوىل الغري مدجنة‪ .‬ولنا يف ا�شتقاقات‬ ‫م�صادر الكثري من الأعمال الت�شكيلية العربية احلديثة من م�ساحة‬ ‫منجز ه�ؤالء الفنانني الفطريني �أو�ضح مثاال على �أهمية وفاعلية‬ ‫هذا النمط الفني‪ .‬ومثلما ت�شري �إىل ذلك الكثري من م�صادر الت�شكيل‬ ‫املغربي احلديث‪.‬‬ ‫�شكلت نتاجات الفن الفطري ظاهرة وا�سعة يف البلدان الأوربية‬ ‫كما وهي على �أو�سعها يف الدول الأ�سكندنافية التي يطلق عليها‬ ‫بلدان الرفاهية‪ .‬مثلما �شكلت الظروف ال�صعبة واملحرية عامال‬ ‫مهما لظاهرة بروز مواهب فطرية عربية‪ .‬فعامل الرفاهية (وهي‬ ‫ن�سبية) مثلما هو عامل الكفاية املادية فانه يتيح املجال للتفرغ ولو‬ ‫على �شكل فرتات متتابعة ان مل يكن تفرغا كامال‪ .‬كما ي�ساعد على‬ ‫عدم طمر املواهب التي غالبا تطمر حتت وقع ظروفها املت�شعبة‬ ‫ال�صعبة‪ .‬لكن ما يبقى هو االختالف الوا�ضح يف معاجلة كل من‬ ‫الفئتني ملوا�ضيعه‪ .‬فان �شكلت بهرجة املدن وخطوط هند�سة‬ ‫عماراتها وا�ضحا �ضمن اغلب ر�سومات الفنانني الفطريني الأوربيني‪،‬‬ ‫كذلك ت�أكيدهم على جمالية بيئتهم الريفية و�إيحاءاتها‪ .‬مع‬ ‫ذلك ف�إنها ال تقارن و�سعة وتنوع موا�ضيع ومعاجلات الواقع املتنوع‬ ‫للفنانني العرب‪ .‬وهو اختالف ثقايف بخ�صائ�ص املدارية وب�سطوة‬ ‫التاريخ وم�ضامينه الواقعية والبيئية الأكرث تنوعا ومفارقة‪،‬‬ ‫وبتنوع ازمنته ال�سيا�سية ال�ضاغطة يف زمننا الذي ي�شيع الذائقة‬ ‫املغايرة‪ ،‬تتوفر له�ؤالء الفنانني الفطريني �أف�ضل الظروف لتحقيق‬ ‫معجزتهم �إذا ما وفرنا لأعمالهم جمال عر�ضها الذي ي�ستحقه‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪29‬‬


‫قرأت المادية الديالكتيكية وعمرها ‪ 15‬عاما!‬

‫رؤيا رؤوف‪:‬‬ ‫فرشاة حالمة‬

‫قرأت عنها كثيرا‪ ،‬وتمتعت بمشاهدة‬ ‫لوحاتها‪ ...‬سحرتني حركة فرشاتها‬ ‫وتنوعها‪ ..‬مواضيعها‪ ،‬تنطق بالحياة‪..‬‬ ‫ورغم غربتها الطويلة‪ ،‬لكن بابليتها بقيت‬ ‫متجذرة في أعمالها وفي حياتها‬ ‫العامة‪ ..‬هي بنت مدينة الحلة الفيحاء‪..‬‬ ‫«فنون تشكيلية» التقتها‪ ،‬وكان هذا‬ ‫الحوار‪:‬‬

‫ر‬

‫حوار‪ /‬إيمان العزاوي‬ ‫أيك بالحركة التشكيلية في العراق؟‬

‫يف العراق حركة ت�شكيلية رائدة‪� ..‬ضاربة اجلذور‬ ‫يف عمق التاريخ‪ ..‬ف�شواهد احل�ضارة ال�سومرية والآ�شورية والأكدية‬ ‫مرورا باحل�ضارة الإ�سالمية العربية �ساهمت �إىل حد بعيد يف‬ ‫الت�شكيل العراقي الذي �شهد ح�ضورا بارزا يف خم�سينيات القرن‬ ‫املا�ضي‪ ..‬ف�أ�سماء مثل جواد �سليم وفائق ح�سن وحممود �صربي‬ ‫والعديد غريهم ا�ستطاعوا �أن ي�ؤ�س�سوا ملدر�سة ت�شكيلية عراقية‬ ‫�أ�صيلة‪ ،‬بعد ا�ستفادتهم من تقنيات الت�شكيل الغربية‪ -‬الأكادميية‬ ‫حيث �إن اجنازاتها �أخذت مكانها الالئق يف احلركة الت�شكيلية‬ ‫العاملية ‪ ..‬كان اجنازا ثريا معطاء متنوع الأ�ساليب‪� ..‬إنها �أ�س�ست‬ ‫عن حق الروح احلداثوية والتي ا�ستطاعت �أن ت�ساوق منجزها‬ ‫بني العاملية وبني املحلية واملوروث ال�شعبي‪ ،‬وقد ا�ستلهم هذا النهج‬ ‫الكثري من الفنانني ال�شباب �إىل يومنا هذا‪� ..‬إن ابرز جتليات هذه‬ ‫املدر�سة هي عك�سها لتطور حياة الإن�سان العراقي‪ ..‬وكونها ر�ؤية‬ ‫ح�ضارية ملا تعي�شه جمتمعاتنا من حتوالت ثقافية �أو اقت�صادية‪..‬‬ ‫�إنها طرحت مو�ضوعات جمالية ل�صيقة بالواقع العراقي املعا�ش بكل‬ ‫حتوالته من جانب و�سعت من جانب �آخر يف بناء الذائقة الفنية‬ ‫للنا�س وتطوير ثقافتهم الب�صرية ‪ ..‬وهذان جانبان مهمان يعمقان‬ ‫الروح املعرفية يف املجتمع ويدفعانه للتطور امل�ضطرد‪� ..‬إن املفردات‬ ‫اجلمالية التي يغذي فيها الت�شكيل العراقي جمتمعه‪ ،‬ت�ؤدي يف كل‬

‫‪30‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫الأحوال اىل تطوره ذاتيا‪ ...‬فيرثى بال�ضرورة يف ذراه اجلمالية‬ ‫املت�صاعدة للقمة‪ ،‬لوحة متكاملة البناء والإن�شاء والتكوين ويف‬ ‫ثراء اللون وارتباطه بالبيئة‪ ..‬كل هذا مغلفا بنظرة احلداثة‬ ‫من خالل مالم�سة �سطوح اللوحة اللونية‪ .‬وو�ضع الرموز الرثية‬ ‫التي جت�سد ثقافة الفنان ومكنونه احل�سي والفكري "‪ .‬واحلركة‬ ‫الت�شكيلية لها منجزاتها اخلا�صة يف متابعة جتارب الرواد الذين‬ ‫غادروا احلياة تاركني ب�صماتهم على وجه احلركة املعا�صرة‪،‬‬ ‫وم�ؤثرين يف عمق التجربة الراهنة للفن الت�شكيلي فالفن الت�شكيلي‬ ‫العراقي كان وال يزال متميزا �إبداعيا وله �أ�سماءه الكبرية‪،‬‬ ‫املتعددة‪ ،‬واحلركة الت�شكيلية يف العراق كنز ثمني ي�ضاف �إىل الكنوز‬ ‫الت�شكيلية العاملية‪ ،‬ولكن يفتقر امل�شهد الت�شكيلي العراقي �إىل جر�أة‬ ‫الفنان الأوربي‪ ،‬وحينما تكون العبقرية فن ًا‪ ،‬ت�شع طاقات املبدع‬ ‫للجر�أة غري املحددة‪ ،‬وقد �شكلت امليثولوجيا الرافدينية القدمية‪،‬‬ ‫وما زالت‪ ،‬نقطة انطالق ومتحور لكثري من التجارب الت�شكيلية‪ .‬كما‬ ‫�أن مفردات الفولوكلور ال�شعبي وق�ص�ص التاريخ كانت حا�ضرة �أي�ض ًا‬ ‫عرب �أيقونات ال�سندباد و�شهرزاد واحلكايا امل�ستوحاة من "�ألف ليلة‬ ‫وليلة"‪ .‬ي�ضاف �إىل هذا وذاك الت�صوف باعتباره جتربة روحية‬ ‫لها جذورها ال�ضاربة يف �أر�ض العراق‪ .‬وا�ستمر الفن الت�شكيلي‬ ‫العراقي يف تطوره الطبيعي ‪� .‬أما الآن‪ ،‬لي�س يل احلق �أن �أكتب عما‬ ‫يحدث الآن حلركتنا الت�شكيلية‪،‬فب�سبب ما يدور مع دوامة الأزمات‬ ‫ال�سيا�سية والأمنية التي تع�صف بالبالد باتت الفنون الت�شكيلية‬ ‫يف حال ال حت�سد عليها‪ ،‬ف�أ�صبحت تعي�ش مكبلة بقيود التع�صب‬ ‫بلد بات �أ�سري نزاعاته وعزلته‪.‬‬ ‫والهجرة‪ ،‬يف ٍ‬

‫بمن تأثرت بالبداية؟‬

‫ت�أثرت من خالل قراءتي املتنوعة بالعديد من الكتب الفل�سفية‪.‬‬ ‫وت�أثرت بح�ضارتنا وثرا�ؤها و�أ�ساطرينا ال�سومرية والبابلية‪ ،‬قر�أت‬ ‫الكثري من الأ�ساطري فالأ�سطورة ثرية مبعانيها وعمق مفرداتها‪ ،‬مل‬ ‫�أت�أثر ب�أي فنان‪ ،‬ولكني معجبة كثريا بالفنان الرائع �سلفادور دايل‪،‬‬ ‫ومن ثم اخليال‪ ،‬خيايل اخل�صب و�أحا�سي�سي ال�شاقة جعلت مني‬ ‫�أحلق يف الف�ضاء و�أجمع �ألواين من ال�شم�س والغيوم و�ألون كل ما يف‬ ‫الوجود‪ ،‬وهذا ال�ضمري ال�شقي للمثقف ال يقف عند حدود معرفته‪،‬‬

‫بل يذهب �إىل ما وراء الأبعد‪ ،‬و�ضمري املثقف مفعم بامل�س�ؤولية‬ ‫وباحل�س الإن�ساين العايل‪ ،‬ويتميز بالعقل الناقد القلق حلقائق‬ ‫متجددة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬املثقف مبتلى بالأحا�سي�س ال�شاقة امل�ؤبدة‪،‬‬ ‫وي�سعى جاهدا لتنمية القيم العقالنية يف كافة املجاالت‪ ،‬وحينما‬ ‫تكون املو�ضوعية والواقعية واملناهج املعرفية والعلمية‪ .‬وااللتزام‬ ‫اخللقي‪ .‬يحدث حينها حتوال ثقافيا جوهريا‪ ،‬والإنتاج الإبداعي‬ ‫الرثي يف الر�ؤيا املتعددة للمو�ضوع الواحد فنبحث ب�إ�صغاء للر�ؤى‬ ‫املتعددة لكل الأ�صوات الباحثة عن الإبداع وحقيقة الإبداع ثم‬ ‫نتجه �إىل مركب الكون‪ .‬كي ندرك احلقائق‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪31‬‬


‫معر�ض �شخ�صي على قاعة (ثقافة املر�أة ) وزارة الثقافة والإعالم‬ ‫يف �أملانيا‪ .‬اليبزك‪ )Frauen kultur Leipzig ( 2013 .‬قريبا‬ ‫لديها معر�ض يف برلني‪ ،‬وفرانكفورت‪ ،‬والنم�سا ( فينا )‪.‬‬ ‫كتب عنها كل من ال�شاعر والكاتب جربا �إبراهيم جربا وال�شاعر‬ ‫يو�سف ال�صائغ والكاتب العربي مطاع �صفدي والأديبة والقا�صة‬ ‫ديزي الأمري والفنان والكاتب والناقد �شاكر ح�سن �آل �سعيد‬ ‫والدكتور والفنان عالء ب�شري والفنان والكاتب نوري الراوي والفنان‬ ‫الرائد جميل حمودي والكاتب والناقد الفني عادل كامل والكاتب‬ ‫وال�شاعر ح�سني احل�سيني والكاتب والناقد حامد الهيتي والكاتبة‬ ‫نرمني املفتي والكاتبة والناقدة وداد �إبراهيم‪.‬‬

‫بانوروما ‪ ...‬رؤيا رؤوف‬

‫على أي مدرسة تتكئين في مسيرتك؟‬

‫مدر�سة ر�ؤيا ر�ؤوف‪ ،‬خيايل مدر�ستي‪ ،‬املدار�س هي من �صنع الفنان‬ ‫نف�سه‪ ،‬الفنان ال يتجه ملدر�سة‪ ،‬املدر�سة تتجه للفنان‪ ،‬ومب�ستطاع‬ ‫املبدع �أن يبتكر تنوعا غري م�سبوق‪ ،‬من جراء �سعيه املخل�ص يف‬ ‫معرفته حلقيقة الأ�شياء وم�ستعدا دوما لتقبل اجلديد والالمتوقع‪،‬‬ ‫ومن يفتح ذهنه يتلم�س �أهداب املرئي والالمرئي‪ ،‬حينها يدرك‬ ‫مدارات الكون ويبدع يف بالد بال دروب‪ ،‬ف�ضاءات بال حدود‪� ،‬أكوان‬ ‫بال مدارات‪ ،‬واحلب هو �أف�ضل مو�سيقى يف مقطوعة احلياة‪ ،‬وكل ما‬ ‫بو�سعنا �أن نبدع وال نتوقف‪.‬‬

‫نبذة عن الحياة الفنية‪ ..‬ومتى البداية؟‬

‫انا عراقية‪� ،‬أفخر باعتباري نتيجة ثمار بالد وادي الرافدين‪.‬‬ ‫ولدت على �شاطئ فراته العظيم‪ ..‬ونهلت معاريف من عائلة مثقفة‪،‬‬ ‫حيث كانت والدتي �سيدة جمتمع ومديرة املدر�سة ال�شرقية يف بابل‬ ‫(احللة)‪ .‬وكان والدي حماميا ورئي�سا للحزب الوطني الدميقراطي‬ ‫يف احللة وتر�أ�س حترير جملة (احلكمة) وكذلك جملة (الغد)‬ ‫و�أ�س�س جريدة (بابل) التي �أ�صدرها يف مدينة احللة‪ ..‬و�أنا �صغرية‪،‬‬ ‫ع�شت طفولتي جنب �صرح مذهل‪ ،‬هو مكتبة �أبي ال�سوداء امل�صنوعة‬

‫‪32‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫من خ�شب الأبنو�س‪ ..‬كنت �أجد ال�سبل املنا�سبة لكي �أت�سلقها لكي‬ ‫تلوح يدي تلك الكتب املو�ضوعة بعناية يف رفوفها العالية‪ ..‬ومع‬ ‫تطور تعليمي وقدرتي على فك احلرف عرفت بتنوع وثراء تلك‬ ‫الكتب فقد كانت يف الفل�سفة والتاريخ وال�سيا�سة‪ ..‬و�سل�سلة من‬ ‫املعاجم �أر�شفت بعناية فائقة‪� ..‬أذكر �إين قر�أت كتاب (املادية‬ ‫الديالكتيكية) ومل يتجاوز عمري يومها الـ ‪ 15‬عاما‪ ..‬كانت والدتي‬ ‫هي التي تدفعنا للإطالع على ما كان يقر�أه والدي‪ .‬كانت حري�صة‬ ‫جدا على ان تطلعنا على نتاجه الإبداعي وكتاباته‪ ..‬فغر�ست فينا‬ ‫نحن بناتها حب االكت�شاف املعريف والتطور فنيا وثقافيا وح�ضاريا‪.‬‬ ‫منذ كنت يف املدر�سة االبتدائية بد�أت م�سريتي مع الر�سم‪ .‬ولعت‬ ‫بتخطيط �صور املر�أة‪ .‬املر�أة النموذج املميز املختلف عن الن�ساء‪.‬‬ ‫كنت �أعتني يف ر�سمها �شاخمة ذات كربياء‪� ،‬أرمز لها بالقمر‪ ،‬ذات‬ ‫�شخ�صية كونها الرتاكم احل�ضاري‪ ،‬وك�أنها انعكا�س حي لظواهر‬ ‫الوجود والطبيعة‪� .‬ساعدين على امل�ضي يف هذا النهج الفكري هو‬ ‫�إين كنت �أ�ستمد طاقتي غري املحدودة يف التعبري من مناخ العراق‬ ‫وحراكه الفني والثقايف وتلك اجلذور التاريخية التي ن�ش�أت فيه‬ ‫منذ �سبعة �آالف عام‪� .‬إن تلك ال�شروط املو�ضوعية كانت حتثنا على‬ ‫�أن يكون لكل منا �أ�سلوبه اخلا�ص به وتغذي �أحا�سي�سنا للمزيد من‬ ‫الإنتاج‪.‬‬

‫ر�سامة عراقية بابلية خريجة معهد الفنون اجلميلة ‪،‬ع�ضو عامل‬ ‫يف نقابة الفنانني ويف جمعية الفنانني‪ ..‬حازت على هوية عاملية‬ ‫خم�ص�صة للرواد واملعا�صرين ‪� ..‬أقامت ع�شرة معار�ض �شخ�صية ‪:‬‬ ‫معر�ض �شخ�صي يف قاعة الرواق ‪ ..١٩٨٨‬معر�ض �شخ�صي يف قاعة‬ ‫الرواق ‪ ( ١٩٨٩‬الفكر والإن�سان )‪ ..‬معر�ض �شخ�صي يف قاعة الرواق‬ ‫( الإن�سان ورموزه ) ‪ ..١٩٩١‬معر�ض �شخ�صي يف قاعة الأورفلي (‬ ‫الر�ؤيا ) ‪ .. ١٩٩٤‬معر�ض م�شرتك مع الفنانة �شذى الراوي يف قاعة‬ ‫الرواق ‪ ..‬معر�ض م�شرتك مع الفنانات الرائدات واملعا�صرات يف‬ ‫مركز الفنون ‪ ..١٩٩٨‬معر�ض �شخ�صي يف قاعة ( ر�ؤيا ) للفنون (‬ ‫فكر ولوحة ) ‪ .. ٢٠٠٠‬معر�ض �شخ�صي يف عمان ( كالريي برودواي‬ ‫) ‪ .. ٢٠٠١‬معر�ض م�شرتك‪ ،‬خم�سة فنانات معا�صرات و�سبعة‬ ‫�أعمال يف مركز الفنون ‪ .. ٢٠٠٢‬معر�ض �شخ�صي وم�شرتك يف‬ ‫�سوريا على قاعة ال�شعب يف دم�شق ( نقابة الفنانني ) ‪.. ٢٠٠٤‬‬ ‫معر�ض �شخ�صي يف ال�سفارة الفنزويلية ‪ .. ٢٠٠٢‬املعر�ض ال�شخ�صي‬ ‫يف م�صر القاهرة‪ ،‬قاعة ( بيكا�سو ) يف الزمالك‪،‬معر�ض م�شرتك يف‬ ‫لبنان ل�سبعة فنانني‪ ،‬خملد املختار وخالد املبارك وبهيجة احلكيم‬ ‫وراجحة القد�سي‪ ،‬وع�شتار جميل حمودي‪ ،‬وليلى �سليم‪ ،‬ور�ؤيا ر�ؤوف‬ ‫عام ‪� ..٢٠٠٢‬أ�س�ست قاعة للفنون يف اجلادرية‪� ،‬ساحة احلرية‪،‬‬ ‫( قاعة ر�ؤيا ) ‪ ..‬معر�ض م�شرتك يف �أملانيا (دي�ساو ) اليبزك (‬ ‫ثالثة من بعيد ) ر�ؤيا ر�ؤف‪ ،‬منري العبيدي‪ ،‬داين من�صور ‪٢٠١١ ..‬‬ ‫معر�ض �شخ�صي يف �أملانيا‪ .‬قاعة برفي�شنال ( مريزبورك ) ‪.. ٢٠١٢‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪33‬‬


‫علي جبار‪:‬‬ ‫ت العابرين و‬ ‫حكايا‬

‫همس الصبايا‬

‫اختارت مؤسسة النحت الصينية مجموعة من أعمال ‪ 90‬فنانا في أضخم مساحة عرض‬ ‫للنحت في العالم‪ ،‬وستثبت المنحوتات ذات الحجم الكبير بشكل دائم في الصين في‬

‫موقع مهم أمام أطول جسر في العالم بني مؤخرا والذي تبلغ مساحته حوالي ‪26‬‬

‫كيلو مترا في عمق بحر الصين من جهة اليابان وكوريا الجنوبية ويتوسط مساحة العرض‬ ‫متحف عالمي للنحت تعرض فيه مصغرات ألعمال الفنانين من مختلف أنحاء العالم‪.‬‬

‫ويأمل الصينيون أن يكون متحف النحت لألعمال الكبيرة الحجم‬

‫في الهواء الطلق الستقطاب السائحين والزوار لهذا المتحف‬ ‫الذي سيكون واحدا من اكبر متاحف للنحت في العالم‪.‬‬

‫مـ‬

‫متابعة‪ :‬فنون تشكيلية‬

‫ـن بني الفنانني الذين اقتنيت‬ ‫�أعمالهم الكبرية الفنان العراقي‬ ‫املغرتب علي جبار املقيم يف لندن ‪ ،‬الذي لديه‬ ‫ان�شغاالت عديدة‪ ،‬فهو ف�ضال عن كونه ر�سام ت�شكيلي‬ ‫عرفته ال�ساحة الفنية العراقية والأوروبية‪،‬‬ ‫ين�شغل منذ �سنوات بهم النحت بكونه معمارا‬ ‫مكمال لهياكل الأبنية احلديثة و�ساحات وحدائق‬ ‫املدن‪ ،‬وهو ف�ضاء �آخر ال ت�ؤطره جدران ال�صاالت‬ ‫والغالرييات‪ ،‬بقدر ما هو مفتوح على املدى ويكون عر�ضة‬ ‫للمالم�سة والف�ضول وتكوين امل�شهد اخلارجي وت�أثيث‬ ‫ف�ضاءاته اجلمالية واملعمارية‪.‬‬ ‫واحدة من �أعماله املده�شة هو (البيت) الذي �شيده يف منطقة‬ ‫“يديدة” الإيرانية و�سط جممع جتاري وثقايف �أن�شئ حديث ًا‪ .‬هذا‬ ‫البيت الذي يحاكي حلم الفنان �أن يكون له مكان يطل عربه و�سط‬ ‫املدينة ويت�س ّمع عرب جدرانه حكايات العابرين ومناداة الباعة‬ ‫وهم�س ال�صبايا واندها�ش املارة وعيونهم املتل�ص�صة خالل الفتحات‬ ‫امل�ؤدية �إىل الداخل‪ .‬البيت الأحمر الفاقع (بيت الفنان) الذي ال‬ ‫تناظره (البيوت البي�ض) التي يطل عرب �شرفاتها رجال ال�سيا�سة‬ ‫و�صانعو احلروب‪،‬فهو بيت م�سامل و�أنيق فار�ش ًا �سجادته احلمراء لكل‬ ‫داخل ومت�أمل من دون دعوة خا�صة‪ ،‬بيت م�شاع على الأفق يعلوه برج‬

‫‪34‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫مدينة م�شهد‪ ،‬وقد مت اختيار ‪ 25‬نحات ًا �إيراني ًا وثمانية نحاتني‬ ‫�أجانب‪� ،‬أنا �أحدهم‪ ،‬مع النحات العمالق الأملاين “روفائيل بيل”‬ ‫وال�صربي “جورج جبويك” والكوري “يل بونك” وقد قررت اجناز‬ ‫هذا البيت الأحمر مبادة ال�ستيل واحلديد ومبدة �أ�سبوعني فقط‪.‬‬ ‫كانت ور�شة احلديد مده�شة وفيها �إمكانيات هائلة وحرفيون مل �أ َر‬ ‫يف حياتي مبقدرتهم العالية‪ ..‬اجلميع مينحون االحرتام والتقدير‬ ‫لأنني �أو ًال فنان �ضيف وثاني ًا لأنني عراقي‪.‬‬ ‫حماو ًال االرتفاع به يف الف�ضاء برغم هيكل احلديد الذي ي�ؤطره‪.‬‬ ‫يقول الفنان علي جبار عن عمله هذا ‪ :‬يف عام ‪ 2007‬مت اختيار‬ ‫�أحد �أعمايل للم�شاركة يف ملتقى طهران الأول الذي نظمته‬ ‫بلدية طهران ومت اختيار واحد وع�شرين عم ًال من خم�سمائة‬ ‫وثالثني عم ًال من �سبع و�سبعني دولة م�شاركة‪ ،‬وحينها ح�صلت على‬ ‫اجلائزة الأوىل وقيمتها ‪� 40‬ألف دوالر‪ ،‬ومنذ ذلك احلني �أ�صبح يل‬ ‫ا�سم و�شهرة يف �إيران و�أتلقى دعوات خمتلفة لكني اعتذر غالبا‬ ‫الن�شغاالتي الفنية يف الدمنارك ولندن‪� ،‬إىل �أن متت دعوتي قبل‬ ‫ثالثة �أ�شهر للم�شاركة يف هذا امللتقى الذي نظمته �شركة عمالقة‬ ‫تقوم ببناء �أكرب جممع جتاري وثقايف يف هذه املنطقة الواقعة يف‬

‫بانوراما‪ ...‬علي جبار‬

‫ولد علي جبار العام ‪ ،1963‬خريج معهد و�أكادميية الفنون اجلميلة‬ ‫لي�ستقر يف الدامنارك ليلتحق مبدر�سة‬ ‫‪ ،‬وغادر العراق بعدها‬ ‫ّ‬ ‫كوبنهاغن للت�صميم التخطيطي‪ ،‬وليقيم هناك العديد من املعار�ض‬ ‫الت�شكيلية‪� .‬أقام �سبعة معار�ض �شخ�صية‪ ،‬خم�سة منها يف الدامنارك‬ ‫ويف �إ�سبانيا و�أملانيا‪� .‬شارك يف بينالة طهران ‪ ،‬بينالة القاهرة‬ ‫الدويل ‪ ،‬بينالة ال�شارقة ‪ ،‬كذلك له م�شاركات جماعية يف كل‬ ‫من العراق‪ ،‬تون�س‪ ،‬الدامنارك‪ ،‬فنلندا‪ ،‬النم�سا‪ ،‬الرنوج‪ ،‬ليتوانيا‪،‬‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية‪� ،‬أي�سلندا‪ ،‬فرن�سا‪� .‬ش ّيد ن�صب ًا تذكاري ًا‬ ‫‪ /‬ندوة �أنقرة ‪ /‬تركيا ـ ‪ ،2004‬ون�صب ًا تذكاري ًا �آخر‪ /‬ندوة دبي‪/‬‬ ‫الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬كما نفّذ ن�صب ًا تذكاري ًا ‪ /‬ملتقى النحت يف‬

‫البحرين ـ ‪ .2003‬ح�صل على اجلائزة الأوىل ملهرجان الوا�سطي ـ‬ ‫العراق ‪ ،1985‬واجلائزة الأوىل ملتقى دبي الثاين للنحت “�إعمار”‬ ‫الدولية ـ الإمارات العربية املتحدة ‪ .2005‬اجلائزة الأوىل ملتقى‬ ‫طهران الدويل الأول للنحت ‪ .2007‬يقيم ويعمل حالي ًا يف لندن‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪35‬‬


‫الفنتازيا‪..‬‬ ‫أهم من العمارة في لمساتها‬

‫زها حديد‪:‬‬ ‫أنا ال أغفل الطبيعة‬ ‫اإلنسانية للعمارة‬

‫‪36‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫ز‬

‫فاروق سلوم‬

‫ها حديد‪ ..‬تفتت الأ�شكال لت�ضيء بفكرتها‬ ‫اخلال�صة عن الكيان املعماري املتخيل‪� ،‬إنها ترمي‬ ‫�أية احتماالت ب�صرية عادية‪ ..‬بعيدا‪ ،‬وقد تعودت �أن ترى العامل‬ ‫بب�صرية خا�صة ومفكّكة‪ ،‬و ت�صمم م�شاريع غرائبية لعمارة الغد‬ ‫بحيث يتغري مفهوم الف�ضاء مثلما يتغري مفهوم الوظيفة وتتحول‬ ‫امل�شاريع تلك �إىل مواقع ت�شبه الن�صب‪ ..‬حيث ت�ضيء مالمح الهوية‬ ‫اخلا�صة للمكان العام‪.‬‬ ‫�إنها من�شغلة بتفكيك ما هو قائم ولذلك ال يلمح املتابع مل�شاريع‬ ‫حديد �إال تطويحات فردية م�ستقلة لرتمي فل�سفتها على ج�سد‬ ‫مقاربات مفتتة لت�صميم امل�شروع‪� ..‬أي م�شروع‪� ،‬إنها تنتمي ايل ر�ؤية‬ ‫تفكيكية هي غالبا ب�صرية متقدمة لر�ؤية العمارة �أو املبنى مر�سوما‬ ‫ومتخيال �أكرث مما هو ت�صور امل�شروع قائما‪.‬‬ ‫يقول �أ�ستاذها منذ عام ‪ 1977‬و�شريكها فيما بعد رمي كولها�س ‪� :‬إن‬

‫عمارتها‪ ،‬هو منط من تفكيك بني‪،‬‬ ‫و�إعادة �صياغتها يف ان�ساق متقلبة‬ ‫يف الأف�ضية امل�صممة �أو يف الأحياز وعالقاتها‬ ‫مع بع�ض حتى لتبدو الواجهات التي تخططها هي �أهم عمل‬ ‫ت�صميمي له طابع الت�شكيل ولكن ب�أبعاد ثالثية‪.‬‬ ‫�إن القيمة الت�صميمية مل�شاريع زها ت�أتي من خالل ما ت�شتغل عليه‬ ‫من بني معمارية متغرية �إن يف املنظور �أو يف املبتغي بحيث تت�أكد‬ ‫ر�ؤيتها الذاتية كم�صممة مثلما تت�أكد �إمكانية الت�أويل الرثي لدي‬ ‫املتلقي حني يت�أمل �سرية امل�شروع من خالل ت�صاميمه و�أبعاده وطاقة‬

‫ت�صاميم زها عمل م�شفر‪ ،‬عمل داليل فيه �أكرث �سحرية من ات�ساق‬ ‫امل�شروع مع بيئته ايل عبور امل�شروع م�صمما فوق تاريخ البيئة‬ ‫املحيطة ايل م�ستقبلها الآتي‪ ..‬لذلك ال ينبغي قراءة م�شاريع زها‬ ‫الت�صميمية خالل ع�صرها‪� ..‬أنا �أرى �إنها من �أهم رواد العمارة العاملية‬ ‫اليوم‪ ..‬ولكي ت�ؤكد زها حديد الر�ؤيا ذاتها تعلق على انتخابها من بني‬ ‫�سيدات العامل الذين �سي�ؤثرون يف م�ستقبل العامل‪ ،‬كما يف الفيغارو‬ ‫الفرن�سية قائلة ‪ :‬الفنتازيا �أهم من العمارة‪� ..‬إذ ما �أن يري امل�صمم‬ ‫م�شروعه على الورق حتي ي�صري وديعته الذاتية‪� ..‬أي م�سار ت�صوره‬ ‫امل�ستقبلي ل�سحرية املكان و�أية‬ ‫�سرتاتيجية ال حتتوي على‬ ‫خيال �أو�سع من املبنى‬ ‫هي �سرتاتيجيــــــــــــــة‬ ‫مغايــــــــــــــــــــرة‬ ‫لفكرتي عـــــن‬ ‫العمارة‪..‬‬ ‫�إن تفتيت زها‬ ‫حديد لف�ضاءات‬

‫امل�صممة على تفتيت كل ثابت �إىل ما هو دائم احلركة‪.‬‬ ‫كل �إيحاءات ا�شتغاالت زها حديد متنح �إح�سا�سا رمزيا بالأ�شياء‪..‬‬ ‫وذلك منط من ا�ستثنائية اال�ستنتاج‪ ..‬ا�ستثنائية ال�شعور‪ ..‬ويقوم‬ ‫املدرك غالبا على مطلق من �أفكار وت�أويالت هي �صنعة فنتازيا الذات‬ ‫بغية ا�ستيعاب منهجيتها ولنقل برناجمها وهي ت�شتغل على م�شاريع‬ ‫مقرتحة‪ .‬املر�سى املقرتح يف �أبو ظبي‪ ،‬وم�شروع اجل�سر امل�صمم يف‬ ‫دبي‪ ،‬هما منوذجان ال�ستيعاب تاريخ املكان ومن ثم اخت�صار هويته‬ ‫�إىل رموز ودالالت حتفظ ارث العمارة املحلية وتطلقها �إىل م�سافات‬ ‫زمانية باجتاه الغد‪ ،‬دون �أن يبدو ذلك ملمحا معماريا متعار�ضا مع‬ ‫طبيعة املكان‪.‬‬ ‫املبنى املركزي ل�شركة بي �أم دبليو يف اليبزك وهو من م�شروعاتها‬ ‫لعام ‪ 2005‬ي�شكل يف قراءة ت�صميماته ترجمة جريئة ملتطلبات‬ ‫م�ؤ�س�سة غري عادية يف �أدائها العاملي من الناحية الوظيفية لكنها‬ ‫اخت�صرت ذلك الإيقاع الغلوبايل اىل منحي رمزي يف الت�صاميم‬ ‫وانفتاحها الداخلي‪� ..‬أي �أنها وقد �ألغت احلدود الداخلية للوظيفة‬ ‫قد �أعطت يف ذات الوقت اخل�صو�صية املطلوبة لإمتام تلك الوظائف‬ ‫دون فقدان اال�ستقاللية من جهة والتوا�صل من جهة �أخرى‪� .‬إنها‬

‫الفنتازيا‪ ..‬الفنتازيا ‪:‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪37‬‬


‫تعتمد على ر�سم مناذج ت�صميمية تقوم على فل�سفة دمج البني‬ ‫الت�صميمية ولكنها يف ذات الوقت تبدو خارج ن�سق الوحدة‬ ‫الت�صميمية للم�شروع من�سرحة مربكة ولكنها متقنة يف اقرتاحها‪.‬‬ ‫وغالبا ت�أخذنا ت�صميمات وم�شاريع زها حديد اىل منحنيات معرفية‬ ‫عرب كيانات بليغة يف لغتها املعمارية‪ .‬نحن �إزاء معمارية ذات �إ�صرار‬ ‫يف ر�ؤية م�ستقبلية جمعت عنا�صر الإرث املعريف للعمارة احلديثة‬ ‫لرت�سم مالحمها الذاتية الفذة ـ م�شروع املحطة وموقف ال�سيارات‬ ‫ �سرتا�سبورغ ‪ ،2007‬هذا م�شروع مقرتح ت�صميميا لكنه يف �شكله‬‫املخطط يكت�شف املكان �أي انه و�سط بيئة معمارية تاريخية ير�سم‬ ‫ف�ضاء مقرتحا هو كناية عن ف�سحة م�شغولة بالوحدات التي ت�ؤدي‬ ‫وظائف امل�شروع غري �إنها �أف�ضية مفتوحة لتعطي معني الأت�ساع لنقل‬ ‫داللة الأت�ساع يف ح ّيز مكاين مكثف ب�سبب طبيعته املحيطة‪.‬‬

‫مشاريع ورؤى ال تتوقف‪:‬‬

‫املتابع مل�شاريع زها امل�صممة واملنجزة يكت�شف انه ازاء م�شاريع‬ ‫و ر�سوم وخمططات غاية يف البناء الرتكيبي‪ ،‬حتى لتبدو �إنها‬ ‫�صعبة الفهم ‪ -‬مركز ماغيز ‪� /‬سكوتلندا ‪ 2006‬وي�شكل واحدا من‬

‫‪38‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫م�شاريعها القائمة الأويل بكل داللته الرمزية لكنه ي�ؤدي وظائف‬ ‫ح�ضارية‪ ..‬ووظائف تقليدية ل�سكان مدنيني من�شغلني بربامج‬ ‫متقنه حيث تعطيهم زها فر�صة للت�أمل‪ ،‬و�صحيح �إن فهم عمارة زها‬ ‫حديد هنا يبدو �صعبا لكنه ميكن قبولها و�إدراكها ب�سهولة طاغية‬ ‫ملجرد التخل�ص من الفهم امل�سبق للعمارة ووظائفها‪ ..‬والبعد قليال‬ ‫عن ت�أ�سي�سات مدار�سها يف �أعماقنا من مرتاكم معياري يقوم على‬ ‫احل�ساب والدقة وال ينطوي على الروح‪ ...‬لقد فككت املعمارية‬ ‫معايري الت�صميم و�أقامت افقا معماريا يتوا�صل من خالل الإيحاء‪..‬‬ ‫الت�أمل‪ ..‬الت�أويل‪..‬‬ ‫ورمبا يت�ساءل املتخ�ص�ص عن جدوى ذلك ميدانيا لكننا نقول �إن‬ ‫الت�صميم اخلارجي لواجهات مقرتحة يعطيك �إح�سا�سا بال�صعوبة‬ ‫يف التال�ؤم لكن مداخل املكان وبنيته الداخلية تعطيك �إح�سا�سا‬ ‫بالتكامل واالنتماء‪ ..‬منوذج مركز فانية للعلوم ‪� -‬أملانيا ‪2006‬‬ ‫منظومة م�ؤ�س�ساتية مقرتحة ال�ستيعاب وظائفها‪ ..‬و�سعتها‪..‬‬ ‫وحتديد وظائفها لكن الفنتازيا غريت احلركة الداخلة‪ ،‬غريت‬ ‫مفاهيم العالقة الوظيفية وجعلتها �أكرث ي�سرا ولكن بتوزيع خمتلف‬ ‫‪ ..‬يجد املق ّيم املعماري رينهارد ت�سمرمان ‪� :‬إنها قد تغري العالقات‬

‫الإدارية هنا وي�أتي ذلك بفعل طبيعة املقرتح امل�صمم الذي يلخ�ص‬ ‫الفعاليات ويكثفها دون تقييد م�سبق بحيث ينعك�س التغيري الإداري‬ ‫املتوقع من خالل ما تفر�ضه العمارة احلديثة هنا‪.‬‬ ‫كانت التخطيطات التي تقدمها زها حديد دائما تخطيطات �صادمة‬ ‫و م�ستفزة لأنها ت�صميمات ومقرتحات مر�سومة بتقنية ور�ؤية غري‬ ‫تقليديتني‪ ،‬حيث تتوحد الأجزاء امل�صممة يف �أف�ضية وظيفية‬ ‫رابطة ملا يناظرها مع منجزها املعماري والت�صميمي ال�ضخم القائم‬ ‫على فكرة تغيري طبيعة الكتلة اخلارجية لك�سر رتابة البيئة‬ ‫الت�صميمية املحيطة‪ .‬لكنها رغم غرابة الر�سوم وت�ضليلها ت�شتغل‬ ‫على احلفاظ على طاقة املبنى ال�ستيعاب احلركة املقرتحة‪ .‬ويف‬ ‫الر�سوم تكت�سي الواجهة عنا�صر بيئية جتعل املبنى املقرتح �إيقاعا‬ ‫متنوعا لت�سل�سل البيئة املحيطة وبهذه الطريقة كانت املعمارية‬ ‫تثري �أ�سئلة جلان التقييم يف امل�سابقات الكثرية التي فازت فيها يف‬ ‫املناف�سات واجلوائز وبخا�صة جائزة بريتزكر ‪ 2004 -‬والتي تعادل‬ ‫جائزة نوبل ولكنها تقدم يف �إطار العمارة‪ ،‬حيث تبدو م�شاريع زها‬ ‫كا�سرة لأطر الت�صميم متحدية لعنا�صر البناء‪،‬مطلقة الفناء‬ ‫املحيط حلركة دائمة و مقرتحة مهما كانت البيئة مكتظة بعمارة‬

‫م�سبقة‪.‬‬ ‫فمثال ‪ -‬مركز مو�سكو الدويل للأعمال ‪ 2007 -‬هو م�شروع متقاطع‬ ‫مع بيئته لكنه ي�شكل ا�ستنتاجا معماريا ملا �أثمره املكان بعد عقود‬ ‫ليكون هذا امل�شغل املقرتح مبنى م�ستقبليا قائما و�سط هوية كانت‬ ‫بحاجة �إىل ت�أطري لوجودها‪� ..‬إن ر�سوم املبنى �أفقيا هو ت�سل�سل‬ ‫منطي لطوابق م�صممة ولكن �إيقاع حركة تلك الطوابق يتغري‬ ‫وينعك�س على الواجهة وهي غالبا من مواد حديثة حتفظ للبيئة‬ ‫ادائها مثلما حتفظ للتقنيات اداءا خا�صا وناجحا‪.‬‬ ‫�إن �أ�سلوب تنفيذ ر�سوماتها وتخطيطاتها ميتلك غرابة خا�صة‪ ،‬حيث‬ ‫يبدو كل مقرتح هنا هو ا�ستثناء‪ ،‬وكل عمارة هنا هو �أجرتاح مل�شاك�سة‬ ‫م�ضادة لكل م�ألوف فكل �شيء يبدو فريدا وا�ستثنائيا‪ ،‬غرائبيا‬ ‫و�صادما‪ ،‬لكن م�شروع زها حديد الغرائبي هذا ي�شتغل على اجناز‬ ‫مقرتبات م�شرتكة مع عمارة را�سخة وقائمة‪ ،‬ومع فل�سفة ومنهجية‬ ‫ا�شتغلت طويال على قولبة املفاهيم كلها‪ ..‬حتى املفاهيم املعمارية‬ ‫احلديثة‪ ،‬وهي تعترب العمارة ما بعد احلداثة ا�شتغال منهجي‬ ‫لإعادة العمارة احلديثة من توجهها الذاتي �إىل درجة ال�شخ�صنة‬ ‫�إىل �سياقها العام‪ ،‬بحيث تقول ‪� :‬إن م�شروعاتي يف وظائفها م�شاريع‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪39‬‬


‫عامة لكنها حتمل مل�ستي اخلا�صة التي تطمح اىل تغيري العالقات‬ ‫ب�شكل متطور‪� ..‬أنا ال اغفل الطبيعة الإن�سانية للعمارة لكني �أريد‬ ‫�أن حتمل العمارة مغزى جماليا وجدليا ال يتوقف‪ ...‬حتى لتبدو‬ ‫م�شاريعها ومقرتحاتها بنى ت�شكيلية نحتية تعطي �إ�شارة املكان‬ ‫وت�ؤطره‪.‬‬ ‫�إن زها حديد ‪ 1950 -‬بكل ما حتمله روحها العراقية املبدعة‬ ‫وامللتب�سة تثري موجة من اجلدل ال�صعب واحلوارات الكثيفة حول‬ ‫جدوى التفكيك يف ت�صميمات معمارية تنتمي �إىل عمارة ما بعد‬ ‫احلداثة كما تثري موجة من النقد امل�سبق مل�ؤ�س�سات معمارية ترى‬ ‫من ال�صعوبة مبكان تلقي مقرتحاتها املعمارية دائما‪ ..‬وهي م�شاريع‬ ‫تت�سع دائرتها يف كل �أنحاء العامل لكن البع�ض من النقاد يرى �إن ذلك‬ ‫يح�صل دون وقت �إ�ضايف لكي ت�ستوعب هذه ال�صدمة املعمارية التي‬ ‫ت�شكل تيارا م�ؤثرا ال يتوقف يقوم على الإلغاء و الت�شوي�ش واخللق‬ ‫يف ذات الوقت‪..‬‬ ‫�إن م�شاريع زها حديد اليوم يف �أمريكا و�أملانيا وفرن�سا وا�سبانيا ورو�سيا‬ ‫وا�سكندنافيا وبريطانيا وتايوان ونيبال وهونغ كونغ وا�سطنبول‬

‫‪40‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫وقرب�ص ودول �أخرى كثرية ت�شكل معيارا معماريا خمتلفا‪..‬ال ف�ضاءا‬ ‫معماريا م�ألوفا هنا وال مبتنى عاديا ‪ ،‬كل �شيء يقوم على اخللخلة‬ ‫يف املفاهيم مقابل اجناز مقرتحات ت�صميمية ع�صية ومركبة‬ ‫وحديثة‪ ..‬ومفاجئة �إىل درجة القبول‪ ،‬مقرتح ج�سر على نهر ايربو‬ ‫ا�سبانيا ‪ ..2008‬م�شروع لفنتازيا التوا�صل املمكن‪.‬‬ ‫وهي حتمل اليوم �صفة ( عبقرية ) التي اقرتحتها الفيغارو‬ ‫الفرن�سية وت�شتغل على �إمتام م�شروع لأحدى اكرب دور الأزياء‬ ‫العاملية لأجناز هيكل متحرك للعر�ض مب�ساحة ‪ 270‬مرتا مربعا‪..‬‬ ‫ذلك �آن فنتازيا احلركة املعمارية يف ت�صميمات زها حديد هي جتاوز‬ ‫لفكرة املبنى املقرتح عند الإن�شاء �إىل فكرة ال�سحر الت�صميمي‬ ‫املفتت لكل ما هو م�سبق وعادي‪ ..‬وبهذه الطريقة يكون مقرتح‬ ‫املعمارية مفاجئا وم�ستوعبا لوظيفته وهو يطلق جماليات جديدة‬ ‫ولكنها جماليات م�شاك�سة‪ ..‬فهل تتقبل العمارة بكتلتها التاريخية‬ ‫عمارة مربكة وم�شو�شة �إىل هذا احلد ؟‬ ‫�أظن �إن ال�صفات التي تطلق على املعمارية زها حديد وم�شاريعها‬ ‫امللتب�سة ترد بطريقة خا�صة‪� ..‬أي�ضا ‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪41‬‬


‫قاسم محسن‪:‬‬ ‫ن يخلق الحياة‬ ‫الف‬ ‫قاسم محسن ‪ ..‬تشكيلي عراقي ‪ ،‬من الفنانين الذين لهم حضور فاعل ومؤثر‬ ‫في المشهد التشكيلي‪ ,‬ودور كبير في تمثيل العراق في المحافل الفنية عربيا‬ ‫ودوليا ‪ ،‬تميزت لوحاته ببصمة خاصة وروح متفردة من خالل اعتماده «توليفة»‬ ‫فنية تتضمن توظيف الموروث من عناصر ورموز الفن الرافديني مع مفردات‬ ‫الحياة المعاصرة جاعال من لوحته محفزا تثقيفيا لوعي المتلقي إلدراك الدور‬ ‫الحضاري المهم لبالد ما بين النهرين في مجال الفن واإلبداع بعد عودته من‬ ‫اسطنبول لتلبية دعوة وزارة الثقافة التركية إلقامة معرض شخصي في مدينة‬ ‫بكشتاكش كان لـ «فنون تشكيلية» معه هذا الحوار ‪:‬‬

‫مـ‬

‫حوار‪ /‬نادية الدليمي‬

‫مبثابة براءة اخرتاع فلوحتي فيها الر�سم والنحت البارز والت�صميم‬ ‫واخلط العربي"‪.‬‬

‫ـا هي الثيمة التي تركز عليها في إلى ماذا تعزو ظاهرة انحسار دور الناقد الفني‬ ‫لوحاتك؟ والى أي مدرسة فنية تنتمي ‪ ،‬هل هي غرائبية العمل ؟ أم محدودية خبرة‬ ‫النقاد ‪ ،‬أم أن هناك أسبابا‬ ‫لوحاتك؟‬ ‫كانت لوحاتي يف ال�سابق تعك�س املعاناة والوجع العراقي ب�أ�سلوب أخرى ؟‬

‫الواقعية التعبريية ‪�..‬أما معار�ضي الفنية الأخرية وم�شاركاتي يف‬ ‫تون�س والقاهرة وتركيا و�أثينا ‪ ،‬ف�أنها كانت حتمل رموزا تاريخية‬ ‫من احل�ضارات التي عا�شت على ار�ض وادي الرافدين وهي‬ ‫بتقنيات خمتلفة و�أ�سلوب منفرد‪ ,‬وبح�سب ما و�صف‬ ‫النقاد واملخت�صني‪ ,‬فان (ا�سلوب) �أعمايل هو‬

‫‪42‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫الفكر الفل�سفي واملعريف‬ ‫باجتاه النقد الفني‬ ‫اجلمايل مير اليوم‬ ‫يف م�سار �ضيق‬

‫�س�ؤال مهم جدا‪ ،‬طبيعي حينما ي�شعر الفنان بالتهمي�ش وانح�سار‬ ‫الأن�شطة الفنية و�إقامة معار�ض خادعة من اجل تقدمي �صورة‬ ‫بعيدة عن الواقع الفني ‪ ،‬فان الفن يتعر�ض مبنحدر خطري‪ ،‬مابني‬ ‫عزوف وما بني اغرتاب وما بني من ميتنع عن امل�شاركة لأ�سباب‬ ‫مو�ضوعية عديدة �أولها غياب اجلهات املتخ�ص�صة وثانيا انح�سار‬ ‫القاعات الأهلية وثالثا ت�سليم ادوار لعدميي االخت�صا�ص واملهنية‬ ‫يف داخل امل�ؤ�س�سات الثقافية الراعية ‪ ,‬ومنذ العام ‪ 2003‬وعمليات‬ ‫التغيري عجزت امل�ؤ�س�سات الثقافية الر�سمية عن تقدمي ما يليق‬ ‫باملثقف والفنان العراقي‪.‬‬

‫وخطري لأ�سباب وم�سببات عدة من �أهمها �إهمال جمعي للنتاج‬ ‫واملنجز الب�صري اجلمايل يف خمتلف �أروقة امل�ؤ�س�سات الثقافية‬ ‫الر�سمية‪,‬والعزوف الوا�ضح من قبل املبدعني يف خمتلف جماالت‬ ‫الإبداع‪ ,‬لذلك تراجع دور النقد الفني الت�شكيلي تباعا مع االنح�سار‬ ‫للمنجز الب�صري خا�صة يف جمال الإبداع الب�صري الت�شكيلي ‪.‬‬ ‫�إن الفن العراقي مير بحالة �سبات وان هذا ال�سبات له م�سبباته من‬ ‫خالل ما نراه اليوم يف ال�ساحة الفنية‪ ,‬وذلك لغياب اجلهات الراعية‬ ‫للإبداع وتقدمي الطارئني والطارئات والدخالء على احلراك الفني‬ ‫من دون امتالك املعرفة التخ�ص�صية‪ ,‬فبات البع�ض من النقاد‬ ‫يبحثون عن العطايا والهدايا متخلني عن دورهم وخا�صة املدعني‬ ‫بالنقد‪,‬كوننا ال منتلك نقدا حداثويا حقيقيا ‪..‬واعذريني �سيدتي‬ ‫ل�صراحتي فان كل ما يتم ن�شره اليوم يف خمتلف ال�صحف واملجالت ما رأيك بالظواهر الهجينة على األجواء الثقافية‬ ‫هو لغو لي�س �إال كون مهمة النقد احليادية وتقييم املنجز الفني التي ولدتها النزعات المتشددة نحو التعصب‬ ‫والتجارب احلقيقية وفرزها من التجارب املجوفة وغري ال�صادقة‪ ,‬األيدلوجي وهل سيؤثر ذلك على ذاتية الفن ؟‬ ‫�إذ ت�شاهدين وتقر�أين �صفحات يبجل بها من هم ال ميتلكون املوهبة بالت�أكيد عندما تغيب الثوابت لل�ضمري اجلمعي بغياب الدور الثقايف‬ ‫وال القدرة والفن‪ ,‬وينعك�س هذا على الفنانني ويدعو �إىل االبتعاد ت�سقط وتغيب اغلب القيم معها ‪..‬وتغلب الفو�ضى ويحتدم ال�صراع‬ ‫عن ما يجري بال�ساحة الفنية والتي �أ�صبحت �سقيمة بفعل الدخالء الفكري واملذهبي وتنت�شر الأفكار وت�سود الإيحاءات كالطوفان وهي‬ ‫من النقاد ومدعي الفن‪.‬‬ ‫تنتظر الفر�صة لولوجها‪ ,‬فانه بانح�سار الذوق والإميان وال�شعور‬ ‫باخل�سران تنجم �سال�سل من ال�شعور بالغنب والتهمي�ش والذي يولد‬ ‫هل عانى أو يعاني الفنان العراقي من التضييق �أ�صداء متعددة لبدايات انطالق كل ما لن يحمد عقباه ‪،‬فدور املثقف‬ ‫وتقييد الحرية ؟ ومدى تأثير ذلك على خط سيره والفنان �أكرث ت�أثريا من دور ال�سيا�سيني �أنف�سهم‪ ,‬فالفن يوحد ويجمع‬ ‫اإلبداعي ؟‬ ‫وال�سيا�سة تفرق‪� ,‬إذ �إن الفن يخلق احلياة ‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪43‬‬


‫وبريوت وم�سقط وا�سطنبول وغريها ون�شر مقاالت عن جتربتي من *** تعد وتقدم برناجما عن الفن الت�شكيلي ‪ ،‬ما �أهمية هذه‬ ‫قبل النقاد العرب والأجانب‪ ,‬وكان �آخرها مقالة �صدرت يف لندن الخطوة في مشوارك اإلبداعي ‪ ،‬و هل واجهتك‬ ‫ا�ستهلها كاتبها بالقول ( ا�ستطاع الفنان قا�سم حم�سن من رفدنة صعوبات ؟‬ ‫الفن الت�شكيلي العراقي ) وهذه جاءت بعد فوزي باجلائزة الثالثة برنامج ت�شكيل �أعده و�أقدمه على ف�ضائية امل�سار منذ عامني مببادرة‬ ‫يف الر�سم على العامل يف املك�سيك وكذلك ما كتب يف ال�صحافة من املنتدى الثقايف بعد ح�صويل على جائزة املنتدى يف الر�سم‬ ‫اليونانية والرتكية واخلليجية وغريها ‪� ..‬أما دور الطفولة يف وهو برنامج فني تخ�ص�صي يهتم بالواقع الت�شكيلي العراقي ‪ ،‬وقد‬ ‫حياتي فلها �أهميتها لأ�سباب عديدة معروفة علما باين عملت يف قدمت فيه العديد من التجارب الفنية من خالل مبدعيها والذين‬ ‫تدري�س الرتبية الفنية مدة من الزمن ‪.‬‬ ‫مل ي�أخذوا ا�ستحقاقهم الإعالمي تكرميا لدورهم و كذلك لتنمية‬ ‫الذائقة اجلمالية بعد �أن �شوهتها احلروب والأحداث الع�صيبة يف‬ ‫ما هو شعورك وأنت تتخلى عن لوحة من لوحاتك العراق ‪.‬‬

‫ـ مضطرا أو حتى راغبا ـ أال يحزنك أنك ستفارقها‬ ‫لألبد ؟‬

‫حدثنا عن تجربتك في تأليف كتاب " فائق حسن ‪..‬‬ ‫الحضور الحي والبصمة الساحرة " ؟‬

‫نعم كل عمل يغادر مر�سمي ويقتنى من قبل جمهوري يجعلني �أ�شعر‬ ‫ب�شعورين ‪ ،‬الأول ال�سعادة كوين �أحقق انت�شارا فنيا ‪ ،‬والآخر احلزن هذا الكتاب جاء تكرميا وعرفانا لدور هذا الفنان الرائد الذي �أثرى‬ ‫احلركة الت�شكيلية العراقية ب�أعمال فنية متحفية ا�ستحق من‬ ‫كوين �س�أفقد جزءا من �أثري وتاريخي الفني‬

‫في ظل مآسي الحروب واألزمات وأجوائها وعالميا ؟‬ ‫القاتمة كيف يتسنى للفنان إضفاء مسحة من احلركة الت�شكيلية يف العراق تعد من �أهم احلركات الفنية يف الوطن‬ ‫البهجة والضوء على لوحته وان يفسح المجال العربي وال�شرق الأو�سط‪ ,‬ف�أينما يحل املبدع العراقي يكون له‬ ‫ح�ضوره الفاعل حيث ت�شهد له املحافل الدولية بذلك‪ ،‬وخري دليل‬ ‫لخياله لالنطالق في سماوات الجمال؟‬ ‫نحن عموما نتمنى من امل�ؤ�س�سات الر�سمية �أن تكون مب�ستوى املعمارية امل�صممة زهاء حديد واليوم زميلنا الفنان ميالد يح�صد‬ ‫التحديات وت�صدر مطبوعات و�إعالنات جماهريية تناه�ض بها اجلائزة الأوىل يف جمال ت�صميم الأزياء يف م�شاركة دولية مهمة ‪.‬‬ ‫الإرهاب وم�شاهد القتل ‪ ,‬وتتخذ املحافل الدولية ملج�أ لذلك‬ ‫اال�ستهجان واال�ستنكار لكل ما مير به املواطن العراقي من م�آ�سي الرسم موهبة تبدأ مع الفنان ‪ -‬غالبا ‪ -‬منذ الطفولة‬ ‫‪ .‬ومهمة الفنان مهمة �شاقة و�سط هذه الأجواء املربكة وعليه ‪ ..‬هل عملتم كرواد على تبني المواهب الواعدة‬ ‫القيام بدوره الريادي والوطني من خالل منابر الثقافة كافة ‪� .‬أما وتوجيه مسارها توجيها منهجيا ؟‬ ‫�إ�ضفاء البهجة و�سط م�شاهد التهجري �ألق�سري ونزوح �آالف العوائل نعم الر�سم موهبة تبد�أ منذ طراوة �أنامل املوهوبني ‪..‬ومهمة الفنان‬ ‫العراقية خارج ديارهم ف�أنه �أمر �صعب جدا كون الفن احلقيقي هو ان يقدم �أعماله وح�سب التقنيات والأ�ساليب وال�سلوكيات الفنية‬ ‫لو�سائل الإظهار لأعماله الفنية‪. ,‬بالن�سبة يل عملت جاهدا على‬ ‫مبثابة مر�آة توثق �أحداث اليوم‪.‬‬ ‫�إي�صال تاريخ وح�ضارة وادي الرافدين من خالل املنجز اجلمايل‬ ‫ما حجم حضور الفنان التشكيلي العراقي عربيا الب�صري و�إقامتي للعديد من املعار�ض ال�شخ�صية الفنية يف املنامة‬

‫‪44‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫خاللها االحتفاء به وتوثيق م�سريته الإبداعية‪ .‬حيث قدمت ثالثة‬ ‫حماور فيه حمل املحور الأول عنوان فائق ح�سن الإن�سان واملحور‬ ‫الثاين فائق ح�سن املعلم واملحور الثالث فائق ح�سن الفنان‪ .‬وجميع‬ ‫املحاور حاولت توثيق رحلته باجتاه اخللود الفني من خالل �إبراز‬ ‫دوره الريادي كونه املعلم الأول باجتاه احلداثة و�إن�شائه النافذة‬ ‫الأوىل والتي من خاللها طل الفنان العراقي على العامل اجلمايل‬ ‫الت�شكيلي �أال وهو �إن�شاء معهد الفنون اجلميلة‪ .‬ورحلته مع عامل‬ ‫الألوان والإبداع كونه زار (املحطات واملوانئ واملطارات واملتاحف)‬ ‫جعلت منه فنانا عراقيا كبريا يف عامل اجلمال الب�صري‪ .‬ويعد هذا‬ ‫الكتاب من �أهم املطبوعات الفنية الت�شكيلية والتي طبعت من وزارة‬ ‫الثقافة ب�شهادة املعنيني والنقاد واملخت�صني ومن امل�ست�شار الثقايف‬ ‫لوزارة الثقافة العراقية ال�شاعر الدكتور حامد الراوي حني قال‬ ‫بحق هذا املطبوع ‪� :‬إن من دواعي الفخر واالعتزاز �أن ت�صدر الوزارة‬ ‫مطبوعا فنيا تخ�ص�صيا �أثرى املكتبة الوطنية اليوم‪ ،‬هو كتاب فائق‬ ‫ح�سن‪.‬ومن حق امل�ؤلف الفنان قا�سم حم�سن �أن يفتخر بهذا االجناز‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪45‬‬


‫فنون الجميلة‪:‬‬ ‫معهد ال‬ ‫أوالً أم الفن؟!‬ ‫الشهادة‬ ‫الكثير من األمور والمقاييس اختلفت وتختلف بمرور الوقت‪،‬والكثير من األشياء‬ ‫تتبدل‪،‬بعضها يمحى وبعضها يتطور ويصقل ليكون أجمل مما مضى ‪ .‬والفن هو ما‬ ‫يجمل الحياة ويعطيها لونها‪،‬وطالبه ومحبوه هم من يبرزون قيمته ويقع على عاتقهم‬ ‫إثارة مكامن الجمال في دواخلنا‪،‬غير إن الكثيرين يرون إن الفن بدأ يضمحل‬ ‫ويهبط وتضيع قيمه بسبب منتجيه أنفسهم‪.‬‬

‫تـ‬

‫كتبت ‪ :‬رغدة صالح‬

‫ـرى هل يعود ذلك �إىل �أن ع�صرنا خمتلف‪�،‬أم �إن‬ ‫االهتمامات قد تغريت‪�،‬أم �إن زمن العمالقة انتهى؟‬ ‫وهل يعد الدعم املحدود وال�ضعيف وعدم توفر القاعات �سببا كافيا‬ ‫لهذا الرتاجع؟ وما دور اجلامعات يف تخريج كفاءات فنية حقيقية‬ ‫ت�أخذ على عاتقها موا�صلة امل�شوار؟‬ ‫( فنون ت�شكيلية) �أجرت ا�ستطالعا التقت خالله جمموعة من‬ ‫الأكادمييني والفنانني والطلبة لفهم ما �إذا كانت املخاوف من‬ ‫الرتاجع الفني حقيقة �أم وهم‪،‬و�إذا ما كانت حقيقة‪،‬فما �أ�سبابها ؟‬ ‫ي�ؤكد احمد الياور التدري�سي يف معهد الفنون اجلميلة‪�،‬إن قليال من‬ ‫طلبة املعهد من ي�أخذ الفن بجدية ويف خمتلف الأق�سام‪،‬ونادرا ما‬

‫‪46‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫يظهر يف الدفعات التي يخرجها املعهد من ي�صلح �أن نطلق عليه �صفة‬ ‫فنان‪ ،‬وال�سبب يعود �أوال واخري�أ اىل وزارة الرتبية‪،‬لأنها �أغلقت‬ ‫بقية املعاهد الطالبية‪،‬مما ي�ضطر الطالب �إىل اللجوء للدرا�سة‬ ‫يف معهد الفنون لأن هدفه الأ�سا�س حت�صيل ال�شهادة ال �أكرث‪،‬وقد‬ ‫يكون ال�سبب افتقاره للموهبة‪�،‬أو عدم وجود الرغبة وامليل لدرا�سة‬ ‫الفنون بعك�س الطلبة القدماء الذين كانوا ي�أتون برغبة كبرية �إىل‬ ‫املعهد حاملني معهم املوهبة واالندفاع‪،‬لذلك جنحوا‪،‬وانخرط الكثري‬ ‫منهم بعد التخرج يف املجال الفني‪،‬بينما الآن قد يخرج من الدفعة‬ ‫كلها طالب واحد ي�ستحق �أن يكون فنانا حقيق�أ �أو ال يخرج!‬ ‫ويرى الدكتور �إح�سان العبودي رئي�س ق�سم الت�صميم يف املعهد‪�،‬إن‬ ‫الظروف اال�ستثنائية الراهنة املحيطة بالطالب قد تركت‬ ‫ت�أثرياتها ال�سلبية على حبه للفن �أو على م�ستواه الإبداعي‪،‬ف�ضال‬ ‫عن �إن التكنولوجيا احلديثة كان لها انعكا�سات �سلبية على الفن‪� ،‬إذ‬

‫�أدت �إىل �إهمال الطالب للعمل‬ ‫والإنتاج‪ ،‬فالطالب املنتج يف‬ ‫�أيامنا هذه يخ�ضع كثريا للبيئة‬ ‫ال�صعبة التي يعي�شها‪،‬فنجد‬ ‫�أكرث الر�سومات �أو النتاجات‬ ‫الفنية متيل للق�سوة والعنف‬ ‫و�إبراز الظلم واملعاناة‬ ‫الإن�سانية بعيد�أ عن �إبراز‬ ‫العواطف وم�شاعر احلب التي‬ ‫�شاعت خالل اجليل القدمي‬ ‫الذي كان اهتمامه جادا‬ ‫و�أفكاره وا�ضحة وم�شاعره‬ ‫رقيقة وحياته �آمنة م�ستقرة‪.‬‬ ‫وكان للتدري�سي كرمي‬ ‫الهدر‪،‬رئي�س ق�سم ال�سينما‬ ‫ر�أي �آخر فهو يعتقد �إن ق�سمه‬ ‫يعد �شبابا منتجا على الرغم‬ ‫من قله املعدات وامل�ستلزمات‬ ‫والأجهزة الفنية‪،‬ويف ظل غياب العمل االحرتايف ال�سينمائي‬ ‫يف العراق منذ �سنوات احل�صار التي �أثرت ب�شكل �سلبي كبري على‬ ‫الإنتاج ال�سينمائي‪،‬ويخرج املعهد �شبابا ميتلكون مهارات ومعارف‬ ‫�صقلت خالل خم�س �سنوات من الدعم والدرا�سة‪،‬تتم متابعتهم‬ ‫منذ الوهلة الأوىل من �إعطاء الفكرة ال�سينمائية �إىل مرحلة‬ ‫�إعداد الفيلم‪،‬وبعد تخرجهم يكونون جاهزين ملمار�سة العمل الفني‬ ‫ال�سينمائي‪.‬‬ ‫وتابع‪ :‬ال�سينما حتتاج لتكاليف مالية �ضخمة‪،‬وهذا ما نفتقره‬ ‫يف العراق منذ مدة طويلة‪،‬الطالب يدر�س يف ق�سم ال�سينما خم�س‬ ‫�سنوات‪،‬ويختار ق�سمه يف ال�سنة الثالثة التي يجب �أن يحدد فيها‬ ‫ماذا يريد �أن يكون خمرجا �أم م�صورا وبعدها يقدم م�شروعه‬ ‫الذي هو عبارة عن فيلم �سينمائي‪،‬يعده مع متدرب يف كل مراحله‬ ‫ابتداء من اختيار الفكرة وال�سيناريو يدعمهم الق�سم باملرتبة‬ ‫الأوىل وبعدها جلنة ال�سيناريو‪،‬وفيما يخ�ص املو�ضوع الذي يطرح‬ ‫فنحن الآن جند نوع�أ من التحرر قيا�سا ب�أيام النظام ال�سابق ولكن‬

‫الطالب البد �أن يخ�ضع للقيم الأخالقية واملجتمعية عند طرحه‬ ‫لها‪،‬ورغم كون ال�سينما يف العراق الآن �شبه غائبة فهذا ال ي�ؤثر على‬ ‫الطالب‪،‬لكن يحفز املوهوبني واجلادين من الطالب لإبراز �أنف�سهم‬ ‫�أما الفنان الت�شكيلي عادل جابر فريى �إن الطالب عندما يدخل‬ ‫معهد الفنون ليكون فنانا ‪،‬يجب �أن تكون لديه موهبة‪،‬ومن ثم ي�أتي‬ ‫دور الأ�ساتذة يف �صقلها‪،‬وو�ضعهم على الأ�س�س الأكادميية والفنية‬ ‫ال�صحيحة‪،‬ويتابع ‪ :‬الع�صر الآن وما ح�صل فيه من تطورات �أثرت‬ ‫على الفنون جميعها ومنها الفن الت�شكيلي‪،‬فقد �أ�صبح الطالب‬ ‫�أو الفنان عموما ي�ستلهم الأفكار واملو�ضوعات من العامل الوا�سع‬ ‫الذي تقدمه �شبكة االنرتنت‪،‬ويعدل الألوان والإ�شكال بربامج‬ ‫احلا�سوب‪،‬يخت�صر الوقت وتظهر النتائج ب�شكل �أروع‪.‬‬ ‫وي�شري رئي�س ق�سم املو�سيقى التدري�سي امنار العمار �إىل �إن ق�سم‬ ‫املو�سيقى هو الأ�سا�س يف معهد الفنون اجلميلة‪،‬يتعلم فيه الطلبة‬ ‫تاريخ و�أ�صول الآالت الغربية مثل البيانو والكمان وال�شرقية‬ ‫كالعود والقانون والناي‪ .‬وي�ضيف ‪� :‬أجد معظم طالب الفنون ي�أتون‬ ‫بنية احل�صول على ال�شهادة الدرا�سية‪،‬ولعل هذا يعود �إىل الفكرة‬ ‫اخلاطئة التي تقول �إن ق�سم املو�سيقى يخرج غنائيني وعازفني‬ ‫لكنهم يفاجئون باملناهج ال�صعبة الرتبوية والفنية العديدة التي‬ ‫يدر�سونها لكي يكونوا تدري�سيني‪،‬ولذلك قد يح�صل بع�ض التكا�سل �أو‬ ‫عدم اجلدية يف التقدم‪.‬‬ ‫وكان البد من اال�ستماع �إىل ر�أي الطلبة يف ختام ا�ستطالعنا هذا‪،‬‬ ‫يقول الطالب فادي ماهر‪ :‬ال بد من �أن يكون هناك حمبة للفن‬ ‫الذي تدر�سه وتتخ�ص�ص فيه لكي تبدع فيه‪،‬كذلك ال بد من وجود‬ ‫دعم للفن والفنان لكي يربز وي�صقل موهبته ويبدع‪،‬وعلى اجلهات‬ ‫امل�س�ؤولة وامل�ؤ�س�سات الداعمة للفن �أن توفر قاعات وم�سارح ووفرة‬ ‫مادية لي�ستطيع الطالب �أن ينمي موهبته ‪ .‬فيما يرى الطالب �سامي‬ ‫جالل ب�أن هناك اختالف يف النظرة للفن قدميا وحديثا ب�سبب‬ ‫كرثة ان�شغاالت اجليل احلايل‪،‬ومن ثم ابتعاده عن الفنون‪،‬وقد يكون‬ ‫ال�سبب تكا�سل البع�ض وتركيز همهم للح�صول على ال�شهادة‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪47‬‬


‫متحف كاووش‪ ..‬ذاكرة عراقية باأللوان‬ ‫‪48‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫طفل تجاوز عقده الخامس‪ .‬أدمن نصب الفخاخ بين خربشة ألوانه ليصطاد تضاريس‬ ‫النساء واألحالم الهائمة على موانىء الغربة‪ .‬منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة‬ ‫عام ‪ ،1990‬وستار كاووش يستدرج طقوس بغداد السرية‪ ،‬التي شهدت والدته عام‬ ‫‪ ،1963‬لينشرها خلسة على سطح قماشته‪ ،‬ألوانا تشاكس جدائل الفتيات وأجنحة‬ ‫الحمائم وطيارات الصغار الورقية‪.‬‬ ‫حين إختارت منظمة العفو الدولية «االمنستي» إحدى لوحاته عام ‪ 2011‬لتضعها‬ ‫على طابعها السنوي‪ ،‬فانها اختارت مقطعا من المشهد العراقي الملتبس حيث‬ ‫عناق همسات العشاق وانفجارات القنابل‪.‬‬ ‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪49‬‬


‫لـ‬

‫ُع َطيل الجفَّال‬

‫ـوحات كاوو�ش املتناثرة بني املتاحف وجدران‬ ‫هيئات وم�ؤ�س�سات دولية وقاعات العر�ض الت�شكيلي‪،‬‬ ‫�إقرتح لها ال�شاعر العراقي‪ ،‬خالد مطلك الذي �أ�صدر كتابني عن‬ ‫احلي‬ ‫كاوو�ش‪� ،‬أن تغفو على جدران متحف يف حي الوزيرية ببغداد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الذي يكاد �أن يكون متحفا �سر ّيا لل�سيا�سة وللفن العراقي معا‪.‬‬ ‫ففيه كان يقطن معظم �سا�سة العراق يف العهد امللكي‪ ،‬ومن بيوتات‬ ‫وزراء ذلك العهد �إ�ستمد احلي �إ�سمه‪.‬‬ ‫وقبل �أن يندثر يف طيات التاريخ‪ ،‬عادت �أ�شجار اليوكالبتو�س املعمرة‬ ‫ال�سامقة التي حتت�ضن �شوارعه اىل دائرة ال�ضوء من خالل اكادميية‬ ‫الفنون اجلميلة التي انت�صبت يف قلب احلي حيث كانت‬ ‫والدة الفن العراقي املعا�صر يف امل�سرح وال�سينما‬ ‫والت�شكيل‪ ،‬ومتاهى احلي مع حلته اجلديدة‬ ‫ف�شهد افتتاح قاعات ت�شكيلية مهمة مثل‬ ‫قاعة حوار وقاعة مدارات‪.‬‬ ‫عن هذا املتحف الذي �سمي با�سمه‪،‬‬ ‫يقول �ستار كاوو�ش انه متحف �شخ�صي‬ ‫�سيقام يف بغداد ويف منطقة الوزيرية‬ ‫حتديد ًا ‪ ،‬لأن هذه املنطقة مهمة بالن�سبة‬ ‫للفن الت�شكيلي ب�شكل خا�ص وبالن�سبة للفن ب�شكل‬ ‫عام لوجود �أكادميية الفنون فيها وكذلك بع�ض القاعات‬ ‫الفنية مثل قاعة حوار وقاعة مدارات وغريها‪.‬‬ ‫�أنه م�شروع ثقايف �شخ�صي كما يحدث يف الدول املتح�ضرة‪.‬‬ ‫و�سيحتوي املتحف على قاعات عر�ض ومكتبة لتوفري الكتب الفنية‬ ‫و�صالة للندوات الفنية والثقافية‪.‬‬ ‫امل�شروع بالأ�سا�س �سي�ضم �أعمايل املنجزة يف بغداد التي غادرتها‬ ‫اىل هولندا عام ‪ ،1994‬لكنه �أي�ض ًا �سي�ضم جمموعة من �أعمايل التي‬ ‫تبعت هذه الفرتة‪.‬‬

‫درجة احلرارة يف بغداد باال�ضافة النخفا�ض كثافة الغيوم‪ ،‬فاين‬ ‫�أف�ضل ان تكون واجهة املبنى تقابل ال�شمال‪.‬‬ ‫ومثل كل امل�شاريع الثقافية اجلادة‪ ،‬مل يحظ م�شروع مدينة كاوو�ش‬ ‫بدعم امل�ؤ�س�سات الثقافية الر�سمية‪ ،‬ويعتمد امل�شروع على جهود‬ ‫خا�صة ت�أمل ان تكون ا�ستدامته من خالل بع�ض االن�شطة التجارية‬ ‫داخل املبنى‪ ،‬مثل بيع اللوحات واملتجر والكافترييا‪.‬‬ ‫هل �ستتدخل حمافظة بغداد‪ ،‬بتخ�صي�ص قطعة ار�ض يف منطقة‬ ‫الوزيرية لي�شيد عليها امل�شروع‪ ،‬وهل �ستتبنى وزارة الثقافة كلفة‬ ‫البناء �أو طرحه لال�ستثمار كحد �أدنى‪ ،‬ليكون بادرة على طريق‬ ‫ت�شييد �صروح ثقافية يف بغداد على �شاكلة م�شاريع م�شابهة موجودة‬ ‫يف معظم عوا�صم العامل املتح�ضر‪.‬‬

‫مدينة في مبنى‬

‫وعن تفا�صيل املتحف وطرازه يقول املعماري العراقي املقيم يف املانيا‬ ‫حممد ال�صويف الذي كلف بت�صميم املتحف‪ ،‬ان "مدينة كاوو�ش"‪،‬‬ ‫متثل مبنى ي�شكل متحفا العمال الفنان يف فرتته البغدادية‬ ‫والفكرة تعود للكاتب خالد مطلك‬ ‫وقد طرحها يف كتابه "مدينة‬ ‫كاوو�ش"‪.‬‬ ‫امل�شروع �سيحتوي على‬ ‫قاعة رئي�سية للعر�ض وبهو‬ ‫و كافرتيا �إ�ضافة ملتجر‬ ‫�صغري لبيع �سلع تتعلق باعمال‬ ‫الفنان و�صالة جلو�س وقاعة‬ ‫حما�ضرات و�ستوديو فني‬ ‫وغرفة �إدارة وخمزن‪.‬‬ ‫ح�سا�سية‬ ‫وب�سبب‬ ‫اللوحات لل�شم�س و�شدة‬

‫‪50‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪51‬‬


‫برع في مجال الخط العربي والزخرفة االسالمية‪ ،‬إال أن المصور الفوتوغرافي‬ ‫العراقي علي كيتو اتجه إلى عالم التصوير‪ ،‬وتفوق فيه‪ ،‬وشارك في معارض عربية‬ ‫وعالمية وحصل على جائزة مميزة‪ ،‬ألنه يؤمن أن المصور الفوتوغرافي يجب أن‬ ‫يتمتع بالذوق والنظرة المختلفة وسرعة البديهة‪....‬‬

‫علي كيتو‪:‬‬ ‫عالقتي بالرسامين‬ ‫جعلتني اختار اللون الصحيح‬ ‫‪52‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫يـ‬

‫زيدان الربيعي‬

‫ـرى علي كيتو �ضرورة اقرتاب امل�صور الفوتوغرايف‬ ‫من الر�سامني‪ ،‬لأنهم �سوف ينمون لديه الذائقة‬ ‫اللونية ويتحدث عن بدايته‪:‬‬ ‫بدايتي مع الت�صوير الفوتوغرايف مل تكن تهدف �إىل العمل بفن‬ ‫وحرفية كبرية يف هذا الفن اجلميل واملتعب يف الوقت ذاته‪� ،‬إمنا‬ ‫كنت �أوثق بع�ض املنا�سبات لعائلتي و�أ�صدقائي يف كامريا عادية‪ .‬لكن‬ ‫بداياتي احلقيقية مع احرتاف الت�صوير ح�صلت قبل ثالثة �أعوام‬ ‫تقريب ًا عندما اقتنيت كامريا جيدة فيها موا�صفات وتقنيات متطورة‬ ‫وبد�أت �أتعلم فنون و�أ�سرار الت�صوير من قبل بع�ض الأ�صدقاء الذين‬ ‫يعملون يف اﻤﻟﺠال وخ�صو�ص ًا من الذين ميتلكون خربة ال ب�أ�س بها يف‬ ‫هذا ال�ش�أن وكذلك وجودي يف كلية الفنون اجلميلة‪ ،‬على الرغم من‬ ‫�أنني مل �أدخل �أي دورة تذكر يف جمال الت�صوير الفوتوغرايف وال�سبب‬

‫يعود �إىل الو�ضع العام يف البلد‪ .‬واالن�شغال بالعمل والدرا�سة‪،‬‬ ‫لذلك عو�ضت تلك الدورات والور�ش باال�ستعانة بخربات �أ�صدقائي‬ ‫امل�صورين الفوتوغرافيني الذين التقي معهم دائم ًا يف كلية الفنون‬ ‫واملهرجانات وكل يوم جمعة تقريب ًا يف �شارع املتنبي‪.‬‬ ‫وعن عالقة الت�صوير بالت�شكيل يقول‪:‬‬ ‫عالقتي بالفنانني الت�شكيليني العراقيني وال�سيما الر�سامني كبرية‬ ‫لأنني �أرى �أن هناك عالقة وطيدة ما بني عمل امل�صور الفوتوغرايف‬ ‫وعمل الر�سام على الرغم من �أن الأول يعتمد على �آلة ميكانيكية يف‬ ‫عمله والثاين يعتمد على تخطيطاته اليدوية يف فر�شاة الر�سم‪.‬‬ ‫لذلك تعلمت من الر�سامني �أ�شياء كثرية جد ًا ويف مقدمتها التكوين‪،‬‬ ‫والإن�شاء‪ ،‬واللون‪ ،‬لأن اللون مينح امل�صور الذوق بالتقاط ال�صورة‪.‬‬ ‫مبين ًا �أن اللون يف معاجلة ال�صورة يحتاج �إىل ذوق رفيع و�إذا مل ميتلك‬ ‫امل�صور الفوتوغرايف ذوق ًا يف اللون ف�إن عمله ال يكتمل وال يكون نا�ضج ًا‬ ‫بكل ت�أكيد‪ .‬لذلك عالقتي بالر�سامني جعلتني اختار اللون ال�صحيح‬ ‫و�أعتقد �أنه لو كان امل�صور ر�سام ًا �سيكون �أف�ضل يف عمله و�ستكون‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪53‬‬


‫اعماله لها دالالت كبرية ومتفوقة على الآخرين بكل ت�أكيد‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف كيتو‪� :‬إنني �أمار�س اخلط العربي بحرفية جيدة ويل لوحات‬ ‫وخمطوطات‪ ،‬لكن و�أقولها ب�أ�سف ال�شديد �إنه ال يوجد تقارب كبري‬ ‫بني الت�صوير ومهنة اخلط كالتقارب املوجود ما بني الر�سام وامل�صور‬ ‫الفوتوغرايف‪.‬‬ ‫وعن ال�صعوبات التي واجهها يف عمله مبجال الت�صوير �أ�شار كيتو �إىل‬ ‫�أن‪ :‬ال�صعوبات التي واجهتني يف مهنة الت�صوير هي �صعوبات الو�ضع‬ ‫العام يف العراق‪ ،‬لأن امل�صور عندما يحمل كامريته ويخرج �إىل ال�شارع‬ ‫العراقي يكون �أ�شبه بحامل البندقية والأدهى من ذلك �أن البندقية‬ ‫قد حتمي حاملها بينما الكامريا قد ت�سرع به �إىل املجهول‪ ،‬والدليل‬ ‫على ذلك تعر�ض بع�ض امل�صورين �إىل القتل واالختطاف ويف بع�ض‬ ‫الأحيان �إىل ال�ضرب �أو م�صادرة الكامريا �أو م�سح ال�صور من قبل بع�ض‬ ‫العاملني يف الأجهزة الأمنية العراقية‪�.‬إذ بع�ضهم ال يقدرون مهنة‬ ‫امل�صور الفوتوغرايف وال يعرفون املتاعب واﻤﻟﺨاطر التي يتعر�ض‬ ‫لها يف �سبيل �إجناز عمله املهني ‪.‬وذلك هدر كبري جلهد امل�صور ورمبا‬ ‫يت�سبب بقطع رزقه من اجلهة الإعالمية التي يعمل بها‪ .‬علم ًا �أن‬ ‫الإمكانات املادية الغلب للم�صورين الفوتوغرافيني الذين يعي�شون‬ ‫يف العراق هي ب�سيطة جد ًا‪ ،‬بحيث يقومون ب�شراء الكامريا ب�شق‬ ‫الأنف�س وحتى بع�ضهم ي�شرتيها بالآجل‪ .‬حيث ان ادوات الت�صوير‬ ‫مكلفة جدا ‪..‬‬ ‫خماوف‬ ‫و�شدد على �أن تلك ال�ضغوطات وال�صعوبات جعلت الكثري من امل�صورين‬ ‫الفوتوغرافيني يتجنبون اخلروج �إىل ال�شارع لكي يلتقطوا ال�صور‬

‫‪54‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪55‬‬


‫التي توثق بع�ض الأحداث املهمة خ�شية تعر�ضهم �إىل االعتقال �أو‬ ‫االعتداء �أو م�صادرة كامرياتهم ال�شخ�صية‪.‬الفت ًا �إىل كرثة تواجد‬ ‫امل�صورين الفوتوغرافيني يف �شارع املتنبي يف يوم اجلمعة هو للتنفي�س‬ ‫عن حالة االختناق التي يعي�شونها‪ ،‬لأنهم ي�شعرون بالأمان عند‬ ‫تواجدهم يف ال�شارع املذكور لأنه يكون حممي ًا من قبل اجلهات الأمنية‬ ‫وي�سمح بالت�صوير يف داخله بكل حرية عك�س الأماكن الأخرى‪.‬‬ ‫ور�أى كيتو �أن‪ :‬الكامريا الفوتوغرافية احلديثة هي �أف�ضل بكثري من‬ ‫الكامريا القدمية‪ ،‬لأن الكامريا احلديثة فيها تقنيات كبرية ت�ساعد‬ ‫امل�صور على الإبداع والتطور والتقاط ال�صور اجلميلة وم�شاهدتها‬ ‫على الفور‪ .‬بحيث ي�ستطيع تاليف �أي خلل يف ال�صورة‪ ،‬ف�ض ًال عن ذلك‬ ‫ت�ساعده على التقاط ع�شرات ال�صور ل�شخ�ص واحد �أو ملكان واحد‪،‬‬ ‫عك�س الكامريات القدمية التي كانت فيها ال�صورة حم�سوبة بدقة‪،‬‬ ‫لكن بع�ض امل�صورين القدامى التقطوا �صور ًا يف غاية الروعة بكامريات‬ ‫تعد يف زمننا هذا بدائية‪� ،‬إال �أن وجود النظرة الفنية جعلت �صورهم‬ ‫تلك تكون مميزة وراقية وح�صلوا من خاللها على جوائز حملية‬ ‫وعربية وحتى عاملية‪.‬‬ ‫وعن كرثة الكامريات وكذلك كرثة امل�صورين الفوتوغرافيني وهل‬ ‫�أثرت على امل�صورين املبدعني وجعلت هناك �صعوبة يف متييزهم‬ ‫وفرزهم قال كيتو‪:‬‬ ‫�إن كرثة الكامريات هي ظاهرة �صحية‪ ،‬لأنها جعلت النا�س تع�شق‬ ‫ال�صورة وتعرف قيمتها ف�ض ًال عن ذلك �أ�صبحت هناك ثقافة عامة‬ ‫يف كيفية التقاط ال�صورة وكذلك يف كيفية حفظها �أو الرتويج لها‬ ‫بني العائالت والأ�صدقاء �أو من خالل مواقع التوا�صل االجتماعي‬ ‫اﻤﻟﺨتلفة‪ .‬علم ًا �أن ال�صورة الهادفة واملعربة ت�ستطيع �أن تفر�ض نف�سها‬ ‫على املتلقي وعلى اﻤﻟﺨت�ص يف �آن واحد‪� ،‬إذ هناك الكثري من ال�صور‬ ‫اجلميلة التقطها م�صورون هواة‪.‬‬ ‫حالة �صحية‬ ‫وتابع �أن‪ :‬كرثة امل�صورين �أي�ض ًا ميثل حالة �صحية ودليل عافية على‬ ‫وجود ذوق لدى اﻤﻟﺠمتع‪ .‬لكن يبقى الإبداع والذوق ميثالن الأ�س�س‬ ‫احلقيقية للم�صور الفوتوغرايف من دون �أدنى �شك‪ .‬فهناك من يحمل‬ ‫كامريات حديثة عدة يف حقيبته‪ ،‬لكن مبا انه ال ميتلك تلك الأ�س�س‬ ‫جتد ان �صوره ركيكة‪ ،‬بينما جتد م�صور ًا غريه يحمل كامريا ب�سيطة‬ ‫يف تقنياته وموديلها‪� ،‬إال �أن عينه هي عني م�صور حمرتف و�صاحب‬ ‫خربة وبالتايل تكون �صورته متميزة حتى عندما يلتقط ال�صورة‬ ‫بكامريا الهاتف النقال‪ .‬و�أنا �شخ�صي ًا �أمتنى �أن يكون اﻤﻟﺠمتع ب�أكمله‬ ‫ميتلك خربة الت�صوير ويحر�ص على ت�صوير يومياته‪ ،‬كون مثل هذه‬ ‫ال�صور �ستمثل وثائق مهمة جد ًا للأجيال املقبلة‪ ،‬لأنه يف ال�سابق‬ ‫حدثت �أحداث مهمة لكنها ماتت يف مهدها ب�سبب عدم ت�صويرها‪،‬‬ ‫فكلما كرث امل�صورون وكرثت كامريات الت�صوير يكون التاريخ قد وثق‬ ‫ب�شكل دقيق‪.‬‬ ‫وعن الآليات التي يتبعها عندما يريد التقاط ال�صورة بكامريته �أ�شار‬ ‫كيتو �إىل‪:‬‬ ‫�أنني �أتبع الآليات املوجودة يف ذهني وهي الإن�شاء والقطع ال�صحيح و‬ ‫خا�صةت�صوير البورتريت ( املوديل) الذي يتمثل بالوقفة والتعبري‬ ‫وامل�ساحة وبعد ذلك �أقوم مبعاجلة ال�صورة �إذا كانت حتتاج �إىل‬ ‫معاجلة‪ .‬ف�ض ًال عن ذلك �أن امل�صور الفوتوغرايف يجب �أن يكون ملاح ًا‬

‫‪56‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫و�صياد ًا يف املكان الذي يتواجد فيه‪ ،‬لأن �أجمل ال�صور تلك التي يتم‬ ‫التقاطها بعفوية ومن دون ح�صول �شد لل�شخ�ص الذي التقط له‬ ‫ال�صورة‪.‬‬ ‫م�ؤكد ًا ب�أنه يحب ت�صوير املوديل‪ ،‬لأن الو�ضع العام يف البلد ال‬ ‫ي�ساعدين يف الت�صوير بالأماكن اخلارجية‪ ،‬لذلك �أقوم بت�صوير‬ ‫�أال�شخا�ص يف اماكن عدة ال تعر�ضني للم�ضايقة وعن ال�صورة التي‬ ‫يعتز بها قال‪:‬‬ ‫�إنها �صور للعا�صمة العراقية بغداد فيها جمالية وحياة وفرح‪ ،‬لأنني‬ ‫�أرف�ض ت�صوير الدمار والعنف‪ ،‬لأنهما ي�سببان يل الأمل الكبري‪ ،‬لذلك‬ ‫ابتعد عن ت�صويرهما"‪.‬مبين ًا �أن اخلراب الذي تعر�ضت له بغداد‬ ‫وبع�ض املدن العراقية الأخرى بعد عام ‪ 2003‬مل �أ�سمح لنف�سي‬ ‫بتوثيقه‪ ،‬لأنني ال �أحب الدمار واخلراب والعنف واملناظر الدموية‬ ‫وبالتايل ركزت على الأ�شياء اجلميلة فقط رغم �أن البع�ض يلومني‬ ‫على ذلك لكني �أرى قناعتي ال�شخ�صية واملهنية �أهم و�أوىل من لوم‬ ‫الآخرين ‪.‬‬ ‫و�أ�شار كيتو �إىل �إنه �شارك يف معار�ض خا�صة بالت�صوير من �ضمنها‬ ‫معار�ض خارج العراق‪ .‬حيث �شاركت يف معر�ض �أقيم بجنوب �إفريقيا‬ ‫ومعر�ض �آخر �أقيم يف اليابان نظمته ال�سفارة العراقية يف طوكيو‬ ‫واخر يف ا�سرتاليا و يف حني فازت �صورتي من �ضمن ال�صور املتميزة يف‬ ‫م�سابقة ت�صوير القطط للم�صورين العرب‪ .‬حيث متكنت من التقاط‬ ‫�صورة بكامريتي �إىل قطة وهي ترفع ر�أ�سها �إىل ال�سماء وك�أنها يف‬ ‫حالة ت�أمل وقد فازت تلك ال�صورة �ضمن ال�صور املميزة وا�سعدين هذا‬ ‫االختيار ‪ ،‬لأنه جاء يف م�سابقة غري حملية وجلنة التحكيم كانت‬ ‫ت�ضم م�صورين عرب حمرتفني وهي متثل يل بوابة جيدة وخطوة‬ ‫يف االجتاه ال�صحيح يف م�سريتي بعامل الت�صوير �أمتنى تعزيزها‬ ‫بنجاحات وجوائز �أخرى يف امل�ستقبل القريب �إن �شاء اهلل‪.‬‬ ‫م�شري ًا �إىل �أن‪:‬‬ ‫امل�شاركة يف املعار�ض املحلية واخلارجية قد �أ�ضافت يل �شعبية كبرية‬ ‫وكذلك جعلت زمالئي امل�صورين العراقيني والعرب يطلعون على‬ ‫�أعمايل‪.‬‬ ‫وعن ال�صورة التي يتمنى التقاطها �أو�ضح كيتو بالقول‪:‬‬ ‫�أمتنى دائم ًا �أن ت�سنح يل الفر�صة يف ت�صوير �ساعة لندن‪ ،‬لأنها �ساعة‬ ‫عاملية لها تاريخ وا�سع جد ًا يف العامل‪.‬‬ ‫وعن ا�سم كيتو بني �أن‪:‬‬ ‫هذا اال�سم �أطلق علي منذ الطفولة و�سيبقى م�ستمرا النني احبه‬ ‫واتفائل به ‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫‪57‬‬


‫أسمال الثقافة‬ ‫ألوان مؤجلة‬

‫خم‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ً ن العمل الص‬

‫حفي‬

‫بغداد ‪ -‬مقابل امل�سرح الوطني ‪ -‬عمارة مكية ‪ -‬هـ ‪07706731452‬‬

‫كـ‬

‫ـثريا ما يردد البع�ض‪ ،‬وينا�شد البع�ض االخر ب�ضرورة التفات‬ ‫اجلهات املخت�صة بكل مفا�صلها احلكومية وغري احلكومية‬ ‫الحت�ضان احلركة الفنية و�ضرورة االرتقاء بالفكر والر�ؤى وتثقيف‬ ‫القابليات الذاتية خللق االبداع واجلمال‪ ،‬ولكن فلنقف هنا لنت�ساءل‬ ‫عن ماهية من ينا�شد من جهة‪ ،‬ومدى قدرات تلك اجلهات التي‬ ‫ينا�شدها على االيفاء بالتزاماتها من جهة اخرى‪ .‬حينها �سنخرج‬ ‫بنتيجة مفادها ان امل�شهد الت�شكيلي يف العراق بكل اخت�صا�صاته بات‬ ‫قلقا وملتب�سا‪.‬‬ ‫م�ؤ�س�سة خمت�صة ملأت رئتيها بدخان ال�سكائر الرخي�صة وفقدت‬ ‫القابلية على اجلري �صوب �أي �أبتكار جديد‪ ،‬اذ ان ال معنى لنتاجها‬ ‫اليوم بعد ان �أ�صبح بعيدا عن املتلقي كونها تتهم املتلقي‪ ،‬ايا كانت فئته‬ ‫العمرية‪ ،‬بجهله لكل ما هو جديد‪ ،‬ولكنها ال تعي حجم بالدة وجهل‬ ‫�أجهزتها بهذا اجلديد‪ .‬كما تطالب ان تكون ر�ؤى الفنان خا�ضعة‬ ‫ملزاجية من يرتبعون على كرا�سي مكاتبها‪ ،‬وكلما تغريت ديكورات‬ ‫مكاتب القائمني عليها تغريت االمزجة وبالتايل تغريت املعايري‪،‬‬ ‫وال�ضحية دائما ري�شة الفنان وعالقته باملتلقي �أي�ضا‪.‬‬ ‫امل�ؤ�س�سات والقائمون عليها يخ�شون التغيري والتجديد‪ ،‬ويتم�سكون‬ ‫ب�آليات عمل ب�آلية ال حتقق احلد االدنى من العالقة بني االطراف‬ ‫الثالثة‪ ،‬املبدع واملنجز واملتلقي‪ .‬ويت�شبثون بثقافة املجتمع الذكوري‪،‬‬ ‫ولذا فهم ال ي�ؤمنون بدور املر�أة احلقيقي يف حقول االبداع �أو م�شاركتها‬ ‫يف بناء البلد‪ ،‬رغم ال�شعارات الزائفة التي يرفعونها بغية تلميع‬ ‫واجهة مبنى جتارة الثقافة الزجاجية‪.‬‬ ‫�ستبقى ال�شكوى قائمة و�سيبقى النحيب على الثقافة ما مل نقف‬ ‫ومنزق �أ�سمال الثقافة البالية‪ ،‬ونبد�أ ال�سري �صوب ال�سعي للنتاج‬ ‫احلقيقي غري مبالني بنباح املحبطني من �أ�شباه املثقفني اجلاثمني على‬ ‫�صدر م�ؤ�س�ساتنا الثقافية‪.‬‬ ‫فتو�صيفات الثقافة واملثقف واملبدع و "املثقفة" و"املبدعة" ت�أتي يف‬ ‫�آخر قائمة �إهتمامات ه�ؤالء‪ ،‬الن ال�سيا�سة ودهاليزها تت�صدر �شباك‬ ‫التذاكر‪.‬‬ ‫�أيها ال�سادة‪ ،‬انه ن�سيج واحد ما ان متزق طرف منه حتى تنحل‬ ‫ال�سجادة باكملها‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫�أول م�ؤ�س�سة �إعالمية عراقية‪ ،‬تعنى ب�إ�صدار ال�صحف واملجالت للغري‪ ..‬عليك‬ ‫فقط �أن تختار �إ�سم مطبوعك‪ ،‬وحتديد ما تريد‪ ،‬و�أترك علينا الإ�صدار‪.‬‬ ‫ال حتتار بالتحرير وخطوات الإ�صدار ومتاعب العمل ال�صحفي (الطباعة‪ ،‬الت�صميم‪،‬‬ ‫كتابة الأخبار واملقاالت وغريهامن �ش�ؤون الإعالم)‪ ..‬اترك ذلك بعهدتنا‪.‬‬

‫فنون تشكيلية ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪2015‬‬

‫إيفان حكمت‬


‫مؤسس مجموعة صحارى‬

‫احمد السامرائي‪ :‬الهواية ال تسعها سماء وال يطوقها فضاء!‬

‫ا‬

‫لدكتور احمد مفيد ال�سامرائي رجل �أعمال‬ ‫عراقي ناجح بدرجة �إن�سان ا�ستطاع �أن‬ ‫ميزج مابني الن�شاط اال�ستثماري والعمل اخلريي ف�إىل‬ ‫جانب رئا�سته ملجموعة �صحارى ذات الأن�شطة املالية‬ ‫والإعالمية املتعددة والتي �أ�سهمت ب�شكل كبري يف دعم‬ ‫امل�سرية الإعالمية يف دولة الإمارات العربية املتحدة‪,‬فانه‬ ‫قدم �أمنوذجا لرجل الأعمال الذي ال ينف�صل عن جمتمعه‬ ‫من خالل العديد من امل�شاريع الإن�سانية الكبرية‪،‬وتعد‬ ‫امل�شاريع اخلريية يف �صميم اهتماماته و�أن ال�شرط الرئي�س‬ ‫يف مزاولة العمل هو عدم اعتماد الديانة يف تنفيذ �أي من‬ ‫م�شروعاته اخلريية والإن�سانية حول العامل‪،‬وال املوقع‪،‬وال‬ ‫الطائفة‪،‬وال اجلن�سية‪،‬فهو منفتح على اجلميع‪،‬وي�ؤمن �إن‬ ‫الإن�سان هو �إن�سان �أينما حل وارحتل‪ .‬ف�ضال عن ذلك فان‬ ‫ال�سامرائي يع�شق العمل ال�سينمائي لأنه كما يقول عامل‬ ‫يرثي اخليال‪،‬وي�شكل لغة عاملية م�شرتكة‪،‬تتمازج فيها‬ ‫القدرات واملواهب الب�شرية لتنتج �أعما ًال �إبداعية متميزة‬ ‫يبقى �أثرها طوي ًال يف نفو�س امل�شاهدين حول العامل‪،‬‬ ‫وبحكم هذه املزايا التي توفرها ال�سينما‪،‬والت�أثري الكبري‬ ‫لها يف الو�سط الإن�ساين جل�أ �إليها كثري النا�س باعتبارها‬ ‫جزء ًا بارز ًا يف حياتهم‪،‬فهي حرفة للبع�ض‪،‬وا�ستثمار ًا‬ ‫وهواية وجمرد م�شاهدة للبع�ض الآخر‪،‬وهي بالن�سبة يل‬ ‫هواية حمببة �أمار�سها‪،‬ولكن هذا ال يعني �أين �أعترب نف�سي‬ ‫"�سينمائي ًا"‪ ،‬فانا مل �أدر�س ال�سينما‪،‬لكن رمبا �أتعمق فيها‬ ‫�أكادميي ًا يف امل�ستقبل‪،‬وحتى ذلك احلني‪�،‬ست�ستمر هواية‬ ‫�أ�ستمتع بها‪،‬كبقية هواياتي الأخرى‪،‬وبت�صوري‪�،‬أن �أي هواية‬ ‫متى �صارت " عمال" ف�إنها ت�صبح واجبة وفر�ضا‪ ،‬وهذا يدفع‬ ‫بي �إىل ال�ضجر وامللل‪ ،‬فالهواية مل تخلق لتقيد‪،‬بل خلقت‬ ‫لتكون حملقة رحبة ال ت�سعها �سماء‪،‬وال يطوقها ف�ضاء‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.